الكتاب: المجموع
المؤلف: محيى الدين النووي
الجزء: ١٢
الوفاة: ٦٧٦
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

المجموع
شرح المهذب
للإمام أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 ه‍
الجزء الثاني عشر
دار الفكر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
* (باب بيع المصرات والرد بالعيب) *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (إذا اشترى ناقة أو شاة أو بقرة مصراة ولم يعلم بأنها مصراة ثم علم أنها مصراة فهو بالخيار بين أن
2

يسك وبين أن يرد لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تصروا الإبل والغنم للبيع فمن
ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ثلاثا ان رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا
من تمر " وروى أن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من ابتاع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام فان ردها رد
معها مثل أو مثلي لبنها قمحا) * *
* (الشرح) * حديث أبي هريرة متفق عليه رواه الأئمة مالك في الموطأ والشافعي عنه والبخاري
ومسلم في صحيحيهما وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وليس في شئ من ألفاظهم ولا في غيرها
مما وقفت عليه من كتب الحديث اللفظ الذي أورده المصنف هكذا وهذا الحديث رواه عن أبي هريرة
جماعة منهم عبد الرحمن الأعرج المشهور بصحته ولفظه لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك
فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ان رضيها أمسكها وان سخطها ردها وصاعا من تمر رواه البخاري
ومسلم وأبو داود وليس فيه بعد أن يحلبها ثلاثا وكذلك رواه الشافعي وفيها زيادة لا تصروا الإبل
والغنم للبيع كذلك رواه المزني عنه وقيل أن المزني انفرد بهذه الزيادة عن الشافعي رحمه الله (وأما)
الربيع فإنه روى عنه كما روى الجماعة بدون هذه الزيادة ومن الرواة له عن أبي هريرة رضي الله عنه
أبو بكر محمد بن سيرين ولفظه " من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام فان ردها رد معها صاعا
3

من طعام " لأمراء في رواته من طريقة " من اشترى مصراة فهو بخير النظرين إن شاء أمسكها وإن
شاء ردها وصاعا من تمر " لأمراء (1) رواهما مسلم وأبو داود * وروى الترمذي والنسائي وابن
ماجة بعض ذلك وروى أبو صالح عن أبي هريرة ولفظه " من ابتاع شاة مصراة فهو فيها بالخيار
ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها معها صاعا من تمر " رواه مسلم * (قال) البخاري قال

(1) بياض بالأصل
4

بعضهم عن ابن سيرين صاعا من طعام وهو بالخيار ثلاثا * وقال بعضهم عن ابن سيرين صاعا من
تمر ولم يذكر ثلاثا والتمر اكتراها كلام البخاري ورواه عن أبي هريرة موسى بن يسار ولفظه
" من اشترى شاة مصراة فلينفلت بها فليحلبها وان رضى حلابها أمسكها وإلا ردها ورد معها صاعا
من تمر " رواه مسلم ورواه عن أبي هريرة أبو صالح ولفظه " من ابتاع شاة مصراة فهو فيها بالخيار
ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر " رواه مسلم وفى لفظ من رواية
ابن سيرين " من اشترى من الغنم فهو بالخيار " رواه مسلم ورواه عن أبي هريرة همام بن منبه ولفظه
" إذا ما أحدكم اشتري نعجة مصراة أو شاة مصراة فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إما هي والا
فليردها وصاع تمر " رواه مسلم * قال بعضهم وهو دليل على الرد بغير أرش ورواه عن أبي هريرة
ثابت مولى عبد الرحمن بن زيد ولفظه " من اشترى غنما مصراة فاحتلبها فان رضيها أمسكها وان
سخطها ففي حلبتها صاع من تمر " رواه البخاري وأبو داود (وقال) بعضهم وهو دليل على أن صاع
التمر في مقابلة اللبن وأنه أخذ قسطا من الثمن * ورواه عن أبي هريرة الشعبي ولفظه " من اشترى
منكم محفلة فكرهها فليردها وليرد معها صاعا من طعام " رواه ابن الجارود وفي لفظ من رواية ابن
سيرين " من اشترى نعجة مصراة أو شاة مصراة فحليها فهو بأحد النظرين بالخيار ان شاء ردها وإناء
من طعام " رواه البيهقي عن أبي عبد الله الحاكم بسند صحيح * وكل هذه الألفاظ مرفوعة إلى
5

النبي صلى الله عليه وسلم فهذه روايات أبي هريرة ليس في شئ منها اللفظ الذي ذكره المصنف بتمامه بل طريق
الأعرج جمعت بين النهى عن التصرية وبيان حكمها من غير ذكر الثلاث * وطريق ابن سيرين
وأبى صالح فيها ذكر الثلاث وهي مقتصرة على بيان الحكم والظاهر أنهما حديثان وليسا حديثا واحدا
حتى يمكن أن تضاف هذه الزيادة إلى الرواية الأولى بل والمعنى أيضا مختلف لان رواية ابن سيرين
وأبى صالح اللتين فيهما ذكر الثلاث (فالأول) يقتضى اثبات الخيار ثلاثا من غير بيان ابتدائه (والثاني)
يقتضى اثبات الخيار من غير بيان مدته فالجمع بينهما كما في الكتاب يقتضى التصريح بحكم لم يصرح
به في شئ من الروايتين وهو أن يكون الخيار بعد الحلب ثلاثا فالثلاث إما راجعة للخيار فيقتضى
أنه بعد حلبها ثلاثا يثبت الخيار وكل واحد من الامرين لم يدل عليه شئ من الروايات صريحا
(وأما الثاني) فلم يدل عليه أصلا لا صريحا ولا ظاهرا وممن ذكر الحديث كما ذكره المصنف سواء
العبدري في الكفاية والرافعي في التهذيب * وقالا رواه البخاري ومسلم وينبغي أن يكون مرادهما أصل
الحديث لان ذلك اللفظ وممن ذكره كذلك أيضا الشيخ أبو حامد في تعليقه وذكر أنه حديث
6

مختصر المزني والمنصف تبع الشيخ أبا حامد في ذلك والموجود في مختصر المزني ليس فيه هذه اللفظة
ولم يذكرها القاضي أبو الطيب في تعليقه أيضا وإنما ذكر على الصواب وذكره ابن أبي هريرة في
تعليقه بلفظ قريب مما ذكره المصنف فيه الخيار ثلاثا وليس فيه بعد أن يحلبها وهو مصدر بالنهي كما
ذكره المصنف وهو في الغرابة كاللفظ الذي أورده المصنف * وذكره أيضا جماعة من الأصحاب
منهم الغزالي كما ذكره المصنف وأصل الحديث ثابت متفق عليه بالألفاظ المتقدمة على ما تبين أجمع
أهل العلم بالحديث على صحته وثبوته من حديث أبي هريرة رواه عن الأعرج ومحمد بن سيرين
وأبو صالح السمان وهمام بن منبه وثابت مولى عبد الرحمن وقد تقدمت روايتهم ومحمد بن زياد ورواياته
في جامع الترمذي بقريب من الألفاظ المتقدمة وموسى بن يسار وقد تقدم ومجاهد وأبو إسحاق ويزيد
ابن عبد الرحمن بن أذينة وغيرهم ورواه عن هؤلاء وعن من بعدهم خلائق لا يحصون حتى ادعى
بعضهم أنه صار إلى التواتر وقال ابن عبد البر حديث المصراة ثابت صحيح لا يدفعه أحد من أهل العلم
بالحديث (وأما) حديث ابن عمر فرواه أبو داود وابن ماجة باللفظ الذي ذكر المصنف * قال الخطابي
7

وليس إسناده بذاك (قال) الحافظ المنذري والامر كما قال فان جميع بن عمير قال ابن بهير هو من أكذب
الناس (وقال) ابن حبان كان رافضا يضع الحديث (قلت) وجميع بن عمير هو الذي له عن ابن عمر
هذا الكلام عن ابن بهير وابن حبان من أشد ما قيل فيه وقد قال ابن أبي حاتم سألت أبى
عنه فقال من عتق الشيعة ومحله الصدق صادق الحديث كوفي تابعي (وقال) البخاري في التاريخ الكبير
فيه نظر (وقال) البيهقي في المعرفة لما ذكر هذا الحديث هذه الرواية غير قوية (وقال) في كتاب السنن
الكبير تفرد به جميع بن عمير وذكر عبد الحق هذا الحديث في الأحكام ولم يتعرض لحال جميع
ابن عمير هذا وإنما أعله بصدقة بن سعيد الراوي عن جميع فإنه أيضا ليس بالقوى فهذا ما يتعلق
بالحديثين اللذين في الكتاب وقد روى حديث المصراة عن ابن عمر أيضا بما يوافق رواية أبي هريرة
رواه الدارقطني من حديث ليث عن مجاهد عن ابن عمر وأبي هريرة رفعا الحديث (قال) لا يبيع حاضر
لباد ولا تلقوا السلع بأفواه الطريق ولا تناجشوا ولا يسم الرجل على سوم أخيه ولا يخطب على خطبة
أخيه حتى ينكح أو يرد ولا تسل المرأة طلاق أختها لتكتفي ما في صحفتها فإنما لها ما كتب لها
ولا تبيعوا المصراة من الإبل والغنم فمن اشتراها فهو بالخيار ان شاء ردها وصاعا من تمر والرهن مركوب
8

ومحلوب " وليث المذكور في سنده هو ليث بن أبي سليم ولا تقوم به حجة عند أكثر أهل العلم
بالحديث وروى الدارقطني من حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده وهو عمرو بن عوف
المزني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا حلب ولا جنب ولا إعراض ولا يبيع حاضر لباد ولا تصروا
الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو إذا حلبها بخير النظرين إن رضيها أمسكها وان سخطها ردها
وصاعا من تمر " وكثير بن عبد الله هذا ضعيف جدا (قال) الشافعي رحمه الله فيه ركن من أركان
الكذب (وقال) ابن حبان له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة (قال) الدارقطني عقب هذا الحديث
تابعه عاصم بن عبد الله عن سالم عن ابن عمر في المصراة وروى البيهقي رحمه الله في السنن الكبير
بسند جيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى التابعي الكبير الثقة المشهور عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه نهى أن تتلقى الاجلاب وأن يبيع حاضر لباد ومن اشترى مصراة فهو بخير
النظرين فان حلبها ورضيها أمسكها وان ردها رد معها صاعا من طعام أو صاعا من تمر " قال البيهقي
يحتمل أن يكون هذا شكا من بعض الرواة فقال صاعا من هذا أو من ذاك لا أنه على وجه التخيير ليكون
موافقا للأحاديث الثابتة في هذا الباب * وروى البيهقي رحمه الله أيضا من حديث إسماعيل بن مسلم
عن الحسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من اشترى شاة محفلة فان
9

لصاحبها أن يحتلبها فان رضيها فليمسكها وإلا فليردها وصاعا من تمر " إسماعيل بن إبراهيم مسلم متروك
وروى أبو بكر الإسماعيلي رضي الله عنه في كتابه الصحيح المستخرج على صحيح البخاري رحمه الله
من حديث سليمان التميمي عن عبد الله وهو ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من
اشترى شاة محفلة فردها فليرد معها صاعا " رواه من حديث أبي خلف التيمي لكنه اختلف في
وقفه ورفعه فرواه البخاري في الصحيح موقوفا من قول ابن مسعود رضي الله عنه وكذلك رواه
الشافعي في الام في أحكام على وابن مسعود رواه عن هشام هكذا رأيته في الام (وقال) ابن الأثير
فيما بلغه عن هشام (وقال) الإسماعيلي أن أبا خالد رفعه وأن ابن المبارك ويحيى بن سعيد وابن أبي عدى
ويزيد بن زريع وهشاما وجريرا وغيرهم رواه موقوفا على ابن مسعود ورواه البرقاني موقوفا على شرط
البخاري وزاد " من تمر ماله " الاسناد والحكم على طريقة المحدثين شرط في مثل هذا الموضع للوقف
وتقديمه على رواية الرفع (أما) على طريقة الفقهاء فينبغي الحكم للرفع وان أبا خالد وهو سليم بن حبان
الأحمر لأنه احتج به الشيخان ومن رفع معه زيادة من وقف والمخالف في هذه المسألة يحكم بصحة مثل ذلك
فقد تلخصت روايات حديث المصراة من طريق أبي هريرة وابن عمر وعمرو بن عوف المزني
جد كثير بن عبد الله رضي الله عنهم ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأنس من مالك وابن مسعود
10

رضي الله عنهم (وأصحهما) رواية أبي هريرة رضي الله عنه ورواية رجل من الصحابة سندها جيد ورواية
ابن مسعود على طريقة المحدثين ضعيفة في رفعها وتجب على طريقة كثير من الفقهاء التمسك بها
وترجيح الحكم بالمرفوع ولا أرى التمسك بمثل هذا لمنصف في مثل هذا الموضع مع قوة الظن بالوقف
لرجحان رواته كثرة وجلالة نعم ذكر الماوردي أن الشافعي رواه أعني يحيى بن سعيد عن التيمي ولم
أقف عليه في كلام الشافعي فان صح ذلك وكان الرفع فيه محققا تعين الحكم بصحته وقد ذكر
الإسماعيلي عن يحيى بن سعيد أنه ممن رواه موقوفا فان صح ما ذكره الماوردي فيكون عنه روايتان
والله أعلم (أما) اللغة فقوله صلى الله عليه وسلم لا تصروا - فهو بضم التاء المثناة من فوق وفتح الصاد وبعد الراء المشددة
واو وفتح لام الإبل على - مثال تركوا (قال) القاضي عياض كذا صحيح الرواية من صرى إذا جمع مثقل
ومخفف وهو تفسير مالك له والكافة من أهل اللغة والفقه وبعض الرواة تحذف واو الجمع وتضم لام
الإبل على ما لم يسم فاعله وبعضهم يقول يصير - بفتح الياء وضم الصاد واثبات واو الجمع ونصب لام
الإبل - وخطأ القاضي هذين الوجهين (وقال) انهما لا يصحان إلا على تفسير من فسر بالربط والشد من
صر يصر (وقال) فيه المصرورة وهو تفسير الشافعي لهذه اللفظة كأنه يحبسه بربط أخلافها وشدها لذلك
وخطأ ابن عبد البر الوجه الأخير وجعله وهما محتجا بأنه لو كان كذلك مصروة قال وهذا
11

لا يجوز عندهم ولم يذكر ابن عبد البر الوجه الثاني وهو مثل الوجه الأخير وقيده الفارقي تلميذ المصنف
بالوجه الثاني وابن معن شارح المهذب بالوجه الثالث وكلاهما خطأ والفارقي أقل عذرا لان الواو ثابتة
في جميع ما وقفت عليه من كتب الحديث ونسخ المهذب (قال) الخطابي اختلف أهل العلم واللغة في
المصراة ومن أين أخذت واشتقت (فقال) الشافعي رضي الله عنه التصرية أن تربط اخلاف الناقة والشاة
وتترك من الحلب اليومين والثلاثة حتى يجتمع لها لبن فيراه مشتريها كثيرا فيزيد في ثمنها فإذا
تركت بعد تلك الحلبة حلبة أو اثنين عرف أن ذلك ليس بلبنها (قال) أبو عبيد المصراة الناقة أو البقرة
أو الشاة التي قد صرى اللبن في ضرعها معنى حقن فيه أياما فلم يحلب وأصل التصرية حبس الماء وجمعه
يقال منه صريت الماء ويقال إنما سميت المصراة لأنها مياه اجتمعت قال أبو عبيدة ولو كان من الربط
لكان مصرورة أو مصررة قال الخطابي كأنه يريد به الرد على الشافعي قال الخطابي قول أبى عبيد
حسن وقول الشافعي صحيح والعرب تصر ضروع الحلوبات إذا أرسلتها تسرح ويسمون ذلك الرباط
صرارا فان راحت حلت تلك الأصرة وحلبت واستدل لصحة قول الشافعي بقول العرب (العبد لا يحسن
الكر والفر إنما تحسن الحلب والصر) ويقول مالك بن نويرة فقلت لقومي هذه صدقاتكم مصررة اخلاقها
لم تجدد * قال ويحتمل أن أصل المصراة مصررة أبدلت إحدى الراءين ياء وقال الأزهري
12

في كلامه على مختصر المزني جائز أن تكون سميت مصراة من صرا خلافها كما قال الشافعي رحمه الله وجائز
أن تكون سميت مصراة من الصرى وهو الجمع (يقال) صريت الماء في الحوض إذا جمعته (ويقال) كذلك
الماء صرى (وقال) عبيد * يا رب ماء صرى وردته * سبيله خائف حدث * ومن جعله من الصر قال كانت المصراة
في الأصل مصرورة فاجتمعت ثلاث راءات فقلبت إحداها ياء كما قالوا تظمنت من الظن وكما قال
العجاج * بمضي الباز إذ البازي كسر * هذا كلام الأزهري رحمه الله وكلام الشافعي رحمه الله المذكور
وهو في مختصر المزني وقال النووي رحمه الله وفى صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم " عن النجش والتصرية " قال وهذا يدل لرواية الجمهور يعنى للضبط في الرواية كما
تقدم (وأما) الاشتقاق والمعني المختلف فيه بين الشافعي وغيره فليس فيه تعرض له لأنه يصح ذلك مع
إبدال الراء ياء على أنه ليس في كلام الشافعي رحمه الله تصريح بأن ذلك مأخوذ من الصر وإنما
مقصوده ومدلول كلامه أنه فسر التصرية بالأمور المذكورة في كلامه من الربط والترك من الحلب
حتى يجتمع اللبن والشك أن ذلك فيه معني الربط والجمع معا فيحتمل أن تكون التسمية بذلك
لأجل الجمع وذكر الربط لأنه المعتاد عند العرب على ما تقدم من كلام الخطابي ولأنه سبب
13

في احتباس اللبن وإذا كان كذلك فليس في كلام الشافعي مخالفة لغيره إلا زيادة تبيين
ما كانت العرب تفعله من ربط أخلاف الناقة والشاة ويحتمل أن يكون تسميتها بذلك
لما اشتملت عليه من الصر والربط وحينئذ تتحقق المخالفة فالأقرب أن الشافعي إنما أراد المعنى الأول
وقد قال أبو حاتم السجستاني الشافعي اعلم باللغة منا نقله عن الثعلبي في تفسير سورة النساء وروينا عن
عبد الملك بن هشام قال قول الشافعي حجة في اللغة قال الربيع وكان ابن هشام بمصر كالأصمعي
بالعراق وقالا أبو عبيد الشافعي ممن يؤخذ عنه اللغة أو من أهل اللغة الشك من ابن أبي حاتم وقال
المازني الشافعي عندنا حجة في النحو وقال أبو الوليد بن الجارود أن للشافعي لغة جيدة يحتج بها كما
يحتج بالبطن من العرب وقال ثعلب أن الشافعي رحمه الله من بيت اللغة يجب أن تؤخذ عنه
وقال أيوب بن سويد خذوا عن الشافعي اللغة وقال ثعلب أيضا إنما يؤخذ الشافعي باللغة لأنه من
أهلها وإنما ذكرت هذه الأقوال كلها ليتبين قدر الشافعي عند أئمة اللغة وقد وقع في كلامه رحمه الله
أن التصرية أن يربط أخلاف الناقة والشاة وأخلاف جمع خلف - بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام -
(قال) ابن قتيبة الخلف لكل ذات خف والطي للسباع وذوات الحافر وجمع أطياء والضرع لكل
ذات ظلف قال وقد يجعل الضرع أيضا لذوات الخف والخلف لذوات الظلف والثدي للمرأة
14

(قلت) فاطلاق الشافعي اخلاف الناقة والشاة (إما) أن يكون على هذا القول (واما) أن يكون
من باب التغليب غلبنا الناقة على الشاة والله أعلم * وفى التصرية لغة التصوية بدل الراء واو قال
الهروي التصوية والتصرية واحد وهو أن تصرى الشاة أي تجفل قال يوسف بن إسماعيل بن عبد الجبار
ابن أبي الحجاج المقدسي فيما علقه من كتاب التنبيه على تصحيف أبى عبيد الهروي في كتاب الغريبين
تخريج ابن ناصر قال الحافظ هكذا رأيته في عدة نسخ يصر الشاة بغير ياء والصواب أن يصرى
باثبات الياء بعد الراء من حديث الناقة (فأما) قوله أن يصر فمعناه أن يشد وذلك يجوز ولم ينه
عنه النبي صلى الله عليه وسلم (قلت) ولم أره في الغريبين الا بالراء والياء كما نقلته فلعل النسخ التي وقعت لابن
ناصر كانت مصحفة ولو كان الامر على ما وقع له من النسخ لكان ذلك قريبا من المعنى المنسوب
للشافعي وقد تقدم الكلام فيه وما اعترض به من أن النهى لم يرد عن الصر فجوابه أن المراد أن يكون
ذلك لأجل البيع على وجه الغش والخديعة كما دلت عليه رواية المزني المتقدمة وكلا الامرين الصر
والتصرية حرام إذا قصد به ذلك وجائز إذا لم يقصد به ولم يترتب عليه خديعة ولا ضرر بالحيوان لكن
الحكم المذكور من الرد وثبوت الخيار إنما يكون في حالة يحصل فيها اجتماع اللبن لا في الصر المجرد
لفهم المعنى والله أعلم * واللقحة - بكسر اللام وفتحها - والكسر أفصح وجمعها لقح مثل قربة وقرب
15

وهي الناقة القريبة العهد بالولادة نحو شهرين أو ثلاثة والمحفلة هي التي جفل اللبن في ضرعها وهي
المصراة (وقوله) بخير النظرين هو امساك المبيع أو يرده أيهما كان خيرا له فعله (والحلاب) هو الاناء
يملأه قدر حلبة ناقة ويقال له المحلب أيضا وبعضهم يطلق فيقول الحلاب الاناء الذي يحلب فيه
الألبان ويطلق على المحلوب وهو اللبن كالحراف لما يحترف وقال أبو عبيدة إنما يقال في اللبن الأحلابة
والمشهور عند العلماء أن المراد بالحلاب في الحديث وكذلك الحلبة في بعض روايات الحديث اللبن
نفسه ومن الظاهرية من امتنع من ذلك ورأوا أن هذا من المجاز للذي لم يدل نص على ارادته وسيقع
الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى في الفصل الثاني عند قول المصنف بدل اللبن والتمر الحنطة
والطعام في بعض روايات الحديث وإن كان مطلقا فالمراد به التمر واستدلوا على ذلك بأمرين
(أحدهما) أنه كان الغالب على أطعمتهم (والثاني) لان معظم روايات الأحاديث إنما جاءت " وصاعا من
تمر " ويحتمل وجها ثالثا من الاستدلال وهو حمل المطلق على المقيد وليس من شرط ذلك أن يكون
هو الغالب ولا أن يترجح روايته هذا ما في حديث الكتاب وطرقه من اللغة وتبويب المصنف
المقصود به ذكر الأسباب المثبتة لخيار النقيصة وهو ما ثبتت بفوات أمر مظنون ينشأ الظن فيه من
16

تغرير فعلى كالتصرية أو نص عرفي كالعيب فان العرف يقتضي السلامة أو التزام شرطي كشرط
الكتابة ونحوه إذا خرج بخلافه وقد ضمن المصنف هذا الباب هذه الأقسام الثلاثة على هذا الترتيب
وقدم التصرية لأنها هي المنصوص عليها وذكر الرد بالعيب بعد ذلك وقاسه عليها كما سيأتي في كلامه
وقد ورد فيه حديثا نصا سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى ثم ذكره بعده خيار الخلف الذي يثبت
بفوات الالتزام الشرطي وجعل مؤخرا عن الرد بالعيب (إما) لأنه ورد فيه حديث أيضا أعني الرد
بالعيب (وإما) لان الرد بالعيب أكثر وقوعا وإن كانا جميعا ثبتا بالقياس على التصرية كما اقتضاه
كلام المصنف ولولا التصرية ورد فيها النص لكان يقتضى أن يقدم الالتزام الشرطي عليهما لان
الملتزم بالشرط أوكد من حيث المعني من الملتزم بالعرف أو بقرينة الحال ولذلك قال الغزالي أن
الالتزام الشرطي هو الأصل وما عداه ملحق به يشير إلى هذا المعني فكان ذلك كنص في فرع
ليس فيه إلا أصل واحد فإنه يتبين بذلك حكم ذلك الأصل ويصح أن يقال أن حكم الفرع مأخوذ
من ذلك الأصل وإن كان منصوصا وهذا المعني ذكره القاضي حسين في نص الشافعي على فرع
يكون بهذه الصفة (وأما) اقتصار المصنف في الترجمة على المصراة والرد بالعيب وسكوته على خيار
الخلف وإن كان الخلف ليس بعيب ولكنه فوات فضيلة فلأجل استوائهما في النقص فيه بأحدهما
على الآخر ولان التصرية والرد بالعيب فرعان لأصل بالمعنى الذي لحظه الغزالي كما تقدم فذكرهما
في الترجمة منبه على أصلهما بطريق أولى ووضع المصنف هذا الباب لأنه فرع من الأبواب المتضمنة
شروط العقد مطلقا في باب ما يجوز بيعه وشروطه في الربويات وبيع الثمار أخذ في أسباب الفسخ
واستدراك ما يقع في المبيع من العيب بالفسخ أو بالأرش " وقول المصنف أو بقرة " ليتبين أن الحكم غير
مقصور على الإبل والغنم اللذين تضمنهما الحديث الذي ذكره بل هو شامل إما بالقياس إذا اقتصر
على الحديث الذي أوره المصنف وذلك من باب الأولى لان لبن البقر أغزر وأكثر بيعا من لبن الإبل
17

وإما بالنص فان في الروايات الصحيحة التي تقدمت " من اشترى مصراة " (وقال) بعض
شارحي التنبيه إن ذلك للرد على الظاهريين اللذين خصوا الحكم بالمنصوص عليه من الإبل والغنم
وهذا الذي نقله عن الظاهريين نقله القاضي أبو الطيب وغيره من أصحابنا عن داود فصرح
ابن المعلس وابن حزم الظاهريان بأن شمول الحكم تمسكا بالنص العام وهو قوله " من اشترى مصراة "
ولم يحكيا في ذلك خلافا وهو اللائق بمذهبهم أخذ بعموم الخبر ولا يجب تقييد أحد الخبرين
بالآخر لان ذلك إنما يكون في المطلق والخبر ههنا عام لصيغة من لكن يعرض ههنا بحثان (أحدهما)
أن هذا الخبر الذي فيه " من اشترى مصراة " من رواية ابن سيرين عن أبي هريرة كما تقدم وقد تقدم من
روايته أيضا " من اشترى شاة مصراة " وهذه الرواية فيها زيادة ليس في الأولى وزيادة العدل
مقبولة فيجب العمل بها وعدم القول بالعموم فان الحديث واحد ومخرجه واحد ووجه إدراك الصواب
في هذا البحث أنا نظرنا الرواية العامة المذكورة التي ليست فيها الزيادة وهي قوله " من اشترى
مصراة " فوجدناها من رواية سفيان بن عيينة عن أيوب عن ابن سيرين وذلك في مسلم ومن رواية
هشام بن حسان عن ابن سيرين وذلك في ابن ماجة بسند صحيح ومن رواية قرة بن خالد عن ابن
سيرين وذلك في الترمذي بسند صحيح ومن رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة وذلك في الترمذي
بسند صحيح ومن رواية موسى بن يسار عن أبي هريرة وذلك في النسائي ونظرنا الزيادة فوجدناها
من طرق (منها) عبد الوهاب عن أيوب وفيها " من اشترى من الغنم " وهذا اختلاف عن أيوب عن
سفيان وعبد الوهاب والراوي عنهما شخص واحد وهو العدلي (ومنها) قرة عن ابن سيرين وفيها
" من اشترى شاة مصراة " وهذا اختلاف عن ترك أيضا وكذلك موسى بن يسار واختلف عنه
أيضا واختلف أيضا عن هشام بن حسان وكلا السندين إليه على شرط الصحيح فلما رأينا هذه الروايات
والاختلاف نظرنا ما يقتضيه النظر في ذلك فقلنا جميع أصحاب أبي هريرة الذين ذكرناهم ههنا اختلف
18

عنهم في ذلك إلا محمد بن زياد والشعبي فإنه لم يختلف عنهما فيما علمنا ولم يرد عنهما إلا الصيغة العامة
والا ثابت مولى عبد الرحمن فلم يرد عنه إلا الطريق المثبتة للزيادة وهي قوله " من اشترى غنما مصراة "
(فقد) يقال إن كل واحد من الشعبي ومحمد بن زياد أجل من ثابت مولى عبد الرحمن وسفيان بن عيينة
عن أيوب عن ابن سيرين أجل واحفظ وأتقن ممن خالفه فتقدم رواية العموم لذلك (وقد) يقال إن
جانب الزيادة هنا ورد من طرق صحيحة واحتمال النقص في رواية المثبت المتقن أولى من احتمال الخطأ
والوهم بالزيادة في حق الثقة والذي أقوله أن الحكم بالخطأ على راوي الزيادة ههنا بعيد (فالأقرب)
أن تجعل الروايتان ثابتتين ولعل النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهما مرتين فرواهما أبو هريرة كذلك ويكون
ذكر الغنم في إحدى الروايتين على سبيل المثال ولو كان الحكم مقصورا عليه لما ذكر في الإبل وقد
صح في الإبل من حديث الأعرج عن أبي هريرة (والبحث الثاني) إذا ثبتت الروايات في كلام النبي
صلى الله عليه وسلم فمفهوم الرواية التي فيها التقييد لم لا يخص به عموم الرواية الأخرى كما مثله في قوله " إذا أفضى
أحدكم بيده إلى فرجه " مع قوله " من مس فرجه " حيث خصوا عموم الثاني بمفهوم الأول فلا ينتقض
بغير الافضاء الذي هو المس بباطن الكف وذلك ههنا (إما) من مفهوم الشرط لقوله " من اشترى "
(واما) من مفهوم الصفة لقوله " من اشترى من الغنم " وكلا المفهومين حجة عند كثير من العلماء
(منهم) الشافعي والمفهوم يخص به العموم كما قلنا في المس (والجواب) عن هذا أن جانب المفهوم ههنا
ضعف بثبوت الحكم المذكور في الإبل صريحا بحديث الأعرج عن أبي هريرة ويفهم المعنى من
ذلك بخلاف الاحداث فان مبناها على التعبد فهذان الأمران أضعفا اعتبار المفهوم من قوله " من
اشترى شاة " وقوله " من اشترى من الغنم " والثاني وحده يضعف اعتبار المفهوم من قوله " إذا اشترى
أحدكم نعجة أو شاة " (وأما) الظاهرية فإنهم غير قائلين بالمفهوم فلا يرد عليهم ويحتجون بالعموم
لثبوته على ما تقدم والله أعلم * (وقول المصنف ولم يعلم أنها مصراة) شرط لابد منه على أصح
19

الوجهين عند الجمهور منهم القاضي أبو الطيب وفيه قول آخر مشهور في المذهب أن الخيار يثبت
وإن كان المشترى عالما بالتصرية حين العقد ويعبر عن الوجهين بأن هذا الخيار هل هو خيار عيب
أو خيار ثابت بالشرع وبناهما الرافعي وغيره على أن الخيار يمتد ثلاثة أيام أو يكون على الفور
(فان قلنا) بالأول ثبت مع العلم وإلا فلا وسيأتي الوجهان في كونه على الفور أو إلى ثلاثة أيام
في كلام المصنف إن شاء الله تعالى (والصحيح) عند الرافعي ومن وافقه أن ذلك على الفور فالبناء
حينئذ متجه (والمختار) أنه يمتد ثلاثة أيام كما سيأتي إن شاء الله تعالى تقريره والجمهور ههنا أن متى علم
المشترى بالتصرية حالة العقد لا يثبت الخيار وان ذلك خيار ثبت لأجل النقص ومن العجب أن
الظاهرية لم يثبتوا الخيار ههنا في حالة العلم ويحتاجون إلى دليل في ذلك بأن اللفظ متأول وما ادعينا
نحن من ظهور المعني وفهمه هم لا يعتبرونه (وقوله) فهو بالخيار إلى آخره هذا هو الحكم المقصود
من هذا الفصل (وممن) قال به من الصحابة عبد الله بن مسعود وأبو هريرة من فتياه صح ذلك عنهما
ولا مخالف لهما من الصحابة ونقل العبدري القول به أيضا عن ابن عباس وابن عمر وأنس (وممن) قال
به من الفقهاء بعدهم الشافعي ومالك والليث وابن أبي ليلى وأحمد وإسحق وأبو ثور وداود وأبو يوسف
وزفر ومسلم بن خالد الزنجي وأبو عبيد وجمهور أهل الحديث (واتفق) جميع أصحابنا على ذلك تبعا
لامامهم وخالف في ذلك أبو حنيفة ومحمد ورويت رواية غريبة بذلك عن مالك ذكر العتبى من
سماع أشهب بن مالك أنه سئل عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ابتاع مصراة فهو بخير النظرين
بعد أن يحلبها إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر " فقال سمعت ذلك وليس بالثابت
ولا الموطأ عليه ولئن لم يكن ذلك أن له اللبن بما علف وضمن (قيل) له نراك تضعف الحديث (فقال) كل
شئ يوضع موضع وليس بالموطأ ولا الثابت وقد سمعته (قال) ابن عبد البر هذه رواية الله أعلم
بصحتها عن مالك وما رواها عنه إلا ثقة ولكنه عندي اختلاف من رأيه (قلت) وإن صحت هذه
20

الرواية عن مالك فينبغي أن يؤول قوله " ليس بالثابت " على الحكم لا على الحديث فإنه صحيح عنده
بلا إشكال وقد أودعه الموطأ المشهور عنه خلاف هذه الرواية فالقول بمقتضى الحديث (قال) ابن القاسم
(قلت) لمالك أنأخذ بهذا الحديث (قال) نعم قال مالك أو لاحد في هذا الحديث رأى قال ابن
القاسم وأنا أخذته إلا أن مالكا قال لي أرى لأهل البلدان إذا نزل بهم هذا أن يعطوا الصاع من
عيشهم (قال) وأهل مصر عيشهم الحنطة (وقال) ابن عبد البرقي التمهيد أن الصحيح عن مالك
ما رواه ابن القاسم وأن رواية أشهب منكرة والله أعلم * (أما) الاستدلال فدليلنا في المسألة الأخبار المتقدمة
وهي صريحة في المقصود والمعنى في ذلك صحيح مستقيم غير خارج عن الأصول على ما سنبين
في أجوبة المخالفين إن شاء الله تعالى * ومن القياس على ما لو باع طاحونة حبس ماءها زمانا ثم أرسله
حالة البيع فظن المشترى أنه أبدا كذلك ثم علم فانا أجمعنا على ثبوت الخيار (واعتمد) المخالفون في الاعتذار
عن الحديث أمورا ضعيفة ترجع إلى طريقين طريقة الرد وطريقة التأويل (الأول) أن هذا خبر واحد
مخالف لقياس من الأصول المعلومة وما كان كذلك لم يلزم العمل به إما كونه مخالف لقياس الأصول المعلومة
فمن وجوه (أحدهما) أنه أوجب غرم اللبن مع إمكان رده (وثانيها) أنه أوجب غرم قيمته مع وجود مثله
(وثلثهما) أنه جعل القيمة تمرا وهي إنما تكون ذهبا أو ورقا (ورابعها) أنه جعلها مقدرة لا تزيد بزيادة اللبن
ولا تنقص بنقصانه ومن حكم الضمان أن يختلف باختلاف المضمون في الزيادة والنقصان (وخامسها)
أن اللبن إن كان موجودا عند العقد فقد ذهب جزء من المعقود عليه وذلك يمنع الرد وإن كان
اللبن حادثا بعد الشراء فقد حدث على ملك المشتري فلا يضمنه وإن كان مختلطا فما كان موجودا
منع الرد وما حدث لم يجب ضمانه (وسادسها) إثبات الخيار ثلاثا من غير شرط مخالف للأصول
فان الخيارات الثابتة بأصل الشرع من غير شرط لا تقدر بالثلاث (وسابعها) يلزم من العمل بظاهره
الجمع بين الثمن والمثمن للبائع في بعض الصور وهو ما إذا كانت قيمة الشاة صاعا من تمر فإنها ترجع إليه
21

مع الصاع الذي هو مقدار ثمنها (وثامنها) أنه مخالف لقاعدة الربا في بعض الصور وهو ما إذا اشترى
شاة بصاع فإذا استرد معها صاعا من تمر فقد استرجع الصاع الذي هو الثمن فيكون قد باع شاة وصاعا
بصاع وذلك خلاف قاعدة الربا عندكم فإنكم تمنعون مثل ذلك (وتاسعها) أنه أثبت الرد من غير
عيب ولا شرط لان نقصان اللبن ليس بعيب ولا الرد به بدون التصرية (وعاشرها) أن اللبن
كالحمل لا يأخذ قسطا من الثمن والا لجاز افراده بالعقد كالثمن وإذا لم يأخذ قسطا من الثمن لا يضمن
(وأما) المقام الثاني وهو أن ما كان من أخبار الآحاد مخالفا لقياس الأصول المعلومة لم يجب العمل به
فلان الأصول المعلومة مقطوع بها وخبر ألواح مظنون والمظنون لا يعارض المعلوم (العذر الثاني لهم)
ان هذا الحديث من أخبار أبي هريرة وإنما يقبل من أخباره ما فيه ذكر الجنة والنار (وأما) في
الأحكام فلا يقبل وتارة يقولون أنه غير فقيه والحديث مخالف للقياس والصحابة ينقلون بالمعني
ولا ثقة برواية غير الفقيه (العذر الثالث) دعوى النسخ في هذا الحديث وأنه يجوز أن يكون ذلك
حيث كانت العقوبة بالمال جائزة (العذر الرابع) أن هذا حديث مضطرب لما وقع الاختلاف في
ألفاظه وهذه الأمور الأربعة لترك العمل به بالكلية (العذر الخامس) في مخالفتهم لظاهر الحديث
بتأويله واستعماله وحمله على ما إذا اشتراها فشرط أنها تحلب خمسة أرطال مثلا وشرط الخيار فالشرط
فاسد فان اتفقا على اسقاطه في مدة الخيار صح العقد وان لم يتفقا بطل (وأما) رد الصاع فلانه كان قيمة
اللبن في ذلك الوقت (والجواب) عن ذلك (أما) الأول فبالظن في المقامين جميعا (أما) قولهم أنه
مخالف لقياس الأصول فمن الناس من فرق بين مخالفة الأصول ومخالفة قياس الأصول وخص الرد
بخبر الواحد المخالف للأصول لا المخالف لقياس الأصول وهذا الخبر إنما يخالف قياس الأصول
وقياس الأصول يترك بخبر الواحد لأنه أقوى منه ولهذا قال أبو حنيفة رضي الله عنه أن القياس أن
22

الاكل ناسيا يفطر ولكن ترك القياس بخبر أبي هريرة " أطعمه الله وسقاه " وقبل أبو حنيفة خبر أبي فرارة
في جواز التوضي بالنبيذ وخبر زادان في إبطال طهارة المصلى بالقهقهة لأنهما إنما خالفا قياس الأصول
ورد خبر التصرية وبيع العرية لأنهما خالفا أصول القياس عنده وصاحب هذه الطريق ينازعه في
ذلك ويقول إن ذلك إنما هو مخالف لقياس الأصول كالأول ومن سلك هذه الطريقة يسلم أن
الحديث المذكور مخالف لقياس الأصول (ومنهم) من لا يسلم أن مخالفة الأصول أيضا قادحة ويقول أن
كل ما ورد النص به فهو أصل بذاته لا يعتبر فيه موافقة الأصول كالدية على العاقلة والغرة في الجنين
وغير ذلك وليس إبطال أصل لمخالفته أصولا أخرى بأولى من إبطال تلك الأصول لمخالفتها ذلك
الأصل (والصواب) العمل بها جميعا ويعتبر كل أصل بنفسه وصاحب هذه الطريقة يقول إنه لا فرق
بين مخالفة قياس الأصول ومخالة الأصول وكلاهما لا يوجب الرد والأحاديث التي ذكروها في
النصرية والقهقهة وغيرها سواء في ذلك مع أن خبر التصرية أصح (واعلم) أن الأصول المختلف في رد
الخبر بها هي المستنبطة التي تكون في نفسها متحملة (أما) الأصول المقطوع بها فنص الكتاب
والتواتر والاجماع أو الأصول التي في معناها كتحريم الضرب المستفاد من تحريم التأفيف فإذا ورد
الخبر بخلافه رد ويعتقد أنه لم يصح لان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول ما يخالف ذلك هكذا قاله الأستاذ
أبو إسحاق الأسفرايني فهذان جوابان إجماليان عن دعوى مخالفة الأصول (ومنهم) من سلك في الجواب
عن ذلك طريق التفصيل ويتبين أن ذلك ليس مخالفا لقياس الأصول من الوجوه التي ذكروها بل
في الأصول ما يشهد له ويعاضده (أما) غرم القيمة مع إمكان الرد فان رد اللبن في التصرية غير
ممكن لوجهين (أحدهما) نقص قيمته وذهاب كثير من منافعه بطول المكث (والثاني) أن لبن
التصرية قد خالطه ما حدث في الضرع بعده على ملك المشتري فلم يمكن رده مع الجهل بما خالطه
(وعن الثاني والثالث والرابع) وهو غرامة القيمة مع وجود المثل وكونه تمرا وكونه مقدرا مع اختلاف
23

قدره إن كان مجهول القدر مجهول الوصف جاز الرجوع فيه إلى بدل مقدور في الشرع من غير مثل
ولا تقويم وقد وجد ذلك في مواضع (منها) الحر يضمن بمائة من الإبل (ومنها) الجنين يضمن
بالغرة ويستوى فيه الذكر والأنثى (ومنها) المقدرات من جهة الشرع في الشجاع كالموضحة مع
اختلافها بالصغر والكبر (ومنها) جزاء الصيد فليس من شرط الضمان أن يكون بالمثل أو القيمة
من النقدين ولا من شرط المثلى أن يضمن بالمثل والعدول في الأمور التي لا تنضبط إلى شئ معدود
ولا يختلف من محاسن الشرع قطعا للخصومة والتشاجر وهذه المصلحة تقدر على تلك القاعدة الكلية
والتمر غالب أقواتهم كما قدرت الدية بالإبل لأنها غلب أموالهم (وعن الخامس) وهو إيجاب الرد مع
ما حدث في يد المشترى من النقص من وجهين (أحدهما) أن النقص حادث في اللبن دون الشاة
وهو إنما يرد الشاة دون اللبن (والثاني) أن النقص الحادث الذي لا يتوصل إلى معرفة العيب إلا به
لا يمنع من الرد كالذي يكون مأكوله في جوفه إذا كسر (وعن السادس) وهو أن خيار الثلاث
من غير شرطه مخالف للأصول بأن الشئ إنما يكون مخالفا لغيره إذا كان مماثلا له وخولف في حكمه
وههنا هذه الصورة انفردت عن غيرها بأن الغالب أن هذه المدة هي التي يتبين بها لبن الحبلة
المجتمع بأصل الخلقة واللبن المجتمع بالتدليس فهي مدة يتوقف على العلم عليها غالبا بخلاف خيار الرؤية
والعيب فإنه يحصل من غير هذه المدة فيهما وخيار المجلس ليس لاستعلام عيب وعلى أن لنا في
تقييد خيار المصراة خلافا سيأتي إن شاء الله تعالى * وإنما جاء السؤال والجواب على ظاهر الحديث
والوجه الموافق له (وعن السابع) وهو لزوم الجمع بين البدل والمبدل من ثلاثة أوجه (أحدها) أن
صاع التمر بدل عن اللبن لا عن الشاة فلا يلزم الجمع بين العوض والعوض (الثاني) أن الحديث
وارد على العادة والعادة أن لا تباع شاة بصاع (الثالث) أن ذلك غير ممتنع كما إذا باع سلعة بعبد قيمة
24

كل منهما ألف ثم زاد العبد وبلغت قيمته ألفين ووجد المشترى بالسلعة عيبا فردها ويسترجع العبد
وقيمته ألفان وذلك قيمة الثمن والمثمن (وعن الثامن) وهو مخالفته لقاعدة الربا أن الربا إنما يعتبر في
العقود لا في الفسوخ ولا في ضمان المتلفات (وعن التاسع) وهو إثبات الرد من غير عيب ولا شرط
أن الخيار ثبت بالتدليس كما لو باع رحى دائرة بماء قد جمعه لها وكما لو سود الشعر فان العيب إنما
أثبت الخيار لأنه ينقص الثمن به والتدليس كذلك ونحن نقول أن هذا التدليس نفسه عيب (وعن
العاشر) وهو كون اللبن غير مقابل بقسط من الثمن بالمبيع وأن اللبن يقابله قسط من الثمن كاللبن
في الاناء (وقولهم) لو قابله قسط من الثمن لجاز افراده بالعقد منقوض بأساس الدار وأطراف الخشب التي
في البناء لا يجوز افرادها ويدخل فيه على سبيل البيع ويقابلها قسط من الثمن (وأما) الحمل قلنا
فيه قولان (فعلى) قولنا بأنه لا يأخذ قسطا يفرق بينهما بأن الحمل غير مقدور على استخراجه من الام
فهو بمنزلة اللحم المخلوق في الجوف بخلاف اللبن فإنه مقدور عليه فهذه الأجوبة دافعة لقولهم أنه
مخالف لقياس الأصول (ولئن) سلمنا مخالفته لذلك (فالجواب) ما تقدم من أن المخالفة لا تضر لما تقدم
(وقولهم) أن تقديم خبر الواحد على الأصول المعلومة فيه تقديم المظنون على المقطوع ممنوع فان تناول
تلك الأصول لمحل خبر الواحد غير مقطوع به لجواز استثناء محل الخبر عن ذلك الأصل فان تلك
الأصول عامة والخبر خاص والمظنون يخصص المعلوم (وأما العذر الثاني) وهو كونه من رواية
أبي هريرة فلولا ذكره في الكتب والاحتياج إلى الجواب لكنا نستحي من ذكره ونجل أبا هريرة
أن يتكلم بذلك على سبيل الحكاية أو نسمعه في أحد من الصحابة وأبو هريرة من ثقته وأمانته
وحفظه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمحل المعلوم ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يحببه الله وأمه إلى كل مؤمن
25

ومؤمنة وروى عن عثمان أنه قال حين روى لهم " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " حفظ الله
عليك دينك كما حفظت علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وفضائل أبي هريرة ومناقبه مشهورة والمخالفون في حكم
هذه المسألة إنما يتعللون بظنهم أنه ليس بفقيه وهذا ليس بصحيح فان عمر بن الخطاب رضي الله عنه
استعمله على البحرين ولم يكن عمر رضي الله عنه ليولى غير فقيه وكان أبو هريرة على المدينة في
خلافة معاوية أترى كان يحكم بغير فقه؟ وقد نقلت عنه فتاوى وقد روى عبد الرزاق في مصنفه عن
عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن رجلا من مزينة طلق
امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها فأتى ابن عباس يسأله وعنده أبو هريرة فقال ابن عباس إحدى المعطلات
يا أبا هريرة فقال أبو هريرة واحدة تثبتها وثلاث تحرمها فقال ابن عباس زينتها يا أبا هريرة أو قال نورتها
أو كلمة تشبهها يعني أصاب ففتياه بحضور ابن عباس وقول ابن عباس في ذلك دليل أيضا على فقهه ولو فرضنا
وحاش لله أنه غير فقيه فاشترط الفقه تحكم لا دليل عليه مع عدالة الراوي وضبطه وفهمه الذي يمنع
من إحالة المعنى ثم إن المخالف قبل خبر أبي هريرة في مواضع من جملتها في النهى عن الجمع بين
المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها ولم يرو هذا الحديث من طريق صحيحة غير طريق أبي هريرة وقد
روى من جهة غيره بطريق ضعيفة فقبلوا خبره في ذلك وهو مخالف لعموم الكتاب قوله تعالى (وأحل
لكم ما وراء ذلكم) فأيهما أعظم مخالفته لعموم الكتاب أو مخالفته لقواعد متنازع في عمومها ومخالفته
للقياس المتأخر عن الكتاب بمراتب ثم إن حديث المصراة قد روى من غير طريق أبي هريرة كما
تقدم ومن جملتها طريق عن ابن مسعود الامام المجمع على فقهه وعلمه وان كنا قد رجحنا فيما تقدم
أنه موقوف على ابن مسعود كما هو في صحيح البخاري لكن طريق الرفع أيضا جيدة وعلى طريقه
26

كثير من الفقهاء غير المحدثين لا يبعد تصحيحها وقد روي رفعه من غير طريق الإسماعيلي المتقدمة
ذكر الماوردي عن أبي عثمان النهدي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه إذا صح فيها الرفع
طريق قوية جدا هذا مع متابعة الروايات المتقدمة مع ملاحظة الوجوه المتقدمة المبينة ان ذلك غير
خارج عن القياس وان لم يصح طريق الرفع في رواية فكونه من كلامه صحيح بلا اشكال وقول
الصحابي عندهم حجة لا سيما ابن مسعود وطريق فقههم ترجع إليه فإن لم يكن ههنا حجة فلا أقل
من أن يكون عاضدا لحديث أبي هريرة على زعمهم (وأما) نحن فلا نقول أن الحديث يحتاج إلى
شئ يعضده والله أعلم (وأما الاعتذار الثالث) وهو دعوى النسخ فذلك من أضعف الاعتذارات لأنه
دعوى نسخ بالاحتمال من غير دليل (وأما الاعتذار الرابع) بالاضطراب فان الألفاظ المختلفة التي وردت
منها ما سنده ضعيف فلا اعتبار به ومنها ما هو صحيح لا منافاة فيه والألفاظ التي صحت كلها
لا تناقض فيها بل الجمع بينهما ممكن ظاهرا (وأما الاعتذار الخامس) واستعمالهم للحديث على وجه
الاشتراط فذلك لا يصح لأربعة أوجه (أحدها) أن النهي عن التصرية وما ذكره معه يقتضى تعليق
الحكم بالتصرية وما استعملوه عليه يقتضى تعليق الحكم بفساد الشرط فصار ذكر التصرية لغوا
(الثاني) أنه جعل الرد للمشترى وحده ولو كان لأجل الشرط لكان لهما لان البيع حينئذ يكون
فاسدا قاله الماوردي وغيره وفيه نظر فإنه إذا شرط في الشاة المبيعة أنها تحلب مقدارا فنقصت عنه
فإنما يثبت الرد للمشترى لا للبائع وذلك على وجه سيأتي في كلام المصنف بصحة البيع (والشرط
الثالث) أنه جعل الرضا موجبا للامضاء والسخط موجبا للفسخ والرد ولم يجعله متعلقا باسقاط الشرط
(والرابع) أنه أوجب فيه رد صاع من تمر واسقاط الشرط لا يوجب رد صاع من تمر قال هذه الأوجه
27

الماوردي رحمه الله وأقواها الوجه الأول لكماله هو وغيره فقد بان بحمد الله تعالى صحة ما ذهبنا إليه
وجمهور العلماء واندفع ما تعلق به الخصم في دفع ذلك (وأما) أن القياس هل هو معاضد للحديث
فجماعة يدعون ذلك ويثبتونه بما علم في الأجوبة المتقدمة وبعضهم يأبى ذلك ويروى الاستناد في
ذلك إلى الحديث ويجعل الأجوبة المذكورة لدفع الاعتراضات فقط قال الغزالي في المآخذ والانصاف
أولى من العناد ونحن نعلم أن حديث المصراة لو لم يرد لكنا لا نثبت الخيار وقد سلم ما وجد حلة
العقد ولم يتخلف إلا منفعة في المستقبل فالاعتماد على الحديث وهو صريح لا تأويل له والله أعلم *
وقول الغزالي هذا أنه لو لم يرد الحديث لكنا لا نثبت الخيار لا يضرنا فيما قدمناه فانا قد لا نسلم ذلك
وندعى ثبوت الخيار كالعيب والشرط ولو سلمنا فحيث ورد الحديث فهو العمدة مع فهم المعني فيه
وان ما اشتمل عليه من الأحكام من محاسن الشرع كما تقدمت الإشارة إليه وهذا الذي قاله الغزالي
خالف فيه الامام فإنه قال في النهاية أن قاعدة مذهب الشافعي تدل على أن ثبوت الخيار جار على
القياس وذكر بيان ذلك بمسألة تجعيد الشعر وتلطيخ الثوب بالمداد وشبه ذلك وسنذكر ذلك عند
الكلام في هذه المسائل إن شاء الله تعالى (أما) رد الصاع فالامام موافق على أنه خارج على القياس
والله أعلم * وقد ذكر القاضي أبو الطيب عن أبي عبيد القاسم بن سلام أنه قال في كتابه المسمى
بالحجر والتفليس ناظرت محمد بن الحسن واحتججت عليه بحديث أبي هريرة " أيما رجل مات
أو أفلس " فقال هذا من أخبار أبي هريرة فكان ما هرب إليه أشد عليه مما هرب منه (قال) القاضي
أبو الطيب فان قال يعنى الذي رده أنه يكثر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (فالجواب) أن ذلك يوجب
قبوله ويؤكد لزومه وغزارة حفظه وسعة علمه وكان الشيخ أبو محمد اليافي يجيب عنه بقول البحتري *
28

إذا محاسني اللاتي أدل بها * صارت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر
وأبو هريرة نفسه قد أجاب عن إكثار الحديث فإنه كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له
النبي صلى الله عليه وسلم بالحفظ *
* (فرع) * في علة هذا الخيار وجهان (أحدهما) التدليس الصادر من البائع (والثاني) الضرر
الحاصل للمشترى بأخلاف ما وطن نفسه عليه ويظهر أثر الوجهين فيما لو تحفلت بنفسها أو صرها
غيره بغير إذنه (والأصح) عند صاحب التهذيب ثبوته وبه قطع القاضي حسين وقطع الغزالي
بخلافه في الوجيز فيما إذا تحفلت بنفسها وفى الوسيط حكى الوجهين وجعل الأولى عدم الثبوت وحقيقة
الوجهين ترجع إلى إلحاق خيار التصرية بخيار العيب أو بخيار الخلف المجمع على كل منهما (فرجح)
البغوي والقاضي حسين الأول وهو مقتضى كلام الماوردي والعراقيين ممن صرحوا أن التصرية عيب
وكذلك يقتضيه كلام الشافعي في الام فإنه قال (فإذا حلبها ثم أراد ردها بعيب التصرية) وقال أيضا
(فان رضى الذي ابتاع المصراة أن يمسكها بعيب التصرية) (ورجح) الغزالي الثاني وتبعه عبد الغفار
القزويني في حاويه (والمراد) بتحلفها بنفسها أن يترك صاحبها حلبها أياما من غير شد لا عن قصد
بل نسيانا أو لشغل عرض فان اللبن يجتمع في ضرعها إذا لم يصل إليها ولدها أو تنفق شد أخلافها
لحركتها بنفسها لا بصنع آدمي ولو ترك صاحبها حلبها ثلاثة أيام من غير شد الاخلاف لقصد غزارة
اللبن ليراه المشترى فهو في معني الشد بلا خلاف (قال) ابن الرفعة ولهذا قال بعض الشارحين
وليس شد الاخلاف شرطا بل هو الغالب وإنما المعتبر أن يترك حلبها قصدا (قلت) وذاك داخل
تحت الحديث على تفسير أبى عبيد وقد تقدم التوفيق بينه وبين تفسير الشافعي والتي صراها أجنبي
29

بغير إذن البائع لا شك أنها داخلة تحت اسم المصراة عليها وان لم يصح اطلاق اسم المصراة عليها فهي
كهي في المعنى من جهة الظن الناشئ من رؤيتها فظن السلامة في غيرها (وأما) الحاق ذلك
بالخلف جعل ذلك كالالتزام فبعيد ولو صراها لا لأجل الخديعة ثم نسيها فقد حكى الشيخ أو الفتح
القشيري المشهور بابن دقيق العيد عن أصحابنا فيه خلافا ولم أر ذلك في كلامهم صريحا لكنه يتخرج
على أنا هل ننظر إلى أن المأخذ التدليس أو ظن المشترى (فعلى) الأول لا يثبت الخيار لأنه لم يقصد
الخديعة والتدليس (وعلى) الثاني يثبت لحصول الظن (والراجح) من ذلك ثبوت الخيار نظرا إلى المعني
وفوات ما ظنه المشترى ولو شد أخلافها قصدا لصيانة لبنها عن ولدها فقط قال ابن الرفعة فهو بلا
شك كما لو تحفلت بنفسها (قلت) وهي كالمسألة التي حكاها الشيخ أبو الفتح عن أصحابنا لكن
في تلك الزيادة النسيان وهو ليس بشرط فإنه إذا كان العقد صحيحا لم يحصل تدليس وخديعة
وليس لقائل أن يقول إن التدليس حاصل بعدم تبيينه وقت البيع وهو عالم به لان هذا المعنى
حاصل فيما إذا تحفلت بنفسها وباعها وهو عالم بالحال لا فرق بين المسألتين وابن لرفعة سقط عليه من
كلام القشيري فنقل المسألة عنه على أنه صراها لأجل الخديعة ثم نسيها ثم اعترض بأنه ينبغي
أن تكون هذه من صور الوفاق وهذا الاعتراض لو كان الامر كما نقله صحيح لأنه حينئذ يكون قد
حصل التدليس والظن ولا يفيد توسط النسيان فإذا المسألة ذكرها ابن الرفعة وخرجها على ما إذا
تحفلت بنفسها والمسألة التي نقلها القشيري واحدة والمسألة التي نقلها ابن الرفعة عن القشيري بحسب
النسخة التي وقعت له غلطا مسألة أخرى ينبغي الجزم بالخيار فيها فلذلك ذكرت المسألتين
وأوجبت التنبيه عليهما لأنهما ليسا في كلام الأصحاب صريحا فيما علمت والله أعلم *
30

* (فرع) * لا خلاف أن فعل التصربة بهذا القصد حرام لما فيها من الغش والخديعة والخداع
محرم في الشريعة قطعا وهل يختص اثم فاعله بحاله علم التحريم أولا لأنه ظاهر المفسدة قال ابن الرفعة
يشبه أن يكون الكلام فيه كما في النجش (قلت) والذي اختاره الرافعي في النجش تخصيص
معصية الناجش ممن عرف التحريم بعموم أو خصوص وحكى البيهقي من كلام الشافعي ما يقتضى
ذلك والله أعلم * وهذا الذي ذكرت من نفى الخلاف في تحريم التصرية هو المشهور بين
أصحابنا وغيرهم وحكي الشيخ أبو حامد صاحب العدة عن أبي حنيفة جوازه ولو حصلت التصرية لغير
قصد البيع قد رأيت في كلام بعض الأصحاب أنها حرام وينبغي أن يحمل ذلك على ما إذا كانت
تضر بالحيوان أما إذا لم يحصل ضرر بالحيوان ولا يلتبس على أحد فلا معنى للتحريم وبعض الأصحاب
الذي أشرت إليه هو صاحب التتمة فإنه لما تكلم في الباس العبد ثوب الكتان فرق بينه وبين
النصرية (قال) الباس ثوب الكتان من غير قصد البيع ممنوع بالشرع بل للسيد أن يلبس عبده
كل ما يحل لبسه (وأما) ترك حلب اللبن من غير قصد اللبن ممنوع عنه بالشرع ويجب حمل ذلك
على ما ذكرته
* قال المصنف رحمه الله *
* (واختلف أصحابنا في وقت الرد فمنهم من قال يتقدر الخيار بثلاثة أيام فان علم بالتصرية فيما
دون الثلاثة كان له الخيار في بقية الثلاث للسنة (ومنهم) من قال إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار
على الفور فإن لم يرده سقط خياره لأنه خيار ثبت لنقص فكان على الفور كخيار الرد بالعيب) * *
* (الشرح) * الذي قال بتقدر الخيار ثلاثة أيام هو القاضي أبو حامد المروروذي وعليه نص
الشافعي في اختلاف العراقيين في باب الاختلاف في العيب في الجزء الخامس عشر من الام (قال)
31

من قبل أن المصراة قد تعرف تصريتها بعد أول حلبة في يوم وليلة وفى يومين حتى لا يشك فيها
فلو كان الخيار إنما هو ليعلم استبانة عيب التصرية أشبه أن يقال الخيار حتى يعلم أنها مصراة قل
ذلك أو قصر كما يكون له الخيار في العيب إذا علمه بلا وقت قل ذلك أو قصر ونقله الروياني عن
نصه في الاملاء أيضا ونقله الجوزي وابن المنذر من كلام الشافعي صريحا ولم يذكر الجوزي غيره
وهو الصحيح عملا بالحديث ويقتضي ايراد الروياني في البحر وابن سراقة في بيان مالا يشع جهله
والشاشي في الحلية ترجيحه وهو الذي قاله الغزالي في الخلاصة وقطع به القشيري والماوردي
مع احتمال في كلامه والخيار على هذا القول يكون خيار تروية كخيار الشفعة على قول
وكخيار الشرط (والثاني) وهو أنه على الفور على قول أبى على ابن أبي هريرة فيما نقله
الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وغيرهما وصححه الفارقي تلميذ المصنف والبغوي في التهذيب
والرافعي والخوارزمي في الكافي وابن أبي عصرون في الانتصار (وقال) الروياني في الحيلة أنه
القياس والاختيار وهذان الوجهان متفقان على جواز الرد إذا اطلع على النصرية في الثلاث وإنما
الخلاف بينهما في كونهما على الفور أو يمتد إلى آخرها وفى المسألة وجه ثالث قاله أبو إسحاق أنه لا يرد
قبل انقضاء الثلاث ولا بعدها أيضا وأنما له الرد عند انقضاء الثلاث وهذا الوجه بعيد وهكذا حكاه
الروياني والبندنيجي وسيأتي في آخر المسألة تنبيه على ما يتعلق بتحرير هذه الأوجه * واعلم أن بين
الأوجه الثلاثة اشتراكا وافتراقا والوجه الأول والثالث يشتركان في اعتبار الثلاث في التصرية فهي
ثابتة بالشرع من غير شرط ويفترقان فأبو إسحاق يقول المقصود بها الوقوف على عيب التصرية فإنه
لا يظهر بحلبة ولا بحلبتين فإذا حصلت الحلبة الثالثة عرف الحال وكان له حينئذ الرد بالعيب على الفور
32

وأبو حامد يجعل الخيار في الثلاث كالخيار الثابت بالشرط ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم " فهو بالخيار
ثلاثة أيام " جعل الثلاثة ظرفا للخيار وهو مخالف لما يقوله أبو إسحاق وكلا الوجهين مباين لقول ابن أبي
هريرة فأن ابن أبي هريرة يقول أن الخيار ثلاثة أيام إنما يثبت بالشرط ويحمل الحديث على ذلك
والتصرية موجبة للخيار على الفور لأنها عيب من العيوب فبين قول ابن أبي هريرة وقول أبي إسحاق
اشتراك في جعل خيار التصرية خيار عيب ثبت على الفور وافتراق في أن ابن أبي هريرة
لا يعتبر الثلاث عند عدم الشرط أصلا وأبو إسحاق يعتبرها ولذلك أنه إذا اطلع على التصرية بعد
الثلاث ثبت له الخيار على الفور عند ابن أبي هريرة ولا يثبت عن أبي إسحاق وتأويل ابن أبي
هريرة للحديث على الاشتراط لا دليل عليه وقول أبى حامد وابن أبي هريرة متباعدان جدا لكن
بينهما اشتراك واحد في جعل الخيار في الثلاثة الأيام في صورة الشرط وتلخيص هذا أن خيار
التصرية عند أبي حامد خيار شرع وعند أبي إسحاق وابن أبي هريرة خيار عيب وخيار الثلاث
عند أبي حامد بالشرع وعند ابن أبي هريرة بالشرط وعند أبي إسحاق بالعيب (وأصحهما وأوفقهما)
للحديث ولنص الشافعي قول أبى حامد والأصحاب نقلوا عنه أنه حكى ذلك على اختلاف العراقيين
وقد رأيته فيه كما حكاه وقد قدمت من حكاه أيضا ولأجل ذلك صححت هذا القول وخالفت الرافعي
رحمه الله في التصحيح فاني رأيت أكثر الأصحاب ممن حكى الخلاف لم يصح شيئا والذين
صححوا قد ذكرتهم وهم مختلفون في التصحيح وليس يترجح أحد الجانبين على الآخرة بكثرة
33

والرافعي تبع في ذلك البغوي وهو معارض بالصيمري والجوزي ومعناه الدليل من الحديث ونص
الشافعي واعتذر البغوي عن الحديث بأنه بنى الامر على الغالب لان الغالب أنه لا يقف على التصرية
قبل ثلاثة أيام ويحمل نقصان اللبن في اليومين على تبدل المكان وتفاوت العلف وغير ذلك وهذا
الاعتذار يوافق قول أبي إسحاق (وأما) ما قاله صاحب التهذيب من أنه ثبت الخيار على الفور إذا اطلع
قبل مضي الثلاث فلا يناسب ذلك ولو كان الحديث على الغالب لقال " فهو بالخيار ثلاثة أيام " فإذا هذا
العذر مع تصحيح هذا الوجه لا يجتمعان اجتماعا ظاهرا لكن ههنا تنبيهات (إحداها) ما يمكن أن
يكون مستندا لأبي إسحاق وابن أبي هريرة (أما) أبو إسحاق فيمكن أن يكون مستنده الحديث باللفظ
الذي أورده المصنف رحمه الله وكذلك أورده جماعة من الأصحاب في كتبهم الفقهية وهو قوله " فهو بخير
النظرين بعد أن يحلبها ثلاثا " فان هذا اللفظ يحتمل أن يكون المراد بعد أن يحلبها ثلاث حلبات يثبت
له الخيار فلا يكون له الخيار قبل انقضاء الثلاث لان الحديث لم يدل عليه على هذا التقدير ولا يمتد
بعد الثلاث بل يكون على الفور لان الحديث على هذا التقدير إنما دل على مطلق الخيار حينئذ
فلا يمتد لامرين (أحدهما) عدم الدليل عليه والأصل الملزوم (والثاني) القياس على ما سواه من
العيوب لكنا قد بينا أن هذه الرواية لم تصح ولا رأيتها في شئ من الروايات فتعذر هذا البحث
وبتقدير الصحة فذلك محتمل لاحتمال أن يكون ثلاثا متعلق بخير النظرين ويكون الحلب مطلقا
غير مقيد بالثلاث ويؤيده الرواية التي فيها التصريح باثبات الخيار ثلاثا لكني سأنبه في التنبيه
34

الثاني على زيادة في ذلك فليكن المستند في رد ذلك عدم صحة الحديث (وأما) ابن أبي هريرة
فمستنده أن التصرية عيب وخيار العيب على الفور فيحمل ورود الثلاث في الحديث على ما إذا
شرط الخيار ثلاثا وهذا منه يشبه ما ذهبت إليه الحنفية في بعض اعتذاراتهم عن الحديث وان لم
يكن موافقا فيما ذكروه في رد الصاع وقوة الحديث تقتضي أن ذلك ثابت بالتصرية لا بالشرط ثم
يقال لابن أبي هريرة أنت من الموافقين على العمل بالحديث وعدم الالتفات إلى مخالفة القياس فليكن
معمولا به في أن هذا الخيار يمتد إلى ثلاثة أيام ولا يقاس على ما سواه من العيوب فان هذا الليل
أخص من الدليل الدال على أن خيار العيب على الفور بل إن لم يكن في مسألة العيب إجماع ولا نص
يقتضى الفور فاللائق أن يجعل الخيار فيه ثلاثا بالقياس على المصراة التي ورد فيها النص وإن كان
فيها نص أو اجماع فهو عام وهذا خاص والخاص مقدم على العام فلا مستند حينئذ لهذا الوجه
وهو الذي صححه البغوي والرافعي ولا لقول أبي إسحاق الذي قبله والصواب الصحيح المنصوص قول
أبى حامد المروروذي وقول ابن أبي هريرة يشهد له من جهة المذهب شئ وهو أن في كلام
الشافعي ما يقتضى أن خيار الشرط ثلاثا في البيوع مأخوذ من حديث المصراة فلو كان عند
الشافعي أن خيار المصراة ثابت بالشرع من غير شرط كيف كان يستنبط منه جواز اشتراط الخيار
ثلاثا في البيوع ويحتمل أن يقال أن ثبوته بالشرع مع عدم الجهالة فيه مسوغ لاشتراطه وهذا
أقرب إلى ظاهر الحديث فإنه ليس فيه تعرض للشرط والله تعالى أعلم (التنبيه الثاني) أن الحديث
35

باللفظ الذي أورده المصنف رحمه الله على الاحتمال المقابل لما أبديته في مأخذ أبي إسحاق يقتضى
إثبات الخيار ثلاثة أيام ابتداؤها بعد الحلب وهذا لا أعلم أحدا قال به لا أبا حامد ولا غيره إلا أبا بكر
ابن المنذر فإنه قال له خيار ثلاثة أيام بعد الحلب على ظاهر الحديث وإنما قال أبو حامد بأنها من
آثار العقد كخيار الشرط على ما سأذكره إن شاء الله تعالى لكن الحديث بهذا اللفظ لم يصح والله
أعلم (التنبيه الثالث) إن الألفاظ الصحيحة في الحديث ورد فيها " فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها "
وفى الألفاظ الصحيحة في رواية أخرى " فهو بالخيار ثلاثة أيام " فاللفظ الأول يقتضى أن الخيار بعد
الحلب واللفظ الثاني يقتضى أن مدة الخيار ثلاثة أيام ويلزم من مجموع ذلك أن يكون الخيار ثلاثة
أيام ابتداؤها من الحلب وهو الذي لم أعلم أحدا قال به غير ابن المنذر (وأما) أن يعمل بالحديثين
ويجعل أحدهما مبينا للآخر فيلزم هذا الذي لم يقل به أحد فيما علمت غير ابن المنذر (وأما) أن يجعلا
متعارضين فتقف الدلالة على ترجيح أن الخيار يمتد ثلاثة أيام (والجواب) عن هذا أن قوله " فهو بخير
النظرين بعد أن يحلبها " محمول على الغالب لان الرضى والسخط إنما يكون بعد الحلب وتبين
الحال والحلب الغالب أنه يقع في الثلاثة فاثبات الخيار ثلاثة أيام اقتضى زيادة على ما اقتضاه قوله
" بعد أن يحلبها " فعملنا بالزائد المبين وحملنا الآخر على الغالب وهذا الحمل لا يأباه اللفظ بخلاف حمل
قوله " فهو بالخيار ثلاثة " على الغالب فإنه يأباه اللفظ واللائق بإرادة ذلك المعنى أن تقول فهو بالخيار بعد
ثلاث (التنبيه الرابع) أن الأصحاب يعبرون عن الخلاف في هذه المسألة بأن الخيار هل هو خيار
36

شرع أو خيار عيب فالأول قول أبى حامد والثاني قول أبي إسحاق ومنهم من يعبر بأنه هل هو خيار
شرط أو خيار عيب والأول قول ابن أبي هريرة والثاني قول أبي إسحاق وقد علمت معنى ذلك فيما
تقدم وأن ابن أبي هريرة يوافق أبا إسحاق في أصل الخيار خيار عيب والثلاثة عنده ثابتة بالشرط
لا لأجل التصرية بل بشرط المتعاقدين فكلام الأصحاب كلهم مصرح بأن الخيار عند أبي حامد
بالشرع لا بالعيب وفرعوا على ذلك فروعا سأذكرها إن شاء الله تعالى وكأنهم أخذوا بالتسليم
أن خيار العيب لا يكون إلا على الفور وأنت إذا تأملت ما قدمته في جواب ابن أبي هريرة
في التنبيه الأول توجه ذلك المنع لذلك فانا نقول لا تنافى بين الامرين وما المانع من أن يكون الشرع
جعل خيار هذا العيب ثلاثة أيام كخيار الشرط لأنه غالبا إنما يظهر فيها ولا يحتاج إلى أكثر منها
ولا يكون ذلك من باب التعبد المحض الذي لا يعقل له معني فهذا أقرب إلى المحافظة على اتباع
النصوص والمعاني وقد قال الماوردي في الاقناع أن التصرية عيب يرد بها المشترى إلى مدة ثلاثة أيام
وظاهر هذا الجمع بين جعلها عيبا أو امتداد الخيار ثلاثا لكنه ليس نصا فيما أقوله فإنه يحتمل أن يرتدا
به أي وقت ظهر له التصرية في الأيام الثلاثة يرد على الفور ولا يرد بعدها وهو قول أبي إسحاق
ولذلك لم أورده ولم أروه ولذلك لم أذكره مع الموافقين لشيخه الصيمري في إثبات الثلاثة لأجل
هذا الاحتمال كما قدمت الإشارة إليه وقد يظهر لهذا البحث أثر في التفريع الذي سنذكره إن
شاء الله تعالى (التنبيه الخامس) أنه تقدم عن الغزالي التردد في الحاق خيار التصرية بخيار العيب
37

أو بخيار الخلف وههنا في الأوجه الثلاثة جعلناها راجعة إلى أنه هل هو خيار شرع أو شرط أو عيب
ولم يذكر الخلف (فالجواب) أن خيار العيب وخيار الخلف يشتركان في أن كلا منهما على الفور وإنما
لا يفترقان فيما لا يكون من فعل البائع كتحفل الشاة بنفسها هل يثبت أصل الخيار أو لا يثبت فالذي
يقول ههنا بأنه على الفور لا يختلف نظره وكان التعبير عن ذلك بالعيب وبالخلف سواء (التنبيه
السادس) أنه قد تقدم أن الأصح عند صاحب التهذيب وغيره ثبوت الخيار فيما إذا تحفلت بنفسها
وتخريج ذلك على أنه يسلك به مسلك العيب وذلك مستمر على صحيح صاحب التهذيب هنا أنه
على الفور (وأما) على ما صححته ونص الشافعي عليه وقاله أبو حامد من أن الخيار بالشرع فهل
يكون الحكم ثبوت الخيار ثلاثا مستمرا أو لا فإن كان مستمرا فلا مستند له فأن الحديث لم
يشمل إلا التي صريت وإلحاقه بالعيب لا يقتضى إثبات الثلاث وإن لم يثبت خيار أصلا كان
ذلك مخافة لصاحب التهذيب وقد تقدم موافقته هناك وإن ثبت الخيار على الفور كان ذلك
موافقة له هنا فأخذ الامرين لازم (أما) مخالفة صاحب التهذيب هناك (وأما) موافقته هنا
(والجواب) أنه يثبت الخيار ثلاثا لان المعنى الذي يثبت لأجله في محل النص موجود
هنا وهو فوات الظن وكونه من باب العيب لا يمنع إثبات الثلاث لم تقدم في التنبيه الرابع
أنه لا منافاة بين ذلك وأن الدليل الدال على إثبات الثلاث هنا أخص من الدليل
فيما سواه من العيوب فلا يلزم من موافقة صاحب التهذيب في ثبوت الخيار هناك لوجود
38

معنى الحديث موافقته ههنا في عدم اعتبار الثلاث لما في ذلك من مخالفة ظاهر الحديث (التنبيه
السابع) أن قول أبى اسحق المذكور وقع في نقله ما ينبغي التثبت فيه فمنهم من يجعله كما حكيته
فيما تقدم وأنه يمتنع عليه الرد قبل الثلاث وبعدها وإنما له الرد عند انقضاء الثلاث صرح بذلك
الروياني وهو مقتضى كلام الشيخ أبى حامد وظاهر هذا الكلام إذا أخذ على إطلاقه يشمل ما إذا
علم التصرية قبل الثلاث باقرار البائع أو نيته وامتناع الرد إذا أقر البائع أو قامت بينة لسببه ففيه بعد
والذي يقتضيه كلام القاضي حسين أن له الرد في هذه الحالة على كل قول عند العلم فإنه حكى الأوجه
الثلاثة من غير تعيين قائلها فقال منهم من قال هو خيار التصرية يمتد إلى ثلاثة أيام لأنه لا يتحقق
دونها حتى لو علم بعيب التصرية في الحال بأن أقر به أو شهد له البينة يكون على الفور ومنهم من
قال هو للتروية كما في الشفعة في قول يمتد إلى ثلاثة أيام (ومنهم) من قال أراد به إذا شرط
الخيار ثلاثا لان خيار التصرية خيار عيب ونقيصة فهو على الفور انتهى (والقول الثاني) في كلامه
هو قول أبى حامد المروروذي (الثالث) هو قول ابن أبي هريرة والأول هو - والله أعلم - قول
أبى اسحق وقد صرح عليه بثبوت الخيار إذا علم وصاحب التتمة لم يحك إلا قول أبى حامد وقول
أبى إسحاق صرح على قول أبي إسحاق بأنه إذا علم التصرية بإقرار أو ببينة وأخر الفسخ بطل خياره
فتعين أن يحمل كلام غيرهما ممن حكى المنع عن أبي إسحاق كالروياني وغيره على أنه يمتنع عليه الرد
إذا ظهر له التصرية بحلبة أو حلبتين لان ذلك لا يفيد العلم لاحتمال أن يكون بخلل في العلف
39

أو لتبدل الأيدي (أما) إذا حصل العلم بقول البائع أو ببينة ولا مانع من ثبوت الخيار
وحينئذ يكون في هذا موافقة لابن أبي هريرة في ثبوت الخيار في الثلاثة على الفور إذا حصل
العلم لكنه مع ذلك يخالفه في أن ابن أبي هريرة يثبت الخيار إذا حصل الاطلاع على التصرية
بعد الثلاث وأبو إسحاق لا يثبته على ما حكاه الروياني ولم يتعرض القاضي حسين لذلك بموافقة
ولا مخالفة مع أن منع الرد بعد الثلاث أيضا مع وجود العيب بعيد والذي حكاه الماوردي تفريعا
على قول أبى اسحق أن له الرد إذا اطلع بعد الثلاث ولم يحك الخلاف الا بين أبى حامد وأبى اسحق
قال ثبت عن أبي إسحاق ما صرح به الروياني ومن وافقه فالخلاف بين أبي هريرة وأبى اسحق
متحقق وإن كان أبو إسحاق يقول بالرد بعد الثلاث أيضا كما قاله الماوردي وقبلها كما قاله القاضي حسين
فحينئذ يتحد قوله وقول ابن أبي هريرة لكن الشيخ أبو حامد مصرح بما قاله الروياني ولم يحك
الخلاف الا بين أبى اسحق وابن أبي هريرة وأبو حامد لا يرد نقله فهي ثلاثة أوجه محققة ويبعد
كل البعد أن يقال أنها أربعة تمسكا بظاهر ما قاله الروياني عن أبي إسحاق من امتناع الرد قبل
الثلاث وبما حكاه القاضي حسين ولم ينسبه فيكون ذلك قولا مغايرا للثلاثة وبه تصير أربعة هذا
بعيد لا ينبغي المصير إليه وليس ذلك إلا للاختلاف في النقل والتعبير عن وجه واحد وتنبيه كلام
صاحب التتمة ولولا تصريح الشيخ أبى حامد وغيره بالخلاف بين أبي إسحاق وابن أبي هريرة
40

لكنت أقول أن كلاهما يرجع إلى معنى واحد وهو أن الخيار على الفور وأنه وجه واحد مقابل لوجه
أبى حامد وهما الوجهان اللذان ذكرهما المصنف لكن الأصحاب مطبقون على ذكر الخلاف بين
أبي إسحاق وابن أبي هريرة والله تعالى أعلم (التنبيه الثامن) أن قول المصنف " ومنهم من قال إذا
علم بالتصرية يثبت له الخيار على الفور " يحتمل أن يكون مراده إذا علم بالتصرية في الثلاثة الأيام
ويحتمل مطلقا (فان) كان المراد الثاني فالقول المذكور وهو قول ابن أبي هريرة كما ذكرناه فيما
تقدم لأنه القائل بجواز الرد قبل الثلاث وبعدها على الفور ويكون قول أبي إسحاق حينئذ قولا
ثالثا في المسألة لم يتعرض المصنف رحمه الله لحكايته (وان) كان المراد الأول وان فرض المسألة
في الثلاث خاصة فالقول المذكور هو قول ابن أبي هريرة باتفاق الناقلين وهو قول أبي إسحاق أيضا
على ما تقدم عن القاضي حسين فإنه يوافق على الرد قبل الثلاث على الفور ولا يكون حينئذ في
مسألة الكتاب الا وجهان وتكون مسألة العلم بعد الثلاث مسكوتا عنها وفيها أيضا وجهان بين ابن
أبي هريرة وأبي إسحاق فهما متفقان قبل الثلاث ويوافق أبا إسحاق في امتناع الرد بعدها
(التنبيه التاسع) أن اتفاق ابن أبي هريرة وأبي إسحاق على جواز الرد على الفور قبل الثلاث
إذا حصل العلم باقرار البائع وبنيته ظاهر لا اشكال فيه ولا شك أن أبا إسحاق لا يعتبر العلم بغير ذلك
من ظهور التصرية بالحلبة والحلبتين كما تقدم وأما ابن أبي هريرة فلم يصرحوا عنه في ذلك بشئ
ويحتمل أن يكون موافقا لأبي إسحاق في ذلك فان الحكم بإحالة تناقص اللبن علي التصرية مع
41

احتمال احالته على اختلاف العلف وتبدل الأيدي غير مجزوم به ويحتمل أن يكون ابن أبي هريرة
مخالفا لأبي إسحاق في ذلك ويكتفي في جواز الرد بظهور ذلك بالحلبة والحلبتين حيث لا معارض
لذلك كما يعتمد عليه في الثلاث فيكون ابن أبي هريرة وأبو إسحاق مختلفين قبل الثلاث من بعض
الوجوه دون بعض (التنبيه العاشر) قول المصنف " إذا علم " يحتمل أن يريد به حقيقة العلم باقرار البائع
أو بالبينة وذلك يسمى علما في الحكم وحينئذ يحصل الاتفاق بين أبي هريرة وأبي إسحاق في جواز
الرد قبل الثلاث ويحتمل أن يريد به مطلق الاطلاق ولو بدلالة الحلب فيعود فيه الكلام الذي
قدمته الآن والله أعلم *
* (التفريع) * لو اطلع على التصرية بعد الثلاث (فعلى) قول أبى حامد قالوا ليس له الرد لان ذلك
خيار ثبت بالشرع للتروي كخيار الشرط فيفوت بانقضاء الثلاث (وعلى) قول ابن أبي هريرة وأبى اسحق
قد تقدم حكمه (وقال) الجوزي إذا علم بالتصرية بعد الثلاث فله الرد كسائر العيوب وإنما جعل الثلاث
فسحة له إذا علم في أولى يوم بالتصرية أو في الثاني أن يؤخر الرد إلى الثلاث وينقطع بآخر الرد بعد ثلاث
(وأما) إذا لم يعلم فهو كسائر العيوب وهذا حسن ويوافقه ما سنذكره عن الإبانة والوسيط ولو اشتراها وهو عالم
بالتصرية فعلى قول من ابن أبي هريرة وأبى اسحق لا يثبت كسائر العيوب الا أبى حامد قالوا يثبت له الخيار لأنه
خيار شرع وشبهوه بما إذا تزوجت عنينا عالمة بعنته وعلى قول ابن أبي هريرة وأبى اسحق لا يثبت كسائر العيوب
وهو الأظهر في المستظهري * واعلم أن الحكم بعدم الرد بعد الثلاثة وثبوته إذا اشتراها عالما بالتصرية ميل إلى
42

جانب التعبد وكل المفرعين ذكروا ذلك على قول أبى حامد حتى الماوردي وقد نبهت فيما تقدم على
أنه لا تنافى بين اثبات الثلاثة وجعل ذلك من باب العيب ويؤيده ما تقدم عن الشافعي رحمه الله
أنه صرح في الام بأن التصرية عيب مع ما تقدم من الحكاية عن نصه أن الخيار ثلاثة أيام فالجمع
بين هذين النصين يقتضى ما قلته ومقتضي ذلك أنه إذا اطلع بعد الثلاث ثبت له الخيار على الفور
كسائر العيوب مع قولنا أن الخيار يمتد إلى ثلاثة أيام وإن كان الزمن الذي قدره
الشرع للخيار على سبيل التروي قد مضى كما يكون له الخيار بعيب يطلع عليه بعد
خيار الشرط وقد يتفق أن المشترى يغفل عن ملاحظتها في مدة الثلاثة الأيام بأن يكون
في يد وكيله أو البائع أو غيرهما ثم يطلع بعد الثلاث على التصرية وتناقص اللبن في الحلبات
الماضية (وأما) إذا اشتراها وهو عالم بالتصرية فيحتمل أن يقال ثبوت الخيار كما ذكروه في
التفريع على هذا القول مع كونه عيبا لان هذا العيب لا يوقف على حقيقته في العادة الا بالثلاث
فلا يفيد العلم بكونها مصراة حتى يحلبها ثلاثا فحينئذ يعلم مقدار لبنها الأصلي وقبل ذلك يكون
رضا بأمر مجهول كما يقول في بيع العين الغائبة إذا قلنا بصحته أنه ينفذ فسخه قبل الرؤية ولا ينفذ
إجازته على الأصح على قول بيع الغائب فكذلك ههنا وفى ذلك تمسك بظاهر الحديث ومراعاة
المعنى وبه يتجه اثبات الخيار مع العلم ولا يلزم منه اسقاط الخيار إذا أطلع على التصرية بعد الثلاث
ومما يرشد إلى المعني في ذلك ما ورد في الحديث " بيع المحفلات خلابة ولا تحل الخلابة لمسلم " روى
43

ذلك عن ابن مسعود مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وموقوفا على ابن مسعود والوقف أصح والرفع ضعيف
ولكن يستأنس بذلك في المعنى وهو يرشد إلى الحاق هذا الخيار بخيار العيب كما أن من باع عينا
علم عيبها ولم يبين فقد حصلت منه الخلابة (وهي الخديعة) وأما الذي يشترط وصفا في المبيع بحيث إذا
ظهر خلافه يرد عليه ليس حاله حال المخادع فأفادنا الأثر المذكور أن الخديعة في البيع على تلك
الصورة وأن التصرية وان لم تكن من البائع تثبت الخيار لأنه بالبيع معها من غير تبيين مخادع كما
أن بائع العين المعيبة مخادع وإن كان العيب ليس منه فهذا المعني يقتضى ثبوت الخيار أي وقت
اطلع عليه * ثم في المصراة معني آخر وهو أنه لا يوقف على عيبها في العادة إلا بثلاثة أيام فزيد فيها
هذا الحكم ولم يسقط بالعلم كغيرها من العيوب لان العلم بالتصرية لا يفيد الغرض وينخرم به الخدش
على مقدار اللبن الأصلي فهذا ما ظهر لي في هاتين المسألتين وأنه يثبت الخيار ثلاثا مع العلم ويثبت
إذا اطلع على عيب التصرية بعد ثلاث على الفور وقد قدمت عن الجوزي القول بذلك وابن المنذور
لما نقل عن الشافعي وناس من أهل الحديث أنهم يجعلون لمشتريه خيار ثلاثة أيام (قال) وفى مذهب
بعض المدنيين له الخيار متى تبين له أنها مصراة أن يردها (قلت) وهذا هو قول ابن أبي هريرة وقد
خرج صاحب التتمة بأنه إذا علم التصرية لا خيار له وحكى الوجهين فيما إذا توهما أو أخبره بها
من لا يثق بخبره ثم تحقق ذلك عنده (وقال) الشيخ أبو حامد رحمه الله إذا علم التصرية ثم لم يدم
اللبن بل عاد إلى ما كان عليه قبل التصرية فهل له الرد فيه وجهان وهذا الكلام يوهم أنه لو دام
على ما أشعرت به التصرية لم يكن له الرد وأن الخلاف مقصور على ما إذا رجع إلى ما كان عليه
ويؤيده أنهم قد شبهوا ذلك بما إذا تزوجت عنينا عن غيرها على رجاء أن لا يكون عنينا عنها فإذا
تحققت عنته عنها أيضا ثبت لها الخيار ولا شك أنه لو لم يعن عنها لم يثبت لها خيار لكن الخلاف
44

في مسألة المصراة مطلق لان مأخذ اثبات الخيار أنه خيار شرع ثابت بالحديث وذلك لا يختلف نعم
يمكن أن يقال إن جعلنا الخيار خيار شرع فيثبت في حالة العلم بالتصرية سواء دام اللبن أو لم يدم
وان جعلناه خيار عيب فيأتي فيه الخلاف كما أشعر به كلام أبى حامد وللمأخذ الذي ذكره من
الالحاق بمسألة العنين (وفى) الإبانة والوسيط الجزم بأنه إن كان بعد مضى الثلاث فالخيار على الفور
وإن كان قبله فوجهان وهذه العبارة قد يؤخذ منها أنه على حد الوجهين يمتد الخيار إلى ثلاثة أيام
وأنه ان اطلع بعد الثلاث كان على الفور وهو الذي تقدم اختياري له لكني لا أعلم من قال بذلك من
الأصحاب وما اقتضاه كلام الفوراني المذكور يقوى التمسك به في ذلك لأنه لم ينقل عن شخص
معين أنه قال بمجموع ذلك وإنما اقتصرت على قول الفوراني بعد الثلاث وعلى الوجهين قبله وكان
الأولى الترتيب في الصنف خلافه الا أن يكون عنده وجه بذلك فيكون موافقا لما اخترته ويمكن
أن يقال لا حاجة إلى نقله عن غيره بل كلام الفوراني وحده يكون في اثبات طريقه في المذهب في
الجزم بالفور بعد الثلاث والتردد قبلها ومن ذلك يخرج القول المختار ففيه وجهان (أحدهما) له الخيار
للتدليس (والثاني) لا لعدم الضرر *
* (فرع) * إذا قلنا بأن الخيار يمتد إلى ثلاثة أيام فهل ابتداؤها من حين العقد أو من التفرق
فيه الوجهان في خيار الشرط هكذا قال الرافعي رحمه الله تبعا للشيخ أبى محمد وصاحب التتمة (والأصح)
من الوجهين في خيار الشرط أن ابتداءه من العقد (وقد) قال الجوزي هنا أن الأصح أن أول وقت
الثلاث من التفرق قال لان الفرقة تبيح له التبسط بالحلب وغير ذلك وقبل التفرق ممنوع من التصرف
وخيار المجلس لهما جميعا وإذا تفرقا بطل خيار البائع وحصل للمشترى خيار الثلاث (وفى) المجرد من
تعليق أبى حامد أن ابتداء الثلاث على مذهب المروزي التفرق (وعلى) مذهب ابن أبي هريرة
على وجهين *
45

* (فرع) * لو اشترط خيار الثلاث للبائع في المصراة قال الجوزي لم يجز لان الخيار يمنع المشترى
من الحلب وسائر التصرف وترك الحلب والتصرف في الشاة يؤدى إلى الاضرار بالشاة هكذا قاله
الجوزي ووقفت عليه في كتابه ونقله ابن الرفعة عنه وسكت عنه ولك أن تقول لم يكن الحلب
وجواز التصرف لمن الملك له فان حكم بأن الملك للبائع فله الحلب وإلا فللمشتري ولا يحصل بذلك
إضرار بالشاة نعم ذلك يؤدى إلى محظور على قولنا أن الملك للبائع في زمن الخيار لان اللبن الحادث
يكون له تبعا للملك وان تم العقد على الأصح فاللبن الموجود عند العقد للمشترى لدخوله في العقد
واختلاطهما معلوم فلو شرط الخيار للبائع وحكم بأن الملك له في اللبن الحادث للزم هذا المحذور فيؤدى
إلى بطلان البيع بخلاف خيار المجلس فان مدته قصيرة غالبا وأيضا فالقول بأن الملك للبائع في خيار
المجلس ضعيف بخلاف خيار الشرط إذا كان للبائع وحده (وقد) يقال أن ما علل به الجوزي صحيح
وأن التصرف في المبيع أو في جزئه وان حكمنا بأن الملك للبائع ممتنع وإن كان إذا تصرف يصح كما
ذكر الأصحاب في بعض التصرفات (وأما) الحل فلم يذكروه فان ثبت تحريم على التصرف لزم ما قاله
الجوزي لان التصرف بالحلب تصرف في المبيع وإذا منعنا من ذلك أدى إلى الاضرار بالشاة كما
قال والله أعلم *
* (فرع) * لو اشترط للمشترى وحده قال ابن الرفعة فيشبه أن يكون ابتداء الثلاث في التصرف
من انقضاء خيار الشرط للمشترى إذا قلنا عند فقده أنه من انقضاء خيار المجلس حذرا من اجتماع
متجانسين كالأجل ذلك قلنا أن ابتداء خيار الشرط من حين التفرق (قلت) وهذا بعيد
لان التصرية تتبين في الثلاثة الأولى فاثبات ثلاثة أخرى لا وجه له والأولى أن نقول على هذا
القول أنه لا حاجة إلى شرط الخيار للمشترى لأنه ثابت بالشرع فكان كما لو شرط خيار المجلس فان
46

ذلك لغو لا فائدة فيه والله أعلم (فان صح) ذلك فتكون هذه المسألة من المسائل التي يثبت فيها
خيار المجلس ولا يثبت فيها خيار الشرط للبائع وحده ولا للمشترى وحده (وأما) شرطه لهما فيحتمل
أن يمنع أيضا أخذا مما قاله الجوزي ومما قلته ويحتمل أن يجوز ولا يمتنع التصرف بالحلب لان
الأصل استمرار العقد ومنه ثبتا في الصورة التي ذكرها الجوزي نظر في أنه إذا كان الخيار
للمشترى بالشرع لأجل التصرية فلو صححنا اشتراط الخيار مع ذلك للبائع هل يكون ثبوت
الخيار لهما بهذين الشيئين كثبوته بالشرط حتى لا يحكم بالملك حينئذ أو لا لاختلاف سببهما وهو
الظاهر والله أعلم *
* (فرع) * إذا اشتراها وهي مصراة ولم يعلم بها حتى ثبت لبنها على الحد الذي أشعرت به
التصرية وصار ذلك عادة بتغير المرعى ففيه وجهان (أحدهما) له الخيار لتدليس (والثاني) لا لعدم
الضرر (قال) القاضي أبو الطيب والأول أصح (قلت) وهذا على رأيه في أنه خيار عيب وشبهوا
هذين الوجهين بالوجهين فيما إذا لم يعرف العيب القديم إلا بعد زواله وبالقولين فيما إذا عنقت الأمة
تحت عبد ولم يعلم عتقها حتى عتق الزوج وفى تعليق سليم عن أبي حامد قال الشيخ أما القولان فعلى
ما قال وكذلك مسألة العيب (فأما) هذه المسألة فلا أعرف لاثبات الخيار وجها لان نقصان اللبن ليس
بعيب في الأصل وإنما كانت تثبت الخيار للجمع وقد استدام له ذلك (قلت) وليس الامر كذلك
بل له وجه ظاهر لأن هذه الأمور العارضة على خلاف الجبلة لا يوثق بدوامها بخلاف اللبن المعتاد
من أصل الخلقة ومن المعلوم أن الكلام في هذا الفرع إذا جعلنا له الرد من باب العيب (أما) من يجعل
الخيار بالشرع ويبين ذلك في الثلاثة فله الرد بلا إشكال وبنى الجرجاني الوجهين على أن الخيار هل
هو خيار خلف أو خيار عيب فان جعلناه خيار خلف فلا يثبت ههنا لأنه لم يخلف وان جعلناه خيار
عيب فينبني على أن من اشترى سلعة وبها عيب فلم يعرف الا بعد زواله هل يثبت له الخيار *
47

* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فان اختار رد المصراة رد بدل اللبن الذي أخذه واختلفت الرواية فيه فروي أبو هريرة
" صاعا من تمر " وروى أبن عمر " مثل أو مثلي لبنها قمحا " واختلف أصحابنا فيه (فقال) أبو العباس
ابن سريج يرد في كل بلد من غالب قوته وحمل حديث أبي هريرة على من قوت بلده التمر
وحديث ابن عمر على من قوت بلده القمح كما قال في زكاة الفطر " صاعا من تمر أو صاعا من
شعير " وأراد التمر لمن قوته التمر والشعير لمن قوته الشعير (وقال) أبو إسحاق الواجب صاع من التمر
لحديث أبي هريرة وتأول حديث ابن عمر عليه إذا كان مثل لبنها من القمح أكثر قيمة من صاع
من التمر فتطوع به) * *
* (الشرح) * رواية أبي هريرة وابن عمر تقدم بيانهما وان الرواية إلى ابن عمر غير قوية (أما)
الأحكام فالمشترى للمصراة إما أن يختار امساكها وأما أن يختار ردها وإذا اختار الرد فأما قبل الحلب
وأما بعده وإذا كان بعده فأما مع بقاء اللبن وأما بعد تلفه فهذه أربعة أحوال سكت المصنف عن
الحالتين الأولتين لسهولة الامر فيهما وذكر الحالتين الأخرتين إحداها في هذه القطعة من الفصل
والأخرى في القطعة التي ستأتي في كلامه إن شاء الله تعالى فلنذكر الأحوال الثلاث ونقدم الصورة
التي فرضها المصنف وهي ما إذا أراد ردها (وصورة) المسألة إذا كان ذلك بعد الحلب وكان اللبن تالفا
فقد اتفق الأصحاب على جواز ردها ورد بدل اللبن ولا يخرج ردها على الخلاف في تفريق الصفقة
لتلف بعض المبيع وهو اللبن اتباعا للأخبار الواردة في الباب على أن اللبن علي رأى لا يقابله قسط
من الثمن وسيأتي في الحالة الثالثة تحقيق النقل في هذا الرأي ولا أعلم أحدا حكى خلافا في جواز الرد
إلا ابن أبي الدم فإنه قال فيه وجه حكاه الامام أنه إذا حلب اللبن فتلف امتنع عليه رد الشاة قياسا
على رد العبد القائم بعد تلف الآخر ولا وجه لهذا الوجه مع الحديث (قلت) وهذا الوجه لم أقف
48

عليه في النهاية ولعله اشتبه بالوجه الذي سنذكره في الحالة الثالثة إذا ردها بعيب غير التصرية قال
ذلك الوجه في النهاية أما ههنا فلا ثم اختلفوا في المضموم إلى المصراة في الرد في جنسه وقدره
لأجل اختلاف الأحاديث الواردة (أما) الجنس وهو الذي ذكره المصنف فقد حكى المصنف فيه
وجهين والأول منهما نسبه الشيخ أبو حامد فيما علق سليم عنه والقاضي أبو الطيب إلى ابن سريج
كما نسبه المصنف رحمه الله وأن الواجب عنده في كل بلد غالب قوتها ونسبه الماوردي إلى أبي سعيد
الإصطخري ونسبه الروياني إليهما وقال في الحلية انه القياس ونسبه المحاملي والشيخ أبو حامد
في تعليق البندنيجي عنه إلى ابن أبي هريرة وهو غريب ونسبه الجوزي لما تكلم في مسألة الجارية
إلى ابن سلمة قال فكان ابن سريج وابن سلمة يردانها مع صاع من أقرب قوت البلد فان صحت
هذه النقول فلعلهم الأربعة قائلون بهذا الوجه وظاهر كلام هؤلاء الناقلين أنه لا يجوز على هذا
الوجه النمر إذا لم يكن غالبا أو يكون حكمه كما لو عدل إليه عن القوت الواجب في زكاة الفطر وفيه
خلاف والجوزي جعل محل الخلاف فيما إذا علم الثمن فحكى فيه قولين (أحدهما) يعتبر غالب
قوت البلد (والثاني) لا يجوز إلا التمر وصاحب التتمة قال إنه لا يختلف المذهب انه لو رد التمر جاز
وأنه لو رد بدله شيئا آخر كالحنطة أو الشعير فيه وجهان (أحدهما) عليه رد الثمن ولا يجب على البائع
قبول غيره (والثاني) يجوز أن يرد بدله صاعا من قوته وكلا هذين المصنفين يخالف ظاهر اطلاق
الأولين وكلام الرافعي يوافق كلام صاحب التتمة فإنه صور كلامه بأنه يرد التمر ثم حكي الخلاف
في تعينه وقيام غيره مقامه والمراد بعدم الجواز هنا أنه لا يجبر البائع على قبوله أما عند التراضي فسيأتي
حكمه إن شاء الله تعالى فإذا جمعت ما قاله الجوزي وصاحب التتمة مع ما اقتضاه كلام الأكثرين
حصل لك في رد الغالب من قوت البلد ثلاثة أوجه (أحدها) أنه واجب (والثاني) أنه جائز وهو
مقتضى كلام الرافعي وصاحب التهذيب (والثالث) التفرقة بين أن يكون التمر موجودا فيمتنع
49

أو معدوما فيجوز ويكون حينئذ هو الواجب ويحتمل أن تكون هذه ثلاثة أوجه محققة من
قائلين مختلفين ويحتمل أن يكون اختلافا في تحقيق قول واحد (اما) عن بعض الأصحاب كابن سريج
أو عن الشافعي كما اقتضاه اطلاق الجوزي قولين وبالجملة فلك أن تعتمد على ذلك في حكاية الخلاف
على هذه المقالات الثلاث وكلها ضعيفة والصحيح خلافها كما سيأتي إن شاء الله تعالى وقد نقل
الأئمة عن ابن سريج أنه جعل اختلاف الأحاديث على ذلك وأن النبي صلى الله عليه وسلم اختلف لفظه لذلك فقال
" صاعا من تمر " بالمدينة لان غالب قوتها التمر وكانت الحنطة بها عزيزة وقال " صاعا من طعام لا سمراء "
حيث يكون الغالب من القوت الشعير أو الذرة أو الأرز وقال " مثل لبنها قمحا " وأراد به الصاع لان الغالب
أنه مثل اللبن الذي في الضرع وقصد به اللبن الذي يكون غالب قوته ووراء هذه الأوجه الثلاث
غير القول بتعين التمر الذي ذكره المصنف رحمه الله وجه رابع أنه يرد صاعا من أي الأقوات المزكاة
شاء من تمر أو بر أو شعير أو زبيب ويكون ذلك على التخيير نقله الماوردي عن ابن أبي هريرة
وقد تقدم نقل المحاملي عنه للوجه الأول والله أعلم (قال) الماوردي بعد حكاية هذا القول (وقوله)
" مثلي لبنها قمحا " لأنه في الغالب يكون صاعا لان الغالب في الغنم أن تكون الحلبة نصف صاع يعني
ويكون تردد الرواية في ذلك محمولا على التنويع مثل لبنها إن كان كثيرا قدر لبنها إن كان كثيرا
قدر صاع أو مثلي لبنها إن كان قليلا وهو الغالب على الشياه في بلادهم وممن ذهب إلى هذا الوجه
أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي فإنه قال في كتابه المستخرج على صحيح البخاري
وفى قوله " صاع من تمر لا سمراء " دليل على أن المعنى هو المقصود لا الاقتصار على اللفظ لان التمر
اسم لنوع معروف (وقوله) سمراء لو كان نوع التمر هو المقصود لم يكن لقوله لا سمراء معنى فثبت
أن المعنى التمر وما قام مقامه لا يكلف سمراء (قلت) ولا يلزم ذلك وليست (لا) متعينة في الاخراج
وإنما هي هنا عاطفة مثلها في قولك جاءني رجل لا امرأة والمعني في ذلك نفي توهم أن تكون السمراء
50

مجزئة فهذه الأوجه الأربعة مشتركة في أن التمر غير متعين بل يقوم مقامه غيره وهؤلاء الذين قالوا بأن
غيره يقوم مقامه قصروا ذلك على الأقوات كما في صدقة الفطر وإنما الخلاف ههنا في التخيير أو في اعتبار
الغالب من قوت البلد وهو الصحيح على القول بعدم التمر قال الامام لكن لا نتعدى هنا
إلى الاقط بخلاف ما في صدقة الفطر للخبر وهذا الذي قاله الامام يوافقه ما تقدم عن الماوردي في نقل
قوله التخيير (وقوله) إن ذلك في الأقوات المزكاة وإن كان قد أطلق النقل في قول الإصطخري
ووراء هذه الأوجه الأربعة على القول بأن التمر لا يتعين وجه خامس عن حكاية الشيخ أبى محمد
واختلف في التعبير عنه (فقال) ولده إمام الحرمين وهو أعرف بمراده ذكر شيخي مسلكا غريبا زائدا
على ما ذكره الأصحاب في طرقهم فقال من أصحابنا من قال يجرى في اللبن علي قياس المضمونات
فان بقي عينه ولم يتغير رده وليس عليه رد غيره وان تغير رد مثله فان اللبن من ذوات الأمثال فان
أعوز المثل فالرجوع إلى القيمة وقد أومأ إليه صاحب التقريب ولم يصرح وهذا عندي غلط صريح وترك
لمذهب الشافعي رحمه الله بل هو جيد عن مأخذ مذهبه ويبطل عليه مذهب الشافعي في مسألة المصراة ولم يبق
إلا الخيار فان اعتمدنا فيه الخبر لم يبعد من الخصم حمله على شرط الغزارة مع تأكيد الشرط بالتحفيل فهو
إذا هفوة غير معدودة من المذهب لا عود إليها هذا ما ذكره الامام في ذلك وهو أعرف بمراد والده والامر
في تضعيفه كما ذكره فان ذلك مجانب للحديث والمذهب ويقتضي أن التمر ليس الواجب أصلا وأنه عند تلف
اللبن الواجب رد مثله والرافعي رحمه الله صدر كلامه بأنه يرد التمر ثم جعل ما حكاه الشيخ أبو محمد رحمه
الله على أنه يقوم مقام التمر غيره حتى لو عدل إلى مثل اللبن أو إلى قيمته عند إعواز المثل أجبر البائع على
القبول اعتبارا بسائر المتلفات وفى هذا تأويل لكلام الشيخ أبي محمد رحمه لله وان ايراده يرده إن شاء وليس
عليه رده حتما وذلك موافق لما سيأتي في الكتاب في هذا الفصل ان البائع يجبر على وجه على قبول
اللبن إذا كان باقيا ومال ابن الرافعة إلى هذا التأويل وقال إن كلام الشيخ أبى محمد رحمه الله
51

في السلسة ينطبق عليه لكن هذا التأويل يأباه ظاهر حكاية الامام عنه (وقوله) انه يجرى
في اللبن علي قياس المضمونات وأيضا فان الوجه الذي سيأتي في كلام المصنف رحمه الله إنما هو
في حالة بقاء اللبن والامام وإن كان كلامه عن الشيخ أبى حامد في حالة بقاء اللبن أيضا لكن قوله إنه
على قياس المضمونات نعم وأيضا كلام الرافعي في ذلك إنما هو في حالة التلف فان حمل على هذا
التأويل على بعده وأن الواجب الأصلي هو التمر وله أن يعدل عنه إلى مثله فعلى بعده ليس على قياس
المضمونات كما اقتضاه كلام الامام عنه وهو وجه آخر غير ما ذكره الأصحاب في الحالتين أعني حالة
تلف اللبن وحالة بقائه خلافا لما قاله ابن الرفعة أن ذلك ليس خارجا عن كلام الأصحاب وإن كان
المراد ظاهر ما نقله الامام ففي ذلك مخالفة لما نقله الرافعي وهو في غاية المصادمة للحديث والمذهب
قال ابن الرفعة لكن له وجه فان اللبن الكائن في الضرع قبل الحلب يسير لا يتمول فصار تابعا لما
في الضرع كما إذا اختلط بالثمرة المبيعة ونحوها شئ من مال البائع لا قيمة له فإنه لا يمنع وجوب
التسليم عليه للمشترى ولهذا حكى الماوردي طريقة قاطعة بأنه إذا اشترى رطبة فلم يأخذها حتى طالت
أن الزيادة تكون للمشترى لكبر الثمرة وقد حكى الامام مثل ذلك عن شيخ فيما إذا باع صاعا من
اللبن الذي في الضرع وقد رأى منه أنموذجا فقال وكأن شيخي سابق في التصوير ويقول إذا ابتدر
حلبه واللبن علي كمال الدرة لم يظهر اختلاط شئ به له قدر به سألاه وان فرض شئ على ندور لمثله
محتمل كما إذا باع جزة من قرط قال ابن الرفعة والخبر على هذا محمول على ما اقتضاه ظاهره فإنه يقتضى
أن الرد بعد ثلاث واللبن إذ ذاك يكون تالفا في الغالب نعم المشكل قوله عند تعيين اللبن يعنى
بالحموضة بوجوب رد مثله والخبر إذا أخرج مخرج الغالب يوجب رد غيره فالغرابة في هذا لكنه قياس
إيجاب رد اللبن عند عدم التغير نظرا إلى جعل زيادة اللبن بالحلب تابعة وإذا وجب رد المثل فتعذر
كان الواجب قيمته (قلت) وهذا التكليف على طوله ليس فيه محافظة على ظاهر ما نقل عن
52

الشيخ أبي محمد من الجري على قياس المضمونات فان ما ذكره ابن الرفعة مقتصر على حالة بقاء اللبن
وحمل الحديث على الغالب ثم ذلك غير متجه من وجهين (أحدهما) أن مقتضى ذلك أن لا يجوز
الرد قبل ثلاث وهو لا يقول بذلك على ما هو المشهور من المذهب (والثاني) أن غاية ذلك إبداء
وجه من القياس لرد اللبن ونحن لا نذكر أن القياس قد يقتضى ذلك ولكن المتبع في ذلك الحديث
وهو عمدة المذهب في ذلك فالعدول عنه خروج عن المذهب وكلام الشيخ أبى محمد في السلسلة
مقتصر بظاهره على حالة التلف فإنه قال في حكاية الوجه للمشترى جبر البائع على قبول المثل إن
كان المثل موجودا وإلا عدل إلى الدراهم كسائر المتلفات والله أعلم * فهذه الخمسة الأوجه على ما اقتضاه
كلام الرافعي يجمعها القول بأن التمر لا يتعين وعلى ما يشعر به ظاهر كلام الامام الأربعة الأولى
مشتركة في ذلك وهذا الخامس لا يشاركها بل يتعين عليه رد اللبن أو مثله أو قيمته على الأحوال
التي ذكرها ويقابل ذلك كله الوجه الثاني الذي ذكره المصنف عن أبي إسحاق المروزي اتباعا لحديث
أبي هريرة رضي الله عنه وممن صحح هذا الوجه الشيخ أبو محمد في السلسلة والرافعي والنووي وممن نسبه
إلى أبى اسحق كما نسبه المصنف رحمه الله الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والماوردي
وابن الصباغ وغيرهم واختلف القائلون لهذا الوجه فقال الماوردي على هذا لا يجوز العدول إلى غير
التمر ولو أعوز التمر أعطى قيمته وفى قيمته وجهان (أحدهما) قيمته في أقرب بلاد التمر إليه (والثاني)
قيمته بالمدينة وقال القاضي أبو الطيب والبغوي عن أبي إسحاق انه ان عدل إلي ما هو أعلى منه
جاز وان عدل إلى ما هو دونه لا يجوز الا برضى البائع هكذا قال البغوي وفيه التنبيه على أنه إذا عدل
53

إلى الاعلى جاز من غير رضى البائع وكلام البغوي يقتضى أن الحنطة أعلى من التمر وكلام أبى الطيب
مصرح بأنها قد تكون أعلي وقد تكون أدون وكأنه راعى في ذلك القيمة وكأن البغوي راعى
في ذلك الاقتيات فحصل من هذين النقلين عن أبي إسحاق وجهان والعجب أن الرافعي رحمه الله
عمد به التهذيب ولم يحك عن أبي إسحاق ما حكاه البغوي فيه وإنما حكى عن أبي إسحاق ما حكيناه عن
نقل الماوردي ولم يحك عن الماوردي أيضا عند الاعواز الا اعتبار قيمة المدينة وكلام المصنف منطبق على
ما حكاه القاضي أبو الطيب والبغوي فقد اجتمع في جنس المردود مع المصراة سبعة أوجه ولك في ترتيبها
طريقان (أحدهما) أن تقول في الواجب ثلاثة أوجه (أحدها) على قياس المضمونات على ظاهر ما حكاه
الامام (والثاني) التمر (والثالث) جنس الأقوات (فان قلنا) بالتمر فهل نعدل إلى أعلى منه أو إلى غالب قوت
البلد أو يفرق بين أن يكون التمر موجودا فيتعين أو معدوما فيعدل إلى الغالب أربعة أوجه (وان قلنا) بالأقوات
فهل يتعين الغالب أو يتخير وجهان (والطريقة الثانية) أن نقول الواجب التمر وهل يتعين وجهان (فان قلنا)
يتعين فهل يعدل إلى أعلى منه وجهان (وان قلنا) لا يتعين فهل يقوم مقامه الأقوات أو الأقوات وغيرها وجهان
(الثاني) قول الشيخ أبى محمد (وان قلنا) الأقوات وحدها فهل يتخير أو يتعين الغالب وجهان وهذه الطريقة
مقتضى ترتيب الرافعي وليس في كلام الرافعي رحمه الله لا أربعة أوجه ولم يحك وجه العدول إلى الاعلي ولا التفرقة
بين أن يكون التمر موجودا أو معدوما ولا وجه الجري على قياس المضمونات على ظاهر ما حكاه الامام
وليس لك أن تأخذ من هذا الكلام اثبات وجه ثامن جمعا بين ما اقتضاه كلام الامام وكلام الرافعي
في النقل عن الشيخ أبى محمد لان ذلك اختلاف في فهم كلام رجل واحد من الأصحاب وإنما يصح
54

اثبات وجهين لو ثبتا جميعا عنه أو قائلين وليس الامر ههنا على هذه الصورة (فان قلت) ما ذكرت
أن الرافعي سكت عنه مما حكاه صاحب التهذيب عن أبي إسحاق قد شمله قول الرافعي رحمه الله
أن الاعتبار بغالب قوت البلد يعنى في القيام مقام التمر فهذا هو العدول من التمر إلى أعلى منه
(قلت) ليس كذلك لأنه ليس غالب قوت البلد أعلى من التمر على الاطلاق لا في الاقتيات ولا في القيمة
فقد يكون بلد غالب قوتها قوت هو أدنى من التمر قوتا وقيمة وقد نقل الأصحاب عن أبي إسحاق
أنه جعل ترتيب الاخبار على القول المنقول عنه كما أشار المصنف رحمه الله إليه فصرح بالتمر في حديث
وفى آخر قال " من طعام " وأراد التمر وفى آخر قال " قمحا " وذلك إذا كان القمح أعز ورضى بذلك وحيث
قال " مثل " أو " مثلي لبنها " أراد إذا كان قدر ذلك صاعا وهذا الترتيب يوافق ما حكاه عنه المصنف
والقاضي أبو الطيب والبغوي وهو مقتضى كلام الشيخ أبى حامد عنه (وأما) ما حكاه الماوردي
والرافعي فلا يوافق ذلك لأنه لا يجوز إخراج غير التمر أصلا (فان قلت) ما الصحيح من هذه
الأوجه (قلت) الصحيح أن الواجب هو التمر لان الأحاديث الصحيحة مصرحة بالتمر والتي فيها
الطعام مطلقا محمولة عليه لأن المطلق محمول على المقيد (وأما) حديث ابن عمر الذي فيه القمح فقد
تقدم التنبيه على ضعف طريقه ولا حاجة إلى ما تأوله ابن سريج وأبو إسحاق عليه فيكون الصحيح
أن الواجب هو التمر لا شبهة فيه لكن هل يتعين ولا يجوز غيره كما نقله الماوردي عن أبي إسحاق
أو يقوم مقامه ما هو أعلى منه كما نقله الباقون هذا محل النظر وقد قال الرافعي ان الأصح عند الشيخ
55

أبى محمد وغيره أنه يتعين التمر ولا يعدل عنه ولم يحك الرافعي عن أبي إسحاق غير ذلك وظاهر ذلك
تصحيح لما نقله الماوردي وأن غير التمر لا يجوز وكذلك هو في المحرر وصححه النووي أيضا وهو
الذي يقتضيه ظاهر الحديث اللهم إلا أن يكون ذلك برضى البائع وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى
لكن قد يتوقف في هذا التصحيح لامرين (أحدهما) أن حكاية الأكثرين عن أبي إسحاق أنه
يجوز العدول إلى الاعلى كما اقتضاه كلام المصنف وغيره وكثرة القائلين لذلك عن أبي إسحاق يقتضي
على ما نقله الماوردي عنه وتبين مراد أبى اسحق ولا يبعد أن يتناول كلام الماوردي وإن كان
خلاف الظاهر ليوافق كلام الأكثرين وإذا لم نتحقق هذا الوجه عن أبي إسحاق وليس منقولا
عن غيره فكيف نقضي بصحته (الثاني) أن الأصحاب اتفقوا في زكاة الفطر على أنه يجوز العدول
عن القوت الواجب إلى قوت أعلى منه فإذا عدل عن التمر إلى ما هو أعلى ينبغي أن يجوز (والأصح)
أن الاعتبار بزيادة الاقنيات والقمح أعلي بذلك الاعتبار وان اعتبرنا القيمة على الوجه الأخير فقد
يكون القمح في بعض الأوقات أكثر من قيمة التمر فلو كان التمر في المصراة متعينا حتى لا يجوز غيره وإن كان
أعلى (فالجواب) اما اختلاف النقل عن أبي إسحاق وكون ذلك يقتضى التوقف في نسبة
هذا القول إليه أو إلى غيره ويلزم من ذلك أن لا يكون متحققا فهو بحث صحيح ولكن لنا أن
نتمسك في أن الواجب هو التمر بظاهر كلام الشافعي رحمه الله وقوله أن يرد صاعا من تمر وقوله إن
ذلك ثمن واحد وقته رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان نص الحديث ونص صاحب المهذب يقتضى ان
56

بدل اللبن هو التمر فتمكن المشترى من إعطاء بدله بغير رضى مستحقه على خلاف القواعد لا يدل
عليه دليل ويكفي التمسك في الصحيح بنص صاحب المهذب المستند إلى دليل وأما من يشترط
في التصحيح موافقة معظم الأصحاب فيحتاج إلى بيان ذلك ههنا في هذه المسألة ولم أقف من كلام
الأصحاب على ما يقتضى ذلك ولا على نسبة القول المذكور إلى غير أبي إسحاق نعم الإمام قال ذهب
ذاهبون إلى أن الأصل التمر فلا معدل عنه وهذا الذي نقله الامام يوافق ما نقله الماوردي عن أبي إسحاق
فيحتمل أن يكون مراد الامام بالذاهبين أبا إسحاق ومتابعيه ويعود ما تقدم من جهة
اختلاف النقل عنه وبالجملة فمستند من لم يقل من الأصحاب على كثرتهم يتعين التمر اختلاف الرواية
ومجئ القمح في بعض الروايات وقال الامام ان ذلك الذي مهد لأصحاب القوت مذهبهم وإلا فالأصل
الاتباع وأنت إذا وقفت على ما تقدم من التنبيه على ضعف رواية القمح المطلق على المقيد في بقية
الروايات التي أطلق فيها الطعام تارة وذكر التمر أخرى لم تبال بمخالفة كثير من الأصحاب إذا اتبعت
الحديث ونص الشافعي من غير تأويل (وأما) الجواب عن اتفاق الأصحاب في زكاة الفطر على أنه
يجوز العدول إلى الاعلى فان المقصود في زكاة الفطر سد خلة المساكين والحق فيها لله تعالى فلا يحصل
فيها من التنازع والخصومة ما يحصل في غيرها وهذان الأمران مقصودان في مسألة المصراة فان الحق
فيها للآدمي مقصود الشارع فيها قطع النزاع مع ما فيها من ضرب تعبد فقد بان ووضح لك أن
الصحيح وجوب التمر وتعيينه ولا يجوز العدول عنه إلى غيره سواء كان أعلي أو أدنى إلا برضى البائع
فسيأتي الكلام فيه وهذا الصحيح خلاف الوجهين المذكورين في الكتاب لما تبين لك أن مراده
عن أبي إسحاق أنه يعدل إلى الاعلى وصحح ابن أبي عصرون في الانتصار قول ابن سريج والله أعلم *
هذا الكلام في جنس الواجب وأما مقداره ففيه وجهان (أصحهما) أن الواجب صاع قل اللبن أو كثر
57

وإن رادت قيمته على قيمة الصاع أم نقصت لظاهر الخبر وهذا الذي نص الشافعي عليه رحمه الله
في الجزء السادس عشر من الام قال الشيخ أبو محمد واليه مال ابن سريج والمعنى فيه قطع النزاع
لان الموجود عند البيع يختلط بالحادث بعده ويتعذر التميز فتولى الشرع تعيين بدله قطعا للخصومة
وقد تقدم ذلك في الجواب عن الوجه الرابع من أسئلة الحنفية التي ادعوا فيها خروج الحديث عن
القياس (والثاني) أن الواجب يقدر بقدر اللبن لرواية ابن عمر التي فيها مثل أو مثلي لبنها وعلى هذا
فقد يزداد الواجب على الصاع وقد ينقص وأن الامر بالصاع كان في وقت علم أنه يبلغ مقدار اللبن
فإذا زاد زدنا وإذا نقص نقصنا وهذا الوجه بعيد مخالف لنص الشافعي رحمه الله ولنص الحديث وقد
تقدم ضعف الرواية التي تمسك بها وهذان الوجهان حكماهما الفوراني والقاضي حسين والشيخ أبو محمد
غيرهم من الخراسانيين هكذا على الاطلاق ومقتضى ذلك أنا ننظر إلى قيمة اللبن وتؤدى بقدرها على
هذا الوجه وبه صرح الروياني وكذلك الشيخ أبو محمد في السلسلة ذكر الوجهين فيما إذا زاد لبن التصرية
على قيمة صاع من تمر وكذلك الامام في النهاية وقال الروياني انه ضعيف والامر كما قال كلام الشافعي رحمه
الله في الام يصرح بخلافه فإنه قال ردها وصاعا من تمر كثر اللبن أو قل كان قيمته أو أقل من قيمته لان
ذلك شئ وقته رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن جمع فيه بين الإبل والغنم والعلم يحيط أن ألبان الإبل والغنم مختلفة
الكثرة والأثمان فان البان كل الإبل وكل الغنم مختلفة وهذا الذي قاله الشافعي رحمه الله هو الحق الذي لا محيص
عنه ولو كان الواجب يختلف باختلاف اللبن لفاوت النبي صلى الله عليه وسلم بين الإبل والغنم فلما لم يفاوت بينهما
وأوجب فيهما صاعا من تمر علم قطعا بطلان هذا الوجه ولم أر لهذا الوجه ذكرا في طريق العراق على
هذا الاطلاق وإنما في كلامهم وكلام بعض الخراسانيين كالغزالي حكاية الخلاف فيما إذا زادت قيمة
الصاع على قيمة نصف الشاة أو كلها كما سيأتي في كلام المصنف إن شاء الله تعالى ولولا أن الرافعي
58

اعتد بهذا الخلاف وحكاه وتصريح الشيخ أبى محمد والامام والروياني لكنت أقول إنه يجب
تنزيله على ما في كتب العراقيين لكن هؤلاء الأئمة ذكروه صريحا والرافعي حكى الامرين
فقال إن منهم من خص هذا الوجه بما إذا زادت قيمة الصاع على نصف قيمة الشاة وقطع
بوجوب الصاع فيما إذا نقصت عن النصف ومنهم من أطلقه إطلاقا وليس في كلام الرافعي هذا ما
يؤيد تنزيل هذا الاطلاق على ما في كتب العراقيين لكن ما حكاه الشيخ أبو محمد والامام والروياني
صريح وكذلك يقتضيه كلام القاضي حسين وفى كلام الامام كشف ذلك فإنه حكى الوجهين في أنه
هل يتعين الصاع أو يجب من التمر بقيمة اللبن فان اعتبرنا الصاع فكانت قيمته بقدر الشاة أو أكثر
ففي وجوبه وجهان عن العراقيين فجعل حكاية العراقيين الوجهين تفريعا على اعتبار الصاع وأفاد
كلامه حصول ثلاثة أوجه في المسألة (أحدها) وجوب الصاع مطلقا (والثاني) وجوب قدر قيمة
اللبن مطلقا (والثالث) الفرق بين أن تكون قيمة الشاة أولا فإن لم تكن بقيمة الشاة وجب
الصاع وإلا وجب بالتعديل والأوجه الثلاثة المذكورة متفقة على أن المردود هو التمر اما صاع أو أقل
أو أكثر وسيأتي في كلام المصنف رحمه الله ما يخالفه وكذلك قوله على الوجه الثالث باعتبار التعديل
مخالف لكلام المصنف وأكثر الأصحاب كما ستعرفه هناك إن شاء الله تعالى وفى بعض شروح المهذب
المجموعة من الذخاير وغيرها ذكر الوجهين المذكورين وذكر حديث ابن عمر ثم قال قال العراقيون
أراد الخبر أنه يجب المثل إذا كان اللبن صاعا ويجب مثلاه إذا كان اللبن نصف صاع وهذا يجب
حمله على ما قاله الشيخ أبو محمد رحمه الله وغيره من اعتبار قيمة الصاع إلا أن يكون اللبن صاعا كما
هو ظاهر هذه العبارة وبالجملة فهذا الوجه في غاية الضعف مخالف لصريح نص الشافعي رحمه الله
والحديث وممن حكاه أيضا ابن داود في شرح المختصر والله أعلم * وإذا ضممت الخلاف في المقدار
59

إلى الخلاف في الجنس زادت الأوجه فيما يرده بدل اللبن والله أعلم * وسأتعرض لذلك إن شاء الله
في فرع عند الكلام فيما إذا زاد الصاع على قيمة الشاة والله أعلم *
* (فرع) * هذا كله فيما إذا لم يرض البائع فأما إذا تراضيا على غير التمر من قوت أو غيره
أو ذهب أو ورق أو على رد اللبن المجلوب عند بقائه قال الرافعي فيجوز بلا خلاف كذا قاله صاحب
التهذيب وغيره وعبارة صاحب التهذيب أنه يجوز على الوجهين قال الرافعي ورأيت القاضي ابن كج
حكى وجهين في جواز إبدال التمر بالبر عند اتفاقهما عليه (قلت) وقد قال ابن المنذر في الاشراف أنه
لا يجوز أن يدفع مكان التمر غيره لان ذلك يكون بيع الطعام قبل أن يستوفى وهو أحد قولي
المالكية وقول ابن المنذر وهذا يقتضى أن ذلك من باب الاعتياض فإن كان كذلك فالمنع من
الاعتياض في ذلك مخالف لنص الشافعي رحمه الله فإنه قال في باب السنة في الخيار ومن كان له على
رجل طعام حال من غير بيع فلا بأس أنه يأخذ به شيئا من غير صنفه إذا تقابضا من قبل أن يتفرقا
واحترز الشافعي رحمه الله بالحال عن المؤجل وقد تقدم في باب الربا في الاعتياض عن الطعام المؤجل
أن الشافعي رحمه الله نص على منعه وما ذكره ابن المنذر هنا لم يتعرض الأصحاب له هناك فيحتمل
أن يكون ابن كج موافقه في المنع من الاعتياض عن الطعام مطلقا ويحتمل أن يخص ذلك بهذه
المسألة لما فيها من ضرب من البعد فتلخص أن المذهب جواز الاعتياض عنه مطلقا وقول ابن المنذر
المنع مطلقا وما حكاه ابن كج المنع في اعتياض البر عن التمر والظاهر أنه يعدى ذلك إلى كل مطعوم
فاما أن يقول قولا فارقا بين المطعوم وغيره فيكون قولا ثالثا واما أن يكون يعمم المنع في الجميع
تشبيها له بالثمن في الذمة فيكون قد وافق ابن المنذر في الحكم وخالفه في المأخذ واما أن يكون
موافقا له في الحكم والمأخذ معا ويمنع الاعتياض عن الطعام في الذمة وإن كان حالا وهو خلاف
60

نص الشافعي رحمه الله وليس في عبارة صاحب التهذيب نفى الخلاف مطلقا كما ذكره الرافعي رحمه الله
حتى يستدرك عليه كل خلاف وإنما قال على خلاف الوجهين يعنى قول ابن سريج وقول أبى اسحق
رحمهم الله وليس في كلامه أيضا في النسخة التي وقفت عليها ذكر القوت وإنما ذكر الذهب والفضة
ومالا يقتات ورد اللبن وأما حكايته وحكاية الرافعي عنه الاتفاق على جواز اللبن عند بقائه فينبغي
أن يكون صورة ذلك إذا تراضيا على أخذه بدلا عن الواجب ويشترط في ذلك اللفظ هذا إذا جعلنا
ذلك من باب الاعتياض كما تقدم أما إذا اقتصر على الرد فهل يكفي لأنهما تراضيا عليه فيرد الرد عليهما
أولا يكفي لان الواجب غيره فليس ذلك من باب الرد على صورة الفسخ والله أعلم وسنتعرض له في كلام
المصنف رحمه الله إن شاء الله تعالى وفى فرع الآن فلنبنيه له *
* (فرع) * التمر الذي يجب رده هل يتعين نوع منه أو ذلك إلى خيرة المشترى ما لم يكن معينا
قال أحمد بن سرى فيما نقله من نصوص الشافعي رحمه الله صاغا من تمر البلد الذي هو به تمر وسط بصاع
النبي صلى الله عليه وسلم فظاهر هذا الكلام يقتضى أنه لا يعطى تمرا دون تمر بلده وإن كان سليما ولم أر من تعرض لذلك
ولا اعتد به لا هنا ولا في زكاة الفطر والذي اقتضاه النص من تعين تمر البلد يشهد له ما ذكر في الشاة الواجبة
عن خمس من الإبل وأنه لا يجوز العدول عن قيمة البلد على المذهب وما ذكر في الدراهم المأخوذة
في الجبران في الصعود أو النزول وأنه يتعين نقد البلد قطعا فإذا ثبت التعين ههنا فالتعيين في زكاة
الفطر أولى لان إطماع الفقراء تمتد إلى قوت البلد ونوع (نعم) إن كان في البلد أنواع فقد ذكروا في الشاة
المخرجة عن خمس من الإبل أوجها نص الشافعي رضي الله عنه فيها وهو الذي قطع به صاحب المهذب
بتعين غالب البلد وأصحهما على ما ذكره الرافعي أنه يخرج من أي النوعين شاء وقياس ذلك أن يأتي
ههنا ذلك الخلاف بعينه (فان قلت) قد قال الماوردي رحمه الله انه إذا أعوز التمر أو أخرج قيمته
61

بالمدينة على وجه وهو الذي اقتصر الرافعي على حكايته وهو الذي قاله المصنف على قول أبى اسحق
فيما إذا زادت قيمة الصاع على الشاة واعتبار قيمة الحجاز يدل على أن المعتبر تمر الحجاز لان القيمة
بدل عنه فلو كان الواجب تمر البلد لأخرج قيمته (قلت) ما ذكره الشافعي هنا من تعين تمر البلد
وتأيد بالنظائر يدل على أن الأصح هو الوجه الثاني الذي نقله الماوردي أنه عند إعواز التمر يعتبر
قيمته في أقرب بلاد التمر إليه وإن كان الرافعي لم يذكره (وأما) ما ذكره المصنف وغيره من الأصحاب
على قول أبي إسحاق واقتصروا عليه وأن المعتبر قيمة الحجاز فذلك إنما قالوه على قول أبي إسحاق وقد
يكون أبو إسحاق لا يوافق على ما اقتضاه النص من تعين تمر البلد وهو بعيد أو يوافق على أن المعتبر عند
الوجود تمر البلد فان أعوز رجع إلى قيمة الحجاز وهو بعيد أيضا ولا يلزم من حكاية الأصحاب ذلك أنهم
يعتبرون قيمة الحجاز عند الاعواز على المذهب ولا شك أن مقتضى قول أبى اسحق اعتبارها فإنه
إذا اعتبرها في غير حالة الاعواز ففي حالة الاعواز أولى فتخلص أن التمر الذي يجب رده هو تمر البلد
على ظاهر النص وفيه على قول أبى اسحق ما ذكرته وإذا أوجبنا تمرا فعدل إلى تمر أعلى منه جاز كما
قالوه في زكاة الفطر وفى الشاة المخرجة عن الإبل ولو عدل إلى ما دونه لم يجزه كما ذكروه في الشاة هذا
عند الوجود وعند الاعواز الواجب قيمته بأقرب البلاد إليه وقيل بالمدينة وهو مقتضى قول أبي إسحاق
وقد يقال إنه إذا عدل عند الوجود إلى نوع أعلى ينبغي أن يكون كالعدول إلى جنس آخر كما قيل
بمثله في السلم إن اختلاف النوع كاختلاف الجنس وحينئذ فلا يجوز ههنا بغير التراضي ويجوز
بالتراضي لان هذا يجوز الاعتياض عنه على لأصح كما تقدم بخلاف المسلم فيه (وأما) العدول إلى
نوع أدنى فلا يجوز إلا بالتراضي إلا إذا فرعنا على قول التخيير وكذلك في الزكاة إذا وجبت
62

عليه الزكاة من نوع لم يعدل إلى نوع دونه إلا إذا اعتبرنا القيمة ففيه خلاف وكذا لا يخرج عن
الكرام إلا كريمة *
* (فرع) * الصاع الذي يجب رده بدل اللبن هل ينزل منزلة العين الأخرى الذي شملها العقد حتى أنه
يتوقف الرد على رده مع الشاة أو نقول إنه يرد الشاة ويبقى بدل اللبن في ذمته لم أقف في ذلك على
نقل (وقوله) في الحديث رد معها صاعا من تمر يشعر بالأول ويؤيده أن افراد إحدى العينين بالرد لا يجوز
في غير هذا الكتاب فجعل التمر قائما مقام اللبن لرد عليهما أقرب إلى المحافظة على ذلك وإذا صح ذلك فلا
يكون اتفاقهما على أخذ بدل التمر من باب الاعتياض حتى يحتاج إلى لفظ كما تقدم لان التمر لا ثبوت له
في الذمة على هذا البحث وإنما يقام مقام اللبن ليرد الرد عليهما ويشكل أخذ بدله لا لأجل التعليل
الذي قاله ابن المنذر بل لهذا المعنى وهذا الذي وعدت به فلتتنبه له (نعم) اتفاقهما على رد اللبن واضح على
هذا التقدير ولا يحتاج حينئذ إلى اعتياض لان ذلك هو الأصل وإنما عدل إلى التمر خوفا من اختلافهما
فإذا تراضيا عليه جاز وورد الرد عليهما ويحصل الفسخ في جميع المعقود عليه ويخرج من ذلك أنه
يجوز اتفاقهما على رد اللبن ولا يجوز اتفاقهما على بدل آخر غيره لا يعد ولا غيره ولم أر أحدا صرح بمجموع
هذا فليتنبه لهذه الدقائق *
* (فرع) * يمكن أن يقال إذا جعلنا التمر قائما مقام اللبن علي ما تقدم من البحث وتراضيا على رد
الشاة وأن يبقى التمر في ذمته يجوز كما يجوز في الشفعة حيث يكتفي برضا المشترى بذمة الشفيع عن
تسليم العوض ويمكن أن يقال لا يكفي ذلك هنا لان الشفعة تملك جديد وههنا رد والرد يعتمد
المردود فعلى الاحتمال الأول يستمر ما قاله البغوي والرافعي رحمهما الله من أخذ البدل عن التمر لأنه
قد صار في الذمة فيأخذ عنه ما يقع الاتفاق من مقدار غيره ويأتي فيه خلاف ابن المنذر وتعليله وعلى
63

الاحتمال الثاني يتعين ما تقدم وأنه يتعين رد التمر أو اللبن باتفاقهما لأنه الأصل ولا يجوز غير ذلك لان
ذلك إقامة لغير المبيع مقام المبيع في حكم الرد وذلك إنما يكون من جهة الشرع *
* (فرع) * ولو كانت المصراة اثنين أو أكثر هل يرد أداء الواجب بذلك لم أقف لأصحابنا على
نقل في ذلك لكن أبو الفرج بن أبي عمر الحنبلي رحمه الله نقل في شرح المقنع على مذهبهم وعن
الشافعي وبعض المالكية أنه يرد مع كل مصراة صاعا لقوله من اشترى غنما (قلت) وممن ذهب إلى
ذلك ابن حزم الظاهري وزعم ابن الرفعة أن ذلك ظاهر الحديث (قال) وما أظن أصحابنا يسمحون
بذلك وهذا منه يدل على أنه لم يقف في ذلك على نقل وكذلك أنا لم أقف على نقل إلا ما قدمته من
نقل بعض الحنابلة عن الشافعي رضي الله عنه وهو مقتضى المذهب وقال ابن عبد البر ينبغي أن لا يجب
في لبن شياه عدة أو بقرات عدة إلا الصاع عبادة وتسليما *
* (فرع) * اتفق أصحابنا رحمهم الله وأكثر العلماء على أنه لا يجب رد مثل اللبن التالف
لان الصاع بدل اللبن بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ففي حلبتها صاع من تمر ويفهم المعني وقال ابن حزم
يجب رد مثله مع التمر إن كان تالفا وعينه إن كان باقيا وذلك في اللبن الموجود عند العقد وأجاب
عن الحديث بان الحلبة مصدر واطلاقه على المحلوب مجاز ولا دليل عليه واتفقوا على أنه ليس عليه
رد اللبن الحادث عنده والله أعلم * وقد روى ابن أبي عدى حديث المصراة بلفظ فيه وان شاء ردها
وصاعا من تمر وكان بما احتلب من لبنها وهو يدل على أنه بدل المحلوب لكن في سنده سليمان بن
أرقم وهو ضعيف *
* (فرع) * في مذاهب العلماء قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف يرد معها قيمة اللبن هكذا نقل عنهما
ابن المنذر وغيره ونقل ابن حزم عنهما أنه يرد قيمة صاع وقال مالك في أحد قوليه يؤدى أهل بلد
64

صاعا من أغلب عيشتهم وهكذا قول ابن سريج من أصحابنا وقال أبو حنيفة ومحمد رضي الله عنهما إذا
كان اللبن تالفا ليس له ردها لكن يرجع بقيمة العيب فقط وإن كان باقيا رده ولا يرد معها صاع تمر
ولا شيئا هكذا نقل ابن حزم عنه والمشهور عنه أنه إذا حلبها امتنع عليه الرد ونقل بعض أصحابنا عن
أحمد أنه إذا حلبها سقط خياره وتعين حقه في الأرش وهذا خلاف الحديث وعن بعض المالكية
أنه لا يرد معها شيئا لان الخراج بالضمان (الحالة الثانية) أن يختار الرد قبل حلب اللبن وهذا إنما يكون
على غير الوجه الذي نقله الشيخ أبو حامد والروياني ومن وافقهما عن أبي إسحاق في أنه يمتنع الرد قبل
الثلاث والمشهور خلافه فإذا أراد الرد قبل الحلب ردها ولا شئ عليه وفاقا فان قوله وان سخطها
ردها وصاعا من تمر المراد به إذا كان بعد الحلب والجمع بين طرق الحديث يبين ذلك وأيضا المعني
يرشد إليه ونقل ابن عبد البر أنه لا خلاف فيه ولا يعكر ذلك على قولنا انه له الخيار قبل الحلب
(الحالة الثالثة) أن يختار امساكها قال الشافعي رضي الله عنه إذا رضى بامساكها ثم وجد بها عيبا قديما
غير التصرية فله ردها بالعيب ويرد بدل اللبن الموجود حالة العقد وعلى رواية الشيخ أبى على وجه أنه
كما لو اشترى عبدين وتلف أحدهما وأراد رد الآخر فيخرج على تفريق الصفقة والمذهب الأول وبه
جزم كثيرون وهو الذي نص عليه الشافعي رحمه الله في المختصر وقال الامام قطع الامام وصاحب
التقريب والصيدلاني أجوبتهم بذلك وعني بالامام والده الشيخ أبا محمد ثم استشكله من طريق القياس
بأن المعني يرشد إلى أن الصاع بدل عن اللبن والبهيمة مع اللبن في ضرعها كالشجرة مع ثمرتها فإذا
بلغت الثمرة وأراد رد الشجرة دخل هذا في تفريق الصفقة قال هكذا حكم القياس ولكن الشافعي
رحمه الله وجميع الأصحاب حكموا بما ذكرناه يعنى من عدم التخريج على تفريق الصفقة (قال) والسبب
فيه أن الرد بالعيب القديم في معنى الرد بالخلف قطعا واللبن في الواقعتين على قصة واحدة فرأى الشافعي
الحاق الواقعة بالواقعة كما رأى الحاق الأمة بالعبد في قوله عليه السلام " من اشترى شركا له في عبد " وذكر
65

الشيخ أبو علي في شرح التلخيص أن من أصحابنا من رد هذه المسألة إلى موجب القياس وخرجها على
تفريق الصفقة (قلت) وكلام الشافعي رضي الله عنه في الرسالة في باب الاجتهاد يقتضى أن رد التمر في
هذه الصورة بالحديث لا بالقياس لكن مراد الامام بالالحاق الالحاق في أصل الرد لا في ضمان بدل
اللبن واعتذر الغزالي عن التخريج على تفريق الصفقة في حالة رد المصراة بأن اللبن لا يقابله قسط من الثمن
على رأى فهو في حكم وصف آخر لا يوجب زواله عيب الباقي بخلاف العيب الحادث (فان قلنا) يقابله
قسط من الثمن فلا وجه لمخالفة الحديث فلنؤيد به جواز تفريق الصفقة فإنه المختار لا سيما في الدوام وهذا
الذي قاله الغزالي من أن اللبن لا يقابله قسط من الثمن على رأى الامام ذكره في لبن غير المصراة تخريجا
على الحمل فقال الوجه أن تجعل اللبن كالحمل في أنه هل يقابل بقسط من الثمن على رأي الامام ذكره
في لبن غير المصراة تخريجا على الحمل فقال الوجه أن يجعل اللبن كالحمل في أنه هل يقابل بقسط من
الثمن وذكره الغزالي والرافعي هنا في المصراة قال ابن الرفعة ولبن المصراة مخالف لذلك إذ هو مقصود
فيها بخلافه في غيرها ولهذا قال الشافعي رحمه الله انه إذا رد غير المصراة بعيب لا يرد بدل اللبن ولم
يقل الشافعي ولا أحد من الأصحاب بذلك في المصراة وقال ابن الرفعة ان الغزالي أثبت احتمال الامام
وجها ونقله إلى لبن المصراة وهو خلاف ما عليه الأصحاب وقال عما ذكره أنه إن قاله تبعا للغزالي فلا
عبرة به والا ففيه تعضيد لما ذكره الغزالي (قلت) وما حكاه الامام عن الشيخ أبى على مفروض في
المصراة لكن في هذه الحالة التي يتكلم فيها وهي ما إذا اختار إمساكها ثم أراد الرد بعيب التصرية
فلم يقل أحد فيما علمت بالتخريج على تفريق الصفقة لان ذلك يكون مصادما للحديث وإذا كان
كلام الشيخ أبى على مفروضا في المصراة كان مستندا لما نقله الغزالي في المصراة من أن اللبن
لا يقابله قسط من الثمن على رأى وإلا لم يخرج على تفريق الصفقة عند ارادته الرد بعيب
آخر وأما امتناع التخريج عند إرادة الرد بالتصرية فيصد عنه الحديث فلذلك لم يصر
66

إليه صائر ويبقى فيما عداه على مقتضى القياس فليس ما نقله الغزالي والرافعي خارجا عما عليه
الأصحاب (وأما) نص الشافعي رحمه الله في غير المصراة فسيأتي الكلام فيه وأن ظاهر المذهب خلافه وقد
اعترض ابن الرفعة على ما نقله الشيخ أبو علي من التخريج وقال الامام إنه القياس بأنا إنما نخرج
على تفريق الصفقة ما هو مقصود كله كأحد العبدين ونحوهما وما نحن فيه ليس كذلك فان اللبن غير
مقصود كالشاة بل هي المقصودة واللبن إن قصد فتابع ولهذا اغتفرت الجهالة فيه والتوابع إذا فاتت
لا تحلق بالمتبوعات ألا ترى أن المبيع إذا ظهر عيبه وامتنع رده لا نقول يخرج القول في الباقي على
تفريق الصفقة وإن كانت السلامة من العيب مقصودة لكنها تابعة لا تفرد بالعقد فاللبن مثلها (قلت)
وهذا أميل إلى أنه لا يقابل بقسط من الثمن مع إنكاره له وإلا فمقتضى المقابلة إنه إذا رد بتفريق
الصفقة يرده وقد حكي الجوزي قولا يوافق ما حكاه الشيخ أبو علي في امتناع الرد ويخالفه في المأخذ
فقال إن ظهر على عيب التصرية فلم يرد حتى ظهر على عيب آخر بعد مدة ففيها قولان (أحدهما) لا
يرد كما لا يرد سلعة اشتراها فظهر منها على عيب فلم يردها حتى ظهر منها على عيب آخر لأنه رضيها
معيبة (والقول الثاني) يرد والفرق بينه وبين السلع أنه يرد معها صاعا بدلا للبن المصراة فكأنه يرده
بعيب واحد وسائر السلع لا يرد معها شيئا وكان قد رضيه فلا شئ له قال الجوزي قد يجئ في السلع
أنه يرد المصراة لأنه رضى بعيب واحد دون الاخر (قلت) وهذا الاحتمال الذي قاله الجوزي هو
القياس ولا يلزم من الرضى بعيب الرضى بجميع العيوب والذي قاله أولا من أن سائر السلع غير المصراة
إذا ظهر منها على عيب فلم يرد حتى ظهر على عيب آخر أنه يمتنع الرد بعيد ولا وجه له وما أظن
الأصحاب يساعدونه على ذلك كما حكاه الجوزي من القولين بل صرح الماوردي والشيخ أبو حامد وغيرهما
بخلافه فإنهم قالوا في هذه المسألة أن من رضى بعيب ثم وجد غيره لم يمنعه الرضا بما علم من الرد بما لم
يعلم وجعلوا ذلك دليلا على الرد ههنا لكني رأيت في تعليق الطبري عن ابن أبي هريرة ما يوافقه
67

فإنه قال في ذلك منزلته منزلة للمشترى سلعة فوجد بها عيبين فرضى بأحدهما كان له أنى يرد بالعيب
الثاني وقد قيل إنه لا يرد ولكن يرجع بأرش العيب الثاني قال وهو ضعيف على أن قوله في هذا
الكلام وقد قيل يحتمل أن يكون في المصراة في المسألة المقيس عليها وبالجملة فالمذهب المشهور أن
ذلك غير مانع ونقله ابن بشرى في منصوصات الشافعي رضي الله عنه وقد حكى ابن الرفعة عن الجوزي
هذا عند الكلام في بيع البراءة وقال لعل وجهه أن في رده إبطال عفوه عن الأول فلم يجز ولهذا نظر
يأتي في الجنايات وما حكاه الجوزي من القولين في المصراة قد وجه هذا القول بالمنع منهما بالقياس
على غيرهما من السلع ونحن نمنعه حكم الأصل إما جزما وإما على المذهب المشهور ولئن سلم (فالفرق)
ما ذكره وتبين بذلك أن مأخذ القول بالمنع الذي حكاه الجوزي غير مأخذ الوجه الذي حكاه
الشيخ أبو علي رحمه الله من التخريج على تفريق الصفقة قوى من جهة القياس والحديث يصد عنه
غير أن القول الذي حكاه الجوزي على غرابته وضعفه يعتضد به الوجه الذي حكاه الشيخ أبو علي
وان اختلفا في المأخذ لتواردهما على حكم واحد وهو امتناع الرد وكلاهما شاهد للرأي الذي حكاه
الغزالي والرافعي من أن اللبن لا يقابله قسط من الثمن وهو مع ذلك ضعيف لمخالفته نص الشافعي
رحمه الله ولا وجه لمنع التخريج على تفريق الصفقة إلا اتباع الحديث والا فلقائل أن يقول إن كان
اللبن مقابلا بقسط من الثمن وجب أن لا يرد بدله وقد دل الحديث على رد البدل ولذلك جزم الشافعي
رحمه الله وأكثر الأصحاب بأنه مقابل بقسط وقطعوا بذلك في باب الربا واستدلوا له هناك بحديث
المصراة كما تقدم والوجه الذي حكاه الشيخ أبو علي والجوزي في غاية الغرابة وما قاله ابن الرفعة من
من كون اللبن تابعا تقدم الجواب عنه وليس أوصاف السلامة يتقسط الثمن عليها حتى إذا فات بعضها يتخرج
على تفريق الصفقة بخلاف اللبن فإنه يوافق على أنه يقابله قسط من الثمن وكون الشئ مقابلا بقسط
من الثمن أخص من كونه مقصودا هذا ما ذكره كثير من الأصحاب وفصل الماوردي رحمه الله فقال
إن كان بعد العقد علم بالتصرية ورضى ثم وقف على عيب آخر فله الرد لا يختلف أصحابنا فيه ويرد
68

معها صاعا من تمر وإن كان علمه بالتصرية مع العقد ثم وقف على عيب آخر فوجهان خرجهما ابن
أبي هريرة من تفريق الصفقة فتحصلنا في هذه المسألة على ثلاث طرق وفى الرونق جزم بردها وحكي
في رد الصاع التمر معها قولين وهذه طريقة رابعة غريبة فهذه الأحوال الثلاثة اللاتي تقدم الوعد
بذكرهن والحالة الرابعة وهي ما إذا كان اللبن باقيا سيأتي في كلام المصنف إن شاء الله تعالى *
* (فرع) * إذا قلنا بأنه لا يرد تخريجا على أنه لا تفرق الصفقة فله الأرش قاله البندنيجي في غير
المصراة كما سيأتي إن شاء الله تعالى وقياسه أن يأتي هنا * (فائدة) * قال الجوزي: إن قال قائل إذا
كان الصاع إنما يرده به لا للبن التصرية الذي تضمنه العقد فقد ردت العين مع قيمة النقص فهلا كان
هذا أصلا لكل نقص عند المشترى أنه يرده وقيمة النقص (قيل) لان المقصود في الشاة عينها واللبن
تابع فقد رد العين بكمالها ورد قيمة التالف وإذا أراد شيئا نقصت عينه لم يرد العين بكمالها لان الكل
مقصود ولو جاز أن يردها وقيمة النقص لجاز أن يرد قيمتها كلها إذا تلفت (فان قيل) كذا نفعل
برد قيمتها كلها وان تلفت وهو قول أبي ثور (قلنا) هذا تدفعه السنة لأنه قيل فهو بالخيار فيها إن
شاء ردها وصاعا من تمر فإنما جعل له الخيار في قيمتها والله أعلم *
* (فرع) * إذا لم يعلم بالتصرية إلا بعد تلف الشاة تعين الأرش وقد تقدم الآن عن أبي ثور
أنه يرد قيمتها والله أعلم * (فائدة) * قول الغزالي رحمه الله فيما تقدم قريبا فهو في حكم وصف آخر
لا يوجب زواله عيب الباقي بخلاف العيب الحادث قال ابن أبي الدم انه كذلك وصوابه أن يقول
بخلاف أحد العبدين الباقين فان موت أحدهما يوجب في الباقي عيبا وهو تفريق الصفقة وليس
للعيب الحادث ههنا حدث بل العيب يمنع الرد بالعيب القديم قال والمتكلف أن يتكلف تصحيح
كلامه بجواب بعيد فيقول مراده بالعيب الحادث الحاصل بتفريق الصفقة في أحد العينين بعد تلف
العين الأخرى وهذا تكلف بعيد انتهى ولم يتعرض ابن الرفعة لهذا السؤال *
69

* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وإن كان قيمة الصاع بقيمة الشاة أو أكثر ففيه وجهان (قال) أبو إسحاق يجب عليه قيمة صاع
بالحجاز لأنا لو أوجبنا صاعا بقيمة الشاة حصل للبائع الشاة وبدلها فوجب قيمة الصاع بالحجاز لأنه
هو الأصل ومن أصحابنا من قال يلزمه الصاع وإن كان بقيمة الشاة أو أكثر ولا يؤدى إلى الجمع
بين الشاة وبدلها لان الصاع ليس ببدل عن الشاة وإنما هو بدل عن اللبن فجاز كما لو غصب
عبدا فخصاه فإنه يرد العبد مع قيمته ولا يكون ذلك جمعا بين العبد وقيمته لان القيمة بدل عن
العضو المتلف) * *
* (الشرح) * هذا من بقية الكلام في الحالة الأولى وهي ما إذا أراد رد المصراة بعد تلف اللبن
وتقدم من المصنف رحمه الله اطلاق القول في جنس الواجب وبينا الكلام في مقداره وان من الأصحاب
من أطلق حكاية الخلاف في تفاوت المقدار ومنهم من خصص فمن المخصصين المصنف فيما ذكره هنا وهو
إذا كانت قيمة الصاع الواجب قدر قيمة الشاة أو أكثر ففيه الوجهان اللذان حكاهما المصنف رحمه
الله وممن حكاهما كذلك مثل ما حكى المصنف شيخه القاضي أبو الطيب لكنا فرض فيما إذا كان التمر يأتي
على ثمن الشاة أو على الأكثر منه فهذا يقتضى أنه إذا كانت قيمة الصاع أقل من قيمة الشاة ولكنه
يأتي على أكثرها أنه يجرى الوجهان وجوزت أن يكون ما وقفت عليه من تعليق أبى الطيب فيها
زيادة لا يوافق كلام المصنف رحمه الله ابن الصباغ في الشامل وهو كثير الاتباع للقاضي أبى الطيب
وفرض المسألة فيما إذا كانت قيمته قيمة الشاة أو أكثر من نصف قيمتها فحصل الوقوف بما في تعليق
أبي الطيب لان الأكثر من ثمن الشاة هو ما زاد على نصفه وكذلك قال الروياني والرافعي رحمهم الله
أن منهم من خص هذا الوجه بما إذا زادت قيمة الصاع على نصف قيمة الشاة وقطع بوجوب الصاع
إذا نقصت عن النصف هكذا حكاه الرافعي رضي الله عنه من غير تعيين وحكاه الروياني عن أبي إسحاق فهذه
النقول متفقة على أن أبا إسحاق قائل بذلك فيما إذا زادت قيمة الصاع على نصف قيمة الشاة وقد حكى
70

الامام عن العراقيين الوجهين وفرض المسألة فيما لو بلغت قيمة الصاع قيمة الشاة أو زادت وذلك يوافق ما حكاه
المصنف رحمه الله ثم حكى عن العراقيين أيضا أنه إن زادت قيمة الصاع على مثل نصف قيمة الشاة فالوجهان
جاريان وليس في شئ من ذلك منافاة فان كلام المصنف رحمه الله ساكت عن حكم ما إذا زادت عن
النصف ونقصت عن الشاة وكلام أبو الطيب ومن وافقه فيه زيادة بيان أن الخلاف فيها أيضا والقطع
فيما إذا نقص عن النصف وقد تقدم عن بعضهم إطلاق حكاية الخلاف ولو كانت قيمة الصاع مثل
نصف قيمة الشاة أو أقل وجب رده عند أبي إسحاق صرح به الشيخ أبو حامد وغيره وقال سليم انه لا
خلاف فيه على المذهب وفى تعليق أبى حامد من طريق البندنيجي والمجرد منها ذكر الوجهين في
النصف كالأكثر وذكر العجلي في كلامه على الوسيط والوجيز وجها بالتعديل أبدا أي أنه لا فرق
بين أن يكون أقل من النصف أو أكثر وهذا هو الوجه الذي تقدمت حكايته عن الخراسانيين في
ذكرهم الخلاف على الاطلاق في تفاوت ذلك بتفاوت اللبن وزيادة قيمة التمر على الشاة أو نصفها فرضوه
في بلاد يكون التمر بها عزيزا كخراسان والوجهان في المسألة على هذا الوجه المخصوص مشهوران
في طريقة العراقيين ولم يذكرهما غيرهم الا من حكاهما عنهم كالامام والغزالي ومن وافقهما
وذكرهما على الاطلاق كما تقدم لا يعرف الا في طريقة الخراسانيين والعلة التي ذكرها المصنف
رحمه الله للوجه الأول إنما تظهر في الفرض الذي فرضه هو لا فيما فرضه أبو الطيب وموافقوه
ولعل المصنف رحمه الله إنما عدل عن الصورة التي فرضها أبو الطيب لذلك حتى يصح
استدلاله وفى كلام الامام تعليله بمعنى يكون اطراده فيهما فإنه قال إن الرسول صلى الله عليه وسلم وان
نص على الصاع من التمر فقد أفهمنا أنه مبذول في مقابلة شئ فائت من المبيع يقع منه موقع التابع من
المتبوع فينبغي أن لا يتعدى على هذا حد التابع والغلو في كل شئ مذموم وقد يغلو المبيع للفظ الشارع
فيقع في مسلك أصحاب الظاهر ووجه الغزالي رحمه بأنا نعلم أنه عليه السلام قدره به لأنه وقع في ذلك
الوقت قريبا من قيمة اللبن المجتمع في الضرع ولك أن تقول ان هذا يقتضى أن لا يضبط ذلك بنصف
71

قيمة الشاة وانا إذا علمنا زيادة قيمة الصاع على ما في زمان النبي صلى الله عليه وسلم لم نوجبه وعلة العراقيين
سالمة عن هذا السؤال لكن هذا يوافق الوجه الذاهب بأن الواجب من التمر بمقدار قيمة اللبن مطلقا
وسيأتي في التفريع إيضاح لهذا إن شاء الله تعالى وممن نسب هذا الوجه إلى أبي إسحاق كما نسبه المصنف
شيخه أبو الطيب والبندنيجي وسليم وابن الصباغ رحمهم الله وقال سليم انه أصح وهذا الوجه يرى
أنه لا يجب الصاع في هذه الحالة وسنذكر في التفريع حقيقة ما يوجبه ونتعرض فيه إلى لفظ المصنف
إن شاء الله تعالى والوجه الثاني حكوه عن الأصحاب وهو الأصح وممن صححه الجرجاني والرافعي وابن أبي
عصرون أنه يلزمه الصاع وان زادت قيمته على قيمة الشاة للحديث واطلاق نص الشافعي رضي الله عنه
أيضا يقتضى ذلك ولكنه غير مصرح به إنما صرح أنه لا فرق بين أن يكثر اللبن أو يقل ولا فرق
بين أن تكون قيمته وقيمة اللبن سواء أو متفاوتة كما تقدم عنه (وأما) قيمة الصاع مع قيمة الشاة فلم
يتعرض لها في ذلك الكلام لكن اطلاقه يقتضى ان لا فرق أيضا ولان الصاع يدل عن اللبن فلم
يدل على مساواته له فإذا لم تعتبر مساواته له فقدم اعتبار مساواته للشاة أولى وقد تقدم عن حكاية الشيخ
أبى محمد أن ابن سريج مال إلى ذلك القول فلعله المراد ببعض الأصحاب هنا وقد أجاب المصنف عما
تمسك به أبو إسحاق بما ذكره وهو حق والمسألة التي استشهر بها فيما إذا غضب العبد وخصاه صحيحة
على القول الجديد ان جراح العبد يتقدر من قيمته كجراح الحر من ديته فإنه على هذا يجب عليه
كمال القيمة وعلى القديم وهو أنها لا تتقدر فالواجب ما نقص من القيمة فإن لم ينقص شئ فلا شئ
عليه وان نقص وجب عليه ذلك النقص وهذا مبين في باب الغصب وقد يكون النقصان زائدا
على نصف القيمة كما لو قطع يديه ورجليه ونقص من قيمته أكثر من النصف فإنه على القديم صح
الاستشهاد بهذه المسألة أيضا فإنه يرده ويرد أكثر من نصف قيمته على القديم والقاضي أبو الطيب
لم يستشهد بما ذكره المصنف رحمه الله وإنما استشهد بما إذا باع سلعة العبد وقيمة كل منهما ألف ثم يزيد
العبد فتبلغ قيمته ألفين ويجد المشترى في السلعة عيبا فيردها ويسترجع العبد وقيمته ألفان وذلك قيمة
الثمن والمثمن وما استشهد به المصنف رحمه الله تبع فيه الشيخ أبا حامد وهو أولى لان الزيادة هنا
72

في القيمة فقط والعين المستردة واحدة لم يسترجع معها شيئا آخر ومسألة الغصب استرجع مع العبد
الناقص قيمته فكان نظير استرجاع الشاة التي ذهب لبنها مع صاع يساوى قيمتها وقد يقول المنتصر
لأبي إسحاق أن الأصل في المصراة ضمان اللبن التالف ببدله على قياس المتلفات لكن الشارع جعل
الصاع بدلا لما في ذلك من قطع النزاع مع قرب قيمة الصاع من قيمة اللبن في ذلك الوقت غالبا فإذا
زادت قيمته على ذلك زيادة مفرطة فبعد إقامته بدلا عن لبن لا يساوى جزءا منه يقع موقعا بخلاف
ضمان ما فات من العبد المغصوب فأن ذلك واجب متأصل (والجواب) عن هذا أن الشرع لما أوجب في
لبن الغنم ولبن الإبل مع العلم بتفاوتهما تفاوتا ظاهرا بدلا واحدا علم أن ذلك بدل في جميع الأحوال
والشرع إذا أناط الأمور المضطربة بشئ منضبط لا ينظر إلى ما قد يقع نادرا وإذا وقع ذلك النادر لا
يلتفت إليه بل يجرى على الضابط الشرعي لا سيما والمشترى ههنا متمكن من الامساك فأن أراد الرد
فسبيله رد ما جعله الشرع بدلا (وقول) الامام أن الغلو مذموم (جوابه) أن المعنى إذا ظهر وسلم وجب
اعتباره وإذا لم يسلم وجب اتباع اللفظ ولا يسمى ذلك غلوا مذموما والمختص بأهل الظاهر الذي ذموا
به هو التمسك باللفظ مع ظهور المعني وصحته بخلافه والعالم في الحقيقة هو الجامع بين اللفظ والمعنى والله
أعلم * وقال صاحب الوافي فيما أجاب به المصنف عن قول أبي إسحاق بأن الصاع وإن كان قيمة اللبن
الا أنه لم يكن مقصودا وإنما كان على سبيل التبع ولا يزيد على قيمة المتبوع الذي هو الشاة وهذا الكلام
ليس بالقوي بالنسبة إلى ما تقدم ونقل الامام عن صاحب التقريب أنه قطع جوابه باعتبار قيمة الوسط
في صورة الوجهين *
* (التفريع) * ان قلنا بالأصح ووجوب الصاع للاتباع فلا إشكال (وان قلنا) بالوجه الأول
وهو قول أبي إسحاق أنه لا يجب الصاع في هذه الحالة فقد قال المصنف رحمه الله أنه يجب عليه قيمة
صاع بالحجاز وهكذا قال جماعة من العراقيين والرافعي رحمه الله (وقال) القاضي أبو الطيب أنه يقوم بقيمة
73

المدينة وهو أخص فان الحجاز يشمل مكة والمدينة واليمامة ومحاليفها كما فسره الشافعي والأصحاب
رضي الله عنهم وذكره المصنف في كتاب الجزية نسأل الله تعالى أن ييسر علينا الوصول إلى ذلك
المكان في خير وعافية (وقال) ابن الرفعة أن من أطلق الحجاز أراد المدينة كما قاله القاضي أبو الطيب لان
الخبر ورد فيها ويوافقه ما تقدم عن الماوردي أنه عند الاعواز يرجع إلى قيمة المدينة على أحد الوجهين
هذا ما ذكره العراقيون على قول أبى إسحاق (وأما) الامام فإنه قال إن لم نر إيجاب الصاع في هذه الصورة
اعتبرنا القيمة الوسط للتمر بالحجاز واعتبرنا بحسب ذلك قيمة مثل ذلك الحيوان اللبون بالحجاز وإذا
نحن فعلنا هكذا جرى الامر في المبذول على الحد المطلوب وهكذا الكلام من الامام فيه إجمال (وقال)
الغزالي في الوسيط على هذا الوجه يعدل بالقيمة فنقول قيمة شاة وسط وقيمة صاع وسط في أكثر
الأحوال (فان قيل) هو عشر الشاة مثلا أوجبنا من التمر ما هو قيمة عشر الشاة وكذلك قال ابن عبد السلام
في اختصاره للنهاية أنه يعتبر قيمة تلك المصراة بالحجاز والقيمة المتوسطة للتمر بالحجاز فتجب من التمر
بهذه النسبة وكلام الامام المذكور كالظاهر في هذا المعني وتنزيله عليه ولم يذكر الامام في التفريع
على الوجه الذي حكاه العراقيون في هذه الصورة غير ذلك لان الوجهين المذكورين على مقتضى نقله
يتفرعان على أن الواجب هو الصاع وأما الوجه الآخر الذي حكاه في صدر كلامه أن الواجب مقدار
قيمة اللبن من التمر كيف كان فلم نذكره هنا لأنه قسيم الوجه الذي عليه يفرغ فلذلك لم يذكر هنا
إلا وجه التعديل وعبارته بعد ذلك في لبن الجارية المصراة قدر قيمة اللبن من التمر أو القوت لا يناقض
ذلك لان مقصوده به الوجه المذكور هناك في صدر كلامه ولا يجئ عليه قول التعديل وقول الغزالي
إذا قيل هو عشر الشاة مثلا أوجبنا من التمر ما هو قيمة عشر الشاة مراده - والله أعلم - بالشاة الأولى
الشاة الوسط وبالشاة الثانية الشاة المصراة المبيعة مثاله إذا قيل قيمة الصاع الوسط في الغالب درهم وقيمة
شاة وسط في الغالب عشرة وقيمة الشاة المبيعة خمسة فانا نوجب من الصاع نصف عشر ما يساوى عشر قيمة
74

الشاة كما إذا كان الصاع في ذلك الوقت مثلا بخمسة فنوجب منه عشره وهو يساوى نصف درهم وإن كان
الصاع في ذلك الوقت يساوى ثلاثة فوجب سدسه لأنه يساوى عشر قيمة هذه الشاة وهو نصف درهم إذا
عرف ذلك فقد نقل الرافعي رحمه الله عن الامام أنه يعتبر القيمة الوسط للتمر بالحجاز وقيمة مثل ذلك الحيوان
بالحجاز فإذا كان اللبن عشر الشاة مثلا أوجبنا من الصاع عشر قيمة الشاة ولم أر في النهاية إلا ما حكيته قبل
ذلك من الكلام الذي فيه إجمال ونسبت الكلام الذي فيه إجمال إلى والكلام الذي بعده في الجارية وقد ثبت أنه
لا تناقض بينهما وأن كلام الامام الأول منزل على ما قاله الغزالي وبين الغزالي والرافعي اختلاف فان الغزالي
ينسب قيمة الصاع من قيمة الشاة فإذا كان قيمة الصاع عشر قيمة الشاة أوجب عشر الصاع وأول كلام الرافعي
رضي الله عنه يقتضى ذلك لكن آخره يقتضى نسبة اللبن من قيمة الشاة فإنه قال فإذا كان اللبن عشر
الشاة مثلا أوجبنا من الصاع عشر قيمة الشاة واللبن لم يجر له ولا لتقويمه ذكر وإنما ذكر التمر فالوجه
أن يقول فإذا كان التمر وقد جوزت أن يكون ذكر اللبن بدل التمر سهوا من ناسخ لكنه هكذا فيما
وقفت عليه من النسخ وفى نسخ الروضة أيضا فأول كلام الرافعي رضي الله عنه وآخره لا يلتئمان
التئاما ظاهرا إلا أن يكون المراد بقيمة اللبن علي حذف مضاف ويكون المراد بقيمة اللبن التمر لأنه
بدله وذلك تعسف على أنه يمكن أن يقال بالآخر فقط بأن يقوم اللبن وتقوم الشاة وينسب قيمة اللبن
منها لكن صدر كلام الرافعي وكلام الامام يأبى ذلك ويقتضي تقويم التمر وأيضا لا أعلم أحدا من
الأصحاب قال بتقويم اللبن ثم إن كلام الرافعي والغزالي رحمهم الله متفقان على أنا بعد النسبة نوجب
من الصاع ما اقتضته النسبة فنوجب في المثال المذكور أن يرد من الصاع ما يساوى عشر قيمة الشاة
وذلك مخالف لما قاله جميع العراقيين من أن المردود فيه الصاع بالحجاز وبين الكلامين تفاوت
ظاهر والظاهر من كلام العراقيين أنه لا يرد شيئا من التمر قال ابن الرفعة وهو الأشبه بمذهب
أبى اسحق فإنه يرى أن الصاع من التمر أصل لأجل الخبر كيف كان الحال وأنه الواجب وما يوجد
يكون بدلا عنه ولا يجوز أن يجعل بعض صاع بدلا عن صاع *
75

* (فرع) * هو من تتمة الكلام في ذلك * اشترى شاة بصاع تمر ثم أراد ردها بالتصرية ففيه
وجهان حكاهما الماوردي في الحاوي وغيره (أحدهما) وهو الأصح يردها ويرد معها صاعا ولا اعتبار
بزيادة الثمن ونقصه كما لا اعتبار بقلة اللبن وكثرته ولا يكون ذلك ربا لان الربا في العقود لا في الفسوخ
قال صاحب التتمة إلا أن ذلك سوء تدبير منه في المالك فيقتضى الحجر (قلت) ومتي فرض الامر كذلك
فينبغي امتناع الرد لأنه سفه كما تقدم لنا فيما إذا صارفه دراهم بدنانير على عينها وخرج ببعضها عيب
كخشونة الفضة وقلنا بجواز التفريق (فان قلنا) الإجازة بكل الثمن قال القاضي أبو الطيب لم يكن له
حظ في رد المعيب لأنه سفه فنبقيه على ملكه أصلح له وقد تقدم ذلك وأن غير أبى الطيب يشعر
كلامهم أنه يتعين العدول إلى قول الإجازة بالقسط قياس ذلك أن يتفقوا على امتناع الرد ورد الصاع
ثم أما أن يمنع الرد مطلقا وهو قياس قول أبى الطيب وأما أن يرجع إلى القول الآخر الذي سيأتي
وهو قياس الاحتمال الآخر في مسألة الصرف فراجعه هناك (والوجه الثاني) في هذا الفرع أنه يرد
بقدر نقص التصرية من الثمن لان الرد لاستدراك النقص فعلى هذا يقوم الشاة لو لم تكن مصراة فإذا
قيل عشرة قومت مصراة فإذا قيل ثمانية علم أن نقص التصرية هو الخمس فيرد المشترى معها خمس
الصاع الذي اشتراها به فهذا الوجه الذي في هذه الصورة هو موافق لما قاله الغزالي والرافعي فتأيد ما
قالاه به قال ابن الرفعة لا لان ما قاله الغزالي فيما إذا ساوت قيمة الصاع قيمة الشاة لا الثمن وما ذكره
الماوردي فيما إذا ساوى الصاع الثمن وبينهما فرق لان التمر قد يكون قدر قيمة الشاه وقد يكون
أكثر منها وقد يكون أقل نعم الغالب مقاربة الثمن للقيمة وهذا الوجه قائله ناظر فيه إلى الغلبة ومع
هذا يصح أن تعضد الخلاف الذي ذكره الغزالي به وفى هذا الفرع وجه ثالث ذكره الجوزي أنه يرد
الشاة وقيمة اللبن ذهبا أو ورقا قياسا على ما إذا اشترى حليا بمثله من الذهب ثم وجد به عيبا وحدث
عنده عيب ووجه رابع مجزوم به في تعليق الطبري عن ابن أبي هريرة أنه يردها ولا شئ عليه *
76

* (فرع) * هذا الذي تقدم من اعتبار قيمة الحجاز أو المدينة هو الذي ذكره أكثر العراقيين
وقد تقدم عن الماوردي فيما إذا أعوز التمر حكاية وجه أنه يعتبر قيمة أقرب البلاد إليه تفريعا على قول
أبي إسحاق وقياس ذلك أن يأتي هنا فإنه لا فرق بين أن يعوز التمر وبين أن يجوز له العدول إلى
القيمة فإذا ضممت ذلك وما قاله الغزالي رحمه الله في كلام المصنف رضي الله عنه حصل لك في هذه
المسألة أعني مسألة الكتاب أربع أوجه (أصحها) وجوب الصاع (الثاني) وجوب قيمته بالمدينة (الثالث)
وجوب قيمته بأقرب البلاد إليه (الرابع) وجوب بعض صاع لمقتضى التوزيع ليس في الفرع الذي
قاله الماوردي الوجهان اللذان ذكرهما عند إمكان رد التمر وما حكيناه عن الجوزي وابن أبي هريرة
وأما إن أعوز فسيأتي إن شاء الله تعالى *
* (فرع) * إذا أوجبنا رد الصاع التمر فيما إذا اشتراها بتمر وهو الأصح فلو أنه رضى بها ثم أراد
الإقالة قال القاضي حسين وصاحب التتمة ان قلنا الإقالة عقد فلا يجوز لأنه يلزمه أن يرد بدل اللبن
تمرا فكأنه باع شاة وصاع تمر بتمر (وإن قلنا) الإقالة فسخ جاز لان الفسوخ لا ربا فيها (قلت) وهذا
الخلاف في الإقالة يأتي على كل من الوجهين اللذين حكاهما الماوردي وأما الذي حكاه الجوزي أنه
يرد قيمة اللبن نقدا فيجوز سواء قلنا الإقالة بيع أو فسخ *
* (فرع) * عن البندنيجي أنه يعتبر قيمة يوم الرد كرجل أقرض رجلا صاعا من تمر بالحجاز
ولقيه بخراسان له مطالبته بقيمة الحجاز يوم المطالبة وليس له مطالبته بالتمر كذا ههنا وكذلك يقتضيه
كلام الشيخ أبى حامد (قلت) فلو فرضنا قيمة التمر يوم الرد بالحجاز كثيرة تزيد على نصف قيمة
الشاة لغلاء سعر التمر ورخص الشاة فكيف الحال في ذلك (يمكن) أن يقال يلزمه ذلك كما في القرض
ويمكن أن يقال يتعين التمر لأنه الأصل ولا فائدة في العدول عنه وقد تقدم من كلام الامام أنه يعتبر
القيمة الوسط وينبغي أن يحمل ذلك على الوسط من الأنواع حتى يكون موافقا لكلام البندنيجي
لكن قول الغزالي في أكثر الأحوال ظاهر بخلافه وأنه لا يعتبر وقت الرد وما قاله العراقيون أقل *
77

* (فرع) * الذي يقول بإيجاب شئ من التمر فيما إذا اشترى شاة بصاع تمر وردها بالتصرية
بمقتضى التوزيع قال ابن الرفعة ليت شعري ماذا يقول عند فقد التمر فليته قال والظاهر أنه يقول برد ما اقتضاه
التوزيع من القيمة وعلى ما ذكره العراقيون يكون الواجب قيمة صاع من تمر الحجاز كما سلف وتقدم وجه
آخر عن الحاوي أنه يجب قيمة صاع تمر بأقرب بلاد التمر إليه (قلت) وما قاله أنه ظاهر متعين على
هذا الوجه وحينئذ يكون في هذه الصورة أربعة أوجه (أصحها) إيجاب قيمة بعض الصاع بالمدينة
(والثاني) قيمة الصاع بأقرب البلاد (والثالث) إيجاب قيمة بعض الصاع بالمدينة على ما اقتضاه
التوزيع (والرابع) إيجاب بعض قيمة صاع بأقرب البلاد إليه وقد تقدم ما ذكره الجوزي وابن أبي
هريرة * (فائدة) * قول المصنف رحمه الله لأنه هو الأصل أي لان التمر هو الأصل كذلك
صرح به الشيخ أبو حامد فيحمل كلام المصنف عليه ويكون المعنى أن صاع التمر بالحجاز هو الأصل
فإذا تعذر رده رجعنا إلى قيمته بالحجاز كمن أقرض تمرا بالحجاز ولقيه بخراسان فطالبه بقيمة الحجاز *
* (فرع) * رأيت في شرح التنبيه لابن يونس أنه إذا أراد قيمة الصاع فإنا نوجب فيه صاعا
من تمر بالحجاز ويشبه أن يكون في النسخة تصحيف ولعله يوجب قيمة صاع والله أعلم *
* (فرع) * تقدم في جنس الواجب رده مع المصراة سبعة أوجه وفى مقداره أربعة أوجه (أصحها)
صاع تمر (والثاني) بقدر قيمة التمر (والثالث) إن زاد الصاع فيما يقتضيه التعديل والا وجب الصاع
(والرابع) إن زاد فالواجب القيمة بالحجاز والا فالواجب الصاع ولم يقل أحد فيما أعلمه أنه إن زاد الصاع
فالواجب قيمة الصاع من التمر والا وجب التمر فإذا خلطت الأوجه بعضها ببعض وجمعتها حصل لك فيما
ترده مع المصراة خمسة وعشرون وجها من ضرب الأربعة في ستة (وأما) السابع وهو ما حكاه أبو محمد
فلا يأتي خلاف في المقدار فيه وترتيبها هكذا (أصحها) أن الواجب صاع من تمر مطلقا كثر اللبن أو قل
زادت قيمته أو نقصت (الثاني) صاع من القوت الغالب (الثالث) صاع على التخيير بين الأقوات ما عدا
78

الاقط (الرابع) التمر أو ما هو أعلى منه (الخامس) التمر أو غالب قوت البلد (السادس) لو كان التمر موجودا
فصاع منه والا فصاع من الغالب فهذه ستة ومثلها أن الواجب بقيمة اللبن من هذه الأشياء على الخلاف
فيها صارت اثنى عشر وستة إن زادت قيمة الصاع على الشاة أو نصفها فالواجب ما يقتضيه التعديل من
هذه الأشياء الستة على الخلاف فيها وان لم تزد فالواجب الصاع من الأمور المذكورة فهذه ثمانية عشر
وستة انه إن زادت قيمة الصاع فالواجب قيمته والا فهذه الأشياء الستة على الخلاف والخامس
والعشرون ما حكاه الشيخ أبو محمد من الجري على قياس المضمونات وهو أضعفها ولا يمكن أخذه مع
الأربعة والله أعلم *
* (فرع) * فإن كان باع الشاة المصراة بصاع من تمر فيجئ فيها بمقتضى التركيب ثمانية وعشرون
وجها هذه الخمسة والعشرون المذكورة وثلاثة أخرى (أحدها) أنه يجب من الصاع بقدر نقص التصرية
من التمر (والثاني) يرد قيمة اللبن ذهبا أو فضة (والثالث) يردها ولا شئ عليه فقد تقدم ذلك * واعلم
أن تركيب هذه الوجوه ذكر لتستفاد ويعرف كيفية النظر في ذلك ولكن إثباتها لذلك متوقف على
أن كل واحد من أصحاب الوجوه قائل بالوجوه التي تركب معها حتى يصح التركيب وقد فعل الأصحاب
مثل ذلك في مواضع والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
* (وإن كان ما حلب من اللبن باقيا فأراد رده ففيه وجهان (قال) أبو إسحاق لا يجبر البائع على أخذه
لأنه صار بالحلب ناقصا لأنه يسرع إليه التغير فلا يجبر على أخذه (ومن) أصحابنا من قال يجبر لان نقصانه
حصل لمعني يستعلم به العيب فلم يمنع الرد ولأنه لو لم يجز رده لنقصانه بالحلب لم يجز إفراد الشاة بالرد لأنه
افراد بعض المعقود عليه بالرد فلما جاز ذلك ههنا - وان لم يجز في سائر المواضع - جاز رد اللبن هنا مع
نقصانه - بالحلب وان لم يجز في سائر المواضع -) *
79

* (الشرح) * هذه الحالة الرابعة من أحوال رد المصراة وهي إذا أراد ردها بعد الحلب واللبن باق
وهذا على قسمين (أحدهما) أن يكون قد حمض وتغير فلا خلاف أن البائع لا يكلف أخذه (والثاني)
أن لا يكون كذلك وهي صورة الكتاب ففيها وجهان (أصحهما) وهو قول أبى إسحاق أنه لا يجب على
البائع أخذه لما ذكره المصنف رحمه الله وفيه تنبيه على أنه ليس من شرط المسألة أن يأتي عليه زمان
بل لو كان عقب الحلب لم يجب أخذه لأنه صار يسرع إليه التغيير فنقص عما كان في الضرع وقول
المصنف رحمه الله بعد ذلك فلا يجبر على أخذه تأكيد لأنه قد ذكر ذلك أولا ويمكن تعليل هذا
الوجه أيضا بأن اللبن الموجود عند العقد الذي يستحق بدله اختلط باللبن الحادث المختص بالمشتري فإذا
سمح به لا يجبر البائع على قبوله وهذا قد يخدشه الخلاف المذكور في الاخبار في مسألة اختلاط الثمار
ومسألة النعل ومسألة الحنطة المختلطة فيكون الاقتصار على العلة الأولى أولى (وقد يقال) أنه لا يصار إلى
الاخبار في المسائل المذكورة إلا للضرورة ألا ترى أن النعل إذا لم يكن نزعه معيبا فلم ينزعه لا يجب قبوله
وههنا لا ضرورة تدعو إلى قبول اللبن لامكان رد التمر الذي قدره الشرع وممن صحح هذا الوجه ابن أبي عصرون
والرافعي رضي الله عنهما وقال الروياني في البحر إنه الأصح عند جمهور أصحابنا وبه جزم الماوردي
(والوجه الثاني) أنه يجب على البائع قبوله ويجبر عليه لما ذكره المصنف والاعتذار بكون ذلك لاستعلام
العيب وهو الذي ذكره القاضي أبو الطيب مستمر على الأظهر من القولين في تلك المسألة كأنه إذا
كسر منه قدر ما يفرق به العيب يرده قهرا وقاسوه على مسألة المصراة هذا والقول الثاني في تلك المسألة
بمسألة المصراة التي قاسوا عليها رد الشاة بدون اللبن فإنه جائز قولا واحد مع النقصان الذي حصل فيها
بالحلب لأجل أن ذلك لاستعلام عيب الشاة وليس مرادهم مسألة اللبن التي فيها إذ لا يحسن تخريج
قول على وجه وحينئذ فمسألة اللبن هذه فرد من أفراد تلك المسائل المسندة إلى رد المصراة بعد نقصها
بالحلب (الثاني) أنه إذا كان النقص الذي يستقل به العيب غير مانع على الأظهر من القولين في تلك
المسائل وبلا خلاف في رد الشاة نفسها بعد الحلب فلم لا كان هنا في رد اللبن كذلك؟ ولم حكم الجمهور
80

بأن الصحيح عدم الاجبار؟ (فالجواب) أن اللبن لم يظهر فيه عيب قديم يقتضى رده بخلاف الشاة وما
لا يوقف على عيبه إلا بكسره فإنه مشتمل على عيب قديم بسببه يرد فنقصه لاستعلام عيبه واللبن نقصه
لاستعلام عيب غيره وهو الشاة والحاقه بما نقصه لاستعلام عيبه يحتاج إلى بيان والتمييز بين النوعين
كاف في الفرق (وأيضا) النقص لاستعلام العيب لو قلنا بأنه يمنع في غير هذا الموضع لأدى إلى بطلان
رد المعيب وههنا لا يؤدى إلى ذلك لان الشرع جعل اللبن بدلا يرده مع الشاة المعيبة واللبن ليس
بمعيب فلا يلزم من اغتفاره في محل الضرورة اغتفاره حيث لا ضرورة (الثالث) أنا على القول بالرد فيما
نقصت قيمته بكسره نقول بأنه يغرم الأرش على قول وإن كان الأظهر خلافه وأما ههنا على الوجه بأن له رد
اللبن لا نعلم أحدا قال بأن المشترى يغرم مع ذلك تفاوت ما بين قيمة اللبن في الضرع وقيمته
محلوبا وهذا يحرك لنا بحثا وهو أن التمر يتقسط على الشاة واللبن الذي في ضرعها كما تقدم وذلك باعتبار قيمتيهما فهل
تعتبر قيمة اللبن في الضرع أو بعد الحلب (وقد) يقال إنه في الضرع لا يمكن تقويمه كالحمل في البطن لكنا إذا
كنا نعلم أنه بعد الحلب أنقص مما في الضرع وحين المقابلة كان في الضرع والمعتبر في التقسيط
وقت العقد فهذا البحث حركته لننظر فيه فإن كان يعتبر قيمته في الضرع وبالحلب ينقص عن ذلك
فكان قياس ذلك الوجه إيجاب الأرش ولا أعلم من قال به وإن كان يعتبر قيمته بعد الحلب فلا نقص
حينئذ ولا يحتاج أن يعتذر بأنه نقص حدث لاستعلام العيب (الرابع) انا إذا قلنا بأن للمشترى
رد اللبن فهل له إمساكه ورد الشاة (قال) صاحب التتمة إن كان قد أمسكها زمانا يحدث في مثله
لبن لا يكلف الرد لان الحادث بعد العقد ملكه فلا يلزمه رده وان حلب عقيب الشراء وقلنا على
البائع قبول اللبن لأنه عين حقه فعلى المشترى رده إذا أراد الفسخ وليس له رد البدل لان حقه
في يده (الخامس) أن القائل بأن له ههنا أن يرد اللبن هل ذلك بطريق الفسخ كما لو اشترى عينين
فوجد بإحداهما عيبا فان له أن يرد الجميع إن كان كذلك فينبغي عند هذا القائل انه إذا أراد إمساك
اللبن ورد الشاة يجرى فيها الخلاف فيما إذا أراد أن يفرد إحدى العينين بالرد فعلى قول يمتنع عليها
81

الافراد بالرد وهو يوافق ما تقدم عن صاحب التتمة عند عدم اختلاط اللبن بلبن جديد وعلى قول
لا يمتنع وان لم يكن بطريق الفسخ فبماذا يجبر البائع على قبول وحقه في التمر واللبن علي ملك المشتري
بمقتضى العقد فتلخص أن صاحب هذا الوجه يلزمه أن يوجب رد اللبن عند بقائه وهو
خلاف ظاهر الحديث (السادس) أن رد اللبن هل يكون حكمه حكم رد المصراة إذا قلنا الخيار فيها على
الفور حتى إذا أخر بطل اجبار البائع عليه ويقتصر على رد الشاة أو نقول رد الشاة على
الفور واللبن إلى خيرة المشترى لم أر في ذلك نقلا وهو يلتفت على ما تقدم من البحث في أن ذلك هل
هو بطريق الفسخ أولا فأن كان بطريق الفسخ كان على الفور وكل هذه التفريعات المضطربة
سببها ضعف هذا الوجه القائل بأن له رد اللبن قهرا (السابع) قول المصنف رحمه الله ولأنه لو لم يجز الرد
إلى آخره هو الدليل الثاني في كلامه الذي وعدت بالكلام عليه وهو دليل مستقل غير ناظر إلى أن
النقصان لأجل الاستعلام أولا وبهذا يخالف ما قدمته من أن هذه المسألة ومسألة مالا يوقف على
عيبه إلا بكسره جميعا يرجعان إلى مسألة رد المصراة مع نقصها بالحلب وهذا الدليل الذي ذكره المصنف
رحمه الله غير ذلك لأنه جعل امتناع رد اللبن مستلزما لامتناع أفراد الشاة بالرد وعلل الأول بالنقص
بالحلب والثاني بأنه إفراد بعض المعقود عليه وذلك غير النقص بالحلب فلم يحصل الجمع بينهما به
وإنما مقصوده قياس النقصان بالحلب على النقصان بالافراد فان أفراد بعض المعقود عليه نقص وسكت
المصنف رحمه الله عن ذلك لوضوحه ولذكره في موضع آخر وهو ما إذا اشترى عينين صفقة واحدة
فإنه لا يجوز أفراد أحدهما بالرد إما جزما إذا كان العيب بهما أو على الأظهر إذا كان بأحدهما وإذا كان
إفراد بعض المعقود عليه نقصا فلو امتنع رد اللبن بنقصانه بالحلب لامتنع افراد الشاة لنقصانها بالافراد
والجامع بينهما مطلق النقصان فلما جاز رد الشاة ههنا وافرادها عن اللبن اتفاقا ولم يجعل النقصان
بالافراد مانعا - وإن كان مانعا في سائر المواضع - وجب أن يجوز رد اللبن ولا يجعل النقصان بالحلب
مانعا - وإن كان مانعا في سائر المواضع - هذا تقرير هذا الدليل ولابد من الجواب عنه إذ الأصح في المذهب
خلافه (وطريق) الجواب أن الأصل أن النقص مانع ولا يلزم من مخالفة الأصل في موضع مخالفته في كل
82

موضع الا أن يتبين أن المعني الذي استثني لأجله نقصان افراد الشاة بالرد عن سائر مواضع الافراد
موجود في النقصان بالحلب ههنا حتى يستثنى عن سائر مواضع النقص وصحة القياس متوقفة على
ثبوت ذلك وهو غير بين (الثامن) أن الأصحاب أطبقوا على حكاية الوجهين كما حكاهما المصنف
رحمه الله وكلام الشيخ أبى حامد يقتضى حكاية الوجهين عن أبي إسحاق ولذلك الروياني قال أن
أبا إسحاق أشار في الشرح إلى وجهين والمصنف وابن الصباغ جعل القول بعدم الاجبار قول أبي إسحاق
وكلام أبى الطيب محتمل لما قاله أبو حامد ولما قاله المصنف فإنه قال لا يجبر عليه ذكره أبو إسحاق
في الشرح وقال لأنه صار معيبا وفيه وجه آخر أنه يجوز وبقية الأصحاب يذكرون الوجهين غير
منسوبين والجمع بين ذلك كله أن أبا إسحاق ذكر في شرحه الوجه الذي اختاره والوجه الآخر (التاسع)
أن هذا كله في رده على جهة القهر أما لو تراضيا على ذلك قال الماوردي والروياني في البحر جاز وقد
تقدم ذلك عن البغوي والرافعي رحمهما الله أنه لا خلاف فيه ونبهت هناك أنه هل هو من باب
الاعتياض أو من باب الرد بالفسخ وان ابن المنذر خالف فيه ومقتضى كلامه المخالفة ههنا وهو أحد
قولي المالكية وان ابن المنذر جعله من باب الاعتياض وذكرت بحثا هناك يقتضى أنه ليس كذلك
وأنه يجوز فلينظر ذلك البحث هناك في فرع عند شرح قول المصنف " وان أجاز رد المصراة رد
بدل اللبن " *
* (فرع) * قسم المرعشي العيب الحادث عند المشترى إلى قسمين (أحدهما) المصراة يردها ناقصة
عما أخذت عليه من كون اللبن في ضرعها وما سوى المصراة ثلاثة أضرب (أحدها) يرد قولا واحدا
كالعنت والخيار يغمزه بعود أو حديدة فيتبين أنه مر (والثاني) فيه قولا كالثوب يقطع ثم يعلم عيبه
(والثالث) ثلاثة أقوال إذا كسرنا لا نوقف على عيبه إلا بكسره وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى في الرد
بالعيب وفيه توقف نذكره هناك إن شاء الله تعالى *
* (فرع) * إذا اشترى شاة وجز صوفها ثم وجد بها عيبا إن كان الجز لاستعلام العيب لم يمتنع
الرد وجرى مجرى الحلب *
83

* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان اشترى جارية مصراة ففيه أربعة أوجه (أحدها) أنه يردها ويرد معها صاعا لأنه يقصد
لبنها فثبت بالتدليس له فيه الخيار والصاع كالشاة (والثاني) أنه يردها لان لبنها يقصد لتربية
الولد ولم يسلم له ذلك فثبت له الرد ولا يرد بدله لأنه لا يباع ولا يقصد بالعوض (والثالث) لا يردها
لان الجارية لا يقصد في العادة إلا عينها دون لبنها (والرابع) لا يردها ويرجع بالأرش لأنه لا يمكن ردها
مع عوض اللبن لأنه ليس للبنها عوض مقصود ولا يمكن ردها من غير عوض لأنه يؤدي إلى إسقاط
حق البائع من لبنها من غير بدل ولا يمكن إجبار المبتاع على إمساكها بالثمن المسمى لأنه لم يبذل الثمن
إلا ليسلم له ما دلس به من اللبن فوجب أن يرجع على البائع بالأرش كما لو وجد بالمبيع عيبا وحدث
عنده عيب) * *
* (الشرح) * الكلام في هذا الفصل والفصل الذي بعده يحتاج إلى أصل وهو أن المنصوص
عليه في كلام الشافعي رحمه الله حكم الإبل والغنم والبقر والصحيح المشهور أنه يعم جميع الحيوانات
المأكولة والمصرح به من ذلك في الحديث هو الإبل والغنم (وكثير) من الأصحاب يجعلون حكم البقر
ثابتا بالقياس وبه يشعر كلام الشافعي رحمه الله في المختصر (ومنهم) من يأخذه من النص في الحديث
الذي لفظه " من اشترى مصراة " فإنه عام وقد تقدم ذلك واتفقوا على إثبات الحكم في البقر إما بالنص
واما بالقياس فان القياس فيها ظاهر جلى وهي في معني الإبل والغنم فلذلك اتفقوا على ثبوت الحكم فيها
أما ما عدا ذلك من الحيوانات كالجارية والأتان فلا يظهر فيهما أنهما في معنى الأصل المنصوص عليه وعقد
المصنف رحمه الله هذا الفصل والذي بعده للكلام فيهما والذي تجرى أحكام المصراة عليهما فطريقه
في ذلك أما القياس وإن كان ليس في الجلاء والظهور كالأولى وأما إدراجها في عموم قوله " من اشترى
مصراة " والذي لا تجرى عليهما أحكام المصراة طريقه قطع القياس ويتبين أنهما غير داخلين في عموم قوله
مصراة (إما) بأن الاسم غير صادق عليهما عند الاطلاق (واما) باخراجهما من اللفظ بدليل (وقد) يقال إن
84

من جملة ما يدل على إخراج الجارية قوله في الحديث " بعد أن يحلبها " فان ذلك يقتضى قصر الحكم على
ما يصدق عليه اسم الحلب وفى إطلاق الحلب على الجارية نظر (واعلم) أن قاعدة مذهب الشافعي
رضي الله عنه كما ذكره الامام يدل أن ثبوت الخيار في المصراة جار على القياس وإذا كان كذلك
فيسوغ إلحاق غير المنصوص عليه بالمنصوص والمصنف رحمه الله وكثير من الأصحاب لم يذكروا الحديث
الذي فيه صيغة العموم وإنما ذكروا النص في الإبل والغنم وكان ما سوى المنصوص عليه على قسمين
(قسم) التصرية موجودة فيه في غير الإبل والغنم (وقسم) فيه معني بشبه التصرية فذكر المصنف رحمه الله
الجارية في هذا الفصل والأتان في الذي بعده لأنهما ملحقان عند من يقول بالالحاق بالإبل والغنم لشمول
التصرية بالجميع وذلك بعد تجعيد شعر الجارية ولأنه ملحق بالتصرية فلذلك أخره وله مراتب في الظهور
كتجعيد الشعر فيلحق والخفاء كنقطة من المداد على ثوب العبد فلا يلحق وبين ذلك ففيه
خلاف ونذكره هذه المراتب إن شاء الله تعالى عند كلام المصنف في تجعيد شعر الجارية وذكر الماوردي
وجهين في التصرية في غير الإبل والبقر والغنم فأحد الوجهين وهو قول البصريين أنها ليست بعيب
(والثاني) وهو قول البغداديين أن التصرية في كل الحيوان عيب (وأما) تصرية الجارية الذي هو محل
كلام المصنف هنا فقال الامام إن الخلاف فيه ليس من النمط المذكور فان التلبيس بالتصرية في
الجارية كالتلبيس بالتصرية في البهيمة وإنما نشأ الخلاف من أصل آخر وهو أن الأصل في خيار الخلف
أن يترتب على الشرط والفعل الموهم المدلس الخلف بالشرط وهو دونه ويقوى أثره فيما يظهر توجه
القصد إليه فاما مالا يتوجه القصد إليه فلا يظهر التلبيس فيه قال ويمكن أن يقال هذا مع التقريب
يلتحق بما قدمناه من مواقع الحلاف يعني من المرتبة التي بين الظهور والخفاء كما أشرنا إليه من قبل
فان الشئ إذا كان لا يقصد مما يجرى من تلبيس فيه وفاقا لا توهم ويمكن أن يقرب مما تقدم من وجه
آخر وهو أن الضرع والاخلاف يعتاد معاينتها ويدرك الفرق فيها وليس كذلك الثدي في بنات آدم
فان المشاهدة لا تتعلق غالبا به وغرضنا تخريج الوفاق والخلاف على أصول ضابطة انتهى ومقصود
85

الامام بذلك أن الثدي إذا كان لا يرى غالبا ولا يحصل فيه قصد التغرير غالبا فلم يتحقق كضرع
الناقة والشاة الذي هو مرئ الغالب ومقصوده بما قاله أولا من أن لبن الجارية غير مقصود أي في الغالب
لأنه لا يقصد إلا على ندور لأجل الحضانة فلا يلتحق بما هو مقصود في كل الأحوال ولذلك لم يغتر
برؤية الحلمة وهو الثدي إذا عرف ذلك فهل التصرية في الجارية عيب أم لا على وجهين
على ما تقدم عن الماوردي (وقال) الشيخ أبو حامد أنه لا خلاف أنها عيب لامرين (أحدهما) الرغبة
في رضاع الولد (والثاني) أن كثرة اللبن تحسن الثدي لأنه يعلو ولا يسترسل هكذا قال
أبو حامد ولكن غيره مصرح بالخلاف في ذلك وشبهوه على أحد الوجهين بما إذا اشترى جارية فبانت
أخته فلا خيار لان الوطئ في ملك اليمين غير مقصود إذا عرف ذلك فقد ذكر المصنف أربعة أوجه
أصلها وجهان وقيل قولان (أحدهما) أنه يرد معها صاعا لما ذكره المصنف وهذا قول ابن سريج
وابن سلمة فيما حكاه الجوزي (والآخر) يردها ولا يرد بدل اللبن لأنه لا يعتاض عنه في الغالب وإن كان
متقوما وهذا معني المصنف رحمه الله أنه لا يقصد بالعوض ولم يرد أنه لا يباع منفردا لان مذهبنا جواز
بيعه وهذا الوجه ذكره الصيدلاني وغيره على ما حكاه الامام وكلا الوجهين مذكور في الحاوي وفيما
علقه سليم عن أبي حامد (والوجه الثاني) أنه لا يرد وهذا قول أبى حفص ابن الوكيل على ما يقتضيه
كلام الجوزي وعلى هذا فوجهان (أحدهما) وهو الثالث في كلام المصنف رحمه الله أنه لا يرد أي ولا شئ له
لما ذكره المصنف رحمه الله وهذا الوجه لم يذكره الرافعي ولكن ذكره القاضي أبو الطيب والقاضي
حسين والماوردي وغيرهم وهو مفرع على أن التصرية في ذلك ليست بعيب (والآخر) وهو الرابع في
كلام المصنف أنه لا يرد ويرجع بالأرش وصححه ابن أبي عصرون تفريعا على القول بعدم الرد واختلف
في مأخذه فالشيخ أبو حامد ذكره فيما علقه البندنيجي عنه من قوله أنه لا خلاف في أنها عيب إلى
مستدلا بما ذكره المصنف وهو حسن واستدل لأنه لا يمكن ردها من غير عوض بأنها نقصت عنده
فهذا الوجه بهذا التعليل مع الوجهين الأولين ثلاثتها مفرعة على القولين بأن التصرية في ذلك عيب
86

ولذلك ذكرها الشيخ أبو حامد مفرقة في التعليقين ونقل الروياني عن الدارمي أنه على القول بأنه
ليس بعيب فإنه يرجع بالأرش وغلطه قال لان هذا القائل منع الرد لأنه ليس بعيب وقدر الداركي
أنه لا يرد لان الحلب عيب حادث فقال يرجع بالأرش (قلت) وينبغي أن يحمل كلام الدارمي على ما
قاله الشيخ أبو حامد رحمه الله ولا يغلط ولا يظن به أنه فرع ذلك على أنه ليس بعيب هذا ما ذكره
الأصحاب رحمهم الله في ذلك (وقال) الامام إذا أثبتنا الخيار بتصرية الجارية وان قدرنا التمر بقيمة
اللبن فلم يكن للبن الجارية قيمة لم يجب شئ وإن أوجبنا الصاع فههنا وجهان هذا إذا لم يكن اللبن
متقوما وإن كان له قيمة فلابد من بدله وهل يبدل بالصاع أو بقيمته من تمر أو قوت آخر فيه وجهان
وهذا التخريج حسن (والأصح) من هذه الأوجه عند الرافعي وصاحب التهذيب أنه لا يرد ولا يرد بدل
اللبن وهو الثاني في كلام المصنف رضي الله عنه قال الروياني في البحر وهذا أقرب عندي (والأصح)
عند القاضي أبى الطيب والجرجاني انه يردها ويرد معها صاعا بمنزلة تصرية الإبل والغنم (وقال) ابن أبي
عصرون انه الاقيس به في المرشد وقد تقدم في باب الربا ان محمد بن عبد الرحمن الحضرمي نقل
عن الشافعي رضي الله عنه أنه لو باع أمة ذات لبن بلبن ادمية جاز وهو رد ما صححه القاضي أبو الطيب
هنا لأنه لو كان اللبن بمنزلة العين ويقابله قسط من الثمن لما صح بيعها بلبن ادمية كمالا يصح بيع
شاة في ضرعها لبن بلبن غنم وعلى ما تقدم من تخريج رجع النظر إلى تحقيق مناط وهو أن لبن
الجارية هل له قيمة أولا فإن كان له قيمة تعين الحكم بوجوب بدله كما قال الامام (قال) لان نفي البدل
في هذا المقام لا يقتضيه خبر ولا يوجبه قياس *
* (فرع) * حكم الخيل حكم الجارية ذكره الماوردي ولم يذكر الماوردي في الجارية الثلاثة
الأوجه المذكورة أولا في كلام المصنف رحمه الله قال العبدري لنا في تصرية لبن الجارية قولان وفى
الأتان وجهان فاقتضى كلامه أن الخلاف في الجارية منصوص عليه وكذلك رددت القول فيما تقدم
في ذلك هل هو وجهان أو قولان والله أعلم *
87

* (فرع) * من جملة العلماء القائلين بأن حكم التصرية لا ينحصر في الإبل والغنم البخاري رحمه
الله فإنه قال في تبويبه باب النهى " للبائع أن لا يحفل الإبل والغنم والبقر وكل محفلة والمصراة التي
صرى لبنها وحقن فيه وجمع فلم تحلب أياما " ولم يذكر في الباب حديثا فيه صيغة عامة بنعته والله أعلم *
* (فرع) * حكي المصنف في التنبيه وجهين (أحدهما) أنه لا يرد (والثاني) أنه يرد ولا يرد بدل
اللبن فالثاني في التنبيه هو الثاني في المهذب والأولى في الثاني يحتمل أن يكون هو الثالث في المهذب
وهو أنه لا يردها ولا شئ له ويحتمل أن يكون هو الرابع وهو أنه لا يرد ويأخذ الأرش ويحتمل أن
يكون مقصوده عدم الرد الذي هو مشترك بين الوجهين ويكون كل من الوجهين مفرعا عليه وهو
الأول (وقال) ابن الرفعة في قول التنبيه أنه لا يرد قال أي ويأخذ الأرش وقال إن القول بأنه لا يرد
ولا يرجع بالأرش هو ما ظن ابن يونس أنه القول الأول من كلام الشيخ (قلت) وأما تفسير
ابن الرفعة لكلام الشيخ فممنوع لما تقدم وأما كلام لبن يونس فمحتمل لأنه حكى الوجهين فيحتمل
أن يكون جعلهما مفرعين على الوجه الذي حكاه الشيخ وهو الاحتمال الذي قلت أنه الأولى وحينئذ
لا ينسب إلى ابن يونس حمل كلام الشيخ على أحد الوجهين دون الثاني والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان اشترى أتانا مصراة فان قلنا بقول الإصطخري أن لبنها طاهر ردها ورد معها
بدل اللبن كالشاة (وان قلنا) بالمنصوص أنه نجس ففيه وجهان (أحدهما) أنه يردها ولا يرد
بدل اللبن لأنه لا قيمة له فلا يقابل ببدل (والثاني) يمسكها ويأخذ الأرش لأنه لا يمكن
ردها مع البدل لأنه لا بدل له ولا ردها من غير بدل لما فيه من إسقاط حق البائع من
لبنها ولا إمساكها بالثمن لأنه لم يبذل الثمن إلا لتسلم له الأتان مع اللبن ولم تسلم فوجب أن تمسك
ويأخذ الأرش) *
88

* (الشرح) * الأتان الأنثى من الحمر وقول الإصطخري رحمه الله بطهارة لبنها معروف مشهور
وهوى يقول بطهارته وحل تناوله وعده الامام من هفوات بعض الأئمة وحكي الامام أن من أصحابنا
من حكم بطهارة لبنها وجزمه وهذا بعيد والمذهب نجاسته وقد تقدم أن تصرية الأتان هل هي عيب
أم لا على وجهين وقال الشيخ أبو حامد انه لا خلاف في أنها عيب كما تقدم أنه مثل ذلك في الجارية
إذا عرف ذلك ففي حكم تصرية الأتان طرق (إحداهما) ما ذكره المصنف رحمه الله أنه ان قلنا بطهارة
لبنها ردها ورد بدل اللبن (وإن قلنا) بنجاسته فقيل يردها ولا يرد معها شيئا وقيل يمسكها ويأخذ
الأرش وممن ذكر هذه الطريقة الشيخ أبو حامد (الطريقة الثانية) التي ذكرها الماوردي من
العراقيين والقاضي حسين من الخراسانيين أنه هل يرد أولا يرد في المسألة وجهان (فان قلنا) بنجاسة
لبنها ردها ولا يرد معها شيئا (وان قلنا) بطهارة لبنها وهو قول الإصطخري فهل يرد معها صاعا من
تمر على وجهين كالجارية وإناث الخيل وهذا عكس ما ذكره المصنف رحمه الله (والطريقة الثالثة)
التي ذكرها الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب الجزم بردها وتخريج رد بدل اللبن علي الخلاف
(فان قلنا) بطهارته رد بدله صاعا من تمر (وان قلنا) بنجاسته لا يرد لان النجس لا بدل له ولا قيمة
وهذه تخالف طريقة الماوردي فان الماوردي يتردد في رد بدل اللبن علي القول بطهارته وأبو حامد
وأبو الطيب جازمان به وتخالف طريقة المصنف رحمه الله في قوله إنه يمسكها ويأخذ الأرش وقد
نقل الشاشي عن القاضي أبى الطيب أن الأوجه التي في الجارية في الأتان على قول الإصطخري
فهذه الطرق الثلاثة في طريقة العراقيين وبعضها في كلام الخراسانيين كما تقدم (والطريقة الرابعة)
التي ارتضاها الامام انه ان قلنا اللبن نجس فلا يقابل بشئ ولكن لا يبعد إثبات الخيار إذ قد يقصد
غزارة لبنها لمكان الجحش فيلتحق هذا الخيار بقبول التردد وان حكمنا بأنه طاهر فكذلك فان
اللبن المحرم لا يتقوم وان حكمنا بحله فالقول في تصرية الأتان كالقول في تصرية الجارية وقد تقدم
89

كلامه في الجارية وهذه الطريقة توافق طريقة الماوردي في إلحاقها بالجارية على قول طهارة اللبن
وحله وتخالفها في أن الماوردي لم يحك القول بتحريم اللبن مع طهارته ولا التفريع عليه وفى أن الماوردي
لم يبن الخلاف في الرد على الخلاف في النجاسة وإنما حكى الخلاف في الرد وفى سائر الحيوانات غير
الإبل والبقر والغنم (فان قلنا) بشمول الحكم للجميع فالماوردي جازم على قولنا بنجاسة اللبن يرد الأتان ولا
شئ معها والامام مقتضى كلامه التردد في ردها وطريقة الامام تخالف طريقة المصنف رحمه الله أيضا
ولان الامام لم يتعرض لامساكها بالأرش والمصنف لم يتعرض لطهارة اللبن مع تحريمه والله أعلم ولم
يتعرض ابن عبد السلام في اختصار النهاية لما أشار إليه الامام من التردد في ثبوت الخيار فتلخص من
هذه الطرق أربعة أوجه (أحدها) أنه يردها ويرد معها بدل اللبن (الثاني) أنه يردها ولا يرد معها شيئا
وهذا هو الصحيح عند الرافعي وغيره وهو الذي جزم به المصنف رحمه الله في التنبيه (والثالث) أنه
لا يردها ويأخذ الأرش (الرابع) الذي دل عليه كلام الامام أنه لا يردها ولا شئ له لأنه جعل ذلك
من صور الخلاف ومراده به الحاقه بالمرتبة المتوسطة بين المراتب الثلاث التي تقدمت الإشارة إليها
ويأتي ذكرها إن شاء الله تعالى عند كلام المصنف رحمه الله في تجعيد شعر الجارية وإذا كان كذلك
فيقتضى كلام الامام المذكور إثبات وجه كما قلناه أنه لا خيار له وكذلك يقتضيه كلام الماوردي حيث
ألحق الأتان بالجارية وحيث حكى الخلاف في سائر الحيوان مطلقا غير الإبل والبقر والغنم كما تقدم عن
البصريين والبغداديين في أن التصرية فيها عيب أو ليست بعيب وكلام غيره أيضا وهذا الوجه ليس
مذكورا في كلام المصنف رحمه الله والأوجه الثلاثة التي ذكرها المصنف ذكرها الشيخ أبو حامد أيضا
مع قوله أن لا خلاف في أنها عيب والوجه الرابع القائل بعدم الخيار مستمد من الوجه الذي تقدم
عن البصريين أن التصرية في ذلك ليست بعيب فيجوزون الأوجه الأربعة وهي نظير الأوجه الأربعة
90

التي ذكرها المصنف رحمه الله في الجارية وإن كانت المآخذ مختلفة وقال ابن أبي عصرون على قول
الإصطخري بعد أن حكى كلام الأصحاب وقولهم في التفريع عليه انه يرد مثل بدل لبن الشاة قال وعندي
ينبغي أن يرد الأرش لان لبنها لا يساوى لبن الانعام ولا يلحق به في تقدير بدله كما أن جنين البهيمة
لما لم يساوى جنين الآدمية ضمن بها يقضى من قيمة الام وهذا الذي ذكره لو ثبت كان زائدا على الأوجه
الأربعة لكنه بعيد لأنه على القول بطهارته وجعله مما يقابل بالعوض لا يفارق لبن الانعام وإن كان أنقص قيمة
منها فان بعض الانعام لبنها أنقص قيمة من بعض ولا اعتبار بذلك ويلزمه أن يقول بذلك في الجارية
ولم يقل به هناك بل قال أن الاقيس أنه يجب رد بدله والله أعلم *
* (فرع) * قول المصنف رحمه الله " لم يبذل الثمن إلا لتسلم له الأتان مع اللبن " وكذا قوله فيما تقدم
في الجارية " لم يبذل الثمن إلا ليسلم له ما دلس به من اللبن " رأيتها مضبوطة في بعض النسخ - بضم التاء
وفتح السين وتشديد اللام المفتوحة - والأحسن أن يقرأ - بفتح التاء واسكان السين وفتح اللام المخففة -
فان البائع سلم الأتان مع اللبن ولكن حصلت في ذلك السلامة للمشترى *
* (فرع) * جزم المصنف في التنبيه بأنه يرد الأتان ولا يرد بدل اللبن وتردد في رد الجارية مع
الجزم فيها بأنه لا يرد بدله اللبن فاما جزمه برد الأتان وتردده في رد الجارية فلان لبن الأتان مقصود
ولا يساويه لبن الجارية في ذلك وعلى قوله في المهذب انه لا يرد قال إنه يأخذ الأرش يكون اللبن في
الأتان مقصودا فلم يتردد قوله لا في المهذب ولا في التنبيه في أن لبن الأتان مقصود لكن امتناع رد
بدله على الصحيح لأجل نجاسته وان كنا قد حكينا عن غير المصنف رحمه الله وجها رابعا بعدم الرد
مطلقا وذلك يلزم منه القول بأنه غير مقصود (أما) جزمه في التنبيه بأنه لا يرد بدل لبن الأتان فإنه
تفريع على المذهب في نجاسته وزعم ابن الرفعة أن ذلك سواء قلنا بنجاسته أو بطهارته كما ذهب إليه
الإصطخري قال وقيل على القول بطهارته يجب الصاع وهذا الذي قاله ابن الرفعة وإن كان الخلاف
91

ثابتا فيه كما تقدم لكن لا يحسن أن نشرح به كلام التنبيه لان صاحبه في المهذب جازم على قول
الإصطخري يرد بدل اللبن فيجب حمل كلامه في التنبيه على المذهب فيكون موافقا لذلك ليس ذلك
مما اختلفت فيه الطريقان حتى يحمل كلامه في التنبيه على طريقة وكلامه في المهذب على طريقة
أخرى وقد تبين لك الطرق المذكورة في ذلك والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (إذا ابتاع شاة بشرط أن تحلب كل يوم خمسة أرطال ففيه وجهان بناء على القولين فيمن باع
شاة وشرط حملها (أحدهما) لا يصح لأنه شرط مجهول فلم يصح (والثاني) أنه يصح لأنه يعلم بالعادة فصح
شرطه فعلى هذا إذا لم تحلب المشروط فهو بالخيار بين الامساك والرد) * *
* (الشرح) * هذه المسألة جزم الرافعي رحمه الله في باب البيوع المنهى عنها فيها بعدم صحة المبيع
وصرح في الروضة بأنه يبطل البيع قطعا لان ذلك لا ينضبط فصار كما لو شرط في العبد أن يكتب
كل يوم عشر ورقات ولم يتعرض الرافعي للمسألة في باب التصرية وابن الصباغ ذكر المسألة هنا
وجزم فيها بالبطلان وكذلك صاحب التتمة قبل هذا الباب صرح وجزم بأن العقد فاسد وقال مع
ذلك أنه إذا شرط أنها لبون فإن كانت تدر لبنا وان قل فلا خيار له وان لم يكن لها لبن أصلا
فله الخيار وكذلك قال غيره ونقلوا عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يقول بالبطلان في هذه أيضا ولو
شرط أنها غزيرة اللبن فتبين نزارته فله الرد قاله الروياني وكلتا المسئلتين لا إشكال فيه بخلاف مسألة
الكتاب وصرح صاحب العدة حكاية الوجهين في مسألة الكتاب كما حكاهما المصنف رحمه الله
حرفا بحرف ونقل بعض المصنفين مسألة الكتاب وحكاية الوجهين فيها عن التتمة ولم أرهما
فيها بل الذي رأيت فيها البطلان والمصنف المذكور هو يعقوب بن أبي عصرون وذلك وهم منه
ولعله جاء يكتب المهذب كتب التتمة وقال الروياني في البحر لو اشترى شاة على أنها تحلب كل يوم
92

كذا وكذا قال أصحابنا لا يصح قولا واحدا قال وقيل فيه وجه انه يصح وقال ابن أبي عصرون
في الانتصار انه لا يصح البيع على أصح القولين فيحتمل أن يكون تابعا للمصنف في حكاية الخلاف
في المسألة وأطلق القولين على الوجهين ويحتمل أن يكون عنده نقل خارج وممن حكى الخلاف أيضا
في هذا الباب العمراني ويحتمل أن يكون تابعا للمصنف وكذلك حكاه فيما إذا شرط أن الشاة تضع
لرأس الشهر مثلا والمشهور في المسئلتين القطع بالفساد ولم أر الخلاف إلا في كلام المصنف والروياني
وصاحب العدة أيضا على أن المصنف رحمه الله وحده كاف في النقل فهو الثقة الأمين ولا يستبعد
ذلك من جهة المعني فان ذلك قد يعلم بالعادة فان الشاة التي خبرها البائع وجربها دائما وهي تدر
كل يوم مقدارا معلوما أو أكثر منه فهذا العقد الذي جرب وجوده منها في جميع الأيام يغلب على
الظن دوامه أما وضع الحمل لرأس الشهر المنقول عن العمراني فذلك بعيد الا على إرادة التقريب
الكثير نعم ههنا كلامان (أحدهما) أن الفرق ظاهر بين اشتراط قدر معلوم من اللبن واشتراط الحمل
فان اشتراط كونها حاملا نظيره اشتراط مقدار من اللبن ينبغي أن يكون كاشتراط مقدار أو وصف
في الحمل وذلك لا يمكن تصحيحه لأنه لا يمكن العلم به (واعلم) أن ههنا ثلاثة مراتب (إحداها)
يشترط مقدار أو وصف في الحمل وهذا لا يصح قطعا لأنه لا سبيل إلى علمه ولا ظنه (الثانية) اشتراط
أصل الحمل واللبن وهذا يصح على الأصح لأنه معلوم موجود عليه أمارات ظاهرة (الثالثة) اشتراط
مقدار من اللبن فهذا قدر يقوم عليه أمارة لعادة متقدمة ونحوها ومن هذا الوجه أشبه الحمل ويفارقه
من جهة أنه متعلق بأمر مستقبل يخرج كثيرا فلذلك جرى التردد فيه (الثاني) أن بناء المصنف الوجهين
على القولين في اشتراط الحبل يقتضى أن يكون الصحيح صحة الشرط ههنا لان الشرط صحة
اشتراط الحبل لكن ابن أبي عصرون ممن وافق المصنف رحمه الله على حكاية الخلاف صحح البطلان
وأكثر الأصحاب قطعوا به والفرق ما قدمته وجعلته من رتبة منحطة غير رتبة أصل الحمل واللبن
والله أعلم *
93

* (التفريع) * إذا قلنا بالصحة في ذلك فأخلف فله الخيار بين الامساك والرد كما قال المصنف
كالمصراة بل أولى من حيث المعني لان هذا بشرط صريح وذاك بما يقوم مقامه من التغرير ومقتضى
إلحاقها بالمصراة أنه إن حصل الخلف قبل الثلاث يجرى فيها الخلاف المذكور في المصراة في أنه يمتد
الخيار إلى ثلاثة أيام أو يكون على الفور أو لا يثبت إلا عند انقضاء الثلاث على الأوجه السابقة فلو
ظهر الخف بعد الثلاث فيكون على الفور كالمصراة ولا يأتي ههنا قول أبى حامد أنه لا يثبت الخيار
بعد الثلاث لان هناك مأخذه أن الخيار ثابت بالشرع وههنا ثابت بالشرط وأيضا الخيار في التصرية
خيار عيب على قول كما تقدم وأما هنا فخيار خلف ليس إلا نعم لو ظهر نقص اللبن ههنا بعد مدة فإن كان
ذلك بطريان حادث يقتضى ذلك فلا إشكال في أنه لا يثبت الخيار لان ذلك غير لازم للبائع
لان سببه ما حدث في يد المشترى وان لم يظهر حاله بحال نقص اللبن عليها فيحتمل أن يقال إنه لا أثر
للنقص أيضا لأنه لما دام اللبن وثبت على مقتضى الشرط حصل الوفاء بمقتضى الشرط وعلم بذلك
مزاج الحيوان والنقص بعد ذلك بمدة طويلة محمول على تغير طرأ وكذلك في المصراة لدوام اللبن مدة
ثم حصل نقص لم يتبين بذلك وجود التصرية بل ذلك محمول على نقص حادث وإنما يبقى ثبوت الخيار
حينئذ إذا اعترف البائع أو قامت بينة أنه كان قد صراها وهذا الاحتمال متعين (وأما) مقدار المدة فيحتمل
أن يقال إنه إذا حلبها ثلاثة أيام واللبن علي حاله لم يتغير فنغيره بعد ذلك لا يؤثر وتكون الثلاث
ضابطا لذلك لاعتبار الشارع إياها في هذا الباب ويحتمل أن لا يضبط بمدة معينة بل بما يظهر من
شاهد الحال ودلالته على أن النقص لأمر أصلى أو طارئ والله سبحانه أعلم *
94

* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (إذا ابتاع جارية قد جعد شعرها ثم بان أنها سبطة أو سود شعرها ثم بان بياض شعرها أو
حمر وجهها ثم بان صفرة وجهها ثبت له الرد لأنه تدليس بما يختلف به الثمن فثبت به الخيار
كالتصرية وان سبط شعرها ثم بان انها جعدة ففيه وجهان (أحدهما) لا خيار له لان الجعدة أكمل
وأكثر ثمنا (والثاني) أنه يثبت له الخيار لأنه قد تكون السبطة أحب إليه وأحسن عنده وهذا
لا يصح لأنه لا اعتبار به وإنما الاعتبار بما يزيد في الثمن والجعدة أكثر ثمنا من السبطة وان ابتاع صبرة
ثم بان انها كانت على صخرة أو بان ان باطنها دون ظاهرها في الجودة ثبت له الرد لما ذكرناه من
العلة في المسألة قبلها) * *
* (الشرح) * الفصل يتضمن مسائل من التغرير الفعلي ملحقة بالمصراة إما بلا خلاف واما على
وجه وقد كنت أشرت فيما تقدم إلى ذلك على ثلاث مراتب ووعدت بذكرها ههنا ولنجعل ذلك
مقدمة على مسائل الفصل قال الامام إن أئمة المذهب نصوا بأن كل تلبيس حال محل التصرية من
البهيمة إذا فرض اختلاف فيه ثبت الخيار فلو جعد الرجل شعرا تجعيدا لا يتميز عن تجعيد الخلقة ثم
زال ذلك ثبت الخيار للمشترى فنزلوا التجعيد منزلة اشتراط الجعودة وقد طردت في هذا مسلكا
في الأساليب وإذا جرى الحالف بشئ لا ظهور له فلا مبالاة به كما إذا كان على ثوب العبد نقطة من
مداد فهذا لا ينزل منزلة شرط كونه كاتبا ولو كان وقع المداد بحيث يعد من منزلة ان صاحب الثوب
ممن يتعاطى الكتابة فإذا أخلف الظن ففي ثبوت الخيار وجهان وإذا بني الامر على ظهور شئ في
العادة فما تناهى ظهوره يتأصل في الباب ومالا يظهر يخرج عنه وما يتردد بين الطرفين يختلف الأصحاب
فيه هذا كلام الامام وهو منبه على المراتب الثلاثة التي يثبت الخيار فيها جزما والتي لا يثبت جزما والتي
95

يتردد فيها ولم يذكر المصنف المرتبة التي يجزم بعدم الخيار فيها اقتصارا منه على ما يلحق بالتصرية جزما
أو على وجه إذا عرف ذلك فقد ذكر المصنف رحمه الله من المرتبة الأولى أمثلة (منها) إذا اشترى جارية
قد جعد شعرها ثم بأن أنها سبطة اتفق الأصحاب على ثبوت الخيار قياسا على المصراة لان الغرض يختلف
بالجعودة والسبوطة (وأيضا) الجعودة قيل أنها تدل على قوة الجسد والسبوطة تدل على ضعفه وللمسألة شرطان
(أحدهما) أن يكون المشترى قد رأي الشعر فلو لم يرده ففي صحة العقد وجهان (أحدهما) وبه قال الأكثرون
وابن أبي هريرة انه لا يصح ويكون كبيع الغائب (والثاني) وبه قال القفال وجماعة وهو الأصح عند الماوردي
الصحة فعلى الأول لا تأتى المسألة وعلى الثاني إذا لم يره لا يثبت الخيار إلا إذا شرط وقد قال الشافعي
رحمه الله في المختصر ولو اشتراها جعدة فوجدها سبطة فله الرد فالأكثرون حملوه على مسألة الكتاب
إذا كان البائع قد جعد شعرها بناء على الصحيح عندهم أنه لابد من رؤية الشعر وعلى وجه الثاني
يحتمل ذلك ويحتمل أن يكون المراد ما إذا شرط أنها جعدة وفى كلام الرافعي ما يقتضى جواز حمله
على الاشتراط وإن فرعنا على الأصح لان الشعر قد يرد ولا يعرف جعوده وسبوطته لعروض ما يستوى
الحالتان عنده من الابتلال وقرب العهد بالتسريح ونحوهما ففي كون المسألة منصوصة للشافعي لهذا
الاحتمال وعلى كل حال لا خلاف في المذهب فيها قال القاضي حسين في رؤية الشعر نشأ من اختلاف
أصحابنا في قول الشافعي رحمه الله ولو اشتراها جعدة فوجدها سبطة فله الرد من أصحابنا من حمله على
الشرط ومنهم من قال أراد إذا جعد شعرها بالتدليس (الشرط الثاني) ما تقدم عن الامام أن التجعيد
يكون بحيث لا يتميز عن تجعيد الخلقة والأكثرون ساكتون عن ذلك ولا شك أنه إذا كان
التجعيد يسيرا بحيث يظهر لغالب الناس أنه مصنوع فالمشترى منسوب إلى تفريط أما إذا كان
التجعيد بحيث يوهم كونه خلقيا فهذا هو المثبت للخيار وهو مراد الأصحاب (وشرط ثالث) فيه نزاع
أن يكون ذلك تجعيد البائع أو غيره باذنه فلو تجعد بنفسه جزم الفوراني في الإبانة بعدم الخيار
96

والأشبه يخرجه على ما إذا تحلفت الشاة بنفسها وقد تقدم أن فيها خلافا وفي الصحيح خلاف
والأصح عند صاحب التهذيب وقضية كلام الأكثرين ثبوته هناك كما تقدم فينبغي أن يكون
هنا كذلك وكلام ابن أبي عصرون في الانتصار والمرشد يقتضى ثبوت الخيار في ذلك فإنه قال إن
نظر إلى شعرها فرآه جعدا ثم بعد ذلك بان أنه سبط ثبت له الرد وهذه العبارة بعمومها تشمل ما إذا
تجعد بنفسه وما إذا جعده وكذلك عبارة الماوردي في الحاوي والفوراني أيضا في العمدة وهو الظاهر
فإنه لا فرق بين تجعد الشعر بنفسه وبين أن تحفل الشاة بنفسها ولعل الأصحاب إنما لم ينصوا على ذلك
مثل ما نصوا على تحفل الشاة لان تحفل الشاة بنفسها قد يقع كثيرا (وأما) تجعد الشعر بنفسه
فبعيد لا يتأتي في العادة فأفرض وقوعه فهو كتحفل الشاة بنفسها ولعل الفوراني من القائلين بعدم
ثبوت الخيار فيما إذا تحفلت الشاة بنفسها كما رأى الغزالي في الوجيز فيكون جزمه في تجعيد الشعر
بنفسه على ذلك * (تنبيه) * المراد بالتجعيد ما يخرج الشعر عن السبوطة المكروهة عند العرب وهو
ما يظهر إذا أرسل من التكسير والتقبض والالتواء وليس المراد أن يبلغ الجعد القطط فان ذلك
مكروه أيضا وأحسن الشعر ما كان بين ذلك وقد جاء في وصف شعر النبي صلى الله عليه وسلم " أنه كان شعرا رجلا
ليس بالجعد القطط ولا بالسبط " وفى رواية أخرى " لم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط كان جعدا رجلا "
(وقوله) سبط هو - بفتح السين وباسكان الباء وفتحها وكسرها - أي مسترسلة الشعر من غير تقبض
والله أعلم (المسألة الثانية) من أمثلة المرتبة الأولى إذا سود شعر الجارية ثم بان بياض شعرها أو حمر
وجهها ثم بان صفرة وجهها ثبت الخيار بلا خلاف والكلام فيه كالكلام فيما إذا جعد شعرها حرفا
بحرف وقياس ما قاله الفوراني فيما إذا حصل ذلك بنفسه أن يأتي ههنا وتحمير الوجه والخدين يكون
بالدمام وهو (الكلكون) قاله القاضي أبو الطيب وهذه اللفظة مذكورة في المهذب في باب الاحداد
وهي - بكاف مفتوحة ثم لام مشددة مفتوحة أيضا ثم كاف ثانية مضمونة ثم واو ساكنة ثم نون -
97

وأصله كلكون - بضم الكاف وسكون اللام - و (الكل) الورد و (الكون) اللون أي لون الورد
وهي لفظة عجمية معربة هكذا قال النووي رحمه الله في التهذيب ومن مسائل هذه المرتبة إذا بيض
وجهها بالطلاء ثم أسمر قاله القاضي أبو الطيب رحمه الله والطلاوة بياض وذلك إذا صغ الحمار حتى
حسن لونه أو نفخ فيه حتى صار بالنفخ كأنها دابة سمينة قالهما صاحب التتمة أو دهن شعر الدابة قاله
المحاملي في المقنع وكذلك لو كان له رحى قليلة الماء فأراد العرض على البيع والإجازة أرسل ذلك الماء
المحبوس حتى ظن المشترى أن الرحى كثيرة الماء شديدة الدوران ثم ظهر أن الماء قليل اتفق
الأصحاب عليهم وكلامهم يقتضى أن أبا حنيفة وافق عليها وكذلك إذا حبس ماء القناة ثم أطلقه عند
البيع أو الإجارة أعني إجارة الأرض فكذا إذا أرسل الزنبور في وجه الجارية فانتفخ وظنها المشترى
سمينة ثم بان خلافه أو لون جوهرا بلون البلخش أو العقيق أو الياقوت فظنه المشترى كذلك ثم بان
زجاجا له قيمة بحيث يصح بيعه صح اتفق الأصحاب في جميع هذه المسائل على ثبوت الخيار لما ذكره
المصنف رحمه الله (وقوله) بما يختلف به الثمن يحترز به مما لا يختلف به الثمن كالمسألة الثانية إذا سبطه فبان
جعدا فان الثمن يزيد به وما أشبهها مما لا ينقص الثمن به ولو لم يخضب الشعر ولا شرط سواده ولكن
باعها مطلقا فوجدها المشترى بيضاء الشعر فسيأتي حكمه بالرد بالعيب إن شاء الله تعالى * ولو لم يلون الجوهر
وباعه مطلقا والمشترى يظنه عقيقا أو فيروزجا قال القاضي حسين لا خيار له كما لو اشتري بقرة وقد عظم
بطنها فظنها المشترى حاملا ولم تكن فلا خيار ولك أن تقول إذ ظن المشترى من غير اعتماد على أمر
صحيح الجزم بعد الخيار (وأما) إذا عظم بطن البهيمة من غير فعل البائع وقلنا بأنه لو أكثر علفها حتى
صارت كذلك ثبت الخيار على وجه سيأتي إن شاء الله تعالى فينبغي أن يكون كما إذا تحفلت الشاة
بنفسها فيجرى فيها ذلك الخلاف وكذلك إذا تلون الجوهر من غير فعل البائع ينبغي أن يجرى فيه
الخلاف ويكون حكمه حكم الشاة إذا تحفلت بنفسها لان الظن فيه قوى بخلاف انتفاخ البطن (المرتبة
الثانية) ما في ثبوت الخيار فيها خلاف وهو على قسمين منه ما مثار الخلاف فيه من ضعف الظن ومنه
ما مثار الخلاف فيه من خروجه على أكمل مما ظنه ولنقدم الكلام في هذا فمن ذلك ما ذكره المصنف رحمه
98

الله إذا سبط شعر الجارية ثم بان أنها جعدة الشعر فلا شك أن الجعد أشرف وقد يكون السبط أشهى
إلى بعض الناس ففي المسألة طريقان (إحداهما) ما ذكره المصنف وارتضاه الامام واقتصر الرافعي عليها
أن في المسألة وجهين كالوجهين فيما إذا اشترط أنها سبطة الشعر فبانت جعدة ففي الخيار بالخلف في هذا
الشرط الوجهان المذكوران فيما إذا شرط أنها ثيب فخرجت بكرا (أصحهما) في المسائل الثلاث أنه لا خيار
ولذي حكاه الماوردي عن ابن سريج في شرط السبوطة (والطريقة الثانية) أنه لا يثبت الخيار في
التدليس بالسبوطة وجها واحدا وان ثبت في الخلف باشتراطها قال الصيدلاني وجعل ذلك ضابطا عاما
أن كل ما لو كان مشروطا واتصل الخلف به اقتضى خيارا وجها واحدا فالتدليس الظاهر فيه كالشرط
فإذا جعد شعر المملوك ثم بان سبطا ثبت الخيار وكل ما لو فرض مشهورا وصور الخلف فيه
فكان في الخيار وجهان فإذا فرض التدليس فيه ثم تترتب عليه خلف الظن قال لا خيار
وجها واحدا لضعف المظنون أولا وقصور الفعل في الباب عن القول قال الامام وهذا تحكم لا يساعد
عليه والتدليس في ظاهر الفعل كالقول في محال الوفاق والخلاف على الاطراد والاستواء فإذا سبط
الرجل شعر الجارية ثم بان أن شعرها جعد ففي الخيار الوجهان عندنا قال ابن الرفعة ولك أن تعجب
من قول الإمام أن ما ذكره الصيدلاني تحكم عجبا ظاهرا من جهة أن مأخذ اثبات الخيار عند التغرير
بالفعل التصرية بلا نزاع وقد حكى أن مأخذ اثبات الخيار في المصراة عند بعض الأصحاب إلحاق ذلك
بالعيب وإذا كان كذلك لم يحسن إثباته إذا خرج المبيع أجود مما رآه لأنه لا عيب ويكون حينئذ
الصيدلاني في قطعه ناظرا للمعنى المذكور ولعله هو قائله فإن لم يكن هو قائله استفدنا من كلامه هذا
أنه موافق له (قلت) وهذا ضعيف لامرين (أحدهما) أن الصيدلاني إنما علل انتفاء الخيار لضعف الظن
وقصور الفعل عن القول وهذا المعنى لا فرق فيه بين الجعودة والسبوطة فإن لم يكن الفعل والظن معتبرا
99

في الثاني لم يكن معتبرا في الأول فلا يثبت الخيار في واحد منهما وان قيل بمساواة ذلك القول فيثبت
فيهما وان قيل باعتباره مع انحطاطه عن رتبة القول حتى يجرى الخلاف فيجب أن يكون ذلك في
الصورتين أما الحكم بثبوت الخيار في الأولى قطعا كالقول وعدمه في الثانية قطعا لا وجه ولو كان
الصيدلاني سكت عن التعليل لأمكن تحمل ذلك وأن الخيار ثابت في الأولى بالعيب ومنتف في الثانية
لعدم العيب لكن كلامه ناص على أن التدليس كالشرط في الصورة الأولى وعلى أن انتفاء الثانية
لضعف الظن وقصور الفعل فلا جرم قال الامام إن ذلك تحكم (الثاني) أن القائلين من الأصحاب بأن
إثبات الخيار في التصرية مأخذه الالحاق بالعيب معناه الاكتفاء في ثبوته بفوات الذي وطن المشترى
نفسه عليه برؤيته للمبيع على تلك الصورة حتى يثبت فيما إذا تحفلت الشاة بنفسها ومقابله القول الذي
يلحق ذلك بخيار الخلف حتى لا يثبت الخيار إلا إذا كان حاصلا بتدليس من البائع كما تقدم وإذا كان
كذلك أمكن أن يقول بثبوت الخيار ههنا لان المشترى وطن نفسه على السبوطة لما رآها وقد يكون له
فيها غرض فليس معنى إلحاق ذلك بالعيب إلا جعل دلالة الرؤية على هذا الوصف كدلالة الغلبة على وصف
السلامة فخروجها على غير الوصف الذي رآه هو العيب وليس الوصف الذي رآه من السبوطة أو كبر
الضرع من غير علم بالتصرية عيبا والذي يقول بأن الغرض قد يتعلق بالشعر السبط لا يمنع أن يجعل
خروجه جعدا بمنزلة العيب إذا كان الغرض قد تعلق بسبوطته باشتراط أو برؤية لا فرق بينهما ويدلك
على هذا أن الصحيح كما تقدم أن التصرية ملحقة بالعيب كما دل عليه كلام الشافعي رضي الله عنه
والعراقيين ولذلك كان الصحيح ثبوت الخيار فيما إذا تحفلت بنفسها (والطريقة) الصحيحة ههنا جريان
الوجهين لو كان المأخذ في ذلك إلحاقه بالعيب من كل وجه لقطعوا بعدم الخيار ههنا وأما كون الصحيح
من الوجهين ههنا أنه لاخيار فلان الصحيح من الوجهين فيما إذا أخلف الشرط لصفة أكمل كذلك والله
أعلم * وبما ذكرناه يظهر لك أن هذا القسم متفق على إلحاقه بالتصرية وإنما الخلاف في الرد بحكم ذلك فعلى
وجه يرد كما في التصرية وعلى الصحيح لا يرد لخروجه أكمل وهو لو شرط وصفا فخرج أكمل لم يرد
100

على الصحيح وبهذا التحقيق يتعين أن يكون هذا القسم من المرتبة الأولى ولا يكون من المرتبة المتوسطة
التي تقدمت الإشارة إليها في كلام الامام وإنما ذكرته في المرتبة الثانية لكونه من صور الخلاف في
الجملة نعم كلام الصيدلاني وما أشار إليه من ضعف الظن وتصور الفعل يقتضى التردد في إلحاقه بالتصرية
وقد تقدم ما فيه ثم إن المصنف رحمه الله رد الوجه الثاني بأنه لا اعتبار به أي لا اعتبار بغرض المشترى
وإنما الاعتبار بما يزيد في الثمن لأنه المعتبر لعموم الناس وهذا سيأتي مثله أيضا في كلام المصنف فيما إذا
شرط أنها ثيب فخرجت بكرا وقد حكي الروياني في البحر أنه لو صرح باشتراط السبوطة فخرجت جعدة
قال بعض أصحابنا بخراسان يثبت الخيار وجها واحدا لأجل التصريح وقيل فيه وجهان فحصل في كل من
المسئلتين طريقان (الصحيح فيهما) إجراء الوجهين وقيل في المسألة الشرط يثبت قطعا وقيل في المسألة التدليس
لا يثبت قطعا (القسم الثاني من هذه المرتبة الثانية) التي هي محل الخلاف ما يضعف الظن فيه الخلاف في
هذا القسم في إلحاقه بالتصرية لأجل التغرير والظن أولا لضعف الظن في هذا القسم وقصوره على الشرط
والظن المسند إلى أمر غالب فمن ذلك من جهة أن هذا يقرب استكشافه وجرت العادة به بخلاف تسويد
الشعر ونحوه وكذلك الخلاف في هذا القسم فمن ذلك لو لطخ ثوب العبد بالمداد أو ألبسه ثوب الكتبة
والخبازين أو سود أنامله وخيل كونه كاتبا أو خبازا فبان خلافه فوجهان (أحدهما) يثبت الخيار
للتلبيس (وأصحهما) عند الرافعي وغيره لاخيار وبه جزم الجرجاني لان الانسان قد يلبس ثوب غيره
عارية فالذنب للمشترى حيث اغتر بما ليس فيه كثير تغرير وعلى هذا لو ألبسه ثوب الأتراك فظن
المشترى أن المملوك تركي وكان روميا فالحكم على ما ذكرنا قاله صاحب التتمة وكذلك لو أكثر علف
البهيمة حتى انتفخ بطنها فتخيل المشترى كونها حاملا قاله الامام والمتولي قولا عن الأصحاب والرافعي
وكذلك لو أرسل الزنبور في ضرعها حتى انتفخ وظنها المشترى لبونا قاله المتولي والرافعي أيضا لان
الحمل لا يكاد يلتبس على الخبير ومعرفة اللبن متيسرة بعصر الثدي بخلاف صورة التصرية وكثرة
101

اللبن فإنه لا سبيل إلى معرفتها وقيل إثبات الخيار في مسألة تحمل الحمل منسوب إلى أبى حامد وقال ابن
الرفعة وظاهر كلام الأصحاب في ذلك يدل على أنه مفرع على أن الحمل في الدواب ليس بعيب كما هو
أظهر الوجهين في الرافعي في كتاب الصداق والموجود في أكثر الكتب (أما) إذا قلنا إنه عيب وهو
ما أورده في التهذيب فيظهر أن يكون الكلام فيه كالكلام فيما إذا سبط شعر الجارية ثم بان أنها جعدة
لان الاغراض تختلف به وإن كان يعده وصف كمال وقد أسلفت ما فيه (قلت) وكان مراده بذلك
أن يأتي فيه على طريقة قاطعة بعدم الخيار كما قال الصيدلاني هناك وانتصر له وان كنت قد بينت
هناك ما يرده من كلام الصيدلاني أما ههنا فلا يأتي ما تقدم من الاعتراض بكلام الصيدلاني ولكن
قد يقال الحمل وإن كان عيبا فقد يقصده بعض العقلاء ويتعلق العرض به ولهذا يصح اشتراطه في الجارية
على الأصح وإن كان عيبا فيها ويثبت الخيار بعدمه كما قاله ابن يونس (والطريقة الصحيحة) إجراء
القولين في اشتراط حمل الجارية والطريقة القاطعة بالصحة فيها لأجل أن الحمل في الآدميات عيب وان
شرطه اعلام بالعيب ضعيف والأصح أن الحمل في الجارية والبهيمة زيادة ونقص كما ذكره في كتاب
الصداق فليس نقصا من كل وجه حتى يكون عدمه كعدم العيب بل عدمه يفوت به ما فيه من الزيادة فلذلك
يثبت به الخيار وقال ابن الرفعة في كتاب البيع أنا إذا قلنا إنه عيب فأخلف فلا خيار له كما إذا شرط أنه سارق
فخرج غير سارق وفى كلام الرافعي رضي الله عنه ما يقتضى أن هذه طريقة ليست المذهب ولكن مع
ذلك إنما يأتي إذا قلنا الحمل عيب ونقص من كل وجه وهو بعيد فإنه قد يكون مقصودا للعقلاء ويرغب فيه في
بعض الأوقات لأغراض صحيحة بخلاف العيب المحض (المرتبة الثالثة) التي لا يثبت فيها الخيار قطعا وهو إذا
جرى الخلف بشئ لا ظهور له كما إذا كان على ثوب العبد نقطة من مداد فهذا لا ينزل منزلة شرط
كونه كاتبا هكذا ذكره الامام ونبه على أن محل الوجهين اللذين ذكرناهما في المرتبة الثانية أما إذا
كان وقع المداد بحيث يعد من مثله أن صاحب الثوب ممن يتعاطى الكتابة وذكر الروياني فيما إذا كان
102

على الثوب أثر مداد فظنه كاتبا طريقين (أحدهما) فيه وجها واحدا لأنه يحتمل أن يكون استعار ثوبا
فقد ظن في غير موضعه فهذا الذي قاله الروياني يحتمل أن يكون في المسألة من حيث الجملة ويحتمل
أن يكون القطع في محل والخلاف في محل آخر على ما تقدم ويحتمل أن يكون الطريقان في هذه
المرتبة الأخيرة (والأفقه) التفصيل المتقوم ولم يذكر المصنف رحمه الله هذه المرتبة الأخيرة ولا شيئا من
أمثلة القسم الثاني من المرتبة الثانية وإنما ذكر مسألة سبوطة الشعر وقد نبهت على أنها وإن كان فيها
خلاف في الرد فليس ذلك اختلاف في إلحاقه بالمصراة بل لأجل خروجها على الوصف الأكمل فينبغي
أن يحمل كلام المصنف رحمه الله على أنه لم يرد إلا ذكر المصراة وما يلحق بها ولذلك ذكر بعده مسألة
هي من المرتبة الأولى التي لا خلاف في ثبوت الخيار فيها وهي إذا اشترى صبرة ثم بان انها على صخرة
أو بان أن باطنها دون ظاهرها في الجودة أي وإن كان الكل جيدا لا عيب فيه فاما مسألة الصبرة
إذا بان أنها على صخرة وكان المشترى عند العقد يظن أنها على استواء الأرض فهل يتبين بطلان
العقد فيه وجهان (أصحهما) لا ولكن للمشترى الخيار كما ذكره المصنف رحمه الله تنزيلا لما ظهر منزلة
العيب والتدليس وهو الذي نص عليه الشافعي في باب السنة في الخيار في الجزء السابع من الام
قال الرافعي رضي الله عنه وهذا ما أورده صاحب الشامل وغيره (قلت) وممن جزم به الماوردي في باب
الشرط الذي يفسد البيع والقاضي أبو الطيب قبل باب بيع المصراة (والثاني) وبه قال الشيخ أبو محمد
يتبين بطلان العقد لأنا بنينا بالآخرة أن العيان لم يفد علما هذا إذا ظنها مستوية الأرض أما لو علم بالحال
فثلاث طرق (أصحهما) أن في صحة البيع قولي بيع الغائب (والثاني) القطع بالصحة (والثالث) القطع
بالبطلان وهو ضعيف وإن كان منسوبا إلى بعض المحققين (فان قلنا) بالصحة فوقت الخيار هنا معرفة
مقدار الصبرة أو التمكن من تخمينه برؤية ما تحتها والوجهان في حالة ظن الاستواء مفرعان على القول
بالبطلان ههنا وأما إذا بان أن باطنها دون ظاهرها في الجودة فالتلبيس حاصل كمسألة المصراة وتجعيد
103

الشعر وشبهها من المسائل المجزوم بثبوت الخيار فيها ولم أرها في غير كلام المصنف رحمه الله وتبعه ابن أبي
عصرون في الانتصار والمرشد وإنما المشهور في كلام الأصحاب إذا وجد باطنها عفنا أو نديا أو معيبا
أما إذا وجده دون ظاهرها في الجودة مع كونه غير معيب فقل من تعرض له لكن في كلام الشيخ
ما يحتمله فإنه قال في باب الشرط الذي يفسد البيع إن نقلها فوجد أرضها مستوية وباطن الطعام
كظاهره فالبيع لازم وإن كانت على دكة أو خرج الطعام متغيرا كان له الخيار لأنه تدليس فهذا
الكلام يمكن أن يؤخذ منه ما ذكره المصنف وبالجملة فالحكم فيه واضح للتدليس وهذا فرع
عن القول بصحة البيع وقد قال الامام عند الكلام في بيع الغائب ولو كان باطن الصبرة يخالف
ظاهرها فحفظي عن الامام أن ذلك بيع غائب وفيه احتمال ظاهر عندي وإنما أخر المصنف هذه المسألة
بعد مسألة تسبيط الشعر المختلف فيها حتى يجعل تسبيط الشعر بعد تجعيده والخلاف فيها لغير إلحاقها
بالمصراة كما تقدم التنبيه عليه والله أعلم * وقد يقال إن العلم بباطن الصبرة مما يسهل استكشافه بادخال
يده فيها ونحوه فهلا كان ذلك كعلف البهيمة وارسال الزنبور وأخواتها وقد تقدم أن الأصح عدم ثبوت
الخيار فيها لسهولة الاستكشاف (والجواب) أن الاستدلال بظاهر الصبرة على باطنها أمر معتاد لا ينسب
صاحبه إلى تفريط ويشق تقليب الصبرة بكمالها وأما انتفاخ بطن البهيمة وضرعها وأخواتها فلا يدل
دلالة واضحة على الحمل واللبن والمكتفى بدلالة ذلك على الحمل واللبن ودلالة تلطخ الثوب بالمداد على
الكتابة منسوب إلى تفريط وقد نص الشافعي رحمه الله فيما نقله أحمد بن بشرى على أنه إن خلط
حنطة بشعير ثم جعل أعلاها حنطة لم يجز وان خلطهما أو حنطتين إحداهما أرفع فلا بأس ببيعها إذا
كان ظاهره وباطنه واحدا فالتقييد بذلك دليل على أنه إذا جعل ظاهرها أجود يثبت الخيار لأنه جعله
من الغش المحرم والغش المحرم يثبت الخيار *
* (فروع) * إذا أسلم إليه في جارية جعدة فسلم إليه جعدة فلا خيار له على أصح الوجهين قاله
104

القاضي أبو الطيب اشترى جارية على أن شعرها أبيض فكان أسود ففي الرد وجهان في الحاوي وغيره
قال في المجرد من تعليق أبى حامد وغيره الصحيح أنه لا يرد وقياسه أن يأتي الوجهان فيما إذا شاهد
شعرها أبيض فبان أسود كما في السبوطة وكذلك في البحر لكنه في نسخة سقيمة لم أثق بها الخيار في
تلقى الركبان مستنده التغرير كالتصرية وكذا خيار النجش إن أثبتناه ومن التدليس الذي لا يثبت
به خيار أن يقول كاذبا طلب هذا الشئ منى بكذا أو اشتريته بكذا فان المشترى يغتر بما يقوله ويزيد
في الثمن بسببه قاله القاضي حسين وغيره والله أعلم *
* (فرع) * غير المصراة إذا حلب لبنها ثم ردها بعيب ذكر العراقيون هذا الفرع في مناظرة جرت بين
الشافعي ومحمد بن الحسن بعضهم عن الاملاء وبعضهم عن القديم قال الشافعي قال لي محمد بن الحسن فما
تقولون فيما إذا اشترى شاة ليست بمصراة ولكن فيها لبن فحلبها زمانا ثم وجد بها عيبا أله الرد؟ (قلت) نعم
فقال إذا رد أيرد شيئا لأجل اللبن (قلت) لا هكذا نقل الشيخ أبو حامد هذه المناظرة قال والفصل بينهما
أن لبن المصراة متحقق فوجوده حالة العقد يتقسط عليه بعض الثمن فوجب رد قيمته على البائع عند تلفه
وغير المصراة لا يتحقق وجود لبنها حالة العقد فلم يتقسط عليه شئ من الثمن فلم يجب رد قيمته (واعترض)
الامام على ذلك بأنا إذا كنا نردد القول في أن الحمل هل يعلم فاللبن معلوم في الضرع قال وكيف لا
وقد تتكامل الدرة ويأخذ الضرع في التقطير ولكن الوجه أن نجعل اللبن كالحمل في مقابلته بقسط
من الثمن (فان قلنا) لا يقابل بقسط فالجواب ما حكوه (وان قلنا) يقابل فالوجه أن يرد بسبب اللبن شيئا
وجزم صاحب التهذيب بأنه يرد معها صاعا من تمر وحكى الرافعي ما قاله صاحب التهذيب وما حكاه
105

أبو حامد عن النص وما رواه الامام عن التخريج على أنه هل يأخذ قسطا من الثمن قال والصحيح
الاخذ وذلك إشارة إلى ترجيح طريقة الامام أو طريقة صاحب التهذيب على الطريقة المحكية عن
النص وان الأصح أنه يرد بدل اللبن وقال الماوردي ان له الرد وعليه رد بدل اللبن ولكن لا يلزمه رد صاع
لان الصاع عوض لبن التصرية فان اتفقا على قدره فذاك والا فالقول قول المشترى فهذه أربع طرق وفى
تعليق أبى على الطبري عن ابن أبي هريرة أنه يردها قولا واحدا ويرد معها صاعا من تمر على أصح
الوجهين وفى هذا موافقة لصاحب التهذيب وفى تعليق الشيخ أبى حامد التي بخط سليم وتعليق القاضي
أبى الطيب وغيرهما تفصيل لابد منه وهو أنه إذا لم يمكن هناك رد اللبن المحلوب ولا رد شئ لأجله
لان اللبن لم يكن موجودا في حالة العقد وإنما حدث في ملكه وإن كان قد ينتج في تلك الحالة شئ
فذلك يسير لا حكم له وما حدث في ملكه لا يمنعه من الرد ولا يوجب عليه بدلا كغلة العبد فهذا القسم
لا يمكن الخلاف فيه لأنه ليس عند العقد لبن يقابل بقسط من الثمن فايجاب البدل لا يدل عليه معني
ولا يفيد ان في ضرعها لبن مجتمع لبن العادة لا لبن التصرية فحلبها ثم علم بها عيبا فإن كان اللبن تالفا
فلا رد لأنه تناوله لاستعلام العيب فلا يكن له رد بعض المبيع ونقل القاضي أبو الطيب أن من أصحابنا
من قال له رد الشاة ولا يرد بدل اللبن وأنه نص عليه في القديم لان لبن غير التصرية يسير قال
أبو الطيب والشاشي والأول أقيس وإذا ضممت ما ذكره الرافعي والماوردي إلى ما اختاره هو لاجتمع
في المسألة في هذا القسم خمس طرق (أحدها) امتناع الرد وهو اختيار الشيخ أبى حامد والقاضي
أبي الطيب ومن وافقهما (والثاني) الرد فلا يرد بدل اللبن شيئا وهو المحكي عن نصه في القديم والرافعي
نقله عن حكاية أبى حامد ولم أره في تعليقه في هذا القسم صريحا وإنما ذكره مطلقا وأما أبو الطيب
فإنه صرح به في هذا القسم كما ذكرت (الطريق الثالث) قول صاحب التهذيب أنه يردها ويرد صاعا
من تمر (الرابع) قول الماوردي انه يرد بدل اللبن ولا يرد الصاع (الخامس) قول الإمام التخريج على
106

مقابلته بالقسط والأصح المقابلة فيلزم رد بدله لكن ماذا يرد هل هو التمر كما قال صاحب التهذيب
أو غيره كما قال الماوردي لم يصرح الامام في ذلك بشئ وإن كان اللبن باقيا فعند الشيخ أبى حامد
والقاضي أبى الطيب ومن وافقهما ينبني على الوجهين المتقدمين فيما لو كان اللبن باقيا وطلب المشترى
رده مع المصراة (إن قلنا) يرده رده وردها بالعيب (وان قلنا) لا يرد يرجع بالأرش ولم يتعرض الرافعي
رحمه الله وصاحب التهذيب والامام والماوردي لحالة بقاء اللبن بخصوصها والظاهر أن صاحب التهذيب
القائل يرد به الصاع التمر لا يفترق الحال عنده بين بقاء اللبن وتلفه كالمصراة على المذهب والماوردي
يحتمل أن يكون كذلك وهو الظاهر لتعذر العلم بمقدار اللبن إلا أن يتفقا على رده وقول الإمام محتمل
لكلام صاحب التهذيب وكلام الماوردي كما تقدم فعلى هذا يأتي في حالة بقاء اللبن أيضا ست طرق (امتناع الرد)
(أو الرد) (ولا يرد) معها شيئا (والرد) مع رد اللبن (أو الرد) مع رد التمر (أو الرد) مع رد البدل غير التمر (أو التخريج)
على المقابلة بالقسط وفى هذه المسألة إذا قلنا برد الشاة مع اللبن فعند مقابلة شئ ليس في مسألة المصراة
على ذلك القول وهو أنا هناك نقول له أن يرد ويجبر البائع على القبول وللمشتري مع ذلك أن لا يرد
اللبن ويرد الشاة وحدها مع التمر وأما هنا على هذا القول فانا نقول اما أن يرد اللبن والشاة واما أن
لا يرد شيئا ولا نقول أن له رد التمر لأنه لو كان تالفا لم يرد التمر وإنما يمتنع فكذلك إذا كان باقيا واللبن
عند هؤلاء لعين أخرى ورد عليها العقد في غير التصرية والله أعلم * * (تنبيه) * اعلم أن كل من قال بالرد
ورد
شئ بدل اللبن يقول بأن اللبن يقابله قسط من الثمن ومن يقول بأنه لا يرد أصلا يقول بأنه مقابل بالقسط
فيشبه أن تكون إطلاقاتهم مخرجة على ذلك لا أن تكون طريقة مخالفة وحينئذ تعود الطريق إلى القسم
الأول إلى أربعة في الثاني إلى خمسة وإنما ذكرت طريقة الامام معهم لمغايرتها في ظاهر العبارة والله
تعالى أعلم * وإذا وقفت على ما تقدم علمت أن الذي ينبغي أن يكون هو الصحيح أحد قولين اما
امتناع الرد في القسم الأول كما اختاره الشيخ أبو حامد وقال القاضي أبو الطيب انه الاقيس وذلك لان
107

الصحيح أن اللبن يقابله قسط من الثمن فليس له أن يرد من غير رد بدله ولا مع بدله لما فيه من
تفريق الصفقة ورد الشاة بعد تعيبها بما ليس من ضرورة الوقوف على العيب ولان الصاع الذي جعل
بدلا عن اللبن ورد في المصراة على خلاف القياس فلا يقاس غيره عليه وكذلك في القسم الثاني
لأنهم بنوه على الوجهين السابقين في رد لبن المصراة عند بقائه والصحيح هناك أنه لا يجب على البائع
قبوله ومقتضى البناء أن يكون الصحيح هنا أنه لا يرد ويأخذ الأرش واخذ الأرش في القسمين إذا
قلنا بامتناع الرد سواء كان اللبن باقيا أو تالفا وان سكنوا عنه فالصحيح حينئذ امتناع الرد مطلقا في القسمين (وأما)
قول صاحب التهذيب أنه يردها وصاعا من تمر مطلقا في القسمين ففيه بعد فان في الحديث الوارد في المصراة ان
صح قياس هذه عليه وجب أن يرد التمر كما قال صاحب التهذيب وان لم يصح قياسها على المصراة وجب أن
يجرى فيها على حكم القياس فيمتنع الرد كما قاله أبو الطيب ومن وافقه فقول الماوردي مخالف للامرين جميعا
فأصح الأقوال وأحسنها أحد قولين (أما) قول أبي الطيب ومن وافقه (وأما) قول صاحب التهذيب وفى كل
منهما مرجح (أما) قول صاحب التهذيب فلانه لما علم من الشارع في المصراة ان بدل اللبن صاع من
تمر وجب أن يكون ذلك بدلا له في المصراة في غيرها لا سيما والمعنى الذي ثبت لأجله من قطع
التنازع موجود ههنا فيثبت بالقياس على المصراة (وأما) قول الشيخ أبى حامد وأبى الطيب ومن وافقهما
فيرجحه الجريان على القياس الكلى في غير المصراة وقصر الحكم الوارد في الحديث على محل النص
لكونه مخالفا للقياس فلا يتعدى به محله والمختارون لهذا القول من العراقيين أكثر وقال صاحب العدة
انه ظاهر المذهب وعندي في الترجيح بين القولين نظران قوى القياس على المصراة يترجح قول صاحب
التهذيب والا يرجح قول أبى الطيب وهو ومن وافقه يجيبون عن القياس على المصراة بأن المصراة
حلبها لاستعلام العيب بخلاف هذه والقلب إلى ما قاله هؤلاء أميل منه إلى ما قاله صاحب التهذيب
والعجب أن الرافعي لم يتعرض لهذا ولا حكاه هذا إذا كان عند العذر لبن موجود له قيمة فإن لم يكن
108

كذلك جاز رد الشاة وحدها كما تقدم وذلك مما لا نزاع فيه (واعلم) أن إطلاق النص يقتضى أيضا
مخالفة قول الأكثرين وقول صاحب التهذيب وقول الماوردي وانه يردها ولا يرد معها شيئا فاما
أن يكون ذلك من الأقوال القديمة كما اقتضاه نقلهم له عن القديم واما أن يكون محمولا على ما إذا
كان لبن يسير أما اللبن الكثير فهو مقابل بقسط من الثمن على ما صرح به الشافعي رضي الله عنه في
الام وحكيناه في غير موضع فلا يمكن القول بالرد بدون رد بدله - والله أعلم - إلا إذا قلنا بأنه لا يقابل
بقسط من الثمن ويحتمل أن يحمل قول الشافعي رضي الله عنه لا يرد شيئا لأجل اللبن أي اللبن الحادث
فان في نصه الذي حكاه ابن بشرى قال " وإذا اشترى شاة غير مصراة فاحتلبها شهرا أو أكثر ثم ظهر
على عيب دلس له فيها ردها ولم يرد معها شيئا " وقوة هذا الكلام تشير إلى أنه لا يرد معها شيئا عن
ذلك الذي احتلبه طول الشهر وصاحب التهذيب فيما قاله في هذه المسألة تابع للقاضي حسين فإنه
سئل عنها فقال ينبغي أن يرد معها صاعا من تمر والله أعلم *
* (فرع) * إذا كانت الشاة غير مصراة وشككنا هل كان في ضرعها حين البيع لبن له قيمة
أولا لم يرد معها شيئا وعليه يحمل قول الشيخ أبى حامد ومن وافقه فيما تقدم أن غير المصراة لا يتحقق
وجود لبنها حالة العقد فلم يتقسط عليه الثمن فلم يجب رد قيمته والله أعلم *
* (فرع) * الكلام إلى هنا في بيع المصراة ومن الفصل الذي بعده في الرد بالعيب والمزني
في المختصر وأكثر الأصحاب جعلوا ذلك بابين فترجموا الأول بباب بيع المصراة وترجموا الثاني بباب
الخراج بالضمان والرد بالعيوب والمصنف رحمه الله جعل ذلك بابا واحدا لاشتراكهما فيما نبهت عليه أول
الباب والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (ومن ملك عينا وعلم بها عيبا لم يجز أن يبيعها حتى يبين عيبها لما روى عقبة بن عامر رضي الله عنه
قال سمعت النبي " صلى الله عليه وسلم يقول المسلم أخو المسلم فلا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا يعلم فيه عيبا
109

إلا بينه له " فان علم غير المالك بالعيب لزمه أن يبين ذلك لمن يشتريه لما روى أبو سباع قال " اشتريت
ناقة من دار وائلة بن الأسقع فلما خرجت بها أدركنا عقبة بن عامر فقال هل بين لك ما فيها قلت وما
فيها إنها لسمينة ظاهرة الصحة فقال أردت بها سفرا أم أردت بها لحما قلت أردت عليها الحج قال
إن بخفها نقبا قال صاحبها أصلحك الله ما تريد إلى هذا تفسد على قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لا يحل لاحد يبيع شيئا إلا بين ما فيه ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا بينه " فان باع ولم يبين العيب
صح البيع لان النبي صلى الله عليه وسلم صحح البيع في المصراة مع التدليس بالتصرية) * *
* (الشرح) * حديث عقبة بن عامر هذا رواه ابن ماجة وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه فاما حكمه بصحته فصحيح لان رواته كلهم ثقات
من رجال الصحيح ولا يظهر فيه علة مانعة (وأما) قوله إنه على شرط الشيخين ففيه نظر لان في رواته
يحيي بن أيوب وهو الغافقي وشيخ شيخه عبد الرحمن بن سماسة وكلاهما لم يرو عنه البخاري وإنما هما
من أفراد مسلم وللحاكم شئ كثير مثل هذا وذلك محمول منه - والله أعلم - على أن الرجال المذكورين
في إسناد هذا الحديث لا تقصر رتبتهم عن الرجال الذين اتفق الشيخان عليهم واثبات ذلك صعب فإنه
يتوقف على سير جميع أحوال هؤلاء وهؤلاء والموازنة بينهما وان تأتى ذلك في النادر فإنه يصعب في الأكثر
ولعل عند البخاري شيئا من حال الشخص الذي لم يخرج له لا نطلع نحن عليه فدعوى انه على شرطه فيها
ما علمت نعم هذا الحديث على شرط مسلم لان الرجلين المذكورين أخرج لهما مسلم والباقين متفق عليهم وقد
ذكر البخاري في جامعه الصحيح هذا الحديث من كلام عقبة بن عامر فقال في باب إذا بين البيعان
ولم يكتما ونصحا وقال عقبة بن عامر " لا يحل لامرئ يبيع سلعة يعلم بها داء إلا أخبره أو زده هكذا
معلقا وذلك لا يقدح في رواية من رواه مرفوعا وعقبة أفتي بذلك بمقتضى الحديث الذي سمعه من النبي
صلى الله عليه وسلم (واعلم) أن في لفظ الحديث في رواية كل من ابن ماجة والحاكم مخالفة يسيرة في اللفظ
لما ذكره
110

المصنف رحمه الله في الكتاب فان لفظ ابن ماجة " المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم باع لأخيه بيعا فيه
عيب إلا بينه له " ولفظ الحاكم كذلك وكذلك البيهقي عنه " المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم إن باع من
أخيه بيعا فيه عيب ان لا يبينه له " ليس في شئ من الروايتين التقييد بالعلم كما في كلام المصنف رحمه
الله وإن كان العلم لابد منه في التكليف ولكن ترك ذكره كما في الرواية أبلغ في الزجر عن ذلك
وادعى إلى الاحتياط والاحتراز فإنه قد يكون بالمبيع عيب لا يعلمه البائع ولكنه متمكن من الاطلاع
عليه ولو بحث عنه واستكشفه لعلمه فاهماله لذلك وتركه الاستكشاف مع تجويزه له تفريط منه لا يمنع
تعرضه للإثم بسببه نعم التقييد بالعلم مذكور في الأثر الذي ذكره البخاري من كلام عقبة وبقية المخالفة
في اللفظ يسيرة لا يتعلق بها معني وكل الألفاظ المذكورة تدل على أن الذي لا يحل هو الكتمان
لا البيع ومعرفة هذا هنا نافعة في صحة البيع كما سيأتي إن شاء الله تعالى في آخر الفصل وروى هذا الحديث
عقبة بن عامر بن عبس - بباء موحدة من تحت ساكنة - الجهني وفى نسبه وكنيته اختلاف كثير
والأصح في كنيته أبو حماد سكن مصر وكان واليا عليها وتوفى بها في آخر خلافة معاوية وروى عنه
جماعة من الصحابة وخلق من التابعين وسند هذا الحديث من يحيى بن أيوب إليه وهم أربعة كلهم
111

مصريون وقبر عقبة معرف مشهور بالقرافة وحديث وائلة بن الأسقع الذي ذكره المصنف رحمه الله
أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق أبى سباع المذكور وقال هذا حديث صحيح الاسناد
ولم يخرجاه وفى حكمه بصحته نظر فإنه من رواته أبى جعفر الرازي عن يزيد بن أبي مالك عن أبي
السباع وأبى جعفر الرازي وهو عيسى ابن عبد الله بن ماهان التميمي وثقه يحيى بن معين
وأبو حاتم الرازي وتكلم فيه جماعة قال الغلاس سئ الحفظ وقال أبو زرعة الرازي يهم
كثيرا وقال أحمد ليس بقوي وقال مرة مضطرب الحديث وقال مرة صالح الحديث وعن
الساجي أنه قال صدوق ليس بمتقن وقال ابن حبان كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير لا يعجبني
الاحتجاج بخبره إلا فيما يوافق الثقاة ولا يجوز الاعتبار بروايته فيما لم يخالف الاثبات وأما يزيد
ابن أبي مالك فقال يعقوب النسوي في حديث ليس كاتبه خالد هذا ما قاله النسوي وقال أبو حامد
من فقهاء الشام وهو ثقة وسئل أبو زرعة عنه فأثنى عليه خيرا وهو يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك
وقد روى عنه واثلة نفسه وما قاله أبو حاتم وأبو زرعة فيه أولى مما قاله النسوي وأما أبو سباع فشامي
تابعي لم أعلم من حاله غير ذلك وواثلة ابن الأسقع الراوي لهذا الحديث من الصحابة المشهورين وهو
من بنى ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة واختلف في نسبه إلى ليث ولا خلاف أنه من بنى ليث
أسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى تبوك ويقال إنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين
وعلى هذا يكون إسلامه قبل تبوك إن كان المراد ثلاث سنين كوامل وكان من أهل الصفة سكن
الشام بقرية يقال لها البلاط على ثلاث فراسخ من دمشق وشهد المغازي بدمشق وحمص ثم تحول
إلى بيت المقدس ومات بها وهو ابن مائة سنة وقال ابن معين توفى سنة ثلاث وثمانين وهو ابن مائة
وخمس سنين كذا قال البخاري في التاريخ الكبير ورواه في الصغير عن ابن عباس وهو إسماعيل
عن سعيد بن خالد وقيل بل توفى بدمشق في آخر خلافة عبد الملك سنة خمس أو ست وثمانين قال
112

أبو مسهر ويحيى بن بكير مات سنة خمس وثمانين وهو أبن ثمان وتسعين سنة يكنى أبا الأسقع وقيل
أبو محمد وقيل أبو قرصافة وهذا القول الثالث في كنيته قال البخاري انه وهم وقيل أبو الخطاب نقله
البغوي في معجمه والصحيح في نسبه واثلة بن الأسقع بن عبد العزى بن عبد يا ليل بن باسب بن غبرة
ابن سعد بن ليث بن بكر والأسقع بقاف وغيره - بغين معجمة مكسورة وياء مثناة من تحت مفتوحة -
ومن فضائله ما ذكره البخاري في تاريخه عنه قال لما نزلت (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت) فقال وأنا من أهلك فقال وأنت من أهلي قال فهذا أرجا ما ارتجى وأكثر الناس يقولون
فيه واثلة بن الأسقع وروى عن مكحول قال هو واثلة بن عبد الله بن الأسقع وأبو السباع شامي
تابعي ذكره الحاكم أبو أحمد وابن عساكر من طريقه ولم يزد على ذلك وروى البيهقي هذا الحديث
في السنن الكبير عن الحاكم وأبى بكر الحري معا بذلك الاسناد ولفظ الحديث في المستدرك وسنن
البيهقي كما ذكره المصنف رحمه الله إلا شيئا يسيرا فيه فلما خرجت بها أدركني واثلة وهو يجر رداءه
فقال يا عبد الله اشتريت قلت نعم قال بين لك ما فيها والباقي سواء في المعنى وهذان الحديثان اللذان
ذكرهما المصنف رحمه الله عن عقبة وواثلة متفقان على تحريم كتمان البائع العيب ويزيد حديث
واثلة بتحريم ذلك على غير البائع أيضا إذا علمه وقد وردت أحاديث في المعنى غير ما ذكره المصنف
منها عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم " مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال
ما هذا يا صاحب الطعام قال أصابته السماء يا رسول الله قال أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس
من غش فليس منى " رواه مسلم في أول كتابه الصحيح وأصحاب السنن وعن أبي هريرة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم " مر برجل يبيع طعاما فقال كيف تبيع فأخبره فأوحى الله إليه أن أدخل يدك فيه
فأدخل يده فإذا هو مبلول فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من غش " رواه البيهقي وعن العداء
- بفتح العين وتشديد الدال المهملة وبعدها ألف ممدودة - ابن خالد قال كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم " هذا
113

ما اشترى محمد رسول الله من العداء بن خالد بيع المسلم المسلم لأداء ولا خبثة ولا غائلة " رواه
البخاري تعليقا فقال ويذكر عن العداء بن خالد وقال قتادة الغائلة الزنا والسرقة والإباق وهكذا هو
في البخاري اشترى محمد رسول الله من العداء بن خالد والخبثة ما كان من غير طيب الكسب
وسأل الأصمعي سعيد بن أبي عروبة عنها فقال بيع أهل عهد المسلمين والأول أصح وهي - بكسر
الخاء وسكون الباء الموحدة وبالثاء المثلثة - فكأنه يقول لا مرض ولا حرام ولا شئ يقوله أي بملكه
من إباق وغيره ورواه الترمذي وابن ماجة متصلا كلاهما عن محمد بن بشال عن عتاد بن الليث
عن عبد المجيد بن وهب قال قال لي العداء بن خالد بن هودة " ألا أقرؤك كتابا كتبه لي رسول الله
صلى الله عليه وسلم قلت بلي فأخرج لي كتابا هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هودة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
اشترى منه عبدا أو أمة لا داء ولا عليلة ولا خبثة بيع المسلم المسلم " قال الترمذي هذا حديث حسن
غريب وعن مكحول وسليمان بن موسى كليهما عن واثلة بن الأسقع قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول " من باع عيبا ولم يبينه لم يزل في مقت الله ولم تزل الملائكة تلعنه " رواه ابن ماجة وعن عمير
ابن سعيد عن عمه وهو الحارث بن سويد النخعي قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم " إلى البقيع فرأى طعاما
يباع في غرائر فأدخل يده فأخرج شيئا كرهه فقال من غشنا فليس منا " قال الحاكم في المستدرك هذا
حديث صحيح وعن أبي الحمراء قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم " مر بجنبات رجل عنده طعام في وعاء فأدخل
يده فيه فقال لعلك غشيته من غشنا فليس منا " رواه ابن ماجة والأحاديث في تحريم الغش
ووجوب النصيحة كثيرة جدا وحكمها معلوم من الشريعة وكتمان العيب غش وفى حديث حكيم
ابن حزام الثابت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم " قال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فان صدقا وبينا بورك
لهما في بيعهما وان كذبا وكتما محقت بركة بيعهما " وعن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
" قال الدين النصيحة " وعن جرير رضي الله عنه قال بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " على إقامة الصلاة
114

وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم " رواهما مسلم أما اللغة فالعيب قال الجوهري العيب والعيبة والعاب
بمعنى واحد تقول عاب المتاع إذا صار ذا عيب وعيبته أنا يتعدى ولا يتعدى فهو معيب ومعيوب
أيضا على الأصل فيقول ما فيه معابة ومعاب أي عيب والمعاب المعيوب وعيبه نسبه إلى العيب
وعنه جعله ذا عيب وتعيبه مثله وقال ابن فارس العيب في الشئ معروف وقد قسم أصحابنا العيب
وأوضحوه وبينوه بيانا شافيا وسأذكر ذلك إن شاء الله تعالى عند قول المصنف والعيب الذي يرد به
المبيع ما يعده الناس عيبا والنقب - بفتح النون والقاف وبعدها باء موحدة وهو مصدر نقب بكسر
القاف ينقب بفتحها - يقال نقب خف البعير إذا رق وحفي ونقب الخف إذا تخرق ويقال نقب البيطار
- بفتح القاف - سرة الدابة ليخرج منها ماء وتلك الحديدة منقب وذلك المكان منقب وقوله بخفها
قال أهل اللغة الخف للبعير والحافر للفرس والبغل والحمار وما ليس بمنشق القائم من الدواب والظلف
للبقر والغنم والظباء وكل حافر منشق منقسم والتدليس المراد به إخفاء العيب مأخوذ من الدلسة وهي
الظلمة قال الأزهري التدليس أن يكون بالسلعة عيب باطن ولا يخبر البائع المشترى لهم بذلك العيب
الباطن ويكتمه إياه فإذا كتم البائع العيب ولم يخبر به فقد دلس ويقال فلان لا يدالس ولا يواكس أي
لا يخادع وما في فلان دلس ولا دكس أي ما فيه خبث ولا مكر ولا خيانة هذا من كلام الأزهري
رحمه الله (أما) لأحكام فقد تضمن الفصل ثلاث مسائل الأولى أن من ملك عينا وعلم بها عيبا لم يجز
أن يبيعها حتى يبين عيبها وهذا الحكم متفق عليه للنصوص المتقدمة لا خلاف فيه بين العلماء قال
الشافعي رحمه الله في آخر باب الخراج بالضمان في المختصر وحرام التدليس وكذلك جميع الأصحاب
(وأما) ما قاله الجرجاني في الشافعي والمحاملي في المقنع أنه إذا كان مع الرجل سلعة وبها عيب يعلمه وأراد
بيعها استحب له إظهاره لعبارة رديئة موهما لان ذلك غير واجب لذلك لا يقوله أحد له علم وتقييد
المصنف رحمه الله بالعلم قد تقدم شئ من الكلام وان نص الحديث مطلق بخلاف ما أورده المصنف
115

رضي الله عنه في التنبيه ومن علم بالسلعة عيبا لم يجز أن يبيعها حتى يبين عيبها وذلك يشمل المالك
والوكيل والولي وعبارته هنا مختصة بالمالك لكن الوكيل والولي يندرج في قوله هنا وان علم غير
المالك بالعيب لزمه أن يبين وقول المصنف رحمه الله في الكتابين جميعا يدل على أن البيع عند كتمان
العيب محرم وعبارة الشافعي في قوله وحرام التدليس وكذلك عبارة كثير من الأصحاب تدل على
حرمة كتمان العيب ووجوب بيانه ولم يتعرض للبيع وكذلك ألفاظ الأحاديث في ذلك وقد أشرت
إلى هذا المعنى فيما تقدم ولكن لا منافاة بين الكلامين وكلا الامرين حرام وحرمتهما مختلفة فالتدليس
حرام بالقصد في نفسه والبيع ليس حراما لذاته ولكن حرام لغيره وهو كتمان العيب وضبط هذا نافع
فيما سيأتي في صحة البيع وفى عبارة المصنف والأصحاب وألفاظ الحديث تنبيه على أنه لا يكفي البائع
العالم بالعيب أن يقول هو معيب أو يبيعه بشرط البراءة من العيوب أو يقول إن به جميع العيوب أو أنه
لا يضمن غير الحل كما جرت عادة بعض الناس بفعل ذلك بل لابد من بيان العيب المعلم بعينه
والعبارات الأول كلها فيها إجمال لا بيان وقد يظن المشترى سلامته عن ذلك فان البائع إنما قال ذلك
حذرا من العهدة بخلاف ما إذا نص له على العيب بعينه فإنه يدخل فيه على بصيرة واطلاق المصنف
رحمه الله والأصحاب والشافعي حرمة التدليس ووجوب البيان يتناول ما إذا كان المشترى مسلما أو
كافرا ولفظ الأحاديث التي ذكرت واستدل بها المصنف رحمه الله إنما تدل على المسلم للمسلم وهذا كما
ورد في الخطبة على خطبة أخيه والسوم على سومه وجمهور أصحابنا وجمهور العلماء رحمهم الله على أنه لا
فرق في ذلك بين المسلم والكافر وحكي الرافعي في كتاب النكاح عن أبي عبيد بن حربوتة من أصحابنا
في الخطبة ان المنع مخصوص بما إذا كان مسلما أما الذمي فتجوز الخطبة على خطبته قال وبمثله أجاب
في السوم على السوم (قلت) فيحتمل أن يطرد ذلك هنا أيضا ويجعل تحريم الكتمان خاصا بما إذا
كان المشترى مسلما ويوافقه ما تقدم في الحديث ببيع المسلم المسلم لأداء ولا خبثة وفسر سعيد ابن أبي عروبة
116

الخبثة بيع أهل العهد ويحتمل أن لا يطرد ابن حربوتة مذهبه هنا وهو الأقرب ويفرق بأن الخطبة
على الخطبة والسوم على السوم ليس فيه إلا إيغار الصدور وذلك حاصل في حق الكافر (وأما) كتمان
العيب ففيه ضرر بين وأخذ المالك الذي بذله المشترى ثمنا على ظن السلامة وله استرجاعه عند الاطلاع
فكيف يحكم بإباحة ذلك على مالا يظن بأحد من العلماء لقول به على أن قول ابن حربوتة في الخطبة
على الخطبة والسوم على السوم مخالف لقول جمهور العلماء قالوا تحرم الخطبة على خطبة الكافر أيضا وممن
وافق ابن حربوتة في الخطبة على الخطبة الأوزاعي والظاهر أنه لا يطرد ذلك في مسألتنا هنا للفرق المتقدم ومن
الحجة على تعميم الحكم في مسألتنا وفى مسألة الخطبة والسوم والبيع على البيع قوله صلى الله عليه وسلم " لهم ما للمسلمين
وعليهم ما على المسلمين " (وأما) التقييد في هذه الأحاديث فإنه خرج على الغالب ولا يكون له مفهوم
أر أن المقصود التهييج والتنفير عن فعل هذه الأمور من يشاركه في الاسلام والآخرة ويثبت عمومه بدليل
آخر والله أعلم (المسألة الثانية) أنه ان علم غير المالك بالعيب لزمه أن يبين ذلك لمن يشتريه للحديث الثاني
الذي ذكره المصنف ولقوله صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة " والأحاديث في ذلك كثيرة صحيحة صريحة وممن صرح
بهذه المسألة مع المصنف رحمه الله ابن أبي عصرون والنووي في الروضة من زياداته وذلك مما لا أظن
فيه خلافا لوجوب النصيحة وقد دخل في قول المصنف غير المالك البائع بوكالة أو ولاية الذي دل
كلامه في التنبيه عليه وغير البائع ومن ليس له تعلق بهما إلا أنه اطلع على العيب وإن كان أجنبيا
كما في قصة واثلة الأسقع وله ثلاثة أحوال (أحدها) أن يعلم أن البائع أعلم المشترى بذلك فلا يجب عليه
الاعلام في هذه الحالة لحصول المقصود باعلام البائع (الحالة الثانية) أن يعلم أو يظن أو يتوهم أن
البائع لم يعلمه فيجب عليه لاطلاق الحديث ولقصة واثلة فإنه استفسر من المشترى هل أعلمه البائع
فدل على أنه لم يكن جازما بعدم إعلامه وذلك لأنه من جملة النصح لكن هذا إنما يكون إذا كان
التوهم بمحتمله فلو وثق بالبائع لدينه وغلب على ظنه أنه يعلم المشترى به وهي الحالة الثالثة فيحتمل أن
117

يقال لا يجب عليه الاعلام في هذه الحالة لظاهر حال البائع وخشية من التعر ض لا يغار صدره والبائع
يتوهمه أنه أساء الظن به ويحتمل أن يقال إنه يجب الاستفسار كما فعل واثلة بن الأسقع لان الأصل
عدم الاعلام ولا يجدون في الاستفسار مع عموم الحديث في وجوب التبيين هذا كله إذا كان البائع
عالما بالعيب فإن كان الأجنبي عالما به وحده وجب عليه البيان بكل (وأما) وقت الاعلام ففي
حق البائع قبل البيع فلو باع من غير إعلام عصى كما تقدم وفى حق الأجنبي قبل البيع أيضا عد
الحاجة فإن لم يكن حاضرا عند البيع أو لم يتيسر له وجب عليه الاعلام بعده ليرد بالعيب كما فعل
واثلة ولا يجوز له تأخير ذلك عن وقت حاجة المشترى إليه والله أعلم *
* (فرع) * قال الامام الضابط فيما يحرم من ذلك أن من علم شيئا يثبت الخيار فأخفاه أو (1)
ينبغي في تدليس فيه فقد فعل محرما فإن لم يكن السبب سببا للخيار فترك التعرض له لا يكون من التدليس
المحرم ولا يجب ذكر القيمة فان الغبن لا يثبت بمجرده خيار - والله أعلم - (المسألة الثالثة) إن
باع ولم يبين العيب صح البيع مع المعصية قال الشافعي رحمه الله في المختصر وحرام التدليس ولا ينقض
به البيع وجملة القول في ذلك أن البائع إذا باع سلعة يعلم أن فيها عيبا (فاما) أن يشترط فيها السلامة
مطلقا أو عن ذلك العيب (واما) ان يطلق فان أطلق واقتصر على كتمان العيب وهي مسألة
الكتاب فمذهبنا وجمهور العلماء أن البيع صحيح ونقل المحاملي والشيخ أبو حامد وغيرهما عن داود
أنه لا يصح ونقله ابن المغلس عن بعض من تقدم من العلماء أيضا واحتج أصحابنا بحديث المصراة كما ذكره
المصنف رضي الله عنه فان النبي صلى الله عليه وسلم جعل مشترى المصراة بالخيار ان شاء أمسك وان شاء رد مع
التدليس الحاصل من البائع بالتصرية وهي عيب مثبت للخيار بمقتضى الحديث فدل على أن التدليس
بالعيب وكتمانه لا يبطل البيع وبأن النهى لمعنى في العاقد والنهى إذا كان لمعنى في العاقد لا يمنع
صحة البيع كالبيع على بيع أخيه وإنما يبطل النهى إذا توجه إلى المعقود عليه كالنهي عن الملامسة

(1) بياض بالأصل
118

والمنابذة ألا ترى أن النهى عن البيع وقت النداء لما لم يرجع إلى ذات العقد لم يقتض الفساد بل
ما نحن فيه أولى بالصحة لان البيع وقت النداء متوجه إليه وإن كان معللا بأمر خارج (وأما) هنا
وفى المصراة فلم يرد النهي على البيع وإنما ورد هنا على كتمان العيب كما أشرت إليه فيما تقدم وفى المصراة
على التصرية فليس البيع منهيا عنه أصلا بل هو من حيث هو مباح والحرام هو الكتمان والبيع
وقت الجمعة منهى عنه لاشتماله على التفويت فلتفهم الفرق بين الموضعين وبهذا يجاب عن استدلال
الظاهرية بقوله صلى الله عليه وسلم " كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " فنقول التدليس هو المنهى عنه وهو
مردود (فان قلت) قد تقدم أن البائع إذا لم يبين العيب حرام وأن المصنف رحمه الله صرح به في التنبيه
وإذا كان كذلك فهو مثل البيع وقت النداء فلم يكن أولى منه بالصحة (قلت) لا شك أن المراتب ثلاثة
(المرتبة الأولى) وهي أعلاها ما كان منهيا عنه لمعنى فيه كبيع الملامسة (المرتبة الثانية) ما كان منهبا
عنه لا لمعنى فيه من حيث هو بل لاستلزامه أمرا ممنوعا كالبيع وقت النداء فهو مستلزم للتفويت
الممنوع أو هو فرد من أفراد ما يحصل به التفويت والمتضمن أو المستلزم للممنوع ممنوع (المرتبة الثالثة)
وهي أدناها ما لم ينه عنه أصلا ولكن به يتحقق ما هو منهى عنه فهذا لم يخرجه الشرع عن قسم
الإباحة فهو كسائر المباحات إذا استلزم شئ منها محرما في بعض الأوقات لا نقول إنه ينقلب من
الإباحة إلى التحريم ويوضح لك هذا أنه في المرتبة الثانية إذا اشتغل بالبيع وفوت السعي للجمعة
يأثم اثمين اثم للبيع المنهى عنه واثم لتفويت الواجب وفى هذه المرتبة لا يأثم إلا إثما واحدا على الغش
وكتمان العيب على البيع ولا يأثم على البيع اثما آخر وإذا حكمنا على البيع المقارن للغش بالتحريم
كذلك حكم على المجموع المتضمن للغش المحرم وليس المراد أن ذلك الفعل حرام ثم أي ليس البيع
أصلا في حالة من الأحوال مستلزما للكتمان لان كل بيع يمكن أن يخبر معه بالعيب ولا يجوز الحكم
على البيع بالتحريم إلا على الوجه الذي بينته إذ يراد تحريم المجموع أعني البيع مع الغش فليس البيع
وحده منهيا عنه بطريق القصد ولا بطريق الاستلزام وقد وافق الظاهريون أو من وافق منهم على
تصحيح البيع مع النجش قالوا لان البيع غير النجش وذلك يوافق ما قلناه هنا ووافقوا على تصحيح
119

البيع مع تلقى الركبان ونص الحديث على ذلك فهو حجة لنا هنا أيضا والظاهرية في المصراة ونحوها
يجعلون ذلك خارجا بالنص ويتمسكون فيما عدا ذلك بما ذكروه وقد تبين الجواب عنه بحول الله
وقوته وذكر البيهقي في باب صحة البيع الذي وقع فيه التدليس حديثا رواه البخاري أن ابن عمر
اشترى أبلا هيما من شريك لرجل يقال له نواس من أهل مكة فأخبر نواس أنه باعها من شيخ كذا
وكذا فقال ويلك فجاء نواس إلى ابن عمر فقال إن شريكي باعك أبلا هيما ولم يعرفك قال فاستقها
إذا فلما ذهب ليستاقها قال ابن عمر دعها رضينا بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى والله تعالى أعلم *
* (فرع) * نقل الماوردي قبل باب لا يبيع حاضر لباد عن أبي علي بن أبي هريرة أنه كأن يقول
في ثمن التدليس حرام لا ثمن المبيع ألا ترى أن المبيع إذا مات يرجع على البائع بأرش عيب التدليس
فدل على أنه أخذ منه بغير استحقاق وهذا شئ عجيب كيف يكون الثمن حراما والبيع صحيحا وسيأتي
في باب المرابحة كلام في ذلك في مسألة الاخبار بالزيادة ولعل مراد ابن أبي هريرة هنا أن القدر الزائد
بسبب التدليس الذي يستحق استرجاعه عند فوات المبيع هو المحرم لا جملة الثمن وهو ظاهر كلامه
ومع ذلك فيه نظر لأنه لو رضى المشترى بالعيب استقر ملك البائع على الثمن كله ولو لم يرض به والمبيع
قائم استرجعه كله فإن كان عدم استقراره موجبا للوصف بالتحريم فليكن جميعه حراما أولا فلا
يكون شئ منه حراما *
* (فرع) * هذا كله في مسألة الكتاب إذا باع من غير شرط ولكنه كان عالما بالعيب أما لو
اشترط السلامة فكانت معينة أو شرط وصفا وأخلف فالمشهور الصحة وثبوت الخيار كحالة الاطلاق
وحكى الرافعي عن الحناطي أنه حكى قولا غريبا ان الخلف في الشرط يوجب فساد البيع وهو يوافق
ما تقدم عن الظاهرية وهم قائلون بذلك في الشرط أيضا ولا يلزم طرد هذا القول الغريب هناك لان
تعلق الغرض بالوصف المشروط لفظا أقوى وعند الاطلاق العقد متعلق بالمتعين وإن كان العرف يقتضى
السلامة فهذا فرق على القول الذي حكاه الحناطي حتى لا يلزم طرده وإن كان هو ضعيفا لان مورد
العقد المعين مع الشرط أيضا والله أعلم *
120

* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فإن لم يعلم بالعيب واشتراه ثم علم بالعيب فهو بالخيار بين أن يمسك وبين أن يرد لأنه
بذل الثمن ليسلم له مبيع سليم ولم يسلم له ذلك فثبت له الرجوع بالثمن كما قلنا في المصراة) * *
* (الشرح) * المشترى للعين المعيبة تارة يكون عالما بعيبها وتارة لا يكون (الحالة الأولى) إن
كان عالما فلا خلاف انه لا يثبت له الخيار لرضاه بالعيب ولا يأتي فيه الخلاف المتقدم في المصراة إذا
كان عالما بالتصرية لان المستند في ثبوت الخيار هناك عند من يقول به التعبد وان ذلك خيار ثابت
بالشرع كما تقدم وليس ههنا كذلك وهذه الحالة تؤخذ من مفهوم كلام المصنف رحمه الله فإنه شرط
في الخلاف عدم العلم ومفهومه ان عند العلم لا خيار قال ابن حزم في كتاب مراتب الاجماع واتفقوا
على أنه إذا بين له البائع بعيب فيه وحد مقداره ووقفه عليه إن كان في جسم المبيع فرضى بذلك المشترى
أنه قد لزمه والا رد له بذلك العيب *
* (فرع) * فلو كان المشترى قد علم به ولكن لم يعلم أنه عيب يوكس الثمن ويوجب الفسخ
قال الماوردي ولا رد له لأنه قد كان يمكنه عند رؤيته أن يسأل عنه ولان استحقاق الرد حكم والجهل
بالأحكام لا يسقطها قال فلو كان شاهد العيب قديما وقال ظننت انه قد زال فلا تأثير لهذا القول لان
الأصل بقاء العيب ولو اختلفا في العلم بالعيب فالقول قول المشترى لان الأصل عدمه قاله صاحب
العدة (الحالة الثانية) إذا لم يعلم بالعيب وهي منطوق مسألة الكتاب يثبت الخيار لما ذكره المصنف
رحمه الله وقياس ذلك على المصراة إن كانت التصرية عيبا ظاهر بالقياس والجامع الذي ذكره المصنف
وقد قدمنا أن الصحيح أن التصرية عيب وان لم تكن التصربة عيبا فمن باب الأولى لان الخيار إذا
121

ثبت بالتدليس بما ليس بعيب فثبوته بالتدليس بالعيب المحقق أولى هكذا ذكره القاضي أبو الطيب
وفيه نظر لان الذي يقول بالتصرية ليس بعيب يجعلها كالشرط ويلحق الخيار فيها بخيار الخلف
وحينئذ قد يقال لا يلزم من جعل التصرية التي هي من فعل البائع كالشرط جعل التدليس بالعيب
الذي ليس من فعله ولئن جعلنا التدليس بالعيب كذلك فالعيب إذا لم يعلم به البائع لا يمكن دعوى
ذلك فيه ومع ذلك الخيار ثابت به ولأجل ذلك الطريقة التي سلكها المصنف رحمه الله واقتصر عليها
أولى في الاستدلال وأسلم عن الاعتراض نعم هو إنما يأتي على قول الجمهور ان التصرية عيب أما على
القول الذي رجحه الغزالي في الوجيز ان الخيار فيها ملحق بخيار الخلف فلا لان سبب الخيار في
المصراة المقيس عليها اخلاف الشرط الملتزم ولم يوجد في مسألتنا فالمصنف رحمه الله قد جعل الجامع
بين المسألتين عدم حصول المبيع السليم فعلى ما اختاره الغزالي لا يأتي إلا أن يجعل ذلك مقيسا على
الالتزام الشرطي وكذلك فعل هو في الوسيط تنزيلا لغلبة السلامة منزلة الاشتراط ثم لك أن تجعل
الالتزام الشرطي أصلا يكتفى به كما اقتضاه كلامه في الوسيط ولك أن ترده إلى التصرية لورود النص
فيها وقد اقتصر المصنف رحمه الله على الاستدلال بالقياس وفى المسألة حديث واجماع أما الحديث
فالذي ذكره بعد هذا بفصل في الخراج بالضمان فان فيه أنه خاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم " وأنه رده عليه
بالعيب " وسنتكلم عليه هناك إن شاء الله تعالى (وأما) الاجماع فإنه لا خلاف بين المسلمين في الرد
بالعيب على الجملة واتفقوا على أن من اشترى شيئا ولم يبين له البائع لعيب فيه ولا اشترط المشترى
سلامة ولا اشترط الأخلاء به ولا بيع منه ببراءة فوجد به عيبا كان به عند البائع وكان ذلك العيب
يمكن البائع معرفته وكان يحط من الثمن حطا لا يتغابن الناس بمثله في مثل ذلك البيع في ذلك الوقت
122

يعنى وقت عقد البيع ولم يتلف عين المعيب ولا نقصها ولا تغير اسمه ولا تغير سوقه ولا خرج عن ملك المشتري
كله ولا بعضه ولا أحدث المشترى فيه شيئا ولا وطئا ولا غيره ولا ارتفع ذلك العيب وكان
البائع قد نقد فيه جميع الثمن فان للمشترى أن يرده ويأخذ ما أعطى فيه من الثمن وأن له أن يمسكه
ان أحب واختلفوا فيما عدا كل ما ذكرناه بما لا سبيل إلى ضبطه باجماع جاز انتهى وادعى القاضي
أبو الطيب إجماع المسلمين على التسوية بين الغاش الخائن وغيره ولعل المصنف رحمه الله إنما اقتصر
على القياس ولم يذكر الحديث والاجماع لان الحديث فيه انه رد بعيب وذلك حكاية حال لا دلالة
لها على العموم ولا إجماع مقيد بالقيود المذكورة أو أكثرها فكان الاستدلال بالقياس أشمل وبالجملة
الرد بالعيب في الجملة لا شبهة فيه قال الشيخ أبو حامد ولا يخفى أن المراد العيب الموجود عند
العقد (أما) لو وجد العيب وزال القبض فلا خلاف أنه لا حكم له وكذلك لو زال بعد البيع
وقبل القبض *
* (فرع) * ولى الطفل إذا اشترى له شيئا فظهر به عيب فإن كان الشراء بعين المال فهو
باطل وإن كان في الذمة نفذ في حق الولي فان اشترى سليما فحدث به عيب قبل القبض فإن كان
الحظ في الامساك أمسك أو في الرد رد فان ترك الرد فإن كان اشترى في الذمة انقلب إليه ولزمه الثمن
من مال نفسه وإن كان بغير مال الطفل بطل العقد قاله صاحب التتمة والله تعالى أعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فان ابتاع شيئا ولا عيب فيه ثم حدث به عيب في ملكه نظرت فإن كان حدث قبل
القبض ثبت له الرد لأن المبيع مضمون على البائع فثبت له الرد يحدث فيه من العيب كما قبل العقد
123

وان حدث العيب بعد القبض نظرت فإن لم يستند إلى سبب قبل القبض لم يثبت له الرد لأنه دخل
المبيع في ضمانه فلم يرد بالعيب الحادث وان استند إلى ما قبل القبض بأن كان عبدا فسرق أو قطع
يدا قبل القبض فقطعت يده بعد القبض ففيه وجهان (أحدهما) أنه يرد وهو قول أبى اسحق لأنه
قطع بسبب كان قبل القبض فصار كما لو قطع قبل القبض (والثاني) أنه لا يرد وهو قول أبى على
ابن أبي هريرة لان القطع وجد في يد المشتري فلم يرد كما لو لم يستند إلى سبب قبله) * *
* (الشرح) * الكلام الذي تقدم في إثبات الخيار في العيب الموجود عند البيع والكلام
الآن في العيب الحادث بعده وقد قسمه المصنف رحمه الله إلى ثلاثة أقسام (القسم الأول) الحادث
قبل القبض فحكمه حكم المقارن للعقد لأن المبيع مضمون قبل القبض على البائع بجملته فكذا أجزاؤه
وضمان الجزء الذي لا يقابله قسط من الثمن لا يقتضى الانفساخ فأثبت الخيار والمصنف رضي الله عنه
استغنى عن هذه الزيادة بجعله ما قبل القبض كما قبل العقد لاشتراكهما في كون المبيع فيهما مضمونا
على البائع بمعنى أنه إذا تلف تلف من كسبه وقد اتفق الأصحاب على هذا الحكم وان العيب الطارئ
قبل القبض كالمقارن للعقد وذلك منهم تفريع على ما هو متفق عليه في المذهب وهو أن البيع قبل
القبض من ضمان البائع وأنه إذا تلف قبل القبض انفسخ البيع ونص عليه الشافعي رحمه الله في مواضع
واستنبطه من بطلان عقد الصرف بالتفرق قبل التقابض كما تقدم التنبيه عليه في باب الربا وذكره
المصنف في آخر باب اختلاف المتبايعين وهلاك المبيع وسنشرحه هناك إن شاء الله تعالى أما على
مذهب من قال إن المبيع في يد البائع أمانة كما هو مذهب مالك ولا خيار له وممن صرح به المتولي
وصورة المسألة المجزوم بها هنا إذا كان حدوث العيب بآفة سماوية (أما) إذا حصل ذلك من جهة
124

المشترى أو البائع أو الأجنبي فقد ذكر المصنف رحمه الله الأقسام كلها في باب اختلاف المتبايعين عند
تقسيم تلف المبيع إلى الأقسام المذكورة وهناك استوعب الكلام على ذلك بعون الله وتيسيره إن شاء الله
تعالى وملخص ما هناك ما يتعلق بهذا المكان أنه متى حصل العيب بآفة سماوية أو من البائع
أو من الأجنبي فللمشتري الخيار جزما ولكن يختلف أثره على تفصيل مذكور هناك ومن جملته
ما إذا كان القاطع ابن المشترى ثم مات المشترى وورثه الابن ذكره صاحب البحر هناك وهنا أذكره
إن شاء الله ومتي حصل العيب من جهة المشترى فلا خيار له على الصحيح تفريعا على أن اتلافه قبض
وهو الصحيح المشهور (وأما) من يقول من العلماء بان المبيع قبل القبض من ضمان المشترى كما يقوله
أبو ثور مطلقا ومالك في المبيع جزافا فقياسه أن العيب الحادث قبل القبض لا أثر له ومذهب أبي حنيفة
رحمه الله في تلف المبيع قبل القبض كمذهبنا (واعلم) أن هذا الحكم من كون العيب الحادث قبل القبض
كالعيب المقارن للعقد هو المشهور الذي لا يكاد يعرف بل لا يعرف فيه خلاف بين الأصحاب ووراء
ذلك أمران غريبان (أحدهما) أن الشافعي رحمه الله قال في الام في الرهن الكبير في جناية العبد
المرهون على الأجنبين ولو بيع العبد المرهون ولم يتفرق البائع والمشترى حتى جنى كان للمشترى رده
لان هذا عيب حدث به وله رده بلا عيب ولو جني ثم بيع فعلم المشترى قبل التفرق أو بعده بجنايته
كان له رده لان هذا عيب دلسه ولو بيع وتفرق المتبايعان أو أخبر أحدهما صاحبه بعد البيع فاختار امضاء
البيع ثم جني كان من المشترى ولم يرد البيع لان هذا حادث في ملكه بعد تمام البيع بكل حال له
قال ابن الرفعة وهذا إن لم يحمل على ما بعد القبض فهو يقتضى باطلاقه أنه لا فرق فيه بين ما بعد القبض
وقبله والعلة ترشد إليه لأنه في الحالين ملكه عليه تام وإن لم يستقر إلا بالقبض (قال) وهذا ان صح
125

يقتضي أن الجناية عمدا أو خطأ في يد البائع بعد تمام الملك لا يثبت بها للمشترى خيار وان أثبت
على نفسه ولكن الأصحاب لا يوافقون على ذلك (الأمر الثاني) أن في مختصر البويطي قال أبو يعقوب
وان اشترى رجل من رجل عبدا أو ثوبا ولم يقبضه فجني عليه البائع أو غيره جناية حرق أو غيره أو
ما دون النفس أو النفس فهو مخير في العبد إن شاء أخذ الثوب وأخذ الجاني بجنايته وان شاء ترك
فإن كان ذلك بأمر من السماء كان مخيرا أن يأخذه أو يدعه وليس له النقص إذا كان من السماء كما
لو مات وقد قيل يأخذه ويسقط عنه ما نقصه بحصته من الثمن وإن كان ذلك بهزال في يديه أو ما أشبهه
كان مخيرا وقد قيل إذا كان البائع الذي جني عليه في النفس فالبيع منفسخ انتهى وهذه الأقوال
الثلاثة التي نقلها البويطي الأول والثالث معروفان في المذهب والغريب الثاني وهو أنه يأخذه ويسقط
عنه حصته من الثمن وكلامه المذكور يقتضى أن ذلك فيما يمكن التقسيط عليه كاليد ونحوها لا كالهزال
وشبهه ولكن هذا القول لم أعلم أحدا من الأصحاب ذكره على أنه ليس في كلام البويطي نسبته إلى
الشافعي رحمه الله ولا شئ من الكلام المذكور من حكاية كلام الشافعي رحمه الله وإنما الأقوال
الثلاثة من حكاية البويطي والمسألة كلها كما يدل عليه أول كلامه ونسبته إلى أبى يعقوب فلعله حكاه
عن بعض العلماء غير الشافعي رحمه الله *
* (فرع) * إذا وجد العيب قبل القبض ولكن سبب متقدم رضى به المشترى كما لو اشترى
من وجب عليه القطع عالما به فقطع قبل القبض أو بكرا مزوجة فأزال الزوج بكارتها قبل القبض
فهل تكون كعيب حدث فيرد بها كما أنه إذا اشترى مرتدا فقتل قبل القبض ينفسخ العقد أولا لان
رضاه لسببه رضى به والخيار لا يثبت مع الرضا بخلاف الانفساخ بالتلف لم أر في ذلك نقلا والأقرب
126

القطع بأنه لا يوجب الرد للرضي بسببه ولكن القاضي حسين رحمه الله أطلق أن زوال البكارة في يد
البائع يثبت الخيار ومثل هذا الاطلاق لا يوجد منه نقل في خصوص المزوجة ووطئ الزوج بها
(القسم الثاني) إذا حدث العيب بعد القبض ولم يستند إلى سبب قبل القبض فإنه لا يثبت به الرد
وهذا إذا كان بعد القبض والتفرق أما لو قبضه في المجلس وحدث به عيب قبل التفرق والتخاير فالوجه
في وذلك بناؤه على تلف المبيع في يد المشترى في مدة الخيار وفيه طرق (إحداهما) وهي التي أوردها
الغزالي وارتضاها الامام واقتضى ايراد الرافعي ترجيحها (أما) ان قلنا الملك للبائع انفسخ والا فوجهان
(أصحهما) عدم الانفساخ وإذا تم العقد لزم الثمن لان القبض وجد إلا أنه بقيت علقة فصار كما لو
اشترى مكايلة فقبض جزافا أو غصب المبيع من يد البائع وتلف في يده قال هذا التعليل صاحب التتمة
(والثاني) ينفسخ لأن العقد لم يستقر كما بعد الخيار وقبل القبض (والطريقة الثانية) القطع بعدم الانفساخ
وإنه إذا حصلت الإجازة يلزم المشترى الثمن (وان قلنا) الملك للبائع وهذه منسوبة للشيخ أبى حامد
(الطريقة الثالثة) مثلها الا أنا (إذا قلنا) الملك للبائع وحصل امضاء البائع ضمنه المشترى بالقيمة
وهذه حكاها الامام عن العراقيين وبعض أصحاب القفال وهو مقتضى كلام المصنف حيث ذكر
المسألة في أول كتاب البيوع ولذلك نسبها العمراني إليه (الطريقة الرابعة) طريقة الماوردي إن كان
التلف في خيار المجلس انفسخ على الأقوال كلها وإن كان في خيار الشرط فإن كان لهما أو للبائع
وحده فكذلك وإن كان للمشترى وحده (فان قلنا) يملك بانقضاء الخيار أو موقوف ضمنه بالقيمة
(وان قلنا) يملكه بنفس العقد فعلى وجهين (أحدهما) وهو ظاهر نصه في البيوع أنه ضامن بالقيمة
دون الثمن (والثاني) وقد أشار إليه في الصداق أنه ضامن له بالثمن المسمى (الطريقة الخامسة) ما دل
127

عليها كلام أبى الطيب أنه إن كان الخيار لهما أو للبائع وحده انفسخ قولا واحدا وإن كان للمشترى
وحده (فان قلنا) الملك له فوجهان والا لم ينفسخ وقال القاضي أبو الطيب ان الذي نص عليه الشافعي
رحمه الله في كتبه أن البيع ينفسخ ويجب على المشترى قيمته قال القاضي أبو حامد وقال الشافعي في
كتاب الصداق يلزمه الثمن واختلف أصحابنا فمنهم من قال يلزمه القيمة والذي قال من الثمن ليس
بثابت قال أبو الطيب ويحتمل أن يكون أراد بالثمن القيمة لان الشافعي يعبر عن القيمة بالثمن في
مواضع كثيرة ومنهم من قال ما تقدم وادعى ابن الرفعة أن أكثر نصوص الشافعي على الانفساخ
وذكر نصوصا تدل على ذلك من الجزء الثامن والعاشر من باب الدعوى في المبيع ومن باب دعوى
الولد فيه وقد رأيت أنا في الجزء الخامس عشر أيضا أنه إذ باع العبد بالخيار ثلاثا أو أقل وقبضه
فمات في يد المشترى فهو ضامن لقيمته وان منعنا أن نضمنه ثمنه ان البيع لم يتم فيه قال الشافعي وسواء
في ذلك كان الخيار للبائع أو للمشترى لان البيع لم يتم فيه حتى مات وقد حكي عن نصه في الصداق أن
المبيع إذا تلف في يده زمن الخيار يلزمه الثمن وبذلك قال المتولي حصل قولان في المسألة وهو في ذلك تابع
للقاضي حسين والنص المتقدم يدل على أن الانفساخ في الأحوال الثلاثة إذا كان الخيار للمبتاع أو
للبائع أو لهما فهذه خمس طرق والطريقة الأولي أفقه ولكن تصحيح عدم الانفساخ من الوجهين فيها فيه
نظر والنصوص التي للشافعي ليس فيما وقفت عليه منها ما فيه تصريح بالانفساخ ولا بعدمه بل الأكثر
الذي تمسك به ابن الرفعة والذي رأيته في الام فيه إيجاب القيمة والنص المعارض له فيه ايجاب الثمن
فأكثر النصوص تدل لاحد أمرين (أما) القول بالانفساخ الذي هو أحد الوجهين من الطريقة
الأولى كما ادعاه ابن الرفعة (واما) الطريقة التي نقلها الامام عن العراقيين (وقلت) ان مقتضى كلام
128

المصنف في أول البيع فالتمسك بذلك للانفساخ عيبا كما ادعى ابن الرفعة غير متعين وترجيح
عدم الانفساخ ولزوم الثمن موافق للنصف المقتضى لوجوب الثمن ومخالف لأكثر النصوص لكن
إذا ثبت ما قاله القاضي أبو الطيب من اطلاق الشافعي رحمه الله الثمن على القيمة وما نقله من النصوص
في كتبه بترجح القول بالانفساخ لا سيما مع ما أشعر به كلام القاضي أبو حامد أن ذكر الثمن ليس
بثابت إذا عرف بالعيب الحادث بعد القبض وقبل لزوم العقد يتعين بناؤه على هذا الخلاف فحيث
نقول بالانفساخ اما على أن الملك للبائع أو مطلقا على أحد وجهي الطريقة الأولى وظاهر أكثر
النصوص أو على طريقة الماوردي والقاضي أبى الطيب على ما فيهما من التفصيل والبناء فحدوث
العيب حينئذ كحدوثه قبل القبض وبذلك صرح الماوردي عند الكلام في وضع الجوائح قال عن ابن
أبي هريرة أن المقبوض في خيار الثلاث يستحق رده بما حدث من العيوب في زمان الخيار وإن كان
القبض تاما وجب القول بعدم الانفساخ أما على الأصح عند الرافعي من وجهي الطريقة الأولى وعلى
طريقة الشيخ أبى حامد أو على طريقة المصنف رحمه الله أو في بعض الأحوال على طريقتي الماوردي
والقاضي أبى الطيب على التفصيل المذكور أو على مقتضى النص المحكى في ذلك فحينئذ لا يكون لحدوث
العيب في ذلك الوقت أثر في اثبات الخيار ولا جرم والله أعلم أطلق المصنف رحمه الله أن حدوث العيب
بعد القبض إذا لم يستند إلى سبب قبل القبض لا يثبت الرد لان اختياره أن القبض ناقل للضمان وإن كان
في زمن الخيار كما تقدم وهو مستمر على الأصح عند الرافعي وقد تقدمت الإشارة إلى ما في ذلك
من النصوص *
* (فرع) * لا فرق بين يد المشترى ويد نائبه ولو كانت يد البائع كما لو قبض المبيع وأودعه
إياه بعد القبض نص عليه الشافعي رحمه الله والأصحاب ولو أودع البائع المبيع عند المشترى وقلنا لا يسقط
حق الحبس بالايداع فتلف كما لو تلف في يد البائع على مقتضى ذلك وعن القاضي أبى الطيب انه
صرح به في أواخر كتاب الشفعة وعبارة المصنف رحمه الله سالمة عن ذلك في الطرفين لاعتباره القبض
وهو موجود في الأول مفقود في الثاني *
129

* (فرع) * هذا الذي تقدم من أن العيب الحادث بعد القبض الذي لا يستند إلى سبب قبله
لا يرد به هو مذهبنا ومذهب جمهور العلماء وقال مالك بذلك إلا في الرقيق فإنه قال ما أصاب الرقيق
في ثلاثة أيام بعد البيع من أباق أو عيب أو موت أو غير ذلك فمن ضامن البائع فإذا أنقضت الثلاثة
الأيام برئ البائع إلا من الجنون والجذام والبرص فان هذه الأدواء الثلاثة إن أصاب شئ منها
المبيع قبل انقضاء سنة من حين البيع كان له الرد بذلك قال ولا يقضى بذلك إلا في البلاد التي جرت
عادة أهلها بالحكم بها فيها (وأما) البلاد التي لم تجر عادة أهلها بالحكم بذلك فيها فلا نحكم عليهم
بذلك قال ومن باع بالبراءة بطل عنه حكم العهدة وكذلك يسقط حكم العهدة عنده فيما إذا باع
السلطان لغريم أو من مال يتيم ولا عهدة فيه إلا أن يكون علم عيبا فكنمه وقال قتادة إن رأى عيبا
في ثلاث ليال رده بغير بينة وان رأى عيبا بعد ثلاث لم يستطع أن يرده إلا ببينة واحتج المالكيون
بما رواه أبو داود من حديث الحسن البصري عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال
عهدة الرقيق ثلاث ليال " وفى رواية أخرى أربع ليال رواه أحمد في مسنده وفى رواية أربعة أيام
قال قتادة وأهل المدينة يقولون ثلاثا قال سعيد قلت لعبادة كيف يكون هذا قال إذا وجد المشترى
عيبا بالسلعة فإنه يردها في تلك الأيام ولا يسأل البينة وإذا مضت عليه أيام فليس له أن يردها إلا ببينة
أنه اشتراها وذلك العيب بها والا فيمين البائع أنه لم يبعه ويرد وعن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
" قال عهدة الرقيق ثلاث " رواه ابن أبي شيبة وقال هؤلاء إنما قضى بعهدة الثلاث لأجل حمى الربع
فإنها لا تظهر في أقل من ثلاثة أيام هو عن عبد الله بن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع أبان
ابن عثمان وهشام بن إسماعيل بن هشام يذكر ان في خطبتهما عهدة الرقيق في الأيام الثلاثة من حين
يشترى العبدان الوليدة وعهده السنة ويأمران بذلك وعن عمر بن عبد العزيز أنه قضى في عبد
اشترى فمات في الثلاثة الأيام فجعله عمر من الذي باعه وعن ابن شهاب قال القضاة منذ أدركنا يقضون
في الجنون والجذام والبرص سنة قال ابن شهاب وسمعت ابن المسيب يقول العهدة من كل داء عضال
130

نحو الجذام والجنون والبرص وعن يحيى بن سعيد الأنصاري رضي الله عنه قال لم تزل الولاة بالمدينة
في الزمان الأول يقضون في الرقيق بعهدة السنة من الجنون والجذام والبرص ان ظهر بالمملوك شئ من
ذلك قبل أن يحول عليه الحول فهو رد عليه ويقضون في عهدة الرقيق بثلاث ليال وقد أجاب أصحابنا
وغيرهم عن الحديثين بأن الحسن لم يسمع من عقبة شيئا ولا سمع من سمرة إلا حديث العقيقة عند
أكثر الحفاظ فروايته في هذا منقطعة لا يحتج بها قال علي بن المديني لم يسمع الحسن من عقبة
ابن عامر شيئا وكذلك قال أبو حاتم وقال البيهقي في روايته عن سمرة في ذلك أنه غير محفوظ
(قلت) وقد حفظت من طريق ابن أبي شيبة فليس فيها إلا النظر في سماع الحسن بن سمرة وأيضا
ففيه عنعنة قتادة عن الحسن وهو مدلس وفى حديث عقبة مع الانقطاع والاضطراب ومن جملة ما أعل
به أنه ورد عن الحسن على الشك بين عقبة وسمرة وهما وإن كانا صحابيين فهو اضطراب وقد سأل
الأثرم أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن العهدة فقال ليس في العهدة حديث نتثبته وقال الحاكم في حديث
عقبة انه صحيح الاسناد غير أنه على الارسال لان الحسن لم يسمع من عقبة والرواية عن عمر بن عبد العزيز
في قضائه بذلك ضعيفة وكذلك الرواية المذكورة عن يحيى بن سعيد الأنصاري وبقية ما ذكروه مع
كونه ليس بحجة معارض بقول عطاء انه لم يكن فيما مضى عهدة في الأرض لا من هيام ولا من
جذام ولا شئ وبما روى من طريق الشافعي رضي الله عنه عن ابن جريج قال سألت ابن شهاب
عن عهدة السنة وعهدة الثلاث فقال ما علمت فيها أمرا سالفا وعن ابن طاووس أنه كان لا يرى
العهدة شيئا لا ثلاثا ولا أقل ولا أكثر وما أشار واليه من أن ظهور ذلك في هذه المدة يدل على
تقدمه ممنوع فقد يحدث الإباق وشبهه ولو سلم لهم ذلك فيكون من القسم الذي سنذكره وهو ما يوجد
بعد القبض ويكون سببه متقدما لكن ذلك غير مسلم لهم على أن ابن الصباغ قال في الجواب عن
ذلك أن الداء الكامن لاعتبار به وإنما النقض بما يظهر لاما كمن وفيما قاله بعد لان الكامن إذا دل
عليه دليل بعد ذلك وعلم به صار كالظاهر وذكروا أيضا أن عمر بن الخطاب وابن الزبير رضى الله
131

عنهما سئلا عن العهدة فقالا لا نجد أمثل من حديث حبان بن معداد كان يخدع في البيوع فجعل
له النبي صلى الله عليه وسلم الخيار ثلاثا إن شاء أخذ وان شاء رد وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أجل الجارية
بها الجذام سنة فاما ما ذكروه عن عمرو ابن الزبير فلا حجة لهم فيه لان في حديث حبان إن شاء
أخذ وان شاء رد ولم يعفد ذلك بعيب ولا في الرقيق دون غيره قال الشافعي رضي الله عنه والخبر في
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل لحبان بن سعد عهدة بثلاث خاص وما ذكروه عن علي لا ينافيه وقد صح
عن ابن عمر ما أدركت الصفقة حيا مجموعا فمن المبتاع ولا نعلم له مخالفا من الصحابة واستثنت المالكية
أيضا الثمار لقولهم فيها بوضع الجوائح وسنذكر مذهبنا ومذهبهم في ذلك عند ذكر المصنف رحمه الله
له في آخر باب اختلاف المتبايعين إن شاء الله تعالى (القسم الثالث) العيب الحادث بعد القبض إذا
أسند إلى ما قبل القبض كما مثل به المصنف رحمه الله فيمن قطعت يده حدا أو قصاصا بعد القبض
بسرقة أو قطع سابق عليه ولا فرق في ذلك بين أن يكون بعد العقد كما فرضه المصنف أو قبله فان
بيع من وجب قطعه بقصاص أو سرقة صحيح بلا خلاف فإذا قطع في يد المشترى بذلك السبب السابق
على العقد أو على القبض فإن كان المشترى جاهلا بالحال ولم يعلم بالسرقة أو القطع حتى قطع وهي
صورة مسألة الكتاب ففيه وجهان كما ذكره المصنف (أحدهما) وهو قول أبى اسحق وهو الأصح
وهو قول ابن الحداد ونسبه الماوردي إلى ابن سريج وبه قال أبو حنيفة فيما حكاه الماوردي وقال
القاضي أبو الطيب انه على قول الشافعي رضي الله عنه واطلاق نصه الذي نقله ابن بشرى يدل عليه
أن له أن يرد ويسترجع جميع الثمن كما لو قطع قبل القبض فإنه لو قطع قبل القبض والحالة هذه ثبت
له الرد قطعا وهذا القائل يجعله من ضمان البائع بالنسبة إلى ذلك ولو تعذر الرد بسبب فالنظر في الأرش
إلى التفاوت بين العبد سليما وأقطع قاله القاضي حسين والرافعي وغيرهما (والثاني) وهو قول ابن
أبي هريرة وابن سريج فيما حكاه الأكثرون والقاضي أبو الطيب ونقله ابن بشرى عن من نقله
عن نصه في الاملاء ومال الماوردي إليه وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله أنه من ضمان
132

المشترى وليس له الرد ولكن يرجع على البائع بالأرش وهو ما بين قيمته مستحق القطع وغير مستحقه
من الثمن وحمل النص الأول على ما قبل القبض هذا إذا كان جاهلا فلو كان عالما بالسبب فليس له
الرد ولا الأرش قطعا لدخوله في العقد على بصيرة إن كان موجودا عند العقد أو لاطلاعه عليه وامساكه
إن كان حدث قبل القبض قال الشيخ أبو علي ولا يجئ ههنا الوجه المحكي عن أبي إسحاق في القتل
يعنى سابقا وأنه يرجع بالثمن على رأى أبى اسحق كما سنذكره إن شاء الله والامر كما قال الشيخ أبو علي
كما سنبينه إن شاء الله تعالى فينبغي أن يقيد كلام المصنف بذلك وان مراده إذا كان المشترى
جاهلا وممن صرح به القاضي أبو الطيب والبغوي والرافعي وفى كلام ابن الصباغ ما يقتضى أن فيه
خلافا لأنه قال إن علم بذلك فقطع في يده لم يرجع بشئ على المذهب وكأنه رأى أن وجه أبى اسحق
يأتي ههنا وهو بعيد وسنبين ذلك إن شاء الله تعالى في أواخر الباب *
* (فرع) * عن أبي حنيفة رحمه الله أنه إذا قطع في يد المشترى يرجع بنصف الثمن ووافق في المسائل
الثلاث التي ستأتي إن شاء الله تعالى أنه يرجع بالجميع لأنه من ضمان البائع ومن نظائر ذلك لو اشترى
جارية مزوجه ولم يعلم بحالها حتى وطئها الزوج بعد القبض فإن كان ثيبا فله الرد وإن كانت بكرا
فنقص الافتضاض من ضمان البائع أو المشترى ففيه الوجهان ان جعلناه من ضمان البائع فللمشتري الرد
بكونها مزوجة فان تعذر الرد بسبب رجع الأرش وهو ما بين قيمتها بكرا غير مزوجة ومزوجة مفترعة
من الثمن (وان) جعلناه من ضمان المشترى فلا رد له وله الأرش وهو ما بين قيمتها بكرا غير مزوجة
وبكرا مزوجة من الثمن هكذا في التهذيب والرافعي والروضة التي بخط المصنف وفى بعض نسخا سقط
من قوله غير مزوجة إلى غير مزوجة فصار هكذا غير مزوجة وبكرا غير مزوجة من الثمن وذلك غلط في الحكم
وترك للتفريع من جعله من ضمان المشترى والفرق بينهما فان على ضمان البائع الافراع مضمون عليه
فلذلك يقدر من ضمان المشترى ليس المضمون على البائع إلا سلامتها على التزويج وقد تقدم مثل
ذلك في تعذر الرد في مسألة القطع وأنه يقدر على قول ضمان البائع سليما وأقطع لان القطع مضمون
133

عليه على الأصح وعلى القول الآخر بقدر مستحق القطع وغير مستحقه لان المضمون عليه سلامته
عن استحقاق القطع وقد وافق ابن الرفعة ما في الروضة السقيمة من الغلط في الحكم وجعل الأرش
على قول ضمان البائع ما بين قيمتها بكرا مزوجة وبكرا غير مزوجة (وان) كان عالما بزواجها أو علم
ورضى فلا رد له فان وجد بها عيبا قديما بعد ما افتضت في يده فله الرد ان جعلناه من ضمان البائع
قاله القاضي حسين والبغوي والرافعي وخالفهم المتولي فقال لا رد وهو الراجح لما سأنبه عليه (وان)
جعلناه من ضمان المشترى رجع بالأرش وهو ما بين قيمتها مزوجة ثيبا سليمة ومثلها معيبة هكذا قال
البغوي والرافعي ولك أن تقول ينبغي أن يكون ما بين قيمتها مزوجة بكرا سليمة ومثلها معيبة فان القيمة
المعتبرة قيمة يوم العقد على قول ويوم القبض على قول وأقل القيمتين على المذهب وعلى كل قول
تقدر هنا بكرا لأنها بكر عند العقد وعند القبض وإنما حدثت الثيوبة بعد ذلك فان قال إن ذلك
لا يختلف لان نسبة البكر السليمة من المعيبة كنسبة الثيب السليمة من المعيبة وهو صحيح لكن
ذلك يقتضى أن لا يعتد في كلامه بالثيب بل ينبغي أن يقول وهو ما بين قيمتها مزوجة سليما ومثلها
معيبة وهكذا عبارة القاضي حسين فقول الرافعي ثيبا حشو لا فائدة فيه إن كان ذلك لا يختلف
أو زيادة مفسدة ان اختلف والله أعلم * وان تعذر ردها بسبب من الأسباب على قولنا أنه من ضمان
البائع فالنظر في الأرش يتجه أن يكون على ما ذكرناه الآن لا يختلف ولا يمكن أن يقال ما بين
قيمتها بكرا مزوجة سليمة وثيبا مزوجة معيبة لان النقص الحاصل بالثيوبة رضى به وصرح القاضي حسين
بالمسألة فقال إن قلنا من ضمان البائع يرجع بما بين كونها بكرا غير مزوجة وبكرا مزوجة نقيضه (وان قلنا)
من ضمان المشترى فيرجع بما بين كونها بكرا مزوجة وغير مزوجة وفى قوله بكرا مزوجة نقيضه نظر وذكر
البغوي رحمه الله في التهذيب نظير المسألة وهو ما إذا اشترى سارقا عالما بسرقته فقطع في يده ووجد
به عيبا قديما قال له الرد إن جعلناه من ضمان البائع والا فيرجع بالأرش وهو ما بين قيمته سارقا غير
مقطوع معيبا وغير معيب فقوله غير مقطوع نظيره هنا أن تقوم بكرا وهو خلاف ما وقع في عبارته
134

وعبارة الرافعي هنا * ثم اعلم أن ما قاله هؤلاء الأئمة القاضي والبغوي والرافعي رحمهم الله يقتضى أن
الرضى بالعيب لا يبطل أثره بالكلية بل يسقط الرد به وبما هو من سببه ويصير الواقع بسببه بعد
القبض كالواقع قبل القبض في عدم المبيع من الرد وهذا إنما يتجه على قول أبى اسحق القائل بأن
القتل بعد القبض بالردة السابقة يبطل العقد ويوجب الرجوع إلى الثمن إن صح جريان هذا الوجه
في مسألة القطع وشبهها وقد أنكره الشيخ أبو علي كما تقدم (أما) على المذهب الصحيح أنه إذا قتل
بعد القبض وكان عالما بردته لا يرجع بشئ وكذلك في القطع وزوال البكارة جزما كما تقدم فينبغي
أن يكون القطع وزوال البكارة بعد القبض كعيب جديد مانع من الرد بعيب آخر (فان قلت)
جعله من ضمان البائع على الصحيح يوجب مساواته لما وجد قبل القبض لكن لا يرد به لرضاه بسببه
فلا يمنع الرد كما لو كان عيبا قديما رضى به فإنه لا يمنع الرد وإن كان لا يرد به (قلت) لو جعلناه ما بعد
القبض كما قبل القبض في ذلك لوجب أن يبطل العقد بالقتل بعد القبض عند الجهل أما عند العلم
فلا فإذا رضى بالعيب أبطل أثره وكلما وجد بعد ذلك وإن كان من أثره فليس منسوبا إلى البائع بل
هو حادث في يد المشترى ناشئ مما رضي به وليس احالته على المشترى لرضاه بسببه فينبغي أن يكون
مانعا من الرد بالعيب القديم قاله المتولي ويرجع بالأرش (فان قلت) لعل كلام القاضي والرافعي
والبغوي محمول على أنهم فرعوا ذلك على قول أبى اسحق (قلت) لا لامرين (أحدهما) أنهم لم يذكروا
قول أبى اسحق في هذه الصور مع العلم بل كلامهم وكلام غيرهم يقتضى القطع بعدم جريانه هنا
(والثاني) أنهم قالوا إذا قلنا من ضمان البائع وقدموا أن الصحيح أن ذلك من ضمان البائع فينبغي
أن يتأمل هذا البحث والجواب عنه إن أمكن لينتفع به فيما إذا باع جارية حاملا ونقصت بالولادة
وعلم بها عيبا وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى *
* (فرع) * زوال البكارة في المسألة المذكورة لا شك في أنه عيب سواء كانت الجارية مما يظن
بكارتها في العادة لصغر سنها أم لا لأنها لما دخلت في العقد صارت مستحقة وإن كانت مزوجة بدليل
أنها تسلم له بعد الطلاق وقضية ذلك أنه إذا اشترى عبدا كاتبا أو متصفا بصفة تريد في ثمنه ثم زالت
تلك الصفة بنسيان أو غيره في يد البائع ثبت للمشترى الخيار وان لم يكن فواتها عيبا قبل وجودها
قال ابن الرفعة وهذا لا شك فيه *
135

* (فرع) * إذا اشترى جارية حاملا ورضى بحملها ثم وضعت في يده ونقصت بسبب الوضع
ثم اطلع على عيب آخر بها فقياس ما تقدم في الجارية المزوجة أن لا يكون نقصانها بالولادة مانعا من
الرد على ما قال ابن الرفعة ويؤيده أن الرافعي حكى فيما إذا أصدق زوجته جارية حاملا فحملت في
يده ووضعت في يدها ثم طلقها فالنقص الحاصل منسوب إليه أو إليها فيه وجهان وفى كلام الماوردي
والرافعي ما يقتضى أنه مانع من الرد وسنذكر المسألة عند ذكر المصنف لها إن شاء الله تعالى وقد
أشرت فيما تقدم إلى ذلك وقد ذكر طائفة من الأصحاب منهم القاضي أبو الطيب والغزالي والرافعي رحمهم
الله مع هذه المسائل أو بعضها مسائل تشاركها في حصول عيب قبل العقد أو القبض ويوجد أثره بعد
القبض كالقتل بردة أو محاربة أو بجناية عمد سابقة أو الموت بمرض سابق والمصنف رحمه الله أفرد
لهذه المسائل فصلا في أواخر هذا الباب وهو أولى لان كلامه هنا في العيب الحادث بعد القبض
إذا كان سببه متقدما والحادث في هذه المسائل بعد القبض تلف يثبت الانفساخ عند من يقول إنه
لا عيب موجب للرد فلنؤخر الكلام في شرح هذه المسائل إلى الفصل الذي عقده المصنف لها
فللمشاركة المذكورة ولان التلف في ذلك منزل منزلة العيب حتى يرجع عند الجهل بالأرش لتعذر
الرد بالتلف ولذلك أدخله المصنف رحمه الله في فصول الرد بالعيب كما سيأتي إن شاء الله ولفعل الأولين
مرجح سأذكره قريبا إن شاء الله تعالى * واعلم أن صورة مسألة الكتاب هنا فيما إذا لم يترتب على
القطع تلف (أما) لو اتفق ذلك فالحكم كما سيأتي في هذه المسائل في آخر الباب إن شاء الله تعالى
(تنبيه) جزم المصنف بالتسوية بين قطع اليد بالسرقة وبالقصاص وكذلك شيخه القاضي أبو الطيب
والرافعي وقال الماوردي ان في القصاص لا يرد اتفاقا لان القود لا يتحتم ويصح العفو عنه والقطع
في السرقة لا يصح العفو عنه (تنبيه آخر) نظرا لأصحاب الخلاف في هذه المسائل بالقولين فيما إذا
علق العتق في حال الصحة بصفة ثم وجدت الصفة في مرض الموت هل يعتبر من رأس المال أو من
الثلث (تنبيه آخر) كثير من الأصحاب منهم القاضي أبو الطيب والقاضي حسين والرافعي ذكروا
مسألة القطع مبنية على مسألة القتل بالجناية وأخواتها ولذلك قدموا الكلام فيها وقدموا مسألة القطع
عليها بخلاف ما فعل المصنف فإنه أخر مسألة الجناية وحكى الخلاف في كل منهما من غير بناء وترجح
136

فعل الأولين بأن مسألة القطع غير منصوصة للشافعي فيما يظهر من كلامهم ومسألة الجناية منصوص
على أصلها وأبو الطيب يقول إن قول أبي إسحاق فيها هو مذهب الشافعي وظاهر ذلك أنه منصوص
عليه وسيقع الكلام في ذلك عند ذكر المصنف له إن شاء الله تعالى وممن وافقهم على البناء المذكور
الروياني في البحر وقال فيه ان بعض أصحابنا بخراسان قال إذا قلنا بالأول لا يرد بل يرجع بما
بين قيمته سارقا مقطوعا وقيمته غير مقطوع بالسرقة من الثمن قال وهذا ضعيف (قلت) ومراده
بالأول قول أبي إسحاق وعبر الروياني عنه بأنه قول الشافعي لكن هذا الذي نقله عن بعض
الخراسانيين لا يكاد يفهم *
* (فرع) * إذا رضى بالقطع واطلع على عيب آخر قديم فله الرد ان جعلنا القطع من ضمان البائع
والا فلا قاله القاضي حسين *
* (فرع) * إذا كان عليه حد بالسياط فاستوفى بعد القبض فان مات فالحكم كما سيأتي في أواخر
الباب وان سلم فالحكم كما مر في السابق فاستحقاق الحد بالسياط كاستحقاق القطع بالسرقة والقصاص
قاله صاحب التتمة *
* (فرع) * عبد عليل به أثر السفر فقال سيده لرجل اشتر مني هذا العبد فان مرضه من تعب
السفر ويزول عن قريب فاشتراه فازداد مرضه ولم يزل قال القاضي حسين في الفتاوى ليس له المراد
لأنه غرر بنفسه وما غره البائع *
* (فرع) * إذا وجدت إزالة البكارة من الزوج أو قطع اليد قبل القبض وكان قد رضى بالزوجة
والجناية فقد تقدم أنى لم أر نقلا في جواز الرد بذلك والأقرب القطع بأنه لا يوجب الرد فله وجد
مع ذلك عيب لم يرض به هل يكون زوال البكارة وقطع اليد مانعا من الرد بالعيب الآخر لرضاه
بالسبب أم لا؟ الذي يظهر أن يقال (ان) جعلنا وجود ذلك بعد القبض غير مانع مع العلم كما قاله الرافعي
بناء على أنه من ضمان البائع فههنا أولى (وان) جعلناه مانعا وأنه يرجع بالأرش فههنا احتمالان مأخذهما
137

أن المنع بعد القبض لأجل وقوعه في يد المشترى أو لأجل العلم (ان قلنا) بالأول لم يمتنع هنا لوقوعه
في يد البائع (وإن قلنا) بالثاني امتنع لوجود العلم ولم أر في ذلك نقلا (والأظهر) أن المنع بعد القبض
لأجل حدوثه في يد المشترى مع العلم بسببه وهذا المجموع منتف قبل القبض فلا يمتنع الرد وان علم
بالسبب لان هذا عيب زائد على ما علمه ولهذا أقول إنه لا يمتنع عليه الرد هنا وان كنت استشكلت
عدم امتناع الرد بعد القبض كما تقدم والله أعلم *
* (فرع) * عن أبي حنيفة أنه إذا قطع في يد المشترى رجع بنصف الثمن ووافق في مسائل التلف
التي ستأتي إن شاء الله تعالى أنه يرجع بالجميع لأنه من ضمان المشترى *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (إذا وجد المشترى بالمبيع عيبا لم يخل أما أن يكون المبيع باقيا على جهته أو زاد أو نقص فإن كان
باقيا على جهته وأراد الرد لم يؤخره فان أخره من غير عذر سقط الخيار لأنه خيار ثبت بالشرع
لدفع الضرر عن المال فكان على الفور كخيار الشفعة) * *
* (الشرح) للمبيع المعيب خمسة أحوال أن يكون باقيا على جهته أو زائدا أو ناقصا أو زائدا من
وجه وناقصا من وجه أو تالفا ذكر المصنف الثلاثة الأولى وعقد لكل منها فصلا وذكر الخامسة في
فصل بعد ذلك ولم يذكره في القسم هنا لأنه لا يقال وجد العيب بالمبيع بعد تلفه وهو يقسم فيما إذا
وجد بالمبيع عيبا ولو أريد بوجد العلمية التي تتعدى إلى مفعولين صح اطلاقها بعد التلف لكن
ظاهر كلامه أنها من وجدان الضالة وذلك يستدعي موجودا وأما الزائد من وجه والناقص من وجه
فاما أن يكون المراد أن الامر لا يخلو عن ذلك فالقسمة حينئذ حاصرة واما أن يكون تركه لان حكمه
يعلم من التسمين وقلما يقع التعرض له وعطفه بأو على اما غير متضح من جهة العربية وكثيرا ما يقع
ذلك في كلام المصنفين وكذلك قوله أو زاد وكان الأولى أن يقول زائدا عطفا على ما هنا
(أما الأحكام) فإذا كان المبيع الذي ظهر به العيب باقيا بحاله فقد تقدم أنه يخير بين امساكه ورده فان
138

أراد رده فخيار الرد على الفور عندنا وعند جمهور العلماء وكنت أحسب أن ذلك مجمع عليه حتى
رأيت ابن المنذر نقل عن أبي أنه لا يكون الرضى إلا بالكلام أو يأتي من الفعل ما يكون في المعقول
في اللغة أنه رضا فله أن يرد حتى تنقضي أيامه ويستمع لأنه ملكه وكذلك نقل ابن حزم فإنه قال لا يسقط
الرد إلا بإحدى خمسة أشياء مطبقة بالرضا أو خروجه كله أو بعضه عن ملكه أو إيلاد الأمة أو موته
أو ذهاب عين الشئ أو بعضه قال وهو قول أبي ثور وغيره انتهى ومن يعد أقوال أبي ثور وجوها
يلزمه أن يجعل هذا وجها من المذهب وهو في غاية الغرابة ونقل ابن المنذر عن جماعة من العلماء
المتقدمين فتاوى محتملة لان لا يكون الرد على الفور ومحتملة لخلافه فلذلك لم أذكرها ولعلي أذكرها
بعد هذا في تفصيل الأشياء المبطلة للخيار إن شاء الله وقد استدل الأصحاب بكون الرد على الفور
بدليلين (أحدهما) أن الأصل في البيع اللزوم وذلك متفق عليه ومن الدليل فيه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث
المتبايعان بالخيار " وان تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما فقد وجب البيع " متفق عليه وذلك يقتضى
لزوم العقد من الجانبين وأنه لا خيار بعد التفرق ثم إنا أثبتنا الخيار بالعيب بالدليل الدال عليه من الاجماع
وغيره والقدر المحقق من الاجماع ثبوته على الفور والزائد على ذلك لم يدل عليه اجماع ولا نص فيجرى
فيه على مقتضى اللزوم جمعا بين الدليلين وتقليلا لمخالفة الدليل ما أمكن ولان الضرر الذي شرع الرد
لأجله يندفع بالبدار وهو ممكن فالتأخير تقصير فيجرى عليه حكم اللزوم الذي هو الأصل (الدليل
الثاني) ما ذكره المصنف رحمه الله من أن القياس على خيار الشفعة وفيه احترازات قال ابن معن
احترز بقوله ثبت بالشرع من خيار الشرط في البيع وبقوله لدفع الضرر عن المال عن خيار الأمة
إذا عتقت تحت عبد (إذا قلنا) ليس الخيار على الفور ومن خيار المرأة بالمطالبة بالعنة أو الطلاق في
الايلاء ومن الخيار بين القصاص والدية وقد أجاد في ذلك وزاد غيره خيار العنة أيضا كخيار الأمة قال
بعض الفضلاء وهو منقوض بخيار المجلس فإنه ثبت بالشرع لدفع الضرر عن المال وليس على الفور
وهذا النقض مندفع بأن خيار المجلس ثبت رفقا بهما كما قاله المصنف رحمه الله في أول البيع وذلك على
وجه التروي والنظر في المصلحة لا لدفع الضرر المحقق فإنه قد لا يكون ثم ضرر أصلا ولا يستند إلى
139

ظهور وصف في المبيع وبعد أن كتبت هذا رأيت هذا المعنى بعينه لأبي محمد عبد الله بن يحيى الصعبي
في كلامه على المذهب الذي سماه غاية المفيد ونهاية المستفيد وجعل قوله لدفع الضرر احترازا من خيار
المجلس فإنه ثبت للارتياء والنظر وقد يرد على المصنف في ذلك خيار التصرية على قول أبى حامد
المروروزي كما تقدم فإنه خيار ثبت بالشرع لدفع الضرر عن المال ومع ذلك يمتد إلى ثلاثة أيام
عند أبي حامد وقد يجاب عن هذا بأن أبا حامد يجعل ثبوته ثلاثا بالحديث ولا يجعله لكونه عيبا
بدليل أنه يثبته مع العلم وإذا كان كذلك فلا يكون لدفع الضرر عن المال وقد يورد على المصنف
أيضا الخيار الذي أثبته النبي صلى الله عليه وسلم لحبان بن منقذ فان ذلك خيار ثابت بالشرع لدفع الضرر عن
المال وهو يمتد ثلاثة أيام ويجاب عنه بأن ذلك مختص بحبان بن منقذ كما أشار إليه الشافعي رضي الله عنه
فيما تقدم ويجاب عن كل من هذا وخيار المصراة على قول أبى حامد بأنهما خارجان من مقتضى
القياس المذكور بالنص على خلاف القياس فيبقى فيما سواهما على مقتضاه وقد يورد على المصنف أنه
قاس في باب الشفعة سقوط الخيار بتأخير الطلب من غير عذر على الرد بالعيب وههنا قاس الرد بالعيب
على الشفعة وأجابوا عن هذا بأن قياس الرد بالعيب على الشفعة ورود الخبر فيها وقياس الشفعة على
الرد بالعيب لان الشفعة تردد قول الشافعي فيها بخلاف الرد بالعيب فان أكثر العلماء اتفقوا على أنه
على الفور وعدوا ذلك من محاسن المهذب وإذا تأملت كلام المصنف في باب الشفعة حكمت بعدم صحة
السؤال لأنه لما قال إنها على الفور على الجديد الصحيح استدل له بالحديث ثم قال فعلى هذا ان أخر
الطلب من غير عذر سقط لأنه على الفور فسقط بالتأخير من غير عذر كالرد بالعيب وهذا الكلام
يقتضى المغايرة بين الحكمين وان سقوط الخيار بالتأخير هو المقيس على الرد بالعيب وهو غير كونه على
الفور الثابت بالحديث وههنا في الرد بالعيب المقصود اثبات كونه على الفور بالقياس على الشفعة فالمقيس
هناك على الرد بالعيب غير المقيس هنا على الشفعة فلا سؤال ولا أشكال ولا حاجة إلى الجواب المذكور
ولكن لك أن تقول إن كان السقوط بالتأخير من غير عذر ظاهر اللزوم لكون الخيار على الفور ولا
140

حاجة في الشفعة إلى قياسه على الرد بالعيب وان لم يكن كذلك فلا يكفي الرد بالعيب لثبوته إن ثبت
أنه على الفور بالقياس على الشفعة كما هو مدلول كلام المصنف هنا فيحتاج إلى الجواب المذكور وقد
خطر لي في الجواب عن ذلك والاعتذار عن المصنف في جعله سقوط الشفعة بالتأخير بعد تقرير كونه
على الفور منشئا على الرد بالعيب مسألة غريبة نقلها أبو سعد الهروي عن تعليق البندنيجي أن الشافعي
رضي الله عنه نص في اختلاف العراقيين على القول الصحيح أن الشفعة على الفور للشفيع خيار المجلس
لأنه قال ولو عفا عن الشفعة ثم تركها ثم بدا له فأراد المطالبة بها كان له ما دام في المجلس قال الهروي
ووجهه أن العفو تقرير لملك المشتري لجهة المعارضة فيعقب بخيار المجلس كالشراء وعكسه الابراء عن
الدين فإنه اسقاط محض ولم يتضمن تقرير ملك في غيره (قلت) فلعل المصنف رحمه الله اطلع على هذا
النص القائل بأن الشفعة لا تبطل بالعفو ما دام في المجلس على قول الفور ولا شك أن التأخير أولى
بعدم البطلان فأراد أن يدفع ذلك بالقياس على الرد بالعيب وهذا ينبغي السؤال عنه على أنى نظرت
باب الشفعة من اختلاف العراقيين نظر العجل فلم أر هذا النص فيه وهو غريب مشكل ورأيت
في كتاب أحمد بن بشري الذي جمع فيه من نصوص الشافعي ما يوافقه فإنه قال وتسليم الشفعة أن
يقول سلمت شفعتي أو تركتها أو ما أشبهه ثم يفارق الشهود الذين قال بين أيديهم قد سلمت شفعتي
فإن لم يفارقهم حتى يقول أنا على شفعتي فذلك له وهذا هو ذاك النص بعينه وأيضا فقد اختلف الأصحاب
في خيار المجلس في الشفعة وفسره بعضهم بأنه يخير بين الاخذ والترك في المجلس (وان قلنا) بالفور
فما قاله المصنف يدفعه *
* (فرع) * إذا ادعى البائع أن المشترى أخر الرد بعد العلم وأنكر المشترى فالقول قول المشترى
مع يمينه قاله الروياني عن جامع القاضي أبى حامد *
* (فرع) * أطلق المصنف رحمه الله أن التأخير من غير عذر يسقط الخيار والمراد بذلك أن يبادر
على العادة قال أصحابنا فلا يؤمر بالعدو والركض ليرد ولو كان مشغولا بصلاة أو أكل أو قضاء حاجة
141

فله الخيار إلى أن يفرغ وكذا لو اطلع حين دخل وقت هذه الأمور فاشتغل بها فلا بأس وكذا لو
لبس ثوبا وأغلق بابا قال الماوردي والرافعي ولو وقف عليه ليلا فله التأخير إلى أن يصبح وقال
الهروي في الاسراف إلى ضوء النهار وهما راجعان إلى معني واحد هكذا أطلق الماوردي والرافعي جازما
بذلك اعتبار بالعرف وقال صاحب التتمة إذا أطلق بالليل ولم يتمكن من حضور مجلس الحكم
ولا من استحضار الشهود ليفسخ بحضرتهم ولا من أخبار البائع بذلك فعامة أصحابنا قالوا لابد أن يقول
في الوقت فسخت والا سقط حقه وكان القفال يقول لا يبطل بل يؤخر حتى يحضر البائع أو الشهود
أو يحضر مجلس الحكم والظاهر أن صاحب التتمة يطرد هذا الخلاف في تأخر الفسخ بالعذر مطلقا
ويشمل ذلك الصور المتقدمة من الاكل وقضاء الحاجة ونحوه ويكون ذكر هذه الاعذار المتقدمة
على ما ذكر إنما تستمر على رأى القفال ويحتمل أن يكون ذلك مختص بالليل لما فيه من التأخير
كما يقوله في الغيبة والمرض أنها الاعذار المتقدمة فلا يعد في العرف تأخيرا وهذا الاحتمال الثاني أوفق
لكلام الرافعي واشتراط صاحب التتمة عدم التمكن في الليل يقتضى أنه متي تمكن فيه كان كالنهار
وكذلك قال ابن الرفعة لا فرق بين الليل والنهار إذا تمكن من المسير فيه من غير كلفة (أما) إذا
كان فيه كلفة فله التأخير إلى الصباح وهذا وإن كان المعنى والفقه يقتضيه فلم أر التصريح به لغيره قال
البغوي وابن أبي عصرون انه في الليل لا يلزمه تعجيل الفسخ ولا الاشهاد على نفسه بالرد في أصح
الوجهين وهذا الوجه الذي أشار إليه يسلكه ملك الغيبة وسيأتي الكلام فيها إن شاء الله ولو لقى
البائع فرد عليه قبل سلامه صح ولو رد عليه بعد سلامه صح أيضا خلافا لمحمد بن الحسن قاله الماوردي
والرافعي وغيرهما وفى بعض الشروح للتنبيه حكاية وجهين في كون السلام عذرا هو بعيد وإن كان
الإمام قال في الشفعة ان من عده في اشتراط قطع ما هو مشغول به من الطعام وقضاء الحاجة لا يبعد
أن يشترط ترك الابتداء بالسلام ولو علم به وهو ممنوع بعته أو مرض كان على حقه إلى أن يزول المنع
قاله الماوردي وسيأتي كلام كثير في حالة الغيبة لو لم يتم الغرض إلا باستيفائه فهذه كلها أعذار احترز
عنها المصنف رحمه الله بقوله من غير عذر وقال الأئمة ان الكلام في المبادرة وما يكون تقصيرا ومالا يكون
محله كتاب الشفعة وأحالوا الكلام هنا عليه وقد حكوا هناك وجها أنه يلزمه إذا اطلع على الشفعة قطع
142

ما هو عليه من طعام والخروج من الحمام والنافلة ونحو ذلك تحقيقا للبدار قال ابن الرفعة ومثله لا يبعد
جريانه ههنا لأنهما في قرن وعد ابن الرفعة من الاعذار إباق العبد قبل القبض فان المشترى إذا
اطلع عليه وأخر لا يسقط حقه بل لو صرح باسقاطه لم يسقط على الصحيح (قلت) والحكم كما
ذكر ولكن ذلك لان السبب متجدد في كل وقت فلا يحصل حقيقة التأخير فلا يحسن عده
في جملة الاعذار *
* (فرع) * وأما الذي لا يكون عذرا فكثير (منها) لو بادر حين العلم بالعيب فلقي البائع فأخذ في
محادثته ثم أراد الرد فلا رد له قاله الماوردي والرافعي وغيرهما ولو أخر الرد مع العلم بالعيب ثم قال أخرت
لأني لم أعلم أن لي حق الرد فإن كان قريب العهد بالاسلام أو نشأ في برية لا يعرفون الأحكام قبل
قوله ومكن والا فلا وعن الفروع حكاية قولين كالأمة إذا ادعت الجهالة بالحكم ولو قال لم أعلم أنه
يبطل بالتأخير قبل قوله لأنه مما تخفى على العوام هكذا قال الرافعي وقال النووي إنما يقبل قوله ولم
أعلم أن الرد على الفور وقول الشفيع لم أعلم أن الشفعة على الفور إذا كان ممن يخفي عليه مثله وقد صرح
الغزالي وغيره بهذا في كتاب الشفعة (قلت) وفى الاطلاقين نظر ويتعين أن يقال يقبل قوله إذا كان
ممن يخفى عليه أو مجهول الحال أما من علم أنه لا يخفى عليه فلا يقبل قوله وعلى هذا يحمل اطلاقهم وحيث
بطل حق الرد بالتقصير حق الأرش أيضا *
* (فرع) * لو اطلع على عيب قبل القبض تلزمه المبادرة على الفور أيضا على ما يظهر من
كلامهم ولا يقال إن له التأخير إلى القبض لان كل ما كان قبل القبض من ضمان البائع ودوام
العيب عيب
* (فرع) * فيه تحقيق الكلام في الفور وكيفية الرد وحال الغيبة والمرض قال القاضي حسين عن
عامة الأصحاب ان عليه الفسخ على الفور وعن الشيخ وهو القفال أن له التأخير إلى حضور مجلس الحكم
هكذا رأيته في تعليقه وأراد أبو سعد الهروي في النقل عن القاضي حسين أنه رد على القفال وقال
سبيله أن يفسخ الواقع منه لتيسر الاثبات له ويقرب منه ما تقدم عن صاحب التتمة ونقل عن عامة
143

الأصحاب في الليل أنه لابد من تلفظه بالفسخ وعن القفال أنه يؤخر إلى وجود البائع أو الشهود أو مجلس
الحكم قال الامام ان تمكن من الفسخ بين يدي قاض فلا عذر في التأخير وان لم يحضر خصمه
ولم يتمكن من الاشهاد فليبتدر الرفع إلى القاضي بحيث لا يعد تقصيرا في العرف ولا يلزمه النطق
بالفسخ قبل الحضور فان رفع إلى الحاكم مع حضور الخصم بطل حقه على المذهب وان لم يجد الغريم
فأمكنه أن يتلفظ بالرد ويشهد فلم يفعل ورفع إلى القاضي فوجهان وقال الغزالي في البسيط ان
نهض إلى البائع كما اطلع لم يكن مقصرا وان لم يكن حاضرا ورفع إلى القاضي فليس مقصرا وان فسخ
في بيته وأشهد فليس مقصرا وان رفع إلى القاضي مع حضور الغريم بطل حقه على المذهب وان لم يكن
الغريم حاضرا وأمكن الاشهاد فلم يشهد ورفع إلى القاضي فوجهان وهو موافق لكلام الامام
وجزمه أولا بأنه إذا رفع إلى القاضي ليس مقصرا محمول على ما إذا لم يمكن الاشهاد جمعا بين أول كلامه
وكلام الامام أنه يرد على الغريم فإن لم يحضر فالاشهاد أو يكتفى بالحاكم وجهان فعلى
أحد الوجهين الغريم ثم الاشهاد ثم الحاكم وعلى الوجه الآخر الغريم ثم الاشهاد أو الحاكم
في رتبة واحدة وهذا إذا لم يكن حاضرا في مجلس الحكم فإن كان حاضرا بين يدي القاضي
فلا يعذر في التأخير كما قدمه الامام وقال في الوسيط إن كان العاقد حاضرا فليرد عليه
في الحال وإن كان غائبا فليشهد على الرد اثنين فان عجز فليحضر مجلس القاضي فان رفع إلى
القاضي والخصم حاضر فمقصر وإن كان الشهود حضورا فرفع إلى القاضي فوجهان إذ في الرجوع إلى
القاضي مزيد تأكيد فاقتضى هذا الترتيب الغريم ثم الاشهاد ثم الحاكم وقيل الغريم ثم الاشهاد
أو الحاكم في رتبة واحدة وقال في الوجيز يرد عليه في الوقت إن كان حاضرا وإن كان غائبا أشهد
شاهدين حاضرين فإن لم يكن حاضرا عند القاضي فوافق ما في الوسيط قال الرافعي وفى الترتيب
المذكور اشكال يعنى الذي في الوسيط والوجيز قال لان الحضور في هذا الموضع اما أن يعني به الاجتماع
في المجلس أو الكون في البلد فإن كان الأول فإذا لم يكن البائع عنده ولا وجد الشهود ولم يسع إلى
القاضي ولا سعى إلى البائع واللائق لمن يمتنع من المبادرة إلى القاضي إذا وجد البائع أن يمنع منها
144

إذا أمكنه الوصول إليه وإن كان الثاني فأي حاجة إلى أن يقول شاهدين حاضرين ومعلوم أن الغائب
عن البلد لا يمكن إشهاده ثم على التفسيرين فكون حضور مجلس الحكم مشروطا بالعجز عن الاشهاد
بعيدا أما على الأول فلان حضور مجلس الحكم قد يكون أسهل عليه من احضار من يشهده أو الحضور
عنده وأما على الثاني فلانه لو اطلع على العيب وهو حاضر في مجلس الحكم ينفذ فسخه ولا يحتاج
إلى الاشهاد بل يتعين عليه ذلك أن أراد الفسخ فظهر أن الترتيب الذي يقتضيه ظاهر لفظ الكتاب
غير مرعى انتهى كلام الرافعي ووافقه النووي على هذا الاشكال وقال إن الترتيب الذي ذكره
الغزالي مشكل خلاف المذهب وقال الرافعي ان الذي فهمه من كلام الأصحاب ان البائع إن كان
في البلد رد عليه بنفسه أو بوكيله وكذا لو كان وكيله حاضرا ولا حاجة إلى المرافقة فلو تركه ورفع
الامر إلى مجلس الحكم فهو زيادة توكيد وحاصل هذا تخييره بين الامرين وإن كان غائبا عن البلد
دفع الامر إلى مجلس الحكم والى أن ينتهى إلى الخصم أو القاضي في الحالين لو تمكن من الاشهاد
على الفسخ هل يلزمه (وجهان) قطع صاحب التتمة وغيره باللزوم ويجرى مجرى الخلاف فيما إذا
أخر بعذر من مرض أو غيره ولو عجز في الحال عن الاشهاد فهل عليه التلفظ بالفسخ وجهان
(أصحهما) عند الامام وصاحب التهذيب لا حاجة إليه انتهى ما ذكره الرافعي وهو مخالف لماله لما
قاله الامام والغزالي في كون الرفع إلى القاضي مع حضور الخصم مبطلا كما يقوله الامام وعند الرافعي
هو مخير بينهما ومخالف له أيضا في الاكتفاء بالاشهاد عن الحضور إلى الحاكم كما يقتضيه كلام الغزالي
في البسيط والوجيز وصدر كلام الامام في النهاية وعلى ما قاله الرافعي لا يكتفى بذلك جزما ولا يجوز
التشاغل به عن الحاكم وزائد على كلام الامام والغزالي بلزوم الاشهاد عند الامكان إلى أن ينتهى
إلى الخصم أو القاضي في الحالين على ما قطع به صاحب التتمة وغيره وإن كان آخر كلام الامام
والغزالي في البسيط يمكن حمله على الوجهين في ذلك الذي حكاهما الرافعي لكنه إن صح حمله على
ذلك قاصر على الحاكم دون الخصم فهذه الأمور الثلاثة في كلام الرافعي رحمه الله وفى كلام الامام
145

زيادة بيان أنه ان تمكن من الفسخ بين يدي قاض فلا عذر في التأخير ومقتضى ذلك أنه مقدم على
الجميع وهو كذلك بلا نزاع فقول الرافعي انه يخير بين الامرين ان أراد في غير مجلس الاطلاق وهو
الظاهر فبقيت عليه هذه الحالة لم يذكرها وان أرد مطلقا اقتضي أنه من الحاكم ويذهب إلى البائع
أو يترك البائع في المجلس ويذهب إلى الحاكم وسنذكر عن ابن الرفعة ما فيه وما ذكره الرافعي
من أن الأصح عند الامام وصاحب التهذيب أنه لا حاجة إلى التلفظ بالفسخ عند العجز مخالف لما
تقدم عن القاضي حسين ونقله عن عامة الأصحاب وموافق لما نقله عن القفال وفيما ذكره الرافعي
من التخيير بحيث لابد من معرفته سأفرد له فرعا في آخر الكلام إن شاء الله تعالى وقال ابن الرفعة
في الكفاية على سبيل الايراد على الغزالي ان الامام ذكر في الشفعة أن الشفيع لو ابتدر مجلس الحكم
فهو فوق مطالبة المشترى وحكيا معا وجهين فيما إذا تمكن من الاشهاد وتركه ودفع إلى القاضي وهذا
يدل على أن المضي إلى القاضي أقوى من لقاء الخصم وان الاشهاد أقوى من المضي إلى القاضي هكذا
كلامه في الكفاية وقال في المطلب أن مراد الغزالي هنا في الوسيط والوجيز بالحضور الحضور في البلد
وكذلك مراده في البسيط هنا ويظهر على ذلك أن الرفع إلى القاضي مع حضور الخصم في البلد ليس
بتقصير بل هو فوقه لاحتمال المنازعة (وأما) الرفع إلى القاضي مع حضور الشهود مجلس الاطلاع ففيه
الوجهان ثم قال ابن الرفعة انه على قولنا لا يجب الفسخ بحضرة الشهود فهل يجب عليه أن يشهد أنه
طالب للرد يشبه أن يكون فيه وجهان كالشفعة ومن ذلك أن صح ينتظم ثلاثة أوجه ثالثها الاشهاد
يعتبر عند تيسره على طلب الرد لا على نفس الرد (قلت) والصحيح كما تقدم عن الرافعي أنه يلزمه
الاشهاد على نفس الرد (وأما) الاشهاد على أنه طالب الرد ولا يكفي فإنه ههنا بمكنة إنشاء الرد بحضرة
الشهود وفى الشفعة لا يمكنه الاخذ إلا بأمور هي مقصودة إذا ذاك فليس المقدور في حقه إلا الاشهاد
على الطلب ثم اعترض ابن الرفعة على نفسه بأن الامام والغزالي في البسيط قالا في الشفعة ان الشفيع
إذا ترك مطالبة المشترى مع الحضور وابتدر الحاكم فهو فوق مطالبة المشترى وهذا المعني يجوز أن يقال
في حالة حضور المشترى في البلد وحضوره مجلس الاطلاع على الشفعة ويجوز أن يقال مثله في الحالين
146

في الرد بالعيب أجاب بأنه يحمل ما ذكره في الشفعة على حالة غيبة المشترى عن مجلس الاطلاع
عليها لان في حالة الحضور لا حلف على الشريك في قوله أنا طالب بالشفعة أو تملكت بها أو وجد
بدل المال فان نازعه المشترى إذ ذاك رفعه إلى الحاكم وفى حال غيبة المشترى عن مجلس الاطلاع لابد
من المضي إماله أو للحاكم فكان مخيرا بينهما أحوط وهذا لا تباين بين الكلامين قال وهذا قلته
بناء على ما صار إليه معظم الأصحاب من أنه إذا أمن الرد على (1) لا يعذر بطلب الحاكم (أما)
إذا قلنا بما صار إليه القفال فيما حكي القاضي عنه فلا فرق بين الحالين في جواز تأخير الطلب إلى وقت
الحضور بين يدي القاضي كما ذلك مقتضى إطلاق القاضي في تعليقه عنه ولا جرم قال الامام مشيرا
إلى هذا الوجه لو كان المردود عليه حاضرا فابتدر القاضي فظاهر المذهب أنه يبطل حقه لكن
حكاية الهروي عن القفال لا تدخل حالة قصوره مع البائع بل حال غيبته وتمكنه فيها من الاشهاد
وإذا كان كذلك ظهر صحة ما قال الغزالي من الجزم بأنه يقصر يعنى إذا رفع إلى القاضي والخصم
حاضر أي في مجلس الاطلاع (قلت) ما حكى الهروي عن الشيخ أبى حامد أن الرفع إلى القاضي
والطلب منه أن يحضر المشترى حتى يأخذ منه بالشفعة تطويل يبطل الحق قال ابن الرفعة وقد ينحل
ما ذكرناه على ما يختاره من فهم كلام الوسيط اتباعا لما في الوجيز ان تأخير الرد بحضرة القاضي
قد جمعهما مجلس الاطلاع تقصير جزما وكذا تأخيره إذا اجتمع هو والمالك في مجلس الاطلاع وفيه
ما سلف عن الامام وقد عرفت اندفاعه وعند عدم حضور البائع مجلس الاطلاع لكنه حاضر في البلد
هل يجعل بترك الاشهاد قبل الانتهاء إليه مقصرا وجهان جاريان فيما إذا كان غائبا عن البلد وترك
الاشهاد قبل الانتهاء إلى القاضي المفهوم منهما في الوجيز أنه غير مقصر ولو لم يقدر على الاشهاد في حال
حضور البائع في البلد أو غيبته عنها فلا تقصير إلا باهمال طلب البائع أو القاضي وهل يكون طلب
القاضي تقصيرا في حال حضور البائع في البلد وتيسر طلبه قبل طلب القاضي فيه الوجهان عن القفال

(1) بياض بالأصل
147

وغيره ومع ذلك لا يتوجه على الغزالي ما ذكرته في الكفاية وذكره الرافعي فيما يظنه فليتأمل (قلت)
وملخص ذلك أنه ان حضر البائع مجلس الاطلاع رد جزما وان حضر البائع مجلس الاطلاع فكذلك
لا على ما يفهمه كلام القاضي حسين من النقل عن القفال وان لم يحضر أحد منهما مجلس الاطلاع
وحضر في البلد فعلى ما قاله الرافعي واقتضى كلام الامام في الشفعة أنه يكون مخيرا بين البائع والحاكم
وقال ابن الرفعة انه في هذه الصورة الوجهان عن القفال وغيره يعني فيكون التخيير على رأى القفال
خاصة وعامة الأصحاب على خلافه وليس الصحيح لأنه قد وافق عند تأويل كلام الامام والغزالي في
الشفعة أن الرفع إلى الحاكم أحوط فهذه مناقشة في كلام ابن الرفعة وأيضا مناقشة ثانية وهي أن
كلام الغزالي في الوسيط جعل الحضور إلى القاضي عند العجز عن الشهود وذلك يوهم الاكتفاء بالشهود
ولم يقل به أحد من الأصحاب فيما علمته عند القدرة على القاضي أو البائع ومناقشة ثالثة وهي أن ما ذكره
لا يدفع اعتراض الرافعي في قوله لم يسع إلى القاضي ولا يسعى إلى البائع كما يقتضيه كلام الغزالي
(وقوله) ان حضور مجلس الحكم قد يكون أسهل من إحضار الشهود فيكون الحضور إلى القاضي مشروطا
بالعجز عن الشهود كما يقتضيه كلام الغزالي بعيد ما ادعاه ابن الرفعة من إرادة حضور مجلس الحكم
صحيح ولكن لا يدفع سؤال الشافعي رحمه الله فقد ظهر أن اشكال كلام الغزالي باق بحاله فان اتضح
بعض مراده وتلخيص الحكم على الصحيح الذي تحصل من كلام الرافعي وغيره وفى كل من
الحالتين يجب الاشهاد إذا تيسر قبل الانتهاء إلى البائع أو الحاكم على الأصح ولا يجب التلفظ بالفسخ
قبله على الأصح وتلخيصه بأيسر من هذا على الصحيح وسأفرد للكلام في ذلك فرعا ولك أن تعبر
بعبارة مختصرة فنقول تجب المبادرة إلى البائع أو الحاكم فان مر في طريقه إلى أحدهما بالآخر ولقى
شهودا وجب اشهادهم قبل ذلك في الأصح وإذا أردت تمييز المراتب فاعم أن الرتبة (الأولى) أن يحضر مع
الحاكم في مجلس الاطلاع فيبادر ولا يؤخر قطعا على ما قاله ابن الرفعة واقتضاه كلام الامام (الثانية)
148

أن يحضر البائع مجلس الاطلاع فكذلك لا على ما يقتضيه نقل القاضي حسين عن القفال أنه له
التأخير إلى حضور مجلس الحكم حذرا من إنكاره البائع (الثالثة) حضور الشهود مجلس الاطلاع
فلا يعذر في التأخير لامكان الاثبات بهم ولم أر تصريحا بنقلها إلا ما تقدم من اطلاق أنه يجب الاشهاد
قبل الانتهاء إلى الحاكم والبائع ان أمكن على الأصح ومقتضى ذلك أن يأتي ذلك الوجه هنا أيضا
وقد قدمت ما فيه ففي هذه الصور الثلاث متى أخر عن مجلس الاطلاع بطل حقه إما جزما أو على
الأصح وظاهر هذا الاطلاق يقتضى أنه لا فرق بين أن يكون الحاكم أبعد من البائع أو أقرب وقد
يقال ينبغي أنه إذا كان يمر في مضيه إلى أحدهما بالآخر يعذر كما لو كان معه في مجلس الاطلاع فلا يعذر
في التأخير عنه إلى أن ينتهى إلى الآخر وقد قدمت ذلك أيضا وسنعيد الكلام فيه (الخامسة) أن
يكون الموجود في البلد واحدا منهما اما الحاكم أو البائع فلا شك في تعينه (السادسة) إذا لم يكن
واحد منهما في البلد تعين الاشهاد (السابعة) إذا كان الشهود في البلد وتيسر الاجتماع بهم قبل البائع
أو الحاكم فيجب الاشهاد على الصحيح وقال الغزالي في الشفعة ان المذهب أنه لا يجب (الثامنة) إذا
كان الشهود في البلد ولا تيسر بهم الاجتماع قبل البائع أو الحاكم فلا يجب المضي إليهم جزما (التاسعة)
إذا كان الشهود في البلد تيسر الاجتماع بهم قبل البائع أو الحاكم فيجب الاشهاد على الأصح ولا يكفي
جزما (العاشرة) إذا لم يكن في البلد شئ من الثلاثة فهل يجب أن يتلفظ بالفسخ يأتي فيه الوجهان
المذكوران في كلام الرافعي في حالة العجز عن الاشهاد الأصح عدم الوجوب *
* (فرع) * إذا رفع الامر إلى الحاكم عند غيبة الخصم على ما تقدم فكيف يدعى قال القاضي
حسين في فتاويه يدعى شراء ذلك الشئ من فلان الغائب بثمن معلوم وأنه أقبضه الثمن ثم ظهر العيب
وأنه فسخ البيع ويقيم البينة على ذلك في وجه مسخر ينصبه القاضي ويحلفه القاضي مع البينة لأنه قضاء
على الغائب ثم يأخذ المبيع منه ويضعه على يد عدل والثمن يبقى دينا على الغائب فيقبضه القاضي من
149

ماله فإن لم يجد له سوى المبيع باعه لقضاء دينه هكذا قاله القاضي ونقله الرافعي عنه وقوله في الدعوى
انه فسخ البيع إنما ذكره القاضي تفريعا على رأيه في أنه لا يؤخر الفسخ حتى يحضر إلى الحاكم بل يفسخ
عند الشهود أو وحده وأما على الأصح أنه لا يجب عليه التلفظ بالفسخ إذا لم يوجد الشهود وحضر عند
الحاكم على ذلك فإنه ينشئ الفسخ عنده وتكون الدعوى التي تقيم البينة عليها بالشراء وقبض الثمن
وظهور العيب فقط وقوله ينصب مسخرا تفريع على رأيه أيضا في الاحتياج إليه في الدعاوي والأصح
عند غيره أنه لا يلزم القاضي نصب المسخر وتحليفه بعد البينة على الأصح من المذهب في الدعوى على
الغائب وقيل يستجب وقوله يقضيه القاضي من ماله يشمل النقد وغيره وهو في النقد ظاهر وأما غير
النقد فيحتمل أن يقال إنه مثل البيع فيتخير القاضي في بيع ما شاء منهما ويحتمل أن يقال إنه يتعين
بيع المبيع لأنه أقرب إلى مقصود البائع فان عجز باع من غيره ليكمله قال ابن الرفعة وهو الذي
يظهر وليس كما قال لأنه ليس للبائع غرض في أخذ الثمن من المبيع دون غيره بل هو وغيره سواء
فينبغي أن يحمل كلام القاضي على ذلك ولا يحمل على ماله سوى المبيع لأنه لا يتعين في ذلك
والله تعالى أعلم *
* (فرع) * فأما إذا رفع إلى القاضي في حال حضور الخصم في البلد على ما تقدم أنه مخير أو كان
عند الحاكم في مجلس الاطلاع على العيب وقد تقدم أن المعتبر حينئذ المبادرة إلى الحاكم جزما
فالظاهر أنه لا فائدة في ذلك إلا اعلام الحاكم بالفسخ وطلب غريمه ليدعي عليه وحينئذ فالاكتفاء
بذلك عند الاشهاد مستمر على الصحيح أن القاضي يقضى بعلمه أما إذا منعنا من القضاة بالعلم فلا
يفيده أخبار الحاكم بذلك وحده قبل مجئ الغريم وإذا جاء الغريم لا يمكنه أن يقول إنه الآن كما
اطلع على العيب ليقدم اعترافه عند الحاكم ولا يقبل قوله في قوله الفسخ في ذلك الوقت ولا يمكن
الحاكم أن يحكم له به تفريعا على منع الحكم بالعلم فيقف وهذا يحسن أن يكون مأخذ التقديم الاشهاد
150

وأنه لا يرفع إلى الحاكم عند العجز على الاشهاد على ما اقتضاه كلام الوسيط لكن ذلك يقتضى تقديمه
على النهوض إلى البائع أيضا وقد عرف بما ذكرته من علم الحاكم بتقدم علمه بالعيب وعدم انتفاعه
بعلمه بالفسخ والله أعلم *
* (فرع) * الخصم الذي يرد عليه على وجه التعين أو التخير بينه وبين الحاكم من هو كلام
المصنف ساكت عن ذلك وإطلاق كلام الغزالي والرافعي أنه البائع وذلك يقتضى أنه لا فرق بين أن
يكون عقد لنفسه أو لغيره قال ابن الرافعة وفى الثانية نظر (إذا قلنا) لا عهدة تتعلق بالوكيل وعلى كل
حال فله الرد على الموكل (قلت) والكلام في العهدة معروف في موضعه فلذلك حسن الاطلاق ههنا
محالا على البيان ثم وقد صرح الرافعي في آخر هذا الباب بأن له الرد على الوكيل وعلى الوصي يعنى
إذا باشر الوصي أو الوكيل العقد وقد مر ذلك فيما إذا أوصى إليه ببيع عبده وشراء جارية بثمنه واعتاقها
ففعل ثم وجد المشترى عيبا بالعبد قال الوصي ببيع العبد المردود ويدفع الثمن إلى المشترى قال ولو
فرض الرد بالعيب على الوكيل فهل للوكيل بيعه ثانيا فيه وجهان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله
كالوصي ليتم البيع على وجه لا يرد عليه (وأصحهما) لا لأنه امتثل المأمور وهذا ملك جديد فيحتاج إلى
إذن جديد ويخالف الايصاء فإنه تولية وتفويض ولو وكله بأن يبيع بشرط الخيار للمشترى (فان قلنا)
ملك البائع لم يزل فله بيعه ثانيا (وان قلنا) زال وعاد فهو كالرد بالعبد ثم إذا باعه الوصي ثانيا فان باعه
بأقل من الثمن الأول فالنقصان على الوصي أو في ذمة الموصى فيه وجهان (أصحهما) الأول وبه قال
ابن الحداد وعلى هذا لو مات العبد في يده كما رد غرم جميع الثمن ولو باعه بأكثر من الثمن الأول انه
لزيادة قيمة أو راغب دفع قدر الثمن للمشترى والباقي للوارث وان لم يكن كذلك فقد بان بطلان البيع
الأول للعين ويقع عتق الجارية عن الوصي إن اشتراها في الذمة وان اشتراها بغير ثمن العبد لم ينفذ الشراء
151

ولا الاعتاق وعليه شراء جارية أخرى واعتاقها بهذا الثمن على الموصى هكذا أطلقه الأصحاب ولابد
فيه من تقييد لان بيعه بالعين وتسليمه عن علمه بالحال حكاية ينعزل بها ولا يتمكن من شراء جارية
أخرى هكذا قال الرافعي قال النووي الصورة مفروضة فيمن لم يعلم (وأما) قول ابن الرفعة على كل حال
له الرد على الموكل يوهم أن ذلك بلا خلاف وليس كذلك بل الخلاف في العهدة فيهما جميعا فالصحيح
مطالبتها جميعا الوكيل والموكل وقيل الوكيل دون الموكل وقيل الموكل دون الوكيل والكلام هنا
في المردود عليه فظهر أنه كذلك وقد ذكره في التحالف وذكروا خلافا فيه وفى ولى المحجور عليه
إذا باشر العقد فأما الوكيل فلا شك في اتجاه رد الاتلاف هنا كما قلنا من العهدة (وأما) ولى المحجور
ففيه الجزم بالرد عليه والا فكيف الخلاص من رفع الجزم بالرد عليه إلى الظلامة وكذلك القاضي
ونائبه في مال اليتيم (وأما) الوارث فإنه يرد عليه وقد جزم أصحابنا بجريان التحالف معه (وأما) الرد
بالعيب هنا فقد ذكر الرافعي ما تقدم وقد ذكر الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وصاحب البحر المسألة
أيضا وأنه يرد على الوكيل أي جوازا وهي من المسائل التي فرعها ابن سريج على الجامع الصغير لمحمد
ابن الحسن والأصل فيها أن السلعة متى عادت إلى الوكيل بغير اختياره فله ردها على الموكل ومتى
عادت إليه باختياره فلا فان ردت عليه بعيب فإن كان بعيب لا يحدث مثله فالوكيل يرده على الموكل
وان لم يمكن تقدمه على القبض فقبله الوكيل لم يكن له رده على الموكل وان احتمل فان أقام المشترى
بينة القول قول الوكيل فان حلف سقط الرد والا ردت على المشترى فان حلف ورد على الوكيل لم
يرد على الموكل كما لو صدقه وقال القاضي الطبري إن قلنا رد الثمن بمنزلة البينة له رده على الموكل قال
الروياني وفيه نظر عندي يعنى لأنها لا تتعدى إلى ثالث *
* (فرع) * الاشهاد الواجب أطلقه الرافعي وغيره وقال الغزالي يشهد اثنين قال ابن الرفعة وذلك
152

على سبيل الاحتياط لان الواحد مع اليمين كاف والامر كما قال *
* (فرع) * تقدم أنه إذا كان الخصم غائبا من البلد يرفع الامر إلى مجلس الحكم والغيبة المذكورة
لا شك أنه يكفي فيها مسافة القصر وهل تكفي مسافة العدوي قال ابن الرفعة يشبه أن يكون فيها
الخلاف في الاستعداء وقبول شهادة الفرع وكتاب القاضي إلى القاضي والدعاء لأداء الشهادة قال وقد
يقال غيبته عن البلد وإن قلت المسافة كالغيبة البعيدة كما ذكر وجه في بعض الصور السالفة لان
في تكليف الخروج عنها مشقة لا تليق بما نحن فيه قال وهذا ما يفهم كلام الرافعي الجزم به (قلت)
والجزم بذلك هو الظاهر وإن كان كلام الرافعي لا يقتضيه إلا باطلاق الغيبة فان جزم الأصحاب فيما
تقدم بأن عند حضور الحاكم مجلس الاطلاع تجب المبادرة إليه يبعد معه أن يكون الحاكم حاضرا
في البلد فيجوز تركه والمضي إلى البائع في دون مسافة القصر أو مسافة العدوي فينبغي أن يعتبر مطلق
الغيبة إلا أن يكون موضع البائع خارج البلد أو أقرب من موضع الحاكم في البلد ففيه نظر *
* (فرع) * تقدم من كلام الرافعي أنه مخير بين البائع والحاكم وهذا باطلاقه يقتضى أنه يجد
أحدهما ويعدل عنه إلى الآخر لا سيما قول الرافعي انه إن ترك البائع ورفع إلى الحاكم فهو زيادة تأكيد
فإنه دل على هذا المعنى لكن هذا يرده تصريحهم متى كان الحاكم في مجلس الاطلاع لا يجوز التأخر
للبائع وبالعكس فيتعين حمل هذه العبارة على ما سوى هذه الصورة وأنه إنما يجوز له الذهاب إلى
الآخر إذا لم يتفق له لقاء الآخر قبله ثم بعد ذلك قد يكون موضع الحاكم والبائع متساويين في القرب
والبعد فيظهر التخير وقد يكون أحدهما أقرب من غير أن يمر به بأن يكونا في جهتين فهل نوجب
المضي إلى الأقرب منهما أو يكون التخيير مستمرا اطلاق كلامهم يدل على الثاني وهذا الفرع هو
الذي وعدت به ولأجل ما فيه قلت فيما تقدم انه إذا مر في طريقه بأحدهما لا يعذر في مجاوزته
إلى الآخر *
153

* (فرع) * وروى محمد بن سيرين قال ابتاع عبد الرحمن بن عوف جارية فقيل له إن لها زوجا
فأرسل إلى زوجها فقال له طلقها فأبى فجعل له مائتين فأبى فجعل له خمسمائة فأبي فأرسل إلى مولاها
أنه قد أبى أن يطلق فاقبلوا جاريتكم تمسك بعض الناس بهذا الأثر والمدعى أنه لا مخالف له من
الصحابة وهو محتمل لأن يكون عبد الرحمن لا يرى الخيار على الفور أو أنه لا يبطل بمثل هذا التأخير
وليس في الأثر أنه رد جبرا فيحتمل أن مالكها رضى بردها وإن سقط بالتأخير فيكون إقالة وكل
منهما مخالف للمذهب *
* (فرع) * محل الذي تقدم من وجوب الفور في شراء الأعيان أما الموصوف المقبوض إذا
وجد معيبا (فان قلنا) انه يملكه بالرضا فلا شك ان الرد ليس على الفور (وإن قلنا) يملك بالقبض
فيجوز أن يقال على الفور والأوجه المنع لأنه ليس معقودا عليه قاله الامام ونقله الرافعي عنه في باب
الكتابة والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فإن كان المبيع دابة فساقها ليردها فركبها في الطريق أو علفها أو سقاها لم يسقط حقه من الرد
لأنه لم يرض بالعيب ولم يوجد منه أكثر من الركوب والعلف والسقي وذلك حق له إلى أن يرد فلم
يمنع الرد *
* (الشرح) * الانتفاع بالمبيع قبل العلم بالبيع إن لزم منه تأخير أو دفع في زمن لو سكت فيه أبطل
خياره فلا شك في بطلان الرد لما تقدم في اشتراط المبادرة فينبغي أن يستحضر أن جميع ما ذكره
هنا المراد منه أن يكون مع المبادرة في مدة طلب الخصم والقاضي وحينئذ أقول هذا الذي ذكره
المصنف رحمه الله في الركوب والعلف والسقي نقل الشيخ أبو حامد والمحاملي في التجريد أن ابن سريج
فرعه في جملة مسائل في الرد بالعيب على الجامع الصغير لمحمد بن الحسن وذكره هكذا كما ذكره
المصنف رحمه الله حكما وتعليلا وقال إن الذي يمنع من الرد أمرين حدوث نقص بالمبيع أو ترك
154

الرد مع القدرة عليه ولم أر هذه المسألة في تعليق أبى الطيب وذلك مما قد يرجح أن المهذب من
تعليق أبى حامد وممن وافق المصنف على هذا الحكم ابن الصباغ في الشامل والجرجاني في الشافي
وأختاره الروياني في الحلية وقال ابن الصباغ قال أصحابنا كذلك إذا حلبها في طريقه لان اللبن
له فإذا استوفاه في حال الرد جاز كمنافعها وهذا تصريح بجواز استيفاء المنافع في حال الرد
بالنقل عن الأصحاب وممن وافق على نقل ذلك عن الأصحاب الروياني في البحر ونقل عن والده أنه قال
على قياس هذا لو كانت ثيبا فوطئها وهو حامل لها ينبغي أن لا يبطل حق الرد ومراده بأنه حامل
لها حتى لا يحصل بالوطئ تأخير فلو فرض ذلك في وقت لا يمكن المسير فيه كالليل فالظاهر أنه يضطر
وذلك فيه ولذلك أطلق الرافعي الحكاية عنه أنه يجوز وطئ الثيب وصرح الجرجاني مع موافقته المصنف
بأنه لا يجوز وطئ الجارية ولا لبس الثوب وهذا هو الصحيح لان ذلك يدل على الرضا وافهم كلام
صاحب الشامل أن المبطل للرد الاشتغال بما يدل على الرضا وهذا الذي قاله المصنف وابن الصباغ
والروياني وما اقتضاه كلامهم من جواز كل الانتفاعات نقل الرافعي عن الروياني خاصة وذهب هو
وكثير من الأصحاب الذين وقفت على كلامهم إلى خلافه وها أنا أذكر ما ذكروه (فأقول) الذي قاله
ابن القاص في التلخيص والمفتاح والماوردي والفوراني والقاضي حسين والمتولي والامام الغزالي والبغوي
وأبو الحسن بن خيران في اللطيف والخوارزمي في الكافي والرافعي والنوى انه يشترط في الرد بالعيب
مع المبادرة إليه ان لا يستعمل المبيع بعد علمه بعيبه فان استعمله وكان رقيقا واستخدمه أو دارا فسكنها
بطل حقه من الرد والأرش معا لان الاستعمال ينافي الرد واختلفوا فيما إذا كان يسيرا جرت العادة بمثله
في غير ملكه كقوله اسقيني أو ناولني الثوب أو أغلق الباب ففي هذا وما جرى مجراه وجه جزم به
الماوردي والروياني في البحر أنه لا أثر له ونقله الرافعي عن غير الماوردي أيضا والذي قاله القاضي حسين
والامام وقال الرافعي ان الأشهر انه لا فرق وتابعه النووي في الروضة وقال إنه الأصح الأشهر ونقل عن القفال
155

في شرح التلخيص أنه لو جاء العبد بكوز ماء فأخذ الكوز منه لم يضر لان وضع الكوز في يده كوضعه
على الأرض فان شرب ورد الكوز إليه فهو استعمال أما إذا كانت دابة فركبها فان ركبها لا للرد
بطل حقه وان ركبها للرد أو السقي فإن كانت جموحا يعسر سوقها وقودها فهو معذور في الركوب وإن لم
تكن جموحا ولكنه ركبها في الطريق وهي مسألة الكتاب ففيه وجهان (أصحهما) على ما ذكره الرافعي
والنووي البطلان لأنه انتفاع لم تجر العادة به في غير ملكه إلا بإذن المالك (والثاني) وهو ما قطع
به في الكتاب ونسبه الماوردي إلى ابن سريج وصحح ابن أبي عصرون واختاره الروياني في الحلية
لا يسقط حقه ويستدل له الماوردي وغيره بأن الركوب أعجل له في الرد وأصلح للدابة من القود قال
ولكن لو كان ثوبا فلبسه ليرده لم يجز وكان هذا اللبس مانعا من الرد لان العادة لم تجر به ولأنه
لا مصلحة للثوب في لبسه وجعل الرافعي هذه المسألة دليلا على الأصح عنده في مسألة الركوب ولكن
ما ذكره الماوردي من اعتبار العادة والمصلحة فارق ولو كان لابسا للثوب فاطلع على عيبه في الطريق
فتوجه ليرده لم ينزع فهو معذور لان نزع الثوب في الطريق لا يعتاد قاله الماوردي ونقله الرافعي عنه
ولو ركب الدابة للانتفاع فاطلع على عيبها لم يجز استدامة الركوب وإن توجه للرد على ما هو الأصح
عند الرافعي ولو كان حمل عليها سرجا أو اكافا ثم اطلع على العيب فتركهما عليها بطل حقه لأنه
استعمال وانتفاع قاله الرافعي تبعا لصاحب التلخيص قال الرافعي ولولا ذلك لاحتاج إلى حمل أو تحميل
أي فتركهما يوفر عليه كلفة الحمل والتحمل فهي انتفاع فيمنع منه قال ابن الرفعة ويشبه أن يكون هذا
إذا لم يحصل بنزعه ضرر بالدابة فإذا حصل أو خيف منه كما إذا كانت عرقت وخيف من نزعه
أن تهوى فلا يكون نزعه في هذه الحالة تقصيرا إذ هو بعيبها فيكون مانعا من الرد (قلت) وهو
كذلك بل يجف بنفسه في هذه الحالة كالنعل إلى أن يجف العرق ويكون نزعة من مصلحتها قال الرافعي
ويعذر بترك العذار واللجام لأنهما خفيفان لا يعد تعليقهما على الدابة انتفاعا ولأن العقود يعسر دونهما
156

وهذا المعني يقتضى جواز تعليقهما ابتداء في مدة طلب الخصم وهو كذلك ولو أنعلها في الطريق قال
أبو حامد إن كانت تمشى بلا نعل بطل حقه والا فلا ولو كان انعلها ثم اطلع على عيب فنزعه بطل
خياره قاله صاحب التلخيص تخريجا وعلله البغوي لان نزعه يعيب الدابة بالنقب الذي يبقى قال فإن كان
ت النقة موجودة عند البائع فأنعلها المشترى فالنزع لا يبطل حقه من الرد فتلخص من هذا أن
اللجام والعذار والرسن يجوز تركه ونزعه والنعل لا يجوز نزعه إلا في الصورة التي استثناها البغوي
فكاللجام يجوز تركه ونزعه والاكاف لا يجوز تركه فهذا ما ذكره هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم ونقل
صاحب التتمة عن أبي حنيفة جواز الاستخدام ورد عليه ونقل القاضي حسين وغيره أن الشافعي رحمه الله
نص على أنه لو كانت دابة فركبها بطل حق الفسخ وقال أبو العباس إنما أراد به إذا ركبها استعمالا فإذا
ركبها ليسقيها ويردها على المالك أو كانت جموحا لا تسير بنفسها لم يبطل حقه من الفسخ وإن كانت
ذلولا لا تحتاج في سيرها إلى الركوب بطل حقه من الفسخ كما لو قصد به الانتفاع بركوبها وهذا النقل
عن الشافعي باطلاقه وعن ابن سريج بتفصيله مخالف ما ذكر المصنف رحمه الله من جواز الركوب
مخالف لما نقله الماوردي عن ابن سريج فيما تقدم قال ابن الرفعة ولعل عنه وجهان أو أن هذا من
تأويله للنص فيكون مذهبا للشافعي رحمه الله عنده وذاك من تخريجه فيما ذكره المصنف حينئذ وجزم
مخالف لما قاله هؤلاء الأئمة ومخالف لما نسبوه إلى نص الشافعي ولولا هذا النص الذي نقلوه لكنت
أرجح ما ذكره المصنف لموافقة ابن الصباغ والجرجاني له لا سيما نقل ابن الصباغ عن الأصحاب
واستدلوا له بأنها لو ولدت في هذه الحالة كان الولد للمشترى لبقاء ملكه ولعل طريقة العراقيين
كما قاله المصنف فان القائلين بخلافه أكثرهم من الخراسانيين وأصلهم القاضي حسين والفوراني
ولم أر من وافقهم من غيرهم إلا صاحب التلخيص فيه وفى المفتاح وابن خيران الأخير على أن
أبا الخيرين جماعة المقدسي شارح المفتاح ذكر فيه أن ركوب الدابة في الطريق لا يبطل حقه
157

كما ذكره المصنف وبالجملة فالمعول عليه في ذلك كما قاله الامام والغزالي العرف فينبغي
أن لا يحكم على شئ من الاستعمالات بقطع الخيار إلا إذا دل دلالة ظاهرة على الرضا كالوطئ ولبس
الثوب والقرض على البيع وشبه أما مالا يدل عليه أو يتردد فيه فينبغي أن نستلزم معه أصل الخيار
ولا نحكم بالرضا بغير ما يدل عليه فان خيار الرد ثبت قطعا والمبادرة حصلت والذي قارنها من الاستعمالات
لا يدل على الرضا لان فرض المسألة كذلك فالحكم بالرضا إذ ذاك يكون حكما بغير دليل وهذا كله إذا
قلنا لا يجب التلفظ بالفسخ حالة الاطلاع على العيب أما إذا أوجبناه لا تأتي المسألة لأنه إن تلفظ به
لم يجز الاستعمال بعد ذلك بخروجه عن ملكه وان لم يتلفظ به بطل الرد بالتأخير ولما كان القاضي
حسين يرى وجوب المبادرة إلى التلفظ بالفسخ لا جرم هو من القائلين بأن الاستعمال والاستخدام
يبطل الرد والمبطل عنده في الحقيقة هو التأخير لا خصوص الاستعمال فيجب التنبه لذلك فان القاضي
حسين رأس الخراسانيين وقال ذلك على رأيه والصحيح خلافه وان التلفظ بالفسخ غير واجب والملك
للمشترى باق في زمن الرد فلا وجه لمنعه من تصرف لا يدل على الرضا وهذا كله في مسألة الركوب
ونحوها والقائلون بأن الركوب مبطل يقولون إنه لو كان راكبا فاطلع على العيب ينزل على الفور فلو
استدام بطل حقه لان استدامة الركوب ركوب (أما) العلف والسقي فلا يضر هكذا جزموا به ولا أظنه
يجئ فيه خلاف لان ذلك مصلحة خالصة للدابة لكن تعليل المصنف بأن ذلك حق له إلى أن يردها
يقتضى التفرقة بين ذلك وبين الركوب (وأما) مسألة الحلب فكذلك جزموا بها ونسبها بعض المصنفين
إلى بعض الأصحاب وينبغي التفصيل فإن كان ترك الحلب يضر بها لكثرة اللبن في ضرعها فلا يجئ
فيه خلاف كالعلف والسقي فإن لم يكن كذلك فهو كالركوب للانتفاع فعلى ما ذكره المصنف ومن
وافقه يجوز وعلى ما صححه الرافعي والجمهور يمتنع ونسب الروياني في البحر جواز الحلب إلى أصحابنا
وقيده بأن تكون سائرة فلو وقفها للحالب بطل الرد *
158

* (فرع) * إذا كان في رد المبيع مؤنة فالمؤنة على المشترى قاله صاحب التتمة وغيره قال لأن المبيع
مضمون في يده والمال إذا كان مضمون العين كان مضمون الرد (قلت) وهذا ظاهر إذا لم يتلفظ
بالفسخ أما إذا تلفظ به حيث أمرناه أما إذا قدر على الشهود على الصحيح وأما وحده على رأى
القاضي حسين وبالفسخ خرج عن ملكه وقد صرح الرافعي بأن مؤنة الرد بعد الفسخ على المشترى
وصرح هو والمتولي بأنه لو هلك في يده ضمنه وقد يقال ينبغي أن يكون حكمه حكم الأمانات الشرعية
والعين المستأجرة بعد انقضاء المدة فيجب عليه الرد لكن ليست العين مضمونة عليه وحكم المؤنة في زمن
الرد حكمها في العين المستأجرة بعد انقضاء المدة لكن الجواب عن هذا أن أصل هذه اليد الضمان
فيستصحب حكمها كالعارية المؤقتة إذا انقضت بخلاف العين المستأجرة فإنها كانت أمانة وقد ذكر
القاضي حسين في فتاويه جملة من هذه المسائل (منها) إذا فسخ البيع بالعيب أو بخيار الشرط أو الافلاس
فمؤنة الرد على المشترى ومؤنة رد المرهون على الراهن والقيم إذا ظهرت خيانته أو عزل والمال في يده
فمؤنة الرد إذا صار مضمونا على القيم وإذا أراد الرد بعد بلوغ الصبي فعلى الصبي ويرد مسلم الموصى إلى
الموصى له على الموصى له ومؤنة رد العين المستأجرة بعد المدة على المالك يعني على خلاف فيه فالصداق
إلى الزوج إذا طلق قبل الدخول أو ارتدت أو فسخ النكاح على الزوج لأنه أمانة في يدها هكذا
قال القاضي وهو طريق المراوزة وطريق العراقيين وهي الأصح أنه مضمون عليها (ومنها أيضا) مسألة
ابتدأ بها القاضي هذه المسائل وهي إذا سلم السيد العبد الجاني واحتيج إلى بيع رقبته في أرش جنايته
فمؤنة البيع من أجرة الدلال وغيره على من أجاب يحاص من ثمن العبد الجاني للمجني عليه قدر أرش
الجناية (قلت) فلو كانت الجناية تستغرق ثمن العبد فلم يتعرض القاضي لها وقد رأيت في شرح المهذب
لأبي إسحاق العراقي فيما إذا كسر مالا يوقف على عيبه إلا بكسره قال إذا احتاج في رده إلى مؤنة
(فان قلنا) ليس للمشترى الرد ويرجع بالأرش كانت مؤنة رده عليه لأنه ملكه (وان قلنا)
له الرد كانت مؤنته على البائع لأنه عاد إلى ملكه وهذا كلام عجيب ولا أدرى من أين له
والصواب ما تقدم *
* (فرع) * اشترى عبدا فوجد به عيبا ففصده وقال ظننت انى لو فصدته أو حجمته زال عنه
159

ذلك العيب ففصده فلم يزل قال القاضي حسين في الفتاوى يبطل حقه من الرد لان فصده رضى منه
بالعيب فان أراد التخلص من ظلامته يفسخ أولا ثم يفصد فان هلك فهو من ضمان المشترى بالقيمة
(قلت) وفى جواز فصده بعد الفسخ وهو ليس بملكه اشكال قال جامع الفتاوى انه على هذا عندي
إذا فسخ بين يدي البائع أو فسخ واشتغل بطلبه (أما) إذا فسخ مع غيبته والتوانى في رده بطل حقه
قال وهو مشكل قلت الاشكال الذي ذكرته في جواز الفصد باق وزاد في هذا الكلام إشكالا أخر
وهو أنه بعد الفسخ يبطل حقه بالتواني والظاهر أنه بعد الفسخ ينتقل الملك عنه ولا يبقى إلا المنازعة
فان صدقه البائع أو كانت بينة فلا يضره التواني وإنما تعتبر المبادرة عند من يرى التلفظ بالفسخ
على الفور لأجل انكار المشترى فليتأمل كل من الكلامين فإنه مشكل والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وله أن يرد بغير رضى البائع ومن غير حضوره لأنه رفع عقد جعل إليه فلا يعتبر فيه رضى
صاحبه ولا حضوره كالطلاق) * *
* (الشرح) * الكلام المتقدم فيما يحصل به المبادرة وأما الفسخ فإنه يجوز للمشترى ولو في حضور
البائع وفى غيبته مع رضاه ومع عدمه ولا يفتقر إليه ولا إلى الحاكم وسواء كان قبل القبض فيجوز أن
يفسخه بحضرة البائع ولا يجوز في غيبته وإن كان بعد القبض فلا يجوز إلا بحضوره ورضاه أو بحكم
الحاكم وهكذا قال أبو حنيفة في خيار الشرط انه لا يجوز لأحدهما الفسخ إلا بحضرة صاحبه لكنه لم
يشترط هناك رضاه فالمسائل ثلاثة عند أبي حنيفة رحمه الله خيار الشرط يشترط فيه الحضور لا الرضى
والرد بالعيب مثل القبض كذلك يشترط فيه الحضور لا الرضى وبعد القبض يشترط فيه الرضا أو حكم
الحاكم ودليلنا في خيار الشرط اطلاق حديث حبان بن منقذ وفى خيار العيب قبل القبض قال القاضي
160

أبو الطيب النكتة فيها أن من لا يعتبر رضاه في رفع العقد لا يعتبر حضوره كالمرأة في الطلاق وأما
بعد القبض فلانه رد مستحق بالعيب فلا يعتبر فيه رضا البائع كما قبل القبض وقول المصنف رحمه الله
لا يعتبر فيه رضى صاحبه إشارة إلى ما بعد القبض (وقوله) ولا حضوره إشارة إلى ما قبل القبض تنبيها
على محل الخلاف في الموضعين وقد قابل في النكت لفظ الرفع بالقطع وهو أحسن من جهة أن الطلاق
قاطع لا رافع وما ذكره هنا أحسن من جهة أن الخصم لا يسلم أن الرد قطع بل هو رفع لا سيما على
قوله وقول عندنا أنه يرفع للعقد من أصله وقاس في النكت على الموصى له أيضا وقوله جعل إليه
احترازا من الإقالة فإنها إليهما لا ينفرد بها أحدهما ولا يرد اللعان حيث يعتبر فيه حضور المرأة رضى للقاضي
مع أن الفرقة تترتب على لعان الزوج وحده وهي فرقة فسخ عندنا لان الفرقة حكم شرعي رتبه الشرع
على لعانه بغير اختياره فلا يندرج في قوله رفع لان الرافع الشرع لا هو وفى الرد بالعيب هو الفاسخ
باختياره وقصده الرفع واستدل أصحابنا أيضا بالقياس على الرجعة والوديعة فإنها تنفسخ في غيبة المودع
حتى إذا علم به وجب عليه الرد وإن كان لا يضمن حتى يتمكن ويجب عليه طلب صاحبها ليسلمها
إليه أو الحاكم فإن لم يفعل وهلكت في يده ضمنها واعلم أن قول المصنف جعل إليه ظاهر فيما قبل
القبض لان أبا حنيفة رضي الله عنه لا يشترط فيه رضى البائع (وأما) بعد القبض فقد يقال إنه باشتراط
رضاه يمنع أن الرفع حينئذ جعل للمشترى لتوقفه على رضا البائع مندفع عن المصنف لأنه يعني بقوله
جعل إليه أنه صادر منه وحده بخلاف الإقالة الصادرة منهما ومع ذلك يصح الاحتراز وان اشترط الخصم
فيه شرطا آخر واستدل الحنفية بأنه رفع عقد بعيب فلا ينفرد به كالرد بالعنة وأجلب أصحابنا بأن ذلك
يفتقر إلى إقرار الزوج بالعجز والى حكم الحاكم لأنه يختلف فيه بخلاف هذا ووافقنا أبو حنيفة فيما
إذا كان خيار الشرط لأحدهما على جواز انفراده بالفسخ وإنما خالف فيما إذا كان الخيار لهما هكذا
نقله القاضي حسين وعلى هذا يلزمه فان الرد بالعيب ثابت لأحدهما والله أعلم *
161

* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فان اشترى ثوبا بجارية فوجد بالثوب عيبا فوطئ الجارية ففيه وجهان (أحدهما) ينفسخ البيع
كما ينفسخ البيع في مدة خيار الشرط بالوطئ (والثاني) لا ينفسخ لان الملك قد استقر للمشترى فلا يجوز
فسخه إلا بالقول) * *
* (الشرح) * هذه المسألة ذكرها القاضي أبو الطيب في باب خيار المتبايعين وبنى الوجهين فيها
على الوجيز في مسألة ذكرها هو والشيخ أبو حامد وهي ما إذا اشترى جارية بثمن ثم أفلس وثبت
للبائع حق الفسخ فيها فوطئها هل يكون فسخا فيه وجهان (أحدهما) نعم كالوطئ في زمان الخيار
فإنه إذا صدر من البائع والخيار له أولهما كان فسخا على الصحيح المنصوص الذي قاله المحاملي في التجريد
أنه لا خلاف فيه وقال القاضي أبو الطيب على جميع الأقاويل والجامع بينهما أنه رد للملك وفسخ للبيع
والملك يحصل بالقول والفعل ولا فرق في الوطئ في زمان الخيار بين خيار المجلس وخيار الشرط وإنما قيد
المصنف بخيار الشرط لأنه في مدة خيار المجلس قد يقال إن تحريم العقد باق والعقد أضعف وذلك
أيعين رأس المال والغرض في الصرف في خيار المجلس كالمعين في العقد ولأجله قال بعض الأصحاب
ان الحط والزيادة يلحقان في المجلس دون خيار الشرط وإن كان الأصح اللحوق فيهما فإذا كان
الانفساخ بالوطئ في خيار الشرط ففي المجلس أولى فلذلك خصه المصنف بالذكر لأنه أقرب إلى خيار
الرد الطارئ بعد تحريم العقد لكن لك أن تقول ان هذا القياس إنما يتم عند القائلين بأن الملك في
زمان الخيار للمشترى وهو الصحيح عند الشيخ أبى حامد والقاضي أبى الطيب والامام (أما) إذا قلنا
بأن الخيار للبائع أو موقوف فيظهر الفرق بينه وبين المبيع المعيب فإنه ملك المشتري (والوجه الثاني)
لا ينفسخ بالوطئ والفرق بينه وبين المبيع في زمان الخيار حيث نقول ينفسخ بالوطئ وان انتقل للمشترى
ان الملك في زمان الخيار ضعيف والملك في المعيب قد استقر بدليل أنه يجوز له التصرف فيه فكان
أقوى من الملك في زمان الخيار فلذلك يشترط فيه القول وهذا معني ما ذكره المصنف وههنا
162

أمور (أحدها) ان هذا إنما يحتاج إليه إذا قلنا بالملك في زمن الخيار للمشترى وقد تقدم التنبيه على
ذلك (الثاني) ما الأصح من هذين الوجهين فاعلم أن الشافعي رحمه الله القائل بأن الأشبه ان من كان
الخيار له فالملك له وإن كان لهما فموقوف يقتضى أن نقول هنا بأن الأصح الوجه الثاني عدم الانفساخ
لان القياس على زمان الخيار إذا كان الخيار لهما أو للبائع لا يحسن لان الملك عنده لم يحكم بزواله فلم
يشبه المعيب وإذا كان الخيار للمشترى لا يمكن القول بأن وطئ البائع فسخ فإنه إذا لم يملك الفسخ
بالقول فعدم ملكه بالفعل أولى فعلى مقتضى كلام الرافعي ينبغي أن يكون الأصح هنا عدم الانفساخ
وعلى ما صححه الشيخ أبو حامد وموافقوه من انتقال الملك بنفس العقد فقد ظهر الفرق بما ذكره المصنف
رحمه الله فليكن الأصح أيضا عدم الانفساخ (الثالث) قول المصنف الملك قد استقر للمشترى والمشترى
في كلامه مشترى الثوب فيكون المعنى أن ملك الثوب قد استقر له فلا يجوز فسخه بوطئ الجارية
التي هي ثمن عنه وكذلك يقتضيه كلام القاضي أبى الطيب لكنه قال في مسألة الفلس التي بني
عليها لان ملك المشتري قد استقر على الجارية وهذا يناسب أن يقول هنا لان البائع استقر على الجارية
لان الراجع في الفلس هو البائع والراجع في العيب هو المشترى ولا شك أن تملك كل من البائع
والمشترى مستقر وكل من المأخذين صحيح ويظهر أن يقال إن مشترى الثوب إذا اطلع على عيبه فحقه
في رده وفسخ البيع فيه ويترتب على ذلك انفساخه في مقابله فالذي يرد عليه الفسخ هو الثوب
لا الجارية وكان التعليل باستقرار الملك فيه أولى وبذلك يظهر افتراق هذه مع المبيع في زمان الخيار
وفي هذا المأخذ أيضا لان الفسخ هناك وارد على الجارية الموطوءة بغير واسطة وههنا بواسطة رد
الثوب (الرابع) أن الوطئ حرام على المذهب (وان قلنا) يحصل به الفسخ (الخامس) قال أبو علي الفارقي
في هذا انا قصدنا بالوطئ الفسخ ولا يجب عليه المهر لأنه وطئ في ملكه فإن لم يقصد به الفسخ لم
يكن فسخا قولا واحدا ويجب المهر ولا حد عليه ونظير ذلك وطئ الوالد الجارية المرهونة وان وطئها
بقصد الاسترجاع فعلى الوجهين وان لم يقصد كان الوطئ محرما ويلزمه المهر ولا حد للشبهة (السادس) في
163

جملة من نظائر هذه المسألة مما يجعل الفعل فيه كالقول في مسألة الجارية المرهونة وقد تقدمت ومنها
التقليد والاشعار هل يجعل كقوله جعلته هديا فيه خلاف ومنها لو لبد المحرم رأسه وعقصه وهذا لا يفعله
إلا العازم على الحلق فهل يتنزل الحلق على قولين (الجديد) لا (وأما) المعاطاة ونحوها فذلك لقرينة لا للفعل *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فان زال العيب قبل الرد ففيه وجهان بناء على القولين في الأمة إذا أعتقت تحت عبد ثم
أعتق العبد قبل أن تختار الأمة الفسخ (أحدهما) يسقط الخيار لان الخيار ثبت لدفع الضرر وقد زال
الضرر (والثاني) لا يسقط لان الخيار ثبت بوجود العيب فلا يسقط من غير رضاه) * *
* (الشرح) * الوجهان مشهوران حكاهما جماعة من الأصحاب والرافعي حكاهما أيضا في باب
التصرية كما تقدم عند استمرار لبن المصراة على كثرته ولكنه في هذا المكان جزم بسقوط الخيار
تبعا لصاحب التهذيب وقال إن مهما زال العيب قبل العلم أو بعده وقبل الرد سقط حقه من الرد وهما
طريقان في المذهب حكاهما القاضي حسين (إحداهما) حكاية الوجهين بناء على القولين (والثانية) القطع
بسقوط الخيار قال وهذا المذهب والفرق بينه وبين خيار العتق على أحد القولين ان خيار العتق
لا يبطل بالتأخير على قول فلم يبطل بارتفاع السبب المثبت له بخلاف خيار العيب فلما اختلف الخياران
في الأصل اختلفا في الصفة والبقاء بعد ارتفاع السبب وقال ابن الرفعة ان هذا الفرق لا غناء فيه
والامر كما قال وبالجملة الصحيح السقوط وكذلك هو الصحيح من القولين في الأمة ويحتمل ان يقال بعدم
السقوط هنا وان قيل في الأمة لان خيارها مقيد بما ينالها من الضرر بالإقامة يجب الفرق وقد زالت
العلة وخيار المشترى معلل بغير البائع له وانه بذل ذلك الثمن في مقابلة ما ظنه سليما واخلف وزوال العيب
في يد المشترى معه حاصلة له ولكني لم أر من قال بهذه الطريقة والامام في كتاب النكاح ضعف الوجه
في المسئلتين جدا وصحح السقوط في المسئلتين وقال إن الخلاف فيهما يبتنى على قاعدة ذكرها في
الشفعة أن الشفيع إذا لم يشعر بها حتى باع ملكه الذي استحق الشفعة به وإنما ذكر الامام هذا لأنه
164

حكي الخلاف في الشفعة قولين والأكثرون حكوهما وجهين فالوجه أن تكون مسألة العيب ومسألة
الشفعة كلتاهما مبنيين على مسألة الأمة والأصح في المسائل الثلاث السقوط ومسألة الشفعة وخيار
الأمة من واد واحد وبينهما وبين مسألة العيب ما ذكرته في الاحتمال المتقدم الذي لم يذكره أحد
من الأصحاب فيما علمت وإن كان المعنى الملاحظ فيه موجودا في كلا منهم وأكثر المصنفين يحكون
الخلاف في مسألة الكتاب وجهين إلا صاحب البحر فإنه قال لو زال العيب سقط الرد وقيل فيه قولان
منصوصان وكلام المصنف باطلاقه يقتضى أنه لا فرق بين أن يكون زوال المعيب قبل العلم به أو بعد
العلم به وقبل الرد بأن يكون في مدة طلب الخصم والقاضي والامر كذلك بلا نزاع وبه صرح
الأصحاب ويقتضي أنه لا فرق بين أن يكون قبل القبض أو بعده وقد يقال الزائد قبل القبض أولى
بالسقوط من الزائد بعده وكلام أبي سعيد الهروي في الاشراف جازم بأنه لا يرد لكنه أطلق فيما
يوجد في يد البائع ولم ينص على أنه بعد البيع وقد صرح الامام بجريان الخلاف فيه فبقي كلام المصنف
رحمه الله على اطلاقه ذكر الامام ذلك في كتاب التفليس *
* (فرع) * اشترى جارية سمينة فهزلت قبل القبض ثم سمنت فردها هل للمشترى الفسخ
فيه وجهان بناء على ما لو غصب شاة سمينة فهزلت ثم ردها هل يجب ضمان الثمن الأول أو يتخير
بالثاني (إن قلنا) يتخير ولا يفسخ والا فله الفسخ قاله صاحب التهذيب وذلك بناء منه على الطريقة
القاطعة بان زوال العيب يمنع من الرد أما على الوجه من الطريقة الأخرى فإنه يفسخ ولو قلنا يتخير
فيكون الترتيب هكذا (إن قلنا) لا ينجبر الثمن الأول بالثاني فسخ والا فوجهان (أصحهما) لا *
* (فرع) * لو زال العيب القديم قبل العلم به ولكن حدث عيب مانع من الرد فعلى الأصح
لا أرش وعلى الوجه الآخر ينبغي أن يثبت له الأرش عن العيب القديم واليه صار ابن الرفعة وجزم
الرافعي بعدم الأرش وذلك مستمر على جزمه في هذا الباب بسقوط الخيار أما على طريقة الوجهين
فيتعين جريانهما هنا وسيأتي إن شاء الله الكلام في زوال العيب بعد أخذ أرشه في آخر الفصل
الثاني لهذا *
165

* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وإن قال البائع أنا أزيل العيب مثل أن يبيع أرضا فيها حجارة مدفونة يضر تركها بالأرض
فقال البائع أنا أقلع ذلك في مدة لا أجرة لمثلها سقط حق المشترى من الرد لان ضرر العيب يزول
من غير إضرار) * *
* (الشرح) * صورة المسألة أن يضر تركها ولا يضر قلعها وقد تقدم الكلام فيها في باب
بيع الأصول والثمار وظاهر كلام المصنف هنا أن الخيار ثبت ويسقط بقول البائع ذلك والذي تقدم
هناك وذكره الرافعي وغيره أنه يؤمر البائع بالقلع والنقل ولا خيار للمشترى والصواب ما قاله المصنف
رحمه الله هنا وأنه يثبت الخيار ثم يسقط وكلامهم هنا محمول على هذا ألا ترى أن الرافعي وغيره
قاسوا ذلك على ما لو اشترى دارا يلحق سقفها خلل يسير يمكن تداركه في الحال أو كانت منسدة
البالوعة فقال البائع أنا أصلحه وأبيعها لا خيار للمشترى فهذا الكلام ناطق بأن عدم الخيار مرتب
على قول البائع ويظهر أثر هذا فيما لو بادر المشترى وفسخ قبل أن يقول البائع ذلك فعلى ما قلته ينفذ
فسخه ولا عبرة بقول البائع بعد ذلك واطلاق المصنف والرافعي وغيرهما أيضا السقوط بقول البائع أنا
أقلع ينبغي أن يكون محمولا على ما إذا قلع أما إذا اقتصر على القول فسقوط الخيار به غير متجه لبقاء
العيب والعبارة المحررة ما ذكروه في كتاب الإجارة ويقتضيه كلام الامام هنا أيضا ان الخيار ثابت
إلا إذا بادر المكترى إلى الاصلاح هذا كان اشتمال الأرض على الحجارة المذكورة منقصا لها وهو ما
يقتضيه ذكرهم لذلك في العيوب فان فرض أن الحجارة المذكورة لقرب زمان نقلها لا يعد اشتمال الأرض
عليها عيبا صح اطلاقه أنه لا خيار ويلزم البائع بنقلها ولكن ذلك خلاف المفروض وأيضا لا يبقى حينئذ
بقول البائع أنا أقلع أثر لأنه يلزم به ولا خيار للمشترى قبله ولا بعده فالصواب ما يوافق عباراتهم في
الإجارة فان الخيار ثابت إلا إذا بادر البائع إلى القلع في مدة لا أجرة لمثلها وحينئذ تكون العلة أن
ضرر العيب زال وأما تعليل المصنف بأنه يزول فيناسب عدم ثبوت الخيار أصلا وهو لم يقل به ولا
ينحى عن ذلك إلا أن يقال إن بقاء الأحجار مع امتناع البائع من قلعها عيب وبدون امتناعه ليس
166

بعيب وهو بعيد إذ يقال إن اشغال الأرض بالحجارة مانع من كمال صفة القبض فيها كما تقدم وذلك
عن بعض الأصحاب فامتناع الحجارة مع امتناع البائع من قلعها كالعيب الحادث قبل القبض ولم يذهب
أحد هنا إلى ثبوت الخيار مع مبادرة البائع إلى القلع أخذا من أن وجود الأحجار في الأرض عيب
وزوالها بقول البائع أو بفعله كزوال العيب قبل الرد وفيه وجه كما تقدم وكان الفرق ضعيف الخيار
ههنا لكون البائع مسلطا على اسقاطه أو لأنه زال قبل كمال القبض وليس كالعيب الزائل بعد القبض
أو لان هذا الزوال بفعل البائع ففيه استدراك للظلامة بخلاف الزوال بنفسه وبعد أن كتبت ذلك
رأيت ابن معن أورده على المصنف رحمه الله وزعم أنه تناقض بين ما ذكره هنا وفى الإجارة من سقوط
الخيار وبين ما تقدم من حكايته الوجهين في زوال العيب قبل الرد وادعى الأولوية في طرد الوجهين
هنا وكذلك ابن الردى قال أرى أن تكون المسألة الثانية كالمسألة الأولى على وجهين بل أولى لأنه
إذا كان بعد رد العيب وجهان فمع بقائه أولى وما ذكرته جواب عنه وليس المصنف مختصا بذلك
وقوله لا أجرة لمثلها قيد لابد منه ليتحقق عدم الاضرار ولو كانت الحجارة يضر قلعها أو قلعها وتركها
فقد تقدم الكلام في ذلك فيما لا يضر في باب بيع الأصول والثمار وقوله مدفونة يحترز عن المخلوقة وقد
تقدم حكمها ومن الواضحات ان فرض المسألة في حالة جهل المشترى بالحجارة *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان قال البائع أمسك المبيع وأنا أعطيك أرش العيب لم يجبر المشترى على قبوله لأنه
لم يرض إلا بمبيع سليم بجميع الثمن فلم يجبر على امساك معيب ببعض الثمن وإن قال المشترى أعطني
الأرش لأمسك المبيع لم يجبر البائع على دفع الأرش لأنه لم يبذل المبيع إلا بجميع الثمن فلم يجبر على
تسليمه ببعض الثمن) * *
* (الشرح) * المسألتان واضحتان والأصل أن كل من وجب له شئ ليس له المطالبة بغيره
ولا يجب عليه الانتقال إلى غيره وخرج عن هذا القصاص إذا عقا عنه يجب المال وإن كان الواجب
القود عينا وعن أحمد أن للمشترى أخذ الأرش *
167

* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فان تراضيا على دفع الأرش لاسقاط الخيار ففيه وجهان (أحدهما) يجوز وهو قول أبى العباس
لان خيار الرد يجوز أن يسقط إلى المال وهو إذا حدث عند المشترى عيب فجاز إسقاطه إلى
المال بالتراضي كالخيار في القصاص (والثاني) لا يجوز وهو المذهب لأنه خيار فسخ فلم يجز إسقاطه
بمال كخيار الشرط وخيار الشفعة فان تراضيا على ذلك (وقلنا) انه لا يجوز فهل يسقط خياره فيه
وجهان (أحدهما) أنه يسقط لأنه رضى بامساك العين مع العيب (والثاني) لا يسقط وهو المذهب لأنه
رضى باسقاط الخيار بعوض ولم يسلم له العوض فبقي الخيار) * *
* (الشرح) * الوجهان في جواز التراضي على إسقاط الخيار إلى بدل سواء كان ذلك البدل
جزءا من الثمن أم غيره اتفقت الطرق على حكايتها والجواب منسوب إلى أبى العباس ابن سريج
وعنه أنه حكاه عن القديم وبه قال أبو حنيفة ومالك والمنع قال القاضي حسين انه المنصوص وقال
الامام انه ظاهر النص والمصنف في قوله إنه المذهب تابع للشيخ أبى حامد وقال القاضي أبو الطيب
انه ظاهر المذهب والماوردي وهو الذي صححه البغوي والرافعي وغيرهما وفيه نظر فإنهم قاسوه
على خيار الشرط والشفعة والفرق بينه وبين خيار الشرط والشفعة أن ههنا يأخذ الأرش في مقابلة
ما فات من المال ويسقط إلى مال كما قال المصنف رحمه الله تعالى فهذان معنيان ليسا في خيار الشفعة
والشرط والمعني الأول أحسن وصورة المسألة إذا لم يكن مانع من الرد ولا تأخر مسقط أما بأن يجهلا
فورية الخيار أو يكون في خيار المصراة على القول بامتداده أو أن التشاغل بالاتفاق على الأرش
لا يعد إعراضا عن الرد ونظر القاضي حسين وغيره هذه المسألة بحق الشفعة لا تصح المصالحة عنه على
أصح الوجهين خلافا لأبي إسحاق المروزي وقد عرفت ما فيه قال القاضي حسين وقال أبو إسحاق
ثلاث مسائل أخالف فيها أصحابي حد القذف وحق الشفعة ومقاعد الأسواق أجوز الصلح عنها
ومنعها سائر الأصحاب لأنها ليست بمال وإنما يصح الاعتياض عما هو مال فأما إذا كان حقا مجردا
168

فلا انتهى * وقد عرفت أن جواز المصالحة هنا أولى من جوازها في المسائل الثلاث للفرق المذكور ولذلك
ابن سريج لم ينقل عنه موافقة أبى إسحاق إذا خالف في المسائل الثلاث يخالف في حق الرد بالعيب فإنه لا فرق
بينهما أو للرد بالعيب أولى كما قدم واكتفوا بنسبة الخلاف هنا إلى ابن سريج (وإنما) قلت أن المصالحة هنا
أولى بالصحة من المسائل الثلاث لما أشار إليه المصنف من أن خيار الرد يجوز أن يسقط إلى المال
في حال ولا كذلك الحقوق الثلاثة ولان الأرش مأخوذ في مقابلة حال نائب ولا جرم (قال) القاضي
أبو الطيب هنا أنه لا يصح المصالحة عن الشفعة قولا واحدا ولم يحك خلاف أبي إسحاق مع حكايته
للخلاف هنا وهو مقتضى كلام المصنف رحمه الله هنا فإنه جعل الشفعة أصلا مقيسا وقول المصنف
في تعليل الثاني خيار فسخ يحترز بالفسخ عن القصاص والوصف حاصل في الأصل وهو خيار الشرط
والشفعة فان فيهما فسخ البيع وإبطال حق المشترى للتنقص لكن هذا القياس لا يكفي بدون
إلغاء الفرق المتقدم والأصحاب يقولون الأرض جزء من الثمن في مقابلة الجزء الثابت كما سيأتي ومقتضى
ذلك أن يجوز والمصالحة عنه كما قال ابن سريج فإنه ليس في مقابلة حق مجرد ولا سلطة الرد
ولذلك اتفقوا على جوازه عند حدوث عيب جديد *
* (التفريع) * وهو مذكور في الكتاب (إن قلنا) بالصحيح وهو أنه لا يجوز فتراضيا على ذلك فإن كان
المشترى عالما ببطلان المصالحة بطل حقه قطعا وإن ظن صحتها وعليه يحمل كلام المصنف
(فوجهان) وحكاهما الامام عن نقل العراقيين وتعليلهما ما ذكره المصنف والمذهب عدم السقوط كما
قال (وممن) صححه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والقاضي حسين والبغوي والرافعي ومن التفريع
أيضا إنا (إن قلنا) بجواز المصالحة سقط الخيار ويثبت الأرش أو ما اتفقا عليه على البائع وإلا فلا
فأن كان أخذه وجب عليه رده ولو صالح عن العيب على مال وجوزنا فزال العيب لا يجب رد
169

المال لأنه أخذ على جهة المعاوضة قاله البغوي لا فرق في جواز المصالحة بين أن يكون الثمن
ذهبا فيصطلحان على ذهب أو فضة أو حالا أو مؤجلا قاله الجوزي *
* (فائدة) * الأرش في اللغة. أصله الهرش أبدلت الهاء همزة وأرش الجراحة ديتها وذلك لما يكون
فيه من المنازعة وأرشت الجرب والنار إذا أورثتهما والنار من بين القوم الافساد بينهم (وأما) في الشرع
فقال بعضهم هو عبارة عن الشئ المقدر الذي يحصل به الجبر عن الفائت (وقال) الرافعي هو جزء
من الثمن نسبته إليه نسبة ما ينقص العيب من قيمة المبيع لو كان سليما إلى تمام القيمة *
* (فرع) * لنا صورة يرضى المشترى فيها بالعيب ولا يكون له مانع من الرد إذا أطلع على
ذلك في مرض موته ولا تنقطع مطالبة الورثة عن البائع على أحد الوجهين وسنذكر عند الكلام
في الأرش *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وإن أراد أن يرد بعضه لم يجز لان على البائع ضررا في تبعيض الصفقة عليه فلم يجز من غير
رضاه وإن اشترى عبدين فوجد بأحدهما عيبا فهل له أن يفرده بالرد فيه قولان (أحدهما) لا يجوز لأنه
تبعيض صفقة على البائع فلم يجز من غير رضاه (والثاني) يجوز لان العيب اختص بأحدهما فجاز أن
يفرده بالرد * وإن ابتاع اثنان عبدا فأراد أحدهما أن يمسك حصته وأراد الآخر أن يرد حصته جاز
لان البائع فرق الملك في الايجاب لهما فجاز أن يرد علة أحدهما دون الآخر كما لو باع منهما
في صفقتين) * *
* (الشرح) * هذه ثلاث مسائل الأولى إذا كان المبيع عينا واحدة في صفقة واحدة فإن كان
ت كلها باقية في ملك المشتري فليس له أن يرد بعضها بغير رضا البائع لمعنيين (أحدهما) تفريق
الصفقة (والثاني) أن الشركة عيب فإذا رد النصف كان معيبا ولا يجوز رد العين إذا حدث فيها
170

عيب والمنع في هذه الحالة لا يكاد يعرف فيه خلاف وصرح القاضي حسين أنه لا خلاف فيه (قال)
الامام ورأيت لصاحب التقريب طرد القولين فيه وهو خطأ غير بعيد وهذا الخلاف نقله القاضي
حسين عن صاحبه فيما إذا باع النصف ومع ذلك غلطه وإن كان قد باع بعض العين لغير البائع فكذلك
عند الجمهور (وقال) الماوردي إن جوزنا تفريق الصفقة فله رد ما بقي واسترجاع حصته والتوقف حتى
ينظر ما يؤول إليه حاله وحكى ذلك عن نقل الشيخ أبى على وحكاه القاضي حسين عن صاحبه كما
تقدم وغلطه ولم يطرد الماوردي هذا في حال بقاء الجميع في ملكه بل جزم بالمنع (فان قلنا) بجواز الرد
فذاك ويسترجع قسطه من الثمن بلا خلاف (قال) الامام إذ لو قلنا يسترجع الجميع وباقي المبيع
في يده فكان مضيا إلى إثبات شئ من المبيع في يد المشترى من غير مقابل وأورد ابن الرفعة أنه لم
لا يقال يبقى الباقي بجميع الثمن ولا يسترجع شيئا ويكون المردود كالتالف قبل القبض ويكون
فائدة الرد التخلص عن عهدة المبيع كما قاله القاضي حسين فيما إذا أبرأ من الثمن قلت فالقاضي حسين
وافق الامام على ما قال وعلل بعدم الفائدة في الرد لو قلنا يمسك الجميع والله أعلم (وإن قلنا) بالصحيح
المشهور الذي جزم به المصنف أنه لا يجوز له الرد ففي حالة بقائه كله في ملكه لا أرش له لأنه متمكن
من رد الجميع وفى حالة خروجه عن ملكه إن كان بالمبيع فقد حكى الماوردي عنه في وجوب الأرش
وجهين مبنيين على التعليلين فيما إذا باع الجميع (أصحهما) الوجوب وسنذكرهما في كلام المصنف في بيع
الجميع بعد ثلاث فصول إن شاء الله تعالى وفيما إذا خرج بغير المبيع بالوقف رجع بالأرش وبالعتق
لا يمكن لأنه يسرى إلى الباقي وبالهبة على ما سنذكره في كلام المصنف في خروج الجمع فان على القول
بامتناع الرد في النقص والعجز عن رد الجميع يكون الكلام في الأرش كالكلام في تعذر الرد في
الجميع حرفا بحرف والصحيح فيما إذا خرج بعضه بالبيع هنا أنه لا رد ولا أرش (قال) الشافعي رحمه
الله في المختصر ولو كان باعها أو بعضها ثم عليه بالعيب لم يكن له أن يرجع على البائع بشئ ولا من
171

قيمته من العيب (وقال) في الام في اختلاف العراقيين في باب الاختلاف في العيب وإذا اشترى
الرجل من الرجل الجارية أو الثوب أو السلعة فباع نصفها من رجل ثم ظهر منها على عيب دله له
البائع لم يكن له أن يرد النصف بحصته من الثمن على البائع ولا يرجع عليه بشئ من نقص
العيب من أصل الثمن وذكر الشافعي رحمه الله كلاما أكثر من ذلك سأذكره عند بيع الجميع فان فيه
إشارة إلى أن العلة كونه لم يأنس من الرد وهناك أذكره إن شاء الله تعالى وكلام المصنف رحمه الله
يقتضى أنه إذا رضى البائع جاز ولنا في أفراد إحدى العينين بالرد برضاء البائع وجهان (أصحهما) الجواز
فليكن ما اقتضاه كلام المصنف رحمه الله جاريا على الأصح (إذا قلنا) بذلك فلو بذل المشترى أرش
نقصان النقيض هل يجبر البائع عليه يحتمل أن يأتي فيه الخلاف فيما إذا طلب أحدهما الرد مع أرش
العيب وطلب الآخر الامساك وغرامة الآرش (فان قلنا) يجاب المشترى أجبناه وأجبرنا البائع ومن
ذلك يأتي في المسألة أوجه (أصحها) امتناع الرد إلا برضاء البائع (والثاني) الامتناع مطلقا (والثالث)
الجواز مع أرش التبعيض (والرابع) من غير أرش وهو ما يقتضيه كلام صاحب التقريب والماوردي
والوجهان بعيدان والأكثرون على القطع بخلافهما وقد أطلق أكثر الأصحاب هذا الحكم والخلاف
في جواز التبعيض ولم يفرقوا بين المتقوم والمثلي ولا شك أن ما ذكروه يظهر في المتقوم للمعنيين
المذكورين (أما) المثلى فالحنطة ونحوها إذا اشترى صبرة حنطة فوجد بها عيبا فأراد رد بعضها قال
صاحب التتمة (ان قلنا) في العبدين يجوز فيها هنا كذلك وإلا فوجهان والفرق أن رد البعض لا يؤدى
إلى تجهيل الثمن قلت وينبغي بناؤهما على خلاف سيأتي أن المانع الضرر أو اتحاد الصفقة ا (ن قلنا)
بالأول جاز لأنه لا ضرر (وان قلنا) بالثاني فالصفقة متحدة فينبني على أنه هل يجوز تفريق الصفقة
أو لا فعلى (الأول) يجوز وعلى (الثاني) يمتنع ولا يضر كون التفريق هنا اختياريا لكونه لا ضرر فيه وقد
رأيت المسألة منصوصا عليها في البويطي في آخر باب الصرف قال ومن اشترى من رجل متاعا
جملة مالا يكال ولا يوزن فوجد ببعضه عيبا يرده جميعا أو يأخذه جميعا وإن كان مما يكال ويوزن
172

فهو مخير ان شاء أخذ الجيد بحصته ورد ما بقي وهذا صريح في الجواز ودال على أن المراعى الضرر
ولو باع المشترى للمشترى بعض العين الواحدة من البائع ثم وجد بالباقي عيبا (قال) القاضي حسين
فالمذهب أن له الرد إذ ليس فيه تبعيض الملك على البائع وقيل لا يرده (قلت) وينبغي بناء ذلك على أن
المانع الضرر أو اتحاد الصفقة (ان قلنا) بالأول فله الرد (وان قلنا) بالثاني فتخرج على التفريق كما
تقدم وسيأتي حكمه في كلام المصنف في بقية هذا الفصل إن شاء الله تعالى *
* (فرع) * لو مات المشترى في هذه الصورة وخلف وارثين فهل لأحدهما رد نصيبه فيه ثلاثة
أوجه (أحدها) ليس له الانفراد لاتحاد الصفقة وهو قول ابن الحداد (والأصح) عند الرافعي واستدلوا له
بأنه لو سلم أحد الابنين نصف الثمن لم يلزم البائع تسليم النصف إليه فعلى هذا هل يجب له الأرش فيه ثلاثة أوجه
(ثالثها) أن أيس على الرد رجع والا فلا وهو الأصح عند القاضي حسين وقد ذكر الرافعي هذه المسألة عندما إذا
اشترى وكيل عن رجلين وسأذكر ما قاله هناك إن شاء الله تعالى (والثاني) يجوز أن ينفرد برد نصيبه لأنه جميع
ماله حكاه الرافعي (والثالث) أن البائع مخير بين أن يأخذ نصف المبيع ويعطى نصف الثمن وبين
أن يعطى نصف الأرش ويخير الذي يريد الرد على اسقاط حقه قاله الماوردي وحكاه العمراني أن
أبا الطيب ذكره عن ابن الحداد في شرح المولدات *
* (المسألة الثانية) * إذا اشترى عينين من رجل واحد صفقة واحدة ولها صور (إحداها) ما ذكره
المصنف أن يجد العيب بإحداهما وهما باقيان في يده فهل له افراد المعيبة بالرد فيه قولان (أظهرهما)
عند الماوردي والرافعي وقال القاضي أبو الطيب والروياني أنه ظاهر المذهب وقطع به الشيخ أبو حامد
وهو المنصوص عليه في الام في كتاب الصلح وهو قول جمهور الأصحاب أنه ليس له ذلك بل
173

يردهما جميعا أو يمسكهما جميعا سواء كان ذلك قبل القبض أم بعده وسواء كان مما يتساوى قيمته
كالكرين من الطعام أو يختلف كالعبدين والثوبين هكذا ذكره وقد تقدم عن مختصر البويطي
أن من اشترى مما يكال ويوزن أنه يجوز التبعيض ومقتضى ذلك أن يجوز افراد أحد الكرين
بالرد (والقول الثاني) الجواز واختاره الروياني في الحلية والقولان عند الماوردي والقاضي أبى الطيب
والغزالي والروياني وغيرهم مبنيان على تفريق الصفقة (ان قلنا) يفرق جاز والا لم يجز لكن قياس
هذا البناء كما قال الرافعي أن يكون قول التجويز أظهر وأشار إلى الجواب بأن الصفقة وقعت
مجتمعة ولا ضرورة إلى تفريقها فلا يفرق يعني وليس كما إذا جمعت حلالا وحراما أو حلالين وتلف
أحدهما قبل القبض فان التفريق هناك ليس اختياريا وحاول ابن الرفعة اثبات قول يمنع افراد
المعيب بالرد (وان قلنا) بجواز تفريق الصفقة وذكر من نص الشافعي في الصلح ما يدل دلالة ظاهرة
على ذلك ويمكن أن يؤخذ من كلام المصنف ما يدل له لأنه علل المنع بما يحصل من الضرر بتبعيض
الصفقة فلم يجز من غير رضاه وهذا الكلام يشعر بجواز تفريق الصفقة إذا رضى فالراجح أن لا يجعل
القولان مبنيين على تفريق الصفقة بل مرتبين بأن يقال إن منعنا تفريق الصفقة منعنا هنا والا فقولان
والترتيب أوفق لكلام الأئمة الذين أطلقوا البناء فإنه قد يطلق البناء على الترتيب ويبعد جعلهما قولين برأسهما
أوفق لكلام المصنف فإنه علل قول الجواز بأن العيب أخص بأحدهما وهذا يقتضى بمفهومه أن العيب إذا لم
يختص وكان فيهما لا يجوز الافراد مع القول بجواز تفريق الصفقة فأفاد أول كلامه وآخره ان لنا قولا بالمنع وان جوزنا
تفريق الصفقة لأجل الضرر وقولا بالجواز ومنعنا تفريق الصفقة قلت تفريق الصفقة القهري لا يمكن القول
174

بالجواز مع منعه لأنه على ذلك القول يستحيل شرعا (وأما) التفريق الاختياري برد أحد العينين
دون الأخرى فكلا القولين اللذين ذكرهما المصنف رحمه الله يفرعان على منعه بمعني أن المشترى
ممنوع منه وعلى تجويز التفريق القهري فان أريد بالتفريق القهري فالترتيب صحيح كما اقتضاه كلام
الأئمة وإن أريد التفريق الاختياري فلا ترتيب فلا بناء وهما القولان بعينهما وعلة المصنف تقتضي
عدم جريانهما فيما إذا كان المعيب فيهما وسأتعرض لذلك في بقية الكلام إن شاء الله تعالى ثم أن
النص المذكور عن الصلح يدل دلالة قوية على المنع مع القول بتفريق الصفقة ولم أذكر لفظه خشية
التطويل مع ظهوره فهو يرد التحريج على تفريق الصفقة والقول بالجواز مبنيا عليها إلا أن يكون لنا
نص في موضع آخر على الجواز في خصوص مسألة افراد المعيب ولم أقف عليه ولذلك قطع الشيخ
أبو حامد بالمنع والذي يقول بالجواز هنا يقول فيما إذا اشترى شقصي دارين أنه يجوز للشفيع أن يأخذ
أحدهما دون الآخر وقد يحتمل ذلك في شقص دار واحدة أن يأخذ بعضه ويدع بعضه قاله صاحب
التلخيص قال الرافعي والقولان مفروضان في العبدين وفى كل شئ لا تتصل منفعة أحدهما بالآخر (فأما)
في زوجي خف ومصراعي باب ونحوهما فلا يجوز الافراد بحال وارتكب بعضهم طرد القولين فيه
(قلت) وجعله صاحب التتمة مرتبا (إن قلنا) هناك لا يجوز فههنا وجهان وبناهما على أصل أشار
القاضي حسين إذا غصب فرد خف قيمة الزوج عشرة فتلف في يده ورجع قيمة الآخر إلى درهمين
هل يضمن خمسة أو ثمانية (إن قلنا) خمسة جاز له إفراد أحدهما بالرد (وإن قلنا) ثمانية فلا (وإذا
قلنا) بالصحيح وأنه لا يجوز الافراد فقال المشترى وردت المعيب فهل يكون ذلك ردا لهما فيه وجهان
(أصحهما) لا بل هو لغو ولو رضى البائع بأفراده جاز على الأصح هكذا أطلق الرافعي الخلاف وينبغي
175

(إذا قلنا) بجواز تفريق الصفقة أن يجوز قطعا لأنه إنما امتنع لضرر البائع وقد رضى (أما) إذا منعنا تفريق
الصفقة فيمتنع وان رضى ولذلك قال الغزالي انه أقيس الوجهين فيما إذا رضى المنع قال لان استحالة
تفريق الصفقة الواحدة لا يختلف بالتراضي وما ذكره الغزالي من أنه الاقيس جار على ما قرره من
البناء على تفريق الصفقة وقد تقدم أن الراجح عدم البناء وأن الأولى أن يكون الخلاف مرتبا فكذلك
الأصح الجواز إذا رضي وهو الذي نص الشافعي عليه في كتاب الصلح والمشكل طريقة الماوردي
فإنه قطع بالجواز إذا رضي البائع مع بنائه القولين عند عدم رضاه على تفريق الصفقة ولو أراد رد السليم
والمعيب معا على هذا القول المانع من الافراد جاز قال الامام لم يختلف العلماء فيه وعلى القول الآخر
المجوز للافراد (الأصح) الجواز وفيه وجه حكاه الامام والغزالي في الوسيط أنه لا يردهما الا إذا كانا معيبين
وضعفه الرافعي وحكى ابن يونس أن الغزالي قال (إذا قلنا) لا يرد يطالب بالأرش وتعتبر القيمة يوم
العقد واعترض الناس عليه بأنه ليس في الوسيط الا فيما إذا تلف أحد العبدين والأرش يتعين في
مسئلة التلف بخلاف هذه المسألة إذ يمكن (قلت) وهو كذلك ولا اتجاه لما قاله ابن يونس نعم لو كان
صاحب الوجه المذكور الذي يقول إنه لا يردهما الا إذا كانا معيبين يقول إنه لا يرد المعيب وحده اتجه
عنده طلب الأرش لكنه ينفيه قول الإمام فيما إذا منعنا الافراد أنه لم يختلف العلماء في جواز رد
الجميع فتعين أن يكون الوجه الذي في الوسيط بمنع ردهما تفريعا على جواز رد أحدهما وحينئذ لا وجه
لطلب الأرش لامكان الرد ولو أراد رد السليم وحده قطع الماوردي بأنه لا يجوز (وقال) ابن الرفعة أنه
لا خلاف فيه لأنه إنما يجوز تبعا وقد فقدت التبعية والله أعلم * وإذا جوزنا الافراد فرده اشترط
قسطه من الثمن بلا خلاف وقد تقدم من الامام تعليله واعتراض ابن الرفعة عند الكلام في
العين الواحدة *
176

* (فرع) * قال أبو حنيفة رضي الله عنه بالجواز فيما بعد القبض ووافق فيما قبله واحتج من
نصر قوله بأنه تم العقد فيهما وانفرد أحدهما بسبب الخيار وثبت فيه الخيار كما لو اشترى عبدين
واشترط في أحدهما خيار الثلاث ونقض أصحابنا عليه ذلك بما قبل القبض أو وجد العيب فيهما أو
كانا مصراعي باب وزوجي خف أو مما تتساوى أجزؤه مثل كرين من طعام فان أبا حنيفة رحمه الله
قال في هذه المواضع الأربعة مثل ما قلناه (والجواب) عن شرط الخيار في أحدهما من وجوه بالنقض
بالمسائل المذكورة وبأن صاحبه قد رضى بالتبعيض لما شرط وبأن وصف تمام العقد لا تأثير له في
الأصل لأنه يجوز أن يرد الذي شرط فيه الخيار قبل القبض وبعده فهذا الكلام في ظهور العيب
بإحدى العينين وهما باقيتان وهي مسألة الكتاب على أن إطلاق كلام المصنف رحمه الله يحتمل أن
يشمل هذه الصورة والصورة الثالثة التي سنذكرها وهي إذا كان السليم تالفا فإن كان الأول وهو
الظاهر (فالأظهر) من قولي الكتاب الأول وهو أنه لا يجوز الافراد وإن كان الباقي (1)
الأولى المنع وفى الثالثة الجواز كما (2) ويرجح حمل كلام المصنف على العموم (3) القولين
في الصورتين أن القاضي (4) في حكاية القولين بين ما إذا كان العيب في أحدهما وما إذا كان
فيهما وأحدهما تالف ولم يذكر الترتيب (5) سنذكره (6) * (الصورة الثانية) * وجد
العيب بهما جميعا وهما باقيان فله ردهما قطعا وفى إفراد أحدهما بالرد القولان السابقان هكذا قال القاضي
حسين والامام والرافعي وغيرهم وقد تقدم التنبيه على أن كلام المصنف يفهم القطع بالمنع في هذه
الصورة وإن كان ساكتا عن التصريح بها ولا شك أن الشيخ أبا حامد رحمه الله يقطع هذا بطريق
الأولى وإنما النزاع في جريان الخلاف عند غيره وقد نقل صاحب الاستقصاء عن صاحب الافصاح
أنه لا يجوز إفراد أحدهما بالرد إجماعا كالطعام الواحد (قلت) وهذا ليس بصريح لان نص الشافعي
رحمه الله تقدم في المكيل والموزون أنه يرد بعضه على ما إذا كانا باقيين فأولى بالجواز لتعذر ردهما فمن
جوز هناك فههنا أولى ومن منع هناك إما قطعا كالشيخ أبى حامد وغيره حكاية القولين وبنوهما على
تفريق الصفقة (إن قلنا) يفرق جاز وإلا فلا والبناء هنا ظاهر والمراد بالتفريق المبنى على التفريق
القهري إن منعناه امتنع هنا وإن جوزناه جاز لوجود الضرورة ومقتضى هذا البناء أن يكون قول
الجواز هنا أظهر والرافعي رحمه الله اقتصر في باب تفريق الصفقة على ترتيب الخلاف وأولوا به الجواز
وليس في ذلك بيان الأصح وأعاد المسألة في باب الرد بالعيب ولم يتعرض لحكم رد الباقي هل يجوز

(1) بياض بالأصل فحرر
(2) بياض بالأصل فحرر
(3) بياض بالأصل فحرر
(4) بياض بالأصل فحرر
(5) بياض بالأصل فحرر
(6) بياض بالأصل فحرر
177

أولا وبما ذكرته من الترتيب يعرف أن الأظهر الجواز لكن النص الذي سنذكره عن البويطي
والنص الذي سنذكره عن اختلاف العراقيين كلاهما يدل على خلافه وهو ما يقتضى كلام الماوردي
أنه الأصح ولعل الأصح عند الماوردي امتناع تفريق الصفقة والمراد بالتلف إما حسا وإما شرعا فان
جوزنا الافراد رد الباقي واسترد من الثمن حصته بلا خلاف وقد تقدم تعليله عن الامام واعتراض
ابن الرفعة بطريق التوزيع بتقدير العبدين سليمين وتقويمهما ويسقط المسمى على القيمتين فلو اختلفا
في قيمة التالف فادعى المشترى ما يقتضى زيادة الرجوع على ما اعترف به البائع (فالأظهر) عند
القاضي أبى الطيب والرافعي والمصنف حيث ذكر في باب اختلاف المتبايعين أن القول قول
البائع مع يمينه (اما) بثمن ملكه فلا يرد منه ما اعترف به وهذا القول نسبه القاضي أبو الطيب
والرافعي إلى نصفه في اختلاف العراقيين (والثاني) أن القول قول المشترى لأنه تلف في يده فأشبه
الغاصب مع المالك إذا اختلفا في القيمة كان القول قول الغاصب الذي حصل إهلاك في يده وهذا القول في
اختلاف العراقيين أيضا وقد رأيتهما فيه ولكن هل هما تفريع على جواز الافراد أو على منعه فيه نظر سأنبه
عليه في آخر الكلام والاعتماد في حكايتهما هنا على نقل الأئمة وقد اقتصر الرافعي رحمه الله وغيره
على استرجاع حصة المردود من الثمن ولم يتعرضوا لشئ آخر ولا شك أن التالف إذا كان معيبا أيضا
يجب الأرش عليه لتعذر رده كما يجب الأرش إذا تلف المبيع كله وتبين عيبه وإنما سكتوا عن ذلك
إحالة له على ذلك المكان واقتصارا على القدر المختص بهذا المكان وإن لم يجز الافراد فقولان فيما
حكاه القاضي حسين وطائفة (ووجهان) فيما حكاه آخرون واقتضى إيراد الرافعي والنووي ترجيحه (أصحهما)
عند الرافعي وغيره وهو الذي ذكره الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب في تعليقهما لا فسخ له ولكن يرجع
بأرش العيب لان الهلاك أعظم من العيب ولو حدث عنده عيب لم يتمكن من الرد وهذا هو الذي نقله الربيع
في مختصر البويطي فعلى هذا إن اختلفا في قيمة التالف عاد القولان لأنه في الصورتين يرد بعض الثمن الا
أنه على ذلك القول يرد حصة الباقي وعلى هذا القول يرد أرش العيب وهل النظر في قيمة التالف
في الصورتين إلى يوم العقد أو يوم القبض فيه الخلاف الذي في اعتبار القيمة لمعرفة أرش العيب
القديم وسيأتي إن شاء الله تعالى (والأصح منه) اعتبار أقل القيمتين (والوجه الثاني) أنه يضم قيمة التالف
إلى الباقي ويردهما ويفسخ العقد قال الرافعي وهو اختيار القاضي أبى الطيب واحتج له بأن النبي
178

صلى الله عليه وسلم أمر في المصراة برد الشاة بدل اللبن الهالك (قلت) ولم أر ذلك في تعليقة القاضي
أبى الطيب بل الذي فيها أنا (إذا قلنا) لا يرد رجع بالأرش كما تقدم عنه ولم يحك فيه خلافا وأنا
(إن قلنا) له رده فيرده بحصته من الثمن قال وقال بعض أهل خراسان العقد على هذا القول فيهما
جميعا ثم يرد الباقي وقيمة التالف ويسترجع كما في المصراة قال القاضي أبو الطيب وهذا خطأ
ويخالف نص الشافعي لأنه نص على ذلك في اختلاف العراقيين وقال يرجع إلى حصته من الثمن
ثم فرع عليه وذكر الاختلاف فالعجب من الرفعي رحمه الله إلا أن يكون القاضي أبى الطيب نقله
عن بعض الخراسانيين كما رأيت لكنه جعله مفرعا على القول بالرد وحكاه الامام وغيره وجعله
الغزالي والرافعي رحمهما الله مفرعا على قول المنع كما تقدم ولا تنافى بينه وبين ما فعله أبو الطيب فان
أبا الطيب يقول (إن قلنا) لا يرده أي أصلا يرجع بالأرش (وإن قلنا) يرده فهل يفرده أو يضم
معه قيمة التالف فيه (وجهان) وهؤلاء يقولون (إن قلنا) يفرده استرد القسط وإلا فهل يمتنع عليه
الرد أو يضم معه قيمة التالف (فيه وجهان) فالكلامان راجعان إلى معني واحد وإنما النزاع في نسبة
الرافعي القول المذكور إلى اختيار أبى الطيب ووافق الرافعي على ذلك ابن الرفعة وزاد ابن الرفعة أن
ابن الصباغ نقل القولين في ذلك أعني في ضمن قيمة التالف إلى الموجود كما حكاهما لامام وغيره ولم
أر ذلك في الشامل بل رأيت فيه ما يحتمل أن يكون سبب الوهم لذي عرض للرافعي وتبعه هو
عليه في النقل عن أبي الطيب فان ابن الصباغ قال حكى أبو الطيب عن بعض أهل خراسان أنه
يفسخ العقد قال وهذا هو السنة لحديث المصراة فلعل الرافعي طلع ذلك وظن أن الضمير في قال
لأبي الطيب وإنما هو لبعض أهل خراسان يبينه ما في تعليقة أبى الطيب وقد تقدم الرافعي في ذلك
العمراني فينقل المسألة في الزوائد من الشامل وزاد فقال وقال القاضي هذا هو السنة قال ابن الصباغ وهذا
ليس بصحيح هو القاضي وابن الصباغ ناقل عنه أو موافق له وبالجملة ولقول منصوص عليه في
البويطي لان في مختصر البويطي ولو اشترى ثوبين في صفقة واحدة فقبضهما فهلك أحدهما وأصاب
بالآخر عيبا فله أن يرد القائم وقيمة التالف ويرجع بأصل الثمن لذي أعطاه فان اختلفا في القيمة
فالقول قول البائع من قبل أن الثمن كله قد لزم المشترى وهو يريد اسقاط الشئ عنه لما يدعى من
كثرة قيمة الغائب ولا أقبل دعواه قال الربيع وله قول آخر إذا اشترى شيئين في صفقة واحدة
فهلك واحد وأصاب بالآخر عيبا لم يكن له إلى الرد سبيل من قبل أنه كان له أن يرد الشئ كما أخذ
179

فلما لم يرده مثل ما أخذ كان لا رد له وليس له أن ينقص عليه ما اشترى منه ويرجع عليه بقيمة
العيب الذي وجده في الثوب الباقي فهذا الكلام الذي في مختصر البويطي يقتضى اثبات قولين
(أحدهما) يضم قيمة التالف إلى الباقي ويردهما (والثاني) يمتنع الرد ويرجع بالأرش وهما هذان
القولان اللذان فرعناهما على عدم جواز الافراد فهما متعاضدان في منع الافراد كما قدمت لك أولا
وقد تأملت نصه في اختلاف العراقيين فلم أجده صريحا في الرد واسترجاع القسط وإنما قال إذا اشترى
ثوبين صفقة واحدة فهلك أحدهما في يده ووجد بالثاني عيبا واختلفا في ثمن الثوبين فالقول قول
البائع مع يمينه من قبل أن الثمن كله قد لزم المشترى والمشترى ان أراد رد الثوب يرده بأكثر الثمن
أو أراد الرجوع بالعيب رجع به بأكثر الثمن ولا نعطيه بقوله لزيادة قال الربيع وفيه قول آخر أن
القول قول المشترى من قبل أنه المأخوذ منه الثمن قال الشافعي رحمه الله إذا اشترى شيئين في صفقة
فهلك أحدهما ووجد بالآخر عيبا فليس إلى الرد سبيل فيرجع بقيمة العيب لأنه اشتراهما صفقة فليس
له أن ينقضها (قلت) وهذا هو معنى ما في البويطي وليس فيه زيادة عليه الا القول الآخر الذي
حكاه الربيع أن القول قول المشترى وآخر كلامه المذكور صريح في عدم الرد وأول كلامه فيه
احتمال لما قاله أبو الطيب وما قاله في مختصر البويطي وإنما احتجت إلى ذلك لقول القاضي
أبى الطيب أنه قال يرجع إلى حصته من الثمن وهذا بحسب ما فهمه من اختلاف العراقيين من منع
التفريق والقاضي أبو الطيب نقله عنه بلفظ آخر صريح في التفريق فلعل له في اختلاف العراقيين
نصا آخر وأبدى ابن الرفعة فيما حكي عن اختلاف العراقيين نظرا من وجهين (أحدهما) أنا نفرع على
منع التفريق فالنص مصرح بالتفريق فكيف يرد به وهذا قاله ابن الرفعة بناء على ما نقله القاضي
أبو الطيب ونقله ابن الرفعة عن ابن الصباغ اعترضا عليه لكنك قد عرفت فيه النص بلفظ
وليس فيه تصريح بالتفريق ولو ثبت ذلك فالعذر عن أبي الطيب أنه لم يجعل ذلك تفريعا على
180

منع التفريق حتى يعترض عليه بما ذكر بل إنما قال إذا جوزنا الرد كما تقدم النقل عنه فإذا نقل عن
الشافعي رحمه الله أنه قال مع الرد يسترجع القسط يكون ذلك ردا على من يقول لا يسترجع القسط
بل يضم القيمة على التالف ويسترجع جميع الثمن ردا ظاهرا والوجه (الثاني) من اعتراض ابن الرفعة
على أبى الطيب أن اختلاف العراقيين قيل إنه من القديم وهذا بعيد لان ذلك من رواية الربيع
عن الشافعي رضي الله عنه وان فرعنا على هذا الوجه وأنه يضم قيمة التالف إلى الباقي ويردها
فاختلفا في قيمة التالف فالقول قول المشترى مع يمينه لأنه حصل التالف في يده وهو الغارم وبه
جزم القاضي حسين مع حكاية القولين في الصورتين الأولتين قال وكل موضع كان الغارم هو
المشترى فالقول قوله وكل موضع كان الغارم هو البائع فعلى القولين وفى التتمة حكاية وجه آخر أن القول
قول البائع لان المشترى يريد ازلة يده عن الثمن المملوك له وذكر في الروضة انه شاذ (قلت) في مختصر
البويطي بعد أن قال إنه يرد القائم وقيمة التالف (قال) فان اختلفا في القيمة فالقول قول البائع
من قبل أن الثمن كله قد لزم المشترى وهو يريد إسقاط الشئ عنه لما يدعى من كثرة قيمة الفائت
ولا أقبل دعواه وهذا يدل للوجه الذي قاله في التتمة بل هو هو والقيمة هنا معروفة واعتبارها
بيوم التلف على الأصح وليس كما تقدم على القول الآخر حيث يعتبر أقل الثمنين على الأصح أشار
إليه الامام في باب التخالف *
* (فرع) * إذا ظهر العيب بالتالف فقط لم يرد الباقي قطعا ويرجع بأرش التالف *
* (فرع) * لو ظهر العيب بأحدهما أو بهما بعد بيع أحدهما فقد جمع الرافعي بين ذلك وبين
ما إذا كان أحدهما تالفا وجزم الشيخ أبو حامد هنا أيضا بامتناع الرد لأنه لم يحصل اليأس من
الرد وقد تقدم فيما إذا كان المبيع واحدا وخرج بعضه عن ملكه أن الصحيح امتناع رد الباقي
فاشتركت صورة التلف وصورة البيع في الترتيب على ما إذا كانا باقيين كما قال الرافعي رحمه الله
181

لكن الصحيح في الأولى الجواز وفى الثانية المنع وهذا الذي ذكرناه إذ باع أحدهما وكانا معيبين
أو باع الصحيح وبقى المعيب (أما) لو باع المعيب وبقى الصحيح فلا يرد الباقي لآن قطعا والكلام
في الأرش على ما مر وتحقيق الصحيح في ذلك يتوقف على تحقيق العلة فيما إذا باع البعض هل هو
عدم اليأس أو غيره وسيأتي إن شاء الله ذلك بعد ثلاثة فصول *
* (فرع) * استثنى صاحب التلخيص من وجوب الأرش على القول بمنع الافراد مسألة واحدة
وهي أن يكون قد باع أحدهما قال ينظر فإن كان صحيحا لم يدلس فيه بعيب لم يرجع بنقصان العيب
وإن كان معيبا ففي هذا الموجود قولان (أحدهما) يرجع بنقصان العيب (1) والآخر ليس له الرجوع (قلت)
لعل مراده إن كان المبيع صحيحا من عيب حادث عند المشترى ولم يدلس فيه على المشترى (الثاني) لشئ
حدث عنده فليس له الرجوع بالأرش لعدم اليأس من رجوع المبيع إليه ويردهما معا وذلك يوافق
ما قاله الشيخ أبو حامد وهو يجئ على المذهب على ما سيأتي خلافا لأبي إسحاق وإن كان معيبا
بعيب حدث عنده ففي رجوعه بأرش العيب في الثاني قولان كما لو تلف أحدهما أو أعتقه بناء
على تفريق الصفقة *
* (فرع) * بما ذكرناه يتبين أن الخلاف في الجميع ولكنها مراتب ففي العبدين إذا كان أحدهما
تالفا الجواز قوى جدا ودونه إذا كان أحدهما معيبا والخلاف فيه قوى أيضا وإن كان الأصح فيهما
المنع ودونه إذا كانا باقيين في ملكه والعيب بأحدهما ودونه إذا كانا باقيين والعيب بهما ودونه في العبد
الواحد إذا باع بعضه ودونه في العبد إذا كان كله باقيا في ملكه فهذه ست مراتب لا يرد على الصحيح
الا في الأولى *
* (فرع) * حكم نقص أحدهما حكم تلفه وعتقه وبيعه قال صاحب التلخيص وينبغي أن يكون
كذلك ما لم يرض البائع بأحدهما مع النقص الحادث فيصير كما لو لم يكن نقص * (فائدة) * أكثر
الأصحاب يطلقون توزيع الثمن على العبدين باعتبار قيمتهما والرافعي في هذا الباب قبل باعتبار قيمتهما
إلى سليمتين ولا يتأتى غير ذلك إذا كان المشتري جاهلا بالعيب فإنه إنما بذل الثمن على ظن السلامة
ولو وزعنا الثمن عليهما على ما هما عليه من العيب أدى ذلك إلى خبط وفساد دل عليه الامتحان فالصواب
تقدير السلامة كما ذكره الرافعي هنا وهي فائدة عظيمة نافعة في مسائل (منها) في الشفعة حيث يأخذ
الشقص بقسطه من الثمن وغيرها من المسائل (ومنها) في المرابحة إذا وزع الثمن فيجبر بما يخصه من الثمن
182

بوصف السلامة ويجبر بالعيب الذي ظهر له ولا يجوز أن يجبر بقسطه من الثمن باعتبار العيب (ومنها)
مسألة تقدمت في الربا في الصرف إذا باع دينارين بدينارين فخرج أحدهما معيبا اختار القاضي
أبو الطيب وجماعة البطلان لأنه تبين أنه من قاعدة مد عجوة وأطلق الشيخ أبو حامد وجماعة الصحة
واستشكله في ذلك الباب وانتدبت له مأخذا بعيدا وبهذه الفائدة هنا يترجح فظهر مأخذ حسن يحمل
عليه ويتمسك به فيه ويقوى على أبى طالب لان الفساد في قاعدة مد عجوة من جهة التوزيع
والتوزيع ههنا لا يقتضى المفاصلة إذا وزع باعتبار السلامة وإنما يقتضي المفاضلة إذا وزع عليها باعتبار
العيب (ومنها) في تفريق الصفقة في الدوام إذا تلف أحد المبيعين قبل القبض (ومنها) في غير ذلك
ولا تخفى الفروع بعد بيان القاعدة وهي قاعدة مهمة يجب الاعتناء بها وملاحظتها في مسائل
كثيرة في أبواب متعددة *
* (فرع) * لا خلاف أنه لو ظهر العيب بالتالف وحده فليس له الرد لان التالف لا يقبل الفسخ
مقصودا أو مسوغا وإنما صح الفسخ في التالف تبعا قاله القاضي حسين وإنما ذكرته وإن كان واضحا
لئلا يتوهم أن بقاء السليم مسوغ لورود الرد على المعيب في الصفقة التي شملته وليس لتكلف المبيع
جملة إذ لا مورد أصلا فلذلك نبهت عليه *
* (المسألة الثالثة من مسائل الكتاب) * إذا اشترى اثنان من واحد عينا ووجدا بها عيبا وأراد أحدهما امساك
حصته والاخر رد حصته جاز على القول الظاهر المنقول عن نصه في كتبه الجديدة ومعظم كتبه القديمة وبه قال
أحمد ومالك في رواية وأبو يوسف ومحمد وابن أبي ليلى ومنه أخذ الصفقة تتعدد بتعدي المشتري وهو الأصح
ووجهوه بأنه رد جميع ما ملك مجارا كالمشتري الواحد قال الشافعي رحمه الله في المختصر ولو أصاب
المشتريان صفقة واحدة من رجل بجارية عيبا فأراد أحدهما الرد والآخر الامساك فذلك لهما لان
المعهود في شراء الاثنين أن كل واحد منهما مشترى النصف بنصف الثمن أنتهي (والقول الثاني)
ويحكى عن رواية أبي ثور عن القديم وقال أبو داود أنه مرجوع عنه وبه قال أبو حنيفة أنه ليس
له الانفراد بالرد لان العبد خرج عن ملك البائع كاملا والآن يعود إليه بعضه وبعض الشئ لا يشترى
بما يخصه من الثمن لو بيع كله وربما أوردوا ذلك بعبارة أخرى فقالوا خرج عن ملكه مجتمعا أو
صفقة واحدة ومن هذا القول أخذ أن الصفقة وإن تعدد المشترى متحدة على ما قاله الامام لكن
الصحيح المشهور الذي جزم به كثيرون أن الصفقة متعددة وبذلك منعوا من قال خرج عن ملكه
183

صفقة ومنعوا أيضا من قال خرج مجتمعا بما أشار إليه المصنف رحمه الله في استدلاله من قوله إن البائع
فرق الملك في الايجاب أي فلم يخرج مجتمعا وأما من قال كلامك إن أريد بصفة الكمال فهي معني
وان أريد التأكيد فلا يفيد ومن هنا نعلم أن المصنف رحمه الله جازم بان الصفقة متعددة واعترض
القائلون باتحادهما وامتناع الانفراد بالرد ما لو قال بعتكما هذا العبد بألف فقال أحدهما قبلت نصفه
بنصف الثمن وبما إذا أحضر أحدهما نصف الثمن وأراد اجبار البائع على تسليم نصف العبد وبان
الشركة عيب وأجاب الأصحاب عن الأول بأن عندنا في المسألة وجهين (أحدهما) يصح وهو الذي
جزم به القاضي أبو الطيب وجماعة من العراقيين وأنه يلزم البيع في حقه سواء قبل صاحبه أم رده
وقيل إن للشافعي رحمه الله نصا في الخلع يشهد له وقال الامام إنه الأظهر في القياس ورجحه الروياني
في الحلية (والثاني) وهو الأصح عند طائفة منهم الرافعي وهو الأظهر في النقل على ما قاله الامام
لا يصح (وان قلنا) بالتعدد فان صيغة ايجاب البائع تقتضي جوابهما فكأنها مشروطة بأن يجيباه معا
فليس ذلك من حكم العقد وإنما هو من مقتضى اللفظ عرفا وفى هذا نظر من جهة ان اشتراط
ذلك يقتضى الفساد وعن (الثاني) أن الحكم عندنا أن البائع يجبر على تسليم نصيبه وسيأتي ذلك في
كلام المصنف في آخر باب اختلاف التبايعين إن شاء الله تعالى وعن (الثالث) بان البائع هذا الذي
شرط بينهما فلم يكن هذا العيب حادثا في يد المشترى وقد عرفت بما ذكرته أن استدلال المصنف
رحمه الله أمس بكلام المخالف من استدلال غيره بأنه رد جميع ما ملك وإن كان الكل صحيحا وقوله
كما لو باع منهما في صفقتين أي متعددتين لفظا فان هذه متعددة حكما لا لفظا وقال القاضي حسين
الأولى أن نفرض الكلام فيما لو مات أحد المشتريين والبائع وارثه أو عاد إلى البائع نصيب أحدهما
بالبيع أو بالهبة كي يسقط حل كلامهم ان الشركة عيب ووافق أبو حنيفة رحمه الله على أنه إذا اشترى
رجلان شقصا من واحد فللشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما بالشفعة وهذا الذي التزمه الأصحاب من أن
العقد متعدد هو المشهور وقال أبو الظفر بن السمعاني ان هذه طريق سقيمة لا يمكن تمشيتها ومن
اعتمد عليها فلضعفه في المعاني لان قوله بعث منكما في جانبه كلمة واحدة نعم في جانب المشترى
هي بمنزلة عقدين ولو جاز أن نجعل عقدين لتعدد المشترى لجاز ذلك لتعدد الجمع والمعتمد من
الجواب أن الصفقة وإن كانت واحدة لكن يجوز لأحدهما أن يرد لان الخيار ثابت لهما وهو حق
مشروع فيمكن من استيفائه على وجه لا يؤدى إلى تفويت وإسقاط بعدم مساعدة الآخر له وأجاب
عن كون الشركة عيبا بأن التي كانت بين المشتريين قد زالت والتي وجدت بين البائع والمشترى إنما
184

وجدت بعدم الرد والرد لا يعيب المبيع لكن يعيده إلى ملك البائع ثم الشركة تثبت باختلاف الملك
فلا يكون العيب الذي هو معلول الرد سابقا لعلته وما قاله أولا لا يمكن تمشيته فأن من مقتضاه أن
أخذ الوارثين لمشتري العين الواحدة مستقل بالرد وليس كذلك لما سيأتي إن شاء الله تعالى وما قاله ثانيا
وإن كان محتملا فيمكن الانفصال عنه وقد ظهر لك بما تقدم أنا ان قلنا باتحاد الصفقة منعنا انفراد
أحدهما بالرد (وإن قلنا) بالتعدد فقولان (أحدهما) المنع لضرر التبعيض هذا إذا نظرت إلى التعدد
والاتحاد أولا فلك أن تجعل القولين أولا في الانفراد فأحرزنا فمن ضرورته تجويز التفريق وان منعنا
الانفراد هل ذلك لحكمنا بالاتحاد أو لضرر التبعيض وإن كانت الصفقة متعددة فيه وجهان وهذه
الطريقة أوفق لكلامهم (والأصح) من الوجهين الثاني لما سيأتي من كلام البويطي * التفريع على
هذين القولين ان جوزنا الانفراد فانفرد أحدهما فتبطل الشركة بينهما ويخلص للممسك ما أمسك
وللراد ما استرد أو تبقى الشركة بينهما فيما أمسكه الممسك واسترده الراد حكى القاضي الماوردي فيه
وجهين قال الرافعي أصحهما أولهما قلت والوجه الثاني بعيد جدا وكيف يقال إن نصف العبد الذي
أمسكه الممسك يكون بينه وبين الراد والراد لم يبقى على ملكه شيئا وكيف يقال إن نصف الثمن الذي
استرجعه الراد يأخذ الممسك نصفه وهو لم يرد شيئا ووجهه الماوردي أنه لم يكن بينهما قسمة وهذا توجيه ضعيف
لان ذلك إنما يكون في المعين لا في المشاع فان النصف المشاع المردود مختص الراد قطعا وحمله ابن لرفعة
على ما إذا كان الثمن مشتركا بينهما وهذا الحمل قد يقال إنه يصح معه الاشتراك في المسترد من الثمن أما بقاء
الشركة في نصف العبد الباقي فلا والتحقيق انه لا تصح الشركة في المسترد من الثمن أيضا لان الثمن
الذي كان مشتركا بينهما ملكه البائع ثم انتقض ملكه في نصفه الشائع المختص بالراد حكم رده
ويقسمه الراد والبائع وهو قسمة جديدة واردة على ملكيهما وليس للممسك فيها حظ ونصفه الشائع
لم ينقض الملك في شئ منه فلا وجه لهذا الوجه أصلا * نعم قد تقدم لنا عن صاحب التقريب شذوذ
في جواز رد بعض العين الواحدة فعلى ذلك إذا قال الراد رددت النصف ولم يعين أنه نصفه وقلنا
بأن هذه الصيغة تحمل على الإشاعة كما هو في العتق وغيره على أحد الوجهين فيصح الرد في نصف
نصيبه ولكن لا يبقى نصيب الممسك مشتركا ولا المسترد من الثمن مشتركا لعدم صحة الرد في نصيب
شريكه بل يبقى للراد ربع العبد وللممسك نصفه ويسترد الراد ربع الثمن وبالجملة فهذا الوجه إلى
185

الغلط أقرب ومن التفريع على هذا القول أنه لا يلزم الراد ضم أرش التبعيض إلى ما يرده لان
البائع الذي أضر بنفسه قاله الامام * وان منعنا الانفراد فذاك فيما ينقص بالتبعيض (أما) مالا ينقص
كالحبوب ففيه وجهان مبنيان على أن المانع ضرر التبعيض أو اتحاد الصفقة فعلى الأول يجوز وعلى
الثاني يمتنع وهو الذي جزم به القاضي حسين والتعليل الأول يمنع أحد اتحاد الصفقة من هذا القول
والوجهان المذكوران بيانهما حكاهما الرافعي والامام وقد تقدم عن نصه في البويطي جواز ذلك
في المشترى الواحد ففي المشتريين أولى ولذلك أصلح بعضهم بعض نسخ التنبيه وجعل إن اشترى
اثنان عبدا ولفظ مختصر المزني شاهد له ونقله بعضهم عن المختصر سلعة مكان جارية فيكون شاهدا
للنسخ المشهورة ويكون كلام البويطي الذي حكيته مفيدا لذلك * وهذا إذا لم يقسماه فان اقتسماه
فكذلك عند الامام وفيه فرض المسألة وبناه القاضي حسين فيما نقله ابن الرفعة على الخلاف في القسمة
ان قلنا إفراز (وان قلنا) بيع فكما لو اطلع على العيب بعد بيع بعضه هكذا نقل ابن الرفعة عن القاضي ولم
أره في تعليقه هكذا لكنه لو قال فيما لو اشترى مشاعا كنصف عرصة ثم قاسم المبيع ثم وجد عيبا قديما
ان قلنا القسمة افراز له الرد والا فلا كما لو باع بعض المبيع قال وفيه نظر (قلت) أما البناء على أن القسمة
افراز أو بيع فمتجه متعين (وأما) منع الرد إذا قلنا إنها بيع فيما إذا قاسم البائع فمشكل على القاضي حسين
لأنه تقدم عنه أن المذهب فيما إذا باع بعض العين من البائع أنه يرد فينبغي أن يكون هنا الصحيح
الرد على البائع إذا قاسمه على القولين وذكر القاضي في الفتاوى إذا اشترى شقصا من ربع وقاسم
شريكه ثم وجد به عيبا قال (إن قلنا) القسمة افراز له الرد (وان قلنا) بيع فهو باع نصف ما في يده بنصف
ما في يد شريكه فيرد النصف الذي يملك من الشريك عليه فإذا رد يعود إليه النصف الذي يملك
منه الشريك ثم رد الكل بالعيب وإلا يبطل حقه لان الرد يعقبه فسخ العقد لاختلاف الملك
قال وعلى هذا لو اشتري عبدا بدراهم وباعه بثوب ثم وجد بالثوب عيبا فرده واسترد العبد وبه
عيب قديم فإن كان قد علم به وهو في يد المشترى الثاني له أن يرد لأنه قصد رد الثوب والعبد غاد
لا باختياره وفيه وجه أنه لا يرد لأنه يرد الثوب اختار ملك العبد معيبا قلت هكذا قال القاضي
وهو على رأيه الذي سنذكره فيما إذا باع المعيب ثم اشتراه عالما بعيبه أنه لا يرده على الأول والصحيح
خلافه ولو أرد الممنوع من الرد الأرش قال الامام ان حصل اليأس من امكان رد نصيب الآخر
186

بأن أعتقه وهو معسر فله أخذ الأرش وان لم يحصل نظر إن رضى صاحبه بالعيب فيبني على أنه لو
اشترى نصيب صاحبه وضمنه إلى نصيبه وأراد أن يرد الكل ويرجع بنصف الثمن هل يجبر على قوله
كما في مسألة النعل وفيه وجهان (ان قلنا) لا أخذ الأرش (وان قلنا) نعم فكذلك في أصح الوجهين لأنه
توقع بعيد وإن كان صاحبه غائبا لا يعرف الحال ففي الأرش وجهان عن حكاية صاحب التقريب من
جهة الحيلولة الناجزة * وقد بقي مسائل من هذا النوع لم يذكرها المصنف (منها) إذا تعدد البائع كما لو
اشترى واحد عينا من رجلين فله رد نصف المبيع على أحد البائعين قاله القاضي حسين وغيره فان
الصفقة تتعدد بتعدد البائع قطعا ووافقه أبو حنيفة رحمه الله فيه ولو اشترى واحد شقصين من رجلين
فهل للشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما فيه وجهان (أحدهما) نعم للتعدد (والثاني) لا للضرورة قال أبو حنيفة
رحمه الله وقد تقدم مذهبنا ومذهبه فيما إذا تعدد المشترى قال القاضي حسين فمذهب أبي حنيفة
في الشفعة على عكس مذهبه في الرد بالعيب (ومنها) إذا تعدد العاقدان بأن اشترى رجلان عينا من
رجلين فهو في حكم أربعة عقود وكان كل واحد منهما اشترى ربع المبيع من هذا والربع من ذلك فله
أن يرد نصيب أحد البائعين وكذلك لصاحبه قاله القاضي حسين وغيره ولو اشترى ثلاثة أنفس
من ثلاثة أنفس عبدا لكل واحد من الثلاثة أن يرد بيع العبد على كل واحد من البائعين الثلاثة
لان حكمهما حكم العقود التسعة قاله الماوردي (ومنها) إذا تعدد المعقود عليه والعاقد معا بأن اشترى رجلان
عبدين من رجلين فلكل واحد منهما رد الربع من العبدين على كل واحد من البائعين وهل له رد
الربع من أحدهما على أحد البائعين على القولين في تفريق الصفقة في الرد هكذا قال القاضي
حسين وقال أيضا في الصورة المذكورة بعينها في هذا الموضع بعينه هل لكل منهما رد النصف من
أحدهما على أحد البائعين على القولين هكذا رأيته في النسخة وكأنها غلط والصواب أن يقال على
البائعين بإسقاط أحد فان كل واحد من المشتريين اشترى النصف من البائعين لا من أحدهما والتحقيق في
ذلك أن يقال لهما رد العبدين على البائعين قطعا ورد نصفهما على أحد البائعين قطعا وهل لأحدهما رد
نصفهما على البائعين أو ربعهما على أحد البائعين فيه الخلاف فيما إذا اشترى اثنان من واحد وهل لأحدهما رد
الربع من أحدهما على أحد البائعين على قولي التفريق فيما إذا اشترى عبدين من واحد هذا إذا كان كل من
العبدين مشاعا بين البائعين (ومنها) إذا كان أحد العبدين لهذا ولآخر لذاك وجمعا بينهما في الصفقة
187

وجوزناه على أحد القولين فهل له رد أحد العبدين بالعيب إن جوزناه فيما إذا كانا لواحد فههنا
أولى وإلا فوجهان والفرق أنه رد عليه جميع ما ملك من جهته قاله القاضي حسين وقد تقدم عنه
وعن غيره أنه يرد نصف العين الواحدة على أحد البائعين فالقول هنا بأنه لا يرد بعيد (ومنها) إذا اشترى
رجل عبدين من رجلين مشتركين بينهما فله أن يرد على أحدهما نصفي العبدين وليس له أن يرد
نصفي العبدين عليهما ولو أراد رد نصف أحد العبدين على أحدهما فعلى قولين ولو أراد رد ربع العبدين
عليهما أو على أحدهما لم يجز بحال قاله القاضي الحسين قال والحد فيها أن فيما هو الخير يثبت الخيار
وفيما هو الشر وجهان (ومنها) اشترى اثنان عبدين من واحد فحكمهما ظاهر فيما تقدم لهما رد العبدين
قطعا ولأحدهما رد حصته منهما على الأصح كأحد المشتريين الواحد وليس له رد نصف العبد الواحد
على الأصح كأحد العبدين مع المشترى الواحد ولم أرها مسطورة *
* (فرع) * جملة المسائل المذكورة ترجع إلى ثمانية أقسام أن يتحد الجميع أو يتعدد المبيع فقط
أو المشترى فقط وهذه الثلاثة مذكورة في الكتاب أو يتعدد البائع فقط أو البائع والمبيع أو البائع
والمشترى أو المبيع والمشترى أو يتعدد الجميع ووجه أنه اما أن يتعدد الجميع أو يتحد الجميع أو يتحد
واحد فقط أو يتعدد واحد فقط وفى كل من القسمين الآخرين ثلاثة *
* (فرع) * لو اشترى شيئا واحدا في صفقتين نصفه بصفقة ونصفه بصفقة أخرى من ذلك
الرجل أو من غيره جاز له رد أحد النصفين بالعيب دون الثاني بلا خلاف لتعدد الصفقة *
* (فرع) * هذا كله إذا تولى كل واحد منهما العقد بنفسه أو كان عن كل واحد وكيل واحد
(أما) إذا عقد بالوكالة وحصول التعدد في الوكيل أو في الوكل فهل الاعتبار في تعدد العقد
واتحاده بالعاقد أو المعقود له فيه أوجه (أصحها) عند الأكثرين أن الاعتبار بالعاقد
وبه قال ابن الحداد لان أحكام العقد تتعلق به وخيار المجلس يتعلق به دون الموكل ويعتبر
رؤيته دون رؤية الموكل (والثاني) الاعتبار بالمعقود له وهو الموكل قاله أبو زيد والحصري ونسبه
بعضهم إلى أئمة العراق وهو الأصح في الوجيز (والثالث) الاعتبار في طرف البيع بالمعقود له وفى الشراء
بالعاقد قاله أبو إسحاق المروزي ونسبه الروياني إلى القفال والفرق أن العقد يتم في الشراء بالمباشر دون
المعقود له ولهذا لو أنكر المعقود له الاذن في المباشرة وقع العقد للمباشرة بخلاف طرف البيع قال الامام
188

رحمه الله وهذا الفرق فيما إذا كان التوكيل في الشراء في الذمة فان وكله بشراء عبد بثوب معين فهو
كالتوكيل بالبيع (والرابع) قال في التتمة الاعتبار في جانب الشراء بالموكل وفى البيع بهما جميعا
فأيهما تعدد تعدد العقد اعتبارا بالشقص المشفوع فان العقد يتعدد بتعدد الموكل في حق الشفيع
ولا يتعدد بتعدد الوكيل حتى لو اشترى الواحد شقصا لاثنين فللشفيع أخذ حصة أحدهما بالفلس
ولو اشترى وكيلان شقصا لواحد لم يجز للشفيع أخذ بعضه وفى جانب البيع حكم تعدد الوكيل والموكل
واحد حتى لو باع وكيل رجلين شقصا من رجل ليس للشفيع أخذ بعضه وإذا ثبت ذلك في الشفعة
ثبت في سائر الأحكام قال صاحب التتمة وهذا أبعد الطرق لان في باب الشفعة يأخذ من المشترى
فإذا أخذ نصف ما في يده أضر به وههنا يرد على البائع فإذا تعدد البائع ورد على أحدهما ما كان له
لم يتضمن ضررا وإذا تعدد الوكيل واتحد البائع فرد عليه نصف ماله تضمن ضررا وهذا الذي قاله
صاحب التتمة صحيح ومدرك الشفعة غير مدرك هذا الباب ولذلك نقول في الشفعة ان الصفقة تتعدد
بتعدد المشترى جزما وفى البائع خلاف عكس ما في هذا الباب ففي كل باب ينظر إلى المعنى المختص
بذلك الباب (والخامس) إذا كان الوكيل من جهة المشترى فالعبرة بالموكل (وان) كان من جهة البائع
فالعبرة بالعاقد وهذا بالعكس مما قاله أبو إسحاق حكاه القاضي حسين في تعليقه وهو مغاير لما حكاه
صاحب التتمة فهذه خمسة أوجه في تعدد الصفقة واتحادهما إذا جرت بوكالة ونقل صاحب التتمة عن
القفال فيما إذا وكل رجلان رجلا فاشترى لهما عبدا قال وقال القفال إن كان البائع يعلم أنه وكيل
رجلين فلأحدهما أن يرد نصيبه وإن كان البائع يعتقد أنه يشترى لنفسه أو اعتقد أنه وكيل لواحد
فليس لأحدهما أن يرد النصف وهذا ليس وجها سادسا في التعدد والاتحاد بل تفريع على القول بالتعدد
وهكذا يقتضيه كلام القاضي حسين وغيره وعلى هذا مأخذه رضا البائع بالتبعيض وعدمه وهو من
نص الشافعي رحمه الله في الرهن إذا اشترى رجل له ولشريكه عبدا ورهن الثمن عينا مشتركة ثم وفر أحد
الشريكين نصيبه من الثمن أنفك نصيبه من الرهن على أحد القولين وهل للبائع الخيار بخروج بعض الرهن
عن يده قبل كمال حقه (قال) الشافعي رحمه الله إن كان البائع عالما بأنه مشتريه لنفسه ولشريكه وأن
الرهن مشترك بينهما فلا خيار له وإن كان يعتقد أنه اشترى لنفسه على الخصوص أو لشريكه وأن
الرهن لواحد فله الخيار وكذلك في هذه المسألة ولا دليل في ذلك على أن القفال يقول بالتعدد
189

لتعدد الوكيل في الشراء ولا يخالفه كما تقدمت الحكاية عنه في موافقة أبى إسحاق ولكن مأخذه
ما ذكر وإنما ذكرت ما قاله مع الأوجه في تعدد الصفقة واتحادهما لأنا نحتاج إليه في هذا المكان
إذ المقصود ههنا ما يترتب على هذا الأصل من الفروع في الرد ولابد من التفريع عليه وقد يجئ في
بعض الفروع بسببه ستة أوجه وضعف القاضي حسين قول أبى اسحق ورأي أن الصحيح مأخذ
ابن الحداد ومأخذ أبى زيد وأن أصلهما أن وكيل الشراء هل يطالب بالثمن ووكيل البيع هل
يطالب بتسليم المبيع *
* (فروع) * على هذا الأصل (منها) لو اشترى وكيل لرجل شيئا فخرج معيبا فان قلنا بالأصح
وهو اعتبار العاقد مطلقا أو لقول أبى اسحق فليس لأحد الوكيلين افراد نصيبه بالرد وبه قطع الماوردي
وقاسه جماعة على ما لو اشترى ومات عن اثنين وخرج معيبا لم يكن لأحدهما افراد نصيبه بالرد وهل
لاحد الموكلين والاثنين أحد الأرش سيقع التعرض له إن شاء الله تعالى عند ذكر المصنف مسألة
الاثنين في آخر الفصل إن شاء الله تعالى فهذا إذا قلنا بقول ابن الحداد وهو الأصح ويوافقه هنا
قول أبى اسحق وإن قلنا بقول أبى زيد جاز لكل من الموكلين افراد نصيبه بالرد وكذلك على الوجه
الذي حكاه صاحب التتمة والوجه الذي حكاه القاضي حسين على رأى القفال يفرق بين علم البائع
وجهله إن علم جاز لأحدهما أن يرد نصيبه وان جهل فلا لأنه لم يرض بتبعيض الملك عليه كذلك
تقدم عن صاحب التتمة وقاله القاضي حسين وصاحب التهذيب ولم يعينا قائله فحصل في هذا الفرع
ثلاثة أوجه (ومنها) لو وكل رجلان رجلا ببيع عبد لهما أو وكل أحد الشريكين صاحبه فباع الكل
ثم خرج معيبا هل الأصح وهو قول ابن الحداد لا يجوز للمشترى رد نصيب أحدهما وعلى
الثلاثة الأوجه الاخر يجوز وعلى الخامس يقتضى أن لا يجوز وحكى الماوردي الوجهين هنا مع
قطعه بالمنع أن التوكيل بالشراء كما تقدم يخالف بين الصورتين وهو يقتضى طريقة بان العبرة في جانب
الشراء بالعاقد وفى جانب البيع وجهان ولذلك أبديت فما تقدم نظرا في قول من نسب قول أبى زيد
إلى أئمة العراق (ومنها) ولو وكل رجلين في بيع عبده فباعه لرجل فعلى الوجه الأول يجوز للمشترى رد
نصيب أحدهما وعلى الأوجه الأربعة الاخر لا يجوز (ومنها) على ما قاله الرافعي لو وكل رجلان رجلا
190

في شراء عبد أو وكل رجلا في شراء عبد له ولنفسه ففعل وخرج العبد معيبا فعلى الوجه الأول
والثالث ليس للمؤكلين افراد نصيبه بالرد وعلى الثاني والرابع يجوز وقال القفال إن علم البائع
أنه يشترى لهما فلأحدهما رد نصيبه لرضى البائع بالتبعيض وإن جهله قلت وهذا الفرع هو الأول
بعينه وقد تكرر ذلك في الشرح والروضة وأظن الحامل على ذلك أن صاحب التهذيب ذكر
هذا الفرع كما هو هنا وذكر الحكم فيه بالرد ثم أعاده لأجل الكلام في الأرش وغير عبارته فقال إذا
اشترى رجل بوكالة رجلين لهما شيئا فذكرهما الرافعي بالعبارتين وقدم الثاني على الأول وذكر حكم
الرد في الموضعين وكان يستغني بالأول عن الثاني وتبعه في الروضة على ذلك والله أعلم *
* (فرع) * * نقل ابن الرفعة هذا الفرع المتقدم لو كان المشترى واحدا لنفسه ولموكله وصرح بذلك
في العقد فهل لأحدهما أن ينفرد بالرد فيه وجهان واختيار أبى إسحاق لا والثاني وهو الأصح وبه
قال ابن أبي هريرة نعم لأنهما بالذكر صارا كما لو باشرا حكاه صاحب البحر والقاضي أبو الطيب في كتاب
الشركة * قلت وذلك مخالف لما ذكر أنه لا يصح هنا (والأصح) ما ذكروه هنا لان الأصح أن
الوكيل مطالب بالعهدة وإن صرح بالمباشرة (ومنها) لو وكل رجلان رجلا في بيع عبد ورجلان رجلا
في شراء فنبايع الوكيلان فخرج معيبا فعلى الأوجه (الأول) لا يجوز التفريق وعلى (الثاني) و (الرابع)
يجوز فلهما أن يردا على أحد البائعين نصف العبد ولأحدهما أن يرد النصف عليهما وله رد الربع من
أحدهما لأنه جميع ما يملكه عليه وعلى (الثالث) في جانب المشترى متحد دون البائع فيكون
حكمه حكم الواحد يشترى من رجلين فلهما أن يردا نصيب أحد البائعين وليس لأحدهما أن يرد
نصيبه عليهما وعلى (الخامس) يقتضى أنه كما لو اشترى اثنان من واحد عكس الثالث فلكل من
الموكلين في الشراء رد حصته بكمالها وليس له رد نصفها على أحد الموكلين في البيع وعلى ما قاله القفال
يفرق بين العلم والجهل كما تقدم فهذه خمسة أوجه في هذا الفرع وصاحب التتمة حكى فيه خمسة
أوجه أيضا لكنه لم يحك الوجه الذي قاله القاضي حسين وإنما ذكر الوجه الذي تقدمت حكايته
عنه والذي يظهر في هذا الفرع أنه يتجه التفريع عليه وعلى الثاني كما قدمت وأما الرافعي رحمه الله انه اختصر
جدا وقال فعلى الوجه الأول لا يجوز التفريق وعلى الوجه الآخر يجوز هكذا رأيته في النسخة الوجه
191

الآخر والمراد به قول أبى زيد ويكون قد يدل التفريع على بقية الوجوه الأربعة التي ذكرها في الروضة
وبعض نسخ الرافعي وعلى الأوجه الاخر يجوز فمقتضاه أنه يجوز على الوجه الثاني والثالث
والرابع فأما جوازه على الثاني والرابع فصحيح على إطلاقه كما تقدم وأما على الثالث فليس
على إطلاقه وقد تقدم بيانه (ومنها) وكل رجل رجلين في بيع عبد ووكل رجل آخرين في شراه فتبايع
الوكلاء فعلى الوجه الأول يجوز التفريق قال الرافعي والنووي وعلى الوجوه الأخر لا يجوز والامر
كما قالاه على الوجه الثاني مطلقا وأما على الثالث فيكون كما لو اشترى اثنان من واحد وعلى الرابع
كما لو اشترى واحد من اثنين وعلى الخامس كذلك ولا يخفى الحكم في ذلك والرافعي رحمه الله
لم يذكر الوجه الخامس في أصل المسألة فحصل في هذا الفرع أربع طرق وهذه الفروع الخمسة ذكرها
الرافعي رحمه الله وتقدمه بذكرها جماعة وهي في الرافعي والروضة ستة للتكرار الذي تقدم لتنبيه
عليه (ومنها) ولم يذكره الرافعي لو وكل الواحد رجلين في الشراء دون البيع قال القاضي حسين فعلى
طريقة ابن الحداد والشيخ أبي إسحاق للموكل أن يرد النصف وعلى طريقة أبى يزيد ليس له رد النصف
قلت وعلى ما حكاه صاحب التتمة والذي حكاه القاضي حسين أيضا ليس له الرد ولا يأتي هنا الوجهان *
* (فرع) * إذا صدر العقد بالوكالة فذلك على ستة عشر قسما لأنه إما أن يتحد وكيل البيع ووكيل
الشراء وموكلاهما وإما أن يتعدد الجميع واما أن يتحد واحد فقط وهو أربعة واما أن يتعدد واحد فقط
وهو أربعة وإما أن يتعدد اثنان وهو ستة تقدم من هذه الأقسام الستة عشر ستة في الفروع السنة
المذكورة وهي إذا تعدد واحد فقط بصورة الأربعة وقسمان من تعدد الاثنين وهما تعدد الوكيلين
وتعدد الموكلين وبقيت عشرة منها اتحاد الجميع ولا حاجة إليه هنا والتسعة الباقية لا يخفى تدبرها
وتفريعها على الفقيه وإذا أخذ مع هذه الأقسام تعدد العين المبيعة واتحادها كانت الأقسام اثنين وثلاثين
فرعا ويحتاج الفقيه في حكم كل منها وتفريعه إلى تيقظ والله أعلم *
* (فرع) * فأما إذا جرى العقد بوكالة من أحد الطرفين فقط فستة عشر مسألة لان العاقد لنفسه
إما واحد أو متعدد وعلى التقديرين فالوكيل مع موكله أربع صور صارت ثمانية مضروبة في تعدد المبيع
واتحاده فهذه ستة عشر في البائع ومثلها في المشترى وقبلها اثنان وثلاثون وقبلها فيما إذا كان العقد
بغير وكالة ثمانية وكل منها إما أن يفصل فيه الثمن أولا ولولا التطويل لذكرت كل صورة من ذلك وحكمها
192

وما يقتضيه التفريع فيها ولكن معرفة الأصل كافية للتبيين والله أعلم * وإنما ذكرت تعدد المبيع واتحاده
وإن لم يكن له أثر في تعدد الصفقة لان له أثرا في الرد بالعيب الذي نتكلم فيه كما تقدم والله تعالى أعلم *
* (فرع) * هذا كله إذا جرى العقد بصيغة واحدة فلو جرى بصيغتين فلكل منهما حكمهما وقد تقدم
التنبيه على كل والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فان مات من له الخيار انتقل إلى وارثه لأنه حق لازم يختص بالمبيع فانتقل بالموت إلى الوارث كحبس
المبيع إلى أن يحضر الثمن) * *
* (الشرح) * قوله لازم احتراز من الحقوق الجائزة التي تبطل بالموت كالوكالة والشركة وخيار القبول
وخيار الإقالة وخيار المكاتب ونحو ذلك (وقوله) يختص بالمبيع احتراز من خيار الرجوع في الهبة والعيب
في المنكوحة هكذا ذكره المتكلمون على المهذب وقال أبو الطيب في تعليقه يتعلق بعين المبيع وجعله
احترازا من الأجل فإنه يتعلق بما في الذمة والأعيان لا تقبل التأجيل وصورة المسألة إذا مات المشترى
قبل الاطلاع على العيب أو بعد الاطلاع وقبل التمكن من الرد أو بحدث العيب قبل القبض بعد
موت المشترى ويقدر ثبوته للميت ثم ينتقل كما في سائر الأمور التقديرية وهذا الحكم من كون
خيار العيب ينتقل للوارث لا خلاف فيه وقل من صرح به هنا ولكن في خيار الشرط حيث يذكرون
الخلاف فيه بيننا وبين الحنفية يقيسونه على خيار العيب *
* (قاعدة) * الحقوق في المهذب (منها) ما يورث قطعا (ومنها) مالا يورث قطعا (ومنها) ما فيه خلاف وجملة
ما يحضرني من الحقوق الآن خيار الرد بالعيب وخيار الشفعة وخيار الفاس وحق حبس المبيع والرهن
والضمان ومقاعد الأسواق وخيار الشرط وخيار تلقى الركبان وخيار تفريق الصفقة وخيار الامتناع من
العتق وخيار الخلف وحق الحجر وحق اللقطة وحق المرور والاختصاص بالكلب وجلد الميتة ونحوهما
وخيار المجلس وقبول الوصية وحق القصاص وحد القذف والتعذير وخيار الرؤية إذا أثبتناه والتحالف
والعارية والوديعة والوكالة والشركة والوقف والولاء والخيار في النكاح خيار القبول وخيار الإقالة وخيار
193

الوكيل وحق الرجوع في الهبة وحق الأجل والتعيين والتبيين في ابهام الطلاق وفى نكاح المشرك
وتفسير الاقرار بالمجمل والله أعلم *
* (فرع) * لو قطع ابن المشترى يد العبد المبيع قبل القبض ثم مات المشترى قبل التمكن من الاختيار
وانتقل الإرث إلى الابن القاطع هل له الخيار بحق الإرث قال الروياني يحتمل أن يقال له الخيار لأنه
يستفيد الخيار عن المورث لا عن نفسه بدليل أنه لو رضى بالعيب في حياة المورث ثم مات الأب
كان له الخيار فإذا صح هذا فان اختار إجازة البيع لم يغرم شيئا للقطع لأنه ملكه وان فسخ كان عليه
نصف القيمة ويسترجع الثمن وفى القول الآخر يغرم نقصان القيمة الحاقا للمماليك بالأموال *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فإن كان له وارثان فاختار أحدهما أن يرد نصيبه دون الآخر لم يجز لأنه تبعيض صفقة في الرد
فلم يجز من غير رضا البائع كما لو أراد المشترى أن يرد بعض المبيع) * *
* (الشرح) * هذا الذي ذكره المصنف رحمه الله هو الصحيح وهو قول ابن الحداد وقطع به
جماعة منهم القاضي حسين والامام وممن صححه الرافعي والجرجاني وقال الفوراني انه ظاهر المذهب
واستدلوا له بأن أحد الاثنين لو سلم نصف الثمن لم يلزم البائع تسليم النصف إليه وبأنهما قائمان
مقام المورث ولم يكره له التبعيض وهذا هو استدلال المصنف رحمه الله واحترز بقول تبعيض عن
خيار الشرط وبقوله الصفقة أي الواحدة عن المشترين وفيه وجه أنه ينفرد أحد الوارثين برد نصيبه
لأنه جميع ماله حكاه الرافعي ونقله أبو إسحاق العراقي عن حكاية أبى على محتجا بالصحيح المشهور في
المكاتب إذا ورثه اثنان فأعتق أحدهما نصيبه أنه ينفذ والفرق بينهما ظاهر ونظره ابن الرفعة بقول
في الراهن إذا مات وخلف اثنين فوفى أحدهما من الدين بقدر نصيبه انه ينفذ نصيبه وبالجملة هذا
الوجه ضعيف (وإذا قلنا) به فلا أرش وعلى الأول هل يجب الأرش للذي منعناه من الرد فيه وجهان
(أحدهما) يجب ونسبه الروياني إلى ابن الحداد لتعذر الرد كما بالتلف (والثاني) لا يجب لعدم اليأس فإنه
يرجو موافقة صاحبه قاله القاضي حسين والأصح التفصيل إن حصل اليأس بأن علم الآخر بالعيب
وأبطل حقه أو توانى مع الانكار رجع هذا بالأرش وإن كان يرجو موافقة صاحبه لغيبته أو حضوره
مع عدم اطلاعه فلا وهذا من القاضي رحمه الله قد يوهم أن في المسألة ثلاثة أوجه (أحدها) أنه لا يجب
194

الأرش مطلقا وإن حصل اليأس لكن الذي قاله الامام وصاحب التهذيب والرافعي وجزموا به
وجوب الأرش في حالة اليأس وهو الظاهر فليكن قول القاضي محمولا على أنه أراد تنزيل الوجهين
على ذلك وعلته في الوجه الثاني ترشد إلى أن محله عند عدم اليأس وكلام الروياني يدل على ذلك
فإنه حكي قول الرد وقول آخذ الأرش وقول التفصيل كما قاله القاضي ونسبه إلى القفال وكذلك فعل
صاحب التتمة قطع حالة اليأس بوجوب الأرش وحكى الوجهين حالة عدم اليأس لوجود التعذر
والكلام في الوارثين كما صرح به القاضي حسين والرافعي أجاز تعيينه فيما إذا وكل اثنان واحدا
بالشراء ومنعنا كلا من الموكلين من الانفراد برد نصيبه فهل له الأرش فيه الخلاف المذكور فيحصل
بذلك مع الوجه الذي حكاه الرافعي رحمه الله في مسألة الوارثين ثلاثة أوجه (أصحهما) لا يرد ويأخذ
الأرش إن أيس (والثاني) لا يرد الأرش (والثالث) يرد وقولنا هنا على الأول أنه يأخذ الأرش أي هل
هو على سبيل التعيين أو للبائع أن يسقطه بالرضي بالرد لذي ذكره البغوي وكذلك قطع
الماوردي في مسألة الوارثين بأن البائع بالخيار بين أن يسترجعه بنصف الثمن وبين أن يعطي نصف
الأرش وهذا يقتضى أنه لا يكون هو الوجه الأول ويكون المراد أنه يأخذ الأرش أي ان لم يوافق
البائع على الرد وليس المراد انه يجب الأرش عينا رضى البائع أو سخط ويعضد هذا الاحتمال أن
قول المنع الذي هو الصحيح منسوب إلى ابن الحداد كما تقدم وهو مع ذلك قائل كما قاله القاضي
أبو الطيب في شرح الفروع أنه إذا طلب أحد الاثنين الأرش يجبر البائع كما قاله الماوردي فعلى هذا
إذا رضى البائع بالرد وسقط حق المشترى من الأرش ويحتمل أن يكون كل من الكلامين محمولا
على ظاهره فيكون في المسألة أربعة أوجه والاحتمال الأول حتى يكون قول ابن الحداد مطبقا على
ما هو الصحيح ويدل عليه كلام صاحب التهذيب والتحقيق في ذلك أنا إن جعلنا المانع كون الصفقة
متحدة ولا يقبل التفريق شرعا فيمتنع ويجب الأرش عينا وليس للبائع الرضى بالرد وإسقاط حق
المشترى من الأرش (وإن) جعلنا المانع الضرر الحاصل للبائع بالتبعيض فإذا رضى بالرد فقد رضى
بحصول الضرر له فيبطل حق المشترى من الأرش (وأما) الرافعي رحمه الله فإنه قال تبعا لصاحب
التهذيب في مسألة الاثنين والموكلين في الشراء إذا منعنا أحدهما عن الانفراد انه حصل اليأس عند
رد الآخر فان رضي به وجب الأرش هذا وإن لم يحصل فكذلك على الأصح فاما جزمه بالأرش عند
195

اليائس الحقيقي فجيد وهو موافق لما تقدم عن الامام وقد تقدم أن كلام القاضي يوهم جريان الخلاف
فيه وتأويله وأما بقية الكلام عليه ففيه مناسبة في قوله إن اليأس عن رد الآخر بأن رضى به وجب
الأرش هذا وإن لم يحصل فلذلك يحصل برضى الآخر وقد تقدم هو عن الامام وقدمته عنه أن
اليأس باعتاق الآخر وهو معسر (وأما) الرضا فإنه قدم فيه خلافا عن الامام مبنيا على أنه لو اشترى
نصيب صاحبه وضمه إلى نصيبه وأراد رده والرجوع بنصف الثمن هل يجبر البائع على قبوله (ان قلنا)
لا وجب الأرش والا فكذلك في الأصح فقطعه هنا بأن الرضا يحصل به اليأس مخالف لما ذكر هناك
(وأما) قوله إن الأصح وجوب الأرش إذا لم يحصل الرضا فهو فيه موافق لصاحب التهذيب وذلك
مخالف لما صححه القاضي حسين والترجيح بين التصحيحين متوقف على تحقيق المأخذ في وجوب
الأرش وهل هو اليأس أولا والأول هو الذي يقتضيه كلام الشافعي رضي الله عنه وسأذكره عندما
إذا باع المبيع ثم اطلع على عيبه إن شاء الله تعالى وإذا تحقق ذلك ظهر أن الأصح ما قاله القاضي حسين
والا فالأصح على ما قاله الرافعي والبغوي *
* (فرع) * إذا أوجبنا الأرش للممنوع من الرد فهل هو أرش النصف أو نصف الأرش قد تقدم
في كلام الماوردي في الاثنين (الثاني) وهو كذلك فان الصفقة واحدة وأحد الوارثين يستحق نصف
ما كان الميت يستحقه وهو مستحق عند تعذر الرد الأرش كاملا فيستحق أحد وارثيه عند تعذر
الرد نصفه (وأما) أحد الموكلين في الشراء فمن حيث كون الصفقة واحدة اعتبارا بالوكيل على الأصح
لنسبة مسألة لاثنين وفيه نظر من جهة أنهما لا يتلقيان استحقاق الأرش من غيرهما حتى ينقسم بينهما
وإنما يثبت لكل واحد أرش نقصان ملكه وقد يكون أرش النصف أقل من نصف الأرش لأنا
نثبته من قيمة النصف وقيمة النصف أقل من نصف القيمة *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وإن وجد العيب وقد زاد المبيع نظرت فإن كانت لزيادة لا تتميز كالسمن واختار الرد رد مع
الزيادة لأنها لا تنفرد عن الأصل في الملك فلا يجوز أن ترد دونها *
* (الشرح) * الزيادة المتصلة التي لا تتميز كالسمن وتعلم العبد الحرفة والقرآن وكبر الشجر
وكثرة أغصانها نابعة يرد الأصل ولا شئ على البائع بسببها ويجبر البائع على قبول العين زائدة وأوراق
196

شجرة الفرصاد اختلف الأصحاب في أنها كالأغصان أو كالثمار وأوراق سائر الأشجار كالأغصان قالهما
الامام رحمه الله ولو اشترى غزلا فنسجه ثم علم به عيبا قال الماوردي حكى ابن سريج فيه قولين
(أحدهما) يتخير المشترى بين الرد ولا أجرة له عن النسيج وبين الامساك وأخذ الأرش لان النساجة
أثر لا عين (والثاني) أن البائع ان بذل الأجرة فله أن يسترده منسوجا وإن امتنع لزمه الأرش لان
النساجة زيادة عمل في مقابلة عوض قال الروياني وهذا أصح عندي ولا يجوز غيره قال المحاملي وفى
هذا نظر وان خيار البائع إنما يترتب على إمساك المشترى وطلب الأرش فكيف يجعل قولا ثانيا بل
يتحرر الجواب في المسألة بأن نقول المشترى بالخيار بين الرد ولا أجرة له وبين الامساك وأخذ الأرش
فان اختار الامساك كان للبائع دفع أجرة النسج والرد فان اختار ذلك أجبر المشترى وإن لم يختر أجبر
البائع على دفع الأرش وقال صاحب التهذيب لو زاد المشترى في المبيع شيئا بصنعه بأن كانت دارا
فعمرها أو ثوبا فصبغه ثم اطلع على عيب إن أمكنه نزع الزيادة من غير نقص نزعها ورد الأصل
وإن لم يمكنه فان رضى البائع بأن يرده ويبقى شريكا في الزيادة رد وإن امتنع أمسكه وأخذ الأرش
وسيأتي فرع طويل في الصبغ فيه زيادة على ما قال صاحب التهذيب هنا أذكره إن شاء الله عند
الكلام فيما إذا نقص المبيع *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وإن كانت زيادة منفصلة كاكساب العبد فله أن يرد ويمسك الكسب لما روت عائشة
رضي الله عنها " أن رجلا ابتاع غلاما فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى النبي
صلى الله عليه وسلم ورد عليه فقال الرجل يا رسول الله قد استغل غلامي فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم الخراج بالضمان ") * *
* (الشرح) * حديث عائشة هذا رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم في المستدرك وقال صحيح
الاسناد ولم يخرجاه وقد روى حديث عائشة هذا مطولا كما ذكره المصنف رحمه الله ومختصرا فالمطول
من رواية مسلم بن خالد الزنجي شيخ الشافعي عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة كذلك رواه
الشافعي في الام ورواه الأئمة المذكورة وقد وثق يحيى بن معين رحمه الله مسلم بن خالد يسأله
العباس بن محمد عنه فقال ثقة وكذلك قاله في رواية الدارمي عنه لكن البخاري رحمه الله قال عنه
197

انه منكر الحديث وقال أبو داود عقب روايته لهذا الحديث هذا إسناد ليس بذاك (وأما) المختصر فلم
يذكر فيه القصة واقتصر على قول النبي صلى الله عليه وسلم " الخراج بالضمان " رواه أيضا مسلم بن خالد
عن هشام رواه عنه الشافعي رحمه الله في الام وتابع مسلما على روايته هكذا عمر بن علي المقدمي وهو
ثقة متفق على الاحتجاج بحديثه رواه الترمذي عن أبي سملة يحيى بن خلف الحويارى وهو ممن روى
عنه مسلم في صحيحه عن عمر بن علي وهذا إسناد جيد ولذلك قال الترمذي فيه هذا حديث حسن
صحيح غريب من حديث هشام بن عروة ولفظ الترمذي في هذه الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم
قضى أن الخراج بالضمان وقد روى مختصرا أيضا من طريق هي أشهر من هذه وإن كانت هذه
أحسن وأصح عن مخلد بن حبان عن عروة رواه الشافعي رضي الله عنه في الام والمختصر رواه المختصر
عن من لا يتهم عن ابن أبي ذؤيب وفى الام عن سعيد بن سالم عن ابن أبي ذؤيب ورواه أبو داود
والترمذي وقال حسن والنسائي والحاكم في المستدرك من جهة جماعة عن ابن أبي ذؤيب عن مخلد
وعن مخلد قال ابتعت غلاما فاستغليته ثم ظهرت منه على عيب فخاصمته فيه إلى عمر بن عبد العزيز
فقضي له برده وقضى على برده وقضى على برد غلته فاتيت عروة فأخبرته فقال أروح إليه العشية فأخبره
أن عائشة أخبرتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في مثل هذا أن الخراج بالضمان فعجلت
إلى عمر فأخبرته ما أخبرني عروة فقال عمر فما أيسر على من قضاء قضيته الله يعلم أنى لم أر فيه إلا الحق
فبلغني فيه بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فراح إليه عروة فقضى له أن أخذ الخراج من الذي
قضى به على له وقد تكلم في مخلد وإسناده هذا فقال الأزدي مخلد بن خفاف ضعيف وسيد أبو حاتم
عنه فقال لم يرد عنه غير ابن أبي ذؤيب وليس هذا إسنادا يقوم به الحجة يعني الحديث وعن
البخاري أنه قال هذا حديث منكر ولا أعرف لمخلد بن خفاف غير هذا الحديث قال الترمذي فقلت
له فقد روى هذا الحديث عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها فقال إنما رواه
مسلم ابن خالد الزنجي وهو راهب الحديث وقال الترمذي بعد روية المقدمي استغرب محمد ابن إسماعيل
يعني البخاري هذا الحديث من حديث عمر بن علي قلت يراه تدليسا قال لا وإذا وقفت على كلام
هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم قضيت بالصحة على الحديث كرواية المقدمي لا سيما وقد صرح البخاري
بانتفاء التدليس عنها وإن كانت غريبة وقضاء عمر بن عبد العزيز بهذا كان في زمن أمرته على
198

المدينة قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم قال وتفسير الخراج بالضمان هو الرجل يشترى
العبد فيستغله ثم يجد به عيبا فيرده على البائع فالغلة للمشترى لان العبد لو هلك هلك من مال
المشترى ونحو هذا من المسائل يكون فيه الخراج بالضمان وقال الأزهري الخراج الغلة يقال خارجت
غلامي إذا واقفته على شئ وغلة يؤديها إليك في كل شهر ويكون مخل بينه وبين كسبه وعمله قال
الشيخ أبو حامد ومنه خراج السواد لان الفلاحين كانوا يعطون شيئا من الغلة عن الأرض وقال
الماوردي رحمه الله الخراج اسم لما خرج من الشئ من عين ومنفعة وقال القاضي أبو الطيب
الخراج اسم للغلة والفائدة التي تحصل من جهة المبيع ويقال للعبد الذي ضرب عليه مقدار من
الكسب في كل يوم أو كل شهر مخارج قال وقولنا الخراج بالضمان معناه أن الخراج لمن يكون
المال يتلف من ملكه فلما كان المبيع يتلف من ملك المشتري لأن الضمان انتقل إليه بالقبض كان
الخراج له ولا يدخل على هذا ضمان المغصوب على الغاصب لأنه ليس له وإنما هو ملك المغصوب
منه مضمون على الغاصب والمراد بالخبر أن يكون ملكه مضمونا على المالك وهو أن يكون تلفه
من ماله فإذا كان تلفه من ماله كان خراجه له ووزانه أن يكون خراج المغصوب للمغصوب منه لان
ملكه وتلفه منها من ماله والشيخ أبو حامد اعتذر عن هذا بأنه لم يقل الخراج بالضمان مطلقا وإنما
قالت عائشة رضي الله عنها قضى في مثل هذا أن الخراج بالضمان وفى ذلك الموضع كان الشئ ملكا
له وقد حصل في ضمانه وكل موضع يكون ملكا والضمان منه تكون الغلة له والمغصوب والمستعار
والوديعة إذا تعدى فيها كل هذه المواضع لا ملك فلم تكن الغلة له وهذا المعنى من كون المراد ان
الخراج تابع للملك والضمان هو المعتمد ولا خلاف أن عدم الملك لا يكون الخراج له وقد رأيت في
كتاب الأزهري على ألفاظ الشافعي رحمه الله أنه إذا اشترى الرجل عبدا بيعا فاسدا فاستغله أو اشتراه
ببيع صحيح فاستغله زمانا ثم عثر منه على عيب فرده على صاحبه فان الغلة التي استغلها من العبد وهي
الخراج طيبة للمشتري لان العبد لو مات مات من ماله لأنه كان في ضمانه فهذا معني الخراج بالضمان وهذا
الذي قاله الأزهري رحمه الله في البيع الفاسد غلط لا يأتي على مذهبنا * (واعلم) أن ما حكيته من
كلام الأصحاب يقتضى أن اسم الخراج شامل للعين والمنفعة بالنص وكلام الشافعي رحمه الله
في الرسالة يقتضى خلاف ذلك وأنه قاس ما خرج من تمر حائط وولد على الخراج وأن الشاة المصراة إذا
199

رضيها ثم اطلع على عيب آخر بها بعد شهر ردها ورد بدل لبن التصرية معها صاعا وأمسك اللبن
الحادث قياسا قال ابن المنذر قال بظاهر قوله الخراج بالضمان سريج والحسن البصري وإبراهيم
النخعي وابن سيرين وسعيد بن جبير وبه قال مالك والثوري والشافعي وأبو إسحاق وأبو عبيد
وأبو ثور قال مالك في أصواف الماشية والشعور كذلك وقال في أولاد الماشية يردها مع الأمهات
وقد ذكر أبو ثور عن أصحاب الرأي أنهم ناقضوا فقال في المشترى إذا كانت ماشية فحلبها أو نخلا أو
شجرا فأكل من ثمرها لم يكن له أن يرد بالعيب ويرجع بالأرش وقال في الدار والدابة والغلام الغلة
له ويرد بالعيب قلت قسم بعض أصحابنا الحاصل للمشترى من المبيع إما أن يكون غير متولد من
العين أو متولدا منهما فالأول إما منافع كاستخدام العبد وتجارته وما اعتاد اصطياده واحتطابه
واحتشاشه وقبوله الهدية والوصية ووجد أنه ركازا أو لقطة ومهر الجارية إذا وطئت بالشبهة وأجرة
المبيع إذا أجره وأخذ أجرته فكل ما حصل من ذلك نادرا كان أو معتادا للمشترى أن يستأثر به
ويمسكه ويرد المبيع وحده ويسترجع جميع الثمن قولا واحدا لا خلاف في ذلك للحديث هكذا قاله
جماعة وعن الرافعي في تلف المبيع قبل القبض أن الوهوب والموصى به والركاز والكسب
200

على الخلاف وسيأتي عن القاضي حسين ما يقتضى جريان الخلاف في المهر قبل القبض عند التلف
وقد حكى عن عثمان الليثي وعبد الله بن الحسن أنه يلزمه رد غلة العبد حقه * وقال عبيد الله ويرد
الهبة التي وهبها أيضا وكان شبهتهما أن الفسخ يرفع العقد من أصله وسيظهر الجواب عنه إن شاء الله تعالى *
وعن أبي حنيفة أنه إن رد قبل القبض رد الكسب والغلة وجميع ما ليس من غير الأصل مع
الأصل وإن رد بعد القبض ولا يمنعه ذلك من الرد وما أظن أحدا يقول إنه يجب عليه رد أجرة
استخدامه للعبد وتجارته له وسكنى الدار ومركوب الدابة ونحوه مما هي منافع محضة لا أعيان فيها * ولو
قال إن الفسخ برفع العقد من أصله ووجه الاعتذار عن ذلك لعله يتعرض له فيما بعد عند ذكر هذا
الأصل إن شاء الله تعالى * (فائدة لآخر) * الموجود في النسخ في لفظ الحديث قد استعمل غلامين
- بالغين المعجمة واللام المشددة - وضبطه صاحب الاستقصاء - بالعين المهملة وميم بعدها وتخفيف اللام -
وكل ما ذكره في العبد فمثله في الأمة إلا الوطئ فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى وإلى هذا القسم أشار
المصنف رحمه الله بقول اكتساب العبد وكذلك سكني وركوب الدابة كل ذلك أدخله الأصحاب
في اسم الغلة وإن كان قد لا يشمله اسم الزوائد الذي تضمنه كلام المصنف إن شاء الله تعالى وأما المتولد
من الغير فسيأتي حكمه في كلام المصنف *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وإن كان المبيع بهيمة فحملت عنده وولدت أو شجرة فأثمرت عنده رد الأصل وأمسك
الولد والثمرة لأنه نماء منفصل حدث في ملكه فجاز أن يمسكه ويرد الأصل كغلة العبد) * *
* (الشرح) * هذا هو القسم الثاني أن تكون الفوائد الحاصلة أعيانا متولدة من غير المبيع
كالولد والثمرة واللبن والصوف الحادث بعد العقد وأوراق الفرصاد على أحد الوجهين كما تقدم وقد
اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب (مذهبنا) أنه يمسك الثمار والفوائد الحاصلة ويرد الأصل
بالعيب إذا لم يكن قد نقص بذلك يعني فلا يغيره وبه قال أحمد (وقال) أبو حنيفة لا يكون له
الرد ويأخذ الأرش (وقال) مالك يرد مع الأصل الزيادة التي هي من جنس الأصل
وهي الولد ولا يرد ما كان من غير جنسه كالثمرة بل يرد الأصل وحده فوافقنا على الرد وخالفنا في
201

إمساك النتائج * وأبو حنيفة رحمه الله خالفنا في الرد ومعتمدنا في جواز الرد وجود العيب * وفى إمساك
الفوائد الحديث فان الخراج يشمل كل ما خرج عينا كان أو منفعة وقد ورد في رواية أخرى أن الغلة
بالضمان والغلة تشمل الثمرة وغيرها * والمصنف رحمه الله جعل الدليل في ذلك القياس على غلة العبد
التي ورد النص فيها * وأبو حنيفة يسلم الحكم فيها قبل القبض ومالك رحمه الله يسلم الحكم فيها مطلقا
ومعتمد المخالفين أمران (أحدهما) أن الفسخ رفع للعقد من أصله وهذه قاعدة ينبني عليها فروع
هذا الفصل وقد اختلف أصحابنا فيها والمذهب (الصحيح) وبه قال ابن سريج أن الفسخ يرفع العقد من
حينه لا من أصله لأن العقد لا ينعلف حكمه على ما مضى فكذلك الفسخ وبدليل أنه لا يسقط به الشفعة ولو
انفسخ من الأصل لسقطت ولأنه لو باع عبد الجارية فأعتق الجارية ثم رد العبد بالعيب لم يبطل العتق به ولو كان
فسخا من الأصل لبطل ولا فرق في ذلك بين أن يكون الفسخ قبل القبض أو بعده * وفيه وجهان آخران
(أحدهما) أنه إن اتفق قبل القبض يرفعه من أصله لأن العقد ضعيف بعد فإذا فسخ فكأنه لا عقد
يخالف ما بعد القبض ولا فرق في ذلك كما اقتضاه كلام الامام بين أن يكون العيب مقارنا للعقد أو
حدث قبل القبض قال ابن الرفعة وفى الثاني نظر كيف يتقدم على سببه ولعل ذلك لان ما قبل
القبض ملحق بما قبل العقد في الضمان وفى ذلك أيضا (والثاني) أنه يرفعه من أصله مطلقا تخريجا من
القول بوجوب مهر المثل إذا فسخ النكاح بعيب حدث بعد المنتبش وهذا الوجه حكاه الرافعي عن
التتمة هكذا وهو في التتمة لكن ليس فيها التصريح بقوله مطلقا ومراد الرافعي بالاطلاق بالنسبة
إلى ما قبل القبض وبعده (وأما) بالنسبة إلى العيب المقارن والطارئ فلم يتعرض لذلك وفى التتمة توجيه
الوجه الذي حكاه بأن سبب الفسخ قارن العقد وهو العيب فيستند الحكم إليه ويجعل كأنه جمع في
العقد بين موجود ومعدوم حتى يصير كأن العقد لم يكن قال ابن الرفعة وهذا من كلام يقتضى اختصاص
هذه الطريقة بالعيب المقارن وفى العيب الحادث يعني قبل القبض إذا فسخ به بعد القبض ينبغي أن
يضاف الفسخ تفريعا عليها إلى وقت حدوث العيب لا إلى أصل العقد كما نقله عن بعض الأصحاب
في فسخ النكاح (قلت) وهذا جوابه ما قدمه هو من التسوية بين ما قبل القبض وما قبل العقد كما
اقتضاه كلام الامام رحمه الله من التسوية بين العيب المقارن والطارئ في جريان الخلاف قبل القبض
202

فعلى الطريقة التي حكاها صاحب التتمة يكون كذلك ولو ثبت ما أشار إليه ابن الرفعة واقتضاه كلام
صاحب التتمة لزم اثبات وجه باستناد الفسخ إلى حالة حدوث العيب سواء حصل الفسخ قبل القبض
أم بعده ولا نعلم من قال به في شئ من الحالتين * وقال أبو حنيفة رضي الله عنه الرد بالعيب قبل القبض
يرفع العقد من أصله وأما بعد القبض فإن كان بالتراضي فيرفعه من حينه وإن كان بحكم الحاكم فيرفعه
من أصله واستدل أبو حنيفة على أن الفسخ يستند إلى الأصل بأنه لا تجب فيه الشفعة * وأجاب أصحابنا
رحمهم الله بأن الإقالة لا تجب فيها الشفعة ومع ذلك لا ترفع العقد من أصله وجعلوا الرد في كونه رافعا
من حينه مقيسا على الإقالة ثم قالوا لو كان الرد بالعيب يرفع العقد من أصله لابطل حق الشفيع وهو
لا يبطله فدل على أن الفسخ قطع للعقد من حينه * إذا ثبت هذا الأصل فنحن نقول بأنه يرفع العقد
من حينه فلذلك تكون الزيادة الحادثة في ملك المشتري له ولا يمنعه ذلك من فسخ العقد كالإقالة
وأبو حنيفة رحمه الله يقول لما كان الرد بالعيب يرفع العقد من أصله لأنه جبر له بخلاف الإقالة أوجب
ذلك أن يرد النماء الحادث لكنا أجمعنا أي نحن وأنتم على أنه لا يلزمه رد النماء فدل على أنه لا يجوز الرد
وأيضا قالوا لا يجوز رده بدون النماء المنفصل كالمتصل ومالك رحمه الله يجرى قوله في رد الولد على هذا
الأصل لكنه يلزمه ذلك في سائر الزوائد والثمرة أولى بالرد إذا كانت مؤجرة حين الرد لأنها متصلة والولد
منفصل فلما وافق على عدم ردها لزمه ذلك في النتاج * وأما أبو حنيفة رحمه الله فيلزمه التسوية بين الكسب
الحاصل من غير العين والنتاج والثمرة الحاصلة من العين وقد فرق بينهما فقال يجوز الرد وبقية الاكساب
له بعد القبض دون ما قبله كما تقدم وقال هنا يمنع الرد وذلك تناقض بل كان اللائق بأصله أن يستوي
بين الجميع وأن يجوز الرد ويرد الزوائد كلها (الأمر الثاني) أن الزيادة الحادثة بعد البيع مبيعة تبعا لأنه
لا سبب للملك فيها الا سراية الملك من الأصل إليها والأصل مبيع فيسرى حكمه إليها على صفته ومع
هذا الأصل لا يحتاج في رد الفوائد إلى أن العقد يرتفع من أصله بل يرد الفسخ على الولد مع الأصل
وهذا قول للمالكية وبه تتمسك الحنفية أيضا ونحن نسلم أن سراية الملك من الأصل إليها والأصل
مبيع فيسرى حكمه إليه (1) حاصلة ولكن سراية العقد لا معنى لها فان العقد لا يرجع إلى وصف
المحل المعقود عليه إذ لا معني لكونه معقودا عليه الا كونه مقابلا بالثمن بحكم صيغة العقد وهذه

(1) بياض بالأصل فحرر
203

المقابلة لم تحصل الزيادة وعلى هذا الأصل تخرج مسائل الأولاد في الطرد والعكس أما ولد المرهونة
فليس مرهون عندنا فان التوثق بالمرهون لا يرجع إلى صفة فيه وولد المرهونة ليس مرهونا بالاتفاق
حتى لا يتعدى حق الرجوع إليه لان الرجوع سلطة للمنعم فيما أنعم به ولم ينعم إلا بالأم والولد متولد
من الموهوب يسرى إليه ملك الهبة لا عقد الهبة وولد الأضحية المعيبة وولد المستولدة كأمهما لان الملك
في المستولدة نقص بالاستيلاد وصار ذلك وصفا لها والشاة صارت كالمسلمة إلى الله تعالى من وجه وكالناقة
من وجه وهذا راجع لصفتها وولد المكاتب وولد المدبرة فيهما اختلاف قول ومنشأه التردد في أن
نقصان الملك من المكاتبة هل يضاهي النقصان في المستولدة أم يقال الكتابة حجر لازم كالحجر في
المرهون * فتبين بهذا أنه إنما يسرى لي الولد ما كان وصفا للام والخصم يرد ذلك في الراهن والبيع إلى
صفة في المحل ويزعم أن ذلك وصف شرعي كالتضحية والاستيلاد * فهذا فصل مقيد في هذا المعنى من
كلام الغزالي رحمه الله قال والنظر في الفرق والجمع في هذه الصورة دقيق والطريق فيه ما نبهنا عليه
وإذا تمهد أن الزيادة ليست مبيعة بطل القول برد النتاج والاكساب وبطل القول بذلك فيما قبل
القبض أيضا وبطل منع الرد بسببها بعد القبض لأنها إذا لم تكن مبيعة فالبيع هو الأصل وقد تمكن
من رد ما اشترى كما اشترى فليجز له الرد بعيب قديم لم يرض به كما إذا هلكت هذه الزوائد * ثم على
أبي حنيفة رحمه الله في هذا الطريق مزيد إشكال فإنه إن كان مبيعا فليرد الأصل معها كما قاله مالك
وكما قاله أبو حنيفة قبل القبض وان لم يكن مبيعا فامتناع الرد بسببه لا معنى له * وعند هذا قد تم النظر
في مذهبنا * هذا كلام الغزالي رحمه الله في المأخذ وقد تكلم الأصحاب في الأولاد في كتاب الرهن
وهي ولد المرهونة وأم الولد والمكاتبة والمدبرة والمعنقة بصفة والأضحية والمدبرة والجانية والضامنة
والشاهدة والوديعة والعارية والمستأجرة والمغصوبة والمأخوذة بالسوم والموصى بها والزكاة وان يسر الله
تعالى من الوصول إلى الرهن أذكر تفصيلها هناك إن شاء الله تعالى وله أكمل * وههنا تنبيهات (أحدها)
أن الذين قالوا من أصحابنا إن الرد يرفع العقد من أصله لم نعلم أحدا منهم يقول بامتناع الرد كما يقوله
أبو حنيفة لا قبل القبض ولا بعده وذلك يدل على أحد أمرين إما ضعف القول المذكور وإما أنه
لا تلازم بينه وبين امتناع الرد كما تقدم في البحث مع أبي حنيفة وكلام الامام والغزالي ما يشعر بالملازمة
204

بينهما فإن كان كذلك فلعل سكوتهم عن طرد القول المذكور يضعفه (الثاني) أن مقتضى القول برفع
العقد من أصله وإن كان بعد القبض أن يرد الزوائد والأصحاب رحمهم الله حكوا قولين في رد الزوائد
إن كان الرد قبل القبض وبنوهما على الخلاف في الطريقة المشهورة أن الفسخ رفع للعقد من أصله
أو من حينه فعلى الأول يرد وعلى الثاني وهو الصحيح لا يرد (أما) إذا كان الرد بعد القبض فلم نعلم أحدا
يقول برد الزوائد ومقتضى الطريقة التي نقلها صاحب التتمة أن يجري الخلاف فيها أيضا وابن الرفعة
اعتذر عن ذلك بأنه لعل من يقول بأنه يرفع العقد من أصله وإن أطلقه يريد به ما ذكره الغزالي رحمه
الله في كتاب الصداق حيث تكلم في الفرق بين الزيادة المتصلة فيه وفى الصداق وهو أن الرد
بالعيب يرفع العقد من أصله بالإضافة إلى حينه ثم اعترض على نفسه بأن مثل هذا يجوز أن يقال في
الرد قبل القبض ولم يقولوا به بل جزموا على القول بأنه يرفع العقد من أصله بأن الزوائد للبائع وأجاب
بأن الذي أحوجهم إليه بعد القبض استقرار العقد والاستقرار معقود قبله (الثالث) أن كلام المصنف
رحمه الله جازم بعدم رد الولد والثمرة من غير تفصيل وهو كذلك فيما إذا كان الرد بعد القبض أما قبل
القبض ففيه الخلاف كما تقدم لكن طريقة العراقيين كما جزم به المصنف رحمه الله من القطع بعدم رد الزوائد
وأن الرد فسخ للعقد من حينه لا من أصله وإنما الخلاف في طريقة غيرهم والأصح عند غيرهم أيضا
كما جزموا به (الرابع) قد علمت أنه لا خلاف أن الرد إذا وجد بعد القبض لا يرد معه الزوائد ولا
فرق في ذلك بين الزوائد التي حصلت بعد القبض والتي حصلت قبله بلا خلاف وإنما محل الخلاف
في الزوائد قبل القبض إذا كان الرد قبل القبض وقد وقع في الوجيز ما يوهم خلاف ذلك فإنه قال
يسلم الزوائد للمشترى إن حصلت بعد القبض وكذلك لو حصلت قبله على أقيس الوجهين وحملوا ذلك
على أنه طغيان قلم بزيادة التاء ويكون المراد حصل أي الرد ويستقيم الكلام (الخامس) في عبارة
كثير من الفقهاء ومنهم الرافعي أن الفسخ رفع للعقد من حينه وقيل من أصله وفى عبارة آخرين منهم
القاضي حسين والامام أن الرد قطع للعقد من حينه ولا يستند ارتفاع العقد لي ما تقدم وفى عبارة
الماوردي شئ منه ويعرض في ذلك بحثان (أحدهما) هل الرفع من حينه والقطع بمعنى واحدا أولا
(والثاني) أن الرفع من أصله هل معناه تبين عدم العقد أو الملك أم لا (والجواب) أما الأول فالرفع
205

والقطع ليسا بمعني واحد فان القطع صادق على قطع النكاح بالطلاق وقطع الملك بالبيع وكثير من
أسباب الانتقالات ولا يسمى شئ من ذلك رفعا والرفع من حينه يسمى قطعا لأنه انقطع به الملك
حقيقة فالرفع من حينه أخص من القطع فكل رفع من حينه قطع وليس كل قطع رفعا ولذلك وقع
في كلام الامام والماوردي رحمهم الله تسميته بالقطع والسر في الفرق بين الرفع والقطع الذي ليس
برفع أن الرفع معناه إبطال أثر العقد المتقدم واستصحاب ما كان قبله حتى أن الملك العائد بعد الفسخ
من آثار السبب المتقدم على العقد السابق وليس ملكا جديدا بالفسخ بخلاف البيع وسائر أسباب
الانتقالات فإنها مقتضية ملكا جديدا هو من آثار هذه الأسباب وليس أثر السبب سابقا ولا بطل
العقد المتقدم على هذا انتقال بل هذا الانتقال بالبيع هو من آثار الشراء السابق فافهم ذلك فان الانسان
إذا اشترى عينا فكل تصرف يصدر منه فيها ببيع أو غيره هو مستفاد من شرائه (وأما) الفسخ فإنه
نقض لشرائه وابطال له (وأما الثاني) وهو أن الفسخ من الأصل هل معناه تبين عدم الملك فهذا هو
المتبادر إلى الفهم لا بمعنى أنا نتبين أن العقد لم يوجد فان العقد موجود حسا بل بمعنى أنه يتبين ارتفاع
أثره وأن الملك لم يحصل وهذا بهذا التأويل في نهاية الاشكال فان السبب الرافع للعقد هو الفسخ
فكيف يتقدم المسبب على سببه ولا يخلص من ذلك أن نقول إنه بطريق التبين لأنه يلزم أن
يكون العقد الصحيح قد وجد مستجمعا لشرائطه ولم يترتب أثره عليه ولا يقال أن من شرطه عدم
طريان الفسخ عليه لان ذلك أمر لا غاية له ولا يرتبط الحكم به ولا يشك أن الملك حاصل الآن إذا
جمعت شروطه ولا يوقف الامر في ذلك على أمر مستقبل ولو كان الامر على ذلك وإنما يتبين
عدم الملك لكان ينبغي أن يجب رد أجرة لاستخدام وسكني الدار وركوب الدابة بل كان يلزم أن يجب
على المشترى أجرة ملك المدة التي أقام المبيع تحت يده سواء فوتها أم فاتت بنفسها الا أن يقال إن
ذلك مأذون فيه وقد أباحه له البائع لكنا نقول إنه إنما أباحه واذن فيه بمقتضى العقد هذا والعقد هو
المتضمن للإباحة فإذا ارتفع ارتفعت وكان يلزم أن يتبين بطلان الهبة التي وهبت له إذا اشترطا اذن
السيد في القبول لأنه لم يأذن وأن يكون المهر إذا وطئت بالشبهة باقيا في ذمة الواطئ وأما قبضه المشترى
منه لم يقع الموقع لعدم ملكه وأن يكون ما أخذه المشترى من صيد وحطب وحشيش واستهلكه يجب
عليه قيمته للبائع وقد تقدم من كلام الغزالي عن الحنفية ما يقتضى أن الزوائد الهالكة لا تمنع من
206

الرد وأن امتناع بقاء الولد على ملك المشتري بعد الرد لأنه يصير مبيعا بغير عوض وهذا يفهم أن
المحذور من القول بقاء الولد على ملك المشتري أنه يصير ملكا لا سبب له على القول بارتفاع العقد من
أصله وهو يفيد أن المقصود بارتفاع العقد من أصله ليس هو بطريق السلة بل كما قاله الغزالي رحمه
الله في كتاب الصداق أو أنه يرتفع من أصله بالإضافة أو إلى حينه أي في هذا الوقت بحكم ارتفاع جملة
آثار العقد ومن جملة آثاره ملك النتاج والكسب الموجود فيرتفع الملك فيها على هذا القول ويعود إلى
البائع فيرجع حاصل القول بأنه يرتفع من أصله إلى أن المراد ارتفاع جملة آثاره من الآن والمراد بارتفاعه من
حيث أنه لا ترتفع آثاره وإنما يرتفع الملك في المبيع فقط وهذا تفسير لا يسبق الذهن إليه فان ثبت أن الزوائد
الهالكة غير مضمونة وأن قبوله الهبة وتصرفه بإذن المشترى صحيح وقبض المشترى لمهر الشبهة صحيح
وجب الحمل على هذا المعني وحينئذ لا يشكل عليه عدم وجوب أجرة الاستخدام والسكنى والركوب
ولم أجد الأصحاب صرحوا في هذه المسائل بشئ بل كلامهم يقتضى كالصريح أنه لا يجب أجرة
الاستخدام ونحوها وإنما الخلاف في الاكساب والأعيان الحادثة من نفس المبيع * وأما الحنفية فعندهم
الاكتساب والصيد لا يملك بملك الأصل بل باليد فلا يمنع الرد عندهم وكذلك أجرة الاستخدام
ونحوها لا تجب على أصلهم ولكن ان وافقونا على عدم لزوم قيمة الولد الهالك والمسائل المتقدمة احتاجوا
إلى الحمل على المعني المذكور كما احتجنا إليه * ونحن إليه أحوج لأجل عدم لزوم أجرة المدة الماضية
ولا تمنع الزيادة الرد عند أبي حنيفة رحمه الله الا إذا كانت حادثة من نفس المبيع وقال زفر يجب رد مهر
الشبهة الذي قبضه المشترى معها (السادس) أن مقتضى قوله الخراج بالضمان تبيعة الخراج للضمان فينبغي أن
تكون الزوائد قبل القبض للبائع ثم العقد أو الفسخ والأول لم يقل به أحد والثاني لم يقل به إلا على وجه ضعيف
في بعض الصور وهي ما إذا حصل الرد قبل القبض فما وجه تعطيب دلالة الحديث في ذلك والعمل
بها فيما بعد القبض للمشترى (والجواب) أن محل الحكم الذي ورد فيه النص إنما كان بعد القبض إذا
حصل فسخ على ما تقدم من ألفاظ الأحاديث لا سيما قوله قضي في مثل هذا أن الخراج بالضمان فيكون
الخراج معللا بالضمان في الملك وذلك مفقود في البائع وفيما قبل القبض * فان قلت المحل لا تأثير له والعلة
التي ذكرها الشارع الضمان فيجب أن يدور الحكم معها وجودا وعدما فيكون الخراج قبل القبض
للمشترى فيه نقض للعلة في جانب البائع ووجود الحكم بدونها في جانب المشترى * قلت قال الغزالي
207

رحمه الله ذكر هذه العلة فيما بعد القبض لقطع استبعاد السائل كون الخراج للمشترى وقبل القبض
معلل بعلة أخرى وهو أن الزوائد حدثت في ملكه والحكم قد يعلل بعلتين يعني فاقتصر النبي صلى
الله عليه وسلم على التعليل بالضمان لكونه أظهر عند البائع وأقطع لطلبه فان الغنم في مقابلة الغرم وإن
كانت العلة الأخرى وهي الملك حاصلة ولكن نفس البائع تنقاد للأولى أكثر والله أعلم (السابع)
أن الخلاف المذكور في رفع العقد من أصله أو من حينه هل هو خاص بالرد بالعيب أو علم في سائر
الفسوخ حتى يجرى في الإقالة والفسخ بالتحالف والفسخ بخيار المجلس والشرط والانفساخ بتلف المبيع
قبل القبض * والجواب أن المشهور في هذه الخلاف المذكور هنا اختصاصه بالرد بالعيب وأنه لا يجرى
في الإقالة ولذلك يقيسون الرد بالعيب على الإقالة في كونها رفعا للعقد من حينه والرافعي رحمه الله أطلق
القول هنا بأن الفسخ رفع للعقد من أصله أو من حينه والأقرب أن مراده الفسخ الذي الكلام فيه
وهو الرد بالعيب وقد ذكر في باب حكم المبيع قبل القبض وبعده وجهين في الانفساخ بتلف المبيع
قبل القبض (أصحهما) أنه من حينه كالرد بالعيب والزوائد مخرجة على الوجهين قال وطردهما طاردون
في الإقالة إذا جعلناها فسخا وخرجوا عليهما الزوائد * قلت وذلك وإن أطلقوه فلعل محله قبل القبض
كما هنا في الرد بالعيب فان الإقالة قبل القبض جائزة على القول بأنها فسخ ونقل القاضي حسين الخلاف
في تلف المبيع قبل القبض وحمل الوجهين في الرد بالعيب مبنى عليها وعلى تلف المبيع في يد المشترى
في زمن الخيار (إن قلنا) ينفسخ ارتفع ههنا والا فالولد هنا للمشترى وأما التحالف فمقتضى كلام صاحب
التتمة في باب التحالف جريان الخلاف فيه أيضا فان خرج اعتبار القيمة عليه إذا جرى التخالف
بعد الهلاك وهو جار على طريقته في طرد الخلاف بعد التقابض فان فرض التخالف كذلك ولذلك
لا نرد الزوائد جزما كما لا ترد ههنا بعد القبض (وان قلنا) انه يرتفع العقد من أصله لكن القول بالانفساخ
من أصله بالتخالف مفرع على أنه ينفسخ بنفس التخالف كما هو في التتمة والنهاية ولم يتعرضوا له على
القول بانشاء الفسخ والقياس جريانه وأما خيار المجلس والشرط فقد ذكر في بابه أنه إذا فسخ
وقلنا الملك للمشترى فالأصح أن الاكساب تبقى له وذلك يدل على أن الأصح فيها أيضا أنه
من حينه والقول الآخر بأنه من أصله يجرى فيه بغير إشكال بل هو أولى بذلك فقد ظهر
بذلك أن الخلاف في الجميع وأن الأصح فيها كلها أنه من حينه لكنها ليست في رتبة واحدة
208

وأولاها بجريان الخلاف فيه زمان الخيار لأن العقد لم يلزم وأبعدها الإقالة لأنها في حكم أمر جديد
وليست جبرا للعقد الأول * وبقي من المسائل انفساخ عقد الصرف بالتفريق قبل التقابض هل نقول
انفسخ من أصله قطعا لان التقابض شرط أو نقول حكمه حكم تلف المبيع قبل القبض على أنه لا فائدة
لاجراء الخلاف فيه نعم عقد السلم إذا كان رأس المال جارية مثلا وكانت معيبة وحبلت في المجلس
وولدت ثم ماتت قبل أن يقبضها المسلم إليه فهل نقول إنه فسخ من حينه حتى يسلم الولد للمسلم إليه
أو من أصله حتى يرجع إلى البائع قطعا والأشبه جريان الخلاف فيه وأن يكون كتلف المبيع قبل
القبض فان الشافعي رحمه الله استنبط انفساخ العقد بتلف المبيع قبل قبضه من عقد الصرف إذا تفرقا
ولم يتقابضا كما تقدم ذلك في باب الربا (الثامن) أن الطريقة المشهورة هنا الجزم بعدم
جريان الخلاف فيما بعد القبض بل يكون بعد القبض رفعا من حينه قطعا خلافا لما قاله صاحب
التتمة وقد حكى الامام وغيره من الجازمين فيما إذا رد المسلم فيه بعيب وكان عبدا استكسبه أنه هل
يجب رد الكسب والغلة على قولين فالقول بأنه يرد الكسب معه فمقتضاه ارتفاع الملك فيه من أصله
وهو بعد القبض فان قيل على الطريقة الضعيفة بارتفاعه من الأصل والخلاف في السلم مشهور وقد
تقدم له ذكر في باب الربا * (والجواب) أن الخلاف المذكور في السلم مأخذه أمر آخر وهو أن الملك
على أحد القولين في المسلم فيه مشروط بالرضا أو بعدم الرد فإذا رد تبينا أن الملك لم يحصل أصلا فهذا
هو القائل برد الأكساب والقول المقابل له أن الملك بالقبض ثم انتقض بالرد فعلى هذا ينبغي أن يكون
كرد المبيع بالعيب بعد القبض لا يرد الأكساب وهو رفع للملك من حينه على الطريقة المشهورة
ويجئ فيه طريقة صاحب التتمة مع القول بعدم رد الكسب فافهم ترتيب هذا التفريع فإنه من
محاسن الكلام وقد ذكر ابن أبي الدم أن الامام والغزالي ذكرا وجهين فيما إذا رد المسلم بعيب هل
هو رفع للعقد من حينه أو من أصله ومراد ابن أبي الدم الخلاف الذي قدمته والتحقيق ما نبهت عليه
ولولا ذلك لاقتضى إشكالا على الامام ومن وافقه ممن قطع هنا بعد القبض بأنه من حينه واقتضى
إشكالا على جميع الأصحاب في قطعهم هنا بأن الأكساب بعد القبض لا ترجع والله أعلم (التاسع)
الزيادات التي وقع الكلام فيها مشروطة بأمور (أحدها) أن لا يكون حصل بسببها نقص وقد تقدم
التنبيه عليه (الثاني) أن تكون حادثة بعد العقد ولزومه فلو كانت موجودة كالحمل المقارن للعقد
209

فسيأتي في كلام المصنف في بقية الفصل إن شاء الله تعالى (والثالثة) أن تكون انفصلت قبل الرد
كالولد والصوف المجزوز واللبن المحلوب أو صارت في حكم المنفصل كالثمرة إذا أبرت أما لو لم تكن
كذلك كما إذا ردها وهي حامل بحمل حدث بعد القبض حيث نقول إن الحمل ليس بعيب أو رد
الشجرة وقد اطلعت طلعا غير مؤبر أو الشاة وقد اشتراها ولا صوف عليها وهي مستفرغة الصوف
فحدث عليها صوف لم يجذ أو حدث في ضرعها لبن ولم يحلب فما حكمه (أما) مسألة الحمل فنقل الامام
فيها قولين كالفلس وجزم القاضي حسين رحمه الله هنا بردها لذلك ولا يسلم له الحمل إن كانت علقت
في ملكه لأنه لا يمكن إفراده بالبيع فهو كالثمن وعلى ذلك ينزل كلام المصنف رحمه الله لقوله فحبلت
عنده ولدت فجعل الولادة شرطا وقال القاضي أبو حامد إنه أولى القولين وقال القاضي وجماعة من
الأصحاب (إن قلنا) يأخذ قسطا بقي للمشتري ويأخذه إذا انفصل على الصحيح وفى وجه أنه للبائع
لاتصاله عند لرد (وإن قلنا) لا يأخذ فهو للبائع وما ذكره القاضي حسين والقاضي أبو حامد موافق
لما قاله الرافعي رحمه الله في باب الفلس أن الأكثرين رجحوه في رجوع غريم الفلس وما ذكره
الرافعي هنا موافق للطريقة المشهورة هناك التي ذكرها المصنف وغيره من البناء على أن الحمل يقابله
قسط أولا لكن الرافعي رحمه الله مع ذلك عدل عن ذلك المأخذ لأجل تصحيح الأكثرين بتبعية
الحمل إلى الرجوع فيلزمه أن يقول هنا بالتبعية أيضا كما قاله القاضي أو يفرق بين المسألتين مسألة
الفلس ومسألة الرد بالعيب وأيضا فإنه رجح في الفلس تبعية الثمرة والحمل وجعلهما سواء وإن كانت
الثمرة أولى بالاستقلال لأجل أنهما تابعان في البيع متتبعان في الفسخ وهذا المعني بعينه موجود في الرد
بالعيب ولو صح النظر إلى المقابلة بالقسط لزم أن لا يتعدى الرجوع في الفلس إلى الثمرة لأنها مقابلة
بالقسط قطعا على الطريقة الصحيحة المشهورة المنصوص عليها فدعوى الرافعي أن الأصح هنا أن
الحمل يبقى للمشترى يحتاج إلى جواب عن ذلك وقد صحح الرافعي هنا أن الثمرة في أخذها قسطا على
قولين كالحمل ومقتضاه أن يكون الأصح عنده أنها تبقى للمشترى أيضا قبل التأبير وأطلق بعضهم
أن الحمل نقص لأنه في الجارية يقل النشاط والجمال وفى البهيمة ينقص اللحم ويخل بالحمل والركوب
(فإذا قلنا) هذا أو لم نقل به ولكن حصل بالحمل نقص رجع بالأرش قال القاضي أبو حامد وهل
210

للمشتري إمساكها حتى تضع ويردها إن لم يكن تنقصها الولادة نقله ابن الصباغ وإذا جوزنا له الرد
فحبسها حتى تضع (فان قلنا) الحمل للمشترى لم يمنعه ذلك من الرد بالعيب لأنه حبسها لاخذ ملكه
منها (وإن قلنا) إن الحمل للبائع منعه ذلك من الرد قاله القاضي الماوردي رحمه الله * وأما الجارية فان
كلامه يقتضى أنه يجوز له إمساكها حتى تضع وردها في الحال فإنه إن ردها وهي حامل كان الحمل
للبائع لان المشترى اختار ترك حقه فليس له استثناؤه فرق الجري بين ذلك وبين ما إذا أوصى له
بالحمل ثم اشترى الام فوجد بها عيبا فردها لم يكن الحمل مردودا معها لان الحمل في هذه الحالة
لا يتبع وممن بنى الحمل على القولين في المقابلة الماوردي والأصح عنده كما قال الرافعي * وحكي مع
ذلك وجها على قولنا إنه يقابله قسط من الثمن أنه للبائع لاتصاله بالأم عند الرد هذا حكم الحمل
وأما الثمرة التي لم تؤبر ففيها وجهان (أحدهما) يردها مع الأصل ولا يمسك (والثاني) يمسكها أو يرد
الأصل والفرق بينها وبين الحمل على هذا القول جواز إفرادها بالبيع على أحد الوجهين ولم يصحح
الرافعي رحمه الله من هذين الوجهين شيئا وقد تقدم ما اقتضاه تخريجه للثمرة على الحمل فالبحث معه
فيهما والذي يتجه هنا أن يكون الأصح الأول وهو أن يردها مع الأصل قال القاضي حسين رحمه الله
والأصح الأول لأنه الأظهر الذي نقله المزني في رجوع البائع في عين ماله إذا أفلس المشترى وعليها
ثمرة غير مؤبرة وهو الأصح عند الروياني والرافعي رحمهما الله فليكن هنا كذلك ولعل المصنف رحمه الله
اختار الوجه الثاني ولذلك قال فأثمرت ولم يقيد بقطع ولا تأبير وفى الفلس حكي القولين من غير
ترجيح * وأما اللبن الحادث في الضرع أو الصوف الذي حدث بجزأيهما للمشترى وذكر القاضي هذه
المسائل الأربعة في تعليقه مفرقة في موضعين وقال المتولي والبغوي والرافعي رحمهم الله انه يرد
الصوف تبعا وهو مقتضى ما قال القاضي حسين في الفتاوى وفى كل من الكلامين نظر والصحيح
ما سأذكره في آخر الكلام إن شاء الله تعالى * (واعلم) أن الحمل يندرج في المعاوضة قولا واحدا وفيما
عداها من العقود والفسوخ قولان (فالأظهر) في الرهن الاندراج بناء على أن له قسطا وفى الهبة
كلام الرافعي يقتضى الجزم بالاندراج والإمام قال إن الجديد عدمه وفى الرجوع في الهبة بناه
الرافعي على المقابلة كما فعل بها في الرد بالعيب فيقتضى أن الأصح عدم الاندراج فالرافعي رحمه الله
سلك طريقة البناء في المواضع كلها إلا في الفلس لما وجد ميل الأكثرين ونص الشافعي رحمه الله
211

فيه إلى خلافها والقاضي حسين جري في الرد بالعيب والفلس على قاعدة واحدة لكنه سلك طريقة
البناء في اندراج الحمل في الرهن وهذه أمور مضطربة فالامام رحمه الله أجرى القولين في جميع ذلك
جريانه في الرهن بطريق الأولى لكونه لا ينقل الملك وهو يشكل على القاضي حسين رحمه الله والذي
يظهر في ذلك أحد أمرين (إما) أن نقول إن عهد المعاوضة لا يستتبع الحمل لقوته وفسخه لذلك وعلى
هذا يستمر نصه المنقول في الفلس على الاستتباع في الرجوع (والجديد) الذي نقله الامام في الهبة وعلى
مقتضاه يكون الأصح الاستتباع في الرهن (وأما) أن نقول بأن الحمل يتبع المواضع كلها لكونه جزءا
أولا (وأما) الصوف واللبن فالأقرب أنهما كالحمل فيندرجان لأنهما جزآن وإن كان يمكن فصلهما الآن
لعدم صحة إفرادهما بالبيع وإنما لم يدخلا في الرهن على الصحيح لاقتضاه العرف جز المرهون وحلبه
نعم إذا جز الصوف أو حلب اللبن في مدة طلب البائع للرد بحيث لم يحصل تأخير ولا تعيب فإنه
حينئذ لا يصادف الرد فلا تتبع تفريعا على جواز ذلك وأنه لا يبطل الرد كما تقدم عن المصنف
رحمه الله وقال القاضي حسين إن جز الصوف ثم ردها بطل خياره لاشتغاله بالجز بعدما علم بالعيب
وهذا على رواية في أنه يشترط المبادرة إلى التلفظ بالفسخ أما على المذهب فلا يتجه ذلك وقال القاضي
حسين رحمه الله أيضا إن ردها مع الصوف يجبر البائع على القبول وهذا يتجه على الصحيح في أن
الصوف تابع أما على رأيه في أن الصوف يبقى للمشترى فاجبار البائع على القبول إذا ردها مع الصوف
ينبغي أن يكون كما في رد البهيمة مع النعل إن كان الجز غير معيب لها فإذا لم يجز لم يجب على البائع
القبول كما في نظيره في النعل وإن كان معيبا لها فيصح القول بالاجبار ولكن ينبغي أن يأتي فيه
الحلاف في أن ذلك تمليك أو إعراض والأشبه في مسألة النعل الثاني فليكن هنا كذلك حتى إذا جز
بعد ذلك من غير زيادة كان للمشترى * وأما قول الرافعي رحمه الله إنه يرد الصوف * وأما الثمرة غير
المؤبرة فهي أولى من الحمل بعدم الاندراج لأنه يجوز إفرادها بالبيع على أحد الوجهين وفيها طريقة
قاطعة لأنها مقابلة بقسط من الثمن لكن الأصح فيها الاندراج أيضا لما تقدم وقد تقدم في باب بيع
الأصول والثمار من كلام الإمام أحمد من هذه المسائل متعلقة بهذا الكلام في التأبير فان أراد أنه
إذا رد لا يبقى الصوف له فصحيح على ما قدمته وكذلك قال صاحب التتمة لكن يشكل على الرافعي
في قوله إن الحمل يبقى للمشترى فان الحمل من جهة كونه أولى بالتبعية وكذلك الأصح عند الرافعي
212

دخوله في الرهن وعدم دخول الصوف وإن أراد أنه يجب عليه رده ولا يجوز جزه وفيه نظر مأخوذ
من جواز الحلب والركوب في طريق الرد فقد تقدم من المصنف رحمه الله جوازه ومن الرافعي منعه
وتبين الراجح منهما ولم يذكر الرافعي رحمه الله مسألة اللبن وهل تتبع في الرد أولا وهو من جهة
الاستئجار كالحمل ومن جهة قرب التناول كالصوف وكيف ما كان فالأصح التبعية وعلى رأى الرافعي
ينبغي أن يكون الأصح عدم التبعية لأنه يقابل بقسط من الثمن فهو كالحمل *
* (فرع) * من تتمة الكلام في الحمل جزم الجوزي بأن الحمل يكون للبائع إذا ردت عليه
بالعيب سواء كان حدوث الحمل عند البائع أم عند المشترى مع القول بأن الحمل له قسط من الثمن
قال لأنها إذا جعلت عند المشترى له أن يمسكها حتى تلد ثم يردها فإذا اختار ردها حاملا فكأنه
اختار ترك حقه فليس له استثناء الولد ثم اعترض بالجارية الموصى بحملها إذا بيعت من الموصى له
بالحمل وردها بعيب لم يكن الولد مردودا * وأجاب أن حكم الولد حكم الام ما لم يعقد على الولد عقد
أو وصية أو هبة *
* (فروع) * لو اشتراها وعليها صوف وفى ضرعها لبن فطال الصوف وكثر اللبن ثم ردها
بعيب قبل الجز والحلب وقلنا بأن الصوف تابع في الرد فلا إشكال (وإن قلنا) بما قاله القاضي حسين
في تعليقه من أن الصوف واللبن الحادثين للمشترى فمقتضى ذلك أن يصير ذلك مشتركا بينهما فان
اتفقا فذاك وإلا فصلت الخصومة بطريقها لكن الذي في فتاويه كما سيحكيه خلاف ذلك * ولو جز
الصوف ثم أراد بالعيب وكان اشتراها ولا صوف عليها فلا إشكال في جواز الرد وبقاء الصوف
له على ما مر ولو كان عليها صوف حين الشراء فجزه وهو على حاله ثم أراد الرد بعيب رد الصوف
المجزوز قاله الماوردي والقاضي حسين والرافعي وغيرهم (وقال) الشيخ أبو حامد في آخر باب بيع المصراة
إنه إذا كان يمكنه التوصل إلى معرفة العيب من غير جز الصوف امتنع عليه الرد وإن جزه ثانيا
فالمجزوز ثانيا له مختص به فإن لم يجزه حتى رد فحكمه ما تقدم فيما إذا لم يكن عليها صوف حين العقد
ثم حدث وفى هذه الصورة صرح بها القاضي حسين في الفتاوى بأنه يرده وفرق بينه وبين القث
والكراث كما سيأتي عن صاحب التهذيب وهو في ظاهره مخالف لما حكيته عن تعليقه إلا أن تكون
المسألة التي في الفتاوى من كلام جامعها وهو صاحب التهذيب وإن جز الصوف الذي كان عليها
بعد أن طال ثم اطلع على عيب فيزداد هنا أنه يصير بينهما شركة في الصرف وقد يحصل نزاع في
213

مقدار ما لكل منهما وذلك عيب مانع من الرد * ولم أر في هذه المسألة نقلا (وأما) مسألة اللبن إذا كان
منه شئ موجود عند العقد فيلتفت على أنه هل يرد الثمن في غير المصراة وقد تقدم ذلك في آخر
الكلام في التصرية ولو اشترى أرضا وبها أصول الكراث ونحوه وأدخلناها في البيع فنبتت في
يد المشترى ثم علم بها عيبا يردها ويبقى الثابت للمشترى هكذا قال البغوي والرافعي رحمهما الله
وفرق بينهما وبين الصوف بأنها ليست جزء من الأرض ألا ترى أن الظاهر منها في ابتداء البيع لا يدخل
فيه وهذا الفرق في فتاوى القاضي أيضا كما تقدم *
* (فرع آخر) * إذا قلنا الزيادة تسلم للمشترى كما جزم به المصنف رحمه الله فليس للبائع حبس
ما حدث في يده بعد العقد وقبل القبض من الزوائد لأجل الثمن في صورة غير الفسخ (وإن قلنا) بأنها
ترجع بالفسخ إلى البائع قال الغزالي له حبسها إلى استيفاء الثمن والامام أطلق عن بعض الأصحاب الوجهين
في جواز حبسها من غير بناء ثم قال إن ذلك ليس على حكم حبس المبيع بالثمن وإنما ينقدح الاختلاف
فيه قبل تعرض العقد للانفساخ والغزالي رحمه الله لاحظ ذلك فعلل بأنه يتوقع التعلق بها لكنه
قال مع ذلك إنه يحبسها للثمن قال ابن الرفعة ولعل الغزالي رحمه الله قال له حبسها لا للثمن قلت أو يقال
بأنه لما توقع عودها إليه صارت كالأصل فيجرى عليها حكمه في الحبس بالثمرة ما دام الأصل نصفه
يستحق حبسه فلو زال ذلك بان سلم المشترى الثمن أو بتبرع البائع بتسليم المبيع يسقط حق الزوائد
لسقوط حبس أصلها وأما مجرد توقع عودها إليه فكيف يقتضي جواز حبسها ولا تنافى بين كلام
الامام وكلام الغزالي وقول الإمام ليس على حكم حبس المبيع بالثمن لعل مراده لكونه ليس مقابلا
به وقال القاضي حسين لو اشترى حاملا فمخضت في يد البائع فلا خلاف في أنه ليس له حبس الولد
214

لاستيفاء الثمن ولم يحك الخلاف الذي ذكره الامام والغزالي ولا شك أنه لو تلف الولد الحادث قبل
القبض لا يسقط بتلفه شئ من الثمن قطعا وليس كالولد الذي كان حملا عند العقد فان ذلك على
قول وهو الصحيح قابله قسط من الثمن وهل يكون مثله في جواز بيعه قبل القبض أو لا فيه نظر
والأقرب أنه مثله وهل نقول في الحادث انه يجب على البائع تسليمه أو التمكين منه في كلام القاضي
أبى الطيب في احتجاج الحنفية أنه دخل في حق التسليم وأجاب بأنه لم يدخل في حق التسليم
المستحق بالمبيع وإنما يجب تسليمه إليه بحق المال وظاهر هذه العبارة يقتضى وجوب التسليم * والأقرب
أن المراد التمكين وقد صرح البغوي رحمه الله بأنه أمانة في يده ويحتمل أن يكون كالأمانات الشرعية
حتى إذا هلك فعل التمكن من رده لا يضمنه والا ضمنه ان لم يقل له حق الحبس *
* (فرع آخر) * عن المزني في مسائله المنشورة اشترى غنما بعشرة أقساط من لبن موصوف إلى أمد
فلم يتقابضا حتى حلب البائع منها عشرة أقساط لبن ثم ماتت الغنم يبطل البيع ويسقط الثمن من ذمة المشتري
ويأخذ من البائع ما حلب من اللبن قال الماوردي وهذا صحيح لان تلف المبيع قبل القبض يبطل
البيع ولا يمنع من ملك النماء (قلت) وهذا على قولنا بأنه يرفع العقد من حينه وهو الذي جزم به
العراقيون * أما إذا قلنا تلف المبيع قبل القبض يرفع البيع من أصله وأن الزوائد ترجع إلى البائع فلا يأخذ
المشترى من البائع شيئا وإنما ذكر المصنف هنا حمل البهيمة لان حمل الجارية سنذكره بعد ذلك
والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وإن كان المبيع جارية فحملت عنده وولدت ثم علم بالعيب ردها وأمسك الولد لما ذكرناه ومن
أصحابنا من قال لا يرد الام بل يرجع بالأرش لان التفريق بين الام والولد فيما دون سبع سنين لا يجوز
وهذا لا يصح لان التفريق بينهما يجوز عند الضرورة ولهذا قال الشافعي رحمه الله في الجارية المرهونة
انها تباع دون الولد) * *
* (الشرح) * إذا كانت الجارية حاملا عند البيع ثم حبلت عند المشترى وولدت ولم يطلع على
العيب حتى بلغ الولد سبع سنين إذا أطلع على العيب ولم يتمكن من الرد إلى هذه المدة فحكمها حكم
البهيمة حرفا بحرف على ما تقدم بلا خلاف وقرض المسألة أن لا يكون حصل لها نقص بالولادة كما
تقدم التنبيه عليه فلو حصل نقص منع من الرد ووجب الأرش وأما إذا أطلع على العيب وتمكن من
الرد قبل بلوغ الولد سبع سنين فقد اختلف الأصحاب في جواز الرد فالذي قاله المصنف رحمه الله ورجحه
215

الجواز للضرورة وهو في ذلك موافق للشيخ أبى حامد والقاضي أبى الطيب هنا وقال إنه أصح وأشهر
في المذهب ونسبه ابن الصباغ إلى أكثر الأصحاب وقال الروياني رحمه الله انه المذهب ووافقهم
ابن أبي عصرون وهو مقتضى إطلاق نص الشافعي رحمه الله فان الشيخ أبا حامد نقل أنه قال
في القديم إذا اشترى جارية فولدت ثم أصاب بها عيبا كان له أن يرد الجارية ويمسك الولد إذا لم تكن
نقصت بالحمل أو بالوطئ وليس مراد الشيخ أبى حامد أن ذلك من القديم المخالف للجديد ولكن
نقل هذه المسألة لم توجد منصوصة للشافعي رحمه الله إلا في القديم والوجه الآخر فرعه بعض الأصحاب
على هذه المسألة كما قال الشيخ أبو حامد وصاحب التتمة ذكر فيها وجهين هنا من غير ترجيح
والشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب ردا على الوجه الآخر الذي قاله بعض الأصحاب بما قاله المصنف
رحمه الله لكن الروياني في البحر مع قوله عن الأول انه المذهب قال إن هذا الوجه أقيس وجزم به
الجرجاني في المعاياة وكذلك القاضي أبو الطيب وغيره في كتاب السير على ما نقله ابن الرفعة
وكلام الرافعي رحمه الله يشعر بترجيحه فإنه ذكر الوجهين في ذلك وقال وسنذكر نظيره في الرهن
ثم ذكر في الرهن إذا رهنت الام دون الولد إن صح أنهما متبايعان جميعا والا يفرق بينهما وكذلك
وافقه على تصحيح هذا في الرهن القاضي حسين والماوردي والمحاملي في التجريد من تعليقة أبى حامد
والبغوي في التهذيب والمتولي في التتمة ومنهم من يقطع بذلك فإذا كان هؤلاء الأئمة قائلين بين قاطع
ومرجح بأنهما يباعان معا ولا يفرق بينهما ولم يجعلوا ذلك ضروريا مسوغا للتفريق فينبغي ههنا كذلك
وأن يكون الأصح هنا امتناع التفريق وامتناع الرد كما اقتضاه كلام الرافعي رحمه الله وقال الجرجاني
إلا أن يفرق المصنف ومن وافقه بين البيع في الرهن والرد بالعيب وسأذكر له فرقا إن شاء الله تعالى وقد
يقال أنه لو جاز التفريق فينبغي أن يمتنع الرد هنا لان رجوع الجارية بدون ولدها عيب وذلك بمنزلة
عيب جديد يمنع بسببه الرد ولا شك أن أهل العرف يعدون ذلك عيبا وتقل الرغبات فيمن يكون
لها ولد منفصل عنها وطريق الجواب عن المصنف في ذلك أن يفرض فيما إذا رضى البائع بردها كذلك
حتى لا يكون للمشترى إلا الرد أو يرضى بها معيبة ولا يكون له المطالبة بالأرش ومتى لم نفرض المسألة
كذلك تعين امتناع الرد ثم ههنا كلامان (أحدهما) ما استدل به المصنف والشيخ أبو حامد والقاضي
أبو الطيب على ضعف هذا الوجه من نص الشافعي رحمه الله هو فيه تابع للشيخ أبى حامد قاله هكذا
216

حرفا بحرف وفيه نظر فان الشافعي رحمه الله له نصان في المختصر (أحدهما) قوله ولا بأس أن يرهن
الجارية ولها ولد صغير لان هذا ليس بتفرقة وحمله جماعة من الأصحاب على أن معناه أن الرهن
لا يوجب تفريقا ثم ما يتفق من بيع وتفريق فهو من ضرورة إلجاء الرهن إليه وهؤلاء هم الذين جوزوا
بيع المرهونة وحدها والتفريق بينها وبين ولدها لكن طائفة من الأصحاب قالوا معناه إنه لا تفرقة في
الحال وإنما التفرقة عند البيع وحينئذ يباعان معا ويحذر من التفريق فان أراد المصنف هذا النص
فالأصحاب يختلفون في تفسيره كما رأيت والتفسير الثاني هو الصحيح لعدم افضائه إلى محذور وليس
في النص المذكور تصريح بأنها تباع دون الولد كما في لفظة الكتاب والنص الثاني في المختصر أيضا
قبل ذلك فيما إذا وطئ الراهن الجارية المرهونة قال الشافعي رحمه الله فان أحبلها ولم يكن له مال غيرها
لم تبع ما كانت حاملا فإذا ولدت بيعت دون ولدها وهذا النص أقرب إلى لفظ المصنف رحمه الله
لكنه يبعد إرادته لان الولد ههنا في هذه الصورة حر لأنه ابن الراهن المالك فالتفرقة ضرورية
وبهذا فرق جماعة بين هذه الصورة والصورة الأولى حيث لا يجوز التفرقة على الأصح لان الولد هناك
مملوك وهنا حر وإذا كان كذلك فلا يصح التمسك به لان الولد هنا في الرد بالعيب مملوك وهذا لا يخفى
عن من هو دون المصنف والشيخ أبى حامد وإن أراد نصا آخر فلم أعلمه والله تعالى أعلم لكن يدل
على أن المصنف وأبا حامد أرادا هذا النص الثاني وأنه هو الذي وقع به الرد على صاحب هذا الوجه
أن القاضي أبا الطيب قال في الرد عليه ولهذا قال الشافعي رحمه الله إن الجارية المرهونة إذا حبلت لم
تبع ما دامت حاملا فإذا ولدت بيعت دون ولدها وقال صاحب الشامل إذا كانت جارية فولدت حرا
يباع الرهن دون الولد لأنه موضع حاجته * وقال صاحب التتمة كالمرهونة إذا علقت بولد حر * والجارية
الجانية إذا كان لها ولد حر بيعها دون الولد وقال الروياني المذهب انه يجوز هذا التفريق كما قال
الشافعي رحمه الله في الجارية المرهونة إذا ولدت حرا تباع الام لحق المرتهن دون الولد لأنه موضع
حاجته في الام فكلام هؤلاء الأئمة يدل على أنهم إنما ردوا على صاحب هذا الوجه بهذا النص وهو
مشكل لان الولد الحر يجوز بيع أمه سواء كانت مرهونة أم غير مرهونة لأنه لا يمكن بيعه معها أصلا
لضرورة فيه محققة وليس كالولد الرقيق وطريق حمل هذا الاشكال أن الجامع بين الصورتين الضرورة
217

وإن كان الولد هنا رقيقا وهناك حرا فإنه لو لم يجز الرد ههنا أدى إلى ابطال حق المشترى من الرد
ويعترض على هذا بأن المحذور هو التفريق في الملك وإذا كان الولد حرا الفرقة حاصلة فلا تفريق
بخلاف مسألتنا هنا فان الرد يوجب التفريق في الملك وقياس التفريق على ما ليس بتفريق لا يظهر
(الكلام الثاني) في تخيل الفرق بين الرد بالعيب وبين البيع في الرهن * قد يقال انتصار المصنف أن
هنا أمرين مسوغين للتفريق (أحدهما) الضرورة وإلا لأدى إلى ابطال حق المشترى من الرد وإلزامه
أخذ الأرش وبقاء المعيب في عقد عسر فلا طريق له الا الرد وأما الراهن فإنه يجب عليه وفاء دينه
فإن كان مال غيره وفينا منه ولم يبع لما قاله الماوردي هناك وان لم يكن له مال إلا الجارية المرهونة
والشارع منع من التفريق فصار كما لو كان الدين يحيط بقيمة الجارية وولدها ولا مال له غيرهما فانا
نبيعهما توصلا إلى وفاء الدين الذي التزمه وحجر على نفسه بسببه وهذا المعنى وحده كاف في الفرق
ومصحح لما ذكره المصنف رحمه الله *
(والأمر الثاني) أن هذا التفريق بالفسخ وقد اغتفروا في الفسخ ما لم يغتفروا في إنشاء العقود
ألا ترى أن الأصحاب رحمهم الله قالوا لو باع الكافر عبدا مسلما بثوب ثم وجد بالثوب عيبا له استرداد
العبد في أصح الوجهين ولو وجد مشترى العبد به عيبا فطريقان (أحدهما) القطع بالجواز (والثاني)
على الوجهين ولو تقابلا حيث لا عيب وقلنا الإقالة فسخ فعلى الوجهين فهذه المسائل الثلاث اغتفروا فيها
حصول ملك الكافر على المسلم بالفسخ وإن كانوا لم يغتفروه بانشاء العقد وعلله الغزالي رحمه الله في
في المسألة الأولى بأن الاختيار في الرد إما عود العوض إليه فهو قهري كما في الإرث واستشكله الرافعي
ورأي أن الأصوب في توجيه أن الفسخ يقطع العقد فيكون نازلا منزلة استدامة الملك والامام
علله بأن الرد يرد على العقد وارتداد العبد يترتب على انفساخ العقد وله في رد الثوب غرض سوى
تملك العبد أي وهو التخلص من عيبه وهذا الغرض وهو التخلص من العيب حاصل في الجارية
إذا ولدت ثم اطلع على عيبها بخلاف الرهن فإنه لا غرض إلا التوصل إلى وفاء دينه والراهن ألزم
نفسه بذلك وملاحظة الضرورة لابد منها (وأما) الفسخ وحده فليس بكاف ألا ترى أنهم جزموا في
الفلس بعدم التفريق لما كان مال المفلس كله ميبعا ولا ضرورة تدعو إلى التفريق وإن كان الرافعي
218

رحمه الله قال باحتمال جريان الخلاف الذي في الرهن والرد بالعيب فيه وأن جزمهم يحتمل أن يكون
على الأصح وحكى الماوردي وجها يوافق هذا الاحتمال وحكاه المتولي أيضا عند الكلام في التفريق
بالبيع وكذلك ملاحظة الفسخ لابد منها والضرورة وحدها لا تكفى ألا ترى أن في رجوع الزوج
في شطر الصداق لم يجوزوا ذلك لأجل حق الزوج بل نقلوه إلى نصف القيمة لان استرجاع الشطر
تملك جديد * هذا ما ظهر لي في تقوية ما ذهب إليه المصنف رحمه الله ومن وافقه على ما فيه ومع ذلك
يحتاج إلى ملاحظة ما تقدم التنبيه على في فرض المسألة إذا رضي البائع بالرد أو نفرض أن ذلك لا تنقص
به قيمتها وهو بعيد والأول أقرب والله أعلم *
* (التفريع) * إن قلنا بجواز الرد كما قال المصنف فذاك (وان قلنا) بامتناع الرد فقد قال المصنف
رحمه الله إنه يجب الأرش وكذلك قاله الجرجاني والرافعي علله الجرجاني بأن الرد كالميؤس منه ولك
أن تقول إنه يمكن بأن يعتق الولد أو يموت أو يصل سن التفريق وقد يكون بقي منه زمن قليل
أو كثير الا أنه قد تقدم لنا وجهان عن الامام فيما إذا كان البائع بعيدا حكيناه فيما إذا رضي أحد
المشتريين بالعيب تفريعا على منع الاستقلال بالرد والأصح منهما الرجوع بالأرش فليكن الوجه
الآخر جاريا هنا لكنه ضعيف مفرع على ضعفه * لنا خلاف هناك أنه لورد أحدهما الجميع عند حصوله
في ملكه وأراد استرجاع نصف الثمن هل يجبر البائع عليه كما في مسألة النعل (فان قلنا) بالاجبار
فههنا أن يرد الولد معها يحتمل أن يكون كذلك فإن لم يفعل سقط حقه من الرد وتعين الأرش
ولا يعقل في هذه المواضع كلها عن فرض المسألة فيما إذا لم يحدث عيب جديد *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فان اشتراها وهي حامل فولدت عنده (فان قلنا) ان الحمل له حكم رد الجميع (وان قلنا) لا حكم
للحمل رد الام دون الولد) * *
* (الشرح) * هذا بناء صحيح اتفق عليه الأصحاب والصحيح أن له حكما ويقابله قسط من الثمن ويحبسه
على استيفاء الثمن (فالصحيح) أنه يرد الجميع وعلى (الثاني) يكون الولد كالولد الحادث فيأتي فيه
219

* الخلاف في الرد قبل بلوغه سن التفريق والأصح المنع كما تقدم خلافا للمصنف رحمه الله ويأتي فيه
أيضا ما تقدم في الولد الحادث قبل القبض ان حصلت الولادة قبل القبض من الخلاف في حبسه
بالثمن ورجوعه إلى البائع عند اتفاق فسخ أو انفساخ على ما تقدم وسواء قلنا له رد الجميع على الصحيح
أم رد الام دون الولد على القول الآخر فشرطه على ما قاله الماوردي والروياني والرافعي رحمهم الله
وافهم كلام ابن الصباغ أن لا يكون حصل لها بالوضع نقص فان حصل نقص فلا رد وقد تقدم أن
ابن الرفعة قال قياسه أن يتخرج على الوجهين يعني في العيب الذي تقدم سببه هل يكون من ضمان
البائع أو من ضمان المشترى والأصح أنه من ضمان البائع فينبغي على ذلك أن يرد وان حصل نقص
وأيد ذلك بما إذا أصدقها جارية حائلا ثم حملت في يده ثم وضعت في يدها ثم طلقها وان الرافعي
رحمه الله حكي في نسبة النقص الحاصل إليه أو إليها وجهين وهذا الذي ذكره ابن الرفعة قوى
وقياسه أن يكون الأصح أنه يرد ولكن الماوردي وابن الصباغ حزما بخلاف ذلك * واعلم أني قدمت
عن القاضي حسين والبغوي والرافعي ما يقتضى أن الخلاف في كون ذلك من ضمان البائع أو من ضمان
المشترى جار مع العلم وفرعوا عليه انه يرد الجارية بعد زوال البكارة والعبد بعد قطع يده بعيب آخر قديم
مع العلم بالتزوج والجناية على قولنا ان ذلك من ضمان البائع وهو الصحيح الذي استشكله هناك وقلت
ينبغي أن يكون الرضى بالعيب قاطعا لأثره حتى يكون ما يوجد في يد المشترى وإن كان من سببه منسوبا إلى
يد المشترى لرضاه لسببه دون البائع ولم أر من اعتضد به في ذلك النقل ولا ما يرده إلا كلام القاضي
حسين ومن تبعه على سبيل التفريع فإن كان الامر كما قلت فقد اندفع الاشكال عن الماوردي وابن
الصباغ هنا فان المشترى عالم بالحمل فكذلك النقصان الحادث عنده منسوب إليه وقد وجدت بعد
ذلك بآخر التتمة صرح بامتناع الرد إذا علم بالزوجية ثم أزال الزوج بكارتها بعد القبض ووجد بها
عيبا آخر وقد ألحقته هناك فاندفع السؤال نعم لو لم يعلم بالحمل كان ذلك من ضمان البائع ولا يمنع
الرد حينئذ ولا يندفع الاشكال عن الرافعي لتصريحه بالحكمين في المسألتين على أن الماوردي
220

رحمه الله في أصل المسألة مال إلى أن ذلك من ضمان المشترى فلعله ذكر التفريع هنا على ما مال
إليه هناك فلا يرد عليه شئ وإن كان الامر كما ذكره القاضي حسين ومن تبعه وأن الحادث الذي
تقدم سببه منسوب إلى البائع في عدم منع الرد بغيره مع علم المشترى وإن لم يكن يرد به فطريق
الجواب يحتاج إلى تأويل والذي خطر لي الآن أن يحمل المنع من الرد على حالة يحصل فيها من الولادة
نقصان عن قيمتها مع الحمل فإنه رضى بها حاملا فالغالب انها بالولادة تزيد قيمتها عن حالة الحمل فان
الحمل عيب فإذا انقضت بالولادة عن قيمتها حاملا كان ذلك عيبا جديدا مانعا من الرد لأنه ليس
الغالب حصوله بسبب الحمل والذي لا يغلب حصوله من السبب المتقدم تبعد نسبته إليه فلذلك لم
يجعل من ضمان البائع فيكون مانعا من الرد بعيب اخر وأما مسألة الصداق فتحمل على أن المراد النقصان
عن حالة الخيار وهي الحالة التي كانت عليها عند الاصداق ولا شك أن الجارية إذا حبلت وولدت
تنقص قيمتها عما كانت عليه قبل ذلك والنقص بالحمل قد زال بالوضع وبقى النقص الآخر عن حالة
الحبال فالولادة في يد لزوجة وسببها في يد لزوج وهو مما فعلت ولا يندر فيجرى فيه الخلاف فان
فرض نقص بالولادة عن حالة الحمل الحاصل في يد البائع فهو نقص جديد يتجه أن يكون من ضمان
الزوجة كما في المشترى ههنا هذا ما خطر لي في ذلك وفيه نظر والله أعلم *
* (فرع) * أطلق الرافعي رحمه الله اشتراط عدم النقص بالولادة ولم يفرق بين ما بعد القبض
وما قبله والماوردي وابن الصباغ رحمهما الله فرضا المسألة فيما إذا كانت الولادة عند المشترى كما فرض
المصنف رحمه لله ولا شك أنها إذا ولدت قبل القبض ولم يحصل نقص ترد إذا اطلع على عيب آخر
وأما إذا حصل نقص فقد قدمت كلاما في أن العيب الحادث قبل القبض إذا استند إلى أمر سابق
علم المشترى هل يكون موجبا للرد أولا وهل يكون مانعا من الرد بغير أولا والذي ظهر أنه ليس
موجبا ولا مانعا وقد صرح صاحب التتمة أنه إذا اشترى أمة مزوجة عالما بتزويجها فأزال بكارتها
قبل القبض ثم اطلع على عيب بها فله الرد هذا ما يقتضى تقييد كلام الرافعي رحمه الله والله أعلم *
221

* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وإن كان المبيع جارية ثيبا فوطئها ثم علم بالعيب فله أن يردها لأنه انتفاع لا يتضمن نقصا فلم
يمنع الرد كالاستخدام) * *
* (الشرح) * هذه مسألة مشهورة اختلف العلماء فيها على ثمانية مذاهب (أحدها) أن يردها كما
ذكره المصنف ولا يرد معها شيئا وهو مذهبنا الذي نص عليه الشافعي والأصحاب ولم يختلفوا فيه وبه
قال زيد بن ثابت فيما قيل وعثمان ومالك والليث بن سعد وأبو ثور ولا فرق عندنا في ذلك بين
أن يكون بعد القبض أو قبله ولا يكون بالوطئ قابضا لها على المشهور ولا مهر عليه ان سلمت وقبضها
فان تلفت قبل القبض فهل عليه المهر للبائع وجهان بناء على أن الفسخ قبل القبض رفع للعقد من
أصله أو من حينه الصحيح لا مهر ولا فرق بين أن يكون المردود عليه ممن تحرم عليه بوطئ المشترى
كأب وابنه أولا فان ذلك لا يمنع الرد والمذهب الثاني أنه لا يرد ولا يرجع بالأرش وهو قول أبي حنيفة
والثوري وأبو يوسف وإسحاق وروى ذلك عن عمر وعلي بن أبي طالب وابن سيرين والزهري
(والثالث) أنه يردها ويرد معها مهر مثلها وهو قول ابن أبي ليلى وشريح في رواية وقيل إنه روى
نحو ذلك عن عمر قال ابن المنذر المهر في قول ابن أبي ليلى يأخذ العشر من قيمتها ونصف فيجعل
المهر نصف ذلك يعني يكون المهر ثلاث أرباع عشر قيمتها بذلك صرح عنه غيره (الرابع) بردها
ويرد معها مهر مثلها بالغا ما بلغ وهو قول ابن شبرمة والحسن بن حي وعبد الله بن حسن (والخامس)
يردها ويرد معها نصف عشر ثمنها وهو قول شريح والنخعي وقتادة وروى من طريق الشعبي عن
عمر (والسادس) يردها ويرد معها حكومة وهو قول الشعبي (والسابع) أنها لازمة لو صح ذلك عن
الحسن وعمر بن عبد العزيز وهي رواية عن علي بن أبي طالب فلا يردها ولا يرجع بشئ على هذا
القول (والثامن) يردها ويرد معها عشر ثمنها وهو قول ابن المسيب وروى عن ابن المسيب يرد معها
عشرة دنانير ولعل ذلك كان عشر ثمنها فلذلك لم أعده مذهبا آخر دون تحقيق * هذا في وطئ السبب
وأما البكر فسيأتي الكلام فيها في كلام المصنف إن شاء الله تعالى ومن هذه الأقوال التي حكيتها
ما وردت مطلقة من غير تخصيص لثيب ولا بكر وهو قول الشعبي والحسن وابن المسيب وهذه المذاهب
الثمانية ترجع إلى أربعة أقوال يردها ولا شئ معها كمذهبنا أو بامتناع ردها والرجوع بالأرش كمذهب
222

أبي حنيفة أو بامتناع ردها ولا يرجع بشئ كمذهب الحسن وعمر بن عبد العزيز أو يردها ويرد معها
شيئا كمذهب الباقين * فاما من يقول يردها ورد شئ معها فالوجه تأخير الكلام عليه وتقديم الكلام
على المذهبين عليه الأولين الثالث يشارك الثاني في القول بامتناع الرد عليهما في ذلك واحد فليجعل
الكلام في جواز الرد وامتناعه ومعتمدنا في ذلك أن وطئ السيب شئ لا ينقص من عينها ولا من
قيمتها ولا يتضمن الرضا بعينها فوجب أن لا يمنع من ردها بالاستخدام وقولنا لا ينقص من عينها
احتراز من قطع الطرف ومن قيمتها احتراز من حدوث عيب في يد المشترى وقلنا ولا يتضمن الرضا
بعينها احتراز من وطئها بعد العلم بعيبها وغير ذلك مما يوجب الرضا وهذا الدليل الذي ذكره المصنف
واستدلال الشافعي رضي الله عنه بأن الوطئ أقل ضررا من الخدمة يعنى أن الوطئ يمتع ويلذ ويطرب
والخدمة تلذ وتزيب وتتعب فإذا لم تمنع الخدمة من الرد فالوطئ أولى أن لا يمنع فهذا الدليل هو الأول
لكن بقياس الأولى وأيضا بالقياس على وطئ الزوج وقد اتفقوا على أنه لا يمنع الرد ولذلك إذا أكرهها
انسان على الوطئ فإن كان وطئ الثيب يقتضي وجوب أن يقع وطئ الزوجة والمكرهة: فإن لم ينقص
وجب أن لا يمنع وطئ السيد وبالقياس على ما إذا غصبها المشترى من البائع فوطئها ثم ردها حتى
يوفيه الثمن فلما وفاه وسلمها إليه وجد بها عيبا له أن يردها عندنا وعندهم فان اعتذروا عن وطئ
الزوج بأنه مستحق فوطئ المشترى مستحق وأيضا يبطل بوطئ الزوج للبكر فإنه مستحق ومع ذلك
قالوا بامتناع ردها فان اعتذروا بأن منافع بضع الزوجة غير مملوكة بالشراء وإنما يمتنع الرد بوطئ
السيد لأنه كأنه حبس بعض أجزاء المبيع فلذلك منع وطئ السيد ولم يمنع وطئ لزوج الثيب وأما
البكر فجلدة البكارة مستحقة للمشترى لأنها عين حقيقة والنكاح محل المنافع الا أن تلك الجلدة تتلف
للضرورة وإذا كانت مستحقة بالبيع فأتلفها لزوج امتنع الرد لفوات بعض المبيع (فالجواب) أن منفعة
البضع مملوكة بالشراء للسيد بدليل أن الزوج لو طلق كانت له ولو وطئت بشبهة استحق المهر وكون
جلدة البكارة جزء من المبيع مع كونها مستحقة الإزالة للزوج لا يفيد لأنه مأذون له فيها شرعا فلو لم
تكن للنقص لما منع ذلك من الرد وقد تعلق المخالفون في ذلك بأمرين (أحدهما) أن الصحابة رضي الله عنه
م في هذه المسألة على قولين (أحدهما) أنه لا يرد وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه
(والثاني) يردها ويرد معها المهر وهو قول عمر رضي الله عنه فالقول بأنه يردها ولا شئ معها احداث
قول ثالث وهو غير جائز وأورده ابن السمعاني والغزالي ومحمد بن يحيى عنهم فقالوا إن عليا وابن عمر
223

رضي الله عنهم قالوا لا يردها وعمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهما قالا يردها ويرد معها نصف عشر
قيمتها وإيراده على الوجه الأول الأشهر وأقرب في النقل والجواب عنه من وجوه (أحدهما) ما أشار إليه
الشافعي رضي الله عنه في اختلاف الحديث فإنه بحث مع من خالفه وحكى عنه أنه قال روينا ذلك
عن علي قال الشافعي قلت أفتيت عن علي فقال بعض من حضره لا فروينا عن عمر يردها وذكر
عشرا أو نحو ذلك قال الشافعي قلت أو ثبت عن عمر قال بعض من حضره لا قلت وكيف تحتج
بما لا يثبت وأنت تخالف عمر لو كان قاله وهذا الكلام من الشافعي رضي الله عنه إشارة إلى أنه لم
يثبت ذلك عن عمر ولا عن علي رضي الله عنهما وقد وقفت على الأسانيد وورود ذلك عنهما فرأيتها
ضعيفة وأمثلها الرواية عن علي فإنه لا يردها ويرجع بقيمة العيب وهي منقطعة لأنها من رواية علي بن
الحسين ولم يدرك جده ولولا ذلك لكانت صحيحة فإنها من رواية ابن أبي شيبة عن حفص بن عنان
عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنهم ولعل حفص بن
عنان أو مسلمة ممن كان حاضرا مناظرة الشافعي فإنه قاضي الكوفة حنفيا جليلا ثقة ونقلها البيهقي
من طريق جماعة عن جعفر ورويت متصلة بطريق ضعيفة ليست بمحفوظة ونقل القاضي أبو الطيب
أن الشافعي قال في اختلاف الأحاديث لا يثبت عن أحد من الصحابة في ذلك شئ وإذا كان كذلك
سقط التمسك الذي ذكروه والذي رأيته في اختلاف الحديث ما ذكرته ورأيت في اختلاف العراقيين
قال ولا يعلم ثبت عن عمر ولا عن علي ولا عن واحد منهما أنه قال خلاف هذا القول يعنى قول
الشافعي وقال أبو المظفر بن السمعاني قد جهدت غاية أن أجد ما قالوه في كتاب فلم أجده وإنما هي
حكاية أخذه العلم من التعليق وسعى السواد على البياض ولم يرد عليه واحد من الصحابة شئ سوى
على (الثاني) أنه قد روى مثل مذهبنا عن زيد بن ثابت ذكره أبو علي الطبري في مسائله الكثيرة
فيما نقله أبو حامد عنه قال القاضي أبو الطيب وحكى لنا ذلك يعنى لرواية عن زيد أبو الحسن
الماسرخسي ونقله المصنف في النكت وإذا اختلفت الصحابة وجب الرجوع إلى القياس لكن أبا المظفر
ابن السمعاني قال إن هذا النقل عن زيد ليس بصحيح (الثالث) أنه قول صحابيين لم يعلم انتشاره والقياس
بخلافه فيقدم عليه (الرابع) أن مذهبنا موافق لعمر فإنه أثبت الرد فوافقناه في أصل الرد والاختلاف
بعد ذلك في أنه يرد معها شيئا أولا اختلاف في كيفية الرد (الخامس) أن احداث القول الثالث
224

فيه خلاف وتفصيل مذكور في أصول الفقه ونحن هنا وافقنا بعضهم في جواز الرد وبعضهم في إسقاط
المهر فلم يكن ذلك خرقا للاجماع (الأمر الثاني) مما تعلقوا به القياس على وطئ البكر لان كلا مما يقرر
المسمى في النكاح وعلى ما إذا زنت وبأنه ينالها في ذلك ابتذال وينقصها فإنه قد يكون المشترى أبا
البائع أو ابنه فيحرم فتحرم عليه فمنع الرد كسائر العيوب وتعلقوا أيضا بأن الوطئ جناية لأنه لا يخلو
عن عقر أو عقوبة في الغالب ولا يباح بالإباحة فأشبه القطع والرد رفع للعقد من أصله فلو ردها لكان
الوطئ حاصلا في ملك البائع وهذا لا يجوز لان الوطئ في ملك الغير لا يخلو عن المهر ولا يجوز أن
يوجب المهر ولا أن يردها بغير مهر فبطل الرد وربما قالوا في هذا انه إذا كان واقعا في ملك الغير كان
عيبا فيمنع الفسخ فلو نفذ الفسخ لما بعد ونقلوا عن محمد بن الحسن أن الوطئ لا يخلو عن عقر أو
عقوبة إلا إذا كان في الملك وقد انتفيا عن المشترى بالاجماع فلو فسخ لا يبقى الملك من أصله فلذلك
وجب إسقاط الملك وقوله إنه انتفيا عن المشترى بالاجماع ينبغي أن يؤول فإنه قد تقدم عن ابن أبي
ليلى وغيره إيجاب المهر وبأن منافع البضع في حكم الاجزاء والمشترى أتلفها فصار كما لو تلف الولد
والزوائد ويعود البحث في مسألة لزوائد وإنما استدلوا به على أن الوطئ تنقيص للملك صرف مهر
الجارية الموطوءة بالشبهة إلى سيدها فلو كان المهر لصيانة البضع فقط لوجب لله كالكفارة فلما صرف
السيد دل على أن منافع البضع كالاجزاء وان لم تنقص القيمة كيد الذكر والأنثيين يصرف للسيد
وان لم تنقص المالية بمنفعة البضع الحكم في حكم لاجزاء وفوات الاجزاء يمنع الرد ومما يدل على أنها
في حكم الاجزاء أن الكافر لا يملكه على المسلمة ويمنع من الرد في خيار الشرط بخلاف المنافع وذلك
أن منافع البضع في الشرع محترمة مشرفة لأنها سبب النسل في العامل فلشرفها وحرمتها التحقت بالاجزاء
شرعا (والجواب) أن وطئ البكر والزنا منقصان للقيمة بل زوال البكارة وحدها بغير وطئ منقص والابتذال
ان سلمه كالاستخدام وكون المشتري أبا البائع أو ابنه لا يعتبر في معيوب شخص من الأشخاص
بل المعتبر ما ينقص قيمة الشئ ولا يؤثر إلا ماله أثر في المالية وقولهم إنه جناية ممنوع لان الجناية
تنقص القيمة وهذا بخلافه ولو كان جناية لمنع من الأجنبي إذا وطئ مكرهة ومن الزوج وقولهم لا يباح
بالإباحة ينتقض بما دون الوطئ هكذا نقض بعض الأصحاب عليهم ونقل بعضهم ان ما دون الوطئ من
الاستمتاعات مانع الرد أيضا فعلى هذا لا يتوجه النقض وعن قولهم لا يخلو عن مال أو عقوبة أن الجناية
قد تخلو من المال والعقوبة إذا قال الرجل اقطع يدي فقطعها وعن قولهم الرد فسخ للعقد من أصله
225

تقدم ثم أثر ذلك إنما يظهر ذلك في الأعيان * أما المنافع البعضية فلا * ثم لو كان ذلك صحيحا لما جاز
الرد إذا رضى البائع وهو جائز وإيجاب المهر في البضع عن المنفعة والسيد يستحقها فلا ضرورة إلى
تقديرها جزءا وتقدير المهر بعيد مما يدل على أنه ليس بجزء أنه لا يجبر به في المرابحة ولا يسقط به قبل
القبض من الثمن شئ ولا يضمنه الغاصب عندهم وإنما لم يملكه الكافر على المسلمة لان فيه ادخال
ذل على الاسلام والوطئ في خيار الشرط فيه وجهان فان سلمه فلانه مع العلم بالخيار يتضمن الرضا
فههنا وطئ قبل العلم بالخيار واعتذر أبو زيد عن الوطئ قبل القبض بأنه وقع في حكم مالك البائع
لأنه تصرف ولا يتنقل التصرف إلا بالقبض فبقي على ملك البائع فلم يجز أن يجعل جناية وهذا ضعيف
فهذا ما تيسر ذكره وحرف المسألة أن أبا حنيفة لاحظ غرض البائع وما يحصل له من النقرة والتغير
والانفة والشافعي لاحظ الامر العام وأن عادة التجار إذا علموا أن الجارية ثيب لا يبالون بقلة
الوطئات وكثرتها ولا ينقص من قيمتها شيئا فان فرض وطئ ينقص القيمة فليس فرض المسألة
والله عز وجل أعلم *
واعلم أن أصحابنا اختلفوا في أن الرد رفع للعقد من أصله أو من حينه وقد اتفقوا هنا على جواز
الرد وعلى أنه لا يجب المهر إلا ما سنحكيه من مقتضي كلام القاضي حسين وهذا الاتفاق يدل على أن
أثر ذلك عند من قال به إنما هو في الأعيان أما المنافع فلا وهو يقوى ما تقدم من البحث فيه والا
فلو أثبتنا عدم الملك كان ينبغي وجوب المهر وقد حكى القاضي حسين فيما إذا وطئ المشترى الجارية
المبيعة الثيب قبل القبض ثم ماتت أنه هل يغرم المشترى للبائع المهر على وجهين (ان قلنا) ينفسخ
من الأصل غرم وإلا فلا وقياس ذلك أن يأتي في الرد بالعيب ولم أرهم ذكروه وبتقرير ثبوته فهو
مختص بما قبل القبض لضعفه ملك المشتري وبقاء علقة ملك البائع فلا يلزم من ذلك طرده بعد القبض
على الطريقة الضعيفة الطاردة للقولين فيما بعد القبض وفيه نظر * هذا ما يتعلق بمن يقول بمنع الرد (وأما)
المذاهب النافية فمذهب ابن شبرمة أقربها لأنه يقول يردها مع مهر المثل بالغا ما بلغ وهو يتخرج
على ما تقدم من ارتفاع العقد من أصله تخريجا ظاهرا (وجوابه) ما تقدم وأما من قال يردها ويرد شيئا
يتقدر معها فتحكمات لا دليل عليها وأما من قال بامتناع ردها ولا يرجع بشئ فبعيد فان العيب
القديم يجب الرجوع بأرشه إذا امتنع الرد اللهم الا أن يطرد الجزء مذهبه ويمنع من أخذ الأرش
والله أعلم *
226

* (فرع) * هذا كله في وطئ المشترى فلو وطئها البائع أو الأجنبي بعد القبض بشبهة فهو كوطئ
المشترى لا يمنع الرد وإن كانت مختارة فهو زنا وهو عيب حادث يمنع الرد وإن كان قبل القبض فإن كانت
زانية فعيب يوجب الرد وإن كانت شبهة أو مكرهة فليس بعيب ويجب المهر على الأجنبي
للمشترى وأما البائع ففي وجوب المهر عليه وجهان بناء على جناية البائع على المبيع قبل القبض (ان قلنا)
كآفة سماوية لم يجب والا وجب وهما كالوجهين في الانتفاع بالمبيع قبل القبض فان ماتت بعد وطئ
البائع قبل القبض وقلنا العقد يرتفع من أصله لم يغرم المهر (وان قلنا) من حينه فوجهان بناء على القولين
في جناية البائع قال ذلك القاضي حسين وان ماتت بعد وطئ الأجنبي قبل القبض (فان قلنا) ينفسخ
العقد من أصله فالمهر للبائع (وان قلنا) من حينه فللمشتري قاله القاضي حسين وفى وجوب الحد على البائع
إذا وطئها جاهلا بالتحريم وجهان في التتمة * هذا في الثيب أما في البكر ففيها زيادة أحكام ستأتي
إن شاء الله تعالى *
* (فرع) * ما ذكرناه من أن الوطئ إذا كان على وجه الزنا عيب يمنع الرد استثني القاضي
حسين منه ما إذا لم تنقص قيمتها بالزنا بأن كانت معروفة بالزنا واشتراها على ذلك فإنه لا يمنع به الرد
ذكرت ذلك في جوابه عن اعتراض الحنفية وكذلك ذكره صاحب التتمة وطرده في الإباحة
والسرقة إذا حدثت ولم تنقص القيمة قال لأنها عيب من طريق الحكم يعنى بخلاف البرص ونحوه
إذا زاد فإنه عيب من حيث المشاهدة *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وإن وجد العيب وقد نقص المبيع نظرت فإن كان النقص بمعنى لا يقف استعلام العيب على
جنسه كوطئ البكر وقطع الثوب وتزويج الأمة لم يجز له الرد بالعيب لأنه أخذه من البائع وبه عيب
فلا يجوز رده وبه عيبان من غير رضاه وينتقل حقه إلى الأرش لأنه فات جزء من المبيع وتعذر
الفسخ بالرد فوجب أن يرجع إلى بدل الجزء الفائت وهو الأرش) * *
* (الشرح) * النقص الحاصل لرخص السعر ونحوه لا خلاف أنه لا يعتبر فلذلك قال المصنف
المعنى أي حاصل في المبيع وامتناع الرد في افتضاض البكر وقطع الثوب وتزويج الأمة إذا لم يكن لها
سبب سابق ولا ضم معها الأرش لا خلاف فيه عندنا لأنها عيوب حادثة في يد المشترى فلو رده
وبه عيبان كما قال المصنف في وطئ البكر مذاهب السلف قال ابن سريج والنخعي يردها ونصف
227

عشر ثمنها وتقدم في وطئ الثيب حكاية ثلاثة مذاهب مطلقة في الوطئ والظاهر أنها مطردة في البكر
وكلها ضعيفة واتفقوا في البكر على أنها بعد الافتضاض لا ترد مجانا لان المتقدمين أجمعوا على قولين
(اما) امتناع الرد (واما) الرد مع الأرش وجعلوا ذلك مثالا لامتناع أحداث القول الثالث كما هو رأى
أكثر الأصوليين ولا سيما هنا فان فيه دفع ما أجمعوا عليه وقد تكلم الشافعي في المختصر على
افتضاض البكر فقال وإن كانت بكرا فافتضها لم يكن له أن يردها ناقصة بما بين قيمتها صحيحة ومعيبة
من الثمن ثم تكلم بعد عن مسائل تكلم عن حدوث العيب عند المشترى فقال فان حدث عنده عيب
كان له قيمة العيب الا أن يرضى البائع أن يقبلها ناقصة فيكون ذلك له الا أن يشاء المشترى حبسها
ولا يرجع بشئ وتبعه الأصحاب على ذلك وتكلموا على كل من المسألتين وحدها وحزموا في وطئ
البكر أنه مانع من الرد وقالوا في مسألة حدوث العيب انه يمنع الرد به وقال ابن سيرين والنخعي والزهري
على ما نقله ابن المنذر وغيره والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وابن شبرمة وقال الشعبي أبطل الآخر الأول
وهذا يحتمل أن يكون موافقا لما قلناه ويحتمل أن يكون بمنع الرد ولا يرجع بشئ وذهب حماد ابن أبي
سليمان وأحمد وأبو ثور إلى أنه يرد السلعة وأرش العيب الذي حدث عنده قياسا على المصراة
وقال الماوردي ان أبا ثور روى ذلك عن الشافعي رضي الله عنه في القديم وهذا يرجع إلى الوجه
المشهور الذي في طريقة الخراسانيين فيما إذا طلب المشترى الرد مع الأرش والبائع اعطاء الأرش
وبقاء العقد وبالعكس من ايجاب كل منهما وسنذكره إن شاء الله تعالى ولذلك قال المرعشي قطع
الثوب من الصور التي فيها قولان (أحدهما) يرده وأرش القطع (والثاني) يأخذ الأرش فلا تنافى
بين الكلامين ولكن هل نقول الواجب له ابتداء له الرد مع بدل الأرش أو يتخير بين ذلك وبين
طلب الأرش أو ليس له أخذ الأرش الا أن يختار البائع الرد كما يقتضيه ظاهر قول الشافعي رضي الله عنه
في المختصر والأصحاب * فيه بحث ينبني عليه أنه هل تجب عليه المبادرة إلى لرد وبدل الأرش
أولا (ان قلنا) بالأول وجب (وان) قلنا بالثاني أو الثالث لم يجب وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله
تعالى واحتمال رابع وهو ما يقتضيه كلام الرافعي انه حقه أولا في الرد وحده فان امتنع البائع جاءت
هذه الاحتمالات وسنذكره إن شاء الله تعالى * إذا عرفت ذلك فهل ذلك جار في وطئ البكر أولا
الأقرب الأول واطلاق كلامهم يقتضيه وإنما أفردت مسألة وطئ البكر وحدها لأنهم ذكروه عقب
وطئ الثيب والبحث فيها مع الحنفية فانا نوافقهم على أن وطئ البكر مانع ويحتمل على بعد أن يقال
228

هما مسألتان فوطئ البكر وشبهه مما فيه فوات جزء كالخصاء أو قطع طرف من أطرافه أو قطع أصبع
زائدة سقط حقه من الرد وينتقل إلى الأرش جزما الا أن يرضى البائع بالرد والعيوب التي تنقص
القيمة فقط يجرى فيها خلاف أبي ثور والوجوه التي ستأتي فعلى الوجه الذي يقول بإجابة المشترى لم
يسقط حقه من الرد بل حقه في الرد باق مع إعطاء الأرش اما على التعيين أو على التخيير بينه وبين
أخذ الأرش كما تقدم وسيأتي إذا اتبعنا رأى المشتري ويؤيد هذا الاحتمال أن القاضي أبا الطيب نقل
الاجماع على أنه إذا قطع طرف من أطرافه في يد المشترى ثم وجد به عيبا قديما أنه لا يجوز له رده
ووضع الشافعي والمصنف من في الخلاف كابن المنذر وغيره مسألة الوطئ وحدها ومسألة حدوث العيب
وحدها وما تقدم عن الشعبي عامة قال في الجارية توطئ يردها ويرد معها حكومة وفى الجارية يحدث
بها عيب مبطل للعيب الأول وهذا يقتضى التغاير بين المسألتين والأول أوفق لاطلاقهم ولعموم
كلام الشافعي في المسألة الثانية ولكلام المصنف فإنه سوى بين وطئ البكر وقطع الثوب وتزويج
الأمة وليس في الثاني والثالث فوات جزء ولا ينحل أن هذه الثلاثة مشتركة في أنها صادرة من المشترى
فتكون محل الجزم ويخص الخلاف بما لم يكن من جهة المشترى لنقل أبى الطيب الاجماع في قطع
الطرف في يد المشترى فالأقرب أن العيوب كلها سواء في منع الرد الذي لم يضم معه الأرش أما إذا
ضم معه الأرش فعلى ما سيأتي وعلى رأى المصنف وهو الصحيح على ما سيأتي يمتنع مطلقا الا برضى
البائع لأنه يجاب من طلب تقدير العقد على الصحيح فلذلك صح اطلاق المصنف هنا ومحل الاتفاق
أيضا ما لم يكن العيب الحادث له سبب متقدم فإن كان له سبب متقدم فلا يمنع على الأصح كما
تقدم مبحث حمل كلام المصنف على مالا سبب له متقدما ومن ذلك ما إذا اشترى بكرا مزوجة
جاهلا فافتضها لزوج وقد تقدم * وممن صرح به هنا القاضي حسين وتقدم فيه بحث وجمع المصنف
بين وطئ البكر وقطع الثوب قيل لان أبا حنيفة وافق في وطئ البكر وخالف في قطع الثوب ففيه
قياس أحدهما على الآخر وقوله وطئ البكر محمول على افتضاضها فلو كانت غوراء فوطئها ولم تزل
بكارتها فهو كوطئ الثيب فيما يظهر * واعلم أن زوال البكارة يفرض على وجوه مختلفة الأحكام سأفرد
لها فرعا في آخر الكلام إن شاء الله تعالى وقوله من غير رضاه مفهم انه لو رضى البائع بالرد جاز وهو
كذلك لكن فيه بحث فان قوله في أول الكلام نقص المبيع يدخل فيه جميع أنواع النقص والنقص
قد يكون نقص صفة مخفية كقطع الثوب والتزويج وقد يكون نقصان عين ولكنها في حكم الوصف
229

كزوال البكارة فان جلد البكارة وإن كانت عينا لكنها لا تقابل بقسط من الثمن ولذلك لا يسقط من
الثمن بزوالها قبل القبض شئ وقد يكون نقصان عين مقابلة بجزء من الثمن كاحتراق بعض الثوب
فاما القسمان الأولان فجواز الرد إذا تراضيا عليه ظاهر وأما القسم الثالث فينبغي أن يكون كما إذا
رضى البائع أن يرد عليه بعض المبيع (والأصح) جوازه وقد تقدم فيه أنه لا يجوز * إذا قلنا لا يجوز تفريق
الصفقة وشرط النقص المانع من الرد بالاتفاق أن لا يكون له أمد ينتظر فلو كان قريب الزوال ففيه
خلاف مذكور في طريقة الخراسانيين سأذكره في التنبيه الذي في آخر الكلام إن شاء الله تعالى
(وقوله) وينتقل حقه إلى الأرش ظاهره أنه لا حق للمشترى في الرد لا على التعيين ولا على التخيير
وهو أحد الاحتمالات المتقدمة وسنعيد الكلام فيها إن شاء الله تعالى (وقوله) لأنه فات جزء من
المبيع إنما يظهر في القسم الثاني والثالث المتقدمين (أما الأول) وهو ما فيه نقصان صفة محضة فلا إلا
أن يتجوز في اطلاق اسم الجزء عليها ويدلك قوله بدل الجزء الفائت لكنه ههنا منزل منزلة الجزء
شرعا بدليل جبره بالأرش فلو لم يكن كالجزء لم يستحق الأرش في مقابلته لكنه ليس جزءا حقيقيا
والا لزم أن يسقط من الثمن شئ في مقابلته وان رضى المشترى بالرد وان لا يصح بيع أصلا حتى يحصر
الأوصاف التي يجب الأرش بفواتها وهي غير محصورة ويستثني من قول المصنف وينتقل حقه إلى
الأرش ما إذا كان العيب القديم هو الخصاء ولم تنقص به القيمة فإنه لا أرش له وسأذكر قريبا أن
كلام المصنف دال على ذلك فيما سيأتي ويؤخذ من قول المصنف أن الأرش يدل عن الجزء الفائت
فيكون جزءا من الثمن فليس عرفا جديدا وسيأتي الكلام في ذلك * (تنبيه) * هل يشترط المبادرة
باعلام البائع قال المتولي والبغوي والرافعي ان المشترى يعلم البائع بالحال فان رضي به معيبا قيل
للمشترى إما أن ترده وأما أن تقنع به معيبا ولا شئ لك وان لم ترض فلابد من ضم الأرش وصرح
الرافعي والبغوي من بعد بأنه لو أخر الاعلام من غير عذر بطل حقه من الرد والأرش إلا أن يكون
العيب حادث قريب الزوال غالبا كما سيأتي (قلت) وما ذكره يقتضى أن حقه أولا ثابت في الرد
فان امتنع البائع انتقل إلى الأرش وهو خلاف ظاهر عبارة المصنف وما حكيته من عبارة الشافعي
وكذلك عبارة كثير من الأصحاب فان ظاهرها ان حقه ثابت في الأرش إلا أن يرضى البائع
بأخذه معيبا وقد قدمت أن الاحتمالات أربعة بكلام الرافعي هذا وما ذكره الرافعي يدل عليه كلام
الغزالي هنا وكلام الامام في باب السلم ويؤخذ من كلامه وجهان في ذلك أرجحهما عنده أنه لا يثبت
230

الأرش الا الطالب الجازم وأما إذا كان العيب قريب الزوال كالصداع والحمى والرمد والعدة التي لزمتها
من وطئ شبهة ففي جواز التأخير قولان أو وجهان مذكوران في طريقة الخراسانيين عبر عنها البغوي
بقولين والغزالي بوجهين (أحدهما) يعذر بالتأخير وله انتظار زواله ليرده سليما عن العيب الحادث من
غير أرش (والثاني) لا كغيره من العيوب وعلله الغزالي بقدرته على طلب الأرش (فان قلت) هذان
الوجهان يدلان على أنه فيما ليس قريب الزوال لا يعذر في التأخير قطعا ويكون الاعلام لطلب الرد
والأرش على الفور وهو ما قاله الرافعي قلت يحتمل ذلك ويحتمل أن يكون هذان الوجهان في أن له
الرد بعد ذلك وان ذلك عذر في تأخير الرد أم لا فان جعلناه عذرا كان بعد زواله الرد واسترجاع
جميع الثمن وان لم نجعله عذرا تعين حقه في الأرش والاحتمال الأول أقرب إلى كلام الغزالي وعليه جرى
الرافعي فان الغزالي صرح على قولنا أن لا يعذر أنه أبطل حقه وظاهر ذلك بطل حقه من الرد والأرش
جميعا فيقتضى أن طلب الأرش على الفور فهم ابن الرفعة من كلام الغزالي أن الوجهين في تأخير
طلب المشترى الرد مع بدل الأرش ثم قال إنه لا يبعد جريان مثلهما فيما إذا قلنا إن حقه في طلب
الأرش عن العيب القديم فاخر طلبه إلى زوال الحادث وبه صرح في الشامل في نظير ذلك إذا علم
عيب الجارية بعدما حملت والحمل ينقصها يرجع لأرش وقيل للمشترى أمسكها حتى تضع ويردها
وقد تقدم ذلك والذي أفهمه أن المسألة واحدة متى وجد عيب قديم وعيب جديد منتظر الزوال جرى
الوجهان في جواز التأخير إلى الرد من غير أرش أو طلب الأرش الآن لكن هل تتعين الفورية
في طلبه أولا فيه ما سلف عن الغزالي والرافعي من وجوب الفورية وعن غيرهما من عدمها ولا فرق
بين طلب الرد مع بدل الأرش وبين طلب الأرش بخلاف ما أفهم كلام ابن الرفعة من أنهما مسألتان *
نعم يلتف ذلك على البحث الذي تقدمت الإشارة إليه هل حق المشترى أولا في الرد أو في طلب
الأرش (فان قلنا) بالأول يظهر الخلاف في كون التأخير بهذا السبب عذرا أولا (وان قلنا) بالثاني يظهر
سقوط حقه من الرد ويعين الأرش الا برضى البائع ولا تشترط الفورية هذا ما يتضح عندي في ذلك
والله عز وجل أعلم * والوجه الذي حكاه صاحب الشامل معناه أنه يؤخر طلب الأرش ويرد بعد
الوضع وأما تأخير طلب الأرش وحده بعد امتناع البائع من الرد فجائز قطعا ولا يجب المبادرة إلى أخذ
الأرش ولذلك صرح صاحب التهذيب بان أخذ الأرش لا يكون على الفور بل متى شاء أخذ وكذلك
صاحب التتمة *
231

* (فرع) * زوال البكارة إذا كان بعد القبض فهو مانع من الرد سواء كان بوطئ المشترى
أو البائع أو أجنبي سواء كان بآلة الافتضاض أو بغيرها كإصبع أو خشبة أو ظفره أو وثبة أو غير ذلك
كل ذلك مانع من الرد (1) إلا إذا اشترى أمة مزوجة فزالت بكارتها بعد القبض بوطئ لزوج فقد
تقدم فيه وجهان وهما يثبتان هنا في تعليقة القاضي حسين (أصحهما) عند الرافعي على ما تقدم هناك أنه
غير مانع وقال صاحب التتمة إنه مانع في صورة العلم دون الجهل وهو الأصح وإن كان زوال البكارة
قبل القبض فإن كان من الزوج فان جهل المشترى الزوجية فلا شكال في أن ذلك موجب للرد فضلا
عن كونه غير مانع وان علم المشترى الزوجية فقد تقدم الكلام في هذا الباب في موضعين على كونه
موجب للرد بسببه أو مانعا من الرد بغيره أولا والذي ظهر أنه غير موجب ولا مانع وصرح صاحب
التتمة بأنه غير مانع كما قلته وإن كان من غيره فهو جناية على المبيع قبل القبض سواء كانت مكرهة
أو مطاوعة وسواء كان الواطئ عالما أو جاهلا والتفصيل فيه أنه إن كان من أجنبي فإن كان بغير آلة
الافتضاض فعليه ما نقص من قيمتها وان افتضها بآلته فعليه المهر وهل يدخل فيه أرش البكارة أو يفرد
فيه ثلاثة أوجه (أصحهما) عند الرافعي هنا يدخل فعليه مهر مثلها بكرا (والثاني) يفرد فعليه أرش
البكارة ومهر مثلها ثيبا (والثالث) يجب أرش البكارة ومهر مثلها بكرا وهو الذي جزم به الشيخ
أبو حامد في تعليقه في باب الشرط الذي يفسد البيع والرافعي هناك أيضا ثم المشترى ان أجاز العقد
فالجميع له هكذا أطلق الرافعي وهو كذلك ان تم العقد اما ان ماتت قبل القبض فقال القاضي حسين
أرش البكارة للبائع وجها واحدا كما لو قطع أجنبي يدها ثم ماتت في يد البائع فأرش القطع للبائع وفى
مهر مثل الثيب وجهان (ان قلنا) ينفسخ من أصله فهو للبائع (وإن قلنا) من حينه فللمشتري وهذا الذي
قاله القاضي حسين متعين وان فسخ المشترى العقد قال الرافعي فقدر أرش البكارة للبائع لعودها إليه
ناقصة والباقي للمشترى فاما قوله أرش البكارة للبائع فهو شاهد لما قاله القاضي حسين (وأما) قوله الثاني
للمشترى فينبغي أن يكون ذلك على قولنا أنه ينفسخ من حينه (أما) إذا قلنا ينفسخ من حينه فيكون
الجميع للبائع كما تقدم في كلام القاضي عند التلف (وأما) إذا افتضها البائع فان اختار المشترى فلا شئ
على البائع (إن قلنا) جنايته كالآفة السماوية (وان قلنا) كالأجنبي فحكمه حكمه هكذا قال الرافعي تبعا لصاحب
التهذيب واختلف جواب القاضي حسين فيها فمرة قال كذلك وهو آخر قوليه ومرة قال فيما إذا كان

(1) بياض بالأصل
232

بغير آلة الافتضاض يسقط من الثمن ما بين كونها بكرا وثيبا وكذلك اختلف قوله فيما لو قطع البائع يد
العبد المبيع قبل القبض واندمل وقلنا جنايته كجناية الأجنبي انه هل يجب عليه كمال القيمة أو نصفها
قال كما لو باع عشرة آصع حنطة بعشرة دراهم ثم أتلف البائع صاعا منها قبل القبض يسقط عن المشترى
عشر الثمن ولا يقول يجب على البائع مثله لأنه عامد هكذا قاله القاضي ودعواه في هذه الصورة ممنوعة
أيضا بل مقتضى التفريع أنه إذا أجاز المشتري يجب عليه مثله قال القاضي حسين فيما إذا وطئها البائع
وافتضها وجعلنا جنايته كجناية الأجنبي وأجاز المشترى وقلنا أرش البكارة ينفرد ينظر كم نقص ذهاب
البكارة من قيمتها فذلك القدر من الثمن يسقط إن نقص عشر قيمتها سقط من الثمن عشره ويجب
من مهر مثلها ثيبا ان جعلناه كالأجنبي (وان قلنا) أرش البكارة لا يفرد فيجب مهر مثلها بكرا مثلا مائة
وثيبا ثمانين فخمس مهرها بكرا أش البكارة ان جعلناها كجناية الأجنبي سقط من الثمن بحصته
وفى أربعة أخماس الثمن وجهان فان مايت في يد البائع بعد افتضاضه سقط جميع الثمن وقدر ما يقابل
أرش البكارة لا يجب على البائع وهل يغرم مهر مثلها ثيبا (إن قلنا) الفسخ رفع من أصله لم يغرم
(وان قلنا) من حينه وجناية البائع كالأجنبي غرم * هذا التفريع للقاضي حسين فإنه لم يفرع الا على
قوله الأول وفيه مخالة كما قاله الرافعي في الحاقه بالأجنبي مطلقا وان فسخ المشترى فليس على البائع
فسخ أرش البكارة وهل عليه مهر ثيبا ان افتضى بآلته يبنى على أن جنايته كالآفة السماوية
لم يجب أم لا وهكذا قال الرافعي ومقتضاه انا ان قلنا كالآفة السماوية لم يجب وهو صحيح (وإن قلنا)
كالأجنبي وجب وينبغي إذا قلنا إن جنايته كالأجنبي فيخرج على أن الفسخ رفع للعقد من أصله أو
من حينه (إن قلنا) من أصله لم يجب أيضا والا وجب في هذين القسمين زوال البكارة من البائع
ومن الأجنبي قبل القبض لا يمنع الرد بالعيب القديم بل هذا عيب اخر مثبت للرد وأما إذا افتضها
المشترى قبل القبض فيستشعر عليه من الثمن بقدر ما نقص من قيمتها وهو تعييب مانع من الرد
بالعيب القديم فان سلمت حتى قبضها فعليه الثمن بكماله وان تلفت قبل القبض فعليه بقدر نقص
الافتضاض من الثمن وهل عليه مهر ثيب يبنى على أن العقد ينفسخ من أصله أو من حينه هكذا قاله
الرافعي وجعل القاضي حسين ذلك تفريعا على قولنا إن أرش البكارة يفرد على المهر فان قلنا لا يفرد
233

قال فيتقرر على المشترى من الثمن بقدر ما يقابله باعتبار القيمة وفى الباقي من المهر الوجهان وبين
التقديرين اختلاف فانا إذا أفردنا أرش البكارة وكان عشرين مثلا وهو عشر قيمتها قررنا عشر
الثمن وإذا لم يفرد وكان مهرها بكرا مائة أو ثيب ثمانين فأرش البكارة الخمس فيتقدر خمس الثمن
ولنفرض القيمة واحدة في المثالين فإذا ما ذكره الرافعي إنما يجئ على القول الضعيف فان الصحيح ان
أرش البكارة يدخل في المهر وهذا كله إذا لم نجعل وطئ المشترى كوطئ الأجنبي وهو للصحيح وهذا
التقرير على طريقة القاضي حسين والرافعي هنا وأما على طريقة الشيخ أبى حامد والرافعي في باب
فساد البيع أنه يجب مهر بكرا وأرش البكارة متعين ولا يخفى الحكم وفى وجه افتضاض المشتري قبل
القبض وافتضاض الأجنبي وفرق القاضي حسين بأن ضمان الجناية بالشرع فروعي فيه واجب الشرع
وهذا ضمان معاوضة فروعي فيه موجب العقد والعقد اقتضى التقسيط على الاجزاء فلذا قال الفارقي
تلميذ المصنف تكلمت يوما في هذه المسألة في حلقة الدامغاني قاضي القضاء وهي من مفردات أحمد
فقلت قضية العقد التسوية بين المتعاقدين وحق الرد ثبت للمشترى إذا لم يحدث عنده عيب لأنه
بذل الثمن ليحصل على مبيع سليم فلما فات أثبتنا له الرد جبرا لحقه فإنه لو أخذ منه الثمن الذي بذله في
مقابلة السليم وجعل على المعيب فكان اخلالا بالنظر وترك التسوية بينهما فلذلك إذا حدث عنده
وجب أن يمنع عليه الرد لأنا لو جوزنا له ذلك أفضى إلى الاضرار بالمنافع لأنه خرج المبيع عن ملكه
سليما فلا يجوز رده إليه معيبا تسوية بين جانبه وجانب المشترى فقال لي هذا بيان التسوية بينهما
وامتناع الرد فلم رجحت جانب البائع على جانب المشترى حتى ألزمت المشترى المعيب فقلت هذا في
قضية النظر لا يلزمني لان مقصودي بيان امتناع الرد على المشترى وذلك يحصل بالمعاوضة لمراعات
حق البائع والتسوية بينهما فلا حاجة إلى بيان الترجيح ثم أشرع ببيانه (فأقول) إنما رجحت جانب
البائع على المشترى لان البائع إذا ألزمناه اخذ المبيع بعيبين عظم الضرر في حقه لأنه خرج المبيع عن
ملكه سليما من هذا العيب لحدوثه فإنه جزء من ملكه الذي كان ثابتا له والمشتري لم يكن في ملكه
شئ ففات عليه وإنما قصد تحصيل شئ على صفة فلم يحصل على تلك الصفة وليس الضرر في حق
من فاته شئ كان له حاصلا كالضرر في حق من لم يحصل له ما قصده (قلت) قوله أنها من مفردات
أحمد قد تقدم أن ذلك قول أبي ثور رواه عن الشافعي ويوافقه أحد الأوجه في المذهب وهو مذهب
مالك أيضا على تفصيل عنده *
234

* (فرع) * أطلق المصنف أن تزويج الأمة مانع من الرد ويطرقه أمران (أحدهما) أنا سنحكي
حكاية عن صاحب البيان وجها ضعيفا أن التزويج بعيب وقياس ذلك يطرد ههنا (الثاني)
لو قال الزوج لها إن ردك المشترى بالعيب على البائع فأنت طالق فكان قبل الدخول ثم وجد بها
عيبا قال الروياني في البحر قال والدي رحمه الله (الأظهر) عندي أن له الرد لان الفرقة تقع عقب الرد
بلا فصل ولا يخلف النكاح عنده قال الروياني ويحتمل أن يقال ليس له الرد بمقارنة العيب الرد وعلى
ذهني من كلام الغير ما يعضد هذا الاحتمال وانه لو زوجها المشترى للبائع ثم عيبها لم يكن له أن يردها
عليه وإن كان النكاح ينفسخ برده لوجود العيب الآن صرح بذلك صاحب التتمة وقد ترتب ذلك
على أن العلة مع المعلول أو قبله (إن قلنا) بالأول فلم تصادف الزوجية الرد فتصح (وان قلنا) بالثاني فوجهان
(أحدهما) لا يصح للمقارنة قال الروياني ولأنه قد يموت عقيب الرد فيلزمها عدة الوفاة ولا يقع الطلاق
على المذهب الصحيح أي لمصادفته زمان البينونة فيؤدى إيجاب القبول إلى الحاق الضرر به (والثاني)
يصح كما ذكره والد الروياني ولان الزوجية في مثل هذا الحال لا تعد عيبا والأقرب أنه يمتنع لما قاله
الروياني ولما قدمته وحينئذ يبقى كلام المصنف على اطلاقه *
* (فرع) * إذا وجد المشترى العيب فقبل رده مع كونه في الرد جاء البائع وقطع يده
ففيه وجهان (أحدهما) له الرد قال الروياني وهو الأظهر عندي لا لأنه عيب حدث في يد
المشترى (قلت) هكذا أطلق هذين الوجهين ويحتمل أن يكونا خاصين بهذه الصورة حتى
لا يكون فعل البائع مانعا لما شرع فيه المشترى ومحل ذلك أن نظر في جميع العيوب الحاصلة
في المشترى من جهة البائع فيطرد ذلك في زوال البكارة من البائع وغيرها والكلام المتقدم في
زوال البكارة يخالفه *
* (فرع) * من جملة العيوب المانعة من الرد لو كان غلاما فحلق شعره لأنه ينقص من ثمنه
قاله أبو عاصم العبادي *
* (فرع) * اشترى فرسا بحمار وخصى الفرس ثم وجد به عيبا فالظاهر ومقتضى قول الجمهور
وبه قال البغوي انه ليس له الرد إلا برضى البائع وقال القاضي حسين في فتاويه ان لم تنقص قيمته له
أن يرد وان نقصت استرد بقدر ما نقص من قيمته من عين الحمار لا من قيمته وإن كان الحمار
قد تلف استرد من قيمته *
235

* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فان قال البائع أنا آخذ المبيع مع العيب الحادث لم يلزمه دفع الأرش لأنه لم يكن له غير
الرد وإنما امتنع للعيب الحادث في يده فإذا رضى به صار كأنه لم يحدث عنده عيب فلم يكن له غير الرد
وإن قال المشترى أرده وأعطى معه أرش العيب الحادث عندي لم يلزم البائع قبوله كما إذا حدث العيب
به عند البائع فقال خذه وأنا أعطيك معه أرش العيب لم يلزم المشترى قبوله) * *
* (الشرح) * هذا نوعان من المسألة المتقدمة ولا شك أن للبائع والمشترى عند اجتماع
العيب القديم والحادث أحوالا (أحدها) أن يرضى البائع برده من غير أرش للحادث فذلك له
وليس للمشترى بعد ذلك إلا أن يمكسه مجانا أو يرد ولا يكلف رده كما لا يكلف رده إذا انفرد
العيب القديم ولا يكلف البائع الأرش وهذه الحالة هي المسألة الأولى من كلام المصنف هنا (وقوله)
لأنه لم يكن له غير الرد يؤيد ما تقدم عن الرافعي ويقتضي أن حقه الأصلي هو الرد لا الأرش (الثانية)
أن يتفقا على إمساكه وأخذ أرش العيب القديم فذلك جائز بلا خلاف وهو الذي اقتضى كلام
المصنف فيما تقدم أنه الواجب لكن بطريق الانتقال من الرد إليه ولا يأتي ههنا الخلاف المتقدم في
كلام المصنف فيما إذا تراضيا على دفع الأرش لاسقاط الخيار عند امكان الرد والفرق على أحد الوجهين
أن الاعتياض هناك عن سلطة الرد وهي لا تقابل والمقابلة هنا عن ما فات من وصف السلامة في
المبيع (الثالثة) أن يتفقا على الرد مع الأرش وذلك جائز أيضا ولم يذكر المصنف هذه الحالة لكن
ذكرها الرافعي وهل أخذ الأرش هنا بطريق الاعتياض فيرد السؤال المتقدم ويكون هنا أقوى
لأنه في مقابلة سلطة طلب الأرش أو ليس بطريق الاعتياض ولكن يجعل قائما مقام الجزء الفائت
لعيب الحادث ويرد الرد عليها كما في رد الصورة ويأتي ذلك البحث لذي هناك أو انه لما فات
ذلك الجزء عند المشترى وهو مقابل ببعض الثمن فإذا رد الباقي برضى البائع انفسخ العقد فيما يقابل
المردود من الثمن وبقى ما يقابل الجزء الفاقت لم ينفسخ فيه العقد وتظهر فائدة هذا فيما لو كان الثمن
عرضا أو نقدا باقيا بحاله أنه لا يسترجع منه مقدار أرش العيب الحادث وعلى التقدير بين الأولين
يسترجع جميع الثمن ويغرم من عنده الأرش أو أنه لما انفسخ العقد فيه لزمه غرامة ما فات تحت يده
كالمستلم ويكون من باب الغرامات المحقة ليس منسوبا من الثمن سيأتي في كلام المصنف في مسألة
236

ومالا يوقفه على عيبه الا بكسره ما يدل لهذا الاحتمال الرابع وفي كلام الامام في مسألة الحلى ما يشهد
للاحتمال الثاني والله أعلم * وقال إن القائل بان المبيع عند التنازع من يدعوا إلى الامساك يقول إذا
فرض التراضي على الرد وضم أرش العيب الحادث فسبيله سبيل الإقالة (قلت) وذلك لا يدفع
الاشكال فان الإقالة فسخ على المذهب فيعود البحث فيها ولا يجوز أن يقع الفسخ على شرط أن
يضمن المشترى الأرش فان ثبت الاحتمال الثاني كما اقتضاه كلام الامام لم يكلف أن يبقى في ذمة المشتري
بل لابد من إحضاره حتى يجاب كما يدل على ذلك كلام الامام في مسألة الحلي وسأذكرها
إن شاء الله تعالى وهو يبين ما تقدم من البحث في المصراة من اشتراط رد التمر معها وفى معرفة قدر
الأرش الذي يرده المشترى عن العيب الحادث كلام سيأتي في معرفة أرش العيب القديم إن شاء الله
تعالى والذي قاله الأصحاب في مسألة يغرم أن الرد يرد على العين مع الأرش المردود وفى كلام المصنف
هنا ما يقتضى ذلك وسنبينه إن شاء الله تعالى لكن الإمام قال هناك ومما يجب التنبيه له إنا إذا
قلنا في العيب الحادث حيث كان لازما في الصفقة أن المشترى يضم أرش نقص العيب الحادث إلى المبيع
ويردهما فهذا في أصل وضعه إشكال فان التمليك بالفسخ رد واسترداد حقه أن لا يتعدى المعقود عليه
والرد كاسمه فتقدير إدخال ملك جديد في التمليك بطريق الرد بعيد ولا وجه يطابق القاعدة إلا أن
يقول لرد يرد على المعيب بالمعنيين فحسب من غير أن يقتضى تضمين المشترى أرش المعيب بتأويل
تقدير الضمان في حقه وتشبيه يده بالأيدي الضامنة ولكن لا يتعين المردود عليه بذمة الرد فيضم
الأرش إلى المبيع المردود فيكون المضمون مستحقا بالسبيل الذي اشترت إليه وليس أرش العيب
الحادث مردودا ولو قال الراد أرد ثم أبذل لم يكن له ذلك لعدم الثقة وإذا رد مع لأرش جرى في
عين المضمون يتأول أنه ضمن وأقبض لا على أنه ملك بالرد شيئا لم يرد عليه العقد وهذا يدل لما
سيأتي عن المصنف وغيره من الأصحاب أن الأرش عن الحادث غرامة غير منسوبة من الثمن لكن
الذي قاله المصنف والأصحاب هناك هو عام في كل عيب حادث أو خاص بما لا يوقف على عيبه إلا
بكسره فيه نظر (الحالة الرابعة) أن تنازعا فيذعن أحدهما إلى الرد مع أرش العيب الحادث ويذعن
الآخر إلى الامساك وغرامة أرش العيب القديم وهذا يفرض على وجهين لأنه قد يكون طالب الرد
237

هو المشترى وهي المسألة الثانية في الكتاب وقد قطع المصنف فيها بأن المجاب البائع وقد يكون طالب
الرد هو البائع والمشترى يطالب الامساك وأخذ الأرش ولم يذكرها المصنف هنا ومقتضى طلاقه فيما
تقدم أن المجاب المشترى لأنه جعل الواجب له الأرش إلا أن يرضي البائع بالرد أي مجانا وهو هنا
لم يرض بالرد إلا مع الأرش وما اقتضاه كلام المصنف في الصورتين هو الصحيح الذي صححه
(1) والرافعي وعبروا عنه بان المتبع من يذعن إلى الامساك لما فيه من تقرير العقد ولان
الرجوع بأرش العيب القديم يستند إلى أصل العقد لان قضيته أن لا يستقر الثمن بكماله إلا في مقابلة
السليم وضم أرش العيب الحادث إدخال شئ جديد لم يكن في العقد فكان الأول أولى (قلت)
وهذا فيه تقوية لما أبديته من الاشكال في أخذ الأرش من المشترى وقد تقدم ما فيه ووراء هذا
وجهان آخران في طريقة الخراسانيين حكاهما غيره (أحدهما) أن المتبع رأس المشترى ويجبر البائع
على ما يقوله لان الأصل أن لا يلزمه تمام الثمن إلا بمبيع سليم فإذا تعذر ذلك فوضعت الخيرة إليه ولان
البائع ملبس بترويج المبيع فكان رعاية جانب المشترى أولى ويروى هذا الوجه عن ابن أبي ليلى
ومالك وأحمد قال الرافعي وعن أبي ثور أنه نصه في القديم (قلت) وقد تقدم ما نقله الأصحاب عن أبي
ثور وأنه رواه في القديم لكن محله هناك في إجابة المشترى إلى الرد وأما إجابته إلى الامساك
فلم أرهم ذكروها هناك (فان قلت) إذا أجيب في الرد فأجابته في الامساك أولى للمعنيين المتقدمين
(قلت) قد يكون أبو ثور يروى أنه ليس حق المشترى إلا في الرد مع الأرش ولا يسوغ أخذ الأرش
كما هو ظاهر قوله أنه يرد السلعة فأرش العيب (والوجه الثاني) وهو الثالث من الأصل أن المتبع رأى
البائع لأنه إما غارم أو آخذ ما لم يرد العقد عليه وهذه الأوجه الثلاثة تحصل في كل من الصورتين
وجهان وهما في الثانية مستويان لراية الصيدلاني وذكر الشيخ أبو محمد في السلسلة الصورة الأولى
التي في الكتاب وهي إذا طلب المشترى الرد وغرامة أرش الحادث وحكى الوجهين فيها وبناهما
على القولين فيما إذا اشترى عبدين ومات أحدهما ووجد بالثاني عيبا وأراد ضم قيمة التالف إليه
وانفسخ فيهما أن جوزنا هناك أجبنا هنا والا فلا بل يغرم البائع أرش القديم وهذا البناء يقتضى
ضعف القول بإجابة المشترى لان الأصح هناك عدم اجابته في ضم قيمة التالف وأيضا فان القولين
المذكورين مفرعان على امتناع افراد الموجود بالرد وقد تقدم فيه قولان مشهوران فهو خلاف

(1) بياض بالأصل
238

على خلاف وبنى الشيخ أبو محمد الوجهين في الصورة الثانية على القولين فيها إذا اشترى جوازا فكسره
فوجده فاسدا وقلنا له رده هل للبائع الأرش قولان (ان قلنا) له أجبنا البائع هنا والا فلا (قلت)
والأصح على ما سيأتي انه ليس له الأرش كذلك هنا (الأصح) انه لا يجاب البائع في هذه الصورة فيسأل
الشيخ أبو محمد بالجواز المراد به ما يبقى له قيمة بعد الكسر على ما سيأتي مبينا إن شاء الله تعالى *
* (فروع) * الأول لزوال العيب الحادث قبل علمه بالعيب القديم ثم علمه فله الرد على الصحيح
المنصوص في البويطي وفيه وجد ضعيف جدا وقال ابن الرفعة إن الأشبه أن محله فيما لا يرجى زواله
يعني عن قرب وأما ما يرجى زواله لو زال فلا يمنع من الرد قولا واحدا ولو زال القديم بعد أخذ أرشه
لم يأخذه وقد تقدم ما يقتضى اثبات خلاف فيه وكذلك هو في التتمة وإن زال القديم بعد
أخذه أرشه رده على المذهب وقيل وجهان كما لو نبت سن المجني عليه بعد أخذ الدية هل
يردها ولو زال العيب الحادث بعدما أخذ المشترى أرش العيب القديم أو قضى به القاضي ولم يأخذه
فهل له الفسخ ورد الأرش فيه وجهان بناهما الشيخ أبو محمد في السلسلة على الوجهين إذا قطع كامل
الأنملة العليا من يد رجل ثم الأنملة الوسطى من يد آخر ويد المجني عليه ثانيا بالطلب فأعطيناه
الأرش من غير عفو ثم قطع الأول الأنملة العليا وأراد الثاني رد الأرش وقطع الوسطى قال (والأصح)
أنه ليس ذلك (قلت) وكذلك الأصح أنه ليس له الفسخ بعد الاخذ وكذلك بعد الحكم على ما صححه
البغوي وجزم ابن الصباغ عن الأصحاب بعد الحكم والقبض أنه لا فسخ وجعل محل الوجهين بعد
الحكم وقبل الاخذ ولو تراضيا ولا قضيا فالأصح أن له الفسخ قال الرافعي وكلما ثبت الرد على البائع
لو كان عنده يمنع الرد إذا حدث عند المشترى ومالا رد به على البائع لا يمنع الرد إذا حدث في يد
المشترى الا في الأقل ولعله احترز بذلك عما إذا قطع إصبعه الزائدة فان القاضي أبا الطيب قال عندي
انه يمتنع الرد وتبعه ابن الصباغ والعجلي لكني رأيت في التهذيب أنه لو باع أقلف فختنه البائع قبل
التسليم وبرأ أو كان به سن شاغية أو إصبع زائدة فقلع السن وقطع الإصبع قبل التسليم وبرئ فلا
خيار للمشتري وهذا يقتضى أن زوال هذه الاجزاء مع البرء ليس بعيب ولذلك لم يرد به على البائع
239

لكن في كونه مانعا من الرد نظر إذا لم يكن عيبا فان قيل لأنه جزء من المبيع ورد عليه العقد وقد
يتعلق بفواته غرض فينبغي أن يكون كذلك إذا حدثت قبل القبض أن يثبت الرد به أما إذا وجد
ذلك قبل العقد فصحيح انه لا يثبت الرد به جزما فان صح ما قاله صاحب التهذيب مع ما قاله القاضي
أبو الطيب تعين الاستثناء والاحتراز كما فعل الرافعي والا فيصح أن يقول كما لا رد به على البائع
إذا حدث في يده قبل القبض بمنع الرد إذا حدث في يد المشترى ويبقى الطرفان لا يستثني منهما
شئ وسيأتي وصاحب التتمة خالف القاضي أبا الطيب ولو أخصى العبد ثم علم عيبا قديما فلا رد وان
زادت القيمة ولو نسي القرآن أو صنعة ثم علم به عيبا قديما فلا رد لنقصان القيمة ولو كانت الجارية
رضيعة فأرضعتها أم البائع أو ابنته في يد المشترى ثم علم عيبا فله الرد وان حرمت على البائع لان القيمة
لم تنقص بذلك وقد تقدم نظيرها في وطئ الثيب إذا كان البائع أبا المشترى أو ابنه ولو اطلع على
العيب القديم بعد رهنه فلا رد في الحال وفى وجوب الأرش وجهان ان عللنا باستدراك الظلامة
فتم وان عللنا بتوقع العود فلا وعلى هذا فلو تمكن من الرد رد وإذا اطلع على العيب القديم بعد
الإجارة فإن لم يجوز مع المستأجر فهو كالمرهون وان جوزناه فهو عيب يرجى زواله فان رضى البائع
بأخذ مستأجرا رد عليه ولا تعذر الرد نفى الأرش الوجهان هكذا قال الرافعي وقاله القاضي حسين
في الدرس الثاني بعد إن كان قال إنه إذا رهنه أو أجره فهل يفسخ في الحال أولا حتى ينفك الرهن
وتمضي مدة الإجارة فيه وجهان إن منعنا لم نجوز له الأرش لان للرهن والإجارة غاية معلومة بخلاف
التزويج وسواء؟؟؟ أو فسخ في الحال فالأجرة للمشترى ولو تعذر الرد بغصيب أو إباق قال الرافعي
انه يجرى فيه الوجهان اللذان ذكرهما في الإجارة وسيأتي التعذر بالإباق في كلام المصنف وصرح
صاحب التهذيب بحكاية الوجهين في أخذ الأرش عند الآبق والغصب (أحدهما) نعم للتعذر
(والثاني) لا لعدم اليأس وقرار الرقيق على نفسه في يد المشترى تدين المعاملة أو تدين الائتلاف
مع تكذيب المولى لا يمنع الرد بالعيب القديم وان صدقه مشترى المولى على دين الائتلاف منع
منه فان عفى المقر له بعدما أخذ المشترى الأرش فهل له الفسخ ورد الأرش وجهان جاريان فيما
إذا أخذ المشتري الأرش كرهنه العبد أو كتابته أو إباقته أو غصبه أو نحوها ان مسكناه من ذلك ثم زال
240

المانع من الرد قال في التهذيب (أصحهما) لا فسخ وإن كان دبره أو علق عتقه بصفة فله الفسخ لان
التدبير يقبل الفسخ وكذا التعليق قابل للرفع بازلة الملك قاله القاضي حسين وهو ظاهر وان زوج
الجارية أو العبد ثم علم بالعيب ولم يرض البائع بذلك قطع جماعة بوجوب الأرش لان النكاح يراد
للدوام فهو كعيب لا يرجى زواله وقال الرافعي رحمه الله ان بعضهم قطع بهذا وأن الروياني والمتولي
اختاراه وهذه العبارة قد تفهم أن بعضهم خرجه على الخلاف * قال ابن الرفعة ولم أر من صرح به (وأما)
الكتابة فحكى القاضي حسين فيها وجهين وقال الأظهر على المعنى أنه لا يفسخ (وقال) الماوردي إنه
لا رد ولا أرش لعدم اليأس ولاستدرك الظلامة بالنجوم (وقال) الرافعي الأظهر انه كالرهن وأنه
لا يحصل الاستدراك بالنجوم يعنى لأنها في الحقيقة ماله (وقال) في التتمة انه ان امتنع البائع من القبول
أو قلنا تبع المكاتب لا يجوز فإنه يجب الأرش
(وقال) الرافعي رحمه الله تعالى ان في التتمة أن الكتابة
كالتزويج ومراده في وجوب الأرش (وأما) في جواز الرد فقد علمت بناء صاحب التتمة على جواز بيع
المكاتب فليست كالتزويج مطلقا فقد اجتمع في الكتابة أربع طرق (أصحهما) أنه كالرهن فلا يفسخ
في الحال ولا يجب الأرش على الأصح وهي طريقة الرافعي (الثاني) أنه لا يرجع بالأرش في الحال قطعا
وهي طريقة الماوردي (الثالث) القطع بوجوب الأرش وهي طريقة صاحب التتمة (الرابع) أنه
يفسخ وهو ما أشعر به كلام القاضي حسين في قوله الأظهر أنه لا فسخ وهذه العلة بناء على جواز بيع
المكاتب وأنه تبطل الكتابة وهو أحد الوجهين على القديم بل يتعين تفريعه على ذلك وتكون
الطرق الثلاث على امتناع بيعه ولو أخذ الأرش ثم عجز المكاتب أو طلق الزوج فعلى الوجهين
المتقدمين في زوال العيب بعد أخذ الأرش *
* (فرع) * لو أنعل الدابة ثم علم بها عيبا قديما ان لم يعيبها نزع النعل بأن تكون كانت موجودة
في يد البائع وسمر المشتري النعل فيها ولم يكن يحدث بقلعها نزع فله نزعه والرد فإن لم ينزع في هذه
الحالة لم يجب على البائع قبول النعل والفرق بين النزع هنا والنعل في يده طلب الخصم أن ذلك
اشغال يشبه الحمل عليها وهذا تفريع وقد تقدم ما ذكره القاضي في أن اشغال المشتري يجز الصوف
مانع من الرد وذكرت هناك هذه المسألة على سبيل الايراد عليه ولعله يطرده فيهما بل يتعين ذلك
فان بابه وجوب المبادرة بالتلفظ بالفسخ وإن كان نزع الحافر يخرم نقب المسامير ويعيب الحافر فنزع
241

بطل حقه من الرد والأرش وفيه احتمال للامام ولو كان نزعه قبل الاطلاع على العيب فان حصل به
نقص كان كسائر العيوب الحادثة في الأرش ولو ردها مع النعل أجبر البائع على القبول وليس
للمشتري طلب قيمة النعل ثم ترك النعل هل هو تمليك من المشترى فيكون للبائع لو سقط أو
اعراض فيكون للمشتري (وجهان) أشبههما الثاني هذا إذا جرى الترك وحده فان حصل لفظ الهبة
حصل الملك وقيل بجريان الخلاف وقد تقدم ذلك في الأحجار في باب بيع الأصول والثمار وليس له
على قولنا أنه لا يملك المطالبة به ما دام متصلا ولو طلب نزعه قبل الرد بالعيب فله ذلك وفيه دليل
على أنه لا يجب عليه البدل ابتداء وبه صرح الامام ولو قال المشترى لا أسمح بالنعل وطلب الأرش
عن العيب القديم لأنه لا يلزمني المسامحة وقلعه يقتضى حدوث تعيب قال الغزالي لم يكن له ذلك
فإنه كالحضر في مؤنة الرد *
* (فرع) * إذا صبغ المشترى الثوب ثم اطلع على عيب قديم فان نقصت قيمة الثوب بالصبغ
فلا اشكال في أن ذلك عيب حادث وحكمه ما تقدم عند الوفاق أو التنازع (وأما) إذا زادت القيمة فقد
قال صاحب التقريب ثم الامام والغزالي والرافعي انه ان رضى المشترى بالرد من غير أن يطالب
بشئ فعلى البائع القبول وهذا لا نزاع فيه وقد أطلق ابن الصباغ والبندنيجي أنه إذا صبغه لم يكن
له رده مصبوغا ويرجع بالأرش وحلمه ابن الرفعة على ما إذا حصل بالصبغ نقص توفيقا بينه وبين
ما قال الامام والأولى عندي أن لا يحمل على ذلك لما يدل عليه آخر كلامه بل مراده أنه ليس له
الرد إذا لم يسمح بالصبغ فان سمح لم يتعرض له فهذه الحالة التي ذكرها صاحب التقريب والامام
لم يتعرض لها ابن الصباغ وكلامه مطلق يجب تقييده قال الامام ويصير الصبغ ملكا للبائع لأنه صفة
للثوب لا تزايله وليس كالنعل قلت لكن في ادخاله في ملكه شبه من مسألة اختلاط الثمار وفيها
خلاف لأجل المنة بخلاف النعل فإنه تابع والصبغ فوق النعل دون الثمار ولو طلب المشترى أرش
العيب القديم وقال البائع رد الثوب لا غرم لك قيمة الصبغ ففيمن يجاب وجهان (أحدهما) وبه قطع
الشيخ أبو حامد والمحاملي في التجريد والمجموع وابن الصباغ والمتولي أن المجاب البائع ولا أرش للمشترى
(والثاني) وبه قال أبو حنيفة ان للمشترى أن يطالب بالأرش وهذا مما يعين أن كلام ابن الصباغ
في الصبغ الذي حصلت به زيادة وإنما أهمل القسم الذي ذكره صاحب التقريب والامام أو يكون
242

لا يختار الاجبار على ذلك ويفرق بينه وبين النعل فيبقى كلامه على اطلاقه والفرق بين هذه المسألة
حيث أجبنا البائع وبين ما إذا طلب أرش العيب الحادث حيث نجيب المشترى على الصحيح ظاهر
فان المشتري هنا يأخذ قيمة الصبغ والثمن يستدرك ظلامته ولا يغرم شيئا هناك لو ألزمناه بالرد مع
أرش الحادث غرمناه لا مقابلة شئ أخذه ونظير مسألتنا هذه أن يطلب البائع رده مع العيب الحادث
من غير أرش فإنه يجاب قطعا ولو أراد المشتري الرد وأخذ قيمة الصبغ مع الثمن ففي وجوب الإجابة
على البائع وجهان أصحهما) لا يجب وهذا الصحيح ينطبق عليه كلام ابن الصباغ قطعه بوجوب الأرش
إن لم يحمل على صبغ تنقص به القيمة (وقال) الرافعي والنووي في الروضة كما قال (أصحهما) لا يجب قال
لكن يأخذ المشتري الأرش والامام لم يتعرض لذلك وستأتي التنبيهات التي أذكرها الآن إن شاء لله
تعالى بيان الحال فيه وهل ذلك متحتم أو ثم طريق غيره وههنا تنبيهات في هذا الفرع (أحدها)
أن الامام لما حكى الخلاف في الطرفين أعني طلب المشتري الامساك واخذ الأرش أو الرد وأخذ قيمة
الصبغ شبهه بالخلاف في الاجبار على ضم الأرش ورد المبيع وقال فقد جرى الصبغ الزائد مجرى أرش
العيب الحادث في طرفي المطالبة قال الرافعي ومعناه انه إذا قال البائع رده مع الأرش وقال المشترى
أمسك وأخذ الأرش ففيمن يجاب وجهان وكذا إذا قال المشترى أرد مع الأرش وقال البائع بل أغرم
الأرش وهذا ظاهر للمتأمل في الوجوه الثلاثة المذكورة هناك إذا أفرد أحد الجانبين بالنظر ووجه
المشابهة بين الصبغ الزائد وأرش العيب الحادث ان ادخال الصبغ في ملك البائع مع أنه دخيل في
العقد كادخال الأرش الدخيل في العقد هذا كلام الرافعي رحمه الله ومراده ومراد الامام ان البائع
والمشترى إذا طلب أحدهما الرد يعطى البائع قيمة الصبغ وطلب الآخر الامساك مع الأرش فمن المجاب
وجهان (أصحهما) على ما تقدم ان المجاب البائع في الحالتين (والثاني) ان المجاب المشترى في الحالتين (وقال)
الغزالي في البسيط قريبا مما قاله الامام (وقال) في الوجيز ان ادخال الصبغ كادخال أرش العيب الحادث
قال الرافعي رحمه الله تعالى ظاهره يقتضى عود الأوجه الثلاثة ههنا ثم يقال المجاب منها في وجه من يدعو
إلى فصل الامر بالأرش القديم وقد صرح به في الوسيط ولكن رواية الوجه الثالث لا تكاد توجد
لغيره وبتقدير ثبوته فقد بينا ثم إن الأصح الوجه الثالث وههنا قضية ايراد الأئمة أنه لا يجاب المشترى
إذا طلب الأرش كما مر قلت وكلامه في الوجيز ظهوره فيما قال الرافعي رحمه الله يمكن حمله على ما في
243

النهاية والبسيط (واما) كلامه في الوسيط فإنه قال إن طلب قيمة الصبغ فهل يجب على البائع في رد الثمن فيه
وجهان (وان قلنا) لا نكلفه قيمته فهو كعيب حادث فتعود الأوجه فيه في أن تملك شئ حادث أولى
أو تغريم أرش العيب القديم وهذا صريح كما قال الرافعي ولكن فيه زيادة اشكال في بادئ الرأي
غير ما ذكره الرافعي وهو انه جعل الأوجه الثلاثة مفرعة على القول بعدم اجبار البائع على بذل قيمة
الصبغ ويستبق الرهن إلى أن هذا هو القول بإجابة البائع ولا يبقى بعده الا وجهان إجابة المشترى
أو إجابة من طلب الأرش فكيف تأتى ثلاثة تفريعا على أحد الوجهين وحل هذا الاشكال
بأن يكون المراد أنا إذا لم نجبر البائع على بذل قيمة الصبغ فالصبغ ملك المشتري والثوب تنقص قيمته
باتصاله بصنع لا يدخل معه في التقويم فهو عيب حادث فان تراضيا على أرش الحادث قوم الثوب وبه
العيب القديم خاليا عن الصبغ فإذا قيل عشرة قوم وبه العيب القديم وقد اتصل به الصبغ لم يدخل
في التقويم فإذا قيل تسعة علم أن الفائت درهم فيبذله للبائع مع الثوب ويسترجع ثمنه ويبقى الصبغ
في الثوب للمشترى فان تراضيا على هذا المسلك أو على أرش العيب القديم فذلك وان تنازعا
في هذين المسلكين فعلى وجه يجاب البائع فان اختار دفع الأرش عن القديم أو اخذ الأرش
عن الحادث عرض على المشترى فان أباه سقط حقه وعلى وجه يجاب المشترى فان طلب الأرش عن
القديم ولم يرض البائع بأخذ الثوب معيبا بسبب الصبغ ولا يبذل قيمة الصبغ أجبر على بذل الأرش
وان طلب الرد مع غرامة أرش العيب الحادث واستعادة الثمن أجبر على ذلك وعلى وجه يجاب
الداعي إلى الأرش القديم اخذا أو بدلا هكذا شرح ابن الرفعة ولم يلتزم بمقض كلام الامام من التشبيه
وقال يجوز أن يقول لا يجبر البائع على بذل قيمة الصبغ ويجبر على قبول أرش العيب الحادث والفرق
ان الأرش غرامة عما فات من ملكه الذي خرج منه ومألوف في الشريعة ان يجبر الانسان على أخذ
ماله أو يبرأ منه واجبار البائع على بذل قيمة الصبغ اجبار على تملك شئ مبتدأ يبذل لا على طريق
الغرامة ومثل ذلك غير مألوف في الشرع ثم اعترض ابن الرفعة على نفسه بقول الغزالي بعد ذلك ولم
يذهب أحد إلى أن المشتري يبقى شريكا بالصبغ وتأوله على أن المراد لم يذهب أحد إلى أنه ليس له
الا ذلك أو سقط حقه يعنى بل هو مخير بين ذلك وبين أخذ الأرش قلت ويؤيد هذا التأويل
فرق الغزالي بان المشتري يتضرر بذلك بخلاف الغاصب والمشتري إنما يتضرر بتعين هذه
244

الطريق عليه كالغاصب لا بالتخيير وسأتكلم على ما يقوى التأويل أو يضعفه في التنبيه الثاني فان
صح هذا التأويل اندفع هذا الاشكال الثاني عن الغزالي ولم يبق الا ما ذكره الرافعي وحينئذ أقول
ما ذكره الغزالي في الوسيط من هذا الفرع الذي تجرى فيه الأوجه الثلاثة بين رد الثوب بدون
الصبغ أو بينه وبين أخذ أرش العيب القديم هل يجاب فيه البائع أو المشترى أو طالب الأرش القديم
فرع زائد وكلام النهاية والبسيط والوجيز ساكت عنه وليس ما صرح به في الوسيط تصريحا بمقتضى
ما ذكره في الوجيز كما أشار إليه الرافعي رحمه الله بل كلامه في الوجيز في ادخال الصبغ في ملك
البائع قهرا وكذلك كلام النهاية والبسيط وأما كلامه في الوسيط ففي ادخال الثوب مع أرشه بدون
الصبغ فأين أحدهما من لآخر فلا يكون ما ذكره في الوسيط وجها ثالثا في تلك المسألة كما اقتضاه
كلام الرافعي رحمه الله بل ثلاثة أوجه في مسألة زائدة ويجوز أن يكون الأصح منها أيضا أن المجاب
من يدعو إلى الأرش القديم كما هو الأصح هناك ولا ينافي ايراد الأئمة هنا أن المشترى لا يجاب
إذا طلب الأرش كما قال الرافعي رحمه الله أنه مر لان الذي مر أنه لا يجاب المشترى
إذا طلب الأرش وطلب البائع بذل قيمة الصبغ أما إذا طلب المشترى الأرش حالة امتناع البائع
من بذل قيمة الصبغ فما مر (التنبيه الثاني) قال الامام لا صائر إلى أنه يرد ويبقى شريكا في الثوب
كما في المغصوب والاحتمال متطرق إليه وأجاب الغزالي عن هذا الاحتمال بان المشترى يتضرر بذلك
بخلاف الغاصب فإنه يبقيه شريكا ولا يلتفت إلى تضرره لعدوانه واعرض ابن خلكان بان غريم
المفلس يرجع في الثوب التي زادت قيمتها بالصبغ ويكون شريكا ولم يحصل من المفلس عدوان
وأجاب ابن الرفعة بان المقصود في الفلس دفع ضرر البائع فإذا رجع حصل الضرر للمفلس تبعا والمقصود
في الرد بالعيب دفع ضرر المشترى برده وجعله مشتركا يقع له ضرر مقصود أكثر من ضرر العيب
وانا أقول أن غريم المفلس إذا رجع في الثوب دون الصبغ لم يحصل ضرر للمفلس بالشركة لان ماله
مبيع كله وقد قال الأصحاب أن الثوب يباع ويكون الثمن بينهما على ما تقتضيه القسمة على أنهم
اختلفوا هل يكون كل الثوب للبائع وكل الصبغ للمفلس أو يشتركان فيهما جميعا على وجهين وفى
الرد بالعيب لا يجب على أحد منهما البيع فيحصل الضرر تبعا للشركة * واعلم أن هذا الاعتراض
والجوابين عنه بناء على ما دل عليه كلام الغزالي رحمه الله من أن عدم القول بالشركة هنا لأجل
ضرر المشترى وأن المقصود أنه لا يجب ذلك عليه كما أوله ابن الرفعة عليه وعليه يدل تنظير الامام له
245

بالغصب وأول كلام الامام وهو قوله ولم يصر أحد من الأصحاب إلى أن المشترى يرد الثوب ويبقى
شريكا محتمل له أي على سبيل الايجاب عليه كما يجب على الغاصب وعليه يستقيم فرق الغزالي
ويأتي اعتراض ابن خلكان عليه بسبب أن المفلس مجبر على ذلك من جهة البائع ويأتي الجوابان
المتقدمان لكن في آخر كلام الامام ما يقتضى أن ذلك على سبيل الجواز فإنه قال وهذه المسألة
ذكرها صاحب التقريب وأشار إليها العراقيون والاحتمال فيها من الجهة التي ذكرتها وهو تجويز
الرد مع ملك المشتري في عين الصبغ فانا قد نجعل الغاصب إذا صبغ الثوب شريكا انتهى فقول الإمام
هنا تجويز الرد يدل على أن ذلك ليس على سبيل لايجاب بل على سبيل الجواز وحينئذ لا يأتي تأويل الكلام
الذي قاله الغزالي لان مقتضى كلامه الآخر والأول لم يقل أحد بجواز الرد مع الشركة فيتوقف التأويل
المذكور وحينئذ لا يبقى فرق الغزالي بضرر المشترى متجها لأنه قد يختار ذلك فلا يكون المنع حينئذ
لضرره بل لضرر البائع وهو مثل ضرر المغصوب منه والأولى إذا انتهينا إلى هذا المقام ان نصحح
تأويل كلام الغزالي في الوسيط فإنه أخبر لكلام امامه وأول كلام الامام محتمل ولفظه الجواز في آخره
ليست ان صريحة في نفى الوجوب فيرد إليه فهذا أولى من أن يجعل فرق الغزالي واقعا في غير وجه كلام
الامام ويكون الذي اتفق الأصحاب عليه انه لا يتعين حق المشترى في أن يرد الثوب ويصير شريكا
ويقتضي ذلك أنه لو دعى البائع لا يجب على المشترى وفيه شئ مما ذكره عن صاحب التهذيب
التنبيه الثالث ان صاحب التهذيب قال إنه لم يمكنه نزع الصبغ فان رضى البائع بان يرده ويكون
معه شريكا في الزيادة رده وان أبى أمسكه وأخذ الأرش وقد تقدم ذلك عن صاحب التهذيب ذكره
هناك فقوله إن رضى البائع بالشركة رده إن أراد يجوز للمشترى أن يرده فصحيح لأنهما إذا اتفقا على
ذلك لا اشكال في الجواز وان أراد أنه يجب على المشترى الرد أو يسقط حقه فهو الذي نقل الامام
والغزالي انه لم يقل به أحد من الأصحاب (وأما) قوله وان أبى أمسكه فان أراد ان البائع إذا امتنع من
الشركة تعين حق المشترى في الأرش وانه لا يجوز للمشترى الزامه وهو ظاهر كلامه فهو موافق لما
قاله الرافعي رحمه الله ومخالف لما حكاه الغزالي في الوسيط من جريان الأوجه الثلاثة لكنه موافق
للأصح منها وهو إجابة من يدعو إلى الأرش القديم فينبغي أن يكون معنى كلام صاحب التهذيب
انه ان أراد البائع ان يرد ويصير شريكا جاز للمشترى الرد وان امتنع البائع تعين على المشترى الامساك وأخذ
246

الأرش يعنى على الصحيح والظاهر أن صاحب التهذيب لم يلاحظ الضرر الحاصل للمشترى من
الشركة وإنما النظر إلى ضرر البائع ويجب النظر إلى كل منهما كما نظرنا إلى كل منهما عند اجتماع
العيب الحادث والقديم فتلخص من ذلك ما أذكره إن شاء الله تعالى (التنبيه الرابع) الذي تخلص
مما تقدم ان المشترى ان طلب الرد ولا يطالب بشئ أجيب قطعا واجبر البائع عليه فان اتفقا على الرد
مع قيمة الصبغ جاز قطعا واتفقا على اخذ الأرش عن العيب القديم جاز قطعا وان اتفقا على رد
الثوب مع بقاء الصبغ على ملك المشتري جاز على تعذر من كلام صاحب التهذيب والامام والغزالي
على تأويله وذلك مع الأرش عن نقصان الثوب بالصبغ أو بدونه ان تراضيا على ذلك وان
طلب المشتري قيمة الصبغ وامتنع البائع لم يجبر على الصحيح وان طلب المشترى الأرش عن العيب
القديم وامتنع البائع من بذل قيمة الصبغ أجبر البائع على إعطاء الأرش القديم على الصحيح الذي
اقتضاه كلام الوسيط وان طلب المشترى الرد مع الشركة وان يرد أرش نقص الثوب بالصبغ لم يجبر
البائع على الصحيح وان طلب المشترى الأرش عن القديم وطلب البائع بذل قيمة الصبغ فالمجاب
البائع على الصحيح وقد تقدم الفرق بين هذه المسألة وبين بقية المسائل التي نجيب فيها من طلب تقرير
العقد وان طلب البائع الرد مع الشركة في الصبغ لم يجبر المشترى عليها على ما تقدم عن الامام وفيه ما تقدم
عن صاحب التهذيب *
* (فرع) * لو صبغ المشترى الثوب ثم باعه ثم علم بالعيب قطع ابن الصباغ والمحاملي في التجريد
بأنه ليس له الأرش لان المشتري قد يرده عليه ويرضي البائع بأخذه وكذلك إذا كان ثوبا فقطعه وباعه
ثم علم العيب *
* (فرع) * لو قصر الثوب ثم وقف على عيب فينبني على أن القصارة عين أو اثر (ان قلنا) بالأول
فهي كالصبغ (وإن قلنا) بالثاني رد الثوب بلا شئ فهي كالزيادة المتصلة قال الرافعي رحمه الله وقطع
الزبيري في المقتضب بان له الرد إذا زادت قيمته بالقصارة وليس فيه مخالفة لما قاله الرافعي ولو لبس الثوب
فتغير باللبس امتنع الرد وله الأرش قال الزبيري أيضا وهو ظاهر * لو اشترى شاة فذبحها ثم وجد بها
عيبا فله الأرش فان رضى البائع بقبولها مذبوحة فلا أرش للمشترى لامكان الرد ولا اجرة على البائع
للذبح ان ردت عليه لان الذبح أثر هو نقص هكذا قال الماوردي * آخر إن كان ثوبا فخاطه استحق
247

الأرش فان رضى البائع بقبوله ان بذل الأجرة فله ان يرجع به مخيطا لان في الخياطة عيبا زائدا قاله
الماوردي * آخر لو اشترى عصيرا حلوا فلم يعلم بعيبه حتى صار خمرا فله الأرش وليس له رد الخمر
واسترجاع ثمنه سواء أرضي البائع بقبوله أم لا لتحريم المعاوضة على الخمر فلو صار الخمر خلا فقال البائع
انا استرجع الخل وارد الثمن ولا ادفع الأرش كان له ذلك لان الخل عين العصير ولا مانع من المعاوضة
ولا للمشترى فيه عمل يفوت عليه وهذا من تفريع أبى العباس ابن سريج قاله الماوردي والرافعي ويحتمل
أن يكون ذلك على ما خرجه ابن سريج من وجوب الأرش إذا باع المبيع أو وهبه (اما) إذا قلنا بالمذهب
وهو انه لا يجب الأرش في ذلك لعدم اليأس كما سيأتي فالرجوع بالأرش في حالة كونه خمرا
ينبغي أن يمتنع الآن لاحتمال ان يعود خلا كما إذا وهبه ثم قولهم للبائع ان يسترجع الخل ولا
يدفع الأرش ظاهر ذلك يقتضي انه ليس للمشترى حينئذ ان يطالبه بالأرش للعلة المذكورة ولكن
العلة المذكورة وهي ان الحل هو عين العصير يقتضى ان المشترى أيضا إذا طلب الرد له ذلك وان
امتنع البائع وطلب الأرش ويكون ذلك كما لو كان باقيا بحاله ولم أجد في النقل ما يوافق ذلك
ولا ما يخالفه * آخر لو اشترى ذمي من ذمي خمرا ثم أسلما فوجد المشترى بالخمر عيبا ينقص العشر من
ثمنه قال أبو العباس بن سريج للمشتري الأرش وهو عشر الثمن ولا رد ولا يبطل ذلك اسلامهما وهو
قول محمد بن الحسن فان قال البائع آخذ الخل وارد الثمن فله ذلك ولو كان المشتري علم العيب قبل
اسلامهما فلم يرد حتى أسلما لم يكن للمشتري بعد اسلامه الرد ولا الرجوع بالأرش اما الرد فلحدوث
الاسلام (واما) الأرش فلامكان الرد قبل الاسلام فلو كان أسلم البائع وحده بعد تبايع الخمر لم يجز للمشتري
رده عليه بالعيب ولو كان المشتري أسلم وحده جاز لان استرجاع البائع تملك للخمر والمسلم لا يتملك
الخمر ورد المشتري إزالة الملك والمشتري يجوز أن يزيل ملكه عن الخمر قاله الماوردي عن ابن سريج *
* (فرع) * اشتري جارية بعبد ثم وجد بالجارية عيبا قديما فردها ووجد بالعبد عيبا حادثا عند
بائع الجارية قال ابن سريج يأخذ مشتري الجارية التي ردها العبد معيبا وليس له المطالبة لبائع الجارية
بأرش العيب الحادث عنده أو يأخذ قيمته ان اختار عدم استرداده قال الامام وهكذا نقل عن القاضي
حسين وليس الامر كذلك عندنا بل الوجه ان يرد الجارية ويسترد العبد ويطلب أرش العيب الحادث
لان العبد مضمون بالقيمة لا بالثمن لأنه بعد رد الجارية لو تلف العبد في يد البائع الجارية فصاحب الجارية
248

يرد قيمة العبد قال الامام والذي قاله ابن سريج ليس بعيدا عن الصواب بدليل أو الزوج إذا أصدق
زوجته عبدا ثم طلقها قبل المسيس وغلب العبد في يد الزوجة تشطر العبد وعاد نصفه إلى ملك الزوج
والزوج بالخيار بين أن يرجع بنصف قيمة العبد سليما وبين أن يرضى بنصف معيب ولا يكلفها ضم
أرش العيب إلى نصف العين هكذا يمكن أن يقال في مسألة العبد بالجارية لكن بين المسألتين فرق
ظاهر لا يخفى حكى الامام المسألة في آخر الغصب ثم أعد في كتاب الصداق وذكر الفرق بين مسألة
العبد والجارية وبين مسألة الصداق وذكر الغزالي مسألة العبد والجارية في آخر كتاب الغصب وجزم
القول بأنه إذا استرد العبد معيبا لم يجز له طلب الأرش بل عليه أخذه أو أخذ قيمته ثم أعاد المسألة
بعينها في الصداق وقال يأخذ العبد معيبا وله طلب الأرش فناقض اختياره في الوسيط (وقال) في البسيط
هنا بعد ذكر الحكم في مسألة العبد والجارية إنه يأخذ العبد معيبا ويطالب بالأرش وفى الزوج إذا عاد
إليه نصف العبد بالطلاق وهو معيب وعليه أن يقنع بالمعيب وفرق بينهما قال بعد ذلك وسمعت الامام في
التدريس يقول إن من أصحابنا من ذكر وجها في الصداق من مسألة العبد والجارية انه يطالب بالأرش
وجها في مسألة العبد والجارية من مسألة الصداق أن لا يطالب بالأرش والظاهر الفرق ولست واثقا بالفعل
وإني لم أصادفه في مجموعه قال أبو إسحاق إبراهيم ابن عبد الله بن عبد المنعم بن علي بن محمد وهو ابن أبي الدم
(قوله) في مجموعه يريد نهاية المطلب وذكر الامام مسألة العبد والجارية في آخر كتاب النهاية بعد أن فرغ من
شرح سواد مختصر المزني ذكر بعده مسائل مبددة سردا متنوعة قال إنما ذكرتها خوفا من أن أكون
أهملتها في ى مواضعها فان كنت أهملتها فذكرها مفيد ههنا وان كنت ذكرتها لم تضر اعادتها قال إذا باع عبدا
بثوب ففصل صاحب الثوب الثوب وقطعه فوجد الثاني بالعبد عيبا قديما فله رده ثم إذا رده حكى الشيخ
وجهين (أحدهما) يسترد الثوب مقطوعا ويسترد أرش النقص وهذا هو القياس لان الثوب لو تلف في يد
آخذه ثم رد عليه العبد بالعيب غرم تمام القيمة فكذلك يجب أن يغرم أرش النقص (والوجه الثاني) انه
إذا رد العبد وصادف الثوب معيبا فهو بالخيار إن شاء رضى بالثوب معيبا واسترده من غير أرش وإن شاء
ترك الثوب ورجع بقيمته غير معيب فان اختار أخذ الثوب فلا أرش له قال الشيخ اشتهر من كلام
الأصحاب إن المتبايعين إذا تخالفا وكان غالب المعقود عليه في يد أحدهما فإنهما يترادان ويرجع على من
نقص العوض في يده بأرش النقص عند التفاسخ فلا فرق بين هذه المسألة ومسألة العبد والثوب فان
طرد صاحب الوجه الثاني مذهبه في مسائل التخالف كان ذلك خرقا من الاجماع وإن سلمه بطل هذا الوجه
249

بالعيب أيضا وتشبث الشيخ أبو علي باجراء الخلاف في مسألة التخالف هذا كلام الامام في النهاية
وقول الشيخ في ذكر الوجهين وفى قوله اشتهر من كلام الأصحاب هكذا وجدته في النهاية مطلقا وفيما
نقله ابن أبي الدم عن النهاية انه أبو علي في الموضعين وقد ذكر القاضي حسين في الفتاوى إذا باع
حمارا بفرس فمشتري الفرس أخصاه ثم وجد بالحمار عيبا قال إن لم ينقص الاخصاء منه شيئا استرده ولا
شئ وإن نقص بعض قيمته رد فرسه وأرش النقص وفى هذا الكلام مخالفة لما تقدم في صدر هذا
الفرع من النقل عن القاضي وقال القاضي أيضا لو باعه بفرس وعشرة دنانير وأخصى المشترى الفرس
ورد الحمار بعيب ونقصت قيمة الفرس استرد الدنانير والفرس وأرش النقص وذكر الرافعي رحمه الله
هذا الفرع وقال فيه إذا رجع النقصان يعنى في الثمن إلى الصفة كالشلل ونحوه لم يغرم الأرش في أصح
الوجهين كما لو زاد زيادة متصلة بأخذها مجانا وينبغي أن يحمل كلامه على موافقة ابن سريج في تخير
لمشتري لا أنه يتحتم عليه أن يأخذ الثمن ناقصا وذكر النووي في الروضة في آخر مسألة من هذا الباب
هذا الفرع من زياداته فقال قال القفال والصيدلاني وآخرون لو اشترى ثوبا وقبضه وسلم ثمنه ثم وجد
بالثوب عيبا قديما فرده فوجد الثمن معيبا ناقص الصفقة بأمر حدث عند البائع يأخذه ناقصا ولا شئ له
بسبب النقص وفيه احتمال لإمام الحرمين ذكره في باب تعجيل الزكاة وكل ما ذكره فيه مقيد غير أنه
كان الأولى ذكره مع كلام الرافعي رحمه الله فيه فإنه ليس مسألة زائدة عن الرافعي وما ذكره عن
القفال وغيره هو الذي صححه الرافعي وما ذكره من احتمال الامام هو الوجه الآخر قال صاحب التتمة
ولا يمتنع عليه رد الجارية سواء أكان العيب الذي بالعبد مثل عيب الجارية أو أكثر من جنسه أو
من غير جنسه كما لو كان العيب يساوى أضعاف ثمنه فان له الرد بالعيب وإن كان الضرر في الرد أكثر
منه في الامساك * (تنبيه) * قوة كلام المصنف تقتضي أن النقص حصل عند المشترى ولكنه لم يصرح
به هنا كما صرح به في التنبيه بقوله وقد نقص المبيع عند المشترى وهو احتراز عما لو علم العيب قبل
القبض وقد نقص فان ذلك لا يمنع الرد لان النقص عند البائع مضمون عليه وهذا ظاهر فيما إذا لم يعلم
المشترى بالنقص المذكور وكذلك لو علم ورضى به ثم علم عيبا آخر كما لو اشترى عينا علم بها عيبا
ورضى به ثم وجد عيبا آخر *
250

* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وإذا أراد الرجوع بالأرش قوم المبيع بلا عيب فيقال قيمته مائة ثم يقوم مع العيب فيقال
قيمته تسعون فيعلم أنه قد نقص العشر من بدله فيرجع على البائع بعشر الثمن ولا يرجع بما نقص من
قيمته لان الأرش بدل عن الجزء الفائت ولو فات المبيع كله رجع على البائع بجميع الثمن فإذا فات
قدر العشر منه رجع بعشر الثمن كالجزء لما ضمن جميعه بالدية ضمن الجزء منه بجزء من الدية ولأنا
لو قلنا إنه يرجع بما نقص من قيمته أدى إلى أن يجتمع الثمن والمثمن للمشترى فإنه قد يشترى ما يساوى
مائة بعشرة فإذا رجع بالعشرة رجع جميع الثمن إليه فيجتمع له الثمن والمثمن وهذا لا يجوز) * *
* (الشرح) * قد تقدم تفسير الأرش وانه جزء من الثمن نسبته إليه نسبة ما ينقص العيب من
المبيع لو كان سليما إلى تمام القيمة وبيان ذلك بالمثال الذي ذكره المصنف هنا وبه مثل الشافعي رحمه الله
فان الذي نقصه العيب من المبيع السليم عشرة فيرجع بعشر الثمن فالقيمة معتبرة للنسبة خاصة ولا فرق
عند الأصحاب بينه وبين ضمان الغصب والسوم والجناية بأنا إذا ضمنا في هذه المواضع ما نقص من القيمة
لا يلزم الجميع بين البدل والمبدل وفى الأرش يلزم الجمع بين الثمن والمثمن قال الشيخ أبو حامد أنه
معنى كلام الشافعي والمعنى الأول قاله الأصحاب الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وغيرهما وقدموه في
الذكر كما فعل المصنف فان فيه بيان المعنى الذي لأجله كان كذلك فيحصل به الشفاء أكثر ولكن فيه
بحث فان قول المصنف بدل عن الجزء الفائت أي الذي اقتضاه العقد ولم يسلمه البائع (وقوله) ولو
فات المبيع كله أي تحت يد البائع قبل التسليم كذلك قاله القاضي أبو الطيب صريحا وهو ظاهر وإذا
كان كذلك فقد يقال إن هذا المعنى يقتضى جواز الرجوع إلى الأرش وإن لم يمنع الرد وطلب الأرش
عند امكان الرد غير سائغ بل قد يقال إنه كان ينبغي على هذا المعنى أن يتعين الرجوع إلى الأرش ولو
أراد المشترى الرد أو الرضى بالعيب كما أنه إذا فات بعض المبيع قبل القبض أو كله سقط ما يقابله من
الثمن سواء أرضى المشترى أم لا وكما أنه إذا أخبر في المرابحة انه اشترى بمائة وكان بتسعين فانا نحكم
بسقوط الزيادة وحصتها من الربح على أظهر القولين ولأجل ذلك والله أعلم * قال الامام في باب
المرابحة عند الكلام في كذب المشترى بالزيادة أن الأرش المسترجع وإن كان جزءا من الثمن فاسترجاعه
انشاء نقص في جزء من الثمن والدليل عليه أن المبيع إذا رد على معيب فموجب العيب الرد ولا يجوز
الرجوع إلى الأرش مع القدرة على الرد فكان الأرش بدل عن الرد وإذا تعذر ولا ينتظم عندنا إلا
251

هذا وهذا الكلام من الامام أوله يقتضى أن الأرش جزء من الثمن يستدرك بانشاء نقص جديد
وهذا موافق لكلام الأصحاب وفيه زيادة بيان ان ذلك بطريق انشاء النقص وليس كالمرابحة وآخره
قد يوهم أن الأرش ليس في مقابلة الجزء الفائت ولكن في مقابلة الرد عند تعذره وتأويله ان الشارع
جعل له عند تعذر الرد استرجاع جزء من الثمن عن الجزء الفائت حيث فات عليه الرد ولذلك أتى بكأن التي
هي حرف تشبيه فلم يجعله بدلا عن الرد ولكن مشبها فان سلطنة الرد لا تقابل بعوض ويجب تأويل
كلام الامام كقوله أولا أن الأرش جزء من الثمن ولو كان بدلا عن الرد لم يختص بالثمن وعند
هذا لا يكون في كلام الامام جواب عن الاشكال الذي أوردته إلا بما سأذكره إن شاء الله تعالى وقد
ذكر الغزالي احتمالين في أن الأرش غرم مبتدأ أو جزء من الثمن وسيأتي فان قيل إن الأرش غرم
مبتدأ فلا أشكال من هذا الوجه ويصير كأن البائع معيب لملك المشتري قال الغزالي ويشهد له أن
مشترى الجارية بعبد معيب يعلم عيبه يستحل وطئها ولو كان جزءا منها يعرض العود إلى بائع الجارية
لو اطلع على عيب العبد لأورث توقعه شبهة وإن قيل إن الأرش جزء من الثمن فالممكن في فهمه
ما قاله الغزالي أن يقال إن المبيع في مقابلة كل الثمن إن رضى وإلا فهو في مقابلة بعضه فيخرج ذلك
البعض عن المقابلة ويتعين لاستحقاقه قال وهو ظاهر كلام الأصحاب وكأن المقابلة تغيرت ولكن
جوز ذلك فما استبدال سبب في أصل العقد وإن كان لا يجوز ذلك بالتراضي عند إلحاق الزيادة بالثمن
بعد اللزوم فهذا الذي قاله الغزالي من دقيق الفقه كما قال ولكن ما الموجب لتغيير المقابلة فإنه بالرضى
يتبين أن العقد لم ينعقد إلا على البعض أشكل بمسألة الجارية وبما قاله الامام في المرابحة وإن كان بطريق
الانتقاض كما تنتقض المقابلة في تفريق الصفقة في الدوام إذا قلنا يمسك بكل فذلك قول ضعيف فلا يخرج
عليه ما اختاره أكثر الأصحاب هنا ومقتضى كلام الامام في مسألة الحلى ان ذلك اقتضته الضرورة
كالتوزيع وليس العقد يقتضيه من الأصل لكن هذا الذي يقوله الأصحاب على خلافه إذ هم يقولون
بل العقد في أصله اقضي التوزيع كما صور ذلك في قاعدة مد عجوة فكيف يستقيم على رأى الأصحاب
أن الأرش جزء من الثمن وتلخيص الاشكال أن الثمن إن كان مقابلا للمبيع وصفات السلامة وأنه
ينقسط عليها كما ينقسط على أجزاء المبيع فينبغي عند فوات بعضها أن يسقط ما يقابله ولو رضى به معيبا
وهذا خلاف الاجماع بل كان ينبغي أن لا يصح العقد لان تلك الصفات لا تنحصر فيكون ما قوبل بالثمن
مجهولا وهو خلاف الاجماع أيضا وإن كان الثمن في مقابلة المبيع على ظن السلامة والأوصاف ليست
252

داخلة في المقابلة ولا يتقضى فوات وصف منها سقوط بعض الثمن على الرد لفوات الظن فإذا تعذر
الرد ودل على وجوب الأرش كان ذلك غرامة جديدة لا جزء من الثمن وأحسن ما يقال فيه
ما تقدم عن الغزالي وقد يقال (3 ن) فوات ذلك الوصف موجب للرد واسترجاع جميع الثمن وقد تعذر
الرد فيما قبضه المشترى وهو المبيع المجرد عن ذلك الوصف فيجعل ذلك الوصف في حكم المقبوض المردود
على البائع ويقسط الثمن عليه وعلى الذي تعذر الرد فيه وهو المبيع المجرد عنه استدراكا للظلامة
وكأنه فسخ العقد فيه وهذا معنى قول الإمام انه إنشاء نقص جديد ولعله يأتي في مسألة الحلى وزيادة
على هذا على أن القول بأنه غرم جديد أيضا ليس صافيا عن اشكال فإنه لو كان كذلك لوجب أن
يرجع بما نقص من قيمته ولم يصرح أحد بان الأرش غرم جديد من كل وجه فإنه كان يلزم أن لا يتقدر
من الثمن ولا قائل به والامام حكى في مسألة الحلى عن صاحب التقريب ما يقرب من أن الأرش غرم
لكن ليس من كل وجه وسنذكره هناك إن شاء الله تعالى (وقال) صاحب الوافي أن المصنف في باب
اختلاف المتبايعين قال إن الثمن لا ينقسم على الأعضاء وههنا قال الأرش بدل عن الجزء الفائت قال
وليس بينهما تناقض لان الثمن يقابل المبيع ولا يتقسط على أعضائه بمعنى أن اليد كعين والرجل كعين
أخرى بل يقابل المبيع وهو ذو أجزاء فيقابلها من حيث كونها جزءا لا من حيث أنها عين أخرى
ثم إذا صادفها المشترى ناقصة له الرد استدراكا للظلامة فإن لم يفسخ عند الامكان فلا شئ له لان
المقابل العين وهي باقية والضرر يزول بالفسخ فان سقط رده بحدوث عيب آخر دعتنا الضرورة إلى
تمييز ما نقص منها من حيث التقويم ليرجع بثمن ما فات من المبيع إذ لا يندفع الضرر إلا بذلك وهذا
ليس فيه إلا دعوى الضرورة وذلك لا شفاء فيه في جعل ذلك (قلت) جزأ من الثمن وتقدير علة
المصنف والموضع مشكل وليس المصنف مختصا به والفارقي جعل وجوب للأرش على وفق القياس
وشبهه بما إذا قال بعتك هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة فكيلت بعد البيع فخرجت تسعة فإنه يسقط

(3 ن) كذا بالأصل
253

درهم كذا إذا قال بعتك هذا العبد فخرج مقطوع اليد (قلت) ولو صح هذا التشبيه لوجب أن
يجرى خلاف في صحة البيع كما في مسألة الصبرة وقول المصنف كالجزء إلى آخره إذا جنى عليه جناية
ليس لها أرش مقدر فان نفيها من ديته فنقول هذا لو كان عبدا صحيحا قيمته كذا ولو كان عبدا مع
هذه الجراحة قيمته كذا فما بين القيمتين يؤخذ بنسبته من الدية والمصنف في ذلك تابع للشيخ
أبو حامد (فائدة) ادعى ابن الرفعة أن كلام الامام في باب المرابحة يدل على أن الأرش في مقابلة
سلطنة الرد وفى غير ذلك يدل على أنه جزء أن ذلك مناقضة وليس الامر كما قال لمن تأمل كلام الامام
وقد أشرت إلى ذلك وذكرت تأويله *
* (فرع) * مقتضى كلام المصنف وغيره أنه إذا لم تنقص القيمة لا رجوع بالأرش فإذا اشترى
عبدا ووجده خصيا بعد أن وجد ما يمنع الرد فلا رجوع بالأرش أصلا وبه صرح الامام والغزالي في
البسيط والرافعي قال ابن الرفعة إلا أن يكون الاطلاع قبل الاندمال والجراح متألمة فان قيمته قد
تنقص فإن لم تنقص أيضا انسد طريق الأرش *
* (فرع) * مع قولنا بان الأرش جزء من الثمن فالمشهور القطع بأنه لا يبطل العقد بأخذه
وفى شرح الفروع للقاضي أبى الطيب في كتاب السلم إذا اشترى حنطة معيبة بعبد معين وتسلم الحنطة
وسلم العبد وأعتقه ثم وجد بالعبد عيبا قدر الأرش ورجع بقدره من الحنطة وانتقض البيع فيه وهل
ينتقض في الباقي اختلف أصحابنا فمنهم من قال على القولين في تفريق الصفقة إذا كان العقد لم ينعقد
في البعض هكذا عبارته والأولى أن يخرج ذلك مع بعده على تفريق الصفقة في الدوام فإنه انتقاص
طارئ لا بطريق التعيين وقد تقدم البحث في ذلك وسيأتي له تتمة وإنما أوجب هذا الاشكال الذي
قدمت التنبيه عليه فانظر كيف آل التفريع إلى أن جعل أخذ الأرش مبطلا للعقد بل بمجرد الاطلاع
على العيب *
254

* (فرع) * لو كان العيب في عين قبضت عن دين هل يكون الأرش عنها كما قلناه هنا أو يعتبر
بما يقابله بدل العين فيه وجهان مذكوران في الكتابة عند خروج النجم معيبا بعد تلفه هل يتعين
الأرش في رقبة المكاتب أو ما ينتقص من النجوم المقبوضة بسبب العيب وهما في كل عقد ورد على
موصوف في الذمة قال الامام وأمثل من الوجهين أن يقال يغرم السيد ما قبض ويطالب بالمسمى
بالصفات المشروطة (قلت) فنلخص ثلاثة أوجه في كل مقبوض عما في الذمة خرج معيبا وتعذر
رده (أحدها) يرجع على الدافع بأرشه بنسبته من العرض كما في المعاوضات (والثاني) ما نقض من
قيمته كالمغصوب والمستام (والثالث) يقدم القابض ما قبض ويطالب بالتسليم *
* (فرع) * في فتاوى القاضي حسين اشترى في صحته بمائة ما يساوى مائة فوجد في مرض موته
به عيبا ينقص عشر قيمته ورضى اعتبر من الثلث قال ويحتمل أن لا تعتبر من الثلث لأنه امتناع عن
الكسب قال جامع الفتاوى (قلت) وهو الأولى عندي فان اشترى ما يساوى خمسين بمائة فوجد
في مرض موته عيبا ينقص العشر ورضى اعتبر من الثلث خمس وخمسون لأنه لو رده لربح خمسا
وخمسين قال جامع الفتاوى وهذا أيضا كالأولى والأولى أن لا يعتبر من الثلث فان اشترى ما يساوى
مائة بخمسين والحال كذلك ورضى فهل نعتبر الخمسة من الثلث الظاهر لا لأنه استعاد به أربعين
(والثاني) يعتبر تلك الخمسة لأنه لو تلف في يده أو بعد رده كان يأخذها *
* (فرع) * لو وجد بعينه بياضا وحدث عنده بياض آخر ثم زال أحد البياضين واختلفا فقال
البائع زال القديم وقال المشترى زال الحادث حلفا وأخذ المشترى أرش أحد البياضين فان اختلف
البياضان أخذ أرش أقلهما لأنه المتيقن والبائع يستفيد بيمينه درء الفسخ والمشترى يستفيد بيمينه أخذ
الأرش نص عليه الشافعي والأصحاب (وقال) الروياني ليس للمشترى الرد لأنه اعترف بزوال حقه
بحدوث العيب ويدعى عود الحق فلا يقبل في العود إلا بحجة وله الأرش لأنه كان ثابتا والبائع
يدعى زواله *
* (فرع) * إذا ثبت الأرش فإن كان الثمن بعد في ذمة المشتري يرى من قدر الأرش وهل
يبرأ بمجرد الاطلاع على العيب أم يتوقف على الطلب وجهان (أصحهما) الثاني ليبقى له طريق الرضى
بالعيب بعد الفوات كما لو كان له عند البقاء وميل القاضي حسين إلى الأول بخلاف ما لو قدر على الرد
فان الفسخ لا يحصل دون طلب وقد اقتصروا هنا على حكاية هذين لوجهين وكأن ذلك تفريع على
255

أن الأرش جزء من الثمن (أما) إذا قلنا غرم جديد فلا تحصل البراءة أيضا بالطلب بل للبائع أن
يعطيه من فان اتفق الدينان جرى التقاصي ولو كان قد وفاه الثمن وهو باق في يد البائع فهل يتعين
لحق المشترى أو يجوز ابداله لأنها غرامة لحقه وجهان (أصحهما) الأول هكذا قال الغزالي والرافعي
وتعليله يقتضى ان الوجه الثاني مفرع على أن الأرش غرم مبتدأ أما إذا قلنا هو جزء من الثمن فيتعين
جزء منه لحق المشترى وينتقل إلى المشترى بمجرد الطلب أو الاطلاع فلا يسوغ للبائع ابداله لكنها فيما إذا
كان في الذمة ثم يلاحظ القول بأنه غرم جديد كما تقدم فيجب طرد هذا الوجه هناك كما تقدم أن
يقال هنا (إن قلنا) أن الغرم جديد لم يتعين (وإن قلنا) جزء من الثمن فوجهان ينبنيان على أن المقبوض
عما في الذمة هل يعطى حكم المعين في العقد وفيه وجهان ذكرهما الرافعي بعد هذا بمسألة ولم يصحح
منهما شيئا (إن قلنا) يعطى حكم المعين في العقد لم يجز إبداله والا جاز ابداله وذكر الرافعي رحمه
الله مسألة ما إذا كان الثمن في الذمة وفاه وهو باق بحاله ورد المبيع عليه هل يتعين لاخذ المشترى
فيه وجهان بعد هذا بمسألة وهي غير المسألة الأولى لان تلك في الأرش وهذه في الرد والمأخذ
غير المأخذ لكن تصحيحه التعين في الأولى فرع عن تصحيح التعين في الثانية كما نبهت عليه وسأذكر
المسألة إن شاء الله تعالى عند رد البيع والثمن تالف فاني هنا إنما ذكرت ما يتعلق بالأرش وإن كان
الثمن معينا وهو باق في يد المشترى ففيه وجهان في النهاية الأصح تعينه ويجب بناؤهما على ما تقدم
(إن قلنا) الأرش غرم لم يتعين وان قلنا جزء من الثمن تعين أخذ الأرش منه تالفا فهو كما إذا
رد المبيع والثمن تالف وسيأتي أنه يقوم مقام مثله إن كان مثليا وقيمته إن كان متقوما إن شاء الله
تعالى *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وأن اختلف قيمة المبيع من حال العقد إلى حال القبض قوم بأقل القيمتين لأنه إن كانت قيمته
وقت العقد أكثر ثم نقص كان ما نقص في يده مضمونا عليه وما كان نقصانه من ضمانه فلا يجوز أن يقوم
على البائع وإن كانت قيمته وقت العقد أقل ثم زادت في يده فإنها زيادة حدثت في ملك المشتري لاحق
للبائع فيها فلا يجوز ادخالها في التقويم) * *
256

* (الشرح) * تقدم أن القيمة تعتبر معنى لايجاب الأرش والاعتبار بأنه قيمة فيه طريقان
(أصحهما) وهي التي جزم بها المصنف وشيخه أبو الطيب والماوردي والروياني وغيرهم القطع بان
الاعتبار بأقل القيمتين من قيمة يوم العقد ويوم القبض فإنه إن كان عند العقد أكثر فالنقصان من
ضمان البائع وإن كانت عند القبض أكثر فالزيادة حدثت في ملك المشتري (والطريقة الثانية) أن في
المسألة ثلاثة أقوال أصحها هذا (والثاني) ونقل عن نصه في موضع ان الاعتبار بقيمته يوم القبض
وهو الذي صححه الغزالي في باب التخالف وفرق بينه وبين التخالف ونقل عن الفوراني أن هذا القول
من رواية عبد العزيز بن مقلاص ووجهه أن الثمن يومئذ قابل المبيع (والثالث) نقله الرافعي عن
رواية ابن مقلاص ان الاعتبار بقيمة يوم القبض وقد رأيته منصوصا في باب الغصب من اختلاف
العراقيين معللا بأنه يومئذ تم البيع فأصحاب هذه الطريقة أثبتوا هذين القولين مع الأول الصحيح
وممن اقتصر على إيراد هذه الطريقة الامام والغزالي إلى أن قال الرافعي والأكثرون قطعوا بالأول
وحملوا كل نص على ما إذا كانت القيمة المذكورة أقل (واعلم) أن هذه المسألة معروفة بالاشكال لا سيما
على عبارة المصنف في تعليله وأنا إن شاء الله تعالى أذكر ما قيل في ذلك من حيث المذهب وبيان
الصحيح منه وأذكر ما اعترض به على المصنف وما قيل في جوابه (اعلم) أن طائفة من الأصحاب
أهملوا التعرض لوقت اعتبار القيمة وبعضهم زعم أن ذلك لا فائدة فيه وأن الأرش لا يختلف بذلك
ذكر ذلك ابن أبي عمرون وسبقه إليه الشاشي في الحلية والأكثرون اعتبروا ذلك وتكلموا فيه
ونص الشافعي يدل لهم ثم اختلفوا هل يعتبر يوم العقد أو يوم القبض أو أقل الأمرين وهو الصحيح
ثم اختلفت عباراتهم عن هذا القول الثالث فالأكثرون يقولون كما قال المصنف إنه يقوم بأقل القيمتين
من يوم العقد ويوم القبض وعلى ذلك جاءت عبارة الرافعي في الشرح والمحرر والنووي في الروضة
257

وعبارة ثانية قالها الامام في النهاية أن المعتبر ما هو أضر بالبائع في الحالين ويعبر عنه بأن المعتبر كثرة
النقصانين وعبارة ثالثة قالها النووي في المنهاج أنه يعبر أقل قيمة من يوم العقد إلى القبض (فأما) عبارة
النووي في المنهاج فأؤخر الكلام عنها حتى أفرغ من عبارة الأولين (وأما) عبارة الامام فادعى ابن الرفعة
أنها راجعة لعبارة الأكثرين لان اعتبار أقل القيمتين يقتضى أن يكون الواجب من الأرش الأكثر
في الحالين فان المعنى بأقل القيمتين قيمة المبيع مع العيب في حالة العقد وحالة القبض كما إذا كانت قيمته
سليما عشرة في الحالين ومعيبا يوم العقد ثمانية ويوم القبض تسعة فاعتبار أقل القيمتين يوجب الخمس
من الثمن وهو أكثر من العشر وهذا الذي قاله فيه نظر وأول ما أقدم أن لنا قيمة منسوبا إليها وهي
قيمة السلم وقيمة منسوبة وهي قيمة العيب ونسبة بينهما بها يعرف قدر العيب من السليم فتارة
تكون تلك النسبة بين القيمتين يوم العقد كهي بينهما بعد ذلك وإن كان حال المبيع مختلفا في اليومين
ههنا لا أثر للاختلاف مع اتحاد النسبة مثاله قيمة السليم ويوم العقد مائة ويوم القبض الف أو عشرة
وقيمة المعيب يوم العقد تسعون ويوم القبض تسعمائة أو تسعة فالنسبة في اليومين العشر ولا أثر
للاختلاف بالزيادة ولا بالنقصان ولا فرق بين اعتبار أقل القيمتين واعتبار أكثرها والساقط من
الثمن على التقديرين العشر وإن اختلفت النسبة فقد يكون ذلك لاختلاف قيمة المعيب مع بقاء قيمة
السليم على حالها وقد تكون بالعكس وقد يكون باختلافهما معا (مثال الأول) قيمته في اليومين سليما
عشرة ومعيبا يوم العقد تسعة ويوم القبض ثمانية فالاختلاف ههنا في المنسوب فان نسبنا قيمة يوم العقد
كان الأرش التسع وإن نسبنا أقل القيمتين كان الخمس وهو أنفع للمشترى وكلام الامام تصريح وإطلاق
كلام المصنف وغيره يقتضى أنا نسلك هذه الطريقة التي هي أنفع للمشترى فاعتبار أقل القيمتين هنا
أوجب زيادة الأرش وإيجاد أكثر النقصانين من الثمن لكن سأبين إن شاء الله تعالى في آخر الكلام
258

أن المصنف والأصحاب لم يريدوا هذا القسم ولا حاجة لهم إليه هنا لأنهم بينوا في موضع آخر أن العيب
الحادث قبل القبض من ضمان البائع والنقصان من بقاء قيمة السليم لابد أن يكون بعيب والزيادة لابد
أن تكون بنقصان العيب ونقصانه يمنع من ضمان ما نقص منه كزواله (ومثال الثاني) قيمته معيبا يوم
العقد ويوم القبض ثمانية وسليما يوم العقد عشرة ويوم القبض تسعة أو بالعكس فالاختلاف ههنا في
القيمة المنسوب إليها فان نسبنا إلى أقل القيمتين كان الأرش التسع وإن نسبنا إلى أكثرها كان الأرش
الخمس فاعتبار الأقل هنا فيه نفع للبائع لا للمشترى فليس فيه ايجاب أكثر النقصانين بل أقلهما وهو التسع
من الثمن وهذا القسم يظهر أنه مراد المصنف والأصحاب على ما سأوضحه إن شاء الله تعالى (ومثال الثالث)
قيمته يوم العقد سليما عشرة ومعيبا تسعة ويوم القبض سليما تسعة ومعيبا ثمانية فاعتبار الأقل يوجب أن الأرش
التسع وهو أنفع للمشترى من العشر وأكثر نقصانا من الثمن أو تكون قيمته يوم العقد سليما عشرة ومعيبا
تسعة ويوم القبض سليما اثنى عشر ومعيبا عشرة فاعتبار الأقل يقتضى أن الأرش التسع واعتبار الأكثر
يقتضى أنه السدس وهو أنفع للمشترى وأكثر نقصانا من الثمن أو تكون قيمته يوم العقد سليما عشرة
ومعيبا خمسة ويوم القبض سليما ستة ومعيبا أربعة فاعتبار أقل القيمتين يقتضى أن الأرش الثلث واعتبار
أكثرهما يقتضى أن الأرش النصف وهو أنفع للمشترى وأكثر نقصانا من الثمن وإذا تأملت الذي
ذكرته في القسمين الأولين لم يخف عليك اختلاف الأمثلة وأحكامها في هذا القسم إن شاء الله تعالى
إذا عرفت ذلك * فأقول إن الامام عبر عن الوجه الثالث الصحيح ان المراعى ما هو الاضر بالبائع في الحالين
والعبارة عنه بأن المعتبر أكثر النقصانين ومثله بأن يكون العيب القديم يوم العقد منقصا ثلث القيمة
ويوم القبض منقصا ربعها وهذا الكلام من الامام رحمه الله إنما يستمر مع عبارة المصنف والأصحاب
إذا كان فرض المسألة فيما إذا كان الخلاف من جهة العيب وان المراد بأقل القيمتين أقل قيمتي المعيب
259

المنسوبة لا أقل قيمتي السليم المنسوب إليها وذلك في القسم الأول يستقيم فيه ان المعتبر أقل القيمتين
والواجب أكثر الامرين ويبقى القسم الثاني مسكوتا عنهما هل يراعى فيهما الاضر بالبائع كما قاله
فيقوم بالأكثر أم لا بل يقوم بالأقل دائما كما أطلقه الأصحاب فان ثبت ان نفع المشترى مراعى مطلقا
فعبارة الامام في قوله أكثر النقصانين أحسن من قول الباقين أقل القيمتين لان النقصان نسبة والمراد
أكثر الامرين نقصانا من السليم وأقل القيمتين راجع إلى القيمة في نفسها لا إلى ما تنقصه من السليم وأيضا
في القسم الثاني يصح كلام الامام ونوجب أكثر النقصانين وليس هو باعتبار أقل القيمتين فعبارة الامام
مطردة في الأقسام الثلاثة هذا إن كان الحكم مساعدا له على ذلك في جميع الأقسام وأكثر الأصحاب
لم يذكروا إلا أقل القيمتين ولم يبينوا ما عدا ذلك وكأنهم رضوا بان القيمة عن السليم سواء واختلف
قيمة المعيب بحسب زيادته وصف في ذات المبيع أو نقصان فيه فينسب النقص لأنه من ضمان البائع ولا تنسب
الزيادة لأنها حادثة في ملك المشتري والامر المنسوب إليه وهو قيمة السليم لم يتكلموا في حال اختلافها
ويحتمل أن يكون المعتبر الأقل مطلقا فإذا اختلفتا معا اعتبرنا أقل قيمتي المعيب ونسبناها إلى أقل قيمتي
السليم وحينئذ يصح اطلاق كلام المصنف والأصحاب ولا يصح اطلاق عبارة الامام لما تقدم من المثالين
الآخرين في القسم الثالث وكذلك في القسم الثاني فالموافق لاطلاق الأصحاب ذلك ولا يبقى المراعى
ضرر البائع مطلقا ولا ضرر المشترى مطلقا ولم أر في ذلك صريحا الا ان في تعليقة الشيخ أبى حامد
قال (فاما) وقت تقويمه سليما فهو أنقص الحالين قيمة من حالة العقد أو حالة القبض تقومه في تلك الحالة ثم
يقومه وبه العيب وهذا يدل على أن المراد أقل قيمتي السليم المنسوب إليها لا أقل قيمتي المعيب وفى هذه
الصورة وهي الثاني الذي ذكرته في ذلك المثال يكون التقويم بأقل القيمتين أنفع للبائع وكذلك كلام الماوردي
يفهم منه ما يوافق الشيخ أبا حامد فإنه قال في مسألة الجارية تقويم في أقل الحالتين فإذا قيل قيمتها في
260

تلك الحال بكرا لا عيب بها مائة قومت بكرا وبها ذلك العيب فإذا قيل تسعون كان ما بين القيمتين العشر
فيرجع بعشر الثمن فهذا وجه من الاشكال في هذه المسألة قد انحل بحمد الله تعالى وتبين بحمد الله ان
المراد أقل قيمتي السليم وليس المراد قيمتي المعيب كما ظنه ابن الرفعة وغيره ولا يجب أن يكون المراعى
هو الاضر بالبائع مطلقا كما قاله الامام وهذا الذي لحظه أبو حامد هو الصحيح فان المنسوب إليه هو القيمة
والمنسوب هو العيب الموجود قبل العقد وبعده إلى القبض ما لم يطلع البائع عليه فلا وجه لاعتبار اختلافه
وإنما المنسوب إليه هو المعتبر وهو قد يقل وقد يكثر وهذا الذي قاله الشيخ أبو حامد يعين معنى قول
المصنف فلا يجوز أن يقوم على البائع وانه صحيح وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى (وأما) ما يختص
بالصفة فنذكره في ضمن فائدة (فائدة) قال الفارقي في كلامه على المهذب هذه المسألة يعنى مسألة
الكتاب التي ذكرها المصنف فاسدة الوضع والأصل وفاسدة التعليل وليس لنا في الكتاب مسألة
أظهر فسادا منها (أما) فساد وضعها فإنه يعتبر تقويمه بأقل القيمتين على ما ذكر وإنما يكون هذا الاعتبار
صحيحا ومفيدا إذا كان الأرش اسقاط جزء من قيمة المبيع وليس الامر كذلك وإنما نحن نسقط من الثمن
جزءا يقدر نسبة فوائد ما ينقص من قيمته بالعيب مثلا إذا اشترى عبدا بمائة فوجده مقطوع اليد فانا
نقومه صحيحا بمائة ومقطوعا بتسعين ونعلم أنه قد سقط عشر الأصل فيسقط في مقابله عشر الثمن ولا فرق
بين أن تكون قيمته مائة أو ألفا أو عشرة فان اثر العيب في التنقيص واحد فإنه إذا كان اثر العيب في
تنقيص عشرة من مائة نقص من الألف مائة ومن العشرة دينار فنسبة كل واحد من هذه إلى أصله
بالعشر فيقسط في مقابله الثمن وعشر الثمن لا يتفاوت على جميع الأحوال وإنما يتفاوت عشر القيمة
ونحن إنما نوجب عشر الثمن ولا مبالاة باختلاف عشر القيمة وأكثرها * بيان فساد التعليل ان حصر
اعتبار القيمة من حال العقد إلى حال القبض فعرفنا ان النقصان في يد البائع وليس يريد نقصان القيمة
باختلاف الرغبات وكثرة المبتاع وقلته وإنما يريد فوائد المبتاع كهزال الدابة وتغيير الثوب أو حدوث
261

آفة به فقوله كان ما نقص مضمونا عليه يعنى أن العين المبيعة مضمونة على البائع (وقوله) وكان نقصانها
من ضمانه يعنى الجزء الفائت من الثمن أو فوات جزء يكون من ضمان البائع كما أن جملة المبيع من
ضمانه (وقوله) فلا يجوز أن يقوم على البائع كلام يتناقض في نفسه لأنه إذا كان الناقص ونقصانه مضمونا
عليه وجب أن يكون مقوما اما أن لا يقوم عليه لأنه مضمون عليه فهذا كلام يتناقض لا فائدة فيه قال
وإن كانت قيمته يوم العقد أقل إلى آخره وهذا أيضا ظاهر الفساد والتناقض لأنه إذا كانت هذه
الزيادة حق المشترى لا حق للبائع فيها فيجب تقويمها عليه حتى نوجب عليه قدر ما نقص من فواتها
مضمونا إلى قدر الأرش فثبت بذلك بيان فساد التعليل والوضع جميعا هذا كلام الفارقي رحمه الله وزاد
ابن معن في حكاية عنه ان معرفة فساد التعليل يحتاج إلى معرفة أمرين (الأول) أن الضمير في قوله لأنه
إن كانت قيمته أكثر ثم نقص كان ما نقص مضمونا عليه فكان نقصانها من ضمانه فلا يجوز أن
يقوم على البائع إما أن يكون عائدا إلى البائع أو المشترى لا جائز أن يعود إلى المشترى لأنه حصر
اعتبار القيمة من يوم العقد إلى يوم القبض ولا يتصور أن يكون في يد المشترى إلا بعد القبض
ولو نزلنا جدلا ان الضمير يعود إلى المشترى بطل قوله من حين العقد إلى حين القبض فتعين أن يكون
المراد بقوله مضمونا عليه فكان النقصان من ضمان البائع لا غير هذا الأمر الأول (الأمر الثاني) أن المراد
بالنقصان تغير أحوال المبيع كحدوث آفة في الثوب أو الدابة لا بغيره لاختلاف القيمة باعتبار نقصان
الرغبات وكثرتها وانخفاض الأسواق وارتفاعها وحينئذ قوله فكان نقصانها من ضمانه فلا يجوز أن
تقوم على البائع ظاهر التناقض لأنه نقصان جزء كما بيناه من الأمر الثاني وكما أن جملة المبيع من ضمان البائع
كذلك جزؤه ولا يمكن أن يعود الضمير إلى المشترى لما بيناه في الأمر الأول هذا كلام ابن معن
حاكيا عن الفارقي ولأجل كلام الفارقي هذا قال ابن أبي عصرون انه لا فائدة في اعتبار أقل القيمتين
قال في الانتصار ونص الشيخ أبو إسحاق في المهذب على أنه يقوم بأقل القيمتين وكذلك في الحاوي وذكره القاضي
262

أبو الطيب في بعض كتبه ثم خط عليه وقد أوضحت وجه فساده وبفساده قال الشاشي الأخير ثم اختار
أن تعتبر قيمته حال العقد لأنه موجب للضمان والقبض مقدر له كما في الحكومة في الجناية قال ابن أبي
عصرون وهذا يعنى كلام الشاشي رجوع عما اعترف بصحته ورده على غيره ثم لا وجه لما اختاره
(وقوله) إن العقد هو الموجب للضمان مسلم لكن بماذا بالثمن أو بالقيمة فلا فائدة في النظر إلى قدرها
وإنما جعلت معيار المعرفة المستحق للرجوع به من الثمن فلا تختص بقيمته حالة العقد وأما الجناية على
الجزء فإنما اعتبرت حالة الجناية لأنها حالة كمال المجني عليه واعتبرت بعد الجناية لأنها حالة النقصان ليعلم
ما نقص من قيمته ولو كان عبدا ثم قال الشاشي معترضا لو كانت قيمته حال العقد تسعين والعيب ينقصه
خمسة والخمسين من المائة نصف عشر ومن التسعين أكثر لم تستمر النسبة في المرجوع به ثم أجاب فقال
هذا التصوير تحكم لان العيب الواحد ينقص من الكثير القيمة بالنسبة إلى ما ينقصه من قليل القيمة لا سيما
والعين على صفة واحدة وإنما التفاوت من جهة السوق قال ابن أبي الدم وأنا أقول في القلب من هذه
المسألة وبما قاله هذان الشيخان يعنى الفارقي وابن أبي عصرون حسيكة عظيمة وأنا أفرغ الجهد فيما
ذكر عندي فيها نقلا وبحثا إن شاء الله تعالى ثم ذكر ابن أبي الدم بعد ذلك كلام الماوردي والامام
والغزالي وحكايتهما مع المراوزة الأقوال الثلاثة قال فاختار الشيخ أبو إسحاق قولا منها وترجيحه لها
لا يكون فاسدا ولا غلطا كما ذكره الفارقي بل ما ذكره الفارقي من الايراد والاشكال غلط فان التقويم
ما كان لايجاب عين القيمة بل لمعرفة نسبة ما يرجع به من الثمن فالقيمة معيار وإذا كان كذلك فقد ظهر
صحتها وإفادتها (وقوله) ان أثر العيب في التنقيص واحد خطأ لأنه إذا كان الثمن فوجده مقطوع
اليد يقوم سليما فكانت قيمته يوم العقد ويوم القبض تسعين فان اعتبرنا يوم العقد علم أنه نقص منه
خمس قيمته فيرجع بخمس الثمن وإن اعتبرنا قيمة يوم القبض علم أنه نقص عشر قيمته فيرجع بعشر
263

الثمن فحصل التفاوت الظاهر وهذا واضح لا إشكال فيه وإنما فهم الفارقي أنه جعل قيمته معيبا تسعين
وقيمته بالعوض مائة (قال) فنعلم أن الناقص عشر القيمة فيرجع بعشر الثمن وتوهم أن ذلك لازم لا يتغير
ولا شك أنه يمكن أن تكون قيمته معيبا يوم العقد أكثر ويمكن أن تكون قيمته معيبا يوم القبض
أقل وإذا فرض تفاوت القيمة بالنسبة إلى الزمانين وجب اعتبار أحدهما لاختلافهما وقول الفارقي في
فساد التعليل ففي ما ذكر في كلام الشيخ غنية عنه وعلى الجملة فهذا القول الذي صار إليه الشيخ
أبو إسحاق ليس قولا له اخترعه وإنما هو قول مقول عن أئمة المذهب فلا يليق بالمتأخر إظهار شناعة
على من اختاره وذكره في تصنيفه فإنه فساد ليس في كتابه شئ أظهر فسادا منه وإنما اللائق به إن كان
تكلم على دليله وأورد عليه بما يتوجه عليه من اشكال أو مباحثة أما الحكم عليه بأنه أفسد شئ في
كتابه فخطأ محض منه وسوء أدب وممن اختار ما اختاره الشيخ أبو إسحاق (1) والبغوي
* (قلت) * وما قاله ابن أبي الدم من وجوب حفظ الأدب صحيح وما قاله المصنف هو بلفظه
وحروفه في تعليق القاضي أبى الطيب فلا اختصاص للمصنف به وقد علمت أن الشافعي رحمه الله نص
في اختلاف العراقيين على اعتبار يوم القبض قال وقيمتها يوم قبضها المشترى من البائع فلو لم يكن
لاختلاف القيمة أثر لما قيد الشافعي بيوم القبض فيجب النظر في اختلاف القيمة وبيان كونه مؤثرا
في اختلاف الأرش وما فرضه ابن أبي الدم لعله من اختلاف قيمة المعيب مع تساوى قيمة السليم يوم
العقد ويوم القبض والعيب واحد كما مثل به من قطع اليد بعيد لأنه متى كانت قيمة السليم يوم العقد
ويوم القبض سواء والعيب واحد والمبيع واحد فكيف تختلف قيمة العيب لكن قد قدمت أمثلة
تغنى عن ذلك من جملتها ان تتحد قيمة السليم وتختلف قيمة المعيب لزيادة العين أو نقصانها واستبعاد
الشاشي له وقوله إن العيب ينقض من كثير القيمة بالنسبة إلى ما ينقص من قليلها فالكلام عليه من
وجهين (أحدهما) ان الشاشي قصر الكلام على اختلاف قيمة السليم المنسوب إليها واتحاد العيب

(1) بياض بالأصل
264

المنسوب وذلك هو القسم الثاني لذي قدمته وقلت إن كلام المصنف والأصحاب لم يشمله أو أن
الأولى فيه عبارة الامام (أما) إذا فرضنا الكلام في القسم الأول وهو أن قيمة السليم سواء ونقصت القيمة
بحدوث عيب قبل القبض أو زادت بحدوث صفة فان النسبة تختلف قطعا وهذا هو المراد بما قرره
الفارقي في كلامه فغير ذلك التقرير جوابه عن الأصحاب وإن كان في صورة الاعتراض وذلك هو
جواب عن المصنف إلا في قوله فلا يجوز أن يقوم على البائع فإنه مشكل وسنزيد الكلام عليه (الوجه
الثاني) من الكلام على الشاشي أن الأصحاب وان سكنوا عن قيمة السليم المنسوب إليها فلابد من
اعتبارها فان قيمة المعيب زادت أو نقصت منسوبة إليها فالضرورة تحتاج أن يكون ذلك الشئ
المنسوب إليه معلوما فان اتحد فذلك وان اختلف فهذا مما قدمت أن الأصحاب سكنوا عنه الا الشيخ
أبا حامد وبحث فيه هناك فإذا ثبت اعتبارها وانها قد تختلف فاختلافها مع تعارض السلامة من غير
زيادة إنما يكون بحيث الأسعار والرغبات وعند ذلك قد ينقص العيب من قليل القيمة نسبة لا ينقصها
من كثيرها وذلك إذا غلا السعر وضاق ذلك الصنف فان الرغبة تشتد فيه ويغتفرون ما به عن عيب
ولا يصير الناس يبالون بعيبه كما يبالون به في حال الرفاهية وبعكس ذلك إذا رخصت الأسعار
واتسع الصنف وبخست قيمته بحيث يصل إلى السليم منه كل أحد صدت أكثر الناس عن
المعيب لقدرتهم على ما هو خير منه وانحطت قيمته عن قيمة السليم بنسبة أكثر مما كانت قبل ذلك
هذا هو العرف بين الناس وإن كان ذلك غير منقول ثم إن المسائل التي تفرض في الفقه والفروض
المقدرة لا يلزم أن تكون واقعة غالبا بل ولا نادرا بل المقصود أنها ان وجدت كان هذا حكمها
فان قال قائل هذا إنما جاء في اختلاف السوق وفرض المسألة فيما إذا كان الاختلاف
من جهة حدوث وصف في المبيع (فالجواب) أن الاختلاف في قيمة المعيب سببه حدوث الوصف بزيادة
أو نقصان (وأما) الاختلاف في قيمة السلم المنسوب إليها فليس له سبب إلا اختلاف السوق ولابد
من اعتبارها (وأما) قول المصنف ولا يجوز أن يقوم على البائع ففي غاية الاشكال وايراد الفارقي عليه
قوي وهو كذلك في تعليقة القاضي أبى الطيب وليس بمناسب فيما يظهر لأنا إذا أدخلنا الذي
نقص في التقويم قبل الأرش وتضرر المشترى وانتفع البائع فلو قال المشترى لناسبه من هذا الوجه
وكان يفسد من وجه آخر لعدم مناسبته لبقية تعليله بأنه مضمون على البائع لكن الجواب عن هذا أن
265

هذا الاشكال إنما هو بناء على أن الكلام في العيوب المنسوبة وقد تبين فيما تقدم عن كلام الشيخ
أبى حامد أن المراد قيمة السليم المنسوب إليها وعلى ذلك يصح أن يقال فلا يجوز أن يقوم على البائع
لأنا إذا نسبنا إليها وأدخلناها في التقويم كثر الأرش عليه وان تعلقوا بكلام الامام تعلقنا بكلام
الشيخ أبى حامد وهو أصح لما تقدم (فان قلت) ذلك لا يلائم قوله كان ما نص في يده مضمونا
عليه وكان نقصانها من ضمانه (قلت) سيأتي تأويله عن صاحب البيان وقول الفارقي انا نوجب على
البائع قدر ما نقص بفواتها مضمونا إلى الأرش إنما يصح تخيله على بطلانه لو زال بعد حدوثه قبل القبض
وقد رأيت صاحب الوافي نقل هذا الجواب الذي قلته عن شيخ ثم اعترض بأن المسألة تفرض فيما
إذا زادت بين العقد والقبض ثم ذهبت الزيادة (قال) فالجواب صحيح أن تلك المسألة لم تدخل في ضمان
البائع وما ذكره من فرض المسألة قد يمنع منه الحكم إذا فرضها كذلك وقد اعتذر صاحب البيان عن
المصنف في التعليل فقال هذا مشكل لكن أراد أن النقصان مضمون على البائع وقد سقط ضمانه برضى
المشترى بقبض المبيع ناقصا فلو فرضنا وقت العقد أدى إلى ايجاب ضمان النقصان على البائع وقد سقط
عنه إلا أن الشيخ عنى البائع في أول كلامه ثم ذكره ظاهرا (قلت) معناه أن المشترى قبضه ناقص
القيمة باعتبار السلامة فذلك القدر الزائد منها قد رضى باسقاطه فلا ينسب العيب إلا إلى الثاني وهو
الأقل وفى ذلك نفع للبائع وهذا اعتذار عجيب فان فيه محافظة على تصحيح قول المصنف فلا يجوز أن
يقوم على البائع لكن ذلك قد يقتضى عكس الحكم فان قيمة السليم إذا كانت مائة يوم العقد ويوم القبض
وكانت قيمة المعيب يوم العقد تسعين ويوم القبض ثمانين فعلى ما قاله صاحب البيان ينبغي بأن يقوم
بأكثر قيمتي المعيب تسعون لان العيب الزائد المنقص للعشرة الثانية لم يحسب على البائع فيكون الأرش
العشر (والظاهر) من كلامهم أن الأرش في هذه الصورة الخمس لان الثمانين أقل القيمتين ثم إن ذلك
يقتضى الفرق بين أن يعلم بذلك أو يجهل فإنه قد يحصل عيب قبل القبض منقص للقيمة ويقبضه
المشترى من غير علم بذلك العيب ثم يحدث ما يمنع من الرد فله الأرش عن العيبين جميعا الذي
كان قبل العقد والذي حدث قبل القبض
(وقال) صاحب الوافي معنى قوله كان مضمونا
عليه أي يذهب من ضمان البائع وهو ناقص عليه في حكم ما لم يبعه من أمواله إذا لم يبعه
ليس مضمونا عليه للمشترى وإذا كان كذلك لم يجز أن يقوم عليه للمشترى ورأيت في تعليقه أبى اسحق
العراقي على المهذب ولا يجوز ان يقوم على المشترى وهذا اما أن يكون غلطا في النسخة واما أن يكون
266

أحد ظن أن البائع غلط فأصلحه على ظنه وكل النسخ فيها البائع والفارقي اعرف بما في المهذب وقد
ظهر الجواب عن ذلك بحمد الله تعالى واندفاع الاشكال عنه وكذلك رأيت في الاستقصاء كان ما نقص
من القيمة غير مضمون عليه أي لأنه ليس بجزء وأظن ذلك كله اصلاحا لما أشكل عليهم وتعليل الماوردي
قريب من تعليل المصنف وكذلك أكثر من تكلم في المسألة من الأصحاب ولم يختص المصنف من الاشكال
إلا بقوله فلا يجوز ان يقوم على البائع وكذلك شيخه القاضي ابن الطيب الاشكال في هذه اللفظة
وارد عليها *
* (فرع) * وهذا الذي قلته وحملت كلام المصنف عليه من أن المراد إن اختلفت القيمة المنسوب إليها
هو الصحيح المتعين أما إذا اتحدت واختلفت قيمة العيب كما في القسم الأول إن كانت قيمته معيبا تسعة
عند العقد ثم نقص نقصانه مع بقاء قيمة السليم إنما تكون لعيب آخر فذلك العيب الآخر ان اطلع
عليه المشترى ورضى به صار وجوده كعدمه وينسب الذي كان حالة العقد فقط وان لم يرضى به
كان الكل إلى القبض مضمونا على البائع ينسب من القيمة وان زادت قيمة المعيب مع بقاء قيمة السليم
فذلك إن كان نقصان العيب فقد برئ البائع بما نقص لأنه لو زال كله قبل القبض لم يثبت به الرد ولا
الأرش فكذلك نقصا فلا يصح اعتبار أقل القيمتين هنا وان لحصول وصف زائد في المبيع جبر
النقصان الحاصل بالعيب فيقتضى ذلك زيادة قيمته سليما وقد فرضنا أن قيمته سليما باقية بحالها *
* (فرع) * عبارة الرافعي والجمهور أقل القيمتين من يوم العقد ويوم القبض وكذلك في المحرر
وقد تقدم الكلام عليها وعلى عبارة الامام (وقال) النووي في المنهاج أقل قيمته من يوم العقد إلى يوم
القبض وذلك يقتضى أنه إذا نقصت القيمة فيما بين العقد والقبض أن تعتبر تلك القيمة الناقصة المتوسطة
وإن كانت القيمة يوم العقد ويوم القبض سواء لان المتوسطة حينئذ أقل وكذلك إذا كانت في أحد
اليومين أقل من الآخر وفيما بين ذلك أقل منهما أن يقوم بالمتوسطة التي هي أقل وعبارة الجمهور
لا تقتضي ذلك وتقتضي أن يقوم بإحدى القيمتين في يوم العقد أو يوم القبض إن كانتا متساويتين فبإحداهما
وان اختلفتا فبالأقل منهما وهذه عكس الصورة التي فرض الكلام فيهما فيما تقدم عن صاحب الوافي
على أنه في الروضة تابع للرافعي في عبارته ونبه في دقائق المنهاج على ذلك وانه غيرها لهذا المعنى والذي
يظهر عبارة الجمهور لان العيب المنقص إذا وجد وزال قبل القبض لا يثبت به خيار فلا اعتبار به وفيه
نظر فليتأمل وقال في التهذيب أقل القيمتين من يوم العقد إلى يوم القبض فإن كانت النسخة صحيحة ففيه
موافقة للمنهاج من بعض الوجوه لكن قوله أقل القيمتين يوافق الجمهور *
267

* (فرع) * هذا الذي تقدم في معرفة الأرش عن العيب القديم وكلام المصنف مفروض في ذلك
فإنه قال في أول الفصل إذا أراد يعنى المشترى الرجوع بالأرش أما الأرش المأخوذ من المشترى عن
العيب الحادث قال ابن الرفعة فالمنقول أنه يقوم وبه العيب القديم ثم يقوم وبه العيب الحادث والقديم
ويجب ما بينهما فإذا كانت قيمته بالقديم عشرة وبه مع الحادث تسعة غرم درهما ولا تجعل القيمة في هذا
الحال معيارا (قلت) وسيأتي هذا في كلام المصنف فيما لا يوقف على عيبه الا بكسره *
* (فرع) * قال ابن أبي عصرون المتأخر في مجموع له يتعرض في بعضه لألفاظ المهذب قال (قوله)
وإن اختلفت قيمة المبيع قال فيقال مثلا قيمته يوم العقد بلا عيب ثلاثون وبالعيب عشرون فينقص
عشرة ويقال قيمته يوم القبض بلا عيب خمسة وعشرون وبالعيب عشرون فيرجع بأقل القيمتين وهو
خمسة وكذلك لو قلت قيمته يوم العقد وزادت يوم القبض كما إذا قلنا سائل يعنى أن ذلك في السائل
وأيضا فقوله يرجع بخمسة يجب تأويله على أن المراد نسبتها من الثمن *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فإن كان المبيع إناء من فضة وزنه ألف وقيمته ألفان فكسره ثم علم به عيبا لم يجز له الرجوع
بأرش العيب لان ذلك رجوع بجزء من الثمن فيصير الألف بدون الألف وذلك لا يجوز فيفسخ البيع
ويسترجع الثمن ثم يغرم أرش الكسر وحكى أبو القاسم الداركي وجها آخر أنه يرجع بالأرش لان
ما ظهر من الفضل في الرجوع بالأرش لا اعتبار به والدليل عليه أنه يجوز الرجوع بالأرش في غير
هذا ولا يقال أن هذا لا يجوز لأنه يصير الثمن مجهولا) * *
* (الشرح) * هذا الفرع منسوب لابن سريج وفيه أوجه (أصحها) وهو قول الشيخ أبى حامد
والقاضي أبى الطيب والمحاملي وهو الذي صدر به المصنف كلامه أنه يفسخ المبيع ويرد الاناء ويغرم
أرش النقص الحادث ولا يلزم الربا لان المقابلة بين الاناء والثمن وهما متماثلان والعيب الحادث مضمون
عليه كعيب المأخوذ على جهة السوم فعليه غرامته وغرامة الأرش عن الحادث هنا ليس كغرامته في
سائر الصور كما سننبه عليه واستدلوا على تعذر أخذ الأرش بان الثمن ينقص كما ذكره المصنف وعلى
تعذر رده مع أرش العيب الحادث بأن المردود يزيد على الثمن وكلا الامرين ريا ولا يستشكل هذا
التقرير مع الحكم بأن المشترى يغرم الأرش حتى يقف على آخر الكلام في التنبيه السادس (والوجه
الثاني) ولم يذكره المصنف وهو قول ابن سريج أنه يفسخ العقد لتعذر امضائه مع أخذ الأرش كما
تقدم وبدونه لما فيه من ضرر المشترى ولا يرد الحلى على البائع لتعذر رده مع الأرش ودونه فجعل
268

كالتالف فيغرم المشترى قيمته من غير جنسه معيبا بالعيب القديم سليما عن الحادث واختار الغزالي هذا
الوجه وايراد صاحب البحر يقتضى ترجيحه وضعفه الامام وغيره وقال الامام انه أبعد الوجوه ونقل
المحاملي عن ابن سريج تشبيهه بالمأخوذ على جهة السوم ثم رد عليه بأن المستام بمنزلة المغصوب إذا
نقص يلزم أرش نقصانه لا قيمة جميعه (والثالث) الذي حكاه المصنف ثانيا وهو قول صاحب التقريب
والداركي واختاره القاضي حسين والامام وغيره أنه يرجع بأرش العيب القديم كسائر الصور والمماثلة
في الربوي إنما تشترط في ابتداء العقد والأرش حق وجب بعد ذلك لا يقدح في العقد السابق قال
الرافعي رحمه الله (واعلم) أن الوجه الأولى والثاني متفقان على أنه لا يرجع بأرش العيب القديم وأنه
يفسخ العقد وإنما اختلافهما في أنه يرد مع أرش النقص أو يمسك ويرد قيمته وأما صاحب الوجه الثالث
فقياسه تجويز الرد مع الأرش أيضا كما في سائر الأموال (قلت) وسيأتي بيان من هو الفاسخ عند
ابن سريج وبه يتبين أنهما لم يتفقا إلا على أصل الفسخ ويأتي أيضا أن ما قاله الرافعي لم يصر إليه أحد
وعلى هذا الوجه إذا أخذ الأرش فقد قيل يجب أن يكون من غير جنس العرض كيلا يلزم ربا الفضل
(والأصح) وهو الذي رجحه القاضي حسين والبغوي والرافعي انه يجوز أن يكون من جنسهما لان
الجنس لو امتنع اخذه لامتنع أخذ غير الجنس لأنه يكون بيع مال الربا بجنسه مع شئ آخر وذلك من
صور مد عجوة وأيضا لان الأرش جزء من الثمن وقد غلط أبو إسحاق العراقي فجعل قول صاحب
التقريب وجها رابعا وحكاه مع وجه الداركي بعبارتين متقاربتين ولم يتنبه لاتحادهما ثم تنبه لأمور
(أحدها) ان المصنف فرض المسألة في الاناء وكذلك القاضي أبو الطيب فرضها في إبريق وزنه مائة درهم
وكذلك الشيخ أبو حامد في التعليقة التي كتبها سليم عنه نقلها عن ابن سريج فيما إذا اشترى إبريقا فضة
وزنه مائة درهم وقيمته مائة وعشرون بإبريق من فضة وزنه مائة وقيمته مائة وعشرون وفرضها الشيخ
أبو حامد في التعليقة التي أخذها البندنيجي في مصوغ وكذلك الامام والغزالي فيما إذا اشترى حليا وزنه
الف بألف وفرضها في الحلى حسن لا اعتراض عليه واما فرض المصنف ومن وافقه في الاناء فان قلنا بجواز
اتخاذ أواني الفضة فصحيح أيضا وأما إذا قلنا بتحريم اتخاذها وهو الأصح فان الصنعة فيها غير محترمة فلا
يكون الكسر عيبا فيها فلا يمتنع الرد والأرش كما لو لم يحدث شئ فلعل ابن سريج فرع هذا على جواز
الاتخاذ وأيضا فذكر الكسر على سبيل المثال والمقصود حدوث عيب في يد المشترى (الثاني) ان المصنف
لم يذكر تمام صورة المسألة وهو أن يكون الثمن من جنس الاناء كما فعل ابن سريج والامام بل سكت
عن الثمن بالكلية وكذلك القاضي أبو الطيب وكأنهما اكتفيا بشهرة المسألة والعلم بصورتها والمراد إذا
269

اشتراه بوزنه من جنسه كذلك فرضها ابن الصباغ والامام وغيرهما والا فلو كان الثمن من غير النقود
أو من النقود غير الجنس لم تأت المسألة لأنه لا يبقى محذور في المفاضلة فالمشترى يرجع بأرش العيب القديم
وممن صرح به ابن الصباغ والقاضي حسين وحكى أبو إسحاق العراقي فيه وجهين وأظنهما في الذخائر وكأنهما
مأخوذ ان مما سنذكره عن الحاوي في التنبيه الثالث عشر وعلى كل حال فالأصح الجواز قال القاضي
حسين فإن كان نقد البلد ذهبا والحلي المبيع من الفضة قوم الحلى بنقد البلد ثم يسترد الأرش من الثمن
إن كان عرضا فمن الغرض أو ذهبا فمن الذهب فإن كان نقد البلد فضة والحلي من الفضة قال القاضي
حسين يحتمل وجهين (أحدهما) يقوم نقد البلد فإن كان الحلى من نقرة خشنة والدراهم المطبوعة
تزيد عليه قوم بنقد آخر وهو الذهب كيلا يؤدى إلى الربا هكذا رأيته في النسخة وكأنه سقط منها
شئ (الثالث) في التنبيه على أمور واضحة ذكر القصة على سبيل المثال الربوي والذهب كذلك
ولكن إناء الذهب حرام عند المصنف ولا يجرى فيه الخلاف فلذلك لم يقع التمثيل به وجعله قيمة
العين مثال لزيادتها على وزنه حتى يكون الكسر منقصا لها فيكون عيبا أما لو كانت القيمة
مساوية للوزن ان أمكن فرض ذلك لم يكن الكسر منقصا لان القيمة لا تعتبر حينئذ والكسر مثال
لحدوث عيب فلو انكسر بنفسه كان الحكم كذلك (1) (الرابع) ان تعليل المصنف امتناع الرجوع
بالأرش الذي اتفق عليه ابن سريج وأبو حامد والأكثرون بان ذلك من رجوع بجزء من الثمن
موافق كما تقدم من المصنف وأكثر الأصحاب ان الأرش جزء من الثمن وقد تقدم عن الغزالي تردد في
أنه غرامة جديدة ولذلك قال الغزالي هنا كما حكى قول ابن سريج وقول صاحب التقريب قال فتحصلنا
على احتمالين في حقيقة كل واحد من الأرشين انه غرم مبتدأ أو في مقابلة المعقود عليه ويعني بالأرشين أرش
القديم وأرش الحادث يعنى ان علة قول ابن سريج يكون الأرش عن القديم جزأ من الثمن لما تقدم
والأرش عن الحادث كذلك لان ابن سريج يجعله في مقابلة ما فات من المبيع وان الفسخ في غير الربوي
يرد عليه إذا ضم مع المبيع كما يرد على المبيع وقول صاحب التقريب يقتضى انه غرم مبتدأ فظهر لك بما
قاله الغزالي ان مأخذ الوجهين الأولين ان الأرش جزء من الثمن ومأخذ الثالث انه غرم مبتدأ لكن
الامام قد اختار قد صاحب التقريب هنا وقد تقدم عن قول بان الأرش جزء من الثمن فطريق الجميع
بان القائل بان غرم مبتدأ لم يقل به من كل وجه بل من بعض الوجوه كما تقدم من كلام الامام في أنه
انتقاص جديد وقد نبهت على ذلك فيما تقدم وكذلك علل الامام في هذه المسألة قول صاحب التقريب
بالضرورة ولو كان الأرش غرما مبتدأ لم يحتج إلى ذلك وقال الامام أيضا ان كل مسلك من المسالك
يعنى الأوجه الثلاثة لا يخلو عن حيد عن قانون في القياس جار في حال الاختيار ولم يصر أحد إلى التخيير

(1) بياض بالأصل
270

بين جميع هذه المسالك من حيث اشتمل كل واحد على ميل عن أصل والضرورة تحوج إلى واحد
منهما فهذا الكلام من الامام يدل على أن الأرش ليس غرما مبتدأ من كل وجه إذ لو كان كذلك لكان
غير خارج عن القانون وفى كلامه وفيما تقدم عنه وفى النظر ما يدل على ذلك أيضا ولذلك قال في توجيه
كلام صاحب التقريب ان غرامة الأرش في هذا المضيق تقدر كأرش مبتدأ مرتب على جناية على ملكه
(الخامس) ان الفاسخ للبيع هو الحاكم صرح به الشيخ أبو حامد وصاحب العدة وغيرهما ويحتمل ان
يقال على قول ابن سريج ان للمشترى ان يفسخ أيضا كما يقال في التخالف ان لكل منهما أيضا ان
يفسخ على الأصح (ان قلنا) بذلك كما ستعرفه في بابه فإنه عندنا فيه وقفة (واما) على قول الأكثرين فيبعد
إلحاقه بالتخالف وإنما هو رد بالعيب لا مدخل للحاكم فيه غير أنه امتنع دخول
الأرش فيه وجعل غرامة مبتدأة وبهذا تبين لك أن الوجهين لم يتفقا على كيفية الفسخ كما وعدت به من
قبل (السادس) قول المصنف لم يغرمه أرش الكسر يريد به أن تغريم أرش الكسر متأخر عن
الفسخ والفسخ يرد على الاناء خاصة وليس كسائر الأموال حيث يرد الأرش عن الحادث مع المبيع إذ
ورد الرد عليها في هذه الصورة أدى إلى الربا وليس المراد باسترجاع الثمن قبضه بل رجوعه إلى ملك المشتري
وليس في الأوجه من يقول بجواز رد الأرش مع المبيع إلا ما قال الرافعي أنه قياس الوجه الثالث
فلذلك أتى المصنف بصفة ثم المقتضية للترتيب وعبارة الرافعي أنه يرده مع أرش النقصان ويجب تأويلها
على المعية في الوجوب لا في انسحاب حكم الرد عليها على أن الامام ذكر هنا كلاما بليغا في تحقيق رد
الأرش مع العيب بالعيب الحادث وأن ليس على تقرير ورود الفسخ عليهما أعني في جميع الصور وقد
قدمت ذلك عنه عند الكلام في أخذ الأرش عن العيب الحادث في الفصل الذي قبل هذا (السابع)
أن كلام المصنف يقتضى أن الوجه الأخير حكاه الداركي وليس من قوله وكذلك حكاه الشاشي وكلام
الرافعي يقتضى أنه عنه (الثامن) من قول المصنف في تعليل قول الداركي لان ما ظهر من الفضل في الرجوع
بالأرش لا اعتبار به يفهم أن ذلك ليس مأخوذا من أن الأرش غرم مبتدأ بل هو جزء من الثمن
بطريق الظهور ولكن لا يعتبر لما نذكره من الدليل فقوله ظهر ينفى كونه غرما مبتدأ ثم بعد ذلك اما
أن يكون ذلك بطريق الشين أو بطريق انشاء نقص جديد فيه ما تقدم من البحث الأقرب عبارة
المصنف الأول والموافق لكلام الإمام الثاني (التاسع) الدليل الذي ذكره على عدم اعتبار ذلك أنه
يجوز الرجوع بالأرش في غير هذا الموضع بالاتفاق ولم يقل أحد بأنه لا يجوز لأنه يصير الثمن مجهولا
271

أي لأنا ظهر لنا أن الثمن الذي قابل المبيع ما بقي بعد الأرش وذلك لم يكن معلوما حالة العقد وجهالة
الثمن موجبة لبطلان البيع فلو كان ما ظهر معتبرا لم يجز الرجوع بالأرش في غير هذا الموضع لافضائه
إلى جهالة الثمن وبطلان العقد من أصله لكن الرجوع بالأرش في غير هذا الموضع جائز اتفاقا فلا
يكون لما ظهر حكم وهذا بينه وبين ما ذكره الامام في توجيه هذا القول لما حكاه عن صاحب التقريب
بعض المخالفة فإنه قال إنه في هذا المضيق كأرش مبتدأ مرتب على جناية فانا هذا القول واحد ومأخذه
مختلف المصنف يشير إلى أن المقابلة تغيرت لكن ليس لظهور تغيرها حكم ويطرد فذلك في هذه المسألة
وفى غيرها والامام يقول في هذه المسألة الضرورة تجعله كغرم مبتدأ ولا يخفى أن
في كل من الكلامين حيدا عن القانون كما قاله الامام فان المصنف يحتاج إلى الاعتذار
عن تخلف الحكم عما ظهرت وليت شعري هل الرجوع بالأرش مجمع عليه أو فيه نص أو لا
فإنه إن كان فيه نص أو اجماع كان عذرا في أن يجعل ان ما ظهر لا حكم له أو يجعله كغرم مبتدأ اتباعا
وان لم يكن فيه اجماع ولا نص فما المخلص عن هذه الاشكالات وما الموجب لارتكابها (العاشر) لا جواب
وما استدل به الداركي انه إنما يلزم جهالة الثمن إذا كان ذلك بطريق العين أما إذا قلنا إن المقابلة تغيرت
بانتقاص جديد فلا وهذا الذي يقول به بدليل حل الجارية وغير ذلك مما تقدم وإذا كان بطريق النقص
صار له حكم في المقابلة صارت الألف مقابلة بدون الألف الآن لا فيما مضى فامتنع الرجوع بالأرش كذلك
قال الفارقي في الجهالة يفرق فيها بين الجهالة الحاصلة بفعل العاقل ابتداء والحاصل بغير فعله ولهذا لو
أسلم إلى أجل مجهول بطل ولو مات المسلم إليه في أثناء الأجل حل وصار الأجل بموته مجهولا وهو
صحيح (الحادي عشر) أنه على الأصح الذي قاله المصنف أنه يرد ثم يغرم أرش النقص الذي حدث عنده
وشبهوه بالمستام وفيه نظر لان الرد يرفع العقد من حينه على الصحيح فالعيب حدث على ملك المشتري
فكيف يغرمه إذا لم يقدر ورود الرد عليه وليس كالمستام فان المستام ليس مملوكا له وأشار الامام إلى أن
ذلك على سبيل التقدير ونظره بقول منصوص للشافعي إذا فسخ النكاح بعد الدخول أن الزوج يسترد
المسمى ويرد إليها البضع ثم يغرم الزوج لها مهر المثل (الثاني عشر) مأخذ فسخ البيع على ما قال الشيخ
أبو حامد من قول الشافعي في الرجل يشترى ثمرة قبل بدو الصلاح بشرط القطع ثم لم يقطع حتى بدى
الصلاح ثم أراد القطع فسخنا البيع ههنا لما يؤدى ذلك إليه من الاضرار بصاحبه أو بالمساكين هكذا
رأيته في تعليقته ولم أفهمه وإنما يفسخ البيع فيما إذا حدثت ثمرة أخرى واختلطت ولم تتميز على أحد
272

القولين ثم في مسألة اختلاط الثمار على أحد القولين وهو الصحيح عند طائفة أن البيع ينفسخ بنفسه من
غير فاسخ وليس ههنا كذلك (الثالث عشر) صورة المسألة إذا كان الاناء باقيا فلو عرف العيب القديم
بعد تلفه عنده فالصحيح الذي ذكره العراقيون وصاحب التتمة أنه ينفسخ العقد ويسترد الثمن ويغرم
قيمة التالف إن كان متقوما ومثله إن كان مثليا ولا يمكن أخذ الأرش وقال القاضي حسين انه يأخذ
الأرش وصححه في التهذيب وقد تقدمت المسألة في باب الربا وذكره القاضي حسين وصاحب التهذيب
هنا موافق لقول الداركي في حالة البقاء ويلزمهما موافقته هناك وما قاله العراقيون هنا موافق
لقول ابن سريج في حالة البقاء وألجأهم إلى ذلك امتناع الرد بالتلف واحتاجوا إلى
الفسخ هنا لامتناع أخذ الأرش عن القديم بخلاف تلف بيع المعيب في غير هذه
الصورة حيث يكون اخذ الأرش ممكنا قالوا وتلف المبيع لا يمنع جواز الفسخ وقد جوز الشافعي الإقالة
بعد التلف وكذلك في التخالف وصاحب التتمة جعل حالة التلف أصلا وان ابن سريج يقول في حالة
البقاء كحالة التلف وذكر القاضي حسين في هذا الباب ثلاثة أوجه (قال) وفى المسألة اشكال وقد تقدم
في باب الربا اختياره وحكاية الأوجه الثلاثة وفى الحاوي في باب الربا عند التلف انه إن كان بجنسه
لم يرجع بالأرش وإن كان بغير جنسه من النقدين (فوجهان) أقيسهما الرجوع فيرجع بأرش الفضة ذهبا
(والثاني) وهو قول الشيوخ من البصريين والجمهور من غيرهم لا يجوز لان الصرف أضيق ولان الأرش
يعتبر بالأثمان فلا يكون داخلا فيها وقد تقدم ذلك وتفرعه عنه في باب الربا وقياس ذلك أن يجرى هنا
في حالة البقاء لكن الماوردي فرض ذلك في الصرف ولم يفرضه حيث تكون القيمة زائدة عن الوزن
(الرابع عشر) متى كان كسر الاناء من المشترى فلا فرق بين بعد القبض أو قبله ومتى كان من غيره
ووجد بعد التقابض والتفرق فلا اشكال وفيه فرض الامام المسألة ومتى كان قبلهما فهو من ضامن البائع
فلا تأتى المسألة ومتى كان بعد التقابض وقبل التفرق فيلتف على ما تقدم ان المشترى إذا قبض المبيع في
زمن الخيار هل يصير من ضمانه أم لا وفيه طرق تقدمت فان قلنا لا يصير من ضمانه
وأنه ينفسخ بتلفه في يده وهو ظاهر نص الشافعي فالعيب الحادث حينئذ مضمون على
البائع لا يوجب الأرش فهو كما قبل التقابض فلا تأتى المسألة (وان قلنا) من ضمانه كما اقتضاه كلام المصنف
فالحكم كما بعد التفرق والتقابض ولا جرم أطلق المصنف التصوير ولم أجد في شئ من ذلك نقلا
ولكنه قضية التفريع والطرق التي في قبض المبيع في زمن الخيار تقدمت في هذا الباب عند حدوث
(1) المبيع بعد القبض (الخامس عشر) إذا غرمناه قيمته على قول أبن سريج أو على قول الأكثرين

(1) بياض بالأصل
273

* عند تلفه فقد تقدم في حكاية قول ابن سريج أنها تكون من غير جنسه هكذا حكاه الرافعي يعنى
إذا كان فضة يعطى قيمته ذهبا وإن كان ذهبا يعطى قيمته فضة وكذلك حكاه القاضي أبو الطيب عن
ابن سريج وقاله القاضي أبو الطيب من عند نفسه في حالة التلف أيضا والأكثرون لم يعتبروا ذلك بل
أطلقوا القيمة وهو أحسن هذه غرامة وليست عقدا يجئ تحذر فيه من الربا وقد حكى العراقيون فيما
إذا أتلفت آنية فضة قيمتها أزيد من وزنها ثلاثة أوجه (أصحهما) يضمن بالنقد الغالب (والثاني) يقوم بغير
جنسه (والثالث) بمثل وزنه من جنسه والزيادة من غير جنسه قال أبو سعيد الهروي وكان القاضي الحسين
يعيب هذا ويقول الاتلاف ليس مقيسا على البيع في أمر الربا (قلت) فقياس الأوجه الثلاثة أن يأتي مثلها
هنا (السادس عشر) غرامة أرش النقصان الحادث على قول الأكثرين عند بقائه هل يكون من
نقد البلد وإن كان من الجنس قولا واحدا أو يجرى فيها الخلاف الذي في الغصب (الظاهر) الثاني لأنهم
شبهوه بالمستام (السابع عشر) قد تقدم من قول الإمام أنه لم يصر أحد إلى التخيير بين جميع هذه
المسالك بعد أن ذكر الأوجه الثلاثة واختار الثالث منها وكذلك قال الغزالي في البسيط انه لم يصر
صائر إلى التخيير بين أرش العيب القديم وضم أرش العيب الحادث كما في سائر العيوب وإن كان محتملا
بحكم التوجيه الذي ذكرناه للوجهين ولكن اعتقد كل فريق أن ما ذكره أبعد من اقتحام الربا فلم
يثبت الخيرة وهذا الذي قاله الامام والغزالي يرد القياس الذي قال الرافعي انه قياس الوجه الثالث لا سيما
وهو مختار الامام وهو أعرف بقياسه ولا شك أن القياس كما قال الرافعي ولكن لعل صاحبه ترك
القياس للمعنى المذكور وهو البعد من الربا ولو ثبت ما قاله الرافعي من القياس لكان لنا قائل بالتخيير
والامام قد نفاه (الثامن عشر) صورة المسألة أن يكون العيب الذي ظهر بالاناء كالكسر ونحوه فلو
كان يخرجه عن الجنس كالغش تبين بطلان العقد للمفاضلة (التاسع عشر) أن الكلام المذكور لا اختصاص
به بالاناء والحلي بل هو في كل عقد اشتمل على جنس واحد من مال الربا من الجانبين كما إذا باع صاع
حنطة بصاع واطلع أحدهما على عيب فيما أخذه بعد حدوث عيب في يده أو تلفه وفيه فرض صاحب
التتمة وقال ابن الحكم في سائر أموال الربا كذلك وكذلك قال غيره (العشرون) إن أرش الكسر الذي
يغرمه يمكن أن يقال بأنه لا يكون منسوبا من الثمن بل ما نقص من القيمة هنا يقتضى تشبيه بالمستام
ويدل له ما سيأتي في ما لم يوقف على عيبه إلا بكسره (وقال) أبو حامد بن يونس في شرح الوجيز اعتراضا
على جعله كالجناية بعد الفسخ انه لو كان كذلك لغرم أرش ما نقص والمغروم جزء من الثمن وكلام
الغزالي ساعده ولولا ذلك لم يحتج إلى الفرار من الربا وسيأتي فيما لم يوقف على عيبه إلا بكسره تمام
هذا البحث والأقرب هنا ما قلناه أولا وهو أنه لا يكون منسوبا من الثمن بل من القيمة *
274

* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان وجد العيب وقد نقص المبيع بمعنى يقف استعلام العيب على جنسه بأن كان جوزا أو بيضا
أو غير ذلك مما لا يوقف على عيبه إلا بكسره فينظر فيه فان كسره فوجده لا قيمة للباقي كالبيض المذر
والرمان العفن فالبيع باطل لان ما لا قيمة له لا يصح بيعه فيجب رد الثمن) * *
* (الشرح) * تقدم الكلام في النقص الذي لا يقف استعلام العيب على جنسه والكلام الآن فيما يقف
وإنما قال على جنسه ولم يقل عليه ليشمل ما إذا كسر منه قدرا لا يوقف على العيب بما دونه وما إذا
كسر منه قدرا يمكنه الوقوف على العيب بأقل منه وكلا القسمين سيأتيان في كلامه إن شاء الله تعالى
إذا عرفت ذلك فنقول ما لا يوقف على عيبه إلا بكسره مما مأكوله في جوفه أو غيره كالبطيخ والرانج
والرمان واللوز والجوز والبندق والبيض فكسره فوجده فاسدا لا قيمة له كالبيض المذر الذي لا يصلح لشئ
والبطيخ الشديد التغير والرمان العفن والجوز والرانج والقثاء المدود فقد نص الشافعي رحمه الله والأصحاب
أنه يرجع بجميع الثمن قال المزني سمعت الشافعي كل ما اشتريت مما يكون مأكوله في جوفه فكسرته
فأصبته فاسدا فلك رده وما بين قيمته فاسدا صحيحا وقيمته فاسدا مكسورا قال وقال في موضع آخر
فيها قولان (أحدهما) ليس له الرد إلا أن شاء البائع وللمشتري ما بين قيمته صحيحا وفاسدا إلا أن لا يكون
له فاسدا قيمة فيرجع بجميع الثمن (1) والقولان هكذا ذكرهما الشافعي في الام في الجزء الثامن في
باب ما اشترى مما يكون مأكوله داخله وما ذكره الشافعي رضي الله عنه من الرجوع بجميع الثمن
إذا لم يكن لفساده قيمة قطع بها الأصحاب كافة لكن اختلفوا في طريقه فالجمهور من الأصحاب
العراقيون ومعظم الخراسانيين على أنه تبين فساد البيع كما ذكر المصنف لوروده على غير متقوم وعن
القفال وطائفة أنه لا يتبين الفساد لكنه على سبيل استدراك الظلامة كما يرجع بجزء من الثمن عند نقص
جزء من المبيع يرجع بكله عند فوات كل المبيع وتظهر ثمرة الخلاف في أن القشور الباقية بمن تختص
حتى يكون عليه تطهير الموضع عنها وكلام الشافعي محتمل لكل من الوجهين لكن القواعد تقتضي حمله
على ما قاله الأصحاب ونقل القاضي حسين عن الشيخ وهو القفال أنه قيل له في الدرس إذا كان
لا قيمة لفاسده غير مكسور وجب الحكم بفساد العقد كسائر ما لا يتقوم فقال هو وإن كان كذلك فلا
ينفك عن أدنى قيمة وان قلت لبقاء بعض المنافع فإنها تقتضي لتنقش فيلعب بها الصبيان وخالفه القاضي في
ذلك لان القصد من شراء البيض الطعم وأحد لا يشترى البيض لينقش وتلعب به الصبيان والامام حكى قول
القفال عن طائفة وأفسده لكن بغير الطريق الذي أفسده بها القاضي فان مقتضى كلام القاضي ان

(1) بياض بالأصل
275

هذه المنفعة لقلتها لا تعتبر وليست مسوغة لا يراد العقد عليه كسائر المنافع التافهة والامام فرض الكلام
حيث لا قيمة مع الصحة ومفهومه أنه إذا كانت له قيمة وإن قلت نحكم بالصحة لكنه في آخر كلامه
يقول لا وجه إلا القطع بالفساد (وقال) الغزالي انه إذا لم يبق له بعد الكسر قيمة قال الشافعي يسترد
الثمن جميعه فقال الأصحاب معناه أنه يسترد أرش النقصان لكن أرش كمال الثمن إذا لم يبق له قيمة
(والوجه) أن يقال تبين بطلان العقد فان فرض له قيمة قبل الكسر قيمة للنقش ولعب الصبيان فقد
بطلت المالية الآن (فان قلنا) طريق الاطلاع من عهد البائع حتى لا يجب به أرش فههنا يتقدم أن يسترد
تمام الثمن ويجعل كأنه لم يشتر إلا ما بقي بعد الاطلاع وان جعل ذلك من ضمان المشترى فلا يتقدم معه
أن يسترد تمام الثمن هذا كلام الغزالي وما نقله عن الأصحاب هو قول القفال ومعظم الأصحاب قاطعون
بخلافه أفهم كلامه فرض المسألة فيما إذا لم يكن له قبل الكسر قيمة أصلا كما اقتضاه كلام الامام وان
منفعة النقش ولعب الصبيان معتبرة وذلك خلاف ما قاله القاضي حسين ومقتضى كلام الغزالي في هذه
المسألة الحالة إذا كانت له قيمة ومنفعة للنقش ولعب الصبيان الجزم بصحة البيع ثم الاختلاف في استرداد تمام
الثمن أي بطريق الفسخ كما في قبل العبد المرتد في يد المشترى وأولى فيتحصل من كلامه وكلام
الأصحاب أربعة أوجه (الأصح) أن البيع باطل (والثاني) أنه يصح وينفسخ بعد ذلك ويسترد جميع الثمن
وهذا غير قول القفال لان القفال يقول إن ذلك بطريق استدراك الظلامة مع بقاء العقد كالأرش حتى
تبقى القشور للمشترى ومقتضى هذا القول القائل بأن الانفساخ إذ ترجع القشور للبائع ويلزمه
تنظيف المكان عنها (والثالث) انه يصح ولا ينفسخ لكن يكون له أرش العيب وهو ههنا الثمن
بكماله وهو قول القفال (والرابع) أن البيع صحيح ولا ينفسخ ولا يسترد الثمن بكماله بل يسترد الأرش
وهو ما بين قيمته سالم الجوف وفاسده قبل الكسر وهذا الوجه مخالف لنص الشافعي وطريقه ان يحمل
النص على ما لا قيمة له مع فساده في حال صحته فيحملها على مراتب (أحدها) ان يتبين بالكسر أنه لم يكن
له قيمة في حال صحته أصلا وهذه الحالة يتبين بطلان البيع فيها قطعا على ما اقتضاه كلام القاضي حسين
ويجرى فيها وجهان على ما اقتضاه كلام الغزالي (الثانية) ان يتبين أنه كانت له قيمة تافهة كالنقش ولعب
الصبيان فهي محل الأربعة الأوجه المقدمة والمذهب البطلان خلافا للقفال وطائفة والغزالي فان كلامه
يقتضى ذلك في هذه (المرتبة الثالثة) ان يفرض له قيمة قبل الكسر معتبرة في صحة ايراد العقد عليه ثم
تبطل بالكسر وهذا الغرض لم يذكره الأصحاب لأنه متعذر أو بعيد فلو قدر وجوده فلا يمكن القول
بتبين البطلان ههنا لكن يأتي الوجهان المفهومان من كلام الغزالي في المرتبة الثانية (أحدهما) ان البيع
276

ينفسخ ويرجع بالثمن ويجعل طريق الاطلاع من ضمان البائع وان حصل في يد المشترى (والثاني) انه
لا ينفسخ إذا قلنا ذلك ليس من ضمان البائع لكن يرجع المشترى على البائع بالأرش وهو ما بين قيمته
سالما وفاسدا صحيح القشر وهذان الوجهان إذا فرض له قبل الكسر قيمة صحيحة للعقد لا اشكال في
جريانهما ويمكن صاحب الوجه الأول ان يحمل كلام الشافعي على ذلك وأنه يرجع بالثمن بطريق انفساخ
العقد والخلاف في كون طريق الاطلاع على العيب من ضمان البائع أو لا سيأتي إن شاء الله تعالى فيما إذا
كان له بعد الكسر قيمة (والأصح) أنه من ضمان البائع فيكون الأصح هنا من الوجهين اللذين قالهما الغزالي
انه ينفسخ (وان قلنا) إن العقد صحيح لكن الظاهر أن الغزالي لا يوافق على تصحيح انه من ضمان البائع
في المسألة الآتية وشبه أيضا بالخلاف في قبل المرتد في يد المشترى بالردة السابقة هل يكون من ضمان
البائع أو لا والصحيح انه من ضمان البائع * إذا عرفت ذلك رجعنا إلى لفظ الكتاب قول المصنف فوجده
لا قيمة للباقي أي بعد الكسر يشمل ماذا كان له قبل الكسر قيمة تافهة أو كثيرة أو لا قيمة له أصلا والأخير
محل اتفاق (والثاني) تقدم الكلام فيه وبينت أنه فرض بعيد أو متعذر فلا نجعله مدرجا في كلام المصنف
فإنه بذلك يشكل الحكم بالبطلان لما تقدم والأول وهو أن يكون له قيمة تافهة هو محل الخلاف بيننا
وبين القفال فلذلك والله أعلم أتى المصنف بهذه العبارة حتى تشمل القسمين الأول والثالث وتعليله
بأنه لا قيمة له يقتضى الاقتصار على القسم الثالث لكن الذي له قيمة تافهة كما لا قيمة له فالمراد لا قيمة له
معتدا بها (وقوله) فيجب رد الثمن هو المنصوص للشافعي (وقوله) البيع باطل وما حمل معظم
الأصحاب كلام الشافعي عليه *
* (فرع) * قال ابن الرفعة انه تظهر فائدة الخلاف بين الأصحاب والقفال أيضا في أن مجرد الاطلاع
هل يوجب استرجاع الثمن أم لا فعلى القول بأنه استدراك للظلامة لا يكون له الا إذا طلبه على الفور كما
تقسم ذكره في المبيع الذي تعذر رده لحدوث عيب به عند المشترى وعلى القول بتبين بطلان العقد
يكون الثمن مستحقا من حين الكسر الذي زالت به المالية (قلت) أما إذا قلنا إنه استدراك للظلامة لا يكون
الا طلبه على الفور فإنه قد تقدم أنه عند امتناع البائع من أخذ المعيب وتعين الحق في الأرش لا يجب
أن المشترى يطلبه على الفور وقبل امتناع البائع تقدم عن الرافعي وغيره انه يعلمه به على الفور فان
شاء قبله فههنا إن كان الرد عند القفال سائغا وانه إذا طلبه البائع يجب فالامر كما قال فإذا لم يعلمه به
بطل الرد والأرش لكن ذلك لا فائدة فيه أصلا ولا يحصل للبائع به مصلحة وإن الرد عند القفال ممتنعا
لخروجه عن المالية فيكون الأرش متعينا ولا يجب طلبه على الفور وهذا هو الأظهر (وأما) قوله على
277

القول بتبين بطلان العقد يكون الثمن مستحقا من حين الكسر فمحمول على أن علمنا استحقاقه من
حين الكسر وإلا فهو مستحق من حين التسليم لعدم صحة البيع من أصله والله أعلم *
* (فرع) * أطلق المصنف الكسر في هذا القسم فيقتضى أن لا فرق بين ان يزيد في الكسر أو
يقتصر على قدر ما يعرف به العيب وهو كذلك على المذهب لأنه إذا تبين بطلان العقد لعدم كونه
متقوما قبل الكسر فلا فرق اما على رأى القفال ومن وافقه فيظهر أن يقال إن زاد في الكسر وكان
لو اقتصر على ما يعلم به العيب لبقيت تلك القيمة اليسيرة يكون الزائد من ضمان المشترى فلا يكون
الأرش جميع الثمن وفيه نظر *
* (فرع) * ان اختلفا في تسليمه صحيحا أو فاسدا فالقول قول البائع مع يمينه قاله الشيخ أبو حامد *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فإن كان له قيمة كبيض النعامة والبطيخ الحامض وما دود بعضه من المأكول نظرت
فان كسر منه قدرا لا يوقف على العيب بما دونه ففيه قولان (أحدهما) أنه لا يرد وهو قول المزني
لأنه نقص حدث في يد المشترى فمنع الرد كقطع الثوب (والثاني) لا يمنع الرد لأنه معنى لا يوقف
على العيب إلا به فلم يمنع الرد كنشر الثوب (فان قلنا) لا يرد رجع بأرش العيب على ما ذكرناه (وان
قلنا) يرد فهل يلزمه أن يدفع معه أرش الكسر فيه قولان (أحدهما) يلزمه كما يلزمه بدل لبن الشاة
المصراة (والثاني) لا يلزمه لان الكسر الذي يتوصل به إلى معرفة العيب مستحق له فلا يلزمه
لأجله أرش) * *
* (الشرح) * إذا كسر ما لا يوقف على عيبه إلا بكسره وكان للباقي بعد الكسر قيمة كما ذكره وكالرانج
وغيره إذا بقيت له قيمة فإن لم يزد على قدر ما يعرف به العيب مثل أن نقب الرمان فعرف حموضته
أو قطعه قطعا يسيرا فعرف أنه مدود (قال) القاضي أبو الطيب لان التدويد لا يمكن أن يعرف بالنقب
وإن كان هكذا ففيه قولان وقد تقدم ذكرهما عن مختصر المزني واتفقت الطرق على حكايتهما (أظهرهما)
عند الأكثرين أنه لا يمنع الرد وهو ما أورده المصنف (ثانيا) وهو الذي حكى المزني في كلامه أو لا أنه سمعه
من الشافعي وبه قال مالك وأحمد في رواية وممن رجحه الماوردي والروياني والشيخ أبو حامد ومن تابعه على
ما حكاه الرافعي وقاسوه على المصراة هكذا قاسه الأكثرون والمصنف قاسه على نشر الثوب وسنذكر سبب ذلك
إن شاء الله تعالى (والقول الثاني) انه ليس له الرد قهرا كما لو عرف عيب الثوب بعد قطعه وبهذا قال
أبو حنيفة والمزني وصححه صاحب التهذيب قال المزني بعد حكاية ما قدمته عن المختصر هذا يعنى القول
278

بأنه ليس له الرد أشبه بأصله لأنه لا يرد الرانج مكسورا كما لا يرد الثوب مقطوعا الا ان يشاء البائع
وأجاب الأصحاب بأن للشافعي في الرانج قولان أيضا (فان قلنا) لا يرد فهو كسائر العيوب الحادثة فيرجع
المشترى بأرش العيب القديم أو يضم أرش النقصان إليه ويرده كما سبق هكذا قال الرافعي وهو مأخوذ
من كلام الامام كما سنذكره في آخر الكلام وعليه ينزل كلام المصنف والأصحاب فمن أطلق أنه يرجع
بالأرش فإذا رجع بالأرش فيقوم صحيحا وقشره صحيح وفاسدا وقشره صحيح وينظر كم نقص من
قيمته فيرجع به من الثمن وهذا معنى قول المصنف على ما ذكرناه أي انه يرجع من الثمن وليس كالأرش الذي
يرده المشترى على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ولا يقومه مكسورا لان الكسر نقص حدث في يده وإنما
يجز تقويمه مع العيب الذي كان عند البائع وطريق الاطلاع على العيب على هذا القول من ضمان
المشترى لأنا منعناه من الرد (وان قلنا) يرد وهو الأظهر فهل يغرم أرش الكسر فيه قولان (أحدهما)
نعم كالمصراة وهذا هو الذي تقدم نقله عن المختصر في قول الشافعي لك رده وما بين قيمته فاسدا
صحيحا وقيمته فاسدا مكسورا فهذا صريح في وجوب الأرش على المشترى إذا رد ورجح الغزالي هذا
القول (والثاني) لا لأنه معذور فيه والبائع بالبيع كأنه سلطه عليه وهذا أصح عند الجرجاني وصاحب
التهذيب وابن أبي عصرون والرافعي في المحرر ولهذا قال في الروضة انه الأظهر ونقل الرافعي انه
أصح عند غير صاحب التهذيب أيضا ونقل غيره انه أصح عند الشيخ أبي حامد ولم أر ذلك في تعليقته
وطريق الاطلاع على هذا القول من ضمان البائع والفرق بينه وبين المصراة ان الكسر عيب حادث
لم يفوت عينا على البائع بخلاف حلب المصراة فإنه أظهر نقصا مع تفويت عين هكذا قال بعضهم ومن
مجموع ذلك تأتى ثلاثة أقوال جمعها أبو إسحاق المروزي والشيخ أبو حامد فمن بعده والغزالي جعلها
أوجها (أحدها) انه لا يرد ويرجع بالأرش (والثاني) يرد بغير أرش وهو الأظهر عند الرافعي
وغيره (والثالث) يرد مع الأرش قال الغزالي وهو الأعدل ثم ننبه على الأمور (أحدها) أن
طريق الاطلاع على العيب إما أن يكون من ضمان البائع أو من ضمان المشترى إن كان الأول فليرد
بغير أرش كما رجحه الرافعي وإن كان الثاني فليمتنع الرد فالقول بأنه يرد مع الأرش خارج عن
المأخذين مع أنه المنصوص في المختصر وعلله الغزالي كما قال إنه الأعدل بأنه حتى لا يتضرر البائع أيضا
وذلك من قبيل المصلحة المرسلة (الثاني) قال الرافعي في المحرر انه لا يمنع الرد وإذا رد لم يغرم
الأرش على الأظهر وتبعه في المنهاج فقال رد ولا أرش عليه في الأظهر فان أراد أن الرد مجزوم به
والخلاف في الأرش فهذه طريقة لم أعلم من قال بها فالوجه أن يجعل قوله في الأظهر غاية إليهما
ويكون المعنى ان الأظهر انه يرد بغير أرش وهو القول الذي رجحه في الشرح ومقابله قولان عدم
279

الرد مطلقا أو الرد مع الأرش (الثالث) قال الامام مما يجب التنبيه له ولا تتحقق الإحاطة بالمسألة دونه
أن المسألة التي نحن فيها لا تتميز أصلا عن تفصل القول في العيوب الحادثة إلا على قولنا إن المشترى
يرد المعيب المكسور من غير أرش فإن لم نسلك هذا المسلك فلا فرق فانا إذا ذكرنا في الكسر
خلافا في المنع من الرد وضم أرش الحادث من العيب فقد ذكرنا مثله في كل عيب حادث فلا تنفصل
هذه المسألة عن غيرها إلا إذا جوزنا الرد مع غير غرم أرش في مقابلة عيب الكسر فلو قال قائل مسألة
الكسر أولى بأن يحتكم المشترى فيها بالرد مع غرامة الأرش كان هذا فرقا في ترتيب مسألة عن
مسألة هذا كلام الامام وهو في نهاية الحسن لكنه يقتضى أنه عند التنازع يأتي الخلاف فيمن
يجاب (فان قلنا) في تلك المسائل يجاب المشترى فههنا أولى (وان قلنا) يجاب البائع مطلقا أو إذا طلب
تقرير العقد فههنا خلاف والذي يدل عليه ظاهر النص الذي سمعه المزني من الشافعي أن
المجاب المشترى في طلب الرد مع الأرش والفرق بينه وبين تلك المسائل أما على القول الذي اختاره
المزني بامتناع الرد فتتحد هي وتلك المسائل كما تقدم عن الرافعي والظاهر أنه أخذه من كلام الامام
هنا (الرابع) أنه إذا اشترى ثوبا مطويا فنشره ووقف على عيب به فإن لم ينقص بالنشر فلا يمنع الرد وان
نقص فإن كان لا يوقف على عيبه إلا به مثل إن يتولى ذلك من هو من أهل الصنعة ويرفق به ففي المسألة الأقوال
المذكورة وان لم يكن من أهل الصنعة ونقص نقصا زائدا فعلى ما سيأتي فيما إذا زاد في الكسر المذهب
امتناع الرد وقال أبو إسحاق على الأقوال وأطلق الأصحاب المسألة فصورها صاحب الحاوي فيما إذا كان
مطويا على طاقين حتى يرى جميع الثوب من جانبيه فإن كان على أكثر من طاقين لم يصح البيع
ان لم نجوز خيار الرؤية قال الرافعي وهذا أحسن لكن المطوى على طاقين لا يري من جانبيه الا أحد
وجهي الثوب وفى الاكتفاء به تفصيل وخلاف قد سبق وقال امام الحرمين ان هذا الفرع مبنى
على تصحيح بيع الغائب وذكر الرافعي تنزيلين آخرين (إحداهما) ان يفرض رؤية الثوب قبل الطي والطي
قبل البيع (والثاني) ان ما ينقص بالنشر ينقص بالنشر مرتين فوق ما ينقص به مرة واحدة فلو نشر مرة
وبيع وأعيد طيه ثم نشره المشترى فزاد النقصان بذلك انتظم الفرع * إذا علم ذلك فالمصنف قاس على
نشر الثوب فان أراد الذي لا يحصل به نقص فالفرق ظاهر وان الراد ما يحصل به نقص وهي كالمسألة
والخلاف فيها كالخلاف فكيف يجعلها أصلا ويقيس عليها وكذلك صاحب التهذيب قاس على
280

نشر الثوب والمصراة جميعا والظاهر أن المصنف إنما قاس على نشر الثوب ولم يقس على المصراة لان
المسألة خلافية بيننا وبين أبي حنيفة وأبو حنيفة لا يسلم الحكم في المصراة فلا يمكن الاحتجاج عليه
بها فقاسها على نشر الثوب وكذلك فعل في النكت قال كنشر الثوب وقلب الصبرة وهذا يدل على أنه
أراد النشر الذي لا يحصل به نقص ولهذا لم يقل في علته هنا إنه نقص بل قال يعنى كأنه لكونه طريقا
إلى معرفة العيب لا يعد نقصا (الخامس) قال المرعشي في ترتيب الأقسام سببا ذكرته فيما تقدم مختصرا
ولا بد من ذكره هنا والتنبيه على ما فيه وهو ان العيب الحادث في المصراة على ثلاثة أضرب ما فيه
قول واحد أنه يرد كالعيب والخيار كغمزه بعود أو بحديدة فيتبين الأرش وما فيه ثلاثة أقوال له أنه
مر فله الرد وما فيه قولان كالثوب يقطع ثم يتبين به حرق هل يرده ونقص القطع أولا ويأخذ الأرش
وما فيه ثلاثة أقوال كالجوز واللوز وما لا يتوصل إلى علمه إلا بكسره فإذا كسره فأصابه فاسدا ففيه
ثلاثة أقوال (أحدها) يرده وما نقص (والثاني) يأخذ الأرش (والثالث) يرد ويأخذ جميع الثمن
(قلت) فإن كان مراده حيث لا نجعل في العيب والخيار عيب بذلك الغمز فهو يخالف فرضه وان حصل
فيه بذلك عيب فإن لم تبق له قيمة لم يأت إلا الرد والرجوع بجميع الثمن كما قال وحينئذ القسم الثالث
في كلامه ان لم تبق له قيمة فلا يأتي فيه إلا قول واحد كذلك وان بقيت له قيمة لم يأت فيه القول
بالرجوع بجميع الثمن (السادس) قول المصنف لا يوقف على عيبه إلا بكسره أحسن من قول من قال
مأكوله في جوفه فإنه يشمل الثوب إذا نشره كما تقدم وكذلك إذا اشترى قطعة خشب ليتخذ منها
ألواحا فلما قطعها وجدها عفنة قال القاضي حسين في الفتاوى فيه قولان كما مأكوله في جوفه (فان
قلنا) لا رد له يأخذ الأرش من البائع وهو ما بين قيمتها عفنة وغير عفنة قال وبه أفتى (قلت) وهذا
اختيار منه للقول المرجوح في عدم الرد ولا جرم صححه تلميذه وصاحب التهذيب كما تقدم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فان قلنا يلزمه الأرش قوم معيبا صحيحا ومعيبا مكسورا ثم يرجع عليه بما بين القيمتين لأنه لما
رد انفسخ العقد فيه فصار كالمقبوض بالسوم والمقبوض مضمون بالقيمة فضمن نقصانه بما نقص
من القيمة ويخالف الأرش مع بقاء العقد لأن المبيع مع بقاء العقد مضمون بالثمن فضمن نقصانه بجزء
من الثمن) * *
* (الشرح) * إذا قلنا يلزم المشترى الأرش عند رد المكسور كما هو ظاهر نص المختصر على
خلاف الذي رجحوه فالأرش ههنا هل هو كالأرش المأخوذ من البائع عند بقاء العقد وقد تقدم انه
جزء من الثمن نسبته إليه نسبة ما نقص العيب من قيمة السليم إلى تمامها أو الأرش هنا مخالف لذلك
281

الذي قاله المصنف هنا انه مخالف وأن الأرش ههنا لا ينسب من الثمن بل هو ما نقص من قيمة السليم
كما ذكره في الكتاب ووافقه على ذلك أكثر الأصحاب المتقدمين والمتأخرين ومنهم الشيخ أبو حامد
والقاضي أبو الطيب وصاحب التتمة وصاحب التهذيب والرافعي وخلائق لا يحصون والظاهر أن ذلك
لا اختصاص له بهذه المسألة بل بحيث أمرنا المشترى برد الأرش على البائع بعد الفسخ في العيوب
الحادثة ولذلك قال الروياني فيما إذا تقابلا ثم وجد البائع بالمبيع عيبا حدث عند المشترى وقلنا بأن
الاقلة لا تنفسخ وهو الأصح عند الروياني انه يرجع البائع على المشترى بالأرش قال والأقرب أنه
يلزمه نقصان القيمة لان البيع مرتفع بينهما وهذا الذي قاله المصنف والأصحاب يطرقه أمران
(أحدهما) من جهة البحث (والثاني) من جهة النقل أما الذي من جهة البحث فقال مجلي في الذخائر
فيه احتمال لان الفسخ يرفع العقد بعد القبض من حينه فقد وجد العيب في يده وهو مضمون عليه
بالثمن فينبغي أن يكون فوات ذلك الجزء مضمونا بجزء من الثمن وأما الذي من جهة النقل فقال
المصنف في باب اختلاف المبايعين ان المشترى إذا قطع يد العبد في يد البائع لم يجز له الفسخ فان اندمل
ثم تلف في يد البائع رجع البائع على المشترى بأرش النقص فيقوم مع اليد ويقوم بلا يد ثم يرجع بما
نقص من الثمن ولا يرجع بما نقص من القيمة فلذلك قال القاضي أبو الطيب في شرح الفروع ان
المشترى إذا وطئ الجارية المبيعة البكر في يد البائع ثم تلفت قبل القبض انه يجب أرش البكارة منسوبا
من الثمن وطرد ذلك فيما إذا قطع يد العبد ثم مات بآفة سماوية قبل القبض انه يستقر نصف الثمن
وقال إذا قطع المشترى يد العبد انه يستقر العقد بجملة الثمن حتى إذا تلف العبد بعد ذلك لا يرجع
المشترى على البائع بشئ وفى الحاوي حكاية خلاف في صور قطع اليد في أن البائع يرجع على المشترى
عند تلف العبد بالأرش المقدر كالأجنبي أو بما نقص من القيمة لان الجناية كانت في ملكه بخلاف
الأجنبي وفى التهذيب هل يستقر على المشترى من الثمن نسبة ما انتقص من القيمة وهو المذهب في
تعليق القاضي حسين والمجزوم به في شرح الفروع للقفال وقد قدمت ذلك عن القاضي حسين والقفال
في وطئ البكر فهذه النقول كلها إلا ما في الحاوي تدل على أن الأرش المأخوذ من المشترى مقدر من
الثمن كالأرش المأخوذ من البائع وذلك يؤيد ما قاله مجلي والجواب اما ما ذكر من النقل فان ابن أبي
الدم فرق بين مسألتنا هذه وبين المسألة التي ذكرها المصنف في اختلاف المتبايعن من وجهين
(أحدهما) أن المشترى لما رد المبيع بالعيب فقد فسخ العقد باختياره فارتفع العقد قولا واحدا
وصار كأن العقد لم يوجد ولا كأنه التزم ثمنه لأن العقد إنما انعقد بينهما على ظن المشترى السلامة
282

التي يقتضيها مطلق العقد فإذا بان كونه معيبا صار كأنه أتلفه ولم يجز عليه عقد فكان الثمن في هذا
بعيدا عن العقد فلم تنسب القيمة إليه وهذا معنى قول الشيخ فصار كالمقبوض على وجه السوم بخلاف
مسألة العبد فان المشترى هو المفرط بقطع يد العبد وتعيينه ولم ينسب البائع فيه إلى تقصير في عيب أصلا
فكأن المشترى رضى بالعقد ورضى بالتزام الثمن فيه فقرب الثمن من العقد فاعتبرت القيمة منسوبة إلى
الثمن (الفرق الثاني) أن نسبة يدي العبد كنسبة نفسه على مذهب الشافعي في أن جراح العبد من
قيمته كجراح الحر من ديته فيده كنصف نفسه فلو قتل المشترى العبد كان قابضا له قولا واحدا فإذا
قطع يده فكأنه قبض نصف العبد تقريرا فإذا مات بعد الاندمال بيد البائع اعتبرت القيمة منسوبة إلى
الثمن لقرب العقد من الاستقرار وما ذكره القاضي أبو الطيب يقوى ما ذكرناه من الفرق بين
المسألتين ويفهم منه اختلاف ما بينهما وقول الماوردي في الوجه الأول انه يضمنه بالأرش المقرر
كالأجنبي معناه إنه يضمنه بنصف قيمته تقديرا (وقوله) في الوجه الثاني انه يضمنه بما
نقص معناه أنه يلحق بغير العبد كالبطيخ وغيره وكأن الوجه الأول مبنى على مذهب الشافعي في
جراح المعبد (والثاني) مبنى على مذهب ابن سريج أنها غير مقدرة بل الواجب فيها ما نقص من قيمتها
كالواجب في غير العبيد وذكر الامام في الغصب خلافا في أن المشترى إذا قطع يدي العبد هل يكون
قابضا له ويسقط ضمان العقد في الباقي واستضعف القول بالسقوط هذا جواب ابن أبي الدم رحمه الله وما
لحظه في الفرق الأول من التفريط وعدمه غير متضح وما ذكره في الفرق الثاني من قرب
الاستقرار أبعد لان المسألة هنا بعد القبض المحقق وقد استقر العقد وكان ينبغي أن ينسب من الثمن وقد
مال ابن الرفعة إلى ما قاله مجلي وأيده باتفاق الأصحاب على أن غريم المفلس إذا رجع في العين وقد نقصت
في يد المفلس بفعل مضمون يضرب مع الغرماء بقدر أرش النقص من الثمن واعتذر عما ذكره الأصحاب
على اختلاف احتمال مجلي بتخصيص ما ذكره بحالة فوات وصف مجرد من المبيع ليس بجزء وما ذكر
من المسائل المنقولة مما ذكره المصنف في باب اختلاف المتبايعين وغيره في بعض الاجزاء وهي أقرب إلى
المقابلة من الصفات المجردة فلذلك جعل مستوفيا لها وحسب بدلها عليه من الثمن بخلاف الصفات فان
العبد إذا زنى أو سرق أو أبق لا يمكن أن يجعل المشترى بذلك مستوفيا لصفة السلامة منه حتى يستقر
عليه من الثمن بنسبة ما نقص من قيمته قال وهذا من دقيق الفقه فليتأمل (قلت) وهو حسن إن سلم
لكن يخدشه أمران (أحدهما) تعليل المصنف والأصحاب بأنه لما رد انفسخ العقد فيه وصار كالمقبوض
بالسوم والمقبوض بالسوم مضمون بالقيمة وذلك لا فرق فيه بين الاجزاء والأوصاف وكما أنا في الأرش
283

المأخوذ من المبائع لا نفرق فيه بين الاجزاء والأوصاف فكذلك هنا ومن يزعم أن الأرش جزء من
الثمن ويأخذه عن الزنا والإباق ونحوه من الأوصاف من البائع منسوبا من الثمن وإن كانت ليست بمقابلته
إلا على وجه التقدير إن صح فكيف لا ينزلها في جانب المشترى كذلك وأيضا فإنهم أطلقوا هنا وقد
يكون الذاهب جزأ (والثاني) أن الغزالي رحمه الله في مسألة الحلى بعد أن حكى قول ابن سريج
والأصحاب قال فتحصلنا على احتمالين في حقيقة كل واحد من الأرشين أنه غرم ابتداءا وفى مقابلة المعقود
عليه والمشهور ما أشار إليه ابن سريج فيهما جميعا يعنى أنه جزء من الثمن والفائت في مسألة الحلى
بالكسر وصف لا جزء فكلام الغزالي هذا وان استشكلنا به قول ابن الرفعة فإنه يشكل أيضا على
ما قاله المصنف والأصحاب هنا من أن الأرش من المشترى لا يثبت من الثمن بل من القيمة وذلك يخالف
قول الغزالي انه جزء من الثمن كالمأخوذ من البائع على أحد الاحتمالين اللذين ذكرهما وقال إنه المشهور
ولا شك أن المشهور الذي قال به معظم الأصحاب في الأرش القديم فلم لا كان كذلك في الأرش الحادث
اللهم إلا أن يقال لا يلزم من كونه جزء من الثمن أن يكون منسوبا منه وهو بعيد لأنه متى لم ينسب منه
لا يكون جزأ منه فكلام الغزالي في الأرش الحادث مخالف لما قاله المصنف والأصحاب هنا ثم إن للغزالي
أن يقول للأصحاب أنتم منعتم رد الحلى مع أرش الكسر الحادث حذرا من الربا وقلتم اما أن يرده
وحده ويسترجع الثمن ثم يغرم أرش الحادث كالمستام كما تقدم عن أكثر الأصحاب واما أن يغرم
قيمته كما قال ابن سريج واما أن يأخذ أرش القديم كما قال صاحب التقريب ومنعوه أن يضم أرش
الحادث إليه في الرد كما يفعل في غيره فإن كان الأرش حيث أخذ من المشترى لا يكون جزأ من الثمن
فلا تخصيص لمسألة الحلى بل صارت هي وغيرها الأرش الذي يرده المشترى كالأرش الذي يغرمه
المستام ولا يبقى محذور من جهة الربا فيه وإن كان الأرش جزأ من الثمن كما اقتضاه كلامهم في مسألة
الحلى وفروا إلى أن جعلوه كالمستام للضرورة فرارا من الربا فدل على أنه في غير ذلك الموضع يكون
بخلافه ولا يخرج عن كونه منسوبا من الثمن وقد تقدم في مسألة الحلى وغيرها أن الامام نبه على
الأرش عن الحادث كيف يضم إلى المبيع المعيب ويرد الرد عليهما جميعا واستشكال ذلك والخلاص عنه
بما سبق فان صح ما يقوله المصنف والأصحاب هنا من أن أرش الحادث لا ينسب من الثمن خرجت
مسألة الحلى في رد الأرش الحادث معها عن الاشكال وبين ما قدمناه من الاحتمالات في رد الأرش عن
الحادث وان سبيله سبيل الغرامات لا غير لكن يبقى عليه ما ذكره مجلي من الاشكال وعند هذا أقول إن
كلام المصنف والأصحاب هنا لم يريدوا به كل العيوب الحاصلة في يد المشتري كالزنا والسرقة والإباق
284

فإذا فرض حصولها في يد المشترى منعت الرد فإذا اتفقا على الرد مع أرشها كان على حسب ما يتفقان
عليه وفى تقدير ذلك بحث قدمته عند حدوث العيب وذكرت فيه أربعة احتمالات ومراد المصنف هنا
والأصحاب بما يحصل بفعل المشترى ككسر البطيخ ونحوه مما هو يتكلم فيه فان ذلك مضمون على
المستام بما نقص من القيمة وكذلك كسر الحلى فلذلك يضمنه وسائر صور حدوث العيب غير مسألتنا
هذه ومسألة الحلى الامر فيها سهل إذا كانت على حسب التراضي فان المتبايعان على ما شاءا من قليل وكثير
أما ما إذا قلنا المجاب البائع أو المشترى ودعى إلى الرد مع الأرش فيحتاج إليه وكذلك في هذه المسألة
إذا كان الامر على ما نقدم عن الرافعي اما على ما يظهر من عبارة المصنف وأكثر الأصحاب من أنا إذا
قلنا بالرد ورد الأرش كان ذلك إلى المشترى وله الزام البائع به وفسخ العقد فيحتاج إلى البيان فيه ولا
جرم لم يذكر المصنف وكثير من الأصحاب الكلام في ذلك إلا في هذه المسألة وكأنهم رأوا أن المشترى
يلزم البائع بالرد ثم يبقى الأرش لازما له فاحتاجوا إلى بيانه ومسألة الحلى أولى بالبيان لان الامر فيها
على بيان الالزام فإذا تقرر فحيث قلنا بالالزام وكلام المصنف هنا والأصحاب بل الشافعي في المختصر
يقتضى ان ذلك منسوب إلى القيمة وجزم الأصحاب غير مجلي بأنه ليس منسوبا من الثمن وهو مشكل
بما قاله مجلي وأما كونه يرجع في الفلس بجزء من الثمن فيظهر الفرق بينه وبين ما نحن فيه بأن المقصود
في المفلس وصول البائع إلى الثمن فعند التعذر جوز له الرجوع إلى عين ماله فإذا فات منها جزء نسبناه
من الثمن لأنه الأصل المقصود هناك لا مقصود غيره فالمفلس مأخوذ منه بغير اختياره والمشترى هناك
يراد باختياره ومقصوده نقض البيع الذي دلس عليه البائع فيه
* (فرع) * قال ابن الرفعة على كل حال فأي وقت نعتبر القيمة فيه فيه وجهان (أصلهما) ما إذا
تعيب العين في يد المستام (أحدهما) وقت حدوث العيب (والثاني) أكثر ما كانت من حين القبض إلى
حين حدوث العيب وكذا فيما قد يظن أنه يقتضى ان العقد إذا فسخ لا يرتفع من حينه لكنه على
الأول يرتفع من حين حدوث العيب وعلى الثاني يرتفع من حين القبض وليس كذلك بل هو
مرتفع من حينه ومن ارتفاعه من حينه لا يمكن ان يقال بتقدير جزء من الثمن فيتعين الرجوع إلى القيمة
وأقرب وقت تعتبر فيه عند الأول وقت حدوث العيب لان الواجب أرشه فلذلك اعتبره والقائل الاخر
يقول قد انكشف الحال عن ضمان المعيب بالقيمة على المشترى وقد ثبتت يده على الفائت من حين
القبض إلى حين التلف فضمن أكثر القيمة في ذلك قال وعلى الجملة ففي التسوية بين المستام والمشترى
في هذا المقام نظر ظاهر مع لحاظ ان العقد لا يرفع من أصله فهذان الوجهان يقربان من الوجهين فيما
285

إذا فسخ العقد بالتحالف وقد نقص المبيع في يد المشترى مع لحاظ ان العقد يرتفع من أصله والأصح
منهما عند الغزالي اعتبار وقت التلف وليس الوجهان مثل الوجهين لان الفائت في التحالف جزء مقابل
بالثمن كما هو مفروض هناك وهنا قد تقرر ان الفائت صفة ولكنهما قريبان منهما (قلت) وقد قال صاحب
التتمة إذا تحالفا والسلعة هالكة وقلنا العقد يرتفع من أصله صار كالمستام (وان قلنا) من حينه غرم أقل
قيمتي يوم العقد والقبض والأصحاب أطلقوا انه يغرم قيمة يوم التلف وما قاله ابن الرفعة يشهد لما قاله مجلي
ان الأرش المأخوذ من المشترى ينبغي بناؤه على ذلك *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان كسر منه قدرا يمكنه الوقوف على العيب بأقل منه ففيه طريقان (أحدهما) لا يجوز الرد
قولا واحدا لأنه نقص حدث بمعنى لا يحتاج إليه لمعرفة العيب فمنع الرد كقطع الثوب (والثاني) انه
على القولين لأنه يشق التمييز بين القدر الذي يحتاج إليه في معرفة العيب وبين ما زاد عليه فسوى بين
القليل والكثير *) *
* (الشرح) * (الطريقة الأولى) هي المذهب كذلك قال الشيخ أبو حامد وغيره وحكاه الماوردي
عن أبي حامد المروزي وجمهور أصحابنا (والطريقة الثانية) حكاها أبو إسحاق المروزي عن بعض أصحابنا
(فان قلنا) بالطريقة الأولى فذلك كسائر العيوب الحادثة كذلك قاله الرافعي أي فيأتي فيه ما تقدم من
الخلاف عند التنازع إذا دعى أحدهما إلى الأرش القديم والاخر إلى خلافه (وان قلنا) بالثانية فعلى
ما تقدم إذا لم يزد في الكسر حرفا بحرف *
* (فرع) * إذا عرفت هذا قال أصحابنا مكسور الجوز ونحوه ونقب الرانج من صور الحال
الأول الذي لا يقف على العيب بدونه وكسر الرانج وترصيص بيض النعام من صور الحال الثاني
الذي يمكنه الوقوف على العيب بأقل منه وكذا تقوير البطيخ الحامض إذا أمكن معرفة حموضته بغرز
شئ فيه وكذا التقوير الكبير إذا أمكن معرفته بالتقويم الصغير والتدويد لا يعرف الا بالتقوير وقد يحتاج
إلى الشق ليعرف وقد يستغنى في معرفة حال البيض بالقلقلة على الكسر قال القاضي حسين وغيره
والرمان بمطلقه لا يقتضى حلاوة ولا حموضة فإذا شرط فيه الحلاوة فبان حامضا بالغرز رد وان بان
بالشق فلا *
* (فرع) * روى أن مولى لعمرو بن حريث الصحابي اشترى لعمرو بن حريث بيضا من بيض النعام
أربعا أو خمسا فلما وضعهن بين يدي عمرو بن حريث كسر واحدة فإذا هي فاسدة ثم ثانية ثم ثالثة حتى
286

تتابع منهن فاسدات فطلب الاعراب يخاصمه إلى شريح فقال شريح أما ما كسر فهو ضامن له بالثمن
الذي أخذه به وأما ما بقي فأنت يا اعرابي بالخيار ان شئت كسروا فما وجدوا فاسدا ردوه وما وجده
طيبا فهو بالسعر الذي بعتهم به وأخذ بعض الناس من هذا ان عمرو بن حريث رضي الله عنه كان
رأيه جواز الرد *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان لم يعلم بالعيب حتى هلك المبيع أو أعتقه أو وقفه ثبت له أرش العيب لأنه أيس من الرد
فثبت له الرجوع بأرش العيب *) *
* الشرح * امتناع الرد عند هذه الأمور لعدم امكانه لان الرد يعتمد مردودا واتفقوا على أنه
لا تقام قيمة التالف مقامه ليرد الرد عليها إلا ما نقل عن أبي ثور وقد ذكرته عند الكلام في المصراة
من نقل الجوزي عنه لكن ابن المنذر نقل عنه هنا لمذهب الشافعي وبعضهم زعم أن الرد ورد على
خلاف القياس فيقتصر فيه على مورد النص فالاجماع ولم يحصل ذلك عند تلف العين وفرقوا بينه وبين
التحالف حيث جاز عند هلاك العين بهذا أو بان لنا في الرد بالعيب طريقا آخر وهو الأرش بخلاف
التحالف وكذلك الفسخ بخيار المجلس أو الشرط عند تلف المبيع في يد المشترى (إذا قلنا) بانتقال الضمان
بقبضه في زمان الخيار فإنه يجوز كالتحالف والإقالة بعد تلف المبيع جائزة على الأصح (ان قلنا) إنها فسخ
وقيل لا لعدم الحاجة إليها * إذا عرف ذلك فالأرش واجب قطعا بعلتين (إحداهما) ما ذكره المصنف أنه
أيس من الرد وهذه مقتضى قول أكثر الأصحاب كما سيتبين لك فيما إذا باعه (والثانية) أنه لم تستدرك
الظلامة وهو مقتضى علة أبي إسحاق في مسألة البيع كما سيأتي إن شاء الله تعالى ولم يتفقوا على أن كل
واحدة علة مستقلة لاختلافهم فيما إذا تلف في يد المشترى الثاني كما سيأتي ولا جزء علة كذلك بل
الأكثرون يعتبرون اليأس ولا يعتبرون العلة الأخرى وأبو إسحاق بالعكس فإذا وجد المعنيان أو
انتفيا انفقوا وان وجد أحدهما دون الاخر اختلفوا وههنا اجتمع اليأس وعدم استدراك الظلامة فاتفقوا
على الرجوع بالأرش فالمصنف تبع الأكثرين في التعليل ولم يعتبر قول أبي إسحاق وقد ذكر المصنف
ثلاث مسائل مشتركة في الفوات (أحدها) في الفوات الحسى (والثانية والثالثة) في الفوات الشرعي
أما (الأولى) وهي هلاك المبيع فذلك يشمل ما إذا هلك بنفسه كموت العبد واحتراق الثوب وشبههما
وهذا لا خلاف فيه وممن قال به مالك وأحمد وأبو ثور على ما حكاه ابن المنذر وروى ذلك عن الشعبي
والزهري وحكى الامام قبيل كتاب الرهن فيما إذا قبض المسلم المسلم فيه قال وذهب المزني إلى أن
287

الرجوع بالأرش لا يثبت بعد تلف المقبوض قال ابن الرفعة وهو يجرى هنا بطريق الأولى لان غاية الأمر أن
يجعل المعين عما في الذمة كالمعين في العقد (قلت) وليس كذلك وقد كنت استغربت هذا القول عن المزني
فتبعت أثره فرأيت في تعليق القاضي حسين قبيل كتاب الرهن أيضا ما يثبته ويبين مأخذه وأنه لا يطرد
ههنا وذلك أنه قال إذا أسلم في طعام وقبض بعضه وأتلفه ثم قبض الباقي فاطلع على عيب به وادعى
أن المتلف كان به هذا العيب فالقول قول المسلم إليه فان نكل حلف المسلم ورجع عليه بالأرش قال
المزني وجب أن لا يجوز له الرجوع الأرش لأنه يؤدي إلى أن يأخذ بعض المسلم فيه وبدلا عن الباقي
قلنا هذا ليس من الاستبدال في شئ وإنما هو فسخ العقد في البعض لأنه كاحتباس جزء ألا ترى
أنه إنما يثبت له حق استرداد ما يقابل العيب من رأس المال لو أسلم في كر حنطة فقبضها وأتلفها ثم
اطلع على عيب قديم بها ينقص عشر قيمتها رجع على المسلم إليه بعشر رأس المال فكلام القاضي
هذا يبين لنا أن مأخذ المزني في ذلك جعله من باب الاستبدال عن المسلم فيه والامام أخذ ذلك
عن القاضي واختصر وسكت عن مأخذ واقتصر على حكاية النقل عن المزني في حالة التلف فحصل
في كلامه إشكال أوجب لابن الرفعة أن نقل ذلك هنا وبما ذكره القاضي اندفع ذلك ومقتضاه أن
المزني يمنع أخذ الأرش عن المسلم فيه مطلقا عند التلف وغيره ثم إن القاضي أيضا فرضها في الاتلاف
لا في التلف فهذا ما يتعلق بهذا القسم الذي يحصل هلاك المبيع بنفسه وأما إذا قتل العبد أو أكل
الطعام ونحوه فكذلك عندنا سواء حصل ذلك بفعل المشترى أو أجنبي (وقال) أبو حنيفة لا يرجع
بالأرش فيهما لأنه فعل مضمون فأشبه ما إذا باعه أو أمسكه وقاس أصحابنا على الموت والاعتاق
وأجابوا عن البيع بعدم اليأس وعن الامساك بدلالته على الرضى بالعيب وإما الثانية والثالثة وهي
ما إذا أعتقه أو وقفه فاتفق أصحابنا أيضا على أنه يرجع بالأرش ووافقنا مالك وأحمد وأبو ثور والشعبي
والزهري فيما روى عنهما في العتق وروى عن شريح والحسن أنهما قالا إذا أعتقه فقد وجب عليه
ومحل اتفاق أصحابنا على ما إذا كان العتق بانشاء المشترى كما تدل عليه عبارة المصنف وكان متبرعا
بذلك وفى معناه انشاء وكيله أما لو لم يكن بانشائه كمن اشترى من يعتق ثم اطلع على عيب أو كان
بانشائه ولكنه كان اشتراه بشرط العتق ثم وجد به عيبا بعد العتق فنقل الرافعي عن ابن كج عن أبي
الحسين وهو ابن القطان في المسألة الأولى وجهين في شراء القريب (الثانية) أنه لا أرش في
288

مسألة شرط العتق قال يعنى ابن كج وعندي ان له الأرش في الصورتين فعلى هذا يكون قول المصنف
أعتقه لأنه الغالب أو على سبيل المثال وليس المقصود به الاحتراز ولا يستثنى من كلامه شئ على
رأى ابن كج وهو الصحيح وعلى رأى ابن القطان تستثنى مسألة شرط العتق والذي يترجح في
مسألة شرط العتق ما قاله ابن كج وأما شراء القريب فإن كان مع جهل المشتري بالقرابة حين الشراء
فكذلك وبه جزم الامام قبيل كتاب السلم وان علم المشترى حالة الشراء انه قريبه الذي يعتق عليه
فقد يقال إنه إنما بذل الثمن في مقابلة العتق وليس المال مقصودا له لكن الأظهر الرجوع بالأرش
أيضا لان المقصود إن كان هو العتق فبذل ذلك الثمن بكماله إنما كان في مقابلة ما يظن من المبيع فإذا
فات جزؤ صار المبيع الذي قصد عتقه مقابلا لبعض الثمن فيرجع في الباقي وأطلق الروياني في الحلية
انه لا يحب الأرش في شراء القريب قال لان المعنى في العاقد لا في العبد (قلت) وهذا المعنى لو
سلم له يرد عليه في إنشاء العتق تبرعا وهو يوافق على أخذ الأرش وقد أورد الأصحاب سؤالا
وجوابه فيما إذا أعتقه مطلقا وإن كان تبرعا قالوا (فان قيل) إذا أعتقه فقد حصل له الثواب (فالجواب)
أن استدراك الظلامة بالمال دون الثواب على أنه إنما حصل له ثواب عبد معيب وهو دون ثواب
السليم لقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله أبو ذر رضي الله عنه أي الرقاب أفضل فقال أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها
رواه البخاري فالجزء الفائت بالعيب لم يتناوله العتق ولا حصل له عنه ثواب فيرجع بأرشه (فان
قيل) فيلزمه أن يتصدق به (قلنا) ليس هو بدلا عما وقع عليه العتق وإنما هو عن الجزء الفائت
هذا ذكره في العتق المطلق وهو يأنى في العتق المشروط وأما عتق القريب فقد تبين فيه أيضا *
* (فرع) * يستثني من اطلاق المصنف ما إذا منع مانع من أخذ الأرش كمسألة الحلي كما
تقدم عن الأكثرين فيما إذا كان تالفا خلافا للقاضي حسين وصاحب التهذيب *
* (فرع) * استيلاد الجارية مانع من الرد وينتقل إلى الأرش كما في الثلاثة التي ذكرها
المصنف ورابعها تشترك في عدم امكان النقل من شخص إلى شخص مطلقا لكن الأول للهلاك
الحسى والعتق خارج عن الملك وغير قابل للنقل شرعا والمستولدة غير قابلة للنقل ولكنها مملوكة
والموقوف على الخلاف في انتقال الملك فهو بين العتق والاستيلاء (1) وأما ما لا يمنع النقل من
شخص إلى شخص مطلقا فاما أن يكون مع بقاء ملك المشتري أو مع زواله إن كان مع زواله وسيأتي

(1) بياض بالأصل فحرر
289

في كلام المصنف إن شاء الله تعالى وإن كان مع مقابلة فقد تقدم جملة منه عند الكلام في العيب
الحادث لان منها ما هو عيب *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان لم يعلم بالعيب حتى أبق العبد لم يطلب بالأرش لأنه لم ييأس من الرد فان رجع رده
بالعيب وان هلك أخذ عنه الأرش) * *
* (الشرح) * إذا أبق العبد في يد المشترى ثم علم عيبه فإن كان العيب القديم الذي علمه
غير الإباق كالعرج والعور وغير ذلك ولم يكن قد أبق في يد البائع فههنا الإباق في يد المشترى عيب
حادث مانع من الرد بالقديم وغير مضمون على البائع فله الرجوع بأرش العيب القديم لأنه أيس من
الرد بحدوث العيب في يده ولم تستدرك الظلامة فهذا لا خلاف فيه على المشهور ويجب تقييد كلام
المصنف به وممن صرح به الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي وغيرهم وهو واضح وأغرب
صاحب التتمة فقال الصحيح ليس له الأرش لأنه يرجى أن يعود إلى يده ويعرض الرأي على البائع
في قبوله على العيب واستثنى العجلي وابن الصباغ من قولنا بوجوب الأرش ما إذا قال البائع انا
أرضى به العيب الحادث فلا يكون للمشترى المطالبة بالأرش وظاهر هذا يقتضى أنه يتعذر على
المشترى حينئذ المطالبة الآن لأنه يسقط الأرش والرد غير ممكن في حال الإباق فيصبر حتى يعود
فيرد لكن فيما قاله العجلي هنا نظر والفرق بين طلب البائع (1) الرد هنا وفى غيره من المواضع
ظاهر لما فيه من ضرر المشترى هنا وتأخر استدراك الظلامة مع قيام موجبها ورأيت في الانتصار لابن أبي عصرون
أنه ان رضى البائع برده في إباقه سقط حق المشتري من الأرش لتمكنه من الرد فهذا يقتضى انه يرد في الإباق ويزول
به الاعتراض على العجلي وابن الصباغ وإن كان العيب الذي اطلع عليه هو الإباق ويزول مثل أن يكون
أبق مرة أخري من يد البائع فذلك عيب قديم والإباق في يد المشتري مسند إليه وإذا كان الإباق
عادة له لم ينقصه الإباق الحادث ولكن المشترى لا يمكنه الرد ما دام آبقا ولا يجوز له الرجوع بأرش
العيب لأنه لم ييئس من رده (قال) القاضي أبو الطيب وغيره وهذا الموضع يدل على صحة هذا
التعليل يعني أنه لو كانت العلة في وجوب الأرش هو أنه لم يستدرك الظلامة كما قال أبو إسحاق
لرجع بالأرش ههنا لأنه لم يستدرك الظلامة وهذا الالزام يدل على أن أبا إسحاق يوافق على أنه لا يرد

(1) بياض بالأصل فحرر
290

ولا يرجع بالأرش ما دام آبقا وكذلك قال المحاملي إنه لا خلاف فيه بين أصحابنا لكن صاحب التتمة
حكى وجها مقابلا كما تقدم عنه أنه الصحيح عنده بأن له أخذ الأرش وعلله بعدم استدراك الظلامة
وأطلقه فيما إذا اطلع على عيب العبد بعد إباقه من غير تفصيل بين أن يكون العيب القديم أبقا أو غيره
وان وجد به عيبا قديما غير الإباق وقد كان أبق في يد البائع لم يكن له أن يرده ما دام آبقا ولا يرجع
بالأرش هكذا أطلق القاضي أبو الطيب وهو يشمل ما إذا كان المشترى قد رضى بإباقه وهو صحيح
فان الإباق الطارئ لا يكون عيبا جديدا ولا يمنع من الرد بغيره واتفق الجميع على أنه إذا رجع رده
بالعيب وان هلك في الإباق رجع على البائع بأرش العيب لا يختلف المذهب في هذا إذا أبق في يد
المشترى فان أبق في يد البائع أوضاع في أنتهاب العسكر قبل القبض ففي وجه ضعيف أنه ينفسخ
العقد كالتلف والصحيح أنه لا ينفسخ لبقاء المالية لكنه عيب مثبت للخيار فيكون للمشترى الرد
به واطلاق المصنف يقتضى أنه لا يتمكن من الرد في مدة الإباق وقد تقدم من ابن الرفعة أن الإباق
قبل القبض عذر في تأخير الرد وأنه لو أسقط حقه منه لا سقط على الصحيح وذلك يقتضى جواز الرد
في مدة الإباق وهو صحيح فإنه لم يدخل بعد في ضمان المشترى ولا ترد هذه المسألة على المصنف لأنه
إنما تكلم فيما بعد القبض بدليل حكمه بوجوب الأرش عند الهلاك قال الروياني فلو قال البائع
للمشتري لا تفسخ فانا آتيك به ولا خيار له ولنرجع إلى الكلام في الإباق بعد القبض (اعلم) أن
الأصحاب أطلقوا ههنا أنه لا يتمكن من الرد في مدة الإباق فإن كان المراد أنه لا يتمكن من الفسخ
وهو الظاهر من كلامهم فما الدليل على ذلك مع وجود العيب وظاهر كلامهم الذي تقدم في الثوب
أنه لا يشترط حضور العين وأنه متمكن من التلفظ بالفسخ في غيبة المشترى والحاكم والشهود ولكن
هل يجب عليه ذلك فيه خلاف وإن كان يشترط العين للمطالبة بالثمن فلو ان المشترى هنا في مدة
خيار الإباق تلفظ بالفسخ لم لا ينفذ إذا تلفظ به وجاءه (فان قلت) هناك له فائدة إذا صدقه الخصم وههنا
لا فائدة فيه (قلت) فائدته خروجه عن ملكه ويبقى مضمونا عليه ضمان يد لا ضمان عقد حتى إذا
تلف يضمنه بقيمته ويسترد الثمن وقد يكون الثمن أكثر من القيمة فينبغي أن يتمكن من الفسخ
أو أن يشهد عليه به وان يرفع ذلك إلى الحاكم حتى يثبته عنده ليطالب بالثمن عند عود العبد وإن كان
المراد ان الإباق عذر في التأخير لعدم امكان الرد صورة فلا عليه في أن يفسخ عند الحاكم أو
291

الشهود ويصير قبض الثمن موقوفا على عود العبد كما لم يجعلوا غيبة العين مع القدرة عليها عذرا فما
الدليل على جعل الإباق عذرا والأقرب من حيث البحث أن يتمكن من الفسخ وان تأخر طلب
الثمن وإن كان ذلك بعيدا من عبارتهم فان قالوا لا تمكن المطالبة عند الحاكم بالثمن المقبوض إلا مع
تسليم المعيب فعند غيبته تتعذر الدعوى لأنها لا تبقى ملزمة فنقول فينبغي أن يشهد وأيضا فلو كانت
العين غائبة في بلد آخر أو عن مجلس الحكم ليس نوجب عليه المبادرة إلى الحاكم بالفسخ قبل أن
يردها ومما ننبه عليه في ذلك أن الإباق إذا تكرر فقد تنقص القيمة أكثر مما إذا صدر مرة واحدة
فالعبد الذي أبق في يد البائع مرة ثم أبق في يد المشترى يجب أن يكون إباقه الثاني عيبا جديدا
إذا كان منقصا من القيمة نقصانا أكثر من الأول فهلا كان مانعا من الرد (فان قيل) بأن الإباق الثاني
مسند إلى الأول أثبت له عادة (قلنا) يجب أن يخرج على أن العيب الحادث إذا أستند إلى سبب
قديم هل يكون من ضمان البائع أو من ضمان المشتري (فان قلنا) بالثاني يمتنع الرد هنا ويرجع بأرش
الأول وقد فرض القاضي حسين ذلك فيما إذا كان الإباق في يد المشترى لا يزيد في نقصان القيمة بأن
كان قد تكرر ذلك منه في يد البائع واشتهر به يعني فلا يؤثر تكررا إباقه بعد ذلك وهذا يجوز حمل
كلام من أطلق عليه وفيه عدم ملاحظة كونه من أثار الإباق السابق لان ذلك لا يتحقق (والأولى)
تبقية كلام الأصحاب على اطلاقه ومستندهم اسناد الثاني إلى لأول وقلنا ما أسند إلى سبب قديم فهو
من ضمان البائع *
* (فرع) * في مذاهب العلماء في هذه المسألة إذا اطلع بعد الإباق إن كان آبقا قال مالك يأخذ
المشترى بالثمن ولا يصبره أن لا يجده وقال سفيان الثوري لا يقضى على البائع حتى يوت أو يرده
وهذا كقولنا (1) واستدل أصحابنا بأنه لا مطالبة له في حالة الإباق فان الإباق متردد بين البقاء
والتلف فإن كان باقيا استحق الرد واسترجاع الثمن وإن كان تالفا استحق أخذ الأرش وما جهل
استحقاقه لم تصح المطالبة به
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فإن لم يعلم بالعيب حتى باعه لم يجز له المطالبة بالأرش قال أبو إسحاق العلة فيه انه استدرك
الظلامة فغبن كما غبن فزال عنه ضرر العيب وقال أكثر أصحابنا العلة فيه انه لم ييأس من الرد لأنه
قد يرجع إليه فيرد عليه) * *

(1) بياض بالأصل فحرر
292

* (الشرح) * إذا زال ملكه عن المبيع رو والا يمكن عوده ثم علم بالعيب فلا خلاف انه لا يرد
في الحال واما الرجوع بالأرش فان زال بعوض كالبيع كما مثل المصنف فقولان (أشهرهما) وهو الذي
قطع به المصنف في هذا الكتاب وشيخه أبو الطيب وشيخ شيخه أبو حامد والماوردي والمحاملي
وابن الصباغ والجرجاني والشاشي وابن أبي عصرون من العراقيين والقاضي حسين والفوراني والبغوي
من الخراسانيين انه ليس له المطالبة بالأرش وبه قال جمهور العلماء وهو الذي نص الشافعي عليه في
المختصر فقال ولو باعها أو بعضها ثم علم لم يكن له ان يرجع على البائع بشئ واختلف أصحابنا في علة
هذا القول فقال أبو إسحاق وابن الحداد لأنه استدرك الظلامة وروج كما روج عليه وتخلص منه ونسبه
ابن الصباغ إلى غيرهما أيضا وقال ابن أبي هريرة لأنه ما أيس من الرد فربما يعود إليه ويتمكن من رده
وهذا أصح المعنيين عند الشيخ أبى حامد والقاضي أبى الطيب والمحاملي قال الرافعي ورايته منصوصا
عليه في اختلاف العراقيين (قلت) وهو كذلك في باب الاختلاف في العيب قال الشافعي إذا اشترى
الجارية أو الثوب فباع نصفها ثم ظهر منها على عيب لم يكن له ان يرد النصف ولا يرجع على البائع
بشئ من نقص المعيب يقال له ردها أو احبس وإنما يكون له ان يرجع بنقص العيب إذا ماتت
أو أعتقت فصارت لا ترد بحال أو حدث عنده بها عيب فصار ليس له ان يردها عليه بحال فاما إذا باعها
أو باع بعضها فقد يمكن ان يردها فيلزم ذلك البائع لم يكن له ان يردها ويرجع بنقص العيب كما
لا يكون له أن يمسكها بيده ويرجع بنقص العيب انتهى وسيأتي من نصه في البويطي ما يشهد لقول
أبي إسحاق في المعنى الذي علل به واعترضوا على علة أبى اسحق بان غير البائع له لا يتخير بعيبه لغيره
(القول الثاني) وهو من ترجيح ابن سريج له الأرش وبه قال ابن الحسن وابن أبي ليلى وهو الأصح
عند المالكية وهذا القول حكاه المصنف في التنبيه فقال وقيل يرجع وليس شئ وهذه
التضعيفة تقتضي انه وجه فان عنده أن الأقوال المخرجة لا تنسب إلى الشافعي وهذا مخرج خرجه ابن
سريج والناقلون له قليل منهم لامام كما سنحكيه عنه والغزالي (1) وحكى ابن داود ان صاحب التقريب
حكاه عن أصحابنا وقال الرافعي في رواية البويطي ما يقتضيه قال ابن الرفعة وهو صحيح إذ في مختصره
إذا اشترى الرجل العبد فباع نصفه ثم أصاب عيبا فليس له ان يرجع بما نقص العيب الا ان يرده
جميعا وقد قيل يخير البائع فإذا أراد ان يأخذ النصف الذي في يديه فيكون شريكا له به للمشترى ممن

(1) بياض بالأصل فحرر
293

اشترى منه فذاك والا رجع عليه بقيمة العيب وهو أحب إلى انتهى (قلت) وقد رأيت النص المذكور
في مختصر البويطي في باب المتاع يشترى فيوجد به العيب ورأيت فيه أيضا قبل ذلك في باب
القراض وإذا اشترى الرجل سلعة وقبضها فاشرك فيها رجلا فان أصاب بها عيبا فأراد أحدهما الرد
ولم يرد الآخر لم يجب ذلك على البائع لأنه باع عبده مجموعا فليس له ان يبعضه عليه ويكون للشريك
الرد على الذي أشركه فإذا رد عليه فله ان يرده وان أبى الشريك أن يرده فله ان يرجع على البائع
بنصف قيمة العيب وقيل لا يرجع بشئ انتهى وهذا النص يقتضى انه لا يرجع عند بيع الجميع لأنه
حكم عند امتناع الشريك من الرد بنصف الأرش بأنه لا يرجع بشئ على القول الآخر فلو كان عند
بيع الجميع ثبت له الأرش كاملا لكان ههنا أولى فلما لم يحكم الا بمقدار ما بقي في يده دل على أنه
لا أرش للخارج عن يده وهذا النص ذكره ابن سرى مع نصه لذي في مختصر المزني لاختلافهما
فيما إذا باع بعض العين وتحصلنا للشافعي فيما إذا باع نصف العين على قولين (أحدهما) أنه يطالب
بنصف الأرش (والثاني) لا يطالب بشئ وأما النص الآخر الذي تقدم عن البويطي ففيه قولان
أيضا (أحدهما) أنه لا يرجع بشئ كالقول الذي هنا (والثاني) فيه احتمال وهو قوله رجع عليه بقيمة
العيب وهو أحب إلى يحتمل أن يريد بقيمة العيب في النصف الباقي في يده فيكون موافقا للنص
الآخر الذي في البويطي وحينئذ لا يدل على أنه إذا باع الجميع يرجع بالأرش بل يدل على أنه لا يرجع
ويؤيد هذا أنه إذا قال إذا أراد البائع أن يأخذه ويكون شريكا للمشترى فذاك وظاهر ذلك أنه
يأخذه بنصف الثمن وأنه لا يعطي أرشا عن النصف المبيع فهذان الأمران يدلان على تأويل نصه في
البويطي على هذا جمعا بين الكلامين فلا يكون فيه ما يقتضى القول الذي خرجه ابن سريج كما
للرافعي وابن الرفعة بل يكون فيه النص الآخر شاهدا على أحد القولين المذكورين فيه لما قاله
أبو إسحاق من التعليل باستدراك الظلامة ولهذا أوجب أرش النصف فقط ولو كان اليأس هو العلة
لما وجب شئ لامكان الرد أو لوجب الجميع إن كان هذا الامكان غير معين لبعده على أن النص
الذي في البويطي في باب المتاع يسيرا فيؤخذ به العيب هو منقول من اختلاف العراقيين
والموجود فيه في الام من قول الشافعي وأبي حنيفة إنه لا يرجع بشئ ومن قول ابن أبي
ليلى أنه يرد بما في يده على البائع بقدر ثمنه فإن كان قوله في البويطي وقيل يجبر البائع المراد به قول
294

ابن أبي ليلى فلم يبق في النص متمسك للتخريج ولا لاثباته قولا للشافعي ولا أعلم من عادة البويطي
فعل مثل ذلك في النقل عن العلماء الذين ينقل عنهم الشافعي أو أنه لا بد من أن يصرح بأسمائهم
وبالجملة فقد تقدم تأويله وثبوت الخلاف في النصف تحقق بالنص الثاني مع ما في مختصر المزني
أما في الكل فالمنصوص عليه أنه لا يرجع بالأرش وفيه الوجه المنقول عن ابن سريج وعن حكاية
صاحب التقريب ولا أدري بماذا خرجه ابن سريج وقد رأيت في البويطي ما يمكن أن يكون
سندا للرافعي قبل باب الشركة قال من كلام الشافعي وان اشترى سلعة وبها عيب ثم حدث عنده
عيب آخر لم يرد عليه أبدا ويرجع بقيمة العيب من قبل أنه لا يقدر أن يرد مثل ما أخذ أبدا لما حدث
عنده فان اشترى وبها عيب ثم حدث عنده عيب آخر ثم صح العيب الذي حدثه عنده فله أن
يرده وقال أبو يعقوب وهو البويطي ان باعه فكذلك يقتضى أن البيع كحدوث عيب فيأخذ
الأرش هذا ظاهره وهو يقتضى الوجه الذي خرجه ابن سريج كما قال الرافعي لكن هل ذلك من
كلام البويطي نفسه أو عن الشافعي فيه نظر والظاهر الأول والامام حكاه عن حكاية صاحب
التقريب قولا لكن فيما إذا رضى المشترى الثاني بالعيب وقال إن القياس الرجوع واقتضى
كلامه اننا إذا قلنا بعدم الرجوع إذا رضى المشترى الثاني فقبل اطلاعه ورضاه أولى وان قلنا
بالرجوع إذا رضى فقبل اطلاعه وجهان كما إذا زال بالهبة وأولى بعدم الرجوع لان رد المشترى الثاني
بالعيب على المشتري الأول ممكن ظاهر الامكان يطرد على نظم المعاملة وإذا كان الرد أمكن
كان الرجوع بالأرش أبعد والقياس عند الامام فيما إذا زال بالهبة أنه يرجع بالأرش ونسبه إلى مذهب
طوائف من المحققين وبما ذكرناه ظهر لك أنه ينبغي أن يقال في المسألة طريقان (أحدهما) القطع
بعدم الرجوع بالأرش كما هو مقتضى النص وقول الأكثرين (والثانية) حكاية الخلاف ثم هو على
الترتيب المتقدم وقد قال الغزالي إنه إذا اطلع على العيب بعد أخذ الشفيع فلا رد ولا أرش لأنه
روج على غيره وذلك يقتضى أن نقول بمثله في البيع كما قال الأكثرون والنص لكنه هنا خالف
وقال إن الأصح وجوبه وما قاله في الشفعة أولى لموافقته للأكثرين (فائدة) قال الغزالي والامام قبله
ان الخلاف المذكور في الرجوع بالأرش يقرب من القولين في أن شهود الزور إذا شهدوا على إنسان
بمال ورجعوا بعد الحكم هل يغرمون على قولين ولا خلاف لكنهم يغرمون في العتق والطلاق
295

لأنه لا مستدرك لهما والحيلولة في المال ممكنة لزوال بأن يعترف المشهود له يعنى وامتناع الرد هنا ممكن
الزوال بعود الملك فيكون كالشهادة في الأول والامام خرج بالبناء عليه والصحيح أن الشهود يغرمون
ومقتضى ذلك أن الأصح وجوب الأرش كما صححه الغزالي هنا وقال الامام في الصورة المتقدمة انه
القياس لكن الأكثرون والنص وتصحيح الغزالي في الشفعة على خلافه *
* (فرع) * على تخريج ابن سريج إذا أخذ الأرش ثم رد عليه مشتريه بالعيب فهل يرده مع
الأرش ويسترد الثمن فيه وجهان (فائدة) إذا عرفت ذلك فقول المصنف لم يجز له المطالبة بالأرش
يشمل ما اطلع المشترى الثاني على العيب ورضى به وما إذا لم يطلع وهو الأظهر في الصورتين الموافق
لمقتضى النص وفى كل منهما الخلاف لكن بالترتيب على ما اقتضاه كلام الامام ففي الثانية أبعد
لقرب الامكان وينبغي أن يقال في الترتيب هكذا إنا ان عللنا باستدراك الظلامة فلا يرجع
بالأرش بعد بيعه إلا بأن يرد عليه وان عللنا باليأس واليأس الحقيقي لم يحصل في الصورتين لكن
حالة رضى المشترى الثاني قريبة من اليأس ليعود العود مع أنه عاد يعود بملك جديد فجرى فيها
الخلاف وقبل الاطلاع ليس العود بعيدا ويتوقع على قرب ان يعود بالرد بالملك الأول فكان
الخلاف فيها أقوى والقياس في حالة رضي الثاني أو يرجع الأول بالأرش لأنه لا يلزم من
تبرع الثاني سقوط الأول ومقتضى النص وقول الأكثرين عدم الرجوع في الصورتين وأنا لا نقول
بسقوط حق الأول ولكن يترقب عوده إليه فيرده أو فواته بالكلية فيأخذ الأرش وقال الماوردي
انه إذا رضى الثاني بالعيب استقر سقوط الأرش ولرد وهذا الذي قاله إنما يتجه على قول أبى اسحق
أو يؤول على أنه يستقر سقوطه ما دام زائلا عنه وقد خرج من كلام المصنف ما إذا باعه بعد العلم بالعيب
فإنه يبطل حقه لان ذلك رضى بالعيب وأفهم آخر كلام المصنف أن فرض المسألة ما دام المبيع زائلا
عن ملك المشتري وهو باق في ملك المشتري بحالة يمكن عوده فلو فقد شئ من هذه الأمور
فسيأتي في كلام المصنف إن شاء الله تعالى وفهم من كلامه أيضا أن اطلاعه على العيب وسكوته عليه
وهو في ملك المشتري الثاني لا يبطل حقه حتى لو كان باعه بشرط الخيار وعلم بالعيب في زمان الخيار
فلم يفسخ حتى فسخ المشتري أو رده بالعيب له رده على الأول وبترك الفسخ لا يبطل حقه من الرد
قاله صاحب التهذيب (قلت) وفيه نظر إذا كان في زمان الخيار والخيار للبائع أو لهما فإنه متمكن من
الرد لا سيما إذا قلنا بأن الملك له *
296

* (فرع) * اشترى ثوبا فقطعه أو صبغه ثم باعه ثم علم بعيبه فلا يرجع بأرش العيب لأنه
استدرك الظلامة ولم ييئسن من الرد لأنه إن قبله البائع مع القطع أو الصبغ وأعطاه قيمته قاله
القاضي أبو الطيب وغيره عن ابن سريج
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فان رد المشترى الثاني بالعيب على المشترى الأول رده على البائع لأنه أمكنه الرد
ولم يستدرك الظلامة) * *
* (الشرح) هذا لا خلاف فيه وهو معلل عند الأكثرين بالمعني الأول وعند أبي إسحاق
بالثاني واتفق الأصحاب انه لا يلفت إلى زوال الملك وعوده ههنا وسببه ان الرد ينقص الجهة المتجددة
ويرد الملك لذي كان ثابتا قبلها فليس ملكا جديد أو سبب الاختلاف في الرد بعد زوال الملك وعوده
في الصورة التي سنذكرها عن من يقول بالمأخذ المذكور انه يعتقد العائد ملكا جديدا وليس الرد
كذلك وعن أبي حنيفة انه ان رده بقضاء القاضي ارتفع العقد من أصله وللمشتري الرد على الأول وان
يرد بالتراضي ارتفع في الحال فلم يكن له الرد قال الفوراني وعندنا كيف ما كان يرتفع العقد من أصله
(قلت) وهذه العبارة بظاهرها منكرة على الصحيح من المذهب ولكن بطريق الجواب ان
يقال (وان قلنا) بان العقد يرتفع من حينه فالعائد هو الملك الأول المستفاد من ذلك الشراء لأن الشراء
الثاني انتقض والرد فسخ لا سبب جديد لملك آخر وقد خالفنا أبو حنيفة وقال إذا رده
المشترى الثاني بالعيب لا يرده الأول بعد القبض الا ان يرد بحكم الحاكم وذلك على ما تقدم من
أصله وهو يجعل الرد بدون الحاكم كالإقالة *
* (فرع) * ليس للمشترى الثاني رده على البائع الأول لأنه ما تلقى الملك عنه هكذا أطلق البغوي
والرافعي وهو الصحيح وفيه وجه آخر انه إذا غاب البائع الثاني أو مات وكان الثمن من جنس الثمن
الأول ان له الرد على البائع لأول لان مال الغائب راجع إليه ولو كان حاضرا ورد عليه فالظاهر من
حاله انه يرد عليه أيضا حكاه صاحب التتمة وقال صحيح *
297

قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان حدث عنه الثاني عيب فرجع على الأول بالأرش رجع هو على بائعه لأنه أيس من
الرد ولم يستدرك الظلامة) * *
* (الشرح) * جماعة من الأصحاب أطلقوا هكذا كما أطلقه المصنف انه إذا رجع المشترى الثاني
على الأول بالأرش رجع الأول على بائعه لأنه أيس من الرد أي بحدوث العيب وبأنه لم يستدرك
الظلامة لاخذ الأرش منه وممن جزم بذلك كما جزم المصنف الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب
والمحاملي قال إن ذلك على التعليلين معا واما الرافعي رحمه الله فإنه قال على القول المشهور المخالف
لتخريج بن سريج انه إذا حدث عيب في يد المشترى الثاني ثم ظهر عيب قديم ينظر ان قبله المشترى
الأول مع العيب الحادث خير بائعه فان قبله فذاك والا اخذ الأرش منه وعن أبي الحسين وهو ابن القطان
انه لا يا؟؟ د واسترداده رضى بالعيب وإن لم يقبله وغرم الأرش للثاني ففي رجوعه بالأرش على بائعه
وجهان (أحدهما) لا يرجع به قال ابن الحداد وهو الذي قاله الفوراني والماوردي لأنه لو قبله وما قبله
منه بائعه فكان متبرعا بغرامة الأرش (وأظهرهما) يرجع لأنه ربما لا يقبله بائعه فيتضرر قال الشيخ
أبو علي ويمكن بناء الوجهين على ما سبق من المعنيين ان عللنا بعلة أبى اسحق وإذا غرم الأرش زال
استدراك الظلامة فيرجع وان عللنا بعلة لابن كثير ين وابن أبي هريرة فلا يرجع لأنه ربما يرتفع العيب
الحادث فيعود إليه قال الشيخ أبو علي وعلى الوجهين لا يرجع ما لم يغرم للثاني فإنه ربما لا يطالبه بشئ
فيبقى مستدركا للظلامة هذا ما ذكر الرافعي رحمه الله واصل الترتيب في تعليقة القاضي حسين والتهذيب
وقطع القاضي بموافقة ابن الحداد في عدم الرجوع والبقية من زيادات الرافعي رضي الله عنه وأورد ابن الرفعة
علي بناء الشيخ أبى على أنه لو كان كذلك لقال ابن الحداد بالثاني وهو قد قال بالأول فامتنع
التخريج وقال الرافعي انه على قول ابن سريج الذي خرجه للمشتري الأول اخذ الأرش من بائعه كما
لو لم يكن يحدث عيب ولا يخفى الحكم بينه وبين المشترى الثاني انتهى (وأقول) بعون الله تعالى ما ذكره
الرافعي والبغوي من الترتيب مبنى على ما تقدم عنهما في أن الواجب عند حدوث العيب عرض
الرأي على البائع فان قبله والا انتقل إلى الأرش فالحق لا يثبت للمشترى في الأرش حتى يمتنع البائع
من قبوله فلا جرم سلك هذا الترتيب هنا وحسن جريان الخلاف إذا لم يقبله وقول ابن الحداد بعدم
298

الرجوع وتعليله بأنه متبرع بغرامة الأرش ولا ينافي هذا قوله بأن العلة عدم استدراك الظلامة لأنه
إذا جعله بغرامة الأرش متبرعا كما صرح به الرافعي عنه فاستدراك الظلامة باق لا يرتفع بتبرعه * وأما القول
بالرجوع المقابل لقول ابن الحداد في جعله متبرعا وان وافقه في أصل العلة وأما على القول بأن العلة في
الرجوع اليأس فإن كان المراد اليأس من الرد على سبيل الالزام فان اليأس هنا غير موجود لما قاله
الشيخ أبو علي من امكان ارتفاع الحادث وعوده إليه فيمكن من رده بالالزام حينئذ وربما يعود إليه
مع العيب الحادث ورضى البائع بقبوله فيتمكن المشترى من الرد على سبيل المراضاة وهو الذي وجب له
ابتداء على رأى الرافعي فامكان الزام الرد موجود إن كان هذا الامكان معتبرا لاحتمال ارتفاع الحادث
وعوده وامكان الرد بالتراضي موجود باحتمال عوده فلم جعل الرافعي هنا الأصح أنه يرجع بالأرش
وسكت عن قول الشيخ أبى على ثم قوله عن الشيخ أبى على إنه على الوجهين لا يرجع ما لم يغرم للثاني
هذا إنما يظهر على التعليل باستدراك الظلامة أما إذا عللنا باليأس فليس لقرابته للثاني أثر فان امكان
الرد بالتراضي لا ينقطع بها وامكان الرد بالالزام مع العيب الحادث ليس ممكنا قبلها وعلى تقدير ارتفاع
العيب الحادث يمكن قبلها وبعدها فلا معنى لتقييد ذلك على اعتبار اليأس بالقرابة بل ينبغي إن كان له
الرجوع رجع مطلقا وان لم يكن له الرجوع لم يرجع مطلقا وقد صحح أنه له الرجوع فليرجع وان لم
يغرم على اعتبار اليأس وكلام الشيخ أبى حامد والقاضي أبى الطيب في تعليقهما يقتضى باطلاقه أنه
إذا حصل به نقص عند الثاني فللأول الرجوع بالأرش على اعتبار اليأس وهذا مما يدل على أن
الوجهين المذكورين عن ابن الحداد وغيره مفرعان على قولنا إن العلة استدراك الظلامة وعلى ذلك
يصح قول الشيخ أبى على إنه على الوجهين لا يرجع ما لم يغرم أي على هذين الوجهين المفرعين على
الوجه الضعيف لكن الذي ذكره أولا من البناء مشكل وظاهر كلام الشيخ أبى على أن الصحيح عنده
امتناع الرجوع إن كان يوافق الأكثرين على التعليل باليأس وهو مخالف لما قاله المصنف وغيره من
العراقيين والذي قالوه هو الصحيح بناء على ما قدمته عن الأصحاب أن الواجب عند حدوث العيب هو
الأرش ابتداء فإنه يقتضى وجوب الأرش هنا مطلقا غرم أو لم يغرم وأما على ما تقدم عن الرافعي وصاحب
التهذيب أن الواجب الرد إلا أن يمتنع البائع فينتقل إلى الأرش فيظهر أنه لا يرجع مطلقا غرم أو لم
يغرم حتى يحصل اليأس * وأعلم أن تعليل المصنف والأصحاب الذين ذكرتهم موافقين له في هذه المسألة
بالبأس يبين لنا أن المراد اليأس عن الرد على سبيل الالزام وأن توقع زوال العيب الحادث غير معتبر *
* (فرع) * هذا الذي ذكرناه كله ما دام المبيع باقيا أما لو تلف بعد حدوث العيب أو دونه فاخذ
الثاني الأرش من الأول رجع الأول على بائعه بلا خلاف
299

* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان تلف في يد الثاني وقلنا بتعليل أبى اسحق لم يرجع لأنه استدرك الظلامة * وان قلنا بتعليل
غيره رجع بالأرش لأنه قد أيس من الرد) * *
(الشرح) إذا تلف في يد المشترى الثاني أو كان عبدا فاعتقه أو أمة فاستولدها أو وقف المبيع
فقد حصل اليأس من الرد فيرجع على الأصح وعلى تعليل أبى اسحق لا يرجع لأنه بالبيع استدرك
الظلامة والتخريج على المعنيين المذكورين واضح وممن صرح بالمسألة كذلك الشيخ أبو حامد
والقاضي أبو الطيب وصورة المسألة إذا تلف في يد الثاني من غير حدوث عيب أو مع حدوثه ولكن
لم يغرم المشترى الأول الأرش للمشترى الثاني اما لأنه أبرأه من الأرش أو لم يبرئه ولكن لم يغرم بعد
وقد صرح الرافعي بالمسألتين الأخيرتين وقال إن عللنا باستدراك الظلامة فلا يرجع ما لم يغرم وان
عللنا باليأس يرجع أما إذا غرم الأرش للمشترى الثاني فان المشترى الأول يرجع بالأرش على بائعه بلا
خلاف لوجود اليأس وعدم استدراك الظلامة صرح به القاضي حسين والرافعي *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
(وان رجع المبيع إليه ببيع أو هبة أو ارث لم يرد على تعليل أبى اسحق لأنه استدرك الظلامة وعلى
تعليل غيره يرد لأنه أمكنه الرد) *
(الشرح) طريقه العراقيين والجمهور البناء في هذه المسائل وأخواتها على المعنيين المذكورين كما
بناه المنصف ومن جملة أمثلة ذلك أن يرجع إليه بالإقالة أو الوصية ويقتضي البناء المذكور أن الأصح أن
له أن يرد وهو كذلك ولأجل ذلك جزم به في التنبيه ويزداد في حالة رجوعه بالبيع نظرا آخر وهو أنه
ان لم يكن علم في بالعيب قبل شرائه ثم علم به بعد الشراء الثاني فله الرد قطعا ولكن الخلاف فيمن
يرد عليه فعلى قول أبى اسحق لا يرد على الأول بل على الثاني فقط وعلى الأصح له الرد عليهما ان
شاء رد على الأول وان شاء رد على الثاني وإذا رد على الثاني فلما رده عليه وحينئذ يرده هو على
الأول وقيل لا يرده على الثاني لان فيه تطويلا بل يرد على الأول كذا حكاه وقيل لا يرد على الأول
بل يرد على الثاني لأنه الأقرب والرد عليه ممكن بخلاف ما إذا رجع بالهبة ونحوها حكاه الامام وإن كان
المشترى الأول حين الشراء من الثاني عالما بالعيب لم يكن له أن يرد على الثاني ورده على الأول يبنى
على المعنيين والصحيح الرد وقال القاضي حسين ليس له الرد لأنه باقدامه على الشراء مع العلم بالعيب
صار راضيا به وقد تقدم عنه ما يشبه ذلك والذي قاله هو قول القفال على ما نقله الروياني وقال إنه الصحيح
300

وان سائر الأصحاب لم يفصلوا هذا التفصيل وأما الإقالة فقال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ إنها تقبل
الفسخ واختار الروياني والرافعي بناءها على أنها بيع أو فسخ (فان قلنا) إنها بيع أو قلنا بما اختاره القاضي
أبو الطيب من جواز فسخها احتمل أن يأتي فيها على الأوجه الثلاثة (وان قلنا) فسخ ولا يقبل الفسخ لم
يتجه ذلك فيه وأما بقيه طرق العود من الهبة ونحوها فلا تأتى فيها هذه الأوجه بل تتخرج على المعنيين
فقط ولا أظن يأتي فيها قول القاضي في حالة العلم أيضا لعدم العوض وقد سلك الامام والغزالي في
بناء المسائل المذكورة غير الذي سلكه المصنف والجمهور فجعلا مأخذ الخلاف في ذلك أن الزائل العائد
بجهة أخرى هل هو كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد وفيه جوابان مأخوذان كما يدل عليه كلام الشيخ أبى
محمد في السلسلة في باب التفليس من قولين منصوصين للشافعي إذا قال لعبده إذا جاء رأس الشهر فأنت
حر ثم باعه ثم اشتراه ثم جاء رأس الشهر ففي العتق قولان وهما يشبهان الخلاف أيضا فيما إذا علق طلاق زوجته
بصفة ثم أبانها ثم جدد نكاحها ثم وجدت الصفقة وهذا أصل يخرج عليه مسائل (منها) لو أفلس بالثمن وزال
ملكه عن المبيع وعاد هل للبائع الفسخ (ومنها) لو وهب لولده وزال ملك الولد وعاد للأب الرجوع (ومنها)
إذا زال ملك المرأة عن الصداق ثم عاد إليها وطلقها زوجها قبل الدخول (ومنها) في هذا الباب إذا زال الثمن
عن ملك البائع وعاد ثم رد المشترى المبيع بعيب فهل يتعين لحق المشترى فيه طريقان (إحداهما) تخريجه
على الخلاف (والثانية) القطع بأنه كالذي لم يزل لأنه ليس مقصودا بالرد والصحيح من ذلك كله في
هذه المسائل أنه كالذي لم يزل إلا الهبة فالصحيح فيها انه كالذي لم يعد (واعلم) أن طريقة المصنف
والجمهور في البناء لا اشكال فيها وطريقة الامام المذكورة يحتاج فيها إلى فرق بين هذه الأبواب
ثم المسائل المذكورة أعني في عود المبيع بالبيع والهبة والإرث والإقالة ليست على وتيرة واحدة فان
الهبة والبيع ملك جديد قطعا والإرث وإن كان جديدا لكنه إذا جعلنا الوارث يبنى على حول الموروث
كان ذلك هو الملك الأول والإقالة فسخ فالعائد بها هو الملك الأول وكان ينبغي أن لا يجرى الخلاف
فيها لما لو رجع بالرد بالعيب وقد اعتذر بعضهم عن هذا بأنها وإن كانت فسخا فهي تشبهه
بالتبيع لأجل التراضي ولهذا يرد على طريقة القاضي أبى الطيب وهو اعتذار حسن ان
سلم به ما قاله القاضي أبو الطيب وقد تقدم أن الروياني اختار خلافه وبناها على أنها فسخ أو بيع وطريقة
المصنف والجمهور سالمة عن الاعتراض أو تكون المسائل كلها في درجة واحدة لا ترتيب فيها * نعم الإقالة
لا بد من الاعتذار المذكور فيها ليفرق بينها وبين الرد بالعيب عند الجميع ثم إن القاعدة المذكورة التي
بنى الامام عليها لم يلاحظوها في كل مكان ألا ترى أنه لو باع النصاب في أثناء الحول ثم استرده بسبب
جديد لم يقل أحد بأنه كالذي لم يزل حتى تجب الزكاة في ذلك الحول وغير ذلك من المسائل فما الضابط
301

في جريان الخلاف المذكور وما الداعي إلى أن يجعله كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد ونحن نقطع بأنه
زال وعاد فلا جرم كانت طريقة الجمهور أقوم وأدخل في المعنى ويحتمل أن يكون البناء الذي ذكره
الامام مختصا بالتفريق على اعتبار اليأس أي إن قلنا العلة استدراك الظلامة لم يردوا إن قلنا العلة اليأس
تبنى على الزائل العائد وعلى الجملة الصحيح جواز الرد وخالف الغزالي في الخلاصة فجعل
الصحيح المنع *
* (فرع) * اعلم بأنا إذا قلنا الزائل العائد كالذي لم يعد كما صححه الغزالي لم يبق لنا بعد بيع المشترى
الأول طريق يتوقع بها العود والرد الا أن يرد المشترى الثاني فان فرض اطلاعه على ذلك العيب ورضاه
انسد طريق الرد وحينئذ يتعين وجوب الأرش عند القائلين باعتبار اليأس كما قال الغزالي لكنه عمم
مع رضى الثاني ودونه وكلا الامرين ضعيف لأنا نمنع أن الزائل العائد كالذي لم يعد وأما الماوردي رحمه
الله فإنه قال إذا رضى البائع بالعيب يستقر سقوط الأرش والرد وهذا إنما يستقيم على قول أبي إسحاق
أما على الصحيح فلا يستقيم سقوط الرد وعلى رأى الامام والغزالي لا يستقيم سقوط الأرش وقد ذكرت
ذلك على الماوردي فيما مضى وذكرت له تأويلا *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فإن لم يعلم بالعيب حتى وهبه من غيره فإن كان بعوض فهو كالبيع وقد بيناه) * *
(الشرح) هذا بين لا اشكال فيه إلا أن الهبة بعوض بيع وحينئذ تأتى فيها الأقسام والأحكام المذكورة
كلها وقول المصنف وهبه من غيره قال النووي رحمه الله في تهذيب اللغات وأما قول الغزالي
وغيره في كتب الفقه وهبت من فلان كذا فهو مما ينكر على الفقهاء لادخالهم لفظة من وإنما الجيد
وهبت زيدا مالا ووهبت له مالا * قال وجوابه ان ادخال من هنا صحيح وهي زيادة وزيادتها في الواجب
جائزة عند الكوفيين من النحويين وعند الأخفش من البصريين وقد روينا أحاديث منها وهبت
منه كذا *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
(وان وهبه بغير عوض لم يرجع بالأرش لأنه لم ييأس من الرد) *
* (الشرح) * هذا هو الصحيح تفريعا على أن المعتبر اليأس أما إذا عللنا باستدراك الظلامة فيرجع
بالأرش لأنه لم يستدرك ومنهم من حكى القطع هنا بعدم الرجوع إذا أريد به أن العلة هي اليأس
لاستدراك الظلامة وهذه الطريقة هي التي يشعر بها ايراد المصنف وبين ذلك أن القاضي أبا الطيب
جزم بعدم الرجوع وعلله بعدم اليأس كما فعل المصنف ثم قال والتعليل الذي ذكره أبو إسحاق وهو
302

استدراك الظلامة غير موجود ههنا وإذا كان كذلك دل على أن هذا التعليل هو الصحيح دون ما قاله
أبو إسحاق وكذلك الشيخ أبو حامد قال قوم من هذا الكلام والروياني صرح في البحر بان
أبا إسحاق وافقنا على عدم الأرش هنا واستدل بذلك على بطلان علته لكن المحاملي صرح بأنه على
تعليل أبى اسحق له الأرش لأنه لم يستدرك الظلامة والماوردي أيضا صرح بالوجهين على مقتضى
التعليلين وحكى الروياني ذلك عن بعض الأصحاب وهذه الطريقة أقوم إلا أن يكون أبو إسحاق
صرح النقل عنه بذلك فيلزمه وهاتان الطريقتان على القول المشهور إنه إذا باع لا يرجع بالأرش أما
على ما خرجه ابن سريج من أنه يرجع فيرجع ههنا أيضا كذلك صرح به الرافعي (تنبيه) الهبة
قد يسمى فيها عوض ولا شك أن حكمها حكم البيع كما تقدم والهبة التي لا يسمى فيها عوض لنا في
اقتضائها الثواب قولان (فان قلنا) لا تقتضي الثواب اتجه ما قاله المصنف والتفريع المذكور من الأصحاب
(وإن قلنا) تقتضي الثواب فهي بمنزلة البيع كذلك قاله القاضي أبو الطيب والمحاملي والماوردي خرجوا
ذلك على الخلاف المذكور ولم يقولوا كما قال المصنف اما أن تكون بعوض أولا والشيخ أبو حامد فعل
كما فعله المصنف فلك في كلام المصنف طريقان اما أن تقول انا إذا قلنا باقتضاء الهبة المطلقة الثواب
صارت بعوض فدخلت في قوله الأول ان الهبة بعوض ولم تدخل في قوله ههنا بغير عوض ولما أن
تقول ان قوله ههنا مفرع على المذهب في عدم اقتضاء الهبة الثواب *
* (فرع) * قال صاحب التهذيب قال بعض أصحابنا لو كان وهبه من ابنه فلا يرجع لأنه يمكنه ان
يرجع في الهبة ثم يرد كما لو لم يخرج عن ملكه قال والصحيح ان خارج عن ملكه (قلت) يعنى ان بعض
أصحابنا أشار إلى أنه لا يرجع بالأرش قولا واحدا ولا يخرج على المعنيين والصحيح انه يخرج عليهما فلا
يرجع على الصحيح ويرجع على قول أبى اسحق وسنزيد لك ان للقطع في هذه المسألة مأخذا آخر ويصلح
ذلك أن يكون جوابا لأبي أسحق عن اعتراض الأصحاب عائد بهذه المسألة لكن في صورة واحدة *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فان رجع إليه ببيع أو هبة أو ارث فله الرد بلا خلاف لأنه أمكنه الرد ولم يستدرك الظلامة) * *
* (الشرح) * إذا وهبه بلا عوض ثم رجع إليه فالمصنف قد تبع القاضي أبا الطيب فيما قاله جميعه من
التمثيل وبقى الخلاف والتعليل والشيخ أبو حامد قال إن رجع إليه بأن يكون قد وهبه لابنه ورجع فيه
كان له الرد والامام حكى فيما إذا عاد بالهبة أو بجهة لا رد فيها وجهين (أحدهما) له الرد لأنه يرد ما ملك
كما ملك (والثاني) لا لان الرد نقض للملك المستفاد من جهة وهذان الوجهان مأخذهما ما تقدم عنه من
البناء على الدليل العائد والعراقيون والجمهور لم يلاحظوه كما تقدم وأطلق الرافعي الوجهين فيما إذا عاد
303

لا بعوض وبناهما على أنه هل يأخذ الأرش إذ لم يعد (ان قلنا) لا فله الرد لان ذلك لنوقع العود (وان
قلنا) يأخذ فينحصر الحق فيه أو يعود إلى الرد عند القدرة فيه وجهان (قلت) والقول بانحصار حقه
فيه بعيد ومع بعده إنما يمكن القول به إذا كان قد علم بالعيب أما إذا لم يعلم حتى عاد فيصير كما لو لم يعلم
بالعيب الحادث حتى زال القديم وحكمه الرد الا على وجهة شاذ وههنا أولى بان لا يجرى ذلك الوجه وأما إذا
عاد بعوض كالشراء قال الرافعي (فان قلنا) لا رد في الحالة الأولى فكذلك ههنا ويرد على البائع
الأخير (وان قلنا) يرد فهها يرد على الأول والأخير أو يتخير فيه ثلاثة أوجه خارجة مما سبق (قلت)
وهذا البناء والترتيب جيد والصحيح ان له الرد كما قال المصنف لكن مع حكاية الخلاف في المسائل الثلاث
التي ذكرها وفى معناها الوصية والإقالة كما تقدم وأما إذا عاد بالرجوع في هبة الوالد لولده فلم أرها
مصرحا بها الا في كلام الشيخ أبى حامد ويحتمل ان يقال إنه لا يجرى الخلاف فيها لان الرجوع في الهبة
بقبض لها كالرد بالعيب والعائد هو الملك فلا يتأتى تخريجه على الزائل العائد كما لم يخرج عليه عند رجوعه
بالرد بالعيب ويكون ههنا له الرد قولا واحدا ويحتمل ان يجرى فيها الخلاف أيضا كما يقتضيه اطلاق
الامام والرافعي اخذا مما ذكره الرافعي من انحصار حقه وقد تقدم التنبيه على ضعفه (1) على
بعضهم كلام المصنف هنا فظن أن الرجوع بعد المبيع واعترض عليه قولا وتعليلا ولا حاجة إلى نقل كلامه
وإنما ذكرته لئلا يشتبه على غيره كما اشتبه عليه والرجوع بعد البيع ذكره المصنف فيما تقدم وقد تكمل
شرح مسائل الكتاب وبقيت فروع نذكرها إن شاء الله تعالى *
* (فرع) * باع زيد عمرا شيئا ثم اشتراه منه وظهر فيه عيب كان في يد زيد فإن كانا عالمين بالحال
فلا رد وإن كان زيد عالما فلا رد له ولا أرش واما عمرو فلا رد له أيضا لزوال ملكه ولا أرش له على
الصحيح المخالف لتخريج ابن سريج لاستدراك الظلامة ولتوقع العود فان تلف في يد زيد أخذ الأرش على التعليل
الثاني دون الأول وهكذا الحكم لو باعة زيد لغيره وإن كان عمرو عالما فلا رد له ولزيد الرد وإن كانا جاهلين
فلزيد الرد إن كان اشتراه بغير جنس ما باعه أو بأكثر منه ثم لعمرو ان يرد عليه وان اشتراه بمثله فلا
رد لزيد في أحد الوجهين لان عمرا يرد عليه فلا فائدة وله الرد في أصحهما لأنه ربما يرضى به فلا
يرد فلو تلف في يد زيد ثم عرف به عيبا قديما بحيث يرد لو بقي يرجع بالأرش وحيث لا يرجع وعلى
هذين الوجهين لو اشترى شيئا وباعه من غيره ثم اشتراه ثانيا واطلع على عيب قديم ولم يكن اطلع
البائع الثاني عليه فعلى أي البائعين يرد على الوجهين (أحدهما) على الأول لأنه لا فائدة في الرد على
الثاني ورده (والثاني) على الثاني لأنه ربما يرضى به وربما يكون بين الثمنين تفاوت قاله المتولي وغيره
وعن أبي الطيب في شرح الفروع حكاية وجه أنه لا يرد بالعيب أصلا لأنه لو رده لرده عليه ولا

(1) بياض بالأصل فحرر
304

يكون له معنى هكذا قاله صاحب العدة وفيه نظر بل هذا تعليل من يقول لا يرد على الثاني وأما الرد
على الأول فمأمون منه الرد فليتأمل ذلك وفى المسألة الأولى لو حدث به عيب في يد زيد فرجع بالأرش
على عمرو كان لعمرو أيضا ان يرجع بالأرش عليه والفائدة فيه أنه قد يكون أحد الثمنين
أكثر من الآخر فيستفيد (1) ما بين الثمنين وفى باب الأرش كذلك لأنه بحصته من الثمن
يرجع قاله الشيخ أبو حامد * ولو اشترى شيئا وباعه من غيره وغاب البائع الثاني أو مات ثم وجد
المشترى الثاني عيبا كان في يد البائع الأول فإن كان الثمن لا من جنس الثمن الأول فليس له الرد وكذا
إن كان من جنسه على المذهب وفيه وجه قاله صاحب التتمة
(فرع) لو تلف في يد الموهوب له فللمشتري الواهب الرجوع بالأرش قولا واحدا
قاله القاضي حسين
* (فرع) * هذه الأحكام المتقدمة في كلام المصنف فيما إذا خرج المبيع كله عن ملك المشتري
أما إذا خرج بعضه وقد تقدم أن الشافعي في مختصر المزني ساوى بينه وبين خروج الكل وان في
مختصر البويطي قولين في بيع نصف العين لواحد (أحدهما) يرجع بنصف الأرش للباقي في يده
(والثاني) لا يرجع بشئ ويجئ فيه القول الذي خرجه ابن سريج أنه يرجع بجميع الأرش والأول أصح
عند صاحب التهذيب وشبههه بحدوث العيب في يده لا ينتظر زواله وظاهر نصه في المختصر وكلام
كثير من الأصحاب يشهد للثاني وهو الصحيح الذي صرح به كثيرون وهو يقتضى التعليل باليأس
(وأما) على التعليل باستدراك الظلامة فينبغي أن يرجع بأرش النصف الباقي في يده (وأما) الوجه الثالث
فضعيف في الأصل وهو هنا أضعف وهذا كله على المشهور الذي قطع به الأكثرون أنه لا يرد
النصف الذي في يده وقد تقدم عن الماوردي في ذلك خلاف ضعيف فيتحمل في هذا الفرع بذلك أربعة
أوجه (وإذا قلنا) يرد النصف على ما ذكره الماوردي بعود الخلاف في النصف الخارج عن ملكه هل
يأخذ أرشه على قول ابن سريج أو على المذهب ولو باع نصف ما اشتراه من البائع فكذلك ليس
له الرد عليه وإذا كان نقصان الشركة يرتفع بالرد لان وقت الرد يرده على الوجه الذي يملك به (قال)
صاحب التتمة وقال صاحب التهذيب انه الصحيح ونظره صاحب التتمة بالجارية إذا زوجها من
البائع وقد تقدم ذلك وهل له أخذ الأرش للنصف الباقي على القولين فيما لو باع نصفه من غير بائعه
ولو أن مشترى النصف أعتقه ثم ظهر عيب قديم رجع المشترى الأول على بائعه بأرش النصف الذي

(1) بياض بالأصل
305

في يده موسرا كان المعتق أو معسرا لأنه يقوم على المعتق عند الشراء به ناقصا والنصف الذي باعه
ان رجع مشتريه عليه بأرشه رجع هو أيضا على بائعه وإلا فوجهان قاله في التهذيب يعنى على علة
أبى اسحق لا يرجع وعلى المذهب يرجع ولو قاسم المشترى فقد تقدم ذلك عند الكلام فيما إذا اشترى
اثنان عينا عن القاضي حسين والذي قاله صاحب التتمة هنا انه (ان قلنا) القسمة افراز فله الرد (وان
قلنا) بيع فلا قال لأنه ان أراد الرد فسخ قسمه فيرد عليه غير ملكه وان أراد فسخ القسمة ثم يرد لم
يجز لأنه تملك المعيب مع العلم بالعيب (قلت) وهذا نظير قول القاضي حسين هناك والمفهوم من
كلام الأصحاب ان ذلك غير مانع لان له الرد إذا رجع إليه بعد العيب والهبة وإن كان بطريقته هو
راض بها وهو الأصح هذا إذا كانت العين واحدة باع بعضها فلو اشتري عيبين فباع أحدهما
ووجد بها العيب أو بالباقية وقلنا لا يجوز افراد أحد العينين بالرد جزم جماعة منهم الشيخ أبو حامد
بأنه ليس له الرد أيضا ولا أرش لعدم اليأس وينبغي على علة أبى اسحق أن يرجع من الأرش
بقدر ما يخص الباقي وهو مقتضى تفريع الماوردي فان تلفت العين في يد المشترى الثاني ففي رد الباقي في
يده القولان في نظيره إذا كان التلف في يده وان العيب بالذي باعه فقط لم يرجع بالأرش لاستدراك
الظلامة وللتوقع *
* (فرع) * لو لم يخرج المبيع عن الملك ولكن تعلق به حق كرهن أو كتابة أو غير ذلك فقد
تقدم حكمه وجملة من مسائله فيما إذا حصل في المبيع نقص *
* (فرع) * لو كان المبيع باقيا بحاله في يد المشترى وملكه والثمن تالف جاز الرد إذا اطلع على عيب
في المبيع ويأخذ مثل الثمن إن كان مثليا وقيمته إن كان متقوما أقل ما كنت من يوم البيع إلى
يوم القبض لأنها إن كانت يوم العقد أقل فالزائد حدث في ملك البائع وإن كانت يوم القبض أقل
فالنقصان من ضمان المشتري (قال) الرافعي ويشبه أن يجئ فيه الخلاف المذكور في اعتبار الأرش
(قلت) وصرح البغوي والرافعي هنا بأنه من يوم العقد إلى يوم القبض كعبارة النووي في المنهاج
هناك وقد تقدم التنبيه على أن عبارة غيره بخلافها فاما أن تكونا سواء كما قال النووي واما أن
تفرق ويجوز الاستبدال عنه بالعرض وخروجه عن ملكه بالبيع ونحوها كالتلف ولو خرج وعاد فهل
يتعين لاحد المشترى أو البائع ابداله قال الرافعي فيه وجهان (أصحهما) أولهما وقال الامام منهم من
306

خرج استرداده على الوجهين يعني في الزائل العائد ومنهم من قطع بأنه يسترد والفارق عند هذا
القائل أن المسترد ليس مقصودا فلا يشترط فيه ما شرط في الردود والمقصود (قلت) وهذا كله في
الثمن المعين في العقد وإذا كان باقيا أخذه بلا خلاف وأما إذا كان في الذمة ونقده ففي تعيينه لاخذ
المشترى وجهان لم يصحح الرافعي منهما شيئا وذكر في الرجوع بالأرش في نظيرها ما يتقضى أن
الأصح التعين وقد تعرضت له هناك ولم يفرقوا ههنا بين أن يكون التعين في المجلس أو في غيره
وقد يقال إن المعين في المجلس أولى بالتعيين من المقبوض بعده لان المعين في المجلس كالمعين في العقد
على الأصح المذكور في السلم وكيف ما كان فالأصح التعين لأنه يرد المبيع فيرتفع ملك البائع عن
الثمن فلا وجه لتجويز ابداله هذا إذا كان الثمن نقدا أو موصوفا فعيبه إما إذا أخذ عنه عرضا كقوت
ونحوه فسيأتي ولو أبرأ البائع المشتري من بعض الثمن ثم رد المبيع بعيب فإن كان إلا براء بعد التفرق
رجع بتمام الثمن (قال) الروياني وفيه قول يرجع بما أدى كالزوجة إذا أبرأت من الصداق قبل
الطلاق وإن كان الابراء قبل التفرق فذلك لا حق بالبيع على المذهب فلا يرجع إلا بما بقي ولو أبرأه
من جميع الثمن جزم القاضي حسين بجواز الرد للتخلص عند حفظ المبيع وقياس من يقول يرجع بتمام
الثمن عند الابراء عن البعض أن يقول يرجع بالثمن هنا ولو وهب البائع المشترى الثمن فقيل يمتنع
الرد بالعيب وقيل يرد ولا يطالب ببدل الثمن وإن كان الثمن باقيا في يد البائع لكن ناقصا نظر ان
تلف بعضه أخذ الباقي وبدل التالف وان رجع النقصان إلى الصفة كالشلل ونحوه لم يغرم الأرش في
أصح الوجهين كما لو زاد زيادة متصلة يأخذها مجانا هكذا قال البغوي والرافعي وقد قدمت المسألة
في فرع فيما إذا رد المبيع وهو ناقص والمنقول فيه عن ابن سريج أنه يتخير بين أخذه ناقصا وقيمته
وعن غيره الرجوع بالأرش واطلاق الرافعي هنا ليس على ظاهره بل يجب تأويله على أنه لا يغرم
الأرش يتخير البائع كما يقول ابن سريج وقد نقل النووي هذا الفرع عن القفال والصيدلاني
مع كلام الرافعي *
* (فرع) * الثمن المعين إذا خرج معيبا يرد بالعيب كالمبيع وان لم يكن معينا وكان في عقد
لا يشترط فيه التقابض في المجلس يستبدل ولا يفسخ العقد قال المتولي والرافعي سواء أخرج معيبا
بخشونة أو سواد أو ظهر أن سكته مخالفة لسكة النقد الذي تناوله العقد أو خرج نحاسا أو رصاصا
307

(قلت) وهذا في غير المعين صحيح وأما المعين إذا خرج نحاسا أو رصاصا وكان قد اشترى به على
أنه دراهم فإنه يبطل العقد على الأصح كما تقدم في باب الربا وسيأتي إن شاء الله تعالى في كلام
المصنف في الفصل الذي بعد هذا بفصل وقد تقدم في باب الربا جملة من أحكام العيب في
عوض الصرف *
* (فرع) * باع عبدا بألف وأخذ بالألف ثوبا ثم وجد المشترى بالعبد عيبا ورده فعن القاضي
أبى الطيب أنه يرجع بالثوب لأنه إنما ملكه بالثمن وإذا فسخ البيع سقط الثمن عن ذمة المشتري
فينفسخ بيع الثوب به وقال الأكثرون منهم الماوردي يرجع بالألف لان الثوب مملوك بعقد آخر وفى
المجرد من تعليق أبى حامد أن الشافعي قاله نصا ولو ظهر العيب بالثوب رد ورجع بالألف لا بالعبد
ولو مات العبد قبل القبض وانفسخ البيع فعن ابن سريج أنه يرجع بالألف دون الثوب لأن الانفساخ
بالتلف يقطع العقد ويرفعه من أصله وهو الأصح وفيه وجه آخر *
* (فرع) * اختلفا في الثمن بعد رد المبيع فعن ابن أبي هريرة قال أعيتني هذه المسألة والأولى
أن يتخالطا وتبقى السلعة في يد المشترى وله الأرش على البائع من القدر المتفق عليه (قال) أبو إسحاق
وحكى أبو محمد النارسي عن أبي إسحاق أن القول قول البائع لأنه الغارم كما لو اختلفا في الثمن بعد
الإقالة (قال) الرافعي وهذا هو الصحيح *
* (فرع) * لو احتيج إلى الرجوع بالأرش فاختلفا في الثمن فعن رواية القاضي ابن كج فيه قولين
الأظهر ان القول قول البائع قاله الرافعي *
* (فرع) * من زيادات النووي في الروضة اشترى سلعة بألف في الذمة فقضاه عنه أجنبي
متبرعا فرد السلعة بعيب لزم البائع رد الألف وعلى من يرد وجهان (أحدهما) على الأجنبي لأنه
الدافع (والثاني) على المشترى لأنه تقدر دخوله في ملكه فإذا رجع المبيع رد إليه ما قابله وبهذا الوجه
قطع صاحب المعاياة ذكره في باب الرهن (قلت) وذكر الروياني في البحر الوجهين (وقال) ان
الأصح الثاني قالا ولو خرجت السلعة مستحقة رد الألف على الأجنبي قطعا لأنه تبين أن لا ثمن ولا
بيع (1) إذا لم يعلم بالعيب حتى وجبت فيه الزكاة فعن ابن الحداد له الرد وعن أبي على لا لنقصانه
بالشركة على قول أو الرهن على قول وأما بعد اخراج الزكاة فان أخرجها من غيره وقلنا التعليق
بالذمة فله الرد وان قلنا بالشركة فقيل كالرجوع بعد البيع وقيل بالرد قطعا لعدم استدراك الظلامة

(1) بياض بالأصل
308

وإذا خرج من الحال ولم نجوز تفريق الصفقة امتنع الرد ووجب الأرش عند من يعتبر اليأس وهو
الأصح وان جوزنا التفريق رد بقسطه وقيل يرد الباقي وقيمة التالف ولو اشترى عبدين في صفقتين
أحدهما بعشرة والآخر بخمسة ثم رد أحدهما بعيب ثم اختلفا فقال المشتري رددت الذي بعشرة
فالقول قول البائع لان الأصل براءة الذمة ولو اشترى ثوبا من رجل ثم ثوبا من آخر ووجد بأحدهما
عيبا ولم يدر أن المعيب من أيهما اشتراه فلا رد له على واحد منهما قالهما القاضي حسين
في الفتاوى *
* (فرع) * اتفق الشافعي وأكثر العلماء على أن المشترى إذا رد المبيع بعيب وكان الثمن
باقيا انه يأخذه وإذا كان تالفا أخذ قيمة الثمن على ما تقدم لا فرق بين الحيوان والعروض وغيرهما
وقال ابن أبي ليلي إذا اشتري جارية بعبد ثم وجد بالجارية عيبا فردها فان ماله قيمة الجارية ولا
يأخذ العبد وكذلك نقلوه عنه في الجارية بالجارية ولا أدرى أيطرد في بقية الحيوان والعروض
أم لا *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (والعيب الذي يرد به المبيع ما يعده الناس عيبا فان خفى منه شئ رجع فيه إلى أهل
الخبرة بذلك الجنس) * *
* (الشرح) * لما تقدمت أحكام العيب احتاج إلى تعريفه فعقد هذا الفصل لذلك وبيان
ما هو عيب وما ليس بعيب ولما كانت الأمثلة لا تنحصر قدم عليها الضابط فيها وما ذكره من
الضابط سديد فان المدرك في ذلك العرف ولولا ذلك واقتضى العرف سلامة المبيع حتى جعل ذلك
كالمشروط لما ثبت الرد فلذلك جعل ضابطه راجعا إلى العرف فما عده الناس وأهل العرف عيبا
كان عيبا ومالا فلا ولكن الإحالة على العرف قد يقع فيها في بعض الأوقات الباس فلأجل ذلك
ضبطه غير المصنف بضابط أبين وأحسن شئ فيه ما أشار له الامام رحمه الله ولخصه الرافعي أن يقال
ما ثبت الرد بكل ما في المعقود عليه من منقص القيمة أو العين نقصا ما يفوت به غرض صحيح بشرط
أن يكون في أمثال ذلك المبيع عدمه وأخصر من ذلك أن يقال ما نقص القيمة أو العين نقصانا
يفوت به غرض صحيح ويغلب على أمثاله عدمه وبعضهم قال ما نقص القيمة أو العين من الخلقة
309

التامة قال الرافعي فإنما اعتبرنا نقصان العين بمسألة الخصي يعنى فإنه يرد به وان لم ينقص القيمة
لكنه نقص العين وإنما لم يكتف بنقص العين واشترط فوات غرض صحيح لأنه لو قطع من فخذه
أو ساقه قطعة يسيره لا تورث شينا ولا يفوت غرض لا يثب الرد قال ولهذا قال صاحب التقريب
ان قطع من اذن الشاة ما يمنع التضحية ثبت الرد والا فلا وفيه احتراز أيضا عما إذا وجد العبد
والجارية مختونين فإنه فات جزء من أصل الخلقة لكن فواته مقصود دون بقائه فلا رد به إذا كان
قد اندمل وإنما اشترط أن يكون الغالب على أمثاله عدمه لان البقاء به مثلا في الإماء ينقص القيمة
لكن لا رد بها لأنه ليس الغالب فيهن عدم الثيابة إذا كانت الأمة كبيرة في سن لا يغلب فيه ذلك
وأما الذي زاد من الخلقة التامة فاحترز عما إذا نقص زائد من أصل الخلقة كالإصبع ونحوها بان
قطعها البائع ولم يبق شين ثم باعها فلا يثبت بزوالهما رد هكذا قاله صاحب التتمة وهذا فيه نظر فان
القاضي أبا الطيب قال في ذلك إذا حدث في يد المشترى وجب أن يمنع من الرد في يد عندي
وتابعه على ذلك ابن الصباغ فإن كان ذلك عيبا مانعا من الرد كما قاله أبو الطيب وجب أن يوجب
الرد إذا حصل في يد البائع وان لم يكن عيبا موجبا للرد كما قال صاحب التتمة وجب أن لا يمنع
الرد إذا حدث في يد المشتري لا يمنع الرد فطرد قاعدته وجل ما لا يثبت بفوته في يد البائع خيار
لا يمنع الرد إذا حدث عند المشترى فحصل الخلاف بين أبى الطيب والمتولي في امتناع الرد بحدوثه
وأما ثبوت الرد بوجوده في يد البائع فيمكن أن يكون أبو الطيب يقول به ويجعله عيبا ويطرد
قاعدته وحينئذ يحصل الخلاف بينهما في المسألتين ويمكن أن يقال إن زوال الإصبع الزائدة ونحوها
وان لم يكن عيبا إلا أن ذلك الزائد إذا كان موجودا عند العقد استحقه المشترى وصار جزءا من
المبيع المقابل بالثمن فلو رده المشترى بدونه لرد المبيع نقصا عما ورد العقد عليه فلذلك قال القاضي
أبو الطيب انه يمنع الرد لا بسبب ان ذلك عيب نعم إذا حصل زوال هذه الإصبع الزائدة ونحوها
في يد البائع بعد البيع وقبل القبض مساق هذا البحث أن يثبت للمشترى الرد لزوال بعض ما شمله
العقد وان لم يكن عيبا ألا ترى أنه تقدم لنا أن من اشترى عبدا كاتبا فنسي الكتابة قبل القبض
أنه يثبت الخيار لفوات ما كان موجودا عند العقد وان لم يكن عيبا بل فوات كمال وهذا وان لم يكن
كمالا فقد تعلق به غرض وقد صار مستحقا بالعقد لكنه تقدم عن صاحب التهذيب أنه قال بعدم
310

ثبوت الخيار في حصول ذلك قبل القبض وهو الذي يشعر به كلام صاحب التتمة الذي حكيته
الآن وهو مخالف لما قلته من البحث ولما قاله القاضي أبو الطيب ولصاحب التهذيب وصاحب
التتمة أن يقولان ان ذلك الزائد وإن كان شمله العقد الا أنه لا غرض فيه فزاوله مع البرء لا يحصل به
نقص يفوت به غرض صحيح بخلاف فوات الكتابة بالنسيان وعلى هذا يكون كل ما أثبت الرد
على البائع منع الرد من المشترى وان أبقينا كلام أبى الطيب على حاله وطردناه فيما قبل القبض فكذلك
يستمر هذا الضابط وان جمعنا بين ما قاله أبو الطيب بعض القبض وما قاله صاحب التهذيب قبله كما
تقدمت الإشارة إليه في موانع الرد فيفصل في فوات هذه الزيادة في يد البائع بين أن تكون بعد
البيع فيثبت الخيار أو قبله فلا إذا لم يبقى بسببها نقص ويكون كل ما يوجب الرد إذا كان قبل البيع
يمنع الرد إذا حصل عند المشتري ولا ينعكس فكل ما يوجب الرد إذا حدث بعد البيع وقبل القبض
يمنع الرد إذا حدث في يد المشترى وبالعكس وكل عيب مثبت للرد وليس كل مثبت للرد عيبا كما
مثلناه في فوات صفة الكمال قبل القبض فليس عيبا داخلا تحت هذا الضابط الا أنه باستحقاقه
بالعقد صار فواته عيبا وأصل هذا الضابط الذي ذكره الرافعي وأشار إليه الامام للقاضي حسين فإنه
قال الحد فيه ان كل معني ينقص العين بأصل الخلقة أو القيمة أو يفوت غرضا مقصودا شرطه أو
فات بتدليس من جهة البائع يثبت الخيار وما خرج من هذه الجملة فلا يثبت الخيار وقصد
القاضي بهذا حد كل كل ما يثبت الرد من الأسباب الثلاثة المذكورة في هذا الباب
للتصر؟ ة والعيب والخلف والضابط الذي تقوم كفاية وبه تعرف ما يرد على حد القاضي وقال الغزالي
العيب كل وصف مذموم اقتضى العرف سلامة المبيع عنه غالبا وقد يكون ذلك نقصان وصف أو زيادة
311

وقد يكون نقصان عين كالخصي أو زيادتها كالإصبع الزائدة والخصي فان زادت قيمته ولكن ما كان
منه مقصود تتعلق به مالية وإنما الزيادة بالجب لغرض آخر حصل به فلم ينقل عن نقصان وأشار
الغزالي بهذا إلى أن نقصان القيمة حاصل من وجه كونه يضعف البنية ولكنه انجبر بزيادتها من جهة
الرغبة في دخوله على الحريم عند من يجوزه مكان كذلك لعبد كانت زادت قيمته بسبب الكتابة
ونقصت بسبب العيب دون ما زادت فان تلك الزيادة لا تخرجه عن كونه عيبا وفى هذا الكلام محاولة
ان المعتبر نقصان القيمة ولذلك قال الشافعي رضي الله عنه في باب العيب في الرهن والعيب الذي
يكون به الخيار كل ما نقص ثمنه من شئ قل أو كثر حتى الأثر الذي لا يضر بعمله والفعل فهذا النص
شاهد لاعتبار القيمة ومراد الشافعي والله أعلم بالثمن القيمة وقال قبل ذلك بأربعة أسطر إذا كان
بالرهن عيب في بدنه أو عيب في فعله ينقص ثمنه وعلم المرتهن العيب قبل الارتهان به فلا خيار له
والرهن والبيع ثابتان وهذا النص مثل الأول وقول المصنف والعيب الذي يرد به المبيع قد يقول
قائل لو قال الذي يرد به كما قال في التتمة لشمل المبيع والثمن (والجواب) عن هذا ان الثمن إذا كان
معيبا فحكمه حكم المبيع لا شك انه هنا إنما يقصد تعريف لعيب في المنع وما في حكمه فسواء أذكره أم تركه
المراد معلوم ولنا عيوب آخر؟ في غير المبيع مفسرة بغير هذا التفسير وقال النووي رحمه الله في تهذيب
اللغات العيب ستة أقسام عيب في المبيع وفى رقبة الكفارة والغرة وفى الأضحية والهدى والعقيقة وفى
أحد الزوجين وفى الإجارة وحدودها مخالفة فالعيب المؤثر في المبيع الذي يثبت بسببه الخيار هو ما نقصت
المالية أو الرغبة به أو العين والعيب في الكفارة ما أضر بالحمل اضرارا بينا والعيب في الأضحية والهدى
والعقيقة ما نقص به اللحم والعيب في النكاح ما ينفر عن الوطئ ويكسر سورة التواق والعيب في الإجارة
ما يؤثر في المنفعة تأثيرا يظهر به تفاوت الأجرة لا ما يظهر به تفاوت قيمة الرقبة لأن العقد على المنفعة
فهذا تقريب ضبطها وهي مذكورة في هذا الكتب بحقائقها وفروعها عيب الغرة في الجنين كالمبيع
هذا كلام النووي رحمه الله (قلت) والعيب في الزكاة كالبيع على الأصح وقيل كالأضحية وفى الصداق
إذا طلق قبل الدخول النظر فيه إلى ما يفوت به غرض صحيح ولا نظر إلى القيمة ولا نقصان العين ولذلك
يقول الحمل في البهائم في البيع زيادة ليس بعيب وفى الصداق زيادة ونقص يمنع من الرجوع القهري
فجملة أنواع العيب ستة وان تكثرت أبوابها والموهوب بعوض حكمه حكم المبيع وقال أبو ثور لا يرد
بالعيب ولا يرجع بشئ وهو بعيد *
312

* (فرع) * قد تبين لك زوال الصفة الكاملة بعد البيع وقبل القبض يثبت الخيار وذلك غير
داخل في الضابط المذكور والاعتذار عن ذلك بان يفوت الخيار لا لكونه عيبا بل لفوات بعض
المستحق كما تقدمت الإشارة إليه والله أعلم * وقول المصنف رجع فيه إلى أهل الخبرة بذلك الجنس
قال صاحب التهذيب ان قال واحد من أهل العلم به أنه عيب ثبت الرد به وكذلك يقتضيه كلام
صاحب العدة واعتبر صاحب التتمة شهادة اثنين ولو اختلفا في بعض الصفات هل هو عيب وليس
هناك من يرجع إليه فالقول قول البائع مع يمينه (فائدة) الرجوع في العيب إلى العرف له نظائر في
الفقه منها طول المجلس المانع من البناء على الصلاة وكثير النجاسة المجاوز لحد العفو وقدر الصفة في
الاناء والتفرق القاطع للخيار والقبض والجوز والاحياء ومواضع كثيرة الحكم فيها يحال على العرف
اما قطعا أو على خلاف وقد اشتهر على ألسنة الفقهاء ان ما ليس له حد في الشرع ولا في اللغة يرجع فيه
إلى العرف وليس هذا مخالفا لما يقوله الأصوليون من أن لفظ الشارع يحمل على المعني الشرعي ثم
العرفي ثم اللغوي والجمع بين الكلامين ان مراد الأصوليين إذا تعارض معناه في العرف ومعناه في
اللغة قدمنا العرف ومراد الفقهاء إذا لم يعرف حده في اللغة ولم يقولوا ليس له معني فالمراد ان معناه
في اللغة لم ينصوا على حده بما يثبته فيستدل بالعرف عليه *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فان اشترى عبدا فوجده أعمى أو أعرج أو أصم أو أخرس أو مجذوما أو أبرص أو مريضا
أو أنجر أو مقطوعا أو أقرع أو زانيا أو سارقا أو آبقا ثبت له الرد لأن هذه عاهات يقتضى مطلق العقد
السلامة منها فلا يلزمه العقد مع وجودها) * *
* (الشرح) * ذكر المصنف والأصحاب جملة من أمثلة العيوب وإن كانت لا تنحصر ولا
مطمع في استيعابها لكن المقصودة زيادة في البيان على ما استفيد من الضابط المتقدم فما ذكره المصنف
كون الرقيق أعمي أو أعرج أو أصم أو أخرس أو مجذوما أو أبرص هذه الستة لا خلاف فيها ولا
تفصيل في البرص والجذام المستحكم وغيره أو مريضا وسواء المرض المخوف وغيره ما يرجى زواله
وما لا يرجى زواله في الرقيق وغيره من الحيوان هكذا قال صاحب التتمة وغيره نعم إذا كان المرض
قليلا كصداع يسير وما أشبهه ففي الرد به نظر وقال ابن يونس وابن الرفعة إن المرض وان قل عيب
313

وقال العجلي إذا أصاب العبد مرض وكان يزال بالمعالجة السريعة فلا خيار كما لو غصب وأمكن البائع
رده سريعا وهذا حسن أو أنجر والبخر الذي هو عيب هو اليأس من تغير المعدن دون ما يكون بقلع
الأسنان فان ذلك يزول بتنظيف الفم واعترض مجلي بان ذلك لا يمسى بخرا فلا حاجة إلى الاحتراز
عنه وفى التجريد ان الجارية ترد بتغير النكهة وهو محمول على البخر الذي تقدم تفسيره ولا فرق
بين العبد والجارية فان الجارية قد قصد للاستمتاع والعبد قد يقصد للمسارة (وقوله) أو مقطوعا
أي مقطوع عضو من أعضائه كيد أو رجل أو أصبع أو أنملة أو غيرها واطلاق ذلك يشمل الأصيل
وغيره وقد تقدم استثناء قطع الإصبع الزائد وشبهها وقطع شئ يسير من الفخذ إذا لم يحصل بشئ
من ذلك نقص أو أقرع وهو لذي ذهب شعر رأسه من آفة ويشترط في هذه الأمور أن تكون
مستمرة فلو حدث في يد البائع قبل البيع وزالت وانقطع أثرها فلا رد بها وذلك إنما يكون في
غير القطع أو زانيا أو سارقا أو آبقا وهذه أيضا لا خلاف فيها ولا تفصيل عندنا في ذلك بين العبيد
والإماء ولا فرق بين أن يكون قد أقيم عليه الحد في لزنا والسرقة أو لم يقم ووافقنا على الرد بعيب الزنا
مطلقا مالك وأحمد واسحق وأبو ثور وابن المنذر وقول أبي حنيفة ان العبد لا يرد بعيب الزنا بخلاف
الأمة فان زناه يؤدي إلى اختلاط نسبه بنسب غيره وأجاب أصحابنا بأن زنا العبد يوجب الحد وينقص
قيمته وقد يموت تحت الحد ولا فرق بين الصغير والكبير وإن كان الحد لا يجب على الصغير لأنه
يتعود ذلك فيفعله بعد الكبر نص الأصحاب على أنه لو زنا مرة واحدة في يد البائع فللمشتري الرد
وان تاب وحسنت حالته لان تهمة الزنا لا تزول ولهذا لا يعود احصان الحر الزاني بالتوبة * وقال الغزالي
في الوسيط اعتياد الإباق والسرقة والزنا عيب فاشعر باشتراط الاعتياد في الثلاثة أو في الإباق أو
فيه وفى السرقة ولو لم يكن من كلام الغزالي الا ذلك أمكن تأويله بأن السرقة والزنا معطوفان على
اعتياده ولا يكون الاعتياد شرطا فيهما لكنه في الوجيز قال اعتياده الزنا والإباق والسرقة فهذه صريح
لا يقبل التأويل وقريب منه قوله في البسيط أباقا أو سراقا أو زناء فاتى في الثلاثة بصيغة المبالغة فاما الزنا فقد
تقدم نص الأصحاب فيه ولا نعلم أحدا صرح فيه بخلاف والسرقة كذلك واما الإباق فان الإمام قال في
أوائل كتاب السلم في جواب سؤال ان اعتياد الإباق عيب واتفاق الإباق لا يلتحق بالعيوب وهذا
الذي صرح به الامام كلام الجمهور يدل على خلافه ووراء ذلك ثلاثة أمور (أحدها) ان هذه الثلاثة
314

إذا تكررت في يد البائع واشتهرت ثم وجدت في يد المشترى ولم يكن علم بها فله الرد لان وجودها
في يد المشترى عيبا حادثا بعد تكررها وان وجدت في يد البائع مرة واحدة ثم وجدت في يد المشترى
فالمفهوم من كلام كثير من الأصحاب ان له الرد وبه صرح أبو سعيد الهروي في الثلاثة وغيره في
الإباق ولا فرق في ذلك بين البالغ والصبي المميز وقال القاضي حسين يأخذ الأرش لان الإباق في يد
المشترى عيب حادث وقد تقدم ذلك عند الكلام فيما إذا لم يعلم بالعيب حتى ابق وان وجدت في يد
البائع مرة واحدة ولم توجد في يد المشترى فإن كان صبيا مميزا فالذي يدل عليه كلام صاحب التتمة
وغيره انه يرد وقال أبو سعيد الهروي لا يرد والأول أصح وإن كان كبيرا يرد لان العادة في حال
الكبر يتعذر الاقلاع عنها وفيه في الإباق خاصة وجه حكاه الهروي عن الثقفي أنه لا؟؟ د كالصغير
والصحيح الأول وهو قول الزجاجي والقاضي حسين وقيل إن للشافعي ما يدل عليه قال القاضي حسين
الفعلة الواحدة في الإباق يجوز ان تعد عيبا ابدا كالوطء في ابطال الحضانة وصرح في الفتاوى بأنه
لا يرتفع ذلك بالتوبة وطول المدة كالزنا وفرع الهروي على قول الثقفي أنه لا؟؟ ين على البائع لأن جواز
الرد يعتمد وجود العيب في يد المشترى هذا ما تلخص لي من كلام الأصحاب في ذلك وحيث قلنا له
الرد في الإباق فمحله في حال حضوره واما في حال إباقه فلا على ما تقدم وما ذكره أبو سعيد الهروي
في الصغير واقتضاه كلام الثقفي في إباق الكبير انه لا يرد بالمرة الواحدة الا انا وجد في يد المشترى
عجب فإنه إن كان ذلك عيبا فلا حاجة إلى شئ اخر وان لم يكن عيبا فوجوده في يد المشترى ان
لم يكن مانعا فلا أقل من أن يكون مقتضيا اللهم الا ان يلاحظ ان وجوده في يد المشترى دل على أن
ذلك صار عادة وانه من ضمان البائع لاستناده إلى سابق *
* (فرع) * لو وجد الإباق والسرقة والزنا ونحو ذلك في يد البائع وارتفع مدة ما يده بحيث
يغلب على الظن زوالها ثم وجدت في المشترى قال الهروي قال الثقفي والزجاجي أبو علي لا يجوز
الرد لاحتمال أن تلك المعاني ارتفعت ثم حدثت في يد المشترى فصار ذلك كالمرض الحادث في يده *
* (فرع) * لا يشترط أن توجد هذه الأشياء في يد البائع بل لو وجدت في يد من تلق البائع
الملك منه أو قبله كان حكمها كذلك قاله القاضي حسين والمتولي في الإباق وهو يجرى في الأخيرين بلا
شك بخلاف الأمور السابقة من الأمراض *
315

* (فرع) * الحواء كالسارق ولا يشترط تكرر الجناية منه أيضا وإنما ذكرته بهذه الصيغة
تبعا للامام *
* (فرع) * في مذاهب العلماء قال الثوري واسحق في الصبي يسرق ويشرب الخمر ويأبق لا يرد
بعيب حتى يحتلم وقال أحمد إذا جاوز عشر سنين فهو عيب *
* (فرع) * قول المصنف عبد على سبيل المثال فالأمة كذلك وبعض العيوب المذكورة يشترك
فيها سائر الحيوانات أيضا كالعمى والعرج والقطع *
* (فرع) * ومن أمثلة العيوب أيضا الجب وهو داخل في قول المصنف مقطوعا والصبئان في
العبيد والإماء إذا كان مستحكما مخالفا للعادة دون ما يكون لعارض عرق أو حركة عنيفة أو اجتماع
وسخ ولا يشترط كونه لا يقبل العلاج بل إذا كان لا يندفع إلا بعلاج مخالف للمعتاد فهو عيب وعند
القاضي حسين لا يثبت بالصبيان صئبان وينبغي أن يحمل كلامه على ما ليس خارجا عن العادة والجنون
سواء المتقطع وغيره وكونه مختلا أو أبله أو أشل أو أعور وزعم بعضهم أن ذلك يندرج في العمى لأنه
عمى في أحد العينين فيكون داخلا في قول المصنف وليس كذلك لان العمى عند الاطلاق إنما ينصرف
إلى العينين نعم العور في اللغة ذهاب البصر فقد يطلق على الأعمى ولهذا يعبر بأعور اليمنى أو اليسرى
ولكن صار عند الاطلاق أيضا إنما يفهم منه ذهاب البصر من إحداهما (ومنها) كون الرقيق أخفش وهو
نوعان (أحدهما) ضعيف البصر خلقة (والثاني) يكون بعلة حدثت وهو الذي يبصر بالليل دون
النهار المعين وفى يوم الغيم دون الصحو وكلاهما عيب وكونه أجهر بالجيم وهو الذي لا يبصر في الشمس
أو أعشى وهو الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل والمرأة عشواء أو أعمش قاله القاضي حسين أو
أخشم وهو الذي في أنفه داء لا يشم شيئا أو أبقم وهو العرج الفم أو أرت لا يفهم - والارت بفتح
الراء وتشديد التاء المثناة من فوق وهو الذي في كلامه عجمة وهذا تفسير أهل اللغة وقال الفقهاء
في صفة الأئمة هو الذي يدغم حرفا في حرف على خلاف الادغام الجائز في العربية والرتة بضم
الراء فكلا الامرين في هذا الموضع ينبغي النظر فيه إلى جنس ذلك الرقيق فإن كان الغالب
فيه عدمه كان عيبا وان لم يكن الغالب فيه عدمه كالزنج وغيرهم لم يكن عيبا وقد أطلق
316

الأصحاب هنا الأرت الذي لا يفهم ويمكن أن يبقى ذلك على اطلاقه ويكون المراد الذي لا يفهم عنه بلغته
ولا بغير لغته وقال المقاضى حسين إذا وجد ألثغ أو أرت لا يثبت الخيار إذا كان يستظرف بكلامه فإن كان
لا يستظرف بكلامه فله الرد وكأن مراده إن كان يفهم كلامنا فلا رد وان لم يفهم فله الرد فيهما كما قال
الأصحاب وهذا بعيد عن مراده في الأرت (ومنها) كونه فاقد الذوق أو شئ من الحواس الخمس وإن كان
بعضها تقدم والشعر أو الظفر أو له أصبع زائدة أو سن ساغية وهي الزائدة المخالفة لبيان الأسنان أو
يد زائدة أو رجل زائدة أو مقلوع بعض الأسنان أو أدرد وكون البهيمة در داء إلا في السن المعتاد
ونقل المقاضى حسين في الفتاوى هذا التقييد عن العبادي بعد أن أطلق أن له الرد والتقييد لا بد منه
وهو الذي أورده الرافعي وحكى القاضي حسين أيضا أنه هل يشترط رؤية السن في العقد قال
يحتمل وجهين فليكن الكلام في الرد تفريعا على أحد الوجهين أو يأتي فيه ما تقدم في الشعر (ومنها)
كونه ذا قروح أو تآليل كثيرة أو بهق وهو بياض يعتري الجلد يخالف لونه ليس ببرص أو أبيض
الشعر في غير أوانه ولا بأس بحمرته (ومنها) كونه نماما أو ساحرا أو قاذفا للمحصنات أو كذابا أو به
نفخة طحال كما قال الماوردي والروياني أو مقامرا أو تاركا للصلاة أو شاربا الخمر وفى وجه ضعيف لا رد
بالشرب وترك الصلاة حكاه الرافعي عن الرقم للعبادي وعن القاضي أبى الطيب تقييد الشرب بأن يسكر
ولا حاجة إليه لأنه بالشرب يجب الحد فيه عليه مجلي وأيضا يتخذ ذلك عادة وفى التهذيب أن الشرب
المتقادم الذي تاب عنه لا يثبت الرد بخلاف الزنا لان سمة الشرب تزول عنه بخلاف الزنا وقد تقدم عن القاضي
حسين أن الإباق لا يسقط أثره بالتوبة والظاهر أنه كالشرب فيحتمل أن يكون القاضي مخالف هنا
وصاحب التهذيب مخالف هناك إلا أن يفرق (ومنها) كونه خنثى مشكلا أو غير مشكل (قال) الرافعي وعن
بعض المتأخرين أنه إن كان رجلا وكان يبول من فرج الرجال فلا رد (قلت) وهذا حكاه العمراني عن
القاضي حسين أنه قاله في باب الجنايات (ومنها) كونه وصل شعره بشعر غيره قاله القاضي حسين والا لتوعد
هذا في صور التلبيس كالنصرية (ومنها) كون العبد مخنثا أي ممكنا من نفسه من عمل قوم لوط والمخنث
بكسر النون وفتحها والكسر أفصح والفتح أشهر وهو لذي خلقه كخلق النساء في حركاته وهيأته
وكلامه ونحو ذلك وتارة يكون خلقة له فلا يأثم به وتارة بتصنعه فهو مأثوم مذموم ملعون (ومنها)
كون الجارية رتقاء أو قرناء أو مستحاضة أو معتدة عن زوج أو وطئ بهيمة خلافا لأصحاب الرأي
ونقل ابن أبي عصرون أن صاحب الحاوي قال في المعتدة أنها لا ترد لقرب المدة وان الشاشي قال ما كان
نقصا يستوي فيه القريب والبعيد وينبغي لو كان بقي من عدتها يوم أن يثبت الخيار (قال) ابن أبي
عصرون وهذا حسن (قلت) والذي رأيته في الحاوي ان الخيار يثبت في المعتدة وإنما ذكر التعليل
317

بالقرب في الصائمة بعد ذلك فلعل ذكر الصائمة سقط بين ذلك من بعض النسخ التي وقعت له ولم أر ذلك
في حلية الشاشي أيضا وهو عجيب والذي أقوله أن ينبغي التفصيل في المعتدة إن كان قد بقي من العدة
زمن يسير لا يكون عيبا ويكون ذلك بمنزلة ما إذا كان العيب يسيرا يمكن البائع أزلته عن قرب وقد قالوا
فيه انه لا خيار للمشترى وإن كان زمنا كثيرا لمثله أجرة كيوم يثبت الخيار كما تقدم اعتبار مثل ذلك في
الأحجار أو بها لخن بفتح اللام والخاء المعجمة وهو تغيير رائحة الفرج قاله الروياني عن ابن المرزيان أو على
لسانها نقطة سوداء إذا قال أهل الخبرة ان ذلك نقص قاله القاضي حسين أو تأكل الطين وقد أثر فيها
قاله القاضي أيضا ولا فرق في ذلك بين الجارية والعبد أو كون الجارية مساحقة (ومنها) وقد تعرض له
الشافعي أن يكون كل منهما العبد والأمة أحرم باذن السيد ثم باعه ثم علم المشترى في زمن الاحرام فله
الخيار لأنه ليس له تحليله نص عليه في الام في كتاب الحج وإن كان أحرم بغير اذن سيده ثم باعه
فللمشتري تحليله كالبائع قاله الجرجاني والنووي عنه ولا يثبت له خيار (قلت) وللوجه أنه ليس للبائع
تحليله وإن كان بغير اذنه فعلى هذا ليس للمشترى أيضا ويثبت له الخيار وينبغي التفصيل في الاحرام
فإن كان قد بقي زمن يسير كطواف أو حلق أو رمى في آخر الأيام لا يكون له الخيار والا كان له الخيار
إذا لم يكن التحليل (ومنها) على ما قال الجوزي إذا باع عبدا قد نذر صوم شهر بعينه لأنه ليس له منعه
بعد الدخول فيه قال فإن كان بالذمة من الصوم متفرقا فلا خيار لأنه له منعه وهو في ذمة العبد (قلت)
وهذا يقتضى أن يطرد في كل صوم وجب على الفور يكون عيبا إذا كان طويلا يضر كالشهر ونحوه كما
مثل به أما اليوم ونحوه فلا والذي لا يجب عليه الفور يحتمل أن لا يكون عيبا كما قال ويحتمل أن يكون
عيبا لأنه يضيق عليه إذا توقع الموت وعلى قياس ما قال لو كان فاته صوم رمضان بعذر أو بغير عذر
ينبغي أن يثبت الخيار لأنه لا يجوز له تأخيره عن رمضان آخر فيصير كشهر بعينه وهو قريب الحصول
(ومنها) تعلق الدين برقبتها ولا رد بما يتعلق بالذمة ومثله المتولي والروياني بدين القرض وحسن أن
التجارة والشراء في الذمة خلافا لأصحاب الرأي ومالك ولو بان كون العبد المبيع مبيعا في جناية عمد
وقد تاب عنها فوجهان فإن لم يتب فعيب (قلت) ينبغي أن يكون عيبا مطلقا كالسرقة والزنا وقد حكاه
صاحب الاستقصاء موجبا وجناية الخطأ ليست بعيب الا أن يكثر وهذا معناه إذا لم يكن أرشها باقيا (ومنها)
الكعبين وانقلاب القدمين إلى الوحشي والخيلان الكثيرة وآثار الشجاج والقروح والكي وسواد
الأسنان وذهاب الأشار والكنف المغير للبشرة وكون أحد ثديي الجارية أكبر من الآخر والحفر
في الأسنان وهو تراكم الوسخ الفاحش في أصولها ذكر هذه الأحد عشر القاضي أبو سعيد في فصل في
عيوب العبيد والجواري في شرح أدب القاضي لأبي عاصم ونقله الرافعي عنه ولو وجد الجارية لا تحيض
318

وهي صغيرة أو آيسة فلا رد وإن كانت في سن يحيض النساء في مثله غالبا فله الرد وضبطه القاضي
حسين بعشرين سنة ولو تطاول طهرها وجاوزت العادات الغالبة للنساء فله الرد هكذا قاله المتولي
والرافعي وقال القاضي حسين إذا انقطع سنة فأكثر فإن كانت لها عادة معلومة فعيب وان لم يكن لها
عادة فليس بعيب وفى عبارة الروياني اعتبار عادة البلد ونسبه إلى النص والحمل في الجارية عيب وفى
سائر الحيوانات ليس بعيب على الصحيح الذي اقتضاه ايراد الرافعي هنا وقطع به المتولي وقال في التهذيب
عيب وقال ابن الرفعة في الكفاية إن الرافعي قال في الصداق إنه أظهر الوجهين والذي قاله الرافعي
في الصداق انه أظهر الوجهين إنما كان في الجواري زيادة من وجه ونقصان من وجه لأنه يضر
بطيب اللحم في المأكول وبالحمل في غير المأكول وفى التناقض بين تصحيح الرافعي نظر
فان النظر في الصداق في الزيادة والنقص إلى حصول غرض صحيح أو فواته ولا نظر إلى
القيمة ولا نقصان العين كما هو الضابط ههنا فقد لا يكون الحمل في الحيوانات عيبا في البيع لأنه لا ينقص
من العين ولا من القيمة ويكون نقصا في الصداق من وجه لفوات غرض به وفيه نظر ومن
العيوب كون الدبة جموحا أو عضوضا أو رموحا أو حثيثة المشي بحيث يخاف منها السقوط وشرب
البهيمة لبن نفسها وقلة أكل الدابة وشرط المتولي والروياني في الجموح ان لا تنقاد الا باجتماع الناس عليها
وهو بعيد وإن كان في كلام القاضي حسين ما يفهمه القاضي حسين ولو كان ترهب من كل شئ
تراه فله الرد أيضا وقال الهروي من عيوب الدواب الحران وأن يكون إذا اعلم قبل الرحال وهو محل
ومن العيوب كون الدار أو الضيعة منزل الجند قال القاضي حسين في فتاويه هذا إذا اختصت من بين ما
حواليها بذلك فإن كان ما حولها من الدور بمثابتها فلا رد وكونها ثقيلة الخراج وان كنا لا نرى أصل الخراج
في تلك البلاد وتفاوت الرغبة والقيمة ونعني بثقل الخراج كونه فرق المعتاد في أمثالها وفى وجه عن حكاية
أبى عاصم لا رد لثقل الخراج ولا بكونها منزل الجند وألحق في التتمة بهاتين الصورتين ما إذا اشترى فوجد
بقربها قصارين يؤذون بصوت الدق ويزعزعون الأبنية أو أرضا فوجد بقربها خنازير تفسد الزرع
وحكى الروياني في هاتين المسألتين وجهين وأطلق القاضي حسين في الفتاوى انه إذا اشترى أرضا فوجدها
مرتع الخنازير ان له الرد قال وقال العبادي ليس له الرد ولو اشترى أرضا يتوهم ان لا خراج عليها فبان
خلافه فإن لم يكن على مثلها خراج فله الرد وإن كان على مثلها ذلك القدر فلا رد هكذا في التتمة والرافعي
وفى فتاوى القاضي حسين وهذا يقتضى تفسير الخراج بشئ غير اجرة الأرض فإنه إذا لم يعلم أن على
الأرض اجرة وظن أن الأرش ملك البائع وورد العقد عليها ثم خرجت بخلاف ذلك تخريج على تفريق
الصفقة لا لأجل الخراج بل لخروج بعض المبيع مستحقا وقال صاحب التتمة لو شرط ان لا خراج عليها
319

فبان عليها خراج فله الرد قل أو كثر يعنى ولو كان على أمثالها وهو ظاهر وقال الغزالي في الفتاوى لو اشترى
أرضا فبان انها تبير إذا بارت رجله ويضر بالزرع فله الرد ان قلت الرغبة بسببه ومن العيوب كون
الماء مسخنا على أصح الوجهين ولو باع الظاهر من الأواني بالاجتهاد لزمه تعريف المشترى فإن لم
يعرفه فهل له الخيار وجهان حكاهما الروياني ولو باع عشرين صاعا من ماء في بئر فاستقى منها تسعة
عشر فلما اخرج الصاع الأخير وجد فيه فأرة ميتة ولم يتغير الماء بها فأريق هذا النجس وقال البائع استلم
الصاع من الباقي في البئر لأنه كسر وطلب المشترى فسخ البيع كان له الفسخ لان هذا الماء نجس عند بعض
الفقهاء فتعافة النفس فيصير كعيب اصابه بما اشتراه نص عليه الشافعي ونقله عنه الروياني والرمل تحت
الأرض إن كانت مما يطلب للبناء والأحجار إن كانت مما يطلب للزرع والغرس وقد تقدم الكلام في
ذلك في باب بيع الأصول والثمار فلينظر هناك ومن المعيوب نجاسة المبيع إذا كان ينقص بالغسل وطهور
ماله يوقف المبيع وعليها خطوط المتقدمين وليس في الحال من يشهد بذلك عيب نقل ذلك عن العدة
وقال صاحب البحر وفرضهما فيما إذا علم أنها ليست مزورة ونقلها عن بعض أصحابنا بالعراق وعن اختيار
مشايخ طبرستان
(قال) الروياني وكذلك إذا ادعى مدع يعول على دعواه وفقيها يحتمل أن يقال
ذلك عيب وهذا إذا سبقت الدعوى البيع وان بعد البيع وقبل القبض *
* (فرع) * قال الهروي فصل في عيوب العبيد والجواري التي اجتمع عليها البحاثون وأفتى بها
المفتون التابع في الخلق وتغير الأظفار والخلف هذا في العنين والسعال والصكك وهو اصطكاك القدمين
هذا لابن أبي ليلى والكوع وهو خروج العرقوب عن القدم في اليمين والشمال والفرع وهو يتوسط
القدم والبقرة والشامات الاشامة بيضاء والغدد والعقد والكسف وهي دارة في قصاص الناصية والعس
والجماجم في غير مواضعها والكشف في الحبل اكنواء في عسيب ذنبه والسلوم في الأسنان والسفاق
في اليدين والرجلين واختلاف الأضلاع والأسنان وجرم البسوق والاذن إذا اتسعت ثم خيطت والنمش
والسمط وأثار جلد خطوط السياط وأكل الطين هذا لشريك القاضي وخضاب الشعر وتجعيده والوشوم
والغنة في الصوت وهذا لحفص بن عياث والترس أخفى من البرص واللواط والابنة والحول والفدع
وذهاب الأشفار وان لا يثبت عامتها حدث في زمان أبى عمر القاضي المالكي وأن يكون شتاما
كذبا خانيا أسرات *
* (فرع) * قال الزبيري في المقتضب لو اشترى دارا بحدودها ثم علم أن أحد حيطانها ليس لها فله
الخيار (قلت) وينبغي أن يكون ذلك على تفريق الصفقة لان الإشارة تشمل الجميع ومن جملتها
الجدار الذي تبين أنه ليس لها وقال الصيمري لو اشترى عبدا فبان أنه أخ المشترى أو عمه فله الخيار
320

* لان النفس لا تكاد تطيب باسترقاقه وفيه نظر لان هذا معنى خاص بالمشتري وقد صرح البغوي والرافعي
بأنه لو اشترى جارية فبانت أخته من النسب فلا خيار وقال ابن الصباغ لو كانت محرمة عليه في
بنسب فلا خيار *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
وان وجده يبول في الفراش فإن كان صغيرا لم يرد لان بول الصغير معتاد فلا يعد عيبا وإن كان
كبيرا رد لان ذلك عاهة ونقص *
* (الشرح) * إذا كان صغيرا فلا خلاف في أنه ليس بعيب سواء في ذلك الطفل والطفلة وقدره
صاحب التهذيب بما دون سبع سنين وكثير من الأصحاب لم يضبطوا ذلك بمقدار بل بأن لا يكون مثله يتحرز
منه كذلك قال القاضي أبو الطيب وإن كان كبيرا وهو ما زاد على ذلك فهو عيب في العبد والأمة
وعن أبي حنيفة ان له الخيار في الجارية دون العبد لان الجارية يتخذها للفراش فيتأذى به
وليس كذلك العبد وأجاب أصحابنا بان العبد يغسل الثياب التي ينام فيها ويحتاج إلى من يغسلها وينظفها
وهذا نقص فيه وزعم الفارقي ان المصنف لم يذكر العلة بتمامها وإن كان متعادا من الصبي لا يخرج عن كونه
عيبا وتمام العلة أن يقول هو معتاد من الصبي ومآله إلى الزوال فكان في حكم الزائل * ولو اشترى عبدا
وكان يبول في فراشه ولم يعلم الا بعد كبر العبد قال الروياني لم يكن له الرد ويرجع بالأرش لان علاجه
بعد الكبر عيب فصار كبره عنده كالعيب الحادث هكذا قال الروياني وكأنه فرض المسألة فيما إذا كبر
إلى سن عالية فوق كبره حالة المبيع بحيث يكون علاجه أصعب أما البول في حالة الصغر فليس
بعيب سواء أكبر عند المشترى أو لم يكبر لا رد به ولا أرش *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان وجده خصيا ثبت له الرد لأن العقد يقتضى سلامة الأعضاء وهذا ناقص) * *
* (الشرح) * الخصي الذي نزعت خصيتاه وسلتا وقيل من قطعت أنثياه مع جلدتهما فعلى هذا
التفسير قد دخل في قول المصنف فيما مضى أو مقطوعا فيكون قد نص عليه ليكون أصرح وعلى كل
تقدير هو عيب كما ذكره المصنف وقد ذكر عند الضابط في أول الفصل زيادة كلام فيه وان زيادة
قيمته لا تمنع من كونه عيبا فإذا اشترى عبدا مطلقا فخرج فحلا لم يثبت الرد الرد وان خرج خصيا ثبت
الرد وكذلك البهيمة إذا وجدها خصيا ثبت الرد قاله الجرجاني *
321

قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان وجد غيره مختون فإن كان صغيرا لم يثبت له الرد لأنه لا يعد ذلك نقصا في الصغير لأنه
لا يخاف عليه منه وإن كان كبيرا ثبت له الرد لأنه يعد نقصا لأنه يخلف عليه منه وإن كانت جارة لم
ترد صغيرة كانت أو كبيرة لان ختانها سليم لا يخاف عليها منه) * *
* (الشرح) * هذا كما قال وضبط الروياني الصغر هنا بسبع سنين فما دونها وفيه وجه ان ذلك
لا يكون نقصا في العبد الكبير أيضا ووجه ثالث حكاه الروياني وقطع به المتولي إن كان الكبير من
سيى الوقت من قوم لا يختنون فلا خيار وحكيا في الجارية وجهين قال قالا والصحيح انه يثبت الخيار
لأنه لو كان فيها إصبع زائدة ثبت الخيار ولا يستحق قطعها فلان يثبت ههنا ويستحق إزالة هذه الجلدة
أولى (والجواب) عما قالاه ان الإصبع الزائدة وجودها نقص ويخشى من ازالتها وهي خلاف
الأصل بخلاف ما يقطع من الجارية وفى كلام المصنف إشارة إلى أنه إذا وجده مختونا فلا خيار سواء
كان صغيرا أم كبيرا وهو كذلك إذا لم يحصل بالختان نقص ولم يكن شرط انه أقلف فإن كان قد
شرط ذلك فبان مختونا قال المتولي إن كان فيه غرض بأن كان الغلام مجوسيا أو علم أن المجوس يرغبون
فيه فله الخيار وإن كان بخلافه فلا خيار * ولو اشترى عبدا أقلف فختنه وان قل الموضع ثم وجد به عيبا
قديما فله رده لان الختان زيادة فضيلة وليس بعيب قاله صاحب التتمة والروياني ويحتاج المتولي إلى
فرق بين هذا والمسألة السابقة إذا شرط انه أقلف فخرج مختونا حيث فصل ويمكن الفرق *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان اشترى جارية فوجدها مغنية لم ترد لأنه لا تنقص به العين ولا القيمة فلم يعد
ذلك عيبا) * *
* (الشرح) * هذا مذهبنا وحكى أصحابنا عن مالك ان له الخيار لان الغناء حرام وذلك نقص
فيها ومنع بعض أصحابنا تحريمه وبتقدير تسليمه فالمحرم فعله فله ان يمنعها من استعماله وأما معرفته فليست
بحرام حتى قال الروياني لو شرط انها مغنية فكانت مقرئة فله الخيار يعني لان له غرضا في ذلك والقراءة
فضيلة لكن لا يحصل غرضه كما لو شرط أنه خصى فخرج فحلا وقول المصنف لا تنقص به العين احتراز
من الخصاء به وحكم العبد في ذلك حكم الأمة فلو وجده زامرا أو عالما بالمعزف أو العود فليس له
322

الرد والسيد قادر على منعه من العمل وما ذكرناه من أن الغناء ليس بعيب عندنا هو المشهور (وقال)
الهروي في الاسراف وإذا كانت مغنية فاختلف فيها الحموي وغيره من أصحابنا *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان وجدها ثيبا أو مسنة لم يثبت له الرد لان الثيوبة والكبر ليس بنقص وإنما هو
عدم فضيلة) * *
* (الشرح) * كثير من الأصحاب أطلقوا هذا الحكم وقالوا إذا لم يشرط بكارتها ولا ئبوبتها
فخرجت بكرا أو ثيبا لم يكن له الخيار لأنه لم يحصل شرط ولا تدليس ولا عرف غالب يدل على
ذلك وذلك الاطلاق محمول على ما إذا كانت في سن يغلب فيه الاستمتاح بها أما إذا كانت صغيرة
وكان المعهود في مثلها البكارة فخرجت ثيبا ثبت الرد وممن قاله المتولي والرافعي وأشعر كلام الروياني
في ذلك خلافا فإنه حكي الاطلاق ثم قال ومن أصحابنا من قال إن كان مثلها يكون بكرا في العادة
فوجدها ثيبا له الخيار لأنه وجدها على خلاف المعهود (قال) وهذا أصح عندي (قلت) والأولى
أن ينزل ذلك الاطلاق على هذا ولا يكون في المسألة خلاف *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (فان وجد المملوك مرتدا أو وثنيا ثبت له الرد لأنه لا يقر على دينه) * *
* (الشرح) * الردة عيب قطعا في المملوك الذكر والأنثى وما سواها من الكفر فالكتابي قد ذكره
المصنف بعد هذا وما بين هذين من أنواع الكفر الأصلي كالتوثن والتمجس قيل لا رد لا في العبد
ولا في الإماء وبهذا قطع صاحب التتمة وقال صاحب التهذيب ان وجد الجارية مجوسية أو وثنية
فله الرد لأنها محرمة على كافة الناس وان وجد العبد كافرا أصليا أي كفر كان فلا رد إن كان قريبا
من بلاد الكفر بحيث لا تقل الرغبة فيه وإن كان في بلاد الاسلام بحيث تقل الرغبة في الكافر
وتنقص قيمته فله الرد وصحح الرافعي والنووي ما قاله في التهذيب وقال القاضي أبو الطيب إنه إذا
اشتري عبدا مطلقا فخرج كافرا لم يكن له خيار وهذا الاطلاق أقرب إلى موافقة صاحب التتمة
وفصل القاضي حسين بين دار الاسلام كما نقل صاحب التهذيب وما قاله المصنف يظهر أنه مخالف
للوجهين فإنه أطلق الرد بالتوثن وتعليله بأنه لا يقر عليه يقضى ان العبد الوثني يقبل والمعروف في المذهب
323

خلافه ومن كلام المصنف وكلام صاحبي التتمة والتهذيب يخرج في العبد ثلاثة أوجه (أحدها)
أنه لا يرد بالكفر الأصلي مطلقا وهو قول صاحب التتمة (والثاني) إن كان في بلاد الاسلام يرد به
والا فلا وهو قول صاحب التهذيب (والثالث) يرد إن كان وثنيا وهو قول المصنف ويحتمل أن يكون
المصنف يوافق صاحب التهذيب في المجوسي إن كان في بلاد الاسلام فرض أن قيمته تنقص بذلك
وأما الجارية ما ذكره صاحب التهذيب فيها يتعين لنقصها بالنسبة إلى امتناع وطئها على كل أحد
سواء كانت مجوسية أو وثنية والكتابية سيأتي حكمها والمرتدة لا اشكال في كونها ترد لأنها لا تفرق
وأطلق الشيخ أبو حامد في الجارية والقاضي أبو الطيب في العبد أنه لا يرد بالكفر وأطلق الامام
الكلام إذا اشترى عبدا فخرج كافرا ونقل عن عامة الأصحاب أنه عيب وعن العراقيين أنهم ذكروا
وجها أنه ليس بعيب وفصل هو إن كان الاسلام غالبا في موضع العبد والكفر منقص قيمته فهو
عيب وان لم يكن الايمان غالبا في العبيد بل كانوا منقسمين وكان الكفر منقصا للقيمة فهذا فيه
تردد وظاهر القياس أنه ليس بعيب والظاهر النقل أنه عيب وان لم يكن الكفر منقصا والعادات
مضطربة فالوجه القطع بأن الكفر لا يكون عيبا وقال قبل باب بيع حبل الحبلة إذا اشترى المسلم
عبدا فخرج كافرا ان اشتراه في بلاد الاسلام فله رده فإنه نادر في هذه الديار وان اشتراه في دار
الحرب فخرج كافرا فالذي ذهب إليه الأكثرون أنه لا يرد وكان شيخي يقول يثبت الخيار ومما
ذكره الامام يخرج وجه رابع أن الكفر عيب مطلقا وما نقله عن الأكثرين هنا موافق لما
قاله صاحب التهذيب *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان وجده كتابيا لم يثبت له الرد لان كفره لا ينقص من عينه ولا من؟ منه) * *
* (الشرح) * هذا موافق لصاحب التتمة ومخالف لصاحب التهذيب والرافعي في التفصيل بين
أن يكون في بلاد الاسلام وقيمة الكافر أنقص فيثبت الرد أولا فلا فرق عند صاحبي التتمة
والتهذيب في ذلك بين العبد والأمة صاحب التتمة يقول إنه لا يرد فيها وصاحب التهذيب يطرد
تفصيله المذكور فيها ولعل اطلاق المصنف وغيره محمول على ما قال صاحب التهذيب حيث لا تكون
القيمة تنقص بذلك فان تعليلهم يرشد إليه وقد تقدم أن الامام أطلق الكلام في الكفر ونقله عن
324

عامة الأصحاب أنه عيب والأصح ما نقله قريبا من باب بيع حبل الحبلة هو التفصيل الموافق لصاحب
التهذيب هو قد خالف مالكا رحمه الله فقال إنه يثبت الرد بالكفر لأنه نقص وأجاب الأصحاب
بأن الكفر نقص في الدين والبيع إنما يقصد به المال وكفر الكتابي سبب في تكثير ماليته لأنه
يشتريه الكافر والمسلم وكثرة الطالبين تقتضي كثرة الثمن (قال) الفارقي وقد ثبت هذا المعنى في
اعتاق الكافر في الظهار أنه يعتبر فيه الاسلام ككفارة القتل ولا يفرق بالتغليظ لما تبين أن المسلم
أقل قيمة من الكافر ومحل التكفير وهو الرقبة واحدة فيستوي بين الكفارتين فيه كما يستوي بينهما
وبين كفارة اليمين في محل الصوم فلا يجوز في يوم العيد والحيض وان اختلفا في مقداره *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان اشترى أمة فوجدها مزوجة أو عبدا فوجده مستأجرا ثبت له الرد لأن اطلاق البيع
يقتضى سلامة المنافع للمشترى ولم يسلم له ذلك فثبت له الرد *
* (الشرح) * هذا كما قال لان المزوجة يستحق الزوج تسليمها في بعض الأوقات فيفوت على
السيد منفعتها في ذلك الوقت والمستأجر منفعته فائتة إلى انتهاء مدة الإجارة وقد صح ان عبد الرحمن
ابن عوف رضي الله عنه اشترى من عاصم بن عدي جارية فأخبر أن لها زوجا فردها وورد وفى سنن
البيهقي في الأمة تباع ولها زوج ان عثمان قضى انه عيب ترد منه ونقل ابن المنذر الاجماع عليه وفى
البيان حكاية وجه في التزويج وهو ضعيف بل باطل لنقل ابن المنذر * ولو قال زوجها لها ان برئ
المشترى من الثمن فأنت طالق وكان قبل الدخول ثم علم المشترى بالتزويج هل له الخيار فيه احتمالان
في البحر (أ حدهما) نعم لثبوت العيب وجواز موت الزوج قبل براءة المشترى فيلزمها عدة الوفاة
(والثاني) لا لعدم الضرر لان عدة الوفاة ان وجدت ثبت الخيار بها لأنها عيب حادث أي من سبب متقدم
في يد البائع لم يقع الرضى به وحكم تزويج العبد حكم تزويج الأمة يرد به أيضا الا ان الاجماع المنقول
في الأمة خاصة وأطلق كثير من الأصحاب ذلك وقال صاحب التتمة انه إذا كان تزوج بغير اذن
سيده ودخل بها وقلنا المهر يتعلق برقبته كان حكمه حكم العبد الجاني ويجب تقييد اطلاق غيره
بذلك وقال صاحب التهذيب ولو علم العبد ذات زوج ولكن لم يعلم أن عليه مهرا ولم يعلم قدره فله
الرد كما لو اشتراه عالما بالعيب ولم يعلم مقداره له الرد *
325

* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان اشتري شيئا فتبين انه غبن في ثمنه لم يثبت له الرد لما روى أن حبان بن منقد كان
يخدع في البيع فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إذا بعت فقل لا خلابة ولك الخيار ثلاثا ولم يثبت له خيار
الغبن ولأن المبيع سليم ولم يوجد من جهة البائع تدليس وإنما فرط المشترى في ترك الاستظهار فلم يجز
له الرد) * *
* (الشرح) * هذا الحديث قد ذكره المصنف في أول كتاب البيوع فيكتفى بهما تقدم من كلام
النووي عليه والأصح ان الذي كان يخدع منقد والد حبان والحديث صحيح في الجملة ومعنى لا خلابة
لا غبن ولا خديعة وجعلها الشرع لاثبات الخيار إذا قالها ثبت الخيار صرح باشتراطه أولا وقوله صلى الله عليه وسلم
ولك الخيار اعلام منه بثبوت الخيار (وقوله) ولم يثبت له خيار الغبن من كلام المصنف وليس من
الحديث ووجه الدلالة منه ظاهر لأنه لو كان يثبت الخيار بالغبن لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحتج ان يعد
اشتراط خيار الثلاث أو ان يجعل له الخيار ثلاثا بقوله لا خلابة وقد ورد انه خيار كان إذا اشتري فرجع
به فيقبلوه ردده فإنك قد غبت أو عسيت فيرجع إلى بيعه فيقول خذ سلعتك ورد دراهمي فيقول
لافعل قد رضيت فذهبت به حتى يمر الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
جعله بالخيار فيما يبتاع ثلاثا فترد عليه دراهمه ويأخذ سلعته فلو كان الخيار ثابتا بالغبن لكل أحد
لم يكن الخيار خصوصية بذلك فظاهر قضية حبان انه كان بالخيار ثلاثا سواء عين أو لم يعين وهل
ذلك خاص به لان النبي صلى الله عليه وسلم جعله بالخيار أو هو ثابت بالشرط كما هو في حق غيره مساق هذه القصة
التي حكيتها يشعر بالأول فإنه لو عرف البائع شرط الخيار لم يخالفه والى ذلك ذهب بعضهم وقيل إن
ذلك بالشرط وهو عام له ولغيره وكيف ما كان فالدلالة منه ظاهرة في عدم ثبوت الخيار بالغبن
وما ذكره المصنف من المعنى ظاهر أيضا فان المبيع لا عيب فيه ولا تدليس لان الفرض كذلك فانتفى
موجب الخيار وقال أصحابنا لا يثبت الخيار بالغبن سواء أتفاحش أم لا * وان اشترى زجاجة بثمن
كثير وهو يتوهمها جوهرة فلا خيار له ولا نظر إلى ما يلحقه من الغبن لان التقصير منه حيث لم يراجع
أهل الخبرة ونقل المتولي وجها شاذا انه كشراء الغائب ويجعل لرؤية التي لا تفيد المعرفة ولا تنفى
الغرر كالمعدومة قال أصحابنا وثبوت الخيار في المعيب للنقص لا للغبن ولهذا لو كان مع العيب يساوى
326

أضعاف ثمنه له الرد ولو تعيب في يد البائع ثبت الخيار ولو نقصت قيمته بانخفاض الأسواق فلا ويخالف
تلقى الركبان لان هناك وجد منه تغرير بالاخبار عن السعر على خلاف ما هو ولا طريق إلى الاستكشاف
ويخالف الغبن في مسألة المرابحة لان هناك علق العقد الثاني بالأول والمخالف لنا في هذه المسألة مالك
وأحمد وأبو ثور أما مالك فقال إن غبن بأقل من الثلث فلا خيار له وإن كان بالثلث أو أكثر فله
الخيار هكذا نقل أصحابنا عنه وهو قول بعض أصحابه قال القاضي عبد الوهاب ولم يجد مالك في
ذلك حدا ومذهبه إذا خرج من تغابن الناس في قبيل تلك السلعة ثم أصحابنا نقلوا هذا مطلقا
وشرطه عند المالكية أن يكونا أو أحدهما غير عارف بتقلب السعر وتغيره في عقده فإن كانا جميعا
من أهل البصر بتلك السلعة وأسعارها في وقت البيع فلا خيار سواء كان الغبن قليلا أو كثيرا
قاله القاضي عبد الوهاب وأما أحمد فقال إن كان المشترى مسترسلا غير عارف بالبيع
وإذا عرف لا يعرف ثبت له الخيار بالغبن وإن كان من أهل المعرفة لو تأمل فيه لعرف ان
قيمته لا تبلغ ذلك المبلغ فلا خيار له وأما أبو ثور فأطلق عنه النقل باثبات الخيار وانه ان
فاتت السلعة رجع المغبون بقدر الغبن ونقل ابن المنذر عنه ان البيع فيه غبن لا يتغابن
الناس بمثله فاسد وهذا النقل عنه أثبت عندنا من الأول ونقل أصحابنا عن المالكية انهم
احتجوا بحديث لا تلقوا الركبان وكونه أثبت الخيار بالغبن وبحديث لا ضرر ولا ضرار وبالقياس على
الغبن البيع وأجاب الأصحاب عن الأول بأن الخيار ثبت للتغرير فان المشترى غره وعن الثاني بأنا نقول
بموجبه وعن الثالث بأن خيار العيب لم يكن للغبن بل لاقتضاء البيع السلامة وبأن العيب يستوي
فيه الموجود عند العقد والحادث قبل القبض وههنا لا خيار إذا حدث نقصان القيمة قبل القبض
اتفاقا بأن العيب لا فرق فيه بين الثلث أو أقل أو أكثر وهم لا يقولون به هنا وقد قال أصحابنا يكره
غبن المسترسل واطلاق الكراهة في ذلك محمول على ما إذا لم يستنصحه المسترسل أما إذا استنصحه
فيجب نصحه ويصير غبنه إذ ذاك خديعة محرمة هكذا اعتقده من غير نقل والمنقول عن مذهبنا
327

ومذهب أبي حنيفة من القول يلزم العقد لعله لا ينافي التحريم أو محمول على ما إذا لم يستنصحه كما
تقدم (قال) ابن المنذر وقال بعضهم كل بيع باعه رجل من مسترسل واختدعه فيه أو كذبه فالمشترى
في ذلك بالخيار إذا تبين له ذلك *
* (فرع) * فيما نتوهم أنه عيب وليس بعيب لا رد فيه فكون الرقيق رطن الكلام أو غليظ
الصوت أو يسئ الأدب أو ولد زنا خلافا لأبي ثور وسواء أكان مجلوا أو مولدا خلافا لأبي حنيفة
ولا بكونه يقتل النفس أو بطئ الحركة أو فاسد الرأي أو حجاما أو أكولا أو قليل الاكل بخلاف
الدابة في قلة الاكل بحيث ترد وعن القاضي حسين إلا أن تكون قلة أكل العبد لعلة ولا يحتاج إلى
ذلك لان تلك العلة كافية في الرد ولا بكون الأمة عقيما وكون العبد عنينا وعن الصيمري اثبات الرد
بالتعنين وهو الأصح عند الامام ولا يكون الرقيق ممن يعتق على المشترى ولا تكون الأمة أخته أو
غيرها ممن يحرم عليه من الرضاعة أو النسب كما قاله القاضي حسين والماوردي والبغوي وغيرهم أو
المصاهرة كابنة امرأته أو موطوءة أبيه أو ابنه بخلاف المحرمة والمعتدة لان التحريم هناك عام فتقل
الرغبة وهنا خاص به وفى وجه رواه ابن كج يلحق ما نحن فيه بالمحرمة والمعتدة حكاه الروياني في
موطوءة لأب وضعفه وقد تقدم عن الصيمري اثبات الخيار فيما إذا بان أن العبد أخو المشترى أو عمه
وقياسه بغير شك أن يقول هنا فيما إذا بانت أخته من النسب بالخيار وهو موافق في الرضاع على عدم
الخيار وكذلك في المصاهرة ولا أثر لكونها صائمة على الصحيح وفيه وجه (قال) الرافعي ضعيف
ثمرة وقال النووي باطل * ولو وجد العبد فاسقا قال الروياني لا خيار بالاجماع قال ذلك عند الكلام مع
الحنيفية في الكفر وينبغي أن يقيد ذلك فان من أسباب الفسق ما يرد به وقد تقدم كثير منه قال
ابن الرفعة إنه إذا كان العبد مرتدا حال العقد وقد تاب قبل العلم لا يرد به على المذهب يعني في ارتفاع
العيب قبل العلم به وفيه نظر لان ذلك قد ينفر عنه لتوهم سوء سريرته والأولى ما قاله في الحاوي في
كتاب الرهن ان ذلك عيب في الحال قال ابن الرفعة بعد حكاية ذلك وأما إذا قلنا إنه ليس بعيب
فهل له الرد به فيه وجهان وهذا كلام عجيب كيف يكون له الرد بما ليس بعيب * ولو اشترى شيئا
فبان أن بائعة باعه بوكالة أو وصاية أو ولاية أو إمالة حاكم فهل له الرد لخطر فساد النيابة فيه وجهان
حكاهما الماوردي قال النووي (الأصح) لا رد * ولو اشترى شقصا من عقار على ظنه أن الباقي للبائع فبان
328

أنه لغيره وان له الشفعة فلا خيار له لعدم الضرر على تقدير الاخذ أو الترك قال المتولي ولو كان
الرقيق أصلع قال القاضي حسين فلا رد بخلاف الأقرع وفيه نظر وقد تقدم بأنه لا رد بكون الرقيق في
ذمته مال وكذلك قال الماوردي قال وقال العراقيون له الرد وليس بصحيح وأراد بالعراقيين أبا حنيفة
وأصحابه فنبهت على ذلك لئلا يتوهم من لا معرفة له أنهم العراقيون من أصحابنا * ولو اشتري فلوسا
فكسرت قبل القبض ومنع السلطان المعاملة بها لم ينفسخ العقد خلافا لأبي حنيفة قاله في العدة
ونقله العمراني عنه فهذه جملة مما يرد به وما لا يرد ولم أذكر منها شيئا إلا منقولا ولا سبيل إلى
حصولها وفى الضابط المتقدم كفاية *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان اشترى عبدا بشرط أنه كاتب فوجده غير كاتب أو على أنه يحسن صنعة فوجده لا يحسن
ثبت له الرد لأنه أنقص مما شرط فجاز له الرد) * *
* (الشرح) * هذا الفصل للسبب الثالث من أسباب الخيار وهو اخلاف الظن بالالتزام الشرطي
والغزالي يرى أنه الأصل للسببين الماضيين وهما التغرير الفعلي والقضاء الغري وقد تقدم الكلام في
ذلك وقد بنى المصنف كلامه على صحة البيع مع خلف الشرط وذلك هو المشهور عندنا وعند جمهور
العلماء وقد تقدم أن الحناطي حكى قولا غريبا أن الخلف في الشرط يوجب فساد البيع والتفريع على
المشهور فإذا شرط أنه كاتب أو يحسن صنعة فخرج بخلاف ذلك ثبت له الرد وقول المصنف لأنه
أنقص مما شرط أي فصار كالمعيب الذي يخرج أنقض مما اقتضاه العرف ولهذا يعبر الغزالي وغيره
بخيار النقيصة في الأسباب الثلاثة المذكورة في هذا الباب واكتفى المصنف بالأمثلة عن الضابط وقد
ذكر الامام والغزالي والرافعي ضابطا واختلفت عباراتهم فيه وجملته أن الصفات على ثلاثة أقسام
(الأول) التي تتعلق بها زيادة مالية يصح التزامها ويثبت الخيار بالخلف فيها (الثاني) ما يتعلق بها
غرض صحيح غير المال والخلف فيها يثبت الخيار وفاقا أو على خلاف فيه وذلك تحت قوة الغرض
وضعفه هكذا قال الرافعي وأطلق الامام والغزالي جريان الخلاف في هذا القسم (والثالث) ما لا تتعلق
به مالية ولا غرض مقصود فاشتراطه لغو ولا خيار بفقده وأجاد النووي في الروضة فجعلها قسمين (أحدهما)
يتعلق به غرض مقصود والخلف فيه يثبت الخيار وفاقا أو على خلاف (والثاني) لا يتعلق به غرض مقصود
329

فاشتراطه لغو وهذه العبارة أولي فإنه قد يفوت الغرض دون المال ويثبت الخيار قطعا ويفوت المال
دون الغرض فيجرى الخلاف كما يأتي في الخصي والفحل فالمعتبر الغرض وبفوته يحصل الوفاق
وبضعفه يحصل الخلاف وبانتفائه بالكلية يقطع بعدم الخيار ومسائل الفصل منزلة على هذا الضابط
فالمثالان اللذان ذكرهما المصنف هنا من القسم الأول يفوت بهما مالية وغرض قوى وكسلك
لا خلاف فيهما قال الأصحاب ويكفى أن يوجد من الصفة المذكورة ما ينطلق عليه الاسم ولا يشترط
النهاية فيها بقي شرط الكتابة عند الاطلاق يكفي اسم الكتابة وان لم يكن مستحسنا * ولو شرط
حسن الخط فإن كان غير مستحسن في العادة فله الخيار وإن كان مستحسنا فلا خيار له قال صاحب
التتمة والكلام في كون هذا الخيار على الفور وفى كيفية الفور على ما تقدم في العيب سواء * ممن
صرح بهذا صاحب التهذيب وان اختلفا فقال المشترى اشتريت بشرط الكتابة وأنكر البائع تحالفا
وقيل القول قول البائع مع يمينه قاله في التهذيب *
* (فرع) * قال القاضي حسين ولو شرط انه حجام فاخلف ثبت الخيار وإن كان صادقا في
جملة الحرف غير الحجامة (واعلم) أن هذا الفرع الذي ذكره القاضي يحتمل أن يكون مجزوما به
ويدل ذلك على أنه لا عبرة بزيادة المالية من جهة أخرى مع فواتها من الجهة المشروطة وكذلك شرط
الكتابة قد يخلف ويكون متصفا بصفات تزيد على قيمة الكتابة فلا يمنع ذلك من قولنا انه فات
غرض ومالية على أنى نبهت أن الأجود اعتبار قوة الغرض وضعفه دون اعتبار المال والغرض قد يتعلق
بصفة ولا يقوم غيرها مقامها وإن كان أفضل منها من جهة أخرى *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان اشتراه على أنه فحل فوجده خصيا ثبت له الرد لان الخصي أنقص من الفحل في الخلقة
والبطش والقوة وان شرط أنه خصى فوجده فحلا ثبت له الرد لان الفحل دون الخصي في الثمن
والدخول إلى الحرم) * *
* (الشرح) * المسألة الأولى لا خلاف فيها لفوات الغرض القوى وإن تأذت المالية قال القاضي حسين
وإن كانت قيمته أضعاف قيمة الفحل ولا فرق في ذلك بين العبد وغيره من الحيوان والثانية ذكر
الرافعي عن أبي الحسن العبادي أنه لا رد فيها لان الفحولة فضيلة والصحيح ما ذكره المصنف بفوات
330

المال والغرض جميعا وجريان الخلاف فيها مع فوات المال يدل ما قدمته من حسن عبارة النووي وأنه
ليس كل ما تفوت به مالية نقطع فيه بثبوت الخيار بل قد يفوت المال مع جريان الخلاف كما في هذه
الصورة وقد لا يفوت المال ويحصل الوفاق كما في الصورة الأولى وكلام المصنف يشعر بأنه يرى جواز
دخول الخصي على الحرم والذي قاله الرافعي في كتاب النكاح في النظر إن الخصي الذي بقي ذكره
والمجبوب الذي بقي أنثياه كالفحل وفى الممسوح (وجهان) الأكثرون انه كالمحرم فعلى هذا ما ذكره
المصنف من أن الفحل دون الخصي في الدخول على الحرم والا فهو أضعف في العمل فإن كان المصنف
أطلق الحصى على الممسوح استمر كلامه وكذلك غيره من الأصحاب حيث أطلق هذا الحكم والا
فمتى شرط أنه خصى بالمعني المذكور في كتاب النكاح فبان فحلا ينبغي أن لا يثبت الرد لأنه لم يفت
غرض (والظاهر) أن المصنف والأصحاب هنا إنما أرادوا بالخصي هنا الممسوح لأنه في العرف يطلق
عليه كثيرا *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان اشتراه على أنه مسلم فوجده كافرا ثبت له الرد لان الكافر دون المسلم في الدين) * *
* (الشرح) * هذه أيضا لا خلاف فيها لفوات الغرض المقصود القوى وإن كانت المالية قد
لا تفوت بل تكون أكثر كما إذا شرط انه فحل فخرج خصيا وكذا لو شرط تهود الجارية أو تنصرها
فبانت مجوسية قاله المتولي والرافعي * لو اشتراه على أنه مجوسي فكان يهوديا قال الروياني يثبت الخيار
وقيل إن كانت لا تنقص قيمته في العادة لا خيار وإن كانت تنقص بأن كانت الغالب المجوس في
تلك الناحية ثبت الخيار وهو قول صاحب التتمة ولا فرق في هذا الفصل بين العبد والأمة *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان اشتراه على أنه كافر فوجده مسلما ثبت له الرد وقال المزني لا يثبت له الرد لان المسلم
أفضل من الكافر وهذا لا يصح لان المسلم أفضل في الدين إلا أن الكافر أكثر ثمنا لأنه يرغب
فيه المسلم والكافر والمسلم لا يشتريه الكافر) * *
331

(الشرح) المذهب ثبوت الرد في ذلك وبه قال احمد لا لنقيصة ظهرت ولكن لأنه قد يكون
غرضه التجارة ومالية الكافر أكثر لما ذكره المصنف وما نقله عن المزني نقله عنه القاضي أبو الطيب
وغيره وبه قال أبو حنيفة ومن أصحابنا من وافق المزني في ذلك ورأي مذهبه قولا مخرجا معدودا
من المذهب وحكى ذلك الامام في كتاب النكاح وهناك تكلم المزني عليها في المختصر * وان تزوجها على
أنها كتابية فإذا هي مسلمة لم يكن له فسخ النكاح لأنها خير من الكتابية قال المزني هذا يدل على أن
الأمة إذا اشتراها على أنها نصرانية فإذا هي مسلمة لا خيار وإذا اشتراها على أنها مسلمة فإذا هي
نصرانية له أن يردها في قياس قول الشافعي وفى المسلمة وجه ثالث انه إن كان قريبا من بلاد الكفر
أو في ناحية أغلب أهلها الذميون ثبت الخيار والا فلا وهو اختيار القاضي حسين وحمل كلام الشافعي
على ذلك وقد جمع الامام الأوجه الثلاثة في كساب النكاح وذكر الامام في الانتصار لقول المزني أن
القيمة إن كانت تزيد من وجه رغبة الكفار فتلك رغبة باطلة مستندها الكفر وتحسينه واعتقاده كونه
حقا فيكاد أن تكون تلك الزيادة بمثابة ثمن الخمر قال الامام وبقية الكلام أن هذا العبد لو أتلف فمذهب
جماهير الأصحاب أنه يجب على المتلف أن يغرم قيمته اعتبارا بما بطلت به وإن كانت بأكثر مما يشترى
به المسلم وذهب المزني ومن يوافقه إلى أن الزائد لا يضمن لما أشرنا إليه وهو بمثابة ازدياد قيمة الجارية
بان تعتبر عوادة فلا يكاد يخفى أن القيمة تزداد في المغنية في العادة ضعف ما تكون الجارية الناسكة ومن
اشتراها لم يعترض عليه فان الشراء يرد على عينها ولكن لو أتلفت لم يضمن متلفها إلا قيمة مثلها وكانت
لا تحسني الغناء هذا كلام الامام في كتاب المنهاج مع أنه في كتاب البيع استبعد القول بعدم ثبوت الخيار
مطلقا كما هو مذهب المزني واخبار الوجه الثالث وما ذكره في الانتصار لقول المزني جوابه أن زيادة
قيمة الكافر ليست للرغبة في كفره بل لكثرة طلابه فان المسلم لا يتمكن الكافر من شرائه * ثم قال
الامام هنا إن هذا إذا كان الكافر أكثر قيمة فإن لم يكن الامر كذلك فخلف الشرط فيه بمثابة خلف
الشرط في الثيابة والبكارة والجودة والتوسط وهذا كأنه قال على ما اختاره ويحتمل أن يكون تقييدا
للمسألة وجريان الخلاف فيها *
* (فرع) * هذه المسألة أيضا مما يشهد لرجحان عبارة النووي على عبارة الرافعي وغيره لجريان
الخلاف فيها مع فوات الغرض المعلق بزيادة ماليته ووجه جريان الخلاف فيها ضعف الغرض عند المزني
332

وانغماره بالنسبة إلى ما في الاسلام من الفضل والكلام والخلاف في هذه المسألة يقرب من الخلاف فيما
إذا شرط أنه خصى فوجده فحلا والمخالف هناك أبو الحسن العبادي فيحتمل أن يكون العبادي يوافق
المزني هنا والمزني يوافقه هناك ويحتمل أن لا يكون كذلك ويفرق كل منهما (أما) العبادي فان الخصاء
عيب عند الاطلاق ففواته كمال والكفر عند الاطلاق لا يرد به (وأما) المزني فلان فضية الاسلام عظيمة
لا يوازنها شئ فيجبر ما فات من الغرض المالي اليسير بخلاف الفحولة فان الغرض فيها وفى الخصاء متقاربان
فيتسع ما شرطه *
* (فرع) * الفرق بين البيع والنكاح حيث لم يثبت الخيار في النكاح على الأصح ان النكاح
بعيد عن قبول الخيار ولهذا لم يثبت فيه خيار المجلس ولا خيار الشرط وهذا الفرق إنما يحتاج إليه إذا
قلنا بصحة النكاح وهو الأظهر * ولنا قول آخر أنه غير صحيح لاعتماد الصفات فتنتفي المسألة *
* (فرع) * صورة مسألة الكتاب فيما إذا كان المشترى مسلما والبائع مسلما فلو كان المشترى
كافرا اكتفت على شراء الكافر للمسلم (والأصح) فساده * ولو كان البائع كافرا ففي رد العبد المسلم عليه
بالعيب خلاف (الأصح) جوازه فيأتي فيه أيضا *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان اشترى جارية على أنها بكر فوجدها ثيبا ثبت له الرد لان الثيب دون البكر) * *
(الشرح) هذا لا خلاف فيه لفوات الغرض ونقصان المالية وهي من القسم الأول لشرط
الكتابة وحسن الصنعة والمشهور أنه لا فرق بين أن تكون الجارية المشتراة بهذا الشرط مزوجة أو غير
مزوجة وعن أبي الحسين أن أبا إسحاق قال لا خيار إذا كانت مزوجة لأنها وإن كانت بكرا فالافتضاض
مستحق للزوج ولا غرض للمشترى في بكارتها (والصحيح) الأول لان الزوج قد يطلقها أو يموت
فيحصل له ذلك *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان اشتراها على أنها ثيب فوجدها بكرا لم يثبت له الرد لان البكر أفضل من الثيب ومن أصحابنا
من قال يثبت له الرد لأنه قد يكون ضعيفا لا يطيق وطئ البكر فكانت الثيب أحب إليه والمذهب الأول
لأنه لا اعتبار بما عنده وإنما الاعتبار بما يزيد في الثمن والبكر أفضل من الثيب في الثمن) * *
(الشرح) القول بأنه لا يثبت الرد وهو الأصح عند القاضي أبى الطيب والرافعي وغيرهم والوجه
الآخر مستنده ما ذكره المصنف وهذه المسألة الفائت فيها الغرض دون المالية فهي تشارك في ذلك شرط
333

الفحولة والاسلام لكن في تينك المسألتين لا خلاف أن الخلف مثبت للخيار لقوة الغرض وههنا الغرض
ضعيف فإنه خاص به وليس بعام وكان شرطه السبوطة في الشعر أو البياض فيخرج جعدا أو اسود
في كل منهما خلاف كمسألتنا هذه - الصحيح أنه لا رد في المسائل الثلاث - كما لو شرط العبد أميا فبان
كاتبا أو كونه فاسقا فبان عفيفا * ولو شرط الجعود أو السواد فبان سبطا أو أبيض فثبت الخيار وجها
واحدا * ولو شرط البكارة فبانت ثيبا وان استنكرت اشتراط الجعود وغيرها في الشعر من جهة أن الشعر
يجب رؤيته (فالجواب) عنه قد تقدم في أول الباب عند قول المصنف إذا اشترى جارية وقد جعد شعرها
ثم بان أنها سبطة ولو أنه اشترى على أنه عدل فبان فاسقا ثبت الخيار وعكسه لا خيار بلا خلاف
قاله الروياني *
* (فرع) * لو شرط كونه مختونا فبان أقلف فله الرد وبالعكس لا رد قال في التتمة الا أن يكون
العبد مجوسيا وهناك مجوس يشترون الأقلف بزيادة فله الرد وقد تقدم هذا وسؤال عليه قريبا ولو شرط
كونه أحمق أو ناقص الخلقة فهو لغو وهو من القسم الأخير الذي لا مالية فيه ولا غرض مقصود *
* (فرع) * إذا ظهر الخلف في الصفة المشترطة وقد تقدم فسخ العقد بهلاك أو حدوث عيب فله
أخذ الأرش على التفصيل الذي تقدم قاله صاحب التتمة *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان باعه حيوانا على أنه بغل فوجده حمارا أو على أنه حمار فوجده بغلا ففيه وجهان (أحدهما)
أن البيع صحيح لأن العقد وقع على العين والعين موجودة فصح البيع وثبت له الرد لأنه لم يجده على
ما شرط (والثاني) أن البيع باطل لأن العقد وقع على جنس فلا ينعقد على جنس آخر) * *
* (الشرح) * الشروط المتقدمة كانت في الصفات ولا شك أن تبدل الصفة والخلف أسهل بن ذلك
في الجنس فذكر المصنف هنا اشتراط الجنس ومثل بالمثالين المذكورين ليعلم أنه لا فرق بين أن يجده
أعلى من الجنس الذي شرطه أو دونه وفيها جميعا وجهان وقد حكيتها وأطلقت الكلام فيها في باب الربا
في الصرف العين (والمذهب) الصحيح المنصوص البطلان - والوجه الآخر محكى عن صاحب الافصاح * ولو
باعه على أنه ذكر فبان أنه جارية قال العمراني في الزوائد صح البيع وله الخيار في أحد الوجهين (وقال)
أبو حنيفة لا ينعقد وقد سبق في باب الربا عن الماوردي البطلان وذكر الرافعي في كتاب النكاح فيما
إذا قال بعتك فرسي هذا وهو بغل ان الظاهر الصحة وهو يخالف ما قدمناه في باب الربا وكذلك قال
عن الروياني في البحر أنه لو قال زوجتك هذا الغلام وأشار إلى ابنته صح النكاح * ولو باعه عبدا على
334

أنه تركي فإذا هو من جنس آخر فهو من اختلاف الوصف فالبيع صحيح قاله الامام في باب بيع الغرر * إذا
عرف ذلك (فان قلنا) في اختلاف الجنس بالبطلان فلا كلام (وان قلنا) العقد صحيح وثبت الخيار فقد أطلقوا
ذلك سواء أكان ذلك أجود أم أردأ كما نبه المصنف بالمثالين عليه * ولو قيل إنه إذا خرج أجود يكون كما
لو شرط أنها ثيب فخرجت بكرا لم يبعد لان القول هذا على الأجناس والصفات *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان اشترى ثوبا أو أرضا على أنه عشرة أذرع فوجده تسعة فهو بالخيار بين أن يأخذه بجميع
الثمن وبين أن يرده لأنه دخل في العقد عن أن تسلم له العشرة ولم تسلم له فثبت له الخيار كما لو وجد
بالبيع عيبا وان وجده أحد عشر ذراعا ففيه وجهان (أحدهما) أن البائع بالخيار بين أن يفسخ البيع وبين
أن يسلمه بالثمن ويجبر المشترى على قبوله كما أجبرنا البائع إذا كان دون العشرة (والثاني) أن البيع باطل
لأنه لا يمكن اجبار البائع على تسليم ما زاد على عشرة ولا اجبار المشترى على الرضا بما دون الثوب
والمساحة من الأرض لأنه لم يرض بالشركة والتبعيض فوجد أن يبطل العقد فان اشترى صبرة على أنها
مائة قفيز فوجدها دون المائة فهو بالخيار بين أن يفسخ لأنه لم يسلم له ما شرط وبين أن يأخذ الموجود
بحصته من الثمن لأنه يمكن قسمة الثمن على الاجزاء لتساويها في القيمة ويخالف الثوب والأرض لان
أجزاءها مختلفة فلا يمكن قسمة الثمن على أجزائها لأنا لا نعلم كم قيمة الذراع الناقصة لو كانت موجودة
لتسقطها من الثمن وان وجد الصبرة أكثر من مائة قفيز أخذ المائة بالثمن وترك الزيادة لأنه يمكن
أخذ ما عقد عليه من غير اضرار) * *
* (الشرح) * الذراع فيه لغتان التذكير والتأنيث كما ذكره جماعة من أهل اللغة (وقال) سيبويه
الذراع مؤنثة فعلى لغة التذكير جاء قول المصنف عشرة أذرع فوجده تسعة وعلى لغة التأنيث عشر
أذرع فوجده تسعا * أما الأحكام فاعلم أنه تقدم الكلام في خلف الشرط في الصفة والجنس والكلام
الآن في المقدار وذكر المصنف فيه قسمين (أحدهما) ما يكون قسمة الثمن على المبيع فيه بالقيمة (والثاني)
ما يكون بالاجزاء وقسم كلا من القسمين إلى ما يحصل الخلف فيه بالنقصان وإلى ما يحصل بالزيادة فهي
أربع مسائل وطريقة العراقيين في ذلك تحتاج إلى تأويل وفكر * وأنا إن شاء الله تعالى أذكر طريقهم
وطريق غيرهم في ذلك ثم أبين وجه الاشكال ثم أردفه بما ييسره الله تعالى (الطريقة الأولى) التي ذكرها
المصنف وجمهور العراقيين منهم القاضي أبو الطيب القطع بالصحة في حالة النقصان في المتقوم والمثلي
مع ثبوت الخيار للمشترى والقطع بالصحة في حالة الزيادة في المثلى في القدر المشروط خاصة بلا خيار
335

والتردد في الزيادة في حالة المتقوم هل يصح ويكون للبائع الخيار وهو الأصح أو يبطل وهذه الطريقة هي
التي أوردها القاضي حسين في آخر باب الشرط الذي يفسد البيع وفرضها في الثوب خاصة وصححها الشاشي
وعلى هذه الطريقة الصحة في القدر المشروط من المثلى بحصته من الثمن قولا واحدا * وأما المتقوم
فجمهورهم على أنه إذا أجاز يجيز بجميع الثمن واختلف كلام القاضي أبى الطيب ففي التعليق وافق ذلك
وفى المجرد قال يجب بالقسط قال ابن الصباغ والأول أصح (الطريقة الثانية) ذكرها الشيخ أبو حامد ولم
يصرح بها إلا في الثوب خاصة * قال لو قال بعتك هذا الثوب وهو عشر أذرع فخرج تسعا ثبت الخيار
للمشترى في أن يمسك بكل الثمن أو يرد لو خرج أحد عشر فالمنصوص أن الخيار يثبت للبائع ومن
أصحابنا من خرج ههنا قولا آخر أن البيع يبطل وهذا إذا قال له بعتك هذا الثوب وهو عشر أذرع
وأما إذا قال بعتك على أنه عشر أذرع فخرج تسعا أو إحدى عشرة ففي صحة البيع قولان كما لو تزوجها
على أنها بكر فخرجت ثيبا هكذا رأيته في تعليقته التي عندي بخط مسلم الداري تلميذه مع أن الذي في
التجريد للمحاملي يوافق ما ذكره المصنف والجمهور والتجريد مأخوذ من تعليقة البندنيجي عنه
* (الطريقة الثالثة) * طريقة صاحب التقريب والخراسانيين والقاضي حسين على ما ذكرته في باب الربا
والشيخ أبو محمد والامام والغزالي والرافعي اطلاق الخلاف في حالتي النقصان والزيادة في المتقوم
والمثلي وفرضها الامام في الأرض والقاضي حسين في الصبرة والغزالي في الصبرة أيضا والرافعي في الأرض
ثم قال ويقال بهذه المسألة ما إذا باع الثوب على أنه عشر أذرع أو القطيع على أنه عشرون شاة أو
الصبرة على أنها ثلاثون صاعا وحصل نقص أو زيادة ومعهم من يحكى الخلاف في ذلك وجهين وأكثرهم
يحكيه قولين (وأظهرهما) عندهم الصحة تغليبا للإشارة وتنزيلا لخلف الشرط في المقدار منزلة خلفه في
الصفات وبهذا قال أبو حنيفة (والثاني) أن البيع باطل لان قضية قوله بعتك هذه الأرض أن لا يكون
غيرها معيبا وقضية الشرط أن تدخل الزيادة في البيع فوقع التضاد وتعذر التصحيح فعلى طريقة هؤلاء
(ان قلنا) بالبطلان فذاك (وان قلنا) بالصحة ففي حالة النقصان أن يكون الخيار للمشترى وإذا أجاز فهل
يجيز بجميع الثمن أو بالقسط فيه قولان (أظهرهما) هنا الأول بخلاف نظائره من تفريق الصفقة وفى حالة
الزيادة اختلف هؤلاء في الصبرة هل تكون الزيادة للبائع أو للمشترى على وجهين حكاهما صاحب
التتمة وغيره واقتضاء كلام صاحب التتمة التسوية بين الأرض وبينهما لكن في كون الزيادة للبائع
في مسألة الأرض والثوب أشكال لابهام المبيع وسيأتي في كلام الماوردي ما يدفع هذا
336

الاشكال وينبغي أنه يحمل على الإشاعة لكنه مشكل من جهة أخرى فإذا قلنا الزيادة للبائع في مسألة
الصبرة أو في الجميع ان أمكن القول به فهل للمشترى خيا وجهان (أحدهما) نعم لأنه لم يسلم له المشار
إليه (والثاني) لا لأنه شرط عشرة وقد سلمت له وهذا موافق لما قاله المصنف في الصبرة (وان
قلنا) الزيادة للمشترى فلا خيار له ولم يذكر الرافعي غير هذا وهل يثبت الخيار للبائع فيه وجهان
(أصحهما) نعم وهذا هو القول الأول الذي ذكره المصنف في الثوب والأرض في حالة الزيادة وهو
الذي صححه فيها ابن أبي عصرون وغيره فإذا أجاز كانت كلها للمشترى ويطالبه للزيادة بشئ (والثاني)
واختاره صاحب التهذيب أنه لا خيار للبائع ويصح البيع في الجميع بجميع الثمن وينزل شرطه منزلة شرط
كون المبيع جيفا فيخرج سليما لا خيار له فإذا قلنا بالصحيح فقال المشترى لا يفسخ فأنا أقنع بالقدر المشروط
شائعا ولك الزيادة فقد حكى صاحب التقريب في ذلك قولين وحكاهما غيره وجهين (أظهرهما) أنه لا يسقط
ورجح ابن سريج السقوط في جوابات الجامع الصغير لمحمد ولو قال لا تفسخ حتى أزيدك في الثمن لما زاد
لم يكن له ذلك ولم يسقط به خيار البائع بلا خلاف هذا تهذيب الطرق المنقولة * وأما بيان الاشكال والترجيح
بين الطرق فيتوقف على مقدمات (أحدها) أن هذه المسألة يتجاوز بها أربعة أصول مستفادة من
كلام الامام رحمه الله في باب النهى عن بيع الغرر (أحدها) خلف شرط جنس المبيع والصحيح
البطلان (والثاني) خلف شرط الوصف فيه والتفريع على الصحة ولا تفريع على القول القريب الذي
حكاه الحناطي (والثالث) خلف شرط الصفة في النكاح وفيه قولان (أظهرهما) الصحة (والرابع)
تفريق الصفقة من جهة الحاق القدر بالجزء على ما سأبينه (الثانية) أن الغرض المتعلق بجنس المبيع قوى
جدا فان الجنس هو الأصل والمقادير والأوصاف تطرأ عليه وتزول فإذا اخلف فالصحيح البطلان
لفوات مورد العقد وليس ذلك نظرا إلى العبارة فقط بل لمجموع الإشارة والعبارة ودلالتها على
ما ليس بموجود والتعليل الآخر ينظر إلى الإشارة وحدها ويلغى العبارة وهو بعيد * واما الوصف في
المبيع فليس في هذه الرتبة وإن كان مقصودا ولكنه قد يطرح ويغتفر ومورد العقد هو الجنس المعين
فلذلك عند فوات الوصف لم يبطل المبيع * وأما المقدار فالغرض يتعلق به أكثر من الوصف وأقل من
الجنس فهو متردد بينهما ولو شبه بالجزء لان المقدار يصح أن يكون موردا للعقد بخلاف الوصف وله
شبه بالوصف في النكاح من جهة أن الغرض الأعظم في المنكوحة الأوصاف (الثالثة) قد عرفت بهذه المقدمة الثانية
337

انحطاط الغرض في المقدار عن الجنس وذلك يوجب أن هذه المسألة أولى بالصحة من تلك ثم إن ألحقنا
المقدار بالوصف في المبيع اقتضى الصحة في جميع الصور وانه عند ظهور الزيادة لا يكون للبائع خيار كما
قاله صاحب التهذيب وان ألحقنا بالوصف في النكاح وجب أن يجرى الخلاف في حالة النقصان في المتقوم
والمثلي وأن يصح حالة الزيادة فيهما من غير خيار والعراقيون قطعوا بالصحة حالة النقصان وقطعوا في
زيادة المثلى بالصحة وأن الزيادة للبائع وترددوا في زيادة المتقوم وهذا السؤال كما أنه وارد على العراقيين
هو وارد على الخراسانيين في قول بعضهم ان الزيادة للبائع وقول بعضهم انها للمشترى وللبائع الخيار كما
قاله الرافعي فان الوصف ليس هكذا بل إذا خرج زائدا كان للمشترى قطعا بغير خيار فما مشى على
جعله كالوصف من كل وجه الا صاحب التهذيب على أنه يلزمه أن يقول عند النقصان انه إذا أجاز في
المثلى يجيز بكل الثمن وما أظنه يقول به وان ألحقنا المقدار بالجزء ففي حال النقصان قد اقتضى الشرط
ادخل شئ مع الموجود في البيع فكأنه باع موجودا ومعدوما فيتخرج على تفريق الصفقة وينبغي على
هذا البطلان على الأصح في تفريق الصفقة أنه إذا جمع بين معلوم ومجهول يبطل فان المعدوم لا يعرف
فيمنعه وفى حال الزيادة والإشارة شاملة للجميع والعبارة في الشروط مخرجة للزائد فيبطل فيه - وفى الباقي
قولا تفريق الصفقة وينبغي على هذا أنه في المثلى يصح على الأصح وفى المتقوم يبطل الابهام فإنه غير
مميز ولا يمكن تقويمه وهذا أيضا وارد على العراقيين - أما العراقيون فظاهر لفظهم بالصحة في الصور
الثلاثة وتصحيحهم الصحة في الصورة الثانية - وأما الخراسانيون فلأنهم يصححون الصحة في الجميع مع
اجرا الخلاف * وقال الامام بعد ذكره الأصول المذكورة إن خلف المقدار في المبيع أولى بالخلاف من
خلف الصفات في النكاح (قال) والبيع أقبل للفساد بالشرط ثم قال الامام فالذي يقتضيه
الترتيب بعد تمهيد ما ذكرناه ترتيب مسألتنا في الصحة والفساد على التفريق في الصفقة وهذه المسألة
أولى بالصحة وان رتبناها على خلف الصفات في النكاح فمسألتنا أولى بالفساد قال والذي به الفتوى
صحة البيع هذا كلام الامام وأما كلام الغزالي فإنه أختار في حال الزيادة التخريج على تفريق الصفقة
وفى حالة النقصان التخريج على الإشارة والعبارة ومقتضى ذلك أنه عند الزيادة لا يصح في القدر الزائد
قطعا ويصح في الباقي على الأصح وهذا سيأتي له في الصبرة وهي التي تكلم فيه أما المتقوم فلا يأتي
على هذا التخريج الآن فساده كما تقدم - وأما تخريجه في حالة النقصان على الإشارة والعبارة فالإشارة
والعبارة مختلفة ففي الجنس إذا قال بعتك هذه الشاة وكانت بقرة الأصح البطلان والفتيا هنا على خلافه
338

وفى النكاح إذا قال زوجتك هذه عائشة فكانت فاطمة الأصح الصحة لكن مقتضاه أن يصح
في جميع الصبرة ولم يقولوا به على الأصح وقد استشكل الامام قول العراقيين وقال ذكر العراقيون
هذه المسألة وحكموا بأن المساحة إذا نقصت عن المقدار المذكور صح البيع قولا واحدا وان زادت
ففي صحة البيع قولان ولا يكاد يظهر فرق بين النقصان والزيادة وطرد صاحب التقريب وسيجئ
القولان في الصورتين (قلت) وهذا على ما هو المشهور عن العراقيين وقد تقدمت طريقة عن الشيخ
أبى حامد بأحد القولين في الصورتين في الصيغة المصرحة بالشرط فهذا تلخيص الاشكال في هذه
المسألة وتلخيصه في ثلاث إشكالات (أحدها) على المشهور عن العراقيين في فرقهم بين النقصان
والزيادة وهو سؤال الامام وفى فرقهم في الزيادة بين المتقوم والمثلي (الثاني) على الشيخ أبى حامد في
فرقه بين أن يقول إنها عشرة أذرع فيجرى القولان وبين أن يقول وهي عشرة أذرع فيفرق بين
النقصان والزيادة وإن كانت هذه الصيغة شرطا فينبغي الخلاف فيها أولا فلا ينبغي الخلاف فيهما
(الثالث) عليهم وعلى الامام والخراسانيين أو زيادة الصبرة تكون عند بعضهم للبائع وقول الرافعي
وبعضهم إنها للمشتري وللبائع الخيار وعلى الامام أعظم حيث اختار التخريج على تفريق الصفقة
ومع ذلك اختار الفتوى بالصحة مطلقا وقد عرفت أن التخريج في بعض الصور يقتضى خلاف ذلك
وصاحب التهذيب سالم من هذه الاشكالات لكن قوله مخالف للأكثرين * إذا عرفت هذا فنقول
إن الشافعي رحمه الله نص في البويطي على ما نقله القاضي أبو الطيب وغيره من الأصحاب على أنه
إذا اشترى صبرة على أنها مائة كر فلم يصب إلا خمسين فهو مخير ان شاء أخذها بحصتها وان شاء
فسخ البيع فهذا النص يرد القول بالبطلان ويقتضي الصحة إما قطعا كما قال العراقيون وإما أنه الراجح
ويقتضي أيضا رد القول بأنه يخير بكل الثمن في المثلى كما يقتضيه اطلاق الرافعي ومن تقدمه من
الخراسانيين فمن جهة اقتضائه الصحة يرد القولين بتخريجه على تفريق الصفقة والقول بالنظر إلى
العبارة وحدها وقطعها عن خلف الشرط في الجنس ومن جهة قوله إنما يجيز بالحصة يقتضي عدم
الحاقها باشتراط الوصف من كل وجه إذ لو كان كذلك لاجاز بالكل كما إذا اشتري شيئا على شرط
السلامة أو زيادة وصف فخرج بخلاف ذلك فإنه إذا أجاز لا يسقط من الثمن شئ وكان ذلك لما
قدمته من ارتفاع الغرض في القدر عن الوصف وانحطاطه عن الجنس فجعل له حكم بحصته والحق
في الصحة بالوصف من جهة أن الصبرة المشاهدة المعينة باقية بحالها فلم تكن كاخلاف الجنس وأثبتنا
339

الخيار للمشتري لفوات غرض مقصود وألحق في الإجازة بالقسط بالجزء لشدة الغرض فيه ولم يجعل
كتفريق الصفقة من جهة أنه لم يجعل موردا للعقد وإنما أتى به على صورة الشرط والمبيع الصبرة
المشاهدة لا الصبرة وشئ آخر فلذلك كان الحكم المذكور من الصحة والإجازة بالقسط مقطوعا به
عند الكثير من العراقيين على وفق النص وقال أبو الطيب إنه لا يختلف أصحابنا فيه وإذا ثبت
الخلاف عند غيرهم فالأصح كذلك الصحة كما صرحوا به وإجازة بالقسط خلافا لما يفهمه اطلاق
الرافعي - هذا في حالة النقص إذا كان المبيع مثليا فإن كان متقوما فالحكم بالصحة باق لهذا المعنى
والحكم بالإجازة بالقسط متعذر لأنه لا يمكن قسمة الثمن على أجزائها كما قاله المصنف فخيرنا المشتري
بين الإجازة بالجميع والفسخ وأما في حالة لزيادة فيجب المحافظة على هذين المعنيين وهما الالحاق
بالوصف من وجه بالجزء من وجه فمن جهة الحاق المقدار بالجزء يقتضى أن ذلك المقدار الزائد لا يسلم
للمشترى كأوصاف السلامة إذا شرط عدمها وكانت موجودة بل يكون هذا الزائد يبقى للبائع لأنه
مستقل يمكن ايراد العقد عليه فان أمكن ذلك كما في المثلى أبقيت الزائد للبائع وقلنا الحاقه بالجزء
لتعلق غرض البائع به كما يتعلق غرض المشترى به في حالة النقصان ويكون المقدار المشروط من
المثلى للمشتري لتطابق الإشارة والعبارة عليه ولا يسقط من الثمن شئ لأنه لم يقف عليه شئ مقصود
وخروج بعض الصبرة المشاهدة مع حصول جنس المبيع وقدره الذي تعلق الغرض به لا يزيد ولا يثبت
خيارا لأنه لم يفت غرض مقصود عن المشترى ولا محذور في ذلك فان المشترى يكون شريكا للبائع
في الصبرة ويتقاسمانها بغير حذر * وأما في المتقوم فالقول بالتصحيح يؤدي إلى أن يكون مورد العقد
منهما وهو فاسد ومشاعا ويؤدى إلى ضرر القسمة فترددنا بعد ذلك فمن قائل يقول إنا في هذه الصورة
نجعل البيع باطلا لهذا المعني وهذا هو القول المخرج وهو ظاهر بهذا التقدير ولا يلزم طرده في بقية
الصور ومن قائل يقول إن هذا المحذور يندفع إذا رضى البائع بتسليم الجميع بالثمن فيصح ويثبت الخيار
للبائع لكن ههنا يجب على القول بالصحة وعلى القول بالبطلان أما على القول بالصحة وهو المنسوب
إلى النص فهل أنه صح في الجمع بالثمن وللبائع الخيار أو صح في المقدار المشروط وإذا تبرع البائع
بتسليم الجميع لزم إن قلنا بالأول فلم لا يقبل بذلك في الصبرة إذا خرجت زائدة وظاهر كلامهم
وقولهم أن يأخذ المقدار ويترك الزيادة أن العقد لم يشمل الزيادة ويحتمل أن يكون العقد شملها ويكون
340

مرادهم أنه لا يلزم البائع بتسليمها لكن العبارة لا تؤدى هذا المعني وإن قلنا بالثاني كان ذلك سالما
في الصبرة ولكن في الثوب والأرض مشكل لأن العقد يكون قد ورد على مبهم مجهول فيكون
باطلا من أصله ولا ينجبر ذلك برضاء البائع بتسليم الجميع فطريق الخلاص عن هذا الاشكال بما سيأتي
عن الماوردي أنه على قول الصحة يصح في جزء شائع لكن ذلك فيما إذا ذكر الثمن مفصلا لا مجملا
أما إذا ذكره مجملا فسيأتي وأما على القول بالبطلان عند زيادة المتقوم فهل معني ذلك أن العقد باطل
من أصله أو أنه ينفسخ عند التشاحح لتعذر امضائه إن قلنا بالأول وهو الأسبق إلى الفهم من كلام
الأصحاب فعلة المصنف لا تقتضي ذلك لأنه علل بأنه لا يمكن اجبار البائع ولا اجبار المشترى ومقتضى
ذلك أنهما إذا تراضيا صح وأقر العقد كما قال هو وأكثر الأصحاب في بيع الصبرة بالصبرة كيلا بكيل إذا
خرجتا متفاضلتين وليسا من جنس واحد فيحتمل أن ينزل القول بالبطلان على هذا المعني وحينئذ
لا يلزم طرده في شئ من الصور الثلاث وينزل قول الصحة على أنه يصح في الجميع ثم يسترجع البائع
في المثلى إن شاء الزيادة بغير تقسيط وفى المتقوم لا يمكنه استرجاع الزيادة وحدها فيفسخ هذا ما ظهر
لي في ذلك وأظنه صوابا وإن كان الأسبق إلى الفهم من كلام الأصحاب خلافه * (فائدة) * قد نبهت
بما تقدم على السبب الذي اقتضى الإجازة ههنا في المتقوم بجميع الثمن بخلاف أخواته من صور تفريق
الصفقة وعلى أنه في المثلى يجيز بالقسط من غير خيار بخلاف ما يقتضيه كلام الرافعي من أنه يجيز بالكل
ونص الشافعي في المثلى بخلافه * (فائدة أخرى) * صورة هذه المسائل ليست على اطلاقها بل هي
على ثلاثة أحوال (أحدها) أن يذكر الثمن جملة من غير تفصيل كقوله بعتك هذه الأرض بعشرة
دراهم على أنها عشر أذرع فالحكم على ما تقدم (الثانية) أن يذكره مفصلا ولا يذكره مجملا كقوله
بعتك هذه الأرض على أنها عشر أذرع كل ذراع بدرهم فقد ذكرها صاحب التتمة على ما تقدم ومثل
بالأرض والثوب والقطيع وقال الماوردي في الأرض والثوب ان خرجت تسعة ثبت للمشتري الخيار
بين الفسخ والإجازة بحسابه من الثمن وهو في ذلك موافق لما تقدم عن القاضي أبى الطيب في المجرد
والصحيح خلافه وانه يجيز بكل لثمن قال الماوردي وان خرجت أحد عشر فقولان (أحدهما) يبطل
العقد (والثاني) يصح في عشرة ويكون البائع شريكا بالباقي على الإشاعة ويثبت للمشترى الخيار
والماوردي في هذا أيضا موافق لاحد الوجهين ان الزيادة تكون للبائع وفيه ما تبين أن القائل بذلك
341

يقول بالشركة في الثوب والأرض فيندفع عنه اشكال الابهام وكأنه يجعل ذلك كما لو باع ذراعا من
دار وهما يعلمان ذرعانها لكن هذا ظاهر فيما إذا ذكر تفصيل الثمن فقط ولم يذكر جملته أما إذا ذكر
جملته ولم يذكر تفصيله فينبغي على قول الماوردي انه يجيز بالقسط ولذي ذكره المصنف والأصحاب
يقتضى أنه يجيز بالكل (الحالة الثالثة) أن يذكر جملة الثمن وتفصيله مقسطا على الأذرع كقوله
بعتك هذه الأرض بعشرة دراهم على أنها عشر أذرع كل ذراع بدرهم فقد تقدم نظير ذلك في كلام
المصنف في باب الربا فيما إذا باع صبرة حنطة بصبرة شعير كيلا بكيل وخرجتا متفاضلتين وتقدم
هناك طريقان (أحدهما) عن المصنف وأكثر الأصحاب أنه إذا رضى صاحب الزيادة بتسليم الزيادة
أقر العقد وأجبر الآخر على القبول وان رضى صاحب الناقصة بقدر صبرته من الزائدة أقر العقد وان
تشاحا فسخ وقياس ذلك أن نقول هنا إذا فصل الثمن على المبيع كما مثلناه سواء أكان معينا أم في
الذمة أن يأتي التفصيل المذكور هنا اما أن يتشاحا أم لا ووجه ترتيب الحكم بين (والطريقة الثانية)
عن صاحب التهذيب حكاية قولين (أصحهما) البطلان وقياسها أن تأتى هنا أيضا فعلمنا أن فرص
المسائل فيما إذا لم يجمع بين جملة الثمن وتفصيله وكلام المصنف ظاهر في أنه إنما أراد حالة ذكر الثمن
جملة فقط ألا تري إلى قوله بجميع الثمن والثمن المفصل لا يعرف جميعه (فائدة أخرى) فرض هذه
المسائل في شئ واحد كثوب أو أرض ونحوهما فلو باعه رزمة ثياب بعد رؤية ما فيها كل ثوب بدينار
على أن فيها عشرة أثواب فكان فيها تسعة قال الماوردي البيع جائز للمشترى أن يأخذها بالقسط
من الثمن قال ولو زادت ثوبا فالبيع في جميعها باطل قولا واحدا بخلاف الأرض والثوب إذا بيعا
مذارعة لان الثياب قد تختلف وليس يمكن أن يكون الثوب الزائد مشاعا في جميعها ومساويا
لباقيها وما زاد في الثوب الواحد والأرض فمقارب لباقيه ويمكن أن يكون مشاعا في جميعه (قلت)
وقوله في النقصان أن يأخذ بالقسط موافق لما تقدم عنه في الثوب الواحد والأصح هناك خلافه
وقوله في حالة الزيادة يلتفت على البحث المتقدم على قوله التصحيح في الثوب الواحد إن جعلناه
على سبيل الإشاعة كما قال الماوردي فبنسبتها قاله هنا وان جعلنا الصحة في الجميع فلا والله أعلم (فائدة
أخري) القائل بالبطلان عند الزيادة هو ابن سريج نقله عن القاضي حسين قبل باب بيع حبل الحبلة
342

صورها في الصبرة ونسب الصحة إلى النص ثم قال وكذلك حكم الثوب وقال أبو حنيفة في الصبرة
يجيز العقد في ذلك القدر بحصته من الثمن وفى الثوب يأخذ الجميع بجميع الثمن وفرق بأن الذرع صفة
في الثوب كالطول والقصر وأما مالية الحنطة والشعير فمقاديرها ولهذا أوجب الشرع التساوي في المقدار
في بيع بعضها ببعض والثمن يتقسط على المقادير دون الصفات وأجاب الأصحاب بأن الذرع طريق
للتقدير في العادة كالكيل والوزن فلا فرق بينهما (فائدة أخرى) النص المنقول عن البويطي رأيت
مثله في الام في آخر باب الثنيا عقب الكلام الذي سأحكيه عنه في بيع العبد الجاني إذا قتل
في يد المشترى قال الشافعي لان العيوب في الأبدان مخالفة بعض العدد - ولو كان المشترى كيلا
معينا كان هكذا وإذا كان ناقصا في الكل أخذ بحصته من الثمن أن شاء صاحبه وان شاء فسخ فيه
البيع انتهى - وهذا فيه زيادة فائدة وهو نصه على الفرق بين الوصف والمقدار كما قلته أولا لقوله إن
العيوب في الأبدان مخالفة نقص العدد (فائدة أخرى) أكثر الأصحاب إنما صوروا ذلك في الأرض
والثوب وصورها الزبيري في المقتضب في الدار فاستفيد منه ان حكم الدار حكم الأرض وقطع
بالبطلان في حالة الزيادة كما هو الوجه الثاني في الكتاب *
* (فرع) * مر خلف الشرط قال أبو عاصم العبادي إذا اشترى أرضا عليها خراج بحق ثلاثة
دراهم بشرط أن عليها درهما إذا علم المشترى ذلك فالبيع باطل وان لم يعلم فهو بالخيار (قلت)
وكذلك قاله ابن القطان في المطارحات وفى البطلان إذا علم نظر وينبغي أن يكون هذا الشرط
لا أثر له ولعل مأخذ ذلك أن مقتضى الشرط ان لا يلزم بأكثر من ذلك وحينئذ يتجه
البطلان والله أعلم *
* (فرع) * المشهور في المذهب انه إذا باع جارية وشرط حملها بطل البيع وقيل يصح في
الآدميات لأنه عيب ولهذا الغى قال المرعشي في ترتيب الأقسام يصح من البائع ولا يصح من المشترى
(قلت) فإذا قلنا بهذا واشترطه فاخلف هل نقول ليس للمشترى الرد كما لو شرط أنه معيب وخرج
سليما أوله الرد لان الحمل يقاربه قسط من الثمن فيه نظر واحتمال وهذا الذي قاله المرعشي هنا يوافق
التفصيل في شرط ترك الوطئ في النكاح وذلك أن الشارط هو الذي له غرض في اثبات ذلك
الشرط والمشروط عليه ليس له غرض الا اسعاف الشارط وليس المشروط مقصودا له وهذا معنى صحيح
343

وإن كان الرافعي استشكله هناك فالمشترى هنا ليس له غرض في الحمل وإنما الغرض للبائع في براءته
من العهدة بسببه وعلى هذا يقوى انه إذا أخلف لا يثبت الرد والله أعلم * أما إذا كان الشارط هو
المشترى فيظهر أن له الرد لان الحمل وان قلنا إنه عيب الا أنه زيادة من وجه كما صرحوا به
في الصداق *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان باع عبدا جانيا ففيه قولان أحدهما أن البيع صحيح وهو اختيار المزني لأنه إن كانت
الجناية عمدا فهو عبد تعلق برقبته قتل فصح بيعه كالعبد المرتد أو يخشى هلاكه وترجى سلامته
فجاز بيعه كالمريض وإن كان خطأ فلانه عبد تعلق برقبته حق بغير اختياره فلا يمنع من بيعه والقول
الثاني أن البيع باطل لأنه عبد تعلق برقبته دين آدمي فلا يصح بيعه كالمرهون) * *
* (الشرح) * ذكر المصنف بيع العبد الجاني في التنبيه في باب ما يجوز بيعه وذكره في المهذب في
هذا الموضع وكذلك المزني والأصحاب ومقصودهم بذلك التفريع الذي عليه فإنه مقصود في هذا الباب
والقولان منصوصان قال الشافعي في مختصر المزني ولو باع عبده وقد جنى ففيها قولان (أحدهما) أن
البيع جائز كما يكون العتق جائزا وعلى السيد الأقل من قيمته وأرش جنايته (والثاني) البيع مفسوخ
من قبل أن الجناية في عنقه كالرهن فيرد البيع ويباع فيعطي رب الجناية جنايته وبهذا أقول الا أن
يتطوع السيد بدفع الجناية أو قيمة العبد إن كانت جنايته أكثر كما يكون هذا في الرهن قال المزني
كما يكون العتق جائزا تجويز منه للعتق وقد سوى في الرهن بين ابطال البيع والعتق فإذا جاز العتق
في الجناية فالبيع جائز مثله انتهى - والقول بالجواز مذهب أبي حنيفة وأحمد واختيار المزني ورجحه الغزالي
والقول بالبطلان اختيار الشافعي كما نص عليه في الام هذا كلامه لقوله وبهذا أقول وكذلك صححه
الجمهور واحتجوا للجواز بما ذكره المصنف من الحاقه اما بالمرتد واما بالمريض وكلاهما يصح بيعه هذا
إن كانت الجناية عمدا وإن كانت خطأ فتعلق العتق برقبته بغير اذن السيد وبهذا فارق المرهون
واحتج المزني العتق وان الشافعي جوزه أي في العبد الجاني فليجز البيع وبأن الشافعي سوى بينهما
في البطلان في الرهن فليسو بينهما هنا في الصحة واحتج أبو حنيفة بأن الأرش في رقبته غير
مستقر لان للسيد أن يفتديه وبهذا يفارق الرهن أيضا واحتجوا للبطلان بالقياس على الرهن كما ذكره
344

المصنف بأن الجناية آكد من الرهن لان العبد المرهون إذا جنى بيع في الجناية وبطل الرهن فإذا
كان الرهن يمنع صحة البيع فالجناية أولى وأجاب الأصحاب عن الزام المزني للشافعي بأن البيع فيه قولان
(فان قلنا) البيع جائز فالعتق أول (وان قلنا) البيع لا يجوز ففي العتق الأقوال الثلاثة التي في المرهون
فليس العتق متفقا عليه حتى يقاس عليه (قلت) وهذا الجواب فيه نظر فان المزني ما أراد قياس
البيع على العتق ابتداء من عند نفسه حتى يرد عليه بالخلاف فيه بل لما قاس الشافعي عليه استدل
من كلام الشافعي على أنه يجوزه فألزمه بتجويز البيع والطريق في الجواب على هذا التقرير أن
كلام الشافعي يقتضى أن يكون قائل القول الأول يرى العتق جائزا فشبه به البيع إما بطريق التشبيه
واما بطريق القياس عند ذلك القائل والشافعي قد قال إن القول الثاني قوله وسكت عن العتق فلا
يلزمه أنه هو جازم أو مرجح لجواز العتق حتى يلزم به ولعل هذا مراد الأصحاب بجوابه (وأما) قول
المزني إن الشافعي سوى بين البيع والعتق في الرهن في الابطال فليسو بينهما هنا يعني وقد قال بصحة
العتق فليقل بصحة البيع لتحصل التسوية وأجاب الأصحاب بجوابين (أحدهما) أن الشافعي لم يسو
بينهما في الرهن بل خالف بينهما لان البيع في المرهون يبطل قولا واحدا وفى عتقه ثلاثة أقوال فكذا
بحيث يختلف هذا الجواب (الثاني) أن هذا الاستدلال بالعكس ولا يلزم الجواب عنه هكذا قال
الشيخ أبو حامد وفيه نظر لان قياس العكس على هذه الصورة صحيح لأنه لو لم يصح بيع الجاني لما
صح عتقه كالرهن فانا نقيس الجاني على المرهون في التسوية بينهما ثم التسوية بينهما إما في المنع
ولم نقل به لتجويزه العتق فليكن في الجواز وأجاب هذا انا نمنع أنه لم يقل به لما تقدم أنه ليس في
كلام الشافعي تصريح على القول الثاني بجواز العتق - قال الأصحاب ولا يلزم من جواز العتق جواز
البيع لان الآبق والمغصوب والمجهول والمبيع قبل القبض يجوز عتقهم ولا يجوز بيعهم وقال الماوردي
ان قياس العكس قال به أكثر الفقهاء وان خالفهم أكثر المتكلمين وهو اثبات بعض حكم
الأصل في الفرع باعتبار علة (قلت) ومن المانعين من الاحتجاج بقياس العكس أبو حامد
الأسفرايني كذلك نقل عنه أبو الوليد التاجي في الأصول فلذلك منع هنا على طريقته وفرق القاضي
حسين بينه وبين المرتد بأن المرتد مملوك منتفع به ارتكب كبيرة واستحق بها عقوبة الله تعالى فلم
يزل بها ملك المالك عنه ولا تدفع المزاحمة فيما يحدث بالشراء وهو الملك لكونه مملوكا لمالكه يعني والمستحق
345

في الجناية وقعت فيه مزاحمة وهو حق المجني عليه وهذا المعنى فارق بينه وبين المريض أيضا وفى كلام
بعضهم طريقة قاطعة بالبطلان لقول الشافعي وبهذا أقول وجعل القول بالجواز مخرجا ومسند التخريج
الزام المزني لما فهم عن الشافعي القطع بالبطلان وحكى صاحب التتمة أن بعض أصحابنا خرج قولا
ثالثا أن العقد موقوف فان قد نفذ وان لم يقدر بطل كالمفلس إذا باع بعض أعيان أمواله وقد تعرض
الشيخ أبو حامد لهذا وأنه اشتبه على بعض أصحابنا حتى خرج هذا القول وليس بشئ والاشتباه من
قول الشافعي يرد البيع إلى قوله إلا أن يتطوع السيد وتأويل ذلك أنه يرد المبيع وهو العبد (وقوله)
يتطوع السيد يعنى بدفع الأرش أو القيمة فلا يباع العبد وليس معناه أنه إلا أن يتطوع فيصح
البيع هكذا ذكره الشيخ أبو حامد والقاضي حسين حكى ما نقله صاحب التتمة قولا مطلقا من
غير نسبة إلى تخريج قال فإذا بيع وقلنا موقوف فان أدى الأرش صح بيعه ولزم والا بيع ان استغرقه
الأرش وان لم يستغرقه بيع بقدر الأرش وثبت الخيار للمشترى في الباقي فان أجاز فبحصته من الثمن
وقد نقل ابن داود قول المصنف هذا وبين أنه في جناية الخطأ يسير إلى أنه لا يجرى فيه جناية العمد
قال ومنهم من أنكره *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وفى موضع القولين ثلاث طرق أحدها أن القولين في العمد والخطأ لان القصاص حق آدمي
فهو كالمال ولأنه يسقط إلى مال بالعفو فكان كالمال والثاني أن القولين في جناية لا توجب القصاص
فاما فيما توجب القصاص فلا تمنع البيع قولا واحدا لأنه كالمرتد والثالث أن القولين فيما يوجب
القصاص فأما فيما يوجب المال فلا يجوز قولا واحدا لأنه كالمرهون) * *
* (الشرح) * الطرق الثلاث حكاها الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وقال الشيخ
أبو حامد إن الطريق الثاني هو مذهب الشافعي لأنه قال فيها قولان (أحدهما) البيع جائز وعلى
السيد الأقل من قيمته وأرش الجناية وألزم السيد المال ولو كان ذلك في الجناية الموجبة للقصاص لقال
والولي بالخيار ثم قال والقول الثاني أن البيع مفسوخ ويباع ويعطى رب الجناية جنايته إلا أن يتطوع
السيد بدفع الجناية وكل ذلك يكون في الجناية الموجبة للمال (قلت) وهذا استدلال جيد على ضعف
الطريقة الثالثة وأما الطريقة الأولى فلا يبقي في كلام الشافعي دلالة عليها لأنه لم يتعرض للعمد يبقى
346

ولا اثبات فاجراء الخلاف فيه إنما يكون بالتخريج ان صح القياس أو بنقل آخر أما هذا فلا ولاجرم
كانت هذه الطريقة الثانية هي الصحيحة وان الخلاف مقصور على حالة ايجابها المال فقط وممن صححه
الرافعي وقال ابن أبي عصرون إن الطريقة الثالثة أصح الطرق وهو بعيد لما تقدم والطريقة الأولى في
الرافعي ما يقتضى نسبتها لابن خيران ومن القائلين بها من بنى القولين في العمد على أنه موجب ماذا ان
قلنا القود المحصن صح بيعه كالمرتد وان قلنا أحد الامرين فهو كبيع المرهون وكلام الروياني يدل على
اختيارها فإنه قال إن الأصح بطلان البيع عمدا أو خطأ ومن القائلين بالبناء المذكور ابن أبي هريرة
ومن الأصحاب من قال ولو جعلنا موجب العمد أحد الامرين فحكمه هنا كما إذا جعلنا موجبه القصاص
لا غير لأنا على هذا القول لاثبتها بشاهد ويمين وشاهد وامرأتين حكاه القاضي حسين مطلقا
وعزاه ابن داود لصاحب التقريب وانه قال بجواز البيع في الجاني عمدا على القولين وهذا في الحقيقة
اختيار للطريقة الثانية وهذا كله حيث لا عفو فان عفا عن القصاص على مال ثم عرض البيع كان
حكمه كالخطأ تجرى فيه طريقان خاصة إما جريان القولين وإما القطع بالمنع وحكم شبه العمد والعمد
الذي لا قصاص فيه في ذلك حكم الخطأ وكذلك إذا أتلف العبد مالا * واعلم أنه قد تقدم ما يقتضى الفرق
بين الجاني والمرتد من كلام القاضي حسين والفرق بينه وبين المرهون من جهة أن الراهن حجر على
نفسه والفرقان يقتضيان وجهان * (الطريقة الأولى) * الا أن يلغى الفرق بينه وبين المرتد وأما المرهون
فالفرق ظاهر قال الشيخ أبو حامد كل حق تعلق بعين مال لانسان باختياره يمنع البيع قولا واحدا
كالرهن وكل حق تعلق بعين مال لانسان من غير اختياره فهل يمنع البيع أم لا على قولين كما ذكرناه
ههنا وكما قلنا في المال إذا وجبت فيه الزكاة فباع رب المال قبل اخراج الزكاة بعد وجوب الحق فيه
من غير اختياره كان على قولين (1) يعني إذا قلنا إنها تتعلق بالمال تعلق رهن أو تعلق جناية بعينه
محل هذا الخلاف والطرق إذا كانت الجناية متعلقة برقبته كما تقدم وباعه قبل الفداء وهو موسر فلو
كانت موجبة المال في ذمته لم يمنع بيعه بحال وان تعلقت برقبته وباعه وهو معسر بطل ومنهم من
طرد الخلاف فيه وحكم بأن الخيار للمجني عليه ان صححنا وان باعه وهو موسر فإن كان بعد الفداء
صح وإن كان قبله وقبل اختياره فهو محل الخلاف وإن كان قبل الفداء ولكن بعد اختيار الفداء
فاطلاق صاحب التهذيب يقتضى الصحة واطلاق الماوردي يقتضى طرد الخلاف وهو الاقيس لان

(1) بياض بالأصل
347

اختيار الفداء ليس بالتزام فله الرجوع عنه ولا يلزمه به شئ بل لو صرح بالتزام الفداء لم يلزمه على
أصح الوجهين في الوسيط في آخر العاقلة قبيل القسم الرابع في دية الجنين بل لو قلنا باللزوم فغاية ذلك
أنه ضمان فلم ينقطع التعلق بالرقبة به حتى يصح بيعها ولو باع العبد الجاني باذن ولي المجني عليه فلا
اشكال في الصحة *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (إذا قلنا إن البيع صحيح في قتل العمد فقتل العبد في يد المشترى ففيه وجهان قال أبو العباس
وأبو علي بن أبي هريرة ان علم المشترى بالجناية في حال العقد لم يرجع عليه بالأرش وان لم يعلم رجع
بأرش العيب لان تعلق القتل برقبته كالعيب لأنه ترجى سلامته ويخشى هلاكه فهو كالمريض وإذا
اشتري المريض ومات وكان قد علم بمرضه لم يرجع بالأرش وان لم يعلم جع فكذلك ههنا فعلى هذا إذا
لم يعلم بحاله وقتل قوم وهو جان وقوم غير جان فيرجع بما بينهما من الثمن وقال أبو إسحاق و؟ ود
القتل بمنزلة لاستحقاق وهو المنصوص فإذا قتل انفسخ البيع ورجع بالثمن على البائع علم بالجناية حال
العقد؟؟ ولم بعلم لأنه أزيلت يده عن الرقبة بسبب كان في يد البائع فأشبه ما إذا استحق ويخالف المريض
فإنه لم يمت بالمرض الذي كان في يد البائع وإنما مات بزيادة مرض حدث في يد المشترى فلم يرجع
بجميع الثمن) * *
* (الشرح) * بدأ المصنف بالتفريع الذي هو المقصود فوضع المسألة في هذا الباب واقتصر على
التفريع على القول بصحة البيع لذلك فان التفريع على البطلان لا تعلق به يختص بهذا الباب وقد
قال الأصحاب انا ان أبطلنا باع العبد الجاني رده واسترجع الثمن وتبقى الحكومة بين السيد والمجني
عليه فإن كانت الجناية توجب القصاص واقتص الولي فذلك وان عفا على مال أو كانت توجب
مالا فالسيد على خيرته ان شاء سلمه ليباع وان شاء فداه من ماله فان سلمه فان بيع بقدر الجناية فذلك
وان بيع بأقل فلا يلزم السيد غيره وان بيع بأكثر فالفاضل يدفع إلى السيد البائع وإذا أفدي فالأظهر
أنه يفد به بأقل الأمرين من الأرش وقيمة العبد (والثاني) يتعين لأرش وان كثر إلا أن يسلم العبد ليباع
فإنه قد يرغب فيه راغب بأكثر وان قلنا بصحة البيع فإن كانت الجناية توجب المال فظاهر مذهب
الشافعي ان السيد ملتزم للفداء ببيعه مع العلم بجنايته فيجبر على تسليم الفداء كما لو
348

أعتقه أو قبله وقيل هو على خيرته ان فدى امضي البيع والا فسخ قال هذا القائل وهذا لان ذلك
ليس بأكثر من أن يختار الفداء ولو اختار أن يفديه ثم قبل أن يخرج أرش الجناية رجع عن ذلك
كان له هكذا قال الشيخ أبو حامد ويقتضيه كلام أبى الطيب في النقل عن صاحب هذا الوجه وشبهه
أبو الطيب بما إذا قال الراهن أنا أقضي الدين من غير الرهن أو من قيمة الرهن لا يجب عليه الوفاء
بذلك وهو النقل نستفيد منه ان عند اختيار الفداء لا يلزم وهو كذلك على الأصح وبه يضعف
ما اقتضاه اطلاق التهذيب فيما تقدم من جواز البيع عند اختيار الفداء ولا يضعف به جعل البيع التزام
للفداء لان المأخذ في ذلك الحيلولة كالعتق والقتل فلا يلزم من كون صريح الالتزام غير ملزم أن
لا يكون هذا ملزما فان قلنا بالأول فطريقان (أحدهما) يفديه ههنا بأقل الامرين قولا واحدا هكذا
قال الشيخ أبو حامد وأبو الطيب وعزاها ابن داود إلى النص (والثانية) ذكرها ابن داود وابن أبي
هريرة ويقتضيها كلام الماوردي جريان القولين فيه ووجه الطريقة الأولى أنه لا يقدر على تسليمه للبيع
ولذلك إذا قبله يفديه بأقل لامرين خاصة ومنهم من اجرى فيه الخلاف فان تعذر تحصيل الفداء
أو تأخر لافلاسه أو غيبته أو صبره على الحبس فسخ البيع وبيع في الجناية لان حق المجنى عليه سبق
حق المشترى وان قلنا بالثاني وهو أنه لا يلزمه بالبيع الفداء وهو قول أبى اسحق المروزي فهو بالخيار
بين الفداء وتسليمه المبيع وفى الفداء ههنا القولان لأنه قادر على تسليمه وإن كانت الجناية موجبة
خيار القصاص فان عفا الولي فالحكم على ما تقدم وان طلب القصاص قتله ونظر فإن كان قبل القبض
انفسخ البيع وإن كان بعده وهي مسألة الكتاب والمقصود في هذا الباب وهو تفريع على الصحيح ان
الجناية الموجبة للقصاص لا تمنع من البيع فإذا قبل في يد المشتري بالجناية السابقة فأحد الوجهين أن
ذلك بمنزلة العيب فإنه كان قد علم به قبل الشراء أو بعده ولم يفسخ حتى قتل فلا شئ له وان لم يعلم رجع
بأرش العيب وهو ما بين قيمته جانيا وغير جان منسوبا من الثمن ويعبر عن ذلك بأنه من ضمان
المشترى وهذا نسبه الجمهور إلى ابن سريج وابن أبي هريرة كما نسبه المصنف بل أكثرهم ينسبه لابن
سريج ولا يذكر غيره ونسبه الماوردي لابن أبي هريرة خاصة ولم ينسب لابن سريج في هذه المسألة شيئا
ونسب إليه في مسألة القطع بالسرقة السابقة أنه في ضمان البائع كما يقوله في القول الثاني وهو غريب
وقد تقدم ذلك عنه ولا فرق بين المسألتين في هذا المعني وقد تقدم ان ابن بشرى نقل ما يوافق قول
349

ابن أبي هريرة عن نصه في الاملاء وبهذا القول قال أبو يوسف ومحمد ومال الماوردي إليه في القطع
بالسرقة والثاني وهو قول أبى اسحق وابن الحداد وهو مذهب الشافعي على ما قاله الشيخ أبو حامد
والقاضي أبو الطيب وغيرهما وهو نصه كما ذكره المصنف ولفظه في اخر باب الفتيا من الجزء الثامن من
الام قال الشافعي من باع رحلا غنما قد حال عليها الحول أو بقرا أو بلا فأخذت الصدقة
منها فللمشتري الخيار في رد البيع لأنه لم يسلم له ما اشترى كاملا وأخذ ما بقي بحصته من الثمن ولكن من
باعه إبلا دون خمسة وعشرون فالبيع جائز وعلى البائع صدقة الإبل التي حال عليها الحول في يده ولا
صدقة على المشترى فيها قال ومثل هذا الرجل يبيع العبد وقد حل دمه عند بردة أو قتل عمد أو
قطع يده في سرقة فإذا قتل ينفسخ البيع ويرجع بما أخذ منه وإذا قطع فله الخيار وفى فسخ البيع
وامساكه لان العيوب في الأبدان مخالفة نقص العدد انتهى * وقد وجهوا هذا القول بان السبب
كان في يد البائع وأحيل الهلاك عليه وان وجد في يد غيره كما لو أحبل المشترى الجارية المبيعة بيعا
فاسدا وردها إلى بائعها وماتت من الطلق وبهذا القول قال أبو حنيفة ويعبر عن هذا القول بأنه من
ضمان البائع ويعبر عنه أيضا بأنه كالاستحقاق أي جعل التلف في يد المشترى بالسبب السابق كظهور
الاستحقاق في المبيع بسبب سابق وهذا الشبه يوهم أنه تبين بطلان البيع ولم يريدوا ذك بل ينفسخ
بالتلف ووقع الشبه في الحكم بالبطلان من حيث الجملة وقد تقدم أن الماوردي نقل ما يوافق هذا
القول عن ابن سريج في مسألة القطع وذلك خلاف المشهور - وأما تمسك القائلين بالوجه الأول بمسألة
المرض وهي فيما إذا اشترى عبدا مريضا وتمادي المرض إلى أن مات في يد المشترى طريقان (أحدهما)
أنه على الخلاف ويحكى هذا عن الحليمي وغيره وسيأتي عن القاضي أبى الطيب ما يقتضيه فعلى هذا
يسقط الاحتجاج بها (وأشهرهما) القطع بأنه من ضمان المشترى وعلى هذا الفرق ظاهر لان المرض
يزداد شيئا فشيئا إلى الموت فليس الموت بالمرض السابق على البيع بل بما يتجدد بخلاف الجناية فإنها
سبب كامل للقصاص وهذا معني الفرق الذي ذكره المصنف ويكتفى في ذلك بمجرد الاحتمال فإنه
يمنع من الحاقه بالمرض القديم فكيف والظاهر حدوث سبب جديد والأصل صحة العقد ولزومه
ونظير ذلك إذا اشترى جارية حاملا ولم يعلم بحملها فماتت من الطلق يرجع بأرش العيب لأنها
ماتت من أوجاع الطلق وهي حادثة في يد المشترى كالمريض إذا مات قاله القاضي أبو الطيب وحكم
350

الجراحة السارية حكم المرض ذكره في التهذيب وجعلها على الوجهين وبين أن ذلك في المرض
المخوف أما غير المخوف كالصداع والحمى فيرجع بالأرش إذا ازداد في يده ومات وكذلك ذكره
القاضي حسين وحكم القولنج حكم المرض المخوف على ما ذكره القاضي حسين والبغوي حينئذ موافقان
للحليمي وهذا كله إذا لم يعلم المشتري بالجناية حتى قتل في يده فلو علم قبل العقد أو بعده ولم يفسخ
فقد صرح المصنف بان الحكم كذلك قال الرافعي ويحكى عن أبي إسحاق واختيار أبى حامد
(قلت) وهو الشيخ أبو حامد الأسفرايني فإنه كذلك في تعليقه علم به أو لم يعلم وتبعه المصنف
أما القاضي أبو الطيب فإنه نسب ذلك إلى بعض أصحابنا وقال إنه غلط وأن مذهب الشافعي لا يختلف
انه بمنزلة لعيب ونقل عن نص الشافعي في كتاب الرهن انه بمنزلة العيب الذي قد رضى به ولا شئ له قال
الرافعي انه الأصح عند الجمهور وهو قول ابن الحداد أنه لا يرجع بشئ لدخوله في العقد على بصيرة
وامساكه مع العلم بحاله كما قال القاضي أبو الطيب قال وليس هو كظهور الاستحقاق من كل وجه
ولو كان كذلك ما صح بيعه أصلا وممن اختيار هذا ابن الصباغ وابن أبي عصرون وتحصل من ذلك
أنه عند الجهل ينزل منزلة الاستحقاق وعند العلم ينزل منزلة العيب فإذا رضى به سقط أثره وهو أقوى
في المعنى وفى الحقيقة هو عيب في الحالين ولكن في حالة العلم سقط أثره وفى حالة الجهل القتل من
أثره فلذلك نزل منزلة الاستحقاق لكونه لم يرض به غير أن النص الذي تمسك به أبو الطيب من
كتاب الرهن إن كان هو الذي نقلته فيما تقدم عند طريان العيب قبل القبض وهو قول الشافعي
انه عيب دلس به فهذا لا دليل فيه لان الشافعي ما تكلم في حالة القصاص وإنما ذلك إذا اطلع
عليه قبل القصاص قال له أن يرد لأنه عيب وهذا لا نزاع فيه إنما النزاع في كونه إذا لم يرد حتى
قتل هل ينفسخ أولا *
* (فرع) * أما ثبوت الخيار للمشترى إذا صححنا البيع ولم يحصل القصاص فإن كان بعد الفداء
فقد سبق حكمه في العيوب والتفصيل في العمد بين أن يتوب أولا وفى الخطأ بين أن يكثر أولا وادعى
ابن الرفعة أن نص الشافعي في البويطي في كتاب الغصب يدل على أنها وان كثرت لا تثبت الخيار
إذا كانت خطأ وفيه نظر وقد تأملت في كتاب الغصب في البويطي وفيه ما يحتمل ذلك بالمفهوم لا
بالمنطوق وليس بقوي التمسك به وقال ابن الرفعة انه بين التمسك به في كتاب الغصب أما إذا كانت
351

قبل الفداء قال ابن الرفعة شبه أن يثبت الخيار سواء أقلنا يلزم السيد فداؤه أم لا وهو كما قال وهذا
حيث يقول إن مجرد الجناية لا يكون عيبا إما عند التوبة أو عند عدم الكرار أما إذا كانت عيبا فهي
كافية في ثبوت الخيار *
* (فرع) * إذا باعه ولا جناية منه ولكنه كان قد حفر بئرا في محل عدوان قبل البيع فتردى
فيها من يجب ضمانه بعد البيع يشبه أن يكون كما لو كان قد جني جناية توجب قصاصا ثم بعد
البيع عفي على مال وقد تقدم *
* (فروع) * وطئ الجارية الجانية لا يكون التزاما للفادي وفيه وجه مذكور في الديات من
الرافعي ولو قال لعبده إذا جاء رأس الشهر فأنت حر فجنى العبد ثم جاء رأس الشهر عتق ولزم السيد الفداء
قاله القاضي عنه في باب الأمة تغرس نفسها ولو قال إن دخلت الدار فأنت حر فجنى العبد ثم دخل الدار
تعلق الأرش بذمة المعتق والفرق أنه في هذه عتق بفعله ولم يوجد من السيد فعلى وفى الأولى لم يوجد
من العبد شئ فصار السيد متلفا بالعتق المعلق ومثل ذلك إذا قال إذا قدم زيد فأنت حر فإنه لا فعل
من العبد قال ابن الرفعة ينبغي على قولنا بعدم نفوذ عتق الجاني وان الاعتبار بحال الصفة لا يحكم بعتقه ببينة
لو نقص الأرش عن الرقبة هل يكون الحكم كما تقدم ولا يمتنع البيع لا في مقدار الأرش ظاهر نص
الشافعي الأول وحاول ابن الرفعة تخريج خلاف وقال وقد ذكره الغزالي في لزكاة وأيده بقول العراقيين
أن بيع العبد الجاني كبيع الوارث التركة قبل قضاء الدين وبأن الرافعي في الوصايا عند الكلام في
الدور الوقع في الجنايات إذا جنى عبد على حر وعفى المجني عليه ومات فان أجازته الورثة فذاك والا
نفذ في الثلث وانفك ثلث العبد عند تعلق العبد وأشار الامام فيه إلى وجه آخر كما أن شيئا من المرهون لا ينفك
ما بقي شئ من الدين * (فائدة) * أجمعوا إذا كان في يد العبد مال وهو مأذون ان الدين في ماله
والجناية في رقبته فإذا عجزت الرقبة عن احتمال الجناية لم يرد إلا ما في يده وكذلك إذا عجز ما في
يده عن الدين لم يرد إلى الرقبة *
* (فرع) * لو اشتري عبدا وبه مرض أو جراحة فزاد ذلك في يد المشترى ولم يعلم ثم علم حال
الاستقصاء قال القاضي أبو الطيب قياس قول أبي بكر بن الحداد المصري تصير الزيادة كأنها حصلت
في يد البائع للمشترى الخيار في الرد والرجوع بجميع الثمن وعلى قول سائر أصحابنا زيادة المرض في
352

يده تمنع من الرد وله الرجوع بالأرش بقدر ما بين قيمته صحيحا ومعيبا بالعيب الذي كان في يد
البائع دون لزيادة التي حدثت في يد المشترى لأن هذه لزيادة حدثت بسبب المرض الذي كان عند
البائع فكان على وجهين كالقطع في السرقة وان لم يعلم بالمرض أو الجراحة حتى سرت إلى النفس
فعلى قول ابن الحداد ينفسخ البيع ويرجع بالثمن وعلى قول ابن سريج وأبى على لا ينفسخ ويرجع
بالأرش ولو اشترى جارية حاملا ولم يعلم بالحمل حتى ماتت من الولادة فعن القاضي أبى الطيب
أنه على الوجهين *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وان اشتري عبدا مرتدا فقتل في يده ففيه وجهان في قول أبى اسحق ينفسخ البيع ويرجع
بالثمن وعلى قول أبى العباس وأبى على ابن أبي هريرة إن كان قد علم بالردة لم يرجع بالأرش وان
لم يعلم رجع بالأرش - ووجههما ما ذكرناه في الجاني عما *
* (الشرح) * بيع العبد المرتد صحيح على المذهب كبيع العبد المريض المشرف على الهلاك وعن
الشيخ أبى على حكاية وجه أنه لا يصح تخريجا من الخلاف في العبد الجاني والمشهور القطع
بالأول وكذلك يقاس الجاني عليه وقد تقدمت الإشارة إلى الفرق لان رقبة الجاني مستحقة لآدمي
وله العفو على مال فكأن تعلق المال حاصل بخلاف المرتد وقال القاضي حسين ابن الوجه المذكور
خط لان الشافعي نص أن رهن المرتد والقاتل جائز فإذا فرعنا على صحته فقتل قبل القبض انفسخ
العقد على ما تقدم وان قتل في يد المشترى بالردة السابقة فعلى الخلاف المتقدم في الجاني على قول
أبى اسحق وابن الحداد والمنصوص للشافعي ينفسخ البيع ويرجع بالثمن إن كان المشترى جاهلا بردته
وفيما إذا كان عالما وجهان رأى المصنف والشيخ أبى حامد وأبى اسحق أنه كذلك ولهذا أطلق هنا
ورأي ابن الحداد وهو الأصح على ما تقدم أنه لا ينفسخ البيع ولا يرجع بشئ قال الامام كان يقرب
من ذلك الوجه يعني الذي يقول بأنه ينفسخ مطلقا كما يقوله المصنف أن يقال بالوقف حتى يقال إن
قتل المرتد تبينا أن بعيه لم يصح وان عاد إلى الاسلام تبينا الصحة قال ولم أر ذلك لاحد (وأما) على
قول ابن سريج وابن أبي هريرة فإن كان علم بالردة لم يرجع بالأرش لأنها عيب رضى بها وان لم يعلم
رجع كتعذر الرد فيرجع بأرش العيب القديم كسائر العيوب فيتقوم مرتدا وغير مرتد ويرجع بما
353

بينهما منسوبا من الثمن قال الأصحاب فان قيل المرتد قتل لاقامته على الردة وذلك حادث في يد
المشترى (فالجواب) أنه إنما قتل بالردة السابقة لأنه لو قتله انسان قبل الاستنابة لم يضمنه فإقامته على
الردة لم توجب القتل لكن استيفاء ما وجب عليه *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (وإن قتل العبد في المحاربة وانحتم قتله فقد ذكر الشيخ أبو حامد الأسفرايني رحمه الله في
التعليق أن البيع باطل لأنه لا منفعة فيه لأنه مستحق القتل فلا يصح بيعه كالحشرات وقال شيخنا
القاضي أبو الطيب يصح بيعه لان فيه منفعة وهو أن يعتقه فصح بيعه كالزمن فعلى هذا إذا قتل في
يد المشترى فحكمه حكم القائل عمدا في غير المحاربة وقد بيناه) * *
* (الشرح) * إذا قتل في المحاربة فان تاب قبل أن نقدر عليه فالقود ههنا متحتم بل هو إلى
ولى الدم والحكم فيه على ما تقدم في جناية العبد وإن قدر عليه قبل أن يتوب وقلنا تسقط العقوبة
بالتوبة بعد الظفر فكذلك (فان قلنا) لا تسقط فثلاث طرق (إحداهما) قال الشيخ أبو حامد لا يجوز
البيع قولا واحدا لان قلته محتم ويفارق المريض والمرتد والقاتل في غير المحاربة لرجاء برء المريض
واسلام المرتد والعفو عن القاتل ووافقه المحاملي في المجموع ونسب الرافعي هذه الطريقة إلى اختيار
الشيخ وطبقته ونسبه الامام وغيره إلى أبى عبد الله الحسين ولم أر في تعليق أبى حامد التعليل بعدم
المنفعة بل يتحتم القتل فجاز أن يقول منفعة هذه مع كونه غير باق ألا يتخلص به لعبادة الله تعالى غير
مقصودة وأما الدين فإنه باق يتخلص بالعتق للعبادة ومنافع الدنيا والآخرة واختار ابن أبي عصرون
ما قاله الشيخ أبو حامد وقطع به في المرشد وقال جواز عتقه لا يستدل به على جواز بيعه بدليل الآبق
والمجهول والمعنى فيه أن في العتق قوة وسراية (الطريقة الثانية) ما قاله القاضي أبو الطيب إنه كبيع
الجاني يعني عمدا فيصح على الأصح وتوجيهها ما ذكره المصنف وقد علمت ما يرد عليه (والثالثة) قال
الرافعي إنها الأظهر عند كثير من الأئمة أن بيعه كبيع المرتد ولا شك أنها أظهر مما قاله القاضي أبو الطيب
لان جناية العمد قد تصير إلى المال بخلاف هذا لكن يرد على الحاقه بالمرتد ما قدمته من أن المرتد
مرجو البقاء بالاسلام بخلاف المحارب الذي تحتم قتله أنه لا شك أنه أولى بالمنع منه ويبقى النظر في
منفعة العتق في هذه الحالة هل هي مقصودة مما يتوصل إليها بالاغراض فتكون كبيع المرتد المشهور
بصحته ويأتي فيه ما حكاه الشيخ أبو علي وأن مثل هذه المنفعة لا تعتبر فيقوي ما قاله الشيخ أبو حامد
354

وفيه نظر والأقرب الأول لان العتق كيف ما كان فيه أجر والاجر مقصود متوصل إليه بالأموال فعلى
طريقة أبى الطيب يكون حكمه حكم القاتل عمدا في غير المحاربة وقد تقدم تفصيله وعلى الطريقة
التي قال الرافعي إنها أظهر عند كثير من الأئمة يكون كالمرتد وقد تقدم أيضا وعلى طريقة الشيخ
أبى حامد البيع باطل ولا كلام *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* (إذا باع عينا بشرط البراءة من العيب ففيه طريقان (أحدهما) وهو قول أبي سعيد
الإصطخري إن المسألة على ثلاثة أقوال (أحدها) أنه يبرأ من كل عيب لأنه عيب رضى به المشترى
فبرئ منه البائع كما لو أوقفه عليه (والثاني) لا يبرأ من شئ من العيوب لأنه شرط يرتفق به أحد
المتبايعين فلم يصح مع الجهالة كالأجل المجهول والرهن المجهول (والثالث) أنه لا يبرأ إلا من عيب
واحد وهو العيب الباطن في الحيوان الذي لا يعلم به البائع لا روي سالم أن أباه باع غلاما بثمانمائة
بالبراءة من كل آفة فوجد الرجل به عيبا فخاصمه إلى عثمان رضي الله عنه فقال عثمان لابن عمر احلف
لقد بعته وما به داء تعلمه فأبى ابن عمر أن يحلف وقبل الغلام فباعه بعد ذلك بألف وخمسمائة فدل
على أنه يبرأ مما لم يعلم ولا يبرأ مما علمه قال الشافعي رحمه الله ولان الحيوان يفارق ما سواه لأنه يغتذى
بالصحة والسقم وتحول طبائعه وقلما يبرأ من عيب يظهر أو يخفى فدعت الحاجة إلى التبري من العيب
الباطن فيه لان لا سبيل إلى معرفته وتوقيف المشترى عليه وهذا المعنى لا يوجد في العيب الظاهر ولا
في العيب الباطن في غير الحيوان فلم يجز التبري منه مع الجهالة والطريق الثاني أن المسألة على قول
واحد وهو أنه يبرأ من عيب باطن في الحيوان لم يعلم به ولا يبرأ من غيره وتأول هذا القائل
ما أشار إليه الشافعي من القولين الآخرين على أنه حكى ذلك عن غيره ولم يختره لنفسه (فان قلنا)
إن الشرط باطل فهل يبطل البيع فيه وجهان (أحدهما) لا يبطل البيع ويرد المبيع لحديث عثمان
رضي الله عنه فإنه أمضى البيع (والثاني) أنه يبطل البيع لان هذا الشرط يقتضى جزأ من الثمن تركه
البائع لأجل الشرط فإذا سقط وجب أن يرد الجزء الذي تركه بسبب الشرط وذلك مجهول والمجهول
إذا أضيف إلى معلوم صار الجميع مجهولا فيصير الثمن مجهولا ففسد العقد والله أعلم) * *
355

* (الشرح) * هذا الفصل باب مستقل وب عليه المزني والأصحاب بباب بيع البراءة وكثير
من الأصحاب أدرجوه في هذا الباب لأنه من مسائله وقضاء عثمان هذا رواه مالك في الموطأ عن يحيى
ابن سعيد عن سالم ولفظه أن عبد الله بن عمر باع غلاما له بثمانمائة وباعه بالبراءة فقال الذي ابتاعه
لعبد الله بن عمر بالعبد داء لم تسمه لي فاختصما إلى عثمان بن عفان فقال الرجل باعني عبدا وبه داء
لم يسمه لي قال عبد الله بن عمر بعته بالبراءة فقضى عثمان بن عفان على عبد الله بن عمر أن يحلف
له لقد باعه العبد وما به داء يعلمه فأبى عبد الله بن عمر أن يحلف وارتجع العبد فباعه عبد الله بعد
ذلك بألف وخمسمائة درهم ورواه البيهقي في سننه وفى المعرفة من رواية مالك كذلك وفى رواية
تعليق أبى حامد وغيره من الفقهاء أن المشترى من ابن عمر زيد بن ثابت وأنهما اللذان اختصما
إلى عثمان وقيل إن ذلك الداء زال عند عبد الله وصح منه وقال ابن عمر تركت اليمين لله تعالى
فعوضني الله وقد روى عن زيد بن ثابت وابن عمر أنهما كانا يريان البراءة من كل عيب
جائزه واسناده ضعيف قال البيهقي إنما رواه شريك عن عاصم بن عبيد الله عن
عبد الله بن عامر عنهما وقال يحيى بن معين حديث شريك عن عاصم بن عبد الله
عن زيد بن ثابت البراءة من كل عيب براءة ليس يثبت تفرد به شريك وكان في كتابه عن
أشعث بن سوار وسئل عبد الله عن حديث شريك عن زيد بن ثابت في البيع بالبراءة فقال أجاب
شريك على غير ما كان في كتابه ولم نجد لهذا الحديث أصلا قال البيهقي إن صح ما رواه في الباب
حديث سالم وهو المذكور من رواية مالك في قضاء عثمان وعن شريح القاضي أنه كان لا يبرأ من
الداء حتى يريه إياه يقول برئت من كذا وكذا وعنه لا يبرأ حتى يضع يده على الداء وعن عطاء بن
أبي رباح وطاوس والحسن مثله وعن أبي عثمان النهدي قال ما رأيتهم يجيزون من الداء إلا ما يثبت
ووضعت يدك عليه وأبو عثمان النهدي كبير أدرك جميع الصحابة وفاتته الصحبة بشئ يسير والاسناد
إليه في هذا جيد وعن ابن سيرين أنه لا يبرأ إلا من عيب يسميه ويريه هذا ما في هذه المسألة من
356

الاثبات عن الصحابة والتابعين - وأما العلماء فاختلفوا على مذاهب (أحدها) أن يبرأ من كل عيب
علمه البائع أو لم يعلمه وهو مذهب أبي حنيفة وأبى ثور كما روى عن ابن عمر وزيد (والثاني والثالث)
أنه لا يبرأ من شئ من العيوب واختلفت عبارة هؤلاء فمنهم من يقول حتى يسميه وهو مذهب ابن أبي
ليلى وسفيان الثوري والحسن بن حي وداود ونقله ابن المنذر عن ابن أبي ليلى والثوري هكذا
مقيدا ونقله غيره عن الحسن بن حي وداود مطلقا وظاهر النقل عن هؤلاء أنه إذا سمى كفى سواء
أكان العيب مما يعاين أم لا وهو موافق لما يقوله القاضي حسين من أصحابنا على ما سيأتي (والثالث) أنه
لا يبرأ من شئ حتى يضع يده عليه كما تقدم عن شريح وعطاء وهو مذهب أحمد في رواية عنه
واسحق ويشبه أن يكون ذلك الاطلاق فيما يمكن كما فصله أصحابنا كما سيأتي لكن قولهم إنه يضع
يده إن كان المراد المعاينة فهو قول أصحابنا فيما يمكن رؤيته وان يراد ظاهره من وضع اليد عليه فهو
قول آخر وهو بعيد (الرابع والخامس والسادس) أنه لا يبرأ من العيب الباطن الذي لم يعلم به في الحيوان
خاصة كقول عثمان وهو مذهب مالك الذي ذكره في الموطأ هنا قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا
فمن باع عبدا أو وليدة أو حيوان بالبراءة فقد برئ من كل عيب فيما باع إلا أن يكون علم في ذلك
عيبا فإن كان علم عيبا فكتمه لم تنفعه تبرئته وكان ما باع مردودا عليه وهذا القول يخرج منه عند
أصحابنا في تحريره ثلاثة أقول كما سيأتي إن شاء الله تعالى (السابع) قول ثان لمالك وقال ابن عبد البر
إن مالكا رجع إليه انه لا يبرأ بذلك إلا في الرقيق خاصة فيبرأ ما لم يعلم ولا يبرأ مما علم فكتم وبعضهم قيد
ذلك بأن يكون البيع من الفحاش لان الفحاش تشترى لتريح - وأما في سائر الحيوان وغير الحيوان
فلا يبرأ به عيب أصلا (والثامن) قول ثالث لمالك وقيل إنه لذي رجع إليه أنه لا ينتفع بالبراءة إلا في
ثلاثة أشياء فقط وهو بيع السلط للمغنم أو على مفلس قال بعضهم أو في ديون الميت (والثاني) العيب
الخفيف في الرقيق خاصة لكل أحد (والثالث) فيما يصيب الرقيق في عهدة الثلاث خاصة (والتاسع)
أن البيع باطل كما هو قول في المذهب خارج من التفريع على القول الثاني ولا أعرفه صريحا عن
357

أحد من السلف إلا عن مذهبنا وبعض الظاهرية وان صح أن أحد يقول لا بد من وضع اليد كما
هو ظاهر النقل عن شريح وغيره كانت المذاهب عشرة هذه جملة المذاهب (وأما) تفصيل مذهبنا
فقد اختلف الأصحاب عن طرق أشهرها وبه قال ابن سريج وابن الوكيل والاصطخري إنه على ثلاثة
أقوال وهي المذكورة في الكتاب وأظهر الأقوال الثالث منها وهو أنه يبرأ في الحيوان مما لا يعلمه
البائع من الباطن دون الظاهر ودون ما يعلمه من الباطن ولا يبرأ في غير الحيوان بحال - وحاصل هذه
الطريقة أن في الحيوان ثلاثة أقول وفي غير الحيوان قولين ولا يجئ الثالث في غير الحيوان لأنه
لا باطن له كما قاله القاضي أبو الطيب والقاضي حسين وغيرهما (والطريق الثاني) القطع بهذا القول الثالث
والى ذلك ذهب ابن خيران وأبو إسحاق المروزي على ما حكاه الماوردي وغيره وقال ابن أبي عصرون
انها الأصح وقال الامام انها الأليق بكلام الشافعي مع قوله أن الأولى أشهر وفى المجرد من تعليق
أبى حامد نسبتها إلى عامة أصحابنا والطريق الثالث حكاه الماوردي عن أبن أبي هريرة أنه يبرأ في
الحيوان من غير المعلوم دون المعلوم ولا يبرأ في غير الحيوان من المعلوم وفى غير المعلوم قولان وقد
رأيتها كذلك في تعليق أبى على الطبري عن ابن أبي هريرة (والطريق الرابع) يخرج من منقول
الامام وهي اثبات ثلاثة أقوال في الحيوان وغيره (ثالثها) الفرق بين المعلوم وغير المعلوم (والطريقة الخامسة
)
القطع في الحيوان بالفرق بين المعلوم وغيره واجراء الأقوال الثلاثة في غير الحيوان وهي تخرج من
نقل سلام شارح المفتاح والطريقة الثالثة والرابعة والخامسة مقتضاها عدم التفرقة بين الباطن والظاهر
وذلك طرد التفصيل في غير الحيوان وهو لا باطن له كما تقدم عن القاضي أبى الطيب وذلك
يوافق ما حكاه الامام الماوردي والرافعي أن منهم من اعتبر نفس العلم والأكثرون جعلوا العيوب
الظاهرة من الحيوان كالمعلومة لسهولة الاطلاع عليها والبحث عنها قال الامام وإذا جمع جامع الحيوان
إلى غيره انتظم له أقوال (أحدها) الصحة في الجميع (والثاني) الفساد في الجميع (والثالث) الفرق بين الحيوان
358

وغيره (والرابع) الفرق بين ما علمه البائع وكتمه وبين ما لم يعلم وقد ذكرنا البعض الظاهر والباطن
فقد يجرى من خلاف الأصحاب فيه قول خامس (وقال) الغزالي في البسيط أن مجموعها سبعة أقوال
(أحدها) صحة الشرط مطلقا (والثاني) فساده مطلقا (والثالث) فساده فيما علمه وصحته فيما لم يعلمه
(والرابع) فساده فيما علمه أو يسهل العلم به (والخامس) فساده في غير الحيوان وصحة في الحيوان
(والسادس) فساده إذا أبهم العيب وصحته إذا عينه (والسابع) فساده فيما سيحدث في يد البائع إذا
ذكر مقصودا وصحته فيما عداه (قلت) وفى الخامس نظر لأنه يقتضى الصحة في الحيوان مطلقا من غير
تفصيل فتحرير العبارة فيه أن يقال يفسد في غير الحيوان ويصح في الحيوان فيما لم يعلم أو لم يسهل العلم
به (والسابع) صحيح لما سيأتي عن القاضي حسين مع جريان الخلاف مع التعيين (والثامن) صحيح
أيضا لما سيأتي ويأتي فيه وجه ثامن بالفساد فيما سيحدث في يد البائع إذا ذكر ولو تعابا (والوجه التاسع)
بطلان العقد وسبب اخلاف الأصحاب على هذه الطريق أن الشافعي قال على ما حكاه المزني في المختصر
إذا باع لرجل شيئا من الحيوان بالبراءة فالذي أذهب إليه قضاء عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه برئ
من كل عيب لم يعلمه ولا يبرأ من عيب علمه ولم يسمه ويقفه عليه تقليلا وأن الحيوان يفارق ما سواه
لأنه يغتذي بالصحة والسقم وتحول طبائعه وقل ما يبرأ من عيب يخفى أو يظهر وان صح في القياس لولا
ما وصفنا من افتراق الحيوان وغيره أن لا يبرأ من عيوب لم يرها ولو سماها لاختلافهما أو يبرأ من كل
عيب والأول أصح وهذا النص نقله المزني من اختلاف العراقيين من الام فان فيه في باب الاختلاف
في العيب قال الشافعي وإذا باع الرجل العبد أو شيئا من الحيوان بالبراءة من العيوب فالذي نذهب إليه
والله أعلم * قضاء عثمان بن عفان رضي الله عنه انه برئ من كل عيب لم يعلمه ولم يبرأ من عيب علمه
ولم يسمه البائع ويقفه عليه وانا ذهبنا إلى هذا تقليدا وان فيه معنى من الغى يفارق فيه الحيوان
ما سواه وذلك إنما كانت فيه الحياة فكان يغذى بالصحة والسقم وتحول طبائعه قل ما يبرأ من عيب يخفى
أو يظهر فإذا خفى على البائع ابراءه يبرئه منه وإذا لم يخف عليه فقد وقع اسم العيوب على ما بعضه يقل
ويكثر ويصغر ويكبر وتقع القسمة على ذلك ولا يبرأ منه الا أن يقفه عليه وان صح في القياس لولا التقليد
وما وصفنا من تفرق الحيوان بأن لا يبرأ من عيب كان به لم يبرئه صاحبه ولكن التقليد ما وصفنا
الأولى بما وصفنا هذا كلام الشافعي رحمه الله في اختلاف العراقيين وفيه زيادة فائدة على ما قاله
المزني عنه وهو قوله العبد أو شيئا من الحيوان فان فيه تصريحا بالتسوية في ذلك بين العبد الذي يخبر
عن نفسه وبينه على العيب الذي به وبين غيره من الحيوان الذي لا يمكن فيه ذلك وهذه فائدة جليلة
وليس كما وقفت عليه من اختلاف العراقيين ذكر إلى قاله المزني آخرا من أنه يبرأ من كل عيب إذا
359

عرف ذلك فالأكثرون قالوا إن هذا الكلام من الشافعي يقتضى التردد بين القول الأول الموافق لقضاء
عثمان وبين القولين الأخيرين الذين أشار إليهما بقوله وان صح في القياس لولا ما وصفنا أن لا يبرأ أو
يبرأ من كل عيب فهذه ثلاثة أحوال - ومنهم من منع ذلك وقال وإن كان الشافعي أشار إلى ذلك ولكنه
اختار القول وقال لولا قضاء عثمان ومفارقة الحيوان لغيره لكان القياس هذا ولكن تركت القياس
لقول عثمان والفرق بين الحيوان وغيره قال القاضي أبو الطيب (قلت) أنا قال الشافعي في كتاب اختلافه
ومالك ولو ذهب ذاهب إلى أن من باع بالبراءة برئ مما علم ومما لم يعلم لكان مذهبا يجد فيه حجة
وهذا مثل قول أبي حنيفة وقد نص عليه في هذا الكتاب وهذا يبطل قول من قال إن مذهبه لا يختلف
فيه وأنه قول واحد انتهى * والجوزي نقل عن هذا النص عن رواية حرملة والماوردي ذكر هذا
النص وقال ابن أبي خيران وأبو إسحاق لم يخرجا ذلك قولا لا جماله (قلت) والاجمال فيه ظاهر وقد
اختار المصنف في اللمع أن مثل هذه العبارة لا تجوز أن يجعل ذلك قولا له والمشهور طريقة اثبات
الأقوال لما تقدم وفى الاستذكار لابن عبد البر أن الشافعي قال في الكتاب العراقي ببغداد بأنه لا يبرأ
الا من عيب يريه للمشترى فاستفدنا بهذا النقل اثبات القول بعدم البراءة وانه في القديم وأضعف الطرق
الطريقة الرابعة المأخوذة من الامام فإنها لم تفرق بين الحيوان وغيره وذلك خلاف صريح قول
الشافعي وطريقة ابن أبي هريرة محتملة ولو ذهب ذاهب إلى طريقة سادسة وهو أنه في الحيوان يقطع
بالقول الثالث وفى غير الحيوان قولان (أحدهما) يبرأ مطلقا (والثاني) لا يبرأ مطلقا لكان ذلك وجه
وهذه غير طريقة ابن أبي هريرة لأنه يقطع بأنه لا يبرأ من غير المعلوم في الحيوان وهذه الطريقة التي
أقولها مقتضاها اجراء القولين في غير الحيوان فيما علمه وفيما لم يعلمه والقطع بالتفصيل في الحيوان
ووجه هذه الطريقة اختيار الشافعي لقضاء عثمان وقوله إنه ولولا ذلك والفرق بين الحيوان وغيره لكان
يبرأ أو لا يبرأ يعنى كان فيه قولان وهذا دليل على ثبوت القولين فيما عدا المحل الذي فيه تقليد عثمان
والفرق المذكور وهو غير الحيوان فالطريقة القاطعة بأنه لا يبرأ فيه من عيب أصلا كما تقتضيه طريقة
ابن أبي خيران وأبي إسحاق لا دليل عليها من كلام الشافعي وإنما غاية كلام الشافعي على مقتضى استدلالهم
أن يدل على القطع في الحيوان خاصة فهذه طريقة لم أر أحدا ذهب إليها ولها وجه ظاهر من كلام
الشافعي وقول الشافعي في المختصر والأول أصح الظاهر أنه يريد به الأول من الاحتمالين اللذين ذكرهما
لولا تقليد عثمان ومفارقة الحيوان لغيره أي أن القول أنه لا يبرأ على ذلك التقدير أصح من القول بأنه
يبرأ من كل عيب لأجل ذلك والله أعلم * اقتصر عليه في اختلاف العراقيين ويحتمل أن يكون المراد
360

بالأول ما قاله موافقا لقضاء عثمان ويكون في ذلك تقوية لان في المسألة ثلاثة أقوال في الحيوان وقولين
في غيره كما هو الطريقة المشهورة *
* (فرع) * قسم الماوردي البيع بشرط لبراءة إلى ثلاثة أضرب (أحدها) يبرأ من عيوب سماها
ووقف المشترى عليها فهذه براءة صحيحة وبيع جائز لانتفاء الجهالة ولزوم الشرط في العقد فان وجد
المشترى بالبيع غير تلك العيوب فله الرد وان لم يجد إلا تلك فليس له الرد (الضرب الثاني) أن يبرأ من عيوب
سماها ولم يقف المشترى عليها فهذا على نوعين (أحدهما) أن تكون العيوب مما لا يعين كالسرقة
والإباق فتصح البراءة فيها بالتسمية لأنها غير مشاهدة فلم يمكن الوقوف عليها واكتفى بالتسمية فيها
فان ذكرها إعلاما والاطلاع عليها (والنوع الثاني) أن تكون مما يعاين كالبرص والقروح فلا تكفى
التسمية حتى يقف عليها ويشاهدها لان النقص العيب قسطا من الثمن يزيد بزيادته العيب وينقص
بنقصه فصارت التسمية لها عند عدم مشاهدتها جملا بها (قلت) وهذا معني قوله في المختصر ولو
سماها لاختلافها وكذلك قوله في اختلاف العراقيين ولا يبرأ منه إلا أن يقفه عليه وكلام الماوردي
يقتضى أن هذا الضرب ليس محل الخلاف ولا شك أن القائل بالبراءة مطلقا إذا أطلق شرط البراءة
يقول هنا عند التسمية وان لم يقفه عليها بطريق الأولى وكذلك إذا كان البرص ونحوه في باطن
فان الأصح أن يبرأ منه إذا لم يعلمه عند الاطلاق ففي حالة التسمية كذلك وكذلك قال الرافعي
انه ان أراه موضع البرص وقدره صح وان لم يره فهو كشرط البراءة مطلقا وكذلك يقتضيه كلام
الامام والفوراني والمتولي والبغوي وينبغي أن يحمل كلام الماوردي على هذا المعني قال الرافعي هكذا
فصلوه وكأنهم تكلموا فيما يعرفه في المبيع من العيوب واما ما لا يعرفه ويريد البراءة عنه لو كان
فقد حكى الامام تفريعا على فساد الشرط فيه خلافا مخرجا على ما ذكره من المعنيين يعني ان العلة في
فساد الشرط الجهالة أو كونه من مقتضى العقد (إن قلنا) بالأول صح لانتفاء الجهالة (وان قلنا) بالثاني فلا
361

ومثل صاحب التتمة بتسمية العيب بأن يقول على أنه برئ من الزنا والإباق والسرقة وهذا الذي
تقدم من أن الذي تسكن معاينته لا تكفى فيه التسمية هو قول الأصحاب قال القاضي حسين وعنه
يكون يصح في هذا الموضع لقلة الجهالة وهذا مخالف لما تقدم من كلام الشافعي ومثل القاضي هذا
النوع بأخباره بمثل الجدار وانكساح الجذع *
* (فرع) * ادعى الرافعي أنه لا خلاف في البراءة إذا شرط البراءة من الزنا والسرقة والإباق
لان ذكرهما إعلام وفى كلام القاضي حسين في الفتاوى ما يقتضى المنازعة في هذا الاطلاق وانه إن
قال هو آبق وبعتكه بشرط أنى برئ من عيب الإباق برئ قطعا ولو قال لا أعلمه آبقا وبعتكه
بشرط أني برئ من عيب الإباق قال فلهذه المسألة مقدمة وهي أنه لو اشتراه ولم يعلمه آبقا فقال
أبرأتك من عيب الإباق فبان آبقا هل له الرد وجهان كما لو باع مال ابنه على ظن أنه حي فبان ميتا
(فان قلنا) يبرئ برئ هنا (وان قلنا) لا يبرأ فالبيع بهذا الشرط هل يصح على قولين (فان قلنا) يصح ففي
صحة الشرط جوابان - وان قال بعتكه بشرط أنى برئ من الإباق يعني لو لم يعلم شيئا قال فالظاهر أنه
ليس له رده لان الشرط إعلام - وان قال لاعلم هل هو آبق أو لا ولم يزد عليه يعنى ولو يشترط
فوجده آبقا فله الرد ذكره هذه المسائل القاضي حسين في فتاويه (الضرب الثالث) أن يبرأ إليه
من كل عيب من غير أن يسميها ولا يقف المشترى عليها فهو محل الأقوال والطرق المتقدمة *
* (فرع) * في الاستدلال للأقوال المذكورة غير القول الظاهر من المذهب وأجوبتها (أما) القول
الأول وهو أنه يبرأ من كل عيب وهو مذهب أبي حنيفة فلقوله صلى الله عليه وسلم المؤمنون عند شروطهم وبان
الابراء من المجهول صحيح لقوله صلى الله عليه وسلم لرجلين تخاصما عنده في مواريث درست أسهما وموجبا
362

وليحلل أحد كما صاحبه رواه البيهقي في كتاب الصلح وبأنه اسقاط حق لا تسليم فيه فيصح في المجهول
كالطلاق والعتق وبأن خيار العيب إنما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة فإذا صرح بالبراءة فقد
ارتفع الاطلاق (والجواب) عن الأول أنه روى في هذا الحديث ما وافق الحق منها على أن الحديث
المذكور فيه كلام ومنع بعضهم صحته ثم هو معارض لقوله صلى الله عليه وسلم كل شرط ليس هو في كتاب الله
فهو باطل ونهى عن بيع وشرط (وعن الثاني) بأن التحليل يصح بأن يصيره معلوما فيقول من كذا
وكذا (وعن الثالث) بأن الطلاق والعتق يصح تعليقهما فصحا في المجهول بخلاف الرد بالعيب وأما
القول الثاني وهو أنه لا يبرأ من شئ من العيوب إلا بالتسمية والتوقيف فللنهي عن بيع وشرط وعن
الغرر ومن القياس أنه رفق في البيع لا يثبت إلا بالشرط فلا يثبت مع الجهالة كالأجل والرهن والضمان
ولأنه عيب لم يقف عليه المشترى فيثبت له رد المبيع على صفته كما إذا لم يبرأ منه وفيه احتراز عن
حدوث العيب والرضى به وبأن الابراء من المجهول لا يصح لأنه تبرع لا يصح تعليقه فلا يصح في المجهول
كالهبة وبأنه خيار ثابت بالشرع فلا ينفي بالشرط كسائر مقتضيات العقد وملخص هذه الأقيسة الدالة
لهذا القول ترجع إلى سببين (أحدهما) التعليل بالجهالة (والثاني) بمخالفة مقتضى العقد ووضع الشرع
في الرد بالعيب فان قالوا الهبة فيها تسليم والجهالة تمنع من التسليم انتقض عليهم بالوصية والاقرار فيهما
تسليم واجب ويصحان في المجهول وفى الاستدلال طريقة أخري بأن تفرض المسألة فيمن شرط
البراءة مما يحدث في يده من عيب لأنه ابراء من الضمان قبل التسليم فلم يجز كالابراء من ضمان جميع
الثمن إذا تلف في يده - وأما القول الرابع والخامس فضعيفان جدا لا دليل لهما والسادس وهو مذهب
أحمد قريب من الثالث إلى هو ظاهر المذهب *
363

* (فرع) * في الاستدلال للقول الظاهر من المذهب الحجة في ذلك ما ذكره الشافعي رضي الله عنه
من قضاء عثمان رضي الله عنه مع مفارقة الحيوان لما سواه كما بينه فلو حكمنا بأن البيع والشرط
لا يصح لأدى إلى أن لا يستقر بيع في حيوان أصلا والتمسك به من وجهين (أحدهما) أن ابن عمر من
كبار الصحابة وزيد بن ثابت أيضا كذلك وقد قيل إنه المشترى منه وترافعهما إلى امام الوقت في خصومة
ويقضى بينهما بقضاء الظاهر أن ذلك يعسر ولم يثبت عن أحد منهم الانكار فكان اجماعا واعترض
على هذا بأن ابن عمر مخالف فإنه علم بالعيب واعتقد أنه لا يثبت الرد (أما) علمه فلامتناعه من اليمين
(وأما) اعتقاده فلو لم يكن كذلك لقبله (وأجاب) الأصحاب بأنه يحتمل أن لا يكون علم وامتنع عن اليمين
تورعا (قلت) وهذا الجواب والاحتمال يعتضد بما تقدم عن البيهقي أنه لم يثبت عن ابن عمر القول
بالبراءة لكن الشافعي رحمه الله في اختلافه مع مالك قال وقد اختلف عثمان وابن عمر في العبد يبتاع
ويبرأ صاحبه من العيب فقضى عثمان على ابن عمر رضي الله عنهم بأن يحلف ما كان به داءا علمته
وقد رآى ابن عمر أن التبري يبرئه مما علم وما لم يعلم قال الشافعي يخاطب من سأله فاخترت قول
ابن عمر وسمعت من أصحابك من يقول عثمان الخليفة وقضاؤه بين المهاجرين والأنصار كأنه قول عامتهم
وقوله بهذا كله أولى أن يتبع من ابن عمر انتهى * ذكر الشافعي هذا فيما روى مالك عن عثمان وخلافه
فهذا الكلام من الشافعي يقتضى اعتقاده أن ابن عمر مخالف لعثمان وحينئذ يعتضد الاستدلال بهذا
الوجه الذي ذكره الأصحاب وممن ذكره الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وإن كان ما ذكروه
من الاحتمال صحيحا لكن لا يستقيم الاستدلال للشافعي بذلك وهو قائل بخلافه - نعم يصح لمن ينظر
من حيث الجملة ولا يتقيد بكلام الشافعي أن يقوله - وما يضعف التمسك بهذا الوجه للمذهب أن
364

الشافعي عضد قول عثمان رضي الله عنه بما ذكره من مفارقة الحيوان لغيره وعلى هذا الوجه لا يحتاج
إلى ذلك وأيضا لو كان كذلك لما سماه تقليد وأيضا فإنه مشى على أن قول الصحابي إذا انتشر ولم
يعرف له مخالف يكون كالاجماع السكوتي وفيه نزاع فإنه أنزل رتبة مما يتحقق فيه سكوت الباقين
(وان قلنا) بأن الاجماع في السكوت حجة لا سيما هذه المسألة مع الاحتمال القوى في مخالفة ابن عمر وورود
الرواية عنه وعن زيد بذلك من غير هذه الطريق وإن كانت ضعيفة فان ذلك يخرم الظن بعدم
المخالف - وذكر الامام ههنا معترضا على التمسك بهذا الوجه أن مذهب الشافعي في الجديد أنه لا ينسب
إلى ساكت قول (الوجه الثاني) من الاستدلال ما ذكره الشافعي وأشار إليه من اعتضاد قول عثمان
رضي الله عنه بالقياس ومثل هذا يكون حجة عند الشافعي على القديم فلان قول الصحابي حجة
يقدم على القياس - وأما على الجديد فلانه يرى أن قول الصحابي مع القياس الضعيف المسمى عند
الماوردي بقياس التقريب يقدم على القياس القوى المسمى عند الماوردي بقياس التحقيق وهل المراد
بالضعيف الذي لا تجتمع فيه شروط القياس فيشكل اعتضاد ما ليس بحجة بما ليس بحجة ويأتي فيه
البحث الذي تقدم في المرسل في مسألة بيع اللحم بالحيوان أو الذي اجتمعت فيه شروط القياس
لكنه خفى لو انقرد يقدم القياس القوى عليه وهذا هو الذي ينبغي أن يكون المراد وقد فسر
الماوردي في كتاب الايمان مراده بقياس التقريب وقياس التحقيق وههنا مباحث (أحدها) أطلق
الشيخ أبو حامد هنا أن قول الصحابي على القديم حجة مقدمة على القياس واقتضى كلامه أن ذلك
مطلق وان لم ينتشر وقيده الماوردي بالمنتشر الذي لم يعلم خلافه وهما قولان في القديم منقولان عن
الشافعي في كتب الأصول - وقال ابن الصباغ انه في القديم حجة وفى الجديد ليس بحجة إلا أن ينتشر
365

فاقتضي ذلك أنه إذا انتشر يكون حجة في الجديد وقال الجوزي إن قول السحابي الذي ليس له
مخالف إنما يكون حجة في الجديد إذا اعتضد بضرب من القياس وانه في القديم حجة فإذا احتمل
المسألة أصلا كان ما وافقه أولى وهو أدون الاجتماعات وأعلى منه الاجماع الذي تعرفه الخاصة كتحريم
النكاح في العدة وأعلى منه وهو اجماع الخاصة والعامة لكون الظهر أربعا هذا مختصر كلام الجوزي
وقال البندنيجي في مقدمة كتابه الذخيرة قال الشافعي في أدب القاضي ولا يجوز لاحد من أهل
العلم أن يقلد أحدا غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد الشافعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قوله يسمى تقليدا وإنما أراد قبول
قوله في صورة التقليد - فأما الصحابة فان قال علماؤها قولا كان حجة مقطوعا على معيتها وان قال واحد
منهم قولا وانتشر في الباقين فان صوره أو قالوا ما يدل على الرضا فهو اجماع أيضا وحجة مقطوع
على معيتها إن بلغهم ومكتوا ولم يكن منهم ما يدل على نص ولا انكار فإذا انقرض العصر كان
حجة أيضا مقطوعا على معيتها في إطلاق اسم الاجماع عليه من ناحية العبارة وجهان ظاهر
قول الشافعي انه لا يسمى اجماعا - وقال داود وأكثر المتكلمين ليس بحجة وان قال واحد
منهم قولا ولم ينتشر قال في القديم هو حجة وهو قول مالك وأبي حنيفة وقال في الجديد ليس بحجة
(فان قلنا) ليس بحجة فان عاضده قياس وان ضعف كان قوله مقدما على القياس القوي وان لم
يعضده قياس كان بمنزلة قول التابعي يقدم القياس عليه ولا يخص بقوله العموم (وان قلنا) حجة
قدم على القياس القوى إلا أن يكون القياس في معنى الأصل فيكون هذا القياس مقدما عليه وهل
يخص به العموم وجهان هذا في قول الصحابي على سبيل الفتيا (أما) حكمه فإن كان بعد استشارة
الصحابة فاجماع والا فان انتشر ولم ينكر فالذي سمعت الشيخ يقول ليس بحجة وهو بمنزلة قول
366

الواحد إذا لم ينشر على قولين لان حكم الحاكم لا يسع خلافه فلا يدل السكوت على الرضى ورأيت
أبا على الطبري في الافصاح يقول هذا حجة قولا واحد ولكن هل يقع على معيتها على وجهين
(أحدهما) نعم كالفتوى (والثاني) لا وإذا انتشر قول التابعي في التابعين لم يكن كانتشار قول
الصحابي في الصحابة على الأصح وهو قول أبى العباس هذا تلخيص كلام البندنيجي وكثير مما
ذكره شاركه فيه المصنف وأكثر الأصحاب ولكن في كلامه زيادة فوائد فلذلك رأيت نقله واختار
المصنف على قولنا إنه ليس بحجة أنه إذا عضده قياس ضعيف لا يصير حجة لان كلا منهما بانفراده
ليس بحجة (وقال) الصيرفي يصير حجة وهو الذي قاله المصنف في الأصول يخالف ما قاله الشيخ أبو حامد
والماوردي هنا أن ذلك حجة على القديم والجديد وقد قدمت أنه ينبغي تفسير الضعيف بما يكون
حجة الا أن يكون ثم قياسا أقوى منه فيقدم هو مع قول الصحابي على القياس القوي وحينئذ يتجه
ما قاله الشيخ أبو حامد ولا يرد ما قاله المصنف إلا أن يكون فهم عن الصيرفي أنه يقول بظاهر عبارته
وحينئذ لا يكون قادحا في دعوى عدم الخلاف في مسألتنا إذا فسرنا الضعيف بالتفسير الذي ذكرته
وقد رأيت كلام أبى بكر الصيرفي في كتابه المسمي بالاجماع والاختلاف وهو يشعر بما قلناه ويشير
إلى أن ذلك تأويل قول الشافعي في القديم أنه حجة كأنه يرى أنه إذا لم ينتشر ولا يعضده شئ
لا يقول الشافعي به في قديم ولا جديد وان اعتضد أو انتشر قال به في القديم والجديد وقال القاضي
حسين في أول تعليقته انه إذا اقترن بقول الصحابي قياس خفى قدم على القياس الجلي قولا واحدا
وهذا يوافق ما قلته وما قاله الشيخ أبو حامد وغيره ويؤيده قول الشافعي في اختلاف الحديث
وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه صلى في ليلة ست ركعات في كل ركعة ست
367

سجدات قال لو ثبت ذلك عن علي لقلت به فإنه لا مجال للقياس فيه (فالظاهر) أنه فعله توقيعا فهذا
النص من الشافعي يدل على أنه يقول بقول الصحابي في بعض المواضع وان لم يكن ذلك عين المسألة
التي نحن فيها وأنه إنما يرده إذا دل دليل على خلافه والأصوليون ذكروا هذا النص من تفاريع
الشافعي في القديم وعندي في ذلك لان اختلاف الحديث من كتبه الجديدة وقد رويناه من
طريق المصريين عنه - وقال الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني قول الصحابي إذا انتشر حجة مقطوع بها
وهل يسمى اجماعا فيه وجهان وان لم ينشر فليس بحجة في الجديد وهو حجة في القديم فعلى القديم
في تخصص العموم به وجهان ويقدم القياس الجلي عليه وفي القياس الخفي وهو الشبه وجهان (أحدهما)
يقدم على قول الصحابي (والثاني) يقدم قول الصحابي عليه وهو قول أبي حنيفة ومن لا خبرة له من
أصحابه يقول إنه يقدم على القياس الجلي وأما على الجديد فلا يخص به العموم قطعا وفي ترجح أحد
القياسين المتعارضين به وجهان (الثاني) أن هذا القول إذا لم يكن وحده حجة فالقياس الذي عضده من
الفرق بين الحيوان وغيره ان لم يكن حجة أيضا لم تثبت الدلالة باجتماعها وإن كان الفرق المذكور
كافيا في القياس وتقدم الحجة فالحجة فيه لا في القول المذكور (والجواب) أن القياس القوى يقتضى أن
لا يبرأ مطلقا أو يبرأ مطلقا كما قال الشافعي وقد أشار الشافعي بقوله وانه أصح في القياس يشير بذلك
إلى أن هذا قياس أصح وأن ما ذكره من المعني بين الحيوان وغيره قياس صحيح فلو انفرد هذان
القياسان لقلنا بالقياس الأصح لكن لما جاء قضاء عثمان رضي الله عنه قوى هو والقياس الصحيح على
القياس الأصح ولا يمنع إذا لم يكن قول الصحابي حجة أن لا يقوى به لا سيما عثمان وقضاؤه في هذا
(الأمر الثالث) أنه إذا كان الامر كذلك فلم سماه الشافعي تقليدا وقبول قول الصحابي على القديم أو
368

إذا اعتضد بما ذكرتم على الجديد حجة وقبول الحجة لا سيما تقليدا لقبول الخبر (والجواب) ان الواجب
اتباعه وقيام الحجة به وهو مجموع ما حصل من قول عثمان مع القياس الفارق والموصوف بالتقليد هو
قول عثمان رضي الله عنه وحده واطلاقه التقليد عليه وحده صحيح لأنه لا يجب قبوله وحده ولا يدري
من أين قاله وهذان هما حد التقليد فاجتمع هذا تقليد ودليل والممتنع عندنا هو التقليد بغير دليل
والروياني قال إنه ما قصد بهذه العبارة محض التقليد بل أراد الاستئناس كما قال في الفرائض انه قلد
زيد بن ثابت في الاخوة مع الجد ثم عقبه بالقياس (الرابع) في قول مالك رضي الله عنه في ذلك
الامر المجتمع عليه عندنا هو في هذا الموضع وغيره من هذه المشكلات التي استشكله إمامنا الشافعي
وغيره ففي الام من كلام الرابيع أو من كلام البويطي الله أعلم * في اختلاف الشافعي ومالك (فقلت)
للشافعي ان لنا كتابا قد صرنا لي اتباعه وفيه ذكر ان الناس اجتمعوا فيه والامر المجتمع عندنا وفيه
الامر عندنا فقال الشافعي قد أوضحنا لك ما يدلك على دعوى الاجماع بالمدينة أو في غيرها وطول
الشافعي في البحث في ذلك ولا يراد نحو ثلاث أوراق ثم قال وما كلمت منكم أحدا قط فرأيته
يعرف معناها وما ينبغي لكن أن تجهلوا كيف موضع الامر عندنا إن كان يوجد فيه ما ترون (قلت)
وقد قال أبو الوليد الباجي المالكي في كتابه الذي ألفه في أصول الفقه وقد روى إسماعيل بن أبي أويس
رحمه الله عن مالك بيان قوله الامر المجتمع عليه (فقال) إسماعيل بن أبي أوديس سألت خالي مالكا
عن قوله في الموطأ الامر المجتمع عليه والامر عندنا يفسره لي (فقال) أما قولي الامر المجتمع عليه
عندنا الامر الذي لا اختلاف فيه فهذا مالا اختلاف فيه قديما ولا حديثا (وأما) قولي المجتمع عليه فهو
الذي اجتمع عليه من أرضى من أهل واقتدى به وإن كان فيه بعض الخلاف (وأما) قولي الامر عندنا
369

وما سمعت أهل العلم فهو قول من ارتضيه واقتدى به وما اخترته من قول بعضهم هذا معني قول
مالك دون لفظه (قال) وتنزيل مالك لهذه الألفاظ على هذا الوجه وترتيبها مع تقاربها في الألفاظ
يدل على تجوزه في العبارة وانه يطلق لفظ الاجماع وإنما يريد به ترجيح ما يميل إليه من الرتبة *
* (التفريع) * وقد ذكره المصنف (ان قلنا) الشرط باطل ففي بطلان البيع به وجهان وقال الامام
قولان (أظهرهما) عند القاضي حسين والامام والروياني وابن داود والرافعي وهو قول ابن سريج على
ما حكاه الماوردي وفى المجموع للمحاملي والتجريد له وهو من كلام الشيخ أبى حامد أنه ظاهر
المذهب وقال في العدة إنه ظاهر قول الشافعي وهو الذي قدمه المصنف هنا أنه لا يبطل لحديث عثمان
رضي الله عنه فإنه صحح البيع لكن هذا الاستدلال فيه نظر لان الشافعي استدل لصحة الشرط
بأثر عثمان فكيف يستدل به لصحة البيع مع بطلان الشرط - واعلم أن قضاء عثمان على ابن عمر رضي الله عنه
م باليمين أنه ما علم نص منه في أن البيع صحيح وقد يقول القائل بعد ذلك أنه ليس فيه أن
الشرط صحيح لاحتمال أن يكون عثمان عنده أن الشرط باطل وأن ظهور العيب موجب للرد على
ابن عمر وإن كان غير ذلك من العيوب أو في غير الحيوان لقضى فيه بهذا أيضا وهذا الاحتمال هو
الذي لاحظه صاحب هذا الوجه والله أعلم * لكن يشكل عليه قول عثمان تحلف أنك ما علمت
وعندنا وعند صاحب هذا الوجه لأنا لا نعرف خلافا في هذا - المذهب فيه أن من حلف في العيب في
غير هذه المسألة يحلف على البت ولا يحلف على نفي العلم فان خالف صاحب هذا الوجه في ذلك لم
يستقم له على قاعدة الشافعي وقد ظهر لك بهذا أن أثر عثمان صحيح في صحة البيع وفى أحد أمرين
370

بعده إما في صحة الشرط والفرق بين العلم وغيره كما قاله الشافعي وإما في أن من حلف على نفى
العيب يحلف على نفي العلم فإنه قد يكون مذهب عثمان ذلك وهذا يبين لنا اشكالا في التمسك به
الظاهر من المذهب والامام تمسك له بأن الشرط في وضعه ليس مخالفا لمقتضى العقد لان الغرض من
العقد النفوذ فالشرط يتضمن تأكيد اللزوم والظاهر السلامة واعترض على هذا المعنى بأنه لو صح
لوجب الحكم بحصة الشرط من وجهة موافقة مقصود العقد - وفرق المتولي بين شرط البراءة وسائر
الشروط الفاسدة بأن قضية الامتناع من التزام سبب يفضي إلى رفع العقد فكان موافقا موضوع
العقد لكن يرد عليه في هذا الشرط أن المبيع لا يكون في ضمانه قبل القبض والمنقول فيه أن العقد
يبطل (والوجه الثاني) وهو الذي قدمه في التنبيه وقال الماوردي إنه قول جمهور أصحابنا وقال الروياني
وغيره من الأصحاب إنه القياس وجزم به الروياني في الحلية أنه يبطل العقد كسائر الشروط الفاسدة
ولأنه يخالف ما يقتضيه العقد من الرد بالعيب ولأنه يفضي إلى جهالة الثمن بالطريقة التي قدرها المصنف
وسيأتي أن ابن أبي عصرون اختار هذا أيضا ومال الغزالي إليه وفى المجرد من تعليق أبى حامد أن
الأول ليس بشئ (وان قلنا) بصحة الشرط فكذلك في العيوب الموجودة عند العقد أما الحادث بعده
وقبل القبض فيجوز الرد به قاله الماوردي والمتولي والرافعي وغيرهم وقال القاضي حسين انه لا خلاف
على المذهب فيه نقل صاحب التتمة وغيره عن أبي يوسف أنه يجوز ونقله البغوي عن أبي حنيفة
وقد وهم بعضهم فزعم أن كلام الغزالي فيه إشارة إلى الحاق الحادث بعد العقد وقبل القبض بالحادث
قبلها في البراءة عنه وليس في كلام الغزالي الحاق ذلك إلا في صحة اشتراط البراءة عنه فلا يعتبر
بذلك - ولو شرط البراءة عن العيوب الكائنة والتي تحدث ففيه طريقان في تعليقة القاضي حسين
371

(أحدهما) القطع بالبطلان (والثانية) على قولين بالكائنة وقال الرافعي فيه وجهان (أصحهما) يذكر
وقال الأكثرون غيره انه فاسد قال القاضي حسين ويبطل البيع بهذا الشرط وصاحب التتمة قال
في هذه الصورة انه إذا فسد الشرط فالحكم في بطلان العقد على ما سبق يعنى فيصح العقد على
المذهب فان أفرض ما سيحدث بالشرط فهو بالفساد أولى قال الرافعي ومقتضى ذلك مجئ الخلاف
فيه بالترتيب وقال الامام المذهب أن الشرط يبطل بخلاف ما ذكرناه في المسألة الأولى يعنى إذا
جمع بين الكائنة والتي ستحدث وصرح الامام بثلاثة أوجه (أحدها) صحة البراءة في العيوب
الحادثة مطلقا (والثاني) الفساد مطلقا (والثالث) الفرق بين أن يذكر تابعا أو مقصودا وهذا معنى الأولوية
التي ذكرها الرافعي وحيث فرقنا بين الحادث والقديم فلو اختلفا في عيب هل هو حادث أو قديم
قال الماوردي ففيه وجهان من اختلاف أصحابنا في اختلاف العلة فيما إذا ادعى البائع في غير هذه
الصورة الحدوث وادعى المشترى التقدم فالقول قول البائع فمنهم من قال إن العلة أن الحدوث تعين
والتقدم مشكل فيه فههنا لا يبرأ منه البائع ويكون القول قول المشتري - ومن من قال العلة أن
ما أوجب الامضاء أولى فالقول هنا قول البائع ويمنع المشترى من الفسخ - وان فرعنا على القول الثالث
فلا يبرأ مما علمه وكتمه ولا عما لم يعلمه من العيوب الظاهرة من الحيوان على الأصح - ومنهم من
اعتبر نفس العلم كما تقدم وهما وجهان حكاهما الماوردي هل المراد ما لم يكن معلوما لخفائه وان علمه البائع أو
ما لم يعلمه لجهله ومقتضى كلام الروياني نسبة لأول إلى المحصلين من أصحابنا وأنه الصحيح ونسبة
الثاني إلى حكاية أبى على في الافصاح والقاضي أبى حامد في الجامع وأنه غلط والروياني قال هذا دفعا
لمن زعم أن الحيوان يأتي فيه التفصيل بين المعلوم وهو المحكى في الافصاح والجامع وحيث حكى
الوجهين من كلام الماوردي لم يتعرض له هل يلحق ما مأكوله في جوفه بالجواز قيل نعم لعسر
372

الوقوف - وقال الأكثرون منهم الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والقاضي حسين وغيرهم لا وقال
المحاملي انه لا خلاف فيه وكذلك الروياني قال إنه لا خلاف فيه وجماعة حكوا الخلاف كما تقدم
منهم الجرجاني والرافعي وغيرهما لتبدل حال الحيوان فان العيب الذي به قد يزول بنفسه وبأنه
لا يمكن معرفة العيب الذي في باطن الحيوان وهذا يمكن بادخال عود ونحوه وبان الحيوان يغتذى
بالصحة والسقم فلا يخلو في الغالب عن عيب بخلاف هذا فعلى هذا قال الشيخ أبو حامد ان (قلنا)
نظر فيه الإصطخري كان فيه قولان (وان قلنا) بالطريقة الأخرى لم يصح الشرط قولا واحدا (قلت)
وهذا على الطريقة المشهورة وتأتي فيه الطرق المتقدمة *
* (فرع) * قد اجتمع في الشرط مع العقد ثلاثة أقوال يصحان ويفسدان يصح العقد ويفسد
الشرط قال لامام والقاضي حسين قبله وهذا كاختلاف الأقوال في شرط نفى خيار المجلس والرؤيا إذا
جوزنا بيع الغائب وفيها الأقوال الثلاثة كما وصفناها وخيار الرد بالعيب خيار شرعي يتضمنه مطلق
العقد كخيار المجلس وخيار الرؤية (قلت) لكن الأصح في نفى خيار المجلس بطلان العقد (والأصح)
هنا صحته عند الامام والرافعي فيحتاج إلى الفرق (وأما) على ما نسبه الماوردي إلى الجمهور فلا (قال) القاضي حسين
فعل هذا الترتيب يجتمع في الحيوان أربعة أقوال هذه الثلاثة ورابع وهو التفصيل * (تنبيه) * عرفت
بما تقدم أن المذهب فساد الشرط في غير الحيوان وصحته في الحيوان مع التفصيل في البراءة فان سقط
ذلك في غير الحيوان قال ابن أبي عصرون فالشرط والبيع باطلان وهذا منه كأنه اختيار لقوله
البطلان إذا قلنا بفساد الشرط (أما) على القول الذي صححه الرافعي وغيره من أنه إذا فسد الشرط يصح
العقد فينبغي أن يكون كذلك ولا فرق بين الحيوان وغيره في ذلك إذا قلنا بفساد الشرط بالحيوان
وكذلك أطلق صاحب التتمة أن المذهب أن العقد صحيح *
* (فرع) * لو شرط أن لا يرد المبيع بالعيب القديم والحادث في ضمانه قال القاضي حسين يبطل
البيع قولا واحدا وتبعه المتولي فقال إذا شرط أن لا يرد عليه إذا وجد به عيبا فالعقد باطل وعللاه بأنه
منع تصرف في حق ثبت له بمقتضى العقد بخلاف شرط البراءة فإنه بشرط البراءة منع ثبوت الحق
373

وخالف الرافعي ما جرى فيه الخلاف وهو أظهر ونما ذكره القاضي في شرط البراءة يمكن أن يقال
مثله في شرط عدم الرد ولو اختلفا في شرط مبيع البراءة فادعاه البائع وأنكر المشترى (فان قلنا) البيع
صحيح ومع شرط البراءة تحالفا على الصحيح وقبل القول قول المشترى مع يمينه لان الأصل عدم الشرط
وهو قول القاضي أبى حامد ولم يذكر الروياني في البحر غيره وقال فيحلف أنه لم يعلم ولم يرض (وان
قلنا) فاسد ففي التهذيب أن القول قول البائع بيمينه وينبغي أن يخرج على الاختلاف في دعوى الصحة
والفساد ومن المعلوم الظاهر أنه إذا باع بشرط البراءة من عيب علمه المشترى ورآه ان البيع صحيح ولا اثر
للشرط المذكور في هذه الحالة ومن جملة الاطلاع أن يقول له هذه العيوب وابرئني منها (وإذا قلنا)
بالصحيح فقال المشترى علمت هذا العيب وكتمته وقال البائع لم أعلم فالقول قول البائع مع يمينه فيحلف
بالله بعته وما علمت به عيبا كتمته بدليل حديث عثمان قاله في التهذيب *
* (فرع) * شغف بعض الوراقين في هذا الزمان بأن يجعل بدل شرط البراءة أعلم البائع المشترى
أن بالمبيع جميع العيوب ورضى به وظنوا أن ذلك يجوز منهم عن بطلان البيع والشرط على؟ ض أقول
في شرط البراءة وهذا جهل لا يجوز فعله ولا يفيد (أما) أنه لا يجوز فعله فلانه كذب لأنه لا يمكن اجتماع
جميع العيوب في محل ومنها ما هو متضاد (وأما) أنه لا يفيد فلما تقدم أن الصحيح عندنا أنه لا يكتفى
بالتسمية فيما يمكن معاينته كالزنا والسرقة والإباق فذكره مجملا بهذه العبارة كذكر ما يمكن معاينته
بالتسمية من غير رؤية فقياسه أنه لا يفيد فيه أيضا فهذا فعل باطل وشهادة باطلة قصدت التحذير عنها لان
كثيرا يغيرها ولا يجوز للحاكم الزام المشترى بمقتضى هذا الاقرار للعلم بكذبه وبطلانه وإذا وقع ذلك يكون
حكمه حكم ما لو شرط البراءة فيفسد العقد على أحد القولين ويصح على الآخر ويبرأ من العيب الباطن
المجهول في الحيوان دون غيره *
374

* (فرع) * نحتم به الباب قال النووي في الروضة قال أصحابنا إذا انعقد البيع لم يتطرق إليه الفسخ
الا بأحد سبعة أسباب خيار المجلس والشرط والعيب وخلف المقصود والإقالة والتحالف وهلاك
المبيع قبل القبض (قلت) والتصرية لما كانت ملحقة عند الأكثرين بالعيب وعند بعضهم بالخلف
لم تكن خارجة عن ذلك ولكن قد بقي عليه رجوع البائع عند افلاس المشترى وله ان يلحقه بالعيب
لكن مثل هذا النكات يقتضى عد العيب والحلف شيئا واحدا فالوجه جعل ذلك قسما آخر وبقي
عليه أيضا الافتراق في الربويات قبل التقابس وهو راجع إلى هلاك المبيع وبقى أيضا تعذر امضاء
العقد كما في اختلاط الثمار وبيع الصبرة بالصبرة المخالفة لها مكايلة كما تقدم على اختلاف فيها (واما)
الخيار الحاصل بسبب الاجبار في المرابحة فهو راجع إلى العيب لأنه كالعيب في المبيع وقد ذكر
المصنف في التنبيه مسألة الاختلاف في قدم العيب وحدوثه وإذا باعه عصيرا أو سلمه ولم يذكرهما في
المهذب في هذا الباب وذكر المسألة الأولى في باب اختلاف المتبايعين وسنشرحها هناك إن شاء الله
تعالى بعون الله وتيسيره *
375