الكتاب: المجموع
المؤلف: محيى الدين النووي
الجزء: ٣
الوفاة: ٦٧٦
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

المجموع
شرح المهذب
للإمام أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي المتوفى س‍ 676 نة ه‍
الجزء الثالث
دار الفكر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
* قال المصنف رحمه الله *
* (كتاب الصلاة) *
* (الصلاة المكتوبة خمس لما روى طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال " جاء إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم رجل من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا
فإذا هو يسأل عن الاسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة قال
هل على غيرهن قال لا الا ان تطوع ") *
* (الشرح) * الصلاة في اللغة الدعاء وسميت الصلاة الشرعية صلاة لاشتمالها عليه هذا هو
الصحيح وبه قال الجمهور من أهل اللغة وغيرهم من أهل التحقيق وقيل في اشتقاقها ومعناه أقوال
كثيرة أكثرها فاسدة لا سيما قول من قال هي مشتقة من صليت العود على النار إذا قومته والصلاة
تقيم العبد على الطاعة وبطلان هذا الخطأ أظهر من أن نذكره لان لام الكلمة في الصلاة واو وفى
صليت ياء فكيف يصح الاشتقاق مع اختلاف الحروف الأصلية وأما حديث طلحة فرواه البخاري
ومسلم وهو بعض حديث طويل مشهور وقوله ثائر أي منتفش شعره وهو برفع الراء وقوله نسمع
ولا نفقه هو بالنون المفتوحة فيهما وروى بالياء المثناة من تحث مضمومة وكلاهما صحيح لكن النون
أصح وأشهر وقوله دوي هو بفتح الدال المهملة هذا هو المشهور وحكى صاحب المطالع ضمها
وهو شاذ ضعيف ومعناه بعده في الهواء وعلوه وقوله صلى الله عليه وسلم " الا ان تطوع " هو
بتشديد الطاء والواو على ادغام احدى التاءين في الطاء ويجوز تخفيف الطاء على الحذف وأما
2

طلحة الراوي فهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة رضي الله عنهم وهو أبو محمد طلحة بن عبيد الله
ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي يلتقي مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب ومناقبه كثيرة مشهورة سماه رسول الله صلى الله
عليه وسلم طلحة الخير وطلحة الجود قتل يوم الجمل لعشر خلون من جمادى الأول سنة ست
وثلاثين ودفن بالبصرة وحديثه هذا مشتمل على فوائد كثيرة جمعتها واضحة في أول شرح
صحيح البخاري ومختصرها ان فيه بطولة وجوب الصلوات الخمس كل يوم وليلة ووجوب الصيام
ووجوب الزكاة وانه لا يجب من الصلوات الا الخمس ولا من الصيام غير رمضان وان من حافظ
على الواجبات ولم يفعل شيئا من النوافل دخل الجنة وان الايمان والإسلام يطلق على الصلاة
والصيام وغيرهما من الطاعات وفيه أنه ليس في المال حق متأصل غير الزكاة وفيه جواز قول
رمضان من غير ذكر الشهر وجواز الحلف بالله تعالى من غير استحلاف وتقرير هذه الفوائد وما
يتعلق بها موضح هناك:
أما حكم المسألة فأجمعت الأمة على أن الصلوات الخمس فرض عين وأجمعوا
انه لا فرض عين سواهن واختلفوا في العيد هل هو فرض كفاية أم سنة وفى الوتر هل هو سنة
أم واجب مع اجماعهم انه ليس بفرض وأما صلاة الجنازة ففرض كفاية وأما ركعتا الطواف
فالأصح انهما سنة ومن قال بوجوبهما فإنما وجبتا عنده لعارض وهو الطواف لا بالأصالة فأشبهت
المنذورة وقد كان قيام الليل واجبا في أول الاسلام ثم نسخ في حق الأمة وهل نسخ في حق النبي
صلى الله عليه وسلم فيه وجهان لأصحابنا قال أكثرهم لم ينسخ والصحيح أنه نسخ ونقله الشيخ
أبو حامد عن نص الشافعي رحمه الله ويدل عليه حديث سعد ابن هشام عن عائشة وهو حديث
طويل قال فيه قلت " أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم " قالت " الست تقرأ القرآن
فذكرته " إلى أن قالت " فصار قيام الليل تطوعا بعد إن كان فريضة " رواه مسلم في صحيحه والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
* (ولا يجب ذلك الا على مسلم بالغ عاقل طاهر فأما الكافر فإن كان أصليا لم يجب عليه وإذا
3

أسلم لا يخاطب بقضائها لقوله تعالي (قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) ولان في
ايجاب ذلك عليهم تنفيرا فعفى عنه وإن كان مرتدا وجبت عليه وإذا أسلم لزمه قضاؤها لأنه اعتقد
وجوبها وقدر على التسبب إلى أدائها فهو كالمحدث) *
* (الشرح) * أما الكافر المرتد فيلزمه الصلاة في الحال وإذا أسلم لزمه قضاء ما فات في لردة
لما ذكره المصنف هذا مذهبا لا خلاف فيه عندنا وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في رواية عنه
وداود لا يلزم المرتد إذا أسلم قضاء ما فات في الردة ولا في الاسلام قبلها وجعلوه كالكافر الأصلي
يسقط عنه بالاسلام ما قد سلف والله أعلم: وأما الكافر الأصلي فاتفق أصحابنا في كتب الفروع
على أنه لا يجب عليه الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها من فروع الاسلام وأما في كتب
الأصول فقال جمهورهم هو مخاطب بالفروع كما هو مخاطب بأصل الايمان وقيل لا يخاطب بالفروع
وقيل يخاطب بالمنهي عنه كتحريم الزنا والسرقة والخمر والربا وأشباهها دون المأمور به كالصلاة
والصحيح الأول وليس هو مخالفا لقولهم في الفروع لان المراد هنا غير المراد هناك فمرادهم في
كتب الفروع انهم لا يطالبون بها في الدنيا مع كفرهم وإذا أسلم أحدهم لم يلزمه قضاء الماضي ولم
يتعرضوا لعقوبة الآخرة ومرادهم في كتب الأصول انهم يعذبون عليها في الآخرة زيادة على عذاب
الكفر فيعذبون عليها وعلى الكفر جميعا لا على الكفر وحده ولم يتعرضوا للمطالبة في الدنيا
فذكروا في الأصول حكم أحد الطرفين وفى الفروع حكم الطرف الآخر والله أعلم *
(فرع) لا يصح من كافر أصلي ولا مرتد صلاة ولو صلي في كفره ثم أسلم لم نتبين صحتها بل
هي باطلة بلا خلاف أما إذا فعل الكافر الأصلي قربة لا يشترط النية لصحتها كالصدقة والضيافة
وصلة الرحم والاعتاق والقرض والعارية والمنحة وأشباه ذلك فان مات على كفره فلا ثواب له
عليها في الآخرة لكن يطعم بها في الدنيا ويوسع في رزقه وعيشه وان أسلم فالصواب المختار أنه
يثاب عليها في الآخرة للحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا أسلم العبد
فحسن اسلامه كتب الله له بكل حسنة كان زلفها " أي قدمها ومعنى حسن اسلامه أي أسلم اسلاما
محققا لا نفاق فيه وفى الصحيحين عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال قلت " يا رسول الله أرأيت
4

أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو اعتاق أو صلة رحم أفيها أجر " فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " أسلمت على ما أسلفت من خير " وفى رواية في الصحيح " أسلمت على ما أسلفت
لك من الخير " قوله أتحنث أي أتعبد فهذان حديثان صحيحان لا يمنعهما عقل ولم يرد الشرع بخلافهما
فوجب العمل بهما وقد نقل الاجماع على ما ذكرته من اثبات ثوابه إذا أسلم وقد أوضحت المسألة
بدلائلها وما يتعلق بها مبسوطا في أول شرحي صحيح البخاري ومسلم وأما قول أصحابنا وغيرهم لا يصح
من كافر عبادة ولو أسلم لم يعتد بها فمرادهم لا يعتد بها في أحكام الدنيا وليس فيه تعرض لثواب الآخرة فان
أطلق مطلق انه لا يثاب عليها في الآخرة وصرح بذلك فهو مجازف غالط مخالف للسنة الصحيحة التي لا معارض
لها وقد قال الشافعي والأصحاب وغيرهم من العلماء إذا لزم الكافر كفارة ظهار أو قتل أو غيرهما
فكفر في حال كفره أجزأه وإذا أسلم لا يلزمه اعادتها والله أعلم *
(فرع) إذا صلى المسلم ثم ارتد ثم أسلم ووقت تلك الصلاة باق لم يجب اعادتها وقال أبو حنيفة
ومالك وأحمد في رواية عنه يجب والمسألة مبنية على أصل سبق وهو ان عندنا لا تبطل الاعمال
بالردة إلا أن يتصل بالموت وعندهم يبطل بنفس الارتداد احتجوا بقول الله تعالى (ومن يكفر
بالايمان فقد حبط عمله) واحتج أصحابنا بقول الله تعالى (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو
كافر فأولئك حبطت أعمالهم) فعلق الحبوط بشرطين الردة والموت عليها والمعلق بشرطين
لا يثبت بأحدهما والآية التي احتجوا بها مطلقة وهذه مقيدة فيحمل المطلق على المقيد قال الشافعي
والأصحاب يلزم المرتد إذا أسلم ان يقضى كل ما فاته في الردة أو قبلها وهو مخاطب في حال الردة
بجميع ما يخاطب به المسلم وإذا أسلم لا يلزمه إعادة ما كان فعله قبل الردة من حج وصلاة
وغيرهما والله أعلم *
(فرع) إذا أسلم في دار الحرب ولم يهاجر وجبت عليه الصلاة كما لو هاجر فان تركها لزمه
القضاء سواء علم وجوبها أم جهله وهذا مذهبنا وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يلزمه وما لم يعلم وجوبها
دليلنا عموم النصوص والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
5

* (وأما الصبي فلا يجب عليه لقوله صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ وعن
النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق " ولا يجب عليه القضاء إذا بلغ لان زمن الصغر يطول فلو أوجبنا
القضاء شق فعفى عنه) *
* (الشرح) * هذا الحديث صحيح رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم علي وعائشة رضي الله عنهما رواه
أبو داود النسائي في كتاب الحدود من سننهما من رواية علي باسناد صحيح وروياه هما وابن ماجة في
كتاب الطلاق من رواية عائشة وقد كرره المصنف في مواضع كثيرة من المهذب وقل أن يذكر
رواية وقد ذكره في كتاب السير من رواية علي رضي الله عنه واما المسألتان اللتان ذكرهما وهما ان
الصلاة لا تجب على صبي ولا صبية ولا يلزمهما قضاؤها بعد البلوغ فمتفق عليهما لما ذكره ويقال زمن وزمان
لغتان مشهورتان واتفقوا على أن الصبي لا تكليف عليه ولا يأثم بفعل شئ ولا بترك شئ لكن يجب
على وليه أداء الزكاة ونفقة القريب من ماله وكذا غرامة اتلافه ونحوها والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
* (واما من زال عقله بجنون أو اغماء أو مرض فلا يجب عليه لقوله صلى الله عليه وسلم " رفع القلم
عن ثلاثة " فنص على المجنون وقسنا عليه كل من زال عقله بسبب مباح وان زال عقله بمحرم كمن
شرب المسكر أو تناول دواء من غير حاجة فزال عقله وجب عليه القضاء إذا أفاق لأنه زال عقله بمحرم
فلم يسقط عنه الغرض) * *
* (الشرح) * من زال عقله بسبب غير محرم كمن جن أو أغمي عليه أو زال عقله بمرض أو بشرب
دواء لحاجة أو أكره على شرب مسكر فزال عقله فلا صلاة عليه وإذا أفاق فلا قضاء عليه بلا خلاف
للحديث سواء قل زمن الجنون والاغماء أم كثر هذا مذهبنا وقال أبو حنيفة رحمه الله إن كان الاغماء
دون يوم وليلة لزمه قضاء ما فات فيه وإن كان أكثر فلا ونقل ابن حزم عن عمار بن ياسر وعطاء
ومجاهد وإبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان وقتادة أن المغمى عليه يقضى دليلنا القياس على المجنون
وعلى ما فوق يوم وليلة اما إذا زال عقله بمحرم بان شرب المسكر عمدا عالما به مختارا أو شرب دواء
لغير حاجة وهو مما يزول به العقل فزال عقله لم تصح صلاته في ذلك الحال فإذا عاد عقله لزمه القضاء
6

قال الشافعي رحمه الله في الأم أقل السكر أن يذهب عنه لغلبته بعض ما لم يكن يذهب وقال الشافعي
في موضع آخر " السكران من اختل كلامه المنظوم باح بسره المكتوم " وقال أصحابنا هو أن تختل
أحواله فلا تنتظم أفعاله وأقواله وإن كان له بقية تمييز وفهم كلام فاما من حصل له بشرب الخمر نشاط
وهزة لدبيب الخمر ولكن لم يستول عليه بعد ولم يختل شئ من عقله فهو في حكم الصاحي فتصح صلاته
في هذه الحال وجميع تصرفاته بلا خلاف ولا ينتقض وضوؤه وقد سبق هذا في باب ما ينقض الوضوء
وسنعيده ايضاحا في كتاب الطلاق وحيث بسطه المصنف والأصحاب إن شاء الله تعالى
(فرع) قد ذكرنا أن الجنون والاغماء وما في معناهما مما يزيل العقل بغير معصية يمنع وجوب
الصلاة ولا إعادة سواء كثر زمن الجنون والاغماء ونحوهما أم قل حتى لو كان لحظة أسقط فرض
الصلاة ويتصور اسقاط الفرض بجنون لحظة واغماء لحظة فيما إذا بلغ مجنونا وقد بقي من وقت الصلاة
لحظة ثم زال الجنون عقب خروج الوقت وحكي أصحابنا عن أبي حنيفة أنه قال يلزم المغمى عليه
بعد الإفاقة قضاء يوم وليلة ولا يلزمه ما زاد وقال احمد يلزمه الجميع وان كثر وروى هذا عن
طاووس وعطاء ومجاهد وروى مثل مذهبنا عن مالك واحمد والله أعلم *
(فرع) قال أصحابنا يجوز شرب الدواء المزيل للعقل للحاجة كما أشار إليه المصنف بقوله شرب
دواء من غير حاجة وإذا زال عقله والحالة هذه لم يلزمه قضاء الصلوات بعد الإفاقة لأنه زال بسبب
غير محرم ولو احتيج في قطع يده المتأكلة إلى تعاطي ما يزيل عقله فوجهان أصحهما جوازه وسنوضح
هذه المسألة إن شاء الله تعالى بفروعها في باب حد الخمر اما إذا أراد تناول دواء فيه سم قال الشيخ
أبو حامد في التعليق وصاحب البيان قال الشافعي رحمه الله في كتاب الصلاة ان غلب على ظنه انه
يسلم منه جاز تناوله وان غلب على ظنه انه لا يسلم منه لم يجز وذكر في كتاب الأطعمة ان في تناوله
7

إذا كان الغالب منه السلامة قولين قال الشيخ أبو حامد والبندنيجي فان حرمناه وزال عقله بتناوله
وجب القضاء وإن لم نحرمه فلا قضاء *
(فرع) قال أصحابنا رحمهم الله إذا لم يعلم كون الشراب مسكرا أو كون الدواء مزيلا للعقل
لم يحرم تناوله ولا قضاء عليه كالاغماء فان علم أن جنسه مسكر وظن أن ذلك القدر لا يسكر وجب
القضاء لتقصيره وتعاطيه الحرام وأما ما يزيل العقل من غير الأشربة والأدوية كالبنج وهذه
الحشيشة المعروفة فحكمه حكم الخمر في التحريم ووجوب قضاء الصلوات ويجب فيه التعزير دون
الحد والله أعلم *
(فرع) لو وثب من موضع فزال عقله ان فعله لحاجة فلا قضاء وان فعله عبثا لزمه القضاء هكذا
نص عليه الشافعي ونقله الشيخ أبو حامد عن النص واتفق الأصحاب عليه ولو وثب لغير حاجة
فانكسرت رجله فصلي قاعدا فلا قضاء على أصح الوجهين وستأتي المسألة مبسوطة في صفة الصلاة
مع نظائرها إن شاء الله تعالى * قال المصنف رحمه الله *
* (وأما الحائض والنفساء فلا يجب عليهما فعل الصلاة لما ذكرنا في باب الحيض وان جن
في حال الردة ففاته صلوات لزمه قضاؤها وان حاضت المرأة في حال الردة ففاتها صلوات لم يلزمها
قضاؤها لان سقوط الصلاة عن المجنون للتخفيف والمرتد لا يستحق التخفيف وسقوط القضاء عن
الحائض عزيمة وليس لأجل التخفيف والمرتد من أهل العزائم) * *
* (الشرح) * أما الحائض والنفساء فلا صلاة عليهما ولا قضاء بالاجماع وقد سبق ايضاحه في
كتاب الحيض مع ما يتعلق به وأما قوله إن الصلاة الفائتة في حال جنون المرتد يجب قضاؤها
إذا أسلم بعد الإفاقة والفائتة في حال ردة الحائض والنفساء لا يجب قضاؤها فمتفق عليه وقوله لان
8

سقوط القضاء للتخفيف وسقوطه عنها عزيمة هكذا قاله أصحابنا وهو ظاهر وذكر الشيخ أبو
عمرو بن الصلاح رحمه الله ان الغزالي رحمه الله قال في درسه الفرق بينهما عسر وأورد عليه وجوب
قضاء الصوم عليها قال الشيخ ونحن نقرر الفرق فنقول: العزيمة الحكم الثابت على وفق الدليل
والرخصة الحكم الثابت على خلاف الدليل والمعارض راجح وإنما كان سقوط قضاء الصلاة عن
الحائض عزيمة لأنها مكلفة بترك الصلاة فإذا تركتها فقد امتثلت ما أمرت به من الترك فلم تكلف
مع ذلك بالقضاء ولا نقول الفرق بين الصوم والصلاة كثرتها وندوره فيكون اسقاط قضائها
تخفيفا ورخصة بل سبب اسقاط قضائها ما ذكرناه وهذا يقتضى اسقاط قضاء الصوم أيضا لكن
للشرع زيادة اعتناء بصوم رمضان فأوجب قضاءه بأمر محدود في وقت ثان وتسميته قضاء مجاز
وهو في الحقيقة فرض مبتدأ فمخالفة الدليل ان حصلت فهي في وجوب قضاء الصوم لا في عدم
قضاء الصلاة فثبت ان عدم قضاء الصلاة ليس رخصة وان المرتدة ساوت المسلمة في مستنده فتساويا
في الحكم فيه وأما كون سقوط القضاء عن المجنون رخصة فلان الدليل يقتضي ان من فاته صلاة
في وقتها من غير أن يكون مكلفا بتركها في وقتها يؤمر بقضائها في وقت آخر لئلا يخلو من وظيفتها
ولهذا وجب قضاؤها على النائم وإنما سقط ذلك عن المجنون رخصة وتخفيفا والمرتد ليس أهلا
لذلك فلزمه القضاء هذا آخر كلام الشيخ أبى عمرو: وأما قول المصنف لأجل التخفيف فهو مما أنكر
على الفقهاء من الألفاظ وقيل إن صوابه من أجل قال الله تعالى (من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل)
وهذا هو المعروف في استعمال العرب وكتب اللغة وفيه لغتان فتح الهمزة وكسرها حكاهما الجوهري
وغيره الفتح أفصح وأشهر وبه جاء القرآن *
(فرع) لو سكر ثم جن ثم أفاق وجب قضاء المدة التي قبل الجنون وفى مدة الجنون وجهان
مشهوران الأصح لا يجب صححه المتولي وآخرون وقطع به البغوي وغيره لأنه ليس سكران
في مدة الجنون بخلاف الردة فإنها إذا تعقبها الجنون كان مرتدا في مدة الجنون قال المتولي فإذا لم
9

يعرف وقت الجنون وجب قضاء الصلوات التي يمتد إليها السكر غالبا ولو سكرت ثم حاضت لم
تقض أيام الحيض كما لو ارتدت ثم حاضت ولو شربت دواء للحيض فحاضت لم يلزمها القضاء
وكذا لو شربت دواء لتلقي الجنين فألقته ونفست لم يلزمها قضاء صلوات مدة النفاس على الصحيح
من الوجهين لان سقوط القضاء من الحائض والنفساء عزيمة كما سبق وفي النفاس وجه مشهور
وإن كان ضعيفا حكاه صاحبا التتمة والتهذيب قال الرافعي فالحاصل أن من لم يؤمر بالترك
لا يستحيل أن يؤمر بالقضاء فإذا لم يؤمر كان تخفيفا ومن أمر بالترك فامتثل الامر لا يؤمر
بالقضاء الا الحائض والنفساء في الصوم فإنهما يؤمران بتركه وبقضائه وهو خارج عن القياس للنص والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
* (ولا يؤمر أحد ممن لا يجب عليه فعل الصلاة بفعلها الا الصبي فإنه يؤمر بفعلها لسبع سنين
ويضرب على تركها لعشر لما روى سبرة الجهني رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" علموا الصبي الصلاة لسبع سنين واضربوه عليها ابن عشر ") * *
* (الشرح) * حديث سبرة صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحة قال
الترمذي هو حديث حسن ولفظ أبي داود " مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين وإذا بلغ
عشر سنين فاضربوه عليها " ولفظ الترمذي كلفظ المصنف وسبرة بفتح السين المهملة واسكان
الباء الموحدة وهو سبرة بن معبد قال الترمذي وغيره ويقال سبرة بن عوسجة الجهني أبو ثربة
بضم الثاء المثلثة وفتح الراء وقيل كنيته أبو الربيع حكاه الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي
المعروف بابن عساكر رحمه الله وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " مروا أولادكم بالصلاة وهو أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا
بينهم في المضاجع " رواه أبو داود باسناد حسن والاستدلال به واضح لأنه يتناول بمنطوقه الصبي
10

والصبية في الامر بالصلاة والضرب عليها وفيه زيادة أخرى وهي التفريق في المضاجع واعلم أن قوله
صلى الله عليه وسلم " مروا أولادكم بالصلاة " ليس أمرا منه صلى الله عليه وسلم للصبي وإنما
هو أمر للولي فأوجب على الولي أن يأمر الصبي وهذه قاعدة معروفة في الأصول أن الامر بالأمر
بالشئ ليس امرا بالشئ ما لم يدل عليه دليل كقوله تعالي (خذ من أموالهم صدقة) أما حكم
المسألة فمن لا تلزمه الصلاة لا يؤمر بفعلها لا إيجابا ولا ندبا الا الصبي والصبية فيؤمر ان بها ندبا
إذا بلغا سبع سنين وهما مميزان ويضربان على تركها إذا بلغا عشر سنين فإن لم يكونا مميزين لم
يؤمرا لأنها لا تصح من غير مميز وقد اقتصر المصنف على الصبي ولو قال الصبي والصبية لكان أولي
وانه لا فرق بينهما بلا خلاف صرح به أصحابنا لحديث عمرو بن شعيب الذي ذكرناه وهذا
الامر والضرب واجب على الولي سواء كان أبا أو جدا أو وصيا أو قيما من جهة القاضي صرح
به أصحابنا منهم صاحبا الشامل والعدة وآخرون ذكره صاحب العدة في آخر باب موقف الإمام والمأموم
وهناك ذكره المزني عن الشافعي في المختصر ودليل هذه القاعدة قوله تعالي (وأمر أهلك
بالصلاة) وقوله تعالى (قو أنفسكم وأهليكم نارا) وقوله صلى الله عليه وسلم " وان لولدك عليك
حقا " رواه مسلم في صحيحه في كتاب الصيام من رواية ابن عمرو بن العاص وقوله صلى الله عليه
وسلم " كلكم راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته " رواه البخاري ومسلم
قال الشافي في المختصر " وعلى الاباء والأمهات أو يؤدبوا أولادهم ويعلموهم الطهارة والصلاة ويضربوهم
على ذلك إذا عقلوا " قال أصحابنا ويأمره الولي بحضور الصلوات في الجماعة وبالسواك وسائر الوظائف
الدينية ويعرفه تحريم الزنا واللواط والخمر والكذب والغيبة وشبهها قال الرافعي قال الأئمة يجب
على الآباء والأمهات تعليم أولادهم الطهارة والصلاة والشرائع بعد سبع سنين وضربهم على تركها
بعد عشر سنين وأجرة تعليم الفرائض في مال الصبي فإن لم يكن له مال فعلى الأب فإن لم يكن
فعلى الأم وهل يجوز أن يعطي أجرة تعليم ما سوى الفاتحة والفرائض من مال الصبي: فيه وجهان
أصحهما يجوز وقد سبق بيان هذا مع ما يتعلق به في مقدمة الكتاب في بيان أقسام العلم والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
11

* (فان دخل في الصلاة ثم بلغ في أثنائها قال الشافعي رحمه الله " أحببت أن يتم ويعيد ولا يبين لي أن
أن عليه الإعادة " قال أبو إسحاق يلزمه الاتمام ويستحب له أن يعيد وقوله أحببت يرجع إلى الجمع بين
الاتمام والإعادة وهو الظاهر من المنصوص والدليل عليه أن صلاته صحيحة وقد أدركه الوجوب وهو فيها فلزمه
الاتمام ولا يلزمه أن يعيد لأنه صلي الواجب بشروطه فلا يلزمه الإعادة وعلى هذا لو صلى في أول الوقت ثم بلغ
في آخره أجزأه ذلك عن الفرض لأنه صلى صلاة الوقت بشروطها فلا يلزمه الإعادة وحكي عن أبي العباس ابن
سريج مثل قول أبي إسحاق وحكى عنه أنه قال يستحب الاتمام وتجب الإعادة فعلى هذا لو صلي في أول الوقت
وبلغ في آخره لزمه أن يعيد لان ما صلي قبل البلوغ نفل فاستحب اتمامه فيلزمه أن يعيد لأنه أدرك وقت
الفرض ولم يأت به فيلزمه أن يأتي به ومن أصحابنا من قال أن خرج منها ثم بلغ ولم يبق من وقتها ما يمكن قضاؤها
فيه لم تلزمه الإعادة وان بقي من وقتها ما يمكنه القضاء فيه لزمه وهذا غير صحيح لأنه لو وجبت الإعادة إذا بقي
من الوقت قدر الصلاة لوجبت إذا أدرك مقدار ركعة) *
* (الشرح) * حاصل ما ذكره مسألتان إحداهما إذا بلغ في أثناء الصلاة بالسن فثلاثة أوجه الصحيح
الذي عليه الجمهور وهو ظاهر النص أن يلزمه اتمام الصلاة ويستحب اعادتها ولا يجب والثاني يستجب
الاتمام وتجب الإعادة والثالث قاله الإصطخري ولم يذكره المصنف ان بقي من الوقت ما يسع تلك الصلاة
وجبت الإعادة وإلا فلا (المسألة الثانية) صلى وفرغ منها وهو صبي ثم بلغ في الوقت فثلاثة أوجه الصحيح
تستحب الإعادة ولا تجب والثاني تجب سواء قل الباقي من الوقت أم كثر الثالث قاله الإصطخري
ان بقي من الوقت ما يسع تلك الصلاة بعد بلوغه وجبت الإعادة وإلا فلا وقد ذكر المصنف توجيه
الجميع هذا كله في غير الجمعة أما إذ صلى الظهر يوم الجمعة ثم بلغ وأمكنه ادراك الجمعة فان قلنا في سائر
الأيام تجب الإعادة وجبت الجمعة والا فوجهان مشهوران حكاهما المصنف في باب صلاة الجمعة أحدهما
وبه قال ابن الحداد يجب أيضا لأنه كان مأمورا بالجمعة والصحيح لا تجب كالمسافر والعبد إذا صليا الظهر
ثم زال عذرهما وأمكنهما لا يلزمهما بلا خلاف والله أعلم *
(فرع) مذهبنا المشهور المنصوص أن الصبي إذا بلغ في أثناء الوقت وقد صلى لا يلزمه الإعادة وقال
أبو حنيفة ومالك واحمد يلزمه إعادة الصلاة دون الطهارة وقال داود يلزمه إعادة الطهارة والصلاة واحتج
لأبي حنيفة بان صلاته وقعت نقلا فلا تنقلب فرضا وقياسا على المصلي قبل الوقت واحتج أصحابنا
بأنه أدى وظيفة يومه قال الشيخ أبو حامد وغيره وقولهم لا تنقلب فرضا نوافقهم عليه فنقول قد صلي
12

صلاة مثله ووقعت نفلا وامتنع به وجوب الفرض عليه لا انه انقلب فرضا والجواب عن المصلي قبل
الوقت أنه غير مأمور به ولا مندوب إليه ولا مأذون فيه بخلاف مسألتنا * قال المصنف رحمه الله *
* (ومن وجبت عليه الصلاة وامتنع من فعلها فإن كان جاحدا لوجوبها فهو كافر ويجب قتله بالردة
لأنه كذب الله تعالى في خبره وان تركها وهو معتقد لوجوبها وجب عليه القتل وقال المزني يضرب
ولا يقتل والدليل على أنه يقتل قوله صلى الله عليه وسلم " نهيت عن قتل المصلين " ولأنه احدى
دعائم الاسلام لا تدخله النيابة بنفس ولا مال فقتل بتركها كالشهادتين ومتى فيقتل فيه وجهان قال
أبو سعيد الإصطخري يقتل بترك الصلاة الرابعة إذا ضاق وقتها فيقال له ان صليت والا قتلناك لأنه
يجوز أن يكون ما دون ذلك تركها لعذر. قال أبو إسحاق يقتل بترك الصلاة الثانية إذا ضاق وقتها
ويقال له ان صليت والا قتلناك ويستتاب كما يستتاب المرتد لأنه ليس بأكثر من المرتد وفى استتابة
المرتد قولان أحدهما ثلاثة أيام والثاني يستتاب في الحال فان تاب والا قتل وكيف يقتل المنصوص
انه يقتل ضربا بالسيف وقال أبو العباس لا يقصد قتله لكن يضرب بالخشب وينخس بالسيف حتى
يصلي أو يموت كما يفعل بمن قصد النفس أو المال ولا يكفر بترك الصلاة لان الكفر بالاعتقاد واعتقاده
صحيح فلم يحكم بكفره ومن أصحابنا من قال يكفر بتركها لقوله صلى الله عليه وسلم " بين الكفر والعبد
ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر " والمذهب الأول والخبر متأول) * *
* (الشرح) * اما حديث " نهيت عن قتل المصلين " فرواه أبو داود في سننه في كتاب الأدب
في باب حكم المخنثين عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بمخنث قد خضب يديه ورجليه
بالحناء فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما بال هذا فقالوا يا رسول الله يتشبه بالنساء فامر به فنفى إلى
القنيع فقالوا يا رسول الله ألا تقتله فقال إني نهيت عن قتل المسلمين " واسناده ضعيف فيه مجهول
النقيع بالنون وهو الحمى المذكور في باب احياء الموات وروى هذا الحديث البيهقي من رواية
عبيد الله بن عدي بن الخبار عن عبد الله بن عدي الأنصاري الصحابي رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم بمعناه ورواه مرسلا عن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم واما حديث
" بين الكفر والعبد ترك الصلاة " فصحيح رواه مسلم من رواية جابر بمعناه كما سنذكره في فرع
مذاهب العلماء وأما قول المصنف " لأنه احدى دعائم الاسلام لا تدخله النيابة بنفس ولا مال فيقتل
بتركها كالشهادتين " فالضمير في قوله لأنه يعود إلى فرض الصلاة المعلوم من سياق الكلام وإن لم يذكره بلفظه
13

والدعائم القواعد واحدتها دعامة بكسر الدال وقوله لا تدخله النيابة بنفس ولا مال احتراز من الزكاة
والصوم والحج فإنه لا يقتل بترك واحد منها ولا بتركها كلها: أما حكم الفصل ففيه مسائل (إحداها) إذا
ترك الصلاة جاحدا لوجوبها أو جحد وجوبها ولم يترك فعلها في الصورة فهو كافر مرتد باجماع المسلمين ويجب
على الامام قتله بالردة إلا أن يسلم ويترتب عليه جميع أحكام المرتدين وسواء كان هذا الجاحد رجلا
أو امرأة هذا إذا كان قد نشأ بين المسلمين فاما من كان قريب العهد بالاسلام أو نشأ ببادية بعيدة من المسلمين
بحيث يجوز أن يخفى عليه وجوبها فلا يكفر بمجرد الجحد بل نعرفه وجوبها فان جحد بعد ذلك كان مرتدا
فان قيل كيف أهمل المصنف هذا القيد وهو كونه نشأ بين المسلمين مع أنه شرط بلا خلاف فالجواب
أن في لفظه ما يقتضي اشتراطه وهو قوله فإن كان جاحدا لان الجاحد عند أهل اللغة من
أنكر شيئا سبق اعترافه به هكذا صرح به صاحب المحمل وغيره وقد أوضحته
في تهذيب الأسماء *
(فرع) من جحد وجوب صوم رمضان والزكاة أو الحج أو نحوها من واجبات الاسلام أو جحد
تحريم الزنا أو الخمر ونحوهما من المحرمات المجمع عليها فإن كان مما اشتهر واشترك الخواص والعوام
في معرفته كالخمر والزنا فهو مرتد وإن كان مجمعا عليه لكن لا يعرفه الا الخواص كاستحقاق بنت
الابن السدس مع بنت الصلب وتحريم نكاح المعتدة وكاجماع أهل عصر على حكم حادثة لم يكفر
بجحده لأنه معذور بل نعرفه الصواب ليعتقده هذا هو الصحيح في المسألة وفيها زيادة سنوضحها
في كتاب الردة إن شاء الله تعالى (المسألة الثانية) من ترك الصلاة غير جاحد قسمان أحدهما تركها
لعذر كنوم ونسيان ونحوهما فعليه القضاء فقط ووقته موسع ولا اثم عليه الثاني تركها بلا عذر تكاسلا
وتهاونا فيأثم بلا شك ويجب قتله إذا أصر وهل يكفر فيه وجهان حكاهما المصنف وغيره أحدهما
يكفر قال العبدري وهو قول منصور الفقيه من أصحابنا وحكاه المصنف في كتابه في الخلاف عن
أبي الطيب بن سلمة من أصحابنا والثاني لا يكفر وهو الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور وقد
ذكر المصنف دليلهما وسنوضحه في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى وقال المزني يحبس ويؤدب
ولا يقتل وإذا قلنا يقتل فمتى يقتل فيه خمسة أوجه الصحيح يقتل بترك صلاة واحدة إذا ضاق
14

وقتها وهذا هو الذي اختاره المصنف في التنبيه ولم يذكره هنا والثاني يقتل إذا ضاق وقت
الثانية والثالث إذا ضاق وقت الرابعة والرابع إذا ترك أربع صلوات والخامس إذا ترك من
الصلوات قدرا يظهر لنا به اعتياده الترك وتهاونه بالصلاة والمذهب الأول وعلى هذا قال أصحابنا
الاعتبار باخراج الصلاة عن وقت الضرورة فإذا ترك الظهر لم يقتل حتى تغرب الشمس وإذا
ترك المغرب لم يقتل حتى يطلع الفجر قال الرافعي هكذا حكاه الصيدلاني وتابعه عليه الأئمة (المسألة
الثالثة) قال أصحابنا على الأوجه كلها لا يقتل حتى يستتاب وهل تكفى الاستتابة في الحال أم
يجب استتابته ثلاثة أيام فيه قولان قال صاحب العدة وغيره الأصح انه في الحال والقولان في
استحباب الاستتابة على الأصح وقيل في وجوبها (الرابعة) الصحيح المنصوص عليه في البويطي انه
يقتل بالسيف ضربا للرقبة كما يقتل المرتد وفيه وجه انه ينخس بحديدة أو يضرب بخشبة ويقال له
صل والا قتلناك ولا يزال يكرر عليه حتى يصلي أو يموت هذا قول ابن سريج كما حكاه
المصنف والأصحاب *
(فرع) إذا قتل فالصحيح أنه يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ويرفع قبره
كغيره وفيه خلاف سنذكره في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى *
(فرع) إذا أراد السلطان قتله فقال صليت في بيتي تركه لأنه أمين على صلاته صرح به صاحب
التهذيب وغيره ولو ترك الصلاة وقال تركتها ناسيا أو للبرد أو لعدم الماء أو لنجاسة كانت على
ونحو ذلك من الاعذار صحيحة كانت الاعذار أم باطلة قال صاحب التتمة يقال له صل فان امتنع
لم يقتل على المذهب لان القتل يستحق بسبب تعمد تأخيرها عن الوقت ولم يتحقق ذلك وفيه
وجه أنه يقتل لعناده ولو قال تعمدت تركها ولا أريد فعلها قتل بلا خلاف وان قال تعمدت تركها
بلا عذر ولم يقل ولا أصليها قتل أيضا على الصحيح لتحقق جنايته وفيه وجه أنه لا يقتل ما لم
يصرح بترك القضاء *
(فرع) لو امتنع من فعل الوضوء قتل على الصحيح لان الصلاة لا تصح إلا به وفيه وجه حكاه
الرافعي أنه لا يقتل *
(فرع) لو امتنع من صلاة الجمعة وقال أصليها ظهرا بلا عذر فقد جزم الغزالي في الفتاوى بأنه
لا يقتل لأنه لا يقتل بترك الصوم فالجمعة أولي لان لها بدلا وتسقط باعذار كثيرة وتابع الرافعي
15

الغزالي على هذا فحكاه عنه واقتصر عليه وجزم الشاشي في فتاويه بأنه يقتل بترك الجمعة وإن كان
يصليها ظهرا لأنه لا يتصور قضاؤها وليست الظهر قضاء عنها واختار الشيخ أبو عمرو بن الصلاح
ما قاله الشاسي وبسط القول في أدلته وقرره تقريرا حسنا في فتاويه *
(فرع) لو امتنع من فعل الصلاة المنذورة لم يقتل ذكره صاحب البيان وغيره *
(فرع) لو قتل انسان تارك الصلاة في مدة الاستتابة فقد ذكر صاحب البيان انه يأثم ولا
ضمان عليه كقاتل المرتد وكذا قال القفال في الفتاوى انه لا قصاص فيه قال الرافعي وليكن هذا
جوابا على الصحيح المنصوص في الزاني المحصن انه لا قصاص في قتله قال القفال فلو جن قبل
فعلها لم يقتل في حال الجنون فلو قتله انسان لزمه القصاص قال وكذا لو سكر: ولو جن المرتد
أو سكر فقتله رجل فلا قصاص لقيام الكفر *
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن ترك الصلاة تكا سلا مع اعتقاده وجوبها: فمذهبنا
المشهور ما سبق انه يقتل حدا ولا يكفر وبه قال مالك والأكثرون من السلف
والخلف وقالت طائفة يكفر ويجرى عليه أحكام المرتدين في كل شئ وهو مروي
عن علي بن أبي طالب وبه قال ابن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو أصح الروايتين
عن أحمد وبه قال منصور الفقيه من أصحابنا كما سبق وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وجماعة
من أهل الكوفة والمزني لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي واحتج لمن قال بكفره
بحديث جابر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ان بين الرجل وبين الشرك
والكفر ترك الصلاة " رواه مسلم بهذا اللفظ وهكذا الرواية " الشرك والكفر بالواو " قالوا وفى غير مسلم
" الشرك أو الكفر " وأما الزيادة التي ذكرها المصنف وهي قوله فمن تركها فقد كفر فليست في صحيح
مسلم وغيره من الأصول وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " العهد الذي
بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه الترمذي والنسائي: قال الترمذي حديث حسن صحيح
وعن شقيق بن عبد الله العقيلي التابعي المتفق على جلالته قال " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
لا يرون شيئا من الاعمال تركه كفر غير الصلاة " رواه الترمذي في كتاب الايمان باسناد صحيح
واحتجوا بالقياس على كلمة التوحيد واحتج لأبي حنيفة وموافقيه بحديث ابن مسعود رضي الله عنه
16

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل دم امرئ مسلم الا بإحدى ثلاث الثيب الزان والنفس
بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة " رواه البخاري ومسلم وهكذا الرواية " الزان " وهي لغة واللغة
الفاشية الزاني بالياء وبالقياس على ترك الصوم والزكاة والحج وسائر المعاصي واحتج أصحابنا على قتله
بقول الله تعالى (اقتلوا المشركين) إلى قوله تعالي (فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا
سبيلهم) وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أمرت أن أقاتل الناس
حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك
عصموا منى دماءهم وأموالهم " رواه البخاري ومسلم وبحديث " نهيت عن قتل المصلين " وبالقياس على
كلمة التوحيد واحتجوا على أنه لا يكفر لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول " خمس صلوات افترضهن الله من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن
وخشوعهن كان له على الله عهد ان يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهد ان شاء غفر له وان شاء
عذبه " حديث صحيح رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة وبالأحاديث الصحيحة العامة كقوله
صلى الله عليه وسلم " من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة " رواه مسلم وأشباهه كثيرة ولم يزل
المسلمون يورثون تارك الصلاة ويورثون عنه ولو كان كافرا لم يغفر له ولم يرث ولم يورث وأما الجواب
عما احتج به من كفره من حديث جابر وبريدة ورواية شقيق فهو ان كل ذلك محمول على أنه شارك
الكافر في بعض أحكامه وهو وجوب القتل وهذا التأويل متعين للجمع بين نصوص الشرع وقواعده
التي ذكرناها وأما قياسهم فمتروك بالنصوص التي ذكرناها والجواب عما احتج به أبو حنيفة
انه عام مخصوص بما ذكرناه وقياسهم لا يقبل مع النصوص فهذا مختصر ما يتعلق بالمسألة
والله أعلم بالصواب *
(فرع) في الإشارة إلى بعض ما جاء في فضل الصلوات الخمس: فمن ذلك ما ذكرناه في الفرع
قبله وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أرأيتم لو أن نهرا بباب
أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شئ قالوا لا يبقى من درنه شئ قال فذلك مثل
17

الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا " رواه البخاري ومسلم وعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " مثل الصلوات الخمس كمثل نهر غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس
مرات " رواه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الصلوات
الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم يغش الكبائر " رواه مسلم وعن أبي موسى أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " من صلى البردين دخل الجنة " رواه البخاري ومسلم: البردان الصبح والعصر
وستأتي جملة من الأحاديث في نحو هذا في أول باب صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى *
* قال المصنف رحمه الله *
* (باب مواقيت الصلاة) *
* (أول وقت الظهر إذا زالت الشمس وآخره إذا صار ظل كل شئ مثله غير الظل الذي يكون
للشخص عند الزوال والدليل عليه ما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" أمنى جبريل عليه السلام عند باب البيت مرتين فصلى بي الظهر في المرة الأولى حين زالت الشمس
والفئ مثل الشراك ثم صلى المرة الأخيرة حين كان ظل كل شئ مثليه ") *
* (الشرح) * حديث ابن عباس رضي الله عنهما أصل في المواقيت وقد ذكره المصنف مقطعا
والوجه أن نذكره هنا بكماله ونضم إليه الأحاديث التي هي أصول المواقيت: عن ابن عباس رضي الله عنهما
أن النبي صلى الله عليه وسلم " قال أمني جبريل عند البيت مرتين فصلي الظهر في المرة الأولي
حين كان الفئ مثل الشراك ثم صلي العصر حين كان كل شئ مثل ظليه ثم صلي المغرب حين وجبت
الشمس وأفطر الصائم ثم صلي العشاء حين غاب الشفق ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام
على الصائم وصلي المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شئ مثله لوقت العصر بالأمس ثم صلي العصر
حين كان ظل كل شئ مثليه ثم صلي المغرب لوقته الأول ثم صلي العشاء الآخرة حين ذهب ثلث
الليل ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض ثم التفت إلى جبريل فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء
قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين " رواه أبو داود والترمذي وغيرهما من أصحاب السنن والحاكم
أبو عبد الله في المستدرك وقال هو حديث صحيح وقال الترمذي حديث حسن وهذا المذكور
18

لفظ رواية الترمذي ولفظ الباقين بمعناه وروى حديث أمامة جبريل جماعة من الصحابة غير ابن
عباس وليس في هذا الكتب المشهورة قوله في المهذب " عند باب البيت " إنما فيها عند البيت ثم رواه
الترمذي من رواية جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال امني جبريل قال فذكر نحو حديث ابن عباس
بمعناه قال الترمذي حديث ابن عباس حسن قال وقال محمد يعنى البخاري أصح شئ في المواقيت حديث
جابر وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " ان رجلا سأله عن وقت الصلاة فقال صل
معنا هذين يعنى اليومين فلما زالت الشمس أمر بلالا رضي الله عنه فأذن ثم أمره فأقام الظهر ثم أمره فأقام
العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس ثم أمره فأقام العشاء حين
غاب الشفق ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر فلما إن كان اليوم الثاني أمره فابرد الظهر فابرد بها
فانعم ان يبرد بها وصلي العصر والشمس مرتفعة آخرها فوق الذي كان وصلي المغرب قبل أن يغيب الشفق
وصلي العشاء بعدما ذهب ثلث الليل وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال أين السائل عن وقت الصلاة فقال الرجل
انا يا رسول الله قال وقت صلاتكم بين ما رأيتم " رواه مسلم وفى رواية له قال في المغرب في اليوم الثاني ثم
أمره بالإقامة للمغرب قبل أن يرتفع الشفق وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم " انه اتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه شيئا قال فأقام الفجر حين انشق
الفجر والناس لا يكادون يعرف بعضهم بعضا ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس والقائل يقول
قد انتصف النهار وهو كان اعلم منهم ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة ثم أمره فأقام بالمغرب
حين وقعت الشمس ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ثم أخر الفجر من الغد حتى أنصرف منها
والقائل يقول قد طلعت الشمس أو كادت ثم أخر الظهر حتى كان قريبا من وقت العصر بالأمس
ثم أخر العصر حتى انصرف منها والقائل يقول قد احمرت الشمس ثم أخر المغرب حتى كان عند
19

سقوط الشفق ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول ثم أصبح فدعا السائل فقال " الوقت ما بين هذين "
رواه مسلم والأحاديث في الباب كثيرة سنذكرها في مواضعها من الكتاب إن شاء الله تعالى وقوله
صلى الله عليه وسلم " أمنى جبريل " هو الملك الكريم رسول الله تعالى إلى رسله الآدميين صلوات
الله وسلامه عليهم وفيه تسع لغات حكاها ابن الأنباري وحكاها عنه أيضا أبو منصور موهوب
ابن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي في كتاب المعرب وهي جبريل وجبريل بكسر الجيم وفتحها
وجبرئيل بفتح الجيم وهمزة بعد الراء وتشديد اللام وجبرائيل بهمزة ثم ياء مع الألف وجبراييل بياءين بعد الألف وجبرئيل بهمزة بعد الراء وياء وجبرئيل بكسر الهمزة تخفيف اللام وجبرين
وجبرين بكسر الجيم وفتحها قال جماعات من المفسرين وحكاه صاحب المحكم والجوهري وغيرهما
من أهل اللغة في جبريل وميكائيل أن جبر وميك اسمان أضيفا إلى ايل وال قالوا وآيل وال
اسمان لله تعالى قالوا ومعنى جبر وميك بالسريانية عبد فتقديره عبد الله قال أبو علي الفارسي هذا
خطأ من وجهين أحدهما ان ايل وال لا يعرفان في أسماء الله في اللغة والعربية: والثاني انه لو كان
كذلك لم ينصرف آخر الاسم في وجوه العربية ولكان آخره مجرورا ابدا كعبد الله قال الواحدي
هذا الذي قاله أبو علي أراد به انه ليس هذا في العربية قال وقد قال بالأول جماعة من العلماء
قلت الصواب قول أبي على فان ما ادعوه لا أصيل له والله أعلم: وأما لفظ الظهر فمشتق من الظهور
لأنها ظاهرة في وسط النهار: وقوله صلى الله عليه وسلم (والفئ مثل الشراك) هو بسكر الشين
وهو أحد سيور النعل التي تكون على وجهها وليس الشراك هنا للتحديد والاشتراط بل لان
الزوال لا يبين بأقل منه وأما الظل والفئ فقال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في أوائل أدب
الكاتب يتوهم الناس ان الظل والفئ بمعنى وليس كذلك بل الظل يكون غدوة وعشية ومن
أول النهار إلى آخره ومعنى الظل الستر ومنه قولهم " انا في ظلك " ومنه " ظل الجنة " وظل شجرها إنما
هو سترها ونواحيها وظل الليل سواده لأنه يستر كل شئ وظل الشمس ما سترته الشخوص من
مسقطها قال وأما الفئ فلا يكون الا بعد الزوال ولا يقال لما قبل الزوال فئ وإنما سمي بعد الزوال
فيأ لأنه ظل فاء من جانب إلى جانب أي رجع والفيئ الرجوع هذا كلام ابن قتيبة وهو كلام
20

نفيس وقد أوضحت هذه الألفاظ في تهذيب الأسماء واللغات وبالله التوفيق: أما أحكام المسألة
فأجمعت الأمة على أن أول وقت الظهر زوال الشمس نقل الاجماع فيه خلائق ودليله الأحاديث
السابقة والمراد بالزوال ما يظهر لنا لا الزوال في نفس الامر فان ذلك يتقدم على ما يظهر ولكن لا اعتبار
بذلك وإنما يتعلق التكليف ويدخل الوقت بالزوال الذي يظهر لنا فلو شرع في تكبيرة الاحرام
بالظهر قبل ظهور الزوال ثم ظهر عقبها أو في أثنائها لم تصح الظهر وإن كانت التكبيرة حاصلة بعد
الزوال في نفس الامر لكن قبل ظهوره لنا ذكره امام الحرمين وغيره قالوا واما قبل ظهور الظل فهو
معدود من وقت الاستواء قال وكذا الصبح ولو اجتهد فيها وطلع الفجر بحيث علم وقوعها
بعد طلوعه لكن في وقت لا يتصور أن يبين الفجر للناظر لم تصح الصبح والله أعلم *
واما آخر وقت الظهر فهو إذا صار ظل الشئ مثله غير الظل الذي يكون له عند الزوال وإذا
خرج هذا دخل وقت العصر متصلا به ولا اشتراك بينهما هذا مذهبنا وبه قال الأوزاعي والثوري
والليث وأبو يوسف ومحمد واحمد وقال عطاء وطاوس إذا صار ظل الشئ مثله دخل وقت العصر
وما بعده وقت للظهر والعصر على سبيل الاشتراك حتى تغرب الشمس وقال إسحاق بن راهويه
وأبو ثور والمزني وابن جرير إذا صار ظله مثله فقدر أربع ركعات بعده وقت للظهر والعصر ثم
يتمحض الوقت للعصر وقال مالك إذا صار ظله مثله فهو آخر وقت الظهر وأول وقت العصر
بالاشتراك فإذا زاد على المثل زيادة بينة خرج وقت الظهر وعن مالك رواية أن وقت الظهر يمتد
إلى غروب الشمس وقال أبو حنيفة يبقى وقت الظهر حتى يصير الظل مثلين فإذا زاد على ذلك يسيرا
كان أول وقت العصر قال القاضي أبو الطيب قال ابن المنذر لم يقل هذا أحد غير أبي حنيفة واحتج
من قال بالاشتراك بحديث ابن عباس المذكور قالوا فصلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي
صلي فيه العصر في الأول وعن ابن عباس أيضا قال " جمع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة من غير خوف
ولا
سفر " رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم من غير خوف ولا مطر فدل على اشتراكهما قالوا ولان
الصلوات زيد فيها على بيان جبريل في اليوم الثاني وللاختيار فينبغي ان يزاد وقت الظهر واحتج
أصحابنا بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال
21

" إذا صليتم الفجر فإنه وقت إلى أن يطلع قرن الشمس الأول ثم إذا صليتم الظهر فإنه وقت إلى أن
تحضر العصر فإذا صليتم العصر فإنه وقت إلى أن تصفر الشمس فإذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى
أن يسفط الشفق فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل " رواه مسلم من طرق كثيرة وفى
بعضها " وقت الظهر إذا زالت الشمس ما لم تحضر العصر " واحتجوا أيضا بحديث أبي موسى السابق
عن صحيح مسلم قال فيه في صلاة الطهر في اليوم الثاني ثم أخر الظهر حتى كان قريبا من وقت العصر
بالأمس ثم قال في آخره " الوقت ما بين هذين " وهذا نص في أن وقت الظهر لا يمتد وراء ذلك فيلزم
منه عدم الاشتراك وبحديث أبي قتادة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " الا انه ليس
في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الأخرى " رواه مسلم في
جملة حديث طويل واحتجوا بأحاديث كثيرة منها ما لا يحتج به وبأقيسة لا حاجة إليها مع هذه
الأحاديث الصحيحة الصريحة واما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم " صلى بي العصر في اليوم
الأول حين صار ظل الشئ مثله وصلي بي الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شئ مثله " فمعناه
بدأ بالعصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شئ مثله وفرغ من الظهر في اليوم الثاني حين صار
الظل مثله وبهذا التفسير يحصل بيان أول وقت العصر وآخر وقت الظهر ولو حمل على الاشتراك لم
يحصل تحديد آخر وقت الظهر ولفات بيانه وقد قال في آخر الحديث " الوقت بين هذين " قال الشيخ
أبو حامد ولان حقيقة الكلام أن يكون فرغ من الصلاتين حين صار ظل الشئ مثله فمعنا
الاجماع من إرادة ذلك في العصر فتأولناها على أنه ابتدأ حينئذ وبقيت الظهر على حقيقته ونظير
ما تأولنا عليه لفظ الحديث قول الله تعالى (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن) وقال تعالى (فإذا بلغن
أجلهن فلا تعضلوهن) المراد بالبلوغ الأول مقارنته وبالثاني حقيقة القضاء الأجل ويقال بلغ
المسافر البلد إذا انتهي إليه وإن لم يدخله وبلغه إذا دخله وأما الجواب عن الجمع بالمدينة فمن وجهين
أحدهما أنه محمول على أنه أخر الظهر إلى آخر وقتها وقدم العصر في أول وقتها فصار صورته صورة
جمع وليس بجمع وعلى هذا التأويل حمله امامان تابعيان من رواته وهما أبو الشعثاء جابر بن زيد
رواية عن ابن عباس والآخر عمرو بن دينار ثبت ذلك عنهما في صحيح مسلم وغيره والثاني أنه
22

جمع بعذر أما بمطر وأما مرض عند من يقول به كما سنوضحه في باب صلاة المسافر إن شاء الله تعالى
واما قولهم زيد في الصلاة على بيان جبريل فتلك الزيادات ثبتت بنصوص ولا نص هنا في الزيادة
ولا مدخل للقياس واحتج لأبي حنيفة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما انه سمع رسول الله صلى الله
عليه وسلم " يقول إنما بقاؤكم فيما سلف من الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس أوبى
أهل التوراة التوراة فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ثم أوتى أهل الإنجيل
الإنجيل فعملوا إلى صلاة العصر فعجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ثم أوتينا القرآن فعلمنا إلى غروب الشمس
فأعطينا قيراطين قيراطين فقال أهل الكتاب أي ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعطيتنا
قيراطا قيراطا ونحن أكثر عملا قال الله تعالى هل ظلمتكم من أجركم من شئ قالوا لا قال فهو فضلي
أوتيه من أشاء " رواه البخاري ومسلم قالوا فهذا دليل على أن وقت العصر اقصر من وقت الظهر
ومن حين يصير ظل الشئ مثله إلى غروب الشمس هو ربع النهار وليس بأقل من وقت
الظهر بل هو مثله واحتجوا بأقيسة ومناسبات لا أصل لها ولا مدخل لها في الأوقات واحتج أصحابنا
عليهم بحديث ابن عباس وهو صحيح كما سبق واحتجوا بأحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما
في دلالة بعضها نظر ويغنى عنها حديث ابن عباس وأوجز امام الحرمين في الأساليب فقال عمدتنا
حديث جبريل ولا حجة للمخالف الا حديث ساقه النبي صلى الله عليه وسلم مساق ضرب الأمثال
والأمثال مظنة التوسعات والمجاز ثم التأويل متطرق إلى حديثهم ولا يتطرق إلى ما اعتمدناه تأويل
ولا مطمع في القياس من الجانبين هذا كلام الامام وأجاب الأصحاب عن حديث ابن عمر بأربعة
أجوبة (أحدها) جواب امام الحرمين المذكور (الثاني) ان المراد بقولهم أكثر عملا ان مجموع عمل
الفريقين أكثر (والثالث) ان ما بعد صلاة العصر مع التأهب لها بالأذان والإقامة والطهارة وصلاة
السنة أقل مما بين العصر ونصف النهار الرابع حكاه الشيخ أبو حامد في تعليقه عن أبي سعيد
الإصطخري قال كثرة العمل لا يلزم منها كثرة الزمان فقد يعمل الانسان في زمن قصير أكثر
مما يعمل غيره في زمن مثله أو أطول منه
23

(فرع) للظهر ثلاثة أوقات وقت فضيلة ووقت اختيار ووقت عذر فوقت أوله وسيأتي
بيان الخلاف فيما تحصل به فضيلة أول الوقت إن شاء الله تعالى حيث تعرض له المصنف ووقت
الاختيار ما بعد وقت الفضيلة إلى آخر الوقت ووقت العذر وقت العصر في حق من يجمع بسفر
أو مطر هكذا قال الأكثرون ان أوقات الظهر ثلاثة كما ذكرنا وقال القاضي حسين لها أربعة أوقات
وقت فضيلة ووقت اختيار ووقت جواز ووقت عذر فوقت الفضيلة إذا صار ظل الشئ مثل ربعه
والاختيار إذا صار مثل نصفه والجواز إذا صار ظله مثله وهو آخر الوقت والعذر وقت العصر
لمن جمع بسفر أو مطر *
(فرع) بدأ المصنف بصلاة الظهر كما بدأ الشافعي والأصحاب تأسيا بامامة جبريل عليه السلام
فإنه بدأ بالظهر كما سبق وقال البندنيجي بدأ الشافعي في الجديد بالظهر وفى القديم بالصبح قال
وعليه كل الفقهاء فان قيل كيف بدأ بالظهر والاسراء كان في الليل ووجبت الصلوات الخمس في الليل
فأول صلاة تحضر بعد ذلك هي الصبح فالجواب ان ذلك محمول على أنه نص على أن أول وجوب
الخمس من الظهر والله أعلم *
(فرع) قال صاحب البيان إذا زالت الشمس وجبت الظهر ويستحب فعلها حينئذ ولا ينتظر
بها مصير الفئ مثل الشراك وحكي الساجي عن الشافعي رحمه الله انه يستحب ذلك ولا يجب
وليس بشئ قال ومن الناس من قال لا يجوز أن يصلي حتى يصير الفئ مثل الشراك لحديث
جبريل عليه السلام وحكي القاضي أبو الطيب هذا في تعليقه عن بعض الناس قال وهو خلاف
ما اتفق عليه الفقهاء وخلاف الأحاديث دليلنا حديث أبي موسى السابق وحديث ابن عمرو بن العاص
السابق قريبا " وقت الظهر إذا زالت الشمس " وأما حديث جبريل فالمراد به انه حين زالت الشمس
كان الفيئ حينئذ مثل الشراك من ورائه لا انه اخر إلى أن صار مثل الشراك *
(فرع) في معرفة الزوال قال أصحابنا رحمهم الله الزوال هو ميل الشمس عن كبد السماء بعد
انتصاف النهار وعلامته زيادة الظل بعد تناهى نقصانه وذلك أن ظل الشخص يكون في أول النهار
طويلا ممتدا فكلما ارتفعت الشمس نقص فإذا انتصف النهار وقف الظل فإذا زالت الشمس عاد
الظل إلى الزيادة فإذا أردت أن تعلم هل زالت فانصب عصا أو غيرها في الشمس على أرض مستوية
وعلم على طرف ظلها ثم راقبه فان نقص الظل علمت أن الشمس لم تزل ولا تزال تراقبه حتى يزيد
فمتى زاد علمت الزوال حينئذ قال أصحابنا ويختلف قدر ما يزول عليه الشمس من الظل باختلاف
24

الأزمان والبلاد فاقصر ما يكون الظل عند الزوال في الصيف عند تناهى طول النهار وأطول ما يكون
في الشتاء عند تناهى قصر النهار ونقل القاضي أبو الطيب أن أبا جعفر الراسبي قال في كتاب
المواقيت أن عند انتهاء طول النهار في الصيف لا يكون بمكة ظل لشئ من الأشخاص عند الزوال لستة
وعشرين يوما قبل انتهاء الطول وستة وعشرين يوما بعد انتهائه وفى هذه الأيام متى لم ير للشخص
ظل فان الشمس لم تزل فإذا رأى الظل بعد ذلك فان الشمس قد زالت وباقي أيام السنة معرفة
الزوال بمكة كمعرفتها بغيرها ونقل الشيخ أبو حامد في تعليقه انه إنما لا يكون للانسان فيئ بمكة
عند الزوال في يوم واحد في السنة لا غير والله أعلم * قال أصحابنا قامة الانسان ستة أقدام
ونصف بقدم نفسه *
(فرع) في قول الله تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) اما غسق الليل فظلامه
وأما الدلوك فاختلف فيه أهل التفسير والفقه واللغة فقال الشافعي في البويطي وأصحابنا هو زوال
الشمس وهو قول ابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبى بردة وعائشة والحسن البصري وقال
أبو حنيفة هو الغروب وهو مروي عن علي وابن مسعود وابن زيد وهما قولان مشهوران في كتب
أهل التفسير واللغة وممن حكاهما من أهل اللغة ابن قتيبة والأزهري والجوهري وآخرون وجزم
الزبيدي في مختصر العين وابن فارس بأنه الزوال واختاره الأزهري والجوهري واختار ابن قتيبة
الغروب والله أعلم وفائدة الخلاف ان الظهر هل تجب بأول الوقت أم لا مذهبنا الوجوب وأبو حنيفة
بخلافه وسيأتي مبسوطا إن شاء الله * قال المصنف رحمه الله *
* (وأول وقت العصر إذا صار ظل كل شئ مثله وزاد أدنى زيادة وآخره إذا صار ظل كل
شئ مثليه لما روى ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " وصلي بي جبريل
العصر حين صار ظل كل شئ مثل ظله ثم صلى المرة الأخيرة حين صار ظل كل شئ مثليه " ثم
يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الجواز والأداء إلى غروب الشمس وقال أبو سعيد الإصطخري
إذا صار ظل كل شئ مثليه فاتت الصلاة ويكون ما بعده وقت القضاء والمذهب الأول لما روى
أبو قتادة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس التفريط في النوم إنما التفريط
في اليقظة ان تؤخر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى ") *
* (الشرح) * حديث ابن عباس صحيح سبق بيانه وحديث أبي قتادة صحيح أيضا رواه أبو
داود بهذا اللفظ باسناد صحيح على شرط مسلم وروى مسلم في صحيحه بمعناه قال " ليس في النوم
تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الأخرى " واليقظة بفتح الياء
25

والقاف وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي وقيل النعمان بن ربعي وقيل عمرو بن ربعي والصحيح الأول
وهو أنصاري سلمى بفتح السين واللام مدني يقال له فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد
أحدا والخندق وما بعدهما من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف في شهوده بدرا
توفى بالمدينة سنة أربع وخمسين وهو ابن سبعين سنة رضي الله عنه: أما حكم المسألة فمذهبنا انه
يدخل وقت العصر إذا صار ظل كل شئ مثله غير الظل الذي يكون له عند الزوال وهو إذا
انقضى وقت الظهر ولا اشتراك بينهما ولا فاصل بينهما هذا مذهبنا وسبق بيان مذاهب العلماء في
ذلك وأما قول المصنف " وزاد أدنى زيادة " فكذا نص عليه الشافعي في مختصر المزني وكذا ذكره
الشيخ أبو حامد والماوردي والقاضي أبو الطيب والمحاملي وجماهير العراقيين والمتولي وآخرون من
الخراسانيين وقال صاحب الذخائر اختلف أصحابنا في هذه الزيادة على ثلاثة أوجه أحدها انها لبيان
انتهاء الظل إلى المثل والا فالوقت قد دخل قبل حصول الزيادة بمجرد حصول المثل فعلى هذا تكون الزيادة
من وقت العصر والثاني انها من وقت الظهر وإنما تدخل العصر عقبها قال وهذا ظاهر كلام الشافعي
والعراقيين وعليه كثير من الأصحاب والثالث انها ليست من وقت الظهر ولا من وقت العصر بل هي
فاصل بين الوقتين هذا ما حكاه في الذخائر وهذا الثالث ليس بشئ لقوله صلى الله عليه وسلم " وقت
الظهر ما لم تحضر العصر " فدل على أنه لا فاصل بينهما والأصح انها من وقت العصر وبه قطع القاضي
حسين وآخرون ونقل الرافعي الاتفاق عليه وأما آخر وقت العصر فهو غروب الشمس هذا هو الصحيح
الذي نص عليه الشافعي وقطع به جمهور الأصحاب وقال أبو سعيد الإصطخري آخره إذا صار ظل
الشئ مثليه فان أخر عن ذلك اثم وكانت قضاء قال الشيخ أبو حامد هذا الذي قاله الإصطخري لم يخرجه على
أصل الشافعي لان الشافعي نص في القديم والجديد ان وقتها يمتد حتى تغرب الشمس وإنما هو اختيار لنفسه
26

وهو خلاف نص الشافعي والأصحاب واستدل بحديث جبريل ودليل المذهب حديث أبي قتادة
السابق وحديث أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أدرك من الصبح
ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس
فقد أدرك العصر " رواه البخاري ومسلم وحديث أبي موسى الذي ذكرته في أول الباب عن صحيح
مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم أخر العصر حتى أنصرف منها والقائل يقول قد احمرت الشمس
وأما حديث جبريل فإنما ذكر في وقت الاختيار لا وقت الجواز بدليل الأحاديث الصحيحة التي
ذكرتها وهذا التأويل متعين للجمع بين الأحاديث ولأن هذه الأحاديث متأخرة عن حديث
جبريل فيكون العمل عليها ولأنها أصح منه بلا خلاف بين أهل الحديث وإن كان هو أيضا صحيحا
ولان الحائض وغيرها من أهل العذار إذا زال عذرهم قبل غروب الشمس بركعة لزمتهم العصر
بلا خلاف ولو كان الوقت قد خرج لم يلزمهم وهذا الالزام حسن ذكره امام الحرمين وغيره وقد
قال الغزالي في درسه ان الإصطخري يحمل حديث من أدرك ركعة من العصر على أصحاب الاعذار
(فرع) قال القاضي حسين والصيدلاني وامام الحرمين والروياني وغيرهم للعصر خمسة أوقات
وقت فضيلة ووقت اختيار ووقت جواز بلا كراهة ووقت جواز وكراهة ووقت عذر فالفضيلة
من أول الوقت إلى أن يصير ظل الشخص مثله ونصف مثله ووقت الاختيار إلى أن يصير مثلين
والجواز بلا كراهة إلى اصفرار الشمس والجواز مع الكراهة حال الاصفرار حتى تغرب والعذر
27

وقت الظهر لمن جمع بسفر أو مطر وقد نقل أبو عيسى الترمذي عن الشافعي وغيره من العلماء
كراهة تأخير العصر ودليل الكراهة حديث أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
" تلك صلاة المنافقين يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا
لا يذكر الله فيها الا قليلا " رواه مسلم والله أعلم *
(فرع) قد ذكرنا أن مذهبنا أن وقت الاختيار للعصر يمتد إلى مصير ظل كل شئ مثليه وبه
قال جماهير العلماء وقال أبو حنيفة يمتد إلى اصفرار الشمس * قال المصنف رحمه الله *
* (وأول وقت المغرب إذا غابت الشمس لما روى أن جبرائيل عليه السلام صلي المغرب حين
غابت وأفطر الصائم وليس لها الا وقت واحد وهو بقدر ما يتطهر ويستر العورة ويؤذن ويقيم
ويدخل فيها فان الدخول عن هذا الوقت اثم لما روى ابن عباس ان جبريل عليه السلام
صلي المغرب في المرة الأخيرة كما صلاها في المرة الأولى ولو كان لها وقت آخر لبين كما بين في سائر
الصلوات فان دخل فيها في وقتها ففيه ثلاثة أوجه أحدها ان له ان يستديمها إلى غيبوبة الشفق لان النبي
صلى الله عليه وسلم قرأ الأعراف في صلاة المغرب والثاني لا يجوز أن يستديمها أكثر من قدر ثلاث
ركعات لان جبريل صلي ثلاث ركعات والثالث له ان يصلى مقدار أول الوقت في سائر الصلوات
لأنه لا يكون مؤخرا في هذا القدر ويكون مؤخرا فيما زاد عليه ويكره ان يسمى صلاة المغرب العشاء
لما روى عبد الله ابن مغفل رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تغلبنكم الاعراب على
اسم صلاة المغرب وتقول الاعراب هي العشاء ") *
28

(الشرح) حديث جبريل عليه السلام صحيح سبق بيانه وحديثه الآخر هو تمام الأول
وحديث عبد الله بن مغفل صحيح أيضا رواه البخاري والاعراب سكان البادية وحديث قراءة
النبي صلى الله عليه وسلم بالأعراف في المغرب صحيح رواه البخاري بمعناه فرواه عن مروان بن
الحكم قال قال لي زيد بن ثابت " مالك تقرأ في المغرب بقصار وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقرأ بأطول الطوليين " هذا لفظ البخاري وفى رواية النسائي واسنادها صحيح عن زيد " لقد
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بأطول الطوليين المص " وأما مغفل فبضم الميم وفتح
الغين المعجمة والفاء وكنية عبد الله بن مغفل أبو سعيد وقيل أبو عبد الرحمن وقيل أبو زياد المزني
ممن بايع بيعة الرضوان سكن المدينة ثم البصرة وبها توفى سنة ستين وكان من فقهاء الصحابة رضي الله عنهم
: أما حكم المسألة فأول وقت المغرب إذا غربت الشمس وتكامل غروبها وهذا لا خلاف
فيه نقل ابن المنذر وخلائق لا يحصون الاجماع فيه قال أصحابنا والاعتبار سقوط قرصها بكماله وذلك
ظاهر في الصحراء قال الشيخ أبو حامد والأصحاب ولا نظر بعد تكامل الغروب إلى بقاء شعاعها
بل يدخل وقتها مع بقائه وأما في العمران وقلل الجبال فالاعتبار بان لا يرى شئ من شعاعها على
الجدران وقلل الجبال ويقبل الظلام من المشرق وأما آخر وقت المغرب نص الشافعي رحمه الله
في كتبه المشهورة الجديدة والقديمة انه ليس لها الا وقت واحد وهو أول الوقت ونقل أبو ثور عن
الشافعي ان لها وقتين الثاني منهما ينتهي إلى مغيب الشفق هكذا نقله عنه القاضي أبو الطيب وغيره
قال القاضي والذي نص عليه الشافعي في كتبه انه ليس لها الا وقت واحد وهو أول الوقت وقال
صاحب الحاوي حكى أبو ثور عن الشافعي في القديم ان لها وقتين يمتد ثانيهما إلى مغيب الشفق
وقال فمن أصحابنا من جعله قولا ثانيا قال وأنكره جمهورهم لان الزعفراني وهو أثبت أصحاب القديم
29

حكى عن الشافعي ان للمغرب وقتا واحدا واختلف أصحابنا المصنفون في المسألة على طريقين أحدهما
القطع بان لها وقتا فقط وبهذا قطع المصنف هنا والمحاملي وآخرون من العراقيين ونقله صاحب الحاوي
عن الجمهور كما سبق والطريق الثاني على قولين أحدهما هذا والثاني يمتد إلى مغيب الشفق وله ان يبدأ
بالصلاة في كل وقت من هذا الزمان وبهذا الطريق قطع المصنف في التنبيه وجماعات من العراقيين وجماهير
الخراسانيين وهو الصحيح لان أبا ثور ثقة امام ونقل الثقة مقبول ولا يضره كون غيره لم ينقله ولا كونه لم
يوجد في كتب الشافعي وهذا مما لا شك فيه فعلى هذا الطريق اختلف في أصح القولين فصحح
جمهور الأصحاب القول الجديد وهو انه ليس لها الا وقت واحد وصحح جماعة القديم وهو ان لها
وقتين ممن صححه من أصحابنا أبو بكر ابن خزيمة وأبو سليمان الخطابي وأبو بكر البيهقي
والغزالي في احياء علوم الدين وفى درسه والبغوي في التهذيب ونقله الروياني في الحلية عن أبي ثور
والمزني وابن المنذر وأبى عبد الله الزبيري قال وهو المختار وصححه أيضا العجلي والشيخ أبو عمرو بن الصلاح
قلت هذا القول هو الصحيح لأحاديث صحيحة منها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال " وقت المغرب ما لم يغب الشفق " وفى رواية " وقت المغرب إذا غابت
الشمس ما لم يسقط الشفق " وفى رواية " وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق " رواه مسلم بهذه الألفاظ
كلها وقوله ثور الشفق هو بالثاء المثلثة: أي ثورانه وفى رواية أبى داود فور الشفق بالفاء وهو
بمعنى ثوره وعن أبي موسى الأشعري في بيان النبي صلى الله عليه وسلم للسائل مواقيت الصلاة قال
" ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق " رواه مسلم وقد سبق بطوله وعن بريدة أن النبي صلى الله
عليه وسلم " صلي المغرب في اليوم الثاني قبل أن يغيب الشفق " رواه مسلم وقد سبق بطوله وعن أبي
قتادة في حديثه السابق " ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت
الأخرى " رواه مسلم وسبق بيانه فإذا عرفت الأحاديث الصحيحة تعين القول به جزما لان
الشافعي نص عليه في القديم كما نقله أبو ثور وعلق الشافعي القول به في الاملاء على ثبوت الحديث
وقد ثبت الحديث بل أحاديث والاملاء من كتب الشافعي الجديدة فيكون منصوصا عليه في
القديم والجديد وهذا كله مع القاعدة العامة التي أوصى بها الشافعي رحمه الله انه إذا صح الحديث
30

خلاف قوله يترك قوله ويعمل بالحديث وان مذهبه ما صح فيه الحديث وقد صح الحديث ولا
معارض له ولم يتركه الشافعي الا لعدم ثبوته عنده ولهذا علق القول به في الاملاء على ثبوت
الحديث وبالله التوفيق
واما حديث صلاة جبريل عليه السلام في اليومين في وقت فجوابه من ثلاثة
أوجه أحسنها وأصحها أنه إنما أراد بيان وقت الاختيار لا وقت الجواز فهكذا هو في أكثر الصلوات
وهي العصر والعشاء والصبح وكذا المغرب (والثاني) أن حديث جبريل مقدم في أول الأمر بمكة
وهذه الأحاديث متأخرة بالمدينة فوجب تقديمها في العمل (والثالث) أن هذه الأحاديث أقوى من
حديث جبريل لوجهين أحدهما أن رواتها أكثر والثاني أنها أصح اسنادا ولهذا خرجها مسلم
في صحيحه دون حديث جبريل وهذا لا شك فيه فحصل أن الصحيح المختار ان للمغرب وقتين
يمتد ما بينهما إلى مغيب الشفق ويجوز ابتداؤها في كل وقت من هذا فعلى هذا لها ثلاثة أوقات وقت
فضيلة واختيار وهو أول الوقت والثاني وقت جواز وهو ما لم يغب الشفق والثالث وقت عذر
وهو وقت العشاء في حق من جمع لسفر أو مطر وهذا الذي ذكرناه من أن وقت الفضيلة
ووقت الاختيار واحد وهو أول الوقت هو الصواب وبه قطع المحققون وقال القاضي حسين
والبغوي على هذا يكون النصف الأول مما بين أول الوقت ومغيب الشفق وقت اختيار والنصف
الثاني وقت جواز وهذا ليس بشئ ويكفى في رده حديث جبريل وقد نقل أبو عيسى الترمذي
عن العلماء كافة من الصحابة فمن بعدهم كراهة تأخير المغرب واما إذا قلنا ليس للمغرب الا وقت واحد
فهو إذا غربت الشمس ومضي قدر طهارة وستر العورة واذان وإقامة وخمس ركعات هذا هو الصحيح
31

وبه قطع الخراسانيون وقيل يعتبر ثلاث ركعات للفرض فقط وبهذا قطع المصنف وآخرون من
العراقيين وادعي الروياني أنه ظاهر المذهب وليس كما ادعى وحكى القاضي أبو الطيب في تعليقه
وجها انه لا يتقدر بالصلاة بل بالعرف فمن أخر عن المتعارف في العادة خرج الوقت وهذا قوى
ولكن المشهور اعتبار خمس ركعات منها ركعتان للسنة فكيف يقال إن السنة تكون مقضية فإذا مضى
هذا القدر فقد انقضى الوقت وما يمكن تقديمه على الغروب كالطهارة والستر لا يجب تقديمه ولكن
يستحب وفيه وجه ان يجب تقديم ما يمكن تقديمه وهو الوضوء والستر دون التيمم والأذان والإقامة
ووضوء المستحاضة ومن في معناها حكاه القاضي حسين والمتولي وغيرهما وهو شاذ والصواب الأول
والمعتبر في كل لك الوسط المعتدل بلا إطالة ولا استعجال هكذا أطلق الجمهور قال الفقال تعتبر هذه
الأمور متوسطة لا طويلة ولا قصيرة لكن يعتبر في حق كل انسان فعل نفسه لأنهم يختلفون في
ذلك فبعضهم خفيف الحركات والجسم والقراءة وبعضهم عكسه قال جماعة من الخراسانيين ويحتمل مع ذلك
أيضا اكل لقم يكسر بها حدة الجوع هكذا قالوا والصواب أنه لا ينحصر الجواز في لقم ففي
الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا قدم العشاء فابدؤا
به قبل أن تصلوا صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم " فان أخر الدخول فيها عن هذا القدر
المذكور اثم وصارت قضاء وإن لم يؤخر بل دخل فيها في هذا الوقت فهل له أن يمدها ويستديمها
فيه ثلاثة أوجه مشهورة حكاها المصنف والمحاملي وآخرون قال البندنجي هذه الأوجه حكاها أبو إسحاق
المروزي في الشرح وقد ذكر المصنف أدلتها أحدها لا يجوز والثاني يجوز استدامتها إلى القدر
الذي يتمادى إليه فضيلة أول الوقت في سائر الصلوات والثالث وهو الصحيح يجوز استدامتها
إلى مغيب الشفق صححه أصحابنا منهم الشيخ أبو حامد والمحاملي والجرجاني وآخرون وقطع به
المصنف في التنبيه والمحاملي في المقنع ودليله حديث قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب الأعراف
32

وهو صحيح كما سبق وفى رواية النسائي قرأ بالأعراف فرقها في الركعتين وهذا يمنع تأويل من قال
قرأ ببعضها والله أعلم *
(فرع) أنكر الشيخ أبو حامد على أصحابنا المتقدمين وغيرهم قولهم هل للمغرب وقت أم وقتان
وقال عبارتهم هذه غلط قال بل للصلوات كلها وقت واحد ولكن المغرب يقصر وقتها وغيرها
بطول وأجاب الشيخ أبو علي السنجي عن هذا الانكار وقال في كتابه شرح التلخيص ليس
المراد بقولنا للصبح وغيرها وقتان أن يكون وقتان منفردين ولكن وقت واحد له أول وآخر
كالصبح وقتها أول طلوع الفجر ووقتها الثاني ما لم تطلع الشمس وحينئذ لا انكار على طائفة
اصطلحت على هذا *
(فرع) قال القاضي حسين ان قيل كيف قلتم للمغرب وقت واحد على الجديد مع أنه يجوز
الجمع بين المغرب والعشاء في وقت المغرب بالسفر والمطر ومن شرط الجمع وقوع الصلاتين في
إحداهما فالجواب من وجهين أحدهما انه لا يشترط وقوع الصلاتين في وقت أحداهما إنما يشترط
وقوع إحداهما عقب الأخرى والثاني ان وقت المغرب بعد الطهارة ونحوها قدر خمس ركعات
للفريضة والسنة وهذا القدر يمكن فيه المغرب والعشاء مقصورة وكذا تامة تفريعا على الأصح ان
الصلاة التي يقع بعضها خارج الوقت أداء هذا كلام القاضي والسؤال قوى والجوابان ضعيفان أما
الأول فينتقض بمن جمع بين الظهر والعصر في آخر وقت العصر بحيث وقعت الظهر قبل غروب
الشمس والعصر بعد الغروب فان قيل المراد بالجمع جمع التقديم قلنا إنما صحت الظهر والعصر في
آخر وقت الظهر بحيث وقعت العصر في وقتها لان الوقت قابل لها بخلاف المغرب والعشاء فان
بعد خروج وقت المغرب لا يصلح الوقت للعشاء على قوله الجديد فينبغي أن لا يصح وقد صحت
بالاتفاق فدل على امتداد الوقت واما الجواب الثاني فظاهر الفساد أيضا فإنه لا يظن بالنبي صلى الله
33

عليه وسلم وأصحابه انهم كانوا يجمعون بحيث يقع بعض الصلاة الثانية لا في وقت الأولي ولا في
وقت الثانية ولأنه إذا جمع في وقت المغرب جاز القصر بلا خلاف ولو كان كما قال القاضي لكان
في صحة القصر خلاف بناء على أن الصلاة التي يقع بعضها خارج الوقت أداء أم قضاء وبناء على
المقتضية في السفر فظهر بما قلناه ان الصحيح امتداد وقت المغرب والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في وقت المغرب: قد ذكرنا اجماعهم على أن أول وقتها غروب
الشمس وبينا المراد بالغروب وحكي الماوردي وغيره عن الشيعة انهم قالوا لا يدخل وقتها حتى
يشتبك النجوم والشيعة لا يعتد بخلافهم وأما آخر وقتها فقد ذكرنا أن المشهور في مذهبنا ان لها
وقتا واحدا وهو أول الوقت وان الصحيح أن لها وقتين يمتد ثانيهما إلى غروب الشفق وممن قال
بالوقتين أبو حنيفة والثوري واحمد وأبو ثور وإسحاق وداود وابن المنذر وممن قال بوقت واحد الأوزاعي
ونقل أبو علي السنجي في شرح التلخيص عن أبي يوسف ومحمد وأكثر العلماء وعن مالك ثلاث
روايات الصحيحة منها وهي المشهورة في كتب أصحابه وأصحابنا انه ليس لها الا وقت واحد ولم
ينقل ابن المنذر عنه غيرها والثانية وقتان إلى مغيب الشفق والثالثة يبقى إلى طلوع الفجر ونقله
ابن المنذر عن طاوس وعطاء وقد سبقت دلائل المسألة وقد يستدل للشيعة بحديث يروى أن النبي
صلى الله عليه وسلم " صلي المغرب عند اشتباك النجوم " ودليلنا حديث جبريل عليه السلام وحديث أبي
موسى وبريدة أنه " صلي المغرب حين غربت الشمس " وهي أحاديث صحيحة كما سبق وعن رافع
34

ابن خديج رضي الله عنه قال " كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب فينصرف أحدنا وانه
ليبصر مواقع نبله " رواه البخاري ومسلم وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال " كنا نصلى
مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب إذا توارت بالحجاب " رواه البخاري ومسلم: وعن أبي أيوب
رضي الله عنه أنه قال لعقبة بن عامر رضي الله عنه وقد أخر المغرب اما سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول " لا تزال أمتي بخير أو قال على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك
النجوم " رواه أبو داود باسناد حسن وهو حديث حسن: وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى
تشتبك النجوم " رواه ابن ماجة باسناد جيد والأحاديث في المسألة كثيرة * وأما الحديث المحتج
لهم به فباطل لا يعرف ولا يصح ولو نقل لكان محمولا على أنه صلى الله عليه وسلم صلاها كذلك
مرة لبيان الجواز وقد صح في أحاديث سبقت ان النبي صلى الله عليه وسلم اخر المغرب لبيان
الجواز والله أعلم *
(فرع) يكره تسمية المغرب عشاء كذا صرح به المصنف وغيره للحديث للسابق *
* قال المصنف رحمه الله *
* (وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق وهو الحمرة وقال المزني الشفق البياض والدليل عليه
ان جبريل عليه السلام صلي العشاء الأخيرة حين غاب الشفق والشفق هو الحمرة والدليل عليه
ما روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
35

" وقت المغرب إلى أن تذهب حمرة الشفق " ولأنها صلاة تتعلق بأحد النيرين والمتفقين في الاسم
الخاص فتعلقت بأظهرهما وأنورهما كالصبح: وفى آخره قولان قال في الجديد إلى ثلث الليل لما
روي أن جبريل عليه السلام صلي في المرة الأخيرة العشاء الأخيرة حين ذهب ثلث الليل وقال
في القديم والاملاء إلى نصف الليل لما روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ان النبي صلى الله
عليه وسلم قال " وقت العشاء ما بينك وبين نصف لليل " ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت
الجواز إلى طلوع الفجر قال أبو سعيد الإصطخري إذا ذهب ثلث الليل أو نصفه فاتت الصلاة
وتكون قضاء والمذهب الأول لما روينا من حديث أبي قتادة رضي الله عنه ويكره ان تسمي
العشاء العتمة لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يغلبنكم
الاعراب على اسم صلاتكم " قال ابن عيينة انها العشاء وانهم يعتمون بالإبل ويكره النوم قبلها
والحديث بعدها لما روى أبو برزة رضي الله عنه قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النوم
قبلها والحديث بعدها) *
* (الشرح) * في هذه القطعة مسائل إحداها في الأحاديث اما حديثا جبريل الأول والثاني
فصحيحان سبق بيانهما: وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي " وقت المغرب إلى أن تذهب
حمرة الشفق " فغريب بهذا اللفظ والثابت منه في صحيح مسلم وغيره عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
" وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق " كما سبق بيانه وتحصيل الدلالة بهذا لان ثوره هو ثورانه وهذه
صفة الأحمر لا الأبيض: واما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الآخر فصحيح أيضا رواه مسلم
ولفظه في مسلم عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط "
واما حديث أبي قتادة فصحيح سبق بيانه: واما حديث ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما
لا يغلبنكم الاعراب على اسم صلاتكم فصحيح رواه مسلم ولفظه عنده أن رسول الله صل الله عليه وسلم
قال " لا يغلبنكم الاعراب على اسما صلاتكم الا انها العشاء وهم يعتمون بالإبل وقول المصنف قال ابن
36

عيينة أنها العشاء إلى آخره كان ينبغي حذف ذكر ابن عيينة: واما أبي برزة فصحيح رواه
البخاري ومسلم لكن لفظه عندهما عن أبي برزة قال كان الله صلى الله عليه وسلم يكره النوم
قبلها والحديث بعدها يعني العشاء *
(المسألة الثانية) في أسماء الرجال فابن عمر وأبو قتادة والمزني سبق بيانهم وذكر أحوالهم
في مواضعهم: وأما عبد الله بن عمرو بفتح العين فروى عنه هنا حديثين حديث وقت المغرب إلى
أن تذهب حمرة الشفق والحديث الآخر وقت العشاء ما بينك وبين نصف الليل وهو عبد الله
ابن عمرو بن العاصي بالياء على الفصيح وبحذفها على لغة قليلة وهو الأشهر في كتب المحدثين وغيرهم
وفى ألسنتهم ابن وائل بن هاشم بن سعيد بضم السين وفتح العين بن سهم بن عمرو بن هصيص
بضم الهاء بصادين مهملتين بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي السهمي كنية عبد الله أبو محمد
وقبل أبو عبد الرحمن وقيل أبو نصير أسلم قبل أبيه ولم يكن بينه وبين أبيه في السن الا إحدى
عشرة سنة وقيل اثنتا عشرة وفى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كأن يقول " نعم أهل البيت
عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله " وكان عبد الله مجتهدا في العبادة اجتهادا بليغا وكان كثير العلم
والسماع من النبي صلى الله عليه وسلم توفى بمكة وقيل بالطائف وقيل بمصر في ذي الحجة سنة خمس
وستين وقيل ثلاث وستين وقيل ثلاث وسبعين وقيل سنة ست وستين وقيل سبع وستين وهو
ابن ثنتين وسبعين سنة: واما أبو برزة فبفتح الباء الموحدة واسكان الراء وبعدها زاي وهو أبو برزة
نضلة بن عبيد الأسلمي أسلم قديما وشهد فتح مكة ثم نزل البصرة ثم غزا خراسان وتوفى بها
وقيل بالبصرة وقيل بنيسابور وقيل في مفازة بين سجستان وهراة سنة ستين وقيل أربع وستين
37

واما ابن عيينة فهو أبو محمد سفين بن عيينة بن أبي عمران الهلالي كوفي سكن مكة وكان امام أهلها
في عصره وهو أحد شيوخ الشافعي أحد أجدادنا في سلسلة التفقه سمع خلائق من أئمة التابعين
روى عنه الأعمش وهو تابعي وأحد شيوخه وخلائق من الأئمة كالثوري وابن جريج وابن المبارك
والشافعي ووكيع وابن مهدي واحمد وغيرهم وكان من أعلم الناس بالقرآن قال الشافعي رحمه الله
ما رأيت أحدا من الناس فيه من آلة العلم ما في سفين بن عيينة وما رأيت أحدا أحسن تفسيرا
للحديث منه روينا عن سفين قال قرأت القرآن وانا ابن أربع سنين وكتبت الحديث وانا ابن سبع
سنين ولد سنة سبع ومائة وتوفى بمكة يوم السبت غرة رجب سنة ثمان وتسعين ومائة رحمه الله *
(المسألة الثالثة) في الأحكام أجمعت الأمة على أن وقت العشاء مغيب الشفق واختلفوا
في الشفق هل هو الحمرة أم البياض وسنذكر فيه فرعا مستقلا إن شاء الله تعالى ومذهبنا انه الحمرة
دون البياض واما الصفرة التي بعد الحمرة وقبل البياض فاختلف كلام الأصحاب فيها فقال الغزالي
في الوسيط الشفق الحمرة دون الصفرة والبياض وقال امام الحرمين والغزالي في البسيط يدخل
وقت العشاء بزوال الحمرة والصفرة وقد يستدل لهما بما نقله صاحب جمع الجوامع عن نص الشافعي
أنه قال الشفق الحمرة التي في المغرب فإذا ذهبت الحمرة ولم ير منها شئ فقد دخل وقتها ومن افتتحها
وقد بقي من الحمرة شئ أعادها فهذا لفظه وهو محتمل لما قاله امام الحرمين لان الحمرة ترق وتستحيل
لونا آخر بحيث يعد بقية للون الحمرة وفى حكم جزء منها ولكن نص الشافعي في مختصر المزني
الشفق الحمرة وهكذا عبارات جماهير الأصحاب وهذا ظاهر في أنه يدخل الوقت بمغيب الحمرة
38

وان بقيت الصفرة وهذا هو المذهب * واما آخر وقت العشاء المختار ففيه قولان مشهوران أحدهما
وهو المشهور في الجديد انه يمتد إلى ثلث الليل والثاني وهو نصه في القديم والاملاء من الجديد
يمتد إلى نصف الليل ودليلهما في الكتاب وهما حديثان صحيحان واختلف المصنفون في أصح
القولين فقال القاضي أبو الطيب صحح أبو إسحاق المروزي كونه نصف الليل وصحح أصحابنا
ثلث الليل وممن صحح ثلث الليل البغوي والرافعي وقطع به جماعة من أصحاب المختصرات منهم
الماوردي في الاقناع والغزالي في الخلاصة والشاشي في العمدة ودليل الثلث حديث جبريل وحديث
أبي موسى الأشعري وقد سبق بطوله وممن صحح النصف الشيخ أبو حامد والمحاملي وسليمان في
رؤوس المسائل وأبو العباس الجرجاني والشيخ نصر في تهذيبه والروياني وقطع به جماعة منهم
أبو عبد الله الزبيري وسليم في الكفاية والمحاملي في المقنع ونصر المقدسي في الكافي: هذه
طريقة جماهير الأصحاب في وقت الاختيار أن فيه قولين كما ذكرنا وانفرد صاحب الحاوي فقال
فيه طريقان أحدهما فيه قولان كما سبق قال وهي طريقة الجمهور والثانية وهي طريقة ابن سريج ليست
على قولين بل الأحاديث الواردة بالأمرين والنصان للشافعي محمولان على اختلاف حال الابتداء
والانتهاء فالمراد بالثلث أنه آخر وقت الابتداء بها والمراد بالنصف أنه آخر وقت الانتهاء وهذا
الطريق غريب والمختار ثلث الليل فإذا ذهب وقت الاختيار بقي وقت الجواز إلى طلوع
الفجر الثاني هذا هو المذهب نص عليه الشافعي وقطع به جمهور أصحابنا المتقدمين والمتأخرين
وقال أبو سعيد الإصطخري إذا ذهب وقت الاختيار فاتت العشاء ويأثم بتركها وتصير قضاء
وهذا الذي قاله هو أيضا أحد احتمالين حكاهما القفال في شرح التلخيص عن أبي بكر
الفارسي وقد قال الشافعي في باب استقبال القبلة إذا مضى ثلث الليل فلا أراها الا فائتة
39

فمن أصحابنا من وافق الإصطخري لظاهر هذا النص وتأوله الجمهور قال القاضي أبو الطيب قال
أصحابنا أراد الشافعي ان وقت الاختيار فات دون وقت الجواز لان الشافعي قال في هذا الكتاب
ان المعذورين إذا زالت أعذارهم قبل الفجر بتكبيرة لزمتهم المغرب والعشاء فلو لم يكن وقتا لها
لما لزمتهم وقال الشيخ أبو حامد في تعليقه في الرد على الإصطخري إذا كمل الصبي والكافر والمجنون
والحائض قبل الفجر بركعة لزمتهم العشاء بلا خلاف ووافق عليه الإصطخري فلو لم يكن ذلك
وقتا لها لم يلزمهم فهذا كلام الشيخ أبى حامد وقد غلط بعض المتأخرين الشارحين للتنبيه فنقل عنه
موافقة الإصطخري وهذه غباوة من هذا الشارح وكأنه اشتبه عليه كلام أبي حامد لطوله والصواب
عن أبي حامد موافقة الجمهور في امتداد وقت العشاء إلى الفجر وانكاره على الإصطخري
والله أعلم *
(فرع) للعشاء أربعة أوقات فضيلة واختيار وجواز وعذر فالفضيلة أول الوقت والاختيار
بعده إلى ثلث الليل في الأصح وفى قول نصفه والجواز إلى طلوع الفجر الثاني والعذر وقت المغرب
لمن جمع بسفر أو مطر *
40

(فرع) قال صاحب التتمة في بلاد المشرق نواح تقصر لياليهم فلا يغيب الشفق عندهم فأول
وقت العشاء عندهم أن يمضى من الزمان بعد غروب الشمس قدر يغيب الشفق في مثله في أقرب البلاد إليهم *
(فرع) قيل إن ما بين المغرب والعشاء نصف سدس الليل فان طال الليل طال نصف
السدس وان قصر قصر *
(المسألة الرابعة) يستحب أن لا تسمى العشاء الآخرة عتمة للحديث السابق هكذا قاله
المحققون من أصحابنا يستحب أن لا تسمى عتمة وكذا قال الشافعي في الأم أحب أن لا تسمي
العشاء الآخرة عتمة وقال المصنف والشيخ أبو حامد وطائفة قليلة يكره ان تسمي عتمة: فان قيل
فقد جاءت أحاديث كثيرة بتسميتها عتمة كقوله صلى الله عليه وسلم " لو يعلمون ما في العتمة والصبح
لاتوهما ولو حبوا " رواه البخاري وغيره من رواية أبي هريرة بهذا اللفظ: فالجواب من وجهين
أحدهما ان هذا الاستعمال ورد في نادر من الأحوال لبيان الجواز فإنه ليس بحرام والثاني انه
خوطب به من قد يشتبه عليه العشاء بالمغرب فلو قيل العشاء لتوهم إرادة المغرب لأنها كانت
41

معروفة عندهم بالعشاء وأما العتمة فصريحة في العشاء الآخرة فاحتمل اطلاق العتمة هنا لهذه
المصلحة: واعلم أنه يجوز ان يقال العشاء الآخرة والعشاء فقط من غير وصف بالآخرة قال الله تعالى
(ومن بعد صلاة العشاء) وثبت في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة
أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة " وثبت في صحيح مسلم استعمال العشاء الآخرة
من جماعات من الصحابة رضي الله عنهم وقد أنكر الأصمعي قول العشاء الآخرة وقال الصواب
العشاء فقط وهذا غلط لما ذكرته وقد أوضحت هذا كله في تهذيب الأسماء (الخامسة) يكره
النوم قبل العشاء والحديث بعدها للحديث الصحيح السابق والمراد بالحديث الذي يكره بعدها
ما كان مباحا في؟ فير هذا الوقت أما المكروه في غيره فهنا أشد كراهة وسبب الكراهة انه يتأخر
نومه فيخاف تفويته لصلاة الليل إن كانت له صلاة ليل أو تفويته الصبح عن وقتها أو عن أوله وهذه
الكراهة إذا لم تدع حاجة إلى الكلام ولم يكن فيه مصلحة أما الحديث للحاجة فلا كراهة فيه وكذا
الحديث بالخير كقراءة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومذاكرة الفقه وحكايات الصالحين
والحديث مع الضيف ونحوها فلا كراهة في شئ من ذلك وقد جاءت بهذا كله أحاديث صحيحة
مشهورة وجمعتها في أواخر كتاب الأذكار وسبب عدم الكراهة في هذا النوع انه خير ناجز
فلا يترك لمفسدة متوهمة بخلاف ما إذا لم يكن في الحديث خير فإنه مخاطرة بتفويت الصلاة لغير
مصلحة والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في الشفق وآخر وقت العشاء أما الشفق فقد سبق انهم أجمعوا
انه يدخل وقت العشاء بمغيبه واختلفوا في الشفق فمذهبنا انه الحمرة ونقله صاحب التهذيب عن
أكثر أهل العلم ورواه البيهقي في السنن الكبير عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عمر
وابن عباس وأبي هريرة وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس رضي الله عنهم ومكحول وسفين
الثوري ورواه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليس بثابت مرفوعا وحكاه ابن المنذر عن
42

ابن أبي ليلى ومالك والثوري وأحمد وإسحاق وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وهو قول أبي ثور
وداود * وقال أبو حنيفة وزفر والمزني هو البياض وروى ذلك عن معاذ بن جبل وعمر بن عبد العزيز
والأوزاعي واختاره ابن المذر قال وروى عن ابن عباس روايتان * واحتج أصحابنا للحمرة بأشياء
من الحديث والقياس لا يظهر منها دلالة لشئ يصح منها والذي ينبغي أن يعتمد ان المعروف عند
العرب ان الشفق الحمرة وذلك مشهور في شعرهم ونثرهم ويدل عليه أيضا نقل أئمة اللغة قال الأزهري
الشفق عند العرب الحمرة قال الفراء سمعت بعض العرب يقول عليه ثوب مصبوغ كأنه الشفق وكان
أحمر وقال ابن فارس في الجمل قال الخليل الشفق الحمرة التي من غروب الشمس إلى وقت العشاء
الآخرة قال وقال ابن دريد أيضا الشفق الحمرة وذكر ابن فارس قول الفراء ولم يذكر هذا وقال
الزبيدي في مختصر العين الشفق الحمرة بعد غروب الشمس وقال الجوهري الشفق بقية ضوء الشمس
وحمرتها في أول الليل إلى قريب من العتمة ثم ذكر قول الخليل والفراء ولم يذكر غير هذا فهذا
كلام أئمة اللغة وبالله التوفيق * قال المصنف رحمة الله *
* (ووقت الصبح إذا طلع الفجر الثاني وهو الفجر الصادق الذي يحرم به الطعام والشراب
على الصائم وآخره إذا أسفر لما روى أن جبريل عليه السلام صلي الصبح حين طلع الفجر وصلى
من الغد حين أسفر ثم التفت وقال هذا وقت الأنبياء من قبل قبلك وفيما بين هذين وقت ثم يذهب
وقت الاختيار ويبقي وقت الجواز إلى طلوع الشمس وقال أبو سعيد الإصطخري يذهب الوقت
وما بعده وقت القضاء والمذهب الأول لحديث أبي قتادة رضي الله عنه ويكره ان تسمى صلاة
الغداة لان الله تعالى سماها بالفجر فقال تعالي (وقرآن الفجر) وسماها رسول الله صلى الله عليه
وسلم الصبح فقال " من أدرك ركعة من الصبح فقد أدركها ") *
* (الشرح) * حديث جبريل عليه السلام صحيح سبق بيانه وكذا حديث أبي قتادة وحديث
من أدرك ركعة من الصبح رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة وأجمعت الأمة على أن أول
وقت الصبح طلوع الفجر الصادق وهو الفجر الثاني وآخر وقت الاختيار إذا أسفر أي أضاء ثم
يبقى وقت الجواز إلى طلوع الشمس وقال الإصطخري يخرج الوقت بالاسفار ويكون ما بعده
قضاء ويأثم بالتأخير إليه وقد سبق دليله ودليل المذهب في وقت صلاة العصر قال صاحب التهذيب
43

ويكره تأخير الصبح بغير عذر إلى طلوع الحمرة يعني الحمرة التي قبيل طلوع الشمس *
(فرع) قال أصحابنا الفجر فجران أحدهما يسمى الفجر الأول والفجر الكاذب والاخر يسمي
الفجر الثاني والفجر الصادق فالفجر الأول يطلع مستطيلا نحو السماء كذنب السرحان وهو الذئب
ثم يغيب ذلك ساعة ثم يطلع الفجر الثاني الصادق مستطيرا بالراء أي منتشرا عرضا في الأوفق
قال أصحابنا والأحكام كلها متعلقة بالفجر الثاني فبه يدخل وقت صلاة الصبح ويخرج وقت العشاء
ويدخل في الصوم ويحرم به الطعام والشراب على الصائم وبه ينقضي الليل ويدخل النهار ولا
يتعلق بالفجر الأول شئ من الأحكام باجماع المسلمين قال صاحب الشامل سمي الفجر الأول
كاذبا لأنه يضئ ثم يسود ويذهب وسمي الثاني صادقا لأنه صدق عن الصبح وبينه ومما يستدل للفجرين
به من الحديث حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يمنعن أحدكم
أو واحدا منكم أذان بلال من سحوره فان يؤذن أو ينادى بليل ليرجع قائمكم وليتنبه نائمكم
وليس أن يقول الفجر أو الصبح وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأها إلى أسفل حتى يقول
هكذا وقال بسبابتيه إحداهما فوق الأخرى ثم مدهما عن يمينه وشماله " رواه البخاري ومسلم وعن
سمرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا
العارض لعمود الصبح حتى يستطير " رواه مسلم ورواه الترمذي عنه قال قال رسول الله صلي
44

الله عليه وسلم (لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل لكن الفجر المستطير في
الأفق " قال الترمذي حديث حسن وعن طلق بن علي رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال (كلوا واشربوا ولا يهمنكم الساطع المصعد وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر)
رواه أبو داود والترمذي قال الترمذي هذا حديث حسن قال والعمل عليه عند أهل العلم أنه
لا يحرم الأكل والشرب على الصائم حتى يكون الفجر المتعرض والله أعلم *
(فرع) صلاة الصبح من صلوات النهار وأول النهار طلوع الفجر الثاني هذا مذهبا وبه قال
العلماء كافة الا ما حكاه الشيخ أبو حامد في تعليقه عن قوم انهم قالوا ما بين طلوع الشمس والفجر
لا من الليل ولا من النهار بل زمن مستقل فاصل بينهما قالوا وصلاة الصبح لا في الليل ولا في النهار
وحكي الشيخ أبو حامد أيضا عن حذيفة ابن اليمان وأبي موسى الأشعري وأبي مجلز والأعمش
رضي الله عنهم انهم قالوا آخر الليل طلوع الشمس وهو أول النهار قالوا وصلاة الصبح من صلوات
الليل قالوا وللصائم ان يأكل حتى تطلع الشمس هكذا نقله أبو حامد عن هؤلاء ولا أظله يصح
عنهم وقال القاضي أبو الطيب وصاحب الشامل وحكي عن الأعمش أنه قال هي من صلوات الليل
وإنما قبل طلوع الشمس من الليل يحل فيه الأكل للصائم قالا وهذه الحكاية بعيد صحتها مع ظهور
تحريم الأكل بطلوع الفجر في كل عصر مع ظاهر القرآن قان احتج له بقوله تعالي (فمحونا آية
الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) وآية النهار هي الشمس فيكون النهار من طلوعها وبقول أمية ابن
أبي الصلت *
والشمس تطله كل آخر ليلة * حمراء تبصر لونها تتوقد
فالجواب انه يثبت كونه من النهار بقوله تعالي (فكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط
الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) وبإجماع أهل الأعصار على تحريم الطعام والشراب بطلوع
الفجر وثبت في حديث جبريل عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ثم صلي الفجر حين
برق الفجر وحرم الطعام على الصائم " وهو حديث صحيح كما سبق وثبتت الأحاديث الأربعة في
الفرع الذي قبل هذا وفى الصحيحين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ان بلالا يؤذن بليل
45

فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) والليل لا يصح الصوم فيه باجماع المسلمين وأما الجواب
عن الآية التي احتج له بها فليس فيها دليل لان الله تعالى أخبر ان الشمس آية للنهار ولم ينف
كون غيرها آية فإذا قامت الدلائل على أن هذا الوقت من النهار وجب العمل بها ولان الآية
العلامة ولا يلزم ان يقارن جميع الشئ كما أن القمر آية الليل ولا يلزم مقارنته لجميع الليل وأما الشعر
فقد نقل الخليل بن أحمد امام اللغة ان النهار هو الضياء الذي بين طلوع الفجر وغروب الشمس
وحينئذ يحمل قول الشاعر انه أراد قريب آخر كل ليلة لا آخرها حقيقة فان قيل فقد روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم (صلاة النهار عجماء) قلنا قال الدارقطني وغيره من الحفاظ هذا ليس
من كلام النبي صلى الله عليه وسلم يرو عنه وإنما هو قول بعض الفقهاء قال الشيخ أبو حامد
وسألت عنه أبا الحسن الدارقطني فقال لا اعرفه عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيحا ولا فاسدا
مع أن المراد معظم صلوات النهار ولهذا يجهر في الجمعة والعيد والله أعلم: واحتج الأصحاب على من
قال إن ما بين الفجر والشمس لا من الليل ولا من النهار بقول الله تعالى (يولج الليل في النهار
ويولج النهار في الليل) فدل على أنه لا فاصل بينهما والله أعلم *
(فرع) لصلاة الصبح اسمان الفجر والصبح جاء القرآن بالفجر والصبح كما
سبق بيانه قال الشافعي في الأول أحب أن لا تسمي الا بأحد هذين الاسمين لا أحب أن تسمى
الغداة هذا نص الشافعي وكذا قاله المحققون من أصحابنا فقالوا يستحب تسميتها صبحا وفجرا ولا يستحب
تسميتها غداة ولم يقولوا تكره تسميتها غداة وقول المصنف وشيخه القاضي أبو الطيب يكره ان
تسمى غداة غريب ضعيف لا دليل له وما ذكره لا يدل على الكراهة فان المكروه ما ثبت فيه نهى
غير جازم ولم يرد في الغداة نهى بل أشهر استعمال لفظ الغداة فيها في الحديث وفى كلام
الصحابة رضي الله عنهم من غير معارض فالصواب انه لا يكره لكن الأفضل الفجر والصبح
والله أعلم
46

(فرع) لو دخل في الصبح أو العصر أو غيرهما وخرج الوقت وهو فيها لم تبطل صلاته سواء
كان صلى في الوقت ركعة أو أقل أو أكثر لكن هل تكون أداء أم قضاء فيه خلاف سنوضحه
حيث ذكره المصنف إن شاء الله تعالى هذا مذهبنا وبه قال جمهور العلماء * وقال أبو حنيفة تبطل
الصبح لأنها عبادة يبطلها الحدث فبطلت بخروج الوقت فيها كطهارة مسح الخف: دليلنا حديث
أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أدرك ركعة من العصر قبل أن
تغرب الشمس فقد أدرك العصر ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك
الصبح " رواه البخاري ومسلم والجواب عن مسألة الخف ان صلاته إنما بطلت هناك لبطلان طهارته
وهنا لم تبطل طهارته والله أعلم *
(فرع) ثبت في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال " ذكر رسول الله
صلى الله عليه وسلم الدجال قلنا يا رسول الله وما لبثه قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم
كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم قال لا
أقدروا له قدره " فهذه مسألة سيحتاج إليها نبهت عليها ليعلم حكمها بنص كلام رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الحديث الصحيح وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله *
* (وتجب الصلاة في أول الوقت لان الامر تناول أول الوقت فاقتضى الوجوب فيه) *
* (الشرح) * مذهبنا الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا ويستقر الوجوب بامكان
فعلها وبه قال مالك واحمد وداود وأكثر العلماء نقله الماوردي عن أكثر الفقهاء: وعن أبي
حنيفة روايات إحداهما كمذهبنا وهي غريبة والثانية وهي رواية زفر عنه يجب إذا بقي من الوقت
ما يسع صلاة الوقت والثالثة وهي المشهورة عنه وحكاها عنه جمهور أصحابنا انها تجب بآخر الوقت
إذا بقي منه قدر تكبيرة فلو صلى في أول الوقت قال أكثر أصحاب أبي حنيفة تقع صلاته موقوفة
فان بقي إلى آخر الوقت مكلفا تبينا وقوعها فرضا والا كانت نفلا وقال الكرخي منهم تقع نفلا
فان بقي إلى آخر الوقت مكلفا منع ذلك النقل وجوب الفرض عليه * واحتج لأبي حنيفة في كونها
لا تجب بأول الوقت لأنها لو وجبت لم يجز تأخيرها كصوم رمضان ولان وقت الصلاة كحول
الزكاة فإنه يجوز فعلها في أوله وآخره كالصلاة ثم الزكاة تجب بآخره فكذا الصلاة ولان من دخل وقت
الصلاة وهو حاضر ومضى ما يمكن فيه الصلاة ثم سافر فله قصر هذه الصلاة فلو وجبت بأول
47

الوقت لم يجز قصرها كما لو سافر بعد الوقت ولأنه مخير بين فعلها في أول الوقت وتركها فإذا
فعلها فيه كانت نفلا * واحتج أصحابنا بقول الله تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل)
والدلوك الزوال كما سبق بيانه في وقت الظهر وهذا امر وهو يقتضي الوجوب: وعن أبي ذر رضي
الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كيف أنت إذا بقيت في قوم يؤخرون الصلاة
عن وقتها قال فما تأمرني قال صل الصلاة لوقتها ثم اذهب لحاجتك فان أقيمت الصلاة وأنت
في المسجد فصل " رواه مسلم ومعناه يؤخرون الصلاة عن أول وقتها فهذا هو المنقول عن أولئك الأمراء
وهو التأخر عن أول الوقت لا عن الوقت كله ومعنى صل الصلاة لوقتها أي لأول وقتها ولأنها
عبادة مقصودة لا لغيرها تجب في البدن لا تعلق لها بالمال تجوز في عموم الأوقات فكان كل وقت
لجوازها وقتا لوجوبها كالصوم قال القاضي أبو الطيب احترزنا بقولنا مقصودة لا لغيرها عن الوضوء
وبقولنا تجب في البدن عن الزكاة وبقولنا لا تتعلق بالمال عن الحج وبقولنا في عموم الأوقات عن
صلاة الجمع فإنه تجوز صلاة العصر في وقت الظهر تبعا وإن كانت الآن غير واجبة لكنها لا تجوز
في هذا الوقت في عموم الأوقات وإنما تجوز في سفر أو مطر أو في نسك الحج والجواب عن قولهم لو وجبت
بأول الوقت لم يجز تأخيرها كصوم رمضان ان الواجب ضربان موسع ومضيق فالموسع تبع فيه التوسع
وله ان يفعله في كل وقت من ذلك الزمن المحدود للتوسع ومن هذا الضرب الصلاة وأما المضيق فتجب المبادرة
به ومن هذا صوم رمضان في حق المقيم والجواب عن قياسهم على حول الزكاة ان تعجيل الزكاة جوز رخصة
للحاجة والا فقياس العبادات أن لا تقدم وجواب آخر وهو ان الزكاة لا تجب الا بعد انقضاء الحول بالاتفاق
واتفقنا على أن الصلاة تجب في الوقت لكن قلنا نحن تجب بأوله وهم بآخره فلا يصح الحاقها بها والجواب عن
مسألة المسافر أن لنا فيها خلافا ففي وجه قاله المزني وابن سريج لا يجوز القصر وعلى الصحيح
المنصوص وقول جمهور أصحابنا يجوز القصر فعلى هذا إنما جاز القصر لأنه صفة للصلاة والاعتبار
في صفتها بحال فعلها لا بحال وجوبها ولهذا لو فاته صلاة في حال قدرته على القيام أو الماء ثم عجز
48

عنهما صلاها قاعدا بالتيمم وأجزأته ولو فاتته وهو عاجز عنهما فقضاها وهو قادر لزمه القيام
والوضوء: والجواب عن قياسهم على النوفل انه يجوز تركها مطلقا والمكتوبة لا يجوز تركها
مطلقا بالاجماع ولأنه ينتقض بمن نذر ان يصلي ركعتين في يوم كذا فله ان يصليها في أي وقت
منه شاء فلو صلاها في أوله وقعتا فرضا: قال امام الحرمين في الأساليب الوجه أن نقول لهم
أتسلمون الواجب الموسع أم تنكرونه فان أنكروه أقمنا عليه قواطع الأدلة والقول الوجيز فيه أن
المعني بالواجب الموسع أن يقول الشارع قد أوجبت عليك تحصيل هذا الفعل وضربت لتحصيلك
إياه هذا الأمد فمتى فعلته فيه في أوله أو آخره فقد امتثلت ما أمرتك به فهذا غير منكر عقلا وله
نظائر ثابتة بالاتفاق كالكفارات وقضاء الصلوات المنسيات والصوم المتروك بعذر وان اعترفوا
بالواجب الموسع قلنا لهم المكلف مأمور بتحصيل الصلاة في وقت موسع ومتى أوقعها فيه سقط
عنه الفرض وعبادات البدن لا تصح قبل وقت وجوبها فان قالوا لو وجبت لعصى بتأخيرها عن
أول الوقت قلنا هذه صفة الواجب المضيق وقد بينا ان هذا واجب موسع كالكفارة والله أعلم *
(فرع) إذا دخل وقت الصلاة وأراد تأخيرها إلى أثناء الوقت أو آخره هل يلزمه العزم
على فعلها فيه وجهان مشهوران لأصحابنا في كتب الأصول وممن ذكرهما المصنف في اللمع وممن
ذكرهما في كتب المذهب صاحب الحاوي أحدهما لا يلزمه العزم والثاني يلزمه فان أخرها بلا عزم
وصلاها في الوقت اثم وكانت أداء والوجهان جاريان في كل واجب موسع وجزم الغزالي في
المستصفى بوجوب العزم وهو الأصح قال فان قيل قوله صل في هذا الوقت ليس فيه تعرض
للعزم فايجابه زيادة على مقتضى الصيغة ولأنه لو غفل عن العزم ومات في وسط الوقت لم يكن
عاصيا قلنا قولكم لو غفل عن العزم لا يكون عاصيا صحيح وسببه ان الغافل لا يكلف أما إذا لم
يغفل عن الامر فلا يترك العزم الا بضده وهو العزم على الترك مطلقا وهذا حرام ومالا خلاص
من الحرام الا به فهو واجب فهذا الدليل على وجوبه وإن لم يدل بمجرد الصيغة من حيث وضع
اللسان لكن دليل العقل أقوى من دلالة الصيغة والله أعلم *
49

(فرع) إذا اخر الصلاة وقلنا لا يجب العزم أو أوجبناه وعزم ثم مات في وسط الوقت
فجأة فهل يموت عاصيا فيه وجهان مشهوران في كتب الخراسانيين الصحيح لا يموت عاصيا لأنه
مأذون له في التأخير قال الغزالي في المستصفى ومن قال يموت عاصيا فقد خالف اجماع السلف
فانا نعلم أنهم كانوا لا يأثمون من مات فجأة بعد مضى قدر أربع ركعات من الزوال ولا ينسبونه
إلى تقصير لا سيما إذا اشتغل بالوضوء ونهض إلى المسجد فمات في الطريق بل محال أن يعصى
وقد جاز له التأخير ومتى فعل ما يجوز له كيف يمكن تعصيته: فان قيل جاز التأخير بشرط سلامة
العاقبة قلنا محال لان العاقبة مستورة عنه فإذا سألنا وقال العاقبة مسورة عني وعلى صوم يوم وأريد
تأخيره إلى الغد فهل لي تأخيره مع جهل العاقبة أم أعصى بالتأخير فان قلنا لا تعصي قال فلم آثم
بالموت الذي ليس إلى وان قلنا يعصي خالفنا الاجماع في الواجب الموسع وان قلنا إن كان في علم
الله انك تموت قبل الغد عصيت وإن كان في علمه انك تحيا فلك التأخير قال فما يدريني ما في علم
الله تعالى فما قولكم في حق الجاهل فلا بد من الجزم بتحليل أو تحريم فان قيل إذا جوزتم تأخيره
أبدا ولا يعصي إذا مات فلا معنى لوجوبه قلنا تحقق الوجوب بأنه لم يجز التأخير الا بشرط العزم
ولا يجوز العزم على التأخير الا إلى مدة تغلب على ظنه البقاء إليها كتأخير الصلاة من ساعة إلى ساعة
وتأخير الصوم من يوم إلى يوم مع العزم على التفرغ له في كل وقت وتأخير الحج من سنة إلى سنة
فلو عزم المريض المشرف على الهلاك على التأخير شهرا أو الشيخ الضعيف على التأخير سنين وغالب
ظنه انه لا يبقى إلى تلك المدة عصى بهذا التأخير وإن لم يمت ووفق للعمل لأنه مؤاخذ بظنه كالمعزر
إذا ضرب ضربا يهلك أو قطع سلعة وغالب ظنه الهلاك بها يأثم وان سلم ولهذا قال أبو حنيفة
لا يجوز تأخير الحج من سنة إلى سنة لان البقاء إلى سنة لا يغلب على الظن ورآه الشافعي غالبا
على الظن في الشاب الصحيح دون الشيح والمريض ثم المعزر إذا فعل ما يغلب على الظن السلامة
فهلك منه ضمن لأنه أخطأ في ظنه والمخطئ ضامن غير آثم هذا آخر كلام الغزالي رحمه الله * ولنا فيمن
أخر الحج حتى مات ثلاثة أوجه أصحها يموت عاصيا الشيخ والشاب الصحيح الثاني لا يموت عاصيا
والثالث يعصي الشيخ دون الشاب وهو الذي اختاره الغزالي هنا كما ذكرناه عنه ولكن الأصح
عند الأصحاب العصيان مطلقا وسنبسط المسألة بفروعها وما يترتب على العصيان من الأحكام في
50

كتاب الحج حيث ذكرها المصنف إن شاء الله تعالى * قال المصنف رحمه الله *
* (والأفضل فيما سوى الظهر والعشاء التقديم في أول الوقت لما روى عبد الله رضي الله عنه
قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الاعمال أفضل فقال " الصلاة في أول وقتها " ولان الله
تعالى أمر بالمحافظة عليها قال الشافعي رحمه الله ومن المحافظة عليها تقديمها في أول الوقت لأنه إذا
أخرها عرضها للنسيان وحوادث الزمان) *
* (الشرح) * حديث عبد الله المذكور وهو ابن مسعود رضي الله عنه رواه ابن خزيمة في صحيحه
بهذا اللفظ والبيهقي هكذا من رواية ابن مسعود ورواه أبو داود والترمذي من رواية أم فروة
الصحابية رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا ولكنه ضعيف ضعفه الترمذي وضعفه
بين ويغنى عنه ما سنذكره من الأحاديث الصحيحة إن شاء الله تعالى * اما حكم المسألة فالأفضل تعجيل
الصبح في أول وقتها وهو إذا تحقق طلوع الفجر هذا مذهبنا ومذهب عمر وعثمان وابن الزبير وانس
وأبي موسى وأبي هريرة رضي الله عنهم والأوزاعي ومالك واحمد واسحق وداود وجمهور العلماء
وقال ابن مسعود والنخعي والثوري وأبو حنيفة تأخيرها إلى الاسفار أفضل * واحتج لمن قال بالاسفار
بحديث رافع بن خديج رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أسفروا
بالفجر فإنه أعظم للأجر " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وهذا لفظ الترمذي
وفى رواية أبى داود " أصبحوا بالصبح فإنه أعظم للأجر " وعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه
قال " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها الا صلاتين جمع بين المغرب
والعشاء بجمع يعنى المزدلفة وصلي الفجر يومئذ قبل ميقاتها " رواه البخاري ومسلم قالوا ومعلوم أنه
لم يصلها قبل طلوع الفجر وإنما صلاها بعد طلوعه مغلسا بها فدل على أنه كان يصليها في جميع الأيام
غير ذلك اليوم مسفرا بها قالوا ولان الاسفار يفيد كثرة الجماعة واتصال الصفوف ولان الاسفار
يتسع به وقت التنفل قبلها وما أفاد كثرة النافلة كان أفضل * واحتج أصحابنا يقول الله تعالى (حافظوا
على الصلوات) ومن المحافظة تقديمها في أول الوقت لأنه إذا أخرها عرضها للفوات وبقول الله تعالى
(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) والصلاة تحصل ذلك وبقوله تعالي (واستبقوا الخيرات) وبحديث
51

عائشة رضي الله عنها قالت " كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر
متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس " رواه البخاري
ومسلم المتلفعات المتلففات والمروط الأكسية وعن أبي برزة رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه وكان يقرأ بالستين إلى المائة)
رواه البخاري ومسلم وعن جابر رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الظهر
إذا زالت الشمس والعصر والشمس حية والمغرب إذا غابت الشمس والعشاء إذا رأى في الناس قلة
أخر وإذا رأى كثرة عجل والصبح بغلس " رواه البخاري ومسلم وعن قتادة عن أنس رضي الله
عنه قال " تسحر نبي الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله صلى الله عليه
وسلم إلى الصلاة فصلي قلت لأنس كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة قال قدر ما يقرأ الرجل
خمسين آية " رواه البخاري بلفظه ومسلم بمعناه وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال " كنت أتسحر
في أهلي ثم يكون سرعة بي أن أدرك صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري
وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلي الصبح مرة بغلس
ثم صلي مرة أخرى فأسفر بها ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر " رواه أبو داود
باسناد حسن قال الخطابي هو صحيح الاسناد وعن مغيث بن سمي قال " صليت مع ابن الزبير صلاة الفجر
52

فصلى بغلس وكان يسفر بها فلما سلم قلت لابن عمر ما هذه الصلاة وهو إلى جانبي فقال هذه صلاتنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر رضي الله عنهما فلما قتل عمر أسفر بهما عثمان رضي الله عنه " قال
الترمذي في كتاب العلل قال البخاري هذا حديث حسن * واما الجواب عن حديث رافع بن خديج فمن
وجهين أحدهما أن المراد بالاسفار طلوع الفجر وهو ظهوره يقال سفرت المرأة أي كشفت وجهها فان قيل
لا يصح هذا التأويل لقوله صلى الله عليه وسلم (فإنه أعظم للأجر) لان هذا يدل على صحة الصلاة قبل الاسفار
لكن الاجر فيها أقل فالجواب أن المراد أنه إذا غلب على الظن دخول الوقت ولم يتيقنه جاز له الصلاة
ولكن التأخير إلى أسفار الفجر وهو ظهوره الذي يتيقن به طلوعه أفضل وقيل يحتمل أن يكون الامر
بالاسفار في الليالي المقمرة فإنه لا يتيقن فيها الفجر الا باستظهار في الاسفار والثاني ذكره الخطابي انه
يحتمل انهم لما أمروا بالتعجيل صلوا بين الفجر الأول والثاني طلبا للثواب فقيل لهم صلوا بعد الفجر
الثاني وأصبحوا بها فإنه أعظم لأجركم فان قيل لو صلوا قبل الفجر لم يكن فيها أجر فالجواب أنهم
يؤجرون على نيتهم وإن لم تصح صلاتهم لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر "
واما الجواب عن حديث ابن مسعود رضي الله عنه فمعناه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلي الفجر
في هذا اليوم قبل عادته في باقي الأيام وصلى في هذا اليوم في أول طلوع الفجر ليتسع الوقت لمناسك الحج
وفى غير هذا اليوم كان يؤخر عن طلوع الفجر قدر ما يتوضأ المحدث ويغتسل الجنب ونحوه فقوله قبل
53

ميقاتها معناه قبل ميقاتها المعتاد بشئ يسير والجواب عن قولهم الاسفار تفيد كثرة الجماعة ويتسع
به وقت النافلة ان هذه القاعدة لا تلتحق بفائدة فضيلة أول الوقت ولهذا كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يغلس بالفجر *
(فصل) واما الظهر في غيره شدة الحر فمذهبنا ان تعجيلها في أول الوقت أفضل وبه قال الجمهور وقال
مالك أحب ان تصلى في الصيف والشتاء والفئ ذراع كما قال عمر رضي الله عنه دليلنا حديث أبي برزة
رضي الله عنه قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى الظهر إذا زالت الشمس " رواه البخاري ومسلم
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا دحضت الشمس " رواه مسلم
قوله والشمس دحضت أي زالت *
(فصل) وأما العصر فتقديمها في أول الوقت أفضل وبه قال جمهور العلماء وقال الثوري
وأبو حنيفة وأصحابه تأخيرها أفضل ما لم تتغير الشمس واحتجوا بقول الله تعالى (وأقم الصلاة طرفي
النهار) وبحديث على ابن شيبان رضي الله عنه قال " قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس نقية " وعن عبد الواحد بن نافع عن ابن رافع بن خديج
عن أبيه رضي الله عنه قال " امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتأخير العصر " ولأنها إذا أخرت
اتسع وقت النافلة * واحتج أصحابنا بقول الله تعالى (حافظوا على الصلوات) وقد سبق تقرير وجه
الدليل وبالآيتين السابقتين في الظهر وبحديث أنس رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصلى العصر والشمس مرتفعة حية فيذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة "
54

رواه البخاري ومسلم وفى رواية لهما " فيذهب الذاهب إلى العوالي " قال العلماء العوالي قرى
عند المدينة أقربها منها على أربعة أميال وقيل ثلاثة وابعدها على ثمانية وعن أبي أمامة بن سهل بن
حبيب وهو صحابي بن صحابي رضي الله عنهما قال " صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا
حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر فقلت يا عم ما هذه الصلاة التي صليت قال
العصر وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كنا نصلي معه " رواه البخاري ومسلم وعن
رافع بن خديج رضي الله عنه قال " كنا نصلي العصر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نم تنحر
الجزور فتقسم عشر قسم فنأكل لحما نضيجا قبل مغيب الشمس " رواه البخاري ومسلم وعن
أنس رضي الله عنه قال " صلي بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر فلما انصرف أتاه رجل
من بني سلمة فقال يا رسول الله انا نريد ان ننحر جزورا لنا ونحب ان تحضرها فانطلق وانطلقنا
معه فوجدنا الجزور لم تنحر فنحرت ثم قطعت ثم طبخ منها ثم أكلنا قبل أن تغيب الشمس " رواه
مسلم وعن هشام بن عروة عن أبيه ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى
الأشعري رضي الله عنه ان صل العصر والشمس بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب ثلاث فراسخ "
رواه مالك في الموطأ عن هشام وأما الجواب عن احتجاجهم بالآية فقال أصحابنا قال أهل اللغة
الطرف ما بعد النصف وعن حديث على ابن شيبان انه باطل لا يعرف وعن حديث رافع انه ضعيف
رواه الدارقطني والبيهقي وضعفاه وبينا ضعفه ونقل البيهقي عن البخاري انه ضعفه وضعفه أيضا
أبو زرعة الرازي وأبو القسم اللالكائ وغيرهما وقولهم يسع وقت النافلة سبق جوابه في تقديم
الصبح والله أعلم *
(فصل) واما المغرب فتعجيلها في أول وقتها أفضل بالاجماع *
(فصل) وأما العشاء فذكر المصنف والأصحاب فيها قولين أحدهما وهو نصه في الاملاء
55

والقديم أن تقديمها فضل كغيرها ولأنه الذي واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى النعمان
ابن بشير رضي الله عنهما قال إنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة صلاة عشاء الآخرة " كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثه " رواه أبو داود والترمذي باسناد صحيح وهذا
نص في تقديمها والقول الثاني تأخيرها أفضل وهو نصه في أكثر الكتب الجديدة لحديث أبي
هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم ان
يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ورواه أبو
داود باسناد صحيح فقال " لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العشاء وبالسواك عند كل
صلاة " وعن زيد بن خالد رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لولا
أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل " رواه
أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وأما الحديث المذكور في النهاية والوسيط " لولا أن
أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ولأخرت العشاء إلى نصف الليل " فهو بهذا
اللفظ حديث منكر لا يعرف وقول امام الحرمين انه حديث صحيح ليس بمقبول فلا يغتر به وعن
جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخر صلاة العشاء الآخرة "
رواه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب ان
يؤخر العشاء " رواه البخاري ومسلم وعن عائشة رضي الله عنها قالت " اعتم رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالعشاء حتى ناداه عمر رضي الله عنه الصلاة نام النساء والصبيان فخرج وقال ما ينتظرها
من أهل الاسلام غيركم وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول " رواه البخاري
ومسلم وهذا لفظ البخاري وفى رواية لمسلم " اغتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نام أهل
المسجد فخرج فصلي فقال إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي " وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال
" اعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رقد الناس واستيقظوا ورقدوا واستيقظوا فقام عمر بن
الخطاب رضي الله عنه فقال الصلاة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لولا أن أشق على
56

أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا " رواه البخاري ومسلم وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال
" مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة فخرج الينا حين
ذهب ثلث الليل أو بعده فلا ندري أشئ شغله في أهله أو غير ذلك فقال حين خرج انكم
تنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولولا أن تثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة ثم أمر
المؤذن فأقام الصلاة وصلي " رواه مسلم بلفظه (7) والبخاري بعضه وعن أنس رضي الله عنه قال " أخر
النبي صلى الله عليه وسلم العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال صلى الناس وناموا أما انكم في
صلاة ما انتظرتموها " رواه البخاري ومسلم وعن عائشة رضي الله عنها قالت " اعتم النبي صلى الله
عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل وحتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلي فقال إنه لوقتها
لولا أن أشق على أمتي " رواه مسلم فهذه أحاديث صحاح في فضيلة التأخير وهو مذهب أبي حنيفة
وأحمد واسحق وآخرين وحكاه الترمذي عن أكثر العلماء من الصحابة والتابعين ونقله ابن المنذر
عن ابن مسعود وابن عباس والشافعي وأبي حنيفة والأصح من القولين عند أصحابنا ان تقديمها
أفضل ممن صححه الشيخ أبو حامد والمحاملي في المجموع والتجريد والمصنف هنا وفى التنبيه والشيخ
نصر والشاشي في المستظهري وآخرون وقطع به سليم في الكفاية والمحاملي في المقنع والجرجاني
في كتابيه والشيخ نصر في الكافي والغزالي في الخلاصة والشاشبي في العمدة وقطع الزبيري في الكافي
بتفضيل التأخير وهو أقوى دليلا للأحاديث السابقة فان قلنا بهذا أخرت إلى وقت الاختيار
وهو نصف الليل في قول وثلثه في قول هكذا صرح به القاضي حسين وصاحب العدة وآخرون
قالوا ولا يؤخرها عن وقت الاختيار هذا الذي ذكرناه من أن في استحباب تأخير العشاء وتقديمها
قولين هو المشهور في المذهب قال صاحب الحاوي وقال ابن أبي هريرة ليست على قولين بل على

(7) بهامش الأصل لعله يمعناه اه‍
57

حالين فان علم من نفسه انه إذا أخرها لا يغلبه نوم ولا كسل استحب تأخيرها والا فتعجيلها
وجمع بين الأحاديث بهذا وضعف الشاشي هذا الذي قاله ابن أبي هريرة وليس هو بضعيف كما
زعم بل وظاهر أو الأرجح والله أعلم *
(فرع) فيما يحصل به فضيلة أول لوقت في جميع الصلوات ثلاثة أوجه أصحها وبه قطع
العراقيون وصاحب التقريب وآخرون يحصل بان يشتغل أول دخول الوقت بأسباب الصلاة
كالأذان والإقامة وستر العورة وغيرها ولا يضر الشغل الخفيف كأكل لقم وكلام قصير ولا
يكلف العجلة على خلاف العادة وشرط الشيخ أبو محمد تقديم ستر العورة قبل الوقت لنيل فضيلة
أول الوقت لان الستر واجب لا اختصاص له بالصلاة وضعفه امام الحرمين وغيره ونقلوا عن
عن العراقيين وغيرهم انه لا يشترط تقديمه والوجه الثاني يبقى وقت الفضيلة إلى نصف الوقت
وادعي صاحب البيان انه المشهور وكذا أطلقه جماعة وقال آخرون إلى نصف وقت الاختيار
والثالث لا تحصل فضيلة أول الوقت حتى يقدم قبل الوقت ما يمكن تقديمه من الأسباب لتنطبق
الصلاة على أول الوقت وعلى هذا قيل لا ينال المتيمم فضيلة أول الوقت وهذا الوجه الثالث غلط صريح
وإن كان مشهورا في كتب الخراسانيين فإنه مخالف للسنة المستفيضة عن فعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم وعن أصحابه فمن بعدهم من التابعين وسائر أئمة المسلمين قال أمام الحرمين هذان
الوجهان الأخيران حكاهما الشيخ أبو علي وهما ضعيفان *
(فرع) قال أصحابنا إذا كان يوم غيم استحب ان تؤخر الصلاة حتى يتيقن الوقت أو لا يبقى
الا وقت لو أخر عنه خاف خروج الوقت *
(فرع) لو كان عادة الامام تأخير الصلاة فهل يستحب لغيره تقديمها في أول الوقت لحيازة
فضيلة أم تأخيرها لفضيلة الجماعة فيه خلاف منتشر سبق بيانه واضحا في باب التيمم *
(فرع) هذا المذكور من فضيلة أول الوقت تستثني منه صور منها من يدافع الحدث ومن
58

حضره طعام وتاق إليه والمتيمم الذي يتيقن الماء في آخر الوقت كذا المريض الذي
لا يقدر على القيام أول الوقت ويعلم قدرته عليه في آخره بالعادة والمنفرد الذي يعلم حضور الجماعة
في آخر الوقت إذا قلنا يستحب لها التأخير على ما سبق في باب التيمم * قال المصنف رحمه الله *
* (واما الظهر فإنه إن كان في غير حر شديد فتقديمها أفضل لما ذكرناه وإن كان في حر شديد
وتصلي جماعة في موضع تقصده الناس من البعد استحب الابراد بها بقدر ما يحصل فيئ يمشي فيه القاصد
إلى الصلاة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا اشتد الحر فأبردوا
بالصلاة فان شدة الحر من فيح جهنم) وفى صلاة الجمعة وجهان أحدهما انها كالظهر لما روى أنس
رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا اشتد البرد بكربها وإذا اشتد الحر أبرد بها والثاني
تقديمها أفضل بكل حال لان الناس لا يتأخرون عنها لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها فلم يكن
للتأخير وجه:) * *
* (الشرح) * حديث أبي هريرة رواه البخاري ومسلم وفيح جهنم بفتح الفاء واسكان الياء المثناة
تحت وبالحاء وهو غليانها وانتشار لهبها ووهجها وحديث أنس رضي الله عنه في صحيح البخاري
لكن لفظه عن أنس رضي الله عنه قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكر بالصلاة
وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة يعنى الجمعة " هذا لفظه وترجم له البخاري باب " إذا اشتد الحر يوم الجمعة " *
اما حكم المسألة فتقديم الظهر في أول وقتها في غير شدة الحر أفضل بلا خلاف لما سبق من الأحاديث
اما في شدة الحر لمن يمضى إلى جماعة وطريقه في الحر فالابراد بها سنة مستحبة على المذهب الصحيح
الذي نص عليه الشافعي وقطع به جمهور العراقيين والخراسانيين وفيه وجه شاذ حكاه الخراسانيون
أن الايراد رخصة وانه لو تكلف المشقة وصلي في أول الوقت كان أفضل هكذا حكاه جماعات
من الخراسانيين والقاضي أبو الطيب في تعليقه بهذا اللفظ ومنهم أبو علي السنجي في شرح التلخيص
وزعم أنه الأصح وليس كما قال بل هذا الوجه غلط منابذ للسنن المتظاهرة فقد ثبت في الأحاديث
الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالابراد وانه فعله قال أصحابنا والحكمة فيه
أن الصلاة في شدة الحر والمشي إليها يسلب الخشوع أو كماله فاستحب التأخير لتحصيل الخشوع كمن
حضره طعام تتوق نفسه إليه أو كان يدافع الأخبثين وحقيقة الابراد أن يؤخر الصلاة عن أول الوقت
59

بقدر ما يحصل للحيطان فيئ يمشي فيه طالب الجماعة ولا يؤخر عن النصف الأول من الوقت
وللابراد أربعة شروط أن يكون في حر شديد وأن تكون بلاد حارة وان تصلي جماعة وان يقصدها
الناس من البعد هكذا نص الشافعي في الأم وجمهور الأصحاب على هذه الشروط الأربعة وترك
المصنف اشتراط البلاد الحارة وهو وجه مشهور حكاه صاحب الحاوي وجماعة من الخراسانيين
وفى البويطي قول انه لو قربت منازلهم من المسجد استحب الابراد كما لو بعدوا وهذا القول حكاه
القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهم من العراقيين وجماعة من الخراسانيين وطردوه في جماعة
هم في موضع لا يأتيهم إليه أحد وفيمن يمكنه المشي إلى المسجد في ظل وفيمن صلي في بيته منفردا
والأصح المنصوص انهم كلهم لا يبردون بل تشترط الشروط الأربعة هكذا قاله الأصحاب متابعة
لنص الشافعي رحمه الله وظاهر الحديث أنه لا يشترط غير اشتداد الحر واما الجمعة فالأصح انهم
لا يبردون بها ودليل الوجهين في الكتاب والله أعلم واما حديث زهير عن أبي إسحاق عن سعيد
ابن وهب عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال " شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
حر الرمضاء فلم يشكنا قال زهير قلت لأبي إسحاق أفي الظهر قال نعم قلت أفي تعجيلها قال نعم "
رواه مسلم فهو منسوخ بين البيهقي وغيره نسخه * قال المصنف رحمه الله *
* (وأوكد الصلوات في المحافظة عليها الصلاة الوسطى لان الله تعالى خصها بالذكر فقال تعالى
(والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) فقرنها بالقنوت ولا قنوت الا في الصبح ولان الصبح يدخل
وقتها والناس في أطيب نوم فخص بالمحافظة حتى لا يتغافل عنها بالنوم ولهذا خص بالتثويب) * *
* (الشرح) * اتفق العلماء على أن الصلاة الوسطى آكد الصلوات الخمس واختلفوا فيها
فقال الشافعي هي الصبح نص عليه في الأم وغيره وهو مذهب مالك ونقله الواحدي عن عمر ومعاذ ابن
جبل وابن عباس وابن عمر وجابر رضي الله عنهم وعطاء وعكرمة ومجاهد والربيع بن أنس رحمهم
60

الله وقال طائفة هي العصر وهو مذهب أبي حنيفة واحمد وداود وابن المنذر ونقله الواحدي عن علي
وابن مسعود وأبي هريرة رضي الله عنهم والنخعي والحسن وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل
ونقله ابن المنذر عن أبي أيوب الأنصاري وأبى سعيد الخدري وابن عمر وابن عباس رضي الله عنه
م وعبيدة السلماني رحمه الله ونقله الترمذي عن أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم وقالت طائفة
هي الظهر وهو رواية عن أبي حنيفة ونقله الواحدي عن زيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وأسامة
ابن زيد وعائشة ونقله ابن المنذر عن عبد الله بن شداد وقال قبيصة بن ذؤيب هي المغرب قال
الواحدي وقال بعضهم هي العشاء الآخرة وبعضهم انها إحدى الصلوات الخمس مبهمة ونقل
القاضي عياض عن بعضهم انها الجملة وعن بعضهم ان الوسطى جميع الصلوات الخمس فهذه مذاهب
العلماء فيها والصحيح منها مذهبان العصر والصبح والذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة انها العصر
وهو المختار قال صاحب الحاوي نص الشافعي رحمه الله انها الصبح وصحت الأحاديث انها العصر
ومذهبه اتباع الحديث فصار مذهبه أنها العصر قال ولا يكون في المسألة قولان كما فهم بعض أصحابنا
هذا كلام صاحب الحاوي * واحتج القائلون أنها العصر بحديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال " يوم الأحزاب شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملا الله بيوتهم وقبورهم نارا "
رواه مسلم بهذا اللفظ والبخاري بمعناه * واحتج أصحابنا بما ذكره المصنف وأجابوا عن الحديث بان
العصر تسعى وسطي ولكن لا نسلم انها المرادة في القرآن وهذا الجواب ضعيف واحتجاج أصحابنا
بقوله تعالى (وقوموا لله قانتين) مما ينكره المخالفون ويقولون لا نسلم اثبات القنوت في الصبح وان سلمناه
لا نسلم أن المراد بالقنوت هذا القنوت المعروف عندكم بل القنوت الطاعة والعبادة كذا قال أهل اللغة
61

ان هذا أشهر معانيه والجواب عن هذا الانكار أن القنوت في اللغة يطلق على طول القيام وعلى
الدعاء ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أفضل الصلاة طول القنوت " وقال أبو إسحاق
الزجاج المشهور في اللغة والاستعمال أن القنوت العبادة والدعاء لله تعالى في حال القيام قال الواحدي
فتظهر الدلالة للشافعي أن الوسطى الصبح لأنه لا فرض يدعا فيه قائما غيرها والله أعلم ومما استدل به
البيهقي على أنها الصبح وليست العصر حديث عائشة رضي الله عنها " انها قالت لمن يكتب لها مصحفا
اكتب حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين قالت عائشة
سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه مسلم قال فعطف العصر على الوسطى يدل على أنها غيرها
* قال المصنف رحمه الله *
* (ويجوز تأخير الصلاة إلى آخر الوقت لقوله صلى الله عليه وسلم أول الوقت رضوان الله وآخره
عفو الله) ولأنا لو لم نجوز التأخير ضاق على الناس فسمح لهم بالتأخير فان صلى ركعة في الوقت
ثم خرج الوقت ففيه وجهان أحدهما وهو ظاهر المذهب وهو قول أبي علي بن خيران انه مؤد
للجميع لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أدرك من الصبح
ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس
فقد أدرك العصر) ومن أصحابنا من قال هو مؤد لما صلي في الوقت قاض لما صلي بعد خروج الوقت
اعتبارا بما في الوقت وبعده) * *
* (الشرح) * حديث أول الوقت رضوان الله حديث ضعيف رواه الترمذي من رواية ابن
عمر ورواه الدارقطني من رواية ابن عمر وجرير بن عبد الله وأبي محذورة وأسانيد الجميع ضعيفة
وجمعها البيهقي وقال أسانيده كلها ضعيفة ويغنى عنه الأحاديث التي قدمتها في الباب كحديث
" ليس التفريط في النوم " وحديث امامة جبريل عليه السلام وحديث " وقت الظهر ما لم تحضر
العصر وصلي المغرب عند سقوط الشفق " وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة واما حديث أبي
هريرة " من أدرك من الصبح ركعة إلى آخره " فرواه البخاري ومسلم بلفظه وقد ذكرته قبل
هذا وفى رواية في الصحيحين " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " *
أما حكم المسألة فيجوز تأخير الصلاة إلى آخر الوقت بلا خلاف حيث تقع جميعا في الوقت
فإذا وقع بعض صلاته في الوقت وبعضه خارجه نظر ان وقع في أول الوقت ركعة فصاعدا
فثلاثة أوجه أصحها باتفاقهم قال البندبنجي وهو المنصوص في الجديد والقديم ان الجميع أداء:
62

والثاني الجميع قضاء حكاه الخراسانيون: والثالث ما في الوقت أداء وما بعده قضاء وهو قول أبي
إسحاق المروزي حكاه عنه القاضي أبو الطيب وآخرون ودليل الوجهين في الكتاب ودليل
القضاء ان الاعتبار بآخر الصلاة ولهذا لو خرج الوقت في أثناء الجمعة أتموها ظهرا وإن كان الواقع
في الوقت دون ركعة فطريقان المذهب أن الجميع قضاء وبه قطع الأكثرون والثاني أنه على
الأوجه حكاه القاضي حسين وآخرون وحيث قلنا الجميع قضاء أو البعض لم يجز للمسافر قصر
تلك الصلاة على قولنا لا تقصر المقضية ولو أراد انسان تأخير الشروع في الصلاة إلى حد يخرج
بعضها عن الوقت فان قلنا كلها أو بعضها قضاء لم يجز بلا خلاف وان قلنا كلها أداء لم يجز أيضا
على المذهب وبه قطع البغوي وهو الذي صوبه امام الحرمين وفيه تردد للشيخ أبي محمد وجزم
البندنيجي بالجواز وليس بشئ أما إذا شرع في الصلاة وقد بقي من الوقت ما يسع جميعها فمدها
بتطويل القراءة حتى خرج الوقت قبل فراغها فثلاثة أوجه أصحها لا يحرم ولا يكره لكنه خلاف
الأولي والثاني يكره والثالث يحرم حكاه القاضي حسين في تعليقه والله أعلم *
(فرع) ذكرنا أن حديث أول الوقت رضوان الله ضعيف والرضوان بكسر الراء وضمها
لغتان قرئ بهما في السبع قال الشافعي رحمه الله في المختصر رضوان الله تعالى إنما يكون للمحسنين
والعفو يشبه أن يكون للمقصرين قال أصحابنا قوله للمقصرين قد يستشكل من حيث إن التأخير
لا أثم فيه فكيف يكون فاعله مقصرا وأجابوا بوجهين أحدهما انه مقصر بالنسبة إلى من صلي في
أول الوقت وإن كان لا أثم عليه والثاني انه مقصر بتفويت الأفضل كما يقال من ترك صلاة
الضحى فهو مقصر وإن لم يأثم *
* قال المصنف رحمه الله * * (ولا يعذر أحد من أهل الفرض في تأخير الصلاة عن وقتها
الا نائم أو ناس أو مكره أو من يؤخرها للجمع بعذر السفر أو المطر لقوله صلى الله عليه وسلم " ليس
التفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة " فنص على النائم وقسنا عليك الناسي والمكره لأنهما في
معناه واما من يؤخر الصلاة لسفر أو مطر فنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى) * *
* (الشرح) * حديث ليس في النوم تفريط صحيح سبق بيانه من رواية أبى قتادة رضي الله عنه
وقوله لا يعذر أحد من أهل الفرض إلى آخره هكذا قاله أصحابنا فان قيل يرد عليه المرأة إذا رأت
دما يحتمل الحيض فإنها تمسك عن الصلاة على الصحيح كما سبق في بابه وقد ينقطع لدون يوم
63

وليلة ونتيقن وجوب الصلاة ولم يستثنها وجوابه ان الصلاة لم تكن واجبة عليها في ظاهر الحكم
حين اخرتها والله أعلم * واعلم أن قوله إن من يؤخرها للجمع بالمطر تفريع على القول الضعيف في
جواز التأخير في الجمع بالمطر والأصح انه لا يجوز التأخير وإنما يجوز التقديم وأما قوله أو من أكره
على تأخيرها فمحمول على من أكره على ترك الصلاة ومنع من الايماء بها أو أكره على التلبس بما
ينافيها فاما من لم يكن كذلك وأمكنه الايماء برأسه وعينه أو نحو ذلك فيجب عليه الصلاة في
الوقت لحرمته ويعيد كما قاله أصحابنا في مسألة الغريق والمصلوب والمريض وغيرهم ممن عجز عن
القبلة واتمام الأركان أنه يجب الصلاة في الحال بحسب الامكان وتجب الإعادة على المذهب وسبق
بيان المسألة والخلاف فيها في باب التيمم وقد نص الشافعي رحمه الله على المكره فقال في البويطي
في آخر كتاب الصلاة قبل الجنائز بدون ورقة ولو أسر رجل ومنع من الصلاة فقدر ان يصليها إيماء
صلاها ولم يدعها وأعادها (قلت) ودليله قوله صلى الله عليه وسلم " وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه
ما استطعتم " رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه *
* قال المصنف رحمه الله * * (إذا بلغ الصبي أو أسلم الكافر أو طهرت الحائض أو النفساء أو أفاق المجنون
أو المغمى عليه وقد بقي من وقت الصلاة قدر ركعة لزمه فرض الوقت لما روى أبو هريرة
رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس
فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) فان بقي
من الوقت دون ركعة ففيه قولان روى المزني عنه انه لا يلزمه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه
ولان بدون الركعة لا يدرك الجمعة فكذلك ههنا وقال في كتاب استقبال القبلة يلزمه بقدر تكبيرة
لأنه ادراك حرمة فاستوى فيه الركعة والتكبيرة كادراك الجماعة وتخالف الجمعة فإنه ادراك فعل
فاعتبر فيه الركعة وهذا ادراك حرمة فهو كالجماعة وأما الصلاة التي قبلها فينظر فيها فإن كان ذلك
في وقت الصبح أو الظهر أن المغرب لم يلزمه ما قبلها لان ذلك ليس بوقت لما قبلها وإن كان ذلك
في وقت العصر أو في وقت العشاء قال في الجديد يلزمه الظهر بما يلزم به العصر ويلزم المغرب بما
يلزم به العشاء وفيما يلزم به العصر والعشاء قولان أحدهما ركعة والثاني تكبيرة والدليل عليه أن
وقت العصر وقت الظهر ووقت العشاء وقت المغرب في حق أهل العذر وهو المسافر وهؤلاء من
أهل العذر فجعل ذلك وقتا لها في حقهم وقال في القديم فيه قولان أحدهما يجب بركعة وطهارة
64

والثاني يجب الظهر والعصر بمقدار خمس ركعات أربع للظهر وركعة للعصر وتجب المغرب مع العشاء
بأربع ركعات ثلاث للمغرب وركعة للعشاء لان الوقت اعتبر لادراك الصلاتين فاعتبر وقت يكن
الفراغ من أحداهما والشروع في الأخرى وغلط أبو إسحاق في هذا فقال أربع من العصر وركعة
من الظهر وأربع من العشاء وركعة من المغرب وهذا خلاف النص في القديم وخلاف النظر لان
العصر تجب بركعة فدل على أن الأربع للظهر وخرج أبو إسحاق في المسألة قولا خامسا انه يدرك
الظهر والعصر بمقدار احدى الصلاتين وتكبيرة) * *
* (الشرح) * إذا زال الصبا أو الكفر أو الجنون أو الاغماء أو الحيض أو النفاس في آخر الوقت
فان بقي من الوقت قدر ركعة لزمته تلك الصلاة بلا خلاف لحديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو
في الصحيحين كما سبق بيانه قريبا والمعتبر في الركعة أخف ما يمكن وحكي امام الحرمين عن والده أن
قال مرة يكفي ركعة مسبوق وضعفه الامام وهل يشترط معها زمن امكان الطهارة فيه قولان حكاهما
الخراسانيون وبعضهم يحكيا وجهين أصحهما وبه قطع العراقيون يشترط لظاهر الحديث والثاني يشترط
ليتمكن من فعل الركعة وان بقي من الوقت قدر تكبيرة فما فوقها مما لا يبلغ ركعة فقولان أصحهما
باتفاق الأصحاب تلزمه تلك الصلاة لأنه أدراك جزء منه كادراك الجماعة والثاني لا لمفهوم
الحديث وقياسا على الجمعة وفى اشتراط زمن الطهارة القولان فان قلنا تلزم بتكبيره فأدرك
زمن نصف تكبيره أن تصور ذلك ففي اللزوم به تردد للشيخ أبي محمد حكاه امام الحرمين
والغزالي في البسيط لأنه ادراك جزء من الوقت الا انه لا يسع ركنا قال أصحابنا وشرط الوجوب
بركعة أو تكبيره ان يمتد السلامة من المانع قدر امكان الطهارة وفعل تلك الصلاة فان عاد مانع قبل
ذلك لم تجب مثاله بلغ صبي في آخر وقت العصر ثم جن أو أفاق مجنون ثم عاد جنونه أو طهرت
ثم جنت أو أفاقت ثم حاضت فان مضى في حال السلامة ما يسع طهارة وأربع ركعات وجبت
العصر وإلا فلا ويستوي في الادراك بركعة جميع الصلوات فإن كانت المدركة صبحا أو ظهرا أو
مغربا لم يجب غيرها وإن كانت عصرا أو عشاء وجب مع العصر الظهر ومع العشاء المغرب بلا خلاف
65

وفيما تجب به قولان أظهرهما باتفاق الأصحاب وهو نصه في الجديد تجب بما تجب به الأولي فتجب الصلاتين
بركعة في قول وبتكبيرة في قول وهو الأظهر والثاني وهو القديم لا تجب الظهر مع العصر الا بادراك
أربع ركعات مع ما تجب به العصر فعلى قول يشترط خمس ركعات وعلى قول أربع وتكبيرة وعلى هذا
تكون الأربع للظهر والركعة أو التكبيرة للعصر على الصحيح المنصوص في القديم ليمكن الفراغ من الظهر
والشروع في العصر وتدرك المغرب بأربع ركعات من آخر وقت العشاء ثلاث للمغرب وركعة للعشاء
وقال أبو إسحاق المروزي الأربع للعصر والركعة للظهر قال ويشترط في المغرب مع العشاء خمس ركعات
أربع للعشاء وركعة للمغرب قال المصنف والأصحاب هذا الذي قاله أبو إسحاق غلط صريح مخالف
للنص والدليل فكيف يصح ان يشترط للثانية أربع ركعات ويكتفى في الأولي بركعة وهل يشترط
مع ذلك زمن امكان الطهارة فيه القولان السابقان أظهرهما لا يشترط وإذا جمعت الأقوال حصل
فيما يلزم به كل صلاة في آخر وقتها أربعة أقوال أصحها قدر تكبيرة والثاني تكبيرة وطهارة والثالث
ركعة والرابع ركعة وطهارة وفيما يلزم به الظهر مع العصر ثمانية أقوال هذه الأربعة والخامس قدر
أربع ركعات وتكبيرة والسادس هذا وزيادة طهارة والسابع خمس ركعات والثامن هذا وطهارة وفيما
تلزم به المغرب مع العشاء اثنا عشر قولا هذه الثمانية والتاسع ثلاث ركعات وتكبيرة والعاشر ثلاث ركعات
وتكبيرة وطهارة والحادي عشر أربع ركعات والثاني عشر هذا وطهارة *
(فرع) عادة أصحابنا يسمون هؤلاء أصحاب الاعذار فاما غير الكافر فتسميته معذورا
ظاهرة ويسمى الكافر معذورا لأنه لا يطالب بالقضاء بعد الاسلام تخفيفا عنه كما لا يطالبون
تخفيفا عنهم واستدلوا على وجوب الظهر بادراك آخر وقت العصر ووجوب المغرب بادراك آخر وقت العشاء
بأنهما كالصلاة الواحدة ووقت إحداهما وقت الأخرى في حق المعذور بسفر وهذا الحكم رواه البيهقي عن عبد
الرحمن بن عوف وابن عباس وفقهاء المدينة السبعة رضي الله عنهم واعلم أن الأصحاب أطلقوا اشتراط أربع ركعات
للزوم الظهر على القول الضعيف وهذا محمول على غير المسافر أما المسافر فإنما يشترط في حقه للظهر
ركعتان فقط *
(فرع) قد ذكرنا أن الصحيح عندنا انه يجب على المعذور الظهر بادراك ما تجب به العصر
وبه قال عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وفقهاء المدينة السبعة وأحمد وغيرهم وقال الحسن وقتادة
وحماد والثوري وأبو حنيفة ومالك وداود لا تجب * قال المصنف رحمه الله *
* (فاما إذا أدرك جزءا من أول الوقت ثم طرأ العذر بأن كان عاقلا في أول الوقت فجن أو
66

طاهرا فحاضت نظرت فإن لم يدرك ما يسع فرض الوقت سقط الوجوب ولم يلزمه القضاء وقال
أبو يحيى البلخي حكم حكم آخر الوقت فيلزمه في أحد القولين بركعة وفى الثاني بتكبيرة والمذهب
الأول لأنه لم يتمكن من فعل الفرض فسقط وجوبه ويخالف آخر الوقت فإنه يمكنه ان يبني ما بقي
على ما أدرك بعد الوقت فلزمه وان أدرك من الوقت ما يسع للفرض ثم طرأ الجنون أو الحيض استقر
الوجوب ولزم القضاء إذا زال العذر وحكي عن أبي العباس أنه قال لا يستقر حتى يدرك آخر
الوقت والمذهب الأول لأنه وجب عليه وتمكن من أدائه فأشبه إذا وجبت الزكاة وتمكن من
أدائها فلم يخرج حتى هلك المال وأما الصلاة التي بعدها فلا تلزمه وقال أبو يحيى البلخي تلزمه العصر
بادراك وقت الظهر وتلزمه العشاء بادراك وقت المغرب كعكسه والمذهب الأول لان وقت الأولي
وقت للثانية على سبيل التبع ولهذا لا يجوز فعل الثانية في الجمع حتى يقدم الأولى بخلاف وقت الثانية
فإنه وقت للأولى لا على وجه التبع ولهذا يجوز فعلها قبل الأولى) * *
* (الشرح) * إذا طرأ العذر الذي يمكن طرآنه وهو الجنون والاغماء والحيض والنفاس فإن كان
الماضي من الوقت دون قدر الفرض فطريقان المذهب الصحيح وبه قطع الجمهور لا يجب شئ ولا
يجب القضاء وقال أبو يحيى البلخي وغيره من أصحابنا حكم أول الوقت حكم آخره فيجب
القضاء بادراك ركعة في قول وتكبيرة في قول وغلطه الأصحاب بما ذكره المصنف وإن كان قد مضي
من الوقت قبل وجود العذر ما يسع تلك الصلاة وجب قضاء تلك الصلاة على الصحيح المنصوص
وبه قطع الأكثرون وخرج ابن سريج قولا انه لا يجب القضاء الا إذا أدرك جميع الوقت خرجه
من المسافر إذا سافر في أثناء الوقت نص على أن له القصر ولو كانت تجب بأول الوقت لم يقصر
والمذهب الوجوب وقد سبق الجواب عن مسألة القصر قريبا في مسألة وجوب الصلاة بأول الوقت
فعلى المذهب المعتبر أخف ما يمكن من الصلاة حتى لو دخلت في الصلاة في أول الوقت وطولتها
فحاضت فيها وقد مضى من الوقت ما يسعها لو خففتها لزمها القضاء لأنها فوتتها مع التمكن ولو كان
الرجل مسافرا فطرأ جنون أو اغماء أو كانت مسافرة فطرأ الحيض بعدما مضى من وقت الصلاة
المقصورة ما يسع ركعتين وجب قضاؤها لأنه لو قصرها لأمكنه أداؤها هكذا صرح به الأصحاب
منهم الشيخ أبو محمد الجويني في التبصرة وهل يشترط مع امكان فعلها امكان الطهارة فيه طريقان
أحدهما لا لامكان تقديمها قبل الوقت الا إذا لم يجز تقديم طهارة صاحب الواقعة كالمتيمم
67

والمستحاضة والثاني في اشتراطه لمن يمكنه تقديمها الخلاف الذي في آخر الوقت لأنه وان أمكن
التقديم لا يجب وإذا أوجبنا الظهر أو المغرب بادراك أول وقتها لم تجب العصر والعشاء على المذهب
وأوجبهما البلخي إذا أدرك من أول الظهر ثمان ركعات ومن أول المغرب سبع ركعات هكذا
نقله عنه الأصحاب واخل المصنف ببيان اشتراط ثمان ركعات واتفق الأصحاب على تغليط أبى يحيي
البلخي في هذا لان وقت الظهر لا يصلح للعصر الا إذا صليت الظهر جمعا والله أعلم * وأعلم أن الحكم
بوجوب الصلاة إذا أدرك من وقتها ما يسعها لا يختص بأوله بل لو كان المدرك من وسطه لزمت
الصلاة مثاله أفاق المجنون في أثناء الوقت وعاد جنونه في الوقت أو بلغ صبي ثم جن أو أفاقت
مجنونة ثم حاضت أو طهرت ثم جنت في الوقت وقد تلزم الظهر بادراك أول وقت العصر كما تلزم
بآخره مثاله أفاق مغمى عليه بعد أن مضى من وقت العصر ما يسع الظهر والعصر فإن كان مقيما
فالمعتبر قدر ثمن ركعات وإن كان مسافرا يقصر كفى قدر أربع ركعات ويقاس المغرب مع العشاء
في جميع ما ذكرناه بالظهر مع العصر والله أعلم) *
(فرع) قول المصنف سقط الوجوب مجاز والمراد امتنع الوجوب وأبو يحيي اليلخى من كبار أصحابنا
أصحاب الوجوه سافر إلى أقاصي الدنيا في طلب الفقه حتى بلغ فيه الغاية وكان حسن البيان في النظر
عذب اللسان في الجدل وهو من أصحاب ابن سريج رحمهما الله تعالى ورضي عنهما) *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ومن وجب عليه الصلاة فلم يصل حتى فات الوقت لزمه قضاؤها لقوله صلى الله عليه وسلم
(من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) والمستحب أن يقضيها على الفور للحديث الذي
ذكرناه فان أخرها جاز لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم فاتته صلاة الصبح فلم يصلها حتى خرج
من الوادي ولو كانت على الفور لما أخرها وقال أبو إسحاق ان تركها بغير عذر لزمه قضاؤها
على الفور لأنه مفرط في التأخير والمستحب أن يقضيها على الترتيب لان النبي صلى الله عليه وسلم
فاتته أربع صلوات يوم الخندق فقضاها على الترتيب فان قضاها من غير ترتيب جاز لأنه ترتيب
استحق للوقت فسقط بفوات الوقت كقضاء الصوم وان ذكر الفائتة وقد ضاق وقت الحاضرة
لزمه أن يبدأ بالحاضرة لان الوقت تعين لها فوجبت البداءة بها كما لو حضره رمضان وعليه صوم رمضان
قبله ولأنه إذا أخر الحاضرة فاتت فوجبت البداءة بها) * *
68

* (الشرح) * أما الحديث الأول فصحيح ففي صحيح البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال (من نسي صلاة فليصل إذا ذكر) وفى صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
(إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها) واما الحديث الثاني ففي الصحيحين عن
عمران بن حصين رضي الله عنهما قال (كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم وانا أسرينا حتى كنا في
آخر الليل وقعنا وقعة ولا وقعة أحلا عند المسافر منها فما أيقظنا الا حر الشمس فلما استيقظ النبي صلى الله عليه
وسلم شكوا إليه الذي أصابهم فقال لا ضير ولا ضرر ارتحلوا فارتحلوا فسار غير بعيد ثم نزل فدعا
بالوضوء فتوضأ ونودي بالصلاة فصلى بالناس) واما حديث فوات أربع صلوات يوم الخندق فرواه
الترمذي والنسائي من رواية أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه وأبو عبيدة لم يسمع أباه فهو حديث
منقطع لا يحتج به ويغنى عنه حديث جابر رضي الله عنه ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء يوم
الخندق بعدما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش وقال يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى
كادت الشمس تغرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم (والله ما صليتها فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة
وتوضأنا لها فصلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلي بعدها المغرب) رواه البخاري ومسلم قوله
البداية لحن عند أهل العربية والصواب البداءة بضمن الباء والمد والبدأة بفتحها واسكان الدال بعدها
همزة والبدوءة ممدودة ثلاث لغات حكاهن الجوهري وغيره: اما حكم الفصل ففيه مسألتان إحداهما من لزمه
صلاة ففاتته لزمه قضاؤها سواء فاتت بعذر أو بغيره فإن كان فواتها بعذر كان قضاؤها على التراخي
ويستحب أن يقضيها على الفور قال صاحب التهذيب وقيل يجب قضاؤها حين ذكر للحديث والذي قطع
به الأصحاب انه يجوز تأخيرها لحديث عمران ابن حصين وهذا هو المذهب وان فوتها بلا عذر فوجهان كما
ذكر المصنف أصحهما عند العراقيين أنه يستحب القضاء على الفور ويجوز التأخير كما لو فاتت بعذر وأصحهما
عند الخراسانيين أنه يجب القضاء على الفور وبه قطع جماعات منهم أو أكثرهم ونقل امام الحرمين
اتفاق الأصحاب عليه وهذا هو الصحيح لأنه مفرط بتركها ولأنه يقتل بترك الصلاة التي فاتت ولو كان
القضاء على التراخي لم يقتل *
(فرع) الصوم الفائت من رمضان كالصلاة فإن كان معذورا في فواته كالفائت بالحيض
والنفاس والمرض والاغماء والسفر فقضاؤه على التراخي ما لم يحضر رمضان السنة القابلة وسيأتي
تفصيله في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى وإن كان متعديا في فواته ففيه الوجهان كالصلاة أصحهما
عند العراقيين قضاؤه على التراخي وأصحهما عند الخراسانيين وبعض العراقيين وهو الصواب انه
على الفور وأما قضاء الحج الفاسد فهل هو على الفور أم التراخي فيه وجهان مشهوران ذكرهما
69

المصنف والأصحاب في موضعهما أصحهما على الفور لأنه متعد بالافساد وأما الكفارة فإن كانت
بغير عدوان ككفارة القتل خطأ وكفارة اليمين في بعض الصور فهي على التراخي بلا خلاف
لأنه معذور وإن كان متعديا فهل هي على الفور أم على التراخي فيه وجهان حكاهما القفال والأصحاب
أصحهما على الفور قال القفال هما كالوجهين في قضاء الحج لان الكفارة كالحج الثانية إذ فاته صلاة
أو صلوات استحب ان يقدم الفائتة على فريضة الوقت المؤداة وان يرتب الفوائت فيقضى الأولي
ثم الثانية ثم الثالثة وهكذا لحديث جابر وللخروج من خلاف العلماء الذي سنذكره إن شاء الله
تعالى في فرع وان ترك الترتيب أو قدم المؤداة على المقضية أو قدم المتأخرة على الفوائت جاز لما
ذكره المصنف وان ذكر الفائتة وقد ضاق وقت الحاضرة لزمه تقديم الحاضرة لما ذكره المصنف
ولو شرع في الحاضرة ثم ذكر الفائتة وهو فيها أثم الحاضرة سواء اتسع الوقت أم ضاق لان الحاضرة
لا يجوز الخروج منها وان اتسع الوقت لكن يتمها ثم يقضي الفائتة ويستحب ان يعيد الحاضرة
هكذا صرح جماعة من أصحابنا بهذه المسألة منهم الشيخ أو حامد وصاحب التهذيب والرافعي ولو
دخل في الفائتة معتقدا ان في الوقت سعة فبان ضيقه وجب قطعها والشروع في الحاضرة على
الصحيح من المذهب وفى وجه ضعيف يجب اتمام الفائتة ولو تذكر فائتة وهناك جماعة يصلون
الحاضرة والوقت متسع استحب ان يصلي الفائتة أولا منفردا ثم يصلى الحاضرة منفردا أيضا إن لم
يدرك جماعة لان الرتيب مختلف في وجوبه والقضاء خلف الأداء فيه أيضا خلاف السلف
فاستحب الخروج من الخلاف *
(فرع) في مذاهب العلماء في قضاء الفوائت قد ذكرنا أن مذهبنا انه لا يجب ترتيبها ولكن
يستحب وبه قال طاووس والحسن البصري ومحمد بن الحسن وأبو ثور وداود وقال أبو حنيفة
ومالك يجب ما لم تزد الفوائت على صلوات يوم وليلة قالا فإن كان في حاضرة فذكر في أثنائها أن
عليه فائتة بطلت الحاضرة ويجب تقديم الفائتة ثم يصلى الحاضرة وقال زفر واحمد الترتيب واجب
قلت الفوائت أم كثرت قال احمد ولو نسي الفوائت صحت الصلوات التي يصلي بعدها قال احمد
وإسحاق ولو ذكر فائتة وهو في حاضرة تمم التي هو فيها ثم قضى الفائتة ثم يجب إعادة الحاضرة
واحتج لهم بحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من نسي صلاة
فلم يذكرها إلا وهو مع الامام فإذا فرغ من صلاته فليعد الصلاة التي نسي ثم ليعد الصلاة التي
70

صلاها مع الامام) وهذا حديث ضعيف ضعفه موسى بن هارون الحمال بالحاء الحافظ وقال أبو
زرعة الرازي ثم البيهقي الصحيح انه موقوف واحتج أصحابنا بأحاديث ضعيفة أيضا والمعتمد في
المسألة انها ديون عليه فلا يجب ترتيبها الا بدليل ظاهر وليس لهم دليل ظاهر ولان من
صلاهن بغير ترتيب فقد فعل الصلاة التي امر بها فلا يلزمه وصف زائد بغير دليل ظاهر والله أعلم *
(فرع) اجمع العلماء الذين يعتد بهم على أن من ترك صلاة عمدا لزمه قضاؤها وخالفهم
أبو محمد على ابن حزم فقالا لا يقدر على قضائها ابدا ولا يصح فعلها ابدا قال بل يكثر من فعل الخير
وصلاة التطوع ليثقل ميزانه يوم القيامة ويستغفر الله تعالى ويتوب وهذا الذي قاله مع أنه مخالف
للاجماع باطل من جهة الدليل وبسط هو الكلام في الاستدلال له وليس فيما ذكر دلالة أصلا
ومما يدل على وجوب القضاء حديث أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم (أمر
المجامع في نهار رمضان ان يصوم يوما مع الكفارة أي بدل اليوم الذي أفسده بالجماع عمدا)
رواه البيهقي باسناد جيد وروي أبو داود نحوه ولأنه إذا وجب القضاء على التارك ناسيا
فالعامد أولى *
* قال المصنف رحمه الله * * (وان نسي صلاة ولم يعرف عينها لزمه ان يصلي خمس صلوات
وقال المزني يصلى أربع ركعات وينوى الفائتة ويجلس في ركعتين ثم يجلس في الثالثة ثم يجلس في
الرابعة ويسلم وهذا غير صحيح لان تعيين النية شرط في صحة الصلاة ولا يحصل ذلك إلا بأن
يصلي خمس صلوات بخمس نيات) * *
* (الشرح) * إذا نسي صلاة أو صلاتين أو ثلاثا أو أربعا من الخمس قال الشافعي في الأم والأصحاب
لزمه ان يصلي الخمس وفيه مذهب المزني ودليل المذهب مذكور وعلى مذهب المزني يجهر بالقراءة
في الأوليين حكاه عنه القاضي أبو الطيب وصاحب الشامل في أول باب صفة الصلاة وهناك ذكر كثيرون
المسألة قال لان لجهر يكون في ثلاث صلوات فغلب ولو نسي صلاتين من يومين ان علم اختلافهما وجهل
عينهما كفاه ان يصلي الخمس وان علم اتفاقهما أو شك لزمه أن يصلي عشر صلوات كل صلاة مرتين
71

وقد ذكر المصنف هذه المسألة في باب التيمم قال الشافعي رحمه الله في الأم لو كان عليه ظهر
أو عصر وجهل أيتهما هي فدخل بنية إحداهما ثم شك أيتهما نوى لم تجزه هذه الصلاة عن واحدة
منهما ولو كان عليه فوائت لا يعرف عددها ويعلم المدة التي فاته فيها بان قال تركت صلوات
من هذا الشهر ولا أعلم قدرها فوجهان حكاهما صاحبا التتمة والبيان والشاشي أحدهما
وهو قول القفال يقال له كم تتحقق أنك تركت فان قال عشر صلوات وأشك في الزيادة لزمه
العشر دون الزيادة والثاني وهو قول القاضي حسين يقال له كم تتحقق انك صليت في هذا الشهر
فإذا قال كذا وكذا ألزمناه قضاء ما زاد لان الأصل شغل ذمته فلا يسقط الا ما تحققه قال
صاحب التتمة ونظير المسألة من شك بعد سلامه هل ترك ركنا وفيه قولان أحدهما لا شئ عليه
والثاني يلزمه البناء على الأقل ان قرب الفصل وان بعد لزمه الاستئناف فعلى قياس الأول يلزمه
قضاء ما تحقق تركه فحسب وعلى الثاني يلزمه ما زاد على ما تحقق فعله قلت قول القاضي حسين أصح
والذي ينبغي ان يختار وجه ثالث وهو انه إن كان عادته الصلاة ويندر تركه لم يلزمه الا ما تيقن
تركه كما لو شك بعد السلام في ترك ركن فان المذهب انه لا يلزمه شئ لأن الظاهر مضيها على الصحة
وإن كان يصلى في وقت ويترك في وقت ولم تغلب منه الصلاة لزمه قضاء ما زاد على ما تيقن
فعله لان الأصل بقاؤه في ذمته ولم يعارضه ظاهر والله أعلم *
(فرع) في مسائل تتعلق بالباب إحداهما إذا اشتبه عليه وقت الصلاة والعجب أن المصنف
ترك هذه المسألة وهي مهمة ومشهورة في كل الكتب حتى في التنبيه قال أصحابنا إذا اشتبه وقتها
لغيم أو حبس في موضع مظلم أو غيرهما لزمه الاجتهاد فيه ويستدل بالدرس والأوراد والأعمال
وشبهها ويجتهد الأعمى كالبصير لأنه يشارك البصير في هذه العلامات بخلاف القبلة وإنما يجتهدان
إذا لم يخبرهما ثقة بدخول الوقت عن مشاهدة فان أخبر عن مشاهدة بأن قال رأيت الفجر طالعا
أو الشفق غاربا لم يجز الاجتهاد ووجب العمل بخبره وكذا لو أخبر ثقة عن أخبار ثقة عن مشاهدة
وجب قبوله فان أخبر عن اجتهاد لم يجز للبصير القادر على الاجتهاد تقليده لان المجتهد لا يجوز
له تقليد مجتهد ويجوز للأعمى والبصير العاجز عن الاجتهاد تقليده على أصح الوجهين لضعف أهليته
وهذا ظاهر نص الشافعي رحمه الله وقطع به القاضي أبو الطيب في تعليقه في تقليد الأعمى وإذا
وجب الاجتهاد فصلي بغير اجتهاد لزمه إعادة الصلاة وإن صادف الوقت لتقصيره وتركه الاجتهاد
الواجب وقد تقدم نظيره في باب التيمم قال في التتمة لو ظن دخول الوقت فصلي بالظن بغير علامة
72

ظهرت فصادف الوقت لا تصح صلاته لتفريطه بترك الاجتهاد والعلامة وإذا لم تكن له دلالة أو
كانت فلم يغلب على ظنه شئ لزمه الصبر حتى يظن دخول الوقت والاحتياط أن يؤخر إلى أن
يتيقنه أو يظنه ويغلب على ظنه أنه لو أخر خرج الوقت نص عليه الشافعي رحمه الله واتفق الأصحاب
عليه وإذا قدر على الصبر إلى استيقان دخول الوقت جاز له الاجتهاد على الصحيح وهو قول
جمهور أصحابنا وفيه وجه اختاره أبو إسحاق الأسفرايني وهو نظير مسألة الأواني إذا اشتبه
أناءان ومعه ثالث يتيقن طهارته ولو كان في بيت مظلم وقدر على الخروج لرؤية الشمس فهل له
الاجتهاد فيه وجهان حكاهما صاحب التتمة وغيره أحدهما لا لقدرته على اليقين والصحيح الجواز
كما للصحابي اعتماد رواية صحابي وفتواه وإن كان قادرا على سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم
وتحصيل العلم القطعي بذلك وحيث جاز الاجتهاد فصلي به إن لم يتبين الحال فلا شئ عليه وإن
بان وقوع الصلاة في الوقت أو بعده فلا شئ عليه وقد أجزأته صلاته لكن الواقعة فيه أداء
والواقعة بعده قضاء على أصح الوجهين فعلى هذا لو كان مسافرا وقصرها وجبت اعادتها تامة
إذا قلنا لا يجوز قصر المقضية وان بان وقوعها قبل الوقت وأدركه وجبت الإعادة بلا خلاف
وإن لم يدركه فقولان الصحيح وجوب الإعادة وبه قطع الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب في
تعليقهما والبندنيجي والثاني لا يجب وهذا الخلاف والتفصيل كنظيره فيمن اشتبه عليه شهر رمضان
ولو أخبره ثقة أن صلاته وقعت قبل الوقت فان أخبره عن علم ومشاهدة وجبت الإعادة كالحاكم
إذا وجد النص بخلاف حكمه فإنه يجب نقض حكمه وان أخبره عن اجتهاد فلا إعادة بلا خلاف
ولو علم المنجم الوقت بالحساب حكى صاحب البيان أن المذهب أنه يعمل به بنفسه ولا
يعمل به غيره *
73

(فرع) المؤذن الثقة العارف بالمواقيت هل يجوز اعتماده في دخول الوقت فيه أربعة أوجه أحدها
يجوز للأعمى في الصحو والغيم ويجوز للبصير في الصحو ولا يجوز له في الغيم لأنه في الغيم مجتهد والمجتهد
لا يقلد المجتهد وفى الصحو يشاهد فهو مخبر عن مشاهدة وهذا الوجه هو الذي رجحه الروياني
والرافعي وغيرهما: والثاني وهو الأصح يجوز للبصير والأعمى في الصحو والغيم قاله ابن سريج والشيخ
أبو حامد وصححه صاحبا التهذيب ونقله عن نص الشافعي رحمه الله وقطع به البندنيجي وصاحب
العدة قال البندبيجي ولعله اجماع المسلمين لأنه لا يؤذن في العادة الا في الوقت: والثالث لا يجوز لهما
لأنه اجتهاد وهما مجتهدان حكاه في التهذيب والتتمة والرابع يجوز للأعمى دون البصير من غير فرق
بين الغيم والصحو حكاه القاضي أبو الطيب في تعليقه ولو كثر المؤذنون في يوم صحو أو غيم وغلب
على الظن أنهم لا يخطئون لكثرتهم جاز اعتمادهم للبصير والأعمى بلا خلاف *
(فرع) الديك الذي جربت اصابته في صياحه للوقت يجوز اعتماده في دخول الوقت ذكره القاضي حسين
وصاحب التتمة والرافعي *
(المسألة الثانية) قال الشافعي رحمه الله في المختصر الوقت للصلاة وقتان وقت مقام ورفاهية
ووقت عذر وضرورة واتفق أصحابنا على أن المراد بوقت المقام والرفاهية وقت المقيم في وطنه
إذا لم يكن هناك مطر وأما وقت العذر والضرورة ففيه وجهان مشهوران لمتقدمي أصحابنا حكاهما
الشيخ أبو حامد وسائر شارحي المختصر الصحيح عندهم وهو قول أبى اسحق المروزي وغيره ان
المراد به وقت واحد وهو الوقت الجامع بين الصلاتين بسفر أو مطر ووقت صبي بلغ وكافر أسلم
ومجنون ومغمى عليه أفاق وحائض ونفساء طهرتا قبل خروج وقت الصلاة الثانية فتلزمهم الصلاتان
والثاني ان المراد بوقت العذر وقت الجامع والمراد بوقت الضرورة وقت الصبي والباقين قال
الجمهور هذا التفسير غلط (الثالثة) إذا دخل في الصلاة المكتوبة في أول وقتها أو غيره حرم قطعها
بغير عذر وهذا هو نص الشافعي في الأم وقطع به جماهير الأصحاب وقد سبقت المسألة مبسوطة
في باب التيمم وذكرنا هناك أن الصحيح أيضا تحريم قطع الصوم الواجب بقضاء أو نذر أو كفارة
وأوضحنا جميع ذلك (الرابعة) يستحب ايقاظ النائم للصلاة لا سيما ان ضاق وقتها لقوله تعالي
(وتعاونوا على البر والتقوى) ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه سلم
يصلى صلاته من الليل وأنا معترضة بين يديه فإذا بقي الوتر أيقظني فأوترت " وفى رواية " فإذا
74

أوتر قال قومي فأوتري يا عائشة " رواه مسلم وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال " خرجت مع النبي
صلى الله عليه وسلم لصلاة الصبح فكان لا يمر برجل الا ناداه بالصلاة أو حركه برجله " رواه أبو داود
باسناد فيه ضعف ولم يضعفه والله أعلم *
* (باب الأذان) *
قال أهل اللغة أصل الأذان الأعلم والأذان للصلاة معروف يقال فيه الأذان والاذين
والتأذين قاله الهروي في الغريبين قال وقال شيخي الاذين المؤذن المعلم بأوقات الصلاة فعيل بمعنى
مفعل قال الأزهري يقال أذن المؤذن تأذينا وأذانا أي أعلم الناس بوقت الصلاة فوضع الاسم
موضع المصدر قال وأصله من الاذن كأنه يلقى في آذان الناس بصوته ما يدعوهم إلى الصلاة قال
القاضي عياض رحمه الله اعلم أن الأذان كلام جامع لعقيدة الايمان مشتمل على نوعه من التعليقات
والسمعيات فأوله اثبات الذات وما يستحقه من الكمال والتنزيه عن أضدادها وذلك بقوله " الله
أكبر " وهذه اللفظة مع اختصار لفظها دالة على ما ذكرناه ثم صرح باثبات الوحدانية ونفى ضدها
من الشركة المستحيلة في حقه سبحانه وتعالى وهذه عمدة الايمان والتوحيد المقدمة على كل وظائف
الدين ثم صرح باثبات النبوة والشهادة بالرسالة لنبينا صلى الله عليه وسلم وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة
بالوحدانية وموضعها بعد التوحيد لأنها من باب الأفعال الجائزة الوقوع وتلك المقدمات من باب
الواجبات وبعد هذه القواعد كملت العقائد العقليات فيما يجب ويستحيل ويجوز في حقه سبحانه
وتعالى ثم دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات فدعا إلى الصلاة وجعلها عقب اثبات النبوة لان معرفة وجوبها
من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لا من جهة العقل ثم دعا إلى الفلاح وهو الفوز والبقاء في النعيم
المقيم وفيه إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء وهي آخر تراجم عقائد الاسلام ثم كرر ذلك
بإقامة الصلاة للاعلام بالشروع فيها وهو متضمن لتأكيد الايمان وتكرار ذكره عند الشروع في
العبادة بالقلب واللسان وليدخل المصلي فيها على بينة من أمره وبصيرة من ايمانه ويستشعر عظيم
ما دخل فيه وعظمة حق من يعبده وجزيل ثوابه: هذا آخر كلام القاضي وهو من النفائس الجليلة
وبالله التوفيق *
* (فصل) * الأصل في الأذان ما روى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال " كان المسلمون
75

حين قاموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلوات ليس ينادى بها فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم
اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى وقال بعضهم بل بوقا مثل قرن اليهود فقال عمر أو لا تبعثون
رجلا ينادى بالصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا بلال قم فناد بالصلاة " رواه
البخاري ومسلم هذا النداء دعاء إلى الصلاة غير الأذان كان قبل شرع الأذان وعن عبد الله بن زيد
ابن عبد ربه الأنصاري رضي الله عنه قال " لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل
ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت يا عبد الله اتبع
الناقوس فقال وما تصنع به فقلت ندعو به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك
فقلت بلى فقال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن لا إله إلا الله
اشهد أن محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي
على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ثم استأخر عنى غير بعيد ثم قال ثم تقول
إذا أقمت الصلاة الله أكبر الله أكبر اشهد أن لا اله الله اشهد ان محمدا رسول الله حي على
الصلاة حي الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فلما أصبحت
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال إنها رؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال
فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه فيؤذن به
فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول والذي بعثك بالحق يا رسول الله
لقد رأيت مثل ما رأى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد " رواه أبو داود باسناد صحيح وروى
الترمذي بعضه بطريق أبى داود وقال حسن صحيح وقال في آخره فلله الحمد وذلك أثبت *
* قال المصنف رحمه الله *
* (الأذان والإقامة مشروعان للصلوات الخمس لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار المسلمين فيما
يجمعهم على الصلاة فقالوا البوق فكرهه من أجل اليهود ثم ذكر الناقوس فكرهه من أجل النصارى
فأرى تلك الليلة عبد الله بن زيد النداء فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم
بلالا فاذن به) * *
* (الشرح) * هذا الحديث الذي ذكره رواه بهذا اللفظ ابن ماجة باسناد ضعيف جدا من
رواية ابن عمر رضي الله عنهما ويغني عنه حديث عبد الله بن زيد الذي قدمناه وغيره من الأحاديث
76

الصحيحة وإنما الصحيح في رواية ابن عمر ما قدمناه في الفصل السابق: وقوله في هذا الحديث فأرى
تلك الليلة هذا التقييد بالليلة ضعيف غريب وإنما الصحيح ما سبق والناقوس هو الذي يضرب
به لصلاة النصارى جمعه نواقيس وقوله من أجل هو بفتح الهمزة وكسرها حكاهما الجوهري
والمشهور الفتح وبه جاء القرآن * وعبد الله بن زيد هذا هو أبو محمد عبد الله بن زيد بن عبد ربه
الأنصاري شهد العقبة وبدرا وكانت رؤياه الأذان في السنة الأولي من الهجرة بعد بناء النبي صلى الله عليه
وسلم مسجده توفى رضي الله عنه بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن أربع وستين سنة: واما
حكم المسألة فالأذان والإقامة مشروعان للصلوات الخمس بالنصوص الصحيحة والاجماع ولا يشرع
الأذان ولا الإقامة لغير الخمس بلا خلاف سواء كانت منذورة أو جنازة أو سنة وسواء سن لها
الجماعة كالعيدين والكسوفين والاستسقاء أم لا كالضحى ولكن ينادى للعيد والكسوف
والاستسقاء الصلاة جامعة وقد ذكره المصنف في أبوابها وكذا ينادى للتراويح الصلاة جامعة إذا
صليت جماعة ولا يستحب ذلك في صلاة الجنازة على أصح الوجهين وبه قطع الشيخ أبو حامد
والبندنيجي والمحاملي وصاحب العدة والبغوي وآخرون وقطع الغزالي بأنه يستحب فيها والمذهب
الأول وهو المنصوص قال الشافعي رحمه الله في أول كتاب الأذان من الأم لا أذان ولا إقامة لغير
المكتوبة فاما الأعياد والكسوف وقيام شهر رمضان فأحب أن يقال فيه الصلاة جامعة قال والصلاة
على الجنازة وكل نافلة غير العيد والخسوف فلا أذان فيها ولا قول الصلاة جامعة هذا نصه والله أعلم *
واما قول صاحب الذخائر إن المنذورة يؤذن لها ويقيم إذا قلنا يسلك بالنذر مسلك واجب الشرع
فغلط منه وهو كثير الغلط وقد اتفق الأصحاب على أنه لا يؤذن للنذر ولا يقام ولا يقال الصلاة جامعة
وهذا مشهور *
(فرع) ذكرنا أن مذهبنا ان الأذان والإقامة لا يشرعان لغير المكتوبات الخمس وبه قال
جمهور العلماء من السلف والخلف ونقل سليم الرازي في كتابه رؤوس المسائل وغيره عن معاوية
ابن أبي سفيان وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم انهما قالا هما سنة في صلاة العيدين وهذا ان صح
عنهما محمول على أنه لم يبلغهما فيه السنة وكيف كان هو مذهب مردود وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر
ابن سمرة رضي الله عنه قال " صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين بغير
أذان ولا إقامة " وفى المسألة أحاديث كثيرة صحيحة * قال المصنف رحمه الله *
77

* (وهو أفضل من الإمامة ومن أصحبنا من قال الإمامة أفضل لان الأذان يراد للصلاة فكان
القيام بأمر الصلاة أولى من القيام بما يراد لها والأول أصح لقوله تعالي (ومن أحسن قولا ممن دعا
إلى الله وعمل صالحا) قالت عائشة رضي الله عنها نزلت في المؤذنين ولقوله صلى الله عليه وسلم
" الأئمة ضمناء والمؤذنون امناء فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين " والأمين أحسن حالا من الضمين
وعن عمر رضي الله عنه قال " لو كنت مؤذنا لما باليت أن لا أجاهد ولا أحج ولا اعتمر
بعد حجة الاسلام ") * *
* (الشرح) * هذا التفسير المنقول عن عائشة رضي الله عنها مشهور عنها ووافقها عليه عكرمة
وقال آخرون المراد بالداعي إلى الله تعالى هنا هو النبي صلى الله عليه وسلم وهذا قول ابن عباس
وابن سيرين وابن زيد والسدي ومقاتل وفى رواية عن ابن عباس انه أبو بكر رضي الله عنه
واما حديث الأئمة ضمناء إلى آخره فرواه أبو داود والترمذي وغيرهما من رواية أبي هريرة ولكن
ليس اسناده بقوي وذكر الترمذي تضعيفه عن علي بن المديني امام هذا الفن وضعفه أيضا البخاري وغيره
لأنه من رواية الأعمش عن رجل عن أبي صالح عن أبي هريرة ورواه البيهقي أيضا من رواية عائشة
واسناده أيضا ليس بقوي ولكن يغني عنه ما سنذكره وإن شاء الله تعالى والضمان في اللغة
هو الكفالة والحفظ والرعاية قاله الهروي وغيره قال الشافعي في الأم يحتمل انهم ضمناء لما غابوا
عليه من الاسرار بالقراءة والذكر وقيل المراد ضمناء الدعاء أي يعم القوم ولا يخص نفسه
به وقيل لأنه يتحمل القراءة والقيام عن المسبوق وقيل لأنه يسقط بفعلهم فرض الكفاية وقال
الخطابي قال أهل اللغة الضامن الراعي قال ومعنى الحديث انه يحفظ على القوم صلاتهم وليس
هو من الضمان الموجب للغرامة وأما أمانة المؤذين فقيل لأنهم امناء على مواقيت الصلاة وقيل
أمناء على حرم الناس يشرفون على موضع عال وقيل امناء في تبرعهم بالأذان وقول المصنف
والأمين أحسن حالا من الضمين الضمين هو الضامن قال المحاملي لان الأمين متطوع بعمله والضامن
يجب عليه فعل ذلك * أما حكم المسألة فهل الأذان أفضل من الإمامة أم هي أفضل منه فيه أربعة
أوجه أصحها عند العراقيين والسرخسي والبغوي الأذان أفضل وهو نصه في الأم وبه قال أكثر
الأصحاب قال المحاملي هو مذهب الشافعي قال وبه قال عامة أصحابنا وغلط من قال غيره وكذا قال
الشيخ أبو حامد أنه مذهب الشافعي وعامة أصحابنا والثاني الإمامة أفضل وهو الأصح عند
78

الخراسانيين ونقلوه عن نص الشافعي وصححه القاضي أبو الطيب وقطع به الدارمي والثالث هما سواء
حكاه صاحب البيان والرافعي وغيرهما والرابع ان علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وجميع خصالها
فهي أفضل والا فالأذان حكاه الشيخ أبو حامد وصاحب البيان وغيرهما ونقله الرافعي عن أبي على
الطبري والقاضي أبي القاسم بن كج والمسعودي والقاضي حسين والمذهب ترجيح الأذان وقد نص
في الأم على كراهة الإمامة فقال أحب الأذان لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم اغفر
للمؤذين " وأكره الإمامة للضمان وما على الامام فيها هذا نصه * واحتج لمن رجح الإمامة بان النبي صلى الله عليه
وسلم ثم الخلفاء الراشدين أموا ولم يؤذنوا وكذا كبار العلماء بعدهم وفى الصحيحين عن مالك
بن الحويرت رضي الله عنه قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم " *
واحتج من رجح الأذان بحديث معاوية رضي الله عنه قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المؤذنون
أطول الناس أعناقا يوم القيامة " رواه مسلم وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا " رواه البخاري
ومسلم وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال " لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا انس ولا شئ الا شهد له
له يوم القيامة سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال " إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضى النداء أقبل حتى
إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضى التثويب اقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول اذكر كذا
واذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدرى كم صلى " رواه البخاري ومسلم وعن
ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من اذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة وكتب
له بتأذينه في كل يوم ستون حسنة ولكل إقامة ثلاثون حسنة " رواه ابن ماجة والدارقطني
والحاكم وقال حديث صحيح وهو من رواية عبد الله بن صالح كاتب الليث ومنهم من جرحه ومنهم من
وثقه وله شاهد يقويه وأجاب هؤلاء عن مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على الإمامة وكذا من بعده
من الخلفاء والأئمة ولم يؤذنوا بأنهم كانوا مشغولين بمصالح المسلمين التي لا يقوم غيرهم فيها مقامهم
فلم يتفرغوا للأذان ومراعاة أوقاته وأما الإمامة فلابد لهم من صلاة ويؤيد هذا التأويل ما رواه
البيهقي باسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال " لو كنت أطيق الأذان مع
الخلافة لاذنت " *
(فرع) قال كثير من أصحابنا يكره أن يكون الامام هو المؤذن ممن نص على هذا الشيخ
79

أبو محمد الجويني والبغوي وغيرهما واحتج هؤلاء بحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم " نهى أن يكون الامام مؤذنا " رواه البيهقي وقال هو ضعيف بمرة وقال القاضي أبو الطيب
قال أبو علي الطبري الأفضل ان يجمع الرجل بين الأذان والإمامة ليحوز الفضيلتين وبهذا قطع
صاحب الحاوي وهو الأصح وفيه حديث جيد سنذكره في مسألة الأذان قائما ونقل الرافعي عن
ابن كج أيضا انه استحب الجمع بينهما قال ولعله أراد الأذان لقوم والإمامة لآخرين (قلت) وإذا
لم يثبت في الجمع بينهما نهي فكراهته خطأ فحصل وجهان الصحيح انه يستحب وقد قال القاضي
أبو الطيب في أول صفة الصلاة في مسألة لا يقوم حتى يفرغ المؤذن من الإقامة أجمع المسلمون على
جواز كون المؤذن اماما واستحبابه قال صاحب الحاوي في كل واحد من الأذان والإمامة فضل
وللإنسان فيهما أربعة أحوال حال يمكنه القيام بهما والفراغ لهما فالأفضل أن يجمع بينهما وحال يعجز
عن الإمامة لقلة علمه وضعف قراءته ويقدر على الأذان لعلو صوته ومعرفته بالأوقات فالانفراد
للأذان أفضل وحال يعجز عن الأذان لضعف صوته وقلة ابلاغه ويكون قيما بالإمامة لمعرفة أحكامه
الصلاة وحسن قرآنه فالإمامة أفضل وحال يقدر على كل واحد ويصلح له ولا يمكنه الجمع فأيهما
أفضل فيه وجهان * قال المصنف رحمه الله *
* (فان تنازع جماعة في الأذان وتشاحوا أقرع بينهم لقوله صلى الله عليه وسلم " لو يعلم الناس ما في
النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) * *
* (الشرح) * هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة والاستهام الاقتراع والنداء
بكسر النون وضمها لغتان مشهورتان الكسر أشهر وبه جاء القرآن وقوله إذا تنازعوا أقرع هذا إذا
لم يكن للمسجد مؤذن راتب أو كان له مؤذنون وتنازعوا في الابتداء أو كان المسجد صغيرا وأدى
اختلاف أصواتهم إلى تهويش فيقرع ويؤذن واحد وهو من خرجت له القرعة أما إذا كان هناك
راتب ونازعه غيره فيقدم الراتب وإن كان جماعة مرتبون وأمكن أذان كل واحد في موضع من
المسجد لكبره اذن كل واحد وحده وإن كان صغيرا ولم يؤد اختلاف أصواتهم إلى تهويش أذنوا دفعة
واحدة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
* (ومن أصحابنا من قال هما من فروض الكفاية فان اتفق أهل بلد أو صقع على تركها قوتلوا
عليه لأنه من شعائر الاسلام فلا يجوز تعطيله وقال أبو علي بن خيران وأبو سعيد الإصطخري
هو سنة الا في الجمعة فإنه من فرائض الكفاية فيها لأنها لما اختصت الجمعة بوجوب
80

الجماعة اختصت بوجوب الدعاء إليها والمذهب الأول لأنه دعاء إلى الصلاة فلم تجب كقوله
الصلاة جامعة) * *
* (الشرح) * الصقع بضم الصاد الناحية والكورة ويقال صقع وسقع وزقع بالصاد والسين
والزاي ثلاث لغات وقوله الصلاة جامعة هو بنصبهما الصلاة على الاغراء وجامعة على الحال وقوله دعاء
إلى الصلاة فلم تجب كقوله الصلاة جامعة يعني حيث تشرع الصلاة جامعة كالعيد والكسوف
وهذا القياس ضعيف لأنه ليس في قوله الصلاة جامعة شعار ظاهر بخلاف الأذان وقوله شعائر
الاسلام هي جمع شعيرة بفتح الشين قال أهل اللغة والمفسرون هي متعبدات الاسلام ومعالمه الظاهرة
مأخوذة من شعرت أي علمت فهي ظاهرات معلومات. واما حكم المسألة ففي الأذان والإقامة ثلاثة أوجه كما ذكر
المصنف أصحهما انهما سنة والثاني فرض كفاية والثالث فرض كفاية في الجمعة سنة في غيرها وهو قول ابن خيران
والاصطخري كما ذكره المصنف وغيره وحكاه السرخسي عن أحمد السياري من أصحابنا ومما احتجوا
به لكونهما سنة قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي المسيئ صلاته افعل كذا وكذا ولم يذكرهما مع أنه
صلى الله عليه وسلم ذكر الوضوء واستقبال القبلة وأركان الصلاة قال أصحابنا فان قلنا فرض كفاية
فأقل ما يتأدى به الفرض أن ينتشر الأذان في جميع أهل ذلك المكان فإن كانت قرية صغيرة بحيث
إذا أذن واحد سمعوا كلهم سقط الفرض بواحد وإن كان بلدا كبيرا وجب أن يؤذن في كل
موضع واحد بحيث ينتشر الأذان في جميعهم فان أذن واحد فحسب سقط الحرج عن الناحية التي
سمعوه دون غيرهم قال صاحب الإبانة ويسقط فرض الكفاية بالأذان لصلاة واحدة في كل يوم وليلة
ولا يجب لكل صلاة وحكى أمام الحرمين هذا عنه ولم يحك عن غيره وقال لم أر لأصحابنا ايجابه لكل
صلاته قال ودليله أنه إذا حصل مرة في كل يوم وليلة لم تندرس الشعار واقتصر الغزالي في البسيط
على ما ذكره صاحب الإبانة وهذا الذي ذكروه خلاف ظاهر كلام جمهور أصحابنا فان مقتضى
كلامهم واطلاقهم انه إذا قيل إنه فرض كفاية وجب لكل صلاة وهذا هو الصواب تفريعا على
81

قولنا فرض كفاية لأنه المعهود ولا يحصل الشعار الا به وإذا قلنا الأذان سنة حصلت بما يحصل
به إذا قلنا فرض كفاية قال أصحابنا فان قلنا فرض كفاية فاتفق أهل بلد أو قرية على تركه وطلبوا
به فامتنعوا وجب قتالهم كما يقاتلون على ترك غير من فروض الكفاية وان قلنا هو سنة فتركوه
فهل يقاتلون فيه وجهان مشهوران في كتب العراقيين وذكرهما قليلون من الخراسانيين الصحيح منهما
لا يقاتلون كما لا يقاتلون على ترك سنة الظهر والصبح وغيرهما والثاني يقاتلون لأنه شعار ظاهر بخلاف
سنة الظهر قال امام الحرمين قال الأصحاب لا يقاتلون وقال أبو إسحاق المروزي يقاتلون وهو باطل
لا أصل له وهو رجوع إلى أنه فرض كفاية وإلا فلا قتال على ترك السنة هكذا قاله امام الحرمين
وابن الصباغ والشاشي وآخرون قال الامام وإذا قلنا إنه فرض كفاية في الجمعة خاصة فوجهان أحدهما
لا يسقط الفرض الا باذان يفعل بين يدي الخطيب والثاني يسقط بان يؤتى به لصلاة الجمعة وإن لم يكن
بين يديه واتفقوا على أنه لا يسقط باذان يفعل في يوم الجمعة لغير صلاة الجمعة وقال الامام والقول في
الإقامة كالقول في الأذان في جميع ما ذكرناه *
(فرع) في مذاهب العلماء في الأذان والإقامة: مذهبنا المشهور انهما سنة لكل الصلوات
في الحضر والسفر للجماعة والمنفرد لا يجبان بحال فان تركهما صحت صلاة المنفرد والجماعة وبه قال
أبو حنيفة وأصحابه وإسحاق بن راهويه ونقله السرخسي عن جمهور العلماء وقال أبى المنذر هما
فرض في حق الجماعة في الحضر والسفر قال وقال مالك تجب في مسجد الجماعة وقال عطاء والأوزاعي
ان نسي الإقامة أعاد الصلاة وعن الأوزاعي رواية أنه يعيد ما دام الوقت باقيا قال العبدري هما سنة
عند مالك وفرضا كفاية عند احمد وقال داود هما فرض لصلاة الجماعة وليسا بشرط لصحتها وقال
مجاهد ان نسي الإقامة في السفر أعاد وقال المحاملي قال أهل الظاهر هما واجبان لكل صلاة واختلفوا
في اشتراطهما لصحتها * قال المصنف رحمه الله *
* (وهل بسن للفوائت فيه ثلاثة أقوال قال في الأم يقيم لها ولا يؤذن والدليل عليه ما روى أبو سعيد
82

الخدري رضي الله عنه قال " حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هوى من الليل حتى كفينا وذلك
قول الله عز وجل وكفى الله المؤمنين القتال فدعي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأمره فأقام
الظهر وأحسن كما يصلي في وقتها ثم أقام العصر فصلاها كذلك ثم أقام المغرب فصلاها كذلك
ثم أقام العشاء فصلاها كذلك " ولان الأذان للاعلام بالوقت وقد فات الوقت والإقامة لاستفتاح
الصلاة وذلك موجود وقال في القديم يؤذن ويقيم للأولى وحدها ويقيم للتي بعدها والدليل عليه
ما روي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " أن المشركين شغلوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات
حتى ذهب من الليل ما شاء الله فامر بلالا فاذن ثم أقام فصلي الظهر ثم أقام فصلي العصر ثم أقام
فصلى المغرب ثم أقام فصلي العشاء " ولأنهما صلاتان جمعهما وقت واحد فكانتا باذان وإقامتين كالمغرب
والعشاء بالمزدلفة فان النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما باذان وإقامتين وقال في الاملاء ان أمل اجتماع
الناس اذن وأقام وإن لم يؤمل أقام والدليل عليه ان الأذان يراد لجمع الناس فإذا لم يؤمل الجمع
لذم يكن للأذان وجه وإذا أمل كان له وجه قال أبو إسحاق وعلى هذا القول للصلاة الحاضرة أيضا إذا أمل
الاجتماع لها اذن وأقام وإن لم يؤمل أقام ولم يؤذن) * *
* (الشرح) * حديث أبي سعيد رضي الله عنه صحيح رواه الامامان أبو عبد الله الشافعي
وأحمد بن حنبل في مسنديهما بلفظه هنا باسناد صحيح ورواه النسائي لكن لم يذكر المغرب
والعشاء واسناده صحيح أيضا وحديث ابن مسعود رضي الله عنه مرسل فإنه من رواية ابنه أبي
عبيدة عنه وابنه لم يسمع منه لصغره وقد سبق بيان هذا في آخر باب مواقيت الصلاة وحديث أن
النبي صلى الله عليه وسلم جمع المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامتين صحيح رواه مسلم من رواية
جابر ويوم الخندق هو يوم الأحزاب وكان ذلك سنة أربع من الهجرة وقيل سنة خمس وحديث
ابن مسعود كان يوم الخندق أيضا وهو مخالف لحديث أبي سعيد ويجاب عن اختلافهما بأنهما
قضيتان جرتا في أيام الخندق فان أيام الخندق كانت خمسة عشر يوما وكان فوات هذه الصلوات
83

للاشتغال بالقتال وكان ذلك قبل نزول صلاة الخوف كذا صرح به في رواية الشافعي واحمد وغيرهما وقوله
ذهب هوي من الليل هو بفتح الهاء وكسر الواو وتشديد الياء ويقال أيضا بضم الهاء حكاهما
صاحب مطالع الأنوار وغيره لكن الفتح هو المشهور الأفصح ومعناه طائفة منه: اما حكم المسألة
فإذا أراد قضاء فوائت دفعة واحدة أقام لكل واحدة بلا خلاف ولا خلاف انه لا يؤذن لغير
الأولي منهن وهل يؤذن للأولى فيه الأقوال الثلاثة التي ذكرها المصنف بدلائلها أصحها عند
جمهور الأصحاب يؤذن ممن صححه الشيخ أبو حامد في تعليقه والمحاملي في كتابيه المجموع والتجريد
وقطع به في المقنع وصححه المصنف في التنبيه وصاحب الإبانة والشيخ نصر والروياني في الحلية
وقطع به سليم الرازي في الكفاية وصححه في رؤوس المسائل فهذا هو الصحيح الذي جاءت
به الأحاديث الصحيحة ولا يغتر بتصحيح الرافعي وغيره منع الأذان ولو أراد قضاء فائته وحدهما
أقام لها وفى الأذان هذه الأقوال أصحها يؤذن قال أصحابنا الأذان في الجديد حق الوقت وفى
القديم حق الفريضة وفى الاملاء حق الجماعة ولو أراد قضاء الفوائت متفرقات كل واحدة في وقت
ففي الأذان لكل واحدة الأقوال الثلاثة أصحها يؤذن ولو قضي فائتة في جماعة جاء القولان الجديد
والقديم دون نص الاملاء ولو والى بين فريضة الوقت ومقضية فان قدم فريضة الوقت أذن لها
وأقام للمقضية ولم يؤذن وان قدم المقضية أقام لها وفى الأذان لها الأقوال وأما فريضة الوقت
فقال الفوراني وامام الحرمين ان قلنا يؤذن للمقضية لم يؤذن لها والا أذن وقطع السرخسي في
الأمالي بأنه يؤذن لها وقطع المتولي والبغوي وصاحب العدة بأنه لا يؤذن لها والأصح أنه لا يؤذن
لفريضة الوقت إلا أن يؤخرها عن المقضية بحيث يطول الفصل بينهما فإنه حينئذ يؤذن لفريضة
الوقت بلا خلاف واعلم أنه لا يشرع توالي أذانين إلا في صورتين إحداهما إذا أخروا المؤداة إلى
آخر وقتها فأذنوا لها وصلوا ثم دخلت فريضة أخرى فيؤذن لها قطعا الثانية إذا صلى فائتة قبيل
الزوال مثلا واذن لها على قولنا يشرع الأذان لها فلما فرغ من الصلاة دخلت الظهر فيؤذن ولم
84

يستثن امام الحرمين غير هذه الصورة الثانية ولا بد من استثناء الأولي أيضا والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في الأذان للفائتة: قد ذكرنا أن الأصح عندنا انه مشروع لها قال
الشيخ أبو حامد وهو مذهب مالك وأبي حنيفة واحمد وأبى ثور وقال الأوزاعي وإسحاق لا يؤذن
قال أبو حامد وقال أبو حنيفة إذا أراد فوائت أذن لكل واحدة: دليلنا انه لا يشرع زيادة على
أذان للأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم السابقة أنه لم يوال بين أذانين *
(فرع) المنفرد في صحراء أو بلد يؤذن على المذهب والمنصوص في الجديد والقديم لاطلاق
الأحاديث وفيه قول مخرج انه لا يؤذن ووجه خرجه أبو إسحاق المروزي من نصه في الاملاء إن
رجا حضور جماعة اذن وإلا فلا هذا كله إذا لم يبلغ المنفرد أذان غيره فان بلغه فطريقان أحدهما
انه كما لو لم يبلغه فيكون فيه الخلاف وبهذا الطريق قطع الماوردي والبندنيجي قال البندنيجي
القول الجديد يؤذن والقديم لا والطريق التأني لا يؤذن لان مقصود الأذان حصل بأذان غيره فان
قلنا يؤذن أقام وان قلنا لا يؤذن فهل يقيم فيه طريقان الصحيح وبه قطع الجمهور يقيم والثاني
حكاه جماعة من الخراسانيين فيه وجهان وهذا غلط وإذا قلنا يؤذن فهل يرفع صوته نظر ان صلى
في مسجد قد صليت فيه جماعة لم يرفع لئلا يوهم دخول وقت صلاة أخرى نص عليه في الأم
واتفقوا عليه وإن لم يكن كذلك فوجهان الأصح يرفع لعموم الأحاديث في رفع الصوت بالأذان
والثاني ان رجا جماعة رفع وإلا فلا ولو أقيمت جماعة في مسجد فحضر قوم لم يصلوا فهل يسن لهم
الأذان قولان الصحيح نعم وبه قطع البغوي وغيره ولا يرفع الصوت لخوف اللبس سواء كان
المسجد مطروقا أو غير مطروق قال امام الحرمين حيث قلنا في الجماعة الثانية في المسجد الذي أذن
فيه مؤذن وصليت فيه جماعة لا يرفع الصوت لا نعنى به انه يحرم الرفع بل نعنى به أن الأولي أن
لا يرفع وإذا قلنا المنفرد لا يرفع صوته فلا نعنى به ان الأولي أن لا يرفع صوته فان الرفع أولى في
حقه ولكن نعني انه يعتد باذانه وإن لم يرفع هكذا قاله امام الحرمين فعنده ان الخلاف في
85

رفع المنفرد صوته هو في أنه هل يعتد بأذانه أم لا والذي قاله الجمهور انه يعتد به بلا رفع بلا خلاف وإنما
الخلاف في استحباب الرفع قالوا فيكفي انه يسمع نفسه وشرط امام الحرمين أن يسمع من هو
عنده قال الشافعي في الأم واذان الرجل في بيته وإقامته كهما في غير بيته سواء سمع المؤذنين حوله
أم لا هذا نصه وتابعه الشيخ أبو حامد وغيره والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله * * (وان جمع بين صلاتين فان جمع بينهما في وقت الأولى منهما
اذن وأقام للأولى وأقام للثانية كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة وان جمع بينهما في وقت
الثانية فهي كالفائتين لان الأولى قد فات وقتها والثانية تابعة لها) * *
* (الشرح) * هذا الحديث رواه مسلم من رواية جابر رضي الله عنه وقوله فهي يعنى المسألة
قال أصحابنا ان جمع بينهما في وقت الأولي اذن للأولى بلا خلاف وأقام لكل واحدة للحديث
المذكور وان جمع في وقت الثانية وبدأ بالأولى كما هو المشروع لم يؤذن للثانية وهل يؤذن
للأولى فيه الأقوال الثلاثة التي في الفوائت هكذا قاله الأصحاب في كل الطريق وخالفهم القاضي
حسين والمتولي فقالا ان قلنا يؤذن للفائتة فهنا أولي والا فوجهان لأنهما مؤداة والمذهب أنه على
الأقوال الثلاثة التي في الفوائت الصحيح انه يؤذن لحديث جابر المذكور في مسألة الفوائت في
الجمع بمزدلفة وقد روى البخاري ومسلم من رواية ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم " صلي
الصلاتين بمزدلفة بإقامة " وفى رواية لأبي داود بأذان وروى الأذان البخاري عن ابن مسعود
موقوفا عليه ويجاب عن حديث ابن عمر رضي الله عنه بجوابين أحدهما انه إنما حفظ الإقامة وقد
حفظ جابر الأذان فوجب تقديمه لان معه زيادة علم والثاني ان جابر استوفى أمور حجة النبي صلى الله عليه
وسلم وأتقنها فهو أولي بالاعتماد والله أعلم فلو خالف فبدأ بالعصر وقلنا بالمذهب انه يصح
الجمع اذن للعصر التي بدأ بها قولا واحدا ولا يؤذن للظهر ويقيم لكل واحدة صرح به صاحب
التتمة وغيره قال لا يؤذن للثانية سواء قلنا الترتيب شرط أم لا لأنا ان شرطناه صارت الثانية فائتة
والفائتة المفعولة بعد فرض الوقت لا يؤذن لها وإن لم نشرطه فالثانية من صلاتي الجمع لا يؤذن لها وقال
صاحب الإبانة إذا شرطنا الترتيب فبدأ بالعصر فهي كالمقضية ففي الأذان لها الخلاف قال إمام
الحرمين والأصحاب هذا غلط صريح لا وجه له لان صلاة العصر مؤداة في وقتها قطعا وإنما
يتطرق الخلل بترك الترتيب إلى الظهر فقط وقال صاحب الحاوي ان بدأ بالعصر أذن لها وهل
86

يؤذن للظهر فيه ثلاثة أقوال قال الشاشي هذا صحيح في العصر وغير صحيح في الظهر بعدها فان
قيل إذا جمع في وقت العصر وبدأ بالظهر لم لا يؤذن للعصر لان الوقت لها فالجواب ما أجاب به
المصنف والأصحاب ان العصر في حكم التابعة للظهر هنا ونقل الرافعي وجها عن أبي الحسن بن
القطان انه يستحب أن يؤذن لكل واحدة من صلاتي الجمع سواء قدم أو أخر وهذا الوجه حكاه
الدارمي وهو غلط مخالف للأحاديث الصحيحة ولما قاله الشافعي والأصحاب والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ولا يجوز الأذان لغير الصبح قبل دخول الوقت لأنه يراد للاعلام بالوقت فلا يجوز
قبله واما الصبح فيجوز ان يؤذن له بعد نصف الليل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ان بلالا
يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " ولان الصبح يدخل وقتها والناس
نيام وفيهم الجنب والمحدث فاحتيج إلى تقديم الأذان ليتأهب للصلاة وسائر الصلوات يدخل
وقتها والناس مستيقظون فلا يحتاج إلى تقديم الأذان واما الإقامة فلا يجوز تقديمها على الوقت
لأنها تراد لاستفتاح الصلاة فلا يجوز قبل الوقت) * *
* (الشرح) * هذا الحديث صحيح وواه البخاري ومسلم من رواية ابن عمر رضي الله عنهما
وروى ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما من رواية عائشة وغيرها أن النبي صل الله عليه وسلم قال " ان
ابن أم مكتوم ينادى بليل فكلوا واشربوا حتى ينادى بلال " قال البيهقي وابن خزيمة ان
صحت هذه الرواية فيجوز أن يكون بين ابن أم مكتوم وبلال نوب فكان بلال في نوبة يؤذن
بليل وكان ابن أم مكتوم في نوبه يؤذن بليل قال وإن لم تصح رواية من روى تقديم أذان
ابن أم مكتوم فقد صح خبر ابن عمر وابن مسعود وسمرة وعائشة أن بلالا كان يؤذن بليل والله
أعلم * واسم ابن أم مكتوم عمرو ابن قيس وقيل عبد الله ابن زائدة القرشي العامري وهو ابن
خال خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة مرة في غزواته
وشهد فتح القادسية واستشهد بها في خلافة عمر رضي الله عنه واسم أم مكتوم عاتكة
بنت عبد الله
أما حكم المسألة فلا يجوز الأذان لغير الصبح قبل وقتها بلا خلاف لما ذكره قال الشافعي
في الأم والأصحاب لو أوقع بعض كلمات الأذان لغير الصبح قبل الوقت وبعضها في الوقت لم
87

يصح بل عليه استئناف الأذان كله هذا هو المشهور وقال الشيخ أبو محمد في كتابه الفروق قال
الشافعي رحمه الله لو وقع بعض كلمات الأذان قبل الزوال وبعضها بعده بنى على الواقع في الوقت قال
ومراده قوله في آخر الأذان الله أكبر الله أكبر فيأتي بعده بالتكبير مرتين ثم الشهادة إلى آخره
ولا يحتاج إلى أربع تكبيرات وليس مراده ان غير ذلك يحسب له فان الترتيب واجب قال
ولا يضر قوله لا إله إلا الله بين التكبيرات لأنه لو خلل بينها كلاما يسيرا لا يضر فالذكر أولي
ونقل الشيخ أبو علي السنجي في شرح التلخيص عن الأصحاب نحو هذا. ويجوز للصبح قبل وقتها
بلا خلاف واختلف أصحابنا في الوقت الذي يجوز فيه من الليل على خمسة أوجه أصحها وقول
أكثر أصحابنا وبه قطع معظم العراقيين يدخل وقت أذانها من نصف الليل والثاني أنه قبيل طلوع
الفجر في السحر وبه قطع البغوي وصححه القاضي حسين والمتولي وهذا ظاهر المنقول عن بلال
وابن أم مكتوم والثالث يؤذن في الشتاء لسبع يبقى من الليل وفى الصيف لنصف سبع نقله امام
الحرمين وآخرون من الخراسانيين ورجحه الرافعي على خلاف عادته في التحقيق والرابع أنه
يؤذن بعد وقت العشاء المختار وهو ثلث الليل في قول ونصفه في قول حكاه القاضي حسين
وصاحبا الإبانة والتتمة والبيان وغيرهم والخامس جميع الليل وقت لاذان الصبح حكاه امام الحرمين
وصاحب العدة والبيان وآخرون وهو في غاية الضعف بل غلط قال امام الحرمين لولا علو قدر
الحاكي له وهو الشيخ أبو علي وأنه لا ينقل الا ما صح وتنقح عنده لما استجزت نقل هذا
الوجه وكيف يحسن الدعاء لصلاة الصبح في وقت الدعاء إلى المغرب والسرف في كل شئ
مطرح هذا كلام الامام والظاهر أن صاحب هذا القول لا يقوله عليه الاطلاق الذي ظنه امام
الحرمين بل إنما يجوزه بعد مضى صلاة العشاء الآخرة وقطعة من الليل وأما الوجه الذي نقله
الخراسانيون أنه يؤذن في الشتاء لسبع يبقى وفى الصيف لنصف سبع فهو أيضا تقييد باطل وكأنهم
بنوه على حديث باطل نقله الغزالي وغيره عن سعد القرظ الصحابي قال " كان الأذان على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشتاء لسبع يبقى من الليل وفى الصيف لنصف سبع " وهذا
الحديث باطل غير معروف عند أهل الحديث وقد رواه الشافعي في القديم باسناد ضعيف عن
سعد القرظ قال " اذنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بقباء وفى زمن عمر رضي الله عنه بالمدينة فكان
أذاننا في الصبح في الشتاء لسبع ونصف يبقى من الليل وفى الصيف لسبع يبقى منه وهذا المنقول
88

مع ضعفه مخالف لقول صاحب هذا الوجه فالصحيح اعتبار نصف الليل كما سبق والله أعلم: وأما
الإقامة فلا يصح تقديمها على وقت الصلاة ولا على إرادة الدخول فيها ولا بد من هذين
الشرطين وهما دخول الوقت وإرادة الدخول في الصلاة فان أقام قبيل الوقت بجزء لطيف بحيث
دخل الوقت عقب الإقامة ثم شرع في الصلاة عقب ذلك لم تصح اقامته وإن كان ما فصل بينها
وبين الصلاة لكونها وقعت قبل الوقت وقد نص في الأم على هذا وان أقام في الوقت واخر
الدخول في الصلاة بطلت اقامته ان طال الفصل لأنها تراد للدخول في الصلاة فلا يجوز
الفصل والله أعلم *
* (فرع) * قال أصحابنا السنة أن يؤذن للصبح مرتان أحداهما قبل الفجر والأخرى عقب طلوعه
لقوله صلى الله عليه وسلم " ان بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم "
والأفضل أن يكون مؤذنان يؤذن واحد قبل الفجر والآخر بعده فان اقتصر على أذان واحد
جار أن يكون قبل الفجر وأن يكون بعده وجاز أن يكون بعض الكلمات قبل الفجر وبعضها بعده
إذا لم يطل بينهما فضل وإذا اقتصر على أذان واحد فالأفضل أن يكون بعد الفجر على ما هو
المعهود في سائر الصلوات والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في الأذان للصبح وغيرها: اما غيرها فلا يصح الأذان لها قبل وقتها
باجماع المسلمين نقل الاجماع فيه ابن جرير وغيره واما الصبح فقد ذكرنا أن مذهبنا جوازه قبل
الفجر وبعده وبه قال مالك والأوزاعي وأبو يوسف وأبو ثور واحمد وإسحاق وداود وقال الثوري
وأبو حنيفة ومحمد لا يجوز قبل الفجر وحكي ابن المنذر عن طائفة أنه يجوز أن يؤذن قبل الفجر إن كان
يؤذن بعده واحتج لأبي حنيفة وموافقيه بحديث ابن عمر رضي الله عنهما ان بلالا رضي الله عنه
اذن قبل الفجر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي " الا ان العبد نام إلا أن العبد نام ثلاثا "
دليلنا حديث ابن عمر رضي الله عنهما " أن بلالا يؤذن بليل " وهو في الصحيحين كما سبق وفى الصحيح
أحاديث كثيرة بمعناه واما حديث ابن عمر الذي احتجوا به فرواه أبو داود والبيهقي وغيرهما وضعفوه
89

* قال المصنف رحمه الله *
* (والأذان تسع عشرة كلمة الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر اشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن لا
إله إلا الله اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله ثم يرجع فيمد صوته ويقول
اشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن لا إله إلا الله أشهد ان محمدا رسول الله اشهد أن محمدا رسول الله حي
على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله
لما روى أبو محذورة رضي الله عنه قال " القي على رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين بنفسه فقال قل الله أكبر
الله أكبر " فذكر نحو ما قلناه وإن كان في أذان الصبح زاد فيه وهو أن يقول بعد الحيعلة الصلاة
خير من النوم مرتين وكره ذلك في الجديد قال أصحابنا يسن ذلك قولا واحدا وإنما كره في الجديد
لان أبا محذورة لم يحكه وقد صح ذلك في حديث أبي محذورة وأنه قال له " حي على الفلاح الصلاة
خير من النوم الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله " والإقامة احدى عشرة كلمة
الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح
قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وقال في القديم الإقامة مرة
لأنه لفظ في الإقامة فكان فرادا كالحيعلة والأول أصح لما روى أنس رضي الله عنه قال " امر بلال
أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة الا الإقامة ") * *
* (الشرح) * حديث أنس أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة صحيح رواه البخاري ومسلم
بلفظه واما حديث أبي محذورة في الترجيع فصحيح رواه مسلم لكنه وقع التكبير في أوله في رواية
مسلم مرتين فقط الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وفى رواية أبى داود والنسائي وغيرهما
التكبير أربعا كما هو في المهذب واسناده صحيح قال الترمذي هو حديث صحيح واما حديث أبي
محذورة في التثويب فرواه أبو داود وغيره باسناد جيد وعن أنس رضي الله عنه قال " من السنة إذا قال
المؤذن في أذان الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله أكبر
90

الله أكبر لا إله إلا الله " رواه ابن خزيمة في صحيحة والدارقطني والبيهقي قال البيهقي اسناده صحيح
وأبو محذورة بالحاء المهملة وضم الذال المعجمة اسمه سمرة بن معير بميم مكسورة ثم عين ساكنة
ثم ياء مثناة تحت مفتوحة ثم راء ويقال أوس بن معير ويقال سمرة بن عمير ويقال أوس بن معير
بضم الميم وفتح الياء المشددة: كان من أحسن الناس صوتا أسلم بعد الفتح توفى بمكة سنة تسع
وخمسين وقيل تسع وسبعين: وأما التثويب فمأخوذ من ثاب إذا رجع كأنه رجع إلى الدعاء إلى الصلاة
مرة أخرى لأنه دعا إليها بقوله حي على الصلاة ثم دعا إليها بقوله الصلاة خير من النوم قال الترمذي
في جامعه ويقال فيه التثوب: واما الحيعلة فهي بفتح الحاء وهي قوله حي على الصلاة حي على الفلاح
قال الأزهري قال الخليل لا تأتلف العين والحاء في كلمة واحدة أصلية في الحروف لقرب مخرجيهما
إلا أن يتألف فعل من كلمتين مثل حي على فيقال حيعلة ومثل الحيعلة من المركبات البسملة والحمدلة
والحوقلة في بسم الله والحمد لله ولا حول ولا قوة الا بالله وأشباهها وقد أوضحتها في تهذيب الأسماء
واللغات وقوله " أمر بلال أن يشفع الأذان " هو بفتح الياء أي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم
صاحب الأمر والنهي وقوله " الا الإقامة " يعنى قوله قد قامت الصلاة فيأتي به مرتين وقوله " ثم يرجع
فيمد صوته " لو قال فيرفع صوته كان أحسن لأنه لا يلزم من المد الرفع والمراد الرفع وقوله يرجع هو
بفتح الياء واسكان الراء وتخفيف الجيم وقد رأيت من يضم الياء ويشدد الجيم وهو تصحيف
لان الترجيع اسم للذي يأتي به سرا: أما أحكام المسألة فمذهبنا أن الأذان تسع عشرة كلمة كما ذكر
باثبات الترجيع وهو ذكر الشهادتين مرتين سرا قبل الجهر وهذا الترجيع سنة على المذهب الصحيح
الذي قاله الأكثرون فلو تركه سهوا أو عمدا صح أذانه وفاته الفضيلة وفيه وجه حكاه الخراسانيون
وبعضهم يحكيه قولا أنه ركن لا يصح الأذان الا به قال القاضي حسين نقل احمد البيهقي الامام
91

عن الشافعي أنه ان ترك الترجيع لا يصح أذانه والمذهب الأول لأنه جاءت أحاديث كثيرة بحذفه
منها حديث عبد الله بن زيد الذي قدمناه في أول الباب ولو كان ركنا لم يترك ولأنه ليس في حذفه
اخلال ظاهر بخلاف باقي الكلمات والحكمة في الترجيع أنه يقوله سرا بتدبر واخلاص وأما التثويب
في الصبح ففيه طريقان الصحيح الذي قطع به المصنف والجمهور أنه مسنون قطعا لحديث أبي محذورة
والطريق الثاني فيه قولان أحدهما هذا وهو القديم ونقله القاضي أبو الطيب وصاحب الشامل عن نص
الشافعي في البويطي فيكون منصوصا في القديم والجديد ونقله صاحب التتمة عن نص الشافعي
رحمه الله في عامة كتبه والثاني وهو الجديد انه يكره وممن قطع بطريقة القولين الدارمي وادعي
امام الحرمين أنها أشهر والمذهب أنه مشروع فعلى هذا هو سنة لو تركه صح الأذان وفاته الفضيلة
هكذا قطع به الأصحاب وقال امام الحرمين في اشتراطه احتمال قال وهو بالاشتراط أولي من الترجيع
ثم ظاهر اطلاق الأصحاب أنه يشرع في كل أذان للصبح سواء ما قبل الفجر وبعده وقال صاحب
التهذيب أن ثوب في الأذان الأول لم يثوب في الثاني في أصح الوجهين: واما الإقامة ففيها خمسة
أقوال الصحيح أنها إحدى عشرة كلمة كما ذكره المصنف وهذا هو القول الجديد وقطع به كثيرون
من الأصحاب ودليله حديث أنس والثاني أنها عشر كلمات يفرد قوله قد قامت الصلاة وهذا قول
قديم حكاه المصنف والأصحاب والثالث قديم أيضا أنها تسع كلمات يفرد أيضا التكبير في آخرها
حكاه امام الحرمين والرابع قديم أيضا أنها ثمان كلمات يفرد التكبير في أولها
وآخرها مع لفظ الإقامة حكاه القاضي حسين والفوراني والسرخسي وصاحب العدة وجها
92

وحكاه البغوي قولا والخامس أنه ان رجع في الأذان ثنى جميع كلمات الإقامة فيكون سبع عشرة
كلمة وانه لم يرجع أفرد الإقامة فجعلها احدى عشرة كلمة قال البغوي وهذا اختيار أبي بكر محمد
ابن إسحاق بن خزيمة من أصحابنا والمذهب انها احدى عشرة كلمة سواء رجع أم لا ودليله
حديث عبد الله بن زيد الذي ذكرناه في أول الباب وحديث أنس المذكور هنا فان قيل فقد
قال أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة فهذا ظاهره انه يأتي بالتكبير مرة فقط وقد قلتم
يأتي به مرتين فالجواب انه وتر بالنسبة إلى تكبير الأذان فان التكبير في أول الأذان أربع
كلمات ولان السنة في تكبيرات الأذان الأربع أن يأتي بها في نفسين كل تكبيرتين في نفس وفى الإقامة
يأتي بالتكبيرتين في نفس فصارت وترا بهذا الاعتبار والله أعلم *
* (فرع) * في مذاهب العلماء في ألفاظ الأذان: قذ ذكرنا أن مذهبنا انه تسع عشرة كلمة وبه
قال طائفة من أهل العلم بالحجاز وغيره وقال مالك هو سبع عشرة كلمة أسقط تكبيرتين من
أوله وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري هو خمس عشرة كلمة أسقطا الترجيع وجعلا التكبير أربعا
كمذهبنا وقال احمد وإسحاق اثبات الترجيع وحذفه كلاهما سنة وحكى الخرقي عن أحمد أنه لا يرجع
واحتج لأبي حنيفة وموافقيه في اسقاط الترجيع بحديث عبد الله بن زيد واحتج أصحابنا بحديث
أبي محذورة قالوا وهو مقدم على حديث عبد الله بن ريد لا وجه (أحدها) انه متأخر (والثاني) ان
فيه زيادة وزيادة الثقة مقبولة (والثالث) ان النبي صلى الله عليه وسلم لقنه إياه (والرابع) عمل أهل
الحرمين بالترجيع والله أعلم *
93

* (فرع) * في مذاهبهم في التثويب: قد ذكرنا أن مذهبنا انه سنة في أذان الصبح وممن قال
بالتثويب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابنه وأنس والحسن البصري وابن سيرين والزهري
ومالك والثوري واحمد وإسحاق وأبو ثور وداود ولم يقل أبو حنيفة بالتثويب على هذا الوجه
دليلنا الحديث السابق فيه *
* (فرع) * في مذاهبهم في الإقامة: مذهبنا المشهور انها احدى عشرة كلمة كما سبق وبه قال
عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصري ومكحول والزهري والأوزاعي واحمد وإسحاق
وأبو ثور ويحيى بن يحيى وداود وابن المنذر قال البيهقي وممن قال بافراد الإقامة سعيد بن
المسيب وعروة ابن الزبير والحسن وابن سيرين ومكحول والزهري وعمر بن عبد العزيز ومشايخ
جلة من التابعين سواهم قال البغوي هو قول أكثر العلماء وقال مالك عشر كلمات جعل قوله قد
قامت الصلاة مرة وقال أبو حنيفة والثوري وابن المبارك هو سبع عشرة كلمة مثل الأذان عندهم
مع زيادة قد قامت الصلاة مرتين واحتج لأبي حنيفة وموافقيه بحديث أبي محذورة ان النبي صلى
الله عليه وسلم " علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة " رواه أبو داود والترمذي
وقال حديث حسن صحيح وعن عبد الرحمن ابن أبي ليلي عن عبد الله بن زيد قال " كان أذان
رسول الله صلى الله عليه وسلم شفعا شفعا في الأذان والإقامة " وعن عبد الرحمن ابن أبي ليلي
عن معاذ مثله وقياسا على الأذان واحتج أصحابنا بحديث عبد الله بن زيد المذكور في أول الباب
وهو صحيح كما سبق بيانه وبحديث انس قال " امر بلال ان يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا الإقامة " رواه
البخاري ومسلم ورواه البيهقي باسنادين صحيحين أيضا عن أنس ان رسول الله صلى الله عليه
94

وسلم " أمر بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة " وعن ابن عمر رضي الله عنهما " قال إنما كان الأذان
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة مرة غير أنه يقول قد قامت الصلاة
قد قامت الصلاة " رواه أبو داود والنسائي باسناد صحيح وفى المسألة أحاديث كثيرة: واحتجوا
بأقيسة كثيرة لا حاجة إليها مع الأحاديث الصحيحة قالوا والحكمة في افراد الإقامة أن السامع يعلم
أنها إقامة فلو ثنيت لاشتبهت عليه بالأذان ولأنها للحاضرين فلم يحتج إلى تكرير للتأكيد بخلاف
الأذان: وأجابوا عن حديث عبد الله بن زيد بان ابن أبي ليلى لم يدرك عبد الله بن زيد ولم يدرك
أيضا معاذا هكذا أجاب به حفاظ الحديث واتفقوا عليه ولان المشهور عن عبد الله بن زيد افراد
الإقامة كما سبق في أول الباب في حديث بدء الأذان قال ابن خزيمة سمعت الإمام محمد بن يحيى
الدهلي يقول ليس في اخبار عبد الله بن زيد في الأذان أصح من هذا يعنى الرواية التي ذكرناها
في أول الباب وعن حديث أبي محذورة أن الرواية اختلفت عنه فروى جماعة عنه افراد الإقامة
وآخرون تثنيتها وقد روى ابن خزيمة والدارقطني والبيهقي طرقهم وبينوها وقد اتفقنا نحن
وأصحاب أبي حنيفة على أن حديث أبي محذورة هذا لا يعمل بظاهره لان فيه الترجيع وتثنية الإقامة
95

وهم لا يقولون بالترجيع ونحن لا نقول بتثنية الإقامة فلابد لنا ولهم من تأويله فكان الاخذ بالافراد أولى لأنه
الموافق لباقي الروايات والأحاديث الصحيحة كحديث أنس وغيره مما سبق في الافراد قال البيهقي اجمعوا
أن الإقامة ليست كالأذان في عدد الكلمات إذا كان بالترجيع فدل على أن المراد به جنس الكلمات وان تفسيرها
وقع من بعض الرواة توهما منه أن ذلك هو المراد ولهذا لم يرو مسلم في صحيحه الإقامة في حديث أبي
محذورة مع روايته الأذان عنه ثم ذكر البيهقي بأسانيده الصحيحة روايات عن أبي محذورة تبين
صحة قوله ثم روى البيهقي عن ابن خزيمة قال الترجيع في الأذان مع تثنية الإقامة من جنس الاختلاف
المباح فيباح ان يرجع في الأذان ويثنى الإقامة ويباح أن يثني الأذان ويفرد الإقامة لان الامرين صحا عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاما تثنية الأذان بلا ترجيع وتثنية الإقامة فلم يثبت عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال البيهقي وفى صحة التثنية في الإقامة سوى لفظ التكبير وكلمتي الإقامة نظر ففي اختلاف
الروايات ما يوهم أن يكون الامر بالتثنية عاد إلى كلمتي الإقامة وفى رواية أبى محذورة وأولاده
على ترجيع الأذان وإفراد الإقامة ما يؤذن بضعف رواية من روى تثنيتها ويقتضي أن الامر بقي على
ما كان عليه هو وأولاده وسعد القرظ وأولاده في حرم الله تعالى وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم
إلى أن وقع التغيير في أيام المصريين قال الشافعي رحمه الله أدركت إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك
ابن أبي محذورة يؤذن كما حكي ابن محيريز يعني بالترجيع قال وسمعته يحدث عن أبيه عن ابن محيريز
96

عن أبي محذورة عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى ما حكى ابن جريج قال وسمعته يفرد الإقامة الا لفظ
الإقامة وقال الشافعي في القديم الرواية في الأذان تكلف لأنه خمس مرات في اليوم والليلة في المسجدين
يعنى مسجدي مكة والمدينة على رؤوس المهاجرين والأنصار ومؤذنو مكة آل أبي محذورة
وقد أذن أبو محذورة للنبي صلى الله عليه وسلم وعلمه الأذان ثم ولده بمكة وأذن آل سعد القرظ
منذر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه كلهم يحكي الأذان والإقامة والتثويب
ووقت الفجر كما ذكرنا فان جاز أن يكون هذا غلطا من جماعتهم والناس بحضرتهم ويأتينا من طرف
الأرض من يعلمنا ذلك جاز له أن يسألنا عن عرفة ومني ثم يخالفنا ولو خلفنا في المواقيت لكان
أجوز له من مخالفتنا في هذا الامر الظاهر المعمول به وروى البيهقي عن مالك قال اذن سعد القرظ
في هذا المسجد في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
متوافرون فلم ينكره أحد منهم وكان سعد وبنوه يؤذنون باذانه إلى اليوم فقيل له كيف اذانهم فقال
يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر فذكره بالترجيع قال والإقامة مرة مرة قال أبو عبد الله
محمد بن نصر فأرى فقهاء أصحاب الحديث قد أجمعوا على افراد الإقامة واختفوا في الأذان يعنى
اثبات الترجيع وحذفه والله أعلم *
(فرع) يكره التثويب في غير الصبح وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور وحكي الشيخ أبو حامد
97

وصاحب الحاوي والمحاملي وغيرهم عن النخعي انه كأن يقول التثويب سنة في كل الصلوات كالصبح
وحكى القاضي أبو الطيب عن الحسن بن صالح أنه مستحب في أذان العشاء أيضا لان بعض الناس
قد ينام عنها دليلنا حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أحدث
في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخاري ومسلم وروى عن عبد الرحمن بن أبي ليلي التابعي
عن بلال رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يثوبن في شئ من الصلوات الا
في صلاة الفجر " رواه الترمذي وضعف اسناده وهو مع ضعف اسناده مرسل لان ابن أبي ليلي
لم يسمع بلالا ومن مجاهد قال " كنت مع ابن عمر فثوب رجل في الظهر أو العصر فقال اخرج
بنا فان هذه بدعة " رواه أبو داود وليس إسناده بقوي والمعتمد حديث عائشة رضي الله عنها *
(فرع) يكره أن يقال في الأذان حي على خير العمل لأنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وروى البيهقي فيه شيئا موقوفا على ابن عمر وعلي ابن الحسين رضي الله عنهم قال البيهقي لم تثبت
هذه اللفظة عن النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نكره الزيادة في الأذان والله أعلم *
* قال المصنف رحمة الله *
* (ولا يصح الأذان الا من مسلم عاقل فاما الكافر والمجنون فلا يصح أذانهما لأنهما ليسا من
أهل العبادات ويصح من الصبي العاقل لأنه من أهل العبادات ويكره للمرأة أن تؤذن ويستحب
لها أن تقيم لان في الأذان ترفع الصوت وفى الإقامة لا ترفع فإذا أذنت للرجال لم يعتد باذانها لأنه لا يصح
إمامتها للرجال فلا يصح تأذينها لهم) * *
98

* (الشرح) * فيه مسائل (إحداها) لا يصح أذان كافر على أي ملة كان فان أذن فهل يكون أذانه
اسلاما ينظر إن كان عيسويا والعيسوية طائفة من اليهود ينسبون إلى عيسى اليهودي الأصبهاني
يعتقدون اختصاص رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم بالعرب فهذا لا يصير بالأذان مسلما لأنه إذا نطق
بالشهادتين اعتقد فيها الاختصاص وإن كان غير عيسوي فله في نطقه بالشهادة ثلاثة أحوال أحدها
أن يقولها حكاية بأن يقول سمعت فلانا يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله فهذا لا يصير مسلما
بلا خلاف لأنه حاك كما لا يصير المسلم كافرا بحكايته الكفر والثاني أن يقولها بعد استدعاء بان
يقول له انسان قل لا إله إلا الله محمد رسول الله فيقولهما قصدا فهذا يصير مسلما بلا خلاف والثالث
أن يقولها ابتداء لا حكاية ولا باستدعاء فهل يصير مسلما فيه وجهان مشهوران الصحيح منهما وبه قطع
الأكثرون أنه يصير لنطقه بهما اختيارا والثاني لا يصير لاحتمال الحكاية وسواء حكمنا باسلامه
أم لا لا يصح أذانه لأنه وان حكم باسلامه فإنما يحكم بعد الشهادتين فيكون بعض الأذان جرى
في الكفر. ولو أذن المسلم ثم ارتد عقب فراغه اعتد باذانه ويستحب أن لا يعتد به لاحتمال أن
تكون عرضت له الردة قبل فراغه وممن نص على هذا الشافعي (1) (المسألة الثانية)
لا يصح أذان المجنون والمغمى عليه لان كلامهما لغو وليسا في الحال من أهل العبادة

(1) ياض بالأصل اه‍
99

وأما السكران فلا يصح اذانه على الصحيح كالمجنون وفيه وجه انه يصح إمام الحرمين
والبغوي وغيرهما وصححه الشيخ أبو محمد في كتابه الفروق والقاضي حسين في الفتاوى بناء على
صحة تصرفاته وليس بشئ وأما من هو في أول النشوة فيصح اذانه بلا خلاف
(الثالثة) يصح أذان
الصبي المميز كما تصح إمامته هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور ونص عليه في الأم لما ذكره المصنف
قالوا ولأنه يقبل خبره فيما طريقه المشاهدة كما لو دل أعمى على محراب يجوز أن يصلي ويقبل قوله
في الاذن في دخول الدر وحمل الهدية وفيه وجه انه لا يصح اذانه حكاه صاحب التتمة وغيره وهو
مذهب أبي حنيفة وداود وقال مالك واحمد يصح فإذا قلنا بالمذهب انه يصح قال الماوردي
والبندنيجي وصاحب الشامل والعدة وغيرهم يكره ونقل المحاملي كراهته عن نص الشافعي قال
الماوردي وصاحب العدة سواء كان مراهقا أو دونه يكره ان يرتب للأذان:
(الرابعة) لا يصح أذان
المرأة للرجال لما ذكره المصنف هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور ونص عليه في الأم ونقل امام
الحرمين الاتفاق عليه وفيه وجه حكاه المتولي انه يصح كما يصح خبرها واما إذا أراد جماعة النسوة
صلاة ففيها ثلاثة أقوال المشهور المنصوص في الجديد والقديم وبه قطع الجمهور يستحب لهن الإقامة
دون الأذان لما ذكره المصنف والثاني لا يستحبان نص عليه في البويطي والثالث يستحبان حكاهما
الخراسانيون فعلى الأول إذا أذنت ولم ترفع الصوت لم يكره وكان ذكر الله تعالى هكذا نص عليه
الشافعي في الأم والبويطي وصرح به الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي في كتابيه
وصاحب الشامل وغيرهم وشذ المصنف والجرجاني في التحرير فقالا يكره لها الأذان والمذهب ما سبق
وإذا قلنا تؤذن فلا ترفع الصوت فوق ما تسمع صواحبها اتفق الأصحاب عليه ونص عليه في الأم
فان رفعت فوق ذلك حرم كما يحرم تكشفها بحضرة الرجال لأنه يفتتن بصوتها كما يفتتن بوجهها وممن
صرح بتحريمه امام الحرمين والغزالي والرافعي وأشار إليه القاضي حسين وقال السرخسي في
الأمالي رفع صوتها مكروه ولو أرادت الصلاة امرأة منفردة فان قلنا الرجل المنفرد لا يؤذن فهي
أولى والا فعلى الأقوال الثلاثة في جماعة النساء والخنثى المشكل في هذا كله كالمرأة ذكره أبو الفتوح
والبغوي وغيرهما وقال مالك واحمد وداود يسن للمرأة وللنساء الإقامة دون الأذان وقال
أبو حنيفة لا يسن الإقامة لهن * قال المصنف رحمه الله *
100

* (والمستحب أن يكون المؤذن حرا بالغا لما روى ابن عباس رضى عنهما مرفوعا " يؤذن لكم
خياركم " وقال عمر رضي الله عنه لرجل " من مؤذنوكم فقال موالينا أو عبيدنا فقال إن ذلك لنقص
كبير " والمستحب أن يكون عدلا لأنه أمين على المواقيت ولأنه يؤذن على موضع عال فإذا لم يكن
أمينا لم يؤمن أن ينظر إلى العورات) * *
* (الشرح) * قوله روى ابن عباس مرفوعا أي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم تقديره قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث رواه أبو داود وابن ماجة والبيهقي باسناد فيه ضعف وأما الأثر المذكور
عن عمر فرواه البيهقي باسناد (1) وهذا الرجل الذي قال له عمر من مؤذنوكم هو قيس بن أبي حازم
التابعي الجليل روى عن العشرة ولا يعرف أحد روى عن العشرة غيره وقيل لم يسمع عبد الرحمن
بن عوف وقوله موالينا أو عبيدنا هكذا هو في المهذب أو عبيدنا بأو وفى سنن البيهقي وعبيدنا بالواو
واما الأحكام ففيه مسائل (إحداها) يصح أذان العبد كما يصح خبره لكن الحر أولي لأنه أكمل
قال صاحب المأوى قال الشافعي رحمه الله والعبد في الأذان كالحر قال فاحتمل مراده بذلك
أمرين أحدهما انه يجوز أن يكون مؤذنا كالحر والثاني انه يسن له الأذان والإقامة لصلاته كالحر
وهذا صحيح لان مسنونات الصلاة وفروضها يستوي فيها الحر والعبد لكن ان أراد أن يؤذن
لنفسه لم يلزمه استئذان سيده لان ذلك لا يضر بخدمة السيد وان أراد أن يكون مؤذنا
للجماعة لم يجز الا باذن سيده لان فيه اضرارا بخدمته لأنه يحتاج إلى مراعاة الأوقات (الثانية) سبق
ان المذهب الصحيح صحة أذان الصبي المميز ويتأدى به الشعار وفرض الكفاية إذا قلنا به
ولكن البالغ أولى منه وقد سبق ان جماعة من أصحابنا قالوا يكره أن يكون مؤذنا لأنه فيه تغريرا
فإنه يخاف غلطه (الثالثة) ينبغي أن يكون المؤذن عدلا ذا صيانة في دينه ومروءته لما ذكره المصنف فإن كان
فاسقا صح اذانه وهو مكروه واتفق أصحابنا على أنه مكروه وممن نص عليه البندنيجي وابن
101

الصباغ والروياني وصاحب العدة وغيرهم قال أصحابنا وإنما يصح اذانه في تحصيل وظيفة الأذان
ولا يجوز تقليده وقبول خبره في دخول الوقت لان خبره غير مقبول قال صاحب العدة فان أذن
خصي أو مجبوب فلا كراهة فيه قال الشافعي رحمه الله في الأم ومن اذن من عبد ومكاتب أجزأ
قال وكذلك الخصي المجبوب والأعجمي إذا أفصح بالأذان وعلم الوقت قال وأحب أن يكون
المؤذنون خيار الناس *
(فرع) قال الإمام الشافعي في الامام والمختصر " وأحب أن لا يجعل مؤذن الجماعة الا عدلا
ثقة " قال صاحب الحاوي قيل جمع بينهما تأكيدا وقيل أراد عدلا إن كان حرا ثقة إن كان عبدا
لان العبد لا يوصف بالعدالة وإنما يوصف بالثقة والأمانة وقيل أراد عدلا في دينه ثقة في معرفته بالمواقيت *
* قال المصنف رحمه الله *
* (وينبغي أن يكون عارفا بالمواقيت لأنه إذا لم يكن عارفا غر الناس بأذانه والمستحب
أن يكون من ولد من جعل الأذان فيهم أو من الأقرب فالأقرب إليهم لما روى أبو محذورة رضي الله عنه
قال " جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان لنا " وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " الملك في قريش والقضاء في الأنصار والأذان في الحبشة ") * *
* (الشرح) * قوله ينبغي أن يكون عارفا بالمواقيت يعنى يشترط أن يكون عارفا بالمواقيت
هكذا صرح باشتراطه صاحب التتمة وغيره وأما ما حكاه الشيخ أبو حامد عن نص الشافعي
وقطع به ووقع في كلام المحاملي وغيره أنه يستحب كونه عارفا بالمواقيت فمؤول ويعني بالاشتراط
فيمن يولي ويرتب للأذان وأما من يؤذن لنفسه أو يؤذن لجماعة مرة فلا يشترط معرفته
بالمواقيت بل إذا علم دخول وقت الأذان لتلك الصلاة صح أذانه لها بدليل أذان الأعمى
وأما قوله يستحب أن يكون من ولد من جعل الأذان فيهم ثم من الأقرب فالأقرب إليهم فمتفق عليه
ونص عليه الشافعي رحمه الله والمخاملي وزاد الشافعي من جعل بعض الصحابة الأذان فيه قال
القاضي أبو الطيب في تعليقه وصاحبا الشامل والبيان فإن لم يكن ففي أولاد الصحابة وأما حديث
أبي هريرة فرواه الترمذي هكذا مرفوعا قال والأصح أنه موقوف على أبي هريرة *
* قال المصنف رحمه الله *
* (والمستحب أن يكون صيتا لان النبي صلى الله عليه وسلم اختار أبا محذورة لصوته
102

ويستحب أن يكون حسن الصوت لأنه أرق لسامعيه ويكره أن يكون المؤذن أعمي لأنه ربما غلط
في الوقت فإن كان معه بصير لم يكره لان ابن أم مكتوم كان يؤذن مع بلال) * *
* (الشرح) * هذه المسائل حكمها كما ذكر باتفاق أصحابنا ونص الشافعي رحمه الله عليها كلها
والصيت بتشديد الياء هو شديد الصوت ورفيعه وحديث ابن أم مكتوم في الصحيحين كما سبق
وحديث أبي محذورة صحيح أيضا رمما يستدل به قوله صلى الله عليه وسلم " ألقه على بلال فإنه
أندى صوتا منك " وهو صحيح كما سبق في أول الباب قال الشافعي في الأم والشيخ أبو حامد
والمحاملي والبغوي وغيرهم إذا كان مع الأعمى بصير بخبره بالوقت ولا يؤذن لم يكره كون
الأعمى مؤذنا كما لا يكره إذا كان معه بصير يؤذن قبله أو بعده لأنه لا يؤذن الا بعد دخول
الوقت قال أصحابنا وإنما كرهنا انفراد الأعمى وإن كان يمكنه معرفة الوقت بسؤال
غيره وبالاجتهاد لأنه يفوت على الناس فضيلة أول الوقت باشتغاله بذلك *
* قال المصنف رحمه الله *
* (والمستحب أن يكون على طهارة لما روى وائل بن حجر رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال " حق وسنة أن لا يؤذن أحد الا وهو طاهر " ولأنه إذا لم يكن على طهارة
الصرف لأجل الطهارة فيجئ من يريد الصلاة فلا يجد أحدا فينصرف والمستحب أن يكون
على موضع عال لان الذي رآه عبد الله بن زيد كان على جذم حائط ولأنه أبلغ في الاعلام
والمستحب أن يؤذن قائما لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا بلال قم فناد " ولأنه أبلغ في
الاعلام فإن كان مسافرا وهو راكب اذن قاعدا كما يصلي قاعدا
والمستحب أن يكون مستقبل
القبلة فإذا بلغ الحيعلة لوى عنقه يمينا وشمالا ولا يستدير لما روى أبو جحيفة رضي الله عنه قال
" رأيت بلالا خرج إلى الأبطح فاذن واستقبل القبلة فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح
لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر " ولأنه إذا لم يكن بد من جهة فجهة القبلة أولى والمستحب أن
103

يجعل إصبعيه في صماخي أذنيه لما روى أبو جحيفة قال " رأيت بلالا وإصبعاه في أذنيه ورسول
الله صلى الله عليه وسلم في قبة له حمراء " ولان ذلك اجمع للصوت) * *
* (الشرح) * اما حديث وائل فرواه البيهقي عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه موقوفا عليه
وهو موقوف مرسل لان أئمة الحديث متفقون على أن عبد الجبار لم يسمع من أبيه شيئا وقال
جماعة منهم إنما ولد بعد وفاة أبيه بستة أشهر وحجر بحاء مهملة مضمومة ثم جيم ساكنة كنية
وائل أبو هنيدة وهو من بقايا ملوك حمير نزل الكوفة وعاش إلى أيام معاوية واما قوله لان الذي
رآه عبد الله بن زيد كان على جذم حائط فروى أبو داود معناه قال قام على المسجد وجذم
الحائط أصله وهو بكسر الجيم واسكان الذال المعجمة واما حديث " يا بلال قوم فناد " فرواه البخاري
ومسلم من رواية ابن عمر رضي الله عنهما وأما الحديثان اللذان عن أبي جحيفة فصحيحان رواه
البخاري ومسلم عن أبي جحيفة قال " رأيت بلالا يؤذن فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يمينا وشمالا يقول حي
على الصلاة حي على الفلاح " وفى رواية أبى داود " فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى
عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر " واسناده صحيح وفى رواية الترمذي " رأيت بلالا يؤذن
وأتتبع فاه ههنا وههنا وإصبعاه في أذنيه " قال الترمذي حديث حسن صحيح وأبو
جحيفة بجيم مضمومة ثم حاء مهملة مفتوحة وهو صاحبي مشهور رضي الله عنه واسمه وهب بن
عبد الله وقيل وهب الله السؤاى بضم السين توفى سنة ثنتين وسبعين قيل توفى النبي صلى الله
عليه وسلم وهو لم يبلغ الحلم: أما أحكام الفصل ففيه مسائل (إحداها) يستحب ان يؤذن على طهارة
فان اذن وهو محدث أو جنب أو أقام الصلاة وهو محدث أو جنب صح اذانه وإقامته لكنه مكروه
نص على كراهته الشافعي والأصحاب واتفقوا عليها ودليلنا ما ذكره المصنف مع ما سنذكره إن
شاء الله تعالى قالوا والكراهة في الجنب أشد منها في المحدث وفى الإقامة أغلظ قال الشافعي
رضي الله عنه في الأم ولو ابتدأ في الأذان طاهرا ثم انتقضت طهارته بني على اذانه ولم يقطعه سواء
كان حدثه جنابة أو غيرها قال ولو قطعه وتطهر ثم رجع بنى على اذانه ولو استأنف كان أحب إلى
104

هذا نصه وتابعه الأصحاب قالوا وإنما استحب اتمامه ولا يقطعه لئلا يظن أنه متلاعب وإنما يصح
البناء إذا لم يطل الفصل طولا فاحشا وان طال طولا غير فاحش ففي صحة البناء طريقان حكاهما
صاحب البيان وآخرون أحدهما يصح البناء قولا واحدا وبه قطع الشيخ أبو حامد وآخرون والثاني
فيه قولان قال أصحابنا وإذا اذن أو أقام وهو جنب في المسجد أثم بلبثه في المسجد وصح أذانه
وإقامته لان المراد حصول الاعلام وقد حصل والتحريم لمعني آخر وهو حرمة المسجد وقال صاحب
البيان وغيره وكذا لو اذن الجنب في رحبة المسجد يأثم ويصح اذانه قال والرحبة كالمسجد في
التحريم على الجنب قال صاحب الحاوي وغيره ولو اذن مكشوف العورة اثم وأجزأه
(فرع) في مذاهب العلماء في الأذان بغير طهارة: قذ ذكرنا أن مذهبنا أن أذان الجنب
والمحدث وإقامتهما صحيحان مع الكراهة وبه قال الحسن البصري وقتادة وحماد بن أبي سليمان
وأبو حنيفة والثوري واحمد وأبو ثور وداود وابن المنذر وقالت طائفة لا يصح اذانه ولا إقامته
منهم عطاء ومجاهد والأوزاعي وإسحاق وقال مالك يصح الأذان ولا يقيم الا متوضئا وأصح
ما يحتج به في المسألة حديث المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه قال " اتيت النبي صلى الله عليه وسلم
وهو ييول فسلمت عليه فلم يرد على حتى توضأ ثم اعتذر إلي فقال إني كرهت أن اذكر الله الا على
طهر أو قال على طهارة " حديث صحيح رواه أحمد ابن حنبل وأبو داود والنسائي وغيرهم بأسانيد
صحيحة وعن الزهري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يؤذن الا متوضئ "
رواه الترمذي هكذا قال والأصح أنه عن الزهري عن أبي هريرة موقوف عليه وهو منقطع فان
الزهري لم يدرك أبا هريرة:
(المسألة الثانية) يستحب أن يؤذن على موضع عال من منارة أو غيرها
وهذا لا خلاف فيه واحتج له الأصحاب بما ذكر المصنف وبحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال
" كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان بلال وابن أم مكتوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ان بلالا يؤذن بليل فكلوا أو اشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم قال ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى
هذا " رواه البخاري ومسلم من رواية ابن عمر وعائشة وهذا لفظ مسلم وعن عروة بن الزبير عن امرأة من
105

بنى النجار قالت " كان بيتي أطول بيت حول المسجد فكان بلال يؤذن عليه الفجر " رواه أبو داود
باسناد ضعيف قال المحاملي في المجموع وصاحب التهذيب ولا يستحب في الإقامة أن تكون على موضع
عال وهذا الذي قالاه محمول على ما إذا لم يكن مسجد كبير تدعو الحاجة فيه إلى العلو للاعلام (الثالثة)
السنة أن يؤذن قائما مستقبل القبلة لما ذكره المصنف فلو أذن قاعدا أو مضطجعا أو إلى غير القبلة
كره وصح أذانه لان المقصود الاعلام وقد حصل هكذا صرح به الجمهور وقطع به العراقيون وأكثر
الخراسانيين وهو المنصوص وذكر جماعات من الخراسانيين في اشتراط القيام واستقبال القبلة
في حال القدرة وجهين وحكى القاضي حسين وجها أنه يصح أذان القاعد دون المضطجع والمذهب
صحة الجميع ومما يستدل له حديث يعلي بن مرة الصحابي رضي الله عنه انهم " كانوا مع النبي صلى الله
عليه وسلم في مسير فانتهوا إلى مضيق وحضرت الصلاة فمطرت السماء من فوقهم والبلة من أسفل
منهم فاذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته وأقام فتقدم على راحلته فصلى بهم يومئ إيماء
يجعل السجود أخفض من الركوع " رواه الترمذي باسناد جيد وهذه الصلاة كانت فريضة
ولهذا اذن لها وصلاها على الدابة للعذر ويجب اعادتها واما حديث زياد بن الحارث قال " أذنت
مع النبي صلى الله عليه وسلم للصبح وانا على راحلتي " فضعيف والله أعلم والسنة ان يلتفت في الحيعلتين
يمينا وشمالا ولا يستدبر لما ذكره المصنف وفى كيفية الالتفات المستحب ثلاثة أوجه أصحها
وبه قطع العراقيون وجماعة من الخراسانيين أنه يلتفت عن يمينه فيقول حي على الصلاة حي
على الصلاة ثم يلتفت عن يساره فيقول حي على الفلاح حي على الفلاح والثاني أنه يلتفت عن يمينه
فيقول حي على الصلاة ثم يعود إلى القبلة ثم يلتفت عن يمينه فيقول حي على الصلاة ثم يلتفت عن
يساره فيقول حي على الفلاح ثم يعود إلى القبلة ثم يلتفت عن يساره فيقول حي على الفلاح والثالث
وهو قول القفال يقول حي على الصلاة مرة عن يمينه ومرة عن يساره ثم حي على الفلاح مرة عن يمينه
ومرة عن يساره قال القاضي أبو الطيب وغيره فان قيل استحببتم التفات المؤذن في الحيعلتين وكرهتم
106

التفات الخطيب في شئ من الخطبة فما الفرق قلنا الخطب واعظ للحاضرين فالأدب أن لا يعرض
عنهم بخلاف المؤذن فإنه داع للغائبين فإذا التفت كان أبلغ في دعائهم وأعلامهم وليس فيه ترك
أدب قال أصحابنا والمراد بالالتفات أن يلوي رأسه وعنقه ولا يحول صدره عن القبلة ولا يزيل
قدمه عن مكانها وهذا معني قول المصنف ولا يستدير ودليله الحديث المذكور والمحافظة على جهة القبلة
وهذا الذي ذكرناه من أنه لا يستدير في المنارة وغيرها هو الصحيح المشهور الذي نص عليه
الشافعي وقطع به الجمهور وقال صاحب الحاوي إن كان بلدا صغيرا وعددا قليلا لم يستدر وإن كان
كبيرا ففي جواز الاستدارة وجهان وهما في موضع الحيعلتين ولا يستدير في غيره وهذا غريب ضعيف
والسنة في إقامة الصلاة أن يكون مستقبل القبلة وقائما كما ذكرنا في الأذان فان ترك الاستقبال والقيام
فيها فهو كتركه في الأذان وهل يستحب الالتفات في الإقامة فيه ثلاثة أوجه أصحها يستحب ونقل
امام الحرمين اتفاق الأصحاب عليه قال وحكي بعض المصنفين يعنى الفوراني صاحب الإبانة عن
القفال أنه قال مرة لا يستحب قال الامام وهذا غير صحيح والوجه الثاني لا يستحب ورجحه
البغوي لان الإقامة للحاضرين فلا حاجة إلى الالتفات والثالث لا يلتفت إلا أن يكبر المسجد
وبه قطع المتولي قال أصحابنا وإذا شرع في الإقامة في موضع تممها فيه ولا يمشي في أثنائها *
(فرع) في مذاهب العلماء في الالتفاتات في الحيعلتين والاستدارة: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه
يستحب الالتفات في الحيعلة يمينا وشمالا ولا يدور ولا يستدبر القبلة سواء كان على الأرض أو على
منارة وبه قال النخعي والثوري والأوزاعي وأبو ثور وهو رواية عن أحمد وقال ابن سيرين يكره
الالتفات وقال مالك لا يدور ولا يلتفت إلا أن يربد اسماع الناس وقال أبو حنيفة وإسحاق واحمد
في رواية يلتفت ولا يدور إلا أن يكون على منارة فيدور واحتج لمن قال يدور بحديث الحجاج
ابن أرطأة عن عوف بن أبي جحيفة عن أبي جحيفة قال " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بالأبطح
فخرج بلال فاذن فاستدار في اذانه " رواه ابن ماجة والبيهقي واحتج أصحابنا بالحديث الصحيح السابق
من رواية أبى داود انه لم يستدر واما حديث الحجاج فجوابه من أوجه أحدها انه ضعيف لان الحجاج ضعيف
ومدلس والضعيف لا يحتج به والمدلس إذا قال عن من لا يحتج به لو كان عدلا ضابطا (والجواب
107

الثاني) انه مخالف لرواية الثقات عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه فوجب رده (الثالث) أن الاستدارة
تحمل على الالتفات جمعا بين الروايات وقد روى عن غير جهة الحجاج ابن أرطأة بطريق ضعيف
بين البيهقي ضعفه
(الرابعة) السنة أن يجعل إصبعيه في صماخي أذنيه لما ذكره المصنف وهذا متفق عليه
ونقله المحاملي في المجموع عن عامة أهل العلم قال أصحابنا وفيه فائدة أخرى وهي انه ربما لم يسمع
انسان صوته لصمم أو بعد أو غيرهما فيستدل بأصبعيه على أذانه فإن كان في إحدى يديه علة
تمنعه من ذلك جعل الإصبع الأخرى في صماخه ولا يستحب وضع الإصبع في الاذن في الإقامة صرح
به الروياني في الحلية وغيره والله أعلم *
(فرع) لو أذن راكبا وأقام الصلاة راكبا أجزأه ولا كراهة فيه إن كان مسافرا فإن كان غير مسافر كره
والإقامة أشد كراهة والأولى ان يقيمها المسافر بعد نزوله لأنه لا بد من نزوله للفريضة هكذا قاله الأصحاب
ولو اذن انسان ماشيا قال صاحب الحاوي ان انتهى في آخر اذانه إلى حيث لا يسمعه من كان في
موضع ابتدائه لم يجزه وإن كان يسمعه أجزأه هذا كلامه وفيه نظر ويحتمل ان يجزئه في الحالين *
* قال المصنف رحمه الله * * (والمستحب ان يترسل في الأذان ويدرج الإقامة لما روى عن ابن
الزبير مؤذن بيت المقدس أن عمر رضي الله عنه قال " إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحذم " ولان
الأذان للغائبين فكان الترسل فيه أبلغ والإقامة للحاضرين فكان الادراج فيه أشبه ويكره
التمطيط وهو التمديد والبغي وهو التطريب لما روى أن رجلا قال لابن عمر " انى لأحبك في الله
قال وانا أبغضك في الله انك تبغي في اذانك " قال حماد يعني التطريب) * *
* (الشرح) * هذا الحكم الذي ذكره متفق عليه وهكذا نص عليه الشافعي في الأم قال
وكيف ما أتي بالأذان والإقامة أجزأ غير أن الاختيار ما وصفت هذا نصه واتفق أصحابنا على أنه
يجزيه كيف اتي به قال الشاشي في المعتمد الصواب أن يكون صوته بتحزين وترقيق ليس فيه جفاء
كلام الاعراب ولا لين كلام المتماوتين وهذا الأثر المذكور عن عمر رضي الله عنه رواه البيهقي
108

ورواه أبو عبيد في غريب الحديث وروى مرفوعا من رواية أبي هريرة وجابر ووقع في المهذب وإذا أقمت فاحذم بحاء مهملة وذال معجمة مكسورة وبعدها ميم وهمزته همزة وصل ورواه البيهقي
من طريقين أحدهما هكذا والثاني فاحذر بالراء بدل الميم ومعناهما واحد وهو الاسراع وترك
التطويل قال ابن فارس كل شئ أسرعت فيه فقد حذمته واما الأثر المذكور عن ابن عمر فرواه
أبو بكر ابن أبي داود السجستاني في كتابه المغازي وقال فيه تختال في اذانك بدل تبغى وجاء في
الترسل حديثان أحدهما عن جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال لبلال إذا اذنت فترسل
وإذا أقمت فاحذر " رواه الترمذي وضعفه وعن علي رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يأمرنا ان نرسل الأذان ونحذر الإقامة " رواه الدارقطني باسناد ضعيف وقوله
يترسل قال أهل اللغة هو الترتيل والتأني وترك العجلة قال الأزهري المترسل المتمهل في تأذينه
ويبين كلامه تبينا يفهمه كل من سمعه قال وهو من قولك جاء على رسله وفعل كذا على رسله أي
على هينته غير مستعجل ولا متعب نفسه وقوله يدرج هو بضم الياء وكسر الراء ويجوز فتح الياء
ضم الراء لغتان مشهورتان ويقال درجته أيضا بالتشديد ثلاث لغات حكاهن الأزهري عن ابن
الأعرابي قال أفصحهن أدرجته وكذا اختاره المصنف بقوله الادراج أشبه قال الأزهري وغيره
وأصحابنا ادراج الإقامة هوان يصل بعضها ببعض ولا يترسل ترسله في الأذان واصل الادراج
والدرج الطي وقوله البغي هو بفتح الباء الموحدة واسكان الغين المعجمة وهو المبالغة في رفع
109

الصوت ومجاوزة الحد قال الأزهري البغي أن يكون في رفع صوته يحكى كلام الجبابرة والمتكبرين
والمتفييقين قال والبغي في كلام العرب الكبر والبغي الضلال والبغي الفساد قال صاحب الحاوي
البغي تفخيم الكلام والتشادق فيه قال ويكره تلحين الأذان لأنه يخرجه عن الافهام ولان السلف
تجافوه وإنما أحدث بعدهم وقوله إنك تبغى في أذانك يجوز فتح همزة انك وكسرها والفتح أحسن
للتعليل وقوله تبغي هو بفتح التاء واسكان الباء وكسر الغين وأبو الزبير المذكور لا يعرف اسمه
كذا قاله الحاكم أبو أحمد وغيره وقوله بيت المقدس فيه لغتان مشهورتان فتح الميم واسكان القاف
وكسر الدال والثانية المقدس بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة وهو مشتق من القدس وهو
الطهر ويقال فيه القدس والقدس باسكان الدال وضمها وإيليا وغير ذلك وقد أوضحته
في تهذيب الأسماء * قال المصنف رحمه الله *
* (والمستحب ان يرفع صوته في الأذان إن كان يؤذن للجماعة لقوله صلى الله عليه وسلم " يغفر
110

للمؤذن مدي صوته ويشهد له كل رطب ويابس " ولأنه أبلغ في جمع الجماعة ولا يبالغ بحيث يشق
حلقه لما روى أن عمر رضي الله عنه سمع أبا محذورة قد رفع صوته فقال له " اما خشيت ان ينشق
مريطاؤك فقال أحببت ان تسمع صوتي " فان أسر بالأذان لم يعتد به لأنه لا يحصل به المقصود وإن كان
يؤذن لصلاته وحده لم يرفع الصوت لأنه لا يدعو غيره فلا وجه لرفع الصوت والمستحب أن يكون
رفع الصوت في الإقامة دون رفع الصوت في الأذان لان الإقامة للحاضرين) * *
* (الشرح) * حديث " يغفر للمؤذن مدى صوته " رواه أبو داود من رواية أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه عليه وسلم هكذا وفى اسناده رجل مجهول ورواه البيهقي من رواية أبي هريرة وابن عمر
وفى رواية ابن عمر للبيهقي " ويشهد له كل رطب ويابس سمع صوته " وفى رواية أبي هريرة " كل رطب
ويابس سمعه " وفى سنن ابن ماجة " ويستغفر له كل رطب ويابس " وفى صحيح البخاري عن عبد الله
ابن عبد الرحمن أبى صعصعة أن أبا سعيد الخدري قال " له إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا
كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن
جن ولا إنس ولا شئ إلا شهد له يوم القيامة قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " والمدى بفتح
الميم مقصور يكتب بالياء وهو غاية الشئ وقوله يغفر للمؤذن مدى صوته معناه أن ذنوبه لو كانت
أجساما غفر له منها قدر ما يملا المسافة التي بينه وبين منتهي صوته وقيل تمد له الرحمة بقدر مد
الأذان وقال الخطابي معناه ان يستكمل مغفرة الله تعالى إذا استوفى وسعه في رفع الصوت فيبلغ
الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت وأما قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي محذورة
" أما خشيت ان تنشق مريطاؤك " فروى البيهقي منه هذا القدر دون قوله أحببت ان تسمع صوتي
والمريطاء بميم مضمومة ثم راء مفتوحة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم طاء مهملة وبالمد والقصر
111

لغتان أشهرهما المد وهي مؤنثة وهي ما بين السرة والعانة قال الأصمعي هي ممدودة ولم يذكر
الجوهري وجماعة سوى المد وممن ذكر المد والقصر أبو عمر الزاهد في شرح الفصيح قال
الجوهري هي كلمة جاءت مصغرة والمشهور انها ما بين السرة والعانة كما سبق وقال ابن فارس ما بين
الصدر إلى العانة. أما حكم المسألة فإن كان يؤذن لجماعة استحب ان يرفع صوته ما أمكنه بحيث
لا يلحقه ضرر فان أسر به لم يصح لما ذكره المصنف هذا هو الصحيح وبه قطع الجمهور وفيه وجه
أنه يصح كما لو أسر بالقراءة في موضع الجهر وفيه وجه ثالث انه لا بأس بالاسرار ببعضه ولا يجوز
الاسرار بالجميع وهكذا نص عليه في الأم لكن تأوله الجمهور على أنه أراد من لم يبالغ في الجهر
ومنهم من تأوله على من أذن لنفسه لا لجماعة ومنهم من أخذ بظاهره وموضع الخلاف إذا أسمع نفسه
فحسب فإن لم يسمع نفسه فليس ذلك بأذان ولا كلام وإن أسمع بعض الناس دون بعض حصل
الأذان قطعا قال صاحب الحاوي لو اسمع واحدا من الجماعة أجزأه لان الجماعة تحصل بهما ولو اقتصر
في الإقامة على اسماع نفسه لم تصح إقامته على أصح الوجهين هذا كله في المؤذن والمقيم لجماعة أما من
يؤذن لنفسه وحده فقطع الجمهور بأنه يكفيه أن يسمع نفسه في الأذان والإقامة وقال إمام الحرمين
يشترط اسماع من عنده والمذهب الأول ونقله الشيخ أبو حامد في تعليقه عن أصحابنا وهل يستحب
له رفع الصوت فيه خلاف وتفصيل سبق بيانه في فرع في أوائل الباب ومن يقول لا يرفع المنفرد
يحمل الأحاديث الصحيحة في فضل رفع الصوت على الأذان للجماعة والله أعلم) * *
* قال المصنف رحمة الله *
* (ويجب أن يرتب الأذان لأنه إذا نكسه لا يعلم السامع أن ذلك أذان والمستحب أن لا يتكلم
في أذانه فان تكلم لم يبطل اذانه لأنه إذا لم تبطل الخطبة بالكلام فلان لا يبطل الأذان أولى
وان أغمي عليه وهو في الأذان لم يجز لغيره أن يبنى عليه لان الأذان من اثنين لا يحصل به المقصود
لان السامع يظنه على وجه اللهو واللعب فان أفاق في الحال وبني عليه جاز لان المقصود يحصل
وان ارتد في الأذان ثم رجع إلى الاسلام في الحال ففيه وجهان أحدهما لا يجوز ان يبنى عليه لان
112

ما فعله قد بطل بالردة والمذهب انه يجوز لان الردة إنما تبطل إذا اتصل بها الموت وههنا رجع
قبل الموت فلم يبطل) * *
* (الشرح) * اتفقوا على اشتراط الترتيب في الأذان لما ذكره فان نكسه فما وقع في موضعه
صحيح فله أن يبنى عليه بأن أتى بالنصف الثاني من الأذان ثم بالنصف الأول فالنصف الثاني باطل والأول
صحيح لوقوعه في موضعه فله ان يبنى عليه فيأتي بالنصف الثاني ولو استأنف الأذان كان أولي ليقع متواليا
ولو ترك بعض كلماته اتى بالمتروك وما بعده ولو استأنف كان أولى واما الكلام في الأذان فقال أصحابنا
الموالاة بين كلمات الأذان مأمور بها فان سكت يسير ألم يبطل أذانه بلا خلاف بل يبنى وان تكلم في أثنائه
فمكروه بلا خلاف قال أصحابنا فان عطس حمد الله في نفسه وبنى وان سلم عليه انسان أو عطس
لم يجبه ولم يشمته حتى يفرغ فان اجابه أو شمته أو تكلم بغير ذلك لمصلحة لم يكره وكان تاركا
للفضل ولو رأى أعمى يخاف وقوعه في بئر أو حية تدب إلى غافل أو نحو ذلك وجب إنذاره
113

ويبني على اذانه وإذا تكلم فيه لمصلحة أو لغير مصلحة لم يبطل اذانه إن كان يسيرا لأنه
ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم في الخطبة فالأذان أولي أن لا يبطل فإنه
يصح مع الحدث وكشف العورة وقاعدا وغير ذلك من وجوه التخفيف وهذا الذي ذكرناه من أنه
لا يبطل اذانه باليسير هو المذهب وبه قطع الأصحاب الا الشيخ أبا محمد فتردد فيه إذا رفع به
الصوت والصحيح قول الأصحاب وان طال الكلام أو سكت سكوتا طويلا أو نام أو أغمي
عليه في الأذان ثم أفاق ففي بطلان أذانه طريقان أحدهما لا يبطل قولا واحدا وبه قطع العراقيون
وهو نص الشافعي رحمه الله في الأم والثاني في بطلانه قولان وهو طريقة الخراسانيين قالوا والنوم
والاغماء أولي بالابطال من الكلام والكلام أولي بالابطال من السكوت قال الرافعي الأشبه
وجوب الاستئناف عند طول الفصل وحمل النص على الفصل اليسير قال أصحابنا والجنون هنا
كالاغماء ممن صرح به القاضي أبو الطيب والماوردي والمحاملي والمتولي وغيرهم ثم في الاغماء والنوم
إذا لم نوجب الاستئناف لقلة الفصل أو مع طوله على قولنا لا يبطل الطويل يستحب الاستئناف
نص عليه في الأم واتفق الأصحاب عليه وكذا يستحب في السكوت والكلام الكثيرين إذا
لم نوجبه فإن كان الكلام يسيرا لم يستحب الاستئناف على أصح الوجهين وبه قطع الأكثرون
كما لا يستحب الاستئناف عند السكوت اليسير بلا خلاف والوجه الثاني يستحب ورجحه صاحب
الشامل والتتمة لأنه مستغن عن الكلام بخلاف السكوت ثم إذا قلنا يبنى مع الفصل الطويل
فالمراد ما لم يفحش الطول بحيث لا يعد مع الأول اذانا وحيث قلنا لا يبطل بالفصل المتخلل فله
ان يبنى عليه بنفسه ولا يجوز لغيره على المذهب وهو المنصوص في الأم وبه قطع العراقيون لأنه
لا يحصل به اعلام وقال الخراسانيون ان قلنا لا يجوز الاستخلاف في الصلاة فهنا أولي والا فقولان
114

واما إذا تكلم في الإقامة كلاما يسيرا فلا يضر هذا مذهبنا وبه قال الجمهور وحكى صاحب البيان
عن الزهري أنه قال تبطل اقامته دليلنا انه إذا لم تبطل الخطبة وهي شرط لصحة الصلاة فالاقامة
أولي قال الشافعي في الأم ما كرهت له من الكلام في الأذان كنت له في الإقامة أكره: قال فان
تكلم في الأذان والإقامة أو سكت فيهما سكوتا طويلا أحببت ان يستأنف ولم أوجبه اما إذا
ارتد بعد فراغ اذانه والعياذ بالله فلا يبطل اذانه لكن المستحب أن لا يعتد به ويؤذن غيره نص
عليه في الأم واتفق الأصحاب عليه لان ردته تورث شبهة فيه في حال الأذان فان أسلم وأقام صح
وان ارتد في أثناء الأذان لم يصح بناؤه في حال الردة فان أسلم وبني فالمذهب انه إن لم يطل
الفصل جاز البناء والا فقولان الصحيح منعه وقيل في جوازه قولان مطلقا وقال البندنيجي وغيره
وجهان أصحهما الجواز وإذا جوزنا له البناء ففي جوازه لغيره الخلاف السابق والمذهب انه لا يجوز
وكذا الحكم لو مات في خلاف الأذان فالمذهب انه لا يجوز البناء وبه قطع صاحب الحاوي
والدارمي والله أعلم *
(فرع) قد ذكرنا أن مذهبنا أن الأذان لا يبطل بالكلام وبه قال جماهير العلماء قال
الشيخ أبو حامد وحكي عن الزهري انه أبطله بالكلام قال وهو ضعيف عنه ودليلنا القياس
على الخطبة كما ذكره المصنف * * قال المصنف رحمه الله *
* (والمستحب لمن سمع المؤذن أن يقول مثل ما يقول الا في الحيعلتين فإنه يقول لا حول ولا قوة الا
بالله العلي العظيم لما روي عن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا قال
المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله
قال اشهد أن لا إله إلا الله ثم قال اشهد ان محمدا رسول الله قال أشهد ان محمدا رسول الله ثم
قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة الا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة الا بالله
ثم قال الله أكبر أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله من
115

قلبه دخل الجنة " فان سمع ذلك وهو في الصلاة لم يأت بها في الصلاة فإذا فرغ اتي بها فإن كان
في قراءة اتي بها ثم رجع إلى القراءة لأنها تفوت والقراءة لا تفوت ثم يصلي على النبي صلى الله
عليه وسلم لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على فان من صلي على صلاة صلى الله عليه بها عشرا "
ثم يسأل الله تعالى الوسيلة فيقول اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمدا
الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته: لما روى جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال " من قال حين يسمع النداء ذلك حلت له شفاعتي يوم القيامة " وإن كان
الأذان للمغرب قال اللهم هذا اقبال ليلك وادبار نهارك وأصوات دعاتك اغفر لي: لان النبي
صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة رضي الله عنها ان تقول ذلك ويدعوا الله تعالى بين الأذان والإقامة
لما روى أنس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " ان الدعاء لا يرد
بين الأذان والإقامة "
(الشرح) حديثا عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم رواهما مسلم باللفظ
الذي ذكره وحديث جابر رواه البخاري بلفظه هذا وحديث أم سلمة رواه أبو داود والترمذي
وفى اسناده مجهول وحديث أنس رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وفى صحيح مسلم عن سعد بن أبي
وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قال حين يسمع المؤذن اشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا
غفر له ذنبه " وقوله الوسيلة هي منزلة في الجنة ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص
رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا
على فإنه من صلي على صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزله في الجنة
لا تنبغي الا لعبد من عباد الله وأرجو ان أكون انا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة "
116

وقوله الدعوة التامة هي بفتح الدال وهي دعوة الأذان سميت دعوة تامة لكمالها وعظم موقعها
وسلامتها من نقص يتطرق إلى غيرها وقوله الصلاة القائمة أي التي ستقوم أي تقام وتحضر وقوله
مقاما محمودا هكذا هو في المهذب مقاما محمودا بالتنكير وكذا هو في صحيح البخاري وجميع كتب
الحديث وهو صحيح ويكون قوله الذي وعدته بدلا منه أو منصوبا بفعل محذوف تقديره أعني الذي
وعدته أو مرفوعا خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي وعدته واما ما وقع في التنبيه وكثير من كتب
الفقه المقام المحمود فليس بصحيح في الرواية وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم التأدب مع القرآن
وحكاية لفظه في قول الله عز وجل (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) فينبغي أن يحافظ على هذا
وقوله صلى الله عليه وسلم حلت له شفاعتي أي غشيته ونالته ونزلت به وقيل حقت له * اما أحكام الفصل فقال
أصحابنا يستحب للمؤذن أن يقول بعد فراغ اذانه هذه الأذكار المذكورة من الصلاة على رسول الله
صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة والدعاء بين الأذان والإقامة والدعاء عند أذان المغرب
ويستحب
لسامعه ان يتابعه في ألفاظ الأذان ويقول عند الحيعلتين لا حول ولا قوة الا بالله فإذا فرغ من متابعته
استحب له أيضا أن يقول هذه الأذكار المذكورة كلها ويقول إذا سمع قول المؤذن الصلاة خير من النوم
صدقت وبررت هذا هو المشهور وحكى الرافعي وجها أنه يقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة
خير من النوم ويستحب ان يتابعه في ألفاظ الإقامة إلا أنه يقول في كلمة الإقامة أقامها الله وأدامها هكذا
قطع به الأصحاب الا الغزالي فحكي في البسيط عن صاحب التقريب وجها انه لا يستحب متابعته
117

الا في كلمة الإقامة وهذا شاذ ضعيف قال أصحابنا ويستحب ان يتابع المؤذن في كل كلمة عقب
فراغ المؤذن منها ولا يقارنه ولا يؤخر عن فراغه من الكلمة ويدل عليه حديث عمر رضي الله عنه
ويقول لا حول ولا قوة الا بالله أربع مرات في الأذان ومرتين في الإقامة فيقولها عقب كل مرة
من قول المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح ويقول في التثويب صدقت وبررت مرتين ذكره
الروياني في الحلية وغيره وتستحب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ ثم سؤال الوسيلة بعدها
للمؤذن والسامع وكذا الدعاء بين الأذان والإقامة يستحب لهما ولغيرهما قال أصحابنا وإنما استحب
للمتابع أن يقول مثل المؤذن في غير الحيعلتين ليدل على رضاه به وموافقته في ذلك واما الحيعلة
فدعاء إلى الصلاة وهذا لا يليق بغير المؤذن فاستحب للمتابع ذكر آخر فكان لا حول ولا قوة
الا بالله لأنه تفويض محض إلى الله تعالى وثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله
عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا حول ولا قوة الا بالله كنز من كنوز الجنة " قال أصحابنا ويستحب
متابعته لكل سامع من طاهر ومحدث وجنب وحائض وكبير وصغير لأنه ذكر وكل هؤلاء
من أهل الذكر ويستثنى من هذا المصلي ومن هو على الخلاء والجماع فإذا فرغ من الخلاء والجماع
تابعه صرح به صاحب الحاوي وغيره فإذا سمعه وهو في قراءة أو ذكر أو درس علم أو نحو ذلك
قطعه وتابع المؤذن ثم عاد إلى ما كان عليه ان شاء وإن كان في صلاة فرض أو نفل قال الشافعي
والأصحاب لا يتابعه في الصلاة فإذا فرغ منها قاله وحكى الخراسانيون في استحباب متابعته في حال
الصلاة قولا وهو شاذ ضعيف فإذا قلنا بالمذهب انه لا يتابعه فتابعه فقولان أصحهما يكره والثاني
انه خلاف الأولي وقيل إنه مباح لا يستحب فعله ولا تركه ولا يكره وهذا اختيار الشيخ أبى على
السنجي وامام الحرمين والمذهب كراهته فإذا تابعه في ألفاظ الأذكار وقال في الحيعلتين لا حول ولا قوة الا
بالله لم تبطل صلاته لأنها أذكار والصلاة لا يبطلها الأذكار وان قال في الحيعلة حي على الصلاة حي على الفلاح فهذا
كلام آدمي فإن كان عالما بأنه في الصلاة وان هذا كلام آدمي بطلت صلاته وإن كان ناسيا للصلاة لم تبطل وان
118

كان عالما بالصلاة جاهلا بان ذلك كلام آدمي وانه ممنوع منه ففي بطلان صلاته وجهان حكاهما القاضي حسين
في تعليقه وغيره أصحهما لا تبطل وبه قطع الأكثرون منهم الشيخ أبو حامد وصاحب الحاوي
والمحاملي وصاحب الشامل والإبانة والمتولي وصاحب العدة قالوا ويسجد للسهو الناسي وكذا الجاهل
إذا لم نبطلها لأنه تكلم في صلاته ناسيا قال القاضي حسين ولو قال في متابعته في التثويب صدقت وبررت فهو
كقوله حي على الصلاة لأنه كلام آدمي قال وكذا لو قال مثله الصلاة خير من النوم قال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لم
تبطل صلاته ولو قال قد قامت الصلاة بطلت صلاته كما لو قال حضرت الصلاة ولو قال أقامها الله أو اللهم
أقمها وأدمها لم تبطل صلاته هذا كلام القاضي وهو كما قال. واتفقوا على أنه لا يتابعه إذا كان في
أثناء قراءة الفاتحة فان ذلك مكروه وممن نقل الاتفاق عليه إمام الحرمين قالوا فلو تابع فيها وجب
استئناف القراءة بلا خلاف لأنه غير مستحب بخلاف ما لو أمن فيها لتأمين الامام فإنه لا يوجب
الاستئناف على الأصح لان التأمين مستحب قال صاحب الشامل قال أبو إسحاق وليس التأكيد
في متابعة المؤذن بعد فراغ المصلي كالتأكيد في متابعة من ليس هو في صلاة قال صاحب الحاوي
ولو سمعه وهو في الطواف تابعه وهو على طوافه لان الطواف لا يمنع الكلام *
(فرع) إذا سمع مؤذنا بعد مؤذن هل يختص استحباب المتابعة بالأول أم يستحب متابعة
كل مؤذن فيه خلاف للسلف حكاه القاضي عياض في شرح صحيح مسلم ولم أر فيه شيئا لأصحابنا
والمسألة محتملة والمختار ان يقال المتابعة سنة متأكدة يكره تركها لتصريح الأحاديث الصحيحة
بالأمر بها وهذا يختص بالأول لان الامر لا يقتضي التكرار واما أصل الفضيلة والثواب في
المتابعة فلا يختص والله أعلم *
(فرع) مذهبنا ان المتابعة سنة ليست بواجبة وبه قال جمهور العلماء وحكى الطحاوي خلافا
لبعض السلف في ايجابها وحكاه القاضي عياض *
(فرع) مذهبنا ومذهب الجمهور انه يتابع المؤذن في جميع الكلمات وعن مالك روايتان
119

إحداهما كالجمهور والثانية يتابعه إلى آخر الشهادتين فقط لأنه ذكر لله تعالى وما بعده بعضه ليس
بذكر وبعضه تكرار لما سبق وحجة الجمهور حديث عمر رضي الله عنه *
(فرع) لم أر لأصحابنا كلاما في أنه هل يستحب متابعة المؤذن في الترجيع أم لا ويحتمل أن يقال
لا يستحب لأنه لا يسمعه ويحتمل ان يقال يستحب لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا سمعتم المؤذن
فقولوا مثل ما يقول " والترجيع مما يقول ولم يقل فقولوا مثل ما تسمعون وهذا الاحتمال
أظهر وأحوط *
(فرع) من رأى المؤذن وعلم أنه يؤذن ولم يسمعه لبعد أو صمم الظاهر أنه لا تشرع له المتابعة
لان المتابعة معلقة بالسماع والحديث مصرح باشتراطه وقياسا على تشميت العاطس فإنه لا يشرع
لمن يسمع تحميده
(فرع) لمن سمع المؤذن ولم يتابعه حتى فرغ لم أر لأصحابنا تعرضا لأنه هل يستحب تدارك
المتابعة والظاهر أنه يتدارك على القرب ولا يتدارك بعد طول الفصل وقد قال امام الحرمين لو سمعه
وهو في الصلاة فلم يتابعه ينبغي أن يأتي بالأذكار بمجرد السلام فلو طال الفصل فهو كترك سجود
السهو فيه تفصيل في موضعه *
(فرع) قد ذكرنا أن مذهبنا المشهور انه يكره للمصلى متابعته في الصلاة وسواء صلاة
الفرض والنفل وبه قال جماعة من السلف وعن مالك ثلاث روايات إحداهما يتابعه والثانية
لا والثالثة يتابعه في النافلة دون الفرض * * قال المصنف رحمه الله *
* (والمستحب ان يقعد بين الأذان والإقامة قعدة ينتظر فيها الجماعة لان الذي رآه عبد الله
ابن زيد رضي الله عنه في المنام اذن وقعد قعدة ولأنه إذا الأذان أوصل بالإقامة فات الناس الجماعة
فلم يحصل المقصود بالأذان ويستحب ان يتحول من موضع الأذان إلى غيره للإقامة لما روى في
حديث عبد الله بن زيد " ثم استأخر غير كثير ثم قال مثل ما قال وجعلها وترا ") * *
120

* (الشرح) * أما حكم المسألة فاتفق أصحابنا على استحباب هذه القعدة قدر ما تجتمع الجماعة
الا في صلاة المغرب فإنه لا يؤخرها لضيق وقتها ولان الناس في العادة يجتمعون لها قبل وقتها ومن
تأخر عن التقدم لا يتأخر عن أول الصلاة ولكن يستحب ان يفصل بين اذانها وإقامتها فصلا
يسيرا بقعدة أو سكوت أو نحوهما هذا مذهبنا لا خلاف فيه عندنا وبه قال احمد وأبو يوسف
ومحمد وهو رواية عن أبي حنيفة وقال مالك وأبو حنيفة في المشهور عنه لا يقعد بينهما واما
استحباب التحول للإقامة إلى غير موضع الأذان فمتفق عليه للحديث *
* قال المصنف رحمه الله *
* (والمستحب أن يكون المقيم هو المؤذن لان زياد بن الحارث الصدائي اذن فجاء بلال ليقيم
فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ان أخا صداء اذن ومن أذن فهو يقيم " فان اذن واحد وأقام
غيره جاز لان بلالا اذن وأقام عبد الله بن زيد) * *
* (الشرح) * حديث زياد بن الحارث رواه أبو داود والترمذي وغيرهما قال الترمذي والبغوي
في اسناده ضعف وعلق البيهقي القول فيه فقال إن ثبت كان أولي مما روى في حديث عبد الله
ابن زيد " ان بلالا اذن فقال عبد الله يا رسول الله انى أرى الرؤيا ويؤذن بلال قال فأقم أنت " لما في
اسناده ومتنه من الاختلاف وانه كان في أول ما شرع الأذان وحديث الصدائي كان بعده واما
حديث عبد الله بن زيد فرواه أبو داود وغيره وقد ذكرنا قول البيهقي فيه وقال الإمام أبو بكر
الحازمي في كتابه الناسخ والمنسوخ في اسناده مقال قال واتفق أهل العلم في الرجل يؤذن ويقيم غيره
ان ذلك جائز واختلفوا في الأولوية فقال أكثرهم لا فرق والامر متسع وممن رأى ذلك مالك
وأكثر أهل الحجاز وأبو حنيفة وأكثر أهل الكوفة وأبو ثور وقال بعض العلماء الأولي أن
من أذن فهو يقيم وقال الشافعي إذا أذن الرجل أحببت أن يتولي الإقامة لشئ يروى أن من
أذن فهو يقيم قال الحازمي وحجة هذا المذهب حديث الصدائي لأنه أقوم اسنادا من حديث عبد
الله بن زيد ثم حديث ابن زيد كان في أول ما شرع الأذان في السنة الأولى وحديث الصدائي
بعده بلا شك والاخذ بآخر الامرين أولي قال وطريق الانصاف ان يقال الامر في هذا الباب على
التوسعة وادعاء النسخ مع امكان الجمع بين الحديثين على خلاف الأصل: أما الصدائي فبضم
الصاد وتخفيف الدال المهملتين وبالمد منسوب إلى صداء تصرف ولا تصرف وهو أبو هذه القبيلة
121

واسمه يزيد بن حرب قال البخاري في تاريخه صداء حي من اليمن وكان أذان زياد الصدائي في
صلاة الصبح في السفر ولم يكن بلال حاضرا حينئذ * أما حكم المسألة فان اذن واحد فقط فهو
الذي يقيم وان اذن جماعة دفعة واحدة واتفقوا على من يقيم منهم أقام وان تشاحوا أقرع وان
أذنوا واحدا بعد واحد فإن كان الأول هو المؤذن الراتب أو لم يكن هناك مؤذن راتب فالذي
يقيم هو الأول وإن كان الذي أذن أولا أجنبيا واذن بعده الراتب فمن أولى بالإقامة فيه وجهان
حكاهما الخراسانيون أصحهما الراتب لأنه صاحب ولاية الأذان والإقامة وقد اذن والثاني الأجنبي
لان باذان الأول حصلت سنة الأذان أو فرضه ولو أقام في هذه الصور غير من له ولاية الإقامة
ممن أذن لو أجنبي اعتد بإقامته على المذهب وبه قطع المصنف والجمهور وحكى الخراسانيون وجها
أنه لا يعتقد به تخريجا من قول الشافعي انه لا يجوز ان يخطب واحد ويصلي آخر وهذا ليس بشئ
ويستحب أن لا يقيم في المسجد الواحد الا واحد إلا إذا لم تحصل به الكفاية وفيه وجه انه لا بأس
بأن يقيموا جميعا إذا لم يؤد إلى تهويش وبه قطع البغوي وإذا أقام غير من اذن فهو خلاف
الأولي ولا يقال مكروه وقيل إنه مكروه وبه جزم العبدري ونقل مثله عن أحمد قال وقال
مالك وأبو حنيفة لا يكره *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ويستحب لمن سمع الإقامة أن يقول مثل ما يقول الا في الحيعلة فإنه يقول لا حول ولا قوة
إلا بالله وفى لفظ الإقامة يقول أقامها الله وأدامها لما روى أبو امامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال ذلك) * *
* (الشرح) * هذا الحديث رواه أبو داود بإسناده عن محمد بن ثابت العبدي عن رجل من
أهل الشام عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو حديث ضعيف
لان الرجل مجهول ومحمد بن ثابت العبدي ضعيف بالاتفاق وشهر مختلف في عدالته وعلى المصنف
انكار في جزمه بروايته عن أبي أمامة وإنما هو على الشك كما ذكرنا لكن الشك في أعيان
الصحابة لا يضر لأنهم كلهم عدول لكن لا يجوز الجزم به عن أبي أمامة مع الشك وكيف كان
فهو حديث ضعيف لكن الضعيف يعمل به في فضائل الاعمال باتفاق العلماء وهذا من ذاك واسم
أبى امامة صدى بن عجلان سبق في باب التيمم واتفق أصحابنا على استحباب متابعته في الإقامة
122

كما قال المصنف الا الوجه الشاذ الذي قدمناه عن البسيط * قال المصنف رحمه الله *
* (والمستحب أن يكون المؤذن للجماعة اثنين لان النبي صلى الله عليه وسلم كان له مؤذنان
بلال وابن أم مكتوم رضي الله عنهما فان احتاج إلى الزيادة جعلهم أربعة لأنه كان لعثمان رضي
الله عنه أربعة والمستحب أن يؤذن واحد بعد واحد كما فعل بلال وابن أم مكتوم ولان ذلك
أبلغ في الاعلام) * *
* (الشرح) * حديثا بلال وابن أم مكتوم صحيحان كما سبق رواهما البخاري ومسلم قال الشافعي
والأصحاب يجوز الاقتصار على مؤذن واحد للمسجد والأفضل أن يكون مؤذنان للحديث فان احتاج
إلى أكثر من ذلك قال أبو علي الطبري تجوز الزيادة إلى أربعة كما فعل عثمان رضي الله عنه ولا
يزاد على أربعة وتابع أبا على الطبري على هذا المصنف والشيخ أبو حامد والمحاملي والسرخسي
والبغوي وصاحب العدة ورجحه الروياني وكثيرون ونقله صاحب البيان عن الأكثرين وأنكر
المحققون هذا على أبي على وقالوا إنما الضبط بالحاجة ورؤية المصلحة فان رأى الامام المصلحة في
الزيادة على أربعة فعله وان رأى الاقتصار على اثنين لم يزد وهذا هو الصحيح لأنه إذا جازت
الزيادة على ما كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم للحاجة فالزيادة على ما كان في زمن عثمان
للحاجة أولى. قال القاضي أبو الطيب قال الشافعي في الأم لا تضييق أن يكون المؤذنون أكثر
من اثنين قال أبو علي الطبري لا يزاد على أربعة قال القاضي قال أصحابنا هذا لا يعرف والصحيح
أنه يجوز أن يزيد ما شاء لان الشافعي لم يحدد شيئا وقال صاحب الشامل هذا التقدير الذي قاله
أبو علي لم يذكره أحد من أصحابنا غيره وظاهر كلام الشافعي جواز الزيادة وقال صاحب التتمة
هذا الذي قاله أبو علي ليس بصحيح وقال صاحب الحاوي يكون له مؤذنان فإن لم يكف اثنان
لكثرة الناس جعلهم أربعة فإن لم يكفوا جعلهم ستة فان زاد فثمانية ليكونوا شفعا لا وترا وأقوال
أصحابنا بنحو ما ذكره هؤلاء مشهورة فالصواب أن الضبط بالحاجة والمصلحة وان بلغوا ما بلغوا
وقد قال أبو علي البندنيجي قد نص الشافعي في القديم على جواز الزيادة على أربعة (قلت) وهذا قديم
لم يعارضه جديد فهو مذهب الشافعي كما سبق بيانه في مقدمة هذا الشرح قال صاحب الحاوي
ومراد الشافعي والأصحاب بهذا المؤذنون الذين يرتبهم الامام له على الدوام والا فلو أذن أهل
المسجد كلهم لم يمنعوا يعنى أذن واحد بعد واحد ولم يؤد إلى تهويش واختلاط *
(فرع) إذا كان للمسجد مؤذنان فأكثر أذنوا واحدا بعد واحد كما صح عن بلال وابن أم
123

مكتوم ولأنه أبلغ في الاعلام فان تنازعوا في الابتداء أقرع فان ضاق الوقت والمسجد كبير
أذنوا في أقطاره كل واحد في قطر ليسمع أهل تلك الناحية وإن كان صغيرا أذنوا معا إذا لم يؤد
إلى تهويش قال صاحب الحاوي وغيره ويقفون جميعا عليه كلمة كلمة فأن أدى إلى تهويش أذن
واحد فقط فان تنازعوا أقرع قال الشيخ أبو حامد والقاضي حسين وغيره فان أذنوا جميعا
واختلفت أصواتهم لم يجز لان فيه تهويشا على الناس ومتى اذن واحد بعد واحد لم يتأخر بعضهم
عن بعض لئلا يذهب أول الوقت ولئلا يظن من سمع الأخير أن هذا أول الوقت قال الشافعي
في الأم ولا أحب للامام إذا أذن المؤذن الأول أن يبطئ بالصلاة ليفرغ من بعده بل يخرج
ويقطع من بعده الأذان بخروج الامام *
(فرع) اختلف أصحابنا في الأذان للجمعة فقال المحاملي في المجموع قال الشافعي رحمه الله أحب
أن يكون للجمعة أذان واحد عند المنبر ويستحب أن يكون المؤذن واحدا لأنه لم يكن يؤذن يوم
الجمعة للنبي صلى الله عليه وسلم إلا بلال هذا كلام المحاملي وقال البندنيجي قال الشافعي أحب أن
يكون مؤذن الجمعة واحدا بين يدي الامام إذا كان على المنبر لا جماعة مؤذنين وصرح أيضا
القاضي أبو الطيب وآخرون بأنه يؤذن للجمعة مؤذن واحد وقال الشافعي رحمه الله في البويطي
النداء يوم الجمعة هو الذي يكون والامام على المنبر يكون المؤذنون يستفتحون الأذان فوق المنارة
جملة حين يجلس الإمام على المنبر ليسمع الناس فيأتون إلى المسجد فإذا فرغوا خطب الامام بهم
ومنع الناس البيع والشراء تلك الساعة هذا نصه بحروفه وفى صحيح البخاري في باب رجم
الحبلى من الزنا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال " جلس عمر رضي الله عنه على المنبر يوم الجمعة
فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله تعالى: وذكر الحديث " * قال المصنف رحمه الله *
* (ويجوز استدعاء الأمراء إلى الصلاة لما روت عائشة رضي الله عنها أن بلالا رضي الله عنه
جاء فقال " السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته الصلاة رحمك الله فقال النبي صلى الله عليه
وسلم مري أبا بكر فليصل بالناس " قال ابن قسيط وكان بلال يسلم على أبي بكر وعمر رضي الله
عنهما كما كان يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم) * *
124

* (الشرح) * ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت " لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء
بلال يؤذن بالصلاة فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس " واما هذه الزيادة التي ذكرها المصنف فليست
في الصحيحين وقوله مري هكذا وقع في المهذب والذي في الصحيحين مروا كما ذكرناه وفى
الصحيحين مروا من غير رواية عائشة. واما ابن قسيط فبضم القاف وفتح السين وهو منسوب
إلى جده وهو يزيد بن عبد الله بن قسيط بن أسامة بن عمير الليثي المدني أبو عبد الله سمع ابن عمر
وأبا هريرة وغيرهما توفى سنة ثنتين وعشرين ومائة بالمدينة وهو ثقة وقوله أن بلالا كان يسلم على أبي
بكر وعمر يعني عند استدعائهما إلى الصلاة وهذا النقل بعيد أو غلط فان المشهور المعروف عند
أهل العلم بهذا الفن أن بلالا لم يؤذن لأبي بكر ولا عمر وقيل اذن لأبي بكر رضي الله عنهم ورواية
ابن قسيط هذه منقطعة فإنه لم يدرك أبا بكر ولا عمر ولا بلالا رضي الله عنهم وهذا الذي ذكره
المصنف من جواز الاستدعاء هو كما قال وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه سلام المؤذن بعد الأذان
على الأمراء وقوله حي على الصلاة حي على الفلاح مكروه وقال صاحب العدة والشيخ نصر المقدسي
يكره أن يخرج بعد الأذان إلى باب الأمير وغيره ويقول حي على الصلاة أيها الأمير فان اتي بابه وقال
الصلاة أيها الأمير فلا بأس * قال المصنف رحمه الله *
* (وان وجد من يتطوع بالأذان لم يرزق المؤذن من بيت المال لان المال جعل للمصلحة ولا مصلحة
في ذلك وإن لم يوجد من يتطوع رزق من خمس الخمس لان ذلك من المصالح وهل يجوز أن يستأجر
فيه وجهان أحدهما لا يجوز وهو اختيار الشيخ أبي حامد لأنه قربة في حقه فلم يجز أن يستأجر
عليه كالإمامة في الصلاة والثاني يجوز لأنه عمل معلوم يجوز أخذ الرزق عليه فجاز أخذ الأجرة عليه
كسائر الأعمال) * *
125

* (الشرح) * قوله قربة في حقه احتراز من الحج وقوله عمل معلوم احتراز من القضاء وقوله
يجوز أخذ الرزق عليه احتراز من عمل المعصية وقيل احتراز من صلاته منفردا قال الشافعي رحمه الله
في الأم أحب أن يكون المؤذنون متطوعين قال وليس للامام أن يرزقهم وهو يجد من يؤذن
متطوعا ممن له أمانة إلا أن يرزقهم من ماله قال ولا أحسب أحدا ببلد كثير الأهل يعوزه أن يجد
مؤذنا أمينا لازما يؤذن متطوعا فإن لمه يجده فلا بأس ان يرزق مؤذنا ولا يرزقه الا من خمس الخمس
سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز أن يرزقه من غيره من الفئ لان لكله مالكا موضوفا
ولا يجوز أن يرزقه من الصدقات شيئا ويجوز للمؤذن أخذ الرزق إذا رزق من حيث وصفت أن يرزق
ولا يجوز له أخذه من غيره بان يرزق هذا نصه بحرفه وتابعه الأصحاب كلهم عليه واتفقوا عليه وعن
عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال " آخر ما عبد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اتخذ مؤذنا
لا يأخذ على اذانه أجرا " رواه الترمذي وقال حديت حسن قال أصحابنا ولا يجوز أن يرزق مؤذنا
وهو يجد متبرعا عدلا كما نص عليه قال القاضي حسين لان الامام في بيت المال كالوصي في مال
اليتيم ثم الوصي لو وجد من يعمل في مال اليتيم متبرعا لم يجز ان يستأجر عليه من مال اليتيم فكذا
الامام فلو وجد فاسقا متبرعا وعدلا لا يؤذن الا برزق فالمذهب انه يرزق العدل وبهذا قطع الشيخ
أبو حامد والمحاملي والبندنيجي وصاحبا الشامل والمعتمد والجمهور وهو ظاهر النص الذي ذكرناه
وذكر صاحب التتمة وجهين أحدهما يرزق العدل والثاني الفاسق أولى وهذا ليس بشئ ولو وجد
متطوعا غير حسن الصوت وغيره رفيعه فهل له أن يرزق حسن الصوت فيه وجهان حكاه القاضي
وصاحباه المتولي والبغوي وغيرهم قال ابن سريج يرزقه وقال القفال والشيخ أبو محمد لا والأصح
انه يرزقه ان رآه مصلحة لظهور تفاوتهما وتعلق المصلحة به قال القاضي والمتولي هما مبنيان على
القولين في الأم إذا طلبت أجرة الرضاع ووجد الأب متبرعة قال أصحابنا والرزق يكون من خمس
خمس الفئ والغنيمة وكذا من أربعة أخماس الفئ إذا قلنا أنه للمصالح وينبغي أن لا يختص
بذلك بل يرزقه من كل مال هو لمصالح المسلمين كالأموال التي يرثها بيت المال والمال الضائع الذي
أيسنا من صاحبه وغير ذلك قال أصحابنا والرزق يكون بقدر الحاجة فإن كان في البلد مسجد
واحد رزق ما تدعو الحاجة إليه من مؤذن أو جماعة كما سبق وإن كان فيه مساجد ولم يمكن جمع الناس
126

في مسجد واحد رزق عددا من المؤذنين للمساجد بحيث تحصل بهم الكفاية ويتأدى الشعار وان
أمكن بلا مشقة فوجهان مشهوران في كتب الخراسانيين أحدهما يجمعهم ويرزق واحدا فقط
وأصحهما لا يجمعهم بل يرزق الجميع لئلا تتعطل المساجد قال القاضي حسين ولان تكثير الجماعات
وفعلها في مساجد أكثر فضيلة من أدائها في مسجد واحد وإذا لم يكن في بيت المال سعة بدأ بالأهم
وهو رزق مؤذن الجامع واذان صلاد الجمعة أهم من غيره قال أصحابنا ويجوز للامام أن يرزق من مال
نفسه ولآحاد الرعية من مال نفسه وحينئذ يجوز ان يرزق كم شاء وكيف شاء ومتى شاء فيرزق
ما شاء من العدد ومع وجود المتبرع وفوق قدر الكفاية صرح به في التهذيب وغيره
(فرع) في جواز الاستئجار على الأذان ثلاثة أوجه أصحها يجوز للامام من مال بيت المال
ومن مال نفسه ولآحاد الناس من أهل المحلة ومن غيرهم من مال نفسه ونقله القاضي أبو الطيب
عن أبي على الطبري وعامة أصحابنا وكذا نقله المتولي وصاحب الذخائر والعبد ري عن عامة أصحابنا
وصححه القاضي أبو الطيب والفوراني وامام الحرمين وابن الصباغ والمتولي والغزالي في البسيط
والكيا الهراسي في كتابه الزوايا في الخلاف والشاشي في المعتمد والرافعي وآخرون وقطع به الغزالي
في الخلاصة والروياني في الحلية وهو مذهب مالك وداود والثاني لا يجوز الاستئجار لاحد وبه قطع
الشيخ أبو حامد وصاحب الحاوي والقفال وصححه المحاملي والبندنيجي والبغوي وغيرهم وبه قال
الأوزاعي وأبو حنيفة واحمد وابن المنذر والثالث يجوز للامام دون آحاد الناس ودليل الجميع ظاهر
بما ذكره المصنف قال أصحابنا وإذا جوزنا للامام الاستئجار من بيت المال فإنما يجوز حيث يجوز
الرزق من بيت المال خلافا ووفاقا قال صاحب التهذيب وان استأجر من بيت المال لم يفتقر إلى بيان
المدة بل يكفي أن يقول استأجرتك لتؤذن في هذا المسجد في أوقات الصلاة كل شهر بكذا
ولو استأجر من مال نفسه أو استأجر آحاد الناس ففي اشتراط بيان المدة وجهان أصحهما الاشتراط
قال والإقامة تدخل في الاستئجار للأذان ولا يجوز الاستئجار للإقامة وحدها إذ لا كلفة فيها بخلاف
الأذان قال الرافعي ولا تخلو هذه الصورة عن اشكال وكذا قال السرخسي في الأمالي أن شرط
له الامام الجعل من بيت المال لم يشترط ذكر آخر المدة بل يكفيه كل شهر أو سنة بكذا كالجزية والخراج
وان شرط من مال نفسه فوجهان أحدهما هذا والثاني يشترط كالإجارة على غيره من الاعمال قال
صاحب الذخائر الفرق بين الرزق والأجرة ان الرزق أن يعطيه كفايته هو وعياله والأجرة ما يقع
127

به التراضي واما حديث عثمان بن أبي العاص أنه قال آخر ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال " اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا " رواه الترمذي وقال هو حديث حسن محمول على الندب
(فرع) في مسائل تتعلق بالباب (إحداها) قال أصحابنا رحمهم الله يستحب أن يكون الأذان
بقرب المسجد (الثانية) يكره أن يخرج من المسجد بعد الأذان قبل أن يصلي الا لعذر وقد سبقت
هذه المسألة بدليلها في آخر باب ما يوجب الغسل وذكرها في هذا الباب جماعة من أصحابنا (الثالثة)
يستحب أن لا يكتفى أهل المساجد المتقاربة باذان بعضهم بل يؤذن في كل مسجد واحد ذكره
صاحب العدة وغيره (الرابعة) قال البندنيجي وصاحب البيان يستحب أن يقف المؤذن على أواخر
الكلمات في الأذان لأنه روى موقوفا قال الهروي وعوام الناس يقولون الله أكبر بضم الراء
وكان أبو العباس المبرد يفتح الراء فيقول الله أكبر الله أكبر الأولي مفتوحة والثانية ساكنة
قال لان الأذان سمع موقوفا كقوله حي على الصلاة حي على الفلاح فكان الأصل أن يقول الله
أكبر الله أكبر باسكان الراء فحركت فتحة الألف من اسم الله تعالى في اللفظة الثانية لسكون الراء
قبلها ففتحت كقوله تعالى " ألم الله لا إله الا هو " وقال صاحب التتمة يجمع كل تكبيرتين بصوت
لأنه خفيف واما باقي الكلمات فيفرد كل كلمة بصوت وفى الإقامة يجمع كل كلمتين بصوت (الخامسة)
قال البغوي لو زاد في الأذان ذكرا أو زاد في عدد كلماته لم يبطل أذانه وهذا الذي قاله محمول
على ما إذا لم يؤد إلى اشتباهه بغير الأذان على السامعين قال القاضي أبو الطيب وغيره لو قال
الله الأكبر بدل الله أكبر صح اذانه كما لو قاله في تكبيرة الاحرام تنعقد صلاته (السادسة) قال الشافعي
في الأم وواجب على الامام ان يتفقد أحوال المؤذنين ليؤذنوا في أول الوقت ولا ينتظرهم بالإقامة وأن
يأمرهم فيقيموا في الوقت هذا نصه قال أصحابنا وقت الأذان منوط بنظر المؤذن لا يحتاج فيه
إلى مراجعة الامام ووقت الإقامة منوط بالامام فلا يقيم المؤذن الا بإشارته فلو أقام بغير اذنه فقد
قال امام الحرمين في الاعتداد به تردد للأصحاب ولم يبين الراجح والظاهر ترجيح الاعتداد
(السابعة) قال الشافعي في مختصر المزني وترك الأذان في السفر أخف منه في الحضر قال أصحابنا وجه
128

ذلك أن السفر مبنى على التخفيف وفعل الرخص ولان أصل الأذان للاعلام بالوقت والمسافرون
لا يتفرقون غالبا قال في الأم ولو تركت المرأة الإقامة لصلاتها لم أكره لها من تركها ما أكره
من تركها للرجال وإن كنت أحب ان نقيم قال في الأم ويصلي الرجل باذان رجل لم يؤذن له
يعنى لم يقصد الأذان لهذا الرجل وهذا الذي نص عليه هو ما ذكره صاحب العدة وغيره قالوا
لو اجتاز رجل بمسجد قد اذن فيه اكتفى بذلك الأذان وإن كان المؤذن لم يقصده (الثامنة) قال
صاحب الحاوي لو اذن بالفارسية إن كان يؤذن لصلاة جماعة لم يجز سواء كان يحسن العربية أم
لا: لان غيره قد يحسن وإن كان اذانه لنفسه فإن كان لم يحسن العربية لم يجزئه كأذكار الصلاة
وإن كان لا يحسن أجزأه وعليه أن يتعلم هذا كلامه وهذا الذي قاله من أن مؤذن الجماعة لا يجزئه
بالفارسية وإن لم يحسن العربية محمول على ما إذا كان في الجماعة من يحسن العربية فإن لم يكن صح
وقد أشار إليه في تعليقه (التاسعة) قاله الدارمي لو لقن الأذان أجزأه لحصول الاعلام (العاشرة)
قال الشافعي رحمه الله تعالى في آخر أبواب الأذان إذا كانت ليلة مطيرة أو ذات ريح وظلمة
يستحب أن يقول المؤذن إذا فرغ من اذانه الا صلوا في رحالكم قال فان قاله في أثناء الأذان
بعد الحيعلة فلا بأس هذا نصه وهكذا نقله البندنيجي وقطع به وهكذا صرح به الصيدلاني
وصاحب العدة والشاشي وآخرون ذكروه بحروفه التي نقلتها واحتجوا له بالحديث الذي سأذكره
129

إن شاء الله تعالى واستبعد امام الحرمين قوله في أثناء الأذان وقال تغيير الأذان من غير ثبت
مستبعد ذكره في كتاب صلاة الجماعة وهذا الذي استبعده ليس ببعيد بل هو الحق والسنة
فقد ثبت ذلك في أحاديث كثيرة في الصحيحين بعد الأذان وفي أثنائه فروى نافع ان ابن عمر اذن
بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ثم قال الا صلوا في الرحال ثم قال أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول الا صلوا في الرحال رواه البخاري
ومسلم وفي رواية لمسلم انه " كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر مؤذنه به في السفر " وعن عبد
الله بن الحارث قال خطبنا ابن عباس في يوم ذي ردع فلما بلغ المؤذن حي على الصلاة امره ان
ينادى الصلاة في الرحال فنظر بعضهم إلى بعض فقال كأنكم أنكرتم هذا قد فعل هذا
من هو خير منى وانها عزمه رواه البخاري ومسلم وفي رواية للبخاري ومسلم قال ابن
عباس لمؤذنه في يوم مطير وهو يوم جمعة " إذا قلت أشهد ان محمدا رسول الله فلا تقل
حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم فكان الناس استنكروا فقال فعله من هو خير منى
ان الجمعة عزمه واني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض " وفي رواية لمسلم " فعله من هو
130

خير مني " يعنى النبي صلى الله عليه وسلم وفى رواية له " أذن مؤذن ابن عباس يوم جمعة في يوم مطير
فذكره " * قال المصنف رحمه الله *
* (باب طهارة البدن وما يصلي فيه وعليه) *
* (الطهارة ضربان طهارة عن حدث وطهارة عن نجس فأما الطهارة عن الحدث فهي شرط في
صحة الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول " وقد مضى
حكمها في كتاب الطهارة) * *
* (الشرح) * هذا الحديث رواه مسلم من رواية ابن عمر رضي الله عنهما والطهور بضم الطاء
ويجوز فتحها والمراد فعل الطهارة والغلول بضم الغين لا غير وهو الخيانة يقال غل وأغل أي خان
وقوله هي شرط في صحة الصلاة هذا مجمع عليه ولا تصح صلاة بغير طهور اما بالماء واما بالتيمم
بشرطه سراء صلاة الفرض والنفل وصلاة الجنازة وسجود التلاوة والشكر هذا مذهبنا وبه قال
العلماء كافة ونقل أصحابنا عن الشعبي ومحمد بن جرير جواز صلاة الجنازة للمحدث لأنها دعاء وهذا
باطل فقد سماها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم صلاة ولا تقبل صلاة بغير طهور *
* قال المصنف رحمه الله *
* (وأما طهارة البدن عن النجاسة فهي شرط في صحة الصلاة والدليل عليها قوله صلى الله عليه وسلم " تنزهوا
من البول فان عامة عذاب القبر منه ") * *
* (الشرح) * هذا الحديث سبق بيانه في باب إزالة النجاسة ومذهبنا أن إزالة النجاسة شرط
في صحة الصلاة فان علمها لم تصح صلاته بلا خلاف وان نسيها أو جهلها فالمذهب انه لا تصح صلاته
131

وفيه خلاف نذكره حيث ذكره المصنف في أواخر الباب وسواء صلاة الفرض والنفل وصلاة
الجنازة وسجود التلاوة والشكر فإزالة النجاسة شرط لجميعها هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة واحمد
وجمهور العلماء من السلف والخلف وعن مالك في إزالة النجاسة ثلاث روايات أصحها وأشهرها
انه ان صلي عالما بها لم تصح صلاته وإن كان جاهلا أو ناسيا صحت وهو قول قديم عن الشافعي
والثانية لا تصح الصلاة علم أو جهل أو نسي والثالثة تصح الصلاة مع النجاسة وإن كان عالما متعمدا
وازالتها سنة ونقل أصحابنا عن ابن عباس وسعيد بن جبير نحوه وقال الشيخ أبو حامد والقاضي
أبو الطيب وعامة العلماء على أن ازالتها شرط الا مالكا واحتج لمالك بحديث أبي سعيد الخدري
رضي الله عنه قال " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره
فلما رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال ما حملكم
على القائكم نعالكم قالوا رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ان جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني ان فيهما قذرا " رواه أبو داود باسناد صحيح ورواه الحاكم
في المستدرك وقال هو صحيح على شرط مسلم وفى رواية لأبي داود خبثا بدل قذرا وفى رواية
غيره قذرا أو أذى وفى رواية دم حلمة واحتج الجمهور بقول الله تعالى (وثيابك فطهر) والأظهر
ان المراد ثيابك الملبوسة وان معناه طهرها من النجاسة وقد قيل في الآية غير هذا لكن الأرجح
ما ذكرناه ونقله صاحب الحاوي عن الفقهاء وهو الصحيح وبحديث " تنزهوا من البول " وهو حسن
كما سبق وبقوله صلى الله عليه وسلم " إذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك
الدم وصلي " رواه البخاري ومسلم وسبق بيانه وبحديث ابن عباس قال " مر النبي صلى الله عليه
وسلم بقبرين فقال إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله وأما
الآخر فكان يمشي بالنميمة " رواه البخاري ومسلم وبالقياس على طهارة الحدث والجواب عن حديث أبي
سعيد من وجهين أحدهما أن القذر هو الشئ المستقذر كالمخاط والبصاق والمني والبول وغيره
فلا يلزم أن يكون نجسا الثاني لعله كان دما يسيرا أو شيئا يسيرا من طين الشوارع وذلك معفو عنه
132

* والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
* (والنجاسة ضربان دماء وغير دماء فأما غير الدماء فينظر فيه فإن كان قدرا يدركه الطرف
لم يعف عنه لأنه لا يشق الاحتراز منه وإن كان قدرا لا يدركه الطرف ففيه ثلاث طرق أحدها
انه يعفى عنه لأنه لا يدرك بالطرف فعفى عنه كغبار السرجين والثاني لا يعفى عنه لأنه نجاسة لا يشق
الاحتراز منها فلم يعف عنها كالذي يدركه الطرف والثالث على قولين أحدهما يعفى عنه والثاني لا يعفى
ووجه القولين ما ذكرنا) * *
* (الشرح) * هاتان المسألتان كما ذكر وأصح الطرق انه يعفى عنه وقد سبق في باب المياه
ان في مسألة ما لا يدركه الطرف سبع طرق في الماء والثوب والأصح يعفى فيهما وهذه العبارة التي
ذكرها المصنف يقتضى أن ونيم الذباب لا يعفى عنه بلا خلاف إذا أدركه الطرف وقد ذكر البغوي
وغيره ان له حكم دم البراغيث لأنه تعم به البلوى ويشق الاحتراز منه والصحيح انه كدم البراغيث *
* قال المصنف رحمه الله *
* (واما الدماء فينظر فيها فإن كان دم القمل والبراغيث وما أشبهها فإنه يعفى عن قليله لأنه يشق
الاحتراز منه فلو لم يعف عنه شق وضاق وقد قال الله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج)
وفى كثيره وجهان قال أبو سعيد الإصطخري لا يعفى عنه لأنه نادر لا يشق غسله وقال غيره يعفى
عنه وهو الأصح لأنه هذا الجنس يشق الاحتراز منه في الغالب فالحق نادره بغالبه وإن كان دم
غيرها من الحيوانات ففيه ثلاثة أقوال قال في الأم يغفى عن قليله وهو القدر الذي يتعافاه الناس في
العادة لان الانسان لا يخلو من بثرة وحكة يخرج منها هذا القدر فعفى عنه وقال في الاملاء
لا يعفى عن قليله ولا عن كثيره لأنه نجاسة لا يشق الاحتراز منها فلم يعف عنها كالبول
وقال في القديم يعفى عما دون الكف ولا يعفى عن الكلف والأول أصح) * *
* (الشرح) * البثرة باسكان الثاء ويقال بفتحها لغتان الاسكان أشهر وهي خراج صغير
ويقال بثر وجهه بكسر الثاء وضمها وفتحها ثلاث لغات حكاهن الجوهري وغيره والحكة بكسر
الحاء وهي الجرب ذكره الجوهري أما دم القمل والبراغيث والبق والقردان وغيرها مما لا نفس
133

له سائلة فهو نجس عندنا كما سبق في باب إزالة النجاسة وذكرنا خلاف أبي حنيفة واحمد فيه واتفق
أصحابنا على أنه يعفى عن قليله وفى كثيره وجهان مشهوران أحدهما قاله الإصطخري لا يعفى عنه
وأصحهما باتفاق الأصحاب يعفى عنه قال القاضي أبو الطيب هذا قول ابن سريج وأبي إسحاق
المروزي قال صاحب البيان هذا قول عامة أصحابنا وقال المحاملي في المجموع هذا قول ابن سريج
وأبي إسحاق وسائر أصحابنا قال الشيخ أبو حامد والمحاملي في التجريد القليل هو ما تعافاه
الناس أي عدوه عفوا وتساهلوا فيه والكثير ما غلب على الثوب وطبقه وذكر الخراسانيون في
ضبط القليل كلاما طويلا اختصره الرافعي ولخصه فقال في قول قديم القليل قدر دينار وفى قديم
آخر القليل ما دون الكلف وعلى الجديد وجهان أحدهما الكثير ما يظهر للناظر من غير تأمل وامعان
طلب والقليل دونه وأصحهما الرجوع إلى العادة فما يقع التلطخ به غالبا ويعسر الاحتراز منه
فقليل وما لا فكثير فعلى الأول لا يختلف ذلك باختلاف البلاد والأوقات وعلى الثاني وجهان
أحدهما يعتبر الوسط المعتدل فلا يعتبر من البلاد والأوقات ما يندر ذلك فيه أو يتفاحش وأصحهما
يختلف باختلاف الأوقات والبلاد ويجتهد المصلي هل هو قليل أم كثير فلو شك ففيه احتمالان
لإمام الحرمين أرجحهما وبه قطع الغزالي له حكم القليل والثاني له حكم الكثير وسواء في كل
ما ذكرناه ما كان من هذا الدم في الثوب والبدن بالاتفاق فلو كان قليلا فعرق وانتشر التلطخ
بسببه ففيه الوجهان في الكثير حكاهما المتولي والبغوي قال الشيخ أبو عاصم يعفى عنه وقال
134

القاضي حسين لا يعفى. ولو اخذ قملة أو برغوثا وقتله في ثوبه أو بدنه أو بين أصبعيه فتلوثت به قال
المتولي ان كثر ذلك لم يعف عنه وإن كان قليلا فوجهان أصحهما يعفى عنه قال ولو كان دم البراغيث
في ثوب في كمه وصلي به أو بسطه وصلي عليه فإن كان كثيرا لم تصح صلاته وإن كان قليلا فوجهان
اما دم ماله نفس سائلة من آدمي وسائر الحيوانات ففيه الأقوال الثلاثة التي ذكرها المصنف وهي
مشهورة أصحها بالاتفاق قوله في الأم انه يعفى عن قليله وهو القدر الذي يتعافاه الناس في العادة
يعنى يعدونه عفوا قال الأزهري يعدونه عفوا قد عفى لهم عنه ولم يكلفوا ازالته للمشقة في التحفظ
منه قال صاحب الشامل قدره بعض أصحابنا بلمعة وهذه الأقوال في دم غيره من آدمي وحيوان
آخر واما دم نفسه فضربان أحدهما ما يخرج من بثرة من دم وقيح وصديد فله حكم دم البراغيث
بالاتفاق يعفى عن قليله قطعا وفى كثيره الوجهان أصحهما العفو فلو عصر بثرة فخرج منها دم
قليل عفى عنه على أصح الوجهين وهما كالوجهين السابقين في دوم القملة ونحوها إذا عصره في ثوبه
أو بدنه (الضرب الثاني) ما يخرج منه لا من البثرات بل من الدماميل والقروح وموضع الفصد
والحجامة وغيرها وفيه طريقان أحدهما انه كدم البراغيث والبثرات فيعفى عن قليله وفى كثيره
الوجهان قال الرافعي هذا مقتضى كلام الأكثرين والثاني وهو الأصح واختاره ابن كج والشيخ
أبو محمد وامام الحرمين وهو ظاهر كلام المصنف وسائر العراقيين انه كدم الأجنبي فأما دم
الاستحاضة وما يدوم غالبا فسبق حكمه في باب الحيض واما ماء القروح فسبق في باب إزالة
النجاسة انه ان تغيرت رائحته فهو نجس والا فطريقان أصحهما انه طاهر والثاني على قولين وحيث
نجسناه فهو كالبثرات قال أصحابنا وقيح الأجنبي وصديده وسائر الحيوان كدم ذلك الحيوان
ثم الجمهور أطلقوا الكلام في الدماء على ما سبق وقيد صاحب البيان الخلاف في العفو بغير دم
135

الكلب والخنزير وما تولد من أحدهما وأشار إلى أنه لا يعفى عن شئ منه بلا خلاف قال البغوي
وحكم ونيم الذباب وبول الخفاش حكم الدم لتعذر الاحتراز *
(فرع) قال صاحب التتمة وغيره لو كان في صلاة فأصابه شئ جرحه وخرج الدم يدفق
ولم يلوث البشرة أو كان التلويث قليلا بأن خرج كخروج الفصد لم تبطل صلاته واحتجوا بحديث
جابر رضي الله عنه في الرجلين الدين حرسا للنبي صلى الله عليه وسلم فجرح أحدهما وهو يصلى فاستمر
في صلاته ودماؤه تسيل وهو حديث حسن سبق بيانه في باب ما ينقض الوضوء قالوا ولان المنفصل
عن البشرة لا يضاف إليه وإن كان بعض الدم متصلا ببعض ولهذا لو صب الماء من إبريق على
نجاسة واتصل طرف الماء بالنجاسة لم يحكم بنجاسة الماء الذي في الطريق وإن كان بعضه متصلا ببعض *
(فرع) في مذاهب العلماء في الدماء: ذكرنا مذهبنا وحكى الشيخ أبو حامد عن مالك انه يعفى
عما دون نصف الثوب ولا يعفى عن نصفه وعن أحمد يعفى عما دون شبر في شبر وعن أبي حنيفة
ان النجاسة من الدم وغيره إن كانت قدر درهم بعلي عفى عنها ويعفى عن أكثر وعن النخعي والأوزاعي
يعفى عن قدر دون درهم لا عن درهم * قال المصنف رحمه الله *
* (إذا كان على بدنه نجاسة غير معفو عنها ولم يجد ما يغسلها به صلي وأعاد كما قلنا فيمن لم يجد
ماء ولا ترابا وإن كان على قرحه دم يخاف من غسله صلي وأعاد وقال في القديم لا يعيد لأنه نجاسة
يعذر في تركها فسقط معها الفرض كاثر الاستنجاء والأول أصح لأنه صلي بنجس نادر غير متصل
فلم يسقط معه الفرض كما لو صلى بنجاسة نسيها) * *
* (الشرح) * القرح بفتح القاف وضمها لغتان وقوله صلي بنجس نادر احتراز من أثر الاستنجاء
وقوله غير متصل احتراز من دم المستحاضة. أما حكم المسألة فإذا كان على بدنه نجاسة غير معفو
عنها وعجز عن إزالتها وجب ان يصلي بحاله لحرمة الوقت لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " وإذا أمرتكم بشئ فاتوا منه ما استطعتم " رواه البخاري ومسلم
136

وتلزمه الإعادة لما ذكره المصنف وقد سبق في باب التيمم قول غريب انه لا تجب الإعادة في كل
صلاة أمرناه أن يصليها على نوع خلل. أما إذا كان على قرحه دم يخاف من غسله وهو كثير
بحيث لا يعفى عنه ففي وجوب الإعادة القولان اللذان ذكرهما المصنف: الجديد الأصح وجوبها
والقديم لا يجب وهو مذهب أبي حنيفة ومالك واحمد والمزني وداود والمعتبر في الخوف ما سبق
في باب التيمم وقوله كما لو صلي بنجاسة نسيها هذا على طريقته وطريقة العراقيين ان من صلي بنجاسة
نسيها تلزمه الإعادة قولا واحدا وإنما القولان عندهم فيمن صلي بنجاسة جهلها فلم يعلمها قط
وعند الخراسانيين في الناسي خلاف مرتب على الجاهل وسنوضحه قريبا حيث ذكره المصنف
إن شاء الله تعالى *
* قال المصنف رحمه الله *
* (وان جبر عظمه بعظم نجس فإن لم يخف التلف من قلعه لزمه قلعه لأنه نجاسة غير معفو
عنها أوصلها إلى موضع يلحقه حكم التطهير لا يخاف التلف من ازالتها فأشبه إذا وصلت المرأة
شعرها بشعر نجس فان امتنع من قلعه أجبره السلطان على قلعه لأنه مستحق عليه تدخله النيابة
فإذا امتنع لزم السلطان أن يفعله كرد المغصوب وان خاف التلف من قلعه لم يجب قلعه ومن
أصحابنا من قال يجب لأنه حصل بفعله وعدوانه فانتزع منه وان خيف عليه التلف كما لو غصب مالا
ولم يمكن انتزاعه منه الا بضرب يخاف منه التلف والمذهب الأول لأن النجاسة يسقط حكمها عند
137

خوف التلف ولهذا يحل أكل الميتة عند خوف التلف فكذلك ههنا وان مات فقد قال أبو
العباس يقلع حتى لا يلقى الله تعالى حاملا للنجاسة والمنصوص انه لا يقلع لان قلعه عبادة وقد
سقطت العبادة عنه بالموت وان فتح موضعا من بدنه وطرح فيه دما والتحم وجب فتحه واخراجه
كالعظم وان شرب خمرا فالمنصوص في صلاة الخوف انه يلزمه ان يتقايأ لما ذكرناه في العظم
ومن أصحابنا من قال لا يلزمه لأن النجاسة حصلت في معدنها فصار كالطعام الذي أكله وحصل
في المعدة) * *
* (الشرح) * إذا انكسر عظمه فينبغي ان يجبره بعظم طاهر قال أصحابنا ولا يجوز أن
يجبره بنجس مع قدرته على طاهر يقوم مقامه فان جبره بنجس نظر إن كان محتاجا إلى الجبر ولم
يجد طاهرا يقوم مقامه فهو معذور وإن لم يحتج إليه أو وجد طاهرا يقوم مقامه اثم ووجب نزعه
إن لم يخف منه تلف نفسه ولا تلف عضو ولا شيئا من الاعذار المذكورة في التيمم فإن لم يفعل
أجبره السلطان ولا تصح صلاته معه ولا يعذر بالألم الذي يجده إذا لم يخف منه وسواء اكتسى
العظم لحما أم لا هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور لأنها نجاسة أجنبية حصلت في غير معدنها
وفيه وجه شاذ ضعيف انه إذا اكتسي اللحم لا ينزع وإن لم يخف الهلاك حكاه الرافعي ومال إليه
امام الحرمين والغزالي وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وان خاف من النزع هلاك النفس أو عضوا
أو فوات منفعة عضو لم يجب النزع على الصحيح من الوجهين ودليلهما في الكتاب قال صاحب
التتمة وغيره لو لم يخف التلف وخاف كثرة الألم وتأخر البرء وقلنا لو خاف التلف لم يجب النزع
فهل يجب هنا فيه وجهان بناء على القولين في نظيره في التيمم وحيث أوجبنا النزع فتركه لزمه
إعادة كل صلاة صلاها معه قولا واحدا لأنه صلي بنجاسة متعمدا ومتى وجب النزع فمات قبله
لم ينزع على الصحيح المنصوص وفيه وجه أبى العباس ودليلهما في الكتاب وهما جاريان سواء
استتر باللحم أم لا وقيل إن استتر لم ينزع وجها واحدا فإذا قلنا ينزع فهل النزع واجب أم
مستحب فيه وجهان حكاهما الرافعي الصحيح انه واجب وبه قطع صاحب الحاوي *
138

(فرع) مداواة الجرح بدواء نجس وخياطته بخيط نجس كالوصل بعظم نجس فيجب
النزع حيث يجب نزع العظم ذكره المتولي والبغوي وآخرون وكذا لو فتح موضعا من بدنه وطرح
فيه دما أو نجاسة أخرى أو وشم يده أو غيرها فإنه ينجس عند الغرز فله حكم العظم هذا هو
الصحيح المشهور قال الرافعي وفى تعليق الفرا انه يزال الوشم بالعلاج فإن لم يمكن الا بالجرح
لا يجرح ولا اثم عليه بعد التوبة *
(فرع) إذا شرب حمرا أو غيرها من النجاسات قال الشافعي رحمه الله في البويطي في باب
صلاة الخوف وان أكره على أكل محرم فعليه ان يتقايأه هذا نصه في البويطي وقال في الأم ولو
أسر رجل فحمل على شرب محرم أو اكل محرم وخاف إن لم يفعله فعليه ان يتقايأه ان قدر عليه
وهذان النصان ظاهران أو صريحان في وجوب الاستقاءة لمن قدر عليها وبهذا قال أكثر
الأصحاب وصححه صاحبا الشامل والمستظهري وفيه وجه انه لا يجب بل يستحب وصححه
القاضي أبو الطيب ولا فرق بين المعذور في الشرب وغيره كما نص عليه *
(فرع) لو انقلعت سنه فردها موضعها قال أصحابنا العراقيون لا يجوز لأنها نجسة وهذا بناء
على طريقتهم ان عضو الآدمي المنفصل في حياته نجس وهو المنصوص في الأم ولكن المذهب
طهارته وهو الأصح عند الخراسانيين وقد سبق ايضاحه في باب إزالة النجاسة فلو تحركت سنه فله
أن يربطها بفضة وذهب وهي طهارة بلا خلاف وصرح به الماوردي والقاضي أبو الطيب والمحاملي
وسائر الأصحاب *
(فرع) قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر ولا تصل المرأة بشعرها شعر انسان
ولا شعر مالا يؤكل لحمه بحال قال أصحابنا إذا وصلت شعرها بشعر آدمي فهو حرام بلا
خلاف سواء كان شعر رجل أو امرأة وسواء شعر المحرم والزوج وغيرهما بلا خلاف لعموم
139

الأحاديث الصحيحة في لعن الواصلة المستوصلة ولأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر اجزائه
لكرامته بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه وان وصلته بشعر غير آدمي فإن كان شعرا نجسا
وهو شعر الميتة وشعر مالا يؤكل إذا انفصل في حياته فهو حرام أيضا بلا خلاف للحديث ولأنه
حمل نجاسة في الصلاة وغيرها عمدا وسواء في هذين النوعين المرأة المزوجة وغيرها من النساء والرجال
واما الشعر الطاهر من غير الآدمي فإن لم يكن لها زوج ولا سيد فهو حرام أيضا على المذهب
الصحيح وبه قطع الدارمي والقاضي أبو الطيب والبغوي والجمهور وفيه وجه انه مكروه قاله الشيخ
أبو حامد وحكاه الشاشي ورجحه وحكاه غيره وجزم به المحاملي وهو شاذ ضعيف ويبطله عموم
الحديث وإن كان لها زوج أو سيد فثلاثة أوجه حكاها الدارمي وآخرون أصحها عند الخراسانيين
وبه قطع جماعة منهم ان وصلت باذنه جاز والا حرم والثاني يحرم مطلقا والثالث لا يحرم ولا يكره
مطلقا وقطع الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وصاحب الحاوي والمحاملي وجمهور العراقيين بأنه
يجوز باذن الزوج والسيد قال صاحب الشامل قال أصحابنا إن كان لها زوج أو سيد جاز لها ذلك وإن لم يكن
زوج ولا سيد كره فهذه طريقة العراقيين والصحيح ما صححه الخراسانيون وقول من قال بالتحريم
مطلقا أقوى لظاهر اطلاق الأحاديث الصحيحة قال صاحب التهذيب وتحمير الوجه والخضاب بالسواد
وتطريف الأصابع حرام بغير إذن الزوج وباذنه وجهان أصحهما التحريم وقال الرابعي تحمير الوجنة إن لم
يكن لها زوج ولا سيد أو فعلته بغير أذنه فحرام وإن كان باذنه فجائز على المذهب وقيل وجهان كالوصل
قال واما الخضاب بالسواد وتطريف الأصابع فالحقوه بالتحمير قال امام الحرمين ويقرب منه تجعيد
الشعر ولا بأس بتصفيف الطرر وتسوية الأصداغ واما الخضاب بالحناء فمستحب للمرأة المزوجة في يديها
ورجليها تعميما لا تطريفا ويكره لغيرها وقد أطلق البغوي وآخرون استحباب الخضاب للمرأة ومرادهم
المزوجة * واما الرجل فيحرم عليه الخضاب الا لحاجة لعموم الأحاديث الصحيحة في نهى الرجال عن التشبه
بالنساء وقد تقدمت هذه المسألة بأدلتها في آخر باب السواك واما الوشم والوشر وهو تحديد الأسنان فحرام
على المرأة والرجل ويستحب للمزوجة الخلوق ويكره للرجل وقد سبق هذا في باب السواك ومما جاء من
الأحاديث الصحيحة في الوشم والوصل والوشر وغيرها حديث أسماء رضي الله عنها أن امرأة سألت النبي
140

صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان ابنتي أصابتها الحصبة فتمرق شعرها واني زوجتها أفأصل فيه فقال
" لعن الله الواصلة والموصولة " رواه البخاري ومسلم وفى الصحيحين عن عائشة نحوه قولها تمرق هو بالراء
المهملة يعنى انتثر وسقط: وعن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية على المنبر وتناول قصة من شعر
كانت في يد حرسي فقال يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهي عن مثل
هذه ويقول إنما هلكت بنوا إسرائيل حين اتخذها نساؤهم رواه البخاري ومسلم وعن ابن عمر رضي الله عنهما
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة " رواه البخاري
ومسلم وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال لعن الله الواشمات والمستوشمات والمنتمصات والمتفلجات
للحسن المغيرات خلق الله فقالت له امرأة في ذلك فقال ومالي لا العن من لعنه صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله تعالى
وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " رواه البخاري ومسلم المتفلجة التي تبرد من أسنانها
ليتباعد بعضها عن بعض وتحسنها وهو الوشر والنامصة التي تأخذ من شعر الحاجب وترققه ليصير حسنا
والمنتمصة التي تأمر من يفعل ذلك بها *
(فرع) هذا الذي ذكرناه من تحريم الوصل في الجملة هو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء وحكي
القاضي عياض عن طائفة جوازه وهو مروي عن عائشة رضي الله عنها قال ولا يصح عنها بل الصحيح
عنها كقول الجمهور قال والوصل بالصوف والخرق كالوصل بالشعر عند الجمهور وجوزه الليث بن سعد
بغير الشعر والصحيح الأول لحديث جابر رضي الله عنه " ان النبي صلى الله عليه وسلم زجر ان تصل المرأة برأسها
شيئا " رواه مسلم وهذا عام في كل شئ فاما ربط الشعر بخيوط الحرير الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعر
فليس بمنهى عنه وأشار القاضي إلى نقل الاجماع فيه لأنه ليس بوصل ولا هو في معني مقصود
الوصل وإنما هو للتجمل والتحسين *
(فرع) ذكر القاضي عياض ان وصل الشعر من المعاصي الكبائر للعن فاعله *
* قال المصنف رحمه الله *
141

* (واما طهارة الثوب الذي يصلي فيه فهي شرط في صحة الصلاة والدليل عليه قوله تعالي
" وثيابك فطهر " فإن كان على ثوبه نجاسة غير معفو عنها ولم يجد ماء يغسلها به صلي عريانا ولا يصلي
في الثوب قال في البويطي وقد قيل يصلى فيه ويعيد والمذهب الأول لان الصلاة مع العرى يسقط
بها الفرض ومع النجاسة لا يسقط فلا يجوز أن تترك صلاة يسقط بها الفرض إلى صلاة
لا يسقط بها الفرض) * *
* (الشرح) * طهارة الثوب شرط لصحة الصلاة ودليله ما ذكره المصنف وما سبق في أول الباب
فإن لم يقدر الا على ثوب عليه نجاسة لا يعفى عنها ولم يقدر على غسله فطريقان أحدهما يصلي عريانا
وأشهرهما على قولين أصحهما يجب عليه أن يصلي عريانا والثاني يجب أن يصلي فيه ودليلهما في الكتاب
فان قلنا يصلى عريانا فلا إعادة وان قلنا يصلى فيه وجبت الإعادة ولو كان معه ثوب طاهر ولم يجد
الا موضعا نجسا فوجهان مشهوران في الإبانة وغيره أصحهما يجب أن ينزعه فيبسطه ويصلي عليه ولا
إعادة والثاني يصلي فيه على النجاسة ويعيد ووجههما ما سبق ولو لم يجد الا ثوب حرير فوجهان أصحهما
يجب أن يصلى فيه لأنه طاهر يسقط الفرض به وإنما يحرم في غير محل الضرورة والثاني يصلي عاريا
لأنه عادم لسترة شرعية ولا إعادة لما ذكرنا ويلزمه لبس الثوب النجس والحرير في غير الصلاة للستر عن
الأعين وكذا في الخلوة إذا أوجبنا الستر فيها *
142

(فرع) لو كان معه ثوب طرفه نجس وليس معه ماء يغسله به وأمكنه قطع موضع النجاسة
فإن كان ينقص بالقطع قدر أجرة مثل السترة لزمه قطعه وإن كان أكثر فلا يلزمه ذكره
المتولي وآخرون *
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن لم يجد الا ثوبا نجسا: قد ذكرنا أن الصحيح في مذهبنا انه يصلي
عاريا ولا إعادة عليه وبه قال أبو ثور وقال مالك والمزني يصلي فيه ولا يعيد وقال احمد يصلى فيه
ويعيد وقال أبو حنيفة ان شاء صلى فيه وان شاء عريانا ولا إعادة في الحالين *
* قال المصنف رحمه الله *
* (فان اضطر إلى لبس الثوب لحر أو برد صلى فيه وأعاد إذا قدر لأنه صلي بنجس نادر غير متصل
فلا يسقط معه الفرض كما لو صلي بنجاسة نسيها) * *
* (الشرح) * قوله نادر احترازا من دم البراغيث ونحوه قوله غير متصل احتراز من دم الاستحاضة
وسلس البول ونحوهما وإذا اضطر إلى لبس الثوب النجس لحر أو برد أو غيرهما صلي فيه للضرورة
ويلزمه الإعادة لما ذكره * قال المصنف رحمه الله *
* (وان قدر على غسله وخفي عليه موضع النجاسة لزمه أن يغسل الثوب كله ولا يتحرى فيه
لان التحري إنما يكون في عينين فان شقه نصفين لم يتحر فيه لأنه يجوز أن يكون الشق في موضع
النجاسة فتكون القطعتان نجستين) * *
* (الشرح) * هاتان المسألتان متفق عليهما كما ذكره المصنف إلا أن صاحب البيان حكى فيما
إذا خفى موضع النجاسة من الثوب وجها عن ابن سريج انه إذا غسل بعضه كفاه ويصلى فيه لأنه
يشك بعد ذلك في نجاسته والأصل طهارته وهذا ليس بشئ لأنه تيقن النجاسة في هذا الثوب
وشك في زوالها وهذا الذي ذكرناه من وجوب غسل جميعه هو إذا احتمل وجود النجاسة في كل
موضع منه فلو علم أنها كانت في مقدمة وجهل موضعها وعلم أنها ليست في مؤخره وجب غسل
مقدمه فقط فلو أصابت يده المبتلة بعض هذا الثوب قبل غسله لم يحكم بنجاسة اليد لاحتمال ان الذي
أصابته طاهر صرح به البغوي وغيره * قال المصنف رحمه الله *
* (وإن كان معه ثوبان طاهر ونجس واشتبها تحرى وصلي في الطاهر على الأغلب عنده لأنه
شرط من شروط الصلاة يمكن التوصل إليه بالاجتهاد فجاز التحري فيه كالقبلة فان اجتهد فلم يؤد
143

الاجتهاد إلى طهارة أحدهما صلى عريانا وأعاد لأنه صلي ومعه ثوب طاهر بيقين وان أداه الاجتهاد
إلى طهارة أحدهما ونجاسة الآخر فغسل النجس عنده جاز أن يصلي في كل واحد منهما فان لبسهما
معا وصلى فيهما ففيه وجهان قال أبو إسحاق تلزمه الإعادة لأنهما صارا كالثوب الواحد وقد تيقن
حصول النجاسة وشك في زوالها لأنه يحتمل أن يكون الذي غسله هو الطاهر فلم تصح صلاته
كالثوب الواحد إذا أصابته نجاسة وخفي موضعها فتحرى وغسل موضع النجاسة بالتحري وصلي
فيه وقال أبو العباس لا إعادة عليه لأنه صلي في ثوب طاهر بيقين وثوب طاهر في الظاهر فهو كما
لو صلى في ثوب اشتراه لا يعلم حاله وثوب غسله فإن كانت النجاسة في أحد الكمين واشتبه فوجهان
قال أبو إسحاق لا يتحرى لأنه ثوب واحد وقال أبو العباس يتحرى لأنهما عينان متميزتان هما كالثوبين
فان فصل أحد الكمين جاز التحري فيه بلا خلاف) * *
* (الشرح) * فيه مسائل (إحداها) إذا اشتبه ثوب طاهر بثوب نجس لزمه التحري فيهما ويصلي
في الذي يؤدى اجتهاده إلى طهارته وهذا مذهبنا وفيه خلاف للسلف سبق بيانه بأدلته في باب
التحري في الماء وسواء كان عدد الطاهر أكثر أو أقل حتى لو اشتبه عشرة ثياب أحدها طاهر
والباقي نجس اجتهد ولو كان معه ثوبان طاهر ونجس واشتبها ومعه ثالث طاهر بيقين أو معه ما يمكن
به غسل ثوب هل له الاجتهاد فيه الوجهان السابقان في مثله في الأواني أصحهما الجواز ووجه ثالث
حكاه المتولي يجوز الاجتهاد إذا كان معه ماء يغسل به ولا يجوز إذا كان معه ثالث لان عليه ضررا
في اتلاف الماء بخلاف الثوب والأصح الجواز مطلقا وقول المصنف لأنه شرط من شروط الصلاة
إلى آخره فيه احترازات سبق بيانها في باب الشك في نجاسة الماء وقوله شرط هو الصواب بخلاف
قوله هناك لأنه سبب وقد نبهنا على هذا هناك وقاس على القبلة لأنه مجمع على الاجتهاد فيها مع أن
جهات الخطأ فيها أكثر من جهة الصواب (الثانية) إذا اجتهد فتحير ولم يظهر له بالاجتهاد شئ لزمه
أن يصلى عريانا لحرمة الوقت ويلزمه الإعادة لأنه صلي عريانا ومعه ثوب طاهر وعذره نادر غير
متصل هذا هو الصحيح المشهور وفيه قول انه يجب أن يصلي في أحدهما وهو القول الضعيف الذي
أشار إليه في البويطي كما سبق انه إذا لم يجد الا ثوبا نجسا صلي فيه وأعاد لئلا يكشف عورته وفيه
وجه غريب حكاه صاحبا الحاوي والبيان انه يصلي تلك الصلاة في كل ثوب مرة ولا إعادة حينئذ
وهذا ليس بشئ لأنه أمر بالصلاة بنجاسة بيقين والمذهب انه يصلي عريانا ويعيد هذا إذا لم يكن
144

معه ماء يغسل به أحدهما فإن كان وجب عليه غسل أحدهما هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وحكي
المتولي وجها انه لا يلزمه الغسل لان الثوب الذي يريد غسله لا يتيقن نجاسته ولا يمكن ايجاب غسل
مالا يعلم نجاسته وهذا خيال عجيب وخطأ ظاهر وإنما أذكر مثله لأبين بطلانه وقد قال صاحب
الشامل في جواب هذا إنما يجب غسل النجس لأنه لا يمكنه الصلاة الا بغسله وهذا المعنى موجود
هنا: (الثالثة) إذا أدى اجتهاده إلى طهارة أحدهما فغسل الآخر فله أن يصلي في كل واحد على
الانفراد ولا خلاف في هذا الا وجها أشار إليه المتولي انه لا يجوز أن يصلي في الذي لم يغسله وهذا
ليس بشئ فلو لبسهما معا وصلي ففيه الوجهان اللذان ذكرهما المصنف بدليلهما أصحهما الجواز ولو
كانت النجاسة في أحد كمين واشتبه ففي جواز الاجتهاد فيه الوجهان المذكوران في الكتاب بدليلهما
أصحهما الجواز فلو فصل أحدهما جاز الاجتهاد فيهما بعد ذلك بلا خلاف لأنهما عينان متميزتان
ويجرى الوجهان فيما لو نجست احدى يديه أو أحد أصابعه والأصح انه لا يجوز الاجتهاد فلو اجتهد وغسل
ما ظن نجاسته وصلي لم تصح على الأصح ولو غسل أحد كميه بالاجتهاد ثم فصله عن الثوب فجواز
الصلاة فيما لم يغسله على الوجهين ولو أخبره ثقة بأن النجس هو هذا الكم فالمذهب انه يقبل قوله
145

ويغسله وحده ويصلي فيه وقال صاحب الحاوي فيه وجهان بناء على الوجهين في الاجتهاد فيهما
ان جوزناه قبل قوله وإلا فلا لأنه تيقن النجاسة ولم يتيقن زوالها والصواب الأول *
(فرع) لو تلف أحد الثوبين المشتبهين قبل الاجتهاد ففي جواز الصلاة في الآخر وجهان
كنظيره في الإناءين إذا تلف أحدهما حكاهما الدارمي والمتولي وغيرهما أصحهما لا يجوز ولو غسل
أحد المشتبهين بغير اجتهاد فله الصلاة فيه وهل له الصلاة في الآخر قال المتولي فيه هذان الوجهان
لان المغسول أسقط فيه الاجتهاد فصار كالتالف والصحيح أنه لا يجوز *
(فرع) إذا اشتبه ثوب طاهر بثوب نجس فلم يجتهد بل صلى في كل ثوب مرة تلك الصلاد قال
المتولي وغيره صلاته باطلة كما لو ترك الاجتهاد في القبلة وصلي أربع مرات إلى أربع جهات وقال
المزني لا يجوز الاجتهاد بل يلزمه أن يصلي في كل ثوب مرة كمن نسي صلاة من صلاتين يلزمه فعلهما
دليلنا انه شرط للصلاة فأشبه القبلة ويخالف مسألة الناسي من وجهين أحدهما أن الاشتباه هناك
في نفس الصلاة فوجب اليقين بأن يصليهما والفرص هنا متعين والاشتباه في شرط فأشبه القبلة
الثاني ان هناك لا يؤدى إلى ارتكاب حرام بل غايته أن يصلي صلاة ليست عليه فتقع نافلة وهنا
146

يؤدى إليه لان الصلاة مع النجاسة حرام *
(فرع) لو ظن بالاجتهاد طهارة ثوب من ثوبين أو أثواب وصلى فيه ثم دخل وقت صلاة أخرى
هل يجدد الاجتهاد فيه وجهان أحدهما وبه قطع المتولي يجدده كما يجدده في القبلة على الصحيح
وأصحهما وبه قطع صاحب الحاوي لا يجدده قال ويخالف القبلة فإنها تتغير بتغير المواضع ويختلف
إدراكها باختلاف الأحوال فلو اجتهد وقلنا الاجتهاد واجب أو غير واجب فإن لم يتغير اجتهاده
أو ظهر له طهارة الذي كان يظن طهارته أو لا صلى فيه وان تغير اجتهاده فظهر له طهارة الآخر لم
تلزمه إعادة الصلاة الأولي بلا خلاف وكيف يصلى الآن فيه وجهان مشهوران في الحاوي وتعليق
القاضي أبي الطيب والتتمة وغيرها أصحهما وهو الذي صححه المتولي وغيره يصلي في الثوب الثاني
وهو الذي ظهر له الآن انه الطاهر ولا إعادة عليه كما إذا تغير اجتهاده في القبلة يصلى إلى الجهة
الثانية بخلاف ما إذا تغير اجتهاده في مسألة الأواني لأنه في الأواني ان توضأ بالثاني ولم يغسل
ما أصابه من الأول صلى بنجاسة قطعا وان ألزمناه بغسله نقضنا الاجتهاد بالاجتهاد وهذا ممتنع
والوجه الثاني وهو الذي صححه القاضي أبو الطيب وصاحب الحاوي لا يجوز أن يصلي في واحد من
الثوبين بل يصلى عريانا وتلزمه الإعادة كمسألة الأواني وهذا ضعيف والصحيح الأول بخلاف
الأواني فإنه يؤدى إلى الصلاة بنجاسة أو نقض اجتهاد باجتهاد: أما إذا تيقن أن الذي صلى فيه
أولا كان نجسا وتيقن أن الثاني طاهر فيصلي في الثاني وفى وجوب إعادة الصلاة الأولى طريقان
حكاهما الدارمي أحدهما القطع بالوجوب كمن صلى بنجاسة نسيها على طريقة العراقيين والثاني وهو
المذهب وبه قطع الأكثرون فيه القولان فيمن صلى بنجاسة جهلها أصحهما الوجوب والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
147

* (وإن كان عليه ثوب طاهر وطرفه موضوع على نجاسة كالعمامة على رأسه وطرفها على أرض
نجسة لم تجز صلاته لأنه حامل لما هو متصل بنجاسة) * *
* (الشرح) * هذا الذي ذكره متفق عليه وسواء تحرك الطرف الذي يلاقي النجاسة بحركته
في قيامه وقعوده وركوعه وسجوده أم لم يتحرك هذا مذهبنا لا خلاف فيه ولو سجد على طرف عمامته
ان تحرك بحركته لم تصح صلاته وإن لم تتحرك صحت صلاته بلا خلاف والفرق ان المعتبر في النجاسة
أن لا يكون ثوبه المنسوب إليه ملاقيا لنجاسة وهذه العمامة ملاقية وأما السجود فالمأمور به أن
يسجد على قرار وإنما تخرج العمامة عن كونها قرارا بالحركة بحركة فإذا لم تتحرك فهي في معنى القرار
هذا مذهبنا قال العبدري وهو الصحيح من مذهب مالك واحمد وداود وقال أبو حنيفة ان
تحركت بحركته لم تصح والا فتصح * قال المصنف رحمه الله *
* (وإن كان في وسطه حبل مشدود إلى كلب صغير لم تصح صلاته لأنه حامل للكلب لأنه إذا
مشى انجر معه وإن كان مشدودا إلى كلب كبير ففيه وجهان أحدهما لا تصح صلاته لأنه حامل
لما هو متصل بالنجاسة فهو كالعمامة على رأسه وطرفها على نجاسة والثاني تصح لان للكلب اختيارا
وإن كان الحبل مشدودا إلى سفينة فيها نجاسة والشد في موضع طاهر من السفينة فإن كانت
السفينة صغيرة لم يجز لأنه حامل للنجاسة وإن كانت كبيرة ففيه وجهان أحدهما لا يجوز لأنها
منسوبة إليه والثاني يجوز لأنه غير حامل للنجاسة ولا لما هو متصل بالنجاسة فهو كما لو صلي والحبل
مشدود إلى باب دار فيها حش) * *
* (الشرح) * هذه المسائل عند جمهور الأصحاب كما ذكر ودلائلها واضحة والحاصل انه ان شده
إلى كلب صغير أو ميت لم تصح صلاته وان شده إلى كلب كبير لم تصح أيضا على الأصح وان
شده إلى سفينة صغيرة لم تصح وان شده إلى كبيرة صحت صلاته على الأصح وان شده إلى باب
دار فيها حش وهو الخلاء صحت بلا خلاف وان شده في موضع نجس من السفينة بطلت صلاته
بلا خلاف كما أشار إليه المصنف وقد صرح به صاحب الحاوي والبندنيجي والشيخ أبو حامد
سواء كانت صغيرة أو كبيرة هذه طريقة العراقيين والأكثرين وهي الصحيحة واما طريقة
148

الخراسانيين فمضطربة وقد لخصها الرافعي ومختصرها انه إذا قبض طرف حبل أو ثوب أو شده في
يده أو رجليه أو وسطه وطرفه الاخر نجس أو متصل بنجاسة فثلاثة أوجه الصحيح بطلان صلاته
والثاني لا تبطل والثالث إن كان الطرف نجسا أو متصلا بعين النجاسة بأن كان في عنق كلب
بطلت وإن كان متصلا بطاهر وذلك الطاهر متصلا بنجاسة بأن شد في ساجور أو خرقة وهما
في عنق كلب أو شده في عنق حمار عليه حمل نجس لم تبطل والأوجه جارية سواء تحرك الطرف
بحركته أم لا كذا قاله الأكثرون وقطع امام الحرمين والغزالي ومن تابعهما بالبطلان إذا تحرك وخصوا
الخلاف بغير المتحرك وقطع البغوي بالبطلان في صورة الشد وخص الخلاف بصورة القبض باليد
واتفقت طرق جميع الأصحاب على أنه لو جعل طرف الحبل تحت رجله صحت صلاته في جميع
الصور وقول المصنف دار فيها حش هو بفتح الحاء وضمها لغتان مشهورتان الفتح أشهر وهو الخلاء
واصله البستان وكانوا يقضون الحاجة فيه فسمى موضع قضاء الحاجة حشا كالغائط والعذرة فان
الغائط في الأصل المكان المطمئن والعذرة فناء الدار *
149

* قال المصنف رحمه الله *
* (وان حمل حيوانا طاهرا في صلاته صحت صلاته لان النبي صلى الله عليه وسلم حمل امامة
بنت أبي العاص في صلاته ولان ما في الحيوان من النجاسة في معدن النجاسة فهو كالنجاسة التي
في جوف المصلي وان حمل قارورة فيها نجاسة وقد سد رأسها ففيها وجهان أحدهما يجوز لأن النجاسة
لا تخرج منها فهو كما لو حمل حيوانا طاهرا والمذهب انه لا يجوز لأنه حمل نجاسة غير معفو عنها في
غير معدنها فأشبه إذا حمل النجاسة في كمه) * *
* (الشرح) * حديث امامة رواه البخاري ومسلم وهي امامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه
وسلم واسم أبي العاص مهشم بكسر الميم واسكان الهاء وفتح الشين المعجمة وقيل لقيط
وقيل ياسر وقيل القاسم بن الربيع بن عبد العزي بن عبد مناف القرشية كان النبي صلى الله عليه
وسلم يحبها تزوجها علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة وكانت فاطمة أوصته بذلك رضي الله عنهم
(اما) حكم المسألة فإذا حمل حيوانا طاهرا لا نجاسة على ظاهره في صلاته صحت صلاته بلا خلاف
وإن حمل حيوانا مذبوحا بعد غسل موضع الدم وما على ظاهره من النجاسة لم تصح صلاته بلا
خلاف وفيه وجه في البحر صرح به الأصحاب منهم القاضي أبو الطيب لان في باطنه نجاسة
لا حاجة إلى استصحابها بخلاف الحي ولو تنجس منفذ الحيوان الحي كطائر ونحوه فحمله ففي صحة
صلاته وجهان أصحهما عند الغزالي الصحة ويعفى عنه كالباقي على محل نجو المصلي وأصحهما عند
امام الحرمين لا يصح وبه قطع المتولي وهو الأصح لعدم الحاجة إلى احتمالها ولو وقع هذا الحيوان
في ماء قليل أو مائع لم ينجسه في أصح الوجهين وقد سبقت هذه المسألة في باب المياه ولو حمل
بيضة صار باطنها دما وظاهرها ظاهرا أو حمل عنقودا صار باطن حباته خمرا ولا رشح على ظاهره
لم تصح صلاته في أصح الوجهين ويجرى الوجهان في كل استتار خلقي. اما إذا حمل قارورة
مصممة الرأس برصاص أو نحوه وفيها نجاسة فلا تصح صلاته على الصحيح وفيه وجه مشهور
ودليلهما مذكور في الكتاب والقائل بالصحة أبو علي بن أبي هريرة ذكره صاحب الحاوي
والقاضي أبو الطيب وامام الحرمين والغزالي وغيرهم وإن كان رأسها مسدودا بخرقة لم تصح
150

صلاته بلا خلاف وإن كان بشمع فطريقان أحدهما كالخرقة والثاني كالرصاص هذا ما ذكره
الأصحاب واتفقوا على أن المسدودة بخرقة لا تصح الصلاة معها وقد أطلق المصنف المسألة فليحمل
كلامه على المصممة برصاص وكذا قال صاحب البيان ينبغي أن يحمل على الرصاص
ليوافق الأصحاب *
(فرع) لو حمل المصلي مستجمرا بالأحجار لم تصح صلاته في أصح الوجهين لأنه غير محتاج إليه
وحديث امامة رضي الله عنها محمول على أنها كانت قد نجيت بالماء ولو حمل من عليه نجاسة معفو عنها
ففيه الوجهان لما ذكرناه ويقرب منه من استنجى بالأحجار وعرق موضع النجو فتلوث به غيره ففي
صحة صلاته وجهان لكن الأصح هنا الصحة لعسر الاحتراز منه بخلاف حمل غيره والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
* (طهارة الموضع الذي يصلي فيه شرط في صحة الصلاة لما روى عمر رضي الله عنه ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال " سبعة مواطن لا تجوز فيها الصلاة المجزرة والمزبلة والمقبرة ومعاطن الإبل
والحمام وقارعة الطريق وفوق بيت الله العتيق " * فذكر المجزرة والمزبلة وإنما منع الصلاة فيها
للنجاسة فدل على أن طهارة الموضع الذي يصلى فيه شرط) *
* (الشرح) * حديث عمر رضي الله عنه هذا رواه الترمذي وابن ماجة والبيهقي وغيرهم لكن
من رواية عبد الله بن عمر لا من رواية عمر وفى رواية للترمذي عن عمر قال الترمذي ليس اسناده
بذاك القوى وكذا ضعفه غيره والمجزرة بفتح الميم والزاي موضع ذبح الحيوان والمزبلة بفتح الباء
وضمها لغتان الفتح أجود والمقبرة بفتح الباء وضمها وكسرها ومعاطن الإبل واحدها معطن بفتح
الميم وكسر الطاء ويقال فيها عطن وجمعه أعطان وسنوضح تفسيرها حيث ذكرها المصنف في آخر
الباب والبيت العتيق هو الكعبة زادها الله شرفا سمي عتيقا لعتقه من الجبابرة فلم يسلطوا على انتهاكه
ولم يتملكه أحد من الخلق كذا نقل عن ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وقتادة وقيل عتيق أي
متقدم وقيل كريم من قولهم فرس عتيق: واما حكم المسألة فطهارة الموضع الذي يلاقيه في قيامه وقعوده
151

وسجوده شرط في صحة صلاته سواء ما تحته وما فوقه من سقف وما بجنبيه من حائط وغيره فلو ماس
في شئ من صلاته سقفا نجسا أو حائطا أو غيره ببدنه أو ثوبه لم تصح صلاته ودليله ما سبق في أول
الباب واما الحديث المذكور هنا فلا يصح الاحتجاج به ومما يحتج به حديث بول الأعرابي في المسجد
وقول النبي صلى الله عليه وسلم " صبوا عليه ذنوبا من ماء " رواه البخاري ومسلم *
* قال المصنف رحمه الله *
* (فان صلى على بساط عليه نجاسة غير معفو عنها فان صلي على الموضع النجس منه لم تصح صلاته
لأنه ملاق للنجاسة وان صلي على موضع طاهر منه صحت صلاته لأنه غير ملاق للنجاسة ولا حامل لما هو
متصل بالنجاسة فهو كما لو صلي على أرض طاهرة وفى موضع منها نجاسة) * *
* (الشرح) * إذا كان على البساط أو الحصير ونحوهما نجاسة فصلي على الموضع النجس لم تصح
صلاته وان صلي على موضع طاهر منه صحت صلاته قال أصحابنا سواء تحرك البساط بتحركه أم لا
لأنه غير حامل ولا ماس للنجاسة وهكذا لو صلي على سرير قوائمه على نجاسة صحت صلاته وان تحرك
بحركته صرح به صاحب التتمة وغيره وقال أبو حنيفة إذا تحرك البساط أو السرير بحركته بطلت صلاته
وإلا فلا وكذا عنده طرف العمامة الذي يلاقي النجاسة ولو كان ما يلاقي بدنه وثيابه طاهرا وما يحاذي
صدره أو بطنه أو شيئا من بدنه في سجوده أو غيره نجسا صحت صلاته في أصح الوجهين ونقله
صاحب الحاوي عن نص الشافعي ونقله ابن المنذر عن الشافعي وأبي ثور. ولو بسط على النجاسة ثوبا
مهلهل النسج وصلى عليه فان حصلت مماسة النجاسة من الفرج بطلت صلاته وإن لم تحصل حصلت
المحاذاة فعلى الوجهين الأصح لا تبطل * قال المصنف رحمه الله *
152

* (فان صلي على أرض فيها نجاسة فان عرف موضعها تجنيها وصلي في غيرها وان فرش عليها
شيئا وصلي عليه جاز لأنه غير مباشر للنجاسة ولا حامل لما هو متصل بالنجاسة وان خفى عليه
موضع النجاسة فإن كانت في أرض واسعة فصلي في موضع منها جاز لان الأصل فيه الطهارة وإن كان
ت النجاسة في بيت وخفي موضعها لم يجز أن يصلي فيه حي يغسله ومن أصحابنا من قال يصلي
فيه حيث شاء كالصحراء وليس بشئ لان الصحراء لا يمكن حفظها من النجاسة ولا يمكن غسل
جميعها والبيت يمكن حفظه من النجاسة وغسله) * *
* (الشرح) * في هذه القطعة مسائل (إحداها) إذا كان على الأرض نجاسة في بيت أو صحراء
تنحي عنها وصلى في موضع لا يلاقي النجاسة فان فرش عليها شيئا بحيث لا يلاقيه منها شئ صحت
صلاته وإن كان الثوب مهلهل النسج فقد سبق حكمه قريبا (الثانية) إذا خفى عليه موضع النجاسة
من أرض إن كانت واسعة صلي في موضع منها بغير اجتهاد لان الأصل طهارته قال القاضي أبو الطيب
وغيره والمستحب أن ينتقل إلى موضع لا شك فيه ولا يلزمه ذلك كما لو علم أن بعض مساجد البلد
يبال فيه وجهله فله أن يصلى في أيها شاء وقال البغوي يتحرى في الصحراء فان أراد انه يجب الاجتهاد
فهو شاذ مخالف للأصحاب وان أراد انه مستحب فهو موافق لما حكيناه عن القاضي أبي الطيب
وغيره وإن كانت صغيرة أو في بيت أو بساط فوجهان أصحهما لا يجوز ان يصلي فيه لا هجوما
ولا باجتهاد حتى يغسله أو يبسط عليه شيئا والثاني له انه يصلي فيه حيث شاء ودليلهما في الكتاب
وهذا الثاني ليس بشئ ثم إن المصنف وشيخه القاضي أبا الطيب وابن الصباغ والشاشي صرحوا
بأنه على هذا الثاني يصلي حيث شاء منه بلا اجتهاد وقال الشيخ أبو حامد والمحاملي والدارمي والبغوي
والرافعي وغيرهم على هذا الثاني يجتهد فيه وهذا أصح (الثالثة) إذا كانت النجاسة في أحد بيتين
تجرى كالثوبين فلو قدر على موضع ثالث أو شئ يبسطه أو ماء يغسل به أحدهما ففي جواز
153

الاجتهاد الوجهان في الأواني والثوب الثالث أصحهما الجواز وممن ذكر المسألة صاحب البيان *
(فرع) إذا خفى عليه موضع النجاسة من ارض كبيرة أو بيت أو بساط وجوزنا الصلاة عليهما
فله ان يصلي صلوات في موضع واحد منه وله أن يصلى في مواضع حتى يبقى موضع بقدر النجاسة
فلا تصح بعد ذلك صلاته في ذلك الموضع كمسألة من حلف لا يأكل تمرة فاختلطت بتمر كثير
يأكله الا تمرة هكذا ذكر المتولي وقد سبق في الأواني انه لو اشتبه اناء بأوان غير محصورة فله
أن يتوضأ من واحد بعد واحد حتى يبقى واحد في وجه وفى وجه حتى يبقى عدد لو كان الاشتباه
فيه ابتداء لم يجز الهجوم فيحتمل أن يجئ الوجهان ويمكن الفرق * قال المصنف رحمه الله *
* (وان حبس في حش ولم يقدر أن يتجنب النجاسة في قعوده وسجوده تجافى عن النجاسة
وتجنبها في قعوده وأومأ إلى السجود إلى الحد الذي لو زاد عليه لاقى النجاسة ولا يسجد على الأرض
لان الصلاة قد تجزى مع الايماء ولا تجزى مع النجاسة وإذا قدر ففيه قولان قال في القديم لا يعيد
لأنه صلي على حسب حاله فهو كالمريض وقال في الاملاء يعيد لأنه ترك الفرض لعذر نادر غير متصل
فلم يسقط الفرض عنه كما لو ترك السجود ناسيا وإذا أعاد ففي الفرض أقوال قال في الأم الفرض هو
الثاني لان الفرض به يسقط وقال في القديم الفرض هو الأول لان الإعادة مستحبة غير واجبة في
القديم وقال في الاملاء الجميع فرض لان الجميع يجب فعله فكان الجميع فرضا وخرج أبو إسحاق قولا
رابعا ان الله تعالى يحتسب له بأيهما شاء قياسا على ما قال في القديم فيمن صلى الظهر ثم سعى إلى
الجمعة فصلاها ان الله تعالى يحتسب له بما شاء) * *
* (الشرح) * قد سبق أن الحش بفتح الحاء وضمها هو الخلاء فإذا حبس انسان في موضع
نجس وجب عليه أن يصلى هذا مذهبنا وبه قال العلماء كافة الا أبا حنيفة فقال لا يجب أن يصلي
فيه * دليلنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وإذا أمرتكم بشئ
154

فأتوا منه ما استطعتم " رواه البخاري ومسلم وقياسا على المريض العاجز عن بعض الأركان وإذا صلي
يجب عليه أن يتجافى عن النجاسة بيديه وركبتيه وغيرهما القدر الممكن ويجب أن ينحني للسجود
إلى القدر الذي لو زاد عليه لاقى النجاسة ولا يجوز أن يضع جبهته على الأرض هذا هو الصحيح
وحكي صاحب البيان وجها انه يلزمه أن يضع جبهته على الأرض وليس بشئ ودليله ما ذكره المصنف
فإذا صلي كما أمرناه فينبغي أن يعيد الصلاة إذا خرج إلى موضع طاهر وهذه الإعادة واجبة على الجديد
الأصح ومستحبة على القديم فإذا أعاد فهل الفرض الأولي أم الثانية أم كلاهما أو إحداهما مبهمة فيه أربعة
أقوال كما ذكره المصنف أصحهما عند جمهور الأصحاب ان الفرض الثانية وادعى الشيخ أبو حامد
الاتفاق عليه واختار ابن الصباغ ان الفرض كلاهما وهو قوى لأنه مطالب بهما وقد سبق بيان
هذه الأقوال ونظائرها فيمن لم يجد ماء ولا ترابا وذكرنا في آخر التيمم فرعا جامعا للصلوات
المفعولات على نوع خلل وما يجب قضاؤه منها وما لا يجب واستوفيناه استيفاء بليغا ولله الحمد وقوله
لان الصلاة قد تجزى مع الايماء إنما قال قد تجزى لأنها في بعض المواضع تجزى كصلاة شدة الخوف
وصلاة المريض وفى بعضها لا تجزى كصلاة من ربط على خشبة ونحوه وقد سبن بيانه في باب التيمم
* قال المصنف رحمه الله *
* (إذا فرغ من الصلاة ثم رأى على ثوبه أو بدنه أو موضع صلاته نجاسة غير معفو عنها نظرت
فان جوز أن تكون حدثت بعد الفراغ من الصلاة لم تلزمه الإعادة لان الأصل انها لم تكن في حال
الصلاة فلا تجب الإعادة بالشك كما لو توضأ من بئر وصلي ثم وجد في البئر فارة وان علم أنها كانت
في الصلاة فإن كان علم بها قبل الدخول في الصلاة لزمه الإعادة لأنه فرط في تركها وإن لم يعلم بها
حتى فرغ من الصلاة ففيه قولان قال في القديم لا يعيد لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه ان
النبي صلى الله عليه سلم " خلع نعله في الصلاة فخلع الناس نعالهم فقال مالكم خلعتم نعالكم قالوا
رأيناك خلعت نعلك فخلعنا نعلنا فقال أتاني جبريل فأخبرني ان فيها قذرا أو قال دم حلمة "
فلو لم تصح الصلاة لاستأنف الاحرام وقال في الجديد تلزمه الإعادة لأنها طهارة واجبة فلا تسقط
بالجهل كالوضوء) * *
155

* (الشرح) * حديث أبي سعيد صحيح سبق بيانه في أول هذا الباب وذكرنا لفظه هناك والحلمة
بفتح الحاء واللام القراد العظيم والجماعة حلم كقصبة وقصب وفى هذا الحديث من الفوائد مع ما ذكره
المصنف ان الصلاة في النعل الطهارة جائزة وانه يجوز المشي في المسجد بالنعل وان العمل القليل
في الصلاة جائز وان أفعال النبي صلى الله عليه وسلم يقتدى بها كأقواله وان الكلام في الصلاة
لا يجوز سواء كان لمصلحتها أو لغيرها ولولا ذلك لسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عند نزعهم
ولم يؤخر سؤالهم: وقوله كما لو توضأ من بئر وصورته أن يكون دون قلتين فيتوضأ منه ثم يجد
فيه فأرة ميتة يحتمل انها كانت فيه حال الوضوء ويحتمل حدوثها بعده ومن قال بالجديد أجاب
عن الحديث بأن المراد بالقذر الشئ المستقذر كالمخاط ونحوه وبدم الحلمة ان ثبت الشئ اليسير المعفو
عنه وإنما خلعه النبي صلى الله عليه وسلم تنزها * أما حكم المسألة فإذا سلم من صلاته ثم رأى عليه نجاسة
يجوز انها كانت في الصلاة ويجوز انها حدثت بعدها فصلاته صحيحة بلا خلاف قال الشافعي والأصحاب
ويستحب اعادتها احتياطا وان علم أنها كانت في الصلاة فإن كان لم يعلمها قبل ذلك فقولان الجديد
الأصح بطلان صلاته والقديم صحتها ودليلهما في الكتاب وإن كان علمها ثم نسيها فطريقان مشهوران
للخراسانيين أصحهما وبه قطع العراقيون تجب الإعادة قولا واحدا لتفريطه والثاني فيه قولان كالجاهل
وإذا أوجبنا الإعادة وجب إعادة كل صلاة تيقن وجود النجاسة فيها ولا يجب ما شك فيه ولكن
يستحب ولو رأى النجاسة في أثناء الصلاة فان قلنا لا تجب الإعادة إذا رآها بعد الفراغ أزالها
وبني على صلاته والا بطلت ووجب الاستئناف قال أصحابنا وإذا رأى في ثوبه نجاسة لم يعلم متي
أصابته لزمه أن يصلي كل صلاة تيقن انها كانت فيها ولا يلزمه ما يشك كما لو شك بعد فراغها ولكن
يستحب أن يعيد كل صلاة يحتمل انها كانت فيها وهذا كما سبق فيمن رأى المني في ثوبه *
156

(فرع) في مذاهب العلماء فيمن صلي بنجاسة نسيها أو جهلها: ذكرنا أن الأصح في مذهبنا وجوب
الإعادة وبه قال أبو قلابة واحمد وقال جمهور العلماء لا إعادة عليه حكاه ابن المنذر عن ابن عمر
وابن المسيب وطاوس وعطاء وسالم بن عبد الله ومجاهد والشعبي والنخعي والزهري ويحيى الأنصاري
والأوزاعي واسحق وأبو ثور قال ابن المنذر وبه أقول وهو مذهب ربيعة ومالك وهو قوى في الدليل
وهو المختار * قال المصنف رحمه الله *
* (ولا يصلى في مقبرة لما روى أبو سعيد رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " الأرض
كلها مسجد الا المقبرة والحمام " فان صلي في مقبرة تكرر فيها النبش لم تصح صلاته لأنه قد اختلط
بالأرض صديد الموتى وإن كانت جديدة لم تنبش كرهت صلاته فيها لأنها مدفن النجاسة والصلاة
صحيحة لان الذي باشر بالصلاة طاهر وان شك هل نبشت أم لا ففيه قولان أحدهما لا تصح
صلاته لان الأصل بقاء الفرض في ذمته وهو يشك في اسقاطه والفرض لا يسقط بالشك والثاني تصح
لان الأصل طهارة الأرض فلا يحكم بنجاستها بالشك) * *
* (الشرح) * حديث أبي سعيد رواه أبو داود والترمذي وغيرهما قال الترمذي وغيره هو
حديث مضطرب وقال الحاكم في المستدرك أسانيده صحيحة وفى الصحيحين عن عائشة رضي الله
عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل به أي حضرته الوفاة قال " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا
قبور أنبيائهم مساجد: يحذر ما صنعوا " وفى الصحيحين نحوه عن أبي هريرة أيضا وعن جندب
ابن عبد الله رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول " ان من كان قبلكم
كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد اني أنهاكم عن ذلك "
رواه مسلم وعن أبي مرثد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تجلسوا على القبول ولا تصلوا إليها "
157

رواه مسلم وعن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " اجعلوا من صلاتكم
في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا " رواه البخاري ومسلم. أما حكم المسألة فان تحقق أن المقبرة منبوشة
لم تصح صلاته فيها بلا خلاف إذا لم يبسط تحته شئ وان تحقق عدم نبشها صحت بلا خلاف وهي
مكروهة كراهة تنزيه وان شك في نبشها فقولان أصحهما تصح الصلاة مع الكراهة والثاني لا تصح
هكذا ذكر الجمهور الخلاف في المسألة الأخيرة قولين كما ذكره المصنف هنا ممن ذكرهما قولين
الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب في تعليقه والمحاملي والشيخ أبو علي البندنيجي وصاحب
الشامل وخلائق من العراقيين ومعظم الخراسانيين ونقلهما جماعة وجهين منهم المصنف في التنبيه
وصاحب الحاوي قال في الحاوي القول بالصحة هو قول ابن أبي هريرة وبالبطلان قول أبي إسحاق
والصواب طريقة من قال قولان قال صاحب الشامل قال في الأم تصح وقال في الاملاء لا يصح
واتفق الأصحاب على أن الأصح الصحة وبه قطع الجرجاني في التحرير قال أصحابنا ويكره أن
يصلى إلى القبر هكذا قالوا يكره ولو قيل يحرم لحديث أبي مرثد وغيره مما سبق لم يبعد قال صاحب
التتمة واما الصلاة عند رأس قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم متوجها إليه فحرام *
(فرع) في مذاهب العلماء في الصلاة في المقبرة: قد ذكرنا مذهبنا فيها وانها ثلاثة أقسام قال
ابن المندر روينا عن علي وابن عباس وابن عمر وعطاء والنخعي انهم كرهوا الصلاة في المقبرة ولم يكرها
أبو هريرة وواثلة بن الأسقع والحسن البصري وعن مالك روايتان أشهرهما لا يكره ما لم يعلم نجاستها
وقال احمد الصلاة فيها حرام وفى صحتها روايتان وان تحقق طهارتها ونقل صاحب الحاوي عن
داود أنه قال تصح الصلاة وان تحقق نبشها *
(فرع) قال أصحابنا يكره ان يصلي في مزبلة وغيرها من النجاسات فوق حائل طاهر
لأنه في معنى المقبرة *
(فرع) تكره الصلاة في الكنيسة والبيعة حكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابن عباس
ومالك رضي الله عنهم ونقل الترخيص فيها عن أبي موسى والحسن والشعبي والنخعي وعمر بن
158

عبد العزيز والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وهي رواية عن ابن عباس واختاره ابن المنذر *
(فرع) في نبش قبور الكفار لطلب المال المدفون معهم قال القاضي عياض في شرح صحيح
مسلم اختلف العلماء في ذلك فكرهه مالك وأجازه أصحابه قال واختلف في علة كراهته فقيل مخافة
نزول عذاب عليهم وسخط لأنها مواضع العذاب والسخط وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم
" نهي عن دخول ديار المعذبين وهم ثمود أصحاب الحجر " خشية أن يصيب الداخل ما أصابهم قال
ألا أن تكونوا باكين فمن دخلها لطلب الدنيا فهو ضد ذلك وقيل مخافة أن يصادف قبر نبي أو صالح
بينهم قال وحجة من أجاز ذلك نبش الصحابة رضي الله عنهم قبر أبى رغال واستخراجهم منه
قضيب الذهب لذي أعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم انه مدفون معه هذا كلام القاضي ومقتضى
مذهبنا جواز نبشه إن كان دارسا أو كان جديدا وعلمنا ان فيه مالا لحربي *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ولا يصلي في الحمام لحديث أبي سعيد واختلف أصحابنا لأي معنى منعت الصلاة فيه فمنهم
من قال إنما منع لأنه تغسل فيه النجاسات فعلى هذا إذا صلي في موضع تحقق طهارته صحت صلاته وأن صلي في موضع
تحقق نجاسته لم تصح وان شك فعلى قولين كالمقبرة ومنهم من قال إنما منع لأنه مأوى الشياطين لما يكشف فيه من
العورات فعلى هذا تكره الصلاة فيه وان تحقق طهارته والصلاة صحيحة لان المنع لا يعود إلى الصلاة) * *
* (الشرح) * هذه المسألة عند الأصحاب كما ذكرها المصنف والأصح أن سبب النهى كونه
مأوى الشياطين فتكره كراهة تنزيه وتصح الصلاة وعلى هذا تكره في المسلخ وعلى الأول لا تكره
والحمام مذكر هكذا نقله الأزهري عن العرب يقال حمام مبارك وجمعه حمامات مشتق من
الحميم وهو الماء الحار * قال المصنف رحمه الله *
* (وتكره الصلاة في أعطان الإبل ولا تكره في مراح الغنم لما روى عبد الله بن مغفل المزني
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان
الإبل فإنها خلقت من الشياطين " ولان في أعطان الإبل لا يمكن الخشوع لما يخاف من نفورها ولا
يخاف نفور الغنم) * *
159

* (الشرح) * حديث عبد الله بن مغفل حديث حسن رواه البيهقي هكذا من رواية ابن مغفل
باسناد حسن ورواه النسائي مختصرا عن ابن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن الصلاة
في أعطان الإبل وعن جابر بن سمرة " ان رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال أصلي في مرابض
الغنم قال نعم قال أصلي في مبارك الإبل قال لا " رواه مسلم وعن أبي هريرة قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل " رواه الترمذي وقال
حديث حسن صحيح واما الأعطان فهي جمع عطن واتفق تفسير الشافعي رحمه الله تعالى في
الأم وغيره وتفسير الأصحاب على أن العطن الموضع الذي يقرب موضع شرب الإبل تنحى إليه
الإبل الشاربة ليشرب غيرها ذودا ذودا فإذا شربت كلها واجتمعت فيه سيقت إلى المراعي قال
الأزهري العطن هو الموضع الذي تنحي إليه الإبل إذا شربت الشربة الأولي فتترك فيه ثم يملا
لها الحوض ثانيا فتعود من عطنها إلى الحوض لتعل وتشرب الشربة الثانية وهو العلل قال ولا تعطن
الإبل عن الماء الا في حمارة القيظ بتخفيف الميم وتشديد الراء قال وموضعها الذي تترك فيه على الماء
يسمى عطنا ومعطنا وقد عطنت تعطن وتعطن بكسر الطاء وضمها عطونا. وأما مراح الغنم بضم
160

الميم هو مأواها ليلا هكذا فسره أصحابنا قال الأزهري ويقال مأواتها فإذا صلى في أعطان الإبل
أو مراح الغنم وماس شيئا من أبوالها أو أبعارها أو غيرها من النجسات بطلت صلاته وان بسط
شيئا طاهرا وصلي عليه أو صلي في موضع طاهر منه صحت صلاته لكن يكره في أعطان الإبل
ولا تكره في مراح الغنم وليست الكراهة بسبب النجاسة فإنهما سواء في نجاسة البول والبعر وإنما
سبب كراهة أعطان لإبل ما ذكره المصنف والأصحاب وهو ما يخاف من نفارها بخلاف الغنم فإنها
ذات سكينة ولهذا ثبت في صحيح البخاري وغيره ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من نبي
الا رعي الغنم " وقال في الإبل " أنها خلقت من الشياطين " قال الخطابي معناه لما فيها من النفار
والشرور وربما أفسدت على المصلي صلاته قال والعرب تسمى كل مارد شيطانا قال أصحابنا وقد
يكون في الغنم مثل عطن الإبل فيكون حكمه حكم عطن الإبل وأما مأوى الإبل ليلا فتكره الصلاة
فيه أيضا لكن أخف من كراهة العطن * قال المصنف رحمه الله *
* (ويكره ان يصلي في مأوى الشيطان لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اخرجوا
161

من هذا الوادي فان فيه شيطانا " فلم يصل فيه) * *
* (الشرح) * الصلاة في مأوى الشيطان مكروهة بالاتفاق وذلك مثل مواضع الخمر والحانة
ومواضع المكوس ونحوها من المعاصي الفاحشة والكنائس والبيع والحشوش ونحو ذلك فان
صلي في شئ من ذلك ولم يماس نجاسة بيده ولا ثوبه صحت صلاته مع الكراهة وهذا الحديث
المذكور صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال " عرسنا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم
يستيقظ حتى طلعت الشمس فقال النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذ كل رجل برأس راحلته فان هذا
موضع حضرنا فيه الشيطان " وذكر الحديث رواه مسلم وغيره: واعلم أن بطون الأودية لا تكره
فيها الصلاة كما لا تكره في غيرها وأما قول الغزالي تكره الصلاة في بطن الوادي فباطل أنكروه
عليه وإنما كره الشافعي رحمه الله الصلاة في الوادي الذي نام فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن الصلاة لا في كل واد وقد قال بعض العلماء لا تكره الصلاة في ذلك الوادي أيضا لأنا لا نتحقق
بقاء ذلك الشيطان فيه والله أعلم ويستحب أن لا يصلى في موضع حضره فيه الشيطان لهذا الحديث *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ولا يصلي في قارعة الطريق لحديث عمر رضي الله عنه " سبع مواطن لا تجوز فيها الصلاة
وذكر قارعة الطريق " ولأنه يمنع الناس من الممر وينقطع خشوعه بممر الناس فان صلى فيها صحت
صلاته لان المنع لترك الخشوع أو لمنع الناس من الطريق وذلك لا يوجب بطلان الصلاة) * *
* (الشرح) * حديث عمر رضي الله عنه ضعيف سبق بيانه وقارعة الطريق أعلاه قاله الأزهري
والجوهري وقيل صدره وقيل ما برز منه وكله متقارب والطريق تذكر وتؤنث والصلاة فيها مكروهة
162

لما ذكره من العلتين وهي كراهة تنزيه وذكر الأصحاب علة ثالثة وهي غلبة النجاسة فيها قالوا
وعلى هذه العلة تكره الصلاة في قارعة الطريق في البراري وان قلنا العلة فوات الخشوع فلا كراهة في
البراري إذ لم يكن هناك طارقون وإذا صلى في شارع أو طريق يغلب على الظن نجاسته ولا يتيقن
ففي صحة الصلاة القولان السابقان في أبواب المياه في تعارض الأصل والظاهر الأصح الصحة فان بسط عليه
شيئا طاهرا صحت وبقيت الكراهة لمرور الناس وفوات الخشوع والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ولا يجوز أن يصلي في أرض مغصوبة لان اللبث فيها يحرم في غير الصلاة فلان يحرم في الصلاة
أولى فان صلي فيها صحت صلاته لان المنع لا يختص بالصلاة فلا يمنع صحتها) * *
163

* (الشرح) * الصلاة في الأرض المغصوبة حرام بالاجماع وصحيحة عندنا وعند الجمهور من الفقهاء
وأصحاب الأصول وقال أحمد بن حنبل والجبائي وغيره من المعتزلة باطلة واستدل عليهم الأصوليون
باجماع من قبلهم قال الغزالي في المستصفى هذه المسألة قطعية ليست اجتهادية والمصيب فيها واحد
لان من صحح الصلاة أخذه من الاجماع وهو قطعي ومن أبطلها أخذه من التضاد الذي بين القربة
والمعصية ويدعي كون ذلك محالا بالعقل فالمسألة قطعية ومن صححها يقول هو عاص من وجه متقرب
من وجه ولا استحالة في ذلك إنما الاستحالة في أن يكون متقربا من الوجه الذي هو عاص به وقال القاضي
أبو بكر بن الباقلاني يسقط الفرض عند هذه الصلاة لا بها بدليل الاجماع على سقوط الفرض إذا صلى
واختلف أصحابنا هل في هذه الصلاة ثواب أم لا ففي الفتاوى التي نقلها القاضي أبو منصور أحمد بن
محمد بن محمد بن عبد الواحد عن عمه أبى نص بن الصباغ صاحب الشامل رحمه الله قال المحفوظ من كلام
أصحابنا بالعراق ان الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة يسقط بها الفرض ولا ثواب فيها قال القاضي
أبو منصور ورأيت أصحابنا بخراسان اختلفوا منهم من قال لا تصح صلاته قال وذكر شيخنا يعني ابن
الصباغ في كتابه الكامل انا إذا قلنا بصحة الصلاة ينبغي ان يحصل الثواب فيكون مثابا على فعله
عاصيا بمقامه قال القاضي وهذا هو القياس إذا صححناها *
(فرع) في مسائل تتعلق بالباب (إحداها) قال أصحابنا لا تكره الصلاة على الصوف واللبود
والبسط والطنافس وجميع الأمتعة ولا يكره فيها أيضا هذا مذهبنا ونقله العبدري عن جماهير العلماء
وقال مالك يكره كراهة تنزيه قال وقالت الشيعة لا تجوز الصلاة على الصوف وتجوز فيه لأنه ليس
ثابتا من الأرض (الثانية) قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تجوز الصلاة في ثوب الحائض والثوب
التي تجامع فيه إذا لم يتحقق فيهما نجاسة ولا كراهة فيه قالوا وتجوز في ثياب الصبيان والكفار
والقصابين ومدمني الخمر وغيرهم إذا لم يتحقق نجاستها لكن غيرها أولى وسبق في كتاب الطهارة
بيان خلاف ضعيف في هؤلاء (الثالثة) إذا أصاب ثوبه أو بدنه نجاسة يابسة فنفضها ولم يبق شئ
منها وصلي صحت صلاته بالاجماع *
164

* (باب ستر العورة) *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ستر العورة واجب لقوله تعالى (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا) قال ابن
عباس كانوا يطوفون بالبيت عراة فهي فاحشة وروى علي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال " لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت " فان اضطر إلى الكشف للمداواة أو لختان
جاز ذلك لأنه موضع ضرورة وهل يجب سترها في حال الخلوة فيه وجهان أصحهما يجب لحديث
علي رضي الله عنه والثاني لا يجب لان المنع من الكشف للنظر وليس في الخلوة من ينظر فلم
يجب الستر) * *
* (الشرح) * هذا التفسير مشهور عن ابن عباس رضي الله عنهما ووافقه في غيره وحديث علي رضي الله عنه
رواه أبو داود في سننه في كتاب الجنازة ثم في كتاب الحمام وقال هذا الحديث
فيه نكارة ويعني عنه حديث جرهد بفتح الجيم والهاء الصحابي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال له " غط فخذك فان الفخذ من العورة " رواه أبو داود في كتاب الحمام والترمذي في
الاستئذان من ثلاثة طرق وقال في كل طريق منها هذا حديث حسن وقال في بعضها حديث حسن
وما أرى اسناده بمتصل وعن المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال " أقبلت بحجر ثقيل أحمله وعلى
أزار خفيف فانحل إزاري ومعي الحجر لم أستطع أضعه حتى بلغت به إلى موضعه فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " ارجع إلى ثوبك فخذه ولا تمثبوا عراة " رواه مسلم وعن بهز بن حكيم بن
معاوية عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال " احفظ عورتك
الا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قال قلت يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض قال إن
استطعت أن لا يرينها أحد فلا ترينها أحدا قلت يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا قال الله أحق أن يستحى
منه من الناس " رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم قال الترمذي حديث حسن قال أهل
اللغة سميت العورة لقبح ظهورها ولغض الابصار عنها مأخوذة من العور وهو النقص والعيب
والقبح ومنه عور العين والكلمة العوراء القبيحة *
165

أما حكم المسألة فستر العورة عن العيون واجب بالاجماع لما سبق من الأدلة وأصح الوجهين
وجوبه في الخلوة لما ذكرنا من حديث بهز وغيره وممن نص على تصحيحه المصنف والبندنيجي
فان احتاج إلى الكشف جاز أن يكشف قدر الحاجة فقط هكذا قاله الأصحاب وقول المصنف
فان اضطر محمول على الحاجة لا على حقيقة الضرورة ولو قال احتاج كما قال الأصحاب لكان
أصوب لئلا يوهم اشتراط الضرورة فمن الحاجة حالة الاغتسال يجوز في الخلوة عاريا والأفضل
التستر بمئزر وقد سبق بيان هذا واضحا في باب صفة الغسل والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
* (يجب ستر العورة للصلاة لما روى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " فان انكشف شئ من العورة مع القدرة لم تصح صلاته) *
* (الشرح) * هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ورواه الحاكم في
المستدرك وقال حديث صحيح على شرط مسلم والمراد بالحائض التي بلغت سميت حائضا لأنها
بلغت سن الحيض هذا هو الصواب في العبارة عنها ويقع في كثير من كتب شروح الحديث
وكتب الفقه أن المراد بالحائض التي بلغت سن المحيض وهذا تساهل لأنها قد تبلغ سن المحيض
ولا تبلغ البلوغ الشرعي ثم إن التقييد بالحائض خرج على الغالب وهو أن التي دون البلوغ لا تصلى
وإلا فلا يقبل صلاة الصبية المميزة الا بخمار: واعلم أن الحديث مخصوص بالحرة والا فالأمة تصح
صلاتها مكشوفة الرأس: أما حكم المسألة فستر العورة شرط لصحة الصلاة فان انكشف شئ من
عورة المصلي لم تصح صلاته سواء أكثر المنكشف أم قل وكان أدنى جزء وسواء في هذا الرجل
والمرأة وسواء المصلى في حضرة الناس والمصلى في الخلوة وسواء صلاة النفل والفرض والجنازة
والطواف وسجود التلاوة والشكر ولو صلي في سترة ثم بعد الفراغ علم أنه كان فيها خرق تبين
منه العورة وجبت إعادة الصلاة على المذهب سواء كان علمه ثم نسيه أم لم يكن علمه وفيه الخلاف
السابق فيمن صلي بنجاسة جهلها أو نسيها فان احتمل حدوث الخرق بعد الفراغ من الصلاة فلا
إعادة عليه بلا خلاف كما سبق في نظيره من النجاسة في آخر باب طهارة البدن *
166

(فرع) في مذاهب العلماء في ستر العورة في الصلاة: قد ذكرنا أنه شرط عندنا وبه قال
داود وقال أبو حنيفة ان ظهر ربع العضو صحت صلاته وان زاد لم تصح وإن ظهر من السوأتين قدر
درهم بطلت صلاته وإن كان أقل لم تبطل وقال أبو يوسف ان ظهر نصف العضو صحت صلاته
وان زاد لم تصح وقال بعض أصحاب مالك ستر العورة واجب وليس بشرط فان صلى مكشوفها
صحت صلاته سواء تعمد أو سها وقال أكثر المالكية السترة شرط مع الذكر والقدرة
عليها فان عجز أو نسي الستر صحت صلاته وهذا هو الصحيح عندهم وقال احمد ان ظهر شئ
يسير صحت صلاته سواء العورة المخففة والمغلظة: دليلنا أنه ثبت وجوب الستر بحديث
عائشة ولا فرق بين الرجل والمرأة بالاتفاق وإذا ثبت الستر اقتضي جميع العورة فلا يقبل تخصيص
البعض الا بدليل ظاهر *
* قال المصنف رحمه الله *
* (وعورة الرجل ما بين السرة والركبة والسرة والركبة ليسا من العورة ومن أصحابنا من قال
هما من العورة والأول أصح لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته " وأما الحرة فجميع بدنها عورة الا الوجه والكفين
لقوله تعالي (ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها) قال ابن عباس وجهها وكفيها ولان النبي صلى الله
عليه وسلم " نهي المرأة الحرام عن لبس القفازين والنقاب " ولو كان الوجه والكف عورة لما حرم
سترهما ولان الحاجة تدعو إلى ابراز الوجه للبيع والشراء والي إبراز الكلف للاخذ والعطاء فلم
يجعل ذلك عورة وأما الأمة ففيها وجهان أحدهما أن جميع بدنها عورة الا مواضع التقليب وهي
الرأس والذراع لان ذلك تدعو الحاجة إلى كشفه وما سواه لا تدعو الحاجة إلى كشفه والثاني وهو
المذهب أن عورتها ما بين السرة والركبة لما روى عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال
على المنبر " الا لا أعرفن أحدا أراد أن يشترى جارية فينظر إلى ما فوق الركبة أو دون السرة لا يفعل
167

ذلك أحد الا عاقبته " ولان من لا يكون رأسه عورة لا يكون صدره عورة كالرجل) * *
* (الشرح) * هذا التفسير المذكور عن ابن عباس قد رواه البيهقي عنه وعن عائشة رضي الله عنهم
وقيل في الآية غير هذا وأما حديث نهى المحرمة عن لبس القفازين ففي صحيح البخاري عن ابن
عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين "
وأما حديث أبي سعيد رضي الله عنه (1) أما حكم المسألة ففي عورة الرجل خمسة أوجه الصحيح
المنصوص انها ما بين السرة والركبة وليست السرة والكربة من العورة قال الشيخ أبو حامد نص
الشافعي على أن عورة الحر والعبد ما بين سرته وركبته وأن السرة والركبة ليسا عورة في الأم
والاملاء: والثاني انهما عورة والثالث السرة عورة دون الركبة والرابع عكسه حكاه الرافعي
والخامس أن العورة هي القبل والدبر فقط حكاه الرافعي عن أبي سعيد الإصطخري وهو شاذ
منكر وسواء في هذا الحر والعبد والصبي وأما عورة الحرة فجميع بدنها الا الوجه والكفين إلى
الكوعين وحكى الخراسانيون قولا وبعضهم يحكيه وجها أن باطن قدميها ليس بعورة وقال المزني
القدمان ليسا بعورة والمذهب الأول واما الأمة ففيها ثلاثة أوجه أصحها عند الأصحاب عورتها
كعورة الرجل فتجرى فيها الأوجه الأربعة الأولي دون الخامس والثاني وهو قول أبي على الطبري
كعورة الحرة الا رأسها فليس بعورة وما عداه عورة وسواء في هذا الخلاف الأمة القنة والمعلق
عتقها على صفة والمدبرة والمكاتبة وأم الولد ومن بعضها حر ولا خلاف في شئ منهن عندنا الا التي
بعضها حر ففيها وجهان في الحاوي أحدهما هذا والثاني انها كالحرة وصححه واستدل له بتغليب
الاحتياط قال ويجرى الوجهان في عورتها في نظر سيدها والأجانب إليها أحدها انها كالحرة في

(1) بياض الأصل اه‍
168

حق السيد وغيره والثاني كأمة الأجنبي والذي قطع به الجمهور أنها كالأمة القنة في الصلاة وعن
الحسن البصري انها بعد وضع الولد كالحرة واما الخنثى فإن كان رقيقا وقلنا عورة الأمة كالرجل
فهو كالرجل وإن كان حرا أو رقيقا وقلنا عورة الأمة أكثر من عورة الرجل وجب ستر الزيادة على
عورة الرجل أيضا لاحتمال الأنوثة فلو خالف فاقتصر على ستر ما بين السرة والركبة ففي صحة صلاة
وجهان أفقههما لا تصح لان الستر شرط وشككنا في حصوله وقد سبق في باب ما ينقض الوضوء
في فصل أحكام الخنثى ان صاحب التهذيب والقاضي أبا الفتوح وكثيرين قطعوا بأنه لا تلزمه
الإعادة للشك فيها *
(فرع) في مذاهب العلماء في العورة قد ذكرنا أن المشهور من مذهبنا أن عورة الرجل ما بين
سرته وركبته وكذلك الأمة وعورة الحرة جميع بدنها الا الوجه والكفين وبهذا كله قال مالك
وطائفة وهي رواية عن أحمد * وقال أبو حنيفة عورة الرجل من ركبته إلى سرته وليست السرة عورة
وبه قال عطاء وقال داود ومحمد بن جرير وحكاه في التتمة عن عطاء عورته الفرجان فقط وممن
قال عورة الحرة جميع بدنها الا وجهها وكفيها الأوزاعي وأبو ثور * وقال أبو حنيفة والثوري
والمزني قدماها أيضا ليسا بعورة وقال احمد جميع بدنها الا وجهها فقط وحكي الماوردي والمتولي
عن أبي بكر بن عبد الرحمن التابعي ان جميع بدنها عورة وممن قال عورة الأمة ما بين السرة
والركبة مالك واحمد وحكي ابن المنذر وغيره عن الحسن البصري انها إذا زوجت أو تسراها
سيدها لزمها ستر رأسها ولم يوافقه أحد من العلماء وحكى المتولي عن ابن سيرين ان أم الولد يلزمها
ستر الرأس في الصلاة * دليلنا ما سبق عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال " كنت جالسا عند النبي
صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر رضي الله عنه آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال
169

النبي صلى الله عليه وسلم أما صاحبكم فقد غامر فسلم فذكر الحديث " رواه البخاري وعن أبي موسى
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان قاعدا في مكان فيه ماء قد انكشف عن ركبته أو
ركبتيه فلما دخل عثمان غطاها " رواه البخاري بلفظه وتقدم ذكر الأحاديث في أن الفخذ عورة
واما حديث عائشة رضي الله عنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتها كاشفا
عن فخذيه أو ساقيا فاستأذن أبو بكر فاذن له وهو على تلك الحال فتحدث ثم استأذن عثمان وذكر
الحديث " فهذا لا دلالة فيه على أن الفخذ ليس بعورة لأنه مشكوك في المكشوف قال أصحابنا لو صح
الجزم بكشف الفخذ تأولناه على أن المراد كشف بعض ثيابه لا كلها قالوا ولأنها قضية عين فلا
عموم لها ولا حجة فيها. واما حديث أنس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " غزى خيبر فأجرى
نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر ثم حسر الإزار عن فخذه حتى أنى لأنظر إلى بياض
فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري ومسلم فهذا محمول على أنه انكشف الإزار وانحسر
بنفسه لا أن النبي صلى الله عليه وسلم تعمد كشفه بل انكشف لاجراء الفرس ويدل عليه انه ثبت
في رواية في الصحيحين فانحصر الإزار قال الشيخ أبو حامد وغيره واجمع العلماء على أن رأس الأمة
ليس بعورة مزوجة كانت أو غيرها الا رواية عن الحسن البصري أن الأمة المزوجة التي اسكنها
الزوج منزله كالحرة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
* (ويجب ستر العورة بما لا يصف لون البشرة من ثوب صفيق أو جلد أو ورق فان ستر بما
يظهر منه لون البشرة من ثوب رقيق لم يجز لان الستر لا يحصل بذلك) * *
* (الشرح) * قال أصحابنا يجب الستر بما يحول بين الناظر ولون البشرة فلا يكفي ثوب رقيق
يشاهد من ورائه سواد البشرة أو بياضها ولا يكفي أيضا الغليظ المهلهل النسج الذي يظهر بعض
العورة من خلله فلو ستر اللون ووصف حجم البشرة كالركبة والألية ونحوهما صحت الصلاة فيه
لوجود الستر وحكى الدارمي وصاحب البيان وجها أنه لا يصح إذا وصف الحجم وهو غلط ظاهر
170

ويكفى الستر بجميع أنواع الثياب والجلود والورق والحشيش المنسوج وغير ذلك مما يستر لون
البشرة وهذا لا خلاف فيه ولو ستر بعض عورته بشئ من زجاج بحيث ترى البشرة منه لم تصح
صلاته بلا خلاف ولو وقف في ماء صاف لم تصح صلاته إلا إذا غلبت الخضرة لتراكم الماء فان
انغمس إلى عنقه ومنعت الخضرة رؤية لون البشرة أو وقف في ماء كدر صحت على الأصح وصورة
الصلاة في الماء أن يصلي على جنازة ولو طين عورته فاستتر اللون أجزأه على الصحيح وبه قطع
الأصحاب سواء وجد ثوبا أم لا وفيه وجه حكاه الرافعي أنه لا يصح وهو شاذ مردود قال أصحابنا
ويشترط ستر العورة من أعلى ومن الجوانب ولا يشترط من أسفل الذيل والإزار حتى لو كان
عليه ثوب متسع الذيل فصلى على طرف سطح ورأي عورته من ينظر إليه من أسفل صحت صلاته
كذا قاله الأصحاب كلهم إلا إمام الحرمين والشاشي فحكيا ما ذكرنا وتوقفا في صحة الصلاة في
مسألة السطح ورأيا فسادها وسنبسط الكلام في القميص الواسع الجيب حيث ذكره المصنف
إن شاء الله تعالى ويشترط في الساتر أن يشمل المستور أما باللبس كالثوب والجلد ونحوهما وأما بغيره
كالتطين فأما الخيمة الضيقة ونحوها فإذا دخل انسان وصلى مكشوف العورة لم تصح صلاته لأنها
ليست سترة ولا يسمي مستترا ولو وقف في جب وهو الخابية وصلى على جنازة فإن كان واسع
الرأس يرى هو أو غيره منه العورة لم تصح صلاته وإن كان صفيقة فوجهان حكاهما الرافعي أصحهما
وبه قطع صاحب التتمة تصح صلاته كثوب واسع الذيل ولو حفر حفيرة في الأرض وصلي على جنازة
أن رد التراب فوارى عورته صحت صلاته وإلا فكالجب ذكره المتولي وغيره *
* قال المصنف رحمه الله *
* (والمستحب للمرأة أن تصلى في ثلاثة أثواب خمار تغطي به الرأس والعنق ودرع يغطى به
البدن والرجلين وملحفة ضيقة تستر الثياب لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال " تصلي المرأة في
ثلاثة أثواب درع وخمار وأزار " وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما " تصلي في الدرع والخمار
171

والملحفة " والمستحب أن تكشف جلبابها حي لا يصف أعضاءها وتجافى الملحفة عنها في الركوع
والسجود حتى لا يصف ثيابها) * *
* (الشرح) * هذا الحكم الذي ذكره نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب وقوله تكشف
جلبابها هذا لفظ الشافعي رحمه الله وضبطاه في المهذب والتنبيه تكثف بالثاء المثلثة واختلف
الأصحاب في ضبطها عن الشافعي على ثلاثة أوجه حكاها الشيخ أبو حامد في تعليقه والبندنيجي
والمحاملي وغيرهم أحدها تكثف كما سبق ومعناه تتخذه كثيفا أي غليظا ضيقا والثاني تكثف بالتاء المثناة
فوق قالوا وأراد بها تعقد إزارها حتى لا ينحل عند الركوع والسجود فتبدو عورتها والثالث تكفت
بفاء ثم تاء مثناة فوق أي تجمع إزارها عليها والكفت الجمع وأما الجباب فقال في البيان هو الخمار والإزار
وقال الخليل هو أوسع من الخمار وألطف من الإزار وقال المحاملي هو الإزار وقال صاحب المطالع قال النضر بن
شميل هو ثوب أقصر من الخمار وأعرض من المقنعة تغطي به المرأة رأسها قال وقال غيره هو ثوب واسع
دون الرداء تغطي به المرأة ظهرها وصدرها وقال ابن الأعرابي هو الإزار وقيل هو كالملاءة والملحفة
وقال آخرون هو الملاءة التي تلتحف بها المرأة فوق ثيابها وهذا هو الصحيح وهو مراد الشافعي
رحمه الله والمصنف والأصحاب هنا وهو مراد المحاملي وغيره وبقولهم هو الإزار وليس مرادهم الإزار
المعروف الذي هو المئزر وقول المصنف وتجافى الملحفة في الركوع لا يخالف ما ذكرناه فالملحفة
هي الجلباب وهما لفظان مترادفان عبر بأحدهما في الأول وبالآخر في الثاني ويوضح هذا أن الشافعي
قال في مختصر المزني وأحب لها أن تكتف جلبابها وتجافيه راكعة وساجدة لئلا تصفها ثيابها وعن أم سلمة
رضي الله عنها انها سألت النبي صلى الله عليه وسلم " أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليه إزار قال إذا
كان الدرع سابغا يغطى ظهور قدميها " رواه أبو داود باسناد جيد لكن قال رواه أكثر الرواة
عن أم سلمة موقوفا عليها من قولها وقال الحاكم هو حديث صحيح على شرط البخاري وعن ابن عمر
رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من جز ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم
172

القيامة قالت أم سلمة فكيف تصنع النساء بذيولهن قال يرخين شبرا فقالت إذا تنكشف أقدامهن قال
فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه " رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث صحيح *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ويستحب للرجل ان يصلي في ثوبين قميص ورداء أو قميص وإزار أو قميص وسراويل لما روى
ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فان الله أحق من تزين
له فمن لم يكن له ثوبان فليتزر إذا صلى ولا يشتمل اشتمال اليهود ") * *
* (الشرح) * هذا الحديث رواه أبو داود وغيره ولفظ أبي داود عن ابن عمر قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم أو قال قال عمر " إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما فإن لم يكن الا ثوب واحد فليتزر
به ولا يشتمل اشتمال اليهود " اسناده صحيح قال الخطابي اشتمال اليهود المنهى عنه هو أن يخلل بدنه بالثوب
ويسبله من غير أن يرفع طرق قال واشتمال الصماء ان يخلل بدنه بالثوب ثم يرفع طرفيه على عاتقه
الأيسر وذكر البغوي هذا عن الخطابي قال والي هذا ذهب الفقهاء قال وفسر الأصمعي الصماء
بالأول قال البغوي وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه نهي عن الصماء اشتمال اليهود " فجعلهما
شيئا واحدا * اما حكم المسألة فقال أصحابنا يستحب ان يصلي الرجل في أحسن ثيابه المتيسرة له
ويتقمص ويتعمم فان اقتصر على ثوبين فالأفضل قميص ورداء أو قميص وإزار أو قميص
وسراويل * قال المصنف رحمه الله *
* (وان أراد أن يصلي في ثوب فالقميص أولي لأنه أعم في الستر ولأنه يستر العورة ويحصل
على الكتف فإن كان القميص واسع الفتح بحيث إذا نظر رأى العورة زره لما روى سلمة بن الأكوع
173

رضي الله عنه قال " قلت يا رسول الله انا نصيد أفنصلي في الثوب الواحد فقال نعم ولتزره ولو بشوكة "
فإن لم يزره وطرح على عنقه شيئا جاز لان الستر يحصل به فإن لم يفعل ذلك لم تصح صلاته وإن كان
القميص ضيق الفتح جاز أن يصلي فيه محلول الإزار لما روى ابن عمر قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصلي محلول الإزار " فإن لم يكن قميص فالرداء أولي لأنه يمكنه أن يستر به العورة
ويبقى منه ما يطرحه على الكتف فإن لم يكن فالإزار أولى من السراويل لان الإزار يتجافى عنه
ولا يصف الأعضاء والسراويل يصف الأعضاء) * *
* (الشرح) * حديث أم سلمة حديث حسن رواه أبو داود والنسائي وغيرهما باسناد حسن
ورواه الحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح وقوله صلى الله عليه وسلم " ولتزره " يجوز في هذه اللام
الاسكان والكسر والفتح وهو أضعفها والراء مضمومة على الصحيح المختار وجوز ثعلب
في الفصيح كسرها وفتحها أيضا وغلطوه فيه واما حديث ابن عمر فرواه الحاكم في المستدرك وقال
حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم: أما حكم المسألة فقال أصحابنا وإذا أراد الاقتصار على ثوب
واحد فالقميص أولي ثم الرداء ثم الإزار ثم السراويل لما ذكره المصنف فإن كان القميص واسع الفتح
بحيث ترى عورته في قيامه أو ركوعه أو سجوده فان زره أو وضع على عنقه شيئا يستره أو شد وسطه صحت
صلاته فان تركه على حاله لم تصح صلاته نص الشافعي على هذا كله واتفقوا عليه إلا أن البندنيجي ذكر ان نص
الشافعي ان الإزار أفضل من السراويل كما قدمناه عن الشافعي والأصحاب ثم قال اختيارا لنفسه ان
السراويل أفضل والمذهب الأول ولو كان الجيب بحيث ترى منه العورة في ركوعه ولا تظهر في القيام فهل
تنعقد صلاته ثم إذا ركع تبطل أم لا تنعقد أصلا فيه وجهان أصحهما الانعقاد وفائدتهما فيما لو اقتدى به غيره
قبل الركوع وفيما لو القى ثوبا على عنقه قبل الركوع ولو كانت لحيته أو شعر رأسه يستر جيبه ويمنع
174

رؤية العورة صحت صلاته على أصح الوجهين كما لو كان على إزاره خرق فجمع عليه الثوب بيده فإنه
يصح بلا خلاف فلو ستر الخرق بيده ففيه الوجهان الأصح الصحة وجزم صاحب الحاوي بالبطلان
في مسألة اللحية ونحوها وجزم به أيضا في اللحية واليد القاضي أبو الطيب في باب الاحرام في تعليقه
والأصح الصحة واما إذا كان الجيب ضيقا بحيث لا ترى العورة في حال من أحوال صلاته فتصح
صلاته سواء زره أم لا هذا تفصيل مذهبنا وعند أبي حنيفة ومالك تصح صلاته وإن كان الجبب
واسعا ترى منه عورته كما لو رآها غيره من أسفل ذيله *
* قال المصنف رحمه الله *
* (فإن كان الإزار ضيقا اتزر به وإن كان واسعا التحف به ويخالف بين طرفيه على عاتقيه كما يفعل
القصار في الماء لما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا صليت وعليك ثوب
واحد فإن كان واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به " وروى عن ابن أبي سلمه رضي الله عنهما قال
" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى في ثوب واحد ملتحفا به مخالفا بين طرفيه على منكبيه "
فإن كان ضيقا فاتزر به أو صلى في سراويل فالمستحب أن يطرح على عاتقه شيئا لما روى أبو هريرة
رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه
شئ فإن لم يجد ثوبا يطرحه على عاتقه طرح حبلا حتى لا تخلو من شئ ") * *
* (الشرح) * هذه الأحاديث الثلاثة رواها البخاري ومسلم وحكم المسألة كما ذكره المصنف
وقوله صلى الله عليه وسلم " لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ " نهى
كراهة تنزيه لا تحريم فلو صلي مكشوف العاتقين صحت صلاته مع الكراهة هذا مذهبنا ومذهب
مالك وأبي حنيفة وجمهور السلف والخلف وقال احمد وطائفة قليلة يجب وضع شئ على عاتقه
لظاهر الحديث فان تركه ففي صحة صلاته عن أحمد روايتان وخص أحمد ذلك بصلاة الفرض دليلنا
حديث جابر في قوله صلى الله عليه وسلم فاتزر به هكذا احتج به الشافعي في الأم واحتج به الأصحاب
وغيرهم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
175

* (ويكره اشتمال الصماء وهو أن يلتحف بثوب ثم يخرج يده من قبل صدره لما روى أبو سعيد
الخدري رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن اشتمال الصماء وأن يحتبي الرجل في ثوب
واحد ليس على فرجه منه شئ ") * *
* (الشرح) * هذا الحديث رواه البخاري ومسلم بلفظه والصماء بالمد وقد سبق قريبا تفسيرها
والفرق بينها وبين اشتمال اليهود وأما ما ذكره المصنف من تفسيرها فغريب قال صاحب المطامع
اشتمال الصماء إدارة الثوب على جسده لا يخرج منه يده نهي عن ذلك لأنه إذا أتاه ما يتوقاه لم يمكنه
اخراج يده بسرعة ولأنه إذا أخرج يده انكشفت عورته وهذا تفسير الأصمعي وسائر أهل اللغة
والذي سبق عن الخطابي تفسير الفقهاء قال ابن قتيبة سميت صماء لأنه سد منافذها كالصخرة الصماء
ليس فيها خرق ولا صدع وقوله وأن يحتبى هو بالحاء المهملة من الحبوة بضم الحاء وكسرها
لغتان قال أهل اللغة الاحتباء ان يقعد الانسان على ألييه وينصب ساقيه ويحتوي عليها بثوب أو نحوه
أو بيده والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
* (ويكره أن يسدل في الصلاة وفى غيرها وهو أن يلقى طرفي الرداء من الجانبين لما روى عن علي
رضي الله عنه أنه رأى قوما سدلوا في الصلاة فقال " كأنهم اليهود خرجوا من فهورهم " وعن ابن
مسعود رضي الله عنه انه رأى أعرابيا عليه شمله قد ذيلها وهو يصلي " قال إن الذي يجر ثوبه من الخيلاء
في الصلاة ليس من الله في حل ولا حرام ") * *
* (الشرح) * يقال سدل بالفتح يسدل ويسدل بضم الدال وكسرها قال أهل اللغة هو ان يرسل
الثوب حتى يصيب الأرض وكلام المصنف محمول على هذا والشملة كاء يشتمل به وقيل إنما تكون
شملة إذا كان لها هدب قال ابن دريد هي كساء يؤتزر به وقوله ذيلها بتشديد الياء معناه أرخي ذيلها
وهو طرفها الذي فيه الأهداب وقوله خرجوا من فهورهم بضم الفاء واحدها فهر بضم الفاء واسكان
الهاء قال الهروي في الغريبين فهرهم موضع مدراسهم وهي كلمة نبطية عربت وقال الجوهري أصله
176

بهر وهي عبرانية عربت وقال صاحب المحكم فهرهم موضع مدراسهم الذي يجتمعون إليه في عيدهم
قال وقيل هو يوم يأكلون فيه ويشربون قال والنصارى يقولون فخر يعنى بضم الفاء وبالخاء المعجمة
وقوله ليس من الله في حلال ولا حرام قيل معناه لا يؤمن بحلال الله تعالى وحرامه وقيل معناه
ليس من الله في شئ أي ليس من دين الله في شئ ومعناه قد برئ من الله تعالى وفارق دينه
وهذا الكلام المذكور في الكتاب عن ابن مسعود ذكره البغوي في شرح السنة بغير اسناد عن
ابن مسعود قال وبعضهم يرويه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم * أما حكم المسألة فمذهبنا
أن السدل في الصلاة وفى غيرها سواء فان سدل للخيلاء فهو حرام وإن كان لغير الخيلاء فمكروه
وليس بحرام قال البيهقي قال الشافعي في البويطي لا يجوز السدل في الصلاة ولا في غيرها للخيلاء
فأما السدل لغير الخيلاء في الصلاة فهو خفيف لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه
وقال له ان إزاري يسقط من أحد شقى فقال له " لست منهم " هذا نصه في البويطي وكذا رأيته
أنا في البويطي وحديث أبي بكر رضي الله عنه هذا رواه البخاري قال البيهقي وروينا عن أبي هريرة
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن السدل في الصلاة وفى حديث آخر " لا يقبل الله صلاة رجل
مسبل إزاره " قال وحديث أبي بكر دليل على خفة الامر فيه إذا كان لغير الخيلاء قال الخطابي رخص
بعض العلماء في السدل في الصلاة روى ذلك عن عطاء ومكحول والزهري والحسن وابن سيرين
ومالك قال ويشبه أن يكونوا فرقوا بين أجازته في الصلاة دون غيرها لان المصلي لا يمشي في الثوب
وغيره يمشي عليه ويسبله وذلك من الخيلاء المنهي عنه وكان الثوري يكره السدل في الصلاة وكرهه
177

الشافعي في الصلاة وغيرها وقال ابن المنذر ممن كره السدل في الصلاة ابن مسعود ومجاهد وعطاء
والنخعي والثوري ورخص فيه ابن عمر وجابر ومكحول والحسن وابن سيرين والزهري وعبد الله
ابن الحسن قال وروينا عن النخعي أيضا انه رخص في سدل القميص وكرهه في الإزار وقال ابن
المنذر لا أعلم في النهى عن السدل خبرا يثبت فلا نهى عنه بغير حجة (قلت) احتج أصحابنا فيه
بحديث أبي هريرة قال " نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السدل في الصلاة " رواه أبو داود
والترمذي وغيرهما قال الترمذي لا نعرفه مرفوعا الا من طريق عسل بن سفين وقد ضعفه احمد
ابن حنبل ويحيى بن معين والبخاري وأبو حاتم وابن عدي والذي نعتمده في الاستدلال على النهي
عن السدل في الصلاة وغيرها عموم الأحاديث الصحيحة في النهي عن اسبال الإزار وجره منها
حديث أبي هريرة أن رسول الله عليه وسلم قال " لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا "
رواه البخاري ومسلم وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما أسفل من الكعبين من الإزار
ففي النار " رواه البخاري وعنه قال " بينما رجل يصلي مسبل إزاره قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
اذهب فتوضأ فذهب فتوضأ ثم جاء فقال اذهب فتوضأ فقال رجل يا رسول الله مالك أمرته أن
يتوضأ ثم سكت عنه قال إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره وان الله تعالى لا يقبل صلاة رجل مسبل "
رواه أبو داود باسناد صحيح على شرط مسلم وعن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" ازرة المسلم إلى نصف الساق ولا حرج - أو قال لا جناح - فيما بينه وبين الكعبين ما كان أسفل من
الكعبين فهو في النار ومن جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه " رواه أبو داود باسناد صحيح وعن
ابن عمر قال " مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى إزاري استرخاء فقال يا عبد الله ارفع
إزارك فرفعت ثم قال زد فزدت فما زلت أتحراها بعد فقال بعض القوم إلى أين قال إلى أنصاف
الساقين " رواه مسلم وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا إسبال في الإزار والقميص والعمامة
من جر شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة " رواه أبو داود والنسائي باسناد صحيح وفى المسألة
178

أحاديث صحيحة كثيرة غير ما ذكرته قد جمعتها في كتاب رياض الصالحين وبالله التوفيق *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ويكره أن يصلي الرجل وهو متلثم لما روى أبو هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم " نهى أن يغطى الرجل فاه في الصلاة " ويكره للمرأة أن تنتقب في الصلاة لان الوجه من
المرأة ليس بعورة فهي كالرجل) * *
* (الشرح) * هذا الحديث رواه أبو داود باسناد فيه الحسن بن ذكوان وقد ضعفه يحيى بن معين
والنسائي والدارقطني لكن روى له البخاري في صحيحه وقد رواه أبو داود ولم يضعفه والله أعلم
ويكره أن يصلي الرجل متلثما أي مغطيا فاه بيده أو غيرها ويكره أن يضع يده على فمه في الصلاة
الا إذا تثاءب فان السنة وضع اليد على فيه ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال " إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه فان الشيطان يدخل " والمرأة والخنثى كالرجل في
هذا وهذه كراهة تنزيه لا تمنع صحة الصلاة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
* (ولا يجوز للرجل أن يصلي في ثوب حرير ولا على ثوب حرير لأنه يحرم عليه استعماله في غير
الصلاة فلان يحرم في الصلاة أولي فان صلي فيه أو صلي عليه صحت صلاته لان التحريم لا يختص
بالصلاة ولا النهى يعود إليها فلم يمنع صحتها ويجوز المرأة أن تصلي فيه وعليه لأنه لا يحرم عليها
استعماله وتكره الصلاة في الثوب الذي عليه الصورة لما روت عائشة رضي الله عنها قالت " كان
لي ثوب فيه صورة فكنت أبسطه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إليه فقال لي اخريه
عنى فجعلت منه وسادتين ") * *
* (الشرح) * حديث عائشة رواه البخاري عن أنس قال " كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أميطي عنا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي " القرام بكسر القاف
179

ستر رقيق واجمع العلماء على أنه يحرم على الرجل أن يصلي في ثوب حرير وعليه فان صلي فيه صحت
صلاته عندنا وعند الجمهور وفيه خلاف احمد السابق في الدار المغصوبة وهذا التحريم إذا وجد سترة
غير الحرير فإن لم يجد الا ثوب الحرير لزمه الصلاة فيه على أصح الوجهين وقد سبقت المسألة في باب
طهارة البدن وللمرأة أن تصلي فيه بلا خلاف وهل لها أن تجلس عليه في الصلاة وغيرها فيه وجهان
حكاهما الخراسانيون أصحهما وهو طريقة المصنف وسائر العراقيين يجوز كما يجوز لبسه ولقوله صلى
الله عليه وسلم في الذهب والحرير " أن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثها " وهذا عام يتناول
الجلوس واللبس وغيرهما والثاني لا يجوز لأنه إنما أبيح لها اللبس تزينا لزوجها وسيدها وإنما يحصل
كمال ذلك باللبس لا بالجلوس ولهذا يحرم عليها استعمال اناء الذهب في الشرب ونحوه مع أنها يجوز
لها التحلي به والمختار الال والخنثى في هذا كالرجل واما الثوب الذي فيه صور أو صليب أو ما يلهي
فتكره الصلاة فيه واليه وعليه للحديث *
(فرع) قد ذكرنا أن مذهبنا صحة الصلاة في ثوب حرير وثوب مغصوب وعليهما وبه قال
جمهور العلماء وقال احمد في أصح الروايتين لا يصح وقد يحتج لهم بما رواه أحمد في مسنده عن ابن
عمر رضي الله عنهما قال " من اشترى ثوبا بعشرة دراهم وفيه درهم حرام لم تقبل له صلاة ما دام عليه
ثم أدخل إصبعه في أذنيه وقال صمتا إن لم أكن سمعت النبي صلى الله عليه يقوله " وهذا الحديث
ضعيف في رواته رجل مجهول ودليلنا ما سبق في مسألة الصلاة في الدار المغصوبة والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
* (إذا لم يجد ما يستر به العورة ووجد طينا ففيه وجهان أحدهما يلزمه أن يستر به العورة لأنه سترة
ظاهرة فأشبهت الثوب وقال أبو إسحاق لا يلزم لأنه يتلوث به البدن) * *
* (الشرح) * هذان الوجهان مشهوران بدليلهما أصحهما عند الأصحاب وجوب الستر به وممن
صححه الشيخ أبو حامد والبندنيجي والمحاملي وصاحب العدة وآخرون وإذا قلنا لا يجب فهو
مستحب بالاتفاق ثم إن الجمهور أطلقوا الوجهين في وجوب التطين وقال صاحب الحاوي إن كان
الطين ثخينا يستر العورة ويغطي البشرة وجب وإن كان رقيقا لا يستر العورة لكن يغطي البشرة
استحب ولا يجب وصرح صاحب البيان وآخرون بجريان الوجهين في الطين الثخين والرقيق أما
180

إذ أوجد ورق شجر ونحوه وأمكنه خصفه والتستر به فيجب بلا خلاف نص على في الامام
واتفق الأصحاب عليه * قال المصنف رحمه الله *
* (وان وجد ما يستر به بعض العورة ستر به القبل والدبر لأنهما أغلظ من غيرهما وان وجد
ما يكفي أحدهما ففيه وجهان أصحهما أنه يستر به القبل لأنه يستقبل به القبلة ولأنه لا يستتر بغيره
والدبر يستتر بالأليين والثاني يستر به الدبر لأنه أفحش في حال الركوع والسجود) * *
* (الشرح) * إذا وجد ما يستر به بعض العورة فقط لزمه التستر به بلا خلاف لقوله صلى الله
عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم " رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة
وسبق ذكره مرات وسبق في باب التيمم مسائل متشابهة فيما إذا وجد المكلف بعض ما أمر به
كمن وجد بعض ما يكفيه في الوضوء أو الغسل أو التيمم وفى ستر العورة وفى قراءة الفاتحة وفى
صاع الفطرة وفى الماء الذي يغسل به النجاسة وبعض رقبة الكفارة وأحكامها مختلفة وسبقت
الإشارة إلى الفرق بينها ويستر بهذا الموجود القبل والدبر بلا خلاف لأنهما أغلظ فإن لم يكن الا أحدهما
فأربعة أوجه أصحها باتفاق الأصحاب يستر القبل ونص عليه الشافعي في الأم ونقله الشيخ أبو حامد
والدارمي والبندنيجي وغيرهم عن النص أيضا والثاني يستر الدبر وذكر المصنف دليلهما والثالث
حكاه الدارمي وصاحب البيان وغيرهما هما سواء فيتخير بينهما والرابع حكاه القاضي حسين تستر
المرأة القبل والرجل والدبر ثم ما ذكرناه من تقديم القبل والدبر أو أحدهما على الفخذ وغيره ومن
تقديم أحدهما على الآخر هل هو مستحب أم واجب فيه وجهان أصحهما الوجوب وانه شرط
181

وهو مقتضي كلام الأكثرين ممن صححه الغزالي في البسيط والرافعي والثاني مستحب وبه
قطع البندنيجي والقاضي أبو الطيب وأما الخنثى المشكل فان وجد ما يستر قبليه ودبره ستر فإن لم
يجد الا ما يستر واحدا وقلنا يستر عين القبل ستر أي قبليه شاء والأولى أن يستر آلة الرجال إن كان
هناك امرأة وآله النساء إن كان هناك رجل * قال المصنف رحمه الله
* (وان اجتمع رجل وامرأة وهناك سترة تكفى أحدهما قدمت المرأة لان عورتها أعظم) * *
* (الشرح) * هذه الصورة فيما لو أوصى انسان بثوبه لأحوج الناس إليه في الموضع الفلاني أو
وكل من يدفعه إلى الأحوج أو وقفه على لبس الأحوج فتقدم المرأة على الخنثى ويقدم الخنثى
على الرجل لأنه الأحوج أما إذا كان الثوب لواحد فلا يجوز ان يعطيه لغيره ويصلى عريانا لكن
يصلى فيه ويستحب ان يعيره لغيره ممن يحتاج إليه سواء في هذا الرجل والمرأة وقد سبقت هذه
المسألة في باب التيمم وسبق هناك انه لو خالف ووهب لغيره الماء وصلى بالتيمم هل تلزمه الإعادة
فيه تفصيل يجئ هنا مثله سواء والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
* (وإن لم يجد شيئا يستر به العورة صلى عريانا ولا يترك القيام وقال المزني يلزمه أن يصلي
قاعدا لأنه يحصل له بالقعود ستر بعض العورة وستر بعض العورة آكد من القيام لان القيام يجوز تركه مع
القدرة بحال والستر لا يجوز تركه فوجب تقديم الستر وهذا لا يصح لأنه يترك القيام والركوع والسجود
على التمام ويحصل ستر القليل من العورة والمحافظة على الأركان أولي من المحافظة على بعض الفرض) * *
* (الشرح) * إذا لم يجد سترة يجب لبسها وجب عليه ان يصلي عريانا قائما ولا إعادة عليه هذا
182

مذهبنا وبه قال عمر بن عبد العزيز ومجاهد ومالك وقال ابن عمر وعطاء وعكرمة وقتادة والأوزاعي
والمزني يصلى قاعدا وقال أبو حنيفة هو مخير ان شاء صلى قائما وان شاء قاعدا موميا بالركوع
والسجود والقعود أفضل وعن أحمد روايتان أحدهما يجب القيام والثانية القعود وقد سبق في باب
التيمم أن الخراسانيين حكوا في هذه المسألة ثلاثة أوجه أحدها يجب القيام والثاني القعود والثالث
يتخير والمذهب الصحيح وجب القيام ودليل الجميع يفهم مما ذكره المصنف *
* قال المصنف رحمه الله *
* (فان صلى عريانا ثم وجد السترة لم تلزمه الإعادة لان العرى عذر عام وربما اتصل ودام فلو
أوجبنا الإعادة لشق فان دخل في الصلاة وهو عريان ثم وجد السترة في أثنائها فإن كانت بقرية
ستر العورة وبنى على صلاته لأنه عمل قليل فلا يمنع البناء وإن كانت بعيدة بطلت صلاته لأنه
يحتاج إلى عمل كثير وان دخلت الأمة في الصلاة وهي مكشوفة الرأس فأعتقت في أثنائها فإن كان
ت السترة قريبة منها سترت وأتمت صلاتها وإن كانت بعيدة بطلت صلاتها وان أعتقت ولم
تعلم حتى فرغت من الصلاة ففيها قولان كما قلنا فيمن صلى بنجاسة لم يعلم بها حتى فرغ من الصلاة) * *
* (الشرح) * في هذه القطعة مسائل (إحداها) إذا عدم السترة الواجبة فصلي عاريا أو ستر بعض
العورة وعجز عن الباقي وصلي فلا إعادة عليه سواء كان من قوم يعتادون العرى أم غيرهم وحكي
الخراسانيون فيمن لا يعتادون العرى وجها انه يجب الإعادة وهذا الوجه سبق بيانه في آخر باب
التيمم وهو ضعيف ليس بشئ وقد قال الشيخ أبو حامد في التعليق لا أعلم خلافا بعني بين المسلمين
أنه لا يجب الإعادة على من صلى عاريا للعجز عن السترة (الثانية) إذا وجد السترة في أثناء صلاته
لزمه الستر بلا خلاف لأنه شرط لم يأت عنه ببدل بخلاف من صلي بالتيمم ثم رأى الماء في اثنا
183

صلاته قال أصحابنا فإن كانت قريبة ستر وبنى والأوجب الاستئناف على المذهب وبه قطع
العراقيون وقال الخراسانيون في جواز البناء مع البعد القولان فيمن سبقه الحدث قالوا فان قلنا
بالقديم انه يبنى فله السعي في طلب السترة كما يسعى في طلب الماء وان وقف حتى أتاه غيره بالسترة
نظر ان وصلته في المدة التي لو سعي لوصلها فيها أجزأه وان زاد فوجهان الأصح لا يجوز وتبطل
صلاته ولو كانت السترة قريبة ولا يمكن تناولها الا باستدبار القبلة بطلت صلاته إذا لم يناوله غيره
ذكره القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما ولو كانت السترة بقربه ولم يعلمها فصلى عاريا ثم
علمها بعد الفراغ أو في أثناء الصلاة ففي صحة صلاته طريقان حكاهما القاضي أبو الطيب وابن الصباغ
وغيرهما أحدهما وبه قطع المصنف وآخرون فيه القولان فيمن صلي بنجاسة جاهلا بها والثاني تجب
الإعادة هنا قولا واحدا لأنه لم يأت ببدل ولأنه نادر وبهذا الطريق قطع الشيخ أبو حامد والمحاملي
(الثالثة) يستحب للأمة أن تستر في صلاتها ما تستره الحرة فلو صلت مكشوفة الرأس فعتقت في أثناء
صلاتها باعتاق السيد أو بموته إذا كانت مدبرة أو مستولدة فإن كانت عاجزة عن الستر مضت في
صلاتها وأجزأتها بلا خلاف والا فهي كمن وجد السترة في أثناء صلاته في كل ما ذكرنا ولو جهلت
العتق فهي كجهلها وجود السترة فتكون على الطريقين والله أعلم *
(فرع) إذا قال لامته إذا صليت صلاة صحيحة فأنت حرة قبلها فصلت مكشوفة الرأس إن كان
في حال عجزها عن سترة صحت صلاتها وعتقت وإن كانت قادرة على السترة صحت صلاتها
ولا تعتق لأنها لو عتقت لصارت حرة قبل الصلاة وحينئذ لا تصح صلاتها مكشوفة الرأس وإذا لم
تصح لا تعتق فاثبات العتق يؤدى إلى بطلانه وبطلان الصلاة فبطل وصحت الصلاة ذكر المسألة
جماعة منهم القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وفرضها ابن الصباغ فيمن قال إن صليت مكشوفة الرأس
فأنت حرة الآن * قال المصنف رحمه الله *
184

* (وان اجتمع جماعة عراة قال في القديم الأولى ان يصلوا فرادى لأنهم إذا صلوا جماعة لم يمكنهم
ان يأتوا بسنة الجماعة وهو تقديم الامام وقال في الأم صلوا جماعة وفرادى فسوى بين الجماعة
والفرادى لان في الجماعة ادراك فضيلة الجماعة وفوات فضيلة سنة الموقف وفى الفرادى ادراك
فضيلة الموقف وفوات فضيلة الجماعة فاستويا فإن كان معهم مكتس يصلح للإمامة فالأفضل أن يصلوا
جماعة لأنهم يمكنهم الجمع بين فضيلة الجماعة وفضيلة الموقف بان يقدموه فإن لم يكن فيهم مكتس
وأرادوا الجماعة استحب أن يقف الامام وسطهم ويكون المأمون صفا واحدا حتى لا ينظر بعضهم
إلى عورة بعض فإن لم يمكن الا صفين صلوا وغضوا الابصار. وان اجتمع نسوة عراة استحب لهن
الجماعة لان سنة الموقف في حقهن لا تتعين بالعرى) * *
* (الشرح) * إذا اجتمع رجال عراة صحت صلاتهم جماعة وفرادى فان صلوا جماعة وهم بصراء
وقف امامهم وسطهم فان خالف ووقف قدامهم صحت صلاته وصلاتهم ويغضون أبصارهم فان
نظروا لم يؤثر في صحة صلاتهم وهل الأفضل ان يصلوا جماعة أم فرادى ينظر إن كانوا عميا أو في
ظلمة بحيث لا يري بعضهم بعضا استحب الجماعة بلا خلاف ويقف امامهم قدامهم وإن كانوا بحيث
185

يرون فثلاثة أقوال أصحها ان الجماعة والانفراد سواء والثاني الانفراد أفضل والثالث الجماعة أفضل
حكاه الخراسانيون فإن كان فيهم مكتس يصلح للإمامة استحب ان يقدموه ويصلوا جماعة قولا
واحدا ويكونون وراءه صفا فان تعذر فصفين أو أكثر بحسب الحاجة فلو خالفوا فأمهم عار
واقتدى به اللابس صحت صلاة الجميع كما تصح صلاة المتوضئ خلف المتيمم وصلاة القائم خلف
المضطجع. اما إذا اجتمع نساء عاريات فالجماعة مستحبة لهن بلا خلاف لان إمامتهن تقف وسطهن
في حال اللبس أيضا وان اجتمع نساء ورجال عراة لم يصلوا جميعا لا في صف ولا في صفين بل يصلي
الرجال ويكون النساء جالسات خلفهم مستدبرات القبلة ثم يصلي النساء ويجلس الرجال خلفهن
مستدبرين فان أمكن ان تتوارى كل طائفة في مكان آخر حتى تصلي الطائفة الأخرى فهو أفضل
وقول المصنف لان في الفرادى ادراك فضيلة الموقف قد يستشكل إذ ليس للمنفرد موقفان يقف في
أفضلهما وجوابه ان المنفرد يأتي بالموقف المشروع له بخلاف امام العراة وقوله وسطهم هو باسكان
السين وقوله نسوة عراة لحن وصوابه عاريات ويقال نسوة بكسر النون وضمها لغتان *
* قال المصنف رحمه الله *
* (وان اجتمع جماعة عراة ومع انسان كسوة استحب ان يعيرهم فإن لم يفعل لم يغصب عليه لان
صلاتهم تصح من غير سترة وان أعار واحدا بعينه لزمه قبوله فإن لم يقبل وصلي عريانا بطلت صلاته
لأنه ترك الستر مع القدرة وان وهبه له لم يلزمه قبوله لان عليه في قبوله منة وان أعار جماعتهم صلي فيه
واحد بعد واحد فان خافوا ان صلي واحد بعد واحد ان يفوتهم الوقت قال الشافعي رحمه الله
186

ينتظرون حتى يصلوا في الثوب وقال في قوم في سفينة وليس فيها موضع يقوم فيه الا واحد انهم
يصلون من قعود ولا يؤخرون الصلاة فمن أصحابنا من نقل الجواب في كل واحدة من المسألتين
إلى الأخرى وقال فيهما قولان ومنهم من حملهما على ظاهرهما فقال في السترة ينتظرون وان خافوا
الفوت ولا ينتظرون في القيام لان القيام يسقط مع القدرة بحال ولان القيام يتركه إلى بدل وهو
القعود والستر يتركه إلى غير بدل) * *
* (الشرح) * يستحب لمن كان معه ثوب أن يعيره لمحتاج إليه للصلاة ولا يلزمه الإعارة كما
لا يلزمه بذل الماء للوضوء بخلاف بذله للعطشان إذ لا بدل للعطش وتصح الصلاة بالتيمم وعاريا
وإذا امتنع من اعارته لم يجز قهره عليه لما ذكرنا وان أعار واحدا بعينه لزمه قبوله على الصحيح
وبه قطع الجمهور وفيه وجه حكاه الدارمي وصاحب العدة والبيان وغيرهم لان فيه منة وهذا ليس
بشئ وان وهبه له فثلاثة أوجه حكاها صاحب الحاوي والبيان وغيرهما الصحيح لا يجب القبول
للمنة وبهذا قطع الجمهور والثاني يجب القبول وليس له رده على الواهب بعد قبضه الا برضى الواهب
والثالث يجب القبول وله أن يرده بعد الصلاة فيه على الواهب ويلزم الواهب بعد ذلك قبوله
وهذا الوجه حكاه أبو علي الطبري في الافصاح والقاضي أبو الطيب وآخرون واتفقوا على تضعيفه وإذا ضممنا
مسألة العارية إلى الهبة حصل فيها أربعة أوجه الصحيح وبه قطع الجمهور يجب قبول العارية دون
الهبة والثاني لا يجب القبول فيهما والثالث يجب فيهما والرابع يجب في الهبة دون العارية حكاه
الدارمي في الاستذكار وكان قائله نظر إلى أن العارية مضمومة بخلاف الهبة وهذا ليس بشئ
وحيث وجب القبول فتركه وصلي عريانا لم تصح صلاته في حال قدرته عليه بذلك الطريق أما إذا
أعار جماعتهم ولم يعين واحدا فان اتسع الوقت صلي فيه واحد بعد واحد فان تنازعوا في المتقدم
أقرع بينهم وان ضاق الوقت ففيه نصوص للشافعي وطرق للأصحاب وكلام مبسوط سبق بيانه
واضحا في باب التيمم ولو رجع المعير في العارية في أثناء الصلاة نزعه وبني على صلاته ولا إعادة
187

عليه بلا خلاف ذكره صاحب الحاوي وغيره والله أعلم *
(فرع) في مسائل تتعلق بالباب (إحداها) إذا وجد سترة تباع أو تؤجر وقدر على الثمن أو الأجرة
لزمه الشراء أو الاستئجار بثمن المثل وأجرته ذكره صاحب الحاوي وغيره ويجئ فيه التفريع
السابق في باب التيمم وإذا وجب تحصيله بشراء أو إجارة فتركه وصلي لم تصح صلاته واقراض
الثمن كاقراض ثمن الماء وقد سبق بيانه في التيمم ولو احتاج إلى شراء الثوب والماء للطهارة ولم يمكنه
الا أحدهما اشترى الثوب لأنه لا بدل له ولأنه يدوم وقد سبقت المسألة مع نظائرها في التيمم:
(الثانية) إذا لم يجد العاري الا ثوبا لغيره فان أمكن استئذان صاحبه فيه فعل والا حرمت الصلاة فيه
وصلى عريانا والا إعادة عليه وهذا وإن كان واضحا فقد صرح به صاحب الحاوي وغيره قال
صاحب الحاوي سواء كان صاحبه حاضرا أو غائبا لا تجوز الصلاة فيه الا بأذنه وان عجز عن
الاذن صلي عاريا ولا إعادة (الثالثة) إذا لم يكن معه الا ثوب طرفه نجس ولا يجد ماء يغسله به فإن كان
يدخل بقطعه من النقص قدر أجرة المثل لزمه قطعه وإن كان أكثر لم يلزمه وقد سبقت في طهارة
البدن وسبق فيه أيضا أن من كان محبوسا في موضع نجس ومعه ثوب لا يكفي العورة وستر
النجاسة ففيه قولان أظهرهما يبسطه على النجاسة ويصلي عاريا ولا إعادة (الرابعة) لو كان معه ثوب
وأتلفه أو خرقه بعد دخول الوقت لغير حاجة عصى ويصلى عاريا وفى وجوب الإعادة الوجهان فيمن أراق الماء
سفها وقد سبقت مسألة الإراقة واتلاف الثوب في باب التيمم مستوفاتين (الخامسة) قال الدارمي
لو قدر العريان أن يصلي في الماء ويسجد في الشط لا يلزمه *
188

* قال المصنف رحمه الله *
* (باب استقبال القبلة) *
* (استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة الا في حالين في شدة الخوف وفى النافلة في
السفر والأصل فيه قوله تعالي (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا
وجوهكم شطره)) * *
* (الشرح) * استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة الا في الحالين المذكورين على تفصيل يأتي
فيهما في موضعهما وهذا لا خلاف بين العلماء فيه من حيث الجملة وان اختلف في تفصيله والمراد
بالمسجد الحرام هنا الكعبة نفسها وشطر الشئ يطلق على جهته ونحوه ويطلق على نصفه والمراد
هنا الأول: واعلم أن المسجد الحرام قد يطلق ويراد به الكعبة فقط وقد يراد به المسجد وحولها
معها وقد يراد به مكة كلها وقد يراد به مكة مع الحرم حولها بكماله وقد جاءت نصوص الشرع
189

بهذه الأقسام الأربعة فمن الأول قول الله تعالى (فول وجهك شطر المسجد الحرام) ومن الثاني
قول النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة في مسجدي هذا خير من الف صلاة فيما سواه الا المسجد
الحرام " وقوله صلى الله عليه وسلم " لا تشد الرحال الا إلى ثلاثة مساجد إلى آخره " ومن الرابع
قوله تعالي (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام) وأما الثالث وهو مكة فقال المفسرون
هو المراد بقوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)
وكان الاسراء من دور مكة وقول الله تعالى (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) قيل مكة
وقيل الحرم وهما وجهان لأصحابنا سنوضحهما في كتاب الحج إن شاء الله تعالى وقول الله تعالى
(والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد) هو عند الشافعي ومن وافقه المسجد
حول الكعبة مع الكعبة فلا يجوز بيعه ولا اجارته والناس فيه سواء وأما دور مكة وسائر بقاعها
فيجوز بيعها واجارتها وحمله أبو حنيفة ومن وافقه على جميع الحرم فلم يجوزوا بيع شئ منه ولا اجارته
وستأتي المسألة إن شاء الله تعالى مبسوطة حيث ذكرها المصنف في باب ما يجوز بيعه فهذا مختصر
ما يتعلق بالمسجد الحرام وقد بسطته في تهذيب الأسماء واللغات والله أعلم *
(فرع) في بيان أصل استقبال الكعبة: عن البراء بن عازم رضي الله عنهما " ان النبي صلى الله
عليه وسلم لما قدم المدينة صلي قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه
أن تكون قبلته قبل البيت وانه أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلي معه قوم فخرج رجل ممن صلي
معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال اشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت " رواه البخاري ومسلم وعن ابن عباس رضي الله عنهما
190

قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعد
ما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرا ثم صرف إلى الكعبة " رواه أحمد بن حنبل في مسنده قال أهل
اللغة أصل القبلة الجهة وسميت الكعبة قبلة لان المصلى يقابلها وتقابله * قال المصنف رحمه الله *
* (فإن كان بحضرة البيت لزمه التوجه إلى عينه لما روى أسامة بن زيد رضي الله
عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم " دخل البيت ولم يصل وخرج وركع ركعتين قبل الكعبة
وقال هذه القبلة ") * *
* (الشرح) * حديث أسامة رواه البخاري ومسلم من رواية أسامة ومن رواية ابن عباس وقوله
قبل الكعبة هو بضم القاف والباء ويجوز اسكان الباء قيل معناه ما استقبلك منها وقيل مقابلها
وفى رواية ابن عمر في الصحيح في هذا الحديث فصلي ركعتين في وجه الكعبة وهذا هو المراد
بقبلها وقوله صلى الله عليه وسلم هذه القبلة قال الخطابي معناه ان أمر القبلة قد استقر على هذا البيت
فلا ينسخ بعد اليوم فصلوا إليه أبدا فهو قبلتكم قال ويحتمل انه علمهم سنة موقف الامام وانه يقف
في وجهها دون أركانها وإن كانت الصلاة في جميع جهاتها مجزئة هذا كلام الخطابي ويحتمل معنى
ثالثا وهو ان معناه هذه الكعبة هي المسجد الحرام الذي أمرتم باستقباله لا كل الحرم ولا مكة
ولا المسجد الذي حول الكعبة بل هي الكعبة نفسها فقط والله أعلم وقوله دخل البيت ولم يصل
191

قد روى بلال انه صلى الله عليه وسلم " صلى في الكعبة " رواه البخاري ومسلم وأخذ العلماء
برواية بلال لأنها زيادة ثقة ولأنه مثبت فقدم على النافي ومعنى قول أسامة لم يصل لم أره صلي وسبب
قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وبلال وأسامة وعثمان بن شيبة وأغلق الباب
وصلى فلم يره أسامة لا غلاق الباب ولاشتغاله بالدعاء والخضوع وقوله بحضرة البيت يجوز فتح الحاء
وضمها وكسرها ثلاث لغات مشهورات * أما حكم المسألة فإن كان بحضرة الكعبة لزمه التوجه
إلى عينها لتمكنه منه وله أن يستقبل أي جهة منها أراد فلو وقف عند طرف ركن وبعضه يحاذيه
وبعضه يخرج عنه ففي صحة صلاته وجهان أصحهما لا تصح قال الامام وبه قطع الصيدلاني لأنه لم
يستقبلها كله ولو استقبل الحجر بكسر الحاء ولم يستقبل الكعبة فوجهان مشهوران حكاهما صاحب
الحاوي والبحر وآخرون أحدهما تصح صلاته لأنه من البيت للحديث الصحيح أن رسول الله
192

صلى الله عليه وسلم قال " الحجر من البيت " رواه مسلم وفى رواية " ست أذرع من الحجر من البيت "
ولأنه لو طاف فيه لم يصح طوافه وأصحهما بالاتفاق لا تصح صلاته لان كونه من البيت مظنون غير
مقطوع به ولو وقف الامام بقرب الكعبة والمأمومون خلفه مستديرين بالكعبة جاز ولو وقفوا
في آخر المسجد وامتد صف طويل جاز وان وقف بقربه وامتد الصف فصلاة الخارجين عن محاذاة
الكعبة باطلة * قال المصنف رحمه الله *
193

* (فان دخل البيت وصلي فيه جاز لأنه متوجه إلى جزء من البيت والأفضل أن يصلي النفل في
البيت لقوله صلى الله عليه وسلم " صلاة في مسجدي هذا أفضل من الف صلاة فيما سواه الا المسجد الحرام "
والأفضل أن يصلي الفرض خارج البيت لأنه يكثر الجمع فكان أعظم للأجر) * *
* (الشرح) * حديث " صلاة في مسجدي هذا خير من الف صلاة فيما سواه الا المسجد الحرام "
رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة فيجوز عندنا ان يصلي في الكعبة الفرض والنفل وبه قال
أبو حنيفة والثوري وجمهور العلماء * وقال محمد بن جرير لا يجوز الفرض ولا النفل وبه قال اصبغ بن الفرج
194

المالكي وجماعة من الظاهرية وحكي عن ابن عباس وقال مالك واحمد يجوز النفل المطلق دون الفرض
والوتر: دليلنا حديث بلال " ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة " رواه البخاري ومسلم وسبق
قريبا الجواب عن حديث أسامة وقال أصحابنا وإذا صلي في الكعبة فله أن يستقبل أي جدار شاء وله
ان يستقبل الباب إن كان مردودا أو مفتوحا وله عتبة قدر ثلثي ذراع تقريبا هذا هو الصحيح المشهور
ولنا وجه انه يشترط في العتبة كونها بقدر ذراع وقيل يشترط قدر قامة المصلي طولا وعرضا ووجه ثالث
أنه يكفي شخوصها باي قدر كان والمذهب الأول قال أصحابنا والنفل في الكعبة أفضل منه خارجها
195

وكذا الفرض إن لم يرج جماعة أو أمكن الجماعة الحاضرين الصلاة فيها فإن لم يمكن فخارجها أفضل وكلام
المصنف وإن كان مطلقا فهو محمول على هذا التفصيل قال الشافعي في الأم قضاء الفريضة الفائتة في الكعبة
أحب إلى من قضائها خارجها قال وكل ما قرب منها كان أحب إلى مما بعد قال الشافعي والأصحاب
وكذا المنذورة في الكعبة أفضل من خارجها قال الشافعي لا موضع أفضل ولا أطهر للصلاة من الكعبة واما
استدلال المصنف بالحديث على فضل الصلاة في الكعبة فمما أنكر عليه لأنه خص المسجد الحرام
في هذا الحديث بالكعبة وليس هو في هذا الحديث مختصا بها بل يتناولها هي والمسجد حولها كما سبق
بيانه ويمكن أن يجاب عن المصنف ويحمل كلامه على أنه لم يرد اختصاص الحديث بالكعبة بل أراد
بيان فضيلة الصلاة في المسجد الحرام وقد علم أن الكعبة أفضله فكانت الصلاة فيها أفضل. فان
قيل كيف جزمتم بان الصلاة في الكعبة أفضل من خارجها مع أنه مختلف بين العلماء في صحتها والخروج
من الخلاف مستحب فالجواب أنا إنما نستحب الخروج من خلاف محترم وهو الخلاف في مسألة اجتهادية
اما إذا كان الخلاف مخالفا سنة صحيحة كما في هذه المسألة فلا حرمة له ولا يستحب الخروج منه لان
صاحبه لم تبلغه هذه السنة وان بلغته وخالفها فهو محجوج بها والله أعلم قال الشيخ أبو حامد في آخر
كتاب الحج من تعليقه قال الشافعي ليس في الأرض موضع أحب إلى أن اقضي فيه الصلاة الفائتة من الكعبة
لان الفضيلة في القرب منها للمصلي فكانت الفضيلة في بطنها أولى *
196

(فرع) في قاعدة مهمة صرح بها جماعة من أصحابنا وهي مفهومة من كلام الباقين وهي ان المحافظة
على فضيلة تتعلق بنفس العبادة أولى من المحافظة على فضيلة تتعلق بمكان العبادة وتتخرج على هذه
القاعدة مسائل مشهورة في المذهب منها هذه المسألة التي ذكرها المصنف وقد ذكرها الشافعي في الأم
والأصحاب وهي أن المحافظة على تحصيل الجماعة خارج الكعبة أفضل من المحافظة على الصلاة في الكعبة
لان الجماعة فضيلة تتعلق بنفس الصلاة والكعبة فضيلة تتعلق بالموضع ومنها ان صلاة الفرض في كل
المساجد أفضل من غير المسجد فلو كان هناك مسجد ليس فيه جماعة وهناك جماعة في غير مسجد فصلاته
مع الجماعة في غير المسجد أفضل من صلاته منفردا في المسجد ومنها أن صلاة النفل في بيت الانسان
أفضل منها في المسجد مع شرف المسجد لان فعلها في البيت فضيلة تتعلق بها فإنه سبب لتمام الخشوع
والاخلاص وأبعد من الرياء والاعجاب وشبههما حتى أن صلاته النفل في بيته أفضل منها في مسجد
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكرناه ودليله الحديث الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
للصحابة رضي الله عنهم حين صلوا في مسجده النافلة " أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته الا المكتوبة "
رواه البخاري ومسلم وفى رواية أبي داود " أفضل من صلاته في مسجدي هذا " ومنها أن القرب من الكعبة
في الطواف مستحب والرمل مستحب فيه فلو منعته الزحمة من الجمع بينهما لم يمكنه الرمل مع القرب
وأمكنه مع البعد فالمحافظة على الرمل مع البعد أولي من المحافظة على القرب بلا رمل لما ذكرناه ونظائر هذه
المسائل مشهورة وسنوضحها في مواضعها إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق *
قال المصنف رحمه الله *
* (وان صلي على سطحه نظرت فإن كان بين يديه سترة متصلة به جاز لأنه متوجه إلى جزء منه وإن لم يكن
بين يديه سترة متصلة لم يجز لما روى عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " سبعة مواطن
لا تجوز فيها الصلاة وذكر فوق بيت الله العتيق " ولأنه صلى الله عليه وسلم ولم يصل إليه من غير عذر فلم يجز كما
لو وقف على طرف السطح واستدبره فإن كان بين يديه عصا مغروزة غير مبنية ولا مسمرة ففيه وجهان
197

أحدهما تصح لان المغروز من البيت ولهذا يدخل الأوتاد المغروزة في بيع الدار والثاني لا يصح لأنها
غير متصلة بالبيت ولا منسوبة إليه وان صلى في عرصة البيت وليس بين يديه سترة ففيه وجهان
قال أبو إسحاق لا يجوز وهو المنصوص لأنه صلي عليه ولم يصل إليه من غير عذر فأشبه إذا صلي على السطح
وقالوا أبو العباس يجوز لأنه صلي إلى ما بين يديه من ارض البيت فأشبه إذا خرج من البيت وصلي إلى أرضه) * *
* (الشرح) * حديث عمر رضي الله عنه ضعيف وسبق بيانه في باب طهارة البدن وقوله من غير عذر
احتراز من حال شدة الخوف والنافلة في السفر وقوله غير مبنية هي بالباء الموحدة والنون وقد يقال
بالثاء المثلثة بعدها باء موحدة ثم تاء مثناة فوق والأول أشهر وأجود والعرصة باسكان الراء لا غير
(اما حكم المسألة) فقال أصحابنا لو وقف على أبي قبيس أو غيره من المواضع العالية على الكعبة بقربها صحت
صلاته بلا خلاف لأنه يعد مستقبلا وان وقف على سطح الكعبة نظر ان وقف على طرفها واستدبر باقبها
لم تصح صلاته بالاتفاق لعدم استقبال شئ منها وهكذا لو انهدمت والعياذ بالله فوقف على طرف
العرصة واستدبر باقيها لم تصح صلاته ولو وقف خارج العرصة واستقبلها صح بلا خلاف اما إذا
وقف في وسط السطح أو العرصة فإن لم يكن بين يديه شئ شاخص لم تصح صلاته
198

على الصحيح المنصوص وبه قال أكثر الأصحاب وقال ابن سريج تصح وبه قال أبو حنيفة وداود
ومالك في رواية عنه كما لو وقف على أبي قبيس وكما لو وقف خارج العرصة واستقبلها والمذهب
الأول والفرق أنه لا يعد هنا مستقبلا بخلاف ما قاس عليه وهذا الوجه الذي لابن سريج جار في
العرصة والسطح كما ذكرنا كذا نقله عنه امام الحرمين وصاحب التهذيب وآخرون وكلام المصنف
يوهم أنه لا يقول به في السطح وليس الامر كذلك وإن كان بين يديه شئ شاخص من اجزاء
الكعبة كبقية جدار ورأس حائط ونحوهما فإن كان ثلثي ذراع صحت وإلا فلا وقيل يشترط ذراع
وقيل يكفي أدنى شخوص وقيل يشترط كونه قدر قامة المصلي طولا دون عرضا حكاه الشيخ
أبو حامد وغيره والصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور الأول هو ثلثا ذراع ولو وضع بين يديه
متاعا واستقبله لم يصح بلا خلاف ولو استقبل شجرة ثابتة أو جمع تراب العرصة أو السطح واستقبله
أو حفر حفرة ووقف فيها أو وقف في آخر السطح أو العرصة واستقبل الطرف الآخر وهو مرتفع
عن موقفه صحت بلا خلاف ولو استقبل حشيشا نابتا عليها أو خشبة أو عصا مغروزة غير مسمرة
199

فوجهان أصحهما لا يصح صححه امام الحرمين والرافعي وغيرهما ودليلهما في الكتاب وإن كانت
العصا مثبتة أو مسمرة صحت بلا خلاف قال امام الحرمين لكنه يخرج بعضه عن محاذاتها وقد
سبق الخلاف فيمن خرج بعض بدنه عن محاذاة بعض الكعبة لوقوفه على طرف ركن قال ففي
هذا تردد ظاهر عندي وظاهر كلام المصنف والأصحاب أن هذا يصح وجها واحدا وان خرج
بعض بدنه عن محاذاة العصا لأنه يعد مستقبلا بخلاف مسألة الخارج بعضه عن محاذاة الكعبة
ولهذا قطع الأصحاب بالصحة إذا كانت العصا مسمرة وقطعوا بها أيضا فيما إذا بقيت بقية من
أصل الجدار قدر مؤخرة الرحل وإن كانت أعالي بدنه خارجة عن محاذاته لكونه مستقبلا ببعضه
جزءا شاخصا وبباقيه هواء الكعبة وأما الواقف على طرف الركن فلم يستقبل ببعضه شيئا أصلا *
* قال المصنف رحمه الله *
* (وإن لم يكن بحضرة البيت نظرت فان عرف القبلة صلي إليها وان أخبره من يقبل خبره
عن علم قبل قوله ولا يجتهد كما يقبل الحاكم النص من الثقة ولا يجتهد وان رأي محاريب المسلمين
في بلد صلي إليها ولا يجتهد لان ذلك بمنزلة الخبر) * *
* (الشرح) * إذا غاب عن الكعبة وعرفها صلي إليها وان جهلها فأخبره من يقبل خبره لزمه أن
يصلي بقوله ولا يجوز الاجتهاد وقد تقدم في باب الشك في باب نجاسة الماء بيان من يقبل خبره
وانه يدخل فيه الحر والعبد والمرأة بلا خلاف ولا يقبل خبر الكافر في القبلة بلا خلاف وأما الصبي
المميز فالمشهور انه لا يقبل خبره ونقل القاضي حسين وصاحبا التهذيب والتتمة فيه نصين للشافعي
أحدهما يقبل والثاني لا قالوا فمن أصحابنا من قال في قبول قوله هنا قولان للنصين وقال القفال فيه
200

وجهان وكذا في قبول روايته حديث النبي صلى الله عليه وسلم وغيره الوجهان الأصح لا يقبل ومنهم
من قال النصان على حالين فان دله على المحراب أو اعلمه بدليل قبل منه وان أخبره باجتهاد فلا
يقبل منه واما الفاسق ففيه طريقان المشهور انه لا يقبل خبره هنا كسائر اخباره وبهذا قطع البغوي
والأكثرون والثاني في قبوله وجهان لعدم التهمة هنا وممن حكى الوجهين فيه القاضي حسين
وصاحب التتمة وآخرون واختار صاحب التتمة القبول وقد سبق في باب الشك في نجاسة الماء
أن الكافر والفاسق يقبل قولهما في الاذن في دخول الدار وحمل الهدية. اما المحراب فيجب
اعتماده ولا يجوز معه الاجتهاد ونقل صاحب الشامل اجماع المسلمين على هذا واحتج له أصحابنا بأن
المحاريب لا تنصب الا بحضرة جماعة من أهل المعرفة بسمت الكواكب والأدلة فجرى ذلك مجرى
الخبر (واعلم) ان المحراب إنما يعتمد بشرط أن يكون في بلد كبير أو في قرية صغيرة يكثر المارون بها
بحيث لا يقرونه على الخطأ فإن كان في قرية صغيرة لا يكثر المارون بها لم يجز اعتماده هكذا ذكر
هذا التفصيل جماعة منهم صاحب الحاوي والشيخ أبو محمد الجويني في كتابه التبصرة وصاحبا
التهذيب والتتمة وآخرون وهو مقتضى كلام الباقين قال صاحب التهذيب لو رأى علامة في طريق
201

يقل فيه مرور الناس أو في طريق يمر فيه المسلمون والمشركون ولا يدرى من نصبها أو رأى محرابا في
قرية لا يدرى بناه المسلمون أو المشركون أو كانت قرية صغيرة للمسلمين اتفقوا على جهة يجوز وقوع
الخطأ لأهلها فإنه يجتهد في كل هذه الصور ولا يعتمده وكذا قال صاحب التتمة لو كان في صحراء
أو قرية صغيرة أو في مسجد في برية لا يكثر به المارة فالواجب عليه الاجتهاد قال ولو دخل بلدا قد
خرب وانجلى أهله فرأى فيه محاريب فان علم أنها من بناء المسلمين اعتمدها ولم يجتهد وان احتمل
أنها من بناء المسلمين واحتمل انها من بناء الكفار لم يعتمدها بل يجتهد ونقل الشيخ أبو حامد
في تعليقه هذا التفصيل في البلد الخراب عن أصحابنا كلهم *
202

(فرع) قال أصحابنا إذا صلي في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمحراب رسول الله
صلى الله عليه وسلم في حقه كالكعبة فمن يعاينه يعتمده ولا يجوز العدول عنه بالاجتهاد بحال ويعني
بمحراب رسول الله صلى الله عليه وسلم مصلاه وموقفه لأنه لم يكن هذا المحراب المعروف في زمن
النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أحدثت المحاريب بعده قال أصحابنا وفى معنى محراب المدينة سائر
البقاع التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ضبط المحراب وكذا المحاريب المنصوبة في
203

بلاد المسلمين بالشرط السابق فلا يجوز الاجتهاد في هذه المواضع في الجهة بلا خلاف وأما الاجتهاد في
التيامن والتياسر فإن كان محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز بحال وإن كان في سائر البلاد
ففيه أوجه أصحها يجوز قال الرافعي وبه قطع الأكثرون والثاني لا يجوز في الكوفة خاصة
والثالث لا يجوز فيها ولا في البصرة لكثرة من دخلها من الصحابة رضي الله عنهم *
(فرع) قال أصحابنا الأعمى يعتمد المحراب بمس إذا عرفه بالمس حيث يعتمده البصير وكذا
البصير في الظلمة وفيه وجه أن الأعمى انه يعتمد محرابا رآه قبل العمي ولو اشتبه على الأعمى مواضع
لمسها صبر حتى يجد من يخبره فان خاف فوت الوقت صلي على حسب حاله وتجب الإعادة *
204

* قال المصنف رحمه الله *
* (وإن لم يكن شئ من ذلك فأن كان ممن يعرف الدلائل فإن كان غائبا عن مكة اجتهد
في طلب القبلة لان له طريقا إلى معرفتها بالشمس والقمر والجبال والرياح ولهذا قال الله تعالى
(وعلامات وبالنجم هم يهتدون) فكان له ان يجتهد كالعالم في الحادثة وفى فرضه قولان قال في
الأم فرضه إصابة العين لان من لزمه فرض القبلة لزمه إصابة العين كالمكي وظاهر ما نقله المزني
أن الفرض هو الجهة لأنه لو كان الفرض هو العين لما صحت صلاة الصف الطويل لان فيهم من
يخرج عن العين) * *
* (الشرح) * إذا لم يعرف الغائب عن أرض مكة القبلة ولم يجد محرابا ولا من يخبره على
ما سبق لزمه الاجتهاد في القبلة ويستقبل ما أدى إليه اجتهاده قال أصحابنا ولا يصح الا بأدلة
القبلة وهي كثيرة وفيها كتب ء صنفة وأضعفها الرياح لاختلافها وأقواها القطب وهو نجم صغير
205

في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي وإذا اجتهد وظن القبلة في جهة بعلامة صلي إليها
ولا يكفي الظن بلا علامة بلا خلاف بخلاف الأواني فان فيها وجها ضعيفا ان يكتفى الظن فيها
بغير علامة وذلك الوجه لا يجئ هنا بالاتفاق وقد سبق هناك الفرق ولو ترك القادر على الاجتهاد
الاجتهاد وقلد مجتهدا لم تصح صلاته وان صادف القبلة لأنه ترك وظيفته في الاستقبال فلم تصح
صلاته كما لو صلي بغير تقليد ولا اجتهاد وصادف فإنه لا يصح بالاتفاق وسواء ضاق الوقت أم لم يضق
هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وفيه وجه لابن سريج أنه يقلد عند ضيق الوقت وخوف الفوات
206

وهو ضعيف وفى فرض المجتهد ومطلوبه قولان أحدهما جهة الكعبة بدليل صحة صلاته الصف
الطويل ونقل القاضي أبو الطيب وغيره الاجماع على صحة صلاتهم وأصحهما عينها اتفق العراقيون
والقفال والمتولي والبغوي على تصحيحه ودليلهما في الكتاب وأجاب الأصحاب عن صلاة الصف
الطويل بان مع طول المسافة تظهر المسامتة والاستقبال كالنار على جبل ونحوها قال البندنيجي القول بأن فرضه
207

الجهة نقله المزني وليس هو بمعروف للشافعي وكذا أنكره الشيخ أبو حامد وآخرون سلك امام الحرمين والغزالي
طريقة أخرى شاذة ضعيفة اخترعها الامام تركتها لشذوذها واحتج الأصحاب للقول بالعين بحديث ابن عباس
رضي الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة خرج فصلى إليها وقال هذه القبلة " رواه البخاري
ومسلم وهو حديث أسامة ابن زيد الذي ذكره المصنف في أول الباب واحتجوا للجهة بحديث أبي
هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما بين المشرق والمغرب قبلة " رواه
الترمذي وقال حديث حسن صحيح وصح ذلك عن عمر رضي الله عنه موقوفا عليه *
(فرع) في مذاهب العلماء في ذلك: قد ذكرنا أن الصحيح عندنا أن الواجب إصابة عين
الكعبة وبه قال بعض المالكية ورواية عن أحمد وقال أبو حنيفة الواجب الجهة وحكاه الترمذي عن
208

عمر بن الخطاب وعن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمرو ابن المبارك وسبق دليلهما *
(فرع) في تعلم أدلة القبلة ثلاثة أوجه (أحدها) أنه فرض كفاية (والثاني) فرض عين وصححه
البغوي والرافعي كتعلم الوضوء وغيره من شروط الصلاة وأركانها (والثالث) وهو الأصح أنه
فرض كفاية إلا أن يريد سفرا فيتعين لعموم حاجة المسافر وكثرة الاشتباه عليه ولا يصح قول من
209

أطلق أنه فرض عين إذ لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم ثم السلف ألزموا آحاد الناس يعلم أدلة
القبلة بخلاف أركان الصلاة وشروطها لان الوقوف على القبلة سهل غالبا والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
* (وإن كان في أرض مكة فإن كان بينه وبين البيت حائل أصلى كالجبل فهو كالغائب عن
210

مكة وإن كان بينهما حائل طارئ وهو البناء ففيه وجهان أحدهما لا يجتهد لأنه في أي موضع كان
فرضه الرجوع إلى العين فلا يتغير بالحائل الطارئ والثاني يجتهد وهو ظاهر المذهب لان بينه وبين
البيت حائل يمنع المشاهدة فأشبه إذا كان بينهما جبل) * *
(الشرح) * قال أصحابنا إذا صلي بمكة خارج المسجد فان عاين الكعبة كمن يصل على أبي
211

قبيس أو سطح دار ونحوه صلى إليها وإذا بنى محرابه على العيان صلى إليه ابدا ولا يحتاج في كل
صلاة إلى المعاينة قال أصحابنا وفى معني العيان من نشأ بمكة وتيقن إصابة الكعبة وإن لم يشاهدها
في حال الصلاة فهذا فرضه اصابه العين قطعا ولا اجتهاد في حقه فاما من لا يعاين الكعبة
ولا يتيقن الإصابة فإن كان بينه وبينها حائل أصلي كالجبل فله الاجتهاد بلا خلاف قال أصحابنا
212

ولا يلزمه صعود الجبل لتحصيل المشاهدة لان عليه في ذلك مشقة وإن كان الحائل طارئا فوجهان
مشهوران ذكر المصنف دليلهما أصحهما عند المصنف والبندنيجي وابن الصباغ والشاشي والرافعي
أنه يجوز الاجتهاد والثاني لا يجوز وبه قطع الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والماوردي والمحاملي
والجرجاني * قال المصنف رحمه الله *
213

* (فان اجتهد رجلان فاختلفا في جهة القبلة لم يقلد أحدهما صاحبه ولا يصلي أحدهما خلف
الآخر لان كل واحد منهما يعتقد بطلان اجتهاد صاحبه) * *
* (الشرح) * هذا الذي قاله متفق عليه عندنا وحكي أصحابنا عن أبي ثور أنه قال تصح صلاة
أحدهما خلف الآخر ويستقبل كل واحد ما طهر له بالاجتهاد فلو تعاكس ظنهما صار وجهه إلى وجهه
214

كما يجوز أن يصلوا حول الكعبة وكل واحد إلى جهة دليلنا ما ذكره المصنف والفرق أن في مسألة
الكعبة كل واحد يعتقد صحة صلاة امامه قال امام الحرمين فلو كان اختلافهما في تيامن قريب
وتياسر فان قلنا يجب على المجتهد مراعاة ذلك لم يصح الاقتداء والا فيصح *
* قال المصنف رحمه الله *
215

* (وان صلي بالاجتهاد إلى جهة ثم حضرت صلاة أخرى ففيه وجهان (أحدهما) يصلى بالاجتهاد
الأول لأنه قد عرف بالاجتهاد الأول (والثاني) يلزمه أن يعيد الاجتهاد وهو المنصوص في الأم كما
تقول في الحاكم إذا اجتهد في حادثة ثم حدثت تلك الحادثة مرة أخرى) * *
* (الشرح) * الوجهان مشهوران أصحهما باتفاق الأصحاب وجوب إعادة الاجتهاد وبه قطع
216

كثيرون وهو المنصوص في الأم وقد سبق مثلهما في المتيمم إذا طلب الماء فلم يجده وصلى وبقي
في موضعه حتى حضرت صلاة أخرى قال الرافعي قيل الوجهان فيما إذا لم يفارق موضعه فان فارقه وجب
الاجتهاد وجها واحدا كالتيمم قال ولكن الفرق ظاهر ولا يحتاج إلى تجديد الاجتهاد للنافلة
بلا خلاف * قال المصنف رحمه الله *
217

* (فان اجتهد للصلاة الثانية فأداه الاجتهاد إلى جهة أخرى صلي الصلاة الثانية إلى الجهة الثانية
ولا يلزمه إعادة ما صلاه إلى الجهة الأولي كالحاكم إذا حكم باجتهاد ثم تغير اجتهاده لم ينقض ما حكم
فيه بالاجتهاد الأول وان تغير اجتهاده وهو في الصلاة ففيه وجهان أحدهما يستأنف الصلاة لأنه
لا يجوز أن يصلى صلاة باجتهادين كما لا يحكم الحاكم في قضية باجتهادين والثاني يجوز لأنا لو ألزمناه
أن يستأنف نقضناه ما أداه من الصلاة بالاجتهاد باجتهاد بعده وذلك لا يجوز وان دخل في الصلاة
بالاجتهاد ثم شك في اجتهاده أتم صلاته لان الاجتهاد ظاهر والظاهر لا يزال بالشك) * *
218

* (الشرح) * في الفصل ثلاث مسائل (إحداهما) لو صلى بالاجتهاد ثم حضرت صلاة أخرى
فاجتهد لها سواء أوجبنا الاجتهاد ثانيا أم لا فتغير اجتهاده يجب أن يصلي الصلاة الثانية إلى الجهة
الثانية بلا خلاف ولا يلزم إعادة شئ من الصلاتين حتى لو صلي أربع صلوات إلى أربع جهات
باجتهادات فلا إعادة في شئ منهن هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وحكي الخراسانيون وجها
219

انه يجب اعادتهن قال القاضي حسين هو قول الأستاذ أبي إسحاق الأسفراييني وحكوا وجها ثالثا
انه تجب إعادة غير الأخيرة والصواب الأول: (الثانية) لو تغير اجتهاده في أثناء الصلاة ففيه وجهان
مشهوران وقيل قولان ذكر المصنف دليلهما أحدهما يجب استئناف الصلاة إلى الجهة الثانية
وأصحهما عند الأصحاب لا يستأنف بل ينحرف إلى الجهة الثانية ويبنى قال أصحابنا وعلى هذا الثاني لو
220

صلي أربع ركعات من صلاة واحدة إلى أربع جهات باجتهادات صحت صلاته ولا إعادة كالصلوات
وخص صاحب التهذيب الوجهين بما إذا كان الدليل الثاني أوضح من الأول قال فان استويا تمم
صلاته إلى الجهة الأولى ولا إعادة والمشهور اطلاق الوجهين (الثالثة) إذا دخل في الصلاة باجتهاد ثم
شك فيه ولم يترجح له شئ من الجهات أتم صلاته إلى جهته ولا إعادة نص عليه في الأم واتفقوا
221

عليه * قال المصنف رحمه الله *
* (وان صلي ثم تيقن الخطأ ففيه قولان قال في الأم يلزمه أن يعيد لأنه تعين له يقين الخطأ
فيما يأمن مثله في القضاء فلم يعتد بما مضى كالحاكم إذا حكم ثم وجد النص بخلافه وقال في القديم
والصيام من الجديد لا يلزمه لأنه جهة تجوز الصلاة إليها بالاجتهاد فأشبه إذا لم يتيقن الخطأ وان صلي
إلى جهة ثم رأى القبلة في يمينها أو شمالها لم يعد لان الخطأ في ليمين والشمال لا يعلم قطعا فلا ينقض
به الاجتهاد) * *
222

* (الشرح) * قوله تعين احتراز مما إذا صلى صلاتين باجتهادين إلى جهتين فإنه تيقن الخطأ في إحداهما
فلا إعادة عليه لأنه لم تتعين التي أخطأ فيها وقوله يقين الخطأ احتراز مما إذا صلي إلى جهة ثم ظهر
بالاجتهاد ان القبلة غيرها فقد تعين الخطأ بالظن لا باليقين وقوله فيما يؤمن مثله في القضاء احتراز
ممن أكل في الصوم ناسيا أو وقف للحج في اليوم العاشر غالطا * اما حكم الفصل فقال أصحابنا رحمهم
223

الله إذا صلى بالاجتهاد ثم ظهر له الخطأ في الاجتهاد فله أحوال (أحدها) ان يظهر الخطأ قبل الشروع في
الصلاة فان تيقن الخطأ في اجتهاده أعرض عنه واعتمد الجهة التي يعلمها أو يظنها الآن وإن لم يتيقن
بل ظن أن الصواب جهة أخرى فإن كان دليل الثاني عنده أوضح من الأول اعتمد الثاني وإن كان
الأول أوضح اعتمده وان تساويا فوجهان أصحهما يتخير فيهما والثاني يصلي إلى الجهتين مرتين (الحال
224

الثاني) أن يظهر الخطأ بعد الفراغ من الصلاة فان تيقنه فهي مسألة الكتاب ففيها القولان المذكوران
في الكتاب بدليلهما أصحهما عند الأصحاب تجب الإعادة والقولان جاريان سواء تيقن مع الخطأ جهة
الصواب أم لا وقيل القولان إذا تيقن الخطأ ولم يتيقن الصواب فاما إذا تيقنهما فتلزمه الإعادة قولا واحدا
وقيل القولان إذا تيقن الخطأ وتيقن الصواب اما إذا لم يتيقن الصواب فلا إعادة قولا واحدا والمذهب
الأول ولو تيقن خطأ الذي قلده الأعمى فهو كما لو تيقن المجتهد خطأ نفسه اما إذا لم يتيقن الخطأ ولكن
ظنه فلا إعادة حتى لو صلي أربع صلوات إلى أربع جهات فلا إعادة على المذهب كما سبق (الحال الثالث)
أن يظهر الخطأ في أثنائها وهو ضربان أحدهما يظهر الخطأ ويظهر الصواب مقترنا به فإن كان الخطأ
متيقنا بنيناه على تيقن الخطأ بعد الفراغ فان قلنا بوجوب الإعادة بطلت صلاته والا فوجهان وقيل قولان أصحهما
ينحرف إلى جهة الصواب ويبنى والثاني تبطل صلاته وإن لم يكن الخطأ متيقنا بل مظنونا ففيه هذان
الوجهان أو القولان كما سبق وفيه كلام صاحب التهذيب السابق في الفرق بين رجحان الدليل الثاني
وعدمه: الضرب الثاني أن لا يظهر الصواب مع الخطأ فان عجز عن الصواب بالاجتهاد على القرب
بطلت صلاته وان قدر عليه على القرب فهل ينحرف ويبني أم يستأنف فيه طريقان أحدهما أنه على
الخلاف في الضرب الأول والثاني وهو المذهب القطع بوجوب الاستئناف لأنه مضى جزء من صلاته
إلى غير قبلة محسوبة: مثال ظهور الخطأ دون الصواب أن يعرف ان قبلته عن يسار المشرق وكان هناك
غيم فذهب وظهر كوكب قريب من الأفق وهو مستقبله فعلم الخطأ يقينا ولم يعلم الصواب إذ يحتمل
كون الكوكب في المشرق ويحتمل المغرب لكن قد يعرف الصواب على قرب بان يرتفع فيعلم أنه
مشرق أو ينحط فيعلم أنه مغرب وتعرف به القبلة وقد يعجز عن ذلك بان يطبق الغيم عقب ظهور الكوكب
والله أعلم: هذا كله إذا ظهر الخطأ في الجهة اما إذا ظهر الخطأ في التيامن والتياسر فإن كان ظهوره
بالاجتهاد وظهر بعد الفراغ من الصلاة لم يؤثر قطعا والصلاة ماضية على الصحة وإن كان في أثنائها
انحرف وأتمها بلا خلاف وإن كان ظهوره يقينا وقلنا الفرض جهة الكعبة فالحكم كذلك وان قلنا
225

عينها ففي وجوب الإعادة بعد الفراغ ووجوب الاستئناف في الأثناء القولان قال صاحب التهذيب
وغيره ولا يتيقن الخطأ في الانحراف مع البعد من مكة وإنما يظن ومع القرب يمكن اليقين والظن
قال الرافعي هذا كالتوسط بين خلاف أطلقه أصحابنا العراقيون انه هل يتيقن الخطأ في الانحراف
من غير معاينة الكعبة من غير فرق بين القرب من مكة والبعد فقالوا قال الشافعي رحمه الله
لا يتصور الا بالمعاينة وقال بعض الأصحاب يتصور *
(فرع) لو اجتهد جماعة في القبلة واتفق اجتهادهم فأمهم أحدهم ثم تغير اجتهاد مأموم لزمه المفارقة
وينحرف إلى الجهة الثانية وهل له البناء أم عليه الاستئناف فيه الخلاف السابق في تغير الاجتهاد
في أثناء الصلاة وهل هو مفارق بعذر أم بغير عذر لتركه كمال البحث فيه وجهان أصحهما بعذر
ولو تغير اجتهاد الامام انحرف إلى الجهة الثانية بانيا أو مستأنفا على الخلاف ويفارقه المأموم وهي
مفارقة بعذر بلا خلاف ولو اختلف اجتهاد رجلين في التيامن والتياسر والجهة واحدة فان أوجبنا
على المجتهد رعاية ذلك وجعلناه مؤثرا في بطلان الصلاة فهو كالاختلاف في الجهة فلا يقتدى أحدهما بالآخر
وإلا فلا بأس ويجوز الاقتداء ولو شرع المقلد في الصلاة بالتقليد فقال له عدل أخطأ بك فلان فله حالان
أحدهما أن يكون قوله عن اجتهاد فإن كان قول الأول أرجح عنده لزيادة عدالته أو معرفته أو كان مثله أو شك
لم يجب العمل بقول الثاني وفى جوازه خلاف مبنى على أن المقلد إذا اختلف عليه اجتهاد اثنين هل يجب
226

الاخذ بأعلمهما أم يتخير ان قلنا بالأول لم يجز والا فوجهان الأصح لا يجوز أيضا وإن كان الثاني أرجح
فهو كتغير اجتهاد البصير فينحرف وهل يبنى أم يستأنف فيه الخلاف ولو قال له المجتهد الثاني بعد
فراغه من الصلاة لم تجب الإعادة بلا خلاف وإن كان الثاني أرجح كما لو تغير اجتهاده بعد الفراغ
الحال الثاني ان يخبر عن علم ومشاهدة فيجب الرجوع إلى قوله وإن كان قول الأول أرجح عنده
ومن هذا القبيل أن يقول للأعمى أنت مستقبل الشمس والأعمى يعلم أن قبلته إلى غير الشمس فيلزم
الاستئناف على أصح القولين ولو قال الثاني أنت على الخطأ قطعا وجب قبوله بلا خلاف لان تقليد
الأول بطل بقطع هذا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
* (وإن كان ممن لا يعرف الدلائل نظرت فإن كان ممن إذا عرف يعرف والوقت واسع لزمه أن يتعرف
ويجتهد في طلبها لأنه يمكنه أداء الفرض بالاجتهاد فلا يؤديه بالتقليد وإن كان ممن إذا عرف لا يعرف
فهو كالأعمى لا فرق بين أن لا يعرف لعدم البصر وبين أن لا يعرف لعدم البصيرة وفرضهما التقليد
لأنه لا يمكنهما الاجتهاد فكان فرضهما التقليد كالعامي في أحكام الشريعة وان صلي من غير تقليد
وأصاب لم تصح صلاته لأنه صلى وهو شاك في صلاته فان اختلف عليه اجتهاد رجلين قلد أوثقهما
وأبصرهما فان قلد الاخر جاز وان عرف الأعمى القبلة باللمس صلي وأجزأه لان ذلك بمنزلة التقليد
وان قلد غيره ودخل في الصلاة ثم أبصر فإن كان هناك ما يعرف به القبلة من محراب أو مسجد
227

أو نجم يعرف به أتم صلاته وإن لم يكن شئ من ذلك بطلت صلاته لأنه صار من أهل الاجتهاد
فلا يجوز ان يصلى بالتقليد وإن لم يجد من فرضه التقليد من يقلده صلي على حسب حاله حتى لا يخلو
الوقت من الصلاة فإذا وجد من يقلده أعاد) * *
* (الشرح) * فيه مسائل (إحداها) قد سبق بيان الخلاف في أن تعلم أدلة القبلة فرض عين أم كفاية
فإذا لم يعرف القبلة ولا دلائلها فإن كان يمكنه التعلم والوقت واسع فان قلنا التعلم فرض عين لزمه
التعلم فان ترك التعلم وقلد لم تصح صلاته لأنه ترك وظيفته في الاستقبال فعلى هذا ان ضاق الوقت عن
التعلم فهو كالعالم إذا تحير وسنذكره في الفصل الذي يليه إن شاء الله تعالى وان قلنا التعلم ليس
بفرض عين صلي بالتقليد ولا يعيد كالأعمى وقد جزم المصنف بالأول (الثانية) إذا لم يعرف القبلة وكان
ممن لا يتأتى منه التعلم لعدم أهليته أو لم يجد من لم يتعلم منه وضاق الوقت أو كان أعمى ففرضهم
التقليد وهو قول الغير المستند إلى اجتهاد فلو قال بصير رأيت القطب أو رأيت الخلق العظيم من
المسلمين يصلون إلى هنا كان الاخذ به قبول خبر لا تقليدا قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله وشرط
الذي يقلده أن يكون بالغا عاقلا مسلما ثقة عارفا بالأدلة سواء فيه اجتهاد الرجل والمرأة والعبد وفى
وجه شاذ له تقليد صبي مميز حكاه (1) والرافعي فان اختلف عليه اجتهاد مجتهدين قلد من شاء
منهما على الصحيح المنصوص وبه قطع المصنف والجمهور والأولى تقليد الأوثق والأعلم وهو مراد

(1) بياض بالأصل اه‍
228

المصنف بقوله أبصرهما وفيه وجه انه يجب ذلك وقيل يصلي إلى الجهتين مرتين حكاه (1)
(الثالثة) إذا عرف الأعمى القبلة باللمس بان لمس المحراب في الموضع الذي يجوز اعتماده المحراب على
ما سبق صلي إليه ولا إعادة وقد سبق بيان هذا وما يتعلق به (الرابعة) إذا دخل الأعمى والجاهل
الذي هو كالأعمى في الصلاة بالتقليد ثم أبصر الأعمى أو عرف الجاهل الأدلة فإن كان هناك ما يعتمده
من محراب أو نجم أو خبر ثقة أو غيرها استمر في صلاته ولا إعادة وإن لم يكن شئ من ذلك
واحتاج إلى الاجتهاد بطلت صلاته (الخامسة) إذا لم يجد من فرضه التقليد من يقلده وجب عليه
أن يصلي لحرمة الوقت على حسب حاله وتلزمه الإعادة لأنه عذر نادر * قال المصنف رحمه الله *
* (وإن كان ممن يعرف الدلائل ولكن خفيت عليه لظلمة أو غيم فقد قال الشافعي رحمه الله
ومن خفيت عليه الدلائل فهو كالأعمى وقال في موضع آخر ولا يسع بصيرا أن يقلد فقال أبو إسحاق
لا يقلد لأنه يمكنه الاجتهاد وقوله كالأعمى أراد به كالأعمى في أنه يصلي ويعيد لا أنه يقلد وقال
أبو العباس ان ضاق الوقت قلد وان اتسع لم يقلد وعليه يأول قول الشافعي وقال المزني وغيره
المسألة على قولين وهو الأصح أحدهما يقلد وهو اختيار المزني لأنه خفيت عليه الدلائل فهو كالأعمى
والثاني لا يقلد لأنه يمكنه التوصل بالاجتهاد) * *

(1) بياض بالأصل اه‍
229

* (الشرح) * إذا خفيت الأدلة على المجتهد لغيم أو ظلمة أو تعارض الأدلة أو غيرها ففيه
أربع طرق أصحها فيه قولان أصحهما لا يقلد والثاني لا يقلد والطريق الثاني يقلد قطعا والثالث لا يقلد
قطعا والرابع ان ضاق الوقت قلد وإلا فلا وذكر المصنف دليل الجميع فان قلنا لا يقاد صلي حسب
حاله ووجبت الإعادة لأنه عذر نادر وان قلنا يقلد فقلد وصلي فلا إعادة عليه على الصحيح وبه قطع المجهور
وقال امام الحرمين والغزالي في البسيط وغيرهما فيه وجهان بناء على القولين فيمن صلي بالتيمم لعذر
نادر غير دائم هل يلزمه القضاء وهذا شاذ ضعيف واعلم أن الطرق جارية سواء ضاق الوقت أم لا
هكذا صرح به المصنف والجمهور وقال امام الحرمين هذه الطرق إذا ضاق الوقت ولا يجوز
التقليد قبل ضيقه قطعا لعدم الحاجة قال وفيه احتمال من التيمم أول الوقت والمذهب ما حكيناه
عن الجمهور * * قال المصنف رحمه الله *
* (وأما في شدة الخوف والتحام القتال فيجوز أن يترك القبلة إذا اضطر إلى تركها ويصلي
حيث أمكنه لقوله تعالي (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) قال ابن عمر رضي الله عنهما " مستقبلي
القبلة وغير مستقبليها " ولأنه فرض اضطر إلى تركه فصلي مع تركه كالمريض إذا عجز عن القيام) * *
* (الشرح) * هذا الذي نقله عن ابن عمر رواه البخاري في صحيحه لكن سياقه مخالف لهذا
فرواه عن نافع أن ابن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال يتقدم الامام وطائفة من الناس
فذكر صفتها قال فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا
مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها قال نافع لا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم هذا لفظ البخاري ذكره في كتاب التفسير من صحيحه قال أبو الحسن الواحدي
رحمه الله في تفسير الآية فان خفتم أي عدوا قال والرجال جمع راجل كصحب وصحاب وهو
230

الكائن على رجله ماشيا كان أو واقفا قال وجمعه رجل ورجالة وجالة ورجال ورجال والركبان جمع
راكب كفارس وفرسان قال ومعنى الآية فإن لم يمكنكم أن يصلوا قائمين موفين للصلاة حقوقها
فصلوا مشاة وركبانا قان ذلك يجزيكم قال المفسرون هذا في حالة المسايفة والمطاردة قال ابن عمر
في تفسير هذه الآية مستقبلي القبلة وغير مستقبليها هذا آخر كلام الواحدي فصرح بأن كلام
ابن عمر تفسير للآية وهو ظاهر عبارة المصنف والصواب ان هذا ليس تفسيرا للآية بل هو بيان حكم
من أحكام صلاة الخوف وهو ظاهر ما نقلناه من رواية البخاري * أما حكم المسألة فيجوز في حال
شدة الخوف الصلاة إلى أي جهة أمكنه ويجوز ذلك في الفرض والنفل وسيأتي مبسوطا في باب
صلاة الخوف إن شاء الله تعالى وقول المصنف ولأنه فرض اضطر إلى تركه أراد بقوله فرض
أنه شرط فان استقبال القبلة شرط وليس مراده أنه يجب عليه الاستقبال فانا لو حملناه على هذا
لم تدخل فيه صلاة النافلة فإنه يستبيحها في شدة الخوف إلى غير القبلة كالفريضة صرح به صاحب
التهذيب وغيره قال صاحب الحاوي ولو أمكنه أن يصلي في شدة الخوف قائما إلى غير القبلة
أو راكبا إلى القبلة صلي راكبا إلى القبلة ولم يجز أن يصلي إلى غير القبلة قائما لان استقبال القبلة
آكد من القيام ولهذا سقط القيام في النفل مع القدرة بلا عذر ولم يسقط الاستقبال بلا عذر *
* قال المصنف رحمة الله *
231

* (وأما النافلة فينظر فيها فإن كان في السفر وهو على دابته نظرت فإن كان يمكنه أن يدور
على ظهرها كالعمارية والمحمول الواسع لزمه ان يتوجه إلى القبلة لأنها كالسفينة وإن لم يمكنه ذلك
جاز أن يترك القبلة ويصلي عليها حيث توجه لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال " كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على راحلته في السفر حيثما توجهت به " ويجوز ذلك في
السفر الطويل والقصير لأنه أجيز حتى لا ينقطع عن السير وهذا موجود في القصير والطويل) *
* (الشرح) * حديث ابن عمر رواه البخاري ومسلم وفى الصحيحين أيضا عن جماعات من
الصحابة مثله ونحوه والمحمل بفتح الميم الأولى وكسر الثانية وقيل بكسر الأولي وفتح الثانية لغتان
وقد أوضحته في التهذيب والعمارية ضبطها جماعة من الفقهاء الذين تكلموا في ألفاظ المهذب
بتشديد الميم والياء وضبطها غيرهم بتخفيف الميم وهو الأجود وقد أوضحتها في التهذيب وهو
مركب صغير على هيئة مهد الصبي أو قريب من صورته * اما حكم المسألة فإذا أراد الراكب في
في السفر نافلة نظر ان أمكنه ان يدور على ظهر الدابة ويستقبل القبلة فإن كان في محمل أو عمارية
أو هودج ونحوها ففيه طريقان المذهب انه يلزمه استقبال القبلة واتمام الركوع والسجود ولا يجزيه
الايماء لأنه متمكن منها فأشبه راكب السفينة وبهذا الطريق قطع المصنف والجمهور والثاني على
وجهين أحدهما هذا والثاني يجوز له ترك القبلة والايماء بالأركان كالراكب على سرج لان عليه
232

مشقة في ذلك بخلاف السفينة وممن ذكر هذين الوجهين صاحب الحاوي والدارمي ونقل الرافعي
الجواز عن نص الشافعي وهو غريب والصحيح الأول قال القاضي أبو الطيب سواء كانت
الدابة مقطورة أو مفردة يلزمه الاستقبال اما الراكب في سفينة فيلزمه الاستقبال واتمام الأركان
سواء كانت واقفة أو سائرة لأنه لا مشقة فيه وهذا متفق عليه هذا في حق ركابها الأجانب
اما ملاحها الذي يسبرها فقال صاحب الحاوي وأبو المكارم يجوز له ترك القبلة في نوافله
في حال تسييره قال صاحب الحاوي لأنه إذا جاز للماشي ترك القبلة لئلا ينقطع عن سيره فلان
يجوز للملاح الذي ينقطع هو وغيره أولى واما راكب الدابة من بعير وفرس وحمار وغيرها إذا لم
يمكنه ان يدور على ظهرها بان ركب على سرج وقتب ونحوهما فله ان يتنفل إلى أي جهة توجه
لما سبق من الأدلة وهذا مجمع عليه ولأنه لو لم يجز التنفل في السفر إلى غير القبلة لانقطع بعض
الناس عن أسفارهم لرغبتهم في المحافظة على العبادة وانقطع بعضهم عن التنفل لرغبتهم
في السفر وحكي القاضي حسين عن القفال أنه سأل الشيخ أبا زيد فعلل بالعلة الأولي وسأل الشيخ
أبا عبد الله الخضري فعلل بالثانية والتعليل الذي ذكرته أحسن وهذا معنى قول الغزالي في البسيط
لكيلا ينقطع المتعبد عن السفر والمسافر عن التفل وهذا التنفل على الراحلة من غير استقبال جائز
في السفر الطويل والقصير هذا هو المشهور من نص الشافعي نص عليه في الأم والمختصر وقال في
233

البويطي وقد قيل لا يتنفل أحد على ظهر دابته الا في سفر تقصر فيه الصلاة فعجل الخراسانيون
ذلك قولا آخر للشافعي فجعلوا في المسألة قولين أحدهما يختص بالسفر الطويل وهو مذهب مالك
وأصحهما لا يختص وقطع العراقيون وجماعة من الخراسانيين بأنه يجوز في القصير قالوا وقوله في
البويطي حكاية لمذهب مالك لا قول له وعبارته ظاهرة في الحكاية فحصل في المسألة طريقان
المذهب انه يجوز في القصير لاطلاق الأحاديث وفرقوا بينه وبين القصر والفطر والمسح على الخف
ثلاثا بان بلك الرخص تتعلق بالفرض فاحتطنا له باشتراط طويل السفر والتنفل مبنى على التخفيف
ولهذا جاز قاعدا في الحضر مع القدرة على القيام والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ثم ينظر فإن كان واقفا نظرت فإن كان في قطار لا يمكنه ان يدبر الدابة إلى القبلة صلي
حيث توجه وإن كان منفردا لزمه ان يدير رأسه إلى القبلة لأنه لا مشقة عليه في ذلك وإن كان سائرا فإن كان
في قطار أو منفردا والدابة حرون يصعب عليه إدارتها صلي حيث توجه وإن كان سهلا ففيه وجهان
أحدهما يلزمه أن يدير رأسها إلى القبلة في حال الاحرام لما روى أنس رضي الله عنه " أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبر ثم صلي حيث وجهه
ركابه " والمذهب أنه لا يلزم لأنه يشق إدارة البهيمة في حال السير) * *
* (الشرح) * حديث أنس رواه أبو داود بهذا اللفظ باسناد حسن وحاصل ما ذكره الأصحاب
أن المتنفل الراكب في السفر إذا لم يمكنه الركوع والسجود والاستقبال في جميع صلاته بأن كان
على سرج وقتب ونحوهما ففي وجوب استقباله القلبة عند الاحرام أربعة أوجه أصحها أن سهل وجب
وإلا فلا فالسهل أن تكون الدابة واقفة وأمكن انحرافه عليها أو تحريفا أو كانت سائرة وبيده زمامها
فهي سهلة وغير السهلة أن تكون مقطرة أو صعبة والثاني لا يجب الاستقبال مطلقا وصححه المصنف
وشيخه القاضي أبو الطيب والثالث مطلقا فأن تعذر لم تصح صلاته والرابع إن كانت الدابة
عند الاحرام متوجهة إلى القبلة أو طريقه أحرم كما هو وإن كانت إلى غيرهما لم يصح الاحرام إلا إلى
234

القبلة قال القاضي حسين نص الشافعي رحمه الله في موضع على وجوب الاستقبال وفى موضع أنه
لا يجب فقيل قولان وقيل حالان ويفرق بين السهل وغيره والاعتبار في الاستقبال بالراكب دون
الدابة فلو استقبل هو عند الاحرام والدابة منحرفة أو مستديرة أجزأه بلا خلاف وعكسه لا يصح
إذا شرطنا الاستقبال وإذا لم نشرط الاستقبال عند الاحرام فعند السلام أولي وان شرطناه عند
الاحرام ففي اشتراطه عند السلام وجهان مشهوران أصحهما لا يشترط ولا يشترط في غير الاحرام
والسلام بالاتفاق لكن يشترط لزوج جهة المقصد في جميعها كما سنذكره إن شاء الله تعالى قريبا
واما ما وقع في التنبيه وتعليق القاضي أبي الطيب من اشتراط الاستقبال عند الركوع والسجود
فباطل لا يعرف ولا أصل له والله أعلم: قال أصحابنا وليس عليه وضع الجبهة في ركوعه وسجوده على
السرج والاكاف ولا عرف الدابة ولا المتاع الذي بين يديه ولو فعل جاز وإنما عليه في الركوع
والسجود ان ينحني إلى جهة مقصده ويكون السجود أخفض من الركوع قال امام الحرمين والفصل
بينهما عند التمكن محتوم والظاهر أنه لا يجب مع ذلك أن يبلغ غاية وسعة في الانحناء واما باقي الأركان
فكيفيتها ظاهرة * قال المصنف رحمه الله *
* (فان صلي على الراحلة متوجها إلى مقصده فعدلت إلى جهة نظرت فإن كانت جهة القبلة جاز
لان الأصل في فرضه جهة القبلة فإذا عدلت إليه فقد أتي بالأصل وإن لم تكن جهة القبلة فإن كان
ذلك باختياره مع العلم بطلت صلاته لأنه ترك القبلة لغير عذر وان نسي انه في الصلاة أو ظن أن
ذلك طريق بلده أو غلبته الدابة لم تبطل صلاته فإذا علم رجع إلى جهة المقصد قال الشافعي رحمه
الله ويسجد للسهو) * *
* (الشرح) * ينبغي للمتنفل ماشيا أو راكبا ان يلزم جهة مقصده ولا يشترط سلوك نفس الطريق
بل الشرط جهة المقصد فلو انحرف المتنفل ماشيا أو حرف الراكب دابته أو انحرفت نظرت فإن كان
الانحراف والتحريف في طريق مقصده وجهاته ومعاطفه لم يؤثر ذلك في صحة صلاته بلا خلاف
وان طال لان ذلك كله من جملة مقصده وموصل إليه ولا بد له منه وسواء طال هذا التحريف
235

وكثر أم لا لما ذكرناه وإن كان التحريف والانحراف إلى جهة القبلة لم يؤثر أيضا بلا خلاف لأنها
الأصل وإن كان إلى غير جهة المقصد وهو عامد مختار عالم بطلت صلاته بلا خلاف وإن كان ناسيا
أو جاهلا ظن أنها جهة مقصده فان عاد على قرب لم تبطل صلاته وان طال ففي بطلانها وجهان
الأصح تبطل ككلام الناسي لا تبطل بقليله وتبطل بكثيره على الأصح وبهذا قطع الصيدلاني والبغوي
وغيرهما والثاني لا تبطل وبه قطع الشيخ أبو حامد وآخرون وان غلبته الدابة فانحرف بجماحها
وطال الزمان ففي بطلان صلاته وجهان الصحيح تبطل كما لو كان يصلي على الأرض فأما له انسان
قهرا لأنه نادر والثاني لا تبطل وبه قطع الشيخ أبو حامد وان قصر الزمان فطريقان أحدهما أنه
كالطويل حكاه الغزالي في الوجيز وأشار إليه في الوسيط قال الرافعي وغيره لم نر هذا الخلاف
لغيره: والثاني وهو المذهب وبه قطع المصنف والجمهور لا تبطل قطعا لعموم الحاجة تم إذا لم تبطل في
صورة النسيان فان طال الزمان سجد للسهو وان قصر فوجهان الصحيح المنصوص لا يسجد وفى
صورة الجماح أوجه أصحها يسجد: والثاني لا والثالث ان طال سجد وإلا فلا وهذا كله تفريع
على المذهب الصحيح أن النفل يدخله سجود السهو وفيه قول غريب سنوضحه في موضعه إن شاء الله تعالى
أنه لا يدخله *
(فرع) إذا انحرف المصلي على الأرض فرضا أو نفلا عن القبلة نظر ان استدبرها أو تحول
إلى جهة أخرى عمدا بطلت صلاته وان فعله ناسيا وعاد إلى الاستقبال على قرب لم تبطل وان عاد
بعد طول الفصل بطلت على أصح الوجهين وهما كالوجهين في كلام الناسي إذا كثر ولو أماله غيره
عن القبلة قهرا فعاد إلى الاستقبال بعد طول الفصل بطلت بلا خلاف وان عاد على قرب فوجهان
أصحهما تبطل أيضا لأنه نادر كما لو أكره على الكلام فإنها تبطل على الصحيح من الوجهين لأنه
236

نادر * قال المصنف رحمه الله *
* (وإن كان المسافر ماشيا جاز أن يصلى النافلة حيث توجه لان الراكب أجيز له ترك القبلة
حتى لا يقطع الصلاة في السفر وهذا المعنى موجود في الماشي غير أنه يلزم الماشي أن يحرم ويركع
ويسجد على الأرض مستقبل القبلة لأنه يمكنه أن يأتي بذلك من غير أن ينقطع عن السير) * *
* (الشرح) * يجوز للماشي في السفر التنفل بلا خلاف لما ذكره المصنف وفى لبثه في
الأركان ثلاثة أقوال حكاها الخراسانيون أصحها وبه قطع المصنف وسائر العراقيين يشترط أن يركع
ويسجد على الأرض وله التشهد ماشيا كما له القيام ماشيا والثاني يشترط التشهد أيضا قاعدا
ولا يمشي الا في حالة القيام والثالث لا يشترط اللبث في الأرض في شئ من صلاته ويومئ
بالركوع والسجود وهو ذاهب في جهة مقصده كالراكب واما استقباله فان قلنا بالقول الثاني
وجب عند الاحرام وفى جميع الصلاة غير القيام وان قلنا بالأول استقبل في الاحرام والركوع
والسجود ولا يجب عند السلام على أصح الوجهين وان قلنا بالثالث لم يشترط الاستقبال في غير
حالتي الاحرام والسلام وحكمه فيهما حكم راكب بيده زمام دابته وحينئذ يكون الأصح وجوبه
عند الاحرام دون السلام وحيث لم نوجب استقبال القبلة يشترط ملازمة جهة المقصد كما سبق في
الراكب والله أعلم *
(فرع) مذهبنا جواز صلاة المسافر النافلة ماشيا وبه قال احمد وداود * ومنعها أبو حنيفة ومالك *
* قال المصنف رحمه الله *
* (وان دخل الراكب أو الماشي إلى البلد الذي يقصده وهو في الصلاة أتم صلاته
إلى القبلة وان دخل بلدا في طريقه جاز أن يصلي حيث توجه ما لم يقطع السير لأنه باق
على السير) * *
237

* (الشرح) * قال أصحابنا رحمهم الله يشترط لجواز التنفل راكبا وماشيا دوام السفر والسير
فلو بلغ المنزل في خلال صلاته اشترط اتمامها إلى القبلة متمكنا وينزل إن كان راكبا ويتم الأركان
ولو دخل وطنه ومحل اقامته أو خل البلد الذي يقصده في خلالها اشترط النزول واتمام الصلاة
بأركانها مستقبلا بأول دخوله البنيان الا إذا جوزنا للمقيم التنفل على الراحلة ولو نوى الإقامة
بقرية في أثناء طريقه صارت كمقصده ووطنه ولو مر بقرية مجتازا فله اتام الصلاة راكبا أو
ماشيا حيث توجه في مقصده فإن كان له بها أهل وليست وطنه فهل يصير مقيما بدخولها فيه قولان
يجريان في التنفل والقصر والفطر وسائر الرخص أصحهما لا يصير فيكون كما لو لم يكن له بها أهل
والثاني يصير فيشترط النزول واتمامها مستقبلا وحيث أمرناه بالنزول فذلك عند تعذر الدابة على
البناء مستقبلا فلو أمكن الاستقبال واتمام الأركان عليه وهي واقفة جاز وإذا نزل وبنى ثم أراد
الركوب والسفر فليتمها ويسلم منها ثم يركب فإذا ركب في أثنائها بطلت صلاته قال القاضي أبو
الطيب وعند المزني لا تبطل كما لا تبطل بالنزول قال وهذا خطأ قال صاحب الحاوي المصلي سائرا
إلى غير القبلة يلزمه العدول إلى القبلة في أربعة مواضع أحدها إذا دخل بلدته أو مقصده فيلزمه
استقبال القبلة فيما بقي من صلاته فإن لم يفعل بطلت الثاني إذا نوى الإقامة فيلزمه الاستقبال فيما بقي
فإن لم يفعله بطلت الثالث أن يصل المنزل لأنه وإن كان باقيا على حكم السفر فقد انقطع سيره فيلزمه الاستقبال
فان تركه بطلت صلاته الرابع أن يقف عن السير بغير نزول لاستراحة أو انتظار رفيق ونحو ذلك فيلزمه
الاستقبال فيما بقي فان تركه بطلت صلاته فان سار بعد أن توجه إلى القبلة وقبل اتمام صلاته فإن كان ذلك
لسير القافلة جاز ان يتمها إلى جهة سيره لان عليه ضررا في تأخره عن القافلة وإن كان هو
المريد لاحداث السير اشترط ان يتمها قبل ركوبه لأنه بالوقوف لزمه التوجه في هذه الصلاة فلم
238

يجز تركه كما لنازل إذا ابتدأ الصلاة إلى القبلة ثم ركب سائرا لم يجز ان يتم هذه الصلاة إلى غير
القبلة واتفق الأصحاب على أنه إذا ابتدأ النافلة على الأرض لم يجز أن يتمها على الدابة لغير القبلة
ونقله الشيخ أبو حامد وغيره عن نص الشافعي رحمه الله *
(فرع) لو دخل بلدا في أثناء طريقه ولم ينو الإقامة لكن وقف على راحلة لانتظار شغل
ونحوه وهو في النافلة فله اتمامها بالايماء ولكن يشترط استقبال القبلة في جميعها ما دام واقفا
صرح به الصيدلاني وامام الحرمين والغزالي وآخرون * * قال المصنف رحمه الله *
* (وإذا كانت النافلة في الحضر لم يجز أن يصليها إلى غير القبلة وقال أبو سعيد الإصطخري
يجوز لأنه إنما رخص في السفر حتى لا ينقطع الركوع وهذا موجود في الحضر والمذهب الأول لان
الغالب من حال الحضر اللبث والمقام فلا مشقة عليه في الاستقبال) * *
* (الشرح) * في تنفل الحاضر أربعة أوجه الصحيح المنصوص الذي قاله جمهور أصحابنا
المتقدمين لا يجوز للماشي ولا للراكب بل لنافلته حكم الفريضة في كل شئ غير القيام فإنه يجوز
التنفل قاعدا والثاني قاله أبو سعيد الإصطخري يجوز لهما قال القاضي حسين وغيره وكان أبو سعيد
الإصطخري محتسب بغداد ويطوف في السكك وهو يصلى على دابته: والثالث يجوز للراكب دون
الماشي حكاه القاضي حسين لان الماشي يمكنه أن بدخل مسجدا بخلاف الراكب والرابع يجوز
بشرط استقبال القبلة في كل الصلاة قال الرافعي هذا اختيار القفال *
(فرع) في مسائل تتعلق بالباب (إحداها) شرط جواز التنفل في السفر ماشيا وراكبا أن لا يكون
سفره معصية وكذا جميع رخص السفر شرطها أن لا يكون سفر معصية وقد سبق بيانه في باب
239

مسح الخف وسنبسطه إن شاء الله تعالى في باب صلاة المسافر (الثانية) يشترط أن يكون ما يلاقي بدن
المصلي على الراحلة وثيابه من السرج والمتاع واللجام وغيرها طاهرا ولو بالت الدابة أو وطئت
نجاسة أو كان على السرج نجاسة فسترها وصلى عليه لم يضر ولو أوطأها الراكب نجاسة لم يضر أيضا
على الصحيح من الوجهين لأنه لم يباشر النجاسة ولا حمل ما يلاقيها وبهذا الوجه قطع امام الحرمين
والغزالي والمتولي وآخرون قال القاضي حسين والمتولي ولو دمى فم الدابة وفى يده لجامها فهو كما
لو صلي وفى يده حبل طاهر طرفه على نجاسة وقد سبق بيانه ولو وطئ المتنفل ماشيا على نجاسة عمدا
بطلت صلاته قال امام الحرمين والغزالي وغيرهما ولا يكلف أن يتحفظ ويتصون ويحتاط في المشي
لان الطريق يغلب فيها النجاسة والتصون منها عسر فمراعاته تقطع المسافر عن أغراضه قال امام الحرمين
ولو انتهي إلى نجاسة يابسة لا يجد عنها معدلا فهذا فيه احتمال قال ولا شك لو كانت رطبة فمشى عليها
بطلت صلاته وإن لم يتعمد لأنه يصير حامل نجاسة (الثالثة) يشترط ترك الأفعال التي لا يحتاج إليها
فان ركض الدابة للحاجة فلا بأس وكذا لو ضربها أو حرك رجله لتسير فلا بأس إن كان لحاجة
قال المتولي فان فعله لغير حاجة لم تبطل صلاته إن كان قليلا فان كثر بطلت ولو أجراها لغير عذر
أو كان ماشيا فعدا بلا عذر قال البغوي بطلت صلاته على أصح الوجهين (الرابعة) إذا كان المسافر
راكب تعاسيف وهو الهائم الذي يستقبل تارة ويستدبر تارة وليس له مقصد معلوم فليس له التنفل
على الراحلة ولا ماشيا كما ليس له القصر ولا الترخص بشئ من رخص السفر فلو كان له مقصد
معلوم لكن لم يسر إليه في طريق معين فهل لها التنفل مستقبلا جهة مقصده فيه قولان حكاهما امام الحرمين
والغزالي وآخرون أصحهما جوازه لان له طريقا معلوما والثاني لا لأنه لم يسلك طريقا مضبوطا فقد لا يؤدى
240

سيره إلى مقصده (الخامسة) قال صاحب التتمة إذا كان متوجها إلى مقصد معلوم فتغيرت نيته وهو في
الصلاة فنوى السفر إلى غيره أو الرجوع إلى وطنه فليصرف وجه دابته إلى تلك الجهة في الحال ويستمر
على صلاته وتصير الجهة الثانية قبلته بمجرد النية (السادسة) لو كان ظهره في طريق مقصده إلى القبلة فركب
الدابة مقلوبا وجعل وجهه إلى القبلة فوجهان حكاهما صاحب التتمة أحدهما لا تصح لان قبلته طريقه
وأصحهما تصح لأنها إذا صحت لغير القبلة فلها أولي (السابعة) حيث جازت النافلة على الراحلة وماشيا
فجميع النوافل سواء في الجواز وحكى الخراسانيون وجها أنه لا يجوز العيد والكسوف والاستسقاء
لشبهها بالفرائض في الجماعة وبهذا الوجه قطع الدارمي والصحيح الأول وهو المنصوص وبه قطع
الأكثرون ولو سجد لشكر أو تلاوة خارج الصلاة بالايماء على الرحلة ففي صحته الخلاف في صلاة
الكسوف لأنه نادر والصحيح الجواز فاما ركعتا الطواف فان قلنا هما سنة جازت على الراحلة وان قلنا
واجبة فلا ولا تصح المنذورة ولا الجنازة ماشيا ولا على الراحلة على المذهب فيهما
وفيهما خلاف سبق في باب التيمم (الثامنة) شرط الفريضة المكتوبة أن يكون مصليا
مستقبل القبلة مستقرا في جميعها فلا تصح إلى غير القبلة في غير شدة الخوف ولا تصح من الماشي المستقبل
ولا من الراكب المخل بقيام أو استقبال بلا خلاف فلو استقبل القبلة وأتم الأركان في هودج أو سرير
أو نحوهما على ظهر دابة واقفة ففي صحة فريضة وجهان أصحهما تصح وبه قطع الأكثرون منهم القاضي
أبو الطيب والشيخ أبو حامد وأصحاب التتمة والتهذيب والمعتمد والبحر وآخرون ونقله القاضي عن
الأصحاب لأنه كالسفينة والثاني لا يصح وبه قطع البندنيجي وامام الحرمين والغزالي فإن كانت الدابة
سائرة والصورة كما ذكرنا فوجهان حكاهما القاضي حسين والبغوي والشيخ إبراهيم المروزي وغيرهم
الصحيح المنصوص لا تصح لأنها لا تعد قرارا والثاني تصح كالسفينة وتصح الفريضة في السفينة الواقفة
241

والجارية والزورق المشدود بطرف الساحل بلا خلاف إذا استقبل القبلة وأتم الأركان فان صلي
كذلك في سرير يحمله رجال أو أرجوحة مشدودة بالحبال أو الزورق الجاري في حق المقيم ببغداد
ونحوه ففي صحة فريضته وجهان الأصح الصحة كالسفينة وبه قطع القاضي أبو الطيب فقال في باب
موقف الإمام والمأموم قال أصحابنا لو كان يصلي على سرير فحمله رجال وساروا به
صحت صلاته *
(فرع) قال أصحابنا إذا صلي الفريضة في السفينة لم يجز له ترك القيام مع القدرة كما لو كان في البر وبه
قال مالك واحمد وقال أبو حنيفة يجوز إذا كانت سائرة قال أصحابنا فإن كان له عذر من دوران
الرأس ونحوه جازت الفريضة قاعدا لأنه عاجز فان هبت الريح وحولت السفينة فتحول وجهه عن
القبلة وجب رده إلى القبلة ويبني على صلاته بخلاف ما لو كان في البر وحول انسان وجهه عن
القبلة قهرا فإنه تبطل صلاته كما سبق بيانه قريبا قال القاضي حسين والفرق أن هذا في البر نادر وفى
البحر غالب وربما تحولت في ساعة واحدة مرارا *
(فرع) قال أصحابنا ولو حضرت الصلاة المكتوبة وهم سائرون وخاف لو نزل ليصليها على
الأرض إلى القبلة انقطاعا عن رفقته أو خاف على نفسه أو ماله لم يجز ترك الصلاة وإخراجها عن وقتها
بل يصليها على الدابة لحرمة الوقت وتجب الإعادة لأنه عذر نادر هكذا ذكر المسألة جماعة منهم
صاحب التهذيب والرافعي وقال القاضي حسين يصلي على الدابة كما ذكرنا قال ووجوب الإعادة
يحتمل وجهين أحدهما لا تجب كشدة الخوف والثاني تجب لان هذا نادر ومما يستدل للمسألة
حديث يعلي بن مرة رضي الله عنه الذي ذكرناه في باب الأذان في مسألة القيام في الأذان *
242

(فرع) المريض الذي يعجز عن استقبال القبلة ولا يجد من يحوله إلى القبلة لا متبرعا ولا بأجرة
مثله وهو واجدها يجب عليه أن يصلي على حسب حالة وتجب الإعادة لأنه عذر نادر والمربوط على خشبة
والغريق ونحوهما تلزمهما الصلاة بالايماء حيث أمكنهم وتجب الإعادة لندوره وفيهم خلاف سبق
في باب التيمم والصحيح وجوب الإعادة (التاسعة) إذا تيقن الخطأ في القبلة لزمة الإعادة في أصح
القولين كما سبق واختار المزني أن لا إعادة وبه قال أبو حنيفة ومالك واحمد وداود واحتجوا بأشياء
كثيرة منها أن أهل قباء صلوا ركعة إلى بيت المقدس بعد نسخه ووجوب استقبال الكعبة ثم علموا
في أثناء الصلاة النسخ فاستداروا في صلاتهم وأتموا إلى الكعبة وكانت الركعة الأولي إلى غير
الكعبة بعد وجوب استقبال الكعبة ولم يؤمروا بالإعادة قال الشيخ أبو حامد في جوابه اختلف
أصحابنا في النسخ إذا ورد إلى النبي صلى الله عليه وسلم هل يثبت في حق الأمة قبل بلوغه إليهم أم
لا يكون نسخا في حقهم حتى يبلغهم وفيه وجهان فان قلنا لا يثبت في حقهم حتى يبلغهم فأهل قباء لم
تصر الكعبة قبلتهم الا حين بلغتهم فلا إعادة على أهل قباء قولا واحدا وإن كان في المخطئ
قولان قال الفرق أن أهل قباء استقبلوا بيت المقدس بالنص فلا يجوز لهم الاجتهاد في خلافه
فلا ينسبوا إلى تفريط بخلاف المجتهد الذي أخطأ واحتجوا أيضا بحديث عامر بن ربيعة قال " كنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلي كل رجل منا حياله
243

فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل فأينما تولوا فثم وجه الله " بحديث جابر قال " كنا
في مسير فأصابنا غيم فتحيرنا في القبلة فصلي كل رجل على وحدة وجعل أحدنا يخط بين يديه فلما
أصبحنا إذا نحن قد صلينا لغير القبلة فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد أجيزت صلاتكم " والجواب
أن الحديثين ضعيفان ضعف الأول الترمذي والبيهقي وآخرون وضعف الثاني الدارقطني والبيهقي
وآخرون قال البيهقي لا نعلم له اسنادا صحيحا ولو صحا لأمكن حملهما على صلاة النفل والله أعلم (العاشرة)
قال الشافعي في الأم لو اجتهد فدخل في الصلاة فعمى فيما أتمه ولا إعادة لان اجتهاده الأول أولي
من اجتهاد غيره قال فان دار عن تلك الجهة أو اداره غيره خرج من الصلاة واستأنفها باجتهاد غيره *
* قال المصنف رحمه الله *
* (المستحب لمن يصلي إلى سترة أن يدنو منها لما روى عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان صلاته "
والمستحب أن يكون بينه وبينها قدر ثلاثة أذرع لما روى سهل بن يعد الساعدي رضي الله عنه
قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى وبينه وبين القبلة قدر ممر العنز " وممر العنز قدر
ثلاث أذرع فإن كان يصلي في موضع ليس بين يديه بناء فالمستحب أن ينصب بين يديه عصا لما
روى أبو جحيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " خرج في حلة حمراء فركز عنزة فجعل
244

يصلى إليها بالبطحاء يمرون الناس من ورائها الكلب والحمار والمرأة " والمستحب أن يكون ما يستره
قدر مؤخرة الرحل لما روى طلحة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا
وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال من مر وراء ذلك " قال عطاء مؤخرة
الرحل ذراع فإن لم يجد عصا فليخط بين يديه خطا إلى القبلة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا صلي أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد شيئا
فلينصب عصا فإن لم يجد عصا فليخط خطا ولا يضره ما مر بين يديه " ويكره أن يصلي وبين
يديه رجل يستقبله بوجهه لما روى أن عمر رضي الله عنه " رأى رجلا يصلى ورجل جالس مستقبله
فضربهما بالدرة " فان صلي ومر بين يديه مار دفعه ولم تبطل بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يقطع صلاة
المرء شئ وادرء واما استطعتم) * *
* (الشرح) * حديث سهل بن حثمة صحيح رواه أبو داود والنسائي باسناد صحيح ورواه
الحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم وحديث سهل بن سعد رواه
البخاري ومسلم ولفظهما " كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممر الشاة "
وحديث أبي جحيفة رواه مسلم ومسلم أيضا وحديث طلحة رواه مسلم لكن وقع في المهذب
" ولا يبالي من وراء ذلك " والذي في صحيح مسلم وغيره " من مر وراء ذلك " بزيادة لفظة مرو في رواية
245

الترمذي " من مر من وراء ذلك " وحديث أبي هريرة في الخط رواه أبو داود وابن ماجة قال البغوي
وغيره هو حديث ضعيف وروى أبو داود في سننه عن سفيان بن عيينة تضعيفه وأشار إلى تضعيفه
الشافعي والبيهقي وغيرهما قال البيهقي هذا الحديث أخذ به الشافعي في القديم وسنن حرملة وقال في
البويطي ولا يخط بين يديه خطا إلا أن يكون في ذلك حديث ثابت فيتبع قال البيهقي وإنما توقف
الشافعي في الحديث لاختلاف الرواة على إسماعيل بن أمية أحد رواته وقال غير البيهقي هو ضعيف
لاضطرابه واما حديث " لا يقطع الصلاة شئ وادرأوا ما استطعتم فإنما هو شيطان " فرواه أبو داود
باسناد ضعيف من رواية أبي سعيد الخدري واما قوله قال عطاء مؤخرة الرحل ذراع فرواه عنه
أبو داود في سننه باسناد صحيح وهو عطاء بن أبي رباح وأما ألفاظ الفصل ففيه سهل بن أبي
حثمة بفتح الحاء المهملة واسكان المثلثة واسم أبى حثمة عبد الله وقيل عامر ابن ساعدة الأنصاري
المدني كنية سهل أبو يحيى وقيل أبو محمد توفى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين وحفظ
جملة أحاديث واما سهل بن سعد فهو أبو العباس سهل بن سعد بن مالك بن خالد الأنصاري
الساعدي المدني منسوب إلى ساعدة أحد أجداده توفى بالمدينة سنة إحدى وتسعين وهو
ابن مائة سنة قال محمد بن سعد هو آخر من مات من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
246

بالمدينة ليس بيننا في ذلك اختلاف: وأما أبو جحيفة فسبق بيانه في باب الأذان وطلحة
سبق في أول كتاب الصلاة وعمر في نية الوضوء وأبو هريرة في المياه وعطاء في الحيض: وفى
الذراع لغتان التذكير والتأنيث وهو الأفصح الأكثر قوله وممر العنز قدر ثلاثة أذرع هو من كلام
المصنف لا من الحديث وقوله فركز عنزة هو بفتح النون وهو عصا نحو نصف رمح في أسفلها زج
كزج الرمح الذي في أسفله والحلة ثوبان أزار ورداء قال أهل اللغة لا تكون الا ثوبين ومؤخرة
الرحل سبق بيانها في الباب والبطحاء بالمد هي بطحاء مكة ويقال فيها الأبطح وهو موضع معروف
على باب مكة وادرأوا اما استطعتم أي ادفعوا وقوله يمرون الناس من ورائها كذا وقع في المهذب
والذي في الأحاديث الصحيحة يمر الناس وهذا هو المشهور في اللغة وإن كان الذي في المهذب
لغة قليلة ضعيفة وهي لغة أكلوا في البراغيث: أما أحكام الفصل ففيه مسائل (إحداهما) السنة للمصلي
أن يكون بين يديه سترة من جدار أو سارية أو غيرهما ويدنو منها ونقل الشيخ أبو حامد الاجماع
فيه والسنة أن لا يزيد ما بينه وبينها على ثلاثة أذرع فإن لم يكن حائط ونحوه غرز عصا ونحوها أو جمع
متاعه أو رحله ويكون ارتفاع العصا ونحوها ثلثي ذراع فصاعد وهو قدر مؤخرة الرحل على
المشهور وقيل ذراع كما حكاه عن عطاء وكذا قاله الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب فإن لم يجد
شيئا شاخصا فهل يستحب أن يخطر بين يديه نص الشافعي في القديم وسنن حرملة أنه يستحب وفى
البويطي لا يستحب وللأصحاب طرق (أحدها) وبه قطع المصنف والشيخ أبو حامد والأكثرون
يستحب قولا واحدا ونقل في البيان اتفاق الأصحاب عليه ونقله الرافعي عن الجمهور (والطريق
الثاني) لا يستحب وبه قطع امام الحرمين والغزالي وغيرهما (والثالث) فيه قولان فان قلنا بالخط ففي
كيفيته اختلاف قال أحمد بن حنبل والحميدي شيخ البخاري وصاحب الشافعي يجعله مثل الهلال
247

وقال أبو داود في سننه سمعت مسددا يقول قال ابن داود الخط بالطول وقال المصنف يخط بين
يديه خطا إلى القبلة وقال غيره بخطه يمينا وشمالا كالجنازة والمختار استحباب الخط لأنه وإن لم
يثبت الحديث ففيه تحصيل حريم للمصلي وقد قدما اتفاق العلماء على العمل بالحديث الضعيف
في فضائل الاعمال دون الحلال والحرام وهذا من نحو فضائل الاعمال والمختار في كيفيته ما ذكر
المصنف وممن جزم باستحباب الخط القاضي أبو حامد المروزي والشيخ أبو حامد والقاضي أبو
الطيب والبندنيجي وأشار إليه البيهقي وغيره قال الغزالي والبغوي وغيرهما وإذا لم يجد شاخصا
بسط مصلاه *
(فرع) قال الشافعي رحمة الله في البويطي ولا يستتر بامرأة ولا دابة فاما قوله في المرأة فظاهر
لأنها ربما شغلت ذهنه وأما الدابة ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله
عليه وسلم " كان يعرض راحلته فيصلي إليها " زاد البخاري في روايته " وكان ابن عمر يفعله " ولعل
الشافعي رحمه الله لم يبلغه هذا الحديث وهو حديث صحيح لا معارض له فيتعين العمل به لا سيما
وقد أوصانا الشافعي رحمه الله بأنه إذا صح الحديث فهو مذهبه *
(فرع) المعتبر في السترة أن يكون طولها كمؤخرة الرحل وأما عرضها فلا ضابط فيه بل يكفي
الغليظ والدقيق عندنا وقال مالك أقله كغلظ الرمح تمسكا بحديث العنزة ودليلنا حديث أبي
هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يجزئ من السترة مثل مؤخرة الرجل ولو
بدقة شعرة " وعن سبرة ابن معبد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " استتروا في
صلاتكم ولو بسهم " رواه الحاكم في المستدرك وقال حديثان صحيحان الأول على شرط البخاري
248

ومسلم والثاني على شرط مسلم *
(فرع) قال البغوي وغيره يستحب أن يجعل السترة على حاجبه الأيمن أو الأيسر لما روى
المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عود
ولا عمود ولا شجرة الا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد له " رواه أبو داود ولم
يضعفه لكن في اسناده الوليد بن كامل وضعفه جماعة قال البيهقي تفرد به الوليد وقد قال
البخاري عنده عجائب (المسألة الثانية) إذا صلى إلى سترة حرم على غبره المرور بينه وبين السترة
ولا يحرم وراء السترة وقال الغزالي يكره ولا يحرم والصحيح بل الصواب انه حرام وبه قطع البغوي
والمحققون واحتجوا بحديث أبي الجهيم الأنصاري الصاحبي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال " لو يعلم المار بين يدي المصلى ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن
بمر بين يديه " رواه البخاري ومسلم وفى رواية رويناها في كتاب الأربعين للحافظ عبد القادر
الرهاوي " لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الاثم " وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا صلي أحدكم إلى شئ يستره من الناس
فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فان أبى فليقاتله فإنما هو شيطان " رواه البخاري ومسلم
قال أصحابنا ويستحب للمصلى دفع من أراد المرور لحديث أبي سعيد المذكور وعن ابن عمر
رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا كان أحدكم يصلى فلا يدع أحدا يمر
بين يديه فان أبى فليقاتله فان معه القرين " رواه مسلم ويدفعه دفع الصائل بالأسهل ثم الأسهل
ويزيد بحسب الحاجة وان أدى إلى قتله فان مات منه فلا ضمان فيه كالصائل قال الرافعي وكذا
ليس لأحد ان يمر بينه وبين الخط على الصحيح من الوجهين وبه قطع الجمهور كالعصا اما إذا لم
يكن بين يديه سترة لو كانت وتباعد عنها فوجهان أحدهما له الدفع لتقصير المار وأصحهما ليس له
الدفع لتقصيره بترك السترة ولمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم " إذا صلي أحدكم إلى شئ يستره "
ولا يحرم في هذه الحالة المرور بين يديه ولكن يكره *
(فرع) إذا وجد الداخل فرجة في الصف الأول فله أن يمر بين يدي الصف الثاني ويقف فيها
لتقصير أهل الصف الثاني بتركها *
(فرع) قال إمام الحرمين النهى عن المرور الامر بالدفع إنما هو إذا وجد المار سبيلا سواه
فإن لم يجد وازدحم الناس فلا نهي عن المرور ولا يشرع الدفع وتابع الغزالي امام الحرمين على هذا
قال الرافعي وهو مشكل ففي صحيح البخاري خلافه وأكثر كتب الأصحاب ساكتة عن التقييد
249

بما إذا وجد سواه سبيلا. قلت الحديث الذي في صحيح البخاري عن أبي صالح السمان فال " رأيت
أبا سعيد الخدري رضي الله عنه في يوم جمعة يصلى إلى شئ يستره من الناس فأراد شاب أن يجتاز
بين يديه فدفع أبو سعيد في صدره فنظر الشاب فلم يجد مساغا الا بين يديه فعاد ليجتاز فدفعه
أبو سعيد أشد من الأول فنال من أبي سعيد ثم دخل على مروان فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد
ودخل أبو سعيد خلفه على مروان فقال مالك ولابن أخيك يا أبا سعيد قال سمعت النبي صلى الله
عليه وسلم يقول إذا صلي أحدكم إلى شئ يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه
فان أبي فليقاتله فإنما هو شيطان " رواه البخاري ومسلم: (المسألة الثالثة) إذا صلي إلى سترة فمر بينه
وبينها رجل أو امرأة أو صبي أو كافر أو كلب أسود أو حمار أو غيرها من الدواب لا تبطل صلاته
عندنا قال الشيخ أبو حامد والأصحاب وبه قال عامة أهل العلم الا الحسن البصري فإنه قال تبطل
بمرور المرأة والحمار والكلب الأسود وقال احمد واسحق تبطل بمرور الكلب الأسود فقط واحتج
للحسن ولهما في الكلب بحديث عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " إذا قام أحدكم يصلى فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإذا لم يكن
بين يديه مثل آخرة فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود قال قلت يا أبا ذر ما بال
الكلب الأسود من الكلب من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر قال يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله
عليه وسلم عما سألتني فقال الكلب الأسود شيطان " رواه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب " رواه مسلم وعن ابن عباس رفعه " يقطع الصلاة
المرأة الحائض والكلب " رواه أبو داود باسناد صحيح وعن عكرمة عن ابن عباس قال أحسبه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا صلى أحدكم إلى غير سترة فإنه يقطع صلاته الحمار والخنزير
واليهودي والمجوسي والمرأة ويجزئ عنه إذا مروا بين يديه على قذفه بحجر " رواه أبو داود وضعفه
وجعله منكرا وروى أبو داود أحاديث كثيرة من هذا النوع ضعيفة واحتج لأصحابنا والجمهور
بحديث مسروق قال ذكروا عند عائشة رضي الله عنها ما يقطع الصلاة فذكروا الكلب والحمار والمرأة
فقالت " شبهتمونا بالحمر والكلاب لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلى وانا على السرير بينه وبين
القبلة مضطجعة " رواه البخاري ومسلم وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال " أقبلت راكبا على حماراتان
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس يمينا إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت
وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك على أحد " رواه البخاري ومسلم وعن الفضل
ابن عباس رضي الله عنهما قال " أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا فصلي في صحراء
250

ليس بين يديه سترة وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه فما بالي ذلك " رواه أبو داود باسناد حسن
قال أبو داود وإذا اختلف الخبران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى عمل به أصحابه وعن
ابن عباس قال " كنت رديف الفضل على أتان فجئنا والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه بمنى
فنزلنا عنها فوصلنا الصف فمرت بين أيديهم فلم تقطع صلاتهم " رواه الترمذي وقال حديث حسن
صحيح واما الجواب عن الأحاديث الصحيحة التي احتجوا بها فمن وجهين أصحهما وأحسنهما ما أجاب
به الشافعي والخطابي والمحققون من الفقهاء والمحدثين ان المراد بالقطع القطع عن الخشوع والذكر للشغل بها
والالتفات إليها لا انها تفسد الصلاة قال البيهقي رحمه الله ويدل على صحة هذا التأويل ان ابن عباس
أحد رواة (1) قطع الصلاة بذلك ثم روى عن ابن عباس انه حمله على الكراهة فهذا الجواب
هو الذي نعتمده واما ما يدعيه أصحابنا وغيرهم من النسخ فليس بمقبول إذ لا دليل عليه ولا يلزم من
كون حديث ابن عباس في حجة الوداع وهي في آخر الامر أن يكون ناسخا إذ يمكن كون أحاديث
القطع بعده وقد علم وتقرر في الأصول ان مثل هذا لا يكون ناسخا مع أنه لو احتمل النسخ لكان
الجمع بين الأحاديث مقدما عليه إذ ليس فيه رد شئ منها وهذه أيضا قاعدة معروفة والله أعلم.
(المسألة الرابعة) يكره أن يصلي وبين يديه رجل أو امرأة يستقبله ويراه وقد كرهه عمر بن الخطاب
وعثمان بن عفان رضي الله عنهما ولأنه يشغل القلب غالبا فكره كما كره النظر إلى ما يلهيه كثوب له
أعلام ورفع البصر إلى السماء وغير ذلك مما ثبتت فيه الأحاديث الصحيحة وقال البخاري في صحيحه
كره عثمان رضي الله عنه أن يستقبل الرجل وهو يصلي قال البخاري وإنما هذا إذا اشتغل به فاما إذا
لم يشتغل به فقد قال زيد بن ثابت ما باليت ان الرجل لا يقطع صلاة الرجل ثم احتج البخاري بحديث
عائشة المذكور في المسألة الثالثة وليس في حديث عائشة ما يخالف ما ذكرناه أو لا لان النبي صلى
الله عليه وسلم لم يكن يصلي وهي مستقبلته بل كانت مضطجعة واضطجاعها في ظلام الليل فوجودها
كعدمها إذ لا ينظر إليها ولا يستقبلها *
(فرع) لا تكره الصلاة إلى النائم وتكره إلى المتحدثين الذين يشتغل بهم فاما عدم الكراهة في
النائم فلحديث عائشة السابق واما الكراهة في المتحدث فلشغل القلب ولما ذكرناه في المسألة الرابعة
وأما حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث " فرواه أبو داود
ولكن ضعيف باتفاق الحفاظ وممن ضعفه أبو داود وفى اسناده رجل مجهول لم يسم قال الخطابي هذا
الحديث لا يصح وقد ثبت حديث عائشة قال فاما الصلاة إلى المتحدثين فقد كرهها الشافعي
واحمد لان كلامهم يشغل المصلى عن صلاته *

(1) بياض بالأصل اه‍
251

إذا صلى الرجل وبجنبه امرأة لم تبطل صلاته ولا صلاتها سواء كان اماما أو مأموما هذا
مذهبا وبه قال مالك والأكثرون وقال أبو حنيفة إن لم تكن المرأة في صلاة أو كانت في صلاة غير
مشاركة له في صلاته صحت صلاته وصلاتها فإن كانت في صلاة يشاركها فيها ولا تكون مشاركة له
عند أبي حنيفة الا إذا نوى الامام امامة النساء فإذا شاركته فان وقفت بجنب رجل بطلت صلاة من
إلى جنبيها ولا تبطل صلاتها ولا صلاة من يلي الذي يليها لان بينه وبينها حاجزا وإن كانت في
صف بين يديه بطلت صلاة من يحاذيها من ورائها ولم تبطل صلاة يحاذي محاذيها لان دونه حاجزا
فان صف نساء خلف الامام وخلفهن صف رجال بطلت صلاة الصف الذي يليهن قال وكان القياس
أن لا تبطل صلاة من وراء هذا الصف من الصفوف بسبب الحاجز ولكن نقول تبطل صفوف
الرجال وراءه ولو كانت مائة صف استحسانا فان وقفت بجنب الامام بطلت صلاة الامام لأنها إلى جنبه
ومذهبه أنها إذا بطلت صلاة الامام بطلت صلاة المأمومين أيضا وتبطل صلاتها أيضا لأنها من جملة المأمومين
وهذا المذهب ضعيف الحجة ظاهر التحكم والتمسك بتفصيل لا أصل له وعمدتنا أن الأصل أن الصلاة
صحيحة حتى يرد دليل صحيح شرعي في البطلان وليس لهم ذلك وينضم إلى هذا حديث عائشة رضي الله عنه
ا المذكور في المسألة الثالثة فان قالوا نحن نقول به لأنها لم تكن مصلية قال أصحابنا نقول
إذا لم تبطل وهي في غير عبادة ففي العبادة أولى وقاس أصحابنا على وقوفها في صلاة الجنازة فإنها
لا تبطل عندهم والله أعلم بالصواب وله الحمد والنعمة والمنة وبه التوفيق والهداية العصمة *
* قال المصنف رحمه الله *
* (باب صفة الصلاة) *
* (إذا أراد أن يصلى في جماعة لم يقم حتى يفرغ المؤذن من الإقامة لأنه ليس بوقت للدخول
في الصلاة والدليل عليه ما روى أبو أمامة أن بلالا أخذ في الإقامة فلما قال قد قامت الصلاة قال
النبي صلى الله عليه وسلم " أقامها الله وأدامها " وقال في سائر الإقامة مثل ما يقول له فإذا فرغ
المؤذن قام) * *
252

* (الشرح) * حديث أبي أمامة رواه أبو داود باسناد ضعيف جدا وقد سبق بيانه في أواخر
باب الأذان حيث ذكره المصنف هناك وقول المصنف إذا أراد أن يصلي جماعة احتراز من المنفرد
فإنه يقوم أولا ثم يقيم قائما وقوله لأنه ليس بوقت للدخول يعني أنه لا يشرع الدخول فيها قبل
الفراع من الإقامة لا أنه لا يصح الدخول فإنها يصح الدخول فيها في أثناء الإقامة وقبلها وقوله
والدليل عليه يعني الدليل على أنه ليس بوقت الدخول لان في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم
تابعه في جميع ألفاظ الإقامة ولا يتابعه الا قبل الدخول: أما حكم المسألة فمذهبنا أنه يستحب للامام
والمأموم أن لا يقوما حتى يفرغ المؤذن من الإقامة فإذا فرع قاما متصلا بفراغه قال القاضي
أبو الطيب وبهذا قال مالك وأبو يوسف وأهل الحجاز واحمد وإسحاق وقال أبو حنيفة والثوري
إذا قال المؤذن حي على الصلاة نهض الإمام والمأمومون فإذا قال قد قامت الصلاة كبر وكبروا وعن
محمد بن الحسن روايتان كالمذهبين وقال ابن المنذر كان أنس بن مالك إذا قيل قد قامت الصلاة
وثب وكان عمر بن عبد العزيز ومحمد بن كعب وسالم بن عبد الله وأبو قلابة وعراك بن مالك والزهري
وسليمان بن حبيب المحاربي يقومون إلى الصلاة في أول بدؤه من الإقامة وبه قال عطاء وهو مذهب
احمد وإسحاق إذا كان الامام في المسجد وكان مالك لا يوقف فيه شيئا هذا ما نقله ابن المنذر
ووافقنا جمهور العلماء من السلف والخلف على أنه لا يكبر الامام حتى يفرع المؤذن من الإقامة
نقله عنهم القاضي عياض واحتج لأبي حنيفة بما روى أن بلالا قال للنبي صلى الله عليه وسلم
لا تسبقني بآمين رواه أبو داود وعن الحجاج بن فروخ عن العوام بن حوشب عن عبد الله بن أبي
أوفى قال " كان بلال إذا قال قد قامت الصلاة نهض النبي صلى الله عليه وسلم فكبر " رواه البيهقي
قالوا ولأنه إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة ولم يكبر الامام يكون كاذبا واحتج أصحابنا المحدثون
منهم البيهقي والبغوي وغيرهما بحديث أبي قتادة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني " رواه البخاري ومسلم واحتج الجمهور بحديث أبي أمامة
المذكور في الكتاب لكنه ضعيف قالوا ولأنه دعاء إلى الصلاة فلم يشرع الدخول في الصلاة
الا بعد فراغه كالأذان والجواب عن حديث بلال من وجهين أحسنهما وهو جواب البيهقي والمحققين
253

انه ضعيف روى مرسلا وفى رواية مسندا فاسناده ضعيف ليس بشئ وإنما رواه الثقات مرسلا
ورواه الإمام أحمد في مسنده بإسناده عن أبي عثمان النهدي قال قال بلال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " لا تسبقني بآمين " قال البيهقي فيرجع الحديث إلى أن بلالا كأنه كان يؤمن قبل تأمين النبي
صلى الله عليه وسلم فقال لا تسبقني بآمين والجواب الثاني جواب الأصحاب انه طلب ذلك حين
عرض له حاجة خارج المسجد فسأل النبي صلى الله عليه وسلم التمهل ليدرك تأمينه الدليل على هذا أن
بين قوله قد قامت الصلاة وبين آخر الإقامة زمنا يسيرا جدا يمكنه إتمام الإقامة وإدراك آخر
الفاتحة بل أدراك أولها بل ما قبلها لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ دعاء الافتتاح بعد تكبيره
ثم يتعوذ ثم يشرع في الفاتحة فيتعين ما قلناه وأما حديث ابن أبي أوفى فضعيف قال البيهقي لا يرويه
الا حجاج بن فروخ وكان يحيي بن معين يضعفه: قلت اتفقوا على جرح الحجاج هذا فقال ابن
أبي حاتم عن يحيى بن معين ليس هو بشئ وقال أبو حاتم هو شيخ مجهول وقال النسائي ضعيف
وقال الدارقطني متروك وهذه أوضع العبارات عندهم وفى الحديث ضعف من جهة أخرى وهي
أن ابن العوام بن حوشب لم يدرك بن أبي أوفى كذا قاله أحمد بن حنبل وغيره ولم يسمع أحدا من
الصحابة وإنما روايته عن التابعين وأما قولهم أنه يكون كاذبا فجوابه أن معناه قد قرب الدخول في
الصلاة فهكذا قاله أهل العربية والفقهاء والمحدثون وهو مجاز مستعمل حسن كقول الله تعالى (فإذا
بلغن أجلهن) أي قاربنه وفى الحديث " من وقف بعرفة فقد ثم حجه " أي قارب التمام قال أصحابنا
254

ولان ما ألزمونا به يلزمهم على مقتضاه تقديم الاحرام على قوله قد قامت الصلاة والله أعلم *
(فرع) قد ذكرنا أن مذهبنا انه يسحب للمأموم والامام أن لا يقوما حتى يفرغ المؤذن
من الإقامة هكذا أطلقه المصنف والجمهور وقال صاحب الحاوي في آخر باب الأذان ينبغي لمن
كان شيخا بطئ النهضة ان يقوم عند قوله قد قامت الصلاة ولسريع النهضة ان يقوم بعد الفراغ
ليستووا قياما في وقت واحد *
(فرع) لو دخل المسجد وأراد الشروع في تحية المسجد أو غيرها فشرع المؤذن في الإقامة
قبل احرامه فليستمر قائما ولا يشرع في التحية للحديث الصحيح " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا
المكتوبة " ولا يجلس للحديث الصحيح في النهي عن الجلوس قبل التحية وإذا استمر قائما لا يكون
قد قام للصلاة قبل فراغ المؤذن من الإقامة لان هذا لم يبتد القيام لها صرح بهذه المسألة البغوي
وغيره وهي ظاهرة وفى كتاب الزيادات لأبي عاصم انه يجلس وهذا غلط نبهت عليه لئلا يغتر به *
(فرع) إذا أقيمت الصلاة وليس الامام مع القوم بل يخرج إليهم فقد نقل الشيخ أبو حامد
عن مذهبنا ومذهب أبي حنيفة انهم يقومون عقب فراغ المؤذن منه الإقامة وهذا مشكل فقد ثبت
255

في الصحيحين عن أبي قتادة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أقيمت
الصلاة فلا تقوموا حتى تروني " وفى رواية لمسلم " حتى تروني قد خرجت " فان قيل ففي صحيح مسلم
عن أبي هريرة رضي الله عن قال " كانت الصلاة تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ
الناس مصافهم قبل أن يقوم مقامه " قلنا معناه أنهم كانوا يقومون إذا رأوه قد خرج قبل وصوله
مقامه يدل عليه حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال " كان بلال يؤذن إذا دحضت ولا يقيم
حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه ": فان قيل ففي صحيح مسلم
عن أبي هريرة قال " أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج الينا رسول الله صلى
الله عليه وسلم فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا أقام في مصلاه: وذكر الحديث " قلنا هذا
محمول على أنه كان في بعض الأوقات وكان الغالب ما في حديث جابر بن سمرة أو انه أراد
بقوله قبل أن يخرج الينا أي قبل أن يصلنا * * قال المصنف رحمه الله *
* (والقيام فرض في الصلاة المفروضة لما روى عمران ابن الحصين رضي الله عنه ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال " صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب " واما في
النافلة فليس بفرض لان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يتنفل على الراحلة وهو قاعد " ولان النوافل
تكثر فلو وجب فيها القيام شق وانقطعت النوافل) * *
256

* (الشرح) * حديث عمران رضي الله عنه رواه البخاري بلفظه وأبو حصين صحابي على المشهور
وقيل لم يسلم كنية عمران أبو نجيد بضم النون أسلم عام خيبر وهو خزاعي نزل البصرة وولي قضاءها
ثم استقال فأقيل وتوفى بها سنة اثنتين وخمسين واما حديث تنقل النبي صلى الله عليه وسلم على الراحلة
فثابت رواه البخاري ومسلم من رواية ابن عمر وجابر وانس وعامر ابن ربيعة رضي الله عنهم
257

اما حكم المسألة فالقيام في الفرائض فرض بالاجماع لا تصح الصلاة من القادر عليه الا به حتى قال
أصحابنا لو قال مسلم انا استحل القعود في الفريضة بلا عذر أو قال القيام في الفريضة ليس بفرض
كفر إلا أن يكون قريب عهد باسلام *
(فرع) في مسائل تتعلق بالقيام (إحداها) قال أصحابنا يشترط في القيام الانتصاب وهل
258

يشترط الاستقلال بحيث لا يستند فيه أوجه أصحها وبه قطع أبو علي الطبري في الافصاح والبغوي
وآخرون وصححه القاضي أبو الطيب في تعليقه والرافعي لا يشترط فلو استند إلى جدار أو انسان أو
اعتمد على عصا بحيث لو رفع السناد لسقط صحت صلاته مع الكراهة لأنه يسمى قائما والثاني يشترط
ولا تصح مع الاستناد في حال القدرة بحال حكاه القاضي أبو الطيب عن ابن القطان وبه قطع امام
259

الحرمين والغزالي والثالث يجوز الاستناد إن كان بحيث لو رفع السناد لم يسقط وإلا فلا هذا في استناد
لا يسلب اسم القيام فان استند متكئا بحيث لو رفع عن الأرض قدميه لأمكنه البقاء لم تصح صلاته بلا
خلاف لأنه ليس بقائم بل معلق نفسه بشئ فلو لم يقدر على الاستقلال فوجهان الصحيح انه يجب
ان ينتصب متكئا لأنه قادر على الانتصاب والثاني لا يلزمه الانتصاب بل له الصلاة قاعدا: اما
260

الانتصاب المشروط فالمعتبر فيه نصب فقار الظهر ليس للقادر أن يقف مائلا إلى أحد جانبيه
زائلا عن سنن القيام ولا أن يقف منحنيا في حد الراكعين فإن لم يبلغ انحناؤه حد الراكعين لكن
كان إليه أقرب فوجهان أصحهما لا تصح صلاته لأنه غير منتصب والثاني تصح لأنه في معناه ولو أطرق
رأسه بغير انحناء صحت صلاته بلا خلاف لأنه منتصب ولو لم يقدر على النهوض الا بمعين ثم إذا
261

نهض لا يتأذى بالقيام لزمه الاستعانة اما بمتبرع واما بأجرة المثل ان وجدها هذا كله في القادر على الانتصاب
فاما العاجز كمن تقوس ظهره لزمانة أو كبر وصار في حد الراكعين فيلزمه القيام فإذا أراد الركوع زاد في الانحناء
ان قدر عليه هذا هو الصحيح وبه قطع العراقيون والمتولي والبغوي ونص عليه الشافعي قال الرافعي هو
المذهب ونقله ابن كج عن نص الشافعي وقال امام الحرمين والغزالي يلزمه ان يصلي قاعدا قالا فان قدر
262

عند الركوع على الارتفاع إلى حد الراكعين لزمه والمذهب الأول لأنه قادر على القيام ولو عجز عن الركوع
والسجود دون القيام لعلة بظهره تمنع الانحناء لزمه القيام ويأتي بالركوع والسجود بحسب الطاقة
فيحنى صلبه قدر الامكان فإن لم يطق حني رقبته ورأسه فان احتاج فيه إلى شئ يعتمد عليه أو ليتكئ
إلى جنبه لزمه ذلك فإن لم يطق الانحناء أصلا أومأ إليهما ولو أمكنه القيام والاضطجاع دون القعود
263

قال البغوي يأتي بالقعود قائما لأنه قعود وزيادة وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان مسائل العجز عن
القيام وفروعها في باب صلاة المريض حيث ذكرها المصنف رحمه الله *
(فرع) في مذاهب العلماء في الاعتماد على شئ في حال القيام: قد ذكرنا تفصيل مذهبنا قال
القاضي عياض في مسائل قيام الليل في شرح مسلم اختلف السلف في جواز التعلق بالحبال ونحوها
264

في صلاة النفل لطولها فنهى عنه أبو بكر الصديق وحذيفة رضي الله عنهما ورخص فيه آخرون قال
واما الاتكاء على العصي فجائز في النوافل باتفاقهم الا ما حكي عن ابن سيرين من كراهته وقال مجاهد
ينقص من اجره بقدره قال واما في الفرائض فمنعه مالك والجمهور وقالوا من اعتمد على عصا أو
حائط ونحوه بحيث يسقط لو زال لم تصح صلاته قال وأجاز ذلك أبو ذر وأبو سعيد الخدري وجماعة
265

من الصحابة والسلف قال وهذا إذا لم يكن ضرورة فإن كانت جاز وكان أفضل من الصلاة جالسا
والله أعلم (المسألة الثانية) لو قام على إحدى رجليه صحت صلاته مع الكراهة فإن كان معذورا فلا
كراهة ويكره أن يلصق القدمين بل يستحب التفريق بينهما ويكره ان يقدم إحداهما على الأخرى
ويستحب أن يوجه أصابعهما إلى القبلة *
266

(فرع) في الترويح بين القدمين في القيام قال ابن المنذر قال مالك واحمد وإسحاق لا بأس
به قال وبه أقول وهذا أيضا مقتضى مذهبنا (الثالثة) تطويل القيام أفضل من تطويل الركوع
والسجود لحديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الصلاة أفضل قال " طول
القنوت " رواه مسلم والمراد من القنوت القيام وتطويل السجود أفضل من تطويل باقي الأركان
267

غير القيام لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أقرب ما يكون
العبد من ربه وهو ساجد " رواه مسلم وقال جماعة من العلماء تطويل السجود وتكثير الركوع
والسجود أفضل من تطويل القيام حكاه الترمذي والبغوي في شرح السنة لقوله صلى الله عليه وسلم
268

" أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد " وقوله صلى الله عليه وسلم " عليك بكثرة السجود " رواه مسلم
وقال بعض العلماء هما سواء وتوقف أحمد بن حنبل في المسألة ولم يقض فيها بشئ وقال إسحاق
ابن راهويه أما في النهار فتكثير الركوع والسجود أفضل واما بالليل فتطويل القيام أفضل إلا أن يكون
للرجل جزء بالليل يأتي عليه فتكثير الركوع والسجود أفضل لأنه يقرأ جزءه ويربح كثرة
269

الركوع والسجود: قال الترمذي إنما قال إسحاق هذا لأنهم وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه
وسلم بالليل بطول القيام ولم يوصف من تطويله بالنهار ما وصف بالليل: دليلنا على تفضيل إطالة
270

القيام حديث " أفضل الصلاة طول القنوت " ولان المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم انه " كان
يطول القيام أكثر من الركوع والسجود " ولان ذكر القيام القراءة وهي أفضل من ذكر الركوع
271

والسجود (الرابعة) الواجب من القيام قدر قراءة الفاتحة ولا يجب ما زاد والواجب من الركوع
272

والسجود قدر أدنى طمأنينة ولا يجب ما زاد فلو زاد في القيام والركوع والسجود على ما يجزئه فهل
273

يقع الجميع واجبا أم الواجب ما يجزئه والباقي تطوع (فيه وجهان) مشهوران للخراسانيين والأصح
274

أن الجميع يقع واجبا وبه قطع الشيخ أبو محمد في كتابه التبصرة وهما مثل الوجهين في مسح كل
الرأس وفى البعير المخرج في الزكاة عن خمس وفى البدنة المضحي بها بدلا عن شاة منذورة: قال صاحب
التتمة والوجهان مبنيان على أن الوقص في الزكاة عفو أم يتعلق به الفرض وفيه قولان (وتظهر
فائدة الخلاف في القيام والركوع والسجود ومسح الرأس) في تكثير الثواب فان ثواب الفرض
أكثر من ثواب التطوع: وفى الزكاة في الرجوع عند التعجيل وفى البدنة في الأكل منها وقد سبق
بيان هذه المسائل في مسألة مسح الرأس (الخامسة) لو جلس للغزاة رقيب يرقب العدو فأدركته
الصلاة ولو قام لرآه العدو أو جلس الغزاة في مكمن ولو قاموا رآهم العدو وفسد التدبير فلهم الصلاة
قعودا وتجب الإعادة لندوره: وقال المتولي في غير الرقيب ان خاف لو قام ان يقصده العدو صلي
قاعدا وأجزأته على الصحيح قال ولو صلى الكمين في وهدة قعودا ففي صحتها قولان: قلت أصحهما
وجوب الإعادة (السادسة) يجوز فعل النافلة قاعدا مع القدرة على القيام بالاجماع ودليله الأحاديث الصحيحة
التي ذكرناها وغيرها مما هو مشهور في الصحيح لكن ثوابها يكون نصف ثواب القائم لحديث
عمران بن حصين رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صلى قائما فهو أفضل
ومن صلي قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلي نائما فله نصف أجر القاعد " رواه البخاري:
والمراد بالنائم المضطجع *
275

ولو تنفل مضطجعا بالايماء بالرأس مع قدرته على القيام والقعود فوجهان (أحدهما) لا تصح صلاته
لأنه يذهب صورتها بغير عذر وهذا أرجحهما عند امام الحرمين والثاني وهو الصحيح صحتها
لحديث عمران ولو صلى النافلة قاعدا أو مضطجعا للعجز عن القيام والقعود فثوابه ثواب القيام
بلا خلاف كما في صلاة الفرض قاعدا أو مضطجعا للعجز فان ثوابها ثواب القائم بلا خلاف والحديث
ورد فيمن يصلى النفل قاعدا أو مضطجعا مع قدرته على القيام يستوي فيما ذكرناه جميع النوافل
المطلقة والراتبة وصلاة العيد والكسوف والاستسقاء وحكي الخراسانيون وجها انه لا يجوز العيد
والكسوف والاستسقاء قاعدا مع القدرة كالفرائض وبه قطع ابن كج وهذا شاذ ضعيف: وأما
الجنازة فسبق في باب التيمم بيان نصوص الشافعي وطرق الأصحاب فيها والمذهب انها لا تصح
قاعدا مع القدرة لان القيام ومعظم أركانها والثاني يجوز والثالث ان تعينت لم يجز والا جاز قال
الرافعي إذا جوزنا الاضطجاع في النفل مع قدرته فهل يجزئ الاقتصار على الايماء بالركوع والسجود
أم يشترط ان يركع ويسجد كالقاعد فيه وجهان أصحهما الثاني قال امام الحرمين عندي أن من جوز
الاضطجاع لا يجوز الاقتصار في الأركان الذكرية كالتشهد والتكبير وغيرهما على ذكر القلب
وهذا الذي قاله امام الحرمين لابد منه فلا يجزى ذكر القلب قطعا لأنه حينئذ لا يبقى للصلاة
صورة أصلا وإنما ورد الحديث بالترخيص في القيام والقعود فيبقي ما عداهما على مقتضاه والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ثم ينوى والنية فرض من فروض الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ
ما نوى " ولأنها قربة محضة فلم تصح من غير نية كالصوم ومحل النية القلب فان نوى بقلبه دون لسانه
أجزأه ومن أصحابنا من قال ينوى بالقلب ويتلفظ باللسان وليس بشئ لأن النية هي القصد بالقلب) * *
* (الشرح) * حديث إنما الأعمال بالنيات رواه البخاري ومسلم من رواية عمر بن الخطاب
رضي الله عنه وسبق بيانه في أول نية الوضوء: وقوله قربة محضة فلم يصح من غير نية كالصوم إنما
قاس عليه لأنه ورد فيه نص خاص " لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل " وهذا القياس ينتقض
بإزالة النجاسة فإنها قربة محضة فكان ينبغي أن يقول طريقها الأفعال كما قاله في نية الوضوء ليحترز
عن إزالة النجاسة: أما حكم المسألة فالنية فرض لا تصح الصلاة الا بها ونقل بن المنذر في كتابه
الاشراف وكتاب الاجماع والشيخ أبو حامد الأسفرايني والقاضي أبو الطيب وصاحب الشامل
ومحمد بن يحيى وآخرون اجماع العلماء على أن الصلاة لا تصح الا بالنية وحكي صاحب البيان رواية
276

عن أحمد ليست بصحيحة عنه (1) فان نوى بقلبه ولم يتلفظ بلسانه أجزأه على المذهب وبه قطع الجمهور
وفيه الوجه الذي ذكره المصنف وذكره غيره وقال صاحب الحاوي هو قول أبى عبد الله الزبيري
أنه لا يجزئه حتى يجمع بين نية القلب وتلفظ اللسان لان الشافعي رحمه الله قال في الحج إذا نوى
حجا أو عمرة أجزأ وإن لم يتلفظ وليس كالصلاة لا تصح الا بالنطق قال أصحابنا غلط هذا القائل
وليس مراد الشافعي بالنطق في الصلاة هذا بل مراده التكبير: ولو تلفظ بلسانه ولم ينو بقلبه لم تنعقد
صلاته بالاجماع فيه: ولو نوى بقلبه صلاة الظهر وجرى على لسانه صلاة العصر انعقدت صلاة الظهر *
(فرع) اختلف أصحابنا في النية هل هي فرض أم شرط فقال المصنف والأكثرون هي
فرض من فروض الصلاة وركن من أركانها كالتكبير والقراءة والركوع وغيرها وقال جماعة هي
شرط كاستقبال القبلة والطهارة وبهذا قطع القاضي أبو الطيب في تعليقه وابن الصباغ واختاره الغزالي
وحكاه الشيخ أبو حامد في تعليقه في أول باب ما يجزئ من الصلاة وقال ابن القاص والقفال
استقبال القبلة ركن والصحيح المشهور أنه شرط لا ركن والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ويجب أن تكون النية مقارنة للتكبير لأنه أول فرض من فروض الصلاة فيجب أن
تكون مقارنة له) * *
* (الشرح) * قال الشافعي رحمه الله في المختصر (وإذا أحرم نوى صلاته في حال التكبير
لا بعده ولا قبله) ونقل الغزالي وغيره النص بعبارة أخرى فقالوا قال الشافعي (ينوى مع التكبير
لا قبله ولا بعده) قال أصحابنا يشترط مقارنة النية مع ابتداء التكبير وفى كيفية المقارنة وجهان
(أحدهما) يجب أن يبتدئ النية بالقلب مع ابتداء التكبير باللسان ويفرع منها مع فراغه منه (وأصحهما)
لا يجب بل لا يجوز لئلا يخلو أول التكبير عن تمام النية فعلى هذا وجهان (أحدهما) وهو قول أبي منصور
ابن مهران شيخ أبي بكر الأودني يجب أن يقدم النية على أول التكبير بشئ يسبر لئلا يتأخر
أولها عن أول التكبير (والثاني) وهو الصحيح عند الأكثرين لا يجب ذلك بل الاعتبار بالمقارنة
وسواء قدم أم لم يقدم ويجب استصحاب النية إلى انقضاء التكبير على الصحيح وفيه وجه
ضعيف انه لا يجب واختار امام الحرمين والغزالي في البسيط وغيره انه لا يجب التدقيق المذكور

(1) هكذا بالأصل وفى غير هذا الكتاب نسبة ه‍ هذا القول لداود فليحرر اه‍
277

في تحقيق مقارنة النية وانه تكفى المقارنة العرفية العامية بحيث يعد مستحضرا لصلاته غير غافل
عنها اقتداء بالأولين في تسامحهم في ذلك وهذا الذي اختاراه هو المختار والله أعلم: قال أصحابنا
والنية هي القصد فيحضر في ذهنه ذات الصلاة وما يجب التعرض له من صفاتها كالظهرية والفرضية
وغيرهما ثم يقصد هذه العلوم قصدا مقارنا لأول التكبير ويستصحبه حتى يفرغ التكبير ولا يجب
استصحاب النية بعد التكبير ولكن يشترط أن لا يأتي بمناقض لها فلو نوى في أثناء صلاته الخروج
بطلت صلاته * وقال أبو حنيفة واحمد يجوز أن تتقدم النية على التكبير بزمان يسير بحيث لا يعرض
شاغل عن الصلاة وقال * (1) يجب أن تتقدم النية على التكبير ويكبر عقبها بلا فصل ولا يجب في حال
التكبير * وقال أبو يوسف وغيره من أصحاب أبي حنيفة إذا خرج من منزله قاصدا صلاة الظهر مع
الامام فانتهى إليه وهو في الصلاة فدخل معه فيها ولم يحضره انها تلك الصلاة أجزأه *
(فرع) قال الشيخ أبو حامد في تعليقه في هذا الموضع قال الشافعي في الكفارة: وينوى
مع التكفير أو قبله قال فمن أصحابنا من قال يجب أن ينوى في الكفارة مع التكفير كالصلاة
قال وقول الشافعي أو قبله يعنى أو قبيله ويستدعى ذكر النية حتى يكون ذاكرا لها حال التكفير
ومن أصحابنا من قال يجوز تقديم النية قبل التكفير وفرق بينهما وبين الصلاة بثلاثة أشياء
أحدها أن نية الصلاة آكد ولهذا يشترط تعينها بخلاف الكفارة والثاني ان الكفارة والزكاة
تدخلهما النيابة فتدعو الحاجة إلى تقديم نيتهما بخلاف الصلاة الثالث ان الزكاة والكفارة يجوز
تقديمهما على وجوبهما فجاز تقديم النية بخلاف الصلاة * * قال المصنف رحمه الله *
* (فإن كانت فريضة لزمه تعيين النية فينوي الظهر أو العصر لتتميز عن غيرها وهل تلزمه
نية الفرض فيه وجهان قال أبو إسحاق يلزمه لتتميز عن ظهر الصبي وظهر من صلي وحده ثم أدرك جماعة فصلاها
معهم وقال أبو علي بن أبي هريرة يكفيه نية الظهر والعصر لان الظهر والعصر لا يكونان في حق هذا الا فرضا
ولا يلزمه ان ينوى الأداء أو القضاء ومن أصحابنا من قال يلزمه نية القضاء والأول هو المنصوص فإنه قال فيمن
صلى يوم الغيم بالاجتهاد فوافق ما بعد الوقت انه يجزيه وإن كان عنده انه يصليها في الوقت وقال في الأسير
278

إذا اشتبهت عليه الشهور فصام يوما بالاجتهاد فوافق رمضان أو ما بعده انه يجزيه وإن كان عنده انه يصوم
في شهر رمضان) * *
* (الشرح) * إذا أراد فريضة وجب قصد أمرين بلا خلاف أحدهما فعل الصلاة تمتاز عن سائر الأفعال
ولا يكفي احضار نفس الصلاة بالبال غافلا عن الفعل والثاني تعيين الصلاة المأتي بها هل هي ظهر أم عصر
أو غيرها فلو نوى فريضة الوقت فوجهان حكاهما الرافعي أحدهما يجزيه لأنها هي الظهر مثلا وأصحهما
لا يجزيه لان الفائتة التي يتذكرها تشاركها في كونها فريضة الوقت ولو نوى في غير الجمعة الجمعة بدلا عن الظهر
لم تصح صلاته هذا هو الصواب الذي قطع به الأصحاب وحكى الرافعي وجها انها تصح ويحصل له الظهر وهو
غلط ظاهر ولا تصح الجمعة بنية مطلق الظهر ولا تصح بنية الظهر المقصورة ان قلنا إنها صلاة بحيالها وان
قلنا إنها ظهر مقصورة صحت واختلفوا في اشتراط أمور (أحدها) الفريضة وفيها الوجهان اللذان حكاهما
المصنف الأصح عند الأكثرين اشتراطها سواء كانت قضاء أم أداء وممن صححه الشيخ أبو حامد والقاضي
أبو الطيب والبغوي قال الرافعي وسواء كان الناوي بالغا أو صبيا وهذا ضعيف والصواب ان الصبي
لا يشترط في حقه نية الفريضة وكيف ينوى الفريضة وصلاته لا تقع فرضا وقد صرح بهذا صاحب الشامل
وغيره (الثاني) الإضافة إلى الله تعالى بأن يقول لله أو فريضة الله ولا يشترط ذلك على أصح الوجهين
وقد سبق بيانهما في باب نية الوضوء وحكي امام الحرمين الاشتراط عن صاحب التلخيص وغيره
(الثالث) القضاء والأداء وفيهما أربعة أوجه أصحها لا يشترطان لما ذكره المصنف والثاني يشترطان
وهذا القائل يجيب عن نص الشافعي في المصلى في الغيم أو الأسير بأنهما معذوران والثالث يشترط
نية القضاء دون الأداء حكاه المصنف وغيره لان الأداء يتميز الوقت بخلاف القضاء والرابع إن كان
عليه فائتة اشترط نية الأداء وإلا فلا وبه قطع صاحب الحاوي اما إذا كان عليه فائتة أو فوائت فلا خلاف
279

انه لا يشترط أن ينوى ظهر يوم الخميس مثلا بل يكفيه نية الظهر والظهر الفائتة إذا اشترطنا نية
القضاء قال القاضي أبو الطيب وصاحب الشامل وغيرهما لو ظن أن وقت الصلاة قد خرج فصلاها بنية
القضاء فبان انه باق أجزأته بلا خلاف وقد نص الشافعي على أنه لو صلي يوم الغيم بنية الأداء وهو يظن
بقاء الوقت فبان وقوع الصلاة خارج الوقت أجزأته واستدلوا به على أن نية القضاء ليست بشرط هذا
كلام الأصحاب في المسألة وقال الرافعي الأصح انه لا يشترط نية القضاء والأداء بل يصح الأداء بنية القضاء
وعكسه هذا كلامهم قال الرافعي لك ان تقول الخلاف في اشتراط نية الأداء في الأداء ونية القضاء في القضاء
ظاهر اما الخلاف في صحة القضاء بنية الأداء وعكسه فليس بظاهر لأنه ان جرت هذه النية على لسانه
أو في قلبه ولم يقصد حقيقة معناها فينبغي أن تصح بلا خلاف وان قصد معناها فينبغي أن لا تصح بلا
خلاف وقد صرح الأصحاب بان من نوى الأداء إلى وقت القضاء عالما بالحال لم تصح صلاته بلا خلاف ممن نقله
امام الحرمين في مواقيت الصلاة ولكن ليس هو مراد الأصحاب بقولهم القضاء بنية الأداء وعكسه
بل مرادهم من نوى ذلك وهو جاهل الوقت لغيم ونحوه كما في الصورتين السابقتين عن القاضي
أبى الطيب ونص الشافعي والله أعلم (الرابع) نية استقبال القبلة وعدد الركعات ليس بشرط على المذهب
وبه قطع الجمهور وفيه وجه انه يشترط وهو غلط صريح لكن لو نوى الظهر خمسا أو ثلاثا
لا تنعقد صلاته لتقصيره *
(فرع) قال البندنيجي وصاحب الحاوي العبادات ثلاثة أضرب (أحدها) يفتقر إلى نية الفعل
دون الوجوب والتعيين وهو الحج والعمرة والطهارة لأنه لو نوى نفلا في هذه المواضع وقع عن الواجب
(والثاني) يفتقر إلى نية الفعل والوجوب دون التعيين وهو الزكاة والكفارة (والثالث) يفتقر إلى نية الفعل
والوجوب والتعيين وهو الصلاة والصيام وفى نية الوجوب وجهان * قال المصنف رحمه الله *
* (وإن كانت الصلاة سنة راتبة كالوتر وسنة الفجر لم يصح حتى تعين النية لتتميز عن غيرها وإن كانت
نافلة غير راتبة أجزأته نية الصلاة) * *
* (الشرح) * قال أصحابنا النوافل ضربان (أحدهما) ما لها وقت أو سبب كسنن المكتوبات
والضحى والوتر والكسوف والاستسقاء والعيد وغيرها فيشترط فيها نية فعل الصلاة والتعيين فينوي
مثلا صلاة الاستسقاء والخسوف وعيد الفطر أو الأضحى أو الضحى ونحوها وفى الرواتب تعين
بالإضافة فينوي سنة الصبح أو سنة الظهر التي قبلها أو التي بعدها أو سنة العصر وحكي الرافعي وجها
ضعيفا وهو اختيار صاحب الشامل انه يكفي في الرواتب سوى سنة الصبح نية أصل الصلاة
280

لتأكد سنة الصبح فالتحقت بالفرائض: واما الوتر فينوي سنة الوتر ولا يضيفها إلى العشاء لأنها
مستقلة فان أوتر بأكثر من ركعة نوى بالجميع الوتر إن كان بتسليمة وإن كان بتسليمات نوى بكل تسليمة
ركعتين من الوتر وقيل ينوى بما قبل الأخيرة صلاة الليل وقيل ينوى به سنة الوتر وقيل مقدمة
الوتر وهذه الأوجه في الأفضل والأولوية دون الاشتراط والصحيح الأول (الضرب الثاني)
النوافل المطلقة فيكفي فيها نية فعل الصلاة فقط ونقل الرافعي في اشتراط نية النفلية في الضرب
الأول وجهين قال ولم يذكر وجهها في الضرب الثاني قال ويمكن ان يقال بجريانهما (قلت) الصواب
انه لا تشترط النفلية في الأول ولا في الثانية لعدم المعنى الذي علل به الاشتراط في الفريضة
وهذا هو المشهور في كتب الأصحاب والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
* (وان أحرم ثم شك هل نوى ثم ذكر أنه نوى قبل أن يحدث شيئا من أفعال الصلاة
أجزأه وان ذكر ذلك بعدما فعل شيئا من ذلك بطلت صلاته لأنه فعل فعلا وهو شاك في صلاته) * *
* (الشرح) * إذا شك هل نوى أم لا أو هل اتي ببعض شروط النية أم لا وهو في الصلاة
فينبغي له أن لا يفعل شيئا في حال الشك فان تذكر أنه اتي بكمالها قبل أن يفعل شيئا على الشك
وقصر الزمان لم تبطل صلاته بلا خلاف وان طال بطلت على أصح الوجهين لانقطاع نظمها حكى
الوجهين الخراسانيون وصاحب الحاوي وان تذكر بعد أن أتي مع الشك بركن فعلى كركوع أو سجود
أو اعتدال بطلت صلاته بلا خلاف لما ذكره المصنف وان أبي بر كن قولي كالقراءة والتشهد بطلت
أيضا على أصح الوجهين وهو المنصوص في الأم وبه قطع العراقيون كالفعلي والثاني لا تبطل وبه
281

قطع الغزالي لان تكريره لا يخل بصورة الصلاة قال صاحب الحاوي لو شك هل نوى ظهرا
أو عصرا لم يجزئه عن واحدة منهما فان تيقنها فعلى هذا التفصيل قال الغزالي في البسيط إذا فعل ركنا في
حال الشك أطلق الأصحاب بطلان صلاته وهذا ظاهر ان فعله مع علمه بحكم المسألة فإن كان
جاهلا فاطلاقهم البطلان مشكل ولا يبعد ان يعذر لجهله (قلت) إنما لم يعذروه لأنه مفرط بالفعل في
حال الشك فإنه كان يمكنه الصبر بخلاف من زاد في صلاته ركنا ناسيا فإنه لا حيلة في النسيان *
* قال المصنف رحمه الله *
* (وان نوى الخروج من الصلاة أو نوى انه سيخرج أو شك هل يخرج أم لا بطلت صلاته
لأن النية شرط في جميع الصلاة وقد قطع ذلك بما أحدث فبطلت صلاته كالطهارة
إذا قطعها بالحدث) * *
* (الشرح) * قال أصحابنا العبادات في قطع النية على أضرب (الضرب الأول) الاسلام والصلاة
فيبطلان بنية الخروج منهما وبالتردد في أنه يخرج أم يبقى وهذا لا خلاف فيه والمراد بالتردد أن
يطرأ شك مناقض جزم النية وأما ما يجرى في الفكر انه لو تردد في الصلاة كيف يكون الحال فهذا
مما يبتلي به الموسوس فلا تبطل به الصلاة قطعا قاله امام الحرمين وغيره قال الامام وقد يقع ذلك
في الايمان بالله تعالي فلا تأثير له ولا اعتبار به ولو نوى في الركعة الأولي الخروج من الصلاة في الركعة
الثانية أو علق الخروج بشئ يوجد في صلاته قطعا بطلت صلاته في الحال هذا هو المذهب وبه
282

قطع الجمهور وفيه وجه شاذ حكاه امام الحرمين عن الشيخ أبى على السنجي انها لا تبطل في الحال
بل لو رفض هذا التردد قبل الانتهاء إلى الغاية المنوية صحت صلاته ولو علق الخروج بدخول شخص
ونحوه مما يحتمل حصوله في الصلاة وعدمه فوجهان أصحهما تبطل كما لو دخل في الصلاة هكذا فإنها
لا تنعقد بلا خلاف وكما لو علق به الخروج عن الاسلام والعياذ بالله تعالى فإنه يكفر في الحال
بلا خلاف والثاني لا تبطل في الحال فعلى هذا ان وجدت الصفة وهو ذاهل عن التعليق ففي بطلانها
وجهان أحدهما لا تبطل قاله الشيخ أبو محمد لأنه في الحال غافل والنية الأولي لم تؤثر وأصحهما تبطل
وبه قطع الشيخ أبو علي البندنيجي والأكثرون قال امام الحرمين ويظهر على هذا ان يقال تبينا
بالصفة بطلانها من حين التعليق اما إذا وجدت وهو ذاكر للتعليق فتبطل بلا خلاف ولو نوى
في الركعة الأولي ان يتكلم في الثانية أو يأكل أو يفعل فعلا مبطلا للصلاة لم تبطل في الحال
بلا خلاف قال أصحابنا وهذا مراد الشافعي رحمه الله بقوله ولا تبطل الصلاة بعمل القلوب والفرق
283

بين هذا وبين من نوى تعليق النية أو قطعها في الركعة الثانية انه مأمور بجزم النية في كل صلاته
وهذا ليس بجازم وأما من نوى الفعل فالذي يحرم عليه ان يأتي بفعل مناف للصلاة ولم يأت به
فإذا اتى به بطلت قال أصحابنا ومثل هذا إذا دخل الامام في صلاة الخوف بنية ان يصلي بكل
فرقة ركعة من الرباعية وقلنا تبطل صلاة الامام فإنها لا تبطل في الحال وإنما تبطل بالانتظار الثالث
على تفصيل فيه معروف فقد نوى في أول صلاته ان يفعل في أثنائها فعلا مبطلا ولم تبطل في الحال
والله أعلم (الضرب الثاني) الحج والعمرة: فإذا نوى الخروج منهما ونوى قطعهما لم ينقطعا بلا خلاف
ولأنه لا يخرج منهما بالافساد (الضرب الثالث) الصوم والاعتكاف فإذا جزم في أثنائهما بنية الخروج منهما
284

ففي بطلانهما وجهان مشهوران وقد ذكرهما المصنف في بابيهما أصحهما لا يبطل كالحج وصحح
المصنف في الصوم البطلان ووافقه عليه كثيرون ولكن الأكثرون قالوا لا تبطل ولو تردد
الصائم في قطع نية الصوم والخروج منه أو علقه على دخول شخص ونحوه فطريقان أحدهما على
الوجهين فيمن جزم بالخروج منه والثاني وهو المذهب وبه قطع الأكثرون لا تبطل وجها واحدا (الضرب
الرابع) الوضوء فان نوى قطعه في أثنائه لم يبطل ما مضي منه على أصح الوجهين ولكن يحتاج
إلى نية لما بقي وان نوى قطعه بعد الفراغ منه لم يبطل على المذهب كما لو نوى قطع الصلاة والصوم
والاعتكاف والحج بعد فراغها فإنها لا تبطل بلا خلاف وقيل في بطلان الوضوء وجهان لان
أثره باق فإنه يصلي به بخلاف الصلاة وغيرها وقد سبق بيان هذه المسألة مستقصي في آخر
باب نية الوضوء وذكرنا هناك مسائل كثيرة تتعلق بالنية في الصوم وفى سائر العبادات
وبالله التوفيق *
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن نوى الخروج من الصلاة: مذهبنا انها تبطل وبه قال مالك
285

واحمد وقال أبو حنيفة لا تبطل * قال المصنف رحمه الله *
* (فان دخل في الظهر ثم صرف النية إلى العصر بطل الظهر لأنه قطع بنيته ولم تصح العصر لأنه
لم ينوه عند الاحرام وان صرف نية الظهر إلى التطوع بطل الظهر لما ذكرناه وفى التطوع قولان
أحدهما لا تصح لما ذكرناه في العصر والثاني تصح لان نية الفرض تتضمن نية النفل بدليل ان من
دخل في الظهر قبل الزوال وهو يظن أنه بعد الزوال كانت صلاته نافلة) * *
* (الشرح) * متى دخل في فريضة ثم صرف نيته إلى فريضة أخرى أو نافلة بطلت التي كان فيها
ولم يحصل التي نواها بلا خلاف لما ذكره وفى انقلابها نافلة خلاف قال أصحابنا من اتى بما ينافي
الفريضة دون النفلية في أول فريضة أو أثنائها بطل فرضه هل تبقى صلاته نفلا أم تبطل فيه قولان
اختلف في الأصح منهما بحسب الصور فمنها إذا قلب ظهره إلى عصر أو إلى نفل بلا سبب أو وجد
المصلى قاعدا خفه في صلاته وقدر على القيام فلم يقم أو أحرم القادر على القيام في الفرض قاعدا فالأظهر في
286

هذه المسائل بطلان الصلاة ومنها لو أحرم بالظهر قبل الزوال فإن كان عالما بحقيقة الحال فالأصح
البطلان لأنه متلاعب وان جهل وظن دخول الوقت فالصحيح انعقادها نفلا وبه قطع المصنف
والأكثرون ومنها لو وجد المسبوق الامام راكعا فأتى بتكبيرة الاحرام أو بعضها في الركوع لا ينعقد
فرضا بلا خلاف فإن كان عالما بتحريمه فالأصح بطلانها والثاني تنعقد نفلا وإن لم يعلم تحريمها
287

فالأصح انعقادها نفلا وهو المنصوص في الأم وبه قطع الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب في تعليقيهما
ومنها لو أحرم بفريضة منفردا ثم أقيمت جماعة فسلم من ركعتين ليدركها الأصح صحتها والثاني تبطل
ومنها لو شرعوا في صلاة الجمعة في وقتها ثم خرج الوقت وهم فيها فالمذهب انهم يتمونها ظهرا
وتجزيهم وقطع بهذا المصنف والعراقيون وعند الخراسانيين قولان أصحهما هذا والثاني لا تجزيهم
288

عن الظهر بل يجب استئناف الظهر فعلى هذا هل ينقلب نفلا أم تبطل فيه القولان أصحهما
تنقلب نفلا *
(فرع) في مسائل تتعلق بالنية (أحداهما) لو عقب النية بقوله إن شاء الله بقلبه أو لسانه فان
قصد به التبرك ووقوع الفعل بمشيئة الله تعالى لم يضره وان قصد به التعليق أو الشك لم يصح
ذكره الرافعي (الثانية) لو صلي الظهر والعصر ثم تيقن انه ترك النية في إحداهما وجهل عينها لزمه
اعادتهما جميعا (الثالثة) لو قال له انسان صل الظهر لنفسك ولك على دينار فصلاها بهذه النية أجزأته
صلاته ولا يستحق الدينار ذكروه في كتاب الكفارات في مسألة من أعتق عن الكفارة عبدا
بعوض ويقرب منه من صلى وقصد دفع غريمه عنه في ضمن الصلاة صحت صلاته ذكره ابن الصباغ
وقد سبقت المسألة في نية الوضوء * قال المصنف رحمه الله *
* (ثم يكبر والتكبير للاحرام فرض من فروض الصلاة لما روى عن علي كرم الله وجهه ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال " مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ") * *
* (الشرح) * هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وغيرهما باسناد صحيح إلا أن فيه عبد الله بن محمد
ابن عقيل قال الترمذي هذا الحديث أصح شئ في هذا الباب وأحسنه قال وعبد الله بن محمد
ابن عقيل صدوق وقد تكلم فيه وبعض أهل العلم من قبل حفظه قال وسمعت البخاري يقول كان
احمد واسحق والحميدي يحتجون بحديثه وإنما سمى الوضوء مفتاحا لان الحديث مانع من الصلاة
كالغلق على الباب يمنع من دخوله الا بمفتاح وقوله صلى الله عليه وسلم وتحريمها التكبير قال الأزهري
أصل التحريم من قولك حرمت فلانا كذا أي منعته وكل ممنوع فهو حرام وحرم فسمى التكبير تحريما لأنه
يمنع المصلى من الكلام والأكل وغيرهما: اما حكم المسألة فتكبيرة الاحرام ركن من أركان الصلاة
289

لا تصح الا بها هذا مذهبنا ومذهب مالك واحمد وجمهور السلف والخلف وحكي ابن المنذر
وأصحابنا عن الزهري أنه قال تنعقد الصلاة بمجرد النية بلا تكبير قال ابن المنذر ولم يقل
به غير الزهري وحكي أبو الحسن الكرخي عن ابن عليه والأصم كقول الزهري وقال
الكرخي من أصحاب أبي حنيفة تكبيرة الاحرام شرط لا تصح الصلاة الا بها ولكن ليست
من الصلاة بل هي كستر العورة ومنهم من حكاه عن أبي حنيفة ويظهر فائدة الخلاف بيننا وبينه
فيما لو كبر وفى يده نجاسة ثم ألقاها في أثناء التكبيرة لو شرع في التكبيرة قبل ظهور زوال الشمس
ثم ظهر الزوال قبل فراغها فلا تصح صلاته عندنا في الصورتين وتصح عنده كستر العورة واحتج
للزهري بالقياس على الصوم والحج وللكرخي بقوله تعالي (وذكر اسم ربه فصلى) فعقب الذكر بالصلاة
فدل على أنه ليس منها وبقول صلى الله عليه وسلم وتحريمها التكبير والإضافة تقتضي ان المضاف غير
المضاف إليه كدار زيد ودليلنا على الزهري حديث تحريمها التكبير وحديث أبي هريرة رضي الله عنه
في المسئ صلاته ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له " إذا قمت إلى الصلاة فاسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر وذكر
الحديث " رواه البخاري ومسلم وهذا أحسن الأدلة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يذكر له في هذا الحديث الا الفروض خاصة
وثبت في الصحيحين عن جماعات من الصحابة رضي الله عنهم ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان
يكبر الاحرام " وثبت في صحيح البخاري عن مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" صلوا كما رأيتموني أصلي " وهذا مقتضى وجوب كل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما خرج
وجوبه بدليل كرفع اليدين ونحوه فان قليل المراد ما يرى وهي الأفعال دون الأقوال فأجاب
القاضي أبو الطيب وغيره بجوابين أحدهما أن المراد رؤية شخصه صلى الله عليه وسلم وكل شئ فعله
صلى الله عليه وسلم أو قاله وجب علينا مثله الثاني أن المراد بالرؤية العلم أي صلوا كما علمتموني أصلي
290

والجواب عن قياسه على الصوم والحج أنهما ليسا مبنيين على النطق بخلاف الصلاة ودليلنا على
الكرخي حديث معاوية بن الحكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أن هذه الصلاة لا يصلح
فيها شئ من كلام الناس وإنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " رواه مسلم فان قالوا المراد
به تكبيرات الانتقالات فجوابه من وجهين أحدهما أنه عام ولا يقبل تخصيصه الا بدليل والثاني ان
حمله على تكبيرة لابد منها بالاتفاق أولي من تكبيرة لا يجب والجواب عن قوله تعالي (وذكر اسم
ربه فصلي) أنه ليس المراد بالذكر هنا تكبيرة الاحرام بالاجماع قبل خلاف المخالف والجواب
عن قولهم الإضافة تقتضي المغايرة أن الإضافة ضربان أحدهما تقتضي المغايرة كثوب زبد والثاني
تقتضي الجزئية كقوله رأس زيد وصحن الدار فوجب حمله على الثاني لما ذكرناه *
(فرع) قد ذكرنا أن تكبيرة الاحرام لا تصح الصلاة الا بها فلو تركها الامام أو المأموم سهوا
أو عمدا لم تنعقد صلاته ولا تجزئ عنها تكبيرة الركوع ولا غيرها هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة
ومالك واحمد وداود والجمهور وقالت طائفة إذا نسيها فيها أجزأته عنها تكبيرة الركوع حكاه ابن المنذر
عن سعيد بن المسيب والحسن البصري والزهري وقتادة والحكم والأوزاعي ورواية عن حامد
ابن أبي سليمان قال العبدري وروى عن مالك في المأموم مثله لكنه قال يستأنف الصلاة بعد
سلام الامام * قال المصنف رحمه الله *
* (والتكبير أن يقول الله أكبر لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل به في الصلاة وقال
صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " فان قال الله الأكبر أجزأته لأنه اتي بقول الله
أكبر وزاد زيادة لا تخل المعنى فهو كقوله الله الكبر كبيرا) * *
* (الشرح) * اما قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل في الصلاة بقوله الله أكبر
291

فالأحاديث فيه مشهورة واما قوله صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " فرواه البخاري
من رواية مالك بن الحويرث فان قال الله أكبر انعقدت صلاته بالاجماع فان قال الله الأكبر انعقدت
على المذهب الصحيح وبه قطع الجمهور وحكى القاضي أبو الطيب وصاحب التتمة وغيرهما قولان انه
لا تنعقد به الصلاة وهو مذهب مالك واحمد وداود قال الشافعي والأصحاب ويتعين لفظ التكبيرة
ولا يجزئ ما قرب منها كقوله الرحمن أكبر والله أعظم والله كبير والرب أكبر وغيرها وحكي ابن
كج والرافعي وجها انه يجزيه الرحمن أكبر أو الرحيم أكبر وهذا شاذ ضعيف واما إذا كبر وزاد مالا
يغيره فقال الله أكبر واجل وأعظم والله أكبر كبيرا والله أكبر من كل شئ فيجزيه بلا خلاف
لأنه أتى بالتكبير وزاد مالا يغيره ولو قال الله الجليل أكبر أجزأه على أصح الوجهين ويجريان فيما
لو أدخل بين لفظتي التكبير لفظة أخرى من صفات الله بشرط أن لا يطول كقوله الله عز وجل أكبر
فان طال كقوله الله الذي لا له الا هو الملك القدوس أكبر لم يجزئه بلا خلاف لخروجه عن اسم
التكبير ويجب الاحتراز في التكبير عن الوقفة بين كلمتيه وعن زيادة تغير المعنى فان وقف أو قال
الله أكبر بمد همزة الله أو بهمزتين أو قال الله اكبار أو زاد واوا ساكنة أو متحركة بين الكلمتين لم
يصح تكبيره قال الشيخ أبو محمد الجويني في التبصرة ولا يجوز المد الا على الألف التي بين اللام
والهاء ولا يخرجها بالمد عن حد الاقتصاد للافراط وإذا قال أصلي الظهر مأموما أو اماما الله أكبر فليقطع
الهمزة من قوله الله الكبر ويخففها فلو وصلها فهو خلاف الأولي ولكن تصح صلاته وممن صرح به (1)
* قال المصنف رحمه لله *
* (فان قال أكبر الله ففيه وجهان أحدهما يجزيه كما لو قال عليكم السلام في آخر الصلاة والثاني
لا يجزيه وهو ظاهر قوله في الأم لأنه ترك الترتيب في الذكر فهو كما لو قدم آية على آية وهذا
يبطل بالتشهد والسلام) * *
* (الشرح) * إذا قال أكبر الله أو الأكبر الله نص الشافعي أنه لا يجزيه ونص انه لو قال في
آخر الصلاة عليكم السلام يجزيه فقيل فيهما قولان بالنقل والتخريج وقال الجمهور يجزيه في السلام
لأنه يسمى تسليما وهو كلام منتظم موجود في كلام العرب وغيرهم معتاد ولا يجزيه في التكبير
لأنه لا يسمى تكبيرا وقيل يجزيه في قوله الأكبر الله دون أكبر الله والفرق ظاهر وحكى امام
الحرمين هذا عن والده أبى محمد ثم قال وهذا زلل غير لائق بتميزه في علم اللسان وصحح القاضي

(1) بياض بالأصل
292

أبو الطيب الاجزاء فيهما والمذهب أنه لا يجزيه ثم هذا الذي ذكرناه من التعليل بأنه لا يسمي تكبيرا
هو اصواب وأما تعليل المصنف فضعيف وممن قال الأصح انه لا يجزيه أكبر الله والأكبر الله صاحب
الحاوي وحكاه أبو حامد عن ابن سريج وغير وصححه أيضا القاضي أبو حامد المروروذي
وأبو علي الطبري والبندنيجي وامام الحرمين والغزالي في البسيط *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فان كبر بالفارسية وهو يحسن بالعربية لم يجزئه لقوله صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني
أصلى " وإن لم يحسن العربية وضاق الوقت عن أن يتعلم كبر بلسانه لأنه عجر عن اللفظ فاتى
بمعناه وان اتسع الوقت لزمه أن يتعلم فإن لم يتعلم وكبر بلسانه بطلت صلاته لأنه ترك اللفظ مع
القدرة عليه) * *
* (الشرح) * هذا الحديث رواه البخاري كما سبق بيانه قريبا وإذا كبر بغير العربية وهو يحسنها
لم تصح صلاته عندنا بلا خلاف فان عجز عن كلمة التكبير أو بعضها فله حالان (أحدهما) أن
لا يمكنه كسب القدرة بأن كان به خرس ونحوه وجب أن يحرك لسانه وشفتيه ولهاته بالتكبير قدر
امكانه وإن كان ناطقا لا يطاوعه لسانه لزمه أن يأتي بترجمة التكبير ولا يجزيه العدول إلى ذكر آخر
ثم جميع اللغاب في الترجمة سواء فيتخير بينها هكذا قطع به الأكثرون منهم الشيخ أبو حامد والبندنيجي
وفيه وجه ضعيف إن أحسن السريانية أو العبرانية تعينت لشرفها بإنزال الكتاب بها وبعدهما
الفارسية أولي من التركية والهندية وقال صاحب الحاوي إذا لم يحسن العربية وأحسن الفارسية والسريانية
ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يكبر بالفارسية لأنها أقرب اللغات إلى العربية (والثاني) بالسريانية لان
الله تعالى انزل بها كتابا ولم ينزل بالفارسية والثالث يتخير بينهما قال فإن كان يحسن التركية
والفارسية فهل تتعين الفارسية أم يتخير فيه وجهان ولو كان يحسن النبطية والسريانية فهل تتعين
السريانية أم يتخير فيه وجهان فإن كان يحسن التركية والهندية تخير بلا خلاف (الحال الثاني)
أن يمكنه القدرة بتعلم أو نظر في موضع كتب عليه لفظ التكبير فيلزمه ذلك لأنه قادر ولو كان ببادية
293

أو موضع لا يجد فيه من يعلمه التكبير لزمه المسير إلى قربة يتعلم بها على الصحيح فيه وجه أنه لا يلزمه بل يجزيه
الترجمة كما لا يلزمه المسير إلى قرية للوضوء بل له التيمم وبهذا قطع صاحب الحاوي والمذهب الأول وصححه
امام الحرمين والغزالي وآخرون لان نفع تعلم التكبير يدوم ونقل الامام الوجهين في المسير لتعلم الفاتحة
والتكبير وقال عدم الجواب ضعيف ولا تجوز الترجمة في أول الوقت لمن أمكنه التعلم آخره فإن لم يجد من
يعلمه العربية ترجم ومتى أمكنه التعليم وجب وإذا صلى بالترجمة في الحال الأول فلا إعادة وأما في الحال الثاني فان
ضاق الوقت عن التعلم لبلادة ذهنه أو قلة ما أدركه من الوقت فلا إعادة أيضا وان أخر التعلم مع
التمكن وضاق والوقت صلي بالترجمة ولزمه الإعادة على الصحيح لتقصيره وفيه وجه أنه لا إعادة وهو
غريب وغلط * * قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وإن كان بلسانه خبل أو خرس حركه بما يقدر عليه لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم
بأمر فأتوا منه ما استطعم ") * *
* (الشرح) * هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة وهو بعض حديث طويل
وهو حديث عظيم كثير الفوائد وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الاسلام وقد جمعتها في جزء
فبلغت أربعين حديثا قوله وإن كان بلسانه حبل هو بفتح الخاء المعجمة واسكان الباء الموحدة وهو
الفساد وجمعه خبول فإذا كان بلسانه خبل أو خرس لزمه ان يحركه قدر امكانه ولو شفي بعد ذلك
وأفصح بالتكبير فلا إعادة عليه وهذا الذي ذكرناه من وجوب تحريكه قدر امكانه هو نصه في الأم واتفق
الأصحاب عليه قال أصحابنا وهكذا حكم تشهد وسلامه وسائر أذكاره ولإمام الحرمين احتمال في
وجوب تحريك اللسان لأنه ليس جزءا من القراءة * قال المصنف رحمه الله *
* (ويستحب للامام ان يجهر بالتكبير ليسمع من خلفه ويستحب لغيره ان يسر به وأدناه ان
يسمع نفسه) * *
* (الشرح) * يستحب الامام ان يجهر بتكبيرة الاحرام وبتكبيرات الانتقالات ليسمع المأمومين
فيعلموا صحة صلاته فإن كان المسجد كبيرا لا يبلغ صوته إلى جميع أهله أو كان ضعيف الصوت لمرض
294

ونحوه أو من أصل خلقته بلغ عنه المأمومين أو جماعة منهم على حسب الحاجة للحديث الصحيح
ان النبي صلى الله عليه وسلم " صلي في مرضه بالناس وأبو بكر رضي الله عنه يسمعهم التكبير "
رواه البخاري ومسلم من رواية عائشة وسأبسط هذا المسألة في أول فصل الركوع إن شاء الله تعالى
واما غير الامام فالسنة الاسرار بالتكبير سواء المأموم والمنفرد وأدنى الاسرار ان يسمع
نفسه إذا كان صحيح السمع ولا عارض عند من لغط وغيره وهذا عام في القراءة والتكبير والتسبيح
في الركوع وغيره والتشهد والسلام والدعاء سواء واجبها ونفلها لا يحسب شئ منها حتى يسمع
نفسه إذا كان صحيح السمع ولا عارض فإن لم يكن كذلك رفع بحيث يسمع لو كان كذلك لا يجزيه
غير ذلك هكذا نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب قال أصحابنا ويستحب أن لا يزيد على
اسماع نفسه قال الشافعي في الأم يسمع ومن يليه لا يتجاوزه *
295

(فرع) في مسائل تتعلق بالتكبير (إحداها) يجب أن يكبر للاحرام قائما حيث يجب القيام
وكذا المسبوق الذي يدرك الامام راكعا يجب ان تقع تكبيرة الاحرام بجميع حروفها في حال قيامه
فان اتى بحرف منها في غير حال القيام لم تنعقد صلاته فرضا بلا خلاف وفى انعقادها نفلا الخلاف
السابق قريبا في فصل النية هذا مذهبنا وهو رواية عن مالك والأشهر عنه انه تنعقد صلاته فرضا
إذا كبر وهو مسبوق وهو نصه في الموطأ والمدونة قال الشيخ أبو محمد في كتابه التبصرة فلو شك
هل وقعت تكبيرته كلها في القيام أم وقع حرف منها في غير القيام لم تنعقد صلاته فرضا لان
296

الأصل عدم التكبير في القيام (واعلم) ان جمهور الأصحاب أطلقوا أن تكبيرة الاحرام إذا
وقع بعضها في غير حال القيام لم تنعقد صلاته وكذا قاله الشيخ أبو محمد في التبصرة ثم قال إن
وقع بعض تكبيرته في حال ركوعه لم تنعقد فرضا وان وقع بعضها في انحنائه وتمت قبل بلوغه
حد الراكعين انعقدت صلاته فرضا لان ما قبل حد الركوع من جملة القيام ولا يضر
الانحناء اليسير قال والحد الفاصل بين حد الركوع وحد القيام ان تنال راحتاه ركبتيه لو مد يديه
فهذا حد الركوع وما قبله حد القيام فإن كانت يداه أو إحداهما طويلة خارجة عن العادة اعتبر عادة
مثله في الخلقة هذا كلام الشيخ أبي محمد وهو وجه ضعيف والأصح أنه متى انحنى بحيث يكون إلى
حد الركوع أقرب لم يكن قائما ولا تصح تكبيرته وقد سبق بيان هذا في فصل القيام (الثانية) ذكر
الأزهري وغيره من أهل العربية في قوله الله أكبر قولين لأهل العربية أحدهما معناه الله كبير قالوا
297

وقد جاء افعل نعتا في حروف مشهورة كقولهم هذا أمر أهوى أي هين قال الزجاج هذا غير منكر
والثاني معناه الله أكبر كبيرا كقولك هو أعز عزيز كقول الفرزدق *
ان الذي رفع السماء بي لنا * بيتا دعائمه أعز وأطول
أراد دعائمه أعز عزيز وأطول طويل وقيل قول ثالث معناه الله أكبر من أن يشرك
به أو يذكر بغير المدح والتمجيد والثناء الحسن قال صاحب التحرير في شرح صحيح مسلم
هذا أحسن الأقوال لما فيه من زيادة المعنى لا سيما على أصلنا فانا لا نجوز الله كبير أو الكبير بدل
الله أكبر وأما قولهم الله أكبر كبيرا فنصب كبيرا على تقدير كبرت كبيرا (الثالثة) قال صاحب
التلخيص وتابعه القاضي أبو الطيب والبغوي والأصحاب ونقله البندنيجي وامام الحرمين والغزالي
في البسيط ومحمد بن يحيي عن الأصحاب كافة لو كبر للاحرام أربع تكبيرات أو أكثر دخل في الصلاة
بالأوتار وبطلت بالاشفاع وصورته أن ينوى بكل تكبيرة افتتاح الصلاة ولا ينوى الخروج من
الصلاة بين كل تكبيرتين فبالأولى دخل في الصلاة وبالثانية خرج منها وبطلت وبالثالثة دخل في الصلاة
وبالرابعة خرج وبالخامسة دخل وبالسادسة خرج وهكذا أبدا لان من افتتح صلاة ثم افتتح أخرى
بطلت صلاته لأنه يتضمن قطع الأولي فلو نوى بين كل تكبيرتين افتتاح الصلاة أو الخروج منها
فبالنية يخرج من الصلاة وبالتكبير يدخل فلو لم ينو بالتكبيرة الثانية وما بعدها افتتاحا ولا دخولا
ولا خروجا صح دخوله بالأولى ويكون باقي التكبيرات ذكرا لا تبطل به الصلاة بل له ويكون باقي
298

الأذكار (الرابعة) نص الشافعي والأصحاب انه لو أخل بحرف واحد من التكبير لم تنعقد صلاته
وهذا لا خلاف فيه لأنه ليس بتكبير (الخامسة) المذهب الصحيح المشهور انه يستحب ان يأتي بتكبيرة
الاحرام بسرعة ولا يمدها لئلا تزول النية وحكى المتولي وجها انه يستحب مدها والمذهب الأول
قال الشافعي في الأم: يرفع الامام صوته بالتكبير ويبينه من غير تمطيط ولا تحريف: قال الأصحاب
أراد بالتمطيط المد وبالتحريف اسقاط بعض الحروف كالراء من أكبر واما تكبيرات الانتقالات
كالركوع والسجود ففيها قولان القديم يستحب أن لا يمدها والجديد الصحيح يستحب مدها إلى أن
يصل إلى الركن المستقل إليه حتى لا يخلو جزء من صلاته من ذكر (السادسة) قال المتولي وغيره يجب
على السيد ان يعلم مملوكه التكبير وسائر الأذكار المفروضة ومالا تصح الصلاة إلا به أو يخليه حتى
يتعلم ويلزم الأب تعليم ولده وقد سبق بيان تعليم الوالد في مقدمة هذا لشرح وفى أول كتاب الصلاة
(السابعة) يجب على المكلف أن يتعلم التكبير وسائر الأذكار الواجبة بالعربية (الثامنة) في بيان ما يترجم
عنه بالعجمة ومالا يترجم أما الفاتحة وغيرها من القرآن فلا يجوز ترجمته بالعجمية بلا خلاف لأنه يذهب
الاعجاز بخلاف التكبير وغيره فإنه لا اعجاز فيه واما تكبيرة الاحرام والتشهد الأخير والصلاة
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وعلى الآل إذا أوجبناها فيجوز ترجمتها للعاجز عن العربية
ولا يجوز للقادر واما ما عدا الألفاظ الواجبة فقسمان دعاء وغيره اما الدعاء المأثور ففيه ثلاثة أوجه
299

أصحها تجوز الترجمة للعاجز عن العربية ولا تجوز للقادر فان ترجم بطلت صلاته والثاني تجوز
لمن يحسن العربية وغيره والثالث لا تجوز لواحد منهما لعدم الضرورة إليه ولا يجوز ان يخترع
دعوة غير مأثورة ويأتي بها العجمية بلا خلاف وتبطل بها الصلاة بخلاف ما لو اخترع دعوة بالعربية
فإنه يجوز عندنا بلا خلاف واما سائر الأذكار كالتشهد الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم فيه والقنوت والتسبيح في الركوع والسجود وتكبيرات الانتقالات فان جوزنا الدعاء بالعجمية
فهذه أولى والا ففي جوازها للعاجز أوجه أصحها يجوز والثاني لا والثالث يترجم لما يجبر بالسجود
دون غيره (1) وذكر صاحب الحاوي انه إذا لم يحسن العربية أتي بكل الأذكار بالعجمية وإن كان

(1) وقع هنا في بعض النسخ " هذا؟؟؟؟؟ المذهب " ولم نجد لها مذاقا فليحرر
300

يحسنها أبي بها بالعربية فان خالف وقالها بالفارسية فما كان واجبا كالتشهد والسلام لم يجزه وما كان
سنة كالتسبيح والافتتاح أجزأه وقد أساء *
(فرع) إذا أراد الكافر الاسلام فإن لم يحسن العربية اتى بالشهادتين بلسانه ويصير مسلما
بلا خلاف وإن كان يحسن العربية فهل يصح اسلامه بغير العربية فيه وجهان مشهوران الصحيح
باتفاق الأصحاب صحته قال القاضي أبو الطيب وصاحب الحاوي وآخرون قال أبو سعيد الإصطخري
لا يصير مسلما وقال عامة أصحابنا يصير وكذا نقله عن الإصطخري الشيخ أبو حامد والبندنيجي
والمحاملي واتفقوا على ضعفه وقاسه الإصطخري على تكبيرة الاحرام وفرق الأصحاب بان
المراد من الشهادتين الاخبار عن اعتقاده وذلك يحصل بكل لسان وأما التكبير فتعبد الشرع فيه
بلفظ فوجب اتباعه مع القدرة (التاسعة) في مذاهب العلماء في التكبير بالعجمية: قد ذكرنا أن مذهبنا
انه لا تجوز تكبيرة الاحرام بالعجمية لمن يحسن العربية وتجوز لمن لا يحسن وبه قال مالك وأبو
يوسف ومحمد واحمد وداود والجمهور وقال أبو حنيفة تجوز الترجمة لمن يحسن العربية ولغيره واحتج قوله
بقول الله تعالى (وذكر اسم ربه فصلي) ولم يفرق بين العربية وغيرها وبحديث " تحريمها التكبير "
وقياسا على اسلام الكافر ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " وكان يكبر
بالعربية فان قالوا التكبيرة عندنا ليست من الصلاة بل شرط خارج عنها قلنا قد سبق الاستدلال
على أنها من الصلاة والجواب عن احتجاجهم بالآية ان المفسرين وغيرهم مجموعون على أنها لم ترد
301

في تكبيرة الاحرام فلا تعلق لهم فيها وعن حديث " تحريمها التكبير " انه محمول على التكبير المعهود
وعن قياسم على الاسلام ان المراد الاخبار عن اعتقاد القلب وذلك حاصل بالعجمية بخلاف التكبير
(العاشرة) تنعقد الصلاة بقوله الله الأكبر بالاجماع وتنعقد بقوله الله أكبر عندنا وعند الجمهور وقال
مالك واحمد وداود لا تنعقد وهو قول قديم كما سبق ولا تنعقد بغير هذين فلو قال الله أجل
أو الله أعظم أو الله الكبير ونحوها لم تنعقد عندنا وعند مالك واحمد وداود والعلماء كافة الا أبا حنيفة
فإنه قال تنعقد بكل ذكر يقصد به تعظيم الله تعالى كقوله الله أجل أو الله أعظم أو الحمد لله ولا اله
302

الا الله وسبحان الله وبأي أسمائه شاء كقوله الرحمن أكبر أو أجل أو الرحيم أكبر أو أعظم والقدوس
أو الرب أعظم ونحوها ولا تنعقد بقوله يا الله ارحمني أو اللهم اغفر لي أو بالله أستعين وقال أبو يوسف
تنعقد بألفاظ التكبير كقوله الله أكبر أو الله الأكبر أو الله الكبير ولو قال الله أو الرحمن واقتصر
عليه من غير صفة ففي انعقاد صلاته روايتان عن أبي حنيفة * واحتج لأبي حنيفة بقول الله تعالى
(قد أفلح من تزكي وذكر اسم ربه فصلي) ولم يخص ذكرا وعن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر
رضي الله عنهما " كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين " رواه البخاري بهذا اللفظ ومسلم بلفظ آخر ولأنه
ذكر فيه تعظيم فأجزأ كالتكبير ولأنه ذكر فلم يختص بلفظ كالخطبة * واحتج أصحابنا بحديث " تحريمها التكبير "
وليس هو تمسكا بدليل الخطاب بل بمنطوق وهو ان قوله " تحريمها التكبير " يقتضى الاستغراق وان تحريمها لا
يكون الا به وبقوله صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلى " رواه البخاري كما سبق ولهم عليه
اعتراض سبق هو وجوابه * وأما احتجاجهم بالآية فقد سبق ان المفسرين مجمعون على أنها لم ترد
في تكبيرة الاحرام وعن حديث أنس رضي الله عنه ان المراد كانوا يفتتحون القراءة ففي رواية
مسلم " فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول
قراءة ولا في آخرها " وبينه حديث عائشة رضي الله عنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين " رواه البخاري ومسلم وعن قولهم ذكر فيه
تعظيم انه قياس يخالف السنة ولأنه ينتقض بقولهم اللهم ارحمني والجواب عن الخطبة ان المراد
303

الموعظة ويحصل بكل لفظ وهنا المراد الوصف بآكد الصفات وليس غير قولنا الله أكبر في معناه
واحتج أبو يوسف بحديث " تحريمها التكبير " وهو حاصل بقولنا الله الكبير ولأنه بمعناه دليلنا
ما سبق وأما حديث " تحريمها التكبير " فمحمول على المعهود وهو الله أكبر وأما قوله إنه بمعناه
فممنوع لان في الله أكبر مبالغة وتعظيم ليس في غيره واحتج لمالك وموافقيه بأن المنقول عن النبي
صلى الله عليه وسلم الله أكبر فلا يجوز الله الأكبر كما لا يجوز الله الكبير وكما لا يجوز في الأذان الله
الأكبر دليلنا ان قوله الله الأكبر هو الله أكبر وزيادة لا تغير المعنى فجاز كقوله الله أكبر كبيرا
وبهذا يحصل الجواب عن الحديث قال القاضي أبو الطيب قالوا يجوز الله الكبير الأكبر الموضوع
للمبالغة وأما قولهم لا يجوز في الأذان الله الأكبر فقال القاضي أبو الطيب والأصحاب لا نسلمه بل يجوز
ذلك في الأذان كالصلاة والله أعلم (الحادية عشرة) تكبيرة الاحرام واحدة ولا تشرع زيادة عليها
هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة والاجماع منعقد عليه وحكى القاضي أبو الطيب والعبد ري عن الرافضة
انه يكبر ثلاث تكبيرات وهذا خطأ ظاهر وهو مردود بنفسه غير محتاج إلى دليل على رده فلو
كبر ثلاثا أو كبر (1) ففيه التفصيل السابق في المسألة الثالثة * قال المصنف رحمه الله *
* (ويستحب أن يرفع يديه مع تكبيرة الاحرام حذو منكبيه لما روى ابن عمر رضي الله عنه ان النبي

(1) بياض بالأصل
304

صلى الله عليه وسلم " كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا كبر للركوع وإذا رفع
رأسه من الركوع ") * *
* (الشرح) * حديث ابن عمر رواه البخاري ومسلم وأجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين
في تكبيرة الاحرام ونقل ابن المنذر وغيره الاجماع فيه ونقل العبدري عن الزيدية انه لا يرفع يديه
عند الاحرام والزيدية لا يعتد بهم في الاجماع ونقل المتولي عن بعض العلماء انه أوجب الرفع ورأيت أن
فيما علق من فتاوى القفال أن الامام البارع في الحديث والفقه أبا الحسن أحمد بن سيار المروزي
من متقدمي أصحابنا في طبقة المزني قال إذا لم يرفع يديه لتكبيرة الاحرام لا تصح صلاته لأنها واجبة
فوجب الرفع بخلاف باقي التكبيرات لا يجب الرفع لها لأنها غير واجبة وهذا الذي قاله مردود
باجماع من قبله وأما محل الرفع فقال الشافعي في الأم ومختصر المزني والأصحاب يرفع حذو منكبيه
والمراد أن تحاذي راحتاه منكبيه قال الرافعي والمذهب انه يرفعهما بحيث يحاذي أطراف أصابعه
أعلي أذنيه وابهاماه شحمتي أذنيه وراحتاه منكبيه وهذا معنى قول الشافعي والأصحاب رحمهم الله
يرفعهما حذو منكبيه وهكذا قاله المتولي والبغوي والعزالي وقد جمع الشافعي بين الروايات بما
305

ذكرناه وكذا نقل القاضي أبو الطيب في تعليقه وآخرون عن الشافعي انه جمع بين الروايات الثلاث
بهذا قال الرافعي وأما قول الغزالي في الوجيز فيه ثلاثة أقوال فمنكر لا يعرف لغيره ونقل امام
الحرمين في المسألة قولين (أحدهما) يرفع حذو المنكبين (والثاني) حذو الاذنين وهذا الثاني غريب
عن الشافعي وإنما حكاه أصحابنا العراقيون وغيرهم عن أبي حنيفة وعدوه من مسائل الخلاف وقد
روى الرفع إلى حذو المنكبين مع ابن عمر أبو حميد الساعدي رواه البخاري ورواه أبو داود
أيضا من رواية علي رضي الله عنه وروى مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا كبر
رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه وفي رواية فروع أذنيه " رواه مسلم وعن وائل بن حجر نحوه
رواه مسلم وفى رواية لأبي داود في حديث وائل " رفع يديه حتى كانتا حيال منكبيه وحاذى بإبهاميه
أذنيه " لكن اسنادها منقطع لأنه من رواية عبد الجبار بن وائل عن أبيه ولم يسمع منه وقيل إنه
ولد بعد وفاة أبيه وذكر البغوي في شرح السنة ان الشافعي رحمه الله جمع بين رواية
المنكبين ورواية الاذنين على ما في هذه الرواية وهي ضعيفة أيضا عن وائل " رفع ابهاميه إلى
شحمتي أذنيه " والمذهب الرفع حذو المنكبين كما قدمناه ورجحه الشافعي والأصحاب بأنه أصح
اسنادا وأكثر رواية لان الرواية اختلفت عمن روى إلى محاذاة الاذنين بخلاف من روى حذو
المنكبين والله أعلم *
306

(فرع) في مذاهب العلماء في محل رفع اليدين: ذكرنا أن مذهبنا المشهور أنه يرفع حذو منكبيه وبه قال
عمر بن الخطاب وابنه رضي الله عنهما ومالك واحمد واسحق وابن المندر وقال أبو حنيفة حذو أذنيه وعن حمد
رواية أنه يتخير بينهما ولا فضيلة لأحدهما وحكاه ابن المنذر عن بعض أهل الحديث واستحسنه وحكى
العبيدي عن طاوس انه رفع يديه حتى تجاوز لهما رأسه وهذا باطل لا أصل له) * *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ويفرق بين أصابعه لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان ينشر أصابعه
في الصلاة نشرا ") *
* (الشرح) * هذا الحديث رواه الترمذي وضعفه وبالغ في تضعيفه واختلف أصحابنا في استحباب
تفريق الأصابع هنا فقطع المصنف والجمهور باستحبابه ونقله المحاملي في المجموع عن الأصحاب مطلقا وقال
الغزالي لا يتكلف الضم ولا التفريق بل يتركها منشورة على هيئتها وقال الرافعي يفرق تفريقا وسطا والمشهور
الأول قال صاحب التهذيب بالتفريق في كل موضع أمرناه برفع اليدين) * *
(فرع) للأصابع في الصلاة أحوال (أحدها) حالة الرفع في تكبيرة الاحرام والركوع والرفع منه والقيام
من التشهد الأول وقد ذكرنا أن المشهور استحباب التفريق فيها (الثاني) حالة القيام والاعتدال من الركوع
فلا تفريق فيها (الثالث) حالة الركوع يستحب تفريقها على الركبتين (الرابع) حالة الركوع يستحب ضمها
وتوجيهها إلى القبلة (الخامس) حالة لجلوس بين السجدتين وفيها وجهان (الصحيح) أنها كحالة السجود (والثاني)
يتركها على هيئتها ولا يتكلف ضمها (السادس) حالة التشهد باليمنى مقبوضة الأصابع الا المسبحة والابهام
خلاف مشهور واليسرى مبسوطة وفيها الوجهان اللذان في حالة الجلوس بين السجدتين الصحيح يضمها
ويوجهها للقبلة * * قال المصنف رحمه الله *
* (ويكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير وانتهاؤه مع انتهائه فان سبق اليد أثبتها مرفوعة حتى يفرغ
من التكبير لان الرفع للتكبير فكان معه) *
* (الشرح) * في وقت استحباب الرفع خمسة أوجه أصحها هذا الذي جزم به المصنف وهو أن يكون ابتداء
الرفع مع ابتداء التكبير وانتهاؤه مع انتهائه وهذا هو المنصوص قال الشافعي في الأم: يرفع مع افتتاح التكبير
ويرفع يديه عن الرفع مع اقضائه ويثبت يديه مرفوعة حتى يفرغ من التكبير كله قال فان أثبت
يديه بعد انقضاء التكبير مرفوعتين قليلا لم يضره ولا آمره به هذا نصه بحروفه وقال الشيخ أبو حامد في
307

في التعليق لا خلاف بين أصحابنا أنه يبتدئ بالرفع مع ابتداء التكبير ولا خلاف انه لا يحط يديه
قبل انتهاء التكبير (والثاني) يرفع بلا تكبير ثم يبتدئ التكبير مع إرسال اليدين وينهيه مع
انتهائه (والثالث) يرفع بلا تكبير ثم يكبر ويداه قارتان ثم يرسلهما بعد فراغ التكبير وصححه
البغوي (والرابع) يبتدئ بهما معا وينهى التكبير مع انتهاء الارسال (والخامس) وهو الذي
صححه الرافعي يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير ولا استحباب في الانتهاء فان فرغ من التكبير
قبل تمام الرفع أو بالعكس أتم الباقي وإن فرغ منهما حط يديه ولم يستدم الرفع وقد ثبت في
الصحيح أحاديث يستدل بها لهذه الأوجه كلها أو أكثرها (منها) عن ابن عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه
وسلم " كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة " رواه البخاري ومسلم وفى رواية
للبخاري " يرفع يديه حين يكبر " وفى رواية له " كبر ورفع يديه " وفى رواية لمسلم قال " كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ثم كبر " وفى رواية
لأبي داود باسناد صحيح أو حسن ثم كبر وهما كذلك " - وعن أبي قلابة بكسر القاف - أنه
رأى مالك بن الحويرث رضي الله عنه إذا صلى كبر ثم رفع يديه وقال إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان يفعل هكذا رواه مسلم بهذا اللفظ وفى رواية للبخاري " كبر ورفع يديه "
وفى رواية لمسلم عن مالك بن الحويرث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان إذا كبر رفع يديه "
والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
* (فإن لم يمكنه رفعهما أو أمكنه رفع إحداهما أو رفعهما إلى دون المنكب رفع ما أمكنه
لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " وإن كان به علة إذا رفع اليد
جاوز المنكب رفع لأنه يأتي بالمأمور به وبزيادة هو مغلوب عليها وان نسي الرفع وذكره قبل
أن يفرغ من التكبير اتى به لان محله باق) * *
* (الشرح) * هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وقد سبق بيانه قريبا
قال أصحابنا إذا كان أقطع اليدين أو إحداهما من المعصم رفع الساعد قال البغوي فان قطع من المرفق
رفع العضد على أصح الوجهين للحديث المذكور والثاني لا يرفع لان العضد لا يرفع في حال الصحة
وجزم المتولي برفع العضد ولو لم يمكنه الرفع إلا بزيادة على المشروع أو نقص أتى بالممكن فان قدر
308

على الزيادة والنقص ولم يقدر على المشروع أتى بالزيادة لما ذكره المصنف نص عليه الشافعي في
الأم واتفق الأصحاب عليه فإن كانت احدى يديه مقطوعة من أصلها أو شلاء لا يمكن رفعها رفع
الأخرى فإن كانت إحداهما صحيحة والأخرى عليلة فعل بالعليلة ما ذكرناه ورفع الصحيحة حذو
المنكبين نص عليه في الأم ولو ترك رفع اليدين عمدا أو سهوا حتى اتي ببعض التكبير رفعهما في
الباقي فان أتم التكبير لم يرفع بعده نص عليه في الأم واتفقوا عليه *
(فرع) في مسائل منثورة تتعلق بالرفع: قال الشافعي رضي الله عنه في الأم: استحب الرفع
لكل مصل امام أو مأموم أو منفرد أو امرأة قال وكل ما قلت يصنعه في تكبيره الاحرام أمرته
يصنعه في تكبيرة الركوع وفى قوله سمع الله لمن حمده قال ورفع اليدين في كل صلاة نافلة وفريضة
سواء قال ويرفع يديه في تكبيرات الجنازة والعيدين والاستسقاء وسجود القرآن وسجود الشكر
قال وسواء في هذا كله صلي أو سجد وهو قائم أو قاعدا أو مضطجع يومئ إيماء في أنه يرفع يديه لأنه
في ذلك كله في موضع قيام قال وان ترك رفع يديه في جميع ما امرته به أو رفعهما حيث لم آمره
في فريضة أو نافلة أو سجود أو عيد أو جنازة كرهت ذلك له ولم يكن عليه إعادة صلاة ولا سجود
سهو عمد ذلك أو نسيه أو جهله لأنه هيئة في العمل وهكذا أقول في كل هيئة عمل تركها هذا
نصه بحروفه قال المتولي ويستحب أن يكون كفه إلى القبلة عند الرفع قال البغوي والسنة كشف
اليدين عند الرفع قال أصحابنا والمرأة كالرجل في كل هذا
* (فرع) اختلف العلماء في الحكمة في رفع اليدين فروى البيهقي في مناقب الشافعي باسناده
309

عن الشافعي انه صلي بجنب محمد بن الحسن فرفع الشافعي يديه للركوع وللرفع منه فقال له محمد لم رفعت يديك فقال
الشافعي اعظاما لجلال الله تعالى واتباعا لسنة رسوله ورجاء لثواب الله وقال التميمي من أصحابنا في كتابه
التحرير في شرح صحيح مسلم من الناس من قال رفع اليدين تعبد لا يعقل معناه ومنهم من قال هو إشارة إلى
التوحيد وقال المهلب بن أبي صفرة المالكي في شرح صحيح البخاري حكمة الرفع عند الاحرام أن يراه
من لا يسمع التكبير فيعلم دخوله في الصلاة فيقتدى به وقيل هو استسلام وانقياد وكان الأسير
إذا غلب مد يديه علامة لاستسلامه وقيل هو إشارة إلى طرح أمور الدنيا والاقبال بكليته على صلاته *
* قال المصنف رحمه الله *
* (فإذا فرغ من التكبير فالمستحب ان يضع اليمين على اليسار فيضع اليمني على بعض الكف
وبعض الرسغ لما روى وائل بن حجر قال " قلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف
يصلي فنظرت إليه وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد " والمستحب أن يجعلهما
تحت الصدر لما روى وائل قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فوضع يديه على صدره
إحداهما على الأخرى ") * *
* (الشرح) * أما حديث وائل فسنبينه في فرعي مسألتي الخلافين إن شاء الله تعالى وأما اليد
اليسار - فبفتح الياء وكسرها - لغتان والفتح أفصح وأشهر - والرسغ بضم الراء واسكان السين المهملة -
وبالغين المعجمة - قال الجوهري ويقال بضم السين وجمعه أرساغ ويقال رصغ بالصاد وكذا جاء في
هذا الحديث كما سنذكره قريبا إن شاء الله تعالى والسين أفصح وأشهر وهو المفصل بين الكف
والساعد ووائل بن حجر - لضم الحاء المهملة وبعدها جيم مضمومة - وكان وائل من كبار العرب وأولاد
ملوك حمير كنيته أبو هنيدة نزل الكوفة وعاش إلى أيام معاوية قال أصحابنا السنة ان يحط يديه بعد
التكبير ويضع اليمني على اليسرى ويقبض بكف اليمنى كوع اليسرى وبعض رسغها وساعدها قال
القفال يتخير بين بسط أصابع اليمنى في عرض المفصل وبين نشرها في صوب الساعد ويجعلهما تحت
صدره وفوق سرته هذا هو الصحيح المنصوص وفيه وجه مشهور لأبي إسحاق المروزي انه تجعلهما تحت
310

سرته والمذهب الأول قال الرافعي واختلفوا في أنه إذا أرسل يديه هل يرسلهما إرسالا بليغا ثم يستأنف
رفعهما إلى تحت صدره ووضع اليمنى على اليسرى أم يرسلهما إرسالا خفيفا إلى تحت صدره فقط ثم يضع قلت
الثاني أصح وبه قطع الغزالي في تدريبه وجزم في الخلاصة بالأول *
(فرع) في مذاهب العلماء في وضع اليمنى على اليسرى: قد ذكرنا أن مذهبنا انه سنة وبه قال علي بن أبي طالب
وأبو هريرة وعائشة وآخرون من الصحابة رضي الله عنهم وسعيد بن جبير والنخعي وأبو مجلد وآخرون
من التابعين وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد واسحق وأبو ثور وداود وجمهور العلماء قال
الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وحكي ابن المنذر عن عبد الله
ابن الزبير والحسن البصري والنخعي أنه يرسل يديه ولا يضع إحداهما على الأخرى وحكاه القاضي
أبو الطيب أيضا عن ابن سيرين وقال الليث بن سعد يرسلهما فان طال ذلك عليه وضع اليمنى على اليسرى
311

للاستراحة وقال الأوزاعي هو مخير بين الوضع والارسال وروى ابن عبد الحكم عن مالك الوضع
وروى عنه ابن القاسم الارسال وهو الأشهر وعليه جميع أهل المغرب من أصحابه أو جمهورهم واحتج
لهم بحديث المسئ صلاته بان النبي صلى الله عليه وسلم علمه الصلاة ولم يذكر وضع اليمنى على اليسرى واحتج
أصحابنا بحديث أبي حازم عن سهل بن سعد قال " كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على
ذراعه في الصلاة " قال أبو حازم لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري وهذه
العبارة صريحة في الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن وائل بن حجر " أنه رأى رسول الله صلى الله
عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمني على اليسرى " رواه مسلم بهذا
اللفظ وعن وائل بن حجر أيضا قال " قلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلى فقام
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة فكبر فرفع يده حتى حاذى أذنيه ثم وضع يده اليمنى على ظهر
كفه اليسرى والرسغ والساعد " رواه أبو داود باسناد صحيح وهكذا هو في رواية أبي داود والبيهقي
وغيرهما الرصغ بالصاد وعن ابن مسعود " أنه كان يصلي فوضع يده اليسرى على اليمني فرآه النبي صلى الله عليه
وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى " رواه أبو داود باسناد صحيح على شرط مسلم وعن هلب
الطائي قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه " رواه الترمذي وقال حديث حسن
وعن ابن الزبير قال " صف القدمين ووضع اليد على اليد من السنة " رواه أبو داود باسناد حسن وعن محمد
312

ابن أبان الأنصاري عن عائشة قالت " ثلاثة من النبوة تعجيل الافطار وتأخير السحور ووضع اليد اليمنى
على اليسرى في الصلاة " رواه البيهقي وقال هذا صحيح عن محمد بن أبان (قلت) محمد هذا مجهول قال البخاري
لا يعرف له سماع من عائشة وفى الباب عن جابر وابن عباس وغيرهما من الصحابة عن النبي صلى الله عليه
وسلم قد رواها الدارقطني والبيهقي وغيرهما وفيما ذكرناه أبلغ كفاية قال أصحابنا ولان وضع اليد
على اليد أسلم له من العبث وأحسن في التواضع والتضرع والتذلل واما الجواب عن حديث المسئ
صلاته فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه الا الواجبات فقط والله أعلم *
(فرع) في مذاهبهم في محل موضع اليدين: قد ذكرنا أن مذهبنا ان المستحب جعلهما تحت صدره
فوق سرته وبهذا قال سعيد بن جبير وداود: وقال أبو حنيفة والثوري واسحق يجعلها تحت سرته وبه قال
أبو إسحاق المروزي من أصحابنا كما سبق وحكاه ابن المنذر عن أبي هريرة والنخعي وأبى مجلز وعن علي بن أبي طالب
رضي الله عنه روايتان إحداهما فوق السرة والثانية تحتها وعن أحمد ثلاث روايات هاتان
والثالثة يتخير بينهما ولا تفضيل وقال ابن المنذر في غير الاشراف أظنه في الأوسط لم يثبت عن النبي صلى الله عليه
وسلم في ذلك شئ وهو مخير بينهما (واحتج) من قال تحت السرة بما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال
من السنة في الصلاة وضع الكف على الأكف تحت السرة " واحتج أصحابنا بحديث وائل بن حجر قال
" صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمني على يده اليسرى على صدره " رواه أبو بكر بن خزيمة
في صحيحه واما ما احتجوا به من حديث على فرواه الدارقطني والبيهقي وغيرهما واتفقوا على تضعيفه لأنه
من رواية عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف باتفاق أئمة الجرح والتعديل والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
313

* (المستحب ان ينظر إلى موضع سجوده لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال " كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة لم ينظر الا إلى موضع سجوده ") * *
* (الشرح) * حديث ابن عباس هذا غريب لا أعرفه وروى البيهقي أحاديث من رواية أنس وغيره
بمعناه وكلها ضعيفة: واما حكم المسألة فاجمع العلماء على استحباب الخشوع والخضوع في الصلاة وغض البصر
عما يلهي وكراهة الالتفات في الصلاة وتقريب نظره وقصره على ما بين يديه ثم في ضبطه وجهان (أصحهما)
وهو الذي جزم به المصنف وسائر العراقيين وجماعة من غيرهم أنه يجعل نظره إلى موضع سجوده في قيامه
وقعوده (والثاني) وبه جزم البغوي والمتولي يكون نظره في القيام إلى موضع سجوده وفى الركوع إلى ظهر
قدميه وفى السجود إلى أنفه وفى القعود إلى حجره لان امتداد البصر يلهي فإذا قصره كان أولي ودليل
الأول أن ترديد البصر من مكان إلى مكان يشغل القلب ويمنع كمال الخشوع وفى هذه المسألة فروع وزيادات
سنبسطها إن شاء الله تعالى حيث ذكرها المصنف في آخر باب ما يفسد الصلاة *
(فرع) اما تغميض العين في الصلاة فقال العبدري من أصحابنا في باب اختلاف نية الإمام والمأموم
يكره أن يغمض المصلى عينيه في الصلاة قال قال الطحاوي وهو مكروه عند أصحابنا أيضا وهو قول
الثوري وقال مالك لا بأس به في الفريضة والنافلة * دليلنا أن الثوري قال إن اليهود تفعله قال الطحاوي ولأنه
يكره تغميض العين فكذا تغميض العينين هذا ما ذكره العبدري ولم أر هذا الذي ذكره من الكراهة لاحد
من أصحابنا والمختار أنه لا يكره إذا لم يخف ضررا لأنه يجمع الخشوع وحضور (1) القلب ويمنع من إرسال
النظر وتفريق الذهن قال البيهقي وقد روينا عن مجاهد وقتادة أنهما كرها تغميض العينين في الصلاة وفيه
حديث قال وليس بشئ * قال المصنف رحمه الله *
* (ثم يقرأ دعاء الاستفتاح وهو سنة والأفضل أن يقول ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله
عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انه كان إذا قام للصلاة قال وجهت وجهي للذي فطر السماوات
والأرض حنيفا وما انا من المشركين ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له

(1) في نسخة خضوع
314

وبذلك أمرت وانا من المسلمين اللهم أنت الملك لا اله إلا أنت ربى وانا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي
فاغفر لي ذنوبي جميعا لا يغفر الذنوب الا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا أنت
واصرف عنى سيئها لا يصرف عنى سيئها الا أنت لبيك وسعديك والخير كله بيديك والشر ليس إليك
انا بك واليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك ") * *
* (الشرح) * هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه بهذه الحروف المذكورة ومن صحيح مسلم نقلته
وفى نسخ المذهب مخالفة له في بعض الحروف منها انه في المذهب في أوله انه كان إذا قام إلى المكتوبة
والذي في مسلم وغيره قام إلى الصلاة وهو أعم وقوله وانا من المسلمين هكذا هو في صحيح مسلم
من المسلمين وفى المهذب أن لفظة من ليست في الحديث وهذا غلط بل ثابتة في مسلم وغيره وقد
رواه البيهقي من طرق كثيرة في بعضها وانا من المسلمين وفى بعضها وانا أول المسلمين وقال الشافعي
في الأم رواه أكثرهم وأنا أول المسلمين وسقط في المهذب قوله أنت ربي ويا ليته نقله من صحيح مسلم
أما تفسير ألفاظ هذا الحديث فتحتمل جزءا كبيرا لكني أشير إلى مقاصده رمزا لان المصلي مأمور بتدبر الأذكار
فينبغي أن يعرف معناها ليمكنه تدبر معانيها قوله إذا قام إلى الصلاة يتناول الفرض والنفل قوله وجهت وجهي
قال الأزهري وغيره معناه أقبلت بوجهي وقيل قصدت بعبادتي وتوحيدي إليه ويجوز في وجهي إليه اسكان
الياء وفتحها وأكثر القراء على الاسكان وقوله (فطر السماوات) أي ابتدأ خلقها على غير مثال سابق
وجمع السماوات دون الأرض وإن كانت سبعا كالسماوات لأنه أراد جنس الأرضين وجمع السماوات
لشرفها وهذا يؤيد المذهب الصحيح المختار الذي عليه الجمهور ان السماوات أفضل من الأرضين
وقيل الأرضون أفضل لأنها مستقر الأنبياء ومدفنهم وهو ضعيف وقوله (حنيفا) قال الأزهري
وآخرون: أي مستقيما وقال الزجاج والأكثرون الحنيف المائل ومنه قيل أحنف الرجل قالوا والمراد
هنا المائل إلى الحق وقيل له ذلك لكثرة مخالفيه: وقال أبو عبيدة الحنيف عند العرب من كان على
دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم وانتصب حنيفا على الحال أي وجهت وجهي في حال حنيفتي وقوله
(وما انا من المشركين) بيان للحنيف وايضاح لمعناه والمشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن
أو صنم ويهودي ونصراني ومجوسي وزنديق وغيرهم وقوله (ان صلاتي ونسكي) قال الأزهري
الصلاة اسم جامع للتكبير والقراءة والركوع والسجود والدعاء والتشهد وغيرها قال والنسك العبادة
والناسك الذي يخلص عبادته لله تعالى واصله من النسيكة وهي النقرة الخالصة المذابة المصفاة من كل خلط
والنسيكة أيضا القربان الذي يتقرب به إلى الله تعالى وقيل النسك ما أمر به الشرع وقوله (ومحياي ومماتي)
315

أي حياتي ومماتي ويجوز فيهما فتح الياء وإسكانها والأكثرون على فتح محياي واسكان مماتي لله
قال الواحدي وغيره هذه لام الإضافة ولها معنيان الملك كقولك المال لزيد والاستحقاق كالسرج
للفرس وكلاهما مراد هنا * وقوله (لله رب العالمين) في معنى رب أربعة أقوال حكاها الماوردي
وغيره. المالك. والسيد: والمدبر. والمربي: قال فان وصف الله تعالى بأنه رب أو مالك أو سيد فهو
من صفات الذات وإن قيل لأنه مدبر خلقه أو مربيهم فهو من صفات فعله. قال ومتى أدخلت
عليه الألف واللام فهو مختص بالله تعالي دون خلقه وإن حذفتها كان مشتركا فتقول رب العالمين
ورب الدار وأما العالمون فجمع عالم والعالم لا واحد له من لفظه واختلف العلماء في حقيقته فقال
المتكلمون من أصحابنا وغيرهم وجماعات من أهل اللغة والمفسرون: العالم كل المخلوقات وقال جماعة:
هم الملائكة والانس والجن. وقيل هو أربعة أنواع: الملائكة والانس والجن والشياطين. قاله
أبو عبيدة والفراء وقيل بنو آدم قاله الحسن بن الفضل وأبو معاذ النحوي وقال آخرون هو الدنيا
وما فيها قال الواحدي: اختلفوا في اشتقاق العالم فقيل مشتق من العلامة لان كل مخلوق دلالة
وعلامة على وجود صانعه كالعالم اسم لجميع المخلوقات ودليله استعمال الناس في قولهم العالم محدث
316

وهذا قول الحسن ومجاهد وقتادة ودليله من القرآن قوله عز وجل (قال فرعون وما رب العالمين
قال رب السماوات والأرض وما بينهما) وقيل مشتق من العلم فالعالمون على هذا من يعقل خاصة
قاله ابن عباس واختاره أبو الهيثم والأزهري لقول الله تعالى (فيكون للعالمين نذيرا) قوله " اللهم
أنت الملك " قال الأزهري فيه مذهبان للنحويين قال الفراء أصله يا الله امنا بخير فكثرت في
الكلام واختلطت فقيل اللهم وتركت مفتوحة الميم قال الخليل معناه يا الله والميم المشددة عوض
عن ياء النداء والميم مفتوحة لسكونها وسكون الميم قبلها ولا يجمع بينهما فلا يقال يا اللهم وقوله: أنت
الملك أي القادر على كل شئ قوله: وانا عبدك قال الأزهري أي أني لا أعبد غيرك والمختار أن معناه
أنا معترف بأنك مالكي ومدبري وحكمك نافذ في: قوله ظلمت نفسي. قال الأزهري هو اعتراف
بالذنب قدمه على سؤال المغفرة كما أخبر الله تعالى عن آدم وحواء عليهما السلام (قالا ربنا ظلمنا
أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ": قوله اهدني لأحسن الأخلاق. أي
أرشدني لصوابها ووفقني للتخلق به وسيئها قبيحها قوله: لبيك. قال الأزهري وآخرون معناه
انا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة يقال لب بالمكان لبا وألب البابا أقام به واصل لبيك لبين فحذفت
النون للإضافة وقوله: وسعديك. قال الأزهري أي مساعدة لأمرك بعد مساعدة ومتابعة بعد
متابعة لدين الذي ارتضيته بعد: متابعة: قوله والشر ليس إليك. فيه خمسة أقوال للعلماء
(أحدها) معناه لا يتقرب به إليك قاله الخليل واحمد والنضر بن شميل وإسحاق بن راهويه ويحيى
ابن معين وأبو بكر بن خزيمة والأزهري وغيرهم (والثاني) حكاه الشيخ أبو حامد عن المزني وقاله
أيضا غير معناه لا يضاف إليك على انفراده فلا يقال يا خالق القردة والخنازير ويا رب الشر ونحو
هذا وإن كان يقال يا خالق كل شئ وحينئذ يدخل الشر في العموم (والثالث)
317

معناه والشر لا يصعد إليك وإنما يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح (والرابع) معناه والشر ليس
شرا بالنسبة إليك فإنك خلقته لحكمة بالغة وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين (والخامس) حكاه
الخطابي انه كقوله فلان إلى بنى فلان إذا كان عداده فيهم أوصفوه إليهم قال الشيخ أبو حامد ولا بد من
تأويل الحديث لأنه لا يقول أحد من المسلمين بظاهره لان أهل الحديث يقولون الخير والشر
جميعا الله فاعلهما ولا إحداث للعبد فيهما والمعتزلة يقولون يخلقهما ويخترعهما وليس لله فيهما صنع ولا يسمع
القول بان الخير من عند الله والشر من نفسك الا همج العامة ولم يقله أحد من أهل العلم لا سني ولا بدعى: قوله
أنا بك واليك أي التجائي وانتمائي إليك وتوفيقي بك قال الأزهري معناه اعتصم بك وألجأ إليك: قوله تباركت
استحققت الثناء وقيل ثبت الخير عندك وقال ابن الأنباري: تبارك العباد بتوحيدك والله أعلم * أما حكم
المسألة فيستحب لكل مصل من إمام ومأموم ومنفرد وامرأة وصبي ومسافر ومفترض ومتنفل وقاعد
ومضطجع وغيرهم أن يأتي بدعاء الاستفتاح عقب تكبيرة الاحرام فلو تركه سهوا أو عمدا حتى شرع في التعوذ
لم يعد إليه لفوات محله ولا يتداركه في باقي الركعات لما ذكرناه وقال الشيخ أبو حامد في تعليقه إذا تركه
وشرع في التعوذ يعود إليه من بعد التعوذ والمذهب هو الأول وبه قطع المصنف في باب سجود السهو
والجمهور ونص عليه الشافعي في الأم ولكن لو خالف فأتى به لم تبطل صلاته لأنه ذكر ولا يسجد
للسهو كما لو دعا أو سبح في غير موضعه قال الشافعي في الأمم: وكذا لو أتي به حيث لا آمره به فلا شئ
عليه ولا يقطع ذكر الصلاة في أي حال ذكره. قال البغوي ولو أحرم مسبوق فأمن الامام عقب
احرامه أمن ثم أتي بالاستفتاح لان التأمين يسير. ولو أدرك مسبوق الامام في التشهد الأخير فكبر
وقعد فسلم مع قعودة قام ولا يأتي بدعا الاستفتاح لفوات محله وذكر البغوي وغيره قالوا:
ولو سلم الامام قبل قعوده لا يقعد ويأتي بدعاء الاستفتاح وهذا الذي ذكره من استحباب دعاء
318

الاستفتاح لكل مصل يدخل فيها النوافل المرتبة والمطلقة والعيد والكسوف في القيام الأول والاستسقاء
وغيرها يستثني منه موضعان (أحدهما) صلاة الجنازة: فيها وجهان ذكر المصنف في الجنائز أصحهما
عنده وعند الأصحاب لا يشرع فيها دعاء الاستفتاح لأنها مبنية على الاختصار والثاني تستحب كغيرها
(الوضع الثاني) المسبوق إذا أدرك الامام في غير القيام لا يأتي بدعاء الاستفتاح حتى قال الشيخ أبو محمد
في التبصرة لو أدرك الامام رفعا من الاعتدال حين كبر للاحرام لم يأت بدعاء الاستفتاح بل يقول سمع الله لمن
حمده ربنا لك الحمد إلى آخره موافقة للامام وإن أدركه في القيام وعلم أنه يمكنه دعاء الاستفتاح والتعوذ والفاتحة
أنى به نص عليه الشافعي في الأم وقاله الأصحاب قال الشيخ بو محمد في التبصرة ويستحب أن يعجل في قراءته
ويقرأ إلى قوله وانا من المسلمين فقط ثم ينصت لقراءة امامه وان علم أنه لا يمكنه الجمع أو شك لم يأت بدعاء
الاستفتاح فلو خالف وأتي به فركع الامام قبل فراغ الفاتحة فهل يركع معه ويترك بقية الفاتحة أم يتمها وإن تأخر
عنه فيه خلاف مشهور سنوضحه إن شاء الله تعالى حيث ذكره المصنف في الصلاة الجماعة وان علم أنه يمكنه
ان
يأتي ببعض دعاء الافتتاح مع التعوذ والفاتحة ولا يمكنه كله اتى بالممكن نص عليه في الأم *
(فرع) في دعاء الاستفتاح أحاديث كثيرة في الصحيح (منها) حديث علي رضي الله عنه المذكور في الكتاب
(ومنها) حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت بين التكبير والقراءة
فقلت بابي وأمي يا رسول لله في اسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول قال أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي
كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم
اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد " رواه البخاري ومسلم هذا لفظ إحدى روايات البخاري ورواية
مسلم مثلها إلا أنه قال اللهم نقني من خطاياي (1) اللهم واغسلني من خطاياي وعن عائشة رضي الله عنها قالت
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك
وتعالى جدك ولا اله غيرك " رواه أبو داود الترمذي والدارقطني وضعفه أبو داود والترمذي وعن
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة
بالليل كبر ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك ثم يقول الله أكبر
كبيرا ثم يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه " رواه أبو داود

(1) رواية مسلم اللهم نقني من خطاياي كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس اللهم الخ فاقتصر الشارح على موضع الخلاف بين الروايتين
319

والترمذي والنسائي وضعفه الترمذي وغيره وهو ضعيف قال الترمذي قال أحمد بن حنبل لا يصل
هذا الحديث وجاء في غير رواية أبي سعيد تفسير هذه الألفاظ نفثه الشر ونفخه الكبر وهمزة المؤتة
أي الجنون وروى الاستفتاح سبحانك وبحمدك جماعة من الصحابة وأحاديثه كلها ضعيفة قال البيهقي
وغيره أصح ما فيها الأثر الموقوف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه حين افتتح الصلاة قال
" سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك " وهذا الأثر رواه مسلم في صحيحه
لكن لم يصرح أنه قاله في الاستفتاح بل رواه عن عبدة أن عمر رضي الله عنه كان يجهر بهؤلاء
الكلمات (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك) قال أبو علي الغساني
هذه الرواية وقعت في مسلم مرسلة لان عبدة بن أبي لبابة لم يسمع عمرو ورواه البيهقي
باسناده الصحيح عن عمر متصلا والفاتحة وفى رواية التصريح بان عمر رضي الله عنه
قاله في افتتاح الصلاة وروى البيهقي بإسناده عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم " كان إذا افتتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك
وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي
ومماتي لله رب العالمين " وعن أنس رضي الله عنه " أن رجلا جاء فدخل الصف وقد حفزه النفس
فقال الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما قضى الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال أيكم
المتكلم بالكمات فأرم القوم فقال أيكم المتكلم بها فإنه لم يقل بأسا فقال رجل جئت وقد حفزني
النفس فقلتها فقال رأيت اثني عشر ملكا يبتدرونها أيهم يرفعها " رواه مسلم قوله أرم - بالراء
أي سكت وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال " بينما نحن نصلي مع رسول الله صل الله عليه وسلم إذ قال
رجل في القوم الله أكبر كبيرا والحمد كثيرا أو سبحان الله بكرة وأصيلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من القائل كذا وكذا قال رجل من القوم انا يا رسول الله قال عجبت لها كلمة فتحت لها أبواب السماء
قال ابن عمر فما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك " رواه مسلم متصلا بحديث أنس
320

الذي قبله فهذه الأحاديث الواردة في الاستفتاح بأيتها استفتح حصل سنة الاستفتاح لكن أفضلها عند الشافعي
والأصحاب حديث علي رضي الله عنه ويليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقال جماعة من أصحابنا
منهم أبو إسحاق المروزي والقاضي أبو حامد يجمع بين سبحانك اللهم وبحمدك ووجهت وجهي
إلى آخرها لحديث جابر الذي رواه البيهقي والصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي والجمهور
حديث علي رضي الله عنه: قال أصحابنا فإن كان اماما لم يزد على قوله وجهت وجهي إلى قوله وانا
من المسلمين: وإن كان منفردا أو اماما لقوم محصورين لا يتوقعون من يلحق بهم ورضوا بالتطويل
استوفى حديث على بكماله ويستحب معه حديث أبي هريرة رضي الله عنهما *
(فرع) في مذاهب العلماء في الاستفتاح وما يستفتح به: اما الاستفتاح فقال باستحبابه جمهور
العلماء من الصاحبة والتابعين فمن بعدهم ولا يعرف من خالف فيه الا مالكا رحمه الله فقال لا يأتي
بدعاء الاستفتاح ولا بشئ بين القراءة والتكبير أصلا بل يقول: الله أكبر الحمد لله رب العالمين
إلى آخر الفاتحة * واحتج له بحديث " المسئ صلاته " وليس فيه استفتاح وقد يحتج له بحديث
أبي هريرة السابق في فصل التكبير وهو قوله " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر
رضي الله عنهما يفتتحون الصلاة بالحمد الله رب العالمين " ودليلنا الأحاديث الصحيحة التي
ذكرناها ولا جواب له عن واحد منها والجواب عن حديث " المسئ صلاته " ما قدمناه في مسألة
رفع اليد وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما علمه الفرائض فقط وهذا ليس منها والجواب عن
حديث أبي هريرة رضي الله عنه ما سبق في قصل التكبير أن المراد يفتتح القراءة كما في رواية مسلم
ومعناه أنهم كانوا يقرؤن الفاتحة قبل السورة وليس المقصود أنه لا يأتي بدعاء الاستفتاح وبينه
حديث عائشة رضي الله عنها الذي ذكرناه هناك وكيف كان فليس تصريح بنفي دعاء الاستفتاح
ولو صرح بنفيه كانت الأحاديث الصحيحة المتظاهرة باثباته مقدمة لأنها زيادة ثقاه ولأنها
اثبات وهو مقدم على النفي والله أعلم * وأما ما يستفتح به فقد ذكرنا أنه يستفتح بوجهت وجهي
إلى آخره وبه قال علي بن أبي طالب وقال عمر بن الخطاب وابن مسعود والأوزاعي والثوري
وأبو حنيفة وأصحابه واسحق وداود يستفتح بسبحانك اللهم إلى آخره ولا يأتي بوجهت وجهي
وقال أبو يوسف يجمع بينهما ويبدأ بأيهما شاء وهو قول أبي إسحاق المروزي والقاضي أبي حامد
321

من أصحابنا كما سبق قال ابن المنذر أي ذلك قال أجزأه وأنا إلى حديث وجهت وجهي أميل
دليلنا انا قدمنا أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستفتاح بسبحانك اللهم شئ وثبت
وجهت وجهي فتعين اعتماده والعلم به والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله *
* (ثم يتعوذ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه
" أن النبي صلى الله عليه وسلم كأن يقول ذلك " قال في الأم كان ابن عمر رضي الله عنه يتعوذ
في نفسه وأبو هريرة رضي الله عنه يجهر به وأيهما فعل قال أبو علي الطبري استحب أن يسر به لأنه
ليس بقراءة ولا علم على الاتباع ويستحب ذلك في الركعة الأولى قال في الأم: يقول في أول كل
ركعة: وقد قيل إن قاله في كل ركعة فحسن ولا آمر به أمري في أول كل ركعة فمن
أصحابنا من قال فيما سوى الأولي قولان (أحدهما) يستحب لأنه يستفتح القراءة فيها فهي
كالأولى (الثانية) لا يستحب استفتاح القراءة في الأولى ومن أصحابنا من قال يستحب في
الجميع قولا واحدا وإنما في الركعة الأولي أشد استحبابا وعليه يدل قول الشافعي رضي الله عنه
) * *
* (الشرح) * حديث أبي سعيد هذا غريب بهذا اللفظ رواه أبو داود في سننه فقال فيه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ونفخه ونفثه " رواه الترمذي
322

والمعتمد في الاستدلال على قول الله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) وإنما
ابتدأ المصنف بالحديث دون الآية لان ظاهر الآية ان الاستعاذة بعد القراءة وليس فيها كيفية
الاستعاذة فاستدل بالحديث لان فيه بيان المحل ولكن الحديث ضعيف فالجواب الاحتجاج بالآية
ومعني أعوذ بالله ألوذ واعتصم به وألجأ إليه والشيطان اسم لكل متمرد عات سمي شيطانا لشطونه
عن الخير أي تباعده وقيل لشيطه أي هلاكه واحتراقه فعلى الأول النون أصلية وعلى الثاني زائدة
والرجيم المطرود والمعبد وقيل المرجوم بالشهب وقوله ليس بقراءة ولا علم على الاتباع العلم بفتح
العين واللام العلامة والدليل واحترز به عن التكبير * أما حكم الفصل فهو ان التعوذ مشروع في أول
ركعة فيقول بعد دعاء الاستفتاح أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هذا هو المشهور الذي نص عليه
الشافعي وقطع به الجمهور وفيه وجه انه يستحب أن يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان
الرجيم وبه جزم البندنيجي وحكاه الرافعي وهو غريب قال الشافعي في الأم وأصحابنا يحصل
التعوذ بكل ما اشتمل على الاستعاذة بالله من الشيطان لكن أفضله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
قال صاحب الحاوي وبعده في الفضيلة أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وبعد هذا أعوذ
بالله العلي من الشيطان الغوي قال البندنيجي لو قال أعوذ بالرحمن من الشيطان أو أعوذ بكلمات
323

الله من الشيطان الرجيم أجزأه إن كانت الصلاة سرية بلا خلاف وإن كانت جهرية ففيه طريقان
(أحدهما) وبه قال أبو علي الطبري وصاحب الحاوي يستحب الاسرار به قولا واحدا كدعاء
الافتتاح (والثاني) وهو الصحيح المشهور فيه ثلاثة أقوال (أصحها) يستحب الاسرار (والثاني)
يستحب الجهر لأنه تابع للقراءة فأشبه التأمين كما لو قرأ خارج الصلاة فإنه يجهر بالتعوذ قطعا
(والثالث) يخير بين الجهر والاسرار ولا ترجيح وهذا ظاهر نصه في الأم كما نقله المصنف واختلفوا
من حيث الجملة فصحح الشيخ أبو حامد والمحاملي ونقلا التعوذ في كل ركعة عن ابن سيرين وغلطا
فهذه طرق الأصحاب والمذهب استحباب التعوذ في كل ركعة وصححه القاضي أبو الطيب وامام
الحرمين والغزالي في البسيط والروياني والشاشي والرافعي وآخرون ولو تركه في الأولى عمدا
أو سهوا استحب في الثانية بلا خلاف سواء قلنا يختص بالأولى أم لا بخلاف ما لو ترك دعاء الاستفتاح
في الأولى لا يأتي به فيما بعدها بلا خلاف قال أصحابنا والفرق ان الاستفتاح مشروع
في أول الصلاة وقد فات فصار كالفراغ من الصلاة وأما التعوذ فمشروع في أول القراءة والركعة الثانية
وما بعدها فيها قراءة *
(فرع) في مسائل متعلقة بالتعوذ (إحداها) قال الشافعي في الأم لو ترك التعوذ عمدا (1) فان تركه
عمدا أو سهوا فليس عليه سجود سهو (الثاني) في استحباب التعوذ في القيام الثاني من صلاة الكسوف
في الركعة الأولى والثانية وجهان حكاهما صاحب الحاوي في باب صلاة الكسوف وهما كالخلاف

(1) هذا بالأصل وفيها سقط ولعله (تداركه في الثانية) كما يفهم من عبارة الروضة والأم وقد حكي الشارح عبارة الأم بالمعني اه‍
324

في الركعة الثانية من سائر الصلوات (الثالثة) قال الشافعي والأصحاب يستحب التعوذ في كل صلاة
فريضة أو نافلة أو منذورة لكل مصل من امام ومأموم ومنفرد ورجل وامرأة وصبي
وحاضر ومسافر وقائم وقاعد ومحارب الا المسبوق الذي يخاف فوت بعض الفاتحة لو اشتغل به
فيتركه ويشرع في الفاتحة ويتعوذ في الركعة الأخرى وفى صلاة الجنازة وجهان ذكرهما المصنف
والأصحاب الصحيح انه يستحب فيها التعوذ كالتأمين والثاني لا يستحب لأنها مبنية على التخفيف
(الرابعة) التعوذ يستحب لكل من يريد الشروع في قراءة أو غيرها ويجهر القارئ خارج الصلاة
باتفاق القراء يكفيه التعوذ الواحد ما لم يقطع قراءته بكلام أو سكوت طويل فان قطعها بواحد
منهما استأنف التعوذ وان سجد لتلاوة ثم عاد إلى القراءة لم يتعوذ لأنه ليس بفصل أو هو فصل
يسير ذكره المتولي *
(فرع) في مذاهب العلماء في التعوذ ومحله وصفته والجهر به وتكراره في الركعات واستحبابه
للمأموم وانه سنة أم واجب * أما أصله فاستحبه للمصلي جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن
بعدهم ومنهم ابن عمر وأبو هريرة وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وابن سيرين والنخعي
والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي واحمد واسحق وداود وغيرهم وقال
مالك لا يتعوذ أصلا لحديث " المسئ صلاته " ودليل الجمهور الآية واستدلوا بأحاديث ليست
بثابتة فالآية أولى * وأما محله فقال الجمهور هو قبل القراءة وقال أبو هريرة وابن سيرين والنخعي
يتعوذ بعد القراءة وكان أبو هريرة يتعوذ بعد فراغ الفاتحة لظاهر الآية وقال الجمهور معناها إذا
أردت القراءة فاستعذ وهو اللائق السابق إلى الفهم * وأما صفته فمذهبنا انه يستحب أن يقول
(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) وبه قال الأكثرون قال القاضي أبو الطيب وقال الثوري يستحب
أن يقول (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ان الله هو السميع العليم) وقال الحسن ابن صالح يقول
(أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) ونقل الشاشي عن الحسن بن صالح (أعوذ بالله السميع
العليم من الشيطان الرجيم ان الله هو السميع العليم) وحكي صاحب الشامل هذا عن أحمد بن حنبل
واحتج بقول الله تعالى (وإما ينزغنك من الشيطان نزع فاستعذ بالله انه سميع عليم) وحديث أبي
سعيد واحتج أصحابنا بقول الله تعلى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) فقد
امتثل الامر (وأما) الجواب عن الآية التي احتج بها فليست بيانا لصفة الاستعاذة بل أمر الله تعالى
325

بالاستعاذة وأخبر انه سميع الدعاء عليم فهو حث على الاستعاذة والآية التي أخذنا بها أقرب إلى
صفة الاستعاذة وكانت أولى وأما حديث أبي سعيد رضي الله عنه فسبق انه ضعيف * وأما الجهر
بالتعوذ في الجهرية فقد ذكرنا أن الراجح في مذهبنا انه لا يجهر وبه قال ابن عمر وأبو حنيفة وقال
أبو هريرة يجهر وقال ابن ليلى الاسرار والجهر سواء وهما حسنان * وأما استحبابه في كل ركعة
فقد ذكرنا أن الأصح في مذهبنا استحبابه في كل ركعة وبه قال ابن سيرين وقال عطاء والحسن
والنخعي والثوري وأبو حنيفة يختص التعوذ بالركعة الأولي وأما استحبابه للمأموم فمذهبنا انه
يستحب له كما يستحب للامام والمنفرد وقال الثوري وأبو حنيفة لا يتعوذ المأموم لأنه لا قراءة
عليه عندهما * وأما حكمه فمستحب ليس بواجب هذا مذهبنا ومذهب الجمهور ونقل العبدري عن عطاء
والثوري انهما أوجباه قال وعن داود روايتان (أحداهما) وجوبه قبل القراءة ودليله ظاهر الآية ودليلنا
حديث " المسئ صلاته " والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
* (ثم يقرأ فاتحة الكتاب وهو فرض من فروض الصلاة لما روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا صلاة لمن لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ") * *
* (الشرح) * حديث عبادة رضي الله عنه رواه البخاري ومسلم رحمهما الله وقراءة الفاتحة للقادر
عليها فرض من فروض الصلاة وركن من أركانها ومتعينة لا يقوم مقامها ترجمتها بغير العربية ولا قراءة
غيرها من القرآن ويستوي في تعينها جميع الصلوات فرضها ونفلها جهرها وسرها والرجل والمرأة
والمسافر والصبي والقائم والقاعد والمضطجع وفي حال شدة الخوف وغيرها سواء في تعينها الإمام والمأموم
والمنفرد وفى المأموم قول ضعيف انها لا تجب عليه في الصلاة الجهرية وسنوضحه قريبا
إن شاء الله تعالى. وتسقط الفاتحة عن المسبوق ويتحملها عنه الامام بشرط ان تلك الركعة محسوبة
326

للامام احتراز من الامام المحدث والذي قام الخامسة ناسيا وسنوضح ذلك كله في موضعه
إن شاء الله تعالى *
(فرع) قد ذكرنا أن قراءة الفاتحة متعينة في كل صلاة وهذا عام في الفرض والنفل كما ذكرناه
وهل نسميها في النافلة واجبة أم شرطا فيه ثلاثة أوجه سبق بيانها في مواضع أصحها ركن والله أعلم ه‍
(فرع) في مذاهب العلماء في القراءة في الصلاة. مذهبا أن الفاتحة متعينة لا تصح صلاة
القادر عليها الا بها وبهذا قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وقد حكاه ابن المنذر
عن عمر بن الخطاب وعثمان بن العاص وابن عباس وأبي هريرة وأبى سعيد الخدري وخوات بن
جبير والزهري وابن عون والأوزاعي ومالك وابن المبارك واحمد واسحق وأبى ثور وحكاه أصحابنا
عن الثوري وداود وقال أبو حنيفة: لا تتعين الفاتحة لكن تستحب وفى رواية عنه تجب ولا يشترط
ولو قرأ غيرها من القرآن أجزأه وفى قدر الواجب ثلاث روايات عنه (إحداها) آية تامة (والثانية)
ما يتناوله الاسم قال الرازي وهذا هو الصحيح عندهم (والثالثة) ثلاث آيات قصار أو آية طويلة وبهذا
قال أبو حنيفة ومحمد واحتج لأبي حنيفة بقول الله تعالى (فاقرؤا ما تيسر منه) وبحديث أبي هريرة
رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسئ صلاته " كبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن "
رواه البخاري ومسلم بحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" لا صلاة الا بفاتحة الكتاب أو غيرها " وفى حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " لا صلاة الا بقرآن ولو بفاتحة الكتاب " قالوا فدل على أن غيرها يقوم مقامها قالوا ولان
سور القرآن في الحرمة سواء بدليل تحريم قراءة الجميع على الجنب وتحريم مس المحدث وغيرهما واحتج
أصحابنا بحديث عبادة بن الصامت المذكور في الكتاب " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب "
327

رواه البخاري ومسلم فان قالوا معناه لا صلاة كاملة قلنا هذا خلاف الحقيقة وخلاف الظاهر والسابق
إلى الفهم فلا يقبل وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من
صلي صلاة لم يقرا فيها بأم الكتاب فهي خداج " يقولها ثلاثا غير تمام " فقيل لأبي هريرة انا نكون
وراء الامام فقال اقرأ بها في نفسك فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " قال الله تعالى
قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي فإذا قال العبد الحمد لله رب
العالمين قال الله حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى على عبدي وإذا قال مالك يوم الدين
قال مجدني عبدي - وقال مرة فوض إلى عبدي - فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين
عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب
328

عليهم ولا الضألين قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل " رواه مسلم وعن عبادة رضي الله عنه
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تجزى صلاة لا يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب " رواه الدارقطني
وقال اسناده صحيح حسن وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تجزى
صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب " رواه بهذا اللفظ ابن خزيمة وأبو حاتم ابن حبان بكسر الحاء
في صحيحيهما باسناد صحيح وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال " أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب
وما يتيسر " رواه أبو داود باسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم وفى المسألة أحاديث كثيرة
صحيحة والجواب عن الآية التي احتجوا بها انها وردت في قيام الليل لا في قدر القراءة وعن الحديث
أن الفاتحة تتيسر فيحمل عليها جمعا بين الأدلة أو يحمل على من يحسنها وعن حديث أبي هريرة
" لا صلاة الا بقرآن " أنه حديث ضعيف رواه أبو داود باسناد ضعيف وجواب آخر وهو أن معنى
هذا الحديث لو صح ان أقل ما يجزى فاتحة الكتاب كما يقال صم ولو ثلاثة أيام من الشهر اي أكثر
من الصوم فان نقصت فلا تنقص عن ثلاثة أيام وعن قولهم إن سور القران سواء في الحرمة أنه لا يلزم
منه استواؤها في الاجزاء في الصلاة لا سيما وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة في نفس الفاتحة فوجب
المصير إليها هذا مختصر ما يتعلق بالمسألة من الدلائل لنا ولهم اقتصرت فيها على الصواب من الدلائل
الصحيحة إذ لا فائدة في الاطناب في الواهيات وبالله التوفيق *
329

(فرع) في مذاهبهم في أصل القراءة: مذهبنا ومذهب العلماء كافة وجوبها ولا تصح الصلاة إلا
بها ولا خلاف فيه إلا ما حكاه القاضي أبو الطيب ومتابعوه عن الحسن بن صالح وأبى بكر الأصم
أنهما قالا لا تجب القراءة بل هي مستحبة واحتج لهما بما رواه أبو سلمة ومحمد بن علي أن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه " صلى المغرب فلم يقرأ فقيل له فقال كيف كان الركوع والسجود قالوا حسنا قال فلا
بأس " رواه الشافعي في الأم وغيره وعن الحارث الأعور " ان رجلا قال لعلي رضي الله عنه انى
صليت ولم اقرأ قال أتممت الركوع والسجود قال نعم قال تمت صلاتك " رواه الشافعي وعن زيد بن
ثابت رضي الله عنه قال. القراءة سنة رواه البيهقي * واحتج أصحابنا بالأحاديث الصحيحة السابقة
في الفرع قبله ولا معارض لها وعن أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
" لا صلاة الا بقراءة " رواه مسلم واما الأثر عن عمر رضي الله عنه فجوابه من ثلاثة أوجه (أحدها)
انه ضعيف لان أبا سلمة ومحمد بن علي لم يدركا عمر (والثاني) أنه محمول على أنه أسر بالقراءة (والثالث)
ان البيهقي رواه من طريقين موصولين عن عمر رضي الله عنه انه صلى المغرب ولم يقرأ فأعاد قال
البيهقي وهذه الرواية موصولة موافقة للسنة في وجوب القراءة وللقياس في أن الأركان لا تسقط
بالنسيان. واما الأثر عن علي رضي الله عنه فضعيف أيضا لان الحارث الأعور متفق على ضعفه وترك
الاحتجاج به. واما الأثر عن زيد فقال البيهقي وغيره مراده ان القراءة لا تجوز الا على حسب ما في
المصحف فلا تجوز مخالفته وإن كان على مقاييس العربية بل حروف القراءة سنة متبعة أي طريق
يتبع ولا يغير والله أعلم *
330

(فرع) لفاتحة الكتاب عشرة أسماء حكاها الإمام أبو إسحاق الثعلبي وغيره (أحدها) فاتحة
الكتاب وجاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تسميتها بذلك. قالوا سميت
به لأنه يفتتح بها المصحف والتعلم والقراءة في الصلاة وهي مفتتحة بالحمد الذي يفتتح به كل امر
ذي بال وقيل لان الحمد فاتحة كل كتاب (الثاني) سورة الحمد لان فيها الحمد (الثالث) و (الرابع)
أم القرآن وأم الكتاب لأنها مقدمة في المصحف كما أن مكة أم القرى حيث دحيت الدنيا من تحتها
وقيل لأنها مجمع العلوم والخيرات كما سمي الدماغ أم الرأس لأنه مجمع الحواس والمنافع قال ابن دريد
الأم في كلام العرب الراية ينصبها الأمير للعسكر يفزعون إليها في حياتهم وموتهم وقال الحسن
ابن الفضل سميت بذلك لأنها امام لجميع القرآن يقرأ في كل ركعة ويقدم على كل سورة كأم القرى
لأهل الاسلام. وقيل سميت بذلك لأنها أعظم سورة في القرآن ثبت في صحيح البخاري عن أبي
سعيد بن المعلي رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " لأعلمنك سورة هي أعظم السور
في القرآن قبل أن تخرج من المسجد فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له ألم تقل لأعلمنك
سورة هي أعظم سورة في القرآن قال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي
أوتيته " (الخامس) الصلاة للحديث الصحيح في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " قال الله تعالى
قسمت الصلاة بيني وبين عبدي " وهو صحيح كما سبق بيانه قريبا (السادس) لسبع المثاني
للحديث الصحيح الذي ذكرناه قريبا سميت بذلك لأنها تثنى في الصلاة فتقرأ في كل ركعة
(السابع) الوافية - بالفاء - لأنها لا تنقص فيقرأ بعضها في ركعة وبعضها في أخرى بخلاف
غيرها (الثامن) الكافية لأنها تكفى عن غيرها ولا يكفي عنها غيرها (التاسع) الأساس روى
عن ابن عباس (العاشر) الشفاء فيه حديث مرفوع. قال الماوردي في تفسيره اختلفوا في جواز
تسميتها أم الكتاب فجوزه الأكثرون لان الكتاب تبع لها ومنعه الحسن وابن سيرين وزعما ان
331

هذا اسم للوح المحفوظ فلا يسمى به غيره (قلت) هذا غلط ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال
" من قرأ بأم الكتاب أجزأت عنه " وفى سنن أبي داود عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " الحمد لله رب العالمين أم القرآن وأم الكتاب والسبع الثاني " * قال المصنف رحمه الله *
* (فان تركها ناسيا ففيه قولان قال في القديم تجزيه لان عمر رضي الله عنه ترك القراءة فقيل له
في ذلك فقال كيف كان الركوع والسجود قالوا أحسنا قال فلا بأس وقال في الجديد لا تجزيه لان ما كان ركنا
في الصلاة لم يسقط فرضه بالنسيان كالركوع والسجود) * *
* (الشرح) * هذا الأثر عن عمر رضي الله عنه قد قدمنا بيانه في الفرع السابق في مذهبهم في القراءة وذكرنا
انه ضعيف وانه جاء انه أعاد الصلاة * اما حكم المسألة ففيمن ترك الفاتحة ناسيا حتى سلم أو ركع قولان مشهوران
أصحهما باتفاق الأصحاب وهو الجديد لا تسقط عنه القراءة بل إن تذكر في الركوع أو بعده قبل
القيام إلى الثانية عاد إلى القيام وقرأ وان تذكر بعد قيامه إلى الثانية لغت الأولي وصارت الثانية
هي الأولي وان تذكر بعد السلام والفصل قريب لزمه العود إلى الصلاة ويبنى على ما فعل فيأتي بركعة أخرى
ويسجد للسهو وان طال الفصل يلزمه استئناف الصلاة والقول الثاني القديم انه تسقط عنه القراءة
بالنسيان فعلى هذا ان تذكر بعد السلام فلا شئ عليه وان تذكر في الركوع وما بعده قبل السلام
فوجهان (أحدهما) وبه قطع المتولي يجب ان يعود إلى القراءة كما لو نسي سجدة ونحوها (والثاني)
لا شئ عليه وركعته صحيحة وسقطت عنه القراءة كما لو تذكر بعد السلام وبهذا قطع الشيخ
أبو حامد في تعليقه ونقله عن نصه في القديم وقطع به أيضا البندنيجي والقاضي أبو الطيب وصاحب
العدة وهو الأصح *
(فرع) لهذه المسألة نظائر فيها خلاف كهذه والأصح انها تصح (منها) ترك ترتيب الوضوء ناسيا
(ونسيان) الماء في رحله في التيمم (ومن) صلى أو صام بالاجتهاد فصادف قبل الوقت أو صلي بنجاسة
حملها أو نسيها أو أخطأ في القبلة بيقين وغير ذلك وقد سبق بيانها في باب صفة الوضوء *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ويجب ان يبتدئها بسم الله الرحمن الرحيم فإنها آية منها والدليل عليه ما روته أم سلمة رضي
332

الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم " قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فعدها آية " ولان الصحابة رضي
الله عنهم أثبتوها فيما جمعوا من القرآن فدل على أنها آية منها فإن كان في صلاة يجهر فيها جهر
بها كما يجهر بسائر الفاتحة لما روى ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم " جهر
ببسم الله الرحمن الرحيم " ولأنها تقرأ على أنها آية من القرآن بدليل انها تقرأ بعد التعوذ فكان
سنتها الجهر كسائر الفاتحة) * *
* (الشرح) * حديث أم سلمة رضي الله عنها صحيح رواه ابن خزيمة في صحيحه بمعناه وحديث
ابن عباس رواه الترمذي وقال ليس اسناده بذاك وسنذكر ما يغني عنه في فرع مذاهب العلماء
إن شاء الله تعالى * اما حكم المسألة فمذهبنا ان بسم الله الرحمن الرحيم آية كاملة من أول الفاتحة بلا
خلاف وليست في أول براءة باجماع المسلمين واما باقي السور غير الفاتحة وبراءة ففي البسملة في أول
كل سورة منها ثلاثة أقوال حكاها الخراسانيون أصحهما وأشهرها وهو الصواب أو الأصوب انها
آية كاملة (والثاني) انها بعض آية (والثالث) انها ليست بقرآن في أوائل السور غير الفاتحة والمذهب
انها قرآن في أوائل السور غير براءة ثم هل هي في الفاتحة وغيرها قرآن على سبيل القطع كسائر
القرآن أم على سبيل الحكم لاختلاف العلماء فيها. فيه وجهان مشهوران لأصحابنا حكاهما
المحاملي وصحاب الحاوي والبندنيجي (أحدهما) على سبيل الحكم بمعنى أنه لا تصح الصلاة
الا بقراءتها في أول الفاتحة ولا يكون قارئا لسورة غيرها بكمالها الا إذا ابتدأها بالبسملة (والصحيح)
انها ليست على سبيل القطع إذ لا خلاف بين المسلمين ان نافيها لا يكفر ولو كانت قرآنا قطعا
لكفر كمن نفى غيرها فعلى هذا يقبل في اثباتها خبر الواحد كسائر الأحكام وإذا قال هي قرآن
على سبيل القطع لم يقبل في اثباتها خبر الواحد كسائر القرآن وإنما ثبت بالنقل المتواتر عن الصحابة
في اثباتها في المصحف كما سيأتي تحريره في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى وضعف امام الحرمين
وغيره قول من قال إنها قرآن على سبيل القطع قال امام هذه غباوة عظيمة من قائل هذا لان ادعاء
العلم حيث لا قاطع محال. وقال صاحب الحاوي قال جمهور أصحابنا هي آية حكما لا قطعا وقال أبو علي
ابن أبي هريرة هي آية من أول كل سورة غير براءة قطعا ولا خلاف عندنا أنها تجب قراءتها في أول
الفاتحة ولا تصح الصلاة الا بها لأنها كباقي الفاتحة قال الشافعي ولأصحاب ويسن الجهر بالبسملة
333

في الصلاة الجهرية في الفاتحة وفى السورة وهذا لا خلاف فيه عندنا *
(فرع) في مذاهب العلماء في اثبات البسملة وعدمها (اعلم) أن مسألة البسملة عظيمة مهمة ينبني
عليها صحة الصلاة التي هي أعظم الأركان بعد التوحيد ولهذا المحل الأعلى الذي ذكرته من وصفها
اعتنى العلماء من المتقدمين والمتأخرين بشأنها وأكثروا التصانيف فيها مفردة وقد جمع الشيخ
أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي ذلك في كتابه المشهور وحوى فيه
معظم المصنفات في ذلك مجلدا كبيرا (1) وانا إن شاء الله تعالى أذكر هنا جميع مقاصده مختصرة وأضم
إليها تتمات لابد منها فأقول: قد ذكرنا أن مذهبنا ان البسملة آية من أول الفاتحة بلا خلاف فكذلك
هي آية كاملة من أول كل سورة غير براءة على الصحيح من مذهبنا كما سبق وبهذا قال خلائق
لا يحصون من السلف قال الحافظ أبو عمرو بن عبد البر هذا قول ابن عباس وابن عمر وابن الزبير
وطاوس وعطاء ومكحول وابن المنذر وطائفة وقال ووافق الشافعي في كونها من الفاتحة احمد
واسحق وأبو عبيد وجماعة من أهل الكوفة ومكة وأكثر أهل العراق وحكاه الخطابي أ؟
عن أبي هريرة وسعيد بن جبير ورواه البيهقي في كتابه الخلافيات بإسناده عن علي بن أبي طالب
رضي الله عنه والزهري وسفيان الثوري وفى السنن الكبير له عن علي وابن عباس وأبي هريرة
ومحمد بن كعب رضي الله عنهم * وقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة وداود ليست البسملة في أوائل
السور كلها قرآنا لا في الفاتحة ولا في غيرها وقال احمد هي آية في أول الفاتحة وليست بقران في
أوائل السور وعنه رواية انها ليست من الفاتحة أيضا وقال أبو بكر الرازي من الحنفية وغيره منهم
هي آية بين كل سورتين غير الأنفال وبراءة وليست من السور بل هي قرآن كسورة قصيرة وحكى
هذا عن داود وأصحابه أيضا ورواية عن أحمد وقال محمد ابن الحسن ما بين دفتي المصحف قرآن
وأجمعت الأمة على أنه لا يكفر من أثبتها ولا من نفاها لاختلاف العلماء فيها بخلاف ما لو نفى
حرفا مجمعا عليه أو أثبت ما لم يقل به أحد فإنه يكفر بالاجماع وهذا في البسملة التي في أوائل السور
334

غير براءة وأما البسملة في أثناء سورة النمل (انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم) فقرآن
بالاجماع فمن جحد منها حرفا كفر بالاجماع (واحتج) من نفاها في أول الفاتحة وغيرها من السور
بأن القرآن لا يثبت بالظن ولا يثبت الا بالتواتر وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين "
إلى آخر الحديث ولم يذكر البسملة رواه مسلم وقد سبق قريبا بطوله وبحديث أبي هريرة ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ان من القرآن سورة ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له " وهي (تبارك
الذي بيده الملك) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وفى رواية أبى داود تشفع قالوا
وقد اجمع القراء على أنها ثلاثون آية سوى البسملة وبحديث عائشة في مبدأ الوحي " ان جبريل
اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك
الأكرم ولم يذكر البسملة في أولها " رواه البخاري ومسلم وبحديث انس رضي الله عنه قال " صليت
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فلم اسمع أحدا منهم يقرأ
بسم الله الرحمن الرحيم " رواه مسلم وفى رواية له " فكانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون
بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا آخرها " قالوا ولأنها لو كانت من القرآن لكفر جاحدها
وأجمعنا انه لا يكفر (قالوا) ولان أهل العدد مجمعون على ترك عدها آية من غير الفاتحة واختلفوا في عدها
في الفاتحة قالوا ونقل أهل المدينة بأسرهم عن آبائهم التابعين عن الصحابة رضي الله عنهم افتتاح
الصلاة بالحمد لله رب العالمين قالوا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب " تقرأ أم القرآن
فقال الحمد لله رب العالمين " * واحتج * أصحابنا بأن الصحابة رضي الله عنهم اجمعوا على اثباتها في المصحف
جميعا في أوائل السور سوى براءة بخط المصحف بخلاف الأعشار وتراجم السور فان العادة كتابتها
335

بحمرة ونحوها فلو لم تكن قرآنا لما استجازوا اثباتها بخط المصحف من غير تمييز لان ذلك يحمل
على اعتقاد انها قرآن فيكونون مغررين بالمسلمين حاملين لهم على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا فهذا مما لا يجوز
اعتقاده في الصحابة رضي الله عنهم قال أصحابنا هذا أقوى أدلتنا في اثباتها قال الحافظ أبو بكر
البيهقي أحسن ما يحتج به أصحابنا كتابتها في المصاحف التي قصدوا بكتابتها ففي الخلاف عن القرآن
فكيف يتوهم عليهم انهم أثبتوا مائة وثلاث عشرة آية ليست من القرآن قال الغزالي في المستصفى
اظهر الأدلة كتابتها بخط القرآن قال ونحن نقنع في هذه المسألة بالظن ولا شك في حصوله (فان قيل)
لعلها أثبتت للفصل بين السور (فجوابه) من أوجه (أحدها) ان هذا فيه تغرير لا يجوز ارتكابه لمجرد
الفصل (والثاني) انه لو كان للفصل لكتبت بين براءة والأنفال ولما حسن كتابتها في أول الفاتحة
(الثالث) ان الفصل كان ممكنا بتراجم السور كما حصل بين براءة والأنفال (فان قيل) لعلها كتبت
للتبرك بذكر الله (فجوابه) من هذه الأوجه الثلاثة (ومن وجه رابع) انه لو كانت للتبرك لاكتفى
بها في أول المصحف أو لكتبت في أول براءة ولما كتبت في أوائل السور التي فيها ذكر الله كالفاتحة
والانعام وسبحان والكهف والفرقان والحديد ونحوها فلم يكن حاجة إلى البسملة ولأنهم قصدوا
تجريد المصحف مما ليس بقرآن ولهذا لم يكتبوا التعوذ والتأمين مع أنه صح الامر بهما ولان النبي
صلى الله عليه وسلم لما تلا الآيات النازلة في براءة عائشة رضي الله عنها لم يبسمل ولما تلا سورة
الكوثر حين نزوله بسمل فلو كانت للتبرك لكانت الآيات في براءة عائشة أولى مما تبرك فيه لما
دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وأهله وأصحابه من السرور بذلك وعن أم سلمة رضي الله عنها " ان
النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية " وعن
ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) قال " هي فاتحة الكتاب قال فأين السابعة
قال (بسم الله الرحمن الرحيم) " رواهما ابن خزيمة في صحيحه ورواهما البيهقي وغيره وعن أنس رضي الله عنه
قال " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى اغفاء ثم رفع رأسه متبسما فقلنا ما أضحكك يا رسول
336

لله قال أنزلت على سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم انا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو
الأبتر " رواه مسلم وعن أنس رضي الله عنه أنه سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال " كانت مدا ثم قرأ
بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم " رواه البخاري وعن ابن عباس قال
" كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم " رواه
الحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ورواه أبو داود وغيره وأخرج الحاكم
في المستدرك أيضا ثلاثة أحاديث كلها عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه
ما (الأول) ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا جاءه جبريل عليه السلام فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم علم
أنها سورة
(الثاني) " كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم ختم السورة حتى ينزل بسم الله الرحمن الرحيم " الثالث " كان المسلمون لا يعلمون
انقضاء السورة حتى ينزل بسم الله الرحمن الرحيم " وفى سنن البيهقي عن علي وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم
رضي الله عنهم " أن الفاتحة هي السبع من المثاني وهي السبع آيات وان البسملة هي الآية السابعة " وفى سنن
الدارقطني عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا قرأتم الحمد فاقرأوا بسم الله الرحمن
الرحيم: انها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم احدى آياتها " قال
الدارقطني رجال اسناده كلهم ثقات وروى موقوفا. فهذه الأحاديث متعاضدة محصلة للظن القوى
بكونها قرآنا حيث كتبت والمطلوب هنا هو الظن لا القطع خلاف ما ظنه القاضي أبو بكر الباقلاني
حيث شنع على مذهبنا وقال لا يثبت القرآن بالظن وأنكر عليه الغزالي وأقام الدليل على أن الظن
يكفي فيما نحن فيه (مما) ذكره حديث " كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف ختم السورة حتى ينزل
337

عليه بسم الله الرحمن الرحيم " قال والقاضي معترف بهذا ولكنه تأوله على أنها كانت تنزل ولم
تكن قرآنا قال وليس كل منزل قرآنا قال الغزالي: وما من منصف الا ويرد هذا التأويل ويضعفه
واعترف أيضا بان البسملة كتبت بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوائل السور مع اخباره صلى الله عليه
وسلم أنها منزلة وهذا موهم كل أحد انها قرآنا ودليل قاطع أو كالقاطع انها قران فلا وجه لترك
بيانها لو لم تكن قرآنا (فان قيل) لو كانت قرآن لبينها (فالجواب) أنه صلى الله عليه وسلم اكتفى بقوله
أنها منزلة وباملاتها على كتابه وبأنها تكتب بخط القران كما يبين عند إملاء كل آية انها قرآن اكتفاء
بعلم ذلك من قرينة الحال ومن التصريح بالانزال (فان قيل) قوله لا يعرف فصل السور دليل على أنها
للفصل (قلنا) موضع الدلالة قوله حتى ينزل فأخبر بنزولها وهذه صفة كل القرآن وتقدير الله لا يعرف
بالشروع في سورة أخرى إلا بالبسملة فإنها لا تنزل إلا في أوائل السور. قال الغزالي في آخر كلامه
الغرض بيان أن المسألة ليست قطعية بل ظنية وان الأدلة وإن كانت متعارضة فجواب الشافعي فيها
أرجح وأغلب (وأما) الجواب عن قولهم لا يثبت القران إلا بالتواتر فمن وجهين (أحدهما) أن اثباتها
في المصحف في معني التواتر (والثاني) أن التواتر إنما يشترط فيما يثبت قرانا على سبيل القطع أما ما يثبت
قرآنا على سبيل الحكم فيكفي فيه الظن كما سبق بيانه والبسملة قرآن على سبيل الحكم على الصحيح
وقول جمهور أصحابنا كما سبق (وأما) الجواب عن حديث " قسمت الصلاة " فمن أوجه ذكرها أصحابنا
(أحدها) أن البسملة إنما لم تذكر لاندراجها في الآيتين بعدها (الثاني) أن يقال معناه فإذا انتهى العبد في
قراءته إلى " الحمد لله رب العالمين " وحينئذ تكون البسملة داخلة (الثالث) أن يقال المقسوم ما يختص
بالفاتحة من الآيات الكاملة واحترزنا بالكاملة عن قوله تعالي (وقيل الحمد لله رب العالمين) وعن
قوله تعالى (وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) وأما البسملة فغير مختصة (الرابع) لعله قاله قبل
نزول البسملة فان النبي صلى الله عليه وسلم " كان ينزل عليه الآية فيقول ضعوها في سورة كذا (الخامس)
أنه جاء ذكر البسملة في رواية الدارقطني والبيهقي فقال " فإذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله ذكرني عبدي " ولكن اسنادها ضعيف (فان قيل) قد أجمعت الأمة على أن الفاتحة سبع آيات
واختلف في السابعة فمن جعل البسملة آية قال السابعة (صراط الذين) إلى آخر السورة: ومن نفاها
قال (صراط الذين أنعمت عليهم) سادسة (وغير المغضوب عليهم) إلى آخرها هي السابعة قالوا ويترجح
هذا لان به يحصل حقيقة التنصيف فيكون لله تعالى ثلاث آيات ونصف وللعبد مثلها وموضع التنصيف
338

(إياك نعبد وإياك نستعين) فلو عدت البسملة آية ولم يعد (غير المغضوب عليهم) صار لله تعالى أربع
آيات ونصف وللعبد آيتان ونصف وهذا خلاف تصريح الحديث بالتنصيف (فالجواب) من أوجه
(أحدها) منع إرادة حقيقة التنيصف بل هو من باب قول الشاعر *
إذا مت كان الناس نصفين شامت * وآخر مثن بالذي كنت أصنع
فيكون المراد أن الفاتحة قسمان فأولها لله تعالى وآخرها للعبد (والثاني) أن المراد بالتنصيف قسمان
الثناء والدعاء من غير اعتبار لعدد الآيات (الثالث) أن الفاتحة إذا قسمت باعتبار الحروف والكلمات
والبسملة منها كان التنصف في شطريها أقرب مما إذا قسمت بحذف البسملة فلعل المراد تقسيمها باعتبار
الحروف (فان قيل) يترجح جعل الآية السابعة (غير المغضوب) لقوله فإذا قال العبد (اهدنا الصراط
إلى آخر السورة قال فهؤلاء لعبدي فلفظة هؤلاء جمع يقتضى ثلاثة آيات وعلى قول الشافعي ليس للعبد إلا
آيتان (فالجواب) أن أكثر الرواة رووه فهذا لعبدي وهو الذي رواه مسلم في صحيحه وإن كان هؤلاء
ثابته في سنن أبي داود والنسائي باسناديهما الصحيحين وعلى هذه الرواية تكون الإشارة بهؤلاء إلى
الكلمات أو إلى الحروف أو إلى آيتين ونصف من قوله تعالى (وإياك نستعين) إلى آخر السورة ومثل هذا
يجمع كقول الله تعالى (الحج أشهر معلومات) والمراد شهران وبعض الثالث أو إلى آيتين فحسب وذلك يطلق
عليه اسم الجمع بالاتفاق ولكن اختلفوا في أنه حقيقة أم مجاز وحقيقته ثلاثة والأكثرون على أنه
مجاز في الاثنين حقيقة في الثلاثة قال الشيخ أبو محمد المقدسي هذا كله إذا سلمنا أن التنصف توجه
إلى آيات الفاتحة وذلك ممنوع من أصله وإنما التنصف متوجه إلى الصلاة بنص الحديث (فان قالوا)
المراد قراءة الصلاة (قلنا) بل المراد قسمة ذكر الصلاة أي الذكر المشروع فيها وهو ثناء ودعاء
فالثناء منصرف إلى الله تعالى سواء ما وقع منه في القراءة وما وقع في الركوع والسجود وغيرهما
والدعاء منصرف إلى العبد سواء ما وقع منه في القراءة والركوع والسجود وغيرها ولا يشترط التساوي
في ذلك لما سبق ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد أخباره بقسمة أذكار الصلاة أمرا آخر وهو
ما يقوله الله تعالى عند قراءة العبد هذه الآيات التي هي من جملة المقسوم لا ان ذلك تفسير بعض
المقسوم (فان قيل) يترجح كونه تفسيرا لذكره عقيبه (قلنا) ليس كذلك لان قراءة الصلاة غير
منحصرة في الفاتحة فحمل الحديث على قسمة الذكر أعم وأكثر فائدة فهذا الحديث هو عمدة
نفاة البسملة وقد بان أمره والجواب عنه (وأما الجواب) عن حديث شفاعة تبارك وهو ان المراد
339

ما سوى البسملة لأنها غير مختصة بهذه السورة ويحتمل أن يكون هذا الحديث قبل نزول البسملة
فيها فلما نزلت أضيفت إليها بدليل كتابتها في المصحف ويؤيد تأويل هذا الحديث انه رواية أبي هريرة
فمن يثبت البسملة فهو أعلم بتأويله (وأما الجواب) عن حديث مبدأ الوحي وهو ان البسملة
نزلت بعد ذلك كنظائر لها من الآيات المتأخرة عن سورة في النزول فهذا هو الجواب المعتمد وبه
أجاب الشيخ أبو حامد وسليم الرازي وغيرهما (وجواب آخر) وهو ان البسملة نزلت أولا وروى
في ذلك حديث عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أول ما القى على جبريل بسم الله الرحمن الرحيم "
ونقله الواحدي في أسباب النزول عن الحسن وعكرمة وهذا ليس بثابت فلا اعتماد عليه * وأما حديث
أنس فسيأتي جوابه في مسألة الجهر بالبسملة (وأما) قولهم لو كانت قرآنا لكفر جاحدها فجوابه
من وجهين (أحدها) أن يقلب عليهم فيقال لو لم تكن قرآن لكفر مثبتها (الثاني) ان الكفر لا يكون
بالظنيات بل بالقطعيات والبسملة ظنية (وأما) قولهم أجمع أهل العدد على أنه لا تعد آية فجوابه
من وجهين (أحدهما) ان أهل العدد ليسوا كل الأمة فيكون اجماعهم حجة بل هم طائفة من الناس
عدوا كذلك اما لأنه مذهبهم ففي البسملة وأما لاعتقادهم انها بعض آية وانها مع أول السورة آية
(الثاني) انه معارض بما ورد عن ابن عباس وغيره " من تركها فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية "
وأما الجواب عن نقل أهل المدينة وإجماعهم بل قد اختلف أهل المدينة في ذلك كما سبق الخلاف عن
الصحابة فمن بعدهم من أهل المدينة وغيرهم وستأتي قصة معاوية حين تركها في صلاته فأنكر عليه
المهاجرون والأنصار فأي اجماع مع هذا قال ابن عبد البر الخلاف في المسألة موجود قديما وحديثا
قال ولم يختلف أهل مكة ان (بسم الله الرحمن الرحيم) أول آية من الفاتحة ولو ثبت اجماع أهل
المدينة لم يكن حجة مع وجود الخلاف لغيرهم هذا مذهب الجمهور وأما قولهم قال النبي صلى الله عليه وسلم
لأبي بن كعب " كيف تقرأ أم القرآن فقال الحمد لله رب العالمين " فجوابه ان هذا غير ثابت وإنما
لفظه في كتاب الترمذي " كيف تقرأ في الصلاة فقرأ أم القرآن " وهذا لا دليل فيه وفى سنن الدارقطني
عكس ما ذكروه وهو ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريدة " بأي شئ تستفتح القرآن إذا
افتتحت الصلاة قال قلت ببسم الله الرحمن الرحيم " وعن علي وجابر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه
وسلم معناه والله أعلم *
340

(فرع) في مذاهب العلماء في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم: قد ذكرنا أن مذهبنا استحباب الجهر بها
حيث يجهر بالقراءة في الفاتحة والسورة جميعا فلها في الجهر حكم باقي الفاتحة والسورة هذا قول أكثر العلماء من
الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء والقراء فأما الصحابة الذين قالوا به فرواه الحافظ أبو بكر الخطيب
عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعمار بن ياسر وأبي بن كعب وابن عمر وابن عباس وأبى
قتادة وأبى سعيد وقيس بن مالك وأبي هريرة وعبد الله بن أبي أوفى وشداد بن أوس وعبد الله
ابن جعفر والحسين بن علي وعبد الله جعفر (1) ومعاوية وجماعة المهاجرين والأنصار الذين
حضروه لما صلي بالمدينة وترك الجهر فأنكروا عليه فرجع إلى الجهر بها رضي الله عنهم أجمعين (قال الخطيب)
وأما التابعون ومن بعدهم ممن قال بالجهر بها فهم أكثر من أن يذكروا وأوسع من أن يحصروا
ومنهم سعيد بن المسيب وطاوس وعطاء ومجاهد وأبو وائل وسعيد بن جبير وابن سيرين وعكرمة وعلي بن
الحسين وابنه محمد بن علي وسالم بن عبد الله ومحمد بن المنكدر وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ومحمد
ابن كعب ونافع مولي ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وأبو الشعثاء ومكحول وحبيب بن أبي ثابت
والزهري وأبو قلابة وعلي بن عبد الله بن عباس وابنه محمد بن علي والأزرق بن قيس وعبد الله بن
مغفل بن مقرن فهؤلاء من التابعين قال الخطيب وممن قال به بعد التابعين عبد الله بن عمر العمرى
والحسن بن زيد وعبد الله بن حسن وزيد بن علي بن حسين ومحمد بن عمر بن علي وابن أبي ذئب
والليث بن سعد وإسحاق بن راهويه ورواه البيهقي عن بعض هؤلاء وزاد في التابعين عبد الله بن
صفوان ومحمد بن الحنفية وسليمان التيمي ومن تابعهم المعتمر بن سليمان ونقله ابن عبد البر عن بعض

(1) كذا بالأصل
341

هؤلاء وزاد فقال هو قول جماعة أصحاب ابن عباس طاوس وعكرمة وعمرو بن دينار وقول ابن
جريج ومسلم بن خالد وسائر أهل مكة وهو أحد قولي ابن وهب صاحب مالك وحكاه غيره عن
ابن المبارك وأبى ثور. وقال الشيخ أبو محمد المقدسي والجهر بالبسملة هو الذي قرره الأئمة الحفاظ
واختاروه وصنفوا فيه مثل محمد بن نصر المروزي وأبى بكر بن خزيمة وأبى حاتم بن حبان وأبي
الحسن الدارقطني وأبى عبد الله الحاكم وأبي بكر البيهقي والخطيب وأبى عمرو بن عبد البر وغيرهم
رحمهم الله. وفى كتاب الخلافيات للبيهقي عن جعفر بن محمد قال اجتمع آل محمد صلى الله عليه
وسلم على الجهر " ببسم الله الرحمن الرحيم " ونقل الخطيب عن عكرمة أنه كان لا يصلي خلف من
لا يجهر " ببسم الله الرحمن الرحيم " وقال أبو جعفر محمد بن علي لا ينبغي الصلاة خلف من لا يجهر.
قال أبو محمد واعلم أن أئمة القراءة السبعة (منهم) من يري البسملة بلا خلاف عنه (ومنهم) من روى
عنه الأمران وليس فيهم من لم يبسمل بلا خلاف عنه فقد بحثت عن ذلك أشد البحث فوجدته كما
ذكرته. ثم كل من رويت عنه البسملة ذكرت بلفظ الجهر بها إلا روايات شاذة جاءت عن حمزة
رحمه الله بالاسرار بها وهذا كله ما يدل من حيث الاجمال على ترجيح اثبات البسملة والجهر بها.
وفى كتاب البيان لابن أبي هاشم عن أبي القاسم بن المسلسي قال كنا نقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم "
في أول فاتحة الكتاب وفى أول سورة البقرة وبين السورتين في الصلاة وفى الفرض كان هذا مذهب
القراء بالمدينة * وذهبت طائفة إلى أن السنة الاسرار بها في الصلاة السرية والجهرية وهذا حكاه
ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وعمار بن ياسر وابن الزبير والحكم وحماد والأوزاعي
والثوري وأبي حنيفة وهو مذهب أحمد بن حنبل وأبى عبيد وحكى عن النخعي وحكى القاضي أبو الطيب
وغيره عن ابن أبي ليلي والحكم ان الجهر والاسرار سواء (واعلم) ان مسألة الجهر ليست مبنية على
342

مسألة اثبات البسملة لان جماعة ممن يرى الاسرار بها لا يعتقدونه قرآنا بل يرونها من سنته كالتعوذ
والتأمين وجماعة ممن يرى الاسرار بها يعتقدونها قرآنا وإنما أسروا بها وجهر أولئك لما ترجح عند
كل فريق من الاخبار والآثار. واحتج من يرى الاسرار بحديث أنس رضي الله عنه " أن النبي
صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين "
رواه البخاري وعن أنس أيضا رضي الله عنه قال " صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر
وعمر وعثمان فلم اسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم " رواه مسلم وعنه " صليت خلف
النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون
بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها " رواه مسلم وفى رواية الدارقطني " فلم أسمع
أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ". وعن عائشة رضي الله عنها قالت " كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين " رواه مسلم وروى
عن ابن عبد الله بن مغفل قال " سمعني أبي وأنا اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم فقل أي بني إياك والحدث
فاني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان فلم اسمع رجلا منهم يقوله
فإذا قرأت فقل الحمد لله رب العالمين " رواه الترمذي والنسائي قال الترمذي حديث حسن وعن
ابن مسعود رضي الله عنه قال " ما جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم
في صلاة مكتوبة ببسم الله الرحمن الرحيم ولا أبو بكر ولا عمر رضي الله عنهما " قالوا ولان الجهر بها
منسوخ قال سعيد بن جبير " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم
بمكة وكان أهل مكة يدعون مسيلمة الرحمن فقالوا ان محمدا يدعو إلى إله اليمامة فأمر رسول الله صلي
لله عليه وسلم فأخفاها فما جهر بها حتى مات " قالوا وسئل الدارقطني بمصر حين صنف كتاب
لجهر فقال لم يصح في الجهر بها حديث. قالوا وقال بعض التابعين الجهر بها بدعة قالوا وقياسا
على التعوذ. قالوا ولأنه لو كان الجهر ثابتا لنقل نقلا متواترا أو مستفيضا كوروده في سائر القراءة
واحتج أصحابنا والجمهور على استحباب الجهر بأحاديث وغيرها جمعها ولخصها الشيخ أبو محمد المقدسي
فقال (اعلم) ان الأحاديث الواردة في الجهر كثيرة (منهم) من صرح بذلك (ومنهم) من فهم من
343

عبارته ولم يرد تصريح بالاسرار بها على النبي صلى الله عليه وسلم إلا روايتان (إحداهما) عن
ابن مغفل وهي ضعيفة (والثانية) عن أنس وهي معللة بما أوجب سقوط الاحتجاج بها كما
سنوضح إن شاء الله تعالى (ومنهم) من استدل بحديث " قسمت الصلاة " السابق ولا دليل فيه
على الاسرار (ومنهم) من يستدل بحديث عن عائشة وحديث عن ابن مسعود واعتمادهم على
حديثي أنس وابن مغفل لم يدع أبو الفرج بن الجوزي في كتابه التحقيق غيرهما فقال لنا حديثان
فذكرهما وسنوضح أنه لا حجة فيهما وأما أحاديث الجهر فالحجة قائمة بما يشهد له بالصحة (منها)
وهو ما روى عن ستة من الصحابة أبي هريرة وأم سلمة وابن عباس وأنس وعلي بن أبي طالب
وسمرة بن جندب رضي الله عنهم: أما أبو هريرة فوردت عنه أحاديث دالة على ذلك من ثلاثة أوجه
(الأول) ما هو مستنبط من متفق على صحته رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة " قال في كل صلاة
قراءة " وفى رواية " بقراءة " وفى أخرى " لا صلاة الا بقراءة " قال أبو هريرة " فما أعلن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أعلناه لكم وما أخفاه أخفيناه لكم " وفى رواية " فما أسمعنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم أسمعناكم وما أخفى منا أخفيناه منكم " كل هذه الألفاظ في الصحيح بعضها وفى
الصحيحين وبعضها في أحدهما ومعناه يجهر بما جهر به ويسر بما أسر به ثم قد ثبت عن أبي هريرة
أنه كان يجهر في صلاته بالبسملة فدل على أنه سمع الجهر بها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
الخطيب أبو بكر الحافظ البغدادي الجهر بالتسمية مذهب لأبي هريرة حفظ عنه واشتهر به رواه
عنه غير واحد من أصحابه (الوجه الثاني) حديث نعيم بن عبد الله المجمر قال " صليت وراء
أبي هريرة رضي الله عنه فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم الكتاب حتى إذا بلغ ولا الضالين
قال آمين وقال الناس آمين ويقول كلما سجد الله أكبر وإذا قام من الجلوس من الاثنين قال الله
أكبر ثم يقول إذا سلم والذي نفسي بيده اني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم "
رواه النسائي في سننه وابن خزيمة في صحيحه قال ابن خزيمة في مصنفه فاما الجهر ببسم الله الرحمن
الرحيم في الصلاة فقد صح وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم باسناد ثابت متصل لا شك ولا ارتياب
عند أهل المعرفة بالاخبار في صحة سنده واتصاله فذكر هذا الحديث ثم قال فقد بان وثبت ان النبي
344

صلى الله عليه وسلم كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة وأخرجه أبو حاتم ابن حبان في
صحيحه والدارقطني في سننه وقال هذا حديث صحيح وكلهم ثقات ورواه الحاكم في المستدرك
على الصحيح وقال هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم واستدل به الحافظ البيهقي في كتاب
الخلافيات ثم قال رواة هذا الحديث كلهم ثقات مجمع على عدالتهم محتج بهم في الصحيح: وقال
في السنن الكبير وهو اسناد صحيح وله شواهد واعتمد عليه الحافظ أبو بكر الخطيب في أول
كتابه الذي صنفه في الجهر بالبسملة في الصلاة فرواه من وجوه متعددة مرضية ثم هذا الحديث
ثابت صحيح لا يتوجه عليه تعليل في اتصاله وثقة رجاله (الوجه الثالث) ما رواه الدارقطني في
سننه من طريقين عن منصور بن أبي مزاحم قال حدثنا إدريس عن العلاء بن عبد الرحمن بن
يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " انه كان إذا قرا وهو يؤم الناس
افتتح بسم الله الرحمن الرحيم قال أبو هريرة هي آية من كتاب الله اقرؤوا ان شئتم فاتحة الكتاب
فإنها الآية السابعة " في رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا أم الناس قرأ بسم الله الرحمن
الرحيم قال الدارقطني رجال اسناده كلهم ثقات. وقال الخطيب قد روى جماعة عن أبي هريرة
أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويأمر به: فذكر هذا الحديث " وقال
بدل قرأ جهر. وعن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم
يفتتح القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم " وعن أبي حازم عن أبي هريرة قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم
يجهر بقراءة بسم الله الرحمن الرحيم " قال الشيخ أبو محمد المقدسي فلا عذر لمن يترك صريح هذه
345

الأحاديث عن أبي هريرة ويعتمد روايته حديث " قسمت الصلاة " ويحمله على ترك التسمية مطلقا
أو على الاسرار وليس في ذلك تصريح بشئ منهما والجميع رواية صحابي واحد فالتوفيق بين رواياته
أولي من اعتقاد اختلافها مع أن هذا الحديث الذي رواه الدارقطني باسناده حديث " قسمت الصلاة "
بعينه فوجب حمل الحديثين على ما صرح به في أحدهما. وأما حديث أم سلمة فرواه جماعة من الثقات
عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عنها رضي الله عنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه
يقطع قراءته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين " وفى رواية
" كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم يقطعها حرفا حرفا " وفى رواية " كان
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إذا قرأ يقطع قراءته آية آية " رواه الحاكم في المستدرك وابن خزيمة والدارقطني
وقال اسناده كلهم ثقات أو هو اسناد صحيح وقال الحاكم في المستدرك هو صحيح على شرط البخاري
ومسلم ورواه عمر بن هارون البلخي عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم " قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم فعدها آية الحمد لله رب العالمين آيتين الرحمن
الرحيم ثلاث آيات مالك يوم الدين أربع آيات وقال هكذا إياك نعبد وإياك نستعين
وجمع خمس أصابعه " قال أبو محمد لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه المقاطيع أخبر عنه
أنه عند كل مقطع آية لأنه جمع عليه أصابعه فبعض الرواة حين حدث بهذا الحديث نقل ذلك
زيادة في البيان وفى عمر بن هارون هذا كلام لبعض الحفاظ إلا أن حديثه أخرجه ابن خزيمة في
صحيحه واما الزيادة التي في حديثه وهي قوله قرأ في الصلاة فرواها الطحاوي من حديث ابن جريج
بسنده وذكر الرازي له تأويلات ضعيفة أبطلتها في الكتاب الطويل واما حديث ابن عباس
فرواه الدارقطني في سننه والحاكم في المستدرك باسنادهما عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
346

رضي الله عنهما قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم " قال الحاكم
هذا اسناد صحيح وليس له علة وأخرج الدارقطني حديثين كلاهما عن ابن عباس وقال
في كل واحد منهما هذا اسناد صحيح ليس في رواته مجروح (أحدهما) ان النبي صلى الله عليه وسلم
" جهر ببسم الله الرحمن الرحيم " (والثاني) " كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة ببسم الله
الرحمن الرحيم " وهذا الثاني رواه الترمذي وقال ليس اسناده بذاك قال أبو محمد المقدسي فحصل
لنا والحمد لله عدة أحاديث عن ابن عباس صححها الأئمة لم يذكر ابن الجوزي في التحقيق شيئا منها
بل ذكر حديثا رواه عمر بن حفص المكي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس " ان النبي
صلى الله عليه وسلم لم يزل يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين حتى قبض " قال ابن الجوزي
وعمر بن حفص اجمعوا على تركه وليس هذا بانصاف ولا تحقيق فإنه يوهم انه ليس عن ابن عباس
في الجهر سوى هذا الحديث الضعيف: وأما حديث انس فالاستدلال به من أوجه (الأول) ان في
صحيح البخاري من حديث عمرو بن عاصم عن همام وجرير عن قتادة قال " سئل انس كيف كانت
قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كانت مدا " ثم قرأ " بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله
ويمد الرحمن ويمد الرحيم " قال الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي هذا حديث صحيح لا نعرف له
علة قال وفيه دلالة على الجهر مطلقا يتناول الصلاة وغيرها لان قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لو اختلفت في الجهر بين حالتي الصلاة وغيرها لبينها انس ولما أطلق جوابه وحيث أجاب بالبسملة
دل على النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بها في قراءته ولولا ذلك لأجاب أنس (بالحمد لله رب العالمين)
347

أو غيرها (الوجه الثاني) ان في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال " بينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذا أغفى إغفاء ثم رأسه متبسما فقلنا ما أضحكك يا رسول الله
قال أنزلت على آنفا سورة فقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم انا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر)
إلى آخرها " وهذا تصريح بالجهر بها خارج الصلاة فكذا في الصلاة كسائر الآيات وقد أخرج
مسلم هذا الحديث في صحيحة عقب الحديث المحتج به في نفي الجهر كالتعليل له به لان الحديثين
348

من رواية أنس (فان قيل) إنما جهر بها في الحديث لأنه تلا ما أنزل ذلك الوقت فيلزمه أن يبلغه
جميعه فجهر كباقي السور (قلنا) فهذا دليل لنا لأنها تكون من السورة فيكون له حكم باقيها في الجهر
حتى يقوم دليل خلافه (الوجه الثالث) ما اعتمده الإمام الشافعي من إجماع أهل المدينة في عصر
الصحابة رضي الله عنهم خلافا لما ادعته المالكية من الاجماع: قال الشافعي أخبرنا عبد المجيد
ابن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني عبد الله بن عثمان بن خيثم إن أبا بكر بن حفص بن عمر
أخبره ان أنس بن مالك قال صلى معاوية بالمدينة صلاة يجهر فيها بالقراءة فقرأ (بسم الله الرحمن
الرحيم) لام القرآن ولم يقرأ بها للسور التي بعدها حتى قضى تلك القراءة ولم يكبر حين يهوى
حتى قضى تلك الصلاة فلما سلم ناداه من شهد من المهاجرين من كل مكان يا معاوية أسرقت الصلاة
أم نسيت فلما صلي بعد ذلك قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) للتي بعد أم القرآن وكبر حين يهوى
ساجدا ورواه يعقوب بن سفيان الامام عن الحميدي واعتمد عليه يعقوب أيضا في اثبات الجهر
بالبسملة وقد أخرجه الحاكم في المستدرك وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم وقد احتج
بعبد المجيد وسائر رواته متفق على عدالتهم قال البيهقي وتابعه على ذلك عبد الرزاق عن ابن جريج
ورواه ابن خيثم باسناد آخر ورواه الدارقطني في سننه وقال رجالهم كلهم ثقات قال الدارقطني
349

وحدثنا أبو بكر النيسابوري قال حدثنا الربيع قال ثنا الشافعي فذكره إلا أنه قال فلم يقرأ (بسم الله
الرحمن الرحيم) لام القرآن ولم يقرأ للسورة بعدها فذكر الحديث وزاد والأنصاري ثم قال فلم يصل
بعد ذلك الا قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) لام القرآن وللسورة ورواه الشافعي من وجه آخر
وقال فناداه المهاجرون والأنصار حين سلم يا معاوية أسرقت صلاتك أين (بسم الله الرحمن الرحيم)
وقد حصل الجواب في الكتاب الكبير عما أورد في إسناد هذا الحديث ومتنه ويكفينا انه على
شرط مسلم (الوجه الرابع) روى الدارقطني في سننه ومسنده عن المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أنس
قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة ببسم الله الرحمن الرحيم " قال الدارقطني اسناده
صالح وفيه عن محمد بن أبي السري العسقلاني قال صليت خلف المعتمر بن سلمان مالا أحصى
صلاة المغرب والصبح فكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قبل فاتحة الكتاب وبعدها وسمعت
المعتمر يقول ما آلوا ان اقتدى بصلاة أبي وقال أبى ما آلوا ان اقتدى بصلاة أنس بن مالك
وقال أنس رضي الله عنه ما آلوا ان اقتدى بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الدارقطني
إسناده كلهم ثقات وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات وأخرج
الحاكم أيضا عن شريك بن عبد الله عن أنس قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر
ببسم الله الرحمن الرحيم " قال الحاكم رواته كلهم ثقات قال الحاكم ففي هذه الأخبار معارضة لحديث
قتادة عن أنس السابق في ترك قراءة البسملة وهو كما قال لأنه إذا صح عنه ما ذكرناه فعلا ورواية
350

فكيف يظن به انه يروى ما يفهم خلافه فهو لم يقتد في جهره بها الا برسول الله صلى الله عليه وسلم
ففي الصحيحين عن حماد بن زيد عن ثابت عن أنس " إني لا آلوا ان أصلي بكم كما رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يصلي بنا " قال أبو محمد المقدسي قد حصل لنا والحمد لله عدة أحاديث جياد في الجهر
وتعرض ابن الجوزي لتضعيف بعض رواته عن أنس لم نذكرها نحن وتعرض مما ذكرناه لرواية شريك
وطعن فيه (وجواب) ما قال إن شريكا من رجال الصحيحين ويكفينا أن نحتج بمن احتج به البخاري
ومسلم وفيما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة المشهود لها بالصحة ما يرد قول ابن الجوزي انه لم يصح عن
أنس شئ في الجهر: وأما حديث علي رضي الله عنه الذي بدأ الدارقطني بذكره في سننه قال " كان النبي صلى الله
عليه وسلم يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) في صلاته قال الدارقطني هذا إسناد علوي لا بأس به وقد
احتج به ابن الجوزي على المالكية في تركهم البسملة في الصلاة ولم يحتج في المسألة بغيره ثم ساق الدارقطني
الروايات في ذلك عن غير على من الصحابة ثم ختمها برواية عنه حين قال سئل علي رضي الله عنه عن
السبع المثاني فقال (الحمد لله رب العالمين) فقيل إنما هي ست آيات فقال (بسم الله الرحمن الرحيم)
آية قال الدارقطني إسناده كلهم ثقات وإذا صح أن عليا يعتقدها من الفاتحة فلها حكم باقيها في الجهر *
وأما حديث سمرة فأخرجه الدارقطني والبيهقي عن حميد عن الحسن عن سمرة رضي الله تعالى عنه
قال " كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتان سكتة إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم وسكتة
إذا فرغ من القراءة " وأنكر ذلك عمران بن حصين فكتبوا إلى أبي بن كعب وكتب ان صدق
سمرة قال الدارقطني كلهم ثقات وكان علي بن المديني يثبت سماع الحسن من سمرة قال الخطيب فقوله
سكتة إذا قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) يعنى إذا أراد أن يقرأ لان السكتة إنما هي قبل قراءة
البسملة لا بعدها (وأما الجواب) عن استدلالهم بحديث انس " كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله
رب العالمين " وعن حديث عائشة فهو ان المراد كانوا يفتتحون سورة الفاتحة لا بالسورة
وهذا التأويل متعين للجمع بين الروايات لان البسملة مروية عن عائشة رضي الله عنها فعلا ورواية عن
النبي صلى الله عليه وسلم ولان مثل هذه العبارة وردت عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم
وهما ممن صح عنه الجهر بالبسملة فدل على أن مراد جميعهم اسم السورة فهو كقوله بالفاتحة وقد
ثبت ان أول الفاتحة البسملة فتعين الابتداء بها وأما الرواية التي في مسلم " فلم اسمع أحدا منهم يقرأ
351

(بسم الله الرحمن الرحيم " فقال أصحابنا هي رواية للفظ الأول بالمعنى الذي فهمه الراوي عبر
عنه على قدر فهمه فأخطأ ولو بلغ الحديث بلفظه الأول لأصاب فان اللفظ الأول هو الذي اتفق
عليه الحفاظ ولم يخرج البخاري والترمذي وأبو داود غيره والمراد به اسم السورة كما سبق وتبث
في سنن الدارقطني عن أنس قال " كنا نصلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر
وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكانوا يفتتحون بأم القرآن فيما يجهر به " قال الدارقطني هذا صحيح
وهو دليل صريح لتأويلنا فقد ثبت الجهر بالبسملة عن أنس وغيره كما سبق فلا بد من تأويل
ما ظهر خلاف ذلك. قال الشيخ أبو محمد المقدسي ثم للناس في تأويله والكلام عليه خمس طرق
(إحداها) وهي التي اختارها ابن عبد البر أنه لا يجوز الاحتجاج به لتلونه واضطرابه واختلاف
ألفاظه مع تغاير معانيها فلا حجة في شئ منها عندي لأنه قال مرة كانوا يفتتحون (بالحمد لله رب العالمين)
ومرة كانوا لا يجهرون (بسم الله الرحمن الرحيم) ومرة كانوا لا يقرؤنها ومرة لم أسمعهم يقرؤنها
ومرة قال وقد سئل عن ذلك كبرت ونسيت فحاصل هذه الطريقة إنما نحكم بتعارض الروايات
ولا نجعل بعضها أولي من بعض فيسقط الجميع ونظير ما فعلوا في رد حديث أنس هذا ما نقله
الخطابي في معالم السنن عن أحمد بن حنبل أنه رد حديث رافع بن خديج في المزارعة لاضطرابه
وتلونه وقال هو حديث كثير الألوان (الطريقة الثانية) أن نرجح بعض ألفاظ هذه الروايات
المختلفة على باقيها ونرد ما خالفها إليها فلا نجد الرجحان الا للرواية التي على لفظ حديث عائشة " انهم
كانوا يفتتحون بالحمد لله " أي بالسورة وهذه طريقة الإمام الشافعي ومن تبعه لان أكثر الرواة
352

على هذا اللفظ ولقوله في رواية الدارقطني " بأم القرآن " فكأن أنسا أخرج هذا الكلام مستدلا
به على من يجوز قراءة غير الفاتحة أو يبدأ بغيرها ثم افترقت الرواة عنه (فمنهم) من أداه بلفظه
فأصاب (ومنهم) من فهم منه حذف البسملة فعبر عنه بقوله " كانوا لا يقرؤن " أو فلم أسمعهم
يقرؤن البسملة (ومنهم) من فهم الاسرار فعبر عنه (فان قيل) إذا اختلفت ألفاظ روايات حديث قضى
المبين منها على المجمل فان سلم أن رواية يفتتحون محتملة فرواية لا يجهرون تعين المراد (قلنا) ورواية
" بأم القرآن " تعين المعني الآخر فاستويا وسلم لنا ما سبق من الأحاديث المصرحة بالجهر عن
أنس وغيره وتلك لا تحتمل تأويلا وهذه أمكن تأويلها بما ذكرناه فأولت وجمع بين الروايات
وألفاظها (الطريقة الثالثة) ان يقال ليس في هذه الروايات ما ينافي أحاديث الجهر الصحيحة السابقة
أما الرواية المتفق عليها فظاهرة واما قوله لا يجهرون فالمراد به نفى الجهر الشديد الذي نهي الله تعالى
عنه بقوله تعالى (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) فنفى أنس رضي الله عنه
الجهر الشديد دون أصل الجهر بدليل انه هو روى الجهر في حديث آخر واما رواية من روى يسرون
فلم يرد حقيقة الاسرار وهذه طريقة الامام أبى بكر بن خزيمة وإنما أراد بقوله يسرون التوسط
المأمور به الذي هو بالنسبة إلى الجهر المنهي عنه كالاسرار واختار هذا اللفظ مبالغة في نفى الجهر
الشديد المنهي عنه وهذا معني ما روى عن ابن عباس أنه قال الجهر (بسم الله الرحمن الرحيم)
قراءة الاعراب أراد الجهر الشديد قراءة الاعراب لجفائهم وشدتهم لان ابن عباس ممن رأى الجهر
353

بالبسملة كما سبق (الطريقة الرابعة) رجحها امام ابن خزيمة وهي رد جميع الروايات إلى معني
انهم كانوا يسرون بالبسملة دون تركها وقد ثبت الجهر بها بالأحاديث السابقة عن أنس
وكان أنسا بالغ في الرد على من أنكر الاسرار بها فقال " انا صليت خلف النبي صلى الله
عليه وسلم وخلفائه فرأيتهم يسرون بها " أي وقع ذلك منهم مرة أو مرات لبيان الجواز
ولم يرد الدوام بدليل ما ثبت عنه من الجهر رواية وفعلا كما سبق فتكون أحاديث أنس قد دلت
على جواز الامرين ووقوعهما من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهما الجهر والاسرار ولهذا اختلفت
أفعال الصدر الأول في ذلك وهو كالاختلاف في الأذان والإقامة قال أبو حاتم بن حبان هذا عندي
من الاختلاف المباح والجهر أحب إلى فعلى هذا قول من روى " لم يقرأ " أي لم يجهر ولم أسمعهم
يقرؤن أي يجهرون (الطريقة الخامسة) أن يقال نطق أنس بكل هذه الألفاظ المروية في مجالس
متعددة بحسب الحاجة إليها في الاستدلال والبيان (فان قيل) هلا حملتم حديث أنس رضي الله
عنه على أن آخر الامرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الجهر بدليل أنه حكي ذلك عن الخلفاء بعده
(قلنا) منع ذلك أن الجهر مروي عن أنس من فعله كما سبق من حديث المعتمر عن أبيه عن أنس
فلا يختار أنس لنفسه الا ما كان آخر الامرين قال أبو محمد وان رمنا ترجيح الجهر فيما نقل أنس قلنا
هذه الرواية التي انفرد بها مسلم المصرحة بحذف البسملة أو بعدم الجهر بها قد عللت وعورضت بأحاديث
الجهر الثابتة عن أنس والتعليل يخرجها من الصحة إلى الضعف لان من شرط الصحيح أن لا يكون شاذا
ولا معللا وان اتصل سنده بنقل عدل ضابط عن مثله فالتعليل بضعفه لكونه اطلع فيه على علة خفية
قادحة في صحته كاشفة عن وهم لبعض رواته ولا ينفع حينئذ اخراجه في الصحيح لأنه في نفس الامر
ضعيف وقد خفى ضعفه وقد تخفى العلة على أكثر الحفاظ ويعرفها الفرد منهم فكيف والامر هنا
بالعكس ولهذا امتنع البخاري وغيره من اخراجه وقد علل حديث أنس هذا بثمانية أوجه ذكرها أبو محمد
مفصلة وقال الثامن فيها أن أبا سلمة سعيد بن زيد قال سألت أنسا " أكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يستفتح بالحمد لله رب العالمين أو ببسم الله الرحمن الرحيم فقال إنك لتسألني عن شئ ما أحفظه
وما سألني عنه أحد قبلك " رواه أحمد بن حنبل في مسنده وابن خزيمة في كتابه والدارقطني في سننه وقال
إسناده صحيح وهذا دليل على توقف انس وعدم جزمه بواحد من الامرين وروى عنه الجزم بكل واحد
منهما فاضطربت أحاديثه وكلها صحيحة فتعارضت فسقطت وان ترجح بعضها فالترجيح الجهر لكثرة
354

أحاديثه ولأنه اثبات فهو مقدم على النفي ولعل النسيان عرض له بعد ذلك: قال ابن عبد البر من حفظ عنه
حجة على من سأله في حال نسيانه والله أعلم * واما الجواب عن حديث ابن عبد الله بن مغفل فقال أصحابنا
والحفاظ هو حديث ضعيف لان ابن عبد الله بن مغفل مجهول: قال ابن خزيمة هذا الحديث غير صحيح من جهة
النقل لان ابن عبد الله مجهول وقال ابن عبد البر ابن عبد الله مجهول لا يقوم به حجة وقال الخطيب أو بكر
وغيره هذا الحديث ضعيف لان ابن عبد الله مجهول لا يرد على هؤلاء الحفاظ قول الترمذي حديث حسن
لان مداره على مجهول ولو صح وجب تأويله جمعا بين الأدلة السابقة وذكروا في تأويله وجهين (أحدهما)
قال أبو الفتح الرازي في كتابه في البسملة إن ذلك في صلاة سرية لا جهرية لان بعض الناس قد يرفع
قراءته بالبسملة وغيرها رفعا يسمعه من عنده فنهاه أبوه عن ذلك وقال هذا محدث والقياس ان البسملة
لها حكم غيرها من القرآن في الجهر والاسرار (الثاني) جواب أبي بكر الخطيب قال ابن عبد الله مجهول
ولو صح حديثه لم يؤثر في الحديث الصحيح عن أبي هريرة في الجهر لان عبد الله بن مغفل من احداث
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو هريرة من شيوخهم وقد صح ان النبي صلى الله عليه وسلم
كان يقول لأصحابه " ليلني منكم أولو الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم " فكان أبو هريرة يقرب من النبي صلى الله عليه وسلم
وعبد الله بن مغفل يبعد لحداثة سنه ومعلوم أن القارئ يرفع صوته ويجهر بقراءته في أثنائها أكثر
من أولها فلم يحفظ عبد الله الجهر بالبسملة لأنه بعيد وهي أول القراءة وحفظها أبو هريرة لقربه
واصغائه وجودة حفظه وشدة اعتنائه * واما حديث ابن مسعود رضي الله عنه (فجوابه) أنه ضعيف
لأنه من رواية محمد بن جابر التمامي عن حماد عن إبراهيم عن ابن مسعود ومحمد بن جابر ضعيف
باتفاق الحافظ مضطرب الحديث لا سيما في روايته عن حماد بن أبي سليمان. هذا (وفيه) ضعف آخر
وهو ان إبراهيم النخعي لم يدرك ابن مسعود بالاتفاق فهو منقطع ضعيف وإذا ثبت ضعفه من هذين
الوجهين لم يكن فيه حجة (ولو كانت) لكانت الأحاديث الصحيحة السابقة المصرحة بالجهر مقدمة
لصحتها وكثرتها ولأنها اثبات وهذا نفى والاثبات مقدم. وأما قول سعيد بن جبير ان الجهر منسوخ
355

فلا حجة فيه وإن كان قد روى متصلا عنه عن ابن عباس. وقال فأنزل الله تعالى (ولا تجهر بصلاتك)
فيسمع المشركون فيهزؤون (ولا تخافت) عن أصحابك فلا تسمعهم (وابتغ بين ذلك سبيلا) وفى رواية
" فخفض النبي صلى الله عليه وسلم ببسم الله الرحمن الرحيم " قال البيهقي يعني - والله أعلم - فخفض بها
دون الجهر الشديد الذي يبلغ إسماع المشركين وكان يجهر بها جهرا يسمع أصحابه. وقال أبو محمد
وهذا هو الحق لان الله تعالى كما نهاه عن الجهر بها نهاه عن المخافتة فلم يبق إلا التوسط بينهما وليس
هذا الحكم مختصا بالبسملة بل كان القراءة فيه سواء * واما ما حكوا عن الدارقطني فلا يصح عنه لان
الدارقطني صحح في سننه كثيرا من أحاديث الجهر كما سبق وكتاب السنن صنفه الدارقطني بعد
كتاب الجهر بدليل أنه أحال في السنن عليه فان صحت تلك الحكاية حمل الامر على أنه أطلع آخرا
على ما لم يكن اطلع عليه أولا ويجور أن يكون أراد ليس في الصحيحين منها شئ وإن كان قد صحت
في غيرها وهذا بعيد فقد سبق استنباط الجهر من الصحيحين من حديث انس وأبي هريرة (واما قولهم)
قال بعض التابعين الجهر بالبسملة بدعة ولا حجة فيه لأنه يخبر عن اعتقاده ومذهبه كما قال أبو حنيفة
العقيقة بدعة وصلاة الاستسقاء بدعة وهما سنة عند جماهير العلماء للأحاديث الصحيحة فيهما ومذهب
واحد من الناس لا يكون حجة على مجتهد آخر فكيف يكون حجة على الأكثرين مع مخالفته للأحاديث
الصحيحة السابقة (واما قياسهم) على التعوذ (فجوابه) ان البسملة من الفاتحة ومرسومة في المصحف
بخلاف التعوذ (واما قولهم) لو كان الجهر ثابتا لنقل تواترا فليس ذلك بلازم لان التواتر ليس بشرط
لكل حكم. والله أعلم بالصواب وله الحمد والمنة * قال المصنف رحمه الله *
* (ويجب ان يقرأها مرتبا فان قرأ في خلالها غيرها ناسيا ثم اتى بما بقي منها أجزأه وإن قرأ عامدا
لزمه ان يستأنف القراءة كما لو تعمد في خلاف الصلاة ما ليس منها لزمه ان يستأنفها وإن نوى قطعها ولم
يقطع لم يلزمه استئنافها لان القراءة باللسان ولم يقطع ذلك بخلاف ما لو نوى قطع الصلاة لأن النية
بالقلب وقطع ذلك) * *
356

* (الشرح) * قال الشافعي والأصحاب تجب قراءة الفاتحة مرتبة متوالية لان النبي صلى الله عليه وسلم
" كان يقرأ هكذا " وثبت انه صلى الله وسلم قال " صلوا كما رأيتموني أصلي " فان ترك الترتيب فقدم
المؤخر واخر المقدم فان تعمد ذلك بطلت قراءته ولا تبطل صلاته لان ما فعل انه قرأ آية أو آيات في غير
موضعها ويلزمه استئناف الفاتحة وإن فعل ذلك ساهيا لم يعتد بالمؤخر ويبني على المرتب من أول الفاتحة
نص عليه في الأم واتفق الأصحاب عليه: قال البغوي وغيره إلا أن يطول الفصل فيجب استئناف
القراءة هكذا قاله الأصحاب: قال الرافعي ينبغي ان يقال إن كان يعتبر الترتيب مبطلا للمعني تبطل
صلاته كما إذا تعمد كما قالوا إذا تعمد تغيير التشهد تغييرا يبطل المعني فان صلاته تبطل.
واما الموالاة فمعناها ان يصل الكلمات بعضها ببعض ولا يفصل إلا بقدر التنفس فان أخل
بالموالاة فله حالان (أحدهما) أن يكون عامدا فينظر إن سكت في أثناء الفاتحة طويلا بحيث
اشعر بقطعه القراءة أو اعراضه عنها مختارا أو لعائق بطلت قراءته ووجب استئناف
الفاتحة هذا هو المذهب وحكي إمام الحرمين والغزالي عن العراقيين أنه لا تبطل قراءة وليس بشئ
والموجود في كتب العراقيين وجوب الاستئناف وان قصرت مدة السكوت لم يؤثر بلا خلاف
وان نوى قطع القراءة ولم يسكت لم تبطل قراءته بلا خلاف نص عليه في الأم واتفق الأصحاب
عليه: قال في الأم لأنه حديث نفس وهو موضوع عنه وان نوى قطعها وسكت طويلا بطلت
بلا خلاف وان سكت يسيرا بطلت أيضا على الصحيح المشهور وبه الأكثرون ونص عليه في
الأم وأشار إليه المصنف وفيه وجه انها لا تبطل حكاه صاحب الحاوي وغيره لأن النية الفردة
لا تؤثر وكذا السكوت اليسير وكذا إذا اجتمعا وإن أتى في أثناء الفاتحة بتسبيح أو تهليل أو غيرهما
من الأذكار أو قرأ آية من غيرها عمدا بطلت قراءته بلا خلاف سواء كثر ذلك أو قل لأنه مناف
لقراءتها هذا فيما لا يؤمر به المصلى فاما ما امر به إليه كتأمين المأموم لتأمين إمامه وسجوده لتلاوته ففيه خلاف
نذكره قريبان إن شاء الله تعالى (الحال الثاني) أن يخل بالموالاة ناسيا فالصحيح الذي نص عليه الشافعي
في الأم وقطع به الأصحاب أنه لا تبطل قراءته بل يبنى عليها لأنه معذور سواء كان أخل بالموالاة
بسكوت أم بقراءة غير الفاتحة في أثنائها نص عليه في الأم وقاله الأصحاب قال في الأم لأنه مغفور له في
357

النسيان وقد قرأ الفاتحة كلها وسواء قلنا يعذر بترك الفاتحة ناسيا أم لا ومال إمام الحرمين والغزالي إلى
انقطاع الموالاة بالنسيان إذا قلنا لا تسقط القراءة بالنسيان والمذهب الأول ولو أعيي في أثناء الفاتحة فسكت
للاعياء بنى على قراءته حين أمكنه صحت قراءته نص عليه في الامام لأنه معذور وأما قول المصنف ويجب
أن يقرأها مرتبا فهو بفتح التاء ويجوز كسرها وقوله فان قرأ في خلالها غيرها إلى آخره ليس مراده به
تفسير الترتيب والتفريع عليه إذ ليس في هذا ترك ترتيب وإنما هو بيان للمسألة الثانية وهي ان الموالاة
واجبة كالترتيب فبين أنه لو ترك الموالاة عمدا لا تجزيه القراءة واستغنى به عن قوله ويجب الموالاة
والله أعلم *
(فرع) قال إمام الحرمين إذا كرر الفاتحة أو آية منها كان شيخي يقول لا بأس بذلك إن كان
ذلك لتشككه في أن الكلمة قرأها جيدا كما ينبغي أم لا لأنه معذور وإن كرر كلمة منها بلا سبب كان
شيخي يتردد في إلحاقه بما لو ادرج في أثناء الفاتحة ذكر آخر قال الامام والذي أراه انه لا تنقطع موالاته
بتكرير كلمة منها كيف كان: هذا كلام الامام وقد جزم شيخه وهو والده الشيخ أبو محمد في كتابه التبصرة
بأنه لا تنقطع قراءته سواء كررها للشك أو للتفكر وقال البغوي إن كرر آية لم تنقطع القراءة وإن قرا نصف
الفاتحة شك هل اتي بالبسملة فأتمها ثم ذكر أنه كان اتى بها يجب ان يعيد ما قرأ بعد الشك ولا يجب استئناف
الفاتحة لأنه لم يدخل فيها غيرها. وقال ابن سريج يجب استئناف الفاتحة وقال المتولي ان كرر الآية التي
هو فيها لم تبطل قراءته وان أعاد بعض الآيات التي فرع منها بأن وصل إلى (أنعمت عليهم) ثم قرأ
(مالك يوم الدين) فان استمر على القراءة من (مالك يوم الدين) أجزأته قراءته وان اقتصر على
(مالك يوم الدين) ثن عاد فقرأ (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) لم تصح قرأته وعليه استئنافها
لان هذا غير معهود في التلاوة وهذا كان عامدا فإن كان ساهيا أو جاهلا لم تنقطع قراءته كما
لو تكلم في أثناء صلاته بما ليس منها ناسيا أو جاهلا لم تبطل صلاته وكذا لا تبطل قراءته هنا واما
صاحب البيان فقال إن قرأ آية من الفاتحة مرتين فإن كانت أول آية أو آخرها لم يضر وإن كانت
في أثنائها فالذي يقتضيه القياس انه كما لو قرأ في خلالها غيرها فإنه لو تعمده بطلت قراءته وان سهى
بهى وكأن صاحب البيان لم يقف على النقل الذي حكيته عن الأصحاب ولهذا قال الذي يقتضيه
القياس وهذه عادته فيما لم ير فيه نقلا والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
* (فان قرأ الامام الفاتحة فأمن والمأموم في أثناء الفاتحة فأمن بتأمينه ففيه وجهان (قال) الشيخ
358

أبو حامد الأسفرايني تنقطع القراءة كما لو قطعها بقراءة غيرها (وقال شيخنا) القاضي أبو الطيب
لا تنقطع لان ذلك مأمور به فلا تنقطع القراءة كسؤال في آية الرحمة والاستعاذة من النار في آية
العذاب فيما يقرأ في صلاته منفردا) * *
* (الشرح) * قال أصحابنا إذا أتى في أثناء الفاتحة بما ندب إليه لمصلحة الصلاة مما يتعلق بها
كتأمين المأموم وسجوده معه لتلاوته وفتحه عليه القراءة وسؤاله الرحمة عند قراءة آيتها والاستعاذة
من العذاب عند قراءة آيته ونحو ذلك فهل موالاة الفاتحة (فيه وجهان) مشهوران (أصحهما)
لا تنقطع بل يبني عليها وتجزيه وبهذا قال أبو علي الطبري والقفال والقاضي أبو الطيب وأبو الحسن
الواحدي في تفسيره البسيط وصححه الغزالي والشاشي والرافعي وغيرهم (الثاني) تنقطع فيجب
استئناف الفاتحة وهو قول الشيخ أبى حامد والمحاملي والبندنيجي وصححه صاحب التتمة ولا
يطرد الوجهان في كل مندوب فلو أجاب المؤذن في أثناء الفاتحة أو عطس فقال الحمد لله أو فتح
القراءة على غير امامه أو سبح لمن استأذن عليه أو نحوه انقطعت الموالاة بلا خلاف صرح به البغوي
والأصحاب قالوا وإنما الوجهان في ذكر متعلق بالصلاة لمصليها وظاهر كلام المصنف أن
السؤال في آية الرحمة والعذاب لا يقطع الموالاة وجها واحدا أو لا يجرى فيه الوجهان في
التأمين. وليس هو كما قال بل الوجهان في السؤال عند آية الرحمة والاستعاذة لآية العذاب
مشهوران صرح بهما الشيخ أبو محمد الجويني وولده إمام الحرمين والغزالي وصاحب التهذيب وآخرون
لا يحصرون واتفقوا على جريانه في سجوده مع امامه للتلاوة وينكر على المصنف شيئان (أحدهما)
قياسه على السؤال في آية الرحمة والعذاب فأوهم أنه لا خلاف فيه وفيه الخلاف كما ذكرنا (والثاني)
إضافته عدم الانقطاع إلى القاضي أبى الطيب وحده فأوهم أنه لم يقل به غيره أو لم يسبق إليه وليس
هو كذلك بل القول بعدم الانقطاع لأبي على الطبري ذكره في الافصاح وهو متقدم على القاضي
أبي الطيب بأزمان والعجب أن القاضي أبا الطيب ذكر المسألة في تعليقه وقال فيها وجهان (أصحهما)
وهو قول أبى على الطبري في الافصاح لا ينقطع (والثاني) قول الشيخ أبى حامد ينقطع فكان ينبغي
للمصنف أن يقول كما قاله شيخه والثاني لا ينقطع وهو قول أبي على الطبري واختاره شيخنا أبو الطيب
359

قال القاضي أبو الطيب ولو كان في أثناء الفاتحة فقرأ الامام (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) فقال
المأموم بلي تنقطع قراءته يعنى انه كسؤال الرحمة فيكون على الخلاف والله أعلم والأحوط في هذه الصور
ان يستأنف الفاتحة ليخرج من الخلاف (واعلم) ان الخلاف مخصوص بمن اتى بذلك عامدا عالما اما من
اتي به ساهيا أو جاهلا فلا تنقطع قراءة بلا خلاف صرح به صاحب التتمة وغيره وهو واضح مفهوم مما سبق
قريبا ان الفاتحة لا تنقطع بما تخللها في حالة النسيان قال صاحب التتمة ودليله ان الصلاة لا تبطل بما تخللها
ناسيا أو جاهلا فكذا الفاتحة * قال المصنف رحمه الله *
* (وتجب قراءة الفاتحة في كل ركعة لما روى رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال " بينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ورجل يصلي فلما انصراف اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه
فقال له أعد صلاتك فإنك لم تصل فقال علمني يا رسول الله فقال إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ
بفاتحة الكتاب وما تيسر إلى أن قال ثم ثم أصنع في كل ركعة ذلك ولأنها ركعة يجب فيها القيام فوجب
فيها القراءة مع القدرة كالركعة الأولى) * *
(الشرح) حديث رفاعة هذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم ببعض ما ذكره المصنف
وليس في روايتهم قوله في المهذب " ثم اقرأ فاتحة الكتاب وما تيسر " بل فيها " فاقرأ ما تيسر معك
من القرآن " وليس في أكثرها " ثم اصنع ذلك في كل ركعة " وفى رواية " دخل رسول الله صلى الله
عليه وسلم المسجد فدخل رجل فصلي ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ارجع فصل فإنك
لم تصل فصلي ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثا
فقال والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني فقال إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تسير معك من القرآن
ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا افعل ذلك
360

في صلاتك كلها " رواه البخاري ومسلم وزاد في رواية لهما " إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء
ثم استقبل القبلة فكبر " وذكر تمامه وذكر البخاري هذه الزيادة في كتاب السلام وهذا الحديث المتفق
على صحته في الدلالة وفيه نحو ثلاثين فائدة قد جمعتها في غير هذا الموضع * اما حكم المسألة فقراءة
الفاتحة واجبة في كل ركعة إلا ركعة المسبوق إذا أدرك الامام راكعا فإنه لا يقرأ وتصح له الركعة
وهل يقال يحملها عنه الامام أم لم تجب أصلا فيه وجهان حكاهما الرافعي (أصحهما) يحملها وبه قطع الأكثرون
ولهذا لو كان الامام (1) لم تحسب هذه الركعة للمأموم *
(فرع) في مذاهب العلماء في القراءة في كل الركعات: قد ذكرنا أن مذهبا وجوب الفاتحة في كل ركعة
وبه قال أكثر العلماء وبه قال أصحابنا عن علي وجابر رضي الله عنهما وهو مذهب احمد وحكاه
ابن المنذر عن ابن عون والأوزاعي وأبى ثور وهو الصحيح عن مالك وداود وقال أبو حنيفة
تجب القراءة في الركعتين الأوليين وأما الأخريان فلا تجب فيهما قراءة بل إن شاء قرا وإن شاء
سبح وإن شاء سكت وقال الحسن البصري وبعض أصحاب داود لا تجب القراءة إلا في ركعة من
كل الصلوات وحكى ابن المنذر عن إسحاق بن راهويه ان قرأ في أكثر الركعات أجزأه وعن الثوري
ان قرأ في ركعة من الصبح أو الرباعية فقط لم يجزه وعن مالك ان ترك القراءة في ركعة من الصبح
لم تجزه وان تركها في ركعة من غيرها أجزأه واحتج لمن لم يوجب قراءة في الأخيرتين بقول
الله تعالى (فاقرأوا ما تيسر منه) وبحديث عبد الله بن عبد الله بن العباس قال " دخلنا على ابن عباس فقلنا
لشاب سل ابن عباس أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر فقال لا لا فقيل له
لعله كان يقرأ في نفسه فقال خمشى هذه شر من الأولي كان عبدا مأمورا بلغ ما أرسل به وما اختصنا
دون الناس بشئ إلا بثلاث خصال أمرنا ان نسبغ الوضوء وأن لا نأكل الصدقة وأن لا ننزى
الحمار على الفرس " رواه أبو داود باسناد صحيح وقوله خمشا هو بالخاء والشين والمعجمتين أي خمش

(1) كذا بالأصل وفيها سقط فحرره
361

الله وجهه وجلده خشما كقولهم عقرى حلقي. وعن عكرمة عن ابن عباس قال " لا أدري أكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا " رواه أبو داود باسناد صحيح وبحديث عبادة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن " رواه البخاري ومسلم قالوا وهذا
لا يقتضي أكثر من مرة وبحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا صلاة
إلا بقرآن ولو بفاتحة الكتاب " وعن علي رضي الله عنه انه قرأ في الأوليين وسبح في الأخريين واحتج أصحابنا
بحديث أبي هريرة السابق في حديث " المسئ صلاته " وقوله النبي صلى الله عليه وسلم " ثم افعل
ذلك في صلاتك كلها " وفى رواية ذكرها البيهقي باسناد صحيح " ثم افعل ذلك في كل ركعة "
وبحديث مالك بن الحويرث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلوا كما رأيتموني أصلي "
رواه البخاري وقد ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في كل الركعات وعن أبي قتادة
رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين
الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين وسمعنا الآية أحيانا ويقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة
الكتاب " رواه مسلم وأصله في صحيحي البخاري ومسلم لكن قوله " يقرأ في الأخيرتين بفاتحة الكتاب "
انفرد به مسلم وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقرأ في
صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية وفى الأخيرتين قدر نصف ذلك وفى
العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة وفى الأخيرتين قدر نصف ذلك "
واستدل أصحابنا أيضا بأشياء لا حاجة إليها مع ما ذكرنا من الأحاديث الصحيحة * واما الجواب
عن احتجاجهم بالآية فهو انها وردت في قيام الليل: وعن حديث ابن عباس انه نفى وغيره أثبت
والمثبت مقدم على النافي وكيف وهم أكثر منه وأكبر سنا وأقدم صحبة وأكثر اختلاطا بالنبي صلى الله عليه وسلم
لا سيما أبو هريرة وأبو قتادة وأبو سعيد فتعين تقديم أحاديثهم على حديثه والرواية الثانية عن ابن عباس
تبين أن نفيه في الرواية الأولى كان على سبيل التخمين والظن لا عن تحقيق فلا يعارض الأكثرين
الجازمين باثبات القراءة وعن حديث عبادة أن المراد قراءة الفاتحة في كل ركعة بدليل ما ذكرنا
من الأحاديث. وعن حديث أبي هريرة جوابان (أحدهما) أنه ضعيف سبق بيان تضعيفه في
مسألة اختلاف العلماء في تعيين الفاتحة (والثاني) أن المراد الفاتحة في كل ركعة جمعا بين الأدلة:
وعن حديث على أنه ضعيف لأنه من رواية الحارث الأعور وهو كذاب مشهور بالضعف عند
362

الحافظ. وقد روى عنه عن علي كرم الله وجهه خلافه والله أعلم *
(فرع) قوله في الكتاب في الحديث " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد "
قال الجوهري أصل بينا بين فأشبعت الفتحة فصارت ألفا قال وبينما بمعناه زيدت فيه ما قال وتقديره
بين أوقات جلوسه جرى كذا وكذا. وقول المصنف. ولأنها ركعة يجب فيها القيام فوجب فيها
القراءة مع القدرة كالركعة الأولى وهو قوله يجب فيها القيام احتراز من ركعة المسبوق وقوله مع
القدرة احتراز ممن لم يحسن الفاتحة وفى هذا القياس رد على جميع المخالفين في المسألة: وأما رفاعة
ابن رافع راوي الحديث المذكور في الكتاب فهو أبو معاذ رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان بن
عمرو بن عامر بن زريق الأنصاري الزرقي شهد بدرا وكان أبوه صحابيا نقيبا توفى في أول خلافة معاوية
وقد ذكره المصنف بعد هذا في فصل الاعتدال وقال فيه رفاعة بن مالك نسبة إلى جده وهو صحيح *
* قال المصنف رحمه الله *
* (وهل تجب على المأموم ينظر فيه فإن كان في صلاة يسر فيها بالقراءة وجبت عليه وإن كان
في صلاة يجهر فيها ففيه قولان قال في الأم والبويطي يجب لما روى عبادة بن الصامت قال " صلي بنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءة فلما انصرف قال إني لأراكم تقرأون خلف إمامكم
قلنا والله أجل يا رسول الله نفعل هذا قال لا تفعلوا الا بأم الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها " ولان
من لزمه قيام القراءة لزمه القراءة مع القدرة كالامام والمنفرد وقال في القديم لا يقرأ لما روى أبو هريرة
" ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال هل قرأ معي أحد منكم
فقال رجل نعم يا رسول الله قال إني أقول مالي أنازع القرآن فانتهى الناس عن القراءة مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه بالقراءة من الصلوات حين سمعوا ذلك من رسول
الله صلى الله عليه وسلم ") * *
* (الشرح) * هذان الحديثان رواهما أبو داود والترمذي وغيرهما وقال الترمذي هما حديثان
حسنان وصحح البيهقي الحديث الأول وضعف الثاني حديث أبي هريرة وقال تفرد به عن أبي
هريرة ابن أكيمة - بضم الهمزة وفتح الكاف - وهو مجهول قال وقوله فانتهى الناس عن القراءة
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه هو من كلام الزهري وهو الراوي عن ابن أكيمة
قاله محمد بن يحيى الذهلي والبخاري وأبو داود واستدلوا برواية الأوزاعي حين ميزه من الحديث وجعله من
قول الزهري قوله أجل يا رسول الله نفعل هذا هو بتشديد الذال وتنوينها كهذا ضبطناه وهكذا
363

ضبطه البخاري في معالم السنين وكذا ضبطناه في سنن أبي داود والدارقطني والبيهقي وغيرها وفى
رواية الدارقطني " نهذه هذا " " أو ندرسه درسا " قال الخطابي وغيره: ألهذا السرعة وشدة
الاستعجال في القراءة هذا هو المشهور: قال الخطابي وقيل المراد بالهذ هنا الجهر وتقديره يهذ
هذا وقد بسطت شرحه وضبطه في تهذيب اللغات (وقول المصنف ولان من لزمه قيام القراءة
لزمه القراءة مع القدرة كالامام) احترز بقوله لزمه قيام القراءة عن المسبوق وبقوله مع القدرة عمن
لا يحسن القراءة * أما حكم المسألة فقراءة الفاتحة واجبة على الامام والمنفرد في كل ركعة وعلى
المسبوق فيما يدركه مع الامام بلا خلاف: وأما المأموم فالمذهب الصحيح وجوبها عليه في كل ركعة
في الصلاة السرية والجهرية: وقال الشافعي في القديم لا تجب عليه في الجهر ونقله الشيخ أبو حامد
في تعليقه عن القديم والاملاء ومعلوم أن الاملاء من الجديد ونقله البندنيجي عن القديم والاملاء
وباب صلاة الجمعة من الجديد وحكي الرافعي وجها أنها لا تجب عليه في السرية وهو شاذ ضعيف وإذا قلنا
لا تجب عليه في الجهرية فالمراد بالتي يشرع فيها الجهر فاما ثالثة المغرب والعشاء ورابعة العشاء فتجب عليه القراءة
فيها بلا خلاف صرح به صاحب التتمة وغيره وقال أصحابنا وإذا قلنا لا تجب عليه في الجهرية بأن كان أصم أو بعيدا
من (الامام لا يسمع قراءة الإمام ففي وجوبها عليه وجهان مشهوران للخراسانيين أصحهما تجب لأنها في حقه
كالسرية (والثاني) لا تجب لأنها جهرية ولو جهر الامام في السرية أو أسر في الجهرية فوجهان (أصحهما) وهو ظاهر
النص أن الاعتبار بفعل الامام (والثاني) بصفة أصل الصلاة وإذا لم يقرأ المأموم فهل يستحب له التعوذ فيه وجهان
حكاهما صاحب العدة والبيان وغيرهما (أصحهما) لا إذ لا قراءة (الثاني) نعم لأنه ذكر سرى وإذا قلنا يقرأ
المأموم في الجهرية كره له أن يجهر بحيث يؤذى جاره بل يسر بحيث يسمع نفسه لو كان سميعا
ولا شاغل من لغط وغيره لان هذا اذني القراءة المجزئة كما سنوضحه إن شاء تعالى في مسائل
الفرع قال أصحابنا ويستحب للامام على هذا القول أن يسكت بعد الفاتحة قدر قراءة المأموم
لها قال السرخسي في الأمالي ويستحب أن يدعو في هذه السكتة بما ذكرناه في حديث أبي هريرة
في دعاء الاستفتاح " اللهم باعد بيني وبين خطاياي إلى آخره " (قلت) ومختار الذكر والدعاء
والقراءة سرا ويستدل له بان الصلاة ليس فيها سكوت حقيقي في حق الامام وبالقياس على قراءته
في انتظاره في صلاة الخوف ولا تمنع تسميته سكوتا مع الذكر فيه كما في السكتة بعد تكبيرة الاحرام
ولأنه سكوت بالنسبة إلى الجهر قبله وبعده ودليل هذه السكتة حديث الحسن البصري أن سمرة بن جندب
وعمران بن حصين تذاكرا فحدث سمرة أنه " حفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين سكتة
إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فحفظ ذلك سمرة وأنكر عليه
عمران وكتبا في ذلك إلى أبي بن كعب رضي الله عنهم فكان في كتابه إليهما أن سمرة قد حفظ "
364

رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وهذا لفظ أبي داود ولفظ الترمذي بمعناه والدليل
على كراهة رفع المأموم صوته حديث في صحيح مسلم سنذكره في فصل الجهر إن شاء الله تعالى *
(فرع) في مذاهب العلماء في قراءة المأموم خلف الامام: قد ذكرنا أن مذهبنا وجوب قراءة
الفاتحة على المأموم في كل الركعات من الصلاة السرية والجهرية وهذا هو الصحيح عندنا كما سبق
وبه قال أكثر العلماء قال الترمذي في جامعه القراءة خلف الإمام هي قول أكثر أهل العلم من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين قال وبه يقول مالك وابن المبارك والشافعي واحمد واسحق وقال
ابن المنذر قال الثوري وابن عيينة وجماعة من أهل الكوفة لا قراءة على المأموم وقال الزهري
ومالك وابن المبارك واحمد وإسحق لا يقرأ في الجهرية وتجب القراءة في السرية وقال ابن عون
والأوزاعي وأبو ثور وغيره من أصحاب (1) تجب القراءة على المأموم في السرية والجهرية
وقال الخطابي قالت طائفة من الصحابة رضي الله عنهم يجب على المأموم وكانت طائفة منهم لا تقرأ
واختلف الفقهاء بعدهم على ثلاثة مذاهب فذكر المذاهب التي حكاها ابن المنذر وحكي الايجاب
مطلقا عن مكحول وحكاه القاضي أبو الطيب عن الليث بن سعد وحكى العبدري عن أحمد أنه
يستحب له ان يقرأ في سكتات الامام ولا يجب عليه فإن كانت جهرية ولم يسكت لم يقرأ وإن كانت
سرية استحبت الفاتحة وسورة وقال أبو حنيفة لا تجب على المأموم ونقل القاضي أبو الطيب والعبد ري
عن أبي حنيفة ان قراءة المأموم معصية والذي عليه جمهور المسلمين القراءة خلف الإمام في السرية
والجهرية. قال البيهقي وهو أصح الأقوال على السنة وأحوطها ثم روى الأحاديث فيه ثم رواه بأسانيده
المتعددة عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعا ذبن جبل وابن
عمر وابن عباس وأبى الدرداء وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وعبادة بن الصامت
وأبي هريرة وهشام بن عامر وعمران وعبد الله بن مغفل وعائشة رضي الله عنهم قال ورويناه
عن جماعة من التابعين فرواه عن عروة بن الزبير ومكحول والشعبي وسعيد بن جبير
والحسن البصري رحمهم الله * واحتج لمن قال لا يقرأ مطلقا بحديث يرويه مكي بن إبراهيم عن أبي
حنيفة عن موسى بن أبي عنبسة عن عبد الله بن شداد عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" من صلي خلف الامام فان قراءة الإمام له قراءة " وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم

(1) بياض بالأصل
365

مثله وعن عمران بن حصين قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس ورجل يقرأ
خلفه فلما فرغ قال من الذي يخالجني سورتي " فنهى عن القراءة خلف الإمام وعن أبي الدرداء
قال " سئل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أفي كل صلاة قراءة فقال نعم فقال رجل من الأنصار
وجبت هذه فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أقرب القوم إليه ما أرى الامام إذا أم القوم
الا قد كفاهم " وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم " من صلي صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب
فهي خداج إلا أن يكون وراء الامام " وعن زيد بن ثابت قال " من قرأ وراء الامام فلا صلاة له "
قال وفى الحديث " الامام ضامن " وليس يضمن الا القراءة عن المأموم قالوا ولأنها قراءة فسقطت
عن المأموم كالسورة في الجهرية وكركعة المسبوق واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة
لمن لم يقرأ بأم القرآن " رواه البخاري ومسلم وسبق بيانه مرات وهذا عام في كل مصل ولم يثبت
تخصيصه بغير المأموم بمخصص صريح فبقي على عمومه وبحديث عبادة بن الصامت المذكور في الكتاب
" ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة الصبح فثقلت عليه القراءة فلما فرغ قال لعلكم تقرأون وراء
امامكم قلنا نعم هذا يا رسول الله قال لا تفعلوا لا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها " رواه
أبو داود والترمذي والدارقطني والبيهقي وغيرهم قال الترمذي حديث حسن وقال الدارقطني اسناده
حسن وقال الخطابي اسناده جيد لا مطعن فيه (فان قيل) هذا الحديث من رواية محمد بن إسحاق
ابن سيار عن مكحول ومحمد بن إسحاق مدلس والمدلس إذا قال في روايته (عن) لا يحتج به عند
جميح المحدثين (فجوابه) ان الدارقطني والبيهقي روياه باسنادهما عن أبي إسحاق قال حدثني مكحول
بهذا فذكره قال الدارقطني في اسناده هذا اسناد حسن وقد علم من قاعدة المحدثين ان المدلس إذا
روى حديثه من طريقين قال في إحداهما (عن) وفى الأخرى (حدثني أو أخبرني) كان الطريقان صحيحين
وحكم باتصال الحديث وقد حصل ذلك هنا رواه أبو داود من طرق وكذلك الدارقطني والبيهقي
وفى بعضها " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصلاة التي يجهر فيها بالقراءة فقال لا يقرأن
أحد منكم إذا جهرت بالقراءة الا بأم القرآن " قال البيهقي عقب هذه الرواية والحديث صحيح
عن عبادة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وله شواهد ثم روى أحاديث شواهد له واحتج البيهقي
وغيره بحديث أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن
فهي خداج فقيل لأبي هريرة وانا نكون وراء الامام فقال اقرأ بها في نفسك " إلى آخر حديث
366

قسمت الصلاة وهو صحيح رواه مسلم وقد سبق بطوله في مسألة تعيين الفاتحة وأطنب أصحابنا
في الاستدلال وفيما ذكرناه كفاية (والجواب) عن الأحاديث التي احتج بها القائلون باسقاط القراءة بها
انها كلها ضعيفة وليس فيها شئ صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعضها موقوف وبعضها مرسل وبعضها في رواته
ضعيف أو ضعفاء وقد بين البيهقي رحمه الله علل جميعها وأوضح تضعيفها وأجاب أصحابنا عن الحديث الأول
لو صح بأنه محمول على المسبوق أو على قراءة السورة بعد الفاتحة جمعا بين الأدلة والجواب عن قراءة السورة
أنها سنة فتركت لاستماعه قراءة القرآن بخلاف الفاتحة وعن ركعة المسبوق أنها سقطت تخفيفا عنه
لعموم الحاجة والله أعلم * واحتج القائلون بالقراءة في السرية دون الجهرية بقول الله تعالى (وإذا
قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال الشافعي في القديم هذا عندنا في القراءة التي تسمع خاصة
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبين لنا سننا
وعلمنا صلاتنا فقال أقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا " رواه
مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الامام ليؤتم
به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا " رواه أبو داود والترمذي والنسائي فقيل لمسلم بن الحجاج
في صحيحه عن حديث أبي هريرة هذا فقال هو عندي صحيح فقيل لم لم تضعه ههنا فقال ليس كل
شئ عندي صحيح وضعته ههنا إنما وضعت ههنا ما اجمعوا عليه وبحديث بن أكيمة عن أبي
هريرة المذكور في الكتاب " مالي أنازع القرآن: فانتهى الناس عن القراءة " إلى آخره وقد سبق بيانه
(واحتج) أصحابنا بالأحاديث السابقة في الاحتجاج على المانعين مطلقا والجواب عن الآية الكريمة
من وجهين (أحدهما) أن المستحب للامام ان يسكت بعد الفاتحة قدر ما يقرأ المأموم الفاتحة كما سبق
بيانه قريبا وذكرنا دليله من الحديث الصحيح قريبا وحينئذ لا يمنعه قراءة الفاتحة (الثاني) ان
القراءة التي يؤمر بالانصاف لها في السورة وكذا الفاتحة إذا سكت الامام بعدها وهذا إذا سلمنا
ان المراد بالآية حيث قرئ القرآن وهو الذي أعتقد رجحانه والا فقد روينا عن مجاهد وغيره انها
نزلت في الخطبة وسميت قرآنا لاشتمالها عليه وروينا في سنن البيهقي عن أبي هريرة ومعاوية انهما
قالا كان الناس يتكلمون في الصلاة فنزلت هذه الآية واما الجواب عن حديث " وإذا قرأ فانصتوا " فمن أوجه (منها) الوجهان اللذان ذكرناهما في جواب الآية (والوجه الثالث) وهو الذي اختاره
367

البيهقي ان هذه اللفظة ليست ثابتة عن النبي صل الله عليه وسلم قال أبو داود في سننه هذه اللفظة
ليست بمحفوظة روى البيهقي عن الحافظ أبي على النيسابوري أنه قال هذه اللفظة غير محفوظة
وخالف التيمي جميع أصحاب قتادة في زيادته هذه اللفظة ثم روى عن يحيي بن معين وأبى حاتم
الداري انهما قالا ليست محفوظة قال يحيي بن معين ليست هي بشئ وذكر البيهقي طرقها وعللها
كلها: واما حديث الزهري عن أبي أكيمة عن أبي هريرة " مالي أنازع القرآن " إلى آخره فجوابه
أيضا من الأوجه الثلاثة (الوجهين) السابقين في جواب الآية (والثالث) ان الحديث ضعيف لان
ابن أكيمة مجهول كما سبق قال البيهقي ابن أكيمة مجهول لم يحدث الا بهذا الحديث ولم يحدث عنه
غير الزهري ولم يكن عند الزهري من معرفته أكثر من أن أراه يحدث سعيد بن المسيب ثم قال
البيهقي بإسناده عن الحميدي شيخ البخاري قال في حديث ابن أكيمة هذا حديث رجل لم يروه عنه
غير الزهري فقط ولان الحفاظ من المتقدمين والمتأخرين يتفقون على أن هذه الزيادة وهي قوله
" فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه " ليست من كلام أبي
هريرة بل هي من كلام الزهري مدرجة في الحديث وهذا لا خلاف فيه بينهم قال ذلك الأوزاعي
ومحمد بن يحيى الذهلي شيخ البخاري وامام أهل نيسابور قاله البخاري في تاريخه وأبو داود في سننه
والخطابي والبيهقي وغيرهم رواه البيهقي من رواية عبد الله بن لحينة نحو رواية بن أكيمة عن أبي
هريرة ثم روى عن الحافظ يعقوب بن سفيان قال هذا خطأ لا شك فيه والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
* (فإذا فرغ من الفاتحة أمن وهو سنة لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يؤمن وقال
صلوا كما رأيتموني أصلي " فإن كان اماما أمن وأمن المأموم لما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا امن الامام فأمنوا فان الملائكة يؤمن بتأمينه فمن وافق تأمينه تأمين
الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " وإن كان في صلاة يجهر فيها جهر الامام لقوله صلى الله عليه وسلم
" إذ امن الامام فأمنوا " ولو لم يجهر به لما علق تأمين المأموم عليه ولأنه تابع للفاتحة فكان حكمه
حكمها في الجهر كالسورة واما المأموم فقد قال في الجديد لا يجهر وقال في القديم يجهر فمن أصحابنا
من قال على قولين (أحدهما) يجهر لما روى عطاء بن الزبير " كان يؤمن ويؤمنون وراءه حتى أن للمسجد
للجة " (والثاني) لا يجهر لأنه ذكر مسنون في الصلاة فلا يجهر به المأموم كالتكبيرات ومنهم من قال إن
كان المسجد صغيرا يبلغهم تأمين الامام لا يجهر لأنه لا يحتاج إلى الجهر به وإن كان كبيرا جهر لأنه
يحتاج إلى الجهر للإبلاغ وحمل القولين على هذين الحالين فان نسي الامام التأمين امن المأموم وجهر
368

به ليسمع الامام فيأتي به) * *
* (الشرح) * الذي اختاره أقدم الأحاديث الواردة في التأمين فيحصل منها بيان ما ذكره المصنف
وغيره وما يحتاج إلى الاستدلال به فيما تذكره من الأحكام إن شاء الله تعالى فمن ذلك عن أبي
هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا امن الامام فأمنوا فلانه من وافق
تأمينه تأمين الملائكة غفر الله له ما تقدم من ذنبه " رواه البخاري ومسلم ومالك في الموطأ وأبو
داود والترمذي هكذا وعن أبي هريرة أيضا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا قال أحدكم
آمين قالت الملائكة في السماء آمين فان وافقت إحداهما الأخرى غفر الله له ما تقدم من ذنبه "
رواه البخاري ومسلم وزاد مسلم في رواية له " إذا قال الامام غير المغضوب عليهم ولا الضالين
فقولوا آمين فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " رواه البخاري ومسلم
وهذا لفظ البخاري ولفظ مسلم " إذا قال القارئ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال
من خلفه آمين فوافق قوله قول أهل السماء غفر له ما تقدم من ذنبه " وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا امن القارئ فأمنوا فان الملائكة تؤمن فمن وافق تأمينه
تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " رواه البخاري في كتاب الدعوات من صحيحه وعن وائل
ابن حجر رضي الله عنه قال " سمعت ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين
فقال آمين مد بها صوته " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وفى رواية أبي داود " رفع بها
صوته " وإسناده حسن كل رجاله ثقات الا محمد بن كثير العبدي جرحه ابن معين ووثقه غيره
وقد روى له البخاري وناهيك به شرفا وتوثيقا له وهكذا رواه سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل
عن حجر ابن عنبس عن وائل بن حجر ورواه شعبة عن سلمة بن كهيل فاختلف عليه فيه فرواه عنه أبو الوليد
الطيالسي كذلك ورواه عنه أبو داود الطيالسي وقال فيه " قال آمين خفض بها صوته " ورواه
الأكثرون عن سلمة باسناده " قالوا يرفع بها صوته " قال البخاري في تاريخه أخطأ شعبة إنما هو جهر
بها وقال الترمذي قال البخاري حديث سفيان أصح في هذا من حديث شعبة قال وأخطأ فيه شعبة
قال الترمذي وكذلك قال أبو زرعة الرازي عن أبي هريرة قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
369

فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته فقال آمين " رواه أبو داود والدارقطني وقال هذا اسناد حسن
وهذا لفظه وقال الحاكم أبو عبد الله هذا حديث صحيح وفى رواية أبي داود " وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا تلا غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال آمين حتى يسمع من يليه من الصف
الأول " رواه ابن ماجة وزاد فيرتج بها المسجد وقال الشافعي في الأم أخبرنا حكم بن خالد عن
ابن جريج عن عطاء قال كنت اسمع الأئمة ابن الزبير ومن بعده يقولون آمين ومن خلفهم آمين حتى أن
للمسجد للجة وذكر البخاري في صحيحه هذا الأثر عن ابن الزبير تعليقا فقال قال عطاء ابن الزبير ومن وراءه
حتى أن للمسجد للجة وقد قدمنا ان تعليق البخاري إذا كان بصيغة جزم مثل هذا كان صحيحا
عنده وعند غيره هذا مختصر ما يتعلق بأحاديث الفصل. وأما لغاته ففي آمين لغتان مشهورتان
(أفصحهما) وأشهرهما وأجودهما عند العلماء آمين بالمد بتخفيف الميم وبه جاءت روايات الحديث (والثانية)
آمين بالقصر وبتخفيف الميم حكاها ثعلب وآخرون وأنكرها جماعة على ثعلب وقالوا المعروف المد وإنما
جاءت مقصورة في ضرورة الشعر وهذا جواب فاسد لان الشعر الذي جاء فيها فاسد من ضرورية القصر وحكى
الواحدي لغة ثالثة آمين بالمد والإمالة مخففة الميم وحكاها عن حمزة والكسائي وحكي الواحدي
آمين بالمد أيضا وتشديد الميم قال روى ذلك عن الحسن البصري والحسين ابن الفضل قال ويؤيده
أنه جاء عن جعفر الصادق أن تأويله قاصدين إليك وأنت الكريم من أل تخيب قاصدا وحكى
لغة الشد أيضا القاضي عياض وهي شاذة منكرة مردودة ونص ابن السكيت وسائر أهل اللغة على أنها
من لحن العوام ونص أصحابنا في كتب المذهب على أنها خطأ قال القاضي حسين في تعليقه لا يجوز
تشديد الميم قالوا وهذا أول لحن سمع من الحسين بن الفضل البلخي حين دخل خراسان وقال
صاحب التتمة لا يجوز التشديد فان شدد متعمدا بطلت صلاته وقال الشيخ أبو محمد الجويني في
التبصرة والشيخ نصر المقدسي لا تعرفه العرب وإن كانت الصلاة لا تبطل به لقصده الدعاء وهذا
أجود من قول صاحب التتمة قال أهل العربية آمين موضوعة موضع اسم الاستجابة كما أن صه
موضوعة للسكوت قالوا وحق آمين الوقف لأنها كالأصوات فان حركها محرك ووصلها بشئ بعدها
فتحها لالتقاء الساكنين قالوا وإنما لم تكسر لثقل الحركة بعد الياء كما فتحوا أين وكيف واختلف
العلماء في معناها (فقال) الجمهور من أهل اللغة والغريب والفقه معناه اللهم استجب (وقيل) ليكن
كذلك (وقيل) افعل (وقيل) لا تخيب رجاءنا (وقيل) لا يقدر على هذا غيرك (وقيل) هو طابع الله
على عبادة يدفع به عنهم الآفات (وقيل) هو كنز من كنوز العرش لا يعلم تأويله الا الله (وقيل) هو
اسم الله تعالى وهذا ضعيف جدا (وقيل) غير ذلك قوله حتى أن للمسجد للجة هي بفتح اللامين
370

وتشديد الجيم وهو اختلاط الأصوات وقوله " لأنه تابع للفاتحة فكان حكمه في الجهر حكمها "
احترز بقوله تابع عن دعاء الافتتاح وقوله لأنه ذكر مسنون في الصلاة فلا بجهر به المأموم قال
القلعي قوله في الصلاة احتراز من الأذان قال وقوله مسنون غير مؤثر فلو حذفه لم تنتقض العلة وإنما
أتي به لتقريب الشبه بين الأصل والفرع وقوله وان نسي الامام التأمين أمن المأموم كان ينبغي
أن يقول وان ترك الامام التأمين ليتناول تركه عامدا وناسيا فان الحكم لا يختلف بذلك كما سنوضحه
قريبا إن شاء الله تعالى وكذلك قال الشافعي في الأم فان تركه وأما عطاء الراوي هنا عن ابن
الزبير فهو عطاء بن أبي رباح وقد ذكرنا أحواله في باب الحيض وأما ابن الزبير فهو أبو خبيب - بضم
الخاء المعجمة - ويقال له أبو بكر بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي وأمه أسماء بنت
أبي بكر الصديق رضي الله عنهم وهو أول مولود ولد للمسلمين بعد الهجرة ولد بعد عشرين شهرا
من الهجرة وقيل في السنة الأولى منها وكان صواما قواما وصولا للرحم فصيحا شجاعا ولي الخلافة
سبع سنين وقتله الحجاج بمكة سنة ثلاث وسبعين وقيل سنة ثنتين وسبعين رضي اله عنه والله أعلم * اما
أحكام الفصل ففيه مسائل (إحداها) التأمين سنة لكل مصل فرغ من الفاتحة سواء الإمام والمأموم
والمنفرد والرجل والمرأة والصبي والقائم والقاعد والمضطجع والمفترض والمتنفل في الصلاة
السرية والجهرية ولا خلاف في شئ من هذا عند أصحابنا قال أصحابنا ويسن التأمين لكل من
فرغ من الفاتحة سواء كان في صلاة أو خارجها قال الواحدي لكنه في الصلاة أشد استحبابا
(الثانية) إن كانت الصلاة سرية أسر الامام وغيره بالتأمين تبعا للقراءة وإن كانت جهرية وجهر
بالقراءة استحب للمأموم الجهر بالتأمين بلا خلاف نص عليه الشافعي واتفق الأصحاب عليه
للأحاديث السابقة وفى تعليق القاضي حسين إشارة إلى وجه فيه وهو غلط من الناسخ أو المصنف بلا
شك واما المنفرد فقطع الجمهور بأنه يسن له الجهر بالتأمين كالامام ممن صرح به البندنيجي والمحاملي في كتابيه
المجموع والمقنع والشيخ نصر وصاحب العدة والبغوي وصاحب البيان والرافعي وغيرهم وفى تعليق القاضي
حسين انه يسر به وهو شاذ ضعيف واما المأموم فقد قال المصنف وجمهور الأصحاب قال الشافعي في الجديد
لا يجهر وفى القديم يجهر وهذا أيضا غلط من الناسخ أو من المصنف بلا شك لان الشافعي قال في المختصر
وهو من الجديد يرفع الامام صوته بالتأمين ويسمع من خلفه أنفسهم وقال في الأم يرفع الامام بها
صوته فإذا قالها قالوها وأسمعوا أنفسهم ولا أحب ان يجهروا فان فعلوا فلا شئ عليهم هذا نصه
بحروفه ويحتمل أن يكون القاضي حسين رأى فيه نصا في موضع آخر من الجديد ثم للأصحاب في المسألة
طرق (أصحها) وأشهرها والتي قالها الجمهور ان المسألة على قولين (أحدهما) يجهر (والثاني) يسر قال
371

الماوردي هذه طريقة أبى اسحق المروزي وابن أبي هريرة ونقلها امام الحرمين والغزالي في البسيط
عن أصحابنا (والثاني) يجهر قولا واحدا (والثالث) ان كثر الجمع وكبر المسجد جهر وان قلوا
أو صغر المسجد أسر (والرابع) حكاه الامام والغزالي وغيرهما انه إن لم يجهر الامام جهر وإلا
فقولان والأصح من حيث الحجة ان الامام يجهر به ممن صححه المصنف في التنبيه والغزالي في
الوجيز والبغوي والرافعي وغيرهم وقطع به المحاملي في المقنع وآخرون وحينئذ تكون هذه المسألة مما يفتي فيها
على القديم على ما سبق ايضاحه في مقدمة هذا الشرح وهذا الخلاف إذا امن الامام اما إذا لم يؤمن
الامام فيستحب للمأموم التأمين جهرا بلا خلاف نص عليه في الأم واتفقوا عليه ليسمعه الامام
فيأتي به قال أصحابنا سواء تركه الامام عمدا أو سهوا ويستحب للمأموم الجهر ممن صرح بأنه لا فرق
بين ترك الامام له عمدا أو سهوا الشيخ أبو حامد في التعليق وهو مقتضي نص الشافعي في الأم فإنه قال
وان تركه الإمام قاله من خلفه وأسمعه لعله يذكر فيقوله ولا يتركونه لتركه كما لو ترك التكبير والتسليم
لم يكن لهم تركه هذا نصه (الثالثة) يستحب ان يقع تأمين المأموم مع تأمين الامام لا قبله ولا بعده
لقوله صلى الله عليه وسلم " فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " فينبغي ان
يقع تأمين الإمام والمأموم والملائكة دفعة واحدة وممن نص على هذا من أصحابنا الشيخ أبو محمد
الجويني وولده امام الحرمين وصاحباه الغزالي في كتبه والرافعي وقد أشار إليه المصنف بقوله وأمن
المأموم معه قالوا فان فإنه التأمين معه امن بعده وقال امام الحرمين كان شيخي يقول لا يستحب
مقارنة الامام في شئ الا في هذا قال الامام يمكن تعليل استحباب المقارنة بأن القوم لا يؤمنون
لتأمينه وإنما يؤمنون لقراءته وقد فرغت قراءته (فان قيل) هذا مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم
" إذا امن الامام فأمنوا " (فجوابه) ان الحديث الآخر " إذا قال الامام غير المغضوب عليهم ولا الضالين
فقولوا آمين " وكلاهما في الصحيحين كما سبق فيجب الجمع بينهما فيحمل الأول على أن المراد إذا
أراد الامام التأمين فأمنوا ليجمع بينهما قال الخطابي وغيره وهذا كقولهم إذا رحل الأمير فارحلوا
أي إذا تهيأ للرحيل فتهيأوا ليكن رحيلكم معه وبيانه في الحديث الآخر " إذا قال أحدكم آمين وقالت الملائكة
آمين فوافق أحدهما الآخر " فظاهره الامر بوقوع تأمين الجميع في حالة واحدة فهذا جمع بين الأحاديث
وقد ذكر معناه الخطابي وغيره *
372

(فرع) قال الشافعي في الأم ولا يقال آمين الا بعد أم القرآن فإن لم يقل لم يقضه في موضع
غيره قال أصحابنا إذا ترك التأمين حتى اشتغل بغيره فات ولم يعد إليه وقال صاحب الحاوي ان
ترك التأمين ناسيا فذكره قبل قراءة السورة أمن وان ذكره في الركوع لم يؤمن وان ذكره في القراءة
فهل يؤمن فيه وجهان مخرجان من القولين فيمن نسي تكبيرات العيد حتى شرع في القراءة وذكر
الشاشي هذين الوجهين وقال الأصح لا يؤمن وقطع غيرهما بأنه لا يؤمن وهو ظاهر نص الشافعي
الذي ذكرناه قال البغوي فلو قرأ المأموم الفاتحة مع الامام وفرغ منها قبل فراغه فالأولى أن لا يؤمن
حتى يؤمن الامام وهذا الذي قاله فيه نظر والمختار أو الصواب انه يؤمن لقراءة نفسه ثم يؤمن مرة
أخرى بتأمين الإمام قال السرخسي في الأمالي وإذا أمن المأموم بتأمين الامام ثم قرأ المأموم الفاتحة
امن ثانيا لقراءة نفسه قال فلو فرغا من الفاتحة معا كفاه ان يؤمن مرة واحدة *
(فرع) ذكر أصحابنا أو جماعة منهم أنه يستحب أن لا يصل لفظة آمين بقوله ولا الضالين
بل بسكتة لطيفة جدا ليعلم أن آمين ليست من الفاتحة للفصل اللطيف نظائرها في السنة
وغيرها ستراها في مواضعها إن شاء الله تعالى وممن نص على استحباب هذه السكتة القاضي
حسين في تعليقه وأبو الحسن الواحدي في البسيط والبغوي في التهذيب وصاحب البيان والرافعي
وأما قول امام الحرمين بتبع التأمين القراءة فيمكن حمله على موافقة الجماعة ويكون معناه لا يسكت
طويلا والله أعلم *
(فرع) السنة في التأمين أن يقول آمين وقد تقدم بيان لغاتها وان المختار آمين بالمد وتخفيف الميم
وبه جاءت روايات الأحاديث قال الشافعي في الأم لو قال آمين رب العالمين وغير ذلك من ذكر الله تعالى
كان حسنا لا تنقطع الصلاة بشئ من ذكر الله تعالى قال وقوله يدل على أنه لا بأس من أن يسأل
العبد وبه في الصلاة كلها في الدين والدينا *
(فرع) في مذاهب العلماء في التأمين: قد ذكرنا أن مذهبنا استحبابه للامام والمأموم والمنفرد
وان الامام والمنفرد يجهران به وكذا المأموم على الأصح وحكى القاضي أبو الطيب والعبد ري الجهر
به لجمعهم عن طاوس واحمد واسحق وابن خزيمة وابن المنذر وداود وهو مذهب ابن الزبير وقال
أبو حنيفة والثوري يسرون بالتأمين وكذا قاله مالك في المأموم وعنه في الامام روايتان (أحداهما)
يسر به (والثانية) لا يأتي به وكذا المنفرد عنده ودليلنا الأحاديث الصحيحة السابقة وليس لهم
في المسألة حجة صحيحة صريحة بل احتجت الحنفية برواية شعبة وقوله " وخفض بها صوته "
373

واحتجت المالكية بأن سنة الدعاء بآمين للسامع دون الداعي وآخر الفاتحة دعاء فلا يؤمن
الامام لأنه داع قال القاضي أبو الطيب هذا غلط بل إذا استحب التأمين للسامع فالداعي أولى بالاستحباب
والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
* (فإن لم يحسن الفاتحة وأحسن غيرها قرأ سبع آيات وهل يعتبر أن يكون فيها بقدر حروف
الفاتحة فيه قولان (أحدهما) لا يعتبر كما إذا فاته صوم يوم طويل لم يعتبر أن يكون القضاء في يوم
بقدر ساعات الأداء (والثاني) يعتبر وهو الأصح لأنه لما اعتبر عدد آي الفاتحة اعتبر قدر حروفها
ويخالف الصوم فإنه لا يمكن اعتبار المقدار في الساعات إلا بمشقة فإن لم يحسن شيئا من القرآن لزمه
أن يأتي بذكر لما روى عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه " أنه رجلا أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لا
أستطيع ان أحفظ شيئا من القرآن فعلمني ما يجزيني في الصلاة فقال قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر ولا حول ولا قوة الا بالله " ولأنه ركن من أركان الصلاة فجاز أن ينتقل فيه عند العجز
إلى بدل كالقيام وفى الذكر وجهان (قال) أبو إسحاق رضي الله عنه يأتي من الذكر بقدر حروف
الفاتحة لأنه أقيم مقامها فاعتبر قدرها (وقال) أبو علي الطبري رضي الله عنه يجب ما نص عليه الرسول
صلى الله عليه وسلم من غير زيادة كالتيمم لا تجب الزيادة فيه على ما ورد به النص والمذهب الأول
وان أحسن آية من الفاتحة وأحسن غيرها ففيه وجهان (أصحهما) انه يقرأ الآية ثم يقرأ ست
آيات من غيرها لأنه إذا لم يحسن شيئا منها انتقل إلى غيرها فإذا كان يحسن بعضها وجب ان
ينتقل فيما لم يحسن إلى غيرها كما لو عدم بعض الماء (والثاني) يلزمه تكرار الآية لأنها أقرب إليها
فإن لم يحسن شيئا من القرآن ولا من الذكر قام بقدر سبع آيات وعليه ان يتعلم فان اتسع
الوقت ولم يفعل وصلي لزمه ان يعيد لأنه ترك القراءة مع القدرة فأشبه إذا تركها وهو يحسن) * *
* (الشرح) * قال أصحابنا إذا لم يقدر على قراءة الفاتحة وجب عليه تحصيل القدر بتعلم أو تحصيل
مصحف يقرؤها فيه بشراء أو إجارة أو إعارة فإن كان في ليل أو ظلمة لزمه تحصيل السراج عند الامكان
فلو امتنع من ذلك عند الامكان اثم ولزمه إعادة كل صلاة صلاها قبل قراءة الفاتحة ودليلنا القاعدة
المشهورة في الأصول والفروع ان مالا يتم الواجب الا به وهو مقدور للمكلف فهو واجب وهذا الذي
ذكرناه من أنه تجب إعادة كل صلاة صلاها قبل قراءة الفاتحة هو المذهب وبه قطع الجمهور وفى
الحاوي وجه آخر انه تجب إعادة ما صلي من حين أمكنه التعليم إلى أن شرع في التعليم فقط والصحيح
374

الأول فان تعذرت عليه الفاتحة لتعذر التعليم لضيق الوقت أو بلادته أو عدم المعلم أو المصحف أو غير
ذلك لم يجز ترجمة القرآن بغير العربية بل ينظر ان أحسن غيرها من القرآن لزمه قراءة سبع آيات
ولا يجزيه دون سبع وإن كانت طوالا بلا خلاف ونقل الشيخ أبو محمد في التبصرة وآخرون اتفاق
الأصحاب على هذا ولا يضر طول الآيات وزيادة حروفها على حروف الفاتحة وهل يشترط أن لا
ينقص عن حروفها فيه خلاف جعله المصنف قولين وحكاه جمهور الأصحاب في طريقتي العراق
وخراسان وجهين وقال صاحب الشامل والبيان اختلف أصحابنا فيه فبعضهم حكاه قولين وبعضهم
حكاه وجهين ونقلهما القاضي أبو الطيب في تعليقه قولين (أحدهما) تجب أن تكون بعدد حروف
الفاتحة وهو الذي نقل المزني (والثاني) لا تجب نص عليه الشافعي في باب استقبال القبلة قال تجب
سبع آيات طوا لاكن أو قصارا وحاصل ما ذكره الأصحاب ثلاثة أوجه (أصحها) باتفاقهم بشرط
أن لا ينقص حروف الآيات السبع عن حروف الفاتحة ولا يشترط أن كل آية بقدر آية بل يجزيه أن
يجعل آيتين بدل آية بحيث يكون مجموع الآيات لا ينقص عن حروف الفاتحة والحرف المشدد
بحرفين في الفاتحة والبدل ذكره الشيخ أبو محمد في التبصرة وهو واضح (والثاني) يجب ان يعدل حروف
كل آية من البدل حروف آية من الفاتحة على الترتيب فيكون مثلها أو أطول حكاه البغوي وآخرون
وضعفوه (والثالث) يكفي سبع آيات ناقصات كما يكفي صوم قصير عن طويل وقول المصنف لا يمكن
اعتبار الساعات الا بمشقة لا يسلم بل يمكنه ذلك بالاستظهار بأطول منه كما قلنا هنا ثم إن لم يحسن
سبع آيات متوالية بالشرط المذكور كان له العدول إلى مفرقة بلا خلاف عليه نص في الأم واتفقوا
عليه لكن الجمهور أطلقوا المسألة وقال امام الحرمين لو كانت الآية الفردة لا تغير معنى منظوما
إذا قرئت وحدها كقوله (ثم نظر) فيظهر أن لا نأمره بقراءة هذه الآية المتفرقة ونجعله كمن لا يحسن
قرآنا أصلا فسيأتي بالذكر والمختار ما سبق عن اطلاق الأصحاب وإن كان يحسن سبع آيات متوالية
بالشرط المذكور فوجهان حكاهما السرخسي في الأمالي وغيره (أحدهما) لا تجزيه المتفرقة بل تجب
قراءة سبع آيات متوالية وبهذا قطع امام الحرمين والغزالي في البسيط والرافعي (أصحهما) تجزيه
المتفرقة من سورة أو سور وبه قطع القاضي أبو الطيب في تعليقه والبندنيجي وصاحب البيان وهو
المنصوص في الأم أما إذا كان يحسن دون سبع آيات كآية أو آيتين فوجهان (أصحهما) يقرأ ما يحسنه
ثم يأتي بالذكر عن الباقي لأنه عاجز عن الباقي فانتقل إلى بدله (والثاني) يجب تكرار ما يحسنه حتى
يبلغ قدر الفاتحة لأنه أقرب إليها من الذكر فلو لم يحسن الا بعض الفاتحة ولم يحسن بدلا من الذكر
وجب تكرار ما يحسنه حتى يبلغ قدرها بلا خلاف ولو أحسن آية أو آيات من الفاتحة ولم يحسن
375

جميعها فإن لم يحسن لباقيها بد؟ وجب تكرار ما أحسنه حتى يبلغ قدر الفاتحة بلا خلاف وان حسن
لباقيها بدلا ففيه خلاف حكاه المصنف هنا وجهين وكذا حكاهما الجمهور في طريقتي العراقيين وخراسان
وجهين وحكاهما المصنف في التنبيه قولين وكذلك حكاهما الشيخ نصر في تهذيبه (وأصحهما)
باتفاقهم أنه يجب قراءة ما يحسنه من الفاتحة ثم يأتي ببدل الباقي لان الشئ الواحد لا يكون أصلا
وبدلا (والثاني) يجب تكرار ما يحفظه من الفاتحة حتى يبلغ قدرها ويجرى الخلاف سواء كان البدل
الذي يحسنه قرآنا أو ذكرا صرح به الشيخ أبو حامد وغيره لكن لا يجوز الانتقال إلى الذكر
الا بعد العجز عن القرآن (فان قلنا) بالأصح أنه يقرأ ما يحسنه ويأتي بالبدل وجب الترتيب بينهما
فإن كان يحفظ أول الفاتحة أتى به ثم يأتي بالبدل ولا يجوز العكس وإن كان يحفظ آخرها أتى بالبدل
ثم قرأ الذي يحفظه منها فلو عكس لم يجزيه على المذهب وبه قطع الأكثرون وحكى البغوي وجها
انه لا يجب هذا الترتيب بل كيف اتي به أجزأه فهو غريب ضعيف وقد قال امام الحرمين اتفق
أئمتنا على أن هذا الترتيب واجب وعلل بعلتين (إحداهما) ان الترتيب في أركان الصلاة واجب
وعليه البدل قبل النصف الثاني من الفاتحة فليقدمه (والثانية) ان البدل له حكم المبدل والترتيب شرط في نصفي
الفاتحة وكذا في نصفها وما قام مقام النصف الأول واعلم أن الأحوط والمستحب لمن يحفظ آية من الفاتحة ان يكررها
سبع مرات ويأتي مع ذلك ببدل ما زاد عليها ليخرج من الخلاف وممن نبه على هذا الشيخ أبو محمد في التبصرة
هذا حكم من يحسن شيئا من القرآن ولا خلاف أنه متى أحسن سبع آيات من القرآن لا يجوز له
أن يتركها وينتقل إلى الذكر فإن كان يحسن دون سبع فهل يكرره أم يأتي ببدل الباقي فيه الخلاف
السابق فإن لم يحسن شيئا منه وجب عليه أن يأتي بالذكر بدلها وهذا لا خلاف فيه عندنا واستدل
أصحابنا فيه بحديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قال " جاء رجل إلى النبي صلى الله تعالى
عليه وسلم فقال إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلمني ما يجزيني منه قال قل سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله " قال يا رسول الله هذا لله فمالي قال " قل
اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني " فلما قام قال هكذا بيده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" أما هذا فقد ملا يده من الخير " رواه أبو داود والنسائي ولكنه من رواية إبراهيم السكسكي وهو
ضعيف ويغني عنه حديث رفاعة بن رافع قال " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فدخل رجل
يصلي في ناحية المسجد فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقه ثم جاء فسلم فرد عليه وقال ارجع
فصل فإنك لم تصل ثم جاء فسلم عليه ثم قال ارجع فصل فإنك لم تصل قال مرتين أو ثلاثا فقال له
في الثالثة أو الرابعة والذي بعثك بالحق لقد اجتهدت في نفسي فعلمني وأرني فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم إذا أردت ان تصلي فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد فأقم ثم كبر فإن كان معك قرآن فاقرأ به
376

والا فاحمد الله وكبره وهلله ثم اركع فاطمئن راكعا ثم اعتدل قائما: وذكر تمام الحديث " رواه
أبو داود والترمذي وقال حديث حسن واختلف أصحابنا في الذكر على ثلاثة أوجه (أحدها) وهو
قول أبي على الطبري انه يتعين أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول
ولا قوة إلا بالله فتجب هذه الكلمات الخمس وتكفيه (والثاني) أنها تتعين ويجب معها كلمتان من الذكر
ليصير سبعة أنواع مقام سبع آيات والمراد بالكلمات أنواع الذكر لا الألفاظ المسردة (والثالث)
وهو الصحيح عند المصنف وجمهور الأصحاب وهو الصحيح أيضا في الدليل أنه لا يتعين شئ
من الذكر بل يجزيه جميع الأذكار من التهليل والتسبيح والتكبير وغيرها فيجب سبعة أذكار
ولكن هل يشترط أن لا ينقص حروف ما اتي به عن حروف الفاتحة فيه وجهان (أصحهما) يشترط
وهما كالوجهين في البدل من القرآن قال امام الحرمين ولا يراعي هنا إلا الحروف بخلاف ما إذا
أحسن قرآنا غير الفاتحة فانا نرى عين الآيات وفى الحروف خلاف وقال البغوي يجب سبعة أنوع
من الذكر يقام كل نوع مقام آية قال الرافعي هذا أقرب من قول الإمام * واحتج لأبي على الطبري
بحديث ابن أبي أوفى وليس فيه غير الكلمات الخمس وأجاب القائلون بالصحيح بأن الحديث
ضعيف ولو صح لم يكن فيه نفى وجوب زيادة من الأذكار (فان قيل) لو وجب زيادة لذكرت (قيل)
377

يجوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة والله أعلم (فان قيل) ما الفرق بين الذكر والقرآن حيث جوزتم
على قول أبي على خمس كلمات ولم تجوزوا من القرآن إلا سبع آيات بالاتفاق (فالفرق) ما ذكره
صاحب التتمة ان القرآن بدل للفاتحة من جنسها فاعتبر فيه قدرها والذكر بخلافها فجاز أن يكون
دونه كالتيمم عن الوضوء *.
(فرع) إذا عجز عن القرآن وانتقل إلى الأذكار فقد ذكرنا أنه يجزيه التسبيح والتهليل
والتبكير والتحميد والحوقلة ونحوها واما الدعاء المحض ففيه تردد للشيخ أبي محمد الجويني قال امام
الحرمين ولعل الأشبه ان الذي يتعلق منه بأمور الآخرة يجزيه دون ما يتعلق بالدنيا وهو الذي
قاله الامام هو المرجح رجحه الغزالي في البسيط *
(فرع) شرع الذكر الذي يأتي به أن لا يقصد به شيئا آخر وهل يشترط ان يقصد به البدلية
أم يكفيه الاتيان به بلا قصد فيه وجهان حكاهما صاحب التقريب وامام الحرمين ومتابعوه قال
الرافعي (الأصح) لا يشترط فلو اتي بدعاء الاستفتاح أو بالتعوذ وقصد به بدل الفاتحة أجزأه عنها
وان قصد الاستفتاح أو التعوذ لم يجزه وإن لم يقصد شيئا ففيه الوجهان (الأصح) يجزيه
عند الأصحاب *
(فرع) إذا لم يحسن شيئا من القرآن ولم يحسن الذكر بالعربية وأحسنه بالعجمية اتي به
بالعجمية ذكره صاحب الحاوي كما يأتي بتكبيرة الاحرام بالعجمية إذا لم يحسن العربية وقد سبق
تفصيل ما يجوز في فصل التكبيرة *
(فرع) إذا اتي ببدل الفاتحة من قراءة أو ذكر حيث يجوزان بالشرط السابق واستمر العجز
عن الفاتحة أجزأته صلاته ولا إعادة فلو تمكن من الفاتحة في الركوع أو ما بعده فقد مضت ركعته على
الصحة ولا يجوز الرجوع إلى الفاتحة وان تمكن قبل الشروع في البدل لزمه قراءة الفاتحة وإن كان
378

في أثناء البدل فوجهان حكاهما السرخسي في الأمالي قولين (الصحيح) انه يلزمه الفاتحة بكمالها
(والثاني) يكفيه ان يأتي من الفاتحة قدر ما بقي وان تمكن بعد فراغ البدل وقبل الركوع فطريقان
حكاهما السرخسي وصاحب البيان وآخرون (أصحهما) لا يلزمه كما لو قدر المكفر بلا صوم على الرقبة
بعد الصوم (والثاني) فيه وجهان كما لو تمكن في أثناء البدل وممن حكى الوجهين في هذه الصورة
الشيخ أبو محمد الجويني في التبصرة وإمام الحرمين والغزالي قال أصحابنا والتمكن قد يكون
بتلقين وقد يكون بمصحف وغيرهما *
(فرع) إذا لم يحسن شيئا من القرآن ولا من الذكر ولا أمكنه التعلم وجب عليه أن يقوم
بقدر الفاتحة ساكتا ثم يركع ويجزيه صلاته بلا إعادة لأنه مأمور بالقيام والقراءة فإذا عجز عن
أحدهما أتي بالآخر لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم " رواه
البخاري ومسلم *
(فرع) ذكر المصنف في هذا الفصل عبد الله بن أبي أوفى وهو وأبوه صحابيان رضي الله
تعالى عنهما واسم أبى أوفي علقمة بن خالد بن الحارث وكنيته عبد الله أبو إبراهيم وقيل أبو محمد
وقيل أبو معاوية شهد بيعة الرضوان ونزل الكوفة وتوفى سنة ست وثمانين قيل هو آخر من مات
من الصحابة بالكوفة وقول المصنف لأنه ركن من أركان الصلاة فجاز أن ينتقل عنه عند العجز
إلى بدل كالقيام قوله من أركان الصلاة احتراز من الحج فإنه لا بدل لأركانه وقوله فجاز أن ينتقل
لو قال وجب كان أصوب *
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن لا يحسن الفاتحة كيف يصلى إذا لم يمكنه التعلم فقد ذكرنا
أن مذهبنا أنه يجب عليه قراءة سبع آيات غيرها فإن لم يحسن شيئا من القرآن لزمه الذكر فإن لم
يحسنه ولا أمكنه وجب أن يقف بقدر قراءة الفاتحة وبه قال احمد وقال أبو حنيفة إذا عجز عن
القرآن قام ساكتا ولا يجب الذكر وقال مالك لا يجب ولا القيام وقد سبق دليلنا عليهما *
* قال المصنف رحمه الله *
* (وان قرأ القرآن بالفارسية لم تجزه لان القصد من القرآن اللفظ وذلك لا يوجد في غيره) * *
* (الشرح) * مذهبنا أنه لا يجوز قراءة القرآن بغير لسان العرب سواء أمكنه العربية أو عجز
عنها وسواء كان في الصلاة أو غيرها فان اتى بترجمته في صلاة بدلا عن القراءة لم تصح صلاته سواء
379

أحسن القراءة أم لا هذا مذهبنا وبه قال جماهير العلماء منهم مالك واحمد وداود وقال أبو حنيفة
تجوز وتصح به الصلاة مطلقا وقال أبو يوسف ومحمد يجوز للعاجز دون القادر واحتج لأبي حنيفة
بقوله تعالي (قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلى هذا القرآن لأنذركم به) قالوا والعجم لا يعقلون
الانذار الا بترجمته وفى الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " انزل القرآن على سبعة
أحرف " وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه ان قوما من الفرس سألوه ان يكتب لهم شيئا من
القرآن فكتب لهم فاتحة الكتاب بالفارسية ولأنه ذكر فقامت ترجمته مقامه كالشهادتين في
الاسلام وقياسا على جواز ترجمه حديث النبي صلى الله عليه وسلم وقياسا على جواز التسبيح بالعجمية
واحتج أصحابنا بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه سمع هشام بن حكيم يقرأ سورة على غير
ما يقرأ عمر فلقيه بردائه واتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث رواه البخاري ومسلم فلو
جازت الترجمة لأنكر عليه صلى الله عليه وسلم اعتراضه في شئ جائز واحتجوا أيضا بان ترجمة القرآن
ليست قرآنا لان القرآن هو هذا النظم المعجز وبالترجمة يزول الاعجاز فلم يجز وكما أن الشعر يخرجه
ترجمته عن كونه شعرا فكذا القرآن واما الجواب عن الآية الكريمة فهو ان الانذار يحصل ليتم به
وان نقل إليهم معناه وأما الجواب عن الحديث فسبع لغات للعرب ولأنه يدل على أنه لا يتجاوز هذه
السبعة وهم يقولون يجوز بكل لسان ومعلوم أنها تزيد على سبعة وعن فعل سلمان انه كتب تفسيرها
لا حقيقة الفاتحة وعن الاسلام ان في جواز ترجمته للقادر على العربية وجهين سبق بيانهما في فصل
التكبير فان قلنا لا يصح فظاهر وان قلنا بالمذهب انه يصح اسلامه فالفرق أن المراد معرفة اعتقاده
الباطن والعجمية كالعربية في تحصيل ذلك وعن القياس على الحديث والتسبيح أن المراد بالقرآن
الأحكام والنظم المعجز بخلاف الحديث والتسبيح هذه طريقة أصحابنا في المسألة وبسطها امام
الحرمين في الأساليب فقال عمدتنا ان القرآن معجز والمعتمد في اعجازه اللفظ قال ثم تكلم علماء
الأصول في المعجز منه فقيل الاعجاز في بلاغته وجزالته وفصاحته المجاوزة لحدود جزالة العرب
والمختار أن الاعجاز في جزالته مع أسلوبه الخارج عن أساليب كلام العرب والجزالة والأسلوب
يتعلقان بالألفاظ ثم معنى القرآن في حكم التابع للألفاظ فحصل من هذا أن اللفظ هو المقصود
المتبوع والمعنى تابع فنقول بعد هذا التمهيد ترجمة القرآن ليست قرآنا باجماع المسلمين ومحاولة الدليل
لهذا تكلف فليس أحد يخالف في أن من تكلم بمعنى القرآن بالهندية ليست قرآنا وليس ما لفظ
به قرآنا ومن خالف في هذا كان مراغما جاحدا وتفسير شعر امرئ القيس ليس شعره فكيف
يكون تفسير القرآن قرآنا وقد سلموا أن الجنب لا يحرم عليه ذكر معني القرآن والمحدث لا يمنع
من حمل كتاب فيه معني القرآن وترجمته فعلم أن ما جاء به ليس قرآنا ولا خلاف ان القرآن معجز
380

وليست الترجمة معجزة والقرآن هو الذي تحدى به النبي صلى الله عليه وسلم العرب ووصفه الله تعالى
بكونه عربيا وإذا علم أن الترجمة ليست قرآنا وقد ثبت انه لا تصح صلاته الا بقرآن حصل أن الصلاة
لا تصح بالترجمة: هذا كله مع أن الصلاة بناها على التعبد والاتباع والنهى عن الاختراع وطريق
القياس منسدة وإذا نظر الناظر في أصل الصلاة واعدادها واختصاصها بأوقاتها وما اشتملت عليه
من عدد ركعاتها وإعادة ركوعها في كل ركعة وتكرر سجودها إلى غير ذلك من أفعالها ومدارها
على الاتباع ولم يفارقها جملة وتفصيلا فهذا يسد باب القياس حتى لو قال قائل مقصود الصلاة الخضوع
فيقوم السجود مقام الركوع لم يقبل ذلك منه وإن كان السجود أبلغ في الخضوع. ثم عجبت من
قولهم إن الترجمة لا يكون لها حكم القرآن في تحريمها على الجنب ويقولون لها حكمه في صحة الصلاة
التي مبناها على التعبد والاتباع ويخالف تكبيرة الاحرام التي قلنا يأتي بها العاجز عن العربية بلسانه
لان مقصودها المعنى مع اللفظ وهذا بخلافه: هذا آخر كلام امام الحرمين رحمه الله *
(فرع) لو قرأ الفاتحة بلغة لبعض العرب غير اللغة المقروء بها لم تصح ولم يجز في غير الصلاة أيضا
صرح به صاحب التتمة قال ومن اتى بالترجمة إن كان متعمدا بطلت صلاته وإن كان ناسيا أو جاهلا
لم يعتد بقراءته ولكن لا تبطل صلاته ويسجد للسهو كسائر الكلام ناسيا أو جاهلا *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة وذلك سنة والمستحب ان يقرأ في الصبح بطوال المفصل لما
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بالواقعة فإن كان يوم الجمعة استحب ان يقرأ فيها (ألم
تنزيل السجدة) (وهل أتي على الانسان) لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ذلك ويقرأ في
الأوليين في الظهر بنحو ما يقرا في الصبح لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال " حزرنا
قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر
بقدر ثلاثين آية قدر ألم تنزيل السجدة وحزرنا قيامه في الأخيرتين على النصف
من ذلك وحزرنا قيامه في الأوليين من العصر على قدر الأخيرتين من الظهر وحزرنا
381

قيامه في الأخيرتين من العصر على النصف من ذلك " ويقرأ في الأوليين من العصر بأوساط المفصل لما
رويناه من حديث أبي سيعد رضي الله عنه ويقرأ في الأوليين من العشاء الآخرة بنحو ما يقرأ
في العصر لما روى عنه عليه السلام انه قرأ في العشاء الآخرة سورة الجمعة المنافقين ويقرأ في الأوليين من المغرب
بقصار المفصل لما روى أبو هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يقرأ في
المغرب بقصار المفصل " فان خالف وقرأ غير ما ذكرناه جاز لما روى رجل من جهينة " انه سمع النبي
صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح إذا زلزلت الأرض ") *
* (الشرح) * الذي اختاره ان أقدم جملة من الأحاديث الواردة في السورة بعد الفاتحة فيحصل
منها بيان ما ذكره المصنف وغيره وما يحتاج في الاستدلال به في ذلك إن شاء الله تعالى فأما الظهر
والعصر فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال " كانت الصلاة تقام فينطلق أحدنا إلى البقيع
فيقضي حاجته ثم يأتي أهله ثم يرجع إلى المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولي "
رواه مسلم وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أيضا ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقرأ في
صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية وفى الأخريين قدر خمس عشرة آية
- أو قال نصف ذلك - وفى العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية وفى الأخريين
قدر نصف ذلك " رواه مسلم وعن أبي سعيد أيضا قال " حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر بقدر ثلاثين آية قدر آلم تنزيل السجدة
وحزرنا قيامه في الركعتين الأخيرتين على النصف من ذلك وحزرنا قيامه في الأوليين من العصر على قدر
الأخيرتين من الظهر وحزرنا قيامه في الأخيرتين من العصر على النصف من ذلك " رواه مسلم وعن جابر بن
سمرة رضي الله عنهما قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى وفى العصر
بنحو ذلك وفى الصبح أطول من ذلك " رواه مسلم وعنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقرأ
في الظهر سبح اسم ربك الأعلى وفى الصبح أطول من ذلك " رواه مسلم وعنه ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم " كان يقرأ في الظهر والعصر بالسماء ذات البروج والسماء والطارق ونحوهما من
السور " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن والنسائي وعن البراء رضي الله عنه قال
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا الظهر فنسمع منه الآية بعد الآيات من سورة
لقمان والذاريات " رواه النسائي وابن ماجة باسناد حسن وأما المغرب فعن جبير بن مطعم رضي الله عنه
قال " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطور في المغرب " رواه البخاري ومسلم وفى رواية
البخاري " يقرأ في المغرب بالطور " وعن ابن عباس رضي الله عنهما ان أم الفضل وهي أمه رضي الله عنه
ما سمعته وهو يقرأ والمرسلات عرفا فقالت يا بني والله لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة انها لآخر
382

ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب " رواه البخاري ومسلم وعن مروان
ابن الحكم قال " قال لي زيد بن ثابت رضي الله عنه مالك تقرأ في المغرب بقصار وقد سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بطولي الطوليين " رواه البخاري هكذا قال ابن أبي مليكة
طول الطوليين الأعراف والمائدة رواه النسائي باسناده الصحيح " ان زيد بن ثابت قال لمروان
أتقرأ في المغرب بقل هو الله أحد وانا أعطيناك الكوثر قال نعم قال - يعنى زيدا - فمحلوقة لقد رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بأطول الطولين المص " وعن عائشة رضى اله عنها ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم " قرأ في صلاة المغرب بسورة الأعراف فرقها في ركعتين " رواه النسائي باسناد
حسن وعن سليمان بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال " ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول
الله صلى الله عليه وسلم من فلان قال سليمان كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر ويخفف الأخيرتين
ويخفف العصر ويقرأ في المغرب بقصار المفصل ويقرأ في العشاء بوسط المفصل ويقرأ في الصبح بطوال
المفصل " رواه النسائي باسناد صحيح وعن عبد الله السانحي " انه صلي وراء أبي بكر الصديق رضي الله عنه
المغرب يقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة من قصار المفصل ثم قام في الركعة الثالثة فدنوت
حتى أن كاد تمس ثيابي بثيابه فسمعته قرأ بأم القرآن وهذه الآية: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب
لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب ": رواه مالك في الموطأ باسناده الصحيح وأما العشاء فعن البراء رضي الله عنه
قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العشاء بالتين والزيتون وما سمعت أحدا أحسن منه صوتا أو قراءة "
رواه البخاري ومسلم وعن أبي رافع قال " صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ إذا السماء انشقت فسجد فقلت
له فقال سجدت خلف أبى القاسم صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري ومسلم وعن جابر
رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ حين طول في العشاء " يا معاذ إذا أممت الناس
فاقرأ بالشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى واقرأ بسم ربك والليل إذا يغشي " رواه البخاري
ومسلم هذا لفظ أحد روايات مسلم وعن بريدة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان
يقرأ في العشاة الآخرة بالشمس وضحاها ونحوها من السور " رواه الترمذي وقال حديث حسن
واما الصبح فعن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح
فينصرف الرجل فيعرف جليسه وكان يقرأ في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة " رواه
البخاري ومسلم وهذا لفظ رواية البخاري وسائر رواياته وروايات مسلم " يقرأ في الفجر ما بين الستين
إلى المائة " عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال " صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم الصبح بمكة
فاستفتح سورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسى وهارون أو حتى جاء ذكر عيسى أخذت النبي صلى الله عليه
وسلم سلعة فركع " رواه مسلم وعن قطبة بن مالك رضي الله عنه " انه صلى مع النبي صلى
383

الله عليه وسلم الصبح فقرأ في أول ركعة والنخل باسقات لها طلع نضيد أو ربما قال في ق " رواه مسلم
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقرأ في الفجر بقاف والقرآن
المجيد وكان صلاته بعد تخفيفا " رواه مسلم وعن ابن حريث رضي الله عنه " انه سمع النبي صلى الله
عليه وسلم يقرأ في الفجر والليل إذا عسعس " رواه مسلم وعن معاذ بن عبد الله الحفني ان رجلا من
جهينة أخبره " انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح إذا زلزلت الأرض في الركعتين كلها
فلا أدري أنسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قرأ ذلك عمدا " رواه أبو داود باسناد صحيح وعن
أبي هريرة رضي الله عنه قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر الجمعة ألم تنزيل
السجدة وهل اتي على الانسان " رواه البخاري ومسلم ورواه مسلم أيضا عن ابن عباس رضي الله عنه
ما. واما الجمع بين سورتين في ركعة ففيه حديث أبي وائل قال " جاء رجل إلى ابن مسعود فقال
قرأت المفصل الليلة في ركعة فقال ابن مسعود رضي الله عنه هذا كهذا لشعر لقد عرفت النظائر
التي كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقرن بينهن فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين
في كل ركعة " رواه البخاري ومسلم فهذه جملة من الأحاديث الصحيحة في المسألة وفى الصحيح أحاديث
كثيرة بنحو ما ذكرناه: واما الأحاديث الحسنة والضعيفة فيه فلا تنحصر والله أعلم: قال العلماء
واختلاف قدر القراءة في الأحاديث كان بحسب الأحوال فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم
من حال المأمومين في وقت أنهم يؤثرون التطويل فيطول وفى وقت لا يؤثرونه لعذر ونحوه فيخفف
وفى وقت يريد اطالتها فيسمع بكاء الصبي كما ثبت في الصحيحين والله أعلم: واما ضبط ألفاظ الكتاب
وبيانها فالمفصل سمي بذلك لكثرة الفصول فيه بين سوره وقيل لقلة المنسوخ فيه وآخره (قل
أعوذ برب الناس) وفى أوله مذاهب قيل (سورة القتال) وقيل من (الحجرات) وقيل من (قاف)
وقال الخطابي وروى هذا في حديث مرفوع وهذه المذاهب مشهورة وحكي القاضي عياض قولا انه
من (الجاثية) وهو غريب والسورة تهمز لغتان الهمز أشهر وأصح وبه جاء القرآن العزيز
قوله وقرأ فيها بالواقعة هذا الحديث أشار إليه الترمذي فقال روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " قرأ
في الصبح بالواقعة " وفيما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة كفاية عنه. قوله يقرأ فيها (ألم تنزيل السجدة)
اما تنزيل فمرفوعة اللام على حكاية التلاوة واما السجدة فيجوز رفعها على أنها خبر مبتدأ ويجوز
نصبها على البدل من موضع ألم أو باضمار أعني وسورة السجدة ثلاثون آية مكية وقوله يقرأ في الأوليين
والأخريين هو بالياء المثناة من تحت المكررة في حزرنا قيامه في الظهر قدر ثلاثين آية يعني في كل
ركعة كما سبق بيانه في الرواية الأخرى قوله العشاء الآخرة صحيح وقد أنكره الأصمعي وقال لا يقال
الآخرة وليس كما بل ثبت في مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أيما امرأة أصابت
384

بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة " وثبت ذلك عن جماعات من الصحابة وقد أوضحته في تهذيب
الأسماء: اما الأحكام فقال الشافعي والأصحاب يستحب أن يقرأ الإمام والمنفرد بعد الفاتحة شيئا
من القرآن في الصبح وفى الأوليين من سائر الصلوات ويحصل أصل الاستحباب بقراءة شئ من
القرآن ولكن سورة كاملة أفضل حتى أن سورة قصيرة أفضل من قدرها من طويلة لأنه إذا قرأ
بعض سورة فقد يقف في غير موضع الوقف وهو انقطاع الكلام المرتبط وقد يخفى ذلك قالوا ويستحب
أن يقرأ في الصبح بطوال المفصل (كالحجرات) (والواقعة) وفى الظهر بقريب من ذلك وفى العصر
والعشاء بأوساطه وفى المغرب بقصاره فان خالف وقرأ بأطول أو أقصر من ذلك جاز ودليله الأحاديث
السابقة واتفقوا على أنه يسن في صبح يوم الجمعة (ألم تنزيل) في الركعة الأولي (وهل أتي) في الثانية
للحديث الصحيح السابق ويقرأ السورتين بكمالهما وهذا الذي ذكرناه من استحباب طوال المفصل
وأوساطه هو فيما آثر المأمون التطويل وكانوا محصورين لا يزيدون والا فليخفف وقد ذكره ان
اختلاف الأحاديث في قدر القراءة كان بحسب الأحوال ويجوز ان يجمع بين سورتين فأكثر
في ركعة للحديث السابق قال أصحابنا والسنة ان يقرأ على ترتيب المصحف متواليا فإذا قرأ في الركعة
الأولي سورة قرأ في الثانية التي بعدها متصلة بها قال المتولي حتى لو قرأ في الأولي (قل أعوذ برب
الناس) يقرأ في الثانية من أول البقرة ولو قرأ سورة ثم قرأ في الثانية التي قبلها فقد خالف الأولي
ولا شئ عليه والله أعلم *
(فرع) فيما يتعلق بالسورة للنوافل يستحب في ركعتي سنة الصبح التخفيف ثبت ذلك عن
النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقرأ في الأولى
منها قولوا آمنا بالله وما انزل الينا الآية وفى الثانية قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة الآية " وفى
رواية لمسلم " يقرأ فيهما قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد " ونص الشافعي في البويطي على
استحباب القراءة بهما فيهما وعن ابن عمر قال " رمقت النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سية مرة
يقرأ في الركعتين بعد المغرب والركعتين قبل الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد " رواه
النسائي باسناد جيد إلا أن فيه رجلا اختلفوا في توثيقه وجرحه وقد روى له مسلم والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
* (وإن كان مأموما نظرت فإن كان في صلاة يجهر فيها بالقراءة لم يزد على الفاتحة لقوله صلى الله عليه
وسلم " إذا كنتم خلفي فلا تقرأون الا بأم الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها " وإن كان في صلاة
يسر فيها بالقراءة أو في صلاة يجهر فيها الا انه في موضع لا يسمع القراءة قرأ لأنه غير مأمور بالانصات
385

إلى غيره فهو كالامام والمنفرد) * *
* (الشرح) * هذا الحديث صحيح تقدم بيانه قريبا في قراءة المأموم الفاتحة فلا خلاف ان المأموم
لا يشرع له قراءة السورة في الجهرية إذا سمع قراءة الإمام ولو جهر ولم يسمعه لبعده أو صممه
فوجهان أصحهما يستحب قراءة السورة وبه قطع العراقيون أو جمهورهم إذ لا معنى لسكوته والثاني لا يقرؤها
حكاه الخراسانيون * قال المصنف رحمه الله *
* (وإذا كانت الصلاة تزيد على ركعتين فهل يقرأ السورة فيها زاد على الركعتين فيه قولان قال
في القديم (لا يستحب) لما روى أبو قتادة رضي الله عنه " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة في كل ركعة وكان يسمعنا الآية أحيانا
وكان يطيل في الأولي ما لا يطيل في الثانية وكان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب "
وقال في الأم يستحب لما روينا من حديث أبي سعيد الخدري ولأنها ركعة يشرع فيها الفاتحة فيشرع
فيها السورة كالأوليين ولا يفضل الركعة الأولى على الثانية في القراءة وقال أبو الحسن الماسرجسي
رحمة الله يستحب أن تكون قراءته في الأولي من كل صلاة أطول لما رويناه من حديث أبي قتادة
وظاهر قوله في الأم انه لا يفضل لما رويناه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وحديث قتادة
يحتمل أن يكون أطال لأنه أحس بداخل) *
* (الشرح) * حديث أبي قتادة رواه البخاري ومسلم واسم أبى قتادة الحارث بن ربعي وقيل
النعمان بن ربعي وقيل عمرو بن ربعي الأنصاري السلمي بفتح السين واللام توفى بالمدينة سنة سبع وخمسين
على الأصح وقوله سمعنا الآية أحيانا أي في نادر من الأوقات وهذا محمول على أنه لغلبة الاستغراق
في التدبر يحصل الجهر بالآية من غير قصد أو انه فعله لبيان جواز الجهر وانه لا تبطل الصلاة ولا يقضي
سجود سهو أو ليعلمهم أنه يقرأ أو انه يقرأ السورة الفلانية واما أبو الحسن الماسرجسي بفتح السين
المهملة وكسر الجيم واسمه محمد بن علي بن سهل تفقه على أبي الحسن المروزي وتفقه عليه القاضي أبو الطيب
الطبري وكان متقنا للمذهب وهو أحد أجدادنا في سلسلة الفقه توفى رحمه الله سنة ثلاث وثمانين
وثلاثمائة وقول المصنف لأنها ركعة يشرع فيها الفاتحة احتراز من ركعة المسبوق: اما الأحكام فهل
يسن قراءة السورة في الركعة الثالثة والرابعة فيه قولان مشهوران (أحدهما) وهو قوله في القديم
لا يستحب قال القاضي أبو الطيب ونقله البويطي والمزني عن الشافعي (والثاني) يستحب وهو نصه
في الأم ونقله الشيخ أبو حامد وصاحب الحاوي عن الاملاء أيضا واختلف الأصحاب في الأصح
منهما فقال أكثر العراقيين الأصح الاستحباب ممن صحة الشيخ أبو حامد والمحاملي وصاحب
العدة والشيخ نصر المقدسي والشاشي وصححت طائفة عدم الاستحباب وهو الأصح وبه أفتى
386

الأكثرون وجعلوا المسألة من المسائل التي يفتى فيها على القديم قلت وليس هو قديما فقط بل معه
نصان في الجديد كما حكيناه عن القاضي أبي الطيب واتفق أصحابنا على أنه إذا قلنا بالسورة في الثانية
والرابعة تكون أخف من الأولي والثانية لحديث أبي سعيد رضي الله عنه وهل يطول الأولي في
القراءة على الثانية من كل الصلوات فيه وجهان (أصحهما) عند المصنف والأكثرين لا يطول
والثاني يستحب التطويل لحديث أبي قتادة قال القاضي أبو الطيب في تعليقه الصحيح أن يطول
الأولى من كل الصلوات لكنه في الصبح أشد استحبابا قال وهذا الماسرجسي وعامة أصحابنا
بخراسان وبه قال الثوري ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة يستحب ذلك في الفجر خاصة قال والوجه
الآخر يسوي بينهما ذكره أصحابنا العراقيون لنص في الأم قال القاضي والصحيح انه يطولها
لحديث أبي قتادة ويدركها قاصدا الجماعة واما تأويل المصنف انه أحس بداخل فضعيف لوجهين
(أحدهما) أنه قال وكان يطيل وهذا يشعر بتكرر هذا وانه مقصود على مذهب من يقول إن كان
يقتضي التكرار (والثاني) ان من أحس بداخل وهو في القيام لا يستحب له انتظاره على المذهب
وإنما اختلفوا في انتظاره في الركوع والتشهد والصحيح استحباب تطويل الأولي كما قاله القاضي
أبو الطيب ونقله وقد وافقه غير وممن قال به الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي وحسبك به معتمدا في
هذا وإذا قلنا بتطويل الأولى على الثانية فهل يستحب تطويل الثالثة على الرابعة فيه طريقان نقل
القاضي أبو الطيب الاتفاق على أنها لا تطول لعدم النص فيها ولعدم المعني المذكور في الأولي ونقل الرافعي
فيها الوجهين وإذا قلنا تسن السورة في الأخرتين فهي مسنونة للامام والمأموم والمنفرد وفي المأموم وجه
ضعيف بناء على أنه لا يقرأ السورة في السرية حكاه المتولي *
(فرع) قال صاحب التتمة المتنفل بركعتين تسن له السورة والمتنفل بأكثر إن كان يقصر على
تشهد واحد قرأ السورة في كل ركعة وان تشهد تشهدين فهل تسن له السورة في الركعات المفعولة بين التشهدين
فيه وجهان بناء على القولين في الأخيرتين من الفرائض *
(فرع) المسبوق بركعتين من الرباعية نص عليه الشافعي رحمه الله انه يأتي بهما بالفاتحة وسورتين
وللأصحاب طريقان (أحدهما) قاله أبو علي الطبري في استحباب السورة له القولان لأنها آخر صلاة وإنما
فرعه الشافعي على قوله تستحب السورة في كل الركعات (والطريق الثاني) قاله أبو إسحاق تستحب
387

له السورة قولا واحدا وان قلنا لا تستحب في الأخيرتين ولا أدرك قراءة الإمام للسورة فاستحب
له لئلا تخلو صلاته من سورتين وهذا الطريق الثاني هو الصحيح عند الأصحاب وممن صححه امام
الحرمين وصاحب الشامل وآخرون ونقله صاحب الحاوي عن أبي إسحاق أكثر الأصحاب فإن كان
ذلك في العشاء وثالثة المغرب لم يجهر بالقراءة على المذهب وبه قطع الجمهور وحكى أبو علي الطبري
في الافصاح والقاضي أبو الطيب في تعليقه وصاحب الشامل والبيان في جهره قولين كالسورة
قال القاضي أبو الطيب نص في الاملاء أنه يجهر لان الجهر قد فاته فيتداركه كالسر ونص في غيره
أنه لا يجهر لان سنة آخر الصلاة الاسرار فلا يفوته وبهذا يحصل الفرق بينه وبين الشيخ أبو محمد في
التبصرة لو كان الامام بطئ القراءة وأمكن المأموم المسبوق ان يقرأ السورة فيما أدرك فقرأها لم يعدها
في الأخيرتين إذا قلنا تختص القراءة بالأوليين *
(فرع) لو قرأ السورة ثم قرأ الفاتحة أجزأته الفاتحة ولا تحسب له السورة على المذهب وهو المنصوص
في الأم وبه قطع الأكثرون ممن قطع به القاضي أبو الطيب والبندنيجي والمحاملي في المجموع والقاضي
حسين والفوراني لأنه اتى بها في غير موضعها وحكي الشيخ أبو محمد الجويني في التبصرة وولده
امام الحرمين والشيخ نصر المقدسي وغيرهم في الاعتداد بالسورة وجهين لان محلها القيام
وقد اتى بها فيه *
(فرع) لو قرأ الفاتحة مرتين وقلنا بالمذهب ان الصلاة لا تبطل بذلك لم تحسب المرة الثانية عن السورة
بلا خلاف صرح به المتولي وغيره قال لان الفاتحة مشروعة في الصلاة فرضا والشئ الواحد لا يؤدى
به فرض ونفل في محل واحد
(فرع) قال الشيخ أبو محمد الجويني في كتابه التبصرة لو ترك الامام السورة في الأوليين فان تمكن المأموم
فقرأها قبل ركوع الامام حصلت له فضيلة السورة وإن لم يتمكن لاسراع الامام وكان يود ان يتمكن
فللمأموم ثواب السورة وعلى وبال تقصيره لحديث أبي هريرة رضى الله عن أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " يصلون لكم فان أصابوا فلكم وان أخطأوا فلكم وعليهم " رواه البخاري
ومسلم قال وربما تأخر المأموم بعد ركوع الامام لقراءة السورة وهذا خطأ لان المأموم يتعين عليه فرض المتابعة
إذا هوى الامام للركوع فلا يجوز ان يشتغل عن الفرض بنفل *
(فرع) في مذاهب العلماء في السورة بعد الفاتحة: مذهبنا انها سنة فلو اقتصر على الفاتحة أجزأته الصلاة
وبه قال مالك والثوري وأبو حنيفة واحمد وكافة العلماء الا ما حكاه القاضي أبو الطيب عن عثمان بن أبي العاص
388

الصحابي رضي الله عنه وطائفة انه تجب مع الفاتحة سورة أقلها ثلاث آيات وحكاه صاحب البيان
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويحتج له بأنه المعتاد من فعل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما
تظاهرت به الأحاديث الصحيحة مع قوله صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " دليلنا قوله
صلى الله عليه وسلم " لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن " وظاهره الاكتفاء بها وعن أبي هريرة رضي الله
عنه قال " في كل صلاه يقرأ فيما أسمعنا رسول الله أسمعناكم وما اخفى عنا أخفينا وإن لم تزد على
أم القرآن أجزأت وان زدت فهو خير لك " رواه البخاري ومسلم استدل البيهقي وغيره في هذه
المسألة بهذا الأثر عن أبي هريرة رضي الله عنه ولا دلالة فيه لمسألتنا فان الصحابة رضي الله عنهم
لا يحتج بعضهم بقول بعض وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
" صلى ركعتين ولم يقرأ فيهما الا بفاتحة الكتاب " رواه البخاري باسناد ضعيف *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ويستحب للامام أن يجهر بالقراءة في الصبح والأوليين من المغرب والأوليين من العشاء
والدليل عليه نقل الخلف عن السلف ويستحب للمأموم ان يسر لأنه إذا جهر نازع الامام في القراءة
ولأنه مأمور بالانصات إلى الامام وإذا جهر لم يمكنه الانصات لغيره فهو كالامام وإن كانت امرأة
لم تجهر في موضع فيه رجال أجانب لأنه لا يؤمن أن يفتتن بها ويستحب الاسرار في الظهر والعصر
والثالثة من المغرب والأخريين من العشاء لأنه نقل الخلف عن السلف وان فاتته صلاة بالنهار
فقضاها بالليل أسر لأنها صلاة نهار وان فاته صلاة بالليل فقضاها بالنهار أسر لما روى أبو هريرة
رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا رأيتم من يجهر بالقراءة في النهار فارموه بالبعر
ويقول إن صلاة النهار عجماء " ويحتمل عندي ان يجهر كما يسر فيما فاته من صلاة النهار
فقضاها بالليل) * *
* (الشرح) * السلف في اللغة هم المتقدمون والمراد هنا أوائل هذه الأمة والخلف بفتح الامام يقال
بإسكانها لغتان الفتح أفصح وأشهر وهم السابقون لمن قبلهم في الخير والعلم والفضل وقوله صلاة
النهار عجماء بالمد أي لا جهر فيها تشبيها بالعجماء من الحيوان الذي لا يتكلم وهذا الحديث الذي
ذكره باطل غريب لا أصل له. أما حكم المسألة فالسنة الجهر في ركعتي الصبح والمغرب والعشاء
وفى صلاة الجمعة والاسرار في الظهر والعصر وثالثة المغرب والثالثة والرابعة من العشاء وهذا
كله باجماع المسلمين مع الأحاديث الصحيحة المتظاهرة على ذلك هذا حكم الامام وأما المنفرد فيسن
له الجهر عندنا وعند الجمهور قال العبدري هو مذهب العلماء كافة الا أبا حنيفة فقال جهر المنفرد
389

وأسراره سواء دليلنا أن المنفرد كالامام في الحاجة إلى الجهر للتدبر فسن له الجهر كالامام وأولي
لأنه أكثر تدبرا لقراءته لعدم ارتباط غيره وقدرته على اطاقة القراءة ويجهر بها للتدبر كيف شاء
ويخالف المنفرد المأموم فإنه مأمور بالاستماع ولئلا يهوش على الامام وأجمعت الأمة على أن المأموم
يسن له الاسرار ويكره له الجهر سواء سمع قراءة الإمام أم لا قال صاحب الحاوي حد الجهر أن
يسمع من يليه وحد الاسرار أن يسمع نفسه ودليل كراهة الجهر للمأموم حديث عمران بن الحصين
رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلي الظهر فجعل رجل يقرأ خلفه سبح اسم
ربك الأعلى فلما انصرف قال أيكم قرأ أو أيكم القارئ فقال رجل أنا فقال قد ظننت أن بعضهم
خالجنيها " رواه مسلم ومعني خالجنيها جاذبنيها ونازعنيها وأما المرأة فقال أكثر أصحابنا إن كانت
تصلى خالية أو بحضرة نساء أو رجال محارم جهرت بالقراءة سواء صلت بنسوة أو منفردة وإن
صلت بحضرة أجنبي أسرت وممن صرح بهذا التفصيل المصنف والشيخ أبو حامد والبندنيجي
وأبو الطيب في تعليقهما والمحاملي في المجموع والتجريد وآخرون وهو المذهب وأطلق صاحب
الحاوي انها تسر سواء صلت منفردة أم امامة وبالغ القاضي حسين فقال هل صوت المرأة عورة
فيه وجهان (الأصح) انه ليس بعورة قال فان قلنا عورة فرفعت صوتها في الصلاة بطلت صلاتها والصحيح
ما قدمناه عن الأكثرين قال البندنيجي ويكون جهرها اخفض من جهر الرجل قال القاضي
أبو الطيب وحكم التكبير في الجهر والاسرار حكم القراءة واما الخنثى فيسر بحضرة النساء والرجال
الأجانب ويجهر إن كان خاليا أو بحضرة محارمه فقط وأطلق جماعة أنه كالمرأة والصواب ما ذكرته
واما الفائتة فان قضي فائتة الليل بالليل جهر بلا خلاف وإن قضي فائتة النهار بالنهار أسر بلا خلاف
وإن قضى فائتة النهار ليلا أو الليل نهارا فوجهان حكاهما القاضي حسين والبغوي والمتولي وغيرهم
(أصحهما) ان الاعتبار بوقت القضاء في الاسرار والجهر صححه البغوي والمتولي والرافعي (والثاني)
الاعتبار بوقت الفوات وبه قطع صاحب الحاوي قال لكن يكون جهره نهارا دون جهره ليلا
وطريقة المصنف مخالفة لهؤلاء كلهم فإنه قطع بالاسرار مطلقا (قلت) كذا أطلق الأصحاب لكن
صلاة الصبح وإن كانت نهارية فلها في القضاء في الجهر حكم الليلية ولوقتها فيه حكم الليل وهذا
مراد الأصحاب *
(فرع) لو جهر في موضع الاسرار أو عكس لم تبطل صلاته ولا سجود سهو فيه ولكنه ارتكب
390

مكروها هذا مذهبنا وبه قال الأوزاعي واحمد في أصح الروايتين وقال مالك والثوري وأبو حنيفة
واسحق يسجد للسهو دليلنا قوله في حديث أبي قتادة " ويسمعنا الآية أحيانا " وهو صحيح
كما سبق *
(فرع) في حكم النوافل في الجهر. اما صلاة العيد والاستسقاء والتراويح وخسوف القمر
فيسن فيها الجهر بلا خلاف واما نوافل النهار فيسن فيها الاسرار بلا خلاف واما نوافل الليل غير
التراويح فقال صاحب التتمة يجهر فيها وقال القاضي حسين وصاحب التهذيب يتوسط بين الجهر
والاسرار واما السنن الراتبة مع الفرائض فيسر بها كلها باتفاق أصحابنا ونقل القاضي عياض
في شرح مسلم عن بعض السلف بالجهر في سنة الصبح وعن الجمهور الاسرار كمذهبنا *
(فرع) في الأحاديث الواردة في الجهر والاسرار في صلاة الليل. عن حذيفة رضي الله عنه
قال " صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى
فقلت يصلي بها في ركعة فمضي فقلت يركع بها ثم افتتح آل عمران فقرأها ثم افتتح النساء فقرأها يقرأ مترتلا
وإذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ " رواه مسلم وعن أبي قتادة رضى الله
ان النبي صلى الله عليه وسلم " خرج ليلة فإذا هو بأبي بكر رضي الله عنه يصلي يخفض من صوته
ومر بعمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلي رافعا صوته فلما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم مررت بك يا أبا بكر وأنت تصلى تخفض من صوتك قال قد أسمعت
من ناجيت يا رسول الله وقال لعمر مررت بك وأنت تصلى رافعا صوتك فقال يا رسول الله
أوقظ الوسنان واطرد الشيطان فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئا وقال لعمر اخفض
من صوتك شيئا " رواه أبو داود باسناد صحيح ورواه أبو داود اسناد صحيح عن أبي هريرة بهذه القصة ولم
يذكر قوله " فقال لأبي بكر ارفع من صوتك شيئا ولا لعمر اخفض وقد سمعتك يا بلال وأنت تقرأ هذه
السورة ومن هذه السورة قال كلام طيب يجمع الله بعضه إلى بعض فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلكم
قد أصاب " وعن أبي هريرة قال " كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل يخفض طورا ويرفع
طورا " رواه أبو داود باسناد حسن وعن عصيف بن حارث وهو تابعي جليل وقيل صحابي قال
391

" قلت لعائشة رضي الله عنها أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر أول الليل أو آخره قالت
ربما أوتر في أول الليل وربما أوتر في آخره قلت آخر الله أكبر الحمد لله الذي جعل في الامر سعة
قلت أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالقرآن ويخفت به قالت ربما جهر
به وربما خفت قلت الله أكبر الحمد الله الذي جعل في الامر سعة " رواه أبو داود باسناد صحيح
ورواه غيره وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الجاهر بالقرآن
كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن
والنسائي وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال " اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم
يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم
على بعض في القراءة أو قال في الصلاة " رواه أبو داود باسناد صحيح *
(فصل) في مسائل مهمة تتعلق بقراءة الفاتحة وغيرها في الصلاة واذكر إن شاء الله أكثرها
مختصرة خوفا من الاملال بكثرة الإطالة (إحداها) قال أصحابنا وغيرهم تجوز القراءة في الصلاة وغيرها
بكل واحدة من القراءات السبع ولا تجوز القراءة في الصلاة ولا غيرها بالقراءة الشاذة لأنها ليست
قرآنا فان القرآن لا يثبت الا بالتواتر وكل واحدة من السبع متواترة هذا هو الصواب الذي لا يعدل
عنه ومن قال غيره فغالط أو جاهل واما الشاذة فليست متواترة فلو خالف وقرأ بالشاذة أنكر عليه
قراءتها في الصلاة أو غيرها وقد اتفق فقهاء بغداد على استتابة من قرأ بالشواذ وقد ذكرت قصة في
التبيان في آداب حملة القرآن ونقل الامام الحافظ أبو عمر بن عبد البر اجماع المسلمين على أنه لا تجوز
القراءة بالشاذ وانه لا يصلي خلف من يقرأ بها قال العلماء فمن قرأ بالشاذ إن كان جاهلا به أو بتحريمه
عرف ذلك فان عاد إليه بعد ذلك أو كان عالما به عزر تعزيرا بليغا إلى أن ينتهى عن ذلك ويجب
على كل مكلف قادر على الانكار ان ينكر عليه فان قرأ الفاتحة في الصلاة بالشاذة فإن لم يكن فيها
تغير معني ولا زيادة حرف ولا نقصه صحت صلاته وإلا فلا وإذا قرأ بقراءة من السبع استحب
ان يتم القراءة بها فلو قرأ بعض الآيات بها وبعضها بغيرها من السبع جاز بشرط أن يكون ما قرأه
بالثانية مرتبطا بالأولى (الثانية) تجب قراءة الفاتحة في الصلاة بجميع حروفها وتشديد انها وهن أربع
عشرة تشديدة في البسملة منهن ثلاث فلو أسقط حرفا منها أو خفف مشددا أو أبدل حرفا بحرف
مع صحة لسانه لم تصح قراءته ولو أبدل الضاد بالظاء ففي صحة قراءته وصلاته وجهان للشيخ أبى
محمد الجويني قال إمام الحرمين والغزالي في البسيط والرافعي وغيرهم (أصحهما) لا تصح وبه قطع
القاضي أبو الطيب قال الشيخ أبو حامد كما لو أبدل غيره (والثاني) تصح لعسر ادراك مخرجهما على
392

العوام وشبههم (الثالثة) إذا لحن في الفاتحة لحنا يخل المعنى بأن ضم تاء أنعمت أو كسرها أو كسر
كاف إياك نعبد أو قال إياء بهمزتين لم تصح قراءته وصلاته ان تعمد وتجب إعادة القراءة أن لم
يتعمد وإن لم يخل المعنى كفتح دال نعبد ونون نستعين وصاد صراط ونحو ذلك لم تبطل صلاته
ولا قراءته ولكنه مكروه ويحرم تعمده ولو تعمده لم تبطل قراءته ولا صلاته هذا هو الصحيح
وبه قطع الجمهور وفى التتمة وجه ان اللحن الذي لا يخل المعنى لا تصح الصلاة معه قال والخلاف
مبني على الاعجاز في النظم والاعراب جميعا أو في النظم فقط (الرابعة) في دقائق مهمة ذكرها الشيخ
أبو محمد الجويني في التبصرة تتعلق بحروف الفاتحة قال شرط السين من البسملة وسائر الفاتحة أن تكون
صافية غير مشوبة تغيرها لطيفة المخرج من بين الثنايا - يعني وأطراف اللسان - فإن كان به لثغة
تمنعه من اصفاء السين فجعلها مشوبة بالثاء فإن كانت لثغته فاحشة لم يجز للفصيح الاقتداء به وإن كانت لثغته يسيرة ليس فيها ابدال السين جازت إمامته ويجب إظهار التشديد في الحرف المشدد
فان بالغ في التشديد لم تبطل صلاته لكن الأحسن اقتصاره على الحد المعروف للقراءة وهو ان يشدد
التشديد الحاصل في الروح وليس من شرط الفاتحة فصل كل كلمة عن الأخرى كما يفعله المتقشفون
المتجاوزون للحد بل البصريون يعدون هذا من العجز والعي ولو أراد أن يفصل في قراءة بين البسملة
والحمد لله رب العالمين قطع همزة الحمد وخففها والأولى ان يصل البسملة بالحمد لله لأنها آية منها
والأولى أن لا يقف على أنعمت عليهم لان هذا ليس بوقف ولا منتهى آية أيضا عند الشافعي رحمه
الله قال ومن الناس من يبالغ في الترتيل فيجعل الكلمة كلمتين وأصل إظهار الحروف كقولهم نستعين
يقفون بين السين والتاء وقفة لطيفة فينقطع الحرف عن الحرف والكلمة عن الكلمة وهذا لا يجوز
لان الكلمة الواحدة لا تحتمل التقطيع والفصل والوقف في أثنائها وإنما القدر الجائز من الترتيل
ان يخرج الحرف من مخرجه ثم ينتقل إلى ما بعده متصلا بلا وقفة وترتيل القرآن وصل الحروف
والكلمات على ضرب من الثاني وليس من الترتيل فصل الحروف ولا الوقت في غير موضعه ومن تمام
التلاوة اشمام الحركة الواقعة على الحرف الموقوف عليه اختلاسا لا اشباعا ولو اخرج بعض الحروف من غير
مخرجه بأن يقول نستعين تشبه التاء الدال أو الصاد لا بصاد محضة ولا بسين محضة بل بينهما فإن كان لا يمكنه
التعلم صحت صلاته وان أمكنه وجب التعلم ويلزمه قضاء كل صلاة في زمن التفريط في التعلم. هذا حكم
الفاتحة فاما غيرها فالخلل في تلاوته ان غير المعني وهو متعمد بان قرأ (إنما يخشى الله من عباده
العلماء) برفع الله ونصب العلماء أو قرأ بعض الكلمات التي في الشواذ كقراءة (والسارق والسارقة
فاقطعوا ايمانهما) (وفيمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات) (وأقيموا الحج والعمرة لله) فهذا كله
تبطل به الصلاة وإن كان خللا لا يغير المعني ولا يزيد في الكلام لم تبطل به الصلاة ولكنها تكره
393

هذا آخر كلام الشيخ أبى محمد رحمه الله. قال صاحب التتمة وإن كان في الشاذة تغيير معنى فتعمد بطلت
وإلا فلا ويسجد للسهو قال الشيخ أبو محمد في التبصرة لو فرغ من الفاتحة وهو معتقد انه اتاها ولا يشك في ذلك ثم
عرض له شك في كلمة أو حرف منها فلا أثر لشكه وقراءته محكوم بصحتها ولو فرغ من الفاتحة شاكا في تمامها
لزمه اعادتها كما لو شك في أثنائها ولو كان يقرأ غافلا ففطن لنفسه وهو يقرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين
ولم يتيقن قراءة جميع السورة فعليه استئناف القراءة وإن كان الغالب انه لا يصل آخرها الا بعد قراءة أولها
الا انه يحتمل انه ترك منها كلمة أو حرفا فإن لم يستأنفها وركع عمدا بطلت صلاته وان ركع ناسيا فكل ما فعله
قبل القراءة في الركعة الثانية لغو (السادسة) شرطا القراءة وغيرها أن يسمع نفسه إن كان صحيح
السمع ولا شاغل للسمع ولا يشترط في هذه الحالة حقيقة الاسماع وهكذا الجميع في التشهد والسلام
وتكبيرة الاحرام وتسبيح الركوع وغيره وسائر الأذكار التي في الصلاة فرضها ونفلها كله على هذا
التفصيل بلا خلاف (السابعة) قال أصحابنا على الأخرس ان يحرك لسانه بقصد القراءة بقدر ما يحركه الناطق
394

لان القراءة تتضمن نطقا وتحريك اللسان فقسط ما عجز عنه ووجب ما قدر عليه لقوله صلى الله عليه
وسلم " وإذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم " رواه البخاري ومسلم وقد سبق بيان هذه القاعدة
في فصل التكبير وقد ذكر المصنف المسألة هناك وبسطناها (الثامنة) يستحب عندنا أربع سكتات
للامام في الصلاة الجهرية (الأولي) عقب تكبيرة الاحرام يقول فيها دعاء الاستفتاح (والثانية)
بين قوله ولا الضالين وآمين سكتة لطيفة (الثالثة) بعد آمين سكتة طويلة بحيث يقرأ المأموم الفاتحة
(الرابعة) بعد فراغه من السورة سكتة لطيفة جدا ليفصل بها بين القراءة وتكبيرة الركوع وتسمية
الأولي سكتة مجاز فإنه لا سكت حقيقة بل يقول دعاء الاستفتاح لكن سميت سكتة في الأحاديث
الصحيحة كما سبق ووجهه انه لا يسمع أحد كلامه فهو كالساكت وأما الثانية والرابعة فسكتتان
حقيقتان وأما الثالثة فقد قدمنا عن السرخسي أنه قال يستحب أن يقول فيها دعاء وذكرا وقد
تقدمت دلائل السكتات الأول في مواضعها وأما الرابعة فاتفق أصحابنا على استحبابها ممن صرح
بها الشيخ أبو محمد في التبصرة وصاحب البيان واحتجوا بحديث الحسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم " انه كان يسكت سكتتين إذا استفتح وإذا فرغ من القراءة كلها "
وفى رواية " إذا فرغ من فاتحة الكتاب وسورة عند الركوع فأنكر ذلك عمران بن الحصين فكتبوا في
ذلك إلى المدينة إلى بن كعب فصدق سمرة " رواه أبو داود بهذين اللفظين وفي رواية له
والترمذي " سكتة إذا استفتح وسكتة إذا فرغ من قراءة غير المغضوب عليهم ولا الضالين "
وهذه الرواية لا تخالف السابقين بل يحصل من المجموع إثبات السكتات الثلاث والله أعلم.
قال الشيخ أبو محمد في التبصرة روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن الوصال في الصلاة
وفسروه على وجهين (أحدهما) وصل القراءة بتكبيرة الركوع يكره ذلك بل يفصل بينهما (والثاني)
395

ترك الطمأنينة في الركوع والاعتدال والسجود والاعتدال فيحرم ان يصل الانتقال بالانتقال بل
يسكن للطمأنينة (التاسعة) يستحب ترتيل القراءة وتدبرها وهذا مجمع عليه قال الله تعالى (ورتل
القرآن ترتيلا) وقال تعالي (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته) وأما الأحاديث في هذا
فأكثر من أن تحصر وقد ذكرت جملا منها في كتاب آداب القراء وذكرت فيه جملا مهمة تتعلق
بالقرآن والقراءة وقد سبق بيان معظم ذلك في هذا الشرح في آخر باب ما يوجب الغسل
وفيها نفائس لا يستغني عن معرفتها وبالله التوفيق (العاشرة) أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة
وسائر السور المكتوبة في المصحف قرآن وأن من جحد شيئا منه كفر وما نقل عن ابن مسعود
في الفاتحة والمعوذتين باطل ليس بصحيح عنه قال ابن حزم في أول كتابه المجاز هذا كذب على
ابن مسعود موضوع وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زر عن ابن مسعود وفيها الفاتحة والمعوذتان *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ثم يركع وهو فرض من فروض الصلاة لقوله عز وجل (اركعوا واسجدوا) والمستحب أن يكبر
للركوع لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا قام إلى الصلاة يكبر حين
يقوم وحين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع ورأسه ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع
رأسه يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها " ولان الهوى إلى الركوع فعل فلا يخلو من
ذكر كسائر الأفعال) * *
* (الشرح) * حديث أبي هريرة رضي الله عنه رواه البخاري ومسلم والركوع في اللغة الانحناء
كذا قاله أهل اللغة وأصحابنا وقال صاحب الحاوي وبعضهم هو الخضوع وأنشدوا فيه البيت المشهور
* علك ان تركع يوما والدهر قد رفعه * وقوله ولان الهوى هو بضم الهاء وتشديد الياء وهو السقوط
والانخفاض وقاله الجوهري وآخرون بفتح الهاء وقال صاحب المطالع الهوى بالفتح النزول
والسقوط والهوى بالضم الصعود قال وقال الخليل هما لغتان بمعنى وأجمع العلماء على وجوب
الركوع ودليله مع الآية الكريمة والاجماع حديث " المسئ صلاته " مع قوله صلى الله عليه وسلم
" صلوا كما رأيتموني أصلي " ويسن أن يكبر للركوع بلا خلاف عندنا قال أصحابنا ولا يصل تكبيرة
الركوع بالقراءة بل يفصل بينهما بسكتة لطيفة كما سبق قالوا ويبتدئ بالتكبير قائما ويرفع يديه
ويكون ابتداء رفع يدية وهو قائما ابتداء التكبير فإذا حاذى كفاه منكبيه انحنى ويمد التكبير
إلى أن يصل إلى حد الراكعين هذا هو المذهب ونص عليه في الأم وقطع به العراقيون وغيرهم وحكى
جماعة من الخراسانيين قولين (أحدهما) هذا وهو الجديد (والثاني) وهو القديم لا يمد التكبير بل يشرع
به قالوا والقولان جاريان في جميع تكبيرات الانتقالات وهل تحذف أم تمد حتى يصل إلى الذكر
الذي بعدها الصحيح المد ولو ترك التكبير عمدا أو سهوا حتى ركع لم يأت به لفوات محله *
396

(فرع) في مذاهب العلماء في تكبيرات الانتقالات (اعلم) أن الصلاة الرباعية يشرع فيها
اثنتان وعشرون تكبيرة منها خمس تكبيرات في كل ركعة أربع للسجدتين والرفعتين منها
والخامسة للركوع فهذه عشرون وتكبيرة الاحرام وتكبيرة القيام من التشهد الأول واما الثلاثية
فيشرع فيها سبع عشرة سقط منها تكبيرات ركعة وهن خمس وأما الثنائية فيشرع فيها أحد عشر
للركعتين وتكبيرة الاحرام وهذه كلها عندنا سنة الا تكبيرة الحرام فهي فرض هذا مذهبنا ومذهب
جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم قال ابن المنذر وبهذا قال أبو بكر الصديق وعمرو ابن
مسعود وابن عمر وابن جابر وقيس بن عباد وشعيب والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وعوام
أهل العلم ونقل أصحابنا عن سعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري أنهم قالوا
لا يشرع الا تكبيرة الاحرام فقط ولا يكبر غيرها ونقله ابن المنذر أيضا عن القاسم بن محمد وسالم
ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب ونقلة أبو الحسن بن بطال في شرح البخاري عن جماعات من
السلف منهم معاوية بن أبي سفيان وابن سيرين والقاسم بن محمد وسالم وسعيد بن جبير وأما قول
البغوي في سرح السنة اتفقت الأمة على هذه التكبيرات فليس كما قال ولعله لم يبلغه ما نقلناه أو أوراد
اتفاق العلماء بعد التابعين على مذهب من يقول اجماع بعد الخلاف وهو المختار
عند متأخري الأصوليين وبه قال من أصحابنا أبو علي بن خيران والقفال والشاشي وغيرهما وقال احمد
ابن حنبل جميع التكبيرات واجبة واحتج لأحمد بأن النبي صلى الله عليه وسلم " صلوا كما
رأيتموني أصلي " وثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يكبرهن واحتج لمن أسقطهن غير تكبيرة الاحرام
بحديث عن الحسن عن بن عمران عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه رضي الله عنه " أنه صلي مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يتم التكبير " رواه أبو داود والبيهقي وغيرهما هكذا وفي رواية
الإمام أحمد بن حنبل في مسنده زيادة " لا يتم التكبير يعني إذا خفض وإذا رفع " ودليلنا على
أحمد حديث " المسئ صلاته " فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بتكبيرات الانتقالات وأمره
بتكبيرة الاحرام وأما فعله صلى الله عليه وسلم فمحمول على الاستحباب جمعا بين الا دل ء ودليلنا على
الآخرين حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى
الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرقع صلبه من الركوع
ثم يقول وهو قائما ربنا ولك الحمد ثم يكبر حين يهوى ساجدا ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين
يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من
الثنتين بعد الجلوس " رواه البخاري ومسلم ولفظه لمسلم وعن مطرف قال " صليت أنا وعمران
397

ابن حصين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فكان إذا سجد كبر وإذا رفع كبر وإذا
نهض من الركعتين كبر فلما انصرفنا أخذ عمران بيدي ثم قال لقد صلي بنا هذا صلاة محمد بن صلى الله عليه
وسلم أو لقد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري ومسلم وعن عكرمة
قال " صليت خلف شيخ بمكة فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة فقلت لابن عباس أنه أحمق فقال
ثكلتك أمك: سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري وعن ابن مسعود رضي الله عنه
قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود وأبو بكر وعمر
رضي الله عنهما " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وفي المسألة أحاديث كثيرة في
الصحيح وفيما ذكرناه كفاية والجواب عن حديث بن أبزى من أوجه (أحدها) أنه ضعيف لان
رواية الحسن عن ابن عمران ليس (1) (والثاني) أنه محمول على أنه لم يسمع التكبير وقد سمعه غيره ممن
ذكرنا فقدمت رواية المثبت (والثالث) لعله ترك التكبيرات أو نحوها لبيان الجواز وهذان الجوابان
ذكرهما البيهقي والجواب الأول جواب محمد بن جرير الطبري وغيره *
(فرع) يسن للامام الجهر بتكبيرات الصلاة كلها وبقوله سمع الله لمن حمده ليعلم المأمومون
انتقاله فإن كان ضعيف الصوت لمرض وغيره فالسنة أن يجهر المؤذن أو غيره من المأمومين جهرا
يسمع الناس وهذا لا خلاف فيه ودليلنا من السنة حديث سعيد بن الحارث قال " صلي لنا أبو سعيد
فجهر بالتكبير حين رفع رأسه من السجود وحين سجد وحين رفع وحين قام من الركعتين حتى قضى
صلاته على ذلك وقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا يصلى " وعن جابر رضي الله عنه قال
" اشتكي رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر رضي الله تعالى عنه
يسمع الناس تكبيره " رواه مسلم وفي رواية ولمسلم أيضا " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
الظهر وأبو بكر رضى الله تعالى عنه خلفه فإذا كبر كبر أبو بكر يسمعنا " وعن عائشة رضي الله عنهما
في قصة مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت " فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجلس
إلى جنبه - يعنى أبا بكر رضي الله عنه - وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالياس وأبو بكر
يسمعهم التكبير " رواه مسلم بلفظه والبخاري بمعناه * قال المصنف رحمه الله *
* (ويستحب أن يرفع يديه حذو منكبيه في التكبير لما ذكرناه من حديث أبي عمر رضي الله عنهما
في تكبيرة الاحرام) * *
* (الشرح) * حديث بن عمر رواه البخاري ومسلم ويستحب رفع اليدين حذو المنكبين للركوع وللرفع
منه وفى تكبيرة
الاحرام لكل مصل من قائم وقاعد ومضطجع وامرأة وصبي ومفترض ومتنفل نص
عليه في الأم واتفق عليه الأصحاب ويكون ابتداء رفعه وهو قائم مع ابتداء التكبير وقد سبق في فصل

(2) كذا بالأصل فليحرر ا ه‍
398

تكبيرة الاحرام عن البغوي انه يستحب تفريج الأصابع هنا وفى كل رفع ولو كانت يداه أو إحداهما
عليلة فحكمه ما سبق في رفع تكبيرة الاحرام وجميع الفروع تجئ هنا *
(فرع) في مذاهب العلماء في رفع اليدين للركوع وللرفع منه (اعلم) ان هذه مسألة مهمة جدا
فان كل مسلم يحتاج إليها في كل يوم مرات متكاثرات لا سيما طالب الآخرة ومكثر الصلاة ولهذا اعتنى
العلماء بها أشد اعتناء حتى صنف الامام عبد الله البخاري كتابا كبيرا في اثبات الرفع في هذين
الموضعين والانكار الشديد على من خالف ذلك فهو كتاب نفيس وهو سماعي ولله الحمد فسأنقل
هنا إن شاء الله تعالى منه معظم مهمات مقاصده وجمع فيه الامام البيهقي أيضا جملة حسنة وسأنقل من
كتابه هنا إن شاء الله تعالى مهمات مقاصده ولولا خوف الإطالة لأريتك فيه عجائب من النفائس
وأرجو ان اجمع فيه كتابا مستقلا: (اعلم) ان رفع اليدين عند تكبيرة الاحرام باجماع من يعتد به
وفيه شئ ذكرناه في موضعه (واما) رفعهما في تكبيرة الركوع وفى الرفع منه فمذهبنا أنه سنة فيهما وبه
قال أكثر العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم حكاه الترمذي عن ابن عمر وابن عباس وجابر
وأنس وابن الزبير وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم جماعة من التابعين منهم
طاوس وعطاء ومجاهد والحسن وسالم بن عبد الله وسعيد بن جبير ونافع وغيرهم وعن ابن المبارك واحمد
واسحق وحكاه ابن المنذر عن أكثر هؤلاء وعن أبي سعيد الخدري والليث بن سعد وأبى ثور قال
ونقله الحسن البصري عن الصحابة رضي الله تعالى قال وقال الأوزاعي أجمع عليه علماء
الحجاز والشام والبصرة وحكاه ابن وهب عن مالك قال ابن المنذر وبه قال الإمام أبو عبد الله
البخاري يروى هذا الرفع عن سبعة عشر نفسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو قتادة
الأنصاري وأبو أسيد الساعدي البدري ومحمد بن مسلمة البدري وسهل بن سعد وعبد الله بن عمر
وعبد الله بن عباس وانس وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير ووائل بن حجر
ومالك ابن الحويرث وأبو موسى الأشعري وأبو حميد الساعدي رضي الله عنهم قال وقال الحسن وحميد
399

ابن هلال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم فلم يستثن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه سلم
قال البخاري ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرفع يديه قال وروينا
الرافع أيضا هنا وعن عدة من علماء أهل مكة وأهل الحجاز وأهل العراق والشام والبصرة واليمن وعدة
من أهل خراسان منهم سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ومجاهد والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله
وعمر به عبد العزيز والنعمان بن أبي عياش والحسن بن سيرين وطاوس ومكحول وعبد الله بن
دينار ونافع وعبيد الله بن عمر والحسن بن مسلم وقيس بن سعيد وعدة كثيرة وكذلك روى
عن أم الدرداء رضي الله عنها أنها كانت ترفع يديها وكان ابن المبارك يرفع يديه وكذلك عامة
أصحابه ومحدثي أهل بخارى منهم عيسى بن موسى وكعب بن سعيد ومحمد بن سلام وعبد الله
ابن محمد المشيدي وعدة ممن لا يحصى لا اختلاف بين من وصفنا من أهل العلم وكان عبد الله بن الزبير
- يعنى الحميدي شيخه - وعلي بن المديني ويحيي بن معين وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم يثبتون
عامة هذه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرونها حقا وهؤلاء أهل العلم من أهل زمانهم
هذا كلام البخاري ونقله ورواه البيهقي عن هؤلاء الصحابة المذكورين قال وروينا عن أبي بكر
الصديق وعمر بن الخطاب بن وعلي أبى طالب وجابر بن عبد الله وعقبة بن عامر وعبد الله بن جابر
البياضي الصحابيين رضى الله تعالى عنهم ثم رواه عن هؤلاء التابعين الذين ذكرهم البخاري قال
وروينا أيضا عن أبي قلابة وأبى الزبير ومالك والأوزاعي والليث وابن عيينة ويحيى بن سعيد القطان
وعبد الرحمن بن مهدي وابن المبارك ويحيى بن يحيى وعدة كثيرة من أهل الآثار بالبلدان فهؤلاء هم
أئمة الاسلام شرقا وغربا في كل عصر * وقال أبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلي وسائر أصحاب
الرأي لا يعرف يديه في الصلاة الا لتكبيرة الاحرام وهي رواية عن مالك واحتج لهم بحديث البراء بن
عازب رضي الله تعالى عنهما قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه ثم
لا يعود " رواه أبو داود وقال ليس بصحيح وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال " لأصلين بكم صلاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرفع يديه الا مرة " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وعن
ابن مسعود رضي الله عنه قال " صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر رضي الله عنهما فلم
يرفعوا أيديهم الا عند افتتاح الصلاة " رواه الدارقطني والبيهقي وعن علي رضي الله عنه أنه " كان
يرفع يديه في التكبيرة الأولى من الصلاة ثم لا يرفع في شئ منها " رواء البيهقي وعن علي رضي الله عنه انه كان يرفع
يديه في التكبيرة الأولي من الصلاة " وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة " رواه مسلم في صحيحه وعن
ابن عباس رضي الله عنهما قال " لا ترفع الأيدي الا في سبعة مواطن من افتتاح الصلاة وفى استقبال
400

القبلة وعلى الصفا والمروة وبعرفات وجمع في المقامين عند الجمرتين " واحتج أصحابنا والجمهور بحديث
ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة
وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك " رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من
طرق كثيرة وعن أبي قلابة انه رأى مالك بن الحويرث " إذا صلي كبر ثم رفع يديه فإذا أراد أن يركع
رفع يديه. وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه وحدث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل
هكذا " وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " انه كان إذا قام إلى الصلاة
المكتوبة كبر ورفع يديه حذو منكبيه ويصنع مثل ذلك إذا قضي قراءته وأراد أن يركع ويصنعه إذا رفع
من الركوع ولا يرفع يديه في شئ من صلاته وهو قاعد وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر "
رواه أبو داود بهذا اللفظ والترمذي وقال حديث حسن صحيح وقوله وإذا قام من السجدتين يعنى به الركعتين
والمراد إذا قام من التشهد الأول كذا فسره الترمذي وغيره وهو ظاهر وعن وائل بن حجر رضي الله عنه انه
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم " رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر ووصف همام - وهو أحد الرواة
حيال أذينة - ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمني على اليسرى فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ثم
رفعهما ثم كبر فركع فلما قال سمع الله لمن حمده رفع يديه فلما سجد بين كفيه " رواه
مسلم في صحيحه وعن محمد بن عمرو عطاء انه سمع أبا حميد في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم أحدهم أبو قتادة يقول " أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا فأعرض
فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما ورفع يديه حتى يحاذي
بهما منكبيه فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم قال الله أكبر وركع ثم اعتدل
فاعتدل فلم يصوب رأسه ولم يقنع ووضع يديه على ركبتيه ثم قال سمع الله لمن حمده ورفع يديه
واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه - وذكر الحديث إلى أن قال - ثم صنع في الركعة الثانية مثل
ذلك حتى قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة "
رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح قال وقوله قام من السجدتين يعني الركعتين وفي
رواية لأبي داود والترمذي أيضا قالوا في آخره " صدقت هكذا صلي النبي صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري
في كتاب رفع اليدين من طرق وعن أنس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يرفع يديه
عند الركوع " رواه البخاري في كتاب رفع اليدين وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله تعالى
عليه وسلم مثله رواه البخاري في رفع اليدين والأحاديث الصحيحة في الباب كثيرة غير
منحصرة وفيما ذكرناه كفاية قال القاضي أبو الطيب قال أبو علي زوى الرفع عن النبي صلى الله عليه
401

وسلم ثلاثون من الصحابة رضي الله عنهم (وأما) الجواب عن احتجاجهم بحديث البراء رضي الله عنه
فمن أوجه (أحدها) وهو جواب أئمة الحديث وحفاظهم انه حديث ضعيف باتفاقهم ممن نص على
تضعيفه سفيان بن عيينة والشافعي وعبد الله بن الزبير الحميدي شيخ البخاري وأحمد بن حنبل ويحيى
ابن معين وأبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي والبخاري وغيرهم من المتقدمين وهؤلاء أركان الحديث
وأئمة الاسلام فيه وأما الحافظ والمتأخرون الذين ضعفوا فأكثروا من الخبر وسبب تضعيفه انه
من رواية سفيان بن عيينة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلي عن البراء رضي الله عنه
واتفق هؤلاء الأئمة المذكورون وغيرهم على أن يزيد بن أبي زياد غلط عليه وانه رواه أولا " إذا
افتتح الصلاة رفع يديه " قال سفيان فقدمت الكوفة فسمعته يحدث به ويزيد فيه ثم لا يعود فظننت
انهم لقنوه قال سفيان وقال لي أصحابنا ان حفظه قد تغير أو قد ساء قال الشافعي ذهب سفيان
إلى تغليط يزيد بن أبي زياد في هذا الحديث وقال الحميدي هذا الحديث رواه يزيد ويزيد يزيد وقال أبو سعيد
الدارمي سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال لا يصح وسمعت يحيي بن معين يضعف يزيد
ابن أبي زياد قال الدارمي ومما يحقق قول سفيان انهم لقنوه هذه اللفظة ان سفيان الثوري وزهير
ابن معاوية وهشاما وغيرهم من أهل العلم لم ينكروها إنما جاء بها من سمع منه بآخرة قال البيهقي ومما
يؤيد ما ذهب إليه هؤلاء أبو عبد الله وذكر إسناده إلى سفيان بن عيينة قال حدثنا يزيد بن أبي زياد
بمكة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء رضي الله عنه قال " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح
الصلاة رفع يديه وإذا أراد أن يركع وإذا رفع رأسه من الركوع " قال سفيان فلما قدمت الكوفة
سمعته يقول " يرفع يديه إذا استفتح الصلاة ثم لا يعود " فظننت انهم لقنوه قال البيهقي وروى
هذا الحديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلي عن أخيه عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلي عن البراء
قال فيه " ثم لا يعود " ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلي لا يحتج بحديثه وهو أسوأ حالا عند أهل
المعرفة بالحديث من يزيد بن أبي زياد ثم روى البيهقي باسناد عن عثمان بن سعيد الدارمي انه ذكر فصلا
في تضعيف حديث يزيد بن أبي زياد هذا قال ولم هذا يرو الحديث عن عبد الرحمن بن أبي ليلي أقوى من
يزيد وذكر البخاري في تضعيفه نحو ما سبق (والجواب الثاني) ذكره أصحابنا قالوا صح وجب تأويله على
402

ان معناه لا يعود إلى الرفع في ابتداء استفتاحه ولا في أوائل باقي ركعات الصلاة الواحدة ويتعين تأويله جمعا
بين الأحاديث (الجواب الثالث) ان أحاديث الرفع أولي لأنها اثبات وهذا نفى فيقدم الاثبات لزيادة
العلم (الرابع) ان أحاديث الرفع أكثر فوجب تقديمها (وأما) حديث ابن مسعود رضي الله عنه فجوابه من هذه
الأوجه الأربعة فاما الأوجه الثلاثة الأخيرة فظاهرة وأما تضعيفه فقد روى البيهقي بإسناده عن ابن المبارك
أنه قال لم يثبت عندي حديث ابن مسعود وروى البخاري في كتاب رفع اليدين تضعيفه عن أحمد بن حنبل
وعن يحيى بن آدم وتابعهما البخاري على تضعيفه وضعفه من المتأخرين الدارقطني والبيهقي وغيرهما
وأما حديث علي رضي الله تعالى عنه فجوابه من أوجه أيضا (أحدها) تضعيفه ممن ضعفه البخاري
ثم روى البخاري تضعيفه عن سفيان الثوري وروى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال روى هذا
الحديث عن علي من هذا الطريق الواهي وقد ثبت عن علي رضى الله تعالى عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم رفع اليد في الركوع والرفع منه والقيام من الركعتين كما سبق فكيف يظن به أنه يختار
لنفسه خلاف ما رأي النبي صلى الله عليه وسلم يفعله " قال البيهقي قال الزعفراني قال الشافعي ولا يثبت
عن علي وابن مسعود يعنى ما روى عنهما أنها كانا لا يرفعان أيديهما في غير تكبيرة الافتتاح قال
الشافعي ولو كان ثابتا عنهما لا شبه أن يكون رآهما الراوي مرة أغفلا ذلك قال ولو قال قائل
ذهب عنهما حفظ ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظه ابن عمر لكانت
له الحجة وأما حديث جابر بن سمرة فاحتجاجهم به من أعجب الأشياء وأقبح أنواع الجهالة
بالسنة لان الحديث لم يرد في رفع الأيدي في الركوع والرفع منه لكنهم كانوا يرفعون أيديهم
في حالة السلام من الصلاة ويشيرون بها إلى الجانبين ويريدون بذلك السلام على من عن الجانبين وهذا
لا خلاف فيه بين أهل الحديث ومن له أدني اختلاط باهل الحديث ويبينه أن مسلم بن الحجاج رواه في
صحيحه من طريقين (أحدهما) الطريق السابق والثاني عن جابر بن سمرة قال " كنا إذا صلينا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا السلام عليكم ورحمة الله عليكم ورحمة الله وأشار بيده إلى الجانبين فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس إنما يكفي أحدكم أن يضع يديه على
فخذيه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله " هذا لفظه بحروفه في صحيح مسلم وكذا رواه
غير مسلم من أصحاب السنن وغيرهم وفى رواية أخرى في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال
403

" صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا إذا سلمنا قلنا بأيدينا السلام عليكم السلام عليكم
فنظر الينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قفال ما شأنكم تشيرون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس إذا سلم
أحدكم فليلتفت إلى صاحبة ولا يومئ بيده " هذا لفظ صحيح مسلم قال البخاري وأما احتجاج بعض
من لا يعلم بحديث جابر بن سمرة فإنما كان في الرفع عند السلام لا في القيام قال ولا يحتج بمثل هذا
من له حظ من العلم لأنه معروف مشهور لا اختلاف فيه ولو كان كما توهمه هذا المحتج لكان رفع
الأيدي في الافتتاح وفى تكبيرات العيد أيضا منهيا عنه لأنه يبين رفعا وقد بينه حديث أبي نعيم
ثم ذكر باسناده رواية مسلم التي نقلها الآن ثم قال البخاري فليحذر امرؤ أن يتأول أو يتقول على
رسول الله صلى الله عليه وسلم عز وجل (فليذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة
أو يصيبهم عذاب اليم) وأما قوله عن ابن عباس " لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن " فجوابه
من أوجه (أحدها) أنه ضعيف مرسل وهذا جواب البخاري وقد بين ذلك وأوضحه (الثاني) أن هذا نفى
وغيره اثبات وهو مقدم (الثالث) أنه لو ثبت عنه لم يجز لاحد ترك السنن والأحاديث الثابتة عن النبي
صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم به ويؤيد هذا ان الرفع ثابت في مواطن كثيرة غير هذه السبعة
قد بينها البخاري بأسانيده وسأفرع بها بفرع مستقل في آخر هذا الباب إن شاء الله تعالى فهذا تنقيح
ما يتعلق بالمسألة ودلائلها من الجانبين واختمها بما ختم به البيهقي رحمه الله تعالى فإنه روى عن الامام
أبى بكر بن إسحاق الفقيه قال قد صح رفع اليدين يعني في هذه المواضع عن النبي صلى الله عليه وسلم
ثم عن الخلفاء الراشدين ثم عن الصحابة والتابعين وليس في نسيان عبد الله بن مسعود رفع اليدين
ما يوجب ان هؤلاء الصحابة لم يرووا النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه وقد نسي ابن مسعود
كيفية قيام الاثنين خلف الامام ونسي نسخ التطبيق في الركوع وغير ذلك فإذا نسي هذا
404

كيف لا ينسى رفع اليدين ثم روى البيهقي عن الربيع قال قلت للشافعي ما معني رفع اليدين عند
لركوع فقال مثل معنى رفعهما عند الافتتاح تعظيما لله تعالى وسنة متبعة نرجو فيها ثواب الله تعالى ومثل
رفع اليدين على الصفا والمروة وغيرهما وروى البيهقي عن سفيان بن عيينة قال اجتمع الأوزاعي والثوري
عشاء فقال الأوزاعي للثوري لم لا ترفع يديك في خفض الركوع ورفعه فقال حدثنا يزيد بن أبي زياد
فقال الأوزاعي أروى لك عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم تعارضني بيزيد
ابن أبي زياد ويزيد رجل ضعيف وحديثه ضعيف مخالف للسنة فاحمر وجه الثوري فقال الأوزاعي
كأنك كرهت ما قلت قال نعم فقال الأوزاعي قم بنا إلى المقام نلتعن أينا على الحق فتبسم الثوري
لما رأى الأوزاعي قد احتد وروى البخاري في كتاب رفع اليدين باسناده الصحيح عن نافع " ان ابن
عمر كان إذا رأى رجلا لا يرفع يديه إذ ركع وإذا رفع رماه بالحصي " وروى البخاري عن أم الدرداء
رضى الله تعالى عنها " أنها كانت ترفع يديها في الصلاة حذو منكبيها وحين تفتتح الصلاة وحين
تركع وإذا قالت سمع الله لمن حمد ه رفعت يديها وقالت ربنا ولك الحمد " قال البخاري ونساء بعض
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء وباسناده الصحيح عن سعيد بن جبير أنه قال
" رفع اليدين في الصلاة شئ تزيد به صلاتك " قال البخاري ولم يثبت عند أهل البصرة ممن أدركنا
من أهل الحجاز وأهل العراق منهم الحميدي ومحمد بن المثنى ويحيى بن معين وأحمد ابن حنبل واسحق
ابن إبراهيم وهؤلاء أهل العلم من أبناء أهل زمانهم لم يثبت عند أحد منهم علمه في ترك رفع الأيدي
عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انه لم يرفع يديه قال
وكان ابن المبارك يرفع يديه وهو أكثر أهل زمانه علما فيما يعرف فلو لم يكن عند من لم يعلم عن السلف
علم فاقتدى بابن المبارك فيما اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لكان أولي به من
أن يقتدى بقول من لا يعلم وقال معمر قال ابن المبارك صليت إلى جنب النعمان فرفعت يدي فقال
ما حسبت أن لم يطير قلت إن لم أطر في الأولى لم أطر في الثانية ثم روى البخاري رفع الأيدي في هذه
المواضع عن اعلام أئمة الاسلام من الصحابة والتابعين وتابعيهم ثم قال فهؤلاء أهل مكة والمدينة
واليمن والعراق قد اتفقوا على رفع الأيادي ثم رواه عن جماعات آخرين ثم قال فمن زعم أن رفع اليدين
بدعة فقد طعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف ومن بعدهم وأهل الحجاز وأهل
المدينة وأهل مكة وعدة من أهل العراق وأهل الشام واليمن وعلماء خراسان منهم ابن المبارك حتى
405

شيوخنا ولم يثبت عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ترك الرفع وليس أسانيده أصح من أسانيد
الرفع قال البخاري واما رواية الذين رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم الرفع عند الافتتاح وعند الركوع
والرفع ورواية الذين رووا ان النبي صلى الله عليه وسلم رفع في هذه المواضع وفى القيام من الركعتين
فالجميع صحيح لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة واختلفوا فيها بعينها مع أنه لا اختلاف في ذلك وإنما زاد
بعضهم على بعض والزيادة مقبولة من أهل العلم والله تعالي اعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ويجب أن ينحني إلى حد يبلغ راحتاه ركبتيه لأنه لا يسمى بما دونه راكعا ويستحب أن يضع
يديه على ركبتيه ويفرق أصابعه لما زوى أبو حميد الساعدي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم
" أمسك راحتيه على ركبتيه كالقابض عليهما وفرج بين أصابعه " ولا يطبق لما روى عن مصعب بن
سعد رضي الله عنه صليت إلى جنب سعد بن مالك فجعلت يدي بين ركبتي وبين فخذي وطبقتهما
فضرب بيدي وقال اضرب بكفيك على ركبتيك وقال يا بني انا قد كنا نفعل هذا فأمرنا ان نضرب
بالأكف على الركب " والمستحب ان يمد ظهره وعنقه ولا يقنع رأسه ولا يصوبه لما روى أن أبا حميد
الساعدي رضي الله عنه " وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فركع واعتدال ولم يصوب
رأسه ولم يقنعه " والمستحب أن يجافي مرفقيه عن جنبيه لما روى أبو حميد الساعدي رضي الله عنه ان النبي
صلى الله عليه وسلم فعل فإن كانت امرأة لم تجاف بل تضم المرفقين إلى الجنبين لان
ذلك أستر لها ويجب ان يطمئن في الركوع لقوله صلى الله عليه وسلم للمسئ صلاته " ثم اركع حتى
تطمئن راكعا ") * *
* (الشرح) * حديث أبي. حميد الأول وحديثه الأخير صحيحان رواهما أبو داود والترمذي
وهما من جملة الحديث الطويل في صفة الصلاة بكمالها رواه أبو داود والترمذي
وغيرهما بهذه الألفاظ الا قوله ويفرج أصابعه فلم يذكرها الترمذي وروى البخاري حديث
أبي حميد هذا لكنه لم يقع فيه هاتان اللفظتان كما وقعتا هنا وأما لفظ البخاري فعن محمد بن عمرو
ابن عطاء انه كان جالسا مع نفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرناه صلاة النبي صلي
406

الله عليه وسلم فقال أبو حميد الساعدي أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأيته
إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه وإذ ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع رأسه استوى
حتى يعود كل فقاره مكانها فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضها واستقبل أصابع رجليه
موجهة للقبلة فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى فإذا جلس في الركعة
الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى على مقعدته " هذا لفظ رواية البخاري وأما رواية
الترمذي فعن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد قال سمعته وهو في عشرة من أصحاب النبي صلى الله تعالى
عليه وسلم يقول " أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا فأعرض قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
قام إلى الصلاة اعتدل قائما ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى
يحاذي بهما منكبيه ثم قال الله أكبر ثم اعتدال فلم يصوب رأسه ولم يقنع ووضع يديه على ركبتيه
ثم قال سمع الله لمن حمده ورفع يديه واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه معتدلا ثم هوى إلى
الأرض ساجدا ثم قال الله أكبر ثم جافى عضديه عن إبطيه وفتح أصابع رجليه ثم ثنى رجله اليسرى
وقعد عليها ثم اعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه معتدلا ثم هوى ساجدا ثم قال الله أكبر ثم ثنى
رجله وقد واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه ثم نهض ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك
حتى إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة
ثم صنع كذلك حتى كانت الركعة التي تنقضي فيها صلاته أخر رجله اليسرى وقعد على شقه متوركا
ثم سلم قالوا صدقت هكذا صلي صلى الله عليه وسلم " هذا لفظ رواية الترمذي قال هذا حديث حسن صحيح
قال وقوله إذا قام من السجدتين رفع يديه يعنى إذا قام الركعتين من التشهد الأول ورواه
أبو داود باسناد صحيح على شرط مسلم مثل رواية الترمذي وزاد بعده بتكبيرة الاحرام يقرأ
وقال فيها ثم يركع ويضع على راحتيه على ركبته وقال ثم قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي
بهما منكبيه ورواه أبو داود من رواية أخرى وقال " إذا ركع أمكن كفيه من ركبتيه وفرج بين
أصابعه " لكنه من رواية ابن لهيعة وهو ضعيف وفى رواية له في السجود " واستقبل بأطراف أصابعه
القبلة " فهذه طرق من حديث التطبيق رواها البخاري ومسلم باسنادهما عن مصعب بن سعد بن أبي
وقاص قال " صليت إلى جنب أبى فطبقت بين كفى ووضعتهما بين فخذي فنهاني أبى وقال كنا نفعله
فنهينا عنه وأمرنا ان نضع أيدينا على الركب " وأما حديث " المسئ صلاته " فرواه البخاري ومسلم
من رواية أبي هريرة وأما ألفاظ الفصل فالتطبيق هو ان يجعل بظن كفيه على بطن الأخرى
ويجعلهما بين ركبتيه وفخذيه وقوله ولا يقنع رأسه أي يرفعه ولا يصوبه - وهو بضم الياء
407

وفتح الصاد وبالباء الموحدة - أي لا يبالغ في خفضه وتنكيسه وقوله يجافي هو غير مصور
ومعناه يباعد ومنه الجفوة والجفاء بالمد وأبو حميد اسمه عبد الرحمن وقيل المنذر بن عمرو
الأنصاري الساعدي من بني ساعدة بطن من الأنصار المدني رضي الله عنه توفى في آخر
خلافه معاوية رضي الله عنه مصعب بن سعد أبي وقاص اسم أبي وقاص مالك بن
وهيب ويقال أهيب فسعد بن مالك هو سعد بن أبي وقاص وهو أحد العشرة المشهود
لهم بالجنة ومصعت ابنه وقوله في حديث أبي حميد ثم هصر ظهره وهو بفتح الهاء
والصاد المهملة المخففة أي ثناه وعطفه والفقار عظام الظهر بفتح الفاء وقوله " فتح أصابع
رجليه " وهو بالحاء المهلة أي لينها وثناها إلى القبلة وقوله وركع ثم اعتدل اي استوى في ركوعه
(أما) أحكام الفصل قال أصحابنا أقله أن ينحني بحيث تنال راحتاه ركبتيه لو أراد وضعهما عليهما
ولا يجزيه دون هذا بلا خلاف عندنا وهذا عند اعتدال الخلقة وسلامة اليدين والركبتين ولو انخنس
وأخرج ركبتيه وهو مائل منتصب وصار بحيث لو مد يديه بلغت راحتاه ركبتيه لم يكن ركوعا
لان بلوغهما لم يحصل بالانحناء قال امام الحرمين ولو مزج الانحناء بهذه الهيئة وكان التمكن من وضع
الراحتين على الركبتين جميعا لم يكن ركوعا أيضا ثم إن لم يقدر على الانحناء إلى الحد المذكور
الا بمعين أو باعتماد على شئ أو بأن ينحني على جانبه لزمه ذلك بلا خلاف لان ذلك يؤدى إلى تحصيل
الركوع فوجب فإن لم يقدر انحنى القدر الممكن فان عجز أومأ بطرفه من قيام هذا بيان ركوع
القائم أما ركوع المصلى قاعدا فأقله أن ينحني بحيث يحاذي وجه ما وراء ركبتيه من الأرض وأكمله
أن ينحني بحيث تحاذي جبهته موضع سجوده فان عجز عن هذا القدر لعلة بظهره ونحوها فعل
الممكن من الانحناء وفى ركوع العاجز وسجوده فروع كثيرة سنذكرها إن شاء الله تعالى حيث
ذكر المصنف المسألة في باب صلاة المريض قال أصحابنا ويشترط أن لا يقصد بهويه غير الركوع
فلو قرأ في قيامه آية سجدة فهوى ليسجد ثم بدا له بعد بلوغه حد الركعتين أن يركع لم يعتد بذلك
عن الركوع بل يجب أن يعود إلى القيام ثم يركع وهذا لا خلاف فيه ولو سقط من قيامه بعد فراغ
القراءة فارتفع من الأرض فارتفع من الأرض إلى حد الراكعين لم يجزه بلا خلاف وقد ذكره المصنف في باب سجود
التلاوة بل عليه أن ينتصب قائما ثم يركع ولو انحنى للركوع فسقط قبل حصول أقل الركوع لزمه
أن يعود إلى الموضع الذي سقط منه ويبني على ركوعه صرح به صاحب الحاوي والأصحاب
ولو ركع واطمأن ثم سقط لزمه أن يعتدل قائما ولا يجوز أن يعود إلى الركوع لئلا يزيد ركوعا نص
عليه الشافعي في الأم وقطع به الشيخ أبو حامد والقاضي وأبو الطيب والأصحاب وتجب الطمأنينة
408

في الركوع بلا خلاف لحديث " المسئ صلاته " وأقلها أن يمكث في هيئة الركوع حتى تستقر
أعضاؤه وتنفصل حركة هويه عن ارتفاعه من الركوع ولو جاوز حد أقل الركوع بلا خلاف لحديث
" المسئ صلاته " ولو زاد في الهوى ثم ارتفع والحركات متصلة ولم يلبث لم تحصل الطمأنينة ولا يقوم
زيادة الهوى مقام الطمأنينة بلا خلاف وأما أكمل الركوع في الهيئة فان ينحني بحيث يستوي ظهره
وعنقه ويمدهما كالصفيحة وينصب ساقيه ولا يثنى ركبتيه قال الشافعي في الأم ويمد ظهره وعنقه
ولا يخفض ظهره عن عنقه ولا يرفعه ويجتهد أن يكون مستويا فان رفع رأسه عن ظهره عن
رأسه أو جافى ظهره حتى يكون كالمحدودب كرهته ولا إعادة عليه ويضع يديه على ركبتيه ويأخذهما
بهما ويفرق أصابعه حينئذ ويوجهها نحو القبلة قال الشيخ أبو محمد في التبصرة ويوجههما نحو القبلة
غير منحرفة يمينا وشمالا وهذا الذي ذكرناه من استحباب تفريقها هو الصواب الذي نص عليه
الشافعي في المختصر وغيره وقطع به الأصحاب في جميع الطرق واما قول امام الحرمين والغزالي
في الوسيط يتركها على حالها فشاذ مردود قال الشافعي في الأم وأصحابنا فإن كانت احدى يديه
مقطوعة أو عليلة فعل بالأخرى ما ذكرنا وفعل بالعليلة الممكن فإن لم يمكنه وضع اليدين على الركبتين
أرسلهما قال أصحابنا ولو كان اقطع من الزندين لم يبلغ يزنديه ركبتيه وفى الرفع يرفع زنديه حذو
منكبيه والفرق ان في تبليغهما إلى الركبتين في الركوع مفارقة من استواء الظهر بخلاف الرافع
ولو لم يضع يديه على ركبتيه ولكن بلغ ذلك القدر أجزأه ويكره تطبيق اليدين بين الركبتين لحديث
سعد رضي الله تعالى عنه فقد صرح فيه بالنهي ويسن للرجل ان يجافي مرفقيه عن جنبيه ويسن
للمرأة ضم بعضها إلى بعض وترك المجافاة وقد ذكر المصنف دليل هذا كله مع ما ذكرناه من
حديث أبي حميد واما الخنثى فالصحيح انه كالمرأة يستحب له ضم بعضه إلى بعض وقال صاحب
البيان قال القاضي أبو الفتوح لا يستحب له المجافاة ولا الضم لأنه ليس أحدهما أولى من الاخر
والمذهب الأول وبه قطع الرافعي لأنه أحوط قال الشافعي في الأم أحب للمرأة في السجود ان تضع
بعضها إلى بعض وتلصق بطنها بفخذيها كأستر ما يكون لها قال وهكذا أحب لها في الركوع وجميع
الصلاة والمعتمد في استحباب ضم المرأة بعضها إلى بعض كونه استر لها كما ذكره المصنف وذكر
409

البيهقي بابا ذكر فيه أحاديث ضعفها كلها وأقرب ما فيه حديث مرسل في سنن أبي داود قال العلماء
والحكمة في استحباب مجافاة الرجل مرفقيه عن جنبيه في الركوع والسجود انها أكمل في هيئة الصلاة
وصورتها ولا أعلم في استحبابها خلافا لاحد من العلماء وقد نقل الترمذي استحبابها في الركوع
والسجود عن أهل العلم مطلقا وقد ذكرت حكم تفريق الأصابع والمواضع التي يضم فيها أو يفرق
في فصل رفع اليدين في تكبيرة الاحرام *
(فرع) قال الشافعي في الأم والشيخ أبو حامد وصاحب التتمة لو ركع ولم يضع يديه على ركبتيه
ورفع ثم شك هل انحنى قدرا تصل به راحتاه إلى ركبتيه أم لا لزمه إعادة الركو ع لان
الأصل عدمه *
(فرع) في مذاهب العلماء في حد الركوع: مذهبنا أنه يجب أن ينحني بحيث تنال راحتاه
ركبته ولا يجب وضعهما على الركبتين وتجب الطمأنينة في الركوع والسجود والاعتدال من
الركوع والجلوس بين السجدتين وبهذا كله قال مالك واحمد وداود وقال أبو حنيفة
يكفيه في لركوع أدنى انحناء ولا تجب الطمأنينة في شئ من هذه الأركان (واحتج له)
بقوله تعالي (اركعوا واسجدوا) والانخفاض والانحناء قد اتى به (واحتج) أصحابنا والجمهور بحديث
أبي هريرة رضي الله عنه في قصة المسئ صلاته " ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له اركع حتى تطمئن
راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد
حتى تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها " رواه البخاري ومسلم وهذا الحديث لبيان
أقل الواجبات كما سبق التنبيه عليه ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم " ارجع فصل فإنك لم تصل "
(فان قيل) لم يأمره بالإعادة (قلنا) هذا غلط وغفلة لان النبي صلى الله عليه وسلم قال له في آخر مرة
" ارجع فصل فإنك لم تصل " فقال له علمني فعلمه وقد سبق امره له بالإعادة فلا حاجة إلى تكراره
وعن زيد بن وهب أبي حذيفة رضي الله عنه " رأى رجلا لا يتم الركوع والسجود فقال ما
صليت ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدا صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري وعن
رفاعة بن رافع حديثه في قصة المسئ صلاته بمعنى الحديث أبي هريرة وهو صحيح كما سبق صحيح كما سبق بيانه
في فصل قراءة الفاتحة وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم
" لا تجرئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود " رواه أبو داود والترمذي وقال
410

حديث حسن صحيح والنسائي وغيرهم وهذا لفظ أبي داود ولفظ الترمذي " لا تجزئ صلاة لا يقيم
الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود " قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم والصلب الظهر وفى الباب أحاديث كثيرة مشهورة وفيما ذكرناه
كفاية واما احتجاجهم بالآية الكريمة فجوابه أنها مطلقة بينت السنة المراد بها فوجب اتباعه *
(فرع) في الركوع: اتفق العلماء من الصاحبة والتابعين ومن بعدهم على كراهة التطبيق في
الركوع الا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فإنه كأن يقول التطبيق سنة ويخبر أنه قد رأى النبي
صلى الله عليه وسلم يفعله ثبت ذلك عنه في صحيح مسلم وحجة الجمهور حديث سعد وهو صريح
في النسخ كما سبق بيانه وحديث أبي حميد الساعدي وغيرهما وعن ابن عبد الرحمن السلمي قال
" قال لنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان الركب قد سنت لكم فخذوا بالركب " رواه الترمذي
وقال حديث صحيح والنسائي * قال المصنف رحمه الله *
* (والمستحب أن يقول سبحان ربى العظيم ثلاثا وذلك أدني الكمال لما روى عن ابن مسعود
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا ركع أحدكم فقال سبحان ربي العظيم ثلاثا فقد تم
ركوعه وذلك أدناه " والأفضل أن يضيف (اللهم لك ركعت ولك خشعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري وعظمي ومخي وعصبي) لما روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
" كان إذا ركع قال ذلك " فان ترك التسبيح لم تبطل صلاته لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم للمسئ صلاته
" ثم راكع حتى تطمئن راكعا " ولم يذكر التسبيح) * *
* (الشرح) * حديث ابن مسعود رضي الله عنه رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم عن
عون بن عبد الله بن عتبه ابن مسعود قال أبو داود والترمذي وغيرهما هو منقطع لان عونا لم
يلق ابن مسعود ولهذا قال الشافعي في الأم وإن كان هذا الحديث ثابتا فإنما يعنى بقوله ثم ركوعه
وذلك أدناه أي أدني ما ينسب إلى كمال الفرض والاختيار معا لا كمال الفرض وحده قال البيهقي
إنما قال إن كان ثابتا لأنه منقطع واما حديث علي رضي الله عنه فرواه مسلم وفيه مغايرة في بعض
الألفاظ سأذكرها إن شاء الله تعالى وحديث المسئ صلاته رواه البخاري ومسلم وسبق بيانه
مرات. اما حكم المسألة فقال الشافعي رحمه الله في المختصر يقول سبحان ربى العظيم ثلاثا وذلك
أدني الكمال وقال في الأم أحب أن يبدأ الراكع فيقول سبحان ربى العظيم ثلاثا ويقول ما حكيته
411

عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني حديث علي رضي الله عنه قال أصحابنا يستحب التسبيح في الركوع
ويحصل أصل السبحة بقوله سبحان الله أو سبحان ربي وأدنى الكمال أن يقول سبحان ربى العظيم
ثلاث مرات فهذا أدنى مراتب الكمال قال القاضي حسين قول الشافعي يقول سبحان ربى العظيم
ثلاثا وذلك أدنى الكمال لم يرد أنه لا يجزيه أقل من الثلاث لأنه لو سبح مرة واحدة كان آتيا بسنة
التسبيح وإنما أراد أن أول الكمال الثلاث قال ولو سبح خمسا أو سبعا أو تسعا أو إحدى عشرة
كان أفضل وأكمل لكنه إذا كان اماما يستحب أن لا يزيد على ثلاث وكذا قال صاحب الحاوي
أدنى الكمال ثلاث وأعلى الكمال إحدى عشرة أو تسع وأوسطه خمس ولو سبح مرة حصل
التسبيح قال أصحابنا ويستحب أن يقول سبحان ربى العظيم وبحمده وممن نص على استحباب قوله
وبحمده القاضي أبو الطيب والقاضي حسين وصاحب الشامل والغزالي وآخرون وينكر على الرافعي
لأنه قال وبعضهم يضيف إليه وبحمده فأوهم أنه وجه شاذ مع أنه مشهور لهؤلاء الأئمة قال أصحابنا
ويستحب أن يقول اللهم ركعت إلى آخر حديث علي رضي الله تعالى عنه وهذا أتم الكمال واتفق
الأصحاب على أنه يأتي بالتسبيح أولا وهو ظاهر نص الشافعي في الأم الذي قدمته قال أصحابنا فإذا أراد الاقتصار على أحد الذكرين فالتسبيح أفضل لأنه أكثر في الأحاديث وممن صرح بهذا
القاضي حسين وامام الحرمين وصاحب العدة وآخرون قال القاضي أبو الطيب والاتيان بقوله اللهم
لك ركعت إلى آخره مع ثلاث تسبيحات أفضل من حذفه وزيادة التسبيح على ثلاث وهذا الذي
قاله واضح لا يجئ فيه خلاف قال أصحابنا والزيادة على ثلاث تسبيحات تستحب المنفرد وأما
الامام فلا يزيد على ثلاث تسبيحات وقيل خمس إلا أن يرضي المأمومون بالتطويل ويكونوا محصورين
لا يزيدون هكذا قاله الأصحاب وقد قال الشافعي في الأم أحب أن يبدأ الراكع فيقول سبحان ربي
العظيم ثلاثا ويقول ما حكيت أن النبي صلى الله عليه وسلم كأن يقوله يعنى حديث علي رضي الله عنه
قال وكل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركوع أو سجود أحببت أن لا يقصر عنه اما ما كان
أو منفردا وهو تحفيف لا تثقيل هذا لفظ نصه وظاهر استحباب الجميع للامام لكن الأقوى ما ذكره
الأصحاب فيتأول نصه على ما إذا رضي المأمومون أو على غيره والله أعلم *
412

(فرع) في بيان الأحاديث الواردة في أذكار الركوع والسجود: عن عائشة رضي الله عنها قال
" كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك
اللهم اغفر لي " رواه البخاري ومسلم وعنها ان النبي صلى الله عليه وسلم " كأن يقول في ركوعه وسجوده
" سبوح قدوس رب الملائكة والروح " رواه البخاري ومسلم: وسبوح قدوس بضم أولهما وفتحه
لغتان وعنها قالت " افتقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فحسبت ثم رجعت فإذا هو راكع
وساجد يقول سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت " رواه مسلم وعن حذيفة رضي الله عنه قال " صليت
مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضي فقلت يصلي بها في
ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح آل عمران فقرأها افتتح النساء فقرأها نقرأ مترسلا إذا
مر بآية فيها تسبيح وسبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول سبحان
ربى العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه ثم قال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ثم قام قيام طويلا
قريبا مما ركع ثم سجد فقال سبحان ربي الأعلى وكان سجوده قريبا من قيامه " رواه مسلم وعن علي
رضي الله عنه عن رسول الله عليه وسلم " كان إذا قام إلى الصلاة قال وجهت وجهي إلى آخره
وإذا ركع قال اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي
وعصبي وإذا رفع قال اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض وما بينهما وملء ما شئت من شئ
بعد وإذا سجد قال اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره
وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين " رواه مسلم وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال
" لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في ركوعكم فلما
نزلت سبح اسم ربك الأعلى قال اجعلوها في سجودكم " رواه أبو داود وابن ماجة باسناد حسن
زاد أبو داود في رواية أخرى قال " فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع قال سبحان
ربى العظيم وبحمده ثلاثا وإذا سجد قال سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثا " قال أبو داود ونخاف
أن لا تكون هذه لزيادة محفوظة وفى رواتها مجهول وعن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم " كأن يقول في ركوعه سبحان ربى العظيم وبحمده ثلاثا وفى سجوده سبحان ربي الأعلى
وبحمده ثلاثا " رواه الدارقطني باسناد فيه محمد بن أبي ليلى وهو ضعيف وعن عوف
ابن مالك رضي الله عنه قال قال " قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقام يقرأ
بسورة البقرة لا يمر بآية رحمة الا وقف فسأل ولا يمر بآية عذاب الا وقف فتعوذ ثم ركع
بقدر قيامه يقول في ركوعه سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ثم سجد
413

بقدر ثم قال في سجوده ذلك ثم قام فقرأ بآل عمران ثم قرأ سورة سورة) " رواه أبو داود
باسناد صحيح وعن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " أما الركوع فعظموا
فيه الرب واما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم " رواه مسلم وفى الباب أحاديث
كثيرة ستأتي بقية منها في السجود إن شاء الله تعالى *
(فرع) قال الشافعي وسائر الأصحاب وسائر العلماء قراءة القرآن في الركوع والسجود والتشهد وغير حالة
القيام من أحوال الصلاة (1) لحديث علي رضي الله عنه قال " نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن قراءة القرآن وأنا راكع أو ساجد " رواه مسلم وعن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " الأواني نهيت ان أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه
الرب واما السجود فاجتهد في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم " رواه مسلم فان قرأ غير الفاتحة في
الركوع والسجود لم تبطل صلاته وان قرأ الفاتحة أيضا لم تبطل على الأصح وبه قطع جمهور العراقيين
وفى وجه حكاه الخراسانيون وصاحب الحاوي انه تبطل صلاته لأنه نقل ركنا إلى غير موضعه
كما لو ركع أو سجد في غيره موضعه وستأتي فروع هذه المسألة ونبسطها في سجود السهو إن شاء الله
تعالى *
(فرع) في التسبيح وسائر الأذكار في الركوع والسجود وقول سمع الله لمن حمده وربنا لك
الحمد والتكبيرات غير تكبيرة الاحرام كل ذلك سنة ليس بواجب فلو تركه لم يأثم وصلاته صحيحة سواء تركه
عمدا أو سهوا لكن يكره تركه عمدا هذا مذهبنا وبه قال مالك وأبو حنيفة وجمهور العلماء قال الشيخ أبو حامد
وهو قول عامة الفقهاء قال صاحب الحاوي وهو مذهب الفقهاء كافة وقال إسحاق بن راهويه التسبيح واجب
ان تركه عكدا بطلت صلاته وان نسيه لم تبطل وقال داود واجب مطلقا وأشار الخطابي في معالم السنن إلى
اختياره وقال احمد التسبيح في الركوع والسجود وقول سمع الله لمن حمده وربنا ولك الحمد وان
نسيه بين السجدتين وجميع التكبيرات واجبة فان ترك شيئا منه عمدا بطلت صلاته وان نسيه لم
تبطل ويسجد للسهو عنه وعنه رواية انه سنة كقول الجمهور واحتج من أوجبه بحديث عقبة بن
عامر المذكور في فرع أذكار الركوع وبأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله وقال صلى الله عليه
وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " وبالقياس وعلى القراءة واحتج الشافعي والجمهور بحديث المسئ
صلاته فان النبي صلى الله عليه وسلم علمه واجبات الصلاة ولم يعلمه هذه الأذكار مع أنه علمه تكبيرة
الاحرام والقراءة فلو كانت هذه الأذكار واجبة لعلمه إياها بل هذه أولى بالتعليم لو كانت واجبة لأنها
تقال سرا وتخفى كان الركوع والسجود مع ظهورهما لا يعلمها فهذه أولى واما الأحاديث الواردة

(1) كذا بالأصل وفيه سقط لعله مكروهة أو نحوه فليحرر اه‍
414

بهذه الأذكار فمحمولة على الاستحباب جمعا بين الأدلة واما القياس على القراءة ففرق أصحابنا
بان الأفعال في الصلاة ضربان (أحدهما) معتاد للناس في غير الصلاة وهو القيام والقعود وهذا لا تتميز
العبادة فيه عن العادة فوجب فيه الذكر ليتميز (والثاني) غير معتاد وهو الركوع والسجود فهو خضوع
في نفسه متميز لصورته عن أفعال العادة فلم يفتقر إلى مميز والله أعلم *
(فرع) التسبيح في اللغة معناه التنزيه قال الواحدي اجتمع المفسرون وأهل المعاني على أن معنى تسبيح
الله تعالى تنزيهه وتبرئته من السوء قال واصله في اللغة التبعيد من قولك سبحت في الأرض إذا بعدت
فيها وسبحان الله منصوب على المصدر عنه الخليل والفراء كأنك قلت سبحانا وتسبيحا فجعل
السبحان موضع التسبيح قال سيبويه سبحت الله سبحانا بمعنى واحد فالمصدر التسبيح وسبحان اسم
يقوم مقام المصدر وبحمده سبحته فحذف سبحته اختصار أو يكون قوله وبحمده حالا أي حامدا سبحته
وقيل معناه وبحمده ابتدئ * قال المصنف رحمه الله *
* (ثم يرفع رأسه ويستحب أن يقول سمع الله لمن حمده لما ذكرناه من حديث أبي هريرة في الركوع
ويستحب ان يرفع يديه حذو منكبيه في الرفع لما ذكرناه من حديث ابن عمر في تكبيرة الاحرام فان
قال من حمد الله سمع الله له أجزأه لأنه اتى باللفظ والمعنى فإذا استوى قائما استحب أن يقول ربنا
لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض ملء ما شئت من شئ بعد أهل الثناء والمجد حق ما قال العبد
كلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد لما روى أبو سعيد
الخدري رضي الله عنه ان النبي صل الله عليه وسلم " كان إذا رفع رأسه من الركوع قال ذلك "
ويجب ان يطمئن قائما لما روى رفاعة بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قام أحدكم إلى
الصلاة فليتوضأ كما امره الله تعالى إلى أن قال ثم ليركع حتى يطمئن راكعا ثم ليقم حتى يطمئن قائما
ثم ليسجد حتى يطمئن ساجدا ") * *
* (الشرح) * اما حديث أبي سعيد فصحيح رواه مسلم بلفظه إلا أنه قال " أحق ما قال العبد وكلنا
لك عبد " باثبات الألف في أحق وواو في وكلنا هكذا رواه أبو داود وسائر المحدثين ووقع في المهذب
وكتب الفقه " حق ما قال العبد كلنا " بحذف الألف والواو وهذا وإن كان منتظم المعني لكن الصواب
ما ثبت في كتب الحديث قال الشيخ أبو عمر بن الصلاح رحمه الله معناه " أحق ما قال العبد " قوله
" لا مانع لما أعطيت " إلى آخره وقوله " وكلنا لك عبد " اعتراض بين المبتدأ والخبر قال أبو داود أو يكون
قوله " أحق ما قال " خبرا لما قبله أي قوله ربنا لك الحمد إلى آخره " أحق ما قال العبد " والأول أولى
وهذا الذي رجحه هو الراجح الذي يحسن ان يقال إنه أحق ما قال العبد لما فيه من كمال التفويض
إلى الله تعالى والاعتراف بكمال قدرته وعظمته وقهره وسلطانه وانفراده بالوحدانية وتدبير مخلوقاته
415

واما حديث ابن عمر فصحيح رواه البخاري ومسلم وحديث رفاعة صحيح تقديم بيانه بطوله في فصل
القراءة لكن وقع هنا " حتى تطمئن قائما " والذي في الحديث " حتى تعتدل قائما " واما ألفاظ الفصل
فقوله لأنه اتى باللفظ والمعنى احتراز من قوله في التكبير أكبر الله فإنه لا يجزيه لأنه اتى باللفظ دون
المعنى وقوله " سمع الله لمن حمده " أي تقبل الله منه حمده وجازاه به وقوله " ملء السماوات وملء
الأرض " هو بكسر الميم ويجوز نصب آخره ورفعه ممن ذكرهما جميعا ابن خالويه وآخرون وحكي عن
الزجاج انه لا يجوز الا الرفع ورجح ابن خالويه والأكثرون النصب وهو المعروف في الروايات الحديث
وهو منصوب على الحال اي مالئا وتقديره لو كان جسما لملا ذلك وقد بسطت الكلام في هذه اللفظة
في تهذيب اللغات وذكرت قول الزجاج وابن خالويه وغيرهما وقوله " أهل " منصوب على النداء
قيل ويجوز رفعه على تقدير أنت أهل والمشهور الأول والثناء المجد والمجد العظمة وقوله " لا ينفع
ذا الجد منك الجد " هو بفتح الجيم على المشهور وقيل بكسرها والصحيح والأول والجد الحظ والمعني
لا ينفع ذا المال والحظ والغني غناه ولا يمنعه من عقابك وإنما ينفعه ويمنعه ومن عقابك العمل الصالح وعلى رواية
الكسر يكون معناه لا ينفع ذا الاسراع في الهرب اسراعه وهربه وقد أوضحته في تهذيب الأسماء واللغات
وقوله رفاعة بن مالك كذا هو في المهذب والذي في رواية الشافعي والترمذي وغيرهما رفاعة بن رافع وكذا
ذكره المصنف قبل هذا في فصل قراءة الفاتحة وقد بيناه هناك: اما حكم الفصل فالاعتدال من الركوع فرض
وركن من أركان الصلاة لا تصح الا به بلا خلاف عندنا وقد يتعجب من المصنف حيث لم يصرح به كما صرح به
في التكبير والقراءة والركوع كأنه تركه لاستغنائه بقوله بعده ويجب أن يطمئن قائما قال أصحابنا
والاعتدال الواجب هو ان يعود بعد ركوعه إلى الهيئة التي كان عليها قبل الركوع سواء صلى قائما أو
قاعدا فلو ركع عن قيام فسقط في ركوعه نظر إن لم يطمئن من ركوعه لزمه أن يعود إلى الركوع ويطمئن
ثم يعتدل منه وإن اطمأن لزمه ان ينتصب قائما فيعتدل ثم يسجد ولا يجوز ان يعود إلى الركوع فان عاد
عالما بتحريمه بطلت صلاته لأنه زاد ركوعا ولو رفع الراكع رأسه ثم سجد وشك هل تم اعتداله لزمه أن يعود
إلى الاعتدال ثم يسجد لان الأصل عدم الاعتدال ويجب أن لا يقصد بارتفاعه من الركوع شيئا غير
الاعتدال فلو رأى في ركوعه حية ونحوها فرفع فزعا منها لم يعتد به وينبغي أن لا يطول الاعتدال
زيادة على القدر المشروع لأذكاره فان طول زيادة عليه ففي بطلان صلاته خلاف وتفصيل نذكره إن شاء الله تعالى
في باب سجود السهو قال أصحابنا ولو اتي بالركوع الواجب فعرضت علة منعته
من الانتصاب سجد من ركوعه وسقط عنه الاعتدال لتعذره فلو زالت العلة قبل بلوغ جبهته من
الأرض وجب ان يرتفع وينتصب قائما ويعتدل ثم يسجد وان زالت بعد وضع جبهه على الأرض لم يرجع إلى
الاعتدال بل سقط عنه فان خالف وعاد إليه بل تمام سجوده عالما بتحريمه بطلت صلاته
416

وإن كان جاهلا لم تبطل ويعود إلى السجود وتجب الطمأنينة في الاعتدال بلا خلاف عندنا وقال
إمام الحرمين في قلبي من أيجلبها شئ وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث المسئ
صلاته " حتى تعتدل قائما " وقال في باقي الأركان حتى تطمئن والصواب الأول لان النبي صلى الله
عليه وسلم كان يطمئن وقال " صلوا كما رأيتموني أصلي " هذا ما يتعلق بواجب الاعتدال وأما أكمله
ومندوباته (فمنها) أن يرفع يديه حذو منكبيه كما سبق بيانه في صفة الرفع في تكبيره الاحرام ويكون
ابتداء رفعهما مع ابتداء الرفع ودليل الرفع حديث ابن عمر الذي ذكره المصنف مع غيره مما
سبق في فصل الركوع وسبق هنا بيان مذاهب العلماء فإذا اعتدل قائما حط يديه والسنة أن
يقول في حال ارتفاعه سمع الله لمن حمده قال الشافعي في الأم والأصحاب فان قال من حمد الله
سمع له أجزأه في تحصيل هذه السنة لأنه أتى باللفظ والمعنى بخلاف ما لو قال في التكبير أكبر الله
فإنه لا يجزيه على الصحيح لأنه يحيل معناه بالتنكيس قال الشافعي والأصحاب لكن قول سمع الله
لمن حمده أولي لأنه الذي وردت من الأحاديث فإذا استوى قائما استحب أن يقول " ربنا لك
الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شئ بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد
وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " قال الشافعي
والأصحاب يستوي في استحباب هذه الأذكار كلها الإمام والمأموم والمنفرد فيجمع كل واحد
منهم بين قوله سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد إلى آخره وهذا لا خلاف فيه عندنا لكن قال
الأصحاب إنما يأتي الامام بهذا كله إذا رضي المأمومون بالتطويل وكانوا محصورين فإن لم يكن
417

كذلك اقتصر على سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد وقد قدمنا أن الذي في رواية المحدثين
" أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد " والذي في كتب الفقه " حق ما قال العبد كلنا " بخلاف الألف
والواو وكلاهما صحيح المعنى لكن المختار ما وردت به السنة الصحيحة وهو اثبات الألف
والواو وثبت في الأحاديث الصحيحة من روايات كثيرة " ربنا لك الحمد " وفى روايات الكثيرة
" ربنا ولك الحمد " بالواو وفى روايات " اللهم ربنا ولك الحمد " وفى روايات " اللهم ربنا لك الحمد " وكله
في الصحيح قال الشافعي والأصحاب كله جائز قال الأصمعي سألت أبا عمرو عن الواو في قوله
" ربنا ولك الحمد " فقال هي زائدة يقول العرب يعنى هذا الثوب فيقول المخاطب نعم وهو لك
بدرهم فالواو زائدة (قلت) ويحتمل أن تكون عاطفة على محذوف أي ربنا أطعناك وحمدناك ولك
الحمد قال الشافعي والأصحاب ولو قال ولك الحمد ربنا أجزأه لأنه أتى باللفظ والمعني وقد سبق
الآن الفرق بينه وبين قوله أكبر الله قالوا ولكن الأفضل قوله ربنا لك الحمد على الترتيب الذي
وردت به السنة قال صاحب الحاوي وغيره يستحب للامام ان يجهر بقوله سمع الله لمن حمده
ليسمع المأمومون ويعلموا انتقاله كما يجهر بالكبير ويسر بقوله ربنا لك الحمد لأنه يفعله في الاعتدال
فأسر به كالتسبيح في الركوع والسجود وأما المأموم فيسر بهما كما يسر بالتكبير فان أراد تبليغ
غيره انتقال الامام كما يبلغ التكبيرة جهر بقول سمع الله لمن حمده لأنه المشروع في حال الارتفاع
ولا يجهر بقوله ربنا لك الحمد لأنه إنما يشرع في حال الاعتدال والله أعلم *
418

(فرع) ذكر صاحب التتمة في اشتراط الاعتدال في صلاة النقل وجهين بناء على أن النفل هل
يصح مضطجعا مع القدرة على القيام قال ووجه السنة أنه اقتصر على الايماء مع القدرة على
اكمال الأركان *
(فرع) في مذاهب العلماء في الاعتدال: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه ركن في الصلاة لا تصح
الصلاة الا به وبهذا قال احمد وداود وأكثر العلماء وقال أبو حنيفة لا يجب بل لو انحط من الركوع
إلى السجود أجزأه وعن مالك روايتان كالمذهبين واحتج لهم بقوله تعالي (اركعوا واسجدوا)
واحتج أصحابنا بحديث المسئ صلاته والآية الكريمة لا تعارضه وبقوله صلى الله عليه وسلم
" صلوا كما رأيتموني أصلي " *
(فرع) في مذاهب العلماء فيما يقال في الاعتدال: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يقول في حال ارتفاعه
سمع الله لمن حمده فإذا استوى قائما قال ربنا لك الحمد إلى آخره وأنه يستحب الجمع بين هذين
الذكرين للامام والمأموم والمنفرد وبهذا قال عطاء وأبو بردة ومحمد بن سيرين واسحق وداود وقال
أبو حنيفة يقول الإمام والمنفرد سمع الله لمن حمده فقط المأموم ربنا لك الحمد فقط حكاه ابن المنذر
عن ابن مسعود وأبي هريرة والشعبي ومالك واحمد قال وبه أقول وقال الثوري والأوزاعي
وأبو يوسف ومحمد واحمد يجمع الامام الذكرين ويقتصر المأموم على ربنا لك الحمد واحتج لهم بحديث
أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا قال الامام سمع الله لمن حمده
فقولوا ربنا لك الحمد " رواه البخاري ومسلم وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله رواه
البخاري ومسلم ورآه مسلم أيضا من رواية أبى موسى واحتج أصحابنا بحديث أبي هريرة رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا قال سمع الله لمن حمده قال اللهم ربنا ولك الحمد "
رواه البخاري ومسلم وعن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين رفع رأسه
" سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد " رواه مسلم وقد سبق بطوله في فصل الركوع ومثله في صحيح
419

البخاري من رواية ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وفى صحيح مسلم من رواية عبد الله بن أبي أو في
وغيره وثبت في صحيح البخاري من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " صلوا كما رأيتموني أصلي " فيقتضي هذا مع ما قبله أن كل مصل يجمع بينهما
ولأنه ذكر يستحب للامام فيستحب لغيره كالتسبيح في الركوع وغيره ولان لصلاة مبنية على
أن لا يفتر عن الذكر في شئ منها فإن لم يقل بالذكرين في الرفع والاعتدال بقي أحد الحالين
خاليا عن الذكر وأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم " وإذا قال سمع الله لمن حمده
فقولوا ربنا لك الحمد " فقال أصحابنا فمعناه قولوا ربنا لك الحمد مع ما قد علمتموه من قول سمع الله
لمن حمده وإنما خص هذا بالذكر لأنهم كانوا يسمعون جهر النبي صلى الله عليه وسلم بسمع الله
لمن حمده فان السنة فيه الجهر ولا يسمعون قوله ربنا لك الحمد لأنه يأتي به سرا كما سبق بيانه وكانوا
يعلمون قوله صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " مع قاعدة التأسي به صلى الله عليه وسلم
مطلقا وكانوا يوافقون في سمع الله لمن حمده فلم يحتج إلى الامر به ولا يعرفون ربنا لك الحمد فأمروا
به والله أعلم
(فرع) ثبت عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال " كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم
فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده فقال رجل وراءه ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه فلما انصرف قال من المتكلم قال أنا قال رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها
أول " رواه البخاري فيستحب أن يجمع بين هذه الأذكار فيقول في ارتفاعه سمع الله لمن حمده فإذا
انتصب قال اللهم ربنا لك الحمد حمدا كثير طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض إلى قوله منك الجد
* قال المنصف رحمه الله *
* (ثم يسجد وهو فرض لقوله تعالى (اركعوا واسجدوا) ويستحب أن يبتدئ عند الهوى إلى
السجود بالتكبيرات لما ذكرناه من حديث أبي هريرة رضى الله تعالى عنه في الركوع) * *
* (الشرح) * قال الأزهري أصل السجود التطامن والميل وقال الواحدي أصله الخضوع والتذلل
وكل من تذلل وخضع فقد سجد وسجود كل موات في القرآن طاعته لما سجد له هذا
420

أصله في اللغة وقيل لمن وضع جبهته في الأرض سجد لأنه غاية الخضوع: والسجود فرض بنص الكتاب
والسنن والاجماع ويستحب له التكبير للأحاديث السابقة في فصل الركوع وذكرنا هناك اختلاف
العلماء وان احمد أوجب تكبيرات الانتقالات على أصح الروايتين عنه وجماعة ومن السلف لا يشرع
وذكرنا الدليل على الجميع ويستحب مد التكبير من حين يشرع في الهوى حتى يضع جبهته على الأرض
هذا هو المذهب وفيه قول ضعيف حكاه الخراسانيون انه يستحب أن لا يمده وقد سبق بيانه في فصل
الركوع * قال المصنف رحمه الله *
* (والمستحب ان يضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه لما روى وائل بن حجر رضي الله عنه قال
" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه "
فان وضع يديه قبل ركبتيه أجزأ إلا أنه ترك هيئة) * *
* (الشرح) * مذهبنا انه يستحب أن يقدم في السجود الركبتين ثم اليدين ثم الجبهة والأنف قال
الترمذي والخطابي وبهذا قال أكثر العلماء وحكاه أيضا القاضي أبو الطيب عن عامة الفقهاء وحكاه
ابن المنذر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه والنخعي ومسلم بن بشار وسفيان الثوري واحمد واسحق
وأصحاب الرأي قال وبه أقول وقال الأوزاعي ومالك يقدم يديه على ركبتيه وهي رواية عن أحمد
وروى عن مالك انه يقدم أيهما شاء ولا ترجيح واحتج لمن قال بتقديم اليدين بأحاديث ولمن
قال بعكسه بأحاديث ولا يظهر ترجيح أحد المذهبين من حيث السنة ولكني اذكر
الأحاديث الواردة من الجانبين وما قيل عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال " رأيت النبي صلى الله
عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه " رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم قال
الترمذي هو حديث حسن وقال الخطابي هو أثبت من حديث تقديم اليدين وهو ارفق بالمصلي
وأحسن في الشكل ورأي العين وقال الدارقطني قال ابن أبي داود وضع الركبتين قبل اليدين تفرد
به شريك القاضي عن ابن كليب وشريك ليس هو منفردا به وقال البيهقي هذا الحديث يعد
من افراد شريك هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين وزاد أبو داود في رواية له " وإذا
نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذه " وهي زيادة ضعيفة من رواية عبد الجبار بن وائل عن أبيه
ولم يسمعه وقيل ولد بعده وعن أنس رضي الله عنه قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر
وذكر الحديث وقال في السجود سبقت ركبتاه يديه " رواه الدارقطني والبيهقي وأشار إلى تضعيفه
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير
وليضع يديه قبل ركبتيه " رواه أبو داود والنسائي باسناد جيد ولم يضعفه أبو داود وعن عبد الله
421

ابن سعيد المقبري عن جده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا سجد
أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك بروك الجمل رواه البيهقي وضعفه وقال عبد الله بن سعيد
ضعيف وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال " كنا نضع الركبتين قبل
اليدين " رواه ابن خزيمة في صحيحه وادعي انه ناسخ لتقديم اليدين وكذا اعتمده أصحابنا
ولكن لا حجة فيه لأنه ضعيف ظاهر التضعيف بين البيهقي وغيره ضعفه وهو من رواية يحيي
ابن مسلمة بن كهيل وهو ضعيف باتفاق الحفاظ قال أبو حاتم هو منكر الحديث وقال البخاري في حديثه
مناكير والله أعلم *
(فرع) قال الشافعي في الأم أحب أن يبتدئ التكبير قائما وينحط وكأنه ساجد ثم إنه يكون
أول ما يضع على الأرض منه ركبتيه ثم يديه ثم وجهه فان وضع وجهه قبل يديه أو يديه قبل ركبتيه
كرهته ولا إعادة عليه ولا سجود سهو قال وان أخر التبكير عن ذلك بعني عن الانحطاط وكبر
معتدلا أو ترك التكبير كرهت ذلك قال الشيخ أبو حامد في تعليقه والجبهة والأنف كعضو واحد
يقدم أيهما شاء * قال المنصف رحمه الله تعالى *
* (ويسجد على الجبهة والأنف واليدين والركبتين والقدمين وأما السجود على الجبهة فواجب
لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا سجدت فمكن
جبهتك من الأرض ولا تنقر نقرا " قال في الأم فان وضع بعض الجبهة كرهته وأجزأه لأنه سجد
على الجبهة فان سجد على حائل دون الجبهة لم يجزئه لما روى خباب بن الأرت رضي الله عنه قال
" شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا واكفنا فلم يشكنا " واما السجود
على الانف فهو سنة لما روى أبو حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم " سجد وأمكن جبهته وأنفه
من الأرض " فان تركه أجزأه لما روى جابر رضي الله عنه قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم سجد بأعلى جبهته على قصاص الشعر " وإذا سجد بأعلى جبهته لم يسجد على الانف) * *
* (الشرح) * حديث بن عمر وجابر غريبان ضعيفان وقد روى الدارقطني حديث جابر بلفظه
هنا لكنه ضعفه وأما حديث خباب فرواه البيهقي بلفظه هنا وإسناده جيد ورواه مسلم بغير هذا
فرواه عن زهير عن أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن وهب عن خباب قال " أتينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم فشكونا إليه حر الرمضاء فلم يشكنا " قال زهير قلت لأبي إسحاق أفي الظهر
قال نعم قلت في تعجيلها قال نعم " هذا لفظ رواية مسلم ورواه البيهقي من طريق آخر وقال " فما أشكانا
وقال إذا زالت الشمس فصلوا " وقد اعترض بعضهم على أصحابنا في احتجاجهم بهذا الحديث
422

لوجوب كشف الجبهة وقال هذا ورد في الابراد وهذا الاعتراض ضعيف لأنهم شكوا حز الرمضاء
في جباههم واكفهم ولو كان الكشف غير واجب لقيل لهم استروها فلما لم يقل ذلك دل على
أنه لا بد من كشفها وقوله فلم يشكنا ولم يجبنا إلى ما طلبناه ثم نسخ هذا وثبتت السنة بالابراد
بالظهر وأما حديث أبي حميد فرواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وقد ثبت
السجود على الانف في أحاديث كثيرة صحيحة وقوله قصاص الشعر هو بضم القاف وفتحها
وكسرها ثلاث لغات حكاهن ابن السكيت وغيره وهو أصل منبته من مقدم الرأس وأما خباب بن الأرت
فكنيته أبو عبد الله شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من كبار الصحابة والسابقين
إلى الاسلام نزل الكوفة وتوفى بها سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاثة وسبعين سنة * اما حكم المسألة
فالسجود على الجبهة واجب بلا خلاف عندنا والأولى ان يسجد عليها كلها فان اقتصر على ما يقع
عليه الاسم منها أجزأه مع أنه مكروه كراهة تنزيه هذا هو الصواب الذي نص عليه الشافعي في
الأم وقطع به جمهور الأصحاب وحكي ابن كج والدارمي وجها انه يجب وضع جميعها وهو شاذ
ضعيف ولو سجد على الجبين وهو الذي في جانب الجبهة أو على خده أو صدغه أو مقدم رأسه أو على
انفه ولم يضع شيئا من جبهته على الأرض لم يجزئه بلا خلاف ونص عليه في الأم والصحيح من
الوجهين انه لا يكفي في وضع الجبهة الامساس بل يجب ان يتحامل على موضع سجوده بثقل رأسه وعنقه
حتى تستقر جبهته فلو سجد على قطن أو حشيش أو شئ محشو بهما وجب ان يتحامل حتى
ينكبس ويظهر اثره على يد لو فرضت تحت ذلك المحشو فإن لم يفعل لم يجزئه وقال امام الحرمين عندي
انه يكفي ارخاء رأسه ولا حاجة إلى التحامل كيف فرض محل السجود والمذهب الأول وبه قطع
الشيخ أبو محمد الجويني وصاحب التتمة والتهذيب قال الشافعي والأصحاب ويجب ان
يكشف ما يقع عليه الاسم فيباشر به موضع السجود وقد ذكر المصنف دليله فان حال دون
الجبهة حائل متصل به فان سجد على كنفه أو كور عمامته أو طرف كمه أو عمامته وهما يتحركان
بحركته في القيام والعقود أو غيرهما لم تصح صلاته بلا خلاف عندنا لأنه منسوب إليه
وان سجد على ذيله أو كمه أو طرف عمامته وهو طويل جدا لا يتحرك بحركته فوجهان
423

(الصحيح) انه تصح صلاته وبهذا قطع امام الحرمين والغزالي والرافعي قال امام الحرمين لان
هذا الطرف في معنى المنفصل (والثاني) لا تصح وبه قطع القاضي حسين في تعليقه كما لو كان على ذلك
الطرف نجاسة فإنه لا تصح صلاته وإن كان لا يتحرك بحركته وقد سبق الفرق بينهما في باب طهارة
البدن اما إذا سجد على ذيل غيره أو طرف عمامة غيره أو على ظهر رجل أو امرأة من غير أن تقع بشرته
على بشرتها أو على ظهر غيرهما من الحيوانات الطاهرة كالحمار والشاة وغيرهما أو على ظهر كلب عليه
ثوب طاهر بحيث لم يباشر شيئا من النجاسة فيصح سجوده وصلاته في كل هذه الصور بلا خلاف
إذا وجدت هيئة السجود قال صاحب التتمة لكنه يكره على الظهر هذا كله إذا لم يكن في ترك
المباشرة بالجبهة عذر فإن كان على جبهته جراحة وعصبها بعصابة وسجد على العصابة أجزأه ذلك
وصحت صلاته ولا إعادة عليه لأنه إذا سقطت الإعادة مع الايماء بالرأس للعذر فهنا أولي قال
صاحب الحاوي والمستظهري وفيه وجه يخرج من مسح الجبيرة أو عليه الإعادة والمذهب انه لا إعادة
وبه قطع الجمهور ونص عليه في الأم قال الشيخ أبو محمد في التبصرة وشرط جواز ذلك أن يكون
عليه مشقة شديدة في إزالة العصابة ولو عصب على جبهة عصابة مشقوقة لحاجة أو لغير حاجة وسجد وماس
ما بين شقيها شيئا من جبهته الأرض أجزأه ذلك القدر وكذا لو سجد وعلى جبهته ثوب مخرق فمس
من جبهته الأرض أجزأه نص عليه في الأم واتفقوا عليه ويجئ فيه الوجه الذي حكاه ابن كج *
(فرع) إذا سجد على كور عمامته أو كمه ونحوهما فقد ذكرنا أن سجوده باطل فان تعمده مع علمه
بتحريمه بطلت صلاته وإن كان ساهيا لم تبطل لكن يجب إعادة السجود هكذا صرح به أصحابنا
منهم أبو محمد في التبصرة *
(فرع) السنة ان يسجد على أنفه مع جبهته قال البندنيجي وغيره يستحب ان يضعهما على الأرض
دفعة واحدة لا يقدم أحدهما فان اقتصر على أنفه دون شئ من جبهته لم يجزئه بلا خلاف عندنا فان
اقتصر على الجبهة أجزأه قال الشافعي في الأم كرهت ذلك وأجزأه وهذا هو المشهور في المذهب
وبه قطع الجمهور وحكى صاحب البيان عن الشيخ أبي يزيد المروزي انه حكى قولا للشافعي انه يجب السجود
على الجبهة والأنف جميعا وهذا غريب في المذهب وإن كان قويا في الدليل *
(فرع) في مذاهب العلماء في وجوب وضع الجبهة والأنف على الأرض * اما الجبهة جمهور العلماء
على وجوبها وان الانف لا يجزى عنها وقال أبو حنيفة هو مخير بينها وبين الانف وله الاقتصار على
424

أحدهما قال ابن المنذر لا يحفظ هذا عن أحد غير أبي حنيفة * واما الانف فمذهبنا أنه لا يجب السجود
عليه لكنه يستحب وحكاه ابن المنذر عن طاوس وعطاء وعكرمة والحسن وابن سيرين والثوري
وأبى يوسف ومحمد بن الحسن وأبي ثور: وقال سعيد بن جبير والنخعي واسحق يجب السجود على
الانف مع الجبهة وعن مالك واحمد روايتان كالمذهبين واحتج لأبي حنيفة بحديث ابن عباس
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على لجبهة ا - وأشار بيده إلى أنفه -
واليدين والركبتين وأطراف القدمين " رواه البخاري ومسلم وبالقياس على الجبهة واحتج لمن أوجبها
بحديث أبي حميد ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا سجد أمكن جبهته وأنفه من الأرض " وهو
صحيح كما سبق وبحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أمرت ان اسجد على
سبع الجبهة والأنف واليدين والركبتين والقدمين " رواه مسلم وعن عكرمة عن ابن عباس عن النبي
صلى الله عليه وسلم " انه رأى رجلا يصلى لا يصيب أنفه الأرض فقال لا صلاة لمن لا يصيب انفه
من الأرض ما يصيب الجبين " واحتج أصحابنا في وجوب الجبهة بحديث ابن عباس وأبي حميد
وغيرهما من الأحاديث وبحديث خباب المذكور في الكتاب ولان المقصود بالسجود التذلل
والخضوع ولا يقوم الانف مقام الجبهة في ذلك ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الاقتصار على
الانف صريحا لا بفعل ولا يقول واحتجوا في أن الانف لا يجب بالأحاديث الصحيحة المطلقة في الامر
بالجبهة من غير ذكر الانف وفى هذا الاستدلال ضعف لان روايات الانف زيادة من ثقة ولا منافاة بينهما
وأجاب الأصحاب عن أحاديث الانف بأنها محمولة على الاستحباب واما حديث عكرمة عن ابن
عباس فقال الترمذي ثم أبو بكر بن أبي داود ثم الدارقطني ثم البيهقي وغيرهم من الحفاظ الصحيح
أنه مرسل عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه الدارقطني من رواية عائشة رضي الله عنها
عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه وضعفه من وجهين والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في السجود على كمه وذيله ويده وكور عمامته وغير ذلك مما هو متصل
به: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يصح سجوده على شئ من ذلك وبه قال داود واحمد في رواية وقال
مالك وأبو حنيفة والأوزاعي واسحق واحمد في الرواية الأخرى يصح قال صاحب التهذيب وبه
425

قال أكثر العلماء واحتج لهم بحديث أنس رضي الله عنه قال " كنا نصلي مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض يبسط ثوبه فيسجد عليه "
رواه البخاري ومسلم وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال " لقدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
في يوم مطير وهو يبقى الطين إذا سجد بكساء عليه يجعله دون يديه " رواه ابن حنبل في مسنده
وعن الحسن قال " كان أصحاب رسول الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم ويسجد
الرجل على عمامته " رواه البيهقي وبما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم " سجد على كور عمامته "
وقياسا على باقي الأعضاء واحتج أصحابنا وبحديث خباب وهو صحيح كما سبق وقد سبق بيانه
ووجه الدلالة فيه وبحديث رفاعة بن رافع ان النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسئ صلاته " انه لا يتم
صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء - وذكر صفة الصلاة إلى أن قال - فيمكن وجهه وربما قال جبهته من الأرض
- وذكر تمام صفة الصلاة ثم قال - لا يتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك " رواه أبو داود والبيهقي باسنادين
صحيحين وفى رواية البيهقي قال (فيمكن جبهته) بلا شك وبحديث ابن عباس السابق في الفرع قبله
وأجاب أصحابنا عن حديث أنس أنه محمول على ثوب منفصل واما حديث ابن عباس المذكور في مسند أحمد
فضعيف في اسناده مجروح ولو صح لم يكن فيه دليل لستر الجبهة وأجاب البيهقي والأصحاب
عن حديث الحسن أنه محمول على أن الرجل يسجد على العمامة مع بعض الجبهة ويدل على هذا أن العلماء
مجمعون على أن المختار مباشرة الجبهة للأرض فلا يظن بالصحابة إهمال هذا واما المروى أن النبي صلى
الله عليه وسلم " سجد على كور عمامته " فليس بصحيح قال البيهقي فلا يثبت في هذا شئ واما القياس
على باقي الأعضاء أنه لا يختص وضعها على قول وان وجب ففي كشفها مشقة بخلاف الجبهة *
* قال المنصف رحمه الله *
* (وأما السجود على اليدين والركبتين والقدمين ففيه قولان (أشهرهما) أنه لا يجب لأنه لو وجب
لوجب الايماء بها إذا عجز كالجبهة (والثاني) يجب لما ورى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله
عليه وسلم " أمر أن يسجد على سبعة أعضاء يديه وركبتيه وأطراف أصابعه وجبهته " (فإذا قلنا)
بهذا لم يجب كشف القدمين والركبتين لان كشف الركبة يفضي إلى كشف العورة فتبطل صلاته
والقدم قد يكون في الخف فكشفها يبطل السمح والصلاة وأما اليد ففيه قولان (المنصوص) في
426

الكتب أنه لا يجب لأنها لا تكشف الا لحاجة فهي كالقدم وقال في السبق والرمي قد قيل فيه قول
آخر أنه يجب لحديث خباب بن الأرت رضي الله عنه) * *
* (الشرح) * حديث ابن عباس رضى اله عنهما رواه البخاري ومسلم وقوله قال في السبق والرمي
يعنى قال الشافعي في كتاب السبق والرمي وهو كتاب من كتب الأم. أما حكم المسألة ففي
وجوب وضع اليدين والركبتين والقدمين قولان مشهوران نص عليهما في الأم قال الشيخ أبو حامد
ونص في الاملاء ان وضعها مستحب لا واجب واختلف الأصحاب في الأصح من القولين فقال
القاضي أبو الطيب ظاهر حديث الشافعي أنه لا يجب وضعها وهو قول عامة الفقهاء وقال المصنف
والبغوي هذا القول هو الأشهر وصححه الجرجاني في التحرير والروياني في الحلية والرافعي وصحح
جماعة قول الوجوب منهم البندنيجي وصاحب العدة والشيخ نصر المقدسي وبه قطع الشيخ
أبو حامد في التبصرة وهذا هو الأصح وهو الراجح في الدليل فان الحديث صريح في الامر
بوضعها والامر للوجوب على المختار وهو مذهب الفقهاء والقائل الأول يحمل الحديث على الاستحباب
ولكن لا نسلم له لان أصله الوجوب فلا يصرف عنه بغير دليل فالمختار الصحيح الوجوب وقد
أشار الشافعي رحمه الله في الأم إلى ترجيحه كما سأذكره قريبا إن شاء الله تعالى ثم اختلف أصحابنا
في موضع القولين فقال المصنف والجمهور في اليدين والركبتين والقدمين قولان ولم يفرقوا بينها
وقال القاضي حسين في وجوب وضع اليدين قولان (فان قلنا) لا يجب لم يجب وضع الركبتين والا
فقولان (فان قلنا) لا تجب الركبتان فالقدمان أول والا فقولان وذكر امام الحرمين أن المذهب
طرد القولين في الجميع وان من الأصحاب من خصهما باليدين وقال لا تجب الركبتان والقدمان
وذكر القفال في شرح التلخيص قول ابن القاص أن في الجميع قولين ثم قال القفال قال أصحابنا
هذا غلط ولا يختلف المذهب أن وضع الركبتين وأطراف القدمين واجب وإنما اختلف قوله في
وجوب وضع اليدين وهذا الذي نقله القفال عن الأصحاب عجيب غريب وهو غلط بلا شك لان
الشافعي نص على القولين في الأعضاء الستة في الأم وصرح الأصحاب المتقدمون والمتأخرون
بجريان القولين في الجميع وها انا انقل نص الشافعي رحمه الله من الأم بحروفه قال في الأم " كمال
السجود ان يسجد على جبهته وانفه وراحته وركبتيه وقدميه وان سجد على جبهته دون انفه كرهت
ذلك له وأجزأه وان سجد على بعض جبهته دون جميعها كرهت ذلك ولم يكن عليه إعادة قال
واجب ان يباشر براحتيه الأرض في الحر والبرد ولا أحب هذا في ركبتيه بل أحب أن يكونا مستترين
بالثياب وأحب إن لم يكن الرجل متخففا ان يفضي بقدميه إلى الأرض ولا يسجد متنعلا
427

قال الشافعي وفي قولان (أحدهما) ان عليه أن يسجد على جميع أعضائه التي أمرته
بالسجود عليها من قال بهذا قال إن ترك عضوا منها لم يوقعه الأرض وهو يقدر على إيقاعه
لم يكن ساجدا كما إذا ترك جبهته فلم يوقعها الأرض وهو يقدر وان سجد على ظهر كفيه لم يجزئه
وكذا إن سجد على حروفها وان ماس الأرض ببعض يديه أصابعهما أو بعضها أو راحتيه أو بعضها
أو سجد على ما عدا جبهته متغطيا أجزأه وهكذا في الركبتين والقدمين قال الشافعي وهذا مذهب
يوافق الحديث (والقول الثاني) انه إذا سجد على جبهته أو على شئ منها دون ما سواها أجزأه هذا
نص الشافعي بحروفه نقلته من الأم من نسخة معتمدة مقابلة وفيه فوائد كثيرة فحصل للأصحاب
أربع طرق في اليدين والركبتين والقدمين والصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور ونص عليه ان
في وجوب وضع الجميع قولين وهذا الذي حكاه القفال: وهذه الطرق الثلاثة سوى الأول غلط
مخالف للحديث ونص الشافعي وجمهور الأصحاب وإنما أذكرها لبيان حالها لئلا يغتر بها
ثم اختلفوا في صورة المسألة إذا قلنا لا يجب وضع هذه الأعضاء الستة فقال جماعة من أصحابنا
المتقدمين والمتأخرين منهم المحاملي في المجموع إذا قلنا لا يجب وضعها فمعناه يجوز ترك بعضها على
البدل فتارة يترك اليدين أو إحداهما وتارة يترك القدمين أو إحداهما وكذلك الركبتان ولا يتصور
ترك الجميع وقال الشيخ أبو حامد في تعليقه والبندنيجي إذا قلنا لا يجب وضعها فأمكنه أن يسجد
على جبهته دونها كلها أجزأه وقال صاحب العدة مثله قال الرافعي إذا قلنا لا يجب وضعها اعتمد
ما شاء ورفع ما شاء ولا يمكنه أن يسجد مع رفع الجميع هذا هو الغالب والمقطوع به (قلت) ويتصور
رفع لجميع فيما إذا صلي على حجرين بينهما حائط قصير فإذا سجد انبطح ببطنه على الحائط
ورفع هذه الأعضاء أو اعتمد بوسط ساقه أو بظهر كفه فان ذلك له حكم رفع الكف
كما سبق في نص الشافعي والله أعلم * قال أصحابنا فإذا قلنا يجب وضع هذه الأعضاء كفى
وضع أدني جزء من كل عضو منها كما قلنا في الجبهة والاعتبار في القدمين ببطون الأصابع فلو وضع
428

غير ذلك لم يجزئه ونقل صاحب البيان عن صاحب الفروع انه ان سجد على ظاهر قدمه أجزأه
والأول أصح وبه قطع الرافعي وغيره والاعتبار في اليدين بباطن الكف سواء فيه باطن الأصابع
وباطن الراحة فان اقتصر على بعض باطن الراحة أو بعض باطن الأصابع أجزأه وان اقتصر على
ظاهر الكفين أو حرفهما لم يجزئه هكذا نص عليه الشافعي رحمه الله في الأم كما سبق بيانه وكذا قطع
به الجمهور منهم الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمتولي وخالفهم المحاملي في التجريد فقال
الذي يتعلق به السجود هو الراحتان والصحيح الأول وانه يجزيه بطون الأصابع كما نص عليه
الشافعي والجمهور لأنه يسمى ساجدا على يديه والله أعلم: قال الشافعي والأصحاب وإذا أوجبنا وضع
هذه الأعضاء لم يجب كشف الركبتين والقدمين لكن يستحب كشف القدمين ويلزمه عدم كشف
الركبتين وقد سبق دليل الجميع وفى وجوب كشف اليدين قولان (الصحيح) انه لا يجب وهو
المنصوص في عامة كتب الشافعي كما ذكره المصنف (والثاني) يجب كشف أدنى جزء من باطن
كل كف والله أعلم * (فرع) لو تعذر وضع أحد الكفين أو أحد القدمين لقطع أو غيره فحكم المسألة كما سبق ولا
فرض في المتعذرة ولا يجب وضع طرف الزند من المقطوعة لان محل الفرض فات فلا يجب غيره
كما لو قطعت من فوق المرفق لا يجب غسل العضد * قال المصنف رحمه الله *
* (ويستحب ان يجافي مرفقيه عن جنبيه لما روى أبو قتادة رضى عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم " كان إذا سجد جافى عضديه " ويستحب ان يقل بطنه عن فخذيه لما روى البراء بن عازب
رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم كان " إذا سجد جخ " روى " جخي " والجخ الخاوي
وإن كانت امرأة ضمت بعضها إلى بعض لان ذلك استر لها) * *
* (الشرح) * حديث البراء رواه النسائي والبيهقي باسناد صحيح وفى رواية النسائي (جخى)
وفى رواية البيهقي (جخ) وقد ذكر المصنف الروايتين - وهو بفتح الجيم وبعدها خاء معجمة
مشددة - قال الأزهري معنى اللفظين واحد والتجخية التخويه وقال غيره معناه جافى ركوعه
وسجوده قال الشافعي والأصحاب يسن ان يجافي مرفقيه عن جنبيه ويرفع بطنه عن فخذيه وتضم
المرأة بعضها إلى بعض وعن عبد الله بن بحينة رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا صلي فرج بين
يديه حتى يبدو بياض إبطيه من ورائه " رواه مسلم (1) والوضح البياض وعن احمر بن جزء
بالزاي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه حتى

(1) كذا بالأصل وفيه سقط لعله " وفي رواية لمسلم وضح انطيه الخ " كما يتضح من مراجعة صحيح مسلم له
429

نأدى له " رواه أبو داود وابن ماجة باسناد صحيح قوله نأدى له بالهمزة قال الخطابي معناه رق له ورئي
له وفى المسألة أحاديث كثيرة بنحو ما ذكرناه * قال المصنف رحمه الله *
* (ويفرج بين رجليه لما روى أن أبا حميد وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
" إذا سجد فرج بين رجليه " ويوجه بين أصابعه نحو القبلة لما روث عائشة رضي الله عنها أن النبي
صلى الله عليه وسلم " كان يفتح أصابع رجليه " والفتخ تعويج الأصابع ويضم أصابع يديه ويضعها حذو
منكبيه لما روى وائل بن حجر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا سجد ضم أصابعه
وجعل يديه حذو منكبيه " ويرفع مرفقيه ويعتمد على راحتيه لما روى البراء بن عازب رضي الله عنهما أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا سجدت فضم يديك وارفع مرفقيك ") * *
* (الشرح) * حديث أبي حميد رواه أبو داود والبيهقي من رواية بقية بن الوليد عن عتبة بن أبي
حكيم وهما مختلف في توثيقهما وجرحهما ولفظه " إذا سجد فرج بين فخذيه " واما حديث عائشة فغريب
ويغنى عنه حديث أبي حميد ان النبي صلى الله عليه وسلم " سجد واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة "
رواه البخاري وقد سبق الحديث بطوله في فصل الركوع وسبق في رواية أبى داود والترمذي قال
وفتخ أصابع رجليه والفتخ بالخاء المعجمة ومعناه عطفها إلى القبلة وأما حديث وائل فرواه البيهقي
عن وائل قال " كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إذا ركع فرج أصابعه وإذا سجد ضم أصابعه " وفى
صحيح مسلم عن وائل " انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلى فلما سجد سجد بين كفيه " واما حديث
البراء فرواه مسلم في صحيحه ولفظه عن البراء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا سجدت
فضع كفيك وارفع مرفقيك " وروى البيهقي بإسناده عن البراء قال " كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا سجد فوضع يديه بالأرض استقبل بكفيه وأصابعه القبلة " وفى رواية له " وإذا سجد وجه
أصابعه قبل القبلة فتفاج " وبإسناده عن ابن عمر قال " يكره أن لا يميل بكفيه إلى القبلة إذا سجد " وعن
انس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه
430

انبساط الكلب " رواه البخاري ومسلم وعن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان
ينهى ان يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع " رواه مسلم في جملة حديث طويل قال الشافعي والأصحاب
يستحب للساجدان يفرج بين ركبتيه وبين قدميه قال القاضي أبو الطيب في تعليقه قال أصحابنا يكون
بين قدميه قدر شبر والسنة أن ينصب قدميه وأن يكون أصابع رجليه موجهة إلى القبلة وإنما يحصل
توجيهها بالتحامل عليها والاعتماد على بطونها وقال امام الحرمين ظاهر النص انه يضع أطراف أصابع
رجليه على الأرض في السجود ونقل المزني انه يستقبل بها القبلة وهذا يتضمن أن يتحامل عليها
ويوجه رؤوسها إلى القبلة قال والذي صححه الأئمة أنه لا يفعل ذلك بل يضع أصابع رجليه من غير
تحامل عليها هذا كلام إمام الحرمين وتابعه عليه الغزالي في البسيط ومحمد بن لهى في المخيط وهو شاذ
مردد مخالف للأحاديث الصحيحة السابقة ولنص الشافعي ولما قطع به الأصحاب أنه يستقبل بأطراف
أصابع رجليه القبلة والسنة أن يضم أصابع يديه ويبسطها إلى جهة القبلة ويضع كفيه حذو منكبيه
ويعتمد على راحتيه ويرفع ذراعيه ويكره بسطهما وافتراشهما وقد سبق دليل ذلك كله *
(فرع) قال صاحب التتمة إذا كان يصلي وحده وطول السجود ولحقه مشقة بالاعتماد على كفيه
وضع ساعديه على ركبتيه لحديث سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال " شكي أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم مشقة السجود عليهم فقال استعينوا بالركب " رواه أبو داود والترمذي والبيهقي وروى
مرسلا عن سمي عن النعمان بن أبي عياش تابعي قال " شكا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره "
قال البيهقي قال البخاري إرساله أصح من وصله وقال الترمذي كان رواية الارسال أصح *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ويجب أن يطمئن في سجوده لما رويناه من حديث رفاعة ثم يسجد حتى يطمئن ساجدا *
431

* (الشرح) * حديث رفاعة صحيح والطمأنينة واجبة في السجود عندنا وعند الجمهور وقد تقدم
خلاف أبي حنيفة والدليل عليه في فصل الركوع وتقدم هناك بيان حد الطمأنينة وما يتعلق به *
* قال المصنف رحمه الله *
* (والمستحب أن يقول سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدني الكمال لما روى عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال " إذا سجد أحدكم فقال في سجوده سبحان ربي الأعلى
ثلاثا فقد تم سجوده وذلك أدناه " والأفضل أن يضيف إليه " اللهم لك سجدت وبك آمنت
ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصورة وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين) لما
روى علي كرم الله وجهه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد قال ذلك " وان قال في
سجود سبوح قدوس رب الملائكة والروح فهو حسن لما روت عائشة رضي الله عنها قالت
432

" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك في سجوده " قال الشافعي رحمه الله ويجتهد في الدعاء
رجاء الإجابة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال أقرب ما يكون العبد
من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء ويكره أن يقرا في الركوع والسجود لما روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم أما أنى نهيت أن اقرأ راكعا أو ساجدا أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود
فاجتهدوا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم *
* (الشرح) * حديث بن مسعود ضعيف فإنه تمام الحديث السابق في الركوع إذا قال
أحدكم في ركوعه سبحان ربى العظيم ثلاثا فقد ثم ركوعه وذلك أدناه وإذا قال
أحدكم في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا فقد تم سجوده وذلك أدناه " رواه
أبو داود والترمذي وآخرون واتفقوا على تضعيفه وسبق في فصل الركوع بيان تضعيفه وبيان
معني تم ركوعه وذلك أدناه: واما حديث على وحديث عائشة وحديث أبي هريرة وحديث " اما
انى نهيت ان اقرأ راكعا " إلى آخره فرواها كلها مسلم بلفظها هنا وحديث " اما أني نهيت "
" من رواية ابن عباس رضي الله عنهما: واما شرح ألفاظها فتقدم في فصل الركوع بيان حقيقة
التسبيح (وقوله) وشق سمعه وبصره استدل به من يقول الاذن من الوجه وقد سبق الجواب عنه في
صفة الوضوء ومعني شق سمعه وبصره أي منفذهما (وقوله) تبارك الله أحسن الخالقين أي
تعالي والبركة النماء والعلو حكاه الأزهري عن ثعلب وقال ابن الأنباري تبرك العباد بتوحيده
وذكر اسمه وقال ابن فارس معناه ثبت الخير عنده وقيل تعظم وتمجد قاله الخليل وهو بمعنى
تعظيم وقيل استحق التعظيم (وقوله) أحسن الخالقين أي المصورين والمقدرين (وقوله) سبوح قدوس
بضم أولهما ويفتح لغتان مشهورتان أفصحهما وأكثرهما الضم قال أهل اللغة هما صفتان لله تعالي وقال
ابن فارس والترمذي اسمان لغتان لله تعالي وتقديره ومعناه مسبح مقدس رب الملائكة والروح عز وجل
ومعناه المبرأ من كل نقص ومن الشريك ومن كل ما لا يليق بالإلهية والرواية هكذا سبوح قدوس
بالرفع قال القاضي عياض وقيل سبوحا قدوسا بالنصب أي أسبح سبوحا أو أعظم أو اذكر أو أبعد
(وقوله) رب الملائكة والروح قيل الروح جبريل وقيل ملك عظيم أعظم الملائكة خلقا وقيل أشرف
433

الملائكة وقيل خلق كالناس ليسوا بناس وقيل غير ذلك (وقوله) صلى الله عليه وسلم " فقمن " هو بفتح
الميم وكسرها لغتان مشهورتان ويقال في اللغة أيضا قمين ومعناه حقيق وقد بسطت هذه الألفاظ
أكمل بسط في تهذيب اللغات * اما حكم المسألة فقال الشافعي والأصحاب رحمهم الله يسن التسبيح
في السجود والاجتهاد في الدعاء أن يقول " اللهم لك سجدت وبك آمنت " إلى آخر حديث علي رضي الله عنه
وأدنى سنة التسبيح (1) وما في حديث على وسبوح وقدوس والدعاء قال القاضي حسين
وغيره فان أراد الاقتصار فعلى التسبيح أولى وقد سبق هذا وما يتعلقن به في فصل الركوع وكل ذلك
يعود هنا وسبق هناك أذكار الركوع والسجود جميعا ومما لم يسبق حديث أبي هريرة رضي الله عنه
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " كأن يقول في سجوده اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله أوله وآخره
وعلانيته وسره " رواه مسلم وعن عائشة رضي الله عنها قالت " فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدمه في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم إني أعوذ برضاك
من سخطك ومعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك "
رواه مسلم قال صاحب الحاوي وغيره يستحب ان يجمع هذا كله قال أصحابنا ولا يزيد الإمام على
ثلاث تسبيحات الا ان يرضي القوم المحضورون وفيه كلام ذكرته في ذكر الركوع عن نص
الشافعي قال الشافعي في الأم ويجتهد في الدعاء ما لم يكن اماما فيثقل على من خلفه أو مأموما فيخالف
امامه قال والرجل والمرأة في الذكر سواء ونقل الشيخ أبو حامد هذا النص عن الأم ونقل عن نصه
في الاملاء أنه لا يدعو لئلا يثقل على المأمومين قال أبو حامد النصان متقاربان في المعنى يعنى
انه يدعو بحيث لا يطول عليهم واتفقوا على كراهة قراءة القرآن في الركوع والسجود وغير حالة القيام
للحديث فلو قرأ غير الفاتحة لم تبطل وفى الفاتحة خلاف سبق في فصل الركوع وسنوضحه في باب
سجود السهو إن شاء الله تعالى وقد سبق في فصل الركوع بيان مذاهب العلماء في حكم التسبيح والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
* (فان أراد أن يسجد فوقع على الأرض ثم انقلب فأصابت جبهته الأرض فان نوى السجود
حال الانقلاب أجزأه كما لو اغتسل للتبرد ونوى رفع الحدث وإن لم ينوه لم يجزئه كما لو توضأ للتبرد
ولم ينو رفع الحدث) * *
* (الشرح) * قال أصحابنا يشترط لصحة السجود أن لا يقصد بهويه إليه غيره ولو سقط إلى الأرض
من الاعتدال قبل قصد الهوى لم يحسب ذلك السجود بل عليه ان يعود إلى الاعتدال يسجد منه
لأنه لا بد من نية أو فعل ولم يوجد واحد منهما ولو هوى ليسجد فسقط على الأرض بجبهته نظر ان وضع
434

جبهته على الأرض بنية الاعتماد لم يحسب عن السجود وإن لم يحدث هذه النية حسب سواء قصد
السجود أم لم يقصد شيئا نص الشافعي على هذا التفصيل في الأم واتفق الأصحاب عليه وممن نقل
الاتفاق عليه امام الحرمين ولو هوي ليسجد فسقط على جنبه فانقلب واتى بصورة السجود فان قصد
السجود اعتد به نص عليه في الأم واتفق عليه الأصحاب وان قصد الاستقامة وقصد أيضا صرفه
عن السجود لم يحسب له بلا خلاف نص عليه في الأم واتفقوا عليه قال امام الحرمين وغيره وتبطل
صلاته لأنه زاد فعلا لا يزاد مثله في الصلاة وان قصد الاستقامة ولم يقصد صرفه عن السجود بل
غفل عنه لم يجزئه على الصحيح المنصوص في الأم وبه قطع الأكثرون وفيه وجه حكاه امام الحرمين
فخرج من الخلاف في مسألة نية التبرد في الوضوء إذا عرضت في أثنائها الغفلة عن نية الحدث لكن
لا تبطل صلاته بل يكفيه أن يعتدل جالسا ثم يسجد ولا يجوز ان يقوم ليسجد من قيام فلو قام كان زائدا
قياما متعمدا فتبطل صلاته ان علم تحريمه ولكن لإمام الحرمين احتمال لنفسه يلزمه القيام ليسجد منه
واستضعفه وقال الأظهر أنه لا يقوم وإن لم يقصد السجود ولا الاستقامة أجزأه ذلك عن السجود
بلا خلاف ونقل امام الحرمين الاتفاق عليه *
(فرع) في مسائل تتعلق بالسجود (إحداها) قال أصحابنا الخراسانيون التنكس في السجود شرط
لصحته قالوا وللساجد ثلاثة أحوال (إحداها) أن تكون أسافله أعلى من أعاليه فتكون عجيزته مرتفعة
عن رأسه ومنكبيه فهذه هيئة التنكس المطلوبة ومتى كان المكان مستويا فحصولها هين ولو كان موضع
الرأس مرتفعا قليلا فقد رفع أسافله وتحصل هذه الهيئة أيضا وتصح صلاته بلا شك (الثانية) إلا أن تكون أعاليه
أرفع من أسافله بان يضع رأسه على ارتفاع فيصير رأسه أعلي من حقويه فلا يجزئه لعدم اسم
السجود كما لو أكب على وجهه ومد رجليه فإنه لا يجزئه بلا شك قال صاحب التتمة إلا أن تكون به
علة لا يمكنه السجود الا هكذا فيجزئه (الثالثة) ان يستوي أعاليه وأسافله لارتفاع موضع الجبهة
وعدم رفعه الأسافل أو لغير ذلك ففي صحة صلاته وجهان (الصحيح) انها لا تصح لفوات الهيئة
المطلوبة وبهذا قطع الغزالي في الوجيز والبغوي ودليل وجوب أصل التنكس أنه تثبت أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " صلوا كما رأيتموني أصلى " ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان ينكس وعن
أبي إسحاق السبيعي قال " وصف لنا البراء بن عازب رضي الله عنهما - يعنى السجود - فوضع يديه واعتمد
على ركبتيه ورفع عجيزته وقال هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد " رواه أبو داود
435

والنسائي والبيهقي وأبو حاتم باسناد حسن وهذا مع قوله صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي "
يقتضي وجوبه والله أعلم: ولو تعذر التنكس لمرض أو لغيره فهل يجب وضع وسادة ونحوها ليضع الجبهة
على شئ فيه وجهان حكاهما امام الحرمين والغزالي ومن تابعه (أظهرهما) عند الغزالي الوجوب
لأنه يجب التنكس ووضع الجبهة على شئ فإذا تعذر أحدهما لزمه الآخر (وأصحهما) عند غيره لا يجب
بل يكفيه الخفض المذكور قال الرافعي هذا أشبه بكلام الأكثرين لان هيئة السجود متعذرة فيكفيه
الخفض الممكن قال ولا خلاف أنه لو عجز عن وضع الجبهة على الأرض وأمكنه وضعها على وسادة
مع التنكيس لزمه ذلك * قال المنصف رحمه الله تعالى *
* (ثم يرفع رأسه لما رويناه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الركوع ثم يجلس مفترشا
يفرش رجله لا يسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى لما يروى أن أبا حميد الساعدي وصف صلاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها واعتدل حتى يرجع كل عظم إلى
موضعه " ويكره الاقعاء في الجلوس وهو أن يضع أليتيه على عقبيه كأنه قاعد عليها وقيل هو ان يجعل
يديه في الأرض ويقعد على أطراف أصابعه لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال " نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن الاقعاء اقعاء القردة " ويجب ان يطمئن في جلوسه لقوله صلى الله عليه وسلم " ثم ارفع حتى
تطمئن جالسا " ويستحب أن يقول في جلوسه اللهم اغفر لي وأجرني وعافني وارزقني واهدني لما روى ابن
عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم " كأن يقول بين السجدتين ذلك ") * *
* (الشرح) * حديث أبي هريرة في التكبير صحيح سبق بيانه في فصل الركوع وسبق هناك
أحاديث كثيرة صحيحة فيه وحديث أبي حميد صحيح وسبق بيانه في فصل الركوع وهذا لفظ
رواية أبي داود والترمذي وأما حديث الاقعاء فرواه البيهقي باسناد ضعيف وروى لنهي عن
الاقعاء جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم منهم علي بن أبي طالب وأنس وسمرة بن جندب رواها كلها البيهقي
بأسانيد ضعيفة وروى الترمذي حديث على باسناد ضعيف وضعفه والحاصل أنه ليس في النهى عن الاقعاء حديث
صحيح وأما حديث " ارفع حتى تطمئن جالسا " فرواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة ورواه أبو داود
والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة من رواية رفاعة بن رافع وقد سبق بيانه مرات: وأما حديث
436

ابن عباس فرواه أبو داود والترمذي وغيرهما باسناد جيد ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح
الاسناد ولفظ أبي داود " اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني " ولفظ الترمذي مثله
لكنه ذكر " وأجرني وعافني " وفى رواية بن ماجة وارفعني بدل واهدني وفى رواية البيهقي
" رب اغفر لي وارحمني وأجرني وارفعني واهدني " فالاحتياط والاختيار أن يجمع بين
الروايات ويأتي بجميع ألفاظها وهي سبعة " اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وأجرني وارفعني واهدني
وارزقني " وقوله يفرش هو بفتح الياء وضم الراء على المشهور وحكي كسر الراء * أما أحكام الفصل فالجلوس بين
السجدتين فرض والطمأنينة فيه فرض للحديث وقد سبق بيان حد الطمأنينة في فصل الركوع ويشترط أن لا
يقصد بالرفع شيئا آخر كما ذكرنا في الرفع من الركوع وينبغي أن لا يطوله طولا فاحشا فان طوله ففي بطلان
صلاته خلاف وتفصيل يأتي في باب سجود السهو إن شاء الله تعالى والسنة أن يكبر لجلوسه ويبتدئ
التكبير من حين يبتدئ رفع الرأس ويمده إلى أن يستوي جالسا فيكون مده أقل من مد تكبيرة
الهوى من الاعتدال إلى السجود لان الفصل هنا قليل وقد سبق حكاية قول انه لا يمد شيئا من
التكبيرات أوضحته في فصل الركوع والسنة ان يجلس مفترشا يفرش رجله اليسرى ويجلس على
كعبها وينصب النبي هذا هو المشهور وحكي صاحب الشامل وآخرون قولا انه يضجع قدميه
ويجلس على صدرهما وسنذكر إن شاء الله تعالى نص الشافعي في البويطي والاملاء على صفة هذا
الجلوس عند تفسير الاقعاء ويستحب أن يضع يديه على فخذيه قريبا من ركبتيه منشورتي الأصابع
وموجهة إلى القبلة ولو انقطعت أطراف أعلى الركبتين فلا بأس كذا قاله امام الحرمين وغيره
قال امام الحرمين وغيره ولو تركهما على الأرض من جانبي فخذيه كان كارسالهما في القيام
يعنى يكون تاركا للسنة وهل يستحب أن تكون أصابعه مضمومة كما في السجود أو مفرقة فيه وجهان
(أصحهما) مضمومة لتتوجه إلى القبلة وسنوضحها في فصل التشهد إن شاء الله تعالى ويستحب الدعاء
المذكور والمختار الأحوط أن يأتي بالكلمات السبع كما سبق بيان قال صاحب التتمة ولا يتعين هذا
الدعاء بل أي دعاء دعى به حصلت السنة ولكن هذا الذي في الحديث أفضل (واعلم) ان هذا الدعاء
مستحب باتفاق الأصحاب قال الشيخ أبو حامد لم يذكره الشافعي في هذا الموضع في شئ من كتبه ولم
437

ينفه قال وهو سنة للحديث المذكور *
(فرع) في الاقعاء: قد ذكرنا أن الأحاديث الواردة في النهي عنه مع كثرتها ليس فيها شئ
ثابت وبينا رواتها وثبت عن طاوس قال " قلنا لابن عباس في الاقعاء على القدمين قال هي السنة
فقلنا إنا لنراه جفاء بالرجل قال بل هي سنة نبيك صلى الله عليه وسلم " رواه مسلم في صحيحه وفى رواية
للبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال " من سنة الصلاة أن تمس أليتاك عقبيك بين السجدتين "
وذكر البيهقي حديث ابن عباس هذا ثم روى عن ابن عمر رضي الله عنهما انه كان إذا رفع رأسه
من السجدة الأولى يعقد على أطراف أصابعه ويقول إنه من السنة ثم روى عن ابن عمر وابن عباس
رضي الله عنهم انهما كانا يقعيان ثم روى عن طاوس انه كان يقعي وقال رأيت العبادلة يفعلون
ذلك عبد الله ابن عباس وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم قال البيهقي فهذا الاقعاء المرضي فيه والمسنون على
ما روينا عن ابن عباس وابن عمر هو ان يضع أطراف أصابع رجليه على الأرض ويضع أليتيه على عقبيه ويضع
ركبتيه على الأرض ثم روى الأحاديث الواردة في النهى عن الاقعاء بأسانيدها عن الصحابة الذين
ذكرناهم ثم ضعفها كلها وبين ضعفها وقال حديث ابن عباس وابن عمر صحيح ثم روى عن أبي عبيد
انه حكى عن شيخه أبى عبيدة أنه قال الاقعاء أن يلصق أليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه
بالأرض قال وقال في موضع آخر الاقعاء جلوس الانسان على أليتيه ناصبا فخذيه مثل اقعاء الكلب
والسبع قال البيهقي وهذا النوع من الاقعاء غير ما رويناه عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم
فهذا منهى عنه وما رويناه عن ابن عباس وابن عمر مسنون قال واما حديث عائشة رضى الله تعالى
عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " كان ينهي عن عقب الشيطان " فيحتمل أن يكون واردا
في الجلوس للتشهد الأخير فلا يكون منافيا لما رواه ابن عباس وابن عمر في الجلوس بين السجدتين
هذا آخر كلام البيهقي رحمه الله ولقد أحسن وأجاد وأتقن وأفاد وأوضح ايضاحا شافيا وحرر
438

تحريرا وافيا رحمه الله وأجزل مثوبته وقد تابعه على هذا الامام المحقق أبو عمر وبن الصلاح فقال
بعد أن ذكر حديث النهى عن الاقعاء هذا الاقعاء محمول على أن يضع أليتيه على الأرض وينصب ساقيه ويضع
يديه على الأرض وهذا الاقعاء غير ما صح عن ابن عباس وابن عمر انه سنة فذلك الاقعاء أن يضع
أليتيه على عقبيه قاعدا عليها وعلى أطراف أصابع رجليه وقد استحبه الشافعي في الجلوس بين السجدتين
في الاملاء والبويطي قال وقد خبط في الاقعاء من المصنفين من يعلم أنه نوعان كما ذكرنا قال وفيه في
في المهذب تخليط: هذا آخر كلام أبى عمرو رحمه الله وهذا الذي حكاه عن البويطي والاملاء من
نص الشافعي قد حكاه عنهما البيهقي في كتابه معرفة السنن والآثار واما كلام الخطابي فلم يحصل
له ما حصل للبيهقي وخلاف في هذا الحديث عادته في حل المشكلات والجمع بين الأحاديث المختلفة
بل ذكر حديث ابن عباس ثم قال وأكثر الأحاديث على النهى عن الاقعاء وانه عقب الشيطان
وقد ثبت من حديث أبي حميد ووائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم " قعد بين السجدتين
مفترشا قدمه اليسرى " قال ورويت كراهة الاقعاء عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وكرهه
النخعي ومالك والشافعي واحمد واسحق وأهل الرأي وعامة أهل العلم قال والاقعاء ان يضع أليتيه
على عقبيه ويعقد مستوفزا غير مطمئن إلى الأرض وهذا اقعاء الكلاب والسباع قال أحمد بن حنبل
وأهل مكة يستعلمون الاقعاء قال الخطابي ويشبه أن يكون حديث ابن عباس منسوخا والعمل
على الأحاديث الثابتة في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم هذا آخر كلام الخطابي وهو فاسد
من وجه (منها) انه اعتمد على أحاديث النهى فيه وادعي أيضا نسخ حديث ابن عباس والنسخ
لا يصار إليه الا إذا تعذر الجمع بين الأحاديث وعلمنا التاريخ ولم يتعذر هنا الجمع بل أمكن كما
ذكره البيهقي ولم يعلم أيضا التاريخ وجعل أيضا الاقعاء نوعا واحدا وإنما هو نوعان فالصواب
الذي لا يجوز غيره ان الاقعاء نوعان كما ذكره البيهقي وأبو عمرو (أحدهما) مكروه (والثاني) جائز
أو سنة واما الجمع بين حديثي ابن عباس وابن عمر وأحاديث أبي حميد ووائل وغيرهما في صفة
صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفهم الافتراش على قدمه اليسرى فهو ان النبي صلى الله عليه وسلم
كانت له في الصلاة أحوال حال يفعل فيها هذا وحال يفعل فيها ذاك كما كانت له أحوال في تطويل القراءة
وتخفيفها وغير ذلك من أنواعها وكما توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا وكما طاف راكبا وطاف
ماشيا وكما أوتر أول الليل وآخره وأوسطه وانتهى وتره إلى الحسر وغير ذلك كما هو معلوم من
439

أحواله صلى الله تعالى عليه وسلم وكان يفعل العبادة على نوعين أو أنواع ليبين الرخصة والجواز بمرة
أو مرات قليلة ويواظب على الأفضل بينهما على أنه المختار والأولى: فالحاصل ان الاقعاء الذي
رواه ابن عباس وابن عمر فعله النبي صلى الله عليه وسلم على التفسير المختار الذي ذكره البيهقي
وفعل صلى الله عليه وسلم ما رواه أبو حميد وموافقوه من جهة الافتراش وكلاهما سنة لكن احدى
السنتين أكثر وأشهر وهي رواية أبى حميد لأنه رواها وصدقه عشرة من الصحابة كما سبق
ورواها وائل بن حجر وغيره وهذا يدل على مواظبته صلى الله تعالى عليه وسلم عليها وشهرتها
عندهم فهي أفضل وأرجح مع أن الاقعاء سنة أيضا فهذا ما يسر الله الكريم من تحقيق أمر الاقعاء
وهو من المهمات لتكرر الحاجة إليه في كل يوم مع تكرره في كتب الحديث والفقه واستشكال
أكثر الناس له من كل الطوائف وقد من الله الكريم باتقانه ولله الحمد على جميع نعمه *
(فرع) في مذاهب العلماء في الجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيه: مذهبنا انهما واجبان
لا تصح الصلاة إلا بهما وبه قال جمهور العلماء وقال أبو حنيفة لا تجب الطمأنينة ولا الجلوس بل يكفي
أن يرفع رأسه عن الأرض أدني رفع ولو كحد السيف وعنه وعن مالك انهما قالا يجب ان يرتفع
بحيث يكون إلى العقود أقرب منه وليس لهما دليل يصح التمسك به ودليلنا قوله صلى الله عليه
وسلم " ثم ارفع حتى تطمئن جالسا " رواه البخاري من رواية أبي هريرة ورواه أبو داود والترمذي
من حديث رفاعة بن رافع وقد سبق بيان هذا وغيره من الأدلة في مسألة وجوب الاعتدال عن الركوع
* قال المصنف رحمه الله *
* (ثم يسجد سجدة أخرى مثل الأولى) *
* (الشرح) * قال القاضي أبو الطيب اجمع المسلمون على وجوب السجدة الثانية ودليله الأحاديث
الصحيحة المشهورة والاجماع قال أصحابنا وصفة السجدة الثانية صفة الأولي في كل شئ ولله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
* (ثم يرفع رأسه مكبرا لما ذكرناه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الركوع قال الشافعي فإذا
استوى قاعدا نهض وقال في الأم يقوم من السجدة فمن أصحابنا من قال المسألة على قولين (أحدهما) لا يجلس
لما روى وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا رفع رأسه من السجدة استوى قائما بتكبيرة "
(والثاني) يجلس لما روى مالك بن الحريوث أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا كان في الركعة الأولى والثالثة لم
440

ينهض حتى يستوي قاعدا " وقال أبوا سحق إن كان ضعيفا جلس لأنه يحتاج إلى الاستراحة وإن كان قويا لم
يجلس لأنه لا يحتاج إلى الاستراحة وحمل القولين على هذين الحالين فان قلنا يجلس جلس مفترشا لما روى أبو
حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم " ثنى رجله فقعد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ثم نهض " ويستحب أن
يعتمد على يديه في القيام لما روى مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم " استوى قاعدا ثم قام واعتمد على
الأرض بيديه " قال الشافعي لان هذا أشبه بالتواضع واعون للمصلى ويمد التكبير إلى أن يقوم حتى
لا يخلو من ذكر) *
* (الشرح) * حديث أبي هريرة صحيح سبق بيانه مرات وحديث وائل غريب وحديث مالك بن الحويرث
رواه البخاري في موضع من صحيحه وحديث أبي حميد صحيح رواه أبو داود والترمذي وسبق بيانه بطوله
في فصل الركوع وحديث مالك بن الحويرث الأخير صحيح أيضا رواه البخاري بمعناه وسأذكره بلفظه في
فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى وكل هؤلاء الرواة سبق ذكرهم وبيان أحوالهم الا مالك بن الحويرث
وهو أبو سليمان مالك بن الحويرث ويقال ابن الحارث الليثي رضي الله عنه توفى بالبصرة سنة أربع وتسعين
فيما قيل وقوله قال الشافعي فإذا استوى قاعدا نهض يعني قال هذا في مختصر المزني: أما حكم الفصل فيسن
التكبير إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فإن كانت السجدة يعقبها تشهد مده حتى يجلس وإن كانت لا يعقبها
تشهد فهل تسن جلسة الاستراحة فيها النصان اللذان ذكرهما المصنف عن الشافعي وللأصحاب فيها ثلاثة
طرق (أحدها) وهو قول أبي سحق المروزي هما محمولان على حالين فإن كان المصلى ضعيفا لمرض أو كبر أو غيرهما
استحب وإلا فلا (الطريق الثاني) القطع بأنها تستحب لكل أحد وبهذا قطع الشيخ أبو حامد في تعليقه
والبندنيجي والمحاملي في المقنع والفور انى في الإبانة وإمام الحرمين والغزالي في كتبه وصاحب العدة وآخرون
ونقل الشيخ أبو حامد اتفاق الأصحاب عليه (الطريق الثالث) فيه قولان (أحدهما) يستحب و (الثاني)
لا يستحب وهذا الطريق أشهر واتفق القائلون به على أن الصحيح من القولين استحبابها فحصل من هذا ان
الصحيح في المذهب استحبابها وهذا هو الصواب الذي ثبتت فيه الأحاديث الصحيحة التي سنذكرها إن
شاء الله تعالى في فرع مذاهب العلماء فإذا قلنا لا تسن جلسة الاستراحة ابتدأ الكبير مع ابتداء الرفع وفرغ منه مع
استوائه قائما وإذا قلنا بالمذهب وهو أنها مستحبة قال أصحابنا بنى جلسة لطيفة جدا وفى التكبير ثلاثة
441

أوجه حكاها البغوي والمتولي وصاحب البيان وآخرون (أصحها) عند الجمهور وبه قطع المصنف هنا وفي التنبيه ونقله أبو حامد عن نص الشافعي أنه يرفع مكبرا ويمده إلى أن يستوي قائما ويخفف الجلسة ودليله
ما ذكره المصنف والأصحاب أن لا يخلو جزء من الصلاة عن ذكر (الثاني) يرفع غير مكبر ويبدأ بالتكبير
جالسا ويمده إلى أن يقوم (الثالث) يرفع مكبرا فإذا جلس قطعه ثم يقوم بلا تكبير نقله أبو حامد عن أبي إسحاق
المروزي وقطع به القاضي أبو الطيب قال أصحابنا ولا خلاف انه لا يأتي بتكبيرتين ممن صرح بذلك
القاضي حسين والبغوي والسنة فيها ان يجلس مفترشا لحديث أبي حميد هذا هو المذهب وبه قطع المصنف
والجمهور وحكي صاحب الحاوي وجها انه يجلس على صدور قدميه وهو شاذ وتسن هذه الجلسة عقب
السجدتين في كل ركعة يعقبها قيام سواء الأولي والثالثة والفرائض والنوافل لحديث مالك بن
الحويرث أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم " كان إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي
قاعدا " رواه البخاري ولو سجد المصلي للتلاوة لم تشرع جلسة الاستراحة بلا خلاف وصرح به
القاضي حسين والبغوي وغيرهما قال أصحابنا ولو لم يجلس الامام جلسة الاستراحة فجلسها المأموم
جاز ولا يضر هذا التخلف لأنه يسير وبهذا فرق أصحابنا بينه وبين ما لو ترك التشهد الأول واختلف
أصحابنا في جلسة الاستراحة هل هي من الركعة الثانية أم جلوس مستقل على وجهين (أحدهما) أنها
من الثانية حكاه في البيان عن الشيخ أبي حامد (الثاني) وهو الصحيح المشهور أنها جلوس فاصل
بين الركعتين وليس من واحدة منهما كالتشهد الأول وجلوسه وبهذا قطع ابن الصباغ والمتولي
وتظهر فائدة الخلاف في تعليق اليمين على شئ في الركعة الثانية ونحو ذلك (واعلم) انه ينبغي لكل
أحد ان يواظب على هذه الجلسة لصحة الأحاديث فيها وعدم المعارض الصحيح لها ولا تغتر
بكثرة المتساهلين بتركها فقد قال الله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر
لكم ذنوبكم) وقال تعالي (وما أتاكم لرسول فخذوه) قال أصحابنا وسواء قام من الجلسة أو من
السجدة يسن أن يقوم معتمدا بيديه على الأرض وكذا إذا قام من التشهد الأول يعتمد بيديه على الأرض
سواء في هذا القوى والضعيف والرجل والمرأة ونص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب لحديث
مالك بن الحويرث وليس له معارض صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم وإذا اعتمد بيديه جعل بطن
راحتيه وبطون أصابعه على الأرض بلا خلاف وأما الحديث المذكور في الوسيط وغيره عن ابن
عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا قام في صلاته وضع يديه على الأرض كما يضع العاجن "
فهو حديث ضعيف أو باطل لا أصل له وهو بالنون ولو صح كان معناه قائم معتمد ببطن يديه كما
يعتمد العاجز وهو الشيخ الكبير وليس المراد عاجن العجين *
442

(فرع) في مذاهب العلماء في استحباب جلسة الاستراحة: مذهبنا الصحيح المشهور
أنها مستحبة كما سبق وبه قال مالك بن الحويرث وأبو حميد وأبو قتادة وجماعة من الصحابة رضي الله
عنهم وأبو قلابة وغيره من التابعين قال الترمذي وبه قال أصحابنا وهو مذهب داود ورواية عن أحمد
وقال كثيرون أو الأكثرون لا يستحب بل إذا رفع رأسه من السجود نهض حكاه ابن المنذر عن
ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبي الزياد ومالك والثوري وأصحاب الرأي واحمد واسحق
قال قال النعمان ابن أبي عباس أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا
وقال أحمد بن حنبل أكثر الأحاديث على هذا واحتج لهم بحديث " المسئ صلاته " ولا ذكر لها
فيه وبحديث وائل بن حجر المذكور في الكتاب قال الطحاوي ولأنه لا دلالة في حديث أبي حميد
قال ولأنها لو كانت مشروعة لسن لها ذكر كغيرها (واحتج) أصحابنا بحديث مالك بن الحويرث انه
" رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا " رواه
البخاري بهذا اللفظ ورواه أيضا من طرق كثيرة بمعناه عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
في حديث المسئ صلاته " اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن
ساجدا ثم ارفع حت تطمئن جالسا " رواه البخاري في صحيحه بهذا اللفظ في كتاب السلام وعن أبي
حميد وغيره من الصحابة رضي الله عنهم انه وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال " ثم هوى ساجدا
ثم ثنى رجله وقعد حتى رجع كل عظم موضعه ثم نهض: وذكر الحديث " فقالوا صدقت رواه أبو داود
والترمذي وقال حديث حسن صحيح وإسناد أبى داود اسناد صحيح على شرط مسلم وقد سبق بيان
الحديث بطوله في الركوع والجواب عن حديث المسئ صلاته ان النبي صلى الله عليه وسلم إنما علمه الواجبات
دون المسنونات وهذا معلوم سبق ذكره مرات واما حديث وائل فلو صح وجب حمله على موافقة غيره
في اثبات جلسة الاستراحة لأنه ليس فيه تصريح بتركها ولو كان صريحا لكان حديث
مالك بن الحويرث وأبي حميد وأصحابه مقدما عليه لوجهين (أحدهما) صحة أسانيدها (والثاني) كثرة
رواتها ويحتمل حديث وائل أن يكون رأى النبي صلى الله عليه وسلم في وقت أو أوقات تبينا للجواز
وواظب على ما رواه الأكثرون ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث بعد
أن قام يصلي معه ويتحفظ العلم منه عشرين يوما وأراد الانصراف من عنده إلى أهله " اذهبوا إلى
أهليكم ومرهم وكلموهم وصلوا كما رأيتموني أصلي " وهذا كله ثابت في صحيح البخاري من طرق
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هذا وقد رآه يجلس للاستراحة فلو لم يكن هذا هو المسنون لكل أحد
لما أطلق صلى الله عليه وسلم قوله " صلوا كما رأيتموني أصلي " وبهذا يحصل الجواب عن فرق أبى اسحق
443

المروزي من القوى والضعيف ويجاب به أيضا عن قول من لا معرفة له ليس تأويل حديث وائل وغيره بأولى
من عكسه واما قول الإمام أحمد بن حنبل إن أكثر الأحاديث على هذا ومعناه أن أكثر الأحاديث
ليس فيها ذكر الجلسة اثباتا لا نفيا ولا يجوز أن يحمل كلامه على أن مراده أن أكثر الأحاديث تنفيها لان
الموجود في كتب الحديث ليس كذلك وهو أجل من أن يقول شيئا على سبيل الاخبار عن الأحاديث
ونجد فيها خلافه وإذا تقرر أن مراده أن أكثر الروايات ليس فيها اثباتها ولا نفيها لم يلزم رد سنة ثابتة
من جهات عن جماعات من الصحابة واما قول الطحاوي إنها ليست في حديث أبي حميد فمن العجب
الغريب فإنها مشهورة فيه في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما من كتب السنن والمسانيد
للمتقدمين واما قوله لو شرعت لكان لها ذكر فجوابه أن ذكرها التكبير فان الصحيح أنه يمد
حتى يستوعبها ويصل إلى القيام كما سبق ولو لم يكن فيها ذكر لم يجز رد السنن الثابتة بهذا
الاعتراض والله أعلم *
(فرع) في مذاهبهم في كيفية النهوض إلى الركعة الثانية وسائر الركعات: قد ذكرنا أن
مذهبنا أنه يستحب أن يقوم معتمدا على يديه وحكي ابن المنذر هذا عن ابن عمر ومكحول وعمر
ابن عبد العزيز وابن أبي زكريا والقاسم بن عبد الرحمن ومالك واحمد وقال أبو حنيفة وداود يقوم
غير معتمد بيديه على الأرض بل يعتمد صدور قدميه وهذا مذهب ابن مسعود وحكاه بن المنذر
عن علي رضي الله عنه والنخعي والثوري واحتج لهم بحديث أبي شيبة عن قتادة عن أبي جحيفة عن علي
رضى الله تعالى عنه قال " من السنة إذا نهض الرجل في الصلاة المكتوبة من الركعتين الأوليين
أن لا يعتمد بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخا كبيرا لا يستطيع " رواه البيهقي وعن خالد بن
الياس ويقال بن ياس عن صالح مولي (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله

(1) كذا بالأصل
444

عليه وسلم ينهض في الصلاة على صدور قدميه " رواه الترمذي والبيهقي وعن ابن عمران النبي
صلى الله عليه وسلم " نهي أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة " رواه أبو داود وعن
وائل بن حجر في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قال " وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد
على فخذه " رواه أبو داود وعن عبد الرحمن بن يزيد أنه رأى ابن مسعود يقوم على صدور قدميه
في الصلاة " رواه البيهقي وقال هذا صحيح عن ابن مسعود وعن عطية العوفي قال " رأيت بن عمر
وابن عباس وابن الزبير وأبا سعيد الخدري رضي الله عنهم يقومون على صدور أقدامهم في الصلاة "
رواه البيهقي (واحتج) الشافعي والأصحاب بحديث أيوب السختياني عن أبي قلابة قال جاءنا مالك
ابن الحويرث فصلي بنا فقال " إني لا صلى بكم وما أريد الصلاة أريد أن أريكم كيف رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصلي " قال أيوب فقلت لأبي قلابة " كيف كانت صلاته فقال مثل شيخنا هذا
يعني عمرو بن سلمة قال أيوب وكان ذلك الشيخ يتم التكبير فإذا رفع رأسه عن السجدة الثانية
جلس واعتمد على الأرض ثم قام " رواه البخاري في صحيحه بهذا اللفظ قال الشافعي ولان ذلك
أبلغ في الخشوع والتواضع واعون للمصلي وأحرى أن لا ينقلب والجواب عن أحاديثهم انها كلها
ليس فيها شئ صحيح إلا الأثر الموقوف على ابن مسعود ترك السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم بقول غيره فاما حديث على رضى الله تعالى عنه فضعيف ضعفه البيهقي وقال ابن أبي شيبة
ضعفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما واما حديث أبي هريرة فضعيف ضعفه الترمذي
والبيهقي وغيرهما لان رواية خالد بن الياس وصالحا ضعيفتان واما حديث بن عمر فضعيف من
وجهين (أحدهما) انه رواية محمد بن عبد الملك الغزالي وهو مجهول (والثاني) انه مخالف لرواية
الثقات لان أحمد بن حنبل رفيق الغزالي في الرواية لهذا الحديث عن عبد الرزاق وقال فيه " نهى
ان يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يديه " ورواه آخران عن عبد الرزاق خلاف ما رواه
الغزالي وقد ذكر أبو داود ذلك كله وقد علم من قاعدة المحدثين وغيرهم ان ما خالف الثقات كان
445

حديثه شاذا مردودا واما حديث وائل فضعيف أيضا لأنه من رواية ابنه عبد الجبار بن وائل عن
أبيه واتفق الحفاظ على أنه لم يسمع من أبيه شيئا ولم يدركه وقيل إنه ولد بعد وفاته بستة أشهر
واما حكاية عطية فمردودة لان عطية ضعيف *
(فرع) قال القاضي أبو الطيب والشاشي يكره ان يقدم احدى رجليه حال القيام ويعتمد عليها
وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس وإسحاق قال إسحاق إلا أن يكون شيخا كبيرا ومثله عن مجاهد
وقال مالك لا بأس به * قال المصنف رحمه الله *
* (ولا يرفع اليد إلا في تكبيرة الاحرام والركوع والرفع منه لحديث ابن عمر رضي الله عنهما
قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا أراد أن
يركع وبعد ما رفع رأسه من الركوع ولا يرفع بين السجدتين " وقال أبو علي الطبري وأبو بكر بن المنذر
يستحب كلما قام إلى الصلاة من السجود ومن التشهد لما روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم " كان إذا قام من الركعتين يرفع يديه " والمذهب الأول) *
* (الشرح) * المشهور من نصوص الشافعي رحمه الله تعالى في كتبه وهو المشهور في المذهب وبه قال
أكثر الأصحاب انه لا يرفع الا في تكبيرة الاحرام وفى الركوع والرفع منه لحديث ابن عمر رضي الله عنهما
وهو في صحيحي البخاري ومسلم من طرق وفى رواية في الصحيحين " وكان لا يفعل
ذلك في السجود " وفى رواية البخاري " ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع من السجود "
وقال جماعة من أصحابنا منهم أبو بكر بن المنذر وأبو علي الطبري يستحب الرفع كلما قام من السجود
ومن التشهد وقد يحتج لهذا بما ذكره البخاري في كتاب رفع اليدين أن النبي صلى الله عليه وسلم
" كان يرفع يديه إذا ركع وإذا سجد " لكنه ضعيف ضعفه البخاري وفى كتاب النسائي حديث
446

يقتضيه عن مالك بن الحويرث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال آخرون من أصحابنا يستحب
الرفع إذا قام من التشهد الأول وهذا هو الصواب ممن قال به من أصحابنا ابن المنذر وأبو علي
الطبري وأبو بكر البيهقي وصاحب التهذيب فيه وفى شرح السنة وغيرهم وهو مذهب البخاري
وغيره من المحدثين دليله حديث نافع ان ابن عمر رضي الله عنهما " كان إذا دخل الصلاة كبر ورفع
يديه وإذا ركع رفع يديه وإذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه وإذا قام من الركعتين رفع يديه ورفع
ابن عمر ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري في صحيحه وعن حميد الساعدي
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو قتادة أنه وصف صلاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقال فيها " وإذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه " حديث صحيح
رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة وقال الترمذي حديث حسن
صحيح وقد سبق بطوله في فصل الركوع وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن
رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم " انه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حذو
منكبيه ويصنع مثل ذلك إذا قضي قراءته وأراد أن يركع ويصنعه إذا رفع من الركوع ولا يرفع يديه
في شئ من صلاته وهو قاعد وإذا قام من الركعتين رفع يديه كذلك وكبر " وهو حديث صحيح
رواه البخاري في كتاب رفع اليدين وأبو داود والترمذي وابن ماجة وآخرون قال الترمذي حديث
حسن صحيح رواه الأكثرون في كتاب الصلاة والترمذي في كتاب الدعاء في أواخر كتابه وفى رواية
أبي داود " وإذا قام من السجدتين " بدل الركعتين والمراد بالسجدتين الركعتان بلا شك كما جاء في
في رواية الباقين وهكذا قاله العلماء من المحدثين والفقهاء الا الخطابي فإنه ظن أن المراد السجدتان
المعروفتان ثم استشكل الحديث وقال لا أعلم أحدا من الفقهاء قال به وكأنه لم يقف على طرق روايته
ولوقف عليها لحمله على الركعتين كما حمله الأئمة وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال " كان رسول الله
صلى الله تعالى عليه وسلم إذا كبر للصلاة جعل يديه حذو منكبيه وإذا ركع فعل مثل ذلك وإذا رفع
للسجود فعل مثل ذلك وإذا قام من الركعتين فعل مثل ذلك " رواه أبو داود باسناد صحيح فيه رجل فيه أدنى
كلام وقد وثقه الأكثرون وقد روى له البخاري في صحيحه وقوله رفع للسجود يعنى رفع رأسه من
الركوع كما صرح به في الأحاديث السابقة قال البخاري في كتاب رفع اليدين ما زاده على وأبو حميد
رضي الله عنهما في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني وابن عمر رضي الله عنهم
أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يرفع إذا قام من الركعتين " كله صحيح لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة
وتختلف رواياتهم فيها بعينها مع أنه لا اختلاف مع ذلك وإنما زاد بعضهم على بعض والزيادة مقبولة من
أهل العلم وقال البيهقي في كتابه معرفة السنن والآثار وقد قال الشافعي في حديث أبي حميد وبهذا يقول
447

وفيه رفع اليدين إذا قام من الركعتين قال ومذهب الشافعي متابعة السنة إذا ثبتت وقد قال في حديث أبي
حميد وبهذا أقول وقال صاحب التهذيب لم يذكر الشافعي رفع اليدين إذا قام الركعتين ومذهبه
اتباع السنة وقد ثبت ذلك وقد روى جماعة من الصحابة رفع اليدين في هذه المواضع الأربعة منهم على وابن
عمرو أبو هريرة وأبو حميد بحضرة أصحابه وصدقوه كلهم على ذلك هذا الكلام البغوي وأما قول الشيخ
أبي حامد في التعليق انعقد الاجماع على أنه لا يرفع في هذه المواضع فاستدلاله بالاجماع على نسخ الحديث
مردود عليه غير مقبول ولم ينعقد الاجماع على ذلك بل قد ثبت الرفع في القيام من الركعتين عن خلائق
من السلف والخلف فمن ذلك ما قدمناه عن علي بن ابن عمرو أبى حميد مع أصحابه العشرة وهو قول
البخاري قال الخطابي وبه قال جماعة من أهل الحديث فحصل من مجموع ما ذكرته أنه يتعين القول
باستحباب رفع اليدين إذا قام من الركعتين وانه مذهب الشافعي لثبوت هذه الأحاديث وكثرة رواتها
من كبار الصحابة والشافعي قائل به للوجهين اللذين ذكرهما البيهقي والله أعلم *
(فرع) ذكر المصنف هنا ابن المنذر وهو الامام المشهور أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري
من متقدمي أصحابنا في زمن ابن سريج وطبقته توفى سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وهو صاحب
المصنفات المفيدة التي يحتاج إليها كل الطوائف وقد ذكرنا شيئا من حاله في مقدمة هذا الشرح
وهو مستقصى في الطبقات وتهذيب الأسماء * قال المصنف رحمه الله *
* (ويصلى الركعة الثانية مثل الأولى إلا في النية ودعا الاستفتاح لما روى أبو هريرة رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسئ صلاته " ثم افعل ذلك في صلاتك كلها " وأما النية
ودعاء الاستفتاح فان ذلك يراد للدخول في الصلاة والاستفتاح وذلك لا يوجد إلا في الركعة الأولي) *
* (الشرح) * حديث أبي هريرة رضي الله عنه رواه البخاري ومسلم لكن قد يقال ليس فيه دليل
لجميع ما يفعله في الركعة الثانية فان المذكور فيه الواجبات فقط فلا يدل على استحباب السنن المفعولة
في الأولى وفى المسألة أحاديث كثيرة صحيحة صريحة في أن الركعة الثانية كالأولى منها حديث
أبي هريرة رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر
حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد
ثم يكبر حين يهوى ساجدا ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر
حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس " رواه البخاري ومسلم وعن أبي حميد الساعدي حديثه السابق
في فصل الركوع بطوله قال في آخره " ثم اصنع كذلك حتى كانت الركعة الأخيرة " وهو صحيح كما
سبق وعن أبي مسعود البدري حديث في معنى حديث أبي هريرة رواه أبو داود والنسائي لكنه
من رواية عطاء ابن السائب وكان اختلط في آخر عمره والراوي عنه هما أخذ عنه في الاختلاط فلا
448

يحتج به وفيما ذكرناه كفاية والله أعلم (واما المسألة) فقال أصحابنا صفة الركعة الثانية كالأولى إلا في
النية والاستفتاح وتكبيرة الاحرام ورفع اليدين في أولها واختلفوا في التعوذ وتقصير الثانية عن
الأولى في القراءة وقد ذكر المصنف الخلاف فيهما في موضعه ولهذا لم يذكره وترك المصنف
هنا تكبيرة الاحرام ورفع اليدين ولا بد منهما فان قيل تركها الشهر تهما قيل فالنية والافتتاح أشهر وقد ذكرهما
* قال المصنف رحمه الله *
* (فإن كانت الصلاة تزيد على ركعتين جلس في الركعتين للتشهد لنقل الخلف عن السلف
عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو سنة لما روى عبد الله بن بحينة رضي الله عنهما قال " صلى بنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم الظهر فقال من اثنتين ولم يجلس فلما قضي صلاته سجد سجدتين بعد ذلك
ثم سلم " ولو كان واجبا لفعله ولم يقتصر على السجود والسنة أن يجلس في هذا التشهد مفترشا
لما روى أبو حميد رضى الله تعالى عنه " ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس كان إذا جلس في الأوليين جلس
على قدمه اليسرى ونصب قدمه اليمنى) *
* (الشرح) * حديث أبن بحينة رواه البخاري ومسلم وحديث أبي حميد رواه البخاري وسبق
بطوله في فصل الركوع وبحينة بضم الموحدة وفتح المهملة وهي صحابية أسلمت رضي الله عنها
وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن سعد اسمها عبدة يعنى وبحينة لقب وابنها عبد الله بن مالك
يكنى أبا محمد أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم قديما وكان فاضلا ناسكا يصوم الدهر غير أيام
النهي رضي الله عنه * اما حكم المسألة فإذا كانت الصلاة أكثر من ركعتين جلس بعد
الركعتين وهذا الجلوس سنة وليس بواجب وقد سبق بيان صفة الافتراش في الجلوس بين
السجدتين وجلسة الاستراحة وجلسة التشهد الأول وجلسة التشهد الأخير فالأولى والرابعة واجبتان
والثانية والثالثة سنتان والسنة ان يجلس في الثلاث الأول مفترشا وفى الرابعة متوركا فلو عكس
جاز ولكن الأفضل ما ذكرناه *
449

(فرع) قال أصحابنا لا يتعين للجلوس في هذه المواضع هيئة للاجزاء بل كيف وجد أجزأه
سواء تورك أو افترش أو مد رجليه أو نصب ركبتيه أو إحداهما أو غير ذلك لكن
السنة التورك في آخر الصلاة والافتراش فيما سواه والافتراش ان يضع رجله اليسرى
على الأرض ويجلس على كعبها وينصب اليمنى ويضع أطراف أصابعها على الأرض
موجهة إلى القبلة والتورك أن يخرج جليه وهما على هيئة الافتراش من جهة يمينه ويمكن وركه
الأيسر من الأرض *
(فرع) في مذاهب العلماء في حكم التشهد الأول والجلوس له: مذهبنا انهما سنة وبه قال أكثر
العلماء منهم مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة قال الشيخ أبو حامد وغيره وهو قول عامة
العلماء وقال الليث واحمد وأبو ثور واسحق وداود هو واجب قال احمد ان ترك التشهد عمدا
بطلت صلاته وان تركه سهوا سجد للسهو وأجزأته صلاته * واحتج لهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم
فعله وقال " صلوا كما رأيتموني أصلى " وقياسا على التشهد الأخير * واحتج أصحابنا بحديث ابن
بحينة ووجه الدلالة ما ذكره المصنف: وأجابوا عن حديث " صلوا كما رأيتموني أصلى " بأنه متناول
للفرض والنفل وقد قامت دلائل على تميزهما. وأجابوا عن القياس على التشهد الأخير بأنه لم يقم
دليل على اخراجه عن الوجوب وأيضا فإنه لا يجبره سجود السهو بخلاف الأول *
(فرع) في مذاهبهم في هيئته الجلوس في التشهدين: مذهبنا انه يستحب ان يجلس في التشهد الأول
مفترشا وفى الثاني متوركا فإن كانت الصلاة ركعتين جلس متوركا وقال مالك يجلس فيهما متوركا وقال أبو حنيفة
والثوري يجلس فيهما مفترشا وقال احمد إن كانت الصلاة ركعتين افترش وإن كانت أربعا افترش في الأول
وتورك في الثاني * واحتج لمن قال يفرش فيهما بحديث عائشة رضى الله تعالى عنها " ان النبي صلى الله عليه
وسلم كان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى وينهي عن عقب الشيطان " وفى رواية البيهقي
" يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى " وعن وائل بن حجر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله
450

عليه وسلم " كان يفرش رجله اليسرى " واحتج للتورك بحديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما
ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش
قدمه اليمنى " رواه مسلم وعن ابن عمر رضي الله عنهما " سنة الصلاة ان تنصب رجلك اليمنى
وتثنى اليسرى " رواه البخاري وروى مالك باسناده الصحيح عن ابن عمر الجلوس على قدمه
اليسرى * واحتج أصحابنا بحديث أبي حميد في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه
وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قال " فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى
وينصب اليمنى فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد
على مقعدته " رواه البخاري بهذا اللفظ وقد سبق بطوله في فصل الركوع وسبق هناك
رواية أبى داود والترمذي قال الشافعي والأصحاب فحديث أبي حميد وأصحابه صريح في الفرق
بين التشهدين وباقي الأحاديث مطلقة فيجب حملها على موافقته فمن روى التورك أراد الجلوس في
التشهد الأخير ومن روى الافتراش أراد الأول وهذا متعين للجمع بين الأحاديث الصحيحة لا سيما
وحديث أبي حميد وافقه عليه عشرة من كبار الصحابة رضي الله عنهم والله أعلم *
(فرع) قال أصحابنا الحكمة في الافتراش في التشهد الأول والتورك في الثاني أنه أقرب إلى
تذكر لصلاة وعدم اشتباه عدد الركعات ولان السنة تخفيف التشهد الأول فيجلس مفترشا ليكون
أسهل للقيام والسنة تطويل الثاني ولا قيام بعده فيجلس متوركا ليكون أعون له وأمكن ليتوفر الدعاء
ولان المسبوق إذا رآه علم في أي التشهدين *
(فرع) المسبوق إذا جلس مع الامام في آخر صلاة الامام فيه وجهان (الصحيح) المنصوص
في الأم وبه قطع الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب والغزالي والجمهور يجلس مفترشا
لأنه ليس آخر صلاته (والثاني) يجلس متوركا متابعة للامام حكاه امام الحرمين ووالده والرافعي
451

(الثالث) إن كان جلوسه في محل التشهد الأول للمسبوق افترش وإلا تورك لان جلوسه حينئذ لمجرد
المتابعة فيتابع في الهيئة حكاه الرافعي وإذا جلس من عليه سجود سهو في آخره فوجهان حكاهما
إمام الحرمين وآخرون (أحدهما) يجلس متوركا لأنه آخر صلاته (والثاني) وهو الصحيح يفترش
وبه قطع صاحب العدة وآخرون ونقله امام الحرمين عن معظم الأئمة لأنه مستوفز ليتم صلاته فعلى
هذا إذا سجد سجدتي السهو تورك ثم سلم *
(فرع) قال أصحابنا يتصور أن يتشهد أربع مرات في صلاة المغرب بأن يكون مسبوقا
أدرك الامام بعد الركوع يتشهد أربع مرات يفترش في ثلاثة منهن ويتورك في الرابعة *
* قال المصنف رحمه الله *
* (والمستحب أن يبسط أصابع يده اليسرى على فخذه وفى اليد اليمني ثلاثة أقوال (أحدها)
يضعها على فخذه مقبوضة الأصابع الا المسبحة وهو المشهور لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان " إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى
ووضع يده اليمني على ركبته اليمنى وعقد ثلاثة وخمسين وأشار بالسبابة " وروى ابن الزبير رضي الله عنه
ما قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس افترش اليسرى ونصب اليمني ووضع
إبهامه عند الوسطى وأشار بالسبابة ووضع اليسرى على فخذه اليسرى " وكيف يصنع بالابهام فيه
وجهان (أحدهما) يضعها بجنب المسبحة على حرف راحته أسفل من المسبحة كأنه عاقد ثلاثا وخمسين
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما (والثاني) يضعها على حرف أصبعه الوسطى لحديث ابن الزبير
(والقول الثاني) قاله في الاملاء يقبض الخنصر والبنصر والوسطي ويبسط المسبحة والابهام لما روى أبو حميد
عن النبي صلى الله عليه وسلم (والقول الثالث) أنه يقبض الخنصر والبنصر ويحلق الابهام مع الوسطى
لما روى وائل بن حجر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " وضع مرفقه الأيمن على فخذه
اليمنى ثم عقد أصابعه الخنصر والتي تليها وحلق حلقة بإصبعه الوسطى على الابهام ورفع السبابة
ورأيته يشير بها ") * *
452

* (الشرح) * حديث ابن عمر رواه مسلم بلفظه وحديث ابن الزبير رواه مسلم أيضا ولفظه
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة وضع قدمه بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى
ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمني على فخذه اليمني وأشار بإصبعه " وفي رواية لمسلم
أيضا عنه " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه ويده اليسرى
على فخذه اليسرى وأشار بإصبعه السبابة ووضع إبهامه على أصبعه الوسطى ويلقم كفه اليسرى ركبته " وأما حديث أبي حميد فالذي رواه أبو داود وغيره عنه بالاسناد الصحيح أنه قال " وضع كفه
اليمني وكفه اليسرى على ركبته اليسرى وأشار بإصبعه " واما حديث وائل فرواه البيهقي بلفظه
وابن ماجة بمعناه واسناده صحيح قال البيهقي ونحن نخيره ونختار ما في حديث ابن عمرو ابن الزبير
لثبوت خبرهما وقوة إسنادهما ومزية رجالهما ورجحانهم في الفضل على عاصم بن كليب راوي حديث
وائل * واما ألفاظ الفصل فالمسبحة هي السبابة سميت مسبحة لإشارتها إلى التوحيد والتنزيه وهو
التسبيح وسميت سبابة لأنه يشار بها عند المخاصمة والسب (وقوله) عقد ثلاثة وخمسين شرط عند
أهل الحساب أن يضع طرف الخنصر على البنصر وليس ذلك مرادا هنا بل مراده أن يضع الخنصر
على الراحة كما يضع البنصر والوسطي عليها وإنما أراد صفة الابهام والمسبحة وتكون اليد على الصورة
التي يسميها أهل الحساب تسعة وخمسين اتباعا لرواية الحديث في صحيح مسلم وغيره كما سبق والله
أعلم * اما أحكام المسألة فقال الشافعي والأصحاب السنة في التشهدين جميعا ان يضع يده اليسرى على
فخذه اليسرى واليمني على فخذه اليمني وينشر أصابعه اليسرى جهة القبلة ويجعلها قريبة من طرف
الركبة بحيث تساوى رؤوسها الركبة وهل يستحب أن يفرج الأصابع أم يضمها فيه وجهان قال
الرافعي (الأصح) أنه يفرجها تفريجا مقتصدا ولا يؤمر بالتفريج الفاحش في شئ من الصلاة وهذا
اختيار صاحب الشامل وأكثر الخراسانيين أو كثير منهم (والثاني) يضعها موجهة إلى القبلة وهذا الثاني أصح
وبه قطع المحاملي والبندنيجي والروياني وآخرون ونقل الشيخ أبو حامد في تعليقه اتفاق الأصحاب عليه
واما قول امام الحرمين والغزالي ومن تابعهما لا يؤمر بضم الأصابع الا في السجود فهو اختيار منه لاحد
الوجهين والأصح خلافه والله أعلم: وأما اليمنى فيضعها على طرف الركبة اليمني ويقبض خنصرها وبنصرها
ويرسل المسبحة وفيما يفعل بالابهام والوسطي الأقوال الثلاثة التي حكاها المصنف وهي مشهورة
453

في كتب الأصحاب وأنكروا على إمام الحرمين والعزالي حيث حكياها أوجها وهي أقوال مشهورة
(أحدهما) يقبض الوسطى مع الخنصر والبنصر ويرسل الابهام مع المسبحة وهذا نصه في الاملاء
(والثاني) يحلق الابهام والوسطي وفى كيفية التحليق وجهان حكاهما البغوي وآخرون قالوا
(أصحهما) يحلقهما برأسهما وبهذا قطع المحاملي في كتابيه (والثاني) يضع أنملة الوسطى بين عقدتي
الابهام (والقول الثالث) وهو الأصح أنه يقبض الوسطى والابهام أيضا وفى كيفية قبض الابهام
على هذا وجهان أصحهما يضعها بجنب المسبحة كأنه عاقد ثلاثة وخمسين (والثاني) يضعها على حرف
إصبعه الوسطى كأنه عاقد ثلاثة وعشرين قال أصحابنا وكيف فعل من هذه الهيئات فقد أتى
بالسنة وإنما الخلاف في الأفضل قال أصحابنا وعلى الأقوال والأوجه كلها يسن أن يشير بمسبحة
يمناه فيرفعها إذا بلغ الهمزة من قوله لا آله إلا الله ونص الشافعي على استحباب الإشارة للأحاديث
السابقة قال أصحابنا ولا يشير بها إلا مرة واحدة وحكى الرافعي وجها أنه يشير بها في جميع
التشهد وهو ضعيف وهل يحركها عند الرفع بالإشارة فيه أوجه (الصحيح) الذي قطع به الجمهور
أنه لا يحركها فلو حركها كان مكروها ولا تبطل صلاته لأنه عمل قليل (والثاني) يحرم تحريكها
فان حركها بطلت صلاته حكاه (1) عن أبي علي بن أبي هريرة وهو شاذ ضعيف (والثالث) يستحب
تحريكها حكاه الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب وآخرون وقد يحتج لهذا
بحديث وائل بن حجر رضي الله عنه أنه وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر
وضع اليدين في التشهد قال " ثم رفع أصبعه فرأيته يحركها يدعو بها " رواه البيهقي باسناد صحيح
قال البيهقي يحتمل أن يكون المراد بالتحريك الإشارة بها لا تكرير تحريكها فيكون موافقا لرواية ابن الزبير وذكر
باسناده الصحيح عن ابن الزبير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يشير بأصبعه إذا
دعا لا يحركها " رواه أبو داود باسناد صحيح واما الحديث المروى عن ابن عمر عن النبي صلى الله
عليه وسلم " تحريك الإصبع في الصلاة مذعرة للشيطان " فليس بصحيح قال البيهقي تفرد به

(1) بياض بالأصل
454

الواقدي وهو ضعيف قال العلماء الحكمة في وضع اليدين على الفخذين في التشهد أن يمنعهما من العبث *
(فرع) في مسائل تتعلق بالإشارة بالمسبحة (إحداها) أن تكون إشارته بها إلى جهة القبلة واستدل
له البيهقي بحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (الثانية) ينوى بالإشارة الاخلاص
والتوحيد ذكره المزني في مختصره وسائر الأصحاب واستدل له البيهقي بحديث فيه رجل مجهول
عن الصحابي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يشير بها للتوحيد " وعن ابن
عباس رضى الله تعالى عنهما قال هو الاخلاص وعن مجاهد قال " مقمعة الشيطان " (الثالثة)
يكره ان يشير بالسبابتين من اليدين لان سنة اليسرى أن تستمر مبسوطة (الرابعة) لو كانت
اليمنى مقطوعة سقطت هذه السنة فلا يشير بغيرها لأنه يلزم ترك السنة في غيرها وممن صرح بالمسألة
المتولي وهو نظير من ترك الرمل في الثلاثة لا يتداركه في الأربعة لان سنتها ترك الرمل وقد سبقت
له نظائر (الخامسة) أن لا يجاوز بصره إشارته واحتج له البيهقي وغيره بحديث عبد الله بن الزبير
" أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده اليمنى وأشار بأصبعه ولا يجاوز إشارته " رواه أبو داود
باسناد صحيح والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
* (ويتشهد وأفضل التشهد أن يقول التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله واشهد
أن محمد رسول الله لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة فيقول قولوا التحيات المباركات الصلوات الطيبات وذكر نحو ما
قلناه وحكي أبو علي الطبري رحمه الله تعالى عن بعض أصحابنا ان الأفضل أن يقول
بسم الله وبالله التحيات لله لما روى جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم وهو خلاف المذهب وذكر التسمية غير صحيح عند أصحاب الحديث وأقل ما يجزى
من ذلك خمس كلمات وهي التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله لان هذا يأتي على معني الجميع) *
* (الشرح) * حديث ابن عباس رضي الله عنهما صحيح رواه مسلم وقد ثبت في التشهد أحاديث
(أحدها) حديث ابن مسعود رضي الله عنهما قال " كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله
عليه وسلم قلنا السلام على جبريل وميكائيل السلام على فلان وفلان فالتفت الينا رسول الله صلي
455

الله عليه وسلم فقال الله هو السلام فإذا صلي أحدكم فليقل التحيات لله والصلوات والطيبات السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنكم إذا قلتموها
أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد ان محمدا عبده ورسوله
ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو " رواه البخاري ومسلم وفى رواية للبخاري كنا
نقول السلام على الله من عباده السلام على فلان وفلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم
لا تقولوا على الله فان الله هو السلام " وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال " كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فكأن يقول " التحيات
المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمه الله وبركاته السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله " رواه مسلم وفى
رواية له كما يعلمنا القرآن وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم التحيات لله الطيبات الصلوات
لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله
الا الله وأن محمدا عبده ورسوله " رواه النسائي وروى أبو داود نحوه من رواية ابن عمر وجابر وسمرة
ابن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عبد الرحمن بن عبد القاري بتشديد الياء انه سمع عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول " قولوا التحيات لله الزاكيات
لله الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد ان محمدا عبده ورسوله " رواه مالك في الموطأ وعن القاسم بن
456

محمد ان عائشة رضي الله عنها كانت إذا تشهدت قالت التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات لله
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين " صحيح رواه مالك في الموطأ فهذه الأحاديث الواردة في التشهد وكلها
صحيحة وأشدها صحة باتفاق المحدثين حديث ابن مسعود ثم حديث ابن عباس قال الشافعي
والأصحاب وبأيها تشهد أجزأه لكن تشهد ابن عباس أفضل وهذا معنى قول المصنف وأفضل
التشهد أن يقول إلى آخره فقوله أفضل التشهد دليل على جواز غيره وقد أجمع العلماء على جواز
كل واحد منها وممن نقل الاجماع القاضي أبو الطيب قال أصحابنا إنما رجح الشافعي تشهد ابن عباس
على تشهد ابن مسعود لزيادة لفظة المباركات ولأنها موافقة لقول الله تعالى تحية من عند الله مباركة
طيبة ولقوله كما يعلمنا السورة من القرآن ورجحه البيهقي قال بان النبي صلى الله عليه وسلم علمه لابن
عباس وأقرانه من أحداث الصحابة فيكون متأخرا عن تشهد ابن مسعود واضرابه * واختار أبو حنيفة
والثوري واحمد وأبو ثور تشهد ابن مسعود واختار مالك تشهد ابن عمر رضي الله عنهم واما حديث
جابر الذي في أوله باسم الله وبالله فرواه النسائي وابن ماجة والبيهقي وغيرهم ولكنه ضعيف عند
أهل الحديث كما نقله المصنف عنهم وكذا نقله البغوي وممن ضعفه البخاري والنسائي وروى
التسمية البيهقي من طرق وضعفها ونقل تضعيفه عن البخاري وذكر الحاكم أبو عبد الله في المستدرك
أن حديث جابر صحيح ولا يقبل ذلك منه فان الذي ضعفوه أحمل من الحاكم وأتقن *
وأما ألفاظ
الفصل فسمي التشهد لما فيه من الشهادتين وقوله التحيات جمع تحية قال الأزهري قال الفراء (1) الملك
وقيل البقاء الدائم وقيل السلامة وتقديره السلامة من الآفات حكاها الأزهري وقيل التحية الحيا
والأول روى عن ابن مسعود وابن عباس وقاله ابن المنذر وآخرون قال ابن قتيبة إنما قيل التحيات
بالجمع لأنه كان لكل واحد من ملوكهم تحية يحيا بها فقيل لنا قولوا التحيات لله أي الألفاظ التي
تدل على الملك مستحقة لله تعالي وحده قال البغوي في شرح السنة لان شيئا مما كانوا يحيون
به الملوك لا يصلح للثناء على الله تعالى وقوله المباركات الصلوات الطيبات
قالوا تقديره والمباركات والصلوات والطيبات بالواو كما جاء في الأحاديث الباقية ولكن
حذفت الواو وحذف واو العطب جائز (قوله) الصلوات قيل المراد به العبادات قاله الأزهري وقيل
457

الرحمة وقيل الأدعية حكاهما البغوي وقيل المراد الصلوات الشرعية وقيل الصلوات الخمس وبهذا
قال ابن المنذر في الاشراف والبندنيجي وصاحب العدة والبيان قال صاحب المطالع على هذا
تقديره الصلوات لله منه أي هو المتفضل بها وقيل المعبود بها (قوله) الطيبات قيل معناه الطيبات من
الكلام الذي هو ثناء على الله تعالى وذكر له قاله الأزهري وآخرون وقال الخطابي معناه ما طاب
وحسن من الكلام فيصلح أن يثنى به عليه ويدعى به دون ما لا يليق وقال ابن المنذر وابن بطال
وصاحب البيان معناه الصالحة " قوله سلام عليك أيها النبي " قال الأزهري فيه قولان (أحدهما) معناه
اسم السلام أي اسم الله عليك (والثاني) معناه سلم الله عليك تسليما وسلاما ومن سلم الله عليه سلم
من الآفات كلها " قوله السلام علينا " لم أر لاحد كلاما في الضمير في علينا وفاوضت فيه كبارا
فحصل ان المراد الحاضرون من الإمام والمأمومين والملائكة وغيرهم " وقوله وعلى عباد الله الصالحين "
العباد جمع عبد روينا عن الأستاذ أبى القاسم القشيري في رسالته قال سمعت أبا على الدقاق يقول
ليس شئ أشرف من العبودية ولا اسم أتم للمؤمن من الوصف بالعبودية ولهذا قال الله تعالى
لنبيه صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج وكانت أشرف أوقاته (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا)
وقال تعالي (فأوحى إلى عبده) والصالحون جمع صالح قال أبو إسحاق الزجاج وصاحب المطالع
هو القائم بما عليه من حقوق الله تعالى وحقوق عباده وقوله " اشهد أن لا إله إلا الله " معناه اعلم وأبين
" قوله رسول الله " قال الأزهري الرسول هو الذي يتابع أخبار من بعثه وقال غيره لتتابع
الوحي إليه والله أعلم: واما قول المصنف لما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا
وقع في المهذب وفيه محذوف تقديره " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم
السورة من القرآن بسم الله وبالله التحيات لله " إلى آخره وأما قوله لان هذا يأتي على معنى الجميع
فينازع فيه لان لفظ التحيات لا يتضمن المباركات والصلوات والطيبات * أما حكم المسألة فأكمل
التشهد عندنا تشهد ابن عباس بكماله ويقوم مقامه في الكلام (1) تشهد ابن مسعود ثم تشهد ابن عمر رضي الله عنهم
وقد بينا الجميع وحكي الرافعي وجها غريبا أن الأفضل أن يقول " التحيات المباركات
الزاكيات والصلوات لله " ليكون جامعا لها كلها وقال جماعة من أصحابنا منهم أبو علي الطبري
يستحب أن يقول في أوله بسم الله وبالله التحيات لله إلى آخره وقطع الجمهور بأنه لا يستحب
التسمية ولم يذكرها الشافعي لعدم ثبوت الحديث فيها وحكى الشيخ أبو حامد التسمية عن علي بن أبي
طالب وابن عمر رضي الله عنهم قال ولم يقل بها غيرهما من الفقهاء وأما أقل التشهد فقال

(1) كذا في الأصل و؟؟؟؟؟؟؟ فحرره اه‍
458

الشافعي وأكثر الأصحاب أقله " التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " وقال جماعة وأن محمدا
رسوله كذا نقله الرافعي عن العراقيين والروياني وقال البغوي وأشهد أن محمدا رسوله قال ونقله
ابن كج والصيدلاني فأسقطا قوله وبركاته وقالا واشهد أن محمدا رسول الله (قلت) وكذا رأيت
نص الشافعي في الأم كما نقله الصيدلاني وكذا نقله الشيخ أبو حامد في تعليقه عن الأم وقال ابن
سريج أقله " التحيات لله سلام عليك أيها النبي سلام على عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله
إلا الله وأن محمدا رسوله " وأسقط بعضهم في الحكاية عن ابن سريج لفظ السلام الثاني فقال
" السلام عليك أيها النبي وعلى عباد الله الصالحين " وأسقط بعضهم الصالحين واختاره الإمام أبو
عبد الله الحليمي من كبار أصحابنا المتقدمين والصحيح الأول لأنه تكرر في الأحاديث ولم يسقط
في شئ من الروايات الصحيحة فيجب الاتيان به كله ولهذا قال الشافعي والأصحاب يتعين لفظة
التحيات لثبوتها في جميع الروايات بخلاف المباركات وما بعدها ومما يدل لسقوط لفظة واشهد
رواية أبي موسى السابقة واما اسقاط الصالحين فخطأ لان الشرع لم يرد بالسلام على كل العباد هنا
بل خص به الصالحين فيتعين أن يكون اسقاط علينا خطأ أيضا لان المتكلم لا يدخل في الصالحين
فلا يجوز حذفه فالحاصل ان في قوله ورحمة الله وبركاته ثلاثة أوجه (أصحها) وجوبهما (والثاني)
حذفهما (والثالث) وجوب الأول دون الثاني وفى علينا والصالحين ثلاثة أوجه (أصحها) وجوبهما
(والثاني) حذفهما (والثالث) وجوب الصالحين دون علينا وفي الشهادة الثانية ثلاثة أوجه (أحدها)
وأشهد أن محمدا رسول الله (والثاني) وهو الأصح وأن محمدا رسول الله (والثالث) وأن محمدا
رسوله والله أعلم *
(فرع) وقع في المهذب في التشهد سلام عليك أيها النبي سلام علينا بتنكير سلام في الموضعين
وكذا هو في البويطي وكذا ذكره المصنف في التنبيه وآخرون وكذا جاء في بعض الأحاديث
وقال جماعات من الأصحاب السلام عليك السلام علينا بالألف واللام فيهما وكذا جاء في أكثر
الأحاديث وأكثر كلام الشافعي ووقع في مختصر المزني السلام عليك أيها النبي سلام علينا باثبات
459

الألف واللام في الأول دون الثاني واتفق أصحابنا على أن جميع هذا جائز لكن الألف واللام
أفضل لكثرته في الأحاديث وكلام الشافعي ولزيادته فيكون أحوط ولموافقته سلام التحلل
من الصلاة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
* (قال في الأم وان ترك الترتيب لم يضر لان المقصود يحصل مع ترك الترتيب ويستحب
إذا بلغ الشهادة ان يشير بالمسبحة لما روينا من حديث ابن عمر وابن الزبير ووائل بن حجر
رضي الله تعالى عنهم وهل يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا التشهد فيه قولان قال في القديم
لا يصلي لأنها لو شرعت الصلاة فيه عليه لشرعت على آله كالتشهد الأخير وقال في الأم يصلي
عليه لأنه قعود شرع فيه التشهد فشرع فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كالعقود في آخر الصلاة) * *
* (الشرح) * قوله قعود شرع فيه التشهد احتراز من الجلوس بين السجدتين ومن جلسة الاستراحة
وحاصل ما ذكره ثلاث مسائل (إحداها) استحباب الإشارة بالمسبحة وقد سبق بيان هذه المسألة
وفروعها وبيان أحاديثها وما يتعلق بها في السابق (الثانية) لفظ التشهد متعين فلو أبدله بمعناه لم
تصح صلاته إن كان قادرا على لفظه بالعربية فان عجز أجزأته ترجمته وعليه التعلم وقد سبق بيان
هذه المسألة في فصل التكبير وحكي القاضي أبو الطيب وجها انه لو قال أعلم أن لا إله إلا الله بدل
أشهد أجزأه لأنه بمعناه والصحيح المشهور انه لا يجزيه كسائر الكلمات وينبغي ان يأتي بالتشهد
مرتبا فان ترك ترتيبه نظر ان غيره تغييرا مبطلا للمعنى لم تصح صلاته وتبطل صلاته ان تعمده
لأنه كلام أجنبي وإن لم يغيره فطريقان المذهب صحته وهو المنصوص في الأم وبه قطع العراقيون
وجماعة من الخراسانيين (والثاني) في صحته وجهان وقيل قولان حكاه الخراسانيون وصاحب الحاوي
وقطع القاضي حسين والمتولي بأنه لا يصح والصحيح الأول وقد روى مالك في الموطأ والبيهقي
باسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها انها كانت تقول في التشهد " أشهد أن لا إله الا الله وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين " وقد سبق بيانه قريبا (الثالثة) هل تشرع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب التشهد
الأول فيه قولان مشهوران (القديم) لا يشرع وبه قطع أبو حنيفة واحمد واسحق وحكى عن عطاء
والشعبي والنخعي والثوري (والجديد) الصحيح عند الأصحاب تشرع ودليلهما في الكتاب
وحكي المحاملي في المجموع طريقين (أحدهما) هذا (والثاني) يسن قولا واحدا وحكى صاحب العدة طريقين
460

(أحدهما) قولان (والثاني) لا يسن قولا واحدا فحصل ثلاث طرق المشهور في المسألة قولان والصحيح أنها تسن
وهو نصه في الأم والاملاء واما الصلاة على الآل في التشهد الأول ففيه طريقان (أحدهما) وبه قطع المصنف
وسائر العراقيين لا يشرع (والثاني) حكاه الخراسانيون انه يبني على وجوبها في التشهد الأخير
فإن لم نوجبها وهو المذهب لم تشرع هنا والا فقولان كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال
الرافعي فان قلنا لا تسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول ولا في القنوت
ففعلهما في أحدهما أو أوجبناها على الأول في الأخير ولم نسنها في الأول فان اتي بها فيه فقد نقل
ركنا إلى غير موضعه وفى بطلان الصلاة به خلاف وتفصيل يأتي إن شاء الله تعالى *
(فرع) قال أصحابنا يكره أن يزيد في التشهد الأول على لفظ التشهد والصلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم والآل إذا سنناهما فيكره أن يدعو فيه أو يطوله بذكر آخر فال فان فعل لم تبطل
صلاته ولم يسجد للسهو سواء طوله عمدا أو سهوا هكذا نقل هذه الجملة الشيخ أبو حامد عن نص
الشافعي واتفق الأصحاب عليها وقد يحتج له بحديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه
ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف قالوا حتى يقوم " رواه
أبو داود والترمذي والنسائي وقال الترمذي هو حديث حسن وليس كما قال لان أبا عبيدة لم
يسمع أباه ولم يدركه باتفاقهم وهو حديث منقطع * قال الصنف رحمه الله *
* (ثم يقوم إلى الركعة الثالثة معتمدا على الأرض بيديه لما رويناه عن مالك بن الحويرث
في الركعة الأولى ثم يصلي ما بقي من صلاته مثل الركعة الثانية إلا فيما بيناه من الجهر
وقراءة السورة) *
* (الشرح) * مذهبنا أنه يقوم إلى الثالثة معتمدا بيديه على الأرض وسبق بيان مذاهب
العلماء في ذلك ودليلنا ودليلهم قال الشافعي والأصحاب ويقوم مكبرا ويبتدئ التكبير من حين يبتدئ
461

القيام ويمده إلى أن ينتصب قائما وقد سبق في فصل الركوع حكاية قول نقله الخراسانيون أنه لا يمده
والصحيح الأول وينكر على المصنف كونه ترك ذكر التكبير وهو سنة بلا خلاف للأحاديث الصحيحة
التي سبق ذكرها في فصل الركوع وهذا الذي ذكرناه من استحباب ابتداء التكبير من القيام هو
مذهبنا ومذهب جماهير العلماء وعن مالك روايتان (أحدهما) هكذا (والثانية) وهو أن
شرعته أنه لا يكبر في قيامه فإذا انتصب قائما ابتدأ التكبير قال ابن بطال المالكي وهذا الذي
يوافق الجمهور أولي قال وهو الذي تشهد له الآثار قال أصحابنا ثم يصلي الركعة الثالثة كالثانية إلا
في الجهر وقراءة السورة ففيها قولان سبقا هل تشرع أم لا فان شرعت فهي أخف من القراءة
في الثانية كما سبق وجهان في استحباب رفع اليدين إذا قام من التشهد الأول وذكرنا أن المشهور
في المذهب أنه لا يستحب وأن الصحيح أو الصواب أنه يرفع يديه وبسطنا دلائله والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
* (فإذا بلغ آخر الصلاة جلس للتشهد وتشهد وهو فرض لما روى ابن مسعود رضي الله عنه
قال " كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام على الله قبل
عباده السلام على جبريل وميكائيل السلام على فلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقولوا السلام
على الله فان الله هو السلام ولكن قولوا التحيات لله ") * *
* (الشرح) * إذا بلغ آخر صلاته جلس للتشهد وتشهد وهذا الجلوس والتشهد فيه فرضان
عندنا لا تصح الصلاة إلا بهما وبه قال الحسن البصري وأحمد وإسحاق وداود وحكاه ابن المنذر
عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ونافع مولي ابن عمر وغيرهما * وقال أبو حنيفة ومالك الجلوس
بقدر التشهد واجب ولا يجب التشهد وحكى الشيخ أبو حامد عن علي بن أبي طالب والزهري
والنخعي ومالك والأوزاعي والثوري أنه لا يجب التشهد الأخير ولا جلوسه الا ان الزهري ومالكا
والأوزاعي قالوا لو تركه سجد للسهو وعن مالك رواية كأبي حنيفة والأشهر عنه ان الواجب الجلوس
بقدر السلام فقط * واحتج لهم بحديث المسئ صلاته وبحديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي
عن بكر بن سوادة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد
الامام في آخر صلاته ثم أحدث قبل أن يتشهد فقد تمت صلاته " وفى رواية ثم أحدث قبل أن يسلم
فقد تمت صلاته " رواه أبو داود والترمذي والبيهقي وغيرهم وألفاظهم مختلفة وعن علي رضي الله
تعالى عنه موقوفا وقياسا على التشهد الأول والتسبيح للركوع * واحتج أصحابنا بحديث ابن مسعود
462

المذكور في الكتاب وهو صحيح بهذا اللفظ رواه الدارقطني والبيهقي وقالا إسناده صحيح قال
أصحابنا وفيه وجهان (أحدهما) قوله قبل أن يفرض التشهد فدل على أنه فرض (والثاني) قوله صلى الله عليه
وسلم " ولكن قولوا التحيات لله " وهذا أمر والامر للوجوب ولم يثبت شئ صريح في خلافه قال
أصحابنا ولان التشهد شبيه بالقراءة لان القيام والقعود لا تتميز العبادة منهما عن العادة فوجب فيهما
ذكر ليتميز بخلاف الركوع والسجود * واما الجواب عن حديث المسئ صلاته فقال أصحابنا إنما
لم يذكره له لأنه كان معلوما عنده ولهذا لم يذكر له النية وقد اجمعنا على وجوبها ولم يذكر القعود
للتشهد وقد وافق أبو حنيفة على وجوبه ولم يذكر السلام وقد وافق مالك والجمهور على وجوبه
والجواب عن حديث ابن عمر وأنه ضعيف باتفاق الحفاظ ممن نص على ضعفه الترمذي وغيره وضعفه
ظاهر قال الترمذي ليس إسناده بقوي وقد اضطربوا فيه قال العلماء وضعفه من ثلاثة أوجه (انه)
مضطرب والإفريقي ضعيف أيضا باتفاق الحفاظ وبكر بن سوادة لم يسمع من عبد الله بن عمرو
واما المنقول عن علي رضي الله عنه فضعيف أيضا ضعفه البيهقي وروى بإسناده عن أحمد بن حنبل
ان هذا لا يصح. واما القياس على التسبيح في الركوع فقد سبق الجواب عنه وعن قياسهم على التشهد
الأول ان النبي صلى الله عليه وسلم جبر تركه بالسجود ولو كان فرضا لم يجبر ولم يجز هذا التشهد: قال
امام الحرمين في (1) ولم يزل المسلمون يجبرون الأول بالسجود دون الثاني والله أعلم *
(فرع) اجمع العلماء على الاسرار بالتشهدين وكراهة الجهر بهما واحتجوا له بحديث عبد الله
ابن مسعود رضي الله عنه قال " من السنة أن يخفى التشهد " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث
حسن والحاكم في المستدرك وقال حسن صحيح على شرط البخاري ومسلم قال الترمذي والعمل
عليه عند أهل العلم * قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (والسنة في هذا القعود أن يكون متوركا فيخرج رجليه من جانب وركه الأيمن ويضع أليتيه على
الأرض لما روى أبو حميد رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الأولتين
جلس على قدمه اليسرى ونصب قدمه اليمنى وإذا جلس في الأخيرة جلس على أليتيه وجعل بطن
قدمه اليسرى تحت مأبض اليمنى ونصب قدمه اليمني ولان الجلوس في هذا التشهد يطول فكان
التورك فيه أمكن والجلوس في التشهد الأول يقصر فكان الافتراش فيه أشبه ويتشهد على ما ذكرناه) *
* (الشرح) * وهذه المسألة قد سبقت بدلائلها وفروعها ومذاهب العلماء فيها في الفصل
الذي قبل هذا * قال المصنف رحمه الله *
* (فإذا فرغ من التشهد صلى على النبي صلى الله عليه وسلم وهو فرض في هذا الجلوس لما روت عائشة

(1) بياض بالأصل ولعله في كتاب الأساليب
463

رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يقبل الله صلاة الا بطهور وبالصلاة على "
والأفضل أن يقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك
حميد مجيد لما روى كعب ابن عجرة رضى الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك
والواجب من ذلك اللهم صل على محمد وفى الصلاة على آله وجهان (أحدهما) يجب لما روى أبو حميد
قال " قالوا يا رسول الله كيف نصلى عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما
صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد "
والمذهب أنها لا تجب للاجماع) * *
* (الشرح) * الذي أراه تقديم الأحاديث الواردة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله
عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا قد علمنا
أو عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلى عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما
صليت على إبراهيم انك حميد مجيد اللهم بارك على محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد "
رواه البخاري ومسلم بهذا اللفظ وفى رواية لأبي داود " كما صليت على إبراهيم وكما باركت على
إبراهيم وآل إبراهيم " وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه انهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي
عليك قال " قولوا اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على
محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم انك حميد مجيد " رواه البخاري ومسلم
وهذا لفظه وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال " قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك
فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك
على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم " رواه البخاري في صحيحه في وسط كتاب
الدعوات بهذه الأحرف وقد رأيت بعض الحفاظ المتأخرين الكبار عزاه إلى البخاري في غير
هذا الموضع وفيه التصريح بقوله كما صليت على إبراهيم وهي لما يده حييه (1) وعن أبي مسعود الأنصاري
البدري رضي الله عنه قال " أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال
له بشير بن سعد أمرنا الله عز وجل أن نصلى عليك يا رسول الله فكيف نصلى عليك فسكت
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا انه لم يسأله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا اللهم
صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على
آل إبراهيم انك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم " رواه مسلم بهذا اللفظ وفى رواية كيف " نصلى
عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا قال قولوا اللهم صل محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت

(1) كذا بالأصل فحرر
464

على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى
آل إبراهيم انك حميد مجيد " رواها أبو حاتم بن حبان بكسر الحاء والحاكم أبو عبد الله في صحيحهما والدارقطني
والبيهقي واحتجوا بها قال الدارقطني هذا إسناد حسن وقال الحاكم هذا حديث صحيح وفى هذه
الرواية فائدتان (إحداهما) قوله إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا (والثانية) قوله كما صليت على
إبراهيم لان أكثر روايات هذا الحديث ليس فيها ذكر إبراهيم إنما فيها كما صليت على آل
إبراهيم وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال " سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو
في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجل هذا ثم دعاه فقال له ولغيره
إذا صلي أحدكم فليبدأ بتمجيد الله والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بعد
بما شاء " رواه أبو داود الترمذي والنسائي وأبو حاتم بن حبان - بكسر الحاء - وأبو عبد الله
الحاكم في صحيحهما وغيرهم قال الترمذي حديث حسن صحيح وقال الحاكم حديث صحيح على
شرط مسلم وفى المسألة أحاديث كثيرة غير ما ذكرناه واما كعب بن عجرة - بضم العين واسكان
الجيم وبالراء - فهو أبو محمد ويقال أبو عبد الله ويقال أبو إسحاق بن عجرة الأنصاري السالمي شهد
بيعة الرضوان توفى بالمدينة سنه اثنين وقيل ثلاث وقيل احدى وخمسين وهو ابن خمس وسبعين سنه وقيل
غير ذلك (وقوله) حميد مجيد قال أهل اللغة والمعاني والمفسرون الحميد بمعنى المحمود وهو الذي تحمد
أفعاله والمجيد الماجد وهو من كمل في الشرف والكرم والصفات المحمودة *
أما أحكام المسألة
فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير فرض بلا خلاف عندنا الا ما سأذكره عن
ابن المنذر إن شاء الله تعالى فإنه من أصحابنا * وفى وجوبها على الآل وجهان وحكاهما امام الحرمين والغزالي
قولين والمشهور وجهان (الصحيح) المنصوص وبه قطع جمهور الأصحاب أنها لا تجب والثاني تجب ولم يبين
الجمهور قائله من أصحابنا وقد بينه أبو علي البندنيجي في كتابه الجامع وأبو الفتح سليم الرازي في تقريبه
وصاحبه الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي في تهذيبه وصاحب العدة فقالوا هو قول التربجي من
أصحابنا - بمثناه من فوق مضمومة ثم راء ساكنة ثم باء موحدة مضمومة ثم جيم - واحتج له
بحديث أبي حميد وليس فيه ذكر الآل وكان ينبغي ان يحتج بما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة
المصرحة بالصلاة على الآل ولعل المصنف أراد بالآل الأهل وهم الأزواج والذرية المذكورة
في الحديث وهو أحد المذاهب في ذلك كما سأذكره في فرع مستقل إن شاء الله تعالى قال المصنف رحمه الله
465

وغيره وهذا الوجه مردود باجماع الأمة قيل قائله ان الصلاة على الآل لا تجب قال الشافعي
والأصحاب والأفضل في صفة الصلاة أن يقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد إلى آخر ما ذكره المصنف
وينبغي أن يجمع ما في الأحاديث الصحيحة السابقة فيقول اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي
الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى
آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين انك حميد مجيد
واما أقل الصلاة فقال الشافعي والأصحاب هو أن يقول اللهم صل على محمد فلو قال صلى الله على
محمد فوجهان حكاهما صاحب الحاوي قال وهما كالوجهين في قوله عليكم السلام والصحيح أنه يجزئه
وبه قطع صاحب التهذيب وفى هذا دليل على أنه لو قال اللهم صل على النبي أو على أحمد أجزأه
وكذا قطع الرافعي بأنه لو قال صلى الله على رسوله أجزاه قال وفى وجه يكفي أن يقول صلى الله
عليه والكناية ترجع إلى قوله في التشهد وأشهد أن محمدا رسول الله قال وهذا نظر إلى المعني وقال
القاضي حسين في تعليقه لا يجزئه أن يقول اللهم صل على احمد أو النبي بل تسمية محمد صلى الله عليه
وسلم واجبة قال البغوي وغيره وأقل الصلاة على الآل اللهم صلي على محمد وآله ويشترط أن يأتي
بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله بعد فراغه من التشهد والله أعلم *
(فرع) في بيان آل النبي صلى الله عليه وسلم المأمور بالصلاة عليهم وفيهم ثلاثة أوجه لأصحابنا
(الصحيح) في المذهب أنهم بنو هاشم وبنو المطلب وهو الذي نص عليه الشافعي في حرملة ونقله عنه
الأزهري والبيهقي وقطع به جمهور الأصحاب (والثاني) أنهم عترته الذي ينسبون إليه صلى الله عليه وسلم
وهم أولاد فاطمة رضي الله عنها ونسلهم أبدا حكاه الأزهري وآخرون (والثالث) أنهم كل المسلمين
التابعين له صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة حكاه القاضي أبو الطيب في تعليقه عن بعض أصحابنا
واختاره الأزهري وآخرون وهو قول سفيان الثوري وغيره من المتقدمين رواه البيهقي عن جابر بن
عبد الله الصحابي وسفيان الثور وغيرهما * واحتج القائلون بهذا بقول الله تعالى (أدخلوا آل فرعون أشد
العذاب) والمراد جميع أتباعه كلهم قال البيهقي ويحتج لهم بقول الله تعالى لنوح صلى الله عليه وسلم
(احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك) و (قال إن ابني من أهلي وان وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين
466

قال يا نوح انه ليس من أهلك انه عمل غير صالح) فأخرجه بالشرك عن أن يكون من أهل
نوح قال البيهقي وقد أجاب الشافعي عن هذا فقال الذي نذهب إليه أن معنى الآية انه ليس
من أهلك الذي أمرناك بحملهم لأنه تعالي قال (وأهلك الا من سبق عليه القول منهم) فأعلمه
أنه امره أن لا يحمل من أهله من يسبق عليه القول من أهل معصيته بقوله تعالي (انه عمل
غير صالح) وعن وائلة بن الأسقع رضي الله عنه قال " جئت أطلب عليا رضي الله عنه
فلم أجده فقالت فاطمة رضي الله تعالى عنها انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
يدعوه فاجلس فجاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلا فدخلت معهما فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
حسنا وحسينا فاجلس كل واحد منهما على فخذه وأدنى فاطمة من حجره وزوجها ثم لف عليهم ثوبه
وانه منتبز فقال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا اللهم هؤلاء
أهلي اللهم حق قال وائلة قلت يا رسول الله وأنا من أهلك قال وأنت من أهلي قال وائلة انها لمن
أرجا ما أرجوه " قال البيهقي هذا إسناد صحيح قال وهو إلى تخصيص وائلة بذلك أقرب من تعميم
الإمامة كلها به وكأنه جعل وائلة في حكم الأهل تشبيها بمن يستحق هذا الاسم لا تحقيقا واما ما رواه
أبو هرمزة نافع السلمي عن أنس عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه سئل من آل محمد " فقال كل مؤمن تقى "
فقال البيهقي هذا ضعيف لا يحل الاحتجاج به لان أبا هرمزة كذبه يحيى بن معين وضعفه احمد
وغيره من الحفاظ * واحتج الشافعي ثم البيهقي والأصحاب لمذهب الشافعي ان الآل هم بنو هاشم
وبنو المطلب بقوله صلى الله عليه وسلم " ان الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد " رواه مسلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير: قد ذكرنا
أن مذهبنا أنها فرض فيه ونقله أصحابنا عن عمر بن الخطاب وابنه رضى الله تعالى عنهما ونقله الشيخ
أبو حامد عن ابن مسعود وأبى مسعود البدري رضي الله تعالى عنهما ورواه البيهقي وغيره عن
الشعبي وهو إحدى الروايتين عن أحمد * وقال مالك وأبو حنيفة وأكثر العلماء هي مستحبة لا واجبة
حكاه ابن المنذر عن مالك وأهل المدينة وعن الثوري وأهل الكوفة وأهل الرأي وجملة من أهل
العلم قال ابن المنذر وبه أقول وقال اسحق ان تركها عمدا لم تصح صلاته وان تركها سهوا رجوت
ان تجزئه * واحتج لهم بحديث " المسئ صلاته " وبحديث ابن مسعود في التشهد ثم قال في آخره
فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك * واحتج أصحابنا بقوله تعالي (صلوا عليه وسلموا تسليما) قال الشافعي
رحمه الله تعالى أوجب الله تعالى بهذه الآية الصلاة وأولي الأحوال بها حال الصلاة قال أصحابنا
الآية تقتضي وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وقد أجمع العلماء انها لا تجب في غير الصلاة
467

قال الكرخي محجوج بالاجماع قبله: واحتجوا أيضا بالأحاديث الصحيحة السابقة: وأجابوا عن حديث
" المسئ صلاته " بأنه محمول على أنه كان يعلم التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحتج إلى
ذكرهما كما لم يذكر الجلوس وقد أجمعنا على وجوبه وإنما ترك للعلم به كما تركت النية للعلم بها والجواب
عن حديث ابن مسعود أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق الحفاظ وسيأتي أيضا ج
ادراجها وقول الحفاظ فيه في مسألة الخلاف في وجوب السلام إن شاء الله تعالى *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ثم يدعو بما أحب لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا تشهد أحدكم فليتعوذ
من أربع من عذاب النار وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ثم يدعو لنفسه بما
بدا له فإن كان اماما لم يطل الدعاء والأفضل ان يدعو لما روى على رضى الله تعالى عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم " كأن يقول بين التشهد والتسليم " اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت
وما أعلنت وما أسرفت وما أنت اعلم به منى أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ") * *
* (الشرح) * حديث أبي هريرة رواه البخاري ومسلم دون قوله ثم يدعو لنفسه بما بدا له والبيهقي
والنسائي بهذه الزيادة باسناد صحيح وحديث علي رضي الله عنه رواه مسلم: قال أهل اللغة العذاب
كل ما يفني الانسان ويشق عليه وأصله المنع وسمى عذابا لأنه يمنعه من المعاودة ويمنع غيره من مثل
ما فعله (وقوله) فتنة المحيا والممات أي الحياة والموت والمسيح - بفتح الميم وتخفيف السين وبالحاء المهملة -
وهو الصواب في ضبطه (وقيل) أشياء اخر ضعيفه نبسطها في تهذيب اللغات قال أبو عبيد وغيره المسيح
هو الممسوح العين وبه سمي الدجال وقال غيره لمسحه الأرض فهو فعيل بمعنى فاعل (وقيل) المسيح الأعور
وقال أبو العباس ثعلب المسيح الكذاب والدجال من الدجل وهو التغطية سمي بذلك لتمويهه وتغطيته
468

الحق بباطله وتجبب له وقيل غير ذلك (وقوله) أنت المقدم وأنت المؤخر أي يقدم من لطف به إلى رحمته
وطاعته بفضله ويؤخر من شاء عن ذلك بعد له * أما أحكام المسألة فاتفق الشافعي والأصحاب على استحباب
الدعاء بعد التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقبل السلام قال الشافعي والأصحاب وله أن
يدعو بما شاء من أمور الآخرة والدنيا ولكن أمور الآخرة أفضل وله الدعاء بالدعوات المأثورة في هذا
الموطن والمأثورة في غيره وله ان يدعو بغير المأثور ومما يريده من أمور الآخرة والدنيا وحكي إمام الحرمين
عن والده الشيخ أبى محمد الجويني انه كان يتردد في قول اللهم ارزقني جارية صفتها كذا وكذا ويميل إلى منعه
وانه يبطل الصلاة والصواب الذي عليه جمهور الأصحاب أنه يجوز كل ذلك ولا تبطل الصلاة بشئ
منه ودليله الأحاديث الصحيحة التي سنذكرها في فرع مفرد إن شاء الله تعالى منها ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال " ثم ليتخير من الدعاء ما شاء " ونحو ذلك من الأحاديث ولا فرق في استحباب هذا الدعاء بين الإمام والمأموم
والمنفرد وهكذا نص عليه الشافعي في الأم وبه قطع الجمهور وحكى الرافعي وجها انه لا يستحب
الدعاء للامام وهذا غلط صريح مخالف للأحاديث الصحيحة ولنصوص الشافعي والأصحاب قال
الشافعي في الأم أحب لكل مصل أن يزيد على التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الله عز
وجل ودعاءه في الركعتين الأخيرتين وأرى أن يكون زيادة ذلك إن كان اماما أقل من قدر التشهد والصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم قليلا للتخفيف عمن خلفه وأرى أن يكون جلوسه وحده أكثر من ذلك
ولا أكره ما أطال ما لم يخرجه ذلك إلى سهو أو يخاف به سهوا وإن لم يزد على التشهد والصلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم كرهت ذلك ولا إعادة عليه ولا سجود سهو هذا نصه نقلته من الأم بحروفه
وفيه فوائد والله أعلم *
(فرع) في أدعية صحيحة بين التشهد والتسليم وفى غير ذلك من أحوال الصلاة (منها) حديث علي رضي الله
عنه
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا صلي أحدكم فليقل التحيات لله والصلوات والطيبات
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اشهد أن لا إله إلا الله واشهد ان
469

محمدا عبده ورسوله ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو " رواه البخاري ومسلم وفى رواية
لمسلم " ثم يتخير من المسألة ما شاء " وفى رواية له " ثم ليتخير من الدعاء " وعن أبي هريرة رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا فرغ أحدكم من التشهد فليتعوذ بالله من أربع من
عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال "
رواه البخاري ومسلم وهذا لفظه وفى رواية لمسلم " إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول
اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح
الدجال " وفى رواية لمسلم أيضا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اللهم إني أعوذ
بك من عذاب القبر وعذاب النار وفتنة المحيا والممات وشر المسيح الدجال " وعن عائشة رضي
الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يدعو في الصلاة اللهم إني أعوذ بك من عذاب
القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات اللهم إني أعوذ بك من
المأثم والمغرم فقال له قائل ما أكثر ما تستعيذ؟ من المأثم والمغرم فقال إن الرجل إذا غرم حدث فكذب
ووعد فاخلف " رواه البخاري ومسلم وعن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم " كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول قولوا اللهم انا نعوذ
بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك
من فتنة المحيا والممات " رواه مسلم ثم قال بلغني أن طاوسا قال لابنه دعوت به في صلاتك فقال
لا فقال أعد صلاتك وعن عبد الله بن عمر وبن العاص عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى
عنهم قال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال " قل اللهم إني
ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب الا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني انك
أنت الغفور الرحيم " رواه البخاري ومسلم (قوله) ظلما كثيرا - هو بالثاء المثلثة - في أكثر الروايات
وفى بعض الروايات كبيرا بالباء الموحدة فينبغي أن يجمع بينهما فيقال كبيرا * واحتج البخاري
470

وخلائق من الأئمة بهذا الحديث في الدعاء بين التشهد والسلام وعن أبي صالح عن بعض
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل كيف تقول
في الصلاة قال أتشهد وأقول اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار اما اني لا أحسن دندنتك
ولا دندنة معاذ فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حولهما ندندن " رواه أبو داود باسناد صحيح
(قال) أهل اللغة الدندنة كلام لا يفهم ومعنى حولهما ندندن أي حول سؤاليهما (إحداهما) سؤال
طلب (والثانية) سؤال رهب والأحاديث في هذا كثيرة وفيما ذكرته كفاية وبالله التوفيق *
(فرع) قد سبق في فصل تكبيرة الاحرام بيان حكم الدعاء بغير العربية فيما يجوز الدعاء به في
الصلاة: مذهبنا أنه يجوز أن يدعو فيها بكل ما يجوز الدعاء به خارج الصلاة من أمور الدين والدنيا
وله اللهم ارزقني كسبا طيبا وولدا ودارا وجارية حسناء يصفها واللهم خلص فلانا من السجن وأهلك
فلانا وغير ذلك ولا يبطل صلاته شئ من ذلك عندنا وبه قال مالك والثوري وأبو ثور واسحق *
وقال أبو حنيفة واحمد لا يجوز الدعاء إلا بالأدعية المأثورة الموافقة للقرآن قال العبدري وقال بعضهم
لا يجوز بما يطلب من آدمي وقال بعض أصحاب احمد ان دعا بما يقصد به اللذة وشبه كلام الآدمي
كطلب جارية وكسب طيب بطلت صلاته * واحتج لهم بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم " ان هذه
الصلاة لا يصح فيها شئ من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " رواه مسلم
471

وبالقياس على رد السلام وتشميت العاطس * واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم " واما السجود
فاجتهدوا فيه من الدعاء " وفي الحديث الآخر " فأكثروا الدعاء " وهما صحيحان سبق بيانهما فأطلق
الامر بالدعاء ولم يقيده فتناول كل ما يسمي دعاء ولأنه صلى الله عليه وسلم دعا في مواضع بأدعية
مختلفة فدل على أنه لا حجر فيه وفى الصحيحين في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم في اخر التشهد " ثم ليتخير من الدعاء ما أعجبه وأحب إليه وما شاء " وفى رواية مسلم كما سبق في الفرع قبله وفى
رواية أبي هريرة " ثم يدعو لنفسه ما بدا له " قال النسائي وإسناده صحيح كما سبق وعن أبي هريرة ان النبي صلى الله
عليه وسلم كأن يقول في قنوته " اللهم انج الوليد بن الوليد وعياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام والمستضعفين
من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلهما عليهم سنين كسني يوسف " رواه البخاري ومسلم
وفى الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم " اللهم العن رعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله "
وهؤلاء قبائل من العرب والأحاديث بنحو ما ذكرناه كثيرة: والجواب عن حديثهم أن الدعاء
لا يدخل في كلام الناس وعن التشميت ورد السلام أنهما من كلام الناس لأنهما خطاب لآدمي بخلاف
الدعاء والله تعالى أعلم * قال المصنف رحمه الله *
* (وإن كانت الصلاة ركعة أو ركعتين جلس في آخرها متوركا وتشهد وصلى على النبي صلى الله
عليه وسلم وعلى آله ودعا على ما وصفناه ويكره أن يقرأ في التشهد لأنه حالة من أحوال الصلاة لم يشرع
فيها القراءة فكرهت فيها كالركوع والسجود) * *
472

* (الشرح) * هذا الذي ذكره متفق عليه على ما ذكره *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ثم يسلم وهو فرض في الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم " مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير
وتحليلها التسليم " ولأنه أحد طرفي الصلاة فوجب فيه نطق كالطرف الأول والسنة أن يسلم
تسليمتين إحداهما عن يمينه والأخرى عن يساره والسلام أن يقول السلام عليكم ورحمة الله لما روى عبد
الله رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله
حتى يرى بياض خده من ههنا ومن ههنا وقال في القديم ان اتسع المسجد وكثر الناس سلم تسليمتين وان صغر
المسجد وقل الناس سلم تسليمة واحدة لما روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم
473

تسليمة واحدة تلقاء وجهه ولان السلام للاعلام بالخروج من الصلاة وإذا كثر الناس كثر اللغط فيسلم اثنتين
ليبلغ وإذا قل الناس كفاهم الاعلام بتسليمة واحدة والأول أصح لان الحديث في تسليمة غير ثابت عند
أهل النقل والواجب من ذلك تسليمة لان الخروج يحصل بتسليمة فان قال عليكم السلام أجزأه على
المنصوص كما يجزئه في التشهد وان قدم بعضه على بعض ومن أصحابنا من قال لا يجزئه حتى يأتي به مرتبا كما
يقول في القراءة والمذهب الأول وينوى الامام بالتسليمة الأولي الخروج من الصلاة والسلام على من عن
يمينه وعلى الحفظة وينوى بالثانية السلام على من على يساره وعلى الحفظة وينوى المأموم بالتسليمة الأولي
الخروج من الصلاة والسلام على الامام وعلى الحفظة وعلى المأمومين من ناحيته في صفه وورائه وقدامه
وينوى بالثانية السلام على الحفظة وعلى المأمومين من ناحيته فإن كان الامام قدامه نواه في أي التسليمتين
شاء وينوى المنفرد بالتسليمة الأولي الخروج من الصلاة والسلام على الحفظة وبالثانية السلام على الحفظة
والأصل فيه ما روى سمرة رضي الله عنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسلم على أنفسنا وان
يسلم بعضنا على بعض وروى علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى قبل
الظهر أربعا وبعدها ركعتين ويصلي قبل العصر أربعا يفصل كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين
والنبيين ومن معه من المؤمنين وان نوى الخروج من الصلاة ولم ينو ما سواه جاز لان التسليم على
الحاضرين سنة وإن لم ينو الخروج من الصلاة ففيه وجهان قال أبو العباس ابن سريج وأبو العباس
474

ابن القاص لا يجزئه وهو ظاهر النص في البويطي لأنه نطق في أحد طرفي الصلاة فلم يصح من غير
نية كتكبيرة الاحرام وقال أبو حفص بن الوكيل وأبو عبد الله الختن الجرجاني رحمهم الله يجزيه لان
نية الصلاة قد أتت على جميع الأفعال والسلام من جملتها أو لأنه لو وجبت النية في السلام لوجب تعينها
كما قلنا في تكبيرة الاحرام *
* (الشرح) * حديث مفتاح الصلاة إلى آخره سبق بيانه في تكبيرة الاحرام وما يتعلق به: أما
حكم السلام فحاصله ان السلام ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به ولا يقوم غيره مقامه وأقله
475

أن يقول السلام عليكم فلو أخل بحرف من هذه الأحرف لم يصح سلامه فلو قال السلام عليك
أو قال سلامي عليك أو سلام الله عليكم أو سلام عليكم أو السلام عليهم لم يجزه بلا خلاف فان قاله
سهوا لم تبطل صلاته ولكن يسجد للسهو تجب إعادة السلام وان قاله عمدا بطلت صلاته الا في
قوله السلام عليهم فإنه لا تبطل الصلاة لأنه دعاء لغائب وان قال سلام عليكم بالتنوين فوجهان
مشهوران في الطريقتين وحكاهما الجرجاني قولين وهو غريب (أحدهما) يجزئه ويقوم التنوين مقام
الألف واللام كما يجزئه في سلام التشهد وهذا هو الأصح عند جماعة من الخراسانيين منهم امام الحرمين والبغوي
والرافعي (والثاني) لا يجزئه وهو الأصح المختار ممن صححه الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي
أبو الطيب هذا هو الأصح وهو الذي ذكره أبو إسحاق المروزي في الشرح وهو نص الشافعي رحمه الله
قال الشيخ أبو حامد هو ظاهر نص الشافعي وقول عامة أصحابنا قال ومن قال يجزئه فقد غلط
ودليله قوله صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلى وبينت الأحاديث الصحيحة
أنه صلى الله عليه وسلم كأن يقول السلام عليكم " ولم ينقل عنه سلام عليكم بخلاف
التشهد فإنه نقل بالأحاديث الصحيحة بالتنوين وبالألف واللام (وقولهم) التنوين يقوم مقام الألف واللام
ليس بصحيح ولكنهما لا يجتمعان ولا يلزم من ذلك أنه يسد مسده في العموم والتعريف وغيره
ولو قال عليكم السلام فوجهان وحكاهما الماوردي قولين واتفقوا على أن الصحيح (أنه) يجزى كما
ذكره المصنف في الكتاب وهو المنصوص قياسا على التشهد فإنه يجوز تقديم بعضه على بعض
على المذهب كما سبق (والثاني) لا يجوز كما لو ترك ترتيب القراءة فعلى الأول يجزئه مع أنه مكروه
نص عليه وهل يجب ان ينوى بسلامه الخروج فيه وجهان مشهوران (أصحهما) عند الخراسانيين لا يجب لان
نية الصلاة شملت السلام وهذا قول أبي حفص بن الوكيل وأبي عبد الله الختن كما ذكره المصنف قال امام
الحرمين وهو قول الأكثرين (والثاني) يجب وهذا هو الأصح عند جمهور العراقيين قال المصنف
رحمه الله وهو ظاهر نصه في البويطي وهو قول ابن سريج وابن القاص وقال صاحب الحاوي
وهو ظاهر مذهب الشافعي وقول جمهور أصحابه قياسا على أول الصلاة والصحيح الأول قال
476

الرافعي وهو اختيار معظم المتأخرين وحملوا نص الشافعي على الاستحباب قال أصحابنا فان قلنا
يجب نية الخروج لم تجب عن الصلاة التي يخرج منها بلا خلاف وممن نقل اتفاق الأصحاب على
هذا الشيخ أبو حامد في تعليقه وصاحب العدة وغيرهما قالوا لان الخروج متعين لما شرع بخلاف
الدخول في الصلاة فإنه متردد قالوا فلو عين غير التي هو فيها عمدا بطلت صلاته وإن كان سهوا سجد
للسهو وسلم ثانيا وان قلنا لا تجب النية لم يضر الخطأ في التعيين لأنه كمن لم ينو هكذا قاله أصحابنا
واتفقوا عليه قال صاحب العدة والبيان لا يضره كما لو شرع في صلاة الظهر وظن في الركعة الثانية
أنه في العصر ثم تذكر في الثالثة انها الظهر لم يضره وصلاته صحيحة في المسألتين قال أصحابنا وإذا
قلنا تجب النية فمعناه ان يقصد سلامة الخروج من الصلاة وانه تحلل به فتكون النية مقترنة بالسلام
فلو أخرها عنه وسلم بلا نية بطلت صلاته ان تعمد وإن سها لم تبطل ويسجد للسهو ثم يعيد السلام
مع النية إن لم يطل الفصل فان طال وجب استئناف الصلاة ولو نوى قبل السلام الخروج بطلت
صلاته وان نوى قبل السلام أنه سينوي الخروج عند السلام لم تبطل صلاته لكن لا تجزئه
هذه النية بل يجب أن ينوى مع السلام قال أصحابنا ويشترط ان يوقع السلام في حالة
القعود فلو سلم في غيره لم يجزه وتبطل صلاته ان تعمد هذا ما يتعلق بأقل السلام واما أكمله فأن يقول
السلام عليكم ورحمة الله وهل يسن تسليمة ثانية أم يقتصر على واحدة ولا تشرع الثانية فيه ثلاثة
أقوال (الصحيح) المشهور وهو نصه في الجديد وبه قطع أكثر الأصحاب يسن تسليمتان (والثاني)
تسليمة واحدة قاله في القديم (والثالث) قاله في القديم أيضا إن كان منفردا أو في جماعة قليلة ولا
لغط عندهم فتسليمه واحدة وإلا فثنتان هكذا حكي الأصحاب هذا الثالث قولا قديما وحكاه
إمام الحرمين والغزالي عن رواية الربيع فيقتضي أن يكون قولا آخر في الجديد (1) ثلاث والمذهب
تسليمتان للأحاديث الصحيحة التي سنذكرها ولم يثبت حديث التسليمة الواحدة كما سنذكره
إن شاء الله تعالى ولو ثبت فله تأويلات سنذكرها (2) فان قلنا تسليمة واحدة جعلها تلقاء وجهه وإن
قلنا تسليمتان فالسنة أن تكون إحداهما عن يمينه والأخرى عن يساره قال صاحب التهذيب وغيره
يبتدئ السلام مستقبل القبلة ويتمه ملتفتا بحيث يكون تمام سلامه مع آخر الالتفات ففي
التسليمة الأولي يلتفت حتى يرى من عن يمينه خده الأيمن وفى الثانية يلتفت حتى يرى من عن يساره
خده الأيسر هذا هو الأصح وصححه امام الحرمين والغزالي في البسيط والجمهور وبه قطع الغزالي
في الوسيط والبغوي وغيرهما وقال امام الحرمين يلتفت حتى يرى خداه واختلف أصحابنا فيه فمنهم
من قال حتى يرى خداه من كل جانب قال وهذا بعيد فإنه إسراف قال أصحابنا ولو سلم التسليمتين

(1، 2) كذا الأصل فحرر
477

عن يمينه أو عن يساره أو تلقاء وجهه أجزأه وكان تاركا للسنة قال البغوي ولو بدأ باليسار كره
وأجزأه قال امام الحرمين والغزالي وغيرهما إذا قلنا يستحب التسليمة الثانية فهي واقعة بعد فراغ
الصلاة ليست منها وقد انقضت الصلاة بالتسليمة الأولى حتى لو أحدث مع الثانية لم تبطل صلاته
ولكن لا يأتي بها الا بطهارة قال أصحابنا ويستحب للامام أن ينوى بالتسليمة الأولي السلام على
من على يمينه من الملائكة ومسلمي الجن والإنس وبالثانية على من على يساره منهم وينوى المأموم
مثل ذلك ويختص بشئ آخر وهو انه إن كان عن يمين الامام نوى بالتسليمة الثانية الرد على
الامام وإن كان عن يساره نواه في الأولى وإن كان محاذيا له نواه في أيتهما شاء والأولى أفضل نص
عليه في الأم واتفق الأصحاب عليه ويستحب ان ينوى بعض المأمومين الرد على بعض ولكل
منهم ان ينوى بالأولى الخروج من الصلاة إن لم نوجبها ودليل هذه النيات ما ذكره المصنف والأصحاب
من حديث علي رضي الله عنه وسأذكره إن شاء الله تعالى ولا خلاف انه لا يجب شئ من هذه
النيات غير نية الخروج ففيها الخلاف والله أعلم *
(فرع) يستحب أن يقول السلام عليكم ورحمة الله كما سبق هذا هو الصحيح والصواب الموجود
في الأحاديث الصحيحة وفى كتب الشافعي والأصحاب ووقع في كتاب المدخل إلى المختصر لزاهر
السرخسي والنهاية لإمام الحرمين والحلية للروياني زيادة وبركاته قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح
هذا الذي ذكره هؤلاء لا يوثق به وهو شاذ في نقل المذهب ومن حيث الحديث فلم أجده في شئ
478

من الأحاديث إلا في حديث رواه أبو داود من رواية وائل بن حجر رضى الله تعالى عنه أن النبي
صلى الله تعالى عليه وسلم " كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعن شماله السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته " وهذه الزيادة نسبها الطبراني إلى موسى ابن قيس الحضرمي وعنه رواها أبو داود (قلت)
هذا الحديث اسناده في سنن أبي داود إسناد صحيح *
(فرع) في بيان الأحاديث التي ذكرها المصنف وغيرها مما ورد في السلام: أما حديث
" تحريمها التكبير وتحليلها التسليم " فسبق بيانه في تكبيره الاحرام وعن سعد بن أبي وقاص
رضى الله تعالى عنه قال كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم " يسلم عن يمينه وعن يساره حتى
أري بياض خده " رواه مسلم وعن معمر أن أميرا كان بمكة يسلم تسليمتين فقال عبد الله يعنى ابن مسعود
انى علقها قال الحكم في حديثه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله " رواه مسلم (قوله) علقها - هو بفتح
العين وكسر اللام - ومعناه من أين حصلت له هذه السنة وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يسلم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خده السلام عليكم
ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله " رواه أبو داود والترمذي قال الترمذي حديث حسن صحيح
وليس في رواية الترمذي " حتى يرى بياض خده " وهذه اللفظة في رواية أبى داود وغيره وعن
جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال " كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا السلام
عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله وأشار بيده إلى الجانبين فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
على م تومؤن بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذيه ثم يسلم
على أخيه من على يمينه وشماله " رواه مسلم وفى الباب أحاديث كثيرة في التسليمتين من الجانبين
غير ما ذكرناه ومنها حديث وائل بن حجر المذكور قبل الفرع رواه البيهقي من رواية ابن
عمر ووائلة بن الأسقع وسهل بن سعد وعبد الله بن زيد رضى الله تعالى عنهم وأما الاقتصار على
تسليمة ففيه حديث عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم " كان يسلم
تسليمة واحدة تلقاء وجهه " رواه الترمذي وابن ماجة وآخرون قال الحاكم في المستدرك على
الصحيحين هو حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم وقال آخرون هو ضعيف كما قال المصنف
479

في الكتاب انه غير ثابت عند أهل النقل وكذا قال البغوي في شرح السنة في اسناده مقال
وقال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه واتفق أصحابنا في كتب المذهب على تضعيفه
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يسلم تسليمة واحدة " رواه البيهقي
وعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه " وعن
سلمة بن الأكوع قال رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم " صلي يسلم تسليمة واحدة "
رواهما بن ماجة والجواب من وجوه (أحدها) أنها ضعيفة (الثاني) أنها لبيان الجواز وأحاديث
التسليمتين لبيان الأكمل الأفضل ولهذا واظب عليها صلى الله عليه وسلم فكانت أشهر ورواتها
أكثر (الثالث) أن في روايات التسليمتين زيادة من ثقات فوجب قبولها والله أعلم وأما الأحاديث
الواردة فيما ينوى بالسلام (فمنها) حديث جابر بن سمرة السابق من رواية مسلم وعن علي رضي الله
عنه قال " كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يصلى قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم
على الملائكة المقربين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين " رواه الترمذي في موضعين من كتابه
وقال حديث حسن وفى رواية منه في مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله " على الملائكة المقربين
والنبيين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين " وعن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه قال " أمرنا
النبي صلى الله عليه وسلم أن نرد على الامام وإن يسلم بعضنا على بعض " رواه أبو داود والدارقطني
والبيهقي وفى اسناد أبى داود سعيد بن بشير وهو مختلف في الاحتجاج به والأكثرون لا يحتجون
به واسناد روايتي الدارقطني والبيهقي حسن واعتضدت طرق هذا الحديث فصار
حسنا أو صحيحا *
(فرع) في ألفاظ الكتاب (قوله) يسلم عن يساره - هو بفتح الياء ويجوز كسرها - لغتان
سبق بيانهما مرات (قوله) لما روى عبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه " حتى يرى بياض خده "
- هو بضم الياء - (قوله) لما روى سمرة بن جندب - هو بضم الدال وفتحها - قيل ابن هلال
أبو سعيد (وقيل) غير ذلك توفى في آخر خلافة معاوية (قوله) أبو عبد الله الختن - بالخاء المعجمة
والتاء المثناة فوق المفتوحتين - يصفه بذلك لقربه من الامام الحافظ الفقيه أبى بكر الإسماعيلي ويقال
له حسين أبى بكر الإسماعيلي ويقال الختن مطلقا كما ذكر المصنف هنا واسمه محمد بن الحسن
الجرجاني وكان أحد أئمة أصحابنا في عصره مقدما في علم الأدب والقراءات ومعاني القرآن
480

مبرزا في علم الجدل والنظر والفقه وصنف شرح التلخيص وسمع الحديث توفى رحمه الله تعالى
يوم الأضحى سنة ست وثمانين وثلاثمائة وهو ابن خمس وسبعين سنة *
(فرع) في مذاهب العلماء في وجوب السلام مذهبنا أنه فرض وركن من أركان الصلاة لا تصح الا به
وبهذا قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم * وقال أبو حنيفة لا يجب السلام ولا هو من
الصلاة بل إذا قعد قدر التشهد ثم خرج من الصلاة بما ينافيها من سلام أو كلام أو حدث أو
قيام أو فعل أو غير ذلك أجزأه وتمت صلاته وحكاه الشيخ أبو حامد عن الأوزاعي * واحتج له
بحديث المسئ صلاته وبحديث ابن مسعود رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه
التشهد وقال إذا قضيت هذا فقد تمت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد
فاقعد " وعن ابن عمرو قال " قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا أحدث وقد قعد
في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته " وعن علي رضي الله عنه قال " إذا جلس قدر
التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته " * واحتج أصحابنا بحديث " تحليلها لتسليم " وبالأحاديث
المذكورة في الفرع قبله مع " قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي " والجواب عن
حديث المسئ صلاته أنه ترك بيان السلام لعلمه به كما ترك بيان النية والجلوس للتشهد وهما واجبان
بالاتفاق والجواب عن حديث ابن مسعود أن قوله " فقد تمت صلاته أو قضيت صلاته " إلى
آخره زيادة مدرجة ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق الحفاظ وقد بين الدارقطني
والبيهقي وغيرهما ذلك وأما حديث على وحديث ابن عمرو فضعيفان بانفاق الحفاظ، ضعفهما مشهور في كتبهم
وقد سبق بيان بعض هذا في ذكر مذاهب العلماء في وجوب التشهد والله أعلم *
(فرع) في مذاهبهم في استحباب تسليمه أو تسليمتين قد ذكرنا أن الصحيح في مذهبنا ان
المستحب ان يسلم تسليمتين وبهذا قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم حكاه الترمذي
والقاضي أبو الطيب وآخرون عن أكثر العلماء وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعلي بن
481

أبى طالب وابن مسعود وعمار بن ياسر ونافع بن عبد الحارث رضي الله عنهم وعن عطاء ابن أبي
رباح وعلقمة والشعبي وأبى عبد الرحمن السلمي التابعين وعن الثوري واحمد وإسحاق وأبي ثور
وأصحاب الرأي * قال وقالت طائفة يسلم تسليمه واحدة قاله ابن عمر وأنس وسلمة ابن الأكوع
وعائشة رضي الله عنهم والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز ومالك والأوزاعي قال
ابن المندر عمار بن أبي عمار كان مسجد الأنصار يسلمون فيه تسليمتين ومسجد المهاجرين يسلمون
فيه تسليمة وقال ابن المنذر وبالأول أقول ودليل الجميع يعرف من الأحاديث السابقة والله أعلم *
(فرع) مذهبنا الواجب تسليمة واحدة ولا تجب الثانية وبه قال جمهور العلماء أو كلهم قال
ابن المنذر أجمع العلماء على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة وحكى الطحاوي
والقاضي أبو الطيب وآخرون عن الحسن بن صالح أنه أوجب التسليمتين جميعا وهي رواية عن
أحمد وبهما قال بعض أصحاب مالك والله أعلم *
(فرع) يستحب أن يدرج لفظة السلام ولا يمدها ولا أعلم فيه خلافا للعلماء * واحتج له أبو داود
والترمذي والبيهقي وغيرهم من أثمة الحديث والفقهاء بحديث أبي هريرة رضى الله تعالى عنه " قال
482

حذف السلام سنة " رواه أبو داود والترمذي وقال الترمذي هو حديث حسن صحيح قال قال ابن
المبارك معناه لا يمد مدا *
(فرع) ينبغي للمأموم أن يسلم بعد سلام الإمام قال البغوي يستحب أن لا يبتدئ السلام
حتى يفرغ الامام من التسليمتين وقال المتولي يستحب أن يسلم بعد فراغ الامام من التسليمة الأولي
وهو ظاهر نص الشافعي في البويطي كما نقله البغوي فإنه قال ومن كان خلف إمام فإذا فرغ الامام من
سلامه سلم عن يمينه وعن شماله هذا نصه واتفقوا على أنه يجوز أن يسلم بعد فراغ الامام من الأولي
وإنما الخلاف في الأفضل ولو قارنه في السلام فوجهان (أحدهما) تبطل صلاته إن لم ينو مفارقته كما
لو قارنه في باقي الأركان بخلاف تكبيرة الاحرام فإنه لا يصير في صلاة حتى يفرق منها فلا يربط صلاته
بمن ليس في صلاة ولو سلم قبل شروع الامام في السلام بطلت صلاته إن لم ينو مفارقته فان نواها
ففيه الخلاف فيمن نوى المفارقة ولا يكون مسلما بعده إلا أن يبتدئ بعد فراغ الامام من الميم
من قوله السلام عليكم *
(فرع) اتفق أصحابنا على أنه يستحب للمسبوق أن لا يقوم ليأتي بما بقي عليه الا بعد فراغ
الامام من التسليمتين وممن صرح به البغوي والمتولي وآخرون ونص عليه الشافعي رحمه الله في
مختصر البويطي فقال ومن سبقه الامام بشئ من الصلاة فلا يقوم لقضاء ما عليه الا بعد فراغ
الامام من التسليمتين قال أصحابنا فان قام بعد فراغه من قوله السلام عليكم في الأولي جاز لأنه
خرج من الصلاة فان قام قبل شروع الامام في التسليمتين بطلت صلاته إلا أن ينوى مفارقة الامام فيجئ
فيه الخلاف فيمن نوى المفارقة ولو قام بعد شروعه في السلام قبل أن يفرغ من قوله عليكم فهو كما لو قام
قبل شروعه ذكره البغوي وقال المتولي إذا قام المسبوق مقارنا للتسليمة الأولي فان قلنا للمأموم الموافق
483

ان يسلم مقارنا للامام جاز قيام المسبوق لان كل حال جاز للموافق السلام فيها جاز للمسبوق المفارقة
فيها كما بعد السلام وإن قلنا لا يجوز للموافق السلام مقارنا له لم يجز للمسبوق القيام مع المقارنة وتبطل
صلاته إلا أن ينوى المفارقة ولو سلم الامام فمكث المسبوق بعد سلامه جالسا وطال جلوسه قال
أصحابنا إن كان موضع تشهده الأول جاز ولا تبطل صلاته لأنه جلوس محسوب من صلاته وقد
انقطعت القدوة وقد قدمنا أن التشهد الأول يجوز تطويله لكنه يكره وإن لم يكن موضع تشهده
لم يجز أن يجلس بعد تسليمه لان جلوسه كان للمتابعة وقد زالت فان جلس متعمدا بطلت صلاته
وإن كان ساهيا لم تبطل ويسجد للسهو *
(فرع) إذا سلم الامام التسليمة الأولي انقضت قدوة المأموم الموافق والمسبوق لخروجه من
الصلاة والمأموم الموافق بالخيار ان شاء سلم بعده وان شاء استدام الجلوس للتعوذ والدعاء وأطال
ذلك هكذا ذكر القاضي أبو الطيب في تعليقه نقلته بحروفه *
(فرع) قال الشافعي والأصحاب إذا اقتصر الإمام على تسليمة يسن للمأموم تسليمتان لأنه
خرج عن متابعته بالأولى بخلاف التشهد الأول فان الامام لو ترك لزم المأموم تركه لان المتابعة
واجبة عليه قبل السلام والله أعلم *
(فرع) قال صاحب العدة لو شرع في الظهر فتشهد بعد الركعة الرابعة ثم قال قبل السلام وشرع
في العصر فان فعل ذلك عمدا بطلت صلاته الظهر بقيامه وصحت العصر وان قام ناسيا لم يصح شروعه
في العصر فان ذكر والفصل قريب عاد إلى الجلوس وسجد للسهو وسلم من الظهر وأجزأته وان
طال الفصل بطلت صلاته ووجب استئناف الصلاتين جميعا * قال المصنف رحمه الله *
* (ويستحب لمن فرغ من الصلاة أن يذكر الله تعالى لما روى ابن الزبير رضي الله عنهما
أنه كان يهلل في أثر كل صلاة يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل
قدير ولا حول ولا قوة الا بالله ولا نعبد الا إياه وله النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله
مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ثم يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهذا في دبر
كل صلاة وكتب المغيرة إلى معاوية رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كأن يقول لا إله إلا الله
وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى
لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) * *
* (الشرح) * اتفق الشافعي والأصحاب وغيرهم رحمهم الله على أنه يستحب ذكر الله تعالى
بعد السلام ويستحب ذلك للامام والمأموم والمنفرد والرجل والمرأة والمسافر وغيره ويستحب
484

أن يدعو أيضا بعد السلام بالاتفاق وجاءت في هذه المواضع أحاديث كثيرة صحيحة في الذكر
والدعاء قد جمعتها في كتاب الأذكار (منها) عن أبي أمامة رضي الله عنه قال " قيل لرسول الله صلى الله
عليه وسلم أي الدعاء اسمع قال جوف الليل الاخر ودبر الصلوات المكتوبات " رواه الترمذي وقال
حديث حسن وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال " كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله تعالى
عليه وسلم بالتكبير " رواه البخاري ومسلم وفى رواية مسلم " كنا نعرف " وعن ابن عباس " أيضا ان
رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم
إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته " رواه البخاري ومسلم وعن ثوبان رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله تعالى
عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا قال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا
الجلال والاكرام " قيل للأوزاعي وهو أحد رواته كيف الاستغفار قال تقول استغفر الله استغفر الله رواه
مسلم وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة وسلم قال
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى
لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " رواه البخاري ومسلم وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما " أنه كان
يقول في دبر كل صلاة حين يسلم لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير لا حول
ولا قوة الا بالله لا إله الا الله ولا نعبد الا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله الا الله مخلصين
له الدين ولو كره الكافرون قال ابن الزبير " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة "
رواه مسلم وعن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه " أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالوا ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما نصلى ويصوموا كما نصوم ولهم فضول
من أموالهم يحجون بها ويعتمرون يجاهدون ويتصدقون فقال الا أعلمكم شيئا تدركون به من
سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم فقالوا بلى يا رسول الله
قال تسبحون الله وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين " قال أبو صالح لما سئل عن كيفية
ذكرها يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يكون منهن كلهن ثلاثا وثلاثين " رواه البخاري
ومسلم (الدثور) بضم الدال جمع دثر وبفتح الدال وإسكان المثلثة وهو المال الكثير وعن كعب بن عجرة
رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر
كل صلاة مكتوبة ثلاثا وثلاثين تسبيحة وثلاثا وثلاثين تحميدة وأربعا وثلاثين تكبيرة " رواه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال
" من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمده ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثا وثلاثين
وقال تمام المائة لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير غفرت
485

خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر " رواه مسلم وعن سعد ابن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أن
رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم " كان يتعوذ دبر الصلاة بهؤلاء الكلمات اللهم إني
أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذال العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك
من عذاب القبر " رواه البخاري في أول كتاب الجهاد وعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
قال " كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا سلم من الصلاة قال اللهم اغفر لي ما قدمت
وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر
لا إله ألا أنت " هكذا رواه أبو داود باسناد صحيح وهو اسناد مسلم هكذا في رواية وفى رواية
انه كأن يقول هذا بين التشهد والتسليم وقد سبق هذا في موضعه ولا منافاة بين الروايتين فهما
صحيحتان وكأن يقول الدعاء في الموضعين والله أعلم وعن معاذ رضى والله عنه " ان رسول الله صلي
عليه وسلم أخذ بيده وقال يا معاذ الله إني لأحبك أوصيك يا معاذ لا تدعهن دبر كل صلاة تقول
للهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " رواه أبو داود والنسائي باسناد صحيح وعن
عقبة بن عامر رضي الله عنه قال " أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اقرأ بالمعوذتين دبر
كل صلاة " رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وفى راية أبي داود " بالمعوذات " فينبغي
ان يقرأ قل هو الله أحد مع المعوذتين وروى الطبري في معجمه أحاديث في فضل آية الكرسي
دبر الصلاة المكتوبة لكنها كلها ضعيفة وفى الباب أحاديث كثيرة غير ما ذكرته هنا وجاء
في الذكر بعد صلاة الصبح أحاديث (منها) حديث أبي ذر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال " من قال في دبر كل صلاة الفجر وهو ثان رجله قبل أن يتكلم لا إله إلا الله وحده
لا شريك له له الملك وله الحميد يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير عشر مرات كتب له عشر
حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان يومه ذلك كله في حرز من كل
مكروه وحرس من الشيطان ولم ينبغ لذنب ان يدركه في ذلك اليوم الا الشرك بالله تعالى " رواه
الترمذي والنسائي قال الترمذي حديث حسن غريب وعن أنس رضي الله عنه قال " قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم من صلي الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلي
ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة " رواه الترمذي وقال حديث حسن وفى الباب
غير ما ذكرته والله أعلم *
486

(فرع) قال القاضي أبو الطيب يستحب ان يبدأ من هذه الأذكار بحديث الاستغفار وحكى
حديث ثوبان قال الشافعي رحمه الله تعالى في الأم بعد أن ذكر حديث ابن عباس السابق في رفع
الصوت بالذكر وحديث ابن الزبير السابق وحديث أم سلمة المذكور في الفصل بعد هذا اختار
للامام المأموم ان يذكرا الله تعالى بعد السلام من الصلاة ويخفيان الذكر إلا أن يكون
إماما يريد أن يتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تعلم منه فيسر فان الله تعالى يقول (ولا تجهر
بصلاتك ولا تخافت بها) يعنى والله أعلم الدعاء (ولا تجهر) ترفع (ولا تخافت) حتى لا تسمع نفسك قال وأحسب
أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جهر قليلا يعنى في حديث ابن عباس وحديث ابن الزبير ليتعلم
الناس منه لان عامة الروايات التي كتبناها مع هذا وغيرها ليس يذكر فيها بعد التسليم تهليل
ولا تكبير وقد ذكرت أم سلمة " مكثه صلى الله عليه وسلم ولم يذكر جهرا وأحسبه صلى الله
عليه وسلم لم يمكث الا ليذكر سرا " قال واستحب للمصلى منفردا أو مأموما ان يطيل الذكر
بعد الصلاة ويكثر الدعاء رجاء الإجابة بعد المكتوبة هذا نصه في الأم واحتج البيهقي وغيره
لتفسيره الآية بحديث عائشة رضى الله تعالى عنها قالت " في قول الله تعالى (ولا تجهر بصلاتك
ولا تخافت بها) نزلت في الدعاء " رواه البخاري ومسلم وهكذا قال أصحابنا إن الذكر والدعاء
بعد الصلاة يستحب أن يسر بهما إلا أن يكون اماما يريد تعليم الناس فيجهر ليتعلموا فإذا تعلموا
وكانوا عالمين أسره واحتج البيهقي وغيره في الاسرار بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله
عنه قال " كنا مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وكنا إذا أشرفنا على واد هللنا
وكبرنا ارتفعت أصواتنا فقال النبي صل الله تعالى عليه وسلم يا أيها الناس اربعوا على
أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنه معكم سميع قريب " رواه البخاري
487

ومسلم (اربعوا) - بفتح الباء - أي ارفقوا *
(فرع) قد ذكرنا استحباب الذكر والدعاء للامام والمأموم والمنفرد وهو مستحب عقب
كل الصلوات بلا خلاف وأماما اعتاده الناس أو كثير منهم من تخصيص دعاء الامام بصلاتي الصبح
والعصر فلا أصل له وإن كان قد أشار إليه صاحب الحاوي فقال إن كانت صلاة لا يتنقل بعدها
كالصبح والعصر استدبر القبلة واستقبل الناس ودعا وإن كانت مما يتنفل بعدها كالظهر والمغرب
والعشاء فيختار أن يتنفل في منزله وهذا الذي أشار إليه من التخصيص لا أصل له بل الصواب
استحبابه في كل الصلوات ويستحب أن يقبل على الناس فيدعو والله أعلم *
(فرع) وأما هذه المصافحة المعتادة بعد صلاتي الصبح والعصر فقد ذكر الشيخ الإمام أبو
محمد بن عبد السلام رحمه الله أنها من البدع المباحة ولا توصف بكراهة ولا استحباب وهذا الذي
قاله حسن والمختار أن يقال إن صافح من كان معه قبل الصلاة فمباحة كما ذكرنا وان صافح من
لم يكن معه قبل الصلاة عند اللقاء فسنة بالاجماع للأحاديث الصحيحة في ذلك وسأبسط الكلام في
المصافحة والسلام وتشميت العاطس وما يتعلق بها ويشبهها في فصل عقب صلاة الجمعة إن شاء الله
تعالى *
(فرع يستحب الاكثار من الذكر أول النهار وآخره وفى الليل وعند النوم والاستيقاظ
وفى ذلك أحاديث كثيرة جدا مشهورة في الصحيحين وغيرهما مع آيات من القرآن الكريم وقد
جمعت معظم ذلك مهذبا في كتاب الأذكار * قال المصنف رحمه الله *
* (وإذا أراد أن ينصرف فإن كان خلفه نساء استحب له أن يلبث حتى تنصرف النساء
لئلا يختلطن بالرجال لما روت أم سلمة رضى الله تعالى عنها " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا
488

سلم قال النساء حين يقضى سلامه فيمكث يسيرا قبل أن يقوم " قال الزهري رحمه الله فنرى والله
أعلم أن مكثه لينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال وإذا أراد أن ينصرف توجه في جهة
حاجته لما روي الحسن رحمه الله قال " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون في المسجد
الجامع فمن كان بيته من قبل بنى تميم انصرف عن يساره ومن كان بيته مما يلي بنى سليم انصرف
عن يمينه يعنى بالبصرة " وإن لم يكن له حاجة فالأولى أن ينصرف عن يمينه لان النبي صلى الله عليه
وسلم كان يحب التيامن في كل شئ) * *
* (الشرح) * قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى يستحب للامام إذا سلم أن يقوم من
مصلاه عقب سلامه إذا لم يكن خلفه نساء هكذا قاله الشافعي في المختصر واتفق عليه الأصحاب
وعلله الشيخ أبو حامد والأصحاب بعلتين (إحداهما) لئلا يشك هو أو من خلفه هل سلم أم لا (والثانية)
لئلا يدخل غريب فيظنه بعد في الصلاة فيقتدى به أما إذا كان خلفه نساء فيستحب أن يلبث
بعد سلامه ويثبت الرجال قدرا يسيرا يذكرون الله تعالى حتى تنصرف النساء بحيث لا يدرك
المسارعون في سيرهم من الرجال آخرهن ويستحب لهن أن ينصرفن عقب سلامه فإذا انصرفن
انصرف الامام وسائر الرجال واستدل الشافعي والأصحاب بالحديث الذي ذكره المصنف عن
أم سلمة رضي الله عنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضى تسليمه
ومكث يسيرا كي ينصرفن قبل أن يدركهن أحد من القوم " وفي رواية قال ابن شهاب " فأرى
489

والله أعلم أن مكثه لكي ينفد النساء قبل أن يدركهن من أنصرف من القوم " رواه البخاري
في مواضع كثيرة من صحيحه ولان الاختلاط بهن مظنة الفساد (1) لان مزينات للناس مقدمات
على كل الشهوات قال الشافعي في الأم فان قام الامام قبل ذلك أو جلس أطول من ذلك فلا شئ
عليه قال وللمأموم أن ينصرف إذا قضي الامام السلام قبل قيام الإمام قال وتأخير ذلك حتى
ينصرف بعد انصراف الامام أو معه أحب إلي قال الشافعي في الأم والأصحاب إذا انصرف
المصلى أماما كان أوما مأموما أو منفردا فله أن ينصرف عن يمينه وعن يساره وتلقاء وجهه رواه
(2) ولا كراهة في شئ من ذلك لكن يستحب إن كان له حاجة في جهة من هذه الجهات أن
يتوجه إليها وإن لم يكن له حاجة فجهة اليمني أولي واستدل الشافعي في الأم والأصحاب " بأن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في شأنه كله وقد سبقت الأحاديث الصحيحة في ذلك في
باب صفة الوضوء في فصل غسل اليدين وجاء في هذه المسألة حديث ابن مسعود رضى الله تعالى
عنه قال " لا يجعل أحدكم للشيطان شيئا من صلاته لا يرى إلا أن حقا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه
لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ينصرف عن يساره " رواه البخاري و (3) مسلم قال
" أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه " وعن هلب بضم الهاء الطائي
رضي الله عنه " أنه صلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ينصرف عن شقيه " رواه أبو داود
والترمذي وابن ماجة وغيرهم باسناد حسن فهذه الأحاديث تدل على أنه يباح الانصراف من
الجانبين وإنما أنكر ابن مسعود رضى الله تعالى عنه على من يعتقد وجوب ذلك *
(فرع) إذا أراد أن ينفتل في المحراب ويقبل على الناس للذكر والدعاء وغيرهما جاز أن
ينفتل كيف شاء وأما الأفضل فقال البغوي الأفضل أن ينفتل عن يمينه وقال في كيفيته وجهان
(أحدهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يدخل يمينه في المحراب ويساره إلى الناس ويجلس
على يمين المحراب (والثاني) وهو الأصح يدخل يساره في المحراب ويمينه إلى القوم ويجلس على
يسار المحراب هذا لفظ البغوي في التهذيب وجزم البغوي في شرح السنة بهذا الثاني
واستدل له بحديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال " كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه
وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه فسمعته يقول في قنوته رب قنى عذابك
يوم تبعث أو تجمع عبادك " رواه مسلم وقال امام الحرمين إن لم يصح في هذا حديث فلست
أرى فيه الا التخيير *
(فرع) قال أصحابنا إن كانت الصلاة مما يتنفل بعدها فالسنة ان يرجع إلى بيته لفعل النافلة

(1 - 2) كذا بالأصل فحرر (3) كذا بالأصل ولعله وروى مسلم عن أنس الخ كما يعلم من مراجعة صحيحة فحرر
490

لان فعلها في البيت أفضل " لقوله صلى الله عليه وسلم صلوا أيها الناس في بيوتكم فان أفضل
صلاة المرء في بيته الا المكتوبة " رواه البخاري ومسلم من رواية زيد بن ثابت رضى الله تعالى
عنه وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اجعلوا
من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا " رواه البخاري ومسلم وعن جابر رضي الله عنه قال
" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضي أحدكم صلاته في مسجده فليجعل لبيته من صلاته نصيبا فان
الله جاعل في بيته من صلاته خيرا " رواه مسلم قال أصحابنا فإن لم يرجع إلى بيته وأراد التنفل في المسجد
يستحب أن ينتقل عن موضعه قليلا لتكثير مواضع سجوده هكذا علله البغوي وغيره فإن لم ينتقل
إلى موضع آخر فينبغي ان يفصل بين الفريضة والنافلة بكلام انسان واستدل البيهقي وآخرون من
أصحابنا وغيرهم بحديث عمرو بن عطاء " ان نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن أخت نمير يسأله عن
شئ رآه منه معاوية في الصلاة فقال نعم صليت معه الجمعة في المقصورة فلما سلم الامام قمت في مقامي
491

فصليت فلما دخل أرسل إلي فقال لا تعد لما فعلت إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم
أو تخرج فان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك أن لا نوصل صلاة حتى نتكلم أو نخرج
رواه مسلم " فهذا الحديث هو المعتمد في المسألة وأما حديث عطاء الخراساني عن المغيرة بن شعبة
رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي الامام في الموضع الذي يصلي فيه حتى
يتحول " فضعيف رواه أبو داود وقال عطاء لم يدرك المغيرة وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال " قال رسول
الله صلى الله تعالى عليه وسلم أيعجز أحدكم ان يتقدم أو يتأخر عن يمينه أو عن شماله في الصلاة يعني
النافلة " رواه أبو داود باسناد ضعيف وضعفه البخاري في صحيحه قال أصحابنا فإذا صلي النافلة في المسجد
جاز وإن كان خلاف الأفضل لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال " صليت مع النبي صلى الله تعالى
عليه وسلم سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعدها وسجدتين بعد المغرب وسجدتين بعد العشاء وسجدتين
بعد الجمعة فاما المغرب والعشاء ففي بيته " رواه البخاري ومسلم وظاهره أن الباقي صلاها في المسجد
لبيان الجواز في بعض الأوقات وهو صلاة النافلة في البيت وفى الصحيحين " أن النبي صلى الله عليه
وسلم صلى ليالي في رمضان في المسجد غير المكتوبات " والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
* (والسنة في صلاة الصبح ان يقنت في الركعة الثانية لما روى أنس رضى الله تعالى عنه " ان النبي
صلى الله تعالى عليه وسلم قنت شهرا يدعو عليهم ثم تركه فاما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق
الدنيا " ومحل القنوت بعد الرفع من الركوع " لما روى أنه سئل انس هل قنت رسول الله صلى الله
492

عليه وسلم في صلاة الصبح قال نعم قال قبل الركوع أو بعده قال بعد الركوع " والسنة أن يقول
" اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر
ما قضيت انك تقضي ولا يقضي عليك انه لا يذل من واليت تباركت وتعاليت " لما روى الحسن بن علي
رضي الله عنه قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات في الوتر فقال قل " اللهم
إهدني فيمن هديت " إلى آخره وان قنت بما روى عن عمر رضي الله عنه كان حسنا وهو ما روى أبو
رافع قال قنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد الركوع في الصبح فسمعته يقول اللهم انا نستعينك
ونستغفرك ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد
واليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك أن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم عذب
كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم غفر
للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم
الايمان والحكمة وثبتهم على ملة رسولك وأوزعهم ان يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وانصرهم
على عدوك وعدوهم اله الحق واجعلنا منهم " ويستحب ان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الدعاء
لما روى من حديث الحسن رضي الله عنه في الوتر أنه قال " تباركت وتعاليت وصلى الله على النبي وسلم "
ويستحب للمأموم ان يؤمن على الدعاء لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال " قنت رسول الله صلى
الله عليه وكان يؤمن من خلفه " ويستحب له ان يشاركه في الثناء لأنه لا يصلح التأمين على ذلك
فكانت المشاركة أولي واما رفع اليدين في القنوت فليس فيه نص والذي يقتضيه المذهب أنه لا يرفع
لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع اليد الا في ثلاثة مواطن في الاستسقاء والاستنصار وعشية عرفة
ولأنه دعاء في الصلاة فلم يستحب له رفع اليد كالدعاء في التشهد وذكر القاضي أبو الطيب الطبري
في بعض كتبه انه لا يرفع اليد وحكى في التعليق انه يرفع اليد والأول عندي أصح واما غير الصبح
من الفرائض فلا يقنت فيه من غير حاجة فان نزلت بالمسلمين نازلة قنتوا في جميع الفرائض لما روى
493

أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا أن يدعو لاحد أو يدعو على أحد كان
إذا قال سمع الله لمن حمده قال ربنا لك الحمد وذكر الدعاء) * *
* (الشرح) * في الفصل مسائل (إحداها) القنوت في الصبح بعد رفع الرأس من ركوع الركعة
الثانية سنة عندنا بلا خلاف واما ما نقل عن أبي علي بن أبي هريرة رضي الله عنه انه لا يقنت في الصبح
لأنه صار شعار طائفة مبتدعة فهو غلط لا يعد من مذهبنا واما غير الصبح من المكتوبات فهل يقنت
فيها فيه ثلاثة أقوال حكاها امام الحرمين والغزالي وآخرون (الصحيح) المشهور الذي قطع به الجمهور
ان نزلت بالمسلمين نازلة كخوف أو قحط أو وباء أو جراد أو نحو ذلك قنتوا في جميعها وإلا فلا
(والثاني) يقنتون مطلقا حكاه جماعات منهم شيخ الأصحاب الشيخ أبو حامد في تعليقه ومتابعوه
(والثالث) لا يقنتون مطلقا حكاه الشيخ أبو محمد الجويني وهو غلط مخالف للسنة الصحيحة المستفيضة
" ان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قنت في غير الصبح عند نزول النازلة حين قتل أصحابه القراء " وأحاديثهم
مشهورة في الصحيحين وغيرهما وهذا الخلاف في الجواز وعدمه عند الأكثرين هكذا صرح الشيخ
أبو حامد والجمهور قال الرافعي مقتضي كلام أكثر الأئمة انه لا يستحب القنوت في غير الصبح بحال
وإنما الخلاف في الجواز فحيث يجوز فالاختيار فيه إلى المصلى قال ومنهم من يشعر كلامه بالاستحباب
قلت وهذا أقرب إلى السنة فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم القنوت للنازلة فاقتضى أن يكون
سنة وممن صرح بان الخلاف في الاستحباب صاحب العدة قال ونص الشافعي في الأم على الاستحباب
مطلقا: واما غير المكتوبات فلا يقنت في شئ منهن قال الشافعي في الأم في كتاب صلاة العيدين
في باب القراءة في العيدين ولا قنوت في صلاة العيدين والاستسقاء فان قنت عند نازلة لم أكرهه
(المسألة الثانية) محل القنوت عندنا بعد الركوع كما سبق فلو قنت قبله فإن كان مالكيا يراه أجزأه
وإن كان شافعيا فالمشهور انه لا يجزئه قال صاحب المستظهري هو المذهب وقال صاحب الحاوي فيه
وجهان (أحدهما) يجزئه لاختلاف العلماء فيه (والثاني) لا يجزئه لوقوعه في غير موضعه فيعيده بعد الركوع
494

قال وهل يسجد للسهو فيه وجهان وقطع البغوي وغيره بأنه يسجد للسهو وهو المنصوص قال الشافعي في
الأم لو أطال القيام ينوى به القنوت كان عليه سجود السهو لان القنوت عمل من عمل
الصلاة فإذا عمله في غير موضعه أوجب سجود السهو هذا نصه وأشار في التهذيب إلى وجه في
بطلان صلاته لأنه قال هو كما لو قرأ التشهد في القيام فحصل فيمن قنت قبل الركوع أربعة أوجه (الصحيح)
انه لا تبطل صلاته ولا يجزئه ويسجد للسهو (والثاني) لا يجزئه ولا يسجد للسهو (والثالث) يجزئه (والرابع)
تبطل صلاته وهو غلط (الثالثة) السنة في لفظ القنوت اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت
وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضى ولا يقضي عليك
وإنه لا يذل من واليت تبارك ربنا وتعاليت هذا لفظه في الحديث الصحيح باثبات الفاء في فإنك
والواو في وإنه لا يذل وتباركت ربنا هذا لفظه في رواية الترمذي (1) في رواية أبى داود
وجمهور المحدثين ولم يثبت الفاء في رواية أبى داود وتقع هذه الألفاظ في كتب الفقه مغيرة فاعتمد
ما حققته فان ألفاظ الأذكار يحافظ فيها على الثابت عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهذا لفظ
الترمذي عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال " علمني رسول الله صلى الله تعالى
عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن
توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضي عليك

(1) كذا بالأصل
495

وانه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت " رواه أبو داود والترمذي
والنسائي وغيرهم باسناد صحيح قال الترمذي هذا حديث حسن قال ولا يعرف عن النبي صلى الله
عليه وسلم في القنوت شئ أحسن من هذا وفي رواية رواها البيهقي عن محمد بن الحنيفة وهو ابن علي
ابن أبي طالب رضي الله عنه قال " إن هذا الدعاء هو الذي كان أبي يدعوا به في صلاة الفجر في قنوته "
ورواه البيهقي من طرق عن ابن عباس وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يعلمهم هذا الدعاء
ليدعوا به في القنوت من صلاة الصبح " وفى رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقنت في صلاة
الصبح وفى وتر الليل بهذه الكلمات " وفى رواية " كأن يقولها في قنوت الليل " قال البيهقي فدل هذا
كله على أن تعليم هذا الدعاء وقع لقنوت صلاة الصبح وقنوت الوتر وبالله التوفيق وهذه
الكلمات الثمان هن اللواتي نص عليهن الشافعي في مختصر المزني واقتصر عليهن ولو زاد عليهن ولا يعز
من عاديت قبل تباركت ربنا وتعاليت وبعده فلك الحمد على ما قضيت أستغفرك وأتوب إليك فلا بأس
به وقال الشيخ أبو حامد والبندنيجي وآخرون هذه الزيادة حسنة وقال القاضي أبو الطيب من عاديت ليس
بحسن لان العداوة لا تضاف إلى الله تعالى وأنكر ابن الصباغ والأصحاب عليه وقالوا قد قال الله تعالى
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) وغير ذلك من الآيات وقد جاء في رواية البيهقي
ولا يعز من عاديت قال أصحابنا فإن كان إماما لم يخص نفسه بالدعاء بل يعمم فيأتي بلفظ الجمع اللهم
496

اهدنا إلى آخره وهل تتعين هذه الكلمات فيه وجهان (الصحيح) المشهور الذي قطع به الجمهور انه لا تتعين
بل يحصل بكل دعاء (والثاني) تتعين ككلمات التشهد فإنها متعينة بالاتفاق وبهذا قطع إمام الحرمين
والغزالي ومحمد بن يحيى في كتابه المحيط وصححه صاحب المستظهري قال صاحب المستظهري ولو ترك من
هذا كلمة أو عدل إلى غيره لا يجزئه ويسجد للسهو والمذهب أنه لا يتعين وبه صرح الماوردي والقاضي
حسين والبغوي والمتولي وخلائق قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح قول من قال يتعين شاذ مردود مخالف
لجمهور الأصحاب بل مخالف لجماهير العلماء فقد حكي القاضي عياض اتفاقهم على أنه لا يتعين في القنوت
دعاء الا ما روى عن بعض أهل الحديث أنه يتعين قنوت مصحف أبي بن كعب رضي الله عنه " اللهم
إنا تستعينك ونستغفرك إلى آخره بل مخالف لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كأن يقول
" اللهم انج الوليد ابن الوليد وفلانا وفلانا اللهم العن فلانا وفلانا " فليعد هذا الذي قيل بالتعين غلطا
غير معدود وجها هذا كله كلام أبى عمرو فإذا قلنا بالمذهب وقلنا إنه لا يتعين فقال صاحب
الحاوي يحصل بالدعاء المأثور وغير المأثور قال فان قرأ آية من القرآن هي دعاء أو شبيهة بالدعاء
كآخر البقرة أجزأه وإن لم يتضمن الدعاء ولم يشبهه كآية الدين وسورة تبت فوجهان (أحدهما)
يجزئه إذا نوى القنوت لان القرآن أفضل من الدعاء (والثاني) لا يجزئه لان القنوت للدعاء وهذا ليس
497

بدعاء والثاني هو الصحيح أو الصواب لان قراءة القرآن في الصلاة في غير القيام مكروهة قال أصحابنا
ولو قنت بالمنقول عن عمر رضي الله تعالى عنه كان حسنا وهو الدعاء الذي ذكره المصنف رواه
البيهقي وغيره قال البيهقي هو صحيح عن عمرو اختلف الرواة في لفظه والرواية التي أشار البيهقي إلى
اختيارها رواية عطاء عن عبيد الله بن عمر رضي الله عنهم قنت بعد الركوع فقال " اللهم اغفر لنا
وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك
وعدوهم اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون
أولياءك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من
من يفجرك بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد واليك نسعي ونحفد ونخشى
عذابك ونرجوا رحمتك ان عذابك الجد بالكفار ملحق " هذا لفظ رواية البيهقي ورواه من طرق
أخرى أخصر من هذا وفيه تقديم وتأخير وفيه أنه قنت قبل الركوع في صلاة الفجر قال البيهقي ومن
روى عن عمر رضي الله عنه قنوته بعد الركوع أكثر فقد رواه أبو رافع وعبيد بن عمير وأبو عثمان
النهدي وزيد بن وهب والعدد أولى بالحفظ من الواحد وفى حسن سياق عبيد بن عمير للحديث
دلالة على حفظه وحفظ من حفظ عنه واقتصر البغوي في شرح السنة على الرواية الأولى وروى
البيهقي بعض هذا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكن اسناده مرسل والله أعلم (وقوله) اللهم
عذب كفرة أهل الكتاب إنما اقتصر على أهل الكتاب لأنهم الذين كانوا يقاتلون المسلمين
في ذلك العصر واما الآن فالمختار أن يقال عذب الكفرة ليعم أهل الكتاب وغيرهم من الكفار
فان الحاجة إلى الدعاء على غيرهم أكثر والله أعلم: قال أصحابنا يستحب الجمع بين قنوت عمر رضى
498

الله عنه وبين ما سبق فان جمع بينهما فالأصح تأخير قنوت عمر وفى وجه يستحب تقديمه وان اقتصر
فليقتصر على الأول وإنما يستحب الجمع بينهما إذا كان منفردا أو امام محصورين يرضون بالتطويل
والله أعلم (الرابعة) هل يستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد القنوت فيه وجهان (الصحيح)
المشهور وبه قطع المصنف والجمهور يستحب (والثاني) لا يجوز فان فعلها بطلت صلاته لأنه نقل ركنا
إلى غير موضعه قاله القاضي حسين وحكاه عنه البغوي وهو غلط صريح ودليل المذهب أن في رواية
من حديث الحسن رضي الله تعالى عنه قال " علمني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هؤلاء الكلمات في
الوتر قال اللهم اهدني فذكر الألفاظ الثمانية وقال في آخرها تباركت وتعاليت وصلى الله على النبي "
هذا لفظه في رواية النسائي باسناد صحيح أو حسن *
(فرع) قال البغوي يكره إطالة القنوت كما يكره إطالة التشهد الأول قال وتكره قراءة القرآن فيه
فان قرأ لم تبطل صلاته ويسجد للسهو (الخامسة) هل يستحب رفع اليدين في القنوت فيه وجهان
مشهوران (أحدهما) لا يستحب وهو اختيار المصنف والقفال والبغوي وحكاه امام الحرمين عن
499

كثيرين من الأصحاب وأشاروا إلى ترجيحه واحتجوا بان الدعاء في الصلاة لا ترفع له اليد كدعاء
السجود والتشهد (والثاني) يستحب وهذا هو الصحيح عند الأصحاب وفى الدليل وهو اختيار أبى
زيد المروزي إمام طريقة أصحابنا الخراسانيين والقاضي أبو الطيب في تعليقه وفى المنهاج والشيخ
أبي محمد وابن الصباغ والمتولي والغزالي والشيح نصر المقدسي في كتبه الثلاث الانتخاب والتهذيب
والكافي وآخرين قال صاحب البيان وهو قول أكثر أصحابنا واختاره من أصحابنا الجامعين بين
الفقه والحديث الامام الحافظ أبو بكر البيهقي واحتج له البيهقي بما رواه باسناد له صحيح أو حسن عن
أنس رضي الله عنه في قصة القراء الذين قتلوا رضي الله تعالى عنهم قال " لقد رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم كلما صلي الغداة يرفع يديه يدعو عليهم يعني على الذين قتلوهم " قال البيهقي رحمه
الله تعالى ولان عددا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم رفعوا أيديهم في القنوت ثم روى عن أبي
رافع قال " صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقنت بعد الركوع ورفع يديه وجهر بالدعاء "
قال البيهقي هذا عن عمر صحيح وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه باسناد فيه ضعف وروى عن
ابن مسعود وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما في قنوت الوتر واما مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من
الدعاء فان قلنا لا يرفع اليدين لم يشرع المسح بلا خلاف وإن قلنا يرفع فوجهان (أشهرهما) انه يستحب
وممن قطع به القاضي أبو الطيب والشيخ أبو محمد الجويني وابن الصباغ والمتولي والشيخ نصر في كتبه والغزالي
500

وصاحب البيان (والثاني) لا يمسح وهذا هو الصحيح صححه البيهقي والرافعي وآخرون من المحققين
قال البيهقي لست أحفظ في مسح الوجه هنا عن أحد من السلف شيئا وإن كان يروى عن بعضهم
في الدعاء خارج الصلاة فأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت فيه خبر ولا أثر ولا قياس فالأولى أن لا
يفعله ويقتصر على ما نقله السلف عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة ثم روى
باسناده حديثا من سنن أبي داود عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سلوا الله ببطون كفوفكم ولا تسألوه بظهورها فإذا
فرغتم فامسحوا بها وجوهكم " قال أبوا داود روى هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب
كلها واهية هذا متنها وهو ضعيف أيضا ثم روى البيهقي عن علي الباشاني قال سألت عبد الله - يعنى
ابن المبارك - عن الذي إذا دعا مسح وجهه قال لم أجد له ثبتا قال على ولم أره يفعل ذلك قال وكان
عبد الله يقنت بعد الركوع في الوتر وكان يرفع يديه هذا آخر كلام البيهقي في كتاب السنن وله رسالة
مشهورة كتبها إلى الشيخ أبى محمد الجويني أنكر عليه فيها أشياء من جملتها مسحه وجهه بعد القنوت
وبسط الكلام في ذلك وأما حديث عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
" كان إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه " رواه الترمذي وقال حديث غريب
انفرد به حماد ابن عيسى وحماد هذا ضعيف وذكر الشيخ عبد الحق هذا الحديث في كتابه الأحكام
وقال الترمذي وهو حديث صحيح وغلط في قوله أن الترمذي قال هو حديث صحيح وإنما قال
غريب والحاصل لأصحابنا ثلاثة أوجه (الصحيح) يستحب رفع يديه دون مسح الوجه (والثاني)
لا يستحبان (والثالث) يستحبان وأما غير الوجه من الصدر وغيره فاتفق أصحابنا على أنه لا يستحب
بل قال ابن الصباغ وغيره هو مكروه والله أعلم (السادسة) إذا قنت الامام في الصبح هل يجهر
بالقنوت فيه وجهان مشهوران عند الخراسانيين وحكاهما جماعة من العراقيين ومنهم صاحب الحاوي
(أحدهما) لا يجهر كالتشهد وكسائر الدعوات (وأصحهما) يستحب الجهر وبه قطع أكثر العراقيين
ويحتج له بالحديث الذي سنذكره إن شاء الله تعالى قريبا عن صحيح البخاري في قنوت النازلة
وبالقياس على ما لو سأل الرحمة أو استعاذ من العذاب في أثناء القراءة فأن المأموم يوافقه في السؤال
ولا يؤمن وبهذا استدل المتولي وأما المنفرد فيسر به بلا خلاف صرح به الماوردي والبغوي وغيرهما
وأما المأموم فان قلنا لا يجهر الامام قنت وأسر وان قلنا يجهر الامام فإن كان يسمع الامام فوجهان
مشهوران للخراسانيين (أصحهما) يؤمن على دعاء الامام ولا يقنت وبهذا قطع المصنف والأكثرون
(والثاني) يتخير بين التأمين والقنوت فان قلنا يؤمن فوجهان (أحدهما) يؤمن في الجميع (وأصحهما)
501

وبه قطع الأكثرون يؤمن في الكلمات الخمس التي هي دعاء وأما الثناء وهو قوله فإنك تقضي ولا
يقضى عليك إلى آخره فيشاركه في قوله أو يسكت والمشاركة أولي لأنه ثناء وذكر لا يليق فيه
التأمين وإن كان لا يسمع الامام لبعد أو غيره وقلنا لو سمع لامن فهنا وجهان (أصحهما) يقنت
(والثاني) يؤمن وهما كالوجهين في استحباب قراءة السورة إذا لم يسمع قراءة الإمام هذا كله
في الصبح وفيما إذا قنت في الوتر في النصف الأخير من شهر رمضان وأما إذا قنت في باقي المكتوبات
حيث قلنا به فقال الرافعي كلام الغزالي يقتضي انه يسر به في السريات وفى جهره به في الجهريات
الوجهان قال واطلاق غيره يقتضي طرد الخلاف في الجميع قال وحديث قنوت النبي صلى الله
تعالى عليه وسلم حين قتل القراء رضي الله عنهم يقتضى أنه كان يجهر به في جميع الصلوات هذا
كلام الرافعي والصحيح أو الصواب استحباب الجهر ففي البخاري في تفسير قول الله تعالى
(ليس لك من الامر شئ) عن أبي هريرة رضي الله عنه " أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم جهر
بالقنوت في قنوت النازلة " وفى الجهر بالقنوت أحاديث كثيرة صحيحة سنذكرها إن شاء الله تعالى
قريبا في فرع مذاهب العلماء في القنوت واحتج المصنف والأصحاب في استحباب تأمين المأموم
على قنوت الامام بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال " قنت رسول الله شهرا متتابعا في الظهر
والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده في الركعة الآخرة
يدعو على أحياء من بنى سليم على رعل وذكوان وعصية ويؤمن من خلفه " رواه أبو داود باسناد
حسن أو صحيح (السابعة) في ألفاظ الفصل (القنوت) في اللغة له معان (منها) الدعاء ولهذا سمي هذا الدعاء
قنوتا ويطلق على الدعاء بخير وشر يقال فنت له وقنت عليه (قوله) قنت شهرا يدعوا عليهم ثم تركه
معناه قنت شهرا يدعو على الكفار الذين قتلوا أصحابه القراءة ببئر معونة - بفتح الميم
وبالنون (وقوله) ثم تركه فيه قولان للشافعي رحمه الله حكاهما البيهقي (أحدهما) ترك القنوت في غير
الصبح (والثاني) ترك الدعاء عليهم ولعنتهم واما الدعاء في الصبح فلم يتركه (قوله) لا يذل من
واليت هو - بفتح الياء وكسر الذال - (قوله) ونخلع من يفجرك أي نترك من يعصيك ويلحد في
صفاتك وهو - بفتح الياء وضم الجيم - (قوله) واليك نسعي ونحفد هو - بفتح النون وكسر الفاء - أي
نسارع إلى طاعتك وأصل الحفد العمل والخدمة (قوله) ان عذابك الجد - هو بكسر الجيم - أي الحق
ولم تقع هذه اللفظة في المهذب (قوله) ملحق الأشهر فيه كسر الحاء رواه البيهقي عن أبي عمرو بن
العلاء وهو قول الأصمعي وأبي عبيدة والأكثرين من أهل اللغة وحكي ابن قتيبة وآخرون فيه
502

الفتح فمن افتح فمعناه إن شاء الله ألحقه بهم ومن كسر معناه لحق كما يقال أينبت الزرع بمعنى نبت
(قوله) وأصلح ذات بينهم أي أمورهم ومواصلاتهم (قوله) والف بين قلوبهم أي أجمعها على الخير
(قوله) الحكمة هي كل ما منع القبيح (قوله) وأوزعهم أي ألهمهم (قوله) واجعلنا منهم أي ممن هذه
صفته (قوله) أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لم يرفع اليد إلا في ثلاثة مواطن في الاستسقاء
والاستنصار وعشية عرفة والمراد بالاستنصار الدعاء بالنصر على الكفار (قوله) لما روى الحسن
ابن علي هو أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وريحانته
اختلف في وقت ولادته والأصح أنه في نصف شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة وتوفى بالمدينة
ودفن بالبقيع سنة تسع وأربعين وقيل سنة خمسين وقيل إحدى وخمسين ومناقبه كثيرة مشهورة
في الصحيحين وغيرهما رضى الله تعالى عنه
(وأما أبو رافع) الذي روى عنه في الكتاب قنوت
عمر رضى الله تعالى عنه فهو أبو رافع الصائغ واسمه نقيع - بضم النون - من كبار التابعين وأخيارهم بكى
حين أعتق وقال كان لي أجران فذهب أحدهما *
503

(فرع) في مذاهب العلماء في اثبات القنوت في الصبح: مذهبنا أنه يستحب القنوت فيها سواء
نزلت نازلة أو لم تنزل وبها قال أكثر السلف ومن بعدهم أو كثير منهم وممن قال به أبو بكر
الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعلي وابن عباس والبراء بن عازب رضي الله عنهم رواه البيهقي
بأسانيد صحيحة وقال به من التابعين فمن بعدهم خلائق وهو مذهب ابن أبي ليلي والحسن ابن
صالح ومالك وداود وقال عبد الله بن مسعود وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري واحمد
لا قنوت في الصبح قال احمد الا الامام فيقنت إذا بعث الجيوش وقال إسحاق يقنت للنازلة خاصة
واحتج لهم بحديث أنس رضي الله عنه " ان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قنت شهرا بعد الركوع
يدعو على احياء من العرب ثم تركه " رواه البخاري ومسلم وفى صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله عنه
" ان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قنت بعد الركوع في صلاته شهرا يدعو لفلان وفلان ثم ترك
الدعاء لهم " وعن سعد بن طارق قال " قلت لأبي يا أبي انك قد صليت خلف رسول الله صلى الله تعالى
عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان وعلي فكانوا يقنتون في الفجر فقال أي بنى فحدث " رواه
النسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال " ما قنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ من صلاته " وعن أبي مخلد قال صليت مع ابن عمر رضي الله
تعالى عنهما الصبح فلم يقنت فقلت له الا أراك تقنت فقال ما احفظه عن أحمد من أصحابنا وعن ابن
عباس رضي الله عنهما " القنوت في الصبح بدعة " وعن أم سلمة " عن النبي صلى الله تعالى عليه
وسلم انه نهى عن القنوت في الصبح " رواه البيهقي واحتج أصحابنا بحديث انس رضي الله عنه
" أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قنت شهرا يدعوا عليهم ثم ترك فأما في الصبح فلم يزل يقنت
حتى فارق الدنيا " حديث صحيح رواه جماعة من الحفاظ وصححوه وممن نص على صحته الحافظ
أبو عبد الله محمد بن علي البلخي والحاكم أبو عبد الله في مواضع من كتبه والبيهقي ورواه الدارقطني
504

من طرق بأسانيد صحيحة وعن العوام بن حمزة قال " سألت أبا عثمان عن القنوت في الصبح
قال بعد الركوع قلت عمن قال عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم " رواه البيهقي وقال
هذا إسناد حسن ورواه البيهقي عن عمر أيضا من طرق وعن عبد الله بن معقل - بفتح الميم وإسكان
العين المهملة وكسر القاف - التابعي قال " قنت علي رضي الله عنه في الفجر " رواه البيهقي وقال هذا
عن علي صحيح مشهور وعن البراء رضى الله تعالى عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت
في الصبح والمغرب " رواه مسلم ورواه أبو داود وليس في روايته ذكر المغرب ولا يضر ترك الناس القنوت في
صلاة المغرب لأنه ليس بواجب أو دل الاجماع على نسخه فيها وأما الحواب عن حديث أنس وأبي هريرة رضي
الله عنهما في قوله ثم تركه فالمراد ترك الدعاء على أولئك الكفار ولعنتهم فقط لا ترك جميع القنوت
أو ترك القنوت في غير الصبح وهذا التأويل متعين لان حديث أنس في قوله " لم يزل يقنت في الصبح
حتى فارق الدنيا " صحيح صريح فيجب الجمع بينهما وهذا الذي ذكرناه متعين للجمع وقد روى
البيهقي بإسناده عن عبد الرحمن بن مهدي الامام أنه قال إنما ترك اللعن ويوضح هذا التأويل رواية
أبي هريرة السابقة وهي قوله " ثم ترك الدعاء لهم " والجواب عن حديث سعد بن طارق أن رواية
الذين أثبتوا القنوت معهم زيادة علم وهم أكثر فوجب تقديمهم وعن حديث ابن مسعود أنه ضعيف
جدا لأنه من رواية محمد بن جابر السحمي وهو شديد الضعف متروك ولأنه نفي وحديث أنس إثبات
فقدم لزيادة العلم وحديث ابن عمر أنه لم يحفظه أو نسيه وقد حفظه أنس والبراء بن عازب وغيرهما
فقدم من حفظ وعن حديث ابن عباس أنه ضعيف جدا وقد رواه البيهقي من رواية أبى ليلي الكوفي
وقال هذا لا يصح وأبو ليلى متروك وقد روينا عن ابن عباس انه " قنت في الصبح " وعن حديث
أم سلمة انه ضعيف لأنه من رواية محمد بن يعلي عن عنبسة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن نافع عن أبيه
عن أم سلمة قال الدارقطني هؤلاء الثلاثة ضعفاء ولا يصح لنافع سماع من أم سلمة والله أعلم *
(فرع) في القنوت في غير الصبح إذا نزلت نازلة: قدمنا ان الصحيح في مذهبنا انها إن نزلت قنت
505

في جميع الصلوات وقال الطحاوي لم يقل أحد من العلماء بالقنوت في غير الصبح من المكتوبات غير
الشافعي قال الشيخ أبو حامد هذا غلط منه بل قد قنت علي رضي الله عنه بصفين ودليلنا على من خالفنا
الأحاديث الصحيحة المشهورة في الصحيحين " أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قنت شهرا لقتل
القراء رضي الله عنهم " وقد سبقت جملة من هذه الأحاديث وباقيها مشهور في الصحيح *
(فرع) في مذهبهم في محل القنوت: قد ذكرنا أن مذهبنا أن محله بعد رفع الرأس من الركوع وبهذا قال
أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعلي رضى تعالي عنهم حكاه ابن المنذر عنهم ورواه البيهقي
عنهم وعن أنس قال ابن المنذر وروينا عن عمر وعلى وابن مسعود وابن عباس وابن موسى الأشعري
والبراء وأنس وعمر بن عبد العزيز وعبيدة السلماني وحميد الطويل وعبد الرحمن بن أبي ليلي رضي
الله عنهم وبهذا قال مالك واسحق وحكى ابن المنذر التخيير قبل الركوع وبعده عن أنس
وأيوب السختياني وأحمد وقد جاءت الأحاديث بالأمرين ففي الصحيحين عن أبي هريرة " أن
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قنت بعد الركوع " وعن ابن سيرين قال " قلت لأنس قنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح قال نعم بعد الركوع يسيرا " رواه البخاري
ومسلم وعن أنس رضي الله عنه " ان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قنت شهرا
بعد الركوع في الفجر يدعوا علي بني عصية " رواه البخاري ومسلم وعن عاصم قال
" سألت أنسا عن القنوت أكان قبل الركوع أو بعده قال قبله قلت فان فلانا أخبرني عنك
506

انك قلت بعد الركوع قال كذب إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا "
رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ البخاري وعن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما " انه سمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول اللهم العن فلانا
وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل الله تعالى ليس لك من الامر شئ " رواه
البخاري وعن حفاف بن إيماء رضي الله عنه قال " ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رفع رأسه
فقال غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله وعصية عصت الله ورسوله اللهم العن بنى لحيان والعن رعلا
وذكوان ثم خر ساجدا " رواه مسلم قال البيهقي وروينا عن عاصم الأحول عن أنس انه أفتى بالقنوت
بعد الركوع ثم ذكرنا بإسناده عن عاصم عن أنس قال " إنما قنت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
شهرا فقلت كيف القنوت قال بعد الركوع " قال البيهقي فقد أخبرنا أن القنوت المطلق المعتاد بعد
الركوع قال وقوله إنما قنت شهرا يريد به اللعن قال البيهقي ورواة القنوت بعد الركوع أكثر واحفظ
فهو أولى وعلى هذا درج الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم في أشهر الروايات عنهم وأكثرها والله أعلم *
(فرع) في مذاهبهم في رفع اليدين في القنوت: قد سبق أن الصحيح في مذهبنا عند الأكثرين
استحبابه وهو المختار قال ابن المنذر وروينا عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس رضي الله تعالى
عنهم قال وبه قال احمد وإسحاق وأصحاب الرأي قال وكان يزيد ابن أبي مريم ومالك
والأوزاعي لا يرون ذلك وقد سبق دليل الجميع والله أعلم *
(فرع) في استحباب رفع اليدين في الدعاء خارج الصلاة وبيان جملة من الأحاديث الواردة فيه: اعلم أنه
مستحب لما سنذكره إن شاء الله تعالى عن أنس رضي الله عنه " أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم استسقى ورفع
يديه وما في السماء قزعة فثار سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل من منبره حتى رأيت المطر يتحادر
من لحيته " رواه البخاري ومسلم ورويا بمعناه عن أنس من طرق كثيرة وفى رواية للبخاري
507

" فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ورفع الناس أيديهم مع رسول صلى الله عليه وسلم
يدعون فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا فما زلنا بمطر حتى كانت الجمعة الأخرى وذكر تمام
الحديث " وثبت رفع اليدين في الاستسقاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية جماعة من
الصحابة غير أنس وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وعن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي رضي
الله تعالى عنه " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله حي كريم سخي إذا رفع الرجل يديه إليه
أن يردهما صفرا خائبتين " رواه أبو داود وقال حديث حسن (والصفر) بكسر الصاد الخالي
وعن أنس رضي الله تعالى عنه في قصة القراء الدين قتلوا قال " لقد رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم كلما صلى الغداة رفع يديه يدعو عليهم يعنى على الذين قتلوهم " رواه البيهقي باسناد صحيح
حسن وقد سبق وعن عائشة رضي الله تعالى عنها في حديثها الطويل في خروج النبي صلى الله عليه
وسلم في الليل إلى البقيع للدعاء لأهل البقيع والاستغفار لهم قالت " أتى البقيع فقال فأطال القيام
ثم رفع يديه ثلاث مرات ثم انحرف قال أن جبريل عليه السلام أتاني فقال إن ربك يأمرك أن تأتي
أهل البقيع وتستغفر لهم " رواه مسلم وعن عمر بن الخطاب رضى تعالى عنه قال " لما كان يوم
بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم الف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا
فاستقبل نبي الله صلي لله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه يقول اللهم أنجز لي ما وعدتني
اللهم آت ما وعدتني فما زال يهتف بربه مادا يديه حتى سقط رداءه عن منكبيه " رواه مسلم (قوله)
يهتف - بفتح أوله وكسر التاء المثناة فوق - يقال هتف يهتف إذا رفع صوته بالدعاء وغيره وعن ابن
عمر رضي الله عنهما " أنه كان يرمى الجمرة سبع حصياة يكبر على أثر كل حصاة ثم يتقدم حتى
يستقبل فيقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلا ويدعو ويرفع يديه ثم يرمى الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال
فيستقبل ويقوم طويلا ويدعو ويرفع يديه ثم يرمى جمرة ذات العقبة ولا يقف عندها ثم ينصرف
فيقول هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله " رواه البخاري وعن أنس رضي الله عنه
قال " صبح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بكرة وقد خرجوا بالمساحي فرفع النبي صلى الله تعالى
عليه وسلم يديه وقال الله أكبر خربت خيير " رواه البخاري في آخر علامات النبوة من
508

صحيحه وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال " لما فرع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من
خبير بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس وذكر الحديث وان أبا عامر رضي الله عنه استشهد
فقال لأبي موسى يا ابن أخي امرني النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقل له استغفر لي ومات أبو عامر
قال أبو موسى فرجعت إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فأخبرته فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه
فقال اللهم اغفر لعبدك أبى عامر ورأيت بياض إبطيه ثم قال اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من
خلقك ومن الناس فقلت ولي فاستغفر فقال اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة
مدخلا كريما " رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه " أن النبي صلى الله تعالى
عليه وسلم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام
ومشربه حرام فانى يستجاب لذلك " رواه مسلم وعن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه " أن رسول
الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذهب إلى بنى عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء
المؤذن إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال أتصلي بالناس فأقيم فقال نعم قال فصلي بهم أبو بكر رضى الله
تعالى عنه فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر
لا يلتفت فالتفت أبو بكر رضي الله تعالى عنه فأشار إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن أئبت مكانك
فرفع أبو بكر يديه رضي الله عنه فحمد الله تعالى على ما أمره به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من ذلك "
رواه البخاري ومسلم وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت " رأيت النبي صلى الله تعالى عليه
وسلم يدعو رافعا يديه يقول إنما انا بشر فلا تعاقبني أيما رجل من المؤمنين أذيته أو شتمته فلا
تعاقبني فيه " وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال " استقبل رسول الله صلى الله تعالى عليه
وسلم القبلة وتهيأ ورفع يديه وقال اللهم اهد أو ساوأت بهم " وعن جابر رضي الله تعال عنه " ان
الطفيل بن عمرو قال للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم هل لك في حصن حصين ومنعة وذكر الحديث
في هجرته مع صاحب له وان صاحبه مرض فجزع فجرح يديه فمات فرآه الطفيل في المنام فقال ما فعل الله
بك فقال غفر لي بهجرتي إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال ما شأن يديك قال قيل لن يصلح
منك ما أفسدت من نفسك فقصها الطفيلي على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال اللهم وليديه فاغفر
509

رفع يديه " وعن علي رضي الله تعالى عنه " قال جاءت امرأة الوليد إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
تشكوا إليه زوجها انه يضربها فقال اذهبي إليه فقولي له كيت وكيت إن النبي صلى الله تعالى عليه
وسلم يقول فذهبت ثم عادت فقالت إنه عاد يضربني فقال اذهبي فقولي له كيت وكيت فقالت إنه يضربني
فرفع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يده فقال اللهم عليك الوليد " وعن عائشة رضي الله تعالى
عنها قالت " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا يديه حتى بدا ضبعاه يدعو لعود عثمان
رضى الله تعالى عنه " وعن محمد بن إبراهيم التيمي قال " أخبرني من رأى النبي صلى الله تعالى
510

عليه وسلم يدعو عند أحجار الزيت باسطا كفيه " وعن أبي عثمان قال " كان عمر رضي الله تعالى عنه
يرفع يديه في القنوت " وعن الأسود أن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه " كان يرفع يديه في القنوت "
هذه الأحاديث من حديث عائشة إنما أنا بشر فلا تعاقبني إلى آخرها رواها البخاري في كتاب
رفع اليدين بأسانيد صحيحة ثم قال في آخرها هذه الأحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله تعالى
عليه وسلم وأصحابه وفى المسألة أحاديث كثيرة غير ما ذكرته وفيما ذكرته كفاية والمقصود أن
يعلم أن من ادعي حصر المواضع التي وردت الأحاديث بالرفع فيها فهو غالط غلطا فاحشا والله تعالى اعلم *
قال المصنف رحمه الله تعالى *
511

* (والفرض مما ذكرنا أربعة عشر النية وتكبيرة الاحرام والقيام وقراءة الفاتحة والركوع
حتى يطمئن فيه والرفع من الركوع حتى يعتدل والسجود حتى يطمئن والجلوس بين السجدتين حتى
يطمئن والجلوس في آخر الصلاة والتشهد فيه والصلاة على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
فيه والتسليمة الأولي ونية الخروج وترتيب أفعالها على ما ذكرناه والسنن خمس وثلاثون رفع اليدين في
تكبيرة الاحرام والركوع والرفع من الركوع ووضع اليمين على الشمال والنظر إلى موضع السجود
ودعاء الاستفتاح والتعوذ والتأمين وقراءة السورة بعد الفاتحة والجهر والاسرار والتكبيرات سوى
512

تكبيرة الاحرام والتسميع والتحميد في الرفع من الركوع والتسبيح في الركوع والتسبيح في السجود
ووضع اليد على الركبة في الركوع ومد الظهر والعنق فيه والبداية بالركبة ثم باليد في السجود ووضع
الانف في السجود ومجافاة المرفق عن الجنب في الركوع والسجود واقلال البطن عن الفخذ في السجود
والدعاء في الجلوس بين السجدتين وجلسة الاستراحة ووضع اليد على الأرض عند القيام والتورك
في آخر الصلاة والافتراش في سائر الجلسات ووضع اليد اليمني على الفخذ اليمنى مقبوضة والإشارة
بالمسبحة ووضع اليد اليسرى على الفخذ اليسرى مبسوطة والتشهد الأول والصلاة على رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيه والصلاة على آله في التشهد الأخير والدعاء في آخر الصلاة والقنوت في الصبح والتسليمة
الثانية ونية السلام على الحاضرين) * *
513

* (الشرح) * أما الفروض فهي على ما ذكر إلا أن فيه الخروج من الصلاة فيها خلاف سبق وذكرنا
هناك أن الأصح أنها سنة وليست بواجبة وضم ابن القاص والقفال إلى الفروض استقبال القبلة وهو
ضعيف بل الصحيح الذي عليه الجمهور أن الاستقبال شرط لا فرض وذكر جماعة ان نية الصلاة
شرط لا فرض والصحيح الذي عليه الأكثرون أنها فرض وقد سبقت المسألة في موضعها مبسوطة
وذكر الغزالي في البسيط وجهين في أن السجدة الثانية ركن مستقل كالركوع أم ركن متكرر كالركوع
في الركعة الثانية قال والصحيح الأول لأنه يفصل بينها وبين السجدة الأولي ركن قال وهذا الخلاف
514

إنما هو في العبارة وأما السنن فمنها هذه الخمس والثلاثون التي ذكرها وبقي منها سنن لم يذكرها
المصنف هنا وقد ذكر هو كثيرا في موضعه فكأنه استغنى بذاك عن ذكره هنا وكان ينبغي أن
لا يستغنى به كما لم يستغن في هذه الخمس والثلاثين وإن كانت قد سبقت في موضعها لان مراده هنا حصرها
وضبطها بالعدد فمما تركه تفريق أصابع يديه إذا رفعها وتفريقها على الركبة في الركوع وضمها إلى القبلة
515

في السجود وتوجيه أصابع رجليه إلى القبلة في السجود وجعل يديه حذو منكبيه في السجود والاعتماد
عليها في السجود والدعاء في السجود وجعل اليد اليمني على اليسرى فوق السرة والجهر بالتأمين
والالتفات من التسليمتين يمينا وشمالا وغيرها مما سبق وكثير من هذا المذكورات يقال استغنى لكونه
وصفا لشئ ذكره هنا واستغنى بذكر الموصوف والله أعلم * وقوله التسميع والتحميد في الرفع من الركوع
كان ينبغي أن يقول التسميع في الرفع والتحميد في الاعتدال منه لان التحميد لا يشرع في الرفع إنما يشرع
إذا اعتدل وكأنه اختصر واستغنى بذكره على وجهه في موضعه *
516

(فرع) قال أصحابنا للصلاة أركان وأبعاض وهيئات وشروط فالأركان هي الفروض التي
ذكرها المصنف وتكلمنا عليها والأبعاض ستة أحدها القنوت في الصبح وفي الوتر في النصف الثاني
من شهر رمضان والثاني القيام للقنوت والثالث التشهد الأول والرابع الجلوس له والخامس الصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول إذا قلنا هي سنة والسادس الجلوس للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
في التشهدين إذا قلنا هي سنة فيهما وقد سبق بيان كل ذلك في موضعه * وأما الهيئات وهي السنة التي
ليست أبعاضا فكل ما يشرع في الصلاة غير الأركان والأبعاض * واما الشروط فخمسة الطهارة عن الحدث
والطهارة عن النجس واستقبال القبلة وستر العورة ومعرفته الوقت يقينا أو ظنا بمستند وضم الفوراني والغزالي
517

إلى الشروط ترك في الصلاة وترك الكلام وترك الأكل والصواب ان هذه ليست بشروط
وإنما هي مبطلات الصلاة كقطع النية وغير ذلك ولا تسمى شروطا لا في اصطلاح أهل الأصول ولا في
اصطلاح الفقهاء وان أطلقوا عليها في موضع اسم الشرط كان مجازا لمشاركتها الشرط في عدم صحة الصلاة
عند اختلاله والله أعلم: قال أصحابنا من ترك ركنا أو شرطا لم تصح صلاته الا في مواضع مخصوصة بعذر
في بعض الشروط كفاقد السترة وان ترك غيرهما صحت وفاته الفضيلة سواء تركه عمدا أو سهوا لكن إن كان
المتروك من الأبعاض سجد للسهو وإلا فلا هذا مختصر القول في هذا وهو مبسوط في مواضعه
وبالله التوفيق *
518

(فصل) في مسائل تتعلق بصفة الصلاة (أحدها) يستحب دخوله فيها بنشاط واقبال عليها وان
يتدبر القراءة والأذكار ويرتلهما وكذلك الدعاء ويراقب الله تعالى فيها ويسمع من الفكر في غير هذا حتى فرغ منها ويستحضر ما أمكنه من الخشوع والخضوع بظاهره وباطنه قال الله تعالى (قد
أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) روى البيهقي بإسناده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
في تفسير هذه الآية قال الخشوع في القلب وان تلين جانبك للمرء المسلم وان لا تلتفت في
صلاتك. وعن جماعة من السلف الخشوع السكون فيها وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال
خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس
اسكنوا في الصلاة " رواه مسلم الخيل الشمس ذات التوثب والنفار. وعن عقبة بن عامر رضي الله
عنه انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي
ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه الا وجبت له الجنة " رواه مسلم: وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الطويل ذكر فضل الوضوء وفى آخره ان قال فصلي
فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله إلا أنصرف من خطيئته كهيئة يوم ولدته
519

أمه " رواه مسلم: وعن عثمان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من
امرئ مسلم يحضر صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها الا كانت كفارة لما قبلها
520

من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله " رواه مسلم وعن أبي اليسر - بفتح المثناة تحت والعين
المهملة - واسمه كعب بن عمرو وهو آخر من توفى من أهل بدر رضي الله عنهم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " منكم من يصلي الصلاة كاملة ومنكم من يصلي النصف والثلث والربع والخمس
حتى بلغ العشر " رواه النسائي باسناد صحيح وروى النسائي أيضا نحوه أو مثله عن عمار بن ياسر
رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم واسناده أيضا صحيح وقد ذكر البيهقي اختلاف
الرواة فيه وروى البيهقي باسناده الصحيح عن مجاهد قال كان ابن الزبير رضي الله عنهما إذا قام
521

في الصلاة كأنه عود وحدث ان أبا بكر رضي الله عنه قال كذلك قال فكان يقال ذلك الخشوع في الصلاة
والأحاديث والآثار في المسألة كثيرة مشهورة والله أعلم (المسألة الثانية) قال الشافعي رحمه الله في الأم أرى في
كل حال للامام أن يرتل التشهد والتسبيح والقراءة أو يزيد فيها شيئا بقدر ما يرى أن من وراءه ممن
يثقل لسانه قد بلغ أو يؤدى ما عليه وكذلك أرى له في الحفض والرفع أن يتمكن ليدركه الكبير
والضعيف والثقيل وإن لم يفعل وفعل بأخف الأشياء كرهت ذلك له ولا سجود للسهو عليه هذا
نصه واتفق الأصحاب عليه وهذه المسألة بباب صلاة الجماعة أليق لكن لها تعلق بهذا الباب وهنا
522

ذكرها الشافعي رحمه الله وسعيدها مبسوطة بفروعها هناك إن شاء الله تعالى (الثالثة) قال صاحب
التهذيب يشترط لصحة الصلاة العلم بأنها فرض ومعرفة اعمالها قال فان جهل فرضية أصل الصلاة
أو علم أن بعض الصلاة فريضة ولم يعلم فريضة الصلاة التي شرع فيها لم تصح صلاته وكذا إذا لم
يعرف فرضية الوضوء أما إذا علم فرضية الصلاة ولم يعلم أركانها فله ثلاثة أحوال (أحدها)
أن يعتقد جميع أفعالها سنة (والثاني) أن يعتقد بعض أفعالها فرضا وبعضها سنة ولا يميز الفرض من السنة
فلا تصح صلاته في هذين الحالين بلا خلاف هكذا صرح به القاضي حسين وصاحباه المتولي والبغوي (الثالث)
ان يعتقد جميع أفعالها فرضا فوجهان حكاهما القاضي حسين والبغوي (أحدهما) لا تصح صلاته لأنه ترك معرفة ذلك
523

وهي واجبة (وأصحهما) تصح وبه قطع المتولي لأنه ليس فيه أكثر من أنه أدى سنة باعتقاد الفرض وذلك
لا يؤثر قال البغوي فإن لم نصحح صلاته ففي صحة وضوئه في هذه الحالة وجهان هكذا ذكر هؤلاء
هذه المسائل ولم يفرقوا بين العامي وغيره وقال الغزالي في الفتاوى العامي الذي لا يميز فرائض صلاته
من سننها تصح صلاته بشرط أن لا يقصد التنفل بما هو فرض فان نوى التنفل به لم يعتد به ولو
غفل عن التفصيل فنية الجملة في الابتداء كافية هذا كلام الغزالي وهو الصحيح الذي يقتضيه ظاهر
أحوال الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم الزم الاعراب وغيرهم
هذا التمييز ولا أمر بإعادة صلاة من لا يعلم هذا والله أعلم: قال الشيخ أبو حامد والأصحاب ويلزم
المكلف ان يتعلم القراءة والتشهد وتكبيرة الاحرام وصفة الصلاة كلها فإن لم يتعلم فحكمه ما سبق فيمن
524

لا يحسن تكبيرة الاحرام وسبق تفصيله ونص الشافعي في الأم على أصل هذه القاعدة (الرابعة) في التنبيه
على حفظ أشياء سبقت مبسوطة في مواضعها (منها) أن رفع اليدين مستحب في ثلاثة مواضع بالاتفاق عندنا
عند الاحرام والركوع والرفع منه وكذا في القيام من التشهد الأول على المختار وتكون الأصابع مفرقة فيها
525

كلها وللأصابع أحوال في الصلاة سبق بيانها في فصل تكبيرة الاحرام وسبق أن في الصلاة الرباعية اثنتين
وعشرين تكبيرة وفى الثلاثية سبع عشرة وفى الثنائية إحدى عشرة وان في الصلاة التي تزيد على
ركعتين أربع جلسات الجلسة بين سجدتين وللاستراحة وللتشهدين يتورك في الآخرة ويفترش
في الباقي وانه يتصور في المغرب أريع تشهدات في حق المسبوق (الخامسة) قال الشافعي رحمه الله في
المختصر ولا فرق بين الرجال والنساء في عمل الصلاة إلا أن المرأة يستحب لها أن تضم بعضها إلى
بعض وأن تلصق بطنها بفخذيها في السجود كأستر ما يكون وأحب ذلك لها في الركوع وفى جميع
الصلاة وان تكثف جلبابها وتجافيه راكعة وساجدة لئلا تصفها ثيابها وأن تخفض صوتها وان نابها
شئ في صلاتها صفقت هذا نصه قال أصحابنا المرأة كالرجل في أركان الصلاة وشروطها وأبعاضها
526

وأما الهيئات المسنونات فهي كالرجل في معظمها وتخالفه فيما ذكر الشافعي يخالف النساء الرجال
في صلاة الجماعة في أشياء (أحدها) لا تتأكد في حقهن كتأكدها في حق الرجال (الثاني) تقف إمامتهن
وسطهن (الثالث) تقف واحدتهن خلف الرجل لا بجنبه بخلاف الرجل (الرابع) إذا صلين صفوفا مع الرجال
فآخر صفوفهن أفضل من أولها وستأتي هذه المسائل بدلائلها وفروعها مبسوطة في صلاة الجماعة وموقف
الإمام والمأموم إن شاء الله تعالى وأما صفة قعودها في صلاتها فكصفة قعود الرجل في جميع أحوالها
527

وقال صاحب الحاوي إذا صلت قاعدة جلست متربعة وهذا شاذ مخالف لنص الشافعي الذي ذكرناه
ولما قاله الأصحاب انها كالرجل الا فيما استثناه الشافعي * واعلم أن الشافعي رحمه الله نص هنا على
خفض صوتها وقد سبق فيه تفصيل وخلاف في فصل القراءة وبالله التوفيق *
528