الكتاب: فتح العزيز
المؤلف: عبد الكريم الرافعي
الجزء: ٥
الوفاة: ٦٢٣
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

فتح العزيز
شرح الوجيز
وهو الشرح الكبير للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 ه‍
..
الجزء الخامس
دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم
1

قال * (كتاب صلاة العيدين) *
(وهي سنة وليست بفرض كفاية وأقلها ركعتان كسائر الصلوات ووقتها ما بين طلوع الشمس إلى
زوالها ولا يشترط فيها شروط الجمعة في الجديد)
قال الله تعالى (فصل لربك وانحر) قيل أراد به صلاة الأضحى ويروى أن أول عيد صلى فيه رسول
2

الله صلى الله عليه وسلم عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة ثم لم يزل يواظب على صلاة العيدين حتى
فارق الدنيا) (1) وفي الفصل صور هي مقدمات الباب (إحداها) صلاة العيد سنة أم فرض كفاية اختلفوا
3

فيه على وجهين قال الأكثرون هي سنة وقد نص عليه في باب صلاة التطوع حيث عدها من جملة التطوعات
الني شرعت الجماعة فيها واحتجوا عليه بأنها صلاة ذات ركوع وسجود لم يسن لها الآذان فلا تكون
واجبة كصلاة الاستسقاء وهذا الوجه هو الذي ذكره في الكتاب وقال الإصطخري هي فرض كفاية
وبه قال احمد لأنها من شعار الاسلام وفي تركها تهاون بالدين فعلى هذا لو اتفق أهل بلدة على تركها
قوتلوا وعلى الوجه الأول هل يقاتلون فيه وجهان (أحدهما) وبه قال أبو إسحاق نعم (وأظهرهما) لا وقد ذكرنا
وجههما في الآذان وقوله هي سنة معلم بالواو والألف وكذا قوله وليست بفرض كفاية ولو اقتصر
على إحدى اللفظتين لحصل الغرض ويجوز ان يعلم قوله وهي سنة بالحاء أيضا لان عند أبي حنيفة رحمه
4

الله هي واجبة وان لم تكن مفروضة وما نقل المزني عن الشافعي رضي الله عنه أن من وجب عليه حضور
الجمعة وجب عليه حضور العيدين فهذه اللفظة مأولة باتفاق الأصحاب اما الجمهور فقالوا معناه من وجب
عليه حضور الجمعة فرضا وجب عليه حضور العيدين سنة وقد يعبر عن الاستحباب المؤكد بالوجوب
واما الإصطخري فإنه قال معناه من وجب عليه حضور الجمعة عينا وجب عليه حضور العيدين كفاية
(الثانية) القول في كيفية هذه الصلاة تعلق بالأكمل والأقل * فاما الأكمل فتبين ببيان سننها وهي مذكورة
5

من بعد * واما الأقل فقد قال وأقلها ركعتان كسائر الصلوات وليس المراد منه ان الأكمل فوق الركعتين
وإنما المراد منه ان الركعتين بصفة كونها كسائر الصلوات هو الأقل والأكمل ركعتان لا بهذه الصفة
بل مع خواص شرعت فيهما ثم قوله كسائر الصلوات غير مجرى على اطلاقه فإنها تختص بنية صلاة العيد
6

وبالوقت الذي نذكره وإنما المراد أنها كهي في الافعال والأركان ويخرج عنه التكبيرات الزائدة فليست
هي من أركان الصلاة ولا يجبر تركها بالسجود كالتعوذ وقراءة السورة (الثالثة) لفظ الكتاب يقتضي
دخول وقت هذه الصلاة بطلوع الشمس فإنه قال ووقتها ما بين طلوع الشمس إلى زوالها وصرح بذلك
كثير من الأصحاب منهم صاحب الشامل والمهذب والقاضي الروياني قالوا إن وقتها إذا طلعت الشمس
7

ويستحب تأخيرها إلى أن ترتفع قيد رمح وايراد جماعة يقتضى دخول الوقف بالارتفاع قيد رمح منهم
الصيد لأني وصاحب التهذيب والله أعلم * ولا خلاف في أنه إذا زالت الشمس خرج وقتها * واحتجوا عليه بان
سنى المواقيت على أنه إذا دخل وقت صلاة خرج وقت التي قبلها وبالزوال يدخل وقت الظهر فيخرج وقت
8

صلاة العيد (الرابعة) قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر وسائر الكتب الجديدة يجوز للمنفرد في
بيته وللمسافر والمرأة والعبد صلاة العيد وقال في القديم لا يصلي العيد الا في الموضع الذي يصلى فيه
الجمعة فظاهره يقتضي أن لا يصلي هؤلاء العيد كما لا يصلون الجمعة الا تبعا للقوم واختلف الا صحاب على
طريقين (أحدهما) وهو المذكور في الكتاب أن المسألة على قولين (الجديد) أنه لا يشترط فيها بشروط الجمعة
لأنها نافلة فأشبهت صلاة الاستسقاء والخسوف (والقديم) يشترط وبه قال أبو حنيفة وكذلك احمد في
رواية واستشهدوا بان النبي صلى الله عليه وسلم (لم يصل العيد بمنى لأنه كان مسافرا كما لم يصل الجمعة)
فعلى هذا تشترط الجماعة والعدد بصفات الكمال وغيرهما الا انه يستثنى اقامتها في خطة البلدة والقرية فلا
يشترط ذلك على هذا القول أيضا لتطابق الناس على اقامتها بارزين كذلك ذكره الشيخ أبو حامد
وكثيرون وعن الشيخ أبى محمد انه لا يستثنى ولا يجوز اقامتها على هذا القول الا حيث تجوز الجمعة
وهذا هو الموافق لظاهر لفظ الكتاب واستثنى بعضهم عدد الأربعين أيضا ويفترقان أيضا في
9

ان خطبتي الجمعة مشروطتان قبل الصلاة وخطبتا العيد بعد الصلاة قال امام الحرمين ولو فرض
اخلال بالخطبة فيبعد جدا في التفريع على هذا القول انعطاف البطلان على الصلاة هذا أحد الطريقين
(والثاني) وبه قال أبو إسحاق القطع بما ذكر في الجديد وحمل كلامه في القديم على أن صلاة العيد
لا تقام في مساجد المحال كصلاة الجمعة فيجوز أن يعلم لهذه الطريقة قوله على الجديد بالواو لأنه اثبات
للخلاف ومن قال بالطريقة الثانية نفى ذلك وقوله ولا يشترط معلم بالحاء والألف لما تقدم وإذا فرعنا
على الصحيح فإذا صلاها المنفرد لم يخطب وحكي القاضي ابن كج وجها آخر انه يخطب وهو قريب
من الخلاف في أن المنفرد هل يؤذن وان صلى مسافرون صلى بهم واحد وخطب
10

قال (وإذا غربت الشمس ليلة العيد ين استحب التكبيرات المرسلة ثلاثا نسقا حيث كان في
الطريق وغيرها إلى أن يتحرم الامام بالصلاة وفي استحبابها عقيب الصلوات الثلاث وجهان) *
التكبير الذي يذكر في هذا الباب ضربان (أحدهما) ما يشرع في الصلاة والخطبة وسيأتي في
موضعه (والثاني) غيره والمسنون في صيغته أن يكبر ثلاثا نسقا وبه قال مالك خلافا لأبي حنيفة واحمد
حيث قالا يكبر مرتين وحكى صاحب التتمة قولا عن القديم مثل مذهبهما * لنا الرواية عن جابر وابن
عباس رضي الله عنهم وأيضا فإنه تكبير شرع شعارا للعيد فكان وترا كتكبير الصلاة ثم قال الشافعي
11

رضي الله عنه وما زاد من ذكر الله محسن (1) واستحسن في الام أن تكون زيادته ما نقل عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قاله على الصفا وهو (الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله
بكرة وأصيلا لا إله إلا الله ولا نعبد الا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده
صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله والله أكبر) (2) وحكي الصيدلاني وغيره
عن القديم أنه يقول بعد الثلاث الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا الله أكبر على ما هدانا والحمد لله
12

على ما أبلانا وأولانا قال في الشامل والذي يقوله الناس لا بأس به أيضا وهو (الله أكبر الله أكبر)
الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ثم هدا الضرب (نوعان) مرسل ومقيد (فالمرسل)
هو الذي لا يتقيد ببعض الأحوال بل يؤتي به في المنازل والمساجد والطرق ليلا ونهارا (والمقيد)
هو الذي يؤتى به في أدبار الصلوات خاصة (فاما) التكبير المرسل فهو مشروع في العيدين خلافا لا بي
حنيفة رحمه الله حيث قال في رواية لا يسن في عيد الفطر لنا ما روى (أن النبي صلى الله عليه وسلم
13

وسلم كان يخرج يوم الفطر والأضحى رافعا صوته بالتهليل والتكبير حيث يأتي المصلي (1) وأول وقته
في العيدين جميعا غروب الشمس ليلة العيد وعن مالك واحمد انه لا يكبر ليلة العيد وإنما يكبر في
يومه * لنا قوله تعالى (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) قال الشافعي سمعت من أرضى
به من أهل العلم بالقرآن يقول (لتكملوا العدة) أي عدة صوم رمضان (ولتكبروا الله على ما هداكم)
أي عند اكمالها واكمالها بغروب الشمس آخر يوم من رمضان وفي آخر وقته طريقان (أظهرها) وبه قال
ابن سريج وأبو إسحاق أن المسألة على ثلاثة أقوال (أصحها) وهو رواية البويطي واختيار المزني أنهم
يكبرون إلى أن يتحرم الامام بصلاة العيد لان الكلام يباح إلى تلك الغاية والتكبير أولي ما يقع به الاشتغال
به فإنه ذكر الله تعالى وشعار اليوم (والثاني) إلى أن يخرج الامام إلى الصلاة لأنه إذا برز احتاج
الناس إلى أن يأخذوا أهبة الصلاة ويشتغلوا بالقيام إليها ويحكي هذا عن الام (والثالث) إلى أن
14

يفرغ الامام من الصلاة لما روى (أنه صلى الله عليه وسلم كان يكبر في العيد حتى يأتي المصلي
ويقضى الصلاة) وهذا القول منقول عن القديم وإنما يحبئ في حق من الا يصلى مع الامام (1) ونقله
آخرون على وجه آخر فقالوا إلى أن يفرغ من الصلاة والخطبتين جميعا وروى مثل ذلك عن مالك
15

واحمد (والطريق الثاني) القطع بالقول الأول وتأويل غيره بحمل الخروج في القول الثاني على
16

التحرم لما بينهما من التواصل والتقارب وحمل الكبير في الثالث على جنس التكبير الذي يؤتى به
في الصلاة وقبلها ولا فرق في التكبير المرسل بين عيد الفطر والأضحى برفع الناس أصواتهم به في
الليلتين في المنازل والمساجد والطرق والأسواق سفرا كانوا أو حاضرين وفي اليومين في طريق
المصلي وبالمصلي إلى الغاية المذكورة ويستثنى عن ذلك الحاج فلا يكبر ليلة الأضحى وإنما ذكره
التلبية وحكى القاضي الروياني وغيره قولين في أن التكبير ليلة الفطر آكد أم ليلة الأضحى وقالوا
الجديد الأول والقديم الثاني وأما النوع الثاني وهو التكبير المقيد بادبار الصلاة فحكمه في عيد الأضحى مذكور
بعد هذا الفصل في الكتاب (وأما) في عيد الفطر فوجهان (أظهر هما) عند الأكثرين ولم يذكر في التهذيب
سواه انه لا يستحب لأنه لم ينقل ذلك عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه
(والثاني) يستحب لأنه عيد استحب فيه التكبير المطلق فيسن فيه التكبير المقيد كالأضحى فعلى
هذا يكبر عقيب ثلاث صلوات وهي المغرب والعشاء ليلة الفطر والصبح يوم الفطر وحكم الفوائت
17

والنوافل في هذه المدة على هذا الوجه تقاس بما سنذكره في عيد الأضحى وصاحب التتمة نقل هذا الخلاف
قولين وجعل الجديد الأول والقديم الثاني هذا فقه الفصل ولا بأس بالتنصيص على المواضع المستحقة
للعلامات من لفظ الكتاب (فقوله) إذا غربت الشمس معلم بالميم والألف إشارة إلى أنه لا تكبير
عندهما إذا غربت الشمس وإنما التكبير بالنهار (وقوله) ليلة العيد بالحاء لأنه مطلق وقد حكينا خلافه
في التكبير في عيد الفطر (وقوله) ثلاثا نسقا بالحاء والألف والواو وقوله إلى أن يتحرم
الامام بالصلاة بالميم والألف والواو ثم يجوز أن يكون هو جوابا على أصح الأقوال على الطريقة
الأولى ويجوز أن يكون ذهابا إلى الطريقة الثانية وكلامه في الوسيط إليها أميل
18

قال (ويستحب أحياء ليلي العيد لقوله صلى الله عليه وسلم (من أحي ليلتي العيد
لم يمت قلبه يوم تموت القلوب (1) *
19

أحياء ليلتي العيد بالعبادة محثوث عليه للحديث الذي رواه قال الصيدلاني وقد قيل لم
يرد فيه شئ من الفضائل مثل هذا لان موت القلب اما للكفر في الدنيا واما للفزع في القيامة
وما أضيف إلى القلب فهو أعظم لقوله تعالى جده (فإنه آثم قلبه) والله أعلم *
قال (ويستحب الغسل بعد طلوع الفجر وفي اجزائه ليلة العيد لحاجة أهل السواد وجهان) *
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه (كان يغتسل للعيدين) (1) وأيضا فهما يومان
20

يجتمع فيها الكافة للصلاة فسن لهما الغسل كالجمعة ولا خلاف في أجزائه بعد الفجر وأما قبله فقد
حكي الجمهور فيه قولين (أحدهما) لا يجزئ كغسل الجمعة وبه قال احمد (وأصحهما) وهو نصه في
البويطي أنه يجزئ لان أهل السواد يبتكرون إليها من قراهم فلو لم يجز الغسل قبل الفجر لعسر
الامر عليهم والفرق بينه وبين غسل الجمعة قد ذكرناه في باب الجمعة والصيد لأني في آخرين حكوا
الخلاف في المسألة وجهين وتابعهم صاحب الكتاب وقد أورد هذه المسألة في كتاب الجمعة مرة وزاد
21

ههنا التنبيه على وجه الجواز وإذا جوزنا فهل يختص بالنصف الثاني من الليل كاذان الصبح أم يجوز
في جميع الليل كنية الصوم عن القاضي أبى الطيب أنه يختص بالنصف الثاني وهذا ما ذكره في
المهذب وقال الامام المحفوظ أن جميع ليلة العيد وقت له وهذا أبداه صاحب الشامل على سبيل
الاحتمال وهو الموافق للفظ الكتاب
22

قال (ثم التطيب والتزين بثياب بيض مستحب للقاعد والخارج من الرجال والنساء وأما
العجائز فيخرجن في بذلة الثياب) *
يستحب التطيب يوم العيد لما روى عن الحسن بن علي كرم الله وجههما قال (أمرنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتطيب بأجود ما نجده في العيد) (1) وكذلك
23

يستحب التنظف بحلق الشعر وقلم الأظفار وقطع الروائح الكريهة وأن يلبس أحسن ما يجده
من الثياب ويتعمم والبيض في الثياب أحب من غيرها وان لم يجد الا ثوبا واحدا فيستحب أن
يغسله للجمعة وللعيدين ويستوى في استحباب جميع ذلك القاعد في بيته والخارج إلى الصلاة
العيد كما ذكرناه في الغسل هذا في حق الرجال * وأما النساء فيكره لذوات الهيئة والجمال الحضور
24

لخوف الفتنة بهن ويستحب للعجائز الحضور ويتنظفن بالماء ولا يتطيبن روى أنه صلى الله عليه
وسلم قال (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات) (1) أي غير متطيبات وكذلك
إذا خرجن فلا يلبسن من الثياب ما يشهرهن بل يخرجن في بذلتهن وعن أبي حنيفة رحمه الله أن
25

النساء لا يشهدن العيدين ولا المكتوبات الا الصبح والعشاء فليكن قوله فيخرجن معلما بالحاء وذكر
الصيدلاني أن الرخصة في خروجهن وردت في ذلك الوقت فاما اليوم فيكره لهن الخروج إلى
26

مجمع المسلمين لان الناس قد تغيروا وروي هذا المعنى عن عائشة رضي الله عنها (1) وهذا يقتضى اعلام
قوله فيخرجن بالواو أيضا *
قال (ويحرم على الرجال التزين بالحرير والمركب من الإبريسم وغيره حرام إن كان الإبريسم
27

ظاهرا وغالبا في الوزن فان وجد أحد المعنين دون الثاني فوجهان ولا بأس بالمطرف بالديباج
وبالمطرز وبالمحشو بالإبريسم فإن كانت البطانة من حرير لم يجز وفي جواز افتراش الحرير للنساء
خلاف وفي جواز لبس الديباج للصبيان خلاف ويجوز للغازي لبس الحرير وكذا للمسافر لخوف
القمل والحكة وهل يجوز بمجرد الحكة فيه في الحضر وجهان) *
والتزين بالديباج والحرير حرام على الرجال دون النساء لما روى عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم وآله و (خرج يوما وفى يمينه قطعة حرير وفي شماله قطعة ذهب فقال هذان حرامان على
ذكور أمتي حل لإناثها) (1) ويحرم على الخنثى أيضا لاحتمال كونه رجلا حكاه في البيان ويجوز ان ينازع
28

فيه وعد الأئمة القز من الحرير وحرموه على الرجال وإن كان كمد اللون وادعي صاحب النهاية وفاق الأصحاب
فيه لكن في بحر المذهب والتتمة حكاية وجه انه لا يحرم لأنه ليس من ثياب الزينة ثم في الفصل مسائل
(إحداها) لو لم يتمحض الثوب حريرا بل كان مركبا من الإبريسم وغيره ففيه طريقان قال جمهور
الأصحاب إن كان ذلك الغير أكثير في الوزن لم يحرم لبسه وذلك كالخز سداه الإبريسم ولحمته صوف
فان اللحمة أكثر من السدى وإن كان الإبريسم أكثر يحرم وإن كانا نصفين فهل يحرم وجهان
(أصحهما) لا يحرم لأنه لا يسمى ثوب حرير والأصل الحل (والثاني) وبه قال صاحب الحاوي يحرم تغليبا للتحريم
(والطريق الثاني) وبه قال القفال وطائفة من أصحابه لا ننظر إلى الكثرة والقلة ولكن ننظر
إلى الظهور فإن لم يظهر الإبريسم حل كالخز الذي سداه إبريسم وهو لا يظهر وان ظهر
الإبريسم لم يحل وإن كان قدره في الوزن أقل فيخرج من هاتين الطريقتين القطع
بالتحريم إن كان الإبريسم ظاهرا وغالبا في الوزن كما ذكر في الكتاب لاجتماع المعنيين المنظور إليهما
وان وجد الظهور دون غلبة الوزن حرم عند القفال ولم يحرم عند الجمهور وان وجد غلبة الوزن
29

دون الظهور انعكس المذهبان (الثانية) يجوز لبس الثياب المطرفة بالديباج والمطرزة به لما روى أنه
صلى الله عليه وسلم (كان له جبة مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج) (1) قال الشيخ أبو
محمد وغيره الشرط فيه الاقتصار على عادة التطريف فان جوز العادة فيه كان سرفا محرما والترقيع
30

بالديباج كالتطريز به وشرط في التهذيب أن يكون الطراز بقدر أربع أصابع فما دونها فان زاد لم يجز
ويدل عليه ما روى عن علي رضي الله عنه قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير
31

إلا في موضع إصبع أو إصبعين أو ثلاث أو أربع) ولو خاط ثوبا (1) بإبريسم جاز لبسه ويفارق
الذهب يحرم كثيره وقليله في الدرع المنسوجة بالذهب والقباء بأزرار الذهب لان الخيلاء فيه
32

أكثر وكل أحد يعرفه ولا يخرج على التفصيل في الاناء المضبب فان امر الحرير أهون من امر
الأواني الا ترى انه يحرم على النساء الا واني ولا يحرم عليهن لبس الحرير والقباء المحشو
بالإبريسم أو القز لا يحرم حكي ذلك عن نصه في الام لان الحشو ليس ثوبا منسوجا ولا يعد صاحبه
لا بس حرير وأثبت في التهذيب خلافا فيه فقال ولو لبس جبة محشوة بالقز أو الإبريسم جاز على
الأصح فليكن قوله وبالمحشو بالإبريسم معلما بالواو لذلك ولو كانت بطانة الجبة من حرير لم يجز
لبسها لأنه لا بس حرير وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (أحرم لباس الحرير والذهب على
ذكور أمتي) (1) قال امام الحرمين وكأن معنى الفخر والخيلاء وإن كان مرعيا في الحرير ولكن فيه
شئ آخر وهو انه ثوب رفاهية وزينة وابداء زي يليق بالنساء دون شهامة الرجال وهذا حسن
الا أن هذا القدر لا يقتضى التحريم عند الشافعي رضي الله عنه لأنه قال في الام ولا أكره لبس
33

اللؤلؤ الا للأدب فإنه من زي النساء لا للتحريم (الثالثة) تحريم الحرير على الرجال لا يختص باللبس
بل افتراشه والتدثر به واتخاذه سترا وسائر وجوه الاستعمال في معنى اللبس خلافا لأبي حنيفة
حيت قال لا يحرم الا للبس ولا بي الفضل العراقي من أصحابنا حيث قال فيما حكاه أبو العاصم العبادي
انه يجوز لهم الجلوس عليه لنا ما روى عن حذيقة رضي الله عنه (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسلم عن لبس الحرير والديباج وان نجلس عليه) (1) ولان السرف والخيلاء في سائر وجوه الاستعمال
أظهر منه في اللبس فيكون بالتحريم أولى وهل يحرم افتراش الحرير على النساء فيه وجهان (أحدهما) لا
34

كاللبس و (أظهرها) ولم يورد في التهذيب سواه نعم كاستعمال الا وانى للسرف والخيلاء بخلاف
اللبس فإنه للزينة فصار كالتحلي (الرابعة) هل للقوم الباس الصبيان الحرير أم لا فيه وجهان (أحدهما)
لا لتغليظ ورد فيه عن عمر رضي الله عنه بل عليهم ان يمنعوهم من لبسه (والثاني) نعم لان ثوب
الحرير لائق بحال الصبيان إذ ليس لهم شهامة تناقضها وحكى في البيان وجها ثالثا وهو الفرق بين
أن يكون دون سبع سنين فلا يمنع منه وبين أن يكون له سبع سنين فصاعدا فيمنع منه كيلا يعتاده
وهذا الوجه أظهر ولم يذكر في التهذيب سواه (الخامسة) حيث قلنا بتحريم لبس الحرير فذلك عند
عدم الضرورة والحاجة فاما عند الضرورة فلا بأس بلبسه كما إذا فاجأه القتال ولم يجد غيره وهذا
قد سبق ذكره في صلاة الخوف وقوله ويجوز للغازي لبس الحرير محمول على هذه الحالة وليس
35

الغزو عذرا على الاطلاق فهو اذن مكرر ومن الضرورة لبسه لحر أو برد مهلك واما الحاجة فهو
أن يكون به جرب أو حكة فله لبس الحرير لذلك لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (رخص
لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله عنهما في لبس الحرير لحكمة كانت بهما) (1) وفي
التنبيه حكاية وجه أنه لا يجوز والمشهور الأول وكذلك يجوز لبسه لدفع القمل لان في بعض الروايات
أن ابن الزبير وعبد الرحمن رضي الله عنهما شكيا القمل في بعض الاسفار فرخص رسول الله صلى
36

الله عليه وسلم لهما في لبس الحرير) (1) وهل يشترط السفر في ذلك أم يجوز لمجرد الحكة في الحضر
فيه وجهان أصحهما لا يشترط لاطلاق الخبر (2) (والثاني) نعم لان السفر شاغل عن التفقد والمعالجة
وفي الرواية الثانية ما يقتضي اعتباره في دفع القمل والله أعلم *
قال (ثم إذا تزين فليقصد الصحراء ماشيا والصحراء أولا من المسجد الا بمكة وليكن
الخروج في عيد الأضحى أسرع قليلا)
37

لما تكلم في استحباب التزين لصلاة العيد اعترض النظر في التزين المباح والممنوع منه
فعاد بعد الفراغ منه إلى ترتيب السنن وقال ثم إذا تزين فليقصد الصحراء والفصل
يتضمن أمورا (أحدها) أن الخروج لصلاة العيد إلى الصحراء أولي أم اقامتها في المسجد
الجامع فيه * أما بمكة فاقامتها في المسجد اولي لان الأئمة كانوا يصلون صلاة العيد فيه والمعني فيه فضيلة
البقعة ومشاهدة الكعبة وغيرهما وألحق الصيد لأني بيت المقدس به * واما سائر البلاد فينظر إن كان
هناك عذر من مطر أو ثلج فاقامتها في المسجد أولي لما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال
38

(أصابنا مطر في يوم عيد فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد) (1) وان لم يكن عذر
نظر إن كان المسجد ضيقا فالخروج إلى الصحراء أولي بل يكره اقامتها في المسجد لو قوع الناس في الزحام
وعسر الامر عليهم وإن كان المسجد واسعها ففيه وجهان حكمها الامام عن صاحب التقريب
(أحدهما) وهو الموافق لمطلق لفظ الكتاب أن اقامتها في الصحراء أولى لان ذلك ارفق بالناس
39

فان صلاة العيد يحضرها الداني والقاصي والفرسان والرجالة وكذلك يحضرها النساء الحيض ولا
يتأتي لهن دخول المسجد (وأظهرهما) وهو الذي ذكره العراقيون وتابعهم صاحب التهذيب
وغيره أن المسجد أولى لشرف المسجد وتسهيل الامر على الناس عند سعته والحيض ان حضرن وقفن
على باب المسجد وفي كلام الأئمة ما يفهم بناء هذا التردد على أن اقامتهم الصلاة بمكة كان لخصوص
فضيلة المسجد الحرام أو لسعة الخطة فان قلنا بالثاني فالمسجد أولى في سائر البلاد أيضا وان قلنا
40

بالأول فلا * ومهما خرج الامام إلى الصحراء فينبغي أن يستخلف في البلد من يصلى بضعفة الناس
كالشيوخ والزمني والمرضي وهذا على الصحيح في أن صلاة العيد لا يشترط فيها شروط الجمعة
فان شرطناها ولم نستثن اقامتها خارج البلدة فلا معنى لهذا التفصيل والاختلاف ولا تقام في الصحراء
أصلا وان استثنينا هذا الشرط عن الاعتبار امتنع استخلاف من يصلي بالضعفة ولم تقم الا في
موضع واحد كالجمعة (والثاني) أن المستحب للساعي إلى صلاة العيد المشي دون الركوب لما روى
أن النبي صلى الله عليه وسلم (ما ركب في عيد ولا جنازة قط) (1) فان عجز أو ضعف لكبر
أو مرض فله أن يركب وأما في الرجوع فان شاء مشى وان شاء ركب والله أعلم (والثالث) أنه يستحب
41

للامام أن يؤخر الخروج في عيد الفطر قليلا ويعجل في عيد الأضحى لما روى أنه صلى الله عليه
وسلم (كتب إلى عمرو بن حزم حين ولاه البحرين ان عجل الاضحي وأخر الفطر
وذكر الناس) (1) والمعنى فيه أن شغل الناس وهو امر الأضاحي يكون بعد الصلاة فالتعجيل
أولى ليشتغلوا به وشغلهم يوم الفطر قبل الصلاة وهو تفريق صدقة الفطر فالتأخير أولي ليفرغوا
عنه ويستحب للقوم أن يبتكروا إذا صلوا الصبح ليأخذوا مجالسهم وينتظروا الصلاة إذا عرفت
ذلك ونظرت في قوله في الكتاب وليكن الخروج في عيد الأضحى أسرع قليلا وجدت نظم
42

الكتاب يقتضي كون هذا الكلام في خروج القوم لأنه عقبه بقوله ثم ليخرج الامام لكن
الذي قاله الجمهور ودل عليه سياق النص في المختصر أن سنة القوم الابتكار بلا فرق بين العيدين
وتعجيل الخروج وتأخيره محبوبان في حق الامام خاصة *
قال (ثم ليخرج الامام وليتحرم بالصلاة في الحال والينادي (الصلاة جامعة) *
السنة للامام أن لا يخرج الا بعد خروج القوم لئلا يحتاج إلى انتظارهم فان انتظارهم إياه أليق
43

من انتظاره إياهم وكما يحضر يشتغل بالصلاة لما روى أنه صلى لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (كان يخرج في العيد
إلى المصلي ولا يبتدئ الا بالصلاة) (1) ويكره للامام ان يتنفل قبلها أو بعدها * روي أن النبي صلى الله عليه
وسلم (صلى ركعتي العيد ولم يتنفل قبلها ولا بعدها) (2) ولا يكره للمأموم التنفل
لا قبلها ولا بعدها) (3) خلافا لأحمد في الحالتين ولمالك كذلك في المصلي وعنه في المسجد روايتان ولأبي
حنيفة فيما بعدها لنا قياس التنفل في هذا الوقت على التنفل في سائر الأيام ويستحب في عيد الفطر أن
44

يطعم شيئا قبل الخروج إلى الصلاة ولا يطعم في عيد الأضحى حتى يرجع رواه أنس وبريدة (1) وغيرهما
رضي الله عنهما عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم * وأما قوله وليناد الصلاة جامعة فقد
سبق مرة في باب الاذان وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
45

وسلم (صلى الخطيب بغير أذان ولا إقامة) (1) وذكر في العدة أنه لو نودي لصلاة العيد حي
على الصلاة فلا بأس بل هو مستحب *
قال (وليقرأ أولا دعاء الاستفتاح ويكبر سبع (ح) تكبيرات زائدة (م) في الأولى وخمسا (ح)
في الثانية ويقول بين كل تكبيرتين سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثم يقرأ الفاتحة
بعد التكبير والتعوذ ويقرأ سورة ق في الأولى واقتربت في الثانية ويرفع اليدين (ح) في هذه التكبيرات)
ذكر في هذا الفصل الكيفية المخصوصة بصلاة العيد ولا فرق فيها بين الامام وغيره وإن كان
كلام الكتاب يختص بالامام فنقول: المتحرم بصلاة العيد يستفتح عقيب التحرم كما في سائر الصلوات
ويجوز أن يعلم قوله وليقرأ أولا دعاء الاستفتاح بالواو لان صاحب البيان روى عن بعضهم حكاية قول
أنه يأتي به بعد التكبيرات الزوائد ثم يكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الافتتاح
والهوى إلى الركوع وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام من السجود والهوى إلى الركوع خلافا
لا بي حنيفة حيث قال التكبيرات الزائدة في كل ركعة ثلاث ولمالك واحمد رحمهما الله حيث قالا
التكبيرات الزوائد في الركعة الأولى ست وبه قال المزني وساعدونا في الركعة الثانية وعن أحمد
46

رواية أخرى مثل مذهبنا مطلقا * لنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يكبر في الفطر
أو لأضحي في الأولى سبعا وفى الثانية خمسا (1) (ويروى أنه (كان يكبر اثنى عشرة تكبيرة سوى تكبيرة
47

الافتتاح وتكبيرة الركوع ((1) وإذا عرفت ما نقلناه من المذاهب أعلمت قوله سبع تكبيرات بالحاء وقوله
زائدة بالميم والألف والزاي لان عندهم الزائدة ست لا سبع (وقوله) وخمسا بالحاء وحده ويقف بين
كل تكبيرتين بقدر قراءة آية لا طويلة ولا قصيرة يهلل الله ويكبره ويمجده هذا لفظ الشافعي رضي
الله عنه وقد روى نحو ذلك عن ابن مسعود قولا وفعلا) (2) وأيضا فان سائر التكبيرات المشروعة في
48

الصلاة يتعقبها ذكر مسنون فكذلك هذه التكبيرات ثم الذي ذكره الأكثرون وأورده في
الكتاب أنه يقول (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) ولو زاد جاز قال الصيدلاني
وعن بعض الأصحاب أنه يقول (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير
وهو على كل شئ قدير) قل ابن الصباغ ولو قال ما اعتاده الناس وهو (الله أكبر كبيرا
والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلي الله على محمد وسلم تسليما كثيرا
كان حسنا أيضا (وقوله) بين كل تكبيرتين مر قوم بالحاء لان عنده يوالي بين التكبيرات
ولا يقف وبالميم لان أصحابنا حكوا عن مالك أنه يقف بينهما ولا يذكر شيئا ثم ينبغي أن يعرف
أن قوله بين كل تكبيرتين راجع إلى التكبيرات الزوائد فلا يأتي بهذا الذكر بين تكبيرة الافتتاح
والأولى من الزوائد نص عليه في الام بل يكفي بينهما دعاء الاستفتاح وكذلك لا يأتي به بعد
التكبيرة السابعة والخامسة بل يتعوذ بعد السابعة وكذا بعد الخامسة ان قلنا يستحب التعوذ
49

في كل ركعة وعن أبي يوسف أنه يتعوذ قبل التكبيرات وذكر الروياني أنه قال قيل أنه مذهب أبي
حنيفة رحمه الله لنا أن التعوذ لافتتاح القراءة فليكن عقيبها وأشار الصيد لأني إلى تردد في
المسألة فقال الأشبه بالمذهب ان التعوذ بعد التكبيرات وقبل القراءة ثم يقرأ الفاتحة كما في سائر
الصلوات وعند أبي حنيفة أن القراءة في الركعة الأولى بعد التكبيرات الزوائد وفي الثانية قبل
التكبيرات ويوالي بين القرائتين لنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يكبر في الفطر
والأضحى في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الثانية خمس تكبيرات قبل القراءة) فليعلم
قوله بعد التكبير بالحاء لما حكينا من مذهبه وبالألف لان عند احمد رواية مثل مذهبه (والصحيح)
عنه مثل مذهبنا ثم يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة ق وفي الثانية اقتربت الساعة خلافا لا بي
حنيفة رحمه الله حيث قال ليس بعض السور أولي من بعض ولما لك واحمد رحمهما الله حيث قالا
يقرأ في الأولى (سبح اسم ربك) وفي الثانية (هل أتاك حديث الغاشية) لنا ما روي عن أبي واقد الليثي
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يقرأ يوم الفطر والأضحى بق والقرآن المجيد
50

واقتربت الساعة (1) ويستحب رفع اليدين في التكبيرات وبه قال أبو حنيفة ويروى ذلك عن فعل
عمر رضي الله عنه (2) وقال مالك لا يرفع وإذا شك في عدد التكبيرات أخذ بالأقل ولو كبر ثمان
تكبيرات وشك في أنه هل نوى التحرم بواحدة منها فعليه استئناف الصلاة ولو شك في التكبيرة
التي نوى التحرم بها أخذ بأنه تحرم بالا خيرة فيعيد التكبيرات ولو صلى خلف من يكبر ثلاثا أو
ستا تابعه في فعله ولا يزيد عليه في أصح القولين وعند أبي حنيفة رحمه الله لو صلى خلف من يكبر
سبعا تابعه وينبغي أن يضع اليمنى على اليسرى بين كل تكبيرتين وحكى عن العمدة ما يشعر بخلاف
في المسألة *
قال (ثم يخطب بعد الصلاة كخطبة الجمعة لكن يكبر تسعا قبل الخطبة الأولى وسبعا
قبل الثانية على مثال الركعتين) *
إذا فرغ الامام من صلاة العيد صعد المنبر واقبل بوجهه على الناس وسلم وهل يجلس قبل
الخطبة فيه وجهان قال أبو إسحاق لا بخلاف ما في خطبة الجمعة يجلس قبلها ليؤذن المؤذن ولا اذان
51

في هذه والأصح المنصوص انه يجلس ليستريح من تعب الصعود ويتأهب الناس للاستماع ثم يخطب
خطبتين أركانهما كار كأنهما في الجمعة يقوم فيهما ويجلس بينهما كما في الجمعة (1) لكن لا يجب القيام
ههنا بل يجوز القعود مع القدرة على القيام كما في نفس الصلاة وقد روى (أن النبي صلى الله عليه وسلم
52

خطب على راحلته يوم العيد) (1) ويستحب ان يعلمهم في عيد الفطر أحكام صدقة الفطر وفي عيد
الأضحى أحكام الأضحية ويستحب ان يفتتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات تترى والثانية بسبع
تترى (2) روى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود رضي الله عنهم انها من السنة ولو ادخل
53

بينهما الحمد والتهليل ولا ثناء جاز وذكر بعضم ان كيفيتها ما سبق في التكبيرات المرسلة والمقيدة
ويستحب للناس استماع الخطبة ومن حضر والامام يخطب فإن كان في المصلى جلس واستمع الخطبة
ولم يصل التحية ثم إن شاء صلى صلاة العيد في الصحراء وان شاء صلاها إذا انصرف إلى بيته
وإن كان في المسجد يستحب له التحية ثم قال أبو إسحاق ولو صلى صلاة العيد والحالة هذه كان أولى
وحصلت التحية كما لو دخل المسجد وعليه مكتوبة يفعلها ويحصل بها لتحية وقال ابن أبي هريرة
ويصلى التحية ويؤخر صلاة العيد إلى ما بعد الخطبة فإنها تطول فيفوت عليه الاستماع والأول
أصح عند الأكثرين * واما ما يتعلق بلفظ الكتاب فقوله ثم يخطب بعد الصلاة كخطبة الجمعة لو حذف
54

بعد الصلاة لكان الباقي دالا على الغرض لان كلمة ثم تفيد التراخي وإنما اخذ كون هذه الخطبة
بعد الصلاة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضوان الله عليهم (1) أجمعين فلو قدمها
خطيب أساء وهل يعتد بخطبته فيه احتمال عند امام الحرمين (وقوله) كخطبة الجمعة لكن يكبر تسعا
غير مجرى على اطلاقه لأنه لم يستدرك الا افتراق الخطبتين في التكبير وهما يفترقان في أمور أخر
55

(منها) انه لا يجب القيام في خطبة العيد (ومنها) استحباب التعرض لصدقة الفطر والأضحية فيها وقوله
على مثال لركعتين؟ أي إذا حسبنا تكبيرة التحرم والهوى إلى الركوع مع الزوائد في الأولى وحسبنا
تكبيرة الانتهاض والهوى إلى الركوع مع الزوائد في الثانية ويجوز ان يريد بقوله على مثال
الركعتين انه يجعل التفاوت بين عدد التكبيرات في الخطبة الأولى وعددها في الثانية كالتفاوت
بينهما في الركعتين فان فضل التسعة على السبعة كفضل السبعة على الخمسة *
قال (ثم إذا خطب رجع إلى بيته من طريق آخر)
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يغدو يوم الفطر والأضحى في طريق ويرجع في طريق)
واختلفوا في سببه قيل ليتبرك به أهل الطريقين وقيل ليستفتي فيهما وقيل ليتصدق على
فقرائهما وقيل ليزور قبور أقاربه فيهما وقيل ليشهد له الطريقان وقيل ليزداد غيظ المنافقين وقيل
لئلا تكثر الزحمة وقيل كان يتوخي أطول الطريقين في الذهاب وأقصرهما في الرجوع وهو أظهر
المعاني ثم من شاركه من الأئمة في المعني استحب له ذلك وفيمن لا يشارك وجهان (قال) أبو إسحاق
لا يستحب له ذلك (وقال) ابن أبي هريرة يستحب كالرمل والاضطباع يؤمر بهما مع زوال المعنى والي
هذا ميل الأكثرين وهو الموافق لاطلاق لفظ الكتاب و يستوى في هذه السنة الامام والقوم نص
عليه في المختصر ولم يتعرض في الكتاب الا للامام
56

قال (ويستحب في عيد النحر رفع الصوت بالتكبير عقيب خمس عشرة مكتوبة أولها الظهر
من يوم العيد وآخرها الصبح آخر أيام التشريق ثم قيل يستحب عقيب كل صلاة تؤدى في هذه الأيام
وإن كاهن نفلا أو قضاء وقيل لا يستحب الا عقيب الفرض وقيل لا يستحب الا عقيب فرض من
فرائض هذه الأيام صليت في هذه الأيام قضاء وأداء) *
سبق الوعد بالكلام في التكبير المقيد في عيد النحر وهو غرض هذا الفصل فنقول أولا
لا فرق في هذا التكبير بين المنفرد ومن يصلي جماعة ولا بين الرجال وبين النساء والمقيم والمسافر وعند
أبي حنيفة لا يكبر المنفرد ولا المرأة ولا المسافر ثم الناس ينقسمون إلى الحجيج وغيرهم (اما) الحجيج
فيبتدئون التكبير عقيب الظهر يوم النحر ويختمونه عقيب الصبح آخر أيام التشريق قاله العراقيون
وغيرهم ووجهوا الابتداء بان ذكر الحجيج التلبية وإنما يبدلونها بالتكبير مع أول حصاة يرمونها
يوم النحر فالظهر أول صلاة ينتهون إليها من وقت قطع التلبية قالوا والختم لان صبح اليوم الثالث
آخر صلاة يصلونها بمنى قال الامام ولا شك فيما ذكروه في الابتداء وفي الانتهاء تردد (واما غير
الحاج فخلف كم صلاة يكبرون فيه طريقان (أظهرهما) أن المسألة على أقوال (أصحها) وهو منقول
57

عن المزني والبويطي والزعفراني رحمهم الله أنهم يكبرون عقيب خمس عشرة مكتوبة أولها ظهر يوم
النحر وآخرها صبح اليوم الثالث من أيام التشريق كالحجاج وسائر الناس تبع لهم في ذلك ويروى
هذا عن عثمان وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت رضي الله عنهم (والقول الثاني) أنهم يبتدئون
التكبير عقيب المغرب ليلة النحر كما أن في عيد الفطر يبتدئ التكبير عقيب المغرب ولم يبين الانتهاء
في هذا النص وحمله الأصحاب على ما ذكر في القول الأول وعلى هذا يكون مكبرا عقيب ثمان عشرة
صلاة (والثالث) أنهم يبتدئون عقيب الصبح يوم عرفة ويختمونه عقيب العصر آخر أيام التشريق
خلف ثلاث وعشرين صلاة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم وسلم (كبر بعد صلاة الصبح يوم عرفة
ومد التكبير إلى العصر آخر أيام التشريق) (1) وبهذا قال احمد واختاره المزني وابن سريج قال الصيد لأني
وغيره وعليه العمل في الأمصار ولم ينسب ابن الصباغ هذا القول إلى اختيار المزني ولكن قال
عنده يكبر من الظهر يوم النحر إلى الظهر من اليوم الثالث (والطريق الثاني) القطع بالقول الأول وحمل
ما عداه على حكاية مذهب الغير وقال أبو حنيفة يكبر من الصبح يوم عرفة إلى العصر من يوم
58

النحر وهي ثمان صلوات وروى بعض أصحابنا عن مالك مثل القول الأول وروى بعضهم عنه مثل
القول الثالث وقوله في الكتاب عقيب خمس عشرة معلم بالحاء والميم والألف والزاي والواو لما حكينا
من الاختلافات وجميع ما ذكرناه في وظائف الوقت ولو فاتته فريضة من فرائض صلاة الأيام فقضاها
في غير هذه الأيام لم يكبر عقيبها لان التكبير شعار هذه الأيام ولو فاتته في غير هذه الأيام أو في
هذه الأيام وقضاها في هذه الأيام ففيه قولان (أحدهما) لا يكبر خلفهما لأنها غير مؤداة في وقتها
(وأصحهما) أنه يكبر لأنه شعار الوقت وعلى هذين القولين السنن الرواتب (ومنها) صلاة العيد وكذلك
النوافل المطلقة ومنهم من قطع بأنه لا يكبر بعدها لأنها أبعد عن مشابهة الفرائض ومنهم من فرق
بين المشروع في هذه الأيام كالسنن الرواتب وصلاة العيدين وبين مالا يختص بها كالنوافل المطلقة
وبنى طائفة من الأئمة الاختلاف في هذه الصور كلها على أن المعني في التكبير عقيب وظائف
الوقت ماذا وذكروا فيه ثلاثة معان (أحدها) أنها فرائض موادة في وقتها من أيام التكبير (والثاني)
59

أنها صلوات مشروعة في أيام التكبير (والثالث) أنها صلوات مفعولة في أيام التكبير ولا يخفى تخريج
الاختلافات عليها وإذا سئلت عن مطلق ما يكبر خلفه من الصلوات فقل فيه وجوه (أظهرها) أنه يكبر
عقيب كل صلاة مفعولة في هذه الأيام (والثاني) لا يكبر إلا عقيب الفرائض منها سواء كانت مؤداة
هذه الأيام أو فائتتها أو فائتة غيرها (والثالث) لا يكبر إلا عقيب فرائض هذه الأيام قضاء كانت
أو أداء وهذه الوجوه هي المذكورة في الكتاب وتخرج مما سبق وجه رابع وهو أنه لا يكبر إلا عقيب
الفرائض أو السنن الرواتب (وقوله) في العبارة عن الوجه الأول عقيب كل صلاة يشمل صلاة
الجنازة أيضا لكن قال في التتمة لا يكبر خلفها لأنها بنيت على التخفيف (وقوله) وإن كانت نفلا معلم
بالميم والحاء والألف لان عند هم لا يكبر خلف النوافل قال امام الحرمين وجميع ما ذكرناه في التكبير
الذي يرفع به الصوت ويجعله شعارا أما لو استغرق عمره بالتكبير في نفسه فلا منع منه ولو نسي
التكبير خلف الصلاة ثم تذكر والفصل قريب كبر وإن فارق مصلاه وإن طال الفصل فكذلك في أصح
الوجهين والمسبوق لا يكبر مع الامام وإنما يكبر إذا أتم صلاة نفسه والله أعلم *
قال (ولو نسي التكبيرات في ركعة فلا يتداركها على الجديد إذا تذكرها بعد القراءة
لفوات وقتها) *
60

لو نسي التكبيرات الزوائد في إحدى ركعتين ثم تذكر نظر إن تذكرها في الركوع أو بعده
مضى في صلاته ولم يكبر ولم يسجد للسهو كما لو ترك القعود أو السورة ولو عاد إلى القيام ليكبر
بطلت صلاته ولو تذكرها قبل الركوع وبعد القراءة وهذه مسألة الكتاب ففيه قولان (الجديد)
أنه لا يكبر لفوات وقته كما لو نسي دعاء الاستفتاح فتذكر بعد القراءة لا يعيد (والقديم) أنه يكبر
وبه قال أبو حنيفة فيما حكاه صاحب البيان لان محله باق وهو القيام وعلى هذا القول لو تذكرها في
أثناء الفاتحة قطع القراءة وكبر ثم يستأنف وإذا كبر بعدها يستحب الاستئناف ولا يجب وحكى
وجه آخر انه يجب ولو أدرك الامام بعد ما كبر بعض التكبيرات أو في حال قراءته فعلى الجديد لا
يكبر ما فاته وعلى القديم يكبر وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وإذا أدركه وهو راكع يركع معه ولا
يكبر قولا واحدا وقال أبو حنيفة رحمه الله يكبر تكبيرات العيد في حال الركوع ولو أدركه في
الركعة الثانية كبر معه خمسا على الجديد فإذا قام للثانية كبر خمسا أيضا لان سنة الركعة الثانية خمس
بلا زيادة
61

قال (وإذا فاتت صلاة العيد بزوال الشمس فقد قيل لا تقضي وقيل تقضى (ح م) أبدا وقيل لا
تقضى الا في الحادي والثلاثين وقيل تقضي في شهر العيد كله وإذ شهد الشهود على الهلال قبل الزوال
أفطرنا وصلينا وان شهدوا بعد الغروب يوم الثلاثين لم نصغ إليهم إذ لا فائدة الا ترك صلاة العيد
وان شهدوا بين الزوال والغروب أفطرنا وبان فوات صلاة العيد على الأصح ثم قضاؤها في بقية اليوم
أولي أو في الحادي والثلاثين فيه خلاف وان شهدوا نهارا وعدلوا ليلا فالعبرة بوقت التعديل أو
الشهادة فيه خلاف)
مما يجب معرفته في هذا الفصل أصل قدمناه وهو أن في قضاء النوافل المؤقتة قولين ومن
جملتها صلاة العيد وأصل آخر وهو أن صلاة العيد هل تنزل منزلة صلاة الجمعة ويعتبر فيها شرائطها
أم لا إذا تذكرت ذلك فنقول: لو شهد شاهدان يوم الثلاثين من رمضان انا رأينا الهلال
البارحة وكان ذلك قبل الزوال وقد بقي من الوقت ما يمكن جمع الناس فيه وإقامة الصلاة أفطروا
وصلوا وكانت الصلاة أداء وان شهدوا بعد غروب الشمس يوم الثلاثين لم تقبل شهادتهم كما لو
62

شهدوا في اليوم الحادي والثلاثين لان شوالا قد دخل يقينا وصوم الثلاثين قد تم فلا فائدة في
قبول شهادتهم الا المنع من صلاة العيد فلا يصغى إليها ويصلون من الغد وتكون صلاتهم أداء هكذا
نقله الأئمة وأطبقوا عليه وفي قوله لا فائدة الا ترك صلاة العيد اشكال فان لاستهلال الهلال
فوائد أخر كوقوع الطلاق والعتق المعلقين على استهلال شوال واحتساب العدة من انقضاء التاسع
والعشرين ونحو ذلك فوجب أن تقبل الشهادة لمثل هذه الفوائد ولعل مراد هم عدم الاصغاء فيما
يرجع إلى صلاة العيد وجعلها فائتة لا عدم القبول على الاطلاق وان أطلقوا ذلك في عباراتهم والله أعلم
وان شهدوا بعد الزوال وقبل الغروب أو قبل الزوال بزمان يسير لا يمكن الصلاة فيه فالشهادة
مقبولة لتعلق فائدة الافطار بها وهل تفوت الصلاة حكي في النهاية قولا انها لا تفوت ويصلونها
غدا أداء لان التردد في الهلال مما يكثر وصلاة العيد من شعائر الاسلام فيقبح ان لا تقام على
النعت المعهود في كل سنة فأشبه هذا غلط الحجيج في الوقوف فإنه يقام وقوفهم يوم العاشر مقام
الوقوف يوم التاسع وظاهر المذهب ولم يذكر الجمهور سواه ان صلاة العيد فائتة لخروج وقتها
ثم قضاؤها مبنى على أن النوافل المؤقتة هل تقضى أم لا إن قلنا لا تقضي فلا كلام وان قلنا تقضي
63

فيبنى على أنها هل هي بمثابة الجمعة أم لا إن قلنا هي بمثابتها في الشرائط والأحكام لم تقض والا
فلهم قضاؤها من الغد وهو الصحيح وقد روى (ان ركبا جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
يشهدون انهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم ان يفطروا وإذا أصبحوا ان يغدوا إلى مصلاهم) (1) وهل
64

لهم ان يصلوها في بقية اليوم وجهان مبنيان على أن اقامتها في الحادي والثلاثين أداء أم قضاء ان
قلنا أداء فلا وان قلنا قضاء وهو الصحيح فيجوز ثم هو أولى أم التأخير إلى ضحوة الغد فيه وجهان
(أحدهما) ان التأخير اولي لان اجتماع الناس فيها أمكن والضحوة بالضحوة أشبه (وأصحهما) ان التقديم
اولي مبادرة إلى القضاء وتقريبا له من وقته وهذا إذا سهل جمع الناس بأن كانوا في قرية أو بلدة
صغيرة أما إذا عسر ذلك فالأولى التأخير إلى الغد كيلا يفوت الحضور على الناس وإذا قلنا إنهم
يقيمونها في الحادي والثلاثين قضاء فهل يجوز تأخيرها عنه فيه قولان ومنهم من يقول وجهان
(أصحهما) نعم كالفرائض إذا فاتت لا يتعين وقت قضائها (والثاني) لا لان الحادي والثلاثين
يجوز أن يكون عيدا بان يخرج الشهر كملا بخلاف ما بعده من البان ثم حكي امام الحرمين عن
بعض الأصحاب انا إذا قلنا تقضي بعد الحادي والثلاثين فيمتد إلى شهر فان وقع بعد شهر فعلى
وجهين قال ولعله في شهر شوال نقص أو كمل وفي بقية ذي الحجة ولا اعتد به من المذهب وجميع
ما ذكرناه فيما إذا شهد عدلان مقبولان أو مستوران وعدلا في الأوقات المذكورة فاما إذا شهدا
قبل الغروب وعدلا بعد الغروب فقولان ويقال وجهان (أحدهما) ان العبرة بوقت الشهادة لان التعديل
وان بان أخيرا فهو مستند إلى الشهادة (وأصحهما) ان العبرة بوقت التعديل لأنه وقت جواز الحكم
بالشهادة فعلى هذا يصلون من الغد بلا خلاف وتكون أداء وعلى الأول تعود الاختلافات المذكورة
فهذا هو الذي أورده معظم الأصحاب وايضاحه ولنعد إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (اما قوله) وإذا
فاتت صلاة العيدين بزوال الشمس إلى آخره فاعلم أن الاختلافات المذكورة عبر عنها في الوسيط
65

بالأقوال وايراده في الكتابين يقتضي طردها في فوات صلاة العيد للناس كلهم وفواتها في حق
الافراد وفيما إذا كان الفوات لاشتباه الهلال وغيره لكن المفهوم من كلام الأصحاب تخصيص
الاختلاف المذكور بصورة اشتباه الهلال وفوات العيد على جميع الناس فاما إذا اختص الفوات
بالافراد فلا يجري الا قولان منع القضاء وجوازه على التأبيد ولا يتجه التخصيص بالحادي والثلاثين
لما ذكره امام الحرمين فقال هذا اليوم يجوز أن يفرض عيدا فإقامة شعار الصلاة فيه لا يبعد وفيما
بعده من الأيام إقامة الشعار المعهود مما يستنكره الناس الا خواصهم وتعطيل الشعار أهون من ذلك ومعلوم
أن هذا لا امتناع له في قضاء الافراد واما المصير إلى القضاء في شهر العيد كله فلم أر نقله للامام
ولم ينقله إلى في اشتباه الهلال فاعرف ذلك ثم قوله لا تقضى معلم بالألف لان عند احمد هي مقضية
وقوله تقضى ابدا بالميم والحاء فان عندهما لا تقضي وبالزاي لان اختيار المزني مثله (فان قيل) حيث
قلنا بتخصيص القضاء بالحادي والثلاثين فلا شك أن ذلك في عيد الفطر فهل يختص بالحادي عشر
إذا فرض ذلك في عيد الأضحى قلنا نعم لأنه يجوز أن يفرض يوم عيد الا ان يقال إن الشهادة
بعد دخول ذي الحجة غير مسموعة على قياس ما ذكروه في الحادي والثلاثين والله أعلم (وقوله)
وإذا شهد الشهود على الهلال قبل الزوال أفطرنا وصلينا المراد منه ما إذا سبقت الشهادة الزوال
بقدر ما يسع الصلاة فإن لم يسع فالحكم كما لو شهدوا بين الزوال والغروب (وقوله) ثم قضاؤها في
بقية اليوم أولي أو في الحادي والثلاثين فرض الخلاف في الأولوية جواب منه على الأصح وهو
أن قضاؤها في بقية اليوم جائز وفيه خلاف تقدم والله أعلم *
قال (وإذا كان العيد يوم الجمعة فلأهل السواد الرجوع قبل الجمعة وإن كان النداء يبلغهم
على الصحيح للخبر)
66

إذا وافق العيد يوم الجمعة وحضر أهل القرى الذين يبلغهم النداء لصلاة العيد وعلموا أنهم
لو انصرفوا لفاتتهم الجمعة فهل عليهم ان يصبروا الجمعة أم لهم أن ينصرفوا ويتركوها
فيه وجهان (أحدهما) عليهم الصبر كأهل المصر وكسائر الأيام (وأصحهما) ان لهم أن ينصرفوا
ويتركوها ويحكى هذا عن نصه قديما وجديدا لما روى (انه اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم في يوم واحد فصلي العيد في أول النهار وقال أيها الناس ان هذا يوم اجتمع
لكم فيه عيدان فمن أحب منكم أن يشهد معنا الجمعة فليفعل ومن أحب أن ينصرف فليفعل) (1)
وأراد به أهل السواد وهذا هو الخبر الذي أبهم ذكره في الكتاب *
67

قال * (كتاب صلاة الخسوف) *
(وهي سنة مؤكدة ولا تكره الا في أوقات الكراهية وأقلها ركعتان في كل ركعة ركوعان (ح)
وقيامان فان تمادى الكسوف فهل يجوز ركوع ثالث فيه وجهان وان أسرع الانجلاء فهل
يقصر على واحدة فيه وجهان) *
قال الله سبحانه وتعالي (فلا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن) قال بعض
المفسرين أراد به صلاة الخوف والكسوف وقال أبو بكرة (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم
68

فانكسفت الشمس فقام النبي صلى الله عليه وسلم يجر ردائه حتى دخل المسجد فدخلنا فصلي
بنا ركعتين حتى انجلت الشمس فقال إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد فإذا رأيتموهما
فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم) (1) صلاة الكسوف والخسوف سنة مؤكدة ولا فرق في
استحبابها بين أوقات الكراهة وغيرها لان لها سببا خلافا لمالك وأبي حنيفة وتفصيل مذهبهما
ما قدمناه في فصل الأوقات المكروهة ثم الكلام في أقل هذه الصلاة وأكملها (أما) أقلها فهو أن
يتحرم بنية صلاة الكسوف ويقرأ الفاتحة ويركع ثم يرفع فيقرأ الفاتحة ثم يركع مرة أخرى ثم يرفع
ويطمئن ثم يسجد وكذلك يفعل في الركعة الثانية فهي إذا ركعتان في كل ركعة قيامان وركوعان
كما ذكر في الكتاب وقراءة الفاتحة في كل ركعة مرتين من حد الأقل أيضا (وقوله) ركوعان وقيامان
معلم بالحاء والألف (اما) الحاء فلان أبا حنيفة يقول ركعتان كسائر الصلوات لكن يطول فيها القراءة
(وأما) الألف فلان في رواية عن أحمد يركع في كل ركعة ثلاث مرات والأظهر عنه مثل مذهبنا * لنا
ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (ركع أربع ركعات في ركعتين
69

وأربع سجدات) وقد اشتهرت الرواية عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم (1) ولو تمادى
الكسوف فهل يزيد ركوعا ثالثا فيه وجهان (أحدهما) نعم ويحكى عن ابن خزيمة وأبي سليمان
الخطابي وأبى بكر الضبعي من أصحابنا وعلى هذا الوجه لا يختص الجواز بالثالث بل له أن يزيد
ركعة أربع ركوعات) ويروى (خمس ركوعات ولا محمل له الا حالة التمادي) (2) (وأظهرها) أنه لا تجوز
الزيادة كسائر الصلوات لا يزاد على أركانها وروايات الركوعين أشهر وأصح فيؤخذ بها كذلك
70

ذكره الأئمة ولو كان في القيام الأول فانجلي الكسوف لم تبطل الصلاة ولكن هل يجوز أن
يقتصر على قومة واحدة وركوع واحد في كل ركعة فيه (وجهان) بنوهما على جواز الزيادة عند التمادي إن جوزنا
الزيادة جوزنا النقصان بحسب مدة الخسوف وإلا فلا ولو تحلل من صلاته والخسوف باق فهل له
أن يستفتح صلاة الخسوف مرة أخرى فيه وجهان خرجوهما على جواز الزيادة في عدد الركوع
والمذهب المنع (وقوله) فهل تجوز الزيادة بثالث أي بركوع ثالث وقيام ثالث وكذا قوله فهل
يقتصر على واحد وفى بعض النسخ ثالثة وواحدة على تأويل الركعة والقومة والله أعلم
71

قال (وأكملها أن يقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة سورة البقرة وفي الثانية آل عمران وفي
الثالثة النساء وفي الرابعة المائدة أو مقدارها وكل ذلك بعد الفاتحة ويسبح في الركوع الأول بقدر
مائة آية وفي الثاني بقدر ثمانين وفي الثالث بقدر سبعين وفي الرابع بقدر خمسين ولا يطول السجدات
ولا القعدة بينهما) *
لو اقتصر في كل قومة على قراءة الفاتحة وفي كل ركوع على قدر الطمأنينة جاز كما في سائر
الصلوات ليكن المستحب أن يقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة وسوابقها سورة البقرة أو مقدارها
ان لم يحسنها وفى الثاني آل عمران أو مقدارها وفى الثالثة النساء أو مقدارها وفى الرابعة المائدة
72

أو مقدارها وكل ذلك بعد الفاتحة هذا ما ذكره في الكتاب وعزاه الأصحاب إلى رواية البويطي
قال المزني في المختصر يقرأ في القيام الأول البقرة أو مقدارها إن لم يحفظها وفي الثانية قدر مائتي
آية من سورة البقرة وفي الثالثة قدر مائة وخمسين آية منها وفي الرابع قدر مائة آية منها وكل ذلك
بعد الفاتحة وهذه الرواية هي التي أوردها الأكثرون وليستا على الاختلاف المحقق بل الامر فيه
على التقريب وهما متقاربتان وقد روى الشافعي عن ابن عباس رضي الله عنهما باسناده قال (خسفت
الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلي والناس معه فقام قياما طويلا فقرأ نحوا من
سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو
دون الركوع الأول ثم سجد ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع
الأول ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم سجد ثم
انصرف) (1) وأما قدر مكثه في الركوع فينبغي أن يسبح في الركوع الأول بقدر مائة آية من البقرة وفي الثاني
بقدر ثمانين منها وفي الثالث بقدر سبعين وفي الرابع بقدر خمسين والامر فيه على التقريب ولذلك قال كثير
من الأصحاب يسبح في الركوع الثاني بقدر ثمانين آية إلى تسعين وقال صاحب الافصاح يسبح في الثالث
بقدر خمسين وسبعين آية ويقول في الاعتدال عن كل ركوع سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد وهل
يطول الجود في هذه الصلاة فيه قولان وبقال وجهان (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب
لا كما لا يزيد في التشهد ولا يطول القعدة بين السجدتين (والثاني) وبه قال ابن سريج نعم لأنه
73

منقول في بعض الروايات مع تطويل الركوع أورده مسلم في الصحيح (1) ويحكي هذا القول عن رواية
البويطي ونقله أبو عيسى الترمذي في جامعه عن الشافعي رضي الله عنه أيضا
قال (ويستحب أن تؤدى بالجماعة وأن يخطب الامام بعدها خطبتين كما في العيد ولا يجهر (م)
في صلاة الكسوف ويجهر في الخسوف) *
في الفصل ثلاث مسائل (إحداها) انه يستحب الجماعة في صلاة الخسوفين (أما) في خسوف
الشمس فقد اشتهر اقامتها بالجماعة عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ينادى لها
الصلاة جامعة (واما) في خسوف القمر فلما روى عن الحسن البصري قال (خسف القمر وابن عباس
رضي الله عنهما بالبصرة فصلي بنا ركعتين في كل ركعة ركوعان فلما فرغ ركب وخطبنا وقال صليت
74

بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا (1) وإنما تقام الجماعة لهما في المسجد دون
الصحراء لما قدمنا من حديث أبي بكرة رضي الله عنه (2) ولأن هذه الصلاة بعرض الفوات بالانجلاء
واعلم قوله ويستحب ان تؤدى بالجماعة بالحاء والميم لان عند أبي حنيفة لا تؤدى صلاة خسوف
القمر بالجماعة بل يؤدونها منفردين وعند مالك رحمه الله لا يصلون له أصلا واللفظ يشمل الصلاتين
جميعا ويجوز ان يعلم بالواو أيضا لان امام الحرمين قال ذكر شيخنا الصيد لأني من أئمتنا
من خرج في صلاة الخسوفين وجها ان الجماعة تشترط فيها كالجمعة ولم
أجده في كتابه هكذا لكن قال خرج أصحابنا وجهين في أنها هل تصلي في كل
مسجد أو لا تكون الا في جماعة واحدة كالقولين في العيد (الثانية) يستحب للامام ان
يخطب بعد الصلاة خطبتين بأركانهما وشرائطهما المذكورة في صلاة الجمعة ولا فرق بين أن يقيموا
الجماعة في مصر أو يقيمها المسافرون في الصحراء وقال مالك وأبو حنيفة واحمد رحمهم الله لا خطبة
75

في هذا الباب أصلا * لنا ما روى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (لما خسفت الشمس
صلى فوصفت صلاته ثم قالت فاما انجلت انصرف وخطب الناس وذكر الله تعالى جده وأثنى عليه) (1)
وينبغي للامام ان يحث الناس في هذه الخطبة على الخير والتوبة عن المعاصي ومن صلى منفردا
لم يخطب فان الغرض من الخطبة تذكير الغير (فان قلت) قضية التشبيه في قوله كما في العيد أن يكبر
في أول الخطبتين كما يفعل في خطبتي العيد فهل هو كذلك أم لا (فالجواب) أن كتب الأصحاب
ساكتة عن التصريح بذلك مع تعرضهم لأذكارها المفروضة والمندوبة على التفصيل وأعادها ههنا
ولو كان التكبير مشروعا ههنا لا عادوا ذكره سيما في المطولات فإذا المراد تشبيهها بخطبتي العيد
في تأخيرها عن الصلاة لا على الاطلاق والله أعلم (الثالثة) يستحب الجهر بالقراءة في صلاة خسوف
القمر والاسرار في خسوف الشمس وبه قال مالك وأبو حنيفة خلافا لأحمد رحمهم الله حيث قال
يجهر فيها أيضا وبه قال أبو يوسف وفيما ذكره الصيدلاني أن مثله يروى عن أبي حنيفة لنا ما روى
76

ابن عباس رضي الله عنهما أنه حكى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في خسوف الشمس فقال
(قرأ نحوا من سورة البقرة) (1) ولو جهر لكان لا يقدره وروى عنه أنه قال (كنت إلى جنب النبي
صلى الله عليه وسلم فما سمعت منه حرفا) (2) وقوله في الكتاب ولا يجهر في صلاة الكسوف ويجهر في
صلاة الخسوف تخصيص للفظ الكسوف بالشمس والخسوف بالقمر وقد قيل بذلك لكن استعمال
كل واحد من اللفظين فيهما صحيح سائغ في اللغة ويجوز أن يعلم قوله ولا يجهر بالواو مع الألف لان
أبا سليمان الخطابي ذكر أن الذي يحبئ على مذهب الشافعي رضي الله عنه الجهر فيهما * واحتج له
77

بما روى عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم في كسوف الشمس وجهر
بالقراءة) (1) والله أعلم *
قال (فروع المسبوق إذا أدرك الركوع الثاني لم يدرك الركعة لان الأصل هو الأول) *
عد في الوسيط المسائل من هذا الموضع إلى قريب من آخر الباب ثلاثة فروع وهذا الفصل يشتمل
على أولها وغرض الكلام في المسبوق في هذه الصلاة فنقول ان أدرك الامام في الركوع الأول من
الركعة الأولى فقد أدرك الصلاة ولو أدركه في الركوع الأول من الركعة الثانية كان مدركا للركعة فإذا
سلم الامام قام وصلي ركعة بركوعين ولو أدركه في الركوع الثاني من إحدى الركعتين فالمنقول عن نصه
في البويطي انه لا يكون مدركا لشئ من الركعة أصلا وعن صاحب التقريب حكاية قول آخر أنه
بادراك الركوع الثاني يصير مدركا للقومة التي قبلها فعلى هذا لو أدرك الركوع الثاني من الركعة الأولى
قام عند سلام الامام وقرأ وركع واعتدل وجلس وتشهد وتحلل ولا يسجد لان ادراك الركوع
إذا أثر في ادراك القيام الذي قبله كان السجود بعده محسوبا لا محالة واتفق الأصحاب على أن الصحيح
هو الأول ووجهوه بان الركوع الأول هو الأصل والثاني في حكم التابع له الا ترى أنه لا يصير بادراكه
78

مدركا لجميع الركعة ولو صار مدركا بادراكه لصار مدركا لجميع الركعة كما لو أدرك جزءا من الركوع في
سائر الصلوات وأيضا فان الامر بقيام وركوع من غير سجود مخالف لنظم الصلوات كلها وعلى القول
الصحيح لو أدرك القيام الثاني لا يكون مدركا لشئ من الركعة أيضا إذا عرفت ذلك فقوله في الكتاب
لم بدرك الركعة ان أراد به انه غير مدرك لشئ من الركعة فينبغي أن يعلم بالواو وان أراد به أنه غير
مدرك بجملتها فلا يجوز أعلامه لان القولين متفقان عليه *
قال (وتفوت صلاة الكسوف بالانجلاء وبغروب الشمس كاسفة ويفوت الخسوف بالانجلاء
وبطلوع قرص الشمس ولا يفوت بغروب القمر خاسفا لان الليل كله سلطان القمر ولا يفوت بطلوع
الصبح على الجديد لبقاء الظلمة) *
الفرع الثاني فيما يفوت به هذه الصلاة (اما) صلاة خسوف الشمس فتفوت بطريقين (أحدهما)
الانجلاء فإذا لم يصل حتى انجلت لم يصل * واحتج له بما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (إذا رأيتم
ذلك فصلوا حتى تنجلي) (1) دل أنه لا يصلي بعده ثم الاعتبار بانجلاء الكل اما انجلاء البعض فلا أثر له
وله ان يشرع في الصلاة للباقي كما لو لم ينكسف الا ذلك القدر ولو حال سحاب ولم يدرها انجلت أم لا فله
ان يصلي لان الأصل بقاء الكسوف وعلى عكسه لو كانت تحت الغمام فظن الكسوف لم يصل حتى
79

يستيقن (والثاني) ان تغرب كاسفة فلا يصلي لان سلطان الشمس النهار وقد ذهب وبطل الانتفاع
بضوءها نيرة كانت أو منكسفة (واما) صلاة خسوف القمر فتفوت بطريقين أيضا (أحدهما) الانجلاء
كما سبق (والثاني) طلوع الشمس فإذا طلعت والقمر بعد خاسف لم يصل لان سلطان القمر الليل وقد
ذهب وبطلت منفعته بطلوع الشمس ولو غاب القمر خاسفا لم يؤثر وجازت الصلاة لان سلطان
القمر باق وهو الليل فغروبه كغيبوبته تحت سحاب خاسفا ولو طلع الفجر وهو خاسف أو خسف
بعد طلوع الفجر فقولان (القديم) انه ليس له أن يصلي الذهاب الليل بطلوع الفجر (والجديد) ان له ذلك
لبقاء ظلمة الليل والانتفاع بضوء القمر في هذا الوقت وعلى هذا لو شرع في الصلاة بعد طلوع الفجر
وطلعت الشمس في أثنائها لم تبطل صلاته كما لو شرع قبل طلوع الفجر وكما لو اتفق الانجلاء في أثناء
الصلاة وذكر القاضي ابن كج ان هذا الانجلاء مخصوص بما إذا غاب القمر خاسفا بعد طلوع الفجر
وقبل طلوع الشمس فاما إذا لم يغب وبقي خاسفا فلا خلاف في أن الشروع في الصلاة جائز *
قال (ولو اجتمع عيد وكسوف قدم العيد ان خيف فواته وإلا فقولان في التقديم والتأخير ولو اجتمع
كسوف وجمعة قدمت الجمعة عند خوف الفوات وإلا فقولان ولو اجتمع جنازة مع هذه الصلوات
فهي مقدمة الا الجمعة فإنها تقدم عند ضيق وقتها ويكفيه للكسوف والجمعة خطبة واحدة وكذا للعيد
والكسوف ولا يبعد اجتماع العيد والكسوف فان الله على كل شئ قدير) *
80

(الفرع الثالث) فيما إذا اجتمعت صلاتان في وقت واحد والأصل فيه تقديم ما يخاف فواته
ويتعلق أيضا بالنظر إلى الأوكد فالأوكد من الصلاة وفيه صور (أحدها) إذا اجتمع عيد وكسوف
نظر ان خيف فوات صلاة العيد لضيق وقتها قدمت صلاة العيد وان لم يخف فقولان (أحدهما)
وهو رواية البويطي يبدأ بصلاة العيد لأنها أوكد لمشابهتها الفرائض بانضباط وقتها (وأصحهما)
انه يبدأ بصلاة الكسوف لأنه يعرض الفوات بالانجلاء (الثانية) لو اجتمع كسوف وجمعة نظر ان
خيف فوات الجمعة فهي مقدمة وان لم يخف فواتها فقولان (أحدهما) تقدم الجمعة لافتراضها
(وأصحهما) يقدم الكسوف لخطر الفوات ولو اجتمع الكسوف مع فريضة أخرى فالحكم كما لو
اجتمع مع الجمعة ولو وجد الخسوف في وقت الوتر والتراويح قدم صلاة الخسوف وان خيف فوات
الوتر لان صلاة الخسوف أوكد ولأنها إذا فاتت لا تقضي (الثالثة) لو اجتمع عيد وجنازة
أو كسوف وجنازة قدمت صلاة الجنازة لما يخشى من حدوث التغير في الميت ثم لا يتبعها الامام
إذا قدمها بل يشتغل بعدها بغيرها من الصلوات ولو لم تحضر الجنازة بعد أو حضرت ولم يحضر الولي
أفرد الامام جماعة ينتظرونها واشتغل بغيرها ثم بعد الجنازة يقدم العيد أو الكسوف فيه الكلام
الذي سبق ولو حضر وقت الجمعة جنازة ولم يضف وقت الجمعة قدمت الجنازة وان ضاق قدمت
81

الجمعة لافتراضها وقال في النهاية قطع شيخي بتقديم صلاة الجنازة لان للجمعة خلفا وهو الظهر والذي
يحذر وقوعه من الميت لو فرض لم يجبره شئ وليكن قوله في الكتاب الا الجمعة فإنها تقدم معلما
بالواو لهذا الوجه وتختم هذه الصورة بفصلين (أحدهما) في الخطبة المأتى بها للصلاتين المجتمعتين
أما إذا اجتمع العيد والكسوف فيخطب لهما بعد الصلاتين خطبتين ويذكر فيهما شأن العيد
والكسوف وأما إذا اجتمع الجمعة والكسوف فان اقتضي الحال تقديم الجمعة خطب لها ثم صلى
الجمعة ثم صلى الكسوف ثم خطب لها وان اقتضي الحال تقديم صلاة الكسوف بدأ بها ثم خطب
للجمعة وذكر فيها شأن السكوف كما أن النبي صلى الله عليه وسلم (استسقى في خطبته للجمعة
ثم صلى الجمعة) (1) واعرف في قوله ويكفيه للجمعة والكسوف خطبة واحدة شيئين (أحدهما) ان المراد من
هذا الكلام انه يكفيه من الخطبة ما كان يكفيه لو لم يصل الا واحدة من الصلاتين وهو خطبتان
ولا يحتاج إلى أربع خطب وليس المراد أنه تكفى خطبة فردة (وثانيهما) ان كلام الأصحاب
ينازع في اللفظ الذي ذكره فإنهم قالوا لا يخطب للجمعة والكسوف لان الخطبة فرض في الجمعة
82

ولا يجوز التشريك بين الفرض والنفل ولكن يخطب للجمعة ثم يذكر فيها امر الحسوف بخلاف
العيد والخسوف يجوز ان يقصد بخطبته كلتيهما لأنهما سببان قالوا ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه
في المختصر في مسألة اجتماع العيد والخسوف ثم يخطب للعيد والخسوف وقال في مسألة اجتماع الجمعة
والخسوف ثم يخطب للجمعة ويذكر فيها الخسوف فإذا اللفظ مؤول والمعنى انه لا يحتاج إلى خطبتين لكل
صلاة (والفصل الثاني) ان طائفة اعترضت على تصوير الشافعي رضي الله عنه اجتماع العيد
والخسوف وقالت هذا محال لان العيد اما الأول من الشهر واما العاشر والكسوف لا يقع الا في
الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين (1) وأجاب الأصحاب عنه بوجوه (أحدها) ان هذا قول أهل
التنجيم وأما نحن فنجوز وقوع الكسوف في غير اليومين المذكورين فان الله تعالى على كل شئ
قدير وقد نقل وقوع مثل ذلك إذا صح أن الشمس خسفت يوم مات إبراهيم بن رسول الله صلى
عليه وسلم وروى الزبير ابن بكار رضي الله عنه في كتاب الأنساب انه توفى في العاشر من
ربيع أول (2) وروى البيهقي مثله عن الواقدي باسناده وكذلك اشتهر أن قتل الحسين ابن علي رضي
الله عنهما كان يوم عاشوراء وروى البيهقي عن أبي قبيل أنه لما قتل الحسين رضي الله عنه كسفت
83

الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي (1) و (الثاني) هب أن الكسوف لا يقع
الا في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين لكن يجوز أن يوافق العيد اليوم الثامن والعشرين
بان يشهد شاهدان على نقصان رجب ويفرض مثل ذلك في شعبان ورمضان وكانت في الحقيقة
كاملة فان اليوم الأول المحسوب من شعبان بناء على شهادتهما يكون من رجب ويومان من أول
رمضان يكونان من شعبان فيبقي سبعة وعشرون ويوافق العيد اليوم الثامن والعشرين (والثالث)
هب أن ذلك لا يقع أصلا لكن الفقيه قد يصور ما لا يتوقع وقوعه لتشحيذ الخاطر وتحصيل الدربة
في مجارى النظر واستخراج التفاريع الدقيقة والله أعلم *
قال (ولا يصلي صلاة الكسوف للزلازل وغيرها من الآيات) *
ما سوى كسوف النيرين من الآيات كالزلازل والصواعق والرياح الشديدة لا يصلي له بالجماعة
84

إذ لم يثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) ولكن يستحب له الدعاء والتضرع
روى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (ما هبت ريح قط الا جثى النبي صلى الله عليه وسلم
على ركبتيه وقال اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا) (2) وكذلك
يستحب لكل أحد أن يصلى منفردا لئلا يكون على غفلة ان حدثت حادثة فلذلك قال في الكتاب
ولا يصلى صلاة الكسوف أي كما يصلي للكسوف ولم يقل ولا يصلى مطلقا وليكن قوله ولا يصلى
85

معلما بالألف لان عند احمد يصلي جماعة في كل آية وبالواو لأنه ذكر أن الشافعي رضي الله عنه روى
أن عليا رضي الله عنه صلى في زلزلة جماعة (1) ثم قال إن صح قلت به فمن الأصحاب من قال هذا قول آخر
86

له في الزلزلة وحدها ومنهم من عممه في جميع الآيات) *
* (كتاب صلاة الاستسقاء) *
قال (وهي سنة عند انقطاع المياه ولو انقطع عن طائفة من المسلمين استحب لغيرهم أيضا
هذه الصلاة ولا باس بتكريرها إذا تأخرت الإجابة وان سقينا قبل الصلاة خرجنا للشكر والدعاء
والوعظ وهل تصلي للشكر فيه خلاف) *
المراد من الاستسقاء في الباب مسألة الله تعالى سقيا عباده عند حاجتهم إليه وله أنواع (أدناها)
الدعاء المجرد من غير صلاة ولا خلف صلاة اما فرادى أو مجتمعين لذلك (وأوسطها) الدعاء خلف
الصلوات وفي خطبة الجمعة وهن (حو ذلك (وأفضلها) الاستسقاء بركعتين وخطبتين كما سنصفه (1) والاخبار
87

وردت بجميع ذلك وأنكر أبو حنيفة رحمه الله استحباب النوع الثالث وقال المسنون في
الاستسقاء هو الدعاء والخطبة والصلاة لهما بدعة * لنا ما روي عن عباد بن تميم عن عمه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم (خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما وحول رداءه
ورفع يديه ودعا واستقبل القبلة) (1) وعن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه
وسلم (خرج إلى المصلي متبذلا متواضعا فصلي ركعتين كما يصلى العيد) (2) ولا فرق
88

في استحباب الاستسقاء بين أهل القرى والبوادي والأمصار ولا بين المقيمين والمسافرين ويسن
لهم جميعا الصلاة والخطبة له لاستواء الكل في الحاجة (وقوله) في الكتاب وهي سنة أعلم بالحاء لرجوعه
إلى ترجمة الباب وهي صلاة الاستسقاء وقد حكينا عن أبي حنيفة ان الصلاة غير مسنونة وقوله عند
انقطاع المياه بيان للسبب الداعي إلى الاستسقاء وعمم به ما إذا انقطع المطر وما إذا غارت العيون
في ناحية أو انبثقت الأنهار ونحوها لحصول الضرار بجميع ذلك ولا بد من قيد في قوله عند انقطاع
المياه وهو أن تمس الحاجة البها في ذلك الوقت والا فلا يستسقون ثم في الفصل مسائل (أحدها)
إذا انقطع المياه عن طائفة من المسلمين استحب لغيرهم أن يصلوا ويستسقوا لهم ويسألوا الزيادة
لا نفسهم روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (أرجى الدعاء دعا الأخ للأخ بظهر الغيب) (1) وقد أثنى
الله تعالى جده على الداعين لإخوانهم بقوله (ربنا اغفر لنا ولاخواننا) (الثانية) إذا استسقوا فسقوا
فذاك وان تأخرت الإجابة استسقوا وصلوا ثانيا وثالثا حتى يسقيهم الله تعالى جده فان الله يجب
الملحين في الدعاء (2) وحكى القاضي بن كج وجها آخر انهم لا يفعلون ذلك الا مرة إذ لم ينقل زيادة
89

عليها ثم على الأول الصحيح هل يعودون من الغد أم يصومون ثلاثة أيام فبل يوم الخروج كما سيأتي
استحباب ذلك للخروج الأول قال في المختصر يعود ون من الغد وحكى عن القديم أنهم يقدمون
صوم ثلاثة أيام واختلفوا فيهما على طريقين منهم من قال هم (قولان) وبه قال ابن القطان وزعم أنه
ليس في الاستسقاء مسألة فيها قولان سوى هذه (والأول) منهما أظهر وقال الشيخ أبو حامد وغيره
هما منزلان على حالين ان لم يشق على الناس ولم ينقطعوا عن مصالحهم عادوا غدا وبعد غد وإن
اقتضي الحال التأخير أياما استأنفوا للخروج صوم ثلاثة أيام (وقوله) في الكتاب ولا بأس بتكريرها
هذه الكلمة لا توجب الا نفي الخروج والكراهة لكن الذي قاله الجمهور ان التكرير مستحب
نعم الاستحباب في المرة الأولى آكد (الثالثة) لو تأهبوا للخروج لصلاة الاستسقاء فسقوا قبل موعد
الخروج خرجوا للوعظ والدعاء والشكر على اعطاء ما عزموا على سؤاله وهل يصلون شكرا حكي
المصنف وامام الحرمين فيه وجهين (أحدهما) لا لان النبي صلى الله عليه وسلم (ما صلى هذه الصلاة إلا عند
الحاجة) (1) (وأصحهما) وهو الذي ذكره الأكثرون وحكاه المحاملي عن نصه في الام أنهم يصلون
للشكر كما يجتمعون ويدعون وأجرى الوجهان فيما إذا لم تنقطع المياه وأرادوا أن يصلوا للاستزادة
(وقوله) خرجنا للشكر تبين أن صلاة الاستسقاء تقام في الصحراء بخلاف صلاة الخسوف لان النبي
صلى الله عليه وسلم (كان يخرج للاستسقاء إلى الصحراء) (2) أو لان الناس يكثرون فيه
فلا يسعهم المسجد غالبا *
90

قال (والأحب أن يأمر الامام الناس قبل يوم الميعاد بصوم ثلاثة أيام وبالخروج من المظالم
ثم يخرج بهم في ثياب بذلة وتخشع مع الصبيان والبهائم وأهل الذمة) *
الفصل يشتمل على آداب لهذا الصلاة (منها) أن يأمر الامام الناس بصوم ثلاثة أيام قبل اليوم
الذي هو ميعاد الخروج وبالخروج عن المظالم في الدم والعرض والمال وبالتقرب إلى الله تعالى
91

جده بما يستطيعون من الخير ثم يخرجون في اليوم الرابع صياما ولكل واحدة من هذه الأمور
أثر في إجابة الدعاء على ما ورد في الاخبار (1) ومنها يخرج بهم في ثياب بذلة وتخشع ولا يتزينون ولا يتطيبون
لما قدمناه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما لكن يتنظفون بالماء والسواك وما يقطع الروائح
الكريهة ويخالف العيد لان ذلك يوم زينة وهذا وقت مسألة واستكانة فاللائق به التواضع ولبس
92

بذلة الثياب دون جديدها (ومنها) يستحب اخراج الصبيان والمشايخ لان دعاء هم إلى الإجابة أقرب (1)
وكذلك اخراج من لا هيئة له من النساء وفي اخراج البهائم قصدا وجهان ذكرهما صاحب النهاية
وغيره (أحدهما) لا يستحب إذ ليس لها سؤال وأهلية طلب لكن لو أخرجت فلا بأس (وأصحهما)
93

أنه يستحب اخراجها لما روى أنها تستسقى (1) وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (لولا رجال
ركع وصبيان رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا) (2) وقوله في الكتاب والبهائم جواب على
94

هذا الوجه وادراج له في حد الأحب وليكن معلما بالواو للوجه الأول (واما) خروج أهل الذمة
فقد نص الشافعي رضي الله عنه على كراهته (1) والمنع منه ان حضروا مستسقي المسلمين لأنهم ربما
كانوا سبب القحط واحتباس القطر وان تميزوا ولم يختلطوا بالمسلمين لم يمنعوا لأنهم مسترزقة وقد
تعجل إجابة دعاء الكافر استدراجا له (2) وحكي القاضي الروياني وجها آخر أنهم يمنعون وان امتازوا
الا ان يخرجوا في غير يوم المسلمين وهذا يقتضى أعلام قوله وأهل الذمة بالواو على أن ايراد
95

الكتاب يقتضى ادراج الخروج بهم في حد الأحب لكن الجمهور ساكتون عنه والتفصيل في أنهم
يمنعون أم لا ومن الآداب أن يذكر كل واحد من القوم في نفسه ما فعل من خير فيجعله شافعا (1)
ومن الآداب أن يستسقي بالأكابر وأهل الصلاح سيما من أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم
96

(استسقي عمر بالعباس (1) ومعاوية بيزيد بن الأسود (2) رضي الله عنهم *
قال (ويصلي بهم ركعتين كصلاة العيد ويقرأ في إحدى الركعتين انا أرسلنا نوحا) *
قد روينا عن ابن عباس رضي عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلى ركعتين كما يصلي
العيد) وفي رواية صنع في الاستسقاء ما صنع في الفطر والأضحى) (3) فينبغي أن ينادى لها الصلاة جامعة
ويكبر في الأولى سبع تكبيرات زائدة وفي الثانية خمسا ويجهر فيهما بالقراءة ويقرأ في الأولى سورة
ق وفي الثانية اقتربت وعن بعض الأصحاب أنه يقرأ في إحدى الركعتين (انا أرسلنا) حكاه الصيد لأني
وغيره وهو المذكور في الكتاب ولتكن تلك الركعة هي الثانية ويقرأ في الأولى ق رعاية لنظم
السور وهكذا حكاه في التهذيب ثم روى المحاملي عن لفظ الشافعي رضي الله عنه أنه يقرأ فيها
ما يقرأ في العيدين وان قرأ (انا أرسلنا) كان حسنا وهذا يشعر بأنه لا خلاف في المسألة وان كلا
97

سائغ ومنهم من أثبت خلافا في أن الأحب ما ذا وقال (الأصح) أنه يقرأ فيها ما يقرأ في العيد وعلى هذه
الطريقة اعلم قوله (انا أرسلنا) بالواو وسبب تعيين هذه السورة انا لائقة بالحال لما فيها من ذكر
الاستسقاء قال الله تعالى جده (فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا)
(واما) وقت إقامة هذه الصلاة فمنهم من قال هي كصلاة العيد في الوقت لان النبي صلى الله عليه وسلم
(صلاها في هذا الوقت) (1) وهذا ما ذكره صاحب التهذيب وحكاه الامام عن الشيخ أبى علي واستغربه
وذكر الروياني وآخرون ان وقتها يبقي بعد الزوال ما لم يصل العصر ولك ان تقول قدمنا وجهين
ذكر هما الأئمة في أن صلاة الاستسقاء هل تكره في أوقات الكراهية أم لا ومعلوم أن الأوقات
المكروهة غير داخلة في وقت صلاة العيد ولا فيه مع انضمام ما بين الزوال والعصر إليه فيلزم أن
لا يكون وقت الاستسقاء منحصرا في ذلك وليس لحامل أن يحمل الوجهين في أوقات الكراهية
على قضائها فان صلاة الاستسقاء لا تقضي وقد صرح صاحب التتمة بان صلاة الاستسقاء لا تختص
بوقت دون وقت بل أي وقت صلاها من ليل أو نهار جاز وقوله ويصلى ركعتين معلم بالحاء لما سبق انه
لا تستحب الصلاة وقوله كصلاة العيد بالميم والألف لان عند مالك ليس في هذه الصلاة تكبير.
زائد وبه قال أحمد في رواية *
قال (ثم يخطب كخطبة العيد ولكن يبدل التكبيرات بالاستغفار ثم يبالغ في الدعاء في الخطبة
98

الثانية ويستقبل القبلة فيهما ويحول رداءه تفاؤلا بتحويل الحال فيقلب الاعلى إلى الأسفل واليمين إلى
اليسار والظاهر إلى الباطن ويتركه كذلك إلى أن ينزع ثيابه) *
قوله ثم يخطب مرقوم بالألف لان عنده لا خطبة لصلاة الاستسقاء ولكن يدعوا لامام ويكثر
في دعائه من الاستغفار وهو مخير بين أن يدعو قبل الصلاة أو بعدها وعند يخطب له لما روى
ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (صنع في الاستسقاء كما صنع في العيد) وعن أبي
هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم (خرج إلى الاستسقاء فصلى ركعتين وخطب) (1) إذا ثبت ذلك
99

فينبغي أن يخطب خطبتين وهما في الأركان والشرائط كما تقدم ويبدل التكبيرات المشروعة في أول
خطبتي العيد بالاستغفار فيقول (استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه) ويختم كلامه
بالاستغفار أيضا ويكثر منه في الخطبة ومن قول (استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل المساء عليكم
مدرارا) ويجوز أن يعلم قوله يبدل التكبيرات بالاستغفار بالواو لان صاحب البيان حكى عن المحاملي انه يكبر
في أول الخطبتين كما يكبر في أول خطبتي العيد وقوله لكن يبدل استدراك واستثناء عن تشبيه هذه
الخطبة بخطبة العيد لكن افتراقهما غير منحصر فيه بل يفترقان في أمور أخر (منها) أنه يستقبل القبلة
في الخطبة الثانية كما سنذكر (ومنها) أن يدعوا في الأول بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي
صلى الله عليه وسلم (كان إذا استسقى قال اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا سحا
طبقا دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم ان بالعباد والبلاد من اللاواء والجهد
والضنك ما لا نشكوا الا إليك اللهم انبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنبت
لنا من بركات الأرض اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعرى واكشف عنا من البلاء ما لا يشفه غيرك
اللهم انا نستغفرك انك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا) (1) ويكون في الخطبة الأولى وصدر
100

الثانية مستقبلا للناس مستدبرا للقبلة كما في الجمعة والعيد ثم يستقبل القبلة ويبالغ في الدعاء سرا وجهرا
قال لله تعالي جده (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) وإذا أسر دعا الناس سرا ورفعوا أيديهم في الدعاء
101

وقد روى عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (استسقي فأشار بظهر كفيه إلى السماء) (1)
قال العلماء وهكذا السنة من دعا لدفع البرء جعل ظهر كفيه إلى السماء وإذا سأل الله تعالى شيئا جعل بطن
كفه إلى السماء (2) قال الشافعي رضي الله عنه وليكن من دعائم في هذه الحالة اللهم أنت امرتنا بدعائك
ووعدتنا اجابتك وقد دعوناك كما امرتنا فأجبنا كما وعدتنا اللهم فامنن علينا بمغفرة ما قارفنا وإجابتك في
سقيانا وسعة رزقنا وقوله في الكتاب ويستقبل القبلة فيها ربما أوهم استحباب الاستقبال في جميعها وليس
كذلك بل المراد أنه يستقبل القبلة في أثنائها ثم إذا فرغ من الدعاء مستقبلا أقبل بوجهه على الناس
وحضهم على طاعة ربهم ويصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وسلم ويدعو المؤمنين والمؤمنات ويقرأ آية
أو آيتين ويقول استغفر الله لي ولكن ثم ينزل هذا لفظ الشافعي رحمه الله ويستحب عند تحوله
إلى القيام أن يحول رداءه وهل ينكسه مع التحويل فيه قولان (الجديد) نعم (والقديم) لا وبه قال
مالك واحمد وعند أبي حنيفة رحمهم الله لا يفعل واحدا منهما والتحويل أن يجعل ما على عاتقه الأيمن
102

على عاتقه الأيسر وبالعكس والتنكيس أن يجعل أعلاه أسفله وبالعكس اما التحول فهو منقول عن
فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) واما التنكيس فقد نقل انه هم به لكن كان على خميصة فثقلت
عليه فقلبها من الأعلى إلى الأسفل (2) فرأى الشافعي رضي الله عنه في الجديد اتباعه فيما هم به لظهور
السبب الداعي إلى الترك ومتي جعل الطرف الأسفل الذي على شقه الأيسر على عاتقه الأيمن والطرف
الأسفل الذي على شقه الأيمن على عاتقه الأيسر فقد حصل التحويل والتنكيس جميعا وهذا كله
في الرداء المربع فاما المقور والمثلث فليس فيه الا التحويل والناس يفعلون بأرديتهم مثل ما فعل
الامام والسبب في ذلك التفاؤل بتحويل الحال من الجدوبة إلى الخصب (3) وكان النبي صلى الله عليه
وسلم يحب التفاؤل (4) وإذا حولوا الأردية تركوها كذلك إلى أن ينزعوا الثياب (وقوله) ويحول
رداءه مرقوم بالحاء لما ذكرنا وقوله فيقلب مرقوم به أيضا وبالميم والألف والواو للقول القديم الصائر
إلى أنه لا يقلب الا على إلى الأسفل وهذا الكلام تفسير منه للتحويل والتنكيس مندرج فيه فقد
103

أخذ في التفسير قلب الظاهر إلى الباطن وإنما قلد فيه امام الحرمين رحمه الله فإنه حكي عن الجديد
أنه يقلب أسفل الرداء إلى الاعلى ويقلب ما كان من جانب اليمين إلى اليسار ويقلب ما كان باطنا
يلي الثياب منه إلى الظاهر فتحصل ثلاثة أوجه من التقليب (وأعلم) أن هذا الوجه الثالث لم يذكره
المجهور وليس في لفظ الشافعي رضي الله عنه تعرض له والوجه حذفه لأن الأمور الثلاثة لا يمكن
اجتماعها الا بوضع ما كان منسد لا على الرأس أو لفه عليه ومعلوم أن هذه الهيئة غير مأمور بها وليست
هي من الارتداء في شئ وفيما عدا ذلك لا يجتمع من الأمور الثلاثة الا اثنان أما قلب اليمين إلى
اليسار مع قلب الظاهر إلى الباطن أو قلب اليمين إلى اليسار مع قلب الاعلى إلى الأسفل أو قلب
الظاهر إلى الباطن مع قلب الاعلى إلى الأسفل فان شككت فيه فجربه يزل شكك *
قال * (كتاب الجنائز) *
(المحتضر يستقبل به القبلة فيلقى على قفاه (ح م) واخمصاه إلى القبلة ويلقن كلمة الشهادة ويتلي عليه سورة
يسن وليكن هو في نفسه حسن الظن بربه تعالى جده) *
يستحب لكل أحد ذكر الموت قال صلى الله عليه وسلم (أكثر واذكرها ذم اللذات) (1) يعنى الموت
104

وينبغي أن يكون مستعدا له بالتوبة ورد المظالم فربما يأتيه فجأة وكل ذلك للمريض آكد ويستحب
له الصبر على المرض والتداوي وترك الأنين ما أطاق ويستحب لغيره عيادته إن كان مسلما وإن كان
ذميا جازت عيادته ولا يستحب الا لقرابة أو جوار ونحو هما ثم العائد ان رأى امارة البرء دعا
للمريض وانصرف وان رأى خلاف ذلك رغبه في التوبة والوصية إذا عرفت ذلك فغرض الفصل
105

الكلام في آداب المحتضر وقد ذكر منهما أربعة (أحدها) أن يستقبل به القبلة وفي كيفيته وجهان
(أحدهما) انه يلقي على قفاه واخمضاه إلى القبلة كالموضوع على المغتسل (والثاني) وبه قال أبو حنيفة
رحمه الله انه يضجع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة كالموضوع في اللحد لأنه أبلغ في الاستقبال
106

والوجه الأول هو المذكور في الكتاب لكن الثاني أظهر عند الكثيرين ولم يذكر أصحابنا العراقيون
سواه وحكي عن نص الشافعي رضي الله عنه واحتجوا له بما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال
(إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه) (1) واستثنوا ما إذا ضاق المكان فلم يمكن وضعه على جنب أو كان به
علة تمنع من ذلك فحينئذ يلقى على قفاه ويجعل مستقبلا بوجهه ورجليه (والثاني) تلقين كلمة الشهادة
107

قال صلى الله عليه وسلم (لقنوا موتا كم قول لا إله إلا الله) (1) وقال من كان آخر كلامه لا اله
108

الا الله دخل الجنة) (1) والأحب أن لايح الملقن عليه ولا يواجهه بأن يقول قل لا إله إلا الله ولكن
يذكر الكلمة بين يديه ليتذكرها فيذكرها أو يقول ذكر الله تعالى مبارك فنذكر الله جميعا ويقول
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وإذا قال مرة لا تعاد عليه الا أن يكلم بعدها بكلام
109

والأحب أن يلقن غير الورثة فإن لم يحضر غيرهم لقن أشفقهم عليه (والثالث) تتلي عليه سورة يسن
لما روى أنه صلى الله عليه وسلم: قال (اقرأوا أين على موتاكم) (1) واستحب بعض التابعين
المتأخرين قراءة سورة الرعد عنه أيضا (والرابع) ينبغي أن يكون حسن الظن بالله عز وجل لما روى جابر
110

رضي الله عنه قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث لا يموتن أحدكم
111

الا وهو يحسن الظن بالله عز وجل) (1) ويستحب لمن عنده تحسين ظنه وتطميعه في رحمة الله
تعالى جده
قال (ثم إذا مات تغمض عيناه ويشد لحياه بعصابة وتلين مفاصله ويستر بثوب خفيف ويوضع
على بطنه سيف أو مرآة)
112

هذا الفصل في الآداب المشروعة بعد الموت وقبل الغسل (أولها) ان يغمض عيناه لما روى أن
النبي صلى الله عليه وسلم (اغمض أبا سلمة) (1) لما مات ولأنه لو لم يغمض لبقيت عيناه مفتوحتين
وقبح منظره (وثانيها) أن تشد لحياه بعصابة عريضة تأخذ جميع لحييه ويربطها فوق رأسه لئلا يبقى
فمه منفتحا فتدخله الهوام (وثالثها) ان تلين مفاصله بان يرد المتعهد ساعده إلى عضده ثم يمدها ويرد ساقيه
إلى فخذيه وفخذيه إلى بطنه ثم يردها ويلين أصابعه أيضا ليكون الغسل أسهل فان في البدن بعد
مفارقة الروح بقية حرارة ن الينت المفاصل في تلك الحالة لانت والا لم يمكن تليينها بعد ذلك (ورابعها)
يستر جميع بدنه بثوب خفيف لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (لما تو في سجي ببرد حبرة) (2) ولا يجمع
113

عليه اطباق الثياب حتى لا يتسارع إليه الفساد ويجعل أطراف الثوب الساتر تحت رأسه ورجليه
لئلا ينكشف (وخامسها) يوضع على بطنه شئ ثقيل من سيف أو مرآة أو نحوهما فإن لم يكن حديد
فقطعة طين رطب لئلا ينتفخ ويصان المصحف عنه فهذه الخسمة هي المذكورة في الكتاب ويتولى
هذه الأمور ارفق محارمه به بأسهل ما يقدر عليه (ومنها) ان يوضع على شئ مرتفع من سرير
ونحوه لئلا تصيبه نداوة الأرض فيتغير (ومنها) ان يستقبل به القبلة كما في المحتضر (ومنها) ان
ينزع عنه ثيابه التي مات فيها فإنه على ما حكى يسرع إليه الفساد (ومنها) أن يبادر إلى قضاء دينه وتنفيذ
وصيته ان تيسر ذلك في الحال (ومنها) أن يستقبل به القبلة كما في المحتضر (ومنها) أن ينزع عنه ثيابه التي
مات فيها فإنها على ما حكي تسرع إليه الفساد
قال (ثم يشتغل بغسله وأقله امرار الماء على جميع أعضائه وفي وجوب النية على الغاسل وجهان فان
أوجبنا لم تصح من الكافر وأعيد غسل الغريق)
يستحب المبادرة إلى الغسل والتجهيز عند تحقق الموت وذلك بأن يكون به علة وتظهر امارات
الموت مثل أن تسترخي قدماه فلا ينتصبا أو يميل أنفه أو ينخسف صدغاه أو تمتد جلدة وجهه أو ينخلع
كفه من ذراعه أو تتقلص خصيتاه إلى فوق مع تدلى الجلدة وعند الشك يتأنى إلى حصول اليقين
وموضعه أن لا يكون به علة ويجوز أن يكون ما أصابه سكتة أو ظهرت امارة فزع واحتمل أنه عرض
ما عرض لذلك فيتوقف إلى حصول اليقين بتغير الرائحة وغيره إذا عرفت ذلك فنقول غسل الميت
من فروض الكفايات وكذلك التكفين والصلاة عليه والدفن بالاجماع والنظر في لا غسل في شيئين
(أحدهما) في كيفيته (والثاني) فيمن يغسل النظر الأول في كيفيته والكلام في الأقل والأكمل (اما)
الأقل فلا بد من استيعاب البدن بالغسل مرة بعد أن يزال ما عليه من النجاسة إن كانت عليه نجاسة وهل
تشترط النية على الغاسل فيه وجهان (أحدهما) نعم لأنه غسل واجب فافتقر إلى النية كغسل الجنابة (والثاني)
لا لان المقصود من هذا الغسل النظافة وهي حاصلة نوى أو لم ينو وإنما تشترط في سائر الأغسال على المغتسل
والميت ليس من أهل النية وهذا أصح فيما ذكره القاضي الروياني وغيره ويترتب على الخلاف صورتان
(أحداهما) لو غسل الكافر مسلما هل يجزئ ان فرعنا على الوجه الأول فلا والا فنعم (والثانية) لو غرق
انسان ثم لفظه الماء وظفر نابه ان قلنا بالأول لم يكف ما سبق ووجب غسله وان قلنا بالثاني كفى ذلك
114

واعرف ههنا ثلاثة أمور (أحدها) ان المحكي عن نص الشافعي رضي الله عنه في الصورة الأخيرة انه
يجب الغسل ولا يكفي إصابة الماء إياه ونص فيما إذا غسلت الذمية زوجها المسلم انه يكره ويجوز
وهو أحد أمثلة الصورة الأولى وكأن الوجهين مستنبطان من هذين النصين والظاهر في الصورتين
هو الذي نص عليه (اما) في صورة غسل الكافر فهو مستمر على ما حكينا ان الأصح عدم اشتراط النية
(واما) في صورة الغريق فسبب الامر بالغسل انا مأمورون بغسل الميت فلا يسقط الغرض عنا الا
بفعلنا (والثاني) ان في قولنا الكافر ليس اهلا للنية اشكالا أشرنا إليه في باب صفة الوضوء
(والثالث) ان قوله وأعيد غسل الغريق إن كان بضم الغين يقتضى أن يكون إصابة الماء إياه بمجردها
غسلا ليكون هذا إعادة له لكن الأليق بتوجه وجوب النية أن لا يوقع اسم الغسل الا على غسل
الأعضاء مع النية والله أعلم
قال (واما الأكمل فان يحمل إلى موضع خال ويوضع على سرير ولا ينزع قميصه (م ح) ويحتاط
في غض البصر عن جميع بدنه الا لحاجة ويحضر ماء بارد (ح) طهور ويبعد الاناء عن المغتسل حذرا
من الرشاش ثم يبتدئ بغسل سوأتيه بعد لف خرقة على اليد وبعد ان يجلس فيمسح على بطنه
ليخرج الفضلات ثم يتعهد مواضع النجاسة من بدنه ثم يتعهد أسنانه ومنخريه بخرقه مبلولة ثم يوضأ
ثلاثا مع المضمضة (ح) والاستنشاق)
115

الفصل لذكر أمور محبوبة مقدمة على نفس الغسل (أحدها) أن يحمل الميت إلى موضع خال؟ مستور
لا يدخله أحد الا الغاسل ومن لابد من معونته لأنه في حياته كان يستتر عند الاغتسال فكذلك يستر
بعد موته ولأنه قد يكون ببعض بدنه ما يكره ظهوره وذكر القاضي الروياني وغيره ان للولي أن
يدخل ذلك الموضع ان شاء وان لم يغسل ولا أعان ويروى (ان غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم
تولاه على والفضل بن عباس رضي الله عنه وأسامة بن زيد يتناول الماء والعباس واقف) (1) ثم يوضع
على لوح أو سرير هئ لذلك وليكن موضع رأسه أعلي لينحدر الماء عنه ولا يقف تحته ويغسل في
قميص خلافا لأبي حنيفة حيث قال الأولى ان يجرد ويروى مثله عن مالك وحكاه القاضي بن كج
116

وجها عن بعض الأصحاب لنا أنه استر له ولان النبي صلى الله عليه وسلم (غسل قميص) (1) دل انه
أفضل وليكن القميص باليا أو سخيفا ثم إن كان القميص واسعا ادخل يديه في كميه وغسله من تحته
وعلى يده خرقة وإن كان ضيقا فتق رؤس الدخاريص وادخل اليد في موضع الفتق فلو لم يحسد
قميصا أو لم يتأت غسله فيه ستر منه ما بين السرة والركبة وحرم النظر إليه لما روى عن علي كرم الله وجهه
ان النبي صلى الله عليه وسلم (قال لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت) (2) وعند أبي حنيفة يلقى
خرقة على فرجه وفخذه مكشوفة ويكره للغاسل ان ينظر إلى شئ من بدنه الا لحاجة بان يريد معرفة
المغسول من غير المغسول والمعين لا ينظر الا لضرورة (وقوله له) في الكتاب ولا ينزع قميصه غير
117

هذه العبارة اولي منها لأنها توهم كونه في قميص قبل حالة الغسل والمحبوب نزع الثياب المخيطة عنه من
حين مات إلى وقت الغسل والقميص الذي يغسل فيه يلبس عند غسله ذكره المسعودي وغيره
(الثاني) يحضر ماء بارد في إناء كبير كالحب ونحوه ليغسل به وهو أولي من المسخن الا أن يحتاج
إلى المسخن لشدة البرد أو لوسخ وغيره وعند أبي حنيفة المسخن اولي بكل حال * لنا أن البارد
يشد بدنه والمسخن يرخيه فكان البارد أولي وينبغي أن يبعد الاناء الذي فيه الماء عن المغتسل بحيث
لا يصيبه رشاش الماء عند الغسل اما من صار إلى قول نجاسة الآدمي بالموت قال لئلا ينجس بالرشاش
الذي يصيبه وربما احتج بهذه المسألة على النجاسة (وأما) من نصر القول الصحيح وهو طهارته قال إنما
يبعد عنه لتكون النفس أطيب في أن لا يتقاطر الماء إليه وأيضا فالماء المستعمل إذا كثر تقاطره فقد يثبت
لما يتقاطر إليه حكم الاستعمال فيخرج عن كونه طهورا وأما وصفه الماء المحضر بكونه طهورا
ففيه فائدة على طهوره وهي انا نستحب استعمال السدر في بعض الغسلات على ما سيأتي
لكن الظاهر أن الفرض لا يسقط به فلا يجوز أن يكون الماء المحضر مغيرا بالسدر (والثالث)
يعد الغاسل قبل الغسل خرقتين نظيفتين وأول ما يبدأ به بعد وضعه على المغتسل أن يجلسه اجلاسا
رفيقا بحيث لا يعتدل ويكون مائلا إلى ورائه ويضع يده اليميني على كيفية وابهامه في نقرة قفاه حتى
لا يتمايل رأسه ويسند ظهره إلى ركبته اليميني ويمر يده اليسرى على بطنه امرارا بليغا ليخرج ما فيه
118

من الفضلات وينبغي أن تكون المجمرة والحالة هذه متقدمة فائحة بالطيب والمعين يصب عليه ماء
كثيرا لئلا تظهر رائحة ما يخرج ثم يرده على هيئة الاستلقاء ويغسل بيساره وهي ملفوفة بإحدى
الخرقتين دبره ومذاكريه وعانته كما يستنجي الحي ثم يلقى تلك الخرقة ويغسل يده بماء وأشنان
ان تلوث (وقوله) في الكتاب ثم يبتدئ بغسل سوأتيه بعد لف خرقة اليد يشعر بأنه يغسل السوأتين
معا بخرقة واحدة وكذلك ذكر الجمهور وسيحكى ما يفعله بالخرقة الثانية من الخرقتين المعدتين وفي
النهاية والوسيط انه يغسل كل سوأة بخرقة ولا شك انه أبلغ في التنظيف (وقوله) ثم يتعهد مواضع
النجاسة من بدنه فيه اشكال لأنه إن كانت عليه نجاسة فازالتها قبل الغسل واجبة على ما تقدم في
غسل الاحياء فلا ينبغي ان يدرج في حد الأكمل ولم يذكر صاحب النهاية لفظ النجاسة في هذا الموضع
لكن قال إن كان ببدنه قذر اعتنى به ولف خرقة على يده وغسله (الرابع) إذا فرغ من غسل سوأتيه
لف الخرقة الأخرى على اليد وادخل إصبعه في فيه وأمرها على أسنانه بشئ من الماء ولا يقعر فاه
وكذا يدخل طرف إصبعه في منخريه بشئ من الماء ليزيل ما فيها من الأذى ثم يوضئه كما يتوضأ
الحي ثلاثا ثلاثا ويراعي المضمضة والاستنشاق خلافا لأبي حنيفة * لنا ان النبي صلى الله عليه وسلم
(قال للواتي غسلن ابنته ابدأن بمواضع الوضوء منها) (1) وموضع المضمضة والاستنشاق من مواضع
الوضوء (ثم لفظ) الكتاب وكلام الأكثرين يقتضي أن يكون ادخال الإصبع في الفم والمنخرين
غير المضمضة والاستنشاق وانه في الفم بمنزلة السواك وغرضه التنظيف وفي الشامل وغيره ما يدل
على أن المضمضة والاستنشاق ليسا وراء ذلك والظاهر الأول ثم يميل رأسه في المضمضة والاستنشاق
حتى لا يصل الماء إلى باطنه وهل يكتفى بوصول الماء إلى مقاديم الشعر والمنخرين أم يوصل الماء إلى
الداخل حكي امام الحرمين فيه ترددا الخوف وصول الماء إلى جوفه وتأثيره في تسارع الفساد إليه
وقطع بأنه لو كانت أسنانه متراصة لم يكلف فتحها *
119

قال (ثم يتعهد شعره بمشط واسع الأسنان ثم يضجع على جنبه الأيسر ويصب الماء على شقه
الأيمن ثم يضجع على شقه الأيمن ويصب الماء على الشق الأيسر وذلك غسله واحده ثم يفعل ذلك
ثلاثا فان حصل الانقاء والا فخمس أو سبع ثم يبالغ في تنشيفه صيانة للكفن ويستعمل قدرا من
الكافور لدفع الهوام ويستعمل السدر في بعض الغسلات ولا يسقط (ح) الفرض به) *
(إذا فرغ من توضيئه غسل رأسه ثم لحيته بالسدر والخطمي وسرحهما بمشط واسع الأسنان ان تلبد
شعرهما ويرفق حتى لا ينتف شئ وان انتف رده إليه وليكن قوله بمشط معلما بالحاء والألف لان عندهما لا
يتعهده بالمشط لكن يغسل ويزيل الوسخ * لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم (قال افعلوا بميتكم ما تفعلون
بعروسكم) (1) ومعلوم أن العروس يسرح شعرها ثم يضجع على جنبه الأيسر فيصب الماء على شقه الأيمن ثم
يضجع على جنبه الأيمن فيصب الماء على شقه الأيسر هكذا ذكره صاحب الكتاب والامام في آخرين
والأكثرون زادوا في هذه الكيفية ونقصوا فقالوا يغسل شقه الأيمن المقبل من عنقه وصدره وفخذه وساقه
وقدمه ثم يغسل شقه الأيسر كذلك ثم يحرفه إلى جنبه الأيسر فيغسل شقه الأيمن مما بلى القضا
والظهر من الكتف إلى القدم ثم يحرفه إلى جنبه الأيمن فيغسل شقه الأيسر كذلك وهذا ما ذكره
120

الشافعي رضي الله عنه في المختصر وحكى أصحابنا العراقيون وغيرهم قولا آخر أنه يغسل جنبه
الأيمن من مقدمه ويحوله فيغسل جانب ظهره الأيمن ثم يلقيه على ظهره فيغسل جانبه الأيسر من
مقدمه ثم يحوله ويغسل جانب ظهره الأيسر قالوا وكل واحد من الطريقين سائغ والأول أولي
وليس في هذين الطريقين اضجاع على الجانب الأيسر في أول الأمر بل هو مستلق فيهما إلى أن
يغسل بعضه ثم يجرى الاضجاع فلا فلا بأس لو أعلمت قوله ثم يضجع على جنبه الأيسر بالواو وإنما
أمرناه بالابتداء بالميامن لان النبي صلى الله عليه وسلم (أمر غاسلات ابنته بان يبدأن بميامنها) (1) ويجب
الاحتراز عن كبه غلى الوجه وإذا عرفت ذلك فاعلم أن جميع ما ذكرناه غسلة واحدة وهذه الغسلة
تكون بالماء والسدر والخطمي تنظيفا وانقاء له ثم يصب عليه الماء القراح من فرقه إلى قدمه ويستحب
أن يغسله ثلاثا فإن لم يحصل النقاء والتنظيف زاد حتى يحصل فان حصل بشفع فالمستحب ان يزيد
واحدة ويختم بالوتر روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لغاسلات ابنته رضي الله عنها اغسلنها ثلاثا
خمسا سبعا) (2) وهل يسقط الفرض بالغسلة التي فيها السدر والخطمي ذكر في الكتاب فيه وجهين
(أحدهما) نعم ونسبه في النهاية إلى أبى اسحق المروزي لان المقصود من غسل الميت التنظيف
فالاستعانة بما يزيد في التنظيف مما لا يقدح (وأظهرهما) لا لان التغير به فاحش سالب للطهورية فأشبه
121

ما لو استعمله الحي في وضوءه وغسله وعلى هذا فتلك الغسلة غير من الغسلات الثلاث وهل
تحسب الغسلة الواقعة بعدها فيه وجهان (أحدهما) نعم لأنها غسلة بماء طهور لم يخالطه شئ وهذا أصح
عند القاضي الروياني وأظهرهما عند الأكثرين ولم يذكر في التهذيب سواه انها لا تحسب لأن الماء
إذا أصاب المحل اختلط بما عليه من السدر وتغير به فعلى هذا المحسوب ما يصب عليه من الماء
القراح بعد زوال السدر ويستحب أن يجعل في كل ماء قراح كافورا وهو في الغسلة الأخيرة
آكد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لام عطية وهي من غاسلات بنته رضي الله عنها (واجعلي في
الأخيرة كافورا) (1) والسبب فيه ان رائحته مطردة للهوام وليكن قليلا لا يتفاحش التغير به ولا يسلب
الطهورية وقد يكون صلبا لا يقدح التغير به وإن كان فاحشا على الصحيح لأنه مجاور وبعيد تليين مفاصله بعد
الغسل لأنها لانت بالماء فيتوخى بالتليين بقاء لينها كما ذكرنا في التليين عقيب الموت ونقل المزني
إعادة التليين في أول وضعه على المغتسل وانكره أكثر الأصحاب ثم ينشفه ويبالغ فيه كيلا تبتل
أكفانه فيسرع إليه الفساد هذا تمام مسائل الفصل * ثم أعرف أمورا (منها) أن صاحب الكتاب في
الوسيط والامام في النهاية أشارا إلى أن تعهد الشعر بالغسل والتسريح ليس من نفس الغسل بل
هو من مقدماته كالوضوء وغيره ولذلك قالا يصب الماء على شقه الأيمن مبتدئا من رأسه إلى قدمه
والأكثرون لم يذكروا صب الماء على الرأس ولكن قالوا يصبه على صفحة العنق والصدر والفخذ
والساق وهذا مصير منهم إلى أن غسل الرأس وتعهد الشعر من جملة الغسل وكلام الشافعي رضي الله عنه
في المختصر يوافق قول الأكثرين (ومنها) أن قوله وذلك غسله واحده ثم يفعل ذلك ثلاثا يقتضى
استحباب ثلاث غسلات بعد تلك الغسلة وهو صحيح بناء على أن تلك الغسلة بالماء المتغير بالسدر
والخطمي وأن المحسوب الغسل بالماء القراح فإنه حينئذ يراعي ثلاث غسلات بعدها بالماء القراح (وقوله)
بعدها أو يستعمل السدر في بعض الغسلات ذلك البعض هو الغسلة الأولى نصوا عليه كما قدمناه
122

وإنما أبهم ذكره المصنف وشيخه وربما أوهم ايراده عد الغسلة التي فيها السدر من الثلاث وتخصيص
الخلاف بان الفرض هل يسقط بها فيجب الاحتراز عن الوهم ومعرفة انا إذا لم نسقط الفرض
بها لا نحسبها من الثلاث أيضا يجوز ان يرقم لفظ الثلاث والخمس والسبع بالميم لأنه روى عن مالك
أنه لا اعتبار بالعدد وإنما المعتبر الابقاء (وقوله) يستعمل قدرا من الكافور مرقوم بالحاء لان
أبا حنيفة قل لا أعرف الكافور وذكر في السدر انه يغسل انه يغسل مرة بالماء القراح وأخرى بالسدر
وثالثة بالماء القراح *
(قال فان خرجت نجاسة بعد الغسل أزيلت النجاسة ولم يعد الغسل على الصحيح وفي إعادة
الوضوء وجهان) *
يتعهد الغاسل مسح بطن الميت في كل مرة بالرفق مما قبلها فلو خرجت منه نجاسة في آخر
الغسلات أو بعدها ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) وبه قال ابن أبي هريرة يجب إعادة غسله ليكون خاتمة
أمره على كمال الطهارة (وأصحهما) وبه قال مالك وأبو حنيفة والمزني رحمهم الله انه لا يجب
شئ سوى إزالة النجاسة لسقوط الفرض بما وجد وحصول غرض التنظيف وربما نبي الخلاف في
وجوب الغسل وعدمه على اختلاف قراءة لفظ الشافعي رضي الله عنه فإنه قال في المسألة انقاءها بالخرقة
وأعاد غسله فمنهم من قرأ بضم الغين وأوجب إعادة الغسل ومنهم من قرأ بفتحها وحمله على إزالة النجاسة
وربما سلموا ان لفظه الغسل وحملوه على الاستحباب وإذا قلنا بالوجه الصحيح فلا فرق بين النجاسة
الخارجة من السبيلين وغيرها وان قلنا بوجوب الوضوء فذلك في النجاسة الخارجة من السبيلين دون غير
123

وان قلنا بوجوب الغسل ففي إعادة الغسل لسائر النجاسات احتمال عند امام الحرمين قدس الله
روحه ولو لمس رجل امرأة ميتة بعد غسلها فان قلنا يجب إعادة الغسل أو الوضوء بخروج الخارج
فكذلك ههنا هكذا أطلق صاحب التهذيب وذكر غيره أن هذا الجواب مبني على أن الملموس
ينتقض طهره وان قلنا لا يجب الا غسل المحل فلا يجب ههنا شي ولو وطئت فعلى الوجه الأول
والثاني في خروج النجاسة يجب ههنا إعادة الغسل وعلى الثالث لا يجب شئ * وأعلم أن نفى وجوب
الغسل أظهر من نفى وجوب الوضوء ولذلك أرسل صاحب الكتاب ذكر الخلاف في الوضوء
وبين الصحيح في الغسل والنجاسة واجبة الإزالة بكل حال فلذلك جزم به وقوله ولم يعد الغسل
معلم بالألف لان عند احمد يعاد غسله سبع مرات ولم يتعرض الجمهور للفرق بين أن تخرج النجاسة
قبل الادراج في الكفن أو بعده وأشار صاحب العدة إلى تخصيص الخلاف في وجوب الوضوء
والغسل بما إذا خرجت قبل الادراج والله أعلم *
قال (وأما الغاسل فلا يغسل رجل امرأة الا بزوجية (ح) أو محرمية أو محرمية أو ملك يمين فيغسل السيد
مستولدته وأمه (ح) وتغسل الزوجة زوجها ولا تغسل المستولدة والأمة سيدهما على أحد الوجهين
لان الموت ينقل ملك اليمين ويقرر ملك النكاح) *
النظر الثاني فيمن يتولي الغسل والأصل أن يغسل الرجال الرجال والنساء النساء وأولى
الرجل بغسل الرجل أولاهم بالصلاة عليه وسيأتي ترتيبهم فيها والنساء أولي بغسل المرأة بكل حال
لان عورتها بالإضافة إليهم أخف وليس للرجل غسل المرأة الا بأحد أسباب ثلاثة (أولها) الزوجية
فللزوج غسل زوجته خلافا لأبي حنيفة وذكر صاحب الشامل أن عند احمد رواية مثل فول أبي حنيفة
والأصح عنه مثل قولنا * لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة (لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك) (1)
124

(وغسل على فاطمة رضي الله عنهما) (1) وله ذلك وإن تزوج بأختها أو بأربع سواها في أصح الوجهين
ولو كانت الزوجة ذمية فله أن يغسلها إن شاء (والثاني) المحرمية وسياق الكلام في الكتاب
يقتضى تجويز الغسل للرجال المحارم مع وجود النساء لان قوله لا يغسل رجل امرأة إلا بكذا
وكذا مفروض في حال الاختيار والا فعند الضرورة قد يجوز للأجانب غسلها أيضا كما سيأتي
لكن لم أر لعامة الأصحاب تصريحا بذلك وإنما يتكلمون في الترتيب ويقولون أن المحارم بعد
النساء اولي (والثالث) ملك اليمين فيجوز للسيد غسل أمته ومدبرته وأم ولده خلافا لأبي حنيفة فيما
رواه في الشامل * واحتج لنا بأنه يلزمه الاتفاق عليهما بحكم الملك فكان له أن يغسلها كالحية ويجوز
له غسل المكاتبة أيضا لان الكتابة ترتفع بموتها وهذا كله إذا لم يكن مزوجات ولا معتدات فان
كن مزوجات أو معتدات لم يكن له غسلهن وكما يغسل الزوج زوجته تغسل الزوجة زوجها خلافا
لأحمد في رواية والأصح عنه موافقة الجمهور بان طلقها طلقة رجعية ومات أحدهما في مدة العدة
فليس للآخر غسله لحرمة النظر والمس في الحياة والي متي تغسل المرأة زوجها فيه ثلاثة أوجه (أحدها) ما لم تنقض عدتها فان انقضت بوضع الحمل عقيب الموت لم تغسله وبه قال أبو حنيفة (والثاني) تغسله
ما لم تنكح (والثالث) وهو الأصح ابدا وهو الذي ذكره في الكتاب في باب العدة وإذا غسل
إحدى الزوجين لف خرقة على يده ولم يمسه فان خالف فقد قال القاضي يصح الغسل ولا يبنى
125

على الخلاف في انتقاض طهر الملموس والله أعلم * وهل يجوز لام الولد والمدبرة والأمة غسل السيد
فيه وجهان (أحدهما) وبه قال احمد نعم لأنهن محللات له فأشبهن الزوجة (وأظهرهما) وبه قال أبو حنيفة
لا لان الموت ينقل ملك اليمين أما في حق الأمة فإلى الورثة وأما في المدبرة وأم الولد فلأنهما يعتقان
بموته فكان الملك في رقبتهما ينتقل إليهما بخلاف ملك النكاح لا تنقطع حقوقه بالموت ألا ترى انهما
يتوارثان وليس للمكاتبة غسل السيد فإنها محرمة عليه قبل الموت *
قال (فان ماتت المرأة ولم يحضر الا أجنبي غسلها (م ح) وغض البصر وقيل تيمم وكذا الخنثى
يغسله رجل أو امرأة استصحابا بحكمه في الصغر) *
في الفصل مسألتان (إحداهما) لو ماتت امرأة وليس هناك الأرجل أجنبي ففيه وجهان (أحدهما)
انها لا تغسل ولكن تيمم وتدفن ويجعل فقد الغاسل كفقد الماء وبهذا قال مالك وأبو حنيفة (والثاني)
أنه يغسلها في ثيابها ويلف خرقة على يده ويغض الطرف ما أمكنه فان اضطر إلى النظر عذر للضرورة
وعن أحمد روايتان كالوجهين فيجوز أن يعلم قوله غسلها بالحاء والميم ثم إيراد الكتاب
يقتضي ترجيح الوجه الثاني وهكذا ذكره الامام وحكاه عن القفال لكن الأظهر عند أصحابنا
العراقيين والقاضي الروياني والأكثرين هو الأول والوجهان جاريان فيما لو مات رجل وليس هناك
إلا امرأة أجنبية (الثانية) الخنثى المشكل إذا مات وليس هناك محرم له من الرجال والنساء ينظر إن
كان صغيرا بعد جاز للرجال والنساء غسله وكذا واضح الحال من الأطفال يجوز للفريقين جميعا
غسله كما يجوز مسه والنظر إليه وإن كان كبيرا فهل يغسل فيه وجهان كالوجهين في المسألة السابقة
لأنه بجوز أن يكون رجلا فيمتنع مسه على النساء أو امرأة فيمتنع مسها على الرجال (أحدهما) انه ييمم
ويدفن وبه قال أبو حنيفة رحمه الله (والثاني) أنه يجوز غسله ومن الذي يغسله فيه وجوه (أحدها) أنه
126

يشترى من تركته جارية لتغسله فإن لم يكن له تركة فيشترى من بيت المال قال الأئمة وهذا ضعيف
لان اثبات الملك ابتداء للشخص بعد موته مستبعد وبتقدير ثبوته فقد ذكرنا ان الصحيح ان الأمة
لا تغسل سيدها والوجه الثاني انه في حق الرجال كالمرأة وفي حق النساء كالرجل أخذا بالأسوأ في
كل واحد من الطرفين (والثالث) وبه قال أبو زيد وهو الأظهر انه يجوز للرجال والنساء غسله جميعا
لأنه مست الحاجة إلى الغسل وكان يجوز في الصغر غسله للطائفتين فيستصحب ذلك الأصل
(واعلم) انه ليس المراد من الكبير في هذا الفصل البلوغ ومن الصغر عدمه لكن المعنى بالصغير
الذي لم يبلغ حدا يشتهي مثله وبالكبير الذي بلغه *
قال (فان ازدحم جمع كثير يصلحون للغسل على امرأة فالبداءة بنساء المحارم ثم بالأجنبيات
ثم بالزوج ثم بالرجال المحارم ثم ترتيب المحارم كترتيبهم في الصلاة وقيل يقدم الزوج على النساء
لأنه ينظر ما لا ينظرن إليه وقيل يقدم رجال المحارم على الزوج لان النكاح انتهى بالموت) *
127

الصالحون لغسل الميت إذا ازدحموا لم يخل أما أن يكون الميت رجلا أو امرأة فإن كان رجلا
فيغسله قراباته على الترتيب الذي نذكره في الصلاة عليه وهل تقدم الزوجة عليهم فيه وجهان سيظهر
توجيههما وإن كان الميت امرأة فالنساء يقدمن في غسلها وأولاهن نساء القرابة منهن كل ذات
رحم محرم فان استوت اثنتان في المحرمية فالتي هي في محل العصوبة أولى كالعمة مع الخالة واللواتي
لا محرمية لهن يقدم منهن الا قرب فالأقرب وبعد نساء القرابة تقدم النساء الأجنبيات ثم رجال
القرابة وترتيبهم كما سيأتي في الصلاة وهل يتقدم الزوج على نساء القرابة فيه وجهان (أظهرهما) تقديم
نساء القرابة ويحكى عن نص الشافعي رضي الله عنه فان الأنثى بالإناث أليق (والثاني) أنهن لا يقدمن بل
الزوج يقدم عليهن لأنه ينظر إلى ما لا ينظرن إليه وفي تقديم الزوج على الرجال الأقارب أيضا
وجهان (أحدهما) أنهم يقدمون عليه لان النكاح ينتهى بالموت وسبب المحرمية يدوم ويبقى (وأظهرهما)
وهو اختيار القفال ان الزوج يقدم لأنهم جميعا ذكور وهو ينظر إلى ما لا ينظرون إليه فيقدم
وأحكام النكاح تبقي بعد الموت ولولاه لما جاز له غسل الزوجة وجميع ما ذكرناه من التقديم فهو
بشرط أن يكون المحكوم بتقديمه مسلما فلو كان كافرا فهو كالمعدوم ويقدم من بعده حتى يقدم المسلم
الأجنبي على القريب المشرك ويشترط أيضا ان لا يكون قاتلا نعم لو كان قاتلا بحق فيبنى على الخلاف
128

في أنه هل يرث عنه ولو أن المقدم في أمر الغسل سلمه لمن بعده جاز له تعاطيه ولكن بشرط
اتحاد الجنس فليس للرجال كلهم التفويض إلى النساء وبالعكس ذكره الشيخ أبو محمد وغيره وقد
حكاه المصنف في الوسيط بعد اطلاق الغسل المتأخر واشعر كلامه بوجهين في اعتبار الشرط المذكور *
قال (فرع: المحرم لا يقرب طيبا ولا يستر رأسه بل يبقى (م ح) اثر الاحرام وهل تصان المعتدة
عن الطيب فيه وجهان وغير المحرم هل يقلم ظفره ويحلق شعره الذي يستحب في الحياة حلقه
فيه قولان)
ذكرنا انه يطرح قدر من الكافور في الماء الذي يغسل به الميت وذلك في غير المحرم فاما
المحرم فلا يقرب منه طيبا ابقاء لحكم الاحرام وكذلك لا يستر رأسه إن كان رجلا ووجهه إن كان
امرأة ولا يلبس المخيط ولا يؤخذ شعره وظفره وبه قال احمد خلافا لأبي حنيفة حيث قال
حكمه حكم سائر الموتى وروى مثله عن مالك * لنا ما روى (ان رجلا كان مع النبي صلى الله عليه
وسلم فوقصته ناقته وهو محرم فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اغسلوه بماء
وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) (1) ولا بأس
بالتجمير عند غسله كما لا بأس بجلوس المحرم عند العطار وإذا ماتت المعتدة التي تحد هل يجوز
تطيبها فيه وجهان (أحدهما) لا صيانة لها عما كان حراما عليها في حياتها كالمحرم وبهذا قال أبو إسحاق
129

وأظهرهما) نعم لان التحريم كان احترازا عن الرجال وتفجعا لفراق الزوج وقد زال المعنيان
بالموت بخلاف المحرم فان التحريم في حقه لحق الله تعالى جده فلا يزول بالموت وهل تقلم أظفار
غير المحرم من الموتى ويؤخذ شاربه وشعر إبطه وعانته فيه قولان (القديم) لا وبه قال مالك وأبو
حنيفة والمؤمنين رحمهم الله لان مصيره إلى البلي وصار كالأقلف لا يختن بعد موته (والجديد) وبه قال
احمد نعم كما يتنظف الحي بهذه الأشياء وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (اصنعوا بموتاكم
ما تفعلون بعروسكم) والقولان في الكراهية ولا خلاف في أن هذه الأمور لا تستحب كذلك ذكره
القاضي الروياني ونقل تفريعا على الجديد انه يتخير الغاسل في شعر الإبط بين النتف والإزالة
بالنورة ويأخذ شعر العانة بالجلم أو الموسي أو النورة وحكى عن بعض الأصحاب انه لا يزال الا
بالنورة احتراز عن النظر إلى الفرج وقوله في الكتاب الذي يستحب في الحياة حلقه فيه شارة
إلى أنه لا يحلق شعر الرأس بحال فان ازالته غير مأمور بها الا في المناسك ومنهم من طرد الخلاف في
شعر الرأس إذا كان من عادة الميت الحلق في حالة الحياة (واعلم) ان جميع ما ذكرناه في وظيفة الغسل
مفروض في حق غير الشهيد فأما الشهيد فسيأتي حكمه في فصل الصلاة على الميت ولو احترق مسلم
ولو غسل لهرى لا يغسل بل ييمم محافظة على جثته لتدفن بحالها ولو كان عليه قروح وخيف من
غسله تسارع البلى إليه بعد الدفن غسل ولا مبالاة بما يكون بعده فالكل صائرون إلى البلى
130

قال (القول في التكفين والمستحب في لونه البياض وفي جنسه القطن والكتان دون الحرير
فإنه يحرم للرجال ويكره للناس وأما عدده فأقله ثوب واحد ساتر لجميع البدن والثاني والثالث حق
الميت في التركة تنفذ وصية باسقاطهما وليس للورثة المضايقة فيهما وهل للغرماء المنع منهما فيه وجهان
ومن لا مال له يكفن من بيت المال ويقتصر على ثوب واحد في أظهر الوجهين وفي وجوب الكفن
على الزوج وجهان) *
يتضح الفصل برسم مسائل (إحداها) أن المستحب في لون الكفن البياض لما روى أنه صلى الله عليه
وسلم قال (خير ثيابكم البيض فأكسوها أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم) (1) وجنسه في حق كل ميت
ما يجوز لبسه في حال الحياة فيجوز تكفين المرأة بالحرير لكنه يكره لأنه سرف غير لائق بالحال ويحرم
تكفين الرجال به كلبسه في الحياة ولك ان تقول قوله ومن جنسه القطن والكتان اما ان يريد
استحباب هذين النوعين على الخصوص أو يشير بهما إلى جميع الأنواع المباحة ويكون التقدير القطن
والكتان وما في معناهما أما الأول فقضيته تقديم النوعين على سائر الأنواع المباحة كالصوف وغيره
وهذا شئ لم نره في كلام الأصحاب وان أرد الثاني فظاهر اللفظ معمول به في حق
النساء دون الرجال اما أنه معمول به في حق النساء فلان تكفينهن بغير هذه الأنواع وهو
الحرير جائز وان كره فينتظم أن نقول تكفينهن بهذه الأنواع مستحب واما انه غير معمول به في حق الرجال
فلان استحباب شئ من هذه الأنواع انا يكون إذا جاز تكفينهم بغير هذه الأنواع وانه ممتنع (الثانية) أقل
131

الكفن ثوب واحد وأحبه للرجال ثلاثة أثواب روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (كفن في ثلاثة أثواب
بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة) (1) شرط صاحب الكتاب في الثوب الواحد الأقل أن
يكون ساترا لجميع البدن وهكذا ذكر الامام وكثير من الأصحاب وحكى آخرون من العراقيين
وغيرهم أن الواجب قدر ما يستر العورة لان الميت لي آكد حالا من الحي والواجب في الحي ستر العورة
لا غير وعلى هذا يختلف الحال باختلاف حال الميت في الذكورة والأنوثة لاختلاف مقدار العورة
بالحالتين وجمع القاضي الروياني وآخرون بين النقلين وجعلوا المسألة على وجهين (أحدهما) ان
132

الواجب القدر الساتر للعورة (والثاني) ان الواجب ثوب سابغ وقد حكى عن نصه في الام انه إن كان
له ثوب واحد لا يغطي جميع البدن ستر به العورة لأنه واجب وستر غيرها ليس بواجب وإن كان
يبدو رأسه أو رجلاه غطي به رأسه لما روى أن مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم يخلف الا نمرة
فكان إذا غطى بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطي بها رجلاه بدا رأسه فقال صلى الله عليه وسلم
(غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه من الإذخر) (1) واعرف في قوله في الكتاب وأما عدده فأقله
ثوب واحد إلى آخره شيئين (أحدهما) ان هذا اللفظ يقتضي كون الواحد عددا لكن الحساب لا يجعلون
الواحد عددا ويقولون العدد ما يتركب عن الواحد (والثاني) انا وان أوجبنا ثوبا ساترا لجميع البدن
فذلك في حق غير المحرم أما المحرم فلا يستر رأسه إن كان رجلا ووجهه إن كان امرأة على ما سبق
(الثالثة) الثوب الواحد على ما وصفناه حق الله تعالى جده لا تنفذ وصية الميت باسقاطه والثاني والثالث
حق الميت وهي بمثابة ثياب التجمل للحي فلو أوصي باسقاطها نفذ (كما أوصي أبو بكر رضي الله عنه
عنه بأن يكفن في ثوبه الخلق فنفذت وصيته ((2) ولو لم يوص وتنازع الورثة في اكفائه وأراد بعضهم
الاقتصار على ثوب واحد فقد حكي في النهاية فيه طريقين (أحدهما) ان فيه وجهين كما سنذكرهما في
مضايقة الغرماء فيه (والثاني) القطع بالمنع تقديما لحاجة المالك وظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب
انه ليس لهم المضايقة سواء أثبتنا الخلاف أم لا ولو اتفق الورثة جميعا على تكفينه في ثوب واحد
133

فقد قال في التهذيب يجوز وطرد صاحب التتمة الخلاف فيه ولو كان عليه دين مستغرق فقال الغرماء
لا نكفنه الا في ثوب واحد فهل يجابون إليه فيه وجهان (أحدهما) لا كالمفلس الحي تترك عليه ثياب
تجمله (وأظهرهما) نعم فان الستر قد حصل وهو إلى ابراء ذمته أحوج منه إلى زيادة الستر بخلاف الحي
يحتاج إلى التجمل ويتقلب بين الناس (الرابعة) محل الكفن رأس مال التركة ان ترك الميت ما لا
يقدم على الديون والوصايا والميراث نعم لا يباع المرهون في الكفن ولا العبد الجاني ولا المال
الذي فيه الزكاة فإنه كالمرهون بها وان لم يترك مالا فكفنه على من هو في نفقته فيجب على القريب
كفن القريب وعلى السيد كفن العبد وأم الولد وكذلك يجب كفن المكاتب عليه لان الكتابة
تنفسخ بالموت ولا فرق في الا ولاد بين الصغار والكبار لان نفقتهم واجبة إذا كانوا عاجزين زمني
والميت عاجز ذكره في التتمة وهل يجب على الزوج تكفين الزوجة ومؤنتها فيه وجهان (أحدهما) وبه
قال ابن أبي هريرة لا لان مؤنة الزوجة إنما تجب على الزوج في مقابلة التمكين من الاستمتاع فإذا ماتت
فقد زال هذا المعني وبهذا الوجه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله (وأصحهما) أنه يجب ذلك على
الزوج لأنها في نفقته في الحياة فيلزمه مؤنتها بعد الموت كالأب مع الابن والسيد مع العبد فعلى هذا
لو لم يكن للزوج مال فحينئذ يجب في مالها (اما) إذا لم يترك الميت مالا ولا كان له من ينفق عليه فتكفينه
ومؤنة دفنه من بيت المال كنفقته في الحياة وأهل يقتصر على ثوب واحد أم يكمل الثلاث فيه
وجهان (أظهرهما) يقتصر عليه ليتأدى الواجب به (والثاني) يكمل الثلاث ولا يقتصر عليه كما لا يقتصر
في كسوة الحي على ساتر العورة فعلى الأول لو ترك ثوبا واحدا فلا شئ من بيت المال وعلى الثاني
هل يكتفى بما خلفه أم يكمل الثلاث من بيت المال ذكر الامام أن صاحب التقريب حكي فيه وجهين
(أظهرهما) الثاني وإذا لم يكن في بيت المال مال فعلى عامة المسلمين الكفن ومؤنة الدفن
(قال والزيادة على الثلاث إلى الخمس مستحب للنساء جائز للرجال غير مستحب والزيادة على الخمس سرف
134

على الاطلاق ثم إن كفن في خمس فعمامة وقميص وثلاث لفائف سوابغ وإن كفن في ثلاث فثلاث
لفائف من غير قميص ولا عمامة وإن كفنت المرأة في خمس فإزار وخمار وثلاث لفائف سوابغ وفى
قول تبدل لفافة بقميص وإن كفنت في ثلاث فثلاث لفائف) *
قد ذكرنا أن العدد المستحب في كفن الرجال ثلاث أثواب فلو زيد عليه إلى خمسة أثواب فهو جائز
وإن لم يكن محبوبا وأما المرأة فيستحب أن تكفن في خمسة أثواب رعاية لزيادة الستر في حقها وحكم الخنثى
في ذلك حكم المرأة والزيادة على الخمسة مكروهة على الاطلاق لما فيها من السرف وقد روى أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال (لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سلبا سريعا) (1) فإذا كانت المغالاة مكروهة
فزيادة العدد أولى أن تكون مكروهة ثم إن كفن الرجل أو المرأة في ثلاث فالمحبوب ثلاث لفائف من غير
عمامة للرجل ولا قميص وعن أبي حنيفة ان الرجل يكفن في إزار ورداء وقميص لنا (ما روى أن النبي صلى
135

الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة) (1) وان كفن الرجل
في خمسة أثواب فليكفن في عمامة وقميص وثلاث لفائف وتجعل العمامة والقميص تحتها ويستثني
المحرم عن ذلك فلا يلبس المخيط على ما تقدم (2) وإن كفنت المرأة في خمسة أثواب فقولان (أحدهما)
ازار وخمار وثلاث لفائف والإزار والخمار كالعمامة والرداء للرجل واللفائف كاللفائف (والثاني)
ازار وخمار ولفافتان وقميص لما روى (ان أم عطية لما غسلت أم كلثوم رضي الله عنهما بنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا على الباب فناولها ازار أو درعا وخمارا وثوبين) (3)
وينسب القول الأول إلى الجديد (والثاني) إلى القديم وذكر المزني أن الشافعي رضي الله عنه
ذكر القميص مرة ثم خط عليه ونقل عنه القول الأول وايراد الكتاب يقتضى ترجيحه لكن
136

الأكثرين على ترجيح القول الثاني ويجوز ان تعد المسألة من المسائل التي يجاب فيها على (القديم) ثم
قال الشافعي رضي الله عنه يشد على صدرها ثوب لئلا يضطرب ثديها عند الحمل فتنشر الا كفان
واختلفوا في ذلك الثوب فقال أبو إسحاق هو ثوب سادس ليس من جملة الأكفان ويحل عنها إذا
وضعت في القبر وقال ابن سريج يشد عليها ثوب من الخسمة ويترك (والأول) أظهر عند اللائمة
وكيف ترتيب الأثواب الخمسة قال المحاملي وغيره على قول أبي إسحاق ان قلنا تقمص فيشد عليها
المئزر أو لاثم الخمار ثم تلف في ثوبين ثم يشد عليها الثالث وان قلنا لا تقمص يشد عليها المئزر ثم الخمار ثم
تلف في ثلاثة أثواب ثم يشد عليها خرقة وعلى قول ابن سريج ان قلنا تقمص يشد عليها المئزر ثم الدرع
ثم الخمار ثم تشد عليها الخرقة ثم تلف في ثوب وان قلنا لا تقمص يشد عليها المئزر ثم الخمار ثم تلف في ثوب ثم يشد
137

عليها آخر ثم تلف في الخامس وإذا وقع التكفين في اللفائف الثلاث فكيف تكون هي فيه وجهان (أحدهما)
أن تكون متفاوتة فالأسفل يأخذ ما بين سرته وركبته والثاني يأخذ من عنقه إلى كعبه والثالث يستر جميع بدنه
(وأظهرها) انه ينبغي أن تكون مستوية في الطول والعرض يأخذ كل واحد منها جميع بدنه واعلم أنه
لا فرق في التكفين في الثلاث بين الرجل والمرأة وإنما الفرق بينهما في الخمس فهي في حق الرجل
وعمامة قميص وثلاث لفائف وفي المرأة القولان المذكوران وإذا كان كذلك فايراد الفرض
في اقصر من لفظ الكتاب ههين والله أعلم *
قال (ثم يذر على كل لفافة حنوط ويوضع الميت عليه ويأخذ قدرا من القطن الحليج ويدسه
في الأليتين وتشد الأليتان وتستوثق وتلصق بجميع منافذ البدن من المنخرين والأذنين والعينين
قطنة عليها كافور ثم يلف الفن عليه بعد أن يبخر بالعود ويشد عليه بشداد وينزع الشداد
عند الدفن) *
غرض الفصل الكلام في ادراج الميت في الكفن وتوابعه فنقول تبخير الكفن بالعود
مستحب إذا لم يكن الميت محرما وذلك بان ينصب مشجب وتوضع الأكفان عليها ويجمر تحتها
ليصيبها دخان العود ثم تبسط أحسن اللفائف وأوسعها ويذر عليها حنوط وتبسط الثانية فوقها
ويذر عليها حنوط وتبسط الثالثة التي تلي الميت فوقها ويذر عليها حنوط وكافور ثم يوضع الميت فوقها
مستلقيا ويؤخذ قدر من القطن الحليج ويجعل عليه حنوط وكافور ويدس في أليتيه حتى تتصل
بالحلقة ليرد شيئا عساه عند التحريك ينفصل منه ولا يدخله في باطنه وفيه وجه انه لا بأس به ثم
تشد أليتيه وتستوثق وذلك بان يأخذ خرقة ويشد رأسها ويجعل وسطها عند أليتيه وعانته ويشدها
عليه فوق السرة بان يرد ما يلي ظهره إلى سرته ويعطف الشقين الآخرين عليه ولو شد شقا من
كل رأس على هذا الفخذ ومثل ذلك على الفخذ الثاني جاز أيضا وقيل يشدها بالخيط ولا يشق
طرفيها ثم يأخذ شيئا من القطن ويضع عليه قدرا من الكافور والحنوط ويجعله على منافذ البدن
من المنخرين والأذنين والجراحات النافذة إن كانت عليه دفعا للهوام ويجعل الطيب على مساجده
138

وهي الجبهة والأنف وباطن الكفين والركبتان والقدمان اكراما لها وذلك بان يجعل الطيب على
قطع قطن وتوضع على هذه المواضع وقيل يجعل عليها بلا قطن ثم يلف الكفن عليه بان يثني من
الثوب الذي يليه صنعته التي تلي شقه الأيسر على شقه الأيمن والتي تلي شقه الأيمن على شقه الأيسر
كما يشتمل الحي بالقباء ثم يلف الثاني والثالث كذلك وفيه قول آخر أنه يبدأ بالشقة التي تلي شقه
الأيمن فيثنيها على شقه الأيسر ويجعل التي تلي الأيسر على الأيمن ليكون ما على الأيمن غالبا ولعل
هذا أسبق إلى الفهم مما رواه المزني في المختصر لكن الأول أصح عند الجمهور ومنهم من قطع به
وإذا لف الكفن عليه جمع المفاصل عند رأسه جمع العمامة ورد على وجهه وصدره إلى حيث يبلغ
وما فضل عند رجله يجعل على القدمين والساقين وينبغي أن يوضع الميت على الأكفان أولا بحيث
إذا ألقيت عليه كان الفاضل عند رأسه أكثر كما أن الحي يجمع فضل ثيابه على رأسه وهو العمامة ثم
تشتد الأكفان عليه بشداد خيفة انتشارها عند الحمل فإذا وضع في القبر نزع وفي كون التحنيط
واجبا أو مستحبا وجهان (أظهرهما) عند المصنف وامام الحرمين الثاني *
قال (ثم يحمل الجنازة ثلاثة رجال رجل سابق بين العمودين ورجلان في مؤخر الجنازة فان
عجز السابق أعانه رجلان خارج العمودين فتكون الجنازة محمولة بين خمسة أو بين ثلاثة والمشي
قدام الجنازة أفضل (ح) و الاسراع بها أولى)
139

ليس في حمل الجنازة دناءة وسقوط مروءة بل هو بروا كرام الميت وقد نقل ذلك عن فعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) والصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين (2) ولا يتولاه الا
الرجال ذكرا كان الميت أو أنثى ولا يجوز الحمل على الهيئات المزرية ولا على الهيئة التي يخاف منها
السقوط إذا عرفت ذلك ففي الفصل ثلاث مسائل (إحداها) في كيفية الحمل وقد نقل طريقان
(أحدهما) الحمل بين العمودين يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم (حمل جنازة سعد بن معاذ
رضي الله عنه بين العمودين) (3) ومعناه أن يتقدم رجل فيضع الخشبتين الشاخصتين وهما العمود ان على
عاتقيه والخشبة المعترضة بينهما على كتفيه ويحمل مؤخر الجنازة رجلان أحدهما من الجانب الأيمن
140

والثاني من الأيسر ولا يمكن أن يتوسط الخشبتين واحد من مؤخرهما فإنه لا يرى موضع قدميه
والطريق بين يديه حينئذ فإن لم يستقل المتقدم بالحمل اعانه رجلان خارج العمودين يضع كل واحد
منهما واحدا منهما على عاتقه فتكون الجنازة محمولة على خمسة (والثاني) التربيع روى عن ابن مسعود
رضي الله عنه أنه قال (إذا تبع أحد كم جنازة فليأخذ بجوانب السرير الأربعة ثم ليتطوع بعد أو ليذر
فإنه السنة) (1) والتربيع أن يتقدم رجلان فيضع أحدهما العمود الأيمن على عاتقه الا يسر والاخر العمود
الأيسر على عاتقه الأيمن ولذلك يحمل العمودين من مؤخرها اثنان فتكون الجنازة على هذه الهيئة
محمولة على أربعة وقد نقل عن نص الشافعي رضي الله عنه ان من أراد التبرك يحمل الجنازة من
جوانبها الأربعة بدأ بالعمود الأيسر من مؤخرها فحمله على عاتقه الأيمن ثم يسلم إلى غيره ويأخذ
141

العمود الأيسر من مؤخرها فيحمله على العاتق الأيمن أيضا ثم يتقدم فيعترض بين يديها لئلا يكون
ماشيا خلفها فيأخذ العمود الأيمن من مقدمها ويحمله على عاتقه الأيسر ثم يأخذ العمود الأيمن من
مؤخرها ولا شك أن ذلك إنما يتأتى والجنازة محموله على هيئة التربيع فهذا شأن الطريقين وكل
واحد منهما جائز وحكى القاضي الروياني عن بعض الأصحاب ان الأفضل الجمع بان يحمل تارة
هكذا وتارة هكذا وإذا أراد الاقتصار على أحدهما فأيتهما أفضل (المشهور) في المذهب ان الحمل بين
العمودين أفضل وعن أحمد ان التربيع أفضل وبه قال بعض أصحابنا وعن مالك انهما سواء
وأشار صاحب التقريب إلى وجه يوافقه وقال أبو حنيفة الحمل بين العمودين بدعة (الثانية) المشي
امام الجنازة أفضل وبه قال مالك وروى مثله عن أحمد ويروى عنه إن كان راكبا سار خلفها
وإن كان راجلا فقدامها وقال أبو حنيفة المشي خلفها أفضل لنا ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما
قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما يمشون امام الجنازة (1) والأفضل
أن يكون قدامها قريبا منها بحيث لو التفت لرآها ولا يتقدمها إلى المقبرة ولو تقدم لم يكره ثم هو
بالخيار ان شاء قام منتظرا لها وان شاء قعد لما روى عن علي رضي الله عنه قال (قام رسول الله
142

صلى الله عليه وسلم مع الجنازة حتى وضع وقام الناس معه ثم قعد بعد ذلك وأمر هم بالقعود) (1)
وقال أبو حنيفة واحمد يكره الجلوس حتى توضع الجنازة (الثالثة) سنة المشي بالجنازة الا سراع الا
ان يخاف من الاسراع تغيرا في الميت فيتأنى بها والاسراع فوق المشي المعتاد دون الخبب؟ روى
أن النبي صلى الله عليه وسلم (سئل عن المشي بالجنازة فقال دون الخبب فان يك خيرا عجلتموه
143

إليه وان يك شرا فبعدا لأهل النار) (1) وان خيف عليه تغير وانفجار زيد في الاسراع *
قال (القول في الصلاة والنظر في أربعة أطراف (الأول) فيمن يصلي عليه وهو كل ميت
مسلم ليس بشهيد احترزنا بالميت عن عضو آدمي فإنه لا يصلي عليه إلا إذا علم موت صاحبه فيصلي على
صاحبه وإن كان غائبا ويغسل العضو ويوارى بخرقة ويدفن) *
حصر حجة الاسلام رحمة الله عليه بقة الكلام في صلاة الميت في أربعة أطراف للحاجة إلى
النظر فيمن يصلى عليه ومن يصلي وفي أركان هذه الصلاة وشرائطها (الأول) فيمن يصلي عليه ويعتبر
فيه ثلاثة قيود أن يكون ميتا مسلما غير شهيد (فاما) قيد المسلم فيتعلق به مسألتان يشتمل الفصل على
أحداهما وهي ما إذا وجدنا بعض مسلم دون باقيه مثل ان اكله السبع فلا يخلو أما أن يكون قد علم موت
صاحبه أولا يعلم فإن لم يعلم فلا يصلى عليه وان علم موته صلى عليه قل الموجود أم كثر وبه قال
احمد خلا فلأبي حنيفة حيث قال لا يصلي عليه الا أن يكون أكثر من النصف ويروى عن مالك مثله
144

لنا أن الصحابة رضي الله عنهم صلوا على يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد رضي الله عنه ألقاها
طائر بمكة في وقعة الجمل وعرفوا أنها يده بخاتمه (1) وهذا في غير الشعر والظفر ونحوها وفي هذه
الاجزاء وجهان (أقربهما) إلى اطلاق الأكثرين أنها كغيرها نعم قال في العدة أن لم يوجد الا شعرة
واحدة فلا يصلى عليها في ظاهر المذهب إذ لا حرمة لها ومتى شرعت الصلاة فلا بد من الغسل
والمواراة بخرقة (وأما) الدفن فلا يختص بموت صاحب العضو بل ما ينفصل من الحي من ظفر وشعر
وغيرهما (2) يستحب له دفنها وكذلك يوارى دم الفصد والحجامة والعلقة والمضغة تلقيهما المرأة وإذا
وجد بعض ميت أو كله ولم يعلم أنه مسلم فإن كان في دار الاسلام صلى عليه لان الغالب في دار
الاسلام المسلمون (وقوله) الا إذا علم موت صاحبه يبين انه لا صلاة فيما إذا علم حياة صاحبه وفيما إذا
145

لم يعلم موته ولا حياته فان كل واحدة من الحالتين تبقي في المستثني منه (وقوله) فيصلي على صاحبه معلم
بالحاء والميم وفيه إشارة إلى أن الصلاة ليست على نفس العضو وإنما هي على الميت ولا ينوى الا الصلاة
على جملته وقد صرح بهذا القاضي الروياني وغيره وكلام من قال يصلي على العضو محمول عليه (فان
قلت) هذا حسن لكنه استثنى الحالة التي حكم فيها بأنه يصلي على صاحبه من قوله فإنه لا يصلي عليه
وفي هذه الحالة لا يصلي على العضو أيضا فكيف ينتظم الاستثناء (فالجواب) ان قوله لا يصلي عليه أي على
صاحبه كما أن قول من قال يصلي على العضو محمول عليه وحينئذ ينتظم الاستثناء (وقوله) وإن كان غائبا يشير
إلى أن غيبة باقي الشخص لا تضر فانا نجوز الصلاة على الغائب كله فعلى الغائب بعضه أولي ولذلك قال
امام الحرمين حقيقة الخلاف بيننا وبين أبي حنيفة رحمه الله في العضو يستند إلى أن الصلاة على الغائب
صحيحة وهو لا يراها ويربط الصلاة بما شهد وحضر
قال (وكذا السقط الذي لم يظهر فيه التخطيط لا يغسل ولا يصلي عليه فان ظهر الخطيط
ففي الغسل قولان فان غسل ففي الصلاة قولان منشأهما التردد في الحياة وعلى كل حال
يوارى بخرقة ويدفن فان اختلج بعد الانفصال فالصلاة عليه أولي (ح م) فان صرخ
واستهل فهو كالكبير)
المسألة الثانية في السقط وله حالتان (إحداهما) ان يستهل أو يبكي فهو والكبير سواء لأنا تيقنا
حياته وموته بعد الحياة وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (إذا استهل السقط صلى عليه) (1)
146

(والثانية) أن لا يتيقن حياته باستهلال وغيره فاما أن يعرى عن أمارات الحياة كالاختلاج ونحوه
أو يوجد شئ من ذلك فان عرى فينظر هل بلغ حدا يمكن نفخ الروح فيه وهو أربعة أشهر فصاعدا
أم لا فإن لم يبلغه فلا يصلي عليه وهل يغسل فيه طريقان (أصحهما) لا كما لا يصلى عليه فان حكم كل
واحد منهما حكم من عرض له الموت وعروض الموت يستدعى سبق الحياة (والثاني) فيه قولان
وسنذكر الفرق بين الغسل والصلاة وان بلغ أربعة أشهر فصاعدا فهل يصلي عليه فيه قولان
(أحدهما) وينسب إلى القديم نعم إذ ورد في الخبر أن الولد إذا بقي في بطن أمه أربعة أشهر ينفح
فيه الروح (1) ويحكي عن الام والبويطي أنه لا يصلى عليه ويوجه بالخبر الذي سبق فان ظاهر يقتضى
147

اشتراط الاستهلال وأيضا بأنه لا يرث ولا يورث فلا تجب الصلاة عليه كما لو سقط لدون أربعة أشهر
وفي الغسل طريقان (أظهرهما) القطع بأنه يغسل (والثاني) فيه قولان والفرق أن الغسل أوسع بابا من
الصلاة الا ترى ان الذمي لا يصلي عليه ويغسل وأما إذا اختلج بعد الانفصال وتحرك ففي الصلاة
عليه قولان (أحدهما) لا يصلي عليه وبه قال مالك لعدم تيقن الحياة بخلاف الاستهلال (وأظهرهما) أنه
يصلي عليه لظهور احتمال الحياة بسبب الامارة الدالة عليها ومنهم من قطع بأنه يصلي عليه وفي الغسل
هذان الطريقان لكن القطع في الغسل أظهر منه في الصلاة ثم نعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب
هذان الطريقان لكن القطع في الغسل أظهر منه في الصلاة ثم نعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب
(أما) قوله السقط الذي لم يظهر فيه التخطيط (وقوله) ظهر فيه التخطيط فاعلم أن المراد منه ظهور خلفة
الآدمي وهذه العبارة حكاها امام الحرمين عن الشيخ أبي على وعبارة الجمهور التي قدمناها وهي
أن ينظر هل بلغ حد نفخ الروح أم لا قال الامام ويمكن ان يقال الاختلاف في محض العبارة ومهما
بدأ التخليق فقد دخل أوان نفخ الروح وان لم يبد لم يدخل وقد يظن تخلل زمان بين أوائل
التخليق وبين جريان الروح فإن كان هكذا اختلف الطريقان والله أعلم (وقوله) وان ظهر التخطيط
اي ولم يختلج ولا تحرك (اما) إذا اختلج فقد ذكره من بعد (وقوله) وان غسل ففي الصلاة قولان
ترتيب للصلاة على الغسل ان قلنا لا يغسل فلا يصلي عليه وان قلنا يغسل ففي الصلاة قولان وإذا
جمعنا بينهما قلنا فيه ثلاثة أقوال ثلثها الفرق بين الغسل والصلاة وقوله منشأهما التردد في الحياة
أي في منشأ القولين فيهما جميعا لا في الصلاة وحدها وإن كان مذكورا بعد ذكر قولي الصلاة (وقوله)
وعلى كل حال يوارى بخرقة ويدفن. المواراة قد تكون على هيئة التكفين على ما سبق بيانها وقد
148

تكون على غير تلك الهيئة فما لم يظهر فيه خلقة الآدمي يكفي فيه المواراة كيف كانت وبعد
ظهور خلقة الآدمي حكم التكفين حكم الغسل (وقوله) عند الاختلاج فالصلاة عليه أولى أي من
من الصلاة عند عدم الاختلاج وهو جواب على طريقة طرد القولين والحالة هذه وقد حكينا فيها
قطع قاطعين بأنه يصلي عليه فيجوز ان يعلم قوله فالصلاة عليه اولي بالواو إشارة إليه (قوله) فان
صرخ واستهل هو الحالة الأولى في ترتيب الشرح *
قال (واحترزنا بالمسلم عن الكافر فإنه لا يصلى عليه ذميا كان أو حربيا لكن تكفين
الذمي ودفنه من فروض الكفايات وفاء بذمته وقيل لا ذمة بعد الموت فهو كالحربي ولو
اختلط موتي المسلمين بالمشركين غسلنا جميعهم كفناهم تقصيا عن الواجب ثم عند الصلاة يميز
المسلمون بالنية) *
القيد الثاني كونه مسلما فلا تجوز الصلاة على الكافر حربيا كان أو ذميا قال الله تعالى (ولا تصل
على أحد منهم مات أبدا) ولا يجب على المسلمين غسله أيضا ذميا كان أو حربيا لكن يجوز خلافا لمالك
رحمه الله * لنا ان النبي صلى الله عليه وسلم (أمر عليا رضي الله عنه بغسل أبيه أبي طالب) (1)
وأقاربه الكفار أولى بغسله من المسلمين (وأما) التكفين والدفن فينظر إن كان الكافر ذميا ففي
وجوبهما على المسلمين وجهان (أظهرهما) يجب وفاء بذمته كما يجب أن يطعم ويكسى في حياته (والثاني)
149

لا يجب فانا لم نلتزم الا الذب عنه في حياته والذمة قد انتهت بالموت وإن كان حربيا ففي الكتاب
إشعار بأنه لا يجب تكفينه ولا دفنه بلا خلاف لأنه ألحق الذمي به في الوجه الثاني لكن صاحب
التهذيب فرق بين الامرين فقال لا يجب تكفينه لان النبي صلى الله عليه وسلم (أمر بالقاء قتلي
بدر في القليب على هيئاتهم) (1) وفي وجوب مواراته وجهان أحدهما يجب لان النبي صلى الله عليه وسلم
(أمر بها في قتلى بدر) (2) (والثاني) لا يجب بل يجوز اغراء الكلاب عليه فان فعل فذاك لئلا يتأذى
الناس برائحته وكذلك حكم المرتد إذا عرفت ذلك فلو اختلط موتى المسلمين بموت المشركين ولم يتميزوا
بأن انهدم عليهم سقف مثلا وجب غسل جميعهم والصلاة عليهم وبه قال مالك وأحمد ثم إن صلى
عليهم دفعة جاز ويقصد المسلمين منهم بنيته وان صلى عليهم واحدا واحدا جاز أيضا وينوى الصلاة عليه
إن كان مسلما ويقول اللهم اغفر له إن كان مسلما وعند أبي حنيفة رحمه الله يصلي عليهم الا أن
يكون المسلمون أكثر * لنا ان الصلاة على المسلمين واجبة بالنصوص ولا سبيل إلى إقامة الواجب
ههنا الا بهذا الطريق *
150

قال (وأما الشهيد فلا يغسل (ح) ولا يصلي عليه والشهيد من مات بسبب القتال مع الكفار
في وقت قيام القتال فإن كان في قتال أهل البغي أو مات حتف انفه في قتال الكفار أو قبله حربي
اغتيالا من غير قتال أو جرح في القتال ومات بعد انفصال القتال وكان بحيث يقطع بموته ففي الكل
قولان منشأهما التردد في أن هذه الأوصاف؟ هل هي مؤثرة أم لا (أما) القتيل ظلما من مسلم أو ذمي أو
باغ أو المبطون أو الغريب يغسلون ويصلي عليهم) *
القيد الثالث لمن يصلي عليه أن لا يكون شهيدا فالشهيد لا يصلي عليه ولا يغسل أيضا وبه قال
مالك خلافا لأبي حنيفة في الصلاة وبه قال أحمد في رواية واختاره المزني * لنا ان جابرا وأنسا رضي الله عنهما
رويا ان النبي صلى الله عليه وسلم لم (يصل على قتلى أحد ولم يغسلهم) (1) ولا فرق بين
الرجل والمرأة والحر والعبد والبالغ والصبي وعند أبي حنيفة كسائر الموتى يغسل ثم ما المعنى بقولنا لا
يغسل ولا يصلي عليه يغنى به انهما لا يجبان أو يحرمان (واما) لصلاة ففي النهاية والتهذيب ذكر وجهين
في جوازها (أظهرهما) انها غير جائزة ولو جازت لوجبت كالصلاة على سائر الموتى (والثاني) انها جائزة وإنما
تترك رخصة لمكان الاشتغال بالحرب وهذا ما صححه الشيخ أبو محمد فيما علق عليه وأما الغسل
فقدا طلق في التهذيب المنع منه وذكر الامام انه لا سبيل إليه وان جوزنا الصلاة إذا أدى غسله إلى
151

إزالة دم الشهادة فإن لم يكن عليه دم ففي غسله تردد كما في الصلاة إذا تقرر ذلك فلابد من معرفة
الشهيد (واعلم) ان اسم الشهيد قد يخص في الفقه بمن لا يغسل ولا يصلي عليه وعلى هذا فقوله والشهيد
من مات بسبب القتال إلى آخره مجرى على ظاهره وقد يسمي كل مقتول ظلما شهيدا وهو أظهر
الا ترى أن الشافعي رضي الله عنه يقول في المختصر والشهداء الذين عاشوا وأكلوا الطعام إلى أن قال
كغيرهم من الموتى أثبت اسم الشهادة مع الحكم بأنهم كسائر الموتى وعلى هذا فقوله في الكتاب
والشهيد من مات أي والشهيد الذي ذكرنا انه لا يغسل ولا يصلي عليه وعلى هذا الاصطلاح نقول
الشهداء نوعان (أحدهما) الذين لا يغسلون ولا يصلي عليهم وضبط في الكتاب فقال والشهيد من مات
بسبب القتال مع الكفار في وقت قيام القتال وقد اشتمل على ثلاثة معان (الموت) بسبب القتال (وكونه)
قتال الكفار (وكون) الموت في وقت قيام القتال ويدخل فيه ما إذا قتله مشرك وما إذا اصابه
سلاح مسلم خطأ أو عاد إليه سهمه أو تردى في حملته في وهدة أو سقط عن فرسه أو رفته دابة فمات
وما إذا انكشف الحرب عن قتيل من المسلمين سواء كان عليه اثر أم لا لأن الظاهر موته بسبب
من أسباب القتال ويحتمل انه مات لسقطة وغيرها فلم يظهر عليه اثر وعند أبي حنيفة وأحمد ان لم
يكن عليه اثر غسل وصلى عليه ومهما فقد أحد المعاني التي يتركب عنها الضابط ففي ثبوت حكم
الشهادة خلاف ويتبين ذلك بمسائل (إحداها) المقتول من أهل العدل في معترك أهل العدل في معترك أهل البغي هل
يغسل ويصلي عليه فيه قولان (أحدهما) لا وبه قال أبو حنيفة في الغسل كالمقتول في معترك الكفار ويروى
152

ان عليا رضي الله عنه (لم يغسل من قتل معه وأوصي عما رضي الله عنه أن لا يغسل) (والثاني) وبه قال
153

مالك نعم لأنه قتيل مسلم فأشبه ما لو قتله في غير القتال * واحتج لهذا القول بان أسماء (غسلت ابنها
ابن الزبير رضي الله عنهم ولم ينكر عليها منكر) وعن أحمد روايتان كالقولين وذكر قوم منهم صاحب
العدة أن القول الأول أصح لكن الجمهور على ترجيح الثاني والقولان منصوصان في المختصر في
كتاب قتال أهل البغي ولا خلاف عند نافي أن الباغي إذا قتله العادل يغسل ويصلي عليه وقال أبو حنيفة لا يصلي
عليه عقوبة له ومن قتله القطاع من الرفقة فيه طريقان (أحدهما) أن حكمه على القولين في العادل إذا قتله أهل
البغي (والثاني) أنه ليس بشهيد جزما والفرق ان قتالهم مع أهل العدل على تأويل الدين بخلاف
القطاع (الثانية) لو مات في معترك الكفار لا بسبب من أسباب القتال ولكن مفاجأة أو لمرض فقد حكى
الامام عن شيخه فيه وجهين (أصحهما) أنه ليس بشهيد ولم يذكر في التهذيب سواه ووجهه أن الأصل
وجوب الغسل والصلاة وخالفناه فيما إذا مات بسبب من أسباب القتال تعظيما لا مره وحثا للناس عليه
(الثالثة) لو دخل الحربي بلاد الاسلام فقتل مسلما اغتيالا من غير قتال فقد ذكر الامام أن الشيخ
أبا على حكي فيه وجهين والأصح المشهور انه لا يثبت له حكم الشهادة (الرابعة) لو جرح في القتال ومات
بعد انقضائه ففي ثبوت حكم الشهادة قولان (أحدهما) يثبت لأنه مات بجرح وجد فيه فأشبه ما لو مات
قبل انقضائه (وأظهرهما) وبه قال احمد فيما رواه صاحب الشامل وغيره انه لا يثبت لأنه عاش بعد
154

انقضاء الحرب كما لو مات بسبب آخر ولا فرق على القولين بين ان يطعم أو يتكلم أو يصلي وبين ان
لا يفعل شيئا من ذلك ولا بين أن يمتد الزمان أو لا يمتد وقال مالك ان امتد الوقت أو اكل غسل
وصلي عليه والا فلا وقال أبو حنيفة ان طعم أو تكلم أو صلى فهو كسائر الموتى وللقولين شرطان
(أحدهما) قد تعرض له في الكتاب ان يقطع بموته من تلك الجراحة فاما إذا توقع بقاؤه فمات بعد
انقضاء القتال فليس بشهيد بلا خلاف (والثاني) أن تبقى فيه حياة مستقرة ثم يموت بعد انقضاء القتال
فأما إذا انقضى القتال وليس به الا حركة المذبوح فهو شهيد بلا خلاف وهذه المسائل الأربع بأسرها
مذكورة في الكتاب وقد تبين بما ذكرناه ان الأظهر فيها جميعا انتفاء الشهادة واعتبار المعاني الثلاثة
في الضابط؟ وأعلم قوله في وقت قيام القتال بالحاء والميم لأنهما لا يعتبران قيام القتال وإنما مذهبهما
ما قدمناه وقوله ففي الكل قولان فيه اثبات قولين في الصور الأربع وهما مشهوران في الأولى والرابعة
فأم الثانية والثالثة فلم نر للمعظم فيهما حكاية القولين وإنما ذكر من الخلاف وجهين ويجوز
ان يغلم قوله قولان بالواو لان في النهاية حكاية طريقة في الصورة الرابعة مفصلة وهي انه ان مات
قريبا ففيه قولان وان بقي أياما ثم مات فليس بشهبد قطعا والذي في الكتاب اثبات قولين على
الاطلاق (وقوله) منشأهما التردد في أن في أن هذه الأوصاف مؤثرة أم لا يعنى الأوصاف الثلاثة المذكورة
في الضابط هل هي مؤثرة في موضع الاثبات أم لا وليس في هذا القدر من التوجيه كثير فائدة فان
الفقيه لا يشك في أنا إذا نطنا حكما بأمور واختلفنا في بقاء ذلك الحكم مع فوات بعض الأمور فقد
اختلفنا في تأثيره وإنما المهم النظر في أنه لم يعتبر أو يلغى (النوع الثاني) من الشهداء العارون عن الأوصاف
للمذكورة جميعا فهم كسائر الموتى يغسلون ويصلى عليهم وان ورد لفظ الشهادة فيهم كالمبطون والغريب
والغريق والميت عشقا والميتة طلقا (1) وكذا الذي قتله ظلما مسلم أو آدمي أو باغ في غير القتال حكمه حكم
سائر الموتى وبه قال مالك وهو رواية عن أحمد خلافا لأبي حنيفة حيث قال كل من قتل ظلما قتلا
يوجب القصاص فهو شهيد وان وجب به المال فلا فيخرج من ذلك أن المقتول بالمثقل ليس بشهيد
155

فيما نحن فيه ولم يعتبر في القتال ذلك بل أثبت حكم الشهادة سواء قتل بالمثقل أو بالمحدد وقال احمد
في رواية كل مقتول ظلما فهو شهيد * لنا ان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه غسل وصلي عليه وكذلك عثمان
رضي الله عنه وقد قتلا ظلما بالمحدد) *
قال (وكذا القتيل بالحق قصاصا أوحدا ليس بشهيد وتارك الصلاة يصلي عليه (و) وقاطع الطريق
يفتل أولا ويصلى عليه ويغسل ويكفن ثم يصلب مكفنا على قول وعلى قول يقتل مصلوبا ثم ينزل
ويغسل ويصلى عليه ويدفن ومن رأى أنه يقتل مصلوبا ويبقى فقد قال لا يصلى عليه) *
إذا تبين ان المقتول ظلما ليس بشهيد إذا لم يكن بالصفات المقدمة فالقتيل حقا أولى ان لا يكون
شهيدا وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (رجم الغامدية وصلى عليها) (1) وذكر في الكتاب
مما يتفرع على هذا الأصل صورتين وذكرهما في غير هذا الموضع (أحداهما) ان تارك الصلاة يصلى
عليه ويغسل لأنه مسلم مقتول حقا وعن صاحب التلخيص انه لا يصلى عليه لأنه ترك الصلاة في حياته
فترك الصلاة عليه وقال أيضا لا يغسل ولا يكفن ويطمس قبره تغليظا عليه (الثانية) غسل قاطع الطريق
والصلاة عليه تبنى على كيفية إقامة الحد عليه وفي قتله وصلبه إذا اقتضى الحال الجمع بينهما خلاف
على ما سيأتي شرحه وتفصيله في موضعه إن شاء الله تعالى (وأظهر) القولين أنه يقدم القتل على الصلب
فيقتل ثم يغسل ويصلي عليه ثم يصلب مكفنا (والقول الثاني) أنه يقدم الصلب ثم يقتل وبه قال أبو حنيفة
رحمه الله وعلى القولين إذا صلب فهو ينزل بعد ثلاثة أيام أو يبقى حتى يتهرى فيه وجهان (فان قلنا)
بالوجه الأول تفريعا على القول الثاني فيغسل بعد ما ينزل ويصلي عليه (وان قلنا) بالوجه الثاني تفريعا
عليه فلا يغسل ويصلي عليه وهذا ما أشار إليه بقوله ومن رأى أنه يقتل ويبقى فقد قال لا يصلي
عليه قال امام الحرمين وكان لا يمتنع ان يقتل مصلوبا وينزل فيغسل ويصلي عليه ثم يرد ولكن
لم يذهب إليه أحد (وقوله) ويصلى عليه مرقوم بالحاء لأنه يقول لا يصلي على قاطع الطريق عقوبة له كما
ذكر في الباغي وحكي في النهاية طريقة أخرى غير مبنية على كيفية عقوبة قاطع الطريق فقال قال بعض
156

الأصحاب يغسل ولا يصلي عليه استهانة به تحقيرا لشأنه فيجوز ان يعلم قوله في الكتاب في
موضعين من الفصل ويغسل ويصلى عليه وبالواو إشارة إلى هذه الطريقة وليست هي بالوجه المذكور في
قوله ومن رأى أنه يقتل مصلوبا إلى آخره لأنه مبنى على كيفية عقوبته *
قال (ثم الشهيد لا يغسل وإن كان جنبا وهل يزال أثر النجاسة التي ليست من أثر الشهادة فيه
خلاف وثيابه الملطخة بالدم تترك عليه مع كفنه الا ان ينزعها الوارث وينزع منه الدرع
وثياب القتال) * الفصل يشتمل على ثلاث صور (إحداها) استشهد جنب هل يغسل فيه وجهان (أصحهما) لا
وهو
المذكور في الكتاب وبه قال مالك لان حنظلة بن الراهب رضي الله عنه (قتل يوم أحد وهو
جنب فلم يغسله النبي صلى الله عليه وسلم وقال رأيت الملائكة تغسله) (1) (والثاني) وبه قال احمد وابن
سريج وابن أبي هريرة يغسل لان الشهادة إنما تؤثر في غسل وجب بالموت وهذا الغسل كان واجبا
قبله والوجهان متفقان على أنه لا يصلى عليه وعند أبي حنيفة يغسل ويصلى عليه (الثانية) لو أصابته
نجاسة لا بسبب الشهادة فهل تغسل تلك النجاسة عنه قال امام الحرمين حاصل القول فيه أوجه
استخرجتها من كلام الأصحاب (أحدها) وهو الظاهر أنها تزال لان الذي نبقيه أثر العبادة وليست هذه
النجاسة من اثر العبادة (والثاني) لا لأنا نهينا عن غسل الشهيد مطلقا (والثالث) انه ان أدى ازالتها إلى إزالة
اثر الشهادة فلا تزال والا فتزال (الثالثة) الأولى ان يكفن في ثيابه الملطخة بالدم فإن لم يكن ما عليه سابغا أتم
157

وان أراد الورثة نزع ما عليه من الثياب وتكفينه في غيرها لم يمنعوا وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يجوز
ابدالها بغيرها من الثياب واما الدرع والجلود والفراء والخفاف فتنزع منه خلافا لمالك حيث قال
لا ينزع منه فرو ولا خف * لنا على أبي حنيفة القياس على سائر الموتى ويفارق الغسل والصلاة (اما)
الغسل فلان في تركه ابقاء لاثر الشهادة على بدنه وأما الصلاة فلان في تركها تعظيما له واشعارا
باستغنائه عن دعاء القوم وعلى مالك لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر بقتلى أحد ان
ينزع عنهم الحديد والجلود وان يدفنوا بدمائهم وثيابهم) (1) وقوله في الكتاب وثيابهم الملطخة بالدم
تترك عليه مع كفنه ظاهره يقتضي كونها غير الكفن لكن الذي قاله الجمهور انه يكفن بها فإن لم
تكف أتمت والله أعلم *
قال (الطرف الثاني: فيمن يصلى والأولى بها ولا يقدم على القرابة الا الذكور ولا يقدم الوالي (و)
عليه ثم يبدأ بالأب ثم الجد ثم الابن ثم بالعصبات على ترتيبهم في الولاية ثم الأخ من الأب والام
مقدم على الأخ من الأب في أصح الطريقين ثم إن لم يكن وارث فذووا الأرحام ويقدم عليهم المعتق) *
غرض الفصل الكلام فيمن هو أولي بالصلاة على الميت وقد اختلف قول الشافعي رضي الله عنه
في أن الولي أولي بها أم الوالي (قال) في القديم الوالي أولي ثم أمام المسجد ثم الولي وبه قال
158

مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله كما في سائر الصلوات وقد روى (أن حسينا رضي الله عنه قدم
سعيد بن العاص أمير المدينة فصلى على الحسن رضي الله عنه) (1) (وقال) في الجديد وهو المذكور في
الكتاب الولي أولى أولى لأنها من قضاء حق الميت فأشبهت الدفن والتكفين ولأنها من الأمور الخاصة
بالقريب فالولي أولى بها من الوالي كولاية التزويج وتفارق سائر الصلوات لان معظم الغرض ههنا
الدعاء للميت فمن يختص بزيادة الشفقة دعاؤه أقرب إلى الإجابة ونعني بالولي القريب فلا يقدم غيره
عليه الا أن يكون القريب أنثى وثم أجنبي ذكر فهو أولي حتى يقدم الصبي المراهق على على المرأة القريبة
وهكذا الحكم في سائر الصلوات الرجل أولي من المرأة لان اقتداء النساء بالرجال جائز و بالعكس لا يجوز
ثم في انفراد النسوة بهذه الصلاة كلام سيأتي من بعد ثم الأولى من الأقارب الأب ثم الجد أبو الأب
وإن علا ثم الابن ثم ابن الابن وان سفل وهما مؤخران عن الأب والجد وإن كانا مقدمين عليها في عصوبة
الميراث ومقدمان على سائر العصبات وان لم يثبت لهما ولاية التزويج اما تأخيرهما عن الأب والجد فلان
المقصود الدعاء والأب أشفق فيكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة واما تقديمهما على سائر العصبات
فلمثل هذا المعنى أيضا بخلاف امر النكاح فان اعتناءهم بحفظ النسب أشد ثم بعد الابن يقدم الأخ
وفي تقديم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب طريقان (أحدهما) أن فيه قولين كما سيأتي
ذكر هما في ولاية النكاح وبه قال القاضي أبو حامد وأبو علي الطيري (وأصحهما) القطع بتقديمه لان لقرابة النساء
تأثيرا في الباب على ما سيأتي فيصلح للترجيح وليس لها تأثير في ولاية التزويج بحال وعلى هذا فالمقدم
بعدهما ابن الأخ للأب والام ثم ابن الأخ للأب ثم العم للأب والام ثم العم للأب ثم ابن العم للأب الام ثم ابن
العم للأب ثم عم الأب ثم عم الجد على ترتيب العصبات في الميراث والولاية وان لم يكن أحد
من عصبات النسب أصلا قدم المعتق قال في النهاية ولعل الظاهر تقديمه على
ذوي الأرحام ولهم استحقاق في هذا الباب للمعني الذي تقدم بخلاف ما في الميراث (وأما) ما يتعلق
بلفظ الكتاب فقوله ولا يقدم الوالي عليه مرقوم بالميم والحاء والألف والواو لما قدمناه ولك أن
تعلم قوله الأولى بها القريب بهذه العلامات أيضا وقد يبحث عن قوله ولا يقدم على القرابة إلا الذكورة
159

فتقول قضية هذا الكلام تقديم القريب على الأجنبي الذي أوصى الانسان بأن يصلي عليه فهل هو
كذلك أم يتبع وصيه (والجواب) ان الشيخ أبا محمد خرج المسألة على وجهين كالوجهين فيما إذا أوصى
في أمر أطفاله إلى أجنبي وأبوه الذي يلي أمرهم شرعا حي (أصحهما) ولم يذكر الأكثرون سواه تقديم
القريب لان الصلاة حقه فلا تنفذ وصية فيه (والثاني) انه تتبع وصيته وهو مذهب أحمد رحمه الله
وبه أفتى الإمام محمد بن يحيى قدس الله روجه في جواب مسائل سأله عنها والدي رحمة الله عليهما (وقوله)
ثم يبدأ بالأب ثم الجد معلم بالميم لان مالكا يقدم الابن علي الأب وقوله ثم العصبات معلم بالميم
أيضا لأنه يوجب تأخير الأخ عن الجد وعنده يقدم الأخ عليه و (وقوله) ثم إن لم يكن وارث فذووا
الأرحام يقتضى تقديم الأخ للام على ذوي الأرحام كلهم قال صاحب التهذيب ان لم يكن أحد
من العصبات فان الام أولي ثم الأخ للام ثم الخال ثم العم للام فيقدم أبو الأم وهو من ذوي
الأرحام على الأخ للام فالوجه ان يحمل قوله إن لم يكن وارث أي من العصبات وهم الذين سبق
ذكرهم هذا الكلام (وقوله) ويقدم عليهم المعتق كأنه مذكور ايضاحا وإلا فقد تقدم في موضعين من
من لفظ الكتاب ما يفيده (أحدهما) حيث قال ثم العصبات على ترتيبهم في الولاية وذلك يقتضي ان
أن يلي درجة المعتق درجة عصبات النسب كما في الولاية وذلك يقتضى ان لا يتخللها ذوو الأرحام
(والثاني) حيث قال ثم إن لم يكن وارث فذووا الأرحام والمعتق من الوارثين ثم لا بأس باعلام قوله
ويقدم عليهم المعتق بالواو لان في لفظ صاحب النهاية ما يقتضي إثبات خلاف فيه كما قدمناه وكذلك
لفظ المصنف في الوسيط *
قال (وإذا تعارض السن والفقه فالفقيه اولي على أظهر المذهبين ولو كان فيهم عبد فقيه وحر
غير فقيه أو أخ رقيق وعم حر ففي المسألتين تردد وعند تساوى الخصال لا مرجع إلا القرعة
أو التراضي) *
إذا اجتمع اثنان في درجة واحدة كابنين وأخوين ونحوهما وتنازعا فقد قال في المختصر يقدم
الأسن وذكر في سائر الصلوات ان الأفقه أولى واختلف الأصحاب على طريقتين (أصحهما) وهي
التي ذكرها الجمهور ان المسألتين على ما نص عليهما والفرق بين سائر الصلوات وصلاة الجنازة ان
الغرض من صلاة الجنازة الدعا والاستغفار للميت والأسن أشفق عليه ودعاؤه أقرب إلى
160

الإجابة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (ان الله لا يرد دعوة ذي الشيبة
المسلم) (1) (والثانية) حكاها الامام عن رواية العراقيين التصرف في النصين بالنقل
والتخريج وليس المعتبر في تقديم السن الشيبة وبلوغ سن المشايخ ولكن يقدم الأكبر وإن كانا
شابين وإنما يقدم الأسن بشرط أن يكون محمود الحال فأما الفاسق والمبتدع فلا ويشترط مضي
السن في الاسلام كما سبق في سائر الصلوات (وقوله) على أظهر المذهبين جواب على
طريقة اثبات الخلاف في المسألة إذ لا يمكن حمل المذهبين على الطريقتين فإنه يقتضي اثبات
طريق جازم بتقديم الفقيه وذلك مما لا صائر إليه في صلاة الجنازة وإذا عرفت ذلك
فكلام المصنف يخالف ما ذكره المعظم من وجهين (أحدهما) انهم رجحوا الطريقة القاطعة
بتقديم السن وهو أجاب باثبات الخلاف (والثاني) انهم جعلوا الأظهر تقديم السن وان قدر اثبات
الخلاف هذه إحدى مسائل الفصل (والثانية) لو استوى اثنان في الدرجة وأحدهما رقيق فالحر
أولي وإن كان أحدهما رقيقا فقيها والآخر حرا غير فقيه فقد حكي امام الحرمين فيه وجهين للشيخ
أبي محمد لتعارض المعنيين قال في الوسيط ولعل التسوية اولي (الثالثة) لو كان الأقرب رقيقا والا بعد
حرا كالأخ الرقيق مع العم الحر فأيهما أولى فيه وجهان (أحدهما) الأخ أولى لأن هذه الصلاة
مبناها على الرقة والشفقة والأقرب أشفق ولهذا يقدم القريب المملوك على الأجنبي الحر (وأظهر هما)
عند الأكثرين ان العم أولي لاختصاصه بأهلية الولاية كما في ولاية النكاح وكما لو استويا في
الدرجة قال في النهاية وأوثر في مثل هذه المسألة مصير بعض الأصحاب إلى التسوية لتقابل الامرين
161

(الرابعة) إذا اجتمع قوم في درجة واحدة واستوت خصالهم فان رضوا بتقديم واحد فذاك والا أقرع
بينهم قطعا للنزاع *
قال (ثم ليقف الامام وراء الجنازة عند صدر الميت إن كان ذكرا وعند (ح) عجيزة المرأة
كأنه يسترها عن القوم فلو تقدم على الجنازة لم يجز على الأصح لان ذلك يحتمل في حق الغائب
بسبب الحاجة)
غرض الفصل الكلام في موقف المصلي على الجنازة وفيه مسألتان (أحداهما) السنة للامام
أن يقف عند عجيزة المرأة لما روى عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
وسلم (صلى على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها) (1) والمعنى فيه محاولة سترها عن أعين الناس وأما
الرجل فأين يقف منه ذكر في الكتاب انه يقف عند صدره وكذلك قاله في النهاية والذي ذكره
معظم الأصحاب منهم العراقيون والصيدلاني انه يقف عند رأسه ونسبوا الأول إلى أبى على الطبري
واحتجوا بما روى أن أنسا رضي الله عنه (صلى على جنازة رجل فقام عند رأسه ثم أتى بجنازة امرأة
فصلي عليها وقام عند عجيزتها فقيل له أهكذا كان يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم
عند رأس الرجل وعند عجيزة المرأة فقال نعم) (2) ورأيت أبا على قد حكى عن فعل أنس رضي الله عنه مثل
قوله وهو الوقوف عند الصدر والله أعلم * ولك أن تعلم قوله عند صدر الميت بالواو لما ذكرناه وان تعلمه
وقوله عند عجيزة المرأة كليهما بالميم لان عند مالك يقف عند وسط الرجل ومنكبي المرأة وأن تعلم
الكلمة الثانية بالحاء أيضا لان عند أبي حنيفة رحمه الله يقف عند صدر الميت رجلا كان أو امرأة وعند
162

احمد يقف عند صدر الرجل وعجيزة المرأة كما هو المذكور في الكتاب (الثانية) أن تقدم على الجنازة
الحاضرة وجعلها خلف ظهره قال في النهاية خرجه الأصحاب على القولين في تقديم المأموم على
الامام ونزلوا الجنازة منزلة الإمام قال ولا يبعد أن يقال تجويز التقدم على الجنازة أولي فإنها ليست
إماما متبوعا حتى يتعين تقدمه وإنما الجنازة والمصلون على صورة مجرم يحضر باب الملك ومعه شفعاء
ولولا الاتباع لما كان يتجه قول تقديم الجنازة وجوبا وهذا الذي ذكره إشارة إلى ترتيب الخلاف
والا فقد اتفقوا على أن الأصح المنع (وقوله) في الكتاب لان ذلك يحتمل في حق الغائب بسبب
الحاجة جواب عن كلام يحتج به لجواز التقدم على الجنازة وهو أن الغائب يصلي عليه كما سيأتي
مع أنه قد يكون خلف ظهر المصلي فكذلك إذا كان حاضرا ففرق بينهما بذلك *
قال (وإذا اجتمعت الجنائز فيجوز أن يصلى على كل جنازة وان يصلى على جميعهم صلاة
واحدة ثم يوضع (و) بين يدي الامام بعضهم وراء بعض والكل في جهة القبلة وليقرب من الامام الرجل
ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة ولا يقدم بالحرية وإنما يقدم بخصال دينية ترغب في الصلاة عليه وعند
التساوي لا يستحق القرب الا بالقرعة أو بالتراضي) *
إذا حضرت جنائز جاز أن يصلى على كل واحدة صلاة وهو الأولى وجائز أن يصلى على
الجميع صلاة واحدة لان معظم الفرض من هذه الصلاة الدعاء للميت ويمكن الجمع بين عدد من
الموتى في الدعاء وقد يقتضي الحال الجمع ويتعذر افراد كل جنازة بصلاة ولا فرق في ذلك بين أن
يتمحض الموتى ذكورا أو إناثا أو يجتمع النوعان ان اتحد النوع ففي كيفية وضع الجنائز وجهان
وصاحب التتمة حكاهما قولين (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب انها توضع بين يدي الامام
في جهة القبلة بعضها خلف بعض ليكون الامام في محاذاة الكل (والثاني) وبه قال أبو حنيفة رحمه
الله يوضع الكل صفا واحدا رأس كل ميت عند رجل الآخر ويجعل الامام جميعها على يمينه ويقف
في محاذاة الأخيرة وان اختلف النوع فهيئة وضعها ما ذكرنا في الوجه الأول ولا يجئ الوجه الثاني
فان الرجل والمرأة لا يقفان صفا واحدا في الجماعات فكذلك لا يوضعان صفا وواحدا ويجوز أن
يعلم قوله بعضهم وراء بعض بالواو لان اللفظ يشمل حالتي اتحاد النوع واختلافه وقد ذكرنا
في الحالة الأولى وجها آخر وهو كذلك معلم بالحاء ثم إذا كان هيئة وضعها ما بينا في الوجه الأول فمن
163

الذي بلي الامام من الموتى لا يخلو الحال أما أن تحضر الجنازة دفعة واحدة أو مرتبة فاما الحالة
الأولى وهي التي تكلم فيها في الكتاب فينظر ان اختلف النوع فليلي الامام الرجل ثم الصبي ثم
الخنثى ثم المرأة لما روى أن سعيد بن العاص (صلى على زيد بن عمر الخطاب وأمه أم كلثوم بنت
على رضي الله عنهم فوضع الغلام بين يديه والمرأة خلفه وفي القوم نحو من ثمانين نفسا من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم فصوبوه وقالوا هذه السنة) وروى أن بن عمر رضي الله عنهما (صلى على
تسع جنائز فجعل الرجال يلونه والنساء يلين القبلة ولو حضر جنائز جماعة من الخناثى وضعت
صفا واحدا لئلا تتقدم امرأة على رجل فان اتحد النوع فيقرب من الامام أفضلهم المعتبر فيه الورع
والخصال التي ترغب في الصلاة عليه ويغلب على الظن كونه أقرب من رحمة الله تعالى جدة
ولا يتقدم بالحرية بخلاف استحقاق الإمامة يقدم فيه الحر على العبد قال في النهاية لان الإمامة في
الصلاة تصرف فيها والحر مقدم على العبد في التصرفات وإذا ماتا استويا في انقطاع التصرف
فاقرب معتبر فيه ما ذكرنا فان استووا في جميع الخصال وتنازع الأولياء في القرب دفع نزاعهم
بالقرعة وان رضوا بتقريب واحد فذاك (الحالة الثانية) ان تحضر الجنائز مرتبة فلا سبق تأثير في
الباب فلا تنحى الجنازة السابقة للحوق أخرى وإن كان صاحبها أفضل هذا عند اتحاد النوع ولو
وضعت جنازة امرأة ثم حضرت جنازة رجل أو صبي فتنحي جنازتها وتوضع جنازة الرجل أو الصبي
بين يدي الامام ولو وضعت جنازة صبي ثم حضرت جنازة رجل لم تنح جنازة الصبي بل يقال لوليه
أما ان تجعل جنازتك خلف الصبي أو تنقله إلى موضع آخر والفرق ان الصبي قد يقف مع الرجل في الصف
والمرأة تتأخر بكل حال فكذلك بعد الموت وعن صاحب التقريب وجه انه تنحى جنازة الصبي كجنازة
المرأة (فان قلت) ولي كل ميت اولي بالصلاة عليه فمن الذي يصلى على الجنازة الحاضرة إذا اقتصروا
على صلاة واحدة (قلنا) كل من لم يرض بصلاة غيره صلى على ميته وان رضوا جميعا بصلاة واحدة
فان حضرت الجنائز مرتبة فولى السابقة اولي رجلا كان ميتها أو امرأة وان حضرت معا
أفرع بينهم والله أعلم *
164

قال (الطرف الثالث في كيفية الصلاة وأقلها تسعة أركان النية والتكبيرات الأربع والسلام والفاتحة
(م ح) بعد الأولى والصلاة على رسول الله عليه وسلم بعد الثانية وفي الصلاة على الآل خلاف
والدعاء للميت بعد الثالثة وقيل يكفي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات ولو زاد تكبيرة خامسة لم تبطل
الصلاة على الأظهر) *
الكلام في كيفية هذه الصلاة في الأقل والأكمل (اما) الأقل فمن أركانها النية ووقتها ما سبق
في سائر الصلوات وكذا في اشتراط التعرض للفرضية الخلاف المقدم وهل يحتاج إلى التعرض لكونها
فرض كفاية أم تكفى نية مطلق الفرض حكى القاضي الروياني فيه وجهين (أصحهما) الثاني ثم إن كان
الميت واحدا نوى الصلاة عليه وإن حضر موتى نوى الصلاة عليهم ولا حاجة إلى تعيين الميت
ومعرفته بل لو نوى الصلاة على من يصلى عليه الامام جاز ولو عين الميت فأخطأ لم تصح صلاته
ويجب على المقتدى نية الاقتداء كما في سائر الصلوات (ومنها) التكبيرات الأربع روى عن جابر رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم (كبر على الميت أربعا وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى) (1)
165

فلو كبر خمسا لم يخل اما أن يكون ساهيا أو عامدا فإن كان ساهيا لم تبطل صلاته ولا مدخل
للسجود في هذه الصلاة وإن كان عامدا فهل تبطل صلاته فيه وجهان (أحدهما) نعم كما لو زاد ركعة
أو ركنا عمدا في سائر الصلوات وهذا الوجه هو المذكور في التتمة والوسيط (وأصحهما) على ما ذكره
ههنا وبه قال الأكثرون أنها لا تبطل لثبوت الزيادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) الا
166

أن الأربع أولى لاستقرار الامر عليها) (1)؟ واتفاق الأصحاب وقد حكي عن ابن سريح رضي الله عنه
إن الاختلافات المنقولة في تكبيرات صلاة الجنازة من جملة الاختلاف المباح وإن كل ذلك سائغ
ولو كان مأموما فزاد إمامه على الأربع فان قلنا الزيادة تبطل الصلاة فارقه وإن قلنا لا تبطل لم
يفارقه ولا يتابعه في الزيادة على الأصح من القولين وهل يسلم في الحال أو ينتظر ليسلم معه فيه وجهان
(أظهرهما) ثانيهما (واعلم) أن أركان هذه الصلاة قد عدها في الكتاب تسعة والنية والتكبيرات
الأربع خمسة منها والسادس السلام وفي وجوب نية الخروج معه ما سبق في سائر الصلوات ويجوز
أن يعلم بالحاء لما ذكرنا ثم وهل يكفي أن يقول السلام عليك حكى الامام تردد الجواب فيه عن الشيخ
أبى على والظاهر المنع والسابع قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى وقال أبو حنيفة ومالك لا يقرأ
فيها شيئا من القرآن * لنا ما روى عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ فيها
167

بأم القرآن وقد قال (صلوا كما رأيتموني أصلى) (1) والسابق إلى الفهم من قوله في الكتاب والفاتحة
يعد الأولى انه ينبغي أن يكون عقيبهما متقدمة على الثانية لكن القاضي الروياني وغيره حكوا عن
نصه انه لو أخر قراءتها إلى التكبيرة الثانية جاز والثامن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
بعد الثانية خلافا لأبي حنيفة ومالك فان عندهما لا يجب ذلك كما ذكر في سائر الصلوات * لنا ما
168

روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا صلاة لمن لم يصل على) وهل نجب الصلاة على الآل فيه قولان
169

أو وجهان ذكرنا هما في غير هذه الصلاة وهذه الصلاة أولى بأن لا يجب فيها لأنها مبنية على الاختصار
170

والتاسع الدعاء بعد التكبيرة الثالثة الميت وعن أبي حنيفة أنه لا يحب لنا ما روى أن النبي
171

صلى الله عليه وسلم (قال إذا صليتم على الميت فاخلصوا الدعاء له) (1) وفيه وجه انه لا يجب
172

تخصيص الميت بالدعاء ويكفى إرساله المؤمنين والمؤمنات والميت يندرج فيهم وهذا الوجه معزى
173

في النهاية إلى الشيخ أبي محمد رحمه الله وقدر الواجب من الدعاء ما ينطلق عليه الاسم اما الا حب
فسيأتي والله أعلم * (واعلم) أن القيام وواجب في هذه الصلاة عند القدرة على الأصح كما سبق فيتوجه
174

الحاقه بالأركان كما أنه معدود من الأركان في الوظائف الخمس والله أعلم
175

قال (واما الا كمل فان يرفع (م ح) اليدين في التكبيرات وفي دعاء الاستفتاح والتعوذ خلاف والأصح
176

أن الاستفتاح لا يستحب ثم لا يجهر بالقراءة ليلا كان أو نهارا ويستحب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات
عند الدعاء للميت ولم يتعرض الشافعي رضي الله عنه في الأدعية للذكر بين التكبيرة الرابعة والسلام) *
لصلاة الجنازة وظائف مندوبة هي توابع للأركان (فمنها) رفع اليدين في التكبيرات الأربع خلافا
لأبي حنيفة ومالك حيث فالا لا يرفع الا في التكبيرة الأولى * لنا ان عمرو أنسا رضي الله عنهما كانا يرفعان
في جميع التكبيرات وعن عروة وابن المسيب رضي الله عنهما مثله ويجمع يديه بينها ويضعهما تحت
صدره كما في سائر الصلوات (ومنها) في قراءة دعاء الاستفتاح عقيب التكبيرة الأولى وجهان (أحدهما)
انه يقرأ كما في سائر الصلوات وهذا اختيار القاضي أبى الطيب والقفال فيما حكاه القاضي الروياني
(وأصحهما) أنه لا يقرأ لأن هذه الصلاة مبنية على التخفيف ولهذا لم يشرع فيها الركوع والسجود
وشبهوا ذلك بقراءة السورة لكن صاحب التهذيب حكى في قراءة السورة بعد الفاتحة الوجهين
أيضا وهل يتعوذ فيه وجهان أيضا لكن الا صح أنه يتعوذ بخلاف دعاء الاستفتاح لان التعوذ من سنن
القراءة كالتأمين عند تمام الفاتحة ولأنه لا يفضى إلى مثل تطويل دعاء الاستفتاح وإذا جمعت
بينهما قلت هل يستفتح ويتعوذ فيه ثلاثة أوجه (أصحها) أنه لا يستفتح ويتعوذ وقوله في الكتاب
177

والأصح أن الاستفتاح لا يستحب بعد ذكر الخلاف فيهما مشعر بأن الأصح في التعوذ الاستحباب ولك
أن تعلم قوله والتعوذ بالواو لأنه أثبت الخلاف فيهما جميعا وفي كلام الشيخ أبى محمد طريقة أخرى
قاطعة باستحباب التعوذ (ومنها) ان السنة فيها الاسرار بالقراءة نهارا وبالليل وجهان (أصحهما) وهو
ظاهر المنصوص انه يسر أيضا لأنها قومة شرعت فيها الفاتحة دون السورة فأشبهت الثالثة من
المغرب والثالثة والرابعة من العشاء والثاني وبه قال الداركي أنه يجهر بها لأنها صلاة تفعل ليلا ونهارا
فيجهر بها ليلا كصلاة الخسوف وهذا هو الذي حكاه الامام عن الصيد لأني والقاضي الروياني عن
أبي حامد وقوله في الكتاب ليلا معلم بالواو لهذا (ومنها) نقل المزني في المختصر أن عقيب التكبيرة
الثانية يحمد الله تعالى ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات فهذه ثلاثة
أشياء أوسطها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي من الأركان على ما سبق ذكرها
وأولها الحمد ولا خلاف في أنه لا يجب وهل تستحب نقل المزني فيه وجهين (أحدهما) وهو قضية
كلام الأكثرين وقالوا ليس في كتب الشافعي رضي اله عنه ما نقله المزني (والثاني) نعم وهو الذي
أورده صاحب التهذيب ولا تتمة قال هؤلاء ولعل المزني سمعه لفظا (وثالثها) الدعاء للمؤمنين والمؤمنات
178

وعامة الأصحاب على استحبابه عقيب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أقرب إلى
الإجابة وفيه كلام آخر نذكره من بعد (ومنها) إذا كبر الثالثة فيستحب أن يكون في دعاؤه للميت
(اللهم هذا عبدك وابن عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحباؤه فيها إلى ظلمة القبر
وما هو لاقيه كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به اللهم انه نزل
بك وأنت خير منزول به وأصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غنى عن عذابه وقد جئناك راغبين
إليك شفعاء له اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ولقه برحتمك رضاك
وقه فتنة القبر وعذابه وافسح له في قبره وجاف الأرض عن جنبيه ولقه برحتمك الامن من عذابك
حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين) هذا ما نقله المزني في المختصر وورد في الباب
عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه
اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزوله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقله
من الخطايا كما نقبت الثوب الأبيض من الدنس وابدله دارا خيرا من داره واهلا خيرا من أهله
وزوجا خيرا من زوجه وقه فتنة القبر وعذاب النار حتى تمنيت أن أكون ذلك الميت) (1) وعن ابن
179

القاص رضي الله عنه دعاء آخر قال في الشامل وعليه أكثر أهل خراسان وهو ما روى عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على الجنازة قال اللهم اغفر لحينا وميتنا؟
وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا اللهم من أحييته منا فاحيه على الاسلام ومن توفيته
منا فتوفه على الايمان (1) فإن كان الميت امرأة قال اللهم هذه أمتك وبنت عبدك ويؤنث الكنايات
وإن كان الميت طفلا اقتصر على المروى عن أبي هريرة رضي الله عنه ويضيف إليه (اللهم اجعله فرطا
لأبويه وسلفا وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا وثقل به موازينهما وافرغ الصبر على قلوبهما ولا تفتنهما
بعده ولا تحرمهما أجره (وقوله) في الكتاب ويستحب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات عند الدعاء للميت
اعلم بالواو لأنه حكي في الوسيط ترددا في ذلك ثم قال والا صح الاستحباب ولعلك تقول قوله
عند الدعاء للميت يقتضي استحباب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات بعد التكبيرة الثالثة مع الدعاء للميت
والجمهور قالوا باستحبابه في الثانية كما سبق وذكروا انه يخلص في الثالثة الدعاء لميت فكيف سبيل
الجمع والتردد الذي رواه في الوسيط ليس له ذكر في كلام الأصحاب فعلى ماذا ينزل (والجواب)
ان امام الحرمين حكى في استحبابه ترددا للأئمة في الكبيرة الثانية ووجه استحبابه بان صلاة *
180

على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الا خير يستعقب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات فكذلك
في هذه الصلاة فان أراد حجة الاسلام قدس الله روحه هذا التردد فالوجه ان يؤول كلمة عند ويقال
أراد النظر في أنه هل يدعو للمؤمنين والمؤمنات في هذه الصلاة مع الدعاء للميت ويجوز أن يحمل
ما ذكره على الدعاء الذي ذكره ابن القاص فإنه دعاء للمؤمنين والمؤمنات وما قبله يختص بالميت
ولا يبعد أن يقدر فيه تردد فان قول من قال يخلص الدعاء للميت في الثالثة ينافي استحباب هذا
الدعاء والله أعلم * (وقوله) ولم يتعرض الشافعي رضي الله عنه لذكر بين التكبيرة الرابعة والسلام
أراد في المختصر وعامة كتبه لا على الاطلاق فان البويطي روى عنه أن يقول بينهما (اللهم لا تحرمنا
أجره ولا تفتنا بعده) هكذا نقل الجمهور ونقل الصيدلاني عن روايته أن يقول (اللهم اغفر لحينا وميتنا)
وحكى قوم منهم صاحب التهذيب الذكر المشهور عن البويطي نفسه فإن كان كذلك أمكن اجراء
قوله ولم يتعرض الشافعي رضي اله عنه على اطلاقه وكيف ما كان فالذكر بينهما لي بواجب
والظاهر استحبابه وفي الكافي للروياني وجه آخر انه لا استحباب وإنما هو بالخيار بين أن يذكره أو يدعه ويسلم
عقيب التكبيرة وهكذا كان يفعله الإمام محمد بن يحيى قدس الله روحه فيما حكاه والدي رحمه الله وفي كيفية
السلام من صلاة الجنازة قولان (أصحهما) أن الأولى أن يسلم تسليمتين (أحداهما) عن يمينه (والأخرى) عن
181

شماله على ما ذكرنا في سائر الصلوات (والثاني) قاله في الاملاء يقتصر على تسليمة واحدة. لان مبني هذه
الصلاة على التخفيف خوفا من التغيرات التي عساها تحدث في الميت وعلى هذا فالمنصوص أنه
يبدأ بها ملتفتا إلى يمينه ويختمها ملتفتا إلى يساره فيدير وجهه وهو فيها ومنهم من قال يأتي بها تلقاء
وجهه من غير التفات قال امام الحرمين ولا شك ان هذا التردد يجرى في جميع الصلوات إذا رأينا
الاقتصار على تسليمة واحدة واختلفوا في أن القولين في أن الأولى تسليمة أو تسليمتان هما القولان
المذكوران من قبل في سائر الصلوات أم لا (فقال) قوم هما هما (وقال) آخرون لا بل هما مرتبان على
القولين في سائر الصلوات إن قلنا يقتصر فيها على تسليمة واحدة فههنا أولي وإن قلنا يسلم تسليمتين
فههنا قولان وهذا أصح لان قول الاقتصار في سائر الصلوات لم ينقل إلا عن القديم وهو منقول ههنا
عن الاملاء وأنه محسوب من الجديد ولأنهم وجهوه ببناء هذه الصلاة على التخفيف وهذا لا يجئ
في سائر الصلوات ويقتضي الترتيب. وقد صرح لفظ المختصر بتكرير السلام في سائر الصلوات
وقال ههنا ثم يسلم عن يمينه وعن شماله. وهذا القدر يحتمل القولين جميعا وعلى قول الاقتصار على
تسليمة واحدة هل يزيد ورحمة الله أم يقتصر على قوله السلام عليكم ذكر في النهاية أن الشيخ
أبا على حكى ترددا فيه من طريق الأولى رعاية للاختصار *
قال * (فرع) المسبوق يكبر (ح و) كما أدرك وإن كان الامام في أثناء القراءة ثم إن لم يتمكن
من التكبيرة الثانية مع الامام صبر إلى التكبيرة الثالثة فيكبر التكبيرة الثانية عندها ثم إذا سلم الامام
182

تدارك ما بقي عليه ولو لم يكبر الثانية قصدا حتى كبر الامام الثالثة بطلت صلاته إذ لا قدوة الا في
التكبيرات) *
الفرع يشتمل على مسئلتين (إحداهما) لو لحق مسبوق في خلال صلاة الجنازة كبر شارعا ولم
ينتظر تكبيرة الامام المستقبلة خلافا لأبي حنيفة رحمه الله حيث قال يصبر حتى يكبر معه فلو لحق
بعد التكبيرة الرابعة تعذر الادراك عنده. وعن مالك روايتان كالمذهبين كما في سائر الصلوات *
لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا) (1) ولأنه أدرك
الامام في بعض صلاته فلا ينتظر ما بعده كما في سائر الصلوات ثم في المسألة فروع (أحدها)
إذا كبر المسبوق اشتغل بقراءة الفاتحة وإن كان بعد التكبيرة الثانية والامام
يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أو بعد الثالثة والامام يدعو بناء على أن ما يدركه المسبوق
أول صلاته فيراعى ترتيب صلاة نفسه كذا ذكره وهو غير صاف عن الاشكال (الثاني) إذا
لحق قبل التكبيرة الثانية وكبر نظر إن كبر الامام كلما فرغ من تكبيره كبر معه الثانية وسقطت عنه
القراءة كما إذا ركع الامام عقيب تكبيره في سائر الصلوات وإن قرأ الفاتحة ثم كبر الامام الثانية
كبر معه وقد أدرك جميع الصلاة وإن كبر الامام قبل فراغه من القراءة فهل يقطع الفاتحة ويوافقه
أو يتم قراءته فيه وجهان كما لو قرأ المسبوق بعض الفاتحة ثم ركع الامام (أصحهما) عند
الأكثرين منهم ابن الصباغ والقاضي الروياني أنه يقطع القراءة ويتابعه وعلى هذا هل يقرأ
بعد الثانية لأنه محل القراءة بخلاف الركوع أم يقال لما أدرك قراءة الإمام صار محل قراءته منحصرا
فيما قبل الثانية وذكر في الشامل فيه احتمالين ولعل الثاني أظهر. وصاحب الكتاب أجاب بالوجه
الثاني وهو أنه يتم القراءة ولا يوافقه في التكبيرة الثانية حيث قال: ثم إن لم يتمكن من التكبيرة الثانية
183

مع الامام أي لعدم إتمام الفاتحة صبر إلى التكبيرة الثالثة يعني يتمها ويؤخر تكبيرته الثانية إلى أن
يكبر الامام الثالثة وإلى هذا الوجه صغو إمام الحرمين. إذا عرفت ذلك فاعلم قوله صبر بالواو
واعرف أن ذلك الوجه المشار إليه أظهر (الثالث) إذا فاته بعض التكبيرات تدارك بعد سلام
الامام وهل يقتصر على التكبيرات نسقا أم يأتي بالدعاء والذكر بينها فيه قولان (أحدهما) يقتصر
على التكبيرات فان الجنازة ترفع بعد سلام الامام فليس الوقت وقت التطويل (وأصحهما) أنه
يدعي لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (وما فاتكم فاقضوا) وكما فاته التكبيرات فاته الدعاء
والمستحب ألا ترفع الجنازة حتى يتم المسبوقون ما عليهم وان رفعت لم تبطل صلاتهم وإن حولت
عن قبالة القبلة بخلاف ابتداء عقد الصلاة لا يحتمل فيه ذلك والجنازة حاضرة (المسألة الثانية)
لو تخلف المقتدى فلم يكبر مع الامام الثانية أو الثالثة حتى كبر الامام التكبيرة المستقبلة من غير عذر
بطلت صلاته لان القدوة في هذه الصلاة لا تظهر الا في التكبيرات وهذا التخلف متفاحش شبيه
بالتخلف بركعة في سائر الصلوات حكى الامام المسألة وجوابها عن شيخه وقطع بما ذكره وتابعهما
المصنف رحمه الله *
قال (الطرف الرابع في شرائط الصلاة وهي كسائر الصلاة ولا يشترط الجماعة فيها ولكن قيل
لا يسقط الفرض الا بأربعة يصلون جمعا أو آحادا وقيل يسقط بثلاث وقيل يسقط بواحد وفي
الاكتفاء بجنس النساء خلاف) *
184

الشرائط المرعية في سائر الصلوات كالطهارة وستر العورة والاستقبال وغيرها مرعية في هذه
الصلاة أيضا وأراد بقوله وهي كسائر الصلوات التسوية فيها دون الأركان والسنن ويجوز أن
يعلم بالحاء لان عند أبي حنيفة رحمه الله هذه الصلاة تفارق غيرها في أمر الطهارة فيجوز التيمم لها
185

عند خوف الفوات مع وجود الماء ومعظم غرض هذا الطرف الكلام فيما وقع الخلاف في اشتراطه
في هذه الصلاة إما بين أصحابنا أو ببننا وبين غيرنا وفيه مسائل (منها) أن السنة أن تقام جماعة كذلك
(كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل) (1) وعليه استمر الناس ولا يشترط فيها الجماعة كسائر الصلوات
186

وقد صلى الصحابة على الرسول صلى الله عليه وسلم افرادا (1) وفيمن يسقط به فرض هذه الصلاة
وجوه (أحدها) أنه لابد من أربعة يصلون جماعة وافرادا كما لا بد من أربعة يحملونه كذا ذكره
187

الشيخ أبو علي وغيره قال الامام هذا التشبيه هفوة فان الحمل بين العمودين أفصل
للحاملين وأنه يحصل بثلاثة كما تقدم (والثاني) أنه يكفي ثلاثة * واحتج له بقوله صلى الله عليه وسلم
188

(صلوا على من قال لا إله إلا الله) (1) خاطب به الجمع وأقله ثلاثة وهذا أصح الوجوه عند الشيخ أبى
الفرج البزار (والثالث) أنه يسقط الفرض بواحد لأنه لا يشترط فيه الجماعة فكذلك العدد كسائر
الصلوات (والرابع) أورده في التهذيب أنه لا بد من اثنين ويكتفى بهما بناء على أن أقل الجمع
اثنان وهذا الوجه لم يبلغ الامام نقلا لكن قال هو محتمل جدا لان الاجتماع يحصل بذلك وهو
كقولنا في مسالة الانفضاض على رأى يكتفى ببقاء واحد مع الامام. ونقل جماعة من أئمتنا الوجه الثاني
والثالث قولين منصوصين منهم صاحب الشامل ومنهم القاضي الروياني وقال هو وغيره الظاهر
189

الاكتفاء بواحد والله أعلم. ويتفرع على هذه الوجوه ما لو تبين حدث الامام أو بعض المقتدين ان بقي
العدد المكتفى به فالفرض ساقط به والا فلا. وهل الصبيان المميزون بمثابة الباغين على اختلاف
الوجوه فيه وجهان (أظهرهما) نعم. وفي النساء وجهان (أحدهما) أنهن كالرجال لصحة صلاتهن
وجماعتهن (وأصحهما) ولم يذكر صاحب التهذيب وكثيرون سواه انه لا يكتفى بهن وان كثرن
نظرا للميت فان دعاء الرجال أقرب إلى الإجابة وأهليتهم إلى العبادات ولان فيه استهانة بالميت
وموضع الوجهين ما إذا كان هناك رجال فإن لم يكن رجل صلين للضرورة منفردات وسقط الفرض
قال في العدة: وظاهر المذهب أنه لا يستحب لهن أن يصلين جماعة في جنازة الرجل والمرأة (وقيل)
يستحب ذلك في جنازة المرأة *
قال (ولا يشترط حضور الجنازة بل يصلي (م ح) على الغائب الا (و) إذا كان في البلد) *
190

تجوز الصلاة على الغائب بالنية سواء كان في جهة القبلة أو في غير جهتها والمصلى مستقبل
بكل حال وبه قال احمد خلافا لمالك وأبي حنيفة رحمهم الله * لنا ما روى (أن النبي صلى الله عليه
وسلم أخبر بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه فخرج إلى المصلي وصفهم وكبر أربع تكبيرات) (1)
وهذا إذا كانت الجنازة في بلدة أو قرية ولا فرق بين أن يكون بين الموضعين مسافة القصر أو لا
يكون فإن كانت في تلك البلدة فهل يجوز أن يصلي عليها وهي غير موضوعة بين يديه فيه وجهان
(أحدهما) نعم كالغائبة عن البلد (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب لا لتيسر الحضور وشبه
هذا الخلاف بالخلاف في نفوذ القضاء على من في البلد مع امكان الاحضار وإذا شرطنا حضور الجنازة
فينبغي ان لا يكون بين الامام وبينها أكثر من مائتي ذراع أو ثلاثمائة على التقريب حكاه المعلق عن الشيخ
أبي محمد ولا يشترط (م ح) ظهور الميت بل تجوز الصلاة على المدفون ولكن تقديم الصلاة واجب فإن لم تقدم فلا
191

تفوت بالدفن ثم قبل إنه يصلي بعد الدفن إلى ثلاثة أيام وقيل إلى شهر وقيل إلى انمحاق الاجزاء
وقيل من كان مميزا عند موته يصلي عليه ومن لا فلا وقيل ويصلي عليه أبدا ومع هذا فلا يصلي على قبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم) *
إذا أقيمت جماعة صلاة الجنازة ثم حضر آخرون فلهم أن يصلوا عليها افرادا أو في جماعة
أخرى وتكون صلاتهم فرضا في حقهم كما أنها فرض في حق الأولين بخلاف من صلاها
مرة لا تستحب له إعادتها فان المعادة تكون تطوعا وهذه الصلاة لا يتطوع بها فإن كان قد
صلى مرة وأراد إعادتها في جماعة لم يستحب أيضا في أظهر الوجهين. ولا فرق بين أن يكون حضور
الآخرين قبل الدفن أو بعده ولا يشترط ظهور الميت وخالف أبو حنيفة في الحالتين (اما) قبل الدفن
فلان عنده لا يصلي على الجنازة مرتين واما بعده فلان عنده لا يصلى على القبر إلا إذ دفن ولم يصل
عليه الولي فله ان يصلي على القبر وكذا له ان يصلي عليه قبل الدفن إذا كان غائبا وصلى عليه غيره
وساعد أبا حنيفة مالك في الفصلين والخلاف جاء فيما إذا دفن ميت قبل إن يصلى عليه فعندنا
يصلي على قبره ولا ينبش للصلاة ولكن يأثم الدافنون بما فعلوا فان تقديم الصلاة على الدفن واجب وعند هما
لا يصلى على القبر * لنا ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم
مر بقبر دفن ليلا فقال متي دفن هذا قالوا البارحة قال أفلا آذنتموني قالوا دفناه في ظلمة الليل
فكرهنا أن نوقظك فقام وصفنا خلفه قال ابن عباس رضي الله عنهما وانا فيهم فصلي عليه) (1) ولك ان
192

تعلم قوله في الكتاب فلا تفوت بالدفن بالوا ولان أبا عبد الله الحناطي حكى عن أبي إسحاق المروزي أن فرض
الصلاة لا يسقط بالصلاة على القبر وإنما يصلي على القبر من لم يدرك الصلاة وإلى متى تجوز الصلاة على القبر
193

* فيه خمسة أوجه (أحدهما) إلى ثلاثة أيام ولا تزاد لأنها أول جد الكثرة وآخر حد القلة ويروى
هذا عن أصحاب أبي حنيفة رحمه الله حيث جوزوا للولي الصلاة على القبر (والثاني) وبه قال احمد
194

رحمه الله أنه يصلى عليه إلى شهر ولا يزاد وهذا ما ذكره ابن القاص في المفتاح قال القفال يحتمل أنه خرج
ذلك من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي فإنه كان بينهما مسيرة شهر ومعلوم أنه لولا الوحي لما
195

علموا بموته الا بعد شهر ومنهم من وجهه بما روى (صلى الله عليه وسلم انه صلى على البراء بن معرور
بعد شهر) (1) ولم تنقل الزيادة عليه (الثالث) انه يصلى عليه ما دام يبقى منه شئ في القبر فان انمحقت
الاجزاء كلها فلا إذ لم يبق ما يصلى عليه وعلى هذا فلو تردد في انمحاق الاجزاء فلإمام الحرمين
رحمه الله فيه احتمالان (أحدهما) ان يقال الصلاة تستدعي تيقن البقاء في القبر (والثاني) أن يقال
الأصل بقاءه فيجوز وهذا الثاني أوفق لرواية الصيدلاني، آخرين وأصل الوجه فإنهم نقلوا انه يصلي
عليه ما لم يعلم بلاه (والوجه الرابع) أنه يصلي عليه من كان من أهل فرض الصلاة يوم الموت ولا يصلى
عليه غيره هكذا روى الشيخ أبو محمد والصيدلاني وغيرهما عن الشيخ أبى زيد وأشار إليه صاحب
196

الافصاح ووجهه بان من كان من أهل الفرض يومئذ كان الخطاب متوجها عليه فمتى أدى كان مؤديا
لفرضه وغيره لو صلى كان متطوعا وهذا الصلاة لا يتطوع بها وروى المحاملي وطائفة هذا الوجه
بعبارة أخرى فقالوا من كان من أهل الصلاة يصلي عليه يوم موته ومن لا فلا فعلى العبارتين معا من
لم يولد عند الموت أو لم يكن مميزا لم يكن له أن يصلي على القبر ومن كان مميزا حينئذ هل يصلى اما
العبارة الأولى فلا لأنه لم يكن من أهل فرضية الصلاة وأما على الثانية فنعم لأنه كان من أهل
الصلاة والعبارة الأولى أشهر والثانية أصح عند القاضي الروياني وهي التي يوافقها لفظ الكتاب
فإنه قال وقيل من كان مميزا عند موته يصلي فلا يعتبر إلا التمييز الذي يعطي أهلية الصلاة دون
197

أهلية الافتراض (والوجه الخامس) انه يصلى عليه ابدا لان القصد بهذه الصلاة الدعاء وهو جائز
في الأوقات كلها وأظهر الوجوه هو الرابع ثم هذا كله في قبر غير النبي صلى الله عليه وسلم (فأما) الصلاة على
قبره فتبني على الوجوه المذكورة في حق غيره فعلى الوجوه الأربعة الأولى لا يصلي عليه اليوم أما
على غير الثالث فظاهر وأما الثالث فليس الامتناع لأنه يبلى إذ الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء
ولكن لأنه روى في الخبر أنه صلى الله عليه وسلم قال (أنا أكرم على ربي من أن يتركني في
قبري بعد ثلاث) (1) وعلى الوجه الخامس هل يصلى عليه فيه وجهان (أظهر هما) لا لما روى أنه صلى
198

الله عليه وسلم قال (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) (1) (والثاني) نعم كما
في حق غيره ولكن فرادى لا جماعة كما فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويحكى هذا عن
أبي الوليد النيسابوري. إذا عرفت ذلك أعلمت قوله فلا يصلي على قبر رسول لله صلى الله عليه وسلم
بالواو ويجوز أن يعلم ما سوى الثاني من الوجوه بالألف لان مذهبه الثاني كما قدمناه (فائدة) قوله
في أول هذا الطرف: وهي كسائل الصلوات أراد به في الشرائط كما قدمناه ثم الغرض بيان ان
شرائط سائر الصلوات مرعية فيها لان شرائط هذه الصلاة منحصر فيها لأنه يشترط فيها تقدم غسل الميت
حتى لو مات في بئر أو معدن انهدما عليه وتعذر إخراجه وغسله لم يصل عليه ذكره صاحب التتمة ويشترط
فيها أيضا عدم التقدم على الجنازة الحاضرة بين يديه وعلى القبر إن كان يصلي عليه على الصحيح *
قال (القول في الدفن * وأقله حفرة تحرس الميت عن السباع وتكتم رائحته وأكمله قبر على قامة
199

الرجل واللحد أفضل من الشق وليكن اللحد في جانب القبلة ثم توضع الجنازة على رأس القبر بحيث
يكون رأس الميت عند مؤخر القبلة من جهة رأسه ولا يضع الميت في قبره إلا الرجل فإن كانت
امرأة فيتولى ذلك زوجها ومحارمها فإن لم يكن فعبيدها فإن لم يكن فخصيان فإن لم يكن فار حام فإن لم
يكن فالا جانب لأنهن يضعفن عن مباشرة هذا الا مر ثم إن لم يستقل واحد بوضعه فليكن عدد الواضعين وترا)
دفن الميت من فروض الكقايات كغسله والصلاة عليه والدفن في المقبرة أولى لينال الميت
دعاء المارين والزائرين (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدفن أصحابه في المقابر) (1) ويجوز الدفن
في غير المقابر لأنهم (دفنوا النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة رضي الله عنها (2) فلو تنازع
الورثة فقال بعضهم ندفنه في ملكه وقال آخرون بل في المقبرة المسبلة دفن في المقبرة المسبلة لان ملكه
قد انتقل إلى الورثة وبعض الشركاء غير راض بدفنه فيه فلو بادر بعضهم ودفنه فيه كان للباقين
نقله إلى المقبرة والأولى ان لا يفعلوا لما فيه من الهتك ولو أراد بعضهم دفنه في خالص ملكه لم
يلزم الباقين قبوله ولو بادر إليه قال ابن الصباغ لم يذكره الأصحاب وعندي انه لا ينقل فإنه هتك
200

وليس في ابقائه ابطال حق الغير ولو توافقوا على دفن الميت في ملكه ثم باعوه لم يكن للمبتاع
نقله وله الخيار إن كان جاهلا به ثم لو اتفق نقله أو بلي كان الموضع للبائعين أو المشترى فيه
وجهان سيأتي في البيع نظائرها. إذا عرفت ذلك ففي الفصل مسائل (إحداها) لا يجوز الاقتصار
في الدفن على أدنى احتفار بل أقل ما في البأب حفرة تكتم رائحة الميت وتحرسه عن السباع لعسر
نبش مثلها عليها غالبا وهذان المعنيان كتمان الرائحة والحراسة عن السباع قد ذكرهما إمام الحرمين
في حد واجب الدفن وتابعه المصنف فإن كانا متلازمين فمي وجدت إحدى الصفتين في
الحفرة توجد الأخرى والغرض من ذكرهما بيان الفائدة المطلوبة بالدفن وان لم يكونا متلازمين فبان
أنه يجب رعايتهما ولا يكتفى بأحدهما مقصود أيضا (واما الأكمل) فيستحب توسيع القبر وتعميقه
روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: (احفروا ووسعوا وعمقوا) (1) والمنقول عن لفظ الشافعي رضي
الله عنه أنه يعمق قدر بسطة قال المحاملي وغيره وإنما أراد بسطة بعد القيام على ما روى عن عمر رضي الله عنه
أنه قال (عمقوا إلى قدر قامة وبسطة) (2) وقدره بثلاثة أذرع ونصف وهو قدر ما يقوم الرجل ويبسط
201

يده مرفوعة غالبا والاعتبار بالأربعة من الرجال وفيما علق عن الشيخ أبى محمد أن السنة من التعميق
بقدر قامة وهو ثلاثة أذرع وذكر في النهاية ما يواقفه فنقل لفظ البسطة وفسرها بقامة رجل وسط
فيشبه أن يكون وجها آخر وهو الذي يوافقه لفظ الكتاب والمشهور في المذهب هو الأول (وقوله)
في الكتاب: وأقله وأكمله. الكناية فيهما يجوز أن ترجع إلى غير مذكور المعنى وأقل المدفون فيه ويجوز أن
ترجع إلى المذكور وهو الدفن وحينئذ يحتاج الكلام إلى إضمار معناه وأقل الدفن في حفرة والأول
أولى لان واجب الدفن لا ينحصر في الدفن في حفرة صفتها ما ذكر بل يجب مع ذلك وضع الميت مستقبل القبلة
على ما سيأتي واعلم قوله قدر قامة الرجل بالميم لان المحكي عن مالك أنه لا حد في تعميق القبر (المسألة الثانية)
اللحد والشق كل واحد منهما جائز واللحد أن يحفر حائط القبر مائلا عن استوائه من الأسفل قبل
ما يوضع الميت فيه وليجعل ذلك من جهة القبلة والشق أن يحفر حفرة كالنهر أو يبنى جانباه باللبن أو
غيره ويجعل بينهما شق يوضع الميت فيه ويسقف وأيهما اولي إن كانت الأرض صلبة فاللحد وإن كان
ت رخوة فالشق وعند أبي حنيفة الشق اولي بكل حال هكذا روى جماعة من أصحابنا وفي مختصر
202

الكرخي وغيره من كتب أصحابه انه يلحد ولا يشق كمذهبنا ووجه تقديم اللحد ما روى عن
ابن عباس رضي الله عنهما (ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اللحد لنا والشق لغيرنا) (1) وروى أنه
203

كان بالمدينة رجلان أحدهما يلحد والآخر يشق فبعث الصحابة رضي الله عنهم في طلبهما وقالوا
أيهما جاء أولا عمل عمله لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاء الذي يلحد فلحد لرسول الله صلى الله
عليه وسلم (1) (الثالثة) توضع الجنازة على شفير القبر بحيث يكون رأس الميت عند رجل القبر ثم يسل
204

في القبر من قبل رأسه سلا رفيقا وبه قال احمد وقال أبو حنيفة توضع الجنازة بين القبر والقبلة ويدخل
205

لقبر عرضا * لنا ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما (ان النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه
سلا) (1) وقوله في الكتاب ثم توضع الجنازة على رأس القبر لم يعن برأس القبر ضد رجله ومؤخره
وإنما أراد طرفه الا تراه يقول عقيبه بحيث يكون رأس الميت عند مؤخر القبر (الرابعة) لا يدخل
الجنازة في القبر الا الرجال ما وجدوا سواء كان الميت رجلا أو امرأة لأنه يحتاج إلى بطش وقوة
والنساء يضعفن عن مثل ذلك غالبا ويخشى من مباشرتهن لذلك انهتاك الميتة وانكشافهن ثم أولي
الرجال بالدفن أولاهم بالصلاة نعم الزوج أحق بدفن الزوجة من غيره ثم بعده المحارم ويقدم منهم
الأب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم فإن لم يكن منهم أحد فعبيدها
وهم أولي من بنى العم لأنهم كالمحارم في جواز النظر ونحوه على الصحيح وفيه خلاف سيأتي في
206

موضعه فان ألحقناهم بالأجانب فلا يتوجه تقديمهم وأبدى امام الحرمين فيهم الاحتمال من جهة
أخرى وهي ان ملكها ينقطع عنهم بالموت وشبهه بالتردد؟ في غسل الأمة مولاها فإن لم يكن لها عبيد
فالخصيان أولى لضعف شهوتهم قال الامام وفيه احتمال بين سنذكره في أحكام النظر فإن لم يكونوا
فذووا الأرحام الذين لا محرمية لهم فإن لم يكونوا فأهل الصلاح من الأجانب قال الامام وما أرى
تقديم ذوي الأرحام محتوما بخلاف تقديم المحارم لان الذين لا محرمية لهم من ذوي الأرحام
كالأجانب في وجوب الاجتناب عنهم في الحياة وقدم في العدة صاحبها نساء القرابة على الرجال
الأجانب وهو خلاف النص والمذهب المشهور إذا عرفت ما ذكرنا فلا يخفى عليك ان قوله في الكتاب
207

زوجها ومحارمها ليس للجمع ولا للتخيير وإنما الامر فيه على الترتيب وان قوله فعبيدها يجوز
أن يعلم بالواو وكذا قوله فخصيان (وقوله) فأرحام أي ذووا أرحام (وقوله) لأنهن يضعفن عن
مباشرة هذا الامر تعليل لأول الكلام وهو قوله: ولا يضع الميت في قبره الا الرجال ويجوز
أن يعلم قوله فإن لم يكن فالأجانب بالواو أيضا لما ذكرنا في العدة (الخامسة) ان استقل واحد بوضع
الميت في القبر فإن كان طفلا فذاك وإلا فالمستحب أن يكون عدد الدافنين وترا ثلاثة أو خمسة
على قدر الحاجة وكذلك عدد الغاسلين ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم دفنه على والعباس
وأسامة رضي الله عنهم) (1) ويستحب أن يستر القبر عند الدفن بثوب رجلا كان الميت أو امرأة لكن
208

ستر المرأة آكد وعند أبي حنيفة رحمه الله يختص الاستحباب بالمرأة وروى مثله عن أحمد واختاره
أبو الفضل بن عبد ان من أصحابنا * لنا ما روى (ان النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن سعد بن معاذ
رضي الله عنه ستر قبره بثوب) (1) والمعنى فيه انه ربما ينكشف عند الاضجاع وحل الشداد ويستحب
لمن يدخله القبر أن يقول بسم الله وعلى ملة رسول الله روى ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم (2) ثم يقول اللهم أسلمه إليك الأشخاص من ولده وأهله وقرابته واخوانه
209

وفارقه من كان يحب قربه وخرج من سعة الدنيا والحياة إلى ظلمة القبر وضيقه ونزل بك وأنت
210

خير منزول به ان عاقبته فبذنبه وان عفوت فأهل العفو أنت. أنت غني عن عذابه وهو فقير
إلى رحمتك اللهم اشكر حسنته واغفر سيئته وأعذه من عذاب القبر واجمع له برحتمك إلا من
211

من عذابك واكفه كل هول دون الجنة اللهم فاخلفه في تركته في الغابرين وارفعه في عليين وعد عليه بفضل
رحمتك يا أرحم الراحمين هذا لدعاء منقول عن لفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر
212

قال (ثم يضجع الميت على جنبه الا يمن في اللحد بحيث لا ينكب ولا يستلقي ويفضي بوجهه إلى
تراب أو لبنة ثم ينضد اللبن علي فتح اللحد وتسد الفرج بما يمنع التراب ثم يحثى عليه كل من دنا ثلاث
213

حثيات ثم يهال عليه التراب بالمساحي)
214

إذا دخل الميت القبر أضجع في اللحد على جنبه الأيمن مستقبل القبلة كذلك فعل برسول الله
صلى الله عليه وسلم وكذلك كان يفعله (1) وليكن الاضجاع بحيث لا ينكب ولا يستلقى وذلك بأن
يدنى من جدار اللحد فيسند إليه وجهه ورجلاه ويجعل في باقي بدنه بعض التجافي فتكون هيئته
قريبة من هيئة الراكعين ويسند ظهره إلى لبنة ونحوها فهذا يمنعه من الاستلقاء وذلك من الانكباب
215

واعلم بأن وضعه مستقبل القبلة واجب على ما حكاه الجمهور حتى لو دفن مستدبرا أو مستلقيا فإنه
ينبش ويوجه إلى القبلة ما لم يتغير فان تغير فقد قال في التهذيب وغيره لا ينبش بعد ذلك وحكي
عن القاضي أبى الطيب أنه قال في المجرد والتوجيه إلى القبلة سنة فإذا ترك فيستحب أن ينبش ويوجه
ولا يجب ولو ماتت ذمية في بطنها جنين مسلم ميت فيجعل ظهرها إلى القبلة توجيها للجنين المسلم
216

إلى القبلة فان وجه الجنين فيما ذكر إلى ظهر الام وأين تدفن هذه قيل بين مقابر المسلمين والكفار
وقيل في مقابر المسلمين وتنزل هي منزلة صندوق للولد ويروى أن عمر رضي الله عنه أمر بذلك (1)
217

وحكي في العدة وجها آخر أنها تدفن في مقابر المشركين (وأما) الاضجاع على اليمين فليس بواجب
بل لو وضع على الجنب الأيسر مستقبلا كره ولم ينبش كذلك ذكر في التتمة ويجعل تحت رأس
218

الميت لبنة أو حجرا ويفضى بخده الأيمن إليه أو إلى التراب فذلك أبلغ في الاستكانة ولا يوضع
تحت رأسه مخدة ولا يفرش تحته فراش حكى العراقيون كراهة ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه
لأنه لم ينقل عن أحد من السلف وفيه تضييع المال وقال في التهذيب لا بأس به إذ روى عن ابن
219

عباس رضي الله عنهما (انه جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطفة حمراء) (1) ويكره ان يجعل في تابوت
220

إلا إذا كانت الأرض رخوة أو ندية ولا تنفذ الوصية به الا في مثل هذه الحالة ثم يكون التابوت
من رأس المال ثم إذا وقع الفراغ من وضع الميت نصب اللبن علي فتح اللحد روى عن سعد بن أبي
وقاص رضي الله عنه أنه قال (اصنعوا بي كما صنعتم برسول الله صلى الله عليه وسلم انصبوا على اللبن
وأهيلوا على التراب) (1) وتسد فرج اللبن بكسر اللبن مع الطين أو بالإذخر ونحوه ثم يحثى كل من
221

دنا ثلاث حثيات من التراب بيديه ثم يهال بالمساحي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم (حتى على
الميت ثلاث حثيات بيديه جميعا) (1) قال في التتمة ويستحب أن يقول مع الأولى (منها خلقنا كم) ومع
222

الثانية (وفيها نعيدكم) ومع الثالثة (ومنها تخرجكم تارة أخرى) وقوله في الكتاب ثم ينضد اللبن
من التنضيد وهكذا ذكر امام الحرمين ولفظ الشافعي رضي الله عنه وعامة الأصحاب رحمة الله عليهم
ينصب وهما جميعا مؤديان الغرض *
قال (ولا يرفع نعش القبر الا بقدر شبر ولا يجصص ولا يطين ولا بأس بالحصى ووضع الحجر
على رأس القبر للعلامة ثم التسنيم أفضل من التسطيح مخالفة لشعار الروافض) *
223

المستحب أن لا يزاد في القبر على ترابه الذي خرج منه حتى لا يعظم شخوصه عن الأرض
ولا يرفع نعشه إلا قدر شبر ما روى عن جابر رضي الله عنه (أنه لحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ونصب عليه اللبن نصبا ورفع قبره عن الأرض قدر شبر) (1) وعن القاسم بن محمد قال (دخلت على
224

عائشة رضي الله عنها فقلت يا أماه اكتشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه فكشفت
لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة بطحاء العرصة الحمراء) (1) وإنما يرفع نعش القبر
225

ليعرف فيزاد ويحترم واستثنى في التتمة ما إذا مات مسلم في بلاد الكفر قال لا يرفع قبره ويخفى
كيلا يتعرض له الكفار إذا خرج المسلمون منها ويكره تجصيص القبر والكتابة والبناء عليه لما
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهي عن تجصيص القبر وأن يبنى عليه وأن يكتب وأن
يوطأ) (1) ولو بني عليه هدم إن كانت المقبرة مسبلة وإن كان القبر في ملكه فلا (وأما قوله) فلا يطين
226

فليس له ذكر في أكثر كتب الأصحاب وإنما ذكره المصنف وامام الحرمين كأنهما ألحقا التطيين
بالتجصيص لكن لا يبعد الفرق بينهما فان التجصيص زينة دون التطيين أو الزينة في التجصيص
أكثر وذلك لا يناسب حال الميت وقد روى أبو عيسى الترمذي في جامعه عن الشافعي رضي الله عنه أنه
لا باس بالتطيين وروى مثله عن أحمد فلك أن تعلم قوله ولا يطين بالواو والألف ويستحب أن يرش
الماء على القبر ويوضع عليه الحصي روى ذلك (عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم بقبر ابنه إبراهيم) (1)
227

(ورش بلال رضي الله عنه على قبر النبي صلى الله عليه وسلم) (1) ويستحب أن يوضع عند رأسه صخرة
أو خشبة ونحوها (وضع النبي صلى الله عليه وسلم صخرة على رأس قبر عثمان بن مظعون وقال أعلم
بها قبر أخي وادفن إليه من مات من أهلي) (2) (وقوله) في الكتاب ولا بأس بالحصي ووضع حجر لا يقتضي
228

الا نفى الحرمة والكراهة وهما مع ذلك مستحبان نص عليه الأئمة كما بيناه فاعرف ذلك ثم الأفضل
في شكل القبر التسطيح أو التسنيم ظاهر المذهب أن التسطيح أفضل وقال مالك وأبو حنيفة رحمهم الله
229

التسنيم أفضل * لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم (سطح قبرا بنه إبراهيم) (1) وعن القاسم بن محمد قال رأيت قبر النبي
230

صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر رضي الله عنهما مسطحة) (1) وقال ابن أبي هريرة إن الأفضل الآن العدول من التسطيح
231

إلى التسنيم لان التسطيح صار شعارا للروافض فالأولى مخالفتهم وصيانة الميت وأهله عن الاتهام
232

بالبدعة ومثله ما حكى عنه أن الجهر بالتسمية إذا صار في موضع شعارا لهم فالمستحب الاسرار بها
233

مخالفة لهم واحتج له بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يقوم إذا بدت جنازة فأخبر أن
اليهود تفعل ذلك فترك القيام بعد ذلك مخالفة لهم) (1) وهذا الوجه هو الذي أجاب به في الكتاب
234

ومال إليه الشيخ أبو محمد رحمه الله وتابعه القاضي الروياني. لكن الجمهور على أن المذهب الأول
قالوا ولو تركنا ما ثبت في السنة لاطباق بعض المبتدعة عليه لجر نا ذلك إلى ترك سنن كثيرة وإذا
235

اطرد جرينا على الشئ ء خرج عن أن يعد شعارا للمبتدعة *
قال (ثم الأفضل لمشيع الجنازة أن يمكث إلى مواراة الميت)
236

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من صلى على الجنازة ورجع فله قيراط ومن صلى عليها ولم يرجع
حتى دفن فله قيراطان أصغرهما وروى أحدهما مثل أحد) (1) قال الأصحاب وللانصراف من الجنازة
237

أربع درجات (إحداها) أن ينصرف عقيب الصلاة فله من الاجر قيراط (والثانية) ان يتبعها حتى
توارى ويرجع قبل اهالة التراب (والثالثة) ان يقف إلى الفراغ من القبر وينصرف من غير دعاء (والرابعة)
238

ان يقف على القبر ويستغفر الله تعالى جده للميت وهذه أقصى الدرجات في الفضيلة روى أن النبي صلى
239

الله عليه وسلم (كان إذا فرغ من قبر الرجل وقف عليه وقال استغفر والله له واسألوا الله تعالى له التثبيت
فإنه الآن يسأل) (1) وحيازة القيراط الثاني تحصل لصاحب الدرجة الثالثة وهل تحصل لصاحب الثانية
240

حكي الامام فيه ترددا واختار الحصول وإذا وقفت على ما ذكرنا عرفت انه ليس الغرض من قوله في
الكتاب ثم الأفضل لمشيع الجنازة الخ انه الأفضل على الاطلاق بل فوقه ما هو أفضل منه وإنما المراد
241

أنه أفضل من الانصراف عقيب الصلاة ويستحب أن يلقن الميت بعد الدفن فيقال يا عبد الله ابن أمة
الله أذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الجنة حق وأن النار
حق وأن البعث حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وانك رضيت
بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين اخوانا ورد الخبر
به عن النبي صلى الله عليه وسلم *
242

قال (فرعان (الأول) لا يدفن في قبر واحد ميتان الا لحاجة ثم يقدم الأفضل إلى جدار اللد؟
243

ولا يجمع بين الرجال والنساء الا لشدة الحاجة ثم يجعل بينهما حاجز من التراب) *
244

المستحب في حال الاختيار أن يدفن كل ميت في قبر كذلك (فعل النبي صلى الله عليه وسلم
وأمر به) (1) فان كثر الموتى بقتل وغيره وعسر افراد كل ميت بقبر دفن الاثنان والثلاثة في قبر واحد
لما روى (أنه صلى الله عليه وسلم قال للأنصار يوم أحد احفروا وأوسعوا وعمقوا واجعلوا الاثنين
والثلاثة في القبر الواحد وقدموا أكثرهم قرآنا) (2) وليقدم الأفضل إلى جدار للحد مما يلي القبلة
245

ويقدم الأب على الابن وإن كان الابن أفضل لحرمة الأبوة وكذلك تقدم الام على البنت ولا يجمع
بين الرجال والنساء إلا عند شدة الحاجة وانتهائها إلى الضرورة ويجعل بينهما حاجز من التراب
ويقدم الرجل وإن كان ابنا والمرأة أمه فان اجتمع رجل و امرأة وخنثى وصبي قدم الرجل ثم الصبي
ثم الخنثى ثم المرأة والسابق إلى الفهم من لفظ الكتاب وإشارة جمع من الأصحاب أنه لا حاجة
إلى الحاجز بين الرجلين وبين المرأتين وإنما الحاجز عند اختلاف النوع وذكر العراقيون أنه يجعل
بين الرجلين حاجز أيضا وكذا بين المرأتين والله أعلم *
قال (الثاني) القبر يحترم فيصان عن الجلوس والمشي والاتكاء عليه بل يقرب الانسان منه
كما يقرب في زيارته لو كان حيا ولا ينبش القبر الا إذا انمحق اثر الميت بطول الزمان أو دفن
من غير غسل أو في ارض مغصوبة أو في كفن مغصوب ولو دفن قبل التكفين لم ينبش على أظهر
الوجهين واكتفى بالتراب ساترا) *
أصل الفرع أن القبر محترم توقيرا للميت ويبنى عليه مسائل (إحداها) انه يكره) الجلوس عليه
والاتكاء وكذلك وطؤه الا لحاجة بان لا يصل إلى قبر ميته الا بوطئه وعن مالك أنه لا يكره شئ
من ذلك * لنا ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لان يجلس أحد كم على جمرة فتحرق ثيابه
فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر) (1) (الثانية) يستحب زيارة القبور للرجال لما روى
246

أنه صلى الله عليه وسلم قال (كنت أنهيكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة)
247

واما النساء فهل يكره لهن الزيارة فيه وجهان (أحدهما) ولم يذكر الأكثرون سواه نعم لقلة صبرهن
وكثرة جز عهن وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم (لعن زوارات القبور) (1) (والثاني) لا قال الروياني
248

في البحر وهذا أصح عندي إذا امن الافتتان والسنة أن يقول الزائر سلام عليكم دار قوم مؤمنين وانا إن شاء الله عن قريب بكم لاحقون اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم (1) وينبغي أن يدنو الزائر
من القبر المزور بقدر ما يدنو من صاحبه لو كان حيا وزاره وسئل القاضي أبو الطيب عن ختم القرآن
في المقابر فقال الثواب للقارئ ويكون الميت كالحاضرين يرجى له الرحمة والبركة فيستحب قراءة
القرآن في المقابر لهذا المعني وأيضا فالدعاء عقيب القراءة أقرب إلى الإجابة والدعاء ينفع الميت (الثالثة)
لا يجوز نبش القبور الا في مواضع (منها) ان يبلي الميت ويصير ترابا فيجوز نبشه ودفن غيره فيه
249

ويرجع في ذلك إلى أهل الخبرة ويختلف بالاختلاف اهوية البلاد وأرضها وإذا بلي الميت لم يجز
عمارة القبر وتسوية التراب عليه في المقابر المسبلة لئلا يتصور بصور القبور الجديدة فيدفن فيه من
شاء ميته (ومنها) أن يدفن إلى غير القبلة وقد سبق (ومنها) أن يدفن من يجب غسله من غير غسل
فظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب انه يجب النبش تداركا لواجب الغسل وعن صاحب
التقريب حكاية قول أنه لا يجب ذلك بل يكره لما فيه من هتك الميت وعلى الأول متى يخرج
للغسل فيه وجهان مذكوران في العدة (أظهرهما) وهو المذكور في النهاية والتهذيب ما لم يتغير الميت
(والثاني) ما دام يبقى جزء منه من عظم وغيره وعند أبي حنيفة لو أهيل عليه التراب لم ينبش والا
نبش ليغسل فلذلك اعلم قوله أو دفن من غير غسل بالحاء مع الواو (ومنها) لو دفن في ارض مغصوبة
فالأولى لصاحبها أن يتركه فان أبى وطلب اخراجه كان له ذلك قال في النهاية وأشار الأئمة إلى أنه
يخرج وان تغير وكان في اخراجه هتك حرمته لان حرمة الحي الولي بالمراعاة ويجوز ان يظن ظان
تركه فإنه سيبلي عن قريب وقد تنزل حرمة الميت منزلة الحي فيما هذا سبيله (ومنها) لو كفن في
ثوب مغصوب أو مسروق ودفن فهل ينبش أورد فيه ثلاثة أوجه (أظهرها) وهو المذكور في الكتاب
نعم كما ينبش لرد الأرض المغصوبة (والثاني) وهو الذي ذكره صاحب الشامل لا يجوز نبشه لأنه
مشرف على الهلاك بالتكفين بخلاف الأرض فيعطى حق إلها لك وينقل حكم المالك إلى القيمة ولان
هتك الحرمة في نزع الكفن أكثر (والثالث) إن تغير الميت وكان في النبش ورد الثوب هتكه لم
ينبش والا نبش ورد (ومنها) لو دفن في ثوب حرير هل ينبش فيه هذا الحلاف ولو دفن من غير
كفن فهل ينبش ليكفن فيه وجهان (أحدهما) نعم كما لو دفن من غير غسل فان كل واحد منهما
واجب (وأظهرهما) لا فان المقصود من التكفين ستره واحترامه وقد ستره التراب فالاكتفاء به
أولي من هتك حرمته بالنبش (ومنها) لو وقع في القبر خاتم أو متاع آخر ينبش ويرد ولو ابتلع في حياته
مالا ثم مات وطلب صاحبه الرد شق جوفه ورد قال في العدة الا ان يضمن الورثة مثل أو قيمته
فلا يخرج ولا يرد في أصح الوجهين وفيه وجه آخر وهو اختيار القاضي أبى الطيب انه لا يخرج أصلا ويجب
الغرم من تركته على الورثة ولو ابتلع شيئا من مال نفسه ومات فهل يخرج فيه وجهان لأنه كالمستهلك لمال
250

نفسه بالابتلاع قال أبو العباس الجرجاني في الشافي: والأصح الاخراج أيضا إذا عرفت ذلك
فحيث قلنا يشق جوفه ويخرج فلو دفن قبل الشق ينبش لذلك أيضا وإذا تأملت ما ذكرناه عرفت
ان قوله لا ينبش القبر الا إذا انمحق إلى آخره وإن كان ظاهره يقتضى حصر الاستثناء في الصورة
المذكورة لكنه ليس كذلك *
(فرع) لو مات انسان في السفينة فإن كان أهلها بقرب الساحل أو بقرب جزيرة انتظروا به
ليدفنوه في البر والا شدوه بين لوحين لئلا ينتفخ والقوة في البحر ليلقيه البحر ليلقيه البحر بالساحل فلعله يقع
إلى قوم يدفنونه فإن كان أهل الساحل كفارا ثقل بشئ ليرسب *
* (القول في التعزية والبكاء على الميت) *
قال (التعزية سنة إلى ثلاثة أيام وهو الحمل على الصبر بوعد الاجر والدعاء للميت والمصاب ويعزى
المسلم بقريبه الكافر والدعاء للحي ويعزى الكافر بقريبه المسلم والدعاء للميت ويستحب
تهيئة طعام لأهل الميت والبكاء جائز من غير ندب ولا نياحة ومن غير جزع وضرب خد
وشق ثوب وكل ذلك حرام ولا يعذب الميت بنياحة أهله الا إذا أوصي به فلا تزر وازرة
وزر أخرى) *
في الفصل ثلاث مسائل (إحداها) التعزية سنة روى أنه صلى الله عليه وسلم قال ((من عزى
مصابا فله مثل اجره) (1) وينبغي ان يعزى جميع أهل الميت الكبير والصغير والرجل والمرأة نعم
251

الشابة لا يعزيها الا محارمها ويكره الجلوس لها ولا فرق فيها بين ما قبل الصلاة وبعدها وما قبل
الدفن وبعده فيما يرجع إلى أصل الشريعة لكن تأخيرها إلى ما بعد الدفن حسن لاشتغال أهل
الميت قبله بتجهيزه ولاشتداد حزنهم حينئذ بسبب المفارقة وعن أبي حنيفة ان التعزية قبل الدفن
فاما بعده فلا والى متى تشرع التعزية فيه وجهان (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب إلى ثلاثة
أيام فلا يعزيه بعد ذلك إلا أن يكون المعزى أو المعزي غائبا وهذا لان الغرض من التعزية تسكين
قلب المصاب والغالب سكون قلبه في هذه المدة فلا يجدد عليه الحزن قال الشيخ أبو محمد فيما علق
عنه: وهذا المدة على التقريب دون التحديد (والثاني) حكاه في النهاية مع الأول انه لا امد
تقطع عندها التعزية فان الغرض الأعظم منها الدعاء ومعنى التعزية الامر بالصبر والحمل عليه بوعد
الاجر والتحذير عن الوزر بالجزع والدعاء للميت بالمغفرة وللمصاب بجبر المصيبة فيقول في تعزية
المسلم بالمسلم أعظم الله أجرك وأحسن عزاك وغفر لميتك وفي تعزية المسلم بالكافر: أعظم الله أجرك
واخلف عليك أو جبر الله مصيبتك وألهمك الصبر وما أشبه ذلك وفي تعزية الكافر بالمسلم:
غفر الله لميتك وأحسن عزاك. ويجوز للمسلم ان يعزى الذمي بقريبه الذمي فيقول: اخلف الله
عليك ولا نقص عددك وهذا لتكثر الجزية للمسلمين (الثانية) يستحب لجيران الميت والا بعدين
من قرابته تهيئة طعام لأهل الميت يشبعهم في يومهم وليلتهم فإنهم لا يفرغون له ولو اشتغلوا به
لعيروا روى (1) (انه لما جاء نعي جعفر رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم اجعلوا الآل
252

جعفر طعاما فقد جاءهم امر يشغلهم) ويستحب الحاحهم على الاكل ولو اجتمع نساء ينحن لم يجز ان يتخذ
253

لهن طعام فإنه إيمانه على المعصية (الثالثة) البكاء على الميت جائر قبل زهوق الروح وبعده وقبل
254

الزهوق أولى روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (فإذا وجب فلا تبكين باكية) (1) وجعل رسول الله
255

صلى الله عليه وسلم (1) ابنه إبراهيم في حجره وهو يجود بنفسه فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
256

فقبل في ذلك فقال إنها رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ثم قال العين تدمع والقلب يحزن
257

ولا نقول الا ما يرض ربنا) والندب حرام وهو ان يعد شمائل الميت فيقال واكهفاه واجبلاه ونحو
258

ذلك وكذا النياحة والجزع بضرب الخد وشق الثوب ونشر الشعر كل ذلك حرام لما روى أن
259

النبي صلى الله عليه وسلم قال (لعن الله النائحة والمستمعة) (1) وروى أنه قال (ليس منا من ضرب الخدود
260

وشق الجيوب) (1) ولو فعل أهل الميت شيئا من ذلك لم يعذب الميت به قال الله تعالى (ولا تزر وازرة
261

وزر أخرى) وما روى من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الميت ليعذب وببكاء أهله عليه) (1) وفي رواية
262

(إن الله تعالى يزيد الكافر عذابا على عذابه ببكاء أهله عليه) فقد أولوه من وجوه (منها) قال المزني
263

بلغني أنهم كانوا يوصون بالندب والنياحة وذلك حمل منهم على المعصية وهو ذنب فزيدوا عذابا
بذلك إذا عمل أهلهم بوصيتهم ولك ان تقول ذنب الميت الحمل على الحرام والامر به فوجب ان لا
264

يختلف عذابه بالامتثال وعدمه فإن كان لامتثالهم أثر فالاشكال بحاله (ومنها) قال بعضهم المراد منه
265

أن يقال للميت إذا ندبوه أكنت كما يقولونه ولك ان تقول لا شك ان هذا الكلام توبيخ له
266

وتخويف وهو ضرب من التعذيب فليس في هذا الكلام سوى بيان نوع التعذيب فلم يعذب
267

بما يفعلون (ومنها) قيل إنهم كانوا ينوحون على الميت ويعدون جرائمه وهم يظنونها خصال محمودة
كالفتك والتصعلك وشن الغارات فأراد انه يعذب بما يبكونه عليه (ومنها) أن قوله ببكاء أهله
268

أي عند بكاء أهله وإنما يعذب بذنبه قال القاضي الحسين يجوز أن يكون الله تعالى قدر العفو عنه
269

ان لم يبكو عليه وانقادوا لقضائه فإذا جزعوا عوقب بذنبه وقد روى عن عائشة رضي الله عنها
270

انها قلت (رحم الله عمرو الله ما كذب ولكنه أخطأ أو نسي إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم
271

على يهودية وهم يبكون عليها فقال إنهم يبكون وانها لتعذب في قبرها) فهذه الرواية مجراة على
272

ظاهرها ومبينة أن المراد من قوله ببكاء أهله ما سبق وكأنه قال: هي معذبة فما ينفعها بكاؤهم عليها
273

والله أعلم.
274

(باب تارك الصلاة)
277

قال (من ترك صلاة واحدة عمدا وامتنع عن قضائها حتى خرج وقت الرفاهية والضرورة
278

قتل (ح) بالسيف ودفن كما يدفن سائر المسلمين ويصلى عليه ولا يطمس قبره وقيل لا يقتل الا إذا صار
279

الترك عادة له وقيل إذا ترك ثلاث صلوات والله أعلم).
280

اخر حجة الاسلام رحمه الله هذا الباب إلى هذا الموضع وهو في ترتيب المزني وجمهور الأصحاب
281

مقدم على كتاب الجنائز ولعله أليق ومقصوده الكلام في عقوبة تارك الصلاة فنقول تارك الصلاة
282

ضربان (أحدهما) أن يتركها جاحدا لوجوبها فهذا مرتد تجرى عليه أحكام المرتدين إلا أن يكون قريب
283

عهد بالاسلام يجوز ان يخفى عليه ذلك وهذا لا يختص بالصلاة بل يجرى في جحود كل حكم مجمع عليه
284

(والثاني) ان يتركها غير جاحد وهو ضربان (أحدهما) أن يترك بعذر من نوم؟ أو نسيان فعليه القضاء
285

لا غير. ووقت القضاء موسع (والثاني) أن يترك من غير عذر بل كسلا أو تهاونا بفعلها
286

فلا يحكم بكفره خلافا لأحمد وبه قال شرذمة من أصحابنا حكاه الحناطي وصاحب المهذب وغيرهما
287

لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (خمس صلوات كتبهن الله عليكم في اليوم والليلة فمن
288

جاء بهن لم يضيع منهن شيئا كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله
عهد ان شاء عذبه وان شاء أدخله الجنة) (1) ويشرع القتل في هذا القسم حدا وبه قال مالك خلافا
289

لأبي حنيفة حيث قال في رواية لا يتعرض لتارك الصلاة فهي أمانة بينه وبين الله تعالى وحده
290

والامر فيها موكول إلى الله تعالى وقال في رواية إنه ليس ويؤدب حتى يصلي وبه قال المزني. لنا
291

ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (من ترك الصلاة فقد برئت منه الذمة) (1) ولأنها ركن من
292

الخمسة لا يدخلها النيابة بيدن ولا مال فيقتل تاركه كالشهادتين. إذ عرف ذلك نفرع عليه مسائل
293

(إحداها) في عدد الصلاة المستحق بتركه القتل وظاهر المذهب استحقاق القتل بترك صلاة واحدة
294

فإذا تضيق وقتها طالبناه بفعلها وقلنا له إن أخرتها عن وقتها قتلناك فإذا أخرها فقد استوجب القتل
295

ولا يعتبر بضيق وقت الثانية وبهذا قال مالك. واحتج له بقوله صلى الله عليه وسلم (من ترك صلاة
296

متعمدا فقد كفر أي استوجب ما يستوجبه الكافر) (1) وهذا قد ترك صلاة ويحكى عن أبي إسحاق
297

أنه أنما يستوجب القتل إذا ضاق وقت الثانية وامتنع من أدائها وعن الإصطخري أنه لا يقتل
298

حتى يترك ثلاث صلوات ويضيق وقت الرابعة ويمنع من أدائها هذه هي الرواية المشهورة عنه
299

وفى النهاية روايتان أخريان عن الإصطخري (إحداهما) أنه إنما يستوجب القتل إذا ترك أربع
300

صلوات وامتنع عن القضاء (والثانية) أنه لا تخصيص بعدد ولكن إذا ترك من الصلوات قدر ما يظهر
301

لنا به اعتياده الترك وتهاونه بأمر الصلاة فحينئذ يقتل وقد نقل صاحب الافصاح هذا وجها لبعض
302

الأصحاب وإن لم ينص على قائله والمذهب الأول والاعتبار باخراج الصلاة عن وقت العذر
303

والضرورة فإذا ترك الظهر لم يقتل حتى تغرب الشمس وإذا ترك المغرب لم يقتل حتى يطلع الفجر
304

حكاه الصيد لأني وتابعه الأئمة عليه (الثانية) على اختلاف الوجوه لابد من الاستتابة قبل القتل
305

فإنه ليس بأشد حالا من المرتد والمرتد يستتاب وهل تكفى الاستتابة في الحال أم بمهل ثلاثا فيه
306

قولان كما سيأتي ذكر هما في استتابة المرتد واختار المزني للشافعي رضي الله عنه أنه لا يمهل وذكر في
307

العدة أنه المذهب والقولان في الوجوب أو في الاستحباب حكي المعلق عن الشيخ أبى محمد فيه طريقين
308

(أصحهما) أنهما في الاستحباب (الثالثة) الظاهر أنه يقتل صبرا بالسيف كالمرتد وهو الذي ذكره
309

في الكتاب وعن صاحب التلخيص أنه ينخسن فيه حديدة ويقال قم فصل فان قام ترك وإلا زيد
310

في النخسن حتى يصلى أو يموت لان المقصود حمله على الصلاة فان فعل فذاك وإلا عوقب كما يعاقب
الممتنع من سائر الحقوق ويقاتل ويروى مثل هذا عن ابن سريج ويروى عنه أن يضرب بالخشب
311

حتى يصلي أو يموت (الرابعة) إذا قتل غسل وصلى عليه ودفن في مقابر المسلمين ولا يطمس قبره
312

كسائر أصحاب الكبائر إذا حدوا وقد حكينا من قبل عن صاحب التلخيص أنه لا يصلي عليه
ولا يغسل وإذا دفن في مقابر المسلمين طمس قبره حتى ينسى ولا يذكر وإن أراد الامام المعاقبة
على ترك الصلاة فقال صليت في بيتي صدق وإذا عرفت ما ذكرنا أعلمت قوله في الكتاب قتل
بالحاء والزاي (وقوله) بالسيف بالواو (وقوله) كما يدفن سائر المسلمين بالواو وكذا قوله
ويصلى عليه ولا يطمس ولك أن تعلم (قوله) كما يدفن (وقوله) ويصلي عليه بالألف لما حكينا عن أحمد رحمه
الله وأنه يكفر بترك الصلاة (فرعان) (أحدهما) قال حجة الاسلام في الفتاى لو امتنع
عن صلاة الجمعة من غير عذر وقال أصليها ظهرا لم يقتل لأن الصوم لم يلحق بالصلاة في هذا الحكم
فالجمعة مع أن لها بدلا واعذارها أكثر أولى ألا تلحق (الثاني) حكي القاضي الروياني في تارك الوضوء
وجهين (أصحهما) أنه يقتل لان الامتناع منه امتناع من الصلاة والله أعلم *
* (كتاب الزكاة) *
(وفيه سنة أنواع)
قال ((النوع الأول) زكاة النعم والنظر في وجوبها وأدائها أما الوجوب فله ثلاثة
أركان (الأول) قدر الواجب وسيأتي بيانه (الثاني) ما يجب فيه وهو المال وله ستة شرائط
أن يكون نعما. نصابا. مملوكا. متهيئا لكمال التصرف. سائمة. باقية حول (الشرط الأول)
أن يكون نعما فلا زكاة إلا في الإبل والبقر والغنم ولا تجب في غيرها ولا في الخيل (ح) ولا
في المتولد بين الظباء والغنم وإن كانت الأمهات (ح) من الغنم).
قال الله تعالى: (وآتوا الزكاة) وقال تعالى: (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له
الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة) وقال صلى الله عليه وسلم (مانع الزكاة في النار) (1)
313

* الزكاة أحد أركان الاسلام فمن منعها جاحدا كفر الا أن يكون حديث عهد بالاسلام
لا يعرف وجوبها فيعرف ومن منعها وهو معتقد لوجوبها أخذت منه قهرا فإن لم يكن في قبضة
الامام وامتنع القوم قاتلهم الامام على منعها كما فعل الصديق رضي الله عنه قال الأصحاب: الزكاة
نوعان (زكاة الأبدان) وهي الفطرة ولا تعلق لها بمال إنما يراعى فيها إمكان الا داء (وزكاة الأموال)
وهي ضربان (زكاة تتعلق بالقيمة والمالية) وهي زكاة التجارة (وزكاة تتعلق بالعين) والأعيان
التي تتعلق بها الزكاة ثلاث. حيوان. وجوهر. ونبات. وتختص من الحيوان بالنعم ومن
الجواهر بالنقدين ومن النبات بما يقتات على ما سنفصل جميعه وصاحب الكتاب ترك الترتيب
والتقسيم واقتصر على المقاصد فقال: الزكاة ستة أنواع وهي زكاة النعم والمعشرات والنقدين
والتجارة والمعادن وزكاة الفطر ثم تكلم في زكاة النعم في طرفين الوجوب والأداء ولك أن تقول
كان الأحسن في الترتيب أن يقول أولا النظر في طرفين الوجوب والأداء ونتكلم في الأنواع
الستة في طرف الوجوب ثم نعود إلى طرف الأداء لان الكلام في الأداء لا اختصاص له بزكاة
النعم بل يعم سائر الأنواع ثم جعل للوجوب ثلاثة أركان (قدر الواجب) و (ما تجب فيه)
و (من تجب عليه) ولك أن تقول من تجب عليه زكاة النعم هو الذي تجب عليه زكاة المعشرات
وغيرها فلا تفصيل فيه بين الأنواع وإنما التفصيل في الركنين الباقيين فكان الأولى أن يقول:
النظر في الزكاة في الوجوب والأداء وللوجوب أركان (أحدها) من تجب عليه ونفرغ منه ثم نذكر
314

الركنين الآخرين وندرج فيهما تفصيل الأنواع وما يختلف فيه ثم قدر الواجب من الأركان
الثلاثة يتبين في خلال بيان النصب فلذلك أحاله على ما بعده وأما ما تجب فيه وهو المال فقد قال له
ستة شروط (أحدها) كونه نعما (والثاني) كونه نصابا (والثالث) الحول (والرابع) دوام الملك فيه
مدة الحول (والخامس) السوم (والسادس) كمال الملك وههنا كلامان (أحدهما) أن من هذه الشروط
ما لا يختص بزكاة النعم كالحول وكمال الملك وما يعتبر في هذا النوع وغيره لا يحسن تخصيص هذا
النوع بذكره بل الأحسن ايراد يستوى نسبتها إليه (والثاني) أن قوله ما تجب فيه وهو المال لا شك
أن المراد منه ما تجب فيه زكاة النعم فان الكلام فيها ولا معنى لزكاة النعم سوى الزكاة الواجبة في
النعم فكأنه قال شرط الزكاة الواجبة في النعم أن يكون الواجب فيه نعما وهذا ركيك من الكلام وان لم يكن
ركيكا فهو أوضح من أن يحتاج إلى ذكره وفقه الفصل أنه لا تجب الزكاة في غير الإبل والبقر والغنم من الحيوانات
كالخيل والرقيق إلا أن يكون للتجارة وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا كانت الخيل ذكورا وإناثا أو
إناثا فصاحبها بالخيار إن شاء أعطي من كل فرس دينارا وان شاء قومها وأعطي من كل مائتي
درهم خمسة دراهم وإن كانت ذكورا منفردة فلا شئ فيها * لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال
(ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) (1) ولا تجب الزكاة فيما يتولد من الظباء والغنم سواء
كانت الغنم فحولا أو أمهات خلافا لأحمد رحمه الله حيث قال: تجب في الحالتين. ولا بي حنيفة
ومالك حيث قالا تجب إن كانت الأمهات من الغنم * لنا أنه لم يتولد من أصلين تجب الزكاة في
جنسهما فلا تجب فيه الزكاة كما إذا كانت الفحول والأمهات ظباء وأيد الشافعي رضي الله عنه المسألة
بأن البغل لم يسهم له سهم الفرس وإن كان أحد أصليه فرسا وموضع العلامة في الصورتين من لفظ
الكتاب واضح وإنما ذكرهما ليشير إلى الخلاف فيهما وإلا ففي قوله فلا زكاة إلا في الإبل والبقر
والغنم ما يفيد نفى الوجوب في الصورتين بل في قولنا يشترط كونه نعما ما يفيد نفى الوجوب في غير
315

الإبل والبقر والغنم لان اسم النعم لهذه الحيوانات الثلاثة عند العرب ولذلك قال الله تعالى
(والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون) ثم قال (والخيل والبغال والحمير) ففصل الخيل عن
الانعام وإنما صرح بقوله فلا زكاة الا في الإبل والبقر والغنم إيضاحا وفيه إشارة إلى اختصاص
اسم النعم بالأنواع الثلاثة وأما قوله بعد ذلك ولا تجب في غيرها فلا فائدة فيه: * قال (الشرط الثاني أن تكون النعم نصابا أما الا بل ففي أربع وعشرين من الإبل فمادونها الغنم في كل
خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى فإن لم يكن في ماله
بنت مخاض فابن لبون ذكر فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون فإذا بلغت
ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة فإذا بلغت
ستا و سعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون فإذ بلغت إحدى وتسعين إلى عشر ومائة ففيها حقتان فإذا
صارت إحدى وعشرين مائة ففيها ثلاث بنات لبون فإذا صارت مائة وثلاثين فقد استقر الحساب ففي
كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون (ح) كل ذلك لفظ أبى بكر رضي الله عنه في كتاب
الصدقة وبنت المخاض لها سنة وبنت اللبون لها سنتان وللحقية ثلاث وللجذعة أربع) *
الأصل المرجوع إليه في نصاب الإبل ما روى الشافعي رضي الله عنه باسناده عن أنس بن مالك
رضي الله عنه أنه قال (1) هذه الصدقة بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول
الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التي أمر الله بها فمن سئلها على وجهه فليعطها ومن سئلها فوق
حقه فلا يعطه في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم وذكر مثل ما أورده في الكتاب لفظا
316

بلفظ إلى قوله ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة إلا أنه قال في ست وأربعين ففيها
حقة طروقة الجمل وفي إحدى وتسعين حقتان طروقتا الجمل (قوله) هذه الصدقة ترجمة الكتاب
وعنوانه كما يقال هذا مختصر كذا وكتاب كذا ثم افتتح الكتاب وقوله هذه فريضة الصدقة أي
بيان الصدقة التي أمر الله بها وأجمل ذكرها بقوله (خذ من أموالهم صدقة تظهر هم) وقوله التي فرضها
رسول الله صلى الله عليه ولم قال الصيدلاني يعني قدرها وقال المسعودي يعنى أوجبها وصاحب
الشامل أوردهما معا على سبيل الاحتمال وقوله من سئلها فوق حقه فلا يعطه فيه وجهان لأصحابنا
(منهم) من قال لا يعطه شيئا (ومهم) من قال لا يعطه الزيادة وهو الأصح باتفاق الشارحين: إذا تقرر
ذلك فنقول لا زكاة في الإبل حتى تبلغ خمسا فإذا بلغت خمسا ففيها شاة ولا يزيد بزيادتها شئ حتى
تبلغ عشرا فحينئذ فيها شاتان ولا يزيد بزيادتها شئ حتى تبلغ خمس عشرة فحينئذ فيها ثلاث شياه
317

ولا يزيد بزيادتها شئ حتى تبلغ عشرين فحينئذ فيها أربع شياه ثم لا يزيد شئ حتى تبلغ خمسا
وعشرين فحينئذ فيها بنت مخاض ثم لا شئ حتى تبلغ ستا وثلاثين ففيها بنت لبون ثم لا شئ حتى
تبلغ ستا وأربعين ففيها حقة ثم لا شئ حتى تبلغ إحدى وستين ففيها جذعة ثم لا شئ حتى تبلغ ستا
وسبعين ففيها بنتا لبون ثم لا شئ حتى تبلغ إحدى وتسعين فيها حقتان ثم لا يزيد شئ بزيادتها
حتى تجاوز مائة وعشرين فان زادت واحدة وجبت ثلاث بنات لبون وإن زاد شقص من واحدة فهل
هو كزيادة الواحدة حتى تجب ثلاث بنات لبون أم لا فيه وجهان (أحدهما) وبه قال الإصطخري نعم لظاهر
قوله صلى الله عليه وسلم (فان زادت على عشرين ومائة) وزيادتها على هذا المبلغ كما تحصل بواحدة تحصل
بما دونها (وأصحهما) لا والا يجب إلا حقتان لان الزيادة مفسرة بالواحدة وفي رواية ابن عمر رضي الله عنه
ما (1) ولان الزكاة مبنية على تغيير واجبها بالأشخاص دون الأشقاص وإذا زادت واحدة
وأوجبنا ثلاث بنات لبون فهل للواحدة قسط من الواجب أم لا فيه وجهان قال الإصطخري لا
لأنه صلى الله عليه وسلم قال (ففي كل أربعين بنت لبون) ولو قدرنا أن لها قسط من الواجب لكانت
كل بنت لبون في أربعين وثلث وقال الأكثرون (نعم) لان تغير الواجب بالواحدة فيتعلق الواجب
بها كالعاشرة والخامسة والعشرين وغيرهما وما ذكر من الظاهر يعارضه ما روي في بعض الرويات
أنه صلى الله عليه وسلم قال (فإذا زادت واحدة على المائة والعشرين فيها ثلاث بنات لبون) (2) فعلى
318

هذا لو بلغت الواحدة بعد الحول وقبل التمكن سقط من الواجب جزء من مائة واحدى وعشرين جزءا
وعلى قول الإصطخري لا يسقط شئ ثم الامر يستقر بعد بلوغ الإبل مائة واحدى وعشرين فيجب
في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة وإنما يتغير الواجب بزيادة عشر عشر وإذا وجب
عدد من بنات اللبون ثم زادت عشر فصيرت ثلاثين أربعين أبدلت بنت لبون بحقة فان زادت
عشرة أخرى أبدلت بأخرى وهكذا حتى يصير الكل حقاقا فإذا زادت عشر بعد ذلك أبدلت
الحقاق كلها ببنات اللبون وزيدت واحدة (مثاله) في مائة واحدى وعشرين ثلاث بنات لبون كما
عرفت فإذا صارت مائة وثلاثين ففيها بنتا لبون وحقة فإذا صارت مائة وأربعين ففيها بنت لبون
وحقتان فإذا صارت مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق فإذا صارت مائة وستين ففيها أربع بنات
لبون ثم في مائة وسبعين ثلاث بنات لبن وحقة وفي مائة وثمانين بنتا لبون وحقتان وعلى هذا
القياس هذا مذهبنا والحجة عليه الخبر الذي تقدم وساعدنا أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله على
ما ذكرنا إلى مائة وعشرين ففيها حقتان بالاتفاق ثم عند أبي حنيفة يستأنف الحساب ففي كل خمس تزيد شاة مع
الحقتين فإذا بلغت مائة وخمسا وأربعين ففيها بنت فيها بنت مخاض مع الحقتين فإذا بلغت مائة وخمسين ففيها ثلاث
حقاق ثم يستأنف الحساب فيجب في كل خمس تزيد شاة مع الحقاق الثلاث إلى أن تبلغ مائة وخمسا وسبعين
319

فحينئذ فيها بنت مخاض وثلاث حقاق وفي مائة وست وثمانين بنت لبون وثلاث حقاق وفي مائة وست
وتسعين أربع حقاق وربما قيل وفي مائتين أربع حقاق لان الأربع عفو لا يختلف الواجب بوجودها وعدمها
ثم بعد المائتين يستأنف الحساب وعلى رأس كل خمسين يجعل أربع عفوا على ما ذكرنا وعند مالك
إذا زاد على عشرين ومائة أقل من عشر لم يتغير الواجب فإذا بلغت مائة وثلاثين فحينئذ فيها
بنتا لبون وحقة وقد استقر الحساب في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة وعنه رواية أخرى
مثل مذهبنا ورواية ثالثة أنه إذا زادت واحدة على المائة والعشرين تغير الفرض ويتخير الساعي
بين الحقتين وبين ثلاث بنات لبون وعن أحمد روايتان كالروايتين الأولتين عن مالك والأصح
عنه مثل مذهبنا. إذا عرفت هذه المذاهب رقمت قوله في الكتاب فإذا زادت على عشرين ومائة
ففي كل أربعين بنت لبون (بالحاء والميم والألف) وقد أعلم بالواو أيضا لان امام الحرمين قال حكي
العراقيون أن ابن خيران من شيوخنا كان يخير وراء المائة والعشرين بين مذهب الشافعي رضي الله
عنه ومذهب أبي حنيفة رحمه الله فجعل ذلك وجها لكن لم أجد في الكتب المشهورة للعراقيين وتعليقا تهم
نسبة هذا المذهب إلى ابن خيران وإنما حكوه عن ابن جرير الطبري وربما وقع تغيير في بعض النسخ
لتقارب الاسمين وتفرد ابن جرير لا يعد وجها في المذهب وإن كان معدود ا من طبقة أصحاب الشافعي
رضي الله عنه ثم في الفصل أمور لا بد من معرفتها (أحدها) أن قوله في الكتاب فإن لم يكن في ماله
بنت مخاض فابن لبون ذكر إنما ذكره جريا على لفظ الخبر ونظامه وأما فقهه وتعريفه فهو مذكور
من بعد ولما ذا قيد ابن اللبون بالذكر وبنت المخاض قبل ذلك بالأنثى ذكروا فيه قولين (أصحهما)
أنه وقع تأكيدا في الكلام كما يقال رأيت بعيني وسمعت بأذني وكما قال صلى الله عليه وسلم (ما أبقت
الفرائض فلا ولي رجل ذكر) (1) (والثاني) أن الغرض منه ان لا يؤخذ الخنثى فان في خلقته تشويها
320

وعيبا والصحيح اجزاء الخنثى على ما سيأتي ثم في لفظ الابن والبنت ما يغنى عنه (الثاني) ربما
نجد في بعض النسخ عند قوله فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل
321

خمسين حقة زيادة وهي فإذا زادت على عشرين ومائة واحدة ففيها ثلاث بنات لبون ثم في كل
أربعين بنت لبون وهذه الزيادة صحيحة لكن الكلام مستقيم دونها والظاهر أنها ملحقة غير
322

مذكورة من جهة المصنف لامرين (أحدهما) انه لم يذكر ها في الوسيط (والثاني) أنه قال آخرا كل ذلك
لفظ أبي بكر رضي الله عنه في كتاب الصدقة وليس فيما نقل من لفظ أبى بكر رضي الله عنه هذه الزيادة
323

(1) وإنما نسبه إلى أبى بكر لأنه رضي الله عنه هو الذي كتب لانس ومالك رضي الله عنه كتاب الصدقة لما وجهه
إلى البحرين (2) (الثالث) بيان الأسنان التي جرى ذكرها في الفصل اعلم أن الناقة أول ما ولدت يسمي
324

ولدها الذكر ربعا والأنثى ربعة ثم يقال لله تبيع وتبيعة ثم فصيل إلى تمام سنة فإذا تمت له السنة وطعن
325

في الثانية سمى ابن مخاض إن كان ذكرا وبنت مخاض إن كانت أنثى وذلك لان الناقة بعد تمام سنة
326

من ولادتها تحبل مرة أخرى فتصير من المخاض وهي الحوامل فيكون الولد ولد ناقة هي المخاض
وتسمي بذلك وان لم تحبل بعد نظرا إلى الوقت ثم إذا تمت للولد سنتان وطعن في الثالثة سمى الذكر
327

ابن لبون والأنثى بنت لبون لان الام قد ولدت وصرت لبونا ثم إذا استوفى الولد ثلاث سنين
328

وطعن في الرابعة سمى الذكر حقا والأنثى حقة ولم سمى بذلك اختلفوا فيه منهم من قال لاستحقاقه
الحمل عليه وركوبه ومهم من قال لان الذكر استحق أن ينزو والأنثى استحققت ان ينزى عليها
329

وبحسب هذين القولين اختلفوا في قوله طروقة الجمل على ما سبق في الخبر فمن قال بالأول قرأ
330

طروقه الحمل بالحاء أي استحقت الحمل عليه ومن قال بالثاني قرأ طروقه الجمل بالجيم لأنها استحقت
أن يطرقها الجمل ذكر ذلك كله المسعودي والمشهور الصحيح هو الجمل ويدل عليه ما روى في بعض
الروايات طروقه الفحل (1) ثم إذا استوفى الولد أربع سنين وطعن في الخامسة سمى الذكر جذعا والأنثى
331

جذعة لأنه يجدع مقدم أسنانه أي يسقطه وهذه غاية أسنان الزكاة *
332

قال (وأما البقر ففي ثلاثين منه تبيع هو الذي له سنة وفي أربعين مسنة وهي التي لها سنتان
333

ثم في الستين تبيعان ثم استقر الحساب ففي كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة) *
334

عن النبي صلى الله عليه وسلم انه أمر معاذا حين بعثه إلى اليمن أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا
ومن أربعين مسنة (1) * لا شئ في البقر حتى تبلغ ثلاثين فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع ثم لا شئ
335

في زيادتها حتى تبلغ أربعين ففيها مسنة ثم لا شئ حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان وقد استقر الحساب
في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة ويتغير الواجب بزيادة عشر عشر ففي سبعين تبيع ومسنة
وفي ثمانين مسنتان وفي تسعين ثلاث اتبعة وفي مائة مسنة وتبيعان وعلى هذا القياس وبقولنا
قال احمد ومالك وعن أبي حنيفة ثلاث روايات (إحداها) مثل قولنا (وأظهرها) ان فيما زاد على الأربعين
يجب بحساب ذلك في كل بقرة ربع عشر مسنة إلى أن يبلغ ستين (والثالثة) انه لا شئ في الزيادة
على الأربعين حتى تبلغ خمسين فيجب فيها مسنة وربع مسنة وإذا بلغت ستين وجب تبيعان على
الروايات كلها واستقر الحسا كما ذكرنا والتبيع هو الذي له سنة وطعن في الثانية سمي بذلك لأنه
يتبع الام وقيل لان قرنه يتبع اذنه ويكاد يساويها والأنثى تبيعة والمسنة هي التي تمت لها سنتان ودخلت
في الثالثة والذكر مسن هذا هو المشهور في تفسيرهما ويجوز أن يعلم قوله وهو الذي له سنة وقوله وهي التي لها
336

سنتان بالواو لان صاح العدة وغيره حكوا وجها ان المسنة ما تم لها سنة والتبيع ماله ستة أشهر وقد
أشار في النهاية إلى هذا الوجه قال ورد في بعض اخبار الجذع مكان التبيع (1) والجذع من البقر كالجذع
من الضأن وفي سن الجذعة من الضأن تردد سيأتي وهو يجري في التبيع قال والمسنة في البقر بمثابة
الثنية في الغنم *
قال (وأما الغنم ففي أربعين شاة شاة وفي مائة واحدى وعشرين شاتان وفي مائتين وواحد
ثلاث شياه وفي أربعمائة أربع شياه وما بينهما أوقاص لا يعتد بها ثم استقر الحساب ففي كل مائة
شاة والشاة الواجبة في الغنم إما الجذعة من الضأن وهي التي لها سنه أو الثنية من المعز وهي التي لها سنتان) *
337

عن أنس ان أبا بكر رضي الله عنه كتب له (فريضة الصدقة التي أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه
وسلم وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة فإذا زادت على
عشرين ومائة واحدة إلى مائتين ففيها شاتان فإذا زادت على مائتين واحدة إلى ثلاثمائة ففيها شاة
ثم لا يزيد بزيادتها شئ حتى تبلغ مائة واحدى وعشرين ففيها شاتان ثم لا يزاد شئ حتى تبلغ
مائتين وواحدة ففيها ثلاث شياه ثم لا يزاد شئ حتى تبلغ أربعمائة ففيها أربع شياه أربع شياه وقد استقر
الحساب في كل مائة شاة وبهذا قال مالك وأبو حنيفة واحمد والشاة الواجبة فيها الجذعة من الضأن
أو الثنية من المعزوبة قال احمد خلافا لمالك حيث قنع فيهما بالجذعة ولأبي حنيفة حيث أوجب
فيهما الثنية وروى عنه مثل مذهبنا أيضا لنا ما روى سويد بن غفلة قال سمعت مصدق النبي صلى
الله عليه وسلم يقول (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالجذعة من الضأن والثنية من المعز) (2) ولأنهما ساعدانا
338

في الأضحية على * واحتج الأصحاب على مالك في الجذعة من المعز بان هذا سن لا يجوز أضحية
فلا يجوز في صدقة الغنم قياسا على ما دونها وعلى أبي حنيفة في الجذعة من الضأن بأنها سن يجوز أضحية
339

فيجوز في صدقة الغنم كالثنية واختلفوا في تفسير هما على أوجه (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب
أن الجذعة ما استوفت سنة ودخلت في الثانية والثنية ما استوفت سنتين سميت الجذعة جذعة لأنها تجدع
السن كما ذكر في الإبل (والثاني) ان الجذعة ما لها ستة أشهر والثنية ما لها سنة وهو الذي ذكره في الثنية (والثالث)
أن الجذعة هي التي لها ثمانية أشهر والثنية هي التي لها سنة وهو اختيار القاضي الروياني في الحلية
340

ويقال إذا بلغ الضأن سبعة أشهر وكان من بين شاتين فهو جذع لان له نزوا وضرابا وإن كان من بين
هرمين فلا تسمى جذعة حتى تستكمل ثمانية أشهر (وقوله) في أثناء الكلام وما بينها أو قاص هي
جمع وقص وهو ما بين الفريضتين ثم منهم من يقول القاف من الوقص محركة وهو الذي ذكره في الصحاح قالوا
ولو كانت ساكنة لجاء الجمع على افعل كفلس وأفلس وكلب وأكلب ومنهم من يسكن القاف ويقول
341

هو مثل هول وأهوال وحول وأحوال والشنق بمعنى الوقص ومنهم من قال الوقص في البقر والغنم
خاصة والشنق في الإبل خاصة (وقوله) لا يعتد بها يجوز انه يريد به أنا لا تؤثر في زيادة الواجب ويجوز
أن يريد به أن الواجب لا ينبسط عليها بل هي عفو وهو الصحيح وفيه خلاف مذكور في الكتاب
من بعد (وقوله) أما الجذعة من الضأن وهي التي لها سنة ليس المفسر الجذعة من الضأن بخصوصها
342

بل الجذعة من الغنم هي التي لها سنة على أوجه الأظهر سواء كانت من الضأن أو المعز وكذلك الثنية
من الغنم هي التي لها سنتان سواء كانت من الضأن أو من المعز ثم الواجبة من هذه الجذعة ومن
تلك الثنية والله أعلم *
قال (ثم يتصدى النظر في زكاة الإبل في خمسة مواضع (الأول) في اخراج شاة عن الإبل وهي
343

جذعة من الضأن أو ثنية من المعز والعبرة في تعبين الضان أو المعز بغالب غنم البلد وقيل أنه يخرج
ما شاء ويؤخذ منه لان الاسم ينطلق عليه ولو أخرج ذكرا فعلى هذين الوجهين ولو أخرج بعيرا عن خمس
أو عن عشرا اخذ وان نقصت قيمته عن قيمة شاة) *
لك ان تقول النظر الثالث والخامس لا اختصاص لهما بزكاة الإبل على ما سنبينه من بعد وإنما
كان يحسن قوله في زكاة الإبل في خمسة مواضع إذا كانت المواضع كلها مختصة بالإبل إذا تقرر ذلك
فالنظر الأول في كيفية اخراج الشاة من الإبل وقد ذكرنا أن الواجب في الإبل قبل بلوغها خمسا
344

وعشرين الشياه وإنما تجب الجذعة من الضأن والثنية من المعز كما ذكرنا في الشاة الواجبة في الغنم
لما روى أن مصدق النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما حقنا في الجذعة من الضأن والثنية من المعز)
وروى أنه قال (أمرنا بأخذهما) وخلاف أبي حنيفة في أن الواجب منها الثنية ومالك: في أن
الجذعة منهما تجزئ عائد ههنا أيضا ثم في الفصل مسائل (إحداها) هل يتعين أحد النوعين
345

من الضأن والمعز حكي في الكتاب فيه وجهين (أحدهما) أنه يتعين غالب غانم البلد إن
كان الغالب الضأن وجب الضأن وإن كان الغالب المعز وجب المعز لأنه مال وجب في الذمة بالشرع فاعتبر
فيه عرف البلد كالكفارة هذا ما ذكره صاحب المهذب وقال إن استويا يخير بينهما (والثاني)
أنه يخرج ما شاء من النوعين ولا يتعين الغالب في البلد لأنه صلى الله عليه وسلم قال (في خمس من
الإبل شاة) واسم الشاة يقع عليهما جميعا فصار كما في الأضحية لا يتعين فيها غنم البلد وفي النهاية
والوسيط حكاية وجه آخر وهو أنه يتعين نوع غنمه إن كان يملك غنما كما إذا كان يزكى عن الغنم
وكما في إبل العاقلة على رأى ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب فغالب غنم البلد وكذا قوله يخرج ما شاء بالواو
لمكان هذا الوجه الثالث والثاني معلم بالميم أيضا لان الحاكية عن مالك أنه يجب من غالب غنم البلد وقوله يخرج
ما شاء ويؤخذ منه لا ضرورة إلى الجمع بين هذين اللفظين والمقصود حاصل بأحدهما ثم أعلم أن
إيراد الكتاب يقتضي ترجيح الوجه الأول وحكاه إمام الحرمين عن العراقيين وذكر أن صاحب
التقريب نقله عن نص الشافعي رضي الله عنه ونقل نصوصا أخر تقتضي التخيير ورجحها
وساعده الإمام عليه واليه صار الأكثرون وربما لم يذكروا سواه فإذا الوجه الثاني أصح في المذهب
والشبهة داخلة في حكاية الامام عن العراقيين من وجهين (أحدهما) أن الشيخ أبا حامد وشيعته
نصوا على أنه لا يعتبر غالب غنم البلد وإنا يعتبر غنم البلد فحسب (والثاني) أنه يشبه أنهم أرادوا
بما ذكروا تعيين ضأن البلد ومعزه وذلك لا ينافي التخيير بين الضان والمعز يدل عليه أن صاحب
الشامل خير بين الضأن والمعز ومع ذلك قال يخرج من غنم البلد وكذلك خير في التتمة بين النوعين ثم حكى
وجهين في أن الضأن المخرج أيضا مثلا هل يجب أن تكون من نوع ضان البلد أم لا ومن قال يتعين
غنم البلد قال لو أخرج غيرها وهي خير من غنم البلد بالقيمة أجزأته وكذلك لو كانت مثلها
إنما الممتنع أن يخرجها وهي دونها (الثانية) لو أخرج جذعا من الضأن أو ثنيا من المعز هل
يجزئه فيه وجهان (أحدهما) لا كالشاة المخرجة من الأربعين من الغنم وكأسنان الإبل المؤداة فيها
(وأظهرهما) وبه قال أبو إسحاق نعم: لشمول الاسم كما في الأضحية. ثم ذكر في التتمة طريقين
346

(أشهرهما) ان الوجهين مطردان فيما إذا كانت الإبل ذكورا كلها وفيما إذا كانت إناثا أو مختلطة
وهذا هو الموافق لا طلاق الكتاب والمذكور في التهذيب (والثاني) انها إذا كانت إناثا أو كان
بعضها إناثا لم يجز اخراج الذكر والوجهان مخصوصان بما إذا كانت ذكورا كلها والوجهان مبنيان
على أصل سنذكره وهو ان الشاة المخرجة عن الإبل أصل بنفسها أم بدل عن الإبل إن قلنا بدل
جاز اخراج الذكر كما لو اخرج عنها بعيرا ذكرا يجزله وان قلنا أصل لم يجز جريا على الأصل
المعتبر في الزكوات وهو كون المخرج أنثى وقوله في الكتاب فعلى هذين الوجهين أشار به إلى تقارب
مأخذ الخلاف في هذه المسألة والتي قبلها (الثالثة) لو ملك خمسا من الإبل ولزمته
شاة فاخرج بعيرا فظاهر المذهب أنه يجزئه وإن كانت قيمته أقل من قيمة شاة خلافا لمالك وأحمد
حيث قالا لا يجزئ الا الشاة * لنا ان البعير يجزئ عن خمس وعشرين والخمس داخلة فيها فأولى أن يجزى
عنها منفردة وفي المسألة وجهان آخران (أحدهما) أن البعير إنما يجزئ إذا بلغت قيمته قيمة شاة أما إذا انقصت
فلا لما فيه من الاجحاف بالفقراء حكى هذا عن القفال والشيخ أبى محمد (والثاني) أنه إن كانت
الإبل مراضا أو قليلة القيمة لعيب بها فأخرج بعيرا منها جاز وإن كانت قيمته أقل من قيمة الشاة
أما إذا كانت صحاحا سليمة لم يجز أن يخرج عنها بعيرا قليل القيمة والفرق أنه في المرض لا يعتقد
بأداء البعير تطوعا وفى الصحاح يعتقد التطوع وأقل ما في التطوع ان لا ينقص عن الواجب
وهذا الوجه هو الذي أورده الصيدلاني وحكي المنع فيما إذا كانت الإبل صحاحا هو وغيره عن نص
الشافعي رضي الله عنه وفي كلام الشيخ أبى محمد حمل ذلك النص على الاستحباب وإذا قلنا بظاهر
المذهب فاخرج بعيرا عن خمس من الإبل فهل يكون كله فرضا أو يكون خمسه فرضا والباقي
تطوعا فيه وجهان شبههما الأئمة بالوجهين في المتمتع إذا ذبح بدنة بدل الشاة هل تكون كلها فرضا
أو الفرض سبعها وفيمن مسح جميع الرأس هل يقع الكل فرضا أم لا وجعلوا المصير إلى أن الكل
ليس بفض وفي مسألتي الاستشهاد أوجه لان الاقتصار على سبع بدنة في الهدايا وعلى بعض الرأس
في المسح جائز ولا يجزئ ههنا اخراج خمس بعير بالاتفاق ولذلك قال الامام من يقول الفرض
مقدار الخمس يعنى به على شرط التبرع بالباقي لتزول عيب التشقيص وذكر قوم منهم صاحب
التهذيب ان الوجهين مبنيان على صل وهو ان الشياه الواجبة في الإبل أصل بنفسها أم
هي بدل عن الإبل فيه وجهان (أحدهما) انها أصل جريا على ظاهر النص (والثاني) بدل لان
347

الأصل وجوب جنس المال الا ان ايجاب بغير قبل كثرة الإبل بجحف برب المال وايجاب شقص بعير مما يشق لم
فيه من نقصان القيمة وعسر الانتفاع فعدل الشارع إلى الشاة ترفيها وارفاقا فان قلنا الأصل هو الشاة فإذا أخرج البعير
كان كله فرضا كالشاة وان قلنا الأصل هو الإبل فإذا أخرج بعير كان الواجب خمسه لأنه يجزى عن خمس
وعشرين وحصة كل خمس حينئذ خمسه ولو أخرج بعيرا عن عشر من الإبل أو عن خمس عشرة أو عشرين
هل يجزئه فيه وجهان بنوهما على الخلاف الذي تقدم ان قلنا إذا أخرجه عن الخمس وقع الكل فرضا وقام
مقام شاة فلا يكفي في العشر بعير واحد بل لابد من بعيرين أو بعير وشاة وفي الخمس عشرة من
ثلاثة أبعرة أو بعيرين وشاة أو شاتين وبعير أو ثلاث شياه وفي العشرين من أربعة وان قلنا الفرض
قدر خمسه فيجزئ ويكون متبرعا في العشر بثلاثة أخماسه وفي الخمس عشرة بخمسه وفي
العشرين بخمسه ولم يرتض الامام هذا البناء ومن وجوه الاشكال فيه الخمس عشرة بخمسه وفي
العشرين بخمسه ولم يرتض الامام هذا البناء ومن وجوه الاشكال فيه انه يقال لم يلزم من كون
كله فرضا إذا أخرجه عن خمس الا يكتفى به عن العشر بل يجوز أن يكون كاله فرضا إذا اخرج عن هذا
وفرضا إذا اخرج عن ذاك الا ترى انه يقع فرضا فيكتفى به عن الخمس والعشرين مع الحكم
بان كله فرض إذا اخرج عن الخمس وكذا البدنة ضحية واحدة إذا ضحى بها وهي بعينها
ضحية سبع إذا اشتركوا فيها وسواء كان البناء المذكور مريضا أم لا فظاهر المذهب اجزاؤها
عما دون الخمس والعشرين كاجزائها عن الخمس والعشرين وهو المكور في الكتاب والوجهان
المذكوران ههنا مبنيان على الصحيح؟ في إجزاء البعير عن الخمس مطلقا والوجهان الآخران ثم يعودان ههنا
أيضا ونعتبر تفريعا عليهما أن لا تنقص قيمته في العشر عن قيمة شاتين وفى الخمس عشرة عن قيمة ثلاث شياه
وفي العشرين عن قيمة أربع وإذا عرفت جميع ما ذكرنا رقمت قوله في الكتاب أخذ بالميم والألف
والواو وقوله وإن نقصت قيمته (بالواو) أيضا للوجه المنسوب إلى القفال وأبي محمد رحمهما الله
(واعلم) أن الشاة الواجبة في الإبل يجب أن تكون صحيحة وإن كانت الإبل مراضا لأنها في الذمة
ثم فيها وجهان (أحدهما) وهو الذي أورده كثيرون أنه يؤخذ من المراض صحيحة تليق بها (مثاله)
خمس من الإبل مراض قيمتها خمسون ولو كنت صحاحا لكانت قيمتها مائة وقيمة الشاة المجزئة
عنها ستة دراهم يؤمر باخراج شاة صحيحة تساوى ثلاثة دراهم فإن لم توجد بهذه القيمة شاة صحيحة
قال في الشامل فرق الدراهم (والثاني) أنه يجب فيها ما يجب في الإبل الصحاح بلا فرق قال في المهذب
وهذا ظاهر المذهب ونسب الأول إلى أبي على ابن خيران *
348

قال (النظر الآني في العدول إلى ابن اللبون فمن وجب عليه بنت مخاض ولم تكن في ماله أخذ
ابن اللبون وإن لم يكونا في ماله جاز له شراء ابن اللبون ولو كان في ماله بنت مخاض معيبة فهي
كالمعدومة ولو كانت كريمة لزمه على الاقيس شراء بنت مخاض لأنها موجودة في ماله وإنما تترك
نظرا له وتؤخذ الخنثى من بنات اللبون بدلا عن بنت مخاض عند فقدها ويؤخذ الحق بدلا عن
بنت لبون عند فقدها كما يؤخذ ابن لبون بدلا عن بنت مخاض) *
إذا ملك خمسا وعشرين من الإبل وجبت عليه بنت مخاض فان وجدها لم يعدل إلى ابن
اللبون وإن لم يجدها وكان عنده ابن لبون جاز أخذه منه سواء قدر على تحصيل بنت المخاض أم لا
وسواء كانت قيمته أقل من قيمة بنت المخاض أو لم يكن لما رويناه في الخبر ولا جبران بل فضل السن
يجير فضل الأنوثة ثم فيه مسائل (إحداها) لو لم يكن في ماله بنت المخاض ولا ابن اللبون ففيه وجهان
(أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يشترى ما شاء منهما ويخرجه أما بنت المخاض فلأنها الأصل
وأما ابن اللبون فلان شرط اجزائه موجود وهو فقد بنت المخاض عنده ولأنه لا منع من شراء
ابن اللبون وإذا اشتراه كان في ماله ابن لبون وهو فاقد لبنت المخاض (والثاني) وبه قال مالك
واحمد وصاحب التقريب يتعين عليه شراء بنت المخاض لأنهما لو استويا في الوجود لم يخرج ابن
اللبون فكذلك إذا استويا في الفقد وقدر على تحصيلهما (الثانية) لو كانت عنده بنت مخاض معيبة
فهي كالمعدومة لأنها غير مجزئة ولو كانت كريمة وإبله مهازيل فلا يكلف اخراجها لما روى أنه
صلى الله عليه وسلم قال (إياك وكرائم أموالهم) (1) فان تطوع بها فقد أحسن (2) وان أراد اخراج ابن
لبون ففيه وجهان (أظهرهما) عند صاحب الكتاب وشيخه أنه لا يجوز لان شرط العدول إلى ابن
349

اللبون أن لا يكون في ماله بنت مخاض وهي موجودة هنا بصفة الاجزاء الا أنها تركت نظرا له
ورعاية لجانبه وهذا ما أجاب به الشيخ أبو حامد وأكثر شيعته ورجحه الأكثرون (والثاني) يجوز
لأنها لما لم تكن موجودة في ماله كانت كالمعدومة ويحكى هذا عن نصه والي ترجيحه يميل كلام
صاحبي المهذب والتهذيب قوله في الكتاب لزمه على الاقيس شراء بنت مخاض لا يخفى أنه ليس
الغرض منه عين الشراء بل المقصود تحصيله بأي طريق كان واخراجه عن الزكاة وكذا حيث قلنا
في هذه المسائل يجوز الشراء أولا يجوز وقوله في أول الفصل أخذ منه ابن لبون ليس على معنى
أنه يلزم بذلك إذ لو حصل بنت مخاض وأخرجها جاز ولكن المعنى أنه يقنع به (الثالثة) لو لم يكن
في ماله بنت مخاض فاخرج خنثى من أولاد اللبون هل يجزئه فيه وجهان (أحدهما) لا لتشوه الخلقة
بنقصان الخنوثة فأشبه سائر العيوب (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب نعم فإنه اما ذكر وابن
اللبون مأخوذ بدلا عن بنت المخاض أو أنثى وهي أولي بالجواز لزيادة السن مع بقاء الأنوثة ثم
لا جبران للمالك لجواز أن يكون المخرج ذكرا بخلاف ما إذا لم يكن في ماله بنت مخاض وكانت عنده
بنت لبون فأخرجها له الجبران ولو وجد ابن اللبون وبنت اللبون فأراد اخراج بنت اللبون وأخذ
الجبران لم يكن له ذلك في أصح الوجهين قاله في العدة ولو لزمته بنت مخاض وهي موجودة في ماله
فأراد أن يخرج خنثى من أولاد اللبون بدلا لم يجز لجواز أن يكون ذكرا وابن اللبون مأخوذ بدلا
عن بنت المخاض مع وجودها بخلاف ما لو اخرج بنت لبون وقوله في الكتاب وتؤخذ الخنثى من
بنات اللبون لو قال من أولاد اللبون لكان أحسن فان الخنوثة تمنع من معرفة كونه ابنا أو بنتا
وكذلك هو في بعض النسخ (الرابعة) لو اخرج حقا بدلا عن بنت مخاض عند فقدها فلا شك في
جوازه لان اخراج ابن اللبون جائز فالحق أجوز وأولي ولو أخرجه بدلا عن بنت لبون لزمته فوجهان
(أحدهما) يجوز لاختيار فضيلة الأنوثة بزيادة السن كما يجوز اخراج ابن اللبون بدلا عن بنت المخاض
(والثاني) لا يجوز لان النص ورد ثم وهذا ليس في معناه لان تفاوت السن في بنت المخاض وابن
اللبون تفاوت يوجب اختصاصه بقوة ورود الماء والشجر والامتناع من صغار السباع والتفاوت
بين بنت اللبون والحق لا يوجب اختصاص الحق بهذه القوة بل هي موجودة فيهما جميعا فلا يلزم
من كون تلك الزيادة حائزة لفضيلة الأنوثة كون هذه الزيادة جابرة لها والمذكور في الكتاب
من هذين الوجهين هو الأول لكن المذهب الثاني بل الجمهور لم يذكروا سواء ولم يتعرض للخلاف
350

الا الأقلون منهم الحناطي *
قال (النظر الثالث إذا ملك مائتين من الإبل فإن كان في ماله أحد السنين اخذ منه الموجود
وان لم يكونا في ماله اشترى (و) ما شاء من الحقاق أو ببنات اللبون وان وجدا جميعا وجب اخراج الأغبط
للمساكين وقيل الخيرة إليه وقيل يتعين الحقاق فلو اخذ الساعي غير الأغبط قصدا على قولنا
يجب الأغبط لم يقع الموقع وان اخذ باجتهاده فقيل لا يقع الموقع وقيل يقع الموقع وليس عليه
جبر التفاوت وقيل عليه جبر التفاوت ببذل الدراهم وقيل يجب جبره بأن يشترى بقدر التفاوت
شقصا ان وجده اما من جنس الأغبط على رأى أو من جنس المخرج على رأى) *
مقصود هذا النظر الكلام فيما إذا بلغت ماشيته حدا يخرج فرضه بحاسبين كما إذا ملك مائتين
من الإبل فهي أربع خمسينات وخمس أربعينات وقد روينا في الخبر أنه صلى الله عليه وسلم قال (في
كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة) (1) فما الواجب فيها نص في الجديد على أن الواجب أربع
حقاق أو خمس بنات لبون وفي القديم على أنه يجب أربع حقاق واختلفوا على طريقين (أحدهما)
ان المسألة على قولين (أصحهما) ان الواجب أحد الصنفين لما ذكرنا ان المائتين أربع خمسينات وخمس
أربعينات فيتعلق بها أحد الفرضين (والثاني) ان الواجب الحقاق لأن الاعتبار في زكاة الا بل بزيادة
السن ما وجد إليها سبيل الا ترى ان الشرع رقى في نصيبها إلى منتهي الكمال في الأسنان ثم عدل
بعد ذلك إلى زيادة العدد فاشعر ذلك بزيادة الرغبة في السن (والطريق الثاني) القطع بما ذكره في
الجديد وحمل القديم على ما إذا لم يوجد الا الحقاق فان أثبتنا القديم وفرعنا عليه نظر إن وجدت
الحقاق بصفة الاجزاء لم يجز غيرها والا نزل منها إلى بنات اللبون أو صعد إلى الجذاع مع الجيران وان
351

فرعنا على الجديد الصحيح فللمسألة أحوال ذكرنا ثلاثا منها في الكتاب فنشرحها ثم نذكر غيرها
على الاختصار (إحدى الأحوال الثلاث) أن يوجد في المال القدر الواجب من أحد الصنفين بكماله
دون الآخر فيؤخذ ولا يكلف تحصيل الصنف الثاني وإن كان أنفع للمساكين ولا يجوز النزول
والصعود عنه مع الجبران ولا فرق بين ان لا يوجد الصنف الآخر أصلا وبين ان
يوجد بعضه والناقص كالمعدوم ولا يجوز ان يؤخذ الموجود من الناقص ويعدل بالباقي إلى
الصعود والنزول مع الجبران إذ لا ضرورة إليه ولو وجد الصنفان لكن أحدهما معيب
فهو كالمعدوم (والحالة الثانية) ان لا يوجد في ماله شئ من الصنفين وفي معناه ان يوجد أو هما
معيبان فان أراد تحصيل أحدهما بشراء وغيره فوجهان (أحدهما) يجب تحصيل الأغبط كما يجب على
الظاهر اخراج الأغبط إذا وجد على ما سيأتي (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب يحصل ما شاء
من الحقاق أو بنات اللبون فإنه إذا اشترى أحد الصنفين صار واجدا له دون الآخر فيجزئه والوجهان
كالوجهين فيما إذا ملك خمسا وعشرين وليس فيها بنت مخاض ولا ابن لبون هل يجب تحصيل بنت
المخاض أم لا ويجوز في هذه المسألة ان لا يحصل الحقاق ولا بنات اللبون ولكن ينزل أو يصعد مع
الجبران وحينئذ ان شاء جعل بنات اللبون أصلا ونزل منها إلى خمس بنات مخاض فأخرجها مع خمس
جبرانات وان شاء جعل الحقاق أصلا وصعد منها إلى أربع جذاع فأخرجها وأخذ أربع جبرانات
ولا يجوز ان يجعل الحقاق أصلا وينزل منها إلى أربع بنات مخاض مع ثمان جبرانات ولا ان يجعل
بنات اللبون أصلا ويصعد منها إلى خمس جذاع ويأخذ عشر جبرانات لامكان تقليل الجبران يجعل
الجذاع بدل الحقاق وبنات المخاض بدل بنات اللبون وحكى الشيخ أبو محمد في الفرق وجها اخر
وهو انه يجوز النزول والصعود فيهما كما لو لزمته حقة فلم يجدها ولا بنت لبون في ماله فنزل إلى بنت
المخاض فاخرجها مع جبرانين أو لزمته بنت لبون فلم يجدها ولاحقة في ماله فيصعد إلى الجذعة فيخرجها
ويأخذ جبرانين يجوز والظاهر الأول والفرق ان في صورتي الاستشهاد لا يتخطى واجب ماله وفيها
352

نحن فيه يتخطى في الصعود والنزول أحد واجبي ماله (والحالة الثالثة) أن يوجد الصنفان معا بصفة
الاجزاء فقد قال الشافعي رضي الله عنه نصا يأخذ الساعي ما هو الأغبط منهما لأهل السهمين لان
كل واحد من الصنفين فرض نصابه لو انفرد فإذا اجتمعا روعي الأصلح للمحتاجين * واحتج له
بظاهر قوله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وعن ابن سريج أن المالك بالخيار يعطي ما شاء
منهما كما أنه بالخيار في الصعود والنزول عند فقد الفرض وأجاب الأصحاب ان المالك ثم بسبيل
من ترك الصعود والنزول معا بأن يحصل الفرض وإنما شرع ذلك تخفيفا للامر عليه ففوض إليه وههنا
خلافه (التفريع) إن خيرنا المعطى على رأى ابن سريج فيستحب له مع ذلك أن يعطي الأغبط إلا
أن يكون ولي يتيم فيراعي حظه وان فرعنا على النص وهو ظاهر المذهب فلو أخذ الساعي غير
الأغبط نظر إن وجد تقصير منه بأن أخذه مع العلم بحاله أو أخذه من غير اجتهاد ونظر في أن
الأغبط ما ذا أو وجد تقصير من المالك بأن دلس وأخفى الأغبط لم يقع المأخوذ عن جهة الزكاة وإن
لم يوجد تقصير من واحد منهما وقع عن جهة الزكاة هذا ما اعتمده الأكثرون منهم صاحب المهذب
وهو الظاهر وزاد في التهذيب شيئا آخر وهو أن لا يكون باقيا بعينه في يد الساعي فإن كان باقيا لم
يقع عن الزكاة وإن لم يقصر واحد منهما وهذا قد حكاه الشيخ أبو الفضل ابن عبدان عن ابن جيران ووراء
ما نقلنا من الظاهر وجوه أخر (أحدها) أنه يقع عن الزكاة بكل حال وان أخذ من غير اجتهاد
حكاه ابن كج وغيره لأنه يجزئ عند الانفراد فكذا عند الاجتماع وهذا رجوع إلى رأى ابن
353

سريج (والثاني) لا يقع عن الزكاة بحال لأنه ظهر أن المأخوذ غير المأمور به (والثالث) إن فرقه على
المستحقين ثم ظهر الحال حسب عن الزكاة بكل حال والا لم يحسب والفرق عسر الاسترجاع
(والرابع) عن أبي الحسن ابن القطان عن بعض الأصحاب أنه إن دفع المالك مع العلم بأنه الأدنى
لم يجزه وإن كان الساعي هو الذي أخذ جاز ويقرب من هذا عد صاحب التهذيب مجرد علم المالك
بحاله تقصيرا مانعا من الاجزاء وإن لم يوجد اخفاء وتدليس وفي كلام الصيد لأني وغيره ما ينازع
فيه إذا أخذه الساعي بالاجتهاد فهذا بيان الاختلافات في هذا الموضع (التفريع) حيث قلنا لا يقع
المأخوذ عن الزكاة فعليه اخراج الزكاة وعلى الساعي رد ما أخذه إن كان باقيا وقيمته إن كان تالفا
وحيث قلنا يقع فهل يجب اخراج قدر التفاوت فيه وجهان (أحدهما) أنه يستحب ولا يجب لان
المخرج محسوب عن الزكاة فيغنى عن غيره كما إذا أدى اجتهاد الامام إلى أخذ القيمة وأخذها لا يجب
شئ آخر (وأصحهما) أنه يجب لنقصان حق أهل السهمين قال الأئمة وإنما يعرف قدر التفاوت
بالنظر إلى القيمة فإذا كانت قيمة الحقاق أربعمائة وقيمة بنات اللبون أربعمائة وخمسون وقد أخذ
الحقاق فقدر التفاوت خمسون (التفريع) إن كان قدر التفاوت يسيرا لا يؤخذ به شقص من ناقة
دفع الدراهم للضرورة وحكي امام الحرمين رحمه الله عن صاحب التقريب إشارة إلى أنه يتوقف
إلى أن يجد شقصا واستبعدها وإن كان قدرا يؤخذ به شقص فهل يجب شراؤه أم يجوز دفع الدراهم
فيه وجهان (أحدهما) يجب لان الواجب الإبل والعدول إلى غير جنس الواجب في الزكاة ممتنع على
أصلنا (وأصحهما) أنه يجوز دفع الدراهم لما في اخراج الشقص من ضرر المشاركة وقد يعدل إلى غير
جنس الواجب لضرورة تعرض ألا ترى أنه لو وجب شاة عليه في خمس من الإبل ولم يوجد جنس
الشاة يخرج قيمتها ولو لزمته بنت مخاض فلم يجدها ولا ابن لبون لا في ماله ولا بالثمن يعدل إلى القيمة
على أن الغرض ههنا جبران الواجب فأشبه دراهم الجبران (التفريع) ان قلنا يجوز دفع الدراهم فلو اخرج
بها شقصا فالظاهر جوازه قال في النهاية وفيه أدني نظر لما فيه من العسر على المساكين وإن قلنا
يجب اخراج شقص فينبغي أن يكون ذلك الشقص من الأغبط أو من المخرج فيه وجهان (أحدهما)
من المخرج كيلا تتفرق الصدقة (وأظهرهما) عند الصيدلاني وغيره من الأغبط فإنه الواجب في الأصل
ففي المال الذي سبق ذكره يخرج على الوجه الأول نصف حقة لان قيمة كل حقة مائة وقدر التفاوت
354

خمسون وعلى الوجه الثاني يخرج خمسة اتساع بنت لبون لان قيمة كل بنت لبون تسعون فإذا أخرج
الشقص لزم صرفه إلى الساعي على قولنا يجب الصرف إلى الامام في الأموال الظاهرة وإذا أخرج
الدراهم فوجهان (أحدهما) لا يجب الصرف إليه لأنها من الأموال الباطنة (والثاني) يجب لأنها جبران
المال الظاهر هذا تمام الكلام في الأحوال المذكورة في الكتاب. ومن أحوال المسألة أن
يوجد بعض كل واحد من الصنفين كما إذا وجد ثلاث حقاق وأربع بنات لبون فهو بالخيار بين أن يجعل
الحقاق أصلا فيعطيها مع بنت لبون وجبران وبين ان يجعل بنات اللبون أصلا فيعطيها مع حقة
ويأخذ جبرانا وهل يجوز ان يعطى حقة مع ثلاث بنات لبون وثلاث جبرانات فيه وجهان لبقاء
بعض الفرض عنده وكثرة الجبران مع الاستغناء عنه ويجرى الوجهان فيما إذا لم يجد الا أربع بنات
لبون وحقة فاعطي الحقة مع ثلاث بنات لبون وثلاث جبرانات ونظائره قال صاحب التهذيب
ويجوز في الصورة الأولى أن يعطي الحقاق مع الجذعة ويأخذ جيرانا وأن يعطي بنات اللبون وبنت
مخاض مع جبران (ومن أحوال المسألة) أن يوجد بعض أحد المصنفين ولا يوجد من الآخر شئ
كما إذا لم يجد إلا حقتين فله أن يجعلها أصلا ويخرجها مع جذعتين ويأخذ جبرانين وله أن يجعل بنات
اللبون أصلا فيخرج بدلها خمس بنات مخاض مع خمس جبرانات ولو لم يجد إلا ثلاث بنات لبون فله
أن يخرجها مع بنتي مخاض وجبرانين وله أن يجعل الحقاق أصلا فيخرج أربع جذاع بدلها ويأخذ
أربع جبرانات هكذا ذكر الصورتين وله أن يجعل الحقاق صلا فيخرج أربع جذاع بدلها ويأخذ
أربع جبرانات هكذا ذكر الصورتين في التهذيب ولم يحك خلافا صلا وقياس الوجهين المذكورين
في الحالة السابقة على هذه يقتضي طرد الخلاف في جعل بنات اللبون أصلا في الصورة الأولى وجعل الحقاق
أصلا في الصورة الثانية لقاء بعض الفروض عنده وكثرة الجبران فإن كان هذا جوابا على الظاهر
فالظاهر ثم أيضا الجواز (واعلم) أنه إذا بلغت البقر مائة وعشرين كان حكمها حكم بلوغ الإبل مائتين
فإنها ثلاث أربعينات وأربع ثلاثينات والواجب فيها ثلاث مسنات أو أربع اتبعة ويعود فيها الخلاف
والتفاريع التي ذكرناها ولهذا قلنا إن الكلام في النظر الثالث لا يختص بزكاة الإبل وأعود بعد هذا
إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب ونظمه (أما قوله) إذا ملك مائتين من الإبل فإن كان في ماله أحد السنين
ففيه شئ مدرج تقديره إذا ملك مائين من الإبل فعليه أربع حقاق أو خمس بنات لبون فإن كان في
ماله هذا أو ما أشبهه (وقوله) وجب إخراج الأغبط للمساكين لفظ المساكين في هذا الموضع وأمثاله
لا يعنى به الذين هم أحد الأصناف الثمانية خاصة بل أهل السهمان كلهم لكن المساكين والفقراء أشهر
355

الأصناف فيسبق اللسان إلى ذكرهم (وقوله) وقيل الخيرة إليه هو الوجه المنسوب إلى ابن سريج (وقوله)
وقيل تتعين الحقاق هو القول المنقول عن القديم لكن ايراده في الموضع المذكور في الكتاب يقتضى اختصاصه
بما إذا وجد الصنفان جميعا في ماله وهكذا زعم القاضي بن كج لكن الشيخ أبو حامد وعامة من نقل ذلك
القول أثبته عند بلوغ الإبل مائتين على الاطلاق وتفريعه ما قدمناه (وقوله) فيما إذا اخذ غير الأغبط
قصدا لم يقع الموقع معلم بالواو لأنه لم يحك الخلاف إلا فيما أخذه بالاجتهاد وقد حكينا وجها أنه
يقع الموقع وإن أخذه من غير الاجتهاد (وقوله) قيل لا يقع الموقع وقيل يقع الموقع ليس المراد منه
الكلام في كونه مجزئا إذ لو كان كذلك لما انتظم التفريع على وجه وقوع الموقع بأنه هل يلزم جبر
التفاوت أم لا وإنما المراد من وقوعه الموقع كونه محسوبا عن الزكاة (وقوله) وقيل عليه جبر التفاوت
ببذل الدراهم يشبه أن لا تكون الدراهم في كلام الأصحاب معينة في هذا الفصل بعينها بل المعتبر
نقد البلد وهذه العبارة هي التي أوردها الشيخ إبراهيم المروذي فيما علق عنه (وقوله) أما من
جنس الأغبط على رأى أو من جنس المخرج على رأي يجوز أن يعلم بالواو لان إمام الحرمين حكي
عن إشارة بعض المصنفين وجها ثالثا ومال إليه وهو أنه يتخير بين الصنفين بعد حصول الجيران
ولا يتعين هذا ولا ذاك *
قال (فرع) لو أخرج حقتين وبنتي لبون ونصفا لم يجز للتشقيص ولو ملك أربعمائة فاخرج أربع
حقاق وخمس بنات لبون جاز على الأصح) *
مالك المائتين من الإبل لو أخرج حقتين وبنتي لبون ونصفا لم يجز لان التشقيص نقصان وعيب
ولو ملك أربعمائة من الإبل فعليه ثمان حقاق أو عشر بنات لبون لأنها ثمان خمسينات وعشر أربعينات
ويعود فيها جميع ما في المأتين من الخلاف والتفريع ولو أخرج عنها أربع حقاق وخمس بنات لبون
ففي جوازه وجهان قال الإصطخري لا يجوز لأنه تفريق الفريضة كما في المائتين وتمسك بنصه في المختصر
356

ولا يفرق الفريضة (والأصح) وبه قال الجمهور يجوز فان كل مائتين أصل على الانفراد فيجوز إخراج
فرض من إحداهما وفرض من الأخرى كما يجوز في إحدى الكفارتين إلا طعام وفي الأخرى
الكسوة وكما يجوز في أحد الجبرانين الشياه وفي الآخر الدراهم بخلاف ما إذا لم يملك الا مائتين
فان التفريق فيها كالتفريق في الجبران الواحد والكفارة الواحدة على أنه ليس المانع من المائتين مجرد التفريق
الا ترى أنه لو أخرج حقتين وثلاث بنات لبون يجز قاله صاحب التهذيب وكذا لو أخرج أربع بنات
لبون وحقة بدل بنت لبون يجوز وإنما المانع من المائتين التشقيص ولا تشقيص ههنا (وقوله) ولا يفرق
الفريضة منهم من لم يثبته لما بينا من جواز التفريق وقال الثابت رواية الربيع وهي ولا تفارق الفريضة
357

إذا وجد الساعي في المال أحد الصنفين دون الآخر لم يجز ان يفارق الموجود ويكلفه تحصيل
المفقود ومن أثبته حمل على تفريق التشقيص في صورة المائتين أو التفريق مع الجبران من غير ضرورة
مثل أن يأخذ أربع بنات لبون وحقة ويعطى الجبران وهي واجد لخمس بنات لبون وتجرى الوجهان
متى بلغ المال أربعينات وخمسينات بحيث يخرج منها بنات اللبون والحقاق بلا تشقيص ولعلك تقول
ذكرتم أن الساعي يأخذ الأغبط ويلزم من ذلك أن يكون أغبط الصنفين هو المخرج فكيف يخرج
البعض من هذا والبعض من ذاك فاعلم أن ابن الصباغ أجاب عن هذا فقال اما ابن سريج فلا يلزمه
هذا إذ الخيار هذا عنده لرب المال أما على قول الشافعي رضي الله عنه فيجوز أن يكون لهم حظ
358

ومصلحة في اجتماع النوعين وهذا يفيد معرفة شئ آخر وهو أن جهة الغبطة غير منحصرة في زيادة
القيمة لكن إذا كان التفاوت لا من جهة القيمة يتعذر اخراج الفضل وقدر التفاوت *
قال: (النظر الرابع في الجبران وجبران كل مرتبة في السن عند فقد السن الواجب بشاتين
أو بعشرين در هما فان رقى إلى الأكبر أخذ الجبران وان نزل أعطى والخيرة في تعيين الدراهم والشاة (و)
إلى المعطى والخيرة في الانخفاض والارتفاع إلى المالك الا إذا كان إبله مراضا فارتقى وطلب الجبران
لم يجز لأنه ربما يكون خيرا مما أخرجه) *
في حديث أنس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ومن بلغت صدقته
359

جذعة وليست عنده وعنده حقة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما) (1)
وروى مثل ذلك في بنت المخاض وبنت اللبون من وجبت عليه بنت مخاض وليست عنده
جاز ان يخرج بنت لبون ويأخذ من الساعي شاتين أو عشرين درهما وان وجبت عليه بنت لبون
وليست عنده جاز أن يخرج حقة ويأخذ ما ذكرنا وان وجبت عليه حقة وليست عنده جاز أن
يخرج جذعة ويأخذ ما ذكرنا وهذه صور الارتقاء عن الواجب ولو وجبت عليه جذعة وليست
عنده جاز ان يخرج حقة مع شاتين أو عشرين درهما ولو وجبت عليه حقة وليست عنده جاز ان
360

يخرج بنت لبون مع ما ذكرنا ولو وجبت عليه بنت لبون وليست عنده جاز ان يخرج بنت مخاض
مع ما ذكرنا وهذه صور النزول وجملة ذلك تفصيل قوله في الكتاب وجبران كل مرتبة في السن إلى
قوله أعطى وصفة شاه الجبران ما ذكرنا في الشاة المخرجة عما دون خمس من الإبل في اشتراط الأنوثة
إذا كان المعطى هو المالك الوجهان المذكوران في تلك الشاة والدراهم التي يخرجها هي البقرة قال
في النهاية وكذلك دراهم الشرعية حيث وردت فإذا احتاج الامام والي اعطاء الجبران ولم يكن
في بيت المال دراهم باع شيئا من مال المساكين وصرفه إلى الجبران والي من تكون الخيرة في تعيين
الشاة أو الدراهم نص في المختصر على أن الخيرة إلى المعطى سواء كان هو الساعي أو المالك وعن
الاملاء قول آخر ان الخيرة للساعي يأخذ الأغبط منها للمساكين وللأصحاب فيه طريقان مذكوران
في النهاية (أحداهما) ان المسألة على قولين (أصحهما) ان الخيرة للمعطى لقوله صلى الله عليه سلم
(وأخرج معها شاتين أو عشرين درهما) وهذا تخيير للمخرج فإن كان الساعي هو المعطي راعى
361

مصلحة المساكين (والثاني) أن الخيار إلى الساعي كالخيار في المأتين بين الحقاق وبنات اللبون على
الظاهر (والطريقة الثانية) وبها قال الأكثرون إن الخيرة إلى المعطي بلا خلاف وما ذكرناه في الكتاب
يجوز أن يكون جوابا على هذه الطريقة ويجوز أن يكون جوابا على الصحيح مع تسليم الخلاف وهو الذي ذكره
في الوسيط وإذا فقد السن الواجبة وأمكن الصعود والنزول فإلى من الخيار فيهما فيه وجهان (أحدهما)
إلى الساعي كما في تخيبره بين الحقاق وبين بنات اللبون في المائتين من الإبل (وأصحهما) وهو المذكور
في الكتاب إلى المالك لان الصعود والنزول شرعا تخفيفا عليه فيفوض الا مر إلى خيرته وموضع
لا وجهين ما إذا طلب المالك خلاف الأغبط للمساكين فإن كان الأغبط ما يطلبه فلا خلاف وعلى
الساعي مساعدته وهذا عند الصحة والسلامة فاما إذا كان الواجب مريضا أو معيبا لكون إبله مراضا
أو معيبة فأراد الصعود وطلب الجبران مثل ان يجب بنت مخاض معيبة فارتقى إلى بنت لبون معيبة
362

وطلب الجبران فيبنى ذلك على الوجهين ان قلنا الخيار إلى الساعي فلو رأى الساعي الغبطة فيه جاز
وان فرعنا على الصحيح وهو تفويض الخيار إلى المالك فينبغي في هذه الحالة ان لا يفوض الخيار
إليه علله جماعة منهم صاحب الكتاب بان الجبران المأخوذ قد يزيد على المعيب المدفوع ومقصود
الزكاة إفادة المساكين لا الاستفادة منهم وأحسن منه ما أشار إليه العراقيون فقالوا لو صرف إليه الجبران
اما ان يصرف إليه الجبران المشروع بين الصحيحين أو غيره (والأول) ممتنع لان قدر التفاوت
بين الصحيحين فوق قدر التفاوت بين المريضين فما يدفع إليه لا على التفاوتين كيف يدفع لأدناهما
363

(والثاني) ممتنع لأنه لا نظر إلى القيمة في الزكوات عندنا ولم يرد نص فنتبعه ولو أراد أن ينزل من السن
المريضة أو المعيبة إلى سن ناقصة دونها ويبذل الجبران فهذا لا منع منه لأنه تبرع بزيادة لان ما يعطيه
من الجبران هو الجبران المشروع بين الصحيحين *
قال: (ولو اخرج بدل الجذعة ثنية لم يكن له جبران على أظهر الوجهين لأنه جاوز أسنان الزكاة
ولو كان عليه بنت لبون فلم يجدوا في ماله حقة وجذعة فرقى إلى الجذعة لم يجز على أظهر الوجهين
364

لأنه كثر الجبران مع الاستغناء عنه ولو أخرج عن جبران واحد شاة وعشرة دراهم لم يجز ولو أخرج
عن جبرانين شاتين وعشرين در هما جاز) *
في الفصل مسائل (إحداها) لو وجب عليه جذعة فاخرج مكانها ثنية ولم يطلب جبرانا جاز وقد
زاد خيرا ولو طلب الجبران فوجهان (أحدهما) يجوز لزيادتها في السن كما في سائر المراتب والي هذا
365

يميل كلام العراقيين وهو ظاهر النص (وأظهرهما) عند المصنف وصاحب التهذيب المنع لان المؤدى
ليس من أسنان الزكاة فأشبه ما لو أخرج فصيلا لم يبلغ أسنان الزكاة مع الجبران لا يجوز (الثانية)
كما يجوز الصعود والنزول بدرجة واحدة يجوز بدرجتين مثل أن يعطى مكان بنت اللبون جذعة عند
366

فقدها وفقد الحقة ويأخذ جبرانين أو يعطى بدل الحقة بنت مخاض عند فقدها مع جبرانين وكذلك
بثلاث جبرانات أو يعطى مكان الجذعة عند فقدها وفقد الحقة وبنت اللبون بنت مخاض
مع ثلاث جبرانات أو يعطى مكان بنت المخاض عند فقدها وفقد بنت اللبون والحقة جذعة ويأخذ
ثلاث جبرانات وهل يجوز الصعود والنزول بدرجتين مع القدرة على الدرجة القربى كما إذا لزمته
بنت لبون فلم يجدها في ماله ووجد حقة وجذعة فرقى إلى الجذعة فيه وجهان (أحدهما) يجوز كما لو لم
يجد الحقة فإنها ليست واجب ماله فوجودها وعدمها بمثابة واحدة وهذا ما ذكره القاضي ابن كج
ونسبه الامام إلى القفال رحمه الله (وأصحهما) عند الأكثرين المنع للاستغناء عن أخذ الجبرانين
ببذل الحقة وموضع الوجهين ما إذا رقى إلى الجذعة وطلب جبرانين اما لو رضى جبران واحد فلا
367

خلاف في الجواز ويجرى الخلاف في النزول من الحقة إلى بنت المخاض مع وجود بنت اللبون
ولو لزمته بنت اللبون فلم يجدها في ماله ولا حقة ووجد جذعة وبنت مخاض فهل يجوز أن يترك
النزول إلى بنت المخاض ويرقى إلى الجذعة فيه وجهان مرتبان وأولي بالجواز وبه أجاب الصيدلاني
لان بنت المخاض وإن كانت أقرب إلا أنها ليست في الجهة المعدول إليها (الثالثة) لو أخرج المالك
368

عن جبرانين شاتين وعشرين درهما جاز كما يجوز اطعام عشرة مساكين في كفارة يمين وكسوة عشرة
في أخرى ولو أخرج عن جبران واحد شاة وعشرة دراهم لم يجز لان الجبر يقتضي التخيير بين
شاتين وعشرين درهما فلا تثبت خيرة ثالثة كما أن في الكفارة الواحدة لا يجوز أن يطعم خمسة
ويكسو خمسة ولو كان المالك هو الآخذ ورضي بالتفريق جاز فإنه حقه وله اسقاطه أصلا ورأسا *
(فرع) لو لزمته بنت لبون فلم يجدها في ماله ووجد ابن لبون وحقة فأراد أن يعطي ابن اللبون
مع الجبران هل يجوز فيه وجهان نقلهما القاضي ابن كج وغيره وجه الجواز أن الشرع نزله منزلة
بنت المخاض حيث أقامه مقامها في خمس وعشرين قال في العدة: والأصح المنع (وأعلم) أن
الجبران لا مدخل له في زكاة البقر والغنم لان السنة لم ترد به الا في الإبل وليس هو بموضع القياس
والله أعلم *
قال (النظر الخامس في صفة المخرج في الكمال والنقصان والنقصان خمسة (الأول) المرض فإن كان
كل المال مراضا أخذ (م) منه مريضة وإن كان فيها صحيح لم يؤخذ إلا صحيحة نقرب قيمتها من ربع عشر
ماله إذا كان ماله أربعين شاة) *
هذا النظر لا يختص بزكاة الإبل ومقصوده الكلام في صفة المخرج في الكمال والنقصان
ومن الصفات ما يعد في هذا الباب نقصانا وهو كمال في غيره كالذكور لان الإناث في مظنة الدر
والنسل فهي أرفق بالفقراء ثم جعل أسباب النقصان خمسة (أحدها) المرض فإن كانت ماشيته كلها
مراضا لم يكلفه الساعي إخراج صحيحة وعن مالك انه يكلفه ذلك * لنا ان ماله ردئ فلا يلزمه
369

إخراج الجيد كما في الحبوب ثم المأخوذ من المراض الوسط جمعا بين الحقين ولو انقسمت الماشية
إلى صحاح ومراض فاما أن يكون الصحيح منها قدر الواجب فصاعدا أو كان دونه فإن كان قدر
الواجب فصاعدا لم يجز اخراج المريضة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تؤخذ في الزكاة
هرمة ولا ذات عوار) (1) فإن كانت المريضة ذات عوار فالنص مانع منها والا فهي مبنية عليها وقضية
ذلك أن لا تؤخذ المريضة أصلا. خالفنا فيما إذا كانت ماشيته كلها مراضا فيبقى الباقي على قضية الدليل
هذا إذا وجب حيوان واحد فان وجب اثنان ونصف ماشيته مراض كبنتي لبون في ست وسبعين
وشاتين في مائتين من الشياه فهل يجوز أن يخرج صحيحة ومريضة فيه وجهان حكاهما في التهذيب
370

(أظهرهما) عنده نعم (وأقربهما) إلى كلام الأكثرين لا وإن كان الصحيح منها دون قدر الواجب
كما إذا وجب شاتان في مائتي شاة وليس فيها إلا صحيحة فوجهان (أحدهما) ويحكي عن الشيخ
أبى محمد أنه يجب عليه صحيحتان ولا يجزئه صحيحة ومريضة لان المخرجتين كما يزكيان ماله يزكي
كل واحد منهما الأخرى فيلزم ان تزكي المريضة الصحيحة وهو ممتنع (وأصحهما) ولم يذكر العراقيون
والصيدلاني غيره أنه يجزئه صحيحة ومريضة لان امتناع اخراج المراض مقدر بقدر وجود الصحاح
الا ترى ان ماشيته لو كانت مراضا بأسرها جاز له اخراج محض المراد فالمطلوب أن لا يخرج مريضة
ويستبقي صحيحة كيلا يكون متيمما بخبيث ماله لينفق منه وإذا أخرج صحيحة من المال المنقسم
إلى الصحاح والمراض فلا يجب أن تكون من صحاح ماله ولا مما يساويها في القيمة ولكن يؤخذ
صحيحة لائقة بماله (مثاله) أربعون شاة نصفها صحاح وقيمة كل صحيحة ديناران وقيمة كل مريضة
دينار يخرج صحيحة بقيمة نصف صحيحة ونصف مريضة وذلك دينار ونصف ولو كان الصحاح
منها ثلاثين والقيمة ما ذكرناه أخرج صحيحة بقيمة ثلاثة أرباع صحيحة وربع مريضة وهو دينار ونصف
وربع ولو لم يكن فيها الا صحيحة اخرج صحيحة بقيمة تسعة وثلاثين جزءا من أربعين من مريضة
وجزء من أربعين من صحيحة وذلك دينار وربع عشر دينار وجميع ذلك ربع عشر المال على
ما قال في الكتاب تقرب قيمتها من ربع عشر مالله إذا كان ماله أربعين شاة واعرف في هذا اللفظ
شيئين (أحدهما) ان قوله تقرب قيمتها يشعر بان الامر في ذلك على التقريب وهذا لم أره في كلام
غيره ولا ينبغي أن يسامح بالنقصان والبخس (والثاني) الذي ذكرناه من طريق التقسيط هوما أورده
371

أكثر الأصحاب وهو يتضمن النظر إلى آحاد الماشية ولا يستمر الا فيما إذا استوت قيم الصحاح وقيم
المراض وقد تكون مختلفة القيمة ولفظ الكتاب يعنى عن النظر إلى الآحاد ورأيت القاضي
ابن كج رواه عن أبي إسحاق فمتى قوم جملة النصاب وكانت الصحيحة المخرجة ربع عشر القيمة كفي
ثم لا يخفى أن هذا في الشاة مع الأربعين فان ملك مائة واحدى وعشرين شاة فينبغي أن تكون قيمة
الشاتين قدر جزء من مائة وإحدى وعشرين من قيمة الجملة وان ملك خمسا وعشرين من الإبل
فينبغي أن تكون الناقة المأخوذة بالقيمة جزءا من خمسة وعشرين جزءا من قيمة الكل وقس على
هذا سائر النصب وواجباتها (ومن الأمثلة) في الباب لو ملك ثلاثين من الإبل نصفها صحاح
ونصفها مراض وقيمة كل صحيحة أربعة دنانير وقيمة كل مريضة ديناران يجب عليه صحيحة بقيمة
نص صحيحة ونصف مريضة وهو ثلاثة دنانير أورده صاحب التهذيب وغيره ولك أن تقول هلا
كان هذا ملتفتا على أن الزكاة هل تنبسط على الوقص أم لا فان انبسطت فذاك والا قسط المأخوذ
على الخمس والعشرين *
قال (الثاني العيب فإن كان كل المال معيبا أخذ منه معيبة وإن كان فيها سليمة طلبنا سليمة تقرب
قيمتها من ربع عشر ماله وإن كان الكل معيبا وبعضه أردأ أخذ الوسط مما عنده) *
الكلام في العيب كالكلام في المرض سواء تمحضت الماشية معيبة أو انقسمت إلى سليمة
ومعيبة (وأعلم) قوله أخرج الوسط مما عنده بالواو وليس هذا الاعلام للخلاف الذي يو همه نظم الوسيط
ولكنه يصح لغيره (اما) أنه ليس لما يوهمه نظم الوسيط (فلانه) لا خلاف في ذلك الوجه ولا عبرة
بايهامه بيانه أنه قال في الوسيط قال الشافعي رضي الله عنه يخرج أجود ما عنده وقال الأصحاب
يأخذ الوسط بين الدرجتين وهو الأصح فأوهم أن في المسألة خلافا وأراد بما نقله عن الشافعي رضي الله عنه
ما رواه المزني في المختصر حيث قال ويأخذ خير المعيب لكن الأصحاب متفقون على أنه
مأول منهم من قال أراد بالخير الوسط ومنهم من قال غير ذلك ولم يثبتوا خلافا بحال (وأما) أنه
يصح لغير ذلك (فلان) امام الحرمين حكي وجها فيما إذا ملك خمسا وعشرين من الإبل معيبة
وفيها بنتا مخاض أحدا هما من أجود المال مع العيب والأخرى دونها (أحدهما) أنه يأخذ التي
372

هي أجود (وأصحهما) أنه يأخذ الوسط وذكر ان من قال بالأول شبه المسألة بأخذ الأغبط من الحقاق
وبنات اللبون إذا اجتمع الصنفان في المالين ثم العيب المرعي في الباب ماذا فيه وجهان (أصحهما)
ما ثبت الرد به في البيع (والثاني) هذا مع ما يمنع الاجزاء في الضحايا *
قال (الثلث الذكورة فإن كان في ماله أنثى أو كان الكل إناثا لم يؤخذ الا الأنثى لو رود النص
بالإناث وإن كان الكل ذكورا لم يؤخذ الذكر أيضا على أظهر الوجهين لظاهر النص) *
373

غرض الفصل يتصح بتفصيل أجناس النعم اما الإبل فان تمحضت إناثا أو انقسمت إلى إناث وذكور
فلا يجوز فيها اخراج الذكر الا في خمس وعشرين فإنه يجزئ فيها ابن لبون عند عدم بنت المخاض
وإن كانت كلها إناثا وذلك في المستثني والمستثنى منه مأخوذ من النص على ما تقدم وإن تمحضت
ذكورا فهل يحوز أخذ الذكر فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن سلمة وأبو إسحاق لا
374

ويروى هذا عن مالك لان النص ورد بالإناث من بنت المخاض وبنت اللبون وغيرهما فلا عدول عنها
وعلى هذا فلا يؤخذ منها أنثى كانت تؤخذ لو تمحضت إبله إناثا بل تقوم ماشيته لو كانت إناثا
وتقوم الأنثى المأخوذة منها ويعرف نسبتها من الجملة ثم تقوم ماشيته الذكور ويؤخذ منها أنثى قيمتها
ما تقتضيه النسبة وكذلك الأنثى المأخوذة من الإناث والذكور تكون دون الأنثى المأخوذة من محض
375

الإناث وطريق التقسيط ما ذكرناه في المراض (وأظهر هما) وبه قال ابن خيران ويروى عن نصه
في الام أنه يجوز أخذ الذكور منها كما يجوز أخذ المريضة من المراض والمعنى فيه أن في تكليفه الشراء
حرجا وتشديدا وأمر الزكاة مبنى على الرفق ولهذا شرع الجبران ومنهم من فصل فقال إن
أدى أخذ الذكور إلى التسوية بين نصابين لم يؤخذ وإلا فيؤخذ (بيانه) يؤخذ ابن مخاض من خمس
وعشرين وحق من ست وأربعين وجذع من إحدى وستين وكذا يؤخذ الذكر إذا زادت الإبل
واختلف الفرض بزيادة العدد ولا يؤخذ ابن لبون من ست وثلاثين لان ابن اللبون مأخذ من خمس
وعشرين عند فقد بنت المخاض فيلزم التسوية بينهما ومن قال بالوجه الثاني قال لا تسوية لا في كيفية الاخذ ولا
في المأخوذ (أما) في كيفية الاخذ (فلان) أخذ ابن اللبون من ست وثلاثين مشروط بعدم بنت اللبون لا بعدم
بنت المخاض وأخذه من خمس وعشرين مشروط بعدم بنت المخاض لا بعدم بنت اللبون (وأما) في المأخوذ
(فلان) عندي يؤخذ من ست وثلاثين ابن لبون فوق ابن اللبون المأخوذ من خمس وعشرين ويعرف
ذلك بالتقويم والنسبة (وأما) البقر فالتبيع مأخوذ منها في مواضع وجوبه وجب واحد منه أو عدد
376

للنص الذي رويناه ولا فرق بين أن تتمحض إناثا أو ذكورا أو تنقسم إلى النوعين وحيث تجب
المسنة فهل يؤخذ السن منها ان تمحضت إناثا أو انقسمت إلى ذكور وإناث فلا وان تمحضت
ذكورا فوجهان كما في الإبل وأما الغنم فان تمحضت إناثا أو كانت ذكورا وإناثا لم يجز فيها الذكر
خلافا لا بي حنيفة حيث قال يؤخذ الذكر منها مكان الأنثى وسلم في الإبل أنه لا يؤخذ الا على طريق
377

اعتبار القيمة على أصله في دفع القيم لنا قياس الغنم على الإبل وأيضا فقد روى أنه صلى الله عليه وسلم
قال (لا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس) (1) وان تمحضت ذكورا فطريقان (أحدهما)
القطع بأنه يؤخذ الذكر منها (والثاني) طرد الوجهين المذكورين في الإبل والأول هو ما أورده
الأكثرون وفرقوا بان أخذ الذكر منها لا يؤدى إلى التسوية بين نصابين فان الفرض فيها يتغير بالعدد
وفي الإبل يؤدى إلى التسوية بين القليل والكثير لان الفرض فيها يتغير بالسن أولا كما سبق وعد
بعد هذا إلى لفظ الكتاب واعلم قوله لم يؤخذ الا الأنثى بالحاء فان عند أبي حنيفة رحمه الله يؤخذ
الذكر على ما بيناه ولفظ الكتاب وإن كان مطلقا ولكن لابد من استثناء أخذ التبيع في مواضع
وجوبه عنه وكذلك أخذ ابن اللبون بدلا عن بنت مخاض وذكروا وجهين فيما إذا اخرج عن
أربعين من البقر أو خمسين (أظهرهما) عند الأكثرين الجواز لان اخراجهما عن ستين جائز
فعما دونها أجوز فعلى هذا تستثنى هذه الصورة أيضا (وقوله) لم يأخذ الذكر أيضا يجوز أن يعلم بالألف
لان ظاهر كلام احمد فيما رواه أصحابه انه يجوز أخذه وقوله على أحد الوجهين بالواو لان اللفظ يشمل
الغنم وغيرها وفي الغنم طريقة أخرى قاطعة بالجواز *
قال (الرابع الصغر فإن كان في المال كبيرة لم يأخذ الصغيرة فإن كان الكل صغارا كالسخال
والفصلان أخذنا الصغيرة وقيل لا تؤخذ في الإبل لأنه في الإبل يؤدى إلى التسوية بين القليل
ولا كثير وقيل يؤخذ في غير الإبل وفى الإبل فبما جاوز إحدى وستين ولا يؤخذ فيما دونه كيلا يؤدى
إلى التسوية) *
الماشية اما أن تكون كلها أو بعضها في سن الفرض أولا يكون شئ منها في تلك السن وحينئذ اما أن
تكون في سن فوقها أودنها فهذه ثلاث أحوال (الحالة الأولى) أن تكون كلها أو بعضها في سن
الفرض فيؤخذ لواجبها ما في سن الفرض ولا يؤخذ ما دونه ولا يكف بما فوقه (اما) الأول فللنصوص
المقتضية لوجوب الأسنان المقدرة (واما) الثاني (فلما) فيه من الاجحاف والاضرار بالمالك وقد روى
378

أن عمر رضي الله عنه قال لساعيه سفيان بن عبد الله الثقفي رحمه الله (اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي
على يده ولا تأخذها ولا تأخذ الأكول والربئ والماخض ولا فحل الغنم وخذ الجذعة والثنية فذلك
عدل بين غذاء المال وخياره) (1) الأكولة هي المسمنة للاكل في قول أبى عبيدة وقال شم أكولة غنم الرجل
الخصي والهرمة والعاقر والربئ هي الشاة الحديثة العهد بالنتاج ويقال هي في ربائها كما يقال المرأة في نفاسها
والجمع رباب بالضم والماخض الحامل وفحل الغنم الذكر المعد للضراب والغذاء السخال الصغار جمع
غذى وهذه التي فسرناها لو تبرع بها المالك اخذت الا فحل الغنم ففيه ما ذكرنا في أخذ الزكاة
(الحالة الثانية) أن تكون كلها في سن فوق سن الفرض فلا يكلف باخراج شئ منها بل يحصل
السن الواجبة ويخرجها وله الصعود والنزول في الإبل كما سبق (والحالة الثالثة) أن يكون الكل في سن
دونها وقد يستبعد تصوير هذه الحالة ببادى الرأي فيقال لا شك ان المراد من الصغر هو الانحطاط
عن السن المجزئة ومعلوم ان أحد شروط الزكاة الحول وإذ حال الحول فقد بلغت الماشية حد الاجزاء
والأصحاب صورها فيما إذا حدثت من الماشية في أثناء الحول فصلان أو عجول أو سخال ثم ماتت
379

الأمهات كلها وتم حولها وهي صغار بعد وهذا مبني على ظاهر المذهب في أن الحول لا ينقطع بموت
الأمهات بل تجب الزكاة في النتاج إذا كان نصابا عند تمام حول الأصل وبه قال مالك وذهب أبو
القاسم الأنماطي من أصحابنا إلى أن الأمهات مهما نقصت عن النصاب انقطع حول النتاج فضلا
من أن لا يبقى منها شئ فعلى قوله لا تتصور هذه الحالة الثالثة من هذا الطريق وكذلك لا يتصور
عند أبي حنيفة رحمه الله لأنه شرط بقاء شئ من الأمهات ولو واحدة وان لم يشترط بقاء النصاب
وعن أحمد رحمه الله روايتان (أصحهما) كمذهبنا (والأخرى) كمذهب أبي حنيفة رحمه الله وسيأتي
هذا الأصل بشرحه في شرط الحول إن شاء الله تعالى ويمكن ان تصور هذه الحالة في صورة
أخرى وهي ان يملك نصابا من صغار المعز ويمضى عليها حول فتجب فيها الزكاة وان لم تبلغ سن الاجزاء
فان الثنية من المعز على أظهر الأوجه التي سبقت هي التي لها سنتان وهذه الصورة لا تستمر على
مذهب أبي حنيفة رحمه الله أيضا لان عنده لا ينعقد الحول على الصغار من المواشي وإنما يبتدئ
الحول من وقت زوال الصغر إذا عرف التصوير ففيما يؤخذ وجهان وقال صاحب التهذيب وغيره
قولان (القديم) أنه لا يؤخذ الا كبيرة لان الأخبار الواردة في الباب تقتضي ايجاب الأسنان المقدرة
من غير فرق بين أن تكون الماشية صغارا أو كبارا وعلى هذا تؤخذ كبيرة هي دون الكبيرة المأخوذة
من الكبار في القيمة وكذا إذا انقسم ماله إلى صغار وكبار يأخذ الكبيرة بالقسط على ما سبق في
نظائره فإن لم توجد كبيرة بما يقتضيه التقسيط يؤخذ منه القيمة للضرورة ذكره المسعودي في الافصاح
(والجديد) أنه لا يشترط كونها كبيرة بل يجوز أخذ الصغيرة من الصغار كما يجوز أخذ المريضة من
المراض وعلى هذا فتؤخذ مطلقا أم كيف الحال قطع الجمهور بأخذ الصغيرة من الصغار في الغنم
وذكروا في البقر والإبل ثلاثة أوجه (أحدها) وبه قال أبو العباس وأبو إسحاق انه لا يؤخذ منها
الصغار لأنا لو أحذنا لسوينا بين ثلاثين من البقر وأربعين في أخذ عجل وبين خمس وعشرين
من الإبل واحدى وستين وما بينهما من النصابين في اخذ فصيل ولا سبيل إلى التسوية بين القليل
والكثير بخلاف ما في الغنم فان الاعتبار فيها بالعدد فلا يؤدى أخذ الصغار إلى التسوية وعلى هذا
380

فتؤخذ كبيرة بالقسط على ما سبق في نظائره ولا يكلف كبيرة تؤخذ من الكبار (والوجه الثاني)
انه لا يؤخذ الفصيل من إحدى وستين فما دونها لان الواجب فيها واحد واختلافه بالسن فلو أخذنا
فصيلا لسوينا بين القليل والكثير أما إذا جاوز ذلك فالاعتبار بالعدد فأشبه الغنم وكذلك البقر
(والثالث) انه يؤخذ الصغار منهما مطلقا اعتبارا بجنس المال كما يؤخذ من الغنم لكن يجتهد الساعي
ويحترز عن التسوية فيأخذ من ست وثلاثين فصيلا فوق الفصيل المأخوذ من خمس وعشرين ومن
381

ست وأربعين فصيلا فوق المأخوذ من ست وثلاثين وعلى هذا القياس والله أعلم * ولنبين ما في الكتاب
من هذه الاختلافات والأظهر منها (قوله) أخذنا الصغيرة هو الوجه الأخير المجوز لاخذ الصغار
382

من الغنم وغير الغنم وايراد يشعر بترجيحه ذكر صاحب التهذيب وآخرون أنه الأصح
وليكن قوله أخذنا معلم بالميم والحاء (اما) بالميم (فلان) عنده لا تؤخذ الا الكبيرة (واما) بالحاء (فلان)
عنده لا تؤخذ الصغيرة ولا الكبيرة ولا زكاة في الصغار كمل سبق بيانه (وقوله) وقيل لا يؤخذ هو
المحكي عن القديم الصائر إلى المنع مطلقا وأراد بقوله لأنه في الإبل يؤدى إلى التسوية أنا لو أخذنا
الصغيرة لأخذناها من الإبل أيضا كالمريضة والمعيبة حيث تؤخذ تؤخذ في غير الإبل من جميع النعم ولو أخذنا من
الإبل لزم التسوية بين القليل والكثير فامتنع الاخذ أصلا ورأسا وقوله وقيل يؤخذ في غير الإبل إلى
آخره هو الوجه الثاني من الوجوه التي بيناها على الجديد وزيفه الأئمة من وجهين (أحدهما) أن
التسوية التي تلزم في إحدى وستين فما دونها تلزم في ست وسبعين واحدى وتسعين أيضا فان الواجب
في ست وسبعين بنتا لبون وفي إحدى وتسعين حقتان فإذا أخذنا فصيلين من هذا ومن ذاك
فقد سوينا بينهما لا فرق إلا أن المأخوذ قبل مجاوزة إحدى وستين وحدا وبعد مجاوزتها اثنان فان
وجب الاحتراز عن تلك التسوية فكذلك عن هذه (والثاني) أن هذه التسوية تلزم في البقر بين
383

الثلاثين والأربعين وعبر قوم من الأصحاب عن هذا الوجه بعبارة أخرى تدفع هذين الالتزامين
وهي ان الصغيرة تؤخذ حيث لا يؤدى أخذها إلى التسوية بين القيل والكثير ولا تؤخذ حيث
يؤدى أخذها إلى التسوية وهكذا ذكر المصنف في الوسيط والامام في النهاية (وقوله) ولا يؤخذ فيما
دونه يجوز ان يعلم بالواو لان صاحب التهذيب خص وجه المنع بالست والثلاثين والست والأربعين
فما فوقهما وجوز اخراج فصيل من خمس وعشرين إذ ليس في تجويزه وحده تسوية وفي كلام
الصيدلاني مثل ذلك *
قال (الخامس رداءة النوع فإن كان الكل معزا أخذ المعز وإن اختلف فقولان
(أحدهما) أنه ينظر إلى الأغلب وعند التساوي يراعى الأغبط للمساكين (والثاني) أنه يأخذ من كل
جنس بقسطه) * نوع الجنس الذي يملكه من الماشية ان اتحد أخذ الفرض منها كما إذا كانت إبله أرحبية كلها أخذ الفرض
منها وإن كانت مهرية أخذ الفرض منها وإن كانت غنمه ضأنا أخذ الضأن وإن كانت معزا أخذ
المعز وذكر في التهذيب في ذلك وجهين في أنه هل يجوز أن يؤخذ ثنية من المعز باعتبار القيمة عن أربعين
ضأنا أو جذعة من الضأن عن أربعين معزا (أحدهما) لا كما لا يجوز البقر عن الغنم (وأصحهما) نعم لاتفاق
الجنس كالمهرية مع الأرحبية * وحكي عن القاضي حسن أنه يحتمل ان لا يؤخذ المعز من الضأن
ويؤخذ الضأن من المعز لان المعز دون الضان كما تؤخذ المهرية عن المجيدية ولا تؤخذ المجيدية عن
المهرية وكلام امام الحرمين رحمه الله يقرب من هذا التفصيل فإنه قال الضأن أشرف من المعز فلو ملك أربعين
من الضأن الوسط فاخرج ثنية من المعز الشريفة وهي تساوى جذعة من الضأن الذي يملكه فهذا محتمل
384

والظاهر اجزاؤها وان اختلف نوع الجنس الذي يملكه من الماشية كالمهرية والأرحبية من الإبل والعراب
والجواميس من البقر والضأن والمعز من الغنم فيضم البعض إلى البعض لاتحاد الجنس وفي كيفية أخذ الزكاة
منها قولان مشهوران (أحدهما) انها تؤخذ من الأغلب لان النظر إلى كل نوع مما يشق فيتبع الأقل الأكثر ولو
استوى النوعان أو الأنواع في المقدار فقد قال في النهاية تفريعا على هذا القول انه عند الأئمة بمثابة ما لو اجتمع في
المائتين من الإبل الحقاق وبنات اللبون فظاهر المذهب ان الساعي يأخذ الأغبط للمساكين وهو
المشهور والمذكور في الكتاب ومن قال ثم الخيرة إلى المالك فكذلك يقول ههنا فيجوز ان
يرقم لهذا قوله وعند التساوي يراعي الأغبط بالواو والقول (الثاني) وهو الأظهر انه يؤخذ من كل نوع
بالقسط رعاية للجانبين وليس معناه ان يؤخذ شقص من هذا وشقص من ذاك فإنه لا يجزئ
بالاتفاق ولكن المراد النظر إلى الأصناف باعتبار القيمة على ما سنبينه في الأمثلة وإذا اعتبرت
385

القيمة والتقسيط فمن أي نوع كان المأخوذ جاز هكذا قال الجمهور وقال ابن الصباغ ينبغي أن يكون
المأخوذ من أعلي الأنواع كما لو انقسمت ماشيته إلى صحاح ومراض يأخذ بالحصة من الصحاح ولك
أن تقول ورد النهى عن المريضة والمعيبة فلذلك لا نأخذها ما قدرنا على صحيحة وما نحن فيه بخلافه
وفي المسألة قول ثالث محكى عن الام وهو أنه إذا اختلفت الأنواع يؤخذ الفرض من الوسط كما في
الثمار ولا يجئ هذا القول فيما إذا لم يكن الا نوعين ولا فيما إذا كانت أنواعا متساوية في الجودة والرداءة
وحكى القاضي ابن كج وجها وهو أنه يؤخذ من الأجود أخذا من نصه في اجتماع الحقاق وبنات
اللبون ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب فقولان بالوا ولان القاضي أبا القاسم بن كج حكى عن أبي إسحاق
ان موضع القولين ما إذا لم يحتمل الإبل أخذ واجب كل نوع لو كان وحده منه فان احتمل
أخذ كذلك بلا خلاف مثل ان يملك مائتين من إلا بل مائة مهرية ومائة أرحبية فيؤخذ حقتان
من هذه وحقتان من هذه المشهور طرد الخلاف على ما يقتضيه لفظ الكتاب ونوضح القولين
بمثالين (أحدهما) له خمس وعشرون من الإبل عشرة مهرية وعشرة أرحبية وخمسة مجيدية فعلى
386

القول الأول تؤخذ بنت مخاض أرحبية أو مهرية بقيمة نصف أرحبية ومهرية لان هذين النوعين
أغلب ولا نظر إلى المجيدية وعلى الثاني يؤخذ بنت مخاض من أي الأنواع أعطى بقيمة خمس مهرية
وخمس أرحبية وخمس مجيدية فإذا كانت قيمة بنت مخاض مهرية عشرة وقيمة بنت مخاض مجيدية
ديناران ونصف فيأخذ بنت مخاض من أحد أنواعها قيمتها ستة ونصف وهي خمسا عشرة
وخمسا خمسة وخمس دينارين ونصف وصور بعضهم قيمة المجيدية أكثر وذلك فرض في إبل الشخص على
الخصوص والا فالمجيدية أردأ الأنواع الثلاثة وغرض التمثيل لا يختلف (والثاني) له ثلاثون ماعزة
وعشر من الضأن فعلى القول الأول يؤخذ ثنية من المعز قال في النهاية ويكتفى بماعزة كما يأخذها
لو كانت غنمه كلها معزا وعلى عكسه لو كانت ثلاثون منها ضأنا أخذنا جذعة من الضأن كنا نأخذها
لو تمحضت غنمه ضأنا وعلى القول الثاني يخرج ضأنه أو ما عزه بقيمة ثلاثة أرباع ما عزه وربع ضأنه
في الصورة الأولى وبقيمة ثلاثة أرباع ضأنه وربع ما عزه في الصورة الثانية ولا يجئ قول اعتبار الوسط
ههنا وعلى الوجه الذي رواه ابن كج يؤخذ من الأشرف فلا يخفى قياسها في المثال الأول *
قال (هذا بيان النصاب ولا زكاة فيما دونه الا إذا تم بخلطة نصابا) *
387

(باب صدقة الخلطاء) *
وفيه خمسة فصول
(الأول) في حكم الخلطة وشرطها وحكم الخلطة تنزيل المالين منزلة مال واحد فلو خلط
أربعين بأربعين لغيره ففي الكل شاة واحدة (ح) ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ففي كل واحد
نصف (م ح) شاة) *
النظر في المواضع الخمسة كان معترضا في شرط النصاب فلما فرغ منها عاد إلى القول في النصاب
ولما كانت الزكاة قد تجب على من لا يملك نصابا بسبب الخلطة وجب استثناؤها على اشتراط النصاب
فاستثنى ووصل به باب صدقة الخلطاء وهو من أصول أبواب الزكاة ودرج مقصوده في خمسة
فصول (أولها) في حكم الخلطة وشرطها. أعلم أن الخطة نوعان خلطة اشتراك وخلطة جوار وقد يعبر
388

عن الأولى بخلطة الأعيان والثاني بخلطة الأوصاف والمراد من النوع الأول ان لا يتميز نصيب
أحد الرجلين أو الرجل عن نصيب غيره كماشية ورثها اثنان أو قوم أو ابتاعوها معا فهي شائعة
بينهم ومن النوع الثاني أن يكون مال كل واحد معينا متميزا عن مال غيره ولكن تجاورا تجاور
المال الواحد على ما سنصفه ولكلتى الخطتين اثر في الزكاة ويجعلان مال الشخصين أو الأشخاص
389

منزلة مال الشخص الواحد في الزكاة ثم تكثر الزكاة كما لو كان جملة المال أربعين من الغنم يجب
فيها شاة ولو انفرد كل بنصيبه لما وجب شئ وقد تقل كما لو كان بينهما ثمانون مختلطة يجب
فيها شاة ولو انفرد كل واحد بأربعين لوجب على هذا شاة وعلى هذا شاة وحكى الحناطي وجها
390

غريبا ان خلطة الجوار لا اثر لها وإنما تؤثر خلطة لشيوع وعند أبي حنيفة رحمه الله لا حكم للخلطة أصلا
وكل واحد يزكي زكاة الانفراد إذا بلغ نصبه نصابا وعند مالك لا حكم للخلطة الا
إذا كان نصيب كل واحد منهما نصابا فلذلك اعلم قوله في الكتاب الا إذا تم بخلطة نصابا بالحاء والميم
وكذلك قوله في كل واحد نصف شاة وقوله في الكل شاة واحدة بالحاء وحده ومذهب احمد
رحمه الله كمذهبنا والدليل عليه ما روى في حديث انس وابن عمر رضي الله عنهم ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال (ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من
خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) (1) قال العلماء هذا نهى للساعي والملاك عن الجمع والتفريق
اللذين يقصد بهما الساعي تكثير الصدقة والملاك تقليلها فجمع الساعي أن يكون لزيد عشرون من الغنم
ولعمرو عشرون وهي متفرقة متميزة فأراد الساعي الجمع بينهما ليأخذ مها شاة وتفريقه أن يكون
بينهما ثمانون مختلطة فأراد أن يفرق ليأخذ شاتين (وأما) جمع الملاك مثل أن يكون لزيد أربعون من الغنم
ولعمرو أربعون متفرقة فأراد الجمع لئلا يأخذ الساعي منها الا واحدة وتفريقهم مثل أن يكون لهما أربعون
مختلطة فأراد التفريق لئلا يأخذ منهما شيئا ولولا أن الخلطة مؤثرة لما كان لهذا الجمع والتفريق معني
391

قال (وشرط الخلطة اتحاد المسرح والمرعى والمراح والمشرع وكون الخليط اهلا للزكاة لا كالذمي والمكاتب
وفي اشتراك الراعي والفحل والمحلب ووجود الاختلاط في أول السنة وجريان الاختلاط بالقصد
واتفاق أوائل الأحوال خلاف) *
نوعا الخلطة يشتركان في اعتبار شروط وتختص خلطة المجاورة بشروط زائدة فمن
الشروط المشتركة أن يكون المجموع نصابا وفى لفظ الكتاب ما يدل على اعتباره حيث
قال الا إذا تم بخلطه نصابا فلو مالك زيد عشرين شاة وعمرو مثلها فخلطا تسع عشرة بتسع عشرة وتركا
شاتين منفردتين فلا أثر لخلطتهما ولا زكاة أصلا (ومنها) أن يكون الخليطان من أهل وجوب الزكاة
فلو كان أحدهما ذميا أو مكاتبا فلا أثر للخلطة بل إن كان نصيب الحر المسلم نصابا زكى زكاة الانفراد
392

ولا فلا شئ عليه لان من ليس أهلا لوجوب الزكاة عليه لا يجوز ان يصير ماله سببا لتغيير زكاة المسلم
(ومنها) دوام الخلطة في جميع السنة على ما سيأتي شرحه (وأما) الشروط التي تختص خلطة الجوار باعتبارها (فمنها)
اتحاد المرعي والمسرح والمراح والمشرع هذا لفظ الكتاب والمراد من اتحاد المشرع ان تسقى غنمهما
من ماء واحد من نهر أو عين أو بئر أو حوض أو مياه متعددة ولا تخص غنم أحدهما بالسقي من موضع
وغنم الآخر بالسقي من غيره والمراد بالمراح مأواها ليلا فلو كان يختص غنم أحدهما بمراح وغنم
الآخر بمراح آخر لم تثبت الخلطة وإن كانا يخلطانها نهارا (واما) المرعى والمسرح (فلفظ) الكتاب
يقتضي تغايرهما وكلام كثير من الأئمة يوافقه ومنهم من يقتصر على ذكر المسرح ويفسره بالمرعى
ولفظ المختصر قريب منه وليس في الحقيقة اختلاف لكن الماشية إذا سرحت عن أماكنها تجئ
قطعة قطعة وتقف في موضع فإذا اجتمعت امتدت إلى المرعى وكان بعضهم أطلق اسم المسرح
على ذلك الموضع وعلى المرتع نفسه لان الإبل مسرحة إليها ومنهم من خص اسم المسرح بذلك الموضع
393

وإنما شرط اتحاد المالين في هذه الأمور ليجتمع اجتماع ملك المالك الواحد على الاعتياد وقد روى
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا يجمع بين
متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة والخليطان ما إذا اجتمعا في الحوض والفحل والراعي) (1)
فنص على اعتبار الاجتماع في الحوض والرعي من الأمور الأربعة وقيس عليها الباقي ومنها اشتراك
المالين في الراعي حكي المصنف وشيخه وجهين (أظهرهما) أنه يشترط كالاشتراك في المراح والمسرح
وأيضا فقد روى في بعض الروايات عن سعد بدل الرعي الراعي (والثاني) أنه ليس بشرط لان الافتراق
فيه لا يرجع إلى نفس المال فلا يضر بعد الاجتماع في المراح وسائر ما ذكرنا ولا شك في أنه لا بأس
بتعدد الرعاة والخلاف في أنه هل يشترط أن لا تختص غنم أحدهما براع أم لا ويجوز أن يعلم قوله
في الكتاب في اشتراك الراعي بالواو لان كثيرا من الأصحاب نفوا الخلاف في اشتراطه (ومنها)
الاشتراك في الفحل فيه وجهان كما في الراعي (أحدهما) أنه لا يعتبر ولا يقدح في الخلطة اختصاص كل
واحد منهما بانزاء فحل على ماشيته وهذا أصح عند المسعودي لكن يشترط كون الانزاء على
394

موضع واحد على ما سنذكره في الخلاف (وأظهرهما) ولم يذكر الجمهور سواه انه يعتبر لما ذكرنا في
خبر سعد وعلى هذا فالمراد أن تكون الفحولة مرسلة بين ماشيتهما ولا يخص واحد منهما ماشيته
بفحل سواء كانت الفحولة مشتركة بينهما أو مملوكة لا حدهما أو مستعارة وحكي الشيخ أبو محمد وغيره
395

وجها آخر انه يجب أن تكون مشتركة بينهما وضعفوه ولك أن تعلم لفظ الفحل بالواو لمثل ما ذكرنا
في الراعي (ومنها) حكى في الكتاب في الاشتراك في المحلب خلافا وشرحه أن المزني روى في المختصر
في شرائط الخلطة أنه يعتبر أن يحلبا معا وحكي مثله عن حرملة ورواية الزعفراني وليس له ذكر في
الام فاختلفوا منهم من أثبت قولين (أحدهما) اعتباره كما في السقي والرعي (والثاني) المنع فإنه ارتفاق
وانتفاع فلا يعتبر الاجتماع فيه كما في الركوب ومنهم من قطع بنفي الاعتبار حكى الطريقتين القاضي
ابن كج والظاهر الذي أورده الأكثرون وفرعوا عليه إنما هو الاعتبار ثم ههنا أشياء موضع يحلب
فيه واناء يتقاطر فيه اللبن وهو المحلب وشخص يحلب ففيما ذا يعتبر الاشتراك أما الموضع فلابد
396

من الاشتراك فيه كالمراح والمرعي فلو حلب هذا ماشيته في أهله وذاك ماشيته في أهله لم يثبت حكم
الخلطة وأما الحالب ففيه وجهان (أحدهما) أنه يعتبر الاشتراك فيه أيضا على معني أنه لا يجوز أن ينفرد
أحدهما بحالب يمنع عن حلب ماشية لآخر وهذا ما ذكره الصيدلاني (وأظهرهما) وبه قال أبو إسحاق
لا يعتبر ذلك كما في الجاز وفي الاشتراك في المحلب وجهان أيضا (أظهرهما) لا يعتبر الاشتراك فيه
397

كما لا يعتبر الاشتراك في آلات الجز فان كل واحد منهما نوع انتفاع (والثاني) يعتبر وبه قال أبو إسحاق
ههنا ومعناه أنه لا يجوز أن ينفرد أحدهما بمحلب أو محالب ممنوعة عن الثاني وعلى هذا فهل يشترط
خلط اللبن أو يجوز أن يحلب أحدهما في الاناء ويفرغه ثم يحلب الآخر فيه وجهان (أظهرهما) أنه
398

لا يشترط ذلك فان لبن أحدهما قد يكون أكثر فإذا اختلطت امتنعت القسمة (والثاني) يشترط
ثم يتسامحون في القسمة كما يخلط المسافرون أزوادهم ثم يأكلون وفيهم الزهيد والرغيب ومنهانية الخلطة
وفي اشتراطها وجهان (أحدهما) انها تشترط لأنها تغير امر الزكاة إما بالتكثير وإما بالتقليل ولا ينبغي
أن يكثر من غير قصده ورضاه ولا أن يقل إذا لم يقصد محافظة على حق الفقراء (وأظهرهما) أنها
399

لا تشترط فان الخلطة إنما تؤثر من جهة خفة المؤنة باتحاد المرافق وذلك لا يختلف بالقصد وعدمه
وهذان الوجهان كوجهين يأتيان في قصد الاسامة والعلف ويجريان غالبا فيما لو افترقت الماشية في شئ
مما يعتبر الاجتماع فيه بنفسها أو فرقها الراعي ولم يشعر المالكان إلا بعد طول الزمان هل تنقطع
400

الخلطة أم لا ولو فرقاها أو أحدهما قصدا في شئ من ذلك انقطع حكم الخلطة وإن كان يسيرا
والتفرق اليسير من غير قصد لا يؤثر لكن لو اطلعا عليه فاقراها على تفرقهما ارتفعت الخلطة ومهما
401

ارتفعت الخلطة فعلى من كان نصيبه نصابا زكاة الانفراد إذا تم الحول من يوم الملك لا من يوم ارتفاعها
وأما قوله ووجود الاختلاط في أول السنة وقوله واتفاق أوائل الأحوال فهما المسألتان اللتان يشتمل
402

عليهما الفصل الثالث ونشرحهما إذا انتهينا إليه والخلاف الذي أبهم ذكره في جميع الصور وجهان
إلا في وجود الاختلاط في أول السنة فهو في هذه المسألة قولان ستعرفهما ولك ان تعلم قوله وشرط
403

الخلطة اتحاد المرعى والمسرح إلى آخره بالميم لان ابن الصباغ حكي عن أصحاب مالك اختلافا
في الأمور التي شرطناها في الخلطة فمنهم من شرط اجتماع المالين في أمرين منها ومنهم من اعتبر الرعى
والراعي ومنهم من اعتبر الرعي وامرا آخر أيما كان *
قال (وفي تأثير الخلطة في الثمار الزرع ثلاثة أقوال فعلى الثلث تؤثر خلطة الشيوع دون الجوار
ولا تؤثر خلطة الجوار في مال التجارة وفي الشيوع قولان) *
لا خلاف عندنا في تأثير الخطة في المواشي وهل تؤثر في غير المواشي من الثمار والزروع والنقدين
وأموال التجارة أما خلطة المشاركة ففيها قولان (القديم) وبه قال مالك وكذلك احمد في أصح الروايتين
أنها لا تثبت بخلاف المواشي فان فيها أو قاصا فالخلطة تنفع المالك تارة والمسكين أخرى ولا وقص في
المعشرات فلو أثبتنا الخلطة فيها لتمحضت ضررا في حق المالكين لأنها تضر فيما إذا كان ملك
كل واحد منهما دون النصاب ولا يثبت نفع بإزائه (واحتج له أيضا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم
(والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والرعي) فإنه يقتضى حصر الخليطين في المجتمعين في هذه
الأمور وذلك لا يفرض الا في المواشي (والجديد) أنها تثبت لأنهما كما يرتفقان بالخلطة في المواشي
لخفة المؤنة باتحاد المرافق كذلك يرتفقان في غيرهما باتحاد الجرين والناطور والدكان والحارس
والمتعهد وكراء البيت وغيرها * واحتج له باطلاق قوله صلى الله عليه وسلم ((لا يجمع بين متفرق ولا يفرق
بين مجتمع خشية الصدقة ((واما) خلطة المجاورة فإن لم تثبت خلطة المشاركة فهذه اولي وإن أثبتنا
تلك ففي هذه قولان ومنهم من يقول وجهان وذلك بأن يكون لكل واحد صف نخيل أو زرع
في حائط واحد أو كيس دراهم في صندوق واحدا وأمتعة تجارة في خزانة واحدة (أصحهما)
عند العراقيين وصاحب التهذيب والأكثرين أنها تثبت أيضا كما في المواشي وهذا الحصول حصول الارتفاق
404

باتحاد الناطور والعامل والنهر الذي منه تسقى وباتحاد الحارث ومكان الحفظ وغيرها (والثاني) أنها
لا تثبت لان كل نخلة متميزة بمكانها الذي تشرب منه فأشبه افتراق الماشية في الشرب ونسب القاضي
ابن كج هذا إلى اختيار أبى اسحق والأول إلى اختيار ابن أبي هريرة ولا فرق في جميع ما ذكرنا بين الثمار
أو الزروع وبين النقدين وأموال التجارة على المشهور وعن القفال طريقة أخرى وهي ان الخلاف في الثمار
والزروع في الخلطتين جميعا وفي النقدين وأموال التجارة في خلطة المشاركة وحدها وفي خلطة الجوار
نقطع بأنها لا تثبت فيها وهذه الطريقة هي التي أوردها الشيخان الصيدلاني وأبو محمد وذكرها صاحب
الكتاب فقال ولا تؤثر خلطة الجوار في مال التجارة وفي الشيوع قولان فاعلم قوله ولا تؤثر بالواو
وقوله تؤثر خلطة الشيوع بالميم والألف لما قدمناه واعرف أنا حيث أثبتنا الخلاف وتركنا الترتيب
حصلت ثلاثة أقوال كما ذكر في الكتاب (أحدها) تأثير الخلطتين (والثاني) المنع (والثالث) تأثير
خلطة الشيوع دون الأخرى وفرعوا على الصحيح وهو تأثير الخلطتين فروعا (منها) نخيل موقوفة
على جماعة معينين في حائط واحد أثمرت خمسة أو سق لزمهم الزكاة وساعدنا مالك في هذه الصورة
ويمثله لو وقف أربعين شاة على جماعة معينين هل تحب عليهم الزكاة يبنى ذلك على أن الملك في
405

الوقف هل ينتقل إليهم (إن قلنا) لا فلا زكاة عليهم (وإن قلنا) نعم فوجهان (أصحهما) لا زكاة لنقصان
ملكهم كما في ملك المكاتب (ومنها) لو استأجر أجيرا ليتعهد نخيله على ثمرة نخلة بعينها بعد خروج ثمارها
وقبل بدو الصلاح وشرط القطع لكن لم يتفق القطع حتى بدا الصلاح وكان مبلغ ما في الحائط نصابا وجب
على الأجير نصف عشر ثمرة تلك النخلة وإن قلت *
قال ((الفصل الثاني في التراجع) وللساعي ان يأخذ من عرض المال ما يتفق ثم يرجع المأخوذ منه بقيمة حصة
خليطه فلو خلط أربعين من البقر بثلاثين لغيره لم يجب على الساعي اخذ المسنة من الأربعين والتبيع
من الثلاثين بل يأخذ كيف اتفق فان اخذ كذلك فيرجع باذل المسنة بثلاثة أسباعها على خليطه وباذل
التبيع بأربعة أسباعه على خليطه لان كل واحد من السنين واجب في الجميع على الشيوع كأن
406

المال ملك واحد) *
روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (وما كانا من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما
بالسوية) اخذ الزكاة من مال الخليطين يقتضى رجوع أحدهما على صاحبه دون رجوع الآخر عليه
وقد يقتضى التراجع بينهما وهو الذي تعرض له الخبر وقوله بالسوية حمله الأئمة على الحصة فإذا
ملكا ما دون خمس وعشرين من الإبل بينهما نصفين وأخذ الساعي واجبا من أحدهما رجع
بنصف قيمة المأخوذ على صاحبه ولو كانت بينهما أثلاثا أو أرباعا فالرجوع بالسحاب ثم الرجوع والتراجع
يكثران في خلطة الجوار وإنما رسم الفصل في الكتاب للتراجع في هذه الخلطة وقد يتفقان قليلا
في خلطة المشاركة أيضا على ما سنذكره آخرا وحكي المحاملي فيما يحمل عليه الخبر من الخلطتين قولين
(الجديد) ان مطلق الخلطة ينصرف إلى خلطة المشاركة (والقديم) أنه ينصرف إلى خلطة المجاورة
407

وعليها حمل المعظم الخبر إذا عرفت هذه المقدمة فنتكلم في مقصود الفصل أولا ونقول: إذا اختلط
المالان خلطة جوار بشرائطها ووجبت الزكاة نظر هل يمكن أخذ ما يخص مال كل واحد منهما لو انفرد
من ماله أم لا فن لم يمن فللساعي أن يأخذ الفرض من أيهما شاء فإن لم يجد سن الفرض بصفة
الاجزاء إلا في مال أحدهما أخذه منه (مثاله) بينهما أربعون من الغنم بالسوية لا يمكن التشقيص
فيأخذ شاة من أيهما اتفق ولو وجبت بنت لبون في إبلهما ولم يجدها إلا في مال أحدهما أخذها
منه ولو كانت ماشية أحدهما مراضا أو معيبة أخذ الفرض من الآخر وان أمكن أخذ ما يخص مال كل
واحد منهما لو انفرد منه فوجهان (أحدهما) وبه قال أبو إسحاق يأخذ كل واحد ما يخص ماله ولا يجوز
غير ذلك اغناء لهما عن التراجع (وأصحهما) وبه قال ابن أبي هريرة والمعظم وهو المذكور في الكتاب
ان له ان يأخذ من عرض المال ما يتفق ولا حجر عليه بل وإن أخذ كما ذكر صاحب الوجه الأول
يبقي التراجع بينهما وذلك لان المالين عند الخلطة ينزلان منزلة المال لواحد ألا ترى ان الواجب
يقل تارة ويكثر أخرى كما لو كان الكل لواحد وإذا كان كذلك فكل المأخوذ شائع في جميع
المال وليس شئ منه بعينه عن شئ من المال بعينه والباقي عن الباقي (مثال) هذه الحالة التي فيها
408

الوجهان ان تجب شاتان في الغنم المخلوطة وأمكن أخذ أحداهما من هذا والثانية من ذاك وكذلك
409

لو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لأحدهما وثلاثون للآخر وأمكن أخذ المسنة من الأربعين
410

والتبيع من الثلاثين وكذلك لو كان بينهما مائة وثمانون من الإبل مائة لأحدهما وثمانون للآخر
411

وأمكن أخذ حقتين من الماثة وبني لبون من الثمانين ولا يخفى نظائره إذا تقرر ذلك فلنبين كيفية
412

الرجوع والتراجع عند أخذ لزكاة على الوجه المحوج لي أحدهما على حسب الخلاف الذي حكيناه
413

فنقول: إذا أخذ شاة من أحد الخليطين عن أربعين من الغنم عشرون منها لهذا وعشرون للآخر
414

رجع المأخوذ منه بنصف قيمة الشاة المأخوذة على الآخر ولا يرجع بنصف شاة لان الشاة ليست بمثلية
415

ولو كانت ثلاثون لأحدهما وعشرة للآخر فان أخذ الشاة من صاحب الثلاثين رجع بربعها على الآخر
416

ولا يرجع بنصف شاة وإن أخذها من الآخر ورجع بثلاثة أرباعها على صاحب الثلاثين ولو كان
417

بينهما مائة وخمسون شاة لا حدهما مائة وللآخر خمسون فأخذ الساعي الشاتين الواجبتين فيها من
418

صاحب المائة رجع على الآخر بقيمة ثلث كل شاة ولا نقول بقيمة ثلثي شاة لان قيمة الشاتين تختلف
419

وإن اخذها من صاحب الخمسين رجع على الآخر بقيمة ثلثي شاة ولو اخذ من كل واحد
شاة رجع صاحب المائة على صاحب الخمسين بقيمة ثلث شاته وصاحب الخمسين على صاحب المائة
420

بقيمة ثلثي شاته ولو كان نصف الشياه لهذا ونصفها للآخر فكل واحد منهما يرجع على الآخر
بقيمة نصف شاته فان تساوت القيمتان خرج على أقوال التقاص عند تساوى الدينين قدر أو جنسا
421

ولو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لأحدهما وثلاثون الآخر فالتبيع والمسنة واجبان عليهما على صاحب
422

الأربعين أربعة أسباعهما وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما فلو أخذهما الساعي من صاحب الأربعين رجع
423

بقيمة ثلاثة أسباعهما على الآخر ولو أخذهما من الآخر رجع بقيمة أربعة أسباعهما على صاحب الأربعين ولو أخذ
424

التبيع من صاحب الأربعين والمسنة من صاحب الثلاثين رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع التبيع على
425

الآخر ورجع الآخر عليه بقيمة أربعة أسباع المسنة ولو أخذ المسنة من صاحب الأربعين والتبيع من الآخر
426

رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع المسنة على الآخر ورجع الآخر عليه بقيمة أربعة أسباع
التبيع وهذه الحالة الرابعة المذكورة في الكتاب ولك أن تعلم قوله من عرض المال ما يتفق بالواو
427

وكذا قوله لم يجب على الساعي اخذ المسنة وقوله بل يأخذ كيف اتفق وقوله فيرجع باذل المسنة
428

للوجه المنسوب إلى أبى اسحق فإن كان ذلك مشروط على ذلك الوجه بان لا يمكن اخذ ما يخص
429

كل واحد منهما لو انفرد منه على ما سبق وقوله بثلاثة أسباعهما أي بقيمتها وكذا قوله بأربعة أسباعه
430

ولو ظلم الساعي فأخذ من أحد الخليطين والواجب شاة حبلي ربى أو ما خضا رجع المأخوذ
431

منه على الآخر بنصف قيمة الواجب لا قيمة المأخوذ في الساعي ظلمه بالزيادة والمظلوم يرجع على
432

الظالم دون غيره فإن كان المأخوذ باقيا في يد الساعي استرده وإلا استرد الفضل والفرض ساقط
ولو أخذ القيمة في الزكاة أو اخذ من السخال كبيرة فهل يرجع على خليطه فيه وجهان (أحدهما) وبه
433

قال أبو إسحاق في أخذ القيمة أنه لا يرجع (وأصحهما) وبه قال ابن أبي هريرة يرجع لأنهما من مسائل
434

الاجتهاد فالقيمة مأخوذة عند أبي حنيفة ومالك والواجب في السخال كبيرة عند مالك ومنهم من
خص الوجهين بمسألة القيمة وقطع في اخذ الكبيرة بالرجوع هذا تمام ما نذكره من خلطة الجوار (اما)
خلطة الشيوع فإن كان الواجب من جنس المال واخذه الساعي منه فلا يراجع فان المأخوذ مشاع بينهما
435

وإن كان الواجب من غير جنس المال كالشاة فيما دون خمس وعشرين من الإبل فإذا أخذ الساعي
شاة من أحد الخليطين عن خمس من الإبل بينهما رجع المأخوذ منه على الآخر بنصف قيمتها ولو كان
436

بينهما عشر فاخذ من كل واحد منهما شاة ثبت التراجع فان تساوت القيمتان خرج على أقوال
437

التقاص ومتي ثبت الرجوع وتنازعا في قيمة المأخوذ قول المأخوذ منه لأنه غارم *
قال ((الفصل الثالث في اجتماع الخلطة والانفراد في حول واحد فإذا ملك رجلان كل واحد أربعين غرة
المحرم وخلطا غرة صفر فعلى الجديد يجب على كل واحد في آخر الحول الأول شاة وفيما بعده من
438

الأحوال نصف شاة تغليبا للانفراد وعلى القديم يجب ابدا نصف شاة فان ملك غرة صفر
وخلطا غرة ربيع الأول فالقولان جاريان وخرج ابن سريج قولا أن الخلطة لا تثبت أبدا لتقاطع
439

أواخر الأحوال) *
اجتماع الخلطة والانفراد في حول واحد إما أن يكون بطرو الخلطة على الانفراد أو بطرو
440

الانفراد على الخلطة وهذا الفصل الثالث مرسوم للقسم الأول فنبينه وتقول لا خلاف في أنه لو لم
تكن لهما حالة انفراد بان ورثا ماشية أو ابتاعاها دفعة واحدة شائعة أو غير شائعة لكن مخلوطة وأداما
الخلطة أنهما يزكيان زكاة الخلطة وكذا لو كان ملك كل واحد منهما دون النصاب وبلغ بالخلطة
441

نصابا زكاة زكاة الخلطة لان الحول لم ينعقد على ما ملكاه عند الانفراد فاما إذا انعقد الحول على
الانفراد ثم طرأت الخلطة فلا يخلو إما يتفق ذلك في حق الخليطين جميعا أو في حق أحدهما (الحالة
442

الأولى) أن ينعقد الحلول على الانفراد في حقهما جميعا ثم تطرأ الخلطة فاما أن يفق حولاهما أو يختلف
فان أنفق كما لو ملك كل واحد أربعين شاة غرة المحرم ثم خلطا غرة صفر ففيه قولان (الجديد) وبه
443

قال احمد ان حكم الخلطة لا يثبت في السنة الأولى لان الأصل الانفراد والخلط عارض فيغلب
حكم الحول المنعقد على الانفراد فعلى هذا إذا جاء المحرم وجب على كل واحد منهما شاة (والقديم)
444

وبه قال مالك أنه يثبت حكم الخلطة نظرا إلى آخر الحول والعبرة في قدر الزكاة بآخر الحول
ألا ترى أنه لو ملك مائة وإحدى وعشرين شاة فتلف منها شاة أو شاتان في آخر الحول لا يجب عليه
445

إلا شاة فعلى هذا إذا جاء المحرم فعلى كل واد منهما نصف شاة وعلى القولين جميعا في الحول
الثاني وما بعده يزكيان زكاة الخلطة لوجودها في جميع السنة (فإذا قلنا) بالجديد فوجود الخلطة في جميع
446

السنة شرط في ثبوت حكم الخلطة فلذلك أدرج حجة الاسلام قدس الله روحه هذه المسألة في جملة
الشرائط التي حكى الخلاف فيها على ما سبق وإن اختلف حولاهما كما لو ملك هذا غرة المحرم وهذا غرة
447

صفر وخلطا غرة شهر ربيع الأول فينبني على القولين عند اتفاق الحول (فعلى الجديد) إذا جاء المحرم فعلى الأول
شاة وإذا جاء صفر فعلى الثاني شاة (وعلى القديم) إذا جاء المحرم فعلى الأول نصف شاة وإذا جاء صفر فعلى
الثاني نصف شاة ثم في سائر الأحوال يتفق القولان على ثبوت حكم الخلطة فيكون على الأول عند غرة كل محرم
448

نصف شاة وعلى الثاني عند غرة كل صفر نصف شاة وذهب بعض الأصحاب إلى أن حكم الخلطة لا يثبت في
سائر الأحوال أيضا ويزكيان أبدا زكاة الانفراد واتفق حملة المذهب على ضعف هذا الوجه وقالوا بان الخلطة
449

* في سائر الأحوال حاصلة في جميع الحول فيثبت حكمها كما لو اتفق الحول ولا شك في بعد هذا الوجه
لو سلم صاحبه ثبوت القول القديم في الحول الأول وامتنع من طرده في سائر الأحوال لكنه لو طرد
450

القولين في سئر الأحوال وكان ما ذكر من عدم ثبوت الخلطة تفريعا على الجديد لم يكن بعيدا ويجوز
أن يوجه بن حول الثاني غير تام عند تمام حول الأول وحكم الانفراد مستمر عليه فيلزم انعقاد
الحول الثاني للأول على حكم الانفراد وإذا انعقد الحول على الانفراد يستمر حكمه كما في الحول الأول ثم إذا تم
حول الثاني فلصاحبه حكم الانفراد فينعقد حوله الثاني على الانفراد أيضا وهكذا ابدا وسواء
قوى هذا أو ضعف فمن صار إليه جعل اتفاق أوائل الأحوال من شرائط ثبوت الخلطة ولذلك
451

ادرج حجة الاسلام هذه المسألة في الشرائط المختلف فيها ونسب المعظم هذا الوجه إلى تخريج ابن
سريج وعلى ذلك جرى في الكتاب فقال وخرج ابن سريج أن الخلطة لا تثبت أبدا ولم يصحح
ذلك على ابن سريح المحاملي وذكر ان أبا إسحاق حكى في الشرح عن ابن سريج مثل هذا المذهب
وأضاف الوجه المذكور إلى غيره من الأصحاب فإن كان المراد أنه غير ثابت عنه فيجوز أن
452

يعلم قوله وخرج ابن سريج بالواو ويجوز أن يقال خرجه ولم يذهب إليه جمعا بين الروايتين ويجوز
اعلام قوله لا تثبت بدا بالميم والألف لان عند هما تثبت الخلطة في سائر الأحوال وإنما يختلفان
في الحول الأول اختلاف القديم والجديد ولا يخفى موضع رقمهما في الصورة الأولى (والحالة الثانية)
أن ينعقد الحول على الانفراد في حق أحدهما دون الآخر كما لو ملك أحدهما أربعين غرة المحرم
وملك الثاني أربعين غرة صفر وكما ملك خلطا أو خلط الأول أربعينه غرة صفر بأربعين لغيره ثم باع
الثاني أربعينه من ثالث فان الأول يثبت له حكم الانفراد شهرا والثاني لم يثبت له حكم الانفراد أصلا فيبنى
الحكم ههنا على الحكم في الحالة الأولى فإذا جاء المحرم فعلى الأول شاة في القديم ونصف شاة في الجديد
453

شاة في القديم (وأما) الثاني فإذا جاء صفر فعليه نصف شاة في القديم وفي الجديد وجهان (أحدهما)
شاة لان الأول لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بخلطة الأول أيضا (وأظهرهما) نصف شاة لأنه كان
خليطا في جميع الحول واما في سائر الأحوال فيثبت حكم الخلطة على الظاهر وعلى الوجه المنسوب إلى ابن
سريج لا يثبت وفرعوا على هذه الاختلافات صورا (منها) لو ملك الرجل أربعين غرة المحرم ثم
أربعين غرة صفر فإذا جاء المحرم فعلى الجديد يلزمه للأربعين الأولى شاة وإذا جاء صفر يلزمه للأربعين
الثانية نصف شاة أو شاة فيه وجهان (أصحهما) أولها (وعلى القديم) إذا جاء المحرم لزمه
للأربعين الأولى نصف شاة لأنه كان خليطا لملكه في آخر الحول فإذا جاء صفر لزمه للأربعين الثانية
نصف شاة في سائر الأحوال يتفق القولان وعلى الوجه المنسوب إلى ابن سريج يجب في الأربعين
454

الأولى شاة عند تمام حولها وفي الثانية شاة عند تمام حولها وهكذا ابدا ما لم ينقص النصاب وكما يمتنع
حكم الخلطة في ملك الشخصين عند اختلاف التاريخ كذلك يمتنع في ملكي الواحد (ومنها) لو ملك
الرجل أربعين غرة المحرم ثم أربعين غرة صفر ثم أربعين غرة شهر ربيع الأول (فعلى القديم) يجب في كل أربعين
عند تمام حولها ثلث شاة (وعلى الجديد) يجب في الأولى عند تمام حولها شاة وفيما يجب في الثانية عند
455

تمام حولها وجهان (أحدهما) شاة لان الأربعين الأولى لم يلحقها تخفيف بالثانية فلا يلحق الثانية
تخفيف بها (وأصحهما) نصف شاة لأنها كانت خليطة أربعين في جميع حولها وفي الأربعين الثالثة
456

عند تمام حولها وجهان أيضا (أصحهما) ثلث شاة لكونها خليطة ثمانين (والثاني) شاة وفي سائر
الأحوال يتفق القولان وعلى الوجه المنسوب إلى ابن سريج يجب في كل أربعين عند رأس حولها
شاة ابدا (ومنها) لو ملك رجل أربعين غرة المحرم وملك آخر عشرين غرة صفر وكما ملك خلطا فإذا
457

جاء المحرم وجب على الأول شاة في الجديد وثلثا شاة في القديم تغليبا للخلطة وإذا جاء صفر وجب
على الثاني ثلث شاة على القولين جميعا لأنه كان مخالطا في جميع حوله وعلى الوجه المنسوب إلى
بن سريج يجب على صاحب الأربعين شاة أبدا ولا شئ على صاحب العشرين ولا تثبت الخلطة لاختلاف
التاريخ (واعلم) أن الاختلاط مع من لا زكاة عليه كالانفراد حتى لو كان بين مسلم وذمي ثمانون شاة ملكاها
458

أول المحرم ثم أسلم الذمي غرة صفر كان المسلم بمثابة ما إذا انفرد بماله شهرا ثم طرأت الخلطة وجميع ما
ذكرنا في
الحالتين مفروض فيما إذا طرأت خلطة الجوار أما إذا طرأت خلطة الشيوع كما إذا ملك أربعين
شاة وأقامت في يده ستة أشهر ثم باع نصفها مشاعا فهل ينقطع حول البائع في الباقي جعله ابن خيران
على قولين مبنيين على القولين فيما إذا انعقد حولهما على الانفراد ثم خلطا إن قلنا يزكيان زكاة
459

الخلطة ينقطع الحول ههنا وإن قلنا يزكيان ثم زكاة الانفراد ولا يبني حول الخلطة على حول الانفراد إذا نقطع
الحول لنقصان النصاب والذي قطع به الجمهور ورواه المزني والربيع عن نصه أن الحول لا ينقطع
لاستمرار النصاب اما بصفة الانفراد أو بصفة الاشتراك فعلى هذا إذا مضت ستة أشهر من يوم الشراء
460

فعلى البائع نصف شاة لتمام حوله وأما المشترى فينظر إن أخرج البائع واجبه وهو نصف شاة
من المال المشترك فلا شئ عليه لنقصان المجموع عن النصاب قبل تمام حوله وإن أخرج من غيره فيبنى
على أن الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة (إن قلنا) تعلق بالذمة فعليه أيضا نصف شاة تمام حوله
461

(وإن قلنا) تتعلق بالعين ففي انقطاع حول المشترى قولان (أصحهما) عند العراقيين الانقطاع ومأخذ
القولين أن اخراج الواجب من موضع آخر يمنع زوال الملك عن قدر الزكاة أو يفيد عوده بعد الزوال
ولو ملك ثمانين شاة فباع نصفها مشاعا في أثناء الحول لم ينطقع حول البائع عن النصف الباقي قطعا وفيما يجب
462

عليه عند تمام حوله وجهان (أحدهما) شاة لأنه كان منفردا بنصاب في بعض الحول فغلب حكم الانفراد
(وأصحهما) عند صاحب التهذيب نصف شاة لان الحول انعقد على ثمانين والنصف الذي بقي آخرا كان
مختلطا بأربعين في جميع الحول ولو ملك أربعين وباع نصفها معينا نظر ان ميزها قبل البيع أو بعده وأقبضها
463

فقد زالت الخلطة ان كثر زمان التفريق فإذا خلطا يستأنف الحول وإن كان زمان التفريق يسيرا ففي
انقطاع الحول وجهان (أوفقهما) لكلام الأكثرين الانقطاع ولو لم يميز لكن أقبض البائع المشترى جميع
الأربعين لتصير العشرون مقبوضة فالحكم كما لو باع النصف مشاعا فلا ينقطع حول الباقي على الصحيح
وفيه وجه أنه ينقطع الانفراد بالبيع والطارئ في صورة بيع النصف على التعيين خلطة الجواز وان أوردناه
464

في هذا الموضع ولو أن رجلين لهذا أربعون ولهذا أربعون فباع أحدهما جميعها بجميع ما لصاحبه
في خلال الحول انقطع حولاهما واستأنفا من يوم المبايعة ولو باع أحدهما النصف الشائع من أغنامه
بالنصف الشائع من أغنام صاحبه والأربعينان متميزان فحكم الحول فيما بقي لكل واحد منهما
من أربعينة كالحكم فيما إذا كان للرجل أربعون فباع نصفها شائعا والصحيح أنه لا ينقطع فإذا تم حول
ما بقي لكل واحد منهما فهذا مال ثبت له الانفراد أولا والخلطة في آخر الحول ففيه القولان
السابقان (القديم) أنه يجب على كل واحد ربع شاة لأنه خليط ثمانية حال الوجوب وحصة العشرين
ربع (والجديد) أنه يجب على كل واحد منهما نصف شاة لأنه كان منفردا بأربعينه وحصة العشرين
465

منها النصف وإذا مضي حول من وقت التبايع فعلى كل واحد منهما للقدر الذي ابتاعه ربع شاة
على القديم وفى الجديد وجهان (أصحهما) ربع شاة أيضا لأنه كان مختلطا من حين ملك إلى آخر الحول
(والثاني) نصف شاة لأنه لما لم يرتفق الباقي لكل واحد منهما بالحادث لم يرتفق الحادث بالباقي
أيضا (القسم الثاني) أن يطرأ الانفراد على الخلطة فيزكى من بلغ ماله نصابا زكاة الانفراد من وقت
الملك كما سبق ولو كان بينهما أربعون مختلطة فخالطهما رجل بعشرين في أثناء حولهما ثم ميز أحد
الأولين ماله قبل تمام الحول فلا شئ عليه عند تمامه ويجب على الآخر نصف شاة وكذا على الثالث
عند تمام حوله نصف والوجه المنسوب إلى ابن سريج ينازع فيه ولو كان بينهما ثمانون مشتركة فاقتسما
466

بعد ستة أشهر فان قلنا القسمة إفراز فعلى كل واحد عند تمام الحول شاة كما لو ميزا في خلطة الجوار
وان قلنا بيع فيجب على واحد عند تمام باقي نصف شاة ثم إذا مضي حول من وقت
القسمة فعلى كل واحد منهما نصف شاة لما تجدد ملكه عليه وهكذا في كل ستة أشهر كما لو كان
بينهما أربعون شاة فاشترى أحدهما نصف الآخر بعد مضي ستة أشهر يجب عليه عند مضي كل
ستة أشهر نصف شاة والله تعالى أعلم *
قال (الفصل الرابع في اجتماع المختلط والمنفرد في ملك واحد فلو خلط عشرين بعشرين لغيره وهو يملك
أربعين ببلده أخرى فقولان (أحدهما) ان الخلطة خلطة ملك فكأنه خلط الستين بالعشرين (والثاني)
467

أنه خلطة عين فلا يتعدى حكمها إلى غير المخلوط فان قلنا بخلطة العين فعلى صاحب العشرين
نصف شاة وان قلنا بخلطة الملك فعليه ربع شاة وكأنه خلط الستين وأما صاحب الستين فقد قيل
يلزمه شاة تغليبا للانفراد وقيل ثلاثة أرباع شاة تغليبا للخطة وقيل خمسة أسداس ونصف سدس
جمعا بين الاعتبارين فيقدر في الأربعين كأنه منفرد بجميع الستين فيخص الأربعين ثلثا شاة ويقدر
في العشرين كأنه مخالط بالجميع فيخص العشرين ربع شاة والمجموع ما ذكرناه ولو خلط عشرين بعشرين
لغيره ولكل واحد أربعون ينفرد بها فالأوجه الثلاثة جارية في حق كل واحد) *
468

هذا الفصل والذي بعده ذو اغور لالتفاف ما فيهما من الاختلافات فتشمر للفهم * واعلم أنه
إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة وماشية منفردة من جنسها كما لو خلط عشرين شاة بعشرين
لغيره خلطة جوار أو خلطة شركة وله أربعون منفرد بها فكيف يؤديان الزكاة فيه قولان أصلهما
أن الخلطة خلطة ملك أو خلطة عين وفيه قولان (أصحهما) وعليه فرع المختصر وهو اختيار ابن سريج
وأبي إسحاق والأكثرين أن الخلطة خلطة ملك أي كل ما في ملكه يثبت فيه حكم الخلطة ووجهه ان الخلطة
469

تجعل مال الاثنين كمال الواحد
ومال الواحد يضم بعضه إلى بعض وإن كان في مواضع متفرقة فعلى هذا في
الصورة المذكور يجعل كأن صاحب الستين خلط جميع ستينه بعشرين لصاحبه فيلزمهما شاة ثلاثة
أرباعها على صاحب الستين وربعها على صاحب العشرين (والثاني) أن الخلطة خلطة عين أي يقتصر
حكمها على قدر المخلوط ووجهه ان علة ثبوت الخلطة خفة المؤنة في المرافق لاجتماع الماشية في المكان
الواحد وهذا المعني لا يوجد إلا في القدر المختلط واستفيد هذا القول من نصه في رواية الربيع أن
الرجل إذا كان له ثمانون من الغنم ببلدين أربعون بكل واحد منهما فباع نصف أحدهما
شائعا من رجل فإذا تم حول البائع فعليه شاة وإذا تم حول المشترى فعليه نصف شاة قال أبو بكر
470

الفارسي: ولولا أنه لم يحكم بالخلطة إلا في القدر المختلط لكان على صاحب الستين ثلاثة أرباع
شاة وعلى صاحب العشرين ربعها عند تمام حولها وهكذا يكون الجواب إذا فرعنا على أن
الخلطة خلطة ملك وإذا قلنا بالقول الثاني ففي الصورة المذكورة أولا يجب على صاحب العشرين نصف
شاة بلا خلاف لان جميع ماله خليط عشرين وفي أربعين شاة فحصة العشرين نصفها * وما الذي يجب
على صاحب الستين فيه خمسة أوجه ذكر الثلاثة الأولى منها في الكتاب (أصحها) وهو اختيار الأودني
والقفال أنه يلزمه شاة لأنه اجتمع في ماله الاختلاط والانفراد فيغلب حكم الانفراد كما لو انفرد بالمال في بعض
الحول ثم خلط وإذا غلبنا حكم الانفراد صار كأنه منفرد بجميع الستين وفيها شاة وهذا الوجه هو
471

الذي نص عليه في المسألة التي حكيناها عن رواية الربيع (والثاني) ذكره ابن أبي هريرة وأبو علي
الطبري فيما حكاه صاحب الشامل أنه يلزمه ثلاثة أرباع شاة لان جميع ماله ستون وبعضه مختلط
حقيقة فلا بد من أثبت حكم الخلطة فيه وإذا أثبتنا حكم الخلطة فيه وجب اثباته في الباقي لان ملك
الواحد لا يتبعض حكمه فيجعل كأنه خلط جميع الستين بالعشرين وواجبها شاة حصة الستين
منها ثلاثة أرباع وهذا معنى قوله في الكتاب تغليبا للخلطة وهذا الوجه يشبه القول القديم في تغليب
الخلطة إذا انفرد في بعض الحول ثم خلط وهو والأول متفقان على أنه لا يمكن ان يحكم لمالي صاحب
الستين بحكمين مختلفين الخلطة والانفراد ثم صاحب الوجه الأول يقول تغليب الانفراد اولي
472

وصاحب الثاني يقول الخلطة أولي وأما أصحاب الوجوه الآتية فيجوزون الحكم في مالي المالك الواحد
بحكمين مختلفين ويحتجون عليه بما لو مالك زرعين سقي أحدهما بالنضح وسقي الثاني بماء السماء
فإنه يجب في هذا العشر وفي ذاك نصف الشعر ويضم البعض إلى البعض في استكمال النصاب
(والوجه الثالث) وهو اختيار أبي زيد والخضري أن عليه خمسة أسداس شاة ونصف سدس
جمعا بين اعتبار الخلطة والانفراد وذلك لان جميع ماله ستون بعضه مختلط وبعضه منفرد ولابد
من ضم أحدهما إلى الآخر وإن حكمنا لهما بحكمين مختلفين فنوجب في الأربعين المنفردة حصتها
من الواجب لو انفرد بالكل وذلك شاة حصة الأربعين منها ثلثا شاة ونوجب في العشرين
المختلطة حصتها من الواجب لو خلط الكل وهي ربع شاة لان الكل ثمانون وواجب
ثمانين شاة فحصة عشرين منها ربع والثلثان والربع خمسة أسداس ونصف سدس (والوجه الرابع)
ويحكى عن ابن سريج واختيار صاحب التقريب ان عليه شاة وسدس شاة من ذلك نصف شاة في العشرين
المختلطة كما أنها واجب خليطه في عشرينه المختلطة فلا يتعدى حكم الخلطة عن الأربعين وثلثا شاة في الأربعين
المنفردة فإنه حصة الأربعين لو انفرد بجميع ماله (والوجه الخامس) أن عليه شاة ونصف شاة في الأربعين
المنفردة ونصف شاة في العشرين المختلطة كما لو كان المالان لمالكين وهذا أضعف الوجوه لان فيه افراد
ملك الواحد بعضه عن بعض مع اتحاد الجنس وإيجاب شاة ونصف شاة في الستين ولو خلط عشرين
بعشرين لغيره ولكل واحد منهما أربعون منفرد بها فقد اجتمع في ملك كل واحد منهما المختلط
والمنفرد ففيما يجب عليهما القولان إن قلنا الخلطة خلطة ملك فعليهما شاة على كل واحد نصفها لان
جميع المال مائة وعشرون وفيها شاة وإن قلنا الخلطة خلطة عين ففيما على كل واحد منهما الأوجه
الخمسة لكن قد يختلف المقدار في بعض الوجوه (أصحها) أن على كل واحد منهما شاة تغليبا
473

للانفراد (وثانيها) أن على كل واحد ثلاثة أرباع شاة لان كل واحد منهما يملك ستين منها ما هو
خليط عشرين فيغلب حكم الخلطة في الكل فيكون لكل ثمانون حصة ستين منها ثلاثة أرباع
هكذا ذكر في التهذيب ولفظ الكتاب يوافقه حيث قال فالأوجه الثلاثة جارية في حق كل واحد
لكن الشيخ أبا على وإمام الحرمين قالا إذا غلبنا حكم الخلطة يجب على كل واحد منهما في هذه
الصورة نصف شاة بخلاف الصورة الأولى وجب فيها على صاحب الستين ثلاثة أرباع لان ثم
إذا قدرنا الاختلاط في جميع المالين يكون المبلغ ثمانين والستون ثلاثة أرباعها وههنا إذا غلبنا الخلطة
وأثبتناها في الكل يكون المبلغ مائة وعشرين فواجبها شاة حصة كل واحد نصفها ولمن قال بالأول
أن يقول إنما ثبت حكم المختلط في المنفرد برابطة اتحاد المالك وذلك يقتضى أن يدخل في الحساب
على كل واحد منهما ما ينفد به كل واحد واحد ثم على ما ذكره الشيخ يكون الواجب عليهما
جميعا شاة واحدة وجملة المال مائة وعشرون والواجب عليهما في الصورة الأولى شاة وربع مع أن
جملة المال ثمانون فكيف يزداد المال وينقص الواجب مع وجود الخلطة في الحالتين (وثالثها) أن على
كل واحد منهما خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعا بين اعتبار الخلطة والانفراد فيقدر كل
واحد منهما منفردا بالستين ولو كان كذلك لكان فيها شاة فحصة الأربعين فيها ثلثا شاة ثم يقدر
أنه خلط جميع الستين بالعشرين وذلك ثمانون وفيها شاة فحصة العشرين منها ربع شاة فالجموع خمسة
أسداس ونصف سدس هكذا ذكر الشيخ أبو علي والامام وهو الموافق للفظ الكتاب وأورد
في التهذيب أن على كل واحد منهما على هذا الوجه خمسة أسداس شاة بلا زيادة توجب في
العشرين بحساب ما لو كان جميع المالين مختلطا وذلك مائة وعشرون وواجبها شاة فحصة العشرين
سدس شاة ويجب في الأربعين ثلثا شاة كما سبق فالمبلغ خمسة أسداس (وأعلم) ان هذا التوجيه مثل
474

ما ذكره الشيخ والامام في الوجه الثاني وما ذكرناه في هذا الوجه مثل ما ذكره في التهذيب في الوجه
الثاني ولم يستمر واحد من الكلامين على طريقة متحدة والله أعلم (ورابعها) أن على كل واحد
منهما شاة وسدس شاة نصف شاة في العشرين المختلطة قصرا لحكم الخلطة على الأربعين وثلثا
شاة في الأربعين المنفردة على ما سبق (وخامسها) أن على كل واحد منهما شاة ونصف شاة شاة للأربعين
المنفردة ونصف شاة للعشرين المختلطة هذا شرح المسألتين المذكورين في الكتاب ثم نعود إلى
ما يتعلق بلفظ الكتاب (أما قوله) فلو خلط عشرين بعشرين لغيره وهو يملك أربعين ببلدة أخرى
فقد يخطر ببالك في هذا الموضع يحثان (أحدهما) أنه لم قال ببلدة أخرى وما الحكم لو كان بتلك
البلدة فاعلم أن أبا نصر صاحب الشامل رحمه الله صرح بنفي الفرق بين أن يكون الأربعون المنفردة
في بلد المال المختلطة أو في بلد أخرى ولا شبهة في أن الامر على ما ذكره وكأن تعرض الأصحاب
لكون الأربعين في بلدة أخرى اتباع للفظة الشافعي رضي الله عنه فإنه هكذا صور المسألة في المختصر لكن
من يورد القولين لا يحسن منه ذكره في صورة المسألة حسنه في المختصر لأنه أجاب فيه على أن
الخلطة خلطة ملك فالفرض فيما إذا كان ماله المنفرد في بلدة أخرى يفيد غرض المبالغة لأنه إذا
اتحد الحكم وبعض المال في بلدة أخرى فلان يتحد والكل في بلدة واحدة كان أولى (والثاني)
ان التصوير فيما إذا اتفق حول صاحب الستين وصاحب العشرين أم فيما إذا اختلف حولاهما أم لا فرق
(والجواب) انه لا فرق في اثبات القولين ثم إن اختلف الحولان زاد النظر في التفصيل المذكورة في
الفصل قبل هذا وذكر القاضي ابن كج ان الخلاف فيما إذا اختلف حولاهما فاما إذا اتفقا فلا خلاف
في أن عليهما شاة ربعها على صاحب العشرين والباقي على صاحب الستين وهذا يرخص في اعلام
قوله في الكتاب فقولان بالواو والمشهور الأول (وقوله) فان قلنا بخلطة العين إلى آخره في نظم
الكتاب خلط في تفريع أحد القولين بالآخر ولم ينص على ما يجب على صاحب الستين على قولنا
475

الخلطة خلطة ملك (وقوله) عقيب التفريع على أهذا القول وأما صاحب الستين يرجع إلى أول الكلام
وهو التفريع على خلطة العين فاعرف ذلك وكان الأحسن به أن يقول فان قلنا بخلطة الملك فعلى
صاحب العشرين ربع شاة وان قلنا بخلطة العين فعليه نصف شاة وأما صاحب الستين إلى آخره حتى
لا يدخل الكلام من قول في قول ويجوز ان يعلم قوله يلزمه شاة بالواو وكذا الحكم المذكور
في الوجهين بعده اشعارا بأن في المسألة وراء هذه الوجوه خلافا آخر (وقوله) في الصورة الثانية
فالأوجه الثلاثة جارية أي على قول خلطة العين وأما على قول خلطة الملك فالحكم ما قدمناه ولك أن
تعلم قوله جارية بالواو لما حكينا من الاضطراب في الوجه الثاني والثالث والله أعلم *
قال (الفصل الخامس في تعدد الخليط فإذا ملك أربعين فخلط عشرين بعشرين لرجل وعشرين
بعشرين لآخر فان قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الأربعين نصف شاة فان الكل ثمانون وصاحب العشرين
يضم ماله إلى خليطه وهل يضم إلى خليط خليطه وجهان فان ضم فواجبه ربع شاة وإلا فواجبه
ثلث شاة لان المجموع ستون وإن قلنا بخلطة العين فعلى صاحب العشرين نصف شاة وفي صاحب
الأربعين الأوجه الثلاث وهو شاة بتغليب الانفراد أو نصفها بتغليب الاختلاط أو ثلثا شاة للجمع
بين الاعتبارين) *
كلام هذا الفصل مبنى على قولي خلطة الملك والعين أيضا وخاصيته ان الواحد خالط ببعض
ماله واحد وببعضه آخر ولم يخالط أحد خليطه الآخر وما ترجم الفصل به لا يفصح عن هذه الخاصية
لكنها هي المقصودة إذا عرفت ذلك فلقول إذا كان للرجل أربعون من الغنم مخلط عشرين منها
بعشرين لرجل لا يملك سواها والعشرين الباقية بعشرين لآخر لا يملك سواها فان قلنا الخلطة خلطة
476

الملك فعلى صاحب الأربعين نصف شاة لأنه خليط لهما ومبلغ الأموال ثمانون وواجبها شاة فحصة
الأربعين نصفها وأما كل واحد من صاحبي العشرين فما له مضموم إلى جميع مال صاحب الأربعين
وهل يضم إلى مال الآخر أيضا فيه وجهان (أحدهما) نعم لينضم الكل في حقهما كما انضم في حق
صاحب الأربعين (والثاني) لا لان كل واحد منهما لم يخالط بماله الآخر أصلا بخلاف صاحب الأربعين
فإنه خالط كل واحد منهما ببعض ماله فلذلك ضم الكل في حقه وهذا أصح عند الشيخ أبى على
والأول اختيار صاحب التقريب وبه أجاب أصحابنا العراقيون * وان قلنا بالوجه لثاني فعلى كل واحد
منهما ثلث شاة لان مبلغ ماله ومال خليطه ستون وواجبها شاة حصة العشرين منها ثلث وإن قلنا
بالأول فعلى كل واحد منهما ربع شاة لان المجموع ثمانون حصة العشرين منها ربع وان قلنا
الخلطة خلطة عين فعلى كل واحد من صاحبي العشرين نصف شاة لان مبلغ ماله وما خالط ماله أربعون
وله نصفها وأما صاحب الأربعين فيجئ فيه الوجوه المذكورة في الفصل الأول في حق صاحب الستين
(أحدها) ان عليه شاة تغليبا للانفراد هذا لفظ صاحب الكتاب والأئمة ولم يريدوا به حقيقة
الانفراد فإنه غير منفرد بشئ من ماله لكن قالوا ما لم يخالط به زيدا فهو منفرد عنه ولا فرق
بالإضافة إليه بين أن يكون مخلوطا بمال غيره وبين ان لا يكون مخلوطا أصلا وإذا كان كذلك فيعطي لله
حكم الانفراد ويغلب حتى يصير كالمنفرد بالباقي أيضا وكذا بالإضافة إلى الخليط الثاني وكأنه
لم يخالط أحدا وعلى الوجه الثاني يلزمه نصف شاة تغليبا للخلطة فإنه لابد من اثبات حكمها فيما وجدت
ولابد من ضم ملكية أحدهما إلى الآخر للاجتماع في الملك وكل المال ثمانون وكأنه خلط أربعين بأربعين
قال في النهاية وهذا الوجه أصح ههنا وعلى الوجه الثالث يلزمه ثلثا شاة جمعا بين اعتبار الخلطة
477

والانفراد وذلك بأن نقول لو كان جميع ماله مضموما إلى ملك زيد لكان المبلغ ستين وواجبها
شاة حصة العشرين منها الثلث وهكذا نفرض في حق الثاني فيجتمع عليه ثلثان وعلى الوجه الرابع
وهو أن ثمة يجب شاة وسدس ههنا يجب شاة مثل ما ذكرنا في الوجه الأول لأنا نوجب في العشرين
المختلطة بمال زيد نصف شاة وكذا في العشرين المختلطة بمال عمرو فيجتمع عليه شاة وهكذا يكون
قياس الوجه الخامس ههنا فالحاصل في المسألة ثلاثة أوجه على ما ذكر في الكتاب لا غير * ونختم الباب
بذكر صور أخرى مما يتفرع على القولين (إحداها) ملك ستين من الغنم وخالط بكل عشرين منها
عشرين لرجل فان قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الستين نصف شاة وفي أصحاب العشرينات
وجهان ان ضممنا مال بعضهم إلى بعض كما نضم مال صاحب الستين إلى مال كل واحد منهم فعلى
كل واحد منهم سدس شاة والا فعليه ربع شاة وان قلنا بخلطة العين فعلى كل واحد من أصحاب
العشرينات نصف شاة وفي صاحب الستين الوجوه: على الأول يلزمه شاة وعلى (الثاني) نصف شاة
وعلى (الثالث) ثلاثة أرباع شاة لان كل ماله لو كان مع زيد كان المبلغ ثمانين حصة العشرين المخلطة
منها ربع وهكذا يقدر بالإضافة إلى عمرو وبكر فيجتمع ثلاثة أرباع وعلى (الرابع) شاة ونصف
في كل عشرين نصف شاة كما يجب ذلك على كل خليط (الثانية) ملك خمسا وعشرين
من الإبل فخالط بكل خمس منها خمسا لرجل إن قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الخمس والعشرين
نصف حقة لان الكل خمسون وفيما على كل واحد من خلطائه وجهان (أحدهما) عشر حقة (والثاني)
سدس بنت مخاض كأنه خلط خمسا بخمس وعشرين لا غير: وإن قلنا بخلطة العين فعلى كل واحد من
خلطائه شاة وفي صاحب الخمس والعشرين الوجوه المتقدم: على الأول عليه بنت مخاض وعلى الثاني
478

نصف حقة وعلى الثالث خمسة أسداس بنت مخاض لان جميع ماله لو كان مختلطا بالخمس التي هي
لزيد مثلا كان المبلغ ثلاثين وفيها بنت مخاض حصة الخمس سدسها وهكذا نقدر في حق سائر
الخلطاء فيجتمع ما ذكرنا وعلى الرابع خمس شياه في كل خمس شاة كما في حق خلطائه (الثالثة)
له عشر من الإبل خلط خمسا منها بخمس عشرة لرجل وخمسا بخمس عشرة لآخر إن قلنا بخلطة
الملك فعلى صاحب العشر ربع بنت لبون لان الكل أربعون وفيما على صاحبيه وجهان إن ضممنا
مال (أحدهما) مع مال صاحب العشر إلى الآخر فعلى كل واحد ثلاثة أثمان بنت لبون لان خمسة
عشر ثلاثة أثمان أربعين وان لم نضمه الا إلى مال صاحب العشرة فعلى كل واحد ثلاثة أخماس
بنت مخاض لان الكل خمس وعشرون وان قلنا بخلطة العين فعلى كل واحد من الخليطين ثلاث
شياه لأنه خالط خمس عشرة بخمس وحكم الخلطة لا يتعدى المخلوط على هذا القول: وفيما يلزم
صاحب الشعر الوجوه: على الأول يلزمه شاتان كأنه منفرد بالعشر وعلى الثاني ربع بنت لبون كأنه
خلط عشرا بثلاثين وعلى الثلث خمسا بنت مخاض إذ لو خلط كل العشر بمال زيد لكان فيها بنت
مخاض وحصة الخمس خمس بنت مخاض وهكذا نقدر في حق الآخر فيجتمع ما ذكرنا وعلى الرابع
479

يلزمه شاتان كما ذكرنا في الوجه الأول كما لو كانت الخمستان لشخصين فتعود الأوجه إلى ثلاثة في
هذه الصورة وهذه الصورة من مولدات ابن الحداد وجوابه فيها أن على صاحب العشر ربع بنت
لبون وعلى كل واحد من خليطيه ثلث شياه وغلطه أبو زيد والخضري وغير هما فقالوا ايجاب ربع
بنت اللبون على صاحب الشعر جواب على قول خلطة الملك وايجاب الشياه عليهما جواب على قول خلطة العين
ولا يصح أن يفرع الجواب في حق البعض على قول وفي حق البعض على قول آخر وصوبه القفال وقال كلاهما
صحيح تفريعا على قول خلطة العين أما ايجاب الشاة عليها فظاهر وأما ايجاب ربع بنت اللبون فهو جرى
منه على الوجه الثاني من الوجوه المذكورة على هذا القول وعليه بنى مسائل في المولدات ولعل تغليط الشيخين
أبي زيد والخضري مبنى على أنهما يذهبان إلى الوجه الثالث كما سبق وتابع الشيخ أبو علي القفال
في التصويب (الرابعة) ان أردت أن تفرع صورة على هذه الاختلافات من عند نفسك فقدر أن لك عشرين
من الإبل خلطت كل خمس منها بخمس وأربعين لرجل واعرف أنا ان قلنا بخلطة الملك فعليك
الأغبط من نصف بنت لبون أو خمسي حقة على الصحيح وذلك لأنها قد قدمنا أن الإبل إذا بلغت مائتين
فالصحيح أن واجبها الأغبط من خمس بنات لبون أو أربع حقاق وجملة أموال خلطائك مع مالك
480

مائتين فإن كان الأغبط خمس بنات لبون فحصة عشرين منها نصف بنت لبون وإن كان الأغبط
أربع حقاق فحصة العشرين مها خمسا حقة وفيما يجب على خلطائك وجهان ان ضممنا مالك إلى مال
كل واحد منهم مع ضم مال بعضهم إلى بعض فعلى كل واحد منهم تسعة أثمان بنت لبون وهي بنت لبون وثمن
أو تسعة أعشار حقة وان لم يضم مال كل واحد منهم الا مالك فعلى كل واحد منهم تسعة أجزاء من ثلاثة عشر
جزءا من جذعة لان جملة المال خمس وستون وواجبها جذعة فحصة خمس وأربعين منها ما ذكرنا: وان قلنا
بخلطة العين فعلى كل واحد من خلطاءك تسعة أعشار حقة لان المبلغ خمسون وفيما يلزمك الوجوه:
على الأول يلزمك أربع شياه كأنك منفرد بالعشرين وعلى الثاني يلزمك الأغبط من نصف بنت
لبون أو خمس حقة كأنك خلطت العشرين بمائة وثمانين وعلى الثالث يلزمك أربعة اجزاء من ثلاثة
عشر جزءا من جذعة إذ لو خلطت جميع مالك إلى مال زيد من خلطائك لبلغ المجموع خمسا وستين
وفيها جذعة حصة خمس منها جزء من ثلاثة عشر جزءا من جذعة وهكذا نقدر في حق الثلاثة
الباقين فيجتمع ما ذكرنا وعلى الرابع يلزمك أربع شياه كما في الوجه الأول كما لو كانت كل خمس لرجل
وهذه المسائل كلها مفروضة فيما إذا اتفقت أوائل الأحوال فان اختلفت انضم إلى هذه الاختلافات
ما سبق من الخلاف عند اختلاف الحول (مثاله) في الصورة الأخيرة لو اختلف حول خلطائك وحولك
فتزكى وهم في السنة الأولى زكاة الانفراد وهي الشياه كل عند تمام حوله وفي سائر السنين كل يؤدى
زكاة الخلطة هذا هو الصحيح وفي القديم الواجب في السنة الأولى أيضا زكاة الخلطة وعلى الوجه
المنسوب إلى ابن سريج لا تثبت الخلطة أصلا *
481

(فرع) لو خلط خمس عشرة من الغنم بخمس عشرة لغيره ولأحدهما خمسون ينفرد بها فان قلنا
الخلطة خلطة عين فلا شئ على صاحب الخمس عشرة لان المبلغ ناقص عن النصاب وعلى الآخر
زكاة خمس وستين وهي شاة وهو كمن خالط ذميا أو مكاتبا حكمه حكم المنفرد وإن قلنا الخلطة
خلطة ملك ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا حكم لهذه الخلطة أيضا لان المختلط يجب أن يكون نصابا
ليثبت حكم الخلطة فيه ثم يستتبع غيره (والثاني) وهو الأصح يثبت حكم الخلطة ويجعل كأن الخمسين
مضمومة إلى الثلاثين المختلطة والمجموع ثمانون وواجبها شاة فيجب على صاحب الخمس
والستين ستة أثمان شاة ونصف ثمن وعلى الآخر ثمن ونصف ولا يخفى نظائره على الموفق *
قال (الشرط الثالث في الحول فلا زكاة في النعم حتى يحول عليها الحول الا السخال الحاصلة في وسط
الحول من نفس النصاب الذي انعقد الحول عليه فان الزكاة تجب فيها بحول الأمهات مهما أسيمت في بقية
السنة فلو ماتت الأمهات وهي نصاب لم تقطع التبعية (ح و) ولو ملك مائة وعشرين فنتجت في آخر الحول
سخلة وجبت شاتان لحدوثها في وسط الحول) *
ذكر في أول كتاب الزكاة للمال لواجب فيه ستة شروط (أحدها) كونه نعما (والثاني) كونه
نصابا وقد تم الكلام فيهما (والثالث الحول) فيشترط في وجوب الزكاة في النعم حولان الحول عملا
باطلاق ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) (1) ويستثنى عنه النتاج
482

فيضم إلى الأمهات في الحول لما روينا من قبل عن عمر رضي الله عنه ان قال لساعيه: اعتد عليهم بالسخلة
وعن علي رضي الله عنه أنه قال اعتد عليهم بالكبار والصغار وإنما يضم بثلاثة شروط (أحدها) أن يحدث
قبل تمام الحول سواء كثر الباقي من الحول أو قل فاما إذا حدث بعد تمام الحول فينظر ان حدث بعد امكان
الأداء فلا تضم إلى الأمهات في الحول الأول لاستقرار واجبه ولكن يضم إليها في الحول الثاني إن كان قبل
إمكان الأداء فطريقان (أحدهما) وبه قال القاضي أبو حامد أنه يبني على القولين وسنذكرهما في أن الامكان
شرط الوجوب أو شرط الضمان ان قلنا شرط الوجوب فتضم إلى الأمهات كالنتاج قبل الحول
وإن قلنا شرط الضمان فلا (واحتج) للأول بان عمر رضي الله عنه قال: اعتد عليهم بالسخلة (1) يروح
بها الراعي على يديه ومعلوم أنه لا يروح بها إلا وقد ولدت في ذلك اليوم ولا تعد المواشي إلا بعد الحول
وذكر في البيان أن من الأصحاب من يجعل المسألة على قولين غير مبنيين على شرط (وأظهرهما)
وهو المذكور في الوسيط أنه لا يضم أصلا لان الحول الثاني ناجز فالضم إليه أولى من الضم إلى
المنقضى (والشرط الثاني) أن يحدث من نفس ماله اما المستفاد بالشراء أو الإرث أو الهبة فلا يضم
إلى ما عنده في الحول وبه قال أحمد خلافا لأبي حنيفة ولمالك أيضا فيما رواه القاضي ابن كج وغيره
لنا ما روى أنه صلى الله عليه و سلم قال (ليس في مال المستفيد زكاة حتى يحول عليه الحول) (2) وأيضا
483

فإنه مستفاد هو أصل بنفسه تجب الزكاة في عينه فينفرد بالحول كالمستفاد من غير الجنس وأيضا
فان أبا حنيفة رحمه الله سلم أنه لو كان له دراهم فاخرج زكاتها ثم اشتري بها ماشية لا تضم إلى ما عنده
في الحول فنقيس غيره عليه ثم عندنا المستفادات وإن لم تضم ألي ما عنده في الحول تضم إليه في النصاب
على ظاهر المذهب وبيانه بصور (إحداها) ملك ثلاثين من البقر ستة أشهر ثم اشترى عشرة أخرى
فعليه عند تمام حول الأصل تبيع ثم إذا تم حول العشرة فعليه ربع مسنة فإذا حال حول ثان على
الأصل فعليه ثلاثة أرباع مسنة فإذا حال حول ثان على العشرة فعليه ربع مسنة وهكذا أبدا وهذا
كما ذكرنا في طرو الخلطة على الانفراد يجب في السنة الأولى زكاة الانفراد وبعدها زكاة الخلطة:
وعن ابن سريج أن المستفاد لا يضم إلى الأصل في النصاب كما لا يضم إليه في الحول فعلى هذا
لا ينعقد الحول على العشرة حتى يتم حول الثلاثين ثم يستأنف الحول على الكل (الثانية) ملك
عشرين من الإبل ستة أشهر ثم اشترى عشرا فعليه عند تمام حول العشرين أربع شياه وعند تمام
حول العشرة ثلث بنت مخاض لأنها خالطت العشرين في جميع حولها وواجب الثلاثين بنت مخاض
حصة العشرة ثلثها فإذا حال حول ثان على العشرين فعليه ثلثا بنت مخاض وإذا حال حول ثان على
484

العشرة فعليه ثلث بنت مخاض وهكذا يزكي أبدا: وعلى ما حكى عن ابن سريج عليه أربع شياه
عند تمام الحول على العشرين وشاتان عند تمام الحول على العشرة ولا نقول ههنا بعدم انعقاد الحول
على العشرة حتى يستفتح حول العشرين لان العشرة من الإبل نصاب بخلاف العشرة من البقر
في الصورة الأولى ولو كانت المسألة بحالها واشترى خمسا فإذا تم حول العشرين فعليه أربع شياه
وإذا تم حول الخمس فعليه خمس بنت مخاض وإذا تم الحول الثاني على الأصل فعليه أربعة أخماس
بنت مخاض وعلى هذا القياس وعلى ما حكي عن ابن سريج في العشرين أربع شياه أبدا عند تمام
حولها وفي الخمس شاة أبدا ورأيت في بعض الشروح حكاية وجه آخر أن الخمسة لا تجرى في الحول
حتى يتم حول الأصل ثم ينعقد الحول على جميع المال وهذا يطرد في العشرة في الصورة السابقة
بلا شك (الثالثة) ملك أربعين من الغنم غرة المحرم ثم اشترى أربعين غرة صفر ثم أربعين غرة
شهر ربيع الأول فقد ذكرناها وما يناظرها في الفصل الثالث من الخلطة قال الصيدلاني وغيره وجميع ذلك
إذا قلنا الزكاة في الذمة وأداها من غير المال فان قلنا إنها تتعلق بالعين أو قلنا هي في الذمة أداها
من المال فينقص الواجب من المستفاد بالقسط وكذلك في الأصل عند تمام الحول الثاني (والشرط الثالث)
485

أن يكون حدوث الفروع بعد بلوغ الأمهات نصابا فلو ملك عددا من الماشية ثم توالدت فبلغ النتاج
مع الأصل نصابا فالحول يبتدئ من وقت كمال النصاب خلافا لمالك حيث اعتبر الحول من حين
ملك الأصول وبه قال احمد في إحدى الروايتين والأصح عنه مثل مذهبنا * لنا مطلق الخبر (لا زكاة
في مال حتى يحول عليه الحول) ولأنها زيادة بها تم النصاب فيبتدئ الحول من وقت التمام
كالمستفاد بالشراء وإذا اجتمعت الشرائط الثلاث ثم ماتت الأمهات جميعها أو بعضها والفروع نصاب
لم ينقطع حول الأمهات بل تجب الزكاة فيها عند تمام حول الأمهات لان الولد إذا اتبع الام في الحكم
لم ينقطع الحكم بموت الام كالأضحية وغيرها هذا ظاهر المذهب وفيه وجهان آخران (أحدهما)
ويشهر بالأنماطي أنه يشترط بقاء نصاب من الأمهات فلو نقصت عن النصاب انقطعت
486

التبعية وكان حول الفروع من يوم حصلت لأنها خرجت عن أن تجب فيها الزكاة ولو انفردت فلا تستتبع
غيرها (والثاني) نقله القاضي ابن كج عن رواية أبى حامد أنه لا يشترط بقاء نصاب منها ولكن
لابد من بقاء شئ منها ولو واحدة وبه قال أبو حنيفة وقد سبق ذلك في فصل صفات النقصان وقد
ذكرنا مذهب مالك واحمد أيضا ثم * وأما ما يتعلق بلفظ الكتاب (فقوله) إلا في السخالي ليس الحكم مقصورا
على السخالي بل العجول والفصلان في معناها (وقوله) في وسط الحول إشارة إلى شرط الأول ويجوز أن
يعلم بالميم لان القاضي ابن كج حكي عن مالك أنها تضم إلى الأمهات وان توالدت بعد الحول ولو حصلت
بعد الحول وقبل المكان وجعلناها مضمومة إلى الأمهات كما سبق فلا يكون الحصول في وسط
الحول شرطا فيجوز اعلامه بالواو أيضا لذلك (وقوله) من نفس النصاب فيه إشارة إلى الشرطين
الآخرين (وقوله) الذي انعقد عليه الحول جار مجرى التأكيد والايضاح (وقوله) مهما أسيمت في بقية السنة
كالمستغنى عنه في هذا المقام لأنه ليس فيه الا تعرض لشرط السوم ونحن إذا تكلمنا في شرط
لا نحتاج إلى التعرض لسائر الشروط في أثنائه (وقوله) لم تنقطع التبعية معلم بالحاء والألف والواو
لما قدمناه (وقوله) في آخر الفصل لحدوثها في وسط الحول كذا هو في بعض النسخ باللام وفي بعضها
كحدوثها بالكاف (والأول) أقرب إلى سياق كلامه في الوسيط فإنه ذكر هذه المسألة بعد ذكر
487

ما لو ملك تسعا وثلاثين فحدثت سخلة يستفتح الحول من حينئذ وبين تغايرهما بان هناك لم يكن
الأصل نصابا ولم ينعقد الحول عليه وههنا ما سبق جار في الحول هذا لفظه: وهو معنى قوله ههنا
لحدوثها في وسط الحول أي في أثناء الحول المنعقد على الأصل وان قرب من الانقضاء ومن قرأ
كحدوثها في وسط الحول لا يمكنه حمل وسط الحول على ما هو المراد منه عند قوله الا في السخال
الحاصلة في وسطه فان المراد ثم ما قبل التمام ولا شك أن المراد من آخر الحول ههنا حالة القرب من التمام
وهي قبل التمام فلا يغاير حتى يشبه أحدهما بالآخر فلعله يحمل الوسط على حقيقة المشهورة وليس ذلك بالجيد
واعلم أن فائدة الضم إنما تظهر إذا بلغت الماشية بالنتاج نصابا ثانيا كما لو ملك مائة شاة فحدثت إحدى
وعشرون سخلة فاما إذا لم يحدث الا عشرون فلا تظهر فائدته والاعتبار بالانفصال فلو خرج
488

بعض السخلة وتم الحول قبل انفصالها فلا حكم لها ولفظ الحصول في قوله الحاصلة في وسط الحول
قد يوهم خلافه فلا يغلط وإذا اختلف الساعي والمالك فقال المالك حصل هذا النتاج بعد الحول
وقال الساعي بل قبله أو قال المالك حصل بسبب مستقل وقال الساعي بل من نفس النصاب فالقول
قول المالك فان اتهمه الساعي حلفه *
قال (الشرط الرابع أن لا يزول الملك عن عين النصاب في الزكاة العينية فان زال بالابدال بمثله ولو
في آخر السنة انقطع الحول فلو عاد بفسخ أو برد بعيب استؤنف الحول ولم يبن وكذلك إذا انقطع
ملكه بالردة ثم أسلم وكذا لا يبني إذا مات حول وارثه على حوله ومن قصد ببيع ماله في آخر
الحول دفع الزكاة صح بيعه (م) واثم) *
قد سبق أن الزكاة ضربان زكاة تتعلق بالقيمة وهي زكاة التجارة فلا يقدح فيها ابدال عين
بعين وزكاة تتعلق بالعين والأعيان التي تجب فيها الزكاة ويشترط في وجوبها الحول لو زال الملك
عنها في خلاله انقطع الحول سواء بادل بجنسه كالإبل بالإبل أو بغير جنسه كالإبل بالبقر وإذا تباد لا بكل
واحد منهما يستأنف الحول وكذا الحول الحكم في النقدين إذا بادل الذهب بالذهب أو بالورق ولم يكن
صيرفيا يقصد به التجارة وإن كان صيرفيا اتخذ التصرف في النقدين منجرا ففيه وجهان في رواية
ابن كج والحناطي وصاحب المهذب وغيرهم وقولان في رواية الشيخ أبى محمد وصاحب التهذيب
وآخرين (أحدهما) لا ينقطع الحول كما في العروض لو بادل بعضها ببعض على قصد التجارة (وأصحهما)
وهو الجديد على رواية القولين أنه ينقطع لان التجارة فيها ضعيفة نادرة والزكاة الواجبة فيها زكاة
عين والي هذا ذهب ابن سريج ويحكي عنه أنه قال: بشروا الصيارفة بأن لا زكاة عليهم وبنى الصيدلاني وطائفة المسألة على أصل وهو أن زكاة التجارة وزكاة العين إذا اجتمعتا في مال أيتهما
تقدم وفيه خلاف مذكور في الكتاب في موضعه أو غلبنا زكاة التجارة لم ينقطع الحول وان غلبنا
زكاة العين فحينئذ فيه وجهان وجه عدم الانقطاع ان دوام الملك حولا شرط في زكاة العين وقد فقد
فيصار إلى زكاة التجارة كما لو لم يبلغ ماله نصاب زكاة العين وبلغت قيمته نصاب زكاة التجارة
تجب زكاة التجارة وإزالة الملك عن بعض المال والباقي دون النصاب كإزالته عن جميع النصاب هذا
489

تفصيل مذهبنا وساعدنا أبو حنيفة في المواشي وقال في مبادلة النقد بالنقد ان الحول لا ينقطع سواء
بادل الجنس بالجنس أو بغير الجنس وقال في مبادلة بعض النصاب بالجنس لا ينقطع الحول سواء
فيه المواشي وغيرها بناء على أصلين أحدهما أن نقصان النصاب في أثناء الحول لا يقطع الحول عنده والثاني
أن المستفاد بالشراء ونحوه يضم إلى الأصل في الحول فقال مالك إذا بادل نصابا بجنسه بنى على الحول
سواء فيه المواشي وغيرها وفي مبادلة الحيوان بالنقد وعكسه ينقطع وفي مبادلة جنس من الحيوان بجنس
آخر عنه روايتان وقال احمد في مبادلة النقد بالنقد بقول أبي حنيفة رحمه الله وفي مبادلة الجنس
بالجنس من المواشي بقول مالك وفي مبادلة الجنس بغير الجنس من المواشي قال ينقطع * لنا ما روى
أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) ولأنه أصل تجب الزكاة في عينه
فلا ينبني حوله على حول غيره كالجنسين وكل ما ذكرنا في المبادلة الصحيحة اما الفاسدة فلا تقطع
الحول لأنها لا تزيل الملك خلافا لأبي حنيفة فيما إذا اتصل القبض بها * ثم لو كانت سائمة وعلفها
المشترى فقد قال في التهذيب هو كعلف الغاصب لقطع الحول وفيه وجهان وقال القاضي ابن كج عندي
تسقط الزكاة وينقطع الحول لأنه مأذون من جهة المالك في التصرف فأشبه علفه علف الوكيل بخلاف
الغاصب. ولو باع معلوفة بيعا فاسدا فأسامها المشترى فهو كما لو أسامها الغاصب وسيأتي ذلك * إذا عرفت
هذا الأصل فيتعلق به مسائل (إحداها) لو باع المال الزكوي أو بادله قبل تمام الحول ثم وجد المشترى
به عيبا قديما نظر ان لم يمض عليه حول من يوم الشراء فله الرد بالعيب والمردود عليه يستأنف الحول
سواء رده بعد القبض أو قبله وقال أبو حنيفة رحمه الله: ان رده قبل القبض أو بعده لكن بقضاء القاضي
يبني على الحول الأول وان رده بعد القبض بالرضا يستأنف. وان مضي عليه حول من يوم الشراء
ووجب عليه الزكاة فينظر ان لم يخرج الزكاة بعد فليس له الرد سواء قلنا الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة
لان للساعي أخذ الزكاة من عينها لو تعذر أخذها من المشترى فلا يتقاعد وجوب الزكاة
فيه عن عيب حادث ولا يبطل حق الرد بالتأخير إلى أن يؤدى الزكاة لأنه غير متمكن من الرد
قبله وإنما يبطل الحق بالتأخير مع التمكن ولا فرق في ذلك بين عروض التجارة وبين الماشية التي
تجب زكاتها من جنسها وبين الإبل التي تجب فيها الغنم وبين سائر الأموال. وفي كلام ابن الحداد
490

تجويز الرد قبل إخراج الزكاة ولم يثبتوه وجها وان أخرج الزكاة نظر إن أخرجها من مال آخر
فينبني جواز الرد على أن الزكاة تتعلق بالعين أو تجب في الذمة وفيه خلاف يأتي من بعد إن قلنا
تجب في الذمة والمال مرهون به فله الرد كما لو رهن ما اشترى ثم انفك ووجد به عيبا وان قلنا يتعلق
بالعين تعلق الأرش بالعبد الجاني فكذلك الجواب وان قلنا المسكين شريك فهل له الرد حكي
الشيخ أبو علي فيه طريقين (أحدهما) ان فيه وجهين كما لو اشترى شيئا وباعه وهو غير عالم بعيبه
ثم اشتراه أو ورثه هل يرد فيه خلاف وهذا ما ذكره العراقيون والصيدلاني وغيرهم (والثاني) القطع
بأن له الرد إذ ليس للمسكين شركة محققة في هذا المال ألا ترى أن له أن يودي الزكاة من مال
آخر بخلاف ما لو باعه فإنه زال الملك لا محالة ولأنه بالبيع قد استدرك الظلامة التي لحقته بالشراء
من حيث إنه روج كما روج عليه وباخراج الزكاة لم يستدرك الظلامة قال الشيخ هذا الطريق على
الصحيح وبه أجاب كثير من أئمتنا ولم يذكروا سواه ورأيت للقاضي ابن كج رواية وجه غريب
انه ليس له الرد على غير قول الشركة أيضا لان ما أداه عن الزكاة قد يخرج مستحقا فيتبع الساعي
عين النصاب وامام الحرمين أشار إلى هذا الوجه لكن خصه بقدر الزكاة وقال فيما وراءه قولا تفريق
الصفقة وان أخرج الزكاة من عين المال فإن كان الواجب من جنس المال أو كان من غير جنسه فباع
منه بقدر الزكاة فهل له رد الباقي فيه قولان (أحدهما) وهو المنصوص عليه في الزكاة انه ليس له ذلك
وهذا إذا لم نجوز تفريق الصفقة وعلى هذا هل يرجع بالأرش منهم من قال لا يرجع إن كان المخرج
باقيا في يد المساكين فإنه ربما يعود إلى ملكه فيتمكن من أداء الجميع فإن كان تالفا رجع ومنهم من
قال يرجع مطلقا وهو ظاهر نصه لان نقصانه عنده كعيب حادث ولو حدث عيب وامتنع الرد يرجع
بالأرش ولا ينتظر زوال العيب الحادث (والقول الثاني) انه يرد الباقي بحصته من الثمن وهذا إذا
جوزنا تفريق الصفقة وسيأتي القولان في موضعهما إن شاء الله تعالى وفيه قول ثالث أنه يرد الباقي
وقيمة المخرج في الزكاة ويسترد جميع الثمن ليحصل غرض الرد ولا تتبعض الصفقة ولو اختلفا
في قيمة المخرج على هذا القول فقال البائع ديناران وقال المشترى بل دينار فالقول قول من: فيه قولان
491

(أحدهما) قول البائع لان الأصل استمرار ملكه في الثمن فلا يسترد منه الا بما يقر به (والثاني)
قول المشترى لأنه غارم لما أخرجه (المسألة الثانية) حكم الإقالة حكم الرد بالعيب في جميع ما ذكرنا
ولو باع المال الزكوي في خلال الحول بشرط الخيار وفسخ البيع فان قلنا الملك في زمان الخيار للبائع
أو هو موقوف بنى على حوله ولم يستأنف وان قلنا إنه للمشترى فالبائع يستأنف بعد الفسخ (الثالثة)
لو ارتد في خلال الحول هل ينقطع الحول يبني على الخلاف في ملك المرتد ان قلنا يزول بالردة ينقطع فان
عاد إلى الاسلام استأنف وإن قلنا لا يزول فالحول مستمر وعليه الزكاة عند تمامه وان قلنا إنه موقوف
فان هلك على الردة تبين الانقطاع من وقت الردة وان عاد إلى الاسلام تبين استمرار الملك ووجوب
الزكاة على المرتد في الأحوال الماضية في الرد ينبنى على هذا الخلاف أيضا وسنذكره في الركن الثالث إن شاء الله
تعالى (الرابعة) لو مات في أثناء الحول وانتقل مال الزكاة إلى الوارث هل يبنى على حول
المورث فيه قولان (القديم) نعم لأنه خليفته في حقوق الملك ألا ترى انه يقوم مقامه في حق الخيار
والرد بالعيب (والجديد) وهو المذكور في الكتاب انه لا يبني بل يبتدئ الحول من يوم ملكه
كما لو ملك بالشراء وغيره وبهذا قال أبو حنيفة وذكر القاضي ابن كج أن أبا إسحاق قطع به
وامتنع من اثبات قول آخر فحصل في المسألة طريقان وحيث قلنا لا يبنى فلو كان مال تجارة لا ينعقد
الحول عليه حتى يتصرف الوارث بنية التجارة ولو كانت سائمة ولم يعلم الوارث الحال حتى تم الحول
فهل تجب الزكاة أم يبتدئ الحول من يوم علم: فيه خلاف مبنى على أن قصد السوم هل يعتبر
وسيأتي ذلك (الخامسة) لا فرق في انقطاع الحول بالمبادلة والبيع في خلاله بين أن يكون محتاجا إليه
وبين أن لا يكون بل قصد الفرار من الزكاة الا انه يكره الفرار وعن مالك وأحمد إذا قصد الفرار
من الزكاة أخذت منه الزكاة وهل ذلك لامتناع صحة البيع أم كيف الحال قال في الوسيط عند
492

مالك لا يصح البيع وأشار المسعودي إلى أنه إذا عاد إلى ملكه يبنى ولا يستأنف ونقل الماضي ابن
كج انه إذا باع وقد قرب الحول فرارا من الزكاة أخذت منه الزكاة وهذا يوهم الاكتفاء بما مضى من
الحول والله أعلم * ونرجع الآن إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب ونظمه (أما قوله) أن لا يزول الملك
عن عين النصاب في الزكوات العينية فلا شك ان المراد منه عدم الزوال مدة هذا الحول لا على الاطلاق
واحترز بالزكاة العينية عن زكاة التجارة فان التبادل فيها لا يقدح على ما قدمنا ولمستدرك أن يقول الكلام
الآن في زكاة النعم والشروط المذكورة تنصرف من حيث النظم والترتيب إليها فلا حاجة إلى الاحتراز
عن زكاة التجارة وهو غير متناول بالكلام. واعلم أن السابق إلى الفهم من حولان الحول هو
مضي المدة المعلومة في ملكه بصفة التوالي لكن لا يمكن أن يكون مراد صاحب الكتاب من
شرط الحول هذا لأنه لو أراده لارتفع الفرق بين الشرط الثالث والرابع وعاد إلى شئ واحد بل
المراد من شرط الحول في إيراده مجرد مضي المدة في ملكه من غير اعتبار صفة التوالي (وقوله)
فان زال بالابدال بمثله لا فرق عندنا بين أن يبدله بالمثل أو بغير المثل وإنما خص الكلام بالابدال
بالمثل لأنه محل النظر والخلاف على ما تقدم واعلم لذلك قوله انقطع الحول بالحاء والميم والألف (وقوله)
ولو عاد بفسخ أورد بعيب الرد بالعيب هو: ضرب من الفسخ أيضا لكن كأنه أراد بالفسخ ما ثبت
لا بسبب العيب كالفسخ بشرط الخيار وخيار الروية إن أثبتناه والمقابلة إذا جعلناها فسخا وهو
الصحيح (وقوله) وكذا إذا انقطع ملكه بالردة أي إذا قلنا إن الردة نزيل الملك فإذا أسلم
استأنف الحول على ما بينا وقد وسم قوله وكذا إذا انقطع بالواو لا للخلاف في أن الردة هل تزيل
الملك أم لا فان في نفس اللفظ أشعارا به لكن لأنه ذكر في الوسيط أن القول القديم في أن الوارث
يبني على حول المورث طرد في أن المرتد بعد الاسلام يبني وان حكمنا بانقطاع ملكه بالردة وحكى
الحناطي أيضا وجها على هذا القول أنه لا يستأنف (وقوله) من قصد بيع ماله فيه إضمار أي قصد فرارا
من الزكاة واعلم قوله صح بيعه بالميم لما ذكرنا عن مالك في بعض الروايات (وقوله) وأثم حكم
بالتحريم وقد حكاه امام الحرمين عن بعض المصنفين وتردد فيه من جهة أنه تصرف مسوغ
493

ولو أثمناه لكان ذلك بمجرد القصد والموجود في لفظ الشافعي رضي الله عنه وجمهور الأصحاب
إنما هو الكراهية والله أعلم *
قال (الشرط الخامس السوم فلا زكاة فيما علف في معظم السنة وفيما دونه أربعة أوجه (أفقهها) أن المسقط
قدر يعد مؤنة بالإضافة إلى رفق السائمة وقيل لا يسقط الا العلف في معظم السنة وقيل القدر
الذي كانت الشاة تموت لولاه يسقط حتى لو أسامها نهارا وعلفها ليلا لم يسقط وقيل ما يتمول
من العلف يسقط) *
لا تجب الزكاة في النعم الا بشرط السوم خلافا لمالك واحتج الشافعي رضي الله عنه بمفهوم
ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (في سائمة الغنم زكاة) (1) وعن أنس (أن أبا بكر رضي الله عنهما
كتب له فريضة الصدقة التي أمر الله تعالى رسوله بها وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين
إلى عشرين ومائة شاة إذا عرف ذلك فالسائمة في جميع الحول تجب فيها الزكاة والمعلوفة في جميع
الحول أو أكثره لا زكاة فيها وان أسيمت في بعض الحول وعلفت في بعضه وهو دون المعظم فقد
حكي في الكتاب فيه أربعة أوجه (أفقهها) عنده أنه أن علفت قدرا يعد مؤنة بالإضافة إلى رفق السائمة
فلا زكاة وان استحقر بالإضافة إليه وجبت الزكاة كما لو أسيمت في جميع الحول وفسر رفق السائمة
بدرها ونسلها وأصوافها وأوبارها ويجوز أن يقال: المراد منه رفق اسامتها فان في الرعى تخفيفا
عظيما فإن كان قدر العلف حقيرا بالإضافة إليه فلا عبرة به والي هذا الوجه يميل كلام القاضي ابن
كج وفيما علق عن الشيخ أبي محمد أن أبا إسحاق رجع إليه بعد ما كان يعتبر الأغلب (والثاني) أن
494

ذلك لا أثر له وإنما ينقطع الحول وتسقط الزكاة بالعلف في أكثر السنة وبه قال أبو حنيفة وأحمد
رحمهما الله لأنه إذا كانت الإسامة أكثر تخف المؤنة ويحكي هذا عن ابن أبي هريرة تخريجا من أحد
القولين في السقي بماء السماء والنضح أنه يعتبر الأغلب منهما وعلى هذا الوجه لو استويا قال في النهاية فيه
تردد والأظهر السقوط (والوجه الثالث) أنه ان علف قدرا كانت الماشية تعيش لولاه لم يؤثر وان
علف قدرا كانت تموت لو لم نزع ولا علفت في تلك المدة انقطع الحول وسقطت الزكاة لظهور
المؤنة وهذا هو الذي ذكره الصيدلاني وصاحب المهذب وكثير من الأئمة وقد قيل إن الماشية تصبر
عن العلف اليوم واليومين ولا تصبر ثلاثة فصاعدا قال في النهاية ولا يبعد أن يلحق الضرر البين
بالهلاك على هذه الطريقة (والوجه الرابع) أن ما يتمول من العلف وان قل يبطل حكم السوم فلو
أسيمت بعد ذلك استؤنف الحول لان رفق السوم لم يتكامل * فان قلت هذه الوجوه مخصوصة بما
إذا لم يقصد بالعلف قطع السوم وان قصده ينقطع الحول لا محالة أو هي مخصوصة بما إذا قصده وإن
لم يقصد لم يؤثر لا محالة أو هي شاملة للحالتين: فاعلم أن في كلام الناقلين لبسا في ذلك ولعل الأقرب
تخصيص الخلاف بما إذا لم يقصد شيئا أما إذا علف على قصد قطع السوم ينقطع الحول لا محالة كذا
أورد صاحب العدة وغيره ولا أثر لمجرد نية العلف ولو علفها قدرا يسيرا لا يتمول فلا أثر له أيضا
واليه أشار بقوله في الكتاب في الوجه الرابع وقيل كل ما يتمول من العلف يسقط ويجوز أن يعلم من
لفظ الكتاب ما سوى الوجه الثاني بالألف والحاء لما ذكرنا أن مذهبهما الثاني ولا يخفى أن المراد من
قوله ولا زكاة فيما علف في معظم السنة ما إذا تمحض العلف إذ لو كانت تسام نهارا وتعلف ليلا في
جميع السنة كان موضع الخلاف على ما سبق *
(فرع) لو كانت ماشيته سائمة لكنها تعمل كالنواضح ونحوها فهل تجب الزكاة فيها فيه وجهان
حكاهما أبو القاسم الكرخي وآخرون (أصحهما) لا وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وهو ما أورده معظم
العراقيين لأنها لا تقتنى للنماء وإنما تقتنى للاستعمال فلا تجب الزكاة فيها كثياب البدن ومتاع الدار
495

وروى أنه صلى لله عليه وسلم قال (ليس في البقر العوامل صدقة) (1) (والثاني) نعم لحصول الرفق
بالإسامة وزيادة فائدة الاستعمال وفي لفظ المختصر ما يمكن الاحتجاج به لهذا الوجه وهو الذي ذكره
الشيخ أبو محمد في مختصر المختصر وغيره *
قال (ولو اعتلفت الشاة بنفسها أو علفها المالك لامتناع السوم بالبلح على أن يردها إلى
الإسامة أو علفها الغاصب ففي سقوط الزكاة وجهان يعبر عنهما بأن القصد هل يعتبر وكذا
الخلاف في قصد السوم فان أوجبنا الزكاة في معلوفة أسامها الغاصب ففي رجوعه بالزكاة على
المغصوب منه الوجهان) *
الأصل في هذه المسائل انه اختلف الوجه في أن القصد في العلف والسوم هل يعتبر فمن
الأصحاب من قال لا يعتبر اما في العلف فلانه يفوت شرط السوم سواء كان عن قصد أو لم يكن
(واما) في السوم (فلانه) يحصل به الرفق وتخف المؤنة وان لم يكن عن قصد ومنهم
من قال يعتبر (اما) في العلف (فلانه) إذا لم يقصده يدام حكم السوم رعاية لجانب
المحتاجين (واما) في السوم) فلانه) إذا لم يلتزم وجوب الزكاة في هذا المال وجب ان لا يلزم ويتفرع
على هذا الأصل صور منها لو اعتلفت سائمة بنفسها القدر المؤثر من العلف هل ينقطع الحول فيه وجهان
496

والموافق لاختيار الأكثرين في نظائرها انه ينقطع لفوات شرط السوم فصار كفوات سائر شروط
الزكاة لا فرق فيه بين أن يكون عن قصد أو اتفاقا ولو رتعت الماشية بنفسها ففي وجوب الزكاة وجهان أيضا
وفي كلام أصحابنا العراقيين طريقة أخرى قاطعة بعدم الوجوب ههنا (ومنها) لو علف المالك ماشيته
لامتناع السوم بالبلح وهو على عزم ردها إلى الإسامة عند الامكان ففيه الوجهان (أظهرهما) انقطاع
الحول لفوات الشرط (والثاني) لا كما لو لبس ثوب تجارة لا بنية القنية لا تسقط الزكاة. وأعلم أن
العلف في هذه الصور جرى بقصد المالك واختياره لكن لما كانت الضرورة داعية إليه وكان
ملجأ إليه ألحقت الصورة بما إذا جرى العلف من غير قصده وطرد الخلاف فيها (ومنها) لو غصب
سائمة وعلفها فيخرج أولا على أنه لو لم يعلفها هل كان تجب الزكاة فيها أم لا تجب لكونها
مغصوبة وفيه خلاف يأتي في الفصل التالي لهذا الفصل فان قلنا لا زكاة في المغصوب فلا
شئ فيها وان قلنا تجب الزكاة في المغصوب فههنا وجهان (أحدهما) تجب لان فعل الغاصب عديم
الأثر في تغيير حكم الزكاة الا يرى أنه لو غصب ذهبا وصاغه حليا لا تسقط الزكاة (والثاني) لا تجب
لفوات شرط السوم كما لو ذبح الغاصب بعض الماشية وانتقص النصاب وهذا أصح عند الأكثرين
وفصل الشيخ أبو محمد فقال إن علفها بعلف من عنده فالأظهر أن حكم السوم لا ينقطع لأنه لا يلحق
مؤنه بالمالك ولو كان الامر بالعكس فغصب معلوفة وأسامها ان قلنا لا زكاة في المغصوب فذاك
وان قلنا تجب فوجهان (أحدهما) تجب لحصول الرفق وخفة المؤنة وصار كما لو غصب حنطة وبذرها
يجب العشر فيما ينبت منها (وأظهرهما) لا تجب لان المالك لم يقصد الإسامة وشبهوا ذلك بما إذا
رتعت الماشية بنفسها لكن الخلاف يجرى فيه على أحد الطريقين كما سبق وإذا أوجبنا الزكاة
فقد حكي في التهذيب وجهين في أنها تجب على الغاصب لأنها مؤنة لزمت بفعله أو على المالك
لان نفع خفة المؤنة عائد إليه ثم حكي على هذا وجهين آخرين في أنه إذا أخرج المالك بزكاة هل
يرجع بها على الغاصب وقوله في الكتاب فان أوجبنا الزكاة في معلوفة أسامها الغاصب ففي رجوعه
بالزكاة على الغاصب على الغاصب وجهان أراد به ان أوجبناها على المالك وجه عدم الرجوع أن سبب الزكاة ملك
497

المال ووجه الرجوع وهو الأظهر أنه لولا فعل الغاصب لما وجبت الزكاة وقطع صاحب التتمة بالرجوع
ورد الخلاف إلى أنه هل يؤمر الغاصب بالاخراج أم يخرج المالك ثم يغرم له الغاصب وذكر
في النهاية وجهين في أنا إذا أثبتنا الرجوع للمالك هل يرجع قبل إخراج الزكاة أم يخرج ثم يرجع.
واعلم أن الجاري على قياس المذهب لمن أوجب الزكاة ههنا أن يوجبها على المالك ثم يغرم له الغاصب
(أما) ايجاب الزكاة على غير المالك فبعيد وان كنا نوجب عليه ابتداء فيجب أن نوجب أيضا
وإن قلنا لا تجب الزكاة في المغصوب *
قال (الشرط السادس كمال الملك وأسباب الضعف ثلاثة (الأول) امتناع التصرف فإذا تم الحول على
مبيع قبل القبض أو مرهون أو مغصوب أو ضال أو مجحود ولا بينة عليه أو دين على معسر ففي جميع ذلك
خلاف لحصول الملك وامتناع التصرف وفي المغصوب قول ثالث أنه إن عاد بجميع فوائده زكاه لأحواله
الماضية وإن لم تعد الفوائد فلا والتعجيل قبل عود المال غير واجب قطعا والدين المؤجل قيل إنه يلحق
بالمغصوب وقيل كالغائب الذي يسهل احضاره فان أوجبنا لم يجب التعجيل في أصح الوجهين لان الخمسة
نقدا تساوى ستة نسيئه فيودى إلى الاجحاف به) *
إنما جعل أسباب الضعف ثلاثة لان المالك اما أن لا يكون مستقرا هو السبب الثالث أو يكون
مستقرا فاما ان يتسلط الغير على إزالته وهو السبب الثاني أولا يتسلط فاما تمتنع فيه التصرفات
بكمالها وهو السبب الأول أو لا تمتنع فلا ضعف ومما يجب معرفته أن اعتبار هذا الشرط مختلف
فيه فان في مسائله كلها اختلاف قول أو وجه على ما سيأتي * إذا تقرر ذلك ففي الفصل مسائل (إحداها)
ما لو ضل ماله أو غصب أو سرق وتعذر انتزاعه أو أودعه عند انسان فجحده أو وقع في بحر فهل
تجب فيه الزكاة قال في باب صدقة الغنم: ولو ضلت عنمه أو غصبها أحوالا ثم وجدها زكاها لأحوالها
وقال في باب الدين مع الصدة: ولو جحد ماله أو غصبه أو غرق فأقام زمانا ثم قدر عليه فلا يجوز
فيه الا واحد من قولين أن لا يكون عليه زكاة حتى يحول الحول عليه من يوم قبضه لأنه مغلوب
عليه أو يكون عليه الزكاة لان ملكه لم يزل عنه واختلف الأصحاب على ثلاث طرق (أصحهما)
498

أن المسألة على قولين (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا زكاة في هذه الأموال لتعطل
نماءها وفائدتها عليه بسبب خروجها من يده وامتناع التصرف فيها فأشبهت مال المكاتب لا تجب
الزكاة فيها على السيد (وأصحهما) الوجوب لملك النصاب وحولان الحول وعبر أصحابنا العراقيون
وغيرهم عن هذا القول بالجديد وعن الأول بالقديم وعن أحمد روايتان كالقولين (أصحهما)
الوجوب * وقال مالك: تجب فيها زكاة الحول الأول دون سائر الأحوال (والطريق الثاني) أنه
تجب الزكاة فيها قولا واحدا ومن قال بهذا يحمل ما ذكره من الترديد على الرد على مالك فقال:
أراد الشافعي رضي الله عنه أن لا يتوجه الا وجوب زكاة جميع الأحوال كما قلت لاستمرار الملك
أو نفيها على الاطلاق كما قال أبو حنيفة (أما) الفصل بين السنة الأولى وغيرها فلا سبيل إليه والثالث
حكي القاضي ابن كج عن ابن خيران أن المسألة على حالين حيث قال: يزكيها لأحوالها أراد إذا عادت
إليه بنماءها وحيث قال لا تجب أراد إذا عادت إليه من غير نماءها فان قلنا بالطريقة الأولى
فهل القولان مطلقان أم لا فيه طريقان أحدهما وبه قال ابن سريج وأبو إسحاق لا بل موضع القولين ما إذا
عادت إليه من غير نماءها فان عادت إليه بنماءها وجبت الزكاة قطعا لان المؤثر على قول إنما هو فوات
النماء عليه وذكر امام الحرمين شيئين على هذه الطريقة ينبغي أن يحاط بهما (أحدهما) أنه إن عاد
المال إليه مع بعض الفوائد دون بعض كان كما لو لم يعد شئ من الفوائد إليه (والثاني) أن المعنى بفوات
الفوائد أن يهلكها الغاصب أو تضيع لزوال نظر المالك ويتعذر تغريم الغاصب (فأما) إذا فات
شئ في يد الغاصب كان يفوت في يد المالك أيضا (فلا) مبالاة ولو غرم الغاصب كان كما لو عادت
الفوائد بأعيانها ويتخرج على هذه الطريقة قول من قال: إن كان المال المغصوب الدراهم والدنانير
ففي وجوب الزكاة قولان وإن كان المواشي فتجب الزكاة بلا خلاف لان الدراهم لا تعود بربحها
فان ما حصل من الربح يكون للغاصب والمواشي تعود بفوائدها اما بعينها أو بقيمتها حتى لو غصبها
أهل الحرب وأتلفوا الدر والنسل جرى فبها القولان هذا أحد الطريقين (وأصحهما) وبه قال
أبو علي بن أبي هريرة والطبري طرد القولين في الحالتين لان المؤثر على أحد القولين فوات
499

اليد والتصرف دون فوات النماء ألا ترى ان الذكور التي لا تنمو تجب فيها الزكاة وجميع ما ذكرناه
فيما إذا عاد المال إليه إليه ولا شك في أنه لا يجب اخراج الزكاة قبل عود المال إلى يده. ولو تلف بعد
مضي أحوال في الحيلولة سقطت الزكاة على قول الوجوب لأنه لم يتمكن من المال وتلف المال بعد
الوجوب وقبل التمكن يسقط الزكاة ثم اعرف في المسألة أمرين آخرين (أحدهما) ان موضع الخلاف في الماشية
المغصوبة ما إذا كانت سائمة في يد المالك والغاصب جميعا فإن كانت معلوفة في يد أحدهما عاد النظر
في أن علف الغاصب وإسامته هل يؤثران (والثاني) ان زكاة الأحوال الماضية إنما تجب على أحد
القولين إذا لم تنقص الماشية عن النصاب باخراج زكاة بعض الأحوال أما إذا كانت نصابا بلا مزيد
ومضي عليه أحوال فالحكم على هذا القول كما لو كانت في يده ومضى أحوال ولم يخرج الزكاة
وسنذكره إن شاء الله تعالى جده ولو كانت له أربعون من الغنم فضلت منها واحدة ثم وجدها ان
قلنا لا زكاة في الضالة استأنف الحول سواء وجدها قبل تمام الحول أو بعده وان قلنا تجب الزكاة
فيها فان وجدها قبل تمام الحول بنى وان وجدها بعده اخرج الزكاة عن الأربعين ولو دفن ماله في
موضع ونسيه ثم تذكره فهذا ضرب من الضلال وفيه ما ذكرنا من الخلاف ولا فرق بين أن يكون
الدفن في داره أو في غيرها وقطع بعض المثبتين للقولين في سائر صور الضلال بالوجوب ههنا لأنه
غير معذور بالنسيان وعند أبي حنيفة رحمه الله ان دفنه في حرزه ففيه الزكاة والا فلا ولو أسر
المالك وحيل بينه وبين ماله ففيه طريقان منهم من طرد الخلاف ومنهم من قطع بالوجوب وهو
الأصح لان تصرفه نافذ فيه بالبيع وغيره بخلاف ما لو غصب ماله أو ضل. واعلم أن الأئمة ذكروا
ان مذهب مالك في الفصل بين الحول الأول وما بعده على ما سبق مبني على أصل له وهو ان الامكان
من شرائط وجوب الزكاة ولا يبتدئ الحول الثاني الا من يوم الامكان ويوم الامكان ههنا هو
يوم الوجدان فمنه يفتتح الحول الثاني ولا يخرج لما مضي الا زكاة حول وهذا الذي ذكروا يقتضى
أن يكون للشافعي رضي الله عنه قول مثل مذهبه لان له قولا كمذهبه في أن لامكان من شرائط
الوجوب والله أعلم (المسألة الثانية) لو اشترى من الأموال الزكوية نصابا ولم يقبضه حتى مضى حول
500

في يد البائع هل تجب الزكاة على المشترى فيه طرق (أحدها) حكي في النهاية عن بعض المصنفين عن
القفال أنها لا تجب قولا واحدا بخلاف المغصوب لان ملك المشتري ضعيف فيه الا ترى أنه لا ينفذ
تصرفه وإن رضي البائع ولو تلف تلف على ملك البائع (وثانيها) أنه على القولين في المغصوب (وأصحهما)
وبه قطع الجمهور وجوب الزكاة فيها قولا واحدا بخلاف المغصوب فإنه يتعذر الوصول إليه وانتزاعه
وههنا يمكنه تسليم الثمن وتسلم المبيع (الثالثة) لو رهن ما شيته أو غيرها من أموال الزكاة فقد حكى
الامام والمصنف في الوسيط في وجوب الزكاة فيها عند تمام الحول وجهين لامتناع التصرف وعلى
ذلك جرى ههنا فأثبت الخلاف في المرهون كما في المغصوب والمجحود ونحوهما وقطع الجمهور بوجوب
الزكاة فيه وقالوا لا اعتبار بامتناع التصرف فيه كما في الصبي والمجنون ولهم أن يفرقوا بين الحيلولة
وامتناع التصرف الواقعين في المرهون وبين الحيلولة وامتناع التصرف الواقعين في المغصوب بأن
ما حصل في ما حصل في المرهون حصل برهنه واقباضه وهو بما فعل منتفع بملكه ضربا من الانتفاع بخلاف
المغصوب والمجحود نعم يجئ في وجوب الزكاة في المرهون الخلاف بجهة أخرى وهي أن الرهن
لابد وأن يكون بدين فيأتي فيه الخلاف الذي سنذكره في أن الدين هل يمنع وجوب الزكاة أم لا
والذي قاله الجمهور جواب على القول المشهور وهو انه لا يمنع ثم إذا حكمنا بوجوب الزكاة فيبقى الكلام
في أنها تؤخذ من عين المرهون أو غيره وقد ذكر في الكتاب قبيل النوع الثاني من الزكاة فنشرحه إذا
انتهينا إليه (الرابعة) الدين الثابت على الغير إما ان لا يكون لا زما كمال الكتابة فلا زكاة فيه لان
الملك غير تام فيه وللعبد اسقاطه متى شاء وإن كان لازما فينظر إن كان ماشية فلا زكاة فيها أيضا
وذكروا له معنيين (أحدهما) ان السوم شرط لزكاة المواشي وما في الذمة لا يتصف بالسوم وذلك أن
تقول لم لا يجوز أن تكون الماشية الثابتة في الذمة موصوفة بوصف كونها سائمة الا ترى انا نقول
ذا أسلم في اللحم يتعرض لكونه لحم راعية أو معلوفة فإذا جاز ان يثبت في الذمة لحم راعية
جاز ان يثبت في الذمة راعية (وأصحهما) ان الزكاة إنما تجب في المال النامي والماشية في الذمة لا تنموا
بخلاف الدراهم إذا ثبتت في الذمة فان سبب الزكاة فيها رواجها وكونها معدة للتصرف ولا فرق
501

فيه بين أن يكون نقدا أو على مليئ وإن كان الدين عروض تجارة أو دراهم أو دنانير ففيه قولان
قال في القديم فيما رواه الزعفراني لا زكاة في الدين بحال لأنه لا ملك فيه حقيقة
فأشبه دين المكاتب (والجديد) الصحيح انها تجب في الدين في الجملة وتفصيله انه إن كان يتعذر
الاستيفاء لكون من عليه معسرا أو لكونه جاحدا ولا بينة عليه أو ماطله فهو كالمغصوب ففي وجوب
الزكاة فيه القولان ولا يجب الاخراج قبل حصوله قطعا وفرق في العدة بين الجحود والاعسار
فجعل وجوب الزكاة في الصورتين على القولين وبين المطل فقطع بوجوب الزكاة فيه وكذا فيما إذا
كان دينه على مليئ غائب وإن لم يتعذر استيفاؤه بأن كان على مليئ مقر باذل فينظر إن كان حالا
وجبت الزكاة فيه ويلزم إخراجها في الحال خلافا لا بي حنيفة وأحمد رحمهما الله حيث قالا لا يؤمر
باخراجها الا بعد القبض لنا انه مال مقدور عليه فأشبه ما لو كان مودعا عند انسان وإن كان مؤجلا
ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) انها تجب فيه الزكاة قولا واحدا كالمال الغائب الذي يسهل احضاره
(والثاني) انه لا زكاة فيه قولا واحدا ويحكى هذا عن ابن أبي هريرة لان من له دين مؤجل لا يملك
شيئا قبل حلول الأجل (والثالث) وبه قال أبو إسحاق أنه على القولين في المغصوب والمجحود لأنه
لا يتوصل إلى التصرف فيه قبل الحلول وهذا أظهر عند الأئمة وإذا قلنا تجب فيه الزكاة فهل يلزم
اخراجها في الحال فيه وجهان (أحدهما) نعم كالغائب الذي يسهل احضاره (وأصحهما) لا حتى
يقبضه لأنه لو أخرج خمسة نقدا مثلا وماله مؤجل كان بمثابة اخراج ستة وهو اجحاف به فان الخمسة
نقدا تساوى ستة نسيئة ولا سبيل إلى القناعة بما دون الخمسة (الخامسة) المال الغائب إذا لم يكن
مقدورا عليه لانقطاع الطريق أو انقطاع خبره فهو كالمغصوب والمجحود وذكر في التهذيب وجها
آخر انه يجب الزكاة فيه لا محالة نعم لا يخرج في الحال حتى يصل إليه وإن كان مقدورا عليه معلوم السلامة
وجب اخراج زكاته في الحال وينبغي أن يخرج في بلد المال فان أخرج في غير ذلك البلد ففيه خلاف
نقل الصدقة وهذا إذا كان المال مستقرا في بلد فإن كان سائرا فقد قال في العدة لا يخرج زكاته
حتى يصل إليه فإذا وصل زكاه لما مضي بلا خلاف ثم أعود بعد هذا إلى ما يتعلق بألفاظ الكتاب
502

(قوله) أو مجحود لا بينه عليه يتناول العين بجحدها من أودع عنده والدين جميعا وإنما قل لا بينة
عليه لأنه لو كان له بينة عاد له فالحكم كما لو لم يكن جاحدا لأنه يقدر على الاثبات والاستيفاء
ولو كان القاضي عالما بالحال وقلنا إنه يقضى بعلمه فهو كما لو كانت له بينة (وقوله) ففي جميع ذلك خلاف
أراد بالخلاف الذي أبهمه وجهين في الرهون على ما صرح به في الوسيط وقولين في سائر المسائل
جوابا على طريقة اثبات القولين فيهما ألا تراه يقول بعد ذلك وفي المغصوب قول ثالث ولك ان
تعلم قوله ففي جميع ذلك خلاف بالواو إشارة إلى الطرق القاطعة بالنفي أو الاثبات (وقوله) وفي
المغصوب قول ثالث إشارة إلى طريق من خص القولين بما إذا عاد المال إليه بفوائده وإذا ضم
ذلك إلى قول من طرد القولين خرجت ثلاثة أقوال كما ذكره وربما أوهم قوله وفي المغصوب قول
ثلث تخصيص هذا القول بالمغصوب من بين سائر الصور وليس كذلك بل هو جار في الضال
والمجحود أيضا (وقوله) أيضا قبل ذلك لحصول؟ الملك وامتناع التصرف إشارة إلى توجيه القولين
فحصول الملك وجه الوجوب وامتناع التصرف وجه المنع (وقوله) وان لم تعد الفوائد فلا غير مجرى
على ظاهره بل المعنى لا بأعيانها ولا بابدالها على ما سبق بيانه (وقوله) والتعجيل قبل عود المال
وقوله بعده لم يجب التعجيل ليس المراد من التعجيل ههنا معناه المشهور في الزكاة وهو التقديم على
الحول وإنما المراد التقديم على اخذ المال وقد جرى ذلك في لفظ الشافعي رضي الله عنه (وقوله)
والدين المؤجل أي على الموسر المقر (وقوله) قيل إنه كالمغصوب ليس للتسوية على الاطلاق فان القول
الثلث في المغصوب لا يأتي ههنا وإنما الغرض منه التسوية في القولين الأولين وكذا (قوله) وقيل
كالغائب الذي يسهل احضاره ليس مجريا على اطلاقه لان الغائب الذي يسهل احضاره يجب اخراج
زكاته في الحال وفي الدين لا يجب في أظهر الوجهين بل المراد التسوية في وجوب الزكاة قولا
واحدا ثم يجوز أعلام كلاميهما بالواو وللوجه المعزى إلى ابن أبي هريرة *
قال (السبب الثاني تسلط الغير على ملكه كالملك في زمن الخيار والمالك في اللقطة في السنة الثانية
إذا لم يتملكها الملتقط هل تجب الزكاة فيها فيه خلاف) *
503

في الفصل مسألتان (أحدهما) إذا باع مالا زكويا قبل تمام الحول بشرط الخيار فتم الحول في مدة
الخيار أو اصطحابه مدة فتم الحول في خيار المجلس فوجوب الزكاة ينبنى على الخلاف في أن الملك
في زمان الخيار لمن يكون: إن قلنا أنه للبائع فعليه الزكاة وبهذا القول أجاب الشافعي رضي الله عنه
في هذه المسألة التي نحن فيها وإن قلنا إنه للمشترى فلا زكاة على البائع لانقطاع حوله بزوال
ملكه والمشترى يبتدئ الحول من يوم الشراء فإذا تم الحول من يومئذ وجبت الزكاة عليه وان
قلنا إنه موقوف فان تم العقد تبين الملك للمشترى وان فسخ تبينا انه كان للبائع وحكم الحالتين
ما ذكرنا هذا ما ذكره الجمهور من أئمتنا رضي الله عنهم ولم يتعرضوا لخلاف بعد البناء على الأصل
المذكور قال امام الحرمين: الا صاحب التقريب فإنه قال وجوب الزكاة على المشترى مخرج على
القولين في المغصوب وبل أولى لعدم استقرار الملك مع ضعف التصرف وعلى هذا جري المصنف
فأثبت الخلاف في الملك في زمان الخيار قال امام الحرمين وإنما خرجه صاحب التقريب على
القولين إذا كان الخيار للبائع أو لهما فأما إذا كان الخيار للمشترى وحده والتفريع على أن الملك له
مملكه ملك الزكاة بلا خلاف لان الملك ثابت والتصرف نافذ وتمكنه من رد الملك لا يوجب
توهينا وعلى قياس هذه الطريقة يجرى الخلاف في جانب البائع أيضا إذا فرعنا على أن الملك له
وكان الخيار للمشترى فإنه لو أجاز لزال ملك البائع فهو ملك بتسلط الغير على ازالته (الثانية)
اللقطة في السنة الأولى باقية على ملك المالك فلا زكاة فيها على الملتقط وفي وجوبها على المالك
الخلاف المذكور في المغصوب والضال ثم إن لم يعرفها حولا فهكذا الحكم في سائر السنين وان
عرفها فيبنى حكم الزكاة على أن الملك في اللقطة يحصل بنفس مضى سنة التعريف أو باختيار
التملك أو بالتصرف وفيه اختلاف يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى جده فان قلنا يملك بانقضائها
فلا زكاة على المالك وفي وجوبها على الملتقط وجهان حكاهما الشيخ أبو محمد وبناهما على أن المالك
لو علم بالحال والعين باقية هل يتمكن من الاسترداد ولا ان قلنا نعم فهو ملك يتسلط الغير على
ازالته وان قلنا يملك باختيار التملك وعليه بنى المسألة في الكتاب حيث قال: إذا لم يتملكها
504

الملتقط وهو المذهب فينظر ان لم يتملكها فهي باقية على ملك المالك وفي وجوب الزكاة عليه طريقان
(أحدهما) ان فيه قولين كما في السنة الأولى قال في الشامل وغيره وهو الأصح (والثاني) القطع
بنفي الزكاة فيها وينقل ذلك عن حكاية أبي إسحاق والفرق ان ملك المالك في المغصوب ونظائره مستقر
غير معرض للزوال وملكه في اللقطة بعد سنة التعريف تعرض للإزالة وان تملكها الملتقط فليس
على صاحبها زكاتها وهو يستحق القيمة على التملك لكنها في حقه ملك ضال في وجوب زكاتها
الخلاف من وجهين (أحدهما) انه دين (والثاني) انه غير مقدور عليه فهو كالأعيان التي
لا يقدر عليها ثم الملتقط مديون بالقيمة فإن لم يملك غيرها ففي وجوب الزكاة عليه الخلاف الذي
نذكره في أن الدين هل يمنع وجوب الزكاة وان ملك ما بقي بالقيمة ففي الوجوب وجهان مبنيان
على ما سبق (أظهرهما) وأشهرهما الوجوب وان قلنا إن الملك فيها يحصل بالتصرف ولم يتصرف
فالحكم كما إذا لم يتملك وقلنا لا بد منه (واعلم) ان الملتقط لورد اللقطة بعد ظهور المالك تعين عليه
القبول وفي تمكن المالك من استردادها قهرا وجهان وهذا يوجب أن تكون القيمة الواجبة
بعرض السقوط و (حينئذ) لا يبعد التردد في امتناع الزكاة فان قلنا الدين لا يمنع الزكاة كالتردد في
وجوب الزكاة على الملتقط مع الحكم بثبوت الملك له لكونه يعرض للزوال وذا عرفت المسألتين
لم يخف عليك أن المراد من الخلاف الذي أبهم ذكره طريقان (أظهرهما) في كلام الأصحاب في
المسألة الأولى القطع بالوجوب (والثاني) اثبات القولين (وأظهرهما) في الثانية اثبات القولين
(والثاني) القطع بالمنع (وقوله) إذا لم يتملكها الملتقط أي بعد التعريف سنة فان التسلط حينئذ يثبت
قال (وإذا استقرض المفلس مائتي درهم ففي زكاته قولان وجه المنع ضعف الملك لتسلط مستحق
الدين عليه وقد يعلل بادئه إلى تثنية الزكاة إذ يجب على المستحق باعتبار يساره بهذا المال وعلى هذا
إن كان المستحق بحيث لا تلزمه الزكاة لكونه مكاتبا أو ذميا أو لكون الدين حيوانا أو ناقصا عن النصاب
وجبت الزكاة على المستقرض فإن كان المستقرض غنيا بالعقار وغيره لم يمتنع (ز ح م) وجوب الزكاة
بالدين وقيل أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة إلا في الأحوال الباطنة (ح)) *
الدين هل يمنع الزكاة اختلف فيه قول الشافعي رضي الله عنه قال في أكثر الكتب الجديدة
لا يمنع وهو المذهب لاطلاق النصوص الواردة في باب الزكاة وأيضا فإنه مالك النصاب وتصرفه
نافذ فيه وأيضا فان الزكاة إما أن تتعلق بالذمة أو بعين المال إن كان الأول فالذمة لا تضيق عن
505

ثبوت الحقوق وإن كان الثاني فالدين المتعلق بالذمة لا يمنع الحق المتعلق بالعين الا ترى أن عبد المديون
لو جني تعلق أرش الجناية برقبته وقال في القديم وفي اختلاف العراقيين من الجديد أنه يمنع لان
الزكاة حق يجب في الذمة بوجود مال فمنع الدين وجوبه كالحج وأيضا فلما سيأتي في التفريع ومن الأصحاب
من حكى قولا ثالثا وهو أن الدين يمنع الزكاة في الأموال الباطنة وهي الذهب والفضة وعروض
التجارة ولا يمنعها في الأموال الظاهرة وهي المواشي والزروع والثمار والمعادن والفرق أن الأموال
الظاهرة تنمو بنفسها أو هي نماء في نفسها والأموال الباطنة ليست كذلك وإنما ألحقت بالناميات للاستغناء
عنها واستعدادها للاسترباح بالتصرف والاخراج والدين يمنع من ذلك ويحوج ألي صرفها إلى قضائه وبهذا
القول الثالث قال مالك رضي الله عنه وبالقول الثاني قال أبو حنيفة رضي الله عنه إلا أنه لا يمنع
العسر عنده وعندنا لا فرق وعند احمد رحمه الله يمنع الزكاة في الأموال الباطنة وفي الظاهرة روايتان *
(التفريع) إن قلنا الدين لا يمنع الزكاة فلو أحاطت بالرجل ديون وحجر عليه القاضي فله ثلاث
أحوال (إحداها) أن يحجر ويفرق ماله بين الغرماء فههنا قد زال ملكه ولا زكاة عليه (والثانية)
أن يعين لكل واحد منهم شيئا من ماله على ما يقتضيه التقسيط ومكنهم من أخذه فحال الحول
ولم يأخذوه وقال معظم الأصحاب لا زكاة عليه أيضا لأنه ضعف ملكه وصاروا هم أحق به
ولم يحكوا فيه خلافا وحكى الشيخ أبو محمد في هذه الصورة عن بعض الأصحاب أن وجوب
الزكاة يرج على الخلاف في المجحود والمغصوب لأنه حيل بينه وبين ماله وعن القفال انه يخرج
على الخلاف في اللقطة في السنة الثانية لأنهم تسلطوا على إزالة ملكه تسلط الملتقط بخلاف المجحود
والمغصوب ولك أن تقول ميل الأكثرين في صورة اللقطة إلى وجوب الزكاة وههنا نفوا الوجوب
والصورتان يشتر كان في المعنى فهل من فارق (والجواب) انه يجوز أن يقال تسلط الغرماء أقوى
من تسلط الملتقط لأنهم أصحاب حق على المالك ولان تسلطهم يستند إلى تسليط الحاكم بخلاف
تسلط الملتقط وأيضا فالملك الذي يتسلطون على إزالة ملك المالك باثباته أقوى الا ترى أن للمالك
استرداد اللقطة بعد تملك الملتقط على أحد الوجهين وههنا بخلافه (واعلم) أن الشافعي رضي الله عنه قال
في المختصر ولو قضى عليه بالدين وجعل لهم ماله حيث وجدوه قبل الحول ثم حال الحول قبل أن
يقضيه الغرماء لم يكن عليه زكاة لأنه صار لهم دونه قبل الحول فمن الأصحاب من حمله على الحالة الأولى
ومنهم من حمله على الثانية (والثالثة) أن لا يفرق ماله ولا يعنى لكل واحد من الغرماء شيئا ويحول
506

الحول في دوام الحجر ففي وجوب الزكاة ثلاثة طرق (أصحها) تخريجه على الخلاف في المغصوب
والمجحود لان الحجر مانع من التصرف (والثاني) القطع بالوجوب وبه قال صاحب الافصاح لان
الملك حاصل والحجر لا يؤثر كحجر السفيه (والثالث) ويحكى عن أبي إسحاق القطع بالوجوب في
الموضي لان الحجر لا يؤثر في نمائها وتخريج الذهب والفضة على الخلاف في المغصوب لامتناع
التصرف وتوقف النماء فيها على التصرف وان قلنا الدين يمنع الزكاة فقد ذكر الأئمة في توجيهه أولا
شيئين واختلفوا في أن العلة منها ماذا (أحدهما) أن ملك المديون ضعيف لان مستحق الدين بسبيل
من أخذه إذا لم يوفر دينه (والثاني) أن مستحق الدين يلزمه الزكاة على ما سبق فلو ألزمنا المديون
الزكاة أيضا لصار المال الواحد سببا الزكاتين على شخصين وهو ممتنع ويتفرع على هذا الاختلاف
صور (إحداها) لو كان مستحق الدين لا تلزمه الزكاة لكونه ذميا أو مكاتبا فان قلنا بالمعنى الثاني
وجب على المديون لأنه لا يلزمه التثنية ههنا وان قلنا بالمعنى الأول لم يجب لان ضعف الملك لا يختلف
(الثانية) لو كان الدين حيوانا كما ذا ملك أربعين من سائمة الغنم وعليه أربعون من الغنم دينا عن
سلم فان قلنا بالمعنى الأول لم تجب الزكاة وان قلنا بالثاني تجب إذ لا تثنية فإنه لا زكاة في الحيوان
في الذمة كما مر في الفصل قبل هذا وعلى هذا يخرج أيضا ما لو أنبتت أرضه نصبا من الحنطة وعليه
مثله عن سلم (والثالثة) لو ملك نصابا والدين الذي عليه ناقص عن النصاب كما لو ملك مائتي درهم
وعليه مائة دينار ان قلنا بالمعني الأول فلا زكاة لتطرق النقصان إلى بعض المال ونقصان النصاب
بسببه وان قلنا بالمعنى الثاني تجب لأنه لا زكاة على المستحق باعتبار هذا المال كذا أطلقوه والمراد
ما إذا لم يملك سواه من دين أو عين والا فلو ملك ما يتم به النصاب فعليه زكاة باعتبار هذا المال ولو ملك
بقدر الدين ما لا زكاة فيه من العقار وغيره وجبت الزكاة في النصاب الزكوي على هذا القول أيضا
خلافا لا بي حنيفة رحمه الله وحكى الشيخ أبو حامد وجها مثل مذهبه مبنيا على لزوم التثنية ووجه
الوجوب مراعاة الحظ والنفع للمساكين ولو زاد ماله الزكوي على الدين نظر إن كان الفاضل نصابا
وجبت الزكاة فيه وفي قدر الدين القولان وإن كان دون النصاب لم يجب على هذا القول لا في القدر المقابل
للدين ولا في الفاضل *
(فرع) منقول عن الام. ملك أربعين من الغنم فاستأجر راعيا يرعاها بشاة وحال الحول
عليها نظر إن استأجر بشاة معينة من الأربعين فكانت مختلطة بباقي الشياه فعليها شاة على الراعي
507

جزء من أربعين منها والباقي على المستأجر وإن كانت منفردة فلا زكاة على واحد منهما وان استأجره
بشاة موصوفة في الذمة فإن كان للمستأجر مال آخر يفي بها وجبت الزكاة في الأربعين وإلا فعلى
القولين في أن الدين هل يمنع الزكاة (وأما) ما يتعلق بلفظ الكتاب من الفوائد (فقوله) وإذا استقرض
المفلس مائتي درهم أشار بلفظ المفلس إلى أنه لا يملك شيئا سوى ما استقرضه ففي هذه الصورة يظهر
القولان وفى معناها ما إذا كان الدين ينقص النصاب وإن لم يستغرقه فاما إذا ملك ما يفي به مما
لا زكاة فيه مع النصاب أو ملك فوق قدر الدين فقد ذكرناه ثم إن أجدت النظر في لفظ الكتاب
بحثت عن شيئين (أحدهما) أنه صور في الاستقراض ولا مدخل للأجل فيه فهل له اثر أم لا فرق بين
الدين الحال والمؤجل (والثاني) أنه صور فيما إذا كان من جنس ما على فهل يختص القولان به أم لا
وان لم يخص فما الحكم عند اختلاف الجنس (والجواب) أما الأول فلا فرق بين الدين الحال
والمؤجل هكذا أورد صاحب التهذيب وغيره (واما الثاني) فان قلنا الدين لا يمنع الزكاة عند اتحاد
الجنس فعند الاختلاف اولي وان قلنا يمنع فقد أشار امام الحرمين إلى تردد عند اختلاف الجنس
وقال الأصح المنع في هذه الصورة والأشبه بسياق كلامه انه أراد منع التأثير لكن الأصح في التهذيب
انه يمنع الزكاة تفريعا على هذا القول كما لو اتحد الجنس ويجوز ان يخرج هذا التردد على ما سبق
من التعليلين ان عللنا بالضعف فهو موجود وان عللنا بالتثنية فههنا لا تلزم التثنية في مال واحد (وقوله
) وجه المنع ضعف الملك إلى أن قال وقد يعلل أداءه إلى تثنية الزكاة. فيه إشارة إلى ترجيح العلة الأولى
حيث وجه المنع بها ثم حكي العلة الثانية حكاية والامر على ما شار إليه نقلا ومعنى اما النقل فلان
الأكثرين أجابوا في الصور المفرعة على التعليلين بما يقتضيه الأول وأما المعنى فمن وجهين (أحدهما) انا لا نسلم
لزوم التثنية في المال الواحد وهذا لان المستحق للمقترض هذا المال والمستحق للمقترض مطلق المال
لا هذا المال فليس وجوب الزكاة عليه باعتبار هذا المال حتى تلزم التثنية (والثاني) هب انه تلزم
التثنية في المال الواحد لكن التثنية كما تندفع بأن لا تجب الزكاة على المديون تندفع بأن لا تجب على
الدائن فلم يتعين الأول فان رجح جانب المديون بضعف ملكه عاد الكلام إلى العلة الأولى وان
رجح بأن ماله مستغرق بحاجة مهمة وهي قضاء الدين فهذا كاف في التوجيه ولا حاجة إلى توسط
واسطة التثنية (وقوله) أو يكون الدين حيوانا فيه استدراك لفظي من جهة أنه لم يذكر في أصل المسألة
عبارة تشمل الحيوان وغيره حتى يخرج على التعليلين ما إذا كان الدين حيوانا وإنما تكلم في استقراض مائتي
508

درهم والمديون بالدراهم لا يكون دينه حيوانا إلا أن اعتمد فهم المعنى و المقصود (وقوله) وإن كان المستقرض
غنيا بالعقار وغيره ولم يمتنع معلم بالحاء والواو لما قدمنا وأشار بلفظ العقار إلى أنه ملك ما لا غير زكوي ولك ان
تبحث عن قوله وغيره فتقول المراد مطلق غير العقار أم غير العقار الذي ليس بزكوي فإن كان الثاني فما الحكم
لو كان عليه دين وله مالان زكويان (والجواب) أن المراد الغير الذي ليس بزكوي (أما) إذا ملك ما لين زكويين
كنصاب من الغنم ونصاب من النقد وعليه دين نظر ان لم يكن الدين من جنس ما يملكه فقد قال في التهذيب
يقض عليهما فان خص كل واحد منهما ما ينقص به النصاب فلا زكاة على القول الذي عليه تفرع وذكر
أبو القاسم الكرخي وصاحب الشامل أنه يراعى الاحظ للمساكين كما أنه لو ملك مالا آخر غير
زكوي صرفنا لا أدين إليه رعاية لحقهم. ويحكي عن ابن سريح ما يوافق هذا وإن كان الدين
من جنس أحد المالين فان قلنا الدين يمنع الزكاة فيما هو من غير جنسه فالحكم كما لو لم يكن من
جنس أحدهما وإن قلنا لا يؤثر من غير الجنس اختص بالجنس (وقوله) وقيل الدين لا يمنع الزكاة إشارة
إلى القول الثالث في أصل المسألة على ما صرح به في الوسيط ويأتي فيه مثل استدراكه الذي على
القولين الأولين والله أعلم *
قال (ولو قال لله على أن أتصدق بهذا النصاب فهذا أولي بأن يمنع الزكاة لتعلقه بعين المال
ولو قال جعلت هذه الأغنام ضحايا فلا يبقى لايجاب الزكاة وجه متجه وإن تم الحول عليه. ولو قال
لله على التصدق بأربعين من الغنم فهذا دين لله فهو مرتب على دين الآدميين وأولي بأن لا يدفع الزكاة
ودين الحج كدين النذر) *
إذا قلنا الدين يمنع الزكاة فلا فرق عندنا بين دين الآدميين ودين الله تعالى وعند أبي حنيفة
رحمه الله دين الآدميين يمنع وكذا الزكاة تمنع الزكاة والكفارات لا تمنع. إذا عرفت ذلك ففي الفصل صور
(إحداها) لو ملك نصابا من المواشي أو غيرها فقال لله على أن أتصدق بهذا المال أو بكذا من هذا المال فمضى
الحول قبل التصدق هل تجب زكاته إن قلنا الدين يمنع وجوب الزكاة فههنا أولي بن لا تجب
الزكاة لتعلق النذر بعين المال وصيرورته واجب التصرف إلى ما نذر قبل وقت وجوب الزكاة
وإن قلنا الدين لا يمنع وجوب الزكاة فههنا وجهان (أحدهما) أنه كالدين لأنه في ملكه إلى أن يتصدق
(والثاني) يمنع لتعلقه بعين المال وامتناع التصرف فيه ويخرج مما حكيناه طريقان في هذه الصورة
(أحدهما) القطع بالمنع (والثاني) التخريج على الخلاف السابق والي هذا الترتيب أشار في الكتاب
509

بقوله فهذا أولى بأن يمنع الزكاة (الثانية) لو قال جعلت هذا المال صدقة أو هذه الأغنام ضحايا فقد
طرد في النهاية أصل التردد فيها وقال الظاهر أنه لا زكاة لان ما جعل صدقة لا يبقي فيه حقيقة ملك
بخلاف الصورة الأولى فإنه لم يتصدق وإنما التزم أن يتصدق ولفظ الكتاب يشعر أيضا ببقاء
الخلاف ههنا فإنه لم يجزم بامتناع الوجوب ولا نفى الخلاف وإنما نفى أن يكون للوجوب وجه بصفة
الاتجاه ولو قال لله على أن أضحي بهذه الشاة فهو كقوله جعلتها ضحية ان قلنا إن قوله لله على
التضحية بهذه يفيد التعيين وفيه خلاف مذكور في موضعه وإن تم الحول عليه لو لم يذكره لم يضر كما لم يتعرض له
في أخوات هذه الصورة وذلك لأنه لا يخفى ان الخلاف في وجوب الزكاة حينئذ يفرض (الثالثة)
لو أرسل النذر فقال لله على أن أتصدق بأربعين من الغنم أو بمائة درهم ولم يضف إلى ماشيته وورقه
فهذا دين نذر لله تعالي فيرتب على دين الآدميين فان قلنا أنه لا يمنع فهذا اولي وان قلنا إنه يمنع
ففي هذا وجهان (أحدهما) يمنع لأنه أيضا دين لازم في الذمة (وأصحهما) عند الامام أنه لا يمنع وفرق
بين الدينين من وجهين (أحدهما) ان هذا الدين لا يطالب به في الحال فكان أضعف حالا
(والثاني) ان النذر يشبه التبرعات إذا الناذر بالخيار في نذره فالوجوب بالنذر أضعف وهذه الصورة
والأولى حكاهما أبو القاسم الكرخي وغيره عن تفريع ابن سريج على كلام لحمد رضي الله عنهما وينبغي
أن يفهم هنا أن المال يتعين بتعيين الناذر إياه للصدقة ولو لم يتعين لما انتظم قوله في الصورة الأولى لتعلقه
بعين المال ولما كان فرق بين أن ينذر التصدق بهذه الأربعين وبين أن ينذر التصدق بأربعين وهذا المفهوم
هو ظاهر المذهب وفيه شئ نذكره إن شاء الله تعالى في شرح قوله في كتاب لا ضحايا ولو عين الدراهم للصدقة لم
تتعين وبالجملة فمن أجاب بعدم التعيين لا يستقيم منه الفرق في هذه الصورة وقوله في هذه الصورة وفي
الأولى لو قال لله على لو أبدله بأن يقول لو نذر التصدق بكذا لكان أولي لان الصيغة التي لا خلاف
فيها في النذر أن يقول إن شفى الله مريضي فلله على كذا أما إذا اقتصر على قو لله على كذا ففيه
قولان مذكوران في كتاب النذر فان قلنا أنها غير ملتزمة احتجنا إلى اضمار في لفظ الكتاب
ههنا (الرابعة) لو وجب عليه الحج وتم الحول على نصاب في ملكه هل يكون وجوب الحج دينا
مانعا من الزكاة إن قلنا الدين لا يمنع الزكاة فلا أثر له وان قلنا يمنع فقد ذكر الامام وتابعه المصنف
ان فيه وجهين كالوجهين في دين النذر في الصورة التي قبل هذه لان دين الحج وان وجب من غير
اختيار لكن المال غير مقصود فيه ودين النذر وإن كانت المالية مقصودة لكن الناذر التزمه متبرعا
510

فيعتدلان وأيضا فدين الجح لا يطالب به في الحال كدين النذر *
قال (وإذا اجتمع الزكاة ونذر في تركة ففي التقديم ثلاثة أقوال وفي الثالث يسوى بينهما ووجه
تقديم الزكاة تعلقها بالعين) *
إذا قلنا الدين لا يمنع الزكاة فمات قبل الأداء واجتمع الدين والزكاة في تركته ففيه ثلاثة
أقوال (أظهرها) أن الزكاة تقدم لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (فدين الله أحق بالقضاء) (1)
ولان الزكاة متعلقة بالعين والدين مسترسل في الذمة ولهذا تقدم الزكاة في حال الحياة ثم يصرف
الباقي إلى الغرماء (والثاني) يقدم دين الآدمي لافتقار دين الآدمي واحتياجه ولهذا إذا اجتمع
القصاص وحد السرقة يقدم القصاص (والثالث) أنهما يستويان فيوزع المال عليهما لان الحق
المالي المضاف إلى الله تعالى تعود فائدته إلى الآدميين أيضا وهم المنتفعون بها وعلى هذه الأقوال
تجرى مسائل نذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى جده ولك أن تعلم قوله ثلاثة أقوال
بالواو لان عن بعض الأصحاب طريقة أخرى قاطعة بتقديم الزكاة المتعلقة بالعين والأموال في اجتماع
الكفارات وغيرها مما يسترسل في الذمة مع حقوق الآدميين وقد تعرض الزكاة من هذا القبيل
بأن يتلف ماله بعد الوجوب والامكان ثم يموت وله مال فان الزكاة ههنا متعلقة بالذمة لا تعلق لها
بعين ماله والله أعلم *
قال (السبب الثالث عدم قرار الملك ففي الزكاة في الغنيمة قبل السمة ثلاثة أوجه وجه الاسقاط
ضعف الملك فإنه يسقط بالاسقاط وفي الثالث إن كان الكل زكويا وجب وإلا فلا لاحتمال أن الزكاة
تقع في سهم الخمس ولو أكرى دارا أربع سنين بمائة دينار نقدا وجب عليه في السنة الأولى زكاة
ربع المائة وفي الثانية زكاة نصفها لسنتين الا ما أدى وفي الثالثة زكاة ثلاثة أرباعها لثلاث سنين
لا ما أدى وفي الرابعة زكاة الجميع لأربع سنين ويحط عنه ما أدى لان الأجرة هكذا تستقر
بخلاف الصداق فان تشطره بالطلاق ليس مقتضي العقد وسقوط الأجرة بالانهدام مقتضى الإجارة
511

وفى المسألة قول ثان انه يجب في كل سنة اخراج زكاة جميع المائة) *
مقصود الفصل مسألتان (إحداهما) إذا أحرز الغازون الغنيمة فينبغي للامام أن يعجل قسمتها
ويكره له التأخير من غير عذر فإذا قسم فكل من اصابه مال زكوي وهو نصاب أو بلغ نصابا
مع الذي كان يملكه ابتدأ الحول من حينئذ وإن تأخرت القمسة بعذر أو بغير عذر حتى مضي حول
فهل تجب الزكاة ينظر إن لم يختاروا التملك فلا زكاة لأنها غير مملوكة للغانمين أو هي مملوكة لهم
ملكا في غاية الضعف والوهن ألا ترى أنه يسقط بمجرد الاعراض وللامام ان يقسمها بينهم قسمة
تحكم فيخص بعضهم ببعض الأنواع وبعض الأعيان إن اتحد النوع ولا يجوز هذا الضرب من القسمة
في سائر الا ملاك المشتركة الا بالتراضي وان اختاروا التملك ومضي حول من وقت الاختيار نظر
إن كانت الغنيمة أصنافا فلا زكاة سواء كانت مما تجب الزكاة في جميعها أو كان بعضها مما لا يجب
فيه زكاة لان كل واحد منهم لا يدرى ما ذا يصيبه وكم يصيبه وان لم تكن الا صنفا واحدا
زكويا وبلغ نصيب كل واحد من الغانمين نصابا فعليهم الزكاة وان بلغ مجموع انصبائهم نصابا وكانت الغنيمة
ماشية فكذلك وهم خلطاء فيها وكذا لو كانت غير ماشية وأثبتنا الخلطة فيه ولو كان يتم أنصباءهم
بالخمس نصابا فلا زكاة عليهم إذ الخلطة مع أهل الخمس لا تثبت لأنه لا زكاة في الخمس بحال من
حيث إنه لغير معينين كمال بيت المال من الفيئ وغيره ومال المساجد والرباطات فهذا حكم زكاة
الغنيمة على ما ذكره جمهور أئمتنا رحمهم الله من العراقيين والمراوزة وهو ظاهر المذهب وزاد في
التهذيب شيئين (أحدهما) ان لا زكاة قبل افراز الخمس بحال فن أفرز فحينئذ نفصل الامرين أن
يختار والتملك أو لا يختاروه وهذا لم يتعرض له الأكثرون ولم يفصلوا بين ان يفرز الخمس أو لا يفرز
وصرح في العدة بأنه لا فرق بين الحالين (والثاني) حكي في حالة عدم الاختيار وجها آخر انه تجب الزكاة وهذا
يتعرض له ما في الكتاب فإنه جعل وجوب الزكاة قبل القسمة على ثلاثة أوجه وهكذا حكى امام الحرمين قدس
الله روحه على أصل مذكور في السير وهو ان الغنيمة هل تملك قبل القسمة أم لا ان قلنا لا فلا زكاة فيها بحال وان
قلنا نعم ففي وجوب الزكاة هذه الأوجه (أحدها) لا لضعف الملك (والثاني) نعم اكتفاء بأصل الملك
(والثالث) إن كان في الغنيمة ما ليس بزكوي فلا تجب لجواز أن يجعل الامام الزكوي سهم الخمس
وإن كان الكل زكوي تجب وكان الأحسن لصاحب هذا الوجه أن يقول إن كان الزكوي بقدر
خمس المال لا تجب الزكاة فان زاد تجب زكاة القدر الزائد ويخرج مما تقدم وجه رابع وهو الظاهر
512

انهم ان اختاروا التملك وكانت الغنيمة صنفا واحدا زكويا وجبت الزكاة وإلا فلا وتمام توجيهه ينكشف
عند معرفة الأصل المحال على كتاب السير (المسألة الثانية) في زكاة الأجرة وقد أدرج في خلالها مسألة
أخرى يقتضى الشرح أن نقدمها فتقول إذا أصدق امرأته أربعين شاة سائمة بأعيانها فعليها الزكاة إذا
تم حول من يوم الاصداق سواء دخل بها أو لم يدخل قبضتها أو لم تقبض لأنها ملكت الصداق بالعقد
وبه قال أحمد رحمه الله وعند أبي حنيفة رحمه الله إذا لم تقبضها فليس عليها ولا على الزوج زكاتها ويأتي لنا
وجه مثله تفريعا على أن الصداق مضمون ضمان العقد فإنه يكون على الخلاف الذي سبق في المبيع قبل القبض
وظاهر المذهب هو القطع بالوجوب وعلى هذا فلو طلقها قبل الدخول نظر ان طلق قبل الحول عاد نصفها إلى
الزوج فإن لم يميزا فهما خليطان فعليها عند تمام الحول من يوم الاصداق نصف شاة وعليه عند تمام الحول من
يوم الطلاق نصف شاة وإن طلقها بعد الحول فلا يخلو اما إن كانت قد أخرجت الزكاة من عينها أو
من موضع آخر أو لم تخرج أصلا فهذه ثلاث أحوال (إحداها) إذا كانت قد أخرجت الزكاة من
عينها فإلى ماذا ترجع فيه ثلاثة أقوال (إحداها) أنه يأخذ نصف الصداق من الموجود ويجعل المخرج
من نصيبها فان تساوت قيم الشياه أخذ عشرين منها وإن تفاوتت أخذ النصف بالقيمة قال المسعودي
وهذا رواية الربيع (والثاني) يأخذ نصف الأغنام الباقية ونصف قيمة الشاة المخرجة (والثالث) انه
بالخيار بين ما ذكرنا في القول الثاني وبين أن يترك الكل ويأخذ نصف القيمة وهذا مخرج مما لو
أصدقها إناءين فانكسر أحدهما وطلقها قبل الدخول نص فيه على القول الثاني والثالث قال الأئمة
ولفظ المختصر في المسألة التي نحن فيها صالح للقول الأول والثاني وهو إلى الأول أقرب (الحالة
الثانية) إذا كانت قد أخرجت من موضع آخر فان قلنا تتعلق الزكاة بالذمة أو قلنا تتعلق بالعين
لا على سبيل الشركة عاد نصف الأربعين إلى الزوج وإن قلنا تتعلق بالعين على سبيل الشركة فقد
قال الصيد لأني وجماعة من الأئمة يبني هذا على الوجهين فيما إذا زال ملكها عن الصداق وعاد إليها ثم
طلقها قبل الدخول (أحدهما) يرجع بنصف القيمة كما لو طلقها ولم يعد (والثاني) بنصف العين كما
لو طلقها ولم يزل لكن الشاة التي زال ملكها عنها وعاد بأداء الزكاة من موضع آخر غير متعينة فعلى
الوجه الأول لا يأخذ شيئا من الأربعين بل يدع إلى نصف القيمة وعلى الثاني يأخذ نصف الأربعين
وهذا ما ذكره أصحابنا العراقيون وغيرهم من غير تفصيل (والثالثة) إذا لم تخرج الزكاة أصلا حتى
طلقها ففيه اختلاف وتفريع طويل مبنى على كيفية تعلق الزكاة والجواب الخارج على ظاهر المذهب
ما ذكره في التهذيب إن شاء الله تعالى وهو ان نصف الأربعين يعود إلى الزوج شائعا فان جاء الساعي
513

وأخذ من عينها شاة رجع الزوج عليها بنصف قيمتها * جئنا إلى مسألة الأجرة إذا أكرى دارا
أربع سنين بمائة دينار معجلة وقبضها كيف يخرج زكاتها فيه قولان (أحدهما) ذكره في الام ونقله
المزني في المختصر أنه لا يلزمه أن يخرج عند تمام كل سنة الا زكاة القدر الذي استقر ملكه عليه
لأنها قبل الاستقرار يعرض السقوط بانهدام الدار فأورث ضعف الملك (والثاني) قاله في البويطي
واختاره المزني أنه يلزمه عند تمام السنة الأولى زكاة جميع المائة لأنه ملكها ملكا تاما ألا ترى أنه لو كانت
الأجرة جارية يحل وطؤها وطؤها ولو كان الملك ضعيفا لم حل غايته أنه يتوهم سقوط بعض الأجرة بالانهدام
لكنه لا يقدح في وجوب الزكاة كما أن المرأة يلزمها زكاة الصداق قبل الدخول وإن كان يتوهم عود
جميعه بارتداد أحدهما أو عود نصفه بالطلاق وهذا القول أصح عند صاحب المهذب ومال إليه في
الشامل لكن الجمهور على ترجيح القول الأول وهو الذي يقتضيه ايراد الكتاب والقول بثبوت
الملك التام في الأجرة ممنوع على رأى بعض الأصحاب فان صاحب النهاية حكى طريقة أن الملك
يحصل في الأجرة شيئا فشيئا فمن قال بذلك لا يسلم بثبوت الملك في الأجرة فضلا عن ثبوت الملك
التام وعلى التسليم فوجه الضعف والنقصان ما ذكرنا واما حل الوطئ فلا نسلم أنه يتوقف على ارتفاع
الضعف من كل جهة وأما الصداق فقد روي الحناطي عن ابن سريج تخريج قول من الأجرة في
الاصداق فعلى هذا لا أفرق وعلى التسليم فالفرق أن الأجرة تستحق في مقابلة المنافع فإذا لم تسلم
المنافع للمستأجر ينفسخ العقد من أصله والصداق ليس في مقابلة المنافع ألا ترى أنها لو ماتت يستقر الصداق
وان لم تسلم المنافع للزوج والتشطر ثبت بتصرف من جهة الزوج يفيد ملك النصف عليها ولا ينقص ملكها من
الأصل (التفريع) إن قلنا بالقول الأول أخرج عن تمام السنة الأولى زكاة ربع المائة وهو خمسة
وعشرون دينارا وزكاتها خمسة أثمان دينار لان ملكه استقر على هذا القدر فإذا مضت السنة
الثانية فقد استقر ملكه على خمسين دينارا وكانت في ملكه سنتين زكاها زكاة خمسين لسنتين
وهي ديناران ونصف لكنه قد أدى زكاة خمسة وعشرين لسنة فيحط ذلك ويخرج الباقي وهو
دينار وسبعة أثمان دينار فإذا مضت السنة الثالثة فقد استقر ملكه على خمسة وسبعين دينار أو كانت
في ملكه ثلاث سنين وزكاتها لثلاث سنين خمسة دنانير وخمسة أثمان دينار أخرج منها للسنتين
الماضيتين دينارين ونصفا يبقي ثلاثة دنانير وثمن يخرجها الآن فإذا مضت السنة الرابعة فقد استقر
ملكه على جميع المائة وكانت في ملكه أربع سنين وزكاة المائة لأربع سنين عشرة دنانير أخرج
من ذلك خمسة دنانير وخمسة أثمان دينار فيخرج الباقي وهو أربعة دنانير وثلاثة أثمان دينار وقد
514

يعبر عن هذا المعنى بعبارة أخرى فيقال يخرج عند تمام السنة الأولى زكاة خمسة وعشرين لسنة
وعند تمام الثانية زكاة خمسة وعشرين لسنتين وزكاة الخمسة والعشرين الأولى لسنة وعند تمام الثالثة زكاة
الخمسين لسنة وزكاة خمسة وعشرين أخرى لثلاث سنين عند تمام الرابعة زكاة الخمسة والسبعين لسنة
وزكاة خمسة وعشرين لأربع سنين هذا إذا كان يخرج واجب كل سنة من غير المائة وأما إذا أخرج من عينها
واجب السنة الأولى فعند تمام الثانية أخرج زكاة الخمسة والعشرين الأولى سوى ما أخرج في السنة الأولى
لسنة وزكاة خمسة وعشرين أخرى لسنتين وعند تمام الثالثة يخرج زكاة الخمسين سوى ما أخرج في السنتين
الأوليين وزكاة خمسة وعشرين أخرى لثلاث سنين وعلى هذا قياس السنة الرابعة. وإن قلنا
بالقول الثاني وهو أنه يخرج زكاة جميع المائة عند تمام السنة الأولى فعليه مثل ذلك عند تمام كل سنة
إن كان يخرج الواجب من موضع آخر وإن كان يخرج منها فعند تمام السنة الثانية يخرج زكاة سبعة
وتسعين دينارا ونصفا وقس على هذا السنتين الآخرين. وزاد أصحابنا العراقيون في التفريع
على القول الأول كلاما آخر وهو مبنى على أن القولين في المسألة في كيفية الاخراج وزكاة جميع
الملة واجبة عند تمام الحول الأول بلا خلاف أو هما في نفس الوجوب فعن القاضي أبي الطيب أنهما
في نفس الوجوب وبه يشعر كلام طائفة وقال الشيخ أبو حامد وشيعته: القولان في كيفية الاخراج
والوجوب ثابت قطعا واحتجوا له له بأنه لو امتنع الوجوب على أحد القولين لعدم استقرار الملك لكان
يستأنف الحول ولا يزكيه لما مضى كمال الكتابة فلما نص في هذا القول على أنه يزكي لما مضي دانه ل؟
لم يجعل هذا الاختلال مانعا من الوجوب وهذا قضية كلام الأكثرين صريحا أو إشارة ثم هؤلاء
القاطعون بالوجوب غاصوا فقالوا في التفريع على القول الأول يخرج في السنة الأولى زكاة خمسة
وعشرين كما سبق ثم يبني الحكم بعدها على الخلاف في أن الزكاة استحقاق جزء من العين أم لا
وإن قلنا ليست استحقاق جزء من العين فهل الدين يمنع الزكاة أم لا فإذا مضت السنة الثانية فقد
استقر ملكه على خمسين أما الخمسة والعشرون الأولى فقد زكاها للسنة الأولى فإن كان قد أخرج
زكاتها من غيرها زكاها للسنة الثانية أيضا وإن كان قد أخرج من عينها زكى ما بقي منها (وأما) الخمسة
والعشرون الثانية فقد وجب الزكاة في السنة الأولى في جميعها وعليه إخراجها الآن وأما زكاة السنة
الثانية فان قلنا ليست استحقاق جزء وقلنا الدين لا يمنع الزكاة فكذلك يخرج الزكاة عن جميعها
وإن قلنا أنها استحقاق جزء وقلنا ليست كذلك لكن الدين يمنع الزكاة ولم يملك شيئا آخر فلا
يزكي للسنة الثانية عن جميعها بل عما سوى القدر الواجب في السنة الأولى لان ذلك القدر قد
515

استحقه المساكين أو هو دين يمنع وجوب الزكاة في قدره ثم إذا مضت السنة الثالثة فقد استقر
ملكه على خمسة وعشرين أخرى أما الأولى والثانية فقد اخرج زكاتهما لما مضى على التفصيل
المذكور فان اخرج من موضع آخر زكي جميعها للسنة الثالثة أيضا وإن أخرج منها زكي الباقي وأما
هذه الثالثة فقد مضي عليها ثلاث سنين فان قلنا الزكاة ليست استحقاق جزء والدين لا يمنع الزكاة
أخرج زكاة جميعها لثلاث سنين وإن قلنا إنها استحقاق جزء وقلنا الدين يمنع الزكاة ولم يملك شيئا
آخر فيخرج زكاة جميعها للسنة الأولى وزكاة جميعها سوى قدر الواجب في السنة الأولى للثانية وزكاة
جميعها سوى قدر الواجب في السنتين الأوليين للثالثة وقس الرابعة على هذا * ثم ههنا كلامان
(أحدهما) للمسألة شريطة ذكرها إمام الحرمين وهي أن تكون أجرة السنتين متساوية ولابد منها
لأنها لو تفاوتت لزاد القدر المستقر في بعض السنين على ربع المائة ونقص في بعضها لان الإجارة
إذا انفسخت توزع الأجرة المسماة على أجرة المثل في المدتين الماضية والمستقبلة (والثاني) لعلك
تبحث فتقول: كلام المسألة فيما إذا كانت المائة في الذمة ثم نقدا أم فيما إذا كانت الإجارة بمائة معينة
أم لا فرق (أما) كلام النقلة (فإنه) يشمل الحالتين جميعا (وأما) التفصيل والنص عليهما فلم أر له
تعرضا الا في فتاوى القاضي حسين قال في الحالة الأولى: الظاهر أنه يجب زكاة كل المائة إذا حال
الحول لان ملكه مستقر على ما أخذ حتى لو انهدمت الدار لا يلزمه رد المقبوض بل له رد مثله وفي الحالة
الثانية قال: حكم الزكاة حكمها في المبيع قبل القبض لأنه بفرض ان يعود إلى المستأجر بانفساخ
الإجارة وبالجملة فالصورة الثانية أحق بالخلاف من الأولى وما ذكره القاضي اختيار للوجوب في
الحالتين جميعا فاعلم ذلك. وعد بعده إلى لفظ الكتاب (اما قوله) نقدا (فهو) إشارة إلى كونها حالة
مقبوضة والأجرة عندنا تملك بنفس العقد معجلة ان أطلقا أو شرطا التعجيل ومؤجلة ان شرطا
التأجيل فإذا كانت دينا حالا أو مؤجلا زاد ما سبق من الكلام في زكاة الدين (وقوله) وجبت
عليه في السنة الأولى (فيه) المباحث التي تقدمت في أن الكلام في نفس الوجوب أو في وجوب
الاخراج واللفظ إلى الاحتمال الأول أقرب (وقوله) زكاة ربع المائة وكذا زكاة نصفها وزكاة نصفها وزكاة ثلاثة
أرباعها (يجوز) ان يعلم بالميم لان الشيخ أبا محمد حكى فيما علق عنه عن مالك انه يجب في كل سنة
زكاة جميع المائة كالقول الثاني (وقوله) في القول الثاني تجب في كل سنة (معلم) بالحاء لان مذهب
أبي حنيفة رحمه الله كالقول الأول وعبارة الكتاب في القولين جميعا محمولة على ما إذا أخرج
الواجب من غير المائة وهي الحالة التي ينزل عليها كلام الشافعي رضي الله عنه في المختصر فإن كان
516

يخرج من عينها فقد ذكرنا حكمه * ثم نختم الفصل بفرعين (أحدهما) باع شيئا بنصاب من النقد مثلا
وقبضه ولم يقبض المشترى المبيع حتى حال الحول هل يجب على البائع اخراج الزكاة يخرج على
القولين لان الثمن قبل قبض المبيع غير مستقر وخرجوا على القولين أيضا ما إذا أسلم نصابا في ثمرة
أو غيرها وحال الحول قبل قبض المسلم فيه وقلنا إن تعذر المسلم فيه يوجب انفساخ العقد وان قلنا إنه
يوجب الخيار فعليه اخراج الزكاة (الثاني) أو ضي لانسان بنصاب ومات الموصى ومضى
حول من يوم موته قبل القبول. ان قلنا الملك في الوصية يحصل بالموت فعلى الموصى له الزكاة
وإن كان يرتد برده وان قلنا يحصل بالقبول فلا زكاة عليه ثم إن أبقيناه على ملك الميت فلا زكاة
على أحد وان قلنا إنه للوارث فهل عليه الزكاة فيه وجهان (أصحهما) لا وان قلنا أنه
موقوف فإذا قبل بان أنه ملك بالموت فهل عليه الزكاة روى في التهذيب فيه وجهين (أصحهما) لا
لان ملكه لم يكن مستقرا عليه *
قال (الركن الثالث فيمن تجب عليه وهو كل مسلم حر فتجب في مال الصبي (ح) والمجنون (ح)
وفي مال الجنين تردد وتجب على المرتد (م ح) ان قلنا ببقاء ملكه مؤاخذة له بالاسلام ولا زكاة على
مكاتب ورقيق ولا على سيديهما في مالهما ومن ملك بنصفه الحر شيئا لزمته (م ح) لزكاة) *
فقه الفصل صور (إحداها) تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون وبه قال مالك وأحمد خلافا
لأبي حنيفة رحمهم الله وسلم وجوب العشر وصدقة الفطر لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال
(من ولي يتيما فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال
517

(ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة) (1) إذا تقرر ذلك فيجب على الولي اخراجها من مالها فإن لم
يفعل أخرج الصبي بعد البلوغ والمجنون بعد الإفاقة زكاة ما مضى وهل تجب في المال المنسوب
إلى الجنين حكي إمام الحرمين فيه ترددا لوالده رحمهما الله قال والذي ذهب إليه الأئمة أن الزكاة
لا تجب فيه لان حياة الحمل غير موثوق بها وكذلك وجوده ونحن وإن قضينا بأن الحمل يعرف
فالحكم يتعلق به عند انفصاله (والثاني) أنه تجب الزكاة إذا انفصل كما في مال الصبي والمجنون
(الثانية) الكافر الأصلي غير ملزم باخراج الزكاة لا في الحال ولا بعد الاسلام وأما المرتد فلا يسقط
عنه ما وجب في الاسلام فإذا حال الحول على ماله في الردة فهل تجب فيه الزكاة يبني على الخلاف
في ملكه إن قلنا يزول ملكه بالردة (فلا) (وان قلنا) لا يزول (فنعم) مؤاخذة له بحكم الاسلام (وان
قلنا) انه موقوف إلى أن يعود إلى الاسلام أو يهلك على الردة فالزكاة أيضا على الوقف فان قلنا
لا يزول ملكه وأوجبنا الزكاة فقد ذكر في التهذيب انه لو أخرج في حال الردة جاز كما لو أطعم عن
الكفارة بخلاف الصوم لا يصح منه لأنه عمل البدن فلا يصح إلا ممن يكتب له وروى في النهاية
518

عن صاحب التقريب أنه لا يبعد أن يقال لا يخرجها ما دام مرتدا وكذا الزكاة الواجبة قبل الردة
لان الزكاة قربة مفتقرة إلى النية فعلى هذا ان عاد إلى الاسلام أخرج الزكاة الواجبة في الردة وقبلها
وان هلك على الردة حصل اليأس عن الأداء وبقيت العقوبة في الآخرة قال الامام هذا خلاف
ما قطع به الأصحاب لكن يحتمل أن يقال إذا أخرج في الردة ثم أسلم هل يعيد الزكاة فيه وجهان
كالوجهين في الممتنع إذا ظفر الامام بماله وأخذ الزكاة منه هل يجزئه أم لا ولك ان تعلم قوله في
الكتاب ان قلنا يبقي ملكه بالواو لان الحناطي ذكر انه يحكي عن ابن سريج أنه تجب الزكاة على
الأقاويل كلها كالنفقات والغرامات (الثالثة) لا تجب الزكاة على المكاتب لا العشر ولا غيره وبه
قال مالك واحمد وقال أبو حنيفة يجب العشر في زرعه لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا زكاة
في مال المكاتب) (1) وأيضا فان ملكه ضعيف ألا ترى انه لا يرث ولا يورث عنه ولا يعتق عليه قريبه
ثم إذا عتق وبقي المال في يده ابتدأ الحول من يوم العتق وان عجز وصار ما في يده للسيد ابتدأ
الحول حينئذ (الرابعة) العبد القن لا يملك بغير تمليك السيد لا محالة وهل يملك بتمليك السيد فيه
قولان مذكوران في الكتاب في موضعهما فان قلنا لا وهو المذهب فزكاة ما ملكه من الأموال
الزكوية على السيد ولا حكم لذلك التمليك وان قلنا نعم فلا زكاة على العبد كما لا زكاة على المكاتب
وبل اولي لان للسيد ان يسترده وينتزعه متى شاء وهل يجب على السيد فيه وجهان (أصحهما) لا
لان ملكه زائل (والثاني) نعم لان ثمرة الملك باقية فان للسيد أن يتصرف فيه كيف شاء وإذا
أعتق العبد ارتد الملك إليه بخلاف ملك المكاتب إذا عتق حكي هذا الوجه أبو عبد الله الحناطي
ونقله الامام عن شرح التلخيص وقد عرفت بما ذكرنا ان قوله ولا على سيديهما في مالهما تفريع
على أن العبد يملك بتمليك السيد إياه والا فليس للعبد مال وهو معلم بالواو لما روينا من الوجه الثاني
والمدبر وأم الولد كالعبد القن (الخامسة) من بعضه حر وبعضه رقيق لو ملك بنصفه الحر نصابا
فهل عليه زكاته فيه وجهان (أحدهما) لا لنقصانه بالرق كالعبد والمكاتب وهذا هو الذي ذكره في
الشامل (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه تجب لان ملكه تام على ما ملكه بالجزء الحر منه
519

ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه أنه يكفر كفارة الحر الموسر وقال إنه يلزمه زكاة الفطر بقدر
ما هو حر هذا تمام الصور وقد تبين بها أن المعتبر فيمن تجب عليه الحرية والاسلام على ما ذكر
أول الفصل لكن قوله وهو كل حر مسلم يقتضي أن لا تجب الزكاة على من ملك بنصفه الحر
لأنه يقع على من جميعه حر فأما من بعضه حر وبعضه رقيق يصدق عليه القول بأنه ليس بحر فلما
وجبت الزكاة عليه على ظاهر المذهب وهو الذي ذكره في الكتاب وجب تأويل اللفظ *
قال (النظر الثاني للزكاة طرف الأداء وله ثلاثة أحوال (الأولى) الأداء في الوقت
وهو واجب على الفور (ح) عندنا ويتخير بين الصرف إلى الامام أو إلى المساكين في الأموال
الباطنة وأيهما أولى فيه وجهان والصرف إلى الامام أولى في الأموال الظاهرة وهي يجب
فيه قولان) *
ذكر في أول الزكاة أن النظر في الوجوب والأداء وقد فرغ الآن من النظر الأول (وأما) الأداء
(فله) ثلاث حالات لأنه إما يتفق في الوقت أو قبله أو بعده (الحالة الأولى) الأداء في الوقت
وهو واجب على الفور بعد التمكن وقوله عندنا قصد به التعرض لمذهب أبي حنيفة رحمه الله فيما
رواه امام الحرمين وغيره انها واجبة على التراخي ونقل صاحب الشامل وغيره اختلافا لأصحابه
فيه فعن الكرخي انها على الفور وعن أبي بكر الرازي انها على التراخي * لنا أن الامر بايتاء الزكاة
وارد وحاجة المستحقين ناجزة فيتحقق الوجوب في الحال * ثم أداء الزكاة يفتقر إلى وظيفتين فعل
الأداء يفرض على ثلاثة أوجه (أحدهما) أن يباشره بنفسه وهو جائز في الأموال الباطنة لما روى عن
عثمان رضي الله عنه أنه قال في المحرم (هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقض دينه ثم ليزك
بقية ماله) والأموال (1) الباطنة هي الذهب والفضة وعرض التجارة والركاز وزكاة الفطر ملحقة بهذا
النوع وأما الأموال الظاهرة وهي المواشي والمعشرات والمعادن فهل يجوز أن يفرق زكاتها بنفسه
فيه قولان (أصحهما) وهو الجديد نعم كزكاة الأموال الباطنة (والثاني) وهو القديم ومذهب أبي
حنيفة رحمه الله ويروى عن مالك أيضا انه لا يجوز بل يجب صرفها إلى الامام لقوله تعالي
(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ولأنه مال للامام المطالبة به فيجب دفعه إليه كالخراج
هذا إذا كان الامام عادلا فإن كان جائرا فوجهان (أحدهما) يجوز ولا يجب خوفا من أن لا يوصله
520

إلى المستحقين (وأصحهما) انه يجب لنفاذ حكمه وعدم انعزاله بالجور وعلى هذا القول لو فرق بنفسه
لم يحسب وعليه أن يؤخر ما دام يرجو مجئ الساعي فإذا أيس فرق بنفسه (والثاني) أن يصرف
إلى الامام وهو جائز فان نائب المستحقين (وكان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده يبعثون السعاة
لاخذ الزكاة) (1) (والثالث) أن يوكل بالصرف إلى الامام أو بالتفرقة على المستحقين حيث يجوز له
التفرقة بنفسه وهو جائز أيضا لأنه حق مالي فيجوز التوكيل في أدائه كديون الآدميين (وأما)
الأفضل من هذه الطرق فلا خلاف في أن تفرقة الزكاة بنفسه أفضل من التوكيل بها لأنه على يقين من
من فعل نفسه وفي شك من فعل الوكيل وبتقدير أن يجوز لا يسقط الفرض عن الموكل وله على
الوكيل غرم ما أتلف وفي الأفضل من الطريقين الأولين في الأموال الباطنة وجهان (أحدهما) وبه
قال ابن سريج وأبو إسحاق ان الصرف إلى الامام أولى لأنه أعرف بأهل السهمان واقدر على التفرقة
بينهم ولأنه إذا فرق الامام كان على يقين من سقوط الفرض بخلاف ما لو فرق بنفسه لجواز ان
أن يسلم إلى من ليس بصفة الاستحقاق وهو يظنه بصفة الاستحقاق (والثاني) أن الأولى أن يفرقها

(1) في بعض النسخ وبعث الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق ساعيا
521

بنفسه لأنه بفعل نفسه أوثق ولينال اجر التفريق وليخص به أقاربه وجيرانه وهذا الوجه هو
المذكور في التهذيب والعدة ومن قال به تعلق بقوله في المختصر وأحب أن يتولى الرجل قسمتها
بنفسه ليكون على يقين من أداءها عنه والأول هو الأظهر عند أكثر الأئمة من العراقيين وغيرهم
ولم يذكر الصيدلاني غيره وحملوا قول الشافعي رضي الله عنه على أنه أولى من التوكيل ومنهم من
قال أراد به في الأموال الغير الظاهرة وأما في الأموال الظاهرة فالأولى الصرف إلى الامام ليخرج
عن شبهة الخلاف ومنهم من أطلق الخلاف من غير فرق بين الأموال الباطنة والظاهرة وهكذا
فعل صاحب الكتاب في قسم الصدقات وعبر عن هذا الخلاف بالقولين على خلاف المشهور ورأيت
المحاملي صرح في القولين والوجهين بطرد الخلاف فليكن قوله والصرف إلى الامام في الأموال
الظاهرة أولي معلما بالواو وحيث قلنا الصرف إلى الامام أولى فذلك إذا كان الامام عادلا فإن كان
جائرا فوجهان (أحدهما) انه كالعادل ويحكى ذلك عن صاحب الافصاح لما روى أن سعد
ابن أبي وقاص وأبا هريرة وأبا سعيد رضي الله عنهم سئلوا عن الصرف إلى الولاة الجائرين فأمروا
به وأصحهما وهو الذي ذكره في الكتاب في قسم الصدقات ان التفريق بنفسه اولي من الصرف إليه
لظهور جوره وخيانته بل حكى الحناطي وجها انه لا يجوز الصرف إلى الجائر فضلا عن الأفضلية *
قال (وتجب نية الزكاة بالقلب (ح) فينوي الزكاة المفروضة فإن لم يتعرض للفرض فوجهان
ولا يلزم تعيين المال فان قال عن مالي الغائب وكان تالفا لم ينصرف إلى الحاضر ولو قال عن الغائب فإن كان
تالفا فعن الحاضر أو هو صدقة جاز لأنه مقتضي الاطلاق) *
الوظيفة الثانية النية ولابد منها في الجملة لقوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) (2) وهل
المعتبر قصد القلب أم يكفي القول باللسان قال الشافعي رضى عنه في المختصر وإذا ولى الرجل زكاة
ماله لم يجزه إلا بنية أنه فرض والنية هي القصد فقضية هذا اعتبار قصد القلب ونقل عن الام أنه
سواء نوى أو تكلم بلسانه انه فرض يجزئه قال الأصحاب في المسألة وجهان وقال القفال وغيره
قولان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه لابد من قصد القلب وهذا ما خرجه ابن القاص واليه
522

ذهب صاحب التقريب (والثاني) انه يكفي القول باللسان وهو اختيار القفال فيما حكى الصيدلاني
واحتج بأن اخراج الزكاة في حال الردة جائز ومعلوم أن المرتد ليس من أهل نية هي قربة فدل أن
لفظه كاف وأيضا فان الزكاة تجرى فيها النيابة وان لم يكن النائب من أهلها فإذا جاز ان ينوب فيها
شخص عن شخص جاز ان ينوب اللسان عن القلب ولا يلزم الحج فان النائب فيه لابد وأن يكون
من أهل الحج ومن قال بالأول حمل كلامه في الام على أنه لا فرق بين أن يقتصر على قصد القلب
وبين ان يجمع بين قصد القلب والتلفظ (وأما) فصل المرتد ففي أداءه الزكاة في حال الردة كلام
تقدم وعلى التسليم فلا نسلم ان القصد غير معتبر في حق المرتد نعم لا يتصور منه قصد هو قربة
لكن كما لا يتصور منه ذلك لا يتصور أيضا لفظ هو قربة وقد قيل للقفال لا يسقط الفرض
حتى يقول المرتد هذا عطاء فرض فقال كذا ينبغي أن يكون فإذا جاز اعتبار اللفظ وإن لم يكن
قربة لم لا يجوز اعتبار القصد وان لم يكن قربة (وأما الوجه الثاني) فهو باطل بالوضوء فإنه يجوز فيه
إنابة الأهل وغير الأهل ومع ذلك يعتبر فيه قصد القلب وروى الشيخ أبو علي طريقة أخرى عن
بعضهم قاطعة باعتبار قصد القلب * وكيفية النية ان ينوى هذا فرض زكاة مالي أو فرض صدقة
مالي أو زكاة مالي المفروضة أو الصدقة المفروضة ولا يكفي التعرض لفرض المال فان ذلك قد يكون
كفارة ونذرا ولا يكفي التعرض للصدقة في أصح الوجهين فإنها قد تكون نافلة ولو تعرض للزكاة
دون صفة الفرضية فهل يجزئه فيه وجهان الذي ذكره الأكثرون انه يجئه لان الزكاة لا تكون الا
مفروضة قال في النهاية وهما كالوجهين فيما إذا نوى صلاة الظهر ولم يتعرض للفرضية لكن صلاة الظهر
قد تكون نافلة من الصبي وممن صلى منفردا ثم أعاد في جماعة ولا انقسام في الزكاة ولا يجب تعيين
المال المزكي عنه فان غرض تنقيص المال ودفع حاجة المستحقين لا يختلف بل يزكي عن مواشيه ونقوده
حتى يخرج تمام الواجب فلو ملك أربعمائة درهم مثلا مائتان حاضرتان ومائتان غائبتان فأخرج خمسين
من غير تعيين جاز وكذا لو ملك أربعين من الغنم وخمسا من الإبل فأخرج شاتين ولو أخرج خمسة
مطلقا ثم بان له تلف أحد المالين أو تلف أحدهما بعد الاخراج فله ان يحسب المخرج عن الزكاة
الأخرى ولو عين مالا لم ينصرف إلى غير حتى لو اخرج الخمسة عن المال الغائب فبان تالفا لم يكن له
صرفه إلى الحاضر ولو قال هذه عن مالي الغائب إن كان سالما فبان تالفا هل له الصرف إلى الحاضر
حكى في العدة فيه وجهين قال والأصح انه لا يجوز ولو قال هذه عن مالي الغائب فإن كان تالفا
523

فهي صدقة أو قال إن كان مالي الغائب سالما فهذه زكاته والا فهي صدقة جاز لان اخراج الزكاة
عن الغائب هكذا يكون وان اقتصر على قوله عن مالي الغائب حتى لو بان تالفا لا يجوز له الاسترداد
الا إذا صرح فقال هذا عن مالي الغائب فان بان تالفا استرددته وليست هذه الصورة كما إذا اخرج
خمسة وقال إن كان مورثي قد مات وورثت ماله فهذه زكاته فبان موته لا يحسب المخرج عن الزكاة
لان الأصل بقاء المورث وعدم الإرث وههنا الأصل سلامة المال فالتردد معتضد بهذا الأصل ونظير
هذه المسألة أن يقول في آخر شهر رمضان أصوم غدا عن رمضان إن كان من الشهر يصح ونظير
مسألة الميراث أن يقول في أوله أنا صائم غدا عن رمضان إن كان من الشهر لا يصح ولو قال
هذه عن مالي الغائب فإن كان تالفا فعن الحاضر فالذي قاله معظم الأئمة أن الغائب إن كان سالما
يقع عنه والا فلا يقع بل يقع عن الحاضر لأنه قد جزم بكونها زكاة ماله والتردد في أنها عن أي
المالين بحسب بقاء الغائب وتلفه لا يضر كالتردد بين الفرض والنفل في الصورة السابقة على اختلاف
التقديرين وهذا لان تعيين المال ليس بشرط فلا يقدح التردد فيه حتى لو قال هذه عن مالي الغائب
أو الحاضر أجزأته وعليه خمسة أخرى ويخالف ما لو نوى الصلاة عن فرض الوقت ان دخل الوقت
والا فعن الفائتة لا يجزئه لان التعيين شرط في العبادات البدنية وحكى في النهاية ترددا عن صاحب
التقريب في وقوع المخرج عن الحاضر لأن النية مترددة بالإضافة إليه ترددا غير معتضد بالأصل
فإنه إنما جعلها عن الحاضر بشرط تلف الغائب والأصل في الغائب البقاء والاستمرار وكان الوقوع
عن الغائب على خلاف الأصل ويخالف ما لو قال والا فهي نافلة لأنه يحتاط في الفرض بمالا يحتاط
به للنفل (وقوله) في الكتاب فإن كان تالفا فعن الحاضر أو هو صدقة ليس المراد منه ان الناوي
ردد هكذا لكنهما صورتان عطف إحداهما على الأخرى والمعني أو قال هو صدقة ولو ردد فقال
عن الحاضر أو هو صدقة وكان الغائب تالفا لم يقع عن الحاضر كما قال الشافعي رضي الله عنه
لو قال إن كان مالي الغائب سالما فهذه زكاته أو نافلة وكان ماله سالما لم يجزه لأنه لم يقصد بالنية
قصد فرض خالص ونظيره أن يقول أصلي فرض الظهر أو نافلة وأصوم غدا عن رمضان أو نافلة
فلا ينعقد (وقوله) جاز معلم بالواو لأنه حكم بالجواز في الصورتين معا وفيما إذا قال فإن كان تالفا فمن
الحاضر الوجه المنقول عن صاحب التقريب (وقوله) لأنه مقتضى الاطلاق يرجع إلى الصورة
الأخيرة وهي أن يقول فإن كان تالفا فهو صدقة لان المفهوم من الاطلاق ههنا أن يقتصر على قوله
524

هذا المال عن الغائب ولو اقتصر عليه وكان الغائب تالفا يكون المخرج صدقة على ما سبق ولا يقع عن
الحاضر فظهر أن الاجزاء عن الحاضر ليس مقتضى الاطلاق (فان قلت) في جواز نقل الصدقة
خلاف يأتي في موضعه فتجويز الاخراج عن المال الغائب في مسائل الفصل جواب على قول الجواز
أم كيف الحال (فالجواب) أن أبا القاسم الكرخي جعلها جوابا على قول الجواز ويجوز أن تفرض
الغيبة عن منزله وعدم وقوفه على بقاء المال وهلاكه فيصح تصوير هذه المسائل من غير النظر إلى
ذلك الخلاف وقد أشار إلى هذا في الشامل *
قال (وينوى ولى الصبي والمجنون وهل ينوى السلطان إذا أخذ الزكاة من الممتنع إن قلنا
لا تبرأ ذمة الممتنع فلا وإن قلنا تبرأ فوجهان) *
كما أن صاحب المال قد يفرق الزكاة بنفسه فغيره قد ينوب عنه فيه فان فرق بنفسه فلابد من
النية كما بيناه وإن ناب عنه غيره فذلك يفرض على وجوه (منها) نيابة الولي عن الصبي والمجنون
ويجب عليه أن ينوى لان المؤدى عنه ليس أهلا للنية كما ليس أهلا للقسم والتفريق فينوب عنه في
النية كما ينوب عنه في القسم قال القاضي ابن كج: فلو دفع من غير نية لم يقع الموقع وعليه الضمان (ومنها)
أن يتولى السلطان قسم زكاته وذلك إما أن يكون بدفعه إلى السلطان طوعا أو يأخذ السلطان منه كرها
فان دفع طوعا ونوى عند الدفع كفى وإن لم ينو السلطان لأنه نائب المستحقين فالدفع إليه كالدفع
إليهم وإن لم ينو صاحب المال ونوى السلطان أو لم ينوهوا أيضا ففيه وجهان (أحدهما) وهو ظاهر كلامه
في المختصر ولم يذكر كثير من العراقيين سواه انه يجزئ ووجهوه بأنه لا يدفع إلى السلطان الا الفرض وهو
لا يفرق على أهل السهمان الا الفرض فأغنت هذه القرينة عن النية (والثاني) لا يجزى لان الامام نائب
الفقراء ولو دفع إليهم بغير نية لم يجز فكذلك إذا دفع إلى نائبهم قال صاحب المهذب والتهذيب
وجمهور المتأخرين: هذا أصح وهو اختيار القاضي أبى الطيب وحملوا كلام الشافعي رضي الله عنه
على الممتنع يجزئه المأخوذ وان لم ينو لكن نقل عن نصه في الام أنه قال يجزئه وان لم ينو طائعا
كان أو كارها وأما إذا امتنع عن أداء الزكاة فللسلطان اخذها منه كرها خلافا لأبي حنيفة * لنا قوله
تعالي جده (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ولا يأخذ الا قد الزكاة على الجديد
525

لقوله صلى الله عليه وسلم (ليس في المال حق سوى الزكاة) (1) وقال في القديم يأخذ مع الزكاة شطر
ماله لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (في كل أربعين من الإبل السائمة بنت لبون من أعطاها مؤتجرا بها
فله أجرها ومن منعها فانا آخذوها وشطر ماله عزمة من عز مات ربنا ليس لآل محمد فيها شئ) (2) إذا
عرفت ذلك فان نوى الممتنع حالة الاخذ برئت ذمته ظاهرا وباطنا ولا حاجة إلى نية الامام وان
لم ينو فهل تبرأ ذمته نظر ان نوى الامام سقط عنه الفرض ظاهرا ولا يطالب به ثانيا وهل يسقط باطنا
فيه وجهان (أحدهما) لا لأنه لم ينو وهو متعبد بأن يتقرب بالزكاة وأظهرهما) أنه يسقط إقامة لنية الامام
526

مقام نيته كما أن قسمه قام مقام قسمه وكما أن نية الولي تقوم مقام نية الصبي وان لم ينو الامام أيضا
لم يسقط الفرض في الباطن وكذا في الظاهر على أظهر الوجهين هذا الترتيب و التفصيل ذكره
في التهذيب وإذا اقتصر خرج منه الوجهان المشهوران في أن الممتنع إذا أخذت منه الزكاة ولم ينو هل يسقط
الفرض عنه باطنا: وبنى امام الحرمين وصاحبا الكتاب وجوب النية على الإمام على هذين
الوجهين ان قلنا لا تبرأ ذمة الممتنع باطنا فلا يجب وان قلنا تبرأ فوجهان (أحدهما) لا كيلا يتهاون
المالك فيما هو متعبد به (والثاني) نعم لان الامام فيما يليه من أمر الزكاة كولي الطفل والممتنع مقهور
كالطفل وظاهر المذهب أنه يجب عليه أن ينوي ولو لم ينو عصي وأن نيته تقام مقام نية المالك
وهذا لفظ القفال في شرح التلخيص (ومنها) أن يوكل وكيلا بتفريق الزكاة وان نوى الموكل عند
الدفع إلى الوكيل ونوى الوكيل عند الدفع إلى المساكين فهو أولي وان لم ينو واحد منهما أو لم ينو
الموكل لم يجز كما لو دفع إلى المساكين بنفسه ولم ينو ان نوى الموكل عند الدفع ولم ينو الوكيل فيه
طريقان (أحدهما) القطع بالجواز كما لو دفع إلى الامام ونوى (وأظهرهما) أنه يبني على أنه لو فرق
بنفسه هل يجزئه تقديم النية على التفرقة فيه وجهان (أحدهما) لا كما في الصلاة (وأظهرهما) وبه قال
أصحاب أبي حنيفة رحمه الله نعم كما في الصوم للعسر ولان المقصود الأظهر من الزكاة اخراجها
وسد خلات المستحقين بها ولذلك جازت النيابة فيه مع القدرة على المباشرة وعلى هذا تكفي نية
الموكل عند الدفع إلى الوكيل وعلى الأول لابد من نية الوكيل عند الدفع إلى المساكين أيضا ولو وكل وكيلا
وفوض النية إليه أيضا جاز كذا ذكره في النهاية والوسيط *
(فرع) لو تصدق بجميع ماله ولم ينو الزكاة لم تسقط عنه الزكاة وعن أصحاب أبي حنيفة
رحمه الله أنها تسقط *
527

قال (ويستحب للساعي ان يعلم في السنة شهر الاخذ الزكاة وأن يرد المواشي إلى مضيق قريب من
المرعي ليسهل عليه الاخذ والعد) *
كان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده يبعثون السعاة لاخذ الزكاة والمعني فيه ان كثيرا
من الناس لا يعرفون الواجب والواجب فيه ومن يصرف إليه فبعثوا ليأخذوا من حيث تجب
ويضعوا حيث يجب والأموال نوعان (أحدهما) ما لا يعتبر فيه الحول كالثمار والزروع فتبعث السعاة
لوقت وجوبها وهو ادراك الثمار واشتداد الحبوب وذلك لا يختلف في الناحية الواحدة كثير اختلاف
(والثاني) ما يعتبر فيه الحول وهو موضع كلام الكتاب فأحوال الناس تختلف ولا يمكن بعث ساع
إلى كل واحد عند تمام حوله فيعين شهرا يأتيهم الساعي فيه واستحب الشافعي رضي الله عنه أن يكون
ذلك الشهر المحرم صيفا كان أو شتاء فإنه أول السنة الشرعية وليخرج قبل المحرم ليوافيهم
أول المحرم ثم إذا جاءهم فمن تم حوله أخذ زكاته ومن لم يتم حوله فيستحب له أن يعجل فإن لم
يفعل استخلف عليه من يأخذ زكاته وإن شاء أخر إلى مجيئه من قابل وان وثق به فوض التفريق
إليه وأن يأخذ زكاة المواشي إن كانت ترد الماء أخذها على مياههم ولا يكلفهم ردها إلى البلد ولا يلزمه
أن يتبع المراعى وبهذا فسر قوله صلى الله عليه وسلم (لا جلب لا جنب) أي لا يكلفون أن يجلبوها
إلى البلد وليس لهم أن يجنبوها الساعي فيشقوا عليه فإن كان لرب المال ماء ان أمره بجمعها عند
أحدهما وان اجتزأت الماشية بالكلأ في وقت الربيع ولم ترد الماء أخذ الزكاة في بيوت أهلها وأفنيتهم
هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه وقضيته تجويز تكليفهم الرد إلى الأفنية وقد صرح به المحاملي
وغيره وإذا أراد معرفة عددها فان أخبره المالك وكان ثقة قبل قوله وإلا أحصاها والأولى أن تجمع
في حظيرة ونحوها وينصب على ألباب خشبة معترضة وتساق لتخرج واحدة بعد واحدة ويثبت
كل شاة إذا بلغت المضيق ويقف رب المال أو نائبه من جانب والساعي أو نائبه من جانب وبيد
كل واحد منهما قضيب يشيران به إلى كل شاة أو يصيبان ظهرها به فذلك أبعد عن الغلط وإن
اختلفا بعد الاحصاء وكان الواجب يختلف أعاد العد (وقوله) قريب من المرعي فيه إشارة إلى أنه
لا يكلفهم الرد من المرعي إلى البلدة والقرية بل يأمر بجمعها في مضيق قريب من المرعى فان عسر
الحضور ثم فقد ذكرنا أنه يأمر بالرد إلى الأفنية * (والثاني) ما يعتبر فيه الحول وهو موضع كلام الكتاب فأحوال الناس تختلف ولا يمكن بعث ساع
إلى كل واحد عند تمام حوله فيعين شهرا يأتيهم الساعي فيه واستحب الشافعي رضي الله عنه أن يكون
ذلك الشهر المحرم صيفا كان أو شتاء فإنه أول السنة الشرعية وليخرج قبل المحرم ليوافيهم
أول المحرم ثم إذا جاءهم فمن تم حوله أخذ زكاته ومن لم يتم حوله فيستحب له أن يعجل فإن لم
يفعل استخلف عليه من يأخذ زكاته وإن شاء أخر إلى مجيئه من قابل وان وثق به فوض التفريق
إليه وأن يأخذ زكاة المواشي إن كانت ترد الماء أخذها على مياههم ولا يكلفهم ردها إلى البلد ولا يلزمه
أن يتبع المراعى وبهذا فسر قوله صلى الله عليه وسلم (لا جلب لا جنب) أي لا يكلفون أن يجلبوها
إلى البلد وليس لهم أن يجنبوها الساعي فيشقوا عليه فإن كان لرب المال ماء ان أمره بجمعها عند
أحدهما وان اجتزأت الماشية بالكلأ في وقت الربيع ولم ترد الماء أخذ الزكاة في بيوت أهلها وأفنيتهم
هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه وقضيته تجويز تكليفهم الرد إلى الأفنية وقد صرح به المحاملي
وغيره وإذا أراد معرفة عددها فان أخبره المالك وكان ثقة قبل قوله وإلا أحصاها والأولى أن تجمع
في حظيرة ونحوها وينصب على ألباب خشبة معترضة وتساق لتخرج واحدة بعد واحدة ويثبت
كل شاة إذا بلغت المضيق ويقف رب المال أو نائبه من جانب والساعي أو نائبه من جانب وبيد
كل واحد منهما قضيب يشيران به إلى كل شاة أو يصيبان ظهرها به فذلك أبعد عن الغلط وإن
اختلفا بعد الاحصاء وكان الواجب يختلف أعاد العد (وقوله) قريب من المرعي فيه إشارة إلى أنه
لا يكلفهم الرد من المرعي إلى البلدة والقرية بل يأمر بجمعها في مضيق قريب من المرعى فان عسر
الحضور ثم فقد ذكرنا أنه يأمر بالرد إلى الأفنية *
528

قال (ويستحب أن يقول للمؤدى آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طهورا وبارك لك فيما أبقيت
ولا يقول صلى الله عليك وإن قاله عليه السلام لآل أبي أو في لأنه مخصوص به فله أن ينعم به على غيره
وكما لا يقال محمد عز وجل وإن ان عزيزا جليلا فلا يحسن أن يقال أبو بكر صلى الله عليه وسلم وإن كان
يدخل تحت آله تبعا) *
قال الله تعالى (وصل عليهم) أي ادع لهم فيستحب للساعي أن يدعو لرب المال ترغيبا له في
الخير وتطييبا لقلبه ولا يتعين شئ من الأدعية واستحب الشافعي رضي الله عنه أن يقول: آجرك
الله فيما أعطيت وجعله لك طهورا وبارك لك فيما أبقيت وهو لائق بالحال. وحكي الحناطي وجها
أنه يجب عليه الدعاء وله تمسك من لفظ الشافعي رضي الله عنه فإنه محق على الوالي أن يدعو
له وكما يستحب للساعي يستحب للمساكين أيضا إذا فرق رب المال عليهم وقد روى عن عبد الله بن
أبي أو في رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال (اللهم صلى
على آل فلان فأتاه أبي بصدقته فقال اللهم صلى على آل أبي أوفى) (1) قال الأئمة: هذا وإن ذكره
النبي صلى الله عليه وسلم لا يقوله غيره لان الصلاة قد صارت مخصوصة في لسان السلف بالأنبياء عليهم
529

الصلاة والسلام كما أن قولنا عز وجل صار مخصوصا بالله تعلى جده وكما لا يقال محد عز وجل وإن
كان عزيزا جليلا لا يقال أبو بكر وعلى صلوات الله عليهما وإن صح المعنى وهل يكره ذلك أم هو
مجرد ترك أدب أطلق القاضي حسين لفظ الكراهة وكذا فعل المصنف في الوسيط ووجهه إمام
الحرمين بان قال المكروه يتميز عن ترك الأولى بن يفرض فيه نهي مقصود فقد ثبت نهى مقصود
عن التشبه باهل البدع وإظهار شعارهم والصلاة على غير الأنبياء مما اشتهر بالفئة الملقبة بالرفض
وظاهركم الصيدلاني أنه في حكم ترك الأدب والأولى وبه يشعر قوله في الكتاب فلا يحسن
أن يقال أبو بكر صلوات الله عليه وصرح بنفي الكراهة في العدة وقال أيضا الصلاة بمعنى الدعاء
تجوز على كل أحد أما بمعني التعظيم والتكريم يختص به الأنبياء عليهم السلام والمشهور ما سبق
ويجوز أن يجعل غير الأنبياء تبعا لهم في الصلاة فيقال اللهم صلى على محمد وعلى آله وأصحابه
وأزواجه وأتباعه لان ذلك لم يمتنع منه السلف وقد أمرنا به في التشهد وغيره فقال الشيخ أبو محمد
والسلام في معني الصلاة وقد قرن الله تعالى بينهما فقال (صلوا عليه وسلموا تسليما) فلا يفرد به
غائب غير الأنبياء ولا بأس به في معرض المخاطبة فيقال للاحياء والأموات من المؤمنين السلام
عليكم. إذا تقرر ذلك فالصلاة لما كانت حقا للنبي صلى الله عليه وسلم كان له أن ينعم بها على غيره
وغيره لا يتصرف فيما هو حقه كما أن صاحب المنزل يجلس غيره على تكرمته وغيره لا يفعل ذلك
(وقوله) وإن كان يدخل تحت آله تبعا إنما يستمر على قولنا ان كل مسلم من آل النبي صلى الله عليه وسلم
لكن الظاهر المنقول عن نص الشافعي رضي الله عنه أن آله بنو هاشم وبنو المطلب فعلى هذا لا يدخل
أبو بكر رضي الله عنه تحت الآل وإنما يدخل تحت الأصحاب وقد ذكرنا هذا الخلاف في موضعه *
قال (القسم الثاني في التعجيل والنظر في أمور ثلاثة الأول في وقته ويجوز تعجيل الزكاة (ح م) قبل
تمام الحول ولا يجوز قبل تمام النصاب ولا قبل السوم وفي تعجيل صدقة عامين وجهان ولو ملك مائة
وعشرين شاة فعجل شاتين ثم حدثت سخلة ففي أجزاء الثانية وجهان (أحدهما) وهو الأصح اجزاءه) *
التعجيل جائز في الجملة وبه قال أبو حنيفة وأحمد لما روى عن علي رضي الله عنه أن العباس رضي الله عنه
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له. إذا عرفت ذلك فالحجة تمس إلى معرفة
530

أن التعجيل بأية مدة يجوز وانه إذا عجل في الوقت يجزئه على الاطلاق أوله شرائط وانه إذا لم يقع
مجزئا هل للمعجل أن يرجع فيما دفع فلذلك قال: والنظر في ثلاثة أمور (أحدها) في التعجيل
والأموال الزكوية ضربان (أحدهما) مال تجب فيه الزكاة بالحول والنصاب فيجوز تعجيل زكاته قبل
الحول خلافا لمالك حيث قال لا يجوز قال المسعودي: الا أن يقرب وقت الوجوب بأن لم يبق من
الحول الا يوم أو يومان * لنا ما سبق من الخبر وأيضا فان الزكاة حق مالي أجل رفقا فجاز تعجيله قبل
محله كالدين المؤجل وككفارة اليمين قبل الحنث فان مالكا سلم جواز التعجيل في الكفارة ولا يجوز
التعجيل قبل تمام النصاب كما ذا ملك مائة درهم فعجل منها خمسة دراهم أو ملك تسعا وثلاثين
شاة فعجل شاة ليكون المعجل عن زكاته إذ أتم النصاب وحال الحول عليه وذلك لان الحق المالي
إذا تعلق بشيئين ووجد أحداهما يجوز تقديمه على الآخر لكن لا يجوز تقديمه عليهما جميعا ألا ترى أنه يجوز
تقديم الكفارة على الحنث إذا كان قد حلف ولا يجوز تقديمها على الحنث واليمين جميعا وهذا في الزكاة
العينية أما إذا اشترى عرضا للتجارة يساوى مائة درهم فعجل زكاة مائتين وحال الحول وهو يساوى مائتين
جاز المعجل عن الزكاة على ظاهر المذهب وان لم يكن يوم التعجيل نصابا لان الحول منعقد والاعتبار في زكاة
التجارة بآخر الحول ولو ملك أربعين من الغنم المعلوفة وعجل شاة على عزم أن يسيمها حولا لم يقع
عن الزكاة إذا أسامها لان المعلوفة ليست مال الزكاة كالناقص عن النصاب وإنما تعجل الزكاة
بعد انعقاد الحول ولو عجل صدقة عامين فصاعدا فهل يجزئ المخرج عما عدا السنة الأولى فيه وجهان
(أحدهما) نعم لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (تسلفت من العباس صدقة عامين) (1) وبهذا قال
531

أبو إسحاق (والثاني) لا لان زكاة السنة الثانية لم ينعقد حولها والتعجيل قبل انعقاد الحول لا يجوز
كالتعجيل قبل كمال النصاب. والوجه الأول أصح عند صاحب الكتاب ذكره في الوسيط وكذا
قاله الشيخ أبو حامد وصاحب الشامل: والأكثرون على ترجيح الوجه الثاني ومنهم معظم العراقيين
وصاحب التهذيب وحملوا الحديث على أنه تسلفها بدفعتين فان جوزنا فذلك ان بقي عنده بعد التعجيل
نصاب كامل كما إذا ملك ثنتين وأربعين شاة فعجل منها شاتين فاما إذا لم يبق عنده بعد التعجيل نصاب
كامل كما إذا ملك أربعين أو أحدي وأربعين فعجل شاتين فوجهان (أحدهما) الجواز كما لو عجل
عن أربعين صدقة عام فإنه يجوز (وأصحهما) المنع لان التعجيل على النصاب لا يجوز وفي تعجيل
شاتين ما يوجب نقصان النصاب في جميع السنة الثانية وذكر أبو الفضل بن عبد ان تفريعا على
جواز تعجيل صدقة عامين أنه هل يجوز أن ينوى تقديم زكاة السنة الثانية على الأولى فيه وجهان
كالوجهين في تقديم الصلاة الثانية على الأولى في الجمع ولو ملك نصابا فعجل زكاة نصابين نظر
إن كان ذلك في زكاة التجارة كما لو اشترى عرضا بنية التجارة بمائتي درهم وأخرج زكاة أربعمائة
فحال الحول والعرض يساوى أربعمائة أجزأه ما اخرج لأن الاعتبار في زكاة التجارة بآخر الحول
وإن كان في زكاة العين فان اخرج على توقع حصول نصاب آخر بسبب مستقبل كما لو ملك مائتي درهم
فأخرج زكاة أربعمائة على توقع اكتساب مائتين واكتسب مائتين لم يجزئه ما أخرجه عن المائتين الحادثتين
وبه قال احمد خلافا لا بي حنيفة بناء على أن المستفاد في أثناء الحول مضموم إلى ما عنده في الحول فكأنه
موجود وقت الاخراج وإن اخرج على رجاء حصول نصاب آخر أو كمال نصاب آخر من عين
ما عنده فصدق رجاؤه كما إذا ملك مائة وعشرين شاة فعجل شاتين ثم حدثت سخلة أو ملك خمسا
من الإبل فعجل شاتين تم بلغت بالتوالد عشرا فهل يجزئه ما اخرج عن النصاب الذي كمل الآن
فيه وجهان (أصحهما) عند حجة الاسلام وصاحب التتمة الاجزاء لان النتاج الحاصل في أثناء الحول
بمثابة الموجود في أوله وهذا قياس المحكى عن أبي حنيفة رحمه الله في الصورة السابقة (والثاني) وهو
الأصح عند العراقيين وصاحب التهذيب المنع لأنه تقديم زكاة العين على النصاب فأشبه ما لو اخرج
زكاة أربعمائة درهم وهو لا يملك إلا مائتين ورتب امام الحرمين هذين الوجهين على الوجهين في جواز
تقديم صدقة عامين إن جوزنا ذاك فالتقديم للنصاب الثاني اولي وان منعنا ذاك فههنا وجهان والفرق
532

ان النتاج الحاصل في وسط الحول لا يحتاج إلى حول جديد وكان حول المال الذي واجبه شاة منعقد
على ما واجبه شاتان ولا كذلك زكاة السنة الثانية فان حولها لم يدخل بحال وطرد ابن عبدان الوجهين
المذكورين في هذه الصورة في الصورة الأولى أيضا وهي ما إذا اشترى عرضا بمائتين واخرج زكاة
أربعمائة فحال الحول وقيمته أربعمائة ولو عجل شاة عن أربعين فولدت أربعين وهلكت الأمهات
هل يجزئه ما اخرج عن السخال نقل في التهذيب فيه وجهين ولك ان تعلم قوله في الكتاب ويجوز تعجيل
الزكاة قبل تمام الحول بالواو مع الميم المشيرة إلى مذهب مالك لان الموفق بن طاهر حكى عن أبي عبيد بن
خرنومه من أصحابنا منع التعجيل كما يحكي عن مالك *
قال (واما زكاة الفطر فتعجل في أول رمضان وزكاة الرطب والعنب لا تعجل قبل الجفاف
وقيل تعجل بعد بدو الصلاح وقيل تعجل بعد بدو الطلع واما الزرع فوجوب زكاته بالفرك
والتنقية ويجوز عند الادراك وبعد الادراك وان لم يفرك وقيل يجوز بعد ظهور الحب وان
لم يشتد) *
الضرب الثاني ما لا يتعلق وجوب الزكاة فيه بالحول كالثمار والزروع ولنتكلم في زكاة الفطر أولا
(اما) انها تجب فسيأتي في موضعه واما تعجيلها فيجوز بعد دخول شهر رمضان لان ابن عمر
رضي الله عنهما كان يبعث صدقة الفطر إلى الذي يجمع عنده قبل الفطر بيومين واحتج له أيضا بان وجوبها
بشيئين برمضان والفطر منه وقد وجد أحدهما وهو حصول رمضان هذا ما قاله جمهور الأصحاب وذكر
أبو سعيد المتولي ان زمان جواز تعجيلها من أول اليوم الأول من رمضان لا من أول رمضان لان زكاة
الفطر وجبت بالفطر عن رمضان والصوم هو سبب الفطر فلا تعجل زكاة الفطر قبل سبب الفطر (وقوله) في
الكتاب فتعجل من أول رمضان يجوز أن يعلم بالواو لما حكينا عن التتمة ولأنه لابتداء الغاية
وفي جواز تعجيلها على دخول رمضان وجهان كالوجهين في تعجيل صدقة عامين والأصح المنع كما هو
قضية لفظه ويجوز ان يعلم بالحاء أيضا لان عن أبي حنيفة أنه يجوز تقديمها على رمضان من غير ضبط
وبالألف لان عن أحمد أنه لا تعجل من أول رمضان إنما تعجل قبل الفطر بيوم أو يومين (واما)
الثمار والزروع (فاعلم) أن زكاة الثمار تجب ببدو الصلاح وزكاة الزروع تجب باشتداد الحب على
ما سيأتي وليس المراد منه وجوب الأداء بل المراد ان حق المساكين يثبت في هاتين الحالتين
ثم الاخراج يلزم بعد الجفاف وتنقية الحبوب. إذا عرفت ذلك فالاخراج بعد ما صار الرطب تمرا
والعنب زبيبا ليس بتعجيل بل هو لازم حينئذ ولا خلاف انه لا يجوز التقديم على بد والصلاح وخروج
533

الثمرة كما لا يجوز التعجيل في الضرب الأول على كمال النصاب ووراء ذلك للثمار حالتان (إحداهما)
ما بعد الطلع وخروج الثمرة وقبل بدو الصلاح فيه وجهان (أظهرهما) عند أكثر العراقيين وتابعهم
في التهذيب انه لا يجوز الاخراج ووجهوه بشيئين (أحدهما) أنه لا يظهر ما يمكن معرفة مقداره
تحقيقا ولا خرصا وتخمينا فصار كما لو قدم الزكاة على الصناب (والثاني) ان هذه الزكاة تجب بسبب
واحد وهو ادراك الثمار فيمتنع التقديم عليه (والوجه الثاني) أنه يحوز كزكاة المواشي قبل الحول
وحكي الحناطي هذا الوجه عن ابن سريج ويشهر بابن أبي هريرة والأول بابي اسحق وذكر
القاضي ابن كج ان أبا إسحاق أجاب بالوجهين في دفعتين ولمن قال بالثاني أن يقول: أما التوجيه
الأول فالكلام فيما إذا عرف حصول قدر النصاب وان لم يعرف جملة الحاصل فبعد ذلك أن
خرج زائدا على ما ظنه فيزكى الزيادة وإن خرج ناقصا فبعض المخرج تطوع فلم يمتنع الاخراج (وأما)
الثاني (فلا) نسلم ان لهذه الزكاة سببا واحدا بل لها سببان أيضا ظهور الثمرة وادراكها والادراك
بمثابة حولان الحول (الحالة الثانية) ما بعد بدو الصلاح وقبل الجفاف وقد حكي امام الحرمين في هذه أيضا
وجهين (أحدهما) المنع لعدم العلم بالقدر (وأصحهما) ولم يذكر الجمهور سواه الجواز كما يجوز إخراج الزكاة في
الضرب الأول بعد النصاب وقبل الحول بل اولي إذ لا وجوب ثم بعد وههنا يبدو الصلاح قد ثبت الوجوب
وان لم يلزم الاخراج وإذا تركت هذا التفصيل واختصرت؟ فالحاصل ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب
(أحدها) أن زكاة الثمار لا تعجل قبل الجفاف (والثاني) أنها تعجل بعد بدو الصلاح (والثالث)
أنها تعجل بعد بدو الطلع وبه قال أحمد وإيراد الكتاب يقتضي ترجيح الوجه الأول وقد صرح
به في الوسيط لكن الظاهر عند المعظم هو الثاني بل نفى أبو الحسين بن القطان أن يكون فيه
خلاف وكذا نقل صاحب العدة فهذا هو الكلام في زكاة الثمار ويقاس بها زكاة الزروع
فالاخراج بعد الفرك والتنقية لازم وليس بتعجيل ولا يجوز الاخراج قبل نبات الزرع ورأيت في
بعض كتب أصحاب أحمد أن أبا حنيفة يجوزه بعد طرح البذر في الأرض ثم وراء ذلك حالتان
(إحداهما) ما بعد التسنبل وانعقاد الحبوب وقبل اشتدادها ففيه وجهان على ما سبق والمنع ههنا
أولي لان الحبوب غير موجودة والزرع بقل والثمار موجودة وإن لم يبد فيها الصلاح (والثانية)
ما بعد الاشتداد والادراك وقبل الفرك والتنقية فالصحيح جواز الا خراج وعن الشيخ أبى محمد
أنه لا يجوز الاخراج ما لم ينق لان قدر المال إنما يعرف بالتنقية (وقوله) في الكتاب لا يعجل ينبغي
أن يعلم بالألف لما ذكرنا (وقوله) وأما الزرع فوجوب زكاته بالفرك (أي) وجوب الاخراج والا فالحق
534

يثبت عند الاشتداد (وقوله) ويجوز عند الادراك وكذا قوله يجوز بعد ظهور الحب لا بأس
باعلامهما بالواو للوجه الصائر إلى أنه لا يجوز الاخراج قبل التنقية. ثم عد الأئمة في هذا الباب ما يقدم على
وقت الوجوب من الحقوق المالية وما لا يقدم (فمنها) كفارة اليمين والظهار والقتل وجزاء الصيد وسيأتي
ذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى (ومنها) لا يجوز للشيخ الهرم والحامل والمرضع تقديم الفدية على
رمضان (ومنها) لا يجوز تقديم الأضحية على يوم النحر (ومنها) كفارة الوقاع في رمضان حكى الحناطي
في جواز تقديمها على الوقاع وجهين (والأصح) المنع (ومنها) إذا قال إذا شفى الله مريضي فلله على
أن أعتق رقبة فأعتق قبل الشفاء قال ابن عبدان لا يجزئ في أصح الوجهين ومما ذكره وهو من
شرط الباب زكاة المعدن والركاز قال لا يجوز تقديمهما على الحصول *
قال (الثاني ففي الطوارئ المانعة من الاجزاء وهو فوات شرط الوجوب وذلك في
القابض أن يرتد أو يموت أو يستغنى بحال آخر فان عرضت بعض هذه الحالات وزالت قبل الحول
فوجهان أو في المالك بان يرتد أو يموت أو يتلف ماله فيتبين بجميع ذلك أن المعجل لم يقع عن الزكاة
أما المال لو تلف في يد المسكين أو في يد الامام وقد قبض بسؤال المسكين فلا بأس وان قبض
بسؤال المالك فهو من ضمان المالك وان اجتمع سؤال المالك والمسكين فأي الجانبين
يرجح فيه وجهان وحاجة أطفال المساكين كسؤالهم وحاجة البالغين هل تنزل منزلة سؤالهم
فيه وجهان.) *
يشترط في كون المعجل مجزئا أن يبقى القابض بصفة الاستحقاق إلى آخر الحول فلو ارتد قبل
الحول أو مات لم يحسب المعجل عن الزكاة وان استغنى نظر ان استغنى بالمدفوع إليه أو به وبمال
آخر لم يضر فان الزكاة إنما تصرف إليه ليستغني فلا يصير ما هو المقصود مانعا من الاجزاء وان
استغنى بمال خر لم يحسب المعجل عن الزكاة لخروجه عن أهلية أخذ الزكاة عند الوجوب وان عرض
شئ من الحالات المانعة ثم زال وكان بصفة الاستحقاق عند تمام الحول ففيه وجهان (أحدهما) انه
يجزئ المعجل كما لو لم يكن عد الاخذ من أهل ثم صار عند تمام الحول من أهله (وأصحهما) انه
يجزئ اكتفاء بالأهلية في طرفي الأداء والوجوب. هذا ما يشترط في القابض ويشترط في المالك
بقاءه بصفة وجوب الزكاة عليه إلى آخر الحول فلو ارتد وقلنا الردة تمنع وجوب الزكاة أو مات
أو تلف جميع ماله أو باعه ونقص عن أنصاب لم يكن المعجل زكاة وهل يحسب في صورة الموت
عن زكاة الوارث. نقل عن نصه في الام ان المعجل يقع عن الوارث وقد سبق ذكر قولين في أن
535

الوارث هل يبني على حول المورث أم لا فقال الأصحاب هذا الذي ذكره في الام يستمر جوابا
على القول القديم وهو انه يبنى لان الوارث على هذا القول يبني على حكم ذلك النصاب والحول فيجزئه
ما عجله المورث كما كان يجزئ المورث لو بقي. وعلى هذا لو تعدد الورثة ثبت حكم الخلطة
بينهم إن كان المال ماشية أو غير ماشية وقلنا بثبوت الخلطة في غير الماشية وان قلنا لا تثبت
ونقص نصيب كل واحد عن النصاب أو اقتسموا المال ماشية كانت أو غيرها ونقص نصيب كل
واحد عن النصاب فينقطع الحول ولا تجب الزكاة على المشهور وعن صاحب التقريب وجه آخر
انهم يجعلون كالشخص الواحد وكأنهم عين المتوفى فيستدام حكمه في حقهم (فأما) إذا فرعنا على
الجديد الصحيح وهو ان الوارث لا يبنى على حول المورث (فلا) يجزئ المعجل عن الوارث لأنه
مالك جديد وذلك المعجل مقدم على النصاب والحول في حقه هذا هو الأظهر ومنهم من قال يجزئه
المعجل كما ذكر في الام وهو جواب على أحد الوجهين في تعجيل صدقة عامين فتعجل السنة المستأنفة
في حق الوارث كالسنة الثانية في حق المعجل إذا عرفت ذلك فنقول: الامام إذا اخذ من المالك
قبل إن يتم حوله مالا للمساكين فلا يخلو إما ان يأخذه بحكم القرض أو ليحسبه عن زكاته عند تمام
الحول (الحالة الأولى) ان يأخذ بحكم القرض فينظر ان استقرض بسؤال المساكين فضمانه عليهم
سواء تلف في يده أو سلمه إليهم كما لو استقرض الرجل مالا لغيره باذنه وهل يكون الامام طريقا
في الضمان حتى يؤخذ منه ويرجع على المساكين أم لا ان علم المأخوذ منه انه يستقرض للمساكين
باذنهم فلا يكون طريقا على أظهر الوجهين بل يرجع عليهم (والثاني) أنه يكون طريقا كالوكيل
بالشراء يكون مطالبا على ظاهر المذهب وإن ظن المأخوذ منه ان يستقرض لنفسه أو للمساكين من
غير سؤالهم فله ان يرجع على الامام والامام يقضيه من مال الصدقة أو يجعله محسوبا عن زكاة
المقرض. ولو أقرضه المالك للمساكين ابتداء من غير سؤالهم فتلف في يد الامام فلا ضمان على أحد
(اما) على المساكين فظاهر (واما) على الامام فلانه وكيل المالك كما لو دفع الرجل مالا إلى غيره
ليقرضه من ثالث فهلك عنده لا ضمان عليه. (ولو استقرض الامام بسؤال المقرض والمساكين جميعا
فهلك عنده فهو من ضمان المالك أو المساكين فيه وجهان على ما سنذكر في الحالة الثانية ولو استقرض
لا بسؤال المالك ولا بسؤال المساكين فينظر ان استقرض ولا حاجة بهم إلى القرض فالقرض يقع
للامام وعليه ضمانه من خالص ماله سواء أتلف في يده أو دفعه إلى المساكين ثم إن دفع إليهم
متبرعا فلا رجوع وان اقرضهم فقد اقرضهم من مال نفسه وان استقرض لهم وبهم حاجة
536

فان هلك في يده فوجهان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة واحمد رحمهما الله انه من ضمان المساكين
يقضيه الامام من مال الصدقة كولي اليتيم إذا استقرض لحاجته فهلك في يده يكون الضمان في
مال الصبي (وأصحهما) ان عليه الضمان من خالص ماله لان المساكين غير معينين وفيهم
أو أكثرهم أهل رشد لا ولاية عليهم لاحد الا ترى انه لا يجوز منع الصدقة عنهم من غير عذر ولا
التصرف في مالهم بالتجارة وإنما يجوز الاستقراض لهم بشرط سلامة العاقبة بخلاف اليتيم وان دفع
المستقرض إليهم فالضمان عليهم والامام طريق فيه فإذا أخذ الزكاة والمدفوع إليه بصفة الاستحقاق
فله أن يقضيه من الزكاة وله أن يحسبه عن صدقة المقرض وان لم يكن المدفوع إليه بصفة الاستحقاق
عند تمام حول الزكاة المأخوذة لم يجز قضاءه منها بل يقضي من مال نفسه ثم يرجع على المدفوع
إليه الا إن وجد له مالا. (الحالة الثانية) أن يأخذ المال ليحسبه عن زكاة المأخوذ مه عند تمام حوله
وفيها أربع مسائل كما في القرض (الأولى) أن يستلف بسؤال المساكين فان دفع إليهم قبل الحول
وتم الحول وهم بصفة الاستحقاق والمالك بصفة الوجوب وقع الموقع وان خرجوا عن الاستحقاق
فعليهم الضمان وعلى رب المال اخراج الزكاة ثانيا. وان تلف في يده قبل تمام الحول من غير تفريط
فينظر ان خرج المالك عن أن تجب عليه الزكاة فله الضمان على المساكين وهل يكون الامام طريقا
فيه وجهان على ما ذكرناه في الاستقراض وان لم يخرج عن أن تجب عليه الزكاة فهل يقع
المخرج عن زكاته فيه وجهان (أظهرهما) نعم وهو المذكور في الشامل والتتمة لان الامام نائب
المساكين فصار كما لو أخذوه وتلف في يدهم (والثاني) لا لا لأنه لم يصل إلى المستحقين وعلى هذا
له أخذ الضمان من المساكين وفي أخذه من الامام الوجهان فإن لم يكن للمساكين مال صرف
الامام إذا اجتمعت الزكاة عنده ذلك القدر إلى قوم آخرين عن جهة الذي تسلف منه (الثانية)
أن يتسلف بسؤال المالك فان دفع إلى المساكين فتم الحول وهو بصفة الاستحقاق وقع الموقع والا
رجع المالك على المساكين دون الامام وان تلف في يد الامام لم يجزئ المالك سواء كان التلف
بتفريط من الامام أو بغير تفريط كما لو دفعه إلى وكيله فتلف عنده ثم إن تلف بتفريط منه فعليه
الضمان للمالك وان تلف بغير تفريط فلا ضمان عليه ولا على المساكين (الثالثة) أن يتسلف بسؤال
المالك والمساكين جميعا فمن ضمان من يكون: فيه وجهان (أحدهما) أنه من ضمان المالك كما لو
تسلف بمحض سؤاله لان جانبه أقوى إذ الخيار في الدفع والمنع إليه (والثاني) انه من ضمان المساكين
لان المنفعة تعود إليهم فيكون المال من ضمانهم الا ترى أن ضمان العارية على المستعير
537

لعود المنفعة عليه وهذا الوجه أصح عند صاحب الشامل واليه يميل كلام الأكثرين وفي التتمة والعدة
أن الأول أصح (الرابعة) أن يتسلف لا بسؤال المالك ولا بسؤال المساكين لما رأى بهم من الخلة والحاجة
فهل تنزل حاجتهم منزلة سؤالهم فيه وجهان حكاهما امام الحرمين وغيره (أحدهما) نعم لان الزكاة
مصروفة إلى جهة الحاجة لا إلى قوم معينين والامام ناظر لها فإذا رأى المصلحة في الاخذ كان له
ذلك وكان كما لو أخذ بسؤالهم وصار كولى الطفل (وأظهرهما) انها لا تنزل منزلة سؤالهم لأنهم
أهل رشد ونظر ولو عرفوا صلاحهم في التسلف لا التمسوه من الامام فعلى هذا ان دفعه إليهم وخرجوا
عن الاستحقاق عند تمام الحول استرده منهم ودفعه إلى غير هم وان خرج الدافع عن أهلية الوجوب
استرده ورده إليه فإن لم يجد للمدفوع إليه مالا ضمنه من مال نفسه فرط أو لم يفرط وعلى المالك
اخراج الزكاة ثانيا وفيه وجه آخر أنه لا ضمان على الامام ويحكى مثله عن أبي حنيفة واحمد ثم
الوجهان في أن الحاجة هل تنزل منزلة السؤال في حق البالغين (فأما) إذا كانوا أطفالا فهذا يبني
أولا على أن الصغير هل يدفع إليه من سهم الفقراء والمساكين أم لا (اما) إذا كان مكتفيا بنفقة
أبيه أو غيره من الأقارب ففيه وجهان مذكوران في قسم الصدقات في الكتاب وسنشرحها ثم إن
شاء الله تعالى جده (واما) إذ لم يكن من ينفق عليه من أب وجد وغيرهما فقد حكي القاضي
ابن كج عن أبي إسحاق انه لا يجوز صرف الزكاة إليه لاستغنائه عن الزكاة بالسهم المصروف إلى
اليتامى من الغنيمة. وعن ابن أبي هريرة انه يجوز صرف الزكاة إلى قيمه قال: وهذا هو المذهب
إذا عرفت ذلك فان قلنا بجواز الصرف فحاجة أطفال المساكين كسؤال البالغين إذ ليس لهم أهلية
النظر والتماس التسلف فتسلف الامام الزكاة واستقراضه لهم كاستقراض قيم اليتيم له. هذا
إذا كان الذي يلي أمرهم الامام فاما إذا كان يلي أمرهم من هو مقدم على الامام فحاجتهم كحاجة
البالغين لان لهم من يسأل التسلف لو كان صلاحهم فيه أما إذا قلنا لا يجوز الصرف إلى الصغير
فلا تجئ هذه المسألة في سهم الفقراء والمساكين ويجوز ان تجئ في سهم الغارمين ونحوه لان
الخلاف في المكفى بنفقة أبيه لا يتجه في سهم الغارمين إذ ليس على القريب قضاء دين القريب
وفي المسائل كلها لو تلف المعجل في يد الساعي أو الامام بعد تمام الحول سقطت الزكاة عن المالك لان
الحصول في يدهما بعد الحول كالوصول إلى المساكين كما لو اخذ بعد الحول ثم إن فرط في الدفع إليهم
ضمن من مال نفسه لهم والا فلا ضمان على أحد وليس من التفريط ان ينتظر انضمام غيره إليه
لقلته فإنه لا يجب تفريق كل قليل يحصل عنده. وعد بعد هذا إلى لفظ الكتاب واعلم أن قوله
538

وهي فوات شرط الوجوب يفتقر إلى التأويل إذ ليس الطوارئ المانعة من الاجزاء منحصرة
في فوات شرط الوجوب بل فوات شرط الاستحقاق في القابض مانع من الاجزاء أيضا. وأيضا
فإنه قال وذلك في القابض بان يرتد إلى آخره وصفات القابض ليست من شروط الوجوب في شئ
وجواز الصرف إليه (وقوله) بان يرتد أو يموت أو يستغنى معلم بالحاء لان عند أبي حنيفة تغير حال
القابض لا يؤثر إذا كان عند الاخذ بصفة الاستحقاق (وقوله) أو في المالك بان يرتد يجوز ان يرقم
قوله يرتد بالواو لأنا ان أبقينا ملك المرتد وجوزنا إخراج الزكاة في حال الردة أجزأ المعجل (وقوله)
أما المال لو تلف إلى آخر الفصل يمكن حمله على الاستقراض وعلى التسلف للزكاة ومراده الثاني على
ما صرح به في الوسيط (وقوله) لو تلف في يد المساكين مطلقا سواء قبض الامام بسؤال المالك
أو بسؤال المساكين وسلمه إليهم والتفصيل فيما إذا كان التلف في يد الامام (وقوله) فلا ضمان أي
إذا اجتمع شرائط الوجوب والاستحقاق جميعا أجزأ المعجل عن الزكاة ولا ضمان على أحد وقد
نجد في بعض النسخ فلا بأس بدل قوله فلا ضمان ولا بأس به معناه لا يضر ذلك وتقع الزكاة موقعها
وأيهما كان فهو عند اجتماع الشرائط كما سبق (وقوله) وحاجة أطفال المساكين كسؤالهم أي كسؤال
البالغين لا كسؤال الأطفال ثم ليس من ضرورة أطفال المساكين أن يكونوا مساكين فاللفظ الناص
على الفرض أن يقال وحاجة الأطفال ثم ليس من ضرورة أطفال المساكين أن يكونوا مساكين فاللفظ الناص
على الفرض أنن يقال وحاجة الأطفال المساكين ولا يخفى أن لفظ المساكين في هذه المسائل كناية عن أهل
السهمان جميعا وأنه ليس المراد جميع آحاد الصنف بل سؤال طائفة منهم وحاجتهم *
قال (الثالث في الرجوع عند طريان هذه الأحوال فان قال هذه زكاتي المعجلة فله الرجوع وقيل شرطه أن
يصرح بالرجوع وعلى هذا لو نازعه المساكين في الشرط فالمالك هو المصدق في إحدى الوجهين لأنه المؤدى
(أما) إذا لم يتعرض للتعجيل ولا علمه المساكين ففي الرجوع وجهان. فان قلنا يرجع فيصدق مع يمينه
إذا قال قصدت التعجيل) *
إذا دفع الزكاة المعجلة إلى الفقراء وقال إنها معجلة فان عرض مانع استردت فله الاسترداد
ان عرض مانع وعن أبي حنيفة انه لا استرداد إلا إذا كان المال في يد الامام بعد أو الساعي * لنا أنه
مال دفعه لما يستحقه القابض في المستقبل فإذا عرض ما يمنع الاستحقاق استرده كما إذا عجل الأجرة
ثم انهدمت الدار قبل انقضاء المدة. وان اقتصر على قوله هذه زكاة معجلة وعلم القابض ذلك
ولم يذكر الرجوع فهل له الاسترداد عند عروض مانع فيه وجهان حكاهما الشيخ أبو محمد وغيره
(أحدهما) لا لان العادة جارية بأن المدفوع إلى الفقير لا يسترد فكأنه ملكه بالجهة المعينة ان وجد
539

شرطها والا فهو صدقة وصار كما لو صرح وقال هذه زكاتي المعجلة فان وقعت الموقع فذاك والا فهي
نافلة (وأصحهما) ولم يذكر المعظم غيره ان له الرجوع لأنه عين الجهة فان بطلت رجع كما قلنا في
تعجيل الأجرة قال صاحب الوجه الأول: هذا يشكل بما إذا قال هذه الدراهم عن مالي الغائب
وكان تالفا فإنه يقع صدقة ولا يتمكن من الرجوع الا إذا شرط الرجوع بتقدير تلف الغائب. أجاب
الصيد لأني بأنه قد تعرض لكونها معجلة وإذا تعرض لذلك فقد شرط الرجوع ان عرض مانع
وهذا غير واضح كما ينبغي وقرب امام الحرمين في المسألة من القولين فيما إذا نوى الظهر
قبل الزوال هل تنعقد صلاته نفلا وهذان الوجهان فيما إذا دفع المالك بنفسه وفيه تكلم صاحب
الكتاب ألا تراه يقول فلو قال هذه زكاتي المعجلة والامام لا يقول ذلك (اما) إذا دفع الامام
فلا يمكن جعله نافلة فلا حاجة إلى شرط الرجوع لكن لو لم يعلم القابض أنه زكاة غيره فيجوز
أن يقال على الوجه الأول لا يسترد وعلى الامام الضمان للمالك لتقصيره بترك شرط الرجوع
ولو جرى الدفع من غير تعرض للتعجيل ولا علم القابض به فهل يثبت الاسترداد ظاهر نصه في
المختصر انه إن كان المعطي الامام يثبت وان أعطى المالك بنفسه فلا يثبت وللأصحاب فيه طريقان
(أحدهما) تقرير النصين والفرق ان المالك يعطي من ماله الفرض التطوع فإذا لم يقع عن الفرض
وقع تطوعا والامام يقسم مال الغير فلا يعطى الا الفرض فكان مطلق دفعه كالمقيد بالفرض وهذا
هو الذي ذكره القاضي ابن كج وعامة أصحابنا العراقيين (والثاني) أنه لا فرق بين الامام والمالك
لان الامام قد يتصدق بمال نفسه كما يفرق مال الغير وبتقدير أن لا يقسم الا الفرض لكنه قد يكون معجلا
وقد يكون في وقته واختلف هؤلاء على طريقين (أحدهما) تنزيل النصين على حالين حيث قال يثبت الرجوع
فذلك عند وقوع التعرض للتعجيل وحيث قال لا يثبت فذلك عند اهماله والامام والمالك يستويان في
الحالتين وذكر في الشامل ان الشيخ أبا حامد حكى هذا الطريق أيضا وهو الذي أورده الجامعون لطريقة
القفال واختياراته (والثاني) ان فيهما قولين نقلا وتخريجا (أحدهما) أنه يثبت الرجوع كما لو دفع مالا إلى غيره
على ظن أن له عليه دينا فلم يكن له الاسترداد (والثاني) لا يثبت لان الصدقة تنقسم إلى فرض وتطوع
وإذا لم تقع فرضا تقع تطوعا كما لو أخرج زكاة ماله الغائب وهو يظن سلامته فبان تالفا يقع
تطوعا وهذا الطريق أو فق لما ذكره في الكتاب إلا أنه حكي بدل القولين وجهين وكذا فعل امام
الحرمين وهو قريب في موضع النقل والتخريج و لم يحك الخلاف في الامام والمالك جميعا فان
المسألة مسوقة على ما سبق في أول الفصل وهو كلام في المالك على ما بينته والأظهر أنه لا يثبت
540

الرجوع سواء أثبتنا الخلاف أم لا وهو فيما إذا دفع المالك بنفسه أولي وأظهر في ظاهر النصين
المنقولين عن المختصر وكشف المراد منهما كلام كثير لا يحتمله هذا الموضع. فان قلنا يثبت
الاسترداد وان لم يتعرض للتعجيل ولا علمه القابض فمهما قال المالك قصدت التعجيل ونازعه
القابض فالقول قوله المالك مع اليمين فإنه أعرف بنيته ولا سبيل إلى معرفتها الا من جهته ولو ادعى
المالك علم القابض بأنها كانت معجلة فالقول قول القابض لان الأصل عدم العلم والغالب هو الأداء
في الوقت. وان قلنا لا يثبت الاسترداد عند عدم التعرض للتعجيل وعلم القابض فلو تنازعا في أنه
هل شرط التعجيل على الوجه الأصح أو في أنه هل شرط مع ذلك الرجوع على الوجه الثاني فالقول
قول من: فيه وجهان (أحدهما) أن القول قول المالك مع يمينه لأنه المؤدى وهو أعرف بقصده ولهذا
لو دفع ثوبا إلى غيره واختلفا فقال الدافع هو عارية وقال الآخر هبة كان القول قول الدافع (وأظهرهما)
ولم يذكر في العدة غيره أن القول قول المسكين مع يمينه لان الأصل عدم الاشتراط والغالب كون
الأداء في الوقت ولأنهما اتفقا على انتقال اليد والملك والأصل استمرارها (وقوله) في الكتاب وعلى
هذا لو نازعه المساكين في الشرط قد يتوهم تخصيص المسألة والوجهين فيها بالوجه المذكور قبله وهو
قوله وقيل شرطه أن يصرح بالرجوع وليس كذلك بل سواء اكتفينا بشرط التعجيل أو شرطنا
التصريح بالرجوع وفرض النزاع جرى الوجهان ولو أنه أخر المسألة إلى أن يفرغ من الكلام فيما
إذا لم يتعرض للتعجيل ولا علمه المساكين لكان أولى لان هذا النزاع انا يجرى إذا قلنا لا يثبت
الاسترداد ثم إذا أثبتناه فلا فائدة للنزاع في جريان الاشتراط فان المالك وان سلمه وادعي أنه قصد
التعجيل والرجوع نصدقه كما سبق والوجهان في تنازع المالك والقابض يجريان في تنازع الامام
والقابض إذا قلنا إنه يحتاج إلى الاشتراط ولفظ التهذيب يشمل الصورتين جميعا (وقوله) ففي الرجوع
وجهان يجوز أن يعلم بالواو لما قدمنا من الطريقة القاطعة بامتناع الرجوع ولك أن تبحث في قوله
أما إذا لم يتعرض لتعجيل ولا علمه المسكين فتقول هذا يشمل ما إذا سكت فلم يذكر شيئا أصلا
وما إذا قال هذه زكاتي أو صدقتي المفروضة ولم يتعرض للتعجيل ولا علمه المسكين فهل يجوز لمخرج
الزكاة أن لا يتلفظ بشئ أصلا وبتقدير أن يجوز فهل الحكم واحد في الحالتين أم بينهما فرق.
والجواب أما الأول فقد ذكر صاحب النهاية وغيره أن مخرج الزكاة لا يحتاج إلى لفظ لأنه في حكم
توفية حق على مستحق قال وفي صدقة التطوع تردد والظاهر الذي به عمل الكافة أنه لا حاجة إلى
لفظ أصلا (واما الثاني) ففيه طريقان (أحدهما) انه إذا قال هذه زكاتي أو صدقتي المفروضة
كان بمثابة ما لو ذكر التعجيل ولم يصرح بالرجوع (وأظهرهما) انه كما لو لم يذكر شيئا أصلا فان ذكر
541

التعجيل يعرف انها في الحال غير واجبة وقوله هذه زكاتي لا يفيد ذلك والغالب إنما هو الأداء
في الوقت. والذي أجاب به العراقيون انه لا يسترد المالك بخلاف الامام فن الامام قد يستعجل
الزكاة في العادة والملاك لا يؤدون قبل دخول وقت الوجوب غالبا وهذا جرى منهم على طريقتهم
التي سبقت وحكوا في التفريع عليها وجهين في أنه لو كان الطارئ موت المسكين هل للمالك ان
يستحلف ورثته على نفى العلم بأنها معجلة. عن أبي يحيي البلخي انهم يحلفون لامكان
صدقه وعن غيره انهم لا يحلفون لأن الظاهر من قوله هذه زكاتي انها واجبة في الحال فليس له
دعوى خلافه وشبهوا هذا بالوجهين فيما إذا رهن وأقر بأنه اقبض ثم ادعى بأنه لم يقبض وأراد
التحليف عليه وقوله في أول الفصل الثالث في الرجوع عند طريان هذه الا حوال إشارة إلى أنه لابد
للرجوع من عروض شئ من هذا الخلاف وليس له ان يسترد المعجل من غير سبب لأنه تبرع
بالتعجيل فأشبه ما لو عجل دينا مؤجلا لا استرداد له *
قال (ولو تلف النصاب بنفسه لم يمتنع الرجوع على أصح الوجهين) *
من الطوارئ المانعة من وقوع المعجل زكاة تلف النصاب فحيث يثبت الاسترداد بهذا السبب
هل يثبت لو أتلفه المالك بنفسه فيه وجهان (أحدهما) لا لتقصيره بالاتلاف (وأصحهما) نعم
لحصول التلف وخروج المعجل عن أن يكون زكاة وقضية التعليل الأول ان لا يجرى الخلاف
فيما إذا أتلفه بالانفاق وغيره من وجوه الحاجات ولو أتلف بعض ماله حتى انتقض النصاب كان
كاتلاف جميع المال مثل ان يعجل خمسة دراهم عن مائتي درهم ثم يتلف منها درهما وتنقل هذه الصورة
والوجهان فيها عن الإصطخري *
قال (وإن كان المال تالفا في يد المسكين فعليه ضمانه وإن كان ناقصا ففي الأرش
وجهان وإن كان باقيا يرد بزوائده المنفصلة والمتصلة وينقض تصرفه وكأنه بان انه لم يملك
وقيل إنا نقدره مقرضا ان لم يقع عن جهة الزكاة فتلتفت هذه الأحكام على أن القرض يملك
بالقبض أو التصرف) *
متى أثبتنا حق الاسترداد فلا يخلو المعجل اما أن يكون تالفا أو باقيا في يد القابض فإن كان
تالفا فعليه ضمانه بالمثل إن كان مثليا والقيمة إن كان متقوما وفي القيمة المعتبرة وجهان (أحدهما)
انه يعتبر قيمة يوم التلف لان الحق انتقل إلى القيمة يوم التلف فاعتبرت قيمة ذلك اليوم كما في
العارية (والثاني) ويحكي عن أحمد انه يعتبر قيمة يوم القبض لان ما زاد عليها زاد في ملك
القابض فلم يضمنه كما لو تلف الصداق في يد المرأة ثم ارتدت قبل الدخول أو طلقها فان الزوج
542

يرجع بقيمة يوم القبض قال المحاملي وهذا أشبه. وينقدح عند امام الحرمين وجه ثالث
وهو ايجاب أقصى القيم بناء على أن الملك غير حاصل للقابض واليد يد ضمان وقد
ذكر مثل هذا في المستعير والمستام فإن كان القابض قد مات فالضمان
في تركته. وإن كان المعجل باقيا نظر ان لم يحصل فيه زيادة ولا نقصان استرده ودفعه ومثله إلى
المستحق ان بقي بصفة الوجوب وإن كان الدافع الامام أخذه وهل يصرفه إلى المستحقين بدون
اذن جديد من المالك: حكي في التتمة فيه وجهين (أظهرهما) وهو المذكور في التهذيب له ذلك
وإذا أخذ القيمة فهل يجوز صرفها إلى المستحقين فيه وجهان لان دفع القيم لا يجزئ فان جوزناه وهو
الأظهر فهل يحتاج إلى اذن جديد فيه وجهان. وان حصلت فيه زيادة فن كانت متصلة كالسمن
والكبر أخذه مع الزيادة كما ولو زاد الموهوب في يد الابن زيادة متصلة ورجع الأب فيه وكما إذا
أفلس المشترى بالثمن وقد زاد المبيع زيادة متصلة وإن كانت منفصلة كالولد واللبن فهل يأخذها
مع الأصل فيه وجهان أحدهما نعم لأنا بينا بما طرأ أخيرا انه لم يملك المقبوض وأصحهما ولم يذكر
الجمهور غيره لا كما أن الأب لا يرجع في الزيادة المنفصلة من الموهوب وكما أنها للمشترى إذا رد
الأصل بالعيب أو رد عليه العوض ويحكي هذا الثاني عن نص الشافعي رضي الله عنه وان حدث
فيه نقصان فهل يجب فيه أرشه فيه وجهان (أحدهما) نعم كما يجب الضمان عند التلف فيعتبر الجزء
بالجملة (وأصحهما) عند العراقيين وغيرهم لا وحكوه عن ظاهر نصه في الام ووجه بأنه نقصان حدث في
ملكه فلا يضمنه كالأب إذا رجع في الموهوب وقد نقص فلا يأخذ معه الأرش كالبائع إذا استرد
المبيع وقد نقص عند افلاس المشترى ليس له الأرش وهذا الوجه هو اختيار القفال فيما حكي
الصيدلاني قال واستشهد عليه بما إذا رد المبيع بعيب والثمن باق لكنه حدث فيه عيب ليس له الا
المعيب وإن كان يأخذ مثله أو قيمته لو كان تالفا قال امام الحرمين وهذا مشكل والزامه الرضا
بالثمن المعيب بعيد وإنما الذي قاله الأصحاب أنه لو وجد بالمبيع عيبا وتمكن من الرد فرضى
لا أرش له والكلام فيه يتضح في موضعه إن شاء الله تعالى جده. ثم أشار حجة الاسلام رحمه الله في هذه
المسائل إلى أصل ذكره الامام وهو أن المعجل هل يصير ملكا للقابض أم لا وان صار ملكا له
فيأتي فيه وجه يكون ملكا له قال حيث لا يثبت الرجوع فالمعجل مردد بين أن يكون فرضا أو
تطوعا والملك حاصل للقابض على التقديرين وحيث يثبت فله تقديران لم يصرح بهما الأصحاب
وجزم عليهما صاحب التقريب (أحدهما) أن الملك موقوف إلى أن يكشف الامر في المال فان
حدث مانع تبين استمرار ملك المالك والا تبين أنه صار ملكا للقابض من يومئذ (والثاني) أن
543

الملك ثابت للقابض لكن ان استمرت السلامة تبين أنه ملك عن جهة زكاة مستحقة والا تبين
وقوعه فرضا ثم الفرض يملك بالقبض أو بالتصرف وان ملك بالتصرف فبأي تصرف يملك: فيه
خلاف مذكور في بابه وعلى هذا الأصل يجرى الوجهان في الزوائد المنفصلة وان قلنا بالتوقف وجب ردها
لتبين حدوثها على ملك المالك وان قلنا بتقدير الفرض فان قلنا إنه يملك بالقبض سلمت الزوائد للقابض
وان قلنا يملك بالتصرف وحدثت الزوائد قبل التصرف وهذا كما لو استقرض أغناما ونتجت في يده ثم
باعها واستبقى النتاج قال الامام ينقدح فيه أمران (أحدهما) أن يقدر انتقال الملك في الأغنام إلى
المستقرض قبيل البيع ويجعل النتاج للمستقرض (والثاني) ان يستند الملك إلى حالة
القبض ويجعل النتاج للمستقرض ومما يخرج على هذا الأصل تصرفه في المال المعجل
بأن باع ما قبضه ثم طرأ بعض الأحوال المانعة فان توقفنا في الملك تبين انتقاض بيعه وان قلنا بالفرض
فلا ومما يخرج عليه أنه هل يجوز للقابض عند بقاء العين الابدال أم يلزمه رد عين المأخوذ فان
قلنا بالتوقف لزم رد عينه وان قلنا بالفرض فان قلنا يملك بالقبض فله الابدال وان قلنا يملك
بالتصرف ولم يوجد فللمالك استرداده بعينه: واعلم أن ايراد الكتاب يقتضى ترجيح التقدير الأول
لكن كلام المعظم يقتضي ترجيح الجزم بثبوت الملك ولذلك قالوا لا يجب رد الزوائد المنفصلة ولا أرش
النقصان على ما قدمناه *
قال (ولو لم يملك الا أربعين فعجل واحدة فاستغني القابض أو مات فان جعلنا المخرج للزكاة قرضا لم
يلزمه تجديد الزكاة لان الحول انقضى على تسع وثلاثين بخلاف ما ذا وقع المخرج عن الزكاة لان المخرج
عن الزكاة لان الحول انقضى على ستع وثلاثين بخلاف ما ذا وقع المخرج عن الزكاة لان المخرج
عن الزكاة كالباقي وان قلنا تبين أن الملك لم يزل التفت على المجحود والمغصوب لوقوع الحيلولة) *
الذي يحتاج إلى معرفته أولا وقد أشار إليه في أثناء الفصل ان المعجل للزكاة مضموم إلى
ما عنده ونازل منزلة ما لو كان في يده (بيانه) لو اخرج شاة من أربعين ثم حال الحول الحول ولم
يطرأ مانع أجزأه ما عجل وكانت تلك الشاة بمثابة الباقيات عنده ولو عجل شاة عن مائة وعشرين
ثم نتجت واحدة أو عن مائة وحدثت عشرون وبلغت غنمه مع الواحدة المعجلة مائة وإحدى
وعشرين لزمه شاة أخرى وان أنفق القابض تلك المعجلة ولو عجل شاتين عن مائتين ثم حدثت
سخلة قبل الحول فقد بلغت غنمه مع المعجلتين مائتين وواحدة فيلزمه عند تمام الحول شاة ثالثة فلو
كانت المعجلة في هاتين الصورتين معلوفة أو اشتراها وأخرجها لم يجب شئ زائد لان المعلوفة والمشتراة لا يتم
بهما النصاب وإن جاز إخراجهما عن الزكاة. وخالف أبو حنيفة هذا الأصل فلم يحوز التعجيل الا بشرط
544

أن يكون الباقي عنده نصابا ولم يجعل المعجل مضموما إلى ما عنده فيخرج من ذلك امتناع التعجيل
في الصورة الأولى وأن لا تجب شاة ثانية في الثانية ولا ثالثة في الثالثة وساعدنا احمد على ما ذكرنا واحتج
الأصحاب على جواز التعجيل عن الأربعين فحسب بأن قالوا هذا نصاب يجب الزكاة فيه بحولان
الحول فجاز تعجيلها منه كما لو كان أكثر من أربعين واحتج الشافعي رضي الله عنه على تكميل النصاب
الثاني والثالث بالمعجل بأن التعجيل إنما جوز ارفاقا بالفقراء فلا يجوز أن يصير سببا لاسقاط
حقوقهم ومعلوم أنه لولا التعجيل لو جبت زيادة على ما أخرجه. إذا عرفت ذلك فلا يخلوا لحال
بعد تعجيل الزكاة اما أن يتم الحول على السلامة أو يعرض مانع فان تم الحول على السلامة أجزأه
ما اخرج ثم كيف التقدير إذا كان الباقي عنده ناقصا عن النصاب كما لو لم يملك الا أربعين فعجل
منها واحدة: أيزول الملك عن المعجل ومع ذلك يحتسب عن الزكاة أم لا يزول: عن صاحب التقريب
أنه يقدر كأن الملك لم يزل لينقضي الحول وفي ملكه نصاب واستبعد امام الحرمين ذلك وقال
تصرف القابض فيه نافذ بالبيع والهبة وغير هما فكيف فقول ببقاء ملك المعطى وهذا الاستبعاد
حق ان أراد صاحب التقريب بقاء ملكه حقيقة إلى آخر الحول وإن أراد أنه نازل منزلة الباقي
حتى يكون مجزئا عن زكاته ويكمل بالنصاب الآخر فلا استبعاد والأصحاب مطبقون عليه وكأنه
اكتفى عن التعجيل بمضي ما سبق من الحول على كمال النصاب رفقا بالفقراء فهذا إذا تم الحول على
السلامة وإن عرض مانع من وقوع المعجل زكاة نظر إن كان المخرج أهلا للوجوب وبقى في يده
نصاب لزمه الاخراج ثانيا وإن كان الباقي دون النصاب فحيث لا يثبت الاسترداد فلا زكاة عليه
وكأنه تطوع بشاة قبل تمام الحول وحيث يثبت الاسترداد فاسترد فقد ذكر شيوخنا العراقيون
فيه ثلاثة أوجه (أحدها) انه يستأنف الحول ولا زكاة لما مضى لنقصان ملكه عن النصاب قبل تمام
الحول (والثاني) أنه تجب الزكاة للحول الماضي لان المخرج للزكاة كالباقي واحتجوا عليه بما إذا وقع
عن الزكاة (والثالث) أنه يفرق بين النقد فيزكيه لما مضى وبين الماشية فلا يزكيها لما مضى لان السوم
شرط في زكاة المشاية وذلك ممتنع في الحيوان في الذمة. قالوا وأظهر الوجوه هو الثاني وهو الذي
ذكره في التهذيب بل لفظه يقتضي وجوب الاخراج ثانيا وإن لم يسترد بعد إذا كان المخرج بعينه
باقيا في يد القابض وعن صاحب التقريب بناء المسألة على الأصل السابق وهو أنه إذا ثبت الاسترداد
فتبين ان الملك لم يزل عن المعجل أو يقال بالزوال ويجعل قرضا إن قلنا بالزوال فإذا استرجع استفتح
الحول من يومئذ ولا زكاة لما مضى. وان قلنا يتبين أن الملك لم يزل لزمه الزكاة لما مضى لتبين
أطراد الحول على نصاب كامل وزاد الامام شيئا آخر على هذا القدير الثاني فقال: الشاة التي تسلط
545

القابض على التصرف فيها قد حصلت الحيولة بينها وبين المالك فيجئ فيها خلاف المغصوب
والمجحود وهذا الطريق هو الذي أورده في الكتاب وكلام العراقيين يعر بتخريج الوجوء كلها
بعد تسليم زوال الملك عن المعجل وكيف ما كان فالظاهر عند المعظم أنه يجب تجديد الزكاة. ولو كان
المخرج تالفا في يد القابض فقد صار الضمان دينا عليه فان أو جبنا تجديد الزكاة إذا كان باقيا فيجئ
ههنا قولا وجوب الزكاة في الدين هذا في الدين وفي المواشي لا تجب الزكاة بحال لان الواجب
على القابض القيمة فلا يكمل بها نصاب المشاية. وروى القاضي ابن كج عن ابن إسحاق إقامة
القيمة مقام العين ههنا مراعاة لجانب المساكين وقوله في أول الفصل ولو لم يملك الا أربعين فعجل
واحدة فاستغنى القابض أي بغير الزكاة وذكر الاستغناء مثالا والحكم لا يختص به بل الموت
وسائر الطوارئ في معناه (وقوله) بخلاف ما إذا وقع المخرج عن الزكاة لان المخرج كالباقي للزكاة أي المخرج
للزكوة إذا وقع عن الزكاة كالباقي. فاما إذا طرأ مانع فلا يجعل كالباقي وهكذا ذكر صاحب التهذيب في فرع
سنذكره على الأثر لكن ما حكينا عن العراقيين في توجيه الوجه الثاني ينازع فيه ويصرح بكونه
كالباقي وان لم يقع عن الزكاة *
(فرع) لو عجل بنت مخاض عن خمس وعشرين من الإبل فبلغت بالتوالد ستا وثلاثين
قبل الحول فلا يجزئه بنت المخاض المعجلة وان صارت بنت لبون في يد القابض بل يستردها
ويخرجها ثانيا أو بنت لبون أخرى. قال صاحب التهذيب من عنده: فإن كان المخرج هالكا
والنتاج لم يزد على أحد عشر ولم تكن إبله ستا وثلاثين الا مع المخرج وجب ان لا تجب بنت
لبون لأنا إنما نجعل المخرج كالقائم إذا وقع محسوبا عن الزكاة أما إذا لم يقع محسوبا فلا بل هو كهلاك
بعض المال قبل الحول *
قال (القسم الثالث في تأخير الزكاة وهو سبب الضمان (ح) والعصيان (ح) عند التمكن وان تلف
النصاب بعد الحول وقبل التمكن فلا زكاة) *
إذا تم الحول على المال الذي يشترط في زكاته الحول وتمكن من الأداء فأخر عصى لما تقدم
أن الزكاة على الفور ويدخل في ضمانه حتى لو تلف المال بعد ذلك لزمه الضمان سواء تلف بعد
مطالبة الساعي أو الفقراء أو قبل ذلك وعند أبي حنيفة رحمه الله تسقط الزكاة ولا ضمان *
إن كان التلف قبل المطالبة. وإن كان بعدها فلأصحابه فيه اختلاف * لنا انه قصر بحبس
الحق عن المستحق فلزمه ضمانه ولو تلف ماله بعد الحول وقبل التمكن فلا شئ كما لو دخل
وقت الصلاة فعرض له جنون أو نحوه قبل التمكن من فعلها أو ملك الزاد والراحلة ولم يتمكن
546

من فعل الحج. وان أتلفه بنفسه بعد الحول وقبل التمكن لم تسقط عنه الزكاة لتقصيره باتلافه
وعن مالك انه ان لم يقصد بالاتلاف الفرار عن الزكاة تسقط وان أتلفه غيره فينبنى على أصل
سيأتي وهو ان الامكان من شرائط الوجوب أو من شرائط الضمان ان قلنا بالأول فلا زكاة كما
لو أتلف قبل الحول وان قلنا بالثاني وقلنا مع ذلك الزكاة تتعلق بالذمة فلا زكاة أيضا لأنه تلف
قبل حصول شرط الاستقرار وان قلنا تتعلق بالعين انتقل حق المستحقين إلى القيمة كما إذا قتل
العبد الجاني أو المرهون ينتقل الحق إلى القيمة (وقوله) في الكتاب هو سبب الضمان والعصيان معلم
بالحاء لما ذكرنا ويجوز ان يعلم قوله فلا زكاة بالألف لان صاحب الشامل حكى عن أحمد انه لا تسقط
الزكاة كما لو أتلفه *
قال (وإن ملك خمسا من الإبل فتلف قبل التمكن واحد فأحد القولين أنه يسقط كل
الزكاة كما لو تلف قبل الحول لان الامكان شرط للوجوب (والأصح) أنه لا يسقط إلا خمس
شاة لان الامكان شرط الضمان وعلى هذا لو ملك تسعا فتلف أربع قبل التمكن فالجديد أن
الزكاة لا تسقط عن الوقص فلا يسقط بسببه شئ من الزكاة. وعلى القديم يسقط أربعة
أتساع شاة) *
مسألتا الفصل مبنيتان على أصلين (أحدهما) أن امكان الأداء من شرائط الضمان وهل هو مع
ذلك من شرائط الوجوب فيه قولان (أحدهما) ويحكى عن القديم وبه قال مالك أنه من شرائط
الوجوب كما في الصوم والصلاة والحج لأنه لو تلف قبل الامكان سقطت الزكاة ولو وجبت لما سقطت
وبهذا أجاب في المختصر في مواضع (وأصحهما) عند ابن سريج وجمهور الأصحاب وهو قوله
في الاملاء ومذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه ليس الا من شرائط الضمان لأنه لو تلف المال بعد
الحول لا تسقط عنه الزكاة ولولا الوجوب لسقطت كما لو تلف قبل الحول. واحتج كثيرون لهذا
القول بأنه لو تأخر الامكان مدة فابتداء الحول الثاني يحسب من تمام الحول الأول لامن حصول
الامكان وبأنه لو حدث نتاج بعد الحول وقبل الامكان يضم إلى الأصل في الحول الثاني
دون الأول وهذا جرى منهم في المسألة الثانية على أظهر الطريقين وقد قدمنا في فصل النتاج أن
من الأصحاب من بنى المسألة على القولين في الامكان. وعند مالك ابتداء الحول الثاني من وقت
حصول الامكان والنتاج الحادث من وقت حصول الامكان مضموم إلى الأصل في الحول الأول
وعبر صاحب التتمة عن تحقيق هذا الخلاف بأنا إذا قلنا الامكان من شرائط الوجوب فهو على
547

سبيل التبيين معناه أنا نتبين بالامكان حصول الوجوب عند تمام الحول ونسميه شرط الوجوب
توسعا. ومالك يجعله شرط الوجوب حقيقة ولا يقول بالتبيين. وبعض أصحابنا يعبر عن القول
الأول بالقديم وعن الثاني بالجديد وهو اقتصار من الجديد على ما يقابل القديم والا فقضية ما ذكرنا
حصول قولين في الجديد (أحدهما) كالقديم (والثاني) خلافه (الأصل الثاني) أن الأوقاص وهي
ما بين النصابين كما بين الخمس والعشر من الإبل يتعلق الواجب بها مع النصب أم هي عفو والزكاة
تتعلق بالنصب فيه قولان (أصحهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله والمزني أنها عفو لما روى أنه صلى الله عليه
وسلم قال (في خمس من الإبل شاة ولا شئ في زيادتها حتى تبلغ عشرا) (1) ولأنا لو بسطنا
الواجب على الوقص والنصاب لسقط قسط من الواجب بتلف الوقص بعد الحول كما سيأتي ومالا
تزيد الزكاة بزيادته لا ينبغي أن تنقص بنقصانه (والثاني) وهو اختيار ابن سريج أن الواجب
ينبسط على الكل لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس (في أربع وعشرين فما دونها الغنم
في كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض) (2) علق الفرض
بالنصاب والوقص ولأنه حق لله تعالى يتعلق بنصاب من المال فيتعلق به وبما زاد كما لو سرق
أكثر من نصاب يتعلق القطع بالكل فإذا ملك تسعا من الإبل فعلى القول الأول عليه في خمس
منها لا بعينها شاة والباقي عفو (وعلى الثاني) الشاة واجبة في الكل وقال امام الحرمين: الوجه
عندي أن تكون الشاة متعلقة بجميع التسع لا محالة والمراد من القولين أن الوقص هل يجعل وقاية للنصاب
كما يجعل الربح في القراض وقاية لرأس المال عند الخسران ففي قول يجعل وقاية له
وهو الصحيح لان الزكاة لا تزيد به ولا تنقص بتلفه وفي قول تجعل وقاية حتى لو تلف
البعض سقطت حصته وهذا أحسن والمشهور الأول إذا عرفت ذلك فإحدى مسألتي الفصل أن
تملك خمسا ويحول عليها الحول ثم تتلف منها واحدة قبل التمكن فلا زكاة عليه للتالف وهل يجب
للباقي. يبنى على الأصل الأول: ان قلنا الامكان شرط للوجوب فلا شئ عليه كما لو تلف قبل
548

تمام الحول وان قلنا إنه شرط الضمان دون الوجوب فعليه أربعة أخماس شاة لان هذا القدر هو
المستقر بالامكان ولو تلف أربع فعلى الأول لا شئ عليه وعلى الثاني عليه خمس شاة ولو ملك ثلاثين
من البقر وتلف خمس منها قبل الامكان وبعد الحول فان قلنا بالأول فلا شئ عليه وان قلنا بالثاني
فعليه خمسة أسداس تبيع (والمسألة الثانية) ملك تسعا من الإبل وحال عليها الحول تم تلف قبل
التمكن أربع فحكمها يقتبس من الأصلين. ان قلنا الامكان شرط الوجوب فعليه شاة كما لو تلف
قبل الحول وان قلنا إنه شرط للضمان فان قلنا الوقص عفو فعليه شاة أيضا لبقاء متعلق الواجب
وان قلنا الواجب ينبسط على الجميع ففيه وجهان (أصحهما) ولم يذكر الجمهور سواه أن عليه خمسة أتساع
شاة لأنها متعلقة بجميع التسع فحصة كل بعير منها تسع يسقط بتلف الأربع أربعة اتساع ويبقي الباقي
والثاني عن القاضي أبى الطيب أن أبا إسحاق قال عليه شاة أيضا ووجهه ابن الصباغ بان الزيادة ليست
شرطا في الوجوب فلا يؤثر تلفها وان تعلق بها الواجب كما لو شهد خمسة على محصن بالزنا فرجمناه ثم
رجع واحد منهم وزعم أنه غلط فلا ضمان على واحد منهم وان رجع اثنان حينئذ يجب الضمان
ولو كانت المسألة بحالها وتلف خمس فان قلنا الامكان من شرائط الوجوب فلا شئ عليه لانتقاص
النصاب قبل الوجوب كما لو تلف قبل الحول وان قلنا من شرائط الضمان فان قلنا الوقص عفو
فعليه أربعة أخماس شاة لان الواجب لم يتعلق إلا بخمس منها ولم يتلف من الخمس الا واحدة وان
بسطنا الواجب على الكل فعليه أربعة اتساع شاة لان الشاة تعلقت بالتسع وقد بقي منها أربع
فلا يجئ ههنا وجه أبي إسحاق ولو ملك ثمانين من الغنم فتلف منها أربعون بعد الحول وقبل
التمكن فان قلنا الامكان شرط الوجوب أو قلنا إنه شرط الضمان والوقص عفو فعليه شاة وان قلنا إنه
شرط الضمان وبسطنا الواجب على الكل فعليه نصف شاة وعلى الوجه المروى عن أبي إسحاق تجب
شاة أيضا وعلى هذه الصورة يقاس نظائرها (واما) لفظ الكتاب (فقوله) فتلف قبل التمكن واحد أي
وبعد الحول (وقوله) لان الامكان شرط الوجوب (معلم) بالحاء (وقوله) شرط الضمان بالميم لما
قدمناه وقد استدرك من جهة اللفظ على قوله يسقط كل الزكاة لان السقوط يفتقر إلى سبق الثبوت
ونحن على هذا القول نقول بعدم الوجوب أصلا الا أن لفظ السقوط قد يستعمل حيث يكون الشئ
بعرضية الثبوت فتبطل عرضيته (وقوله) في أول الصورة الثانية وعلى هذا أي على قولنا الامكان
شرط الضمان فانا حينئذ نبني المسألة على الخلاف في الوقص (وقوله) يسقط أربعة أتساع شاة (أي)
لان الزكاة تنبسط على الوقص ويجوز أن يعلم بالحاء والزاي والواو أيضا لوجه أبي إسحاق (وقوله)
549

فالجديد أن الزكاة لا تنبسط على الوقص وتسمية ما يقابله قديما اتباع لما ذكره الصيدلاني والامام
وليس ذلك على سبيل جزم الجديد بعدم الانبساط لان الشيخ أبا حامد وغيره من الشيوخ نقلوا
عدم الانبساط عن القديم وأكثر الكتب الجديدة والانبساط عن البويطي والاملاء فاقتضي ذلك
قولين في الجديد وكلامهم يشعر بجزم القديم بعدم الانبساط فإن كان كذلك لم يجز نسبة الانبساط
إلى القديم وإلا فهو غير جازم بالانبساط كما أن الجديد غير جازم بعدم الانبساط *
قال (وإمكان الأداء يفوت بغيبة المال أو بغيبة المستحق وهو المسكين أو السلطان فان حضر
مستحق فأخر لانتظار القريب أو الجار لم يعص على أحد الوجهين ولكن جواز التأخير بشرط الضمان
على أصح الوجهين) *
مقصود الفصل بيان المراد من إمكان الأداء فاعلم أنه ليس المراد من الامكان مجرد كونه
بسبيل من إخراج الزكاة ولكن يعتبر معه شئ آخر وهو وجوب الاخراج وذلك بأن تجتمع شرائطه
(فمنها) أن يكون المال حاضرا عنده فأما إذا كان غائبا فلا يوجب إخراج زكاته من موضع آخر وإن
جوزنا نقل الصدقات (ومنها) أن يجد المصروف إليه والأموال على ما قدمنا ظاهرة وباطنة والباطنة
يجوز صرف زكاتها إلى السلطان ونائبه ويجوز أن يفرقها بنفسه فيكون واجد المصروف إليه سواء
وجد أهل السهمان أو الامام أو نائبه وأما في الأموال الظاهرة فكذلك ان جوزنا له ان يفرق
زكاتها بنفسه وإلا فلا امكان حتى يجد الامام أو نائبه ثم إذا وجد من يجوز الصرف إليه لكن أخر
لطلب الأفضل ففي جوازه وجهان وذلك كما إذا وجد الامام أو نائبه وأخر ليفرق بنفسه حيث
قلنا إنه أولي أو وجد أهل السهمان فأخر ليدفع إلى الامام أو نائبه حيث قلنا إنه أولي أو أخر
لانتظار قريب أو جار أو من هو أحوج إليه (أحد الوجهين) انه لا يجوز التأخير لذلك لان المستحق
حاضر والزكاة واجبة على الفور فلا يؤخر (وأظهرهما) الجواز لأنه تأخير لغرض ظاهر وهو اقتناص
الفضيلة به فيسامح فعلى هذا لو أخر وتلف هل يضمن فيه وجهان (أحدهما) لا كالتأخير لسائر الأسباب
الجائزة (وأصحهما) نعم لان الامكان حاصل وإنما يؤخر لغرض نفسه فيتقيد جوازه بشرط سلامة
العاقبة وذكر إمام الحرمين للوجهين شرطين (أحدهما) أن يظهر اتصاف الحاضرين بصفة الاستحقاق
فان تردد في بقائهم وأخر ليتروى وينظر فلا خلاف (والثاني) أن لا تشتد حاجة الحاضرين وفاقتهم
أما لو كانوا يتضررون جوعا فأخر لانتظار قريب أو جار لم يجز بلا خلاف ولك ان تقول اشباع
الجائعين وإن وجب لكنه غير متعين على هذا الشخص ولا من هذا المال ولا من مطلق مال الزكاة
وإذا كان كذلك فلم يلزم من وجوب الاشباع أن لا يجوز تأخير الزكاة لاقتناص فضيلة في الأداء
550

وقوله في الكتاب أو بغيبة المستحق أراد به مستحق الزكاة لا مستحق المال المأخوذ وقوله وهو
المسكين أو السلطان إشارة إلى الخلاف في وجوب صرف زكاة الأموال الظاهرة معناها وهو المسكين
في المال الباطن والسلطان في المال الظاهر على أحد القولين وهذا لفظه في الوسيط لكن قوله وهو
المسكين غير مجرى على ظاهره فان المسكين غير متعين الاستحقاق في المال الباطن بل يجوز الصرف
إلى السلطان أيضا ثم قضية قوله وامكان الأداء يفوت بغيبة المال أو بغيبة المستحق انحصار فوات
الامكان في الامرين وبتقدير أن يكون كذلك يكون الامكان لازم الحصول عند اجتماع الامرين
لكن صاحب التهذيب وغيره يشترط في امكان الأداء ان لا يكون مشتغلا بشئ يهمه من امر دينه
ودنياه فإذا اللفظ محتاج إلى ضرب من التأويل *
قال (فان قيل فما وجه تعلق الزكاة بالعين قلنا فيه أربعة أقوال * قيل لا تتعلق به وقيل المسكين
شريكه فيه وقيل هو كاستيثاق المرتهن وقيل إن له تعلقا كتعلق أرش الجناية وهو الأصح) *
سقوط الزكاة بتلف النصاب بعد الحول وقبل التمكن يشعر بان الزكاة متعلقة بالنصاب غير
مسترسلة في الذمة فلما جرى ذكر هذه المسألة حسن البحث عن وجه ذلك التعلق والوجه أن نشرح
ما أورده في الكتاب ثم نذكر ما ينبغي أن يعرف (فأما) ترتيب ما في الكتاب (فهو) أن للشافعي رضي
الله عنه قولين في كيفية تعلق الزكاة (أحدهما) أنها في الذمة ولا تعلق لها بالعين لأنها عبادة وجبت
ابتداء من جهة الشرع فتتعلق بالذمة كالحج وصدقة الفطر وكذلك الكفارات (والثاني) أنها تتعلق
بالعين لقوله صلى الله عليه وسلم (في أربعين شاة شاة) (1) وعلى هذا ففي كيفية التعلق قولان (أحدهما)
أن أهل السهمان يصيرون شركاء لرب المال في قدر الزكاة لان الواجب يتبع المال في الصفة حتى
يؤخذ من المراض مريضة ومن الصحاح صحيحة ولأنه لو امتنع من اخراج الزكاة أخذها الامام
من عين النصاب قهرا كما يقسم المال المشترك قهرا إذا امتنع بعض الشركاء من القسمة (والثاني) انه
يتعلق بالمال تعلق استيثاق لأنه لو صار مشتركا لما جاز لرب المال الاخراج من موضع آخر كما لا يجوز للشريك
أداء حق الشريك من غير مال الشركة وعلى هذا ففي كيفية الاستيثاق قولان (أحدهما) أنه يتعلق
به تعلق الدين بالرهن بدليل أنه لو امتنع من أداء الزكاة أو لم يوجد السن الواجبة في ماله كان للامام
بيع بعض النصاب وشراء السن الواجبة كما يباع المرهون لقضاء الدين (والثاني) أنه يتعلق به
تعلق الأرش برقبة العبد الجاني لأنه يسقط الواجب بهلاك النصاب ولو كان تعلقها كتعلق الدين بالموهون
لما سقطت ويخرج من ذلك عند الاختصار أربعة أقوال كما ذكر في الكتاب ويجوز أن يعلم قوله
في أربعة أقوال بالواو لان امام الحرمين ثم صاحب البيان حكيا عن ابن سريج أنه لا خلاف في
551

تعلقها بالعين وإنما الخلاف في كيفية التعلق فتعود الأقوال على هذه الطريقة إلى ثلاثة. وعند مالك
رحمه الله تتعلق الزكاة بالعين تعلق استحقاق وشركة فلك أن تعلم ما عدا هذا القول بالميم. وعند أبي
حنيفة رحمه الله فيما رواه الصيدلاني وصاحب الشامل تتعلق تعلق الأرش برقبة الجاني وهو أحدي
الروايتين عن أحمد رحمه الله تعالى فيجوز أن يعلم ما عدا هذا القول بالحاء والألف. واعرف بعد
هذا أمورا (أحدها) أن عامة مشايخنا رحمهم الله لم يردوا الا قول الذمة وقول الشركة وقالوا الأول
قديم والثاني هو الجديد الصحيح واعتذروا عن جواز الابدال استقلالا بأن أمر الزكاة مبين على المساهلة
والارفاق فيحتمل فيه مالا يحتمل في سائر الأموال المشتركة وصاحب الكتاب رجح القول الرابع
وهو أن تعلق الزكاة كتعلق الأرش فيجوز أن يقال الكلامان مختلفان فيما هو الأصح في المسألة
ويجوز أن يقال إنهم حكموا بأن الشركة أصح من قول الذمة ولا يلزم منه أن يكون أصح على وجه
الاطلاق والأول أظهر (والثاني) أن ايراد الكتاب يقتضى كون الوجوب في الذمة قولا برأسه
وتعلق الرهن قولا برأسه وكذا نقل الامام لكن العراقيين والصيدلاني والقاضي الروياني والجمهور
جعلوا الامرين قولان واحدا فقالوا إنها تتعلق بالذمة والمال مرتهن بها. وجمع صاحب التتمة بين
الطريقين فحكى وجهين في أنا إذا قلنا بتعلقها بالذمة هل تجعل المال خلوا أو نقول هو رهن بها
(والثالث) أنا إذا قلنا بثبوت استيثاق المرتهن اما قولا برأسه أو جزءا من قول الذمة فهل يجعل جميع
المال مرهونا به أو يخص قدر الزكاة بالرهن بها. فيه وجهان سنفرع عليهما وكذا الخلاف إذا
قلنا بثبوت تعلق كتعلق الأرش في أنه يتعلق بجميع النصاب أم بقدر الزكاة. جميع ما ذكرناه فيما إذا
كان الواجب من جنس المال وأما إذا كان من غير جنسه كالشاة الواجبة في الإبل ففيه طريقان
مذكوران في التتمة وغيرها (أحدهما) القطع بتعلقها بالذمة لتغاير الجنس (وأظهرهما) أنه على لخلاف السابق
اما الاستيثاق فلا يختلف وأما الشركة فسبيلها تقدير الاستحقاق بمقدار قيمة الشاة وهذا الطريق
هو الموافق لاطلاق الكتاب *
قال (وعليه نفرع فنقول أيصح بيعه قبل أداء الزكاة ولكن الساعي يتبع المال ان لم يؤد المالك
فان أخذ الساعي من المشترى انتقض البيع فيه وفي الباقي قولا تفريق الصفقة وللمشتري الخيار قبل
أخذ الساعي إذا عرف ذلك على أحد الوجهين لتزلزل ملكه وإن أدى المالك سقط خياره على الأصح
ولا يلتفت إلى رجوع الساعي بخروج ما أخذه مستحقا) *
القول في بيع مال الزكاة يتفرع على أصلين (أحدهما) ما ذكرنا أن الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة
(والثاني) تفريق الصفقة وسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى جده وتفصيله أنه إذا باع مال الزكاة
552

بعد الحول وقبل إخراج الزكاة لم يخل اما أن يبيع جميع النصاب أو بعضه فان باع جميعه فهل يصح
في قدر الزكاة يتفرع على الأقوال. إن قلنا أن الزكاة في الذمة والمال خلو عنها فيصح وإن قلنا
المال مرهون بها فقولان (أحدهما) وهو الذي ذكره امام الحرمين أنه لا يصح لان بيع المرهون بدون
إذن المرتهن باطل (وأصحهما) عند العراقيين وغيرهم أنه صحيح لأن هذه علقة تثبت من غير
اختيار المالك وليس ثبوتها لشخص معين فيتسامح فيها بما لا يتسامح في سائر الرهون وهذا كما
إذا قلنا على قول الشركة بنينا الامر على المسامحة وإن قلنا بالشركة فقد حكي القاضي ابن كج
طريقين (عن ابن القطان) القطع بالبطلان (وعن أبي إسحاق وغيره) أن المسألة على قولين وهذا
ما أورده أكثر العراقيين (أحدهما) الصحة لان ملك المساكين غير مستقر فيه فان له اسقاطه
بالاخراج من موضع آخر فإذا باعه فقد اختار الاخراج من موضع آخر (والثاني) البطلان لأنه
باع ما لا يملكه وهذا ما أجاب به صاحب التهذيب وعامة المتأخرين فيمكن أن يكون
ذلك اختيارا منهم للقول الثاني على هذه الطريقة ويمكن أن يكون ذهابا منهم إلى الطريقة
الأولى. وان قلنا إن تعلق الزكاة كتعلق الأرش ففي صحة البيع قولان كما في بيع العبد
الجاني فان صححنا فيكون بالبيع ملتزما للفداء كما سيأتي بيانه في موضعه ثم إذا حكمنا
بالصحة في قدر الزكاة ففيما عداه أولى وإذا حكمنا بالبطلان فهل يبطل فيما عداه: أما على
قول الشركة ففيما عداه قولا تفريق الصفقة: وأما على قول الاستيثاق فان قلنا حق الاستيثاق متعلق
بجميع المال فالبيع باطل في الباقي أيضا ولا فرق وان قصرنا الاستيثاق على قدر الزكاة ففي الباقي
قولا التفريق: قال في النهاية والقصر هو الحق الذي قاله الجمهور وما عداه هفوة وهل تفترق الفتوى
فيما عدا قدر الزكاة بين أن يكون لقدر الزكاة جزئية معلومة كالعشر في المعشرات وربع العشر في
النقدين وبين أن لا يكون كذلك كالشاة من الأربعين هذا قد ذكره صاحب الكتاب في باب
تفريق الصفقة وسنشرحه إن شاء الله تعالى جده وحيث منعنا البيع في الثمار فذلك قبل الخرص فأما
بعده فلا منع إذا قلنا أن الخرص تضمين على ما سنبينه (التفريع) اعلم أن مجموع ما يحصل من
الاختلافات التي ذكرنا ثلاثة أقوال بطلان البيع في الكل وصحته في الكل وبطلانه في قدر الزكاة
وصحته في الباقي (أما الأول) فلا يخفى حكمه (وأما الثاني) فقد تعرض في الكتاب لتفريعه وإن
قصر الكلام على القول الرابع (وأما الثالث) فلم يتعرض له ونحن نذكرها جميعا أما إذا صححنا
البيع في الجميع فان أدي البائع الزكاة من موضع آخر فذاك والا فللساعي أن يبيع المال الحاصل في
يد المشترى فيأخذ الزكاة من عينه وفاقا وهذا يضعف قول التعلق بمحض الذمة إذ لو كان كذلك
553

لما كان له أن يتتبعه كمن باع مالا وفي ذمته دين مرسل ليس لصاحب الدين أن يبيعه فان أخذ الساعي
الواجب من عين المال انفسخ البيع في قدر الزكاة وهل ينفسخ في الباقي فيه الخلاف في تفريق الصفقة
في الدوام ان قلنا ينفسخ استرد الثمن والا فله الخيار إن كان جاهلا لتبعض ما اشتراه ان فسخ
فذاك وان أجاز في الباقي فيجيز بقسطه من الثمن أم بالجميع فيه قولان (أصحهما) أو لهما ولو لم يأخذ
الساعي الواجب منه ولم يؤد البائع الزكاة من غيره فهل للمشترى الخيار ان اطلع على حقيقة الحال
فيه وجهان (أصحهما) نعم لتزلزل ملكه وتعرضه لاخذ الساعي (والثاني) لا لان ملكه في الحال
حاصل والظاهر استمراه وأداء البائع الواجب من موضع آخر فان قلنا بالأول فإذا أخرج البائع
الواجب من موضع آخر هل يسقط خياره فيه وجهان (أصحهما) نعم وهو المذكور في التهذيب
لحصول استقرار الملك كما إذا اشترى معيبا ولم يرده حتى زال العيب لا يبقي له الرد (والثاني
لا يسقط لأنه لا يحتمل ان يخرج ما دفعه إلى الساعي مستحقا فيرجع الساعي إلى عين المال والوجهان
جاريان فيما إذا باع العبد الجاني ثم فداه السيد هل يبقي للمشترى الخيار. أما إذا أفسدنا
البيع في قدر الزكاة وصححناه في الباقي فللمشتري الخيار بين فسخ البيع في الباقي وأجازته
ولا يسقط الخيار بأداء البائع الزكاة من موضع آخر لأنه ان فعل ذلك فالقصد لا ينقلب صحيحا
في قدر الزكاة وإذا أجاز فيجيز بقسط الباقي من الثمن أو بالجميع فيه قولان كما ذكرنا وفي النهاية
ان بعض الأصحاب قطع بأنه يخير بجميع الثمن في المواشي لان الشاة ليست معينة ولا جزءا
معلوما فاستحقاقها كعيب شائع في الجميع والمشترى إذا اطلع على عيب قديم وأراد الإجازة فإنما
554

يجيز بجميع الثمن والصحيح الأول. هذا كله فيما إذا باع جميع النصاب (أما) إذا باع بعضه (نظر)
إن لم يستبق قدر الزكاة فالحكم كما لو باع الكل. وان استبقى قدر الزكاة اما على قصد صرفه إلى
الزكاة أولا على هذا القصد فان فرعنا على قول الشركة ففي صحة البيع وجهان (أحدهما) أنه يصح
لان ما باعه حقه (وأقيسهما) عند ابن الصباغ المنع لان حق أهل السمهان شائع في الكل فأي
قدر باعه كان حقه وحقهم وهذا الخلاف مبنى على كيفية ثبوت الشركة وفيه وجهان حكاهما صاحب
التتمة وغيره (أحدهما) ان الزكاة شائعة في الكل متعلقة بكل واحدة من الشياة بالقسط (والثاني)
ان محل الاستحقاق قدر الواجب ثم يتعين بالاخراج. (وأما) على قول الرهن (فيبنى) على ما قدمنا
ان جميع المال مرهون أو المرهون قدر الزكاة فعلى الأول لا يصح البيع وعلى الثاني يصح (وأما) على
قولنا إن تعلق الزكاة كتعلق الأرش (فان) صححنا بيع العبد الجاني صح البيع والا فالتفريع كالتفريع
على قول الرهن والله أعلم. * (أما) لفظ الكتاب (فيجوز) إعلام قوله يصح بيعه قبل أداء الزكاة
بالواو لأنه وان تكلم على القول الرابع ففي صحة البيع على ذلك القول قولان كما في بيع العبد الجاني
(وقوله) ولكن للساعي أن يتبع المال لا يختص بهذا القول بل الحكم كذلك متى صححنا البيع على
جميع الأقوال (وقوله) إذا عرف ذلك على الوجهين تنبيه على أنه لو عرف الحال من الابتداء لم يكن
له الخيار وقوله. ولا يلتفت إلى رجوع الساعي إلى آخره. إشارة إلى توجيه الوجه المقابل وبيان انه
لا مبالاة به على الأصح وهو كما لو أدى الزكاة ثم باع النصاب. واعلم أن كلام الفصل أصلا وشرحا
في بيع الغصب التي يجب فيها زكاة الأعيان فأما بيع مال التجارة بعد وجوب الزكاة فيه
فستأتي في بابها *
قال (وإذا ملك أربعين من الغنم فتكرر الحول قبل اخراج الزكاة فزكاة الحول الثاني واجبة
إن قلنا إن الدين لا يمنع وجوب الزكاة) *
هذه المسألة تنبني على أصلين سبقا (أحدهما) أن الزكاة تتعلق بالعين أو الذمة (والآخر) ان الدين
هل يمنع الزكاة أم لا. وصورتها أن رجلا ملك أربعين من الغنم فحال الحول عليها ولم يخرج
555

زكاتها حتى حال عليها حول آخر ولا يخلوا إما أن يحدث منها في كل حول يخلة فصاعدا أولا يحدث
منها شئ. فان حدثت سخلة فصاعدا فعليه لكل حول شاة بلا خلاف لأنه مضي على نصاب
كامل وإن لم يحدث شئ وهذه الحالة هي المقصودة في الكتاب فلا خلاف في لزوم الشاة للحول الأول
وهل تجب شاة للحول الثاني. فان قلنا الزكاة تجب في الذمة وكان يملك غير النصاب ما يفي بشاة
فنعم. وإن لم يملك سوى النصاب شيئا فينبني ذلك على أن الدين هل يمنع الزكاة أم لا إن قلنا
يمنع لم يجب للحول الثاني شئ لان واجب الحول الأول دين في ذمته وإن قلنا الزكاة تتعلق بالعين
على سبيل الشركة لم يجب للحول الثاني شئ لان أهل السهمان ملكوا واحدة منها للحول الأول
فانتقص النصاب. قال القاضي ابن كج وإمام الحرمين: وإنما لم تجب زكاة الخلطة لان الزكاة غير
واجبة على أهل السهمان فيما استحقوه فالاختلاط معهم كهو مع المكاتب والذمي. وان فرعنا
على أن تعلق الزكاة كتعلق الرهن أو كتعلق الأرش فقد قال الامام كالتفريع على قول الذمة
وكلام الكتاب ينزل على التفريع على القول الآخر فإنه وعد في الفصل السابق بأنه عليه يفرع التفريع
ورأيت كلام الصيدلاني في التفريع على القول الآخر بخلاف ما ذكراه فإنه قال: إذا قلنا إنها متعلقة
بالعين فيجب في العام الأول شاة وبعد ذلك لا يجب لان النصاب ناقص سواء جعلنا تعلقه بالعين
للاستيفاء كالجناية أو على معنى الشركة وقياس المذهب ما ذكراه نعم يجوز أن يفرض خلاف في
وجوب الزكاة من جهة تسلط الغير عليه وان قلنا الدين لا يمنع الزكاة على ما قدمنا نظائره وبتقدير
أن يكون كذلك فلا يختص بالقول الأخير بل يجرى على قول الرهن والذمة أيضا ولو ملك خمسا
وعشرين من الإبل ومضي عليها حولان ولا نتاج فان قلنا الزكاة تتعلق بالذمة وقلنا الدين لا يمنع
الزكاة أو كان له ما يفي بالواجب فعليه بنتا مخاض وان قلنا بالشركة فعليه للحول الأول بنت مخاض
وللثاني أربع شياه وتفريع القولين الآخرين على قياس ما سبق ولو ملك خمسا من الإبل ومضى
عليه حولان بلا نتاج فالحكم كما في الصورتين السابقتين نعم قد ذكرنا أن من الأصحاب من
لا يثبت قول الشركة فيما إذا كان الواجب من غير جنس الأصل فعلى هذا يكون الحكم في هذه
الصورة مطلقا كما في الأوليين تفريعا على قول الذمة (والظاهر) وهو اختيار المزني أنه لا فرق بين
556

أن يكون الواجب من جنس المال أولا من جنسه ولهذا يجوز للساعي أن يبيع جزءا من الإبل في
الشاة فدل ذلك على تعلق الحق بعينها وإذا تعلق بعينها فكما يجوز أن يملك أهل السهمان قدر الزكاة
إذا كان من جنس المال يجوز أن يملكوه إذا كان من غير الجنس *
قال (ولو رهن مال الزكاة صح فإن كان قبل الحول وقلنا إن الدين مع الرهن لا يمنع الزكاة
أخرجت الزكاة من عين المرهون على الأصح تقديما لحق الزكاة على الرهن كما يقدم حق المجني
عليه. ثم لو أيسر المالك فهل يلزمه أن يجبر للمرتهن قدر الزكاة ببذل قيمته لكون رهنا
عنده فيه وجهان) *
رهن مال الزكاة إما أن يكون بعد تمام الحول أو قبله وقد ذكر الحالتين في الكتاب (فالأولى)
في قوله ولو رهن مال الزكاة صح. وأعلم أن القول في صحة الرهن في قدر الزكاة كالقول في صحة بيعه
فيعود فيه جميع ما قدمناه ويحتاج إلى اعلام قوله صح بالواو لمثل ما ذكرنا في البيع ثم إذا صححناه
في قدر الزكاة ففيما عداه أولي وإن أبطلناه في قدر الزكاة فالحكم فيما عداه يترتب على البيع إن
صححنا البيع فالرهن أولي وإن أبطلناه ففي الرهن قولان مبنيان على العلتين المشهورتين لقول
فساد التفريق. إن منعنا التفريق لاتحاد الصيغة وفسادها في بعض مواردها بطل الرهن أيضا وإن
عللنا باتحاد العوض لم يبطل ويخرج مما ذكرناه طريقة جازمة بصحة الرهن فيما عدا قدر الزكاة
وبها قال ابن خيران. ثم إن صححنا الرهن في الجميع ولم يؤد الزكاة من موضع آخر كان للساعي
أخذها منه فإذا أخذ انفسخ الرهن فيه وفي الباقي الخلاف كما تقدم في البيع وان أبطلناه في الجميع
أو في قدر الزكاة خاصة وكان الرهن مشروطا في بيع ففي فساد البيع قولان. وإن لم يفسد فللمشتري
الخيار ولا يسقط خياره بأداء الزكاة من موضع آخر (الحالة الثانية) أن يرهن قبل تمام الحول ثم يتم
الحول فقد ذكر في وجوب الزكاة فيه خلافا في الكتاب قبل هذا وشرحناه والرهن لابد أن يكون
بدين وفي كون الدين مانعا من الزكاة الخلاف المشهور. (فان قلنا) الرهن لا يمنع الزكاة قلنا الدين
أيضا لا يمنع أو قلنا إنه يمنع لكن كان له مال آخر يفي بالدين وجبت الزكاة وإلا لم تجب. إذا
عرف ذلك فلا يخلو إما أن لا يملك هذا الراهن مالا آخر أو يملك فإن لم يملك فهل تؤخذ الزكاة من
عين المرهون ينبنى ذلك على كيفية تعلق الزكاة. ان قلنا تتعلق بالذمة فعن أبي على الطبري وغيره
557

أنه قد اجتمع ههنا حق الله تعالى وحق الآدمي فيخرج على الأقوال الثلاثة في اجتماعهما فان سوينا
بينهما وزعنا وعن أكثر الأصحاب أنه يقدم الرهن لأنه أسبق ثبوتا والمرهون لا يرهن وهذا الوجه
الثاني حكاه الامام رضي الله عنه عن شيخه تفريعا على قول الرهن ثم أنه خالفه واختار تقديم
الزكاة وأعلم ان الذين حكوا الوجهين تفريعا على قول الذمة هم العراقيون القائلون بان المال مرتهن
بالزكاة على قول الذمة (فأما) من محض تعلقها بالذمة فينبغي أن ينقطع بامتناع الاخذ من المرهون
كسائر الديون المرسلة وان قلنا بالشركة فتؤخذ الزكاة من عين المرهون وكذا ان قلنا إن تعلق
الزكاة كتعلق الأرش كما تقدم حق المجني عليه على حق المرتهن ويحصل عند الاختصار مما
حكينا وجهان كما ذكر في الكتاب (أصحهما) الاخذ من عين المرهون وعلى هذا لو كانت الزكاة
من غير جنس المال كالشاة في الإبل يباع جزء من المال في الزكاة وهذا هو الطريق المشهور وهو
المحكى عن أبي إسحاق وعن ابن أبي هريرة وأبى حامد القاضي أنه إذا لم يكن له مال آخر تؤخذ
الزكاة من عين المرهون بلا خلاف إن كان الواجب من جنس المال وإنما يكون الخلاف فيما إذا
كان من غير جنسه والفرق أنه إذا كان الواجب من غير جنس الأصل لم يكن متعلقا بعينه حكى
ذلك عنهما القاضي ابن كج في أثناء طريقتين بينهما بعض الاختلاف ثم إذا أخذت الزكاة من غير
المرهون وأيسر المالك الراهن بعد ذلك فهل يغرم قدر الزكاة ليكون رهنا عند المرتهن ان قلنا
الزكاة تتعلق بالذمة فنعم وإن قلنا تتعلق بالعين فوجهان (أحدهما) نعم لانصرافه إلى مصلحة براءة
ذمته (وأظهرهما) لا لتعلقه بالمال بغير اختياره وهذان الوجهان بناهما الشيخان أبو محمد والصيدلاني
على أن الزكاة المخرجة من مال القراض على قولنا العامل لا يملك الربح الا بالقسمة معدودة من المؤن
أو هي كطائفة من المال يستردها المال إن قلنا بالأول لم يجب على الراهن الجبر وان وان قلنا بالثاني فيجب
وليس هذا البناء على التقدير الأول بواضح فان مؤنات المرهون على الراهن لا من نفس المرهون بخلاف
مؤنة مال القراض فإنها من الربح هذا كله فيما إذا لم يملك مالا آخر فاما إذا مالك مالا آخر فالذي قاله
الجمهور ان الزكاة تؤخذ من سائر أمواله ولا تؤخذ من عين المرهون لأنها من مؤنة المال فأشبهت
النفقة وعن أبي على الطبري وآخرين انا إذا أوجبنا الزكاة في عين المال أخذناها من المرهون وان
558

ملك مالا آخر وهذا هو القياس كما لا يجب على السيد فداء العبد المرهون إذا جنى وأبدى الامام
من عند نفسه ترددا في المسألة مبنيا على وجوب الجبران في صورة الاعسار ان قلنا إن المعسر إذا
أيسر لزمه الجبر وجب على الموسر ابتداء أداء الزكاة من مال آخر وان قلنا لا يلزمه الجبر لم يجب وقوله
في الكتاب أخرجت الزكاة من عين المرهون على الأصح أراد به ما إذا لم يملك الراهن مالا آخر
دون ما إذا ملك وإن كان اللفظ مطلقا والخلاف في الحالتين ثابت بدليل قوله من بعد ثم لو أيسر
المالك ويجوز أن يعلم قوله على الأصح بالواو لان فيه اثبات الخلاف على الاطلاق وعلى ما قدمنا
رواية عن ابن أبي هريرة وأبي حامد تخرج الزكاة من عين المرهون بلا خلاف في بعض الأحوال
وأعلم ان هذه المسألة ليست تفريعا من حجة الاسلام على القول الرابع فحسب بخلاف المسائل
التي قبل هذه لأنه ذكر الخلاف فيها ولا يجئ الخلاف إذا أفرد القول الرابع بالنظر وهو ان تعلق
الزكاة كتعلق الأرش وإنما يجئ إذا نظرنا إلى غير هذا القول أيضا على ما سبق وقوله يبذل قيمته
أراد في المواشي فإنها غير مثلية فاما إذا كان النصاب من جنس المثليات كان الجبر بذل المثل على
ما هو قاعدة الغرامات وقد صرح بذلك صاحب التهذيب وغيره *
قال (النوع الثاني زكاة المعشرات والنظر في الموجب والواجب ووقت الوجوب (الطرف الأول)
الموجب وهو مقدار خمسة أو سق من كل مقتات (ح م) في حالة الاختيار (م) انبتته ارض مملوكة أو مستأجرة
(ح) خراجية (ح) أو غير خراجية إذا كان المالك معينا (ح) حرا (ح) مسلما (ح) ولا زكاة على الجديد في الزيتون
والورس والعسل (ح) والزعفران والعصفر كما لا زكاة في الفواكه (ح) والخضروات ولكن يجب في الأرز
والماش والباقلا وغيرها من الأقوات والنصاب معتبر وهو ثمانمائة من فان الوسق ستون صاعا
وكل صاع أربعة امداد وكل مد رطل وثلث بالبغدادي وكل رطل مائة وثلاثون درهما والمن مائتان
وستون درهما والرطل نصف من وهو اثنتا عشرة أوقية والأوقية عشرة دراهم وأربعة دوانيق والدرهم
أربعة عشر قيراطا كل ذلك بالوزن البغدادي فان جعلنا ذلك تقريبا لا تحديدا فلا تسقط الزكاة الا بمقدار
ما لو وزع على الأوسق الخمسة لظهر النقصان) *
559

حصر كلام هذا النوع في ثلاثة أطراف في أنه بم يجب وكم يجب ومتى يجب فأما أنه على من يجب
فعلى ما سبق في النوع الأول وقد أدرجه في ضبط الموجب ههنا أيضا أما الطرف الأول فيحتاج فيه
إلى معرفة جنس الموجب وقدره وأمور أخر نذكر جميعها في مسائل (المسألة الأولى) تجب الزكاة في
الأقوات وهي من الثمار ثمر النخل والكرم ومن الحبوب الحنطة والشعير والأرز والعدس والحمص
والباقلاء والدخن والذرة واللوبيا وتسمى الدخن أيضا والماش والهرطمان قال أبو القاسم الكرخي
وهو الجلبان والجلبان والخلر واحد فيما ذكر صاحب الشافي وروى الأزهري عن ابن الاعرابي
أن الخلر هو الماش فان ثبتت المقدمتان فالهرطمان والماش والخلر والجلبان عبارات عن معبر واحد
560

ووجه وجوب الزكاة في هذه الأجناس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الزكاة في كثير منها وألحق
الباقي به لشمول معني الاقتيات لجميعها وصلاحها للاقتناء والادخار وعظم المنافع فيها وأما ما سوى
الأقوات فلم يختلف قول الشافعي رضي الله عنه في معظمها أنه لا زكاة فيه سواء كان من الثمار
أو الحبوب أو الخضروات وذلك كالتين والسفرجل والخوخ والتفاح والرمان وغيرهما وكالقطن
والكتان والسمسم والاسبيوش وهو المعروف ببزر قطونا والثفاء وهو حب الرشاد والكمون
والكزبرة والبطيخ والقثاء والسلق والجرز والقنبيط وحبوبها وبذورها واختلف قوله قديما وجديدا
في أشياء منها الزيتون فالجديد الصحيح أنه لا زكاة فيه كالجوز واللوز وسائر الثمار وأيضا فقد روى
أنه صلى الله عليه وسلم قال (الصدقة في أربعة في التمر والزبيب والشعير والحنطة وليس فيما سواها
صدقة) (1) هذا الخبر ينفى الزكاة في غير الأربعة لكن ثبت أخذ الصدقة من الذرة وغيرها بأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم في (2) الأقوات وتمسكنا به فيما عداها قال في القديم تجب الزكاة في
561

الزيتون لما روى عن عمر رضي الله عنه وغيره أن (في الزيتون العشر) (1) وبه قال مالك رحمه الله فعلى
هذا وقت الوجوب بدو الصلاح فيه وهو نضجه واسوداده ويعتبر النصاب كما في الرطب والعنب
هكذا قاله الجمهور وحكى القاضي ابن كج أن ابن القطان خرج اعتبار النصاب فيه وفي جميع ما يختص
القديم بايجاب الزكاة فيه على قولين ثم إن كان الزيتون مما لا يجئ منه الزيت كالبغدادي أخرج
عشره زيتونا وإن كان مما يجئ منه الزيت كالشامي فعن ابن المرزبان حكاية وجهين في جواز
اخراج الزيتون (وجه المنع) ان نهاية أمره الزيت فيتعين الاخراج كالثمرة مع الرطب (والصحيح) عند
المعظم وهو نصه في القديم جواز اخراج الزيتون لامكان ادخاره ولو أخرج الزيت فهو أولى وروى
إمام الحرمين وجها آخر أنه يتعين اخراج الزيتون وعلل بأن النصاب يعتبر فيه دون الزيت بالاتفاق
ومنها الورس والزعفران والورس شجر يخرج شيئا كالزعفران فلا زكاة فيهما على الجديد لما سبق
ونقل عن القديم أنه يجب في الزكاة إن صح حديث أبي بكر رضي الله عنه وهو ما روى أنه كتب
إلى بنى خفاش (أن أدوا زكاة الذرة والورس) ثم قال في القديم من قال في الورس العشر يحتمل
أن يقول يمثله في الزعفران لاشتراكهما في المنفعة والفائدة ويحتمل أن لا يوجب فيه شيئا لان
الورس ثمرة شجرة لها ساق والزعفران نبات كالخضروات فقال الصيدلاني وغيره له في الورس
قولان في القديم لأنه مثل وعلق بثبوت حديث أبي بكر رضي الله عنه والزعفران باتفاق الأصحاب
مرتب على الورس إن لم تجب فيه ففي الزعفران أولي وإن وجب ففي الزعفران قولان وإن أوجبنا
فيهما الزكاة ففي اعتبار النصاب ما سبق من الخلاف والأكثرون على عدم الاعتبار ههنا لان
الأثر الوارد مطلق والغالب أنه لا يحصل الواحد منهما قدر النصاب فدل أنه كان يؤخذ من القليل
562

والكثير ومنها العسل فالجديد انه كما سبق وبه قال مالك لما روى أن معاذا لم يأخذ زكاة العسل وقال
(لم يأمرني النبي صلى الله عليه وسلم فيه بشئ) (1) وعن علي وابن عمر رضي الله عنهم (أنه لا زكاة فيه) (2)
وعن أبي إسحاق أن الشافعي رضي الله عنه علق القول فيه في القديم لما روي أن أبا بكر رضي الله عنه
(كان يأخذ الزكاة منه) (3) وروى فيه الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا (4) فان قلنا بالوجوب فاعتبار
النصاب كما سبق ومذهب أحمد وجوب الزكاة فيه وبه قال أبو حنيفة رحمه الله إذا أخذه من غير
أرض الخراج وذهب الشيخ أبو حامد وغيره إلى أنه قطع القول بنفي الزكاة فيه قديما وجديدا
فيحصل فيه طريقان (ومنها) حب العصفر وهو القرطم فالجديد كما سبق والقديم وجوب الزكاة فيه
لما روى أن أبا بكر رضي الله عنه (كان يأخذ منه) (5) فعلى هذا الظاهر اعتبار النصاب فيه كما في سائر الحبوب
والعصفر نفسه هل يجرى فيه الخلاف قال أبو القاسم الكرخي لا والخلاف في الحب واجري القاضي
ابن كج الخلاف فيه وفى الحب ويمكن تشبيهه بالورس والزعفران ومنها الترمس وهو فيما ذكره
الصيدلاني وصاحب التهذيب شبيه بالباقلاء لكنه أصغر منه وقيل هو شبيه باللوبيا
ولا زكاة فيه على الجديد لأنه لا يقتات إنما يؤكل تداويا ويقال إنه يهيج الباءة وحكى
العراقيون عن القديم أنه يجب فيه الزكاة لشبهه بالباقلا واللوبيا (ومنها)
563

حب الفول حكى القاضي ابن كج وجوب الزكاة فيه على القديم ولم أر هذا النقل لغيره وليس في
الفرق بينه وبين حبوب سائر البقول معني معقول (المسألة الثانية) لا يكفي في وجوب الزكاة كون الشئ
مقتاتا على الاطلاق بل المعتبر ان يقتات في حالة الاختيار وقد يقتات الشئ للضرورة فلا زكاة فيه
ومثله الشافعي رضي الله عنه بالغث وحب الحنظل وسائر البذور البرية وشبهها بالظباء وبقر الوحش
لا زكاة فيهما لان الآدميين لا يستبيحونها ولا يتعهدونها كذلك هذه الحبوب واختلف في تفسير الغث
فعن المزني وطائفة انه حب الغاسول وهو الأشنان ولأنه إذا أدرك وتناهي نضجه حصلت فيه مرارة
564

وحموضة وربما اقتاتها المضطرون وقال آخرون انه حب اسود يابس يدفن حتى تلين قشرته ثم يزال
قشره ويطحن ويخبز ويقتاته اعراب طئ: واعلم أن الأئمة ضبطوا ما يجب العشر فيه بوصفين (أحدهما)
أن يكون قوتا (والثاني) أن يستنبته الآدميون أي يكون من ذلك الجنس وقالوا إن فقد الأول كما في
الاسبيوش أو الثاني كما في الغث أو كلاهما كما في الثفاء فلا زكاة وإنما يحتاج إلى الوصف الثاني من
لم يتعرض لكونه مقتاتا في حال الاختيار بل أطلق الاقتيات: فاما من تعرض لذلك فهو غنى عن
ذكر الوصف الثاني إذ ليس فيما لا يستنبت شئ يقتات اختيارا واعتبر العراقيون مع هذين الوصفين
وصفين آخرين (أحدهما) أن يدخر (والثاني) أن ييبس ولا حاجة إليهما فإنهما لا زمان لكل مقتات
مستنبت (المسألة الثالثة): النصاب معتبر في المعشرات وهو قدر خمسة أو سق وبه قال مالك واحمد
وقال أبو حنيفة رحمهما الله يجب العشر في القليل والكثير لكن له أن يفرق بنفسه فيما دون خمسة
أو سق فإذا بلغها دفع إلى الامام لنا ما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
(ليس فيما دونه خمسه أو سق من التمر صدقة) (1) وفي رواية جابر وغيره الوسق ستون صاعا (2) والصاع خمسة
أرطال وثلث رطل وهي منوان وثلثا من ويكون الوسق الواحد مائة ستين منا وجملة الأوسق
الخمسة ثلاثمائة صاع وهي ثمانمائة من وهذا بالمن الصغير وبالكبير أعني الذي وزنه ستمائة
درهم يكون ثلاثمائة من وستة وأربعين منا وثلثي من هل يعتبر القدر المذكور تقريبا أم تحديدا
فيه وجهان (أحدهما) وهو الذي ذكره الصيدلاني تقريبا لان الوسق عبارة عن حمل بعير وذلك قد
يزيد وينقص وإنما قدر بستين صاعا تقريبا وأخذا بالوسط (وأصحهما) عند المحاملي والأكثرين انه
565

تحديد لما روى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت (جرت السنة انه ليس فيما دون خمسة أو سق من
التمر صدقة) (1) ولان نصاب المواشي وغيرها معتبر على التحديد فكذلك ههنا فان قلنا بالأول احتمل
نقصان القدر القليل كالرطل والرطلين وحاول امام الحرمين ضبطه فقال الأوساق هي الاوقار والوقر
المقتصد مائة وستون منا فكل نقصان لو وزع على الأوسق الخمسة لم تعد منحطة عن حد الاعتدال فلا يضر
وان عدت منحطة عن حد الاعتدال لم يحتمل وان أشكل الامر فيجوز أن يقال لا زكاة إلى أن تتحقق
الكثرة ويجوز أن يقال يجب لبقاء الأوسق وتعليق الزكاة بها في الخبر الذي رويناه قال وهذا أظهر
ثم جرى في أثناء كلامه أن الاعتبار فيما علقه الشارع بالصاع والمد بمقدار موزون يضاف إلى الصاع والمد
لا بما يحوي البر ونحوه وذكر القاضي الروياني وغيره ان الاعتبار بالكيل لا بالوزن قال أبو العباس
الجرجاني الا العسل إذا أوجبنا الزكاة فيه فالاعتبار فيه بالأرطال قال فإنه لا يكال وهذا هو الصحيح
وسيأتي شواهده ومنه قوله في المختصر مكيلة زكاة الفطر هذه الترجمة تشعر بأن المعتبر الكيل
وعلى هذا توسط في العدة بين وجهي التقريب والتحديد فقال هو على التحديد في الكيل وعلى
التقريب في الوزن وإنما قدره العلماء بالوزن استطهارا (المسألة الرابعة) لا فرق بين ما تنبته الأرض المملوكة
وما تملكه الأرض المكتراة في وجوب العشر ويجتمع على المكترى العشر والأجرة كما لو اكترى
حانوتا للتجارة يجب عليه الأجرة وزكاة التجارة جميعا وعند أبي حنيفة رحمه الله العشر على المكرى
لان العشر عنده حق الأرض وعلى هذا الأصل يبنى الخلاف في اجتماع العشر والخراج فعندنا هما
يجتمعان وعنده لا عشر فيما تنبته الأرض الخراجية لنا انهما حقان وجبا بسببين مختلفين فلا يمنع
أحدهما الاخر كالقيمة والجزاء في الصيد المملوك ثم قال الأصحاب وإنما تكون الأرض خراجية في
صورتين (إحداهما) أن يفتح الامام بلدة قهر أو يقسمها بين الغانمين ثم يبدلهم عنهما ويقفها على
المسلمين ويضرب عليها خراجا كما فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق على الصحيح وفيه لابن
سريج خلاف مذكور في موضعه (والأخرى) أن يفتح بلدة صلحا على أن تكون الأراضي للمسلمين
ويسكنها الكفار بخراج معلوم فالأراضي فئ المسلمين والخراج عليها أجرة لا يسقط باسلامهم وكذا
لو انجلي الكفار عن بلدة وقلنا إن الأراضي تصير وقفا على مصابح المسلمين فيضرب عليها خراج يؤديه
566

من يسكنها مسلما كان أو ذميا فاما إذا فتحت بلدة صلحا ولم يشترط كون الأراضي للمسلمين ولكن
مكثوا فيها بخراج فهذا يسقط بالاسلام فإنه جزية وعند أبي حنيفة لا يسقط البلاد التي فتحت قهرا
وقسمت بين الغانمين واستبقيت في أيديهم وكذا التي أسلم أهلها عليها والأراضي التي أحياها المسلمون
عشرية محضة وأخذ الخراج منها ظلم
(فرع) النواحي التي يؤخذ الخراج منها ولا يعرف كيف كان حالها في الأصل حكى الشيخ أبو حامد
عن نص الشافعي رضي الله عنه انه يستدام الاخذ منها فإنه يجوز أن يكون الذي افتتحها صنع بها
ما صنع عمر رضي الله عنه بسواد العراق والظاهر أن ما جرى طول الدهر جرى رحق فان قيل فهل
يثبت فيها حكم أراضي السواد من امتناع البيع والرهن قيل يجوز أن يقال الظاهر في الاخذ كونه
حقا وفي الأيدي الملك فلا نترك واحدا من الظاهرين الا بيقين ولهذا نظائر
(فرع) الخراج المأخوذ ظلما لا يقوم مقام العشر فان أخذ السلطان على أن يكون بدلا عن
العشر فهذا كاخذ القيمة في الزكاة بالاجتهاد وقد حكوا في سقوط الفرض به وجهين الذي ذكره في
التتمة انه يسقط فإن لم يبلغ ذلك قد العشر اخرج الباقي وفي النهاية ان بعض المصنفين حكى قريبا
من هذا عن أبي زيد المروزي واستبعده: ونعود بعد هذا إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب اما قوله
وهو مقدار خمسة أو سق معلم بالحاء لان عنده لا حاجة إلى التقييد بهذا المقدار وقوله من كل مقتات
بالحاء والميم والألف لان عندهم لا يتقيد الوجوب بالأقوات بل عند أبي حنيفة يجب في جميع الثمار
والخضروات والحبوب التي تنبتها الآدميون الا الحشيش والقصب والحطب وعند مالك يجب
في كل ما تعظم منفعته ويدخر كالسمسم وبدر الكتان والقطن وعند احمد يجب في جميع الثمار
والحبوب التي تكال وتدخر سواء النابت بنفسه والمستنبت وقوله في حال الاختيار يحصل به الاحتراز
عن الغث وغيره مما يقتات عند الضرورة وذكر في الوسيط أنه احترز به عن الثفاء والترمس فان العرب
تقتاته في حالة الاضطرار وأورده الامام نحوا من ذلك والذي قاله الجمهور في الثفاء والترمس ما قدمنا
ولم يجعلوهما مما يقتات وعد الأزهري كليهما مما لا يقتات والله أعلم. وقوله أو مستأجرة وكذا قوله
خراجية مرقومان بالحاء لان عنده لا يجب العشر على مالك الأوسق الخمسة المرفوعة منهما وقوله
إذا كان مالكه معينا احترز به عن ثمار البستان وغلة الضيعة الموقوفين على المساجد والرباطات
والقناطر والفقراء والمساكين فلا زكاة فيها إذ ليس لها مالك معين ويجوز ان يعلم بالواو ولان صاحب
البيان حكي ان ابن المنذر روى عن الشافعي رضي الله عنه وجوب الزكاة فيها واليه ذهب أبو حنيفة
بناء على ما سبق ان العشر حق الأرض وأوجبه على المكاتب والذمي أيضا فليكن قوله معينا
567

حرا مسلما معلما جميعها بالحاء فاما إذا كان الوقف على جماعة معينين فقد كتبناه في باب الخلطة
وقوله فلا زكاة على الجديد في الزيتون إلى قوله والعصفر لتكن جميعها معلما بالحاء وكذا قوله كما
زكاة في الفواكه لما قدمنا والزيتون بالميم أيضا والعسل بالألف أيضا لما مضي ولك تعلم قوله
على الجديد بالواو لأنه يقتضي اثبات القولين في الأشياء المذكور من الزيتون إلى العصفر وقد
ذكرنا في العسل طريقة نافية للخلاف بل حكى القاضي ابن كج فيما سوى الزيتون طريقة نافية للخلاف
قاطعة بالوجوب وفي جريان الخلاف في العصفر أيضا كلام قد تقدم (وقوله) النصاب معتبر وتعاد العلامة
عليه بالحاء وقد وقع التعرض له في أول الكلام حيث قال وهو مقدر خمسة أو سق لكن
القصد بذكر هذا الموضع وإنما اعترض ذكره ثم لأنه حاول استيعاب الأمور التي عندها يثبت
الوجوب (وقوله) فان جعلنا هذا تقريبا لا تحديدا يتضمن بيان الخلاف كما يصرح
بتفريع التقريب *
قال (ثم هذه الأوسق تعتبر زبيبا أو تمرا وفي الحبوب منقى عن القشر الا فيما يطحن مع قشره
كالذرة ومالا يتتمر بوسق رطبا) *
غرض الفصل بيان الحالة التي يعتبر فيها بلوغ المعشر خمسة أوسق فاما في ثمر النخيل
والكرم فيعتبر بلوغه هذا المقدار تمرا وزبيبا لما روى أنه صلى الله عليه وسلم
قال (ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة) اعتبر الأوسق من التمر وعن أحمد رواية انه يعتبر
الأوسق رطبا ويؤخذا عشره يابسا والأصح عنه مثل مذهبنا فإن كان له رطب لا يتخذ منه تمر ففي
كيفية اعتبار النصاب فيه وجهان (أظهرهما) أنه يوسق رطبا لأنه ليس له حالة جفاف ورطوبته أكمل
أحواله فلا ينظر الا إليها (والثاني) انه يعتبر حالة الجفاف كما في سائر الأنواع وعلى هذا فالاعتبار
بنفسه أم بغيره فيه وجهان (أحدهما) بنفسه فيعتبر بلوغ يابسه نصابا وإن كان حشفا قليل الخير (والثاني)
انه يعتبر بأقرب الأرطاب إليه فيقال لو كان بدله ذلك النوع الذي تجفف هل كان يبلغ ثمره نصابا
لأنه لما لم يمكن اعتباره بنفسه اعتبر بغيره كالجناية على الحر إذا لم يكن لها أرش مقدر وهذا إذا كان
يجئ منه تمر وإن كان حشفا رديئا فاما إذا كان يفسد بالكلية لم يجئ فيه الوجه الثاني ولفظ
الكتاب إلى هذا أقرب فإنه قال ومالا يتتمر ولم يقل ومالا يتمر وكيف ما كان فقوله بوسق رطبا
معلم بالواو والعنب الذي لا يزبب كالرطب الذي لا يتمر ولا خلاف في ضم مالا يجفف منهما إلى
ما يجفف في اكمال النصاب قاله في التهذيب ثم في أخذ الواجب من الذي لا يجفف اشكال ستعرفه
ووجه الخلاص فيه في مسألة إصابة النخيل العطش إن شاء الله تعالى جده وأما الحبوب فيعتبر بلوغها
568

نصابا بعد التصفية من التبن والاخراج من السنابل ثم قشورها على ثلاثة اضرب (أحدها) قشر لا يدخر
الحب فيه ولا يؤكل معه فهو كالتبن المحض ولا يدخل في النصاب (والثاني) قشر يدخر الحب فيه ويؤكل
معه كالذرة تطحن وتؤكل مع قشرها غالبا فيؤخذ ذلك القشر في الحساب فإنه طعام وإن كان
قد يزال تنعما كما تقشر الحنطة فتجعل حواري وهل يدخل في الحساب القشرة السفلى من الباقلاء
حكوا فيه وجهين قال في العدة المذهب انه لا تدخل لأنها غليظة غير مقصودة (والثالث) قشر يدخر
الحب فيه ولا يؤكل معه فلا يدخل في حساب النصاب ولكن يؤخذ الواجب فيه وهذا كما في
العلس والأرز أما العلس فقد قال الشافعي رضي الله عنه في الام أنه بعد الدياسة يبقى على كل حبتين
منه كمام لا يزول الا بالرحى الخفيفة أو بالمهراس ادخاره على ما ذكره أهله في ذلك الكمام أصلح له
وإذا أزيل كان الصافي نصف المبلغ فلا يكلف صاحبه إزالة دلك الكمام عنه ويعتبر بلوغه بعد
الدياس عشرة أوسق ليكون الصافي منه خمسة أوسق وأما الأرز فيدخر أيضا مع قشره فإنه أبقى
له فيعتبر بلوغه مع القشر عشرة أوسق وعن الشيخ أبي حامد انه قد يخرج منه الثلث فيعتبر
بلوغه قدرا يكون الخارج منه نصابا قال (ولا يكمل نصاب جنس بجنس آخر (م) ويكمل العلس
بالحنطة فإنه حنطة حبتان منه في كمام واحد والسلت قيل إنه يضم إلى الشعير لصورته * وقيل يضم
إلى الحنطة * لأنه على طبعها * وقيل هو أصل بنفسه) * لا يضم التمر إلى الزبيب في تكميل
النصاب ويضم أنواع التمر بعضها إلى بعض وكذلك أنواع الزبيب ولا تضم أيضا الحنطة
إلى الشعير ولا سائر أجناس الحبوب بعضها إلى بعض خلافا لمالك حيث قال تضم الحنطة
إلى الشعير وتضم القطنية بعضها إلى بعض ولا يضمان إلى القطنية ولأحمد حيث قال يضم أحدهما
إلى الآخر ويضمان إلى القطنية أيضا والقطنية هي العدس والحمص ونحوها سميت بذلك
لقطونها البيوت: لنا أن كل واحد من أصناف الحبوب منفرد باسم خاص وطبع خاص ولا يضم
بعضها إلى بعض كما لا يضم الزبيب إلى التمر ويضم العلس إلى الحنطة فإنه نوع من الحنطة وإذا نحيت
الأكمة التي يحوي الواحد منها حبتين خرجت الحنطة الصافية وقبل التنحية لو كان له وسقا علس
وأربعة أو سق من الحنطة فقد تم النصاب ولو كان له ثلاثة أو سق من الحنطة فإنما يتم النصاب بأربعة
أوسق من العلس وعلى هذا القياس: وأما السلت فقد اختلفوا في وصفه أولا فذكر العراقيون انه حب
يشبه الحنطة في اللون والنعومة والشعير في برودة الطبع وتابعهم في التهذيب على ما ذكروا وعكس
الصيدلاني وآخرون فقالوا إنه في صورة الشعير وطبعه حار كالحنطة وهذا ما ذكره في الكتاب وكيف
569

ما كان فله شبه من الحنطة وشبه من الشعير وفيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه يضم إلى الشعير لما له من شبهه
ويحكي هذا عن صاحب الافصاح وصاحب التقريب وبه أجاب أقضى القضاة الماوردي في الأحكام السلطانية
(وثانيها) أنه يضم إلى الحنطة لما له من شبهها (وأظهرها) وهو اختيار القفال فيما حكي الصيدلاني
أنه أصل بنفسه لا يضم إلى واحد منهما لأنه اكتسب من تركب الشبهين طبعا ينفرد به وصار
أصلا برأسه وهذا ما حكاه القاضي أبو الطيب عن نصه في البويطي ولك أن تعلم قوله وقيل إلى الحنطة
لأنه على طبعها بالواو لان أبا سعيد المتولي قال لا خلاف في أنه لا يضم إلى الحنطة والخلاف في أنه أصل
بنفسه أو يضم إلى الشعير وقد وصف واصفون السلت بان فيه حموضة يسيرة لكنه ليس بالذي يسمي
بالفارسية ترش جو فإنه شعير على التحقيق ذكره الإمام قال وما عندي ان السلت المذكور في الكتب
موجود في هذه الديار *
قال (ولا يكمل ملك رجل بمالك غيره الا الشريك والجار إذا جعلنا للخلطة فيه أثرا) *
ذكرنا في باب الخلطة الخلاف في أن الخلطة هل تثبت في الثمار والزروع أم لا وان ثبتت فهل
تثبت الخلطتان أو لا تثبت الا خلطة الشيوع والظاهر ثبوتهما جميعا فان قلنا لا تثبتان فلا يكمل ملك
رجل بملك غيره في حق النصاب وان قلنا تثبتان فيكمل ملك
رجل بملك غيره في حق النصاب وان قلنا تثبتان فيكمل ملك الرجل بملك الشريك والجار: ومما يتفرع على
هذا الاختلاف ما لو مات إنسان وخلف ورثة ونخيلا مثمرة أو غير مثمرة وبدا الصلاح في الحالتين
في ملك الورثة ان قلنا لا تثبت الخلطة في الثمار فحكم كل واحد منهم منقطع من غيره فمن بلغ نصيبه
نصابا فعليه الزكاة ومن لم يبلغ نصيبه نصابا فلا شئ عليه ولا فرق بين أن يقتسموا أولا يقتسموا
وان قلنا تثبت الخلطة فقد قال الشافعي رضي الله عنه ان اقتسموا قبل بدوا الصلاح سقط حكم
الخلطة وزكوا زكاة الانفراد فمن لم يبلغ نصيبه نصابا فلا شئ عليه وهذا إذا لم تثبت خلطة الجوار
أو أثبتناها وكانت متباعدة فاما إذا كانت متجاورة وأثبتنا خلطة الجوار فيزكون زكاة الخلطة كما قبل
القسمة وان اقتسموا بعد بدو الصلاح زكوا زكاة الخلطة لأنهم كانوا شركاء حالة الوجوب
وهي بدو الصلاح وبدو الصلاح في الثمار كمضي الحول كله في المواشي وههنا كلامان (أحدهما)
اعترض المزني فقال القسم بيع وبيع الربويات بعضها ببعض جزافا لا يجوز وبيع الرطب بالرطب
على رؤس النخل بيع جزاف وأيضا فبيع الرطب بالرطب لا يجوز عند الشافعي رضي الله عنه
بحال ولا يندفع هذا الاشكال بان يقال الرطب لم يتمحض عوضا في واحد من الجانبين بل الجذع بل الجذع
يدخل في القسمة لان عند الشافعي رضي الله عنه لا يجوز بيع الربوي وشئ آخر بذلك الربوي
وشئ آخر وأجاب الأصحاب بوجهين (أحدهما) قالوا الامر على ما ذكرت ان فرعنا على أن القسمة
570

بيع لكن له قول آخر وهو ان القسمة افراز حق وعلى ذلك القول أجاب ههنا (والثاني) انا وان
قلنا إن القسمة بيع فيتصور فرض القسمة ههنا من وجوه (منها) أن تكون بعض النخيل مثمرة وبعضها
غير مثمرة فيجعل هذا سهما وذلك سهما ويقسم قسمة تعديل فيكون بيع النخل والرطب بمحض النخل
وأنه جائز (ومنها) أن تكون التركة نخلتين والوارث شخصان فيشترى أحدهما نصيب صاحبه من إحدى
النخلتين جذعا ورطبا بعشرة ويبيع نصيب نفسه من صاحبه من النخلة الأخرى جذعا ورطبا بعشرة ويتقاضان
الدراهم قال الأئمة ولا تحتاج إلى شرط القطع وإن كانت الصفقتان قبل بدو الصلاح لأن المبيع جزء شائع
من الثمرة والشجرة معا فصار كما لو باع كلها صفقة واحدة وإنما تحتاج إلى شرط القطع حينئذ عند افراد الثمرة
بالبيع ومنا أن يبيع كل واحد منهما نصيبه من ثمرة إحدى النخلتين نصيب صاحبه من جذعها
فيجوز بعد بدو الصلاح ولا يلزم الربوا وقبل بدو الصلاح لا يجوز إلا بشرط القطع لأنه بيع ثمرة
تكون للمشترى على جذع البائع ذكره صاحب الشامل وغيره وقد حكي القاضي بن كج عن بعض
الأصحاب أن قسمة الثمار بالخرص جائزة على أحد القولين والذي ذكره ها هنا جواب على ذلك
القول ولك أن تقول هذا لو دفع إنما يدفع اشكال البيع جزافا فلا يدفع اشكال منع بيع الرطب
(الكلام الثاني) قال أصحابنا العراقيون تجوز القسمة قبل اخراج الزكاة بناء على أن الزكاة في
الذمة أما إذا قلنا إنها تتعلق بالعين فلا تصح القسمة واعلم أنه يمكن تصحيح القسمة مع التفريع على
قول العين بأن يخرص الثمار عليهم ويضمنوا حق المساكين فلهم التصرف بعد ذلك وأيضا فانا
حكينا في البيع قولين تفريعا على التعلق فكذلك القسمة إذا جعلناها بيعا وان جعلناها افرازا
فلا منع وجميع ما ذكرنا من المسألة فيما إذا لم يكن على الميت دين فأما إذا مات وعليه دين وخلف
على ورثته نخيلا مثمرة فبدا الصلاح فيها بعد موته وقبل إن تباع في الدين ففي وجوب الزكاة على
الورثة قولان حكاهما الشيخ أبو علي (أحدهما) لا يجب لان ملكهم فيها غير مستقر في الحال إنما
يستقر بعد قضاء الدين من غيره فأشبه ملك المكاتب لما لم يستقر إلا بتقدير أداء النجوم لم تجب
الزكاة فيه قبل ذلك (وأصحهما) وهو الذي أورده الجمهور يجب لأنها ملكهم ما لم تبع في الدين
ألا ترى أن لهم أن يمسكوها ويقضوا الدين من موضع آخر فإذا ملكوا وهم من أهل الزكاة لزمهم
الزكاة فعلى هذا القول في أنهم يزكون زكاة الخلطة والانفراد على ما سبق فيها إذ لم يكن على الميت
دين قال الشيخ ويمكن بناء القولين على الخلاف في أن الدين هل يمنع الميراث فيه قولان وغيره
يحكيه وجهين (أحدهما) ويروى عن الإصطخري نعم لان الله تعالى أثبت الإرث بعد الدين حيث
قال (من بعد وصية يوصي بها أو دين) (وأصحهما) لا لان الدين لا يستحق الا التعلق به وطلب الحق منه
571

فتكون الرقبة لهم كالمال المرهون والعبد الجاني رقبتهما للمالك فإذا فرعنا على الأصح وهو وجوب
الزكاة عليهم فإن كانوا موسرين أخذت الزكاة منهم وصرفت النخيل والثمار إلى دين الغرماء وإن
كانوا معسرين فهل تؤخذ الزكاة منهم فيه طريقان (أحدهما) انه على الخلاف في أن الزكاة تتعلق بالذمة
أو بالعين ان قلنا بالذمة والمال مرهون بها فيخرج عل الأقوال الثلاثة في اجتماع حق الله تعالى وحق
الآدميين فان سوينا وزعنا المال على الزكاة وحق الغرماء وإن قلنا تتعلق بالعين أخذت الزكاة
سواء قلنا بتعلق الشركة أو بمثل تعلق الأرش (والطريق الثاني) وهو الأصح ان الزكاة
تؤخذ بكل حال لان حق الزكاة أقوى تعلقا بالمال من حق الرهن ألا ترى أن الزكاة
تسقط بتلف المال بعد الوجوب وقبل امكان الأداء والدين لا يسقط بهلاك الرهن ثم
حق المرتهن مقدم على حق غيره فحق الزكاة أولي أن يكون مقدما ثم إذا أخذت الزكاة من العين
ولم يف الباقي بالدين غرم الورثة قدر الزكاة لغرماء الميت إذا أيسروا لان وجوب الزكاة عليهم
وبسببه تلف ذلك القدر على الغرماء قال صاحب التهذيب هذا إذا قلنا الزكاة تتعلق بالذمة فان
علقناها بالعين لم يغرموا كما ذكرنا في الرهن ولو أن اطلاع النخيل كان بعد موته فالثمار
محض حق الورثة ولا تصرف إلى دين الغرماء إلا إذا قلنا الدين يمنع الميراث فحكمها حكم
ما لو حدثت قبل موته *
قال (ولا يضم حمل نخلة إلى حملها الثاني ولا حمل نخلة إلى حمل أخرى إذا تأخر اطلاع
الأخير عن جذاذ الأولى وان تأخر عن زهوها فوجهان ووقت الجذاذ كالجذاذ على رأى) *
لا خلاف في أن ثمرة العام الثاني لا تضم إلى ثمرة العام الأول في تكميل النصاب وان فرض
اطلاع ثمرة العام الثاني قبل جذاذ ثمرة العام الأول ولو كانت له نخيل تثمر في العام الواحد مرتين
فلا يضم الحمل الثاني إلى الأول لان كل حمل كثمرة عام وفي هذه المسألة كلامان (أحدهما) قال
الأصحاب هذا لا يكاد يقع لان النخل والكرم اللذين يختصان بايجاب الزكاة في ثمارهما لا يحملان
حملين وإنما نفرض ذلك في التين وما لا زكاة فيه وإنما ذكر الشافعي رضي الله عنه المسألة بيانا
للحكم بتقدير التصور (والثاني) أن القاضي ابن كج فصل فقال إن اطلعت النخل للحمل الثاني
بعد جذاذ الأول فلا ضم وان اطلعت قبل جذاذه وبعد بدو الصلاح فيه خلاف كما سنذكره في
حمل نخلتين وهذا لا يخالف اطلاق الجمهور عدم الضم فان السابق إلى الفهم من الحمل الثاني هو
الحادث بعد جذاذ الأول والله أعلم *
572

ولو كانت له نخيل أو كروم يختلف ادراك ثمارها في العام الواحد إما بحسب اختلاف النوع
أو بحسب اختلاف البلاد حرارة وبرودة فهل يضم بعض ثمارها إلى بعض نظر ان اطلع ما تبطؤ ثمارها
قبل زهو الأول وبدو الصلاح فيه وجب الضم لوجود حمل الثاني يوم وجوب الزكاة في الأول
والأشجار تطلع وتدرك ثمارها على تدريج وتفاوت وان اطلع الثاني بعد جذاذ الأول ففيه وجهان
(أحدهما) وهو الذي أورده القاضي بن كج وأصحاب القفال أنه لا يضم لان الثاني حدث بعد انصرام
الأول فأشبه ثمرة عامين وهذا هو المذكور في الكتاب (والثاني) وهو الذي قاله أصحاب الشيخ أبى
حامد انه يضم لأنهما ثمرة عام واحد ولهؤلاء أن يحتجوا على ما ذكروه بقول الشافعي رضي الله عنه
وثمرة النخيل تختلف فثمر النخل يجذ بتهامة وهو بنجد بسر وبلح فيضم بعض ذلك إلى بعض
لأنها ثمرة عام وإن كان بينهما الشهر والشهران فان قلنا بالوجه الثاني فلو كان اطلاع الثاني
قبل الجذاذ وبعد بدو الصلاح فهو أولي بالضم وان قلنا بالأول فههنا وجهان (أحدهما) ويحكى عن أبي إسحاق
انه لا يضم لحدوث الثاني بعد وجوب الزكاة في الأول فصار كثمرة عامين وذكر في
التهذيب ان هذا أصح (والثاني) يضم لاجتماعهما على رأس النخيل كما لو اطلع قبل زهو الأول ثم
اختلف الصائرون إلى الوجه المذكور في الكتاب وهو اعتبار الجذاذ في أن وقت الجذاذ هل
يقام مقام الجذاذ على وجهين (أحدهما) لا يقام لاجتماع الثمرتين قبل الجذاذ على رأس النخيل (وأفقههما)
وهو الذي ذكره الصيدلاني انها تقام مقام الجذاذ فان الثمار بعد دخول الوقت كالمجذوذة الأثري
انه لو اطلعت النخلة للعام الثاني وقد تركت بعض ثمرة العام الأول عليها لا يثبت الضم
فعلى هذا قال امام الحرمين للجذاذ أول وقت ونهاية ترك الثمار إليها اولي وتلك النهاية أحق بالاعتبار
قال (ولو ضممنا نخلة إلى أخرى فجدت التي أطلعت أولا ثم اطلعت ثانيا قبل جذاذ الثانية
لم نضمها إلى الثانية لان فيها ضما إلى الأولى وقد أطلعت بعد جذاذها وذلك يتسلسل فلا تضم
إلى الثانية) *
أذكر المسألة في قالب المثال الذي ذكره الشافعي رضي الله عنه وتابعه الأصحاب فيه ثم أعود
إلى عبارة الكتاب فان فيها لبسا اعلم أن من المواضع التي يختلف ادراك الثمار فيها بحسب اختلاف
الأهوية تهامة ونجد فتهامة بلاد حارة ونجد بلاد باردة وثمر النخيل بتهامة أسرع ادراكا منها بنجد فإذا
كانت للرجل نخيل تهامية وأخرى نجدية فاطلعت التهامية ثم أطلعت النجدية لذلك العام واقتضى
الحال ضم ثمرة النجدية إلى ثمرة التهامية على ما فصلناه في الفصل السابق فضممناها إليها ثم اطلعت
التهامية مرة أخرى فلا تضم ثمرة هذه المرة إلى ثمرة النجدية وان طلعت قبل بدو الصلاح فيها
573

لان في ضمها إلى النجدية ضما إلى ثمرتها المرة الأولى ولا سبيل إليه لان ثمرتها المرة الثانية اما حمل
ثان على تصوير أن تكون تلك التهاميات مما تحمل في كل سنة مرتين وإما حمل سنة ثانية وعلى التقديرين
فلا ضم على ما سبق وهذا ما ذكره الأصحاب ثم قال الصيدلاني وامام الحرمين ولو لم تكن ثمرة
النجدية مضمومة إلى حمل التهامية أولا بان اطلعت بعد جذاذ ذلك الحمل لكنا نضم حملها الثاني
المطلع قبل جذاذ النجدية إليها إذ لا يلزم ههنا المحذور الذي ذكرناه وهذا قد لا يسلمه سائر
الأصحاب لأنهم حكموا بضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض وبان ثمرة عام لا تضم إلى ثمرة عام
آخر ومعلوم ان ادراك ثمار التهامية في كل عام أسرع من ادراك ثمار النجدية فيكون اطلاع التهامية
ثانيا للعام القابل وما على النجدية من العام الأول. وأما كلام الكتاب فأما ان أراد به الصورة
التي نقلناها عن جمهور الأصحاب وأما ان أراد به ما يشعر به ظاهره فان أراد تلك الصورة وهي
التي أوردها في الوسيط فاللفظ ههنا يحال عن وجهه تصويرا وتعليلا اما التصوير فلان للجمهور
صورا في اطلاع النخلة الأولى مرة أخرى: وهو صور في ثلاث نخلات متغايرة اطلعت الثالثة بعد
جذاذ الأولى وقبل جذاذ الثانية وأما التعليل فلان قوله لان فيها ضما إلى قوله وذلك يتسلسل يشعر بان امتناع
الضم إلى حمل الثانية لتضمنه الضم إلى حمل الأولى وقد أطلع هذا بعد جذاذه ولا سبيل إلى ضم ما اطلع بعد
المجذوذ إليه ولو جوزنا ذلك للزم ضم نخلة إلى نخلة بلا نهاية وهذا التعليل غير التعليل الذي سبق وان أراد ما
يشعر به ظاهر الكلام فعدم الضم مما تنازع فيه كلام الأصحاب اللذين قالوا بانضمام ثمار العام الواحد بعضها
إلى بعض ولم يبالوا باطلاع الآخر بعد جذاذ الأول على ما أسلفناه وفي ضبطهم بالعام الواحد ما يقطع التسلسل
الذي ادعاه ولا يخفى ان قوله ولو ضممنا نخلة إلى أخرى معناه حمل نخلة إلى حمل نخلة أخرى
بحذف المضاف
قل (وأما الذرة لو زرعت بعد حصاد الأولى فعلى قول هما كحملي شجرة فلا يضم وعلى قول
يضم مهما وقع الزرعان والحصادان في سنة وعلى قول يكتفى في الضم بوقوع الزرعين في سنة لأنه
الداخل تحت الاختيار وعلى قول ينظر إلى اجتماع الحصادين فإنه المقصود وعلى قول إن وقع الزرعان
أو الحصادان معا أو زرع الثاني وحصاد الأول اكتفى به: والزرع بعد اشتداد الحب كهو بعد
الحصاد على أحد الرأيين والزرع بتناثر الحبات للأول أو بنقر العصافير كهو بالاختيار وقيل إنه
يضم لأنه تابع ولو أدرك أحد الزرعين والاخر بقل فالظاهر الضم وقيل يخرج على الأقوال) *
الأصل الذي لابد من معرفته أولا أن زرع عام لا يضم إلى زرع عام آخر في تكميل النصاب واختلاف أوقات
الزراعة لضرورة التدريج فيها كالذي يبتدئ الزراعة ولا يزال يزرع إلى شهر أو شهرين لا يقدح بل هي
574

معدودة زرعا واحدا يضم بعضها إلى بعض عند اتحاد الجنس إذا عرفت ذلك ففي الفصل مسألتان
(أحدهما) ان الشئ قد يزرع في سنة واحدة مرارا كالذرة تزرع في فصول مختلفة في الخريف والربيع
والصيف ففي ضم البعض إلى البعض أقوال (أحدها) ان المزروع بعد حصد الأولى لا يضم إليه كما
لا يضم أحد حملي الشجر إلى الآخر (والثاني) يضم ان وقع الزرعان والحصادان في سنة لأنهما حينئذ
يعدان زرع سنة واحدة وهو اجتماعهما في سنة واحدة بأن يكون بين الزرع الأول وحصد الثاني
أقل من اثنى عشر شهرا عربية كذا قال صاحب النهاية والتهذيب فإن كان بينهما سنة فصاعدا فلا يضم
(والثالث) ان الاعتبار بوقوع الزرعين في سنة ولا نظر إلى الحصاد لان الزرع هو المتعلق بالاختيار
والحصاد لا اختيار في وقته ويختلف باختلاف حال الأرض والهواء وأيضا فان الزرع هو الأصل
والحصاد فرعه وثمرته فيعتبر ما هو الأصل فعلى هذا يضم وإن كان حصاد الثاني خارجا عن السنة
(والرابع) ان المعتبر اجتماع الحصادين في سنة فإذا حصل وجب الضم وإن كان زرع الأول خارجا عن
السنة لان الحصاد هو المقصود وعنده يستقر الوجوب فاعتباره أولى وهذه الأقوال الأربعة مدونة في
المختصر (والخامس) ويحكى عن رواية الربيع انه ان وقع الزرعان والحصادان أو زرع الثاني وحصد
الأول في سنة ضم إحداهما إلى الثاني وهذا بعيد عند الأصحاب لأنه يوجب ضم زرع السنة إلى
زرع السنة الأخرى فان العادة ابتداء الزرع الثاني بعد مضى شهر من حصد الأول هذا بيان الأقوال
على الوجه المذكور في الكتاب واختلفوا في الأظهر منها وكلام الأكثرين مائل إلى ترجيح القول
الرابع ونقل المسعود في الافصاح القول الخامس على وجه أخص مما ذكرنا فقال الاعتبار بجميع السنة
بأحد الطرفين: إما الزرعين أو الحصادين ولم يلحق بهما زرع الثاني وحصد الأول والشيخ أبو حامد
في طائفة جعلوا الفصل بدلا عن السنة في حكاية القول الثاني والثالث والرابع واعتبروا على القول
الثاني أن يكون الزرعان في فصل واحد والحصادان في فصل واحد وما المعنى بالفصل: ذكر القاضي
الروياني ان المعني بالفصل ههنا أربعة أشهر والطريقة التي تقدمت أوفق للفظ المختصر وهي التي
575

اعتمدها القاضي بن كج ونقلها أصحاب القفال وغيرهم وعن أبي إسحاق انه خرج قولان أن ما يعد
زرع سنة يضم بعضه إلى بعض ولا أثر لاختلاف الزرع والحصاد قال وأعنى ههنا بالسنة اثني
عشر شهرا فان الزرع لا يبقى هذه المدة وإنما أعني بها ستة أشهر إلى ثمانية وإذا جمع جامع بين ما نقلناه
من الروايات انتظمت في المسألة عشرة أقوال فتأملها وهذا كله فيما إذا كان زرع الثاني بعد حصول
الأول ووراء ذلك حالتان (إحداهما) أن يكون زرع الثاني بعد اشتداد حب الأول فالخلاف فيه
مرتب على الخلاف فيما إذا كان زرع الثاني بعد حصد الأول وههنا أولي بالضم لاجتماعها في النبات
في الأرض والحصول فيها وقوله في الكتاب على أحد الروايتين المراد منه طريقان يتولدان من
هذا الترتيب (أحدهما) القطع بالضم (والثاني) باثبات الخلاف وهو أظهر والثانية أن يكون الزرعان
معا أو على التواصل المعتبر ثم يدرك أحدهما والثاني بعد بقل لم يشتد حبه أصلا ففيه طريقان (أصحهما)
القطع بالضم لان ذلك يعد زرعا واحدا والثاني وحكاه الامام عن أبي إسحاق انه على الأقوال
لاختلافهما في وقت الوجوب بخلاف ما لو تأخر بدو الصلاح في بعض الثمار فإنه يضم إلى ما بدأ
فيه الصلاح لا محالة لان الثمرة الحاصلة هي متعلق الزكاة بعينها والمنتظر فيها صفة الثمرة وههنا متعلق
الواجب الحب ولم يخلق بعد والموجود حشيش محض (المسألة الثانية) قال الشافعي رضي الله عنه
الذرة تزرع مرة فتخرج فتحصد ثم يستخلف في بعض المواضع فتحصد أخرى فهو زرع واحد وان
تأخرت حصدته الأخرى اختلف المفسرون لكلامه في المراد بهذه الصورة على ثلاثة أوجه
(أحدها) أن المراد بها ما إذا تسنبلت الذرة واشتدت فانتثر بعض حباتها بنفسها أو بنقل العصافير
أو بهبوب الرياح فسقى الأرض فنبتت تلك الحبات المنثورة في تلك السنة مرة أخرى وأدركت
ومنهم من قال المراد بها ما إذا نبتت فالتفت وعلا بعض طاقاتها فغطي البعض وبقي ذلك المغطي
مخضرا تحث ما علا فإذا حصد العالي أثرت الشمس في المخضر فأدرك (ومنهم) من قال المراد بها
الذرة الهندية تحصد سنابلها ويبقى ساقها فيخرج سنابل أخرى ويحكى هذا الوجه الثاني عن ابن
سريج ثم اختلفوا في الصور الثلاث بحسب اختلافهم في المراد من النص واتفاق الجمهور على أن
ما ذكره قطع بالضم وليس جوابا على بعض الأقوال التي سبقت فذكروا في الصورة الأولى طريقين
(أحدهما) أنها على الأقوال في الزرعين المختلفي الوقت فإنه زرع مفتتح بعد زرع (والثاني) القطع
بالضم لأنه تابع للأول غير حاصل بالقصد والاختيار وايراد الكتاب يشعر بترجيح
576

الأول وهو قضية ما في التهذيب وذكروا في الصورة الثانية طريقين أيضا (أظهرهما)
القطع بالضم لأنها حصلت دفعة واحدة وإنما تفاوت الادراك (والثاني) ويحكي عن أبي إسحاق
انها مخرجة على الأقوال وذكروا في الثالثة ثلاثة طرق (أحدها) انها على الخلاف
فيما لو حصد زرع ثم زرع آخر (والثاني) لا يضم قولا واحدا كالنخلة تحمل في السنة
حملين (والثالث) يضم قولا واحدا بخلاف الزرع بعد الزرع فان أحدهما مفصول عن الآخر وههنا
الزرع واحد وإنما تفرق ريعه وبخلاف حملي النخلة فإنها شجرة لها ثمر بعد ثمر فحملاها في سنة كحملها في
سنتين والذرة زرع لا يبقى فالخارج من ساقها ملحق بالأول كزرع تعجل ادراك بعضه وتأخر ادراك بعضه
وهذا أصح عند صاحب التهذيب *
قال (الطرف الثاني في الواجب وهو العشر فيما سقت السماء ونصف العشر فيما سقى بنضح
أو دالية والقنوات كالسماء والناعور الذي يدبر الماء بنفسه كالدواليب) *
الأصل في قدر الواجب في هذا النوع ما روى ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال (فيما سقت السماء أو العيون أو كان عثريا العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر) (1) ويروى
(وما سقى بنضح أو غرب ففيه نصف العشر) (2) قال في الصحاح العثرى بالتحريك الزرع الذي لا يسقيه
577

الإماء المطر وقال الأزهري وسقيه بالنضح أن يستقى له من ماء النهر أو البئر بساتينه وغيرها وتسمى
السواني نواضح الواحدة سانية والغرب الدلو الكبير: إذا عرف ذلك فيجب فيما سقى بماء السماء
من الثمار والزروع العشر وكذا البعل وهو الذي يشرب بعروقه لقربه من الماء وكذا ما يشرب من
ماء ينصب إليه من جبل أو نهر أو عين كبيرة كل ذلك فيه العشر وما سقى بالنضح أو بالدلاء أو
بالدواليب ففيه نصف العشر وكذا ما سقى بالدالية قال في الصحاح وهي المنجنون تديرها البقرة وما
سقي بالناعور وهو الذي يديره الماء بنفسه لأنه تسبب إلى النزح كالاستقاء بالدلاء والنواضح
والمعني الكلي الذي يقتضيه التفاوت ان أمر الزكاة مبني على الرفق بالمالك والمساكين فإذا كثرت
المؤنة خف الواجب أو سقط كما في المعلوفة وإذا خفت المؤنة كثر الواجب كما في الركاز وأما القنوات
وفي معناها السواقي المحفورة من النهر العظيم إلى حيث يسوق الماء إليه فالذي ذكره في الكتاب ان
السقي منها كالسقي بماء السماء وهذا هو الذي أورده طوائف الأصحاب من العراقيين وغيرهم
وعللوا بان مؤنة القنوات إنما تتحمل لاصلاح الضيعة والأنهار تشق لاحياء الأرض فإذا تهيأت
وصل الماء إلى الزرع بطبعه مرة بعد أخرى بخلاف السقي بالنواضح ونحوها فان المؤنة ثم تتحمل
لنفس الزرع: وادعي امام الحرمين اتفاق الأئمة على هذا لكن أبا عاصم العبادي ذكر في الطبقات
ان أبا سهل الصعلوكي أفتى بأن المسقي من ماء القناة فيه نصف العشر لكثرة المؤنة وفصل صاحب
التهذيب فقال إن كانت القناة أو العين كثيرة المؤنة بأن كانت لا تزال تنهار وتحتاج إلى
استحداث حفر فالمسقى بها كالمسقي بالسواقي وان لم يكن لها مؤنة أكثر من مؤنة الحفر الأول
وكسحها في بعض الأوقات ففي السقي بها العشر والمشهور الأول *
(فرع) أشار القاضي ابن كج إلى أنه لو احتاج إلى شراء الماء كان الواجب نصف العشر ونقله
عنه صريحا صاحب الرقم ولو سقاه بماء مغصوب فكذلك لان عليه الضمان وهذا حسن جار على
كل مأخذ فإنه لا يتعلق به صلاح الضيعة بخلاف القناة ثم حكي القاضي عن أبي الحسين وجهين فيما
لو وهب منه الماء ورجح الحاقه بما لو غصب لما في قبول الهبة من المنة العظيمة فصار كما لو علف
ماشيته بعلف موهوب والله أعلم *
قال (ولو اجتمع السقيان على التساوي وجب ثلاثة أرباع العشر في كل نصف بحسابه وإن كان
أحدهما أغلب اعتبر الأغلب في قول ووزع في الثاني عليهما: والأغلب يعرف بالعدد في وجه و بزيادة
النمو والنفع في وجه: وإذا أشكل الأغلب فهو كالاستواء) *
578

إذا اجتمع السقيان في زرع وكان يسقى بماء السماء مدة وبالنضح مدة فلا يخلو اما أن يكون الزرع منشأ على
هذا القصد أو بنى أمره على أحد الشقين ثم اعترض الآخر واجتمعا (الحالة الأولى) وهي المقصودة في
الكتاب أن ينشأ الزرع على قصد السقي بهما جميعا ففيه قولان كالقولين فيما إذا تنوعت إبله أو
غنمه (أظهرهما) أنه يقسط الواجب عليهما لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم فيما إذا تنوعت (فيما سقت السماء
العشر وفيما سقى بنضح نصف العشر) فعلى هذا لو كان ثلثا السقي بماء السماء والثلث بالنضح وجب
خمسة أسداس العشر ثلثا العشر للثلثين وثلث نصف العشر للثلث ولو سقى على التساوي وجب نصف العشر
ونصف نصف العشر وذلك ثلاثة أرباع العشر (والقول الثاني) وحكاه في الشامل عن أبي حنيفة
واحمد ان الاعتبار بالأغلب فإن كان السقي بماء السماء أغلب ففيه العشر وإن كان السقي بالنضح
أغلب ففيه نصف العشر لان النظر إلى اعداد السقي وأزمنته مما يشق ويعسر فيدار الحكم على
الغالب تخفيفا وعلى هذا لو استويا ففيه وجهان حكاهما الامام (أحدهما) انه يجب العشر نظرا للمساكين
وهذا هو الذي حكاه المسعودي تفريعا على القول الثاني (وأصحهما) وهو الذي أورده في الكتاب
انا نقسط الواجب عليهما كما ذكرنا على القول الأول لانتفاء الغلبة من الجانبين وعلى هذا فالحكم
حالة الاستواء واحد على القولين فينتظم ان يقال إن استويا وجب ثلاثة أرباع العشر فإن كان
أحدهما أغلب فقولان وهكذا أورد صاحب الكتاب والأكثرون ثم سواء قلنا بالتقسط أو اعتبرنا
الأغلب فالنظر إلى ماذا في معرفة المقادير: فيه وجهان (أحدهما) أن النظر إلى عدد السقيات لان المؤونة
بحسبها تقل وتكثر ولا شك أن الاعتبار بالسقيات المفيدة دون ما لا تفيد أو تضر (وأوفقهما) لظاهر نصه
أن الاعتبار بعيش الزرع ونمائه أهو بأحدهما أكثر أم لا وكذا عيش التمر فإنه المقصود وقال في
النهاية وعبر بعضهم عن هذا بعبارة أخرى فقال النظر إلى النفع وقد تكون السقية الواحدة أنفع من
سقيات كثيرة قال وهما متقاربان الا أن صاحب العبارة الثانية لا ينظر إلى المدة وإنما ينظر إلى النفع
الذي يحكم به أهل الخبرة وصاحب العبارة الأولى يعتبر المدة: واعلم أن اعتبار المدة هو الذي ذكره
الأكثرون على الوجه الثاني وذكروا في المثال انه لو كانت المدة من يوم الزرع إلى الادراك ثمانية
أشهر واحتاج في ستة أشهر زماني الشتاء والربيع إلى سقيتين فسقى بماء السماء وفي شهرين وهو زمان
الصيف إلى ثلاث سقيات فسقي بالنضح فان اعتبرنا عدد السقيات فعلى قول التوزيع يجب خمسا
العشر وثلاثة أخماس نصف العشر وذلك ثلاثة أخماس العشر ونصف خمسه وعلى قول اعتبار الأغلب
يجب نصف العشر لان عدد السقيات بالنضح أكثر وان اعتبرنا المدة فعلى قول التوزيع يجب ثلاثة
أرباع العشر وربع نصف العشر وعلى قول اعتبار الأغلب يجب العشر لان مدة السقي بماء السماء
579

أطول ولو سقى الزرع بماء السماء والنضح جميعا لكن أشكل مقدار كل واحد منهما فعن ابن
سريج وتابعه الجمهور أنه يجب ثلاثة أرباع العشر أخذا بالاستواء وذكر القاضي ابن كج وجها
آخر ان الواجب نصف العشر لأنه اليقين والأصل براءة ذمته عن الزيادة وإذا عرفت ما ذكرنا يتبين
لك ان الوجهين في قوله (والأغلب يعرف بزيادة العدد إلى آخره) لا يختصان بالأغلب بل يجريان
فيما يعتبر به الاستواء أيضا (وقوله) إذا أشكل الأغلب فهو كالاستواء إنما صور الاشكال في الأغلب
لأنه قصد التفريع على قول اعتبار الأغلب والا فلو لم يعرف هل أحدهما أغلب من الآخر كما لو
عرف أن أحدهما أغلب وشك في أنه هذا أم ذاك والحالة (الثانية) ان يبنى الامر على أحد السقيين
ثم يعرض الاخر فهل يستصحب حكم قصده أولا ويعتبر الحكم فيه وجهان (أصحهما) الثاني ثم
في كيفية اعتبارهما الخلاف الذي ذكرنا *
(فرع) لو اختلف الساعي والمالك في أنه بماذا سقى فالقول قول المالك لان الأصل عدم وجوب
الزيادة (آخر) لو كان له زرع مسقى بماء السماء وآخر مسقى بالنضح ولم يبلغ واحد منهما نصابا ضم أحدهما
إلى الثاني في حق النصاب وان اختلف مقدار الواجب *
قال (ويجب ان يخرج العشر من جنس المعشر ونوعه فان اختلف النوع فمن كل بقسطه فان
عسر فالوسط) *
(قوله) ويجب ان يخرج العشر من جنس المعشر ولا يجوز ان يعلم بالحاء لان أبا حنيفة رحمه الله يجوز
اخراج القيم في الزكاة فلا يجب عنده اخراج الجنس * لنا قوله صلى الله عليه وسلم (خذ من الإبل الإبل) (1)
الخبر (وقوله) ونوعه ليس مجرى على اطلاقه فإنه لو اخرج الأجود عن الأردأ أجاز إنما الواجب ألا يخرج أردأ
مما عنده وغرض الفصل انه لو كان الجنس الذي يملكه من الثمار والحبوب نوعا واحدا فيؤخذ منه
الزكاة وان اختلف أنواعه كما إذا ملك من التمر البردى والكبيس وهما نوعان جيدان والجعرور
ومصران الفارة وعذق الجبيق وهي أنواع رديئة ومنهم من يجعل الجعرور وسطا فإن لم يعسر
580

أخذ الواجب من كل نوع بالحصة أخذ بالحصة بخلاف نظيره في المواشي حيث ذكرنا فيه خلافا من
قبل والفرق ان التشقيص في الحيوان محذور بخلاف ما في الثمار الا ترى ان في المواشي وان قلنا
بالتقسيط فإننا نعتبر قيم الأنواع ونأخذ ما يقتضيه التوزيع ونأمره بدفع نوع منها على ما يقتضيه
التوزيع ولا يأخذ البعض من هذا والبعض من ذاك وههنا بخلافه وطرد القاضي ابن كج القولين
ههنا والمشهور الفرق وان عسر اخذ الواجب من كل نوع بأن كثرت الأنواع وقل مقدار كل نوع
فما الذي يؤخذ. حكى عن صاحب الافصاح فيه ثلاثة أوجه (أصحها) وهو المذكور في الكتاب انه
لا يكلف بالاخراج من كل نوع لما فيه من العسر ولا يكلف بالاخراج من الأجود ولا نرضي
بالردئ بل يؤخذ من الوسط رعاية للجانبين (والثاني) انه يؤخذ من كل نوع بالقسط كما إذا قلت
الأنواع (والثالث) انه يؤخذ من الغالب ويجعل غيره تبعا له وروى القاضي ابن كج في المسألة طريقين
(أحدهما) القطع بأخذ الوسط والثاني ان فيها قولين (أحدهما) اخذ الوسط (والثاني) اخذ الغالب * إذا
عرفت ذلك فاعلم قوله فان عسر فالوسط بالواو واعلم أنه ليس المراد وجوب اخراج الوسط حتى
لا يجوز اخذ غيره بل لو تحمل العسر واخرج من كل نوع بالقسط جاز ووجب على الساعي قبوله
فإذا أراد الساعي أخذ العشر كيل لرب المال تسعة وأخذ الساعي العاشر وإنما يبدأ بجانب المالك لان
حقه أكثر ولان حق المساكين إنما يتبين به ولو بدأ بجانبهم فربما لا يفي الباقي بحقه فيحتاج إلى رد ما كيل
لهم وإن كان الواجب نصف العشر كيل لرب المال تسعة عشر وأخذ الساعي العشرين وإن كان
الواجب ثلاثة أرباع العشر كيل لرب المال سبعة وثلاثون وللمساكين ثلاثة ولا يهز المكيال ولا يزلزل
ولا توضع البد فوقه ولا يمسح لان ذلك مما يختلف فيه بل يصب فيه ما يحتمله ثم يفرغ *
قال (الطرف الثالث في وقت الوجوب وهو الزهو في الثمار والاشتداد في الحبوب فينعقد
سبب وجوب اخراج التمر والحب عند الجفاف والتنقية فلو أخرج الرطب في الحال كان بدلا) *
وقت وجوب الصدقة في النخل والكرم الزهو وهو بدو الصلاح لان النبي صلى الله عليه وسلم
(كان حينئذ ببعث الخارص) (1) للخرص ولو تقدم الوجوب عليه لبعثه قبل ذلك ولو تأخر عنه لما بعثه
581

إلى ذلك الوقت ووقت الوجوب في الحبوب اشتدادها لأنها حينئذ تصير طعاما كما أن حمل النخل
والكرم عند بدو الصلاح يصير ثمرة كاملة وهو قبل ذلك بلح وحصرم هذا هو المشهور وفي النهاية
أن صاحب التقريب حكي قولا غريبا أن وقت الوجوب هو الجفاف والاشتداد ولا يتقدم الوجوب
على الامر بالأداء: وفي الشامل أن الشيخ أبا حامد حكى عن القديم أنه أومأ إلى أن الزكاة تجب
عند فعل الحصاد فيجوز أن يعلم قوله في الكتاب (وهو الزهو في الثمار والاشتداد في الحبوب لهذين
والكلام في معني بدو الصلاح وأن بدو الصلاح في البعض كبدوه في الكل على ما هو مذكور
في كتاب البيع ولا يشترط تمام اشتداد الحب كما لا يشترط تمام الصلاح في الثمار ويتفرع على المذهب
المشهور أنه لو اشترى نخيلا مثمرة أو ورثها قبل بدو الصلاح ثم بدا الصلاح بعد ذلك فعليه الزكاة
ولو اشترى بشرط الخيار فبدا الصلاح في زمان الخيار فان قلنا الملك للبائع فالزكاة عليه وان امضي
البيع وان قلنا للمشترى الزكاة عليه وان فسخ البيع وان قلنا بالوقف فأمر الزكاة موقوف أيضا: وفرع ابن
الحداد على هذا الأصل أنه لو باع المسلم نخيله المثمرة قبل بدو الصلاح من ذمي فبدا الصلاح في ملكه فلا زكاة
على واحد منهما: أما الذمي فظاهر: وأما المسلم فلان الثمرة لم تكن في ملكه وقت الوجوب ولو عاد إلى ملكه بعد
بدو الصلاح ببيع مستأنف أو بهبة أو تقابل أورد بعيب فلا زكاة عليه أيضا لأنه لم تكن في ملكه حين
الوجوب والبيع من المكاتب كالبيع من الذمي فيما ذكرنا ولو باع النخل من مسلم قبل بدو الصلاح
فبدا الصلاح في ملك المشتري ثم وجد بها عيبا فليس له الرد الا برضا البائع لأنها تعلق بها حق
الزكاة فكان كعيب حدث في يده فان أخرج المشترى الواجب: اما من تلك الثمرة أو من غيرها
فالحكم على ما ذكرنا في زكاة النعم في الشرط الرابع: أما إذا باع الثمرة وحدها قبل بدو الصلاح
فهذا البيع لا يصح الا بشرط القطع فان شرطه ولم يتفق القطع حتى بدا فيها الصلاح فقد وجب
العشر وينظر فان رضيا بابقائها إلى أوان الجذاذ جاز والعشر على المشترى وعن الشيخ
582

أبى حامد ان أبا إسحاق حكي قولا اخر انه ينفسخ البيع لأنه لو اتفقا عليه عند البيع لبطل البيع
فإذا وجد هذا الشرط المبطل بعده ينفسخ والصحيح الأول وان لم يرضيا بالابقاء لم تنقطع الثمرة
لان فيه اضرارا بالمساكين ثم فيه قولان (أحدهما) ينفسخ البيع لتعذر امضائه فان البائع يبتغى القطع
لشرطه وهو ممتنع لما ذكرنا (وأصحهما) انه لا ينفسخ فإنه عيب حدث بعد البيع لكن ان لم يرض البائع
بالابقاء ينفسخ البيع وان رضى البائع بالابقاء وأبي المشترى الا القطع فوجهان (أحدهما) يفسخ
أيضا (وأصحهما) أنه لا يفسخ لان البائع قد زاده خيرا والقطع إنما كان لحقه حتى لا تمتص الثمرة
ماء الشجرة فإذا رضي تركت الثمرة بحالها ولو رضى البائع ثم رجع كان له ذلك لان رضاه إعارة
وحيث قلنا يفسخ البيع ففسخ فعلى من تجب الصدقة: فيه قولان (أحدهما) على البائع لان الفسخ كان
لشرط القطع فأسند إلى أصل العقد (وأصحها) انها على المشترى لان بدو الصلاح كان في ملكه
فأشبه ما لو فسخ بعيب فعلى هذا لو أخذ الساعي من غير الثمار رجع البائع على المشترى (وقوله) فينعقد
سبب وجوب اخراج الثمرة والحب عند الجفاف معناه انا وان قلنا إن بدو الصلاح واشتداد الحب
وقت الوجب فلا نكلفه بالاخراج في الحال لكن ينعقد حينئذ سبب وجوب اخراج الثمرة
والزبيب والحب المصفى ويصير ذلك مستحقا للمساكين يدفع إليهم بالأجرة ولو اخرج الرطب في
الحال لم يجز لما روى عن غياث بن أسيد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (في زكاة الكرم انها تخرص كما
تخرص النخل ثم تؤدى زكاته زبيبا كما تؤدي زكاة الرطب تمرا) (1) لان المقاسمة بيع على الصحيح
583

وبيع الرطب بالرطب لا يجوز فلو أخذ الساعي الرطب لم يقع الموقع ووجب الرد إن كان باقيا وإن كان
تالفا فوجهان (الذي) نص عليه وقاله الأكثرون انه ترد القيمة (والثاني) انه يرد المثل والخلاف
يبنى على أن الرطب والعنب مثليان أم لا: (وقد ذكر الخلاف فيه في الكتاب) في باب الغصب وجعل
الأظهر انهما مثليان فمن قال به حمل النص على ما إذ لم يوجد المثل ولو جف عند الساعي نظر إن كان
قدر الزكاة أجزأ والأردأ التفاوت أو أخذ هكذا قال العراقيون والأولى وجه آخر ذكره القاضي
ابن كج وهو انه لا يجزى بحال لفساد القبض من أصله وقوله في الكتاب فلو أخذ الرطب في
الحال كان بدلا أراد به انه لا يقع الموقع لان البدل لا يجزئ في الزكاة إذا فرضت ضرورة
واعلم أن ما ذكرناه أصلا وشرحا في أخذ الرطب مما يجئ منه التمر والزبيب فإن لم يكن
كذلك فسيأتي *
(قال ويستحب (ح) ان يخرص عليه فيعرف قدر ما يرجع إليه تمرا ويدخل في الخرص جميع
النخيل ولا يترك بعضه ولمالك النخيل وهل يكفي خارص واحد كالحاكم أو لابد من اثنين
كالشاهد فيه قولان) *
الأصل في الخرص ما روينا من حديث غياث بن أسيد وروى أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم
(خرص حديقة امرأة بنفسه) (1) وإنما يكون ذلك في الثمار دون الزروع لأنه لا يمكن الوقوف عليها
لاستتارها وأيضا فان الزروع لا تؤكل في حال الرطوبة والثمار توكل فيحتاج المالك إلى أن يخرص
عليه ويمكن من التصرف فيها ووقته بدو الصلاح لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت (كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة خارصا أول ما تطيب الثمرة) (2) وكيفيته أن
584

يطوف بالنخلة ويرى جميع عناقيدها ويقول خرصها كذا رطبا ويجئ منها التمر كذا ثم يأتي
نخلة أخرى فيفعل بها مثل ذلك إلى أن يأتي على جميع ما في الحديقة ولا يقتصر على رؤية البعض
وقياس الباقي عليه لأنها تتفاوت وإنما يخرص كل نخلة رطبا ثم تمرا لان الأرطاب تتفاوت (فمنها)
ما يكون أكثر نماء وأقل تمرا (ومنها) ما يكون بخلاف ذل فان اتحد النوع جاز ان يخرص الجميع
رطبا ثم تمرا وفي الفصل بعد هذا مسألتان (إحداهما) هل تدخل النخيل كلها في الخرص: الصحيح المشهور
ادخال الكل لاطلاق النصوص المقتضية لوجوب العشر: وعن صاحب التقريب ان للشافعي رضي
الله عنه قولا في القديم انه يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكل منها أهله ويختلف ذلك باختلاف
حال الرجل في قلة عياله وكثرتهم (فال؟) وذلك في مقابلة قيامه بتربية الثمار إلى الجذاذ وتعبه في
585

التجفيف (وقد يحتج له) بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا (خرصتم فاتركوا لهم الثلث
فإن لم تتركوا الثلث فاتركوا لهم الربع) (1) ومن قال بالصحيح قال اما مؤونة الجذاذ والتجفيف فهي
من خالص مال المالك وكذا مؤونة التنقية في الحبوب لما سبق أن المستحق لهم هو اليابس وأما الخبر
فهو محمول على ترك البعض لرب المال عند اخذ الزكاة ليفرقه بنفسه على أقاربه وجيرانه أي لا يؤاخذ
بدفع جميع ما خرص عليه أولا (الثانية) هل يكفي خارص واحد أم لابد من اثنين فيه طريقان
(أظهرهما) ان المسألة على قولين (أحدهما) انه لابد من اثنين لان الخرص تقدير للمال فأشبه التقويم
(وأصحهما) وبه قال احمد أنه يكفي واحد لأنه يجتهد ويعمل على حسب اجتهاده فهو كالحاكم وقد
586

روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (بعث عبد الله بن رواحة خارصا) (1) وروى (انه بعث معه غيره) (2)
فيجوز أن يكون ذلك في دفعتين ويجوز أن يكون المبعوث معه معينا أو كاتبا وحكى القاضي ابن كج وغيره
قولا ثالثا هو انه إن كان الخرص على صبي أو مجنون أو غائب فلابد من اثين والا كفى واحدا (والطريق
الثاني) وبه قال ابن سريج والاصطخري القطع بأنه يكفي خارص واحد وسواء اكتفينا بواحد واعتبرنا
اثنين فلابد من أن يكون الخارص مسلما عدلا عالما بالخرص: وهل تعتبر الذكورة والحرية (قال) في العدة
ان اكتفينا بواحد فيعتبر ان وان قلنا لابد من اثنين جاز أن يكون أحدهما عبدا أو امرأة وعن
الشاشي حكاية وجهين في اعتبار الذكورة مطلقا ولك أن تقول ان اكتفينا بواحد فسبيله
سبيل الحكم فينبغي ان تعتبر الحرية والذكورة وإن اعتبرنا اثنين فسبيله سبيل الشهادان
فينبغي أن تعتبر الحرية أيضا وأن تعتبر الذكورة في أحدهما وتقام امرأتان مقام الثاني وأما
لفظ الكتاب (فقوله) ويستحب أن يخرص عليه يجوز أن يعلم بالحاء لان أبي حنيفة رحمه الله
في الخرص روايتين (إحداهما) أنه لا يجوز أصلا (والثانية) أنه لا يتعلق به التضمين كما هو أحد قولينا
ويجوز اعلامه بالواو أيضا لان صاحب البيان حكي وجها أن الخرص واجب (وقوله) فيعرف ما يرجع
إليه تمرا تمثيل لا تخصيص فان الكرم أيضا يخرص فيعرف ما يرجع إليه زبيبا (وقوله) ولا يترك بعضه لمالك
النخيل معلم بالواو لما رواه صاحب التقريب وبالألف لان عند أحمد لا يحسب عليه ما يأكله بالمعروف
ولا يطعم جاره وصديقه و (وقوله) قبله ويدخل في الخرص جميع النخل لو اقتصر عليه ولم يذكر ولا يترك
بعضه لمالك النخل لكان بسبيل منه (وقوله) أو لا بد من اثنين يجوز اعلامه بالألف لما سبق (وقوله) قولان
بالواو للطريقة القاطعة بالاكتفاء بواحد
587

قال (ومهما تلف بآفة سماوية فلا ضمان على المالك لفوات الامكان ولو كان باتلافه غرم قيمة
عشر الرطب على قولنا ان الخرص عبرة أو قيمة عشر التمر على قولنا أنه تضمين ثم إذا ضمناه
التمر نفذ تصرفه في الجميع وان لم نضمنه نفذ في الأعشار التسعة ولم ينفذ في الشعر إلا إذا قلنا
الزكاة لا تتعلق بالعين) *
حكى الأئمة قولين في أن الخرص عبرة أو تضمين (أحدهما) انه عبرة أي هو لاعتبار المقدار
ولا يصير حق المساكين بجريانه في ذمة رب المنال بل يبقى على ما كان لأنه ظن وتخمين فلا
يؤثر في نقل الحق إلى الذمة (وأصحهما) أنه تضمين أي حق المساكين ينقطع به عن عين الثمرة
وينتقل إلى ذمة رب المال لان الخرص يسلطه على التصرف في الجميع على ما سيأتي وذلك يدل على
انقطاع حقهم عنها ولم أر نقل الخلاف في هذا الأصل هكذا إلا لأصحاب القفال ومن تابعهم وان
تعرضوا لآثاره وجعله القاضي ابن كج على وجهين لابن سريج وذكر أن أبا الحسين قال بالثاني
وإن قلنا الخرص عبرة فلو ضمن الخارص المالك حق المساكين صريحا وقبله المالك كان لغوا ويبقي
حقهم على ما كان وقد فسر الامام قولنا انه عبرة بأنه يفيد الاطلاع على المقدار ظنا وحسبانا ولا يغير
حكما وذكر صاحب الكتاب مثله في الوسيط وليس الامر فيه على هذا الاطلاق لأنه يفيد
جواز التصرف على ما سيأتي ولو أتلف رب المال الثمار أخذت الزكاة منه بحساب ما خرص عليه
ولولا الخرص لكان القول قوله في ذلك وان قلنا إنه تضمين فهل يقول نفس الخرص تضمين
أو لابد من تصريح الخارص بذلك نقل الامام فيه وجهين (وقال) والذي أراه انه يكفي تضمين
الخارص ان اعتبرناه ولا حاجة إلى قبول المخروص عليه وما عليه الاعتماد وأورده المعظم أنه لا بد
من التصريح بالتضمين وقبول المخروص عليه فإن لم يضمنه الخارص أو لم يقبله المخروص عليه بقي
حق المساكين على ما كان: وهل يقوم وقت الخرص مقام الخرص ذكروا فيه وجهين أيضا
وجه (قولنا) نعم أن العشر لا يجب الا تمرا والخرص يظهر المقدار لا أنه يلزم بنفسه شيئا وينبغي
أن يرتب هذا على المسألة الأولى ان قلنا لا بد من التصريح بالتضمين لم يقم على وقت الخرص مقامه
بحال وأن أغنينا عنه فحينئذ فيه الخلاف (وقوله) في الكتاب على قولنا أنه تضمين يجوز أن يعلم بالحاء
588

لما ذكرنا من الرواية الثانية عن أبي حنيفة رحمه الله في الفصل قبل هذا: إذا تقرر هذا الأصل ففيه
ثلاث مسائل (إحداها) لو أصابت الثمار آفة سماوية أو سرقة إما من الشجرة أو من الجرين قبل الجفاف
نظر إن أصابت الكل فلا شئ عليه لفوات الامكان وهذه الحالة هي المرادة في الكتاب ولا
يخفى ان الفرض فما إذا لم يكن منه تقصير (فأما إذا أمكن الدفع فاخر أو ضعها في غير الحرز ضمن (قال)
الامام وكان يجوز أن يقال تفريعا على أن الخرص تضمين ان الضمان يلزم بكل حال ويلزم بالخرص
ذمته التمر الزام قرار لكن قطع الأصحاب بخلافه وان تلف بعض الثمار دون بعض فإن كان الباقي
نصابا زكاه وإن كان أقل من نصاب فيبني على أن الامكان شرط الوجوب أو الضمان ان قلنا
بالأول فلا شئ عليه وان قلنا بالثاني فعليه حصة الباقي. (الثانية) لو أتلف المالك الثمرة أو اكلها
نظر إن كان قبل بدو الصلاح فلا زكاة عليه لكنه مكروهان قصد الفرار من الزكاة وان قصد
الاكل أو التخفيف عن الشجرة أو غرضا آخر فلا كراهة وإن كان بعد بدو الصلاح ضمن للمساكين
ثم له حالتان (إحداهما) وهي المقصودة في الكتاب أن يكون ذلك بعد الخرص فان قلنا الخرص عبرة
فيضمن لهم قيمة عشر الرطب أو عشر الطرب فيه (وجهان) مبنيان على أن الطرب مثلي أو متقوم والذي أجاب
به الأكثرون ايجاب القيمة وهو المذكور في الكتاب لكن الثاني هو المطابق لقوله في الغصب
والأظهر ان الرطب والعنب مثلي وبه أجاب في الوسيط وان قلنا الخرص تضمين غرم للمساكين
عشر الثمر فان ذلك قد ثبت في ذمة بالخرص على التفصيل الذي سبق إذا عرفت ذلك فسم قوله
غرم قيمة عشر الرطب بالواو واعلم أن الصواب في عبارة الكتاب على القول الثاني أو عشر التمر
على قولنا انه تضمين وفي أكثر النسخ أو قيمة عشر التمر وهو غلط (والحالة الثانية) وأن يكون الاكل
والاتلاف قبل الخرص فيتقرر عليه الواجب عليه ضمان الرطب ان قلنا لو جرى الخرص كان عبرة
وان قلنا لو جرى لكان تضمينا فوجهان حكاهما الصيدلاني (أصحهما) ان الواجب عليه ضمان الرطب
أيضا لان قبل الخرص لا يصير التمر في ذمته (والثاني) عليه عشر التمر لان الزكاة قد وجبت ببدو الصلاح
وإذا أتلف فهو الذي منع الخرص فصار كما لو أتلفه بعد الخرص (وحكى) القاضي بن كج وجها آخر عن أبي
إسحاق وابن أبي هريرة في هذه الحالة أنه تضمن أكثر الامرين من عشر التمر أو قيمة عشر
الرطب: واعلم أن الحالتين جميعا مفروضتان في الرطب الذي يجئ منه التمر والعنب الذي يجئ
589

منه الزبيب فأن لم يكن كذلك فالواجب في الحالتين ضمان الرطب بلا خلاف: ولك ان تقول
ينبغي أن يكون الواجب في الرطب الذي يجئ منه التمر ضمان التمر مطلقا وان فرعنا على قول العبرة
لان الواجب عليه ببدو الصلاح التمر الا تراه قال في الكتاب (عند بدو الصلاح ينعقد سبب وجوب
اخراج التمر) فإذا وجب لهم التمر فلم يصرف إليهم الرطب أو قيمته غايته أن الواجب متعلق به
لكن اتلاف متعلق الحق لا يقتضي انقطاع الحق وانتقاله إلى غرامة المتعلق الا ترى انه لو ملك
خمسا من الإبل واتلفها بعد الحول يلزمه للمساكين شاة دون قيمة الإبل نعم لو قيل يضمن الرطب
ليكون مرهونا بالتمر الواجب إلى أن يخرجه كان ذلك مناسبا لقولنا ان الزكاة تتعلق بالمال
تعلق الدين بالرهن (المسألة الثالثة) في تصرف المالك فيما خرص عليه بالبيع والاكل وغيرهما وهو
مبنى على قولي التضمين والعبرة فان قلنا بالتضمين فله التصرف في الكل بيعا وأكلا وقد روى
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في آخر خبر عتاب (ثم يخلي بينه وبين أهله) (1) وكان من مقاصد الخرص
وفوائده التمكين من التصرف شرع ذلك لما في الحجر على أصحاب الثمار إلى وقت الجفاف من الحرج
العظيم وان قلنا بالعبرة فقد ذكر الأئمة ان تصرفه في قدر الزكاة مبنى على الخلاف في تعلق الزكاة
بالعين أو بالذمة كما سبق واما فيما عدا قدر الزكاة فينفذ: حكى الامام قطع الأصحاب به ووجهه بان
أرباب الثمار يتحملون مؤنة تربيتها إلى الجفاف فجعل تمكينهم من التصرف في الأعشار التسعة في
مقابلة ذلك بخلاف المواشي حيث ذكرنا في التصرف فيما وراء قدر الزكاة منها خلافا وان بقي قدر
الزكاة وحجة الاسلام تابعه على دعوى القطع في الوسيط لكنك إذا راجعت كتب أصحابنا
العراقيين ألفيتهم يقولون لا يجوز البيع ولا سائر التصرفات في شئ من الثمار في ذمته بالخرص فان
أرادوا بذلك نفي الإباحة ولم يحكموا بالفساد فذلك والا فدعوى القطع غير مسلمة والله أعلم: وكيف
ما كان فظاهر المذهب نفوذ التصرف في الأعشار التسع سواء أفردت بالتصرف أو وردت بالتصرف
على الكل لأنا وان حكمنا بالفساد في قدر العشر فلا نعديه إلى الباقي على ما سيأتي في باب تفريق الصفقة
فهذا حكم التصرف بعد الخرص وأما قبله فقد قال في التهذيب لا يجوز ان يأكل شيئا ولا ان يتصرف
في شئ فإن لم يبعث الحاكم خارصا أو لم يكن حاكم تحاكم إلى عدلين يخرصان عليه: واعلم أن من أجاد
النظر في قولي العبرة وتأمل ما قيل فيهما تفسيرا وتوجيها ظهر له انهما مبنيان على تعلق الزكاة بالعين
590

فأما إذا علقناها بالذمة فكيف نقول بالخرص ينقطع حقهم عن العين ويتعلق بالذمة وكان قبله كذلك
(وقوله) في الكتاب ولم ينفذ في العشر يجوز اعلامه بالواو لأنا وان علقنا الزكاة بالعين فقد ينفذ
التصرف على بعض الأقوال على ما بيناه من قبل
قال (ومهما ادعى المالك جائحة ممكنة صدق بيمينه ولو ادعي غلط الخارص صدق أيضا الا إذا
ادعي قدرا لا يمكن الغلط فيه أو ادعي كذبه قصدا) *
إذا ادعى المالك هلاك الثمار المخروصة عليه أو هلاك بعضها نظر إن أسنده إلى سبب يكذبه الحسن فيه كما لو قال هلك بحريق وقع في الجرين ونحن نعلم أنه لم يقع في الجرين حريق أصلا قال فلا يبالي بكلامه وان لم يكن
كذلك نظر ان أسنده إلى سبب خفى كالسرقة فلا يكلف بالبين عليه ويقبل قوله مع اليمين: وهل هي واجبة
أو مستحبة فيه وجهان قال في العدة وغيره (أصحهما الثاني) وان أسند إلى سبب ظاهر كالنهب والبرد والجراد
ونزول العسكر فان عرف وقوع هذا السبب وعموم أثره صدق ولا حاجة إلى اليمين فان اتهم في هلاك
ثماره بذلك السبب حلف وان لم يعرف وقوعه فوجهان (أظهرهما) الذي ذكره المعظم أنه يطالب بالبينة
عليه لامكانها ثم القول في حصول الهلاك بذلك السبب قوله مع اليمين (والثاني) عن الشيخ أبي محمد
ان القول قوله مع اليمين ولا يكلف البينة لأنه مؤتمن شرعا فيصدق في الممكن الذي يدعيه
كالمودع إذا ادعي الرد ورأيت في كلام الشيخ ان هذا إذا لم يكن ثقة فإذا كان ثقة فيغنى عن اليمين
أيضا وما في الكتاب جواب على الوجه الثاني فإنه جعل القول قوله مع اليمين ولم يشرط الا الامكان
فيجب اعلامه بالواو. وحيث قلنا يحلف ففي كون اليمين واجبة أو مستحبة ما سبق من الوجهين
هذا كله إذا أسند الهلاك إلى سبب بان اقتصر على دعوى الهلاك فالمفهوم من كلام الأصحاب قبوله
مع اليمين حملا على وجه يغنى عن البينة: وان ادعي المالك اجحافا في الخرص فان زعم أن الخارص
تعمد ذلك لم يلتفت إلى قوله كما لو ادعى الميل على الحكم والكذب على الشاهد لا يقبل الا ببينة وان
ادعي انه غلط فإن لم يبين المقدار لم يسمع أيضا ذكره في التهذيب وان بين فإن كان قدرا يحتمل
في مثله الغلط كخمسة أوسق في مائة قبل: فان اتهم حلف وحط وهذا إذا كان المدعين فوق ما يقع
أما لو ادعي بعد الكيل غلطا يسيرا في الخرص قدر ما يقع بين الكيلين
فهل يحظ: فيه وجهان (أحدهما) لا لاحتمال أن النقصان وقع في الكيل ولعله يفي إذا كيل
591

ثانيا وصار كما لو اشترى حنطة مكايلة وباعها مكايلة فانتقض بقدر ما يقع بين الكيلين لا يرجع
على الأول لأنه كما يجوز أن يكون ذلك لنقصان في الكيل الأول يجوز أن يكون لزيادة في الثاني (وأصحهما)
نعم لان الكيل يقين والخرص تخمين وظن فالا حالة عليه اولي وان ادعى نقصانا فاحشا لا يجوز
أهل النظر الغلط بمثله فلا يقبل قوله في حط ذلك القدر وهل يحط القدر المحتمل فيه وجهان (أحدهما)
لا لأنه ادعى محالا في للعادة فالظاهر كذبه (وأصحهما) نعم وبه قال القفال استنباطا مما إذا ادعت
ذات الأقراء انقضاء عدتها قبل زمان الامكان وكذبناها فأصرت على دعواها حتى جاء زمان
الامكان فانا نحكم بانقضاء عدتها عند أول زمان الامكان (وقوله) في الكتاب أو ادعى كذبه قصدا
معطوف على قوله الا إذا ادعى قدرا لا يمكن الغلط فيه وهو مستثنى من دعوى الغلط لكن استثناء
الكذب قصدا من الغلط لا يكاد ينتظم فليؤول والله أعلم
قال (ومهما أصاب النخيل عطش يضر بابقاء الثمار جاز للمالك قطعه لان في ابقاء النخيل منفعة
للمساكين ثم يسلم إلى المساكين عشر الرطب إذا قلنا إن القسمة افراز حق أو ثمنه إذا منعناه القسمة
وقيل يتخير إذ لا يبعد جواز القسمة بالحاجة كما لا يبعد اخذ البدل للحاجة فليس أحدهما اولي من
الآخر) *
إذا أصاب النخيل عطش ولو تركت الثمار عليها إلى وقت الجذاذ لا ضرت بها لامتصاصها
ماءها جاز قطع ما يندفع به الضرر من كلها أو بعضها لان ابقاء النخيل أنفع للمالك والمساكين من
ابقاء ثمرة العام الواحد وهل يستقل المالك بقطعها أو يحتاج إلى استئذان الأمان والساعي ذكر الصيد لأني
وصاحب التهذيب وطائفة أنه يستحب الاستئذان وقضيته جواز الاستقلال وذكر آخرون أنه ليس
له الاستقلال ولو قطع من غير استئذان عزر إن كان عالما ويجوز أن يكون هذا الخلاف مبنيا على الخلاف
في وجه تعلق الزكاة: إذا عرف ذلك فلو اعلم الساعي به قبل القطع وأراد المقاسمة بان يخرص الثمار
ويعين حق المساكين في نخلة أو نخلات بأعيانها فقد حكوا في جوازه قولين منصوصين وقالوا هما مبنيان
على أن القسمة إفراز حق أو بيع فان قلنا افراز فيجوز ثم للساعي أن يبيع نصيب المساكين من
المالك أو غيره وأن يفرق بينهم يفعل ما فيه الحظ لهم وان قلنا إنها بيع فلا يجوز وعلى هذا
الخلاف يخرج القسمة بعد قطعها فان جعلناها افرازا فيجوز وان جعلناها بيعا فقد ذكر الامام أن
592

قسمتها تخرج على بيع الطرب الذي لا يتتمر بمثله وفيه خلاف يذكر في البيع فان جاز جازت القسمة بالكيل
وان لم يجز ففيه وجهان (أحدهما) ان مقاسمته للساعي جائزة أيضا لأنها ليست بمعاوضة وإنما هي استيفاء
حق فلا يراعى فيه تعبدات الربا وأيضا فإنها وإن كانت بيعا فان الحاجة ماسة إلى تجويزها فتستثني
عن البياعات الصريحة ويحكى هذا الوجه عن أبي إسحاق وابن أبي هريرة (وأصحهما) عند القاضي
أبى الطيب وابن الصباغ والأكثرين انه غير جائزة لأنا نفرع على أن القسمة بيع وبيع الرطب بالرطب
لا يجوز وعلى هذا فالمفروض طريقان (أحدهما) أخذ قيمة العشر من الثمار المقطوعة وهي وإن كانت
بدلا لكن جوز بعضهم أخذها للحاجة على ما سبق نظيره فيما إذا وجب شقص من حيوان
(والثاني) أن يسلم عشرها مشاعا إلى الساعي لتعيين حق المساكين فيه وطريق تسليم المشاع
تسليم الكل فإذا جرى ذلك فللساعي أن يبيع نصيب المساكين من رب المال أو غيره أو يبيع مع
رب المال الجميع ويقتسما لثمن ولا خلاف في أن هذا الطريق جاء وهو متعين عند من لم يجوز القسمة واخذ
القيمة وخير بعض الأصحاب الساعي بين القسمة واخذ القيمة وقال كل منهما على خلاف القاعدة
الممهدة ولا بد من مخالفتها في أحدهما سبب الحاجة فيفعل ما فيه الحظ للمساكين: هذا بيان الخلاف
في المسألة وقد اختلفوا بحسبه في تفسير نصه في المختصر ويؤخذ منه ثمن عشرها أو عشرها مقطوعة
فمن جوز القسم وأخذ القيمة جميعا حمل اللفظ على ظاهر التخيير وقال أراد بالثمن القيمة ومن لم
يجوزهما فال هذا تعليق قول بناء على أن القسمة افراز أو بيع فان قلنا بالأول أخذ عشرها وان قلنا
بالثاني بيع الكل على ما قدمنا واقتسما الثمن أو باع نصيب المساكين من رقب المال بعد القبض
وأخذ الثمن (وقوله) في الكتاب أو ثمنه إذا منعنا القسمة أي إذا جعلناها بيعا فإنها حينئذ تمتنع في
الرطب وهو جواب على جواز أخذ القيمة فيجوز أن يعلم بالواو للوجه الذاهب إلى امتناعه وايراد
التهذيب يقتضي ترجيح ذلك الوجه وكان يجوز تأويل قوله أو ثمنه على تقدير البيع كما ذكروا في نص
الشافعي رضي الله عنه إلا أنه صرح بما ذكرنا في الوسيط: وأعلم أن ما ذكرنا من الخلاف والتفصيل
في إخراج الواجب يجرى بعينه في إخراج الواجب عن الرطب الذي لا يتتمر والعنب الذي لا يتزبب
593

وفى المسألتين مستدرك حسن لإمام الحرمين رحمه الله قال إنما يثور الاشكال على قولنا إن المسكين
شريك في النصاب بقدر الزكاة وحينئذ ينتظم التخريج على القولين في القسم فاما إذا لم نجعله
شريكا فليس تسليم جزء إلى الساعي قسمة حتى يأتي فيه قول القسمة بل هو توفية حق
على مستحق *
594