الكتاب: كتاب الأم
المؤلف: الإمام الشافعي
الجزء: ١
الوفاة: ٢٠٤
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤٠٣ - ١٩٨٣ م
المطبعة:
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
ردمك:
ملاحظات: الطبعة الأولى - ١٤٠٠ - ١٩٨٠ م

الأم
1

الأم
تأليف الامام أبي عبد الله محمد بن إدريس
الشافعي
150 - 204
الجزء الأول
دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع
3

الطبعة الأولى 1400 ه‍ 1980 م
الطبعة الثانية: 1403 ه‍ 1983 م
بيروت - حارة حريك - شارع عبد النور
هاتف 273650 - 273487 - ص ب 7061
برقيا: فكسي - تلكس: LE 41392 فكر
4

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين. وصلوات الله وسلامه على سيد الخلق وإمام الحق، قائد الغر المحجلين،
وشفيع المذنبين بإذن من الله يوم يقوم الناس لرب العالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته البررة
الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وبذلوا النفس والنفيس في سبيل نصرة هذا الدين المبين.
أما بعد فلا يخفى على ذوي العقول والبصائر النيرة مكانة الفقه بالنسبة لسائر العلوم فهو الذي أشاد
الله بشرفه في كتابه حيث قال.
" فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم
يحذرون " لذلك دأب العلماء وتسابقوا في القيام بالرحلات العلمية ليفوزوا بالخير الذي سمعوا البشارة به
من النبي صلى الله عليه وسلم حين تحدث عن مكانة الفقه وقيمته بقوله " من يرد الله به خيرا يفقهه
في الدين " فأكثروا التنقل في البلاد للقاء العلماء والاخذ عنهم، ومن أبرز الأئمة الذين أكثروا من
التطواف والرحلات في مختلف الأقطار الإمام الشافعي رضي الله عنه. فقام برحلته العلمية بادئ بدء
إلى الامام مالك في المدينة فلما أترع عقله ولبه من علومه رحل إلى العراق فطوف هناك في المدن ولقى
الإمام محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وأبا يوسف القاضي وغيرهما ثم رحل إلى البلاد الفارسية
فالتقى بعلمائها ثم طاف شمال العراق فاخترق ساحل الفرات وبعض المدن سورية حتى ألقى عصا
التسيار بمدينة " الرملة " كل هذا ولم يجاوز العشرين سنة من عمره فما فتئ بعد مدة وجيزة من إقامته في
الرملة أن اعتزم الرحلة ثانيا إلى الامام مالك وبقي معه في المدينة إلى أن مات ثم توجه إلى اليمن فاكتسب
هناك علم الفراسة وازداد تفقها ثم اعتقل بتهمة التشيع للعلويين ضد العباسيين فكانت نتيجة التحقيق أن
ظهرت براءته فأطلقه الخليفة هارون الرشيد وعرف له فضله ونبوغه في شتى العلوم لا سيما فقه الكتاب
والسنة ونفوذ النظر فيهما مع دقة الاستنباط وقوة العارضة ونور البصيرة والابداع في إقامة الحجة، فلم
يقو أحد على مناظرته، والذي أوصل الشافعي إلى هذه الدرجة تلك الخطوات المحكمة التي انتهجها في
حياته العلمية، ذلك أنه تأدب بأدب البادية ووقف على علوم اللغة العربية فصيحها وغريبها وحفظ
أشعار الغرب وأيامهم فأصبح حجة في اللغة وخصوصا أشعار الهذليين.
ثم إنه تلقى علوم أهل الحضر واجتمع له علم أهل الرأي وعلم أهل الحديث فتصرف في ذلك حتى
أصل الأصول وقعد القواعد، فعلا ذكره واشتهر أمره، حتى صار أعجوبة الدنيا في عصره، وأخذ
بعد ذلك يؤلف المؤلفات ويودع حصيلته العلمية في كتب خاصة:
ومن أجمع تلك المؤلفات التي وصلت إلينا كتاب " الام " الذي نقدم له هذه المقدمة المتواضعة،
فسيرى القارئ فيه علما غزيرا، يتعلم منه كيف يكفر، وكيف يحتج وكيف يناظر، وكيف يتعلم حرية
الرأي فرحم الله الشافعي حيث رسم للناس الطريق السوي للاجتهاد ونبذ التقليد، فملا طباق الأرض
علما.
5

ترجمه
نقلا عن تاريخ الشافعي بقلمه، رواية أبي بكر محمد بن المنذر، وعن مناقب الشافعي للرازي
وعن شذرات الذهب لابن العماد، ووفيات الأعيان لابن خلكان، ورحلة الإمام الشافعي، ك‍ " منير
أدهم ".
اسمه: محمد، ويكنى، أبو عبد الله.
نسبه من جهة أبيه: هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد
بن عبد يزيد ابن هاشم بن المطلب بن عبد مناف.
نسبه من جهة أمه: القول المشهور أن أم الشافعي كانت امرأة من الأزد، وروى أنس بن
مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الأزد أزد الله " وهذا يدل على مزيد الشرف بسبب هذه الإضافة الدالة
على الاختصاص كقولنا " بيت الله " و " ناقة الله ".
زواجه ومتى كان: تزوج الشافعي بالسيدة حميدة بنت نافع حفيدة عثمان بن عفان بعد وفاة
الامام مالك سنة 197 ه‍ وكان عمره إذ ذاك ما يقرب من ثلاثين سنة كما أنه كانت له سرية من
الإماء.
أولاده: رزق من امرأته العثمانية أبو عثمان محمد، وابنتان، فاطمة وزينب وقد ارتقى أبو عثمان
محمد في المناصب حتى كان قاضيا لمدينة حلب.
ورزق من سريته ابن آخر يقال له: الحسن بن محمد بن إدريس، مات وهو طفل.
صفاته وحليته: كان رجلا طويلا حسن الخلق محببا إلى الناس نظيف الثياب فصيح اللسان
شديد المهابة كثير الاحسان إلى الخلق وكان يستعمل الخضاب بالحمرة عملا بالسنة وكان جميل
الصوت في القراءة حتى أن علماء مكة كانوا وهو في الثالثة عشرة من العمر إذا أرادوا البكاء من
خشية الله اجتمعوا وقالوا: هيا بنا إلى ذلك الصبي المطلبي ليسمعنا القرآن فيبكينا، فإذا جاؤوا وسمعوه
تساقطوا بين يديه من كثرة البكاء، وكان إذا رأى منهم ذلك أمسك عن القراءة شفقة عليهم
متى وأين ولد: في شهر رجب من سنة 150 ه‍ 767 من ولدت السيدة فاطمة أم حبيبة
الأزدية غلاما سمعته محمدا (وهو الإمام الشافعي).
أما والده المذكور فكان رجلا حجازيا فقيرا، خرج مهاجرا من مكة إلى الشام وأقام ب‍ " غزة "
و " عسقلان " ببلاد فلسطين ثم مات بعد ولادة الشافعي بقليل فكفلته أمه.
كبر الغلام وبلغ من العمر سنتين وأصبح قرة عين والدته، فرأت أمه أن تحمله إلى مكة المكرمة
صونا لنسبه من الضياع إذا بقي في " غزة " ونزلت بجوار الحرم بحي يقال له " شعب الخيف ".
6

بدء تعلمه: ولما ترعرع أرسلته أمه إلى الكتاب ولما لم يكن في طاقة أهله القيام بنفقات تعليمه
أهمله المعلم وانصرف عنه
إن المعلم والطبيب كلاهما * لا ينصحان إذا هما لم يكرما
إلا أن هذا التقصير من المعلم كان سببا في نبوغ الصبي لأنه اجتهد أن يكون دائما وقت الدرس
قريبا من المعلم وكان يستوعب بحافظته النادرة جميع ما يحفظه المعلم للصبيان حتى إذا ذهب المعلم
لقضاء حاجة أخذ الشافعي يحفظ التلاميذ ما حفظه من المعلم، وبهذه الوسيلة قويت حافظة الإمام الشافعي تدريجيا، فأحبه التلاميذ والتفوا حوله ورفعوا مكانته وصاروا طوع أمره.
ولما رأى المعلم من الشافعي هذه الحال وانه يجنى من ورائه أضعاف ما كان يطمع فيه من الاجر،
صرف عنه المطالبة بالمصروفات واعتبره في كتابه مجانا.
ولما بلغ الشافعي من العمر سبع أو تسع سنوات كان قد أتم القرآن الكريم كله. فرأى أنه لا فائدة
من بقائه في الكتاب فتركه ودخل المسجد الحرام وأقبل على علوم اللغة ودراستها أياما فبرع فيها كلها.
وبرع في لهجات العرب بسبب تلقيه اللغة عن شتى قبائل البادية فلما حصل له من ذلك الحظ الأوفر
قيل له: لو ضممت إلى ذلك، الفقه وعلوم القرآن والحديث؟! فانصرف إليها.
شيوخه بمكة: دخل المسجد الحرام وصار يجالس العلماء ويحفظ الحديث وعلوم القرآن، فقرأ
القرآن على إسماعيل بن قسطنطين وقرأ الحديث على سفيان بن عيينة، ومسلم بن خالد الزنجي، وسعيد
بن سالم القداح، وداود بن عبد الرحمن العطار، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد.
شيوخه بالمدينة: وتلقى العلم بالسنة في المدينة على الامام مالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد
الأنصاري وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وإبراهيم بن أبي يحيى الأسامي، ومحمد بن سعيد بن
أبي فديك، وعبد الله بن نافع الصائغ.
شيوخ باليمن: وسمع الحديث والفقه في اليمن، من مطرف بن مازن، وهشام بن يوسف
قاضي " صنعاء " وعمرو بن أبي سلمة صاحب الأوزاعي، ويحيى بن حسان صاحب الليث بن سد
شيوخه بالعراق: وسمع الحديث والفقه وعلو القرآن في العراق من وكيع بن الجراح، وأبو
أسامة حماد بن أسامة الكوفيان، وإسماعيل بن علية، وعبد الوهاب بن عبد المجيد البصريان.
فيكون عدد شيوخه على هذا تسعة عشرة، خمسة من مكة، وستة من المدينة وأربعة
من اليمن، وأربعة من العراق. هذا ما أفاده الرازي في مناقب الإمام الشافعي.
تلاميذه: نبغ على الشافعي كثير من الناس، في مقدمتهم أبو عبد الله أحمد بن حنبل،
والحسن ابن محمد الصباح الزعفراني، والحسين الكرابيسي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وأبو
إبراهيم إسماعيل ابن يحيى المزني، وأبو محمد الربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، وأبو
يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، وأبو حفص حرملة بن يحيى بن عبد الله التجيبي، وأبو يوسف يونس
بن عبد الأعلى، ومحمد بن عبد الله ابن عبد الحكم المصري، وعبد الله بن الزبير الحميدي.
رحلاته العلمية: كانت الرحلة على ما فيها من المشاق في سبيل تلقي العلم ديدن
العلماء، حيث يكون التلاقي بين رواد العلم والعلماء ويحصل التبحر في العلم. فلذا نرى الإمام الشافعي
7

ينهج هذا السبيل وأول رحلاته كانت إلى المدينة لما سمع بالامام مالك، فسمع الموطأ وحفظه ولقي من
الامام مالك إكراما وإجلالا حتى إنه أجلسه في مجلسه وكلفه أن يقرأ الموطأ على الناس ويمليه عليهم،
فأقام هكذا ضيفا عند الامام مالك ثمانية أشهر.
رحلته الأولى إلى بغداد: كان من عادة المصريين ان يتوجهوا إلى المدينة بعد أداء فريضة الحج
للصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولسماع الموطأ على الامام مالك. قال الشافعي:
فأحليت الموطأ عليهم حفظا، منهم عبد الله بن عبد الحكم وأشهب بن القاسم (قال الربيع: وأحسب
أنه ذكر الليث بن سعد) ثم قدم بعد ذلك أهل العراق المسجد للصلاة فيه وزائرين نبيهم.
قال الشافعي: فرأيت بين القبر والمنبر فتى جميل الوجه، نظيف الثياب، حسن الصلاة،
فتوسمت فيه خيرا، فسألته عن اسمه، فأخبرني، وسألته عن بلده فقال لي: العراق.
قال الشافعي: فقلت، أي العراق؟ فقال: في الكوفة. فقلت: من العالم بها والمتكلم في نص
كتاب الله عز وجل والمفتي بأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال لي: محمد بن الحسن،
وأبو يوسف صاحبا أبي حنيفة.
قال الشافعي: فقلت: ومتى عزمتم تظعنون؟ فقال لي: غداة غد عند انفجار الفجر.
فعدت إلى مالك فقلت له: قد خرجت من مكة في طلب العلم بغير استئذان العجوز، فأعود إليها
أو أرحل في طلب العلم.؟ فقال لي: العلم فائدة يرجع منها إلى عائدة، ألم تعلم بأن الملائكة تضع
أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب؟
قال الشافعي: فلما أزمعت على السفر زودني مالك بصاع من أقط وصاع من شعير وصاع من تمر
وسقاء ماء. فلما كان السحر وانفجر الفجر حمل بعض الإداوة وسار معي مشيعا إلى البقيع فصاح
بعلو صوته: من معه كرى راحلة إلى الكوفة؟ فأقبلت عليه فقلت له: لم تكتري ولا شئ معك ولا
شئ معي؟ فقال لي: لما انصرفت البارحة عنك بعد صلاة العشاء الآخرة إذ قرع علي قارع الباب
فخرجت إليه فأصبت عبد الرحمن بن القاسم المصري، فسألني قبول هديته فقبلتها. فدفع إلي صرة
فيها مائة مثقال، وقد أتيتك بنصفها وجعلت النصف لعيالي.
وبعد أربعة وعشرين يوما وصل ركب الحاج العراقي إلى الكوفة، وهناك اجتمع بالامامين، أبي
يوسف، ومحمد، وحصل بين الشافعي وبينهما محادثات ومناظرات علمية، لا يتسع المقام لذكر
تفاصيلها.
وقد أكرم الإمام محمد مثوى الشافعي، وعرف قدره، وأكرم ضيافته.
أقام الشافعي مدة في الكوفة ضيفا على محمد بن الحسن نسخ في خلالها كثيرا من الكتب، وتلقى
العلم عليه وكتب عنه حمل بعير من الكتب.
ثم بدا للشافعي أن يطوف في بلاد فارس وما حولها من بلاد الأعاجم وأن يطوف البلاد العراقية
فدخل بغداد وغيرها، ثم سافر إلى ديار ربيعة ومضر ومنها رحل إلى شمال العراق حتى وصل إلى جنوب
بلاد الروم (الأناضول) وعرج على " حران " وأقام بها زمنا، ثم سافر إلى فلسطين وأقام ب‍ (الرملة)
واستغرقت هذه الرحلة سنتين بدأها سنة 172 ه‍ وانتهت سنة 174 ه‍ ازداد فيها علما ووقف على أمور
8

العباد وعرف طبائع سكان تلك البلاد التي زارها وأخلاقهم وعاداتهم، ولغاتهم كما تعرف على كثير ممن
أملى عليهم الموطأ وهو في المدينة فكانوا خير معين له في هذه السياحة.
رحلته الثانية إلى المدينة: وبينما هو في " الرملة " ذات يوم إذ أقبل ركب المدينة من الحجاز فسألهم
الشافعي عن مالك فقالوا: إنه بخير وقد اتسعت أرزاقه فاشتاق الشافعي لرؤية الامام مالك في حال
غناه كما رآه في حال فقره من المال، فركب راحلته ووصل المدينة بعد سبعة وعشرين يوما. فوافق
دخوله ساعة العصر 174 ه‍ وقصد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وصلى العصر فرأى كرسيا من
الحديد عليه مخدة وحول الكرسي نحو أربعمائة دفتر، وبينما هو كذلك إذ رأى مالكا داخلا وقد فاح عطره
في المسجد وحوله جماعة يحملون ذيله حتى جلس على الكرسي، ثم طرح مسألة إثر مسألة في جراح
العمد على الموجودين فلم يجب أحد. فضاق صدر الشافعي ونظر إلى رجل كان بجانبه وهمس إليه في
أذنه بالجواب، فقال الرجل: الجواب كذا وكذا كما سمعه من الشافعي، ولما تكررت إجابة هذا
الرجل بالصواب في كل مسألة قال له مالك: من أين لك هذا العلم؟ فقال الرجل: إن بجانبي شابا
يقول لي: الجواب كذا وكذا، فاستدعى الامام مالك الشاب فإذا هو الشافعي، فضمنه مالك إلى
صدره ونزل عن كرسيه وقال له: أتمم أنت هذا الباب.
وبعد أن أتم الشافعي الدرس أخذه الامام مالك إلى بيته، ولم يمض على عودة الشافعي إلى المدينة
زمن طويل حتى جاءت الاخبار من مصر بوفاة الامام الليث بن سعد في نصف شعبان سنة 175 ه‍
فحزن لوفاته مالك والشافعي.
أقام الشافعي بعد ذلك في المدينة المنورة أربع سنوات وأشهرا ملحوظا بعين الامام مالك إلى أن
توفي الامام مالك في شهر ربيع الأول سنة 197 ه‍ ودفن بالبقيع وبقي الشافعي في المدينة ولا معين له
إلا الله تعالى، وكان عمره عامئذ 29 سنة تقريبا.
رحلته إلى اليمن: وصادف بعد وفاة الامام مالك أن جاء والي اليمن إلى المدينة فكلمه
جماعة من قريش، فأخذه إلى صنعاء اليمن وقلده عملا مستقلا أحسن الشافعي إدارته ونال ثناء الناس
عليه وأحبه الوالي وتعلم علم الفراسة من أهل اليمن الذين كانوا يجيدون فقهها حتى تفوق فيه.
محنته وأسبابها: وهي الرحلة الثانية إلى العراق لما لمع نجمه في اليمن نظرا لعلو كعبه في مختلف
العلوم وما أحرزه من المكانة العالية عند الوالي حسده الحاسدون وحقد عليه الحاقدون، فوشوا به عند
الخليفة هارون الرشيد في بغداد واتهموه بأنه رئيس حزب العلويين وأنه يدعو إلى عبد الله بن المحض
الحسن المثنى بن الحسين السبط.
فأرسل هارون الرشيد أحد قواده إلى اليمن، فبعث له ذلك القائد بكتاب يخوفه ما العلويين
ويذكر له فيه الشافعي ويقول عنه: إنه يعمل بلسانه ما لا يقدر المقاتل عليه بحسامه وسناه، وإن
أردت يا أمير المؤمنين ان تبقى الحجاز عليك فاحملهم إليك.
فبعث الرشيد إلى والي اليمن يأمره بأن يحمل العلويين إلى بغداد ومعهم الشافعي مكبلا بالحديد.
فاعتقلهم الوالي ومعهم الشافعي، ووضع في رجليه الحديد تنفيذا لأمر الخليفة، وأرسلهم إلى
بغداد، فدخلوها في غسق الليل وأحضروهم بين يدي هارون الرشيد وكان جالسا وراء ستارة وكانوا
9

يقدمون إليه واحدا واحدا، وكل من تقدم منهم قطع رأسه. كل ذلك والشافعي يدع ربه بدعائه
المشهور عنه " اللهم يا لطيف أسألك اللطف فيما جرت به المقادير " يكرره مرارا.
ولما جاء دوره حملوه إلى الخليفة وهو مثقل بالحديد، فرمى من بحضرة الخليفة بأبصارهم إليه.
فقال الشافعي: السلام عليك يا أمير المؤمنين وبركاته ولم يقل " رحمة الله ".
فقال الرشيد: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، بدأت بسنة لم تؤمر بإقامتها، ورددنا عليك
فريضة قامت بذاتها، ومن العجب أن تتكلم في مجلسي بغير أمري.
فقال الشافعي: إن الله تعالى قال في كتابه العزيز (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات
ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من
بعد خوفهم أمنا) وهو الذي إذا وعد وفى، فقد مكنك في أرضه وأمنني بعد خوفي حيت رددت على
السلاة بقولك " وعليك رحمة الله " فقد شملتني رحمة الله بفضلك يا أمير المؤمنين.
فقال الرشيد: وما عذرك من بعد ما ظهر أن صاحبك (يريد عبد الله بن الحسن) طغى علينا وبغى
واتبعه الأرذلون وكنت أنت الرئيس عليهم.
فقال الشافعي: أما وقد استنطقتني يا أمير المؤمنين فسأتكلم بالعدل والانصاف، لكن الكلام مع
ثقل الحديد صعب، فإن جدت علي بفكه عن قدمي جثيت على ركبتي كسيرة آبائي عند آبائك
وأفصحت عن نفسي، وإن كانت الأخرى فيدك العليا ويدي السفلى والله غني حميد
فالتفت الرشيد إلى غلامه " سراج " وقال له: حل عنه فأخذ سراج ما في قدميه من الحديد فجثى
الشافعي على ركبتيه وقال (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) حاشا لله أن أكون ذلك
الرجل، لقد أفك المبلغ فيما بلغك به، إن لي حرمة الاسلام وذمة النسب، وكفى بهما وسيلة، وأنت
أحق من أخذ بأدب كتاب الله، أنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذاب عن دينه، المحامي عن ملته.
فتهلل وجه الرشيد ثم قال: ليفرج روعك فإنا نراعي حق قرابتك وعلمك ثم أمره بالقعود فقعد.
وقال الرشيد: كيف علمك؟ يا شافعي بكتاب الله عز وجل؟ فإنه أولى الأشياء أن يبتدأ به.
فقال الشافعي: عن أي كتاب من كتب الله تعالى تسألني يا أمير المؤمنين؟ فإن الله قد أنزل كتبا كثيرة.
قال الرشيد: أحسنت. لكن إنما سألت عن كتاب الله تعالى المنزل على ابن عمي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال الشافعي: إن علوم القرآن كثيرة، فهل تسألني عن محكمه أو متشابهه أو عن تقديمه أو تأخيره
أو عن ناسخه أو منسوخه، وصار يعرض عليه علوم القرآن ما أعجب به هارون الرشيد والحاضرون
وأدهشهم.
فغير الرشيد سؤاله إلى العلوم المتنوعة من فلك وطب وفراسة وما إليها، فكان الشافعي يجيب على
كل سؤال ما يسر الخليفة.
ثم قال الرشيد: عظني يا شافعي، فأخذ الشافعي يعظ الرشيد وعظا تصعدت له القلوب حتى
اشتد بكاء الرشيد، فهاج الحاضرون فنظر إليهم الشافعي غضبا واستمر في وعظه. وقد حصلت
10

للشافعي في هذه المحنة محاورات ومناظرات علمية مع صاحبي أبي حنيفة، وهما أبو يوسف ومحمد بن
الحسن أعرضنا عن ذكر تفصيلها لأن المقام لا يتسع لها وقد تكفلت بها الكتب المؤلفة في مناقب
الشافعي.
عودته إلى مكة: بعد أن نجا الشافعي من تلك المحنة التي سبق ذكرها ونال إعجاب الخليفة
والتقدير العظيم والاجلال البالغ رأى أن يعود إلى مكة فسافر ووصل إليها سنة 180 ه‍ وضرب خباءه
خارج مكة في ظاهرها فاستقبله أهل مكة استقبالا عظيما، فقسم بينهم ما جاء به من العراق من
ذهب وفضة، عملا بوصية أمه له كلما جاء مكة فما دخل مكة إلا وقد وزع المال، فدخلها فارغا كما
خرج منها فارغا.
وأقام في مكة سبع عشرة سنة يعلم الناس وينشر مذهبه بين الحجاج، وهم بدورهم ينقلونه
إلى بلادهم
رحلته الثالثة إلى العراق: وفي خلال هذه السنوات مات الإمام أبو يوسف في سنة 182 ه‍ ومات
بعده الإمام محمد بن الحسن سنة 188 ه‍ ومات هارون الرشيد سنة 193 ه‍ وبويع المأمون بالخلافة
واشتهر حبه للعلويين وعطفه عليهم
فرأى الشافعي أن يعود إلى بغداد وأقام فيها شهرا واحدا وكان يلقي دروسه في جامعها الغربي الذي
كان حافلا بالحلقات العلمية التي تربو على عشرين حلقة، فأصبحت ثلاثة فقط وانضم الباقون إلى
حلقة الإمام الشافعي.
وصادف أن ولى المأمون على مصرد، العباس بن موسى (أحد رجال بني العباس) فرأى الشافعي أن
يرافقه في السفر من بغداد إلى مصر فخرج أهل بغداد لوداعه وفي مقدمتهم الإمام أحمد بن حنبل
فأمسك الشافعي بيد ابن حنبل وقال:
لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر * ومن دونها أرض المهامه والقفر
ووالله لا أدري أللعز والغنى * أساق إليها أم أساق إلى القبر؟
وكأن الشافعي أحسن بأنه سيموت ويقبر في مصر فبكى وبكى لفراقه أحمد بن حنبل والمودعون.
وعاد ابن حنبل وهو يقول لأهل العراق: لقد كان الفقه قفلا ففتحه الله بالشافعي، ورافق
الشافعي في رحلته هذه إلى مصر كثير من تلامذته العلماء وفي مقدمتهم، الربيع بن سليمان المرادي،
وعبد الله بن الزبير الحميدي وغيرهما.
وفي 28 شوال سنة 198 دخل الشافعي مصر مع العباس بن موسى عامل مصر وواليها من قبل
المأمون، فأراد العباس بن موسى أن ينزله في داره ضيفا فاعتذر الشافعي ونزل عند أخواله من الأزد
اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم لما دخل المدينة المنورة حيث نزل عند أخواله من بني النجار وفي الصباح تواكبت العلماء وتوافدت على الشافعي وفي مقدمتهم عبد الله بن الحكم، وكان من كبار علماء
مصر وأعيانها وممن أملى عليهم الشافعي الموطأ في المدينة، فرآه خاضبا لحيته بالحناء عملا بالسنة طويل
القامة، جهوري الصوت، كلامه حجة في اللغة، عليه دلائل الشجاعة والفراسة، فوضع بين يديه
أربعة آلاف دينار.
11

ابتدأ الشافعي حياته العلمية في مصر وصار يلقي دروسه بجامع عمرو بن العاص، فكان يشتغل
بالتدريس من الفجر إلى عليه صلاة الظهر وكانت دروسه متنوعة فكان بعد صلاة صبح مباشرة يجئ
أهل القرآن فيقرءون ويسمعون منه، وإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث، فإذا كان
الضحوة الصغرى قاموا وحضر قوم للمناظرة ثم يجئ أهل العربية والعروض والشعر والنحو ولا يزالون
كذلك إلى قرب انتصاف النهار، وبعد ذلك ينصرف الشافعي إلى داره ومعه بعض تلاميذه كالمزني، والربيع الجيزي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ويقول: الدنيا سفر ولا بد للسفر من العصا، وهو
أول من سن سنة العمل في مصر إلى الظهر، وكان يشتغل في التدريس من الفجر إلى الظهر.
وكان العلماء يتلقون عنه العلم في الجامع وعلى باب داره إلا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم فإنه
كان يصعد إلى أعلى الدار ويتغدى عند الشافعي، وإذا نزل أركبه دابته وأتبعه بصره حتى يغيب، فإذا
غاب كان يقول: وددت لو أن لي ولدا مثله وعلي ألف دينار لا أجد لها وفاء.
فتلقى عن الشافعي العلم علماء كثيرون، منهم الربيع الجيزي (وقد سميت الجيزة باسمه) والبويطي،
وإسماعيل المزني، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وحرملة التجيبي وغيرهم، وكلهم صاروا أئمة في
الدين والأدب.
ونبغ على الشافعي أيضا نساء كثيرات كالسيدة أخت المزني التي أخذ عنها العلماء وأدرج اسمها في
جدول كبار فقهاء الشافعية.
وكان الربيع الجيزي أكثر الناس ملازمة للإمام الشافعي.
وكان الشافعي مغرما بقصب السكر، حتى كان يمازح جالسيه ويقول لهم: ما أقمت في مصر إلا
حبا بالقصب.
مكانته العلمية: كان الشافعي رضي الله عنه حائزا القدح المعلى في كل فن، كان في العربية
مرموق المكانة ويكفي أن الراوية لأشعار العرب " الأصمعي " كان يفتخر حيث تلقى على الشافعي أشعار
الهذليين.
ولما قال الشافعي ذاكرا أقسام المياه الماء المالح، انتقده البعض حيث لم يقل " الملح " جريا
مع القرآن (وهذا ملح أجاج) انبرى الزمخشري رادا على هؤلاء المنتقدين، وبين أن الشافعي حجة في
اللغة وأورد قول الشاعر العربي.
فلو تفلت في البحر والبحر مالح * لأصبح ماء البحر من ريقها عذبا
ثم تمثل الزمخشري وقال:
وكم من عائب قولا صحيحا * وآفته من الفهم السقيم.
كما أن الشافعي على قدم راسخة في علم الفلك، والطب، والأنواء، والنجوم المتنقلة في سيرها
وغير المتنقلة، يعرف هذا كل من قرأ سيرته في المؤلفات الخاصة في مناقبه.
حدة ذكائه وفراسته: أما الكلام على ذكائه وحدة فراسته فمتسع الجوانب نذكر منها مسألة واحدة
وهي: بينما الشافعي في مجلسه إذا أتاه آت وقال له:
سل العالم المكي هل في تزاور * وضم لمشتاق الفؤاد جناح؟
12

فأجابه الشافعي قائلا:
أقول معاذ الله أن يذهب التقى * تلاصق أكباد بهن جراح
فلم يفهم الحاضرون المراد من هذه المحاورة، فأبان لهم الشافعي أنه يسأل عن حكم تقبيل
الرجل زوجته في نهار رمضان، فأحبوا أن يستيقنوا جلية المسألة فاتبع السائل أحدهم وسأله عما أراد من
كلامه مع الإمام فكان الجواب من السائل كما قال الشافعي.
ثناء الأئمة عليه: يروي الخطيب في " تاريخ بغداد " عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك أنه
قال: ما أتاني قرشي أفهم من الشافعي، وكان سفيان الثوري إذا سئل عن شئ من التفسير والفتيا
التفت إلى الشافعي وقال: سلوا هذا، وأما شيخه مسلم بن خالد الزنجي فإنه قال للشافعي وهو ابن
خمس عشرة سنة: قد والله آن لك أن تفتى، وأما يحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل
فكل واحد منهما كان يقول: إني لأدعو الله للشافعي في صلاتي منذ أربعين سنة وأستغفر له.
وكان أحمد بن حنبل يقول لابنه: يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن فانظر،
هل لهذين من خلف؟ وأثنى أبو يوسف صاحب أبي حنيفة أيضا على الشافعي وقال: مثلك يصلح
للتصنيف.
وما ذكرناه من ثناء الأئمة على الشافعي قل من كثر، وغيض من فيض، وقطرة من بحر، فمن أراد
المزيد فعليه بالمؤلفات الخاصة في مناقب الشافعي وكتب التراجم المطولة.
وليس الشافعي ممن يترجم له في أوراق أو كراريس وقد أفرد فريق من أجلة العلماء مؤلفات خاصة
في سيرته ومناقبه ولكن أحببنا أن نوضح الخطوط العريضة في حياة هذا الإمام الفذ رضي الله عنه.
مؤلفاته: لما دخل الشافعي المسجد في بغداد لصلاة المغرب رأى غلاما حسن القراءة يصلي بالناس
فصلى الشافعي خلفه فسها الغلام في الصلاة ولم يعرف كيف يفعل، فقال له الشافعي، أفسدت
صلاتنا يا غلام، ثم بدأ من حينه في وضع كتاب في السهو في الصلاة. وقد فتح الله عليه فجاء كتابا
كبيرا سماه " الزعفران " نسبة إلى اسم ذلك الغلام الذي سها في الصلاة. وقد روى هذا الكتاب الحسن
بن محمد الزعفراني وأحمد بن حنبل وعرف هذا كتاب ب‍ " الحجة " وهو أحد الكتب القديمة التي
وضعها الشافعي بالعراق، وألف أيضا في مصر " الرسالة " وهي أول كتاب وضع في أصول الفقه ومعرفة
الناسخ من المنسوخ بل هو أول كتاب في أصول الحديث وألف كتابا اسمه " جماع العلم " دافع فيه عن
السنة دفاعا مجيدا وأثبت ضرورية حجية السنة في الشريعة وكتاب " الأم " و " الاملاء الصغير "
و " الأمالي الكبرى " و " مختصر المزني " و " مختصر البويطي " وغيرها.
وكتاب " الرسالة " وكتاب " جماع العلم " حققهما ونشرهما فقيد علم الحديث الشيخ أحمد محمد شاكر
رحمه الله تعالى.
أصول مذهبه: بنى الإمام الشافعي مذهبه على الكتاب، والسنة، والاجماع، والقياس، ولم
يجنح إلى الاستحسان الذي ذهب إليه الإمام أبو حنيفة. وتحرير القول في الخلاف بين الحنفية والشافعية
في اتخاذ الاستحسان أصلا في الشريعة محله كتب الأصول.
اعتزازه بنسبه: كان الشافعي يفخر بنسبه على سبيل التشرف لا على سبيل الاستعلاء على الناس.
13

لذلك نجده شديد الحب لآل بيت رسول الله الذي هو منهم أيضا. فلذلك لما رماه الحاسدون بالرفض
أنشد وقال:
إن كان رفضا حب آل محمد * فليشهد الثقلان أني رافض
وهذا التعلق بأهل البيت لم يجره إلى النيل من الشيخين أبي بكر وعمر والطعن في خلافتهما، بل
كان يرى لهما ولغيرهما من الصحابة فضلا في نشر الاسلام وإعلاء كلمة الله.
معنى الحرية في نظر الشافعي: كان الشافعي يرى الحرية في القناعة، والذل كل الذل في الطلب
والسؤال فيقول.
العبد حر إن قنع * والحر عبد إن قنع
فاقنع ولا تقنع فلا * شئ يشين سوى الطمع
فلذلك نحد القناعة والاعتزاز بالرضا بما قسم الله ماثلا في قوله:
أمطري لؤلؤ جبال سرنديب * وفيضي آبار تكرور تبرا
أنا إن عشت لست أعدم قوتا * وإذا مت لست أعدم قبرا
همتي همة الملوك ونفسي * نفس حرة ترى المذلة كفرا
دخل على الشافعي طالب بعد انتهاء الدرس وقال له: أوصني
فقال الشافعي: يا بني خلقك الله حرا فكن كما خلقك
وفاته: أقام الشافعي في مصر خمس سنين وتسعة أشهر من 28 شوال سنة 198 ه‍ إلى 29 رجب
سنة 204 ه‍ يعلم الناس ويؤلف ثم أصابه نزف شديد بسبب البواسير فاشتد به الضعف فلم يستطع
الخروج لمزاولة التدريس فزاره تلميذه " المزني " فسأله عن حاله فقال: أصبحت والله لا
أدري، أروحي تساق إلى الجنة فأهنئها، أم إلى النار فأعزيها؟ ثم رفع بصره إلى السماء وقال أبياتا،
منها: ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي * جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلا قرنته * بعفوك ربي كان عفوك أعظما
وبعد ذلك نظر إلى من حوله من أهله وقال لهم: إذا أنا مت فاذهبوا إلى الوالي واطلبوا منه أن
يغسلني. وفي ليلة الجمعة الأخيرة من شهر رجب سنة 204 ه‍ بعد العشاء الأخيرة فاضت روحه
الطاهرة إلى باريها بين يدي تلميذه " الربيع الجيزي " وانتشر خبر وفاته في مصر فعم أهلها الحزن فخرجوا
يريدون حمله على أعناقهم وهو في اضطراب من شدة الزحام.
وأصبح يوم الجمعة وذهب أهله إلى الوالي وطلبوا منه الحضور لغسل الإمام كما أوصى، فقال لهم
الوالي: هل ترك الإمام دينا؟ قالوا: نعم، فأمر الوالي بقضاء ذلك الدين، ثم نظر إليهم وقال لهم:
هذا معنى غسلي له وبعد صلاة العصر خرجت الجنازة فما وصلت شارع السيدة نفيسة الآن خرجت
السيدة نفيسة وأمرتهم بإدخال النعش إلى بيتها فصلت عليه وترحمت، ثم سير بالجنازة إلى القرافة
الصغرى المعروفة وقتئذ بتربة أولاد عبد الحكم وفيها الشافعي وعرفت بعد دفنه بتربة الشافعي إلى
وقتنا هذا:
14

ورثى الشافعي خالق كثير بعد وفاته نذكر بيتين لابن درين الأزدي صاحب المقصورة من قصيدته
العصماء قال:
تسربل بالتقوى وليدا وناشئا * وخص بلب الكهل مذ هو يافع
فأثاره فينا بدور زواهر * وأحكامه فينا نجوم طوالع
رحمه الله الشافعي ورضي عنه وأمطر على جدثه الطاهر شآبيب الرحمة والرضوان.
15

بسم الله الرحمن الرحيم
الطهارة
أخبرنا الربيع بن سليمان (*) قال " أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى " قال قال الله عز وجل " إذا
قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم " الآية (قال
الشافعي) فكان بينا عند من خوطب بالآية أن غسلهم إنما كان بالماء ثم أبان في هذه الآية أن الغسل
بالماء وكان معقولا عند من خوطب بالآية أن الماء ما خلق الله تبارك وتعالى مما لا صنعة فيه للآدميين
وذكر الماء عاما فكان ماء السماء وماء الأنهار والآبار والقلات (1) والبحار العذب من جميعه والأجاج
سواء في أنه يطهر من توضأ واغتسل منه وظاهر القرآن يدل على أن كل ماء طاهر ماء بحر وغيره وقد روى
فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث يوافق ظاهر القرآن في إسناده من لا أعرفه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن
صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة رجل من آل ابن الأزرق أن المغيرة بن أبي بردة وهو من بني
الدار خبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا نركب
البحر ومعنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هو
الطهور ماؤه الحل ميتته " (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد العزيز بن عمر عن سعيد بن
ثوبان عن أبي هند الفراسي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من لم يطهره البحر فلا
طهره الله " (قال الشافعي) فكل الماء طهور ما لم تخالطه نجاسة ولا طهور إلا فيه أو في الصعيد وسواء
كل ماء من برد أو ثلج أذيب وماء مسخن وغير مسخن لأن الماء له طهارة النار والنار لا تنجس الماء
(قال الشافعي) رحمة الله أخبرنا إبراهيم بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي
الله عنه كان يسخن له الماء فيغتسل به ويتوضأ به (قال الشافعي) ولا أكره الماء المشمس إلا من جهة
الطب (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن صدقة ابن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر بن
عبد الله أن عمر كان يكره الاغتسال بالماء المشمس وقال: إنه يورث البرص (قال الشافعي) الماء على
الطهارة ولا ينجس إلا بنجس خالطه والشمس والنار ليسا بنجس إنما النجس المحرم فأما ما اعتصره

* اتفقت جميع النسخ التي بيدنا على البداءة بهذه الجملة ولعل راوي الأم عن الربيع هو راوي
الرسالة عنه وهو أبو الحسن علي بن حبيب بن عبد الملك ويمكن أن يكون غيره فإن الرواة عن الربيع
كثيرون ذكرهم الحافظ ابن حجر وغيره اه‍.
(1) قوله والقلات: هي جمع قلت كسهم وسهام، وهو النقرة في الجبل تمسك الماء كتبه
مصححة
16

الآدميون من ماء شجر ورد أو غيره فلا يكون طهورا وكذلك ماء أجساد ذوات الأرواح لا يكون طهورا
لأنه لا يقع على واحد من هذا اسم ماء إنما يقال له: ماء بمعنى ماء ورد وماء شجر كذا وماء مفصل
كذا وجسد كذا وكذلك لو نحر جزورا وأخذ كرشها فاعتصر منه ماء لم يكن طهورا لأن هذا لا يقع عليه
اسم الماء إلا بالإضافة إلى شئ غيره يقال ماء كرش وماء مفصل كما يقال ماء ورد وماء شجر كذا وكذا
فلا يجزي أن يتوضأ بشئ من هذا
الماء الذي ينجس والذي لا ينجس
(قال الشافعي) رحمه الله؟ الماء ما آن ماء جار وماء راكد فأما الماء الجاري فإذا وقع فيه محرم من
ميتة أو دم أو غير ذلك فإن كان فيه ناحية يقف فيها الماء فتلك الناحية منه خاصة ماء راكد ينجس إن
كان موضعه الذي فيه الميتة منه أقل من خمسة قرب نجس وأن كان أكثر من خمس قرب لم ينجس
إلا أن يتغير طعمه أو لونه أو ريحه فإن كان جاريا لا يقف منه شئ فإذا مرت الجيفة أو ما خالطه في
الجاري توضأ بما يتبع موضع الجيفة من الماء لأن ما يتبع موضعها من الماء غير موضعها منه لأنه لم
يخالطه نجاسة وإن كان الماء الجاري قليلا فيه جيفة فتوضأ رجل مما حول الجيفة لم يجزه إذا ما كان حولها
أقل من خمس قرب كالماء الراكد ويتوضأ بما بعده لأن معقولا في الماء الجاري أن كل ما مضى منه غير
ما حدث وأنه ليس واحدا يختلط بعضه ببعض فإذا كان المحرم في موضع منه يحتمل النجاسة نجس
ولولا ما وصفت وكان الماء الجاري قليلا فخالطت النجاسة منه موضعا فجرى نجس الباقي منه إذا كانا
إذا اجتمعا معا يحملان النجاسة ولكنه كما وصفت كل شئ جاء منه غير ما مضى وغير مختلط بما مضى
والماء الراكد في هذا مخالف له لأنه مختلط كله فيقف فيصير ما حدث فيه مختلطا بما كان قبله لا ينفصل
فيجري بعضه قبل بعض كما ينفصل الجاري (قال الشافعي) وإذا كان الماء الجاري قليلا أو كثيرا
فخالطته نجاسة فغيرت ريحه أو طعمه أو لونه كان نجسا وإن مرت جريته بشئ متغير بحرام خالطه
فتغيرت ثم مرت به جرية أخرى غير متغيرة فالجرية التي غير متغيرة طاهرة والمتغيرة نجسة (قال) وإذا
كان في الماء الجاري موضع منخفض فركد فيه الماء وكان زائلا عن سنن جريته بالماء يستنقع فيه فكان
يحمل النجاسة فخالطه حرام نجس لأنه راكد وكذلك إن كان الجاري يدخله إذا كان يدخله منه ما لا
يكثره حتى يصير كله خمس قرب ولا يجري به وإن كان في سنن الماء الجاري موضع منخفض فوقع فيه
محرم وكان الماء يجري به فهو جار كله لا ينجس إلا بما ينجس به الجاري وإذا صار الماء الجاري إلى
موضع يركد فيه الماء فهو ماء راكد ينجسه ما ينجس الماء الراكد.
الماء الراكد
(قال الشافعي) والماء الراكد ماءان ماء لا ينجس بشئ خالطه من المحرم إلا أن يكون لونه فيه أو
ريحه أو طعمه قائما وإذا كان شئ من المحرم فيه موجودا بأحد ما وصفنا تنجس كله قل أو كثر (قال)
وسواء إذا وجد المحرم في الماء جاريا كان أو راكدا (قال) وماء ينجس بكل شئ خالطه من المحرم وإن
17

لم يكن موجودا فيه فإن قال قائل ما الحجة فيه فرق بين ما ينجس وما لا ينجس ولم يتغير واحد منهما
قيل: السنة أخبرنا الثقة عن الوليد بن كثير عن محمد ابن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر
عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا أو خبثا " أخبرنا مسلم عن
ابن جريج بإسناد لا يحضرني ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا كان الماء قلتين لم يحمل
نجسا " وقال في الحديث: بقلال هجر، قال ابن جريج: ورأيت قلال هجر فالقلة تسع قربتين أو
قربتين وشيئا (قال الشافعي) رحمه الله: كان مسلم يذهب إلى أن ذلك أقل من نصف القربة أو
نصف القربة فيقول خمس قرب هو أكثر ما يسع قلتين وقد تكون القلتان أقل من خمس قرب،
وفي قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم " إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا " دلالة على
أن ما دون القلتين من الماء يحمل النجس (قال الشافعي) فالاحتياط أن تكون القلة قربتين
ونصفا فإذا كان الماء خمس قرب لم يحمل نجسا في جريان أو غيره، وقرب الحجاز كبار فلا يكون
الماء الذي لا يحمل النجاسة إلا بقرب كبار وإذا كان الماء أقل من خمس قرب فخالطته ميتة نجس
ونجس كل وعاء كان فيه فأهريق ولم يطهر الوعاء إلا بأن يغسل وإذا كان الماء أقل من خمس قرب
فخالطته نجاسة ليست بقائمة فيه نجسته فإن صب عليه ماء حتى يصير هو بالذي صب عليه خمس
قرب فأكثر طهر وكذلك لو صب هو على الماء أقل وأكثر منه حتى يصير الماء آن معا أكثر من
خمس قرب لم ينجس واحد منهما صاحبه وإذا صارا خمس قرب فطهرا ثم فرقا لم ينجسا بعد ما
طهرا إلا بنجاسة تحدث فيهما وإذا وقعت الميتة في بئر أو غيرها فأخرجت في دلو أو غيره طرحت
وأريق الماء الذي معه لأنه أقل من خمس قرب منفردا من ماء غيره وأحب إلى لو غسل الدلو فإن
لم يغسل ورد في الماء الكثير طهره الماء الكثير ولم ينجس هو الماء الكثير (قال) والمحرم كله سواء إذا
وقع في أقل من خمس قرب نجسه ولو وقع حوت ميت في ماء قليل أو جرادة ميتة لم ينجس
لأنهما حلال ميتتين وكذلك كل ما كان من ذوات الأرواح مما يعيش في الماء ومما لا يعيش في الماء
من ذوات الأرواح إذا وقع في الماء الذي ينجس ميتا نجسه إذا كان مما له نفس سائلة فأما ما كان
مما لا نفس له سائلة مثل الذباب والخنافس وما أشبههما ففيه قولان أحدهما أن ما مات من هذا في ماء
قليل أو كثير لم ينجسه ومن قال هذا قال فإن قال قائل هذه ميتة فكيف زعمت أنها لا تنجس؟ قيل لا
تغير الماء بحال ولا نفس لها فإن قال فهل من دلالة على ما وصفت قيل: نعم إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أمر بالذباب يقع في الماء أن يغمس فيه وكذلك أمر به في الطعام وقد يموت بالغمس وهو لا
يأمر بغمسه في الماء والطعام وهو ينجسه لو مات فيه لأن ذلك عمد إفسادهما والقول الثاني أنه إذا مات
فيما ينجس نجس لأنه محرم وقد يأمر بغمسه للداء الذي فيه والأغلب أنه لا يموت وأحب إلى أن كل ما
كان حراما أن يؤكل فوقع في ماء فلم يمت حتى أخرج منه لم ينجسه وإن مات فيه نجسه وذلك مثل
الخنفساء والجعل والذباب والبرغوث والقملة وما كان في هذا المعنى (قال) وذرق الطير كله ما يؤكل
لحمه وما لا يؤكل لحمه إذا خالط الماء نجسه لأنه يرطب برطوبة الماء (قال الربيع) وعرق النصرانية
والجنب والحائض طاهر وكذلك المجوسي وعرق كل دابة طاهر وسؤر الدواب والسباع كلها طاهر إلا
الكلب والخنزير (قال الربيع) وهو قول الشافعي وإذا وضع المرء ماء فاستن بسواك وغمس السواك في الماء
ثم أخرجه توضأ بذلك الماء لأن أكثر ما في السواك ريقه وهو لو بصق أو تنخم أو امتخط في ماء لم
ينجسه والدابة نفسها تشرب في الماء وقد يختلط به لعابها فلا ينسجه إلا أن يكون كلبا أو خنزيرا (قال)
18

وكذلك لو عرق فقطر عرقه في الماء لم ينجس لأن عرق الانسان والدابة ليس بنجس وسواء من أي
موضع كان العرق من تحت منكبه أو غيره وإذا كان الحرام موجودا في الماء وإن كثر الماء لم يطهر أبدا
بشئ ينزح منه وإن كثر حتى يصير الحرام منه عدما لا يوجد منه فيه شئ قائم فإذا صار الحرام فيه
عدما طهر الماء وذلك أن يصب عليه ماء غيره أو يكون معينا فتنبع العين فيه فيكثر ولا يوجد المحرم فيه
فإذا كان هكذا طهر وإن لم ينزح منه شئ (قال) وإذا نجس الإناء فيه الماء القليل أو الأرض أو البئر
ذات البناء فيها الماء الكثير بحرام يخالطه فكان موجودا فيه ثم صب عليه ماء غيره حتى يصير الحرام غير
موجود فيه وكان الماء قليلا فنجس فصب عليه ماء غيره حتى صار ماء لا ينجس مثله ولم يكن فيه
حرام فالماء طاهر والإناء والأرض التي الماء فيهما طاهران لأنهما إنما نجسا بنجاسة الماء فإذا صار حكم
الماء إلى أن يكون طاهرا كان كذلك حكم ما مسه الماء ولم يجز أن يحول حكم الماء ولا يحول حكمه وإنما
هو تبع للماء يطهر بطهارته وينجس بنجاسته. وإذا كان الماء قليلا في إناء فخالطته نجاسة أريق وغسل
الإناء وأحب إلي لو غسل ثلاثا فإن غسل واحدة تأتي عليه طهر وهذا من كل شئ خالطه إلا أن يشرب
فيه كلب أو خنزير فلا يطهر إلا بأن يغسل سبع مرات وإذا غسلهن سبعا جعل أولاهن أو أخراهن تراب
لا يطهر إلا بذلك فإن كان في بحر لا يجد فيه ترابا فغسله بما يقوم مقام تراب في التنظيف من أشنان أو
نخالة أو ما أشبهه ففيه قولان أحدهما لا يطهر إلا بأن يماسه التراب والآخر يطهر بما يكون خلفا من
التراب وأنظف منه مما وصفت كما تقول في الاستنجاء وإذا نجس الكلب أو الخنزير بشربهما نجسا ما
ماسا به الماء من أبدانهما وإن لم يكن عليهما نجاسة وكل ما لم ينجس بشربه فإذا أدخل في الماء يدا أو
رجلا أو شيئا من بدنه لم ينجسه إلا بأن، يكون عليه قذر فينجس القذر الماء لا جسده فإن قال قائل:
فكيف جعلت الكلب والخنزير إذا شربا في إناء لم يطهره إلا سبع مرات وجعلت الميتة إذا وقعت فيه أو
الدم طهرته مرة إذا لم يكن لواحد من هؤلاء أثر في الإناء؟ قيل له اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
(قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات " أخبرنا
مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا
شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات " أخبرنا ابن عيينة عن أيوب بن أبي تميمة عن محمد
بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم "
فليغسله سبع مرات أولاهن أو أخراهن بتراب " (قال الشافعي) فقلنا في الكلب بما أمر به رسول الله
صلى الله تعالى عليه وسلم وكان الخنزير إن لم يكن في شر من حاله لم يكن في خير منا فقلنا به قياسا
عليه وقلنا في النجاسة سواهما بما أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة أنه سمع امرأته فاطمة بنت المنذر
تقول سمعت جدتي أسماء بنت أبي بكر تقول سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض
يصيب الثوب فقال: " حتيه ثم اقرصيه ثم رشيه وصلى فيه " أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن
فاطمة بنت المنذر عن أسماء قالت سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله
أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لها: " إذا
أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بماء ثم لتصل فيه (قال الشافعي) فأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل دم الحيضة ولم يوقت فيه شيئا وكان اسم الغسل يقع على غسله مرة
وأكثر كما قال الله تبارك وتعالى " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق " فأجزأت مرة لأن كل هذا يقع
19

عليه اسم الغسل (قال) فكانت الأنجاس كلها قياسا على دم الحيضة لموافقته معاني الغسل والوضوء في
الكتاب والمعقول ولم نقسه على الكلب لأنه تعبد ألا ترى أن اسم الغسل يقع على واحدة وأكثر من سبع
وأن الإناء ينقي بواحدة وبما دون السبع ويكون بعد السبع في مماسة الماء مثل قبل السبع (قال) ولا
نجاسة في شئ من الأحياء ماست ماء قليلا بأن شربت منه أو أدخلت فيه شيئا من أعضائها إلا الكلب
والخنزير وإنما النجاسة في الموتى ألا ترى أن الرجل يركب الحمار ويعرق الحمار وهو عليه ويحل مسه؟ فإن
قال قائل: ما الدليل على ذلك؟ قيل أخبرنا إبراهيم بن محمد عن داود بن الحصين عن أبيه عن جابر
بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أيتوضأ بما أفضلت الحمر؟ فقال نعم وبما أفضلت
السباع كلها (قال الشافعي) أخبرنا سعيد ابن سالم عن أبي حبيبة أو أبي حبيبة " شك الربيع "
عن داود بن الحصين عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله أخبرنا مالك عن إسحاق
بن عبد الله عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة
أن أبا قتادة دخل فسكبت له وضوءا فجاءت هرة فشربت منه قالت: فرآني أنظر إليه فقال
أتعجبين يا ابنة أخي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم
أو الطوافات. (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا الثقة عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي
قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو مثل معناه (قال الشافعي) فقسنا على ما عقلنا مما
وصفنا وكان الفرق بين الكلب والخنزير وبين ما سواهما مما لا يؤكل لحمه أنه ليس منها شئ حرم أن يتخذ إلا لمعنى والكلب حرم أن يتخذ لا لمعنى وجعل ينقص من عمل من اتخذه من غير معنى كل يوم
قيراط أو قيراطان مع ما يتفرق به من أن الملائكة لا تدخل بيتا هو فيه وغير ذلك ففضل كل شئ من
الدواب يؤكل لحمه أو لا يؤكل حلال إلا الكلب والخنزير (قال الشافعي) فإذا تغير الماء القليل أو
الكثير فأنتن أو تغير لونه بلا حرام خالطه فهو على الطهارة وكذلك لو بال فيه إنسان فلم يدر أخالطه
نجاسة أم لا وهو متغير الريح أو اللون أو الطعم فهو على الطهارة حتى تعلم نجاسته لأنه يترك لا يستقى منه
فيتغير ويخالطه الشجر والطحلب فيغيره (قال) وإذا وقع في الماء شئ حلال فغير له ريحا أو طعما ولم
يكن الماء مستهلكا فيه فلا بأس أن يتوضأ به وذلك أن يقع فيه البان أو القطران فيظهر ريحه أو ما أشبهه وإن أخذ ماء فشيب به لبن أو سويق أو عسل فصار الماء مستهلكا فيه لم يتوضأ به لأن الماء مستهلك فيه
إنما يقال لهذا ماء سويق ولبن وعسل مشوب وإن طرح منه فيه شئ قليل يكون ما طرح فيه من سويق
ولبن وعسل مستهلكا فيه ويكون لون الماء الظاهر ولا طعم لشئ من هذا فيه توضأ به وهذا ماء بحاله
وهكذا كل ما خالط الماء من طعام وشراب وغيره إلا ما كان الماء قارا فيه فإذا كان الماء قارا في الأرض
فأنتن أو تغير توضأ به لأنه لا اسم له دون الماء وليس هذا كما خلط به مما لم يكن فيه ولو صب على الماء
ماء ورد فظهر ريح ماء الورد عليه لم يتوضأ به لأن الماء مستهلك فيه والماء الظاهر لا ماء الورد (قال)
وكذلك لو صب عليه قطران فظهر ريح القطران في الماء لم يتوضأ به وإن لم يظهر توضأ به لان القطران
وماء الورد يختلطان بالماء فلا يتميزان منه ولو صب فيه دهن طيب أو ألقى فيه عنبر أو عود أو شئ ذو
ريح لا يختلط بالماء فظهر ريحه في الماء توضأ به لأنه ليس في الماء شئ منه يسمى الماء مخوضا به (1) ولو

(1) قوله " مخوضا به " كذا في النسخ التي بأيدينا وفي اللسان: وخاض الشراب في المجدح وخوضه
خلطه وحركه كتبه مصححه:
20

كان صب فيه مسك أو ذريرة أو شئ ينماع في الماء حتى يصير الماء غير متميز منه فظهر فيه ريح لم يتوضأ
به لأنه حينئذ ماء مخوض به وإنما يقال له ماء مسك مخوض وذريرة مخوضة وهكذا كل ما ألقى فيه من
المأكول من سويق أو دقيق ومرق وغيره إذا ظهر فيه الطعم والريح مما يختلط فيه لم يتوضأ به لأن الماء
حينئذ منسوب إلى ما خالطه منه (1).
فضل الجنب وغيره
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من القدح وهو الفرق وكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر إنه كان يقول إن الرجال والنساء كانوا يتوضئون في زمان رسول الله
صلى الله عليه وسلم جميعا أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن
ابن عباس عن ميمونة أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد أخبرنا سفيان بن
عيينة عن عاصم عن معاذة العدوية عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم
من إناء واحد فربما قلت له أبق لي أبق لي (قال الشافعي) روى عن سالم أبى النضر عن القاسم عن
عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة (قال الشافعي)
وبهذا نأخذ فلا بأس أن يغتسل بفضل الجنب والحائض لان رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل
وعائشة من إناء واحد من الجنابة فكل واحد منهما يغتسل بفضل صاحبه وليست الحيضة في اليد وليس
ينجس المؤمن إنما هو تعبد بأن يماس الماء في بعض حالته دون بعض.
ماء النصراني والوضوء منه
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب توضأ من ماء
نصرانية في جرة نصرانية (قال الشافعي) ولا بأس بالوضوء من ماء المشرك وبفضل وضوئه ما لم يعلم فيه
نجاسة لان للماء طهارة عند من كان وحيث كان حتى تعلم نجاسة خالطته.
21

باب الآنية التي يتوضأ فيها ولا يتوضأ
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أنه قال مر
النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة قد كان أعطاها مولاة لميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال فهلا
انتفعتم بجلدها قالوا يا رسول الله إنها ميتة فقال إنما حرم أكلها أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أخبرنا ابن عيينة عن زيد بن أسلم سمع ابن وعلة سمع
ابن عباس سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول أيما إهاب دبغ فقد طهر أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم
عن ابن وعلة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دبغ الإهاب فقد طهر أخبرنا مالك
عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه عن عائشة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت (قال الشافعي) فيتوضأ في جلود الميتة كلها إذا
دبغت وجلود ما لا يؤكل لحمه من السباع قياسا عليها إلا جلد الكلب والخنزير فإنه لا يطهر بالدباغ
لأن النجاسة فيهما وهما حيان قائمة وإنما يطهر بالدباغ ما لم يكن نجسا حيا. والدباغ بكل ما دبغت به
العرب من قرظ وشب وما عمل عمله مما يمكث فيه الإهاب حتى ينشف فضوله ويطيبه ويمنعه الفساد

(1) قوله ولم يحرم ثمنه الخ كذا في النسخة التي ثبتت فيها هذه الزيادة وانظره مع ما قبله ولعلهما
نسختان جمع بينهما الناسخ، وحرر، كتبه مصححه.
22

إذا أصابه الماء ولا يطهر إهاب الميتة من الدباغ إلا بما وصفت وإن تمعط شعره فإن شعره نجس فإذا
دبغ وترك عليه شعره فماس الماء شعره نجس الماء وإن كان الماء في باطنه وكان شعره ظاهرا لم ينجس الماء
إذا لم يماس شعره فأما جلد كل ذكى يؤكل لحمه فلا بأس أن يشرب ويتوضأ فيه إن لم يدبغ لان طهارة
الذكاة وقعت عليه فإذا طهر الإهاب صلى فيه وصلى عليه وجلود ذوات الأرواح السباع وغيرها مما لا
يؤكل لحمه سواء ذكيه وميته لان، الذكاة لا تحلها فإذا دبغت كلها طهرت لأنها في معاني جلود الميتة إلا
جلد الكلب والخنزير فإنهما لا يطهران بحال أبدا (قال) ولا يتوضأ ولا يشرب في عظم ميتة ولا عظم
ذكى لا يؤكل لحمه مثل عظم الفيل والأسد وما أشبهه لان الدباغ والغسل لا يطهران العظم روى
عبد الله بن دينار أنه سمع ابن عمر يكره أن يدهن في مدهن من عظام الفيل لأنه ميتة (قال الشافعي)
فمن توضأ في شئ منه أعاد الوضوء وغسل ما مسه من الماء الذي كان فيه.
الآنية غير الجلود
(قال الشافعي) ولا أكره إناء توضئ فيه من حجارة ولا حديد ولا نحاس ولا شئ غير ذوات
الأرواح إلا آنية الذهب والفضة فإني أكره الوضوء فيهما (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن زيد
بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم (قال
الشافعي) فإن توضأ أحد فيها أو شرب كرهت ذلك له ولم آمره يعيد الوضوء ولم أزعم أن الماء الذي
شرب ولا الطعام الذي أكل فيها محرم عليه وكان الفعل من الشرب فيها معصية فإن قيل فكيف ينهى
عنها ولا يحرم الماء فيها قيل له إن شاء الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن الفعل فيها لا
عن تبرها وقد فرضت فيها الزكاة وتمولها المسلمون ولو كانت نجسا لم يتمولها أحد ولم يحل بيعها ولا
شراؤها.
23

باب الماء يشك فيه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان الرجل مسافرا وكان معه ماء فظن أن النجاسة خالطته
فتنجس ولم يستيقن فالماء على الطهارة وله أن يتوضأ به ويشربه حتى يستقين مخالطة النجاسة به وإن
استيقن النجاسة وكان يريد أن يهريقه ويبدلة بغيره فشك أفعل أم لا فهو على النجاسة حتى يستيقن أنه
أهراقه وأبدل غيره وإذا قلت في الماء فهو على النجاسة فليس له أن يتوضأ به وعليه أن يتيمم إن لم يجد
غيره وله أن اضطر إليه أن يشربه لان في الشرب ضرورة خوف الموت وليس ذلك في الوضوء فقد جعل
الله تبارك وتعالى التراب طهورا لمن لم يجد الماء وهذا غير واجد ماء يكون طهورا وإذا كان الرجل في
السفر ومعه ماء ان استيقن أن أحدهما نجس والآخر لم ينجس فأهراق النجس منهما على الأغلب عنده
أنه نجس توضأ بالآخر وإن خاف العطش حبس الذي الأغلب عنده أنه نجس وتوضأ بالطاهر عنده
فإن قال قائل قد استيقن النجاسة في شئ فكيف يتوضأ بغير يقين الطهارة قيل له إنه استيقن النجاسة
في شئ واستيقن الطهارة في غيره فلا نفسد عليه الطهارة إلا بيقين أنها نجسة والذي تآخى فكان
الأغلب عليه عنده أنه غير نجس على أصل الطهارة لأن الطهارة تمكن فيه ولم يستيقن النجاسة فإن قال
فقد نجست عليه الآخر بغير يقين نجاسة قيل لا إنما نجسته عليه بيقين أن أحدهما نجس وأن الأغلب عنده
أنه نجس فلم أقل في تنجيسه إلا بيقين رب الماء في نجاسة أحدهما والأغلب عنده أن هذا النجس منهما
24

فإن استيقن بعد أن الذي توضأ به النجس والذي ترك الطاهر غسل كل ما أصاب ذلك الماء النجس
من ثوب وبدن وأعاد الطهارة والصلاة وكان له أن يتوضأ بهذا الذي كان الأغلب عنده أنه نجس حتى
استيقن طهارته ولو اشتبه الماءان عليه فلم يدر أيهما النجس ولم يكن عنده فيهما أغلب قيل له إن لم تجد
ماء غيرهما فعليك أن تتطهر بالأغلب وليس لك أن تتيمم ولو كان الذي أشكل عليه الماءان أعمى لا
يعرف ما يدله على الأغلب وكان معه بصير يصدقه وسعه أن يستعمل الأغلب عند البصير فإن لم يكن
معه أحد يصدقه أو كان معه بصير لا يدري أي الإناءين نجس واختلط عليه أيهما نجس تآخى الأغلب
وإن لم يكن له دلالة على الأغلب من أيهما نجس ولم يكن معه أحد يصدقه تأخى على أكثر ما يقدر
عليه فيتوضأ ولا يتيمم ومعه ما أن أحدهما طاهر ولا يتيمم مع الوضوء لان التيمم لا يطهر نجاسة إن
ماسته من الماء ولا يجب التيمم مع الماء الطاهر ولو توضأ بماء ثم ظن أنه نجس لم يكن عليه أن يعيد
وضوءا حتى يستيقن أنه نجس والاختيار له أن يفعل فإن استيقن بعد الوضوء أنه نجس غسل كل ما
أصاب الماء منه واستأنف وضوءا وأعاد كل صلاة صلاها بعد مماسته الماء النجس وكذلك لو كان على
وضوء فماس ماء نجسا أو ماس رطبا من الأنجاس ثم صلى غسل ما ماس من النجس وأعاد كل صلاة
صلاها بعد مماسته النجس وإن ماس النجس وهو مسافر ولم يجد ماءا تيمم وصلى وأعاد كل صلاة
صلاها بعد مماسته النجس لان التيمم لا يطهر النجاسة المماسة للأبدان (قال) فإذا وجد الرجل الماء
القليل على الأرض أو في بئر أو في وقر حجر أو غيره فوجده شديد التغير لا يدرى أخالطته نجاسة من بول
دواب أو غيره توضأ به لأن الماء قد يتغير بلا حرام خالطه فإذا أمكن هذا فيه فهو على الطهارة حتى
يستيقن بنجاسة خالطته (قال) ولو رأى ماء أكثر من خمس قرب فاستيقن أن ظبيا بال فيه فوجد
طعمه أو لونه متغيرا أو ريحه متغيرا كان نجسا وإن ظن أن تغيره من غير البول لأنه قد استيقن بنجاسة
خالطته ووجد التغير قائما فيه، والتغير بالبول وغيره يختلف.
25

ما يوجد الوضوء وما لا يوجبه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تعالى: " إذ قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم "
الآية (قال الشافعي) فكان ظاهر الآية أن من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ وكانت محتملة أن تكون
نزلت في خاص فسمعت من أرضى علمه بالقرآن يزعم أنها نزلت في القائمين من النوم (قال)
وأحسب ما قال كما قال لان في السنة دليلا على أن يتوضأ من قام من نومه أخبرنا سفيان عن الزهري
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا
يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن
الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل
أن يدخلها في وضوئه فإنه لا يدرى أين باتت يده أخبرنا سفيان قال أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الاناء
حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فمن نام مضطجعا وجب
عليه الوضوء لأنه قائم من مضطجع (قال) والنوم غلبة على العقل فمن غلب على عقله بجنون أو مرض
مضطجعا كان أو غير مضطجع وجب عليه الوضوء لأنه في أكثر من حال النائم والنائم يتحرك الشئ
فينتبه وينتبه من غير تحرك الشئ والمغلوب على عقله بجنون أو غيره يحرك فلا يتحرك (قال) وإذا نام
الرجل قاعدا فأحب إلي له أن يتوضأ (قال) ولا يبين لي أن أوجب عليه الوضوء أخبرنا الثقة عن حميد
الطويل عن أنس بن مالك قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء فينامون

(1) قوله (قيل فيعقل) كذا في الأصل، ولعل المعنى على الاستفهام اه‍.
26

أحسبه قال قعودا حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه
كان ينام قاعدا ثم يصلي ولا يتوضأ (قال الشافعي) وإن نام قاعدا مستويا لم يجب عليه عندي الوضوء لما
ذكرت من الآثار وإن معلوما أن كانت الآية نزلت في النائمين أن النائم مضطجع وأن معلوما أن من قيل
له فلان نائم فلا يتوهم إلا مضطجعا ولا يقع عليه اسم النوم مطلقا إلا أن يكون مضجعا ونائم قاعدا
بمعنى أن يوصل فيقال نام قاعدا كما يقال نام عن الشئ كان ينبغي أن ينتبه له من الرأي لا نوم الرقاد
وإن النائم مضطجعا في غير حال النائم قاعدا لأنه يستثقل فيغلب على عقله أكثر من الغلبة على عقل
النائم جالسا وأن سبيل الحديث منه في سهولة ما يخرج منه وخفائه عليه غير سبيله من النائم قاعدا
(قال) وإن زال عن حد الاستواء في القعود نائما وجب عليه الوضوء لان النائم جالسا يكل نفسه إلى
الأرض ولا يكاد يخرج منه شئ الا ينتبه وإذا زال كان في حد المضطجع بالموضع الذي يكون منه
الحدث (قال) وإذا نام راكعا أو ساجدا أوجب عليه الوضوء لأنه أحرى أن يخرج منه الحدث فلا
يعلم به من المضطجع (قال) ومن نام قائما وجب عليه الوضوء لأنه لا يكل نفسه إلى الأرض وأن
يقاس على المضطجع بأن كلا مغلوب على عقله بالنوم أولى به من أن يقاس على القاعد الذي إنما سلم
فيه للآثار وكانت فيه العلة التي وصفت من أنه لا يكل نفسه إلى الأرض (قال) والنوم الذي يوجب
الوضوء على من وجب عليه الوضوء بالنوم الغلبة على العقل كائنا ذلك ما كان قليلا أو كثيرا فأما من لم
27

يغلب على عقله من مضطجع (1) وغير ما طرق بنعاس أو حديث نفس فلا يجب عليه الوضوء حتى
يستيقن أنه أحدث (قال) وسواء الراكب السفينة والبعير والدابة والمستوى بالأرض متى زال عن حد
الاستواء قاعدا أو نام قائما أو راكعا أو ساجدا أو مضطجعا وجب عليه الوضوء وإذا شك الرجل في نوم
وخطر بباله شئ لم يدر أرؤيا أم حديث نفس فهو غير نائم حتى يستيقن النوم فإن استيقن الرؤيا ولم
يستيقن النوم فهو نائم وعليه الوضوء والاحتياط في المسألة الأولى كلها أن يتوضأ وعليه في الرؤيا ويقين
النوم وإن قل الوضوء (2).

(1) قوله وغير ما طرق الخ هكذا في جميع النسخ وانظر اه‍.
(2) وفي اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما باب في النوم وفيه أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان ينام وهو قاعد ثم يصلى ولا يتوضأ وهكذا
يقول وإن طال ذلك فلا فرق بين طويله وقصيره إذا كان جالسا مستويا على الأرض ويقول إذا كان
مضطجعا أعاد الوضوء (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه
قال من نام مضطجعا وجب عليه الوضوء ومن نام جالسا فلا وضوء عليه فقلت فإنا نقول إن نام قليلا
قاعدا لم ينتقض وضؤه وإن تطاول ذلك توضأ (قال الشافعي) ولا يجوز في النوم قاعدا إلا أن يكون
حكمه حكم المضطجع فقليله وكثيره سواء أو خارج من ذلك الحكم فلا ينقض الوضوء قليله ولا كثيره
فقلت للشافعي وإنا نقول إن نام قليلا قاعدا لم ينتقض وضوؤه وإن تطاول ذلك توضأ فقال الشافعي
فهذا خلاف ابن عمر وخلاف غيره وخروج من أقاويل الناس قول ابن عمر كما حكى مالك وهو لا
يرى في النوم قاعدا وضوءا وقال الحسن من خالط النوم قلبه جالسا وغير جالس فعليه الوضوء وقولكم
خارج منهما جميعا اه‍.
28

الوضوء من الملامسة والغائط
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق "
الآية (قال الشافعي) فذكر الله عز وجل الوضوء على من قام إلى الصلاة وأشبه أن يكون من قام من
مضجع النوم وذكر طهارة الجنب ثم قال بعد ذكر طهارة الجنب " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء
أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا " فأشبه أن يكون أوجب الوضوء من
الغائط وأوجبه من الملامسة وإنما ذكرها موصولة بالغائط بعد ذكر الجنابة فأشبهت الملامسة أن تكون
اللمس باليد والقبلة غير الجنابة أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال قبلة
الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة فمن قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء (قال الشافعي)
وبلغنا عن ابن مسعود قريب من معنى قول ابن عمر وإذا أفضى الرجل بيده إلى امرأته أو ببعض
29

جسده إلى بعض جسدها لا حائل بينه وبينها بشهوة أو بغير شهوة وجب عليه الوضوء ووجب عليها
وكذلك إن لمسته هي وجب عليه وعليها الوضوء وسواء في ذلك كله أي بدنيهما أفضى إلى الآخر إذا
أفضى إلى بشرتها أو أفضت إلى بشرته بشئ من بشرتها فإن أفضى بيده إلى شعرها ولم يماس لها بشرا
فلا وضوء عليه كان ذلك لشهوة أو لغير شهوة كما يشتهيها ولا يمسها فلا يجب عليه وضوء ولا معنى
للشهوة لأنها في القلب إنما المعنى في الفعل والشعر مخالف للبشرة (قال) ولو احتاط فتوضأ إذا لمس
شعرها كان أحب إلى ولو مس بيده ما شاء فوق بدنها من ثوب رقيق خام أو بت أو غيره أو صفيق
متلذذا أو غير متلذذ وفعلت هي ذلك لم يجب على واحد منهما وضوء لان (1) كلاهما لم يلمس صاحبه
إنما لمس ثوب صاحبه قال الربيع سمعت الشافعي يقول اللمس بالكف ألا ترى أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نهى عن الملامسة قال الشاعر:
وألمست كفى كفه أطلب الغنى * ولم أدر أن الجود من كفه يعدى
فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى * أفدت وأعداني فبذرت ما عندي (2)

(1) (قوله كلاهما) كذا في جميع النسخ وهو على لغة القصر اه‍.
(2) وفي اختلاف على وابن مسعود رضي الله عنهما عمرو بن القاسم عن الأعمش عن إبراهيم عن
أبي عبيدة عن عبد الله قال القبلة من اللمس وفيها الوضوء عن شعبة عن مخارق عن طارق عن عبد الله
مثله وهم يخالفون هذا فيقولون: لا وضوء من القبلة. ونحن نأخذ بأن في القبلة الوضوء، وقال ذلك
ابن عمر وغيره.
30

الوضوء من الغائط والبول والريح
(قال الشافعي) ومعقول إذ ذكر الله تبارك وتعالى الغائط في آية الوضوء أن الغائط الخلاء فمن تخلى
وجب عليه الوضوء أخبرنا سفيان قال حدثنا الزهري قال أخبرني عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد
قال شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه الشئ في الصلاة فقال لا ينفتل حتى
يسمع صوتا أو يجد ريحا (قال الشافعي) فلما دلت السنة على أن الرجل ينصرف من الصلاة بالريح
كانت الريح من سبيل الغائط وكان الغائط أكثر منها أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن
الأعرج عن ابن الصمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال فتيمم، أخبرنا مالك عن أبي النضر مولى
عمر بن عبد الله عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود أن عليا ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله يخرج منه المذي ماذا عليه قال
على فإن عندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا استحيى أن أسأله قال المقداد فسألت رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه بماء وليتوضأ وضوءه للصلاة
فدلت السنة على الوضوء من المذي والبول مع دلالتهما على الوضوء من خروج الريح فلم يجز إلا أن يكون
جميع ما خرج من ذكر أو دبر من رجل أو امرأة أو قبل المراة الذي هو سبيل الحدث يوجب الوضوء
وسواء ما دخل ذلك (1) من سبار أو حقنة ذكر أو دبر فخرج على وجهه أو يخلطه شئ غيره ففيه كله
الوضوء لأنه خارج من سبيل الحدث قال وكذلك الدود يخرج منه والحصاة وكل ما خرج من واحد

(1) قوله من سبار الخ في القاموس السيار ككتاب والمسبار ما يسبر به الجرح اه‍ كتبه مصححه
(2) قوله علمت أن من الخ كذا في الأصل بزيادة " أن " وانظره: " كتبه مصححه.
31

من الفروج ففيه الوضوء وكذلك الريح تخرج من ذكر الرجل أو قبل المرأة فيها الوضوء كما يكون الوضوء
في الماء وغيره يخرج من الدبر قال ولما كان ما خرج من الفروج حدثا ريحا أو غير ريح في حكم الحدث
ولم يختلف الناس في البصاق يخرج من الفم والمخاط والنفس يأتي من الانف والجشاء المتغير وغير
المتغير يأتي من الفم لا يوجب الوضوء دل ذلك على أن لا وضوء في قئ ولا رعاف ولا حجامة ولا
الشئ خرج من الجسد ولا أخرج منه غير الفروج الثلاثة القبل والدبر والذكر لان، الوضوء ليس على
النجاسة ما يخرج ألا ترى أن الريح تخرج من الدبر ولا تنجس شيئا فيجب بها الوضوء كما يجب بالغائط
ان المنى غير نجس والغسل يجب به وإنما الوضوء والغسل تعبد قال وإذا قاء الرجل غسل فاه وما
صاب القئ منه لا يجزيه غير ذلك وكذلك إذا رعف غسل ما ماس الدم من أنفه وغيره ولا يجزيه غير
ذلك ولم يكن عليه وضوء وهكذا إذا خرج من جسده دم أو قيح أو غير ذلك من النجس ولا ينجس
عرق جنب ولا حائض من تحت منكب ولا مأبض ولا موضع متغير من الجسد ولا غير متغير فإن قال

(1) قوله ما يكترث الخ هكذا في الأصل الذي بيدنا ولا تخلو العبارة من تحريف فحررها
أصل صحيح كتبه مصححه.
32

قائل وكيف لا ينجس عرق الجنب والحائض؟ قيل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم الحائض بغسل دم
الحيض من ثوبها ولم يأمرها بغسل الثوب كله والثوب الذي فيه دم الحيض الإزار ولا شك في كثرة
العرق فيه وقد روى عن ابن عباس وابن عمر أنهما كانا يعرقان في الثياب وهما جنبان ثم يصليان فيها ولا
يغسلانها وكذلك روى عن غيرهما أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن فاطمة ابنة المنذر قالت
سمعت جدتي أسماء بنت أبي بكر تقول سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب
الثوب فقال: حتيه ثم أقرصيه بالماء ثم رشيه ثم صلى فيه أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة
بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت سألت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه أخبرنا
مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يعرق في الثوب وهو جنب ثم يصلى فيه (قال) ومن توضأ وقد قاء
فلم يتمضمض أو رعف فلم يغسل ما ماس الدم منه أعاد بعد ما يمضمض ويغسل ما ماس الدم منه
لأنه صلى وعليه نجاسة لا لان وضوءه انتقض.
باب الوضوء من مس الذكر
(قال الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع
33

عروة ابن الزبير يقول دخلت على مروان بن الحكم فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء فقال مروان ومن مس
الذكر الوضوء فقال عروة ما علمت ذلك فقال مروان أخبرتني بسرة ابنة صفوان أنها سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول " إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ " أخبرنا سليمان بن عمرو ومحمد بن عبد الله
عن يزيد بن عبد الملك الهاشمي عن سعيد ابن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال: " إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينه وبينه شئ فليتوضأ " أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا عبد الله بن نافع وابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن عقبة ابن عبد الرحمن عن محمد بن
عبد الرحمن بن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره فليتوضأ
وزاد ابن نافع فقال عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه
وسلم وسمعت غير واحد من الحفاظ يرويه ولا يذكر فيه جابرا (قال) وإذا أفضى الرجل ببطن كفه إلى
ذكره ليس بينها وبينه ستر وجب عليه الوضوء قال وسواء كان عامدا أو غير عامد لان كل ما أوجب
الوضوء بالعمد أوجبه بغير العمد قال وسواء قليل ما ماس ذكره وكثيره وكذلك لو مس دبره أو مس قبل
امرأته أو دبرها أو مس ذلك من صبي أوجب عليه الوضوء فإن مس أنثييه أو أليتيه أو ركبتيه ولم يمس
ذكره لم يجب عليه الوضوء وسواء مس ذلك من حي أو ميت وإن مس شيئا من هذا من بهيمة لم يجب
عليه وضوء من قبل أن الآدميين لهم حرمة وعليهم تعبد وليس للبهائم ولا فيها مثلها وما ماس من محرم من
رطب دم أو قيح أو غيره غسل ما ماس منه ولم يجب عليه وضوء وإن مس ذكره بظهر كفه أو ذراعه أو
شئ غير بطن كفه لم يجب عليه الوضوء فإن قال قائل: فما فرق بين ما وصفت؟ قيل الافضاء باليد إنما
هو ببطنها كما تقول أفضي بيده مبايعا وأفضى بيده إلى الأرض ساجدا أو إلى ركبتيه راكعا فإذا كان النبي
صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالوضوء منه إذا أفضى به إلى ذكره فمعلوم أن ذكره يماس فخذيه وما قارب
من ذلك من جسده فلا يوجب ذلك عليه أبولاله السنة وضوءا فكل ما جاوز بطن الكف كما ماس
ذكره مما وصفت وإذا كان مماستان توجب بأحدهما ولا توجب بالأخرى وضوءا كان القياس على أن لا
يجب وضوء مما لم يمسا لان سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن ما ماس ما هو أنجس من
الذكر لا يتوضأ أخبرنا سفيان عن هشام عن فاطمة عن أسماء قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن دم الحيض يصيب الثوب قال: حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه وصلى فيه (قال الشافعي) وإذا أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بدم الحيض أن يغسل باليد ولم يأمر بالوضوء منه فالدم أنجس من الذكر
(قال) وكل ما ماس من نجس قياسا عليه بأن لا يكون منه وضوء وإذا كان هذا في النجس فما ليس
بنجس أولى أن لا يوجب وضوءا إلا ما جاء فيه الخبر بعينه (قال) وإذا ماس نجسا رطبا أو نجسا يابسا
34

وهو رطب وجب عليه أن يغسل ما ماسه منه وما ماسه من نجس ليس برطب وليس ما ماس منه رطبا لم
يجب عليه غسله ويطرحه عنه أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء قال إن الريح لتسفى علينا الروث
والخرء اليابس فيصيب وجوهنا وثيابنا فننفضه أو قال فنمسحه ثم لا نتوضأ ولا نغسله (قال الشافعي)
وكل ما قلت يوجب الوضوء على الرجل في ذكره أوجب على المرأة إذا مست فرجها أو مست ذلك من
زوجها كالرجل لا يختلفان أخبرنا القاسم بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر " قال الربيع أظنه عن
عبيد الله ابن عمر " عن القاسم عن عائشة قالت إذا مست المرأة فرجها توضأت (قال) وإذا مس
الرجل ذكره بينه وبينه شئ ما كان إلا أنه غير مفض إليه لم يكن عليه وضوء فيه رق ما بينه وبينه أو
صفق.
باب لا وضوء مما يطعم أحد
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن رجلين أحدهما جعفر بن عمرو بن أمية
الضمري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ (قال الشافعي)
فبهذا نأخذ فمن أكل شيئا مسته نار أو لم تمسه لم يكن عليه وضوء وكذلك لو اضطر إلى ميتة فأكل منها لم
يجب عليه وضوء منه أكلها نيئة أو نضيجة وكان عليه أن يغسل يده وفاه وما مست الميتة منه لا يجزيه
غير ذلك فإن لم يفعل غسله وأعاد كل صلاة صلاها بعد أكلها وقبل غسله ما ماست الميتة منه وكذلك
كل محرم أكله لم تجز له الصلاة حتى يغسل ما ماس منه من يديه وفيه وشئ أصابه غيرهما وكل حلال
أكله أو شربه فلا وضوء منه كان ذا ريح أو غير ذي ريح شرب ابن عباس لبنا ولم يتمضمض قال: ما
باليته بالة.
باب الكلام والاخذ من الشارب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا وضوء من كلام وإن عظم ولا ضحك في صلاة ولا غيرها
(قال) وروى ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: " من حلف باللات فليقل لا إله إلا الله قال ابن شهاب ولم يبلغني أنه ذكر في ذلك وضوءا (قال
الشافعي) ولا وضوء في ذلك ولا في أذى أحد ولا قذف ولا غيره لأنه ليس من سبيل الاحداث
35

(قال الشافعي) وروى العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أعفوا
اللحى وخذوا من الشوارب وغيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود " (قال الشافعي) فمن توضأ ثم أخذ من
أظفاره ورأسه ولحيته وشاربه لم يكن عليه إعادة وضوء وهذا زيادة نظافة وطهارة وكذلك إن استحد
ولو أمر الماء عليه لم يكن بذلك بأس ولم يكن فيه شئ وكذلك كل حلال أكله له ريح أو لا ريح له
وشربه لبن أو غيره وكذلك لو ماس ذلك الحلال جسده وثوبه لم يكن عليه غسله قد شرب ابن عباس
لبنا وصلى ولم يمس ماء (1).
باب في الاستنجاء
(قال الشافعي) رحمة الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين " (قال الشافعي) فذكر الله تعالى الوضوء
وكان مذهبنا أن ذلك إذا قام النائم من نومه (قال) وكان النائم يقوم من نومه لا محدثا خلاء ولا بولا
فكان الوضوء الذي ذكر الله تعالى بدلالة السنة على من لم يحدث غائطا ولا بولا دون من أحدث غائطا
أو بولا لأنهما نجسان يماسان بعض البدن (قال) ولا استنجاء على أحد وجب عليه وضوء إلا بأن يأتي
منه غائط أو بول فيستنجى بالحجارة أو الماء أخبرنا سفيان ابن عيينة عن محمد بن عجلان عن القعقاع
بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما أنا لكم مثل
الوالد فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول وليستنج بثلاثة
أحجار " ونهى عن الروث والرمة وأن يستنجى الرجل بيمينه (قال الشافعي) الرمة العظم البالي قال
الشاعر:
أما عظامها فرم * وأما لحمها فصليب
أخبرنا سفيان قال أخبرنا هشام بن عروة قال أخبرني أبو وجزة عن عمارة بن خزيمة عن ثابت عن
أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الاستنجاء بثلاثة أحجار ونهى عن الروث والرمة وأن يستنجى
الرجل بيمينه والثلاثة الأحجار ليس فيهن رجيع (قال الشافعي) فمن تخلى أو بال لم يجزه إلا أن يتمسح
بثلاثة أحجار ثلاث مرات أو آجرات أو مقابس أو ما كان طاهرا نظيفا مما أنقى نقاء الحجارة إذا كان
مثل التراب والحشيش والخزف وغيرها (قال) وإن وجد حجرا أو آجرة أو صوانة لها بثلاث وجوه

(1) وترجم في اختلاف مالك والشافعي (الوضوء من الرعاف) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن
نافع عن ابن عمر أنه كان إذا رعف انصرف فتوضأ ثم رجع ولم يتكلم ومالك روى عن ابن عباس وابن
المسيب مثله (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أنه
كان يقول من أصابه رعاف أو من وجد رعافا أو مذيا أو قيئا انصرف فتوضأ ثم رجع فبنى وقال المسور
ابن مخرمة يستأنف ثم زعمتم أنه يغسل الدم وعبيد الله بن عمر يروى عن نافع أنه كان ينصرف فيغسل
الدم ويتوضأ للصلاة والوضوء في الظاهر في روايتكم إنما هو وضوء الصلاة وهذا يشبه الترك لما رويتم عن
ابن عمر وابن عباس وابن المسيب وفي رواية غيركم انه يبنى في المذي وزعمتم انه لا يبنى في المذي
وهذا له تعلق في البناء في الصلاة وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
36

فامتسح بكل واحد منها امتساحة كانت كثلاثة أحجار امتسح بها فإن امتسح بثلاثة أحجار فعلم أنه
أبقى أثرا لم يجزه إلا أن يأتي من الامتساح على ما يرى أنه لم يبق أثرا قائما فأما أثر لاصق لا يخرجه إلا
الماء فليس عليه إنقاؤه لأنه لو جهد لم ينقه بغير ماء (قال) ولا يمتسح بحجر علم أنه امتسح به مرة إلا أن
يعلم أن قد أصابه ماء طهره فإن لم يعلم طهره بماء لم يجزه الامتساح به وإن لم يكن فيه أثر وكذلك لو
غسل بماء الشجر حتى يذهب ما فيه لم يجزه الامتساح به ولا يطهره إلا الماء الذي يطهر الأنجاس
(قال) ولا يستنجى بروثة للخبر فيه فإنها من الأنجاس لأنها رجيع وكذلك كل رجيع نجس ولا بعظم
للخبر فيه فإنه وإن كان غير نجس فليس بنظيف وإنما الطهارة بنظيف طاهر ولا اعلم شيئا في معنى
العظم إلا جلد ذكي غير مدبوغ فإنه ليس بنظيف وإن كان طاهرا فأما الجلد المدبوغ فنظيف طاهر فلا
بأس أن يستنجى به (قال) ويستنجى الرقيق البطن والغليظ بالحجارة وما قام مقامها ما لم يعد الخلاء
ما حوله مخرجه مما أقبل عليه من باطن الأليتين فإن خرج عن ذلك أجزأه فيما بين الأليتين أن يستنجى
بالحجارة ولم يجزه فيما انتشر فخرج عنهما إلا الماء ولم يزل في الناس أهل رقة بطون وغلظها وأحسب رقة
البطن كانت في المهاجرين أكثر لاكلهم التمر وكانوا يقتاتونه وهم الذين أمرهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالاستنجاء (قال) والاستنجاء من البول مثله من الخلاء لا يختلف وإذا انتشر البول على ما أقبل
على الثقب أجزأه الاستنجاء وإذا انتشر حتى تجاوز ذلك لم يجزه فيما جاوز ذلك إلا الماء. ويستبرئ
البائل من البول لئلا يقطر عليه وأحب إلي أن يستبرئ من البول ويقيم ساعة قبل الوضوء ثم ينثر ذكره
قبل الاستنجاء ثم يتوضأ (قال) وإذا استنجى رجل بشئ غير الماء لم يجزه أقل من ثلاثة أحجار وإن
أنقى والاستنجاء كاف ولو جمعه رجل ثم غسل بالماء كان أحب إلى ويقال إن قوما من الأنصار
استنجوا بالماء فنزلت فيهم (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين) وإذا اقتصر المستنجي على
الماء دون الحجارة أجزأه لأنه أنقى من الحجارة وإذا استنجى بالماء فلا عدد في الاستنجاء إلا أن يبلغ
من ذلك ما يرى أنه قد أنقى كل ما هنالك ولا أحسب ذلك يكون إلا في أكثر من ثلاث مرات
وثلاث فأكثر (قال) وإن كانت برجل بواسير وقروح قرب المقعدة أو في جوفها فسالت دما أو قيحا أو
صديدا لم يجزه فيه إلا الاستنجاء بالماء ولا يجزيه الحجارة والماء طهارة الأنجاس كلها والرخصة في
الاستنجاء بالحجارة في موضعها لا يعدى بها موضعها وكذلك الخلاء والبول إذا عدوا موضعهما (1)
فأصابوا غيره من الجسد لم يطهرهما إلا الماء ويستنجي بالحجارة في الوضوء من يجد الماء ومن لا يجده
وإذا تخلى رجل ولم يجد الماء وهو ممن له التيمم لم يجزه إلا الاستنجاء ثم التيمم وإن تيمم ثم استنجى لم
يجزه ذلك حتى يكون التيمم بعد الاستنجاء " قال الربيع وفيه قول ثان للشافعي يجزئه التيمم قبل
الاستنجاء " وإذا كان قد استنجى بعده لم يمس ذكره ولا دبره بيده (قال الشافعي) وإذا وجب على
الرجل الغسل لم يجزه في موضع الاستنجاء إلا الغسل (2).

(1) قوله فأصابوا كذا في جميع النسخ بالواو ولعله من تحريف الناسخ والوجه التثنية كتبه
مصححه.
(2) وترجم في اختلاف الحديث (استقبال القبلة للبول والغائط) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تستقبل القبلة بغائط أو بول ولكن شرقوا أو غربوا قال فقدمنا الشأم فوجدنا مراحيض قد بنيت من قبل القبلة فننحرف ونستغفر الله أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد
عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان
يقول: إن ناسا يقولون إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس. قال عبد الله بن
عمر لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبلا بيت
المقدس لحاجته (قال الشافعي) وليس يعد هذا اختلافا ولكنه من الجمل التي تدل على معنى المعد
(قال الشافعي) كان القوم عربا إنما عامة مذاهبهم في الصحارى وكثير من مذاهبهم لاحش فيها يسترهم
فكان الذاهب لحاجته إذا استقبل القبلة أو استدبرها استقبل المصلى بفرجه أو استدبره لم يكن عليهم
ضرورة في أن يشرقوا أو يغربوا أمروا بذلك وكانت البيوت مخالفة الصحراء فإذا كان بين أظهرها كان فيه
مستترا لا يراه إلا من دخل أو أشرف عليه وكانت المذاهب بين المنازل متضايقة لا يمكن من التحرف
فيها ما يمكن في الصحراء فلما ذكر ابن عمر ما رأى من رسول الله صلى الله عليه وسلم من استقبال بيت
المقدس وهو حينئذ مستدبر الكعبة دل على أنه إنما نهى عن استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء
دون المنازل (قال الشافعي) وسمع أبو أيوب من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعلم ما علم ابن عمر من
استقباله بيت المقدس لحاجته فخاف المأثم في أن يجلس على مرحاض مستقبل الكعبة وتحرف لئلا
يستقبل القبلة وهكذا يجب عليه إذا لم يعرف غيره ورأي ابن عمر النبي صلى الله عليه وسلم في منزله
مستقبلا بيت المقدس لحاجته فأنكر على من نهى عن استقبال القبلة لحاجته وهكذا يجب عليه إذا لم
يعرف غيره أو لم يرو له عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه ولعله سمعه منهم فرآه رأيا لهم لأنهم لم يعزوه
إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن علم الامرين معا رآهما محتملين أن يستعملا استعملهما معا وفرق بينهما
لان، الحال يتفرق فيهما بما قلنا وهذا يدل على أن خاص العلم لا يوجد إلا عند القليل وقلما يعم علم
الخاص وهذا مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة جالسا والقوم خلفه قيام وجلوس فإن
قيل فقد روى سلمة بن وهرام عن طاوس حق على كل مسلم أن يكرم قبلة الله أن يستقبلها لغائط أو
بول قيل له هذا مرسل وأهل الحديث لا يثبتونه ولو ثبت كان كحديث أبي أيوب وحديث ابن عمر عن
النبي صلى الله عليه وسلم مسند حسن الاسناد أولى أن يثبت فيه لو خالفه فإن كان قول طاوس حق على
كل مسلم أن يكرم قبلة الله أن يستقبلها فإنما سمع والله أعلم حديث أبي أيوب عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأنزل ذلك على إكرام القبلة وهي أهل أن يكرم والحال في الصحراء كما حدث أبو أيوب وفي
البيوت كما حدث ابن عمر لا أنهما يختلفان (قال الشافعي) وقد قيل إن الناس كانوا يبنون مساجد بحط
حجارة في الطريق فنهى أن يستقبل للغائط والبول فيكون متغوطا في الساجد أو مستدبرا فيكون الغائط
والبول بعين المصلى إليها ويتأذى بريحه وهذا في الصحارى منهى عنه بهذا الحديث وبغيره بأن يقال اتقوا
الملاعن وذلك أن يتغوط في ممر الناس في طريق من ظلال المسجد أو البيوت والشجر والحجارة وعلى
ظهر الطريق ومواضع حاجة الناس في الممر والمنزل.
37

باب السواك
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل وضوء
38

وبتأخير العشاء " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن محمد بن إسحاق عن ابن أبي عتيق عن عائشة
رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب (قال الشافعي) في
هذا دليل على أن السواك ليس بواجب وأنه اختيار لأنه لو كان واجبا لأمرهم به شق عليهم أو لم يشق
(قال الشافعي) واستحب السواك عند كل حال يتغير فيه الفم وعند الاستيقاظ من النوم واللازم وأكل
كل ما يغير الفم وشربه وعند الصلوات كلها ومن تركه وصلى فلا يعيد صلاته ولا يجب عليه وضوء.
باب غسل اليدين قبل الوضوء
(قال الشافعي) ذكر الله عز وجل الوضوء فبدأ فيه بغسل الوجه فدل على أن الوضوء على من قام
من النوم كما ذكر الله عز وعلا دون البائل والمتغوط لان النائم لم يحدث خلاء ولا بولا وأحب
غسل اليدين قبل إدخالهما الاناء للوضوء للسنة لا للفرض (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي الزناد
عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا استيقظ أحدكم من نومه
فليغسل يديه قبل إدخالهما في الوضوء فإن أحدكم لا يدرى أين باتت يده (قال الشافعي) أخبرنا سفيان
عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا استيقظ أحدكم
من منامه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدرى أين باتت يده " أخبرنا سفيان عن
الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (قال الشافعي) وإذا أدخل
يده في الاناء قبل أن يغسلها وهو لا يستيقن أن شيئا من النجاسة ماسها لم يفسد وضوؤه وكذلك إن
شك أن يكون ماسها فإن كان اليد قد ماسته نجاسة فأدخلها في وضوئه فإن كان الماء الذي توضأ به أقل
من قلتين فسد الماء فأهراقه وغسل منه الاناء وتوضأ بماء غيره لا يجزئه غير ذلك وإن كان الماء قلتين أو
أكثر لم يفسد الماء وتوضأ وطهرت يده بدخولها الماء إن كانت نجاسة لا أثر لها ولو كانت نجاسة لها أثر
أخرجها وغسلها حتى يذهب الأثر ثم يتوضأ
باب المضمضة والاستنشاق
(قال الشافعي) رحمه الله قال الله تبارك وتعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى
المرافق الآية (قال الشافعي) فلم أعلم مخالفا في أن الوجه المفروض غسله في الوضوء ما ظهر دون ما بطن
وأن ليس على الرجل أن يغسل عينية ولا أن ينضح فيهما فكانت المضمضة والاستنشاق أقرب إلى
الظهور من العينين ولم أعلم المضمضة والاستنشاق على المتوضئ فرضا ولم أعلم اختلافا في أن المتوضئ
لو تركهما عامدا أو ناسيا وصلى لم يعد وأحب إلي ان يبدأ المتوضئ بعد غسل يديه ان يتمضمض
ويستنشق ثلاثا يأخذ بكفه غرفة لفيه وأنفه ويدخل الماء أنفه ويستبلغ بقدر ما يرى أنه يأخذ بخياشيمه
ولا يزيد على ذلك ولا يجعله كالسعوط وإن كان صائما ورفق بالاستنشاق لئلا يدخل رأسه وإنما أكدت
المضمضة والاستنشاق دون غسل العينين للسنة وأن الفم يتغير وكذلك الانف وأن الماء يقطع من تغيرهما
وليست كذلك العينان وإن ترك متوضئ أو جنب المضمضة والاستنشاق وصلى لم تكن عليه إعادة لما
وصفت وأحب إلي أن لا يدعهما وإن تركهما أن يتمضمض ويستنشق.
39

باب غسل الوجه
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " فاغسلوا وجوهكم " فكان معقولا أن الوجه ما دون منابت شعر لرأس إلى الاذنين واللحيين والذقن وليس ما جاوز منابت شعر الرأس الأغم من النزعتين من الرأس
وكذلك أصلع مقدم الرأس ليست صلعته من الوجه وأحب إلي لو غسل النزعتين مع الوجه وإن ترك
ذلك لم يكن عليه في تركه شئ فإذا خرجت لحية الرجل فلم تكثر حتى توارى من وجهه شيئا فعليه
غسل الوجه كما كان قبل أن تنبت فإذا كثرت حتى تستر موضعها من الوجه فالاحتياط غسلها كلها ولا
أعلمه يجب غسلها كلها وإنما قلت لا أعلم يجب غسلها كلها بقول الأكثر والأعم ممن لقيت وحكى لي
عنه من أهل العلم وبأن الوجه نفسه ما لا شعر عليه إلا شعر الحاجب وأشفار العينين والشارب والعنفقة
ألا ترى انه وجه دون ما أقبل من الرأس وما أقبل من الرأس وجه في المعنى لأنه مواجه وإنما كان ما
وصفت من حاجب وشارب وعنفقة وعليه شعر وجها من أن كله محدود من أعلاه وأسفله بشئ من
الوجه مكشوف ولا يجوز أن يكون شئ من الوجه مكشوفا لا يغسل ولا أن يكون الوجه فهو واحد
منقطعا أسفله وأعلاه وجنباه وجه وما بين هذا ليس بوجه واللحية فهي شيئان فعذار اللحية المتصل
بالصدغين الذي من ورائه شئ من الوجه والواصل به القليل الشعر في حكم الحاجبين لا يجزي فيه إلا
الغسل له لأنه محدود بالوجه كما وصفت وأن شعره لا يكثر عن أن يناله الماء كما ينال الحاجبين والشاربين
والعنفقة وهي على الذقن وما والى الذقن من اللحيين فهذا مجتمع اللحية بمنقطع اللحية فيجزي في هذا
أن يغسل ظاهر شعره مع غسل شعر الوجه ولا يجزى تركه من الماء ولا أرى ما تحت منابت مجتمع اللحية
واجب الغسل وإذا لم يجب غسله لم يجب تخليله ويمر الماء على ظهر شعر اللحية كما يمره على وجهه وما
مسح من مظاهر شعر الرأس لا يجزيه غير ذلك (1) وإن كان إبطا أو كان ما بين منابت لحيته منقطعا
باديا من الوجه لم يجزه الا غسله وكذلك لو كان بعض شعر اللحية قليلا كشعر العنفقة والشارب وعذار
اللحية لم يجزه إلا غسله وكذلك لو كانت اللحية كلها قليلا لاصقة كهي حين تنبت وجب عليه غسلها
إنما لا يجب عليه غسلها إذا كثرت فكانت إذا أسبغ الماء على اللحية حال الشعر لكثرته دون البشرة فإذا
كانت هكذا لم يجب غسل ما كان هكذا من مجتمع اللحية ووجب عليه إمرار الماء عليها بالغا منها حيث
بلغ كما يصنع في الوجه وأحب أن يمر الماء على جميع ما سقط من اللحية عن الوجه وإن لم يفعل فأمره
على ما على الوجه ففيها قولان أحدهما لا يجزيه لان اللحية تنزل وجها والآخر يجزيه إذا أمره على ما على
الوجه منه.
باب غسل اليدين
(قال الشافعي) قال الله عز وجل " وأيديكم إلى المرافق) فلم أعلم مخالفا في أن المرافق مما يغسل
كأنهم ذهبوا إلى أن معناها فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى أن تغسل المرافق ولا يجزي في غسل اليدين

(1) قوله وإن كان إبطا كذا في جميع النسخ ولعل وجهه وإن كان ثطا، والثط هو القليل شعر
اللحية والحاجبين كما في القاموس كتبه مصححه.
40

ابدا إلا أن يؤتى على ما بين أطراف الأصابع إلى أن تغسل المرافق ولا يجزي إلا أن يؤتى بالغسل على
ظاهر اليدين وباطنهما وحروفهما حتى ينقضى غسلهما وإن ترك من هذا شئ وإن قل. لم يجز ويبدأ باليمنى
من يديه قبل اليسرى فإن بدأ باليسرى قبل اليمنى كرهت ذلك ولا أرى عليه إعادة وإذا كان المتوضئ
أقطع غسل ما بقي حتى يغسل المرفقين فإن كان أقطعهما من فوق المرفقين غسل ما بقي من المرفقين وإن
كان أقطعهما من المرفقين ولم يبق من المرفقين شئ فقد ارتفع عنه فرض غسل اليدين وأحب إلي لو أمس
أطراف ما بقي من يديه أو منكبيه غسلا وإن لم يفعل لم يضره ذلك.
باب مسح الرأس
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تعالى " وامسحوا برؤوسكم " وكان معقولا في الآية أن من
مسح من رأسه شيئا فقد مسح برأسه ولم تحتمل الآية إلا هذا وهو أظهر معانيها أو مسح الرأس كله
ودلت السنة على أن ليس على المرء مسح الرأس كله وإذا دلت السنة على ذلك فمعنى الآية أن من مسح
شيئا من رأسه أجزأه (قال الشافعي) إذا مسح الرجل بأي رأسه شاء إن كان لا شعر عليه وبأي شعر
رأسه شاء بإصبع واحدة أو بعض أصبع أو بطن كفه أو أمر من يمسح به أجزأه ذلك فكذلك إن مسح
نزعتيه أو إحداهما أو بعضهما أجزأه لأنه من رأسه (قال الشافعي) أخبرنا يحيى بن حسان عن حماد بن
زيد وابن علية عن أيوب عن محمد بن سيرين عن عمرو ابن وهب الثقفي عن المغيرة بن شعبة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح بناصيته وعلى عمامته وخفيه. (قال الشافعي) أخبرنا مسلم عن ابن
جريج عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فحسر العمامة عن رأسه ومسح مقدم رأسه أو
قال ناصيته بالماء (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن علي بن يحيى عن ابن سيرين عن المغيرة
ابن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته أو قال مقدم رأسه بالماء (قال الشافعي) وإذا
أذن الله تعالى بمسح الرأس فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتما فحسر العمامة فقد دل على أن
المسح على الرأس دونها وأحب لو مسح على العمامة مع الرأس وإن ترك ذلك لم يضره وإن مسح على
العمامة دون الرأس لم يجزئه ذلك وكذلك لو مسح على برقع أو قفازين دون الوجه والذراعين لم يجزئه
ذلك ولو كان ذا جمة فمسح من شعر الجمة ما سقط عن أصول منابت شعر الرأس ولم يجزئه ولا يجزئه
إلا أن يمسح على الرأس نفسه أو على الشعر الذي على نفس الرأس لا الساقط عن الرأس ولو جمع
شعره فعقده في وسط رأسه فمسح ذلك الموضع وكان الذي يمسح به الشعر الساقط عن منابت شعر
الرأس لم يجزه وإن كان مسح بشئ من الشعر على منابت الرأس بعدما أزيل عن منبته لم يجزه لأنه
حينئذ شعر على غير منبته فهو كالعمامة ولا يجزى المسح على الشعر حتى يمسح على الشعر في موضع منابته
فتقع الطهارة عليه كما تقع على الرأس نفسه والاختيار له أن يأخذ الماء بيديه فيمسح بهما رأسه معا يقبل
بهما ويدبر يبدأ بمقدم رأسه ثم يذهب بهما إلى قفاه ثم يردهما حتى يرجع إلى المكان الذي بدأ منه
وهكذا روى أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني
عن أبيه أنه قال قلت لعبد الله بن زيد الأنصاري هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يتوضأ فقال عبد الله بن زيد نعم ودعا بوضوء فأفرغ على يديه فغسل يديه مرتين مرتين
وتمضمض واستنشق ثلاثا ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين ثم مسح رأسه
41

بيديه وأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى الموضع الذي بدأ منه ثم غسل
رجليه (قال الشافعي) وأحب لو مسح رأسه ثلاثا وواحدة تجزئة وأحب أن يمسح ظاهر أذنيه وباطنهما
بماء غير ماء الرأس ويأخذ بأصبعيه الماء لأذنيه فيدخلهما فيما ظهر من الفرجة التي تفضي إلى الصماخ ولو
ترك مسح الاذنين لم يعد لأنهما لو كانتا من الوجه غسلتا معه أو من الرأس مسحتا معه أو وحدهما أجزأتا
منه فإذا لم يكونا هكذا فلم يذكرا في الفرض ولو كانتا من الرأس كفى ماسحهما أن يمسح بالرأس كما
يكفي مما يبقى من الرأس.
باب غسل الرجلين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " وأرجلكم إلى الكعبين " (قال الشافعي) ونحن
نقرؤها وأرجلكم على معنى اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم وامسحوا برؤوسكم (قال الشافعي)
ولم أسمع مخالفا في أن الكعبين اللذين ذكر الله عز وجل في الوضوء الكعبان الناتئان وهما مجمع مفصل
الساق والقدم وأن عليهما الغسل كأنه يذهب فيهما إلى اغسلوا أرجلكم حتى تغسلوا الكعبين ولا يجزئ
المرء إلا غسل ظاهر قدميه وباطنهما وعرقوبيهما وكعبيهما (1) حتى يستوظف كل ما أشرف من الكعبين
عن أصل الساق فيبدأ فينصب قدميه ثم يصب عليهما الماء بيمينه أو يصب عليه غيره ويخلل أصابهما
حتى يأتي الماء على ما بين أصابعهما ولا يجزئه ترك تخليل الأصابع إلا أن يعلم أن الماء قد اتى على جميع
ما بين الأصابع (قال الشافعي) أخبرنا يحى بن سليم قال حدثني أبو هاشم إسماعيل ابن كثير عن عاصم
بن لقيط بن صبرة عن أبيه قال كنت وافد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأتيناه فلم نصادفه وصادفنا عائشة رضي الله عنها فأتتنا بقناع فيه تمر والقناع الطبق فأكلنا وأمرت
لنا بحريرة فصنعت فأكلنا فلم نلبث أن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل أكلتم شيئا هل أمر
لكم بشئ؟ فقلنا نعم فلم نلبث أن دفع الراعي غنمه فإذا سخلة تيعر قال هيه يا فلان ما ولدت قال
بهمة قال فاذبح لنا مكانها شاة ثم انحرف إلى وقال لي لا تحسبن ولم يقل لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها
لنا غنم مائة لا نريد أن تزيد فإذا ولد الراعي بهمة ذبحنا مكانها شاة قلت يا رسول الله أن لي امرأة في
لسانها شئ يعني البذاء قال طلقها إذا قلت إن لي منها ولدا وإن لها صحبة قال فمرها يقول عظها فإن
يك فيها خير فستعقل ولا تضربن ظعينتك كضربك أمتك قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء قال
أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما (قال الشافعي) فإن كان في
أصابعه شئ خلق ملتصقا غلغل الماء على عضويه حتى يصل الماء إلى ما ظهر من جلده لا يجزيه غير
ذلك وليس عليه أن يفتق ما خلق مرتتقا منهما (2).
42

باب مقام الموضئ
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قام رجل يوضئ رجلا قام عن يسار المتوضئ لأنه أمكن له
من الماء وأحسن في الأدب وإن قام عن يمينه أو حيث قام إذا صب عليه الماء فتوضأ أجزأه لان الفرض
إنما هو في الوضوء لا في مقام الموضئ.
باب قدر الماء الذي يتوضأ به
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة عن أنس بن

(1) قوله ولا يسمع النبي الخ كذا في الأصل وانظر، كتبه مصححه.
43

مالك قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه
فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع يده في ذلك الاناء وأمر الناس أن يتوضئوا منه قال
فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم (قال الشافعي) في مثل هذا
المعنى إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل وبعض نسائه من إناء واحد فإذا توضأ الناس معا ففي
هذا دليل على أنه لا وقت فيما يطهر من المتوضئ من الماء إلا الاتيان على ما أمر الله به من غسل ومسح
وكذلك إذا اغتسل الاثنان معا فإذا أتى المرء على ما أمر الله تعالى به من غسل ومسح فقد أدى ما عليه
قل الماء أو كثر وقد يرفق بالماء القليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفي وأقل ما يكفي فيما أمر بغسله أن
يأخذ له الماء ثم يجريه على الوجه واليدين والرجلين فإن جرى الماء بنفسه حتى أتى على جميع ذلك
أجزأه وان أمر به على يده وكان ذلك بتحريك له باليدين كان أنقى وكان أحب إلي وإن كان على شئ
من أعضائه مشق (1) أو غيره مما يصبغ الجسد فأمر الماء عليه فلم يذهب لم يكن عليه إعادة غسل العضو
إذا أجرى الماء عليه فقد جاء بأقل ما يلزمه وأحب إلي لو غسله حتى يذهب كله وإن كان عليه علك أو
شئ ثخين فيمنع الماء أن يصل إلى الجلد لم يجزه وضوء ذلك العضو حتى يزيل عنه ذلك أو يزيل منه ما
يعلم أن الماء قد ماس معه الجلد كله لا حائل دونه فأما الرأس فيأخذ من الماء بما شاء من يده ثم يمسح
برأسه إذا وصل إليه أو شعره الذي عليه فإن كان أيضا دون ما يمسح من شعره حائل لم يجزه وكذلك إن
كان دون الرأس حائل ولا شعر عليه لم يجزه حتى يزيل الحائل فيباشر بالمسح رأسه أو شعره وإن انغمس
في ماء جار أو ناقع لا ينجس انغماسة تأتى على جميع أعضاء الوضوء ينوى الطهارة بها أجزأه وكذلك
إن جلس تحت مصب ماء أو سرب للمطر أو مطر ينوي به الطهارة فيأتي الماء على جميع أعضاء الوضوء
حتى لا يبقى منها شئ أجزأه.
ولا يجزئ الوضوء الا بنية ويكفيه من النية فيه أن يتوضأ ينوي طهارة من حدث أو طهارة لصلاة
فريضة أو نافلة أو لقراءة مصحف أو صلاة على جنازة أو مما أشبه هذا مما لا يفعله إلا طاهر (قال) ولو
وضأ بعض أعضائه بلا نية ثم نوى في الباقي لم يجزه إلا أن يعود للذي وضأ بلا نية فيحدث له نية يجزئه
بها الوضوء (2) " قال أبو محمد ويغسل ما بعده وهو قول الشافعي في غير هذا الموضع ويغسل ما بعده "
(قال الشافعي) وإذا قدم النية مع أخذه في الوضوء أجزأه الوضوء فإن قدمها قبل ثم عزبت عنه لم يجزه
وإذا توضأ وهو ينوي الطهارة ثم عزبت عنه النية أجزأته نية واحدة فيستبيح بها الوضوء ما لم يحدث نية
أن يتبرد بالماء أو يتنظف بالماء لا يتطهر به وإذا وضأ وجهه ينوي الطهارة ثم نوى بغسل يديه وما بقي من
جسده التنظيف أو التبريد لا الطهارة لم يجزه الوضوء حتى يعود لغسل أعضائه التي أحدث فيها غير نية
الطهارة فإذا وضأ نفسه أو وضأ غيره فسوا. ويأخذ لكل عضو منه ماء غير الماء الذي أخذ للآخر ولو
مسح رأسه بفضل بلل وضوء يديه أو مسح رأسه ببلل لحيته لم يجزه ولا يجزئه إلا ماء جديد (قال
الربيع) ولو غسل وجهه بلا نية طهارة للصلاة ثم غسل يديه بعد ومسح رأسه وغسل رجليه ينوى
الطهارة كان عليه أن يعيد غسل الوجه ينوى به الطهارة وغسل ما بعد ذلك مما غسل لا ينوي به الطهارة

(1) قوله وإن أمر به على يده، كذا في جميع النسخ بالهمز والباء، وقوله بعده مشق أو غيره، في
القاموس: المشق بالكسر والفتح، المغرة اه‍.
(2) قوله أبو محمد هي كنية الربيع بن سلميان المرادي كما في تاريخ ابن خلكان اه‍.
44

حتى يأتي الوضوء على ما ذكر الله عز وجل من شئ قبل شئ وإن كان غسل وجهه ينوي الطهارة
ويديه ومسح برأسه ثم غسل رجليه لا ينوى الطهارة كان عليه أن يغسل الرجلين فقط (1) الذي لم ينو
بهما طهارة ولو توضأ بماء غمس فيه ثوبا ليست فيه نجاسة والماء بحاله لم يخلطه شئ يصير إليه مستهلكا
فيه أجزأه الوضوء به.
ولو توضأ بفضل غيره أجزأه ولو توضأ بماء توضأ به رجل لا نجاسة على أعضائه لم يجزه لأنه ماء قد
توضئ به وكذلك لو توضأ بماء قد اغتسل فيه رجل والماء أقل من قلتين لم يجزه وإن كان الماء خمس
قرب أو أكثر فانغمس فيه رجل لا نجاسة عليه فتوضأ به أجزأه لان هذا لا يفسده وإنما قلت لا يتوضأ
رجل بماء قد توضأ به غيره لان الله عز وجل يقول " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم " فكان معقولا أن
الوجه لا يكون مغسولا إلا بأن يبتدأ له ماء فيغسل به ثم عليه في اليدين عندي مثل ما عليه في الوجه
من أن يبتدئ له ماء فيغسله به ولو أعاد عليه الماء الذي غسل به الوجه كان لم يسو بين يديه ووجهه ولا
يكون مسويا بينهما حتى يبتدئ لهما الماء كما ابتدأ لوجهه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ لكل
عضو منه ماء جديدا ولو أصاب هذا الماء الذي توضأ به من غير نجاسة على البدن ثوب الذي توضأ به أو
غيره أو صب على الأرض لم يغسل منه الثوب وصلى على الأرض لأنه ليس بنجس فإن قال قائل فمن
أين لم يكن نجسا؟ قيل من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ولا شك أن من الوضوء ما
يصيب ثيابه ولم نعلمه غسل ثيابه منه ولا أبدلها ولا علمت فعل ذلك أحد من المسلمين فكان معقولا
إذا لم يماس الماء نجاسة لا ينجس فإن قيل فلم لا يتوضأ به إذا لم يكن نجسا قيل لما وصفنا وإن على
الناس تعبدا في أنفسهم بالطهارة من غير نجاسة تماس أبدانهم وليس على ثوب ولا على أرض تعبد ولا
أن يماسه ماء من غير نجاسة.
باب تقديم الوضوء ومتابعته
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق
وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) (قال) وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمره الله عز
وجل وبدأ بما بدأ الله تعالى به قال فأشبه والله تعالى أعلم أن يكون على المتوضئ في الوضوء شيئان أن
يبدأ بما بدأ الله ثم رسوله عليه الصلاة والسلام به منه ويأتي على إكمال ما أمر به فمن بدأ بيده قبل وجهه
أو رأسه قبل يديه أو رجليه قبل رأسه كان عليه عندي أن يعيد حتى يغسل كلا في موضعه بعد الذي
قبله وقبل الذي بعده لا يجزيه عندي غير ذلك وإن صلى أعاد الصلاة بعد أن يعيد الوضوء ومسح
الرأس وغيره في هذا سواء فإذا نسي مسح رأسه حتى غسل رجليه عاد فمسح رأسه ثم غسل رجليه بعده
وإنما قلت يعيد كما قلت وقال غيري في قول الله عز وجل " إن الصفا والمروة من شعائر الله " فبدأ رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالصفا وقال نبدأ بما بدأ الله به ولم أعلم خلافا أنه لو بدأ بالمروة ألغى طوافا حتى
يكون بدؤه بالصفا وكما قلنا في الجمار إن بدأ بالآخرة قبل الأولى أعاد حتى تكون بعدها وإن بدأ

(1) قوله: الذي لم ينو بهما، كذا في جميع النسخ ولعله من تحريف النساخ، والوجه اللتين الخ
اه‍ كتبه مصححه.
45

بالطواف بالصفا والمروة قبل الطواف بالبيت أعاد فكان الوضوء في هذا المعنى أوكد من بعضه عندي
والله أعلم (قال) وذكر الله عز وجل اليدين والرجلين معا فأحب أن يبدأ باليمنى قبل اليسرى وإن بدا
باليسرى قبل اليمنى فقد أساء ولا إعادة عليه وأحب ان يتبع الوضوء ولا يفرقه لان رسول الله صلى الله
عليه وسلم جاء به متتابعا ولان المسلمين جاؤوا بالطواف ورمى الجمار وما أشبههما من الأعمال متتابعة ولا
حد للتتابع إلا ما يعلمه الناس من أن يأخذ الرجل فيه ثم لا يكون قاطعا له حتى يكمله إلا من عذر
والعذر أن يفزع في موضعه الذي توضأ فيه من سيل أو هدم أو حريق أو غيره فيتحول إلى غيره فيمضى
فيه على وضوئه أو يقل به الماء فيأخذ الماء ثم يمضي على وضوئه في الوجهين جميعا وإن جف وضوؤه كما
يعرض له في الصلاة الرعاف وغيره فيخرج ثم يبني وكما يقطع به الطواف لصلاة أو رعاف أو انتقاض
وضوء فينصرف ثم يبني (قال الربيع) ثم رجع الشافعي عن هذا بعد وقال عليه أن يبتدئ الصلاة إذا
خرج من رعاف و (قال الشافعي) إنه إذا انصرف من رعاف أو غيره قبل أن يتم صلاته أنه يبتدئ
الصلاة (1) (قال الربيع) رجع الشافعي عن هذه المسألة وقال إذا حول وجهه عن تمام الصلاة عامدا
أعاد الصلاة إذا خرج من رعاف وغيره (قال الشافعي) وإن تحول من موضع قد وضأ بعض أعضائه
فيه إلى موضع غيره لنظافته أو لسعته أو ما أشبه ذلك مضى على وضوء ما بقي منه وكذلك لو تحول
لاختياره لا لضرورة كانت به في موضعه الذي كان فيه وإن قطع الوضوء فيه فذهب لحاجة أو أخذ في
غير عمل الوضوء حتى تطاول ذلك به جف الوضوء أو لم يجف فأحب ألي لو استأنف وضوءا ولا يبين لي
أن يكون عليه استئناف وضوء وإن طال تركه له ما لم يحدث بين ظهراني وضوئه فينتفض ما مضى من
وضوئه ولانى لا أجد في متابعته الوضوء ما أجد في تقديم بعضه على بعض وأصل مذهبنا أنه يأتي
بالغسل كيف شاء ولو قطعه لان، الله عز وجل قال " حتى تغتسلوا " فهذا مغتسل وإن قطع الغسل ولا
أحسبه يجوز إذا قطع الوضوء إلا مثل هذا (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه توضأ
بالسوق فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ثم دعي لجنازة فدخل المسجد ليصلي عليها فمسح على خفيه ثم
صلى عليها (قال) وهذا غير متابعة للوضوء ولعله قد جف وضوؤه وقد يجف فيما أقل مما بين السوق
والمسجد وأجده حين ترك موضع وضوئه وصار إلى المسجد آخذا في عمل غير الوضوء وقاطعا له (قال)
وفي مذهب كثير من أهل العلم أن الرجل إذا رمى الجمرة الأولى ثم الآخرة ثم الوسطى أعاد الوسطى
والآخرة حتى يكونا في موضعهما ولم يعد الأولى وهو دليل في قولهم على أن تقطيع الوضوء لا يمنعه أن
يجزى عنه كما قطع الذي رمى الجمرة الأولى رميها إلى الآخرة فلم يمنعه أن تجزى عنه الوسطى (2).

(1) قوله قال الربيع رجع الشافعي الخ كذا في جميع النسخ وهو عين ما قبله ولعلهما عبارتان للربيع
جمع بينهما الناسخ، فتأمل. كتبه مصححه.
(2) وفي اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى في آخر باب الصلاة (قال) وإذا توضأ الرجل بعض
وضوئه ثم لم يتمه حتى جف ما قد غسل فإن أبا حنيفة كان يقول يتم ما قد بقي ولا يعيد على ما مضى
وبه نأخذ يعني أبا يوسف وكان ابن أبي ليلى يقول إن كان في طلب الماء أو في الوضوء فإنه يتم ما بقي
وإن كان قد أخذ في عمل غير ذلك أعاد على ما جف (قال الشافعي) ورأيت المسلمين جاؤوا بالوضوء
متتابعا نسقا على سبيل ما توضأ النبي صلى الله عليه وسلم فمن جاء به كذلك ولم يقطعه لعذر عذر من
انقطاع للماء وطلبه بنى على وضوئه وإن قطعه بغير عذر حتى يتطاول ذلك فيكون معروفا إنه قد أخذ في
عمل غيره فأحب إلى أن يستأنف فإن أتم ما بقي أجزأه. وفي اختلاف مالك والشافعي (المسح على
الخفين) وفيه أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر انه بال في السوق فتوضأ فغسل
وجهه ويديه ومسح برأسه ثم دخل المسجد فدعى لجنازة فمسح على خفيه ثم صلى فقلت للشافعي فإنا
نقول لا يجوز وهذا إنما نمسح بحضرة ذلك ومن صنع مثل هذا استأنف (قال الشافعي) إني لأرى
خلاف ابن عمر عليكم حقيقا لآراء أنفسكم لأنا لا نعلمكم تروون في هذا عن أحد شيئا يخالف قول
ابن عمر وإذا جاز خلاف ابن عمر عندكم فإنما زعمتم أن الحجة في قول أنفسكم ولم تكلفتم الرواية عن
غيركم وقد جعلتم أنفسكم بالخيار تقبلون ما شئتم وتردون ما شئتم بلا حجة.
46

باب التسمية على الوضوء
(قال الشافعي) وأحب للرجل أن يسمى الله عز وجل في ابتداء وضوئه فإن سها سمى متى ذكر
وإن كان قبل أن يكمل الوضوء وإن ترك التسمية ناسيا أو عامدا لم يفسد وضوؤه إن شاء الله تعالى.
باب عدد الوضوء والحد فيه
(قال الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس
قال توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدخل يده في الاناء فاستنشق وتمضمض مرة واحدة ثم أدخل
يده فصب على وجهه مرة وصب على يديه مرة ومسح برأسه وأذنيه مرة واحدة (قال الشافعي) أخبرنا
ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن حمران مولى عثمان بن عفان عن عثمان بن عفان أنه توضأ
بالمقاعد ثلاثا ثلاثا ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من توضأ وضوئي هذا خرجت
خطاياه من وجهه ويديه ورجليه (قال الشافعي) وليس هذا اختلافا ولكن رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا توضأ ثلاثا وتوضأ مرة فالكمال والاختيار ثلاث وواحده تجزئ فأحب للمرء ان يوضئ وجهه
ويديه ورجليه ثلاثا ثلاثا ويمسح برأسه ثلاثا ويعم بالمسح رأسه فإن اقتصر في غسل الوجه واليدين
والرجلين على واحدة تأتي على جميع ذلك أجزأه وإن اقتصر في الرأس على مسحة واحدة بما شاء من
يديه أجزأه ذلك وذلك أقل ما يلزمه وإن وضأ بعض أعضائه مرة وبعضها اثنين وبعضها ثلاثا أجزأه
لان واحدة إذا أجزأت في الكل أجزأت في البعض منه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عمرو بن
يحيى المازني عن أبيه عن عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل وجهه ثلاثا
ويديه مرتين مرتين ومسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى
المكان الذي بدأ منه ثم غسل رجليه (قال) ولا أحب للمتوضئ أن يزيد على ثلاث وان زاد لم أكرهه
إن شاء الله تعالى وإذا وضأ الرجل وجهه ويديه ثم أحدث استأنف الوضوء.
باب جماع المسح على الخفين
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم
47

وأرجلكم إلى الكعبين " (قال الشافعي) فاحتمل أمر الله عز وجل بغسل القدمين أن يكون على كل
متوضئ واحتمل أن يكون على بعض المتوضئين دون بعض فدل مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم
على الخفين أنهما على من لا خفين عليه إذا هو لبسهما على كمال الطهارة كما دل صلاة رسول الله صلى
الله عليه وسلم صلاتين بوضوء واحد وصلوات بوضوء واحد على أن فرض الوضوء على من قام إلى
الصلاة على بعض القائمين دون بعض لا أن المسح خلاف لكتاب الله عز وجل ولا الوضوء على القدمين
وكذلك ليست سنة من سننه صلى الله عليه وسلم بخلاف لكتاب الله عز وجل (قال الشافعي) أخبرنا
عبد الله بن نافع عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أسامة بن زيد قال دخل
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال فذهب لحاجته ثم توضأ فغسل وجهه ثم خرجا قال أسامة فسألت
بلالا ماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بلال ذهب لحاجته ثم توضأ فغسل وجهه ويديه
ومسح برأسه ومسح على الخفين (قال الشافعي) أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن ابن
شهاب عن عباد ابن زياد أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أن المغيرة بن شعبة أخبره أنه غزا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك قال المغيرة فتبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الغائط فحملت
معه أداوة قبل الفجر فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت أهريق على يديه من الإداوة وهو
يغسل يديه ثلاث مرات ثم غسل وجهه ثم ذهب يحسر جبته عن ذراعيه فضاق كما جبته عن ذراعيه
فأدخل يديه في الجبة حتى أخرج ذراعيه من أسفل الجبة وغسل ذراعيه إلى المرفقين ثم توضأ ومسح على
خفيه ثم أقبل قال المغيرة فأقبلت معه حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف يصلى لهم فأدرك
النبي صلى الله عليه وسلم إحدى الركعتين معه وصلى مع الناس الركعة الآخرة فلما سلم قام رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأتم صلاته وأفزع ذلك المسلمين وأكثروا التسبيح فلما قضى رسول الله صلى الله عليه
وسلم صلاته أقبل عليهم ثم قال أحسنتم أو قال أصبتم يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها قال ابن شهاب
وحدثني إسماعيل بن محمد بن أبي وقاص عن حمزة بن المغيرة بن شعبة بنحو من حديث عباد قال
المغيرة فأردت تأخير عبد الرحمن فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم دعه (قال الشافعي) وفي حديث
بلال دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين في الحضر لان بئر جمل في الحضر
قال فيمسح المسافر والمقيم معا.
باب من له المسح
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن حسين وزكريا ويونس عن الشعبي عن
عورة ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه قال قلت يا رسول الله أتمسح على الخفين؟ قال نعم إني أدخلتهما وهما
طاهرتان (قال الشافعي) فمن لم يدخل واحدة من رجليه في الخفين إلا والصلاة تحل له فإنه كامل
الطهارة وكان له أن يمسح على الخفين وذلك أن يتوضأ رجل فيكمل الوضوء ثم يبتدئ بعد إكماله إدخال
كل واحدة من الخفين رجله فإن أحدث بعد ذلك كان له أن يمسح على الخفين وإن أدخل رجليه أو
واحدة منهما الخفين قبل أن تحل له الصلاة لم يكن له إن أحدث أن يمسح على الخفين وذلك أن
يوضئ وجهه ويديه ويمسح برأسه ويغسل إحدى رجليه ثم يدخلها الخف ثم يغسل الأخرى فيدخلها
الخف فلا يكون له إذا أحدث أن يمسح على الخفين لأنه أدخل إحدى رجليه الخف وهو غير كامل
48

الطهارة وتحل له الصلاة وكذلك لو غسل رجليه ثم توضأ بعد لم يكن له أن يصلى حتى ينزع الخفين
ويتوضأ فيكمل الوضوء ثم يدخلهما الخفين وكذلك لو توضأ فأكمل الوضوء ثم خفف إحدى رجليه ثم
أدخل رجله الأخرى في ساق الخف فلم تقر في موضع القدم حتى أحدث لم يكن له أن يمسح لان هذا
لا يكون متخففا حتى يقر قدمه في قدم الخف وعليه أن ينزع ويستأنف الوضوء وإذا وارى الخف من
جميع جوانبه موضع الوضوء وهو أن يوارى الكعبين فلا يريان منه كان لمن له المسح على الخفين أن
يمسح هذين لأنهما خفان وإن كان الكعبان أو ما يحاذيهما من مقدم الساق أو مؤخرها يرى من الخف
لقصره أو لشق فيه أو يرى منه شئ ما كان لم يكن لمن لبسه أن يمسح عليه وهكذا إن كان في الخفين
خرق يرى منه شئ من مواضع الوضوء في بطن القدم أو ظهرها أو حروفها أو ما ارتفع من القدم إلى
الكعبين فليس لأحد عليه هذان الخفان ان يمسح عليهما لان المسح رخصة لمن تغطت رجلاه بالخفين
فإذا كانت إحداهما بارزة بادية فليستا بمتغطيتين ولا يجوز أن يكون شئ عليه الفرض من الرجلين بارزا
ولا يغسل وإذا وجب الغسل على شئ من القدم وجب عليها كلها وإن كان في الخف خرق وجورب
يواري القدم فلا نرى له المسح عليه لان، الخف ليس بجورب ولأنه لو ترك أن يلبس دون الخف جوربا
رؤي بعض رجليه (قال) وإن انفتقت ظهارة الخف وبطانته صحيحة لا يرى منها قدم كان له المسح
لان هذا كله خف والجورب ليس بخف وكذلك كل شئ ألصق بالخف فهو منه ولو تخفف خفا فيه
خرق ثم لبس فوقه آخر صحيحا كان له أن يمسح وإذا كان الخف الذي على قدمه صحيحا مسح عليه
دون الذي فوقه (قال الشافعي) (1) وإذا كان في الخف فتق كالخرق الذي من قبل الخرز كان أو غيره
والخف الذي يمسح عليه الخف والمعلوم ساذجا كان أو منعلا (قال الشافعي) فإن تخفف واحدا غيره
فكان في معناه مسح عليه وذلك أن (2) يكون كله من جلود بقر أو إبل أو خشب فهذا أكثر من أن
يكون من جلود الغنم (قال الشافعي) فإذا كان الخفان من لبود أو ثياب (3) أو طفي فلا يكونان في
معنى الخف حتى ينعلا جلدا أو خشبا أو ما يبقى إذا توبع المشي عليه ويكون كل ما على مواضع
الوضوء منها صفيقا لا يشف فإذا كان هكذا مسح عليه وإذا لم يكن هكذا لم يمسح عليه وذلك أن
يكون صفيقا لا يشف وغير منعل فهذا جورب أو يكون منعلا ويكون يشف فلا يكون هذا خفا إنما
الخف ما لم يشف (قال الشافعي) وإن كان منعلا وما على مواضع الوضوء صفيقا لا يشف وما فوق
مواضع الوضوء يشف لم يضره لأنه لو لم يكن في ذلك شئ لم يضره وإن كان في شئ مما على مواضع
الوضوء شئ يشف لم يكن له أن يمسح عليه فإذا كان عليه جوربان يقومان مقام الخفين يمسح عليهما ثم
لبس فوقهما خفين أو كان عليه خفان فلبسهما أو لبس عليهما جرموقين آخرين أجزأه المسح على الخفين
اللذين يليان قدميه ولم يعد على الخفين فوقهما ولا على الجرموقين مسحا ولو توضأ فأكمل الطهارة ثم لبس
الخفين أو ما يقوم مقام الخفين ثم لبس فوقهما جرموقين ثم أحدث فأراد أن يمسح على الجرموقين لم يكن
ذلك له وكان عليه ان يطرح الجرموقين ثم يمسح على الخفين اللذين يليان قدميه ثم يعيد الجرموقين إن
شاء وإن مسح على الجرموقين ودونهما خفان لم يجزه المسح ولا الصلاة (قال الشافعي) ولو كان لبس

(1) قوله: وإذا كان في الخف فتق، إلى قوله أو منعلا، كذا في جميع النسخ وانظره اه‍.
(2) قوله: أن يكون كله، كذا في النسخ ولعله محرف عن نعله فتأمل. كتبه ومصححه.
(3) قوله: أو طفي، الطفى بالضم خوص المقل، ذكره في الصحاح. كتبه مصححه.
49

جوربين لا يقومان مقام خفين ثم لبس فوقهما خفين مسح على الخفين لأنه ليس دون القدمين شئ يقوم
مقام الخفين وكذلك لو جعل خرقا ولفائف متظاهرة على القدمين ثم لبس فوقهما خفين مسح على
الخفين وقلما يلبس الخفان إلا ودونهما وقاية من جورب أو شئ يقوم مقامه يقي القدمين من خرز الخف
وحروفه (قال الشافعي) وإن كان الخفان أو شئ منهما نجسا لم تحل الصلاة فيهما وإن كانا من جلد ميتة
غير كلب أو خنزير وإن كانا من جلد سبع فدبغا حلت الصلاة فيهما إذا لم يبق فيهما شعر فإن بقي فيهما
شعر فلا يطهر الشعر الدباغ ولا يصلي فيهما وإن كانا من جلد ميتة أو سبع لم يدبغا لم تحل الصلاة فيهما
وإن كانا من جلد ما يؤكل لحمه ذكى حلت الصلاة فيهما وإن لم يدبغا (قال الشافعي) ويجزي المسح
من طهارة الوضوء فإذا وجب الغسل وجب نزع الخفين وغسل جميع البدن وكذلك يجزي الاستنجاء
بالحجارة من الخلاء والبول في الوضوء وإذا وجب الغسل وجب غسل ما هنالك لأنه مما يظهر من
البدن (قال الشافعي) وإن دميت القدمان في الخفين أو وصلت إليهما نجاسة وجب خلع الخفين وغسل
القدمين لان المسح طهارة تعبد وضوء لا طهارة إزالة نجس.
باب وقت المسح على الخفين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد قال أخبرنا المهاجر أبو مخلد عن
عبد الرحمن ابن أبي بكرة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رخص للمسافر أن يمسح على
الخفين ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة (قال الشافعي) إذا تطهر فلبس خفيه فله أن يمسح عليهما
(قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن عاصم بن بهدلة عن زربن حبيش قال أتيت صفوان بن عسال
فقال لي ما جاء بك؟ فقلت ابتغاء العلم فقال إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب
قلت حاك في نفسي المسح على الخفين بعد الغائط والبول وكنت امرءا من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأتيتك أسألك هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا فقال نعم كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أو مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا
من جنابة لكن من بول وغائط ونوم (قال الشافعي) وإذا لبس الرجل خفيه وهو طاهر للصلاة صلى
فيهما فإذا أحدث عرف الوقت الذي أحدث فيه وإن لم يمسح إلا بعده فإن كان مقيما مسح على خفيه
إلى الوقت الذي أحدث فيه من غده وذلك يوم وليلة لا يزيد عليه وإن كان مسافرا مسح ثلاثة أيام
ولياليهن إلى أن يقطع المسح في الوقت الذي ابتدأ المسح فيه في اليوم الثالث لا يزيد على ذلك (قال
الشافعي) وإذا توضأ ولبس خفيه ثم أحدث قبل زوال الشمس فمسح لصلاة الظهر والعصر والمغرب
والعشاء والصبح صلى بالمسح الأول ما لم ينتقض وضوؤه فإن انتقض فله أن يمسح أيضا حتى الساعة
التي أحدث فيها من غده وذلك يوم وليلة فإذا جاء الوقت الذي مسح فيه فقد انتقض المسح وإن لم
يحدث وكان عليه أن ينزع خفيه فإذا فعل وتوضأ كان على وضوئه ومتى لبس خفيه فأحدث مسح إلى
مثل الساعة التي أحدث فيها ثم ينتقض مسحه في الساعة التي أحدث فيها وإن لم يحدث (قال الشافعي)
وإن أحدث بعد زوال الشمس فمسح صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح والظهر إن قدمها
حتى يصليها قبل الوقت الذي أحدث فيه ويخرج منها فإن أخرها حتى يكون الوقت الذي أحدث فيه
لم يكن له أن يصليها بمسح وإن قدمها فلم يسلم حتى يدخل الوقت الذي مسح فيه انتقضت صلاته
50

بانتقاض مسحه وكان عليه أن ينزع خفيه ثم يتوضأ ويصلى بطهارة الوضوء ثم كلما لبس خفيه على طهارة
ثم أحدث كان هكذا أبدا (قال الشافعي) ويصنع هكذا في السفر في ثلاثة أيام ولياليهن يمسح في اليوم
الثالث إلى مثل الساعة التي أحدث فيها فيصلي في الحضر خمس صلوات مرة وستا مرة أخرى بمسح وفي
السفر خمس عشرة صلاة مرة وستة عشر أخرى على مثل ما حكيت إذا صلاهن على الانفراد وكذلك
إذا جمع في السفر لأنه إذا أحدث عند العصر صلى خمس عشرة وجمع العصر إلى الظهر في وقت
الظهر فإذا دخل الوقت الذي مسح فيه انتقض المسح (قال الشافعي) فإن مسح في الحضر عند الزوال
فصلى الظهر ثم خرج مسافرا صلى بالمسح حتى يستكمل يوما وليلة لا يزيد على ذلك لان أصل طهارة
مسحه كانت وليس له أن يصلى بها إلا يوما وليلة وكذلك لو مسح في الحضر فلم يصل صلاة حتى
يخرج إلى السفر لم يكن له أن يصلي بالمسح الذي كان في الحضر إلا يوما وليلة كما كان يصلي به في
الحضر (قال الشافعي) ولو أحدث في الحضر فلم يمسح حتى خرج إلى السفر صلى بمسحه في السفر ثلاثة
أيام ولياليهن (قال الشافعي) ولو كان مسح في الحضر ثم سافر ولم يحدث فتوضأ ومسح في السفر لم يصل
بذلك المسح إلا يوما وليلة لأنه لم يكن لمسحه معنى إذا مسح وهو طاهر لمسحه في الحضر فكان مسحه
ذلك كما لم يكن إذا لم يكن يطهره غير التطهير الأول (قال الشافعي) ولو مسح وهو مسافر فصلى صلاة
أو أكثر ثم قدم بلدا يقيم به أربعا ونوى المقام بموضعه الذي مسح فيه أربعا لم يصل بمسح السفر بعد
مقامه إلا لاتمام يوم وليلة ولا يزيد عليه لأنه إنما كان له أن يصلي بالمسح مسافرا ثلاثا فلما انتقض سفره
كان حكم مسحه إذ صار مقيما كابتداء مسح المقيم (قال الشافعي) ولو كان استكمل في سفره بأن صلى
بمسح السفر يوما وليلة أو أكثر ثم بدا له المقام أو قدم بلدا نزع خفيه واستأنف الوضوء لا يجزئه غير ذلك
ولو كان استكمل يوما وليلة بمسح السفر ثم دخل في صلاة بعد يوم وليلة فنوى المقام قبل تكميل الصلاة
فسدت عليه صلاته وكان عليه أن يستقبل وضوءا ثم يصلي تلك الصلاة ولو سافر فلم يدر امسح مقيما أو
مسافرا لم يصل من حين استيقن بالمسح أنه كان وشك أكان وهو مقيم أو مسافرا، إلا يوما وليلة ولو صلى
به يوما وليلة ثم علم أنه مسح مسافرا صلى به تمام ثلاثة أيام ولياليهن (قال الشافعي) ولو شك أمسح
مقيما أو مسافرا فصلى وهو مسافر أكثر من يوم وليلة ثم استيقن أنه مسح مسافرا أعاد كل صلاة زادت
على يوم وليلة لأنه صلاها وهو لا يراه طاهرا ولم يكن عليه أن يعود بوضوء إذا علم أنه على طهارة المسح
حتى يستكمل المسح ثلاثة أيام ولياليهن (قال الشافعي) وإذا شك في أول ما مسح وهو مقيم فلم يدر
أمسح يوما وليلة أم لا نزع خفيه واستأنف الوضوء ولو استيقن أنه مسح فصلى ثلاث صلوات وشك
أصلى الرابعة أم لا؟ لم يكن له إلا أن يجعل نفسه صلى بالمسح الرابعة حتى لا يصلى بمسح وهو يشك
أنه مسح أم لا ولا يكون له ترك الصلاة الرابعة حتى يستيقن أنه صلاها.
باب ما ينقض مسح الخفين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وللرجل أن يمسح على الخفين في وقته ما كانا على قدميه فإذا
أخرج إحدى قدميه من الخف أو هما بعدما مسح فقد انتفض المسح وعليه أن يتوضأ ثم إن تخفف ثم
أحدث وعليه الخفان مسح (قال الشافعي) وكذلك إذا زالت إحدى قدميه أو بعضها من موضعها من
الخف فخرجا حتى يظهر بعض ما عليه الوضوء منها انتقض المسح وإذا أزالها من موضع قدم الخف ولم
51

يبرز من الكعبين ولا من شئ عليه الوضوء من القدمين شيئا أحببت ان يبتدئ الوضوء ولا يتبين أن
ذلك عليه (قال) وكذلك لو انفتق الخف حتى يرى بعض ما عليه الوضوء من القدمين انتقض المسح
(قال الشافعي) وكذلك إن انفتق الخف وعليه جورب يوارى القدم حتى بدا من الجورب ما لو كانت
القدم بلا جورب رؤيت فهو مثل رؤية القدم ينتقض به المسح (قال الشافعي) وإذا كان الخف بشرج
فإن كان الشرج فوق موضع الوضوء فلا يضره لأنه لو لم يكن ثم خف أجزأ المسح عليه. (قال
الشافعي) وإن كان الشرج فوق شئ من موضع الوضوء من القدم فكان فيه خلل يرى منه شئ من
القدم لم يمسح على الخف وإن لم يكن في الشرج خلل يرى منه شئ من القدم مسح عليه وإن كان
شرجه يفتح. (قال الشافعي) وإن فتح شرجه فقد انتقض المسح لأنه إن لم ير في ذلك الوقت فمشى
فيه أو تحرك انفرج حتى يرى (قال الشافعي) (1) ولو كان الشرج فوق شئ من موضع الوضوء من
القدم فكان فيه خلل فلا يضره لأنه لو لم يكن ثم خف أجزأه.
باب ما يوجب الغسل ولا يوجبه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا
ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " (قال الشافعي) فأوجب الله عز وجل الغسل من
الجنابة فكان معروفا في لسان العرب أن الجنابة الجماع وإن لم يكن معه الجماع ماء دافق وكذلك ذلك في
حد الزنا وإيجاب المهر وغيره وكل من خوطب بأن، فلانا أجنب من فلانة عقل أنه أصابها وإن لم يكن
مقترفا (قال الربيع) يريد أنه لم ينزل ودلت السنة على أن الجنابة أن يفضى الرجل من المرأة حتى يغيب
فرجه في فرجها إلى أن يوارى حشفته أو أن يرمي الماء الدافق وإن لم يكن جماعا (قال الشافعي) أخبرنا
ابن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب أن أبا موسى الأشعري سأل عائشة عن
انتقاء الختانين فقالت عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى الختانان أو
مس الختان الختان فقد وجب الغسل (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن
زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة قالت جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحيى من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟
فقال: نعم إذا هي رأت الماء. (قال الشافعي) فمن رأى الماء الدافق متلذذا أو غير متلذذ فعليه الغسل
وكذلك لو جامع فخرج منه ماء دافق فاغتسل ثم خرج منه ماء دافق بعد الغسل أعاد الغسل وسواء
كان ذلك قبل البول أو بعدما بال إذا جعلت الماء الدافق علما لايجاب الغسل وهو قبل البول وبعده
سواء (قال الشافعي) والماء الدافق الثخين الذي يكون منه الولد والرائحة التي تشبه رائحة الطلع (قال
الشافعي) وإن كان الماء الدافق من رجل وتغير لعلة به أو خلقة في مائه بشئ خرج منه الماء الدافق
الذي نعرفه أوجبت عليه الغسل (قال الشافعي) وإذا غيب الرجل ذكره في فرج امرأة متلذذا أو غير
متلذذ ومتحركا بها أو مستكرها لذكره أو أدخلت هي فرجه في فرجها وهو يعلم أو هو نائم لا يعلم

(1) قوله: ولو كان الشرج فوق شئ الخ كذا في جميع النسخ، وهو مع كونه مكررا مع ما
سبق مخالف في الحكم للمنصوص، فلعل هنا سقطا، وحرر. كتبه مصححه.
52

أوجب عليه وعليها الغسل وكذلك كل فرج (1) أو دبر أو غيره من امرأة أو بهيمة وجب عليه الغسل إذا
غيب الحشفة فيه مع معصية الله تعالى في إتيان ذلك من غير امرأته وهو محرم عليه إتيان امرأته في دبرها
عندنا وكذلك لو غيبه في امرأته وهي ميتة وإن غيبه في دم أو خمر أو غير ذات روح من محرم أو غيره لم
يجب عليه غسل حتى يأتي منه الماء الدافق (قال الشافعي) وهكذا إن استمنى فلم ينزل لم يجب عليه
غسل لان الكف ليس بفرج وإذا ماس به شيئا من الأنجاس غسله ولم يتوضأ وإذا ماس ذكره توضأ
للمسه إياه إذا أفضى إليه فإن غسله وبينه وبين يديه ثوب أو رقعة طهر ولم يكن عليه وضوء (قال
الشافعي) ولو نال من امرأته ما دون أن يغيبه في فرجها ولم ينزل لم يوجب ذلك غسلا ولا نوجب
الغسل إلا أن يغيبه في الفرج نفسه أو الدبر فأما الفم أو غير ذلك من جسدها فلا يوجب غسلا إذا لم
ينزل ويتوضأ من إفضائه ببعضه إليها ولو أنزلت هي في هذه الحال اغتسلت وكذلك في كل حال أنزل
فيها فأيهما أنزل بحال اغتسل (قال الشافعي) ولو شك رجل أنزل أو لم ينزل لم يجب عليه الغسل حتى
يستيقن بالانزال والاحتياط أن يغتسل (قال الشافعي) ولو وجد في ثوبه ماءا دافقا ولا يذكر أنه جاء
منه ماء دافق باحتلام ولا بغيره أحببت أن يغتسل ويعيد الصلاة ويتأخى فيعيد بقدر ما يرى أن ذلك
الاحتلام كان أو ما كان من الصلوات بعد نوم رأى فيه شيئا يشبه أن يكون احتلم فيه (قال الشافعي)
ولا يبين لي أن يجب هذا عليه وإن كان رأى في المنام شيئا ولم يعلم أنه أنزل إلا أن يكون لا يلبس ثوبه
غيره فيعلم أن الاحتلام كان منه فإذا كان هكذا وجب عليه الغسل في الوقت الذي لا يشك أن
الاحتلام كان قبله وكذلك إن أحدث نومه نامها، فإن كان صلى بعده صلاة أعادها ولن كان لم يصل
بعده صلاة اغتسل لما يستقبل (قال الشافعي) أخبرنا مالك بن انس عن هشام بن عروة عن أبيه عن
زبيد (2) بن الصلت أنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى الجرف فنظر فإذا
هو قد احتلم وصلى ولم يغتسل فقال: والله ما أراني إلا قد احتلمت وما شعرت وصليت وما اغتسلت
قال فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه ونضح ما لم ير وأذن وأقام الصلاة ثم صلى بعد ارتفاع الضحى
متمكنا (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عمر بن الخطاب
وأخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب
ثم ذكر نحو هذا الحديث (قال الشافعي) ولا أعلمه يجب الغسل من غير الجنابة وجوبا ولا تجزئ
الصلاة إلا به. وأولى الغسل عندي أن يجب بعد غسل الجنابة من غسل الميت ولا أحب تركه بحال ولا
ترك الوضوء من مسه مفضيا إليه ثم الغسل للجمعة ولا يبين أن لو تركهما تارك ثم صلى اغتسل وأعاد،
إنما منعني من إيجاب الغسل من غسل الميت أن في إسناده رجلا لم أقع من معرفة ثبت حديثه إلى يومى
هذا على ما يقنعني فإن وجدت من يقنعني من معرفة ثبت حديثه أوجبت الوضوء من مس الميت
مفضيا إليه فإنهما في حديث واحد (قال الشافعي) فأما غسل الجمعة فإن الدلالة عندنا أنه إنما أمر به
على الاختيار (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال دخل رجل من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد يوم الجمعة وعمر يخطب فقال عمر أية ساعة هذه؟

(1) قوله: أو دبر أو غيره الخ كذا في جميع النسخ، وانظره اه‍.
(2) قوله: عن زبيد بن الصلت، وقع في أكثر النسخ زبيد بالباء الموحدة وفي بعضها بمثناتين،
وكتب بهامشها زبيد بالزاي وبياءين منقوطتين من تحت، فحرر. كتبه مصححه.
53

فقال: يا أمير المؤمنين انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت فقال عمر:
والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل؟ (قال الشافعي) أخبرنا
الثقة قال أخبرنا معمر عن ابن شهاب عن سالم ابن عبد الله عن أبيه عن عمر بن الخطاب بمثله وسمى
الداخل أنه عثمان بن عفان (قال الشافعي) وإذا أسلم المشرك أحببت له أن يغتسل ويحلق شعره فإن لم
يفعل ولم يكن جنبا أجزأة أن يتوضأ ويصلي (قال الشافعي) وقد قيل قلما جن إنسان إلا أنزل فإن كان
هذا هكذا اغتسل المجنون للانزال وإن شك فيه أحببت له الاغتسال احتياطا ولم أوجب ذلك عليه
حتى يستيقن الانزال (1).

(1) وفي اختلاف علي وابن مسعود رضي الله عنهما عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن
عبد الله أنه قال الماء من الماء (قال الشافعي) ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول إذا مس الختان الختان
فقد وجب الغسل وهذا القول كان من أول الاسلام ثم نسخ. وفي اختلاف الحديث.
54

باب من خرج منه المذي
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا دنا الرجل من امرأته فخرج منه المذي وجب عليه الوضوء
لأنه حدث خرج من ذكره ولو أفضى إلى جسدها بيده وجب عليه الوضوء من الوجهين وكفاه منه
وضوء واحد وكذلك من وجب عليه وضوء لجميع ما يوجب الوضوء ثم توضأ بعد ذلك كله وضوءا
واحدا أجزأه ولا يجب عليه بالمذي الغسل.
55

باب كيف الغسل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " (قال
الشافعي) فكان فرض الله الغسل مطلقا لم يذكر فيه شيئا يبدأ به قبل شئ فإذا جاء المغتسل بالغسل
أجزأه والله أعلم كيفما جاء به وكذلك لا وقت في الماء في الغسل إلا أن يأتي بغسل جميع بدنه (قال
الشافعي) كذلك دلت السنة، فإن قال قائل فأين دلالة السنة قيل لما حكت عائشة أنها كانت تغتسل
والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد كان العلم يحيط أن أخذهما منه مختلف لو كان فيه وقت غير ما
وصفت ما أشبه أن يغتسل اثنا يفرغان من إناء واحد عليهما وأكثر ما حكت عائشة غسله وغسلها فرق
(قال) والفرق ثلاثة آصع (قال الشافعي) وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر فإذا
وجدت الماء فأمسسه جلدك ولم يحك أنه وصف له قدرا من الماء إلا إمساس الجلد والاختيار في الغسل
من الجنابة ما حكت عائشة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم يتوضأ كما يتوضأ
للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه ثم
يفيض الماء على جلده كله (قال الشافعي) فإذا كانت المراة ذات شعر تشد ضفرها فليس عليها أن
تنقضه في غسل الجنابة وغسلها من الحيض كغسلها من الجنابة لا يختلفان (1) يكفيها في كل ما يكفيها
في كل (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن أيوب ابن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع
عن أم سلمة قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل
الجنابة فقال لا إنما يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين أو قال
فإذا أنت قد طهرت (2) وإن حست رأسها فكذلك (قال الشافعي) وكذلك الرجل يشد ضفر رأسه أو
يعقصه فلا يحله ويشرب الماء أصول شعره (قال الشافعي) فإن لبد رأسه بشئ يحول بين الماء وبين أن
يصل إلى شعره وأصوله كان عليه غسله حتى يصل إلى بشرته وشعره وإن لبده بشئ لا يحول دون ذلك
فهو كالعقص والضفر الذي لا يمنع الماء الوصول إليه وليس عليه حله ويكفيه أن يصل الماء إلى الشعر

(1) قوله يكفيها في كل الخ كذا في جميع النسخ بتكرار لفظ كل وانظر اه‍.
(2) قوله وإن حست رأسها كذا في بعض النسخ بالسين المهملة وفي بعضها بالمعجمة وفي بعضها
بالثاء المثلثة وكل ذلك لعله تحريف من النساخ ووجه الكلام " وإن عقصت " والله أعلم. كتبه
مصححه.
56

والبشرة. (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان
رسول الله صلى الله عليه إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ فغسل يده قبل أن يدخلها في الاناء ثم
يغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يشرب شعره الماء ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات (قال
الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله ان النبي صلى الله
عليه وسلم كان يغرف على رأسه من الجنابة ثلاثا. (قال الشافعي) ولا أحب لاحد أن يحفن على رأسه
في الجنابة أقل من ثلاث وأحب له أن يغلغل الماء في أصول شعره حتى يعلم أن الماء قد وصل إلى أصوله
وبشرته قال وان صب على رأسه صبا واحدا يعلم أنه قد تغلغل الماء في أصوله وأتى على شعره وبشرته
أجزأه وذلك أكثر من ثلاث غرفات يقطع بين كل غرفة منها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن كان
شعره ملبدا كثيرا فغرف عليه ثلاث غرفات وكان يعلم أن الماء لم يتغلغل في جميع أصول الشعر ويأت
على جميع شعره كله فعليه أن يغرف على رأسه ويغلغل الماء حتى يعلم علما مثله أن قد وصل الماء إلى
الشعر والبشرة (قال الشافعي) وإن كان محلوقا أو أصلع أو أقرع يعلم أن الماء يأتي على باقي شعره وبشرته
في غرفة عامة أجزأته وأحب له أن يكون ثلاثا وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة بثلاث للضفر
وأنا أرى أنه أقل ما يصير الماء إلى بشرتها وكان النبي صلى الله عليه وسلم ذا لمة يغرف عليها الماء ثلاثا
وكذلك كان وضوؤه في عامة عمره ثلاثا للاختيار صلى الله عليه وسلم وواحدة سابغة كافيه في الغسل
والوضوء لأنه يقع بها اسم غسل ووضوء إذا علم أنها قد جاءت على الشعر والبشر (1).
باب من نسي المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا أحب لاحد ان يدع المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة
وإن تركه أحببت له أن يتمضمض فإن لم يفعل لم يكن عليه أن يعود لصلاة إن صلاها (قال الشافعي)
وليس عليه أن ينضح في عينيه الماء ولا يغسلهما لأنهما ليستا ظاهرتين من بدنه لان دونهما جفونا (قال
الشافعي) وعليه أن يغسل ظاهر أذنيه وباطنهما لأنهما ظاهرتان ويدخل الماء فيما ظهر الصماخ وليس
عليه أن يدخل الماء فيما بطن منه (قال الشافعي) وأحب له أن يدلك ما يقدر عليه من جسده فإن لم
يفعل وأتى الماء على جسده أجزأه (قال الشافعي) وكذلك إن انغمس في نهر أو بئر فأتى الماء على شعره

(1) وفي اختلاف على وابن مسعود رضي الله عنهما (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق
عن الحرث ابن الأزمع قال سمعت ابن مسعود يقول إذا غسل الجنب رأسه بالخطمي فلا يعيد له غسلا
وليسوا يقولون بهذا يقولون ليس الخطمي بطهور وإن خالطه الماء إنما الطهور الماء محضا فأما غسل رأسه
بالماء بعد الخطمي أو قبله فأما الخطمي فلا يطهر وحده. وفي اختلاف مالك والشافعي رحمهما الله
تعالى في ترجمة غسل الجنابة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا اغتسل
من الجنابة نضح في عينيه الماء قال مالك ليس عليه العمل قال لي الشافعي وهذا مما تركتم على ابن عمر
لم ترووا عن أحد خلافه فإذا وسعكم القول على ابن عمر بغير قول مثله لم يجز لكم أن تجعلوا قوله حجة
على مثله وأنتم تدعون عليه لأنفسكم وإن جاز لكم أن تحتجوا به على مثله لم يجز لكم خلافه
لأنفسكم.
57

وبشره أجزأه إذا غسل شيئا إن كان أصابه وكذلك إن ثبت تحت ميزاب حتى يأتي الماء على شعره
وبشره (قال) وكذلك إن ثبت تحت مطر حتى يأتي الماء على شعره وبشره (قال الشافعي) ولا يطهر
بالغسل في شئ مما وصف إلا أن ينوي بالغسل الطهارة وكذلك الوضوء لا يجزئه إلا أن ينوي به الطهارة
وإن نوى بالغسل الطهارة من الجنابة والوضوء الطهارة مما أوجب الوضوء ونوى به أن يصلي مكتوبة أو
نافله على جنازة أو يقرأ مصفحا فكله يجزئه لأنه قد نوى بكله الطهارة (قال) ولو كان من وجب عليه
الغسل ذا شعر طويل فغسل ما على رأسه منه وجميع بدنه وترك ما استرخى منه فلم يغسله لم يجزه لان
عليه طهارة شعره وبشره ولو ترك لمعة من جسده تقل أو تكثر إذا احتاط أنه قد ترك من جسده شيئا
فصلى أعاد غسل ما ترك من جسده ثم أعاد الصلاة بعد غسله ولو توضأ ثم اغتسل فلم يكمل غسله حتى
أحدث مضى على الغسل كما هو وتوضأ بعد الصلاة (قال) ولو بدأ فاغتسل ولم يتوضأ فأكمل الغسل
أجزأه من وضوء الساعة للصلاة والطهارة بالغسل أكثر منها بالوضوء أو مثلها ولو بدأ برجليه في الغسل
قبل رأسه أو فرق غسله فغسل منه الساعة شيئا بعد الساعة غيره أجزأه وليس هذا كالوضوء الذي ذكره
الله عز وجل فبدأ ببعضه قبل بعض ويخلل المغتسل والمتوضئ أصابع أرجلهما حتى يعلم أن الماء قد
وصل إلى ما بين الأصابع ولا يجزئه إلا أن يعلم أن الماء قد وصل إلى ما بينهما ويجزئه ذلك وإن لم يخللهما
(قال) وإن كان بينهما شئ ملتصق ذا غضون أدخل الماء الغضون ولم يكن عليه أن يدخله حيث لا
يدخل من الملتصق وكذلك إن كان ذا غضون في جسده أو رأسه فعليه أن يغلغل الماء في غضونه حتى
يدخله (1).
باب علة من يجب عليه الغسل والوضوء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل " وان كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على
سفر " الآية (قال الشافعي) فلم يرخص الله في التيمم إلا في الحالين السفر والاعواز من الماء أو المرض
فإن كان الرجل مريضا بعض المرض تيمم حاضرا أو مسافرا أو واجدا للماء أو غير واجد له (قال)
والمرض اسم جامع لمعان لأمراض مختلفة فالذي سمعت أن المرض الذي للمرء أن يتيمم فيه الجراح
(قال) والقرح دون الغور كله مثل الجراح لأنه يخاف في كله إذا ماسه الماء أن ينطف فيكون من
النطف التلف والمرض المخوف وأقله ما يخاف هذا فيه فإن كان جائفا خيف في وصول الماء إلى الجوف

(1) وفي اختلاف علي وابن مسعود رضي الله عنهما أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا ابن علية عن شعبة عن عمرو بن مرة عن زاذان قال سأل رجل عليا رضي الله عنه عن الغسل فقال
اغتسل كل يوم إن شئت فقال لا الغسل الذي هو الغسل قال يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم النحر ويوم
الفطر وهم لا يرون شيئا من هذا واجبا عمرو بن الهيثم عن شعبة بن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن
علي رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي ان أبي قد مات قال اذهب فواره قلت إنه قد
مات مشركا قال اذهب فواره فواريته ثم أتيته فقال اذهب فاغتسل وهم لا يقولون بهذا يزعمون أنه
ليس على من مس مشركا غسل ولا وضوء. وفي أبواب الصلاة من اختلاف علي وابن مسعود وكيع
عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن زاذان أن عليا كان يغتسل من الحجامة ولسنا ولا إياهم نقول
بهذا.
58

معاجلة التلف جاز له أن يتيمم وإن كان القرح الخفيف غير ذي الغور الذي لا يخاف منه إذا غسل
بالماء التلف ولا النظف لم يجز فيه إلا غسله لان، العلة التي رخص الله فيها بالتيمم زائلة عنه ولا يجزى
التيمم مريضا أي مرض كان إذا لم يكن قريحا في شتاء ولا غيره وإن فعل أعاد كل صلاة صلاها
بالتيمم وكذلك لا يجزي رجلا في برد شديد فإذا كان الرجل قريحا في رأسه وجميع بدنه غسل ما
أصابه من النجاسة لا يجزئه غيره ويتيمم للجنابة وكذلك كل نجاسة أصابته فلا يجزئه فيها إلا غسلها وإن
كانت على رجل قروح فإن كان القرح جائفا يخاف التلف إن غسلها فلم يغسلها أعاد كل صلاة صلاها
وقد أصابته النجاسة فلم يغسلها وإن كان القروح في كفيه دون جسده لم يجزه إلا غسل جميع جسده
ما خلا كفيه ثم لم يطهر إلا بأن يتيمم لأنه لم يأت بالغسل كما فرض الله عز وجل عليه ولا بالتيمم (قال)
وإن تيمم وهو يقدر على غسل شئ من جسده بلا ضرر عليه لم يجزه وعليه أن يغسل جميع ما قدر عليه
من جسده ويتيمم لا يجزئه أحدهما دون الآخر وإن كان القرح في مقدم رأسه دون مؤخره لم يجزه إلا
غسل مؤخره وكذلك إن كان في بعض مقدم رأسه دون بعض غسل ما لم يكن فيه وترك ما كان فيه فإن
كان القرح في وجهه ورأسه سالم وإن غسله فاض الماء على وجهه لم يكن له تركه وكان عليه أن
يستلقي (1) ويقنع رأسه ويصب الماء عليه حتى ينصب الماء على غير وجهه وهكذا حيث كان القرح من
بدنه فخاف إذا صب الماء على موضع صحيح منه أن يفيض على القرح أمس الماء الصحيح إمساسا لا
يفيض وأجزأه ذلك إذا بل الشعر والبشر وإن كان يقدر على أن يفيض الماء ويحتال حتى لا يفيض على
القروح أفاضه (قال) وإن كان القرح في ظهره فلم يضبط هذا منه ومعه من يضبطه منه برؤيته فعليه أن
يأمره بذلك وكذلك إن كان أعمى وكان لا يضبط هذا في شئ من بدنه إلا هكذا وإن كان في سفر
فلم يقدر على أحد يفعل هذا به غسل ما قدر عليه وتيمم وصلى وعليه إعادة كل صلاة صلاها لأنه قد
ترك ما يقدر على غسله بحال وكذلك إن كان أقطع اليدين لم يجزه إلا أن يأمر من يصب عليه الماء لأنه
يقدر عليه ومتى لم يقدر وصلى أمرته أن يأمر من يغسله إذا قدر وقضى ما صلى بلا غسل وإن كان القرح
في موضع من الجسد فغسل ما بقي منه فإنما عليه أن ييمم وجهه ويديه فقط وليس عليه أن ييمم
موضع القرح لان، التيمم لا يكون طهارة إلا على الوجه واليدين فكل ما عداهما فالتراب لا يطهره وإن
كان القرح في الوجه واليدين يمم الوجه واليدين إلى المرفقين وغسل ما يقدر عليه بعد من بدنه وإن كان
القرح الذي في موضع التيمم من الوجه والذراعين قرحا ليس بكبيرا أو كبيرا لم يجزه إلا أن يمر التراب
عليه كله لان التراب لا يضره وكذلك إن كانت له أفواه مفتحة أمر التراب على ما انفتح منه لان ذلك
ظاهر وأفواهه وما حول أفواهه وكل ما يظهر له لا يجزئه غيره لان التراب لا يضره. وإذا أراد أن يلصق
على شئ منه لصوقا يمنع التراب لم يكن له إلا أن ينزع اللصوق عند التيمم لأنه لا ضرر في ذلك عليه
ولو رأى أن أعجل لبرئه أن يدعه وكذلك لا يلطخه بشئ له ثخانة تمنع مماسة التراب البشرة إلا أن
يكون ذلك في البشرة الذي يواريه شعر اللحية فإنه ليس عليه أن يماس بالتراب بشعر اللحية للحائل
دونها من الشعر ويمر على ما ظهر من اللحية التراب لا يجزئه غيره وإذا كان هكذا لم يكن له أن يربط
الشعر من اللحية حتى يمنعها أن يصل إليها التراب وكذلك إن كانت به قرحة في شئ من جسده
فألصق عليها خرقة تلف موضع القرحة لم يجزه إلا إزالة الخرقة حتى يماس الماء كل ما عدا القرحة فإن

(1) قوله ويقنع رأسه أي ينصبه، من أقنع يقنع إقناعا. كتبه مصححه.
59

كان القرح الذي به كسرا لا يرجع إلا بجبائر فوضع الجبائر على ما سامته ووضع على موضع الجبائر
غيرها إن شاء إذا ألقيت الجبائر وما معها ماس الماء والتراب أعضاء الوضوء وضعه وكان عليه إذا أحدث
طرحه وإمساسه الماء والتراب إن ضره الماء يجزيه غير ذلك بحال وإن كان ذلك أبعد من برئه وأقبح
في جبره لا يكون له أن يدع ذلك إلا بأن يكون فيه خوف تلف ولا أحسب جبرا يكون فيه تلف إذا
نحيت الجبائر عنه ووضئ أو يمم ولكنه لعله أبطأ للبرء وأشفق على الكسر وإن كان يخاف عليه إذا
ألقيت الجبائر وما معها ففيها قولان أحدهما أن يمسح بالماء على الجبائر ويتيمم ويعيد كل صلاة صلاها
إذا قدر على الوضوء والآخر لا يعيد ومن قال يمسح على الجبائر قال لا يضعها إلا على وضوء فإن لم
يضعها على وضوء لم يمسح عليها كما يقول في الخفين (قال الشافعي) لا يعدو بالجبائر أبدا موضع الكسر
إذا كان لا يزيلها (قال الشافعي) وقد روى حديث عن علي رضي الله عنه أنه انكسر إحدى زندي
يديه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ان يمسح بالماء على الجبائر ولو عرفت إسناده بالصحة قلت به (قال
الربيع) أحب إلى الشافعي أن يعيد متى قدر على الوضوء أو التيمم لأنه لم يصل وبضوء بالماء ولا يتيمم
وإنما جعل الله تعالى التيمم بدلا من الماء فلما لم يصل إلى العضو الذي عليه الماء والصعيد كان عليه إذا
قدر أن يعيده وهذا مما أستخير الله فيه (قال الشافعي) والقول في الوضوء إذا كان القرح والكسر القول
في الغسل من الجنابة لا يختلفان إذا كان ذلك في مواضع الوضوء فأما إذا لم يكن في مواضع الوضوء
فذلك ليس عليه غسله (قال الشافعي) والحائض تطهر مثل الجنب في جميع ما وصفت (1) وهكذا لو
وجب على رجل غسل بوجهه غسل أو امرأة كان هكذا (قال الشافعي) وإذا كان على الحائض أثر
الدم وعلى الجنب النجاسة فإن قدرا على ماء اغتسلا وإن لم يقدرا عليه تيمما وصليا ولا يعيدان الصلاة
في وقت ولا غيره (قال الشافعي) ولا يجزئ مريضا غير القريح ولا أحدا في برد شديد يخاف التلف
إن اغتسل أو ذا مرض شديد يخاف من الماء إن اغتسل ولا ذا قروح أصابته نجاسة إلا غسل النجاسة
والغسل إلا أن يكون الأغلب عنده أنه يتلف إن فعل ويتيمم في ذلك الوقت ويصلي ويغتسل ويغسل
النجاسة إذا ذهب ذلك عنه ويعيد كل صلاة صلاها في الوقت الذي قلت لا يجزيه فيه إلا الماء وإن لم
يقدرا عليه تيمما وصليا ولا يعيدان الصلاة في وقت ولا غيره (قال الشافعي) وكذلك كل نجاسة اصابتهما
مغتسلين أو متوضئين فلا يطهر النجاسة إلا الماء فإذا لم يجد من أصابته نجاسة من حائض وجنب
ومتوضئ ماء تيمم وصلى وإذا وجد الماء غسل ما أصاب النجاسة منه واغتسل إن كان عليه غسل
وتوضأ إن كان عليه وضوء وأعاد كل صلاة صلاها والنجاسة عليه لأنه لا يطهر النجاسة إلا الماء (قال
الشافعي) وإن وجد ما ينقي النجاسة عنه من الماء وهو مسافر فلم يجد ما يطهره لغسل إن كان عليه أو
وضوء غسل أثر النجاسة عنه وتيمم وصلى ولا إعادة عليه لأنه صلى طاهرا من النجاسة وطاهرا
بالتيمم (2) من بعد الغسل والوضوء الواجب عليه (قال) وإذا وجد الجنب ماء يغسله وهو يخاف
العطش فهو كمن لم يجد ماء وله أن يغسل النجاسة إن أصابته عنه ويتيمم ولا يجزيه في النجاسة إلا ما
وصفت من غسلها فإن خاف إذا غسل النجاسة العطش قبل الوصول إلى الماء مسح النجاسة وتيمم

(1) قوله: وهكذا لو وجب على رجل الخ كذا في النسخ، ولينظر اه‍.
(2) قوله: بعد الغسل والوضوء الخ كذا في جميع النسخ، ولعله لفظة " بعد " من زيادة
الناسخ أو محرفة عن فعل. كتبه مصححه.
60

وصلى ثم أعاد الصلاة إذا طهر النجاسة بالماء، لا يجزيه غير ذلك (قال الشافعي) فإن كان لا يخاف
العطش وكان معه ماء لا يغسله إن غسل النجاسة ولا النجاسة إن أفاضه عليه غسل النجاسة ثم غسل
بما بقي من الماء معه ما شاء من جسده لأنه تعبد بغسل جسده لا بعضه فالغسل على كله فأيها شاء غسل
أعضاء الوضوء أو غيرها وليست أعضاء الوضوء بأوجب في الجنابة من غيرها ثم يتيمم ويصلي وليس
عليه إعادة إذا وجد الماء لأنه صلى طاهرا (قال الشافعي) فإن قال قائل لم لم يجزه في النجاسة تصيبه
إلا غسلها بالماء وأجزأ في الجنابة والوضوء أن يتيمم؟ قيل له أصل الطهارة الماء إلا حيث جعل الله
التراب طهارة وذلك في السفر والاعواز من الماء أو الحضر أو السفر والمرض فلا يطهر بشر ولا عيره ماسته
نجاسة إلا بالماء إلا حيث جعل الله الطهارة بالتراب وإنما جعلها حيث تعبده بوضوء أو غسل والتعبد
بالوضوء والغسل فرض تعبد ليس بإزالة نجاسة قائمة والنجاسة إذا كانت على شئ من البدن أو الثوب
فهو متعبد بإزالتها بالماء حتى لا تكون موجودة في بدنه ولا في ثوبه إذا كان إلى اخراجها سبيل وهذا تعبد
لمعنى معلوم (قال الشافعي) ولم يجعل التراب بدلا من نجاسة تصيبه وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بغسل دم الحيض من الثوب وهو نجاسة فكانت النجاسة عندنا على أصلها لا يطهرها إلا الماء والتيمم
يطهر حيث جعل ولا يتعدى به حيث رخص الله تعالى فيه وما خرج من ذلك فهو على أصل حكم الله
في الطهارة بالماء (قال الشافعي) إذا أصابت المراة جنابة ثم حاضت قبل أن تغتسل من الجنابة لم يكن
عليها غسل الجنابة وهي حائض لأنها إنما تغتسل فتطهر بالغسل وهي لا تطهر بالغسل من الجنابة وهي
حائض فإذا ذهب الحيض عنها أجزأها غسل واحد وكذلك لو احتلمت وهي حائض أجزأها غسل
واحد لذلك كله ولم يكن عليها غسل وان كثر احتلامها حتى تطهر من الحيض فتغتسل غسلا واحدا
(قال الشافعي) والحائض في الغسل كالجنب لا يختلفان إلا أنى أحب للحائض إذا اغتسلت من
الحيض أن تأخذ شيئا من مسك فتتبع به آثار الدم فإن لم يكن مسك فطيب ما كان اتباعا للسنة والتماسا
للطيب فإن لم تفعل فالماء كاف مما سواه (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن منصور الحجي عن أمه
صفية بنت شيبة عن عائشة قالت جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله عن الغسل من
الحيض فقال خذي فرصة من مسك فتطهري بها فقالت كيف أتطهر بها قال تطهري بها قالت كيف
أتطهر بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الله واستتر ثوبه تطهري بها فاجتذبتها وعرفت الذي
أراد وقلت لها تتبعي بها أثر الدم يعني الفرج (قال الشافعي) والرجل المسافر لا ماء معه والمعزب في
الإبل له أن يجامع أهله ويجزئه التيمم إذا غسل ما أصاب ذكره وغسلت المرأة ما أصاب فرجها أبدا
حتى يجدا الماء فإذا وجدا الماء فعليها أن يغتسلا (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عباد بن
منصور عن أبي رجاء العطاردي عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم أمر رجلا كان جنبا أن يتيمم ثم يصلي فإذا وجد الماء اغتسل وأخبرنا بحديث النبي صلى الله عليه
وسلم حين قال لأبي ذر ان وجدت الماء فامسسه جلدك (1).

(1) وفي اختلاف علي وابن مسعود رضي الله عنهما (قال الشافعي) رضي الله عنه أخبرنا أبو معاوية
عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال الجنب لا يتيمم وليسوا يقولون بهذا ويقولون لا نعلم أحدا يقول
به ونحن نروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الجنب أن يتيمم ورواه ابن علية عن عون الاعرابي
عن أبي رجاء عن عمران ابن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه أمر رجلا أصابته جنابة أن
يتيمم ويصلي.
61

جماع التيمم للمقيم والمسافر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " إذا قمتم إلى الصلاة) الآية وقال في سياقها
" وان كنتم مرضى أو على سفر " إلى " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه " (قال الشافعي) فدل حكم
الله عز وجل على أنه أباح التيمم في حالين أحدهما السفر والاعواز من الماء والآخر للمريض في حضر
كان أو في سفر ودل ذلك على أن للمسافر طلب الماء لقوله: فلم تجدوا ماء فتيمموا (قال الشافعي)
وكان كل من خرج مجتازا من بلد إلى غيره يقع عليه اسم السفر قصر السفر أم طال ولم أعلم من السنة
دليلا على أن لبعض المسافرين أن يتيمم دون بعض وكان ظاهر القرآن أن كل مسافر سفرا بعيدا أو قريبا
يتيمم (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه أقبل من الجرف
حتى إذا كان بالمربد تيمم فمسح وجهه ويديه وصلى العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد
الصلاة (قال الشافعي) والجرف قريب من المدينة.
باب متى يتيمم للصلاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى جعل الله تعالى المواقيت للصلاة فلم يكن لاحد أن يصليها قبلها
وإنما أمرنا بالقيام إليها إذا دخل وقتها وكذلك أمره بالتيمم عند القيام إليها والاعواز من الماء فمن تيمم
لصلاة قبل دخول وقتها وطلب الماء لم يكن له أن يصليها بذلك التيمم وإنما له أن يصليها إذا دخل وقتها
الذي إذا صلاها فيه أجزأت عنه وطلب الماء فأعوزه (قال الشافعي) فإذا دخل وقت الصلاة فله أن
يتيمم ولا ينتظر آخر الوقت لان كتاب الله تعالى يدل على أن يتيمم إذا قام إلى الصلاة فأعوزه الماء وهو
إذا صلى حينئذ أجزأ عنه (قال الشافعي) ولو تلوم إلى آخر الوقت كان ذلك له ولست أستحبه
كاستحبابي في كل حال تعجيل الصلاة إلا أن يكون على ثقة من وجود الماء وأحب أن يؤخر التيمم إلى
أن يؤيس منه أو يخاف خروج الوقت فيتيمم (قال الشافعي) ولو تيمم وليس معه ماء قبل طلب الماء
أعاد التيمم بعد أن يطلبه حتى يكون تيمم بعد أن يطلبه ولا يجده وطلب الماء أن يطلبه وإن كان على
غير علم من أنه ليس معه شئ فإذا علم أنه ليس معه طلبه مع غيره وإن بذله غيره بلا ثمن أو بثمن مثله
وهو واجد لثمن مثله في موضعه ذلك غير خائف إن اشتراه الجوع في سفر لم يكن له أن يتيمم وهو يجده
بهذه الحال وإن امتنع عليه من أن يعطاه متطوعا له بإعطائه أو باعه إلا بأكثر من ثمنه لم يكن عليه أن
يشتريه ولو كان موسرا وكانت الزيادة على ثمنه قليلا (قال الشافعي) وإن كان واجدا بئرا ولا حبل معه
فإن كان لا يقدر على أن يصل إليها (1) حلا أو حبلا أو ثيابا فلا حل حتى يصل أن يأخذ منها بإناء أو
رام شنا (2) أو دلوا فإن لم يقدر دلى طرف الثوب ثم اعتصره حتى يخرج منه ماء ثم أعاده فيفعل ذلك
حتى يصير له في الماء ما يتوضأ به لم يكن له أن يتيمم وهو يقدر على هذا أن يفعله بنفسه أو بمن يفعله
له (قال الشافعي) وإن كان لا يقدر على هذا وكان يقدر على نزولها بأمر ليس عليه فيه خوف نزلها فإن لم

(1) قوله: حلا أو حبلا الخ كذا في النسخ وانظره اه‍.
(2) قوله: شنا. كذا في الأصل: ولعله: رشا. أي حبلا.
62

يقدر على ذلك إلا بخوف لم يكن عليه إن ينزلها (قال الشافعي) وإن دل على ماء قريب من حيث
تحضره الصلاة فإن كان لا يقطع به صحبة أصحابه ولا يخاف على رحله إذا وجه إليه ولا في طريقه
إليه ولا يخرج من الوقت حتى يأتيه فعليه أن يأتيه وإن كان يخاف ضياع رحله وكان أصحابه لا
ينتظرونه أو خاف طريقه أو فوت وقت إن طلبه فليس عليه طلبه وله أن يتيمم (قال الشافعي) فإن تيمم
وصلى ثم علم أنه كان في رحله ماء أعاد الصلاة وإن علم أن بئرا كانت منه قريبا يقدر على مائها لو علمها
لم يكن عليه إعادة ولو أعاد كان احتياطا (قال الشافعي) والفرق بين ما في رحله والبئر لا يعلم واحدا
منهما (1) أن ما في رحله شئ كعلمه أمر نفسه وهو مكلف في نفسه الإحاطة وما ليس في ملكه فهو شئ
في غير ملكه وهو مكلف في غيره الظاهر لا الإحاطة (قال الشافعي) فإن كان في رحله ماء فحال العدو بينه وبين رحله أو حال بينه وبينه سبع أو حريق حتى لا يصل إليه تيمم وصلى وهذا غير واجد للماء إذا
كان لا يصل إليه وإن كان في رحله ماء فأخطأ رحله وحضرت الصلاة طلب ماء فلم يجده تيمم وصلى
ولو ركب البحر فلم يكن معه ماء في مركبه فلم يقدر على الاستقاء من البحر للشدة بحال ولا على شئ
يدليه يأخذ به من البحر بحال تيمم وصلى ولا يعيد وهذا غير قادر على الماء (2).
باب النية في التيمم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يجزي التيمم إلا بعد أن يطلب الماء فلم يجده فيحدث نية
التيمم (قال الشافعي) ولا يجزي التيمم إلا بعد الطلب وإن تيمم قبل أن يطلب الماء لم يجزه التيمم
التيمم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع أنه أقبل هو وابن عمر من الجرف حتى إذا
كانا بالمربد نزل فتيمم صعيدا فمسح بوجهه ويديه إلى المرفقين ثم صلى (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة
عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه تيمم بمريد النعم وصلى العصر ثم دخل المدينة والشمس
مرتفعة فلم يعد الصلاة قلت للشافعي فإنا نقول إذا كان المسافر يطمع بالماء فلا يتيمم إلا في آخر الوقت
فإن تيمم قبل آخر الوقت وصلي ثم وجد الماء قبل ذهاب الوقت توضأ وأعاد (قال الشافعي) وهذا
خلاف قول ابن عمر المربد بطرف المدينة وتيمم به ابن عمر ودخل وعليه من الوقت شئ صالح فلم يعد
الصلاة فكيف خالفتموه في الامرين معا ولا أعلم أحدا مثله قال بخلافه فلو قلتم بقوله ثم خالفه غيركم
كنتم شبيها أن تقولوا بقول يخالف ابن عمر لغير قول مثله ثم يخالفه أيضا في الصلاة وابن عمر إلى أن
يصلي ما ليس عليه أقرب منه إلى أن يدع صلاة عليه.

(1) قوله: أن ما في رحله شئ كعلمه كذا في الأصل ولعل فيه سقطا من الناسخ والأصل " أن
ما في رحله شئ في ملكه فهو يعلمه كعلمه " الخ كتبه مصححه.
(2) وفي اختلاف مالك والشافعي.
63

وكان عليه أن يعود للتيمم بعد طلبه الماء وإعوازه (قال الشافعي) وإذا نوى التيمم ليتطهر لصلاة
مكتوبة صلى بعدها النوافل وقرأ في المصحف وصلى على الجنائز وسجد سجود القرآن وسجود الشكر فإذا
حضرت مكتوبة غيرها ولم يحدث لم يكن له أن يصليها إلا بأن، يطلب لها الماء بعد الوقت فإذا لم يجد
استأنف نية يجوز له بها التيمم لها (قال الشافعي) فان أراد الجمع بين الصلاتين فصلى الأولى منهما
وطلب الماء فلم يجده أحدث نية يجوز له بها التيمم ثم تيمم ثم صلى المكتوبة التي تليها وإن كان قد فاتته
صلوات استأنف التيمم لكل صلاة منها كما وصفت لا يجزيه غير ذلك فإن صلى صلاتين بتيمم واحد
أعاد الآخرة منهما لان التيمم يجزيه للأولى ولا يجزيه للآخرة (قال الشافعي) وإن تيمم ينوي نافلة أو
جنازة أو قراءة مصحف أو سجود قرآن أو سجود شكر لم يكن له أن يصلي به مكتوبة حتى ينوي
بالتيمم المكتوبة (قال) وكذلك أن تيمم فجمع بين صلوات فائتات أجزأه التيمم للأولى منهن ولم يجزه
لغيرها وأعاد كل صلاة صلاها بتيمم لصلاة غيرها ويتيمم لكل واحدة منهن (قال الشافعي) وإن
تيمم ينوي بالتيمم المكتوبة فلا بأس أن يصلي قبلها نافلة وعلى جنازة وقراءة مصحف ويسجد سجود
الشكر والقرآن فإن قال قائل لم لا يصلي بالتيمم فريضتين ويصلي به النوافل قبل الفريضة وبعدها قيل له
إن شاء الله تعالى إن الله عز وجل لما أمر القائم إلى الصلاة إذا لم يجد الماء أن يتيمم دل على أنه لا يقال
له لم يجد الماء إلا وقد تقدم قبل طلبه الماء والاعواز منه نية في طلبه وإن الله إنما عنى فرض الطلب
لمكتوبة فلم يجز والله تعالى أعلم أن تكون نيته في التيمم لغير مكتوبة ثم يصلي به مكتوبة وكان عليه في
كل مكتوبة ما عليه في الأخرى فدل على أن التيمم لا يكون له طهارة إلا بان يطلب الماء فيعوزه فقلنا
لا يصلى مكتوبتين بتيمم واحد لان عليه في كل واحدة منهما ما عليه في الأخرى وكانت النوافل أتباعا
للفرائض لا لها حكم سوى حكم الفرائض (قال الشافعي) ولم يكن التيمم إلا على شرط ألا ترى أنه
إذا تيمم فوجد الماء فعليه أن يتوضأ وهكذا المستحاضة ومن به عرق سائل وهو واجد للماء لا يختلف هو
والمتيمم في أن على كل واحد منهم أن يتوضأ لكل صلاة مكتوبة لأنها طهارة ضرورة لا طهارة على كمال
فإن قال قائل فإن كان بموضع لا يطمع فيه بماء قيل ليس ينقضى الطمع به قد يطلع عليه الراكب معه
الماء والسيل ويجد الحفيرة والماء الظاهر والاختباء حيث لا يمكنه (قال الشافعي) وإذا كان للرجل أن
يتيمم فتيمم فلم يدخل في الصلاة حتى وجد الماء قبل أن يكبر للمكتوبة لم يكن له أن يصلي حتى
يتوضأ فإن كان طلع عليه راكب بماء فامتنع عليه أن يعطيه منه أو وجد ماء فحيل بينه وبينه أو لم يقدر
عليه بوجه لم يجزه التيمم الأول وأحدث بعد اعوازه من الماء الذي رآه نية في التيمم للمكتوبة يجوز له
بها الصلاة بعد تيممه (قال الشافعي) إن تيمم فدخل في نافلة أو في صلاة على جنازة ثم رأى الماء
مضى في صلاته التي دخل فيها ثم إذا انصرف توضأ إن قدر للمكتوبة فإن لم يقدر أحدث نية للمكتوبة
فتيمم لها (قال الشافعي) وهكذا لو ابتدأ نافلة فكبر ثم رأى الماء مضى فصلى ركعتين لم يكن له أن يزيد
عليهما وسلم ثم طلب الماء (قال) وإذا تيمم فدخل في المكتوبة ثم رأى الماء لم يكن عليه أن يقطع
الصلاة وكان له أن يتمها فإذا أتمها توضأ لصلاة غيرها ولم يكن له أن يتنقل بتيممه للمكتوبة إذا كان
واجدا للماء بعد خروجه منها ولو تيمم فدخل في مكتوبة ثم رعف فانصرف ليغسل الدم عنه فوجد الماء
لم يكن له أن يبني على المكتوبة حتى يحدث وضوءا وذلك أنه قد صار في حال ليس له فيها أن يصلي
وهو واجد للماء (قال الشافعي) ولو كان إذا رعف طلب الماء فلم يجد منه ما يوضئه ووجد ما يغسل الدم
عنه غسله واستأنف تيمما لأنه قد كان صار إلى حال لا يجوز له أن يصلي ما كانت قائمة فكانت رؤيته
64

الماء في ذلك الحال توجب عليه طلبه فإذا طلبه فأعوزه منه كان عليه استئناف نية تجيز له التيمم فإن
قال قائل ما الفرق بين أن يرى الماء قبل أن يدخل في الصلاة ولا يكون له الدخول فيها حتى يطلبه فإن
لم يجده استأنف نية وتيمما وبين دخوله في الصلاة فيرى الماء جاريا إلى جنبه وأنت تقول إذا أعتقت
الأمة وقد صلت ركعة تقنعت فيما بقي من صلاتها لا يجزيها غير ذلك قيل له إن شاء الله تعالى إني آمر
الأمة بالقناع فيما بقي من صلاتها والمريض بالقيام إذا أطاقه فيما بقي من صلاته لأنهما في صلاتهما بعد
وحكمهما في حالهما فيما بقي من صلاتهما أن تقنع هذه حرة ويقوم هذا مطيقا ولا أنقض عليهما فيما مضى
من صلاتهما شيئا لان حالهما الأولى غير حالهما الأخرى والوضوء والتيمم عملان غير الصلاة فإذا كانا
مضيا وهما يجزيان حل للداخل الصلاة وكانا منقضين مفروغا منهما وكان الداخل مطيعا بدخوله في
الصلاة وكان ما صلى منها مكتوبا له فلم يجز أن يحبط عمله عنه ما كان مكتوبا له فيستأنف وضوء وإنما
أحبط الله الأعمال بالشرك به فلم يجز أن يقال له توضأ وابن علي صلاتك فإن حدثت حالة لا يجوز له
فيها ابتداء التيمم وقد تيمم فانقضى تيممه وصار إلى صلاة والصلاة غير التيمم فانفصل لصلاة بعمل
غيرها وقد انقضى وهو يجزي أن يدخل به في الصلاة لم يكن للمتيمم حكم إلا أن يدخل في الصلاة
فلما دخل فيها به كان حكمه منقضيا والذي يحل له أول الصلاة يحل له آخرها.
باب كيف التيمم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل " فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم
وأيديكم " (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية عن
الأعرج عن ابن الصمة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم تيمم فمسح وجهه وذراعيه (قال الشافعي)
ومعقول: إذا كان التيمم بدلا من الوضوء على الوجهين واليدين أن يؤتى بالتيمم على ما يؤتى بالوضوء
عليه فيهما وان الله عز وجل إذا ذكرهما فقد عفا في التيمم عما سواهما من أعضاء الوضوء والغسل (قال
الشافعي) ولا يجوز أن يتيمم الرجل إلا أن ييمم وجهه وذراعيه إلى المرفقين ويكون المرفقان فيما ييمم
فإن ترك شيئا من هذا لم يمر عليه التراب قل أو كثر كان عليه أن ييممه وإن صلى قبل أن ييممه أعاد
الصلاة وسواء كان ذلك مثل الدرهم أو أقل منه أو أكثر كل ما أدركه الطرف منه أو استيقن أنه تركه
وإن لم يدركه طرفه واستيقن أنه ترك شيئا فعليه اعادته وإعادة كل صلاة صلاها قبل أن يعيده (قال)
وإذا رأى أن قد أمس يديه التراب على وجهه وذراعيه ومرفقيه ولم يبق شيئا أجزأه (قال الشافعي) ولا
يجزئه إلا أن يضرب ضربة لوجهه وأحب إلى أن يضربها بيديه معا فإن اقتصر على ضربها بإحدى يديه
وأمرها على جميع وجهه أجزأه وكذلك أن ضربها ببعض يديه أنما أنظر من هذا إلى أن يمرها على وجهه
وكذلك إن ضرب التراب بشئ فأخذ الغبار من أداته غير يديه ثم أمره على وجهه وكذلك إن يممه غيره
بأمره وان سفت عليه الريح ترابا عمه فامر ما على وجهه منه على وجهه لم يجزه لأنه لم يأخذه لوجهه
ولو أخذ ما على رأسه لوجهه فأمره عليه أجزأه وكذلك لو أخذ ما على بعض بدنه غير وجهه وكفيه (قال
الشافعي) ويضرب بيديه معا لذراعيه لا يجزيه غير ذلك إذا يمم نفسه لأنه لا يستطيع أن يمسح يدا إلا
باليد التي تخالفها فيمسح اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى (قال الشافعي) ويخلل أصابعه بالتراب
ويتتبع مواضع الوضوء بالتراب كما يتتبعها بالماء (قال) وكيفما جاء بالغبار على ذراعيه أجزأه أو أتى به
65

غيره بأمره كما قلت في الوجه (قال الشافعي) ووجه التيمم ما وصفت من ضربه بيديه معا لوجهه ثم
يمرهما معا عليه وعلى ظاهر لحيته ولا يجزيه غيره ولا يدع إمراره على لحيته ويضرب بيديه معا لذراعيه ثم
يضع ذراعه اليمنى في بطن كفه اليسرى ثم يمر بطن راحته على ظهر ذراعه ويمر أصابعه على حرف
ذراعه وإصبعه الابهام على بطن ذراعه ليعلم أنه قد استوظف وإن استوظف في الأولى كفاه من أن يقلب
يده فإذا فرغ من يمنى يديه يمم يسرى ذراعيه بكفه اليمنى (قال) وإن بدأ بيديه قبل وجهه أعاد فيمم
وجهه ثم يمم ذراعيه وإن بدأ بيسرى ذراعيه قبل يمناها لم يكن عليه إعادة وكرهت ذلك له كما قلت
في الوضوء وإن كان اقطع اليد أو اليدين يمم ما بقي من القطع وإن كان أقطعهما من المرفقين يمم ما بقي
من المرفقين وإن كان أقطعهما من المنكبين فأحب إلي أن يمر التراب على المنكبين وإن لم يفعل فلا شئ
عليه لأنه لا يدين له عليهما فرض وضوء ولا تيمم وفرض التيمم من اليدين على ما عليه فرض الوضوء
ولو كان أقطعهما من المرفقين فأمر التراب على العضدين كان أحب إلى احتياطا وإنما قلت بهذا لأنه اسم
اليد وليس بلازم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمم ذراعيه فدل على أن فرض الله عز وجل في
التيمم على اليدين كفرضه (1) على الوضوء (قال الشافعي) فإذا كان أقطع فلم يجد من ييممه فإن قدر
على أن يلوث يديه بالتراب حتى يأتي به عليهما أو يحتال له بوجه إما برجله أو غيرها أجزأه وإن لم يقدر
على ذلك لاث بوجهه لوثا رفيقا حتى يأتي بالغبار عليه وفعل ذلك بيديه وصلى وأجزأته صلاته فإن لم
يقدر على لوثهما معا لاث إحداهما وصلى وأعاد الصلاة إذا قدر على من ييممه أو يوضئه (قال الشافعي)
وإذا وجد الرجل المسافر ماء لا يطهر أعضاءه كلها لم يكن عليه أن يغسل منها شيئا (قال الربيع) وله
قول آخر أنه يغسل بما معه من الماء بعض أعضاء الوضوء ويتيمم بعد ذلك (قال الربيع) لأن الطهارة
لم تتم فيه كما لو كان بعض أعضاء الوضوء جريحا غسل ما صح منه وتيمم لأن الطهارة لم تكمل فيه
أخبرنا مالك عن نافع (2) عن ابن عمر أنه تيمم (قال الشافعي) لا يجزيه في التيمم إلا أن يأتي بالغبار
على ما يأتي عليه بالوضوء من وجهه ويديه إلى المرفقين (3).
باب التراب الذي يتيمم به ولا يتيمم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " فتيمموا صعيدا طيبا " (قال الشافعي) وكل
ما وقع عليه اسم صعيد لم تخالطه نجاسة فهو صعيد طيب يتيمم به وكل ما حال عن اسم صعيد لم
يتيمم به ولا يقع اسم صعيد إلا على تراب ذي غبار (قال الشافعي) فأما البطحاء الغليظة والرقيقة

(1) قوله على الوضوء كذا في جميع النسخ ولعله من تحريف النساخ والوجه " في الوضوء " كتبه
مصححه.
(2) قوله عن ابن عمر أنه تيمم كذا في النسخ ولعله سقط تمام الحديث فإنه ليس مرتبطا بما قبله
اه‍.
(3) وفي اختلاف علي وابن مسعود رضي الله عنهما أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
هشيم عن خالد عن أبي إسحاق أن عليا رضي الله عنه قال في التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين وليس
هكذا يقولون يقولون ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين.
66

والكثب الغليط فلا يقع عليه اسم صعيد وإن خالطه تراب أو مدر يكون له غبار كان الذي خالطه هو
الصعيد وإذا ضرب المتيمم عليه بيديه فعلقهما غبار أجزأة التيمم به وإذا ضرب بيديه عليه أو على غيره
فلم يعلقه غبار ثم مسح به لم يجزه وهكذا كل أرض سبخها ومدرها وبطحاؤها وغيره فما علق منه إذا
ضرب باليد غبار فتيمم به أجزأه وما لم يعلق به غبار فتيمم به لم يجزه وهكذا ان نفض المتيمم ثوبه أو
بعض أداته فخرج عليه غبار تراب فتيمم به أجزأه إذا كان التراب دقعاء فضرب فيه المتيمم بيديه
فعلقهما منه شئ كثير فلا بأس أن ينفض شيئا إذا بقي في يديه غبار يماس الوجه كله وأحب إلي لو بدأ
فوضع يديه على التراب وضعا رفيقا ثم يتيمم به وإن علق بيديه تراب كثير فأمره على وجهه لم يضره
وإن علقه شئ كثير فمسح به وجهه لم يجزه أن يأخذ من الذي على وجهه فيمسح به ذراعيه ولا يجزيه
إلا أن يأخذ ترابا غيره لذراعيه فإن أمره على ذراعيه عاد فأخذ ترابا آخر ثم أمره على ذراعيه فإن ضرب
على موضع من الأرض فيمم به وجهه ثم ضرب عليه أخرى فيمم به ذراعيه فجائز وكذلك إن تيمم
من موضعه ذلك جاز لان ما اخذ منه في كل ضربة غير ما يبقى بعدها (قال) وإذا حت التراب من
الجدار فتيمم به أجزأه وان وضع يديه على الجدار وعلق بهما غبار تراب فتيمم به أجزأه فإن لم يعلق لم
يجزه وإن كان التراب مختلطا بنورة أو تبن رقيق أو دقيق حنطة أو غيره لم يجز التيمم به حتى يكون ترابا
محضا (قال الشافعي) وإذا حال التراب بصنعة عن أن يقع عليه اسم تراب أو صعيد فتيمم به لم يجز
وذلك مثل أن يطبخ قصبة أو يجعل آجرا ثم يدق وما أشبه هذا (قال) ولا يتيمم بنورة ولا كحل ولا
زرنيخ وكل هذا حجارة وكذلك إن دقت الحجارة حتى تكون كالتراب أو الفخار أو خرط المرمر حتى
يكون غبارا لم يجز التيمم به وكذلك القوارير تسحق واللؤلؤ وغيره والمسك والكافور والأطياب كلها وما
يسحق حتى يكون غبارا مما ليس بصعيد فأما الطين الأرمني والطين الطيب الذي يؤكل فإن دق فتيمم
به أجزأه وإن دق الكذان فتيمم به لم يجزه لان الكذان حجر خوار ولا يتيمم بشب ولا ذريرة ولا لبان
شجره ولا سحالة فضة ولا ذهب ولا شئ غير ما وصفت من الصعيد ولا يتيمم بشئ من الصعيد علم
المتيمم أنه أصابته نجاسة بحال حتى يعلم أن قد طهر بالماء كما وصفنا من التراب (1) المختلط بالتراب
الذي لا جسد له قائم مثل البول وما أشبهه أن يصب عليه الماء حتى يغمره ومن الجسد القائم بأن يزال
ثم يصب عليه الماء على موضعه أو يحفر موضعه حتى يعلم أنه لم يبق منه شئ ولا يتيمم بتراب المقابر
لاختلاطها بصديد الموتى ولحومهم وعظامهم ولو أصابها المطر لم يجز التيمم بها لان الميت قائم فيها لا
يذهبه الماء إلا كما يذهب التراب وهكذا كل ما اختلط بالتراب من الأنجاس مما يعود فيه كالتراب وإذا
كان التراب مبلولا لم يتيمم به لأنه حينئذ طين ويتيمم بغبار من أين كان فإن كانت ثيابه ورجله مبلولة
استجف من الطين شيئا على بعض أداته أو جسده فإذا جف حته ثم يتيمم به لا يجزيه غير ذلك وأن
لطخ وجهه بطين لم يجزه من التيمم لأنه لا يقع عليه اسم صعيد وهكذا إن كان التراب في سبخه ندية لم

(1) قوله المختلط بالتراب كذا في النسخ ولعله من تحريف النساخ ووجهه من التراب المختلط
بالشئ الذي لا جسد له قائم الخ وحاصل المقام ان المخالط للتراب إما أن يكون له جسد قائم أو لا
فإن لم يكن له جسد قائم فطهارته أن يغمر بالماء وإن كان له جسده قائم فطهارته أن يزال ذلك الجسد
ثم يصب الماء على موضعه الخ وسيأتي ذلك في باب جماع ما يصلي عليه من الأرض وما لا يصلى. كتبه
مصححه.
67

يتيمم بها لأنها كالطين لا غبار لها وإن كان في الطين ولم يجف له منه شئ حتى خاف ذهاب الوقت
صلى ثم إذا جف الطين تيمم وأعاد الصلاة ولم يعتد بصلاة صلاها لا بوضوء ولا تيمم وإذا كان الرجل
محبوسا في المصرفي الحش أو في موضع نجس التراب ولا يجد ماء أو يجده ولا يجد موضعا طاهرا يصلى
عليه ولا شيئا طاهرا يفرشه يصلي عليه صلى يومئ إيماء وأمرته أن يصلي ولا يعيد صلاته ههنا وإنما
أمرته بذلك لأنه يقدر على الصلاة بحال فلم أره يجوز عندي أن يمر به وقت صلاة لا يصلى فيها كما
أمكنه وأمرته أن يعيد لأنه لم يصلي كما يجزيه وهكذا الأسير يمنع والمستكره ومن حيل بينه وبين تأدية
الصلاة صلى كما قدر جالسا أو موميا وعاد فصلى مكملا للصلاة إذا قدر ولو كان هذا المحبوس يقدر على
الماء لم يكن له إلا أن يتوضأ وإن كان لا تجزيه به صلاته وكذلك لو قدر على شئ يبسطه ليس بنجس
لم يكن له إلا أن يبسطه وإن لم يقدر على ما قال فاتى بأي شئ قدر على أن يأتي به جاء به مما عليه وإن
كان عليه البدل وهكذا إن حبس مربوطا على خشبية وهكذا إن حبس مربوطا لا يقدر على الصلاة أومأ
إيماء ويقضى في كل هذا إذا قدر وإن مات قبل أن يقدر على القضاء رجوت له أن لا يكون عليه مأثم
لأنه حيل بينه وبين تأدية الصلاة وقد علم الله تعالى نيته في تأديتها
باب ذكر الله عز وجل على غير وضوء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني أبو بكر بن عمر بن عبد
الرحمن عن نافع عن ابن عمر أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه الرجل
فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاوزه ناداه النبي صلى الله عليه وسلم فقال " إنما حملني على الرد
عليك خشية أن تذهب فتقول إني سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد علي فإذا رأيتني على
هذه الحال فلا تسلم علي فإنك إن تفعل لا أرد عليك " أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن
الأعرج عن ابن الصمة قال مررت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلمت عليه فلم يرد علي
حتى قام إلى جدار فحته بعصا كانت معه ثم مسح يديه على الجدار فمسح وجهه وذراعيه ثم رد، علي
أخبرنا إبراهيم عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بئر جمل
لحاجته ثم أقبل فسلم عليه فلم يرد عليه حتى تمسح بجدار ثم رد عليه السلام (قال الشافعي) والحديثان
الأولان ثابتان وبهما نأخذ وفيهما وفى الحديث بعدهما دلائل منه أن السلام اسم من أسماء الله تعالى فإذا
رده رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل التيمم وبعد التيمم في الحضر والتيمم لا يجزى المرء وهو صحيح
في لاوقت الذي لا يكون التيمم فيه طهارة للصلاة دل ذلك على أن ذكر الله عز وجل يجوز والمرء غير
طاهر للصلاة (قال) ويشبه والله تعالى أعلم أن تكون القراءة غير طاهر كذلك لأنها من ذكر الله تعالى
(قال) ودليل على أنه ينبغي لمن مر على من يبول أو يتغوط أن يكف عن السلام عليه في حالته تلك
ودليل على أن رد السلام في تلك الحال مباح لان النبي صلى الله عليه وسلم رد في حالته تلك وعلى أن
ترك الرد حتى يفارق تلك الحال ويتيمم مباح ثم يرد وليس ترك الرد معطلا لوجوبه ولكن تأخيره إلى
التيمم (قال) وترك رد السلام إلى التيمم يدل على أن الذكر بعد التيمم اختيارا على الذكر قبله وإن كانا
مباحين لرد النبي صلى الله عليه وسلم قبل التيمم وبعده (قال) فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول لما تيمم
68

النبي صلى الله عليه وسلم رد السلام لأنه قد جاز له قلنا بالتيمم للجنازة والعيدين إذا أراد الرجل ذلك
وخاف فوتهما قلنا والجنازة والعيد صلاة والتيمم لا يجوز في المصر لصلاة فإن زعمت أنها ذكر جاز العيد
بغير تيمم كما جاز في السلام بغير تيمم
باب ما يطهر الأرض وما لا يطهرها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي
هريرة رضي الله تعالى عنه قال دخل أعرابي المسجد فقال اللهم ارحمني ومحمد ولا ترحم معنا أحدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد تحجرت واسعا قال فما لبث أن بال في ناحية المسجد فكأنهم
عجلوا عليه فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر بذنوب من ماء أو سجل من ماء فأهريق عليه
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم علموا ويسروا ولا تعسروا (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن
سعيد قال سمعت أنس بن مالك يقول بال أعرابي في المسجد فعجل الناس عليه فنهاهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم عنه وقال صبوا عليه دلوا من ماء (قال الشافعي) فإذا بيل على الأرض وكان البول رطبا
مكانه أو نشفته الأرض وكان موضعه يابسا فصب عليه من الماء ما يغمره حتى يصير البول مستهلكا في
التراب والماء جاريا على مواضعه كلها مزيلا لريحه فلا يكون له جسد قائم ولا شئ في معنى جسد من
ريح ولا لون فقد طهر وأقل قدر ذلك ما يحيط العلم أنه كالدلو الكبير على بول الرجل وإن كثر وذلك
أكثر منه اضعافا لا أشك في أن ذلك سبع مرات أو أكثر لا يطهره شئ غيره (قال) فإن بال على بول
الواحد آخر لم يطهره إلا دلوان، وان بال اثنان معه لم يطهره إلا ثلاثة وإن كثروا لم يطهر الموضع حتى
يفرغ عليه من الماء ما يعلم أن قد صب مكان بول كل رجل دلوا عظيم أو كبير (قال الشافعي) وإذا كان
مكان البول خمر صب عليه كما يصب على البول لا يختلفان في قدر ما يصب عليه من الماء فإذا ذهب
لونه وريحه من التراب فقد طهر التراب الذي خالطه (قال) وإذا ذهب لونه ولم يذهب ريحه ففيها
قولان أحدهما لا تطهر الأرض حتى يذهب ريحه وذلك أن الخمر لما كانت الرائحة قائمة فيه فهي
كاللون والجسد فلا تطهر الأرض حتى يصب عليها من الماء قدر ما يذهبه فإن ذهبت بغير صب ماء لم
تطهر حتى يصب عليها من الماء قدر ما يطهر به البول والقول الثاني أنه إذا صب على ذلك من الماء قدر
ما يطهرها وذهب اللون والريح ليس بجسد ولا لون فقد طهرت الأرض وإذا كثر ما يصب من الخمر
على الأرض فهو ككثرة البول يزاد عليه من الماء كما وصفته يزاد على البول إذا كثر وكل ما كان غير جسد
في هذا المعنى لا يخالفه فإن كانت جيفة على وجه الأرض فسال منها ما يسيل من الجيف فأزيل
جسدها صب على ما خرج منها من الماء كما وصفته يصب على البول والخمر فإذا صب الماء فلم يوجد
له عين ولا لون ولا ريح فهكذا (قال) وهكذا إذا كانت عليها عذرة أو دم أو جسد نجس فأزيل (قال)
وإذا صب على الأرض شيئا من الذائب كالبول والخمر والصديد وما أشبهه ثم ذهب أثره ولونه وريحه
فكان في شمس أو غير شمس فسواء ولا يطهره إلا أن يصب عليه الماء وإن أتى على الأرض مطر يحيط
العلم أنه يصيب موضع البول منه أكثر من الماء الذي وصفت أنه يطهره كان لها طهورا وكذلك إن أتى
عليها سيل يدوم عليها قليلا حتى تأخذ الأرض منه مثل ما كانت آخذة مما صب عليها ولا أحسب سيلا
يمر عليها إلا أخذت منه مثل أو أكثر مما كان يطهرها من ماء يصب عليها فإن كان العلم يحيط بأن سيلا
69

لو مسحها مسحة لم تأخذ منه قدر ما كان يطهرها لم تطهر حتى يصب عليها ما يطهرها وإن صب على
الأرض نجسا كالبول فبودر مكانه فحفر حتى لا يبقى في الأرض منه شئ رطب ذهبت النجاسة كلها
وطهرت بلا ماء وإن يبس وبقى له أثر فحفرت حتى لا يبقى يرى له أثر لم تطهر لان الأثر لا يكون منه
إلا الماء طهر حيث تردد إلا أن يحيط العلم أن قد أتى بالحفر على ما يبلغه البول فيطهره فأما كل جسد
ومستجسد قائم من الأنجاس مثل الجيفة والعذرة والدم وما أشبهها فلا تطهر الأرض منه إلا بان يزول
عنها ثم يصب على رطب إن كان منه فيها ما يصب على البول والخمر فإن ذهبت الأجساد في التراب
حتى يختلط بها فلا يتميز منها كانت كالمقابر لا يصلى فيها ولا تطهر لان التراب غير متميز من المحرم
المختلط وهكذا كل ما اختلط بما في الكراييس (1) وما أشبهه وإذا ذهبت جيفة في الأرض فكان عليها
من التراب ما يواريها ولا يرطب برطوبة إن كانت منها كرهت الصلاة على مدفنها وإن صلى عليها مصل
لم آمره بإعادة الصلاة وهكذا ما دفن من الأنجاس مما لم يختلط بالتراب وإذا ضرب اللبن مما فيه بول لم
يصل عليه حتى يصب عليه الماء كما يصب على ما بيل عليه من الأرض وأكره أن يفرش به مسجد أو
يبنى به فإن بنى به مسجد أو كان منه جدرانه كرهته وإن صلى إليها مصل لم أكرهه ولم يكن عليه إعادة
وكذلك إن صلى في مقبرة أو قبر أو جيفة أمامه وذلك أنه إنما كلف ما يماسه من الأرض وسواء إن كان
اللبن الذي ضرب بالبول مطبوخا أو نيئا لا يطهر اللبن بالنار ولا تطهر شيئا ويصب عليه الماء كله كما
وصفت لك وإن ضرب اللبن بعظام ميتة أو لحمها أو بدم أو بنجس مستجسد من المحرم لم يصل عليه
ابدا طبخ أو لم يطبخ غسل أو لم يغسل لان الميت جزء قائم فيه ألا ترى أن الميت لو غسل بماء الدنيا لم
يطهر ولم يصل عليه إذا كان جسدا قائما ولا تتم صلاة أحد على الأرض ولا شئ يقوم عليه دونها حتى
يكون جميع ما يماس جسده منها طاهرا كله فإن كان منها شئ غير طاهر فكان لا يماسه وما ماسه منها
طاهر فصلاته تامة وأكره له أن يصلي إلا على موضع طاهر كله وسواء ماس من يديه أو رجليه أو ركبتيه
أو جبهته أو أنفه أو أي شئ ماس منه وكذلك سواء ما سقطت عليه ثيابه منه إذا ماس من ذلك شيئا
نجسا لم تتم صلاته وكانت عليه الإعادة والبساط وما صلى عليه مثل الأرض إذا قام منه على موضع
طاهر وإن كان الباقي منه نجسا أجزأته صلاته وليس هكذا الثوب لو لبس بعض ثوب طاهر وكان بعضه
ساقطا عنه والساقط عنه منه غير طاهر لم تجزه صلاته لأنه يقال له لابس لثوب ويزول فيزول بالثوب
معه إذا كان قائما على الأرض فحظه منها ما يماسه وإذا زال لم يزل بها وكذلك ما قام عليه سواها وإذا
استيقن الرجل بان قد ماس بعد الأرض نجاسة أحببت أن يتنحى عنه حتى يأتي موضعا لا يشك أنه لم
تصبه نجاسة وإن لم يفعل أجزأ عنه حيث صلى إذا لم يستيقن فيه النجاسة وكذلك إن صلى في موضع
فشك أصابته نجاسة أم لا أجزأته صلاته والأرض على الطهارة حتى يستيقن فيها النجاسة.
باب ممر الجنب والمشرك على الأرض ومشيهما عليها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا

(1) قوله بما في الكراييس جميع كرياس بمثناة تحتية فعيال وهو الكنيف في أعلى السطح بقناة من
الأرض اه‍. كتبه مصححه.
70

ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " (قال الشافعي) فقال بعض أهل العلم بالقرآن في
قول الله عز وجل " ولا جنبا إلا عابري سبيل " قال لا تقربوا مواضع الصلاة وما أشبه ما قال بما قال
لأنه ليس في الصلاة عبور سبيل إنما عبور السبيل في موضعها وهو المسجد فلا بأس أن يمر الجنب في
المسجد مارا ولا يقيم فيه لقول الله عز وجل " ولا جنبا إلا عابري سبيل " (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم
بن محمد عن عثمان بن أبي سليمان أن مشركي قريش حين أتوا المدينة في فداء أسراهم كانوا يبيتون في
المسجد. منهم جبير بن مطعم، قال جبير: فكنت أسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم (قال
الشافعي) ولا بأس أن يبيت المشرك في كل مسجد إلا المسجد الحرام فإن الله عز وجل يقول " إنما
المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا " فلا ينبغي لمشرك أن يدخل الحرم بحال
(قال) وإذا بات المشرك في المساجد غير المسجد الحرام فكذلك المسلم فإن ابن عمر يروى أنه كان يبيت
في المسجد زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعزب ومساكين الصفة (قال) ولا تنجس الأرض
بممر حائض ولا جنب ولا مشرك ولا ميتته لأنه ليس في الاحياء من الآدميين نجاسة وأكره للحائض تمر
في المسجد وإن مرت به لم تنجسه.
باب ما يوصل بالرجل والمرأة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كسر للمرأة عظم فطار فلا يجوز أن ترقعه إلا بعظم ما يؤكل
لحمه ذكيا وكذلك إن سقطت سنه صارت ميتة فلا يجوز له أن يعيدها بعد ما بانت فلا يعيد سن شئ
غير سن ذكى يؤكل لحمه وإن رقع عظمه بعظم ميتة أو ذكي لا يؤكل لحمه أو عظم إنسان فهو كالميتة
فعليه قلعه وإعادة كل صلاة صلاها وهو عليه فإن لم يقلعه جبره السلطان على قلعه فإن لم يقلع حتى
مات لم يقلع بعد موته لأنه صار ميتا كله والله حسيبه وكذلك سنه إذا ندرت فإن اعتلت سنه فربطها
قبل أن تندر فلا بأس لأنها لا تصير ميته حتى تسقط (قال) ولا بأس أن يربطها بالذهب لأنه ليس
لبس ذهب وإنه موضع ضرورة وهو يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذهب ما هو أكثر من هذا
يروى أن أنف رجل قطع بالكلاب فاتخذ أنفا من فضة فشكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم نتنه فأمر
النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب (قال) وإن أدخل دما تحت جلده فنبت عليه فعليه
أن يخرج ذلك الدم ويعيد كل صلاة صلاها بعد إدخاله الدم تحت جلده (قال) ولا يصلى الرجل
والمرأة واصلين شعر إنسان بشعورهما ولا شعره بشعر شئ لا يؤكل لحمه ولا شعر شئ يؤكل لحمه إلا أن
يؤخذ منه شعره وهو حي فيكون في معنى الذكي كما يكون اللبن في معنى الذكي أو يؤخذ بعد ما يذكى ما
يؤكل لحمه فتقع الذكاة على كل حي منه وميت فإن سقط من شعرهما شئ فوصلاه بشعر إنسان أو
شعورهما لم يصليا فيه فإن فعلا فقد قيل يعيدان وشعور الآدميين لا يجوز أن يستمتع من الآدميين كما
يستمتع به من البهائم بحال لأنها مخالفة لشعور ما يكون لحمه ذكيا أو حيا (قال الشافعي) أخبرنا ابن
عيينة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت أتت امرأة إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: إن بنتا لي أصابتها الحصبة فتمزق شعرها أفأصل فيه؟ فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم لعنت الواصلة والموصولة (قال الشافعي) فإذا ذكى الثعلب والضبع صلى في
جلودهما وعلى جلودهما شعورهما لان لحومهما تؤكل وكذلك إذا أخذ من شعورهما وهما حيان صلى فيهما
71

وكذلك جميع ما أكل لحمه يصلى في جلده إذا ذكى وفى شعره وريشه إذا أخذ منه وهو حي فأما مالا
يؤكل لحمه فما أخذ من شعره حيا أو مذبوحا فصلى فيه أعيدت الصلاة من قبل أنه غير ذكى في الحياة
وأن الذكاة لا تقع على الشعر لان ذكاته وغير ذكاته سواء وكذلك إن دبغ لم يصل له في شعر ذي شعر
منه ولا ريش ذي ريش لان الدباغ لا يطهر شعرا ولا ريشا ويطهر الإهاب لان الإهاب غير الشعر
والريش وكذلك عظم ما لا يؤكل لحمه لا يطهره دباغ ولا غسل ذكيا كان أو غير ذكى.
باب طهارة الثياب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل " وثيابك فطهر " فقيل يصلى في ثياب طاهرة
وقيل غير ذلك والأول أشبه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يغسل دم الحيض من الثوب فكل
ثوب جهل من ينسجه أنسجه مسلم أو مشرك أو وثنى أو مجوسي أو كتابي أو لبسه واحد من هؤلاء أو
صبي فهو على الطهارة حتى يعلم أن فيه نجاسة وكذلك ثياب الصبيان لان رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص وهي صبية عليها ثوب صبي والاختيار أن لا يصلى في ثوب
مشرك ولا سراويل ولا إزار ولا رداء حتى يغسل من غير أن يكون واجبا وإذا صلى رجل في ثوب مشرك
أو مسلم ثم علم أنه كان نجسا أعاد ما صلى فيه وكل ما أصاب الثوب من غائط رطب أو بول أو دم أو
خمر أو محرم ما كان فاستيقنه صاحبه وأدركه طرفه أو لم يدركه فعليه غسله وإن أشكل عليه موضعه لم
يجزه إلا غسل الثوب كله ما خلا الدم والقيح والصديد وماء القرح فإذا كان الدم لمعة مجتمعة وإن كانت
أقل من موضع دينار أو فلس وجب عليه غسله لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل دم الحيض
وأقل ما يكون دم الحيض في المعقول لمعة وإذا كان يسيرا كدم البراغيث وما أشبهه لم يغسل لان العامة
أجازت هذا (قال الشافعي) والصديد والقيح وماء القرح أخف منه ولا يغسل من شئ منه إلا ما كان
لمعة وقد قيل إذا لزم القرح صاحبه لم يغسله إلا مرة والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب المني
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى بدأ الله عز وجل خلق آدم من ماء وطين وجعلهما معا طهارة وبدأ
خلق ولده من ماء دافق فكان في ابتدائه خلق آدم من الطهارتين اللتين هما الطهارة دلالة أن لا يبدأ
خلق غيره إلا من طاهر لا من نجس ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل ذلك (قال
الشافعي) أخبرنا عمرو ابن أبي سلمة عن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة
قالت: كنت أفرك المنى من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) والمنى ليس بنجس
فإن قيل فلم يفرك أو يمسح؟ قيل كما يفرك المخاط أو البصاق أو الطين والشئ من الطعام يلصق بالثوب
تنظيفا لا تنجيسا فإن صلى فيه قيل أن يفرك أو يمسح فلا بأس ولا ينجس شئ منه من ماء ولا غيره
أخبرنا الربيع بن سلمان قال (قال الشافعي) إملاء كل ما خرج من ذكر من رطوبة بول أو مذي أو
ودي أو ما لا يعرف أو يعرف فهو نجس كله ما خلا المنى والمنى الثخين الذي يكون منه الولد الذي يكون له
رائحة كرائحة الطلع ليس لشئ يخرج من ذكر رائحة طيبة غيره وكل ما مس ما سوى المنى مما خرج
72

من ذكر من ثوب أو جسد أو غيره فهو ينجسه وقليله وكثيره سواء فإن استيقن أنه أصابه غسله ولا يجزئه
غير ذلك فإن لم يعرف موضعه غسل الثوب كله وان عرف الموضع ولم يعرف قدر ذلك غسل الموضع
وأكثر منه إن صلى في الثوب قبل أن يغسله عالما أو جاهلا فسواء إلا في المأثم فإنه يأثم بالعلم ولا يأثم في
الجهل وعليه أن يعيد صلاته ومتى قلت يعيد فهو يعيد الدهر كله لأنه لا يعدو إذا صلى أن تكون صلاته
مجزئة عنه فلا إعادة عليه فيما أجزأ عنه في وقت ولا غيره أو لا تكون مجزئة عنه بأن تكون فاسدة وحكم
من صلى صلاة فاسدة حكم من لم يصل فيعيد في الدهر كله وأنما قلت في المنى إنه لا يكون نجسا خبرا
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعقولا فإن قال قائل: ما الخبر؟ قلت أخبرنا سفيان بن عيينة عن
منصور عن إبراهيم عن همام بن الحرث عن عائشة قالت كنت أفرك المنى من ثوب رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثم يصلى فيه (قال الشافعي) أخبرنا يحيى بن حسان عن حماد ابن سلمة عن حماد بن أبي
سليمان عن إبراهيم عن علقمة أو الأسود " شك الربيع " عن عائشة قالت: كنت أفرك المنى من ثوب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلى فيه (قال الربيع) وحدثنا يحيى بن حسان (قال الشافعي) أخبرنا
سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وابن جريج كلاهما يخبر عن عطاء عن ابن عباس أنه قال في المنى
يصيب الثوب أمطه عنك قال أحدهما بعود أو إذخرة وإنما هو بمنزلة البصاق أو المخاط (قال الشافعي)
أخبرنا الثقة عن جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد قال أخبرني مصعب بن سعد بن أبي
وقاص عن أبيه أنه كان إذا أصاب ثوبه المنى إن كان رطبا مسحه وإن كان يابسا حته ثم صلى فيه (قال
الشافعي) فإن قال قائل فما المعقول في أنه ليس بنجس فإن الله عز وجل بدأ خلق آدم من ماء وطين
وجعلهما جميعا طهارة الماء والطين في حال الاعواز من الماء طهارة وهذا أكثر ما يكون في خلق أن يكون
طاهرا وغير نجس وقد خلق الله تبارك وتعالى بني آدم من الماء الدافق فكان جل ثناؤه أعز وأجل من أن
يبتدئ خلقا من نجس مع ما وصف مما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخبر عن
عائشة وابن عباس وسعد بن أبي وقاص مع ما وصفت مما يدركه العقل من أن ريحه وخلقه مباين خلق
ما يخرج من ذكر وريحه فإن قال قائل فإن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: اغسل ما
رأيت وانضح ما لم تر فكلنا نغسله بغير أن نراه نجسا ونغسل الوسخ والعرق وما لا نراه نجسا ولو قال
بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: إنه نجس لم يكن في قول أحد حجة مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم ومع ما وصفنا مما سوى ما وصفنا من المعقول وقول من سمينا من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فإن قال قائل فقد يؤمر بالغسل منه قلنا: الغسل ليس من نجاسة ما يخرج إنما الغسل شئ
تعبد الله به الخلق عز وجل فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل أرأيت الرجل إذا غيب ذكره في
الفرج الحلال ولم يأت منه ماء فأوجبت عليه الغسل، وليست في الفرج نجاسة وإن غيب ذكره في دم
خنزير أو خمر أو عذرة وذلك كله نجس أيجب عليه الغسل؟ فإن قال: لا قيل فالغسل إن كان إنما
يجب من نجاسة كان هذا أولى أن يجب عليه الغسل مرات ومرات من الذي غيبه في حلال نظيف ولو
كان يكون لقذر ما يخرج منه كان الخلاء والبول أقذر منه ثم ليس يجب عليه غسل موضعهما الذي
خرجا منه ويكفيه من ذلك المسح بالحجارة ولا يجزئه في وجهه ويديه ورجليه ورأسه إلا الماء ولا يكون
عليه غسل فخذيه ولا أليتيه سوى ما سميت ولو كان كثرة الماء إنما تجب لقذر ما يخرج كان هذان أقذر
وأولى أن يكون على صاحبهما الغسل مرات وكان مخرجهما أولى بالغسل من الوجه الذي لم يخرجا منه
ولكن إنما أمرنا بالوضوء لمعنى تعبد ابتلى الله به طاعة العباد لينظر من يطيعه منهم ومن يعصيه لا على
73

قذر ولا نظافة ما يخرج فإن قال قائل فإن عمرو بن ميمون روى عن أبيه عن سليمان بن يسار عن عائشة
أنها كانت تغسل المنى من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: هذا إن جعلناه ثابتا فليس بخلاف
لقولها كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلى فيه كما لا يكون غسله قدميه عمره
خلافا لمسحه على خفيه يوما من أيامه وذلك أنه إذا مسح علمنا أنه تجزئ الصلاة بالمسح وتجزئ
الصلاة بالغسل وكذلك تجزئ الصلاة بحته وتجزئ الصلاة بغسله لا أن واحدا منهما خلاف الآخر مع
أن هذا ليس بثابت عن عائشة هم يخافون فيه غلط عمرو بن ميمون إنما هو رأى سليمان بن يسار كذا
حفظه عنه الحفاظ أنه قال غسله أحب إلى وقد روي عن عائشة خلاف هذا القول ولم يسمع سليمان
علمناه من عائشة حرفا قط ولو رواه عنها كان مرسلا (قال الشافعي) رضي الله عنه وإذا استيقن الرجل
أن قد أصابت النجاسة ثوبا له فصلى فيه ولا يدرى متى أصابته النجاسة فإن الواجب عليه إن كان
يستيقن شيئا أن يصلى ما استيقن وإن كان لا يستيقن تأخى حتى يصلى ما يرى أنه قد صلى كل صلاة
صلاها وفي ثوبه النجس أو أكثر منها ولا يلزمه إعادة شئ إلا ما استيقن والفتيا والاختيار له كما وصفت
والثوب والجسد سواء ينجسهما ما أصابهما والخف والنعل ثوبان فإذا صلى فيهما وقد أصابتهما نجاسة رطبة
ولم يغسلها أعاد فإذا أصابتهما نجاسة يابسة لا رطوبة فيها فحكهما حتى نظفا وزالت النجاسة عنهما صلى
فيهما فإن كان الرجل في سفر لا يجد الماء إلا قليلا فأصاب ثوبه نجس غسل النجس وتيمم إن لم يجد ما
يغسل النجاسة تيمم وصلى وأعاد إذا لم يغسل النجاسة من قبل أن الأنجاس لا يزيلها إلا الماء فإن قال
قائل فلم طهره التراب من الجنابة ومن الحدث ولم يطهر قليل النجاسة التي ماست عضوا من أعضاء
الوضوء أو غير أعضائه قلنا: إن الغسل والوضوء من الحدث والجنابة ليس لان المسلم نجس ولكن المسلم
متعبد بهما وجعل التراب بدلا للطهارة التي هي تعبد ولم يجعل بدلا في النجاسة التي غسلها لمعنى لا
تعبدا إنما معناها أن تزال بالماء ليس أنها تعبد بلا معنى ولو أصابت ثوبه نجاسة ولم يجد ماء لغسله صلى
عريانا ولا يعيد ولم يكن له أن يصلى في ثوب نجس بحال وله أن يصلى في الاعواز من الثوب الطاهر
عريانا (قال) وإذا كان مع الرجل الماء وأصابته نجاسة لم يتوضأ به وذلك أن الوضوء به إنما يزيده نجاسة
وإذا كان مع الرجل ماءان أحدهما نجس والآخر طاهر ولا يخلص النجس من الطاهر تأخى وتوضأ
بأحدهما وكف عن الوضوء من الآخر وشربه إلا أن يضطر إلى شربه فإن اضطر إلى شربه شربه وإن
اضطر إلى الوضوء به لم يتوضأ به لأنه ليس عليه في الوضوء وزر ويتيمم وعليه في خوف الموت ضرورة
فيشربه إذا لم يجد غيره ولو كان في سفر أو حضر فتوضأ من ماء نجس أو كان على وضوء فمس ماء نجسا لم
يكن له أن يصلى وإن صلى كان عليه أن يعيد بعد أن يغسل ما ماس ذلك الماء من جسده وثيابه (1)
74

كتاب الحيض
اعتزال الرجل امرأته حائضا واتيان المستحاضة
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " ويسئلونك عن المحيض قل
هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض " الآية (قال الشافعي) وأبان عز وجل أنها حائض غير طاهر وأمر أن
75

لا تقرب حائض حتى تطهر ولا إذا طهرت حتى تتطهر بالماء وتكون ممن تحل لها الصلاة ولا يحل
لامرئ كانت امرأته حائضا أن يجامعها حتى تطهر فإن الله تعالى جعل التيمم طهارة إذا لم يوجد الماء
أو كان المتيمم مريضا ويحل لها الصلاة بغسل إن وجدت ماء أو تيمم إن لم تجده (قال الشافعي) فلما
أمر الله تعالى باعتزال الحيض وأباحهن بعد الطهر والتطهير ودلت السنة على إن المستحاضة تصلى دل
ذلك على أن لزوج المستحاضة إصابتها إن شاء الله تعالى لان الله أمر باعتزالهن وهن غير طواهر وأباح أن
يؤتين طواهر.
باب ما يحرم أن يؤتى من الحائض
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال بعض أهل العلم بالقرآن في قول الله عز وجل " فإذا تطهرن
فأتوهن من حيث أمركم الله " أن تعتزلوهن يعنى من مواضع المحيض (قال الشافعي) وكانت الآية
محتملة لما قال ومحتملة أن اعتزالهن اعتزال جميع أبدانهن (قال الشافعي) ودلت سنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم على اعتزال ما تحت الإزار منها وإباحة ما سوى ذلك منها.
باب ترك الحائض الصلاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل " ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا
النساء في المحيض " الآية (قال الشافعي) فكان بينا في قول الله عز وجل حتى يطهرن بأنهن حيض في
غير حال الطهارة وقضى الله على الجنب أن لا يقرب الصلاة حتى يغتسل وكان بينا أن لا مدة لطهارة
الجنب إلا الغسل وأن لا مدة لطهارة الحائض إلا ذهاب الحيض ثم الاغتسال لقول الله عز وجل
" حتى يطهرن " وذلك بانقضاء الحيض فإذا تطهرن يعنى بالغسل فإن السنة تدل على أن طهارة
الحائض بالغسل ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيان ما دل عليه كتاب الله تعالى من أن
لا تصلى الحائض أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الرحمن بن
76

القاسم عن أبيه عن عائشة قالت قدمت مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة
فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أفعلى كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت
حتى تطهري. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن
أبيه عن عائشة قالت خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجه لا نراه إلا الحج حتى إذا كنا بسرف
أو قريبا منها حضت فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكى فقال ما بالك أنفست؟ قلت
نعم قال إن هذا أمر كتبه الله تعالى على بنات آدم فاقضى الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري
(قال الشافعي) وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة ان لا تطوف بالبيت حتى تطهر، فدل على
أن لا تصلى حائضا لأنها غير طاهر ما كان الحيض قائما وكذلك قال الله عز وجل حتى يطهرن.
باب أن لا تقضى الصلاة حائض
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى
وقوموا لله قانتين) (قال الشافعي) فلما لم يرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن تؤخر الصلاة في
الخوف وأرخص أن يصليها المصلى كما أمكنه راجلا أو راكبا وقال " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا
موقوتا " (قال الشافعي) وكان من عقل الصلاة من البالغين عاصيا بتركها إذا جاء وقتها وذكرها وكان
غير ناس لها وكانت الحائض بالغة عاقلة ذاكرة للصلاة مطيقة لها فكان حكم الله عز وجل لا يقربها
زوجها حائضا ودل حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه إذا حرم على زوجها أن يقربها للحيض
حرم عليها أن تصلى كان في هذا دلائل على أن فرض الصلاة في أيام الحيض زائل عنها فإذا زال عنها
وهي ذاكره عاقلة مطيقة لم يكن عليها قضاء الصلاة وكيف تقضى ما ليس بفرض عليها بزوال فرضه
عنها (قال) وهذا مما لا أعلم فيه مخالفا (قال الشافعي) والمعتوه والمجنون لا يفيق والمغمى عليه في أكثر من
حال الحائض من أنهم لا يعقلون وفي أن الفرائض عنهم زائلة ما كانوا بهذه الحال كما الفرض عنها زائل
ما كانت حائضا ولا يكون على واحد من هؤلاء قضاء الصلاة ومتى أفاق واحد من هؤلاء أو طهرت
حائض في وقت الصلاة فعليهما أن يصليا لأنهما ممن عليه فرض الصلاة.
باب المستحاضة
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت
قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا أطهر أفأدع الصلاة فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة فإذا ذهب قدرها
فاغسلي الدم عنك وصلى. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا
عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه حمنة
بنت جحش قالت كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أستفتيه فوجدته في بيت أختي زينب فقلت يا رسول الله إن لي إليك حاجة وأنه لحديث ما منه بد وإني
لأستحيي منه قال فما هو يا هنتاه قالت إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها فقد منعتني
77

الصلاة والصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فإني أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم قالت هو أكثر
من ذلك قال: فتلجمي. قالت هو أكثر من ذلك قال فاتخذي ثوبا قالت هو أكثر من ذلك إنما أثج
ثجا قال النبي صلى الله عليه وسلم سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأك عن الآخر فإن قويت عليهما فأنت
أعلم قال لها إنما هي ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله تعالى ثم
اغتسلي حتى إذا رأيت إنك قد طهرت واستنقيت فصلى أربعا وعشرين ليلة وأيامها أو ثلاثا وعشرين
وأيامها وصومي فإنه يجزئك وهكذا افعلي في كل شهر كما تحيض النساء ويطهرن لميقات حيضهن
وطهرهن " ومن غير هذا الكتاب " وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر وتغتسلي حتى
تطهري ثم تصلى الظهر والعصر ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين
وتغتسلين مع الفجر " (قال الشافعي) هذا يدل على أنها تعرف أيام حيضها ستا أو سبعا فلذلك قال لها
رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلي حتى تطهري ثم
تصلى الظهر والعصر جميعا ثم تؤخري المغرب وتعجلي العشاء ثم تغتسلي وتجمعي بين المغرب والعشاء
فافعلي وتغتسلين عند الفجر ثم تصلين الصبح وكذلك فافعلي وصومي إن قويت على ذلك وقال هذا
أحب الامرين إلي أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن
أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لتنظر عدد
الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من
الشهر فإذا فعلت ذلك فلتغتسل ولتستثفر ثم تصلى (قال الشافعي) فبهذه الأحاديث الثلاثة نأخذ وهي
عندنا متفقة فيما اجتمعت فيه وفي بعضها زيادة على بعض ومعنى غير معنى صاحبه وحديث عائشة عن
النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن فاطمة بنت أبي حبيش كان دم استحاضتها منفصلا من دم
حيضها لجواب النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنه قال: فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة فإذا ذهب
قدرها فاغسلي الدم عنك وصلى (قال الشافعي) فنقول إذا كان الدم ينفصل فيكون في أيام أحمر قانئا
ثخينا محتدما وأياما رقيقا إلى الصفرة أو رقيقا إلى القلة فأيام الدم الأحمر القانئ المحتدم الثخين أيام
الحيض وأيام الدم الرقيق أيام الاستحاضة (قال الشافعي) ولم يذكر في حديث عائشة الغسل عند تولى
الحيضة وذكر غسل الدم فأخذنا بإثبات الغسل من قول الله عز وجل " ويسئلونك عن المحيض قل هو
أذى " الآية (قال الشافعي) فقيل والله تعالى أعلم يطهرن من الحيض فإذا تطهرن بالماء ثم من سنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الطهارة بالماء الغسل وفي حديث حمنة
بنت جحش فأمرها في الحيض أن تغتسل إذا رأت أنها طهرت ثم أمرها في حديث حمنة بالصلاة فدل
ذلك على أن لزوجها أن يصيبها لان الله تبارك وتعالى أمر باعتزالها حائضا وأذن في إتيانها طاهرا فلما
حكم النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة حكم الطهارة في أن تغتسل وتصلى دل ذلك على أن
لزوجها أن يأتيها (قال) وليس عليها إلا الغسل الذي حكمه الطهر من الحيض بالسنة وعليها الوضوء
لكل صلاة قياسا على السنة في الوضوء بما خرج من دبر أو فرج مما له أثر أو لا أثر له (قال الشافعي)
وجواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لام سلمة في المستحاضة يدل على أن المرأة التي سألت لها أم
سلمة كانت لا ينفصل دمها فأمرها أن تترك الصلاة عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر
قبل أن يصيبها الذي أصابها (قال الشافعي) وفى هذا دليل على أن لا وقت للحيضة إذا كانت المرأة
78

ترى حيضا مستقيما وطهرا مستقيما وإن كانت المرأة حائضا يوما أو أكثر فهو حيض وكذلك إن جاوزت
عشرة فهو حيض لان النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تترك الصلاة عدد الليالي والأيام التي كانت
تحيضهن ولم يقل إلا أن يكون كذا وكذا أي تجاوز كذا (قال الشافعي) وإذا ابتدأت المرأة ولم تحض
حتى حاضت فطبق الدم عليها فإن كان دمها ينفصل فأيام حيضها أيام الدم الثخين الأحمر القانئ
المحتدم وأيام استحاضتها أيام الدم الرقيق فإن كان لا ينفصل ففيها قولان أحدهما أن تدع الصلاة ستا أو
سبعا ثم تغتسل وتصلى كما يكون الأغلب من حيض النساء (قال) ومن ذهب إلى جملة حديث حمنة
بنت جحش وقال لم يذكر في الحديث عدد حيضها فأمرت أن يكون حيضها ستا أو سبعا والقول الثاني
ان تدع الصلاة أقل ما علم من حيضهن وذلك يوم وليلة ثم تغتسل وتصلى ولزوجها أن يأتيها ولو احتاط
فتركها وسطا من حيض النساء أو أكثر كان أحب إلى ومن قال بهذا قال إن حمنة وإن لم يكن في
حديثها ما نص أن حيضها كان ستا أو سبعا فقد يحتمل حديثها ما احتمل حديث أم سلمة من أن يكون
فيه دلالة أن حيضها كان ستا أو سبعا لان فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فتحيضي ستا أو
سبعا ثم اغتسلي فإذا رأيت انك قد طهرت فصلي فيحتمل إذا رأت أنها قد طهرت بالماء واستنقت من
الدم الأحمر القانئ (قال) وإن كان يحتمل طهرت واستنقت بالماء (قال) فقد علمنا أن حمنة كانت
عند طلحة وولدت له وأنها حكت حين استنقت ذكرت أنها تثج الدم ثجا وكان العلم يحيط أن طلحة لا
يقربها في هذه الحال ولا تطيب هي نفسها بالدنو منه وكان مسألتها بعد ما كانت زينب عنده دليلا
محتملا على أنه أول ما ابتليت بالاستحاضة وذلك بعد بلوغها بزمان فدل على أن حيضها كان يكون ستا
أو سبعا فسألت النبي صلى الله عليه وسلم وشكت أنه كان ستا أو سبعا فأمرها إن كان ستا أن تتركه ستا
وإن كان سبعا أن تتركه سبعا وذكرت الحديث فشكت وسألته عن ست فقال لها ست أو عن سبع فقال
لها سبع وقال كما تحيض النساء إن النساء يحضن كما تحيضين (قال الشافعي) قول رسول الله صلى الله
عليه وسلم تحيضي ستا أو سبعا في علم الله يحتمل أن علم الله ست أو سبع تحيضين (قال) وهذا أشبه
معانيه والله تعالى أعلم (قال) وفى حديث حمنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها إن قويت
فاجمعي بين الظهر والعصر بغسل وبين المغرب والعشاء بغسل وصلي الصبح بغسل واعلمها أنه أحب
الامرين إليه لها وأنه يجزيها الأمر الأول من أن تغتسل عند الطهر من المحيض ثم لم يأمرها بغسل بعده
فإن قال قائل فهل روى هذا أحد أنه أمر المستحاضة بالغسل سوى الغسل الذي تخرج به من حكم
الحيض فحديث حمنة يبين أنه اختيار وأن غيره يجزى منه (قال الشافعي) وإن روى في المستحاضة
حديث مستغلق ففي إيضاح هذه الأحاديث دليل على معناه والله تعالى أعلم فإن قال قائل فهل يروى
في المستحاضة شئ غير ما ذكرت قيل له نعم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن
سعد أنه سمع ابن شهاب يحدث عن عمره عن عائشة أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت سبع سنين
فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم واستفتته فيه قالت عائشة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليست تلك الحيضة وإنما ذلك عرق فاغتسلي وصلي قالت عائشة فكانت تجلس في مركن فيعلو الماء
حمرة الدم ثم تخرج فتصلى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال أخبرني الزهري عن
عمرة عن عائشة أن أم حبيبة استحيضت فكانت لا تصلى سبع سنين فسألت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال إنما هو عرق وليست بالحيضة فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلى فكانت
تغتسل لكل صلاة وتجلس في المركن فيعلوه الدم فإن قال فهذا حديث ثابت فهل يخالف الأحاديث
79

التي ذهبت إليها قلت لا إنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلى وليس فيه أنه أمرها
أن تغتسل لكل صلاة فإن قال ذهبنا إلى أنها لا تغتسل لكل صلاة إلا وقد أمرها بذلك ولا تفعل إلا ما
أمرها قيل له أفترى أمرها أن تستنقع في مركن حتى يعلو الماء حمرة الدم ثم تخرج منه فتصلى أو تراها
تطهر بهذا الغسل قال ما تطهر بهذا الغسل الذي يغشى جسدها فيه حمرة الدم ولا تطهر حتى تغسله
ولكن لعلها تغسله قلت أفأبين لك أن استنقاعها غير ما أمرت به قال نعم قلت فلا تنكر أن يكون غسلها
ولا أشك إن شاء الله تعالى أن غسلها كان تطوعا غير ما أمرت به وذلك واسع لها ألا ترى أنه يسعها أن
تغتسل ولو لم تؤمر بالغسل قال بلى (قال الشافعي) وقد روي غير الزهري هذا الحديث أن النبي صلى الله
عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة ولكن رواه عن عمرة بهذا الاسناد والسياق والزهري أحفظ منه
وقد روى فيه شيئا يدل على أن الحديث غلط قال تترك الصلاة قدر أقرائها وعائشة تقول الأقراء الأطهار
قال أفرأيت لو كانت تثبت الروايتان فإلى أيهما تذهب قلت إلى حديث حمنة بنت جحش وغيره مما
أمرن فيه بالغسل عند انقطاع الدم ولو لم يؤمرن به عند كل صلاة (قال الشافعي) فإن قال فهل من
دليل غير الخبر قيل نعم قال الله عز وجل (ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى إلى قوله فإذا
تطهرن) فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الطهر هو الغسل وان الحائض لا تصلي والطاهر
تصلى وجعلت المستحاضة في معنى الطاهر في الصلاة فلم يجز أن تكون في معنى طاهر وعليها غسل بلا
حادث حيضة ولا جناية (قال) أما إنا فقد روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة تتوضأ
لكل صلاة قلت نعم قد رويتم ذلك وبه نقول قياسا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان
محفوظا عندنا كان أحب إلينا من القياس (1).
باب الخلاف في المستحاضة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقال لي قائل تصلى المستحاضة ولا يأتيها زوجها وزعم لي بعض
من يذهب مذهبه أن حجته فيه أن الله تبارك وتعالى قال (ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى) الآية
وأنه قال في الأذى أنه أمر باجتنابها فيه فأثم فيها فلا يحل له إصابتها (قال الشافعي) فقيل له حكم الله
عز وجل في أذى المحيض أن تعتزل المرأة ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن حكم الله عز
وجل أن الحائض لا تصلى فدل حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم أن الوقت الذي أمر الزوج
باجتناب المرأة فيه للمحيض الوقت الذي أمرت المرأة فيه إذا انقضى المحيض بالصلاة قال نعم فقيل له
فالحائض لا تطهر وإن اغتسلت ولا يحل لها أن تصلى ولا تمس مصحفا قال نعم فقيل له فحكم رسول الله
صلى الله عليه وسلم يدل على أن حكم أيام الاستحاضة حكم الطهر وقد أباح الله للزوج الإصابة إذا
تطهرت الحائض ولا أعلمك إلا خالفت كتاب الله في أن حرمت ما أحل الله من المرأة إذا تطهرت
وخالفت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه حكم بأن غسلها من أيام المحيض تحل به الصلاة في

(1) وفي اختلاف علي وابن مسعود رضي الله عنهما أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
ابن علية عن أيوب عن سعيد بن جبير عن علي رضي الله عنه المستحاضة تغتسل لكل صلاة ولسنا ولا
إياهم نقول بهذا ولا أحد علمته.
80

أيام الاستحاضة وفرق بين الدمين بحكمه وقوله في الاستحاضة إنما ذلك عرق وليس بالحيضة قال هو
أذى قلت فبين إذا فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين حكمه فجعلها حائضا في أحد الأذيين يحرم عليها
الصلاة وطاهرا في أحد الأذيين يحرم عليها ترك الصلاة وكيف جمعت ما فرق بينه رسول الله صلى الله
عليه وسلم (قال الشافعي) وقيل له أتحرم لو كانت خلقتها أن هنالك رطوبة وتغير ريح مؤذية غير دم قال
لا وليس هذا أذى المحيض قلت ولا أذى الاستحاضة أذى المحيض (1).
81

الرد على من قال لا يكون الحيض أقل من ثلاثة أيام
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وخالفنا بعض الناس في شئ من المحيض والمستحاضة وقال لا
يكون الحيض أقل من ثلاثة أيام فإن امرأة رأت الدم يوما أو يومين أو بعض يوم ثالث ولم تستكمله فليس
هذا بحيض وهي طاهر تقضى الصلاة فيه ولا يكون الحيض أكثر من عشرة أيام فما جاوز العشرة بيوم أو
أقل أو أكثر فهو استحاضة ولا يكون بين حيضتين أقل من خمسة عشر (قال الشافعي) فقيل لبعض من
يقول هذا القول أرأيت إذا قلت لا يكون شئ وقد أحاط العلم أنه يكون أتجد قولك لا يكون إلا خطأ
عمدته فيجب أن تأثم به أو تكون غباوتك شديدة ولا يكون لك أن تقول في العلم (قال) لا يجوز إلا ما
قلت إن لم تكن فيه حجة أو تكون (قلت) قد رأيت امرأة أثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يوما ولا تزيد
عليه وأثبت لي عن نساء أنهن ولم يزلن يحضن أقل من ثلاث وعن نساء أنهن لم يزلن يحضن خمسة عشر
يوما وعن امرأة أو أكثر أنها لم تزل تحيض ثلاث عشرة فكيف زعمت أنه لا يكون ما قد علمنا أنه يكون
(قال الشافعي) فقال إنما قلت لشئ قد رويته عن أنس بن مالك فقلت له أليس حديث الجلد ابن
أيوب فقال بلى فقلت فقد أخبرني ابن علية عن الجلد بن أيوب عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك
82

أنه قال قرء المرأة أو قرء حيض المرأة ثلاث أو أربع حتى انتهى إلى عشر فقال لي ابن علية الجلد بن
أيوب أعرابي لا يعرف الحديث وقال لي قد استحيضت امرأة من آل أنس فسئل ابن عباس عنها فأفتى
فيها وأنس حي فكيف يكون عند أنس ما قلت من علم الحيض ويحتاجون إلى مسألة غيره فيما عنده فيه
علم ونحن وأنت لا نثبت حديثا عن الجلد ويستدل على غلط من هو أحفظ منه بأقل من هذا وأنت
تترك الرواية الثابتة عن أنس فإنه قال إذا تزوج الرجل المرأة وعنده نساء فللبكر المتزوجة سبع وللثيب
ثلاث وهو يوافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم فتدع السنة وقول أنس وتزعم أنك قبلت قول ابن عباس
على ما يعرف خلافه قال أفيثبت عندك عن أنس قلت لا ولا عند أحد من أهل العلم بالحديث ولكني
أحببت أن تعلم أنى أعلم أنك إنما تتستر بالشئ ليست لك فيه حجة قال فلو كان ثابتا عن أنس بن
مالك (قلت) ليس بثابت فتسأل عنه قال فأجب على أنه ثابت (1) وليس فيه لو كان ثابتا حرف مما
قلت قال وكيف قلت لو كان إنما أخبر أنه قد رأى من تحيض ثلاثا وما بين ثلاث وعشر كان إنما أراد أن
شاء الله تعالى أن حيض المرأة كما تحيض لا تنتقل التي تحيض ثلاثا إلى عشر ولا تنتقل التي تحيض عشرا
إلى ثلاث وأن الحيض كلما رأت الدم ولم يقل لا يكون الحيض أقل من ثلاث ولا أكثر من عشر وهو إن
شاء الله كان أعلم ممن يقول لا يكون خلق من خلق الله لا يدرى لعله كان أو يكون (قال الشافعي) ثم
زاد الذي يقول هذا القول الذي لا أصل له وهو يزعم أنه لا يجوز أن يقول قائل في حلال أو حرام إلا
من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس على واحد من هذا فقال أحدهم ولو كان حيض امرأة عشرة معروفة
لها ذلك فانتقل حيضها فرأت الدم يوما ثم ارتفع عنها أياما ثم رأته اليوم العاشر من مبتدأ حيضها كانت
حائضا في اليوم الأول والثمان التي رأت فيها الطهر واليوم العاشر الذي رأت فيه الدم (قال الشافعي) ثم
زاد فقال لو كانت المسألة بحالها إلا أنها رأت الحيض بعد اليوم العاشر خمسا أو عشرا كانت في اليوم
الأول والثمانية بعده حائضا ولا أدرى أقال اليوم العاشر وفيما بعده مستحاضة طاهر أو قال فيما بعد العاشر
مستحاضة طاهر فعاب صاحبه قوله عليه فسمعته يقول سبحان الله ما يحل لاحد أخطأ بمثل هذا أن
يفتى أبدا فجعلها في أيام ترى الدم طاهرا وأيام ترى الطهر حائضا وخالفه في المسألتين فزعم في الأولى
أنها طاهر في اليوم الأول والثمانية واليوم العاشر وزعم في الثانية أنها طاهر في اليوم الأول والثمانية بعده
حائض في اليوم العاشر وما بعده إلى أن تكمل عشرة أيام. ثم زعم أنها لو حاضت ثلاثا أولا ورأت
الطهر أربعا أو خمسا ثم حاضت ثلاثا أو يومين كانت حائضا أيام رأت الدم وأيام رأت الطهر وقال إنما
يكون الطهر الذي بين الحيضتين حيضا إذا كانت الحيضتان أكثر منه أو مثله فإذا كان الطهر أكثر منهما
فليس بحيض (قال الشافعي) فقلت له لقد عبت معيبا وما أراك إلا قد دخلت في قريب مما عبت ولا
يجوز أن تعيب شيئا ثم تقول به (قال) إنما قلت إذا كان الدمان اللذان بينهما الطهر أكثر أو مثل الطهر.
(قال الشافعي) فقلت له فمن قال لك هذا (قال) فبقول ماذا قلت لا يكون الطهر حيضا فإن قلته أنت
قلت فمحال لا يشكل أفقلته بخبر قال لا قلت أفبقياس قال لا قلت فمعقول قال نعم إن المرأة لا تكون
ترى الدم أبدا ولكنها تراه مرة وينقطع عنها أخرى (قلت) فهي في الحال التي تصفه منقطعا استدخلت
(قلت) إذا استثفرت شيئا فوجدت دما وإن لم يكن يثج وأقل ذلك أن يكون حمرة أو كدرة فإذا رأت

(1) قوله وليس فيه لو كان الخ، هذا من كلام الامام فلعله سقط قبله لفظ " قلت " فتأمل كتبه
مصححه.
83

الطهر لم تجد من ذلك شيئا لم يخرج مما استدخلت من ذلك إلا البياض (قال) فلو رأت ما تقول من
القصة البيضاء يوما أو يومين ثم عاودها الدم في أيام حيضها (قلت) إذا تكون طاهرا حين رأت القصة
البيضاء إلى أن ترى الدم ولو ساعة قال فمن قال هذا قلت ابن عباس قال إنه ليروى عن ابن عباس
قلت نعم ثابتا عنه وهو معنى القرآن والمعقول قال وأين. قلت أرأيت إذا أمر الله عز وجل باعتزال النساء
في المحيض وأذن بإتيانهن إذا تطهرن عرفت أو نحن المحيض إلا بالدم والطهر إلا بارتفاعه ورؤية القصة
البيضاء قال لا قلت أرأيت امرأة كان حيضها عشرة كل شهر ثم انتقل فصار كل شهرين أو كل سنة أو
بعد عشر سنين أو صار بعد عشر سنين حيضها ثلاثة أيام فقالت أدع الصلاة في وقت حيضي وذلك
عشر في كل شهر قال ليس ذلك لها قلت والقرآن يدل على أنها حائض إذا رأت الدم وغير حائض إذا
لم تره قال نعم قلت وكذلك المعقول قال نعم قلت فلم لا تقول بقولنا تكون قد وافقت القرآن والمعقول
فقال بعض من حضره بقيت خصلة هي التي تدخل عليكم قلت وما هي قال أرأيت إذا حاضت يوما
وطهرت يوما عشرة أيام أتجعل هذا حيضا واحدا أو حيضا إذا رأت الدم وطهرا إذا رأت الطهر قلت بل
حيضا إذا رأت الدم وطهرا إذا رأت الطهر قال وإن كانت مطلقة فقد انقضت عدتها في ستة أيام
(قال الشافعي) فقلت لقائل هذا القول ما أدرى أنت في قولك الأول أضعف حجة أم في هذا القول
قال وما في هذا القول من الضعف قلت احتجاجك بأن جعلتها مصلية يوما وتاركة للصلاة يوما بالعدة
وبين هذا فرق قال فما تقول قلت لا ولا للصلاة من العدة سبيل قال فكيف ذلك قلت أرأيت المؤيسة
من الحيض التي لم تحض والحامل أليس يعتددن ولا يدعن الصلاة حتى تنقضي عدتهن أم لا تخلو
عددهن حتى يدعن الصلاة في بعضها أياما كما تدعها الحائض قال بل يعتددن ولا يدعن الصلاة قلت
فالمرأة تطلق فيغمى عليها أو تجن أو يذهب عقلها أليس تنقضي عدتها ولم تصل صلاة واحدة قال بلى
قلت فكيف زعمت أن عدتها تنقضي ولم تصل أياما وتدع الصلاة أياما قال من ذهاب عقلها وأن
العدة ليست من الصلاة قلت أفرأيت المرأة التي تحيض حيض النساء وتطهر طهرهن إن اعتدت ثلاث
حيض ثم ارتابت في نفسها قال فلا تنكح حتى تستبرئ قلت فتكون معتدة لا بحيض ولا بشهور ولكن
باستبراء قال نعم إذا آنست شيئا تخاف أن يكون حملا قلت وكذلك التي تعتد بالشهور وإن ارتابت
كفت عن النكاح قال نعم قلت لان البريئة إذا كنت مخالفة غير البريئة قال نعم والمرأة تحيض يوما وتطهر
يوما أولى أن تكون مرتابة وغير برية من الحمل ممن سميت وقد عقلنا عن الله عز وجل أن في العدة
معنيين براءة وزيادة تعبد بأنه جعل عدة الطلاق ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء وجعل عدة الحامل وضع
الحمل وذلك غاية البراءة وفى ثلاثة قروء براءة وتعبد لان حيضتهن مستقيمة تبرئ فعقلنا أن لا عدة إلا
وفيها براءة أو براءة وزيادة لان عدة لم تكن أقل من ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء أو أربعة أشهر وعشرا أو
وضع حمل والحائض يوما وطاهر يوما ليست في معنى براءة وقد لزمك بأن أبطلت عدة الحيض
والشهور وباينت بها إلى البراءة إذا ارتابت كما زعمت أنه يلزمنا في التي تحيض يوما وتدع يوما.
باب دم الحيض
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر قالت
84

سمعت أسماء تقول سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب فقال حتيه ثم أقرصيه
بالماء وانضحيه وصلى فيه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن
فاطمة عن أسماء مثل معناه إلا أنه قال تقرصه ولم يقل تقرصه بالماء (قال الشافعي) وبحديث سفيان
عن هشام بن عروة نأخذ وهو يحفظ فيه الماء (1) ولم يحفظ ذلك وكذلك روى غيره عن هشام (قال
الشافعي) وفي هذا دليل على أن دم الحيض نجس وكذا كل دم غيره (قال الشافعي) وقرصه فركه وقوله
بالماء غسل بالماء وأمره بالنضح لما حوله (قال الشافعي) فأما النجاسة فلا يطهرها الا الغسل والنضح
والله تعالى أعلم اختيار أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني ابن
عجلان عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم
سئل عن الثوب يصيبه دم الحيض قال تحته ثم تقرصه بالماء ثم تصلى فيه (قال الشافعي) وهذا
مثل حديث أسماء بنت أبي بكر وبه نأخذ وفيه دلالة على ما قلنا من أن النضح اختيار لأنه
لم يأمر بالنضح في حديث أم سلمة وقد أمر بالماء في حديثها وحديث أسماء (قال الربيع) قال
الشافعي وهو الذي نقول به قال الربيع وهو آخر قوليه يعنى الشافعي إن أقل الحيض يوم
وليلة وأكثره خمسة عشر وأقل الطهر خمسة عشر فلو أن امرأة أول ما حاضت طبق الدم
عليها أمرناها أن تدع الصلاة إلى خمسة عشر فإن انقطع الدم في خمسة عشرة كان ذلك
كله حيضا وإن زاد على خمسة عشر علمنا أنها مستحاضة وأمرناها ان تدع الصلاة أول يوم
وليلة وتعيد أربع عشرة لأنه يحتمل أن يكون حيضها يوما وليلة ويحتمل أكثر فلما احتمل ذلك وكانت
الصلاة عليها فرضا لم نأمرها بأن تدع الصلاة إلا بحيض يقين ولم تحسب طاهرة الأربعة عشر يوما في
صيامها لو صامت لان فرض الصيام عليها بيقين أنها طاهرة فلما أشكل عليها أن تكون قد قضت فرض
الصوم وهي طاهرة أو لم تقضه لم أحسب لها الصوم إلا بيقين أنها طاهرة وكذلك طوافها بالبيت لست
أحسبه لها إلا بأن يمضى لها خمسة عشر يوما لأنه أكثر من حاضت له امرأة قط علمناه ثم تطوف بعد
ذلك لان العلم يحيط أنها من بعد خمسة عشر يوما طاهرة وإن كانت تحيض يوما وتطهر يوما أمرناها أن
تصلى في يوم الطهر بعد الغسل لأنه يحتمل أن يكون طهرا فلا تدع الصلاة فإن جاءها الدم في اليوم
الثالث علمنا أن اليوم الذي قبله الذي رأت فيه الطهر كان حيضا لأنه يستحيل أن يكون الطهر يوما لان
أقل الطهر خمسة عشر وكلما رأت الطهر أمرناها ان تغتسل وتصلى لأنه يمكن أن يكون طهرا صحيحا
وإذا جاءها الدم بعده من الغد علمنا أنه غير طهر حتى يبلغ خمس عشرة فان انقطع بخمس عشرة
فهو حيض كله وإن زاد على خمسة عشر علمنا أنها مستحاضة فقلنا لها أعيدي كل يوم تركت فيه
الصلاة إلا أول يوم وليلة لأنه يحتمل أن لا يكون حيضها إلا يوما وليلة فلا تدع الصلاة إلا بيقين
الحيض وهذا للتي لا يعرف لها أيام وكانت أول ما يبتدئ بها الحيض مستحاضة فأما التي تعرف أيامها
ثم طبق عليها الدم فتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر فتدع الصلاة فيهن فإذا
ذهب وقتهن اغتسلت وصلت وتوضأت لكل صلاة فيما تستقبل بقية شهرها فإذا جاءها ذلك الوقت من
حيضها من الشهر الثاني تركت أيضا الصلاة أيام حيضها ثم اغتسلت بعد وتوضأت لكل صلاة فهذا
حكمها ما دامت مستحاضة وان كانت لها أيام تعرفها فنسيت فلم تدر في أول الشهر أو بعده بيومين أو

(1) قوله ولم يحفظ ذلك كذا في النسخ ولعله سقط من قلم الناسخ لفظ مالك وأصل الكلام ولم
يحفظ مالك ذلك وتأمل كتبه مصححه.
85

أقل أو أكثر اغتسلت عند كل صلاة وصلت ولا يجزيها أن تصلى صلاة بغير غسل لأنه يحتمل أن تكون
في حين ما قامت تصلى الصبح أن يكون هذا وقت طهرها فعليها أن تغتسل فإذا جاءت الظهر احتمل
هذا أيضا أن يكون حين طهرها فعليها أن تغتسل وهكذا في كل وقت تريد أن تصلى فيه فريضة يحتمل
أن يكون هو وقت طهرها فلا يجزيها إلا الغسل ولما كانت الصلاة فرضا عليها احتمل إذا قامت لها أن
يكون يجزيها فيه الوضوء. ويحتمل أن لا يجزيها فيه إلا الغسل فلما لم يكن لها أن تصلى إلا بطهارة بيقين
لم يجزئها إلا الغسل لأنه اليقين والشك في الوضوء ولا يجزيها أن تصلى بالشك ولا يجزئها إلا اليقين وهو
الغسل فتغتسل لكل صلاة.
باب أصل فرض الصلاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا "
وقال " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " الآية مع عدد آي فيه ذكر فرض الصلاة (قال)
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاسلام فقال " خمس صلوات في اليوم والليلة " فقال
السائل: هل على غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع.
أول ما فرضت الصلاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى سمعت من أثق بخبره وعلمه يذكر أن الله أنزل فرضا في الصلاة ثم
نسخه بفرض غيره ثم نسخ الثاني بالفرض في الصلوات الخمس (قال) كأنه يعنى قول الله عز وجل " يا
أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا " الآية ثم نسخها في السورة معه بقول الله جل
ثناؤه " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه " إلى قوله " فاقرءوا ما تيسر من القرآن " فنسخ
قيام الليل أو نصفه أو أقل أو أكثر بما تيسر وما أشبه ما قال بما قال وإن كنت أحب أن لا يدع أحد أن
يقرأ ما تيسر عليه من ليلته ويقال نسخت ما وصفت من المزمل بقول الله عز وجل " أقم الصلاة لدلوك
الشمس " ودلوكها زوالها " إلى غسق الليل " العتمة " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا " الصبح " ومن
الليل فتهجد به نافلة لك " فأعلمه أن صلاة الليل نافلة لا فريضة وأن الفرائض فيما ذكر من ليل أو نهار
ويقال في قول الله عز وجل " فسبحان الله حين تمسون " المغرب والعشاء " وحين يصبحون " الصبح " وله
الحمد في السماوات والأرض وعشيا " العصر " وحين تظهرون " الظهر وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل
والله تعالى أعلم (قال) وبيان ما وصفت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا مالك عن عمه
أبى سهيل بن مالك عن أبيه انه سمع طلحة ابن عبيد الله يقول جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فإذا هو يسأل عن الاسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خمس صلوات في اليوم والليلة "
فقال هل علي غيرها فقال لا إلا أن تطوع (قال الشافعي) ففرائض الصلوات خمس وما سواها تطوع
فأوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم على البعير ولم يصل مكتوبة علمناه على بعير وللتطوع وجهان صلاة
جماعة وصلاة منفردة وصلاة الجماعة مؤكدة ولا أجيز تركها لمن قدر عليها بحال وهو صلاة العيدين
وكسوف الشمس والقمر والاستسقاء، فأما قيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحب إلى منه وأوكد صلاة
86

المنفرد وبعضه أوكد من بعض الوتر وهو يشبه أن يكون صلاة التهجد ثم ركعتا الفجر ولا أرخص لمسلم
في ترك واحد منهما وإن لم أوجبهما عليه ومن ترك صلاة واحدة منهما كان أسوأ حالا ممن ترك جميع
النوافل في الليل والنهار.
عدد الصلوات الخمس
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أحكم الله تعالى فرض الصلاة في كتابه فبين على لسان نبيه صلى
الله عليه وسلم عددها وما على المرء أن يأتي به ويكف عنه فيها وكان نقل عدد كل واحدة منها مما نقله
العامة عن العامة ولم يحتج فيه إلى خبر الخاصة وإن كانت الخاصة قد نقلتها لا تختلف هي من وجوه
هي مبينة في أبوابها فنقلوا الظهر أربعا لا يجهر فيها بشئ من القراءة والعصر أربعا لا يجهر فيها بشئ من
القراءة والمغرب ثلاثا يجهر في ركعتين منها بالقراءة ويخافت في الثالثة والعشاء أربعا يجهر في ركعتين منها
بالقراءة ويخافت في اثنتين والصبح ركعتين يجهر فيهما معا بالقراءة (قال) ونقل الخاصة ما ذكرت من
عدد الصلوات وغيره مفرقا في مواضعه.
فيمن تجب عليه الصلاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ذكر الله تبارك وتعالى الاستئذان فقال في سياق الآية " وإذا بلغ
الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا " وقال عز وجل " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغا النكاح فان آنستم منهم
رشدا فادفعوا إليهم أموالهم " ولم يذكر الرشد الذي يستوجبون به أن تدفع إليهم أموالهم إلا بعد بلوغ
النكاح وفرض الله عز وجل الجهاد فأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم به على من استكمل خمسة
عشرة سنة بان أجاز ابن عمر عام الخندق ابن خمس عشرة سنة ورده عام أحد ابن أربع عشرة سنة
فإذا بلغ الغلام الحلم والجارية المحيض غير مغلوبين على عقولهما أوجبت عليهما الصلاة والفرائض كلها
وإن كانا ابني أقل من خمس عشرة سنة (1) وجبت عليهما الصلاة وأمر كل واحد منهما بالصلاة إذا
عقلها فإذا لم يعقلا لم يكونا كمن تركها بعد البلوغ وأؤدبهما على تركها أدبا خفيفا ومن غلب على عقله
بعارض مرض أي مرض كان ارتفع عنه الفرض في قول الله عز وجل " واتقون يا أولي الألباب " وقوله
" إنما يتذكر أولو الألباب " وإن كان معقولا لا يخاطب بالأمر والنهي إلا من عقلهما.
صلاة السكران والمغلوب على عقله
قال الله تعالى " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى يقال نزلت قبل تحريم الخمر وأيما كان نزولها قبل تحريم الخمر أو بعده فمن صلى سكران لم تجز
صلاته لنهى الله عز وجل إياه عن الصلاة حتى يعلم ما يقول وإن معقولا أن الصلاة قول وعمل

(1) قوله وجبت عليهما الصلاة الخ كذا في النسخ وانظره. كتبه مصححه.
87

وإمساك في مواضع مختلفة ولا يؤدى هذا إلا من أمر به ممن عقله وعليه إذا صلى سكران أن يعيد إذا
صحا ولو صلى شارب محرم غير سكران كان عاصيا في شربه المحرم ولم يكن عليه إعادة صلاة لأنه ممن
يعقل ما يقول والسكران الذي لا يعقل ما يقول وأحب إلى لو أعاد وأقل السكر أن يكون يغلب على
عقله في بعض ما لم يكن يغلب عليه قبل الشرب ومن غلب على عقله بوسن ثقبل فصلى وهو لا يعقل
أعاد الصلاة إذا عقل وذهب عنه الوسن ومن شرب شيئا ليذهب عقله كان عاصيا بالشرب ولم تجز عنه
صلاته وعليه وعلى السكران إذا أفاقا قضاء كل صلاة صلياها وعقولهما ذاهبة وسواء شربا نبيذا لا يريانه
يسكر أو نبيذا يريانه يسكر فيما وصفت من الصلاة وإن افتتحا الصلاة يعقلان فلم يسلما من الصلاة حتى
يغلبا على عقولهما أعادا الصلاة لان ما أفسد أولها أفسد آخرها وكذلك إن كبرا ذاهبي العقل ثم أفاقا قبل
أن يفترقا فصليا جميع الصلاة إلا التكبير مفيقين كانت عليهما الإعادة لأنهما دخلا الصلاة وهما لا
يعقلان وأقل ذهاب العقل الذي يوجب إعادة الصلاة أن يكون مختلطا يعزب عقله في شئ وإن قل
ويثوب.
الغلبة على العقل في غير المعصية
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا غلب الرجل على عقله بعارض جن أوعته
أو مرض ما كان المرض ارتفع عنه فرض الصلاة ما كان المرض بذهاب العقل عليه قائما لأنه منهى عن
الصلاة حتى يعقل ما يقول وهو ممن لا يعقل ومغلوب بأمر لا ذنب له فيه بل يؤجر عليه ويكفر عنه به
إن شاء الله تعالى إلا أن يفيق في وقت فيصلى صلاة الوقت وهكذا إن شرب دواء فيه بعض السموم
وإلا غلب منه أن السلامة تكون منه لم يكن عاصيا بشربه لأنه لم يشربه على ضر نفسه ولا إذهاب
عقله وإن ذهب ولو احتاط فصلى كان أحب إلى لأنه قد شرب شيئا فيه سم ولو كان مباحا ولو أكل أو
شرب حلالا فخبل عقله أو وثب وثبة فانقلب دماغه أو تدلى على شئ فانقلب دماغه فخبل عقله إذا
لم يرد بشئ مما صنع ذهاب عقله لم يكن عليه إعادة صلاة صلاها لا يعقل أو تركها بذهاب العقل
فإن وثب في غير منفعة أو تنكس ليذهب عقله فذهب كان عاصيا وكان عليه إذا ثاب عقله إعادة كل
ما صلى ذاهب العقل أو ترك من الصلاة وإذا جعلته عاصيا بما عمد من إذهاب عقله أو إتلاف نفسه
جعلت عليه إعادة ما صلى ذاهب العقل أو ترك من الصلوات وإذا لم أجعله عاصيا بما صنع لم تكن
عليه إعادة إلا أن يفيق في وقت بحال وإذا أفاق المغمى عليه وقد بقي عليه من النهار قدر ما يكبر فيه
تكبيرة واحدة أعاد الظهر والعصر ولم يعد ما قبلهما لا صبحا ولا مغربا ولا عشاء وإذا أفاق وقد بقي عليه
من الليل قبل أن يطلع الفجر قدر تكبيرة واحدة قضى المغرب والعشاء وإذا أفاق الرجل قبل أن تطلع
الشمس بقدر تكبيرة قضى الصبح وإذا طلعت الشمس لم يقضها وإنما قلت هذا لان هذا وقت في
حال عذر جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر في السفر في وقت الظهر وبين المغرب
والعشاء في وقت العشاء فلما جعل الأولى منهما وقتا للآخرة في حال والآخرة وقتا للأولى في حال كان
وقت إحداهما وقتا للأخرى في حال وكان ذهاب العقل عذرا وبالإفاقة عليه أن يصلى العصر وأمرته أن
يقضي لأنه قد أفاق في وقت بحال وكذلك آمر الحائض والرجل يسلم كما آمر المغمى عليه من أمرته
88

بالقضاء فلا يجزيه إلا أن يقضى أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال كان النبي صلى
الله عليه وسلم إذا عجل في المسير جمع بين المغرب والعشاء.
صلاة المرتد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا ارتد الرجل عن الاسلام ثم أسلم كان عليه قضاء كل صلاة
تركها في ردته وكل زكاة وجبت عليه فيها فإن غلب على عقله في ردته لمرض أو غيره قضى الصلاة في
أيام غلبته على عقله كما يقضيها في أيام عقله فإن قيل فلم لم تجعله قياسا على المشرك يسلم فلا تأمره بإعادة
الصلاة قيل فرق الله عز وجل بينهما فقال " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " وأسلم رجال
فلم يأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشركين
وحرم الله دماء أهل الكتاب ومنع أموالهم بإعطاء الجزية ولم يكن المرتد في هذه المعاني بل أحبط الله
تعالى عمله بالردة وأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عليه القتل إن لم يتب بما تقدم له من حكم
الايمان وكان مال الكافر غير المعاهد مغنوما بحال ومال المرتد موقوفا ليغنم إن مات على الردة أو يكون
على ملكه إن تاب ومال المعاهد له عاش أو مات فلم يجز إلا أن يقضى الصلاة والصوم والزكاة وكل ما
كان يلزم مسلما لأنه كان عليه أن يفعل فلم تكن معصيته بالردة تخفف عنه فرضا كان عليه فإن قيل
فكيف يقضى وهو لو صلى في تلك الحال لم يقبل عمله قيل لأنه لو صلى في تلك الحال صلى على غير ما
أمر به فكانت عليه الإعادة إذا أسلم ألا ترى أنه لو صلى قبل الوقت وهو مسلم أعاد والمرتد صلى قبل
الوقت الذي تكون الصلاة مكتوبة له فيه لان الله عز وجل قد أحبط عمله بالردة وإن قيل ما أحبط
من عمله قيل أجر عمله لا أن عليه أن يعيد فرضا أداه من صلاة ولا صوم ولا غيره قبل أن يرتد لأنه
أداه مسلما فإن قيل وما يشبه هذا قيل ألا ترى انه لو أدى زكاة كانت عليه أو نذر نذرا لم يكن عليه إذا
أحبط أجره فيها أن يبطل فيكون كما لم يكن أو لا ترى أنه لو أخذ منه حدا أو قصاصا ثم ارتد ثم أسلم لم
يعد عليه وكان هذا فرضا عليه ولو حبط بهذا المعنى فرض منه حبط كله.
جماع مواقيت الصلاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أحكم الله عز وجل كتابه أن فرض الصلاة موقوت والموقوت والله
أعلم الوقت الذي يصلى فيه وعددها فقال عز وجل " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " وقد
ذكرنا نقل العامة عدد الصلاة في مواضعها ونحن ذاكرون الوقت. أخبرنا سفيان عن الزهري قال أخر
عمر بن عبد العزيز الصلاة فقال له عروة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نزل جبريل فأمنى
فصليت معه ثم نزل فأمنى فصليت معه ثم نزل فأمنى فصليت معه حتى عد الصلوات الخمس فقال
عمر بن عبد العزيز اتق الله يا عروة وانظر ما تقول فقال عروة أخبرنيه بشير بن أبي مسعود عن أبيه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عمرو بن أبي سلمة عن عبد العزيز بن محمد عن عبد الرحمن بن
الحارث عن حكيم بن حكيم عن نافع بن جبير عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال أمنى عن جبريل عند باب الكعبة مرتين فصلى الظهر حين كان الفئ مثل الشراك ثم
89

صلى العصر حين كان كل شئ بقدر ظله وصلى المغرب حين أفطر الصائم ثم صلى العشاء حين غاب
الشفق ثم صلى الصبح حين حرم الطعام والشراب على الصائم ثم صلى المرة الآخرة الظهر حين كان كل
شئ قدر ظله قدر العصر بالأمس ثم صلى العصر حين كان ظل كل شئ مثليه ثم صلى المغرب القدر
الأول لم يؤخرها ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل ثم صلى الصبح حين أسفر ثم التفت فقال
يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين (قال الشافعي) وبهذا نأخذه وهذه
المواقيت في الحضر فاحتمل ما وصفته من المواقيت أن يكون للحاضر والمسافر في العذر وغيره واحتمل
أن يكون لمن كان في المعنى الذي صلى فيه جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الحضر وفي غير عذر
فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة غير خائف فذهبنا إلى أن ذلك في مطر وجمع مسافرا فدل
ذلك على أن تفريق الصلوات كل صلاة في وقتها إنما هو على الحاضر في غير مطر فلا يجزئ حاضرا في
غير مطر أن يصلى صلاة إلا في وقتها ولا يضم إليها غيرها إلا أن ينسى فيذكر في وقت إحداهما أو ينام
فيصليها حينئذ قضاء ولا يخرج أحد كان له الجمع بين الصلاتين من آخر وقت الآخرة منهما ولا يقدم
وقت الأولى منهما والوقت حد لا يجاوز ولا يقدم ولا تؤخر صلاة العشاء عن الثلث الأول في مصر ولا
غيره، حضر ولا سفر.
وقت الظهر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأول وقت الظهر إذا استيقن الرجل بزوال الشمس عن وسط
الفلك وظل الشمس في الصيف يتقلص حتى لا يكون لشئ قائم معتدل نصف النهار ظل بحال وإذا
كان ذلك فسقط للقائم ظل ما كان الظل فقد زالت الشمس وآخر وقتها في هذا الحين إذا صار ظل كل
شئ مثله فإذا جاوز ظل كل شئ مثله بشئ ما كان فقد خرج وقتها ودخل وقت العصر لا فصل بينهما
إلا ما وصفت والظل في الشتاء والربيع والخريف مخالف له فيما وصفت من الصيف وإنما يعلم الزوال في
هذه الأوقات بأن ينظر إلى الظل ويتفقد نقصانه فإنه إذا تناهى نقصانه زاد فإذا زاد بعد تناهى نقصانه
فذلك الزوال وهو أول وقت الظهر ثم آخر وقتها إذا علم أن قد بلغ الظل مع خلافه ظل الصيف قدر ما
يكون ظل كل شئ مثله في الصيف وذلك أن تعلم ما بين زوال الشمس وأول وقت الظهر أقل مما بين
أول وقت العصر والليل فإن برز له منها ما يدله وإلا توخى حتى يرى أنه صلاها بعد الوقت واحتاط
(قال الشافعي) فإن كان الغيم مطبقا راعى الشمس واحتاط بتأخيرها ما بينه وبين أن يخاف دخول
وقت العصر فإذا توخى فصلى على الأغلب عنده فصلاته مجزئة عنه وذلك أن مدة وقتها متطاول حتى
يكاد يحيط إذا احتاط بأن قد زالت وليست كالقبلة التي لا مدة لها إنما عليها دليل لا مدة وعلى هذا
الوقت دليل من مدة وموضع وظل فإذا كان هكذا فلا إعادة عليه حتى يعلم أن قد صلى قبل الزوال
فإذا علم ذلك أعاد وهكذا إن توخى بلا غيم (قال) وعلمه بنفسه وأخبار غيره ممن يصدقه أنه صلى
قبل الزوال إذا لم ير هو أو هم يلزمه أن يعيد الصلاة فإن كذب من أعلمه أنه صلى قبل الزوال لم يكن
عليه إعادة والاحتياط له أن يعيد وإذا كان أعمى وسعه خبر من يصدق خبره في الوقت والاقتداء
بالمؤذنين فيه وإن كان محبوسا في موضع مظلم أو كان أعمى ليس قربه أحد توخى وأجزأت صلاته حتى
يستيقن أنه صلى قبل الوقت والوقت يخالف القبلة لان في الوقت مدة فجعل مرورها كالدليل وليس
90

ذلك في القبلة فإن علم أنه صلى بعد الوقت أجزأه وكان أقل أمره أن يكون قضاء (قال الشافعي) وإذا
كان كما وصفت محبوسا في ظلمة أو أعمى ليس قربه أحد لم يسعه أن يصليها بلا تأخ على الأغلب عنده
من مرور الوقت من نهار وليل وإن وجد غيره تأخى به وإن صلى على غير تأخ أعاد كل صلاة صلاها
على غير تأخ ولا يفوت الظهر حتى يجاوز ظل كل شئ مثله فإذا جاوزه فهو فائت وذلك أن من أخرها
إلى هذا الوقت جمع أمرين، تأخيرها عن الوقت المقصود، وحلول وقت غيرها.
تعجيل الظهر وتأخيرها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وتعجيل الحاضر الظهر إماما ومنفردا في كل وقت إلا في شدة الحر
فإذا اشتد الحر أخر إمام الجماعة الذي ينتاب من البعد الظهر حتى يبرد بالخبر عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم. وقد اشتكت النار إلى ربها
فقالت رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون من
الحر من حرها وأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها " أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من
فيح جهنم " أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبى
سلمة ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا اشتد الحر فأبردوا
بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم (قال الشافعي) ولا يبلغ بتأخيرها آخر وقتها فيصليهما جميعا معا
ولكن الابراد ما يعلم أنه يصليها متمهلا وينصرف منها قبل آخر وقتها ليكون بين انصرافه منها وبين آخر
وقتها فصل فأما من صلاها في بيته أو في جماعة بفناء بيته لا يحضرها إلا من بحضرته فليصلها في أول
وقتها لأنه لا أذى عليهم في حرها (قال الشافعي) ولا تؤخر في الشتاء بحال وكلما قدمت كان ألين على من
صلاها في الشتاء ولا يؤخرها إمام جماعة ينتاب إلا ببلاد لها حر مؤذ كالحجاز، فإذا كانت بلاد لا أذى
لحرها لم يؤخرها لأنه لا شدة لحرها يرفق على أحد بتنحية الأذى عنه في شهودها.
وقت العصر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ووقت العصر في الصيف إذا جاوز ظل كل شئ مثله بشئ ما
كان وذلك حين ينفصل من آخر وقت الظهر وبلغني عن بعض أصحاب ابن عباس أنه قال معنى ما
وصفت وأحسبه ذكره عن ابن عباس وأن ابن عباس أراد به صلاة العصر في آخر وقت الظهر على هذا
المعنى أنه صلاها حين كان ظل كل شئ مثله يعني حين تم ظل كل شئ مثله ثم جاوز ذلك
بأقل ما يجاوزه وحديث ابن عباس محتمل له وهو قول عامة من حفظت عنه وإذا كان
الزمان الذي لا يكون الظل فيه هكذا قدر الظل ما كان ينقص فإذا زاد بعد نقصانه بذلك
زواله ثم قدر ما لو كان الصيف بلغ الظل أن يكون مثل القائم فإذا جاوز ذلك قليلا
فقد دخل أول وقت العصر ويصلى العصر في كل بلد وكل زمان وإمام جماعة ينتاب من بعد
وغير بعد ومنفرد في أول وقتها لا أحب أن يؤخرها عنه وإذا كان الغيم مطلقا أو كان محبوسا في
91

ظلمة أو أعمى ببلد لا أحد معه فيها صنع ما وصفت يصنعه في الظهر لا يختلف في شئ ومن أخر
العصر حتى تجاوز ظل كل شئ مثليه في الصيف وقدر ذلك في الشتاء فقد فاته وقت الاختيار ولا يجوز
عليه أن يقال قد فاته وقت العصر مطلقا كما جاز على الذي أخر الظهر إلى أن جاوز ظل كل شئ مثله
مطلقا لما وصفت من أنه تحل له صلاة العصر في ذلك الوقت وهذا لا يحل له صلاة الظهر في هذا
الوقت وإنما قلت لا يتبين عليه ما وصفت من أن مالكا أخبرنا عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن
بشر بن سعيد وعن الأعرج يحدثونه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أدرك
ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب
الشمس فقد أدرك العصر (قال الشافعي) فمن لم يدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس فقد فاتته
العصر والركعة ركعة بسجدتين وإنما أحببت تقديم العصر لان محمد بن إسماعيل أخبرنا عن ابن أبي ذئب
عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس
صاحية ثم يذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيها والشمس مرتفعة أخبرنا محمد بن إسماعيل ابن أبي فديك
عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن نوفل بن
معاوية الديلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فاته العصر فكأنما وتر أهله وماله.
وقت المغرب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا وقت للمغرب إلا واحد ذلك حين تجب الشمس وذلك بين
في حديث إمامة جبريل النبي صلى الله عليه وسلم وفي غيره، أخبرنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن
عمرو بن علقمة عن أبي نعيم عن جابر قال: كنا نصلى المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم
نخرج نتناضل حتى نبلغ بيوت بني سلمة ننظر إلى مواقع النبل من الارسفار أخبرنا محمد بن إسماعيل عن
ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن القعقاع ابن حكيم قال دخلنا على جابر بن عبد الله
فقال جابر كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم ننصرف فتأتي بنى سلمة فنبصر مواقع النبل أخبرنا
محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن زيد بن خالد الجهني قال: كنا نصلى
مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب ثم ننصرف فنأتي السوق ولو رمى بنبل لرؤى مواقعها (قال
الشافعي) وقد لا قيل تفوت حتى يدخل أول وقت صلاه العشاء قبل يصلى منها ركعة كما قيل في العصر
ولكن لا يجوز لان الصبح تفوت بأن تطلع الشمس قبل يصلى منها ركعة فإن قيل فتقيسها على الصبح
قيل لا أقيس شيئا من المواقيت على غيره وهي على الأصل والأصل حديث إمامة جبريل النبي صلى الله
عليه وسلم إلا ما جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة دلالة أو قاله عامة العلماء لم يختلفوا فيه
(قال الشافعي) ولو قيل تفوت المغرب إذا لم تصل في وقتها كان والله أعلم أشبه بما قال ويتأخاها
المصلى في الغيم والمحبوس في الظلمة والأعمى كما وصفت في الظهر ويؤخرها حتى يرى أن قد دخل وقتها
وقت العشاء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن ابن أبي لبيد عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن
92

عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يغلبنكم الاعراب على اسم صلاتكم هي العشاء إلا
أنهم يعتمون بالإبل (قال الشافعي) فأحب أن لا تسمى إلا العشاء كما سماها رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأول وقتها حين يغيب الشفق والشفق الحمرة التي في المغرب فإذا ذهبت الحمرة فلم ير منها شئ
حل وقتها ومن افتتحها وقد بقي عليه من الحمرة شئ أعادها وإنما قلت الوقت في الدخول في الصلاة
فلا يكون لاحد أن يدخل في الصلاة إلا بعد دخول وقتها وإن لم يعمل فيها شئ إلا بعد الوقت ولا
التكبير لان التكبير هو مدخله فيها فإذا أدخله التكبير فيها قبل الوقت أعادها وأخر وقتها إلى أن يمضى
ثلث الليل فإذا مضى ثلث الليل الأول فلا أراها إلا فائتة لأنه آخر وقتها ولم يأت عن النبي صلى الله
عليه وسلم فيها شئ يدل على أنها لا تفوت إلا بعد ذلك الوقت (قال) المواقيت كلها كما وصفت لا
تقاس ويصنع المتأخي لها في الغيم وفي الحبس المظلم والأعمى ليس معه أحد كما وصفته يصنعه في الظهر
والتأخي في الليل أخف من التأخي لصلاة النهار لطول المدة وشدة الظلمة وبيان الليل.
وقت الفجر
قال الله تبارك وتعالى " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا " وقال صلى الله عليه وسلم من أدرك
ركعة من الصبح والصبح الفجر فلها اسمان الصبح والفجر لا أحب أن تسمى إلا بأحدهما وإذا بان
الفجر الأخير معترضا حلت صلاة الصبح ومن صلاها قبل تبين الفجر الأخير معترضا أعاد ويصليها أول
ما يستيقن الفجر معترضا حتى يخرج منها مغلسا (قال الشافعي) وأخبرنا مالك بن أنس عن يحيى بن
سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى
الصبح فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس ولا تفوت حتى تطلع الشمس قبل أن
يصلي منها ركعة والركعة ركعة بسجودها فمن لم يكمل ركعة بسجودها قبل طلوع الشمس فقد فاتته
الصبح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك
الصبح " (1).
93

اختلاف الوقت
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فلما أم جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحضر لا في مطر
وقال ما بين هذين وقت لم يكن لاحد أن يعمد أن يصلى الصلاة في حضر ولا في مطر إلا في هذا
94

الوقت ولا صلاة إلا منفردة كما صلى جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى النبي صلى الله عليه
وسلم بعد مقيما في عمره ولما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة آمنا مقيما لم يحتمل إلا أن يكون
مخالفا لهذا الحديث أو يكون الحال التي جمع فيها حالا غير الحال التي فرق فيها فلم يجز أن يقال جمعه
في الحضر مخالف لافراده في الحضر من وجهين أنه يوجد لكل واحد منهما وجه وأن الذي رواه منهما معا
واحد وهو ابن عباس فعلمنا أن الجمعة في الحضر علة فرقت بينه وبين إفراده فلم يكن إلا المطر والله تعالى
أعلم إذا لم يكن خوف ووجدنا في المطر علة المشقة كما كان في الجمع في السفر علة المشقة العامة فقلنا إذا
كانت العلة من مطر في حضر جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء (قال) ولا يجمع إلا والمطر مقيم
في الوقت الذي تجمع فيه فإن صلى إحداهما ثم انقطع المطر لم يكن له أن يجمع الأخرى إليها وإذا صلى
إحداهما والسماء تمطر ثم ابتدأ الأخرى والسماء تمطر ثم انقطع المطر لم يكن له أن يجمع الأخرى إليها وإذا صلى
إحداهما والسماء تمطر ثم ابتدأ الأخرى والسماء تمطر ثم انقطع المطر مضى على صلاته لأنه إذا كان له
الدخول فيها كان له إتمامها (قال) ويجمع من قليل المطر وكثيره ولا يجمع إلا من خرج من بيته إلى
مسجد يجمع فيه قرب المسجد أو كثر أهله أو قلوا أو بعدوا ولا يجمع أحد في بيته لان النبي صلى الله
عليه وسلم جمع في المسجد والمصلي في بيته مخالف المصلي في المسجد وإن صلى رجل الظهر في غير مطر
ثم مطر الناس لم يكن له أن يصلى العصر لأنه صلى الظهر وليس له جمع العصر إليها وكذلك لو افتتح
الظهر ولم يمطر ثم مطر بعد ذلك لم يكن له جمع العصر إليها ولا يكون له الجمع إلا بان يدخل في الأولى
ينوى الجمع وهو له فإذا دخل فيها وهو يمطر ودخل في الآخرة وهو يمطر فإن سكنت السماء فيما بين ذلك
كان له الجمع لان الوقت في كل واحدة منهما الدخول فيها والمغرب والعشاء في هذا وقت كالظهر والعصر
لا يختلفان وسواء كل بلد في هذا لان بل المطر في كل موضع أذى وإذا جمع بين صلاتين في مطر
جمعهما في وقت الأولى منهما لا يؤخر ذلك ولا يجمع في حضر في غير المطر من قبل أن الأصل أن يصلى
الصلوات منفردات والجمع في المطر رخصة لعذر وإن كان عذر غيره لم يجمع فيه لان العذر في غيره
خاص وذلك المرض والخوف وما أشبهه وقد كانت أمراض وخوف فلم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم جمع والعذر بالمطر عام ويجمع في السفر بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والدلالة على
المواقيت عامة لا رخصة في ترك شئ منها ولا الجمع إلا حيث رخص النبي صلى الله عليه وسلم في سفر
ولا رأينا من جمعه الذي رأيناه في المطر والله تعالى أعلم.
وقت الصلاة في السفر
أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله وهو يذكر حجة النبي
صلى الله عليه وسلم (1) فراح النبي صلى الله عليه وسلم من منزله وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم
عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا أخبرنا مالك عن أبي الزبير

(1) قوله فراح النبي صلى الله عليه وسلم من منزله تمام الحديث كما في مسند الشافعي فراح النبي
صلى الله عليه وسلم إلى الموقف بعرفة فخطب الناس الخطبة الأولى ثم أذن بلال ثم أخذ النبي صلى الله
عليه وسلم في الخطبة الثانية ففرغ من الخطبة وبلال من الاذان، ثم أقام بلال فصلى الظهر ثم أقام
بلال فصلى العصر اه‍ كتبه مصححه.
95

عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ ابن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
عام تبوك فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء قال فأخر
الصلاة يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ثم دخل ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا (قال
الشافعي) وهذا وهو نازل غير سائر لان قوله دخل ثم خرج لا يكون إلا وهو نازل فللمسافر أن يجمع
نازلا وسائرا أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب الأسدي قال
خرجنا مع ابن عمر إلى الحمى فغربت الشمس فهبنا أن نقول له انزل فصل فلما ذهب بياض الأفق
وفحمة العشاء نزل فصلى ثلاثا ثم سلم ثم صلى ركعتين ثم سلم ثم التفت إلينا فقال هكذا رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فعل (قال الشافعي) فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن للمسافر أن
يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما إن شاء في وقت الأولى منهما وإن شاء في
وقت الآخرة لان النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر وجمع بين المغرب
والعشاء في وقت العشاء فلما حكى ابن عباس ومعاذ الجمع بينهما جدبه السير أو لم يجد سائرا ونازلا لان
النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينهما بعرفة غير سائر إلا إلى الموقف إلى جنب المسجد وبالمزدلفة نازلا
ثانيا وحكى عنه معاذ أنه جمع ورأيت حكايته على أن جمعه وهو نازل في سفر غير سائر فيه فمن كان له
أن يقصر فله أن يجمع لما وصفت من دلالة السنة وليس له أن يجمع الصبح إلى صلاة ولا يجمع إليها
صلاة لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمعها ولم يجمع إليها غيرها وليس للمسافر أن يجمع بين صلاتين
قبل وقت الأولى منهما فان فعل أعاد كما يعيد المقيم إذا صلى قبل الوقت وله أن يجمعهما بعد الوقت لأنه
حينئذ يقضي ولو افتتح المسافر الصلاة قبل الزوال ثم لم يقرأ حتى تزول الشمس ثم مضى في صلاته
فصلى الظهر والعصر معا كانت عليه إعادتهما معا أما الظهر فيعيدها لان الوقت لم يدخل حين الدخول
في الصلاة فدخل فيها قبل وقتها وأما العصر فإنما كان له أن يصليها قبل وقتها إذا أجمع بينها وبين الظهر
وهي مجزئة عنه ولو افتتح الظهر وهو يرى أن الشمس لم تزل ثم استيقن أن دخوله فيها كان بعد الزوال
صلاها والعصر أعاد. لأنه حين افتتحها افتتحها ولم تحل عنده فليست مجزئة عنه وكان في معنى من
صلاها لا ينويها وفى أكثر من حاله، ولو أراد الجمع فبدأ بالعصر ثم الظهر أجزأت عنه الظهر ولا
تجزئ عنه العصر لا تجزئ عنه مقدمة عن وقتها حتى تجزئ عنه الظهر التي قبلها ولو افتتح الظهر على
غير وضوء، ثم توضأ للعصر فصلاها أعاد الظهر والعصر لا تجزئ عنه العصر مقدمة عن وقتها حتى
تجزئ عنه الظهر قبلها وهكذا لو أفسد الظهر بأي فساد ما كان لم تجزئ عنه العصر مقدمة عن وقتها ولو
كان هذا كله في وقت العصر حتى لا يكون العصر إلا بعد وقتها أجزأت عنه العصر وكانت عليه إعادة
الظهر ولو افتتح الظهر وهو يشك في وقتها فاستيقن أنه لم يدخل فيها إلا بعد دخول وقتها لم تجزئ عنه
صلاته وكذلك لو ظن أن صلاته فاتته استفتح صلاة على أنها إن كانت فائتة فهي التي افتتح ثم علم أن
عليه صلاة فائتة لم تجزه ولا يجزئ شئ من هذا حتى يدخل فيه على نية الصلاة وعلى نية أن الوقت
دخل فإنا إذا دخل على الشك فليست النية بتامة ولو كان مسافرا فأراد الجمع بين الظهر والعصر في
وقت الظهر فسها أو عمد فبدا بالعصر لم يجزه ولا يجزه العصر قبل وقتها إلا أن يصلي الظهر قبلها فتجزئ
عنه وكذلك لو صلى الظهر في وقتها فأفسدها فسها عن إفساده إياها ثم صلى العصر بعدها في وقت
الظهر أعاد الظهر ثم العصر.
96

الرجل يصلى وقد فاتته قبلها صلاة
أخبرنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي من فاتته الصلاة فذكرها وقد دخل في صلاة غيرها
مضى على صلاته التي هو فيها ولم تفسد عليه إماما كان أو مأموما فإذا فرغ من صلاته صلى الصلاة
الفائتة وكذلك لو ذكرها ولم يدخل في صلاة فدخل فيها وهو ذاكر للفائتة أجزأته الصلاة التي دخل فيها
وصلى الصلاة المكتوبة الفائتة له وكان الاختيار له إن شاء أتى بالصلاة الفائتة له قبل الصلاة التي
ذكرها قبل الدخول فيها إلا أن يخاف فوت التي هو في وقتها فيصليها ثم يصلى التي فاتته أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزري (1)
(قال الشافعي) وسواء كانت الصلوات الفائتات صلاة يوم أو صلاة سنة وقد أثبت هذا في غير هذا
الموضع وإنما قلته إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام عن الصبح فارتحل عن موضعه فأخر الصلاة
الفائتة وصلاتها ممكنة له فلم يجز أن يكون قوله من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها على معنى أن وقت
ذكره إياها وقتها لا وقت لها غيره لأنه صلى الله عليه وسلم لا يؤخر الصلاة عن وقتها فلما لم يكن هذا
معنى قوله لم يكن له معنى إلا أن يصليها إذا ذكرها فإنها غير موضوعة الفرض عنه بالنسيان إذا كان
الذكر الذي هو خلاف النسيان وأن يصليها أي ساعة كانت منهيا عن الصلاة فيها أو غير منهى (قال
الربيع) قال الشافعي قول النبي صلى الله عليه وسلم فليصلها إذا ذكرها يحتمل أن يكون وقتها حين
يذكرها ويحتمل أن يكون يصليها إذا ذكرها لا أن ذهاب وقتها يذهب بفرضها قلما ذكر النبي صلى الله
عليه وسلم وهو في الوادي صلاة الصبح فلم يصلها حتى قطع الوادي علمنا أن قول النبي صلى الله عليه
وسلم فليصلها إذا ذكرها أي وإن ذهب وقتها ولم يذهب فرضها فإن قيل فإن النبي صلى الله عليه وسلم
إنما خرج من الوادي فإنه واد فيه شيطان فقيل لو كانت الصلاة لا تصلح في واد فيه شيطان فقد صلى
النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخنق الشيطان فخنقه أكثر من صلاة في واد فيه شيطان (قال الشافعي)
فلو أن مسافرا أراد أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت العصر فبدأ بالظهر فأفسدها ثم صلى العصر أجزأه
العصر وإنما أجزأته لأنها صليت في وقتها على الانفراد الذي لو صليت فيه وحدها أجزأت ثم يصلى الظهر
بعدها (قال الشافعي) ولو بدأ فصلى العصر ثم صلى الظهر أجزأت عنه العصر لأنه صلاها في وقتها على
الانفراد وكان عليه أن يصلى الظهر وأكره هذا له وإن كان مجزئا عنه (قال الشافعي) وإذا كان الغيم
مطبقا في السفر فهو كإطباقه في الحضر يتأخى فإن فعل فجمع بين الظهر والعصر ثم تكشف الغيم فعلم أنه
قد كان افتتح الظهر قبل الزوال أعاد الظهر والعصر معا لأنه صلى كل واحدة منهما غير مجزئة الظهر قبل
وقتها والعصر في الوقت الذي لا نجزئ عنه فيه إلا أن تكون الظهر قبلها مجزئة (قال الشافعي) ولو كان
تأخى فصلاهما فكشف الغيم فعلم أنه صلاها في وقت العصر أجزأتا عنه لأنه كان له أن يصليهما عامدا
في ذلك الوقت (قال الشافعي) ولو تكشف الغيم فعلم أنه صلاهما بعد مغيب الشمس أجزأتا عنه لان
أقل أمرهما أن يكونا قضاء مما عليه (قال الشافعي) ولو كان تأخى فعلم أنه صلى إحداهما قبل مغيب
الشمس والأخرى بعد مغيبها أجزأتا عنه وكانت إحداهما مصلاة في وقتها وأقل أمر الأخرى أن تكون

(1) كذا هو في الأصل وبيض له في بعض النسخ ولم نعثر على هذا الاسناد في مسند الامام ولا غيره
من كتب الحديث التي بيدنا، فانظره. كتبه مصححه.
97

قضاء (قال الشافعي) وهكذا القول في المغرب والعشاء يجمع بينهما (قال الشافعي) ولو كان مسافرا فلم
يكن له في يوم سفره نية في أن يجمع بين الظهر والعصر وأخر الظهر ذاكرا لا يريد بها الجمع حتى يدخل
وقت العصر كان عاصيا بتأخيرها لا يريد الجمع بها لان تأخيرها إنما كان له على إرادة الجمع فيكون
ذلك وقتا لها فإذا لم يرد به الجمع كان تأخيرها وصلاتها تمكنه معصية وصلاتها قضاء والعصر في وقتها
وأجزأتا عنه وأخاف المأثم عليه في تأخير الظهر (قال الشافعي) ولو صلى الظهر ولا ينوى أن يجمع بينها
وبين العصر فلما أكمل الظهر أو كان وقتها كانت له نية في أن يجمع بينهما كان ذلك له لأنه إذا كان له أن
ينوى ذلك على الابتداء كان له أن يحدث فيه نية في الوقت الذي يجوز له فيه الجمع ولو أنصرف من
الظهر وانصرافه أن يسلم ولم ينو قبلها ولا مع انصرافه الجمع ثم أراد الجمع لم يكن له لأنه لا يقال له إذا
انصرف جامع وإنما يقال هو مصلى صلاة انفراد فلا يكون له أن يصلي صلاة قبل وقتها إلا صلاة جمع
لا صلاة انفراد (قال الشافعي) ولو كان آخر الظهر بلا نية جمع وانصرف منها في وقت العصر كان له
أن يصلى العصر لأنها وإن صليت صلاة انفراد فإنما صليت في وقتها لا في وقت غيرها وكذلك لو أخر
الظهر عامدا لا يريد بها الجمع إلى وقت العصر فهو آثم في تأخيرها عامدا ولا يريد بها الجمع (قال
الشافعي) (1) وإذا صليت الظهر والعصر في وقت الظهر ووالى بينهما قبل ان يفارق مقامه الذي صلى فيه
وقبل أن يقطع بينهما بصلاة فإن فارق مقامه الذي صلى فيه أو قطع بينهما بصلاة لم يكن له الجمع بينهما
لأنه لا يقال أبدا جامع إلا أن يكونا متواليين لا عمل بينهما ولو كان الإمام والمأموم تكلما كلاما كثيرا كان
له أن يجمع وإن طال ذلك به لم يكن له الجمع وإذا جمع بينهما في وقت الآخرة كان له (2) أن يصلى
في وقت الأولى وينصرف ويصنع ما بدا له لأنه حينئذ يصلى الآخرة في وقتها وقد روى في بعض
الحديث أن بعض من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بجمع صلى معه المغرب ثم أناخ بعضهم
أباعرهم في منازلهم ثم صلوا العشاء فيما يرى حيث صلوا وإنما صلوا العشاء في وقتها (قال الشافعي)
فالقول في الجمع بين المغرب والعشاء كالقول في الجمع بين الظهر والعصر لا يختلفان في شئ (قال
الشافعي) ولو نوى أن يجمع بين الظهر والعصر فصلى الظهر ثم أغمي عليه ثم أفاق قبل خروج وقت
الظهر لم يكن له أن يصلى العصر حتى يدخل وقتها لأنه حينئذ غير جامع بينهما وكذلك لو نام أو سها أو
شغل أو قطع ذلك بأمر يتطاول (قال الشافعي) وجماع هذا أن ينظر إلى الحال التي لو سها فيها في
الصلاة فانصرف قبل إكمالها هل يبني لتقارب انصرافه فله إذا صنع مثل ذلك إن يجمع وإذا سها
فانصرف فتطاول ذلك لم يكن له أن يبنى وكان عليه أن يستأنف فكذلك ليس له أن يجمع في وقت
ذلك إن كان في مسجد أن لا يخرج منه يطيل المقام قبل توجهه إلى الصلاة وإن كان في موضع
مصلاه لا يزايله ولا يطيل قبل ان يعود إلى الصلاة.

(1) قوله وإذا صليت الظهر الخ كذا في النسخ وانظر جواب الشرط ولعله سقط من الناسخ أو
حذف للعلم به من المفهوم بعده فتأمل، كتبه مصححه.
(2) قوله أن يصلى في وقت الأولى كذا في النسخ بزيادة لفظ " قي وقت " ولعلها من زيادة الناسخ
والأصل " كان له أن يصلى الأولى " الخ. فتأمل اه‍.
98

باب صلاة العذر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يكون لاحد أن يجمع بين صلاتين في وقت الأولى منهما إلا في
مطر ولا يقصر صلاة بحال خوف ولا عذر غيره إلا أن يكون مسافرا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلى بالخندق محاربا فلم يبلغنا أنه قصر (قال الشافعي) وكذلك لا يكون له أن يصلى قاعدا إلا من
مرض لا يقدر معه على القيام (1) وهو يقدر على القيام إلا في حال الخوف التي ذكرت ولا يكون له
بعذر غيره أن يصلي قاعدا إلا من مرض لا يقدر على القيام (قال الشافعي) وذلك أن الفرض في
المكتوبة استقبال القبلة والصلاة قائما فلا يجوز غير هذا إلا في المواضع التي دل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عليها ولا يكون شئ قياسا عليه وتكون الأشياء كلها مردودة إلى أصولها والرخص لا يتعدى بها
مواضعها.
باب صلاة المريض (2)
قال الله عز وجل " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين " فقيل والله سبحانه
وتعالى أعلم قانتين مطيعين وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة قائما (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وإذا خوطب بالفرائض من أطاقها فإذا كان المرء مطيقا للقيام في الصلاة لم يجزه إلا هو إلا عندما
ذكرت من الخوف (قال الشافعي) وإذا لم يطق القيام صلى قاعدا وركع وسجد إذا أطاق الركوع
والسجود (3) أخبرنا الشافعي قال أخبرنا يحيى بن حسان عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس فوجد النبي صلى الله عليه
وسلم خفة فجاء فقعد إلى جنب أبى بكر فأم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وهو قاعد وأم أبا بكر
الناس وهو قائم أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب الثقفي قال سمعت يحيى بن سعيد يقول حدثني
ابن أبي مليكة أن عبيد بن عمير الليثي حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلى
بالناس الصبح وأن أبا بكر كبر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم بعض الخفة فقام يفرج الصفوف قال

(1) قوله: وهو يقدر على القيام. أي لا يصلى قاعدا وهو يقدر الخ.
(2) وفي الترجمة عتق الأمة في أثناء الصلاة وهي غير مستترة بستر الحرة والصبي يبلغ. انتهى.
كتبه مصححه.
(3) كتب في نسخة البلقيني في هذا الموضع ما نصه ولم يبين الشافعي هنا كيفية القعود وقال في
اختلاف علي وابن مسعود قبيل ترجمة القيام هشيم عن حصين قال أخبرني القاسم سمع ابن مسعود
يقول لان اجلس على الرضف أحب إلي من أن أتربع في الصلاة وهم يقولون قيام صلاة الجالس التربع
ونحن نكره ما يكره ابن مسعود من تربع الرجل في الصلاة وهم يخالفون ابن مسعود ويستحبون التربع
في الصلاة هذا ما في الام في الموضعين وفي مختصر البويطي صلى جالسا متربعا في موضع القيام ذكره في
ترجمة الامام يحدث وفيه حديث من طريق عائشة رواه البيهقي وغيره والمعتمد في الفتوى والعمل ما
نص عليه في اختلاف العراقيين من أنه لا يتربع ولكنه يفترش والأكثر يحكم القولين بلا ترجيح.
99

وكان أبو بكر لا يلتفت إذا صلى فلما سمع أبو بكر الحس من ورائه عرف أنه لا يتقدم ذلك المقام المقدم
إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فخنس وراءه إلى الصف فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانه
فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه وأبو بكر قائم حتى إذا رفع أبو بكر قال أي رسول الله
أراك أصبحت صالحا وهذا يوم بنت خارجة فرجع أبو بكر إلى أهله فمكث رسول الله صلى الله عليه
وسلم مكانه وجلس إلى جنب الحجر يحذر الناس الفتن وقال إني والله لا يمسك الناس علي شيئا إني
والله لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه يا فاطمة بنت رسول الله وصفية
عمة رسول الله اعملا لما عند الله فإني لا أغنى عنكما من الله شيئا (قال الشافعي) ويصلى الامام قاعدا
ومن خلفه قياما إذا أطاقوا القيام ولا يجزى من أطاق القيام أن يصلى إلا قائما وكذلك إذا أطاق الامام
القيام صلى قائما ومن لم يطق القيام ممن خلفه صلى قاعدا (قال الشافعي) وهكذا كل حال قدر المصلى
فيها على تأدية فرض الصلاة كما فرض الله تعالى عليه صلاها وصلى ما لا يقدر عليه كما يطيق فإن لم يطق
المصلى القعود وأطاق أن يصلى مضطجعا صلى مضطجعا وإن لم يطق الركوع والسجود صلى مومئا
وجعل السجود أخفض من إيماء الركوع (قال الشافعي) فإذا كان بظهره مرض لا يمنعه القيام ويمنعه
الركوع لم يجزه إلا أن يقوم وأجزأه أن ينحنى كما يقدر في الركوع فإن لم يقدر على ذلك بظهره حتى رقبته
فإن لم يقدر على ذلك إلا بأن يعتمد على شئ اعتمد عليه مستويا أو في شق ثم ركع ثم رفع ثم سجد
وإن لم يقدر على السجود جلس أومأ إيماء، وإن قدر على السجود على صدغه ولم يقدر عليه على جبهته
طأطأ رأسه ولو في شق ثم سجد على صدغه وكان أقرب ما يقدر عليه من السجود مستويا أو على أي
شقيه كان لا يجزيه أن يطيق أن يقارب السجود بحال إلا قاربه (قال الشافعي) ولا يرفع إلى جبهته شيئا
ليسجد عليه لأنه لا يقال له ساجد حتى يسجد بما يلصق بالأرض فإن وضع وسادة على الأرض فسجد
عليها أجزأه ذلك إن شاء الله تعالى. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن يونس عن
الحسن عن أمه قالت: رأيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسجد على وسادة من أدم من
رمد بها (قال الشافعي) ولو سجد الصحيح على وسادة من أدم لاصقة بالأرض كرهته له ولم أر عليه أن
يعيد كما لو سجد على ربوة من الأرض أرفع من الموضع الذي يقوم عليه لم يعد (قال الشافعي) وإن قدر
المصلي على الركوع ولم يقدر على القيام كان في قيامه راكعا وإذا ركع خفض عن قدر قيامه ثم يسجد
وإن لم يقدر على إن يصلى إلا مستلقيا صلى مستلقيا يومئ إيماء (قال الشافعي) وكل حال أمرته فيها أن
يصلى كما يطيق فإذا أصابها ببعض المشقة المحتملة لم يكن له أن يصلى إلا كما فرض الله عليه إذا أطاق
القيام ببعض المشقة قام فأتى ببعض ما عليه في القيام من قراءة أم القرآن وأحب أن يزيد معها شيئا
وإنما آمره بالقعود إذا كانت المشقة عليه غير محتملة أو كان لا يقدر على القيام بحال وهكذا هذا في
الركوع والسجود لا يختلف ولو أطاق أن يأتي بأم القرآن وقل هو الله أحد وأم القرآن في الركعة الأخرى
وإنا أعطيناك الكوثر منفردا قائما ولم يقدر على صلاة الامام لا يقرأ بأطول مما وصفت إلا جالسا، امرته
أن يصلى منفردا وكان له عذر بالمرض في ترك الصلاة مع الامام ولو صلى مع الامام فقدر على القيام في
بعض ولم يقدر عليه في بعض صلى قائما ما قدر وقاعدا ما لم يقدر وليست عليه إعادة ولو افتتح الصلاة
قائما ثم عرض له عذر جلس فإن ذهب عنه لم يجزه إلا أن يقوم فإن كان قرأ بما يجزيه جالسا لم يكن
عليه إذا قام أن يعيد قراءة وإن بقي عليه من قراءته شئ قرأ بما بقي منها قائما، كأن قرأ بعض أم
القرآن جالسا ثم برئ فلا يجزيه أن يقرأ جالسا وعليه أن يقرأ ما بقي قائما ولو قرأه ناهضا في القيام لم
100

يجزه ولا يجزيه حتى يقرأه قائما معتدلا إذا قدر على القيام وإذا قرا ما بقي قائما ثم حدث له عذر فجلس
قرأ ما بقي جالسا فإن حدثت له إفاقة قام وقرأ ما بقي قائما ولو قرأ قاعدا أم القرآن وشيئا معها ثم أفاق
فقام لم يكن له أن يركع حتى يعتدل قائما فإن قرأ قائما كان أحب إلي وإن لم يقرأ فركع بعد اعتداله قائما
أجزأته ركعته وإذا ركع قبل أن يعتدل قائما وهو يطيق ذلك وسجد ألغى هذه الركعة والسجدة وكان
عليه أن يقوم فيعتدل قائما ثم يركع ويسجد وليس عليه إعادة قراءة فإن لم يفعل حتى يقوم فيقرأ ثم يركع
ثم يسجد لم يعتد بالركعة التي قرأ فيها وسجد فكان السجود للركعة التي قبلها وكانت سجدة وسقطت
عنه إحدى الركعتين، ولو فرغ من صلاته واعتد بالركعة التي لم يعتدل فيها قائما، فإن ذكر وهو في
الوقت الذي له أن يبني لو سها فانصرف قبل ان يكمل صلاته كبر وركع وسجد وسجد للسهو وأجزأته
صلاته، وإن لم يذكر ذلك حتى يخرج من المسجد أو يطول ذلك استأنف الصلاة وهكذا هذا في كل
ركعة وسجدة وشئ من صلب الصلاة أطاقه (1) فإن لم يأت به كما أطاقه ولو أطاق سجدة فلم يسجدها
وأومأ ايماء سجدها ما لم يركع الركعة التي بعدها وإن لم يسجدها وأومأ بها وهو يطيق سجودها ثم قرأ
بعدما ركع لم يعتد بتلك الركعة وسجدها ثم أعاد القراءة والركوع بعدها لا يجزيه غير ذلك وإن ركع
وسجد سجدته فتلك السجدة مكان التي أطاقها وأومأ بها فقام فقرأ وركع ولم يعتد بتلك الركعة وكذلك
لو سجد سجدتين كانت إحداهما مكانها ولم يعتد بالثانية لأنها سجدة قبل ركوع وإنما تجزي عنه سجدة
مكان سجدة قبلها تركها أو فعل فيها ما لا يجزيه إذا سجد السجدة التي بعدها على أنها من صلب
الصلاة فأما لو ترك سجدة من صلب الصلاة وأومأ بها وهو يقدر عليها ثم سجد بعدها سجدة من سجود
القرآن أو سجدة سهو، لا يريد بها صلب الصلاة لم تجز عنه من السجدة التي ترك أو أومأ بها (قال
الشافعي) وهكذا أم الولد والمكاتبة والمدبرة والأمة يصلين معا بغير قناع ثم يعتقن قبل أن يكملن الصلاة
عليهن أن يتقنعن ويتممن الصلاة فإن تركن القناع بعدما يمكنهن أعدن تلك الصلاة ولو صلين بغير قناع
وقد عتقن لا يعلمن بالعتق أعدن كل صلاة صلينها بلا قناع من يوم عتقن لأنهن يرجعن إلى أن يحطن
بالعتق فيرجعن إلى اليقين (قال الشافعي) ولو كانت منهن مكاتبة عندها ما تؤدى وقد حلت نجومها
فصلت بلا قناع كرهت ذلك لها وأجزأتها صلاتها لأنها لا تعتق إلا بالأداء وليس بمحرم عليها أن تبقى
رقيقا وإنما أرى أن محرما عليها المطل وهي تجد الأداء وكذلك إن قال لامة له أنت حرة إن دخلت في
يومك هذه الدار فتركت دخولها وهي تقدر على الدخول حتى صلت بلا قناع ثم دخلت أو لم تدخل لم
تعد صلاتها لأنها صلتها قبل أن تعتق وكذلك لو قال لها أنت حرة إن شئت فصلت وتركت المشيئة ثم
أعتقها بعد لم تعد تلك الصلاة وإن أبطأ عن الغلام الحلم فدخل في صلاة فلم يكملها حتى استكمل
خمس عشرة سنة من مولده فأتمها أحببت له أن يستأنفها من قبل أنه صار ممن يلزمه جميع الفرائض في وقت صلاة فلم يصلها بكمالها بالغا ولو قطعها واستأنفها أجزأت عنه ولو أهل بالحج في هذه الحالة
فاستكمل خمس عشرة سنة بعد فوت عرفة أو احتلم مضى في حجه وكان عليه ان يستأنف حجا لأنه لم
يكن ممن أدرك الحج يعمل عمله وهو من أهل الفرائض كلها ولو صام يوما من شهر رمضان فلم يكمله
حتى احتلم أو استكمل خمس عشرة أحببت أن يتم ذلك اليوم ثم يعيده لما وصفت ولا يعود لصوم قبله

(1) قوله فإن لم يأت به كما أطاقه كذا في جميع النسخ بزيادة الفاء ولا جواب للشرط بعدها فلعل
الفاء زائدة من الناسخ ويكون الشرط تقييدا لما قبله وتأمل. كتبه مصححه.
101

لأنه لم يبلغ حتى مضى ذلك اليوم وكذلك لا يعود لصلاة صلاها قبل بلوغه لأنها قد مضت قبل بلوغه
وكل صلاة غير التي تليها وكذلك كل صوم يوم غير الذي يليه ولا يبين أن هذا عليه في الصلاة ولا في
الصوم فأما في الحج فبين.
باب جماع الاذان
قال الله تبارك وتعالى " وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا " وقال " إذا نودي للصلاة من
يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله " فذكر الله عز وجل الاذان للصلاة وذكر يوم الجمعة فكان بينا والله
تعالى أعلم أنه أراد المكتوبة بالآيتين معا وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الاذان للمكتوبات ولم
يحفظ عنه أحد علمته أنه أمر بالآذان لغير صلاة مكتوبة بل حفظ الزهري عنه أنه كان يأمر في العيدين
المؤذن فيقول الصلاة جامعة ولا أذان إلا لمكتوبة وكذلك لا إقامة فأما الأعياد والخسوف وقيام شهر
رمضان فأحب إلي أن يقال فيه " الصلاة جامعة " وإن لم يقل ذلك فلا شئ على من تركه إلا ترك
الأفضل والصلاة على الجنائز وكل نافلة غير الأعياد والخسوف بلا أذان فيها ولا قول الصلاة جامعة.
باب وقت الآذان للصبح
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن
عمر عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان
ابن أم مكتوم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن بلالا ينادى بليل فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أم مكتوم وكان
ابن أم مكتوم رجلا أعمى لا ينادى حتى يقال له أصبحت أصبحت (قال الشافعي) فالسنة أن يؤذن
للصبح بليل ليدلج المدلج ويتنبه النائم فيتأهب لحضور الصلاة وأحب إلي لو أذن مؤذن بعد الفجر ولو
لم يفعل لم أر بأسا أن يترك ذلك لان وقت أذانها كان قبل الفجر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا
يؤذن لصلاة غير الصبح إلا بعد وقتها لأني لم أعلم أحدا حكى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
أذن له لصلاة قبل وقتها غير الفجر ولم يزل المؤذنون عندنا يؤذنون لكل صلاة بعد دخول وقتها إلا الفجر
ولا أحب أن يترك الاذان لصلاة مكتوبة انفرد صاحبها أو جمع ولا الإقامة في مسجد جماعة كبر ولا
صغر ولا يدع ذلك الرجل في بيته ولا سفره وأنا عليه في مساجد الجماعة العظام (1) أحظ وإذا أراد
الرجل أن يكمل الاذان لكل صلاة غير الصبح بعد دخول وقتها فإن أذن لها قبل دخول وقتها أعاد إذا
دخل الوقت وإن افتتح الاذان قبل الوقت ثم دخل الوقت عاد فاستأنف الاذان من أوله وإن أتم ما بقي
من الاذان ثم عاد إلى ما مضى منه قبل الوقت لم يجزئه ولا يكمل الاذان حتى يأتي به على الولاء وبعد
وقت الصلاة إلا في الصبح ولو ترك من الاذان شيئا عاد إلى ما ترك ثم بنى من حيث ترك لا يجزيه غيره

(1) قوله أحظ كذا في النسخ بالظاء المشالة ولعله بالضاد المعجمة وقوله إذا أراد الرجل أن يكمل
الاذان الخ كذا في النسخ وانظر أين جواب الشرط اه‍.
102

وكذلك كل ما قدم منه أو أخر فعليه أن يأتي به في موضعه فلو قال في أول الاذان الله أكبر الله أكبر ثم
قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم أكمل الاذان أعاد فقال الله أكبر أكبر التي ترك ثم قال أشهد أن لا
إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله مرتين حتى يكم الاذان (1) ثم يجهر بشئ من الاذان ويخافت
بشئ منه لم تكن عليه إعادة ما وصفت به لأنه قد جاء بلفظ الاذان كاملا فلا إعادة عليه كما لا يكون
عليه إعادة ما خافت من القرآن فيما يجهر بالقرآن فيه (قال الشافعي) ولو كبر ثم قال حي على الصلاة
عاد فتشهد ثم أعاد حي على الصلاة حتى يأتي على الاذان كله فيضع كل شئ منه موضعه وما وضعه
في غير موضعه أعاده في موضعه.
باب عدد المؤذنين وأرزاقهم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أحب أن يقتصر في المؤذنين على اثنين لأنا، إنما حفظنا أنه أذن لرسول
الله صلى الله عليه وسلم اثنان ولا يضيق أن يؤذن أكثر من اثنين فإن اقتصر في الاذان على واحد أجزأه
ولا أحب للامام إذا أذن المؤذن الأول أن يبطئ بالصلاة ليفرغ من بعده ولكنه يخرج ويقطع من
بعده الاذان بخروج الامام (قال الشافعي) وواجب على الامام أن يتفقد أحوال المؤذنين ليؤذنوا في أول
الوقت ولا ينتظرهم بالإقامة وأن يأمرهم فيقيموا في الوقت وأحب أن يؤذن مؤذن بعد مؤذن ولا يؤذن
جماعة معا وإن كان مسجدا كبيرا له مؤذنون عدد فلا بأس أن يؤذن في كل منارة له مؤذن فيسمع من
يليه في وقت واحد وأحب أن يكون المؤذنون متطوعين وليس للامام أن يرزقهم ولا واحدا منهم وهو يجد
من يؤذن له متطوعا ممن له أمانة إلا أن يرزقهم من ماله ولا أحسب أحدا ببلد كثير الأهل يعوزه أن يجد
مؤذنا أمينا لازما يؤذن متطوعا فإن لم يجده فلا بأس أن يرزق مؤذنا ولا يرزقه من خمس الخمس
سهم النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز له أن يرزقه ممن غيره من الفئ لان لكله مالكا موصوفا (قال
الشافعي) ولا يجوز له أن يرزقه من الصدقات شئ ويحل للمؤذن أخذ الرزق إذا رزق من حيث
وصف أن يرزق ولا يحل له أخذه من غيره بأنه رزق (قال الشافعي) ولا يؤذن إلا عدل ثقة للاشراف
على غورات الناس وأماناتهم على المواقيت وإذا كان المقدم من المؤذنين بصيرا بالوقت لم أكره أن يكون
معه أعمى وإن كان الأعمى مؤذنا منفردا ومعه من يعلمه الوقت لم أكره ذلك له فإن لم يكن معه أحد
كرهته لأنه لا يبصر ولا أحب أن يؤذن أحد إلا بعد البلوغ وإن أذن قبل البلوغ مؤذن أجزأ ومن أذن من
عبد ومكاتب وحر، أجزأ. وكذلك الخصي المجبوب والأعجمي إذا أفصح بالاذان وعلم الوقت
وأحب إلي في هذا كله أن يكون المؤذنون خيار الناس ولا تؤذن امرأة ولو أذنت لرجال لم يجز عنهم أذانها
وليس على النساء أذان وإن جمعن الصلاة وإن أذن فأقمن فلا بأس ولا تجهر المراة بصوتها تؤذن في
نفسها وتسمع صواحباتها إذا أذنت وكذلك تقيم إذا أقامت وكذلك إن تركت الإقامة لم أكره لها من
تركها ما أكره للرجال وإن كنت أحب أن تقيم وأذان الرجل في بيته وإقامته سواء كان في غير بيته في
الحكاية وسواء أسمع المؤذنين حوله أو لم يسمعهم ولا أحب له ترك الاذان ولا الإقامة وإن دخل مسجدا
أقيمت فيه الصلاة أحببت له أن يؤذن ويقيم في نفسه.

(1) قوله ثم يجهر بشئ الخ كذا في الأصل ولعل فيه سقطا وتحريفا من الناسخ ووجه الكلام: ولو
كان يجهر بشئ من الاذان ويخافت بشئ منه لم تكن عليه إعادة ما خافت به لأنه، الخ. فتأمل
كتبه مصححه.
103

باب حكاية الاذان
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال أخبرني عبد العزيز
بن عبد الملك ابن أبي محذورة أن عبد الله بن محيريز أخبره وكان يتيما في حجر أبى محذورة حين جهزه
إلى الشام قال فقلت لأبي محذوره أي عم إني خارج إلى الشام وإني أخشى أن اسأل عن تأذينك
فأخبرني قال نعم قال خرجت في نفر فكنا في بعض طريق حنين فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من
حنين فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعنا صوت المؤذن ونحن متكئون فصرخنا نحكيه
ونستهزئ به فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوت فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع فأشار القوم كلهم إلى وصدقوا فأرسل كلهم
وحبسني فقال قم فأذن بالصلاة فقمت ولا شئ أكره إلى من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مما
أمرني به فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى على رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين
هو نفسه فقال قل الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن
محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال لي: ارجع وامدد من صوتك ثم قال أشهد أن لا اله
إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على
الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ثم دعاني حين
قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شئ من فضة ثم وضع يده على ناصية أبى محذورة ثم أمرها على
وجهه ثم من بين يديه ثم على كبده ثم بلغت يده سرة أبى محذورة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك
الله فيك وبارك عليك فقلت يا رسول الله مرني بالتأذين بمكة فقال قد أمرتك به فذهب كل شئ كان
لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهته وعاد ذلك كله محبة للنبي صلى الله عليه وسلم فقدمت على
عتاب ابن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال ابن جريج فأخبرني ذلك من أدركت من آل أبي محذورة على نحو مما أخبرني ابن محيريز
وأدركت إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة يؤذن كما حكى ابن محيريز (قال الشافعي) وسمعته يحدث عن أبيه عن ابن محيريز عن أبي محذورة عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى ما حكى ابن
جريج (قال الشافعي) وسمعته يقيم فيقول الله أكبر الله أكبر أشهد ان لا إله الا الله أشهد أن محمدا
رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله
إلا الله وحسبتني سمعته يحكى الإقامة خبرا كما يحكى الاذان (قال الشافعي) والأذان والإقامة كما
حكيت عن آل أبي محذورة فمن نقص منها شيئا أو قدم مؤخرا أعاد حتى يأتي بما نقص وكل شئ منه
في موضعه والمؤذن الأول والآخر سواء في الاذان ولا أحب التثويب في الصبح ولا غيرها لان أبا محذورة
لم يحك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالتثويب فأكره الزيادة في الاذان (1) وأكره التثويب
بعده.

(1) قوله وأكره التثويب بعده كذا في الام في مختصر المزني وقال في القديم يزيد في أذان
الصبح التثويب وهو الصلاة خير من النوم مرتين ورواه عن بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعن علي اه‍ قال السراج البلقيني وهذا الذي حكاه المزني عن القديم هو المعتمد في العمل والفتوى اه‍
وقد ثبت التثويب في الأول من الصبح في رواية أبى محذورة فراجعه إن شئت اه‍.
104

باب استقبال القبلة بالاذان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا أحب أن يكون المؤذن في شئ من أذانه الا مستقبل القبلة لا
تزول قدماه ولا وجهه عنها لأنه إيذان بالصلاة وقد وجه الناس بالصلاة إلى القبلة فإن زال عن القبلة
ببدنه كله أو صرف وجهه في الاذان كله أو بعضه كرهته له ولم ولا إعادة عليه وأحب أن يكون المؤذن
على طهارة الصلاة فإن أذن جنبا أو على غير وضوء كرهته له ولم يعد وكذلك آمره في الإقامة باستقبال
القبلة وأن يكون طاهرا فإن كان في الحالين كلاهما غير طاهر كرهته له وهو في الإقامة أشد لأنه يقيم
فيصلى الناس وينصرف عنهم فيكون أقل ما صنع أن عرض نفسه للتهمة بالاستخفاف وأكره أذانه جنبا
لأنه يدخل المسجد ولم يؤذن له في دخوله إلا عابر سبيل والمؤذن غير عابر سبيل مجتاز ولو ابتدأ بالاذان
طاهرا ثم انتفضت طهارته بنى على أذانه ولم يقطعه ثم تطهر إذا فرغ منه وسواء ما انتفضت به طهارته
في أن يبنى جنابة أو غيرها فإن قطعه ثم رجع بنى على أذانه ولو استأنف كان أحب إلي.
باب الكلام في الاذان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأحب المؤذن أن لا يتكلم حتى يفرغ من أذانه فإن تكلم بين
ظهراني أذانه فلا يعيد ما أذن به قبل الكلام كان ذلك الكلام ما شاء (قال الشافعي) وما كرهت له
من الكلام في الاذان كنت له في الإقامة أكره وإن تكلم في الإقامة لم يعد الإقامة ولو كان بين كلامه في
كل واحدة منها سكات طويل أحببت له أن يستأنف وإن لم يفعل فليس ذلك عليه وكذلك لو سكت
في كل واحدة منها سكاتا طويلا أحببت له استئنافه ولم أوجب عليه الاستئناف ولو أذن بعض الاذان
ثم نام أو غلب على عقله ثم انتبه أو رجع إليه عقله أحببت أن يستأنف تطاول ذلك أو قصر وإن لم
يفعل بنى على أذانه وكذلك لو أذن في بعض الاذان فذهب عقله ثم رجع أحببت أن يستأنف وإن بنى
على أذانه كان له ذلك وإن كان الذي يؤذن غيره في شئ من هذه الحالات استأنف ولم يبن علي
أذانه
قرب ذلك أو بعد فإن بنى على أذانه لم يجزه البناء عليه ولا يشبه هذه الصلاة يبنى الامام فيها على صلاة
إمام قبله لأنه يقوم في الصلاة فيتم ما عليه وهذا لا يعود فيتم الاذان بعد فراغه ولان ما ابتدأ من الصلاة
كان أول صلاته ولا يكون بأول الاذان شئ غير التكبير ثم التشهد ولو أذن بعض الاذان أو كله ثم ارتد
أحببت أن لا يترك يعود لاذان ولا يصلى بأذانه (1) ويؤم غيره فيه فيؤذن أذانا مستأنفا (2).

(1) قوله ويؤم غيره كذا في النسخ ولعله محرف عن " يقوم غيره " الخ، فانظره. كتبه مصححه.
(2) قال شيخ الاسلام السراج البلقيني رحمه الله تعالى واقتضت هذه النصوص التي رواها الربيع
في الام هنا ان الموالاة بين كلمات الاذان لا تشترط وعليه جرى العراقيون وقضية قوله في باب وقت
الاذان للصبح: ولا يكمل الاذان حتى يأتي به على الولاء، وبعد الوقت إلا في الصبح أن الولاء معتبر
وهذا أحد القولين ورجح قوم أنه لا يصح مع الفصل الطويل، والأول هو المعتمد، وهو المذكور في
هذه الترجمة التي فرعتها منها اه‍.
105

باب الرجل يؤذن ويقيم غيره
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أذن الرجل أحببت أن يتولى الإقامة بشئ يروى فيه أن من
أذن أقام وذلك والله تعالى أعلم أن المؤذن إذا عنى بالاذان دون غيره فهو أولى بالإقامة وإذا أقام غيره لم
يكن يمتنع من كراهية ذلك وإن أقام غيره أجزأه إن شاء الله تعالى.
باب الأذان والإقامة للجمع بين الصلاتين والصلوات.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه
عن جابر ابن عبد الله في حجة الاسلام قال فراح النبي صلى الله عليه وسلم إلى الموقف بعرفة فخطب
الناس الخطبة الأولى ثم أذن بلال ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة الثانية ففرغ النبي صلى
الله عليه وسلم من الخطبة وبلال من الاذان ثم أقام بلال وصلى الظهر ثمن أقام وصلى العصر أخبرنا الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن إسماعيل أو عبد الله ابن نافع عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب
عن سالم عن أبيه. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن
المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبي سعيد الخدري قال حبسنا يوم الخندق عن الصلاة
حتى كان بعد المغرب يهوى من الليل حتى كفينا وذلك قول الله عز وجل " وكفى الله المؤمنين القتال
وكان الله قويا عزيزا " فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأمره فأقام الظهر فصلاها فأحسن
صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أقام العصر فصلاها كذلك ثم أقام المغرب فصلاها كذلك ثم أقام
العشاء فصلاها كذلك أيضا (قال) وذلك قبل أن ينزل الله تعالى في صلاة الخوف " فرجالا أو ركبانا "
(قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ، وفيه دلالة على أن كل من جمع بين صلاتين في وقت الأولى منهما
أقام لكل واحدة منهما وأذن للأولى وفي الآخرة يقيم بلا آذان، وكذلك كل صلاة صلاها في غير وقتها
كما وصفت (1) (قال الشافعي) وفي أن المؤذن لم يؤذن له صلى الله عليه وسلم حين جمع بالمزدلفة
والخندق دليل على أن لو لم يجزئ المصلي أن يصلي إلا بأذان لم يدع النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمر
بالاذان وهو يمكنه (قال) وموجود في سنة النبي صلى الله عليه وسلم إن كان هذا في الاذان وكان الاذان غير
الصلاة أن يكون هذا في الإقامة هكذا لأنها غير الصلاة وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فما أدركتم
فصلوا وما فاتكم فاقضوا ومن أدرك آخر الصلاة فقد فاته أن يحضر أذانا وإقامة ولم يؤذن لنفسه ولم يقم
ولم أعلم مخالفا في أنه إذا جاء المسجد وقد خرج الامام من الصلاة كان له أن يصلي بلا أذان ولا إقامة

(1) قال شيخ الاسلام السراج البلقيني رحمه الله تعالى: هكذا في الام ومختصر المزني، وقال في
القديم: وإن نسي قوم الصلوات فأحبوا أن يجمعوا أحببت أن يؤذنوا لأول صلاة ويقيموا لكل صلاة
وقال في الاملاء وإذا جمع المسافر في منزل لا ينتظر أن يثوب الناس إليه أقام لهما جميعا ولم يؤذن
لواحدة منهما وإن جمع في منزل ينتظر أن يثوب إليه الناس أذن للأولى من الصلاتين وأقام لها وللأخرى
ولم يؤذن والمعتمد عليه في الفتوى هو أنه يؤذن للثانية كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك في
جمع التأخير يؤذن للأولى وقد صح في جمع التأخير الاذان والاقامتان اه‍.
106

فإن ترك رجل الأذان والإقامة منفردا أو في جماعة كرهت ذلك له وليست عليه إعادة ما صلى بلا أذان
ولا إقامة وكذلك ما جمع بينه وفرق من الصلوات.
باب اجتزاء المرء بأذان غيره وإقامته وإن لم يقم له
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عمارة بن غزية عن حبيب
بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن عمر بن الخطاب قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم
رجلا يؤذن للمغرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما قال فانتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى
الرجل وقد قامت الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنزلوا فصلوا فصلى المغرب بإقامة ذلك العبد
الأسود (قال الشافعي) فبهذا نأخذ ونقول يصلي الرجل بأذان الرجل لم يؤذن له وبإقامته وأذانه وإن
كان أعرابيا أو أسود أو عبدا أو غير فقيه إذا أقام الأذان والإقامة وأحب أن يكون المؤذنون كلهم خيار
الناس لاشرافهم على عوراتهم وأمانتهم على الوقت أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد
الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن يونس بن عبيد (1) عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
المؤذنون أمناء المسلمين على صلاتهم وذكر معها غيرها واستحب الاذان لما جاء فيه أخبرنا الربيع قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: الأئمة ضمناء والمؤذنون أمناء فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين.
باب رفع الصوت بالاذان
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن
أبي صعصعة عن أبيه أن أبا سعيد الخدري قال له إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو
باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك فإنه لا يسمع مدى صوتك جن ولا إنس إلا شهد لك يوم
القيامة قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فأحب رفع الصوت
للمؤذن وأحب إذا اتخذ المؤذن أن يتخذ صيتا وأن يتحرى أن يكون حسن الصوت فإنه أحرى أن يسمع
من لا يسمعه ضعيف الصوت وحسن الصوت أرق لسامعه والترغيب في رفع الصوت يدل على ترتيل
الاذان لأنه لا يقدر أحد على أن يبلغ غاية من صوته في كلام متتابع إلا مترسلا وذلك أنه إذا حذف
ورفع انقطع فأحب ترتيل الاذان وتبينه بغير تمطيط ولا تغن في الكلام ولا عجلة وأحب في الإقامة أن
تدرج إدراجا ويبينها مع الادراج (قال) وكيفما جاء بالأذان والإقامة أجزئا غير أن الاحتياط ما
وصفت.

(1) قوله عن الحسن، أي البصري، فهو من مراسيله وقد سدد هذا المرسل بالمسند الذي رواه
بعده اه‍ من هامش.
107

باب الكلام في الاذان
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات ريح يقول ألا صلوا في الرحال (قال
الشافعي) وأحب للامام أن يأمر بهذا إذا فرغ المؤذن من أذانه وإن قاله في أذانه فلا بأس عليه وإذا
تكلم بما يشبه هذا خلف الاذان من منافع الناس فلا باس ولا أحب الكلام في الاذان بما ليست فيه
للناس منفعة وإن تكلم لم يعد أذانا وكذلك إذا تكلم في الإقامة كرهته ولم يكن عليه إعادة إقامة.
باب في القول مثل ما يقول المؤذن
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن مجمع بن يحيى قال أخبرني أبو أمامة عن ابن
شهاب أنه سمع معاوية يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قال المؤذن أشهد أن لا إله
إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله وإذا قال أشهد أن محمدا رسول الله قال وأنا ثم سكت أخبرنا الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن عمه عيسى ابن طلحة قال سمعت معاوية
يحدث مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد بن
عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني عمرو بن يحيى المازني أن عيسى بن عمر أخبره عن عبد الله ابن
علقمة بن وقاص قال إني لعند معاوية إذ أذن مؤذنه فقال معاوية كما قال مؤذنه حتى إذا قال حي على
الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ولما قال حي على الفلاح قال معاوية لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال
بعد ذلك ما قال المؤذن ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك. أخبرنا الربيع قال
أخبرنا الشافعي قال وبحديث معاوية نقول وهو يوافق حديث أبي سعيد الخدري وفيه تفسير ليس في
حديث أبي سعيد (قال الشافعي) فيحب لكل من كان خارجا من الصلاة من قارئ أو ذاكر أو
صامت أو متحدث أن يقول كما يقول المؤذن وفى حي على الصلاة حي على الفلاح لا حول ولا قوة إلا
بالله ومن كان مصليا مكتوبة أو نافلة فأحب إلى أن يمضي فيها وأحب إذا فرغ أن يقول ما أمرت من
كان خارجا من الصلاة أن يقوله وإن قاله مصل لم يكن مفسدا للصلاة إن شاء الله تعالى والاختيار أن
لا يقوله.
باب جماع لبس المصلي
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل خذوا زينتكم عند كل مسجد (قال الشافعي)
فقيل والله سبحانه وتعالى أعلم أنه الثياب وهو يشبه ما قيل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلى
أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ فدل على أن ليس لأحد أن يصلى إلا لابسا إذا قدر
على ما يلبس وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل دم الحيض من الثوب، والطهارة إنما تكون في
108

الصلاة فدل على أن على المرء لا يصلى إلا في ثوب طاهر وإذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتطهير
المسجد من نجس لأنه يصلى فيه وعليه فما يصلى فيه أولى أن يطهر وقد تأول بعض أهل العلم قول الله عز
وجل وثيابك فطهر قال طهر ثيابك للصلاة وتأولها غيرهم على غير هذا المعنى والله تعالى أعلم (قال) ولا
يصلي الرجل والمرأة إلا متواري العورة (قال) وكذلك إن صليا في ثوب غير طاهر أعادا فإن صليا وهما
يقدران على مواراة عورتهما غير متواريي العورة أعادا علما حين صليا أو لم يعلما في الوقت أو غير الوقت
من أمرته بالإعادة أبدا أمرته بها بكل حال (قال الشافعي) وكل ما وارى العورة غير نجس أجزأت
الصلاة فيه (قال الشافعي) وعورة الرجل ما دون سرته إلى ركبتيه ليس سرته ولا ركبتاه من عورته وعلى
المراة ان تغطي في الصلاة كل بدتها ما عدا كفها ووجهها ومن صلى وعليه ثوب نجس أو يحمل شيئا
نجسا أعاد الصلاة وإن صلى يحمل كلبا أو خنزيرا أو خمرا أو دما أو شيئا من ميتة أو جلد ميته لم يدبغ
أعاد الصلاة وسواء قليل ذلك أو كثيرة وإن صلى هو يحمل حيا لا يؤكل لحمه غير كلب أو خنزير لم
يعد حيه كان أو غير حيه وإن كان ميتة أعاد والثياب كلها على الطهارة حتى يعلم فيها نجاسة وإن كانت
ثياب الصبيان الذين لا يتوقون النجاسة ولا يعرفونها أو ثياب المشركين كلها أو أزرهم وسراويلاتهم
وقمصهم ليس منها شئ يعيد من صلى فيه الصلاة حتى يعلم أن فيه نجاسة وهكذا البسط والأرض على
الطهارة حتى تعلم نجاسة وأحب إلى لو توقى ثياب المشركين كلها ثم ما يلي سفلتهم منها مثل الازر
والسراويلات فإن قال قائل ما دل على ما وصفت (قال الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن عامر ابن
عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يصلي وهو حامل أمامة بنت أبي العاص (قال الشافعي) وثوب أمامة ثوب صبي.
باب كيف لبس الثياب في الصلاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ (قال
الشافعي) فاحتمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على
عاتقه منه شئ " أن يكون اختيارا واحتمل أن يكون لا يجزيه غيره فلما حكى جابر ما وصفت وحكت
ميمونة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلى في ثوب واحد بعضه عليه وبعضه عليها دل ذلك
على أنه صلى فيما صلى فيه من ثوبها مؤتزرا به لأنه لا يستره أبدا إلا مؤتزرا به إذا كان بعضه على غيره
(قال الشافعي) فعلمنا أن نهيه أن يصلى في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ اختيارا وأنه يجزي
الرجل والمرأة كل واحد أن يصلى متواري العورة وعورة الرجل ما وصفت وكل المرأة عورة إلا كفيها
ووجهها وظهر قدميها عورة فإذا انكشف من الرجل في صلاته شئ مما بين سرته وركبته ومن المرأة في
صلاتها شئ من شعرها قل أو كثر ومن جسدها سوى وجهها وكفيها وما يلي الكف من موضع مفصلها
ولا يعدوه علما أم لم يعلما أعادا الصلاة معا إلا أن يكون تنكشف بريح أو سقطة ثم يعاد مكانه لا لبث
في ذلك فإن لبث بعدها قدر ما يمكنه إذا عاجله مكانه إعادته أعاد وكذلك هي (قال) ويصلى الرجل
في السراويل إذا وارى ما بين السرة والركبة والإزار أستر وأحب منه (قال) وأحب إلى أن لا يصلي إلا
109

وعلى عاتقه شئ عمامة أو غيرها ولو حبلا يضعه (1).
باب الصلاة في القميص الواحد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا العطاف بن خالد المخزومي وعبد العزيز بن محمد الراوردي عن
موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة عن سلمة بن الأكوع قال قلت يا رسول الله
إنا نكون في الصيد أفيصلي أحدنا في القميص الواحد؟ قال: نعم وليزره ولو بشوكة ولو لم يجد إلا أن
يخله بشوكة (قال الشافعي) وبهذا نقول وثياب القوم كانت صفاقا فإذا كان القميص صفيقا لا يشف
عن لابسه صلى في القميص الواحد وزره أو خله بشئ أو ربطه لئلا يتجافى القميص فيرى من الجيب
عورته أو يراها غيره فإن صلى في قميص أو ثوب معمول عمل القميص من جبة أو غيرها غير مزرور أعاد
الصلاة (قال الشافعي) وهو يخالف الرجل يصلى متوشحا التوشح مانع للعورة أن ترى ويخالف المرأة
تصلى في الدرع والخمار والمقنعة والخمار والمقنعة ساتران عورة الجيب فإن صلى الرجل في قميص غير
مزرور وفوقه عمامة أو رداء أو إزار يضم موضع الجيب حتى يمنعه من أن ينكشف أو ما دونه إلى العورة
حتى لو انكشف لم تر عورته أجزأته صلاته وكذلك إن صلى حازما فوق عورته بحبل أو خيط لان ذلك

(1) وترجم في اختلاف الحديث (الصلاة في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ) وفيه
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ
(قال الشافعي) رضي الله عنه وروى بعض أهل المدينة عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه
وسلم أمر الرجل يصلى في الثوب الواحد أن يشتمل بالثوب في الصلاة وإن ضاق اتزر به (قال
الشافعي) وهذا إجازة أن يصلى وليس على عاتقه شئ وهو يقدر بالمدينة على ثوب امرأته وعلى العمامة
والشئ يطرحه على عاتقه (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن عبد الله
بن شداد عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى في
مرط بعضه علي وبعضه عليه وأنا حائض (قال الشافعي) وليس واحد من هذين الحديثين مخالفا للآخر
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلى الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ والله أعلم اختيارا لا فرضا بالدلالة عنه صلى الله عليه وسلم بحديث جابر وأنه صلى في مرط ميمونة بعضه
عليه وبعضه على ميمونة لان بعض مرطها إذا كان عليها فأقل ما عليها منه ما يسترها مضطجعة ويصلى
النبي صلى الله عليه وسلم في بعضه قائما ويتعطل بعضها بينه وبينها أو يسترها قاعدة فيكون يحيط بها
جالسة ويتعطل بعضه بينه وبينها فلا يمكن أن يستره أبدا إلا أن يأتزر به ائتزارا وليس على عاتق
المؤتزرين في هذه الحال من الإزار شئ ولا يمكن في ثوب في دهرنا أن يأتزر به ثم يرده على عاتقيه أو
أحدهما ثم يسترها وقلما يمكن هذا في ثوب في الدنيا اليوم (قال الشافعي) وكذلك روى عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال إذا صلى أحدكم في الثوب الواحد فليتوشح به فإن لم يكفه فليأتزر به (قال
الشافعي) وإذا صلى فيما يوارى عورته أجزأته صلاته وعورته ما بين سرته وركبته وليست السرة ولا
الركبة من العورة.
110

يضم القميص حتى يمنع عورة الجيب وإن كان القميص مزرورا ودون الجيب أو حذاءه شق له عورة
كعورة الجيب لم تجزه الصلاة فيه إلا كما تجزيه في الجيب وإن صلى في قميص فيه خرق على شئ من
العورة وإن قل لم تجزه الصلاة وإن صلى في قميص يشف عنه لم تجزه الصلاة وإن صلى في قميص فيه
خرق على غير العورة ليس بواسع ترى منه العورة أجزأته الصلاة وإن كانت العورة ترى منه لم تجزه
الصلاة فيه وهكذا الخرق في الإزار يصلي فيه وأحب أن لا يصلى في القميص إلا وتحته إزار أو سراويل
أو فوقه سترة فان صلى في قميص واحد يصفه ولم يشف كرهت له ولا يتبين أن عليه إعادة الصلاة والمرأة
في ذلك أشد حالا من الرجل إذا صلت في درع وخمار يصفها الدرع وأحب إلى أن لا تصلي إلا في
جلباب فوق ذلك وتجافيه عنها لئلا يصفها الدرع
باب ما يصلى عليه مما يلبس ويبسط
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نمرة والنمرة صوف فلا بأس
أن يصلى في الصوف والشعر والوبر ويصلى عليه (قال الشافعي) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما
إهاب دبغ فقد طهر فلا بأس أن يصلى في جلود الميتة والسباع وكل ذي روح إذا دبغ إلا الكلب
والخنزير ويصلى في جلد كل ذكى يؤكل لحمه وإن لم يكن مدبوغا فأما ما لا يؤكل لحمه فذكاته وغير
ذكاته سواء لا يطهره إلا الدباغ وجلد الذكي يحل أكله وإن كان غير مدبوغ (قال) وما قطع من جلد
ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه فهو ميتة لا يطهره إلا الدباغ، وأنهى الرجال عن ثياب الحرير فمن
صلى فيها منهم لم يعد لأنها ليست بنجسة وإنما تعبدوا بترك لبسها لا أنها نجسة لان أثمانها حلال وإن
النساء يلبسنها ويصلين فيها وكذلك أنهاهم عن لبس الذهب خواتيم وغير خواتيم ولو لبسوه فصلوا فيه
كانوا مسيئين باللبس عاصين إن كانوا علموا بالنهي ولم يكن عليهم إعادة صلاة لأنه ليس من الأنجاس
الا ترى أن الأنجاس على الرجال والنساء سواء والنساء يصلين في الذهب.
باب صلاة العراة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا غرق القوم فخرجوا عراة كلهم أو سلبوا في طريق ثيابهم أو
احترقت فيه فلم يجد أحد منهم ثوبا وهم رجال ونساء، صلوا فرادى وجماعة رجالا وحدهم، قياما
يركعون ويسجدون ويقوم إمامهم وسطهم ويغض بعضهم عن بعض، وتنحى النساء فاستترن إن
وجدن سترا عنهم فصلين جماعة أمتهن إحداهن وتقوم وسطهن ويغض بعضهم عن بعض، ويركعن
ويسجدن، ويصلين قياما كما وصفت فإن كانوا في ضيق لاستر بينهم من الأرض ولين وجوههن عن
الرجال حتى إذا صلوا ولى الرجال وجوههم عنهن حتى يصلين كما وصفت وليس على واحد منهم
إعادة إذا وجد ثوبا في وقت ولا غيره وإن كان مع أحدهم ثوب أمهم إن كان يحسن يقرأ فإن لم يكن
يحسن يقرأ صلى وحده ثم أعار لمن بقي ثوبه وصلوا واحدا واحدا فإن امتنع من أن يعيرهم ثوبه فقد
أساء وتجزيهم الصلاة وليس لهم مكابرته عليه وإن كان معه نساء فان يعيره للنساء أوجب عليه ويبدأ
بهن فإذا فرغن أعار الرجال فإذا أعارهم إياه لم يسع واحدا منهم أن يصلى وانتظر صلاة غيره لا يصلى
111

حتى يصلى لابسا فإن صلى وقد أعطاه إياه عريانا أعاد خاف ذهاب الوقت أو لم يخفه وإن كان معهم
أو مع واحد منهم ثوب نجس لم يصل فيه وتجزيه الصلاة عريانا إذا كان ثوبه غير طاهر وإذا وجد ما
يوارى به عورته من ورق وشجر يخصفه عليه أو جلد أو غيره مما ليس بنجس لم يكن له أن يصلى بحال
الا متواري العورة وكذلك إن لم يجد إلا ما يوارى ذكره ودبره لم يكن له أن يصلى حتى يواريهما معا
وكذلك إن لم يجد إلا ما يوارى أحدهما لم يكن له أن يصلى حتى يوارى ما وجد إلى مواراته سبيلا وإذا
كان ما يوارى أحد فرجيه دون الآخر يوارى الذكر دون الدبر لأنه لا حائل دون الذكر يستره ودون الدبر
حائل من أليتيه وكذلك المرأة في قبلها ودبرها وإذا كان هو وامرأته عريانين أحببت إن وجد ما يواريها به
أن يواريها لان عورتها أعظم حرمة من عورته وإن استأثر بذلك دونها فقد أساء وتجزئها صلاتها وإن
مس ذكره ليستره أو مست فرجا لتستره أعاد الوضوء معا ولكن ليباشرا من وراء شئ لا يفضيان
إليه:
باب جماع ما يصلى عليه ولا يصلى من الأرض
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام (قال الشافعي) وجدت هذا الحديث في
كتابي في موضعين أحدهما منقطع والآخر عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي)
وبهذا نقول ومعقول أنه كما جاء في الحديث ولو لم يبينه لأنه ليس لأحد أن يصلى على أرض نجسة لان
المقبرة مختلطه التراب بلحوم الموتى وصديدهم وما يخرج منهم وذلك ميتة وإن الحمام ما كان مدخولا
يجرى عليه البول والدم والأنجاس (قال الشافعي) والمقبرة الموضع الذي يقبر فيها العامة وذلك كما
وصفت مختلطة التراب بالموتى وأما صحراء لم يقبر فيها لم يقبر فيها قط قبر فيها قوم مات لهم ميت ثم لم يحرك القبر فلو
صلى رجل إلى جنب ذلك القبر أو فوقه كرهته له ولم آمره يعيد لان العلم يحيط بأن التراب طاهر لم
يختلط فيه شئ وكذلك لو قبر فيه ميتان أو موتى فإن غاب أمرها عن رجل لم يكن له أن يصلى فيها
لأنها على أنها مقبرة حتى يعلم أنها ليست بمقبرة وأن يكون يحيط العلم أنه لم يدفن فيها قط قبل من دفن
فيها ولم ينبش أحد منهم لاحد والذي ينجس الأرض شيئان شئ يختلط بالتراب لا يتميز منه شئ
وشئ يتميز من التراب وما لا يختلط من التراب ولا يتميز منه متفرق فإذا كان جسدا يختلط بالتراب
ويعقل انه جسد قائم فيه كلحوم الموتى وعظامهم وعصبهم وإن كان غير موجود لغلبة التراب عليه
وكينونته كهو في الأرض التي يختلط بها هذا لا يطهر وإن أتى عليه الماء وكذلك الدم والخلاء وما في
معانيهما مما لو انفرد كان جسدا قائما ومما يزال إن كان مستجسدا فيزول وينحى فيخلو الموضع منه ما كان
تحته من تراب أو غيره بحاله وشئ يكون كالماء إذا خالط التراب نشفه أو الأرض تنشفه وذلك مثل
البول والخمر وما في معناه (قال الشافعي) والأرض تطهر من هذا بأن يصب عليه الماء حتى يصير لا
يوجد ولا يعقل فيها منه جسد ولا لون.
باب الصلاة في أعطان الإبل ومراح الغنم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبيد الله بن طلحة بن كريز عن
112

الحسن عن عبد الله ابن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أدركتكم الصلاة وأنتم في أعطان
الإبل فاخرجوا منها فصلوا فإنها جن من جن خلقت ألا ترونها إذا نفرت كيف تشمخ بآنافها وإذا
أدركتكم الصلاة وأنتم في مراح الغنم فصلوا فيها فإنها سكينة وبركة (قال الشافعي) وبهذا نأخذ ومعناه
عندنا والله أعلم على ما يعرف من مراح الغنم وأعطان الإبل أن الناس يريحون الغنم في أنظف ما يجدون
من الأرض لأنها تصلح على ذلك والإبل تصلح على الدقع من الأرض فمواضعها التي تختار من
الأرض أدفعها وأوسخها (قال الشافعي) والمراح والعطن اسمان يقعان على موضع من الأرض وإن لم
يعطن ولم يروح إلا اليسير منها فالمراح ما طابت تربته واستعملت أرضه واستذرى من مهب الشمال
موضعه والعطن قرب البئر التي تسقى منها الإبل تكون البئر في موضع والحوض قريبا منها فيصب فيه
فيملا فتسقى الإبل ثم تنحى عن البئر شيئا حتى تجد الواردة موضعا فذلك عطن ليس أن العطن مراح الإبل
التي تبيت فيه نفسه ولا المراح مراح الغنم التي تبيت فيه نفسه دون ما قاربه وفى قول النبي صلى الله عليه
وسلم لا تصلوا في أعطان الإبل فإنها جن من جن خلقت دليل على أنه إنما نهى عنها كما قال صلى الله
عليه وسلم حين نام عن الصلاة: اخرجوا بنا من هذا الوادي فإنه واد به شيطان فكره أن يصلى في
قرب الشيطان فكان يكره أن يصلى قرب الإبل لأنها خلقت من جن لا لنجاسة موضعها وقال في الغنم
هي من دواب الجنة فأمر أن يصلى في مراحها يعنى - والله تعالى أعلم - في الموضع الذي يقع عليه اسم
مراحها الذي لا بعر فيه ولا بول (قال) ولا يحتمل الحديث معنى غيرهما وهو مستغن بتفسير حديث
النبي صلى الله عليه وسلم والدلائل عنه عن بعض هذا الايضاح (قال) فمن صلى على موضع فيه بول أو
بعر الإبل أو غنم أو ثلط البقر أو روث الخيل أو الحمير فعليه الإعادة لان هذا كله نجس ومن صلى قربه
فصلاته مجزئة عنه وأكره له الصلاة في أعطان الإبل وإن لم يكن فيها قذر لنهى النبي صلى الله عليه
وسلم عنه فإن صلى أجزأه لان النبي صلى الله عليه وسلم صلى فمر به شيطان فخنقه حتى وجد برد لسانه
على يده فلم يفسد ذلك صلاته وفى هذا دليل على أن نهيه أن يصلى في أعطان الإبل لأنها جن لقوله:
اخرجوا بنا من هذا الوادي فإنه واد به شيطان اختيار وليس يمتنع من أن تكون الجن حيث شاء الله من
المنازل ولا يعلم ذلك أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) مع أن الإبل نفسها إنما
تعمد في البروك إلى أدقع مكان تجده وإن عطنها وإن كان غير دقع فحصته بمباركها وتمرغها حتى تدقعه
أو تقربه من الادقاع وليس ما كان هكذا من مواضع الاختيار من النظافة للمصليات فإن قال قائل
فلعل أبوال الإبل وما أكل لحمه وأبعاره لا تنجس فلذلك أمر بالصلاة في مراح الغنم قيل فيكون إذا
نهيه عن الصلاة في أعطان الإبل لان أبوالها وأبعارها تنجس ولكنه ليس كما ذهبت إليه ولا يحتمله
الحدث (قال الشافعي) فإن ذهب ذاهب إلى أن أبوال الغنم ليست بنجسة لان لحومها تؤكل قيل
فلحوم الإبل تؤكل وقد نهى عن الصلاة في أعطانها فلو كان معنى أمره صلى الله عليه وسلم بالصلاة في
مراحها على أن أبوالها حلال لكانت أبوال الإبل وأبعارها حراما ولكن معناه إن شاء الله عز وجل على
ما وصفنا.
باب استقبال القبلة
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال قال الله عز وجل " وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها
113

في ظلمات البر والبحر " وقال " وعلامات وبالنجم هم يهتدون " وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم " ومن
حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره " (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى فنصب الله عز وجل لهم البيت والمسجد فكانوا إذا رأوه فعليهم استقبال البيت لان
رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى مستقبله والناس معه حوله من كل جهة ودلهم بالعلامات التي خلق
لهم والعقول التي ركب فيهم على قصد البيت الحرام وقصد المسجد الحرام وهو قصد البيت الحرام
فالفرض على كل مصلى فريضة أو نافلة أو على جنازة أو ساجد لشكر أو سجود قرآن أن يتحرى استقبال
البيت إلا في حالين أرخص الله تعالى فيهما سأذكرهما إن شاء الله تعالى.
كيف استقبال البيت
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى واستقبال البيت وجهان فكل من كان يقدر على رؤية البيت ممن
بمكة في مسجدها أو منزل منها أو سهل أو جبل فلا تجزيه صلاته حتى يصيب استقبال البيت لأنه
يدرك صواب استقباله بمعاينته وإن كان أعمى وسعه أن يستقبل به غيره البيت ولم يكن له أن يصلي وهو
لا يرى البيت بغير أن يستقبله به غيره فإن كان في حال لا يجد أحدا يستقبله به صلى وأعاد الصلاة لأنه
على غير علم من أنه أصاب استقبال القبلة إذا غاب عنه بالدلائل التي جعلها الله من النجوم والشمس
والقمر والجبال والرياح وغيرها مما يستدل به أهل الخبرة على التوجه إلى البيت وإن كان بصيرا وصلى في
ظلمة واجتهد في استقبال القبلة فعلم أنه أخطأ استقبالها لم يجزه إلا أن يعيد الصلاة لأنه يرجع من ظن
إلى إحاطة وكذلك إن كان أعمى فاستقبل به رجل القبلة ثم علم بخبر من يثق به أنه أخطأ به استقبال
القبلة أعاد الصلاة وإن صلى في ظلمة حائلة دون رؤية البيت فاستقبل القبلة في ظلمة أو استقبل به
وهو أعمى ثم شكا أنهما قد أخطأ الكعبة لم يكن عليهما إعادة وهما على الصواب إذا حيل دون رؤية
البيت حتى يعلما أن قد أخطأ فيعيدان معا (قال الشافعي) ومن كان في موضع من مكة لا يرى منه
البيت أو خارجا عن مكة فلا يحل له أن يدع كلما أراد المكتوبة أن يجتهد في طلب صواب الكعبة
بالدلائل من النجوم والشمس والقمر والجبال ومهب الريح وكل ما فيه عنده دلالة على القبلة وإذا كان
رجال خارجون من مكة فاجتهدوا في طلب القبلة فاختلف اجتهادهم لم يسع أحدا منهم أن يتبع
اجتهاد صاحبه وإن رآه أعلم بالاجتهاد منه حتى يدله صاحبه على علامة يرى هو بها أنه قد أخطأ
باجتهاده الأول يرجع إلى ما رآى هو لنفسه آخر إلى اتباع اجتهاد غيره ويصلى كل واحد منهم على جهته
التي رأى أن القبلة فيها ولا يسع واحدا منهم أن يأتم بواحد إذا حالف اجتهاده اجتهاده (قال) فإذا كان
فيهم أعمى لم يسعه أن يصلي إلى حيث رأى أن قد أصاب القبلة لأنه لا يرى شيئا ووسعه ان يصلي
حيث رأى له بعضهم فإن اختلفوا عليه تبع آمنهم عنده وأبصرهم وإن خالفه غيره (قال) وإن صلى
الأعمى برأي نفسه (1) أو منفردا كان في السفر وحده أو هو وغيره كانت عليه إعادة كل ما صلى برأي
نفسه لأنه لا رأى له (قال الشافعي) وكل من دله على القبلة من رجل أو امرأة أو عبد من المسلمين

(1) قوله أو منفردا كان في السفر الخ كذا في النسخ ولعل فيه سقطا أو زيادة من الناسخ فتأمله
كتبه مصححه.
114

وكان بصيرا وسعه أن يقبل قوله إذا كان يصدقه وتصديقه أن لا يرى أنه كذبه (قال) ولا يسعه أن يقبل
دلالة مشرك وإن رأى أنه قد صدقه لأنه ليس في موضع أمانة على القبلة (قال الشافعي) وإذا أطبق
الغيم ليلا أو نهارا لم يسع رجلا الصلاة إلا مجتهدا في طلب القبلة إما بجبل وإما ببحر أو بموضع شمس
إن كان يرى شعاعا أو قمر إن كان يرى له نورا أو موضع نجم أو مهب ريح أو ما أشبه هذا من الدلائل
وأي هذا كان إذا لم يجد غيره أجزأه فإن غمي عليه كل هذا فلم يكن له فيه دلالة صلى على الأغلب
عنده وأعاد تلك الصلاة إذا وجد دلالة وقلما يخلو أحد من الدلالة وإذا خلا منها صلى على الأغلب
عنده وأعاد الصلاة وهكذا إن كان أعمى منفردا أو محبوسا في ظلمة أو دخل في حال لا يرى فيها
دلالة صلى على الأغلب عنده وكانت عليه الإعادة ولا تجزيه صلاة إلا بدلالة على وقت وقبلة من نفسه
أو غيره إن كان لا يصل إلى رؤية الدلالة.
فيمن استبان الخطأ بعد الاجتهاد
أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ
آتاهم آت فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة
فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة (قال الشافعي) وإذا غاب المرء عن البيت
والمسجد الحرام الذي فيه البيت فاجتهد فرأى القبلة في موضع فلم يدخل في الصلاة حتى رآها في
موضع آخر صلى حيث رأى آخرا ولم يسعه أن يصلى حيث رأى أولا وعليه اجتهاده حتى يدخل في
الصلاة (قال) ولو افتتح الصلاة على اجتهاده ثم رأى القبلة في غيره فهذان وجهان أحدهما إن كانت
قبلته مشرقا فغمت السماء سحابة أو أخطأ بدلالة ريح أو غيره ثم تجلت الشمس أو القمر أو النجوم فعلم
أنه صلى مشرقا أو مغربا لم يعتد بما مضى من صلاته وسلم واستقبل القبلة على ما بان له لأنه على يقين
من الخطأ في الأمر الأول فان الكعبة في خلاف الموضع الذي صلى إليه فهو إن لم يرجع إلى يقين
صواب عين الكعبة فقد رجع إلى يقين صواب جهتها وتبين خطأ جهته التي صلى إليها فحكمه حكم من
صلى حيث يرى البيت مجتهدا ثم علم أنه أخطأ (قال) وكذلك إذا ترك الشرق كله واستقبل ما بين
المشرق والمغرب وعلى كل من أخطأ يقينا أن يرجع إليه ويقين الخطأ يوجد بالجهة وليس على من أخطأ
غير يقين عين أن يرجع إليه ومن رأى أنه تحرف وهو مستيقن الجهة فالتحرف لا يكون يقين خطأ وذلك
أن يرى أنه قد أخطأ قريبا مثل أن تكون قبلته شرقا فاستقبل الشرق ثم رأى قبلته منحرفة عن جهته التي
استقبل يمينا أو يسارا وتلك جهة واحدة مشرقة لم يكن عليه إن صلى أن يعيد ولا إن كان في صلاة أن
يلغي ما مضى منها وعليه أن ينحرف إلى اجتهاده الآخر فيكمل صلاته لأنه لم يرجع من يقين خطأ إلى
يقين صواب جهة ولا عين وإنما رجع من اجتهاده بدلالة إلى اجتهاد بمثلها يمكن فيه أن يكون اجتهاده
الأول أصوب من الآخر غير أنه إنما كلف أن يكون في كل صلاته حيث يدله اجتهاده على القبلة
(قال) وهكذا إن رأى بعد الاجتهاد الثاني وهو في الصلاة أنه انحرف قليلا ينحرف إلى حيث يرى
تكمل صلاته واعتد بما مضى فإن كان معه أعمى انحرف الأعمى بتحرفه ولا يسعه غير ذلك وكذلك
في الموضع الذي تنتقض فيه صلاته بيقين خطأ القبلة تنتقض صلاة الأعمى معه إذا أعلمه فإن لم
يعلمه ذلك في مقامه فأعلمه إياه بعد أعاد الأعمى وإن اجتهد بصير فتوجه ثم عمى بعد التوجه فله أن
115

يمضى على جهته فإن استدار عنها بنفسه أو أداره غيره قبل أن تكمل صلاته فعليه أن يخرج من صلاته
ويستقبل لها اجتهادا بغيره فإن لم يجد غيره صلاها وأعادها متى وجد مجتهدا بصيرا غيره وإن اجتهد
مجتهد أو جماعة فرأوا القبلة في موضع فصلوا إليها جماعة وأبصر من خلف الامام أن قد أخطأ وأن القبلة
منحرفة عن موضعه الذي توجه إليه انحرافا قريبا انحرف إليه فصلى لنفسه فإن كان يرى أن الرجل إذا
كان خلف الامام ثم خرج من إمامة الامام قبل أن يكمل الامام صلاته وصار إماما لنفسه فصلاته مجزية
عنه بنى على صلاته وإن كان يرى أنه مذ خرج إلى إمامة نفسه قبل فراغ الامام من الصلاة فسدت
صلاته عليه استأنف والاحتياط أن يقطع الصلاة ويستقبل حيث رأى القبلة (قال) وهكذا كل من
خلفه من أول صلاته وآخرها ما لم يخرجوا من الصلاة فإن كان الامام رأى القبلة منحرفة عن حيث
توجه توجه إلى حيث رأى ولم يكن لاحد ممن وراءه أن يتوجه بتوجهه إلا أن يرى مثل رأيه فمن حدث
له منهم مثل رأيه توجه بتوجهه ومن لم ير مثل رأيه خرج من إمامته وكان له أن يبنى على صلاته منفردا
وإنما خالف بين هذا والمسألة الأولى أن الامام أخرج نفسه في هذه المسألة من إمامتهم فلا يفسد ذلك
صلاتهم بحال ألا ترى أنه لو أفسد صلاة نفسه أو انصرف لرعاف أو غيره بنوا لأنه مخرج نفسه من
الإمامة لا هم وفى المسألة الأولى مخرجون أنفسهم من إمامته لا هو قال والقياس أن لا يكون للأولين
بكل حال أن يبنوا على صلاتهم معه لان عليهم أن يفعلوا ما فعلوا وعليه أن يفعل ما فعل فثبوته على ما
فعل قد يكون إخراجا لنفسه من الإمامة وبه أقول وإذا اجتهد الرجل في القبلة فدخل في الصلاة ثم
شك ولم ير القبلة في غير اجتهاده الأول مضى على صلاته لأنه على قبلة ما لم ير غيرها والإمام والمأموم
في هذا سواء وإذا اجتهد بالأعمى فوجهه للقبلة فرأى القبلة في غير الجهة التي وجه لها لم يكن له أن
يستقبل حيث رأى لأنه لا رأى له وإن قال له غيره قد أخطأ بك الذي اجتهد لك فصدقه انحرف إلى
حيث يقول له غيره وما مضى من صلاته مجزئ عنه لأنه اجتهد به من له قبول اجتهاده (قال) وإذ
حبس الرجل في ظلمة وحيث لا دلالة بوجه من الوجوه ولا دليل يصدقه فهو كالأعمى يتأخى ويصلى
على أكثر ما عنده ويعيد كل صلاة صلاها بلا دلالة وقد قيل يسع البصير إذا عميت عليه الدلالة
اجتهاده غيره فإن أخطأ به المجتهد له القبلة فدله على جهة مشرقة والقبلة مغربة أعاد كل ما صلى وإن رأى
أنة أخطأ به قريبا منحرفا أحببت أن يعيد وإن لم يفعل فليس عليه إعادة لان اجتهاده في حاله تلك له
إذا صدقه كاجتهاده كان لنفسه إذا لم يكن له سبيل إلى دلالة (قال الشافعي) وهو يفارق الأعمى في
هذا الموضع فلو أن بصيرا اجتهد لأعمى ثم قال له غيره قد أخطأ بك فشرق والقبلة مغربة فلم يدر لعله
صدق لم يكن عليه إعادة لان خبر الأول كخبر الآخر إذا كانا عنده من أهل الصدق وأيهما كان عنده
من أهل الكذب لم يقبل منه (قال) والبصير إنما يصلي بيقين أو اجتهاد نفسه ولو صلى رجل شاك لا
يرى القبلة في موضع بعينه أعاد ولا تجزئه الصلاة حتى يصلى وهو يرى القبلة في موضع بعينه وكذلك لو
اشتبه عليه موضعان فغلب عليه أن القبلة في أحدهما دون الآخر فصلى حيث يراها فإن صلى ولا يغلب
عليه واحد منهما أعاد وكذلك لو افتتح على هذا الشك ثم رآها حيث افتتح فمضى على صلاته أعاد لا
تجزئه حتى يفتتحها حيث يراها.
باب الحالين اللذين يجوز فيهما استقبال غير القبلة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى الحالان اللذان يجوز فيهما استقبال غير القبلة قال الله عز وجل
116

" وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة " إلى " فلتقم طائفة منهم معك "
الآية قال فأمرهم الله خائفين محروسين بالصلاة فدل ذلك على أنه أمرهم بالصلاة للجهة التي وجههم
لها من القبلة وقال الله عز وجل " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " إلى ركبانا فدل إرخاصه في
أن يصلوا رجالا وركبانا على أن الحال التي أذن لهم فيها بأن يصلوا رجالا وركبانا من الخوف غير الحال
الأولى التي أمرهم فيها أن يحرس بعضهم بعضا فعلمنا أن الخوفين مختلفان وأن الخوف الآخر الذي أذن
لهم فيه أن يصلوا رجالا وركبانا لا يكون إلا أشد من الخوف الأول وذلك على أن لهم أن يصلوا حيث
توجهوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها في هذه الحال وقعودا على الدواب وقياما على الاقدام ودلت على
ذلك ألسنة أخبرنا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال يتقدم الامام
وطائفة ثم قص الحديث وقال ابن عمر في الحديث فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا
مستقبلي القبلة وغير مستقبليها قال مالك قال نافع ما أرى عبد الله ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأخبرنا عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه (قال الشافعي) ولا يجوز في صلاة
مكتوبة استقبال غير القبلة إلا عند إطلال العدو على المسلمين وذلك عند المسايفة وما أشبهها ودنو
الزحف من الزحف فيجوز أن يصلوا الصلاة في ذلك الوقت رجالا وركبانا فإن قدروا على استقبال
القبلة وإلا صلوا مستقبلي حيث يقدرون وإن لم يقدروا على ركوع ولا سجود أومؤوا إيماء وكذلك إن
طلبهم العدو فأطلوا عليهم صلوا متوجهين على دوابهم يومئون إيماء ولا يجوز لهم في واحد من الحالين أن
يصلوا على غير وضوء ولا تيمم ولا ينقصون من عدد الصلاة شيئا ويجوز لهم أن يصلوا بتيمم وإن كان
الماء قريبا لأنه محول بينهم وبين الماء وسواء أي عدو أطل عليهم أكفار أم لصوص أم أهل بغى أم سباع
أم فحول إبل لان كل ذلك يخاف إتلافه وإن طلبهم العدو فنأوا عن العدو حتى يمكنهم أن ينزلوا بلا
خوف أن يرهقوا لم يكن إلا النزول والصلاة بالأرض إلى القبلة وإن خافوا الرهق صلوا ركبانا وإن صلوا
ركبانا يومئون ببعض الصلاة ثم أمنوا العدو كان عليهم أن ينزلوا فيصلوا ما بقي من الصلاة مستقبلي
القبلة وأحب إلي لو استأنفوا الصلاة بالأرض وليس لهم أن يقصروا الصلاة في شئ من هذه الحالات
إلا أن يكونوا في سفر يقصر في مثله الصلاة فإن كان المسلمون طالبي العدو فطلبوهم طلبا لم يأمنوا
رجعة العدو عليهم فيه صلوا هكذا وإن كانوا إذا وقفوا عن الطلب أو رجعوا أمنوا رجعتهم لم يكن لهم
إلا أن ينزلوا فيصلوا ويدعوا الطلب فلا يكون لهم أن يطلبوهم ويدعو الصلاة بالأرض إذا أمكنهم لان
الطلب نافلة فلا تترك لها الفريضة وإنما يكون ما وصفت من الرخصة في الصلاة في شدة الخوف
ركبانا وغير مستقبلي القبلة إذا كان الرجل يقاتل المشركين أو يدفع عن نفسه مظلوما ولا يكون هذا لفئة
باغية ولا رجل قاتل عاصيا بحال وعلى من صلاها كذا وهو ظالم بالقتال إعادة كل صلاة صلاها بهذه
الحال وكذلك إن خرج يقطع سبيل أو يفسد في الأرض فخاف سبعا أو جملا صائلا صلى يومئ
وأعاد إذا أمن ولا رخصة عندنا لعاص إذا وجد السبيل إلى أداء الفريضة بحال:
الحال الثانية التي يجوز فيها استقبال غير القبلة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن للمسافر إذا تطوع
راكبا أن يصلى راكبا حيث توجه (قال) وإذا كان الرجل مسافرا متطوعا راكبا صلى النوافل حيث
117

توجهت به راحلته وصلاها على أي دابة قدر على ركوبها حمارا أو بعيرا أو غيره وإذا أراد الركوع أو
السجود أومأ إيماء وجعل السجود أخفض من الركوع وليس له أن يصلى إلى غير القبلة مسافرا ولا مقيما
إذا كان غير خائف صلاة وجبت عليه بحال مكتوبة في وقتها أو فائتة أو صلاة نذر (1) أو صلاة طواف
أو صلاة على جنازة (قال) وبهذا فرقنا بين الرجل يوجب على نفسه الصلاة قبل الدخول فيها فقلنا لا
يجزيه فيها إلا ما يجزيه في المكتوبات من القبلة وغيرها وبين الرجل يدخل في الصلاة متطوعا ثم زعمنا
أنه غلط من زعم أنه إذا دخل فيها بلا إيجاب لها فحكمها حكم الواجب وهو يزعم كما نزعم أنه لا
يصلي واجبا لنفسه إلا واجبا أوجبه على نفسه مسافرا إلا إلى القبلة وأن المتطوع يصلى إلى غير القبلة.
أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على
راحلته في السفر حيثما توجهت به أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن
ابن عمر أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على حمار وهو متوجه إلى خيبر (قال
الشافعي) يعنى النوافل أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى وهو على راحلته النوافل في كل جهة أخبرنا محمد بن إسماعيل
عن ابن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بنى
أنمار كان يصلى على راحلته متوجها قبل المشرق وإذا كان المسافر ماشيا لم يجزه أن يصلى حتى يستقبل
القبلة فيكبر ثم ينحرف إلى جهته فيمشي فإذا حضر ركوعه لم يجزه في الركوع ولا في السجود إلا أن
يركع ويسجد بالأرض لأنه لا مؤنة عليه في ذلك كما على الراكب (قال) وسجود القرآن والشكر
والوتر وركعتا الفجر نافلة فللراكب أن يومئ به إيماء وعلى الماشي أن يسجد به إذا أراد السجود ولا
يكون للراكب في مصر أن يصلى نافلة إلا كما يصلى المكتوبة إلى قبلة وعلى الأرض وما تجزيه الصلاة
عليه في المكتوبة لان أصل فرض المصلين سواء إلا حيث دل كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه أرخص لهم (قال) وسواء قصير السفر وطويله إذا خرج من المصر مسافرا يصلى حيث
توجهت به راحلته متطوعا كما يكون له التيمم في قصير السفر وطويله لأنه يقع على كل اسم سفر
وكذلك لو ركب محملا أو حمارا أو غيره كأنه له أن يصلى حيث توجهت به مركبه وإن افتتح الصلاة
متطوعا راكبا مسافرا ثم دخل المصر لم يكن له أن يمضى على صلاته بعد أن يصير إلى مصره ولا موضع
مقام له فكان عليه أن ينزل فيركع ويسجد بالأرض وكذلك إذا نزل في قرية أو غيرها لم يكن له أن
يمضى على صلاته وإن مر بقرية في سفره ليست مصره ولا يريد النزول بها فهي من سفره وله أن يمضى
فيها مصليا على بعيره وإن نزل في سفره منزلا في صحراء أو قرية فسواء ولا يكون له أن يصلى إلا على
الأرض كما يصلي المكتوبة وإن افتتح الصلاة على الأرض ثم أراد الركوب لم يكن له ذلك إلا أن يخرج
من الصلاة التي افتتح بإكمالها بالسلام فإن ركب قبل أن يكملها فهو قاطع لها ولا يكون متطوعا على
البعير حتى يفتتح على البعير صلاة بعد فراقه النزول وكذلك إذا خرج ماشيا وإن افتتح الصلاة على
الأرض مسافرا فأراد ركوب البعير لم يكن ذلك له حتى يركع ويسجد ويسلم فإن فعل قبل أن يصلى
ويسلم قطع صلاته وكذلك لو فعل ثم ركب فقرأ ثم نزل فسجد بالأرض كان قاطعا لصلاته لان ابتداء

(1) قوله أو صلاة طواف، كذا هو في جميع النسخ، والمعروف في كتب المذهب أن ركعتي
الطواف سنة لا واجب فانظر. كتبه مصححه.
118

الركوب عمل يطول ليس له أن يعمله في الصلاة ولو افتتح الصلاة راكبا فأراد النزول قبل أن يكمل
الصلاة وأن يكون في صلاته كان ذلك له لان النزول أخف في العمل من الركوب وإذا نزل ركع على
الأرض وسجد لا يجزيه غيره فإذا نزل ثم ركب قطع الصلاة بالركوب كما وصفت بأنه كان عليه إذا نزل
ان يركع ويسجد على الأرض وإذا افتتح الصلاة راكبا أو ماشيا فإن انحرفت به طريقه كان له أن
ينحرف وهو في الصلاة وإن انحرفت عن جهته حتى يوليها قفاه كله بغير طريق يسلكها فقد أفسد
صلاته إلا أن تكون القبلة في الطريق التي انحرف إليها ولو غبته دابته أو نعس فولى طريقه قفاه إلى غير
قبلة فان رجع مكانه بنى على صلاته وإن تطاول ساهيا ثم ذكر مضى على صلاته وسجد للسهو وإن
ثبت (1) وهو لا يمكنه أن ينحرف ذاكرا لأنه في صلاة فلم ينحرف فسدت صلاته وإذا ركب فأراد
افتتاح الصلاة حيث توجهت به راحلته لم يكن عليه تأخي القبلة لان له أن يتعمد أن يجعل قبلته حيث
توجه مركبه فإن افتتاح الصلاة وبعيره واقف قبل القبلة منحرفا عن طريقه افتتحها على القبلة ومضى
على بعيره وإن افتتحها وبعيره واقف على غير القبلة لم يكن له ذلك ولا يفتتحها إلا وبعيره متوجه إلى
قبلة أو إلى طريقه حيث يفتتحها فأما وهو واقف على غير القبلة فلا يكون له أن يفتتح الصلاة وليس
لراكب السفينة (2) ولا الرمث ولا شئ مما يركب في البحر أن يصلى نافلة حيث توجهت به السفينة
ولكن عليه أن ينحرف إلى القبلة وإن غرق فتعلق بعود صلى على جهته يومئ ايماء ثم أعاد كل مكتوبة
صلاها بتلك الحال إذا صلاها إلى غير قبلة ولم يعد؟ ما صلى إلى قبله بتلك الحال فإن قال قائل كيف
يومى ولا يعيد للضرورة ويصلى منحرفا عن القبلة للضرورة فيعيد قيل لأنه جعل للمريض ان يصلى
كيف أمكنه ولم يجعل له أن يصلى إلى غير قبلة مكتوبة بحال.
باب الصلاة في الكعبة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم دخل الكعبة ومعه بلال وأسامة وعثمان بن طلحة قال ابن عمر فسألت بلالا ما صنع رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الكعبة قال جعل عمودا عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه ثم
صلى قال وكان البيت على ستة أعمدة يومئذ (قال الشافعي) فيصلى في الكعبة النافلة والفريضة وأي
الكعبة استقبل الذي يصلى في جوفها فهو قبلة كما يكون المصلي خارجا منها إذا استقبل بعضها كان قبلته
ولو استقبل بابها فلم يكن بين يديه شئ من بنيانها يستره لم يجزه وكذلك إن صلى وراء ظهرها فلم يكن
بين يديه من بنيانها شئ يستره لم يجزه حينئذ (3) لان بناء الكعبة ليس بين يديه شئ يستره وإن بنى
فوقها ما يستر المصلى فصلى فوقها أجزأته صلاته وإذا جاز أن يصلى الرجل فيها نافلة جاز أن يصلى

(1) قوله وهو لا يمكنه الخ كذا في النسخ ولعل " لا " زائدة من الناسخ فتأمل كتبه مصححه.
(2) قوله ولا الرمث، الرمث بالتحريك خشب يضم بعضه إلى بعض ويركب في البحر اه‍
قاموس.
(3) قوله لان بناء الكعبة ليس بين يديه شئ يستره، كذا في النسخ ولعل الرابط سقط من قلم
الناسخ والأصل ليس بين يديه شئ منه يستره. فتأمل كتبه مصححه:
119

فريضة ولا موضع أطهر منها ولا أولى بالفصل إلا أنا نحب أن يصلى في الجماعة والجماعة خارج منها فأما
الصلاة الفائتة فالصلاة فيها أحب إلي من الصلاة خارجا منها وكل ما قرب منها كان أحب إلى مما
بعد (1)
باب النية في الصلاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فرض الله عز وجل الصلوات وأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم
عدد كل واحدة منهن ووقتها وما يعمل فيهن وفى كل واحدة منهن وأبان الله عز وجل منهن نافلة وفرضها

(1) قوله كان يستقبل الخارج الخ. كذا في النسخة، ولعله محرف، وأصله " كما يستقبل، أو كما
كان يستقبل الخ ". فتأمل كتبه مصححه.
120

فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم " ومن الليل فتهجد به نافلة لك " ثم أبان ذلك رسول الله صلى الله عليه
وسلم فكان بينا والله تعالى أعلم إذا كان من الصلاة نافلة وفرض وكان الفرض منها مؤقتا أن لا تجزى عنه
صلاة إلا بأن ينويها مصليا (قال الشافعي) وكان على المصلى في كل صلاة واجبة أن يصليها متطهرا
وبعد الوقت ومستقبلا للقبلة وينويها بعينها ويكبر فان ترك واحدة من هذه الخصال لم تجزه صلاته (قال
الشافعي) والنية لا تقوم مقام التكبير ولا تجزيه النية إلا أن تكون مع التكبير لا تتقدم التكبير ولا تكون
بعده فلو قام إلى الصلاة بنية ثم عزبت عليه النية بنسيان أو غيره ثم كبر وصلى لم تجزه هذه الصلاة
وكذلك لو نوى صلاة بعينها ثم عزبت عنه نية الصلاة التي قال لها بعينها وثبتت نيته على أداء صلاة عليه
في ذلك الوقت إما صلاة في وقتها وإما صلاة فائتة لم تجزه هذه الصلاة لأنه لم ينوها بعينها وهي لا تجزيه
حتى ينويها بعينها لا يشك فيها ولا يخلط بالنية سواها وكذلك لو فاتته صلاة لم يدر أهي الظهر أو العصر
فكبر ينوى الصلاة الفائتة لم تجز عنه لأنه لم يقصد بالنية قصد صلاة بعينها (قال الشافعي) ولهذا قلنا إذا
فاتت الرجل صلاة لم يدر أي صلاة هي بعينها صلى الصلوات الخمس ينوى بكل واحدة منهن الصلاة
الفائتة له ولو فاتته صلاتان يعرفهما فدخل في إحداهما بنية ثم شك فلم يدر أيتها نوى وصلى لم تجزه هذه
الصلاة عن واحدة منها ولا تجزه الصلاة حتى يكون على يقين من التي نوى (قال الشافعي) ولو دخل
في الصلاة بعينها بنية ثم عزبت عنه النية فصلى الصلاة أجزأته لأنه دخلها والنية مجزئة له وعزوب النية لا
يفسدها إذا دخلها وهي مجزئة عنه إذا لم يصرف النية عنها ولو أن رجلا دخل في صلاة بنية ثم صرف
النية إلى صلاة غيرها أو صرف النية إلى الخروج منها وإن لم يخرج منها ثم أعاد النية إليها فقد فسدت
عليه وساعة يصرف النية عنها تفسد عليه ويكون عليه إعادتها وكذلك لو دخلها بنية ثم حدت نفسه
أيعمل فيها أم يدع؟ فسدت عليه إذا أزال نيته عن المضي عليها بحال وليس كالذي نوى ثم عزبت نيته
ولم يصرفها إلى غيره لأنه ليس عليه ذكر النية في كل حين فيها إذا دخل بها ولو كان مستيقنا أنه دخلها
بنية ثم شك هل دخلها بنية أم لاثم تذكر قبل أن يحدث فيها عملا أجزأته والعمل فيها قراءة أو ركوع أو
سجود ولو كان شكه هذا وقد سجد فرفع رأسه فسجد فيها كان هذا عملا وإذا عمل شيئا من عملها
وهو شاك في نيته أعاد الصلاة وإن ذكر قبل أن يعمل بعملها شيئا أجزأته الصلاة ولو دخل الصلاة بنية
ثم صرف النية إلى صلاة غيرها نافلة أو فريضة فتمت نيته على الصلاة التي صرفها إليها لم تجز عنه
الصلاة الأولى التي دخل فيها ينويها لأنه صرف النية عنها إلى غيرها ولا تجزيه الصلاة التي صرف إليها
النية لأنه لم يبتدئها وإن نواها ولو كبر ولم ينو صلاة بعينها ثم نواها لم تجزه لأنه قد دخل في صلاة لم
يقصد قصدها بالنية ولو فاتته ظهر وعصر فدخل في الظهر ينوى بها الظهر والعصر لم تجزه صلاته عن
واحدة منها لأنه لم يحض النية للظهر ولا العصر ولو فاتته صلاة لا يدرى أي صلاة هي فكبر ينويها لم
تجزه حتى ينويها بعينها.
باب ما يدخل به في الصلاة من التكبير
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد ابن سالم عن سفيان بن سعيد الثوري عن
عبد الله بن محمد ابن عقيل عن محمد بن الحنيفة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم (قال الشافعي) فمن أحسن التكبير لم يكن داخلا
121

في الصلاة إلا بالتكبير نفسه والتكبير الله أكبر ولا يكون داخلا بغير التكبير نفسه ولو قال الله الكبير الله
العظيم أو الله الجليل أو الحمد لله أو سبحان الله أو ما ذكر الله به لم يكن داخلا في الصلاة إلا بالتكبير
نفسه وهو الله أكبر ولو قال الله أكبر من كل شئ وأعظم والله أكبر كبيرا فقد كبر وزاد شيئا فهو داخل
في الصلاة بالتكبير والزيادة نافلة وكذلك إن قال الله الأكبر وهكذا التكبير وزيادة الألف واللام لا
تحيل معنى التكبير ومن لم يحسن التكبير بالعربية كبر بلسانه ما كان وأجزأه وعليه أن يتعلم التكبير والقرآن
والتشهد بالعربية فإن علم لم تجزه صلاته إلا بأن يأتي به بالعربية (قال الشافعي) ولو أن رجلا عرف
العربية وألسنة سواها فأتى بالتكبير نفسه بغير العربية لم يكن داخلا في الصلاة إنما يجزيه التكبير بلسانه
ما لم يحسنه بالعربية فإذا أحسنها لم يجزه التكبير إلا بالعربية (قال الشافعي) فمن قال كلمة مما وصفت أنه
لا يكون داخلا بها في الصلاة أو أغفل التكبير فصلى فأتى على جميع عمل الصلاة منفردا أو إماما أو
مأموما أعاد الصلاة وان ذكر بعدما يصلى ركعة أو ركعتين أنه لم يكبر أبتدأ التكبير مكانه ينوى به تكبيرة
الافتتاح وألغى ما مضى من صلاته لأنه لم يكن في صلاة وكان حين كبر داخلا في الصلاة ولا أبالي أن
لا يسلم لأنه لم يكن في صلاة وسواء كان يصلى وراء إمام أو منفردا فإن كان منفردا فهو الاستئناف ولا
يزول من موضعه إن شاء وإن زال فلا شئ عليه وإن كان مأموما فكذلك يبتدئ التكبير ثم يكون
داخلا في الصلاة من ساعته التي كبر فيها ولا يمضى في صلاة لم يدخل فيها إذا لم يكبر للدخول فيها
(قال الشافعي) فإن كان مأموما فأدرك الامام قبل أن يركع أو راكعا فكبر تكبيرة واحدة فإن نوى بها
تكبيرة الافتتاح أجزأته وكان داخلا في الصلاة وإن نوى بها تكبيرة الركوع لم يكن داخلا في الصلاة
وإن كبر لا ينوى واحدة منها فليس بداخل في الصلاة (1) وإن كبر ينوى تكبيرة الافتتاح وجعل النية
مشتركة بين التكبير الذي يدخل به في الصلاة وغيره فإذا ذكر فيما ذكرت أنه ليس بداخل به في
الصلاة فاستأنف فكبر تكبيرة ينوى بها الافتتاح كان حينئذ داخلا في الصلاة لأنه لم يكن في صلاة
وإن ذكر فيما قلت هو فيه داخلا في نافلة وكبر ينوى المكتوبة لم يكن له مكتوبة لأنه في صلاة حتى
يسلم منها ثم يدخل في المكتوبة بتكبير بعد الخروج من النافلة ولو كبر ونوى المكتوبة وليس في صلاة
وهو راكع لم يجزه ولا يجزيه حتى يكبر قائما فإن كان مع الامام فأدركه قبل أن يرفع رأسه من ركوعه فقد
أدرك الركعة وإن لم يدركه حتى يرفع رأسه من الركوع فقد فاتته تلك الركعة (قال) ويكون عليه أن
يكبر قائما ينوى المكتوبة ولا يكون داخلا في الصلاة المكتوبة إلا بما وصفت وإن نقص من التكبير حرفا
لم يكن داخلا في الصلاة إلا بإكماله التكبير قائما ولو أبقى من التكبير حرفا أتى به وهو راكع أو منحن
للركوع أو غير قائم لم يكن داخلا في الصلاة المكتوبة وكان داخلا في نافلة حتى يقطع بسلام ثم يعود
قائما فيكمل التكبير وذلك مثل أن يقول الله أكبر ولم ينطق بالراء من التكبير إلا راكعا أو يحذف الراء فلم
ينطق بها لم يكن مكملا للتكبير (2) وإن قال الكبير الله لم أره داخلا في الصلاة بهذا وكذلك لو قرأ شيئا

(1) قوله وإن كبر ينوى تكبيرة الافتتاح الخ كذا في النسخ ولم يذكر حكمه ولعله سقط من الناسخ
وأصل الكلام ومثله إن كبر ينوى الخ فإنه لا يكون داخلا في الصلاة إلا إذا نوى الافتتاح فقط كما هو
مصرح في كتب المذهب فتأمل. كتبه مصححه.
(2) قوله وإن قال الكبير الله الخ كذا في النسخ ولعله تحريف من الناسخ والأصل " وإن قال أكبر
الله) الخ كما يدل عليه تشبيه القراءة الواجبة به بعد، فتأمل. كتبه مصححه.
122

من القرآن لا تجزيه الصلاة إلا به قدم منه وأخر وأتى عليه رأيت أن يعيد حتى يأتي به متتابعا كما أنزل
وإذا كان بالمصلى حبل لسان حركه بالتكبير ما قدر وبلغ منه أكثر ما يقدر عليه وأجزأه ذلك لأنه قد
فعل الذي قد أطاق منه وليس عليه أكثر منه وسواء في هذا الأخرس ومقطوع اللسان ومن بلسانه
عارض ما كان وهكذا يصنع هؤلاء في القراءة والتشهد والذكر في الصلاة وأحب للامام ان يجهر
بالتكبير ويبينه ولا يمططه ولا يحذفه وللمأموم ذلك كله إلا الجهر بالتكبير فإنه يسمعه نفسه ومن إلى جنبه
إن شاء لا يجاوزه وإن لم يفعل ذلك الامام ولا المأموم وأسمعاه أنفسهما أجزأهما وإن لم يسمعاه أنفسهما لم
يجزهما ولا يكون تكبيرا مجزئا حتى يسمعاه أنفسهما وكل مصل من رجل أو امرأة في التكبير سواء إلا أن
النساء لا يجاوزن في التكبير استماع أنفسهن وإن أمتهن إحداهن أحببت أن تسمعهن وتخفض صوتا
عليهن فإذا كبرن خفضن أصواتهن في التكبير في الخفض والرفع (1).
باب من لا يحسن القراءة وأقل فرض الصلاة والتكبير في الخفض والرفع
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه
عن رفاعة ابن مالك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليتوضأ كما امره
الله تعالى ثم ليكبر فإن كان معه شئ من القرآن قرأ به وإن لم يكن معه شئ من القرآن فليحمد الله
وليكبر ثم ليركع حتى يطمئن راكعا ثم ليرفع فليقم حتى يطمئن قائما ثم يسجد حتى يطمئن ساجدا ثم
ليرفع رأسه فليجلس حتى يطمئن قلبه جالسا فمن نقص من هذا فإنما ينقص من صلاته أخبرنا إبراهيم بن
محمد قال أخبرني محمد بن عجلان عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن رفاعة بن رافع قال جاء
رجل يصلى في المسجد قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه
وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أعد صلاتك فإنك لم تصل فعاد فصلى كنحو مما صلى فقال
النبي صلى الله عليه وسلم أحد صلاتك فإنك لم تصل فقال علمني يا رسول الله كيف أصلى قال إذا
توجهت إلى القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن وما شاء الله أن تقرأ فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك
ومكن ركوعك وامدد ظهرك فإذا رفعت فأقم صلبك وارفع رأسك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها
فإذا سجدت فمكن سجودك فإذا رفعت فاجلس على فخذك اليسرى ثم أصنع ذلك في كل ركعة
وسجدة حتى تطمئن (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذه فأمر من لم يحسن يقرأ ان يذكر الله تعالى فيحمده
ويكبره ولا يحزيه إذا لم يحسن يقرأ إلا ذكر الله عز وجل وفى هذا دليل على أنه إنما خوطب بالقراءة من
يحسنها وكذلك خوطب بالفرائض من يطيقها ويعلقها وإذا لم يحسن أم القرآن وأحسن غيرها لم يجزه أن

(1) وفي اختلاف على وابن مسعود في أول أبواب الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا
سعيد بن سالم عن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن ابن الحنفية أن عليا رضي الله عنه
أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمهما التكبير وتحليلهما التسليم وبهذا
نقول نحن لا تجزئ الصلاة إلا بالتكبير وقال صاحبهم يحرم بها التكبير بالتسبيح ورجع صاحباه إلى
قولنا وقولنا لا تنقضي الصلاة إلا بالتسليم فمن عمل عملا بعد الصلاة فيما بين أن يكبر إلى أن يسلم فقد
أفسدها وقالوا هم يفسدها فيما بين أن يكبر إلى أن يجلس قدر التشهد.
123

يصلى بلا قراءة وأجزأه في غيرها بقدر أم القرآن لا يجزيه أقل من سبع آيات وأحب إلي ان يزيد إن
أحسن وأقل ما أحب ان يزيد آية حتى تكون قدر أم القرآن وآية ولا يبين لي إن اقتصر على أم القرآن إن
أحسنها أو غيرها وقدرها إن لم يحسنها أن عليه إعادة فإن لم يحسن سبع آيات وأحسن أقل منهن لم يجزه
إلا أن يقرأ بما أحسن كله إذا كان سبع آيات أو أقل فإن قرأ بأقل منه أعاد الركعة التي لم يكمل فيها سبع
آيات إذا أحسنهن وسواء كان الآي طوالا أو قصارا لا يجزيه إلا بعدد آي أم القرآن وسواء كن في سورة
واحدة أو سور متفرقة لا يجزيه حتى يأتي بسبع آيات إذا أحسن سبعا أو ثمانيا وكان أقل ما عليه أن يأتي
بسبع آيات وإن لم يحسن سبعا ذكر الله عز وجل مع ما أحسن ولا يجزيه إلا أن يذكر الله العظيم فإذا
جاء بشئ من ذكر الله تعالى أجزأه مع ما يحسن وإنما قلت هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ
جعل عليه أن يذكر الله حين لا يحسن أم القرآن وإن لم يأمره بصلاة بلا ذكر عقلت أنه إذا أحسن أم
القرآن الذي هو سنة الصلاة كان عليه أوجب من الذكر غيره وإن لم يحسن الرجل أم القرآن لم يجز ان
يؤم من يحسن أم القرآن فإن أمه لم تجز للمأموم صلاته وأجزأت الامام فإذا أحسن أم القرآن ولم يحسن
غيرها لم أحب أن يؤم من يحسنها وأكثر منها وإن فعل فلا يبين لي أن يعيد من صلى خلفه لأنها إن انتهى
إليها فلا يبين لي أن يعيد من لم يزد عليها ولا أحب إلا أن يزاد معها آية أو أكثر ويجوز أن يؤم من لا
يحسن أم القرآن ولا شيئا من القرآن من لا يحسن ولا يجوز أن يؤم من لا يحسن أحدا يحسن شيئا من
القرآن ومن أحسن شيئا من القرآن فهو أولى بان يؤم ممن لا يحسن ومن أحسن أقل من سبع آيات فأم أو
صلى منفردا ردد بعض الآي حتى يقرأ به سبع آيات أو ثمان آيات وإن لم يفعل لم أر عليه إعادة ولا
يجزيه في كل ركعة إلا قراءة ما أحسن مما بينه وبين أن يكمل سبع آيات أو ثمان آيات من أحسنهن (قال
الشافعي) وفى حديث رفاعة بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم دليل على أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم علمه الفرض عليه في الصلاة دون الاختيار فعلمه الوضوء وتكبيرة الافتتاح قبل القراءة ولم
يذكر أنه علمه القول بعد تكبيرة الافتتاح قبل القراءة ولا التكبير في الخفض والرفع وقول سمع الله لمن
حمده ولا رفع اليدين في الصلاة ولا التسبيح في الركوع والسجود وقد علمه القراءة فإن لم يحسن
فالذكر وعلمه الركوع والسجود والاعتدال من الركوع والسجود والجلوس في الصلاة (1) والقراءة فلهذا
قلنا من ترك افتتاح الصلاة بعد تكبيرة الافتتاح والتكبير في الخفض والرفع ورفع اليدين في الركوع
والسجود وقول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ويجلس جلسة لم يأمره بها في الصلاة فقد ترك
الاختيار وليست عليه إعادة صلاته وعلم رجلا في حديث ابن عجلان قراءة أم القرآن وقال ما شاء الله
فجعل ذلك إلى القارئ فاحتمل أن يكون قراءة أم القرآن في الصلاة فرضا مع ما جاء فيها غير هذا مما
يشبه أن يكون يدل على أنها تجزى عن غيرها ولا يجزى غيرها عنها وإن تركها وهو يحسن لم تجزه الصلاة
وإن ترك غيرها كرهته له ولا يبين لي أن عليه إعادة الصلاة وهو قد يحتمل أن يكون الفرض على من
أحسن القراءة قراءة أم القرآن وآية أو أكثر لان أقل ما ينبغي أن يقرأ مع أم القرآن في ركعة آية لقول
النبي صلى الله عليه وسلم وما شاء الله معها فلا أحب لاحد أن يدع أن يقرأ مع أم القرآن في ركعة آية
وإن تركها كرهته له ولا يبين لي ان عليه إعادة لما وصفت وإن حديث عبادة وأبي هريرة يدلان على

(1) قوله والقراءة، كذا في النسخ ولعله تكرر من الناسخ، بدليل أنه قدم تعليم القراءة، وبدليل
أن الحديث لم يذكر فيه بعد الجلوس شئ فتأمل، وانظر. كتبه مصححه.
124

فرض أم القرآن ولا دلالة له فيها ولا في واحد منهما على فرض غيرها معها (قال الشافعي) والعمد في
ترك أم القرآن والخطأ سواء في أن لا تجزئ ركعة إلا بها أو بشئ معها إلا ما يذكر من المأموم إن شاء
الله تعالى ومن لا يحسن يقرؤها فلهذا قلنا إن من لم يحسن يقرأ أجزأته الصلاة بلا قراءة وبأن الفرض على
من علمه ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم الجلوس للتشهد إنما ذكر الجلوس من السجود فأوجبنا
التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على من أحسنه بغير هذا الحديث، فأقل ما على المرء في
صلاته ما وصفنا، وأكمله ما نحن فيه ذاكرون إن شاء الله تعالى.
باب رفع اليدين في التكبير في الصلاة
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن
أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة يرفع يديه حتى تحاذي منكبيه وإذا أراد
أن يركع وبعد ما يرفع رأسه من الركوع ولا يرفع بين السجدتين (1) (قال الشافعي) وقد روى هذا سوى

(2) قوله فإن قيل فإنا نراه الخ وقوله بعد: ويليه غير حديثنا أولى الخ كذا في الأصل وانظره.
كتبه مصححه.
125

ابن عمر اثنا عشر رجلا عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وبهذا نقول فنأمر كل مصل إماما
أو مأموما أو منفردا رجلا أو امرأة ان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من
الركوع ويكون رفعه في كل واحدة من هذه الثلاث حذو منكبيه ويثبت يديه مرفوعتين حتى يفرغ من
التكبير كله ويكون مع افتتاح التكبير ورد يديه عن الرفع مع انقضائه ولا نأمره أن يرفع يديه في شئ
من الذكر في الصلاة التي لها ركوع وسجود إلا في هذه المواضع الثلاث فإن كان بإحدى يدي المصلي
126

علة لا يقدر على رفعها معها حتى يبلغ حيث وصفت ويقدر على رفعها دون ذلك رفعها إلى حيث يقدر
فإن كانت به علة لا يقدر على رفعها معها مجاوزا لمنكبيه ولا يقدر على الاقتصار برفعها على منكبيه ولا
ما دونهما فلا يدع رفعهما وإن جاوز منكبيه (قال الشافعي) وإن كانت به علة يقدر معها على أخذ رفعين
إما رفع دون منكبيه وإما رفع فوق منكبيه ولا يقدر على رفعهما حذو منكبيه رفعهما فوق منكبيه لأنه قد
جاء بالرفع كما أمر والزيادة شئ غلب عليه (قال الشافعي) وإن كانت إحداهما صحيحة والأخرى
عليلة صنع بالعليلة ما وصفت واقتصر بالصحيحة على حذو منكبيه وإن غفل فصلى بلا رفع اليدين
حيث أمرته به وحتى تنقضي التكبيرة التي أمرته بالرفع فيها لم يرفعهما بعد التكبيرة ولا بعد فراغه من قول
سمع الله لمن حمده ولا في موضع غيره لأنه هيئة في وقت فإذا مضى لم يوضع في غيره وإن أغفله عند
ابتداء التكبير وذكره قبل أن يقضيه رفع وكل ما قلت يصنعه في التكبيرة الأولى والتكبيرة للركوع أمرته
يصنعه في قوله " سمع الله لمن حمده " وفي قوله " ربنا ولك الحمد " وإن أثبت يديه بعد انقضاء التكبير
مرفوعتين قليلا فلا يضره ولا آمره به ورفع اليدين في كل صلاة نافلة وفريضة سواء (قال الشافعي)
ويرفع يديه في كل تكبيرة على جنازة خبرا وقياسا على أنه تكبير وهو قائم وفي كل تكبير العيدين
والاستسقاء لان كل هذا تكبير وهو قائم وكذلك يرفع يديه في التكبير لسجود القرآن وسجود الشكر
لأنهما معا تكبير افتتاح وسواء في هذا كله صلى أو سجد وهو قائم أو قاعد أو مضطجع يومئ إيماء في
أن يرفع يديه لأنه في ذلك كله في موضع قيام وإن ترك رفع اليدين في جميع ما أمرته به أو رفعهما
حيث لم آمره في فريضة أو نافلة أو سجود أو عيد أو جنازة كرهت ذلك له ولم يكن عليه إعادة صلاة
ولا سجود لسهو عمد ذلك أو نسيه أو جهله لأنه هيئة في العمل وهكذا أقول في كل هيئة في عمل
تركها.

(1) قوله: فقالوا يرفع: كذا في أصله ولعله فقالوا لا يرفع كما هو الظاهر، تأمل، كتبه
مصححه.
127

باب افتتاح الصلاة
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد وغيرهما عن ابن جريج عن
موسى ابن عقبة عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي
طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعضهم كان إذا ابتدأ الصلاة وقال غيره منهم كان إذا
افتتح الصلاة قال وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي
ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وقال أكثرهم وأنا أول المسلمين قال
ابن أبي رافع وشككت أن يكون أحدهم قال وأنا من المسلمين اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت
سبحانك وبحمدك أنت ربى وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعها لا
يغفرها إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا أنت واصرف عنى سيئها لا يصرف
عنى سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير بيدك والشر ليس إليك والمهدى من هديت أنا بك وإليك
لا منجى منك إلا إليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا إبراهيم عن محمد قال حدثني صفوان ابن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة ثم كبر قال وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض
حنيفا وما أنا من المشركين وآيتين بعدها إلى قوله وأنا أول المسلمين ثم يقول اللهم أنت الملك لا إله إلا
أنت سبحانك اللهم وبحمدك أنت ربى وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي
جميعها لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق ولا يهدى لأحسنها إلا أنت واصرف عنى
سيئها لا يصرف عنى سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير بيديك والشر ليس إليك والمهدى من هديت
أنا بك وإليك لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك (قال
الشافعي) وبهذا كله أقول وآمر وأحب أن يأتي به كما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغادر
منه شيئا ويجعل مكان وأنا أول المسلمين وأنا من المسلمين (قال) فإن زاد فيه شيئا أو نقصه كرهته ولا
إعادة ولا سجود للسهو عليه عمد ذلك أو نسيه أو جهله (قال الشافعي) وإن سها عنه حين يفتتح
الصلاة ثم ذكر قبل أن يفتتح القراءة أحببت أن يقول وإن لم يذكره حتى يفتتح القراءة لم يقله ولا يقوله
إلا في أول ركعة ولا يقوله فيما بعدها بحال وإن ذكر قبل افتتاح القراءة وقيل التعوذ أحببت أن يقوله
(قال الشافعي) وسواء في ذلك الإمام والمأموم إذا لم يفت المأموم من الركعة ما لا يقدر عليه فإن فاته
منها ما يقدر على بعض هذا القول ولا يقدر على بعضه أحببت أن يقوله وإن لم يقله لم يقضه في ركعة
غيرها وإن كان خلف الامام فيما لا يجهر فيه ففاته من الركعة ما لو قاله لم يقرأ أم القرآن تركه وإن قال
غيره من ذكر الله وتعظيمه لم يكن عليه فيه شئ إن شاء الله تعالى وكذلك إن قاله حيث لا آمره أن
يقوله ولا يقطع ذكر الله الصلاة في أي حال ذكره (قال الشافعي) ويقول هذا في الفريضة والنافلة.
باب التعوذ بعد الافتتاح
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان
الرجيم " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن سعد بن عثمان عن صالح بن
128

أبى صالح أنه سمع أبا هريرة وهو يؤم الناس رافعا صوته ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم في
المكتوبة وإذا فرغ من أم القرآن (قال الشافعي) وكان ابن عمر يتعوذ في نفسه (قال الشافعي) وأيهما
فعل الرجل أجزأه إن جهر أو أخفى وكان بعضهم يتعوذ حين يفتتح قبل أم القرآن وبذلك أقول وأحب
أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (1) وإذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وأي كلام استعاذ به
أجزأه ويقوله في أول ركعة وقد قيل إن قاله حين يفتتح كل ركعة قبل القراءة فحسن ولا آمر به في شئ
من الصلاة أمرت به في أول ركعة وإن تركه ناسيا " أو جاهلا " أو عامدا " لم يكن عليه إعادة ولا سجود
سهو وأكره له تركه عامدا " وأحب إذا تركه في أول ركعة أن يقوله في غيرها وإنما منعني ان آمره أن يعيد
أن النبي صلى الله عليه وسلم علم رجلا ما يكفيه في الصلاة فقال كبر ثم اقرأ (قال) ولم يرو عنه أنه أمره
بتعوذ ولا افتتاح فدل على أن افتتاح رسول الله صلى الله عليه وسلم اختيار وأن التعوذ مما لا يفسد الصلاة
إن تركه.
باب القراءة بعد التعوذ
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ القارئ
في الصلاة بأم القرآن ودل على أنها فرض على المصلى إذا كان يحسن يقرؤها أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن محمود بن ربيع عن عبادة بن الصامت ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا سفيان بن عيينة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال " كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا سفيان عن أيوب بن أبي تميمة عن قتادة عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو
بكر وعمر يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين (قال الشافعي) يعنى يبدؤون بقراءة أم القرآن قبل
ما يقرأ بعدها والله تعالى أعلم لا يعنى أنهم يتركون بسم الله الرحمن الرحيم (قال الشافعي) فواجب على
من صلى منفردا أو إماما أن يقرأ بأم القرآن في كل ركعة لا يجزيه غيرها وأحب أن يقرأ معها شيئا آية أو
أكثر وسأذكر المأموم إن شاء الله تعالى (قال الشافعي) وإن ترك من القرآن حرفا واحدا ناسيا أو ساهيا لم
يعتد بتلك الركعة لان من ترك منها حرفا لا يقال له قرأ أم القرآن على الكمال (قال الشافعي) بسم الله
الرحمن الرحيم الآية السابعة فإن تركها أو بعضها لم تجزه الركعة التي تركها فيها (قال الشافعي) وبلغني
أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح القراءة ببسم الله
الرحمن الرحيم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج
قال أخبرني أبي عن سعيد بن جبير " ولقد أتيناك سبعا من المثاني " قال هي أم القرآن قال أبى وقرأها
على سعيد بن جبير حتى ختمها ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة قال سعيد فقرأها على ابن
عباس كما قرأتها عليك ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة قال ابن عباس فدخرها لكم فما
أخرجها لاحد قبلكم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني صالح

(1) قوله وإذا استعاذ الخ كذا في النسخ ولعله من زيادة الناسخ فتأمل. كتبه مصححه.
129

مولى التوأمة أن أبا هريرة كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني عبد الله بن عثمان ابن خثيم أن أبا بكر
بن حفص بن عمر أخبره أن أنس بن مالك أخبره قال صلى معاوية بالمدينة صلاة فجهر فيها بالقراءة
فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم لام القرآن ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها حتى قضى تلك القراءة ولم يكبر
حين يهوى حتى قضى تلك الصلاة فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين من كل مكان يا معاوية
أسرقت الصلاة أم نسيت فلما صلى بعد ذلك قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أم القرآن وكبر
حين يهوى ساجدا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الله بن
عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم فلم يقرأ ببسم الله
الرحمن الرحيم ولم يكبر إذا خفض وإذا رفع فناداه المهاجرون حين سلم والأنصار أن يا معاوية سرقت
صلاتك أين بسم الله الرحمن الرحيم وأين التكبير إذا خفضت وإذا رفعت فصلى بهم صلاة أخرى
فقال ذلك فيها الذي عابوا عليه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني يحيى بن سليم عن عبد الله
بن عثمان ابن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن معاوية والمهاجرين والأنصار مثله أو
مثل معناه لا يخالفه وأحسب هذا الاسناد أخفض من الاسناد الأول (قال الشافعي) وفى الأولى أنه
قرأ بسم الله الرحمن الرحيم في أم القرآن ولم يقرأها في السورة التي بعدها فذلك زيادة حفظها ابن
جريج وقوله فصلى بهم صلاة أخرى يحتمل أن يكون أعاد ويحتمل أن تكون الصلاة التي تليها والله تعالى
أعلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد عن ابن جريج عن نافع
عن ابن عمر أنه كان لا يدع بسم الله الرحمن الرحيم لام القرآن وللسورة التي بعدها (قال الشافعي)
هذا أحب إلى لأنه حينئذ مبتدئ قراءة القرآن (قال الشافعي) وإن أغفل أن يقرأ بسم الله الرحمن
الرحيم وقرأ من الحمد لله رب العالمين حتى يختم السورة كان عليه أن يعود فيقرأ بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حتى يأتي على السورة (قال الشافعي) ولا يجزيه أن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم
بعد قراءة الحمد لله رب العالمين ولا بين ظهرانيها حتى يعود فيقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم يبتدئ أم
القرآن فيكون قد وضع كل حرف منها في موضعه وكذلك لو أغفل فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال
مالك يوم الدين حتى يأتي على آخر السورة وعاد فقال الحمد لله رب العالمين حتى يأتي على آخر السورة
وكذلك لو أغفل الحمد فقط فقال لله رب العالمين عاد فقرأ الحمد وما بعدها لا يجزيه غيره حتى يأتي
بها كما أنزلت ولو أجزت له أن يقدم منها شيئا عن موضعه أو يؤخره ناسيا أجزت له إذا نسي أن يقرأ آخر
آية منها ثم التي تليها قبلها ثم التي تليها حتى يجعل بسم الله الرحمن الرحيم آخرها ولكن لا يجزى عنه حتى
يأتي بها بكمالها كما أنزلت ولو وقف فيها أو تعايا أو غفل فأدخل فيها آية أو آيتين من غيرها رجع حتى يقرأ
من حيث غفل أو يأتي بها متوالية فإن جاء بها متوالية لم يقدم منها مؤخرا وإنما أدخل بينها آية من غيرها
أجزأت لأنه قد جاء بها متوالية وإنما أدخل بينها ما له قراءته في الصلاة فلا يكون قاطعا لها به وإن
وضعه غير موضعه ولو عمد أن يقرأ منها شيئا ثم يقرأ قبل يكملها من القرآن غيرها كان هذا عملا قاطعا
لها وكان عليه أن يستأنفها لا يجزيه غيرها ولو غفل فقرأ ناسيا من غيرها لم يكن عليه إعادة ما مضى منها
لأنه معفو له عن النسيان في الصلاة إذا أتى على الكمال ولو نسي فقرأ ثم ذكر فتم على قراءة غيرها كان
هذا قاطعا لها وكان عليه أن يستأنفها ولو قرأ منها شيئا ثم نوى أن يقطعها ثم عاد فقرأ ما بقي أجزأته ولا
يشبه هذا نيته في قطع المكتوبة نفسها وصرفها إلى غيرها ولكنه لو نوى قطعها وسكت شيئا كان قاطعا
130

لها وكان عليه أن يستأنفها (1) وعمد القطع لها حتى يأخذ في غيرها أو يصمت فأما ما يتابعه قطعها
حديث نفس موضوع عنه (قال الشافعي) ولو بدأ فقرأ في الركعة غيرها ثم قرأها أجزأت عنه.
باب التأمين عند الفراغ من قراءة أم القرآن
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبى
سلمة ابن عبد الرحمن أنهما أخبراه عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أمن الامام
فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه قال ابن شهاب وكان النبي صلى الله
عليه وسلم يقول آمين أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك قال أخبرنا سمى مولى أبى بكر
عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الامام غير المغضوب
عليهم ولا الضالين فقولوا آمين فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه أخبرنا الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال إذا قال أحدكم آمين وقالت الملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر الله
له ما تقدم من ذنبه (قال الشافعي) فإذا فرغ الامام من قراءة أم القرآن قال آمين ورفع بها صوته
ليقتدى به من كان خلفه فإذا قالها قالوها وأسمعوا أنفسهم ولا أحب أن يجهروا بها فإن فعلوا فلا شئ
عليهم وإن تركها الإمام قالها من خلفه وأسمعه لعله يذكر فيقولها ولا يتركونها لتركه كما لو ترك التكبير
والتسليم لم يكن لهم تركه فإن لم يقلها ولا من خلفه فلا إعادة عليهم ولا سجود للسهو وأحب قولها لكل
من صلى رجل أو امرأة أو صبي في جماعة كان أو غير جماعة ولا يقال آمين إلا بعد أم القرآن فإن لم يقل
لم يقضها في موضع غيره (قال الشافعي) وقول آمين يدل على أن لا بأس أن يسأل العبد ربه في
الصلاة كلها في الدين والدنيا مع ما يدل من السنن على ذلك (قال الشافعي) ولو قال مع آمين رب
العالمين وغير ذلك من ذكر الله كان حسنا لا يقطع الصلاة شئ من ذكر الله.
باب القراءة بعد أم القرآن
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأحب أن يقرأ المصلي بعد أم القرآن سورة من القرآن فإن قرأ
بعض سورة أجزأه فإن اقتصر على أم القرآن ولم يقرأ بعدها شيئا لم يبن لي أن يعيد الركعة ولا أحب ذلك
له وأحب أن يكون أقل ما يقرأ مع أم القرآن في الركعتين الأوليين قدر أقصر سورة من القرآن مثل إنا
أعطيناك الكوثر وما أشبهها وفى الأخريين أم القرآن وآية وما زاد كان أحب إلى ما لم يكن إماما فيثقل
عليه (قال) وإذا أغفل من القرآن بعد أم القرآن شيئا أو قدمه أو قطعه لم يكن عليه إعادة وأحب أن
يعود فيقرأه وذلك أنه لو ترك قراءة ما بعد أم القرآن أجزأته الصلاة وإذا قرأ بأم القرآن وآية معها أي آية
كانت إن شاء الله تعالى.

(1) قوله: وعمد القطع لها الخ كذا في الأصل ولعل فيه سقطا وتحريفا من الناسخ ووجه الكلام
" ولا يضر عمد القطع لها حتى يأخذ في غيرها أو يصمت، فأما نية قطعها فحديث نفس الخ "
وتأمل. كتبه مصححه.
131

باب كيف قراءة المصلى
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم " ورتل القرآن
ترتيلا " (قال الشافعي) وأقل الترتيب ترك العجلة في القرآن عن الإبانة وكلما زاد على أقل الإبانة في
القراءة كان أحب إلي ما لم يبلغ أن تكون الزيادة فيها تمطيطا. وأحب ما وصفت لكل قارئ في
صلاة وغيرها وأنا له في المصلي أشد استحبابا منه للقارئ في غير صلاة فإذا أيقن المصلي أن لم يبق من
القراءة شئ إلا نطق به أجزأته قراءته ولا يجزئه أن يقرأ في صدر القرآن ولم ينطق به لسانه ولو
كانت بالرجل تمتمة لا تبين معها القراءة أجزأته قراءته إذا بلغ منها ما لا يطيق أكثر منه وأكره أن يكون
إماما وإن أم أجزأ إذا أيقن أنه قرأ ما تجزئه به صلاته وكذلك الفأفاء أكره أن يؤم فإن أم أجزأه وأحب
أن لا يكون الامام أرت ولا ألثغ وإن صلى لنفسه أجزأه وأكره أن يكون الامام لحانا لان، اللحان قد
يحيل معاني القرآن فإن لم يلحن لحنا يحيل معنى القرآن أجزأته صلاته وإن لحن في أم القرآن لحانا يحيل
معنى شئ منها لم أر صلاته مجزئة عنه ولا عمن خلفه وإن لحن في غيرها كرهته ولم أر عليه إعادة لأنه
لو ترك قراءة غير أم القرآن وأتى بأم القرآن رجوت أن تجزئه صلاته وإذا أجزأته أجزأت من خلفه إن
شاء الله تعالى. وإن كان لحنه في أم القرآن وغيرها لا يحيل المعنى أجزأت صلاته وأكره أن يكون إماما
بحال.
باب التكبير للركوع وغيره
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن علي بن الحسين قال كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر كلما خفض ورفع فما زالت تلك صلاته حتى لقى الله تعالى أخبرنا
الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة أن أبا هريرة كان يصلى لهم
فيكبر كلما خفض ورفع فإذا انصرف قال والله إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم (قال
الشافعي) ولا أحب لمصل منفردا ولا إماما ولا مأموما أن يدع التكبير للركوع والسجود والرفع والخفض
وقول سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد إذا رفع من الركوع ولو رفع رأسه من شئ مما وصفت أو
وضعه بلا تكبير لم يكن عليه أن يكبر بعد رفع الرأس ووضعه وإذا ترك التكبير في موضعه لم يقضه في
غيره " قال أبو محمد الربيع بن سليمان فاتني من هذا الموضع من الكتاب وسمعته من البويطي وأعرفه من
كلام الشافعي " (قال الشافعي) وإذا أراد الرجل أن يركع ابتدأ بالتكبير قائما فكان فيه وهو يهوى راكعا
وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع ابتدأ قوله سمع الله لمن حمده رافعا مع الرفع ثم قال إذا استوى قائما
وفرغ من قوله سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد وإذا هوى ليسجد ابتدأ التكبير قائما ثم هوى مع
ابتدائه حتى ينتهى إلى السجود وقد فرغ من آخر التكبير ولو كبر وأتم بقية التكبير ساجدا لم يكن عليه
شئ وأحب إلى أن لا يسجد إلا وقد فرغ من التكبير فإذا رفع رأسه من السجود ابتدأ التكبير حتى
يستوي جالسا وقد قضاه فإذا هوى ليسجد ابتدأ التكبير قاعدا وأتمه وهو يهوى للسجود ثم هكذا في
جميع صلاته ويصنع في التكبير ما وصفت من أن يبينه ولا يمططه ولا يحذفه فإذا جاء بالتكبير بينا
أجزأه ولو ترك التكبير سوى تكبيرة الافتتاح وقوله سمع الله لمن حمده لم يعد صلاته وكذلك من ترك
132

الذكر في الركوع والسجود وإنما قلت ما وصفت بدلالة الكتاب ثم السنة قال الله عز وجل " اركعوا
واسجدوا " ولم يذكر في الركوع والسجود عملا غيرهما فكانا الفرض فمن جاء بما يقع عليه اسم ركوع أو
سجود فقد جاء بالفرض عليه والذكر فيهما سنة اختيار وهكذا قلنا في المضمضة والاستنشاق مع غسل
الوجه (قال الشافعي) ورأي رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلى صلاة لم يحسنها فأمره بالإعادة
ثم صلاها فأمره بالإعادة فقال له يا رسول الله علمني فعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الركوع
والسجود والرفع والتكبير للافتتاح وقال " فإذا جئت بهذا فقد تمت صلاتك " ولم يعلمه ذكرا في ركوع
ولا سجود ولا تكبيرا سوى تكبيرة الافتتاح لا قول سمع الله لمن حمده فقال له " فإذا فعلت هذا فقد
تمت صلاتك وما نقصت منه فقد نقصت من صلاتك " فدل ذلك على أنه علمه مالا تجزئ الصلاة
إلا به وما فيه ما يؤديها عنه وإن كان الاختيار غيره.
باب القول في الركوع
أخبرنا الربيع قال أخبرنا البويطي قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني
صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع قال
" اللهم لك ركعت ولك أسلمت وبك آمنت وأنت ربى خشع لك سمعي وبصرى " وعظامي وشعري
وبشرى وما استقلت به قدمي لله رب العالمين " أخبرنا الربيع قال أخبرنا البويطي قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد أحسبه عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن الفضل
عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان إذا ركع قال " اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت أنت ربى خشع لك سمعي
وبصرى ومخي وعظمي وما استقلت به قدمي لله رب العالمين " أخبرنا الربيع قال أخبرنا البويطي قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان ابن عيينة وإبراهيم بن محمد عن سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن
عبد الله بن معبد عن أبيه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا إني نهيت أن أقرأ
راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا فيه " قال أحدهما من الدعاء وقال
الآخر فاجتهدوا فإنه فمن أن يستجاب (قال الشافعي) ولا أحب لاحد أن يقرأ راكعا ولا ساجدا لنهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهما موضع ذكر غير القراءة وكذلك لا أحب لاحد ان يقرأ في موضع
التشهد قياسا على هذا أخبرنا الربيع قال أخبرني البويطي قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن
إسماعيل بن أبي فديك عن بن أبي ذئب عن إسحاق بن يزيد الهذلي عن عون بن عبد الله ابن عتبة بن
مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا ركع أحدكم فقال سبحان ربى العظيم ثلاث
مرات فقد تم ركوعه وذلك أدناه وإذا سجد فقال سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تم سجوده
وذلك أدناه (قال الشافعي) إن كان هذا ثابتا فإنما يعنى والله تعالى أعلم أدنى ما ينسب إلى كمال الفرض
والاختيار معا لاكمال الفرض وحده وأحب أن يبدأ الراكع في ركوعه ان يقول سبحان ربى العظيم ثلاثا
ويقول ما حكيت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله وكل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في
ركوع أو سجود أحببت أن لا يقصر عنه إماما كان أو منفردا وهو تخفيف لا تثقيل " قال الربيع إلى ههنا
انتهى سماعي من البويطي " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وأقل كمال الركوع أن يضع كفيه على
133

ركبتيه فإذا فعل فقد جاء بأقل ما عليه في الركوع حتى لا يكون عليه إعادة هذه الركعة وإن لم يذكر في
الركوع لقول الله عز وجل " اركعوا واسجدوا " فإذا ركع وسجد فقد جاء بالفرض والذكر فيه سنة اختيار
لا أحب تركها وما علم النبي صلى الله عليه وسلم الرجل من الركوع والسجود ولم يذكر الذكر فدل على
أن الذكر فيه سنة اختيار وإن كان أقطع أو أشل إحدى اليدين أخذ إحدى ركبتيه بالأخرى وإن كانتا
معا عليلتين بلغ من الركوع ما لو كان مطلق اليدين فوضع يديه على ركبتيه لم يجاوزه ولا يجزيه غير ذلك
وإن كان صحيح اليدين فلم يضع يديه على ركبتيه فقد أساء ولا شئ عليه إذا بلغ من الركوع ما لو
وضع يديه على ركبتيه لم يجاوزه إذا ترك وضع يديه على ركبتيه وشك في أنه لم يبلغ من الركوع ما لو
وضع يديه على ركبتيه لم يجاوزه لم يعتد بهذه الركعة (قال الشافعي) وكمال الركوع أن يضع يديه على
ركبتيه ويمد ظهره وعنقه ولا يخفض عنقه عن ظهره ولا يرفعه ولا يجافي ظهره ويجتهد أن يكون مستويا
في ذلك كله فإن رفع رأسه عن ظهره أو ظهره عن رأسه أو جافى ظهره حتى يكون كالمحدودب كرهت
ذلك له ولا إعادة عليه لأنه قد جاء بالركوع والركوع في الظهر ولو بلغ أن يكون راكعا فرفع يديه فلم
يضعهما على ركبتيه ولا غيرهما لم تكن عليه إعادة ولو أن رجلا أدرك الامام راكعا فركع قبل أن يرفع
الامام ظهره من الركوع اعتد بتلك الركعة ولو لم يركع حتى يرفع الامام ظهره من الركوع لم يعتد بتلك
الركعة ولا يعتد بها حتى يصير راكعا والامام راكع بحاله ولو ركع الامام فاطمأن راكعا ثم رفع رأسه من
الركوع فاستوى قائما أو لم يستو إلا أنه قد زايل الركوع إلى حال لا يكون فيها تام الركوع ثم عاد فركع
ليسبح فأدركه رجل في هذه الحال راكعا فركع معه لم يعتد بهذه الركعة لان الامام قد أكمل الركوع
أولا وهذا ركوع لا يعتد به من الصلاة (قال الربيع) وفيه قول آخر أنه إذا ركع ولم يسبح ثم رفع رأسه
ثم عاد فركع ليسبح فقد بطلت صلاته لان ركوعه الأول كان تماما وإن لم يسبح فلما عاد فركع ركعة
أخرى ليسبح فيها كان قد زاد في الصلاة ركعة عامدا فبطلت صلاته بهذا المعنى (قال الشافعي) وإذا
ركع الرجل مع الامام ثم رفع قبل الامام فأحب أن يعود حتى يرفع الامام رأسه ثم يرفع برفعه أو
بعده (1) وإن لم يرفع وقد ركع مع الامام كرهته له ويعتد بتلك الركعة ولو ركع المصلى فاستوى راكعا
وسقط إلى الأرض كان عليه أن يقوم حتى يعتدل صلبه قائما ولم يكن عليه أن يعود لركوع لأنه قد ركع
ولو أدركه رجل بعد ما ركع وسقط راكعا باركا أو مضطجعا أو فيما بين ذلك لم يزل عن الركوع فركع
معه لم يعتد بتلك الركعة لأنه راكع في حين لا يجزي فيه الركوع ألا ترى أنه لو ابتدأ الركوع في تلك
الحال لم يكن راكعا لان فرضه أن يركع قائما لا غير قائم ولو عاد فقام راكعا كما هو فأدركه رجل فركع
معه في تلك الحال لم تجزه تلك الركعة لأنه قد خرج من الركوع الأول حين زايل القيام واستأنف ركوعا
غير الأول قبل سجوده (2) وإذا كان الرجل إماما فسمع حس رجل خلفه لم يقم راكعا له ولا يحبسه

(1) قوله: وإن لم يرفع كذا في النسخ بالفاء وهو تحريف من الناسخ ولعله " وإن لم يرجع "
بالجيم، من الرجوع وهو العود تأمل اه‍.
(2) قوله: وإذا كان الرجل إماما فسمع حس رجل خلفه الخ هذا صريح في أنه لا ينتظر ونقل
المزني عن بعضهم رواية عن الامام أنه لا بأس بالانتظار والمشهور في كتب المتأخرين أنه يسن انتظار
الداخل لله تعالى في ركوع أو تشهد أخير ما لم يبالغ في الانتظار ولم يميز بين الداخلين وإلا كره كتبه
مصححه.
134

في الصلاة شئ انتظارا لغيره ولا تكون صلاته كلها إلا خالصا لله عز وجل لا يريد بالمقام فيها شيئا إلا
هو عز وجل.
باب القول عند رفع الرأس من الركوع
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال ويقول الإمام والمأموم والمنفرد عند رفعهم
رؤوسهم من الركوع سمع الله لمن حمده فإذا فرغ منها قائلها أتبعها فقال ربنا ولك الحمد وإن
شاء قال اللهم ربنا لك الحمد ولو قال لك الحمد ربنا اكتفى والقول الأول اقتداء بما أمر به
رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى ولو قال من حمد الله سمع له لم أر عليه إعادة وأن
يقول سمع الله لمن حمده اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى أخبرنا الربيع قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد بن أبي رواد ومسلم بن خالد عن ابن جريج عن موسى
بن عقبة عن عبد الله بن الفضل عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن
علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع في
الصلاة المكتوبة قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت
من شئ بعد وإن لم يزد على أن يركع ويرفع ولم يقل شيئا كرهت ذلك له ولا إعادة عليه
ولا سجود سهو.
باب كيفية القيام من الركوع
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن عجلان عن علي بن
يحيى عن رفاعة ابن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: فإذا ركعت فاجعل راحتيك على
ركبتيك ومكن لركوعك فإذا رفعت فأقم صلبك وأرفع رأسك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها (قال
الشافعي) ولا يجزى مصليا قدر على أن يعتدل قائما إذا رفع رأسه من الركوع شئ دون أن يعتدل قائما
إذا كان ممن يقدر على القيام وما كان من القيام دون الاعتدال ولم يجزئه (قال الشافعي) ولو رفع رأسه
فشك أن يكون اعتدل ثم سجد أو طرحه شئ عاد فقام حتى يعتدل ولم يعتد بالسجود حتى يعتدل
قائما قبله وان لم يفعل لم يعتد بتلك الركعة من صلاة ولو ذهب ليعتدل فعرضت له علة تمنعه الاعتدال
فسجد أجزأت عنه تلك الركعة من صلاته لأنه لم يكن ممن يقدر على الاعتدال وإن ذهبت العلة عنه
قبل السجود فعليه أن يعود معتدلا لأنه لم يدع القيام كله بدخوله في عمل السجود الذي يمنعه حتى
صار يقدر على الاعتدال وإن ذهبت العلة عنه بعدما يصير ساجدا لم يكن عليه ولا له أن يقوم إلا لما
يستقبل من الركوع وإن فعل فعليه سجود السهو لأنه زاد في صلاته ما ليس عليه وإذا اعتدل قائما لم
أحب له يتلبث حتى يقول ما أحببت له القول ثم يهوى ساجدا أو يأخذ في التكبير فيهوى وهو فيه (1)

(1) قوله وبعد أن يصل الخ كذا في النسخ ولعله محرف عن إلى أن يصل الخ وقوله لان القراءة من
عمل الصلاة كذا فيها أيضا ولعله علة لشئ سقط من الناسخ والأصل بخلاف ما لو أطال القيام
بالقراءة لان الخ تأمل.
135

وبعد أن يصل إلى الأرض ساجدا مع انقضاء التكبير وإن أخر التكبير عن ذلك أو كبر معتدلا أو ترك
التكبير كرهت ذلك له ولا إعادة ولا سجود للسهو عليه ولو أطال القيام بذكر الله عز وجل يدعو
وساهيا وهو لا ينوى به القنوت كرهت ذلك له ولا إعادة ولا سجود للسهو لان القراءة من عمل
الصلاة في غير هذا الموضع وهذا الموضع موضع ذكر غير قراءة فإن زاد فيه فلا يوجب عليه سهوا
ولذلك لو أطال القيام ينوى به القنوت كان عليه سجود السهو لان القنوت عمل معدود من عمل
الصلاة فإذا عمله في غير موضعه أوجب عليه السهو.
باب كيف السجود
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) وأحب أن يبتدئ التكبير قائما وينحط مكانه ساجدا ثم يكون
أول ما يضع على الأرض منه ركبتيه ثم يديه ثم وجهه وإن وضع وجهه قبل يديه أو يديه قبل ركبتيه
كرهت ذلك ولا إعادة ولا سجود سهو عليه ويسجد على سبع وجهه وكفيه وركبتيه وصدور قدميه
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس
قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد منه على سبع يديه وركبتيه وأطراف أصابع قدميه وجبهته
ونهى أن يكفت الشعر والثياب قال سفيان وزادنا فيه ابن طاوس فوضع يديه على جبهته ثم أمرها على
أنفه حتى بلغ طرف أنفه وكان أبى يعد هذا واحدا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان
قال أخبرنا عمرو بن دينار سمع طاوسا يحدث عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يسجد
منه على سبع ونهى أن يكفت شعره أو ثيابه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم ابن
محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن العباس
ابن عبد المطلب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب وجهه
وكفاه وركبتاه وقدماه (قال الشافعي) وكمال فرض السجود وسنته أن يسجد على جبهته وأنفه وراحتيه
وركبتيه وقدميه وإن سجد على جبهته دون أنفه كرهت ذلك له وأجزأه لان الجبهة موضع السجود أخبرنا
الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني إسحاق بن عبد الله عن يحيى بن علي
ابن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة أو عن رفاعة بن رافع بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
رجلا إذا سجد أن يمكن وجهه من الأرض حتى تطمئن مفاصله ثم يكبر فيرفع رأسه ويكبر فيستوى
قاعدا يثنى قدميه حتى يقيم صلبه ويخر ساجدا حتى يمكن وجهه بالأرض وتطمئن مفاصله فإذا لم
يصنع هذا أحدكم لم تتم صلاته (قال الشافعي) ولو سجد على بعض جبهته دون جميعها كرهت ذلك
له ولم يكن عليه إعادة لأنه ساجد على جبهته ولو سجد على أنفه دون جبهته لم يجزه لان الجبهة موضع
السجود وإنما سجد والله أعلم على الانف لاتصاله بها ومقاربته لمساويها ولو سجد على خده أو على
صدغه لم يجزه السجود لان الجبهة موضع السجود ولو سجد على رأسه ولم يمس شيئا من جبهته الأرض
لم يجزه السجود وإن سجد على رأسه فماس شيئا من جبهته الأرض أجزأه السجود إن شاء الله تعالى ولو
سجد على جبهته ودونها ثوب أو غيره لم يجزه السجود إلا أن يكون جريحا فيكون ذلك عذرا ولو سجد
عليها وعليها ثوب متخرق فماس شيئا من جبهته على الأرض أجزأه ذلك لأنه ساجد وشئ من جبهته
على الأرض وأحب أن يباشر راحتيه الأرض في البرد والحر فإن لم يفعل وسترها من حر أو برد وسجد
136

عليها فلا إعادة عليه ولا سجود سهو (قال الشافعي) ولا أحب هذا كله في ركبتيه بل أحب أن تكون
ركبتاه مستترتين بالثياب ولا أحب أن يخفف عن ركبتيه من الثياب شيئا لأني لا أعلم أحدا أمر
بالافضاء بركبتيه إلى الأرض وأحب إذا لم يكن الرجل متخففا أن يفضى بقدميه إلى الأرض ولا
يسجد منتعلا " فتحول النعلان بين قدميه والأرض فإن أفضى بركبتيه إلى الأرض أو ستر قدميه من
الأرض فلا شئ عليه لأنه قد يسجد منتعلا متخففا ولا يفضى بقدميه إلى الأرض (قال الشافعي)
وفى هذا قولان أحدهما أن يكون عليه أن يسجد على جميع أعضائه التي أمرته بالسجود عليها وبكون
حكمها غير حكم الوجه في أن له أن يسجد عليها كلها متغطية فتجزيه لان اسم السجود يقع عليها وإن
كانت محمولا دونها بشئ (1) فمن قال هذا قال إن ترك جبهته فلم يوقعها الأرض وهو يقدر على إيقاعه
الأرض فلم يسجد كما إذا ترك جبهته فلم يوقعها الأرض وهو يقدر على ذلك فلم يسجد وإن سجد على
ظهر كفيه لم يجزه لان السجود على بطونها وكذلك إن سجد على حروفها وإن ماس الأرض ببعض يديه
أصابعهما أو بعضهما أو راحتيه أو بعضهما أو سجد على ما عدا جبهته متغطيا أجزأه وهكذا هذا في
القدمين والركبتين (قال الشافعي) وهذا مذهب يوافق الحديث والقول الثاني أنه إذا سجد على جبهته أو
على شئ منها دون ما سواها أجزأه لأنه إنما قصد بالسجود قصد الوجه تعبد الله تعالى وأن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره وأنه أمر بكشف الوجه ولم يأمر
بكشف ركبة ولا قدم ولو أن رجلا هوى ليسجد فسقط على بعض جسده ثم انقلب على وجهه فماست
جبهته الأرض لم يعتد بهذا السجود لأنه لم يرده ولو أنقلب يريده فماست جبهته الأرض أجزأه السجود
وهكذا لو هوى على وجهه لا يريد سجودا فوقع على جبهته لم يعتد بهذا له سجودا ولو هوى يريد
السجود وكان على ارادته فلم يحدث إرادة غير إرادته السجود أجزأه السجود ولا يجزيه إذا سجد
السجدة الأولى إلا أن يرفع رأسه ثم يستوي قاعدا حتى يعود كل عضو منه إلى مفصله ثم ينحط فيسجد
الثانية فإن سجد الثانية قبل هذا لم يعدها سجدة لما وصفت من حديث رفاعة بن رافع وعليه في كل
ركعة وسجدة من الصلاة ما وصفت وكذلك كل ركعة وقيام ذكرته في الصلاة فعليه فيه من الاعتدال
والفعل ما وصفت.
باب التجافي في السجود
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى روى عبد الله بن أبي بكر عن عباس بن سهل عن أبي حميد بن
سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى بين يديه وروى صالح مولى
التوأمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يرى بياض إبطيه مما يجافي بدنه
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن داود بن قيس الفراء عن عبيد الله بن
عبد الله بن أقرم الخزاعي عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقاع من نمرة أو النمرة شك
الربيع ساجدا فرأيت بياض إبطيه (قال الشافعي) وهكذا أحب للساجد أن يكون متخويا والتخوية أن
يرفع صدره عن فخذيه وأن يجافي مرفقيه وذراعيه عن جنبيه حتى إذا لم يكن عليه ما يستر تحت منكبيه
رأيت عفرة إبطيه ولا يلصق إحدى ركبتيه بالأخرى ويجافي رجليه ويرفع ظهره ولا يحدودب ولكنه

(1) قوله فمن قال هذا قال الخ كذا في النسخ وليحرر. كتبه مصححه.
137

يرفعه كما وصفت غير أن يعمد رفع وسطه عن أسفله وأعلاه (قال الشافعي) وقد أدب الله تعالى النساء
بالاستتار وأدبهن بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب للمرأة في السجود أن تضم بعضها إلى بعض
وتلصق بطنها بفخذيها وتسجد كأستر ما يكون لها وهكذا أحب لها في الركوع والجلوس وجميع الصلاة
أن تكون فيها كأستر ما يكون لها وأحب أن تكفت جلبابها وتجافيه راكعة وساجدة عليها لئلا تصفها ثيابها
(قال الشافعي) فكل ما وصفت اختيار لهما كيفما جاءا معا بالسجود والركوع أجزأهما إذا لم يكشف شئ
منهما.
باب الذكر في السجود
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني صفوان بن سليم عن
عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد قال " اللهم لك سجدت
ولك أسلمت وبك آمنت أنت ربى سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن
الخالقين " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن سليمان بن سحيم عن
إبراهيم بن عبد الله بن سعد عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا إني
نهيت أن أقرأ راكعا وساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء فقمن
أن يستجاب " لكم أخبرنا الربيع قال أخبرني الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح
عن مجاهد قال " أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل إذا كان ساجدا ألم ترا إلى قوله عز ذكره
واسجد واقترب " يعنى افعل وأقرب (قال الشافعي) ويشبه ما قال مجاهد والله تعالى أعلم ما قال وأحب
أن يبدأ الرجل في السجود بان يقول سبحان ربي الأعلى ثلاثا ثم يقول ما حكيت أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان يقوله في سجوده ويجتهد في الدعاء فيه رجاء الإجابة ما لم يكن إماما فيثقل على من
خلفه أو مأموما فيخالف إمامه ويبلغ من هذا إماما ما لم يكن ثقلا ومأموما ما لم يخالف الامام (قال
الشافعي) وإن ترك هذا تارك كرهته له ولا إعادة عليه ولا سجود سهو عليه والرجل والمرأة في الذكر
والصلاة سواء ولكن آمرها بالاستتار دونه في الركوع والسجود بان تضم بعضها إلى بعض وإذا أخذ
الرجل في رفع رأسه من السجود ووضعه أخذ في التكبير وإذا أراد أن يسجد السجدة الثانية أخذ في
التكبير وانحط فيكون منحطا للسجود مكبرا حتى يكون انقضاء تكبيره مع سجوده ثم إذا أراد القيام من
السجدة الثانية كبر مع رفع رأسه حتى يكون انقضاء تكبيره مع قيامه وإذا أراد الجلوس للتشهد قبل
ذلك حذف التكبير حتى يكون انقضاؤه مع استوائه جالسا وإن ترك التكبير في الرفع والخفض
والتسبيح والدعاء في السجود والقول الذي أمرته به عند رفع رأسه من السجود ترك فضلا ولا إعادة
عليه ولا سهو عليه لأنه قد جاء بالركوع والسجود.
باب الجلوس إذا رفع من السجود بين السجدتين
والجلوس من الآخرة للقيام والجلوس
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني محمد بن عمرو بن
138

حلحلة أنه سمع عباس ابن سهل الساعدي يخبر عن أبي حميد الساعدي قال كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا جلس في السجدتين ثنى رجله اليسرى فجلس عليها ونصب قدمه اليمنى وإذا جلس في
الأربع أماط رجليه عن وركه وأفضى بمقعدته الأرض ونصب وركه اليمنى أخبرنا إبراهيم بن محمد قال
أخبرنا محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد عن النبي صلى الله عليه
وسلم بمثله (قال الشافعي) وبهذا كله نقول فنأمر كل مصل من الرجال والنساء أن يكون جلوسه في
الصلوات ثلاث جلسات إذا رفع رأسه من السجود لم يرجع على عقبه وثنى رجله اليسرى وجلس عليها
كما يجلس في التشهد الأول وإذا أراد القيام من السجود أو الجلوس اعتمد بيديه معا على الأرض
ونهض ولا أحب أن ينهض بغير اعتماد فإنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتمد على
الأرض إذا أراد القيام (قال الشافعي) وكذلك أحب إذا قام من التشهد ومن سجدة سجدها لسجود
في القرآن وشكر وإذا أراد الجلوس في مثنى جلس على رجله اليسرى مثنية يماس ظهرها الأرض
ونصب رجله اليمنى ثانيا أطراف أصابعها وبسط يده اليسرى على فخذه اليسرى وقبض أصابع يده
اليمنى على فخذه اليمنى إلا المسبحة والابهام وأشار بالمسبحة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
مالك عن مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعاوي قال رآني ابن عمر وأنا أعبث بالحصا فلما
انصرف نهاني وقال اصنع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع فقلت وكيف كان يصنع؟ قال
كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلى
الابهام ووضع كفه اليسرى على فخذي اليسرى وإذا جلس في الرابعة أخرج رجليه معا من تحته وأفضى
بأليتيه إلى الأرض وصنع بيديه كما صنع في الجلسة التي قبلها وإذا جلس في الصبح فلها جلسة واحدة
وهي آخره أولى فيجلسها الجلسة الأخيرة أولى وإن فاتته منها ركعة جلس مع الامام فيها جلستين فجلس
الأولى جلوس الأولى والآخرة جلوس الآخرة وإذا فاته منه ركعة وأكثر وجلس مع الامام في الصلاة
جلستين وأكثر جلس في كل واحدة منهن جلوس الأولى وجلس في الآخرة جلوس الآخرة وكيفما جلس
عامدا عالما أو جاهلا أو ناسيا فلا إعادة عليه ولا سجود للسهو والاختيار له ما وصفت وإذا كانت به
علة فاستطاع أن يقارب في الجلوس الأول والثاني ما وصفت أحببت له مقاربته.
باب القيام من الجلوس
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب عن أبي
قلابة قال جاءنا مالك بن الحويرث فصلى في مسجدنا وقال والله إني لأصلي وما أريد الصلاة ولكني
أريد أن أريكم كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فذكر أنه يقوم من الركعة الأولى وإذا
أراد أن ينهض قلت كيف قال مثل صلاتي هذه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد
الوهاب عن خالد الحذاء عن أبي قلابة مثله غير أنه قال وكان مالك إذا رفع رأسه من السجدة الآخرة
في الركعة الأولى فاستوى قاعدا قام واعتمد على الأرض (قال الشافعي) وبهذا نأخذ فنأمر من قام من
سجود أو جلوس في الصلاة أن يعتمد على الأرض بيديه معا أتباعا للسنة فإن ذلك أشبه للتواضع
وأعون للمصلي على الصلاة وأحرى أن لا ينقلب ولا يكاد ينقلب وأي قيام قامه سوى هذا كرهته له ولا
إعادة فيه عليه ولا سجود سهو لان هذا كله هيئة في الصلاة وهكذا نقول في كل هيئة في الصلاة نأمر
139

بها وننهى عن خلافها ولا نوجب سجود سهو ولا إعادة بما نهينا عنه منها وذلك مثل الجلوس والخشوع
والاقبال على الصلاة والوقار فيها ولا نأمر من ترك من هذا شيئا بإعادة ولا سجود سهو.
باب التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن أبي الزبير
المكي عن سعيد ابن جبير وطاوس عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد
كما يعلمنا القرآن فكان يقول التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة
الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله (قال
الربيع) وحدثناه يحيى بن حسان (قال الشافعي) وبهذا نقول وقد رويت في التشهد أحاديث مختلفة
كلها فكان هذا أحبها إلي لأنه أكملها أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) فرض الله عز وجل الصلاة
على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه
وسلموا تسليما " (قال الشافعي) فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة ووجدنا
الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصفت من أن الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم
فرض في الصلاة والله تعالى أعلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال
حدثني صفوان بن سليم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه قال يا رسول الله كيف نصلى
عليك يعنى في الصلاة قال قولوا " اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك
على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم ثم تسلمون على " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى
عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في الصلاة اللهم صلى على محمد وعلى
آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل
إبراهيم إنك حميد مجيد (قال الشافعي) فلما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم التشهد
في الصلاة وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمهم كيف يصلون عليه في الصلاة لم يجز والله
تعالى أعلم أن نقول التشهد واجب والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم غير واجبة والخبر فيهما عن النبي
صلى الله عليه وسلم زيادة فرض القرآن (قال الشافعي) فعلى كل مسلم وجبت عليه الفرائض أن يتعلم
التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومن صلى صلاة لم يتشهد فيها ويصلى على النبي صلى الله
عليه وسلم وهو يحسن التشهد فعليه إعادتها وان تشهد ولم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم أو صلى
على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتشهد فعليه الإعادة حتى يجمعهما جميعا وإن كان لا يحسنهما على
وجههما أتى بما أحسن منهما ولم يجزه إلا بأن يأتي باسم تشهد وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وإذا
أحسنهما فأغفلهما أو عمد تركهما فسدت وعليه الإعادة فيهما جميعا والتشهد والصلاة على النبي صلى الله
عليه وسلم (1) في التشهد الأول في كل صلاة غير الصبح تشهدان تشهد أول وتشهد آخر، إن ترك التشهد
الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول ساهيا لا إعادة عليه وعليه سجدتا السهو

(1) قوله في التشهد الأول كذا في النسخ، ولعله من زيادة الناسخ تأمل.
140

لتركه ومن ترك التشهد الآخر ساهيا أو عامدا فعليه إعادة الصلاة إلا أن يكون تركه إياه قريبا فيتشهد
هذا كله واحد لا تجزى أحدا صلاة إلا به سها عنه أو عمده ويغنى التشهد والصلاة على النبي صلى الله
عليه وسلم في آخر الصلاة عن التشهد قبله ولا يكون على صاحبه إعادة ولا يغنى عنه ما كان قبله من
التشهد ولو فاتته ركعة من المغرب وأدرك الامام يتشهد في ثانية فتشهد معه ثم تشهد معه في ثالثة ثم
تشهد لنفسه في الثالثة فكان قد تشهد في المغرب ثلاث مرات (1) ثم ترك التشهد والصلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم في آخر صلاته لم يجزه ما مضى من التشهدين وإنما فرقت بين المتشهدين أن النبي
صلى الله عليه وسلم قام في الثانية فلم يجلس فسجد للسهو ولم يختلف أحد علمته أن التشهد الآخر الذي
يخرج به من الصلاة مخالف للتشهد الأول في أن ليس لأحد قيام منه إلا الجلوس (قال الشافعي) ولو
لم يزد رجل في التشهد على أن يقول التحيات لله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وصلى على رسول الله
كرهت له ذلك ولم أر عليه إعادة لأنه قد جاء باسم تشهد وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسلم
على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عباد الله والتشهد في الأولى والثانية لفظ واحد لا يختلف
وكذلك من فاتته ركعة مع الامام تشهد مع الامام كما تشهد وإن كان موضع تركه من صلاته ولا يترك
التشهد في حال وإذا أدرك الامام جالسا تشهد بما قدر عليه وقام حين يقوم الامام وإن سها عن التشهد
مع الامام في جميع تشهد الامام وتشهد في آخر صلاته فلا إعادة عليه وكذلك لو ترك التشهد (2) مع
الامام منفردا وتشهد في آخر صلاته أجزأته ومعنى قولي يجزئه التشهد بأن يجزئه التشهد والصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم لا يجزيه أحدهما دون الآخر وإن اقتصرت في بعض الحالات فذكرت التشهد
منفردا ولو أدرك الصلاة مع الامام فسها عن التشهد الآخر حتى سلم الامام لم يسلم وتشهد هو فإن سلم
مع الامام ساهيا وخرج (3) بعد مخرج أعاد الصلاة وإن قرب دخل فكبر ثم جلس وتشهد وسجد
للسهو وسلم (4).
141

باب القيام من اثنتين
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن بن شهاب عن الأعرج عن عبد الله بن
بحينة قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم قام فلم يجلس فقام الناس معه فلما قضى
صلاته ونظرنا تسليمه كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ثم سلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن الأعرج عن عبد الله بن بحينة أنه قال إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين من الظهر لم يجلس فيهما فلما قضى صلاته سجد سجدتين ثم سلم بعد
142

ذلك (قال الشافعي) فبهذا قلنا إذا ترك المصلى التشهد الأول لم يكن عليه إعادة وإذا أراد الرجل القيام
من اثنتين ثم ذكر جالسا ثم على جلوسه ولا سجود للسهو عليه وإن ذكر بعدما نهض عاد فجلس ما بينه
وبين أن يستتم قائما وعليه سجود السهو فإن قام من الجلوس الآخر عاد فجلس فتشهد وسجد سجدتين
للسهو وكذلك لو قام فانصرف فإن كان انصرف انصرافا قريبا قدر ما لو كان سها عن شئ من الصلاة
أتمه وسجد للسهو رجع فتشهد التشهد وسجد للسهو وإن كان أبعد استأنف الصلاة ولو جلس مثنى ولم
يتشهد سجد للسهو ولو جلس في الآخرة ولم يتشهد حتى يسلم وينصرف فيبعد أعاد الصلاة لان
الجلوس إنما هو للتشهد ولا يصنع الجلوس إذا لم يكن معه التشهد شيئا كما لو قام قدر القراءة ولم يقرأ لم
143

يجزه القيام ولو تشهد التشهد الآخر وهو قائم أو راكع أو متقاصر غير جالس لم يجزه كما لو قرأ وهو جالس
لم يجزه إذا كان ممن يطيق القيام وكل ما قلت لا يجزئ في التشهد فكذلك لا يجزئ في الصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجزئ التشهد من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم من التشهد حتى يأتي بهما جميعا.
باب قدر الجلوس في الركعتين الأوليين والاخريين والسلام في الصلاة
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال أخبرنا إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي
وقاص عن عامر بن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم في الصلاة إذا فرغ منها
عن يمينه وعن يساره أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد
الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي عبسدة ابن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الركعتين كأنه على الرضف قلت حتى يقوم قال داك يريد (1) (قال الشافعي) ففي هذا
والله تعالى أعلم دليل على أن لا يزيد في الجلوس الأول على التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم وبذلك آمره فإن كرهته ولا أعادة ولا سجود للسهو عليه (قال) وإذا وصف إخفافه في الركعتين
الأوليين ففيه والله تعالى أعلم دليل على أنه كان يزيد في الركعتين الأخريين على قدر جلوسه في الأوليين
فلذلك أحب لكل مصل أن يزيد على التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الله وتحميده
ودعاءه في الركعتين الأخيرتين وأرى أن تكون زيادته ذلك إن كان إماما في الركعتين الآخرتين أقل من
قدر التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كرهت ذلك
له ولا سجود للسهو ولا إعادة عليه (قال) وأرى في كل حال للامام أن يزيد التشهد والتسبيح والقراءة
أو يزيد فيها شيئا بقدر ما يرى أن من وراءه ممن يثقل لسانه قد بلغ أن يؤدي ما عليه أو يزد وكذلك

(1) قال السراج البلقيني: حديث ابن مسعود هذا منقطع أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم
يسمع من أبيه شيئا وأبو عبيدة يقال اسمه عامر ويقال اسمه كنيته والحديث أخرجه أبو داود والترمذي
والنسائي. أبو داود عن حفص عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي عبيدة عن ابن مسعود والترمذي
عن محمود ابن غيلان عن أبي داود عن شعبة عن سعد بن إبراهيم وقال الترمذي حديث حسن
والنسائي عن الهيثم بن أيوب الطالقاني عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي عبيدة عن ابن مسعود،
فإن قيل كيف احتج به الشافعي وهو منقطع وقد قال عمرو بن مرة: سألته هل يذكر من عبد الله شيئا؟
قال لا، فالجواب أنه إذا لم ينقل في ذلك خلاف كان ذلك عاضدا للخبر وقد قال الترمذي: إن
العمل على هذا عند أهل العلم لكن سبق عن ابن عمر ما يخالف هذا من رواية مالك من تشهده على
أن أبا داود روي أنه مات عبد الله بن مسعود وأبو عبيدة ابن سبع سنين فسماعه ممكن وتحمل رواية عمرو
بن مرة على شئ خاص.
144

أرى له في القراءة وفى الخفض والرفع أن يتمكن ليدركه الكبير والضعيف والثقيل وإن لم يفعل فجاء
بما عليه بأخف الأشياء كرهت ذلك له ولا سجود للسهو ولا إعادة عليه.
باب السلام في الصلاة
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني إسماعيل بن محمد بن
سعد بن أبي وقاص عن عامر بن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم في الصلاة
إذا فرغ منها عن يمينه وعن يساره (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني غير واحد من أهل
العلم عن إسماعيل بن عامر بن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (2) أخبرنا الربيع قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن إسحاق ابن عبد الله عن عبد الوهاب بن بخت عن
واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض
خده (3) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا أبو علي أنه سمع
عباس بن سهل يحدث عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم إذا فرغ من صلاته عن يمينه
وعن يساره أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن عمرو بن
يحيى عن محمد بن يحيى عن عمه واسع بن حبان عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم
عن يمينه ويساره (4) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن
يحيى عن ابن حبان عن عمه واسع قال مرة عن عبد الله بن عمر ومرة عن عبد الله بن زيد أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره (5) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن
عيينة عن مسعر بن كدام عن ابن القبطية عن جابر بن سمرة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإذا سلم قال أحدنا بيده عن يمينه وعن شماله السلام عليكم السلام عليكم وأشار بيده عن يمينه وعن

(1) قال السراج البلقيني هذا الحديث تقدم الكلام عليه في أول الترجمة التي قبل هذه الترجمة
وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم كما تقدم وقوله في هذه الرواية إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي
وقاص وقد ذكر إسماعيل هذا الحديث عند الزهري فقال الزهري: هذا حديث لم أسمعه من حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له إسماعيل: كل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت
قال الزهري: لا، قال: فثلثيه؟ قال لا، قال: فنصفه؟ فوقف الزهري عند النصف أو عند الثلث
فقال له إسماعيل اجعل هذا الحديث فيما لم تسمع.
(2) قال السراج البلقيني هكذا وقع في نسخة الام عن إسماعيل بن عامر وهو خطأ من الناسخ،
إنما هو إسماعيل عن عامر وقد سبق في روايتين على الصواب وهو في المسند على الصواب.
(3) قال السراج البلقيني حديث واثلة هذا لم أقف عليه في غير كلام الشافعي رحمه الله تعالى
وعبد الوهاب بن بخت الراوي عن واثلة ثقة وثقة بن معين وغيره وبخت والد عبد الوهاب هو بضم
الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة وآخره تاء ثالث الحروف وإسحاق بن عبد الله الراوي عنه هو
إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة المدني وهو متروك، والحجة من الحديث الذي قبله كافية.
(4) قال السراج البلقيني: قلت أخرجه البيهقي بإسناده إلى ابن جريج.
(5) قال السراج البلقيني: أشار إليه البيهقي وحكم للذي قبله بالحجة.
145

شماله فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ما بالكم تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس أو لا يكفي
أو إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم عن يمينه وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله
السلام عليكم ورحمة الله " (1) (قال الشافعي) وبهذه الأحاديث كلها نأخذ فنأمر كل مصل أن يسلم
تسليمتين إماما كان أو مأموما أو منفردا ونأمر المصلى خلف الامام إذا لم يسلم الامام تسليمتين أن يسلم هو
تسليمتين ويقول في كل واحدة منهما السلام عليكم ورحمة الله ونأمر الامام أن ينوى بذلك من عن
يمينه في التسليمة الأولى وفى التسليمة الثانية من عن يساره ونأمر بذلك المأموم وينوى الامام في أي
الناحيتين كان وإن كان بحذاء الامام نواه في الأولى التي عن يمينه وإن نواه في الآخرة لم يضره وإن
عزبت عن الامام أو المأموم النية وسلما السلام عليكم على الحفظة والناس وسلما لقطع الصلاة فلا يعيد
واحد منهما سلاما ولا صلاة ولا يوجب ذلك عليه سجود سهو وإن اقتصر رجل على تسليمة فلا إعادة
عليه وأقل ما يكفيه من تسليمه أن يقول السلام عليكم فإن نقص من هذا حرفا عاد فسلم وإن لم يفعل
حتى قام عاد فسجد للسهو ثم سلم وإن بدأ فقال: عليكم السلام، كرهت ذلك له، ولا إعادة في
الصلاة عليه، لأنه ذكر الله وإن ذكر الله عز وجل لا يقطع الصلاة (2).
الكلام في الصلاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل
عن عبد الله قال كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة قبل أن نأتى أرض الحبشة
فيرد علينا وهو في الصلاة فلما رجعنا من أرض الحبشة أتيته لاسلم عليه فوجدته يصلى فسلمت عليه فلم
يرد على فأخذني ما قرب وما بعد فجلست حتى إذا قضى صلاته أتيته فقال " إن الله يحدث من أمره ما
يشاء وإن مما أحدث الله عز وجل أن لا تتكلموا في الصلاة " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال

(1) قال السراج البلقيني: حديث جابر بن سمرة أخرجه مسلم في صحيحه، وابن القبطية هو
عبيد الله.
(2) قال السراج البلقيني قال جمع كثير من الأصحاب إن ظاهر هذا النص أنه يجزئه في الاسلام
هذا وقال آخرون بل ظاهر هذا النص أنه لا يجزئ هذا في الاسلام لأنه قال لم تقطع صلاته فأخبر أنها
لم تقطع ولم يقل خرج به من الصلاة وأيد الشيخ أبو حامد الأول بأنه لو لم يخرج به من الصلاة لوجب
أن تبطل صلاته لأنه قد اتى بالسلام في غير موضعه ويجاب عن الذي ذكره الشيخ أبو حامد بأن هذا
أصدره في موضعه على أنه سلام بخلاف من أصدره في غير موضعه وقد ذكر الماوردي فيها قولين فذكر
هذا ونسبه إلى القديم قال وقال في موضع آخر لا يجزئه فخرجه أصحابنا على قولين والموجود في غير
كلام الماوردي إثبات ذلك وجهين أو طريقين بالنظر إلى ما نص عليه في التكبير أنه لا يجزئ إذا قدم
فقال أكبر الله وما نص عليه هنا على مقتضى قولهم ففرق قوم بأن هذا يعد سلاما بخلاف التكبير
ورجح هذا ومنهم من أثبت الخلاف وعلى الجملة فالمعنى محتملة وهو إلى الجواز أقرب وهو المعتمد عند
جمع من أئمة المذهب ويكون قول الشافعي ولا إعادة عليه باعتبار أنه خاطب بقوله عليكم قبل السلام
واعلم أنه يستثنى من خطاب البشر المبطل للصلاة قول المصلى عند السلام السلام عليكم فإنه عند
الخطاب مصل وكذلك إذا قدم عليكم
146

أخبرنا مالك بن أنس عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أصدق ذو اليدين؟ " فقال الناس: نعم فقام رسول الله صلى الله
عليه وسلم فصلى اثنتين آخرتين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع ثم كبر فسجد مثل
سجوده أو أطول ثم رفع (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن داود بن الحصين
عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد قال سمعت أبا هريرة يقول: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلاة العصر فسلم من ركعتين فقال ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فأقبل رسول
الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال " أصدق ذو اليدين؟ " وقالوا نعم فأتم رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما بقي من الصلاة ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم (2) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين
قال سلم النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة فقام الخرباق
رجل بسيط اليدين فنادى يا رسول الله، أقصرت الصلاة؟ فخرج مغضبا يجر رداءه فسأل فأخبر فصلى
تلك الركعة التي كان ترك ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم (قال الشافعي) فبهذا كله نأخذ فنقول إن حتما
أن لا يعمد أحد للكلام في الصلاة وهو ذاكر لأنه فيها فإن فعل انتقضت صلاته وكان عليه أن يستأنف
صلاة غيرها لحديث ابن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ما لم أعلم فيه مخالفا ممن لقيت من
أهل العلم (قال الشافعي) ومن تكلم في الصلاة وهو يرى أنه قد أكملها أو نسي أنه في صلاة فتكلم فيها
بنى على صلاته وسجد للسهو (3) ولحديث ذي اليدين وأن من تكلم في هذه الحال فإنما تكلم وهو يرى
أنه في غير صلاة والكلام في غير الصلاة مباح وليس يخالف حديث ابن مسعود حديث ذي
اليدين، وحديث ابن مسعود في الكلام جملة ودل حديث ذي اليدين على أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم فرق بين الكلام العامد والناسي لأنه في صلاة، أو المتكلم وهو يرى أنه قد أكمل الصلاة.

(1) قال السراج البلقيني: حديث ذي اليدين أخرجه الصحيحان من حديث أبي هريرة،
البخاري من حديث مالك عن أيوب من طريق الشعبي وعبد الله بن يوسف وإسماعيل بن أبي أويس
وأخرجه مسلم من غير هذا الطريق وسيأتي.
(2) قال السراج البلقيني: هذا الحديث من هذا الطريق أخرجه مسلم في صحيحه من حديث
قتيبة عن مالك كذلك وأبو سفيان قال الدارقطني اسمه وهب وقال غيره: اسمه قزمان وهو مولى عبد الله
ابن أبي أحمد بن جحش وقضية الاخذ بهذا الحديث أن سجود السهو للزيادة يكون بعد السلام ولكن
لا يثبت هذا القول بتنجزة ما ذكر هنا فإن الشافعي قد بين الاخذ ولم يذكر فيه هذا.
(3) قال السراج البلقيني: قوله ولحديث ذي اليدين معطوف على قوله لحديث ابن مسعود وأعاد
العامل لطول الفصل وهذا الكلام مذكور في حديث ذي اليدين لا يضر اتفقت نصوصه على ذلك،
وأما ما ذكر من أنه إذا كثر الكلام بطلت الصلاة على ما صححوه وأنه لا بد في الكثرة أن تكون زائدة
على ما في حديث ذي اليدين ففي البويطي قبيل الرهن وقدر التطاول في هذه الأشياء وفيمن نسي
ركعة قدر الوقت الذي كلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا اليدين ورد عليه، ومراد الشافعي،
الزائد على ذلك.
147

الخلاف في الكلام في الصلاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس في الكلام في الصلاة وجمع علينا فيها
حججا ما جمعها علينا في شئ غيره إلا في اليمين مع الشاهد ومسألتين أخريين (قال الشافعي)
فسمعته يقول حديث ذي اليدين حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرو عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم شئ قط أشهر منه ومن حديث " العجماء جبار " وهو أثبت من حديث " العجماء
جبار " ولكن حديث ذي اليدين منسوخ فقلت: ما نسخه؟ قال حديث ابن مسعود ثم ذكر الحديث
الذي بدأت به الذي فيه إن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث الله أن لا تتكلموا في
الصلاة (قال الشافعي) فقلت له والناسخ إذا اختلف الحديثان الآخر منهما قال نعم فقلت له: أو لست
تحفظ في حديث ابن مسعود هذا ان ابن مسعود مر على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قال فوجدته
يصلى في فناء الكعبة وأن ابن مسعود هاجر إلى أرض الحبشة ثم رجع إلى مكة ثم هاجر إلى المدينة
وشهد بدرا؟ قال بلى (قال الشافعي) فقلت له فإذا كان مقدم ابن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم
بمكة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ثم كان عمران ابن حصين يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم
أتى جذعا في مؤخر مسجده أليس تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في مسجده إلا بعد هجرته
من مكة؟ قال بلى، قلت: فحديث عمران بن حصين يدلك على أن حديث ابن مسعود ليس بناسخ
لحديث ذي اليدين وأبو هريرة يقول: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فلا أدرى ما
صحبة أبي هريرة، قلت: له قد بدأنا بما فيه الكفاية من حديث عمران الذي لا يشكل عليك وأبو
هريرة إنما صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وقال أبو هريرة صحبت النبي صلى الله عليه
وسلم بالمدينة ثلاث سنين أو أربعا " قال الربيع أنا شككت " وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة
سنين سوى ما أقام بمكة بعد مقدم ابن مسعود وقبل أن يصحبه أبو هريرة، أفيجوز أن يكون حديث
ابن مسعود ناسخا لما بعده؟ قال: لا (قال الشافعي) وقلت له: ولو كان حديث ابن مسعود مخالفا
حديث أبي هريرة وعمران بن الحصين كما قلت وكان عمد الكلام وأنت تعلم أنك في صلاة كهو إذا
تكلمت وأنت ترى أنك أكملت الصلاة أو نسيت الصلاة كان حديث ابن مسعود منسوخا وكان
الكلام في الصلاة مباحا ولكنه ليس بناسخ ولا منسوخ ولكن وجهه ما ذكرت من أنه لا يجوز
الكلام في الصلاة على الذكر أن المتكلم في الصلاة وإذا كان هكذا تفسد الصلاة وإذا كان النسيان
والسهو وتكلم وهو يرى أن الكلام مباح بأن يرى أن قد قضى الصلاة أو نسي أنه فيها لم تفسد الصلاة
(قال محمد بن إدريس) فقال وأنتم تروون أن ذا اليدين قتل ببدر (قلت) فاجعل هذا كيف شئت
أليست صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة في حديث عمر أن بن الحصين والمدينة أنما كانت بعد
حديث ابن مسعود بمكة قال بلى (قلت) وليس لك إذا كان كما أردت فيه حجة لما وصفت وقد
كانت بدر بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بستة عشر شهرا (قال) أفذو اليدين الذي رويتم
عنه المقتول ببدر (قلت) لا عمر ان يسميه الخرباق ويقول قصير اليدين أو مديد اليدين والمقتول ببدر
ذو الشمالين ولو كان كلاهما ذو اليدين كان اسما يشبه أن يكون وافق اسما كما تتفق الأسماء (قال الشافعي)
فقال بعض من يذهب مذهبه فلنا حجة أخرى قلنا: وما هي؟ قال إن معاوية بن الحكم حكى أنه
تكلم في الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام بني آدم
148

(قال الشافعي) فقلت له فهذا عليك ولا لك إنما يروى مثل قول ابن مسعود سواء والوجه فيه ما ذكرت
(قال) فإن قلت هو خلافه (قلت) فليس ذلك لك ونكلمك عليه فإن كان أمر معاوية قبل أمر ذي
اليدين فهو منسوخ ويلزمك في قولك أن يصلح الكلام في الصلاة كما يصلح في غير غيرها وإن كان معه أو
بعده فقد تكلم فما حكيت وهو جاهل بأن الكلام غير محرم في الصلاة ولم يحك أن النبي صلى الله
عليه وسلم أمره بإعادة الصلاة فهو في مثل معنى حديث ذي اليدين أو أكثر لأنه تكلم عامدا للكلام في
حديثه إلا أنه حكى أنه تكلم وهو جاهل أن الكلام لا يكون محرما في الصلاة (قال) هذا في حديثه كما
ذكرت (قلت) فهو عليك إن كان على ما ذكرته وليس لك إن كان كما قلنا (قال) فما تقول (قلت)
أقول إنه مثل حديث ابن مسعود وغير مخالف حديث ذي اليدين (قال محمد بن إدريس) فقال فإنكم
خالفتم حين فرغتم حديث ذي اليدين (قلت) فخالفنا في الأصل قال لا ولكن في الفرع (قلت)
فأنت خالفته في نصه ومن خالف النص عندك أسوأ ممن ضعف نظره فأخطأ التفريع قال نعم وكل
غير معذور (قال محمد) فقلت له فأنت خالفت أصله وفرعه ولم نخالف نحن من فرعه ولا من أصله
حرفا واحدا فعليك ما عليك في خلافه وفيما قلت من أنا خالفنا منه لم نخالفه (قال) فأسألك حتى
أعلم أخالفته أم لا (قلت) فسل (قال) ما تقول في إمام انصرف من اثنتين فقال له بعض من صلى
معه قد انصرفت من اثنتين فسأل آخرين فقالوا صدق (قلت) أما المأموم الذي أخبره والذين شهدوا أنه
صدق وهم على ذكر من أنه لم يقض صلاته فصلاتهم فاسدة (قال) فأنت رويت أن النبي صلى الله
عليه وسلم قضى وتقول قد قضى معه من حضر وإن لم تذكره في الحديث قلت أجل (قال) فقد
خالفته (قلت) لا ولكن حال إمامنا مفارقة حال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) فأين افتراق
حاليهما في الصلاة والإمامة (قال محمد بن إدريس) فقلت له إن الله عز وجل كان ينزل فرائضه على
رسوله صلى الله عليه وسلم فرضا بعد فرض فيفرض عليه ما لم يكن فرضه عليه ويخفف بعض فرضه
قال أجل (قلت) ولا نشك نحن ولا أنت ولا مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينصرف إلا وهو
يرى أن قد أكمل الصلاة قال أجل (قلت) فلما فعل لم يدر ذو اليدين أقصرت الصلاة بحادث من الله
عز وجل أم نسي النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك بينا في مسألته إذ قال أقصرت الصلاة أم
نسيت، قال أجل (قلت) ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم من ذي اليدين إذ سأل غيره قال أجل
(قال) ولما سأل غيره احتمل أن يكون سأل من لم يسمع كلامه فيكون مثله واحتمل أن يكون سأل من
سمع كلامه ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم رد عليه فلما لم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم رد عليه
كان في معنى ذي اليدين من أنه لم يستدل للنبي صلى الله عليه وسلم بقول ولم يدر أقصرت الصلاة أم
نسي النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه ومعناه معنى من ذي اليدين من أن الفرض عليهم جوابه ألا ترى
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبروه فقبل قولهم ولم يتكلم ولم يتكلموا حتى بنوا على صلاتهم (قال
الشافعي) ولما قبض الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم تناهت فرائضه فلا بدل فيها ولا ينقص منها
أبدا قال نعم (قال الشافعي) فقلت هذا فرق بيننا وبينه فقال من حضره هذا فرق بين لا يرده عالم لبيانه
ووضوحه (قال الشافعي) فقال إن من أصحابكم من قال ما تكلم به الرجل في أمر الصلاة لم يفسد
صلاته (قال الشافعي) فقلت له إنما الحجة علينا ما قلنا لا ما قال غيرنا (قال الشافعي) وقال قد كملت
غير واحد من أصحابك فما احتج بهذا ولقد قال العمل على هذا (قال محمد بن إدريس) فقلت له قد
أعلمتك أن العمل ليس له معنى ولا حجة لك علينا بقول غيرنا قال أجل فقلت فدع مالا حجة لك
149

فيه (قال محمد بن إدريس) وقلت له لقد أخطأت في خلافك حديث ذي اليدين مع ثبوته وظلمت
نفسك بأنك زعمت أنا ومن قال به نحل الكلام والجماع والغناء في الصلاة وما أحللنا ولا هم من هذا
شيئا قط وقد زعمت أن المصلى إذا سلم قبل أن تكمل الصلاة وهو ذاكر لأنه لم يكملها فسدت صلاته
لان السلام زعمت في غير موضعه كلام وإن سلم وهو يرى أنه قد أكمل بنى فلو لم يكن عليك حجة
إلا هذا كفى بها عليك حجة ونحمد الله على عيبكم خلاف الحديث وكثرة خلافكم له.
باب كلام الامام وجلوسه بعد السلام
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب قال أخبرتني هند بنت
الحرث ابن عبد الله بن أبي ربيعة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قام النساء حين يقضى تسليمه ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في
مكانه يسيرا قال ابن شهاب فترى مكثه ذلك والله أعلم لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف
من القوم (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد
عن عباس قال كنت: أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير قال عمرو بن
دينار ثم ذكرته لأبي معبد بعد فقال لم أحدثكه قال عمرو قد حدثتنيه قال وكان من أصدق موالي ابن
عباس (قال الشافعي) كأنه نسيه بعدما حدثه إياه (2) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
إبراهيم ابن محمد قال حدثني موسى بن عقبة عن أبي الزبير أنه سمع عبد الله بن الزبير يقول كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته يقول بصوته الاعلى " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له
الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل
وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " (قال الشافعي) وهذا من المباح
للامام وغير المأموم قال وأي إمام ذكر الله بما وصفت جهرا أو سرا أو بغيره فحسن واختيار للامام والمأموم
أن يذكر الله بعد الانصراف من الصلاة ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماما يجب أن يتعلم منه فيجهر
حتى يرى أنه قد تعلم منه ثم يسر فإن الله عز وجل يقول " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " يعنى والله
تعالى أعلم الدعاء ولا تجهر ترفع ولا تخافت حتى لا تسمع نفسك وأحسب ما روى ابن الزبير من تهليل
النبي صلى الله عليه وسلم وما روى ابن عباس من تكبيره كما رويناه (قال الشافعي) وأحسبه إنما جهر
قليلا ليتعلم الناس منه ذلك لان عامة الروايات التي كتبناها مع هذا وغيرها ليس يذكر فيها بعد التسليم

(1) قال السراج البلقيني: حديث أم سلمة هذا أخرجه البخاري من حديث موسى بن إسماعيل
وأبى الوليد ويحيى ابن قزعة ثلاثتهم عن إبراهيم لكن لم يرفع في نسب هند وإنما قال بنت الحرث
والرافع لنسبها الشافعي عن إبراهيم ابن سعد عن الزهري. (7) عن الزهري الفراسية وقيل القرشية.
(2) قال السراج البلقيني: حديث ابن عباس هذا أخرجه الصحيحان من حديث أبي معبد
واسمه نافذ عن ابن عباس وهذا مما خرجه الصحيحان وفيه عنه، ان الأصل قال للفرع: لم أحدثك
بهذا، وهذا خلاف جزم بعض الأصوليين بالمنع فسقط.
(7) بياض بالأصل.
150

تهليل ولا تكبير وقد يذكر أنه ذكر بعد الصلاة بما وصفت ويذكر انصرافه بلا ذكر وذكرت أم سلمة
مكثه ولم يذكر جهرا وأحسبه لم يكث إلا ليذكر ذكرا غير جهر فإن قال قائل ومثل ماذا؟ قلت مثل أنه
صلى على المنبر يكون قيامه وركوعه عليه وتقهقر حتى يسجد على الأرض وأكثر عمره لم يصل عليه
ولكنه فيما أرى أحب أن يعلم من لم يكن يراه ممن بعد عنه كيف القيام والركوع والرفع يعلمهم أن في
ذلك كله سعة واستحب أن يذكر الامام الله شيئا في مجلسه قدر ما يتقدم من أنصرف من النساء قليلا
كما قالت أم سلمة ثم يقوم وإن قام قبل ذلك أو جلس أطول من ذلك فلا شئ عليه وللمأموم أن
ينصرف إذا قضى الامام السلام قبل قيام الامام وأن يؤخر ذلك حتى ينصرف بعد انصراف الامام أو
معه أحب إلى له وأستحب للمصلى منفردا وللمأموم أن يطيل الذكر بعد الصلاة ويكثر الدعاء رجاء
الإجابة بعد المكتوبة.
باب انصراف المصلي إماما أو غير إمام عن يمينه وشماله
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان ابن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن أبي
الأوبر الحارثي قال سمعت أبا هريرة يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم ينحرف من الصلاة عن يمينه
وعن يساره (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن سليمان بن مهران عن
عمارة عن الأسود عن عبد الله قال لا يجعلن أحدكم للشيطان من صلاته جزءا يرى أن حقا عليه أن لا
ينفتل إلا عن يمينه فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن يساره (2) (قال
الشافعي) فإذا قام المصلي من صلاته إماما أو غير إمام فلينصرف حيث أراد إن كان حيث يريد يمينا أو
يسارا أو مواجهة وجهه أو من ورائه انصرف كيف أراد لا اختيار في ذلك أعلمه لما روى أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان ينصرف عن يمينه وعن يساره وإن لم يكن له حاجة في ناحية وكان يتوجه ما شاء
أحببت له أن يكون توجهه عن يمينه لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيامن غير مضيق عليه في
شئ من ذلك ولا أن ينصرف حيث ليست له حاجة أين كان انصرافه.

(1) قال السراج البلقيني: أبو الأوبر زياد الحارثي وهذا الحديث أخرجه البيهقي من حديث
سعدان بن نصر عن سفيان بن عيينة بسنده ولفظه عن أبي هريرة قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم
يصلى حافيا وناعلا وقائما وقاعدا وينفتل عن يمينه وعن شماله.
(2) قال السراج البلقيني: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أبي الوليد عن شعبة ومسلم
عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن وكيع وأبي معاوية وعن إسحاق بن إبراهيم عن جرير وعيسى بن يونس
وعن علي بن خشرم عن عيسى بن يونس خمستهم عن الأعمش سليمان بن مهران وليس في
الصحيحين ولا في السنن رواية سفيان ابن عيينة عن الأعمش وفى النسائي وابن ماجة زيادة يحيى بن
سعيد فصارت الجملة لرواته عن الأعمش ستة ويضاف إليهم سفيان بن عيينة وزائدة بن قدامة وأبو
الأشهب جعفر بن الحرث ورواه عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن رجل عن الأسود
ورواه الحجاج بن أرطاة عن الأعمش عن عمارة عن المبرد العجلي عن عبد الله والحجاج المقال فيه
معروف والاسناد على خلاف روايته وعمارة الراوي عن الأسود هو عمارة بن عمير التيمي الكوفي.
151

باب سجود السهو وليس في التراجم وفيه نصوص (1)
فمنها في باب القيام من الجلوس نص على أنه لا يسجد للسهو بترك الهيئات فقال لما ذكر أن السنة
لمن قام من جلوسه أن يعتمد على الأرض بيديه وأي قيام قامه سوى هذا كرهته له ولا إعادة فيه عليه
ولا سجود سهو لان هذا كله هيئة في الصلاة وهكذا نقول في كل هيئة في الصلاة نأمر بها وننهى عن
خلافها ولا نوجب سجود سهو ولا إعادة بما نهينا عنه منها وذلك مثل الجلوس والخشوع والاقبال على
الصلاة والوقار فيها ولا نأمر من ترك من هذا شيئا بإعادة ولا سجود سهو وكرر ذلك في أبواب الصلاة
كثيرا مما سبق. ومنها نصه في باب التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال من ترك التشهد
الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول ساهيا فلا إعادة عليه وعليه سجدتا
السهو لتركه (قال الشافعي) وإنما فرقت بين التشهدين أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الثانية فلم
يجلس فسجد للسهو ولم يختلف أحد علمته أن التشهد الآخر الذي يخرج به من الصلاة مخالف للتشهد
الأول في أن ليس لأحد قيام منه إلا بالجلوس، ومنها نصه في آخر الترجمة المذكورة الدال على أن من
ارتكب منهيا عنه يبطل عمدة الصلاة فإنه يسجد إذا فعله سهوا ولم تبطل الصلاة بسهوه فقال ولو أدرك
الصلاة مع الامام فسها عن التشهد الآخر حتى سلم الامام لم يسلم وتشهد هو فإن سلم مع الامام ساهيا
وخرج وبعد مخرجه أعاد الصلاة وإن قرب دخل فكبر ثم جلس وتشهد وسجد للسهو وسلم، ومنها ما
ذكره في القيام من اثنتين وهو مذكور قبل هذه الترجمة بأربع تراجم فنقلناه إلى هنا وفيه أخبرنا الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن عبد الله ابن بحينة أنه قال: إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين من الظهر لم يجلس فيهما فلما قضى صلاته سجد سجدتين ثم
سلم بعد ذلك (2) (قال الشافعي) فبهذا قلنا إذا ترك المصلى التشهد الأول لم يكن عليه إعادة وكذا إذا

(1) لم يعقد في الام بابا لسجود السهو على حدة وإنما جمعه السراج البلقيني من كلامها في
أبواب مختلفة كما أشار إليه ولهذا لم يذكر هذا الباب في سوى نسخة البلقيني رحمه الله كتبه مصححه.
(2) قال السراج البلقيني: ابن بحينة هو عبد الله بن مالك وبحينة أمه وهي بضم الباء الموحدة
وبعدها حاء مهملة وبعدها ياء آخر الحروف وبعدها نون وحديثه المذكور من الطريقين طريق الزهري
عن الأعرج وطريق يحيى ابن سعيد عن الأعرج مخرج في الصحيحين الأول أخرجه البخاري عن
عبد الله بن يوسف عن مالك وعن أبي اليمان عن شعيب عن قتيبة عن الليث قال وتابعه ابن جريج وعن
آدم عن ابن أبي ذئب خمستهم عن الزهري وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك عن الزهري
وعن قتيبة ومحمد بن رمح كلاهما عن الليث عن الزهري وأما الطريق الثاني الذي فيه يحيى بن سعيد
وهو الأنصاري فإنه شيخ مالك وأما يحيى بن سعيد القطان فإنه يروى عن مالك فأخرجه البخاري من
حديث عبد الله بن يوسف عن مالك عن يحيى بن سعيد وأخرج مسلم الطريق الأول من طريق يحيى بن
يحيى عن مالك عن الزهري وعن قتيبة ومحمد بن رمح كلاهما عن الليث عن الزهري وأخرج مسلم
الطريق الثاني من طريق أبى الربيع الزهراني عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد. وأعلم أن ابن بحينة
الصحابي هو عبد الله كما قدمنا ووقع في رواية في النسائي عن مالك بن بحينة قال النسائي: هذا خطأ
وصوابه، عبد الله بن مالك ابن بحينة.
152

أراد الرجل القيام من اثنتين ثم ذكر جالسا ثم على جلوسه ولا سجود للسهو عليه وإن ذكر بعدما نهض
عاد فجلس ما بينه وبين ان يستتم قائما وعليه سجود السهو (1) فإن قام من الجلوس الآخر عاد فجلس
للتشهد وسجد سجدتين للسهو وكذلك لو قام فانصرف فإن كان انصرف انصرافا قريبا قدر ما لو كان
سها عن شئ من الصلاة أتمه وسجد رجع فتشهد التشهد وسجد للسهو وإن كان أبعد استأنف الصلاة
أو جلس فنسى ولم يتشهد سجد للسهو ولو جلس في الآخرة ولم يتشهد حتى يسلم وينصرف ويبعد أعاد

(1) قال السراج البلقيني: هكذا نص هنا على أن من عاد قبل أن يستتم القيام يسجد للسهو
وأطلق ذلك ولم يفصل بين أن يكون إلى القيام أقرب أو إلى القعود أقرب وكلامه في مختصر المزني على
ذلك فإنه قال فإن نسي الجلوس من الركعة الثانية فذكر في ارتفاعه قبل انتصابه فإنه يرجع إلى الجلوس
ثم يبنى على صلاته وإن ذكر بعد اعتداله فإنه يمضى وإن جلس في الأول فذكر قام وبنى عليه سجدتا
السهو هذا نص المختصر ومراده وعليه سجدتا السهو في الصور الثلاث فإن الوسطى منها أن يتذكر بعد
اعتداله وهذه يسجد فيها للسهو بلا خلاف وفى مختصر البويطي نحو ذلك فإنه قال في ترجمة تكبيرة
الاحرام ومن قام من اثنتين ساهيا فإن ذكر في نهوضه للقيام قبل أن يعتدل قائما رجع فجلس وإن لم
يذكر إلا بعد اعتداله قائما مضى في صلاته ولم يرجع للجلوس وسجد سجدتي السهو قبل السلام هذا
نصه في البويطي وقوله وسجد سجدتي السهو قبل السلام يعنى في الصورتين وفي جمع الجوامع حكى
النص كما في الام من غير ذكر خلاف فقال في باب قدر الجلوس في الركعتين الأوليين والاخريين والقيام
من الثنتين وإن ذكر بعدما نهض عاد فجلس ما بينه وبين أن يستتم قائما وعليه سجود السهو هذا نقله
في جمع الجوامع عن النصوص وهذا عندنا هو المذهب المعتمد وهو القطع بأنه يسجد للسهو وليس في
المسألة قولان خلافا لمن نقلهما فلم أقف على ما سدده وممن قطع بذلك عن الشافعي ابن المنذر في
الاشراق والشيخ أبو حامد في تعليقه في موضعين أحدهما في الكلام على التشهد الأول وحكى هذا
النص عن الشافعي والثاني في سجود السهو ومن القاطعين بأنه يسجد، الدارمي في الاستذكار
والماوردي في الحاوي والمحاملي في التجريد والأوسط والمقنع والمجموع في الكلام على التشهد الأول
وممن أثبت القولين، القاضي أبو الطيب في تعليقه وصحح أنه يسجد وأثبتهما المحاملي في المجموع في
سجود السهو في كفاية القولين والوجهين وصحح أنه لا يسجد وابن الصباغ في الشامل وحكاهما عن
الشيخ أبى حامد ولم أقف عليهما في تعليق الشيخ أبى حامد بل هو جازم بأنه يسجد للسهو كما تقدم
وممن نقل القولين سليم في المجرد وقال سواء كان إلى القيام أقرب أم إلى القعود ونقلهما الشيخ في المذهب
وصحح أنه لا يسجد ونقلهما في التنبيه أيضا وممن نقلهما الروياني في البحر في سجود السهو عن الشيخ
أبى حامد وزاد عن أبي حامد أنه اختار أنه لا يسجد وهذا ليس في تعليق الشيخ أبى حامد بالكلية
وبعض المراوزة ينقل القولين وطريقتهم الحمل على حالين إن كان إلى القيام أقرب سجد، وإلا فلا،
وصححهما المتأخرون والمذهب المعتمد، القطع بأنه يسجد مطلقا ولا نص للشافعي يخالفه فإن قيل
يخالفه قاعدة ما لا يبطل عمده الصلاة لا سجود لسهوه وإذا كان إلى القعود أقرب فهو عمل يسير لا
يبطل عمده الصلاة فلا سجود لسهوه قلنا هذه القاعدة ليست مطردة فلا تصادم بها النصوص وحينئذ
يكون هذا من المستثنى من القاعدة، وأما من صحح أنه لا يسجد مطلقا فهو خلاف المذهب المعتمد
المعروف عن الشافعي عند المتقدمين.
153

الصلاة لان الجلوس إنما هو للتشهد ولا يصنع الجلوس إذا لم يكن معه التشهد شيئا كما لو قام قدر
القراءة ولم يقرأ لم يجزه القيام (1) ولو تشهد التشهد الآخر وهو قائم أو راكع أو متقاصر غير جالس لم يجزه
كما لو قرأ وهو جالس لم يجزه إذا كان ممن يطيق القيام وكل ما قلت لا يجزئ في التشهد فكذلك لا
يجزئ في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجزئ التشهد من الصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم ولا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من التشهد حتى يأتي بهما جميعا، ومن النصوص
المتعلقة بسجود السهو ما سبق في باب كيف القيام من الركوع وهو قول الشافعي رحمه الله وإن ذهبت
العلة عنه بعدما يصير ساجدا لم يكن عليه ولا له أن يقوم إلا لما يستقبل من الركوع فإن فعل فعليه سجود
السهو لأنه زاد في الصلاة ما ليس عليه وإذا اعتدل قائما لم أحب له يتلبث حتى يقول ما أحببت له
القول ثم يهوى ساجدا أو يأخذ في التكبير فيهوى وهو فيه وبعد أن يصل الأرض ساجدا مع انقضاء
التكبير وإن أخر التكبير عن ذلك أو كبر معتدلا أو ترك التكبير كرهت ذلك له ولا إعادة ولا سجود
للسهو عليه ولو أطال القيام بذكر الله عز وجل يدعو أو ساهيا وهو لا ينوى به القنوت كرهت ذلك له
ولا إعادة ولا سجود للسهو لان القراءة من عمل الصلاة في غير هذا الموضع وهذا موضع ذكر غير
قراءة فإن زاد فيه فلا توجب عليه سهوا وكذلك لو أطال القيام ينوى به القنوت كان عليه سجود السهو
لان القنوت عمل معدود من عمل الصلاة فإذا عمله في غير موضعه أوجب عليه السهو (2) وفى مختصر
المزني نصوص في سجود السهو لم نرها في الام قال المزني (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن شك
في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فعليه أن يبنى على ما استيقن وكذلك قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم فإذا فرغ من صلاته بعد التشهد سجد سجدتي للسهو قبل السلام واحتج في ذلك بحديث
أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم وبحديث ابن بحينة أنه سجد قبل السلام (3) في جمع
الجوامع (قال الشافعي) سجود السهو كله عندنا في الزيادة والنقصان قبل السلام وهو الناسخ والآخر
من الامرين ولعل مالكا لم يعلم الناسخ والمنسوخ من هذا وقاله في القديم فمن سجد قبل السلام أجزأه
التشهد الأول ولو سجد للسهو بعد السلام تشهد ثم سلم هذا نقل جمع الجوامع ثم ذكر رواية البويطي
ونحن نذكرها مع غيرها في مختصر البويطي وكل سهو في الصلاة نقصا كان أو زيادة سهوا واحدا كان
أم اثنين أم ثلاثة فسجدتا السهو تجزى من ذلك كله قبل السلام وفيهما تشهد وسلام وقد روى عن رسول

(1) قال السراج البلقيني: لم يذكر الشافعي هنا الفرق بين القريب والبعيد وذكر الفرق بينهما في
ترجمة الرجل يصلى فائته وقد فاتته قبلها صلاة فقد ذكرنا الخلاف هناك والمعتمد فلينظر منه.
(2) قال السراج البلقيني: المراد بقول الشافعي أولا ولو أطال القيام يعنى القيام الذي بعد الركوع
وهو الاعتدال وكذا نقله في عيون المسائل فقال الربيع عن الشافعي قال إذا رفع رأسه من الركوع وأطال
القيام بذكر الله أو ساهيا لا ينوى به القنوت كرهته ولا سجود للسهو عليه ولو قرأ في ذلك أو قنت كان
عليه سجدتا السهو وإن قصر قيامه وقرأ فكذلك لو أطال القيام ينوى به القنوت المراد به القيام الذي قبل
الركوع وفيه التصريح بأن نقل القنوت إلى غير موضع موضعه سهوا يقتضى سجود السهو.
(3) قال السراج البلقيني: حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم في
صحيحه وحديث أبي بحينة تقدم الكلام عليه وما ذكره المزني من أن سجود السهو قبل السلام هو في
الزيادة والنقصان وقد تقدم في ترجمة الكلام في الصلاة من اختلاف الحديث ما يقتضى أن يسجد
للسهو في الزيادة بعد السلام.
154

الله صلى الله عليه وسلم أنه قام من اثنتين فسجد قبل السلام وهذا نقصان وقد روى عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى فليبن علي
ما استيقن وليسجد سجدتين قبل
السلام وهذا زيادة وقال في ترجمة بعد ذلك ومن لم يدركم صلى واحدة أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا
فليبن علي
يقينه ثم يسجد سجدتين قبل السلام ولسجدتي السهو تشهد وسلام وما ذكره البويطي من
التشهد لسجدتي السهو أنهما قبل السلام ظاهره أنه يسجد سجدتي السهو قبل السلام ثم يتشهد ثم يسلم
ولم أر أحدا من الأصحاب ذكر هذا إلا فيما إذا سجد بعد السلام في صوره المعروفة فإن حمل كلام
البويطي على صوره بعد السلام كان ممكنا. وفى آخر سجود السهو من مختصر المزني سمعت الشافعي
يقول إذا كانت سجدتا السهو بعد السلام تشهد لهما وإذا كانتا قبل السلام أجزأه التشهد الأول وقد سبق
عن القديم مثل هذا وحكى الشيخ أبو حامد ما ذكره المزني وأنه في القديم وقال أنه أجمع أصحاب
الشافعي أنه إذا سجد بعد السلام للسهو تشهد ثم سلم وقال الماوردي إنه مذهب الشافعي وجماعة
أصحابه الفقهاء (1) قال وقال بعض أصحابنا إن كان يرى سجود السهو بعد السلام تشهد وسلم بل
يسجد سجدتين لا غير قال الماوردي وهذا غير صحيح لرواية عمران بن الحصين رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من ثلاث من العصر ناسيا حتى أخبره الخرباق فصلى ما بقي وسلم
وسجد سجدتين وتشهد ثم سلم وما ذكره الماوردي من حديث عمران بن الحصين بهذه السياقة غريب
وإنما جاءت عنه رواية تفرد بها أشعث بن عبد الملك الحمرائي عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء
عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها
فسجد سجدتين ثم تشهد بعد ثم سلم روى ذلك أبو داود والترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث
حسن غريب وما حسنه الترمذي يقتضى أنه لا فرق بين أن يكون سجود السهو قبل السلام أو بعده
فيحتج به لما ذكره البويطي لما سبق وقلنا إنه غريب لم نر أحدا من الأصحاب قال به والذي صححه
جمع من الأصحاب أن الذي يسجد بعد السلام لا يتشهد أيضا والمذهب المعتمد ما تقدم في نقل
المزني والقديم وقطع به الشيخ أبو حامد وجرى عليه غيره وفى مختصر المزني في باب سجود السهو وإن
ذكر أنه في الخامسة سجد أو لم يسجد قعد في الرابعة أو لم يقعد فإنه يجلس في الرابعة ويتشهد ويسجد
للسهو وإن ذكر في الثانية أنه ناس لسجدة من أولى بعد ما اعتدل قائما فإنه يسجد للأولى حتى تنم قبل
الثانية وإن ذكر بعد أن يفرغ من الثانية أنه ناس لسجدة من الأولى كان عمله في الثانية كلا عمل فإذا
سجد فيها كانت من حكم الأولى وتمت الأولى بهذه السجدة وسقطت الثانية فإن ذكر في الرابعة أنه
نسي سجدة من كل ركعة فإن الأولى صحيحة إلا سجدة وعمله في الثانية كلا عمل فلما سجد فيها
سجدة كانت من حكم الأولى وتمت الأولى وبطلت الثانية وكانت الثالثة ثانية فلما قام في ثالثة قبل أن
يتم الثانية التي كانت عنده ثالثة كان عمله كلا عمل فلما سجد فيها سجدة كانت من حكم الثانية فتمت
الثانية وبطلت الثالثة التي كانت رابعة عنده ثم يقوم فيبنى ركعتين ويسجد للسهو بعد التشهد وقبل
التسليم وعلى هذا الباب كله وقياسه وإن شك هل سها أم لا فلا سهو عليه وإن استيقن السهو ثم شك
هل سجد للسهو أم لا؟ سجدهما وإن شك هل سجد سجدة أو سجدتين سجد أخرى وإن سها

(1) قوله: قال وقال بعض أصحابنا الخ كذا في الأصل ولعل فيه تحريفا أو سقطا من الناسخ
وليحرر كتبه مصححه.
155

سهوين أو أكثر فليس عليه إلا سجدتا السهو وإذا ذكر سجدتي السهو بعد أن يسلم فإن كان قريبا
أعادهما وسلم وإن تطاول لم يعد ومن سها خلف إمامه فلا سجود عليه وإن سها إمامه سجد معه فإن لم
يسجد إمامه سجد من خلفه بأن كان قد سبقه إمامه ببعض صلاته سجدهما بعد القضاء اتباعا لامامه
لا لما يبقى من صلاته (1) (قال الشافعي) السهو في الصلاة يكون من وجهين أحدهما أن يدع ما عليه
من عمل الصلاة وذلك مثل أن يقوم في مثنى فلا يجلس أو مثل أن ينصرف قبل أن يكمل وما أشبهه
والآخر أن يعمل في الصلاة ما ليس عليه وهو أن يركع ركعتين قبل أن يسجد أو يسجد أكثر من
سجدتين ويجلس حيث له أن يقوم أو يسجد قبل أن يركع وإن ترك القنوت في الفجر سجد للسهو لأنه
من عمل الصلاة وقد تركه في وإن تركه الوتر لم يجب عليه إلا في النصف الآخر من شهر رمضان فإنه
إن تركه سجد للسهو والسهو في الفريضة والنافلة سواء وعلى الرجل والمرأة والمصلى والجماعة (2) والمنفرد
سواء. وهذا الآخر هو مقتضى إطلاق نصوص الام وغيرها ولكن للتصريح به نظر (قال الشافعي)
وأرى والله أعلم أن ما كان يعمله ساهيا وجبت عليه سجدتا السهو إذا كان مما لا ينقض الصلاة فإذا
فعله عامدا سجد فيه وإن تطوع ركعتين ثم وصل الصلاة حتى تكون أربعا أو أكثر سجد للسهو وإن
فعلها ولم يسجد حتى دخل في صلاة أخرى فلا يسجدهما قاله في القديم كذا في جمع الجوامع فإن
كان المراد أنه سلم وتطاول الفصل فكذلك في الجديد أيضا ومن أدرك سجدتي السهو مع الامام
سجدهما فإن كان مسافرا والامام مقيم صلى أربعا وإن أدرك أحدهما سجد ولم يقض الآخر وبنى على
صلاة الامام وإن كان الامام مسافرا فسها سجدوا معه ثم قضوا ما بقي عليهم ومن سها عن سجدتي
السهو حتى يقوم من مجلسه أو عمد تركها ففيه قولان أحدهما يسجد متى ذكرهما والآخر لا يعود لهما قاله
في القديم قاله في جمع الجوامع وهذا الثاني إن كان مع طول الفصل أو كان قد سلم عامدا فإنه لا

(1) قال السراج البلقيني: القياس على أصله أنى إنما أسجد معه ما ليس من فرضى فيما أدركت
معه اتباعا لفعله فإذا لم يفعل سقط عنى اتباعه وكل مصل عن نفسه هذا كلام المزني، ورد الجمهور
عليه بأن سهو الامام أثر في حق المأموم فإذا لم يسجد الامام سجد المأموم جبرا لما حصل من الخلل
الذي تأثرت به صلاة المأموم وفى مختصر البويطي: ومن سها عن السلام أو عن ركعة من صلاته أو
ركعتين أو ثلاث رجع إن كان قريبا فكبر ثم جلس فتشهد ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم ولم يذكر
البويطي هنا تشهدا قال فإن تطاول به أعاد الصلاة وقد قال في ترجمة قبل الرهن ومن سها عن سلام
نافلة حتى دخل في فريضة فإن ذكر قريبا جلس وأتم النافلة إن شاء بالتشهد وسجد سجدتي السهو قبل
السلام ودخل في الفريضة بإحرام جديد وإن سها عن سلام مكتوبة حتى دخل في نافلة فإن كان قريبا
رجع فتشهد وسجد سجدتي السهو وسلم وتمت له المكتوبة فإن شاء أعاد النافلة وإن شاء لم يعد
والتطاول أن يصلى ركعة تامة من المكتوبة أو النافلة وهو ساه للسلام وإن لم يقرأ فيها إلا بأم القرآن وقل
هو الله أحد أو بأم القرآن وحدها وطول القيام والقراءة بلا عقد ركعة يكون تطاولا وقدر التطاول في هذه
الأشياء وفيمن نسي ركعة قدر الوقت الذي كلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا اليدين ورده عليه
وقد تقدم هذا مع باقي الخلاف والمعتمد عليه في ذلك جمع الجوامع.
(2) قوله والمصلى والجماعة كذا في الأصل ولعله محرف واللائق: والمصلى في الجماعة الخ،
وحرر. كتبه مصححه.
156

يعود إلى السجود في الصورتين على الجديد وفى رواية البويطي وإن تركوا سجود السهو عامدين أو
جاهلين لم يبن أن يكون عليهم إعادة الصلاة وأحب أن كانوا قريبا عادوا لسجدتي السهو وإن تطاولت
فليس عليهم وإعادة التطاول عنده ما لم يخرج من المسجد ويكون قدر كلام النبي صلى الله عليه وسلم
ومسألته وإن أحدث الامام بعد التسليم وقبل سجدتي السهو فكالصلاة إن تقارب رجوعه أشار إليهم أن
أمكثوا ويتوضأ ويسجد للسهو وإن لم يتقارب أشار إليهم ليسجدوا قاله في القديم ومن شك في السهو
فلا سجود عليه هذا كله نقل جمع الجوامع وفيه في باب الشك في الصلاة وما يلغى منها وما يجب عن
الشافعي فإن نسي أربع سجدات لا يدرى من أيتهن هن نزلناها على الأشد فجعلناه ناسيا السجدة من
الأولى وسجدتين من الثانية وتمت الثالثة ونسي من الرابعة سجدة فأضف إلى الأولى من الثالثة سجدة
فتمت له ركعة وبطلت السجدة التي بقيت من الثالثة ونضيف إلى الرابعة سجدة يسجدها فكأنه تم له
ثانية ويأتي بركعتين بسجودهما وسجود السهو (1).
باب سجود التلاوة والشكر
وقد ترجم سجود القرآن في اختلاف على وابن مسعود رضي الله عنهما وفى اختلاف الحديث وفى
اختلاف مالك والشافعي رحمهما الله تعالى مرتين.
أما الأول ففيه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي هشيم عن شعبة عن عاصم عن زر عن علي رضي الله عنه قال عزائم السجود ألم تنزيل والنجم واقرأ باسم ربك الذي خلق ولسنا ولا إياهم نقول بهذا
نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه (2) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي هشيم عن أبي عبد الله

(1) قال السراج البلقيني: وعلى ذلك جرى الأصحاب ومرادهم حيث لم يكن المتروك إلا
السجدات فإن كان التصوير مطلقا يكون الأشد غير هذا بأن يكون المتروك السجدة الأولى من الأولى
الثانية من والثانية وثنتين من الرابعة فلم يحصل له من الثلاث الأول إلا ركعة فيأتي بسجدتين ثم ركعتين
قال في جمع الجوامع وإن سها في المغرب فصلاها أربعا وسها بأربع سجدات مختلفات نزلناها
فجعلناه من الأولى سجدة ومن الثانية سجدتين وتمت له الثالثة ومن الرابعة واحدة فيأخذ واحدة من
الثالثة يضمها إلى الأولى فصارت ركعة ويضيف إلى الرابعة سجدة يسجدها مكانه فيتم ثانية ويأتي
بركعة وسجدتيها، واعلم أنه كرر في كلام الشافعي وجوب سجود السهو ووقع ذلك في عبارة جمع من
أصحابه ولم يقل أحد منهم بمقتضى هذا الظاهر ولو قيل به لم يبعد ويكون له قولان على مقتضى هذا
الطريق.
(2) قال السراج البلقيني: الشافعي لم يلق هشيما فإن هشيما توفى ببغداد سنة ثلاث وثمانين ومائة
والشافعي إنما دخل إلى بغداد سنة خمس وتسعين ومائة فلكونه لم يسمع منه يقول بالتعليق هشيم يعنى
قال هشيم وهو هشيم بن بشير بن القاسم بن بدر السلمى أبو معاوية الواسطي وقيل إنه بخارى الأصل
سمع عمرو ابن دينار وغيره وهو من الاثبات لكنه يدلس فما قال فيه أخبرنا فهو حجة روى له البخاري
ومسلم وغيرهما وعاصم شيخ شعبة في هذا السند هو عاصم بن بهدلة الراوي عن زر وزر بالزاي وبعده
راء وما رواه هشيم عن شعبة خالفه فيه جماعة منهم عمرو بن مرزوق ومسلم بن إبراهيم وعمرو بن حكام
فإن هؤلاء رووه عن شعبة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبد الله يعنى ابن مسعود أنه قال
عزائم السجود أربع ألم تنزيل وحم السجدة واقرأ باسم ربك الذي خلق والنجم قال البيهقي هكذا
رواه الجماعة عن شعبة ويذكر عن هشيم عن شعبة نحو رواية سفيان وكان قدر رواية سفيان عن عاصم
عن زر عن علي رضي الله عنه ثم أخرج رواية هشيم من طريق سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا
شعبة عن عاصم بن بهدلة عن زر عن علي رضي الله عنه فذكره وقد أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه
فقال حدثنا هشيم عن شعبة فذكره.
157

الجعفي عن أبي عبد الرحمن السلمى عن علي رضي الله عنه قال كان يسجد في الحج سجدتين وبهذا
نقول وهذا قول العامة قبلنا ويروى عن عمر وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وهم ينكرون السجدة
الآخرة في الحج وهذا الحديث عن علي رضي الله عنه يخالفونه (3) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي

(3) قال السراج البلقيني: الأثر المذكور عن علي رضي الله عنه في سجدتي الحج في إسناده أبو
عبد الله الجعفي وهو جابر بن يزيد الجعفي ويقال كنيته أبو يزيد ويقال أبو محمد وكان جمع من القدماء
يعظمونه قال الربيع سمعت الشافعي يقول بلغ سفيان (يعنى الثوري) أن شعبة يتكلم في جابر فبعث إليه
وقال والله لئن تكلمت فيه لاتكلمن فيك ورواه محمد بن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول قال سفيان
الثوري لشعبة لئن تكلمت في جابر لاتكلمن فيك وقال شعبة صدوق في الحديث وقال زهير بن
معاوية إذا قال جابر سمعت أو سألت فهو أصدق الناس وكذا قال شعبة إذا قال حدثنا أو سمعت فهو من
أوثق الناس وفرقة أخرى تركته قال البخاري تركه ابن مهدي وقال يحيى بن معين كان كذابا وقال
النسائي متروك وقال غيره عامة ما قذفوه أنه كان يؤمن بالرجعة لم يخرج له البخاري ولا مسلم ولا
النسائي وهشيم كان يدلس علنا وإنما ذكر الشافعي هذا الأثر عن علي رضي الله عنه ليبين مخالفة من
خالفه وخالف غيره من الصحابة معه وأما ما أشار إليه الشافعي من رواية ذلك عن عمر فرواه الشافعي
في اختلافه مع مالك من حديث عبد الله بن ثعلبة أنه صلى مع عمر بن الخطاب الصبح فسجد في
الحج سجدتين وروى أيضا من طريق مالك وسيأتي وأخرجه البيهقي من حديث عبد الله عن نافع قال
أخبرني رجل من أهل مصر أنه صلى مع عمر رضي الله عنه الفجر بالجابية فقرأ السورة التي يذكر فيها
الحج فسجد فيها سجدتين قال نافع فلما انصرف قال إن هذه السورة فضلت بأن فيها سجدتين وكان ابن
عمر يسجد فيها سجدتين قال البيهقي هذه الرواية عن عمر وإن كانت عن نافع في معنى المرسل فترك
نافع تسمية المصري الذي حدثه فالرواية الأولى عن عبد الله بن ثعلبة رواية صحيحة موصولة وكذلك
رواية نافع عن ابن عمر موصولة ولم يذكر البيهقي رواية مالك عن نافع وأما الرواية عن ابن عباس
فأخرجها البيهقي من حديث عاصم الأحول عن أبي العالية عن ابن عباس أنه قال في سورة الحج
سجدتان وأخرج ذلك البيهقي عن أبي موسى وأبى الدرداء ولم يذكر الشافعي في ذلك خبرا عن النبي
صلى الله عليه وسلم وفيه خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه
وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفى سورة الحج سجدتان أخرجه أبو
داود وابن ماجة وسكت عنه أبو داود وأخرجه الحاكم في مستدركه وقال هذا حديث رواته مصريون
وقد احتج الشيخان بأكثرهم وليس في عدد سجود القرآن أتم منه ولم يخرجاه وما ذكره الحاكم من
احتجاج الشيخين بأكثرهم كلام غير وارد فإن الأقل الذي لم يحتجا به منعهما من إخراج الحديث رواه
عبد الله بن منين بضم الميم وفتح النون وبعدها ياء آخر الحروف وآخره نون ولم يرو عنه إلا الحرث بن
سعيد العتقي ولم يشتهر حاله فلم يخرج الشيخان الحديث بهذا المعنى ولم يذكره الشافعي وحسن الحديث
بعض المتأخرين وفيه نظر وفى المسألة حديث عن عقبة بن عامر وفي إسناده ابن لهيعة وفيها مرسل رواه
أبو داود عن خالد بن معدان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فضلت سورة الحج بسجدتين " قال أبو
داود روى سند هذا ولا يصح.
158

قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن محمد بن قيس عن أبي موسى أن عليا رضي الله عنه لما رمى
بالمجدح خر ساجدا ونحن نقول لا بأس بسجدة الشكر ونستحبها ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
سجدها وعن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وهم ينكرونها يكرهونها ونحن نقول لا بأس بالسجدة لله
تعالى في الشكر (1).

(7) كذا في الأصل، وانظر كتبه مصححه.
159

وأما الثاني: وهو الذي في اختلاف الحديث ففيه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب عن الحرث بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بالنجم فسجد وسجد الناس معه إلا
رجلين قال أراد الشهرة (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن إسماعيل عن ابن أبي
ذئب عن يزيد عن عبد الله ابن قسيط عن عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت أنه قرأ عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم بالنجم فلم يسجد فيها (قال الشافعي) وفى هذين الحديثين دليل على أن سجود القرآن
ليس بحتم ولكنا نحب أن لا يترك لان النبي صلى الله عليه وسلم سجد في النجم وترك (قال الشافعي)
وفى النجم سجدة ولا أحب أن يدع شيئا من سجود القرآن وإن تركه كرهته له وليس عليه قضاؤه لأنه
ليس بفرض فإن قال قائل: ما دل على أنه ليس بفرض؟ قيل: السجود صلاة قال الله تعالى " إن
الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " فكان الموقوت يحتمل مؤقتا بالعدد ومؤقتا بالوقت فأبان رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل فرض خمس صلوات فقال رجل يا رسول الله هل علي غيرها؟
قال لا إلا أن تطوع فلما كان سجود القرآن خارجا من الصلوات المكتوبات كانت سنة اختيار فأحب
إلينا أن لا يدعه ومن تركه ترك فضلا لا فرضا وإنما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في النجم لان
فيها سجودا في حديث أبي هريرة وفى سجود النبي صلى الله عليه وسلم في النجم دليل على ما وصفت
لان الناس سجدوا معه إلا رجلين والرجلان لا يدعان الفرض إن شاء الله ولو تركاه أمرهما رسول الله

(1) قال السراج البلقيني: حديث أبي هريرة هذا أخرجه البيهقي من غير رواية الشافعي ورواه
من طريق خالد ابن الحرث عن ابن ذئب في باب ما جاء في السجدة في النجم فأخرج حديث ابن
عباس في سجود النبي صلى الله عليه وسلم في النجم والمسلمين والمشركين والجن والإنس
ثم قال وفى
الباب عن ابن مسعود وأبي هريرة.
160

صلى الله عليه وسلم بإعادته (قال الشافعي) وأما حديث زيد أنه قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم
النجم فلم يسجد فهو والله أعلم أن زيدا لم يسجد وهو القارئ فلم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولم
يكن عليه فرضا فيأمر النبي صلى الله عليه وسلم به. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم
بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رجلا قرأ عن النبي صلى الله عليه وسلم السجدة
فسجد. فسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد فلم يسجد النبي صلى الله
عليه وسلم. فقال يا رسول الله قرأ فلان عندك السجدة فسجدت وقرأت عندك السجدة فلم تسجد
فقال النبي صلى الله عليه وسلم كنت إماما فلو سجدت سجدت معك (1) (قال الشافعي) إني لاحسبه
زيد بن ثابت لأنه يحكى أنه قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد وإنما روى الحديثين معا
عطاء بن يسار (قال الشافعي) فأحب أن يبدأ الذي يقرأ السجدة فيسجد وأن يسجد من سمعه فإن قال
قائل فلعل أحد هذين الحديثين نسخ الآخر قيل فلا يدعى أحد أن السجود في النجم منسوخ إلا جاز
لاحد أن يدعى أن ترك السجود منسوخ والسجود ناسخ ثم يكون أولى لان السنة السجود لقول الله عز
وجل " فاسجدوا لله واعبدوا " ولا يقال لواحد من هذا ناسخ ولا منسوخ، ولكن يقال هذا اختلاف من
جهة المباح.
وأما الثالث: وهو الذي في اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما ففيه سألت الشافعي عن
السجود في " إذا السماء انشقت " قال فيها سجدة فقلت له وما الحجة إن فيها سجدة فقال أخبرنا مالك
عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود ابن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه
قرأ لهم " إذا السماء انشقت " فسجد فيها فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها
أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن الأعرج أن عمر بن الخطاب قرأ والنجم إذا هوى فسجد فيها ثم قام
فقرأ سورة أخرى أخبرنا الشافعي قال أخبرنا بعض أصحابنا عن مالك أن عمر ابن عبد العزيز أمر محمد
بن مسلم أن يأمر القراء أن يسجدوا في إذا السماء انشقت (2) أخبرنا الربيع سألت الشافعي عن السجود
في سورة الحج فقال فيها سجدتان فقلت وما الحجة في ذلك فقال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر
أنه سجد في سورة الحج سجدتين (3) أخبرنا مالك عن نافع عن رجل من أهل مصر أن عمر سجد في

(1) قال السراج البلقيني: حديث عطاء مرسل وقد أخرجه البيهقي من حديث ابن وهب عن
هشام بن سعد وحفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال بلغني فذكره قال البيهقي
وقد رواه إسحاق ابن عبد الله ابن أبي فروة عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة موصولا وإسحق ضعيف
وروى عن الأوزاعي عن قرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهو أيضا ضعيف والمحفوظ
حديث عطاء مرسل وحديثه عن زيد بن ثابت موصول مختصر.
(2) قال السراج البلقيني: ذكر البيهقي في كتابه بيان خطأ من أخطأ على الشافعي أنه هكذا وقع
هذا الأثر في كتاب اختلاف مالك والشافعي وأظنه خطأ من الكاتب فإن الذي أمره عمر بن عبد العزيز
محمد بن قيس القاضي ثم أخرج بسنده إلى يحيى بن بكير عن مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز قال
للقاضي: أخرج إلى الناس فمرهم أن يسجدوا في " إذا السماء انشقت ".
(3) قال السراج البلقيني: قد تقدم الكلام على هذا الأثر وفى الكتاب الذي للبيهقي وهو بيان
خطأ من أخطأ على الشافعي ذكر هذا الأثر من رواية الربيع هكذا ثم قال خالفه الزعفراني فرواه في كتاب القديم عن الشافعي عن مالك عن عبد الله بن دينار قال فرأيت ابن عمر سجد في سوره الحج
سجدتين ثم أخرج من طريق ابن بكير عن مالك عن عبد الله بن يسار قال وكذلك رواه القعنبي وغيره
عن مالك وهذا الحديث عن نافع عن ابن عمر وهو من جهة مالك غريب وإنما قال البيهقي وهو من
جهة مالك ليحترز به عن رواية عبيد الله عن نافع عن ابن عمر فإنها ليست غريبة وقد تقدمت روايتنا
عن يحيى بن يحيى فيها مالك عن عبد الله بن دينار.
161

الحج سجدتين ثم قال: إن هذه السورة فضلت بسجدتين فقلت للشافعي فإنا نقول اجتمع الناس على
أن سجود القرآن إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شئ فقال الشافعي: إنه يجب عليكم أن
لا تقولوا اجتمع الناس إلا لما إذا لقى أهل العلم فقيل لهم اجتمع الناس على ما قلتم أنهم اجتمعوا عليه
قالوا نعم وكان أقل أقوالهم لك أن يقولوا لا نعلم من أهل العلم له مخالفا فيما قلتم اجتمع الناس عليه وأما
أن تقولوا اجتمع الناس وأهل العلم معكم يقولون ما اجتمع الناس على ما زعمتم أنهم اجتمعوا عليه
فأمر إن أسأتم بهما النظر لأنفسكم في التحفظ في الحديث وأن تجعلوا السبيل لمن سمع قولكم اجتمع
الناس إلى رد قولكم ولا سيما إذا كنتم إنما أنتم مقصورون على علم مالك رحمنا الله وإياه وكنتم تروون عن
عمر بن عبد العزيز أنه أمر من يأمر القراء أن يسجدوا فيها وأنتم قد تجعلون قول عمر بن عبد العزيز أصلا
من أصول العلم فتقولون كان لا يحلف الرجل المدعى عليه إلا أن يكون بينهما مخالطة فتركتم بها قول النبي
صلى الله عليه وسلم البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه لقول عمر ثم تجدون عمر يأمر بالسجود في
" إذا السماء انشقت " ومعه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأي أبي هريرة ولم تسموا أحدا خالف
هذا وهذا عندكم العمل (1) لان النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه ثم أبو هريرة في الصحابة ثم عمر
بن عبد العزيز في التابعين والعمل يكون عندكم يقول عمر وحده وأقل ما يؤخذ عليكم في هذا أن
يقال كيف زعمتم أن أبا هريرة سجد في إذا السماء انشقت وأن عمر أمر بالسجود فيها وأن عمر بن
الخطاب سجد في النجم ثم زعمتم أن الناس اجتمعوا أن لا سجود في المفصل وهذا من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا من علماء التابعين فقال قولكم اجتمع الناس لما حكوا فيه غير ما قلتم
بين في قولكم أن ليس كما قلتم ثم رويتم عن عمر بن الخطاب أنه سجد في النجم ثم لا تروون عن غيره
خلافه ثم رويتم عن عمر وابن عمر أنهما سجدا في سورة الحج سجدتين وتقولون ليس فيها إلا واحدة
وتزعمون أن الناس أجمعوا أن ليس فيها إلا واحدة ثم تقولون أجمع الناس وأنتم تروون خلاف ما تقولون
وهذا لا يعذر أحد بان يجهله ولا يرضى أحد أن يكون مأخوذا عليه فيه لما فيه مما لا يخفى عن أحد
يعقل إذا سمعه أرأيتم إذا قيل لكم أي الناس اجتمع علي أن لا سجود في المفصل وأنتم تروون عن أئمة
الناس السجود فيه ولا تروون عن غيرهم مثلهم خلافهم أليس أن تقولوا أجمع الناس أن في المفصل
سجودا أولى بكم من أن تقولوا اجتمع الناس على أن لا سجود في المفصل فإن قلتم لا يجوز إذا لم
نعلمهم أجمعوا أن نقول اجتمعوا فقد قلتم اجتمعوا ولم ترووا عن أحد من الأئمة قولكم ولا أدرى من
الناس عندكم أخلقا كانوا فما اسم واحد منهم وما ذهبنا بالحجة عليكم إلا من قول أهل المدينة وما جعلنا
الاجماع إلا إجماعهم فأحسنوا النظر لأنفسكم واعلموا أنه لا يجوز ان تقولوا أجمع الناس بالمدينة حتى
لا يكون بالمدينة مخالف من أهل العلم ولكن قولوا فيما اختلفوا فيه أخبرنا كذا كذا ولا تدعوا الاجماع

(1) كذا في الأصل وانظر. كتبه مصححه:
162

فدعوا ما يوجد على ألسنتكم خلافه فما أعلمه يؤخذ على أحد يتثبت على علم أقبح من هذا (قلت)
للشافعي أفرأيت إن كان قولي اجتمع الناس عليه أعني من رضيت من أهل المدينة وإن كانوا مختلفين؟
فقال الشافعي أرأيتم إن قال من يخالفكم ويذهب إلى قول من يخالفكم قول من أخذت بقوله اجتمع
الناس أيكون صادقا؟ فإن كان صادقا وكان بالمدينة قول ثالث يخالفكما اجتمع الناس على قوله فإن
كنتم صادقين معا بالتأويل فبالمدينة إجماع من ثلاثة وجوه مختلفة وإن قلتم الاجماع هو ضد الخلاف فلا
يقال إجماع إلا لما لا خلاف فيه بالمدينة قلت هذا هو الصدق المحض فلا تفارقه ولا تدعوا الاجماع أبدا
إلا فيما لا يوجد بالمدينة فيه اختلاف وهو لا يوجد بالمدينة إلا ويوجد بجميع البلدان عند أهل العلم
مؤتفقين فيه لم يخالف أهل البلدان أهل المدينة إلا فيما اختلف فيه أهل المدينة بينهم (وقال لي الشافعي)
واجعل ما وصفنا على هذا الباب كافيا لك لا على ما سواه إذا أردت أن تقول أجمع الناس فإن كانوا لم
يختلفوا فقله وإن كانوا اختلفوا فلا تقله فإن الصدق في غيره. (وترجم مرة أخرى في سجود
القرآن).
وفيها سألت الشافعي عن السجود في سورة الحج فقال فيها سجدتان فقلت وما الحجة في ذلك
فقال أخبرنا مالك عن نافع أن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب سجد في سورة الحج
سجدتين ثم قال إن هذه السورة فضلت بسجدتين (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم
عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صفية ان عمر بن الخطاب صلى بهم بالجابية فقرأ سورة الحج
فسجد فيها سجدتين (1) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سجد في سورة الحج
سجدتين فقلت للشافعي فإنا لا نسجد فيها إلا سجدة واحدة فقال الشافعي فقد خالفتم ما رويتم عن
عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر معا إلى غير قول أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عامة
فكيف تتخذون قول ابن عمر وحده حجة وقول عمر حجة وحده حتى تردوا بكل واحد منهما السنة
وتبتنون عليها عددا من الفقه ثم تخرجون من قولهما لرأى أنفسكم هل تعلمونه مستدرك على أحد قول
العورة فيه أبين منها فيما وصفنا من أقاويلكم (2).

(1) قال السراج البلقيني: وقع في رواية الربيع هكذا وقد قال البيهقي في كتابه بيان خطأ من
أخطأ على الشافعي هكذا وقع إسناد هذا الحديث في كتاب الربيع وخالفه الزعفراني فرواه في كتاب
القديم عن الشافعي عن إبراهيم ابن سعد عن أبيه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن
عبد الله بن ثعلبة ورواية الزعفراني أصح وقد رواه شعبة بن الحجاج أيضا عن سعد بن إبراهيم ثم أخرج
بسنده إلى يزيد بن هارون وشعبة بن عامر قالا: حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن عبد الله بن ثعلبة
أنه صلى مع عمر رضي الله عنه الصبح فسجد في الحج سجدتين.
(2) قال السراج البلقيني في مختصر المزني في سجود القرآن وسجود القرآن في أربع عشرة سوى
سجدة ص وأنها سجدة شكر وفى جمع الجوامع وقد قيل في " ص " رواه البويطي، وفى مختصر
البويطي في باب طهارة الأرض ولا يسجد إلا بطهارة ومن قرأ السجدة بعد العصر أو بعد الصبح
فليسجد ومن سمع رجلا يقرأ في غير الصلاة سجد فإن كان جلس إليه ليسمع قراءته فسجد فليسجد
معه وإن لم يسجد فأحب للمستمع أن يسجد وسجوده معه إذا سجد أوكد في أن لا يترك السجود ومن
سمع رجلا يقرأ سجدة وهو مار به أو غير جالس إليه فليس عليه أن يسجد وإن سجد فسجوده حسن،
وفي جمع الجوامع ويسجد الراكب والماشي على الأرض ويرفع يديه حذو منكبيه إذا كبر وفى مختصر
البويطي وليس في سجود القرآن ولا في سجود الشكر تشهد ولا سلام غير أنه إذا هوى للسجود بها
هوى بتكبير، قال السراج البلقيني هذا المنصوص من أنه لا يتشهد ولا يسلم خالفه جمع من
الأصحاب وصححوا أنه يسلم ولا يتشهد وحكاه بعضهم قولا عن رواية المزني في المشهور والذين
حكوه وجها أخذوه من التحرم فلا بد من تحلل وتأولوا فرض أنه لا يجمع بينهما قال الشيخ أبو حامد أو
يكون ابن شريح وأبو إسحاق القائلان بهذا ما عرفا كلام الشافعي.
163

باب صلاة التطوع وليس في التراجم وفيه نصوص وكلام منثور
فمن ذلك اختلاف علي وابن مسعود رضي الله عنهما ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن
عاصم عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى دبر كل صلاة ركعتين إلا العصر
والصبح (1) (قال الشافعي) وهذا يخالف الحديث الأول يعنى الذي رواه قبل هذا عن علي عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة وسنذكر هذا بتمامه
في باب الساعات التي تكره فيا الصلاة ومن ذلك في اختلاف على وابن مسعود أيضا في سنة
الجمعة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال قال ابن مهدي عن سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد
الرحمن أن عليا رضي الله عنه قال من كان مصليا بعد الجمعة فليصل بعدها ست ركعات ولسنا ولا
إياهم نقول بهذا أما نحن فنقول يصلى أربعا (2) ومن ذلك في اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما
في باب القراءة في العيدين والجمعة ردا على من قال لا نبالي بأي سورة قرأ (قال الشافعي) أو رأيتم إذا
استحببنا ركعتي الفجر والوتر وركعتين بعد المغرب لو قال قائل لا أبالي أن لا أفعل من هذا شيئا هل
الحجة عليه إلا أن يقول قولكم لا أبالي جهالة وترك للسنة ينبغي أن تستحبوا ما صنع رسول الله صلى
الله عليه وسلم بكل حال. ومن ذلك فيما يتعلق بالوتر وقدر ذكره في أبواب منها في اختلاف مالك
والشافعي.
باب ما جاء في الوتر بركعة واحدة
أخبرنا الربيع قال سألت الشافعي عن الوتر أيجوز أن يوتر الرجل بواحدة ليس قبلها شئ فقال نعم

(1) قال السراج البلقيني: عبد الرحمن بن مهدي لم يسمع منه الشافعي والشافعي يقول ذلك عنه
معلقا مع أن عبد الرحمن بن مهدي كتب إلى الشافعي وهو يسأل أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن
ويجمع فنون الاخبار فيه وحجة الاجماع وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة فوضع له كتاب
الرسالة وسفيان المذكور هو سفيان الثوري وهذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي أبو داود من طريق
شيخه محمد بن كثير هو العبدي عن سفيان هو الثوري عن أبي إسحاق هو السبيعي عمرو بن عبد الله
عن عاصم بن ضمرة عن علي وأخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن عبد الرحمن عن سفيان وأخرجه
بمعناه من رواية مطرف.
(2) قال السراج البلقيني أبو حصين هو بفتح الحاء المهملة وكسر الصاد المهملة هو عثمان بن عاصم
الأسدي وأبو عبد الرحمن هو السلمى هو عبد الله بن حبيب.
164

والذي اختار أن صلى عشر ركعات ثم أوتر بواحدة فقلت للشافعي فما الحجة في أن الوتر يجوز بواحدة؟
فقال الحجة فيه السنة والآثار أخبرنا مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا أخشى أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد
صلى " أخبرنا مالك عن أبي شهاب عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى بالليل
إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن سعد بن أبي وقاص كان يوتر
بركعة (1) أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يسلم من الركعة والركعتين من الوتر حتى يأمر ببعض
حاجته (2) (قال الشافعي) وكان عثمان يحيى الليل بركعة وهي وتره (3) وأوتر معاوية بواحدة فقال ابن
عباس أصاب (4) فقلت للشافعي فإنا نقول لا نحب لاحد أن يوتر بأقل من ثلاث ويسلم من الركعتين
والركعة من الوتر فقال الشافعي لست أعرف لما تقولون وجها والله المستعان إن كنتم ذهبتم إلى أنكم
تكرهون أن يصلى ركعة منفردة فأنتم إذا صلى ركعتين قبلها ثم سلم تأمرونه بإفراد الركعة لان من سلم من
صلاة فقد فصلها عما بعدها ألا ترى ان الرجل يصلى النافلة بركعات يسلم في كل ركعتين فيكون كل
ركعتين يسلم بينهما منقطعتين من الركعتين اللتين قبلهما وبعدهما وأن السلام أفضل للفصل ألا ترى أن
رجلا لو فاتته صلوات فقضاهن في مقام يفصل بينهن بسلام كانت كل صلاة غير الصلاة التي قبلها
وبعدها لخروجه من كل صلاة بالسلام وإن كان إنما أردتم (5) أنكم كرهتم أن يصلى واحدة لان النبي
صلى الله عليه وسلم صلى أكثر منها وإنما يستحب أن يصلى إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة وإن كان
أراد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة الليل مثنى مثنى فأقل مثنى مثنى أربع فصاعدا وواحدة غير
مثنى وقد أوتر بواحدة في الوتر كما أمر بمثنى وقد أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس ركعات لا يجلس ولا يسلم إلا في
الآخرة منهن (6) فقلت للشافعي فما معنى هذا؟ فقال هذه نافلة تسع أن يوتر بواحدة وأكثر ونختار ما

(1) قال السراج البلقيني: هذا الموقوف على سعد بن أبي وقاص رويناه في الموطأ من طريق يحيى
بن يحيى عن مالك كذلك وهو منقطع ابن شهاب لم يسمع من سعد بن أبي وقاص وقد أسنده البيهقي
من طريق مصعب بن سعد ومن طريق محمد بن جبلة كلاهما عن سعد ومن طريق ابن شهاب عن
عبد الله بن ثعلبة رأيت سعدا وذكره البخاري فقال وقال الليث عن يونس وأخرجه من حديث شعيب
عن الزهري.
(2) قال السراج البلقيني: هذا الموقوف هو في موطأ يحيى بن يحيى عن مالك كذلك وقد أخرجه
البخاري من طريق عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع فذكره.
(3) قال السراج البلقيني: ما ذكره عن عثمان أخرجه البيهقي من حديث عبد الرحمن بن عثمان
بن عبيد الله القرشي ابن أخي طلحة بن عبيد الله.
(4) قال السراج البلقيني: وتصويب ابن عباس له أسنده الشافعي وسيأتي.
(5) قوله: وإن كان إنما أردتم الخ. كذا في الأصل، وانظر أين جواب الشرط؟ ولعله سقط
من الناسخ فحرر كتبه مصححه.
(6) قال السراج البلقيني: حديث عائشة هذا أوله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى
من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بخمس لا يجلس في شئ منها حتى يجلس في آخرهن فيسلم رواه
جماعة عن هشام بن عروة فهم عروة وعبد الله بن نمير وفي روايتهما كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شئ منها إلا في آخرها. أخرجه مسلم في
صحيحه.
165

وصفت من غير أن نضيف غيره وقولكم والله يغفر لنا ولكم لا يوافق سنة ولا أثرا ولا قياسا ولا معقولا
قولكم خارج من كل شئ من هذا وأقاويل الناس إما أن تقولوا لا يوتر إلا بثلاث كما قال بعض
الشرقيين ولا يسلم في واحدة منهن كيلا يكون الوتر واحدة وإما أن لا تكرهوا الوتر بواحدة وكيف
تكرهون الوتر بواحدة وأنتم تأمرون بالسلام فيها وإذا أمرتم به فهي واحدة وإن قلتم كرهناه لان النبي
صلى الله عليه وسلم لم يوتر بواحدة ليس قبلها شئ فلم يوتر النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث ليس فيهن
شئ فقد استحسنتم أن توتروا بثلاث، ومنها في اختلاف مالك والشافعي.
باب في الوتر
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع قال كنت مع ابن عمر ليلة والسماء
متغيمة فخشى ابن عمر الصبح فأوتر بواحدة ثم تكشف الغيم فرأى عليه ليلا فشفع بواحدة (1) قال لي
الشافعي وأنتم تخالفون ابن عمر من هذا في موضوعين فتقولون لا يوتر بواحدة ومن أوتر بواحدة لم يشفع
وتره قال ولا أعلمكم تحفظون عن أحد أنه قال لا يشفع وتره فقلت للشافعي فما تقول أنت في هذا
فقال بقول ابن عمر أنه كان يوتر بركعة قال أفتقول يشفع بوتره فقلت لا فقال فما حجتك فيه فقلت
روينا عن ابن عباس أنه كره لابن عمر أن يشفع وتره وقال إذا أوترت من أول الليل فاشفع من آخره
ولا تعد وترا ولا تشفعه وأنتم زعمتم أنكم لا تقبلون إلا حديث صاحبكم وليس من حديث صاحبكم
خلاف ابن عمر ومنها في اختلاف علي وابن مسعود رضي الله عنهما في باب الوتر والقنوت أخبرنا الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عبد الرحيم عن زاذان أن عليا
رضي الله عنه كان يوتر بثلاث يقرأ في كل ركعة بتسع سور من المفصل وهم يقولون نقرأ بسبح اسم
ربك الاعلى. والثانية قل أيها الكافرون والثالثة نقرأ فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وأما نحن فنقول يقرأ
فيها بقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ويفصل بين الركعتين والركعة
بالتسليم (2) ومنها في اختلاف الحديث في باب الوتر (قال الشافعي) وقد سمعت أن النبي صلى الله عليه
وسلم أوتر أول الليل وآخره في حديث يثبت مثله وحديث دونه وذلك فيما وصفت من المباح له أن يوتر
في الليل كله ونحن نبيح له في المكتوبة أن يصلى في أول الوقت وآخره وهذا في الوتر أوسع منه أخبرنا
الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال أخبرنا أبو يعفور عن مسلم عن مسروق عن عائشة

(1) قال السراج البلقيني: هذا الموقوف على ابن عمر رويناه في موطأ يحيى بن يحيى في ترجمة
الامر بالوتر كما رواه الشافعي عن مالك وفيه: ثم صلى بعد ذلك ركعتين فلما خشي الصبح أوتر بواحدة.
(2) قال السراج البلقيني: كذا وقع هنا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم وصوابه
كما تقدم قال قال هشيم وعبد الرحيم المذكور في السند أظنه عبد الرحيم بن سليمان الكناني وقد أخرج
الأثر المذكور ابن أبي شيبة في مصنفه فقال: حدثنا هشيم قال: أخبرني عبد الملك بن أبي سليمان.
166

قالت: من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى وتره إلى السحر (1) وفى مختصر
المزني في باب صلاة التطوع (قال الشافعي) التطوع وجهان أحدهما صلاة جماعة مؤكدة فلا أجيز
تركها لمن قدر عليها وهي صلاة العيدين وخسوف الشمس والقمر والاستسقاء وصلاة منفرد وبعضها
أوكد من بعض فأكد من ذلك الوتر ويشبه أن يكون صلاة التهجد ثم ركعتا الفجر (2) قال ولا أرخص
لمسلم في ترك واحدة منهما وإن لم أوجبهما ومن ترك واحدة منهما أسوأ حالا ممن ترك جميع النوافل فأما
قيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحب إلى منه ورأيتهم بالمدينة يقومون بتسع وثلاثين وأحب إلى عشرون
لأنه روى عن عمر وكذلك يقومون بمكة ويوترون بثلاث (3) (قال المزني) ولا أعلم الشافعي ذكر موضع

(1) قال السراج البلقيني: أبو يعفور هذا هو واقد ويقال وقدان هو أبو يعفور الكبير وأما أبو يعفور
الصغير فهو عبد الرحمن بن عبيد بن قسطاس ومسلم المذكور في السند هو مسلم بن صبيح بضم الصاد
المهملة وهو أبو الضحى والحديث أخرجه البخاري ومسلم، البخاري في الوتر عن عمر بن حفص ابن
غياث عن أبيه عن الأعمش عن مسلم أبى الضحى، وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبى كريب
كلاهما عن أبي معاوية عن الأعمش وعن علي ابن حجر عن حسان بن إبراهيم عن سعيد بن مسروق
وعن يحيى بن يحيى عن سفيان بن عيينة عن أبي يعفور كلاهما عن أبي الضحى عن مسروق عن
عائشة.
(2) قال السراج البلقيني: والقول بركعتي الفجر كسنة الوتر المذكور في تصانيف الأصحاب هو
القديم.
(3) قال السراج البلقيني: اختلفوا في فهم كلام المختصر في قوله فصلاة المنفرد أحب إلى منه
فقالت طائفة أراد أن صلاة التراويح انفرادا أفضل من إقامتها جماعة قال الماوردي وبهذا قال أكثر
أصحابنا ومنهم من قال: أراد أن الراتبة التي قال عنها في الوجه الثاني صلاة المنفرد وهي الوتر وركعتا
الفجر أفضل من التراويح وإن شرعت للتراويح الجماعة وفى المجموع للمحاملي ان هذا قاله ابن سريج
وعامة أصحابنا وكل من ذكر هذا التأويل من الشيخ أبى حامد والقاضي أبى الطيب وابن الصباغ
وغيرهم يخصصه بركعتي الفجر والوتر ولم يقل أحد من الأصحاب المتقدمين بتفضيل الرواتب غير الوتر
وركعتي الفجر من سنة الظهر وغيرها على التراويح تفريعا على استحباب الجماعة في التراويح إلا
المتأخرون وصححوه واتبعوا فيه إطلاق إمام الحرمين ومن تبعه وهو مردود مخالف لنص الشافعي في
البويطي الذي سنذكره ومخالف لما اتفق عليه الأصحاب القدماء فهو شئ لا يلتفت إليه ولا يعول عليه
بل بالغ القاضي أبو الطيب فجعل صلاة التراويح مقدمة على صلاة الاستسقاء وعلى صلاة الجنازة وفى
مختصر البويطي في ترجمة طهارة الأرض والوتر سنة وركعتا الفجر سنة والعيدان سنة والكسوف
والاستسقاء سنة مؤكدة وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى ركعتين قبل الظهر وركعتين
بعد الظهر وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد الفجر قبل أن يصلى الصبح والكسوف والعيدان
والاستسقاء أوكد وقيام رمضان في معناها في التوكيد هذا نص البويطي وقد صححوا أن الجماعة
تستحب في صلاة التراويح فقضية ذلك تقديم صلاة التراويح على الرواتب مطلقا من الوتر والفجر
وغيرهما وهو القياس وإن كان في كلام البويطي أو لا يمكن إخراج الوتر وركعتي الفجر منه لكنه تغيير
والأصح تقديم التراويح على الرواتب مطلقا تفريعا على استحباب الجماعة في التراويح وأما التفريع على
أنه لا يستحب فيها الجماعة فقد قال جمع من الأصحاب لا خلاف يفضل الرواتب عليها وليس كذلك
بل يخرج من وجه أبى إسحاق المقدم صلاة الليل على سنة الفجر وغيرها من الرواتب أن التراويح
أفضل لأنها من قيام الليل وقد قواه بعضهم بما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
سئل أي الصلاة أفضل بعد الفريضة فقال صلاة الليل وهذا القول هو ممن قال لا خلاف أن الرواتب
أفضل من التراويح تفريعا على أن الجماعة لا تستحب فيها وليس الامر كما قال (7) وأما قول الشافعي
رحمه الله تعالى وقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري عن أبان عن إبراهيم عن علقمة عن
عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر قبل الركعة قال عبد الرزاق ويكبر إذا رفع رأسه
من الركعة ثم يكبر أيضا إذا خر وبه نأخذ وما ذكره عبد الرزاق من أنه يكبر إذا رفع رأسه من الركعة لا
يعرف والمعروف إنما هو سمع الله لمن حمده والتحميد إلى آخر ما جاء فيه ولعله ويكبر ويكبر أيضا إذا
ركع وهكذا بعد عن القنوت قبل الركوع وسيأتي.
167

القنوت من الوتر ويشبه قوله بعد الركوع كما قال في قنوت الصبح ولما كان قول من رفع رأسه بعد
الركوع سمع الله لمن حمده وهو دعاء كان هذا الموضع للقنوت الذي هو دعاء أشبه ولان من قال يقنت
قبل الركوع يأمره يكبر قائما ثم يدعو وإنما حكم من يكبر بعد القيام إنما هو للركوع فهذه تكبيرة زائدة في
الصلاة لم تثبت بأصل ولا قياس (1) وفى كتاب اختلاف علي وعبد الله بن مسعود أخبرنا الربيع قال
أخبرنا الشافعي قال: قال هشيم عن عطاء بن السائب إن عليا كان يقنت في الوتر بعد الركوع وهم لا
يأخذون بهذا يقولون يقنت قبل الركوع وإن لم يقنت قبل الركوع لم يقنت بعده وعليه سجدتا السهو (2)
(قال الشافعي) وآخر الليل أحب إلى من أوله وأن جزء الليل أثلاثا فالأوسط أحب إلى أن يقومه فإن
فاته الوتر حتى يصلى الصبح لم يقض قال ابن مسعود الوتر ما بين العشاء والفجر وإن فاتت ركعتا الفجر
حتى تقام الظهر لم يقض لان أبا هريرة قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (3) وفى اختلاف

(1) قال السراج البلقيني: ما ذكره المزني أنه لا يعلمه للشافعي قد علمه غيره فروى حرملة عن
الشافعي أنه بعد الركوع وفى جمع الجوامع وقال الشافعي في رواية حرملة القنوت كله بعد الركوع.
(2) قال السراج البلقيني: ولم يتعرض الشافعي رحمه الله تعالى في اختلاف على وعبد الله للاخذ
به ولكنه أومأ إليه والمعتمد في مذهبه ما نص عليه في رواية حرملة أنه بعد الركوع وقال ابن سريج قبل
الركوع وفى وجه يتخير وإذا قلنا يقنت قبل الركوع فلا يكبر على الأصح وقيل يكبر وهو الذي نقله
المازني عن الذين يقولون القنوت قبل الركوع وقد تقدم ما في ذلك.
(3) قال السراج البلقيني: ما ذكره المزني عن الشافعي من أنه إذا فاته الوتر حتى يصلى الصبح لم
يقض ظاهره أنه يوتر قبل صلاة الصبح إداء والمصير إلى أنه يقضيه بعد الفجر إلى صلاة الصبح خلاف
الظاهر وقد ذكر البويطي في مختصره في طهارة الأرض فقال ومن طلع الفجر عليه قبل أن يوتر فليوتر ما
بينه وبين أن يصلى الصبح فإن صلى الصبح فلا إعادة عليه وهذا يقتضى أن وقت الوتر بعد فعل العشاء
إلى أن يصلى الصبح وفى جمع الجوامع عن الشافعي رحمه الله وقت الوتر ما بين الصلاتين صلاة العشاء
وصلاة الفجر فإن صلى الصبح قبل أن يصلى الوتر لم يقضه ولو صرنا إلى النظر لم يقض واحدة منهما
(يعنى الوتر والفجر) ولكنا إنما اتبعنا فيه الأثر روينا عن ابن عمر أنه قضى ركعتي الفجر وأخبر أنه لا
قضاء عليه في الوتر والكلام على قضاء ما ذكر سيأتي وقد نص في سنن حرملة على ما يقتضى أن الوتر
يخرج وقته بطلوع الفجر وهو المعتمد عند الأصحاب قال البيهقي في المعرفة في ترجمة وقت الوتر قال
الشافعي في سنن حرملة أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال حدثني سليمان بن موسى
قال حدثني نافع أن ابن عمر كان يقول من صلى من الليل فليجعل آخره وترا فإن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أمر بذلك فإذا كان الفجر فقد ذهب صلاة الليل والوتر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أوتروا قبل الفجر والقائل فإذا كان الفجر إلى آخر الخبر هو ابن عمر وقد رواه البيهقي في السنن من
غير طريق الشافعي فأخرجه من طريق أحمد بن الوليد الفحام حدثنا أحمد بن حجاج من طريق محمد
بن الفرح الأزرق قال حدثنا حجاج بن محمد قال قال ابن جريج أخبرني سليمان بن موسى حدثنا نافع ان
ابن عمر كان يقول من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وترا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
بذلك فإذا كان الفجر فقد ذهب صلاة الليل والوتر لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أوتروا قبل
الفجر وما أشار إليه الشافعي من أثر ابن مسعود ذكره في القديم أيضا فقال ويصلى الوتر ما لم يصله
الصبح وذكر عن ابن مسعود الوتر ما بين صلاتين صلاة العشاء الآخرة إلى صلاة الفجر والأثر أخرجه
البيهقي في المعرفة والسنن من حديث الأسود عن ابن مسعود.
168

علي وابن مسعود رضي الله عنهما أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن أبي هارون
الغنوي عن خطاب بن عبد الله قال قال علي رضي الله عنه الوتر ثلاثة أنواع فمن شاء أن يوتر أول الليل
أوتر ثم إن استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة ويصلى ركعتين ركعتين حتى يصبح وإن شاء أوتر آخر الليل
وهم يكرهون ان ينقض الرجل وتره ويقولون إذا أوتر صلى مثنى مثنى (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال يزيد بن هارون عن حماد عن عاصم عن أبي عبد الرحمن أن عليا رضي الله عنه حين ثوب
المؤذن فقال أين السائل عن الوتر نعم ساعة الوتر هذه ثم قرأ والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس وهم
لا يأخذون بهذه ويقولون ليست هذه من ساعات الوتر (2) (قال الشافعي) هشيم عن حصين قال حدثنا
ابن ظبيان قال كان علي رضي الله عنه يخرج إلينا ونحن ننظر إلى تباشير الصبح فيقول الصلاة الصلاة
فإذا قام الناس قال نعم ساعة الوتر هذه فإذا طلع الفجر صلى ركعتين فأقيمت الصلاة (3) وفى البويطي

(1) قال السراج البلقيني سكت الشافعي هنا عن مذهبه في أنه لا ينقض الوتر وقد ذكرناه فيما
سبق وهو أنه لا ينقضه ولمن ذكر من أصحابه وجها أنه ينقضه أن يتعلق بسكوت الشافعي هنا.
(2) قال السراج البلقيني: يزيد بن هارون لم يسمع منه الشافعي والحكاية معلقة وقد سكت
الشافعي هنا عن مذهبه وقد سبق من رواية المزني والبويطي إن وقت الوتر إلى صلاة الصبح وقد سبق ما
في رواية حرملة أنه إلى طلوع الفجر والمعتمد في ذلك.
(3) قال السراج البلقيني كذا وقع في نسخة الام ابن ظبيان وإنما هو أبو ظبيان بكسر الظاء
المعجمة حصين بن جندب وهو الراوي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو بضم الحاء وفتح
الصاد المهملتين وكذا الراوي عنه وهو حصين بن عبد الرحمن السلمى والمروى عن علي في هذه الرواية
يقتضى تقديم الوتر على طلوع الفجر فخلاف الروايات السابقة وروى البيهقي في السنن من حديث
عاصم بن ضمرة أن قوما أتو عليا فسألوه عن الوتر فقال سألتم عنه أحدا فقالوا سألنا أبا موسى فقال لا
وتر بعد الآذان فقال لقد أغرق في النزع فأفرط في الفتوى كل شئ ما بينك وبين صلاة الغداة وتر
متى أوترت فحسن ولم يذكر الشافعي في وقت الوتر من رواية المزني في مختصره والربيع في الام إلا
الآثار التي تقدمت ولكنه في رواية حرملة ذكر الخبر الذي رواه من طريق ابن عمر وقد تقدم في ذلك
أخبار فمنها ما رواه أبو سعيد الخدري أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوتر فقال الوتر قبل
الصبح أخرجه مسلم في صحيحه وفى رواية أوتروا قبل أن تصبحوا وفى صحيح مسلم من طريق ابن
عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بادروا الصبح بالوتر " وفى الصحيحين عن ابن عمر من كل
الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوله وأوسطه وآخره حتى انتهى وتره إلى السحر وفيهما
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي الصبح
صلى واحدة وأما الحديث الذي رواه خارجة بن حذافة العذري أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: " إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم وهي لكم ما بين صلاة العشاء إلى
طلوع الفجر الوتر الوتر " أخرجه البيهقي ثم قال البخاري لا يعرف لاسناده سماع بعضهم من بعض
ويقابل هذه الأخبار أخبار تقتضي أنه يصلى الوتر بعد الصبح فمن ذلك ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال: " إذا أصبح أحدكم ولم يوتر فليوتر " ومنها حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يصبح فيوتر وفى حديث أبي الدرداء ربما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر وقد قام
الناس لصلاة الصبح أخرجها كلها البيهقي وقال عن هذا تفرد به حاتم بن سالم وحديث ابن جريج
أصح يعني الذي ذكر فيه أن أبا الدرداء خطب فقال من أدرك الصبح فلا وتر له وأن عائشة رضي الله عنه
ا ردت عليه في ذلك بما روته من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وروى البيهقي عن أبن عمر أن النبي
صلى الله عليه وسلم أصبح فأوتر قال البيهقي هكذا وجدته في الفوائد الكبير ثم روى عن ابن عمر أنه
أصبح ولم يوتر أو كاد يصبح أو أصبح إن شاء الله أوتر قال وهذا أشبه وروى عن الأغر المزني أن رجلا
أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر قال إنما الوتر بالليل ثلاث مرات أو
أربعا قم فأوتر وما ذكره المزني عن الشافعي من أنه لا يقضى الوتر إذا صلى الصبح وذلك ما قدمناه من
رواية البويطي حكاه المزني عن الأصحاب عن الشافعي في باب " الساعات التي تكره فيها صلاة
التطوع " وهو قبل باب صلاة التطوع فقال قال أصحابنا قال الشافعي التطوع وجهان فذكر ما سبق أول
ما نقلنا عنه ثم قال وقالوا إن فاته الوتر حتى يصلى الصبح لم يقض وإن فاته ركعتا الفجر حتى تقام
الظهر لم يقض وقالوا فأما صلاة فريضة أو جنازة أو مأمور بها مؤكدة إن لم تكن فرضا أو كان يصليها
فأغفلها فتصلى في الأوقات التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها للدلالة عن النبي صلى الله عليه
وسلم من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها وبأنه رأى قيسا يصلى بعد الصبح فقال ما هاتان
الركعتان؟ فقال ركعتا الفجر فلم ينكره وبأنه صلى ركعتين بعد العصر قال فسألته عنهما أم سلمة فقال هما
ركعتان كنت أصليهما فشغلني عنهما الوفد وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أحب الأعمال إلى الله
أدومها وإن قل فأحب فضل الدوام فقال لهم فإذا سويتم في القضاء بين التطوع الذي ليس بمؤكد وبين
الفرض لدوام التطوع الذي ليس بأوكد فلم أبيتم قضاء الوتر الذي هو أوكد ثم ركعتي الفجر اللتين تليان
في التأكيد اللتين هما أوكد وهذا من القول غير مشكل وبالله التوفيق ومن احتجاجكم قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم في قضاء التطوع من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها وخالفتم ما
احتججتم في هذا المعنى فإن قالوا فنقول القضاء على القرب لا على البعد قيل لهم لو كان كذلك لكان ينبغي على معنى ما قلتم ان لا تقضى ركعتا الفجر نصف النهار لبعد قضائهما من طلوع الفجر وأنتم تقولون
تقضى ما لم تصل الظهر وهذا تباعد وكان ينبغي أن تقولوا إن صلى الصبح عند الفجر إن له أن يقضى
الوتر لان وقتها إلى الفجر أقرب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي
أحدكم الصبح فليوتر فهذا قريب من الوقت وأنتم لا تقولون به. وفى ذلك أبطال ما اعتللتم به هذا
كلام المزني وكثير مما أشار إليه سيأتي في نقل الربيع عن الشافعي في باب " الساعات التي نهى عن
الصلاة فيها " وقد أثبت الأصحاب قولا للشافعي بإثبات القضاء للمؤقتة التي لا تتعلق بسبب مطلقا
وصححه جمع منهم وهو المعتمد في المذهب كما اختاره المزني وللشافعي كلام في قضاء العيد يأتي في
موضعه وفى القديم إذا لم يصل ركعتي الفجر حتى تقام الصلاة لم أحب ان يصليهما وإذا فاتته أحببت
له أن يقضيهما في يومه بعدما تطلع الشمس وكذلك حكاه البيهقي وخرج من ذلك كله في قضاء
الرواتب المذكورة أقوال أصحها يقضى أبدا والثاني يقضى الوتر ما لم يصل الصبح ويقضى سنة الصبح
ما لم يصل الظهر وعلى هذا المثال ونسب هذا بعض المصنفين إلى حكاية الخراسانيين وضعفه وهذا
القول هو منصور المختصر في باب الساعات التي نهى عن الصلاة فيها حكاه عن حكاية الأصحاب
عن الشافعي وهو أحد المحملين لما ذكره من النص في باب صلاة التطوع لكنه خصص في باب
الساعات التي نهى عن الصلاة فيها بالوتر وركعتي الفجر خاصة دون ما عداهما ولم أر من حكى هذا
القول المفصل للمزني وكأن من عداه إلى بقية الرواتب لم يقف على كلام المزني وعداه بالعلة فيخرج من
مجموع ذلك ثلاثة أقوال والرابع أنه يقضي فائتة النهار ما لم تغرب شمسه وفائتة الليل ما لم يطلع فجره
وفى القديم ما يدل على هذا ففي جمع الجوامع وإذا فاتته ركعتا الفجر أحببت له أن يقضيهما في يومه
والقول الخامس ما استقل كالعيد والضحى يقضى وما لا يستقل فلا يقضى بعدما تطلع الشمس وعلى
هذا ينبغي أن يقضى الوتر لأنه مستقل والقول السادس أنه لا يقضى ركعتي الفجر إذا زالت الشمس
ذكره البويطي ومنهم من يحتكه وجها وكل هذا يخرج مما سبق وما ذكره المزني من الاحتجاج أن من
فاتته ركعتا الفجر يقضيهما إذا صلى الظهر بما ذكره من قول أبي هريرة رضي الله عنه لم يذكره بما ذكره
الشافعي في القديم وإنما ذكر إذا لم يصلهما حتى صلى الصلاة يعنى الصبح فذكر هذا عن أبي هريرة
وهذا موضعه فحوله المزني إلى صلاة الظهر وذكر هذا الأثر ولو كان معناه إذا أقيمت الصلاة ذهبت
الصلاة التطوعات التي قبلها فلا تفعل بعد ذلك ولا صلاة إلا المكتوبة لكان قضية هذا أن لا يركع
ركعتي الفجر بعد فعل الصبح وقد قال الشافعي في رواية البويطي فإن صلاهما بعد الصبح؟ فحس؟ وقد
تقدم فيه حديث قيس فظهر أن المزني حصل له خلل في هذا الموضع وما ذكره عن أبي هريرة رواه
الشافعي في القديم موقوفا عليه من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قوله ورواه سعيد بن منصور في سننه موقوفا إلا أنه قال في آخره فقلت لسفيان مرفوع؟ قال
نعم ثم ذكر البيهقي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من نام عن
حزبه أو عن شئ منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل وقال رواه
مسلم في الصحيح قال وقد روينا حديث أم سلمة قضاء النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين اللتين شغله
عنهما الوفد قال فقضاء النوافل به وبما ذكرناه ثابت وإن كان الاستحباب بقضائهما على القرب آكد وقد
نص الشافعي على استحباب القضاء في العيد لما ذكر فيه وإن لم يكن راتبا ونحن نذكره في موضعه إن
شاء الله وكان البيهقي قبل ذلك ذكر رواية بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
من لم يصل ركعتي الفجر حتى تطلع الشمس فليصلهما وقال في السنن الكبير تفرد به عمرو بن عاصم
وهو ثقة.
169

يقرأ في ركعتي الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد أحب إلى وإن قرأ غير هذا مع أم القرآن
170

أجزأه وفيه في آخر ترجمة طهارة الأرض ومن دخل مسجدا فليركع فيه قبل أن يجلس فإن رسول الله
171

صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وقال: " تحية المسجد ركعتان " (1).
باب الساعات التي تكره فيها الصلاة
وهو مذكور في اختلاف الحديث أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن محمد بن
يحيى ابن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد
العصر حتى تغرب الشمس وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس (2) أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يتحرى أحدكم
فيصلى عند طلوع الشمس ولا عند غروبها (3) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن
زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن الصنابحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الشمس تطلع
ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها فإذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت إلى الغروب
قارنا فإذا غربت فارقها ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات (4) (قال

(1) قال السراج البلقيني: ما ذكره من الخبر رواه البخاري ومسلم من حديث أبي قتادة وقوله وقال
تحية المسجد ركعتان الظاهر أن هذا من قول الشافعي ويحتمل أن يكون من قول النبي صلى الله عليه
وسلم ولم أقف على أن النبي صلى الله عليه وسلم سماها تحية إلا في حديث واحد ذكره أبو نعيم في حلية
الأولياء في ترجمة أبي ذر رضي الله عنه من حديث أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر قال دخلت
المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده فجلست إليه فقال " يا أبا ذر أين تحية المسجد
وإن تحيته ركعتان فقم فاركعهما " فقمت فركعتهما ثم عدت فجلست إليه وروى الأشرم في سننه بإسناد
جيد أنه صلى الله عليه وسلم قال " أعطوا المساجد حقها " قالوا: يا رسول الله، وما حقها قال أن تصلى
ركعتين قبل أن تجلس.
(2) قال السراج البلقيني: حديث أبي هريرة هذا من طريق مالك أخرجه مسلم في صحيحه من
طريق يحيى ابن يحيى وهو في روايتنا الموطأ من طريق يحيى بن يحيى عن مالك وكذلك، وأخرج
البخاري ومسلم حديث أبي هريرة من حديث حفص بن عاصم عن أبي هريرة.
(3) قال السراج البلقيني: حديث ابن عمر أخرجه الصحيحان البخاري من حديث عبد الله بن
يوسف وأخرجه مسلم من حديث يحيى بن يحيى وهو في روايتنا الموطأ من طريق يحيى بن يحيى عن
مالك كذلك.
(4) قال السراج البلقيني: حديث الصنابحي هذا هو في الموطأ روايتنا من طريق يحيى بن يحيى
وأخرجه النسائي من حديث قتيبة عن مالك كذلك وأما ابن ماجة فأخرج الحديث من طريق شيخه
إسحاق بن منصور الكوسج عن عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي
عبد الله الصنابحي كذا وقع في كتاب ابن ماجة عن أبي عبد الله واعلم أن جماعة من الأقدمين نسبوا
الامام مالكا إلى أنه وقع له خلل في هذا الحديث باعتبار اعتقادهم أن الصنابحي في هذا الحديث هو
عبد الرحمن ابن عسيلة أبو عبد الله وإنما صحب أبا بكر الصديق رضي الله عنه وليس الامر كما زعموا
بل هذا صحابي غير عبد الرحمن بن عسيلة وغير الصنابحي بن الأعسر الأحمسي وقد بينت ذلك بيانا
شافيا في تصنيف لطيف سميته " الطريقة الواضحة في تبيين الصنابحة " فلينظر ما فيه فإنه نفيس.
172

الشافعي) وروى عن إسحاق بن عبد الله عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " نام عن
الصبح فصلاها بعد أن طلعت الشمس ثم قال من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل
يقول " أقم الصلاة لذكرى " (2) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار
عن نافع بن جبير عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم في سفر فعرس فقال ألا رجل صالح يكلؤنا الليلة لا نرقد عن الصلاة؟ فقال بلال أنا يا رسول
الله قال فاستند بلال إلى راحلته واستقبل الفجر قال فلم يفزعوا إلا بحر الشمس في وجوههم فقال رسول

(1) قال السراج البلقيني: هذا الحديث رواه الشافعي في غير هذا الموضع عن إبراهيم بن محمد
عن إسحاق ابن عبد الله عن سعيد المقبري عن أبي هريرة كما ذكر هنا وإنما أسقط هنا شيخه إبراهيم بن
محمد وهذا الحديث ضعيف، في إسناده إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وقد اتفقوا على ضعفه ولم
يجعل الشافعي هذا الحديث عمدة في هذا الاستثناء وفى مختصر المزني ذكر عن أبي سعيد الخدري أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا في يوم الجمعة
وحديث أبي سعيد هذا قد أشار إليه البيهقي بعد روايته حديث أبي هريرة فقال وروى في ذلك عن أبي
سعيد الخدري وعمرو بن عنبسة مرفوعا وكان قد قدم حديث مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة عن
النبي صلى الله عليه وسلم انه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وقال إن جهنم تسجر إلا يوم
الجمعة وهذا الحديث أخرجه أبو داود وقال هو مرسل مجاهد أكبر من أبى الخليل وأبو الخليل لم يسمع
من أبى قتادة وما ذكره أبو داود من أن أبا الخليل لم يسمع من أبى قتادة يقتضى انقطاعا في السند
فسماه مرسلا ولا حجة مع الانقطاع قال البيهقي الاعتماد على أن النبي صلى الله عليه وسلم استحب
التبكير إلى الجمعة ثم رغب في الصلاة إلى خروج الامام من غير تخصيص ولا استثناء وما ذكره البيهقي
أشار الشافعي إلى ما هو أقوى منه وهو قوله في آخر الباب لان من شأن الناس التهجير للجمعة والصلاة
إلى خروج الإمام قال وهذا مثل الحديث في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام اليوم قبل شهر
رمضان إلا أن يوافق ذلك صوم رجل كان يصومه وأشار الشافعي بذلك إلى أن هذا عمل متفق عليه
مستثنى من أحاديث النهى ويقتضيه القياس على مسألة الصوم وأيضا فإن هذا الترغيب لم يطرقه
تخصيص بخلاف أحاديث النهى فإنها مخصوصة بأمور كما سيأتي.
(2) قال السراج البيهقي: كذا رويناه في الموطأ من رواية يحيى بن يحيى مرسلا وقد وصله يونس
بن يزيد عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة وقد أخرجه مسلم في صحيحه في القدر
موصولا كما ذكر.
173

الله صلى الله عليه وسلم يا بلال فقال بلال يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك قال فتوضأ
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى ركعتي الفجر ثم اقتادوا رواحلهم شيئا ثم صلى الفجر (قال
الشافعي) وهذا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم متصلا من حديث أنس وعمران ابن حصين عن
النبي صلى الله عليه وسلم ويزيد أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم من نسي الصلاة أو نام عنها
فليصلها إذا ذكرها ويزيد الآخر أي حين ما كانت (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
سفيان عن أبي الزبير عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا
بنى عبد مناف من ولى منكم من أمر الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء
من ليل أو نهار (2) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن
عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو مثل معناه لا يخالفه وزاد عطاء: يا بنى عبد المطلب يا بني هاشم
أو يا بنى عبد مناف أخبرنا الربيع قال أخبرنا سفيان عن عبد الله ابن أبي لبيد قال سمعت أبا سلمة
قال قدم معاوية المدينة قال فبينا هو على المنبر إذ قال يا كثير بن الصلت اذهب إلى عائشة فسلها عن
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر قال أبو سلمة فذهبت معه وبعث ابن عباس
عبد الله بن الحرث بن نوفل معنا قال اذهب فاسمع ما تقول أم المؤمنين قال فجاءها فسألها فقالت له
عائشة لا علم لي ولكن اذهب إلى أم سلمة فسلها قال فذهبنا معه إلى أم سلمة فقالت دخل على رسول
الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بعد العصر فصلى عندي ركعتين لم أكن أراه يصليهما فقلت يا رسول
الله لقد صليت صلاة لم أكن أراك تصليها قال إني كنت أصلى ركعتين بعد الظهر وانه قدم على وفد
بنى تميم أو صدقة فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
سفيان ابن عيينة عن قيس عن محمد بن إبراهيم التيمي عن جده قيس قال رآني رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأنا أصلى ركعتين بعد الصبح فقال هاتان الركعتان يا قيس؟ فقلت لم أكن صليت ركعتي
الفجر فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وليس بعد هذا اختلافا في الحديث بل
بعض هذه الأحاديث يدل على بعض فجماع نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم عن الصلاة
بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد ما تبدو حتى تبرز عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد
مغيب بعضها حتى يغيب كلها وعن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة ليس على
كل صلاة لزمت المصلى بوجه من الوجوه أو تكون الصلاة مؤكدة فأمر بها وإن لم تكن فرضا أو صلاة
كان الرجل يصليها فأغفلها وإذا كانت واحدة من هذه الصلوات صليت في هذه الأوقات بالدلالة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إجماع الناس في الصلاة على الجنائز بعد الصبح والعصر (قال
الشافعي) فإن قال قائل فأين الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل في قوله " من نسي صلاة أو
نام عنها فليصلها إذا ذكرها " فإن الله عز وجل يقول " أقم الصلاة لذكرى " وأمره أن لا يمنع أحد
طاف بالبيت وصلى أي ساعة شاء وصلى المسلمون على جنائزهم بعد الصبح والعصر (قال الشافعي)

(1) قال السراج البلقيني: حديث أنس أخرجه البخاري ومسلم وكذلك حديث عمران ولفظه
" أي حين ما كانت " لم أقف عليها وأشار الشافعي بذلك إلى أن هذا عمل متفق عليه.
(2) قال السراج البلقيني: هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة وقال الترمذي حديث
حسن صحيح وباباه بباء موحدة مكررة ويقال بأبيه أيضا وبابي:
174

وفيما روت أم سلمة من أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها ركعتين بعد العصر كان يصليهما بعد
الظهر فشغل عنهما بالوفد فصلاهما بعد العصر لأنه كان يصليهما بعد الظهر فشغل عنهما قال وروى قيس
جد يحيى ابن سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه يصلى ركعتين بعد الصبح فسأله فأخبره بأنهما ركعتا
الفجر فأقره لان ركعتي الفجر مؤكدتان مأمور بهما فلا يجوز إلا أن يكون نهيه عن الصلاة في الساعات
التي نهى عنها على ما وصفت من كل صلاة لا تلزم فأما كل صلاة كان يصليها صاحبها فأغفلها أو
شغل عنها وكل صلاة أكدت وإن لم تكن فرضا كركعتي الفجر والكسوف فيكون نهى النبي صلى الله
عليه وسلم فيما سوى هذا ثابتا (قال الشافعي) والنهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر ونصف النهار
مثله إذا غاب حاجب الشمس وبرز لا اختلاف فيه لأنه نهى واحد وهذا مثل نهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة لان من شأن الناس التهجير
للجمعة والصلاة إلى خروج الامام (قال) وهذا مثل الحديث في نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن
صيام اليوم قبل شهر رمضان إلا أن يوافق ذلك صوم رجل كان يصومه.
باب الخلاف في هذا الباب
حدثنا الربيع قال الشافعي رحمه الله تعالى فخالفنا بعض أهل ناحيتنا وغيره فقال يصلى على الجنائز
بعد العصر وبعد الصبح ما لم تقارب الشمس أن تطلع وما لم تتغير الشمس واحتج في ذلك بشئ رواه
عن ابن عمر يشبه بعض ما قال (قال الشافعي) وابن عمر إنما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم النهى أن
يتحرى أحد فيصلى عند طلوع الشمس وعند غروبها ولم أعلمه روى عنه النهى عن الصلاة بعد العصر
ولا بعد الصبح فذهب ابن عمر إلى أن النهى مطلق على كل شئ فنهى عن الصلاة على الجنائز لأنها
صلاة في هذين الوقتين وصلى عليها بعد الصبح وبعد العصر لأنا لم نعلمه روى النهى عن الصلاة في
هذه الساعات (قال الشافعي) فمن علم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح
والعصر كما نهى عنها عند طلوع الشمس وعند غروبها لزمه أن يعلم ما قلنا من أنه إنما نهى عنها فيما لا
يلزم ومن روى يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر ركعتين كان يصليهما بعد الظهر شغل
عنهما وأقر قيسا على ركعتين بعد الصبح لزمه أن يقول نهى عنها فيما لا يلزم ولم ينه الرجل عنه فيما اعتاد
من صلاة النافلة وفيما تؤكد منها عليه ومن ذهب هذا عليه وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس فلا يجوز له أن يقول إلا بما
قلنا به أو ينهى عن الصلاة على الجنائز بعد الصبح والعصر بكل حال (قال الشافعي) وذهب أيضا إلى
أن لا يصلى أحد للطواف بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس واحتج
بأن عمر بن الخطاب طاف بعد الصبح ثم نظر فلم ير الشمس طلعت فركب حتى أناخ بذى طوى
فصلى (قال الشافعي) فإن كان عمر كره الصلاة في تلك الساعة فهو مثل مذهب ابن عمر وذلك أن
يكون علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر فرأى نهيه مطلقا
فترك الصلاة في تلك الساعة حتى طلعت الشمس ويلزم من قال هذا أن يقول لا صلاة في جميع
الساعات التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها لطواف ولا على جنازة وكذلك يلزمه أن
لا يصلى فيها صلاة فائتة وذلك من حين يصلى الصبح إلى أن تبرز الشمس وحين يصلى العصر إلى أن
175

يتتام مغيبها ونصف النهار إلى أن تزول الشمس (قال الشافعي) وفى هذا المعنى أن أبا أيوب الأنصاري
سمع النبي صلى الله عليه وسلم ينهى أن تستقبل القبلة أو بيت المقدس لحاجة الانسان قال أبو أيوب
فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد صنعت فننحرف ونستغفر الله وعجب ابن عمر ممن يقول لا تستقبل
القبلة ولا بيت المقدس لحاجة الانسان وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبلا
بيت المقدس لحاجته (قال الشافعي) علم أبو أيوب النهى فرآه مطلقا وعلم ابن عمر استقبال النبي صلى
الله عليه وسلم لحاجته ولم يعلم النهى ومن علمهما معا قال النهى عن استقبال القبلة وبيت المقدس في
الصحراء التي لا ضرورة على ذاهب فيها ولا ستر فيها لذاهب لان الصحراء ساحة يستقبله المصلى أو
يستدبره فترى عورته إن كان مقبلا أو مدبرا وقال لا بأس بذلك في البيوت لضيقها وحاجة الانسان إلى
المرفق فيها وسترها وإن أحدا لا يرى من كان فيها إلا أن يدخل أو يشرف عليه (قال الشافعي) وفى هذا
المعنى أن أسيد بن حضير وجابر بن عبد الله صليا مريضين قاعدين بقوم أصحاء فأمراهم بالقعود معهما
وذلك أنهما والله أعلم علما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأمرهم
بالجلوس فأخذا به وكان الحق عليهما ولا أشك أن قد عزب عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
صلى في مرضه الذي مات فيه جالسا وأبو بكر إلى جنبه قائما والناس من ورائه قياما فنسخ هذا أمر النبي
صلى الله عليه وسلم بالجلوس وراءه إذا صلى شاكيا وجالسا وواجب على كل من علم الامرين معا ان يصير
إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم الآخر إذا كان ناسخا للأول أو إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم الدال
بعضه على بعض (قال الشافعي) وفى مثل هذا المعنى أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خطب
الناس وعثمان بن عفان محصور فأخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن إمساك لحوم الضحايا
بعد ثلاث وكان يقول به لأنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن واقد رواه عن النبي صلى
الله عليه وسلم وغيرهما فلما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه عند الدافة ثم قال كلوا
وتزودوا وادخروا وتصدقوا وروى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن لحوم
الضحايا بعد ثلاث ثم قال كلوا وتزودوا وتصدقوا كان يجب على من علم الامرين معا ان يقول نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عنه لمعنى وإذا كان مثله فهو منهي عنه وإذا لم يكن مثله لم يكن منهيا عنه أو
يقول نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في وقت ثم أرخص فيه من بعد والآخر من أمره ناسخ للأول
(قال الشافعي) وكل قال بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما يدل على أنه قاله على معنى دون معنى أو نسخه فعلم الأول ولم يعلم غيره فلو علم أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيه صار إليه إن شاء الله (قال الشافعي) ولهذا أشباه غيره في الأحاديث وإنما
وضعت هذه الجملة عليه لتدل على أمور غلط فيها بعض من نظر في العلم ليعلم من علمه إن من
متقدمي الصحبة وأهل الفضل والدين والأمانة من يعزب عنه من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم
شئ علمه غيره ممن لعله لا يقاربه في تقدم صحبته وعلمه ويعلم أن علم خاص السنن إنما هو علم
خاص لمن فتح الله عز وجل له علمه لا أنه عام مشهور شهرة الصلاة وجمل الفرائض التي كلفتها
العامة ولو كان مشهورا شهرة جمل الفرائض ما كان الامر فيما وصفت من هذا وأشباهه كما وصفت
ويعلم أن الحديث إذا رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك ثبوته وأن لا نعول على
حديث ليثبت أن وافقه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا يرد لان عمل بعض أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم عملا خالفه لان لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين كلهم حاجة
176

إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم اتباعه لا أن شيئا من أقاويلهم تبع ما روى عنه ووافقه يزيد
قوله شدة ولا شيئا خالفه من أقاويلهم يوهن ما روى عنه الثقة لان قوله المفروض اتباعه عليهم وعلى
الناس وليس هكذا قول بشر غير رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فإن قال قائل صح
الحديث المروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خالفه بعض أصحابه جاز له أن يتهم عن بعض
أصحابه لخلافه لان كلا روى خاصة ومعا وإن بينهما مما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى أن
يصار إليه ومن قال منهم قولا لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز لاحد أن يقول إنما قاله عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وصفت من أنه يعزب عن بعضهم بعض قوله ولم يجز أن نذكره عنه إلا
رأيا له ما لم يقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان هكذا لم يجز أن يعارض بقول أحد قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو قال قائل لا يجوز أن يكون إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم
يحل له خلاف من وضعه هذا الموضع وليس من الناس أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد
أخذ من قوله وترك لقوله غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز في قول النبي صلى
الله عليه وسلم أن يرد لقول أحد غيره فإن قال قائل فاذكر لي في هذا ما يدل على ما وصفت فيه قيل له
ما وصفت في هذا الباب وغيره متفرقا وجملة ومنه أن عمر بن الخطاب إمام المسلمين والمقدم في
المنزلة والفضل وقدم الصحبة والورع والثقة والثبت والمبتدئ بالعلم قبل أن يسأله والكاشف عنه لان
قوله حكم يلزم حتى كان يقضى بين المهاجرين والأنصار أن الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها
شيئا حتى أخبره أو كتب إليه الضحاك بن سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة
أشيم الضبابي من دية زوجها فرجع إليه عمر وترك قوله وكان عمر يقضى أن في الابهام خمس عشرة
والوسطى والمسبحة عشرا عشرا وفى التي تلى الخنصر تسعا وفى الخنصر ستا حتى وجد كتابا عند آل
عمرو بن حزم الذي كتبه له النبي صلى الله عليه وسلم وفى كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل فترك
الناس قول عمر وصاروا إلى كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ففعلوا في ترك أمر عمر لأمر النبي صلى الله
عليه وسلم فعل عمر في فعل نفسه في أنه ترك فعل نفسه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وذلك الذي
أوجب الله عز وجل عليه وعليهم وعلى جميع خلقه (قال الشافعي) وفى هذا دلالة على أن حاكمهم
كان يحكم برأيه فيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنة لم يعلمها ولم يعلمها أكثرهم وذلك يدل على
أن علم خاص الاحكام خاص كما وصفت لا عام كعام جمل الفرائض (قال الشافعي) وقسم أبو بكر
حتى لقى الله عز وجل فسوى بين الحر والعبد ولم يفضل بين أحد بسابقة ولا نسب ثم قسم عمر فألغى
العبيد وفضل بالنسب والسابقة ثم قسم على فألغى العبيد وسوى بين الناس وهذا أعظم ما يلي الخلفاء وأعمه
وأولاه ان لا يختلفوا فيه وإنما جعل الله عز وجل في المال ثلاثة أقسام قسم الفئ وقسم الغنيمة وقسم
الصدقة فاختلف الأئمة فيها ولم يمتنع أحد من أخذ ما أعطاه أبو بكر ولا عمر ولا علي وفى هذا دلالة على
أنهم يسلمون لحاكمهم وإن كان رأيهم خلاف رأيه وإن كان حاكمهم قد يحكم بخلاف آرائهم لا أن
جميع أحكامهم من جهة الاجماع منهم وعلى أن من ادعى أن حكم حاكمهم إذا كان بين أظهرهم ولم
يردوه عليه فلا يكون إلا وقد رأوا رأيه قيل إنهم لو رأوا رأيه فيه لم يخالفوه بعده فإن قال قائل قد رأوه
في حياته ثم خلافه بعده: قيل له فيدخل عليك في هذا إن كان كما قلت إن إجماعهم لا يكون حجة عندهم
إذا كان لهم أن يجمعوا على قسم أبى بكر ثم يجمعوا على قسم عمر ثم يجمعوا على قسم على وكل واحد
منهم يخالف صاحبه فإجماعهم إذا ليس بحجة عندهم أولا ولا آخرا وكذلك لا يجوز إذا لم يكن عندهم
177

حجة أن يكون على من بعدهم حجة فإن قال قائل فكيف تقول قلت لا يقال لشئ من هذا إجماع
ولكن ينسب كل شئ منه إلى فاعله فينسب إلى أبى بكر فعله وإلى عمر فعله وإلى علي فعله ولا يقال
لغيرهم ممن أخذ منهم موافقة لهم ولا مخالفة ولا ينسب إلى ساكت قول قائل ولا عمل عامل إنما ينسب
إلى كل قوله وعمله وفى هذا ما يدل على أن ادعاء الاجماع في كثير من خاص الاحكام ليس كما يقول
من يدعيه فإن قال قائل أفتجد مثل هذا؟ قلنا: إنما بدأنا به لأنه أشهر ما صنع الأئمة وأولى أن لا
يختلفوا فيه وأن لا يجهله العامة ونحن نجد كثيرا من ذلك أن أبا بكر جعل الجد أبا ثم طرح الاخوة معه
ثم خالفه فيه عمر وعثمان وعلي. ومن ذلك أن أبا بكر رأى على بعض أهل الردة فداء وسبيا وحبسهم
لذلك فأطلقهم عمر وقال لا سبي ولا فداء مع غير هذا مما سكتنا عنه ونكتفي بهذا منه أخبرنا الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه أن يحيى بن
حاطب حدثه قال توفى حاطب فأعتق من صلى من رقيقه وصام وكانت له أمة نوبية قد صلت
وصامت وهي أعجمية لم تفقه لم ترعه إلا بحملها وكانت ثيبا فذهب إلى عمر فحدثه فقال له عمر
لانت الرجل لا يأتي بخير فأفزعه ذلك فأرسل إليها عمر فقال أحبلت؟ فقالت: نعم من مر عرس
بدرهمين وإذا هي تستهل بذلك ولا تكتمه قال وصادف عليا وعثمان وعبد الرحمن بن عوف فقال
أشيروا على قال: وكان عثمان جالسا فاضطجع فقال: علي وعبد الرحمن قد وقع عليها الحد فقال أشر
على يا عثمان فقال قد أشار عليك أخواك فقال أشر أنت على قال أراها تستهل به كأنها لا تعلمه وليس
الحد إلا على من علمه فقال عمر صدقت صدقت والذي نفسي بيده ما الحد إلا على من علمه فجلدها
عمر مائة وغربها عاما (قال الشافعي) فخالف عليا وعبد الرحمن فلم يجدها حدها عندهما وهو الرجم
قال وخالف عثمان أن لا يحدها بحال وجلدها مائة وغربها عاما فلم يرو عن أحد منهم من خلافه بعد
حده إياها حرف ولم يعلم خلافهم له إلا بقولهم المتقدم قبل فعله (قال) وقال بعض من يقول ما لا
ينبغي له إذ قبل حد عمر مولاة حاطب كذا لم يكن عمر ليحدها إلا بإجماع أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم جهالة بالعلم وجرأة على قول ما لا يعلم فمن اجترأ على أن يقول: إن قول رجل أو عمله
في خاص الاحكام ما لم يحك عنه وعنهم قال عندنا ما لم يعلم (قال الشافعي) وقضى عمر بن
الخطاب في أن لا تباع أمهات الأولاد وخالفه علي وقضى عمر في الضرس بجمل وخالفه غيره فجعل
الضرس سنا فيها خمسة من الإبل وقال عمر وعلي وابن مسعود وأبو موسى الأشعري وغيرهم للرجل
على امرأته الرجعة حتى تطهر من الحيضة الثالثة وخالفهم غيرهم فقال إذا طعنت في الدم من الحيضة
الثالثة فقد انقطعت رجعته عنها مع أشياء كثيرة أكثر مما وصفت فدل ذلك على أن قائل السلف يقول
برأيه ويخالفه غيره ويقول برأيه ولا يروى عن غيره فيما قال به شئ فلا ينسب الذي لم يرو عنه شئ إلى
خلافه ولا موافقته لأنه إذا لم يقل لم يعلم قوله ولو جاز أن ينسب إلى موافقته جاز أن ينسب إلى خلافه
ولكن كلا كذب إذا لم يعرف قوله ولا الصدق فيه إلا أن يقال ما يعرف إذا لم يقل قولا وفى هذا دليل
على أن بعضهم لا يرى قول بعض حجة تلزمه إذا رأى خلافها وأنهم لا يرون اللازم إلا الكتاب أو
السنة وأنهم لم يذهبوا قط إن شاء الله إلى أن يكون خاص الاحكام كلها إجماعا كإجماعهم على الكتاب
والسنة وجمل الفرائض وأنهم كانوا إذا وجدوا كتابا أو سنة اتبعوا كل واحد منهما وإذا تأولوا ما يحتمل
فقد يختلفون ولذلك إذا قالوا فيما لم يعلموا فيه سنة اختلفوا (قال الشافعي) وهي حجة على أن دعوى
الاجتماع في كل الاحكام ليس كما ادعى من ادعى ما وصفت من هذا ونظائر له أكثر منه وجملته أنه
178

لم يدع الاجماع فيما سوى جمل الفرائض التي كلفتها العامة أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولا التابعين ولا القرن الذين من بعدهم ولا القرن الذين يلونهم ولا عالم علمته على ظهر الأرض
ولا أحد نسبته العامة إلى علم إلا حديثا من الزمان فإن قائلا قال فيه بمعنى لم أعلم أحدا من أهل العلم
عرفه وقد حفظت عن عدد منهم إبطاله (قال الشافعي) ومتى كانت عامة من أهل العلم في دهر
بالبلدان على شئ أو عامة قبلهم قيل يحفظ عن فلان وفلان كذا ولم نعلم لهم مخالفا ونأخذ به ولا نزعم
أنه قول الناس كلهم لأنا لا نعرف من قاله من الناس إلا من سمعناه منه أو عنه قال وما وصفت من هذا
قول من حفظت عنه من أهل العلم نصا واستدلالا (قال الشافعي) والعلم من وجهين اتباع أو استنباط
والاتباع اتباع كتاب فإن لم يكن فسنة فإن لم تكن فقول عامة من سلفنا لا نعلم له مخالفا فإن لم يكن
فقياس على كتاب الله جل عز وجل لم يكن فقياس على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن
فقياس على قوله عامة من سلف لا مخالف له ولا يجوز القول إلا بالقياس وإذا قاس من له القياس
فاختلفوا وسع كلا ان يقول بمبلغ اجتهاده ولم يسعه اتباع غيره فيما أدى إليه اجتهاده بخلافه والله أعلم.
صلاة الجماعة
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي محمد بن إدريس المطلبي قال ذكر الله تبارك اسمه
الاذان بالصلاة فقال عز وجل " وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا " وقال " إذا نودي للصلاة
من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع " فأوجب الله والله أعلم إتيان الجمعة وسن رسول الله
صلى الله عليه وسلم الاذان للصلوات المكتوبات فاحتمل أن يكون أوجب إتيان صلاة الجماعة في غير
الجمعة كما أمر بإتيان الجمعة وترك البيع واحتمل أن يكون أذن بها لتصلى لوقتها وقد جمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم مسافرا ومقيما خائفا وغير خائف وقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم " وإذا
كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك " الآية والتي بعدها (قال الشافعي) وأمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم من أتى الصلاة أن يأتيها وعليه السكينة ورخص في ترك إتيان الجماعة في العذر بما
سأذكره إن شاء الله تعالى في موضعه وأشبه ما وصفت من الكتاب والسنة أن لا يحل ترك أن يصلى كل
مكتوبة في جماعة حتى لا يخلوا جماعة مقيمون ولا مسافرون من أن يصلى فيهم صلاة جماعة أخبرنا مالك
عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي
نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم
أخالف إلى رجال يتأخرون فأحرق عليهم بيوتهم فوالذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو
مرماتين حسنتين لشهد العشاء أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن حرملة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح لا يستطيعونهما أو نحو هذا (1) (قال

(1) قال السراج البلقيني: هكذا وقع هذا الحديث في نسخة الام عن عبد الرحمن حرملة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معضل فإنه سقط منه التابعي وهو في موطأ يحيى بن يحيى روايتنا
سعيد بن المسيب وهو في أول ترجمة ما جاء في العتمة والصبح وفيه يحيى عن مالك عن عبد الرحمن
بن حرملة الأسلمي عن سعيد بن المسيب فذكره بلفظه وسقط فيه الصحابي فظهر أنه معضل.
179

(الشافعي) فيشبه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من همه أن يحرق على قوم بيوتهم أن يكون قاله في
قوم تخلفوا عن صلاة العشاء لنفاق والله تعالى أعلم فلا أرخص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها
إلا من عذر وإن تخلف أحد صلاها منفردا لم يكن عليه إعادتها صلاها قبل صلاة الامام أو بعدها إلا
صلاة الجمعة فإن على من صلاها ظهرا قبل صلاة الامام إعادتها لان إتيانها فرض بين والله تعالى أعلم
وكل جماعة صلى فيها رجل في بيته أو في مسجد صغير أو كبير قليل الجماعة أو كثيرها أجزأت عنه
والمسجد الأعظم وحيث كثرت الجماعة أحب إلى وإن كان لرجل مسجد يجمع فيه ففاتته فيه الصلاة
فإن أتى مسجد جماعة غيره كان أحب إلى وإن لم يأته وصلى في مسجد منفردا فحسن وإذا كان
للمسجد إمام راتب ففاتت رجلا أو رجالا فيه الصلاة صلوا فرادى ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة فإن
فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه وإنما كرهت ذلك لهم لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا بل قد عابه بعضهم
(قال الشافعي) وأحسب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرق الكلمة وأن يرغب رجل عن
الصلاة خلف إمام جماعة فيتخلف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصلاة فإذا قضيت دخلوا
فجمعوا فيكون في هذا اختلاف وتفرق كلمة وفيهما المكروه وإنما أكره هذا في كل مسجد له إمام
ومؤذن فأما مسجد بنى على ظهر الطريق أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذن راتب ولا يكون له إمام معلوم
ويصلى فيه المارة ويستظلون فلا أكره ذلك فيه لأنه ليس فيه المعنى الذي وصفت من تفرق الكلمة وأن
يرغب رجال عن إمامة رجل فيتخذون إماما غيره وإن صلى جماعة في مسجد له إمام ثم صلى فيه
آخرون في جماعة بعدهم كرهت ذلك لهم لما وصفت وأجزأتهم صلاتهم.
فضل الجماعة والصلاة معهم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

(1) قال السراج البلقيني: حديث ابن عمر هذا هو في الموطأ رواية يحيى بن يحيى روايتنا عن
مالك كذلك ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك مثل ذلك وأخرجه مسلم من طريق يحيى
بن يحيى ولفظه صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة وأخرج البخاري من طريق
شعيب عن نافع عن ابن عمر تفضلها بسبع وعشرين درجة وأخرج مسلم من طريق عبيد الله عن نافع
عن ابن عمر ولفظه صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده سبعا وعشرين وفى رواية له عن
عبيد الله بضعا وعشرين وفى رواية له عن الضحاك عن نافع بضعا وعشرين.
180

صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا (1) (قال الشافعي) والثلاثة
فصاعدا إذا أمهم أحدهم جماعة وأرجو أن يكون الاثنان يؤم أحدهما الآخر جماعة ولا أحب لاحد ترك
الجماعة ولو صلاها بنسائه أو رقيقه أو أمه أو بعض ولده في بيته وإنما منعني ان أقول صلاة الرجل لا
تجوز وحده وهو يقدر على جماعة بحال تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة على صلاة المنفرد
ولم يقل لا تجزئ المنفرد صلاته وإنا قد حفظنا أن قد فاتت رجالا مع الصلاة فصلوا بعلمه منفردين
وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا وأن قد فاتت الصلاة في الجماعة قوما فجاءوا المسجد فصلى كل واحد
منهم متفردا وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا في المسجد فصلى كل واحد منهم منفردا وإنما كرهوا لئلا
يجمعوا في مسجد مرتين ولا بأس أن يخرجوا إلى موضع فيجمعوا فيه وإنما صلاة الجماعة بأن يأتم
المصلون برجل فإذا ائتم واحد برجل فهي صلاة جماعة وكلما كثرة الجماعة مع الامام كان أحب إلى
وأقرب إن شاء الله تعالى من الفضل.
العذر في ترك الجماعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أذن في ليلة ذات برد
وريح فقال ألا صلوا في الرحال ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة
باردة ذات مطر يقول ألا صلوا في الرحال أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة
عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مناديه في الليلة المطيرة
والليلة الباردة ذات ريح ألا صلوا في رحالكم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن
هشام بن عروة بن أبيه عن عبد الله بن الأرقم أنه كان يؤم أصحابه يوما فذهب لحاجته ثم رجع فقال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة أخبرنا الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم أنه خرج إلى مكة
فصحبه قوم فكان يؤمهم فأقام الصلاة وقدم رجلا وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت

(1) قال السراج البلقيني: نبه البيهقي في السنن والمعرفة على أن الربيع روى هذا الحديث عن
مالك عن أبي الزناد عن الأعرج ورواه المزني وحرملة زاد في المعرفة والزعفراني في القديم عن الشافعي
عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وهو المشهور عن مالك ثم أسنده البيهقي في
السنن من حديث القعنبي عن مالك عن الزهري عن ابن المسيب ثم أخرجه من حديث يحيى بن يحيى
عن مالك كذلك وقال رواه مسلم في الصحيح عن يحيى ابن يحيى والذي رواه البيهقي عن يحيى بن
يحيى هو في روايتنا في الموطأ كذلك قال البيهقي فمن الحفاظ من زعم أن الربيع وأهم في روايته ومنهم
من زعم أن مالك بن أنس روى خارج الموطأ عدة أحاديث بغير تلك الأسانيد التي في الموطأ وأخرج
من طريق روح بن عبادة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال فضل صلاة الرجل في الجماعة على صلاته وحده خمسة وعشرون جزءا وما ذكره
البيهقي عن روح خالف فيه الحفاظ وممن رواه عن الزهري معمر أخرجه مسلم في صحيحه وذكره
البيهقي وعن أبي هريرة في ذلك روايات معروفة.
181

الصلاة ووجد أحدكم الغائط فليبدأ بالغائط (قال الشافعي) وإذا حضر الرجل إماما كان أو غير إمام
وضوء بدأ بالوضوء ولم أحب له أن يصلى وهو يجد من الوضوء لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدأ
بالوضوء وما أمر به من الخشوع في الصلاة وإكمالها وإن من شغل بحاجته إلى وضوء أشبه أن لا يبلغ من
الاكمال للصلاة والخشوع فيها ما يبلغ من لا شغل له وإذا حضر عشاء الصائم أو المفطر أو طعامه وبه
إليه حاجة أرخصت له في ترك إتيان الجماعة وأن يبدأ بطعامه إذا كانت نفسه شديدة التوقان إليه وإن لم
تكن نفسه شديدة التوقان إليه ترك العشاء وإتيان الصلاة أحب إلى وأخرص له في ترك الجماعة بالمرض
لان رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض فترك أن يصلى بالناس أياما كثيرة وبالخوف وبالسفر وبمرض
وبموت من يقوم بأمره وبإصلاح ما يخاف فوت إصلاحه من ماله ومن يقوم بأمره ولا أرخص له في
ترك الجماعة إلا من عذر والعذر ما وصفت من هذا وما أشبه أو غلبة نوم أو حضور مال إن غاب عنه
خاف ضيعته أو ذهاب في طلب ضالة يطمع في إدراكها ويخاف قوتها في غيبته.
الصلاة بغير أمر الوالي
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بنى عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبى
بكر فقال اتصلى بالناس فأقيم الصلاة قال نعم فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس
في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر
الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
أمكث مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ثم
استأخر أبو بكر وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس فلما انصرف قال يا أبا بكر ما منعك
أن تثبت إذ أمرتك فقال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يصلى بين يدي رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لي أراكم أكثرتم التصفيق من نابه شئ في صلاته
فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء (قال الشافعي) ويجزئ رجلا أن يقدم رجلا أو
يتقدم فيصلى بقوم بغير أمر الوالي الذي يلي الصلاة أي صلاة حضرت من جمعة أو مكتوبة أو نافلة إن
لم يكن في أهل البلد وال وكذلك إن كان للوالي شغل أو مرض أو نام أو أبطأ عن الصلاة فقد ذهب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلح بين بنى عمرو بن عوف فجاء المؤذن إلى أبى بكر فتقدم للصلاة
وذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك لحاجته فتقدم عبد الرحمن ابن عوف فصلى بهم
ركعة من الصبح وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدرك معه الركعة الثانية فصلاها خلف عبد
الرحمن ابن عوف ثم قضى ما فاته ففزع الناس لذلك فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
أحسنتم يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها قال يعنى أول وقتها (1) إلى هنا (قال الشافعي) وأحب في هذا

(1) قال السراج البلقيني: ما أشار إليه الشافعي رحمه الله تعالى من قصة عبد الرحمن بن عوف
أخرجها مسلم في صحيحه من حديث عباد بن زياد أن عروة بن المغيرة ابن شعبة أخبره أن المغيرة بن
شعبة أخبره فذكر القصة في آخر الحديث وأخرجه من حديث إسماعيل بن محمد بن سعد عن حمزة بن
المغيرة عن أبيه نحو حديث عباد وقد رواه الليث عن عقيل عن ابن شهاب حدثني عباد عن عروة بن
المغيرة وحمزة بن المغيرة.
182

كله إن كان الامام قريبا أن يستأمر وأحب للامام أن يوكل من يصلى بالناس إذا أبطأ هو عن الصلاة
وسواء في هذا كله أن يكون الزمان زمان فتنة أو غير زمان فتنة إلا أنهم إذا خافوا في هذا شيئا من
السلطان أحببت أن لا يعجلوا أمر السلطان حتى يخافوا ذهاب الوقت فإذا خافوا ذهابه لم يسعهم إلا
الصلاة جماعة أو فرادى وسواء في هذا الجمعة والأعياد وغيرها قد صلى على بالناس العيد وعثمان
محصور رحمه الله تعالى عليهما.
إذا اجتمع القوم وفيهم الوالي
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا دخل الوالي البلد يليه فاجتمع وغيره في ولايته فالوالي أحق
بالإمامة ولا يتقدم أحد ذا سلطان في سلطانه في مكتوبة ولا نافلة ولا عيد ويروى أن ذا السلطان أحق
بالصلاة في سلطانه فإن قدم الوالي رجلا فلا بأس وإنما يؤم حينئذ بأمر الوالي (7) والوالي المطلق الولاية
في كل من مر به وسلطان حيث مر وإن دخل الخليفة بلدا لا يليه وبالبلد وال غيره فالخليفة أولى
بالصلاة لان واليه إنما ولى بسببه وكذلك إن دخل بلدا تغلب عليه رجل فالخليفة أولى فإن لم يكن
خليفة فالوالي بالبلد أولى بالصلاة فيه فإن جاوز إلى بلد غيره لا ولاية له به فهو وغيره سواء.
إمامة القوم لا سلطان فيهم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم قال أخبرنا معن ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن
مسعود عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود قال من ألسنة أن لا يؤمهم إلا صاحب البيت (1)
(قال الشافعي) وروى أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في بيت رجل منهم
فحضرت الصلاة فقدم صاحب البيت رجلا منهم فقال تقدم فأنت أحق بالإمامة في منزلك
فتقدم (2) (قال الشافعي) وأكره أن يؤم أحد غير ذي سلطان أحدا في منزله إلا أن يأذن له الرجل فإن
أذن له فإنما أم بأمره فلا بأس إن شاء الله تعالى وإنما أكره أن يؤمه في منزله بغير أمره فأما بأمره فذلك

(7) قوله والوالي المطلق الولاية في كل من مر به الخ كذا في النسخ ولعل فيه تحريفا واللائق،
والوالي المطلق الولاية في كل ما مر به ذو سلطان الخ فتأمل. كتبه مصححه.
(1) قال السراج البلقيني: في هذا الحديث معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود والقاسم
بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن مسعود فمعن والقاسم أخوان وهما ثقتان وقد أخرجه البيهقي في المعرفة
من طريق أبى زكريا وأبى سعيد وأبى بكر عن الأصم عن الربيع عن الشافعي فذكره.
(2) قال السراج البلقيني: ما أشار إليه الشافعي رواه أبو نضرة عن أبي سعيد مولى أبى أسيد قال
زارني حذيفة وأبو ذر وابن مسعود فحضرت الصلاة فأراد أبو ذر أن يتقدم فقال حذيفة رب البيت
أحق. فقال له عبد الله: نعم يا أبا ذر.
183

ترك منه لحقه في الإمامة ولا يجوز لذي سلطان ولا صاحب منزل أن يؤم حتى يكون يحسن يقرأ ما تجزيه
به الصلاة فإن لم يكن يقرأ ما تجزيه به الصلاة لم يكن له أن يؤم وإن أم فصلاته تامة وصلاة من خلفه
ممن يحسن هذا فاسدة وهكذا إذا كان السلطان أو صاحب المنزل ممن ليس يحسن يقرأ لم تجزئ من أئتم
به الصلاة وإذا تقدم أحد ذا سلطان وذا بيت في بيته بغير إذن واحد منهما كرهته له ولم يكن عليه ولا
على من صلى خلفه إعادة لان الفعل في التقدم إذا كان خطأ فالصلاة نفسها مؤداة كما تجزئ وسواء
أمامة الرجل في بيته العبد والحر إلا أن يكون سيده حاضرا فالبيت بيت السيد ويكون أولى بالإمامة
وإذا كان السلطان في بيت رجل كان السلطان أولى بالإمامة لان بيته من سلطانه وإذا كان مصر جامع
له مسجد جامع لا سلطان به فأيهم أمهم من أهل الفقه والقرآن لم أكرهه أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
مالك بن أنس عن نافع أن صاحب المقصورة جاء إلى ابن عمر (1).
اجتماع القوم في منزلهم سواء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة قال حدثنا أبو اليمان مالك
بن الحويرث قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلى فإذا حضرت الصلاة
فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم (قال الشافعي) هؤلاء قوم قدموا معا فأشبهوا أن تكون قراءتهم
وتفقههم سواء فأمروا أو يؤمهم أكبرهم وبذلك آمرهم وبهذا نأخذ فنأمر القوم إذا اجتمعوا في الموضع
ليس فيهم وال وليسوا في منزل أحد أن يقدموا أقرأهم وأفقههم وأسنهم فإن لم يجتمعوا ذلك في واحد
فإن قدموا أفقههم إذا يقرأ القرآن فقرأ منه ما يكتفى به في صلاته فحسن وإن قدموا أقرأهم إذا
كان يعلم من الفقه ما يلزمه في الصلاة فحسن ويقدموا هذين معا على من هو أسن منهما وإنما قيل والله
تعالى أعلم أن يؤمهم أقرؤهم أن من مضى من الأئمة كانوا يسلمون كبارا فيتفقهون قبل أن يقرءوا القرآن
ومن بعدهم كانوا يقرءون القرآن صغارا قبل أن يتفقهوا فأشبه أن يكون من كان فقيها إذا قرأ من القرآن
شيئا أولى بالإمامة لأنه قد ينوبه في الصلاة ما يعقل كيف يفعل فيه بالفقه ولا يعلمه من لا فقه له
وإذا استووا في الفقه والقراءة أمهم أسنهم وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤمهم أسنهم فيما أرى والله
تعالى أعلم أنهم كانوا مشتبهي الحال في القراءة والعلم فأمر أن يؤمهم أكبرهم سنا ولو كان فيهم ذو نسب
فقدموا غير ذي النسب أجرأهم وإن قدموا ذا النسب اشتبهت حالهم في القراءة والفقه كان حسنا لان
الإمامة منزلة فضل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قدموا قريشا ولا تقدموها فأحب أن يقدم من
حضر منهم اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان فيه لذلك موضع (قال الشافعي) أخبرنا عبد
المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج عن عطاء قال كان يقال يؤمهم أفقههم فإن كانوا في الفقه سواء

(1) قال السراج البلقيني: هكذا وقع هذا في نسخة الام وذكره البيهقي في المعرفة فقال قال
الشافعي حدثنا مالك بن أنس فانقطع الحديث من الأصل وإنما أراد فساق إسناده إلى ابن بكير حدثنا
مالك عن أبي جعفر القارى أنه رأى صاحب المقصورة في القصر حتى حضرت الصلاة يبتلى الناس
يقول من يصلي حتى انتهى إلى عبد الله بن عمر فقال له عبد الله بن عمر إذا تقدم أنت فصل بين يدي
الناس، هذا ما ذكره البيهقي. ويمكن إلى آخر ذكره في الام من حديث نافع عن ابن عمر.
184

فاقرؤهم فإن كانوا في الفقه والقراءة سواء فأسنهم ثم عاودته بعد ذلك في العبد يؤم فقلت يؤمهم العبد
إذا كان أفقههم؟ قال نعم (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني
نافع قال أقيمت الصلاة في مسجد بطائفة من المدينة ولابن عمر قريبا من ذلك المسجد أرض يعلمها
وإمام ذلك المسجد مولى له ومسكن ذلك المولى وأصحابه ثم فلما سمعهم عبد الله بن عمر جاء ليشهد
معهم الصلاة فقال له المولى صاحب المسجد تقدم فصل فقال له عبد الله أنت أحق أن تصلى في
مسجدك منى فصلى المولى صاحب المسجد (قال الشافعي) وصاحب المسجد كصاحب المنزل فأكره أن
يتقدمه أحد إلا السلطان ومن أم من الرجال ممن كرهت إمامته فأقام الصلاة أجزأت إمامته والاختيار
ما وصفت من تقديم أهل الفقه والقرآن والسن والنسب وإن أم أعرابي مهاجرا أو بدوي قرويا فلا بأس
إن شاء الله تعالى إلا أنى أحب أن يتقدم أهل الفضل في كل حال في الإمامة ومن صلى صلاة من
بالغ مسلم يقيم الصلاة أجزأته ومن خلفه صلاتهم وإن كان غير محمود الحال في دينه أي غاية بلغ
يخالف الحمد في الدين وقد صلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلف من لا يحمدون فعاله من
السلطان وغيره (قال الشافعي) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن نافع أن عبد الله بن عمر اعتزل بمنى في
قتال ابن الزبير والحجاج بمنى فصلى مع الحجاج أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حاتم عن
جعفر بن محمد عن أبيه أن الحسن والحسين رضى الله تعالى عنهما كانا يصليان خلف مروان قال فقال:
أما كان يصليان إذا رجعا إلى منازلهما؟ فقال: لا والله ما كانا يزيدان على صلاة الأئمة.
صلاة الرجل بصلاة الرجل لم يؤمه
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى وإذا افتتح الرجل الصلاة لنفسه لا ينوى أن يؤم
أحدا فجاءت جماعة أو واحدا فصلوا بصلاته فصلاته مجزئة عنهم وهو لهم إمام ولا فرق بينه وبين الرجل
ينوي أن يصلى لهم ولو لم يجز هذا لرجل لم يجز أن ينوي إمامة رجل أو نفر قليل بأعيانهم لا ينوى إمامة
غيرهم ويأتي قوم كثيرون فيصلون معهم ولكن كل هذا جائز إن شاء الله تعالى وأسأل الله تعالى التوفيق.
كراهية الإمامة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى روى صفوان بن سليم عن أبن المسيب عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال يأتي قوم فيصلون لكم فإن أتموا كان لهم ولكم وإن نقصوا كان عليهم ولكم
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه
وسلم قال الامام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم فأرشد الأئمة واغفر للمؤذنين (قال الشافعي) فيشبه قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم إن أتموا فصلوا في أول الوقت وجاءوا بكمال الصلاة في
إطالة القراءة والخشوع والتسبيح في الركوع والسجود وإكمال التشهد والذكر فيها لأن هذه غاية التمام
وإن أجزأ أقل منه فلهم ولكم ولا فعليهم ترك الاختيار بعمد تركه ولكم ما نويتم منه فتركتموه لاتباعه
بما أمرتم باتباعهم في الصلاة فيما يجزئكم وإن كان غيره أفضل منه فعليهم التقصير في تأخير الصلاة عن
185

أول الوقت والآتيان بأقل ما يكفيهم من قراءة وركوع وسجود دون أكمل ما يكون منها وإنما عليكم
اتباعهم فيما أجزأ عنكم وعليهم التقصير من غاية الاتمام والكمال ويحتمل ضمناء لما غابوا عليه من
المخافتة بالقراءة والذكر فأما أن يتركوا ظاهرا أكثر الصلاة حتى يذهب الوقت أو لم يأتوا في الصلاة بما
تكون منه الصلاة مجزئة فلا يحل لاحد اتباعهم ولا ترك الصلاة حتى يمضى وقتها ولا صلاتها بما لا
يجزئ فيها وعلى الناس أن يصلوا لأنفسهم أو جماعة مع غير من يصنع هذا ممن يصلى لهم فإن قال قائل
ما دليل ما وصفت قيل قال الله تبارك وتعالى " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم
في شئ فردوه إلى الله والرسول " ويقال نزلت في امراء السرايا وأمروا إذا تنازعوا في شئ وذلك
اختلافهم فيه أن يردوه إلى حكم الله عز وجل ثم حكم الرسول فحكم الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم
أن يؤتى بالصلاة في الوقت وبما تجزئ به وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمركم من الولاية بغير
طاعة الله فلا تطيعوه فإذا أخروا الصلاة حتى يخرج وقتها أو لم يأتوا فيها بما تكون به مجزئة عن المصلى
فهذا من عظيم معاصي الله الذي أمر الله عز وجل أن ترد إلى الله والرسول وأمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن لا يطاع وال فيها وأحب الاذان لقول النبي صلى الله عليه وسلم اغفر للمؤذنين وأكره
الإمامة للضمان وما على الامام فيها وإذا أم رجل انبغى له أن يتقى الله عز ذكره ويؤدى ما عليه في
الإمامة فإذا فعل رجوت أن يكون خيرا حالا من غيره.
ما على الامام
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وروى من وجه عن أبي أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول لا يصلى الامام بقوم فيخص نفسه بدعوة دونهم (1) ويروى عن عطاء بن أبي رباح مثله
وكذلك أحب للامام فإن لم يفعل وأدى الصلاة في الوقت أجزأه وأجزأهم وعليه نقص في أن خص
نفسه دونهم أو يدع المحافظة على الصلاة في أول الوقت بكمال الركوع والسجود
من أم قوما وهم له كارهون
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى يقال لا تقبل صلاة من أم قوما وهم له كارهون ولا صلاة امرأة
وزوجها غائب عنها ولا عبد آبق حتى يرجع ولم أحفظ من وجه يثبت أهل العلم بالحديث مثله وإنما

(1) قال السراج البلقيني: حديث أبي أمامة رواه عنه يزيد بن شريح الحضرمي قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا أم الرجل القوم فلا يختص بدعاء فإن فعل فقد خانهم واختلف فيه على
يزيد بن شريح فهذه رواية أخرجها البيهقي وروى حبيب عن يزيد بن شريح عن ابن حي المؤذن عن
ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث لا يحل لاحد أن يفعلهن لا يؤم رجل قوما فيخص نفسه
بالدعاء دونهم فإن فعل فقد خانهم ومن هذه الطريقة أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وروى ثور
يزيد عن يزيد بن شريح عن ابن حي المؤذن وهو شداد بن حي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم نحوه أخرجه أبو داود وقول الشافعي من وجه يشير إلى ما فيه من الوجوه.
186

عنى به والله تعالى أعلم الرجل غير الوالي يؤم جماعة يكرهونه فأكره ذلك للامام ولا بأس به على المأموم
يعنى في هذا الحال لان المأموم لم يحدث شيئا كره له وصلاة المأموم في هذه الحال مجزئة ولا أعلم على
الامام إعادة لان إساءته في التقدم لا تمنعه من أداء الصلاة وإن خفت عليه في التقدم وكذلك المرأة
يغيب عنها زوجها وكذلك العبد يأبق أخاف عليهم في أفعالهم وليست على واحد منهم إعادة صلاة
صلاها في تلك الحال وكذلك الرجل يخرج يقطع الطريق ويشرب الخمر ويخرج في المعصية أخاف
عليه في عمله وإذا صلى صلاة ففعلها في وقتها لم أوجب عليه أن يعيدها ولو تطوع بإعادتها إذا ترك ما
كان فيه ما كرهت ذلك له وأكره للرجل أن يتولى قوما وهم له كارهون وأن وليهم والأكثر منهم لا
يكرهونه والأقل منهم يكرهونه لم أكره ذلك له إلا من وجه كراهية الولاية جملة وذلك أنه لا يخلو أحد
ولى قليلا أو كثرا أن يكون فيهم من يكرهه وإنما النظر في هذا إلى العام الأكثر لا إلى الخاص الأقل
وجملة هذا أنى أكره الولاية بكل حال فإن ولى رجل قوما فليس له أن يقبل ولايتهم حتى يكون محتملا
لنفسه للولاية بكل حال آمنا عنده على من وليه أن يحابيه وعدوه أن يحمل غير الحق عليه متيقظا لا
يخدع عفيفا عما صار إليه من أموالهم واحكامهم مؤديا للحق عليه فإن نقص واحدة من هذا لم يحل له
أن يلي ولا لاحد عرفه أن يوليه وأحب مع هذا أن يكون حليما على الناس وإن لم يكن فكان لا يبلغ به
غيظة أن يجاوز حقا ولا يتناول باطلا لم يضره لان هذا طباع لا يملكه من نفسه ومتى ولى وهو كما أحب
له فتغير وجب على الوالي عزله وعليه أن لا يلي له ولو تولى رجل أمر قوم أكثرهم له كارهون لم يكن عليه
في ذلك مأثم إن شاء الله تعالى إلا أن يكون ترك الولاية خيرا له أحبوه أو كرهوه.
ما على الامام من التخفيف
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان أحدكم يصلى بالناس فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف
فإذا كان يصلى لنفسه فليطل ما شاء (1) (قال الشافعي) وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان
" أخف الناس صلاة على الناس وأطول الناس صلاة لنفسه " (قال الشافعي) روى شريك ابن عبد الله
بن أبي نمر وعمرو بن أبي عمرو عن العلاء ابن عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال ما صليت خلف
أحد قط أخف ولا أتم صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) (قال الشافعي) وأحب للامام أن

(1) قال السراج البلقيني: حديث مالك هذا أخرجه البخاري في صحيحه من رواية عبد الله بن
يوسف ولفظه " إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير وإذا صلى لنفسه
فليطول ما شاء " وهكذا رويناه من طريق يحيى بن يحيى عن مالك بزيادة الكبير وقوله فليطول وأخرج
مسلم من حديث المغيرة بن عبد الرحمن الحماني عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض
وإذا صلى وحده فليصل كيف شاء " ولأبي هريرة في هذا روايات وفى رواية أبى سلمة عنه " فإن في
الناس السقيم والضعيف وذا الحاجة ".
(2) قال السراج البلقيني: رواية شريك عن أنس أخرجها البخاري ومسلم ورواية العلاء بن عبد
الرحمن عن أنس رواها البيهقي في المعرفة من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء ورواية عمرو بن أبي
عمرو وهو مولى المطلب ابن عبد الله بن حنطب لم أقف عليها ورواه عن أنس أيضا قتادة، أخرجها
مسلم والترمذي والنسائي.
187

يخفف الصلاة ويكملها كما وصف أنس ومن حدث معه وتخفيفها وإكمالها مكتوب في كتاب قراءة الإمام
في غير هذا الموضع وأن عجل الامام عما أحببت من تمام الاكمال من التثقيل كرهت ذلك له
ولا إعادة عليه ولا على من خلفه إذا جاء بأقل ما عليه في الصلاة
باب صفة الأئمة وليس في التراجم
وفيه ما يتعلق بتقديم قريش وفضل الأنصار والإشارة إلى الإمامة العظمى
أخبرنا الربيع قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال حدثني ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب
عن ابن شهاب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قدموا قريشا ولا تقدموها؟ وتعلموا منها
ولا تعالموها أو تعلموها " الشك من ابن أبي فديك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا ابن أبي
فديك عن ابن أبي ذئب عن حكيم ابن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز وابن شهاب يقولان قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أهان قريشا أهانه الله " أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن أبي فديك
عن ابن أبي ذئب عن الحرث بن عبد الرحمن أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لولا أن
تبطر قريش لأخبرتها بالذي لها عند الله عز وجل " (1) (قال الشافعي) أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي
ذئب عن شريك بن عبد الله بن أبي تمر عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لقريش " أنتم أولى الناس بهذا الامر ما كنتم مع الحق إلا أن تعدلوا فتلحون كما تلحى هذه الجريدة " يشير
إلى جريدة في يده (قال الشافعي) أخبرنا يحيى بن سليم بن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن إسماعيل بن
عبيد بن رفاعة الأنصاري عن أبيه عن جده رفاعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى " أيها الناس
إن قريشا أهل إمامة من بغاها العواثير أكبه الله لمنخريه " يقولها ثلاث مرات حدثنا الشافعي قال أخبرني
عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن يزيد بن عبد الله ابن أسامة بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن
الحرث التيمي أن قتادة بن النعمان وقع بقريش فكأنه نال منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" مهلا يا قتادة لا تشتم قريشا فإنك لعلك ترى منها رجالا أو يأتي منها رجال تحتقر عملك مع أعمالهم
وفعلك مع أفعالهم وتغبطهم إذا رأيتهم لولا أن تطغى قريش لأخبرتها بالذي لها عند الله " (قال
الشافعي) أخبرني مسلم بن خالد عن ابن أبي ذئب بإسناد لا أحفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال في قريش شيئا من الخير لا أحفظه وقال " شرار قريش خيار شرار الناس " أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه

(1) قال السرتج البلقيني: هذا مرسل وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث أبي جعفر
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقدموا قريشا فتضلوا ولا تأخروا عنها فتضلوا خيار قريش
خيار الناس والذي نفس محمد بيده لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لخيارها عند الله أو مالها عند الله "
وهذا مرسل.
188

وسلم " تجدون الناس معادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا " (1) أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة " قال أتاكم أهل اليمن هم ألين
قلوبا وأرق أفئدة الايمان يمان والحكمة يمانية " حدثنا الشافعي قال حدثني عمى محمد بن العباس عن
الحسن بن القاسم الأزرقي قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثنية تبوك فقال ما ههنا شام
وأشار بيده إلى جهة الشام وما ههنا يمن وأشار بيده إلى جهة المدينة، حدثنا الشافعي قال حدثنا سفيان
بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال جاء الطفيل بن عمرو والدوسي إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن دوسا قد عصت وأبت فادع الله عليها فاستقبل رسول الله صلى
الله عليه وسلم القبلة ورفع يديه فقال الناس هلكت دوس فقال " اللهم اهد دوسا وأت بهم " حدثنا
الشافعي قال حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ولو أن الناس
سلكوا واديا أو شعبا لسلكت وادى الأنصاري أو شعبهم " حدثنا الشافعي قال أخبرنا عبد الكريم بن
محمد الجرجاني قال حدثني ابن الغسيل عن رجل سماه عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم خرج في مرضه فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال " إن الأنصار قد قضوا الذي عليهم وبقى
الذي عليكم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن " مسيئهم وقال غيره عن الحسن " ما لم يكن فيه حد "
وقال الجرجاني في حديثه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اللهم اغفر للأنصار ولابناء الأنصار
ولابناء أبناء الأنصار " وقال في حديثه إن النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج بهش إليه النساء
والصبيان من الأنصار فرق لهم ثم خطب وقال هذه المقالة (قال الشافعي) وحدثني بعض أهل العلم أن
أبا بكر قال: ما وجدت أنا لهذا الحي من الأنصار مثلا إلا ما قال الطفيل الغنوي.
أبوا أن يملونا ولو أن أمنا * تلاقى الذي يلقون ما لملت
هم خلطونا بالنفوس وألجئوا * إلى حجرات أدفأت وأظلت
جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت * بنا بعلنا في الواطئين وزلت
قال الربيع: هذا البيت الأخير ليس في الحديث حدثنا الشافعي قال حدثنا عبد الكريم بن محمد
الجرجاني عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن أنه قال ما من المهاجرين أحد إلا وللأنصار عليه
منة ألم يوسعوا في الديار ويشاطروا في الثمار وآثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، أخبرنا الشافعي
قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال " بينا أنا أنزع على بئر أستقي " (قال الشافعي) يعنى في النوم ورؤيا الأنبياء
وحى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فجاء ابن أبي قحافة فنزع ذنوبا أو ذنوبين وفيهما ضعف والله
يغفر له ثم جاء عمر بن الخطاب فنزع حتى استحالت في يده غربا فضرب الناس بعطن فلم أر عبقريا
يفرى فريه " وزاد مسلم بن خالد " فأروى الظمأة وضرب الناس بعطن " (قال الشافعي) قوله وفى نزعه
ضعف يعنى قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب لأهل الردة عن الافتتاح والتزيد الذي بلغه عمر في

(1) قال السراج البلقيني: حديث أبي هريرة هذا أخرجه البخاري ومسلم لكن لا من هذا
الطريق بل من طريق عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة أخرجه البخاري قبل مناقب
قريش في الكلام على قوله تعالى " إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " وأخرجه مسلم في الفضائل.
189

طول مدته وقوله في عمر " فاستحالت في يده غربا " والغرب الدول العظيم الذي إنما تنزعه الدابة أو
الزرنوق ولا ينزعه الرجل بيده لطول مدته وتزيده في الاسلام لم يزل يعظم أمره ومناصحته للمسلمين
كما يمتح الدلو العظيم، أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم
عن أبيه أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن شئ فأمرها أن ترجع فقالت يا رسول
الله إن رجعت لم أجدك كأنها تعنى الموت قال فأتى أبا بكر، أخبرنا الشافعي قال حدثنا يحيى بن سليم
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال ولينا أبو بكر خير خليفة الله،
أرحمه وأحناه عليه.
صلاة المسافر يؤم المقيمين
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم صلى بمنى ركعتين وأبو بكر وعمر، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
مالك عن زيد ابن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب مثله (قال الشافعي) وهكذا أحب للامام أن
يصلى مسافرا أو مقيما ولا يوكل غيره ويأمر من وراءه من المقيمين أن يتموا إلا أن يكونوا قد فقهوا
فيكتفى بفقههم إن شاء الله تعالى وإذا اجتمع مسافرون ومقيمون فإن كان الوالي من أحد الفريقين صلى
بهم مسافرا كان أو مقيما وإن كان مقيما فأقام غيره فصلى بهم فأحب ألي إلى أن يأمر مقيما ولا يولى
الإمامة إلا من ليس له أن يقصر فإن أمر مسافرا كرهت ذلك له إذا كان يصلى خلفه مقيم ويبنى المقيم
على صلاة المسافر ولا إعادة عليه فإن لم يكن فيهم وال فأحب إلى أن يؤمهم المقيم لتكون صلاتهم كلها
بإمام ويؤخر المسافرون عن الجماعة وإكمال عدد الصلاة فإن قدموا مسافرا فأمهم أجزأ عنهم وبنى
المقيمون على صلاة المسافر إذا قصر وإن أتم أجزأتهم صلاتهم وإن أم المسافر المقيمين فأتم الصلاة
أجزأته وأجزأت من خلفه من المقيمين والمسافرين صلاتهم.
صلاة الرجل بالقوم لا يعرفونه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أن قوما في سفر أو حضر أو غيره ائتموا برجل لا يعرفونه فأقام
الصلاة أجزأت عنهم صلاتهم ولو شكوا أمسلم هو أو غير مسلم؟ أجزأتهم صلاتهم وهو إذا أقام الصلاة
إمام مسلم في الظاهر حتى يعلموا أنه ليس بمسلم ولو عرفوه بغير الاسلام وكانوا ممن يعرفونه المعرفة الذي
الأغلب عليهم أن إسلامه لا يخفى عليهم ولو أسلم فصلى فصلوا وراءه في مسجد جماعة أو صحراء لم
تجزئهم صلاتهم معه إلا أن يسألوه فيقول: أسلمت قبل الصلاة، أو يعلمهم من يصدقون أنه مسلم
قبل الصلاة وإذا أعلمهم أنه أسلم قبل الصلاة فصلاتهم مجزئة عنهم، ولو صلوا معه على علمهم بشركه
ولم يعلموا إسلامه قبل الصلاة ثم أعلمهم بعد الصلاة أنه أسلم قبلها لم تجزهم صلاتهم لأنهم لم يكن
لهم الائتمام به على معرفتهم بكفره وإن لم يعلموا إسلامه قبل ائتمامهم به وإذا صلوا مع رجل صلاة
كثيرة ثم أعلمهم أنه غير مسلم أو علموا من غيره أعادوا كل صلاة صلوها خلفه وكذلك لو أسلم ثم ارتد
عن الاسلام وصلوا معه في ردته قبل أن يرجع إلى الاسلام أعادوا كل صلاة صلوها معه.
190

إمامة المرأة للرجال
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا صلت المرأة برجال ونساء وصبيان ذكور فصلاة النساء مجزئة
وصلاة الرجال والصبيان الذكور غير مجزئة لان الله عز وجل جعل الرجال قوامين على النساء وقصرهن
عن أن يكن أولياء وغير ذلك ولا يجوز أن تكون امرأة إمام رجل في صلاة بحال أبدا وهكذا لو كان
ممن صلى مع المرأة خنثى مشكل لم تجزه صلاته معها ولو صلى معها خنثى مشكل ولم يقض صلاته حتى
بان أنه امرأة أحببت له أن يعيد الصلاة وحسبت أنه لا تجزئه صلاته لأنه لم يكن حين صلى معها ممن
يجوز له أن يأتم بها.
إمامة المرأة وموقفها في الإمامة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن عمار الدهني عن امرأة من قومه يقال لها حجيرة
أن أم سلمة امتهن فقامت وسطا (قال الشافعي) روى الليث عن عطاء عن عائشة انها صلت بنسوة
العصر فقامت في وسطهن أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن صفوان قال إن من
السنة أن تصلى المرأة بالنساء تقوم في وسطهن (قال الشافعي) وكان على ابن الحسين يأمر جارية له تقوم
بأهله في شهر رمضان وكانت عمرة تأمر المراة أن تقوم للنساء في شهر رمضان (قال الشافعي) وتؤم
المرأة النساء في المكتوبة وغيرها وآمرها أن تقوم في وسط الصف وإن كان معها نساء كثير أمرت أن يقوم
الصف الثاني خلف صفها وكذلك الصفوف وتصفهن صفوف الرجال إذا كثرن لا يخالفن الرجال في
شئ من صفوفهن إلا أن تقوم المرأة وسطا وتخفض صوتها بالتكبير والذكر الذي يجهر به في الصلاة من
القرآن وغيره فإن قامت المرأة أمام النساء فصلاتها وصلاة من خلفها مجزئة عنهن وأحب إلى أن لا يؤم
النساء منهن إلا حرة لأنها تصلى متقنعة فإن أمت أمة متقنعة أو مكشوفة الرأس حرائر فصلاتها وصلاتهن
مجزئة لان هذا فرضها وهذا فرضهن وإمامة القاعد والناس خلفه قيام أكثر من إمامة أمة مكشوفة الرأس
وحرائر مقنعات.
إمامة الأعمى
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن محمود بن الربيع أن عتبان بن
مالك كان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنها تكون الظلمة والمطر والسيل
وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى قال فجاءه رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال " أين تحب أن نصلي؟ فأشار له إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه
وسلم " (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن ابن شهاب عن

(1) قال السراج البلقيني: حديث محمود بن الربيع أخرجه البخاري من طريق إسماعيل بن أبي
أويس قال حدثني مالك عن ابن شهاب عن محمود بن الربيع الأنصاري أن عتبان بن مالك كان يؤم
قومه وهو أعمى وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل
ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
" أين تحب أن أصلى؟ " فأشار إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكره
البخاري في ترجمة الرخصة في المطر والعلة أن يصلى في رحله وهذه الروايات التي رواها مالك
والشافعي عنه والبخاري عن إسماعيل عن مالك ظاهرها أنه كان يؤم قومه وهو أعمى في زمن النبي صلى
الله عليه وسلم قبل القول الذي قاله للنبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده قوله " وأنا رجل ضرير البصر "
ولكن صح في رواية ما يقتضى أنه لم يكن أعمى حينئذ، قال الزهري حدثني محمود بن الربيع عن
عتبان بن مالك قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إني قد أنكرت بصرى وأنا
أصلى لقومي وإذا كانت الأمطار سأل الوادي الذي بيني وبينهم ولم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلى
لهم، وساق الحديث. قال محمود فحدثت بهذا الحديث نفرا فيهم أبو أيوب فقال ما أظن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال ما قلت فحلفت إن رجعت إلى عتبان أن أسأله قال فرجعت إليه فوجدته
شيخا كبيرا قد عمى ذهب بصره وهو إمام قومه فجلست إلى جنبه فسألته عن هذا الحديث فحدثنيه كما
حدثته أول مرة وهذه الرواية بهذه السياقة أخرجها مسلم في صحيحه وهي دالة على أن العمى إنما
حدث له بعد هذه القصة المروية واعلم أنه وقع في الموطأ من رواية يحيى بن يحيى التي رويناها لسند هذا
الحديث من طريق مالك عن ابن شهاب عن محمود بن لبيد وهو وهم عند الحفاظ، إنما هو محمود بن
الربيع.
191

محمود بن الربيع أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى (قال الشافعي) وسمعت عددا من أهل
العلم يذكرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستخلف ابن أم مكتوم وهو أعمى فيصلي بالناس
في عدد غزوات له (قال الشافعي) وأحب أمامة الأعمى والأعمى إذا سدد إلى القبلة إلى كان أحرى
أن لا يلهو بشئ تراه عيناه ومن أم صحيحا كان أو أعمى فأقام الصلوات أجزأت صلاته ولا أختار
إمامة الأعمى على الصحيح لان أكثر من جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إماما بصيرا، ولا إمامة
الصحيح على الأعمى، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجد عددا من الأصحاء يأمرهم
بالإمامة أكثر من عدد من أمر بها من العمى.
إمامة العبد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني عبد الله بن عبيد الله
بن أبي مليكة أنهم كانوا يأتون عائشة أم المؤمنين بأعلى الوادي هو وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة
وناس كثير فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة وأبو عمرو غلامها حينئذ لم يعتق قال وكان أمام بنى محمد بن
أبي بكر وعروة (قال الشافعي) والاختيار أن يقدم أهل الفضل في الإمامة على ما وصفت وأن يقدم
الأحرار على المماليك وليس بضيق أن يتقدم المملوك الأحرار إماما في مسجد جماعة ولا في طريق ولا
في منزل ولا في جمعة ولا عيد ولا غيره من الصلوات، فإن قال قائل كيف يؤم في الجمعة وليست
عليه؟ قيل ليست عليه على معنى ما ذهبت إليه إنما ليست عليه بضيق عليه أن يتخلف عنها كما ليس
192

بضيق على خائف ولا مسافر وأي هؤلاء صلى الجمعة أجزأت عنه وبين أن كل واحد من هؤلاء إذا كان
إذا حضرت أجزأت عنه وهي ركعتا الظهر التي هي أربع فصلاها بأهلها أجزأت عنه وعنهم.
إمامة الأعجمي
أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرنا عطاء قال سمعت عبيد بن عمير يقول اجتمعت جماعة
فيما حول مكة قال حسبت أنه قال في أعلى الوادي ههنا وفى الحج قال فحانت الصلاة فتقدم رجل
من آل أبي السائب أعجمي اللسان قال فأخره المسور بن مخرمة وقدم غيره فبلغ عمر بن الخطاب فلم
يعرفه بشئ حتى جاء المدينة فلما جاء المدينة عرفه بذلك فقال المسور أنظرني يا أمير المؤمنين أن الرجل
كان أعجمي اللسان وكان في الحج فخشيت أن يسمع بعض الحاج قراءته فيأخذ بعجمته فقال هنالك
ذهبت بها فقلت: نعم فقال: قد أصبت (قال الشافعي) وأحب ما صنع المسور وأقر له عمر من تأخير
رجل أراد أن يؤم وليس بوال وتقديم غيره إذا كان الامام أعجميا وكذلك إذا كان غير رضى في دينه
ولا عالم بموضع الصلاة وأحب أن لا يتقدم أحد حتى يكون حافظا لما يقرأ فصيحا به وأكره إمامة من
يلحن لأنه قد يحيل باللحن المعنى فإن أم أعجمي أو لحان فأفصح بأم القرآن أو لحن فيها لحنا لا يحيل
معنى شئ منها أجزأته وأجزأتهم وإن لحن فيها لحنا يحيل معنى شئ منها لم تجز من خلفه صلاتهم
وأجزأته إذا لم يحسن غيره كما يجزيه أن يصلى بلا قراءة إذا لم يحسن القراءة ومثل هذا إن لفظ منها بشئ
بالأعجمية وهو لا يحسن غيره أجزأته صلاته ولم تجز من خلفه قرأوا معه أو لم يقرأوا وإذا ائتموا به فإن
أقاما معا أم القرآن أو لحنا أو نطق أحدهما بالأعجمية أو لسان أعجمي في شئ من القرآن غيرها أجزأته
ومن خلفه صلاتهم إذا كان أراد القراءة لما نطق به من عجمة ولحن فإن أراد به كلاما غير القراءة
فسدت صلاته فإن ائتموا به فسدت صلاتهم وإن خرجوا من صلاته حين فسدت فقدموا غيره أو صلوا
لأنفسهم فرادى أجزأتهم صلاتهم.
إمامة ولد الزنا
أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلا كان يؤم ناسا بالعقيق فنهاه عمر بن عبد العزيز وإنما نهاه
لأنه كان لا يعرف أبوه (قال الشافعي) وأكره أن ينصب من لا يعرف أبوه إماما لان الامام موضع
فضل وتجزى من صلى خلفه صلاتهم وتجزيه أن فعل وكذلك أكره إمام الفاسق والمظهر البدع ومن
صلى خلف واحد منهم أجزأته صلاته ولم تكن عليه إعادة إذا أقام الصلاة.
إمامة الصبي لم يبلغ
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا أم الغلام الذي لم يبلغ الذي يعقل الصلاة ويقرأ، الرجال
البالغين فإذا أقام الصلاة أجزأتهم إمامته والاختيار أن لا يؤم إلا بالغ وأن يكون الامام البالغ عالما بما
لعله يعرض له في الصلاة.
193

إمامة من لا يحسن يقرأ ويزيد في القرآن
(قال) وإذا أم الأمي أو من لا يحسن أم القرآن وإن أحسن غيرها من القرآن ولم يحسن أم القرآن لم
يجز الذي يحسن أم القرآن صلاته معه وإن أم من لا يحسن أن يقرا أجزأت من لا يحسن يقرأ صلاته معه
وإن كان الامام لا يحسن أم القرآن ويحسن سبع آيات أو ثمان آيات ومن خلفه لا يحسن أم القرآن ويحسن من القرآن شيئا أكثر مما يحسن الامام أجزأتهم صلاتهم معه لان كلا لا يحسن أم القرآن والامام
يحسن ما يجزيه في صلاته إذا لم يحسن أم القرآن وإن أم رجل قوما يقرءون فلا يدرون أيحسن يقرأ أم لا
فإذا هو لا يحسن يقرا أم القرآن ويتكلم بسجاعة في القرآن لم تجزئهم صلاتهم وابتدأوا الصلاة وعليهم
إذا سجع ما ليس من القرآن أن يخرجوا من الصلاة خلفه وإنما جعلت ذلك عليهم وإن يبتدئوا
صلاتهم أنه ليس يحسن القرآن وإن شجاعته كالدليل الظاهر على أنه لا يحسن يقرأ فلم يكن لهم أن
يكونوا في شئ من الصلاة معه ولو علموا أنه يحسن يقرأ فابتدءوا الصلاة معه ثم سجع أحببت لهم أن
يخرجوا من إمامته ويبتدئوا الصلاة فإن لم يفعلوا أو خرجوا حين سجع من صلاته فصلوا لأنفسهم أو
قدموا غيره أجزأت عنهم كما تجزئ عنهم لو صلوا خلف من يحسن يقرأ فأفسد صلاته بكلام عمد أو
عمل ولا تفسد صلاتهم بإفساد صلاته إذا كان لهم على الابتداء أن يصلوا معه وإذا صلى لهم من لا
يدرون يحسن يقرأ أم لا صلاة لا يجهر فيها أحببت لهم أن يعيدوا الصلاة احتياطا ولا يجب ذلك عليهم
عندي لأن الظاهر أن أحدا من المسلمين لا يتقدم قوما في صلاة إلا محسنا لما تجزيه به الصلاة إن شاء
الله تعالى وإذا أمهم في صلاة يجهر فيها فلم يقرأ أعادوا الصلاة بترك القراءة ولو قال قد قرأت في نفسي
فإن كانوا لا يعلمونه يحسن القراءة أحببت لهم أن يعيدوا الصلاة لأنهم لم يعلموا أنه يحسن يقرأ ولم يقرأ
قراءة يسمعونها.
إمامة الجنب
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عطاء
بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار أن أمكثوا ثم رجع وعلى جلده
أثر الماء أخبرنا الثقة عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن محمد بن عبد
الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه أخبرنا الثقة عن ابن عون عن
محمد بن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وقال " إني كنت جنبا فنسيت " أخبرنا الثقة عن حماد
بن سلمة عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه (قال الشافعي)
وبهذا نأخذ وهذا يشبه أحكام الاسلام لان الناس إنما كلفوا في غيرهم الأغلب فيما يظهر لهم وأن
مسلما لا يصلي إلا على طهارة فمن صلى خلف رجل ثم علم أن إمامه كان جنبا أو على غير وضوء وإن
كانت امرأة أمت نساء ثم علمن أنها كانت حائضا أجزأت المأمومين من الرجال والنساء صلاتهم وأعاد
الامام صلاته ولو علم المأمومون من قبل أن يدخلوا في صلاته أنه على غير وضوء ثم صلوا معه لم تجزهم
صلاتهم لأنهم صلوا بصلاة من لا تجوز له الصلاة عالمين ولو دخلوا معه في الصلاة غير عالمين أنه على
غير طهارة وعلموا قبل أن يكملوا الصلاة أنه على غير طهارة كان عليهم أن يتموا لأنفسهم وينوون
194

الخروج من إمامته مع علمهم فتجوز صلاتهم فإن لم يفعلوا فأقاموا مؤتمين به بعد العلم أو غير ناوين
الخروج من إمامته فسدت صلاتهم وكان عليهم استئنافها لأنهم قد ائتموا بصلاة من لا تجوز لهم
الصلاة خلفه عالمين وإذا اختلف علمهم فعلمت طائفة وطائفة لم تعلم فصلاة الذين لم يعلموا أنه على غير
طهارة جائزة وصلاة الذين علموا أنه على غير طهارة فأقاموا مؤتمين به غير جائزة (1) ولو افتتح الامام
طاهرا ثم انتقضت طهارته فمضى على صلاته عامدا أو ناسيا كان هكذا وعمد الامام ونسيانه سواء إلا
أنه يأثم بالعمد ولا يأثم بالنسيان إن شاء الله تعالى.
إمامة الكافر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أن رجلا كافرا أم قوما مسلمين ولم يعلموا كفره أو يعلموا لم
تجزهم صلاتهم ولم تكن صلاته إسلاما له إذا لم يكن تكلم بالاسلام قبل الصلاة ويعزر الكافر وقد أساء
من صلى وراءه وهو يعلم أنه كافر ولو صلى رجل غريب بقوم ثم شكوا في صلاتهم فلم يدروا أكان كافرا
أو مسلما لم تكن عليهم إعادة حتى يعلموا أنه كافر لأن الظاهر أن صلاته صلاة المسلمين لا تكون إلا
من مسلم وليس من أم فعلم كفره مثل مسلم لم يعلم أنه غير طاهر لان الكافر لا يكون إماما في حال
والمؤمن يكون إماما في الأحوال كلها إلا أنه ليس له أن يصلى إلا طاهرا وهكذا لو كان رجل مسلم
فارتد ثم أم وهو مرتد لم تجز من خلفه صلاته حتى يظهر التوبة بالكلام قبل إمامتهم فإذا أظهر التوبة
بالكلام قبل إمامتهم أجزأتهم صلاتهم معه ولو كانت له حالان حال كان فيها مرتدا وحال كان فيها
مسلما فأمهم فلم يدروا في أي الحالين أمهم أحببت أن يعيدوا ولا يحب ذلك عليهم حتى يعلموا أنه
أمهم مرتدا ولو أن كافرا أسلم ثم أم قوما ثم جحد أن يكون أسلم فمن أئتم به بعد اسلامه وقبل جحده
فصلاته جائزة ومن أئتم بعد جحده أن يكون أسلم لم تجزه صلاته حتى يجدد اسلامه ثم يؤمهم بعده.
إمامة من لا يعقل الصلاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أم الرجل المسلم المجنون القوم فإن كان يجن ويفيق فأمهم في
إفاقته فصلاته وصلاتهم مجزئة وإن أمهم وهو مغلوب على عقله لم يجزهم ولا إياه صلاتهم ولو أمهم وهو

(1) قال السراج البلقيني: هذا النص في أنه يقضى من صلى مقتديا به عالما يحدثه يقتضى أن من
عرف حدث إمامه قبل الصلاة ثم نسي وصلى معه ناسيا لما علمه أنه لا قضاء عليه وهذا له وجه لكنه
ليس مقطوعا به كما وقع في بعض كتب المتأخرين من القطع به ونفى الخلاف فيه بل الخلاف ثابت
في إنظاره في شئ من الترتيب في الوضوء أو الفاتحة ناسيا أو الموالاة ناسيا أو علم النجاسة التي لا يعفى
عنها في ثوبه أو بدنه ثم نسي وصلى بها ففيها خلاف مرتب على الجاهل وأولى بوجوب القضاء بل
الأرجح في صورة المأموم أنه لا قضاء عليه بخلاف تلك الصور فإن فيها ترك ركن أو شرط وهنا لم يترك
شيئا ويكون مفهوم النص على إطلاقه ولذا جرى عليه الأصحاب وهو المعتمد وعلى تقدير التوقع على
الأول فيحمل النص على الصورة المتفق عليها.
195

يعقل وعرض له أمر أذهب عقله فخرجوا من إمامته مكانهم صلوا لأنفسهم أجزأتهم صلاتهم وإن بنوا
على الائتمام شيئا قل أو كثر معه بعد ما علموا أنه قد ذهب عقله لم تجزهم صلاتهم خلفه وإن أم سكر ان
لا يعقل فمثل المجنون وإن أم شارب يعقل أجزأته الصلاة وأجزأت من صلى خلفه فإن أمهم وهو يعقل
ثم غلب بسكر فمثل ما وصفت من المجنون لا يخالفه.
موقف الامام
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس
قال صليت أنا ويتيم لنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا وأم سليم خلفنا (قال الشافعي)
أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي حازم بن دينار قال سألوا سهل بن سعد من أي شئ منبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إما بقي من الناس أحد أعلم به منى من أثل الغابة عمله له فلان مولى
فلانة ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صعد عليه استقبل القبلة فكبر ثم ركع ثم نزل
القهقرى فسجد ثم صعد فقرأ ثم ركع ثم نزل القهقرى ثم سجد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس انه أخبره أنه بات عن
ميمونة أم المؤمنين وهي خالته قال فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأهله في طولها فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده
بقليل استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس يمسح وجهه بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من
سورة آل عمران ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلى قال ابن عباس فقمت
فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على
رأسي وأخذ بأذني اليمنى ففتلها فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم
اضطجع حتى جاء المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح (قال الشافعي) فما
حكيت من هذه الأحاديث يدل على الإمامة في النافلة ليلا ونهارا جائزة وأنها كالإمامة في المكتوبة
لا يختلفان ويدل على أن موقف الامام أمام المأمومين منفردا والمأمومان فأكثر خلفه وإذا أم رجل
برجلين فقام منفردا أمامهما وقاما صفا خلفه وإن كان موضع المأمومين رجال ونساء وخناثى مشكلون
وقف الرجال يلون الامام والخناثى خلف الرجال والنساء خلف الخناثى وكذلك لو لم يكن معه إلا
خنثى مشكل واحد وإذا أم رجل رجلا واحدا أقام الامام المأموم عن يمينه وإذا أم خنثى مشكلا أو
امرأة قام كل واحد منهما خلفه لا بحذائه وإذا أم رجل رجلا فوقف المأموم عن يسار الامام أو خلفه
كرهت ذلك لهما ولا إعادة على واحد منهما وأجزأت صلاته وكذلك أن أم اثنين فوقفا عن يمينه ويساره
أو عن يساره معا أو عن يمينه أو وقف أحدهما عن جنبه والآخر خلفه أو وقفا معا خلفه منفردين كل
واحد منهما خلف الآخر كرهت ذلك لهما ولا إعادة على واحد منهما ولا سجود للسهو وإنما أجزت هذا
لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أم ابن عباس فوقف إلى جنبه فإذا جاز أن يكون المأموم الواحد إلى
جنب الامام لم يفسد أن يكون إلى جنبه اثنان ولا جماعة ولا يفسد أن يكونوا عن يساره لان كل ذلك
إلى جنبه وإنما أجزأت صلاة المنفرد وحده خلف الامام لان العجوز صلت منفردة خلف أنس وآخر
معه وهما خلف النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم أمامهما " قال أبو محمد رأيت النبي
196

صلى الله عليه وسلم كأنه واقف على موضع مرتفع فوقفت خلفه وهو يصلى قائما فوقفت خلفه لأصلي معه
فأخذني بيده فأوقفني عن يمينه فنظرت خلف ظهره الخاتم بين كتفيه يشبه الحاجب المقوس ونقط سواد
في طرف الخاتم ونقط سواد في طرفه الآخر فقمت إليه فقبلت الخاتم " ولو وقف بعض المأمومين أمام
الامام يأتم به أجزأت الامام ومن صلى إلى جنبه أو خلفه صلاتهم ولم يجز ذلك من وقف أمام الامام
صلاته لان السنة أن يكون الامام أمام لمأموم أو حذاءه لا خلفه وسواء قرب ذلك أو بعد من الامام
إذا كان المأموم أمام الامام وكذلك لو صلى خلف الامام صف في غير مكة فتعوج الصف حتى صار
بعضهم أقرب إلى حد القبلة أو السترة ما كانت السترة من الامام لم تجز الذي هو أقرب إلى القبلة منه
صلاته وإن كان يرى صلاة الامام ولو شك المأموم أهو أقرب إلى القبلة أو الامام أحببت له أن يعيد ولا
يتبين لي أن يعيد حتى يستيقن أنه كان أقرب إلى القبلة من الامام (1) ولو أم إمام بمكة وهم يصلون بها
صفوفا مستديرة يستقبل كلهم إلى الكعبة من جهته كان عليهم والله تعالى أعلم عندي أن يصنعوا كما
يصنعون في الامام وأن يجتهدوا حتى يتأخروا من كل جهة عن البيت تأخرا يكون فيه الامام أقرب إلى
البيت منهم (2) وليس يبين لمن زال عن حد الامام وقربه من البيت عن الامام إذا لم تباين ذلك تباين
الذين يصلون صفا واحدا مستقبلي جهة واحدة فيتحرون ذلك كما وصفت ولا يكون على واحد منهم
إعادة صلاة حتى يعلم الذين يستقبلون وجه القبلة مع الامام أن قد تقدموا الامام وكانوا أقرب إلى
البيت منه فإذا علموا أعادوا فأما الذين يستقبلون الكعبة كلها من غير جهتها فيجتهدون كما يصلون أن
يكونوا أنأى عن البيت من الامام فإن لم يفعلوا وعلموا أو بعضهم أنه أقرب إلى البيت من الامام فلا
إعادة عليه من قبل أنه والامام وان اجتمعا أن يكون واحد منهما يستقبل البيت بجهته وكل واحد منهما
في غير جهة صاحبه فإذا عقل المأموم صلاة الامام أجزأته صلاته (قال) ولم يزل الناس يصلون
مستديري الكعبة والامام في وجهها ولم أعلمهم يتحفظون ولا أمروا بالتحفظ من أن يكون كل واحد
منهم جهته من الكعبة غير جهة الامام أو يكون أقرب إلى البيت منه وقلما يضبط هذا حول البيت إلا
بالشئ المتباين جدا وهكذا لو صلى الامام بالناس فوقف في ظهر الكعبة أو أحد جهتها غير وجهها لم
يجز للذين يصلون من جهته إلا أن يكونوا خلفه فإن لم يعلموا أعادوا وأجزأ من صلى من غير جهته وإن
صلى وهو أقرب إلى الكعبة منه والاختيار لهم أن يتحروا أن يكونوا خلفه ولو أن رجلا أم رجالا ونساء
فقام النساء خلف الامام والرجال خلفهن أو قام النساء حذاء الامام فائتممن به والرجال إلى جنبهن
كرهت ذلك للنساء والرجال والامام ولم تفسد على واحد منهم صلاته وإنما قلت هذا لان ابن عيينة

(1) قال السراج البلقيني: هذا النصف في المثال غير مقيد وهو الذي اعتمده جمع من الأصحاب
وجزم القاضي حسين بأن مجيئه إن كان من وراء الامام صحت صلاته وإن كان جاء من قدام الامام لم
تصح صلاته فعد هذا التفصيل وجها مقابلا يقتضى إطلاق النص مع أنه يحتمل أن يكون قيدا
والتحقيق في ذلك أنه إذا غلب على ظنه التأخر ثم بعد السلام شك لم يؤثر الشك الحادث بعد السلام
وأما إذا لم يغلب على ظنه في الابتداء التأخر فلا تنعقد صلاته حتى يظهر له القيام بالشرط بيقين أو
غلبة ظن.
(2) قوله: وليس يبين الخ وقوله من قبل أنه والامام الخ كذا في النسخ وانظر التركيبين كتبه.
مصححة.
197

أخبرنا عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى صلاته من الليل
وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة (1) (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن مالك بن مغول
عن عون بن جحيفة عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح وخرج بلال بالعنزة
فركزها فصلى إليها والكلب والمرأة والحمار يمرون بين يديه (قال الشافعي) وإذا لم تفسد المرأة على الرجل
المصلى أن تكون بين يديه فهي إذا كانت عن يمينه أو عن يساره أحرى أن لا تفسد عليه والخصي
المجبوب أو غير المجبوب رجل يقف موقف الرجال في الصلاة ويؤم وتجوز شهادته ويرث ويورث ويثبت
له سهم في القتال وعطاء في الفئ وإذا كان الخنثى مشكلا فصلى مع إمام وحده وقف خلفه وإن
صلى مع جماعة وقف خلف صفوف الرجال وحده وأمام صفوف النساء.
صلاة الامام قاعدا
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فصرع عنه فجحش شقه الأيمن فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد
وصلينا وراءه قعودا فلما انصرف قال " إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا ركع
فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا صلى جالسا فصلوا
جلوسا أجمعين " (2) (قال الشافعي) أخبرنا يحيى بن حسان عن محمد بن مطر عن هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة (قال الشافعي) وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس ومن حدث معه في
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بهم جالسا ومن خلفه جلوسا منسوخ بحديث عائشة أن رسول

(1) قال السراج البلقيني: حديث عائشة هذا من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة
عن عائشة أخرجه مسلم في صحيحه ولم يخرجه البخاري من هذا الطريق ولكن أخرج معناه بطريق
أخرى فأخرج من طريق هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصلى وأنا راقدة معترضة على فراشه فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت أخرجه في ترجمة الصلاة خلف
النائم وأخرج عقيبه في ترجمة التطوع خلف المرأة من حديث أبي سلمة عن عائشة أنها قالت كنت
أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا
قام بسطتهما والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح وأخرج من طريق الأسود ومسروق عن عائشة أنها قالت
والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى وأنا على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة فتبدو لي
الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي النبي صلى الله عليه وسلم فانسل من عند رجليه وأخرج البخاري من
حديث ابن أخي الزهري عن الزهري عن عروة عن عائشة نحو حديث سفيان بن عيينة لكن ليس فيه
" كاعتراض الجنازة ".
(2) قال السراج البلقيني: حديث أنس هذا من طريق مالك أخرجه البخاري ومسلم، أخرجه
البخاري من طريق عبد الله بن يوسف وأخرجه مسلم من طريق محمد بن يحيى بن أبي عمر عن معن بن
عيسى عن مالك وهو في روايتنا الموطأ من طريق يحيى بن يحيى كذلك ورواية الأول هذا الحديث
وصلينا وراءه قعودا يأتي التنبيه عليها إن شاء الله تعالى.
198

الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم في مرضه الذي مات فيه جالسا وصلوا خلفه قياما فهذا مع أنه سنة
ناسخة معقولا ألا ترى أن الامام إذا لم يطق القيام صلى جالسا وكان ذلك فرضه وصلاة المأمومين غيره
قياما إذا أطاقوه وعلى كل واحد منهم فرضه فكان الامام يصلى فرضه قائما إذا أطاق وجالسا إذا لم يطق
وكذلك يصلى مضطجعا وموميا إن لم يطق الركوع والسجود ويصلى المأمومون كما يطيقون فيصلى كل
فرضه فتجزى كل صلاته ولو صلى إمام مكتوبة بقوم جالسا وهو يطيق القيام ومن خلفه قياما كان الامام
مسيئا ولا تجزئه صلاته وأجزأت من خلفه لأنهم لم يكلفوا أن يعلموا أنه يطيق القيام وكذلك لو كان
يرى صحة بادية وجلدا ظاهرا لان الرجل قد يجد ما يخفى على الناس ولو علم بعضهم أنه يصلى جالسا
من غير علة فصلى وراءه قائما أعاد لأنه صلى خلف من يعلم أن صلاته لا تجزى عنه ولو صلى أحد
يطيق القيام خلف إمام قاعد فقعد معه لم تجز صلاته وكانت عليه الإعادة ولو صلى الامام بعد
الصلاة قاعدا ثم أطاق القيام كان عليه حين أطاق القيام أن يقوم في موضع القيام ولا يجزئه غير ذلك
وإن لم يفعل فعليه أن يعيد تلك الصلاة وصلاة من خلفه تامة ولو افتتح الامام الصلاة قائما ثم مرض
حتى لا يطيق القيام كان له أن يجلس ليتم ما بقي من صلاته جالسا والمرأة تؤم النساء والرجل يؤم
الرجال والنساء في هذا سواء. وإن أمت أمة نساء فصلت مكشوفة الرأس أجزأتها وإياهن صلاتهن فإن
عتقت فعليها أن تقنع فيما بقي من صلاتها ولو لم يفعل وهي عالمة أن قد عتقت وغير عالمة أعادت
صلاتها تلك وكل صلاة صلتها مكشوفة الرأس.
مقام الامام مرتفعا والمأموم مرتفع ومقام الامام بينه وبين الناس مقصورة وغيرها
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن أبي حازم قال سألوا سهل بن سعد عن
منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أي شئ هو وذكر الحديث أخبرنا ابن عيينة قال أخبرنا الأعمش
عن إبراهيم عن همام قال: صلى بنا حذيفة على دكان مرتفع فسجد عليه فجبذه أبو مسعود فتابعه
حذيفة فلما قضى الصلاة قال أبو مسعود أليس قد نهى عن هذا؟ قال حذيفة ألم ترني قد تابعتك؟
(قال الشافعي) واختار للامام الذي يعلم من خلفه أن يصلى على الشئ المرتفع ليراه من وراءه فيقتدون
بركوعه وسجوده فإذا كان ما يصلي عليه منه متضايقا عنه إذا سجد أو متعاديا عليه كتضايق المنبر وتعاديه
بارتفاع بعض درجه على بعض (1) أن يرجع القهقرى حتى يصير إلى الاستواء ثم يسجد ثم يعود إلى
مقامه وإن كان متضايقا أو متعاديا أو كان يمكنه أن يرجع القهقرى أو يتقدم فليتقدم أحب إلى لان
التقدم من شأن المصلين فإن استأخر فلا بأس وإن كان موضعه الذي يصلى عليه لا يتضايق إذا سجد
ولا يتعادى سجد عليه ولا أحب أن يتقدم ولا يتأخر لان النبي صلى الله عليه وسلم إنما رجع للسجود
والله تعالى أعلم لتضايق المنبر وتعاديه وإن رجع القهقرى أو تقدم أو مشى مشيا غير منحرف إلى القبلة
متباينا أو مشى يسيرا من غير حاجة إلى ذلك كرهته له ولا تفسد صلاته ولا توجب عليه سجود سهو إذا
لم يكن ذلك كثيرا متباعدا فإن كان كثيرا متباعدا فسدت صلاته وإن كان الامام قد علم الناس مرة

(1) قوله: أن يرجع الخ لعل " أن " زائدة من الناسخ أو يقدر العامل بنحو " أحب " أو " أختار "
كتبه مصححه.
199

أحببت أن يصلى مستويا مع المأمومين لأنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على المنبر إلا مرة
واحدة وكان مقامه فيما سواها بالأرض مع المأمومين فالاختيار أن يكون مساويا للناس ولو كان أرفع منهم
أو أخفض لم تفسد صلاته ولا صلاتهم ولا بأس أن يصلى المأموم من فوق المسجد بصلاة الامام في
المسجد إذا كان يسمع صوته أو يرى بعض من خلفه فقد رأيت بعض المؤذنين يصلى على ظهر المسجد
الحرام بصلاة الامام فما علمت أن أحدا من أهل العلم عاب عليه ذلك وإن كنت قد علمت أن
بعضهم أحب ذلك لهم لو أنهم هبطوا إلى المسجد (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا
صالح مولى التوأمة أنه رأى أبا هريرة يصلى فوق ظهر المسجد الحرام بصلاة الامام في المسجد (قال
الشافعي) وموقف المراة إذا أمت النساء تقوم وسطهن فإن قامت متقدمة النساء لم تفسد صلاتها ولا
صلاتهن جميعا وهي فيما يفسد صلاتهن ولا يفسدها ويجوز لهن من المواقف ولا يجوز كالرجال لا
يختلفن هن ولا هم.
اختلاف نية الإمام والمأموم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان أنه سمع عمرو بن دينار يقول سمعت جابر بن عبد الله
يقول كان معاذ بن جبل يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء أو العتمة ثم يرجع فيصليها بقومه في
بنى سلمة قال فأخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ذات ليلة قال فصلى معه معاذ قال فرجع فأم قومه
فقرأ بسورة البقرة فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده فقالوا له أنافقت؟ قال: لا ولكني آتي رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فقال يا رسول الله إنك أخرت العشاء وإن معاذا صلى معك ثم رجع فأمنا
فافتتح بسورة البقرة فلما رأيت ذلك تأخرت وصليت وإنما نحن أصحاب نواضح نعمل بأيدينا فأقبل
النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ فقال " أفتان أنت يا معاذ أفتان أنت يا معاذ؟ اقرأ بسورة كذا
وسورة كذا " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا أبو الزبير عن جابر مثله وزاد فيه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " اقرأ بسبح اسم ربك الاعلى والليل إذا يغشى والسماء والطارق ونحوها "
قال سفيان فقلت لعمرو إن أبا الزبير يقول قال له أقرأ بسبح اسم ربك الاعلى والليل إذا يغشى والسماء
والطارق، فقال عمرو هو هذا أو نحوه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد قال
أخبرني ابن جريج عن عمرو عن جابر قال كان معاذ يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم
ينطلق إلى قومه فيصليها لهم هي له تطوع وهي لهم مكتوبة أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ابن عجلان عن
عبيد الله بن مقسم عن جابر بن عبد الله أن معاذ بن جبل كان يصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلى لهم العشاء وهي له نافلة، أخبرنا الثقة ابن علية أو غيره عن يونس عن
الحسن عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى بالناس صلاة الظهر في
الخوف ببطن نخل فصلى بطائفة ركعتين ثم سلم ثم جاءت طائفة أخرى فصلى لهم ركعتين ثم سلم (قال
الشافعي) والآخرة من هاتين للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة وللآخرين فريضة أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء قال وإن أدركت العصر بعد ذلك ولم تصل
الظهر فاجعل التي أدركت مع الامام الظهر وصل العصر بعد ذلك قال ابن جريج قال عطاء بعد ذلك
وهو يخبر ذلك وقد كان يقال ذلك إذا أدركت العصر ولم تصل الظهر فاجعل الذي أدركت مع الامام
200

الظهر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج أن عطاء كانت تفوته
العتمة فيأتي والناس في القيام فيصلى معهم ركعتين ويبنى عليها ركعتين وأنه رآه يفعل ذلك ويعتد به
من العتمة (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال قال عطاء من نسي العصر فذكر أنه لم
يصلها وهو في المغرب فليجعلها العصر فإن ذكرها بعد أن صلى المغرب فليصل العصر (1) وروى عن عمر
بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وعن رجل آخر من الأنصار مثل هذا المعنى ويروى عن أبي الدرداء
وابن عباس قريبا منه وكان وهب بن منبه والحسن وأبو رجاء العطاردي يقولون جاء قوم إلى أبى رجاء
العطاردي يريدون أن يصلوا الظهر فوجدوه صلى فقالوا ما جئنا إلا لنصلي معك فقال لا أخيبكم ثم قام
فصلى بهم ذكر ذلك أبو قطن عن أبي خلدة عن أبي رجاء العطاردي أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال قال إنسان لطاوس وجدت الناس في القيام فجعلتها العشاء
الآخرة قال أصبت (قال الشافعي) وكل هذا جائز بالسنة وما ذكرنا ثم القياس ونية كل مصل نية نفسه
لا يفسدها عليه أن يخالفها نية غيره وإن أمه ألا ترى أن الامام يكون مسافرا ينوى ركعتين فيجوز أن
يصلى وراءه مقيم بنيته وفرضه أربع أولا ترى أن الامام يسبق الرجل بثلاث ركعات ويكون في الآخرة
فيجزى الرجل أن يصليها معه وهي أول صلاته أو لا ترى أن الامام ينوى المكتوبة فإذا نوى من خلفه
أن يصلى نافلة أو نذرا عليه ولم ينو المكتوبة يجزى عنه أولا ترى أن الرجل بفلاة يصلى فيصلى بصلاته
فتجزئه صلاته ولا يدرى لعل المصلى صلى نافلة أو لا ترى أنا نفسد صلاة الامام ونتم صلاة من خلفه
ونفسد صلاة من خلفه ونتم صلاته وإذا لم تفسد صلاة المأموم بفساد صلاة الامام كانت نية الامام إذا
خالفت نيه المأموم أولى أن لا تفسد عليه وإن فيما وصفت من ثبوت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الكفاية من كل ما ذكرت وإذا صلى الامام نافلة فائتم به رجل في وقت يجوز له فيه أن يصلى على
الانفراد فريضة ونوى الفريضة فهي له فريضة كما إذا صلى الامام فريضة ونوى المأموم نافلة كانت
للمأموم نافلة لا يختلف ذلك وهكذا إن أدرك الامام في العصر وقد فاتته الظهر فنوى بصلاته الظهر
كانت له ظهرا ويصلى بعدها العصر وأحب إلى من هذا كله أن لا يأتم رجل إلا في صلاة مفروضة
يبتدئانها معا وتكون نيتهما في صلاة واحدة (2):

(1) قال السراج البلقيني: مراد عطاء بقوله وهو في المغرب يعنى في وقت المغرب قبل أن يصلى
المغرب وحمله على ظاهره يقتضى أنه بعد الشروع في المغرب يقلبها إلى العصر وهذا لا يعرف عن عطاء
ولا غيره.
(2) قال السراج البلقيني: وفى جمع الجوامع " ومن فاتته العشاء من شهر رمضان فدخل والناس
في القنوت فليبدأ بالمكتوبة فإن أئتم بالامام في قنوت رمضان ما لم يسلم الامام جاز فإذا سلم الامام لم
يأتم به وقام يقضى لنفسه وإن كان الناس قياما في قنوتهم " وما ذكره صاحب جمع الجوامع من هذا
النص محمول على الاستحباب ولو اقتدى بالامام بعد ذلك كان فيه الاقتداء بعد الانفراد والأرجح
جوازه وفى جمع الجوامع في رواية حرملة " فلو صلى رجل لنفسه أو مع إمام صلاة ظهرا أو عشاء ثم
صلاها بقوم أجزأت عنهم وكانت له نافلة وما صليت ".
201

خروج الرجل من صلاة الامام
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أئتم الرجل بإمام فصلى معه ركعة أو افتتح معه ولم يكمل
الامام الركعة أو صلى أكثر من ركعة فلم يكمل الامام صلاته حتى فسدت عليه استأنف صلاته (1)
وإن كان مسافرا والامام مقيما فعليه أن يقضى صلاة مقيم لان عدد صلاة الامام لزمه وإن صلى به
الامام شيئا من الصلاة ثم خرج المأموم من صلاة الامام بغير قطع من الامام للصلاة ولا عذر للمأموم
كرهت ذلك له وأحببت أن يستأنف احتياطا فإن بنى على صلاة لنفسه منفردا لم يبن لي أن يعيد الصلاة
من قبل أن الرجل خرج من صلاته مع معاذ بعدما افتتح الصلاة معه صلى لنفسه فلم نعلم أن النبي
صلى الله عليه وسلم أمره بالإعادة.
الصلاة بإمامين أحدهما بعد الآخر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ذهب إلى بنى عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبى بكر
فقال أتصلى للناس؟ فقال: نعم فصلى أبو بكر وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة
فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس
التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمكث
مكانك فرفع أبو بكر يده فحمد الله على ما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ثم استأجر أبو
بكر وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس فلما انصرف قال " يا أبا بكر ما منعك أن تثبت
إذ أمرتك "؟ فقال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يصلى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ من نابه شئ في صلاته فليسبح
فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء " (2) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن إسماعيل بن أبي

(7) بياض في الأصل.
202

حكيم عن عطاء ابن يسار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار بيده
أن امكثوا ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جلده أثر الماء أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا الثقة عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود ابن سفيان عن محمد بن عبد
الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل معناه (قال الشافعي) والاختيار إذا
أحدث الامام حدثا لا يجوز له معه الصلاة من رعاف أو انتفاض وضوء أو غيره فإن كان مضى من
صلاة الامام شئ ركعة أو أكثر أن يصلى القوم فرادى لا يقدمون أحدا وإن قدموا أو قدم إمام رجلا
فأتم لهم ما بقي من الصلاة أجزأتهم صلاتهم وكذلك لو أحدث الإمام الثاني والثالث والرابع وكذلك لو
قدم الإمام الثاني أو الثالث بعض من في الصلاة أو تقدم بنفسه ولم يقدمه الامام فسواء وتجزيهم
صلاتهم في ذلك كله لان أبا بكر قد افتتح للناس الصلاة ثم استأخر فتقدم رسول الله صلى الله عليه
وسلم فصار أبو بكر مأموما بعد أن كان إماما وصار الناس يصلون مع أبي بكر بصلاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقد افتتحوا بصلاة أبى بكر وهكذا لو استأخر الامام من غير حدث وتقدم غيره أجزأت من
خلفه صلاتهم وأختار أن لا يفعل هذا الامام وليس أحد في هذا كرسول الله صلى الله عليه وسلم وإن
فعله وصلى من خلفه بصلاته فصلاتهم جائزة مجزية عنهم وأحب إذا جاء الامام وقد افتتح الصلاة غيره
أن يصلى خلف المتقدم إن تقدم بأمره أو لم يتقدم قد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف عبد
الرحمن بن عوف في سفره إلى تبوك فإن قيل فهل يخالف هذا استئخار أبى بكر وتقدم النبي صلى الله
عليه وسلم؟ قيل هذا مباح وللامام أن يفعل أي شئ شاء والاختيار أن يأتم الامام بالذي يفتتح الصلاة
ولو أن إماما كبر وقرأ أو لم يقرأ إلا أنه لم يركع حتى ذكر أنه على غير طهارة كان مخرجه أو وضوؤه أو
غسله قريبا فلا بأس أن يقف الناس في صلاتهم حتى يتوضأ ويرجع ويستأنف ويتمون هم لأنفسهم كما
فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر أنه جنب فانتظره القوم فاستأنف لنفسه لأنه لا يعتد
بتكبيره وهو جنب ويتمون لأنفسهم لأنهم لو خرجوا من صلاته صلوا لأنفسهم بذلك التكبير فإن كان
خروجه متباعدا وطهارته تثقل صلوا لأنفسهم بذلك التكبير لو أشار إليهم أن ينتظروه وكلمهم بذلك
كلاما فخالفوه وصلوا لأنفسهم أو قدموا غيره أجزأتهم صلاتهم والاختيار عندي والله تعالى أعلم
للمأمومين إذا فسدت على الامام صلاته أن يتموا فرادى ولو أن إماما صلى ركعة ثم ذكر أنه جنب
فخرج فاغتسل وانتظره القوم فرجع فبنى على الركعة فسدت عليهم صلاتهم لأنهم يأتمون به وهم عالمون
أن صلاته فاسدة لأنه ليس له أن يبني على صلاة صلاها جنبا ولو علم ذلك بعضهم ولم يعلمه بعض
فسدت صلاة من علم ولم تفسد صلاة من لم يعلم (قال الشافعي) وإذا أم الرجل القوم فذكر أنه على
غير طهر أو انتقضت طهارته فانصرف فقدم آخر أو لم يقدمه فقدمه بعض المصلين خلفه أو تقدم هو
متطوعا بنى على صلاة الامام وإن اختلف من خلف الامام فقدم بعضهم رجلا وقدم آخرون غيره
فأيهما تقدم أجزأهم أن يصلوا خلفه وكذلك إن تقدم غيرهما ولو أن إماما صلى ركعة ثم أحدث فقدم
رجلا قد فاتته تلك الركعة مع الامام أو أكثر فإن كان المتقدم كبر مع الامام قبل أن يحدث الامام مؤتما
203

بالامام فصلى الركعة التي بقيت على الامام وجلس في مثنى الامام ثم صلى الركعتين الباقيتين على
الامام وتشهد فإذا أراد السلام قدم رجلا لم يفته شئ من صلاة الامام فسلم بهم وإن لم يفعل سلموا
هم لأنفسهم آخرا وقام هو فقضى الركعة التي بقيت عليه ولو سلم هو بهم ساهيا وسلموا لأنفسهم
أجزأتهم صلاتهم وبنى هو لنفسه وسجد للسهو وإن سلم عامدا ذاكرا لأنه لم يكمل الصلاة فسدت
صلاته وقدموا هم رجلا فسلم بهم أو سلموا لأنفسهم أي ذلك فعلوا أجزأتهم صلاتهم ولو قام بهم
فقاموا وراءه ساهين ثم ذكروا قبل أن يركعوا كان عليهم أن يرجعوا فيتشهدوا ثم يسلموا لأنفسهم أو يسلم
بهم غيره ولو اتبعوه فذكروا رجعوا جلوسا ولم يسجدوا وكذلك لو سجدوا إحدى السجدتين ولم يسجدوا
الأخرى أو ذكروا وهم سجود قطعوا السجود على أي حال ذكروا أنهم زائدون على الصلاة وهم فيها
فارقوا تلك الحال إلى التشهد ثم سجدوا للسهو وسلموا ولو فعل هذا بعضهم وهو ذاكر لصلاته عالم بأنه
لم يكمل عددها فسدت عليه صلاته لأنه عمد الخروج من فريضة إلى صلاة نافلة قبل التسليم من
الفريضة ولا خروج من صلاة إلا بسلام " قال أبو يعقوب البوطي " ومن أحرم جنبا بقوم ثم ذكر فخرج
فتوضأ ورجع لم يجز له أن يؤمهم لان الامام حينئذ إنما يكبر للافتتاح وقد تقدم ذلك إحرام القوم وكل
مأموم أحرم قبل إمامه فصلاته باطلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فإذا كبر فكبروا " وليس كالمأموم
يكبر خلف الامام في آخر صلاة الامام وقد كبر قوم خلف الامام في أول صلاة الامام فيحدث الامام
فيقدم الذي أحرم معه في آخر صلاته وقد تقدم إحرامه إحرام من أدرك أول صلاة الامام من هذا
بسبيل (قال الشافعي) من أحرم قبل الامام فصلاته باطلة.
الائتمام بإمامين معا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أن رجلين وقفا ليكون كل واحد منهما إماما لمن خلفه ولا يأتم
واحد منهما بصاحبه كان أحدهما إمام الآخر أو بحذائه قريبا أو بعيدا منه فصلى خلفهما ناس يأتمون بهما
معا لا بأحدهما دون الآخر كانت صلاة من صلى خلفهما معا فاسدة لأنهم لم يفردوا النية في الائتمام
بأحدهما دون الآخر ألا ترى أن أحدهما لو ركع قبل الآخر فركعوا بركوعه كانوا خارجين بالفعل دون
النية من إمامة الآخر إلى غير صلاة أنفسهم ولا إمام أحدثوه لم يكن لهم إماما قبل إحداثهم ولو أن
الذي أخر الركوع الأول قدم الركوع الثاني فائتموا به كانوا قد خرجوا بالفعل دون النية من إمامته أولا
ومن إمامة الذي قدم الركوع الأول بعده ولو ائتموا بهما معا ثم لم ينووا الخروج من إمامتهما معا والصلاة
لأنفسهم لم تجزهم صلاتهم لأنهم افتتحوا الصلاة بإمامين في وقت واحد وليس ذلك لهم فإن قيل فقد
ائتم أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم والناس بأبي بكر قيل الامام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو
بكر مأموم علم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا
ضعيف الصوت وكان أبو بكر قائما يرى ويسمع ولو ائتم رجل برجل وائتم الناس بالمأموم لم تجزهم
صلاتهم لأنه لا يصلح أن يكون إماما مأموما إنما الامام الذي يركع ويسجد بركوع نفسه وسجوده لا
بركوع غيره وسجوده ولو أن رجلا رأى رجلين معا واقفين معا فنوى أن يأتم بأحدهما لا بعينه فصليا
صلاة واحدة لم تجزه صلاته لأنه لم ينو ائتماما بأحدهما بعينه وكذلك لو صليا منفردين فائتم بأحدهما لم
204

تجزه صلاته لأنه لم ينو الائتمام بالذي صلى بصلاته بعينه ولم تجزئه صلاة خلف إمام حتى يفرد النية في
إمام واحد فإذا أفردها في أمام واحد أجزأته وإن لم يعرفه بعينه ولم يره إذا لم تكن نيته مشتركة بين
إمامين أو مشكوكا فيها في أحد الامامين.
ائتمام الرجلين أحدهما بالآخر وشكهما
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أن رجلين صليا معا فائتم أحدهما بالآخر كانت صلاتهما
مجزئة، ولو صليا معا وعلما أن أحدهما ائتم بالآخر وشكا معا فلم يدريا أيهما كان إمام صاحبه كان عليهما
معا أن يعيدا الصلاة على المأموم غير ما على الامام في الصلاة وكذلك على الامام غير ما على
المأموم، ولو شك أحدهما ولم يشك الآخر أعاد الذي شك وأجزأ الذي لم يشك صلاته، ولو صدق
الذي شك لم يشك كانت عليه الإعادة، وكل ما كلف عمله في نفسه من عدد الصلاة لم يجزه فيه إلا
الذي شك لم يشك كانت عليه الإعادة، وكل ما كلف عمله في نفسه من عدد الصلاة لم يجزه فيه إلا
علم نفسه لا علم غيره، ولو شك فذكره رجل فذكر ذلك على نفسه لم تكن إعادة لأنه يدع
الإعادة الآن بعلم نفسه لا بعلم غيره ولو كانوا ثلاثة أو أكثر فعلموا أن قد صلوا بصلاة أحدهم وشك كل
واحد منهم، أكان الامام أو المأموم، أعادوا معا، ولو شك بعضهم ولم يشك بعضهم أعاد الذين
شكوا ولم يعد الذين لم يشكوا وكانت كالمسألة قبلها، وكذلك لو كثر عددهم.
باب المسبوق
وليس في التراجم وفيه نصوص، فمنها في باب القول في الركوع الذي سبق في تراجم الصلاة وهو
قوله رضي الله عنه: ولو أن رجلا أدرك الامام راكعا فركع قبل أن يرفع الامام ظهره من الركوع اعتد
بتلك الركعة، ولو لم يركع حتى رفع الامام ظهره من الركوع لم يعتد بتلك الركعة ولا يعتد بها حتى
يصير راكعا والامام راكع بحالة، ولو ركع الامام فاطمأن راكعا ثم رفع رأسه من الركوع فاستوى قائما أو
لم يستو إلا أنه قد زايل الركوع إلى حال لا يكون فيها تام الركوع ثم عاد فركع ليسبح فأدركه رجل في
هذه الحال راكعا فركع معه لم يعتد بهذه الركعة لان الامام قد أكمل الركوع أولا وهذا ركوع لا
يعتد به من الصلاة (قال الربيع) وفيه قول آخر أنه إذا ركع ولم يسبح ثم رفع رأسه ثم عاد فركع
ليسبح فقد بطلت صلاته لان ركوعه الأول كان تاما وإن لم يسبح فلما عاد فركع ركعة أخرى
ليسبح فيها كان قد زاد في الصلاة ركعة عامدا فبطلت صلاته بهذا المعنى (1). ومن النصوص في
المسبوق ما ذكره في باب الصلاة من اختلاف العراقيين وإذا أدرك الامام وهو راكع فكبر معه ثم لم
يركع حتى رفع الامام رأسه من الركوع فإن أبا حنيفة كان يقول يسجد معه ولا يعتد بتلك الركعة أخبرنا

(1) قال السراج البلقيني: قد سبق التنبيه في باب القول في الركوع على أن كلام الربيع يوهم أن
في المسألة قولين وليس كذلك بل إن كان عامدا بطلت صلاته قولا واحدا وإن كان ساهيا لم تبطل قولا
واحدا.
205

بذلك عن الحسن عن الحكم عن إبراهيم وبه يأخذ يعنى أبا يوسف وكان ابن أبي ليلى يقول يركع
ويسجد ويحتسب بذلك من صلاته (قال الشافعي) ومن أدرك الامام راكعا فكبر ولم يركع حتى رفع
الامام رأسه سجد مع الامام ولم يعتد بذلك السجود لأنه يدرك ركوعه ولو ركع بعد رفع الامام رأسه
لم يعتد بتلك الركعة لأنه لم يدركها مع الامام ولم ولم يقرأ لها فيكون صلى لنفسه بقراءة ولا صلى مع الامام
فيما أدرك مع الامام، ومنها في مختصر البويطي في باب الرجل يسبقه الامام ببعض الصلاة (قال
الشافعي) ومن سبقه الامام بشئ من الصلاة لم يقم لقضاء ما عليه إلا بعد فراغ الامام من التسليمتين
هذا نصه في البويطي، وفى جمع الجوامع في باب من سبقه الامام بشئ حكى هذا الكلام أولا ولم
ينسبه للبويطي ثم نقل عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال وأحب لو مكث قليلا قدر ما يعلم أنه لو كان
عليه سهو سجد فسجد معه ومن دخل المسجد فوجد الامام جالسا في الركعة الآخرة فليحرم قائما
وليجلس معه فإذا سلم قام بلا تكبير فقضى صلاته وإذا أدرك الامام في الركعة فليقم إذا فرغ الامام من
صلاته بغير تكبير فإن أدركه في الثنتين فليجلس معه فإذا أراد أن يكون بعد فراغ الامام من الركعتين
الآخرين لقضاء ما عليه فليقم بتكبير ومن كان خلف الامام قد سبقه بركعة فسمع نغمة فظن أن الامام
قد سلم فقضى الركعة التي بقيت عليه وجلس فسمع سلام الامام فهذا سهو تحمله الامام عنه ولا يعتد
بها ويقضى الركعة التي عليه ولا يشبه هذا الذي خرج من صلاة فعاد فقضى لنفسه فإن الامام وهو
راكع أو ساجد ألغى جميع ما عمل قبل سلام الامام وابتدأ ركعة ثانية بقراءتها وركوعها وسجودها بعد
سلام الإمام قاله في رواية البويطي وابن أبي الجارود وأحب لمن خلف الامام أن لا يسبقه بركوع ولا
سجود ولا عمل فإن كان فعل فركع الامام وهو راكع أو ساجد فذلك مجزئ عنه وإن سبقه فركع أو
سجد ثم رفع قبله فقال بعض الناس يعود فيركع بعد ركوعه وسجوده حتى يكون إما راكعا وإما ساجدا
معه وإما متبعا لا يجزئه إذا أئتم به في عمل الصلاة إلا ذلك وقال في كتاب " استقبال القبلة " وإن رفع
رأسه قبل الامام فأحب إلى أن يعود فإن لم يفعل كرهته واعتد بتلك الركعة وقال في الاملاء (1) وإذا
ترك أن يركع ويسجد مع الامام فإن كان وراءه يعتد بتلك الركعة إذا ائتم به وإن سبقه الامام بذلك فلا
بأس أن يضع رأسه ساجدا ويقيم راكعا بعدما سبقه الامام إذا كان في واحدة منها مع الامام وإن قام
قبلة عاد حتى يقعد بقدر ما سبقه الامام بالقيام فإن لم يفعل وقد جلس وكان في بعض السجود والركوع
معه فهو كمن ركع وسجد ثم رفع قبله فذلك يجزئ عنه وقد أساء في ذلك كله وإذا دخل مع الامام
وقد سبقه بركعة فصلى الامام خمسا ساهيا واتبعه هو ولا يدرى أنه سها أجزأت المأموم صلاته لأنه قد
صلى أربعا وإن سبقه وهو يعلم أنه قدسها بطلت صلاته وما أدرك مع الامام فهو أول صلاته لا يجوز
لاحد أن يقول عندي خلاف ذلك وإن فاتته مع الامام ركعتان من الظهر وأدرك الركعتين الأخيرتين
صلاهما مع الامام فقرأ بأم القرآن وسورة إن أمكنه ذلك، وإن لم يمكنه قرأ ما أمكنه، وإذا قام
قضى ركعتين فقرأ في كل واحدة منها بأم القرآن وسورة وإن اقتصر على أم القرآن أجزأه وإن فاتته ركعة
من المغرب وصلى ركعتين قضى ركعة بأم القرآن وسورة ولم يجهر وإن أدرك منها ركعة قام فجهر في
الثانية وهي الأولى
من قضائه ولم يجهر في الثالثة وقرأ فيها بأم القرآن وسورة هذا آخر ما نقله في جمع
الجوامع من النصوص وظاهر هذا النص أن من أدرك مع الامام ركعة من الجمعة أتى بالثانية بعد سلام

(1) قوله: وإذا ترك أن يركع الخ كذا في الأصل وحرر العبارة. كتبه مصححه.
206

الامام جهرا كما في الصبح وهكذا في العيد والاستسقاء وخسوف القمر وإنما يتوقف في الجواب في
الجمعة بذلك لأنها لا تسوغ للمنفرد وهذا قد صار منفردا بخلاف الصبح نحوها ولم تشرع للمنفرد وهذا
التوقف ليس بمعتبر من أن حكم الجمعة ثابت له وانفراده بهذه الحالة لا يصيرها ظهرا وقد نص في
الام في صلاة الخوف في ترجمة تقدم الامام في صلاة الخوف على شئ يدل على أن المسبوق يجهر
في الركعة الثانية فقال في أواخر الترجمة المذكورة وإن كان خوف يوم الجمعة وكان محروسا إذا خطب
بطائفة وحضرت معه طائفة الخطبة ثم صلى بالطائفة التي حضرت الخطبة ركعة وثبت قائما فأتموا
لأنفسهم بقراءة يجهرون فيها ثم وقفوا بإزاء العدو وجاءت الطائفة التي لم تصل فصلت معه الركعة التي
بقيت عليه من الجمعة وثبت جالسا فأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم فقد صرح الشافعي بأن الطائفة الأولى
تتم لانفسها الركعة الباقية بقراءة يجهرون فيها وقد صرح بذلك القاضي أبو الطيب في تعليقه فقال
يصلون لأنفسهم ركعة يجهرون فيها بالقراءة لان حكم المنفرد في الصلاة التي يجهر فيها بالقراءة كحكم
الامام في الركعة الثانية ولم يتعرض الشافعي لجهر الفرقة الثانية في الركعة الثانية لأنها في حكم قدوة
ومن كان مقتديا فإنه يسر وبذلك صرح القاضي أبو الطيب وغيره فإن قيل: إنما جهرت الفرقة الأولى
من الركعة الثانية لبقاء حكم الجمعة بالنسبة إلى الامام بخلاف المسبوق قلنا هذا تخيل له وجه ولكن
الأرجح أنه لا فرق لأنهم منفردون في هذه الحالة كالمسبوق وقد نقل هذا النص عن الام الشيخ أبو
حامد وغيره ولم يتعرضوا للجهر الذي ذكرناه وتعرض له ابن الصباغ في الشامل بعد نقل النص
المذكور * وفي اختلاف العراقيين في أول باب الصلاة وإذا أتى الرجل إلى الامام في أيام التشريق وقد
سبقه بركعة فسلم الامام عند فراغه فإن أبا حنيفة كان يقول يقوم الرجل فيقضى ولا يكبر معه لان
التكبير ليس من الصلاة إنما هو بعدها وبه يأخذ (يعنى أبا يوسف) وكان ابن أبي ليلى يقول يكبر ثم
يقوم فيقضى (قال الشافعي) وإذا سبق الرجل بشئ من الصلاة في أيام التشريق فسلم الامام فكبر لم
يكبر المسبوق بشئ من الصلاة وقضى الذي عليه فإذا سلم كبر وذلك أن التكبير أيام التشريق ليس من
الصلاة إنما هو ذكر بعدها وإنما يتبع الامام فيما كان من الصلاة وهذا ليس من الصلاة.
باب صلاة المسافر (1)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل " وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن
تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا " الآية، قال فكان بينا في كتاب الله تعالى أن
قصر الصلاة في الضرب في الأرض والخوف تخفيف من الله عز وجل عن خلقه لا أن فرضا عليهم أن
يقصروا كما كان قوله " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة " رخصة لا
أن حتما عليهم أن يطلقوهن في هذه الحال وكما كان قوله " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من
ربكم " يريد والله تعالى أعلم أن تتجروا في الحج لا أن حتما عليهم أن يتجروا وكما كان قوله " فليس
عليهن جناح أن يضعن ثيابهن " وكما كان قوله " ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم " الآية لا إن

(1) قال سراج الدين البلقيني: وليس في التراجم وذكر أوله في باب جماع فرض الصلاة وأعقبه
بأربع تراجم تتعلق بما نحن فيه وسنذكرها اه‍.
207

حتما عليهم أن يأكلوا من بيوتهم ولا بيوت غيرهم (قال الشافعي) والقصر في الخوف والسفر بالكتاب ثم
بالسنة والقصر في السفر بلا خوف سنة والكتاب يدل على أن القصر في السفر بلا خوف رخصة من الله
عز وجل لا أن حتما عليهم أن يقصروا كما كان ذلك في الخوف والسفر أخبرنا مسلم بن خالد وعبد
المجيد عن ابن جريج قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن باباه عن يعلي بن
أمية قال قلت لعمر بن الخطاب إنما قال الله عز وجل " أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم
الذين كفروا " فقد أمن الناس فقال عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم
" فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " أخبرنا إبراهيم بن محمد عن طلحة ابن عمرو عن
عطاء عن عائشة قالت كل ذلك قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة في السفر وأتم
أخبرنا إبراهيم عن ابن حرملة عن ابن المسيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خياركم الذين
إذا سافروا قصروا الصلاة وأفطروا " أو قال: لم يصوموا (قال) فالاختيار والذي أفعل مسافرا وأحب أن
يفعل قصر الصلاة في الخوف والسفر وفى السفر بلا خوف ومن أتم الصلاة فيهما لم تفسد عليه صلاته
جلس في مثنى قدر التشهد أو لم يجلس وأكره ترك القصر وأنهى عنه إذا كان رغبة عن السنة فيه وأكره
ترك المسح على الخفين رغبة عن السنة فيه ومن ترك المسح على الخفين غير رغبة عن السنة لم أكره له
ذلك (قال) ولا اختلاف أن القصر إنما هو في ثلاث صلوات الظهر والعصر والعشاء وذلك أنهن أربع
فيصليهن ركعتين ولا قصر في المغرب ولا الصبح ومن سعة لسان العرب أن يكون أريد بالقصر بعض
الصلاة دون بعض وإن كان مخرج الكلام فيها عاما فإن قال قائل: قد كره بعض الناس أن أتم بعض
أمرائهم بمنى قيل الكراهية وجهان فإن كانوا كرهوا ذلك اختيارا للقصر لأنه السنة فكذلك نقول ونختار
السنة في القصر وإن كرهوا ذلك أن قاصرا قصر لأنه لا يرى القصر إلا في خوف وقد قصر النبي صلى الله عليه
وسلم في غير خوف فهكذا قلنا نكره ترك شئ من السنن رغبة عنها ولا يجوز أن يكون أحد ممن مضى
والله تعالى أعلم كره ذلك إلا أن يترك رغبة عنه فإن قيل فما دل على ذلك؟ قبل صلاتهم مع من أتم
أربعا وإذا صلوا وحدانا صلوا ركعتين وان ابن مسعود ذكر إتمام الصلاة بمنى في منزله وعابه ثم قام
فصلى أربعا فقيل له في ذلك فقال الخلاف شر ولو كان فرض الصلاة في السفر ركعتين لم يتمها إن
شاء الله تعالى منهم أحد ولم يتمها ابن مسعود في منزله ولكنه كما وصفت ولم يجز أن يتمها مسافر مع مقيم
فإن قال فقد قالت عائشة رضي الله عنها فرضت الصلاة ركعتين قيل له قد أتمت عائشة في السفر
بعدما كانت تقصر فإن قال قائل فما وجه قولها؟ قيل له تقول فرضت لمن أراد من المسافرين وقد ذهب
بعض أهل هذا الكلام إلى غير هذا المعنى فقال إذا فرضت ركعتين في السفر وأذن الله تعالى بالقصر في
الخوف فصلاة الخوف ركعة فإن قال فما الحجة عليه وعلى أحد إن تأول قولها على غير ما قلت؟ قلنا ما
لا حجة في شئ معه بما ذكرنا من الكتاب ثم السنة ثم إجماع العامة على أن صلاة المسافرين أربع مع
الامام المقيم ولو كان فرض صلاتهم ركعتين ما جاز لهم أن يصلوها أربعا مع مقيم ولا غيره.
جماع تفريع صلاة المسافر
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي لا تختلف صلاة المكتوبة في الحضر والسفر إلا في الاذان والوقت
208

والقصر فأما ما سوى ذلك فهما سواء (1) ما يجهر أو يخافت في السفر فيما يجهر فيه ويخافت في الحضر
ويكمل في السفر كما يكمل في الحضر فأما التخفيف فإذا جاء بأقل ما عليه في السفر والحضر أجزأه لا
أرى أن يخفف في السفر عن صلاة الحضر إلا من عذر ويأتي بما يجزيه والإمامة في السفر والحضر سواء
ولا أحب ترك الاذان في السفر وتركه فيه أخف من تركه في الحضر وأختار الاجتماع للصلاة في السفر
وإن صلت كل رفقة على حدتها أجزأها ذلك إن شاء الله تعالى وإن اجتمع مسافرون ومقيمون فإمامة
المقيمين أحب إلي ولا بأس أن يؤم المسافرون المقيمين. ولا يقصر الذي يريد السفر حتى يخرج من
بيوت القرية التي سافر منها كلها فإذا دخل أدنى بيوت القرية التي يريد المقام بها أتم أخبرنا سفيان عن
إبراهيم بن ميسرة عن أنس بن مالك قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أ
أربعا
وصليت معه العصر بذي الخليفة ركعتين أخبرنا سفيان عن محمد بن المنكدر أنه سمع أنس بن مالك
يقول مثل ذلك إلا أنه قال بذى الحليفة أخبرنا سفيان عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس مثل ذلك
(قال) وفى هذا دليل أن الرجل لا يقصر بنية السفر دون العمل في السفر فلو أن رجلا نوى أن يسافر فلم
يثبت به سفره لم يكن له أن يقصر (قال) ولو أثبت به سفره ثم نوى أن يقيم أتم الصلاة ونية المقام مقام
لأنه مقيم وتجتمع فيه النية وأنه مقيم ولا تكون نية السفر سفرا لأن النية تكون منفردة ولا سفر معها إذا
كان مقيما والنية لا يكون لها حكم إلا بشئ معها فلو أن رجلا خرج مسافرا يقصر الصلاة افتتح الظهر
ينوى أن يجمع بينها وبين العصر ثم نوى المقام في الظهر قبل أن ينصرف من ركعتين كان عليه أن يبنى
حتى يتم أربعا ولم يكن عليه أن يستأنف لأنه في فرض الظهر لا في غيرها لأنه كان له أن يقصر إن شاء
ولم يحدث نية في المقام وكذلك إذا فرغ من الركعتين ما لم يسلم فإذا سلم ثم نوى أن يقيم أتم فيما يستقبل
ولم يكن عليه أن يعيد ما مضى ولو كان نوى في صلاة الظهر المقام ثم سلم من الركعتين أستأنف الظهر
أربعا ولو لم ينو المقام فافتتح ينوى أن يقصر ثم بدا له أن يتم قبل أن يمضى من صلاته شئ أو بعد كان
ذلك له ولم تفسد عليه صلاته لأنه لم يزد في صلاته شيئا ليس منها إنما ترك القصر الذي كان مباحا له
وكان التمام غير محظور عليه ولو صلى مسافر بمسافرين ومقيمين ونوى أن يصلى ركعتين فلم يكمل الصلاة
حتى نوى أن يتم الصلاة بغير مقام أو ترك الرخصة في القصر كان على المسافرين والمقيمين التمام ولم
تفسد على واحد من الفريقين صلاته وكانوا كمن صلى خلف مقيم ولو فسدت على مسافر منهم صلاته
وقد دخل معه كان عليه أن يصلى أربعا وكان كمسافر دخل في صلاة مقيم ففسدت عليه صلاته فعليه
أن يصلى أربعا لأنه وجب عليه عدد صلاة مقيم في الصلاة التي دخل معه فيها (قال) ولو صلى مسافر
خلف مسافر ففسدت عليه صلاته فانصرف ليتوضأ فعلم أن المسافر صلى ركعتين لم يكن عليه إلا ركعتان
وإن علم أن المسافر صلى أربعا أو لم يعلم صلى أربعا أو اثنتين صلى أربعا لا يجزيه غير ذلك ولو صلى
مسافر خلف رجل لا يعلم مسافر هو أو مقيم ركعة ثم انصرف الامام من صلاته أو فسدت على المسافر
صلاته أو انتقض وضوؤه كان عليه أن يصلى أربعا لا يجزيه غير ذلك ولو أن مسافرا صلى بمسافرين
ومقيمين فرعف فقدم مقيما كان على المسافرين والمقيمين والامام الراعف أن يصلوا أربعا لأنه لم يكمل
لواحد من القوم الصلاة حتى كان فيها في صلاة مقيم ولو صلى مسافر بمسافرين ومقيمين ركعتين أتم
المقيمون وقصر المسافرون إن شاءوا فإن نووا أو واحد منهم أن يصلوا أربعا كانوا كالمقيمين يتمون بالنية

(1) قوله: ما يجهر لعل " ما " مصدرية أو زائدة من الناسخ. كتبه مصححه.
209

وإنما يلزمهم التمام بالنية إذا نووا مع الدخول في الصلاة أو بعده وقبل الخروج منها الاتمام فأما من قام
من المسافرين إلى الصلاة ينوى أربعا فلم يكبر حتى نوى اثنتين أو نوى أربعا بعد تسليمه من اثنتين فليس
عليه أن يصلى أربعا ولو أن مسافرا أم مسافرين ومقيمين فكانت نيته اثنتين فصلى أربعا ساهيا فعليه
سجود السهو وإن كان معه مقيمون صلوا بصلاته وهم ينوون بها فريضتهم فهي عنهم مجزئة لأنه قد كان
له أن يتم وتكون صلاتهم خلفه تامة وإن كان من خلفه من المسافرين نووا إتمام الصلاة لأنفسهم
فصلاتهم تامة وإن كانوا لم ينووا إتمام الصلاة لأنفسهم إلا بأنهم رأوا أنه أتم لنفسه لا سهوا فصلاتهم
مجزئة لأنه قد كان لزمهم أن يصلوا أربعا خلف من صلى أربعا وإن كانوا صلوا الركعتين معه على غير
شئ من هذه النية وعلى أنه عندهم ساه فاتبعوه ولم يريدوا الاتمام لأنفسهم فعليهم إعادة الصلاة ولا
أحسبهم يمكنهم أن يعلموا سهوه لان له أن يقصر ويتم فإذا أتم فعلى من خلفه اتباعه مسافرين كانوا أو
مقيمين فأي مسافر صلى مع مسافر أو مقيم وهو لا يعرف أمسافر إمامه أم مقيم فعليه أن يصلى أربعا إلا
أن يعلم أن المسافر لم يصل إلا ركعتين فيكون له أن يصلى ركعتين وإن خفى ذلك عليه كان عليه أن
يصلى أربعا لا يجزيه غير ذلك لأنه لا يدرى لعل المسافر كان ممن يتم صلاته تلك أولا وإذا افتتح المسافر
الصلاة بنية القصر ثم ذهب عليه أنوى عند افتتاحها الاتمام أو القصر فعليه الاتمام فإذا ذكر أنه افتتحها
ينوى القصر بعد نسيانه فعليه الاتمام لأنه كان فيها في حال عليه أن يتم ولا يكون له أن يقصر عنها بحال
ولو أفسدها صلاها تماما لا يجزيه غير ذلك ولو افتتح الظهر ينويها لا ينوى بها قصرا ولا إتماما كان عليه
الاتمام ولا يكون له القصر. إلا أن تكون نيته مع الدخول في الصلاة لا تقدم النية الدخول ولا الدخول
نية القصر فإذا كان هذا فله أن يقصر وإذا لم يكن هكذا فعليه أن يتم ولو افتتحها ونيته القصر ثم نوى أن
يتم أوشك في نيته في القصر أتم في كل حال ولو جهل أن يكون له القصر في السفر فأتم كانت صلاته
تامة ولو جهل رجل يقصر وهو يرى أن ليس له أن يقصر أعاد كل صلاة قصرها ولم يعد شيئا مما لم
يقصر من الصلاة ولو كان رجل في سفر تقصر فيه الصلاة فأتم بعض الصلوات وقصر بعضها كان ذلك
له كما لو وجب عليه الوضوء فمسح على الخفين صلاة ونزع وتوضأ وغسل رجليه صلاة كان ذلك له وكما
لو صام يوما من شهر رمضان مسافرا وأفطر آخر كان له ذلك وإذا رقد رجل عن صلاة في سفر أو نسيها
فذكرها في الحضر صلاها صلاة حضر ولا تجزيه عندي إلا هي لأنه إنما كان له القصر في حال فزالت
تلك الحال فصار يبتدئ صلاتها في حال ليس له فيها القصر ولو نسي صلاة ظهر لا يدرى أصلاة
حضر أو سفر؟ لزمه أن يصليها صلاة حضر إن صلاها مسافرا أو مقيما، ولو نسي ظهرا في حضر
فذكرها بعد فوتها في السفر صلاها حضر لا يجزيه غير ذلك ولو ذكرها وقد بقي عليه من وقت
الظهر شئ كان له أن يصليها صلاة سفر (1).
210

السفر الذي تقصر في مثله الصلاة بلا خوف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره إلى مكة وهي تسع أو
عشر فدل قصره صلى الله عليه وسلم على أن يقصر في مثل ما قصر فيه وأكثر منه ولم يجز القياس على
قصره إلا بواحدة من اثنتين أن لا يقصر إلا في مثل ما قصر فيه وفوقه فلما لم أعلم مخالفا في أن يقصر في
أقل من سفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قصر فيه لم يجز ان نقيس على هذا الوجه كان الوجه
الثاني أن يكون إذا قصر في سفر ولم يحفظ عنه أن لا يقصر فيما دونه أن يقصر فيما يقع عليه اسم سفر كما
يتيمم ويصلى النافلة على الدابة حيث توجهت فيما وقع عليه اسم سفر ولم يبلغنا أن يقصر فيما دون يومين
إلا أن عامة من حفظنا عنه لا يختلف في أن لا يقصر فيما دونهما فللمرء عندي أن يقصر فيما كان مسيرة
ليلتين قاصدتين وذلك ستة وأربعون ميلا بالهاشمي ولا يقصر فيما دونها وأما أنا فأحب أن لا أقصر في
أقل من ثلاث احتياطا على نفسي وإن ترك القصر مباح لي فإن قال قائل فهل في أن يقصر في يومين
حجة بخبر متقدم؟ قيل: نعم عن ابن عباس وعن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أخبرنا سفيان عن
عمرو عن عطاء عن ابن عباس أنه سئل أنقصر إلى عرفة قال؟: لا ولكن إلى عسفان والى جدة وإلى
211

الطائف قال وأقرب هذا من مكة ستة وأربعون ميلا بالأميال الهاشمية وهي مسيرة ليلتين قاصدتين
دبيب الاقدام وسير الثقل أخبرنا مالك عن نافع أنه كان يسافر مع ابن عمر البريد فلا يقصر الصلاة
أخبرنا مالك عن نافع عن سالم أن ابن عمر ركب إلى ذات النصب فقصر الصلاة في مسيرة ذلك قال
مالك وبين ذات النصب والمدينة أربعة برد أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه ركب إلى
ريم فقصر الصلاة في مسيرة ذلك قال مالك وذلك نحو من أربعة برد (قال الشافعي) وإذا أراد الرجل
أقل سفر تقصر فيه الصلاة لم يقصر حتى يخرج من منزله الذي يسافر منه وسواء كان المنزل قرية أو
صحراء فإن كانت قرية لم يكن له أن يقصر حتى يجاوز بيوتها ولا يكون بين يديه منها بيت منفردا ولا
متصلا وإن كان في صحراء لم يقصر حتى يجاوز البقعة التي فيها منزله فإن كان في عرض واد فحتى
يقطع عرضه وإن كان في طول واد فحتى يبين عن موضع منزله وإن كان في حاضر مجتمع فحتى يجاوز
مطال الحاضر ولو كان في حاضر مفترق فحتى يجاوز ما قارب منزله من الحاضر وإن قصر فلم يجاوز ما
وصفت أعاد الصلاة التي قصرها في موضعه ذلك فإن خرج فقصد سفرا تقصر فيه الصلاة ليقيم فيه
أربعا ثم يسافر إلى غيره قصره الصلاة إلى أن يبلغ الموضع الذي نوى المقام فيه فإن بلغه وأحدث نية في
أن يجعله موضع اجتياز لا مقام أتم فيه فإذا خرج منه مسافرا قصر ويتم بنية المقام لان المقام يكون بنية
ولا يقصر بنية السفر حتى يثبت به السير ولو خرج يريد بلدا يقيم فيها أربعا ثم بلدا بعده فإن لم يكن البلد
الذي نوى أن يأتيه أولا مما تقصر إليه الصلاة لم يقصرها إليه وإذا خرج منه فإن كان الذي يريد مما تقصر
إليه الصلاة قصر من موضع مخرجه من البلد الذي نوى أن يقيم به أربعا (1) قصر وإلا لم يقصر فإن رجع
من البلد الثاني يريد بلده قاصدا وهو مما تقصر إليه الصلاة قصر ولو كانت المسألة بحالها فكانت نيته أن
يجعل طريقه على بلد لا يعرجه عن الطريق ولا يريد به مقاما كان له أن يقصر إذا كانت غاية سفره إلى
بلد تقصر إليه الصلاة لأنه لم ينو بالبلد دونه مقاما ولا حاجة وإنما هو طريق وإنما لا يقصر إذا قصد في
حاجة فيه وهو مما لا تقصر إليه الصلاة وإذا أراد بلدا تقصر إليه الصلاة فأثبت به سفره ثم بدا له قبل
أن يبلغ البلد أو موضعا تقصر إليه الصلاة الرجوع إلى بلده أتم وإذا أتم فإن بدا له أن يمضى بوجهه أتم
بحاله إلا أن يكون الغاية من سفره مما تقصر إليه الصلاة من موضعه الذي أتم إليه وإذا أراد رجل بلدا له
طريقان القاصد منهما إذا سلك لم يكن بينه وبينه ما تقصر إليه الصلاة والآخر إذا سلك كان بينه وبينه
ما تقصر إليه الصلاة فأي الطريقين سلك فليس له عندي قصر الصلاة إنما يكون له قصر الصلاة إذا لم
يكن إليها طريق إلا مسافة قدر ما تقصر إليها الصلاة إلا من عدو يتخوف في الطريق القاصد أو حزونة
أو مرفق له في الطريق الابعد فإذا كان هكذا كان له أن يقصر إذا كانت مسافة طريقه ما يقصر إليه
الصلاة (قال الشافعي) وسواء في القصر المريض والصحيح والعبد والحر والأنثى والذكر إذا سافروا معا
في غير معصية الله تعالى فأما من سافر باغيا على مسلم أو معاهد أو يقطع طريقا أو يفسد في الأرض أو
العبد يخرج آبقا من سيده أو الرجل هاربا ليمنع حقا لزمه أو ما في مثل هذا المعنى أو غيره من المعصية
فليس له أن يقصر فإن قصر أعاد كل صلاة صلاها لان القصر رخصة وإنما جعلت الرخصة لمن لم يكن
عاصيا ألا ترى إلى قوله تعالى " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه " وهكذا لا يمسح على الخفين
ولا يجمع الصلاة مسافر في معصية وهكذا لا يصلى إلى غير القبلة نافلة ولا يخفف عمن كان سفره في

(1) لعل لفظ " قصر " تكرر من الناسخ، تأمل. كتبه مصححه.
212

معصية الله تعالى ومن كان من أهل مكة فحج أتم الصلاة بمنى وعرفة وكذلك أهل عرفة ومنى ومن
قارب مكة ممن لا يكون سفره إلى عرفة مما تقصر فيه الصلاة وسواء فيما تقصر فيه الصلاة السفر المتعب
والمتراخي والخوف في السفر بطلب أو هرب والامن لان القصر إنما هو في غاية لا في تعب ولا في
رفاهية ولو جاز أن يكون بالتعب لم يقصر في السفر البعيد في المحامل وقصد السير وقصر في السفر
القاصد على القدمين والدابة في التعب والخوف فإذا حج القريب الذي بلده من مكة بحيث تقصر
213

الصلاة فأزمع بمكة مقام أربع أتم وإذا خرج إلى عرفة وهو يريد قضاء نسكه لا يريد مقام أربع إذا
رجع إلى مكة قصر لأنه يقصر مقامه بسفر (1) ويصلى بينه وبين بلده وإن كان يريد إذا قضى نسكه
مقام أربع بمكة أتم بمنى وعرفة ومكة حتى يخرج من مكة مسافرا فيقصر وإذا ولى مسافر مكة بالحج
قصر حتى ينتهى إلى مكة ثم أتم بها وبعرفة وبمنى لأنه انتهى إلى البلد الذي بها مقامه ما لم يعزل وكذلك
مكة وسواء في ذلك أمير الحاج والسوقة لا يختلفون وهكذا لو عزل أمير مكة فأراد السفر أتم حتى
يخرج من مكة وكان كرجل أراد سفرا ولم يسافر.
تطوع المسافر
(قال) وللمسافر أن يتطوع ليلا ونهارا قصر أو لم يقصر وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه

(1) قوله: ويصلى بينه وبين بلده، كذا في الأصل، وانظره: وقوله: وكذلك مكة كذا في
النسخ، ولعله وكذلك غير مكة فتأمل. كتبه مصححه.
214

كان يتنقل ليلا وهو يقصر وروى عنه أنه كان يصلي قبل الظهر مسافرا ركعتين وقبل العصر أربعا وثابت
عنه أنه تنفل عام الفتح بثمان ركعات ضحى وقد قصر عام الفتح.
باب المقام الذي يتم بمثله الصلاة
أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن حميد قال سأل عمر بن عبد العزيز جلساءه: ما سمعتم في مقام
المهاجرين بمكة؟ قال السائب بن يزيد حدثني العلاء بن الحضرمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا فبهذا قلنا إذا أزمع المسافر أن يقيم بموضع أربعة أيام ولياليهن ليس
فيهن يوم كان فيه مسافرا فدخل في بعضه ولا يوم يخرج في بعضه أتم الصلاة واستدلالا بقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا وإنما يقضى نسكه في اليوم الذي يدخل
فيه والمسافر لا يكون دهره سائرا ولا يكون مقيما ولكنه يكون مقيما مقام سفر وسائرا (قال) فأشبه ما
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقام المهاجر ثلاثا حد مقام السفر وما جاوزه كان مقام الإقامة
وليس يحسب اليوم الذي كان فيه سائرا ثم قدم ولا اليوم الذي كان فيه مقيما ثم سار وأجلى عمر رضى
الله تعالى عنه أهل الذمة من الحجاز وضرب لمن يقدم منهم تاجرا مقام ثلاث فأشبه ما وصفت من
السنة وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ثلاثا يقصر وقدم في حجته فأقام ثلاثا قبل مسيره إلى
عرفة يقصر ولم يحسب اليوم الذي قدم فيه مكة لأنه كان فيه سائرا ولا يوم التروية لأنه خارج فيه فلما لم
يكن النبي صلى الله عليه وسلم مقيما في سفر قصر فيه الصلاة أكثر من ثلاث لم يجز أن يكون الرجل
مقيما يقصر الصلاة إلا مقام مسافر لان المعقول أن المسافر الذي لا يقيم فكان غاية مقام المسافر ما
وصفت استدلالا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقامه فإن قصر المجمع مقام أربع فعليه إعادة كل
صلاة صلاها مقصورة وإذا قدم بلدا لا يجمع المقام به أربعا فأقام ببلد لحاجة أو علة من مرض وهو
عازم على الخروج إذا أفاق أو فرغ ولا غاية لفراغه يعرفها قد يرى فراغه في ساعة ولا يدرى لعله أن لا
يكون أياما فكل ما كان في هذا غير مقام حرب ولا خوف حرب قصر فإذا جاوز مقام أربع أحببت أن
يتم وإن لم يتم أعاد ما صلى بالقصر بعد أربع ولو قيل الحرب وغير الحرب في هذا سواء كان مذهبا ومن
قصر كما يقصر في خوف الحرب لم يبن لي أن عليه الإعادة وإن اخترت ما وصفت وإن كان مقامه
لحرب أو خوف حرب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام عام الفتح لحرب هوازن سبع عشرة أو
ثمان عشرة يقصر ولم يجز في المقام للخوف إلا واحد من قولين إما أن يكون ما جاوز مقام النبي صلى الله
عليه وسلم من هذا العدد أتم فيه المقيم الصلاة وإما أن يكون له القصر اما كانت هذه حاله أو يقضى
الحرب فلم أعلم في مذاهب العامة المذهب الآخر وإذا لم يكن مذهبا المذهب الآخر فالأول أولى
المذهبين وإذا أقام الرجل ببلد أثناءه ليس ببلد مقامه لحرب أو خوف أو تأهب لحرب قصر ما بيته وبين
ثمان عشرة ليلة فإذا جاوزها أتم الصلاة حتى يفارق البلد تاركا للمقام به آخذا في سفره وهكذا إن كان
محاربا أو خائفا مقيما في موضع سفر قصر ثماني عشرة فإذا جاوزها أتم وإن كان غير خائف قصر أربعا
فإذا جاوزها أتم فإذا أجمع في واحدة من الحالين مقام أربع أتم خائفا كان أو غير خائف ولو سافر
رجل فمر ببلد في سفره فأقام به يوما وقال إن لقيت فلانا أقمت أربعا أو أكثر من أربع قصر حتى يلقى
فلانا فإذا لقى فلانا أتم وإن لقى فلانا فبدا له أن لا يقيم أربعا أتم لأنه قد نوى المقام بلقائه ولقيه والمقام
215

يكون بالنية كع المقام لاجتماع النية والمقام ونية السفر لا يكون له بها القصر حتى يكون معها سفر
فتجتمع النية والسفر ولو قدم البلد فقال إن قدم فلان أقمت فانتظره أربعا أتم بعدها في القول الذي
اخترت وإن لم يقدم فلان فإذا خرج من منازل القرية قصر وإن سافر رجل من مكة إلى المدينة وله فيما
بين مكة والمدينة مال أو أموال أو ماشية أو مواش فنزل بشئ من ماله كان له أن يقصر ما لم يجمع المقام
في شئ منها أربعا وكذلك إن كان له بشئ منها ذو قرابة أو أصهار أو زوجة ولم ينو المقام في شئ من
هذا أربعا قصر إن شاء قد قصر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه عام الفتح وفى حجته وفى
حجة أبى بكر ولعدد منهم بمكة دار أو أكثر وقرابات منهم أبو بكر له بمكة دار وقرابة وعمر له بمكة دور
كثيرة وعثمان له بمكة دار وقرابة فلم أعلم منهم أحدا أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاتمام ولا أتم
ولا أتموا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدومهم مكة بل حفظ عمن حفظ عنه منهم القصر بها
ولو خرج رجل يريد لقاء رجل أو أخذ عبد له أو ضالة ببلد مسيره أقل ما تقصر إليه الصلاة أو أكثر
فقال إن لقيت الحاجة دون البلد رجعت لم يكن له أن يقصر حتى تكون نيته بلوغ البلد الذي تقصر إليه
الصلاة لا نية له في الرجوع دونه بحال (قال الشافعي) ولو خرج يريد بلدا تقصر إليه الصلاة بلا نية أن
يبلغه بكل حال وقال لعلى أبلغه أو أرجع عنه لم يقصر حتى ينوى بكل حالة بلوغه ولو خرج ينوى بلوغه
لحاجة لا ينوى إن قضاها دونه الرجوع كان له القصر فمتى لقى الحاجة دونه أو بدا له أن يرجع بلا
قضاء الحاجة وكان موضعه الذي بلغ مما لا تقصر إليه أتم في رجوعه وإن كان موضعه الذي بلغ مما
تقصر إليه الصلاة لو ابتدأ إليه السفر ثم بدا له الرجوع منه قصر الصلاة ولو بدا له المقام به أتم حتى يسافر
منه ثم يقصر إذا سافر ولو خرج رجل يريد بلدا ثم بلدا بعده فإن كان البلد الأدنى مما تقصر إليه الصلاة
قصرها وإن كان مما لا تقصر إليه لم يقصرها فإذا خرج منها فإن كان بينه وبين البلد الذي يريده
ما تقصر فيه الصلاة قصر وإن لم يكن لم يقصر لأني أجعله حينئذ مثل مبتدئ سفره كابتدائه من أهله
وإذا رجع من البلد الأقصى فإن أراد بلده فإن كان بينهما ما يقصر فيه الصلاة قصر وإن لم يكن يقصر
وإن أراد الرجوع إلى البلد الذي بينه وبين بلده ثم بلده لم يقصر إلا أن يكون أراد به إياها طريقا فيقصر
وإذا خرج رجل من مكة يريد المدينة قصر فإن خاف في طريقه وهو بعسفان فأراد المقام به أو الخروج إلى
بلد غير المدينة ليقيم أو يرتاد الخير به جعلته إذا ترك النية الأولى من سفره إلى المدينة مبتدئا السفر من
عسفان فإن كان السفر الذي يريده من عسفان على ما لا تقصر إليه الصلاة لم يقصر وإن كان على ما
تقصر إليه الصلاة قصر وكذلك إذا رجع منه يريد مكة أو بلد سواه جعلته مبتدئا سفرا منه فإن كانت
حيث يريد ما تقصر إليه قصر وإن كان مما لا تقصر إليه الصلاة لم يقصر والمسافر في البر والبحر
والنهر سواء وليس يعتبر بسير البحر والنهر كما لا يعتبر بسير البر ولا الخيل ولا نجب الركاب ولا زحف المقعد
ولا دبيب الزمن ولا سير الأحمال الثقال ولكن إذا سافر في البحر والنهر مسيرة يحيط العلم أنها لو كانت
في البر قصرت فيها الصلاة قصر وإن كان في شك من ذلك لم يقصر حتى يستيقن بأنها مسيرة ما تقصر
فيها الصلاة والمقام في المراسي والمواضع التي يقام فيها في الأنهار كالمقام في البر لا يختلف فإذا أزمع
مقام أربع في موضع أتم وإذا لم يزمع مقام أربع قصر وإذا حبسه الريح في البحر ولم يزمع مقاما إلا
ليجد السبيل إلى الخروج بالريح قصر ما بينه وبين أربع فإذا مضت أربع أتم كما وصفت في الاختيار
فإذا أثبت به مسيرة قصر فإن ردته الريح قصر حتى يجمع مقام أربع فيتم حين يجمع بالنية مقام أربع أو
يقيم أربعا إن لم يزمع مقاما فيتم بمقام أربع في الاختيار وإذا كان الرجل مالكا للسفينة وكان فيها منزله
216

وكان معه فيها أهله أو لا أهل له معه فيها فأحب إلى أن يتم وله أن يقصر إذا سافر وعليه حيث أراد مقاما
غير مقام سفر أن يتم وهو فيها كالغريب يتكاراها لا يختلفان فيما له غير أنى أحب له أن يتم وهكذا
أجراؤه وركبان مركبة وإذا كان الرجل من أهل البادية فداره حيث أراد المقام وإن كان ممن لا مال له
ولا دار يصير إليها وكان سيارة يتبع أبدا مواقع القطر حل بموضع ثم شام برقا فانتجعه فإن استيقن أنه
ببلد تقصر إليه الصلاة قصر وإن شك لم يقصر وإن استيقن أنه ببلد تقصر إليه الصلاة وكانت نيته إن مر
بموضع مخصب أو موافق له في المنزل دونه أن ينزل لم يقصر أبدا ما كانت نيته أن ينزل حيث حمد من
الأرض ولا يجوز له أن يقصر أبدا حتى يكون على يقين من أنه يريد سفرا لا عرجة له عنه إلا عرجة
المنزل ويبلغ ويكون السفر مما تقصر فيه الصلاة (قال الشافعي) ولو خرج قوم من بلد يريدون بلدا تقصر
فيه الصلاة ونيتهم إذا مروا بموضع مخصب ان يرتعوا فيه ما احتملهم لم يكن لهم أن يقصروا فإن كانت
نيتهم أن يرتعوا فيه اليوم واليومين لا يبلغوا أن ينووا فيه مقام أربع فلهم أن يقصروا وإذا مروا بموضع
فأرادوا فيه مقام أربع أتموا فإن لم يريدوا مقام أربع وأقاموا أربعا أتموا بعد مقام الأربع في الاختيار.
إيجاب الجمعة
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى " إذا نودي
للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله " الآية وقال الله عز وجل " وشاهد ومشهود " (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني صفوان بن سليم عن نافع بن جبير وعطاء
بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم انه " قال شاهد يوم الجمعة ومشهود يوم عرفة " أخبرنا الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء بن
يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم ابن محمد قال وحدثني عبد
الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (قال الشافعي) ودلت السنة
من فرض الجمعة على ما دل عليه كتاب الله تبارك وتعالى (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن ابن
طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نحن الآخرون ونحن السابقون
بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا
فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن
الأعرج عن أبي هريرة مثله إلا أنه قال: بائد أنهم (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد حدثني
محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " نحن الآخرون السابقون
يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم (يعنى
الجمعة) فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع السبت والأحد) (قال الشافعي) والتنزيل ثم
السنة يدلان على ايجاب الجمعة وعلم أن يوم الجمعة اليوم الذي بين الخميس والسبت من العلم الذي
يعلمه الجماعة عن الجماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من بعده من المسلمين كما نقلوا الظهر
أربعا والمغرب ثلاثا وكانت العرب تسميه قبل الاسلام " عروبة " قال الشاعر
: نفسي الفداء لأقوام همو خلطوا * يوم العروبة أزوادا بأزواد
(قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني سلمة بن عبد الله الخطمي عن محمد بن كعب
217

القرظي أنه سمع رجلا من بنى وائل يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تجب الجمعة على كل
مسلم إلا امرأة أو صبيا أو مملوكا " (قال الشافعي) ومن كان مقيما ببلد تجب فيه الجمعة من بالغ حر لا
عذر له وجبت عليه الجمعة (قال الشافعي) والعذر المرض الذي لا يقدر معه على شهود الجمعة إلا بأن
يزيد في مرضه أو يبلغ به مشقة غير محتملة أو يحبسه السلطان أو من لا يقدر على الامتناع منه بالغلبة أو
يموت بعض من يقوم بأمره من قرابة أو ذي آصرة من صهر أو مودة أو من يحتسب في ولاية أمره الاجر
فإن كان هذا فله ترك الجمعة (قال الشافعي) وإن مرض له ولد أو والد فرآه منزولا به وخاف فوت
نفسه فلا بأس عليه أن يدع له الجمعة وكذلك إن لم يكن ذلك به وكان ضائعا لا قيم له غيره أو له قيم
غيره له شغل في وقت الجمعة عنه فلا بأس أن يدع له الجمعة (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة
عن ابن أبي نجيح عن إسماعيل بن عبد الرحمن عن ابن أبي ذئب أن ابن عمر دعى وهو يستحم
للجمعة لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وهو يموت فأتاه وترك الجمعة (قال الشافعي) وإن أصابه غرق
أو حرق أو سرق وكان يرجو في تخلفه عن الجمعة دفع ذلك أو تدارك شئ فلت منه فلا بأس أن يدع
له الجمعة وكذلك إن ضل له ولد أو مال من رقيق أو حيوان أو غيره فرجا في تخلفه تداركه كان ذلك
له (قال الشافعي) فإن كان خائفا إذا خرج إلى الجمعة أن يحبسه السلطان بغير حق كان له التخلف عن
الجمعة فإن كان السلطان يحبسه بحق مسلم في دم أوحد لم يسعه التخلف عن الجمعة ولا الهرب في غير
الجمعة من صاحبه إلا أن يكون يرجو أن يدفع الحد بعفو أو قصاص بصلح فأرجو أن يسعه ذلك (قال
الشافعي) وإن كان تغيبه عن غريم لعسرة وسعه التخلف عن الجمعة وإن كان موسرا بقضاء دينه لم
يسعه التخلف عن الجمعة خوف الحبس (قال الشافعي) وإن كان يريد سفرا لم أحب له في الاختيار
أن يسافر يوم الجمعة بعد الفجر ويجوز له أن يسافر قبل الفجر (قال الشافعي) وإن كان مسافرا قد أجمع
مقام أربع فمثل المقيم وإن لم يجمع مقام أربع فلا يحرج عندي بالتخلف عن الجمعة وله أن يسير ولا
يحضر الجمعة (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الأسود بن قيس عن أبيه أن عمر أبصر رجلا
عليه هيئة السفر وهو يقول لولا أن اليوم يوم الجمعة لخرجت فقال له عمر: فاخرج فإن الجمعة لا
تحبس عن سفر (قال الشافعي) وليس على المسافر أن يمر ببلد جمعه إلا أن يجمع فيه مقام أربع فتلزمه
الجمعة إن كانت في مقامه وإذا لزمته لم يكن له أن يسافر بعد الفجر يوم الجمعة حتى يجمع (قال
الشافعي) وليس على غير البالغين ولا على النساء ولا على العبيد جمعة وأحب للعبيد إذا أذن لهم أن
يجمعوا وللعجائز إذا أذن لهم وللغلمان ولا أعلم منهم أحدا يحرج بترك الجمعة بحال (قال الشافعي)
والمكاتب والمدبر والمأذون له في التجارة وسائر العبيد في هذا سواء (قال الشافعي) وإذا أعتق بعض
العبد فكانت الجمعة في يومه الذي يترك فيه لنفسه لم أرخص له في ترك الجمعة وإن تركها لم أقل له
أنه يحرج كما يحرج الحر لو تركها لأنها لازمة للحر بكل حال إلا من عذر وهذا قد يأتي عليه أحوال لا
تلزمه فيها للرق (قال الشافعي) ومن قلت لا جمعة عليه من الأحرار للعذر بالحبس أو غيره ومن النساء
وغير البالغين والمماليك فإذا شهد الجمعة صلاها ركعتين وإذا أدرك منها ركعة أضاف إليها أخرى وأجزأته
عن الجمعة (قال الشافعي) وإنما قيل لا جمعة عليهم والله تعالى أعلم لا يحرجون بتركها كما يكون المرء
فقيرا لا يجد مركبا وزادا فيتكلف المشي والتوصل بالعمل في الطريق والمسألة فيحج فيجزى عنه أو يكون
كبيرا لا يقدر على الركوب فيتحامل على أن يربط على دابة فيكون له حج ويكون الرجل مسافرا أو
مريضا معذورا بترك الصوم فيصوم فيجزى عنه ليس أن واحدا من هؤلاء لا يكتب له أجر ما عمل من
218

هذا فيكون من أهله وإن كان لا يحرج بتركه (قال الشافعي) ولا أحب لواحد ممن له ترك الجمعة من
الأحرار للعذر ولا من النساء وغير البالغين والعبيد أن يصلى الظهر حتى ينصرف الامام أو يتأخى؟ انصرافه
بأن يحتاط حتى يرى أنه قد انصرف لأنه لعله يقدر على إتيان الجمعة فيكون إتيانها خيرا له ولا أكره إذا
انصرف الامام أن يصلوا جماعة حيث كانوا إذا كان ذلك غير رغبة عن الصلاة مع الامام (قال
الشافعي) وإن صلوا جماعة أو فرادى بعد الزوال وقبل انصراف الامام فلا إعادة عليهم لأنهم معذورون
بترك الجمعة (قال الشافعي) وإن صلوا جماعة أو فرادى فأدركوا الجمعة مع الامام صلوها وهي لهم نافلة
(قال الشافعي) فأما من عليه الجمعة ممن لا عذر له في التخلف عنها فليس له أن يصلى الجمعة إلا مع
الامام فإن صلاها بعد الزوال وقبل انصراف الامام لم تجز عنه وعليه أن يعيدها إذا انصرف الامام ظهرا
أربعا من قبل أنه لم يكن أن يصليها وكان عليه إتيان الجمعة. فلما فاتته صلاها قضاء وكان كمن ترك
الصلاة حتى فاته وقتها ويصليها قضاء ويجمعها ولا أكره جمعها إلا أن يجمعها استخفافا بالجمعة أو
رغبة عن الصلاة خلف الأئمة (قال الشافعي) وآمر أهل السجن وأهل الصناعات عن العبيد بأن يجمعوا
وإخفاؤهم الجمع أحب إلى من إعلانه خوفا أن يظن بهم أنهم جمعوا رغبة عن الصلاة مع الأئمة.
العدد الذين إذا كانوا في قرية وجبت عليهم الجمعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى لما كانت الجمعة واجبة واحتملت أن تكون تجب على كل مصل
بلا وقت عدد مصلين وأين كان المصلى من منزل مقام وظعن فلم نعلم خلافا في أن لا جمعة عليه إلا
في دار مقام ولم أحفظ أن الجمعة تجب على أقل من أربعين رجلا وقد قال غيرنا لا تجب إلا على أهل
مصر جامع (قال الشافعي) وسمعت عددا من أصحابنا يقولون تجب الجمعة على أهل دار مقام إذا كانوا
أربعين رجلا وكانوا أهل قرية فقلنا به وكان أقل ما علمناه قيل به ولم يجز عندي أن أدع القول به وليس
خبر لازم يخالفه وقد يروى من حيث لا يثبت أهل الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع
حين قدم المدينة بأربعين رجلا وروى أنه كتب إلى أهل قرى عرينة أن يصلوا الجمعة والعيدين. وروى
أنه أمر عمرو بن حزم أن يصلى العيدين بأهل نجران (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال كل قرية فيها أربعون
رجلا فعليهم الجمعة (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن سليمان بن موسى أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى
أهل المياه فيما بين الشام إلى مكة جمعوا إذا بلغتم رجلا (قال الشافعي) فإذا كان من أهل القرية
أربعون رجلا والقرية البناء والحجارة واللبن والسقف والجرائد والشجر لان هذا بناء كله وتكون بيوتها
مجتمعة ويكون أهلها لا يظعنون عنها شتاء ولا صيفا الا ظعن حاجة مثل ظعن أهل القرى وتكون بيوتها
مجتمعة اجتماع بيوت القرى فإن لم تكن مجتمعة فليسوا أهل قرية ولا يجمعون ويتمون إذا كانوا أربعين
رجلا حرا بالغا فإذا كانوا هكذا رأيت والله تعالى أعلم أن عليهم الجمعة فإذا صلوا الجمعة أجزأتهم
(قال الشافعي) وإذا بلغوا هذا العدد ولم يحضروا الجمعة كلهم رأيت أن يصلوها ظهرا وإن كانوا هذا
العدد أو أكثر منه في غير قرية كما وصفت لم يجمعوا وإن كانوا في مدينة عظيمة فيها مشركون من غير
أهل الاسلام أو من عبيد أهل الاسلام ونسائهم ولم يبلغ الأحرار المسلمون البالغون فيها أربعين رجلا لم
يكن عليهم أن يجمعوا ولو كثر المسلمون مارين بها وأهلها لا يبلغون أربعين رجلا لم يكن عليهم أن
219

يجمعوا (قال الشافعي) ولو كانت قرية فيها هذا العدد أو أكثر منه ثم مات بعضهم أو غابوا أو انتقل
منهم حتى لا يبقى فيها أربعون رجلا لم يكن لهم أن يجمعوا ولو كثر من يمر بها من المسلمين مسافرا أو
تاجرا غير ساكن لم يجمع فيها إذا لم يكن أهلها أربعون (قال الشافعي) وإن كانت قرية كما وصفت
فتهدمت منازلها أو تهدم من منازلها وبقى في الباقي منها أربعون رجلا فإن كان أهلها لازمين لها
ليصلحوها جمعوا كانوا في مظال أو غير مظال (قال الشافعي) وإذا كان أهلها أربعين أو أكثر فمرض
عامتهم حتى لم يواف المسجد منهم يوم الجمعة أربعون رجلا حرا بالغا صلوا الظهر (قال الشافعي) ولو
كثر أهل المسجد من قوم مارين أو تجار لا يسكنونها لم يكن لهم أن يجمعوا إذا لم يكن معهم من أهل
البلد المقيمين به أربعون رجلا حرا بالغا (قال الشافعي) ولو كان أهلها أربعين رجلا حرا بالغا وأكثر
ومنهم مغلوب على عقله وليس من بقي منهم أربعين رجلا صحيحا بالغا يشهدون الجمعة كلهم لم
يجمعوا وإذا كان أهل القرية أربعين فصاعدا فخطبهم الامام يوم الجمعة فانفض عنه بعضهم قبل
تكبيرة الصلاة حتى لا يبقى معه أربعون رجلا فإن ثابوا قبل أن يكبر حتى يكونوا أربعين رجلا صلى
بهم الجمعة وإن لم يكونوا أربعين رجلا حتى يكبر لم يصل بهم الجمعة وصلوها ظهرا أربعا (قال
الشافعي) ولو أنفضوا عنه فانتظرهم بعد الخطبة حتى يعودوا أحببت له أن يعيد خطبة أخرى إن كان
في الوقت مهلة ثم يصليها جمعة فإن لم يفعل صلاها ظهرا أربعا ولا يجوز أن يكون بين الخطبة والصلاة
فصل يتباعد (قال الشافعي) وإن خطب بهم وهم أقل من أربعين رجلا ثم ثاب الأربعون قبل أن
يدخل في الصلاة صلاها ظهرا أربعا ولا أراها تجزئ عنه حتى يخطب بأربعين فيفتتح الصلاة بهم إذا
كبر (قال الشافعي) ولا أحب في الأربعين إلا من وصفت عليه فرض الجمعة من رجل حر بالغ غير
مغلوب على عقله مقيم لا مسافر (قال الشافعي) فإن خطب بأربعين ثم كبر بهم ثم انفضوا من حوله ففيها
قولان أحدهما إن بقي معه اثنان حتى تكون صلاته صلاة جماعة تامة فصلى الجمعة أجزأته لأنه دخل
فيها وهي مجزئة عنهم ولو صلاها ظهرا أربعا أجزأته والقول الآخر أنها لا تجزئه بحال حتى يكون معه
أربعون حين يدخل ويكمل الصلاة ولكن لو لم يبق منهم إلا عبدان أو عبد وحر أو مسافران أو مسافر
ومقيم صلاها ظهرا (قال الشافعي) وإن بقي معه منهم بعد تكبيره اثنان أو أكثر فصلاها جمعة ثم بان
له أن الاثنين أو أحدهما مسافر أو عبد، أو امرأة أعادها ظهرا أربعا (قال الشافعي) ولم يجزئه جمعة في
واحد من القولين حتى يكمل معه الصلاة اثنان ممن عليه جمعة فإن صلى وليس وراءه اثنان فصاعدا ممن
عليه فرض الجمعة كانت عليهم ظهرا أربعا (قال الشافعي) ولو أحدث الامام قبل أن يكبر فقدم رجلا
ممن حضر الخطبة وخلفه أقل من أربعين رجلا صلوها ظهرا أربعا لا يجزئهم ولا الامام المحدث إلا ذلك
من قبل أن إمامته زالت وابتدلت بإمامة رجل لو كان الامام مبتدئا في حاله تلك لم يجزئه أن يصليها إلا
ظهرا أربعا (قال الشافعي) وإذا افتتح الامام جمعة ثم أمرته أن يجعلها ظهرا أجزأه ما صلى منها وهو
ينوى الجمعة لان الجمعة هي الظهر يوم الجمعة إلا أنه كان له قصرها فلما حدث حال ليس له فيها
قصرها أتمها كما يبتدئ المسافر ركعتين ثم ينوى المقام قبل أن يكمل الركعتين فيتم الصلاة أربعا ولا
يستأنفها.
من تجب عليه الجمعة بمسكنه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " إذا نودي للصلاة يوم الجمعة فاسعوا إلى
220

ذكر الله " (قال الشافعي) وإذا كان قوم ببلد يجمع أهلها وجبت الجمعة على من يسمع النداء من
ساكني المصر أو قريبا منه بدلالة الآية (قال الشافعي) وتجب الجمعة عندنا على جميع أهل المصر وإن
كثر أهلها حتى لا يسمع أكثرهم النداء لان الجمعة تجب بالمصر والعدد وليس أحد منهم أولى بأن تجب
عليه الجمعة من غيره إلا من عذر (قال الشافعي) وقولي سمع النداء إذا كان المنادى صيتا وكان هو
مستمعا والأصوات هادئة فأما إذا كان المنادى غير صيت والرجل غافل والأصوات ظاهرة فقل من
يسمع النداء (قال الشافعي) ولست أعلم في هذا أقوى مما وصفت وقد كان سعيد بن زيد وأبو هريرة
يكونان بالشجرة على أقل من ستة أميال فيشهدان الجمعة ويدعانها وقد كان يروى أن أحدهما كان
يكون بالعقيق فيترك الجمعة ويشهدها ويروى ان عبد الله بن عمرو بن العاص كان على ميلين من
الطائف فيشهد الجمعة ويدعها (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الله بن زيد عن
سعيد بن المسيب أنه قال تجب الجمعة على من يسمع النداء (قال الشافعي) وإذا كانت قرية جامعة
وكان لها قرى حولها متصلة الأموال بها وكانت أكثر سوق تلك القرى في القرية الجامعة لم أرخص لاحد
منهم في ترك الجمعة وكذلك لا أخرص لمن على الميل والميلين وما أشبه هذا ولا يتبين عندي أن يحرج
بترك الجمعة إلا من سمع النداء ويشبه أن يحرج أهل المصر، وإن عظم بترك الجمعة.
من يصلى خلفه الجمعة
والجمعة خلف كل إمام صلاها من أمير ومأمور ومتغلب على بلدة وغير أمير مجزئة كما تجزئ الصلاة
خلف كل من سلف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أبي
عبيد مولى ابن أزهر قال شهدنا العيد مع علي رضي الله عنه وعثمان محصور (قال الشافعي) وتجزئ
الجمعة خلف العبد والمسافر كما تجزئ الصلاة غيرها خلفهما فإن قيل ليس فرض الجمعة عليهما، قيل
ليس يأثمان بتركها وهما يؤجران على أدائها وتجزئ عنهما كما تجزئ عن المقيم وكلاهما عليه فرض
الصلاة بكمالها ولا أرى أن الجمعة تجزئ خلف غلام لم يحتلم والله تعالى أعلم، ولا تجمع امرأة بنساء
لان الجمعة إمامة جماعة كاملة وليست المرأة ممن لها أن تكون إمام جماعة كاملة:
الصلاة في مسجدين فأكثر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يجمع في مصر وإن عظم أهله وكثر عامله ومساجده إلا في
موضع المسجد الأعظم وإن كانت له مساجد عظام لم يجمع فيها إلا في واحد وأيها جمع فيه أولا بعد
الزوال فهي الجمعة وإن جمع في آخر سواه يعده لم يعتد الذين جمعوا بعده بالجمعة وكان عليهم أن
يعيدوا ظهرا أربعا (قال الشافعي) وسواء الذي جمع أولا الوالي أو مأمور أو رجل أو تطوع أو تغلب أو
عزل فامتنع من العزل بمن جمع معه أجزأت عنه الجمعة ومن جمع مع الذي بعده لم تجزه الجمعة وإن
كان واليا وكانت عليه إعادة الظهر (قال) وهكذا إن جمع من المصر في مواضع فالجمعة الأولى، وما
سواها لا تجزئ إلا ظهرا (قال الشافعي) وإن أشكل على الذين جمعوا أيهم جمع أولا أعادوا كلهم
ظهرا أربعا (قال الشافعي) ولو أشكل ذلك عليهم فعادوا فجمعت منهم طائفة ثانية في وقت الجمعة
221

أجزأهم ذلك لان جمعتهم الأولى لم تجز عنهم وهم أولا حين جمعوا أفسدوا ثم عادوا فجمعوا في وقت
الجمعة (قال الربيع) وفيه قول آخر أن يصلوا ظهرا لان العلم يحيط أن إحدى الطائفتين قد صلت قبل
الأخرى فكما جازت الصلاة للذين صلوا أولا وإن لم يعرفوها لم يجز لاحد أن يصلى الجمعة بعد تمام
جمعة قد تمت
الأرض تكون بها المساجد
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا اتسعت البلد وكثرت عمارتها فبنيت فيها مساجد كثيرة
عظام وصغار لم يجز عندي أن يصلى الجمعة فيها إلا في مسجد واحد وكذلك إذا اتصلت بالبلد
الأعظم منها قريات صغار لم أحب أن يصلي إلا في المسجد الأعظم وإن صلى في مسجد منها غيره
صليت الظهر أربعا وإن صليت الجمعة أعاد من صلاها فيها (قال) وتصلى الجمعة في المسجد الأعظم
فإن صلاها الامام في مسجد من مساجدها أصغر منه كرهت ذلك له وهي مجزئة عنه (قال) وإن صلى
غير امام في مسجدها الأعظم والامام في مسجد أصغر فجمعه الامام ومن معه مجزئة ويعيد الآخرون
الجمعة (1) (قال الشافعي) وإن وكل الامام من يصلى فصلى وكيل الامام في المسجد الأعظم أو
الأصغر قبل الامام فصلى الامام في مسجد غيره فجمعة الذين صلوا في المسجد الأعظم أو الأصغر قبل
الامام مجزئة ويعيد الآخرون ظهرا (قال الشافعي) وهكذا إذا وكل الامام رجلين يصلى أيهما أدرك فأيهما
صلى الجمعة أولا أجزأه وإن صلى الآخر بعده فهي ظهر وإن كان وال يصلى في مسجد صغير وجاء
وال غيره فصلى في مسجد عظيم فأيهما صلى أولا فهي الجمعة وإذا قلت أيهما صلى أولا فهي الجمعة فلم
يدر أيهما صلى أولا فأعاد أحدهما الجمعة في الوقت أجزأت وإن ذهب الوقت أعادا معا فصليا معا
أربعا أربعا (قال الربيع)
يريد يعيد الظهر (قال الشافعي) والأعياد مخالفة الجمعة الرجل يصلى العيد
منفردا ومسافرا وتصليه الجماعة لا يكون عليها جمعة لأنها لا تحيل فرضا ولا أرى بأسا إذا خرج الامام
إلى مصلاه في العيدين أو الاستسقاء أن يأمر من يصلى بضعفة الناس العيد في موضع من المصر أو
مواضع (قال) وإذا كانت صلاة الرجل منفردا مجزئة فهي أقل من صلاة جماعة بأمر وال وان لم يأمر الوالي
فقدموا واحدا أجزأ عنهم (قال الشافعي) وهكذا لو قدموا في صلاة الخسوف في مساجدهم لم أكره
من هذا شيئا بل أحبه ولا أكرهه في حال إلا أن يكون من تخلف عن الجماعة العظمى أقوياء على
حضورها فأكره ذلك لهم أشد الكراهية ولا إعادة عليهم فأما أهل العذر بالضعف فأحب لهم ذلك

(1) قال السراج البلقيني: هذا النص هو الذي أخذ منه أن السلطان إذا كان مع طائفة أجزأتهم
الجمعة وإن كانت مسبوقة والمذهب المعتمد ما نص عليه في مواضع غير هذا من أن الجمعة السابقة
هي الصحيحة ووقع في هذا النص ويعيد الآخرون الجمعة والمراد يعيدونها ظهرا ولعل هذا سبق قلم من
الناسخ وما ذكره الشافعي بعد ذلك من قوله وإن وكل الامام إلى آخره يقيد محل القول المذكور بما إذا
لم يكن مع السابقة وكيل الامام فإن كان معها فالجمعة السابقة هي المجزئة ولم أر من تعرض لهذا القيد.
222

(قال الشافعي) والجمعة مخالفة لهذا كله (قال) وإذا صلوا جماعة أو منفردين صلوا كما يصلى الامام لا
يخالفونه في وقت ولا صلاة ولا بأس أن يتكلم متكلمهم بخطبة إذا كان بأمر الوالي فإن لم يكن بأمر
الوالي كرهت له ذلك كراهية الفرقة في الخطبة ولا أكره ذلك في الصلاة كما لا أكرهه في المكتوبات
غير الجمعة.
وقت الجمعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ووقت الجمعة ما بين أن تزول الشمس إلى أن يكون آخر وقت
الظهر قبل أن يخرج الامام من صلاة الجمعة فمن صلاها بعد الزوال إلى أن يكون سلامه منها قبل آخر
وقت الظهر فقد صلاها في وقتها وهي له جمعة إلا أن يكون في بلد قد جمع فيه قبله (قال الشافعي)
ومن لم يسلم من الجمعة حتى يخرج آخر وقت الظهر لم تجزه الجمعة وهي له ظهر وعليه أن يصليها أربعا
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم ابن محمد قال حدثني خالد بن رباح عن المطلب
بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى الجمعة إذا فاء الفئ قدر ذراع أو نحوه، أخبرنا
الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يوسف بن ماهك قال قدم معاذ
بن جبل على أهل مكة وهم يصلون الجمعة والفئ في الحجر فقال لا تصلوا حتى تفئ الكعبة من
وجهها (قال الشافعي) ووجهها الباب (قال الشافعي) يعنى معاذ حتى تزول الشمس (قال الشافعي)
ولا اختلاف عند أحد لقيته أن لا تصلى الجمعة حتى تزول الشمس (قال الشافعي) فإن ابتدأ رجل خطبة الجمعة قبل ان
يبتدئ خطبة الجمعة حتى يتبين زوال الشمس (قال الشافعي) فإن ابتدأ رجل خطبة الجمة قبل ان
تزول الشمس ثم زالت الشمس فأعاد خطبته أجزأت عنه الجمعة وإن لم يعد خطبتين بعد الزوال لم تجز
الجمعة عنه وكان عليه أن يصليها ظهرا أربعا، وإن صلى الجمعة في حال لا تجزئ عنه فيه ثم أعاد
الخطبة والصلاة في الوقت أجزأت عنه وإلا صلاها ظهرا والوقت الذي تجوز فيه الجمعة ما بين أن
تزول الشمس إلى أن يدخل وقت العصر (قال الشافعي) ولا تجزئ جمعة حتى يخطب الامام خطبتين
ويكمل السلام منها قبل دخول وقت العصر (قال الشافعي) فإن دخل أول وقت العصر قبل أن يسلم منها
فعليه أن يتم الجمعة ظهرا أربعا فإن لم يفعل حتى خرج منها فعليه أن يستأنفها ظهرا أربعا (قال
الشافعي) ولو أغفل الجمعة (1) حتى يعلم أنه خطب أقل من خطبتين وصلى أخف من ركعتين لم يخرج
من الصلاة حتى يدخل وقت العصر كان عليه أن يصلي ظهرا أربعا ولا يخطب (قال الشافعي) وإن
رأى أنه يخطب أخف خطبتين ويصلى أخف ركعتين إذا كانتا مجزئتين عنه قبل دخول أول وقت العصر
لم يجز له إلا أن يفعل فإن خرج من الصلاة قبل دخول العصر فهي مجزئة عنه وإن لم يخرج منها حتى
يدخل أول وقت العصر أتمها ظهرا أربعا فإن لم يفعل وسلم استأنف ظهرا أربعا لا يجزيه غير ذلك فإن
خرج من الصلاة وهو يشك ومن معه، أدخل وقت العصر أم لا؟ فصلاتهم وصلاته مجزئة عنهم لأنهم
على يقين من الدخول في الوقت وفى شك من أن الجمعة لا تجزئهم، فهم كمن استيقن بوضوء وشك

(1) قوله: حتى يعلم أنه خطب الخ كذا في النسخ وللائق أنه إن خطب الخ تأمل. كتبه
مصححه.
223

في انتفاضه (قال الشافعي) وسواء شكوا أكملوا الصلاة قبل دخول الوقت بظلمة أو ريح أو غيرهما
(قال الشافعي) ولا يشبه الجمعة فيما وصفت الرجل يدرك ركعة قبل غروب الشمس كان عليه أن يصلى
العصر بعد غروبها وليس للرجل أن يصلى الجمعة في غير وقتها لأنه قصر في وقتها وليس له القصر إلا
حيث جعل له.
وقت الاذان للجمعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يؤذن للجمعة حتى تزول الشمس (قال الشافعي) وإذا أذن لها
قبل الزوال أعيد الاذان لها بعد الزوال فإن أذن لها مؤذن قبل الزوال وآخر بعد الزوال أجزأ الاذان الذي
بعد الزوال ولم يعد الاذان الذي قبل الزوال (قال الشافعي) وأحب أن يكون الاذان يوم الجمعة حين
يدخل الامام المسجد ويجلس على موضعه الذي يخطب عليه خشب أو جريد أو منبر أو شئ مرفوع له
أو الأرض فإذا فعل أخذ المؤذن في الاذان فإذا فرغ قام فخطب لا يزيد عليه (قال الشافعي) وأحب أن
يؤذن مؤذن واحد إذا كان على المنبر لا جماعة مؤذنين أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني الثقة
عن الزهري عن السائب بن يزيد أن الاذان كان أوله للجمعة حين يجلس الامام على المنبر على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر فلما كانت خلافة عثمان وكثر الناس أمر عثمان بأذان ثان
فأذن به فثبت الامر على ذلك (قال الشافعي) وقد كان عطاء ينكر أن يكون عثمان أحدثه ويقول أحدثه
معاوية والله أعلم (قال الشافعي) وأيهما كان فالامر الذي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحب إلى (قال الشافعي) فإن أذن جماعة من المؤذنين والامام على المنبر وأذن كما يؤذن اليوم أذان قبل
أذان المؤذنين إذا جلس الامام على المنبر كرهت ذلك له ولا يفسد شئ منه صلاته (قال الشافعي)
وليس في الاذان شئ يفسد الصلاة لان الاذان ليس من الصلاة إنما هو دعاء إليها وكذلك لو صلى
بغير أذان كرهت ذلك له ولا إعادة عليه.
متى يحرم البيع
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى
ذكر الله وذروا البيع " (قال الشافعي) والاذان الذي يجب على من عليه فرض الجمعة أن يذر عنده
البيع الاذان الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك الاذان الذي بعد الزوال وجلوس
الامام على المنبر فإن أذن مؤذن قبل جلوس الامام على المنبر وبعد الزوال لم يكن للبيع منهيا عنه كما ينهى
عنه إذا كان الامام على المنبر وأكرهه لان ذلك الوقت الذي أحب للامام أن يجلس فيه على المنبر
وكذلك إن أذن مؤذن قبل الزوال والامام على المنبر لم ينه عن البيع إنما ينهى عن البيع إذا اجتمع أن
يؤذن بعد الزوال والامام على المنبر (قال الشافعي) وإذا تبايع من لا جمعة عليه في الوقت المنهى فيه
عن البيع لم أكره البيع لأنه لا جمعة عليهما وإنما المنهى عن البيع المأمور بإتيان الجمعة (قال الشافعي)
وإن بايع من لا جمعة عليه من عليه جمعة كرهت ذلك لمن عليه الجمعة لما وصفت ولغيره أن يكون
معينا له على ما أكره له ولا أفسخ البيع بحال (قال الشافعي) ولا أكره البيع يوم الجمعة قبل الزوال ولا
224

بعد الصلاة لاحد بحال وإذا تبايع المأموران بالجمعة في الوقت المنهى فيه عن البيع لم يبن لي أن أفسخ
البيع بينهما لان معقولا أن النهى عن البيع في ذلك الوقت إنما هو لاتيان الصلاة لا أن البيع يحرم بنفسه
وإنما يفسخ البيع المحرم لنفسه، ألا ترى لو أن رجلا ذكر صلاة ولم يبق عليه من وقتها إلا ما يأتي بأقل
ما يجزئه منها فبايع فيه كان عاصيا بالتشاغل بالبيع عن الصلاة حتى يذهب وقتها ولم تكن معصية
التشاغل عنها تفسد بيعه والله تعالى أعلم.
التبكير إلى الجمعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الجمعة كان على كل من أبواب المسجد ملائكة
يكتبون الناس على منازلهم الأول فالأول فإذا خرج الامام طويت الصحف واستمعوا الخطبة، والمهجر
إلى الصلاة كالمهدى بدنة ثم الذي يليه كالمهدى بقرة، ثم الذي يليه كالمهدى كبشا، حتى ذكر
الدجاجة والبيضة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن سمى عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في
الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة
الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الامام
حضرت الملائكة يستمعون الذكر) (قال الشافعي) وأحب لكل من وجبت عليه الجمعة أن يبكر إلى
الجمعة جهده فكلما قدم التبكير كان أفضل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولان العلم يحيط
أن من زاد في التقرب إلى الله تعالى كان أفضل (قال الشافعي) فإن قال قائل: إنهم مأمورون إذا
نودي للصلاة من يوم الجمعة بأن يسعوا إلى ذكر الله فإنما أمروا بالفرض عليهم وأمرهم بالفرض عليهم
لا يمنع فضلا قدموه عن نافلة لهم.
المشي إلى الجمعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى
ذكر الله " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال ما سمعت عمر قط
يقرؤها إلا " فامضوا إلى ذكر الله " (قال الشافعي ومعقول أن السعي في هذا الموضع العمل قال الله عز
وجل " إن سعيكم لشتى " وقال " وان ليس للانسان إلا ما سعى " وقال عز ذكره " وإذا تولى سعى في
الأرض ليفسد فيها " (قال الشافعي) قال زهير:
سعى بعهدهم قوم لكي يدركوهم * فلم يفعلوا ولم يليموا ولم يألوا
(وزادني بعض أصحابنا في هذا البيت):
وما يك من خير أتوه فإنما * توارثه آباء آبائهم قبل
وهل يحمل الخطى إلا وشيجه * وتغرس إلا في منابتها النخل
(قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن جابر بن عتيك
225

عن جده جابر ابن عتيك صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا خرجت إلى الجمعة فامش على
هينتك (قال الشافعي) وفيما وصفنا من دلالة كتاب الله عز وجل أن السعي العمل وفى أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم
فصلوا ما فاتكم فاقضوا " (قال الشافعي) والجمعة صلاة كاف من أن يروى في ترك العدو على القدمين
إلى الجمعة عن أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ وما علمت أحدا روى عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم في الجمعة أنه زاد فيها على مشيه إلى سائر الصلوات ولا عن أحد من أصحابه (قال
الشافعي) ولا تؤتى الجمعة إلا ماشيا كما تؤتى سائر الصلوات وإن سعى إليها ساع أو إلى غيرها من
الصلوات لم تفسد عليه صلاته ولم أحب ذلك له.
الهيئة للجمعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال يا رسول الله ولو اشتريت هذه الحلة فلبستها يوم الجمعة والوفد
إذا قدموا عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما هذه من لا خلاق له في الآخرة " ثم
جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة فقال عمر يا رسول الله
كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لم أكسكها لتلبسها "
فكساها عمر أخا له مشركا بمكة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن السباق ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جمعة من الجمع " يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدا
للمسلمين فاغتسلوا ومن كان منكم عنده طيب فلا يضره أن يمس منه وعليكم بالسواك " (قال
الشافعي) فنحب للرجل أن يتنظف يوم الجمعة بغسل وأخذ شعر وظفر وعلاج لما يقطع تغير الريح من
جميع جسده وسواك وكل ما نظفه وطيبه وأن يمس طيبا مع هذا إن قدر عليه ويستحسن من ثيابه ما
قدر عليه ويطيبها اتباعا للسنة ولا يؤذى أحدا قاربه بحال وكذلك أحب له في كل عيد وآمره به وأحبه
في كل صلاة جماعة وآمره به وأحبه في كل أمر جامع للناس وإن كنت له في الأعياد من الجمع
وغيرها أشد استحبابا للسنة وكثرة حاضرها (قال الشافعي) وأحب ما يلبس إلي البياض فإن جاوزه
بعصب اليمن والقطري وما أشبهه مما يصبغ غزله ولا يصبغ بعدما ينسخ فحسن وإذا صلاها طاهرا
متواري العورة أجزأه وإن استحببت له ما وصفت من نظافة وغيرها (قال الشافعي) وهكذا أحب لمن
حضر الجمعة من عبد وصبي وغيره إلا النساء فإني أحب لهن النظافة بما يقطع الريح المتغيرة وأكره لهن
الطيب وما يشهرن به من الثياب بياض أو غيره فإن تطيبن وفعلن ما كرهت لهن لم يكن عليهن إعادة
صلاة وأحب للامام من حسن الهيئة ما أحب للناس وأكثر منه وأحب أن يعتم فإنه كان يقال إن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يعتم ولو ارتدى ببرد فإنه كان يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتدى
ببرد، كان أحب إلى.
الصلاة نصف النهار يوم الجمعة
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني إسحاق بن عبد الله عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول
226

الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة (قال
الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك أنه أخبره أنهم كانوا في زمان عمر بن
الخطاب رضي الله عنه يوم الجمعة يصلون حتى يخرج عمر بن الخطاب فإذا خرج عمر وجلس على
المنبر وأذن المؤذن جلسوا يتحدثون حتى إذا سكت المؤذن وقام عمر سكتوا ولم يتكلم أحد (قال
الشافعي) وحدثني ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب قال حدثني ثعلبة بن أبي مالك أن
قعود الامام يقطع السبحة وأن كلامه يقطع الكلام وأنهم كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر جالس على
المنبر فإذا سكت المؤذن قام عمر فلم يتكلم أحد حتى يقضى الخطبتين كلتيهما فإذا قامت الصلاة ونزول
عمر تكلموا (قال الشافعي) فإذا راح الناس للجمعة صلوا حتى يصير الامام على المنبر فإذا صار على
المنبر كف منهم من كان صلى ركعتين فأكثر تكلم حتى يأخذ في الخطبة فإذا اخذ فيها أنصت استدلا
استدلالا بما حكيت ولا ينهى عن الصلاة نصف النهار من حضر يوم الجمعة.
من دخل المسجد يوم الجمعة والامام على المنبر ولم يركع
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال دخل
رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له " أصليت؟ " قال لا قال " فصل ركعتين "
(قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد في
حديث جابر وهو سليك الغطفاني (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن عياض بن
عبد الله قال رأيت أبا سعيد الخدري جاء ومروان يخطب فقام فصلى ركعتين فجاء إليه الأحراس
ليجلسوه فأبى أن يجلس حتى صلى الركعتين فلما أقضينا الصلاة أتيناه فقلنا يا أبا سعيد: كاد هؤلاء أن
يفعلوا بك، فقال: ما كنت لأدعها لشئ بعد شئ رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء رجل وهو يخطب فدخل المسجد بهيئة بذة فقال " أصليت "؟ قال:
لا، (فصل ركعتين) ثم حث الناس على الصدقة فألقوا ثيابا فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم
الرجل منها ثوبين فلما كانت الجمعة الأخرى جاء الرجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم " أصليت "؟ قال لا قال " فصل ركعتين " ثم حث رسول الله صلى الله عليه
وسلم على الصدقة فطرح الرجل أحد ثوبيه فصاح به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " خذه " فأخذه
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انظروا إلى هذا جاء تلك الجمعة بهيئة بذة فأمرت الناس
بالصدقة فطرحوا ثيابا فأعطيته منها ثوبين فلما جاءت الجمعة وأمرت الناس بالصدقة فجاء فألقى أحد
ثوبيه " (قال الشافعي) وبهذا نقول ونأمر من دخل المسجد والامام يخطب والمؤذن يؤذن ولم يصل
ركعتين أن يصليهما ونأمره أن يخففهما فإنه روي في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتخفيفهما
(قال الشافعي) وسواء كان في الخطبة الأولى أو في الآخرة فإذا دخل والامام في آخر الكلام ولا
يمكنه أن يصلى ركعتين خفيفتين قبل دخول الامام في الصلاة فلا عليه أن لا يصليهما لأنه أمر بصلاتهما
حيث يمكنانه وحيث يمكنانه مخالف لحيث لا يمكنانه وأرى للامام أن يأمره بصلاتهما ويزيد في كلامه
بقدر ما يكملهما فإن لم يفعل الامام كرهت ذلك له ولا شئ عليه وإن لم يصل الداخل في حال تمكنه
227

فيه كرهت ذلك له ولا إعادة ولا قضاء عليه (قال الشافعي) وإن صلاهما وقد أقيمت الصلاة كرهت
ذلك له وأن أدرك مع الامام ركعة فقد أدرك الجمعة.
تخطى رقاب الناس يوم الجمعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأكره تخطى رقاب الناس يوم الجمعة قبل دخول الامام وبعده
لما فيه من الأذى لهم وسوء الأدب وبذلك أحب لشاهد الجمعة التبكير إليها مع الفضل في التبكير إليها
وقد روى عن الحسن مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يتخطى رقاب الناس فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم " آنيت وآذيت " وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو هريرة أنه قال " ما
أحب أن أترك الجمعة ولى كذا وكذا ولان أصليها بظهر الحرة أحب إلى من أن أتخطى رقاب الناس "
وإن كان دون مدخل رجل زحام وأمامه فرجة فكان تخطيه إلى الفرجة بواحد أو اثنين رجوت أن يسعه
التخطي وإن كثر كرهته له ولم أحبه إلا أنه لا يجد السبيل إلى مصلى يصلى فيه الجمعة إلا بأن يتخطى
فيسعه التخطي إن شاء الله تعالى وإن كان إذا وقف حتى تقام الصلاة تقدم من دونه حتى يصل إلى
موضع تجوز فيه الصلاة كرهت له التخطي وإن فعل ما كرهت له من التخطي لم يكن عليه إعادة
صلاة وإن كان الزحام دون الامام الذي يصلى الجمعة لم أكره له من التخطي ولا من أن يفرج له
الناس ما أكره للمأموم لأنه مضطر إلى يمضى إلى الخطبة والصلاة لهم.
النعاس في المسجد يوم الجمعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال كان ابن عمر يقول
للرجل إذا نعس يوم الجمعة والامام يخطب أن يتحول منه (قال الشافعي) وأحب للرجل إذا نعس
في المسجد يوم الجمعة ووجد مجلسا غيره ولا يتخطى فيه أحدا أن يتحول عنه ليحدث له القيام
واعتساف المجلس ما يذعر عنه النوم وإن ثبت وتحفظ من النعاس بوجه يراه ينفى النعاس عنه فلا أكره
ذلك له ولا أحب إن رأى أنه يمتنع من النعاس إذا تحفظ أن يتحول وأحسب من أمره بالتحول إنما
أمره حين غلب عليه النعاس فظن أن لن يذهب عنه النوم إلا بإحداث تحول وإن ثبت في مجلسه ناعسا
كرهت ذلك له ولا إعادة عليه إذا لم يرقد زائلا عن حد الاستواء.
مقام الامام في الخطبة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر
بن عبد الله يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري المسجد فلما
صنع له المنبر فاستوى عليه اضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتى سمعها أهل المسجد حتى نزل
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنقها فسكنت (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني
عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
228

يصلي إلى جذع إذ كان المسجد عريشا وكان يخطب إلى ذلك الجذع فقال رجل من أصحابه يا رسول
الله هل لك أن نجعل لك منبرا تقوم عليه يوم الجمعة فتسمع الناس خطبتك؟ قال نعم: فصنع له
ثلاث درجات فهي للآتي أعلى المنبر فلما صنع المنبر ووضع موضعه الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله
عليه وسلم بدا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم على المنبر فيخطب عليه فمر إليه، فلما جاوز ذلك الجذع
الذي كان يخطب إليه خار حتى انصدع وانشق فنزل النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الجذع
فمسحه بيده ثم رجع إلى المنبر فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب فكان عنده في بيته حتى
بلى وأكلته الأرضة وصار رفاتا (قال الشافعي) فبهذا قلنا لا بأس أن يخطب الامام على شئ مرتفع من
الأرض وغيرها ولا بأس أن ينزل عن المنبر للحاجة قبل أن يتكلم ثم يعود إلى المنبر وإن نزل على المنبر
بعدما تكلم استأنف الخطبة لا يجزئه غير ذلك لان الخطبة لا تعد خطبة إذا فصل بينها بنزول يطول أو
بشئ يكون قاطعا لها.
الخطبة قائما
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك
قائما " الآية (قال الشافعي) فلم أعلم مخالفا أنها نزلت في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة
(قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني جعفر بن محمد عن أبيه قال كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة وكان لهم سوق يقال لها البطحاء كانت بنو سليم يجلبون إليها الخيل
والإبل والغنم والسمن فقدموا فخرج إليهم الناس وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لهم لهو إذا
تزوج أحد من الأنصار ضربوا بالكبر فعيرهم الله بذلك فقال " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها
وتركوك قائما " (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله
قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة خطبتين قائما يفصل بينهما بجلوس أخبرنا الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني صالح مولى التوأمة عن عبد الله بن نافع عن
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني صالح
مولى التوأمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر أنهم كانوا يخطبون يوم الجمعة
خطبتين على المنبر قياما يفصلون بينهما بجلوس حتى جلس معاوية في الخطبة الأولى فخطب جالسا
وخطب في الثانية قائما (قال الشافعي) فإذا خطب الامام خطبة واحدة وصلى الجمعة عاد فخطب
خطبتين وصلى الجمعة فإن لم يفعل حتى ذهب الوقت صلاها ظهرا أربعا ولا يجزئه أقل من خطبتين
يفصل بينهما بجلوس فإن فصل بينهما ولم يجلس لم يكن له أن يجمع ولا يجزيه أن يخطب جالسا فإن
خطب جالسا من علة أجزأه ذلك وأجزأه من خلفه وإن خطب جالسا وهم يرونه صحيحا فذكر علة فهو
أمين على نفسه وكذلك هذا في الصلاة وإن خطب جالسا (1) وهم يعلمونه صحيحا للقيام لم تجزئه ولا
إياهم الجمعة وإن خطب جالسا ولا يدرون أصحيح هو أو مريض؟ فكان صحيحا أجزأتهم صلاتهم
لأن الظاهر عندهم أن لا يخطب جالسا إلا مريض وإنما عليهم الإعادة إذا خطب جالسا وهم يعلمونه

(1) قوله: وهم يعلمونه صحيحا للقيام. أي مطيقا القيام كما هو ظاهر. كتبه مصححه.
229

صحيحا، فإن علمته طائفة صحيحا وجهلت طائفة صحته أجزأت الطائفة التي لم تعلم صحته الصلاة
ولم تجز الطائفة التي علمت صحته وهذا هكذا في الصلاة (قال الشافعي) وإنما قلنا هذا في الخطبة
أنها ظهر إلا أن يفعل فيها فاعل على فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خطبتين يفصل بينهما بجلوس
فيكون له أن يصليها ركعتين فإذا لم يفعل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي على أصل فرضها.
أدب الخطبة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى بلغنا عن سلمة بن الأكوع أنه قال خطب رسول الله صلى الله عليه
وسلم خطبتين وجلس جلستين وحكى الذي حدثني قال: استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم على
الدرجة التي تلى المستراح قائما ثم سلم وجلس على المستراح حتى فرغ المؤذن من الاذان ثم قام فخطب
الخطبة الأولى ثم جلس ثم قام فخطب الخطبة الثانية وأتبع هذا الكلام الحديث فلا أدرى أحدثه عن
سلمة أم شئ فسره هو في الحديث (قال الشافعي) وأحب أن يفعل الامام ما وصفت وإن أذن المؤذن
قبل ظهور الإمام على المنبر ثم ظهر الامام على المنبر فتكلم بالخطبة الأولى ثم جلس ثم قام فخطب أخرى
أجزأه ذلك إن شاء الله لأنه قد خطب خطبتين فصل بينهما بجلوس (قال) ويعتمد الذي يخطب على
عصا أو قوس أو ما أشبههما لأنه بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتمد على عصا أخبرنا الربيع قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء أكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقوم على عصا إذا خطب؟ قال: نعم كان يعتمد عليها اعتمادا (قال الشافعي) وإن لم يعتمد على
عصا أحببت أن يسكن جسده ويديه إما بأن يضع اليمنى على اليسرى وإما أن يقرهما في موضعهما
ساكنتين ويقل التلفت ويقبل بوجهه قصد وجهه ولا أحب أن يلتفت يمينا ولا شمالا ليسمع الناس
خطبته لأنه إن كان لا يسمع أحد الشقين إذا قصد بوجهه تلقاءه فهو لا يلتفت ناحية يسمع أهلها إلا
خفى كلامه على الناحية التي تخالفها مع سوء الأدب من التلفت (قال الشافعي) وأحب أن يرفع صوته
حتى يسمع أقصى من حضره إن قدر على ذلك وأحب أن يكون كلامه كلاما مترسلا مبينا معربا بغير
الاعراب الذي يشبه العى وغير التمطيط وتقطيع الكلام ومده وما يستنكر منه ولا العجلة فيه عن الافهام
ولا ترك الافصاح بالقصد وأحب أن يكون كلامه قصدا بليغا جامعا (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن
سالم ومالك بن أنس عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر (قال الشافعي) وإذا فعل ما كرهت
له من إطالة الخطبة أو سوء الأدب فيها أو في نفسه فاتى بخطبتين يفصل بينهما بجلوس لم يكن عليه
إعادة وأقل ما يقع عليها اسم خطبة من الخطبتين أن يحمد الله تعالى ويصلى على النبي صلى الله عليه
وسلم ويقرا شيئا من القرآن في الأولى ويحمد الله عز ذكره ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويوصى
بتقوى الله ويدعو في الآخرة لان معقولا أن الخطبة جمع بعض الكلام من وجوه إلى بعض، هذا
أو جز ما يجمع من الكلام (قال الشافعي) وإنما أمرت بالقراءة في الخطبة أنه لم يبلغنا أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم خطب في الجمعة إلا قرأ فكان أقل ما يجوز يقال قرأ آية من القرآن وأن يقرأ أكثر
منها أحب إلى وإن جعلها خطبة واحدة عاد فخطب خطبة ثانية مكانه، فإن لم يفعل ولم يخطب حتى
يذهب الوقت أعاد الظهر أربعا، فان جعلها خطبتين لم يفصل بينهما بجلوس أعاد خطبته، فإن لم يفعل
صلى الظهر أربعا وإن ترك الجلوس الأول حين يظهر على المنبر كرهته ولا إعادة عليه، لأنه ليس من
الخطبتين، ولا فصل بينهما وهو عمل قبلهما لا منهما.
230

القراءة في الخطبة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الله ابن أبي بكر عن
حبيب بن عبد الرحمن ابن إساف عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان أنها سمعت النبي صلى الله عليه
وسلم يقرأ ب‍ " ق " وهو يخطب على المنبر يوم الجمعة وأنها لم تحفظها إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم الجمعة وهو على المنبر من كثرة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها يوم الجمعة على المنبر (قال
الشافي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني محمد بن أبي بكر بن حزم عن محمد بن عبد الرحمن بن
سعد بن زرارة عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان مثله، قال إبراهيم ولا أعلمني إلا سمعت أبا بكر بن
حزم يقرأ بها يوم الجمعة على المنبر قال إبراهيم وسمعت محمد بن أبي بكر يقرأ بها وهو يومئذ قاضى
المدينة على المنبر (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني محمد بن عمرو بن جلجلة عن أبي
نعيم وهب بن كيسان عن حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن عمر كان يقرأ في
خطبته يوم الجمعة " إذا الشمس كورت " حتى يبلغ (علمت نفس ما أحضرت " ثم يقطع السورة
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن هشام عن أبيه أن عمر ابن الخطاب
قرأ بذلك على المنبر (قال الشافعي) وبلغنا أن عليا كرم الله وجهه كان يقرأ على المنبر " قل يا أيها
الكافرون " و " قل هو الله أحد " فلا تتم الخطبتان إلا بأن يقرأ في أحداهما آية فأكثر والذي أحب أن يقرأ
ب‍ " ق " في الخطبة الأولى كما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقصر عنها وما قرأ أجزأه إن شاء
الله تعالى وإن قرأ على المنبر سجدة لم ينزل ولم يسجد فإن فعل رجوت أن لا يكون بذلك بأس
لأنه ليس يقطع الخطبة كما لا يكون قطعا للصلاة أن يسجد فيها سجود القرآن (قال الشافعي) وإذا
سجد أخذ من حيث بلغ من الكلام وإن استأنف الكلام فحسن (قال الشافعي) وأحب أن يقدم
الكلام ثم يقرأ الآية لأنه بلغنا ذلك وإن قدم القراءة ثم تكلم فلا بأس وأحب أن تكون قراءته ما
وصفت في الخطبة الأولى وأن يقرأ في الخطبة الثانية أية أو أكثر منها ثم يقول استغفر الله لي ولكم (قال
الشافعي) بلغني أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان إذا كان في آخر خطبة قرأ آخر النساء " يستفتونك
قل الله يفتيكم في الكلالة " إلى آخر السورة وحيث قرأ من الخطبة الأولى والآخرة فبدأ بالقراءة أو
بالخطبة أو جعل القراءة بين ظهراني الخطبة أو بعد الفراغ منها إذا أتى بقراءة أجزأه إن شاء الله تعالى.
كلام الامام في الخطبة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب (قال الشافعي) وحديث
جابر وأبى سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل دخل المسجد وهو على المنبر فقال
" أصليت "؟ فقال: لا فقال " فصل ركعتين " وفى حديث أبي سعيد فتصدق الرجل بأحد ثوبيه فقال
النبي صلى الله عليه وسلم " انظروا (1) إلى هذا الذي (قال الشافعي) ولا بأس أن يتكلم الرجل في

(1) قوله: إلى هذا الذي، الحديث تقدم مطولا فاقصر منه هنا على ما يدل على المقصود أمل.
كتبه مصححه.
231

خطبة الجمعة وكل خطبة فيما يعنيه ويعنى غيره بكلام الناس ولا أحب أن يتكلم فيما لا يعنيه ولا يعنى
الناس ولا بما يقبح من من الكلام وكل ما أجزت له أن يتكلم به أو كرهته فلا يفسد خطبته ولا صلاته.
كيف استحب أن تكون الخطبة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا عبد العزيز عن جعفر عن أبيه عن جابر قال كان النبي صلى
الله عليه وسلم (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني إسحاق بن عبد الله عن أبان بن
صالح عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما فقال " أن
الحمد لله نستعينه ونستغفره ونستهديه ونستنصره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده
الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله من
يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى حتى يفئ إلى أمر الله (قال الشافعي)
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثنا عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما فقال في خطبته " ألا
أن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر ألا وإن الآخرة أجل صادق يقضى فيها ملك قادر ألا وان
الخير كله بحذافيره في الجنة ألا وإن الشر كله بحذافيره في النار ألا فاعملوا وأنتم من الله على حذر
واعلموا أنكم معروضون على أعمالكم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ".
ما يكره من الكلام في الخطبة وغيرها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم قال حدثني عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة
عن عدي ابن حاتم قال خطب رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ومن يطع الله ورسوله
فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اسكت فبئس الخطيب أنت " ثم
قال النبي صلى الله عليه وسلم " من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ولا
تقل ومن يعصهما " (قال الشافعي) فبهذا نقول فيجوز أن تقول ومن يعص الله ورسوله فقد غوى لأنك
أفردت معصية الله وقلت " ورسوله " استئناف كلام وقد قال الله تبارك وتعالى " أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الأمر منكم " وهذا وإن كان في سياق الكلام استئناف كلام (قال) ومن أطاع الله فقد
أطاع رسوله ومن عصى الله فقد عصى رسوله. ومن أطاع رسوله فقد أطاع الله ومن عصى رسوله فقد
عصى الله لان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد من عباده قام في خلق الله بطاعة الله وفرض الله تبارك
وتعالى على عباده طاعته لما وفقه الله تعالى من رشده ومن قال " ومن يعصهما " كرهت ذلك القول له
حتى يفرد اسم الله عز وجل ثم يذكر بعده اسم رسوله صلى الله عليه وسلم لا يذكره إلا منفردا (قال
الشافعي) وقال رجل يا رسول الله: ما شاء الله وشئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمثلان
قل ما شاء الله ثم شئت " (قال الشافعي) وابتداء المشيئة مخالفة للمعصية لان طاعة رسول الله صلى الله
عليه وسلم ومعصيته تبع لطاعة الله تبارك وتعالى ومعصيته لان الطاعة والمعصية منصوصتان بفرض
الطاعة من الله عز وجل فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاز أن يقال فيه من يطع الله ورسوله
ومن يعص الله ورسوله لما وصفت والمشيئة إرادة الله تعالى (قال الشافعي) قال الله عز وجل " وما
232

تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين " فأعلم خلقه أن المشيئة له دون خلقه وأن مشيئتهم لا تكون إلا أن
يشاء الله عز وجل فيقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله ثم شئت، ويقال من يطع الله
ورسوله على ما وصفت من أن الله تبارك وتعالى تعبد الخلق بأن فرض طاعة رسول الله صلى الله عليه
وسلم فإذا أطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أطيع الله بطاعة رسوله (قال الشافعي) وأحب أن
يخلص الامام ابتداءا النقص الخطبة بحمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم والعظة والقراءة
ولا يزيد على ذلك (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء ما الذي أرى
الناس يدعون به في الخطبة يومئذ أبلغك عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عمن بعد النبي عليه الصلاة
والسلام؟ قال لا إنما أحدث إنما كانت الخطبة تذكيرا (قال الشافعي) فإن دعا لاحد بعينه أو على
أحد كرهته ولم تكن عليه إعادة
الانصات للخطبة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا قلت لصاحبك أنصت والامام يخطب فقد لغوت " (قال
الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا
قلت لصاحبك أنصت والامام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن أبي
الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه إلا أنه قال لغيت قال ابن
عيينة لغيت لغة أبي هريرة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبد الله عن مالك بن أبي
عامر أن عثمان بن عفان كان يقول في خطبته قلما يدع ذلك إذا خطب " إذا قام الامام يخطب يوم
الجمعة فاستمعوا له وأنصتوا فإن للمنصت الذي لا يسمع من الحظ مثل ما للسامع المنصت فإذا قامت
الصلاة فاعدلوا الصفوف وحاذوا بالمناكب فإن اعتدال الصفوف من تمام الصلاة " ثم لا يكبر عثمان
حتى يأتيه رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف فيخبروه أن قد استوت فيكبر (قال الشافعي) وأحب لكل
من حضر الخطبة أن يستمع لها وينصت ولا يتكلم من حين يتكلم الامام حتى يفرغ من الخطبتين معا
(قال الشافعي) ولا بأس أن يتكلم والامام على المنبر والمؤذنون يؤذنون وبعد قطعهم قبل كلام الامام فإذا
ابتدأ في الكلام لم أحب أن يتكلم حتى يقطع الامام الخطبة الآخرة فإن قطع الآخرة فلا بأس أن
يتكلم حتى يكبر الامام وأحسن في الأدب أن لا يتكلم من حين يبتدئ الامام الكلام حتى يفرغ من
الصلاة وإن تكلم رجل والامام يخطب لم أحب ذلك له ولم يكن عليه إعادة الصلاة ألا ترى أن النبي
صلى الله عليه وسلم كلم الذين قتلوا ابن أبي الحقيق على المنبر وكلموه وتداعوا قتله وأن النبي صلى الله
عليه وسلم كلم الذي لم يركع وكلمه وأن لو كانت الخطبة في حال الصلاة لم يتكلم من حين يخطب
وكان الامام أولاهم بترك الكلام الذي إنما يترك الناس الكلام حتى يسمعوا كلامه (قال الشافعي) فإن
قيل فما قول النبي صلى الله عليه وسلم قد لغوت؟ قيل والله أعلم (1) فأما ما يدل على ما وصفت من

(1) قوله فأما ما يدل على ما وصفت الخ كذا في جميع النسخ والظاهر أن فيه سقطا من الناسخ
فليحرر كتبه مصححه.
233

كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام من كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلامه فيدل على ما وصفت
وإن الانصات للامام اختيار وإن قوله لغوت تكلم به في موضع الأدب فيه أن لا يتكلم والأدب في
موضع الكلام أن لا يتكلم إلا بما يعنيه وتخطى رقاب الناس يوم الجمعة في معنى الكلام فيما لا يعنى
الرجل (قال الشافعي) ولو سلم رجل على رجل يوم الجمعة كرهت ذلك له ورأيت أن يرد عليه
بعضهم لان رد السلام فرض (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم عن هشام بن حسان قال لا بأس أن يسلم
ويرد عليه السلام والامام يخطب يوم الجمعة وكان ابن سيرين يرد إيماء ولا يتكلم (قال الشافعي) ولو
عطس رجل يوم الجمعة فشمته رجل رجوت أن يسعه لان التشميت سنة (قال الشافعي) أخبرنا
إبراهيم بن محمد عن هشام عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا عطس الرجل والامام
يخطب يوم الجمعة فشمته (قال الشافعي) وكذلك إذا أراد أن يأتيه رجل فأومأ إليه فلم يأته فلا بأس
أن يتكلم وكذلك لو خاف على أحد أو جماعة لم أر بأسا إذا لم يفهم عنهم بالايماء أن يتكلم والامام
يخطب (قال الشافعي) ولا بأس إن خاف شيئا أن يسأل عنه ويجيبه بعض من عرف إن سأل عنه وكل
ما كان في هذا المعنى فلا بأس بذلك للامام وغيره ما كان مما لا يلزم المرء لأخيه ولا يعنيه في نفسه فلا
أحب الكلام به وذلك أن يقول له أنصت أو يشكو إليه مصيبة نزلت أو يحدثه عن سرور حدث له أو
غائب قدم أو ما أشبه هذا لأنه لا فوت على واحد منهما في علم هذا ولا ضرر عليه في ترك إعلامه إياه
(قال الشافعي) وإن عطش الرجل فلا بأس أن يشرب والامام على المنبر فإن لم يعطش فكان يتلذذ
بالشراب كان أحب إلى أن يكف عنه.
من لم يسمع الخطبة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن لم يسمع الخطبة أحببت له من الانصات ما أحببته للمستمع
(قال الشافعي) وإذا كان لا يسمع من الخطبة شيئا فلا أكره أن يقرأ في نفسه ويذكر الله تبارك اسمه
ولا يكلم الآدميين (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم عن هشام عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يذكر
الله في نفسه بتكبير وتهليل وتسبيح (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم قال لا أعلمه إلا أن منصور بن المعتمر
أخبرني أنه سأل إبراهيم أيقرأ والامام يخطب يوم الجمعة وهو لا يسمع الخطبة؟ فقال عسى أن لا
يضره (قال الشافعي) ولو فعل هذا من سمع خطبة الامام لم تكن عليه إعادة ولو أنصت للاستماع كان
حسنا.
الرجل يقيم الرجل من مجلسه يوم الجمعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا
يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا " (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن عبيد الله بن عمر بن
نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يخلفه
فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا " (قال الشافعي) وأكره للرجل من كان أماما أو غير إمام أن يقيم رجلا من
مجلسه ثم يجلس فيه ولكن نأمرهم أن يتفسحوا (قال الشافعي) ولا يجوز أن يقام الرجل إلا أن يجلس
234

الرجل حيث يتيسر له إما في موضع مصلى الامام وإما في طريق عامة فأما أن يستقبل المصلين بوجهه
في ضيق المسجد وكثرة من المصلين ولا يحول بوجهه عن استقبال المصلين فإن كان ذلك ولا ضيق على
المصلين فيه فلا بأس أن يستقبلهم بوجهه ويتنحون عنه وأحسن في الأدب أن لا يفعل ومن فعل من
هذا ما كرهت له فلا إعادة عليه للصلاة (قال الشافعي) وبهذا نأخذ فمن عرض له ما يخرجه ثم عاد
إلى مجلسه أحببت لمن جلس فيه أن يتنحى عنه (قال الشافعي) وأكره للرجل أن يقيم الرجل من مجلسه
يوم الجمعة وغيره ويجلس فيه ولا أرى بأسا إن كان رجل إنما جلس لرجل ليأخذ له مجلسا أن يتنحى
عنه لان ذلك تطوع من المجالس وكذلك إن جلس لنفسه ثم تنحى عنه بطيب من نفسه وأكره ذلك
للجالس إلا أن يكون يتنحى إلى موضع شبيه به في أن يسمع الكلام ولا أكرهه للجالس الآخر لأنه
بطيب نفس الجالس الأول ومن فعل من هذا ما كرهت له فلا إعادة للجمعة عليه (قال الشافعي)
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" إذا قام أحدكم من مجلسه يوم الجمعة ثم رجع إليه فهو أحق به " (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن
محمد قال حدثني أبي عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يعمد الرجل فيقيمه
من مجلسه ثم يقعد فيه، أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال قال سليمان ابن موسى
عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل أفسحوا ".
الاحتباء في المسجد يوم الجمعة والامام على المنبر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرني من لا أتهم عن نافع عن ابن عمر أنه كان يحتبى والامام
يخطب يوم الجمعة (قال الشافعي) والجلوس والامام على المنبر يوم الجمعة كالجلوس في جميع
الحالات إلا أن يضيق الرجل على من قاربه فأكره ذلك وذلك أن يتكئ فيأخذ أكثر مما يأخذ الجالس
ويمد رجليه أو يلقى يديه خلفه فأكره هذا لأنه يضيق إلا أن يكون برجله علة فلا أكره له من هذا شيئا
وأحب له إذا كانت به علة أن يتنحى إلى موضع لا يزدحم الناس عليه فيفعل من هذا ما فيه الراحة
لبدنه بلا ضيق على غيره.
القراءة في صلاة الجمعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الله بن أبي لبيد عن سعيد
المقبري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين (قال
الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عبيد الله ابن أبي رافع عن أبي
هريرة أنه قرأ في الجمعة بسورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون فقال عبيد الله فقلت له قرأت بسورتين كان
على رضى الله تعالى عنه يقرأ بهما في الجمعة فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها (قال
الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني مسعر ابن كدام عن معبد بن خالد عن سمرة بن جندب
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في الجمعة " سبح اسم ربك الاعلى " و " هل اتاك حديث
الغاشية " (قال الشافعي " أحب أن يقرأ يوم الجمعة في الجمعة بسورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون.
235

لثبوت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بهما وتواليهما في التأليف وإذا كان من يحضر الجمعة بفرض الجمعة
وما نزل في المنافقين (قال الشافعي) وما قرأ به الامام يوم الجمعة وغيرها من أم القرآن وآية أجزأه وإن
اقتصر على أم القرآن أجزأه ولم أحب ذلك له (قال الشافعي) وحكاية من حكى السورتين اللتين قرأ بهما
النبي صلى الله عليه وسلم في الجمعة تدل على أنه جهر بالقراءة وأنه صلى الجمعة ركعتين وذلك ما لا
اختلاف فيه علمته فيجهر الامام بالقراءة في الجمعة ويصليها ركعتين إذا كانت جمعة فإن صلاها ظهرا
خافت بالقراءة وصلى أربعا (قال الشافعي) وإن خافت بالقراءة في الجمعة أو غيرها مما يجهر فيه
بالقراءة أو جهر بالقراءة فيما يخافت فيه بالقراءة من الصلاة كرهت ذلك له ولا إعادة ولا سجود
للسهو عليه (قال الشافعي) وإن بدأ الامام يوم الجمعة فقرأ بسورة المنافقين في الركعة الأولى قبل أم
القرآن عاد فقرأ أم القرآن قبل ان يركع أجزأه أن يركع بها ولا يعيد سورة المنافقين ولو قرأ معها بشئ من
الجمعة كان أحب إلى ويقرأ في الركعة الثانية بسورة الجمعة.
القنوت في الجمعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى حكى عدد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة فما علمت
أحدا منهم حكى انه قنت فيها إلا أن تكون دخلت في جملة قنوته في الصلوات كلهن حين قنت على
قتلة أهل بئر معونة ولا قنوت في شئ من الصلوات إلا الصبح إلا أن تنزل نازلة فيقنت في الصلوات
كلهن إن شاء الامام.
من أدرك ركعة من الجمعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة " (قال الشافعي)
فكان أقل ما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " فقد أدرك الصلاة " إن لم تفته الصلاة (قال
الشافع ") ومن لم تفته الصلاة صلى ركعتين (قال الشافعي) ومن أدرك ركعة من الجمعة بنى عليها ركعة
أخرى وأجزأته الجمعة وإدراك الركعة أن يدرك الرجل قبل رفع رأسه من الركعة فيركع معه ويسجد
فإن أدركه وهو راكع فكبر ثم لم يركع معه حتى يرفع الامام رأسه من الركعة ويسجد معه لم يعتد بتلك
الركعة وصلى الظهر أربعا (قال الشافعي) وإن ركع وشك في أن يكون تمكن راكعا قبل أن يرفع الامام
رأسه لم يعتد بتلك الركعة وصلى الظهر أربعا إذا لم يدرك معه ركعة غيرها (قال الشافعي) وإن ركع مع
الامام ركعة وسجد سجدتين ثم شك في أن يكون سجد سجدتين مع الامام أو سجدة سجد سجدة
وصلى ثلاث ركعات حتى يكمل الظهر أربعا لأنه لا يكون مدركا لركعة بكمالها إلا بأن يسجد سجدتين
وكذلك لو أدرك مع الامام ركعة ثم أضاف إليها أخرى ثم شك في سجدة لا يدرى أهي من الركعة التي
كانت مع الامام أم الركعة التي صلى لنفسه كان مصليا ركعة وقاضيا ثلاثا ولا يكون له جمعة حتى يعلم
أن قد صلى مع الامام ركعة بسجدتين.
236

الرجل يركع مع الامام ولا يسجد معه يوم الجمعة وغيرها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المأمومين أن يركعوا إذا ركع
الامام ويتبعوه في عمل الصلاة فلم يكن للمأموم أن يترك اتباع الامام في عمل الصلاة (قال الشافعي)
وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بعسفان فركع وركعوا وسجد فسجدت طائفة
وحرسته أخرى حتى قام من سجوده ثم تبعته بالسجود مكانها حين قام (قال الشافعي) فكان بينا والله
تعالى أعلم في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على المأموم اتباع الامام ما لم يكن للمأموم عذر
يمنعه اتباعه وأن له إذا كان له عذر أن يتبعه في وقت ذهاب العذر (قال الشافعي) فلو أن رجلا مأموما
في الجمعة ركع مع الامام زحم فلم يقدر على السجود بحال حتى قضى الامام سجوده تبع الامام إذا
قام الامام فأمكنه أن يسجد سجد وكان مدركا للجمعة إذا صلى الركعة التي بقيت عليه وهكذا لو
حبسه حابس من مرض لم يقدر معه على السجود أو سهو أو نسيان أو عذر ما كان (قال الشافعي) وإن
كان إدراكه الركعة الآخرة وسلم الامام قبل يمكنه السجود سجد وصلى الظهر أربعا لأنه لم يدرك مع
الامام ركعة بكمالها (قال الشافعي) وإن أدرك الأولى ولم يمكنه السجود حتى ركع الامام الركعة الثانية لم
يكن له أن يسجد للركعة الأولى إلا أن يخرج من إمامة الامام فإن سجد خرج من إمامة الامام لان
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إنما سجدوا للركعة التي وقفوا عن السجود لها بالعذر بالحراسة قبل
الركعة الثانية (قال الشافعي) ويتبع الامام فيركع معه ويسجد ويكون مدركا معه الركعة ويسقط عنه
واحدة ويضيف إليها أخرى ولو ركع معه ولم يسجد حتى سلم الامام سجد سجدتين وكان مصليا ركعة
ويبنى عليها ثلاثا لأنه لم يأت مع الامام بركعة بكمالها (قال الشافعي) فإن أمكنه أن يسجد على ظهر
رجل فتركه بغير عذر خرج من صلاة الامام فإن صلى لنفسه أجزأته ظهرا وإن لم يفعل وصلى مع الامام
أعاد الظهر ولا يكون له أن يمكنه مع الامام ركوع ولا سجود فيدعه بغير عذر ولا سهو إلا خرج من
صلاة الامام ولو جاز أن يكون رجل خلف الامام يمكنه الركوع والسجود ولا عذر له لم يكن به غير
خارج من صلاة الامام جاز أن يدع ذلك ثلاث ركعات ويركع في الرابعة فيكون كمبتدئ الصلاة
حين ركع وسجد معه ويدع ذلك أربع ركعات ثم يركع ويسجد فيتبع الامام في الركعة التي قبل
سجوده (قال الشافعي) ولو سها عن ركعة اتبع الامام ما لم يخرج الامام من صلاته بالركوع والسجود
أو يركع الامام ثانية فإذا ركع ثانية ركعها معه وقضى التي سها عنها ولو خرج الامام من صلاته وسها
عن ثلاث ركعات وقد جهر الامام في ركعتين ركع وسجد بلا قراءة واجتزأ بقراءة الامام في ركعة في
قول من قال لا يقرأ خلف الامام فيما يجهر فيه الامام ثم قرأ لنفسه فيما بقي ولم يجزه غير ذلك ولو كان فيما
يخافت فيه الامام فإن كان قرأ اعتد بقراءته في ركعة وإن لم يكن قرأ لم يعتد بها ويقرأ فيما بقي بكل
حال لا يجزئه غير ذلك:
الرجل يرعف يوم الجمعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا دخل الرجل في صلاة الامام يوم الجمعة حضر الخطبة أو
لم يحضرها فسواء فإن رعف الرجل الداخل في صلاة الامام بعدما يكبر مع الامام فخرج يسترعف
237

فأحب الأقاويل إلى فيه أنه قاطع للصلاة ويسترعف ويتكلم فإن أدرك مع الامام ركعة أضاف إليها
أخرى وإلا صلى الظهر أربعا وهذا قول المسور ابن مخرمة وهكذا إن كان بجسده أو ثوبه نجاسة فخرج
فغسلها ولا يجوز أن يكون في حال لا تحل فيها الصلاة ما كان بها ثم يبنى على صلاته والله تعالى أعلم
(قال الشافعي) وإن رجع وبنى على صلاته رأيت أن يعيد وإن استأنف صلاته بتكبيرة افتتاح كان
حينئذ داخلا في الصلاة.
رعاف الامام وحدثه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أصل ما نذهب إليه أن صلاة الامام إذا فسدت لم تفسد صلاة
من خلفه فإذا كبر الامام يوم الجمعة ثم رعف أو أحدث فقدم رجلا أو تقدم الرجل بغير امره بأمر
الناس أو غير أمرهم وقد كان المتقدم دخل في صلاة الامام المحدث قبل أن يحدث كان الامام المقدم
الآخر يقوم مقام الامام الأول وكان له أن يصلى بهم ركعتين وتكون له ولهم الجمعة (قال الشافعي) ولو
دخل المتقدم مع الامام في أول صلاته أو بعدما صلى ركعة فرعف الامام قبل الركوع أو بعده وقبل
السجود فانصرف ولم يقدموا أحدا فصلوا وحدانا فمن أدرك منهم مع الامام ركعة بسجدتين أضاف إليها
أخرى وكانت له جمعة ومن لم يدرك ركعة بسجدتين كاملتين صلى الظهر أربعا (قال الشافعي) ولو أن
الامام يوم الجمعة رعف فخرج ولم يركع ركعة وقدم رجلا لم يدرك التكبيرة فصلى بهم ركعتين أعادوا
الظهر أربعا لأنه ممن لم يدخل معه في الصلاة حتى خرج الامام من الإمامة وهذا مبتدئ ظهرا أربعا
لا يجهز فيها بالقراءة ولو صلى الامام بهم جنبا أو على غير وضوء الجمعة أجزأتهم وكان عليه أن يعيد
ظهرا أربعا لنفسه (قال الشافعي) ولو أعاد الخطبة ثم صلى بطائفة الجمعة لم يكن له ذلك وكان عليه
أن يعود فيصلى ظهرا أربعا (قال الشافعي) فإن فعل فذكر وهو في الصلاة أن عليه الظهر فوصلها ظهرا
فقد دخلها بغير نية صلاة أربع فأحب إلى أن يبتدئ الظهر أربعا وقد يخالف المسافر يفتتح ينوى القصر
ثم يتم لأنه كان للمسافر أن يقصر ويتم والمسافر نوى الظهر بعينها فهو داخل في نية فرض الصلاة والمصلى
الجمعة لم ينو الظهر بحال إنما نوى الجمعة التي فرضها ركعتان إذا كانت جمعة والذي ليس له أن يصليها
جمعة أربعا فإن أتمها ظهرا أربعا رجوت أن لا يضيق عليه إن شاء الله تعالى وما أحب أن يفعل ذلك
بحال وإنما لم يتبين لي إيجاب الإعادة عليه لان الرجل قد يدخل مع الامام ينوى الجمعة ولا يكمل له
ركعة فتجرى عليه أن يبنى على صلاته مع الامام ظهرا وإن كان هذا قد يخالفه في أنه مأموم تبع
الامام لم يؤت من نفسه والأول إمام عمد فعل نفسه ولو أحدث الامام الذي خطب بعدما كبر فقدم
رجلا كبر معه ولم يدرك الخطبة فصلى ركعة ثم أحدث فقدم رجلا أدرك معه الركعة صلى ركعة ثانية
فكانت له ولمن أدرك معه الركعة الأخيرة جمعة وإن قدم رجلا لم يدرك معه الركعة الأولى وقد كبر معه
صلى بهم ركعة ثم تشهد وقدم من أدرك أول الصلاة فسلم وقضى لنفسه ثلاثا لأنه لم يدرك مع الامام
ركعة حتى صار إمام نفسه وغيره (قال الشافعي) وإذا رعف الامام أو أحدث أو ذكر أنه جنب أو على
غير وضوء فخرج يسترعف أو يتطهر ثم رجع أستأنف الصلاة وكان كالمأموم غيره فإن أدرك مع الامام
المقدم بعده ركعة أضاف إليها أخرى وكانت له جمعة وإن لم يدرك معه ركعة صلى الظهر أربعا.
238

التشديد في ترك الجمعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني صفوان بن سليم عن إبراهيم
بن عبد الله ابن معبد عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ترك
الجمعة من غير ضرورة كتب منافقا في كتاب لا يمحى ولا يبدل أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني محمد بن عمرو عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبي الجعد
الضمري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يترك أحد الجمعة ثلاثا تهاونا بها إلا طبع الله على قلبه
(قال الشافعي) في بعض الحديث ثلاثا ولاء (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني
صالح بن كيسان عن عبيدة بن سفيان قال سمعت عمرو بن أمية الضمري يقول لا يترك رجل مسلم
الجمعة ثلاثا تهاونا بها لا يشهدها إلا كتب من الغافلين (قال الشافعي) حضور الجمعة فرض فمن ترك
الفرض تهاونا كان قد تعرض شرا إلا أن يعفو الله كما لو أن رجلا ترك صلاة حتى يمضى وقتها كان قد
تعرض شرا إلا أن يعفو الله.
ما يؤمر به في ليلة الجمعة ويومها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى بلغنا عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أكثروا الصلاة على يوم الجمعة فانى أبلغ وأسمع قال ويضعف فيه الصدقة وليس مما خلق الله من
شئ فيما بين السماء والأرض يعنى غير ذي روح إلا وهو ساجد لله تعالى في عشية الخميس ليلة الجمعة
فإذا أصبحوا فليس من ذي روح إلا روحه روح في حنجرته مخافة إلى أن تغرب الشمس فإذا غربت
الشمس أمنت الدواب وكل شئ كان فزعا منها غير الثقلين (قال الشافعي) وبلغنا أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال " أقربكم منى لو في الجنة أكثركم على صلاة فأكثروا الصلاة على في الليلة الغراء
واليوم الأزهر " (قال الشافعي) يعنى والله تعالى أعلم يوم الجمعة (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد
قالة حدثني صفوان بن سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة
فأكثروا الصلاة على " (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن
معمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أكثروا الصلاة على يوم الجمعة " (قال الشافعي) وبلغنا أن من
قرأ سورة الكهف وقى فتنة الدجال (قال الشافعي) وأحب كثره الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
في كل حال وأنا في يوم الجمعة وليلتها أشد استحبابا وأحب قراءة الكهف ليلة الجمعة ويومها لما جاء
فيها.
ما جاء في فضل الجمعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني موسى ابن عبيدة قال حدثني
أبو الأزهر معاوية ابن إسحاق بن طلحة عن عبد الله بن عبيد بن عمير أنه سمع أنس بن مالك يقول أتى
جبريل بمرآة بيضاء فيها وكتة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه؟ فقال
239

هذه الجمعة فضلت بها أنت وأمتك فالناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى، ولكم فيها خير وفيها ساعة
لا يوافقها مؤمن يدعو الله بخير إلا استجيب له وهو عندنا يوم المزيد فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا
جبريل وما يوم المزيد؟ فقال: إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثب مسك فإذا كان يوم
الجمعة أنزل الله تبارك وتعالى ما شاء من ملائكته وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين والصديقين
وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد عليها الشهداء والصديقون فجلسوا من
ورائهم على تلك الكثب فيقول الله عز وجل " أنا ربكم قد صدقتكم وعدى فسلوني أعطكم "
فيقولون ربنا نسألك رضوانك فيقول الله عز وجل " قد رضيت عنكم ولكم ما تمنيتم ولدى مزيد " فهم
يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير وهو اليوم الذي استوى فيه ربك تبارك اسمه على العرش
وفيه خلق آدم وفيه تقوم الساعة، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال
حدثني أبو عمران إبراهيم ابن الجعد عن أنس بن مالك شبيها به وزاد عليه " ولكم فيه خير من دعا فيه
بخير هو له قسم أعطيه فإن لم يكن له قسم ذخر له ما هو خير منه " وزاد أيضا فيه أشياء. أخبرنا الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل عن عمرو بن
شرحبيل بن سعيد بن سعد عن أبيه عن جده أن رجلا من الأنصار جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال يا رسول الله أخبرنا عن يوم الجمعة ماذا فيه من الخير؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم فيه
خمس خلال فيه خلق آدم، وفيه أهبط الله عز وجل آدم عليه السلام إلى الأرض، وفيه توفى الله
آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا آتاه الله تعالى إياه ما لم يسأل مأثما أو قطيعة رحم وفيه
تقوم الساعة وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا جبل إلا وهو مشفق من يوم الجمعة (قال
الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: فيه ساعة لا يوافقها إنسان مسلم وهو قائم يصلى يسأل الله شيئا إلا أعطاه
إياه وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده يقللها، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك
عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن أبي سلمه ابن عبد الرحمن
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه
خلق الله تبارك وتعالى آدم عليه السلام وفيه أهبط وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من
دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس
وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم يسأل الله عز وجل شيئا إلا أعطاه إياه " قال أبو هريرة قال عبد الله بن
سلام هي آخر ساعة في يوم الجمعة فقلت له: وكيف تكون آخر ساعة وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم " لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلى " وتلك ساعة لا يصلى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل
رسول الله صلى الله عليه وسلم " من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلى؟ " قال فقلت
بل قال فهو ذلك " قال الشافعي " أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الرحمن بن حرملة عن ابن
المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " سيد الأيام يوم الجمعة " قال الشافعي " أخبرنا إبراهيم بن
محمد قال أخبرني أبي أن ابن المسيب قال: أحب الأيام إلى أن أموت فيه ضحى يوم الجمعة.
السهو في صلاة الجمعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والسهو في صلاة الجمعة كالسهو في غيرها، فإن سها الامام
240

فقام في موضع الجلوس عاد فجلس وتشهد وسجد للسهو (1).

(1) وفى اختلاف العراقيين في ترجمة الجمعة والعيدين أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق قال رأيت عليا رضي الله عنه يخطب نصف النهار يوم الجمعة ولسنا
ولا إياهم نقول بهذا نقول لا يخطب إلا بعد زوال الشمس، وكذلك روينا عن عمر وعن غيره أخبرنا
الربيع قال أخبرنا الشافعي حميد بن عبد الرحمن الرواسي عن الحسن بن صالح عن أبي إسحاق قال
رأيت عليا رضي الله عنه يخطب يوم الجمعة ثم لم يجلس حتى فرغ ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول
يجلس الامام بين الخطبتين ونقول نحن يجلس على المنبر قبل الخطبة وكذلك فعل رسول الله صلى الله
عليه وسلم والأئمة بعده أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي أخبرنا شريك عن العباس بن ذريح عن
الحرث بن ثور أن عليا رضي الله عنه صلى الجمعة ركعتين ثم التفت إلى القوم فقال: أتموا، ولسنا ولا
إياهم ولا أحد يقول بهذا ولست أعرف وجه هذا إلا أن يكون يرى أن الجمعة عليه هي ركعتان لأنه
يخطب وعليهم أربع لأنهم لا يخطبون فإن كان هذا مذهبه فليس يقول بهذا أحد من الناس أخبرنا
الربيع قال أخبرنا الشافعي بن المهدى عن سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن أن عليا رضي الله عنه قال: من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل بعدها ست ركعات " ولسنا ولا إياهم نقول
بهذا، أما نحن فنقول يصلى أربعا أخبرنا الربيع قال الشافعي أبو معاوية عن الأعمش عن منهال عن
عباد بن عبد الله أن عليا رضي الله عنه كان يخطب على منبر فجاء الأشعث وقد امتلأ المسجد وأخذوا
مجالسهم فجعل يتخطى حتى دنا وقال غلبتنا عليك هذه الحمراء فقال علي رضي الله عنه " ما بال هذه
الضياطرة يتخلف أحدهم " ثم ذكر كلاما وهم يكرهون للامام أن يتكلم في خطبة ويكرهون أن يتكلم
أحد والامام يخطب وقد تكلم الأشعث فلم ينهه علي رضي الله عنه وتكلم على وأحسبهم يقولون يبتدئ
الخطبة ولسنا نرى بأسا بالكلام بالخطبة تكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر وعثمان رضي الله عنه
م.
ومن كتاب اختلاف الحديث (باب غسل الجمعة)
حدثنا الربيع قال: قال الشافعي قال الله جل ثناؤه " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم " الآية قال فدلت السنة على أن الوضوء من الحدث
وقال الله جل ثناؤه " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل
حتى تغتسلوا " قال فكان الوضوء عاما في كتاب الله من الاحداث وكان أمر الله الجنب بالغسل من
الجنابة دليلا والله أعلم أن لا يجب الغسل إلا من جنابة إلا أن تدل السنة على غسل واجب فتوجبه
بالسنة بطاعة الله في الاخذ بها ودلت على وجوب الغسل من الجنابة ولم أعلم دليلا بيننا على أن يجب
غسل غير الجنابة الوجوب الذي لا يجزئ غيره (قال) وقد روى في غسل يوم الجمعة شئ فذهب
ذاهب إلى غير ما قلنا ولسان العرب واسع حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري
عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل " أخبرنا
مالك وسفيان عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم " قال غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم " (قال الشافعي) فاحتمل واجب لا يجزئ
غيره وواجب في الأخلاق وواجب في الاختيار والنظافة وهي تغير الريح عند اجتماع الناس كما يقول
الرجل للرجل وجب حقك على إذ رأيتني موضعا لحاجتك وما أشبه هذا فكان هذا أولى معنييه لموافقة
ظاهر القرآن في عموم الوضوء من الاحداث وخصوص الغسل من الجنابة والدلالة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم في غسل يوم الجمعة أيضا فإن قال قائل فاذكر الدلالة، قلت أخبرنا مالك عن ابن
شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر قال دخل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
المسجد يوم الجمعة وعمر بن الخطاب يخطب فقال عمر: أية ساعة هذه؟ فقال يا أمير المؤمنين
انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت، فقال عمر والوضوء أيضا وقد علمت أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل (قال الشافعي) فلما علمنا أن عمر وعثمان علما أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل يوم الجمعة فذكر عمر علمه وعلم عثمان فذهب عنا أن نتوهم أن
يكون نسيا علمهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غسل يوم الجمعة إذ ذكر عمر علمهما في المقام
الذي توضأ فيه عثمان يوم الجمعة ولم يغتسل ولم يخرج عثمان فيغتسل ولم يأمره عمر بذلك ولا أحد ممن
حضرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن علم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغسل
معهما أو بإخبار عمر عنه دل هذا على أن عمر وعثمان قد علما أمر النبي بالغسل على الاحب لا على
الايجاب للغسل الذي لا يجزئ غيره وكذلك والله أعلم دل على أن علم من سمع مخاطبتي عمر وعثمان
في مثل علم عمر وعثمان إما أن يكون علموه علما وإما أن يكون علموه يخبر عمر كالدلالة عن عمر
وعثمان وروت عائشة في الامر بالغسل يوم الجمعة أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن
عائشة قالت كان الناس عمال أنفسهم فكانوا يروحون بهناتهم فقيل لهم لو اغتسلتم قال وروى من
حديث البصريين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من توضأ فيها ونعمت ومن اغتسل فالغسل
أفضل " قال وقول أكثر من لقيت من الفئتين اختيار الغسل يوم الجمعة وهم يرون ان الوضوء يجزئ عنه
وفى حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من جاء منكم الجمعة فليغتسل " ما يدل على
أن غسل يوم الجمعة لا يجب الوجوب الذي لا يجزئ غيره لان الغسل إذا وجب الوجوب الذي لا
يجزئ غيره وجب على كل مصل جاء الجمعة أو تخلف عنها لان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
" من جاء منكم الجمعة فليغتسل " يدل على أن لا غسل على من لم يأت الجمعة.
241

كتاب صلاة الخوف وهل يصليها المقيم؟
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال الله تبارك وتعالى " وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم
جناح " الآية (قال الشافعي) فأذن الله عز وجل بالقصر في الخوف والسفر وأمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا كان فيهم يصلى لهم صلاة الخوف أن يصلى فريق منهم بعد فريق فكانت صلاة الخوف
مباحة للمسافر والمقيم بدلالة كتاب الله عز وجل ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي)
فللمسافر والمقيم إذا كان الخوف أن يصليها صلاة الخوف وليس للمقيم أن يصليها إلا بكمال عدد صلاة
المقيم وللمسافر أن يقصر في صلاة الخوف إن شاء للسفر وإن أتم فصلاته جائزة، وأختار له القصر.
242

كيفية صلاة الخوف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم
طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى " الآية،
أخبرنا مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات بن جبير عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة وجاء العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم
ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي
بقيت عليه ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم (قال الشافعي) وأخبرني من سمع عبد الله بن عمر
بن حفص يخبر عن أخيه عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات بن جبير عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا الحديث أو مثل معناه لا يخالفه (قال الشافعي) فكان بينا في كتاب
الله عز أن يصلى الامام بطائفة فإذا سجد كانوا من ورائه وجاءت طائفة أخرى لم يصلوا فصلوا معه
واحتمل قول الله عز وجل " فإذا سجدوا " إذا سجدوا ما عليهم من سجود الصلاة كله ودلت على ذلك
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع دلالة كتاب الله عز وجل فإنه ذكر انصراف الطائفتين والامام من
الصلاة ولم يذكر على واحد منهما قضاء (قال الشافعي) ورويت أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم في صلاة الخوف حديث صالح بن خوات أوفق ما يثبت منها لظاهر كتاب الله عز وجل فقلنا به
(قال الشافعي) فإذا صلى الامام صلاة الخوف صلى كما بدلالة القرآن ثم حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فإذا صلى بهم صلاة الخوف مسافر فكل طائفة هكذا يصلى
بالطائفة الأولى ركعة ثم يقوم فيقرأ فيطيل القراءة وتقرأ الطائفة الأولى لانفسها لا يجزيها غير ذلك لأنها
خارجة من إمامته بأم القرآن وسورة إلى القصر وتخفف ثم تركع وتسجد وتتشهد وتكمل حدودها كلها
وتخفف ثم تسلم فتأتي الطائفة الثانية فيقرأ الامام بعد إتيانهم قدر أم القرآن وسورة قصيرة لا يضره أن لا
يبتدئ أم القرآن إذا كان قد قرأ في الركعة التي أدركوها بعد أم القرآن ثم يركع ويركعون معه ويسجد
فإذا انقضى السجود قاموا فقرأوا لأنفسهم بأم القرآن وسورة قصيرة وخففوا ثم جلسوا معه وجلس قدر
ما يعلمهم قد تشهدوا ويحتاط شيئا حتى يعلم أن أبطأهم تشهدا قد أكمل التشهد أو زاد ثم يسلم بهم ولو
كان قرأ أم القرآن وسورة قبل أن يدخلوا معه ثم ركع بهم حين يدخلون معه قبل ان يقرأ أو يقرءوا شيئا
أجزأه وأجزأهم ذلك وكانوا كقوم أدركوا ركعة مع الامام ولم يدركوا قراءته وأحب إلى أن يقرءوا بعد ما
يكبرون معه كما تقدم بأم القرآن وسورة خفيفة فإذا كانت الصلاة التي يصليها بهم الامام لا يجهر
الامام فيها بالقراءة لم يجز الطائفة الأولى إلا أن تقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن أو أم القرآن وزيادة
معها إذا أمكنهم أن يقرءوا ولم يجز الطائفة الثانية إذا أدركت مع الامام ما يمكنها فيه قراءة أم القرآن إلا
أن تقرأ بأم القرآن أو أم القرآن وشئ معها بكل حال (قال الشافعي) وإذا كانت صلاة الخوف في
الحضر لا يجهر فيها لم يجز واحدة من الطائفتين ركعة لا يقرأ فيها بأم القرآن إلا من أدرك الامام في أول
ركعة له في وقت لا يمكنه فيه أن يقرأ بأم القرآن (قال الشافعي) وإذا كانت صلاة خوف أو غير خوف
يجهر فيها بأم القرآن فكل ركعة جهر فيها بأم القرآن ففيها قولان أحدهما لا يجزئ من صلى معه إذا
أمكنه أن يقرأ إلا أن يقرأ بأم القرآن، والثاني يجزئه أن لا يقرأ ويكتفى بقراءة الامام وإذا كانت
الصلاة أربعا أو ثلاثا لم يجزه في واحد من القولين في الركعتين الآخرتين أو الركعة الآخرة إلا أن يقرأ بأم
243

القرآن أو يزيد ولا يكتفى بقراءة الامام (قال الشافعي) وإذا صلى الامام بالطائفة الأولى فقرأ السجدة
فسجد وسجدوا معه ثم جاءت الطائفة الثانية لم يسجدوا تلك السجدة لأنهم لم يكونوا في صلاة كما لو
قرأ في الركعة الآخرة بسجدة فسجدت الطائفة الآخرة لم يكن على الأولى أن تسجد معهم لأنهم ليسوا
معه في صلاة.
انتظار الامام الطائفة الثانية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا صلى الامام مسافرا المغرب صلى بالطائفة الأولى ركعتين فإن
قام وأتموا لأنفسهم فحسن وإن ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم قام فصلى الركعة الباقية عليه بالذين خلفه
الذين جاءوا بعد فجائز إن شاء الله تعالى وأحب الامرين إلى أن يثبت قائما لأنه إنما حكى أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثبت قائما وإنما اخترت أن يطيل في القراءة لتدرك الركعة معه الطائفة الثانية لأنه إنما
حكيت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخوف ركعتين ولم تحك المغرب ولا صلاة خوف في
حضر إلا بالخندق قبل أن تنزل صلاة الخوف فكان قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه في موضع
قيام حين قضى السجود ولم يكن له جلوس فيكون في موضع جلوس (قال الشافعي) (1) فإذا كان
يصلى بالطائفة المغرب ركعتين ثم تأتى الأخرى فيصلى بها ركعة وإنما قطعت الأولى إمامة الامام
وصلاتهم لأنفسهم في موضع جلوس الامام فيجوز أن يجلس كما جاز للامام وكان عليه أن يقوم إذا
قطعوا إمامته في موضع قيام (قال الشافعي) وهكذا إذا صلى بهم صلاة الخوف في حضر أو سفر أربعا
فله أن يجلس في مثنى حتى يقضى من خلفه صلاتهم ويكون في تشهد وذكر الله تعالى ثم يقوم فيتم
بالطائفة الثانية (قال الشافعي) ولو صلى المغرب فصلى بالطائفة الأولى ركعة وثبت قائما فأتموا لأنفسهم
ثم صلى بالثانية ركعتين أجزأه إن شاء الله تعالى وأكره ذلك له لأنه إذا كان معه في الصلاة فرقتان
صلاة إحداهما أكثر من صلاة الأخرى فأولاهما أن يصلى الأكثر مع الامام الطائفة الأولى ولو أن الامام
صلى صلاة عددها ركعتان في خوف فصلى بالأولى ركعة ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم قام بالطائفة
التي خلفه ركعة فإن كان جلوسه لسهو فصلاته وصلاة من خلفه تامة ويسجد للسهو وإن كان جلوسه
لعلة فصلاتهم جائزة ولا سجود للسهو عليه وإن كان لغير علة ولا سهو فجلس قليلا لم تفسد صلاته وإن
جلس فأطال الجلوس فعليه عندي إعادة الصلاة فإن جاءت الطائفة الأخرى وهو جالس فقام (2) فأتم
بهم وهو قائم فمن كان منهم عالما بإطالة الجلوس لغير علة ولا سهو ثم دخل معه فعليه عندي الإعادة
لأنه عالم بأنه دخل معه وهو عالم أن الامام قد خرج من الصلاة ولم يستأنف تكبير افتتاح يستأنف به
الصلاة كما يكون على من علم أن رجلا افتتح الصلاة بلا تكبير أو صنع فيها شيئا يفسدها وصلى وراءه
أن يقضى صلاته ومن لم يعلم ما صنع ممن صلى وراءه من الطائفة فصلاته تامة كما يكون من صلى
خلف رجل على غير وضوء أو مفسد لصلاته بلا علم منه تام الصلاة " قال أبو محمد وفيها قول آخر إذا

(1) قوله: فإذا كان يصلى الخ كذا في النسخ ولينظر؟ كتبه مصححه.
(2) قوله: فأتم بهم وهو قائم، كذا في النسخ، ولعله " فائتموا به وهو قائم " فليحرر. كتبه
مصححه.
244

كان الامام قد أفسد الصلاة عامدا فصلاة من خلفه، علم بإفسادها أو لم يعلم، باطلة لأنا إنما أجزنا
صلاته خلف الامام لم يعمد فسادها لان عمر قضى ولم يقض الذين صلوا خلفه وعمر إنما قضى
ساهيا " (قال الشافعي) فإن قيل وقد لا يكون عالما بأن هذا يفسد صلاة الامام، قيل وكذلك لا يكون
عالما بأن ترك الامام التكبير للافتتاح وكلامه يفسد صلاته ثم لا يكون معذورا بأن يصلى وراءه إذا فعل
بعض هذا (قال الشافعي) ولا تفسد صلاة الطائفة الأولى لأنهم خرجوا من صلاة الامام قبل يحدث
ما يفسدها ولو كان كبر قائما تكبيرة ينوى بها الافتتاح بعد جلوسه تمت صلاة الطائفة الأولى لأنهم
خرجوا من صلاته قبل يفسدها، والطائفة الثانية لأنهم لم يدخلوا في صلاته حتى افتتح صلاة مجزئة
عنه وأجزأت عنه هذه الركعة وعمن خلفه (قال الشافعي) ولو صلى إمام صلاة الخوف في الحضر
ففرق الناس أربع فرق فصلى بفرقة ركعة وثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم فرقة ركعة وثبت جالسا وأتموا
لأنفسهم ثم فرقة ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم فرقة ركعة وثبت جالسا وأتموا لأنفسهم كان فيها
قولان أحدهما أنه أساء ولا إعادة عليه ولا على من خلفه والثاني أن صلاة الامام تفسد وتتم صلاة
الطائفة الأولى لأنها خرجت من صلاته قبل تفسد صلاته وكذلك صلاة الطائفة الثانية لأنها خرجت
من قبل فساد صلاته لان له في الصلاة انتظارا واحدا بعده آخر وتفسد صلاة من علم من الطائفتين
الأخريين ما صنع وأتم به بعد علمه ولا تفسد صلاة من لم يعلم ما صنع ولا يكون له أن ينتظر في
الصلاة إلا انتظارين، الآخر منهما وهو جالس فيسلم منه (قال الشافعي) وإن صلى بطائفة ثلاث
ركعات وطائفة ركعة كرهت ذلك له ولا تفسد صلاته ولا صلاتهم لأنه إذا كان للطائفة الأولى أن
تصلى معه ركعتين وتخرج من صلاته كانت إذا صلت ثلاثا وخرجت من صلاته قد خرجت بعدما
زادت وإن ائتمت به في ركعة من فرض صلاتها لم تفسد صلاة الامام أنه انتظر انتظارا واحدا وتمت
صلاة الطائفة الآخرة وعليه وعلى الطائفة الآخرة سجود السهو لأنه وضع الانتظار في غير موضعه (قال
الشافعي) فالامام يصلى بالطائفة الأولى في المغرب ركعة وبالثانية ركعتين قال لان النبي صلى الله عليه
وسلم صلى بالطائفة الأولى في السفر صلاة المغرب ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم صلى بالطائفة
الثانية ركعة وتشهد فكان انتظاره الطائفة الثانية أكثر من انتظاره الطائفة الأولى.
تخفيف القراءة في صلاة الخوف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويقرأ الإمام في صلاة الخوف بأم القرآن وسورة قدر " سبح اسم
ربك الاعلى " وما أشبهها في الطول للتخفيف في الحرب وثقل السلاح ولو قرأ " قل هو الله أحد " في
الركعة الأولى أو قدرها من القرآن لم أكره ذلك له وإذا قام في الركعة الثانية ومن خلفه يقضون قرأ بأم
القرآن وسورة طويلة وأن أحب جمع سورا حتى يقضى من خلفه صلاتهم تفتتح الطائفة الأخرى خلفه
ويقرأ بعد افتتاحهم أقل ذلك قدر أم القرآن ويحتاط إذا كان مما لا يجهر فيه ليقرأوا بأم القرآن ولو زاد
في قراءته ليزيدوا على أم القرآن كان أحب إلى (قال الشافعي) فإن لم يفعل فافتتحوا معه وأدركوه
راكعا كما أجزأه وأجزأتهم صلاتهم وكانوا كمن أدرك ركعة في أول صلاته مع الامام (قال الشافعي)
ويقنت في صلاة الصبح في صلاة الخوف ولا يقنت في غيرها لأنه لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه
وسلم قنت في صلاة الخوف قنوته في غيرها وإن فعل فجائز لان النبي صلى الله عليه وسلم قد قنت في
245

الصلوات عند قتل أهل بئر معونة (قال الشافعي) فإن قال قائل كيف صارت الركعة الآخرة في صلاة
الخوف أطول من الأولى وليست كذلك في غير صلاة الخوف؟ قيل بدلالة كتاب الله عز وجل وسنة
نبيه صلى الله عليه وسلم وتفريق الله عز وجل بين صلاة الخوف وغيرها من الصلوات فليس للمسألة عن
خلاف الركعة الآخرة من صلاة الخوف الركعة الآخرة من غيرها إلا جهل من سأل عنها أو تجاهله
وخلاف جميع صلاة الخوف لسائر الصلوات أكثر من خلاف ركعة منها لركعة من سائر الصلوات.
السهو في صلاة الخوف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى السهو في صلاة الخوف والشك كهو في غيرها من الصلوات
فيصنع ما يصنع في غير صلاة الخوف فإذا سها الامام في الركعة الأولى انبغى أن يشير إلى من خلفه ما
يفهمون به أنه سها فإذا قضوا الركعة التي بقيت عليهم وتشهدوا سجدوا لسهو الامام وسلموا وانصرفوا
(قال الشافعي) وإن أغفل الإشارة إليهم وعلموا سهوه وسجدوا لسهوه وإن أغفلها ولم يعلموا فانصرفوا
ثم علموا، فإن كان قريبا عادوا فسجدوا، وإن تباعد ذلك لم يعودوا للسجود (قال الشافعي) وإن لم
يعلموا حتى صفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى ليصلوا فقد بعد ذلك وأحدثوا عملا بعد
الصلاة بصفهم وصاروا حرسا لغيرهم فلا يجوز لهم أن يخلوا بغيرهم ومن قال: يعيد من ترك سجود
السهو، أمرهم بالإعادة ولا أرى بينا أن واجبا على أحد ترك سجود السهو أن يعود للصلاة (قال
الشافعي) ولو سها الامام سهوا ثم سها بعده مرة أو مرارا أجزأتهم سجدتان لذلك كله وإن تركوهما
عامدين أو جاهلين لم يبن أن يكون عليهم ان يعيدوا الصلاة (قال الشافعي) وإن لم يسه الامام وسهوا
هم بعد الامام سجدوا لسهوهم (قال الشافعي) وإذا سها الامام في الركعة الأولى ثم صلت الطائفة
الآخرة سجدوا معه للسهو حين يسجد ثم قاموا فأتموا لأنفسهم ثم عادوا وسجدوا عند فراغهم من
الصلاة لان ذلك موضع لسجود السهو وإن لم يفعلوا كرهت ذلك لهم ولا يبين أن يكون على إمام ولا
مأموم ولا على أحد صلى منفردا فترك سجود السهو ما كان السهو نقصا من الصلاة وزيادة فيها إعادة
صلاة لأنا قد عقلنا ان فرض عدد سجود الصلاة معلوم فيشبه أن يكون سجود السهو معه كالتسبيح في
الركوع والسجود، والقول عند الافتتاح وسجود السهو كله سواء، يجب في بعضه ما يجب في كله.
باب ما ينوب الامام في صلاة الخوف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأذن الله تبارك وتعالى في صلاة الخوف بوجهين أحدهما الخوف
الأدنى وهو قول الله عز وجل " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة " الآية والثاني الخوف الذي أشد منه
وهو قول الله تبارك وتعالى " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " فلما فرق الله بيتها ودلت السنة على افتراقهما لم يجز
إلا التفريق بينهما والله تعالى أعلم لان الله عز وجل فرق بينهما لافتراق الحالين فيهما (قال الشافعي) وإذا
صلى الامام في الخوف الأول صلاة الخوف فصلى بهم صلاة لا يجوز لهم أن يعملوا فيها شيئا غير
الصلاة لا يعملونه في صلاة غير الخوف فإن عملوا غير الصلاة ما يفسد صلاة غير صلاة الخوف لو
عملوه فسدت عليهم صلاتهم (قال الشافعي) فإن صلى الامام بطائفة ركعة وثبت قائما وقاموا يتمون
246

لأنفسهم فحمل عليهم عدو أو حدث لهم حرب فحملوا على العدو منحرفين عن القبلة بأبدانهم ثم أمنوا
العدو بعد فقد قطعوا صلاتهم وعليهم استئنافها وكذلك لو فزعوا فانحرفوا عن القبلة لغير قتال ولا خروج
من الصلاة وهم ذاكرون لأنهم في صلاة حتى يستدبروا القبلة استأنفوا (قال الشافعي) ولو حملوا عليهم
مواجهي القبلة قدر خطوة فأكثر كان قطعا للصلاة بنية القتال فيها وعمل الخطوة (قال الشافعي)
وكذلك لو حمل العدو عليهم فتهيؤوا بسلاح أو بترس أو ما أشبهه كان قطعا للصلاة بالنية مع العمل في
دفع العدو ولو حمل عليهم فخافوا فنووا الثبوت في الصلاة وأن لا يقاتلوا حتى يكملوا أو يغشوا أو تهيؤوا
بالشئ الخفيف لم يكن هذا قطعا للصلاة لأنهم لم يحدثوا نية لقتال مع التهيؤ، والتهيؤ خفيف يجوز في
الصلاة ولا يكون قطعا لها وإنما نووا إن كان قتال أن يحدثوا قتالا لا أن قتالا حضر ولا خافوه فنووه
مكانهم وعملوا مع نيته شيئا (قال الشافعي) ولو أن عدوا حضر فتكلم أحدهم بحضوره وهو ذاكر لأنه
في صلاة كان قاطعا لصلاته وإن كان ناسيا للصلاة فله أن يبنى ويسجد للسهو (قال الشافعي) وإذا
أحدثوا عند حادث أو غيره نية قطع الصلاة أو نية القتال مكانهم كانوا قاطعين للصلاة فأما أن يكونوا
على نية الصلاة ثم ينوون أن حدث إطلال عدو أن يقاتلوه فلا يحدث إطلاله فلا يكون هذا قطعا
للصلاة (قال الشافعي) وأيهم أحدث شيئا مما وصفته يقطع الصلاة دون غيره كان قاطعا للصلاة دون
من لم يحدثه فإن أحدث ذلك الامام فسدت عليه صلاته من ائتم به بعدما أحدث وهو عالم بما أحدث
ولم تفسد صلاة من أئتم به وهو لا يعلم ما أحدث (قال الشافعي) ولو قدموا إماما غيره فصلى بهم
أجزأهم إن شاء الله تعالى، وأن يصلوا فرادى أحب إلى، وكذلك هو أحب إلى في كل ما أحدثه
الامام (قال الشافعي) وصلاة الخوف الذي هو أشد من هذا، رجالا وركبانا، موضوع في غير هذا
الموضع مخالف لهذه الصلاة في بعض أمره.
إذا كان العدو وجاه القبلة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا الثقة عن منصور بن المعتمر عن مجاهد عن أبي عياش
الزرقي قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بعسفان وعلى المشركين يومئذ خالد بن
الوليد وهم بينه وبين القبلة فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فصففنا خلفه صفين ثم ركع فركعنا ثم
رفع فرفعنا جميعا ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه فلما رفعوا سجد الآخرون مكانهم
ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن أبي الزبير عن جابر قال: صلاة
الخوف نحو ما يصنع أمراؤكم. يعنى والله تعالى أعلم هكذا (قال الشافعي) الموضع الذي كان فيه
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى هذه الصلاة والعدو صحراء ليس فيها شئ يوارى العدو عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان العدو مائتين على متون الخيل طليعة وكان النبي صلى الله عليه وسلم
في إلف وأربعمائة وكان لهم غير خائف لكثرة من معه وقلة العدو فكانوا لو حملوا أو تحرفوا للحمل لم
يخف تحرفهم عليه وكانوا منه بعيدا لا يغيبون عن طرفه ولا سبيل لهم إليه يخفى عليهم فإذا كان هذا
مجتمعا صلى الامام بالناس هكذا وهو أن يصف الامام والناس وراءه فيكبر ويكبرون معا ويركع
ويركعون معا ثم يرفع فيرفعون معا ثم يسجد فيسجدون معا إلا صفا يليه أو بعض صف ينظرون العدو،
لا يحمل أو ينحرف إلى طريق يغيب عنه وهو ساجد فإذا رفع الامام ومن سجد معه من سجودهم كله
247

ونهضوا سجد الذين قاموا ينظرون الامام ثم قاموا معه ثم ركع وركعوا معا ورفع ورفعوا معا وسجد وسجد
معه الذين سجدوا معه أولا إلا صفا يحرسه منهم فإذا سجدوا سجدتين جلسوا للتشهد فسجد الذين
حرسوا ثم تشهدوا وسلم الامام ومن خلفه معا (قال الشافعي) فإن خاف الذين يحرسون على الامام
فتكلموا أعادوا الصلاة ولا بأس أن يقطع الامام وهم، إن خافوا معا (قال الشافعي) وإن صلى الامام
هذه الصلاة فاستأجر الصف الذي حرسه إلى الصف الثاني وتقدم الصف الثاني فحرسه فلا بأس وإن
لم يفعلوا فواسع ولو حرسه صف واحد في هذه الحال رجوت أن تجزئهم صلاتهم ولو أعادوا الركعة
الثانية كان أحب إلى (قال الشافعي) وإذا كان ما وصفت مجتمعا من قلة العدو وكثرة المسلمين وما
وصفت من البلاد، فصل الامام مثل صلاة الخوف يوم " ذات الرقاع " ومن معه كرهت ذلك له ولم
يبن أن على أحد ممن خلفه إعادة ولا عليه (قال الشافعي) وإن صلى الامام صلاة الخوف فصلى بطائفة
ركعة وانحرفت قبل أن تتم فقامت بإزاء العدو ثم صلت الأخرى ركعة ثم انحرفت فوقفت بإزاء العدو قبل
أن تتم وهما ذاكرتان لأنهما في صلاة كان فيها قولان، أحدهما أن يعيدا معا لانحرافهم عن القبلة قبل
أن يكملا الصلاة (قال الشافعي) ولو أن الطائفة الأخرى صلت مع الامام ركعة (1) ثم أتمت صلاتها
وفسدت صلاة الأولى التي انحرفت عن القبلة قبل أن تكمل الصلاة في هذا القول ومن قال هذا طرح
الحديث الذي روى هذا فيه بحديث غيره (قال الشافعي) والقول الثاني أن هذا كله جائز وأنه من
الاختلاف المباح فكيفما صلى الامام ومن معه على ما روى أجزأه وإن اختار بعضه على بعض (قال
الشافعي) وكذلك لو كانت الطائفة الأولى أكملت صلاتها قبل أن تنحرف ولم تكمل الثانية حتى انحرفت
عن القبلة أجزأت الطائفة الأولى صلاتها ولم تجزئ الطائفة الثانية التي انحرفت قبل أن تكمل في القول
الأول (قال الشافعي) ويجزئ الامام في كل ما وصفت صلاته لأنه لم ينحرف عن القبلة حتى أكمل
(قال الشافعي) ولو صلى الامام كصلاة الخوف " يرم ذات الرقاع " فانحرف الامام عن القبلة قبل أن
يكمل الصلاة أو صلاها صلاة خوف أو غيره فانحرف عن القبلة وهو ذاكر لأنه لم يكمل الصلاة استأنف
الصلاة (قال الشافعي) أخبرنا الثقة ابن علية أو غيره عن يونس عن الحسن عن جابر بن عبد الله أن
النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الظهر صلاة الخوف ببطن نخل فصلى بطائفة ركعتين وسلم ثم صلى
بأخرى ركعتين ثم سلم (قال الشافعي) وإن صلى الامام صلاة الخوف هكذا، أجزأ عنه (قال
الشافعي) وهذا في معنى صلاة معاذ مع النبي صلى الله عليه وسلم العتمة ثم صلاها بقومه (قال
الشافعي) (2) ويدل على أن نية المأموم ان صلاته لا تفسد عليه بأن تخالف نيته نيه الامام فيها وإن
صلى الامام صلاة الخوف بطائفة ركعة ثم سلموا ولم يسلم ثم صلى الركعة التي بقيت عليه بطائفة ركعة ثم
سلم وسلموا فصلاة الامام تامة وعلى الطائفتين معا الإعادة إذا سلموا ذاكرين لأنهم في صلاة " قال أبو
يعقوب " وان رأوا أن قد أكملوا الصلاة بنى الآخرون وسجدوا للسهو وأعاد الأولون لأنه قد تطاول
خروجهم من الصلاة (قال الشافعي) وعلى المأموم من عدد الصلاة ما على الامام لا يختلفان فيما على

(1) قوله: ثم أتمت صلاتها وفسدت صلاة الأولى، لعل فيه سقطا من الناسخ، والأصل " ثم
أتمت صلاتها صحت صلاتها وفسدت تأمل الخ ".
(2) قوله: ويدل على أن نية المأموم أن صلاته الخ كذا في النسخ، واللائق " ويدل على أن
صلاة المأموم لا تفسد الخ ". تأمل. كتبه مصححه.
248

كل واحد منهما من عددها وليس يثبت حديث روى في صلاة الخوف بذى قرد أخبرنا الربيع قال
أخبرنا الشافعي في الاملاء قال ويصلى صلاة الخوف في الحضر أربعا وفى السفر ركعتين فإذا صلاها
في السفر والعدو في غير جهة القبلة فرق الناس فرقتين فريقا بإزاء العدو في غير الصلاة وفريقا معه
فيصلى بالذين معه ركعة ثم يثبت قائما فيقرأ فيطيل القراءة ويقرأ الذين خلفه لأنفسهم بأم القرآن وسورة
ويركعون ويسجدون ويتشهدون ويسلمون معا ثم ينصرفون فيقومون مقام أصحابهم ثم يأتي أولئك
فيدخلون مع الامام ويكبرون مع الامام تكبيرة يدخلون بها معه في الصلاة ويقرأ الإمام بعد دخولهم
معه قدر أم القرآن وسورة من حيث انتهت قراءته لا يستأنف أم القرآن بهم ويسجد ويثبت جالسا
يتشهد ويذكر الله ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو ويقومون هم إذا رفع رأسه من السجود
فيقرءون بأم القرآن وسورة ثم يركعون ويسجدون ويجلسون مع الامام ويزيد الامام في الذكر بقدر ما أن
يقضوا تشهدهم ثم يسلم بهم وإن صلى بهم صلاة المغرب صلى بهم الركعة الأولى ثم يثبت قائما وأتموا
لأنفسهم وجاءت الطائفة الأخرى فيصلى بهم ركعتين وثبت جالسا وأتموا لأنفسهم الركعة التي سبقوا بها
ثم يسلم بهم وصلاة المغرب والصبح في الحضر والسفر سواء فإن صلى ظهرا أو عصرا أو عشاء صلاة
خوف في حضر صنع هكذا إلا أنه يصلى بالطائفة الأولى ركعتين ويثبت جالسا حتى يقضوا الركعتين
اللتين بقيتا عليهم وتأتى الطائفة الأخرى فإذا جاءت فكبرت نهض قائما فصلى بهم الركعتين الباقيتين
عليه وجلس حتى يتموا ليسلم بهم (قال الشافعي) وإنما قلنا ثبت جالسا قياسا على ما جاء عن النبي
صلى الله عليه وسلم وذلك أنه لم يحك عنه في شئ من الحديث صلاة الخوف إلا في السفر فوجدت
الحكاية كلها موتفقة على أن صلى بالطائفة الأولى ركعة وثبت قائما ووجدت الطائفة الأولى لم تأتم به
خلفه إلا في ركعة لا جلوس فيها والطائفة الأخرى ائتمت به في ركعة معها جلوس فوجدت الطائفة
الأخرى مثل الأولى في أنها ائتمت به معه في ركعة وزادت أنها كانت معه في بعض جلوسه فلم أجدها
في حال إلا مثل الأولى وأكبر حالا منها فلو كنت قلت يتشهد بالأولى ويثبت قائما حتى تتم الأولى
زعمت أن الأولى أدركت مع الامام مثل أو أكثر مما أدركت الأخرى (1) وأكثر فإنما
ذهبت إلى أن يثبت قاعدا حتى تدركه الآخرة في قعوده ويكون لها القعود الآخر معه لتكون
في أكثر من حال الأولى فتوافق القياس على ما روى عنه (قال الشافعي) فإن كان العدو بين الامام
والقبلة صلى هكذا أجزأه إذا كان في حال خوف منه، فإن كان في حال أمان منه بقلة العدو وكثرة
المسلمين وبأنهم في صحراء لا حائل دونها، وليسوا حيث ينالهم النبل ولا الحسام ولا يخفى عليهم
حركة العدو صفوا جميعا خلف الامام ودخلوا في صلاته وركعوا بركوعه ورفعوا برفعه وثبت الصف
الذي يليه قائما ويسجد ويسجد من بقي فإذا قام من سجوده تبعه الذين خلفه بالسجود ثم قاموا معه
وهكذا حكى أبو عياش الزرقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم عسفان وخالد بن الوليد بينه
وبين القبلة وهكذا أبو الزبير عن جابر أن صلاة الخوف ما يصنع أمراؤكم هؤلاء (قال الشافعي)
وهكذا يصنع الامراء إلا الذين يقفون فلا يسجدون بسجوده حتى يعتدل قائما من قرب منهم من
الصف الأول دون من نأى عن يمينه وشماله (قال الشافعي) وأحب للطائفة الحارسة إن رأت من العدو
حركة للقتال أن ترفع أصواتها ليسمع الامام وإن حوملت أن يحمل بعضها ويقف بعض يحرس الامام

(1) قوله: وأكثر، كذا في النسخ، ولعله من زيادة الناسخ، تأمل.
249

وإن رأت كمينا من غير جهتها أن ينحرف بعضها إليه وأحب للامام إذا سمع ذلك أن يقرأ بأم القرآن
و " قل هو الله أحد " ويخفف الركوع والسجود والجلوس في تمام وإن حمل عليه أو رهق أن يصير إلى
القتال وقطع الصلاة (1) هي يقضيها بعده والسهو في صلاة الخوف كهو في غير صلاة الخوف إلا في
خصلة فإن الطائفة الأولى إذا استيقنت أن الامام سها في الركعة التي أمها فيها سجدت للسهو بعد
التشهد وقبل سلامها وليس سبقهم إياه بسجود السهو بأكثر من سبقهم إياه بركعة من صلب الصلاة
فإذا أراد الامام أن يسجد للسهو أخر سجوده حتى تأتى الطائفة الثانية معه بتشهدها ثم يسجد للسهو
ويسجدون معه ثم يسلم ويسلمون معه ولو ذهب على الطائفة الأولى انه سها في الركعة الأولى أو خاف
الامام ان يذهب ذلك عليهم أحببت له أن يشير إليهم ليسجدوا من غير أن يلتفت فإن لم يفعل وفعلوا
فسجدوا حتى انصرفوا أو انصرف هو فلا إعادة ولا سجود عليهم لان سجود السهو ليس من صلب
الصلاة وقد ذهب موضعه.
الحال التي يجوز للناس أن يصلوا فيها صلاة الخوف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يجوز لاحد أن يصلى صلاة الخوف إلا بأن يعاين عدوا قريبا
غير مأمون أن يحمل عليه يتخوف حمله عليه من موضع أو يأتيه من يصدقه بمثل ذلك من قرب العدو
منه أو مسيرهم جادين إليه فيكونون هم مخوفين فإذا كان واحد من هذين المعنيين فله أن يصلى صلاة
الخوف وإذا لم يكن واحد منهما لم يكن له ذلك (قال الشافعي) وإذا جاءه الخبر عن العدو فصلى
صلاة الخوف ثم ذهب العدو لم يعد صلاة الخوف وهذا كله إذا كان بإزاء العدو فإن كان في حصن لا
يوصل إليه إلا بتعب أو غلبة على باب أو كان في خندق عميق عريض لا يوصل إليه إلا بدفن يطول لم
يصل صلاة الخوف وإن كان في قرية حصينة فكذلك وإن كان في قرية غير ممتنعة من الدخول أو
خندق صغير غير ممتنع صلى صلاة الخوف (قال الشافعي) وإن رأوا سوادا مقبلا وهم ببلاد عدو أو بغير
بلاد عدو فظنوه عدوا أحببت أن لا يصلوا صلاة الخوف وكل حال أحببت أن لا يصلوا فيه صلاة
الخوف إذا كان الخوف يسرع إليهم أمرت الامام أن يصلى بطائفة فيكمل كما يصلى في غير خوف وتحرسه
أخرى فإذا فرغ من صلاته حرس ومن معه الطائفة الأخرى وأمر بعضهم فأمهم (قال الشافعي) وهكذا
آمر المسلحة في بلاد المسلمين تناظرا لمسلحة للمشركين أن تصنع إذا تراخى ما بين المسلحتين شيئا
وكانت المسلحتان في غير حصن أو كان الأغلب أنهم إنما يتناظرون بناظر الربيئة لا يتحاملون (قال
الشافعي) فإن صلوا صلاة الخوف كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع في حال كرهت
لهم فيها صلاة الخوف أحببت للطائفة الأولى أن يعيدوا ولم أحب ذلك للامام ولا للطائفة الأخرى ولا
يبين أن على الطائفة الأولى إعادة صلاة لأنها قد صلت بسبب من خوف وإن لم يكن خوفا وإن الرجل
قد يصلى في غير خوف بعض صلاته مع الامام وبعضها منفردا فلا يكون عليه إعادة (قال الشافعي)
ومتى ما رأوا سوادا فظنوه عدوا ثم كان غير عدو وقد صلى كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم " ذات

(1) قوله: هي يقضيها بعده، كذا في الأصل، ولعله حتى " يقضيها، أو ثم يقضيها " وحرر،
كتبه مصححه.
250

الرقاع " لم يعد الامام ولا واحدة من الطائفتين لان كل منهما لم ينحرف عن القبلة حتى أكملت الصلاة
وقد صليت بسبب خوف وكذلك إن صلى كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ببطن نخل وإن صلى
كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان أحببت للحارسة أن تعيد ولم أوجب ذلك عليها ولا يعيد
الامام ولا التي لم تحرس (قال الشافعي) وإنما تقل المسائل في هذا الباب علينا أنا لا نأمر بصلاة خوف
بحال إلا في غاية من شدة الخوف إلا صلاة لو صليت في غير خوف لم يتبين أن على مصليها إعادة
كم قدر من يصلى مع الامام صلاة الخوف؟
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت مع الامام في صلاة الخوف طائفة والطائفة ثلاثة
فأكثر أو حرسته طائفة والطائفة ثلاثة فأكثر، لم أكره ذلك له غير أنى أحب أن يحرسه من يمنع مثله إن
أريد (قال الشافعي) وسواء في هذا كثر من معه أو قل فتفرق الناس في صلاة الخوف حارسين
ومصلين على قدر ما يرى الامام ممن تجزى حراسته ويستظهر شيئا من استظهاره وسواء قل من معه فيمن
يصلي وكثر ممن يحرسه أو قل من يحرسه وكثر من يصلى معه في أن صلاتهم مجزئة إذا كان معه ثلاثة فأكثر
حرسه ثلاثة فإن حرسه أقل من ثلاثة أو كان معه في الصلاة أقل من ثلاثة كرهت ذلك له لان أقل
اسم الطائفة لا يقع عليهم فلا إعادة على أحد منهم بهذه الحال لان ذلك إذا أجزأ الطائفة أجزأ
الواحد، إن شاء الله تعالى.
أخذ السلاح في صلاة الخوف؟
قال الله عز وجل " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم "
الآية (قال الشافعي) وأحب للمصلى أن يأخذ سلاحه في الصلاة ما لم يكن في سلاحه نجاسة وإن
كان فيه أو في شئ منه نجاسة وضعه فإن صلى فيه وفيه نجاسة لم تجز صلاته (قال الشافي) ويأخذ من
سلاحه ما لا يمنعه الصلاة ولا يؤذي الصف أمامه وخلف ذلك السيف والقوس والجعبة والجفير والترس
والمنطقة وما أشبه هذا (قال الشافعي) ولا يأخذ الرمح فإنه يطول إلا أن يكون في حاشية ليس إلى جنبه
أحد فيقدر على أن ينحيه حتى لا يؤدى به من أمامه ولا من خلفه (قال الشافعي) وكذلك لا يلبس من
السلاح ما يمنعه التحرف في الركوع والسجود مثل (1) السنور وما أشبهه (قال الشافعي) ولا أجيز له
وضع السلاح كله في صلاة الخوف إلا أن يكون مريضا يشق عليه حمل السلاح أو يكون به أذى من
مطر فإنهما الحالتان اللتان أذن الله فيهما بوضع السلاح وأمرهم أن يأخذوا حذرهم فيهما لقوله عز وعلا
" ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم "
(قال الشافعي) وإن لم يكن به مرض ولا أذى من مطر أحببت أن لا يضع من السلاح إلا ما وصفت

(1) السنور: بفتح المهملة والنون وشد الواو مفتوحة: لبوس من قد كالدرع. كما في
القاموس، كتبه مصححة.
251

مما يمنعه من التحرف في الصلاة بنفسه أو ثقله فإن وضع بعضه وبقى بعض رجوت أن يكون جائزا له
لأنه أخذ بعض سلاحه ومن أخذ بعض سلاحه فهو متسلح (قال الشافعي) وإن وضع سلاحه كله من
غير مرض ولا مطر أو أخذ من سلاحه ما يؤذى به من يقاربه كرهت ذلك له في كل واحد من الحالين
ولم يفسد ذلك صلاته في واحدة من الحالين لان معصيته في ترك وأخذ السلاح ليس من الصلاة
فيقال يفسد صلاته ولا يتمها أخذه.
ما لا يجوز للمصلى في الحرب أن يلبسه مما ماسته النجاسة وما يجوز
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا أصاب السيف الدم فمسحه فذهب منه لم يتقلده في الصلاة
وكذلك نصال النبل وزج الرمح والبيضة وجميع الحديد إذا أصابه الدم فإن صلى قبل أن يغسله بالماء
أعاد الصلاة ولا يطهر الدم ولا شيئا من الأنجاس إلا الماء على حديد كان أو غيره، ولو غسله بدهن لئلا
يصدأ الحديد أو ماء غير الماء الذي هو الطهارة أو مسحه بتراب لم يطهر وكذلك ما سوى ذلك من أداته
لا يطهرها ولا شيئا من الأنجاس إلا الماء (قال الشافعي) ولو ضرب فأصاب سيفه فرث أو قيح أو غيره
كان هكذا الآن هذا كله من الأنجاس (قال الشافعي) فإن شك أصاب شيئا من أداته نجاسة أو لم
تصبه أحببت أن يتوقى حمل ما شك فيه للصلاة فإن حمله في الصلاة فلا إعادة عليه حتى يعلم أنه قد
أصابه نجاسة فإذا علم وقد صلى فيه أعاد (قال الشافعي) وكل ما حمله متقلده أو متنكبه أو طارحه على
شئ من بدنه أو في كمه أو ممسكه بيده أو بغيرها فسواء كله هو كما كان لابسه لا يجزيه فيه إلا أن يكون
لم تصبه نجاسة أو تكون أصابته فظهر بالماء (قال الشافعي) وإن كان معه نشاب أو نبل قد أمر عليها عرق
دابة أي دابة كانت غير كلب أو خنزير من أي موضع كان أو لعابها أو أحميت فسقيت لبنا أو سمت
بسم شجر فصلى فيها فلا بأس لأنه ليس من هذا شئ من الأنجاس (قال الشافعي) وإن كان من هذا
شئ سم بسم حية أو ودك دابة لا تؤكل أو بودك ميتة فصلى فيه أعاد الصلاة إلا أن يطهر بالماء وسواء
أحمى السيف أو أي حديدة حميت في النار ثم سم أو سم بلا إحماء إذا خالطه النجس محمى أو غير
محمى لم يطهره إلا الماء (قال الشافعي) وهكذا لو سمعت ولم تحم ثم أحميت بالنار فقيل قد ذاب كله بالنار أو أكلته النار وكان السم نجسا لم تطهره النار ولا يطهره شئ إلا الماء (قال الشافعي) ولو أحمى
ثم صب عليه شئ نجس أو غمس فيه فقيل قد شربته الحديدة ثم غسلت بالماء طهرت لان الطهارات
كلها إنما جعلت على ما يظهر ليس على الأجواف (قال الشافعي) ولا يزيد إحماء الحديدة في تطهيرها
ولا تنجيسها لأنه ليس في النار طهور إنما الطهور في الماء ولو كان بموضع لا يجد فيه ماء فمسحه بالتراب
لم يطهره التراب لان التراب لا يطهر الأنجاس.
ما يجوز للمحارب أن يلبس مما يحول بينه وبين الأرض وما لا يجوز
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت البيضة ذات أنف أو سابغة على رأس الخائف كرهت
له في الصلاة لبسها لئلا يحول موضع السبوغ أو الانف بينه وبين إكمال السجود ولا بأس أن يلبسها،
فإذا سجد وضعها أو حرفها أو حسرها إذا ماست جبهته الأرض متمكنا (قال الشافعي) وهكذا المغفر
252

والعمامة وغيرهما مما يغطى موضع السجود (قال الشافعي) وإذا ماس شئ من مستوى جبهته الأرض
كان ذلك أقل ما يجزئ به السجود وإن كرهت له أن يدع أن يماس بجبهته كلها وأنفه الأرض ساجدا
(قال الشافعي) وأكره له أن يكون على كفيه من السلاح ما يمنعه أن تباشر كفاه الأرض وأحب إن فعل
أن يعيد الصلاة ولا يتبين ان عليه إعادة ولا أكره ذلك له في ركبتيه ولا أكره له منه في قدميه ما أكره
له في كفيه (قال الشافعي) وإن صلى وفي ثيابه أو سلاحه شئ من الدم وهو لا يعلم ثم علم أعاد ومتى
قلت أبدا يعيد أعاد بعد زمان وفى قرب الإعادة على كل حال وهكذا إن صلى بعض الصلاة ثم اتضح
عليه دم قبل أن يكملها فصلى من الصلاة شيئا إن كان في شئ من الصلاة قبل أن يكملها ولم يطرح ما
مسه دم مكانه أعاد الصلاة وإن طرح الثوب عنه ساعة ماسه الدم ومضى في الصلاة أجزأه وإن تحرف
فغسل الدم عنه كرهت ذلك له وأمرته بأن يعيد (قال الشافعي) وقد قيل يجزيه أن يغسل الدم ثم يبنى
ولا آمره بهذا القول وآمره بالإعادة (قال الشافعي) فإن استيقن أن الدم أصاب بعض سلاحه أو ثيابه
ولا يعلم تأخى وترك الذي يرى أن الدم أصابه وصلى في غيره وأجزأه ذلك إن شاء الله تعالى فإن فعل
فاستيقن أنه صلى في ثوب أو سلاح فيه نجاسة لم يطهرها قبل الصلاة أعاد كل ما صلاها فيه (قال
الشافعي) وإن سلب مشركا سلاحا، أو اشترى منه وهو ممن يرى المشرك يمس سلاحه بنجس ما كان
ولم يعلمه برؤية ولا خبر فله أن يصلى فيه ما لم يعلم أن في ذلك السلاح نجاسة ولو غسله قبل أن يصلى
فيه أو توقى الصلاة فيه كان أحب إلى.
ما يلبس المحارب مما ليس فيه نجاسة وما لا يلبس والشهرة في الحرب أن يعلم نفسه بعلامة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو توقى المحارب أن يلبس ديباجا أو قزا ظاهرا كان أحب إلى وإن
لبسه ليحصنه فلا بأس إن شاء الله تعالى لأنه قد يرخص له في الحرب فيما يحظر عليه في غيره (قال
الشافعي) والحرير والقز، ليس من الأنجاس إنما كره تعبدا ولو صلى فيه رجل في غير حرب لم يعد
(قال الشافعي) ولو كان في نسج الثوب الذي لا يحصن قز وقطن أو كتان فكان القطن الغالب لم أكره
لمصل خائف ولا غيره لبسه فإن كان القز ظاهرا كرهت لكل مصل محارب وغيره لبسه وإنما كرهته
للمحارب لأنه لا يحصن إحصان ثياب القز (قال الشافعي) وإن لبس رجل قباء محشوا قزا، فلا بأس
لان الحشو باطن وإنما أكره إظهار القز للرجال (قال الشافعي) فإن كانت درع حديد في شئ من
نسجها ذهب أو كانت كلها ذهبا كرهت له لبسها إلا أن يضطر إليه فلا بأس أن يلبسها لضرورة وإنما
أكره له أن يبقيها عنده لأنه يجد بثمنها دروع حديد والحديد أحصن وليس في لبسه مكروه وإن فاجأته
حرب وهي عنده فلا أكره له لبسها (قال الشافعي) وهكذا إن كانت في سيفه حلية ذهب كرهت له
أن لا ينزعها فان فجأته حرب فلا بأس بأن يتقلده فإذا انقضت أحببت له نقضه وهكذا هذا في ترسه
وجميع جنته حتى قبائه وإن كانت فيه أزرار ذهب أو زر ذهب كرهته له على هذا المعنى وكذلك
منطقته وحمائل سيفه لان هذا كله جنة أو صلاح جنة (قال الشافعي) ولو كان خاتمة ذهبا لم أر له أن
يلبسه في حرب ولا سلم بحال لان الذهب منهى عنه وليس في الخاتم جنة (قال الشافعي) وحيث
كرهت له الذهب مصمتا في حرب وغيرها كرهت الذهب مموها به وكرهته مخوصا بغيره إذا كان يظهر
للذهب لون وإن لم يظهر للذهب لون فهو مستهلك وأحب إلى أن لا يلبس ولا أرى حرجا في أن يلبسه
253

كما قلت في حشو القز (قال الشافعي) ولا أكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا للأدب وأنه من زي النساء لا للتحريم
ولا أكره لبس ياقوت ولا زبرجد إلا من جهة السرف أو الخيلاء (قال الشافعي) ولا أكره لمن يعلم من
نفسه في الحرب بلاء أن يعلم ما شاء مما يجوز لبسه ولا أن يركب الأبلق ولا الفرس ولا الدابة المشهورة
قد أعلم حمزة يوم بدر، ولا أكره البراز قد بارز عبيدة وحمزة وعلى بأمر رسول الله صلى الله عيه وسلم
(قال الشافعي) ويلبس في الحرب جلد الثعلب والضبع إذا كانا ذكيين وعليهما شعورهما فإن لم يكونا
ذكيين ودبغا لبسهما إن سمطت شعورهما عنهما ويصلى فيهما وإن لم نسمط شعورهما لم يصل فيهما لان
الدباغ لا يطهر الشعر (قال الشافعي) وهكذا يلبس جلد كل مذكى يؤكل لحمه ولا يلبس جلد ما
يؤكل لحمه إذا لم يكن ذكيا إلا مدبوغا لا شعر عليه إلا أن يلبسه ولا يصلى فيه (قال الشافعي) وهكذا
لا يصلى في جلد دابة لا يؤكل لحمها ذكية كانت أو غير ذكية إلا أن يدبغه ويمعط شعره فأما لو بقي
من شعره شئ فلا يصلى فيه ولا يصلى في جلد خنزير ولا كلب بحال نزعت شعورهما ودبغا أو لم يدبغا
(قال الشافعي) وكذلك لا يلبس الرجل فرسه شيئا من آلته جلد كلب أو خنزير بحال ولا يستمتع من
واحد منهما بغير ما يستمتع به من الكلب في صيد أو ماشية أو زرع فأما ما سواهما فلا بأس أن يلبسه
الرجل فرسه أو دابته ويستمتع به ولا يصلى فيه وذلك مثل جلد القرد والفيل والأسد والنمر والذئب
والحية وما لا يؤكل لحمه لأنه جنة للفرس ولا تعبد للفرس ولا نهى عن إهاب جنة في غير الكلب
والخنزير (قال الشافعي) ولا بأس أن يصلى الرجل في الخوف ممسكا عنان دابته فإن نازعته فجذبها
إليه جذبة أو جذبتين أو ثلاثا أو نحو ذلك وهو غير منحرف عن القبلة فلا بأس وإن كثرت مجاذبته إياها
وهو غير منحرف عن القبلة فقد قطع صلاته وعليه استئنافها وإن جذبته فانصرف وجهه عن القبلة
فأقبل مكانه على القبلة لم تقطع صلاته وإن طال انحرافه عن القبلة ولا يمكنه الرجوع إليها انتقضت
صلاته لأنه يقدر على أن يدعها إلى القبلة، وإن لم يطل وأمكنه أن ينحرف إلى القبلة فلم ينحرف إليها
فعليه أن يستأنف صلاته (قال الشافعي) وإن ذهبت دابته فلا بأس أن يتبعها وإذا تبعها على القبلة
شيئا يسرا لم تفسد صلاته وان تبعها كثيرا فسدت صلاته وإن تبعها منحرفا عن القبلة قليلا أو كثيرا،
فسدت صلاته.
الوجه الثاني من صلاة الخوف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى
وقوموا لله قانتين فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " (قال الشافعي) فكان بينا في كتاب الله عز وجل فإن
خفتم فرجالا أو ركبانا أن الحال التي اذن لهم فيها أن يصلوا رجالا أو ركبانا غير الحال التي أمر فيها نبيه
صلى الله عليه وسلم يصلى بطائفة ثم بطائفة فكان بينا لأنه لا يؤذن لهم بأن يصلوا رجالا أو ركبانا إلا في
خوف أشد من الخوف الذي أمرهم فيه بأن يصلى بطائفة ثم بطائفة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن
نافع عن ابن عمر أنه ذكر صلاة الخوف فساقها ثم قال: فإن كان خوفا أشد من ذلك صلوا رجالا أو
ركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، قال مالك: لا أراه يذكر ذلك إلا النبي صلى الله عليه وسلم
(قال الشافعي) أخبرنا محمد بن إسماعيل أو عبد الله بن نافع عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن
أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) والخوف الذي يجوز فيه أن يصلوا رجالا وركبانا والله
254

تعالى أعلم إطلال العدو عليهم فيتراؤن معا والمسلمون في غير حصن حتى ينالهم السلاح من الرمي أو
أكثر من أن يقرب العدو فيه منهم من الطعن والضرب فإن كان هذا هكذا والعدو من وجه واحد
والمسلمون كثير يستقل بعضهم بقتال العدو حتى يكون بعض في شبيه بحال غير شدة الخوف منهم
قاتلتهم طائفة وصلت أخرى صلاة غير شدة الخوف وكذلك لو كان العدو من وجهين أو ثلاثة أو
محيطين بالمسلمين والعدو قليل والمسلمون كثير تستقل كل طائفة وليها العدو بالعدو حتى يكون من بين
الطوائف التي يليها العدو في غير شدة الخوف منهم صلى هؤلاء الذين لا يلونهم صلاة غير شدة الخوف
(قال الشافعي) فإن قدر هؤلاء الذين صلوا أن يدخلوا بين العدو وبين الطوائف التي كانت تلى قتال
العدو حتى يصير الذين كانوا يلون قتالهم في مثل حال هؤلاء في غير شدة الخوف منهم فعلوا ولم يجز
الذين يلون قتالهم إلا أن يصلوا صلاة غير شدة الخوف بالأرض وإلى القبلة (قال الشافعي) وإذا تعذر
هذا بالتحام الحرب أو خوف إن ولوا عنهم أن يركبوا أكتافهم ويروها هزيمة أو هيبة الطائفة التي صلت
بالدخول بينهم وبين العدو أو منع العدو ذلك لها أو تضايق مدخلهم حتى لا يصلوا إلى أن يكونوا حائلين
بينهم وبين العدو كان للطائفة التي تليهم أن يصلوا كيفما أمكنهم مستقبلي القبلة وغير مستقبليها وقعودا على
دوابهم ما كانت دوابهم وعلى الأرض قياما يومئون برؤوسهم إيماء (قال الشافعي) وإن كان العدو بينهم
وبين القبلة فاستقبلوا القبلة ببعض صلاتهم ثم دار العدو عن القبلة داروا بوجوههم إليه ولم يقطع ذلك
صلاتهم إذا جعلت صلاتهم كلها مجزئة عنهم إلى غير القبلة إذا لم يمكنهم غير ذلك جعلتها مجزئة إذا كان
بعضها كذلك وبعضها أقل من كلها (قال الشافعي) وإنما تجزئهم صلاتهم هكذا إذا كانوا غير عاملين
فيها ما يقطع الصلاة وذلك الاستدارة والتحرف والمشي القليل إلى العدو والمقام يقومونه فإذا فعلوا هذا
أجزأتهم صلاتهم وكذلك لو حمل العدو عليهم فترسوا عن أنفسهم أو دنا بعضهم منهم فضرب أحدهم
الضربة بسلاحه أو طعن الطعنة أو دفع العدو بالشئ وكذلك لو أمكنته للعدو غرة ومنه فرصة فتناوله
بضربة أو طعنة وهو في الصلاة أجزأته صلاته فأما إن تابع الضرب أو الطعن أو طعن طعنة فرددها في
المطعون أو عمل ما يطول فلا يجزيه صلاته ويمضى فيها وإذا قدر على أن يصليها لا يعمل فيها ما
يقطعها، أعادها ولا يجزيه غير ذلك (قال الشافعي) ولا يدعها في هذه الحال إذا خاف ذهاب وقتها
ويصليها ثم يعيدها (قال الشافعي) وإذا عمد في شئ من الصلاة كلمة يحذر بها مسلما أو يسترهب بها
عدوا وهو ذاكر أنه في صلاته فقد انتقضت صلاته وعليه إعادتها متى أمكنه (قال الشافعي) وإن
أمكنه صلاة شدة الخوف فصلاها ولم يعمل فيها ما يفسدها أجزأته وإن أمكنته صلاة غير شدة الخوف
صلاها، وكذلك إن أمكنه غير صلاة الخوف صلاها.
إذا صلى بعض صلاته راكبا ثم نزل أو نازلا ثم ركب أو صرف عن القبلة وجهه أو تقدم من
موضعه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن دخل في الصلاة في شدة الخوف راكبا ثم نزل فأحب إلى أن
يعيد وإن لم ينقلب وجهه عن جهته لم يكن عليه إعادة لان النزول خفيف وإن انقلب وجهه عن جهته
حتى تولى جهة قفاه أعاد لأنه تارك قبلته (قال الشافعي) ولو طرحته دابة أو ريح في هذه الحال لم يعد
إذا انحرف إلى القبلة مكانه حين أمكنه (قال الشافعي) وإن كان نازلا فركب فقد انتقضت صلاته لان
255

الركوب عمل أكثر من النزول والنازل إلى الأرض أولى بتمام الصلاة من الراكب (قال الشافعي) وإن لم
يقدر على الصلاة إلا مقاتلا صلى وأعاد كل صلاة صلاها وهو مقاتل (قال الشافعي) وإن صلى صلاة
شدة الخوف ثم أمكنه أن يصلى صلاة الخوف الأولى، بنى على صلاة شدة الخوف ولم يجزه إلا أن يصلى
صلاة الخوف الأولى كما إذا صلى قاعدا ثم أمكنه القيام لم يجزه إلا القيام (قال الشافعي) وإذا صلوا
رجالا وركبانا في شدة الخوف لم يتقدموا فإن احتاجوا إلى التقدم لخوف تقدموا ركبانا ومشاة وكانوا في
صلاتهم بحالهم وإن تقدموا بلا حاجة ولا خوف فكان كتقدم المصلى إلى موضع قريب يصلى فيه فهم
على صلاتهم وإن كان إلى موضع بعيد ابتدأوا الصلاة وكان هذا كالافساد للصلاة وهكذا إذا احتاجوا
إلى ركوب ركبوا وهم في الصلاة فإن لم يحتاجوا إليه وركبوا ابتدأوا الصلاة ولو كانوا ركبانا فنزلوا من غير
حاجة ليصلوا بالأرض لم تفسد صلاتهم لان النزول عمل خفيف وصلاتهم بالأرض أحب إلى من
صلاتهم ركبانا (قال الشافعي) وإذا كانت الجماعة كامنة للعدو أو متوارية عنه بشئ ما، كان خندقا أو
بناء أو سواد ليل فخافوا إن قاموا للصلاة رآهم العدو، فإن كانوا جماعة ممتنعين، لم يكن لهم أن يصلوا
إلا قياما كيف أمكنتهم الصلاة فإن صلوا جلوسا فقد أساءوا وعليهم إعادة الصلاة وإن لم يكن بهم منعة
وكانوا يخافون إن قاموا أن يروا (1) فيصطلموا صلوا قعودا وكانت عليهم إعادة الصلاة والله تعالى أعلم (قال الشافعي) وإن كان العدو يرونهم مطلين عليهم ودونهم خندق أو حصن أو قلعة أو جبل لا يناله
العدو إلا بتكلف لا يغيب عن أبصار المسلمين أو أبصار الطائفة التي تحرسهم لم يجزهم أن يصلوا جلوسا
ولا غير مستقبلي القبلة ولا يومئون ولا تجوز لهم الصلاة يومئون وجلوسا إلى غير القبلة إلا في حال مناظرة
العدو ومساواته وإطلاله وقربه حتى ينالهم سلاحه إن أشرعها إليهم من الرمي والطعن والضرب ويكون
حائل بينهم وبينه ولا تمنعهم طائفة حارسة لهم فإذا كان هكذا جاز لهم أن يصلوها رجالا وركبانا
مستقبلي القبلة وغير مستقبليها وهذا من أكبر الخوف (قال الشافعي) وإن أسر رجل فمنع الصلاة فقدر
على أن يصليها موميا صلاها ولم يدعها وكذلك إن لم يقدر على الوضوء وصلاها في الحضر صلاها
متيمما وكذلك إن حبس تحت سقف لا يعتدل فيه قائما أو ربط فلم يقدر على ركوع ولا على سجود
صلاها كيف قدر ولم يدعها وهي تمكنه بحال وعليه في كل حال من هذه الأحوال قضاء ما صلى
هكذا من المكتوبات وكذلك إن منع الصوم فعليه قضاؤه متى أمكنه (قال الشافعي) وإن حمل على
شرب محرم أو أكل محرم يخاف إن لم يفعله ففعله، فعليه إن قدر على أن يتقايأ أن يتقايأ
إذا صلى وهو ممسك عنان دابته
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا بأس أن يصلى الرجل في الخوف ممسكا عنان دابته فإن نازعته
فجبذها إليه جبذة أو اثنتين أو ثلاثا أو نحو ذلك وهو غير منحرف عن القبلة فلا بأس وإن كثرت مجابذته
إياها وهو غير منحرف عن القبلة فقد قطع صلاته وعليه استئنافها، وإن جبذته فانصرف وجهه عن
القبلة فأقبل مكانه على القبلة لم تقطع صلاته وإن طال انحرافه عن القبلة ولا يمكنه الرجوع إليها
انتقضت صلاته لأنه يقدر على أن يدعها وإن لم يطل وأمكنه ان ينحرف عن القبلة فلم ينحرف إليها

(1) قوله: فيصطلموا الخ، اصطلم القوم: أبيدوا من أصلهم اه‍ كتبه مصححه.
256

فعليه ان يستأنف صلاته (قال الشافعي) فإن ذهبت دابته فلا بأس أن يتبعها فإذا تبعها على القبلة شيئا
يسيرا لم تفسد صلاته فإن تبعها كثيرا فسدت صلاته.
إذا صلوا رجالا وركبانا هل يقاتلون وما الذي يجوز لهم من ذلك؟
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن لم يقدر على الصلاة إلا مقاتلا صلى وأعاد كل صلاته يصليها
وهو مقاتل.
من له من الخائفين أن يصلى صلاة الخوف؟
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى يصلى صلاة الخوف من قاتل أهل الشرك بكتاب الله وسنة نبيه
صلى الله عليه وسلم لان الله عز وجل أمر بها في قتال المشركين فقال في سياق الآية " ود الذين كفروا لو
تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم " الآية (قال الشافعي) وكل جهاد كان مباحا يخاف أهله كان لهم أن
يصلوا صلاة شدة الخوف لان المجاهدين عليه مأجورون أو غير مأزورين وذلك جهاد أهل البغى الذين
أمر الله عز وجل بجهادهم وجهاد قطاع الطريق ومن أراد من مال رجل أو نفسه أو حريمه فإن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " من قتل دون ماله فهو شهيد " (قال الشافعي) فأما من قاتل وليس له القتال
فخاف فليس له أن يصلى صلاة الخوف من شدة الخوف يومئ إيماء وعليه إن فعل أن يعيدها ولا له
أن يصلى صلاة الخوف في خوف دون غاية الخوف إلا أن يصليها صلاة لو صلاها غير خائف أجزأت
عنه (قال الشافعي) وذلك من قاتل ظلما مثل أن يقطع الطريق أو يقاتل على عصبية أو يمنع من حق
قبلة أو أي وجه من وجوه الظلم قاتل عليه.
في أي خوف تجوز فيه صلاة الخوف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا خافت الجماعة القليلة السبع أو السباع فصلوا صلاة الخوف
كما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع أجزأهم ذلك إن شاء الله تعالى وأحب إلى أن
تصلى منهم طائفة بإمام ثم أخرى بإمام آخر وإذا خافوا الحريق على متاعهم أو منازلهم فأحب إلى أن
يصلوا جماعة ثم جماعة أو فرادى ويكون من لم معهم في صلاة في إطفاء النار (قال الشافعي) وإن
كانوا سفرا فغشيهم حريق فتنحوا عن سنن الريح لم يكن لهم أن يصلوا إلا كما يصلون في كل يوم
وكذلك إن كانوا حضورا فغشى الحريق لهم أهلا أو مالا أو متاعا (قال الشافعي) وإن غشيهم غرق
تنحوا عن سننه وكذلك إن غشيهم هدم تنحوا عن مسقطه لم يكن لهم إلا ذلك (قال الشافعي) فإن
صلوا في شئ من هذا صلاة خوف تجزئ عن خائف أجزأت الصلاة عنهم.
في طلب العدو
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا طلب العدو المسلمين وقد تحرفوا لقتال أو تحيزوا إلى فئة
257

فقاربوهم، كان لهم أن يصلوا صلاة الخوف ركبانا ورجالا يومئون إيماء حيث توجهوا على قبلة كانوا أو
على غير قبلة وكذلك لو كانوا على قبلة ثم رأوا طريقا خيرا لهم من جهة القبلة سلكوا عليها وإن انحرفوا
عن القبلة (قال الشافعي) وإن رجع عنهم الطلب أو شغلوا أو أدركوا من يمتنعون به من الطلب وقد
افتتحوا الصلاة ركبانا، لم يجزهم إلا أن ينزلوا على صلاتهم مستقبلي القبلة كما وصفت في صلاة
الخوف التي ليس بشدة الخوف وإن كانوا يمتنعون ممن رأوا ولا يأمنون طلبا أن يمتنعوا منه، كان لهم
أن يتموا على أن يصلوا ركبانا (قال الشافعي) وهكذا لو تفرقوا هم والعدو فابتدءوا الصلاة بالأرض ثم
جاءهم طلب كان لهم أن يركبوا ويتموا الصلاة ركبانا يومئون إيماء وكذلك لهم إن قعدوا رجالة (قال
الشافعي) وهكذا أي عدو طلبهم من أهل البغى وغيرهم إذ كانوا مظلومين (قال الشافعي) وهكذا إن
طلبهم سبع أو سباع (قال الشافعي) وهكذا لو غشيهم سيل لا يجدون نجوة كان لهم أن يصلوا يومئون
عدوا على أرجلهم وركابهم فإن أمكنتهم نجوة لهم ولركابهم ساروا إليها وبنوا على ما مضى من صلاتهم
قبل تمكنهم وإن أمكنتهم نجوة لأبدانهم ولا تمكنهم لركابهم كان لهم أن يمضوا ويصلوا صلاة الخوف
على وجوههم (قال الشافعي) وإن أمكنهم نجوة يلتقى من ورائها واديان فيقطعان الطريق كانت هذه
كلا نجوة وكان لهم أن يصلوا صلاة الخوف يومئون عدوا وإنما لا يكون ذلك لهم إذا كان لهم طريق
يتنكب عن السيل (قال الشافعي) وإن غشيهم حريق كان هذا لهم ما لم يجدوا نجوة من جبل يلوذون به
يأمنون به الحريق أو تحول ريح ترد الحريق أو يجدون ملاذا عن سنن الحريق فإذا وجدوا ذلك بنوا على
صلاتهم مستقبلي القبلة بالأرض لا يجزيهم غير ذلك، فإن لم يفعلوا أعادوا الصلاة (قال الشافعي)
وإن طلبه رجل صائل فهو مثل العدو والسبع وكذلك الفيل، له أن يصلى في هذا كله يومئ إيماء
حتى يأمنه (قال الشافعي) وكذلك إن طلبته حية أو عدو ما كان مما ينال منه قتلا أو عقرا، فله أن
يصلى صلاة شدة الخوف يومئ أين توجه (قال الشافعي) فإذا تفرق العدو ورجع بعض المسلمين إلى
موضع فرأوا سوادا من سحاب أو غيره إبل أو جماعة ناس ليس بعدو أو غبار وقرب منه حتى لو كان
عدوا ناله سلاحه فظن أن كل ما رأى من هذا عدوا فصلى صلاة شدة الخوف يومئون إيماء ثم بان لهم
أن لم يكن شئ منه عدوا، أعادوا تلك الصلاة (قال الشافعي) ولو صلى تلك الصلاة ثم لم يبن له
شئ من عدو ولم يدر أعدو هو أم لا؟ أعاد تلك الصلاة إنما يكون له أن يصليها على رؤية يعلم بعد الصلاة
وقبلها أنها حق أو خبر وإن لم تكن رؤية يعلم أنه حق لان الخبر عيان كعلمه أنه حق، فإما إذا شك
فيعيد الصلاة لأنه على غير يقين من أن صلاته تلك مجزئة عنه (قال الشافعي) ولو جاء خبر عن عدو
فصلى تلك الصلاة ثم ثبت عنده أن العدو قد كان يطلبه ولم يقرب منه القرب الذي يخاف رهقه منه
كان عليه أن يعيد وكذلك أن يطلبه وبينه وبين النجاة منه والمصير إلى جماعة يمتنع منه بها أو مدينة يمتنع
فيها الشئ القريب الذي يحيط العلم أن العدو لا يناله على سرعة العدو وإبطاء المغلوب حتى يصير إلى
النجاة وموضع الامتناع أو يكون خرجت إليه جماعة تلقاه معينة له على عدوه فقرب ما بينه وبينها حتى
يحيط العلم أن الطلب لا يدركه حتى يصير إلى تلك الجماعة الممتنعة أو تصير إليه فمن صلى في هذه الحال
مومئا إعادة كله (قال الشافعي) وكذلك إن طلبه العدو وبينه وبين العدو أميال لم يكن له أن يصلى
مومئا وكان عليه أن يصلى بالأرض ثم يركب فينجو، وسواء كان العدو ينزل لصلاة أو لا ينزل لها (قال
الشافعي) وإن كان المسلمون هم الطالبين لم يكن لهم أن يصلوا ركبانا ولا مشاة يومئون إيماء إلا في
حال واحدة أن يقل الطالبون عن المطلوبين وينقطع الطالبون عن أصحابهم فيخافون عودة المطلوبين
258

عليهم فإذا كان هذا هكذا كان لهم أن يصلوا يومئون إيماء ولم يكن لهم الامعان في الطلب فكان عليهم
العودة إلى أصحابهم وموضع منعتهم ولم يكن لهم أن ينتقلوا بالطلب حتى يضطروا إلى أن يصلوا المكتوبة
إيماء (قال الشافعي) ومثله أن يكثروا ويمنعوا حتى يتوسطوا بلاد العدو فيقلوا في كثرة العدو فيكون
عليهم أن يرجعوا ولهم أن يصلوا في هذه الحال مومئين إذا خافوا عودة العدو إن نزلوا ولا يكون لهم أن
يمعنوا في بلاد العدو ولا طلبه إذا كانوا يضطرون إلى أن يومئوا إيماء ولهم ذلك ما كانوا عند أنفسهم لا
يضطرون إليه (قال الشافعي) وإذا صلوا يومئون إيماء فعاد عليهم العدو من جهة، توجهوا إليهم وهم
في صلاتهم ولا يقطعونها، وداروا معهم أين داروا (قال الشافعي) ولا يقطع صلاتهم توجههم إلى غير
القبلة ولا أن يترس أحدهم عن نفسه أو يضرب الضربة الخفيفة أو رهقة عدو أو يتقدم التقدم الخفيف
عليه برمح أو غيره فإن أعاد الضرب وأطال التقدم قطع صلاته وكان عليه إذا أمكنه أن يصلى غير
مقاتل ومتى لم يمكنه ذلك صلى وهو يقاتل وأعاد الصلاة إذا أمكنه ذلك ولا يدع الصلاة في حال
يمكنه أن يصلى فيها (قال الشافعي) وإن كان المسلمون مطلوبين متحيزين إلى فئة أو متحرفين لقتال
صلوا يومئون ولم يعيدوا إذا قدروا على الصلاة بالأرض وإن كانوا مولين المشركين أدبارهم غير متحرفين
لقتال أو متحيزين إلى فئة فصلوا يومئون أعادوا لأنهم حينئذ عاصون والرخصة عندنا لا تكون إلا لمطيع
فأما العاصي فلا.
قصر الصلاة في الخوف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى والخوف في الحضر والسفر سواء فيما يجوز من الصلاة وفيه إلا أنه
ليس للحاضر أن يقصر الصلاة وصلاة الخوف في السفر الذي لا تقصر فيه الصلاة كهو في الحضر ولا
تقصر بالخوف الصلاة دون غاية تقصر إلى مثلها الصلاة في سفر ليس صاحبه بخائف (قال) وقد
قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قصر بذى قرد ولو ثبت هذا عندي لزعمت أن الرجل إذا جمع
الخوف وضربا في الأرض، قريبا أو بعيدا، قصر فإذا لم يثبت فلا يقصر الخائف إلا أن يسافر السفر
الذي إن سافره غير خائف قصر الصلاة (قال الشافعي) وإذا أغار المسلمون في بلاد المشركين لم
يقصروا إلا أن ينووا من موضعهم الذي أغاروا منه الإغارة على موضع تقصر إليه الصلاة، فإذا كانت
نيته أن يغير إلى موضع تقصر فيه الصلاة فإذا وجد مغارا دونه أغار عليه ورجع لم يقصر حتى يفرد النية
لسفر تقصر فيه الصلاة (قال الشافعي) وهكذا هو إذا غشينا (قال الشافعي) وإذا فعل ما وصفت فبلغ
في مغارة ما تقصر فيه الصلاة كان له قصر الصلاة راجعا إن كانت نيته العودة إلى عسكره أو بلده وإن
كان نيته مغارا حيث وجده فيما بينه وبين الموضع الذي يرجع إليه لم يقصر راجعا، وكان كهو بادئا لا
يقصر لان نيته ليست قصد وجه واحد تقصر إليه الصلاة (قال الشافعي) ولو بلغ في مغارة موضعا
تقصر فيه الصلاة من عسكره الذي يرجع إليه ثم عزم على الرجوع إلى عسكره كان له أن يقصر فإن
سافر قليلا وقصر أو لم يقصر ثم حدثت له نية في أن يقصد قصد مغار حيث وجده كان عليه أن يتم،
ولا يكون القصر أبدا إلا أن يثبت سفره ينوى بلدا تقصر إلى مثله الصلاة (قال الشافعي) وإذا غزا
الامام العدو فكان سفره مما تقصر فيه الصلاة ثم أقام لقتال مدينة أو عسكر أورد السرايا أو لحاجة أو
عرجة في صحراء أو إلى مدينة أو في مدينة من بلاد العدو أو بلاد الاسلام وكل ذلك سواء فإن أجمع
259

مقام أربع أتم وأن لم يجمع مقام أربع لم يتم فإن ألجأت به حرب أو مقام لغير ذلك فاستيقن مقام أربع
أتم وإن لم يستيقن قصر ما بينه وبين ثماني عشرة ليلة فان جاوز ذلك أتم، فإذا شخص عن موضعه
قصر، ثم هكذا كلما أقام وسافر لا يختلف (قال الشافعي) وإذا غزا أحد من موضع لا تقصر فيه
الصلاة أتم الصلاة وإن كان الامام مقيما فصلى صلاة الخوف بمسافرين ومقيمين أتموا معا وكذلك يتم
من المسافرين من دخل معه قبل أن يسلم من الصلاة فإذا صلى صلاة خوف فصلى الركعة الأولى وهو
مسافر بمسافرين ومقيمين ثبت قائما يقرأ حتى يقضى المسافرون ركعة والمقيمون ثلاثا ثم ينصرفون وتأتى
الطائفة الأخرى ويصلى لهم الركعة التي بقيت ويثبت جالسا حتى يقضي المسافرون ركعة والمقيمون ثلاثا
ولو سلم ولم ينتظر الآخرين أجزأته صلاته وأجزأتهم صلاتهم إذا قصر وأكره ذلك له، وصلاة الخوف
في البر والبحر سواء، لا تختلف في شئ.
ما جاء في الجمعة والعيدين في الخوف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يدع الامام الجمعة ولا العيد ولا صلاة الخسوف إذ أمكنه أن
يصليها ويحرس فيها ويصليها كما يصلى المكتوبات في الخوف وإذا كان شدة الخوف صلاها كما يصلى
المكتوبات في شدة الخوف يومئ إيماء ولا تكون الجمعة إلا بأن يخطب قبلها فإن لم يفعل صلاها
ظهرا أربعا وإذا صلى العيدين أو الخسوف خطب بعدهما فإن أعجل فترك الخطبة لم تكن عليه إعادة
وإن شغل بالحرب أحببت أن يوكل من يصلى، فإن لم يفعل حتى تزول الشمس في العيدين لم يقض
وإن لم يفعل حتى تنجلي الشمس والقمر في الكسوف لم يقض وإن لم يفعل حتى يدخل وقت العصر في
الجمعة لم يقض وصلى الظهر أربعا (قال الشافعي) وهذا إذا كان خائفا بمصر تجمع فيه الصلاة مقيما
كان أو مسافرا، غير أنه إذا كان مسافرا فلم يصل الجمعة صلى الظهر ركعتين وأتم أهل المصر لأنفسهم
(قال الشافعي) وإذا أجدب وهو محارب فلا بأس ان يدع الاستسقاء وإن كان في عدد كثير ممتنع فلا
بأس أن يستسقى ويصلى في الاستسقاء صلاة الخوف في المكتوبات، وإن كانت شدة الخوف لم
يصل في الاستسقاء لأنه يصلح له تأخيره ويصلي في العيدين والخسوف لأنه لا يصلح له تأخيرهما وإذا
كان الخوف خارجا من المصر في صحراء له تأخيره ويصلى في العيدين والخسوف لأنه لا يصلح له
تأخيرهما وإذا كان الخوف خارجا من المصر في صحراء تقصر فيها الصلاة أو لا تقصر فلا يصلون
الجمعة ويصلونها ظهرا وكذلك لا أحضهم على صلاة العيدين وإن فعلوا لم أكرهه لهم، ولهم أن
يستسقوا، ولا أرخص لهم في ترك صلاة الكسوف وإنما أمرتهم بصلاة الكسوف لأنه يصليها السفر ولم
أكره لهم صلاة العيدين لأنه يجوز أن يصليها المنفرد وكذلك أيضا صلاة الاستسقاء فأما الجمعة فلا
تجوز لأنها إحالة مكتوبة إلى مكتوبة إلا في مصر وجماعة.
تقديم الامام في صلاة الخوف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أحدث الامام في صلاة الخوف فهو كحدثه في غير صلاة
الخوف وأحب إلى أن لا يستخلف أحدا، فإن كان أحدث في الركعة الأولى أو بعدما صلاها وهو
260

واقف في الآخر فقرأ ولم تدخل معه الطائفة الثانية، قضت الطائفة الأولى ما عليهم من الصلاة وأما
الطائفة الأخرى إمام منهم أو صلوا فرادى، ولو قدم رجلا فصلى بهم أجزأ عنهم إن شاء الله تعالى
(قال الشافعي) وإذا أحدث الامام وقد صلى ركعة وهو قائم يقرأ ينتظر فراغ التي خلفه وقف الذي قدم
كما يقف الامام وقرأ في وقوفه، فإذا فرغت الطائفة التي خلفه ودخلت الطائفة التي وراءه قرأ بأم القرآن
وقدر سورة ثم ركع بهم (1) وكان في صلاتهم لهم كالامام الأول لا يخالفه في شئ إذا أدرك الركعة
الأولى مع الامام الأول وانتظرهم حتى يشهدوا ثم يسلم بهم (قال الشافعي) وإن كان الامام الذي
قدمه المحدث مقيما والذي قدم آخرا مسافرا فسواء، وعليه صلاه مقيم إذا دخل مع الامام في الصلاة
قبل أن يحدث وإن كان الامام الذي قدمه مسافرا والرجل الذي قدمه مقيما وقد صلى المحدث ركعة
فعلى المقدم أن يتقدم فيصلى ركعة ثم يثبت جالسا ويصلى من خلفه من المسافرين والمقيمين ركعتين
ركعتين يتشهدون ويسلمون لأنهم قد صاروا إلى صلاة مقيم فعليهم التمام، ثم تأتى الطائفة الأخرى فيصلى
بهم الركعتين اللتين بقيتا من صلاته ويقومون فيقضون لأنفسهم ركعتين ثم يسلم بهم ولا يجزيهم غير ذلك
لان كلا دخل مع إمام مقيم في صلاته (قال الشافعي) وإن كان الذي قدم الامام لن يدخل في صلاة
الامام حتى أحدث الامام فقدمه الامام فإن كان الامام المحدث لم يركع من الصلاة ركعة وقد كبر
المقدم معه قبل أن يحدث فله أن يتقدم وعليه إذا تقدم أن يقرأ بأم القرآن وأن يزيد معها شيئا أحب إلى
ثم يصلى بالقوم فإن كان مقيما صلى أربعا وإن كان مسافرا صلى ركعتين لأنه مبتدئ بالصلاة بهم (2)
فسواء كان الامام الذي قدمه مقيما فعلى من أدرك معه الصلاة قبل أن يحدث من المسافرين أن يصلوا
أربعا وليس ذلك على من لم يدرك معه الصلاة قبل أن يحدث من المسافرين فأما المقيمون فيصلون أربعا
بكل حال (قال الشافعي) وإن كان الامام المحدث صلى ركعة من صلاته ثم قدم رجلا لم يدرك معه
من الصلاة شيئا فليس له أن يتقدم، فإن تقدم فعليه استئناف الصلاة وإن استأنفها فتبعه من خلف
الامام ممن أدرك صلاة الامام قبل أن يخرج منها صلى معه الركعة أو لم يصلها (3) فعليهم معا الإعادة
لان من أدرك معه الركعة يزيد في صلاته عامدين غير ساهين ولا ساه إمامه، ومن صلى معه ممن لم
يدرك الصلاة مع الامام المحدث فصلاته عنه مجزئة (قال الشافعي) وإن بنى هو على صلاة الامام
فصلاته فاسدة لأنه لا داخل مع الامام في صلاته فيتبعها ولا مبتدئ لنفسه فيعمل عمل المبتدئ
وكذلك صلاة من خلفه كلهم فاسدة لأنه رجل عمد أن يقلب صلاته (قال الشافعي) وإن كان كبر مع
الامام قبل أن يحدث الامام وقد صلى الامام ركعة بنى على صلاة الامام كأنه الامام لا يخالفه إلا فيما
سأذكره إن شاء الله تعالى حتى يتشهد في آخر صلاة الامام وذلك أن يكون الامام أكمل ركعة وثبت
قائما ثم قدمه فيثبت قائما حتى تقضى الطائفة الأولى وتسلم وتأتى الطائفة الأخرى فيصلى بهم الركعة التي

(1) قوله: وكان في صلاتهم لهم، كذا في النسخ، ولعله تحريف من الناسخ والأليق " وكان في
صلاته لهم " تأمل.
(2) قوله: فسواء كان الخ هذا تحريف من الناسخ ووجهه " فلو كان الامام " كما يدل عليه بقية
الكلام، تأمل.
(3) قوله: فعليهم معا الإعادة لان من أدرك الخ يتأمل أيضا، فإن التعليل قاصر، ولعل في
الكلام سقطا من الناسخ. كتبه مصححه.
261

بقيت على الامام ويجلس ويتشهد حتى تقضى الطائفة الأخرى فإذا قضوا التشهد قدم رجلا منهم فسلم
بهم ثم قام هو وبنى لنفسه حتى تكمل صلاته (قال الشافعي) ولو لم يزد على أن يصلى ركعة ثم يجلس
للتشهد فيسلم ولا ينتظر الطائفة حتى تقضي فيسلم بها كرهت ذلك له ولا تفسد صلاته ولا صلاتهم
(قال الشافعي) ولو أن إماما ابتدأ صلاة الخوف ثم أحدث فقدم رجلا ممن خلفه فلم يقض من الصلاة
شيئا حتى حدث لهم أمن، إما لجماعة كثرت وقل العدو، وإما بتلف العدو أو غير ذلك من وجوه
الامن، صلى الامام المقدم صلاة أمن بمن خلفه وجاءت الطائفة فصلت معهم لان الخوف قد ذهب
فإن لم تفعل حتى صلى بها إمام غيره (1) أو صلت فرادى وكانوا كقوم لم يصلوا مع الجماعة الأولى لعذر
(قال الشافعي) ولو كان خوف يوم الجمعة وكان محروسا إذا خطب بطائفة وحضرت معه طائفة الخطبة
ثم صلى بالطائفة التي حضرت الخطبة ركعة وثبت قائما قائموا لأنفسهم بقراءة يجهرون فيها ثم وقوفا بإزاء
العدو وجاءت الطائفة التي لم تصل فصلت معه الركعة التي بقيت عليه من الجمعة وثبت جالسا فأتموا
لأنفسهم ثم سلم بهم ولو انصرفت الطائفة التي حضرت الخطبة حين فرغ من خطبته فحرسوا الامام
وجاءت الطائفة التي لم تحضر فصلى بهم لم يجزه أن يصليها بهم إلا ظهرا أربعا لأنه قد ذهب عنه من
حضر الخطبة فصار كإمام خطب وحده ثم جاءته جماعة قبل أن يصلى فصلى بهم (قال الشافعي) ولو
كان بقي معه أربعون رجلا ممن حضر الخطبة فصلى بهم وبالطائفة التي تحرسه ركعة وثبت قائما وأتموا
لأنفسهم ثم جاءت الطائفة التي كانت حاضرة خطبته ثم لم تدخل في صلاته حتى حرست العدو فصلى
بهم ركعة أجزأتهم صلاته لأنه قد صلى بأربعين رجلا حضروا الخطبة وزادت جماعة لم يحضروا الخطبة
(قال الشافعي) ولو شغلوا بالعدو فلم يحضروا الخطبة ويدخل معه في الصلاة أربعون رجلا لم يكن له
أن يصلى صلاة الجمعة وكان عليه أن يصلى ظهرا أربعا صلاة الخوف الأولى إن أمكنه أو صلاته عند
شدة الخوف أن لم يمكنه (قال الشافعي) ولو لم يمكنه صلاة الجمعة فصلى ظهرا أربعا ثم حدثت للعدو
حال أمكنه فيها أن يصلى الجمعة لم يجب عليه ولا على من صلى خلفه إعادة الجمعة ووجب على من لم
يصل معه إن كانوا أربعين أن يقدموا رجلا فيصلى بهم الجمعة فإن لم يفعلوا وصلوا ظهرا كرهت لهم
ذلك وأجزأت عنهم (قال الشافعي) ولو أعاد هو ومن معه صلاة الجمعة مع إمام غيره لم أكره ذلك
وإن أعادها هو إماما ومن معه مأمومين لم أكره ذلك للمأمومين وكرهته للامام ولا إعادة على من صلاها
خلفه ممن صلاها أو لم يصلها إذا صلى في وقت الجمعة.
كتاب صلاة العيدين
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال الله تبارك وتعالى في سياق شهر رمضان " ولتكملوا العدة
ولتكبروا الله على ما هداكم " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى
تروه " يعنى الهلال فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " (قال الشافعي) وإذا صام الناس شهر

(1) وقوله: " أوصلت فرادى وكانوا كقوم " كذا في النسخ بدون ذكر للجواب ولعله سقط من
الناسخ والأصل أجزأتهم صلاتهم وكانوا الخ وكذا سقط مثل هذا الجواب في الفرع بعده قبل قوله،
ولو انصرفت الخ تأمل كتبه مصححه.
262

رمضان برؤية أو شاهدين عدلين على رؤية ثم صاموا ثلاثين يوما ثم غم عليهم الهلال أفطروا ولم يريدوا
شهودا (قال) وإن صاموا تسعا وعشرين يوما ثم غم عليهم لم يكن لهم أن يفطروا حتى يكملوا ثلاثين أو
يشهد شاهدان عدلان برؤيته ليلة ثلاثين (قال الشافعي) يقبل فيه شاهدان عدلان في جماعة الناس
ومنفردين ولا يقبل على الفطر أقل من شاهدين عدلين ولا في مقطع حق لان الله تعالى أمر بشاهدين
وشرط العدل في الشهود أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي إبراهيم بن محمد عن إسحاق بن عبد الله عن
عمر بن عبد العزيز أنه كان لا يجيز في الفطر إلا شاهدين (قال الشافعي) فإن شهد شاهدان في يوم
ثلاثين أن الهلال كان بالأمس، أفطر الناس أي ساعة عدل الشاهدان، فإن عدلا قبل الزوال صلى
الامام بالناس صلاة العيدين وإن لم يعدلا حتى تزول الشمس لم يكن عليهم أن يصلوا يومهم بعد
الزوال ولا الغد لأنه عمل في وقت فإذا جاوز ذلك الوقت لم يعمل في غيره، فإن قال قائل: ولم لا
يكون النهار وقتا له؟ قيل له: إن شاء الله تعالى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن صلاة العيد بعد
طلوع الشمس وسن مواقيت الصلاة وكان فيما سن دلالة على أنه إذا جاء وقت صلاة مضى وقت التي
قبلها فلم يجز أن يكون آخر وقتها إلا إلى وقت الظهر لأنها صلاة تجمع فيها ولو ثبت أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم خرج بالناس من الغد إلى عيدهم قلنا به وقلنا أيضا فإن لم يخرج بهم من الغد خرج بهم
من بعد الغد وقلنا يصلى في يومه بعد الزوال إذا جاز أن يزول فيه ثم يصلى جاز في هذه الأحوال كلها
ولكنه لا يثبت عندنا والله تعالى أعلم، ولو شهد شاهدان أو أكثر فلم يعرفوا بعدل أو جرحوا فلهم أن
يفطروا وأحب لهم أن يصلوا صلاة العيد لأنفسهم جماعة وفرادى مستترين ونهيتهم أن يصلوها ظاهرين
وإنما أمرتهم أن يصلوا مستترين ونهيتهم أن يصلوا ظاهرين لئلا ينكر عليهم ويطمع أهل الفرقة في فراق
عوام المسلمين (قال) وهكذا لو شهد واحد فلم يعدل لم يسعه إلا الفطر ويخفى فطره لئلا يسئ أحد
الظن به ويصلى العيد لنفسه ثم يشهد بعد إن شاء العيد مع الجماعة فيكون نافلة خيرا له ولا يقبل فيه
شهادة النساء العدول ولا شهادة أقل من شاهدين عدلين وسواء كانا قرويين أو بدويين (قال) وإن غم
عليهم فجاءهم شاهدان بأن هلال شهر رمضان رئي عشية الجمعة نهارا بعد الزوال أو قبله فهو هلال
ليلة السبت لان الهلال يرى نهارا وهو هلال الليلة المستقبلة لا الليلة الماضية ولا يقبل فيه إلا رؤيته ليلة
كذا فأما رؤيته بنهار فلا يدل على أنه رئي بالأمس وإن غم عليهم فأكملوا العدة ثلاثين ثم ثبت عندهم
بعدما مضى النهار في أول الليل أو آخره أنهم صاموا يوم الفطر إما بأن يكون قد رأوا هلال شهر رمضان
رئي قبل رؤيتهم وإما أن يكون قد رأوا هلال شوال ليلة ثلاثين أفطروا من يومهم وخرجوا للعيد من
غدهم وهم مخالفون للذين علموا الفطر قبل أن يكملوا الصوم لان هؤلاء لم يعلموه إلا بعد إكمالهم الصوم
فلم يكونوا مفطرين بشهادة أولئك علموه وهم في الصوم فأفطروا بشهادة أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الله بن عطاء بن إبراهيم مولى صفية بنت عبد
المطلب عن عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الفطر يوم تفطرون والأضحى
يوم تضحون " (قال الشافعي) فبهذا نأخذ وإنما كلف العباد الظاهر ولم يظهر على ما وصفت أن أفطر إلا
يوم أفطرنا (قال) ولو كان الشهود شهدوا لنا على ما يدل أن الفطر يوم الخميس (1) فلم يعدلوا أكملنا

(1) قوله: " فلم يعدلوا أكملنا " كذا في النسخ، ويظهر ان فيه سقطا من الناسخ ولعل الأصل
" فلم يعدلوا وأكملنا " أو نحو ذلك، تأمل. كتبه مصححه.
263

صومه فعدلوا ليلة المجمعة أو يوم الجمعة، لم نخرج للعيد لأنا قد علمنا أن الفطر كان يوم الخميس قبل
يكمل صومه وإنما وقفناه على تعديل البينة فلما عدلت كان الفطر يوم الخميس بشهادتهم (قال) ولو لم
يعدلوا حتى تحل صلاة العيد صليناها وإن عدلوا بعد ذلك لم يضرنا (قال) وإذا عدلوا فإن كنا نقصنا
من صوم شهر رمضان يوم بأنه خفى علينا أو صمنا يوم الفطر قضينا يوما (قال الشافعي) والعيد يوم
الفطر نفسه، والعيد الثاني يوم الأضحى نفسه وذلك يوم عاشر من ذي الحجة. وهو اليوم الذي يلي
يوم عرفة (قال) والشهادة في هلال ذي الحجة ليستدل على يوم عرفة ويوم العيد وأيام منى كهى في
الفطر لا تختلف في شئ يجوز فيها ما يجوز فيها ويرد فيها ما يرد فيها ويجوز الحج إذا وقف بعرفة على
الرؤية وإن علموا بعد الوقوف بعرفة أن يوم عرفة يوم النحر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
مسلم عن ابن جريج قال قلت لعطاء رجل حج فأخطأ الناس يوم عرفة أيجزى عنه؟ قال: نعم أي
لعمري إنها لتجزى عنه (قال الشافعي) وأحسبه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " فطركم يوم تفطرون
وأضحاكم يوم تضحون " أراه قال: " وعرفة يوم تعرفون ".
العبادة ليلة العيدين
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا ثور بن يزيد عن خالد بن
معدان عن أبي الدرداء قال: " من قام ليلة العيد محتسبا لم يمت قلبه حين تموت القلوب " (قال
الشافعي) وبلغنا أنه كان يقال: إن الدعاء يستجاب في خمس ليال في ليلة الجمعة وليلة الأضحى
وليلة الفطر وأول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
إبراهيم بن محمد قال رأيت مشيخة من خيار أهل المدينة يظهرون على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
ليلة العيد فيدعون ويذكرون الله حتى تمضى ساعة من الليل، وبلغنا أن عمر كان يحيى ليلة جمع
وليلة جمع هي ليلة العيد لان صبيحتها النحر (قال الشافعي) وأنا أستحب كل ما حكيت في هذه
الليالي من غير أن يكون فرضا.
التكبير ليلة الفطر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى في شهر رمضان " ولتكملوا العدة ولتكبروا الله
على ما هداكم " قال فسمعت من أرضي من أهل العلم بالقرآن أن يقول لتكملوا العدة عدة صوم شهر
رمضان وتكبروا والله؟ عند إكماله على ما هداكم، وإكماله مغيب الشمس من آخر يوم من أيام شهر
رمضان (قال الشافعي) وما أشبه ما قال بما قال والله تعالى أعلم (قال الشافعي) فإذا رأوا هلال شوال
أحببت أن يكبر الناس جماعة وفرادى في المسجد والأسواق والطرق والمنازل ومسافرين ومقيمين في كل
حال وأين كانوا وأن يظهروا التكبير ولا يزالون يكبرون حتى يغدوا إلى المصلى وبعد الغدو حتى يخرج
الامام للصلاة ثم يدعوا التكبير وكذلك أحب في ليلة الأضحى لمن لم يحج فأما الحاج فذكره التلبية
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني صالح بن محمد ابن زائدة أنه سمع ابن
المسيب وعروة بن الزبير وأبا سلمة وأبا بكر بن عبد الرحمن يكبرون ليلة الفطر في المسجد يجهرون
264

بالتكبير أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني صالح بن محمد بن زائدة عن
عروة بن الزبير وأبى سلمة بن عبد الرحمن أنهما كانا يجهران بالتكبير حين يغدوان إلى المصلى أخبرنا
الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني يزيد بن الهاد أنه سمع نافع بن جبير يجهر
بالتكبير حين يغدو إلى المصلى يوم العيد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد
قال حدثني بن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا غدا إلى المصلى يوم العيد كبر فيرفع
صوته بالتكبير أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني عبيد الله عن نافع عن
ابن عمر أنه كان يغدو إلى المصلى يوم الفطر إذا طلعت الشمس فيكبر حتى يأتي المصلى يوم العيد ثم
يكبر بالمصلى حتى إذا جلس الامام ترك التكبير.
الغسل للعيدين
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يغتسل يوم
الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا
جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا رضي الله عنه كان يغتسل يوم العيد ويوم الجمعة ويوم عرفة وإذا أراد
أن يحرم (قال الشافعي) وأستحب هذا كله وليس من هذا شئ أوكد من غسل الجمعة وإن توضأ
رجوت أن يجزئه ذلك إن شاء الله تعالى إذا صلى على طهارة (قال) وليس لأحد أن يتيمم في المصر
لعيد ولا جنازة وإن خاف فوتهما ولا له أن يكون فيهما إلا طاهرا كطهارته للصلاة المكتوبة لان كلا
صلاة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال أخبرني يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة
عن سلمة بن الأكوع أنه كان يغتسل يوم العيد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال
أخبرنا صالح بن محمد بن زائدة عن عروة بن الزبير قال: السنة أن يغتسل يوم العيدين، أخبرنا الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال الغسل في العيدين سنة (قال
الشافعي) كان مذهب سعيد وعروة في أن الغسل في العيدين سنة أنه أحسن وأعرف وأنظف وأن قد
فعله قوم صالحون لا أنه حتم بأنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا إبراهيم قال أخبرني المطلب بن السائب عن ابن أبي وداعة عن سعيد ابن المسيب أنه كان
يغتسل يوم العيدين إذا غدا إلى المصلى.
وقت الغدو إلى العيدين
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني أبو الحويرث أن النبي صلى الله
عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران " أن عجل الغدو إلى الأضحى وأخر الفطر وذكر الناس "
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني الثقة أن الحسن قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يغدو
إلى العيدين الأضحى والفطر حين تطلع الشمس فيتتام طلوعها (قال الشافعي) يغدو إلى الأضحى قدر
ما يوافي المصلى حين تبرز الشمس وهذا أعجل ما يقدر عليه ويؤخر الغدو إلى الفطر عن ذلك قليلا غير
كثير (قال) والامام في ذلك في غير حال الناس أما الناس فأحب أن يتقدموا حين ينصرفون من
265

الصبح ليأخذوا مجالسهم ولينتظروا الصلاة فيكونوا في أجرها إن شاء الله تعالى ما داموا ينتظرونها وأما
الامام فإنه إذا غدا لم يجعل وجهه إلا إلى المصلى فيصلى وقد غدا قوم حين صلوا الصبح وآخرون بعد
ذلك وكل ذلك حسن (قال الشافعي) وإن غدا الامام حين يصلى الصبح وصلى بعد طلوع الشمس لم
يعد ولو صلى قبل الشمس أعاد لأنه صلى قبل وقت العيد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
إبراهيم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان يغدو إلى المصلى يوم الفطر إذا طلعت الشمس
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال أخبرنا عبد الله بن أبي بكر عن عمر بن عبد
العزيز أنه كتب إلى ابنه وهو عامل على المدينة " إذا طلعت الشمس يوم العيد فاغد إلى المصلى " وكل
هذا واسع أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم ابن محمد قال أخبرني ابن نسطاس أنه
رأى ابن المسيب في يوم الأضحى وعليه برنس أرجوان وعمامة سوداء غاديا في المسجد إلى المصلى يوم
العيد حين صلى الصبح بعد ما طلعت الشمس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن
محمد قال أخبرني ابن حرملة أنه رأى سعيد بن المسيب يغدو إلى المصلى يوم العيد حين يصلى الصبح
(قال الشافعي) وكل هذا واسع إذا وافى الصلاة وأحبه إلي أن يتمهل ليأخذ مجلسا.
الاكل قبل العيد في يوم الفطر
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن ابن المسيب قال
كان المسلمون يأكلون في يوم الفطر قبل الصلاة ولا يفعلون ذلك يوم النحر أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا مالك ابن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يأكل قبل الغدو في يوم الفطر
أخبرنا الربيع قال أخبرنا مالك ابن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يأكل قبل الغدو في يوم الفطر
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن ابن المسيب قال كان
الناس يؤمرون بالاكل قبل الغدو يوم الفطر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن
هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يأمر بالاكل قبل الخروج إلى المصلى يوم الفطر أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن صفوان بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطعم قبل أن يخرج
إلى الجبان يوم الفطر ويأمر به (قال الشافعي) ونحن نأمر من أتى المصلى أن يطعم ويشرب قبل أن يغدو
إلى المصلى وإن لم يفعل أمرناه بذلك في طريقه، أو المصلى إن أمكنه وإن لم يفعل ذلك فلا شئ عليه
ويكره له أن لا يفعل، ولا نأمره بهذا يوم الأضحى، وإن طعم يوم الأضحى فلا بأس عليه.
الزينة للعيد
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يلبس برد حبرة في كل عيد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن
جعفر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتم في كل عيد أخبرنا الربيع قال قال الشافعي وأحب أن
يلبس الرجل أحسن ما يجد في الأعياد الجمعة والعيدين ومحافل الناس ويتنظف ويتطيب إلا أنى أحب
أن يكون في الاستسقاء خاصة نظيفا متبذلا وأحب العمامة في البرد والحر للامام وأحب للناس ما
أحببت للامام من النظافة والتطيب ولبس أحسن ما يقدرون عليه إلا أن استحبابي للعمائم لهم ليس
266

كاستحبابها للامام ومن شهد منهم هذه الصلوات طاهرا تجوز له الصلاة ولابسا مما يجوز به الصلاة من
رجل وامرأة أجزأه (قال) وأحب إذا حضر النساء الأعياد والصلوات يحضرنها نظيفات بالماء غير
متطيبات ولا يلبسن ثوب شهرة ولا زينة وأن يلبسن ثيابا قصدة من البياض وغيره وأكره لهن الصبغ
كلها فإنها تشبه الزينة والشهرة أو هما (قال الشافعي) ويلبس الصبيان أحسن ما يقدرون عليه ذكورا أو
إناثا ويلبسون الحلى والصيغ وإن حضرتها امرأة حائض لم تصل ودعت ولم أكره لها ذلك وأكره لها أن
تحضرها غير حائض إلا طاهرة للصلاة لأنها لا تقدر على الطهارة وأكره حضورها إلا طاهرة إذا كان
الماء يطهرها.
الركوب إلى العيدين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى بلغنا أن الزهري قال ما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في
عيد ولا جنازة قط (قال الشافعي) وأحب أن لا يركب في عيد ولا جنازة إلا أن يضعف من شهدها
من رجل أو امرأة عن المشي فلا بأس أن يركب وإن ركب لغير علة فلا شئ عليه قال الربيع هذا عندنا
على الذهاب إلى العيد والجنازة فأما الرجوع منهما فلا بأس.
الاتيان من طريق غير التي غدا منها
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغدو من طريق،
ويرجع من أخرى فأحب ذلك للامام والعامة وإن غدوا ورجعوا من طريق واحدة فلا شئ عليهم إن
شاء الله تعالى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني خالد بن رباح عن
المطلب بن عبد الله بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغدو يوم العيد إلى المصلى من الطريق
الأعظم فإذا رجع رجع من الطريق الأخرى على دار عمار ابن ياسر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني معاذ بن عبد الرحمن التيمي عن أبيه عن جده أنه رأى النبي صلى
الله عليه وسلم رجع من المصلى يوم عيد فسلك على التمارين من أسفل السوق حتى إذا كان عند مسجد
الأعرج الذي هو عند موضع البركة التي بالسوق قام فاستقبل فج أسلم فدعا ثم انصرف (قال الشافعي)
فأحب أن يصنع الامام مثل هذا وأن يقف في موضع فيدعو الله عز وجل مستقبل القبلة، وإن لم يفعل
فلا كفارة ولا إعادة عليه.
الخروج إلى الأعياد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين إلى
المصلى بالمدينة وكذلك من كان بعده وعامة أهل البلدان إلا أهل مكة فإنه لم يبلغنا أن أحدا من
السلف صلى بهم عيدا إلا في مسجدهم (قال الشافعي) وأحسب ذلك والله تعالى أعلم لان المسجد
الحرام خير بقاع الدنيا فلم يحبوا أن يكون لهم صلاة ألا فيه ما أمكنهم (قال) وإنما قلت هذا لأنه قد
267

كان وليست لهم هذه السعة في أطراف البيوت بمكة سعة كبيرة ولم أعلمهم صلوا عيدا قط ولا استسقاء
إلا فيه (قال الشافعي) فإن عمر بلد فكان مسجد أهله يسعهم في الأعياد لم أر أنه يخرجون منه وإن
خرجوا فلا بأس ولو أنه كان لا يسعهم فصلى بهم إمام فيه كرهت له ذلك ولا إعادة عليهم (قال) وإذا
كان العذر من المطر أو غيره أمرته بأن يصلى في المساجد ولا يخرج إلى صحراء أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني جعفر بن محمد عن رجل أن أبان بن عثمان صلى بالناس في
مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر في يوم مطير ثم قال لعبد الله بن عامر حدثهم فأخذ يحكى عن
عمر بن الخطاب فقال عبد الله صلى عمر بن الخطاب بالناس في المسجد في يوم مطير في يوم الفطر،
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني صالح بن محمد بن زائدة أن عمر بن
الخطاب صلى بالناس في يوم مطير في المسجد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
الصلاة قبل العيد وبعده
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس رضى الله تعالى عنهما قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيدين بالمصلى ولم يصل قبلهما
ولا بعدهما شيئا ثم انفتل إلى النساء فخطبهن قائما وأمر بالصدقة قال فجعل النساء يتصدق بالقرط
وأشباهه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عمرو بن أبي عمرو
عن ابن عمر أنه غدا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد إلى المصلى ثم رجع إلى بيته لم يصل قبل
العيد ولا بعده، أخبرنا الربيع قال قال الشافعي وهكذا أحب للامام لما جاء في الحديث عن النبي
صلى الله عليه وسلم ولما أمرنا به أن يغدو من منزله قبل أن تحل صلاة النافلة ونأمره إذا جاء المصلى أن
يبدأ بصلاة العيد ونأمره إذا خطب أن ينصرف (قال الشافعي) وأما المأموم فمخالف للامام لأنا نأمر
المأموم بالنافلة قبل الجمعة وبعدها ونأمر الامام أن يبدأ بالخطبة ثم بالجمعة لا يتنقل ونحب له أن
ينصرف حتى تكون نافلته في بيته وأن المأموم خلاف الامام (قال) ولا أرى بأسا أن يتنفل المأموم قبل
صلاة العيد وبعدها في بيته وفى المسجد وطريقه والمصلى وحيث أمكنه التنفل إذا حلت صلاة النافلة
بأن تبرز الشمس وقد تنقل قوم قبل صلاة العيد وبعدها وآخرون قبلها ولم يتنفلوا بعدها وآخرون بعدها
ولم يتنفلوا قبلها وآخرون تركوا التنفل قبلها وبعدها وهذا كما يكون في كل يوم يتنفلون ولا يتنفلون
ويتنفلون فيقلون ويكثرون ويتنفلون قبل المكتوبات وبعدها وقبلها ولا يتنفلون بعدها ويدعون التنفل قبلها
وبعدها لان كل هذا مباح وكثره الصلوات على كل حال أحب إلينا (قال) وجميع النوافل في البيت
أحب إلى منها ظاهرا إلا في يوم الجمعة (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم قال أخبرني سعد ابن إسحاق عن
عبد الملك بن كعب أن كعب بن عجرة لم يكن يصلى قبل العيد ولا بعده (قال الشافعي) وروى هذا
عن ابن مسعود أو أبى مسعود وحذيفة وجابر وابن أبي أوفى وشريح وابن معقل وروى بن سهل ابن
سعد وعن رافع بن خديج أنهما كانا يصلين قبل العيد وبعده أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
إبراهيم قال حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي بن الحنفية عن أبيه قال كنا في عهد
النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر والأضحى لا نصلى في المسجد حتى نأتى المصلى فإذا رجعنا مررنا
بالمسجد فصلينا فيه
268

من قال لا آذان للعيدين
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن الزهري أنه قال لم يؤذن للنبي صلى الله عليه
وسلم ولا لأبي بكر ولا لعمر ولا لعثمان في العيدين حتى أحدث ذلك معاوية بالشام، فأحدثه الحجاج
بالمدينة حين أمر عليها وقال الزهري وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر في العيدين المؤذن ان يقول
الصلاة جامعة (قال الشافعي) ولا أذان إلا للمكتوبة فإنا لم نعلمه أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم
إلا للمكتوبة وأحب أن يأمر الامام المؤذن ان يقول في الأعياد وما جمع الناس له من الصلاة " الصلاة
جامعة " أو إن الصلاة، وإن قال هلم إلى الصلاة لم نكرهه وإن قال حي على الصلاة فلا بأس وإن
كنت أحب أن يتوقى ذلك لأنه من كلام الاذان وأحب أن يتوقى جميع كلام الاذان، ولو أذن أو قام
للعيد كرهته له ولا إعادة عليه.
أن يبدأ بالصلاة قبل الخطبة
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أيوب السختياني قال سمعت عطاء بن أبي
رباح يقول سمعت ابن عباس يقول أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى قبل الخطبة يوم
العيد ثم خطب فرأى أنه لم يسمع النساء فأتاهن فذكرهن ووعظهن وأمرهن بالصدقة ومعه بلال قائل
بثوبه هكذا فجعلت المرأة تلقى الخرص والشئ أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن
محمد قال حدثني أبو بكر بن عمرو بن عبد العزيز عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر أن النبي صلى الله
عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون في العيدين قبل الخطبة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا إبراهيم قال حدثني عمر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر
وعمر وعثمان يصلون في العيدين قبل الخطبة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال
أخبرنا محمد بن عجلان عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح أن أبا سعيد قال: أرسل إلى
مروان والى رجل قد سماه فمشى بنا حتى أتى المصلى فذهب ليصعد فجبذته إلي فقال يا أبا سعيد ترك
الذي تعلم، قال أبو سعيد فهتفت ثلاث مرات فقلت والله لا تأتون إلا شرا منه أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني داود بن الحصين عن عبد الله بن يزيد الخطمي أن النبي صلى
الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يبتدئون بالصلاة قبل الخطبة حتى قدم معاوية فقدم الخطبة
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن
سعد أن أبا سعيد الخدري قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى يوم الفطر والأضحى قبل الخطبة
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن وهب بن كيسان قال رأيت ابن الزبير يبدأ
بالصلاة قبل الخطبة ثم قال: كل سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غيرت حتى الصلاة (قال
الشافعي) فبهذا نأخذ وفيه دلائل منها ان لا بأس أن يخطب الامام قائما على الأرض وكذلك روى أبو
الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني هشام حسن عن ابن سيرين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يخطب على راحلته بعدما ينصرف من الصلاة يوم الفطر والنحر (قال الشافعي) ولا بأس أن يخطب
269

على منبر فمعلوم عنه صلى الله عليه وسلم أنه خطب على المنبر يوم الجمعة وقبل ذلك كان يخطب على
رجليه قائما إلى جذع، ومنها ان لا بأس أن يخطب الرجل الرجال، وإن رأى أن النساء وجماعة من
الرجال لم يسمعوا خطبته لم أر بأسا أن يأتيهم فيخطب خطبة خفيفة يسمعونها وليس بواجب عليه لأنه
لم يرو ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا مرة وقد خطب خطبا كثيرة وفى ذلك دلالة على أنه فعل
وترك والترك أكثر (قال) ولا يخطب الامام في الأعياد إلا قائما لان خطب النبي صلى الله عليه وسلم
كانت قائما إلا أن تكون علة فتجوز الخطبة جالسا كما تجوز الصلاة جالسا من علة (قال) ويبدأ في
الأعياد بالصلاة قبل الخطبة وإن بدأ بالخطبة قبل الصلاة رأيت أن يعيد الخطبة بعد الصلاة وإن لم
يفعل لم يكن عليه إعادة صلاة ولا كفارة، كما لو صلى ولم يخطب لم يكن عليه إعادة خطبة ولا
صلاة، ويخطب خطبتين بينهما جلوس كما يصنع في الجمعة.
التكبير في صلاة العيدين
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال حدثني جعفر بن محمد أن النبي صلى الله عليه
وسلم وأبا بكر وعمر كبروا في العيدين والاستسقاء سبعا وخمسا وصلوا قبل الخطبة وجهروا بالقراءة
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي رضى الله تعالى عنه أنه
كبر في العيدين والاستسقاء سبعا وخمسا وجهر بالقراءة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
إبراهيم قال حدثني إسحاق بن عبد الله عن عثمان بن عروة عن أبيه أن أبا أيوب وزيد بن ثابت أمرا
مروان أن يكبر في صلاة العيد سبعا وخمسا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع
مولى ابن عمر قال شهدت الفطر والأضحى مع أبي هريرة فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل
القراءة وفى الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة (قال الشافعي) وإذا ابتدأ الامام صلاة العيدين كبر
للدخول في الصلاة ثم افتتح كما يفتتح في المكتوبة فقال وجهت وجهي وما بعدها ثم كبر سبعا ليس فيها
تكبيرة الافتتاح ثم قرأ وركع وسجد فإذا قام في الثانية قام بتكبيرة القيام ثم كبر خمسا سوى تكبيرة
القيام ثم قرأ وركع وسجد كما وصفت روى عن ابن عباس (قال الشافعي) والأحاديث كلها تدل عليه
لأنهم يشبهون أن يكونوا إنما حكوا من تكبيره ما أدخل في صلاة العيدين من التكبير مما ليس في
الصلاة غيره وكما لم يدخلوا التكبيرة التي قام بها في الركعة الثانية مع الخمس كذلك يشبه أن يكونوا لم
يدخلوا تكبيرة الافتتاح في الأولى مع السبع بل هو أولى أن لا يدخل مع السبع لأنه لم يدخل في
الصلاة إلا بها ثم يقول وجهت وجهي ولو ترك التكبيرة التي يقوم بها لم تفسد صلاته (قال الشافعي)
وإذا افتتح الصلاة (1) ثم بدأ بالتكبيرة الأولى من السبعة بعد افتتاح الصلاة فكبرها ثم وقف بين الأولى
والثانية قدر قراءة آية لا طويلة ولا قصيرة فيهلل الله عز وجل ويكبره ويحمده ثم صنع هذا بين كل
تكبيرتين من السبع والخمس ثم يقرأ بعد بأم القرآن وسورة وإن أتبع بعض التكبير بعضا ولم يفصل بينه
بذكر كرهت ذلك له ولا إعادة عليه ولا سجود للسهو عليه (قال) فإن نسي التكبير أو بعضه حتى
يفتتح القراءة فقطع القراءة وكبر ثم عاد إلى القراءة لم تفسد صلاته ولا آمره إذا افتتح القراءة أن يقطعها

(1) قوله: ثم بدأ، كذا في النسخ، ولعل " ثم " زائدة، فتأمل. كتبه مصححه.
270

ولا إذا فرغ منها أن يكبر وآمره أن يكبر في الثانية تكبيرها ولا يزيد عليه لأنه ذكر في موضع إذا مضى
الموضع لم يكن على تاركه قضاؤه في غيره كما لا آمره أن يسبح قائما إذا ترك التسبيح راكعا أو ساجدا
(قال) ولو ترك التكبيرات السبع والخمس عامدا أو ناسيا لم يكن عليه إعادة ولا سجود سهو عليه لأنه
ذكر لا يفسد تركه الصلاة وأنه ليس عملا يوجب سجود السهو (قال) وإن ترك التكبير ثم ذكره فكبر
أحببت أن يعود لقراءة ثانية وإن لم يفعل لم يجب عليه أن يعود ولم تفسد صلاته (قال) فإن نفض مما
أمرته به من التكبير شيئا كرهته له ولا إعادة ولا سجود سهو عليه إلا أن يذكر التكبير قبل ان يقرأ فيكبر
ما ترك منه (قال) وإن زاد على ما أمرته به من التكبير شيئا كرهته له ولا إعادة ولا سجود للسهو عليه
لأنه ذكر لا يفسد الصلاة وأن أحببت أن يضع كلا موضعه (قال الشافعي) وإن استيقن أنه كبر في
الأولى سبعا أو أكثر أو أقل وشك هل نوى بواحدة منهن تكبيرة الافتتاح لم تجزه صلاته وكان عليه حين
شك ان يبتدئ فينوي تكبيرة الافتتاح مكانه ثم يبتدئ الافتتاح والتكبير والقراءة ولا يجزئه حتى يكون
في حاله تلك كمن ابتدأ الصلاة في تلك الحال (قال الشافعي) وإن استيقن أنه كبر سبعا أو أكثر أو
أقل وأنه نوى بواحدة منهن تكبيرة الافتتاح لا يدرى أهي الأولى أو الثانية أو الآخرة من تكبيرة افتتح
تلك الصلاة بقول: وجهت وجهي وما بعدها لأنه مستيقن لأنه قد كبر للافتتاح ثم ابتدأ تكبيره سبعا
بعد الافتتاح ثم القراءة وإن استيقن أنه قد كبر للافتتاح بين ظهراني تكبيره ثم كبر بعد الافتتاح لا يدرى
أواحدة أو أكثر؟ بنى على ما استيقن ممن التكبير بعد الافتتاح حتى يكمل سبعا (قال) وإن كبر لافتتاح
الصلاة ثم ترك الاستفتاح حتى كبر للعيد ثم ذكر الاستفتاح لم يكن عليه أن يستفتح فإن فعل أحببت
أن يعيد تكبيره للعيد سبعا حتى تكون كل واحدة منهن بعد الاستفتاح، فإن لم يفعل فلا إعادة ولا
سجود للسهو عليه.
رفع اليدين في تكبير العيدين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه حين افتتح الصلاة وحين
أراد أن يركع وحين رفع رأسه من الركوع ولم يرفع في السجود فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
كل ذكر تكبيره وقول سمع الله لمن حمده وكان حين يذكر الله عز وجل رافعا يديه قائما أو رافعا إلى قيام
من غير سجود فلم يجز إلا أن يقال يرفع المكبر في العيدين يديه عند كل تكبيرة كان قائما فيها تكبيرة
الافتتاح والسبع بعدها والخمس في الثانية ويرفع يديه عند قوله " سمع الله لمن حمده " لأنه الموضع
الذي رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يديه من الصلاة فإن ترك ذلك كله عامدا أو ساهيا أو
بعضه كرهت ذلك له ولا إعادة للتكبير عليه ولا سجود للسهو (قال) وكذلك يرفع يديه إذا كبر على
الجنازة عند كل تكبيرة وإذا كبر لسجدة سجدها شكرا أو سجدة لسجود القرآن كان قائما أو قاعدا لأنه
مبتدئ بتكبير فهو في موضع القيام وكذلك إن صلى قاعدا في شئ من هذه الصلوات يرفع يديه لأنه
في موضع قيام وكذلك صلاة النافلة وكل صلاة صلاها قائما أو قاعدا لأنه كل في موضع قيام.
القراءة في العيدين
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن ضمرة بن سعيد المازني عن أبيه
271

عن عبيد الله ابن عبد الله أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي: ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الأضحى والفطر؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ب‍ " ق والقرآن المجيد "
و " اقتربت الساعة وانشق القمر " (قال الشافعي " فأحب أن يقرأ في العيدين في الركعة الأول ب‍ " ق "
وفى الركعة الثانية ب‍ " اقتربت الساعة " وكذلك أحب أن يقرأ في الاستسقاء وإن قرأ في الركعة الثانية من
الاستسقاء " إنا أرسلنا نوحا " أحببت ذلك (قال) وإذا قرأ بأم القرآن في كل ركعة مما وصفت أجزأه ما
قرأ به معها أو اقتصر عليها أجزأته إن شاء الله تعالى من غير ولا يجزيه غيرها منها (قال) ويجهر بالقراءة
في صلاة العيدين والاستسقاء وإن خافت بها كرهت ذلك له ولا إعادة عليه وكذلك إذا جهر فيما
يخافت فيه كرهت له ولا إعادة عليه.
العمل بعد القراءة في صلاة العيدين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى، والركوع والسجود والتشهد في صلاة العيدين كهو في سائر
الصلوات لا يختلف ولا قنوت في صلاة العيدين ولا الاستسقاء، وإن قنت عند نازلة لم أكره. وإن
قنت عند غير نازلة كرهت له.
الخطبة على العصا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب اعتمد على
عصا وقد قيل خطب معتمدا على عنزة وعلى قوس وكل ذلك اعتماد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا إبراهيم عن ليث عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب يعتمد على
عنزته اعتمادا (قال الشافعي) وأحب لكل من خطب أي خطبة كانت أن يعتمد على شئ وإن ترك
الاعتماد أحببت له أن يسكن يديه وجميع بدنه ولا يعبث بيديه أما أن يضع اليمنى على اليسرى وإما أن
يسكنهما وإن لم يضع إحداهما على الأخرى وترك ما أحببت له كله أو عبث بهما أو وضع اليسرى على
اليمنى كرهته له ولا إعادة عليه.
الفصل بين الخطبتين
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الرحمن بن محمد بن
عبد الله عن إبراهيم بن عبد الله عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال السنة أن يخطب الامام في العيدين
خطبتين يفصل بينهما بجلوس (قال الشافعي) وكذلك خطبة الاستسقاء وخطبة الكسوف وخطبة الحج
وكل خطبة جماعة (قال) ويبدأ الامام في هذا كله إذا ظهر على المنبر فيسلم ويرد الناس عليه فإن هذا
يروى عاليا ثم يجلس على المنبر حين يطلع عليه جلسة خفيفة كجلوس الامام يوم الجمعة للاذان ثم يقوم
فيخطب ثم يجلس بعد الخطبة الأولى جلسة أخف من هذه أو مثلها ثم يقوم فيخطب ثم ينزل (قال)
فالخطب كلها سواء فما وصفت وفى أن لا يدع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم " بأبي وأمي
272

هو " أول كلامه وآخره (قال) ويخطب الامام على منبر وعلي بناء وتراب مرتفع وعلى الأرض وعلى
راحلته كل ذلك واسع (قال الشافعي) وإن خطب في غير يوم الجمعة خطبة واحدة وترك الخطبة أو
شيئا مما أمرته به فيها فلا إعادة عليه وقد أساء وخطبة الجمعة تخالف هذا فإن تركها صلى ظهرا أربعا
لأنها إنما جعلت جمعة بالخطبة ء فإذا لم تكن، صليت ظهرا، كل ما سوى الجمعة لا يحيل فرضا إلى
غيره.
التكبير في الخطبة في العيدين
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله
عن إبراهيم بن عبد الله عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال السنة في التكبير يوم الأضحى والفطر على
المنبر قبل الخطبة أن يبتدئ الامام قبل أن يخطب وهو قائم على المنبر بتسع تكبيرات تترى لا يفصل
بينها بكلام ثم يخطب ثم يجلس جلسة ثم يقوم في الخطبة الثانية فيفتتحها بسبع تكبيرات تترى لا
يفصل بينها بكلام ثم يخطب، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم قال أخبرني
إسماعيل بن أمية أنه سمع أن التكبير في الأولى من الخطبتين تسع وفى الآخرة سبع (قال الشافعي)
وبقول عبيد الله بن عبد الله نقول فنأمر الامام إذا قام يخطب الأولى أن يكبر تسع تكبيرات تترى لا
كلام بينهن فإذا قام ليخطب الخطبة الثانية كان يكبر سبع تكبيرات تترى لا يفصل بينهن بكلام يقول
الله أكبر الله أكبر حتى يوفى سبعا فإن أدخل بين التكبيرتين الحمد والتهليل كان حسنا ولا ينقص من
عدد التكبير شيئا ويفصل بين خطبتيه بتكبير (قال الشافعي) أخبرني الثقة من أهل المدينة أنه أثبت له
كتاب عن أبي هريرة فيه تكبير الامام في الخطبة الأولى يوم الفطر ويوم الأضحى إحدى أو ثلاثا
وخمسين تكبيرة في فصول الخطبة بين ظهراني الكلام (قال الشافعي) أخبرني من أثق به من أهل العلم
من أهل المدينة قال اخبرني من سمع عمر ابن عبد العزيز وهو خليفة يوم فطر فظهر على المنبر فسلم
ثم جلس ثم قال " إن شعار هذا اليوم التكبير والتحميد " ثم كبر مرارا الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ثم
تشهد للخطبة ثم فصل بين التشهد بتكبيرة (قال الشافعي) وإن ترك التكبير أو التسليم على المنبر أو بعض
ما أمرته به كرهته له ولا إعادة عليه في شئ من هذا إذا كان غير خطبة الجمعة.
استماع الخطبة في العيدين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأحب لمن حضر خطبة عيد أو استسقاء أو حج أو كسوف أن
ينصت ويستمع وأحب أن لا ينصرف أحد حتى يستمع الخطبة فإن تكلم أو ترك الاستماع أو انصرف
كرهت ذلك له ولا إعادة عليه ولا كفارة وليس هذا كخطبة يوم الجمعة لان صلاة يوم الجمعة فرض
(قال) وكذلك أحب للمساكين إن حضروا أن يستمعوا الخطبة ويكفوا عن المسألة حتى يفرغ الامام
من الخطبة أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني يزيد بن عبد الله ابن الهاد ان عمر بن عبد العزيز كان
يترك المساكين يطوفون يسألون الناس في المصلى في خطبته الأولى يوم الأضحى والفطر وإذا خطب
خطبته الآخرة أمر بهم فأجلسوا (قال الشافعي) وسواء الأولى والآخرة أكره لهم المسألة فإن فعلوا فلا
273

شئ عليهم فيها إلا ترك الفضل في الاستماع.
اجتماع العيدين
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا إبراهيم بن عقبة عن عمر
بن عبد العزيز قال اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " من أحب أن يجلس
من أهل العالية فليجلس في غير حرج " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن
شهاب عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال شهدت العيد مع عثمان بن عفان فجاء فصلى ثم انصرف
فخطب فقال " إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة
فلينتظرها ومن أحب أن يرجع فليرجع فقد أذنت له " (قال الشافعي) وإذا كان يوم الفطر يوم الجمعة
صلى الامام العيد حين تحل الصلاة ثم أذن لمن حضره من غير أهل المصر في أن ينصرفوا إن شاءوا إلى
أهليهم ولا يعودون إلى الجمعة والاختيار لهم أن يقيموا حتى يجمعوا أو يعودوا بعد انصرافهم إن قدروا
حتى يجمعوا وإن لم يفعلوا فلا حرج إن شاء الله تعالى (قال الشافعي) ولا يجوز هذا لاحد من أهل
المصر أن يدعوا أن يجمعوا إلا من عذر يجوز لهم به ترك الجمعة وإن كان يوم عيد (قال الشافعي)
وهكذا إن كان يوم الأضحى لا يختلف إذا كان ببلد يجمع فيه الجمعة ويصلى العيد ولا يصلى أهل منى
صلاة الأضحى ولا الجمعة لأنها ليست بمصر (قال الشافعي) وإن كسفت الشمس يوم جمعة ووافق
ذلك يوم الفطر بدأ بصلاة العيد ثم صلى الكسوف إن لم تنجل الشمس قبل أن يدخل في الصلاة
(قال) وإذا كسفت الشمس والامام في صلاة العيد أو بعده قبل أن يخطب صلى صلاة الكسوف ثم
خطب للعيد والكسوف معا خطبتين يجمع الكلام للكسوف وللعيد فيهما وإن كان تكلم لصلاة العيد ثم
كسفت الشمس خفف الخطبتين معا ونزل فصلى الكسوف ثم خطب للكسوف ثم أذن لمن أهله في غير
المصر بالانصراف كما وصفت ولا يجوز هذا لاحد من أهل المصر قدر على شهود الجمعة فإن وافق هذا
يوم فطر وجمعة وكسوف وجدب فأراد أن يستسقى آخر صلاة الاستسقاء إلى الغد أو بعده واستسقى
في خطبته ثم خرج فصلى الاستسقاء ثم خطب " قال أبو يعقوب يبدأ بالكسوف ثم بالعيد ما لم تزل
الشمس ثم بالجمعة إذا زالت الشمس لان لكل هذا وقتا وليس للاستسقاء وقت " (قال الشافعي) ولا
أحب أن يستسقى في يوم الجمعة إلا على المنبر لان الجمعة أوجب من الاستسقاء والاستسقاء يمنع من
بعد منزله قليلا من الجمعة أو يشق عليه (قال) وإن اتفق العيد والكسوف في ساعة صلى الكسوف قبل
العيد لان وقت العيد إلى الزوال ووقت الكسوف ذهاب الكسوف فإن بدأ بالعيد ففرغ من الصلاة قبل
أن تنجلي الشمس صلى الكسوف وخطب لهما معا وإن فرغ من الصلاة وقد تجلت الشمس خطب للعيد
وإن شاء ذكر فيه الكسوف.
من يلزمه حضور العيدين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا أرخص لاحد في ترك حضور العيدين ممن تلزمه الجمعة
وأحب إلي أن يصلى العيدان والكسوف بالبادية التي لا جمعة فيها وتصليها المرأة في بيتها والعبد في
274

مكانه لأنه ليس بإحالة فرض ولا أحب لاحد تركها (قال) ومن صلاها صلاها كصلاة الامام بتكبيرة
وعدده (قال الشافعي) وسواء في ذلك الرجال والنساء، ومن فاتته صلاة العيد مع الامام ووجد
الامام يخطب جلس فإذا فرغ الامام صلى صلاة العيد في مكانه أو بيته أو طريقه كما يصليها الامام
بكمال التكبير والقراءة وإن ترك صلاة العيدين من فاتته أو تركها من لا تجب عليه الجمعة كرهت ذلك
له (قال) ولا قضا عليه وكذلك صلاة الكسوف (قال الشافعي) ولا بأس إن صلى قوم مسافرون
صلاة عيد أو كسوف أن يخطبهم واحد منهم في السفر وفى القرية التي لا جمعة فيها وأن يصلوها في
مساجد الجماعة في المصر ولا أحب أن يخطبهم أحد في المصر إذا كان فيه إمام خوف الفرقة (قال)
وإذا شهد النساء الجمعة والعيدين وشهدها العبيد والمسافرون فهم كالاحرار المقيمين من الرجال ويجزئ
كلا فيها ما يجزئ كلا (قال) وأحب شهود النساء العجائز وغير ذوات الهيئة الصلاة والأعياد وأنا
لشهودهن الأعياد أشد استحبابا منى لشهودهن غيرها من الصلوات المكتوبات (قال) وإذا أراد الرجل
العيد فوافى المنصرفين فإن شاء مضى إلى مصلى الامام فصلى فيه وإن شاء رجع فصلى حيث شاء (1).
التكبير في العيدين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يكبر الناس في الفطر حين تغيب الشمس ليلة الفطر فرادى
وجماعة في كل حال حتى يخرج الامام لصلاة العيد ثم يقطعون التكبير (قال) وأحب أن يكون الامام
يكبر خلف صلاة المغرب والعشاء والصبح وبين ذلك وغاديا حتى ينتهى إلى المصلى ثم يقطع التكبير
وإنما أحببت ذلك للامام أنه كالناس فيما أحب لهم وإن تركه الامام كبر الناس (قال) ويكبر الحاج
خلف صلاة الظهر من يوم النحر إلى أن يصلوا الصبح من آخر أيام التشريق ثم يقطعون التكبير إذا كبروا
خلف صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ويكبر إمامهم خلف الصلوات فيكبرون معا ومتفرقين ليلا
ونهارا وفى كل هذه الأحوال لان في الحج ذكرين يجهر بهما التلبية وهي لا تقطع إلا بعد الصبح من يوم
النحر والصلاة مبتدأ التكبير ولا صلاة بعد رمى الجمرة يوم النحر قبل الظهر ثم لا صلاة: " منى " بعد
الصبح من آخر أيام منى (قال) ويكبر الناس في الآفاق والحضر والسفر كذلك، ومن يحضر منهم
الجماعة ولم يحضرها والحائض والجنب وغير المتوضئ في الساعات من الليل والنهار ويكبر الامام ومن

(1) وجد في نسخة السراج البلقيني بعد هذا ما نصه:
وقال في آخر الضحايا الثاني (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكل موضع وجبت فيه الجمعة صلى
فيه العيدان وكل موضع لم تجب فيه الجمعة لم يصل فيه العيدان وإذا سقطت الجمعة التي هي فرض
كان العيدان أولى أن يسقطا وقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم " منى " ثم الأئمة فما صلى واحد
منهم علمته عيدا ولو كان العيدان إذا كانا نافلة يصليان في الموضع الذي لا يكون فيه جمعة كانت
" منى " أولى المواضع به لكثرة الناس وحضور الأئمة ولكن سنتهما ما وصفت فإن أراد رجل في يوم عيد
إذا كان ليس بموضع يكون فيه الجمعة أن يتنفل بركعتين أو أكثر لم أر بذلك بأسا وليس هو من صلاة
العيد بسبيل وإذا فعل ذلك لم يكبر تكبير العيد (قال الشافعي) وقد قيل يصلي صلاة العيدين على تكبير
العيدين وإن لم يكن في موضع تجب فيه الجمعة لأنها ليست بفرض.
275

خلفه خلف الصلوات ثلاث تكبيرات وأكثر وإن ترك ذلك الامام كبر من خلفه، ويكبر أهل الآفاق
كما يكبر أهل " منى " ولا يخالفونهم في ذلك إلا في أن يتقدموهم بالتكبير فلو ابتدأوا بالتكبير خلف
صلاة المغرب من ليلة النحر قياسا على أمر الله في الفطر من شهر رمضان بالتكبير مع إكمال العدة وأنهم
ليسوا محرمين يلبون فيكتفون بالتلبية من التكبير لم أكره ذلك وقد سمعت من يستجب هذا وإن لم يكبروا
وأخروا ذلك حتى يكبروا بتكبير أهل " منى " فلا بأس إن شاء الله تعالى وقد روى عن بعض السلف أنه
كان يبتدئ التكبير خلف صلاة الصبح من يوم عرفة وأسأل الله تعالى التوفيق (قال الشافعي) ويكبر
الامام خلف الصلوات ما لم يقم من مجلسه فإذا قام من مجلسه لم يكن عليه أن يعود إلى مجلسه فيكبر
وأحب أن يكبر ماشيا كما هو أو في مجلس إن صار إلى غير مجلسه (قال) ولا يدع من خلفه التكبير
بتكبيره ولا يدعونه إن ترك التكبير وإن قطع بحديث وكان في مجلسه فليس عليه أن يكبر من ساعته
واستحب له ذلك فإذا سها لم يكبر حتى يسلم من سجدتي السهو (قال) وإذا فات رجلا معه شئ من
الصلاة فكبر الامام قام الذي فاته بعض الصلاة يقضى ما عليه، فإن كان عليه سهو سجد له، فإذا
سلم كبر ويكبر خلف النوافل وخلف الفرائض وعلى كل حال.
كيف التكبير؟
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى والتكبير كما كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة " الله
أكبر " فيبدأ الامام فيقول: " الله أكبر الله أكبر الله أكبر " حتى يقولها ثلاثا وإن زاد تكبيرا فحسن وإن
زاد فقال: " الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا الله أكبر ولا نعبد إلا الله مخلصين
له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا
الله والله أكبر " فحسن وما زاد مع هذا من ذكر الله أحببته، غير أنى أحب أن يبدأ بثلاث تكبيرات
نسقا وإن اقتصر على واحدة أجزأته وإن بدأ بشئ من الذكر قبل التكبير أو لم يأت بالتكبير فلا كفارة
عليه.
كتاب صلاة الكسوف
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى " ومن آياته الليل والنهار
والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون * فإن
استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون " وقال الله تبارك وتعالى " إن في
خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجرى في البحر بما ينفع الناس " إلى قوله
" يعقلون " مع ما ذكر من الآيات في كتابه (قال الشافعي) فذكر الله عز وجل الآيات ولم يذكر معها
سجودا إلا مع الشمس والقمر وأمر بأن لا يسجد لهما وأمر بأن يسجد له فاحتمل امره أن يسجد له عند
ذكر الشمس والقمر بأن يأمر بالصلاة عند حادث في الشمس والقمر واحتمل أن يكون إنما نهى عن
السجود لهما كما نهى عن عبادة ما سواه، فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يصلى لله
276

عند كسوف الشمس والقمر فأشبه ذلك معنيين أحدهما أن يصلى عند كسوفهما لا يختلفان في ذلك وأن
لا يؤمر عند كل آية كانت في غيرهما بالصلاة كما أمر بها عندهما لان الله تبارك وتعالى لم يذكر في شئ
من الآيات صلاة والصلاة في كل حال طاعة لله تبارك وتعالى وغبطة لمن صلاها (قال الشافعي)
فيصلى عند كسوف الشمس والقمر صلاة جماعة ولا يفعل ذلك في شئ من الآيات غيرهما أخبرنا
الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس
قال " كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله عليه وسلم والناس معه
فقام قياما طويلا قال نحوا من قراءة سورة البقرة قال ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع فقام قياما طويلا وهو
دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم سجد ثم قام قياما طويلا وهو دون
القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم رفع ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام
الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم سجد ثم انصرف وقد تجلت الشمس فقال: " إن
الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله " قالوا
يا رسول الله رأيناك قد تناولت في مقامك هذا شيئا ثم رأيناك كأنك تكعكعت فقال: " إني رأيت أو
أريت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ورأيت أو أريت النار فلم أر كاليوم
منظرا ورأيت أكثر أهلها النساء " فقالوا: لم يا رسول الله؟ قال " بكفرهن " قيل: أيكفرن بالله؟
قال: " يكفرن العشيرة ويكفرن الاحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت: ما
رأيت منك خيرا قط " (قال الشافعي) فذكر ابن عباس ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
الصلاة دليل على أنه خطب بعدها وكان في ذلك دليل على أنه فرق بين الخطبة للسنة والخطبة
للفرض فقدم خطبة الجمعة لأنها مكتوبة قبل الصلاة وأخر خطبة الكسوف لأنها ليست من الصلوات
الخمس، وكذلك صنع في العيدين لأنهما ليستا من الصلوات وهكذا ينبغي أن تكون في صلاة
الاستسقاء وذكر أنه أمر في كسوف الشمس والقمر بالفزع إلى ذكر الله وكان ذكر الله عز وجل الذي
فزع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم التذكير فوافق ذلك قول الله عز وجل " قد أفلح " من تزكى
وذكر اسم ربه فصلى " (قال الشافعي) فكان في قول ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كفاية من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر في خسوف القمر بما أمر به في كسوف الشمس
والذي أمر به في كسوف الشمس فعله من الصلاة والذكر ثم ذكر سفيان ما يوافق هذا (قال الشافعي)
أخبرنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود الأنصاري قال
انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا
إلى ذكر الله والى الصلاة (قال الشافعي) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أيضا فيهما
معا بالصلاة (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم عن عبد الله بن أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم عن
الحسن عن ابن عباس " إن القمر انكسف وابن عباس بالبصرة فخرج ابن عباس فصلى بنا ركعتين في
كل ركعة ركعتان ثم ركب فخطبنا فقال: إنما صليت كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى قال
وقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم شيئا منهما
كاسفا فليكن فزعكم إلى الله " (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة
عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الشمس كسفت فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوصفت صلاته
277

ركعتين في كل ركعة ركعتان " (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبي
صلى الله عليه وسلم مثله (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني أبو سهيل نافع عن أبي
قلابة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (قال الشافعي) وروى عن ابن عباس أنه
قال: قمت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة كسوف الشمس فما سمعت منه حرفا "
وفى قوله بقدر سورة البقرة دليل على أنه لم يسمع ما قرأ به لأنه لو سمعه لم يقدر بغيره.
وقت كسوف الشمس
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فمتى كسفت الشمس نصف النهار أو بعد العصر أو قبل ذلك
صلى الامام بالناس صلاة الكسوف لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة لكسوف الشمس فلا
وقت يحرم فيه صلاة أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لا يحرم في وقت الصلاة الفائتة ولا
الصلاة على الجنازة ولا الصلاة للطواف ولا الصلاة يؤكدها المرء على نفسه بأن يلزمها فيشتغل عنها أو
ينساها (قال) وإن كسفت الشمس في وقت صلاة بدأ بالصلاة لكسوف الشمس وقدر المصلى أن
يخرج من صلاة كسوف الشمس ويصلى المكتوبة ثم يخطب لكسوف الشمس بعد المكتوبة (قال
الشافعي) وإن كسفت الشمس في وقت الجمعة بدأ بصلاة كسوف الشمس وخفف فيها فقرأ في كل
واحدة من الركعتين اللتين في الركعة بأم القرآن وسورة " قل هو الله أحد " وما أشبهها ثم خطب في
الجمعة وذكر الكسوف في خطبة الجمعة وجمع فيها الكلام في الخطبة في الكسوف والجمعة ونوى بها
الجمعة ثم صلى الجمعة (قال) وإن كان أخر الجمعة حتى يرى أنه صلى صلاة الكسوف كأخف ما
تكون صلاته لم يدرك أن يخطب يجمع حتى يدخل وقت العصر بدأ بالجمعة فإن فرغ منها والشمس
كاسفة صلى صلاة الكسوف وإن فرغ منها وقد تجلت الشمس فتتام تجليها حتى تعود كما كانت قبل
الكسوف لم يصل الكسوف ولم يقض لأنه عمل في وقت فإذا ذهب الوقت لم يعمل (قال) وهكذا
يصنع في كل مكتوبة اجتمعت والكسوف فخيف فوتها يبدأ بالمكتوبة وإن لم يخف الفوت بدأ بصلات
الكسوف ثم المكتوبة لأنه لا وقت في الخطبة (قال) وإن اجتمع كسوف وعيد واستسقاء وجنازة بدأ
بالصلاة على الجنازة (1) وإن لم يكن حضر الامام أمر من يقوم بأمرها وبدأ بالكسوف فإن فرغت
الجنازة صلى عليها أو تركها ثم صلى العيد وأخر الاستسقاء إلى يوم غير اليوم الذي هو فيه (قال) وإن خاف
فوت العيد صلى وخفف ثم خرج من صلاته إلى صلاة الكسوف ثم خطب للعيد والكسوف ولا يضره
أن يخطب بعد الزوال لهما لأنه ليس كخطبة الجمعة (قال) وإن كان الكسوف بمكة عند رواح الامام
إلى الصلاة " منى " صلوا الكسوف وإن خاف ان تفوته صلاة الظهر: " منى " صلاها بمكة (قال) وإن
كان الكسوف بعرفة عند الزوال قدم صلاة الكسوف ثم صلى الظهر والعصر فإن خاف فوتهما بدأ بهما ثم
صلى الكسوف ولم يدعه للموقف وخفف صلاة الكسوف والخطبة (قال) وهكذا يصنع في خسوف
القمر (قال) وإن كسفت الشمس بعد العصر وهو بالموقف صلى الكسوف ثم خطب على بعيره ودعا وإن
خسف القمر قبل الفجر بالمزدلفة أو بعده صلى الكسوف وخطب ولو حبسه ذلك إلى طلوع الشمس

(1) قوله: وإن لم يكن حضر الامام الخ كذا في النسخ، وحرر.
278

ويخفف لئلا يحبسه إلى طلوع الشمس إن قدر (قال الشافعي) إذا اجتمع أمران يخاف أبدا فوت
أحدهما ولا يخاف فوت الآخر بدأ بالذي يخاف فوته ثم رجع إلى الذي لا يخاف فوته (قال) وإن
خسف القمر وقت صلاة القيام بدأ بصلاة الخسوف وكذلك يبدأ به قبل الوتر وركعتي الفجر لأنه
صلاة جماعة والوتر وركعتا الفجر صلاة انفراد فيبدأ به قبلهما ولو فاتا (قال) وإذا كسفت الشمس ولم
يصلوا حتى تغيب كاسفة أو متجلية لم يصلوا لكسوف الشمس وكذلك لو خسف القمر فلم يصلوا حتى
تجلى أو تطلع الشمس لم يصلوا وإن صلوا الصبح وقد غاب القمر خاسفا صلوا الخسوف القمر بعد
الصبح ما لم تطلع الشمس ويخففون الصلاة لخسوف القمر في هذه الحال حتى يخرجوا منها قبل
طلوع الشمس فإن افتتحوا الصلاة بعد الصبح وقبل الشمس فلم يفرغوا منها حتى تطلع الشمس أتموها
(قال الشافعي) ويخطب بعد تجلى الشمس لان الخطبة تكون بعد تجلى الشمس والقمر وإذا كسفت
الشمس ثم حدث خوف صلى الامام صلاة الخسوف صلاة خوف كما يصلى المكتوبة صلاة خوف لا
يختلف ذلك (1) وكذلك يصلي صلاة الخسوف وصلاة شدة الخوف إيماء حيث توجه راكبا وماشيا
فإن أمكنه الخطبة والصلاة تكلم، وإن لم يمكنه فلا يضره (قال) وإن كسفت الشمس في حضر
فغشى أهل البلد عدو مضوا إلى العدو، فإن أمكنهم في صلاة الكسوف ما يمكنهم في المكتوبة صلوها
صلاة خوف، وإن لم يمكنهم ذلك صلوها صلاة شدة الخوف طالبين ومطلوبين ولا يختلف (قال
الشافعي) ومتى غفل عن صلاة الكسوف حتى تجلى الشمس لم يكن عليهم صلاتها ولا قضاؤها (قال)
فإن غفلوا عنها حتى تنكسف كلها ثم ينجلى بعضها صلوا صلاة كسوف متمكنين إذا لم يكونوا خائفين
ولا متفاوتين وإن انجلت لم يخرجوا من الصلاة حتى يفرغوا منها وهي كاسفة حتى تعود بحالها قبل أن
تكسف (قال) وإن انكسفت فجللها سحاب أو غبار أو حائل ما كان فظنوا أنها تجلت صلوا صلاة
الكسوف إذا علموا أنها قد كسفت فهي على الكسوف حتى يستيقنوا بتجليها ولو تجلى بعضها فرأوه صافيا
لم يدعوا الصلاة لأنهم مستيقنون بالكسوف ولا يدرون انجلى المغيب منها أم لم ينجل وقد يكون الكسوف
في بعضها دون بعض وتنكسف كلها فيتجلى بعضها دون بعض حتى يتجلى الباقي بعده (قال الشافعي)
ولو طلعت في طخاف أو غيانة أو غمامة فتوهموها كاسفة لم يصلوها حتى يستيقنوا كسوفها (قال) وإذا
توجه الامام ليصلى صلاة الكسوف فلم يكبر حتى تنجلي الشمس لم يكن عليه أن يصلى الكسوف وإن
كبر ثم تجلت الشمس أتم صلاة الكسوف بكمالها (قال) وإن صلى صلاة الكسوف فأكملها ثم انصرف
والشمس كاسفة يزيد كسوفها أو لا يزيد لم يعد الصلاة وخطب الناس لأنا لا نحفظ أن النبي صلى الله
عليه وسلم صلى في كسوف إلا ركعتين وصلاة خسوف القمر كصلاة كسوف الشمس لا يختلفان في
شئ إلا أن الامام لا يجهر بالقراءة في صلاة كسوف الشمس لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجهر فيها
كما يجهر في صلاة الأعياد وأنها من صلاة النهار ويجهر بالقراءة في صلاة الخسوف لأنها من صلاة
الليل وقد سن النبي صلى الله عليه وسلم الجهر بالقراءة في صلاة الليل.

(1) قوله: وكذلك يصلى صلاة الخسوف وصلاة شدة الخوف، كذا في النسخ بالواو، ولعلها
من زيادة الناسخ. تأمل. كتبه مصححه.
279

الخطبة في صلاة الكسوف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويخطب الامام في صلاة الكسوف نهارا خطبتين يجلس في
الأولى حين يصعد المنبر ثم يقوم فإذا فرغ من الخطبة الأولى جلس ثم يقوم فيخطب الثانية فإذا فرغ نزل
(قال الشافعي) ويجعلها كالخطب يبدأ بحمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم وحض الناس
على الخير وأمرهم بالتوبة والتقرب إلى الله عز وجل ويخطب في موضع مصلاه ويصلى في المسجد
حيث يصلى الجمعة لا حيث يصلى الأعياد وإن ترك ذلك وصلى في غيره أجزأه إن شاء الله تعالى فإن
كان بالموقف بعرفة خطب راكبا وفصل بين الخطبتين بسكتة كالسكتة إذا خطب على منبره وأحب إلى أن يسمع الامام في الخطبة في الكسوف والعيدين والاستسقاء وينصت لها وإن انصرف رجل قبل أن
يسمع لها أو تكلم كرهت ذلك له ولا إعادة عليه وإن ترك الامام الخطبة أو خطب على غير ما أمر به
كرهت ذلك له ولا إعادة عليه (قال الشافعي) وأحب للقوم بالبادية والسفر وحيث لا يجمع فيه الصلاة
أن يخطب بهم أحدهم ويذكرهم إذا صلوا الكسوف (قال) ولا أحب ذلك للنساء في البيوت لأنه
ليس من سنة النساء أن يخطبن إذا لم يكن مع رجال.
الاذان للكسوف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا أذان لكسوف ولا لعيد ولا لصلاة غير مكتوبة وإن أمر الامام
من يصيح " الصلاة جامعة " أحببت ذلك له فإن الزهري يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر
المؤذن في صلاة العيدين " الصلاة جامعة ".
قدر صلاة الكسوف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأحب أن يقوم الامام في صلاة الكسوف فيكبر ثم يفتتح كما
يفتتح المكتوبة ثم يقرأ في القيام الأول بعد الافتتاح بسورة البقرة إن كان يحفظها أو قدرها من القرآن
إن كان لا يحفظها ثم يركع فيطيل ويجعل ركوعه قدر مائة آية من سورة البقرة ثم يرفع ويقول سمع الله لمن
حمده ربنا ولك الحمد، ثم يقرأ بأم القرآن وقدر مائتي آية من البقرة ثم يركع بقدر ثلثي ركوعه الأول ثم
يرفع ويسجد ثم يقوم في الركعة الثانية فيقرأ بأم القرآن وقدر مائة وخمسين آية من البقرة ثم يركع بقدر
سبعين آية من البقرة ثم يرفع فيقرأ بأم القرآن وقدر مائة آية من البقرة ثم يركع بقدر قراءة خمسين آية من
البقرة ثم يرفع ويسجد (قال الشافعي) وإن جاوز هذا في بعض وقصر عنه في بعض أو جاوزه في كل
أو قصر عنه في كل إذا قرأ أم القرآن في مبتدأ الركعة وعند رفعه رأسه من الركعة قبل الركعة الثانية في
كل ركعة أجزأه (قال الشافعي) وإن ترك أم القرآن في ركعة من صلاة الكسوف في القيام الأول أو
القيام الثاني لم يعتد بتلك الركعة وصلى ركعة أخرى وسجد سجدتي السهو كما إذا ترك أم القرآن في ركعة
واحدة من صلاة المكتوبة لم يعتد بها كأنه قرأ بأم القرآن عند افتتاح الصلاة ثم ركع فرفع فلم يقرأ بأم
280

القرآن حتى رفع ثم يعود لام القرآن فيقرؤها ثم يركع، وإن ترك أم القرآن حتى يسجد ألغى السجود
وعاد إلى القيام حتى يركع بعد أم القرآن (قال) ولا يجزئ ان يؤم في صلاة الكسوف إلا من يجزئ
أن يؤم في الصلاة المكتوبة فإن أم أمي قراء لم تجزئ صلاتهم عنهم وإن قرؤا معه إذا كانوا يأتمون به
(قال) وإن أمهم قارئ أجزأت صلاته عنهم وإذا قلت لا تجزئ عنهم أعادوا بإمام ما كانت الشمس
كاسفة وإن تجلت لم يعيدوا، وإن امتنعوا كلهم من الإعادة إلا واحدا أمرت الواحد أن يعيد، فإن
كان معه غيره أمرتهما أن يجمعا.
صلاة المنفردين في صلاة الكسوف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الله بن أبي بكر عن عمرو
أو صفوان ابن عبد الله بن صفوان قال رأيت ابن عباس صلى على ظهر زمزم لكسوف الشمس ركعتين
في كل ركعة ركعتين (قال الشافعي) ولا أحسب ابن عباس صلى صلاة الكسوف إلا أن الوالي تركها
لعل الشمس تكون كاسفة بعد العصر فلم يصل فصلى ابن عباس أو لعل الوالي كان غائبا أو امتنع من
الصلاة (قال) فهكذا أحب لكل من كان حاضرا إماما أن يصلى إذا ترك الامام صلاة الكسوف أن
يصلى علانية إن لم يخف وسرا إن خاف الوالي في أي ساعة كسفت الشمس وأحسب من روى عنه ان
الشمس كسفت بعد العصر وهو بمكة تركها في زمان بنى أمية اتقاء لهم فأما أيوب بن موسى فيذهب
إلى أن لا صلاة بعد العصر لطواف ولا غيره والسنة تدل على ما وصفت من أن يصلى بعد العصر
لطواف والصلاة المؤكدة تنسى ويشتغل عنها ولا يجوز ترك صلاة الكسوف عندي لمسافر ولا مقيم ولا
لاحد جاز له أن يصلي بحال فيصليها كل من وصفت بإمام تقدمه ومنفردا إن لم يجد إماما ويصليها كما
وصفت صلاة الامام ركعتين، في كل ركعة ركعتين وكذلك خسوف القمر (قال) وإن خطب الرجل
الذي وصفت فذكرهم لم أكره (قال) وإن كسفت الشمس ورجل مع نساء فيهن ذوات محرم منه صلى
بهن وإن لم يكن فيهن ذوات محرم منه كرهت ذلك له وإن صلى بهن فلا بأس إن شاء الله تعالى فإن كن
اللاتي يصلين نساء فليس من شأن النساء الخطبة ولكن لو ذكرتهن إحداهن كان حسنا (قال) وإذا
صلى الرجل وحده صلاة الكسوف ثم أدركها مع الامام صلاها كما يصنع في المكتوبة وكذلك المرأة فلا
أكره لمن لا هيئة لها بارعة من النساء ولا للعجوز ولا للصبية شهود صلاة الكسوف مع الامام بل أحبها
لهن وأحب إلى لذوات الهيئة أن يصلينها في بيوتهن.
الصلاة في غير كسوف الشمس والقمر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا آمر بصلاة جماعة في زلزلة ولا ظلمة ولا لصواعق ولا ريح ولا
غير ذلك من الآيات، وآمر بالصلاة منفردين كما يصلون منفردين سائر الصلوات.
كتاب الاستسقاء
متى يستسقى الامام وهل يسأل الامام رفع المطر إذا خاف ضرره؟
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله
281

عليه وسلم فقال: " يا رسول الله هلكت المواشي وتقطعت السبل فادع الله فدعا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فمطرنا من جمعة إلى جمعة قال فجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله
تهدمت البيوت وتقطعت السبيل وهلكت المواشي فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم
على رؤوس الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر " فانجابت عن المدينة انجياب الثوب) (قال
الشافعي) فإذا كان جدب أو قلة ماء في نهر أو عين أو بئر في حاضر أو باد من المسلمين لم أحب للامام
ان يتخلف عن أن يعمل عمل الاستسقاء وإن تخلف عن ذلك لم تكن عليه كفارة ولا قضاء وقد أساء
في تخلفه عنه وترك سنة فيه وإن لم تكن واجبة وموضع فضل، فإن قال قائل: فكيف لا يكون واجبا
عليه أن يعمل عمل الاستسقاء من صلاة وخطبة؟ قيل لا فرض من الصلاة إلا خمس صلوات،
وفى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن جدبا كان ولم يعمل رسول الله صلى الله
عليه وسلم في أوله عمل الاستسقاء وقد عمله بعد مدة منه فاستسقى وبذلك قلت لا يدع الامام
الاستسقاء وإن لم يفعل الامام لم أر للناس ترك الاستسقاء لان المواشي لا تهلك إلا وقد تقدمها جدب
دائم، وأما الدعاء بالاستسقاء فمما لا أحب تركه إذا كان الجدب، وإن لم يكن ثم صلاة ولا خطبة
وإن استسقى فلم تمطر الناس أحببت ان يعود ثم يعود حتى يمطروا وليس استحبابي لعودته الثانية بعد
الأولى ولا الثالثة بعد الثانية كاستحبابي للأولى وإنما أجزت له العود بعد الأولى أن الصلاة والجماعة في
الأولى فرض وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى سقى أولا فإذا سقوا أولا لم يعد الامام،
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني من لا أتهم عن سليمان بن عبد الله بن عويمر الأسلمي عن
عروة بن الزبير عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: أصاب الناس سنة شديدة على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم فمر بهم يهودي فقال: أما والله لو شاء صاحبكم لمطرتم ما شئتم ولكنه لا يحب ذلك
فأخبر الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول اليهودي قال: " أو قد قال ذلك؟ " فقالوا نعم قال إني
لأستنصر بالسنة على أهل نجد وإني لأرى السحابة خارجة من العين فأكرهها موعدكم يوم كذا أستسقي
لكم " فلما كان ذلك اليوم غدا الناس فما تفرق الناس حتى مطروا ما شاءوا فما أقلعت السماء جمعة وإذا
خاف الناس غرقا من سيل أو نهر دعوا الله بكف الضرر عنهم كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم بكف
الضرر عن البيوت ان تهدمت وكذلك يدعو بكف الضرر من المطر عن المنازل وأن يجعل حيث ينفع ولا
يضر البيوت من الشجر والجبال والصحارى إذا دعا بكف الضرر ولم آمر بصلاة جماعة وأمرت الامام
والعامة يدعون في خطبة الجمعة وبعد الصلوات ويدعو في كل نازلة نزلت بأحد من المسلمين وإذا
كانت ناحية مخصبة وأخرى مجدبة فحسن أن يستسقى إمام الناحية المخصبة لأهل الناحية المجدبة
ولجماعة المسلمين ويسأل الله الزيادة لمن أخصب مع استسقائه لمن أجدب فإن ما عند الله واسع ولا
أحضه على الاستسقاء لمن ليس بين ظهرانيه كما أحضه على الاستسقاء لمن هو بين ظهرانية ممن قاربه
ويكتب إلى الذي يقوم بأمر المجدبين أن يستسقى لهم أو أقرب الأئمة بهم، فإن لم يفعل أحببت أن
يستسقى لهم رجل من بين ظهرانيهم.
من يستسقي بصلاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكل إمام صلى الجمعة وصلى العيدين استسقى وصلى الخسوف ولا
282

يصلى الجمعة إلا حيث تجب لأنها ظهر فإذا صليت جمعة قصرت منها ركعتان ويجوز أن يستسقى
وأستحب أن يصلى العيدين والخسوف حيث لا يجمع من بادية وقرية صغيرة ويفعله مسافرون في البدو
لأنها ليست بإحالة شئ من فرض وهي سنة ونافلة خير ولا أحب تركه بحال وإن كان أمري به
واستحبابيه حيث لا يجمع ليس هو كاستحبابيه حيث يجمع، وليس كامرئ به من يجمع من الأئمة
والناس وإنما أمرت به كما وصفت لأنها سنة ولم ينه عنه أحد يلزم أمره وإذا استسقى الجماعة بالبادية
فعلوا ما يفعلونه في الأمصار من صلاة أو خطبة وإذا خلت الأمصار من الولاة قدموا أحدهم للجمعة
والعيدين والخسوف والاستسقاء كما قد قدم الناس أبا بكر وعبد الرحمن بن عوف للصلاة مكتوبة
ورسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم يصلح بين بنى عمر بن عوف وعبد الرحمن في غزوة تبوك ورسول الله
صلى الله عليه وسلم قد ذهب لحاجته ثم غبط رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بما صنعوا من تقدم
عبد الرحمن بن عوف فإذا أجاز هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المكتوبة غير الجمعة كانت
الجمعة مكتوبة وكان هذا في غير المكتوبة مما ذكرت أجوز.
الاستسقاء بغير الصلاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويستسقى الامام بغير صلاة مثل أن يستسقى بصلاة وبعد خطبته
وصلاته وخلف صلاته وقد رأيت من يقيم مؤذنا فيأمره بعد صلاة الصبح والمغرب أن يستسقى ويخص
الناس على الدعاء فما كرهت من صنع ذلك.
الاذان لغير المكتوبة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا أذان ولا إقامة إلا للمكتوبة، فأما الخسوف والعيدان
والاستسقاء وجميع صلاة النافلة فبغير اذان ولا إقامة.
كيف يبتدئ الاستسقاء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وبلغنا عن بعض الأئمة أنه كان إذا أراد أن يستسقى أمر الناس
فصاموا ثلاثة أيام متتابعة وتقربوا إلى الله عز وجل بما استطاعوا من خير ثم خرج في اليوم الرابع
فاستسقى بهم وأنا أحب ذلك لهم وآمرهم أن يخرجوا في اليوم الرابع صياما من غير أن أوجب ذلك
عليهم ولا على إمامهم ولا أرى بأسا أن يأمرهم بالخروج ويخرج قبل ان يتقدم إليهم في الصوم وأولى
ما يتقربون إلى الله أداء ما يلزمهم من مظلمة في دم أو مال أو عوض ثم صلح المشاجر والمهاجر ثم
يتطوعون بصدقة وصلاة وذكر وغيره من البر وأحب كلما أراد الامام العودة إلى الاستسقاء أن يأمر
أن يصوموا قبل عودته إليه ثلاثا.
283

الهيئة للاستسقاء للعيدين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجمعة والعيدين بأحسن
هيئة، وروى أنه خرج في الاستسقاء متواضعا وأحسب الذي رواه قال متبذلا فأحب في العيدين أن
يخرج بأحسن ما يجد من الثياب وأطيب الطيب ويخرج في الاستسقاء متنظفا بالماء وما يقطع تغير
الرائحة من سواك وغيره وفي ثياب تواضع ويكون مشيه وجلوسه وكلامه كلام تواضع واستكانة وما
أحببت للامام في الحالات من هذا أحببته للناس كافة وما لبس الناس والامام مما يحل لهم الصلاة فيه
أجزأه وإياهم.
خروج النساء والصبيان في الاستسقاء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأحب أن يخرج الصبيان ويتنظفوا للاستسقاء وكبار النساء ومن لا
هيئة له منهن ولا أحب خروج ذوات الهيئة ولا آمر بإخراج البهائم وأكره إخراج من خالف الاسلام
للاستسقاء مع المسلمين في موضع مستسقى المسلمين وغيره وآمر بمنعهم من ذلك فإن خرجوا متميزين
على حدة لم نمنعهم ذلك ونساؤهم فيما أكره من هذا كرجالهم ولو تميز نساؤهم، لم أكره مخرجهم
ما أكره من مخرج بالغيهم ولو ترك سادات العبيد المسلمين العبيد يخرجون كان أحب إلى وليس يلزمهم
تركهم، والإماء مثل الحرائر، وأحب إلي لو ترك عجائزهن ومن لا هيئة له منهن يخرج، ولا أحب
ذلك في ذوات الهيئة منهن، ولا يجب على ساداتهن تركهن يخرجن.
المطر قبل الاستسقاء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تهيأ الامام للخروج فمطر الناس مطرا قليلا أو كثيرا،
أحببت أن يمضى والناس على الخروج فيشكروا الله على سقياه ويسألوا الله زيادته وعموم خلقه بالغيث
وأن لا يتخلفوا فإن فعلوا فلا كفارة ولا قضاء عليهم، فإن كانوا يمطرون في الوقت الذي يريد الخروج
بهم فيه استسقى بهم في المسجد أو أخر ذلك إلى أن يقلع المطر ولو نذر الامام أن يستسقى ثم سقى
الناس وجب عليه أن يخرج فيوفي نذره، وإن لم يفعل فعليه قضاؤه وليس عليه أن يخرج بالناس
لأنه لا يملكهم ولا له أن يلزمهم أن يستسقوا في غير جدب وكذلك لو نذر رجل أن يخرج يستسقى
كان عليه أن يخرج للنذر بنفسه فإن نذر أن يخرج بالناس كان عليه أن يخرج بنفسه وان لم يكن عليه أن
يخرج بالناس لأنه لا يملكهم ولا نذر فيما لا يملك ابن آدم، وأحب أن يخرج بمن أطاعه منهم من
ولده وغيرهم، فإن كان في نذره أن يخطب فيخطب ويذكر الله تعالى ويدعو جالسا إن شاء لأنه ليس
في قيامه إذا لم يكن واليا ولا معه جماعة بالذكر طاعة وإن نذر أن يخطب على منبر فليخطب جالسا
وليس عليه أن يخطب على منبر لأنه لا طاعة في ركوبه لمنبر ولا بعير ولا بناء، إنما أمر بهذا الامام
ليسمع الناس فإن كان إماما ومعه ناس لم يف نذره إلا بالخطبة قائما لان الطاعة إذا كان معه ناس فيها
أن يخطب قائما فإذا فعل هذا كله فوقف على منبر أو جدار أو قائما أجزأه من نذره ولو نذر أن يخرج
284

فليستسقي أحببت له أن يستسقى في المسجد ويجزئه لو استسقى في بيته.
أين يصلى للاستسقاء؟
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويصلى الامام حيث يصلى العيد في أوسع ما يجد على الناس
وحيث استسقى أجزأه إن شاء الله تعالى.
الوقت الذي يخرج فيه الامام للاستسقاء وما يخطب عليه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويخرج الامام للاستسقاء في الوقت الذي يصل فيه إلى موضع
مصلاه وقد برزت الشمس فيبتدئ فيصلى فإذا فرغ خطب ويخطب على منبر يخرجه إن شاء، وإن
شاء خطب راكبا أو على جدار أو شئ يرفع له أو على الأرض، كل ذلك جائز له.
كيف صلاة الاستسقاء؟
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو أنه سمع
عباد بن تميم يقول سمعت عبد الله بن زيد المازني يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى
فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة (قال الشافعي) أخبرني من لا أتهم عن جعفر بن محمد أن
النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يجهرون بالقراءة في الاستسقاء ويصلون قبل الخطبة
ويكبرون في الاستسقاء سبعا وخمسا، أخبرنا إبراهيم بن محمد قال اخبرني جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه (قال الشافعي) أخبرني سعد بن إسحاق عن صالح عن ابن المسيب عن عثمان
بن عفان أنه كبر في الاستسقاء سبعا وخمسا أخبرني إبراهيم بن محمد قال: أخبرني أبو الحويرث عن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه انه سأل ابن عباس عن التكبير في صلاة الاستسقاء فقال مثل
التكبير في صلاة العيدين سبع وخمس، أخبرنا ابن عيينة قال اخبرني عبد الله بن أبي بكر قال سمعت
عباد بن تميم يخبر عن عمه عبد الله بن زيد قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقي
فاستقبل القبلة وحول رداءه وصلى ركعتين أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني هشام بن إسحاق بن
عبد الله بن كنانة عن أبيه عن ابن عباس مثله، أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني صالح بن محمد بن
زائدة عن عمر بن عبد العزيز أنه كبر في الاستسقاء سبعا وخمسا وكبر في العيدين مثل ذلك أخبرنا
إبراهيم قال حدثني عمرو بن يحيى بن عمارة أن أبا بكر بن عمرو بن حزم أشار على محمد بن هشام أن
يكبر في الاستسقاء سبعا وخمسا (قال الشافعي) فبهذا كله نأخذ فنأمر الامام يكبر في الاستسقاء سبعا
وخمسا قبل القراءة ويرفع يديه عند كل تكبيرة من السبع والخمس ويجهر بالقراءة ويصلى ركعتين لا
يخالف صلاة العيد بشئ ونأمره أن يقرأ فيها ما يقرا في صلاة العيدين فإذا خافت بالقراءة في صلاة
الاستسقاء فلا إعادة عليه وإن ترك التكبير فكذلك ولا سجود للسهو عليه وإن ترك التكبير حتى يفتتح
القراءة في ركعة لم يكبر بعد افتتاحه القراءة وكذلك إن كبر بعض التكبير ثم افتتح القراءة لم يقض
285

التكبير في تلك الركعة وكبر في الأخرى تكبيرها ولم يقض ما ترك من تكبير الأولى فإن صنع في الأخرى
كذلك صنع هكذا يكبر قبل أن يقرأ ولا يكبر بعدما يقرأ في الركعة التي افتتح فيها القراءة (قال
الشافعي) وهكذا هذا في صلاة العيدين لا يختلف وما قرأ به مع أم القرآن في كل ركعة أجزأه وإن
اقتصر على أم القرآن في كل ركعة أجزأته وإن صلى ركعتين قرأ في أحداهما بأم القرآن ولم يقرأ في
الأخرى بأم القرآن فإنما صلى ركعة فيضيف إليها أخرى ويسجد للسهو ولا يعتد هو ولا من خلفه بركعة
لم يقرأ فيها وإن صلى ركعتين لم يقرأ في واحدة منهما بأم القرآن أعادهما خطب أم لم يخطب فإن لم
يعدهما حتى ينصرف أحببت له إعادتهما من الغد أو يومه إن لم يكن الناس تفرقوا وإذا أعادهما أعاد
الخطبة بعدهما وإن كان هذا في صلاة العيد أعادهما من يومه ما بينه وبين أن تزول الشمس فإذا زالت
لم يعدهما لان صلاة العيد في وقت فإذا مضى لم تصل وكل وقت لصلاة الاستسقاء ولذلك
يعيدهما في الاستسقاء بعد الظهر وقبل العصر.
الطهارة لصلاة الاستسقاء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يصلى حاضر ولا مسافر صلاة الاستسقاء ولا عيد ولا جنازة
ولا يسجد للشكر ولا سجود القرآن ولا يمس مصحفا إلا طاهرا الطهارة التي تجزيه للصلاة المكتوبة لان
كلا صلاة، ولا يحل مس مصحف إلا بطهارة، وسواء خاف فوت شئ من هذه الصلوات أو لم
يخفه يكون ذلك سواء في المكتوبات.
كيف الخطبة في الاستسقاء؟
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويخطب الامام في الاستسقاء خطبتين كما يخطب في صلاة
العيدين يكبر الله فيهما ويحمده ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويكثر فيهما الاستغفار حتى يكون
أكثر كلامه ويقول كثيرا " استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا ".
الدعاء في خطبة الاستسقاء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويقول " اللهم انك امرتنا بدعائك ووعدتنا اجابتك فقد دعوناك
كما أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا اللهم إن كنت أوجبت إجابتك لأهل طاعتك وكنا قد قارفنا ما خالفنا فيه
الذين محضوا طاعتك فامنن علينا بمغفرة ما قارفنا وإجابتنا في سقيانا وسعة رزقنا " ويدعو بما شاء بعد
للدنيا والآخرة ويكون أكثر دعائه الاستغفار يبدأ به دعاءه ويفصل به بين كلامه ويختم به ويكون أكثر
كلامه حتى ينقطع الكلام ويحض الناس على التوبة والطاعة والتقرب إلى الله عز وجل (قال الشافعي)
وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا في الاستسقاء رفع يديه أخبرنا إبراهيم بن محمد
عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى
قال " اللهم أمطرنا " أخبرنا إبراهيم قال حدثني خالد بن رباح عن المطلب بن حنطب أن النبي صلى الله
286

عليه وسلم كان يقول عند المطر " اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق اللهم على
الظراب ومنابت الشجر اللهم حوالينا ولا علينا " (قال) وروى سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال " اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا عاما طبقا
سحا دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم إن بالعباد والبلاد والبهائم والخلق من اللاواء
والجهد والضنك ما لا نشكو إلا إليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء
وأنبت لنا من بركات الأرض اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعرى واكشف عنا من البلاء مالا يكشفه
غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا " (قال الشافعي) وأحب أن يدعو
الامام بهذا ولا وقت في الدعاء ولا يجاوزه، أخبرنا إبراهيم عن المطلب بن السائب عن ابن المسيب
قال استسقى عمر وكان أكثر دعائه الاستغفار (قال الشافعي) وإن خطب خطبة واحدة لم يجلس فيها
ولم يكن عليه إعادة وأحب أن يجلس حين يرقى المنبر أو موضعه الذي يخطب فيه ثم يخطب ثم يجلس
فيخطب.
تحويل الامام الرداء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويبدأ فيخطب الخطبة الأولى ثم يجلس ثم يقوم فيخطب بعض
الخطبة الآخرة فيستقبل الناس في الخطبتين ثم يحول وجه إلى القبلة ويحول رداءه ويحول الناس
أرديتهم معه فيدعو سرا في نفسه ويدعو الناس معه ثم يقبل على الناس بوجهه فيحضهم ويأمرهم بخير
ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ويقرأ آية أو أكثر من القرآن ويقول
استغفر الله لي ولكم ثم ينزل وإن استقبل القبلة في الخطبة الأولى لم يكن عليه أن يعود لذلك في
الخطبة الثانية، وأحب لمن حضر الاستسقاء استماع الخطبة والانصات، ولا يجب ذلك وجوبه في
الجمعة.
كيف تحويل الامام رداءه في الخطبة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا الدراوردي عن عمارة بن غزية عن عباد بن تميم قال
استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خميصة له سوداء فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه (قال الشافعي) وبهذا أقول فنأمر الامام أن
ينكس رداءه فيجعل أعلاه أسفله ويزيد مع تنكيسه فيجعل شقه الذي على منكبه الأيمن على منكبه
الأيسر والذي على منكبه الأيسر على منكبه الأيمن فيكون قد جاء بما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم
من نكسه وبما فعل من تحويل الأيمن على الأيسر إذا خف له رداؤه فإن ثقل فعل ما فعل رسول الله
صلى الله وسلم من تحويل ما على منكبه الأيمن على منكبه الأيسر وما على منكبه الأيسر على منكبه
الأيمن ويصنع الناس في ذلك ما صنع الامام فإن تركه منهم تارك أو الامام أو كلهم كرهت تركه لمن
تركه ولا كفارة ولا أعادة عليه ولا يحول رداءه إذا انصرف من مكانه الذي يخطب فيه وإذا حولوا
أرديتهم أقروها محولة كما هي حتى ينزعوها متى نزعوها وإن اقتصر رجل على تحويل ردائه ولم ينكسه
أجزأه إن شاء الله تعالى لسعة ذلك، وكذلك لو اقتصر على نكسه ولم يحوله إلا نكسا، رجوت أن
يجزيه.
287

كراهية الاستمطار بالانواء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة ابن مسعود عن زيد بن خالد الجهني قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بالحديبية
في أثر سماء كانت من الليل فلما أنصرف أقبل على الناس فقال " هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا الله
ورسوله أعلم قال: " قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته
فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب "
(قال الشافعي) رسول الله صلى الله عليه وسلم " بأبي هو وأمي " هو عربي واسع اللسان يحتمل قوله هذا
معاني وإنما مطر بين ظهراني قوم أكثرهم مشركون لان هذا في غزوة الحديبية وأرى معنى قوله والله أعلم
أن من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك إيمان بالله لأنه يعلم أنه لا يمطر ولا يعطى إلا الله عز وجل
وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه أمطره
نوء كذا فذلك كفر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لان النوء وقت والوقت مخلوق لا يملك لنفسه
ولا لغيره شيئا ولا يمطر ولا يصنع شيئا فأما من قال مطرنا بنوء كذا على معنى مطرنا بوقت كذا فإنما
ذلك كقوله مطرنا في شهر كذا ولا يكون هذا كفرا وغيره من الكلام أحب إلى منه (قال الشافعي)
أحب أن يقول مطرنا في وقت كذا وقد روى عن عمر أنه قال يوم الجمعة وهو على المنبر: كم بقي من
نوء الثريا؟ فقام العباس فقال لم يبق منه شئ إلا العواء فدعا ودعا الناس حتى نزل عن المنبر فمطر مطرا
حيى الناس منه وقول عمر هذا يبين ما وصفت لأنه إنما أراد: كم بقي من وقت الثرياء؟ ليعرفهم بأن
الله عز وجل قدر الأمطار في أوقات فيما جربوا كما علموا أنه قدر الحر والبرد بما جربوا في أوقات وبلغني
أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح وقد مطر الناس قال مطرنا بنوء الفتح
ثم قرأ " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها " وبلغني أن عمر بن الخطاب أوجف بشيخ من بنى
تميم غدا متكئا على عكازه وقد مطر الناس فقال أجاد ما أقرى المجدح البارحة، فأنكر عمر قوله " أجاد
ما أقرى المجدح " لإضافة المطر إلى المجدح.
البروز للمطر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمطر في أول مطرة حتى
يصيب جسده وروى عن ابن عباس أن السماء أمطرت فقال لغلامه أخرج فراشي ورحلي يصيبه المطر
فقال أبو الجوزاء لابن عباس: لم تفعل هذا يرحمك الله؟ فقال أما تقرأ كتاب الله " ونزلنا من السماء ماء
مباركا " فأحب أن تصيب البركة فراشي ورحلي، أخبرنا إبراهيم عن ابن حرملة عن ابن المسيب أنه رآه
في المسجد ومطرت السماء وهو في السقاية فخرج إلى رحبة المسجد ثم كشف عن ظهره للمطر حتى
أصابه ثم رجع إلى مجلسه.
288

السيل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى (1) أخبرني من لا أتهم عن يزيد بن عبد الله بن الهاد أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان إذا سال السيل يقول يقول " اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهورا فنتطهر منه
ونحمد الله عليه " (قال الشافعي) أخبرني من لا أتهم عن إسحاق بن عبد الله أن عمر كان إذا سال
السيل ذهب بأصحابه إليه وقال ما كان ليجئ من مجيئه أحد إلا تمسحنا به.
طلب الإجابة في الدعاء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرني من لا أتهم قال حدثني عبد العزيز بن عمر من مكحول
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اطلبوا إجابة الدعاء عند التقاء الجيوش وإقامة الصلاة ونزول
الغيث " (قال الشافعي) وقد حفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث وإقامة الصلاة.
القول في الانصات عند رؤية السحاب والريح
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرني من لا أتهم قال حدثني خالد بن رباح عن المطلب بن
حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا برقت السماء أو رعدت عرف ذلك في وجه فإذا أمطرت
سرى عنه (قال الشافعي) أخبرني من لا أتهم قال قال المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت كان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا أبصرنا شيئا في السماء يعنى السحاب ترك عمله واستقبل القبلة قال " اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيه " فإن كشفه الله حمد الله تعالى وإن مطرت قال: " اللهم سقيا نافعا " (قال
الشافعي) وأخبرني من لا أتهم قال حدثني أبو حازم عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
إذا سمع حس الرعد عرف ذلك في وجهه فإذا أمطرت سرى عنه فسئل عن ذلك فقال " إني لا أدرى
بما أرسلت أبعذاب أم برحمة " (قال الشافعي) أخبرني من لا أتهم قال حدثنا العلاء بن راشد عن
عكرمة عن ابن عباس قال ما هبت ريح إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال " اللهم
اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا " قال قال ابن عباس في كتاب الله
عز وجل " إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا * و " إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم " وقال " وأرسلنا الرياح
لواقح * وأرسلنا الرياح مبشرات (قال الشافعي) أخبرني من لا أتهم قال أخبرنا صفوان بن سليم قال

(1) وجدنا بهامش مسند الشافعي المطبوع ما نصه: قال الامام الحافظ أبو حاتم إذا قال الشافعي أخبرني
الثقة عن ابن أبي ذئب فهو ابن أبي فديك وإذا قال الثقة، عن الليث بن سعد فهو يحيى بن حسان وإذا قال
الثقة عن الوليد ابن كثير فهو عمر بن سلمة وإذا قال الثقة فهو مسلم بن خالد الزنجي وإذا قال الثقة عن صالح
مولى فهو التوأمة فهو إبراهيم بن يحيى. وفى الهامش أيضا قال الربيع إذ قال الشافعي أخبرني من لا اتهم،
يريد إبراهيم بن يحيى، وإذا قال بعض أصحابنا، يريد أهل الحجاز، وفى رواية: يريد أصحاب مالك
رحمه الله اه‍ كتبه مصححه.
289

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا الريح وعوذوا بالله من شرها) (قال الشافعي) ولا ينبغي
لاحد أن يسب الريح فإنها خلق الله عز وجل مطيع وجند من أجناده يجعلها رحمة ونقمة إذا شاء
(قال الشافعي) أخبرنا محمد بن عباس قال شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم الفقر فقال النبي
صلى الله عليه وسلم " لعلك تسب الريح؟ " أخبرنا الثقة عن الزهري عن ثابت بن قيس عن أبي هريرة
قال أخذت الناس ريح بطريق مكة وعمر حاج فاشتدت فقال عمر رضي الله عنه لمن حوله: " ما
بلغكم في الريح؟ " فلم يرجعوا إليه شيئا فبلغني الذي سأل عنه عمر من أمر الريح فاستحثثت راحلتي
حتى أدركت عمر وكنت في مؤخر الناس فقلت يا أمير المؤمنين: أخبرت أنك سألت عن الريح وإني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الريح من روح الله تأتى بالرحمة وتأتى بالعذاب فلا تسبوها
واسألوا الله من خيرها وعوذوا بالله من شرها " أخبرنا سفيان بن عيينة قال قلت لابن طاوس: ما كان
أبوك يقول إذا سمع الرعد؟ قال كان يقول: سبحان من سبحت له (قال الشافعي) كأنه يذهب إلى
قول الله عز وجل " ويسبح الرعد بحمده ".
الإشارة إلى المطر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا من لا أتهم قال حدثنا سليمان بن عبد الله عن عروة بن
الزبير قال " إذا رأى أحدكم البرق أو الودق فلا يشير إليه وليصف ولينعت " (قال الشافعي) ولم تزل
العرب تكره الإشارة إليه في الرعد، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة أن مجاهدا كان
يقول: الرعد ملك والبرق أجنحة الملك يسقن السحاب (قال الشافعي) ما أشبه ما قال مجاهد بظاهر
القرآن! أخبرنا الثقة عن مجاهد أنه قال ما سمعت بأحد ذهب البرق ببصره كأنه ذهب إلى قول الله عز
وجل " يكاد البرق يخطف أبصارهم " (قال) وبلغني عن مجاهد أنه قال وقد سمعت من تصيبه
الصواعق كأنه ذهب إلى قول الله عز وجل " ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء " وسمعت من
يقول: الصواعق ربما قتلت وأحرقت.
كثرة المطر وقلته
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا إبراهيم عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال " ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء " (قال
الشافعي) أخبرنا من لا أتهم عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن الناس مطروا ذات ليلة فلما أصبح النبي
صلى الله عليه وسلم غدا عليهم فقال " ما على الأرض بقعة إلا وقد مطرت هذه الليلة " (قال الشافعي)
أخبرنا من لا أتهم عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس
السنة بأن لا تمطروا ولكن السنة أن تمطروا ثم تمطروا ولا تثبت الأرض شيئا ".
أي الأرض أمطر
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني من لا أتهم قال أخبرني إسحاق بن عبد الله عن
الأسود عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المدينة بين عيني السماء عين بالشام وعين
290

باليمن وهي أقل الأرض مطرا " (قال الشافعي) أخبرني من لا أتهم قال أخبرني يزيد أو نوفل بن عبد
الملك الهاشمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أسكت أقل الأرض مطرا وهي بين عيني السماء
(يعنى المدينة) عين بالشام وعين باليمن " أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرني من لا
أتهم. قال أخبرني سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: يوشك أن تمطر المدينة مطرا لا يكن أهلها
البيوت ولا يكنهم إلا مظال الشعر. (قال الشافعي) أخبرني من لا أتهم عن صفوان بن سليم أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " يصيب المدينة مطر لا يكن أهلها بيت من مدر " (قال الشافعي) أخبرنا من لا
أتهم قال أخبرني محمد بن زيد بن مهاجر عن صالح بن عبد الله بن الزبير أن كعبا قال له وهو يعمل
وتدا بمكة: اشدد وأوثق فإنا نجد في الكتب أن السيول ستعظم في آخر الزمان، أخبرنا سفيان عن
عمرو بن دينار عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده قال: جاء مكة مرة سيل طبق ما بين الجبلين
(قال الشافعي) وأخبرني من لا أتهم قال أخبرني موسى بن جبير عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن
يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال: يوشك المدينة أن يصيبها مطرا أربعين ليلة لا يكن أهلها بيت
من مدر.
أي الريح يكون بها المطر
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني من لا أتهم قال أخبرني عبد الله بن عبيدة عن محمد
بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " نصرت بالصبا وكانت عذابا على من كان قبلي " (قال
الشافعي) وبلغني أن قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما هبت جنوب قط إلا أسالت
واديا " (قال الشافعي) يعنى أن الله خلقها تهب نشرا بين يدي رحمته من المطر، أخبرنا إبراهيم بن
محمد قال أخبرنا سليمان عن المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود قال: إن الله
تبارك وتعالى يرسل الرياح فتحمل الماء من السماء ثم تمر في السحاب حتى تدر كما تدر اللقحة ثم تمطر.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي. قال أخبرنا من لا أتهم قال: حدثني إسحاق بن عبد الله أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: إذا أنشئت بحرية ثم استحالت شامية فهو أمطر لها.
الحكم في تارك الصلاة
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى من ترك الصلاة المكتوبة ممن دخل في الاسلام
قيل له لم لا تصلي؟ فإن ذكر نسينا قلنا فصل إذا ذكرت وإن ذكر مرضا قلنا فصل كيف أطقت قائما
أو قاعدا أو مضطجعا أو موميا فإن قال أنا أطيق الصلاة وأحسنها ولكن لا أصلى وإن كانت على فرضا
قيل له الصلاة عليك شئ لا يعمله عنك غيرك ولا تكون إلا بعملك فإن صليت وإلا استتبناك فإن
تبت وإلا قتلناك فإن الصلاة أعظم من الزكاة والحجة فيها ما وصفت من أن أبا بكر رضي الله عنه قال
" لو منعوني عقالا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه لا تفرقوا بين ما جمع الله " (قال
الشافعي " يذهب فيما أرى والله تعالى أعلم إلى قول الله تبارك وتعالى: (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)
وأخبر أبو بكر أنه إنما يقاتلهم على الصلاة والزكاة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا من
291

منع الزكاة إذ كانت فريضة من فرائض الله جل ثناؤه ونصب دونها أهلها فلم يقدر على أخذها منهم
طائعين ولم يكونوا مقهورين عليها فتؤخذ منهم كما تقام عليهم الحدود كارهين وتؤخذ أموالهم لمن وجبت
له بزكاة أو دين كارهين أو غير كارهين فاستحلوا قتالهم والقتال سبب القتل فلما كانت الصلاة وإن كان
تاركها في أيدينا غير ممتنع منا فإنا لا نقدر على أخذ الصلاة منه لأنها ليست بشئ يؤخذ من يديه مثل
اللقطة والخراج والمال قلنا أن صليت وإلا قتلناك كما يفكر فنقول إن قبلت الايمان وإلا قتلناك إذا كان
الايمان لا يكون إلا بقولك وكانت الصلاة والايمان مخالفين معا ما في يديك وما نأخذ من مالك لأنا
نقدر على أخذ الحق منك في ذلك وإن كرهت فإن شهد عليه شهود إنه ترك الصلاة سئل عما قالوا فإن
قال كذبوا وقد يمكنه أن يصلي حيث لا يعلمون صدق وإن قال نسيت صدق وكذلك لو شهدوا أنه
صلى جالسا وهو صحيح فإن قال: أنا مريض أو تطوعت صدق (قال الشافعي) وقد قيل يستتاب
تارك الصلاة ثلاثا. وذلك إن شاء الله تعالى حسن فإن صلى في الثلاث وإلا قتل وقد خالفنا بعض
الناس فيمن ترك الصلاة إذا أمر بها وقال لا أصليها فقال لا يقتل وقال بعضهم أضربه وأحبسه وقال
بعضهم أحبسه ولا أضربه وقال بعضهم لا أضربه ولا أحبسه وهو أمين على صلاته (قال الشافعي)
فقلت لمن يقول لا أقتله: أرأيت الرجل تحكم عليه بحكم برأيك وهو من أهل الفقه فيقول قد أخطأت
الحكم ووالله لا أسلم ما حكمت به لمن حكمت له قال فإن قدرت على أخذه منه أخذته منه ولم ألتفت
إلى قوله وإن لم أقدر ونصب دونه قاتلته حتى آخذه أو أقتله فقلت له: وحجتك أن أبا بكر قاتل من منع
الزكاة وقتل منهم! قال: نعم، قلت: فإن قال لك: الزكاة فرض من الله لا يسع جهله وحكمك رأى منك
يجوز لغيرك عندك وعند غيرك أن يحكم بخلافه فكيف تقتلني على ما لست على ثقة من أنك أصبت
فيه كما تقتل من منع فرض الله عز وجل في الزكاة الذي لا شك فيه؟ قال: لأنه حق عندي وعلى
جبرك عليه (قلت) قال لك ومن قال لك إن عليك جبري عليه؟ قال: إنما وضع الحكام ليجبروا على
ما رأوا (قلت) فإن قال لك على ما حكموا به من حكم الله أو السنة أو ما لا اختلاف فيه؟ قال قد
يحكمون بما فيه الاختلاف (قلت) فإن قال فهل سمعت بأحد منهم قاتل على رد رأيه فتقتدي به؟
فقال: وأنا لم أجد هذا فإني إذا كان لي الحكم فامتنع منه قاتلته عليه (قلت) ومن قال لك هذا؟
(وقلت) أرأيت لو قال لك قائل: من ارتد عن الاسلام إذا عرضته عليه فقال قد عرفته ولا أقول به
أحبسه وأضربه حتى يقول به قال ليس ذلك له لأنه قد بدل دينه ولا يقبل منه إلا أن يقول به قلت:
أفتعدو الصلاة إذ كانت من دينه وكانت لا تكون إلا به كما لا يكون القول بالايمان إلا به أن يقتل على
تركها أو يكون أمينا فيها كما قال بعض أصحابك فلا نحبسه ولا نضربه؟ قال لا يكون أمينا عليها إذا
ظهر لي أنه لا يصليها وهي حق عليه قلت أفتقتله برأيك في الامتناع من حكمك برأيك وتدع قتله في
الامتناع من الصلاة التي هي أبين ما افترض الله عز وجل عليه بعد توحيد الله وشهادة أن محمدا رسول
الله صلى الله عليه وسلم والايمان بما جاء به من الله تبارك وتعالى؟ (1)

(1) وقع في بعض النسخ ذكر هذه التراجم إلى كتاب الجنائز ولم يذكر فيها شئ عن الجنائز
والذي وقع في نسخة السراج البلقيني بعد ترجمة الحكم في تارك الصلاة ترجمة كتاب الجنائز ولم
ينبه كعادته على ما حذفه من هنا أين وضعه. كتبه مصححه.
292

الحكم في الساحر والساحرة
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " واتبعوا ما تتلو الشياطين على
ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل
هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين
المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن
اشتراه ماله في الآخرة من خلاق " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عائشة أم المؤمنين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال يا عائشة أما علمت أن الله أفتاني في
أمر استفتيته فيه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا
يأتيهن أتاني رجلان فجلس أحدهما عند رجلي والآخر عند رأسي فقال الذي عند رجلي للذي عند
رأسي: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب، قال ومن طبه، قال: لبيد بن أعصم، قال: وفيم؟
قال: في جف طلعة ذكر في مشط ومشاقة تحت رعونة أو رعوفة في بئر ذر وان قال فجاء رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال هذه التي أريتها كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين وكأن ماءها نقاعة الحناء
قال فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرج " قالت " عائشة فقلت يا رسول الله فهلا " قال سفيان
تعنى تنشرت قالت فقال " أما الله عز وجل فقد شفاني وأكره أن أثير على الناس منه شرا " قال ولبيد بن
أعصم من بنى زريق حليف اليهود (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة يقول
كتب عمر " أن اقتلوا كل ساحر وساحرة " فقتلنا ثلاث سواحر (قال الشافعي) وأخبرنا ان حفصة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها (قال الشافعي) والسحر اسم جامع لمعان مختلفة فيقال
للساحر صف السحر الذي تسحر به فإن كان ما يسحر به كلام كفر صريح استتيب منه فإن تاب وإلا
قتل وأخذ ماله فيئا وإن كان ما يسحر به كلاما لا يكون كفرا وكان غير معروف ولم يضر به أحدا نهى
عنه فإن عاد عزر وإن كان يعلم أنه يضر به أحدا من غير قتل فعمد أن يعمله عزر وإن كان يعمل عملا
إذا عمله قتل المعمول به وقال عمدت قتله قتل به قودا إلا أن يشاء أولياؤه أن يأخذوا ديته حالة في
ماله وإن قال إنما أعمل بهذا لأقتل فيخطئ القتل ويصيب وقد مات مما عملت به ففيه الدية ولا قود
وإن قال قد سحرته سحرا مرض منه ولم يمت منه أقسم أولياؤه لمات من ذلك العمل وكانت لهم الدية
ولا قود لهم مال الساحر ولا يغنم إلا في أن يكون السحر كفرا مصرحا وأمر عمر أن يقتل السحار عندنا
والله تعالى أعلم إن كان السحر كما وصفنا شركا وكذلك أمر حفصة وأما بيع عائشة الجارية ولم تأمر بقتلها
فيشبه أن تكون لم تعرف ما السحر فباعتها لان لها بيعها عندنا وإن لم تسحرها ولو أقرت عند عائشة أن
السحر شرك ما تركت قتلها إن لم تتب أو دفعتها إلى الامام ليقتلها إن شاء الله تعالى وحديث عائشة عن
النبي صلى الله عليه وسلم على أحد هذه المعاني عندنا والله تعالى أعلم (قال الشافعي) حقن الله الدماء
ومنع الأموال إلا بحقها بالايمان بالله وبرسوله أو عهد من المؤمنين بالله ورسوله لأهل الكتاب وأباح دماء
البالغين من الرجال بالامتناع من الايمان إذا لم يكن لهم عهد قال الله تبارك وتعالى " فإذا انسلخ الأشهر
الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد " إلى " غفور
رحيم) (قال الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا
293

منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله (قال الشافعي) والذي أراد الله عز وجل أن يقتلوا
حتى يتوبوا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، أهل الأوثان من العرب وغيرهم الذين لا كتاب لهم، فإن
قال قائل: ما دل على ذلك؟ قيل له قال الله عز وجل " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر
ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد
وهم صاغرون " (قال الشافعي) فمن لم يزل على الشرك مقيما لم يحول عنه إلى الاسلام فالقتل على
الرجال دون النساء.
المرتد عن الاسلام
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن أنتقل عن الشرك إلى إيمان ثم انتقل عن الايمان إلى الشرك
من بالغي الرجال والنساء استتيب فإن تاب قبل منه وإن لم يتب قتل قال عز وجل " ولا يزالون
يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " إلى " هم فيها خالدون) (قال الشافعي) أخبرنا الثقة
من أصحابنا عن حماد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل حنيف عن عثمان بن عفان أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، كفر بعد إيمان، أو زنا
بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن أبي تميمة
عن عكرمة قال لما بلغ ابن عباس أن عليا رضى الله تعالى عنه حرق المرتدين أو الزنادقة قال: لو كنت أنا
لم أحرقهم ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من بدل دينه فاقتلوه " ولم أحرقهم لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم " لا ينبغي لاحد ان يعذب بعذاب الله " (قال الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس
عن زبد ابن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال " من غير دينه فاضربوا عنقه " (قال
الشافعي) حديث يحيى بن سعيد ثابت ولم أهل الحديث يثبتون الحديثين بعد حديث زيد لأنه منقطع
ولا الحديث قبله (قال) ومعنى حديث عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم " كفر بعد إيمان " ومعنى،
من بدل قتل معنى يدل على أن من بدل دينه دين الحق وهو الاسلام لا من بدل غير الاسلام وذلك
أن من خرج من غير دين الاسلام إلى غيره من الأديان فإنما خرج من باطل إلى باطل ولا يقتل على
الخروج من الباطل إنما يقتل على الخروج من الحق لأنه لم يكن على الدين الذي أوجب الله عز وجل
عليه الجنة وعلى خلافة النار إنما كان على دين له النار إن أقام عليه قال الله جل ثناؤه " إن الدين عند
الله الاسلام " وقال الله عز وجل " ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه " إلى قوله " من الخاسرين "
وقال " ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب " إلى قوله " مسلمون " (قال الشافعي) وإذا قتل المرتد أو المرتدة
فأموالهما فئ لا يرثها مسلم ولا ذمي وسواء ما كسبا من أموالهما في الردة أو ملكا قبلها ولا يسبى للمرتدين
ذرية امتنع المرتدون في دارهم أو لم يمتنعوا أو لحقوا في الردة بدار الحرب أو أقاموا بدار الاسلام لان
حرمة الاسلام قد ثبتت للذرية بحكم الاسلام في الدين والحرية ولا ذنب لهم في تبديل آبائهم ويوارثون
ويصلى عليهم ومن بلغ منهم الحنث أمر بالاسلام فإن أسلم وإلا قتل ولو ارتد المعاهدون فامتنعوا أو هربوا
إلى دار الكفار وعندنا ذرارى لهم ولدوا من أهل عهد لم نسبهم وقلنا لهم إذا بلغوا ذلك إن شئتم فلكم
العهد وإلا نبذنا إليكم فأخرجوا من بلاد الاسلام فأنتم حرب ومن ولد من المرتدين من المسلمين
والذميين في الردة لم يسب لان آباءهم لا يسبون ولا يؤخذ من ماله شئ ما كان حيا فإن مات على
294

الردة أو قتل جعلنا ماله فيئا وإن رجع إلى الاسلام فماله له وإذا ارتد رجل عن الاسلام أو امرأة استتيب
أيهما ارتد فظاهر الخبر فيه أن يستتاب مكانه فإن تاب وإلا قتل وقد يحتمل الخبر أن يستتاب مدة من
المدد، أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القارى عن أبيه أنه قال قدم على
عمر بن الخطاب رجل من قبل أبى موسى الأشعري فسأله عن الناس فأخبره ثم قال هل كان فيكم من
مغربة حبر؟ فقال نعم رجل كفر بعد إسلامه قال: فما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه، فقال
عمر: " فهلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله اللهم إني
لم أحضر ولم آمر ولم أرض إذ بلغني " (قال الشافعي) وفى حبسه ثلاثا قولان أحدهما أن يقال ثبت عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يحل الدم بثلاث، كفر بعد إيمان وهذا قد كفر بعد إيمانه ويدل
دينه دين الحق ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بأناة مؤقتة تتبع فإن قال قائل إن الله جل ثناؤه أجل
بعض من قضى بعذابه أن يتمتع في داره ثلاثة أيام فإن نزول نقمة الله بمن عصاه مخالف لما يجب على
الأئمة أن يقوموا به من حق الله فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل دل عليه ما قضى الله تبارك وتعالى
من إمهاله لمن كفر به وعصاه (1) وقيل أسلناه مددا طالت وقصرت ومن أخذه بعضهم بعذاب معجل
وإمهاله بعضهم إلى عذاب الآخرة الذي هو أخزى فأمضى قضاءه على ما أراد لا معقب لحكمه وهو
سريع الحساب ولم يجعل هذا لاحد من خلقه فيما وجب من حقوقه فالمتأني به ثلاثا ليتوب بعد ثلاث
كهيئة قبلها إما لا ينقطع منه الطمع ما عاش لأنه يؤيس من توبته ثم يتوب وإما أن يكون إغرامه يقطع
الطمع منه فذلك يكون في مجلس وهذا قول يصح والله تعالى أعلم ومن قال لا يتأنى به من زعم أن
الحديث الذي روى عن عمر لو حبستموه ثلاثا ليس بثابت لأنه لا يعلمه متصلا وإن كان ثابتا كأن لم
يجعل على من قتله قبل ثلاث شيئا والقول الثاني انه يحبس ثلاثا ومن قال به احتج بأن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه أمر به وأنه قد يجب الحد فيتأنى به الامام بعض الأناة فلا يعاب عليه قال
الربيع قال الشافعي في موضع آخر لا يقتل حتى يجوز كل وقت صلاة فيقال له قم فصل فإن لم يصل
قتل (قال الشافعي) اختلف أصحابنا في المرتد فقال منهم قائل من ولد على الفطرة ثم ارتد إلى دين
يظهره أولا يظهره لم يستتب وقتل وقال بعضهم سواء من ولد على الفطرة ومن أسلم لم يولد عليها فأيهما
ارتد فكانت ردته إلى يهودية أو نصرانية أو دين يظهره استتيب فإن تاب قبل منه وإن لم يتب قتل وإن
كانت ردته إلى دين لا يظهره مثل الزندقة وما أشبهها قتل ولم ينظر إلى توبته وقال بعضهم سواء من ولد
على الفطرة ومن لم يولد عليها إذا سلم فأيهما ارتد استتيب، فإن تاب قبل منه وإن لم يتب قتل (قال
الشافعي) وبهذا أقول فإن قال قائل لم اخترته؟ قيل له: لان الذي أبحث به دم المرتد ما أباح الله به
دماء المشركين ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم " كفر بعد إيمان " فلا يعدو قوله أن يكون كلمة الكفر
توجب دمه كما يوجبه الزنا بعد الاحصان فقتل بما أوجب دمه من كلمة الكفر إلى أي كفر رجع
ومولودا على الفطرة كان أو غير مولود أو يكون إنما يوجب دمه كفر ثبت عنه إذا سئل النقلة عنه امتنع
وهذا أولى المعنيين به عندنا لأنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قتل مرتدا رجع عن الاسلام وأبو
بكر قتل المرتدين وعمر قتل طليحة وعيينة بن بدر وغيرهما (قال الشافعي) والقولان اللذان تركت ليسا

(1) قوله: وقيل أسلناه، كذا هو في الأصل غير منقوط ولعله، أو أنيناه، وعلى كل فهي في
غير موضعها وحرر. كتبه مصححة.
295

بواحد من هذين القولين اللذين لا وجه لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم غيرهما وإنما كلف العباد
الحكم على الظاهر من القول والفعل وتولى الله الثواب على السرائر دون خلقه وقد قال الله عز وجل لنبيه
صلى الله عليه وسلم " إذ جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله، والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد
إن المنافقين لكاذبون * اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله " إلى قوله " فطبع على قلوبهم " (قال)
وقد قيل في قول الله عز وجل " والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " ما هم بمخلصين وفى قول الله آمنوا ثم
كفروا ثم أظهروا الرجوع عنه قال الله تبارك اسمه " يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد
إسلامهم " فحقن بما أظهروا من الخلف ما قالوا كلمة الكفر دماءهم بما أظهروا (قال) وقول الله جل
ثناؤه " اتخذوا إيمانهم جنة " يدل على أن إظهار الايمان جنة من القتل والله ولى السرائر (قال الشافعي)
أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي
بن الخيار عن المقداد أنه أخبره أنه قال يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني
فضرب إحدى يدي بسيف فقطعها ثم لاذ منى بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن
قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقتله " قلت يا رسول الله إنه قطع إحدى يدي ثم قال
ذلك بعد أن قطعها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله
وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال " قال الربيع معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن شاء الله
تعالى فإن قلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال " يعنى أنه بمنزلتك
حرام الدم وأنت إن قتلته بمنزلته كنت مباح الدم قبل أن يقول الذي قال " (قال الشافعي) وفى سنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين دلالة على أمور منها، لا يقتل من أظهر التوبة من كفر بعد
إيمان، ومنها أنه حقن دماءهم وقد رجعوا إلى غير يهودية ولا نصرانية ولا مجوسية ولا دين يظهرونه إنما
أظهروا الاسلام وأسروا الكفر فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظاهر على أحكام المسلمين
فناكحوا المسلمين ووارثوهم وأسهم لمن شهد الحرب منهم وتركوا في مساجد المسلمين (قال الشافعي)
ولا رجع عن الايمان أبدا أشد ولا أبين كفرا ممن أخبر الله عز وجل عن كفره بعد إيمانه فإن قال قائل
أخبر الله عز وجل عن أسرارهم ولعله لم يعلمه الآدميون فمنهم من شهد عليه بالكفر بعد الايمان ومنهم
من أقر بعد الشهادة ومنهم من أقر بغير شهادة ومنهم من أنكر بعد الشهادة وأخبر الله عز وجل عنهم
بقول ظاهر فقال عز وجل " وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا "
فكلهم إذا قال ما قال وثبت على قوله أو جحد أو أقر وأظهر الاسلام (1) وترك بإظهار الاسلام فلم يقتل
فإن قال قائل فإن الله عز وجل قال " ولا تصل على أحد منهم مات أبدا " إلى قوله " فاسقون " فإن
صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفة صلاة المسلمين سواه لأنا نرجوا أن لا يصلى على أحد إلا
صلى الله عليه ورحمه وقد قضى الله " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا " وقال
جل ثناؤه " استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم " فإن قال قائل: ما
دل على الفرق بين صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نهى عنهم وصلاة المسلمين غيره فإن رسول
الله صلى الله عليه وسلم انتهى عن الصلاة عليهم بنهي الله له ولم ينه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه
وسلم عنها ولا عن مواريثهم فإن قال قائل فإن ترك قتلهم جعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة

(1) قوله: وترك، لعل الواو زائدة من الناسخ في جواب الشرط، تأمل. كتبه مصححه.
296

فذلك يدخل عليه فيما سواه من الاحكام فيقال فيمن ترك عليه السلام قتله أو قتله جعل هذا له خاصة
وليس هذا لاحد إلا بأن تأتى دلالة على أن أمرا جعل خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا فما
صنع عام على الناس الاقتداء به في مثله إلا ما بين هو أنه خاص أو كانت عليه دلالة بخبر (قال
الشافعي) وقد عاشروا أبا بكر وعمر وعثمان أئمة الهدى وهم يعرفون بعضهم فلم يقتلوا منهم أحدا ولم
يمنعوه حكم الاسلام في الظاهر إذ كانوا يظهرون الاسلام وكان عمر يمر بحذيفة بن اليمان إذا مات ميت
فإن أشار عليه أن اجلس جلس واستدل على أنه منافق ولم يمنع من الصلاة عليه مسلما وإنما يجلس
عمر عن الصلاة عليه أن الجلوس عن الصلاة عليه مباح له في غير المنافق إذا كان لهم من يصلى عليهم
سواه وقد يرتد الرجل إلى النصرانية ثم يظهر التوبة منها وقد يمكن فيه أن يكون مقيما عليه لأنه قد يجوز
له ذلك عنده بغير مجامعة النصارى ولا غشيان الكنائس فليس في ردته إلى دين لا يظهره إذا أظهر
التوبة شئ يمكن بأن يقول قائل لا أجد دلالة على توبته بغير قوله إلا وهو يدخل في النصرانية وكل
دين يظهره ويمكن فيه قبل أن يظهر ردته أن يكون مشتملا على الردة فإن قال قائل لم أكلف هذا إنما
كلفت ما ظهر والله ولى ما غاب فأقبل القوم بالايمان إذا قاله ظاهرا وأنسبه إليه وأعمل به إذا عمل
فهذا واحد في كل أحد سواء لا يختلف ولا يجوز أن يفرق بينه إلا بحجة إلا أن يفرق الله ورسوله بينه
ولم نعلم لله حكما ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم يفرق بينه وأحكام الله ورسوله تدل على أن ليس لأحد
أن يحكم على أحد إلا بظاهر والظاهر ما أقر به أو ما قامت به بينة تثبت عليه فالحجة فيما وصفنا من
المنافقين وفى الرجل الذي استفتى فيه المقداد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قطع يده على الشرك
وقول النبي صلى الله عليه وسلم " فهلا كشفت عن قلبه؟ " يعنى أنه لم يكن له إلا ظاهرة وفى قول
النبي صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين " إن جاءت به أحمر كأنه وحرة فلا أراه إلا قد كذب عليها وإن
جاءت به أديعج جعدا فلا أراه إلا قد صدق " فجاءت به على النعت المكروه فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " إن أمره لبين لولا ما حكم الله " وفى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما أنا بشر وإنكم
تختصمون إلى فلعل بعضكم أن يكون الحن بحجته من بعض وأقضى له على نحو ما أسمع منه فمن
قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذ به فإني إنما أقطع له قطعة من النار " (قال الشافعي) ففي كل
هذا دلالة بينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يقض إلا بالظاهر فالحكام بعده أولى أن لا
يقضوا إلا على الظاهر ولا يعلم السرائر إلا الله عز وجل والظنون محرم على الناس ومن حكم بالظن لم
يكن ذلك له والله تعالى أعلم (قال الشافعي) وإذا ارتد الرجل أو المرأة عن الاسلام فهرب ولحق بدار
الحرب أو غيرها وله نساء وأمهات أولاد ومكاتبون ومدبرون ومماليك وأموال ماشية وأرضون وديون له
عليه أمر القاضي نساءه أن يعتددن وأنفق عليهن من ماله وإن جاء تائبا وهو في عدتهن فهو على النكاح
وإن لم يأت تائبا حتى تمضى عدتهن فقد انفسخن منه وينكحن من شئن ووقف أمهات الأولاد فمتى
جاء تائبا فهن في ملكه وينفق عليهن من ماله فإن مات أو قتل عتقن وكان مكاتبوه على كتابتهم وتؤخذ
نجومهم فإن عجزوا رجعوا رقيقا ونظر فيمن بقي من رقيقه فإن كان حبسهم أزيد في ماله حبسهم أو من
كان منهم يزيد في ماله بخراج أو بصناعة أو كفاية لضيعة وإن كان حبسهم ينقص من ماله أو حبس
بعضهم باع من كان حبسه منهم ناقصا لماله وهكذا يصنع في ماشيته وأرضه ودوره ورقيقه ويقتضي
دينه ويقضى عنه ما حل من دين عليه فإن رجع تائبا سلم إليه ما وقف من ماله وإن مات أو قتل على
ردته كان ما بقي من ماله فيئا (قال الشافعي) وإن جنى في ردته جناية لها أرش أخذ من ماله وإن جنى
297

عليه فالجناية هدر لان دمه مباح فما دون دمه أولى أن يباح من دمه (قال) وإن أعتق في ردته أحدا من
رقيقه فالعتق موقوف ويستغل العبد ويوقف عليه فإن مات فهو رقيق وغلته مع عنقه فئ وإن رجع تائبا
فهو حر وله ما غل بعد العتق (قال) وإن أقر في ردته بشئ من ماله فهو كما وصفت في العتق وكذلك
لو تصدق (قال) وإن وهب فلا تجوز الهبة لأنها لا تجوز إلا مقبوضة (قال الشافعي) فإن قال قائل: ما
الفرق بينه وبين المحجور عليه في ماله يعتق فيبطل عتقه ويتصدق فتبطل صدقته ولا يلزمه ذلك إذا
خرج من الولاية؟ الفرق بينهما أن الله تبارك وتعالى ويقول " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن
آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم " فكان قضاء الله عز وجل أن تحبس عنهم أموالهم حتى يبلغوا
ويؤنس منهم رشد فكانت في ذلك دلالة على أن لا أمر لهم وأنها محبوسة برحمة الله لصلاحهم في
حياتهم ولم يسلطوا على إتلافها فيما لا يلزمهم ولا يصلح معايشهم فبطل ما أتلفوا في هذا الوجه لأنه لا
يلزمهم عتق ولا صدقة ولم يحبس مال المرتد بنظر ماله ولا بأنه له وإن كان مشركا ولو كان يجوز أن يترك
على شركه لجاز أمره في ماله، لأنا لا نلي على المشركين أموالهم فأجزنا عليه ما صنع فيه إن رجع إلى
الاسلام وإن لم يرجع حتى يموت أو يقتل كان لنا بموته قبل أن يرجع ما في أيدينا من ماله فيئا، فإن
قيل أو ليس ماله على حاله؟ قيل: بل ماله على شرط.
الخلاف في المرتد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال بعض الناس إذا ارتدت المرأة عن الاسلام حبست ولم تقتل
فقلت لمن يقول هذا القول: أخيرا قلته أم قياسا؟ قال بل خبرا عن ابن عباس وكان من أحسن أهل
العلم من أهل ناحيته قولا فيه قلت الذي قال هذا خطأ ومنهم من أبطله بأكثر (قال الشافعي) وقلت له
قد حدث بعض محدثيكم عن أبي بكر الصديق أنه قتل نسوة ارتددن عن الاسلام فما كان لنا أن نحتج
به إذا كان ضعيفا عند أهل العلم بالحديث (قال فإني أقوله قياسا على السنة (قلت) فاذكره قال نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والولدان من أهل دار الحرب فإذا كان النساء لا يقتلن في
دار الحرب كان النساء اللاتي ثبت لهن حرمة الاسلام أولى أن لا يقتلن (قال الشافعي) فقلت له أو
يشبه حكم دار الحرب الحكم في دار الاسلام (قال) وما الفرق بينه؟ قلت أنت تفرق بينه (قال)
وأين؟ قلت: أرأيت الكبير الفاني والراهب الأجير أيقتل من هؤلاء أحد في دار الحرب؟ قال لا
(قلت) فإن ارتد رجل فترهب أو ارتد أجيرا نقتله؟ قال: نعم (قلت) ولم؟ وهؤلاء قد ثبت لهم حرمة
الاسلام وصاروا كفارا فلم لا تحقن دماءهم؟ (قال) لان قتل هؤلاء كالحد ليس لي تعطيله (قلت)
أرأيت ما حكمت به حكم الحد أنسقطه عن المرأة؟ أرأيت القتل والقطع والرجم والجلد أتجد بين
المرأة والرجل من المسلمين فيه فرقا؟ قال: لا (قلت) فكيف لم تقتلها بالحد في الردة (قال
الشافعي) وقلت له أرأيت المرأة من دار الحرب أتغنم مالها وتسبيها وتسترقها قال نعم (قلت) فتصنع هذا
بالمرتدة في دار الاسلام؟ قال: لا، قال فقلت له: فكيف جاز لك أن تقيس بالشئ ما لا يشبهه
في الوجهين (قال الشافعي) وقال بعض الناس وإذا ارتد الرجل عن الاسلام فقتل أو مات على ردته أو
لحق بدار الحرب قسمنا ميراثه بين ورثته من المسلمين وقضينا كل دين عليه إلى أجل وأعتقنا أمهات
أولاده ومدبريه فإن رجع إلى الاسلام لم نرد من الحكم شيئا إلا أن نجد من ماله شيئا في يدي أحد من
298

ورثته فيردون عليه لأنه ماله ومن أتلف من ورثته شيئا مما قضينا له به ميراثا لم يضمنه (قال الشافعي)
فقلت لاعلى من قال هذا القول عندهم أصول العلم عندك أربعة أصول أوجبها وأولاها أن يؤخذ به فلا
يترك كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فلا أعلمك إلا قد جردت خلافهما ثم القياس والمعقول
عندك الذي يؤخذ به بعد هذين الاجماع فقد خالفت القياس والمعقول وقلت في هذا قولا متناقضا (قال) فأوحدني ما وصفت قلت له قال الله تبارك وتعالى " إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها
نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد " مع ما ذكر من آي المواريث ألا ترى أن الله عز وجل إنما
ملك الاحياء بالمواريث ما كان الموتى يملكون إذا كانوا أحياء؟ قال: بلى (قلت) والاحياء خلاف
الموتى؟ قال: نعم (قلت) أفرأيت المرتد ببعض ثغورنا يلحق بمسلحة لأهل الحرب يراها فيكون قائما
بقتالنا أو مترهبا أو معتزلا لا تعرف حياته فكيف حكمت عليه حكم الموتى وهو حي؟ بخبر قلته أم قياسا
(قال) ما قلته خبرا (قلت) وكيف عبت أن حكم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان في
امرأة المفقود تربص أربع سنين ثم تعتد ولم يحكما في ما له فقلت سبحان الله يجوز ان يحكم عليه بشئ
من حكم الموتى وإن كان الأغلب أنه ميت لأنه قد يكون غير ميت ولا يحكم عليه إلا بيقين وحكمت
أنت عليه في ساعة من نهار حكم الموتى في كل شئ برأيك ثم قلت فيه قولا متناقضا (قال) فقال إلا
تراني لو أخذته فقتلته (قلت) وقد تأخذه فلا تقتله بأخذه مبرسما أو أخرس فلا تقتله حتى يفيق فنستتيبه
قال نعم (قال) وقلت له أرأيت لو كنت إذا أخذته قتلته أكان ذلك يوجب عليه حكم الموتى وأنت لم
تأخذه ولم تقتله وقد تأخذه ولا تقتله بأن يتوب بعدما تأخذه وقبل تغير حاله بالخرس؟ (قال) فإني
أقول إذا ارتد ولحق بدار الحرب فحكمه حكم ميت (قال) فقلت له أفيجوز أن يقال ميت يحيا بغير
خبر؟ فإن جاز هذا لك جاز لغيرك مثله ثم كان لأهل الجهل أن يتكلموا في الحلال والحرام (قال) وما
ذلك لهم (قلت) ولم؟ (قال) لان على أهل العلم أن يقولوا من كتاب أو سنة أو أمر مجمع عليه أو أثر
أو قياس أو معقول ولا يقولون بما يعرف الناس غيره إلا أن يفرق بين ذلك كتاب أو سنة أو إجماع أو أثر
ولا يجوز في القياس أن يخالف (قلت) هذا سنة؟ قال: نعم (قلت) فقد قلت بخلاف الكتاب
والقياس والمعقول (قال) فأين خالفت القياس؟ (قلت) أرأيت حين زعمت أن عليك إذا ارتد ولحق
بدار الحرب أن تحكم عليه حكم الموتى وأنك لا ترد الحكم إذا جاء لأنك إذا حكمت به لزمك إن
جاءت سنة فتركته لم تحكم عليه في ماله عشر سنين حتى جاء تائبا ثم طلب منك من كنت تحكم في
ماله حكم الموتى أن تسلم ذلك إليه وقال قد لزمك أن تعطينا هذا بعد عشر سنين؟ قال: ولا أعطيهم
ذلك وهو أحق بماله (قلت) له فإن قالوا إن كان هذا لزمك فلا يحل لك إلا أن تعطيناه وإن كان لم
يلزمك إلا بموته فقد أعطيتناه في حال ولا يحل لك ولا لنا ما أعطيتنا منه (قال الشافعي) وقلت له
أرأيت إذ زعمت أنك إذا حكمت عليه بحكم الموتى فهل يعدو الحكم فيه أن يكون نافذا لا يرد أو
موقوفا عليه يردد إذا جاء (قال) ما أقول بهذا التحديد (قلت) أفتفرق بينه بخبر يلزمه فنتبعه؟ (قال)
لا، فقلت إذا كان خلاف القياس والمعقول وتقول بغير خبر أيجوز؟ قال: إنما فرق أصحابكم بغير خبر
(قلت) أفرأيت ذلك ممن فعله منهم صوابا؟ قال: لا (قلت) أو رأيت أيضا قولك إذا كان عليه دين
إلى ثلاثين سنة فلحق بدار الحرب فقضيت صاحب الدين دينه وهو مائة ألف دينار وأعتقت أمهات
أولاده ومدبريه وقسمت ميراثه بين أبنيه فأصاب كل واحد منهما ألف دينار فأتلف أحدهما نصيبه والآخر
بعينه ثم جاء مسلما من يومه أو غده فقال: أردد على ما لي فهو هذا وهؤلاء أمهات أولادي، ومدبري
299

بأعيانهم وهذا صاحب ديني يقول لك هذا ما له في يدي لم أغيره وهذان ابناي ما لي في يد أحدهما أو
قد صادني الآخر فأتلف مالي (قال) أقول له: قد مضى الحكم ولا يرد غير أنى أعطيك المال الذي
في يد ابنك الذي لم يتلفه فقلت له فقال لك ولم تعطينيه دون مالي (قال) لأنه مالك بعينه فقلت له:
فمدبروه وأمهات أولاده ودينه المؤجل ماله بعينه فأعطه إياه (قال) لا أعطيه إياه لان الحكم قد مضى
به (قلت) ومضى ما أعطيت ابنه قال نعم (قلت) فحكمت حكما واحدا فإن كان الحق أمضاه فأمضه
كله وإن كان الحق رده فرده كله (قال) أرد ما وجدته بعينه (قلت) له فاردد إليه دينه المؤجل بعينه
ومدبريه وأمهات أولاده قال: أرد عين ما وجدت في يد وارثه (قلت) له أفترى هذا جوابا؟ فما زاد
على أن قال فأين السنة؟ (قال الشافعي) فقلت له أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن علي بن حسين عن
عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يرث المسلم الكافر " (قال
الشافعي) أخبرنا سفيان عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله (قلت) أفيعدو المرتد أن يكون كافرا أو مسلما؟ قال بل كافر وبذلك
أقتله (قلت) أفما تبين لك السنة أن المسلم لا يرث الكافر قال فإنا قد روينا عن علي بن أبي طالب رضى
الله تعالى عنه أنه ورث مرتدا قتله وورثته من المسلمين (قال) فقلت أن أسمعك وغيرك تزعمون أن ما
روى عن علي من توريثه المرتد خطأ وأن الحفاظ لا يروونه في الحديث (قال) فقد رواه ثقة وإنما قلنا
خطأ بالاستدلال وذلك ظن (قال) فقلت له: روى الثقفي وهو ثقة عن جعفر بن محمد عن أبيه
رحمهما الله تعالى عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد فقلت فلم يذكر جابرا
الحفاظ فهذا يدل على أنه غلط أفرأيت لو احتججنا عليك بمثل ما حجتك فقلنا هذا ظن والثقفي ثقة (1)
وان صنع غيره أوشك قال فإذا لا تنصف (قلت) وكذلك لم تنصف أنت حين أخبرتني أن الحفاظ رووا
هذا الحديث عن علي رضي الله عنه ليس فيه توريث ما له وقلت: هذا غلط ثم احتججت به
فقال لو كانت ثابتا قلت فأصل ما نذهب إليه نحن وأنت وأهل العلم أن ما ثبت عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وثبت عن غيره خلافه ولو كثروا لم يكن فيه حجة؟ قال أجل ولكني أقول: قد يحتمل قول
النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر " الذي لم يسلم قط (قال الشافعي) فقلت له أفتقول
هذا بدلالة في الحديث؟ قال لا ولكن عليا رضى الله تعالى عنه أعلم به فقلت أيروى على عن النبي
صلى الله عليه وسلم هذا الحديث فنقول لا يدع شيئا رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد عرف
معناه فيوجه على ما قلت؟ (قال) ما علمته رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم (قلت) أفيمكن فيه أن
لا يكون سمعه؟ قال: نعم (قال الشافعي) فقلت له: أفترى لك في هذا حجة؟ قال: لا يشبه أن
يكون يخفى مثل هذا عن علي رضى الله تعالى عنه فقلت: وقد وجدتك تخبر عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قضى في بروع بنت واشق بمثل صداق نسائها وكانت نكحت على غير صداق فقضى بخلافه
وقد سمعته وقال مثل قول على ابن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس فقلت: لا حجة لاحد ولا في قوله
مع النبي صلى الله عليه وسلم وقلت له: فإن قال لك قائل قد يمكن أن يكون إنما قال هذا زيدا وابن
عمر وابن عباس لأنهم علموا ان النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أن زوج بروع فرض لها بعد عقدة
النكاح فحفظ معقل أن عقدة النكاح بعد فريضة وعلم هؤلاء أن الفريضة قد كانت بعد الدخول.

(1) قوله: وإن صنع غيره، كذا في الأصل، وتأمله. كتبه مصححه.
300

قال ليس في حديث معقل، وهؤلاء لم يرووه فيكونون قالوه برواية. وإنما قالوا عندنا بالرأي حتى
يدعوا فيه رواية (قال الشافعي) فقلت لم لا يكون ما رويت عن علي في المرتد هكذا؟ (قال) وقلت له
معاذ بن جبل يورث المسلم من الكافر ومعاوية وابن المسيب ومحمد بن علي
وغيرهم، ويقول بعضهم
نرثهم لا يرثونا كما تحل لنا نساؤهم ولا تحل لهم نساؤنا، أفرأيت إن قال لك قائل: فمعاذ بن جبل من
أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد يحتمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
" لا يرث المسلم الكافر " من أهل الأوثان، لان أكثر حكمه كان عليهم وليس يحل نساؤهم ولكن المسلم
يرث الكافر من أهل الكتاب كما يحل له نكاح المرأة منهم، قال: ليس ذلك له والحديث يحتمل كثيرا
مما حمل وليس معاذ حجة وإن قال قولا واحتمله الحديث لأنه لم يرو الحديث (قلت) فنقول لك
ومعاذ يجهل هذا ويرويه أسامة بن زيد؟ قال: نعم. قد يجهل السنة المتقدم الصحبة ويعرفها قليل
الصحبة (قال الشافعي) فقلت له كيف لم تقل هذا في المرتد؟ (قال الشافعي) فقطع الكلام: وقال
ولم قلت يكون مال المرتد فيئا؟ (قلت) بأن الله تبارك وتعالى حرم دم المؤمن وماله إلا بواحدة ألزمه
إياها وأباح دم الكافر وماله إلا بأن يؤدى الجزية أو يستأمن إلى مدة فكان الذي يباح به دم البالغ من
المشركين هو الذي يباح به ماله وكان المال تبعا للذي هو أعظم من المال فلما خرج المرتد من الاسلام
صار في معنى من أبيح دمه بالكفر لا بغيره وكان ماله تبعا لدمه ويباح بالذي أبيح به من دمه ولا يكون
أن تنحل عنه عقدة الاسلام فيباح دمه ويمنع ماله (قال الشافعي) فقال: فإن كنت شبهته بأهل دار
الحرب فقد جمعت بينهم في شئ وفرقته في آخر (قلت) وما ذاك؟ قال: أنت لا تغنم ماله حتى
يموت أو تقتله وقد يغنم مال الحربي قبل أن يموت وتقتله (قال الشافعي) فقلت له: الحكم في أهل
دار الحرب حكمان: فأما من بلغته الدعوة فأغير عليه بغير دعوة آخذ ماله وإن لم أقتله. وأما من لم تبلغه
الدعوة فلا أغير عليه حتى أدعوه ولا أغنم من ماله شيئا حتى أدعوه يمتنع فيحل دمه وماله فلما كان
القول في المرتد أن يدعى لم يغنم ماله حتى يدعى، فإذا امتنع قتل وغنم ماله.
كتاب الجنائز
باب ما جاء في غسل الميت
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال مالك بن أنس: ليس لغسل الميت حد
ينتهى لا يجزئ دونه ولا يجاوز ولكن يغسل فينقى وأخبرنا مالك عن أيوب السختياني عن محمد بن
سيرين عن أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهن في غسل بنته " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو
أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور " (قال الشافعي)
وعاب بعض الناس هذا القول على مالك وقال: سبحان الله كيف لم يعرف أهل المدينة غسل الميت
والأحاديث فيه كثيرة؟ ثم ذكر أحاديث عن إبراهيم وابن سيرين فرأى مالك معانيها على إنقاء الميت
لان روايتهم جاءت عن رجال غير واحد في عدد الغسل وما يغسل به، فقال غسل: فلان فلانا بكذا
وكذا: وقال، غسل فلان بكذا وكذا ثم ورأينا والله أعلم ذلك على قدر ما يحضرهم مما يغسل به الميت
301

وعلى قدر انتقائه لاختلاف الموتى في ذلك اختلاف الحالات وما يمكن الغاسلين ويتعذر عليهم فقال
مالك قولا مجملا " يغسل فينقى) وكذلك روى الوضوء مرة واثنتين وثلاثا وروى الغسل مجملا وذلك كله
يرجع إلى الانقاء، وإذا أنقى الميت بماء قراح أو ماء عد أجزأه ذلك من غسله كما ننزل ونقول معهم
في الحي وقد روى فيه صفة غسله (قال الشافعي) ولكن أحب إلى أن يغسل ثلاثا بماء عدلا يقصر عن
ثلاث لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلنها ثلاثا وإن لم ينقه ثلاثا أو خمسا؟ قلنا، يزيدون حتى
ينقونها، وإن أنقوا في أقل من ثلاث أجزأه ولا نرى أن قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو على معنى
الانقاء إذ قال وترا ثلاثا أو خمسا ولم يوقت أخبرنا بعض أصحابنا عن ابن جريج عن أبي جعفر أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل ثلاثا، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن عطاء
قال: يجزئ في غسل الميت مرة فقال عمر بن عبد العزيز ليس فيه شئ مؤقت، وكذلك بلغنا عن
ثعلبة بن أبي مالك (قال الشافعي) والذي أحب من غسل الميت أن يوضع على سرير الموتى ويغسل في
قميص أخبرنا مالك عن جعفر ابن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل في قميص
(قال) فإن لم يغسل في قميص ألقيت على عورته خرقة لطيفة تواريها ويستر بثوب ويدخل بيتا لا يراه
إلا من يلي غسله ويعين عليه ثم يصب رجل الماء إذا وضع الذي يلي غسله على يده خرقة لطيفة فيشدها
ثم يبتدئ بسلفته ينقيها كما يستنجى الحي ثم ينظف يده ثم يدخل التي يلي بها سلفه فإن كان يغسله
واحد ابدل الخرقة التي يلي بها سفلته وأخذ خرقة أخرى نقية فشدها على يده ثم صب الماء عليه وعلى
الميت ثم أدخلها في فيه بين شفتيه ولا يغفر فاه فيمرها على أسنانه بالماء ويدخل أطراف أصابعه في
منخريه بشئ من ماء فينقى شيئا إن كان هنالك ثم يوضئه وضوءه للصلاة ثم يغسل رأسه ولحيته بالسدر
فإن كان ملبدا فلا بأس أن يسرح بأسنان مشط مفرجة ولا ينتف شعره ثم يغسل شقه الأيمن ما دون
رأسه إلى أن يغسل قدمه اليمنى ويحركه حتى يغسل ظهره كما يغسل بطنه ثم يتحول إلى شقه الأيسر
فيصنع به مثل ذلك ويقلبه على أحد شقيه إلى الآخر كل غسله حتى لا يبقى منه موضع إلا أتى عليه
بالماء والسدر ثم يصنع به ذلك ثلاثا أو خمسا ثم يمر عليه الماء القراح قد ألقى فيه الكافور وكذلك في
كل غسلة حتى ينقيه ويمسح بطنه فيا مسحا رقيقا والماء يصب عليه ليكون أخفى لشئ إن خرج منه
(قال) وغسل المرأة شبيه بما وصفت من غسل الرجل (قال الشافعي) وقال بعض الناس يغسل الأول
بماء قراح ولا يعرف زعم الكافور في الماء، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن
أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين عن أم عطية الأنصارية قالت: دخل علينا رسول الله صلى
الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر
واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور " (قال الشافعي) وإن كانت امرأة ضفروا شعر رأسها كله
ناصيتها وقرنيها ثلاث قرون ثم ألقيت خلفها (قال الشافعي) وأنكر هذا علينا بعض الناس فقال يسدل
شعرها من بين ثدييها وإنما نتبع في هذه الآثار ولو قال قائل تمشط برأيه ما كان إال كقول هذا المنكر
علينا، أخبرنا الثقة من أصحابنا عن هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية الأنصارية
رضي الله عنها قالت ضفرنا شعر بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيتها وقرنيها ثلاث قرون فألقيناها
خلفها (قال الشافعي) ونأمر بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن غسلت وكفنت ابنته وبحديثها يحتج
الذي عاب على مالك قوله ليس في غسل الميت شئ يوقت ثم يخالفه في غير هذا الموضع (قال)
وخالفنا في ذلك فقال لا يسرح رأس الميت ولا لحيته وإنما يكره من تسريحه أن ينتف شعره فأما التسريح
302

الرفيق فهو أخف من الغسل بالسدر وهو تنظيف وتمشية له (قال) ويتبع ما بين أظفاره بعود لين يخلل ما
تحت أظفار الميت من وسخ وفى ظاهر أذنيه وسماخه (قال) والمنهى يحلقون فإن كان بأحد منهم وسخ
متلبد رأيت أن يغسل بالأشنان ويتابع دلكه لينقي الوسخ (قال الشافعي) ومن أصحابنا من قال لا
أرى أن يحلق بعد الموت شعر ولا يجز له ظفر ومنهم من لم ير بذلك بأسا وإذا حنط الميت وضع الكافور
على مساجده والحنوط في رأسه ولحيته (قال) وإن وضع فيهما وفى سائر جسده كافور فلا بأس إن شاء
الله (قال) ويوضع الحنوط والكافور على الكرسف ثم يوضع على منخريه وفيه وأذنيه ودبره وإن كان له
جراح نافذة وضع عليها (قال) فإن كان يخاف من ميتته أو ميته أن يأتي عند التحريك إذا حملا شيئا
لعلة من العلل استحببت أن يشد على سفليهما معا بقدر ما يراه يمسك شيئا إن أتى من ثوب صفيق فإن
خف فلبد صفيق (قال) ويجب أن يكون في البيت الذي فيه الميت تبخير لا ينقطع حتى يفرغ من
غسله ليواري ريحا إن كانت متغيرة ولا يتبع بنار إلى القبر (قال) وأحب إلى أن رأى من المسام شيئا ان
لا حدث به فإن المسلم حقيق أن يستر ما يكره من المسلم وأحب إلى أن لا يغسل الميت إلا أمين على
غسله (قال) وأولى الناس بغسله أولاهم بالصلاة عليه ولن ولى ذلك غيره فلا بأس وأحب أن يغض
الذي يصب على الميت بصره عن الميت فإن عجز عن غسله واحد أعانه عليه غيره (قال) ثم إذا فرغ
من غسل الميت جفف في ثوب حتى يذهب ما عليه من الرطوبة ثم أدرج في أكفانه (قال) وأحب لمن
غسل الميت أن يغتسل وليس بالواجب عندي والله أعلم، وقد جاءت أحاديث في ترك الغسل منها " لا
تنجسوا موتاكم " ولا بأس أن يغسل المسلم إذا قرابته من المشركين ويتبع جنائزه ويدفنه ولكن لا يصلى
عليه وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا رضي الله عنه بغسل أبا طالب ولا بأس أن يعزى المسلم
إذا مات قال الربيع: إذا مات أبوه كافرا.
باب في كم يكفن الميت
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى ويكفن الميت في ثلاثة أثواب بيض وكذلك بلغنا
أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن ولا أحب أن يقمص ولا يعمم أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن
عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة
(قال الشافعي) وما كفن فيه الميت أجزأه إن شاء الله وإنما قلنا هذا لان النبي صلى الله عليه وسلم كفن
يوم أحد بعض القتلى بنمرة واحدة فدل ذلك (1) على أن ليس فيه لا ينبغي أن نقصر عنه وعلى أنه
يجزئ ما وارى العورة (قال) فإن قمص أو عمم فلا بأس إن شاء الله ولا أحب أن يجاوز بالميت خمسة
أثواب فيكون سرفا (قال) وإذا كفن ميت؟ في ثلاثة أثواب أجمرت بالعود حتى يعبق بها المجمر ثم يبسط
أحسنها وأوسعها أولها ويدر عليه شئ من الحنوط ثم بسط عليه الذي يليه في السعة ثم ذر عليه من
حنوط ثم بسط عليه الذي يليه ثم ذر عليه شئ من حنوط ثم وضع الميت عليه مستلقيا وحنط كما
وصفت لك ووضع عليه القطن كما وصفته لك ثم ثنى عليه صنفة الثوب الذي يليه على شقه الأيمن ثم
يثنى عليه صنفته الأخرى على شقه الأيسر كما يشتمل الانسان بالساج (يعني الطيلسان) حتى توازيها

(1) قوله: على أن ليس فيه لا ينبغي الخ كذا في الأصل ولعل فيه سقطا من الناسخ فليحرر.
303

صنفة الثوب التي ثنيت أولا بقدر سعة الثوب ثم يصنع بالأثواب الثلاثة كذلك (قال) ويترك فضل من
الثياب عند رأسه (1) أكثر من عند رجليه ما يغطيهما ثم يعطف فضل الثياب من عند الرأس والرجلين
فإن خشي أن تنحل عقدة الثياب، فإذا وضع في اللحد حلت عقده كلها (قال) وإن كفن في قميص
جعل القميص دون الثياب والثياب فوقه وإن عمم جعلت العمامة دون الثياب والثياب فوقها وليس في
ذلك ضيق إن شاء الله تعالى (قال) وإن لم يكن إلا ثوب واحد أجزأ وإن ضاق وقصر غطى به
الرأس والعورة ووضع على الرجلين شئ وكذلك فعل يوم أحد ببعض أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم (قال الشافعي) فإن ضاق عن الرأس والعورة غطيت به العورة (قال) وإن مات ميت في سفينة
في البحر صنع به هكذا فإن قدروا على دفنه وإلا أحببت أن يجعلوه بين لوحين ويربطوهما بحبل
ليحملاه إلى أن ينبذه البحر بالساحل فلعل المسلمين ان يجدوه فيواروه وهي أحب إلى من طرحه
للحيتان يأكلوه فإن لك يفعلوا وألقوه في البحر رجوت أن يسعهم (قال) والمرأة يصنع بها في الغسل
والحنوط ما وصفت وتخالف الرجل في الكفن إذا كان موجودا فتلبس الدرع وتؤزر وتعمم وتلف ويشد
ثوب على صدرها بجميع ثيابها (قال) وأحب إلى أن يجعل الإزار دون الدرع لأمر النبي صلى الله عليه
وسلم في ابنته بذلك والسقط يغسل ويكفن ويصلى عليه إن استهل وإن لم يستهل غسل وكفن ودفن
(قال) والخرقة التي توازى لفافة تكفيه (قال) والشهداء الذين عاشوا وأكلوا الطعام مثل الموتى في
الكفن والغسل والصلاة والذين قتلوا في المعركة يكفنون بثيابهم التي قتلوا فيها إن شاء أولياؤهم والوالي
لهم وتنزع عنهم خفاف كانت وفراء وإن شاء نزع جميع ثيابهم وكفنهم في غيرها فإن قال قائل فقد قال
النبي صلى الله عليه وسلم " زملوهم بكلومهم ودمائهم " فالكلوم والدماء غير الثياب ولو كفن بعضهم في
الثياب لم يكن هذا مضيفا وإن كفن بعض في غير الثياب التي قتل فيها وقد كفن رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعض شهداء أحد بنمرة كان إذا غطى بها رأسه بدت رجلاه فجعل على رجليه شيئا من
شجر وقد كان في الحرب لا يشك أن قد كانت عليه ثياب (قال الشافعي) وكفن الميت وحنوطه ومؤنته
حتى يدفن من رأس ماله ليس لغرمائه ولا لوارثه منع ذلك فإن تشاحوا فيه فثلاثة أثواب إن كان وسطا
لا موسرا ولا مقلا ومن الحنوط بالمعروف لا سرفا ولا تقصيرا ولو لم يكن حنوط ولا كافور في شئ من
ذلك رجوت أن يجزئ.
باب ما يفعل بالشهيد وليس في التراجم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قتل المشركون المسلمين في المعترك لم تغسل القتلى ولم يصل
عليهم ودفنوا بكلومهم ودمائهم وكفنهم أهلوهم فيما شاءوا كما يكفن غيرهم إن شاءوا في ثيابهم التي
تشبه الأكفان وتلك القمص والازر والأردية والعمائم لا غيرها وإن شاءوا سلبوها وكفنوهم في غيرها
كما يصنع بالموتى من غيرهم وتنزع عنهم ثيابهم التي ماتوا فيها ألا ترى أن بعض شهداء أحد كفن في

(1) قوله: أكثر من عند، كذا في الأصل ولعله محرف عن " وكذا من عند الخ " تأمل. كتبه
مصححه.
304

نمرة وقد كان لا يشك إن شاء الله تعالى عليهم السلام والثياب وقال بعض الناس يكفنون في
الثياب التي قتلوا فيها إلا فراء أو حشوا أو لبدا (قال) ولم يبلغنا أن أحدا كفن في جلد ولا فرو ولا
حشوا وإن كان الحشو ثوبا كله فلو كفن به لم أر به بأسا لأنه من لبوس عامة الناس فأما الجلد فليس
يعلم من لباس الناس وقال بعض الناس يصلى عليهم ولا يغسلون واحتج بأن الشعبي روى أن حمزة
صلى عليه سبعون صلاة وكان يؤتى بتسعة من القتلى حمزة عاشرهم ويصلى عليهم ثم يرفعون وحمزة
مكانه ثم يؤتى بآخرين فيصلى عليهم وحمزة مكانه حتى صلى عليه سبعون صلاة (قال) وشهداء
أحد اثنان وسبعون شهيدا فإذا كان قد صلى عليهم عشرة عشرة في قول الشعبي فالصلاة لا تكون
أكثر من سبع صلوات أو ثمان فنجعله على أكثرها على أنه صلى على اثنين صلاة وعلى حمزة صلاة
فهذه تسع صلوات فمن أين جاءت سبعون صلاة؟ وإن كان عنى سبعين تكبيرة فنحن وهم نزعم
أن التكبير على الجنائز أربع فهي إذا كانت تسع صلوات ست وثلاثون تكبيرة فمن أين جاءت أربع
وثلاثون؟ فينبغي لمن روى هذا الحديث أن يستحيى على نفسه وقد كان ينبغي له أن يعارض بهذه
الأحاديث كلها عينان فقد جاءت من وجوه متواترة بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليهم
وقال زملوهم بكلومهم ولو قال قائل يغسلون ولا يصلى عليهم ما كانت الحجة عليه إلا أن يقال له
تركت بعض الحديث وأخذت ببعض (قال) ولعل ترك الغسل والصلاة على من قتله جماعة
المشركين إرادة أن يلقوا الله عز وجل بكلومهم لما جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ريح الكلم
ريح المسك واللون لون الدم واستغنوا بكرامة الله عز وجل لهم عن الصلاة لهم مع التخفيف على من
بقي من المسلمين لما يكون فيمن قاتل بالزحف من المشركين من الجراح وخوف عودة العدو ورجاء
طلبهم وهمهم بأهليهم وهم أهلهم بهم (قال) وكان مما يدل على هذا أن رؤساء المسلمين غسلوا عمر
وصلوا عليه وهو شهيد ولكنه إنما صار إلى الشهادة في غير حرب وغسلوا المبطون والحريق والغريق
وصاحب الهدم وكلهم شهداء وذلك أنه ليس فيمن معهم من الاحياء معنى أهل الحرب (1) فأما
من قتل في المعركة وكذلك عندي لو عاش مدة ينقطع فيها الحرب ويكون الأمان وإن لم يطعم،
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب غسل وكفن وصلى عليه (قال الشافعي)
وإن قتل صغير في معركة أو امرأة صنع بهما ما يصنع بالشهداء ولم يغسلا ولم يصل عليهما ومن قتل
في المعترك بسلاح أو غيره أو وطئ دابة أو غير ذلك مما يكون به الحتف فحاله حال من قتل بالسلاح
وخالفنا في الصبي بعض الناس فقال ليس كالشهيد وقال قولنا بعض الصحابة وقال الصغير شهيد
ولا ذنب له فهو أفضل من الكبير أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا بعض أصحابنا عن
ليث بن سعد عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لم يصل على قتلى أحد ولم يغسلهم، أخبرنا بعض أصحابنا عن أسامة بن زيد عن الزهري عن
أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد ولم يغسلهم أخبرنا سفيان
عن الزهري وثبته معمر عن ابن أبي الصغير أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرف على قتلى أحد فقال
" شهدت على هؤلاء فزملوهم بدمائهم وكلومهم ".

(1) قولة: فأم من قتل، كذا في الأصل. ولعله محرف عن " فيمن قتل " كتبه مصححه.
305

باب المقتول الذي يغسل ويصلى عليه ومن لم يوجد
وليس في التراجم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن قتله مشرك منفردا، أو جماعة في حرب من أهل البغى
أو غيرهم أو قتل بقصاص غسل إن قدر على ذلك وصلى عليه لان معناه غير معنى من قتله المشركون
ومعنى من قتله مشرك منفردا ثم هرب، غير معنى من قتل في زحف المشركين لان المشركين لا يؤمن
أن يعودوا ولعلهم أن يطلبوا واحدا منهم فيهرب وتؤمن عودته وأهل البغى منا ولا يشبهون المشركين ألا
ترى أنه ليس لنا اتباعهم كما يكون لنا اتباع المشركين؟ وقال بعض الناس: من قتل مظلوما في غير
المصر لغير سلاح فيغسل فقيل له إن كنت قلت هذا يأثر عقلناه، قال: ما فيه أثر، قلنا: فما العلة
التي فرقت فيها بنى هؤلاء أردت اسم الشهادة فعمر شهيد قتل في المصر وغسل وصلى عليه وقد نجد
اسم الشهادة يقع عندنا وعندك على القتل في المصر بغير سلاح والغريق والمبطون وصاحب الهدم في
المصر وغيره ولا نفرق بين ذلك ونحن وأنت نصلي عليهم ونغسلهم، وإن كان الظلم به اعتللت فقد
تركت من قتل في المصر مظلوما بغير سلاح من أن تصيره إلى حد الشهداء ولعله أن يكون أعظمهم
أجرا لان القتل بغير سلاح أشد منه وإذا كان أشد منه كان أعظم أجرا وقال بعض الناس أيضا:
إذا أغار أهل البغى فقتلوا فالرجال والنساء والولدان كالشهداء لا يغسلون، وخالفه بعض أصحابه
فقال الولدان أطهر وأحق بالشهادة (قال الشافعي) وكل هؤلاء يغسل ويصلى عليه لان الغسل
والصلاة سنة من بني آدم لا يخرج منها إلا من تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين قتلهم
المشركون الجماعة خاصة في المعركة (قال الشافعي) من أكله سبع أو قتله أهل البغى أو اللصوص أو
لم يعلم من قتله غسل وصلى عليه فإن لم يوجد إلا بعض جسده صلى على ما وجد منه وغسل ذلك
العضو، وبلغنا عن أبي عبيدة أنه صلى على رؤوس قال بعض أصحابنا عن ثور بن يزيد عن خالد
بن معدان: إن أبا عبيدة صلى على رؤوس وبلغنا أن طائرا ألقى يدا بمكة في وقعة الجمل فعرفوها
بالخاتم فغسلوها وصلوا عليها، قال بعض الناس: يصلى على البدن الذي فيه القسامة ولا يصلى
على رأس ولا يد (قال الشافعي) وإن كان لا قسامة فيه عنده ولم يوجد في أرض أحد فكيف نصلى
عليه؟ وما للقسامة والصلاة والغسل؟ وإذا جاز أن يصلى على بعض جسده دون بعض فالقليل من
يديه والكثير في ذلك لهم سواء، ولا يصلى على الرأس والرأس موضع السمع والبصر واللسان وقوام
البدن، ويصلى على البدن بلا رأس. الصلاة سنة المسلمين وحرمة قليل البدن لأنه كان فيه الروح
حرمة كثيرة في الصلاة.
باب اختلاط موتى المسلمين بموتى الكفار
ليس في التراجم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا غرق الرجال أو أصابهم هدم أو حريق وفيهم مشركون
كانوا أكثر أو أقل من المسلمين صلى عليهم وينوى بالصلاة المسلمين دون المشركين، وقال بعض
الناس: إذا كان المسلمون أكثر صلى عليهم ونوى بالصلاة المسلمين دون المشركين، وإن كان
306

المشركون أكثر لم يصل على واحد منهم (قال الشافعي) لئن جازت الصلاة على مائه مسلم فيهم
مشرك بالنية لتجوزن على مائة مشرك فيهم مسلم وما هو إلا أن يكونوا إذا خالطهم مشرك لا يعرف فقد حرمت الصلاة عليهم، وإن الصلاة تحرم على المشركين فلا يصلى عليهم أو تكون الصلاة واجبة
على المسلمين وإن خالطهم مشرك نوى المسلم بالصلاة ووسع ذلك المصلى وإن لم يسع الصلاة في
ذلك مكان المشركين كانوا أكثر أو أقل (قال الشافعي) وما نحتاج في هذا القول إلى أن نبين خطأه
بغيره، فإن الخطأ فيه لبين، وما ينبغي أن يشكل على أحد له علم.
باب حمل الجنازة
وليس في التراجم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويستحب للذي يحمل الجنازة أن يضع السرير على كاهله بين
العمودين المقدمين ويحمل بالجوانب الأربع وقال قائل: لا تحمل بين العمودين هذا عندنا مستنكر
فلم يرض أن جهل ما كان ينبغي له أن يعلمه حتى عاب قول من قال بفعله هذا وقد روى عن بعض
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم فعلوا ذلك أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال
رأيت سعد بن أبي وقاص في جنازة عبد الرحمن ابن عوف قائما بين العمودين المقدمين واضعا
السرير على كاهله، وأخبرنا بعض أصحابنا عن ابن جريح عن يوسف ابن ماهك أنه رأى ابن عمر
في جنازة رافع بن خديج قائما بين قائمتي السرير، أخبرنا الثقة عن إسحاق بن يحيى ابن طلحة عن
عمه عيسى بن طلحة قال رأيت عثمان بن عفان يحمل بين عمودي سرير أمه، فلم يفارقه حتى
وضعه أخبرنا بعض أصحابنا عن عبد الله بن ثابت عن أبيه قال: رأيت أبا هريرة يحمل بين
عمودي سرير سعد بن أبي وقاص أخبرنا بعض أصحابنا عن شرحبيل بن أبي عون عن أبيه قال:
رأيت ابن الزبير يحمل بين عمودي سرير السور ابن محزمة (قال الشافعي) فزعم الذي عاب هذا
علينا أنه مستنكر لا نعلمه إلا قال برأيه وهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما سكتنا
عنه من الأحاديث أكثر مما ذكرنا.
باب ما يفعل بالمحرم إذا مات
وليس في التراجم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا مات المحرم غسل بماء وسدر، وكفن في ثيابه التي أحرم
فيها أو غيرها ليس فيها قميص ولا عمامة ولا يعقد عليه ثوب كما لا يعقد الحي المحرم، ولا يمس
بطيب، ويخمر وجهه ولا يخمر رأسه ويصلى عليه ويدفن، وقال بعض الناس: إذا مات كفن
كما يكفن غير المحرم وليس ميت إحرام واحتج بقول عبد الله بن عمر ولعل عبد الله بن عمر لم يسمع
الحديث بل لا أشك إن شاء الله، ولو سمعه ما خالفه، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قولنا كما قلنا وبلغنا عن عثمان بن عفان مثله وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس لأحد
خلافه إذا بلغه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال:
307

سمعت سعيد بن جبير يقول سمعت ابن عباس يقول كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فخر رجل عن
بعيره فوقص فمات فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا
رأسه " قال سفيان وازاد إبراهيم ابن أبي بحرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: " وخمروا وجهه ولا تخمروا رأسه ولا تمسوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " أخبرنا
سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن شهاب أن عثمان بن عفان صنع نحو ذلك.
باب الصلاة على الجنازة والتكبير فيها وما يفعل بعد كل تكبيرة
وليس في التراجم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا صلى الرجل على الجنازة كبر أربعا وتلك السنة ورويت
عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب
عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي اليوم الذي
مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات. أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن أبا
أمامة بن سهل بن حنيف أخبره أن مسكينة مرضت فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمرضها قال
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المرضى ويسأل عنهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(إذا ماتت فآذنوني بها) فخرج بجنازتها ليلا فكرهوا أن يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما
أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بالذي كان من شأنها فقال " ألم آمركم أن تؤذنوني بها)
فقالوا يا رسول الله كرهنا أن نوقظك ليلا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صف بالناس
على قبرها وكبر أربع تكبيرات (قال الشافعي) فلذلك نقول يكبر أربعا على الجنائز، يقرأ في الأولى
بأم القرآن، ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للميت. وقال بعض الناس: لا يقرأ في
الصلاة على الجنازة (قال الشافعي) إنا صلينا على الجنازة وعلمنا كيف سنة الصلاة فيها لرسول الله
صلى الله عليه وسلم فإذا وجدنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أتبعناها أرأيت لو قال قائل:
أزيد في التكبير على ما قلتم لأنها ليست بفرض أولا أكبر وأدعوا للميت هل كانت لنا عليه حجة إلا
أن نقول قد خالفت السنة؟ وكذلك الحجة على من قال لا يقرأ إلا أن يكون رجل لم تبلغه السنة
فيها، أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله
عليه وسلم كبر على الميت أربعا وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى أخبرنا إبراهيم بن محمد عن سعد
عن أبيه عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ فيها بفاتحة
الكتاب فلما سلم سألته عن ذلك فقال سنة وحق، أخبرنا ابن عيينة عن محمد بن عجلان عن سعيد
بن أبي سعيد المقبري قال سمعت ابن عباس يجهر بفاتحة الكتاب على الجنازة وقال: إنما فعلت
لتعلموا أنها سنة، أخبرنا مطرف ابن مازن عن معمر عن الزهري قال أخبرني أبو أمامة بن سهل أنه
أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ان السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر
الامام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه ثم يصلى على النبي صلى الله عليه
وسلم ويخلص الدعاء للميت في التكبيرات لا يقرأ في شئ منهن ثم يسلم سرا في نفسه، أخبرنا
مطرف بن مازن عن معمر الزهري قال حدثني محمد الفهري عن الضحاك بن قيس أنه قال
308

مثل قول أبى أمامة (قال الشافعي) والناس يقتدون بإمامهم يصنعون ما يصنع (قال الشافعي) وابن
عباس والضحاك بن قيس رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولان ألسنة إلا لسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله (قال الشافعي) أخبرنا بعض أصحابنا عن ليث بن سعد
عن الزهري عن أبي أمامة قال: السنة أن يقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب (قال الشافعي)
وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولون بالسنة والحق إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن شاء الله تعالى، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن إسحاق بن
عبد الله عن موسى بن وردان عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان يقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة
الأولى على الجنازة وبلغنا ذلك عن أبي بكر الصديق وسهل بن حنيف وغيرهما من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) ولا بأس أن يصلى على الميت بالنية فقد فعل ذلك رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالنجاشي صلى عليه بالنية، وقال بعض الناس: لا يصلى عليه بالنية، وهذا
خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يحل لاحد خلافها وما نعلمه روى في ذلك شيئا
إلا ما قال برأيه (قال) ولا بأس أن يصلى على القبر بعدما يدفن الميت بل نستحبه، وقال بعض
الناس: لا يصلى على القبر، وهذا أيضا خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يحل
لاحد علمها خلافها قد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر البراء بن معرور وعلى قبر غيره،
أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل: أن النبي صلى
الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة وكبر أربعا (قال الشافعي) وصلت عائشة على قبر أخيها وصلى ابن
عمر على قبر أخيه عاصم بن عمر (قال الشافعي) ويرفع المصلى يديه كلما كبر على الجنازة في كل
تكبيرة للأثر والقياس على السنة في الصلاة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه في كل
تكبيرة كبرها في الصلاة وهو قائم، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن عمر عن
عبد الله بن عمر بن حفص عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه كلما كبر على الجنازة (قال
الشافعي) وبلغني عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير مثل ذلك وعلى ذلك أدركت أهل العلم
ببلدنا، وقال بعض الناس: لا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى، وقال: ويسلم تسليمة يسمع من
يليه وإن شاء تسليمتين أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يسلم في الصلاة على الجنازة
(قال الشافعي) ويصلى على الجنازة قياما مستقبلي القبلة ولو صلوا جلوسا من غير عذر أو ركبانا
أعادوا وإن صلوا بغير طهارة أعادوا وإن دفنوه بغير صلاة ولا غسل أو لغير القبلة فلا بأس عندي أن
يماط عنه التراب ويحول فيوجه للقبلة وقيل يخرج ويغسل ويصلى عليه ما لم يتغير فإن دفن وقد غسل
ولم يصل عليه لم أحب إخراجه وصلى عليه في القبر (قال الشافعي) وأحب إذا كبر على الجنازة أن
يقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى ثم يكبر ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويستغفر للمؤمنين
والمؤمنات ثم يخلص الدعاء للميت وليس في الدعاء شئ مؤقت وأحب أن يقول " اللهم عبدك
وابن عبدك وابن أمتك كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به اللهم
إن كان محسنا فزد في إحسانه وارفع درجته وقه عذاب القبر وكل هول يوم القيامة وابعثه من الآمنين
وإن كان مسيئا فتجاوز عنه وبلغه بمغفرتك وطولك درجات المحسنين اللهم فارق من كان يحب من
سعة الدنيا والاهل وغيرهم إلى ظلمة القبر وضيقه وانقطع عمله وقد جئناك شفعاء له ورجونا له
رحمتك وأنت أرأف به اللهم ارحمه بفضل رحمتك فإنه فقير إلى رحمتك وأنت غنى عن عذابه "
309

(قال الشافعي) سمعنا من أصحابنا من يقول المشي أمام الجنازة أفضل من المشي خلفها ولم أسمع
أحدا عندنا يخالف في ذلك وقال بعض الناس المشي خلفها أفضل واحتج بأن عمر إنما قدم الناس
لتضايق الطريق حتى كأنا لم نحتج بغير ما روينا عن عمر في هذا الموضع، واحتج بأن عليا رضي الله عنه قال المشي خلفه أفضل، واحتج بأن الجنازة متبوعة وليست بتابعة وقال: التفكر في
أمرها إذا كان خلفها أكثر (قال الشافعي) والقول في أن المشي أمام الجنازة أفضل (1) مشى النبي
صلى الله عليه وسلم أمامها وقد علموا أن العامة تقتدي بهم وتفعل فعلهم ولم يكونوا مع تعليمه العامة
نعلمهم يدعون موضع الفضل في اتباع الجنازة ولم نكن نحن نعرف موضع الفضل إلا بفعلهم فإذا
فعلوا شيئا وتتابعوا عليه كان ذلك موضع الفضل فيه والحجة فيه من مشى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أثبت من أن يحتاج معها إلى غيرها وإن كان في اجتماع أئمة الهدى بعده الحجة ولم يمشوا في
مشيهم لتضايق الطريق إنما كانت المدينة أو عامتها فضاء حتى عمرت بعد فأين تضايق الطريق فيها
ولسنا نعرف عن علي رضي الله عنه خلاف فعل أصحابه؟ وقال قائل هذه الجنازة متبوعة فلم نر من
مشى أمامها إلا لاتباعها فإذا مشى لحاجته فليس بتابع للجنازة ولا يشك عند أحد أن من كان
أمامها هو معها ولو قال قائل الجنازة متبوعة فرأى هذا كلاما ضعيفا لان الجنازة إنما هي تنقل لا تتبع
أحدا وإنما يتبع بها وينقلها الرجال ولا تكون هي تابعة ولا زائلة إلا أن يزال بها ليس للجنازة عمل
إنما العمل لمن تبعها ولمن معها ولو شاء محتج أن يقول: أفضل ما في الجنازة حملها والحامل إنما
يكون أمامها ثم يحملها لكان مذهبا والفكر للمتقدم والمتخلف سواء (2) ولعمري لمن يمشى من أمامها
الفكر فيها وإنما خرج من أهله يتبعها إن هذه لمن الغفلة ولا يؤمن عليه إذا كان هكذا أن يمشى وهو
خلفها أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي
صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة أخبرنا مسلم بن خالد وغيره عن ابن
جريج عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا
يمشون أمام الجنازة أخبرنا مالك عن محمد بن المنكدر عن ربيعة عن عبد الله بن الهدير أنه أخبره أنه
رأى عمر بن الخطاب يقدم الناس أمام زينب بنت جحش أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار
عن عبيد مولى السائب قال رأيت ابن عمر وعبيد بن عمير يمشيان أمام الجنازة فتقدما فجلسا
يتحدثان فلما جازت بهما الجنازة قاما (قال الشافعي) وبحديث ابن عمر وغيره أخذنا في أنه لا بأس
أن يتقدم فيجلس قبل أن لا يؤتى بالجنازة ولا ينتظر أن يأذن له أهلها في الجلوس وينصرف أيضا
بلا إذن وأحب إلى لو استتم ذلك كله (قال الشافعي) أحب حمل الجنازة من أين حملها ووجه
حملها أن يضع ياسرة السرير المقدمة على عاتقه الأيمن ثم ياسرته المؤخرة ثم يامنة لسرير المقدمة على
عاتقه الأيسر ثم يامنته المؤخرة وإذا كان الناس مع الجنازة كثيرين ثم أتى على مياسره مرة أحببت له
أن يكون أكثر حمله بين العمودين وكيفما يحمل فحسن وحمل الرجل والمرأة سواء ولا يحمل النساء
الميت ولا الميتة وإن ثقلت الميتة فقد رأيت من يحمل عمدا حتى يكون من يحملها على ستة وثمانية

(1) قوله: مشى النبي صلى الله عليه وسلم، أي وأصحابه، ليستقيم قوله: وقد علموا الخ تأمل
(2) قوله: ولعمري لمن يمشى من أمامها الخ لعل أصل العبارة " ولعمري أن من يمشي أمامها مع عدم
التفكر فيها وإنما خرج من أهله يتبعها إن هذه لمن الغفلة الخ " تأمل كتبه مصححه.
310

على السرير وعلى اللوح إن لم يوجد السرير وعلى المحمل وما حمل عليه أجزأ وإن كان في موضع
عجله أو بعض حاجة تتعذر فخيف عليه التغير قبل يهيأ له ما يحمل عليه حمل على الأيدي والرقاب
ومشى بالجنازة أسرع سجية مشى الناس لا الاسراع الذي يشق على ضعفة من يتبعها إلا أن يخاف
تغيرها أو انبجاسها فيعجلونها ما قدروا ولا أحب لاحد من أهل الجنازة الابطاء في شئ من حالاتها
من غسل أو وقوف عند القبر فان هذا مشقة على من يتبع الجنازة:
باب الخلاف في إدخال الميت القبر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وسل الميت سلا من قبل رأسه، وقال بعض الناس: يدخل
معترضا من قبل القبلة وروى حماد عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل من قبل القبلة
معترضا أخبرني الثقات من أصحابنا أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم على يمين الداخل من البيت
لاصق بالجدار والجدار الذي للحد لجنبه قبلة البيت وأن لحده تحت الجدار فكيف يدخل معترضا
واللحد لاصق بالجدار لا يقف عليه شئ ولا يمكن إلا أن يسل سلا أو يدخل من خلاف القبلة؟
وأمور الموتى وإدخالهم من الأمور المشهورة عندنا لكثرة الموت وحضور الأئمة وأهل الثقة وهو من
الأمور العامة التي يستغنى فيها عن الحديث ويكون الحديث فيها كالتكليف بعموم معرفة الناس لها
ورسول الله صلى الله عليه وسلم وللمهاجرون والأنصار بين أظهرنا ينقل العامة عن العامة لا يختلفون
في ذلك أن الميت يسل سلا، ثم جاءنا آت من غير بلدنا يعلمنا كيف ندخل الميت ثم لم يعلم حتى
روى عن حماد عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل معترضا، أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد وغيره عن ابن جريج عن عمران بن موسى أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم سل من قبل رأسه والناس بعد ذلك، أخبرنا الثقة عن عمرو بن عطاء عن عكرمة
عن ابن عباس قال: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل رأسه، وأخبرنا عن أصحابنا عن أبي زناد وربيعة وابن الضر لا اختلاف بينهم في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سل من
قبل رأسه وأبو بكر وعمر (قال الشافعي) ويسطح القبر وكذلك بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه سطح قبر إبراهيم ابنه ووضع عليه حصى من حصى الروضة، وأخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر
بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رش على قبر إبراهيم ابنه ووضع عليه حصباء،
والحصباء لا تثبت إلا على قبر مسطح، وقال بعض الناس يسنم القبر ومقبرة المهاجرين والأنصار
عندنا مسطح قبورها ويشخص من الأرض نحو من شبر ويجعل عليها البطحاء مرة ومرة تطين ولا
أحسب هذا من الأمور التي ينبغي أن ينقل فيها أحد علينا، وقد بلغني عن القاسم ابن محمد قال
رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر مسطحة (قال) ويغسل الرجل امرأته إذا ماتت
والمرأة زوجها إذا مات، وقال بعض الناس: تغسل المرأة زوجها ولا يغسلها، فقيل له: لم
فرقت بينها؟ قال: أوصى أبو بكر ان تغسله أسماء، فقلت: وأوصيت فاطمة أن يغسلها على
رضي الله عنهما، قال: وإنما قلت أن تغسله هي لأنها في عدة منه، قلنا: إن كانت الحجة
الأثر عن أبي بكر فلو لم يرو عن طلحة رضي الله عنه ولا ابن عباس ولا غيرهما في ذلك شئ كانت
311

الحجة عليك بأن قد علمنا أنه لا يحل لها منه إلا ما حل له منها، قال: ألا ترى أن له أن ينكح إذا
ماتت أربع نسوة سواها وينكح أختها؟ فقيل: له العدة والنكاح ليسا من الغسل في شئ، أرأيت
قولك: ينكح أختها أو أربعا سواها أنها فارقت حكم الحياة وصارت كأنها ليست زوجة أو لم تكن
زوجة قط قيل: نعم، قيل فهو إذا مات زوج أو كأنه لم يكن زوجا قال بل ليس بزوج قد انقطع
حكم الحياة عنه كما انقطع عنها غير أن عليها منه عدة قلنا: العدة جعلت عليها بسبب ليس هذا، ألا ترى انها تعتد ولا يعتد وأنها تتوفى فينكح أربعا؟ ويتوفى فلا تنكح دخل بها أو لم يدخل بها
حتى تعتد أربعة أشهر وعشرا شئ جعله الله تعالى عليها دونه وان كل واحد من الزوجين فيما يحل له
ويحرم عليه من صاحبه سواء أرأيت لو طلقها ثلاثا أليست عليها منه عدة؟ قال: بلى (قلت)
فكذلك لو بانت بإيلاء أو لعان؟ قال: بلى، قيل فإن بانت منه ثم مات وهي في عدة الطلاق
أتغسله؟ قال: لا (قلت) ولم قد زعمت أن غسلها إياه دون غسله إياها إنما هو بالعدة وهذه
تعتد؟ (قال) ليست له بامرأة (قلت) فما ينفعك حجتك بالعدة كالعبث كان ينبغي أن تقول:
تغسله إذ زعمت أن العدة تحل لها منه ما يحرم عليها فلا يحرم عليها غسله قيل: أفيحل لها في
العدة منه وهما حيان ان تنظر إلى فرجه وتمسكه كما كان يحل لها قبل الطلاق؟ قال: لا، قيل:
وهي منه في عدة (قال) ولا تحل العدة ههنا شيئا ولا تحرمه إنما تحله عقدة النكاح فإذا زال بأن لا
يكون له عليها فيه رجعة فهي منه فيما يحل له ويحرم كما تعد النساء قيل: وكذلك هو منها؟ قال:
نعم، قيل فلو قال: هذا غيركم ضعفتموه، وهي لا تعدو وهو لا يعدو إذا ماتت أن يكون عقد
النكاح زائلا بلا للطلاق فلا يحل له غسلها ولا لها غسله أو يكون ثابتا فيحل لكل واحد منهما
من صاحبه ما يحل للآخر أو نكون مقلدين لسلفنا في هذا، فقد أمر أبو بكر وسط المهاجرين
والأنصار أن تغسله أسماء وهو فيما يحل له ويحرم عليه أعلم وأتقى لله وذلك دليل على أنه كان إذا رأى
لها أن تغسله إذا مات كان له أن يغسلها إذا ماتت لأن العقد الذي حلت له به هو العقد الذي به
حل لها، ألا ترى أن الفرج كان حراما قبل العقد فلما انعقد حل حتى تنفسخ العقدة فلكل واحد
من الزوجين فيما يحل لكل واحد منهما من صاحبه ما للآخر لا يكون للواحد منها في العقد شئ
ليس لصاحبه ولا إذا انفسخت لم يكن له عليها الرجعة شئ لا يحل لصاحبه ولا إذا مات شئ لا
يحل لصاحبه فهما في هذه الحالات سواء، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني إبراهيم بن
محمد عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن عروة بن الزبير أن عائشة قالت: " لو استقبلنا من
أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه " أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عمارة
عن أم محمد بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب عن جدتها أسماء بنت عميس أن فاطمة بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم أوصتها أن تغسلها إذا كانت هي وعلى فغسلتها هي وعلي رضي الله عنهما.
باب العمل في الجنائز
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: حق على الناس غسل الميت والصلاة عليه ودفنه لا
يسع عامتهم تركه وإذا قام بذلك منهم من فيه كفاية له أجزأ إن شاء الله تعالى، وهو كالجهاد
عليهم حق أن لا يدعوه، وإذا ابتدر منهم من يكفي الناحية التي يكون بها الجهاد أجزأ عنهم،
312

والفضل لأهل الولاية بذلك على أهل التخلف عنه (قال الشافعي) وإنما ترك عمر عندنا والله أعلم
عقوبة من مر بالمرأة التي دفنها أظنه كليب، لان المار المنفرد قد كان يتكل على غيره ممن يقوم مقامه
فيه، وأما أهل رفقة منفردين في طريق غير مأهولة لو تركوا ميتا منهم وهو عليهم أن يواروه فإنه ينبغي
للامام أن يعاقبهم لاستخفافهم بما يجب عليهم من حوائجهم في الاسلام، وكذلك كل ما وجب
على الناس فضيعوه فعلى السلطان أخذه منهم وعقوبتهم فيه بما يرى غير متجاوز القصد في ذلك
(قال) وأحب إذا مات الميت أن لا يعجل أهله غسله لأنه قد يغشى عليه فيخيل إليهم أنه قد مات
حتى يروا علامات الموت المعروفة فيه وهو أن تسترخى قدماه ولا تنتصبان وأن تنفرج زندا يديه
والعلامات التي يعرفون بها الموت، فإذا رأوها عجلوا غسله ودفنه فإن تعجيله تأدية الحق إليه ولا
ينتظر بدفن الميت غائب من كان الغائب وإذا مات الميت غمض، أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب أن قبيصة بن ذؤيب كان يحدث أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أغمض أبا سلمة (قال الشافعي) ويطبق فوه وإن خيف استرخاء لحييه شد
بعصابة (قال) ورأيت من يلين مفاصله ويبسطها لتلين ولا تحبسوا ورأيت الناس يضعون الحديدة،
السيف أو غيره، على بطن الميت والشئ من الطين المبلول كأنهم يذودون أن تربو بطنه فما صنعوا
من ذلك مما رجوا وعرفوا أن فيه دفع مكروه رجوت أن لا يكون به بأس إن شاء الله تعالى ولم أر من
شأن الناس أن يضعوا الزاووق (يعنى الزئبق) في أذنه وأنفه ولا أن يضعوا المرتك (يعنى المرداسنج)
على مفاصله وذلك شئ تفعله الأعاجم يريدون له البقاء للميت وقد يجعلونه في الصندوق ويفضون
به إلى الكافور، ولست أحب هذا ولا شيئا منه ولكن يصنع به كما يصنع بأهل الاسلام ثم يغسل،
والكفن والحنوط والدفن، فإنه صائر إلى الله عز وجل والكرامة له برحمة الله تعالى والعمل الصالح (قال) وبلغني أنه قيل لسعد بن أبي وقاص: نتخذ لك شيئا كأنه الصندوق من الخشب،
فقالوا: اصنعوا بي ما صنعتم برسول الله صلى الله عليه وسلم انصبوا على اللبن وأهيلوا على التراب.
باب الصلاة على الميت
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا حضر الولي الميت أحببت أن لا يصلى عليه إلا بأمر وليه لان
هذا من الأمور الخاصة التي أرى الولي أحق بها من الوالي والله تعالى أعلم، وقد قال بعض من له
علم: الوالي أحق، وإذا حضر الصلاة عليه أهل القرابة فأحقهم به الأب والجد من قبل الأب ثم
الولد وولد الولد ثم الأخ للأب والام ثم الأخ للأب ثم أقرب الناس من قبل الأب وليس من قبل
الام لأنه إنما الولاية للعصبة فإذا استوى الولاة في القرابة وتشاحوا وكل ذي حق فأحبهم إلى
أسنهم، إلا أن تكون حاله ليست محمودة فكان أفضلهم وأفقههم أحب إلى، فإن تقاربوا فأسنهم
فإن استووا وقلما يكون ذلك فلم يصطلحوا أقرع بينهم، فأيهم خرج سهمه ولى الصلاة عليه (قال)
والحر من الولاة أحق بالصلاة عليه من المملوك ولا بأس بصلاة المملوك على الجنازة، وإذا حضر
رجل ولى أو غير ولى مع نسوة (1) بعلا رجلا ميتا أو امرأة فهو أحق بالصلاة عليها من النساء إذا

(1) قوله: بعلا، كذا في النسخ، ولتحرر هذه اللفظة. كتبه مصححه.
313

عقل الصلاة وإن لم يبلغ مملوكا كان أو حرا فإن لم يكن يعقل الصلاة صلين على الميت صفا
منفردات، وإن أمتهن إحداهن وقامت وسطهن لم أر بذلك بأسا، فقد صلى الناس على رسول الله
صلى الله عليه وسلم أفرادا لا يؤمهم أحد وذلك لعظم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنافسهم
في أن لا يتولى الإمامة في الصلاة عليه واحد وصلوا عليه مرة بعد مرة، وسنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الموتى والامر المعمول به إلى اليوم أن يصلى عليهم بإمام ولو صلى عليهم أفرادا أجزأهم
الصلاة عليهم إن شاء الله تعالى، وأحب أن تكون الصلاة على الميت صلاة واحدة هكذا رأيت
صلاة الناس لا يجلس بعد الفراغ منها لصلاة من فاتته الصلاة عليه ولو جاء ولى له ولا يخاف على
الميت التغير فصلى عليه رجوت أن لا يكون بذلك بأس إن شاء الله تعالى (قال) وإن أحدث الامام
انصرف فتوضأ وكبر من خلفه ما بقي من التكبير فرادى لا يؤمهم أحد، ولو كان في موضع وضوئه
قريبا فانتظروه فبنى على التكبير رجوت أن لا يكون بذلك بأس ولا يصلى على الجنازة في مصر إلا
طاهرا (قال) ولو سبق رجل ببعض التكبير لم ينتظر بالميت حتى يقضى تكبيره ولا ينتظر المسبوق
الامام أن يكبر ثانية ولكنه يفتتح لنفسه وقال بعض الناس: إذا خاف الرجل في المصر فوت الجنازة
تيمم وصلى وهذا لا يجيز التيمم في المصر لصلاة نافلة ولا مكتوبة إلا لمريض زعم وهذا غير مريض
ولا تعدو الصلاة على الجنازة أن تكون كالصلوات لا تصلى إلا بطهارة الوضوء وليس التيمم في
المصر للصحيح المطيق بطهارة أو تكون كالذكر فيصلى عليها إن شاء غير طاهر، خاف الفوت أو لم
يخف، كما يذكر غير طاهر.
باب اجتماع الجنائز
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لو اجتمعت جنائز رجال ونساء وصبيان وخناثى، جعل
الرجال مما يلي الامام وقدم إلى الامام أفضلهم ثم الصبيان يلونهم ثم الخناثى يلونهم ثم النساء خلفهم
مما يلي القبلة وإن تشاح ولاة الجنائز وكن مختلفات صلى ولى الجنازة التي سبقت ثم إن شاء ولى سواها
من الجنائز استغنى بتلك الصلاة وإن شاء أعاد الصلاة على جنازته، وإن تشاحوا في موضع الجنائز
فالسابق أحق إذا كانوا رجالا، فإن كن رجالا ونساء وضع الرجال مما يلي الامام والنساء مما يلي
القبلة ولم ينظر في ذلك إلى السبق لان موضعهن هكذا وكذلك الخنثى ولكن إن سبق ولى الصبي لم
يكن عليه أن يزيل الصبي من موضعه ووضع ولى الرجل الرجل خلفه إن شاء أو يذهب به إلى
موضع غيره، فإن افتتح المصلى على الجنازة الصلاة فكبر واحدة أو اثنتين ثم أتى بجنازة أخرى
وضعت حتى يفرغ من الصلاة على الجنازة التي كانت قبلها لأنه افتتح الصلاة ينوى بها غير هذه
الجنازة المؤخرة (قال) ولو صلى الامام على الجنازة غير متوض ومن خلفه متوضئون أجزأت صلاتهم
وإن كان كلهم غير متوضئين أعادوا، وإن كان فيهم ثلاثة فصاعدا متوضئون أجزأت، وإن سبق
بعض الأولياء بالصلاة على الجنازة ثم جاء ولى غيره أحببت أن لا توضع للصلاة ثانية وإن فعل فلا
بأس إن شاء الله تعالى (قال) ولو سقط لرجل شئ له قيمة في قبر فدفن، كان له أن يكشف عنه
حتى يأخذ ما سقط.
314

باب الدفن
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) وإن مات ميت بمكة أو المدينة أحببت أن يدفن في مقابرهما
وكذلك إن مات ببلد قد ذكر في مقبرته خبر أحببت أن يدفن في مقابرها فإن كانت ببلد لم يذكر
ذلك فيها فأحب أن يدفن في المقابر لحرمة المقابر والدواعي لها وأنه مع الجماعة أشبه من أن لا يتغوط
ولا يبال على قبره ولا ينبش وحيثما دفن الميت فحسن إن شاء الله تعالى، وأحب أن يعمق للميت
قدر بسطة وما أعمق له ووورى أجزأ وإنما أحببت ذلك أن لا تناله السباع ولا يقرب على أحد إن
أراد نبشه ولا يظهر له ريح ويدفن في موضع الضرورة من الضيق والعجلة الميتان والثلاثة في القبر
إذا كانوا ويكون الذي للقبلة منهم أفضلهم وأسنهم ولا أحب أن تدفن المرأة مع الرجل على حال
وإن كانت ضرورة ولا سبيل إلى غيرها كان الرجل امامها وهي خلفه ويجعل بين الرجل والمرأة في
القبر حاجز من تراب وأحب إحكام القبر ولا وقت فيمن يدخل القبر فإن كانوا وترا أحب إلى وإن
كانوا ممن يضبطون الميت بلا مشقة أحب إلى، وسل الميت من قبل رأسه وذلك أن يوضع رأس
سريره عند رجل القبر ثم يسل سلا ويستر القبر بثوب نظيف حتى يسوى الميت لحده وستر المرأة إذا
دخلت قبرها أوكد من ستر الرجل وتسل المراة كما يسل الرجل وإن ولى إخراجها من نعشها وحل
عقد من الثياب إن كان عليها وتعاهدها النساء فحسن وإن وليها الرجل فلا بأس فإن كان فيهم ذو
محرم كان أحب إلى وإن لم يكن فيهم ذو محرم فذو قرابة وولاء وإن لم يكن فالمسلمون ولاتها وهذا
موضع ضرورة ودونها الثياب وقد صارت ميتة وانقطع عنها حكم الحياة (قال) وتوضع الموتى في
قبورهم على جنوبهم اليمنى وترفع رؤوسهم بحجر أو لبنة ويسندون لئلا ينكبوا ولا يستلقوا، وإن كان
بأرض شديدة لحد لهم، ثم نصب على لحودهم اللبن نصبا ثم يتبع فروج اللبن بكسار اللبن والطين
حتى يحكم ثم أهيل التراب عليها وإن كانوا ببلد رقيقة شق لهم شق ثم بنيت لحودهم بحجارة أو لبن
ثم سقفت لحودهم عليهم بالحجارة أو الخشب لان اللبن لا يضبطها فإن سقفت تتبعت فروجها
حتى تنظم (قال) ورأيتهم عندنا يضعون على السقف الإذخر ثم يضعون عليه التراب مثريا ثم يهيلون
التراب بعد ذلك إهالة (قال الشافعي) هذا الوجه الأثر الذي يجب أن يعمل به ولا يترك وكيفما
ووري الميت أجزأ إن شاء الله تعالى ويحيى من على شفير القبر بيديه معا إلتاب ثلاث حثيات أخبرنا
الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه رضي الله عنهما
أن النبي صلى الله عليه وسلم حثى على الميت ثلاث حثيات بيديه جميعا (قال الشافعي) وأحب
تعجيل دفن الميت إذا بان موته فإذا أشكل أحببت الأناة به حتى يتبين موته وإن كان الميت غريقا
أحببت التأني به بقدر ما يولى من حفره وإن كان مصعوقا أحببت أن يستأنى به حتى يخاف تغيره
وإن بلغ ذلك يومين أو ثلاثة لأنه بلغني أن الرجل يصعق فيذهب عقله ثم يفيق بعد اليومين وما أشبه
ذلك وكذلك لو كان فزعا من حرب أو سبع أو فزعا غير ذلك أو كان مترديا من جبل، وإذا مات
الميت فلا تخفى علامات الموت به إن شاء الله تعالى فإن خفيت على البعض لم تخف على الكل وإذا
كانت الطواعين أو موت الفجأة واستبان الموت فلم يضبطه أهل البيت إلا أن يقدموا بعض الموتى
فقدموا الوالدين من الرجال والنساء ثم قدموا بعد من رأوا، فإن كان امرأتان لرجل أقرع بينهما أيتهما
تقدم وإذا خيف التغيير على بعض الموتى قدم من كان يخاف عليه التغيير لا من لا يخاف التغيير
315

عليه ويقدم الكبار على الصغار إذا لم يخف التغيير على من تخلف وإذا كان الضرورة دفن الاثنان
والثلاثة في قبر وقدم إلى القبلة أفضلهم وأقرؤهم ثم جعل بينه وبين الذي يليه حاجز من تراب فإن
كانوا رجالا ونساء وصبيانا جعل الرجل الذي يلي القبلة ثم الصبي ثم المرأة وراءه وأحب إلى لو لم
تدفن المرأة مع الرجال وإنما رخصت في أن يدفن الرجلان في قبر بالسنة، لم أسمع أحدا من أهل
العلم إلا يتحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد اثنان في قبر واحد وقد قيل ثلاثة.
باب ما يكون بعد الدفن
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) وقد بلغني عن بعض من مضى أنه أمر أن يقعد عند قبره إذا
دفن بقدر ما تجزر جزور (قال) وهذا أحسن ولم أر الناس عندنا يصنعونه أخبرنا مالك عن هشام بن
عروة عن أبيه قال ما أحب أن أدفن بالبقيع لان أدفن في غيره أحب إلى إنما هو واحد رجلين إما
ظالم فلا أحب أن أكون في جواره. وإما صالح فلا أحب أن ينبش في عظامه، أخبرنا مالك أنه
بلغه عن عائشة أنها قالت " كسر عظم الميت ككسر عظم الحي " (قال الشافعي) تعنى في المأثم وإن
أخرجت عظام ميت أحببت أن تعاد فتدفن وأحب ان لا يزاد في القبر تراب من غيره وليس بأن
يكون فيه تراب من غيره بأس إذا إذا زيد فيه تراب من غيره ارتفع جدا وإنما أحب أن يشخص
على وجه الأرض شبرا أو نحوه وأحب أن لا يبنى ولا يجصص فإن ذلك يشبه الزينة والخيلاء وليس
الموت موضع واحد منهما ولم أر قبور المهاجرين والأنصار مجصصة (قال الراوي) عن طاوس: إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تبنى القبور أو تجصص (قال الشافعي) وقد رأيت من الولاة
من يهدم بمكة ما يبنى فيها فلم أر الفقهاء يعيبون ذلك فإن كانت القبور في الأرض يملكها الموتى في
حياتهم أو ورثتهم بعدهم لم يهدم شئ أن يبنى منها وإنما يهدم أن هدم ما لا يملكه أحد فهدمه لئلا
يحجر على الناس موضع القبر فلا يدفن فيه أحد فيضيق ذلك بالناس (قال الشافعي) وإن تشاح
الناس ممن يحفر للموتى في موضع من المقبرة وهي غير ملك لاحد حفر الذي يسبق حيث شاء وإن
جاءوا معا أقرع الوالي بينهم وإذا دفن الميت فليس لأحد حفر قبره حتى يأتي عليه مدة يعلم أهل
ذلك البلد أن ذلك قد ذهب، وذلك يختلف بالبلدان فيكون في السنة وأكثر فإن عجل أحد بحفر
قبره فوجده ميتا أو بعضه أعيد عليه التراب وإن خرج من عظامه شئ أعيد في القبر (قال) وإذا
كانت أرض الرجل فأذن بأن يقبر فيها ثم أراد أخذها فله أحد ما لم يقبر فيه وليس له أخذ ما قبر فيه
منها وإن قبر قوم في أرض لرجل بلا إذنه فأراد تحويلهم عنها أو بناءها أو زرعها أو حفرها آبارا،
كرهت ذلك له وإن شح فهو أحق بحقه وأحب لو ترك الموتى حتى يبلوا (قال) وأكره وطئ القبر
والجلوس والاتكاء عليه إلا أن لا يجد الرجل السبيل إلى قبر ميته إلا بأن يطأه فذلك موضع ضرورة
فأرجو حينئذ أن يسعه إن شاء الله تعالى، وقال بعض أصحابنا لا بأس بالجلوس عليه وإنما نهى
عن الجلوس عليه للتغوط (قال الشافعي) وليس هذا عندنا كما قال، وإن كان نهى عنه المذهب
فقد نهى عنه، وقد نهى عنه مطلقا لغير المذهب أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم
بن محمد عن أبيه عن جده قال تبعت جنازة مع أبي هريرة فلما كان دون القبور جلس أبو هريرة
ثم قال " لان أجلس على حمزة فتحرق ردائي ثم قميصي ثم إزاري ثم تفضى إلى جلدي أحب إلى
316

من أن أجلس على قبر امرئ مسلم " (قال) وأكره أن يبنى على القبر مسجد وأن يسوى أو يصلى
عليه وهو غير مسوى أو يصلى إليه (قال) وإن صلى إليه أجزأه وقد أساء، أخبرنا مالك أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقى دينان بأرض
العرب " (قال) وأكره هذا للسنة والآثار وأنه كره والله تعالى أعلم أن يعظم أحد من المسلمين يعنى
يتخذ قبره مسجدا ولم تؤمن في ذلك الفتنة والضلال على من يأتي بعد فكره والله أعلم لئلا يوطأ
فكره والله أعلم لان مستودع الموتى من الأرض ليس بأنظف الأرض وغيره من الأرض أنظف.
باب القول عند دفن الميت
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا وضع الميت في قبر قال من يضعه " بسم الله وعلى
ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأحب أن " يقول " اللهم أسلمه إليك الأشحاء من ولده وأهله
وقرابته وإخوانه وفارق من كان يحب قربه وخرج من سعة الدار والحياة إلى ظلمة القبر وضيقه ونزل
بك وأنت خير منزول به أن عاقبته عاقبته بذنبه وإن عفوت فأنت أهل العفو اللهم أنت غنى عن
عذابه وهو فقير إلى رحمتك اللهم اشكر حسنته وتجاوز عن سيئته وشفع جماعتنا فيه واغفر ذنبه
وافسح له في قبره وأعذه من عذاب القبر وأدخل عليه الأمان والروح في قبره ". ولا باس بزيارة
القبور أخبرنا مالك عن ربيعة (يعنى ابن أبي عبد الرحمن) عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا " (قال الشافعي) ولكن
لا يقال عندها هجر من القول وذلك مثل الدعاء بالويل والثبور والنياحة فأما إذا زرت تستغفر
للميت ويرق قلبك وتذكر أمر الآخرة فهذا مما لا أكرهه ولا أحب المبيت في القبور للوحشة على
البائت وقد رأيت الناس عندنا يقاربون من ذوي القرابات في الدفن وأنا أحب ذلك وأجعل الوالد
أقرب إلى القبلة من الولد إذا أمكن ذلك وكيفما دفن أجزأ أن شاء الله وليس في التعزية شئ مؤقت
يقال لا يعدى إلى غيره أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر عن
جعفر أبن محمد عن أبيه عن جده قال لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا
قائلا يقول " إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل ما فات فبالله فثقوا
وإياه فأرجوا فإن المصاب من حرم الثواب " (قال الشافعي) قد عزى قوم من الصالحين بتعزية
مختلفة فأحب أن يقول قائل هذا القول ويترحم على الميت ويدعو لمن خلفه (قال) والتعزية من حين
موت الميت ان المنزل والمسجد وطريق القبور وبعد الدفن ومتى عزى فحسن فإذا شهد الجنازة
أحببت أن تؤخر التعزية إلى أن يدفن الميت إلا أن يرى جزعا من المصاب فيعزيه عند جزعه ويعزى
الصغير والكبير والمرأة إلا أن تكون امرأة شابة ولا أحب مخاطبتها إلا لذي محرم وأحب لجيران الميت
أو ذي قرابته أن يعملوا لأهل الميت في يوم يموت وليلته طعاما يشبعهم فإن ذلك سنة وذكر كريم
وهو من فعل أهل الخير قبلنا وبعدنا لأنه لما جاء نعى جعفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" اجعلوا لآل جعفر طعاما فإنه قد جاءهم أمر يشغلهم " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
ابن عيينة عن جعفر عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال جاء نعى جعفر فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " اجعلوا لآل جعفر طعاما فإنه قد جاءهم أمر يشغلهم أو ما يشغلهم " " شك سفيان " (قال
317

الشافعي) وأحب لقيم أهل الميت عند المصيبة أن يتعاهد أضعفهم عن احتمالها بالتعزية بما يظن من
الكلام والفعل أنه يسليه ويكف من حزنه وأحب لولى الميت الابتداء بأولى من قضاء دينه فإن كان
ذلك يستأخر سأل غرماءه أن يحللوه ويحتالوا به عليه وأرضاهم منه بأي وجه كان، أخبرنا إبراهيم
بن سعد عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة أظنه عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه " (قال) وأحب إن أوصى بشئ أن يعجل
الصدقة عنه ويجعل ذلك في أقاربه وجيرانه وسبيل الخير وأحب مسح رأس اليتيم ودهنه وإكرامه
وأن لا ينهر ولا يقهر فإن الله عز وجل قد أوصى به.
باب القيام للجنازة
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) ولا يقوم للجنازة من شهدها والقيام لها منسوخ، أخبرنا
الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن واقد بن عمر بن سعد بن معاذ
عن نافع بن جبير عن مسعود ابن الحكم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال " كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقوم في الجنائز ثم جلس بعد " أخبرنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن عمرو بن
علقمة بهذا الاسناد أو شبيها بهذا وقال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالقيام ثم جلس وأمر
بالجلوس (قال الشافعي) ويصلى على الجنائز أي ساعة شاء من ليل أو نهار وكذلك يدفن في أي
ساعة شاء من ليل أو نهار وقد دفنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسكينة ليلا فلم ينكر
ودفن أبو بكر الصديق ليلا ودفن المسلمون بعد ليلا وقال بعض أصحابنا لا يصلى عليها مع اصفرار
الشمس ولا مع طلوعها حتى تبرز واحتج في ذلك بأن ابن عمر قال لأهل جنازة وضعوها على باب
المسجد بعد الصبح " إما أن تصلوا عليها الآن وإما أن تدعوها حتى ترتفع الشمس " (قال) وابن
عمر يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يتحرى أحدكم بصلاته طلوع الشمس ولا غروبها "
وقد يكون ابن عمر سمع هذا من النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ولم يسمع عن النبي صلى الله عليه
وسلم النهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس فرأى هذا
حمله على كل صلاة ولم ير النهى إلا فيما سمع (قال) وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
دل على أن نهيه عن الصلاة في هذه الساعات إنما يعنى به صلاة النافلة فأما كل صلاة كرهت
فلا، وأثبتنا ذلك في كتاب الصلاة ولو كان على كل صلاة وكانت الصلاة على الجنائز صلاة لا
تحل إلا في وقت صلاة ما صلى على ميت العصر ولا الصبح وقد يجوز أن يكون ابن عمر أراد بذلك
أن لا يجلس من تبع الجنازة ولا يتفرق من أهل المسجد حتى يكثر المصلى عليها فان أصحابنا يتحرون
بالجنائز انصراف الناس من الصلاة لكثرة المصلين فيقول صلوا مع كثرة الناس أو أخروا إلى أن يأتي
المصلون للضحى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة من أهل المدينة بإسناد لا أحفظه
أنه صلى على عقيل ابن أبي طالب والشمس مصفرة قبل المغيب قليلا ولم ينتظر به مغيب الشمس
(قال الشافعي) وأكره النياحة على الميت بعد موته وأن تندبه النائحة على الانفراد لكن يعزى بما أمر
الله عز وجل من الصبر والاسترجاع وأكره المأتم وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء فإن ذلك يجدد
الحزن ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الأثر (قتل) وأرخص في البكاء بلا أن يتأثر ولا أن يعلن
318

إلا خيرا ولا يدعون بحرب قبل الموت فإذا مات أمسكن أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن عتيك بن الحرث بن عتيك أخبره عن عبد الله
بن عتيك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب فصاح به فلم
يجبه فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " غلبنا عليك يا أبا الربيع " فصاح النسوة وبكين
فجعل ابن عتيك يسكتهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دعهن فإذا وجب فلا تبكين
باكية " قالوا وما الوجوب يا رسول الله قال " إذا مات ".
غسل الميت
أخبرنا الربيع بن سليمان قال: لم أسمع هذا الكتاب من الشافعي وإنما أقرؤه على المعرفة (قال
الشافعي) أول ما يبدأ به من يحضر الميت من أوليائه أن يتولى أرفقهم به إغماض عينيه بأسهل ما يقدر
عليه وأن يشد تحت لحييه عصابة عريضة وتربط من فوق رأسه كيلا يسترخي لحيه الأسفل فينفتح
فوه ثم يجسو بعد الموت ولا ينطبق ويرد يديه حتى يلصقهما بعضديه ثم يبسطهما ثم يردهما ثم يبسطهما
مرات ليبقى لينهما فلا يجسو، وهما إذا لينا عند خروج الروح تباقي لينهما إلى وقت دفنه ففكتا وهما
لينتان ويلين ذلك أصابعه ويرد رجليه من باطن حتى يلصقهما ببطون فخذيه كما وصفت فيما يصنع
في يديه ويضع على بطنه شيئا من طين أو لبنة أو حديدة، سيف أو غيره، فإن بعض أهل التجربة
يزعمون أن ذلك يمنع بطنه أن تربوا ويخرج من تحته الوطئ كله ويفضى به إلى لوح إن قدر عليه أو
سرير ألواح مستو فإن بعض أهل التجربة يزعم أنه يسرع انتفاخه على الوطئ ويسلب ثيابا إن كانت
عليه ويسجى ثوبا يغطى به جميع جسده ويجعل من تحت رجله ورأسه وجنبيه لئلا ينكشف فإذا
أحضروا له غسله وكفنه وفرغوا من جهازه فإن كان على يديه وفى عانته شعر فمن الناس من كره
أخذه عنه ومنهم من أرخص فيه، فمن أرخص فيه لم ير بأسا أن يحلقه بالنورة أو يجزه بالجلم ويأخذ
من شاربيه ويقلم من أظفاره ويصنع به بعد الموت ما كان فطرة في الحياة ولا يأخذ من شعر رأسه
ولا لحيته شيئا لان ذلك إنما يؤخذ زينة أو نسكا وما وصفت مما يؤخذ فطرة فإن نوره أنقاه من نورة
وإن لم ينوره اتخذ قبل ذلك عيدانا طوالا الأخلة من شجر لين لا يجرح ثم استخرج جميع ما تحت
أظفار يديه ورجليه من الوسخ ثم أفضى به إلى مغتسله مستورا وإن غسله في قميص فهو أحب إلى
وأن يكون القميص سخيفا رقيقا أحب إلى وإن ضاق ذلك عليه كان أقل ما يستره به ما يوارى ما
بين سرته إلى ركبته لان هذا هو العورة من الرجل في الحياة ويستر البيت الذي يغسله فيه بسير ولا
يشركه في النظر إلى الميت إلا من لا غنى له عنه ممن يمسكه أو يقلبه أو يصب عليه ويغضون كلهم
وهو عنه الطرف وإلا فيما لا يجزيه فيه إلا النظر إليه ليعرف ما يغسل منه وما بلغ الغسل وما يحتاج إليه
من الزيادة في الغسل ويجعل السرير الذي يغسله عليه كالمنحدر قليلا وينفذ موضع مائه الذي يغسله
به من البيت فإنه أحرز له أن ينضح فيه شئ أنصب عليه ولو انتضح لم يضره إن شاء الله تعالى
ولكن هذا أطيب للنفس ويتخذ إناءين إناء يغرف به من الماء المجموع لغسله وإناء يصب فيه ذلك
الاناء ثم يصب الاناء الثاني عليه ليكون إناء الماء غير قريب من الصب على الميت ويغسله بالماء غير
319

السخن لا يعجبني أن يغسل بالماء المسخن ولو غسل به أجزأه إن شاء الله تعالى (1) فأن كان عليه
وسخ وكان ببلد بارد أو كانت به علة لا يبلغ الماء غير المسخن أن ينقى جسده غاية الانقاء ولو لصق
بجسده ما لا يخرجه إلا الدهن دهن ثم غسل حتى يتنظف وكذلك إن طلى بنورة ولا يفضى غاسل
الميت بيده إلى شئ من عورته ولو توقى سائر جسده كان أحب إلى ويعد خرقتين نظيفتين قبل غسله
فيلف على يده إحداهما ثم يغسل بها أعلى جسده وأسفله فإذا أفضى إلى ما بين رجليه ومذاكيره
فغسل ذلك ألقاها فغسلت ولف الأخرى وكلما عاد على المذاكير وما بين الأليتين ألقى الخرقة التي
على يده وأخذ الأخرى المغسولة لئلا يعود بما مر على المذاكير وبما بين الآلتين على سائر جسده إن شاء
الله.
باب عدة غسل الميت
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أقل ما يجزئ من غسل الميت الانقاء كما يكون أقل ما يجزئ
في الجنابة وأقل ما أحب أن يغسل ثلاثا فإن لم يبلغ بإنقائه ما يريد الغاسل فخمس فإن لم يبلغ ما
يحب فسبع ولا يغسله بشئ من الماء إلا ألقى فيه كافورا للسنة وإن لم يفعل كرهته ورجوت أن يجزئه
ولست أعرف أن يلقى في الماء ورق سدر ولا طيب غير كافور ولا يغره ولكن يترك ماء على وجهه
ويلقى فيه الكافور.
ما يبدأ به في غسل الميت
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى يلقى الميت على ظهره ثم يبدأ غاسله فيوضئه وضوءه للصلاة
ويجلسه إجلاسا رفيقا ويمر يده على بطنه إمرارا رفيقا بليغا ليخرج شيئا إن كان فيه ثم فإن خرج
شئ ألقاه وألقى الخرقة عن يده ووضأه ثم يغسل رأسه وليته بالسدر حتى ينقيهما ويسرحهما تسريحا
رفيقا ثم يغسله من صفحة عنقه اليمنى صبا إلى قدمه اليمنى وغسل في ذلك شق صدره وجنبه
وفخذه وساقه الأيمن كله يحركه له محرك ليتغلغل الماء ما بين فخذيه ويمر فيما بينهما وليأخذ الماء
فيغسل يامنة ظهره ثم يعود على شقه الأيسر فيصنع به ذلك ثم يحرف على جنبه الأيسر فيغسل يامنة
(2) ظهره وقفاه وفخذه وساقه إلى قدمه وهو يراه ممكنا ثم يحرف على جنبه الأيمن حتى يصنع بياسرة
قفاه وظهره وجميع بدنه وأليتيه وفخذيه وساقه وقدمه مثل ذلك وأي شق حرفه إليه لم يحرفه حتى
يغسل ما تحته وما يليه ليحرفه على موضع نقى نظيف ويصنع هذا في كل غسلة حتى يأتي على
جميع غسله وإن كان على بدنه وسخ (3) يحنى إلى إمكان غسله بأشنان ثم ماء قراح وإن غسله

(1) قوله: فإن كان عليه وسخ الخ، كذا في النسخة بدون ذكر الجواب، ولعله سقط من الناسخ
والأصل " غسل بالمسخن " تأمل.
(2) كذا في الأصل بغير نقط ولعله نابية ظهره أو ناتئة ظهره تأمل.
(3) كذا في الأصل بدون نقاط لبعض الحروف ومع ذلك فالعبارة لا تخلو من التحريف أو السقط
فحرر.
320

بسدر أو إشنان أو غيره لم نحسب شيئا خالطه من هذا شئ يعلو فيه غسلا ولكن إذا صب عليه الماء
حتى يذهب هذا أمر عليه بعده الماء القراح ء ما وصفت وكان غسله بالماء وكان هذا تنظيفا لا يعد
غسل طهارة، والماء ليس فيه كافور كالماء فيه شئ من الكافور ولا يغير الماء عن سجية خلقته ولا
يعلو فيه منه إلا ريح والماء بحالة فكثرة الكافور في الماء لا تضر ولا تمنعه أن يكون طهارة يتوضأ به
الحي ولا يتوضأ الحي بسدر مضروب بماء لان السدر لا يطهر ويتعهد بمسح بطن الميت في كل غسلة
ويقعد عند آخر كل غسلة فإذا فرغ من آخر غسلة غسلها تعهدت يداه ورجلاه وردتا لئلا تجسوا ثم
مدتا فألصقتا بجنبه وصف بين قدميه وألصق أحد كعبيه بالآخر وضم إحدى فخذيه إلى الأخرى فإن
خرج من الميت بعد الفراغ من غسله شئ انقى واعتدت غسله واحدة ثم يستخف في ثوب فإذا
جف صير في أكفانه.
عدد كفن الميت
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أحب عدد كفن الميت إلى ثلاثة أثواب بيض ريطات، ليس
فيها قميص ولا عمامة فمن كفن فيها بدئ بالتي يريدون أن تكون أعلاها فبسطت أولا ثم بسطت
الأخرى فوقها ثم الثالثة فوقها ثم حمل الميت فوضع فوق العليا ثم أخذ القطن منزوع الحب فجعل
فيه الحنوط والكافور وألقى على الميت ما يستره ثم أدخل بين ألييه إدخالا بليغا وأكثر ليرد شيئا إن
جاء منه عند تحريكه إذا حمل فإن خيف أن يأتي شئ لعله كانت به أو حدثت يرد بها أدخلوا بينه
وبين كفنه لبدا ثم شدوه عليه كما يشد التبان الواسع فيمنع شيئا إن جاء منه من أن يظهر أو ثوبا
صفيقا أقرب الثياب شبها باللبد وأمنعها لما يأتي منه إن شاء الله تعالى وشدوه عليه خياطة وإن لم
يخافوا ذلك فلفوا مكان ذلك ثوبا لا يضرهم وإن تركوه رجوت أن يجزئهم والاحتياط بعمله أحب
إلى ثم يؤخذ الكرسف فيوضع عليه الكافور فيوضع على فيه ومنخريه وعينيه وموضع سجوده فإن
كانت به جراح نافذ وضع عليها ويحنط رأسه ولحيته، ولو ذر الكافور على جميع جسده وثوبه الذي
يدرج فيه أحببت ذلك ويوضع الميت من الكفن الموضع الذي يبقى من عند رجليه منه أقل ما بقي
من عند رأسه ثم تؤخذ صنفة الثوب اليمنى فترد على شق الرجل الأيسر ثم تؤخذ صنفته اليسرى فترد
على شق الرجل الأيمن حتى يغطى بها صنفته الأولى ثم يصنع بالثوب الذي يليه مثل ذلك ثم
بالثوب الاعلى مثل ذلك وأحب أن يذر بين أضعافها حنوط والكافور ثم يجمع ما عند رأسه من
الثياب جمع العمامة ثم يرد على وجهه حتى يؤتى به صدره وما عند رجليه كذلك حتى يؤتى به على
ظهر رجليه إلى حيث بلغ، فإن خافوا انتشار الثياب من الطرفين عقدوها كيلا تنتشر فإن أدخلوه
القبر لم يدعوا عليه عقدة إلا حلوها ولا خياطة إلا فتقوها وأضجعوه على جنبه الأيمن ورفعوا رأسه
بلبنة وأسندوه لئلا يستلقى على ظهره وأدنوه في اللحد من مقدمه كيلا ينقلب على وجهه فإن كان
ببلد شديد التراب أحببت أن يلحد له وينصب اللبن علي
قبره ثم تسد فرج اللبن ثم يهال التراب عليه
وإن كان ببلد رقيق ضرح له والضرح أن تشق الأرض ثم تبنى ثم يوضع فيه الميت كما وصفت ثم
سقف بألواح ثم سدت فرج الألواح ثم ألقى على الألواح والفرج إذخر وشجر ما كان، فيمسك
التراب أن ينتخل على الميت فوضع مكتلا مكتلا لئلا يتزايل الشجر عن مواضعه ثم أهيل عليه
321

التراب، والإهالة عليه أن يطرح من على شفير القبر التراب بيديه جميعا عليه ويهال بالمساحي ولا
نحب أن يزداد في القبر أكثر من ترابه ليس لأنه يحرم ذلك ولكن لئلا يرتفع جدا ويشخص القبر
عن وجه الأرض نحو من شبر ويسطح ويوضع عليه حصباء وتسد أرجاؤه بلبن أو بناء ويرش على
القبر ويوضع عند رأسه صخرة أو علامة ما كانت فإذا فرغ من القبر فذلك أكمل ما يكون من اتباع
الجنازة فلينصرف من شاء والمرأة في غسلها وتعاهد ما يخرج منها مثل الرجل وينبغي أن يتفقد منها
أكثر ما يتفقد من الرجل وإن كان بها بطن أو كانت نفساء أو بها علة احتيط فخيط عليها لبد ليمنع ما
يأتي منها إن جاء والمشي بالجنازة الاسراع وهو فوق سجية المشي فإن كانت بالميت علة يخاف لها أن
تجئ منه شئ أحببت أن يرفق بالمشي وأن يدارى لئلا يأتي منه أذى وإذا غسلت المرأة، ضفر
شعرها ثلاثة قرون فألقين خلفها وأحب لو قرئ عند القبر ودعى للميت وليس في ذلك دعاء مؤقت
وأحب تعزية أهل الميت وجاء الأثر في تعزيتهم وان يخص بالتعزية كبارهم وصغارهم العاجزون
عن احتمال المصيبة وأن يجعل لهم أهل رحمهم وجيرانهم طعاما لشغلهم بمصيبتهم عن صنعة
الطعام.
العلل في الميت
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان الميت مصعوقا أو ميتا غما أو محمولا عليه عذاب أو
حريقا أو غريقا أو به علة قد توارث بمثل الموت استؤنى بدفنه وتعوهد حتى يستيقن موته لا وقت غير
ذلك ولو كان يوما أو يومين أو ثلاثة ما لم يبن به الموت أو يخاف أثره ثم غسل ودفن وإذا استيقن
موته عجل غسله ودفنه وللموت علامات منها امتداد جلدة الولد مستقبلة " قال الربيع " يعنى خصاه
فإنها تفاض عند الموت واقتراج زندي يديه واسترخاء القدمين حتى لا ينتصبان وميلان الانف
وعلامات سوى هذه، فإذا رؤيت دلت على الموت.
من يدخل قبر الرجل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا يضر الرجل من دخل قبره من الرجال ولا يدخل النساء قبر رجل ولا امرأة إلا أن لا يوجد غيرهن وأحب أن يكونوا وترا في القبر ثلاثة أو خمسة أو سبعة ولا
يضرهم أن يكونوا شفعا ويدخله من يطيقه وأحبهم أن يدخل قبره أفقههم ثم أقربهم به رحما ثم
يدخل قبر المرأة من العدد مثل من يدخل قبر الرجل ولا تدخله امرأة إلا أن لا يوجد غيرها ولا
بأس أن يليها النساء لتخليص شئ إن كن يلينه وحل عقد عنها وإن وليها الرجال في ذلك كله فلا
بأس إن شاء الله تعالى ولا أحب أن يليها إلا زوج أو ذو محرم إلا أن يوجد وإن لم يوجدوا أحببت
أن يليها رقيق إن كانوا لها فإن لم يكونوا فخصيان فإن لم يكن لها رفيق فذوا محرم أو ولاء فإن لم يكونوا
فمن وليها من المسلمين ولا بأس إن شاء الله تعالى وتغسل المرأة زوجها والرجل امرأته إن شاء
وتغسلها ذات محرم منها أحب إلى فإن لم تكن فامرأة من المسلمين ويدخل المرأة قبرها إذا لم يكن
معها من قرابتها أحد الصالحون الذين لو احتاجت إليهم في حياتها لجاز لهم أن ينظروا إليها ويشهدوا
عليها.
322

باب التكبير على الجنائز
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويكبر على الجنائز أربعا ويرفع يديه مع كل تكبيرة ويسلم عن
يمينه وشماله عند الفراغ ويقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى ثم يصلى على النبي صلى الله عليه
وسلم ويدعو لجملة المؤمنين والمؤمنات ثم يخلص الدعاء للميت ومما يستحب في الدعاء أن يقول
" اللهم عبدك وابن عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه أحبائه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه
كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به اللهم نزل بك وأنت خير
منزول به وأصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غنى عن عذابه وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له اللهم
فإن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه وبلغه برحمتك رضاك وقه فتنة القبر
وعذابه وافسح له في قبره وجاف الأرض عن جنبيه ولقه برحمتك الامن من عذابك حتى تبعثه
إلى جنتك يا أرحم الراحمين " وإذا أدخل قبره أن يقال " اللهم أسلمه إليك الأهل والاخوان
ورجع عنه كل من صحبه وصحبه عمله، اللهم فزد في حسنته وأشكره واحطط سيئته واغفر له
واجمع له برحمتك الامن من عذابك واكفه كل هول دون الجنة اللهم واخلفه في تركته في
الغابرين وارفعه في عليين وعد عليه بفضل رحمتك يا أرحم الراحمين " (1).

(1) وفى اختلاف على وابن مسعود رضي الله عنهما (الجنائز) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا محمد بن يزيد عن إسماعيل عن الشعبي عن عبد الله بن مغفل قال صلى علي رضي الله عنه على
سهل بن حنيف فكبر عليه ستا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش
عن ابن أبي زياد عن عبد الله بن مغفل أن عليا رضي الله عنه كبر على سهل بن حنيف خمسا ثم التفت
إلينا وقال: إنه يدرى، وهذا خلاف الحديث الأول ولسنا ولا إياهم نأخذ بهذا التكبير، التكبير عندنا
وعندهم على الجنائز أربع وذلك الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي
أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمير بن سعيد أن عليا رضي الله عنه كبر على ابن المكنف أربعا
وهذا خلاف الحديثين قبله. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي أخبرنا هشيم عن أشعث عن الشعبي عن
قرظة أن عليا رضي الله عنه أمره أن يصلى على قبر سهل بن حنيف. وهم لا يأخذون بهذا يقولون لا
يصلى على القبر وأما نحن فنأخذ به لأنه يوافق ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على قبر.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك وسفيان عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل أن النبي
صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن عثمان بن
حكيم عن خارجة بن زيد عن عمه يزيد بن ثابت وكان أكبر من زيد بن ثابت والشيباني عن الشعبي
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر، وترجم في اختلاف الحديث (الجنائز)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عامر بن ربيعة
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع " (قال
الشافعي) وروى شيبة ما يوافقه وهذا لا يعدو أن يكون منسوخا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قام
لها لعلة قد رواها بعض المحدثين من أن جنازة يهودي مر بها على النبي صلى الله عليه وسلم فقام لها كراهية
أن تطوله وأيهما كان فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تركه بعد فعله فالحجة في الآخر من أمره إن
كان الأول واجبا فالآخر من أمره ناسخ وإن كان استحبابا فالآخر هو الاستحباب وإن كان مباحا فلا
بأس بالقيام والقعود، والقعود أحب إلى لأنه الآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرنا الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن واقد عن عمرو بن سعيد بن معاذ عن نافع
بن جبير عن مسعود بن الحكم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يقوم في الجنائز ثم جلس.
323

باب الحكم فيمن دخل في صلاة أو صوم
هل له قطع ما دخل فيه قبل تمامه؟
وليس في التراجم
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) من دخل في صوم واجب عليه من شهر رمضان أو قضاء أو
صوم نذر أو كفارة من وجه من الوجوه أو صلى مكتوبة في وقتها أو قضاها أو صلاة نذرها أو صلاة
طواف، لم يكن أن يخرج من صوم ولا صلاة ما كان مطيقا للصوم والصلاة على طهارة في
الصلاة وإن خرج من واحد منهما بلا عذر مما وصفت أو ما أشبهه عامدا، كان مفسدا آثما عندنا
والله تعالى أعلم، وكان عليه إذا خرج منه الإعادة لما خرج منه بكماله فإن خرج منه بعذر من سهو
أو انتقاض وضوء أو غير ذلك من العذر كان عليه ان يعود فيقضى ما ترك من الصوم والصلاة بكماله
لا يحل له غيره طال تركه له أو قصر، وأصل هذا إذا لم يكن للمرء، ترك صلاة ولا صوم قبل أن
يدخل فيه وكان عليه أن يعود فيقضى ما ترك بكماله فخرج منه قبل إكماله عاد ودخل فيه فأكمله
لأنه إذا لم يكمله بعد دخوله فيه فهو بحالة لأنه قد وجب عليه فلم يأت به كما وجب عليه وإنما تكمل
صلاة المصلى الصلاة الواجبة وصوم الصائم الواجب عليه إذا قدم فيه مع دخوله في الصلاة نية
يدخل بها في الصلاة فلو كبر لا ينوى واجبا من الصلاة أو دخل في الصوم لا ينوى واجبا لم تجزه
صلاته ولا صيامه من الواجب عليه منهما وما قلت في هذا داخل في دلالة سنة أو أثر لا أعلم أهل
العلم اختلفوا فيه (قال الشافعي) ومن تطوع بصلاة أو طواف أو صيام أحببت له أن لا يخرج من
شئ منه حتى يأتي به كاملا إلا من أمر يعذر به كما يعذر في خروجه من الواجب عليه بالسهو أو
العجز عن طاقته أو انتقاض وضوء في الصلاة أو ما أشبهه، فإن خرج بعذر أو غير فلو عاد له
فكمله كان أحب إلى وليس بواجب عندي أن يعود له والله تعالى اعلم فإن قال قائل: ولم لا يعود لما
دخل فيه من التطوع من صوم وصلاة وطواف إذا خرج منه كما يعود لما وجب عليه؟ قيل له إن شاء
الله تعالى لاختلاف الواجب من ذلك والنافلة، فإن قال قائل: فأين الخلاف بينهما؟ قيل له إن
شاء الله تعالى: لا اختلاف مختلفان قبل الدخول فيهما وبعده فإن قال قائل: ما وجد في
اختلافهما؟ قيل له: أرأيت الواجب عليه أكان له تركه قبل أن يدخل فيه؟ فإن قال: لا. قيل:
أفرأيت النافلة، أكان له تركها قبل ان يدخل فيها؟ فإن قال: نعم، قيل: أفتراهما متباينتين قبل
الدخول؟ فإن قال: نعم، قيل: أفرأيت الواجب عليه من صوم وصلاة لا يجزئه أن يدخل فيه لا
ينوى الصلاة التي وجبت بعينها والصوم الذي وجب عليه بعينه؟ فإن قال: لا، ولو فعل لم يجزه
من واحد منهما قيل له: أفيجوز له أن يدخل في صلاة نافلة وصوم لا ينوى نافلة بعينها ولا فرضا،
324

أفتكون نافلة؟ فإن قال: نعم قيل له: هل يجوز له وهو مطيق على القيام في الصلاة أن يصلى
قاعدا أو مضطجعا وفى السفر راكبا أين توجهت به دابته يومئ إيماء؟ فإن قال: نعم قيل له:
وهل يجوز له هذا في المكتوبة؟ فإن قال: لا، قيل: أفتراهما مفترقتين بين الافتراق قبل الدخول
فيهما ومع الدخول وبعد الدخول عندنا وعندك استدلالا بالسنة وما لم أعلم من أهل العلم مخالفا فيه.
باب الخلاف فيه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس وآخر في هذا فكلمت بعض الناس
وكلمني ببعض ما حكيت في صدر هذه المسألة وأتيت على معانيه وأجابني بجمل ما قلت غير أنى لا
أدرى لعلى أوضحتها حين كتبتها بأكثر من اللفظ الذي كان منى حين كلمته فلم أحب أن أحكى إلا
ما قلت على وجهه وإن كنت لم أحك إلا معنى ما قلت له بل تحريت أن يكون أقل ما قلت له وأن
آتي على ما قال، ثم كلمني فيها هو وغيره ممن ينسب إلى العلم من أصحابه مما سأحكي إن شاء الله
تعالى ما قالوا وقلت فقال لي قد علمت أن فقهاء المكيين وغيرهم واحدا من فقهاء المدنيين يقولون ما
قلت لا يخالفونك فيه وقد وافقنا في قولنا بعض المدنيين فخالفك مرة وخالفنا في شئ منه فقلت:
لا أعرفه بعينه فاذكر قولك والحجة فيه ذكر من لا يحتج إلا بما يرى مثله حجة ولا تذكر مما يوافق
قولك قول من لا يرى قول حجة بحال: قال: أفعل، ثم قال: أخبرني ابن جريج عن ابن
شهاب أو أخبرنا ثقة عن ابن جريج عن ابن شهاب أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين فأهدي لهما
شئ فذكرتا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " صوما يوما مكانه " فقلت هل عندك حجة من
رواية أو أثر لازم غير هذا؟ قال: ما يحضرني الآن شئ غيره، وهذا الذي كنا نبنى عليه من
الاخبار في هذا قال فقلت له: هل تقبل منى ان أحدثك مرسلا كثيرا عن ابن شهاب وابن المنكدر
ونظرائهما ومن هو أسن منهما عمرو بن دينار وعطاء وابن المسيب وعروة؟ قال: لا. قلت: فكيف
قبلت عن ابن شهاب مرسلا في شئ ولا تقبله عنه ولا عن مثله ولا أكبر منه في شئ غيره؟ قال
فقال: فلعله لم يحمله إلا عن ثقة. قلت: وهكذا يقول لك من أخذ بمرسله في غير هذا ومرسل
من هو أكبر فيقول كلما غاب عنى مما يمكن فيه أن يحمله عن ثقة أو عن مجهول لم تقم على به حجة
حتى أعرف من حمله عنه بالثقة فأقبله أو أجهله فلا أقبله، قلت: ولم؟ إلا أنك إنما أنزلته بمنزلة
الشهادات ولا تأمن أن يشهد لك شاهدان على ما لم يريا ولم يسميا من شهدا على شهادته؟ قال:
أجل وهكذا نقول في الحديث كله قال فقلت له: وقد كلمني في حديث ابن شهاب كلام من
كأنه لم يعلم فيه ومن حديث ابن شهاب هذا عند ابن شهاب وفيه شئ يخالفه ولم نعرف ثقة ثبتا
يخالفه وهو أولى أن تصير إليه منه في حديث ابن شهاب قال: فكان ذاهبا عند ابن شهاب؟
قلت: نعم، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن شهاب أنه قال: الحديث الذي رويت
عن حفصة وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن جريج: فقلت أسمعته من عروة بن
الزبير؟ قال: لا، إنما أخبرنيه رجل بباب عبد الملك بن مروان أو رجل من جلساء عبد الملك ابن
مروان (قال الشافعي) فقلت له: أفرأيت لو كنت ترى الحجة تقوم بالحديث المرسل ثم علمت أن
ابن شهاب قال في الحديث ما حكيت لك أتقبله؟ قال: لا هذا يوهنه بأن يخبر أنه قبله عن
325

رجل لا يسميه ولو عرفه لسماء أو وثقة (قال الشافعي) فقال: أفليس يقبح أن يدخل رجل في
صلاته ثم يخرج منها قبل أن يصلى ركعتين وفى صوم فيخرج منه قبل أن يتم صوم يوم أو في طواف
فيخرج منه قبل أن يكمل سبعا؟ فقلت له: وقد صرت إذ لم تجد حجة فيما كنت تحتج به إلى أن
تكلم كلام أهل ال: هالة قال الذي قلت: أحسن. قلت: أتقول ان يكمل الرجل ما دخل
فيه؟ قال: نعم. قلت: وأحسن منه أن يزيد على أضعافه؟ قال: أجل قلت أفتوجبه عليه؟
قال: لا قلت له: أفرأيت رجلا قويا نشيطا فارغا لا يصوم يوما واحدا تطوعا أو لا يطوف سبعا
أولا يصلى ركعة هو أقبح فعلا أم من طاف فلم يكمل طوافا حتى قطعه من عذر فلم يبن أو صنع ذلك
في صوم أو صلاة؟ قال الذي امتنع من أن يدخل من ذلك شئ، قلت: أفتأمره إذا كان فعله
أقبح أن يصلى ويصوم ويطوف تطوعا أمرا توجبه عليه؟ قال: لا. قلت: فليس قولك أحسن
وأقبح من موضع الحجة بسبيل ههنا إنما هو موضع اختيار قال: نعم يدخل الاختيار في موضع
الحجة وقد أجزنا له قبل أن نقول هذا ما اخترت له وأكثر فقلنا: ما نحب أن يطيق رجل صوما
فيأتي عليه شهر لا يصوم بعضه ولا صلاة فيأتي عليه ليل ولا نهار إلا تطوع في كل واحد منها بعدد
كثير من الصلاة وما يزيد في ذلك أحد شيئا إلا كان خيرا له ولا ينقص منه أحد إلا والحظ له في
ترك النقص ولكن لا يجوز لعالم أن يقول لرجل: هذا معيب وهذا مستخف والاستخفاف والعيب
بالنية والفعل وقد يكون الفعل والترك ممن لا يستخف، فقال فيما قلت من الرجل يخرج من التطوع
في الصلاة أو الصوم أو الطواف فلا يجب عليه قضاؤه خبر يلزم أو قياس يعرف؟ قلت: نعم.
قال: فاذكر بعض ما يحضرك منها قلنا: أخبرنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت
طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إنا خبأنا لك.
حيسا: فقال " أما إني كنت أريد الصوم ولكن قريبه " (قال الشافعي) فقال قد قيل إنه يصوم يوما
مكانه (قال الشافعي) فقلت له: ليس فيما حفظت عن سفيان في الحديث وأنا أسألك. قال.
فسل قلت أرأيت من دخل في صوم واجب عليه من كفارة أو غيرها له ان يفطر ويقضى يوما مكانه؟
قال: لا. قلت: أفرأيت إن كان من دخل في التطوع عندك بالصوم كمن وجب عليه أيجوز أن
تقول من غير ضرورة ثم يقضى؟ قال: لا قلت: ولو كان هذا في الحديث وكان على معنى ما
ذهبت إليه كنت قد خالفته؟ قال: فلو كان في الحديث أيحتمل معنى غير أنه واجب عليه أن
يقضيه؟ قلت: نعم يحتمل إن شاء تطوع يوما مكانه قال: وأياما، أفتجد في شئ روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ما وصفت؟ قلت: نعم أخبرنا سفيان عن أبن أبي لبيد قال
سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة فبينما هو على المنبر إذ
قال: يا كثير بن الصلت اذهب إلى عائشة فسلها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
العصر، قال أبو سلمة: فذهبت معه إلى عائشة وبعث ابن عباس عبد الله بن الحرث بن نوفل معنا
فأتى عائشة فسألها عن ذلك فقالت له: أذهب فسل أم سلمة، فذهب معه إلى أم سلمة فسألها
فقالت أم سلمة: " دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بعد العصر فصلى عندي
ركعتين لم أكن أراه يصليهما " قالت أم سلمة " فقلت يا رسول الله لقد صليت صلاة لم أكن أراك
تصليها " قال: " إني كنت أصلى ركعتين قبل الظهر وأنه على وفد بنى تميم أو صدقة فشغلوني
عنهما فهما هاتان الركعتان " (قال الشافعي) وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " أحب
326

الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل " وإنما أراد والله تعالى أعلم المداومة على عمل كان يعمله فلما
شغل عنه عمله في أقرب الأوقات منه ليس أن ركعتين قبل العصر واجبتان ولا بعدهما وإنما هما نافلة
وقال عمر بن الخطاب " من فاته شئ من صلاة الليل فليصله إذا زالت الشمس فإنه قيام الليل "
ليس أنه يوجب قيام الليل ولا قضاءه ولكن يقول من أراد تحرى فصلى فليفعل، أخبرنا سفيان عن
أيوب عن نافع عن ابن عمر أن عمر نذر أن يعتكف في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم
فأمره أن يعتكف في الاسلام وهو على هذا المعنى والله تعالى أعلم أنه إنما أمره إن أراد أن يسبق
باعتكاف اعتكف ولم يمنعه أنه نذره في الجاهلية أخبرنا الدراوردي وغيره عن جعفر بن محمد عن
أبيه رضى الله تعالى عنهما عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صام في سفره إلى مكة عام الفتح
في شهر رمضان وأمر الناس أن يفطروا فقيل له: إن الناس صاموا حين صمت فدعا بإناء فيه ماء
فوضعه على يده وأمر من بين يديه أن يحبسوا فلما حبسوا ولحقه من وراءه رفع الاناء إلى فيه فشرب،
وفى حديثهما أو حديث أحدهما " وذلك بعد العصر " أخبرنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن
أبيه عن جابر بن عبد الله قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة حتى إذا كان
بكراع الغميم وهو صائم ثم رفع إناء فيه ماء فوضعه على يده وهو على الرجل فحبس من بين يديه
وأدركه من وراءه ثم شرب والناس ينظرون (قال الشافعي) فقال هذا في شهر رمضان قلت:
فذلك أوكد للحجة عليك أنه إذا كان له أن يفطر في السفر في شهر رمضان لا علة غيره برخصة
الله وكان له أن يصوم إن شاء فيجزى عنه (1) من أفطر قبل أن يستكمله دل هذا على معنى قولي من
أنه لما كان له قبل الدخول في الصوم أن لا يدخل فيه كان بالدخول فيه في تلك الحال غير واجب
عليه بكل حال وكان له إذا دخل فيه أن يخرج منه بكل حال كما فعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم فالتطوع بكل وجه أولى أن يكون هكذا من الفرض الذي له تركه في ذلك الوقت إلى أن
يقضيه في غيره قال: فتقول بهذا؟ قلت: نعم. أقوله اتباعا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم " وما
كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمر أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " قال لي: فقد ذكر
لي أنك تحفظ في هذا أثرا عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: الذي
جئتك به أقطع للعذر وأولى أن تتبعه من الأثر قال فاذكر الأثر قلت: فإن ذكرته بما ثبت بمثله عن
واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تأت بشئ يخالفه ثابت عن واحد منهم تعلم
أن فيما قلنا الحجة وفى خلافه الخطأ؟ قال: فاذكره قلت: أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن
جريج عن عطاء بن أبي رباح أن ابن عباس كان لا يرى بأسا أن يفطر الانسان في صيام التطوع
ويضرب لذلك أمثالا، رجل قد طاف سبعا ولم يوفه فله ما احتسب أو صلى ركعة ولم يصل أخرى
فله أجر ما احتسب، أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال كان ابن
عباس لا يرى بالافطار في صيام التطوع بأسا أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن الزبير عن
جابر أنه كان لا يرى بالافطار في صيام التطوع بأسا أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء عن أبي الدرداء أنه كان يأتي أهله حين ينتصف النهار أو قبله فيقول: هل من غداء؟ فيجده أو لا يجده

(1) قوله: من أفطر قبل أن يكمله، كذا في النسخة ولعلها من زيادة الناسخ أو سقط قبلها ما
ترتبط به وإلا فالكلام بدونها وجيه، وحرر. كتبه مصححه.
327

فيقول: لأصومن هذا اليوم فيصومه، وإن كان مفطرا، وبلغ ذلك الحين وهو مفطر. قال ابن
جريج: أخبرنا عطاء وبلغنا أنه كان يفعل ذلك حين يصبح مفطرا حتى الضحى أو بعده ولعله أن
يكون وجد غداء أو لم يجده (قال الشافعي) في قوله يصبح مفطرا يعنى يصبح لم ينو صوما ولم يطعم
شيئا (قال الشافعي) وهذا لا يجزئ في صوم واجب حتى ينوى صومه قبل الفجر، أخبرنا الثقات
من أصحابنا عن جرير بن عبد المجيد عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه قال: دخل عمر ابن
الخطاب المسجد فصلى ركعة ثم خرج فسلم عن ذلك فقال: إنما هو تطوع فمن شاء زاد ومن شاء
نقص أخبرنا غير واحد من أهل العلم بإسناد لا يحضرني ذكره فيما يثبت مثله عن علي بن أبي طالب
رضى الله تعالى عنه مثل معنى ما روى عن عمر لا يخالفه أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح
عن أبيه قال حدثني من رأى أبا ذر يكثر الركوع والسجود فقيل له أيها الشيخ تدرى على شفع
تنصرف أم على وتر؟ قال لكن الله يدرى أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء عن أبي تميم
المنذري عن مطرف قال أتيت بيت المقدس فإذا أنا بشيخ يكثر الركوع والسجود فلما انصرف
قلت: إنك شيخ وإنك لا تدرى على شفع انصرفت أم على وتر فقال إنك قد كفيت حفظه وإني
لأرجو أنى لا أسجد سجدة إلا رفعني الله بها درجة أو كتب لي بها حسنة أو جمع لي كلتيهما، قال
عبد الوهاب الشيخ الذي صلى وقال المقالة أبو ذر (قال الشافعي) قول أبي ذر " لكن الله يدرى "
وقوله " قد كفيت حفظه " يعنى علم الله به ويتوسع وإن لم يعلم هو والله أعلم وهذا لا يتسع في الفرض
إلا أن ينصرف على عدد لا يزيد فيه ولا ينقص منه شيئا وقد توسع أبو ذر فيه في التطوع (قال
الشافعي) وقلت مذهبك فيما يظهر اتباع الواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم
يخالفه غيره من روايتك ورواية أصحابك الثابتة عندهم ما وصف عن علي وعمر وأبي ذر من
الرواية التي لا يدفع عالم أنها غاية في الثبت روينا عن ابن عباس ونحن وأنت نثبت روايتنا عن
جابر بن عبد الله ويروى عن أبي ذر عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافق ما قلنا
فلو لم يكن في هذا دلالة من سنة لم يكن فيه إلا الآثار وأيا كان لم يك على أصل مذهبك ان نقول
قولنا فيه وأنت تروى عن عمر إذا أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر وتقول ولو تصادقا أنه لم
يمسها وجب المهر والعدة اتباعا لقول عمر فترد على من خالفه وقد خالفه ابن عباس وشريح وتأول
حجة لقول الله تعالى " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما
فرضتم " ولقوله " فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " قالوا إنما أوجب الله المهر والعدة في الطلاق
بالمسيس فقلت: لا تنازغ عمر ولا تتأول معه بل تتبعه وتتبع ابن عباس في قوله: " من نسي من
نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما " وفى قوله " ما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الطعام أن يباع حتى يقبض ثم يقول برأيه ولا أحسب كل شئ إلا مثله فقلت: لا يجوز أن يباع
شئ اشترى متى يقبض اتباعا لابن عباس وتروى ذلك حجة على من خالفك إذا كان معك قول
ابن عباس وتروى عن علي رضي الله عنه في امرأة المفقود خلاف عمر وتحتج به عليه وترى لك فيه
حجة على من خالفك ثم تدع عمر وعليا وابن عباس وجابرا وأبا ذر وعددا من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم متفقة أقاويلهم وأفعالهم وتخالفهم على أقاويلهم بالقياس ثم تخطئ القياس
أرأيت لا يمكن أحدا في قول واحد منهم أن يدخل عليك قياسا صحيحا ومعهم دلائل السنة التي
ليس لأحد خلافها؟ (قال) أفتكون صلاة ركعة واحدة؟ (قلت) مسألتك مع ما وصفت من الاخبار
328

جهالة أو تجاهل فإن زعمت أن لنا ولك أن نكون متكلمين مع سنة أو أثر عن بعض أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم فقد سألت في موضع مسألة وإن زعمت أن أقاويلهم غاية ينتهى إليها لا تجاوز
وإن لم يكن معها سنة لم يكن لمسألتك موضع (قال) أفرأيت إن كنعت عن القول في الصيام
والطواف وكلمتك في الصلاة وزعمت أنى لا أقيس شريعة بشريعة ولا يكون ذلك لك فلما لم أجد
في الصوم حديثا يثبت يخالف مل ذهبت إليه ولا في الطواف وكنعت عن الكلام فيهما قلت
ورجعت إلى إجازة أن يخرج من صوم التطوع والطواف؟ فقال بل أقف فيه قلت أفتقبل من غيرك
الوقوف عند الحجة؟ قال: لعلى سأجد حجة فيما قلت: قلت: فإن قال لك غيرك فلعلي سأجد
الحجة عليك فلا أقبل منك أيكون ذلك له (1) ويؤيده وقوفك والخبر الذي يلزم مثله عندك ثابت
بخلاف قولك فإن قال فإن قلت لك في الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الليل
والنهار مثنى مثنى يسلم بين كل ركعتين " قلت: فأنت تخالف هذا فتقول: صلاة النهار أربع وصلاة
الليل مثنى قال بحديث قلت فهو إذن يخالف هذا الحديث فأيهما الثابت قال فاقتصر على صلاة
الليل وأنت تعرف الحديث فيها وتثبته؟ قلت نعم. وليست لك حجة فيه إن لم تكن عليك قال
وكيف قلت: إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكون صلاة الليل مثنى لمن أراد صلاة
تجاوز مثنى فأمر بأن يسلم بين كل ركعتين لئلا تشتبه بصلاة الفريضة لا أنه حرام أن يصلى أقل من
مثنى ولا أكثر قال وأين أجاز أن يصلى أقل من مثنى؟ قلت في قوله " فإذا خشي الصبح صلى
واحدة يوتر بها ما قد صلى " فقد صلى ركعة واحدة منفردة وجعلها صلاة وقد روى هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس ركعات لا يسلم ولا يجلس إلا في
أخراهن وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم من الركعة والركعتين وأخبر أن وجه
الصلاة في التطوع أن تكون مثنى ولم يحرم أن تجاوز مثنى ولا تقصر عنه قال فإن قلت بل حرم أن لا
يصلى إلا مثنى، قلت فأنت إذن تخالف أن زعمت أن الوتر واحدة وإن زعمت أنه ثلاث لا يفصل
بسلام بينهن أو أكثر فليس واحدة ولا ثلاث مثنى، قال: فقال بعض. من حضره من أصحابه
ليس الذي ذهب إليه من هذا بحجة عليك عنده فما زال الناس يأمرون بأن يصلوا مثنى ولا يحرمون
دون مثنى فإذا جاز أن يصلى غير مثنى قلت: فلم أحتج به (قال الشافعي) قلت له: نحن وأنت
مجمعون على إنما يجب للرجل إذا قرأ السجدة طاهرا أن يسجد وأنت توجبها عليه أفسجدة لا قراءة
فيها أقل أم ركعة؟ قال: هذا سنة وأثر قلت له ولا يدخل على السنة ولا الأثر؟ قال: لا. قلت:
فلم أدخلته علينا في السنة والأثر؟ وإذا كانت سجدة تكون صلاة ولم تبطلها بقول النبي صلى الله
عليه وسلم " صلاة الليل " مثنى لأنه لم يبلغ بها أن يجاوز بها مثنى فيقصر بها على مثنى فكيف عبث
أن نقول أقل من مثنى وأكثر من سجدة صلاة؟ قال: فإن قلت السجود واجب قلنا فذلك أوكد
للحجة عليك أن يحب من الصلاة سجدة بلا قراءة ولا ركوع ثم تعيب أن يجوز أكثر منها قلت له
سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدة شكر الله عز وجل (قال الشافعي) أخبرنا بذلك
الدراوردي، وسجد أبو بكر شكر الله تبارك وتعالى حين جاءه قتل مسيلمة، وسجد عمر حين جاءه
فتح مصر شكرا لله جل اسمه فإذا جاز أن يتطوع لله بسجدة فكيف كرهت أن يتطوع بأكثر منها؟

(1) كذا في الأصل بدون إعجام وحرر، كتبه، مصححه.
329

وقلت له ولو أن رجلا ذهب في قول الله تبارك وتعالى في المزمل حين خفف قيام الليل ونصفه قال
" فاقرءوا ما تيسر منه " يعنى صلوا ما تيسر أن يكون جعل ذلك إليهم فيما قد وضع عنهم فرضه بلا
توقيت كان أقرب إلى أن يشبه أن يكون هذا له حجة والله تعالى أعلم منك وقد أوتر عثمان بن عفان
وسعد وغيرهما بركعة في الليل لم يزيدوا عليها بعد المكتوبة أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال
أخبرني عتبة بن محمد بن الحرث أن كريبا مولى ابن عباس أخبره أنه رأى معاوية صلى العشاء ثم أوتر
بركعة لم يزد عليها فأخبر ابن عباس فقال: أصاب أي بنى ليس أحد منا أعلم من معاوية هي
واحدة أو خمس أو سبع إلى أكثر من ذلك الوتر ما شاء. أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن زيد
بن خصيفة عن السائب بن يزيد أن رجلا سأل عبد الرحمن التيمي عن صلاة طلحة قال إن شئت
أخبرتك عن صلاة عثمان قال قلت لأغلبن الليلة على المقام فقمت فإذا برجل يزحمني متقنعا
فنظرت فإذا عثمان قال فتأخرت عنه فصلى فإذا هو يسجد سجود القرآن حتى إذا قلت هذه هوادى
الفجر فأوتر بركعة لم يصل غيرها (قال الشافعي) فقال فما حجتك على صاحبك الذي خالف
مذهبك؟ قلت له: حجتي عليك حجتي عليه ولو سكت عن جميع ما احتججت به عليك
سكات من لم يعرفه كنت محجوجا على لسان نفسك قال: وأين؟ قلت: هل تعدو النافلة من
الصلاة والطواف من الصيام كما قلت من أنها لما لم يجب على الرجل الدخول فيها فدخل فيها فقطعها
أن لا يكون عليه بدلها إذا لم يكن أصلها مما يلزمه تأديته أو تكون غير واجبة عليه فإذا دخل فيها
وجبت بدخوله فيها فلزمه تمامها؟ قال: ما تعدو واحدا من هذين، قلت: فقوله خارج من
هذين؟ قال: وكيف؟ قلت: يزعم أن من قطع صلاة أو صياما أو طوافا من غير عذر يلزمه ان
يقضيه كما يلزمه قضاء المفروض عليه من هذا كله، ومن قطع من عذر لم يلزمه أن يقضيه وهو يزعم
في المفروض عليه أنه يلزمه إذا قطعه من علة أن يقضيه كما يلزمه إذا قطعه من غير عذر، قال:
ليس لقائل هذا حجة يحتاج عالم معه إلى مناظراته وقد كنت أعلم أنه يوافقنا منه في شئ ويخالفنا
في شئ لم أعرفه حتى ذكره قلت فهكذا قوله قال فلعل عنده فيه أثرا، قلنا: فيوهم أن عنده أثرا
ولا يذكره وأنت تراه يذكر من الآثار ما لا يوافق قوله لا ترى أنت له فيه حجة ولا أثرا (قال
الشافعي) فقال فبقيت لنا عليك حجة وهي أنك تركت فيهما بعض الأصل الذي ذهبت إليه (قال
الشافعي) فقلت وما هي؟ قال: أنت تقول من تطوع بحج أو عمرة فدخل فيهما لم يكن له الخروج
منهما وهما نافلة فما فرق بين الحج والعمرة وغيرهما من صلاة وطواف وصوم؟ قلت الفرق الذي لا
أعلمك ولا أحدا يخالف فيه قال فما هو؟ قلت أفرأيت من أفسد صلاته أو صومه أو طوافه أيمضي
في واحد منها أو يستأنفها قال: بل يستأنفها قلت ولو مضى في صلاة فاسدة أو صوم أو طواف لم
يجزه وكان عاصيا ولو فسدت طهارته ومضى مصليا أو طائفا لم يجز؟ قال: نعم. قلت: يؤمر
بالخروج منها؟ قال: نعم قلت: أفرأيت إذا فسد حجة وعمرته أيقال له أخرج منهما فإنه لا يجوز
له أن يمضى في واحد منهما وهو فاسد؟ قال: لا قلت: ويقال له اعمل للحج والعمرة وقد فسدا
كما تعمله صحيحا لا تدع من عمله شيئا للفساد واحجج قابلا واعتمر وافتد، قال: نعم، قلت:
أفتراهما يشبهان شيئا مما وصفت؟ والله أعلم
(تم الجزء الأول ويليه الجزء الثاني وأوله كتاب الزكاة)
330