الكتاب: مغني المحتاج
المؤلف: محمد بن أحمد الشربيني
الجزء: ٢
الوفاة: ٩٧٧
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٧٧ - ١٩٥٨ م
المطبعة:
الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: شرح الشيخ محمد الشربيني الخطيب من أعيان علماء الشافعية في القرن العاشر الهجري على متن المنهاج لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي من أعلام علماء الشافعية في القرن السابع الهجري / ملتزم الطبع والنشر : شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر

مغنى المحتاج
إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج
شرح
الشيخ محمد الشربيني الخطيب
عين أعيان علماء الشافعية في القرن العاشر الهجري
على متن المنهاج
لأبى زكريا يحيى بن شرف النووي
من أعلام علماء الشافعية في القرن السابع الهجري
رحمهما الله، ونفع بعلومهما آمين
الجزء الثاني
1377 ه‍ = 1958 م
1

كتاب البيع أفرد المصنف رحمه الله تعالى لفظ البيع ولم يعبر كغيره بالبيوع تأسيا بقوله تعالى: * (وأحل الله البيع) *. ويطلق على أمرين
: أحدهما قسم الشراء، وهو الذي يشتق منه لمن صدر عنه لفظ البيع. وحده: نقل ملك بثمن على وجه
مخصوص، والشراء قبول ذلك على أن لفظ كل منهما يقع على الآخر. تقول العرب: بعت بمعنى شريت وبالعكس،
قال تعالى: * (وشروه بثمن بخس) * أي باعوه، وقال تعالى: * (ولبئس ما شروا به أنفسهم) *، ويقال لكل من المتبايعين
بائع وبيع ومشتر وشار. الثاني: العقد المركب من الايجاب والقبول، وهو المراد بالترجمة، وهو لغة: مقابلة شئ بشئ
، قال الشاعر: ما بعتكم مهجتي إلا بوصلكم ولا أسلمها إلا يدا بيد
قال بعض المتأخرين: كذا قالوه، وينبغي أن يزاد فيه معاوضة أو على وجه المعاوضة ليخرج رد السلام ونحوه فإنه
لا يسمى بيعا أه‍. وشرعا: مقابلة مال بمال على وجه مخصوص. فإن قيل: يرد على هذا التعريف القرض كما لو قال خذ
هذا بمثله، وكذلك الإجارة فإن الحد صادق عليهما وليسا ببيع، ولهذا لا ينعقدان بلفظ البيع. فإن أجيب عن الإجارة
بأن المال لا يطلق على المنفعة رد بلزوم كون الحد غير جامع الجواز جعل الثمن منفعة. وقد صرح في كتاب الوصية
بدخول المنفعة في المال، فقال: الأموال تنقسم إلى أعيان ومنافع، وأيضا المقابلة المطلقة ليس فيها دلالة على المقصود فإنه
لم يتعرض لكونها في عقد ولا أن ذلك العقد يقتضي انتقال الملك، ولهذا زاد في المجموع: تمليكا. أجيب عن القرض
بأنه لا يشترط فيه مقابلة المال بالمال حالة العقد لأن صيغة المقابلة مفاعلة فلا بد منها في الجانبين، والقرض لا يشترط فيه ذلك
بل يكفي الدفع وتسمية أحد العوضين خاصة حتى لو قال: أقرضتك هذا ولم يقل على أن ترد بدله صح وإن لم يذكر مقابله
، بخلاف البيع فإنه لا بد فيه من التصريح بذكر العوضين لتحقق المفاعلة. وعن الإجارة بأن المنافع ليست أموالا على
الحقيقة بل على ضرب من التوسع والمجاز بدليل أنها معدومة لا قدرة عليها، ولهذا اختلف العلماء في صحة العقد عليها
، فقد منع جماعة صحة الإجارة، وأنه لو حلف شخص لا مال له وله منافع يحنث على الصحيح كما قاله الرافعي، وأنه
لو أقر بمال ثم فسره بمنفعة لم يقبل كما دل عليه كلام الرافعي أيضا. وقولهم في الوصية: إن المنفعة تحسب قيمتها من الثلث معناه
أنها كالمال المفوت لا أنها في نفسها مال لأنها لا وجود لها، وإنما يقدر وجودها لأجل تصحيح العقد عليها. وأيضا المحدود
2

إنما هو بيع الأعيان لا بيع المنافع، لأن بيع المنافع جنس برأسه، وإذا ثبت أن المنافع لا تسمى مالا حقيقة لم ترد على الحد
لأن المجاز لا يدخل في الحدود. فإن قيل: قد نص الشافعي رحمه الله تعالى على أن الإجارة بيع منفعة كما نقله الإسماعيلي
في كتاب الاصطلام. أجيب أنه محمول على ضرب من التوسع كما مر لأن المنافع يقدر وجودها لأجل صحة العقد، وما دخله
التقدير لا يكون حقيقة كما يقدر الميت حيا ليملك الدية وتورث عنه. وحده بعضهم بأنه عقد معاوضة مالية يفيد ملك عين
أو منفعة على التأبيد فدخل بيع حق الممر ونحوه وخرجت الإجارة بقيد التأقيت فإنها ليست بيعا، ولهذا لا تنعقد بلفظه
كما مر، والقرض بقيد المعاوضة فإنه لا يسمى معاوضة عرفا، وعقد النكاح والخلع والصلح عن الدم بقيد الملك، فإن الزوج
لا يملك منفعة البضع وإنما يملك أن ينتفع به، والزوجة والجاني لا يملكان شيئا، وإنما يستفيدان رفع سلطنة الزوج
، ومستحق القصاص على أن النكاح خرج بقيد المعاوضة أيضا فإنه لا يسمى معاوضة عرفا. وهذا الحد أولى من الأول
لما لا يخفى. والأصل في الباب قبل الاجماع آيات كقوله تعالى: * (وأشهدوا إذا تبايعتم) *، وقوله تعالى: * (وأحل الله
البيع) *. وأظهر قولي الشافعي أن هذه الآية عامة في كل بيع إلا ما خص بالسنة فإنه (ص) نهى عن بيوع، والثاني: أنها
مجملة والسنة مبينة لها. وتظهر فائدة الخلاف في الاستدلال بها في مسائل الخلاف، فعلى الأول يستدل بها وعلى الثاني
لا يستدل، وأحاديث كحديث: سئل النبي (ص) أي الكسب أطيب؟ فقال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور، أي لا غش
فيه ولا خيانة. رواه الحاكم وصححه. وحديث: إنما البيع عن تراض. وأركانه كما في المجموع ثلاثة، وهي في الحقيقة
ستة: عاقد وهو بائع ومشتر، ومعقود عليه وهو ثمن ومثمن، وصيغة وهي إيجاب وقبول. وكان الأولى للمصنف
أن يقدم الكلام على العاقد ثم المعقود عليه ثم الصيغة، لكنه بدأ بها كما قال الشارح لأنها أهم للخلاف فيها، وأولى من ذلك
أن يقال لأن العاقد والمعقود عليه لا يتحقق إلا بها، وعبر عنها بالشرط خلاف تعبيره في المجموع ك الغزالي
بأركان البيع
، والتعبير بالركن أولى. نعم قد يراد بالشرط ما لا بد منه فيساوي التعبير بالركن، فقال: (شرطه) أي البيع صيغة، وهي
(الايجاب) من البائع، وهو ما يدل على التمليك بعوض دلالة ظاهرة، (كبعتك) بكذا (وملكتك) بكذا، وهذا
مبيع منك بكذا أو أنا بائعه لك بكذا كما بحثه الأسنوي وغيره قياسا على الطلاق، وكهذا لك بكذا كما نص عليه في الام
. تنبيه: عبارة المحرر: كبعتك أو ملكتك، وهي أولى لأنها تدل على الاكتفاء بأحدهما، بخلاف عبارة المصنف.
(والقبول) من المشتري، وهو ما يدل على التمليك دلالة ظاهرة، (كاشتريت وتملكت وقبلت) ورضيت كما ذكره القاضي
حسين عن والد الروياني، ونعم في الجواب كما سيأتي وتوليت ونحوها، وبعت على ما نقله في شرح المهذب عن أهل اللغة والفقهاء
، فلا يصح البيع بدون إيجاب وقبول، حتى إنهما يشترطان في عقد تولي الأب طرفيه كالبيع لماله من طفله وعكسه فلا يكفي
أحدهما، إذ معنى التحصيل غير معنى الإزالة، وكالطفل المجنون وكذا السفيه إن بلغ سفيها، وإلا فوليه الحاكم فلا يتولى
الطرفين لأن شفقته ليست كشفقة الأب، فلو وكل الحاكم الأب في هذه الصورة لم يتول الطرفين لأنه نائب عن الحاكم
فلا يزيد عليه. وهل للأب أن يبيع مال أحد ابنيه من الآخر وهما تحت حجره؟ فيه وجهان، والظاهر منهما الصحة.
وإنما احتيج في البيع إلى الصيغة لأنه منوط بالرضا لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بالباطل
إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * ولقوله (ص): إنما البيع عن تراض صححه ابن حبان. والرضا أمر
خفي لا يطلع عليه، فأنيط الحكم بسبب ظاهر وهو الصيغة، فلا ينعقد بالمعطاة إذ الفعل لا يدل بوضعه، فالمقبوض بها
كالمقبوض ببيع فاسد، فيطالب كل صاحبه بما دفع إليه إن بقي، وببدله إن تلف. وقال الغزالي: للبائع أن يتملك الثمن
الذي قبضه إن ساوى قيمة ما دفعه لأنه مستحق ظفر بمثل حقه والمالك راض. هذا في الدنيا وأما في الآخرة فلا مطالبة
لطيب النفس بها. واختلاف العلماء فيها نقله في المجموع عن ابن أبي عصرون وأقره قال: وخلاف المعاطاة في البيع
يجري في الإجارة والرهن والهبة ونحوها، قال في الذخائر: وصورة المعاطاة أن يتفقا على ثمن ومثمن، ويعطيا من غير
إيجاب ولا قبول، وقد يوجد لفظ من أحدهما. واختار المصنف وجماعة منهم المتولي والبغوي الانعقاد بها في كل ما يعده
3

الناس بيعا، لأنه لم يثبت اشتراط لفظ فيرجع للعرف كسائر الألفاظ المطلقة، وبعضهم ك ابن سريج والروياني خصص جواز
بيع المعاطاة بالمحقرات، وهي ما جرت العادة فيها بالمعاطاة: كرطل خبز وحزمة بقل، وقال بعضهم: كل من وسم بالبيع
اكتفى منه بالمعاطاة كالعامي والتاجر، وكل من لم يعرف بذلك لا يصح منه إلا باللفظ. قال في المجموع: وأما إذا كان يأخذ
من البياع ويحاسبه بعد مدة ويعطيه كما يفعل كثير من الناس فإنه باطل بلا خلاف لأنه ليس ببيع لفظي ولا معاطاة فليعلم
ذلك وليحذر منه ولا يغتر بكثرة من يفعله. قال الأذرعي: وهذا ما أفتى به البغوي، وذكر ابن الصلاح في فتاويه نحوه
، والظاهر أنه قاله تفقها ومن كلامه أخذ المصنف. لكن الغزالي في الاحياء مسامح في ذلك، فقال: وأخذ الحاجة من البياع
يقع على ضربين: أحدهما أن يقول: أعطني بكذا لحما أو خبزا مثلا وهذا هو الغالب، فيدفع إليه مطلوبه فيقبض
ويرضى به، ثم بعد مدة يحاسبه ويؤدي ما اجتمع عليه، فهذا مجزوم بصحته عند من يجوز المعاطاة فيما أراه. والثاني:
أن يلتمس مطلوبه من غير تعرض لثمن، كأعطني رطل خبز أو لحم مثلا فهذا محتمل. وهو ما رأى الغزالي إباحته ومنعها
المصنف. وقوله: أنه لا يعد معاطاة ولا بيعا فيه نظر بل يعده الناس بيعا، والغالب أن يكون قدر ثمن الحاجة معلوما لهما
عند الاخذ والعطاء وإن لم يتعرضا له لفظا أه‍. وأشار المصنف بكاف التشبيه فيما ذكره من صيغ الايجاب والقبول إلى عدم
الحصر فيه فيكفي غيره كما تقدم بعض ذلك. ومن ألفاظ صيغ الايجاب: صارفتك في بيع النقد بالنقد، أو قررتك بعد الانفساخ
بأن يقول البائع بعد انفساخ البيع: قررتك على موجب العقد الأول فيقبل صاحبه كما اقتضاه كلام الشيخين في القراض،
ووليتك وأشركتك. ومن ألفاظ القبول: صارفت وتقررت بعد الانفساخ في جواب قررتك، وتعوضت في جواب عوضتك
، وقد فعلت في جواب اشتر مني ذا بكذا كما جزم به الرافعي في النكاح، وفي جواب بعتك كما في زيادات العبادي، نقله عنها
الأسنوي، وبكاف الخطاب في الايجاب إلى أمرين: أحدهما أن إسناد البيع إلى المخاطب لا بد منه، ولو كان نائبا عن
غيره حتى لو لم يسند إلى أحد كما يقع في كثير من الأوقات أن يقول المشتري للبائع: بعت هذا بعشرة مثلا، فيقول: بعت
فيقبله المشتري لم يصح، وكذا لو أسنده إلى غير المخاطب كبعت موكلك بخلاف النكاح فإنه لا يصح إلا بذلك، لأن الوكيل
ثم سفير محض. وقد لا يعتبر الخطاب كما في مسألة المتوسط، وهي أن يقول شخص للبائع: بعت هذا بكذا، فيقول: نعم
أو بعت، ويقول للآخر: اشتريت، فيقول: نعم أو اشتريت، فينعقد البيع لوجود الصيغة. ولو كان الخطاب من أحدهما
للآخر فظاهر كلام الحاوي الصحة، وجرى على ذلك شيخنا في شرح البهجة، والمعتمد كما قال شيخي عدم الصحة لأن
المتوسط قائم مقام المخاطبة ولم يوجد. نعم إن أجاب المشتري بعد ذلك صح فيما إذا قال البائع: نعم دون بعت ولا يشترط
في المتوسط التكليف لأن العقد لا يتعلق به. ولو قال: اشتريت منك هذا بكذا فقال البائع: نعم أو قال: بعتك فقال المشتري
: نعم صح كما ذكره في الروضة في باب النكاح استطرادا، وإن خالف في ذلك شيخنا في شرح البهجة، وعلل ذلك بأنه
لا التماس فلا جواب. ويدل لصحة القبول ب‍ نعم متأخرة عبارة ابن قاضي عجلون في تصحيحه، ويمتنع الابتداء بنعم
بناء على صحة القبول بها متأخرة وهو الأصح أه‍. الأمر الثاني: لا بد من إسناده إلى جملته فلا يصح: بعته، ليدك أو لنصفك
وذكر الرافعي في الركن الثاني من كتاب الظهار ضابط ما يصح إسناده إلى الجزء وما لا يصح فقال قال الأصحاب: ما يقبل
التعليق من التصرفات تصح إضافته إلى بعض محل ذلك التصرف كالطلاق والعتاق، وما لا يقبله لا تصح إضافته إلى بعض
المحل كالنكاح والرجعة أه‍. فإن قيل: الكفالة لا يصح تعليقها وتصح إضافتها إلى جزء لا يبقى الشخص بدونه كرأسه.
أجيب بأن المراد تصح إضافته إلى أي جزء كان، وهذا إلى جزء مخصوص.
تنبيه: اعتبار الصيغة جار حتى في البيع الضمني لكن تقديرا، كأن يقال: أعتق عبدك عني على كذا ففعل
، فإنه يعتق عن الطالب ويلزمه العوض كما سيأتي في الكفارة، فكأنه قال: بعنيه وأعتقه عني وقد أجابه. وسكت المصنف
عن صيغة الثمن لوضوح اشتراط أنه لا بد من ذكره، وله صيغ منها أن يقول بكذا كما مرت الإشارة إليه وهي الأصل،
ومنها: على أن تعطيني كذا، ومنها: ولي عليك كذا أو يقول المشتري: ولك علي كذا. ومنها: بعتك على ألف ونحو ذلك.
(ويجوز تقدم لفظ المشتري) على لفظ البائع لحصول المقصود مع ذلك. ومنع الامام والقفال تقدم قبلت وهو قضية
4

كلام الشيخين هنا، لكن ذكرا في التوكيل في النكاح أنه لو قال وكيل الزوج أولا: قبلت نكاح فلانة منك لفلان فقال
وكيل الولي: زوجتها فلانا جاز، وقياسه أنه لو قال: قبلت بيع هذا منك بكذا لموكلي أو لنفسي، فقال: بعتك أنه يصح، وهو
ظاهر لأن النكاح يحتاط فيه ما لا يحتاط في البيع. (ولو قال) شخص لآخر بصيغة الامر: (بعني) كذا بكذا (فقال
بعتك انعقد) البيع (في الأظهر) لدلالة بعني على الرضا، والثاني: لا ينعقد إلا إذا قال المشتري بعد ذلك اشتريت أو قبلت
لأنه قد يقول بعني لاستبانة الرغبة، ولو قال: اشتر مني فقال: اشتريت، فكما قال بعني فقال بعتك، قاله البغوي وصححه
في المجموع وإن لم يفهمه عبارة المصنف. ولو قال: اشتريت هذا منك بكذا فقال: بعتك انعقد إجماعا كما نقله الأذرعي عن
شرح الوجيز لابن يونس، فلو لم يأت بلفظ الامر بأن أتى بلفظ الماضي أو المضارع كقوله: بعتني أو تبيعني، فقال: بعتك
لم ينعقد البيع حتى يقبل بعد ذلك، قال الأسنوي: والمتجه أن يلحق بصيغة الامر ما دل عليه كاسم الفاعل
والمضارع
المقرون بلام الامر، ولا يضر اختلاف اللفظ من الجانبين، فلو قال: اشتريت منك كذا بكذا فقال البائع: ملكتك، أو قال
له البائع: ملكتك فقال: اشتريت صح لحصول المقصود بذلك. ويصح البيع بفعلت في جواب
بعني وكذا ب‍ نعم في جواب بعت واشتريت كما مرت الإشارة إليه. ثم ما ذكره المصنف صريح واستغنى عن التصريح به بقوله: (وينعقد) أي البيع
(بالكناية) وهي ما تحتمل البيع وغيره مع النية، (كجعلته لك) أو خذه أو تسلمه أو سلطتك عليه، (بكذا) ناويا البيع
فينعقد بذلك (في الأصح) ففي الأصح راجع إلى الانعقاد بالكناية كما تقرر لا إلى كون جعلته من الكنايات فهذا
لا خلاف فيه، فلو قال وينعقد بالكناية في الأصح كجعلته لك بكذا كما في المحرر لكان أحسن، والثاني: لا ينعقد بالكناية
لأن المخاطب لا يدري أخوطب ببيع أم غيره. وأجيب بأن ذكر العوض ظاهر في إرادة البيع، ومن الكناية باعكه الله
بكذا كأقالك الله بكذا أو رده الله عليك في الإقالة بخلاف أبرأك الله فإنه صريح ك‍ طلقك الله، وضابط ذلك أن ما استقل
به الشخص وحده كالبراءة كان صريحا ومالا كالبيع فكناية، وليس من كناية البيع أبحتك إياه بكذا، قال في المجموع
: لأنه صريح في الإباحة مجانا فلا يكون كناية في غيرها، وهذا هو المعتمد وإن نظر فيه بعضهم. واستثنى في المطلب صحة
طلاق السكران بالكناية، قال بعض المتأخرين: وقياسه منع صحة بيعه وشرائه بها أه‍. والظاهر الصحة في الموضعين،
وينعقد بالكناية منع النية سائر العقود وإن لم يقبل التعليق، فإن توفرت القرائن على إرادة البيع قال الامام: وجب القطع
بصحته، والنكاح وبيع الوكيل المشروط فيه الاشهاد لا ينعقدان بها لأن الشهود لا يطلعون على النية، نعم إن توفرت
القرائن عليه في الثانية، قال الغزالي: فالظاهر انعقاده، وأقره عليه في الروضة، وهو المعتمد خلافا لما جرى عليه
صاحب الأنوار من عدم الصحة، والفرق بينه وبين النكاح أن النكاح يحتاط له أكثر. وصورة الشرط أن يقول: بع هذا على
أن تشهد، فإن قال: بع واشهد لم يكن الاشهاد شرطا، صرح بذلك المرعشي، واقتضاه كلام غيره. والكتابة بالبيع ونحوه
على نحو لوح أو ورق أو أرض كناية في ذلك فينعقد بها مع النية بخلاف الكتابة على المائع ونحوه كالهواء فإنه لا يكون
كناية لأنها لا تثبت. ويشترط القبول من المكتوب إليه حال الاطلاع ليقترن بالايجاب بقدر الامكان، فإذا قبل فله الخيار
ما دام في مجلس قبوله. ويثبت الخيار للكاتب ممتدا إلى أن ينقطع خيار صاحبه، حتى لو علم أنه رجع عن الايجاب قبل مفارقة
المكتوب إليه في مجلسه صح رجوعه ولم ينعقد البيع، أي لم يستمر، وإن كتب بذلك لحاضر صح أيضا في أحد وجهين
رجحه الزركشي كالسبكي وهو المعتمد. ولو باع من غائب كأن قال: بعت داري لفلان وهو غائب فقبل حين بلغه الخبر
صح كما لو كاتبه بل أولى.
فرع: يصح البيع ونحوه من المعاملات بالعجمية مع القدرة على العربية قطعا، وفي النكاح خلاف التعبد
، والأصح فيه الصحة. (ويشترط أن لا يطول الفصل) بين الايجاب والقبول ولو بكتابة أو إشارة أخرس. وقوله: (بين
لفظيهما) مثال، ولو عبر بما قدرته كان أولى، فإن طال ضر لأن طول الفصل يخرج الثاني عن أن يكون جوابا عن
5

الأول، والطويل كما قال في زيادة الروضة في النكاح: وهو ما أشعر بإعراضه عن القبول، بخلاف الفصل اليسير لعدم
إشعاره بالاعراض عن القبول. ويضر تخلل كلام أجنبي عن العقد ولو يسيرا بين الايجاب والقبول وإن لم يتفرقا عن
المجلس، لأن فيه إعراضا عن القبول بخلاف اليسير في الخلع. وفرق بأن فيه من جانب
الزوج شائبة تعليق، ومن جانب الزوجة شائبة جعالة، وكل منهما موسع فيه محتمل للجهالة، بخلاف البيع. وظاهر كلامهم أنه لا فرق في ذلك بين أن
يكون ممن يريد أن يتم العقد أو غيره، وهو كذلك كما يؤخذ من كلام القاضي حسين. ومن عدهم في باب الخلع والردة
من الموجب كلاما يسيرا، أي أجنبيا، ولان الموجب تعلقه بالعقد باق ما لم يقع القبول، فإنه لو جن أو خرج عن الأهلية لم
يصح القبول، وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين فشرط أن يكون ذلك من القابل. والمراد بالكلام ما يشمل الكلم
والكلمة لا المصطلح عليه عند النحاة. وخرج بالأجنبي غيره فلا يضر، وفسر في الأنوار الأجنبي بأن لا يكون من
مقتضى العقد ولا من مصالحه ولا من مستحباته، قال: فلو قال المشتري: بسم الله والحمد لله والصلاة على رسول الله
قبلت صح اه‍. وهذا إنما يأتي على طريقة الرافعي، أما على ما صححه المصنف في باب النكاح فهو ليس بمستحب،
لكنه لا يضر كما في النكاح. ويشترط أيضا أن يكون القبول ممن صدر معه الخطاب، فلو مات المخاطب به قبل قبوله
فقبل وارثه لم ينعقد، وكذا لو قبل وكيله أو موكله كما هو مقتضى كلام الأصحاب، وجزم به ابن المقري في شرح إرشاده،
خلافا للناشري القائل بالصحة في الموكل، وأن يصر البادي على ما أتى به من الايجاب إلى القبول، وأن تبقى أهليته
كذلك، فلو أوجب بمؤجل أو شرط الخيار ثم أسقط الاجل أو الخيار أو جن أو أغمي عليه مثلا لم يصح العقد لضعف
الايجاب وحده. وأن يتلفظ كل منهما بحيث يسمعه من بقربه وإن لم يسمعه صاحبه، وأن لا يكون العقد مؤقتا، فلو
قال: بعتكه بكذا شهرا مثلا، لم يصح. وأن لا يكون معلقا بما لا يقتضيه العقد، فلو قال: إن جاء زيد فقد بعتك كذا
لم يصح، بخلاف ما إذا علق بما يقتضيه العقد كقوله: بعتك هذا بكذا إن شئت فقال: اشتريت، أو قال: اشتريت منك
هذا بكذا إن شئت فقال: بعتك صح. ولا يضر هذا التعليق لأنه تصريح بمقتضى العقد، فأشبه ما لو قال: إن كان
هذا ملكي فقد بعتكه بكذا، ولو قال في الجواب: شئت لم يصح لأن لفظ المشيئة ليس من ألفاظ التمليك. والظاهر كما
قاله بعض المتأخرين أن إن رضيت أو إن أجبت أو إن اخترت أو إن أردت كإن شئت، ولو قال: بعتك إن قبلت
فقبل صح كما صححه الماوردي، ولو قال: اشتريت منك بكذا فقال: بعتك إن شئت لم يصح كما قاله الامام لاقتضاء التعليق
وجود شئ بعده ولم يوجد، فلو قال بعده: اشتريت أو قبلت لم يصح أيضا، إذ يبعد حمل المشيئة على استدعاء القبول
وقد سبق فيتعين إرادتها نفسها فيكون تعليقا محضا هو مبطل، ولو قال: إن شئت بعتكه لم يصح لأن فيه تعليقا لأصل
العقد وهو ممتنع.
تنبيه: يستثنى من اشتراط عدم التعليق مسألة الوكيل في شراء الجارية إذا قال الموكل: إن كنت أمرتك
بعشرين فقد بعتكها بها، وما لو قال: إن كان ملكي فقد بعتكه، ولو علق بمشيئة الله تعالى فله ثلاث حالات مرت
في الوضوء والقياس مجيئها هنا. ولا بد أن يتأخر القبول عن تمام الايجاب ومصالحه، فلو قال: بعتك هذا الثوب
بألف درهم مؤجلة إلى شهر بشرط خيار الثلاث فقبل قبل أن يفرغ البائع منه بطل، كما لو قال: زوجتك ابنتي على ألف
درهم مؤجلة إلى شهر فقبل قبل الفراغ منه. (وأن يقبل على وفق الايجاب) في المعنى كالجنس والنوع والصفة والعدد
والحلول والأجل. (فلو قال بعتك) هذا العد مثلا (بألف مكسرة فقال قبلت بألف صحيحة) أو عكسه كما فهم بالأولى،
أو: بعتكه بألف فقبل بألف وخمسمائة، أو: بألف فقبل بخمسمائة، أو قبل بعض البيع أو قبل نصيب أحد البائعين كأن قالا
: بعناك عبدنا بألف فقبل نصيب أحدهما، (لم يصح) لاختلاف المعنى. ولو قال المخاطب فيما لو قيل له بعتكه بألف: قبلت نصفه
بخمسمائة ونصفه الآخر بخمسمائة صح عند المتولي، وجزم به ابن المقري وهو المعتمد، وإن مال الأسنوي إلى البطلان، إذ
لا مخالفة بذكر مقتضى الاطلاق. واستشكله الرافعي بأن أوجب له عقدا فقبل عقدين لتعدد الصفقة بتفصيل الثمن.
6

قال في المجموع: والامر كما قال الرافعي، أي من الاشكال، لكن الظاهر، أي من حيث النقل الصحة. أما الموافقة
لفظا فلا تشترط، فلو قال: بعتك فقال: اشتريت أو نحوه صح، ولو قال: بعتك هذه الدار مثلا بألف على أن لي نصفها
صح، كما لو قال: إلا نصفها. ولا ينعقد البيع بالألفاظ التي بمعنى الهبة، كما أعمرتك أو أرقبتك كما جزم به في التعليقة تبعا
لأبي علي الطبري، فليس بصريح ولا كناية، خلافا لبعض المتأخرين، وإنما صحت الهبة بهذا اللفظ للنص. ولو قال
: أسلمت إليك كذا في هذا الثوب مثلا فقبل لم ينعقد بيعا ولا سلما كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى. ولا بد أن
يقصد بلفظ البيع معنى البيع كما في نظيره في الطلاق، فلو لم يقصده أصلا كمن سبق لسانه إليه أو قصده لا لمعناه كمن لقن
أعجميا ما لا يعرف مدلوله لم ينعقد، نعم إن قصد البيع أو غيره هازلا صح كما في الطلاق. (وإشارة الأخرس) وكتابته
(بالعقد كالنطق) للضرورة، لأن ذلك يدل علما في فؤاده كما يدل عليه النطق من الناطق. ولا حاجة إلى قوله: من
زيادته بالعقد، بل قال السبكي: إنها مضرة لأن الفسخ والدعاوى والأقارير ونحو ذلك كذلك، ولكن احترز به عن
إشارته في الصلاة وبالشهادة وفيما إذا حلف لا يتكلم أو حلف عليه فليس لها حكم النطق. وأعاد المصنف هذه المسألة
في الطلاق وضم الحلي إلى العقد، وسيأتي فيه إن شاء الله تعالى أن إشارته إن فهمها الفطن
وغيره فصريحة، أو الفطن فقط فكناية.
تنبيه: قال بعض المتأخرين: ويحتاج المصنف أن يزيد فيه فيقول كالنطق فيه، وإلا يلزمه أن يكون قبول
الأخرس البيع في الصلاة كقبول النطق فتبطل صلاته. ثم شرع في الركن الثاني وهو العاقد، وقدمه على المعقود
عليه لتقدم الفاعل على المفعول طبعا، فقال: (وشرط العاقد) بائعا أو مشتريا (الرشد وهو أن يتصف بالبلوغ
والصلاح لدينه وماله، فلا يصح من صبي وإن قصد اختباره ولا من مجنون ولا من محجور عليه بسفه ولو بغبطة، وإنما
صح بيع العبد من نفسه لأن مقصوده العتق.
تنبيه: قال المصنف في دقائقه: إن عبارته أصوب من قول المحرر يعتبر في المتبايعين التكليف لأنه يرد عليه
ثلاثة أشياء: أحدها أن ينتقض بالسكران فإنه يصح بيعه على المذهب مع أنه غير مكلف كما تقرر في كتب الأصول
. الثاني: أنه يرد عليه المحجور عليه بسفه فإنه لا يصح بيعه مع أنه مكلف. والثالث: المكره بغير حق فإنه مكلف ولا يصح
بيعه، قال: ولا يرد واحد منها على المنهاج اه‍. بل ولا على المحرر. أما السكران ففي كونه مكلفا خلاف، وقد نص
الشافعي رحمه الله تعالى على أنه مكلف فقال: وهذا - أي السكران - آثم مضروب على السكر غير مرفوع عنه القلم اه‍
. وسيأتي تحريره في الطلاق إن شاء الله تعالى. وأما السفيه والمكره فلان معنى قوله: ويعتبر في المتبايعين التكليف
أنه لا بد في كل بيع منه وهو صحيح ولا يلزم عكسه، وهو اعتبار بيع كل مكلف، ولكن
التعرض لهما أحسن لكن لا يردان على المحرر. واعترض عليه بأمور كما يدين الشخص يدان: أحدها أن تعبيره يخرج السكران أيضا كما
أخرجه قيد التكليف عند الأصوليين إلا أن يفرض في سكر لا يخرجه عن الرشد لجهل أو إكراه وهو نادر. ثانيها: أن يرد عليه
الفاسق فإن بيعه صحيح وليس برشيد، إذ الرشد صلاح الدين والمال. وثالثها: أنه يرد عليه أيضا من طرأ سفهه بعد
فك الحجر عنه فإنه لا بد من إعادة الحجر عليه، فإذا باع قبل إعادة الحجر عليه صح مع أنه ليس برشيد. ورابعها: أن
عبارته تتناول الصبي كما قال بعضهم فإنه وصفه بالرشد في قوله في الصيام: أو صبيان رشداء. وخامسها: الأعمى لا يصح
بيعه ولا شراؤه كما سيأتي آخر الباب مع أنه رشيد، ولو عبر بمطلق التصرف لسلم من ذلك. (قلت: وعدم الاكراه
بغير حق) فلا يصح عقد مكره في ماله بغير حق، لقوله تعالى، * (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) *. ولا أثر لقول
المكره بغير حق إلا في الصلاة فتبطل به في الأصح، ولا لفعله إلا في الرضاع والحدث والتحول عن القبلة وترك القيام
في الفريضة مع القدرة، وكذا القتل ونحوه في الأصح، وكل هذا يأتي في باب الطلاق إن شاء الله تعالى. ويرد على
الأول ما لو أكرهه على طلاق زوجة نفسه أو بيع ماله أو عتق عبده وما أشبه ذلك فإنه ينفذ، وعلى الثاني ما لو أكرهه
7

على إتلاف مال الغير أو أكله أو تسليم الوديعة فإنه يضمن الجميع، وما لو أكره مجوسي مسلما على ذبح شاة أو محرم
حلالا على ذبح صيد فذبحه فإنه يحل، وما لو أكرهه على غسل ميت لم يتوجه عليه غسله فإنه يصح، وما لو أكره على
وطئ زوجته أو أمته فأحبلها فإنه يصح ويستقر للزوجة به المهر وللأمة أمية الولد وحلت الزوجة للمطلق ثلاثا، وما لو حضر
المحرم عرفة مكرها فإنه يصح وقوفه. أما الاكراه بحق فيصح إقامة لرضا الشرع مقام رضاه، وصوره في الروضة بمن
توجه عليه دين وامتنع من الوقاء والبيع، فإن شاء القاضي باع ماله بغير إذنه لوفاء دينه، وإن شاء عزره وحبسه إلى أن
يبيعه. قال السبكي: وكان بعض مشايخنا يصوره بمن أمر عبده بالبيع فامتنع فأكرهه فإنه يصح لأنه من الاستخدام
الواجب. وصور بعضهم بما إذا أسلم عبد لكافر محجور عليه فإن الحاكم يجبر الولي على بيعه. قال الأسنوي: ومن
صوره: ما إذا أذن شخص لعبد غيره في بيع ماله، قال: فللسيد إكراهه على بيعه. ويصح بيع المصادر - بفتح الدال -
من جهة ظالم، بأن باع ماله لدفع الأذى الذي ناله لأنه لا إكراه فيه، إذ مقصود من صادر تحصيل المال من أي
وجه كان.
فروع: لو أتلف الصبي أو تلف عنده ما ابتاع أو ما اقترض من رشيد وأقبضه له لم يضمن، لأن المقبض هو المضيع
لماله. هذا في الظاهر، أما في الباطن فيغرم بعد البلوغ كما نص عليه في الام في باب الاقرار. أو من صبي مثله ولم يأذن
الوليان ضمن كل منهما ما قبض من الآخر، وإن كان ذلك بإذن الوليين فالضمان عليهما فقط لوجود التسليط
منهما، وعلى
البائع للصبي رد الثمن إلى وليه، فلو رده إلى الصبي ولو بإذن الولي وهو ملك الصبي لم يبرأ منه أو للولي برئ منه. ومحل
عدم الابراء بالدفع للصبي بإذن وليه كما قال الزركشي ما إذا لم يكن في مصلحة تتعلق ببدنه من مأكل ومشرب ونحوهما
وإلا برئ. ولو قال شخص لآخر له عنده وديعة سلم وديعتي إلى الصبي أو ألقها في البحر ففعل برئ لأنه امتثل أمره
في حقه المتعين، بخلاف ما لو قال ذلك لمن له عليه دين فإنه لا يبرأ لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح. ولو أعطى
صبي دينارا لنقاد ينقده أو متاعا لمقوم يقومه ضمن من أخذه إن لم يرده لوليه إن كان للصبي، أو لمالكه إن كان لغيره.
ولو أوصل صبي هدية إلى غيره وقال هي من زيد مثلا أو أخبر بالاذن بالدخول عمل بخبره مع ما يفيد العلم أو الظن من
قرينة أو من قوله لاعتماد السلف عليه في ذلك حينئذ، وكالصبي في ذلك الفاسق كما نقله في المجموع عن الأصحاب. (ولا
يصح شراء الكافر) ولو مرتدا لنفسه أو لمثله، (المصحف) كله أو بعضه، ولا
يتملكه بسلم ولا بهبة ولا وصية ولا كتب حديث ولا آثار سلف ولا كتب فقه فيها شئ من الثلاثة لما في ذلك من الإهانة لها. قال الأذرعي في القوت: والمراد
بآثار السلف حكايات الصالحين لما في ذلك من الإهانة والاستهزاء بهم. قال السبكي: والأحسن أن يقال كتب علم
وإن خلت عن الآثار تعظيما للعلم الشرعي اه‍. وهذا لا بأس به. قال ابنه: وتعليله يفيد جواز تملكه كتب علوم غير
شرعية، وينبغي منعه من تملك ما يتعلق منها بالشرع ككتب النحو واللغة. قال شيخنا: وفيما قاله نظر، أي بل الظاهر
الجواز وهو كذلك. ولو نسخ الكافر مصحفا، أو أي شئ مما ذكر من كتب الحديث أمر بإزالة الملك عنه. قال ابن
عبد السلام: ولا يمكن الكافر من تجليد المصحف اه‍. ولا يسلم إليه ولو رجا إسلامه بخلاف تمكينه من القراءة
لما في تمكينه من الإهانة اه‍. وقعت البلوى بتملك أهل الذمة الدراهم والدنانير وعليها الآيات من القرآن، وينكر ذلك
أحد من السلف ولا من الخلف. قال بعض المتأخرين: وكأنه سومح في ذلك للحاجة. (و) لا يصح شراء الكافر العبد
(المسلم) لنفسه ولا لمثله لما فيه من إذلال المسلم، ولقوله تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) *. وقوله:
(في الأظهر) ظاهره أنه راجع للمسألتين، وهو صحيح في شراء المسلم، وأما في المصحف فلا، بل الأصح فيه وفيما ذكر معه
في الشرحين والروضة والتهذيب القطع بالبطلان. وفرق الشافعي في الام برجاء العتق، والرافعي بأن العبد يمكنه الاستغاثة
ودفع الذل عن نفسه، ومقابله يصح ذلك ويؤمر بإزالة الملك. أما لو اشترى ما ذكر الكافر لمسلم فإنه يصح لانتفاء
المحذور، ويفارق منع إنابة المسلم كافرا في قبول نكاح مسلمة باختصاص النكاح بالتعبد لحرمة الابضاع، وبأن
8

الكافر لا يتصور نكاحه لمسلمة، بخلاف ملكه لمسلم كما سيأتي. ولا يتملك الكافر مرتدا كما صححه في المجموع لبقاء
علقة الاسلام، ولا شراء المسلم العبد المسلم الوكالة لكافر، قاله في الروضة. والمصحف وما ذكر معه كالعبد المسلم
في ذلك. (إلا أن يعتق عليه) وذلك في ثلاث صور، الأولى: إذا كان المبيع أصلا أو فرعا للمشتري. الثانية: إذا قال:
أعتق عبدك المسلم عني بعوض أو بغيره وأجابه. الثالثة: إذا أقر بحرية عبد مسلم ثم اشتراه، قاله الأسنوي. لكن الصحيح
في هذه الثالثة أنه افتداه من جهة المشتري لا شراءه. (فيصح) بالرفع، أي فإنه يصح شراؤه ويملكه في هذه الصور
المذكورة، (في الأصح) لأنه يستعقب العتق فلا إذلال. وإنما قيدت كلام المصنف بالرفع تبعا للشارح ليكون مستأنفا
، إذ لو كان منصوبا لكان من دخول الاستثناء فيلزم استثناء الشئ من نقيضه، أي يلزم استثناء الصحة من عدم
الصحة وهو فاسد. والثاني: لا يصح، إذ لا يخلو عن إذلال. وللكافر استئجار العبد المسلم ولو إجارة عين، وله استئجار
مصحف ونحوه إذ لا يثبت له على شئ منها تسلط تام، وإنما يستوفي منفعته بعوض، وقد أجر علي رضي الله تعالى
عنه نفسه لكافر. ومحله كما قال الزركشي في غير الأعمال الممتهنة أما فيها كإزالة قاذوراته فتمتنع قطعا. ويؤمر
في إجارة العين بإجارته لمسلم كما في المجموع ليزيل ملكه عن المنفعة كما يزيل ملكه عن الرقبة كما سيأتي، بخلاف إجارة الذمة
لأن الأجير فيها يمكنه تحصيل العمل بغيره. وله ارتهانه وارتهان المصحف وما ألحق به لأنه مجرد استيثاق، قال
ابن المقري: وترفع يده عنهما فيوضعان عند عدل. وقضيته أنه يتسلمهما أولا، وقضية كلام الروضة أنه لا يمكن من
ذلك بل يسلم أولا للعدل. قال الأذرعي: ويحتمل أن يقال: ويسلم إليه الرقيق ثم ينزع منه حالا إذ لا محذور كما في إيداعه
منه بخلاف المصحف فإنه محدث مكلف فلا يسلم إليه. وهذا كما قال شيخنا متجه. وينبغي أن يكون غير المصحف مما
ألحق به كالعبد أخذا من العلة. ولا يصح شراء الكافر رقيقا مسلما بشرط الاعتاق لأنه لا يستعقب العتق، ولو أسلم رقيق
الكافر أمر بإزالة الملك عنه ببيع أو هبة أو عتق أو وقف أو نحو ذلك دفعا للإهانة والاذلال وقطعا لسلطنة الكافر على
المسلم. ولا يحكم بزوال ملكه ما لو أسلمت الزوجة تحت كافر إذ ملك النكاح لا يقبل النكاح فتعين البطلان بخلاف
ملك اليمين، ولا يكفي رهنه ولا إجارته ولا تزويجه ولا تدبيره ونحو ذلك لأنها لا تفيد الاستقلال، وهل المراد أن ذلك
لا يصح أو يصح؟ لكنه لا يكفي، قال الزركشي: فيه نظر والأقرب الأول. ولا يكفي وقفه على ذمي على
المتجه،
ويكفي كتابته وإن لم يزل بها الملك لإفادتها الاستقلال.
مهمة: يدخل المسلم في ملك الكافر ابتداء في أربعين صورة، وها أنا أسردها لك تتميما للفائدة: الأولى
والثانية من صور استعقاب العتق المذكورات. الثالثة: الإرث، كأن يموت كافر عن ابن كافر ويخلف في تركته عبدا
مسلما. الرابعة: الرد بالعيب. الخامسة: الافلاس. السادسة: الإقالة. السابعة: أن يرجع إليه بتلف مقابله قبل القبض
، وفي معناه ما إذا أتلفه متلف فإنا نخير البائع فإذا اختار الفسخ عاد العبد إلى ملكه. الثامنة: أن يبيعه بثوب ثم
يجد بالثوب عيبا فيرده. التاسعة: إذا تبايع كافران عبدا كافرا فأسلم قبل القبض تخير المشتري فإن فسخ دخل
في ملك البائع. العاشرة: إذا باع كافر مسلما لمسلم بشرط الخيار للمشتري ففسخ. الحادية عشر: تبايع كافران كافرا
بشرط الخيار للبائع فأسلم فيدخل في ملك المشتري بانقضاء خيار البائع. الثانية عشر: أن يرده لفوات شرط كالكتابة
والخياطة. الثالثة عشر: اشترى ثمرة بعبد كافر فأسلم ثم اختلطت وفسخ. الرابعة عشر: باع كافر عبدا مغصوبا لقادر
على انتزاعه فعجز قبل قبضه فله الفسخ، وكذا لو باعه فغصب قبل القبض. الخامسة عشر: إذا باعه لمسلم رآه قبل العقد
ثم وجده متغيرا فله الفسخ. السادسة عشر: باعه لمسلم ماله في مسافة بمسافة القصر فللكافر الفسخ. السابعة عشر: باعه بصبرة
طعام فظهر تحتها دكة فله الفسخ. الثامنة عشر: جعله رأس مال سلم فانقطع المسلم فيه فله الفسخ. التاسعة عشر:
أقرضه فأسلم في يد المقترض جاز للمقرض الرجوع. المتممة عشرين: ورث عبدا مسلما أو كافرا فأسلم ثم باعه فظهر دين
على التركة ولم يقض فيفسخ البيع ويعود إلى ملكه متعلقا به الدين. الحادية والعشرون: وكل كافر في شراء كافر
9

فاشتراه ثم أسلم وظهر أنه معيب وأخر الوكيل الرد فإنه يقع عن الوكيل. الثانية والعشرون: اشترى عامل القراض الكافر
عبدا للقراض ثم اقتسما بعد إسلامهم. الثالثة والعشرون: أن يجعله أجرة أو جعلا ثم يقتضي الحال الفسخ. الرابعة
والعشرون: الفسخ بالتحالف. الخامسة والعشرون: أن يصدق الكافر زوجته عبدا كافرا فيسلم ثم يرجع كله أو بعضه
إلى الزوج بطلاق أو فسخ. السادسة والعشرون: أن يلتقط المتلقط محكوما بكفره بشرطه إما لعدم تمييزه، أو وقت
نهب وغارة فأسلم ثم أثبت كافر أنه ملكه فإنه يرجع فيه، لأن تملك الالتقاط كالتملك بالقرض. السابعة والعشرون: أن
يقف على كافر أمة كافرة فتسلم ثم تأتي بولد فهو مسلم يملكه الموقوف عليه. الثامنة والعشرون: أن يوصي لكافر
بما تحمله أمته من زوجها الكافر فيقبل ثم تسلم الجارية وتأتي بولد. التاسعة والعشرون: أن يخالع الكافر زوجته
الكافرة على عبد كافر فيسلم، ثم يقتضي الحال فسخ الخلع بعيب أو فوات شرط. المتممة ثلاثين: أن يتزوج
كتابي أمة
كافرة لكتابي ثم تسلم وتأتي بولد فإنه يكون مسلما مملوكا لسيدها. الحادية والثلاثون: إذا أولد كافر أمة مسلمة لولده
كلها أو بعضها انتقلت إليه وصارت مستولدة له. الثانية والثلاثون: إذا وطئ مسلم أمة كافرة ظانا أنها زوجته الأمة
، فالولد مسلم مملوك للكافر. الثالثة والثلاثون: إذا أسلم عبد لكافر بعد أن جنى جناية توجب ما لا يتعلق برقبته وباعه
بعد اختيار الفداء فتعذر تحصيل الفداء، أو تأخر لافلاسه، أو غيبته، أو صبره على الحبس، فينفسخ البيع فيعود إلى ملكه
ثم يباع في الجناية. الرابعة والثلاثون: أن يكاتب الكافر عبدا مسلم أو كافرا فيسلم، ثم يشتري المكاتب عبدا مسلما
أو تأتي أمته المسلمة بولد من نكاح أو زنا، ثم يعجز نفسه ويفسخ الكتابة، فيدخل الولد أو العبد في ملك الكافر.
الخامسة والثلاثون: إذا حضر الكفار الجهاد بإذن الإمام، وكانت الغنيمة أطفالا ونساء وعبيدا وأسلموا بالاستقلال
أو التبعية ثم اختار الغانمون التملك كان للامام أن يرضخ للكافر مما وجد لتقدم سبب الاستحقاق. السادسة والثلاثون:
أن يكون بين كافرين أو كافر ومسلم عبيد مسلمون أو بعضهم واقتسموا. السابعة والثلاثون أن يعتق الكافر نصيبه
من عبد مسلم، فإن الباقي يدخل في ملكه ويقوم عليه كما نقله في المجموع في البيع عن البغوي وأقره. الثامنة والثلاثون
: إذا وهبه لفرعه فأسلم في يده فله الرجوع فيه. التاسعة والثلاثون: إذا أقر بحرية مسلم في يد غيره ثم اشتراه كما ذكر
ههنا وإن كان ذلك في الحقيقة اقتداء. المتممة أربعين: أن تسلم مستولدة الكافر ثم تأتي بولد من نكاح أو زنا فإنه
يكون مسلما مملوكا له ويثبت له حكم أمه. والشامل لجميع هذه الصور ثلاثة أسباب: الأول: الملك القهري. الثاني: ما يفيد
الفسخ. الثالث: ما يستعقب العتق، فاستفد ذلك فإنه ضابط مهم. (ولا) يصح شراء (الحربي سلاحا) كسيف ورمح
أو وغيره من عدة الحرب كدرع وترس، (والله أعلم) لأنه يستعين بذلك على قتالنا، بخلاف الذمي في دارنا فإنه في قبضتنا
، وبخلاف عدة غير الحرب ولو مما يتأتى منه كالحديد، إذ لا يتعين جعله عدة حرب، فإن غلب عن الظن أنه يعمله سلاحا
كان كبيع العنب لعاصر الخمر وسيأتي في المناهي. أما الذمي في دار الحرب فهو كالحربي، ومقتضى كلام المصنف
أن المستأمن كالذمي، والأوجه كما قاله الأسنوي إنه كالحربي.
تنبيه: صرحوا في صلاة الخوف بأن الترس والدرع ليسا من السلاح، وهو مقتضى قولهم في السلب كدرع
وسلاح، ولذا قلت: أو غيره ومثلت بذلك، لكن كلام الامام يقتضي أنه منه، فإنه استدل على بيع السلاح ورهنه من
الذمي بأنه عليه الصلاة والسلام توفي ودرعه مرهون عند يهودي، فدل على أنه يسمى سلاحا
، ولعله إنما سماه سلاحا لأن أهل الحرب يستعينون به على قتالنا كما مر. ويمتنع شراء الحربي الخيل أيضا كما نقل عن النص وغيره. ثم شرع
في الركن الثالث وهو المبيع ثمنا أو مثمنا ذاكرا لشروطه فقال: (وللمبيع شروط) خمسة كما قاله في الروضة
، وسيذكرها
المصنف، وزاد البارزي على ذلك الرؤية. قال الولي العراقي: والتحقيق أن اشتراط الرؤية داخل في اشتراط العلم
، فإنه لا يحصل بدون رؤية، ولو وصف فوراء الوصف أمور تضيق عنها العبارة. فإن قيل: يشترط في الربويات شروط أخر
زيادة على ذلك. أجيب بأن الكلام في غيرها فإن تلك لها باب يخصها. فإن قيل: يرد على ذلك حريم الملك فإنه
10

لا يصح بيعه وحده مع وجود الشروط. أجيب بأنه إن أمكن إحداث حريم للملك فالوجه الصحة وإلا فالمنع راجع إلى
عدم قدرة تسليمه كبيع بعض معين ينقص بالقطع. قال السبكي: والذي يتحرر من الشروط الملك والمنفعة فلا يشترط
له غيرهما، وأما اشتراط الطهارة فمستفاد من الملك لأن النجس غير مملوك، وأما القدرة على التسليم والعلم به فشرط في
العاقد، وكذا كون الملك لمن له العقد. ثم شرع المصنف في بيان الخمسة فقال: أحدها: (طهارة عينه فلا يصح بيع) نجس
العين، سواء أمكن تطهيره بالاستحالة كجلد الميتة أم لا كالسرجين، و (الكلب) ولو معلما، (والخمر) ولو محترمة، لخبر
الصحيحين: أنه (ص) نهى عن ثمن الكلب وقال: إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير وقيس بها ما في معناها. (و)
لا بيع (المتنجس الذي لا يمكن تطهيره كالخل واللبن) والصبغ والآجر المعجون بالزبل لأنه في معنى نجس العين. أما ما يمكن
تطهيره كالثوب المتنجس والآجر المعجون بمائع نجس فإنه يصح بيعه لامكان طهره. (وكذا الدهن) كالزيت إذ لا يمكن
تطهيره، (في الأصح) لأنه لو أمكن لما أمر بإراقة السمن فيما روى ابن حبان: أنه (ص) قال في الفأرة تموت في
السمن: فإن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعا فأريقوه. والثاني: يمكن تطهيره بغسله بأن يوضع على قلتي ماء
أو يصب عليه ماء يغمره ثم يحرك حتى يصل إلى جميع أجزائه. وهذه المسألة مكررة في كلام المصنف فإنه ذكرها في باب
النجاسات. وظاهر كلامه صحة بيعه إذا قلنا أنه يطهر بالغسل وهو وجه، والأصح المنع لخبر الفأرة المتقدم، ويشكل
الفرق بينه وبين الثوب المتنجس حيث صح بيعه قطعا. قال الرافعي: ويجري الوجهان في بيع الماء المتنجس، ومقتضاه المنع
، وبه صرح في المجموع. قال الأسنوي: ويلزم من منع بيع الآجر فساد بيع الدار المبنية به. وأجيب بأن البناء إنما يدخل في
بيع الدار تبعا للطاهر منها كالحجر والخشب، فاغتفر فيه ذلك لأنه من مصالحها كالحيوان يصح بيعه وبباطنه النجاسة
، وينزل كلامهم على بيع الآجر منفردا. وفي هذا الجواب نظر كما قاله بعض المتأخرين، والأولى أن يقال صح بيعها للحاجة
، ويطرد ذلك في الأرض المسمدة بالنجاسة فإنه لا يمكن تطهيرها إلا بإزالة ما وصل إليه السماد، والطاهر منها
غير مرئي.
قال الأذرعي: والاجماع الفعلي على صحة بيعها. ولو تصدق بدهن نجس لنحو استصباح به على إرادة نقل اليد جاز
، وكالتصدق الهبة والوصية ونحوهما
، وكالدهن السرجين والكلب ونحوهما. فائدة: سئل السبكي عن الوشم النجس الذي لا يمكن
زواله من اليد هل يمنع صحة البيع كالأعيان التي لا يمكن تطهيرها؟ فقال: الذي أراه القطع بصحة البيع، وأن الوشم النجس لا يمنع من ذلك
. تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن امتناع بيع ما لا يمكن تطهيره مفرع على اشتراط طهارة العين، وليس مرادا فإنه طاهر
العين، ومع ذلك لا يصح بيعه، لذلك قال في الحاوي: طاهر أو يطهر بالغسل فلم يعتبر طهارة عينه، وإنما اعتبر أن
لا يكون نجسا نجاسة لا تطهر بالغسل.
فروع: يصح بيع فأرة المسك بناء على طهارتها وهو الأصح، وبيع القز وفيه الدود ولو ميتا، لأن بقاءه فيه من
مصلحته كبيع الحيوان وفي باطنه النجاسة، ويباع جزافا ووزنا كما صرح به في الروضة وغيرها، والدود فيه كنوى التمر. وظاهر
أنه لا فرق في صحته بالوزن بين أن يكون في الذمة أو لا، وهو كذلك وإن خالف في الكفاية. ويجوز اقتناء السرجين
وتربية الزرع به لكن مع الكراهة. ويجوز اقتناء الكلب لمن يصيد به، أو يحفظ به نحو ماشية كزرع ودرب، وتربية
الجرو الذي يتوقع تعليمه لذلك، ولا يجوز اقتناؤه لغير مالك ماشية ليحفظها به إذا ملكها، ولا لغير صياد ليصطاد به
إذا أراد كما صرح به في الروضة والمجموع. ولا يجوز اقتناء الخنزير مطلقا، ويجوز اقتناء الفهد كالقرد والفيل وغيرهما
. الشرط (الثاني) من شروط المبيع: (النفع) أي الانتفاع به شرعا ولو في المآل كالجحش الصغير، (فلا يصح بيع)
ما لا نفع فيه لأنه لا يعد مالا، فأخذ المال في مقابلته ممتنع للنهي عن إضاعة المال. وعدم منفعته إما لخسته ك‍ (الحشرات)
11

التي لا نفع فيها جمع حشرة بفتح الشين، وهي صغار دواب الأرض كالخنفساء والحية والعقرب والفأرة والنمل، ولا عبرة
بما يذكر من منافعها في الخواص. (و) لا بيع (كل سبع) أو طير (لا ينفع) كالأسد والذئب والحدأة والغراب غير المأكول
. ولا نظر لمنفعة الجلد بعد الموت، ولا لمنفعة الريش في النبل، ولا لاقتناء الملوك لبعضها للهيبة والسياسة، أما ما ينفع من
ذلك كالفهد للصيد، والفيل للقتال، والقرد للحراسة، والنحل للعسل، والعندليب للانس
بصوته، والطاووس للانس بلونه، والعلق لامتصاص الدم فيصح، وكذا يصح بيع الرقيق الزمن لأنه يتقرب بعتقه بخلاف الحمار الزمن ولا أثر لمنفعة
جلده إذا مات. وإما لقلته كما قال: (ولا) بيع (حبتي الحنطة ونحوها) كحبتي الشعير والزبيب. ولا أثر لضم ذلك إلى أمثاله
أو وضعه في فخ، ومع هذا يحرم غصبه، ويجب رده ولا ضمان فيه إن تلف إذ لا مالية، وما نقل عن الشافعي
رضي الله
تعالى عنه من أنه يجوز أخذ الخلال والخلالين من خشب الغير يحمل على علمه برضا مالكه. ويحرم بيع السم إن قتل كثيره
وقليله، فإن نفع قليله وقتل كثيره كالسقمونيا والأفيون جاز بيعه. (و) لا بيع (آلة اللهو) المحرمة كالطنبور والصنج
والمزمار والرباب والعود، وكذا الأصنام والصور، وإن اتخذت المذكورات من نقد إذ لا نفع بها شرعا. (وقيل يصح) البيع (في الآلة)
أي ما ذكر معها، (إن عد رضاضها) وهو بضم الراء وكسرها، (مالا) لأن فيها نفعا متوقعا كالجحش الصغير، ورد بأنها
على هيئتها لا يقصد منها غير المعصية. ولا يصح بيع النرد إلا إن صلح بيادق للشطرنج فيصح مع الكراهة كبيع الشطرنج
. ويصح بيع آنية الذهب والفضة لأنهما المقصودان، ولا يشكل بما مر من منع بيع آلات الملاهي والصور المتخذة منهما
لأن آنيتهما يباح استعمالها للحاجة بخلاف تلك. والصليب من النقد قال الأسنوي: هل يلحق بالأواني أو بالصنم ونحوه
؟ فيه نظر اه‍. والأوجه أنه ملحق بالصنم كما جرى عليه بعض المتأخرين. ويصح بيع جارية الغناء، وكبش النطاح، وديك
الهراش ولو زاد الثمن لذلك قصد أو لا، لأن المقصود أصالة الحيوان. ويصح بيع الاطباق والثياب والفرش المصورة
بصور الحيوان. ولا يصح بيع مسكن بلا ممر بأن لم يكن له ممر، أو له ممر ونفاه في بيعه لتعذر الانتفاع به، وسواء أتمكن
المشتري من اتخاذ ممر إلى شارع أو ملكه أم لا كما عليه الأكثرون، وإن شرط البغوي عدم تمكنه من ذلك. فإن قيل:
قد صرح في الروضة بأنه لو باع دارا واستثنى بيتا منها ونفى الممر فإنه يصح إن أمكنه اتخاذ ممر، وإلا فلا فقياسه أن يكون
هنا كذلك. أجيب بأنه يغتفر في الدوام، وهو هنا دوام الملك ما لا يغتفر في الابتداء. ولا يصح بيع كتب الكفر والسحر
والتنجيم والشعبثة والفلسفة كما جزم به في المجموع. قال: بل يجب إتلافها لتحريم الاشتغال بها. (ويصح بيع الماء على الشط)
والحجر عند الجبل (والتراب بالصحراء) ممن حازها، (في الأصح) لظهور المنفعة فيها. ولا يقدح في ذلك ما قاله الثاني
من إمكان تحصيل مثلها بلا تعب ولا مؤنة.
تنبيه: الشط من زيادة المصنف على المحرر وهو جانب الوادي والنهر كما في الصحاح. وقضية كلامه أنه إذا لم يكن
عليه أنه يصح قطعا، وليس مرادا بل فيه وجه بناء على أن الماء لا يملك. ويصح بيع لبن الآدميات لأنه طاهر منتفع به
فأشبه لبن الشياه، ومثله لبن الآدميين بناء على طهارته، وهو المعتمد كما مر في باب النجاسة. ويصح بيع نصف دار شائع
بنصفها الآخر على الأصح، وفائدته عدم رجوع الوالد فيما وهبه لولده، وعدم رجوع البائع في عين ماله عند
فلس
المشتري. الشرط (الثالث) من شروط المبيع: (إمكان تسليمه) في بيع غير ضمني بأن يقدر عليه حسا أو شرعا ليوثق بحصول
العوض وليخرج عن بيع الغرر المنهي عنه في مسلم، قال الماوردي: والغرر ما تردد بين متضادين أغلبهما أخوفهما، وقيل
: ما انطوت عنا عاقبته. ولا يشترط في الحكم بالبطلان اليأس من التسليم، بل ظهور التعذر كاف، وقد يصح مع عجزه
عن التسليم لكون المشتري قادرا على التسلم كما سيأتي في المغصوب، وككون المبيع ضمنيا كما ذكره الشيخان في كفارة
الظهار. قال الزركشي: ومثله من يحكم بعتقه على المشتري.
12

تنبيه: قد جرت عادة المصنف رحمه الله تعالى أن يذكر أولا محل الاتفاق ثم يذكر المختلف فيه، فإمكان تسليمه
يصح بالاتفاق وإمكان تسلمه يصح على الصحيح، فإذن لا اعتراض، لكن كان الأولى أن يعبر بالقدرة بدل الامكان
كما عبر بها في المجموع، إذ لا يلزم من ثبوت إمكانه ونفي الاستحالة عند القدرة عليه. ويستثنى من ذلك ما لو باع بنقد
يعز وجوده فإنه يصح بناء على جواز الاستبدال عن الثمن وهو الأصح، ثم عند التسليم إن وجد فذاك وإلا فيستبدل
. وإذا علم اعتبار قدرة التسليم (فلا يصح بيع) ما يتعذر تسليمه كالطير في الهواء، وإن تعود العود إلى محله لما فيه من
الغرر، ولأنه لا يوثق به لعدم عقله، وبهذا فارق صحة بيع العبد المرسل في حاجة. نعم يصح بيع النحل الموثقة أمه
وهي يعسوبه وهو أميره بأن يكون في الكوارة - وهي بضم الكاف وفتحها مع تشديد الواو فيهما ومع تخفيفها في الأولى
الخلية -، وهي بيت يعمل للنحل من عيدان كما قاله في المحكم، وقال في الصحاح: هو العسل في شمعه، ولا معنى له هنا
، وحكي أيضا كسر الكاف مع تخفيف الواو. وفارق بقية الطيور بأنه لا يقصد بالجوارح، وبأنه لا يأكل عادة إلا مما يرعاه
فلو توقف صحة بيعه على حبسه لربما أضر به. أو تعذر بيعه بخلاف بقية الطيور، والناد، (والضال) والرقيق المنقطع
خبره (والآبق والمغصوب) من غير غاصبه، للعجز عن تسليم ذلك حالا
. فائدة: الضال لا يقع إلا على الحيوان إنسانا كان وغيره، وأما الآبق فقال الثعالبي: لا يقال للعبد آبق إلا إذا
كان ذهابه من غير خوف ولا كد في العمل وإلا فهو هارب. قال الأذرعي: لكن الفقهاء يطلقونه عليهما. (فإن باعه)
أي المغصوب (لقادر على انتزاعه) دونه أو الآبق لقادر على رده دونه، (صح على الصحيح) نظرا إلى وصوله إليهما
إلا إن احتاجت قدرته إلى مؤنة فالظاهر البطلان كما قاله في المطلب. والثاني: لا يصح، لأن التسليم واجب على البائع وهو
عاجز عنه، أما إذا كان البائع قادرا على انتزاعه أو رده فإنه يصح بلا خلاف كما علم مما مر. قال في المطلب: إلا إذا
كان فيه تعب شديد فينبغي أن يأتي فيه ما في بيع السمك في البركة، أي وشق تحصيله فيها، والأصح عدم الصحة.
فإن قيل: منع بيع الضال والآبق والمغصوب مشكل لأن إعتاقهم جائز، وقد صرحوا بأن العبد إذا لم يكن في شرائه
منفعة إلا حصول الثواب بالعتق كالعبد الزمن صح بيعه، وإعتاق المبيع قبل قبضه صحيح ويكون قبضا فلم لا يصح
بيع هؤلاء إذا كانوا زمناء، بل مطلقا لوجود منفعة من المنافع التي يصح لها الشراء. أجيب بأن الزمن ليس فيه
منفعة قد حيل بين المشتري وبينها بخلاف المغصوب ونحوه، وقضيته أنه إذا لم يكن لهم منفعة سوى العتق يصح
بيعهم، والظاهر أنه لا يصح مطلقا. وقول الكافي: يصح بيع العبد التائه لأنه يمكن الانتفاع بإعتاقه في التقرب
إلى الله تعالى بخلاف الحمار التائه، ممنوع. ولا يصح بيع سمك في ماء، ولو في بركة إ شق تحصيله منها لعدم
قدرته على تسليمه، فإن سهل تحصيله ولم يمنع الماء رؤيته صح، وبرج الطائر كالبركة للسمك. وتصح كتابة الآبق
وكذا المغصوب إن تمكن من التصرف، كما يصح تزويجهما وعتقهما وإن انتفت القدرة على التسليم. (ولا يصح بيع
نصف) مثلا (معين من الاناء والسيف ونحوهما) كثوب نفيس تنقص بقطعه قيمته للعجز عن تسليم ذلك شرعا
، لأن التسليم فيه لا يمكن إلا بالكسر أو القطع وفيه نقص وتضييع مال وهو حرام، وفرقوا بينه وبين بيع ما قالوه من
صحة بيع ذراع من أرض بأن التمييز فيها يحصل بنصب علامة بين الملكين بلا ضرر. فإن قيل: قد تتضيق مرافق
الأرض بالعلامة وتنقص القيمة فينبغي إلحاقها بالثوب. أجيب بأن النقص فيها يمكن تداركه بخلافه في الثوب. قال
في المجموع: وطريق من أراد شراء ذراع معين من ثوب نفيس أن يواطئ صاحبه على شرائه ثم يقطعه قبل الشراء
ثم يشتريه فيصح بلا خلاف، وظاهره أنه لا يحرم القطع، ووجهه أنه حل لطريق البيع فاحتمل للحاجة، ولا حاجة
إلى تأخيره عن البيع. وأولى من ذلك كما قال الزركشي أن يشتريه مشاعا ثم يقطعه، لأن بيع الجزء المشاع جائز مطلقا
ويصير الجميع مشتركا. ولا يصح بيع جذع معين في بناء لأن الهدم يوجب النقص، ولا بيع بعض معين من جدار إذا
13

كان فوقه شئ أو كان الجدار قطعة واحدة من نحو طين كخشب لأنه لا يمكن تسليمه إلا بهدم ما فوقه في الأولى وهدم
شئ منه في الثانية، وكذا إذا كان الجدار من لبن أو آجر ولا شئ فوقه وجعلت النهاية نصف سمك اللبن أو الآجر،
فإن جعلت النهاية صفا من صفوفهما صح. فإن قيل: هذا مشكل، لأن موضع الشق قطعة واحدة من طين أو غيره
ولان رفع بعض الجدار ينقص قيمة الباقي فيفسد البيع كبيع جذع في بناء. أجيب عن الأول بأن الغالب أن الطين
الذي بين اللبنات لا قيمة له، وعن الثاني بأن نقص القيمة من جهة انفراده فقط وهو لا يؤثر، بخلاف الجذع فإن
إخراجه يؤثر ضعفا في الجدار. (ويصح) البيع (في الثوب الذي لا ينقص بقطعه) كغليظ كرباس (في
الأصح)
لانتفاء المحذور، والثاني: لا يصح لأن القطع لا يخلو عن تغيير المبيع. ويصح بيع أحد مصراعي باب وأحد زوجي خف
وإن نقصت قيمتهما بتفريقهما، لأن المالية في ذلك لم تذهب بالكلية لامكان تلاقيهما بشراء البائع ما باعه أو بشراء
المشتري ما بقي، بخلاف مالية الثوب أو نحوه الذي ينقص بقطعه فإنها ذهبت بالكلية لا تدارك لها، ولا يصح بيع
فص في خاتم، لأن فصله يوجب النقص، ولا بيع ثلج وجمد وهما يسيلان قبل وزنهما، هذا إذا لم يكن لهما قيمة عند
السيلان، وإلا فينبغي كما قال شيخنا أن العقد لا ينفسخ وإن زال الاسم كما لو اشترى بيضا ففرخ قبل قبضه، والجمد
بسكون الميم هو الماء الجامد من شدة البرد. (ولا) يصح بيع (المرهون) بعد قبضه (بغير إذن مرتهنه) للعجز
عن تسليمه شرعا، أما قبل قبضه أو بعده بإذن مرتهنه فيصح لانتفاء المانع. ويلتحق بالمرهون كل عين استحق
حبسها كما لو قصر الثوب أو صبغه. وقلنا القصارة عين فإن له الحبس إلى قبض الأجرة، ولو استأجر قصارا على قصر
ثوب ليس له بيعه ما لم يقصره كما جزما به في باب بيع المبيع قبل قبضه. وبيع المرهون من المرتهن قبل فكه صحيح
كما نقل الامام الاتفاق عليه. (ولا) بيع (الجاني المتعلق برقبته مال) بغير إذن المجني عليه وقبل اختيار السيد الفداء، (في
الأظهر) لتعلق الحق به كالمرهون بل أولى لأن الجناية تقدم على الرهن، سواء أكان الأرش مستغرقا لقيمة الرقبة أم لا
، وسواء أوجب المال بإتلاف مال أم لا كقتل خطأ أو شبه عمدا وعمد لا قصاص فيه أو فيه قصاص وعفا مستحقه على
مال. والثاني: يصح في الموسر، وقيل: والمعسر. والفرق أن حق المجني عليه ثبت من غير اختيار المالك، بخلاف حق
المرتهن، وعلى هذا يكون السيد الموسر ببيعه مع علمه بالجناية مختارا للفداء، وقيل: لا بل هو على خيرته إن فدى أمضى
البيع وإلا فسخ، فإن باعه بعد اختيار الفداء صح جزما، والفداء بأقل الامرين من قيمته وأرش الجناية كما سيأتي
إن شاء الله تعالى في باب موجبا ت الدية. ولا يشكل صحة البيع بصحة رجوعه عن الاختيار لأن مانع الصحة قد زال
بانتقال الحق لذمة السيد وإن لم يلزمه ما دام العبد في ملكه، فإذا باع لزمه المال الذي فداه به فيجبر على أدائه كما لو
أعتقه أو قتله، فإن أداه فذاك واضح وإن تعذر ولو لافلاسه أو غيبته أو صبره على الحبس أو موته فسخ البيع وبيع
في الجناية لأن حق المجني عليه سبق حق المشتري. نعم إن أسقط الفسخ حقه كأن كان وارث البائع فلا فسخ، إذ به
يرجع العبد إلى ملكه فيسقط الأرش، نبه على ذلك الزركشي. وخرج ببيعه عتقه، فيصح من الموسر لانتقال الحق إلى
ذمته مع وجود ما يؤدى منه، بخلا ف المعسر لما فيه من إبطال الحق بالكلية، إذ لا متعلق له سوى الرقبة.
وفي استيلاد
الأمة الجانية هذا التفصيل ولا يتعلق الأرش بولدها، إذ لا جناية منه. (ولا يضر تعلقه) أي الأرش بكسبه، كأن
زوجه سيده، ولا (بذمته) كأن اشترى فيها شيئا بغير إذن سيده وأتلفه أو أقر بجناية خطأ أو شبه عمد ولم يصدقه
سيده، ولا بينة لأن البيع إنما ورد على العين، ولا حجر للسيد على ذمة عبده. (وكذا) لا يضر (تعلق القصاص)
برقبته (في الأظهر) لأنه مرجو السلامة بالعفو ويخاف تلفه بالقصاص فيصح بيعه قياسا على المريض والمرتد. والثاني:
لا يصح، لأن المستحق يجوز له العفو على مال. وقد تقدم أن تعلق المال مانع، وطريقة القولين ضعيفة، والمذهب عند
الجمهور القطع بالصحة، وهو ما في الشرح والروضة، فكان التعبير بالمذهب أولى. ولو عفا بعد البيع على مال فهل يبطل
14

البيع أو لا؟ وجهان رجحا لبلقيني منهما البطلان. ولا يضر تعلق القصاص بعضو من أعضائه بل يصح بيعه قطعا. ولو قتل
في المحاربة وقدر عليه قبل التوبة صح بيعه كالمرتد كما في الروضة في باب خيار النقص، وإن خالف في ذلك الشيخ أبو حامد
وأتباعه. الشرط (الرابع) من شروط المبيع: (الملك) فبيع (لمن له العقد) الحديث: لا بيع إلا فيما تملك رواه أبو داود
والترمذي وقال إنه حسن. وهذا الضابط ذكره في الوجيز وتبعه الشيخان. وإنما عبروا بمن له العقد ولم يقولوا للعاقد
ليدخل المالك والوكيل والولي والحاكم في بيع مال المفلس والممتنع من وفاء دينه والملتقط والظافر بغير جنس حقه، لكن
بيع الفضولي وارد على هذه العبارة فإن العقد يقع للمالك موقوفا على إجازته عند من يقول بصحته كما سيأتي. والمقصود
إخراجه، ولهذا فرع بطلانه عليه بالفاء، وأراد الشارح دفع ذلك بقوله: لمن له العقد والواقع وهو إنما يأتي على أحد
الرأيين في بيع الفضولي، وهو أن الصحة موقوفة على الإجازة لأن البيع صحيح والملك موقوف على الإجازة. والرأي
الأول هو الراجح خلافا لما نقله الرافعي عن الامام من أن الراجح الثاني. قال شيخي: وقد رجح الأول المصنف في بعض
كتبه، ولو قال المصنف: أن يكون للعاقد عليه ولاية لكان جامعا مانعا
. تنبيه: كان ينبغي تقييد الملك بالتام ليخرج بيع المبيع قبل قبضه فإنه لا يصح كما سيأتي. (فبيع الفضولي) وهو البائع
مال غيره بغير إذنه ولا ولاية، (باطل) للحديث المتقدم، وكذا سائر تصرفاته القابلة للنيابة، كما لو زوج أمة غيره أو ابنته
أو طلق منكوحته أو أعتق عبده أو أجر داره أو وقفها أو وهبها أو اشترى له بعين ماله لأنه ليس بمالك ولا ولي ولا وكيل
، فلو عبر المصنف بالتصرف بدل البيع لشمل الصور التي ذكرتها. (وفي القديم) تصرفه المذكور كما رجحه
المصنف كما مر
، (موقوف) وقيل: التصرف صحيح والموقوف الملك كما نقله الرافعي عن الامام كما مر على الإجازة. (إن أجاز مالكه)
أو وليه (نفذ) بفتح الفاء المعجمة: أي مضى، (وإلا فلا) ينفذ، ودليل ذلك ما رواه البخاري مرسلا وأبو داود والترمذي
وابن ماجة بإسناد صحيح أن عروة البارقي قال: دفع إلي رسول الله (ص) دينارا لاشتري به شاة فاشتريت
به شاتين، فبعت إحداهما بدينار وجئت إلى النبي (ص) بشاة ودينار وذكرت له ما كان من أمري
، فقال: بارك الله لك في صفقة يمينك فكان لو اشترى التراب ربح فيه. رواه أبو داود وابن ماجة بإسناد صحيح. وهذا
القول نص عليه في الام، ونقله جماعة عن الجديد، وقال في زيادة الروضة: إنه أقوى من جهة الدليل. وأجيب
من جهة الأول بأن حديث عروة محمول على أنه كان وكيلا مطلقا عن النبي (ص)، ويدل عليه أنه باع الشاة
وسلمها، وعند القائل بالجواز لا يجوز التسليم إلا بإذن من المالك. والمعتبر إجازة من يملك التصرف عند العقد حتى
لو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ينفذ.
تنبيه: محل الخلاف إذا لم يحضر المالك، فلو باع مال غيره بحضرته وهو ساكت لم يصح قطعا كما جزم به
في المجموع. ولو عبر المصنف بقوله: إن أجاز متوليه بدل مالكه لشمل ما قدرته. (ولو باع مال مورثه) أو أبرأ منه
أو زوج أمته (ظانا حياته وكان ميتا) بسكون الياء وتشديدها، أو باع عبد نفسه ظانا إباقه أو كتابته فبان أنه قد رجع
من إباقه أو فسخ كتابته، (صح في الأظهر) لتبين ولايته على ذلك، فالعبرة بما نفس الامر لا بما في ظن العاقد
والوقف فيه وقف تبين لا وقف صحة. ويخالف إخراج زكاة المال بشرط موت مورثه لأن النية معتبرة فيها ولم يبنها
على أصل. فإن قيل: كيف صح النكاح في تزويج الأمة مع أنه لا يصح نكاح من لم يعلم أنها معتدة أو أخته أم لا
؟ أجيب بأن الشك ثم في حل المعقود عليه، وهنا في ولاية العاقد، وبينهما فرق وإن اشتركا في الركنية. والثاني: لا يصح
لظنه عدم ولايته عليه. ولو باع شيئا ظنه لغيره فبان لنفسه فقد جزم الامام في كتاب الرجعة بالصحة. ولو قال: إن مات
أبي فقد زوجتك أمته لم يصح كما في الروضة في النكاح لأنه تعليق فأشبه قوله: إن قدم زيد زوجتك أمتي. وصورة
المسألة وجميع نظائرها كما هو حاصل كلام ابن الصباغ أن لا يعلما حال التعليق وجود المعلق عليه وإلا فيصح، ذكره
15

في المهمات. وهو مناسب لما يأتي في النكاح في قوله: وقد بشر ببنت إن صدق المخبر فقد زوجتكها
. تنبيه: قوله: ظانا حياته يفهم أنه لو كان ظانا موته صح جزما إذا بان الامر كما ظنه، ويؤيده أنه لو باع مال
أبيه على ظن أنه لنفسه ثم بان موت الأب صح قطعا كما حكاه الامام عن شيخه، ثم قال: وهو مع حسنه محتمل. ولو
باع ماله هازلا صح لأنه أتى باللفظ مع قصد واختيار، وعدم رضاه بوقوعه لظنه أنه لا يقع لا أثر له لخطأ ظنه
، وكذا لو باع
أمانة بأن يبيع ماله لصديقه خوف غصب أو إكراه وقد توافقا قبله على أن يبيعه له ليرده إذا أمن، وهذا كما يسمى
بيع الأمانة يسمى بيع التلجئة. الشرط (الخامس) من شروط المبيع: (العلم به) للمتعاقدين لا من كل وجه بل عينا
في المعين وقدر أو صفة فيما في الذمة على ما يأتي بيانه، للنهي عن بيع الغرر كما مر. (فبيع أحد الثوبين) ونحوهما
كالعبدين (باطل) للغرر، (ويصح بيع صاع من صبرة) وهي الكومة من الطعام تعلم صيعانها للمتعاقدين كعشرة
لعدم الغرر. وقطع الجمهور بأنه ينزل على الإشاعة فيملك المشتري عشرها، فلو تلف بعضها تلف بقدره من المبيع.
(وكذا) يصح (إن جهلت) أي صيعانها للمتعاقدين أو أحدهما، (في الأصح) لتساوي أجزائها. وتغتفر جهالة المبيع
هنا فإنه ينزل على صاع مبهم لتعذر الإشاعة حتى لو لم يبق منها غير صاع تعين، وللبائع تسليمه من أسفل الصبرة ووسطها
، إذ رؤية ظاهرها كرؤية كلها، بخلاف بيع ذراع من مجهول الذرعان من أرض أو ثوب لتفاوت الاجزاء كبيع شاة
من هذه الشياه، وبخلاف ما لو فرق الصيعان وباع صاعا منها. قال القاضي: لأنها ربما تفاوتت في الكيل فيختلف
الغرض. والثاني: لا يصح، كما لو فرق صيعانها وقال بعتك صاعا منها. وعلى الأول هي مستثنى من اشتراط العلم. واستثنى
مسائل أيضا للضرورة والمسامحة: منها ما لو اختلط حمام البرجين وباع أحدهما ماله لصاحبه فإنه يصح على الأصح
كما ذكره المصنف في باب الصيد والذبائح. ومنها ما لو باع المال الزكوي بعد الوجوب فإن الأصح البطلان في قدر الزكاة
والصحة في غيره وهو مجهول العين، ومثلها شراء كوز الفقاع وما المقصود لبه كالخشكنان. ومنها بيع القز وفي باطنه
الدود، وسواء أكان حيا أم ميتا، وسواء أباعه وزنا أم جزافا، فإذا باعه وزنا كان المبيع مجهول القدر. ولو باع الصبرة
إلا صاعا وصيعانها معلومة صح وإلا فلا، لأنه (ص) نهى عن بيع الثنيا - رواه الترمذي إلا أن تعلم، وقال
حسن صحيح، ولان المبيع ما وراء الصاع وهو مجهول، بخلاف بيع صاع منها كما مر لأنه معلوم القدر والصفة، وبخلاف
بيع جميع الصبرة لأن العيان يحيط بظاهر المبيع من جميع جوانبه فكان أقدر على تخمين مقداره بخلافه في مسألتنا لا يمكن
فيه ذلك لأن المبيع خالطه أعيان أخر. ولا يكفي مجرد التخمين بل لا بد من إحاطة العيان لجميع أجزاء المبيع ولم
يوجد هنا، وكذا لو قال: بعتك نصفها وصاعا من النصف الآخر صح، بخلاف إلا صاعا منه، ولو قال: بعتك كل صاع
من نصفها بدرهم وكل صاع من نصفها الآخر بدرهمين صح. (ولو باع بملء ء ذا البيت حنطة أو بزنة هذه
الحصاة ذهبا
أو بما باع به فلان فرسه) مثلا: أي بمثل ذلك، ولم يعلما أو أحدهما قبل العقد المقدار، (أو بألف دراهم ودنانير) أو
صحاح ومكسرة، (لم يصح) البيع للجهل بأصل المقدار في الثلاثة الأول وبمقدار الذهب من الفضة أو الصحاح والمكسرة
في الرابعة، فإن علما قبل العقد مقدار البيت والحصاة ثمن الفرس وقال فيه بمثل كما مر صح لانتفاء المحذور، وكذا
إن قصده كما في المطلب، فإن لم يقل بمثل ولم يقصده صح أيضا كما لو قال: أوصيت لفلان بنصيب ابني فإنه يحمل على
مثل نصيبه. أما إذا كان ما باع به فلان فرسه قد صار للمشتري بإرث أو غيره وهو باق فإن الاطلاق ينزل عليه لا على
مثل إذا قصده البائع، ومحل امتناع البيع بما ذكر إذا كان في الذمة، فإن كان الثمن معينا، كأن قال: بعتك بملء ء
هذا البيت من هذه الحنطة صح كما صرح به في المجموع والشرع الكبير في السلم، وعلله الرافعي بإمكان الاخذ قبل
16

تلف البيت. تنبيه: قوله: بملء ء كذا في المحرر مجرور بالحرف فيكون من صور الثمن كما تقرر، والذي في الروضة وأصلها ملء
منصوب ولا حرف معه فيكون من صور المبيع، وهو أحسن. (ولو باع بنقد) دراهم أو دنانير وأطلق، (وفي البلد نقد)
منها (غالب) وغير غالب، (تعين) الغالب ولو كان دراهم عددية زائدة الوزن أو ناقصته أو صحاحا ومكسرة، لأن الظاهر
إرادتهما له. ولو غلب من جنس العروض نوع انصرف العقد إليه عند الاطلاق على الأصح، كأن يبيع ثوبا بصاع حنطة
والمعروف في البلد نوع منها. ولو غلبت الفلوس حمل العقد عليها كما جزم به الشيخان، قال الأذرعي: هذا إذا سمى
الفلو س، أما إذا سمى الدراهم فلا. اه‍.
تنبيه: لا تدخل هذه الصورة ولا التي قبلها في عبارة
المصنف، لأن الفلوس ليست من النقد، وإن أوهمت عبارة الشارح وابن المقري أنها منه، فلو عبر بالثمن لكان أولى. ولا يحتاج في الفلوس إلى الوزن بل تجوز بالعد وإن كانت في الذمة
ولو كان النقد مغشوشا جازت المعاملة به وإن جهل قدر الفضة نظرا للعرف، ولو بان بعد البيع قلة فضة المغشوش جدا ثبت
الرد إن اجتمع منها مالية لو ميزت وإلا فيبطل البيع كما لو ظهرت من غير الجنس، ولو باع بوزن عشرة دراهم من فضة
ولم يبين أنها مضروبة أو تبر لم يصح لتردده. (أو) في البلد (نقدان) فأكثر ولو صحاحا ومكسرة، (لم يغلب أحدهما)
أو غلب أحدهما واختلفت القيمة، (اشترط التعيين) لفظا لاختلاف الغرض باختلافهما، فلا يكفي التعيين بالنية بخلاف
نظيره في الخلع لأنه يغتفر فيه ما لا يغتفر هنا. فإن قيل: لو قال من له من بنات: زوجتك بنتي ونويا واحدة فإنه يصح مع أن
النكاح يحتاط فيه. أجيب بأن ذكر العوض هنا واجب فوجب الاحتياط باللفظ بخلافه ثم فاكتفى بالنية فيما لا يجب
ذكره. أما إذا اتفقت النقود ولو صحاحا ومكسرة بأن لم تتفاوت قيمة وغلبة فإن العقد يصح بها من غير تعيين، ويسلم
المشتري أيها شاء. ولو باع بنقد معدوم وأصلا ولو مؤجلا أو معدوم في البلد حالا أو مؤجلا إلى أجل لا يمكن فيه نقله إلى
البلد عادة لم يصح لعدم القدرة على تسليمه، أو إلى أجل يمكن فيه النقل عادة بسهولة للمعاملة صح، فلو لم يحضره استبدال
عنه لجواز الاستبدال عنه فلا ينفسخ العقد، وكذا يستبدل لو باع بموجود عزيز فلم يجده وليس له فيما إذا عقد بنقد إلا
النقد الواجب بالعقد وإن أبطله السلطان، كما لو أسلم في حنطة بوصف ليس له غيرها. ولو باع بنقد ثم لقيه في بلد آخر لا يتعاملون
به فيه فدفعه إليه لزمه قبوله في الأصح. (ويصح بيع الصبرة المجهولة الصيعان) للمتعاقدين، (كل صاع بدرهم) قال
الشارح: بنصب كل، أي على تقدير: بعتك الصبرة، ويصح جره على أنه بدل من الصبرة. وإنما صح هذا البيع لأن
المبيع مشاهد. ولا يضر الجهل بجملة الثمن لأنه معلوم بالتفصيل والغرر مرتفع به، كما إذا باع بثمن معين جزافا. وقيل: لا يصح
البيع لأنه لم يعلم مبلغ الثمن في حال العقد. وعلى الأول فارق عدم الصحة فيما لو باع ثوبا بما رقم، أي كتب عليه
من الدراهم المجهولة القدر بأن الغرر منتف في الحال، لأن ما يقابل كل صاع معلوم القدر حينئذ بخلافه في تلك. ومثل الصبرة
ما لو قال: بعتك هذه الأرض أو هذا الثوب كل ذراع بدرهم أو هذه الأغنام أو العبيد كل واحد بدرهم، ولو قال: بعتك من
هذه الصبرة كل صاع بدرهم أو كل صاع من هذه الصبرة بدرهم لم يصح لأنه لم يبع الجملة، بل بعضها المحتمل للقليل والكثير
فلا يعلم قدر المبيع تحقيقا ولا تخمينا. وإن قال: بعتك صاعا منها بدرهم وما زاد بحسابه صح في صاع فقط لأنه المعلوم، أو
بعتكها وهي عشرة آصع كل صاع بدرهم وما زاد بحسابه صح في العشرة فقط لما مر، بخلاف ما لو قال فيهما: على أن ما زاد
بحسابه لم يصح لأنه شرط عقد في عقد. (ولو) قابل جملة الصبرة أو نحوها كأرض وثوب بجملة الثمن وتفصيلها بتفصيله،
كأن (باعها) أي الصبرة أو الأرض أو الثوب (بمائة درهم كل صاع) أو ذراع (بدرهم، صح إن خرجت مائة)
لتوافق الجملة والتفصيل، (وإلا) أي وإن لم تخرج مائة بأن خرجت أقل أو أكثر، (فلا) يصح البيع (على الصحيح)
17

وفي الروضة: الأظهر لتعذر الجمع بين جملة الثمن وتفصيله. والثاني: يصح تغليبا للإشارة. فإن قيل: يشكل على الأول ما صححه
فزوائد الروضة في باب الربا من أنه لو باع صبرة حنطة بصبرة شعير صاعا بصاع فزادت إحداهما ورضي صاحبها بتسليم
الزيادة ثم البيع ولزم الآخر قبولها أو صاحب الناقصة بقدرها أقروا وإن تشاحا فسخ العقد. أجيب بأن الثمن هنا عينت
كميته، فإذا اختل عنها صار مبهما فأبطل بخلافه ثمة لم تعين كمية صيعانه، والصبرة الناقصة قد ورد العقد على جميعها فصار
كما لو باع صبرة صغيرة بقدرها من كبيرة فإنه يصح. أما إذا قابل الجملة بالجملة ولم يقابل الاجزاء بالاجزاء كأن قال: بعتكها
بمائة على أنها مائة فإنه يصح وإن خرجت زائدة أو ناقصة. ويثبت الخيار لمن عليه الضرر، فإن قال المشتري للبائع
: لا تفسخ وأنا أقنع بالقدر المشرط أو أنا أعطيك ثمن الزائد لم يسقط خيار البائع، ولا يسقط خيار المشتري بحط البائع من الثمن
قدر النقص وإذا أجاز فبالمسمى فقط، أو قابل الاجزاء بالاجزاء ولم يقابل الجملة بالجملة، كأن قال: بعتكها كل صاع بدرهم على
أنها مائة صاع، فهي كمقال الأسنوي قريبة من الأولى، وإن جزم الماوردي بالصحة عند النقصان، وخرج الزائدة
على القولين. (ومتى كان العوض) أو المعوض (معينا) قال الشارح: أي مشاهدا، لأن المعين صادق بما عين بوصفه
وبما هو مشاهد، أي معاين، فالأول من التعيين والثاني من المعاينة، أي المشاهدة، وهو مراد المصنف بقرينة قوله
: (كفت معاينته) عن العلم بقدره اعتمادا على التخمين المصحوب بها، فلو قال: بعتك بهذه الدراهم أو هذه الصبرة وهي
مجهولة القدر صح البيع اعتمادا على المشاهدة مع الكراهة لأنه قد يوقع في الندم. فإن قيل: قد صرح في التتمة بأن
مجهول الذرع لا كراهة فيه. أجيب بأن الصبرة لا تعرف تخمينا غالبا لتراكم بعضها على بعض بخلاف المذروع، ولو علم
أحد المتعاقدين أن تحتها دكة أو موضعا منخفضا أو اختلاف أجزاء الظرف الذي فيه العوض أو المعوض من نحو ظرف
عسل وسمن رقة وغلظا بطل العقد لمنعها تخمين القدر فيكثر الغرر، قال شيخي: لأن التخمين يضعف عند العلم. نعم
إن رأى ذلك قبل الوضع فيه صح البيع لوجود التخمين، وإن جهل كل منهما ذلك بأن ظن أن المحل مستو فظهر
خلافه صح البيع وخير من لحقه النقص بين الفسخ والامضاء إلحاقا لما ظهر بالعين، فالخيار في مسألة الدقة للمشتري، وفي
الحفرة للبائع. وقيل: إن ما في الحفرة للبائع ولا خيار، وجرى على ذلك في التهذيب. (والأظهر أنه لا يصح بيع الغائب)
وهو ما لم يره المتعاقدان أو أحدهما وإن كان حاضرا، للنهي عن بيع الغرر. (والثاني يصح) إذا وصف بذكر جنسه
ونوعه اعتمادا على الوصف، فيقول بعتك عبدي التركي أو فرسي العربي أو نحو ذلك، وهذا لا بد منه على هذا، وقيل:
لا حاجة إلى ذلك، وهو ما يوهمه إطلاق المصنف، حتى لو قال بعتك ما في كفي أو ميراثي من أبي صح. (ويثبت الخيار) للمشتري
(عند الرؤية) وإن وجده كما وصف، لحديث: ليس الخبر كالمعاينة رواه بهذا اللفظ الإمام أحمد وابن حبان والغزالي
في الأوسط. ولا خيار للبائع، خلافا لمقتضى إطلاق المتن وإن قواه الأسنوي. نعم إن وجده زائدا ثبت له الخيار كالمشتري
إذا وجده ناقصا، قاله الماوردي. ودليل هذا القول حديث: من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه لكنه حديث ضعيف
كما قاله البيهقي، وقال الدارقطني: إنه باطل. ويثبت قبل الرؤية الفسخ دون الإجازة. ويمتد الخيار امتداد مجلس الرؤية
، وقيل: على الفور. ويجري القولان في رهن الغائب وهبته على صحتهما لا خيار عند الرؤية إذ لا حاجة إليه، قال في المجموع:
ويجري القولان في الوقف أيضا، ولكن الأصح في زوائد الروضة تبعا لابن الصلاح في كتاب الوقف صحته وأنه لا خيار
عند الرؤية. ولا ينافي ذلك ما نقل عن فتاوى القفال من الجزم بالمنع، لأن كلام المصنف وابن الصلاح في وقف ما استقر
ملكه عليه ولم يره كأن ورثه أو اشتراه له وكيله، وكلام القفال فيما لم يستقر ملكه عليه. (و) على الأظهر في اشتراط الرؤية
، (تكفي الرؤية قبل العقد) ولو لمن عمي وقته، (فيما لا يتغير غالبا إلى وقت العقد) كالأرض ونحو الحديد وإن منعنا بيع
الغائب لأنه قد عرفه بتلك الرؤية، والغالب بقاؤه على ما شاهده عليه، قال الماوردي: وإنما تكفي الرؤية السابقة إذا كان
حال العقد ذاكرا للأوصاف، فإن نسيها لطول المدة ونحوه فهو بيع غائب. وهو ظاهر كما قال شيخنا وإن استغربه في المجموع
18

وبه جزم الروياني وابن الرفعة. وقال النشائي في نكته: إنه ظاهر النص. وإن وجده متغيرا ثبت له الخيار، وقيل: يتبين
بطلان العقد. وليس المراد بالتغير حدوث عيب فيه فإن خيار العيب لا يختص بهذه الصورة بل التغير عما كان عليه
، والصفة الموجودة عند الرؤية كالشرط في الصفات الكائنة عند الرؤية، فإذا بان فوت شئ منها كان بمثابة الخلف
في الشرط، وإن اختلفا في التغير فقال البائع: هو بحاله. وقال المشتري: بل تغير صدق المشتري بيمينه لأن البائع يدعي عليه
علمه بهذه الصفة، والأصل عدمه كدعوى علمه بالغيب. فإن قيل: هذا يشكل بما إذا اختلفا في عيب يمكن حدوثه
فإن القول قول البائع في الأصح. أجيب بأنهما ثم اتفقا على وجود العيب في يد المشتري، والأصل عدم وجوده
في يد البائع
. تنبيه: قول المصنف: فيما لا يتغير غالبا يفهم الصحة فيما يحتمل التغير وعدمه على السواء، كالحيوان، وهو الأصح
لأنه يصدق بأنه لا يتغير غالبا، ولا ينافيه قوله: (دون ما يتغير غالبا) كالأطعمة بل يوافقه. قال ابن شهبة: خلافا لمن قال
من شراح الكتاب إن مفهوم المنهاج متدافع فإنه يفهم أول كلامه البطلان ومفهوم آخره الصحة، وإنما بطل فيما
يتغير غالبا
لأن الرؤية السابقة لم تفد معرفة حال العقد، وعلم من كلامه البطلان فيما تحقق تغيره بطريق الأولى. (وتكفي رؤية بعض
المبيع إن دل على باقيه كظاهر الصبرة) من حنطة ونحوها وجوز ونحوه وأدقة، وكأعالي المائعات في أوعيتها كالدهن
، وأعلى التمر في قوصرته والطعام في آنيته، وكذا القطن المجرد من جوزه ولو في عدله، ولا خيار له إذا رأى الباطن إلا إذا
خالف الظاهر بنقص بخلاف صبرة الرمان والسفرجل والبطيخ ونحو ذلك لعدم الدلالة على باقيها، بل يشترط رؤية كل واحدة
منها حتى لو رأى أحد جانبي البطيخة كان كبيع الغائب، ولو كان الغائب أنها لا تتفاوت كالثوب الصفيق يرى أحد وجهيه
قاله البغوي في فتاويه. قال الشيخان: ولا يكفي في سلة العنب والخوخ ونحوهما رؤية أعلى ظاهره لكثرة الاختلاف
في ذلك بخلاف الحبوب. (و) مثل (أنموذج المتماثل) أي المتساوي الاجزاء كالحبوب، فإن رؤيته تكفي عن رؤية باقي
المبيع فلا بد من إدخاله في البيع. ولا يشترط خلطه في المبيع قبله، فإذا قال: بعتك حنطة هذا البيت مع الأنموذج صح
وإن لم يخلطه بها قبل البيع، وقول الأسنوي: إنه لا بد من خلطه في المبيع قبل عقد البيع كما أفتى به البغوي ممنوع، لأن
البغوي إنما أفتى بأنه لا يصح ولو خلطه بها كما لو باع شيئا رأى بعضه دون بعض، أما إذا باعها دونه كأن قال: بعتك من
هذا النوع كذا فإنه لا يصح لأنه لم ير المبيع ولا شيئا منه.
تنبيه: قوله: وأنموذج هو بضم الهمزة والميم وبفتح الذال المعجمة: مقدار تسميه السماسرة عينا معطوف على
ظاهر من قوله: كظاهر الصبرة كما علم من التقدير، فيكون كل منهما، أعني من ظاهر وأنموذج مثالا لبعض المبيع الدال
على باقيه، لا أنه معطوف على بعض المبيع فإنه من أمثلة رؤية البعض لما تقدم من أنه لا بد من إدخاله في البيع. (أو) لم
يدل على باقيه بل (كان صوانا) بكسر الصاد وضمها، ويقال صيان، (للباقي) لبقائه (خلقة كقشر الرمان والبيض
والقشرة السفلى للجوز واللوز) فتكفي رؤيته لأن صلاح باطنه في بقائه فيه وإن لم يدل هو عليه فقوله: أو كان إلخ
قسيم قوله: إن دل كما قدرته. وقوله كالمحرر: خلقة مزيد على الروضة وأصلها، وهو صفة لبيان الواقع في الأمثلة المذكورة
ونحوها، واحترز به عن جلدة الكتاب ونحوه فإن رؤيته لا تكفي، ولكن يرد على طرده الدر في صدفه والمسك
في فأرته لأنه لا يصح البيع فيهما مع أن الصوان خلقي، وعلى عكسه الخشكنان والجبة المحشوة بالقطن فإنه يصح بيعهما
مع أن صوانهما غير خلقي. قال الأذرعي: وهل يلتحق الفرش واللحف بهما؟ فيه وقفة، والظاهر كما قال ابن شهبة عدم
الالحاق لأن القطن فيها مقصود لذاته بخلاف الجبة. ولا يرد على المصنف بيع كوز الفقاع كما أورده الأسنوي
فإنه صح
بيعه فيه من غير رؤية كما مر، لأن الكوز ليس داخلا في البيع بخلاف الخشكنان ونحوه وإنما يرد على اشتراط الرؤية
كما مر. وإنما صح فيه من غير رؤية لأن بقاءه فيه من مصلحته، ولأنه تشق رؤيته، ولأنه قدر يسير يتسامح به في العادة
19

وليس فيه غرر يفوت به مقصود معتبر. واحترز بوصف القشرة بالسفلى لما ذكر، وهي التي تكسر حالة الاكل عن
العليا، فإنه لا يصح البيع قبل إزالتها كما سيأتي باب بيع الأصول والثمار لاستتاره بما ليس من مصلحته، نعم إن لم تنعقد
السفلى كفت رؤية العليا لأن الجميع مأكول. ولا يصح بيع اللب من نحو الجوز وحده في قشره لأن تسليمه لا يمكن
إلا بكسر القشر فينقص عن المبيع، ولا بيع ما رؤي من وراء زجاج لانتفاء تمام المعرفة وصلاح إبقائه فيها بخلاف رؤية
السمك والأرض تحت الماء الصافي إذ به صلاحهما. أما الكدر فإنه يمنع صحة البيع وإن لم يمنع صحة الإجارة لأنها أوسع
لأنها تقبل التأقيت، ولان العقد فيها على المنفعة دون العين. ويجوز بيع قصب السكر في قشره الاعلى لأن قشره الأسفل
كباطنه لأنه قد يمص معه فصار كأنه في قشر واحد.
فائدة: روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان إذا سقطت منه حبة رمانة أكلها، فسئل عن ذلك فقال: بلغني عن النبي
(ص) أنه قال: ليس في الأرض رمانة تلقح إلا بحبة من رمان الجنة فلعلها هذه. وقيل: إذا أخذت رمانة من شجرة
وعددت حباتها فتكون حبات رمان تلك الشجرة كذلك، وإذا عددت شرافات قمع الرمانة، فإن كانت زوجا فعدد
حباتها زوج أو فردا فعدد حباتها فرد. (وتعتبر رؤية كل شئ) غير ما ذكر (على ما يليق به) فيعتبر في الدار رؤية
البيوت والسقوف والسطوح والجدران والمستحم والبالوعة، وكذا رؤية الطريق كما في المجموع، وفي البستان رؤية
أشجاره ومجرى مائه، وكذا يشترط رؤية الماء الذي تدور به الرحى خلافا لابن المقري لاختلاف الغرض. ولا يشترط
رؤية أساس جدران البستان، ولا رؤية عروق الأشجار ونحوهما، ويشترط رؤية الأرض في ذلك ونحوه. ولو رأى
آلة بناء الحمام وأرضها قبل بنائها لم يكف عن رؤيتها كما لا يكفي في التمر رؤيته رطبا. ولو رأى
سخلة أو ظبيا فكملا لا يصح بيعها إلا برؤية أخرى. ويشترط في الرقيق ذكرا كان أو غيره رؤية ما سوى العورة لا اللسان والأسنان. ويشترط في الدابة
رؤية مقدمها ومؤخرها وقوائمها وظهرها حتى شعرها، فيجب رفع الجل والسرج والإكاف، ولا يشترط إجراؤها ليعرف
سيرها، ولا يشترط في الدابة رؤية اللسان والأسنان. ويشترط في الثوب نشره ليرى الجميع، ولو لم ينشر مثله إلا عند
القطع. ويشترط في الثوب رؤية وجهي ما يختلف منه كأن يكون صفيقا كديباج منقص وبسط، بخلاف ما لا
يختلف
وجهاه ككرباس فيكفي رؤية أحدهما. ويشترط في شراء المصحف رؤية جميع الأوراق، وفي الورق البياض رؤية
جميع الطاقات. ولا يصح بيع اللبن في الضرع وإن حلب منه شئ ورؤي قبل البيع، للنهي عنه ولاختلاطه بالحادث
ولعدم تيقن وجود قدر اللبن المبيع ولعدم رؤيته، ولا بيع الصوف قبل الجز أو التذكية لاختلاطه بالحادث ولان تسليمه
إنما يمكن باستئصاله وهو مؤلم للحيوان، فإن قبض قطعة وقال بعتك هذه صح قطعا كما في المجموع، ولا بيع الأكارع
والرؤوس قبل الإبانة، ولا المذبوح أو جلده أو لحمه قبل السلخ أو السمط لأنه مجهول، قال الأذرعي: وكذا مسلوق لم ينق
جوفه وبيع وزنا، فإن بيع جزافا صح بخلاف السمك والجراد فيصح مطلقا لقلة ما في جوفه. ولا بيع مسك اختلط بغيره
لجهل المقصود كنحو لبن مخلوط بنحو ماء، نعم إن كان معجونا بغيره كالغاية والند صح لأن المقصود بيعهما لا المسك
وحده. ولو باع المسك فأرته لم يصح. ولو فتح رأسها كاللحم في الجلد، فإن رآها فارغة ثم ملئت مسكا لم يره ثم رأى
أعلاه من رأسها أو رآه خارجها ثم اشتراه بعد رده إليها جاز. ولو باعه السمن وظرفه أو المسك وفأرته كل قيراط بدرهم
مثلا صح وإن اختلفت قيمتهما إن عرفا وزن كل منهما وكان للظرف قيمة وإلا فلا يصح. ويجوز بيع حنطة مختلطة
بشعير كيلا ووزنا وجزافا. ولا يصح بيع تراب معدن قبل تمييزه من الذهب والفضة، ولا تراب صاغة، لأن المقصود مستور
بما لا مصلحة له فيه عادة كبيع اللحم في الجلد، ولو كان الثوب على منسج قد نسج بعضه فباعه قبل أن ينسج البائع
الباقي لم يصح البيع قطعا، نص عليه. (والأصح أن وصفه) أي الشئ الذي يراد بيعه، (بصفة السلم) أو سماع وصفه
بطريق التواتر، (لا يكفي) عن الرؤية لأنها تفيد أمورا تقصر عنها العبارة، وفي الخبر: ليس الخبر كالعيان، والثاني:
يكفي. ولا خيار للمشتري لأن ثمرة الرؤية المعرفة والوصف يفيدها. فإن قيل: عدم الاكتفاء بوصفه بطريق التواتر مع
20

قول الأصوليين إنه يفيد القطع مشكل. أجيب بأن المعلوم يتفاوت، ولا شك أن العيان أقوى، ولهذا تقدم في توجيهه أن
الرؤية تفيد أمورا تقصر عنها العبارة. (ويصح سلم الأعمى) أي أن يسلم أو يسلم إليه لأنه يعرف الصفات بالسماع، ومحل هذا
إذا كان العرض موصوفا في الذمة ثم عين في المجلس، ويوكل من يقبض عنه أو يقبض له رأس مال السلم والمسلم فيه لأن
السلم يعتمد الوصف لا الرؤية، فإن كان العوض معينا لم يصح كبيعه عينا. (وقيل إن عمي قبل تمييزه) بين الأشياء أو خلق
أعمى، (فلا) يصح سلمه لانتفاء معرفته بالأشياء. وأجاب الأول بأنه يعرفها بالسماع ويتخيل فرقا بينها، كبصير يسلم فيما لم
يكن رآه كأهل خراسان في الرطب وأهل بغداد في الموز.
تنبيه: قد يفهم كلامه أنه لا يصح من الأعمى من العقود غير السلم، وليس مرادا بل يصح أن يشتري نفسه ويؤجرها
لأنه لا يجهلها، وأن يقبل الكتابة على نفسه، وله أن يكاتب عبده على الأصح تغليبا للعتق، وقياسه كما قال الزركشي صحة
شرائه من يعتق عليه وبيعه العبد من نفسه، وأن يزوج ابنته ونحوها. وأما ما يعتمد فيه الرؤية كالبيع والإجارة والرهن
فلا يصح منه، وإن قلنا بصحة بيع الغائب، وطريقه أن يوكل فيه.
خاتمة: لو اشترى البصير شيئا ثم عمي قبل قبضه وقلنا لا يصح شراؤه فهل ينفسخ البيع؟ فيه وجهان، صحح المصنف
منهما عدم البطلان. ولا يصح بيع البصل والجزر ونحوهما في الأرض لأنه غرر. قال المصنف: ومما تعم به البلوى - أي
مع عدم صحته - ما اعتاده الناس من بيع النصيب من الماء الجاري من نهر أو نحوه للجهل بقدره، ولان الجاري إن كان غير
مملوك فذاك وإلا فلا يمكن تسليمه لاختلاط غير المبيع به، فطريقه أن يشتري القناة أو سهما منها، فإذا ملك القرار كان أحق
بالماء، ذكره القاضي والعمراني وغيرهما. وإن اشترى القرار مع الماء لم يصح فيهما للحوالة. ولا يشترط الذوق والشم
في مثل الخل والمسك ولا لمس الثياب، لأن معظم المقصود يتعلق بالرؤية فلا يشترط غيرها. ولو اشترى سمنا أو غيره من
المائعات أو غيرها في ظرفه كل رطل بدرهم مثلا على أن يوزن بظرفه ويسقط أرطالا معينة بسبب الظرف ولا يوزن
الظرف فالبيع باطل بلا خلاف لأنه غرر ظاهر. قال في المجموع: وهذا من المنكرات المحرمة التي تقع في كثير من الأسواق.
ولو رأى ثوبين مستويين قيمة ووصفا وقدرا كنصفي كرباس فسرق أحدهما واشترى الآخر غائبا عنه ولا يعلم أيهما
المسروق صح لحصول العلم، لا إن اختلفت الأوصاف المذكورة. وإذا اختلفا في الرؤية فالقول قول مدعيها بيمينه لأن
الاقدام على العقد اعتراف بصحته وهو على القاعدة في دعوى الصحة والفساد من تصديق مدعيها.
باب الربا: بالقصر، وألفه بدل من واو، ويكتب بهما وبالياء، وهو مكتوب في المصحف بالواو. قال الغزالي: لأن أهل
الحجاز تعلموا الخط من أهل الحرة ولغتهم الربوا، فعلموهم صورة الخط على لغتهم. ويقال فيه الرماء بالميم والمد. وهو لغة
: الزيادة. قال تعالى: * (اهتزت وربت) * أي زادت ونمت. وشرعا: عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار
الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما. وهو ثلاثة أنواع: ربا الفضل، وهو البيع مع زيادة أحد العوضين
عن الآخر. وربا اليد، وهو البيع مع تأخير قبضهما أو قبض أحدهما. وربا النساء، وهو البيع لأجل. وزاد المتولي ربا
القرض المشروط فيه جر نفع. قال الزركشي: ويمكن رده لربا الفضل. والأصل في تحريمه قبل الاجماع آيات كآية
: * (وحرم الربا) * وأخبار كخبر مسلم: لعن رسول الله (ص) آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده. وروى الدارقطني والبيهقي
: درهم ربا يأكله ابن آدم أشد عند الله إثما من ست وثلاثين زنية. وفي صحيح الحاكم عن مسروق عن عبد الله أن النبي
(ص) قال: للربا سبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم وقال
: إنه صحيح على شرط الشيخين، وهو من الكبائر، قال الماوردي: حتى قيل إنه لم يحل في شريعة قط لقوله تعالى: * (وأخذهم
21

الربا وقد نهوا عنه) * يعني في الكتب السابقة
. فائدة: روى السبكي وابن أبي بكر أن رجلا أتى مالك بن أنس فقال: يا أبا عبد الله رأيت رجلا سكرانا يتقافز يريد
أن يأخذ القمر بيده فقلت امرأتي طالق إن كان يدخل جوف ابن آدم شئ أشر من الخمر فقال: ارجع حتى أتفكر في مسألتك
فأتاه من الغد فقال: امرأتك طالق، فإني تصفحت الكتاب والسنة فلم أر شيئا أشر من الربا، لأن الله تعالى أذن فيه بالحرب،
أي في قوله تعالى: * (فأذنوا بحرب من الله ورسوله) *. وقال عمر رضي الله تعالى عنه: لا يتجر في سوقنا إلا من فقه وإلا آكل الربا
. وقال علي رضي الله عنه: من أتجر قبل أن يتفقه ارتطم في الربا ثم ارتطم ثم ارتطم أي وقع وارتبك ونشب. والقصد
بهذا الباب بيع الربوي وما يعتبر فيه زيادة على ما مر. (إذا بيع الطعام بالطعام إن كانا جنسا) أي الثمن والمثمن، وفي بعض النسخ:
إن كان جنسا واحدا كبر وبر. (اشترط) في صحة البيع ثلاثة أمور: (الحلول) من الجانبين، (والمماثلة والتقابض) لهما (قبل
التفرق) ولو وقع العقد في دار الحرب. (أو) كانا (جنسين كحنطة وشعير جاز التفاضل واشترط) أمران: (الحلول والتقابض)
لهما قبل التفرق، قال (ص) فيما رواه مسلم: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير
، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان
يدا بيد أي مقابضة. قال الرافعي: ومن لازمه الحلول - أي غالبا - ولا بد من القبض الحقيقي فلا تكفي الحوالة وإن
حصل القبض بها في المجلس. ويكفي قبض الوكيل في القبض عن العاقدين أو أحدهما وهما في المجلس، وكذا قبض الوارث
بعد موت مورثه في المجلس، بخلاف ما إذا كان العاقد عبدا مأذونا له فقبض سيده أو وكيلا فقبض موكله لا يكفي. واختلف
قول الشافعي رضي الله تعالى عنه في علة الربا في المطعومات، فقال في القديم: الطعم مع التقدير في الجنس
بالكيل والوزن فلا
ربا فيما لا يكال ولا يوزن كالسفرجل والرمان والبيض، وفي الجديد، وهو الأظهر: العلة الطعمية لقوله (ص): الطعام
بالطعام فدل على أن العلة الطعم وإن لم يكل ولم يوزن، لأنه علق ذلك على الطعام وهو اسم مشتق
، وتعليق الحكم على الاسم المشتق يدل التعليل بما منه الاشتقاق. (والطعام ما قصد للطعم) بضم الطاء مصدر طعم بكسر العين أي أكل غالبا. وذلك بأن
يكون أظهر مقاصده الطعم وإن لم يؤكل إلا نادرا كالبلوط والطرثوث، وهو نبت يؤكل، وإن لم يكل ولم يوزن كما مر.
(اقتياتا أو تفكها أو تداويا) كما تؤخذ الثلاثة من الخبر السابق، فإنه نص فيه على البر والشعير، والمقصود منهما التقوت
، فألحق بهما ما في معناهما كالأرز والذرة، وعلى التمر، والمقصود منه التفكه والتأدم فألحق به ما في معناه كالتين والزبيب،
وعلى الملح، والمقصود منه الاصلاح فألحق به ما في معناه كالمصطكي بضم الميم والقصر، والسقمونيا والطين الأرمني
والزنجبيل. ولا فرق بين ما يصلح الغذاء أو يصلح البدن، فإن الأغذية لحفظ الصحة والأدوية لرد الصحة. وإنما لم يذكر
الدواء فيما يتناوله الطعام في الايمان لأنها لا تتناوله في العرف المبنية هي عليه. ولا ربا في حب الكتان - بفتح الكاف وكسرها
- ودهنه ودهن السمك لأنها لا تقصد للطعم، ولا في الطين غير الأرمني كالخراساني لأنه إنما يؤكل سفها، ولا فيما اختص
به الجن كالعظم، أو البهائم كالتبن والحشيش والنوى، أو غلب تناولها له وإن قصد للآدميين كما قاله الماوردي وجرى عليه
الشارح، وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين، أما إذا كانا على حد سواء، فالأصح ثبوت الربا فيه. ولا ربا في الحيوان
مطلقا سواء أجاز بلعه كصغار السمك أم لا، لأنه لا يعد للاكل على هيئته. وقد اشترى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما
بعيرا ببعيرين بأمره (ص).
تنبيه: قوله: قصد أشار به إلى أنه لا ربا فيما لا يجوز أكله، ولكنه لا يقصد كالعظم الرخو وأطراف قضبان العنب
كما قاله صاحب التتمة وغيره، وكذا الجلود كما قاله في زيادة الروضة، أي التي لم تؤكل غالبا بأن خشنت وغلظت
كما يؤخذ من كلام الماوردي وغيره. ودخل في قوله: تداويا الماء العذب فإنه ربوي مطعوم فلا يرد عليه، قال تعالى:
22

* (ومن لم يطعمه فإنه مني) * بخلاف الماء الملح فإنه ليس بربوي، وأورد الأسنوي على المصنف الحلوي، قال في الغنية
: وهو غلط صدر عن ظن أن المراد بقوله تفكها الفاكهة التي هي الثمر. وأسقط المصنف الادم وقد ذكره في الايمان،
واستشكل الفرق بين البابين لأنا إن نظرنا إلى اللغة اتحد الموضعان، أو إلى العرف فأهله لا يسمون الفاكهة والحلوى
طعاما، ويمكن دخول الادم في التفكه. واعلم أن كل شيئين جمعهما اسم خاص من أول دخولهما في الربا يشتركان في
ذلك الاسم بالاشتراك المعنوي كالتمر المعقلي بفتح الميم وإسكان العين المهملة نوع من التمر معروف بالبصرة وغيرها منسوب
إلى معقل بن يسار الصحابي رضي الله عنه، والبرني كما قال صاحب المحكم: هو ضرب من التمر أصفر مدور واحدته برنية
، وهو أجود التمر فهما جنس واحد، وأنواع التمر كثيرة جدا، قال الجويني: كنت بالمدينة فدخل بعض أصدقائي فقال
: كنا عند الأمير فتذاكروا أنواع تمر المدينة فبلغت أنواع الأسود ستين نوعا. وما ليس كذلك كالحنطة والشعير فهما
جنسان، واحترز بالخاص عن العام كالحب فإنه يتناول سائر الحبوب وبأول دخولهما في الربا عن الأدقة فإنها اشتركت
في اسم خاص، والتمييز بينها يحصل بالإضافة، ومع ذلك فهي أجناس لأنها دخلت في الربا قبل اشتراكها في هذا
الاسم الخاص، وبالاشتراك المعنوي عن البطيخ الهندي مع الأصفر فإنهما جنسان على الأصح، وكذلك التمر والجوز
الهنديان مع التمر والجوز المعروفين، فإن إطلاق الاسم عليهما ليس لقدر مشترك بينهما، أي ليس موضوعا لحقيقة واحدة بل
لحقيقتين مختلفتين. وهذا الضابط كما قال الأسنوي أولى ما قيل، ولم يذكره الرافعي، ومع ذلك فإنه ينتقض باللحوم
والألبان على أصح القولين أنها أجناس كأصولها، وعلى القول الآخر بأنها جنس لا نقض. وحيث اشترط التقابض
فتفرقا قبله بطل العقد إن تفرقا عن تراض وإلا فلا يبطل، لأن تفرقهما حينئذ كلا تفرق، وهذا هو المعتمد خلافا
لما نقله السبكي عن الصيمري من أنه لا فرق بين المختار والمكره. والتخاير وهو إلزام العقد قبل التقابض كالتفرق قبله في
أنه يبطل العقد الربوي سواء أتقابضا قبل التفرق أم لا، وما ذكر في باب الخيار من أنهما لو تقابضا قبل التفرق لم
يبطل ضعيف كما قاله شيخي، بل قال الأذرعي: إنه مفرع على رأي ابن سريج وهو أنه لا يرى أن التخاير بمنزلة التفرق.
ولو قبض كل منهما المبعض ففيما قبض قولا تفريق الصفقة ويبطل العقد فيما لم يقبض. ولو اشترى من غيره نصفا شائعا من
دينار قيمته عشرة دراهم بخمسة دراهم أصح ويسلمه البائع إليه ليقبض النصف، ويكون النصف الثاني في يده أمانة، بخلاف
ما لو كان له عليه عشرة دراهم فأعطاه عشرة فوجدت زائدة الوزن فإنه يضمن الزائد للمعطي لأنه قبضه لنفسه، فإن
أقرضه البائع في صورة الشراء تلك الخمسة بعد أن قبضها منه فاشترى بها النصف الآخر من الدينار جاز كغيرها، وإن
اشترى كل الدينار من غيره بعشرة وسلمه منها خمسة ثم استقرضها منه ثم ردها إليه عن الثمن بطل العقد في الخمسة
الباقية كما رجحه ابن المقري في روضه لأن التصرف مع العاقد في زمن الخيار إجازة، وقد تقدم أنها كالتفرق فكأنهما
تفرقا قبل التقابض، ولا يقال تصرف البائع فيما قبضه من الثمن في زمن الخيار باطل لأن محله مع الأجنبي، أما مع العاقد
فصحيح. (وأدقة الأصول المختلفة الجنس وخلولها وأدهانها) بالرفع عطفا على أدقة، (أجناس) لأنها فروع أصول
مختلفة فأعطيت حكم أصولها، فيجوز بيع دقيق البر بدقيق الشعير، وخل التمر بخل العنب متفاضلين. واعلم أن كل
خلين لا ماء فيهما واتحد جنسهما اشترط التماثل وإلا فلا، وكل خلين فيهما ماء لا يباع أحدهما بالآخر إن كانا من
جنس واحد وإن كانا من جنسين وقلنا الماء العذب ربوي وهو الأصح كما مر لم يجز وإلا جاز، وإن كان الماء في
أحدهما وهما جنسان كخل العنب بخل التمر وخل الرطب بخل الزبيب جاز لأن الماء في أحد الطرفين والمماثلة بين الخلين
المذكورين غير معتبرة. والخلول تتخذ غالبا من الرطب والعنب والزبيب والتمر، وينتظم من هذه الخلول عشر مسائل،
وضابط ذلك أن تأخذ كل واحد مع نفسه، ثم تأخذه مع ما بعده، ولا تأخذه مع ما قبله، لأنك قد عددته قبل هذا
فلا تعده مرة أخرى. الأولى: بيع خل العنب بمثله. الثانية: بيع خل الرطب بمثله. الثالثة: بيع خل الزبيب بمثله.
الرابعة: بيع خل التمر بمثله. الخامسة: بيع خل العنب بخل الرطب. السادسة: بيع خل العنب بخل الزبيب. السابعة:
23

بيع خل العنب بخل التمر. الثامنة: بيع خل الرطب بخل الزبيب. التاسعة: بيع خل الرطب بخل التمر. العاشرة: بيع
خل الزبيب بخل التمر. ففي خمسة منها يجزم بالجواز، وفي خمسة بالمنع، الخمسة الأولى: خل عنب بخل عنب خل رطب
بخل رطب، خل عنب بخل تمر، خل رطب بخل زبيب، خل عنب بخل رطب. والخمسة الثانية: خل عنب بخل زبيب، خل رطب بخل تمر، خل زبيب بخل زبيب،
خل تمر بخل تمر، خل زبيب بخل تمر. واحترز بالمختلفة عن المتحدة كأدقة القمح
فإنها جنس واحد قطعا. (واللحوم والألبان) أي كل منهما أجناس، (كذلك في الأظهر) لأنهما فروع لأصول مختلفة
الأجناس فأشبهت الأدقة، فيجوز بيع لحم البقر بلحم الضأن ولبن البقر بلبن الضأن متفاضلا. والثاني: أنهما جنس
واحد لاشتراكهما في الاسم الذي لا يقع التميز بعده إلا بالإضافة، فأشبهت أنواع التمر كالمعلي والبرني، وعلى الأول لحوم
البقر جواميسها وعرابها جنس، وليس من البقر البقر الوحشي لأن الوحشي والانسي من سائر الحيوانات جنسان ولحوم
الغنم ضأنها ومعزها جنس، والظباء والإبل بضم الهمزة وكسرها وفتح التحتية المشددة، وهو الوعل بفتح الواو وكسر
العين تيس الجبل، ويقال شاته جنس. والألبان كذلك والسموك المعروفة جنس. وبقر الماء وغنمه وغيرهما من
حيوانات البحر أجناس. وأما الطيور: فالعصافير على اختلاف أنواعها جنس، والبطوط جنس، وكذا أنواع
الحمام
على الأصح، وبيوض الطيور أجناس، والكبد والطحال والقلب والكرش والرئة والمخ أجناس وإن كانت من
حيوان واحد لاختلاف أسمائها وصفاتها، وشحم الظهر والبطن واللسان والرأس والأكارع أجناس، والجراد ليس
بلحم ولا شحم، والبطيخ الأخضر والأصفر والخيار والقثاء أجناس. (والمماثلة تعتبر في المكيل كيلا) وإن تفاوتت
في الوزن، (و) في (الموزون وزنا) وإن تفاوتت في الكيل، فلا يصح بيع بعض المكيل ببعض وزنا، ولا بيع بعض
الموزون ببعض كيلا. (والمعتبر) في كون الشئ مكيلا أو موزونا (غالب عادة أهل الحجاز في عهد رسول الله (ص))
لظهور أنه اطلع على ذلك وأقره، فلو أحدث الناس خلاف ذلك فلا اعتبار به. (وما) لم يكن في ذلك العهد أو كان
و (جهل) حاله ولو لنسيان، أو كان ولم يكن بالحجاز، أو استعمل الكيل والوزن فيه سواء أو لم يستعملا فيه، أو غلب
أحدهما ولكن لم يتعين وكان ذلك أكبر جرما من التمر كالجوز فالوزن، إذ لم يعهد الكيل بالحجاز فيما هو أكبر
منه جرما أو كان مثله كاللوز أو دونه كالفستق. (يراعى فيه) عادة (بلد البيع) حالة البيع، لأن الشئ إذا لم يكن محدودا
في الشرع ولا في اللغة كان الرجوع فيه إلى عادة الناس كالقبض والحرز، (وقيل الكيل) لأن أغلب ما ورد فيه النص
مكيل، (وقيل الوزن) لأنه أخصر وأقل تفاوتا، (وقيل يتخير) للتساوي، (وقيل إن كان له أصل) معلوم المعيار
(اعتبر) أصله في الكيل أو الوزن فيه، قال الشارح: فعلى هذا دهن السمسم مكيل ودهن اللوز موزون اه‍.
والأصح أن اللوز مكيل فدهنه كذلك. ولا فرق في المكيال بين أن يكون معتادا أم لا كالقصعة، فلو كان في أحد
المبيعين قليل تراب أو غيره لم يضر إن كان مكيلا لأنه يتخلل فلا يظهر أثره، فإن كان كثيرا يظهر في المكيال ضر
، وأما الموزون فيضر مطلقا لظهور كثيره وقليله في الوزن. ويكفي الوزن بالقبان والتساوي بكفتي الميزان وإن لم يعرف
قدر ما في كل كفة. وقد يتأتى الوزن بالماء بأن يوضع الشئ في ظرف ويلقى في الماء وينظر قدر غوصه، لكنه ليس
وزنا شرعيا ولا عرفيا، فالظاهر كما في أصل الروضة أنه لا يكفي هنا وإن كفى في الزكاة وأداء المسلم فيه، وإن قال البلقيني
إنه أولى بالجواز من القصعة. (والنقد بالنقد) والمراد به الذهب والفضة مضروبا كان أو غير مضروب، (كطعام بطعام)
في جميع ما سبق من الأحكام، فإن بيع بجنسه كذهب بذهب اشترطت المماثلة والحلول والتقابض قبل التفرق والتخاير، وإن
بيع بغير جنسه كذهب بفضة جاز التفاضل أو اشترط الحلول والتقابض قبل التفرق أو التخاير للخبر السابق. فإن قيل:
24

كان الأولى للمصنف تقديم النقد على الطعام موافقة للحديث. أجيب بأن الكلام في الطعام أكثر فقدم لذلك،
ولا يقال إن تقدم ما للكلام فيه أقل أولى لأن هذا بحسب المقاصد. وعلة الربا في الذهب والفضة جنسية الأثمان غالبا
كما صححه في المجموع، ويعبر عنها أيضا بجوهرية الأثمان غالبا، وهي منتفية عن الفلوس وغيرها من سائر العروض
لا أنها قيم الأشياء كما جرى عليه صاحب التنبيه، لأن الأواني والتبر والحلي تجري فيها الربا كما مر وليست مما يقوم بها.
واحترز ب‍ غالبا عن الفلوس إذا راجت فإنه لا ربا فيها كما تقدم، ولا أثر لقيمة الصنعة في ذلك، حتى لو اشترى بدنانير
ذهبا مصوغا قيمته أضعاف الدنانير اختبرت المماثلة ولا نظر إلى القيمة.
تنبيه: بيع النقد من جنسه وغيره يسمى صرفا، ويصح على معينين بالاجماع ك‍ بعتك أو صارفتك هذا
الدينار بهذه الدراهم، وعلى موصوفين على المشهور: كقوله: بعتك أو صارفتك دينارا صفته كذا في ذمتي بعشرين
درهما من الضرب الفلاني في ذمتك، ولو أطلق فقال: صارفتك على دينار بعشرين درهما وكان هناك نقد واحد
لا يختلف أو نقود مختلفة إلا أن أحدهما أغلب صح ونزل الاطلاق عليه، ثم يعينان ويتقابضان قبل التفرق. ويصح أيضا
على معين بموصوف ك‍ بعتك هذا الدينار بعشرة دراهم في ذمتك، ولا يصح على دينين ك‍ بعتك الدينار الذي في ذمتك
بالعشرة التي لك في ذمتي لأن ذلك بيع دين بدين. والحيلة في تمليك الربوي بجنسه متفاضلا كبيع ذهب بذهب متفاضلا
أن يبيعه من صاحبه بدراهم أو عرض ويشتري منه بها أو به الذهب بعد التقابض، فيجوز وإن لم يتفرقا ولم يتخايرا لتضمن
البيع الثاني إجازة الأول بخلافه مع الأجنبي، أو يقرض كل صاحبه ويبرئه أو يتواهبا الفاضل لصاحبه، وهذا جائز إذا لم
يشترط في بيعه وإقراضه وهبته ما يفعله صاحبه وإن كره قصده. (ولو باع جزافا) بكسر الجيم، طعاما أو نقدا بجنسه
(تخمينا) أي حزرا للتساوي، (لم يصح) البيع (وإن خرجا سواء) للنهي عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلها
بالكيل المسمى من التمر، رواه مسلم، وقيس النقد على المطعوم، وللجهل بالمماثلة عند البيع، وهذا معنى قول الأصحاب:
الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة. ويؤخذ البطلان عند عدم التخمين بطريق الأولى. ولو علما تماثل الصبرتين جاز البيع
كما قال القاضي، ولا حاجة حينئذ إلى كيل. ولو علم أحدهما مقدارهما وأخبر الآخر به فصدقه فكما لو علما، قاله الروياني.
ولو باع صبرة بر بأخرى كيلا بكيل أو صبرة نحو دراهم بأخرى وزنا بوزن صح إن تساويا لحصول المماثلة وإلا فلا
، لأنه قابل الجملة بالجملة وهما متفاوتتان. ويصح بيع صبرة بكيلها فيما يكال أو وزنها فيما يوزن من صبرة أكبر منها لحصول
المماثلة. ولو تفرقا في هذه وفي التي قبلها فيما إذا صح البيع بعد قبض الجملتين وقبل الكيل أو الوزن، جاز لحصول
التقابض في المجلس، وما فضل من الكبيرة بعد الكيل أو الوزن لصاحبها، فالمعتبر في القبض هنا ما ينقل الضمان فقط
لا ما يفيد التصرف أيضا لما سيأتي أن قبض ما بيع مقدرا إنما يكون بالتقدير. ولو باع صبرة بر بصبرة شعير جزافا جاز
لعدم اشتراط المماثلة، فإن باعها بها مكايلة فإن خرجتا سواء صح وإن تفاضلتا وسمح رب المال بإعطائه الزائد أو رضي
رب الناقص بقدره من الزائد أقر البيع وإن تشاحا فسخ، وتقدم ما في هذه مع جوابه الكلام على بيع الصبرة بمائة
درهم كل صاع بدرهم. (وتعتبر المماثلة) للربوي حال الكمال، فيعتبر في الثمار والحبوب (وقت الجفاف) وتنقيتها
شرط للمماثلة لا للكمال، لأنه (ص) سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا: نعم، فنهى عن ذلك،
صححه الترمذي وغيره. أشار (ص) بقوله: أينقص إلى أن المماثلة إنما تعتبر عند الجفاف، وإلا فالنقصان أوضح من
أن يسأل عنه. ويعتبر أيضا إبقاؤه على هيئة يتأتى ادخاره عليها كالتمر بنواه، لأنه إذا نزع بطل كماله لتسارع الفساد
إليه، بخلاف الخوخ والمشمش ونحوهما فإن كماله لا يبطل بنزع نواه فإن الغالب في تجفيفها - أي في بعض البلاد - نزع
نواه، كما أن اللحم المقدد لا يبطل كماله بنزع العظم منه. واختلف المتأخرون في فهم قوله: (وقد يعتبر الكمال أولا)
فإنه من مشكلات الكتاب، فقال الشارح: وذلك في مسألة العرايا الآتية في باب بيع الأصول والثمار اه‍. وهذا أحد
احتمالين للأسنوي وقال: إنه الأصح في الحمل، والاحتمال الثاني: أنه أراد إدخال العصير والخل من الرطب والعنب فإنه
25

يباع بعضه ببعض، ولو اقتصر على ما مر لاقتضى أنه لا يباع الرطب إلا تمرا ولا العنب إلا زبيبا، فنبه على أنه يكتفى بالكمال
الأول، وجرى على هذا السبكي والأذرعي، وهو الأولى كما قال ابن شهبة من الأول، إذ يلزم من الحمل على الأول
اختلاف مفهوم الكتاب فإنه يفهم حينئذ اعتبار الكمال آخرا إلا في العرايا وليس مرادا. وقال السبكي: وقوله أولا نبه
به على أنا إذا اعتبرنا الكمال يكتفى بالكمال الأول كالعصير، ولا يشترط الآخر كالخل، فكأنه قال: يعتبر الكمال ولو
أولا. وقال الزركشي: كلا الامرين فاسد، أما الأول فلانه لا كمال في الرطب والعنب، ولكنه رخص في بيعه بمثله
جافا بشروطه، وأما الثاني فلان تلك الحالة ليست أول أحواله. قال: ومعنى كلام الكتاب أن المماثلة قد تعتبر وقت
كمال ذلك الربوي في أول أحواله وهو الحليب فتعتبر المماثلة ذلك الوقت اه‍. وما قاله من أن العصير ليس أول أحوال
الكمال ممنوع، إذ ليس له حالة كمال قبل العصير.
تنبيه: قال السبكي: ورأيت في بعض النسخ: وقيل وهو تصحيف. والصواب وقد، وهكذا هو بخط المصنف.
ولا يباع رطب المطعومات برطبها بفتح الراء فيهما ولا بجافها إذا كانت من جنس إلا في مسألة العرايا، سواء أكان لها
حالة جفاف كما قال: (فلا يباع رطب برطب) بضم الراء فيهما، (ولا) برطبها بجافها كرطب (بتمر، ولا عنب بعنب
ولا) عنب (بزبيب) ولا تين رطب بتين رطب، ولا رطب اليابس للجهل بالمماثلة وقت الجفاف لحديث الترمذي
المتقدم، وألحق بالرطب فيما ذكر طري اللحم فلا يباع بطريه ولا بقديده من جنسه، ويباع قد يده بقديده بلا عظم
ولا ملح يظهر في الوزن. ولا تباع حنطة بحنطة مبلولة وإن جفت. ولا يشترط في التمر والحب تناهي الجفاف لأنهما
مكيلان فلا يظهر أثر الرطوبة في الكيل، بخلاف اللحم فإنه موزون يظهر أثره في الوزن، أو لم يكن لها حالة جفاف كما
قال: (وما لا جفاف له كالقثاء) بكسر القاف وضمها والمثلثة والمد، (والعنب الذي لا يتزبب) والرطب الذي لا يتتمر
(لا يباع) بعضه ببعض (أصلا) قياسا على الرطب بالرطب. وقد يفهم أنه لو جف على ندور لا يباع جافا، والذي
أورده الشيخ أبو حامد والمحاملي وغيرهما الجواز، وقال السبكي: إنه الأقيس. (وفي قول) مخرج (تكفي مماثلته
رطبا) بفتح الراء لأن معظم منافعه في رطوبته، فكان كاللبن فيباع وزنا وإن أمكن كيله، وعلى الأول يستثنى الزيتون
فإنه لا جفاف له، ويجوز بيع بعضه ببعض كما جزم به الغزالي وغيره. (ولا تكفي مماثلة الدقيق والسويق) أي دقيق
الشعير، (والخبز) ونحوها مما يتخذ من الحب كالعجين والنشاء، ولا مماثلة لما فيه شئ مما اتخذ منها كالفالوذج فإن
فيه النشاء فلا يباع شئ منه بمثله، ولا بالحب الذي اتخذ منه لخروجها عن حالة الكمال وعدم العلم بالمماثلة، فإن الدقيق
ونحوه يتفاوت في النعومة، والخبز ونحوه يتفاوت في تأثير النار. ولا تباع حنطة مقلية بحنطة مطلقا لاختلاف تأثير النار
فيها، ولا حنطة بما يتخذ منها ولا بما فيه شئ مما يتخذ منها. ويجوز بيع الحب بالنخالة والحب المسوس إذا لم يبق فيه
لب أصلا لأنهما ليسا بربويين. ويصح بيع التمر بطلع الذكور دون طلع الإناث لأنه ليس بربوي، وأما طلع الإناث
فإنه ربوي. (بل تعتبر المماثلة في الحبوب) التي لا دهن فيها (حبا) لتحققها فيهما وقت الجفاف (و) تعتبر (في
حبوب الدهن كالسمسم) بكسر السينين، (حبا أو دهنا) أو كسبا خالصا من دهنه، فيجوز بيع السمسم بمثله والشيرج
بمثله والكسب بمثله. وأما كسب غير السمسم واللوز الذي لا يأكله إلا البهائم، ككسب القرطم، أو أكل البهائم له
أكثر فليس بربوي كما يؤخذ من القاعدة المتقدمة. وليس للطحينة قبل استخراج الدهن حالة كمال فلا يجوز
بيع بعضها ببعض، ولا بيع السمسم بالشيرج لأنه في معنى بيع كسب ودهن بدهن، وهو من قاعدة مد عجوة. والكسب
الخالص والشيرج جنسان، والادهان المطيبة كدهن الورد والبنفسج واللينوفر كلها مستخرجة من السمسم فيباع
26

بعضها ببعض إن ربي بالطيب سمسم الدهن بأن طرح في الطيب ثم استخرج دهنه، فإن استخرج دهنه ثم طرح فيه
أوراقها فلا يباع بعضها ببعض، لأن اختلاطها بها يمنع معرفة التماثل. (و) تعتبر (في العنب) والرطب (زبيبا)
وتمرا (أو خل عنب) ورطب، (وكذا العصير) أي عصير العنب والرطب، (في الأصح) لأنه متهئ لأكثر
الانتفاعات، فيجوز بيع العصير بمثله وكذا بيع عصيره بخله متماثلا على الأصح، وأما بيع الخل بعضه ببعض فقد تقدم
الكلام عليه. فعلم من كلامه أنه قد يكون للشئ حالتا كمال فأكثر. والثاني: ليس للعصير حالة كمال لأنه ليس على هيئة
كمال المنفعة. ومثل عصير العنب والرطب عصير الرمان والتفاح وسائر الثمار وكذا عصير قصب السكر، والمعيار في الدهن
والخل والعصير الكيل. (و) تعتبر المماثلة (في اللبن لبنا) خالصا غير مشوب بماء أو إنفحة أو ملح وغير مغلي بالنار كما يعلم
مما يأتي، فيباع الحليب بمثله وإنما يباع بعد سكون رغوته والرائب بمثله والرائب بالحليب كيلا، ولا يبالي بكون ما يحويه
المكيال من الخاثر أكثر وزنا لأن الاعتبار فيه بالكيل كالحنطة الصلبة بالرخوة. (أو سمنا) خالصا مصفى بشمس أو نار،
فإنه لا يتأثر بالنار تأثير انعقاد ونقصان فيجوز بيع بعضه ببعض وزنا وإن كان مائعا على النص، وقيل: كيلا، وقيل: وزنا
إن كان جامدا وكيلا إن كان مائعا، قاله البغوي. قال في أصل الروضة: وهو توسط بين وجهين أطلقهما العراقيون اه‍.
واستحسن التوسط في الشرح الصغير. قال شيخنا: ويؤيده أن اللبن يكال مع أنه مائع اه‍. ولا تأييد لأن اللبن أصله مائع
فأجري فيه الكيل، والسمن أصله جامد فأجري فيه الوزن، وإنما يؤيده لو فرق في اللبن بين المائع والخاثر، بل قالوا
بالكيل مطلقا لما قلناه. ولا يباع زبد بزبد من جنسه في الأصح، لأن ما فيهما من اللبن يمنع المماثلة. فإن قيل: بيع اللبن
بعضه ببعض في كل منهما زبد. أجيب بأن الصفة ممتزجة فلا عبرة بها. وخالفه العسل بشمعه لامتياز العسل
عن الشمع. ولا يباع زبد بسمن والأسمان أجناس كالألبان. (أو مخيضا صافيا) أي خالصا عن الماء، لا منفعته كاملة
، والمخيض ما نزع زبده، ويباع بمثله وبالسمن وبالزبد. قال السبكي: وظاهر كلام المصنف أنه إذا كان فيه ماء يسير
لا يكون كاملا، وليس كذلك. قال: وهكذا الحليب وسائر الألبان. ويعتبر في المخيض الصرف أن لا يكون فيه زبد،
فإن كان فيه لم يبع بمثله ولا يزبد ولا يسمن، لأنه يصير من قاعدة مد عجوة. فإن قيل: اللبن جنس ينقسم إلى مخيض
وحليب ورائب فلا يحسن جعل المخيض قسيما للبن بل هو قسم منه. أجيب بأنه لما كان الغالب خلط المخيض بالماء
عطفه عليه وإن كان قسما منه، وقيده بالخالص وإن كان غيره مقيدا به أيضا كما قدرته. (ولا تكفي المماثلة في
سائر أحواله)
أي باقيها، (كالجبن) بإسكان الباء وبضمها مع تشديد النون وبدونه، (والأقط) والمصل والزبد لأنها لا تخلو عن مخالطة
شئ، فالجبن يخالطه الإنفحة، والأقط يخالطه الملح، والمصل يخالطه الدقيق، والزبد لا يخلو عن قليل مخيض، فلا تتحقق
فيها المماثلة فلا يباع بعض كل منها ببعض. ولا يباع الزبد بالسمن ولا اللبن بما يتخذ منه كالسمن المخيض. (ولا تكفي مماثلة
ما أثرت فيه النار بالطبخ أو القلي أو الشئ) لأن تأثير النار لا غاية له فيؤدي إلى الجهل بالمماثلة، فلا يجوز بيع بعضه ببعض
حبا كالسمسم أو غيره كاللحم وفيما أثرت فيه بالعقد كالدبس والسكر. والفانيد، وهو عسل القصب المسمى بالمرسل
وجهان: أصحهما لا يباع بعضه ببعض لما ذكر، والثاني: يباع بعضه ببعض قياسا على صحة السلم فيه. وأجاب الأول
بضيق باب الربا. واحترز بكون التأثير على أحد الوجوه الثلاثة عن تأثير الحرارة كالماء المغلي فإنه يباع بعضه ببعض كما قاله
الامام، وعن تأثير التمييز كما قال: (ولا يضر تأثير تمييز كالعسل والسمن) والذهب والفضة، فإن النار في العسل لتمييز الشمع
وفي السمن لتمييز اللبن وفي الذهب والفضة لتمييز الغش، وهي لطيفة بالنسبة إلى العسل والسمن لا تؤثر في العقد، فلو
فرض أنها عقدته امتنع بيع بعضه ببعض، أما قبل التمييز فلا يجوز ذلك للجهل بالمماثلة. ولا يجوز بيع العسل بشمعه بمثله
27

ولا بصاف لقاعدة مد عجوة. فإن قيل: هلا جاز كبيع التمر بعضه ببعض وفيه النوى أجيب بأن النوى في التمر غير مقصود بخلاف
الشمع في العسل فكان اجتماعهما يؤدي إلى الجهالة. (وإذا جمعت الصفقة) أي البيعة، سميت بذلك لأن أحد
المتبايعين يصفق يده على يد الآخر في عادة العرب جنسا، (ربويا من الجانبين) وليس تابعا بالإضافة إلى القصور،
(واختلف الجنس) أي جنس المبيع (منهما) جميعهما بأن اشتمل أحدهما على جنسين ربويين اشتمل الآخر عليهما
، (كمد عجوة ودرهم بمد) من عجوة (ودرهم)، (و) كذا لو اشتمل على أحدهما فقط، (كمد ودرهم بمدين أو درهمين)
أو اشتملا جميعهما على جنس ربوي وانضم إليه غير ربوي فيهما كدرهم وثوب بدرهم
وثوب، أو في أحدهما كدرهم وثوب بدرهم، (أو) اختلف (النوع) أي نوع المبيع، والمراد به ما يعم الوصف بأن اختلف النوع الحقيقي من الجانبين
جميعهما بأن اشتمل أحدهما من جنس ربوي على نوعين اشتمل الآخر عليهما، كمد تمر صيحاني ومد برني بمد تمر صيحاني
ومد برني، أو على أحدهما كمد صيحاني ومد برني بمدين صيحاني أو برني. أو اختلف الوصف من الجانبين جميعهما بأن
اشتمل أحدهما من جنس ربوي على وصفين اشتمل الآخر عليهما، (كصحاح ومكسرة) تنقص قيمتها عن قيمة
الصحاح (بهما) أي بصحاح ومكسرة أو جيدة ورديئة بجيدة ورديئة، (أو بأحدهما) أي بصحاح فقط أو
بمكسرة فقط
أو بجيدة فقط أو رديئة فقط. (فباطلة) هذه المسألة هي القاعدة المعروفة بقاعدة مد عجوة. والأصل فيها خبر مسلم
عن فضالة بن عبيد قال: أتى النبي (ص) بقلادة فيها خرز وذهب تباع بتسعة دنانير، فأمر النبي (ص) بالذهب
الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال: الذهب بالذهب وزنا بوزن وفي رواية: لا تباع حتى تفصل. واستدل على القاعدة
من جهة المعنى بأن قضية اشتمال أحد طرفي العقد على مالين مختلفين توزيع ما في الآخر عليهما اعتبارا بالقيمة كما في بيع
شقص مشفوع وسيف بألف وقيمة الشقص مائة والسيف خمسون فإن الشفيع يأخذ الشقص بثلثين، والتوزيع هنا
يؤدي إلى المفاضلة أو الجهل بالمماثلة، لأنه إذا باع مدا ودرهما بمدين إن كانت قيمة المد الذي مع الدرهم أكثر أو أقل
منه لزمته المفاضلة أو مثله فالمماثلة مجهولة، فلو كانت قيمته درهمين فالمد ثلثا طرفه فيقابله ثلثا المدين أو نصف درهم فالمد
ثلث طرفه فيقابله ثلث المدين فنلزم المفاضلة أو مثله، فالمماثلة مجهولة، لأنها تعتمد التقويم وهو تخمين قد يخطئ. فإن قيل:
يشكل على هذا ما قالوه في الصلح من أنه لو كان له على غيره ألف درهم وخمسون دينارا ذهبا فصالحه من ذلك على
ألفي درهم جاز. أجيب بأن الكلام هنا في بيع العين بخلاف ما في الصلح، وتعدد العقد هنا بتعدد البائع أو
المشتري كاتحاده بخلاف تعدده بتفصيل العقد بأن جعل في بيع مد ودرهم بمثلهما المد في مقابلة المد أو الدرهم والدرهم في مقابلة
الدرهم أو المد. وخرج بقولي جنسا ما لو لم يشتمل أحد جانبي العقد على شئ مما اشتمل عليه الآخر، كبيع دينار ودرهم
بصاع بر وصاع شعير أو بصاعي بر أو شعير، وبيع دينار صحيح وآخر مكسر بصاع تمر برني وصاع معقلي أو بصاعين
برني أو معقلي فإنه يجوز. وقوله: ربويا من الجانبين: أي ولو كان الربوي ضمنا من جانب واحد كبيع سمسم بدهنه،
فيبطل لوجود الدهن في جانب حقيقة وفي الآخر ضمنا، بخلاف ما لو كان ضمنا من الجانبين كبيع سمسم بسمسم فيصح،
وبليس تابعا بالإضافة إلى المقصود ما إذا كان تابعا كبيع حنطة بشعير وفيهما أو في أحدهما حبات من الآخر يسيرة بحيث
لا يقصد تمييزها لتستعمل وحدها فإنه يصح، وكذا لو باع صاع بر جيد وردئ مختلطا بمثله فإنه يصح، ويصح بيعه بجيد
أو ردئ إذ المتوزع شرطه التمييز. وظاهر كلامهم أنه يصح وإن كثرت حبات الآخر وهو كذلك، وإن خالف
في ذلك بعض المتأخرين. والفرق بين الجنس والنوع أن الحبات إذا كثرت في الجنس لم تتحقق المماثلة بخلاف النوع. وكبيع
دار فيها بئر ماء عذب بمثلها فإنه يصح، لأن الماء وإن اعتبر علم العاقدين به تابع بالإضافة إلى مقصود الدار لعدم توجه
القصد إليه غالبا، ولا ينافي كونه تابعا بالإضافة كونه مقصودا في نفسه حتى يشترط التعرض له في البيع ليدخل
. والحاصل
أنه من حيث أنه تابع بالإضافة اغتفر من جهة الربا، ومن حيث أنه مقصود في نفسه اعتبر التعرض له في البيع ليدخل فيه.
28

وبنقص قيمة المكسرة عن الصحيحة ما لو تساوت قيمتها فلا بطلان. ولو باع دارا وقد ظهر بها معدن ذهب بذهب لم
يصح للربا، لأن المعدن مع العلم به مقصود بالمقابلة، فلو ظهر بها المعدن بعد الشراء جاز، لأن المعدن مع الجهل به تابع
بالإضافة إلى مقصود الدار والمقابلة بين الذهب والدار خاصة. فإن قيل: لا أثر للجهل بالمفسد في باب الربا. أجيب بأنه
لا أثر له في غير التابع. وأما في التابع فقد يتسامح بجهله، والمعدن من توابع الأرض كالحمل يتبع أمه في البيع وغيره. فإن
قيل: قد منعوا بيع ذات لبن بذات لبن. أجيب بأن الشرع جعل اللبن في الضرع كهو في الاناء بخلاف المعدن، وبأن ذات
اللبن المقصود منها اللبن، والأرض ليس المقصود منها المعدن. وإذا عرفت هذا ففي كلام المصنف أمور ننبه عليها تشحيذا
للذهن، أحدها: قوله: وإذا جمعت الصفقة، خرج بها ما إذا تعدد ت، وهو صحيح فيما إذا تعددت بتفصيل الثمن دون ما إذا
تعددت بتعدد البائع أو المشتري كما مر. ثانيها: كان ينبغي أن يقول جنسا قبل قوله ربويا كما قدرته في كلامه، لأنه لو باع
ذهبا وفضة بحنطة فقط أو بشعير فقط أو بهما، وما أشبه ذلك فإنه يصح مع دخوله في الضابط. ثالثها: قوله: واختلف الجنس
منهما ليس المراد الجنس الربوي المعتبر وجوده من الجانبين كما يوهمه كلامه فإن ذلك متحد كما مر، وإنما المراد اختلف
جنس المبيع بأن يكون مع الربوي جنس آخر كما يظهر ذلك من مثاله، فلو عبر بقوله واختلف المبيع جنسا لاستقام. رابعها:
كان ينبغي أن يقول أو من أحدهما كما قاله في المحرر، لأنه لو باع مدا ودرهما بمدين لم يختلف الجنس منهما. قال الزركشي:
وهو مراد المصنف بدليل تمثيله بالمد والدرهم في مقابلة المدين، وقد صرح به في النوع ولا فرق، فحذفه من الأول لدلالة
الثاني عليه. خامسها: كان ينبغي أن يقول أيضا أن يكون الجنس الآخر مقصودا ليخرج التابع للمقصود كما مر. سادسها:
تمثيله يقتضي التصوير بما إذا كان المضموم إليه ربويا، وليس مرادا بل لا فرق في الجنس المضموم إلى الربوي بين أن يكون
ربويا أيضا أم لا كما تقدم. سابعها: تمثيله لاختلاف النوع بالصحاح والمكسر ة فيه تجوز، وإنما هو اختلاف صفة لا اختلاف
نوع، فمراده بالنوع ما ليس بجنس ليشمل النوع والصفة كما تقدم حتى يصح المثال. ثامنها: أطلق البطلان في الصحاح والمكسرة،
ولا بد أن تنقص قيمة المكسر عن الصحيح كما مر. تاسعها: لا يشترط تمييز أحد النوعين عن الآخر، فلو باع صاعا من
ردئ وجيد مختلطين بمثله أو جيد أو ردئ جاز كما مر، ومثله ما لو خلط الصحاح بالمكسرة.
فروع: يجوز بيع الجوز بالجوز واللوز باللوز وزنا وإن اختلف قشرهما، وسيأتي في ذلك خلاف في السلم إن شاء الله
تعالى. ويجوز بيع لب الجوز بلب الجوز ولب اللوز بلب اللوز. فإن قيل: قد منعوا بيع منزوع النوى بمثله لبطلان كماله
وهو موجود هنا. أجيب بأن منزوع النوى أسرع فسادا من لبهما كما هو معلوم. ويجوز بيع البيض مع قشره بالبيض
كذلك وزنا عند اتحاد الجنس، فإن اختلفا جاز جزافا. (ويحرم بيع اللحم) وما في معناه كالشحم والكبد والقلب والكلية
والطحال والالية (بالحيوان من جنسه) كبيع لحم ضأن بضأن، (وكذا) يحرم (بغير جنسه من مأكول) كبيع لحم البقر بالضأن
ولحم السمك بالشاة ولحم الشاة بالبعير، (وغيره) أي غير مأكول كبيع لحم ضأن بحمار، (في الأظهر) لأنه (ص)
: نهى أن تباع الشاة باللحم رواه الحاكم والبيهقي وقال: إسناده صحيح، ونهى عن بيع اللحم بالحيوان رواه أبو داود
عن سعيد بن المسيب مرسلا، وأسنده الترمذي عن زيد بن سلمة الساعدي. ومقابل الأظهر الجواز. أما في المأكول
وهو مبني على أن اللحوم أجناس، فبالقياس على بيع اللحم باللحم. وأما في غيره فوجه بأن سبب المنع بيع مال
الربا بأصله المشتمل عليه ولم يوجد ذلك هنا. أما بيع الجلد بالحيوان فيصح بعد دبغه بخلافه قبله.
خاتمة: يجوز بيع لبن شاة بشاة حلب لبنها، فإن بقي فيها لبن بقصد حلبه لكثرته أو باع ذات لبن مأكولة بذات
لبن كذلك من جنسها لم يصح، لأن اللبن في الضرع يأخذ قسطا من الثمن بدليل أنه يجب التمر في مقابلته في المصراة
بخلاف الآدميات ذوات اللبن، فقد نقل في البيان عن الشاشي الجواز فيها وفرق بأن لبن الشاة في الضرع له حكم
العين، ولهذا لا يجوز عقد الإجارة عليه بخلاف لبن الآدمية فإن له حكم المنفعة، ولهذا يجوز عقد الإجارة عليه. ولو باع
لبن بقرة بشاة في ضرعها لبن صح لاختلاف الجنس كما مر. أما بيع ذات لبن بغير ذات لبن فصحيح، وبيع بيض بدجاجة
29

كبيع لبن بشاة، فإن كان في الدجاجة بيض والبيض المبيع بيض دجاجة لم يصح، وإلا صح. وبيع دجاجة فيها بيض
بدجاجة كذلك باطل كبيع ذات لبن بمثلها.
باب: في البيوع المنهي عنها وغيرها.
والبيوع المنهي عنها قسمان: فاسد لاختلال ركن أو شرط وهو المصدر به، وغير فاسد لكون النهي ليس لخصوصيته
بل لأمر آخر كما سيأتي، وتعاطي المعقود الفاسد حرام في الربوي وغيره إلا في مسألة المضطر المعروفة، وهي فيما إذا لم
يبعه مالك الطعام إلا بأكثر من ثمن المثل، فله أن يشتريه شراء فاسدا إن أمكن حتى لا يلزمه أكثر منه. ثم شرع في القسم
الأول وهو ثمانية مبتدئا بواحد منها، فقال: (نهى رسول الله (ص) عن عسب الفحل) رواه البخاري،
(وهو) بفتح العين وسكون السين المهملتين وبالباء الموحدة (ضرابه) وهو بكسر الضاد طروق الفحل للأنثى، قال الرافعي
: وهذا هو المشهور في كتب الفقه. (ويقال ماؤه) وصححه الماوردي والروياني، وعليهما لا بد من تقدير في الحديث ليصح
النهي لأن نفس العسب وهو الضراب لا يتعلق به النهي لأنه ليس من أفعال المكلفين والإعارة له محبوبة، فيكون التقدير
على الأول أجرة عسب الفحل، وعلى الثاني ثمن مائه. (ويقال أجرة ضرابه) ورجحه الخطابي في غريب الحديث، وجزم
به صاحب الكافي، أي أنه نهى عن بذل ذلك وأخذه. فإن قيل: على هذا التقدير ما الفرق بين التفسير الأول والثالث؟
أجيب بأن الأجرة على التفسير الأول مقدرة، وعلى الثالث ظاهرة. وهذا كاف في الفرق. (فيحرم ثمن مائه) عملا بالأصل
في النهي من التحريم، والبيع باطل لأنه غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور التسليم. (وكذا) يحرم (أجرته في الأصح): لما ذكره
. ولم تصح إجارته لأن فعل الضراب غير مقدور عليه للمالك بل يتعلق باختيار الفحل، والثاني: يجوز كالاستئجار لتلقيح
النخل. وأجاب الأول بأن الأجير قادر على تسليم نفسه وليس عليه عين حتى لو شرط عليه ما يلقح به فسدت الإجارة،
وههنا المقصود الماء والمؤجر عاجز عن تسليمه، وعلى الأول لمالك الأنثى أن يعطي مالك الفحل شيئا هدية، وإعارته
للضراب محبوبة كما مر. (و) الثاني منها: النهي (عن) بيع (حبل الحبلة) رواه الشيخان، (وهو) بفتح المهملة والموحدة وغلط
من سكنها، (نتاج النتاج بأن يبيع نتاج النتاج) هذا تفسير أهل اللغة، ووجه البطلان انتفاء الملك وغيره من شروط البيع. (أو)
ببيع شيئا (بثمن إلى نتاج النتاج) وهذا تفسير ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كما ثبت في الصحيحين وهو راوي الحديث.
ووجه البطلان جهالة الاجل.
تنبيه: الحبلة جمع حابل، وقيل: هو مفرد وهاؤه للمبالغة. وفي كلام المصنف تبعا للحديث مجاز من وجهين: الأول
إطلاق الحبل على البهائم مع أنه مختص بالآدميات الاتفاق حتى قيل إنه لا يقال لغيرهن إلا في الحديث، وإنما يقال للبهائم
الحمل بالميم. والثاني: أنه مصدر، والمراد به اسم المفعول وهو المحبول به. والنتاج بفتح النون على المشهور، وضبطه المصنف
بخطه بكسرها وهو الذي يتلفظ به الفقهاء، يقال: نتجت الناقة على ما لم يسم فاعله. (و) الثالث منها: النهي (عن) بيع
(الملاقيح) جمع ملقوح، وهو لغة: جنين الناقة خاصة، وشرعا أعم من ذلك كما يؤخذ من قوله: (وهي ما في البطون)
من الأجنة. (و) الرابع منها: النهي عن بيع (المضامين) جمع مضمون كمجانين جمع مجنون أو مضمان كمفاتيح جمع
مفتاح، (وهي ما في أصلاب الفحول) من الماء. روى النهي عن بيعهما مالك عن سعيد بن المسيب مرسلا والبزاز
30

مسندا. وبطلان بيعهما لانتفاء الشروط. (و) الخامس منها: النهي عن بيع (الملامسة) رواه الشيخان، (بأن يلمس
ثوبا مطويا) أو في ظلمة (ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه) اكتفاء بلمسه عن رؤيته. (أو يقول: إذا لمسته فقد
بعتكه) اكتفاء بلمسه عن الصيغة. وبطلان البيع في ذلك عدم الرؤية على التفسير
الأول وعدم الصيغة على التفسير الثاني. (و) السادس منها: النهي عن بيع (المنابذة) بالمعجمة، رواه الشيخان. والنبذ الطرح والالقاء، قال تعالى:
* (فنبذوه وراء ظهورهم) *، (بأن يجعلا النبذ بيعا) اكتفاء به عن الصيغة، فيقول أحدهما: أنبذ إليك ثوبي بعشرة
فيأخذه الآخر. ووجه البطلان فقد الصيغة، ويجئ فيه الخلاف المذكور في المعاطاة، فإن المنابذة مع قرينة البيع هي
المعاطاة بعينها، هكذا نقله الرافعي عن الأئمة حتى قيل: إن النص على المنع هنا نص على إبطال المعاطاة. ورده السبكي قال:
لأن المعاطاة فعل معه قرينة تدل على قصد البيع حتى كأنه وضع عرفا لذلك، وهذا ما علم ذلك منه إلا بقوله: إذا نبذت
فقد بعت، وحالة النبذ لم يوجد قصد ولا قرينة وليس ذلك حقيقة المعاطاة اه‍. أو يقول: بعتك هذا بكذا على أني إذا نبذته
إليك لزم البيع وانقطع الخيار. ووجه البطلان في ذلك وجود الشرط الفاسد. (و) السابع منها: النهي عن (بيع الحصاة)
رواه مسلم، (بأن يقول له: بعتك من هذه الأثواب ما تقع هذه الحصاة عليه) أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت
إليه هذه الحصاة. (أو يجعلا) أي المتبايعان، (الرمي) لها (بيعا) بأن يقول: إذا رميت هذه الحصاة فقد بعتك هذا الثوب
بكذا. (أو) يجعلاه قاطعا للخيار بأن يقول: (بعتك ولك) أو لي أو لغيرهما (الخيار إلى رميها) ووجه البطلان في الأول
جهالة المبيع، وفي الثاني فقدان الصيغة، وفي الثالث الجهل بمدة الخيار.
تنبيه: لا يجوز عطف الثالث على ما قبله بل على الأول فإنهما معمولان لقوله في الأول: بأن يقول، فكان ينبغي
تقديمه على الثاني، أو يزيد لفظة يقول كما قدرتها تبعا للمحرر. (و) الثامن منها: النهي (عن بيعتين في بيعة) رواه الترمذي
وصححه، (بأن يقول: بعتك) هذا (بألف نقدا أو ألفين إلى سنة) فخذ بأيهما شئت أنت أو شئت أنا. وهو باطل للجهالة.
(أو بعتك ذا العبد بألف على أن تبيعني دارك بكذا) أو تشتري داري مني بكذا. (و) عدم الصحة للنهي (عن بيع
وشرط) رواه عبد الحق في أحكامه، وذلك (كبيع بشرط بيع) كما تقدم، (أو) بشرط (قرض) كأن يبيعه عبده بألف
بشرط أن يقرضه مائة، والمعنى في ذلك أنه جعل الألف ورفق العقد الثاني ثمنا، واشتراط العقد الثاني فاسد
فبطل بعض
الثمن، وليس له قيمة معلومة حتى يفرض التوزيع عليه وعلى الباقي فبطل العقد. ولو عقد البيع الثاني لم يصح إن جهلا
أو أحدهما بطلان الأول لأنهما أثبتاه على حكم الشرط الفاسد، فإن علما فساد الأول صح. وسبب فساد الشرط كما قاله
الغزالي أن انضمام الشرط إلى البيع يبقي علقة بعد البيع يثور بسببها منازعة بين المتبايعين فبطل، أعني الشرط إلا ما استثني
لمعنى كما سيأتي. (ولو اشترى زرعا بشرط أن يحصده البائع) بضم الصاد وكسرها، أو ويحصده البائع. (أو ثوبا) بشرط
أن يخيطه البائع، أو (ويخيطه) البائع وما أشبه ذلك، (فالأصح) من طرق ثلاثة (بطلانه) أي الشراء، لاشتماله على شرط
عمل فيما لم يملكه المشتري الآن، لأنه لم يدخل في ملك المشتري إلا بعد الشرط، وذلك فاسد. والطريقة الثانية في البيع
والشرط القولان في الجمع بين بيع وإجارة، والطريقة الثالثة يبطل الشرط، وفي البيع قولا تفريق الصفقة.
تنبيه: قد عبر في المحرر بلفظ الشرط في المثالين، فقال: أو ثوبا بشرط أن يخيطه. قال الأسنوي: فعدل إلى
ما ذكر للتنبيه على فائدة نفيسة، وهي أنه لا فرق بين أن يصرح بالشرط أو يأتي به على صورة الاخبار، وقد صرح
31

بذلك في شرح المهذب، فقال: وسواء أقال بعتكه بألف على أن تحصده أو وتحصده، وقال الشيخ أبو حامد: لا يصح
الأول قط أو في الثاني الطريقان اه‍. ولم يتعرض الرافعي في كتبه إلى هذه الفائدة ولا المصنف في الروضة. ولو قال:
اشتريته بعشرة واستأجرتك لحصده أو خياطته بدرهم وقبل بأن قال: بعتك وأجرتك صح البيع دون الإجارة لأنه
استأجره قبل الملك لمحل العمل، فإن اشتراه واستأجره بالعشرة فقولا تفريق الصفقة في البيع وتبطل الإجارة كما صرح
به في المجموع. ولو اشترى حطبا مثلا على دابة بشرط إيصاله منزله لم يصح وإن عرف منزله لأنه بيع بشرط، فإن أطلق
العقد صح، ولا يجب إيصاله منزله وإن اعتيد بل يسلمه له في موضعه. (ويستثنى) من النهي عن بيع وشرط (صور)
تصح كما سيأتي، (كالبيع بشرط الخيار أو البراءة من العيب أو بشرط قطع الثمر) وسيأتي الكلام عليها في محالها، (أو)
بشرط (الاجل) في عقد لا يشترط فيه الحلول والتقابض كالربويات، (والرهن والكفيل المعينات لثمن) أو مبيع (في
الذمة) أما الاجل فلقوله تعالى: * (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى) * أي معين. نعم التأجيل بما يستبعد بقاء
الدنيا إليه كألف سنة فاسد كما قاله في زوائد الروضة. وأما الرهن والكفيل فللحاجة إليهما في معاملة من لا يرضى إلا
بهما والتعيين في الرهن بالمشاهدة أو الوصف بصفات السلم، وفي الكفيل بالمشاهدة أو بالاسم والنسب، ولا يكفي الوصف
كموسر ثقة، وبحث الرافعي الاكتفاء به وقال إنه أولى من الاكتفاء بمشاهدة من لا يعرف حاله. وأجيب عنه بأن
الأحرار لا يمكن التزامهم في الذمة لعدم القدرة عليهم، بخلاف المرهون فإنه مال يثبت في الذمة، وهذا جرى
على
الغالب وإلا فقد يكون الضامن رقيقا. ويشترط أن يكون المرهون غير المبيع، فإن شرطا رهنه لم يصح، سواء اشترط
أن يرهنه أباه بعد قبضه أم قبله لأنه لم يدخل في ملك المشتري إلا بعد الشرط، فإن رهنه بعد قبضه بلا شرط صح.
تنبيه: أشار المصنف بقوله: المعينات إلى تعيين الثلاثة، وكان الأولى أن يقول: المعينين تغليبا للعاقل، وهو
الكفيل على غيره، ولو عبر بقوله: بعوض حتى يشمل المبيع لاستغنى عما قدرته، فإن المبيع قد يكون في الذمة أيضا
كما لو قال: اشتريت منك صاعا في ذمتك بصفة كذا فيصح فيه اشتراط الاجل والرهن والكفيل. وخرج بقيد في الذمة
المعين كما لو قال: بعتك بهذه الدراهم على أن تسلمها إلي وقت كذا أو ترهن بها كذا أو يضمنك بها فلان فإن العقد
بهذا الشرط باطل لأنه رفق شرع لتحصيل الحق والمعين حاصل، فشرط كل من الثلاثة معه واقع في غير ما شرع له.
وأما صحة ضمان العوض المعين مشروط بقبضه كما سيأتي في محله وبالثمن، والمبيع ما لو شرط رهنا أو ضامنا بدين آخر فإنه
لا يصح لأنه شرط مقصود لا يوجبه العقد، وليس من مصالحه. ويستثنى من إطلاقه الكفيل ما لو باع سلعة من اثنين
وشرط أن يتضامنا فإنه لا يصح كما في تعليق القاضي حسين والوسيط وغيرهما، وعللوه بأنه شرط على المشتري أن
يكون ضامنا لغيره، وهو باطل لخروجه عن مصلحة عقده بخلاف عكسه. (و) بشرط (الاشهاد) على الثمن أو المثمن
سواء المعين وما في الذمة، لعموم قوله تعالى: * (وأشهدوا إذا تبايعتم) * وللحاجة إليه. (ولا يشترط تعيين الشهود
في الأصح) لأن المقصود ثبوت الحق، وهو يثبت بأي عدول كانوا. والثاني: يشترط كما في الرهن والكفيل. وعلى
الأول لو عينهم لم يتعينوا. ولا خيار لمن شرط له ذلك إذا امتنعوا فيجوز إبدالهم بمثلهم أو فوقهم في الصفات. (فإن لم)
يشهد من شرط عليه الاشهاد كأن مات قبله، أو لم (يرهن) ما شرط رهنه كأن تلف المرهون أو أعتقه مالكه أو دبره
أو بان معيبا قبل القبض، (أو لم يتكفل المعين) كأن مات قبله، (فللبائع الخيار) وإن شرط له أو شرط للمشتري فله
إذا فات المشروط من جهة البائع لفوات المشروط، وهو على الفور لأنه خيار نقص. ولا يجبر من شرط عليه ذلك على
القيام بما شرط لزوال الضرر بالفسخ، ولا يقوم غير المعين مقامه إذا تلف ولا خيار له إن تعيب بعد القبض إلا إن
32

استند إلى سبب سابق جهله كردة وسرقة سابقين فيثبت له الخيار، بخلاف ما لو مات بمرض سابق. ولو تغير حال
الكفيل بإعسار أو غيره قبل أن يتكفل أو تبين أنه كان قد تغير قبله فالقياس كما قال الأسنوي إلحاقه بالرهن. ولو
علم
المرتهن بالعيب بعد هلاك المرهون فلا خيار له، لأن الفسخ إنما يثبت إذا أمكنه رد المرهون كما أخذه. نعم إن كان
الهلاك يوجب القيمة فأخذها المرتهن رهنا ثم علم بالعيب فله الخيار كما جزم به الماوردي. (ولو باع) رقيقا (عبدا)
أو أمة (بشرط إعتاقه) مطلقا أو عن المشتري، (فالمشهور صحة البيع والشرط) لتشوف الشارع إلى العتق، ولخبر
الصحيحين: أن عائشة رضي الله تعالى عنها اشترت بريرة وشرط مواليها أن تعتقها ويكون ولاؤها لهم، فلم ينكر
(ص) إلا شرط الولاء لهم بقوله: ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى ما كان من شرط ليس في
كتاب الله فهو باطل. والثاني: لا يصحان كما لو شرط بيعه أو هبته. والثالث: يصح البيع ويبطل الشرط كما في
النكاح. أما إذا شرط إعتاقه عن البائع أو أجنبي فإنه لا يصح لأنه ليس في معنى ما ورد به الخبر. وخرج بإعتاق
المبيع شرط إعتاق غيره، فلا يصح معه البيع لأنه ليس من مصالحه وشرط اعتقاد بعضه. نعم إن عين المقدار المشروط
فالمتجه كما قال شيخنا الصحة، ولو باع بعضه بشرط إعتاق ذلك البعض صح كما هو قضية كلام البهجة كالحاوي.
ويستثنى من إطلاق المصنف ما لو كان المشروط إعتاقه قريبه الذي يعتق عليه بالشراء كأبيه أو ابنه، فإن البيع لا يصح
لتعذر الوفاء بالشرط لأنه يعتق عليه قيل إعتاقه، وهذا هو المعتمد وإن قال في المجموع وفيه نظر، ويحتمل الصحة
ويكون شرطه توكيدا للمعنى. قال الأذرعي: والظاهر أن شراء من أقر بحريته بشرط العتق كشراء القريب،
ويحتمل الفرق بينهما اه‍. والأول أظهر للعلة المذكورة. (والأصح) على الأول (أن للبائع مطالبة المشتري بالاعتاق)
وإن قلنا الحق فيه ليس له بل لله تعالى، وهو الأصح، كالملتزم بالنذر لأنه ألزم باشتراطه، ويثاب على شرطه فله غرض
في تحصيله، ولذلك قد يتسامح في الثمن. قال الأذرعي: ولم لا يقال للآحاد المطالبة حسية، لا سيما عند موت البائع
أو جنونه؟ والثاني: ليس له مطالبته لأنه لا ولاية له في حق الله تعالى. فإن قلنا: العتق حق للبائع فله المطالبة قطعا
ولو أسقط البائع حقه سقط على المذهب كما لو شرط رهنا أو كفيلا ثم عفا عنه، ولو امتنع المشتري من الاعتاق أجبره
الحاكم عليه، لأن الحق فيه لله تعالى كما مر، فإن أصر على الامتناع أعتقه الحاكم عليه كما قاله القاضي والمتولي،
وقيل: يحبسه حتى يعتقه. أما إذا قلنا الحق فيه للبائع لم يجبره بل يثبت للبائع الخيار، وإذا أعتقه المشتري أو الحاكم
عنه فالولاء له. وإن قلنا الحق فيه للبائع وللمشتري قبل العتق استخدامه وإكسابه وقيمته إن قتل ولا يكلف صرفها
إلى عتق غيره، ولو كان المشترى أمة كان له وطؤها على الأصح، فإن أولدها لم يجزه عن الاعتاق بل عليه إعتاقها،
وليس له البيع ولو بشرط الاعتاق لأن عتقه متعين عليه ولا الإجارة على الأصح في المجموع. ولو جنى قبل إعتاقه
لزمه فداؤه كأم الولد، ولو أعتقه عن كفارته لم يجزه عنها وإن أذن له فيه البائع لاستحقاقه العتق بجهة الشرط فلا
يصرف إلى غيرها كما لا يعتق المنذور عن الكفارة. وبما تقرر علم أنه لا يلزمه الاعتاق فورا، وإنما يلزمه إذا طلبه منه
الحاكم أو البائع أو ظن فواته لو لم يأت به، فلو مات المشتري قبل إعتاقه فالقياس أن وارثه يقوم مقامه. هذا ظاهر
في غير من استولدها، أما من استولدها فينبغي أنها تعتق بموته، ولا ينافي ذلك قولهم: إن الاستيلاد لا يجزئ لأنه
ليس بإعتاق، إذ معناه أنه لا يسقط عنه طلب العتق لا أنها لا تعتق بموته لأن الشارع متشوف إلى العتق ما أمكن، والحق
في ذلك لله تعالى لا للبائع على المعتمد فعتقها بموته أولى من أن نأمر الوارث ليعتقها. ولو شرط عتق حامل فولدت
ثم أعتقها لم يعتق الولد على الأصح في المجموع لانقطاع التبعية بالولادة. (و) الأصح (أنه لو شرط مع العتق الولاء له)
أي البائع، (أو شرط تدبيره) أو تعليق عتقه بصفة، (أو كتابته أو إعتاقه بعد شهر) مثلا، (لم يصح البيع) أما في
الأولى فلمخالفته ما تقرر في الشرع من أن الولاء لمن أعتق. وأجاب الشافعي رحمه الله تعالى عن قوله (ص):
33

واشترطي لهم الولاء بمعنى عليهم، كما في قوله تعالى: * (وإن أسأتم فلها) *. وشرط الولاء لأجنبي أولى بالبطلان. وأما
في الباقي فلانه لم يحصل في واحد منه ما تشوف إليه الشارع من العتق الناجز، والثاني: يصح البيع ويبطل الشرط
، واشتراط الوقف كاشتراط التدبير ونحوه. واحترز بقوله: مع العتق عما إذا شرط الولاء فقط بأن قال: إن أعتقه فولاؤه
لي فإن البيع باطل قطعا، لأن الولاء تابع للعتق وهو لم يشترط الأصل. ولو باع رقيقا بشرط أن يبيعه المشتري بشرط
الاعتاق لم يصح البيع، وكذا لو اشترى دارا بشرط أن يقفه أو ثوبا بشرط أن يتصدق به لأن ذلك ليس في معنى
ما ورد به الشرع. (ولو شرط مقتضى العقد كالقبض والرد بعيب أو) شرط (ما لا غرض فيه، كشرط أن لا يأكل
إلا كذا) كهريسة، أو لا يلبسه إلا كذا كحرير، (صح) العقد فيهما. أما في الأولى فلان اشتراطه تأكيد وتنبيه
على ما أوجبه الشارع عليه، وأما في الثانية فلان ذكره لا يورث تنازعا في الغالب فذكره فيها لغو، وهذا ما جزم به
في المجموع ونقله في أصل الروضة عن الامام والغزالي، ثم قال: لكن في التتمة أنه لو شرط إلزام ما ليس بلازم كما لو باع
بشرط أن يصلي النوافل، أو يصوم شهرا غير رمضان، أو يصلي الفرائض في أول أوقاتها فسد العقد لأنه
إلزام ما ليس
بلازم، قال: وقضيته فساد العقد في مسألة الهريسة والحرير. قال الأسنوي: ومقتضاه أنه لم يجد تصريحا بالبطلان،
وإنما يؤخذ من مقتضى كلام التتمة. وهو عجيب، فقد نص عليه الشافعي في الام، فقال: وإذا باعه العبد على أن
لا يبيعه من فلان أو على أن يبيعه منه أو على أن لا يستخدمه أو على أن ينفق عليه كذا وكذا فالبيع فاسد. فتلخص
أن مذهب الشافعي في اشتراط ما لا غرض فيه البطلان وأن الرافعي لم يطلع فيه إلا على كلام بعض المتأخرين المعدودين
في المصنفين لا في أصحاب الوجوه. قال: وقد اختار ابن الصلاح وابن الرفعة في لا يأكل إلا الهريسة أن يقرأ بتاء
الخطاب، فإنه حينئذ لا غرض فيه أصلا، بخلاف ما إذا قرئ بالياء آخر الحروف فقد يتخيل فيه الافساد لأنه ينفع العبد
كالاعتاق. وما قالاه بعيد عن السياق لكنه صحيح نقلا كما بينته. وأجا ب عن ذلك الزركشي بأن ما في التتمة محله
فيما لا يلزم السيد أصلا ومسألتنا محلها فيما يلزمه في الجملة، إذ نفقة الرقيق مقدرة بالكفاية، وقد شرط عليه أداؤها
من أحد الأنواع التي تتأدى هي ببعضها فيصح، ولا يلزمه الوفاء به لأن الواجب أحدها، فأشبه خصال الكفارة
لا يتعين أحدها بالتعيين. قال: وأما قوله في الام على أن ينفق عليه كذا وكذا ففيه إشارة إلى التقدير بقدر معلوم وإلى
أنه يجمع له بين أدمين أو نوعين من الأطعمة، وذلك لا يلزم السيد فإذا شرط فقد شرط ما لا يلزمه وهو مخالف لمقتضى
العقد فأبطله. قال: وفي التمثيل ببيع الحرير نظر إذا كان العبد بالغا فينبغي أن لا يصح البيع، كما لو باع سيفا بشرط أن
يقطع به الطريق. وأجا ب عنه شيخي بأن لبس الحرير جائز في الجملة بخلاف المنظر به. قال البغوي: ولو باعه إناء
بشرط أن لا يجعل فيه محرما أو سيفا بشرط أن لا يقطع به الطريق أو عبدا بشرط أن لا يعاقبه بما لا يجوز صح البيع،
ويقاس به ما يشابهه. ولو قال: بعتك الدار على أن لك نصفها بألف صح كما لو قال: بعتكها بألف إلا نصفها. (ولو شرط)
البائع بموافقة المشتري حبس المبيع بثمن في الذمة حتى يستوفي الزمن الحال لا المؤجل وخاف فوت الثمن بعد التسليم
ولم يقل بالبداءة بالبائع صح، لأن حبسه من مقتضيات العقد، بخلاف ما إذا كان مؤجلا أو حالا ولم يخف فوته بعد
التسليم، لأن البداءة حينئذ بالتسليم للبائع. (ولو شرط وصفا يقصد ككون العبد كاتبا أو الدابة) أو الأمة (حاملا
أو) الدابة (لبونا) أي ذات لبن، (صح) العقد مع الشرط، لأنه شرط يتعلق بمصلحة العقد، وهو العلم بصفات
المبيع التي تختلف بها الأغراض، ولأنه التزم موجودا عند العقد، ولا يتوقف التزامه على إنشاء أمر مستقبل فلا يدخل
في النهي عن بيع وشرط، وإن سمى شرطا تجوزا فإن الشرط لا يكون إلا مستقبلا، ويكفي في الصفة المشروطة ما يطلق
عليها الاسم. نعم لو شرط حسن الخط. فإن كان غير مستحسن في العرف فله الخيار وإلا فلا، قاله المتولي. ولو شرط
وضع الحمل لشهر مثلا أو أنها نذر كل يوم صاعا مثلا لم يصح لأن ذلك غير مقدور عليه فيهما وغير منضبط في الثانية،
34

فصار كما لو شرط أن يكتب العبد كل يوم عشر ورقات مثلا.
تنبيه: قال بعض شراح الكتاب: ولو أبدل المصنف لفظ الدابة بالحيوان لكان أحسن ليشمل الأمة فإن حكمها
كذلك، ولذلك قدرتها في كلامه. ولعل هذا حمل الدابة على العرف فإن حملت على اللغة فهو كالتعبير بالحيوان. (وله
الخيار) فورا كما قاله الرافعي، (إن أخلف) المشروط لفوات شرطه. (وفي قول يبطل العقد في الدابة) بصورتيها بالشرط
لا بالخلف لأنه شرط معها شيئا مجهولا، فأشبه ما لو قال بعتكها وحملها. وأجاب الأول بأن المقصود الوصف به لا إدخاله في
العقد، لأنه داخل عند الاطلاق. وخرج بيقصد ما لا يقصد، بل هو من العيوب كالزنا والسرقة فإنه لا خيار بفواته، بل
إن كان من البائع فهو بيان للعيب، وإن كان من المشتري فهو في حكم الرضا بالعيب. ولو شرط ثيوبتها فخرجت بكرا
فلا خيار له على الأصح، خلافا للحاوي الصغير. ولو شرط أنه خصي فبان فحلا ثبت له الخيار، قالوا: لأنه لا يدخل على
الحرم، ولعل المراد به الممسوح وإلا فباقي الذكر كالفحل في وجو ب الاحتجاب منه. (ولو قال بعتكها) أي الدابة
ومثلها الأمة (وحملها) أو بعتكها ولبن ضرعها، (بطل) البيع (في الأصح) لجعله الحمل أو اللبن المجهول مبيعا مع
المعلوم، بخلاف بيعها بشرط كونها حاملا أو لبونا كما مر، لأنه جعل ذلك وصفا تابعا، وبيض الطير كالحمل. والثاني:
يجوز، لأنه داخل في العقد عند الاطلاق فلا يضر التنصيص عليه، كما لو قال: بعتك هذا الجدار بأساسه. وفرق الأول بأن
الأساس داخل في مسمى الجدار فذكره ذكر لما دخل في اللفظ فلا يضر التنصيص عليه، والحمل غير داخل في مسمى
البهيمة، فإذا ذكر فقد ذكر شيئا مجهولا وباعه مع المعلوم، ودخوله تبعا لا يستلزم دخوله في مسمى اللفظ. ويصح
بيع الجبة بحشوها لدخول الحشو في مسمى الجبة، فلا يضر ذكره لأنه تأكيد كما مر في الأساس. ولا فرق في هذه
الأمثلة بين أن يأتي بالواو أو بالباء أو مع كما ذكره في المجموع في أثناء الأمثلة، وإن فرق السبكي بين الواو والباء فقال
بالبطلان في الواو وبالصحة مع الباء. (ولا يصح بيع الحمل وحده) للنهي عن بيع الملاقيح. وهذه مكررة فإنه عين
بيع الملاقيح، وإنما ذكرها توطئة لقوله: (ولا) بيع (الحامل دونه) لأنه لا يجوز إفراده بالعقد فلا يستثنى
كأعضاء
الحيوان، (ولا) بيع (الحامل بحر) إلحاقا للاستثناء الشرعي بالاستثناء الحسي، ولا بيع الحامل برقيق لغير مالك الام،
فلو وكل مالك الحمل مالك الام فباعهما دفعة لم يصح لأنه لم يملك العقد بنفسه فلا يصح منه التوكيل فيه. فإن قيل
: يشكل على عدم صحة بيع الحامل بحر أو برقيق لغير مالك الام صحة بيع الدور المستأجرة مع أن المنفعة لا تدخل فكأنه
استثناها. أجيب بأن الحمل أشد اتصالا من المنفعة بدليل جواز إفرادها بالعقد بخلافه، وبأن استثناء المنفعة قد ورد في
قصة جابر لما باع جمله من النبي (ص) واستثنى ظهره إلى المدينة، فيبقى ما سواه على الأصل. (ولو باع حاملا) حملها له
(مطلقا) من غير تعرض لدخول أو عدمه (دخل الحمل في البيع) تبعا لها بالاجماع. أما إذا كان حملها لغيره فإن
البيع لا يصح كما مر. ولو وضعت ولدا ثم باعها مالكها فوضعت عند المشتري ولدا آخر وبينه وبين الأول دون ستة
أشهر، ففي أواخر النهاية على النص أنه للبائع لأنه حمل واحد، قال الامام: والقياس أنه للمشتري لانفصاله في ملكه،
وبهذا جزم الشيخان في باب الكتابة مستدلين به على نظائرها من الكتابة، وقال المتولي في باب بيع الأصول والثمار:
إنه ظاهر المذهب، فمن استثنى هذه الصورة من إطلاق المصنف فقد وهم.
فصل: فيما نهي عنه من البيوع نهيا لا يقتضي بطلانها، وفيه أيضا ما يقتضي البطلان وغير ذلك. وقد شرع
في بيان ذلك فقال: (ومن المنهي عنه ما لا يبطل) بضم الياء بضبط المصنف، أي مع كسر الطاء: أي النهي فيه البيع.
ويجوز فتح الطاء مع ضم الياء أيضا وعكسه. والضمير للمنهي عنه، والضمير في (لرجوعه) يعود إلى النهي لدلالة المنهي
35

عليه. (إلى معنى يقترن به) لا إلى ذاته، لأن النهي ليس للبيع بخصوصه، بل لأمر آخر. هذا هو القسم الثاني، فجميع ما فيه
من الصور يصح فيها البيع ويحرم إلا في الصورتين الأخيرتين آخر الفصل، ولو قدمهما عليه كان أولى. ثم شرع في الصور
التي لا يبطل البيع فيها وهي سبعة مبتدئا بواحدة منها فقال: (كبيع حاضر لباد، بأن يقدم) شخص (غريب) أو غيره
(بمتاع تعم الحاجة) أي حاجة أهل البلد (إليه) كالطعام وإن لم يظهر بيعه سعة في البلد لقلته، أو لعموم وجوده
ورخص السعر، أو لكبر البلد، (ليبيعه بسعر يومه) أي حالا، (فيقول) له شخص (بلدي) أو غيره: (اتركه عندي)
أو عند غيري (لأبيعه) لك (على التدريج) أي شيئا فشيئا، (بأعلى) من بيعه حالا، وذلك لخبر الصحيحين:
لا يبع حاضر لباد زاد مسلم: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض وقال ابن شهبة: زاد مسلم: دعوا
الناس في غفلاتهم إلخ. والمعنى في التحريم التضييق على الناس، فإن التمسه البادي منه بأن قال له ابتداء:
أتركه عندك
لتبيعه بالتدريج أو انتفى عموم الحاجة إليه كأن لم يحتج إليه أصلا أو إلا نادرا، أو عمت وقصد البدوي بيعه بالتدريج فسأله
الحضري أن يفوضه إليه، أو قصد بيعه بسعر يومه فقال له: اتركه عندي لأبيعه كذلك لم يحرم لأنه لم يضر بالناس، ولا
سبيل إلى منع المالك منه لما فيه من الاضرار به، ولهذا اختص الاثم بالحضري كما نقله في زيادة الروضة عن القفال
وأقره. فإن قيل: الأصح أنه يحرم على المرأة تمكين المحرم من الوطئ، لأنه أعانه على معصية، فينبغي أن يكون هذا
مثله. أجيب بأن المعصية إنما هي في الارشاد إلى التأخير فقط وقد انقضت لا الارشاد مع البيع الذي هو الايجاب
للصادر منه. وأما البيع فلا تضييق فيه، لا سيما إذا صمم المالك على ما أشار به حتى لو لم يباشره المشير عليه باشره غيره
بخلاف تمكين المرأة الحلال المحرم من الوطئ، فإن المعصية بنفس الوطئ. ولو استشاره البدوي فيما فيه حظه ففي وجوب
إرشاده إلى الادخار والبيع بالتدريج وجهان، أوجههما يجب إرشاده كما قال الأذرعي إنه الأشبه وكلام الروضة يميل
إليه، والثاني: لا، توسيعا على الناس. ولو قدم البادي يريد الشراء فتعرض له حاضر يريد أن يشتري له رخيصا - وهو
المسمى بالسمسار - فهل يحرم عليه كما في البيع؟ تردد فيه في المطلب، وقال ابن يونس في شرح الوجيز: هو حرام، وينبغي
كما قال الأذرعي الجزم به. والحاضر: ساكن الحاضرة، وهي المدن والقرى والريف، وهي أرض فيها زرع وخصب،
والبادي: ساكن البادية، وهي خلاف الحاضرة. والتعبير بالحاضر والبادي جرى على الغالب، والمراد أي شخص كان
كما مرت الإشارة إليه. ثم شرع في الصورة الثانية فقال: (وتلقي الركبان بأن يتلقى) شخص (طائفة يحملون متاعا)
طعاما أو غيره (إلى البلد) مثلا، (فيشتريه) منهم (قبل قدومهم) البلد (ومعرفتهم بالسعر) فيعصي بالشراء ويصح
وإن لم يقصد التلقي، وذلك لقوله (ص): لا تلقوا الركبان للبيع رواه الشيخان. والمعنى فيه احتمال غبنهم سواء
أخبرهم المشتري كاذبا أم لم يخبر. (ولهم الخيار إذا) أغبنوا، و (عرفوا الغبن) ولو قبل قدومهم لما رواه البخاري:
لا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق، فمن تلقاها فصاحب السلعة بالخيار وهو على الفور قياسا على خيار العيب
، فإن التمسوا البيع منه ولو مع جهلهم بالسعر، أو لم يغبنوا كأن اشتراه منهم بسعر البلد أو بدونه وهم عالمون فلا خيار لهم
لانتفاء المعنى السابق، وكذا لا خيار لهم إذا كان التلقي بعد دخول البلد ولو خارج السوق لامكان معرفتهم الأسعار من
غير المتلقين وإن كان ظاهر الخبر يقتضي خلافه، وبعضهم نسب لظاهر الحديث خلاف ذلك فاحذره. ولو لم يعرفوا الغبن
حتى رخص السعر وعاد إلى ما باعوا به ففي ثبوت الخيار وجهان في البحر، أوجههما عدم ثبوته كما في زوال عيب المبيع
وإن قيل بالفرق بينهما وتلقي الركبان للبيع منهم كالتلقي للشراء في أحد وجهين رجحه الزركشي، وهو المعتمد نظرا
للمعنى وإن رجح الأذرعي مقابله، وبعضهم نسب للأذرعي خلاف ذلك فاحذره. والركبان جمع راكب، والتعبير به
36

جرى على الغالب، والمراد القادم ولو كان واحدا أو ماشيا. ثم شرع في الصورة الثالثة فقال: (والسوم على سوم غيره) لخبر:
لا يسوم الرجل على سوم أخيه وهو خبر بمعنى النهي، والمعنى فيه الايذاء، وذكر الرجل والأخ ليس للتقييد بل الأول
لأنه الغالب. والثاني: للرأفة والعطف، فغيرهما مثلهما في ذلك، ولهذا قال المصنف: والسوم على سوم غيره، وإنما يحرم ذلك
بعد استقرار الثمن) بالتراضي صريحا وقبل العقد، كأن يقول شخص لمن يريد شراء شئ بكذا: لا تأخذه وأنا أبيعك خيرا
منه بهذا الثمن أو بأقل منه أو مثله بأقل أو يقول لمالكه: لا تبعه وأنا أشتريه منك بأكثر]، فإن لم يصرح له المالك بالإجابة
بأن عرض بها أو سكت أو كانت الزيادة قبل استقرار الثمن، أو كان إذ ذاك ينادي عليه بطلب الزيادة لم يحرم ذلك لكن
يكره فيما إذا عرض له بالإجابة. ثم شرع في الصورة الرابعة فقال: (والبيع على بيع غيره قبل لزومه) أي البيع بأن يكون
في زمن خيار المجلس أو الشرط لتمكنه من الفسخ، أما بعد لزومه فلا معنى له. نعم لو اطلع بعد اللزوم على عيب ولم
يكن التأخير مضرا، كأن كان في ليل، فاتجه كما قال الأسنوي التحريم لما ذكر. (بأن) أولى منه كأن، يأمر المشتري بالفسخ
ليبيعه مثله) أي المبيع بأقل من هذا الثمن، أو خيرا منه بمثل ثمنه أو أقل. ثم شرع في الصورة الخامسة، فقال: (والشراء
على الشراء) في زمن الخيار كما مر، (بأن) أولى منه كأن (يأمر البائع بالفسخ ليشتريه) بأكثر من ثمنه، وكلا الصورتين
حرام ولو رأى المشتري في الأولى والبائع في الثانية مغبونا لعموم خبر الصحيحين: لا يبع بعضكم على بيع بعض زاد النسائي:
حتى يبتاع أو يذر، وفي معناه الشراء على الشراء، والمعنى فيهما الايذاء. وفي معنى البيع على البيع ما نص عليه الشافعي
من نهي الرجل أن يبيع المشتري في مجلس العقد سلعة مثل التي اشتراها خشية أن يرد الأولى، ومثل خيار المجلس في ذلك
خيار الشرط. وألحق الماوردي بالشراء على الشراء طلب السلعة من المشتري بزيادة ربح والبائع حاضر لأدائه إلى الفسخ
أو الندم. ثم محل التحريم عند عدم الإذن، فلو أذن البائع في البيع على بيعه أو المشتري في الشراء على شرائه
لم يحرم لأن
الحق لهم وقد أسقطاه، ولمفهوم الخبر السابق، هذا كما قال الأذرعي إن كان الاذن مالكا، فإن كان وليا أو وصيا أو
وكيلا أو نحوه فلا عبرة بإذنه إن كان فيه ضرر على المالك. ولا يشترط للتحريم تحقق ما وعد به من البيع أو الشراء لوجود
الايذاء بكل تقدير خلافا لابن النقيب في اشتراطه.
تنبيه: الامر بالفسخ وقع في كتب الشيخين وغيرهما. قال السبكي: وليس الامر شرطا، والذي في كلام الأكثرين
أن يعر ض عليه سلعة مثلها بأرخص أو أجود منها بمثل الثمن اه‍. وقد تقدم ما يدل على ذلك. ثم شرع في الصورة السادسة،
فقال: (والنجش بأن يزيد في الثمن) للسلعة المعروضة للبيع (لا لرغبة) في شرائها (بل ليخدع غيره) فيشتريها للنهي عنه في خبر
الصحيحين، والمعنى فيه الايذاء. (والأصح أنه لا خيار) للمشتري لتفريطه حيث لم يتأمل ولم يراجع أهل الخبرة، والثاني:
له الخيار للتدليس كالتصرية. ومحل الخلاف عنده مواطأة البائع للناجش وإلا فلا خيار جزما. ويجري الوجهان فيما لو
قال البائع: أعطيت في هذه السلعة كذا فبان خلافه، وكذا لو أخبره عارف بأن هذا عقيق أو فيروزج بمواطأة فاشتراه،
ثم بان خلافه.
تنبيه: قوله ليخدع غيره قد يوهم أنه لو زاد ليساوي قيمة السلعة أنه يجوز، وجرى على ذلك بعض الشراح، والمتجه
التحريم لايذاء المشتري، ولعموم قوله (ص): دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض. ثم شرع
في الصورة السابعة، فقال: (وبيع الرطب والعنب) ونحوهما كتمر وزبيب (لعاصر الخمر) والنبيذ، أي لمتخذها لذلك بأن
37

يعلم منه ذلك أو يظنه ظنا غالبا. ومثل ذلك بيع الغلمان المرد ممن عرف بالفجور بالغلمان وبيع السلاح من باغ وقاطع
طريق ونحوهما، وكذا كل تصرف يفضي إلى معصية كما نقله في زوائد الروضة عن الغزالي وأقره. أما إذا شك فيما ذكر أو
توهمه فالبيع مكروه. ويحرم الاحتكار للتضييق على الناس، وهو إمساك ما اشتراه وقت الغلاء ليبيعه بأكثر مما اشتراه عند
اشتداد الحاجة، بخلاف إمساك ما اشتراه وقت الرخص لا يحرم مطلقا، ولا إمساك غلة ضيعته ولا إمساك ما اشتراه في وقت الغلاء
لنفسه وعياله أو ليبيعه بمثل ما اشتراه. وفي كراهة إمساك ما فضل عن كفايته وكفاية عياله سنة وجهان أوجههما عدم
الكراهة، لكن الأولى بيعه كما صرح به في أصل الروضة. ويختص تحريم الاحتكار بالأقوات، ومنها الذرة والأرز
والتمر والزبيب فلا يعم جميع الأطعمة. ويحرم التسعير ولو في وقت الغلاء، بأن يأمر الوالي السوقة ألا يبيعوا أمتعتهم
إلا بكذا للتضييق على الناس في أموالهم. وقضية كلامهم أن ذلك لا يختص بالأطعمة، وهو كذلك، فلو سعر
الامام عزر
مخالفه بأن باع بأزيد مما سعر لما فيه من مجاهرة الامام بالمخالفة، وصح البيع إذ لم يعهد الحجر على الشخص في ملكه أن
يبيع بثمن معين. وظاهر كلام أصل الروضة أن التعزير مفرع على تحريم التسعير، وجرى عليه ابن المقري لما مر، وإن
خالف في ذلك ابن الرفعة وغيره، وقالوا: إنه مفرع على جواز. وشرط التحريم في جميع المناهي علم النهي بها حتى في النجش
كما نقل عن نص الشافعي خلافا لما جرى عليه ابن المقري تبعا لبحث الرافعي. ثم شرع في الصورتين الأخيرتين مبتدئا
بواحدة منهما، فقال: (ويحرم التفريق بين الام) الرقيقة (والولد) الرقيق الصغير المملوكين لواحد ببيع أو هبة أو فسخ
بإقالة أو رد بعيب أو قسمة أو نحو ذلك لا بعتق ووصية، (حتى يميز) وذلك لقوله (ص): من فرق
بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة رواه أبو داود وحسنه والحاكم وصححه، ولقوله (ص): ملعون من فرق
بين والد وولده رواه أبو داود. وسواء رضيت الام بذلك أم لا رعاية لحق الولد. وخرج بما ذكر ما لو كانا لمالكين
فيجوز لكل منهما أن يتصرف في ملكه، وأما إذا كان أحدهما حرا فإنه يجوز لمالك الرقيق أن يتصرف فيه وما إذا فرق
بعتق أو وصية أو وقف لأن العتق محسن، وكذا الواقف، والوصية لا تقتضي التفريق بوضعها فلعل الموت يكون بعد
زمان التحريم. قال الأذرعي: والمتجه منع التفريق برجوع المقر ض، ومالك اللقطة دون الواهب إذا كان أصلا، لأن
الحق في القرض واللقطة ثابت في الذمة فإذا تعذر الرجوع في العين رجع في غيرها بخلافه في الهبة، فأما لو منعناه فيها الرجوع
لم يرجع الواهب بشئ. ويؤخذ من ذلك أن الموصي لو مات قبل تمييز الولد لم تبطل الوصية، وهو كذلك، وله القبول
حينئذ. أما بعد التمييز فلا يحرم لأنه حينئذ يستغني عن التعهد والحضانة. وخبر: لا يفرق بين الام وولدها، قيل: إلى متى؟
قال: حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية ضعيف. وظاهر كلامه الاكتفاء بالتمييز وإن حصل قبل السبع، وعبارة المحرر
إلى سن التمييز، وعبارة الجمهور إلى سبع سنين، فيجوز أن يكون إطلاقهم لذلك، لأنه مظنه التمييز كما في الحضانة
وغيرها. ويجوز أن يعتبر هنا منع التمييز قبلها ليحصل له قوة واستبدال على الانفراد اه‍. وهذا كما قال الأذرعي حسن.
تنبيه: قوله: حتى يميز قد يفهم أنه لا يجوز التفريق بين الام والولد المجنون البالغ، وهو كذلك كما صرح به القاضي
حسين وأتباعه، لكن قوله: (وفي قول حتى يبلغ) يدل على أن المراد التمييز المتقد على البلوغ. وإنما اعتبر هذا
القول البلوغ لنقصان تمييزه قبله، ولهذا يجوز التقاطه ما لم يبلغ على الصحيح وأفهم جواز التفريق بعده جزما،
وهو كذلك
خلافا للإمام أحمد، وهو مكروه بعد التمييز وقبل البلوغ وكذا بعد البلوغ لما فيه من التشويش، ويصح العقد. ويفهم
من تعبيره بالتمييز أن غير الآدمي يجوز التفريق بينه وبين أمه، وهو المذهب إن استغنى عن اللبن، لكن يكره، وقيل: يحرم،
ويجوز بالذبح قطعا كما في زيادة الروضة. قال السبكي: ومراده ذبح الولد. أما ذبحها مع بقائه فيظهر أنه غير الذبح،
وظاهر أن المراد ذبح المأكول إذ غيره لا يجوز ذبحه ولا بيعه لذبحه بحال. وأحسن ما قيل في حد التمييز أن يصير الطفل
بحيث يأكل وحده ويشرب وحده ويستنجي وحده، وقيل: أن يصير بحيث يفهم الخطاب ويرد الجواب. ولو اجتمع
38

الأب والام حرم التفريق بينه وبينها وحل بينه وبين الأب، أو اجتمع الأب والجدة للأم عند فقد الام فهما سواء فيباع
مع أيهما كان كما هو قضية كلام الحاوي الصغير، والجدة للأم كالأم عند عدمها لا عند وجودها على الأصح. وفي الجدات
والأجداد للأب عند فقد الأبوين وأم الام ثلاثة أوجه حكاها الشيخان في باب السير من غير ترجيح، ثالثها: جواز التفريق
في الأجداد دون الجدات لأنهم أصلح للتربية. قال الولي العراقي: ويظهر تصحيح المنع وهو الذي أورده الروياني و الجرجاني،
وأما الجد للام فقال المتولي: إنه كالجد للأب، وقال الماوردي: إنه كسائر المحارم. والأقرب كما قال السبكي الأول.
ولا يحرم التفريق بينه وبين سائر المحارم كالأخ والعم وإن قوى السبكي التحريم بينه وبينهم. (وإذا فرق) بين الولد بعد سقيه
اللبأ وبين من يمتنع التفريق بينه وبينه، (ببيع أو هبة بطلا في الأظهر) لعدم القدرة على التسليم شرعا. والثاني: لا، لأن النهي
للاضرار لا للخلل في نفس المبيع، وعلى هذا لا نقرهما على التفريق، بل إن تراضيا على ضم أحدهما إلى الآخر استمر العقد
وإلا فسخ كما قالاه. ويجري القولان في جميع أنواع التمليك، وأما قبل سقيه اللبأ فيبطل جزما. ويستثنى من الأول ما لو
كان المبيع ممن يحكم بعتقه على المشتري، فالظاهر كما قال الأذرعي وغيره عدم التحريم وصحة البيع لتحصيل مصلحة
الحرية، ولما مر من جواز التفريق الاعتاق. ويحرم بيع بعض أحدهما فقط وبيع أحدهما مع بعض الآخر وبيع بعض كل
منهما عند عدم التساوي، فإن تساوى البعضان كأن باع نصفهما معا جاز كما دل عليه كلام الرافعي في السير. وألحق
الغزالي التفريق بالسفر بالتفريق بالبيع، وطرده في التفريق بين الزوجة وولدها وإن كانت حرة بخلاف المطلقة لا يحرم لامكان
صحبتها له. ويستثنى من إطلاق المصنف ما لو ملك كافر صغيرا وأبويه وهما كافران ثم أسلم الأب وتخلفت الام فإن
الولد يتبعه ويؤمر بإزالة الملك عنهما دونها، قاله صاحب الاستقصاء. وينبغي أنه لو مات الأب أن يباع الولد للضرورة
كما قاله بعض المتأخرين. قال الأذرعي: ومثله ما لو تبع الطفل السابي في الاسلام ثم ملك أمه الكافرة فله بيع أحدهما دون
الآخر فيما يظهر اه‍. وهذا ممنوع، لأن الأصحاب لم يفرقوا بين الام المسلمة والكافرة، والتفريق وجه حكاه الدارمي،
وإنما فرق في الصورة المتقدمة للضرورة.
تنبيه: قوله: (بطلا)، قال الأسنوي: كان الأحسن إسقاط الألف منه، فإن الأفصح في الضمير الواقع بعد أو أن
يؤتى به مفردا، يقول: إذا لقيت زيدا أو عمرا فأكرمه، وقال الولي العراقي: والصواب حذف الألف اه‍. والأولى ما قاله
الزركشي من أنه إنما ثنى الضمير لأن أو للتنويع، فهو نظير قوله تعالى: * (إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما) *. ثم شرع
في الصورة الثانية، فقال: (ولا يصح بيع العربون) وهو (بأن يشتري) سلعة (ويعطيه دراهم) مثلا (لتكون من الثمن إن
رضي السلعة وإلا فهبة) بالنصب، للنهي عنه، رواه أبو داود وغيره، ولان فيه شرطين فاسدين أحدهما: شرط الهبة،
والثاني: شرط الرد على تقدير أن لا يرضى.
تنبيه: في العربون ست لغات: فتح العين والراء، وهي الفصيحة. وضم العين وإسكان الراء، وعربان بالضم
والاسكان، وإبدال العين همزة مع الثلاثة. وهو أعجمي معرب، وأصله في اللغة التسليف والتقديم.
فائدة: البيع ينقسم إلى الأحكام الخمسة: وهي الواجب والحرام والمندوب والمكروه والمباح، فالواجب كبيع الولي
مال اليتيم إذا تعين بيعه، وبيع القاضي مال المفلس بشروطه. وأما بيع الماء لمحتاجه والطعام من المضطر، فالواجب
فيهما التمليك لا البيع نفسه، وبعضهم أدرجهما في البيع الواجب. وأما الحرام فغالب ما ذكره المصنف في هذا الفصل
والذي قبله. وأما المندوب فكالبيع بالمحاباة وبيع الطعام زمن الغلاء ونحوه. وأما المكروه فكبيع دور مكة والبيع ممن
أكثر ماله حرام أو فيه حرام ولم يتحقق أن المأخوذ من الحرام، وإلا فحرام، وبيع المصحف، قيل: وثمنه يقابل الدفتين،
لأن كلام الله لا يباع، وقيل: إنه بدل أجرة نسخه، حكاهما الرافعي عن الصيمري. وبيع العينة، وهي بكسر المهملة
وإسكان التحتية وبالنون: أن يبيعه عينا بثمن كثير مؤجل ويسلمها له ثم يشتريها منه بنقد يسير ليبقى الكثير في ذمته.
39

وأما المباح فغالب البيوع. فرع: المقبوض بشراء فاسد لفقد شرط أو لشرط فاسد يضمنه المشتري ضمان الغصب، لأنه مخاطب كل لحظة.
فإن كان تالفا لزمه رد مثله إن كان مثليا وأقصى قيمه إن كان متقوما، وإن كان باقيا فعليه رده ومؤنة الرد، وليس له
حبسه لاسترداد الثمن، ولا يتقدم به على الغرماء كالرهن الفاسد، وإن أنفق عليه لم يرجع على البائع بما أنفق،
ولو جهل
الفساد. وإن كان المشتري جارية ووطئها لم يحد وإن علم الفساد إلا إذا علمه. والثمن ميتة أو دم أو نحو ذلك مما لا يملك
به أصلا بخلاف ما إذا كان الثمن نحو خمر كخنزير، لأن الشراء به يفيد الملك عند أبي حنيفة. وحيث لا حد يجب المهر،
فإن كانت بكرا فمهر بكر قياسا على النكاح الفاسد وأرش بكارة لاتلافها بخلافه في النكاح الفاسد، لأن فاسد كل عقد
كصحيحه في الضمان وعدمه. وأرش البكارة مضمون في صحيح البيع دون صحيح النكاح، لأن المشتري إذا اطلع على
عيب بعد زوال البكارة لم يكن له الرد بغير أرش البكارة، بخلاف ما لو طلقها بعد زوال بكارتها لا شئ عليه. ولا ينافي
هذا ما قالوه في الغصب من أنه لو اشترى بكرا مغصوبة ووطئها جاهلا أنه يلزمه مع أرش البكارة مهر ثيب لوجود العقد المختلف
في حصول الملك به هنا كما في النكاح الفاسد بخلافه ثم. ولو حذف العاقدان المفسد للعقد ولو في مجلس الخيار لم ينقلب
صحيحا إذ لا عبرة بالفاسد بخلاف ما إذا ألحقا شرطا فاسدا أو صحيحا في مجلس الخيار، فإنه يلحق العقد، لأن مجلس
العقد كالعقد.
فصل: في تفريق الصفقة وتعددها وتفريقها ثلاثة أقسام، لأنه إما في الابتداء أو في الدوام أو في اختلاف الأحكام، وتأتي
في كلامه على هذا الترتيب. وقد شرع في القسم الأول منها فقال: لو (باع) في صفقة واحدة حلا وحرما، كأن باع مذكاة
وميتة، أو (خلا وخمرا) أو شاة وخنزيرا، (أو عبده وحرا، أو) عبده (عبد غيره، أو مشتركا بغير إذن) الشريك (الآخر
صح) البيع (في ملكه) من الخل والمذكاة والشاة وعبده وحصته من المشترك، وبطل في غيره (في الأظهر) إعطاء لكل منهما
حكمه. والثاني: يبطل فيهما. وفي علته وجهان: أحدهما الجمع بين حلال وحرام، لقول ابن عباس: ما اجتمع حرام وحلال
إلا وغلب الحرام الحلال. والثاني: جهالة العوض الذي يقابل الحلال. ويستفاد من تمثيل المصنف بالمشترك أن العلة
الصحيحة هي الأولى، لأن الحصة من الثمن معلومة، وجرى على ذلك في المجموع. فإن قيل: ما صححه المصنف تبعا
للرافعي خلاف مذهب الشافعي، فإنه إذا كان للمجتهد في المسألة قولان وعلم المتأخر منهما كان الأول مرجوعا عنه
فيكون مذهبه هو الثاني، وقد رجع الشافعي عن القول بالصحة، كذا ذكره الربيع في الام، وعبر بقوله إن البطلان هو
آخر قوليه. قال الأسنوي: وهي دقيقة غفلوا عنها. وقال الأذرعي: إذا كان راوي المذهب قد شهد بذلك ففي النفس
حزازة من ترجيح الصحة، مع ذلك أجيب بأن قول الربيع إن البطلان آخر قوليه يحتمل أن يكون آخرهما في
الذكر لا في
الفتوى، وإنما يكون المتأخر مذهب الشافعي إذا أفتى به، أما إذا ذكره في مقام الاستنباط والترجيح ولم يصرح بالرجوع
عن الأول فلا مع أن هذه اللفظة، وهي آخر قوليه، يحتمل أنها كانت أحد قوليه بالدال فقصرت فقرئت بالراء.
تنبيه: قول المصنف: بغير إذن الآخر قال الأسنوي: إنه يعود إلى المشترك فإنه مع الاذن يصح جزما، ولا يصح
عوده إليه وإلى عبد الغير معا، لأنه إذا أذن له وباعه ولم يفصل الثمن لم يصح للجهل به حالة العقد، وإن فصله
صح جزما، لكن ليس مما نحن فيه لأن الكلام في الصفقة الواحدة وتلك صفقتان. وقال ابن شهبة: الظاهر عوده
إليهما فإنه يصدق أنه إذا أذن كان الحكم بخلاف ذلك، وهو صحيح، ومحل القول بالصحة إذا كان كل من ملكه
وغيره معلوما وإلا فلا يصح، ولو كان الجهل في غير ملكه فقط لتعذر التقسيط. وعلى الأظهر (فيتخير المشتري إن
جهل) الحال لضرر التبعيض، وهو كما في المطلب على الفور، لأنه خيار نقص، فإن كان عالما فلا خيار له لتقصيره،
40

(فإن أجاز) البيع أو كان عالما بالحال (فبحصته) أي المملوك له، (من المسمى باعتبار قيمتها) لأنهما أوقعا الثمن في مقابلتهما
جميعا فلا يلزم المشتري في مقابلة أحدهما إلا قسطه.
تنبيه: ظاهر عبارة المصنف أنا نعتبر قيمة الخمر والخنزير عند من يرى لهما قيمة، وهو احتمال للامام صححه
الغزالي. والصواب كما صححه المصنف أنا نقدر الخمر خلا والميتة مذكاة والخنزير شاة والحر رقيقا، فإذا كانت قيمتها
ثلاثمائة والمسمى مائة وخمسين وقيمة المملوك مائة فحصته من المسمى خمسون. (وفي قول بجميعه) لأن العقد لا يتوجه
إلا إلى ما يجوز بيعه فكان الآخر كالمعدوم. وعلى الأول لو لم يكن الحرام مقصودا كالدم فالظاهر كما قال الأسنوي إن
الإجازة بكل الثمن كما يقتضيه كلامهم في الخلع والكتابة. وأجمعوا على جواز تفريق الصفقة في الطلاق والعتق ونحوهما
مما هو مبني على السراية والتغليب، واتفقوا على منعه فيما إذا كان كل واحد قابلا للعقد لكن امتنع لأجل الجمع كنكاح
الأختين. والخلاف فيما عدا ذلك، ويجري في أبواب كثيرة من البياعات والإجارات والأنكحة والشهادات وغيرها
، واستثنى من ذلك مسائل: منها ما إذا أجر الراهن العين المرهونة مدة تزيد على محل الدين، فإنه يبطل في الجميع على الأصح
عند الشيخين. ومنها ما إذا استعار شيئا ليرهنه بدين فزاد عليه فإنه يبطل في الكل على الأصح. وفي استثناء هاتين الصورتين
كما قاله بعض المتأخرين نظر، لأن القاعدة في تفريق الصفقة أن يعقد على شيئين موجودين أحدهما حل والآخر حرم، والمنفعة
شئ واحد فلا وجه فيها إلا القول بالصحة أو البطلان، والصحة متعذرة لعدم الإذن من جهة المرتهن، وفي الصورة
الثانية تصرف في ملك الغير على وجه لم يأذن له فيه فبطل صيانة لحق الغير. ومنها ما إذا فاضل في الربويات
فإنه يبطل في الكل.
ومنها ما إذا زاد في العرايا على القدر الجائز فإنه يبطل في الكل. ومنها ما لو زاد في خيار الشرط على ثلاثة أيام، فإنه إن كان
في صلب العقد لم ينعقد جزما أو في خيار المجلس يبطل قطعا. ومنها ما إذا أوصى من لا وارث له بأكثر من الثلث فإنه يصح في الثلث
قطعا. قال الزركشي: ومنها ما لو قدم الباطل، كأن قال: بعتك الحر والعبد فإنه يبطل في الكل، لأن العطف على الباطل باطل
كما قالوه فيما لو قال نساء العالمين طوالق وأنت يا زوجتي لا تطلق لعطفها على من لم يطلق اه‍. وليس هذا كما قال شيخي قياسه،
وإنما قياسه أن يقول: هذا الحر مبيع منك وعبدي فإنه لا يصح بخلاف المثال المذكور فإنه يصح في العبد، لأن العامل في الأول
عامل في الثاني. وقياسه في الطلاق أن يقول: طلقت نساء العالمين وزوجتي فإنها تطلق في هذه الحالة. (و) إذا لم يجب إلا الحصة
(لا خيار للبائع) لأنه المفرط حيث باع ما لا يملكه وطمع في ثمن ما لا يستحقه. ثم شرع في القسم الثاني منها، فقال: (ولو باع
عبديه) مثلا (فتلف أحدهما قبل قبضه) انفسخ البيع فيه، و (لم ينفسخ في الآخر على المذهب) وإن لم يقبضه، (بل يتخير) المشتري
بين الفسخ والإجازة. (فإن أجاز فبالحصة) من المسمى باعتبار قيمتهما، لأن الثمن قد توزع عليهما في الابتداء والقسم عليهما
فلا يتغير بهلاك أحدهما. وقوله: (قطعا) تبع فيه المحرر، وفي الشرح والروضة عن أبي إسحق طرد القولين فيه. أحدهما
بجميع الثمن، وضعف بالفرق بين ما اقترن بالعقد وبين ما حدث بعد صحة العقد مع توزيع الثمن فيه عليهما ابتداء.
وقضية كلامه أنه لا خيار للبائع، وهو كذلك كما صرح به في المجموع ولكنه مشكل، لأن علة المنع فيما تقدم التفريط،
وهو مفقود هنا. والطريق الثاني: ينفسخ في أحد القولين وإن قبض المشتري أحد العبدين. ولو تلف المقبوض وغيره لم
يثبت للمشتري الخيار فيما تلف في يده كما صححه في المجموع، بل عليه حصته من الثمن، لأن العقد استقر بقبضه. وفي معنى
ما في المتن ما لو باع عصيرا صار بعضه خمرا قبل قبضه، قاله الدارمي. ثم شرع في القسم الثالث فقال: (ولو جمع في صفقة
مختلفي الحكم كإجارة وبيع) كأن يقول: أجرتك داري شهرا وبعتك ثوبي هذا بدينار، (أو) إجارة و (سلم) كأن يقول:
41

أجرتك داري شهرا أو بعتك صاع قمح في ذمتي سلما بكذا، (صحا في الأظهر، ويوزع المسمى على قيمتهما) أي قيمة المؤجر
من حيث الأجرة وقيمة المبيع أو المسلم فيه. ووجه الاختلاف بين البيع والإجارة اشتراط التأقيت فيها، وهو مبطل للبيع،
والإجارة تنفسخ بالتلف بعد القبض دونه. والاختلاف بين الإجارة والسلم اشتراط قبض العوض في المجلس في السلم دونها.
والثاني: يبطلان، لأنه قد يعرض لاختلاف حكمهما باختلاف أسباب الفسخ، والانفساخ ما يقتضي فسخ أحدهما فيحتاج
إلى التوزين. ويلزم الجهل عند العقد بما يخص كلا منهما من العوض، وذلك محذور. وأجاب الأول بأنه لا محذور في ذلك،
ألا ترى أنه يجوز بيع ثوب وشقص من دار في صفقة وإن اختلفا في حكم الشفعة واحتيج إلى التوزيع بسببها؟ ويؤخذ مما
مثل به أن محل الخلاف أن يكون العقدان لازمين، فلو جمع بين لازم وجائز كبيع وجعالة لم يصح قطعا كما ذكره الرافعي
في المسابقة، أو كان العقدان جائزين كشركة وقراض صح قطعا، لأن العقود الجائزة بابها واسع. وإنما قال: مختلفي الحكم ولم
يقل عقدين مختلفي الحكم كما عبر به في المحرر ليشمل بيع عبدين بشرط الخيار في أحدهما أكثر من الآخر فإنه على القولين مع
أن الحكم مختلف والعقد واحد.
تنبيه: المراد بالإجارة مع السلم إجارة العين، فإن إجارة الذمة يشترط فيها القبض كالسلم. وشمل كلامه ما إذا اشتمل
العقد على ما يشترط فيه التقابض وما لا يشترط كصاع بر وثوب بصاع شعير. (أو بيع ونكاح) ومستحق الثمن والمهر واحد،
كقوله: زوجتك بنتي وبعتك عبدها وهي في حجره، أو: زوجتك أمتي وبعتك ثوبي. (صح النكاح) لأنه لا يفسد بفساد
الصداق. (وفي البيع والصداق القولان) السابقان أظهرهما صحتهما، ويوزع المسمى على قيمة المبيع ومهر المثل. والثاني:
بطلانهما، ويجب مهر المثل. والمصنف أعاد هذه المسألة في كتاب الصداق بأبسط مما ذكره هنا. أما إذا اختلف المستحق
كقوله: زوجتك بنتي وبعتك عبدي بكذا، فإن البيع لم يصح ولا الصداق، كما لو كان لكل منهما عبد فباعاهما بثمن واحد
كما مر. ويصح النكاح بمهر المثل، ولو جمع بين بيع وخلع صح الخلع، وفي البيع والمسمى القولان.
تنبيه: شرط التوزيع في صورة المتن أن يكون حصة النكاح مهر المثل فأكثر، فإن كان أقل وجب مهر المثل كما
في المجموع إلا إن أذنت الرشيدة في قدر المسمى فيعتبر التوزيع مطلقا. (وتتعدد الصفقة بتفصيل الثمن) من البائع، (كبعتك
ذا بكذا وذا بكذا) فيقبل فيهما سواء أفصل المشتري في القبول أم لا على الأصح، وله رد أحدهما بالعيب، فلو قال: بعتك
عبدي بألف وجاريتي بخمسمائة فقبل أحدهما بعينه لم يصح كما سيأتي في تعدد البائع والمشتري، وإن قال القاضي:
الظاهر الصحة. (وبتعدد البائع) كبعناك هذا بكذا، والمبيع مشترك بينها، فيقبل فيهما وله رد نصيب أحدهما بالعيب.
فلو قبل المشتري نصيب أحدهما بنصف الثمن لم يصح في الأصح كما قاله البغوي وتبعه الشيخان، لأن اللفظ يقتضي
جوابهما جميعا، وإن صحح السبكي تبعا للمتولي الصحة. (وكذا بتعدد المشتري) كبعتكما هذا بكذا، (في
الأظهر) قياسا
على البائع. والثاني: لا، لأن المشتري يبني على الايجاب السابق. ولو قبل أحدهما نصفه بنصف الثمن لم يصح إن قلنا
بالاتحاد، وكذا إن قلنا بالعدد على الأصح وإن صحح السبكي الصحة كما مر. ومحل ما ذكره المصنف في غير العرايا
والشفعة، أو فيهما، فتتعدد بتعدد المشتري قطعا، وكذا بتعدد البائع في الأظهر عكس ما هنا. (ولو وكلاه أو وكلهما فالأصح
اعتبار الوكيل) لأنه العاقد، وأحكام العقد من الخيار وغيره تتعلق به. والثاني: اعتبار الموكل لأن الملك له. وهذا هو
الأصح في أكثر نسخ المحرر، فأصلحه في المنهاج، واعتذر عنه في الدقائق. ولم يتقدم في كلام المصنف ما يعود عليه الضمير
المذكور، ومعناه: لو وكل اثنان واحدا أو وكل الواحد اثنين. ومحل ما قاله في غير الرهن والشفعة، أما فيهما فالأصح
42

اعتبار الموكل لا الوكيل اعتبارا باتحاد الدين والملك وعدمه، فلو وكل اثنان واحدا في رهن عبدهما عند زيد بما له عليهما
من الدين ثم قضى أحدهما دينه انفك نصيبه.
خاتمة: قال في الاحياء: يحرم أخذ المال من السلطان إذا كان أكثر ما في بيت المال حراما كما هو الغالب. قال
المصنف: وهذا شاذ ليس مذهبا بل المذهب الكراهة اه‍. أي بل الممنوع أن يتحقق أن ما أخذه من الحرام كما مرت
الإشارة إليه، ومن ذلك مبايعة من في يده الحلال والحرام كالظلمة والمكاسين والمنجمين والذي يضرب بالنفير والحصى
والرمل، فكل ما يأخذه هؤلاء بهذا الفعل حرام. ولو نهب متاع مخصوص ووجد من ذلك شيئا يباع واحتمل
أن يكون من المنهوب فالورع تركه. والورع لمن اشترى شيئا للاكل أو غيره أن يشتريه بثمن في ذمته فإنه يملكه قطعا
بخلاف ما اشتراه بالعين فإنه لا يقطع بأنه ملكه. وقد يقال في الأول: يحتمل أن لا يكون ملكا للبائع فلا يملكه المشتري
إلا أن يتحقق ملك البائع له بنحو اصطياد
. باب الخيار
لما فرغ المصنف من صحة العقد وفساده شرع في لزومه وجوازه. والخيار هو طلب خير الامرين من إمضاء العقد
أو فسخه. والأصل في البيع اللزوم، لأن القصد منه نقل الملك، وقضية الملك التصرف، وكلاهما فرع اللزوم، إلا أن
الشارع أثبت فيه الخيار رفقا بالمتعاقدين. وهو نوعان: خيار تشه، وخيار نقيصة، فخيار التشهي ما يتعاطاه المتعاقدان
باختيارهما وشهوتهما من غير توقف على فوات أمر في المبيع، وسببه المجلس أو الشرط. وخيار النقيصة سببه خلف لفظي
أو تغرير فعلي أو قضاء عرفي، فمنه خيار العيب والتصرية والحلف وتلقي الركبان ونحو ذلك. وقد شرع في سبب الأول
من النوع الأول فقال: (يثبت خيار المجلس في أنواع البيع) لما روى الشيخان أنه (ص) قال: البيعان بالخيار
ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما للآخر اختر قال في المجموع: وقوله: أو يقول منصوب بأو تقديره إلا أن، أو إلى أن، ولو
كان معطوفا لجزمه فقال: أو يقل. وبين أنواع البيع بقوله: (كالصرف) بيع (الطعام بطعام والسلم والتولية والتشريك
وصلح المعاوضة) لظاهر الخبر السابق، لأن اسم البيع يشمل الكل. وخرج بصلح المعاوضة صلح الحطيطة فلا خيار
فيه، لأنه إن ورد على دين فإبراء أو على عين فهبة، ولا خيار فيهما لكنه يتناول الصلح على المنفعة، ولا خيار فيه على
الأصح لأنه أجازه، وقد ذكر بعد ذلك أنه لا خيار فيها. ويتناول الصلح عن دم العمد، ولا خيار فيه كما قاله القاضي
حسين، قال الأذرعي: ولم أر ما يخالفه. ويثبت أيضا في عقد تولى الأب طرفيه لأنه أقيم مقام شخصين في صحة العقد
، فكذا في الخيار. ولفظ الخبر ورد على الغالب. ويستثنى من قوله: في أنواع البيع صور لا خيار فيها، منها الحوالة فإنها وإن
جعلت معاوضة ليست على قواعد المعاوضات، وربما يقال إن كلام المصنف في بيع الأعيان فلا تستثنى هذه الصورة لأنها
بيع دين بدين. ومنها شراء العبد نفسه، لأن مقصوده العتق كالكتابة كما رجحه في الشرح الصغير والمجموع، وهذا
هو المعتمد وإن قال الزركشي هذا بالنسبة للعبد فقط، لأنه من جهة السيد بيع ومن جهة العبد يشبه الفداء، كما لو أقر
بحريته ثم اشتراه يثبت الخيار للبائع دونه. ومنها قسمتا الافراز والتعديل، سواء أجرنا بإجبار أم بتراض إذا قلنا إنهما
في حالة التراضي بيع، لأنه لو امتنع منهما الشريك أجبر عليهما، والاجبار ينافي الخيار، وهذا هو المعتمد وإن قال الأذرعي:
الذي جزم به القاضي أبو الطيب وغيره ثبوت الخيار. أما قسمة الرد ففيها الخيار لأنه لا إجبار فيها. ويثبت الخيار في شراء
الجمد ولو في شدة الحر بحيث ينماع بها. واستشكل ابن عبد السلام ثبوت الخيار في الصرف، لأن المقصد به تروي العاقد
في اختيار الأفضل له والمماثلة شرط هم الربوي، فالأمران مستويان، فإذا قطع بانتفاء العلة كيف يثبت الخيار؟ وما قاله
لا يتأتى في بيع الربوي بغير جنسه بل فيما بيع بجنسه، ولعله مراده، بدليل قوله والمماثلة شرط بل الخيار ليس محصورا فيما
43

ذكر، لأنه قد يكون لخلف أو غيره. (ولو اشترى من يعتق عليه) من أصوله أو فروعه بني الخيار فيه على خلاف الملك،
(فإن قلنا الملك في زمن الخيار للبائع) على مرجوح (أو موقوف) على الأظهر، (فلهما الخيار) لوجود المقتضى بلا مانع.
(وإن قلنا) الملك (للمشتري) على مرجوح (تخير البائع دونه) أما تخير البائع فلما مر، وأما عدم تخير
المشتري فلان
مقتضى ملكه له أن لا يتمكن من إزالة الملك، ولا يحكم بعتقه على كل قول حتى يلزم العقد فيتبين أنه عتق من حين الشراء.
ولو شرط نفي خيار المجلس لم يصح البيع لأنه ينافي مقتضاه، فأشبه ما لو شرط أن لا يسلم المبيع، فإذا قال لعبده مثلا: إذا بعتك فأنت حر
فباعه بشرط نفي خيار المجلس لم يعتق لعدم صحة البيع، بخلاف ما إذا لم يشرطه فإنه يعتق لأن عتق البائع في زمن الخيار نافذ.
(ولا خيار في الابراء والنكاح والهبة بلا ثواب) وهي التي صرح بنفي الثواب عنها أو أطلق، وقلنا لا يقتضيه وهو الراجح، لأن
اسم البيع لا يصدق على شئ من هذه الثلاثة. ولا خيار أيضا في الوقف والعتق والطلاق، وكذا العقود الجائزة من
الطرفين كالقراض والشركة والوكالة أو من أحدهما كالكتابة والرهن. (وكذا) الهبة (ذات الثواب) لا يثبت الخيار
فيها في الأصح. وعللاه بأنها لا تسمى بيعا، كذا قالاه هنا، وقالا في باب الهبة: الأصح أنها بيع فيثبت فيها الخيار. وعده
في المهمات تناقضا، وحمل بعضهم ما هنا على القول بأنها هبة وإن قيدت بثواب معلوم، وما هنا على القول بأن المقيدة
بثواب معلوم بيع. ويؤيده تعليلهم هنا بأنها لا تسمى بيعا، والصواب كما قال الأذرعي ما هناك وهو مقابل الأصح هنا،
فقد جزم به القاضي أبو الطيب و المحاملي والشيخ أبو حامد وغيرهم. (و) كذا (الشفعة) لا يثبت فيها الخيار في الأصح،
لأن الخيار يثبت فيما ملك بالاختيار فلا معنى لاثباته فيما أخذ بالقهر والاجبار، ومقابل الأصح ثبوته لأن الاخذ بها ملحق
بالمعاوضات بدليل الرد بالعيب. وصحح هذا الرافعي في الشرحين واستدرك عليه في الروضة وصحح الأول ونقله عن الأكثرين.
(و) كذا (الإجارة) لا يثبت فيها الخيار في الأصح، لأنها عقد غرر إذ هو عقد على معدوم، والخيار غرر، فلا يضم غرر
إلى غرر. ومقابل الأصح يثبت فيها الخيار لأنها معاوضة. قال القفال وطائفة: ومحل الخلا ف في إجارة العين، أما إجارة
الذمة فيثبت فيها الخيار قطعا كالسلم، والمعتمد الاطلاق، ويفرق بينها وبين السلم بأنها لا تسمى بيعا. والمعتمد في الخيار اسم
البيع وبأن المنفعة فيه أقوى. وقيل: يثبت أيضا في الإجارة المقدرة بمدة، وصححه المصنف في تصحيح التنبيه، والمشهور خلافه.
(و) كذا (المساقاة) لا يثبت فيها الخيار في الأصح كالإجارة حكما وتعليلا. (و) كذا (الصداق) لا يثبت فيه الخيار.
وقوله: (في الأصح) راجع للمسائل الخمس كما تقرر، ووجه عدم إثباته في الصداق أن المال تبع في النكاح لا مقصود،
ووجه إثباته أنه مستقل. ومثل الصداق عوض الخلع. (وينقطع) خيار المجلس (بالتخاير) من العاقدين، (بأن
يختارا لزومه) أي العقد بهذا اللفظ، كقولهما: تخايرنا أو اخترنا، أو غيره كقولهما: أمضينا العقد أو ألزمناه أو أجزناه أو أبطلنا
الخيار أو أفسدناه لأنه حقهما فيسقط بإسقاطهما كخيار الشرط. (فلو اختار أحدهما) لزومه (سقط حقه) من الخيار
(وبقي) الحق فيه (للآخر) كخيار الشرط، وقيل: لا يبقى لأن خيار المجلس لا يتبعض في الثبوت ولا يتبعض في السقوط.
لكن على الأول لو كان المبيع ممن يعتق على المشتري واختار البائع سقط خيار المشتري أيضا للحكم بعتق المبيع، قاله شيخنا
في شرح بهجته. ولو قال أحدهما لصاحبه اختر سقط خيار القائل ولو لم يختر صاحبه لتضمنه الرضا باللزوم. واحترز
المصنف باختيار أحدهما اللزوم عن اختياره الفسخ فإنه ينفسخ العقد وإن اختار الآخر اللزوم، لأن إثبات الخيار إنما
قصد به التمكن من الفسخ دون الإجازة لأصالتها وتبايعهما في العوضين ولو ربويين بعد قبضهما بيعا ثانيا إجازة للأول،
لأنه رضي بلزومه، ويصح الثاني ويثبت فيه الخيار. ولو أجاز في الربوي قبل التقابض بطل وإن تقابضا قبل التفرق على
44

المعتمد كما تقدم في بابه. (و) يبطل أيضا خيار المجلس (بالتفرق ببدنهما) عن مجلس العقد للخبر السابق. (فلو طال
مكثهما أو قاما وتماشيا منازل دام خيارهما) وإن زادت المدة على ثلاثة أيام أو أعرضا عما يتعلق بالعقد، حتى لو تبايع شخصان
ملتصقان دام خيارهما ما لم يختارا أو أحدهما، بخلاف الأب إذا باع لابنه أو اشترى منه وفارق المجلس انقطع الخيار، لأنه شخص
واحد لكن أقيم مقام اثنين، بخلاف الملتصقين فإنهما شخصان حقيقة بدليل أنهما يحجبان الام من الثلث إلى السدس.
ويحصل التفرق بأن يفارق أحدهما الآخر من المجلس ولو ناسيا أو جاهلا وإن استمر الآخر فيه، لأن التفرق لا يتبعض
بخلاف التخاير. وكان ابن عمر راوي الخبر: إذا ابتاع شيئا فارق صاحبه، رواه البخاري، وروى مسلم: قام يمشي هنيهة ثم
رجع. فإن قيل: قضية ذلك حل الفراق خشية أن يستقيله صاحبه، وقد قال (ص) كما رواه الترمذي وحسنه: البيعان
بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار. ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله. أجيب بأن الحل في الخبر
محمول على الإباحة المستوية الطرفين. ولو حمل أحد العاقدين فأخرج من المجلس مكرها بغير حق لم ينقطع خياره لأنه
لم يفعل شيئا، وكذا لا ينقطع خياره إذا أكره على الخروج ولو لم يسد فمه لأن الفعل المكره فعل كلا والسكوت عن الفسخ
لا يقطع الخيار كما في المجلس. فإن قيل: قد مر أن الناسي والجاهل ينقطع خيارهما مع تسويتهما للمكره في أبواب كثيرة.
أجيب بنسبتهما للتقصير هنا بخلاف المكره، فإن فارقه الاكراه في مجلس فله الخيار فيه حتى يفارقه، أو مارا
فحتى يفارق
مكانه الذي انقطع فيه الاكراه، وأما صاحبه فإن لم يخرج معه انقطع خياره إلا إن منع من الخروج معه. ولو هرب
أحدهما ولم يتبعه الآخر بطل خياره كخيار الهارب، ولو لم يتمكن من أن يتبعه لتمكنه من الفسخ بالقول، ولان الهارب
فارق مختارا بخلاف المكره فإنه لا فعل له. وقضية التعليل الأول أنه لو لم يتمكن من الفسخ بالقول بقي خياره حتى يتمكن منه.
فإن قيل: قياس ما قالوه في الايمان أنه لو حلف لا يفارق غريمه ففارقه غريمه لم يحنث وإن أمكنه متابعته، أن يكون
الحكم هنا كذلك. أجيب بأن الحكم هنا منوط بالتفرق وهو يحصل بوجود الفرقة من كل منهما، وهناك منوط بالمفارقة
من الحالف، نعم لو قال والله لا تفترق كان الحكم كما هنا، أما إذا تبعه فالخيار باق ما لم يتباعدا كما حكاه في المجموع عن المتولي
وأقره. ويبين هذا التباعد قول البسيط: إن لحقه قبل انتهائه إلى مسافة يحصل بمثلها المفارقة عادة فالخيار باق وإلا
فلا أثر للحوقه. ويحمل على هذا أيضا ما نقله في الكفاية عن القاضي من ضبطه يفوق ما بين الصفين، فالمراد من هذه
العبارات واحد. (ويعتبر في التفرق العرف) فما يعده الناس تفرقا يلزم به العقد وما لا فلا، لأن ما ليس له حد شرعا ولا
لغة يرجع فيه إلى العرف، فإن كانا في دار كبيرة فبالخروج من البيت إلى الصحن أو من الصحن إلى الصفة أو البيت،
وإن كانا في سوق أو صحراء أو في بيت متفاحش السعة فبأن يولي أحدهما الآخر ظهره ويمشي قليلا ولو لم يبعد عن سماع
خطابه، وإن كانا في سفينة أو دار صغيرة أو مسجد صغير فبخروج أحدهما منه أو صعوده السطح. ولا يحصل التفرق
بإقامة ستر ولو ببناء جدار بينهما، لأن المجلس باق. وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين أن يبنياه أو يبنى بأمرهما، وهو كذلك كما
صححه والد الروياني واعتمده شيخي وإن جزم الغزالي بالحصول، وقال الأذرعي: وهو المتجه. ولو تناديا بالبيع من بعد
ثبت لهما الخيار وامتد ما لم يفارق أحدهما مكانه، فإن فارقه ووصل إلى موضع لو كان الآخر معه بمجلس العقد عد تفرقا
بطل خيارهما. وقول ابن الرفعة: هذا إذا لم يقصد جهة الآخر وإلا فالذي يظهر القطع بدوام الخيار، ليس بظاهر.
وتقدم في أوائل البيع حكم ما لو تبايعا بالمكاتبة. (ولو مات) أحدهما (في المجلس أو جن) أو أغمي عليه (فالأصح انتقاله)
أي الخيار في المسألة الأولى، (إلى الوارث) ولو عاما (و) في الثانية والثالثة إلى (الولي) من حاكم أو غيره إلى الموكل
عند موت الوكيل وإلى السيد عند موت المكاتب أو المأذون له كخيار الشرط والعيب سواء فيه عقد الربا أو غيره. فإن
كان الوارث طفلا أو مجنونا أو محجورا عليه بسفه نصب الحاكم من يفعل عنه ما فيه المصلحة من فسخ وإجازة. وعجز
المكاتب كموته كما في المجموع. ثم إن كان من ذكر في المجلس ثبت له مع العاقد الآخر الخيار وامتد إلى أن يتفرقا أو
45

يتخايرا، وإن كان غائبا ووصله الخبر امتد خياره إلى أن يفارق مجلس الخبر لأنه حليفة مورثه. والثاني: يسقط الخيار لأن
مفارقة الحياة أولى به من مفارقة المكان، وفي معناها مفارقة العقد. وعلى الأول لو ورثه جماعة حضور في مجلس العقد
لم ينقطع خيارهم بفراق بعضهم له بل يمتد حتى يفارقوه كلهم لأنهم كالمورث وهو لا ينقطع خياره إلا بمفارقة جميع بدنه، أو
غائبون عن المجلس ثبت لهم الخيار وإن لم يجتمعوا في مجلس واحد كما في بعض نسخ الروض وهي المعتمدة، وفي بعضها: إذا
اجتمعوا في مجلس واحد. ويثبت الخيار للعاقد الباقي ما دام في مجلس العقد سواء أكان الوارث الغائب واحدا أم متعددا. ولو
فارق أحدهما مجلسه دون الآخر لم ينقطع خيار الآخر خلافا لبعض المتأخرين، وينفسخ العقد بفسخ أحدهم في نصيبه أو في الجميع،
ولو أجاز الباقون كما لو فسخ المورث في البعض وأجاز في البعض ولا يتبعض الفسخ للاضرار بالحي. فإن قيل: لو مات مورثهم
ثم اطلعوا على عيب المبيع ففسخ بعضهم لا ينفسخ في شئ منه لأن الوارث قائم مقام مورثه وهو ليس له الفسخ في
البعض فهلا كان الحكم هنا كذلك؟ أجيب بأن للضرر ثم جابرا وهو الأرش ولا جابر له هنا. ولو أجاز الوارث أو فسخ
قبل علمه بموت مورثه نفذ ذلك بناء على أن من باع مال مورثه ظانا حياته أنه يصح، وإن قال الامام: الوجه نفوذ فسخه
دون إجازته. ولو خرس أحد العاقدين ولم تفهم إشارته ولا كتابة له نصب الحاكم نائبا عنه، كما لو جن، وإن أمكنت
الإجازة منه بالتفرق، وليس هو محجورا عليه، وإنما الحاكم ناب عنه فيما تعذر منه بالقول. أما إذا فهمت إشارته أو
كان له كتابة فهو على خياره. ولو اشترى الولي لطفله شيئا فبلغ رشيدا قبل التفرق لم ينتقل إليه الخيار كما في البحر
ويبقى للولي على الأوجه من وجهين حكاهما في البحر، وأجراهما في خيار الشرط. (ولو تنازعا في التفرق) بأن جاءا
معا وقال أحدهما تفرقنا وأنكر الآخر وأراد الفسخ، (أو) في (الفسخ قبله) أي التفرق ب‍ اتفقا على حصول
لتفرق وقال أحدهما فسخته قبله وأنكر الآخر، (صدق النافي) بيمينه، لأن الأصل دوام الاجتماع وعدم الفسخ. ولو
اتفقا على عدم التفرق وادعى أحدهما الفسخ فدعواه الفسخ فسخ. ثم شرع في السبب الثاني من النوع الأول مترجما له
بفصل، فقال:
فصل: في خيار الشرط: (لهما) أي لكل من المتعاقدين (ولأحدهما شرط الخيار) على الآخر المدة الآتية
مع موافقة الآخر بالاجماع. نعم إن استعقب الملك العتق، كأن اشترى من يعتق عليه وشرط الخيار له وحده لم يجز
لعتقه عليه فيلزم من ثبوت الخيار عدم ثبوته، ويجوز التفاضل فيه، كأن يشرط لأحدهما خيار يوم وللآخر خيار
يومين أو ثلاثة. ولو شرط خيار يوم فمات أحدهما في أثنائه فزاد وارثه مع الآخر خيار يوم آخر جاز. قال الروياني:
ويجوز للعاقد لنفسه شرطه لأجنبي أو العبد المبيع، لأن الحاجة تدعو لذلك لكونه أعرف بالمبيع، ولا يثبت مع شرطه
للأجنبي أو العبد المبيع للشارط اقتصارا على الشرط. قال الزركشي: والأقرب اشتراط بلوغ الأجنبي لا رشده. وإذا
مات الأجنبي ثبت الخيار للشارط، ولو شرط الوكيل في البيع أو الشراء الخيار للموكل أو لنفسه ولو بلا إذن صح، لأنه
لا يضر موكله. وليس لوكيل أحد العاقدين أن يشرطه للآخر، فإن فعل بطل العقد وله شرطه لأجنبي بإذن موكله،
ولا يتجاوز الخيار من شرط له، فلو شرط للوكيل لم يثبت للموكل وبالعكس. فإن أذن له فيه موكله وأطلق بأن لم يقل لي
ولا لك فاشترطه الوكيل وأطلق ثبت له دون الموكل، لأن معظم أحكام العقد متعلقة به وحده، ولا يلزم العقد برضا الموكل
لأن الخيار منوط برضا وكيله. ولو باع مسلم عبدا مسلما لمسلم وجعل الخيار لكافر، أو باع حلال لحلال صيدا وجعل الخيار
لمحرم، صح فيهما كما قاله الروياني خلافا لوالده، إذ لا ملك ولا ولاية. وحيث ثبت للوكيل الخيار لا يفعل إلا ما فيه حظ
الموكل لأنه مؤتمن، بخلاف الأجنبي المشروط له الخيار لا يلزمه رعاية الحظ. ولا يبطل البيع بعزل الموكل وكيله في زمن
خيار المجلس ولا بموت الوكيل ولا الموكل في المجلس وإن خالف في ذلك الروياني.
تنبيه: قول المصنف: لهما ولأحدهما شرط الخيار يوهم جواز انفراد أحدهما بالشرط، وليس مرادا بل لا بد
46

من اجتماعهما عليه، ولذلك قلت مع موافقة الآخر. ولم يرد المصنف بيان الشارط لوضوحه كما قاله الأسنوي، فإنه لا يكون
إلا منهما. وإنما أراد بيان المشروط له، لكن عبارته لا توفي بمقصوده، فلو قال: يجوز شرطهما الخيار لهما ولأحدهما
لأفاد مقصوده، ولكن يمكن رد عبارته إلى الصواب كما قاله الولي العراقي بأن لا يجعل قوله لهما ولأحدهما خبرا عن
قوله شرط الخيار وإنما هو متعلق بالخيار والخبر قوله: (في أنواع البيع) أي شرط الخيار الكائن لهما أو لأحدهما
ثابت في أنواع البيع. ومع ذلك فعبارته توهم أنه لا يجوز شرطه لأجنبي، وتوهم جواز اشتراط وكيل البائع الخيار
للمشتري وجواز اشتراط وكيل المشتري الخيار للبائع، وليس مرادا كما علم مما تقرر. وعلم من تقييده بالبيع أنه
لا يشرع في غيره كالفسوخ والعتق والابراء والنكاح والإجارة وهو كذلك. (إلا أن يشترطا القبض في المجلس كربوي
وسلم) فلا يجوز شرط الخيار فيه لاحد، لأنه لا يحتمل التأجيل، والخيار أعظم غررا منه لا مانع من الملك أو
من لزومه.
تنبيه: إنما ذكر المصنف مثالين لينبه على أنه لا فرق بين ما يشترط فيه القبض من الجانبين كالربوي أو من أحدهما
فقط كالسلم. وأورد على حصره فيما ذكر مسائل: منها البيع الضمني. ومنها الحوالة إذا جعلناها بيعا. ومنها ما إذا اشترى
من يعتق عليه كما مر. ومنها المصراة فإنه لا يجوز شرط خيار الثلاث فيها للبائع لأنه يمنع من الحلب وترك الحلب يضر
بالبهيمة. قال الأذرعي: ويجب طرده في كل حلوب وإن لم تكن مصراة، إذ تركها ثلاثا بلا حلب يضرها بلا شك
وإن كانت المصراة أشد ضررا. فإن قيل: لك أن تقول ما المانع من حلب البائع لها إذا كان الخيار له، لأن الملك له
حينئذ، واللبن في زمن الخيار لمن له الملك؟ أجيب بأن اللبن الموجود حال البيع مبيع، فهو كالحمل الموجود عند البيع
فيمتنع على البائع الحلب لذلك، والبائع إنما يملك لو تم البيع للبن الحادث بعد العقد كالولد الحادث بعده. ومنها ما إذا
باع الكافر عبده المسلم بشرط الخيار ثم فسخ ثم باعه وشرط الخيار وفسخ وهكذا، فإن الحاكم يلزمه أن يبيع بيعا باتا كما
قاله المتولي، وقضيته جواز الخيار للكافر في العبد المسلم ابتداء، وهو ما نقله في المجموع عن القاضي حسين وأقره.
فإن قيل: قد أتى المصنف بالكاف في قوله: كربوي وسلم فيقتضي أن لنا غيرهما يشترط فيه قبض العوض في المجلس
ولم يوجد. أجيب بالمنع، فإن الإجارة على عمل في الذمة يشترط قبض الأجرة فيها في المجلس. (وإنما يجوز) شرط الخيار
(في مدة معلومة) متصلة بالعقد المشروط فيه الخيار، متوالية (لا تزيد على ثلاثة أيام) لأن الأصل امتناعه لكونه مخالفا
لوضع البيع فإنه يمنع نقل الملك أو لزومه ثبت في الثلاث بما روي في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما:
أن رجلا من الأنصار كان يخدع في البيوع فشكا إلى رسول الله (ص)، فقال له: إذا بايعت فقل
لاخلابة، وفي رواية: فقل لا خلابة وأنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال والخلابة بكسر الخاء المعجمة
وبالباء الموحدة، ومعناه: لا غبن ولا خديعة، فثبت خيار المشتري بالنص، وألحق به البائع بالقياس عليه، فبقي ما زاد على
الأصل. وهذه الكلمة في الشرع عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثا، فإذا كانا عالمين بمدلولها كان كالتصريح باشتراط
الخيار، وإن كانا جاهلين به أو أحدهما لم يثبت الخيار. وفي مصنف عبد الرزاق عن أنس: أن رجلا اشترى من رجل
بعيرا واشترط الخيار أربعة أيام، فأبطل رسول الله (ص) البيع، وقال: الخيار ثلاثة أيام. ولان الحاجة
تندفع بها غالبا، فلو زاد عليها بطل العقد. ولا يخرج على تفريق الصفقة لوجود الشرط الفاسد وهو مبطل للعقد لأن الشرط
يتضمن غالبا زيادة في الثمن أو محاباة، فإذا سقطت انجرت الجهالة إلى الثمن بسبب ما يقابل الشرط الفاسد
فيفسد البيع،
فلهذا لم يصح الشرط في الثلاث ويبطل ما زاد عليها، وقد نبهت على استثناء ذلك في الكلام على تفريق الصفقة. فإن
شرط الثلاث من الغد أو فرقها لم يصح العقد لأن العقد إذا لزم لا يصير بعد ذلك جائزا. ويدخل في الأيام المشروطة
ما اشتملت عليه من الليالي للضرورة كما في المجموع، ومقتضى هذه العلة كما قاله الأسنوي أنه لو عقد وقت الفجر
47

لا يثبت الخيار في الليلة الثالثة بخلاف نظيره من مسح الخف، وعلى هذا لو باع نصف النهار بشرط الخيار يوما ثبت إلى
نصف اليوم الثاني. ويدخل الليل في حكم النهار للضرورة كما قاله المتولي وغيره. (وتحسب) المدة المشروطة (من)
حين (العقد) الواقع فيه الشرط كالأجل، فإن ابتداءه من العقد لامن التفرق، لأنه لو اعتبر من التفرق لصار أول
مدة الخيار مجهولة لأنه لا يعلم متى يفترقان. (وقيل) تحسب (من التفرق) أو التخاير، ونسبه الماوردي إلى الجمهور
لأن الظاهر أن الشارط يقصد بالشرط زيادة على ما يفيده المجلس. وعورض بأن التفرق مجهول كما تقدم، واعتباره
يؤدي إلى جهالة ابتداء المدة. ولو شرط الخيار بعد العقد في المجلس وقلنا بثبوته وهو الأصح، فالحكم على الثاني
لا يختلف، وعلى الأول تحسب من الشرط لا من العقد، فلو قال المصنف من الشرط بدلا عن العقد لدخلت هذه الصورة.
ولو انقضت المدة المشروطة وهما في المجلس بقي خياره فقط، وإن تفرقا والمدة باقية فبالعكس. ويجوز إسقاط الخيارين
أو أحدهما فإن أطلقا الاسقاط سقطا، ولاحد العاقدين الفسخ في غيبة صاحبه وبلا إذن حاكم، لأنه فسخ متفق
على ثبوته بخلاف الفسخ بالعنة. ويسن كما قال الخوارزمي أن يشهد حتى لا يؤدي إلى النزاع. (والأظهر) في خيار المجلس
أو الشرط (أنه إن كان الخيار) المشروط (للبائع فملك المبيع) مع توابعه كلبن ومهر وثمر وكسب وكنفوذ عتق وحل
وطئ في مدة الخيار. (له وإن كان للمشتري فله) أي الملك، لأنه إذا كان الخيار لأحدهما كان هو وحده متصرفا
في المبيع، ونفوذ التصرف دليل على الملك. (وإن كان) الخيار (لهما فموقوف) أي الملك، لأنه ليس أحد الجانبين أولى
من الآخر فتوقفنا. (فإن تم البيع بان أنه) أي الملك فيما ذكر، (للمشتري من حين العقد وإلا فللبائع) وكأنه لم
يخرج عن ملكه. والثاني: الملك للمشتري مطلقا لتمام البيع له بالايجاب والقبول. والثالث: للبائع مطلقا. والخلاف جار
في خيار المجلس كما مر، وكونه لأحدهما بأن يختار الآخر لزوم العقد. وحيث حكم بملك
المبيع لأحدهما حكم بملك الثمن للآخر، وحيث وقف وقف ملك الثمن ولو شرط الخيار لأجنبي. قال ابن النقيب: لم أر من تعرض لمن ملك
المبيع وذكر فيه خلافا. ونازعه الولي العراقي. وحاصله أنه إن كان الأجنبي من جهة أحدهما فملك المبيع له،
وإن كان
من جهتهما فموقوف. ولو اجتمع خيار المجلس وخيار الشرط لأحدهما فهل يغلب الأول فيكون الملك موقوفا أو الثاني
فيكون لذلك الاحد؟ الظاهر وهو ما اقتضاه كلامهم كما قال شيخنا الأول، لأن خيار المجلس كما قال الشيخان أسرع
وأولى ثبوتا من خيار الشرط لأنه أقصر غالبا خلافا للزركشي في قوله: الظاهر الثاني معللا له بأن خيار الشرط ثابت
بالاجماع، ومثل ذلك ما لو كان خيار المجلس لواحد بأن ألزم البيع من الآخر وخيار الشرط للآخر والحمل الموجود
عند البيع مبيع كالأم فيقابله قسط من الثمن لا كالزوائد الحاصلة في زمن الخيار، بخلاف ما إذا حدث في زمن الخيار فإنه
من الزوائد. ومتى وطئ الأمة المبيعة من انفرد بالخيار حل له لنفوذ تصرفه فيها. فإن قيل: حل وطئ المشتري متوقف
على الاستبراء وهو غير معتد به في زمن الخيار على الأصح. أجيب بأن المراد بحل الوطئ حله المستند للملك لا للاستبراء
ونحوه كحيض وإحرام، على أنه قد لا يجب الاستبراء، بأن يشتري زوجته فلا يحرم وطؤها في زمن الخيار من حيث
الاستبراء. ولو اشترى زوجته بشرط الخيار ثم طلقها في زمنه، فإن كان الخيار للبائع وقع لبقاء الملك له، وكذا يقع إن
كان الخيار لهما وفسخ البيع لتبين بقاء الملك له لا إن تم لتبين أنها ملك المشتري. وإن كان الخيار للمشتري وتم البيع لم
يقع لأنها ملكه، وإن فسخ فوجهان مبنيان على أن الفسخ برفع العقد من حينه أو من أصله، والأصح الأول فلا
يقع. ويحرم وطؤها في زمن الخيار إذا كان له وحده لجهالة جهة المبيع له لأنه لا يدري أيطأ بالملك أو بالزوجية، وإذا
اختلفت الجهة وجب التوقف احتياطا للبضع. أما إذا كان الخيار للبائع أو لهما فيجوز الوطئ بالزوجية لبقائها.
48

(ويحصل الفسخ) للعقد (والإجازة) له في زمن الخيار، (بلفظ يدل عليهما) ففي الفسخ (كفسخت البيع ورفعته واسترجعت
المبيع) ورددت الثمن، (وفي الإجازة: أجزته) أي البيع، (وأمضيته) وألزمته ونحو ذلك. وهذه الألفاظ صرائح.
ويحصلان بالكناية أيضا. قال في المجموع: والفسخ بالخيار هل يرفع العقد من أصله أو من حينه؟ فيه الخلاف الآتي في
الفسخ بالعيب، والأصح فيه الثاني ومرت الإشارة إليه. (ووطئ البائع) الأمة المبيعة (وإعتاقه) الرقيق المبيع
في زمن الخيار المشروط له أو لهما، (فسخ) للبيع، أي متضمن له. أما الاعتاق فلتضمنه الفسخ، وأما الوطئ فلاشعاره
باختيار الامساك. فإن قيل: قياس ذلك أن الرجعة تحصل بالوطئ. أجيب بأن الرجعة لتدارك النكاح، وابتداؤه
لا يحصل بالفعل فكذا تداركه، والفسخ هنا لتدارك الملك، وابتداؤه يحصل بالقول والفعل كالسبي والاحتطاب فكذا
تداركه. ومقدمات الجماع كاللمس بشهوة والقبلة ليست فسخا كاستخدامه الرقيق وركوبه الدابة، وإن قال في
المطلب:
الأشبه أنها فسخ. ولا حد على من وطئ منهما مطلقا. وينفذ استيلاد البائع إن كان الخيار له أو لهما، فإن وطئها المشتري
بلا إذن والخيار للبائع دونه لزمه المهر وإن تم البيع لأنه وطئ أمة غيره بشبهة. وكذا يلزمه المهر إن كان الخيار لهما
ولم يتم البيع بأن فسخ لا إن تم، بناء على أن الملك موقوف فيهما والولد الحاصل منه حر نسيب في الأحوال كلها للشبهة،
وحيث يلزمه المهر لا يثبت استيلاده، وإن ملك الأمة بعد الوطئ لانتفاء ملكه لها حين العلوق ويلزمه قيمة الولد للبائع
لأنه فوت عليه رقه، وإن وطئها البائع والخيار للمشتري دونه فكما لو وطئ المشتري والخيار للبائع دونه في المهر والاستيلاد
والقيمة. وقول البائع في زمن الخيار للمشتري: لا أبيع حتى تزيد في الثمن أو تعجله وقد عقد بمؤجل فامتنع المشتري فسخ
، وكذا قول المشتري: لا أشتري حتى تنقص من الثمن أو تؤجله وقد عقد بحال فامتنع البائع. (وكذا بيعه) المبيع
(وإجارته) ووقفه (وتزويجه) ورهنه المقبوض وهبته المقبوضة فسخ (في الأصح) لاشعاره بعدم البقاء عليه،
وصح ذلك منه أيضا، وتقدم أنه لا يجوز له الوطئ إلا إذا كان الخيار له. والثاني: لا يكتفي في الفسخ بذلك لأن الأصل
بقاء العقد فتستصحب إلى أن يوجد الفسخ صريحا، وإنما جعل العتق فسخا لقوته. (والأصل أن هذه التصرفات)
الوطئ وما بعده (من المشتري) في زمن الخيار المشروط له أو لهما، (إجازة) للشراء لاشعارها بالبقاء عليه. والثاني:
لا يكتفي في الإجازة بذلك. وعلم مما مر أن وطأه حلال إن كان الخيار له وإلا فحرام، وقول الأسنوي إنه حلال إن
أذن له البائع مبني على أن مجرد الاذن في التصرف إجازة، والمنقول خلافه. ويستثنى الوطئ من الخنثى والوطئ له
فليس فسخا ولا إجازة. فإن اختار الموطوء في الثانية الأنوثة بعد الوطئ تعلق الحكم بالوطئ السابق، ذكره في المجموع.
وقياسه: أنه لو اختار الواطئ في الأولى الذكورة بعد تعلق الحكم بالوطئ السابق، والظاهر كما قال الأذرعي: أن
محل كون الوطئ فسخا أو إجازة إذا علم الواطئ أو ظن أن الموطوءة هي المبيعة ولم يقصد بوطئه الزنا لاعتقاده ذلك،
والاعتاق نافذ منه إذا كان الخيار له، وإن كان لهما أو للبائع، فإن أذن فيه البائع نفذ وكان إجازة من البائع أيضا، وإن
لم يأذن بموقوف فيما إذا كان الخيار لهما فإن تم البيع
نفذ وإلا فلا، وغير نافذ فيما إذا كان الخيار للبائع وإن تم البيع، والبقية صحيحة إن كان الخيار له، وكذا إن كان لهما أو للبائع أو باع للبائع نفسه وإلا فغير صحيحة.
وعلى هذا التفصيل يحمل قول الشارح إنها غير صحيحة. (و) الأصح (أن العرض) للمبيع في زمن الخيار
(على
البيع والتوكيل فيه) والهبة والرهن إذا لم يتصل بهما قبض، (ليس فسخا من البائع ولا إجازة من المشتري) لعدم
إشعارها من البائع بعدم البقاء عليه ومن المشتري بالبقاء عليه، لأنه قد يقصد أن يستبين ما يدفع فيه ليعلم أربح
أم خسر. والثاني: أن ذلك فسخ وإجازة. فإن قيل: إن ذلك رجوع في الوصية فهلا كان ذلك فسخا أجيب بضعف
49

الوصية، لأنه لم يوجد في حياة الموصي إلا أحد شقي العقد. ثم شرع في النوع الثاني مترجما له بفصل، فقال:
فصل: في خيار النقيصة، وهو المعلق بفوات مقصود مظنون، نشأ الظن فيه من قضاء عرفي أو التزام
شرطي أو تغرير فعلي. ثم شرع في الأمر الأول، وهو ما يظن حصوله بالعرف، وهو السلامة من العيب، فقال
: (للمشتري) الجاهل بما يأتي (الخيار بظهور عيب قديم) والمراد بقدمه كونه موجودا عند العقد أو حدث قبل القبض
كما يعلم من كلامه الآتي. أما المقارن فبالاجماع، وأما الحادث قبل القبض فلان المبيع حينئذ من ضمان البائع فكذا
جزؤه وصفته.
تنبيه: إنما اقتصر المصنف على ثبوت الخيار للمشتري لأن حصول العيب في المبيع هو الغالب. ويستثنى من
رده مسائل: منها ما إذا حدث العيب قبل القبض بفعل المشتري كما سيأتي. ومنها ما إذا كان المشتري مفلسا أو ولي
محجور أو عامل قراض وكانت الغبطة في الامساك. ومنها ما إذا اشترى الوكيل ورضي الموكل بالعيب. وقضية إطلاقه
أنه لا فرق بين أن يقدر المشتري على إزالة العيب أم لا، وهو كذلك، نعم لو أحرم العبد بغير إذن سيده ثم باعه فللمشتري
تحليله كالبائع كما مر في بابه، ولا خيار له كما في زوائد الروضة وإن قال البلقيني بثبوت الخيار. وفوات الوصف المقصود
كالعيب في ثبوت الخيار، فلو اشترى عبدا كاتبا أو متصفا بصفة تزيد على ثمنه ثم زالت تلك الصفة بنسيان أو غيره في
يد البائع ثبت للمشتري الخيار، وإن لم يكن فواتها عيبا قبل وجودها، قاله ابن الرفعة. (كخصاء) حيوان بالمد، (رقيق)
أو غيره، لأن الفحل يصلح لما لا يصلح له الخصي، والجب كالخصاء وإن زادت قيمتهما باعتبار آخر.
تنبيه: عبارته تفهم بغير ما قدرته أن الخصاء في البهائم ليس بعيب، وليس مرادا، فقد صرح الجرجاني وغيره
بأنه عيب فيها، ولذلك لم يقيده في الروضة بالرقيق. وقد يقال إن الثيران الغالب فيها الخصاء، فلا يثبت فيها خيار
لدخولها في قولهم إذا غلب في جنس المبيع عدمه، وإذا كان في المفهوم تفصيل لا يعترض به، ولذلك قال الأذرعي:
وفي الضأن المقصود لحمه توقف لغلبة ذلك فيه، وكذا في البراذين والبغال، بل الفحولة نقص فيها. (وزناه) أي الرقيق،
(وسرقته وإباقه) أي كل منها وإن لم يتكرر ولو ناب منها، لأن تهمة الزنا لا تزول، ولهذا لا يعود إحصان الحر الزاني
بالتوبة. وما تقرر من أن السرقة أو الإباق مع التوبة عيب هو المعتمد كما جرى عليه ابن المقري وصرح به القاضي في
الإباق، خلافا لبعض المتأخرين. واستثنى بعضهم من السرقة ما إذا دخل مسلم دار الحرب ومعه عبده فسرق العبد مال
حربي، قال: والذي أراه أن لا يجعل ذلك عيبا مثبتا للرد ابتداء اه‍. والأولى عدم استثناء هذه لأنها غنيمة وإن وقع
ذلك على صورة السرقة. واستثنى من إباق العبد ما لو خرج عبد من بلاد الهدنة بعد أن أسلم وجاء إلينا فللامام بيعه،
ولا يجعل بذلك آبقا من سيده موجبا للرد، لأن هذا الإباق مطلوب. وحيث قيل: له الرد بالإباق فمحله في حال عوده.
أما حال إباقه فلا رد قطعا ولا أرش في الأصح. (وبوله في الفراش) ذكرا كان أو أنثى إن خالف العادة بأن اعتاده
لسبع سنين فأكثر تقريبا لأنه يقل الرغبة فيه، فلو لم يعلم به إلا بعد كبر العبد لم يرد ويرجع الأرش، لأن علاجه في الكبر
صعب فصار كبره عيبا حدث، قاله الماوردي و الروياني. ومحل الرد كما قال بعضهم إذا كان يبول عند البائع
وظهر أمره عند المشتري، أما لو كان يبول عند البائع ثم لم يبل عند المشتري فلا رد له لأنه تبين أن العيب قد زال قبل
البيع. (وبخره) وهو الناشئ من تغير المعدة دون ما يكون من قلح الأسنان، فإن ذلك يزول بتنظيف الفم. واعترض
ذلك في الذخائر بأن التغير بالقلح يسمى بخرا، قال الأسنوي: وهو اعتراض صحيح. (وصنانه) المستحكم دون
ما يكون لعارض عرق أو حركة ونحو ذلك. وعيوب الرقيق لا تكاد تنحصر، فمنها أن يكون نماما، أو كذابا، أو ساحرا،
أو قاذفا للمحصنات، أو مقامرا، أو تاركا للصلاة، قال الزركشي: وينبغي اعتبار ترك ما يقتل به منها. أو شاربا ما يسكر
وإن لم يشربه. قال الزركشي: وينبغي أن يقيد بالمسلم دون من يعتاد ذلك من الكفار فإنه غالب فيهم. أو خنثى
50

مشكلا أو واضحا، أو مخنثا، وهو بفتح النون وكسرها الذي تشبه حركاته حركات النساء خلقا وخلقا. أو ممكنا من نفسه
وإن كان صغيرا أو مرتدا، قال الماوردي: وإن تاب. أو محرما بإذن من البائع، أو كافرا لم يجاوره كفار لقلة الرغبة،
فإن جاوره كفار فليس بعيب. أو كون الأمة رتقاء، أو قرناء، أو مستحاضة، أو يتطاول طهرها فوق العادة الغالبة، أو لا تحيض
وهي في سن الحيض غالبا بأن بلغت عشرين سنة، قاله القاضي، لأن ذلك إنما يكون لعلة. أو حاملا لأنه يخاف من هلاكها
بالوضع لا في البهائم فإن الغالب فيها السلامة. أو معتدة ولو محرمة عليه بنحو نسب، خلافا للجيلي في المحرمة. أو كافرة كفرها
يحرم الوطئ كوثنية. واصطكاك الكعبين، وسواد الأسنان أو حمرتها كما بحثه بعضهم. أو خضرتها، أو زرقتها، أو تراكم
الوسخ الفاحش في أصولها، وذهاب الأشفار من الأمة، وكبر أحد ثدييها، والخيلان الكثيرة بكسر الخاء جمع
خال،
وهو الشامة، وآثار الشجاج. قال الروياني: أو كونه أعسر. وفصل ابن الصلاح فقال: إن كان أضبط وهو الذي يعمل
بيده معا فليس بعيب، لأن ذلك زيادة في القوة، وإلا فهو عيب. ولعل الروياني لا يخالف ذلك. أو أشل، أو أقرع،
وهو من ذهب شعر رأسه بآفة. أو أصم وهو من لم يسمع. أو أخفش وهو صغير العين ضعيف البصر خلقة، ويقال هو
من يبصر بالليل دون النهار، وفي الغيم دون الصحو، وكلاهما عيب كما ذكره في الروضة. أو أجهر، وهو من لا يبصر
في الشمس. أو أعشى، وهو من يبصر بالنهار دون الليل، وفي الصحو دون الغيم، والمرأة عشواء. أو أخشم أو أبكم
أو أخرس، أو أرت لا يفهم كلام غيره، أو فاقد الذوق، أو أنملة، أو الظفر، أو الشعر ولو عانة. أو في رقبته لا في ذمته فقط
دين. فإن قيل: من تعلق برقبته مال لا يصح بيعه فكيف يعد من العيوب؟ أجيب بأن صورته أن يبيعه ثم يجني
جناية تتعلق برقبته قبل قبضه فإنها من ضمان البائع. أو له أصبع زائدة، أو سن شاغية، وهي بشين وغين معجمتين
، الزائدة التي تخالف نبتها نبتة بقية الأسنان. أو سن مقلوعة لا لكبر. أو به قروح أو أبهق، والبهق بياض يعتري الجلد
يخالف لونه وليس من البرص، فالبر ص والجذام أولى. أو أبيض الشعر في غير سنه، ولا تضر حمرته. أو مخبلا بالموحدة
، وهو من في عقله خبل أي فساد. أو أبله، وهو من غلب عليه سلامة الصدر، روي: إن أكثر أهل الجنة البله أي
في أمر الدنيا لقلة اهتمامهم بها، وهم أكياس في أمر الآخرة، وحمل بعضهم الأبله على معنى لطيف، وهو من يعمل
لأجل النعيم، وغيره هو الذي يعمل لوجه الله تعالى، فأكثر أهل الجنة من القسم الأول فهو ليس بمذموم، ولكن
القسم الثاني أعلى. (وجماح الدابة) بالكسر: أي امتناعها على راكبها. (وعضها) أو رمحها لنقص القيمة بذلك
وكونها تشرب لبنها أو لبن غيرها، أو تكون بحيث يخشى من ركوبها السقوط لخشونة مشيها. أو ساقطة الأسنان لا لكبر
، أو قليلة الاكل بخلاف قلة الاكل في الآدمي. والحموضة في البطيخ لا الرمان عيب. ولا رد بكون الرقيق رطب الكلام
ولا بكونه عقيما، ولا بكون العبد عنينا، وليس عدم الختان عيبا إلا في عبد كبير خوفا عليه من الختان بخلاف الأمة
الكبيرة، لأن ختانها سليم لا يخاف عليها منه، وضبط بعضهم الصغير بعدم البلوغ. ومن العيوب ظهور مكتوب بوقفية
المبيع ولم يثبت، وكذا شيوعها بين الناس. وشق أذن الشاة مثلا إن منع الاجزاء في الأضحية. ولما كان لا مطمع
في استيفاء العيوب المثبتة للرد ذكر ضابطا جامعا لها شاملا لما ذكره ولما لم يذكره فقال: (وكل ما) بالجر، (ينقص
العين) بفتح الياء وضبط القاف بضبط المصنف أفصح من ضم الياء وكسر القاف المشددة، قال تعالى: * (ثم لم ينقصوكم
شيئا) *. (أو القيمة نقصا يفوت به غرض صحيح إذا غلب في جنس المبيع عدمه) إذ الغالب في الأعيان السلامة، فبدل
المال يكون في مقابلة السليم، فإذا بان العيب وجب التمكن من التدارك. فقوله: يفوت به غرض صحيح قيد
في نقص العين خاصة ليحترز به عن قطع أصبع زائدة أو جزء يسير من الفخذ أو الساق لا يورث شينا ولا يفوت غرضا
، فلا رد به، فلو ذكره عقبه إما بأن يقدم ذكر القيمة، أو يجعل هذا القيد عقب نقص العين قبل ذكر القيمة لكان
أولى. وقوله: إذا غلب في جنس المبيع عدمه يرجع إلى القيمة والعين، فأما القيمة فاحترز به عن الثيوبة في الأمة
51

الكبيرة السن. قال شيخي: وكذا الخصاء في الثيران، ومرت الإشارة إليه. قال الأذرعي: وكترك الصلاة في الأرقاء
فإن ذلك لا يقتضي الرد وإن نقصت القيمة بذلك، ويمكن حمل هذا على الأرقاء الجلب، وما تقدم على غيرهم. وأما
في العين فاحترز به على قلع الأسنان في الكبير، قاله الأسنوي، قال: وقد جزم في المطلب بامتناع الرد ببياض الشعر
في الكبير، وهو نظير ما نحن فيه.
فائدة: العيب ستة أقسام: في البيع، والزكاة، والغرة، والصداق إذا لم يفارق قبل الدخول ما مر، وفي الكفارة
ما ضر بالعمل إضرارا بينا، وفي الأضحية والهدي والعقيقة ما نقص اللحم، وفي النكاح ما نفر عن الوطئ كما هو
مبين في محله، وفي الصداق إذا فارق قبل الدخول ما فات به غرض صحيح سواء أكان الغالب في أمثاله عدمه أم لا،
وفي الإجارة ما يؤثر في المنفعة تأثيرا يظهر به تفاوت في الأجرة. قال الدميري: وينبغي أن يزاد عيب المرهون، فالظاهر
أنه ما نقص القيمة فقط. (سواء) في ثبوت الخيار (قارن) العيب (العقد) بأن كان موجودا قبله (أم حدث)
بعده و (قبل القبض) للمبيع، لأن المبيع حينئذ من ضمان البائع، فكذا جزؤه. ولو حدث قبل القبض بسبب متقدم
رضي به المشتري، كما لو اشترى بكرا مزوجة عالما فأزال الزوج بكارتها. قال السبكي: لم أر فيه نقلا، والأقرب
القطع بأنه لا يوجب الرد لرضاه بسببه. فإن قيل: إن هذه ستأتي في قول المصنف: إلا أن يستند إلى سبب متقدم. أجيب بأن
الذي يأتي في كلامه أن العيب إذا حدث بعد القبض بسبب سابق لا يمنع الرد، والذي قاله السبكي أنه لو حدث العيب
قبل القبض بسبب سابق رضي به المشتري فعلى كلام السبكي تستثنى هذه الصورة من كلام المصنف. (ولو حدث) العيب
(بعده) أي القبض، (فلا خيار) في الرد به لأنه بالقبض صار من ضمانه، فكذا جزؤه وصفته. قال ابن الرفعة: ومحله
بعد لزوم العقد، أما قبله فينبني على ما إذا تلف حينئذ هل ينفسخ؟ والأرجح ما قاله الرافعي إن قلنا الملك للبائع
انفسخ
وإلا فلا، فإن قلنا ينفسخ، أي وهو الراجح، فحدوثه كوجوده قبل القبض. (إلا أن يستند إلى سبب متقدم) على القبض
أو العقد ويجهله المشتري، (كقطعه) أي المبيع العبد أو الأمة (بجناية) أو سرقة (سابقة) على القبض، (فيثبت الرد)
بذلك (في الأصح) لأن قطعه لتقدم سببه كالمتقدم. وفي معنى القطع زوال البكارة واستيفاء الحد بالجلد. والثاني:
لا يثبت به الرد لأنه قد تسلط على التصرف بالقبض فيدخل المبيع في ضمانه، وعلى هذا يرجع بالأرش وهو ما بين قيمته
مستحق القطع وغير مستحقه من الثمن، فإن كان عالما به فلا رد له به جزما ولا أرش لدخوله في العقد على بصيرة.
(بخلاف موته) أي المبيع، (بمرض سابق) على القبض جهله المشتري، فلا يثبت به لازم الرد المتعذر من استرجاع الثمن،
(في الأصح) المقطوع به. ولو عبر بالمذهب لكان أولى، لأن المرض يزداد شيئا فشيئا إلى الموت فلم يحصل بالسابق.
والثاني: يثبت استرجاع الثمن لأن السابق أفضى إليه فكأنه سبق فينفسخ به البيع قبيل الموت. وعلى الأول للمشتري
أرش المرض وهو ما بين قيمة المبيع صحيحا ومريضا من الثمن، ومحل الخلاف في المرض المخوف كما في التذنيب وغيره،
أما غيره كالحمى اليسيرة إذا لم يعلم بها المشتري، فإن زادت في يده ومات لا يرجع بشئ قطعا لموته بما حدث في يده،
والجراحة السارية كالمرض، وكذا الحامل إذا ماتت من الطلق، فإن كان المشتري عالما بالمرض فلا شئ له جزما. (ولو قتل)
المبيع (بردة) أو محاربة أو جناية توجب قصاصا، (سابقة) على القبض جهلها المشتري، (ضمنه البائع في الأصح)
بجميع الثمن لأن قتله لتقدم سببه كالمتقدم فينفسخ البيع فيه قبيل القتل. والثاني: لا يضمنه البائع، ولكن تعلق القتل
به عيب يثبت به الأرش وهو ما بين قيمته مستحق القتل وغير مستحقه من الثمن. وينبني على الخلاف في المسألتين
مؤنة التجهيز والدفن، فهي على الأصح على المشتري في الأولى وعلى البائع وجوبا في الثانية. فإن كان المشتري عالما
52

بالحال فلا شئ له جزما.
تنبيه: لو قال المصنف: قتل بموجب سابق لكان أولى ليشمل ما زدته والقتل بترك الصلاة ونحو ذلك. فإن
قيل: تارك الصلاة لم يقتل بموجب سابق، بل بتصميمه على ترك القضاء. أجيب بأن الترك موجب للقتل، والتصميم
على ترك القضاء موجب للاستيفاء كما في الردة فإنها السبب الموجب للقتل وبقاؤه عليها موجب للاستيفاء. قال الشارح:
ولو أخر عبارته الأولى، وهي قوله: بخلاف موته إلخ عن الثانية لاستغنى عن التأويل السابق، أي وهو قولنا تبعا له
لازم الرد، إذ لا يتوهم أن الخلاف في الرد لأنه قد تعذر بموته. وقضية كلامه صحة بيع المرتد وهو الأصح، وكذا المتحتم
قتله بالمحاربة ولا قيمة على متلفهما كما قاله ابن المقري لاستحقاقهما القتل، والثانية نقلها الشيخان عن القفال، ولعله
بناها على أن المغلب في قتل المحارب معنى الحد، لكن الصحيح أن المغلب فيه معنى القصاص وأنه لو قتله غير الامام
بغير إذنه لزمه ديته، وقضيته أنه يلزم قاتل العبد المحارب قيمته لمالكه، نبه على ذلك الأذرعي. والمعتمد الأول مع أن
الحكم لا ينحصر فيه وفي المرتد بل يجري في غيرهما كتارك الصلاة والصائل والزاني المحصن بأن زنى ذمي ثم التحق
بدار الحرب ثم استرق فيصح بيعهم ولا قيمة على متلفهم. ثم شرع في الأمر الثاني وهو ما يظن حصوله بشرط، فقال:
(ولو باع) حيوانا أو غيره (بشرط براءته من العيوب) في المبيع، أو قال بعتك على أن لا ترد بعيب، (فالأظهر أنه يبرأ
عن عيب باطن بالحيوان لم يعلمه) البائع (دون غيره) أي العيب المذكور، فلا يبرأ عن عيب بغير الحيوان كالثياب
والعقار مطلقا، ولا عن عيب ظاهر بالحيوان علمه أم لا، ولا عن عيب باطن بالحيوان علمه. والمراد بالباطن كما قال شيخي
ما لا يطلع عليه غالبا. والثاني: يبرأ عن كل عيب عملا بالشرط. والثالث: لا يبرأ عن عيب ما للجهل بالمبرأ منه، وهو القياس،
وإنما خرج منه على الأول صورة من الحيوان لما رواه مالك في الموطأ: أن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما باع غلاما
بثمانمائة درهم وباعه بالبراءة، فقال الذي ابتاعه وهو زيد بن ثابت لعبد الله بن عمر: بالعبد داء لم تسمه لي فاختصما
إلى عثمان رضي الله تعالى عنه فقضى على ابن عمر أن يحلف لقد باعه العبد وما به داء يعلمه، فأبى عبد الله أن يحلف
وارتجع العبد فباعه بألف وخمسمائة، وفي الشامل وغيره أن المشتري زيد بن ثابت كما أورده الرافعي، وأن ابن عمر كان
يقول: تركت اليمين لله فعوضني الله عنها ذل قضاء عثمان رضي الله عنه على البراءة في صورة الحيوان المذكورة. وقد
وافق اجتهاده فيها اجتهاد الشافعي رضي الله تعالى عنه، وقال: الحيوان يغتدي في الصحة وتحول طباعه فقد
لا ينفك عن عيب خفي أو ظاهر، أي فيحتاج البائع فيه إلى شرط البراءة ليثق بلزومه البيع فيما لا يعلمه من الخفي دون
ما يعلمه مطلقا في حيوان أو غيره لتلبيسه فيه، وما لم يعلمه من الظاهر فيهما لندرة خفائه عليه، أو من الخفي في غير الحيوان
كالجوز واللوز إذ الغالب عدم تغيره بخلاف الحيوان.
تنبيه: لا فرق في الحيوان بين العبد الذي يخبر عن نفسه وغيره. وقول المصنف: عن كل عيب باطن، لفظة باطن
ساقطة من بعض النسخ، والصواب إثباتها لما مر أنه لا يبرأ عن عيب ظاهر. قال الولي العراقي: وقد رأيت
لفظة باطن
مخرجة على حاشية أصل المصنف، لكن لا أدري هل هي بخطه أم لا؟ وليست في المحرر اه‍. وفي الدقائق لفظة باطن
مما زاده المنهاج ولا بد منها على الصحيح. (وله) أي المشتري، (مع هذا الشرط الرد بعيب حدث) بعد العقد
و (قبل القبض) لانصراف الشرط إلى الموجود عند العقد، ولو اختلفا في القدم فوجهان في الحاوي. ويؤخذ من كلام
المصنف الآتي في قوله: ولو اختلفا في قدم العيب أن البائع هو المصدق. (ولو شرط البراءة عما يحدث) من العيوب قبل
القبض ولو مع الموجود منها، (لم يصح) الشرط (في الأصح) لأنه إسقاط للشئ قبل ثبوته فلم يسقكما لو برأه عن
ثمن ما يبيعه له. والثاني: يصح بطريق التبع، فإن انفرد الحادث فهو أولى بالبطلان كما في الروضة وأصلها، ولو شرط البراءة
عن عيب عينه فإن كان مما يعاين كالبرص فإن أراه قدره وموضعه برئ منه قطعا وإلا فهو كشرط البراءة مطلقا فلا
53

يبرأ منه على الأظهر لتفاوت الأغراض باختلاف قدره وموضعه، وإن كان مما لا يعاين كالزنا أو السرقة أو الإباق برئ
منه قطعا، لأن ذكرها إعلام به قال السبكي: وبعض الوراقين في زماننا يجعل بدل شرط البراءة إعلام البائع
المشتري بأن بالمبيع جميع العيوب ورضي به، وهذا جهل لأنه كذب ولا يفيد لأن الصحيح أن التسمية لا تكفي فيما
يمكن معاينته حتى يريه إياه. وأما ما لا يمكن معاينته فذكره مجملا بهذه العبارة كذكر ما يمكن معاينته بالتسمية
من غير رؤية فلا يفيد. ولا يجوز للحاكم إلزام المشتري بمقتضى هذا الاقرار للعلم بكذبه وبطلانه، وإذا وقع ذلك يكون
كشرط البراءة. ولو شرط أن الأمة بكر أو صغيرة أو مسلمة فبان خلاف ذلك فله الرد لخلف الشرط، وكذا لو شرط كون
الرقيق المبيع كاتبا أو خبازا أو نحو ذلك من الأوصاف المقصودة فبان خلافه فإنه يثبت له الخيار لفوات فضيلة ما شرطه.
ولو شرط أنها ثيب فخرجت بكرا لم ترد لأنها أكمل مما شرط، وقيل: ترد لأنه قد يكون له في ذلك غرض كضعف آلته
أو كبر سنه وقد فات عليه. ولو شرط أن الرقيق كافر أو فحل أو مختون أو خصي فخرج مسلما في الأولى أو خصيا في الثانية
أو أقلف في الثالثة أو فحلا في الرابعة، ثبت له الرد لاختلاف لأغراض بذلك، إذ في الكافر مثلا فوات كثرة الراغبين،
إذ يشتريه الكافر والمسلم بخلاف المسلم. والخصي بفتح الخاء من قطع أنثياه أو سلتا وبقي ذكره، فلو شرط كونه أقلف
فبان مختونا لم يثبت له الرد إذ لم يفت بذلك غرض مقصود إلا إن كان الأقلف مجوسيا بين مجوس يرغبون فيه بزيادة
فيثبت له بذلك الرد. ولو شرط كونه فاسقا أو خائنا أو أميا أو أحمق أو ناقص الخلقة فبان خلافه لم يثبت له الرد لأنه خير مما
شرط. ولو شرط كون الأمة يهودية أو نصرانية فبانت مجوسية أو نحوها ثبت له الرد لفوات حل الوطئ، بخلاف ما لو شرط
كونها يهودية فبانت نصرانية أو بالعكس. ولو اشترى ثوبا على أنه قطن فبان كتانا لم يصح الشراء لاختلاف الجنس. (ولو
هلك المبيع) غير الربوي المبيع بجنسه، (عند المشتري) سواء كان بآية سماوية أم بغيرها كأن أكل الطعام (أو)
خرج عن قبول النقل كأن (أعتقه) والعبد مسلم، أو وقفه ولو كافرا، أو استولد الأمة، أو جعل الشاة أضحية، (ثم علم
العيب) به (رجع بالأرش) لتعذر الرد بفوات المبيع حسا أو شرعا. فإن كان العبد كافرا، قال الأسنوي: لا يرجع
، لأنه لم ييأس من رده لامكان لحوقه بدار الحرب فيسترق ثم يعود إلى الملك. قال: ويجب حمل إطلاقهم على هذا اه‍
. ومحله إذا كان المعتق كافرا أيضا، إذ عتيق المسلم لا يسترق، ومع هذا فهو بعيد، فينبغي إطلاق كلام الأصحاب.
ولو اشترى معيبا جاهلا بعيبه يعتق عليه، أو بشرط العتق فأعتقه رجع بأرشه، لأن المقصود وإن كان العتق قربة
فبذل الثمن إنما كان في مقابلة ما ظنه من سلامة المبيع، فإذا فات منه جزء صار ما قصد عتقه مقابلا ببعض الثمن فرجع
في الباقي. ومسألة القريب أو من أقر بحريته ليست داخلة في كلام المصنف رحمه الله، فإن الموجود إنما هو
العتق لا الاعتاق. ولو قال: أعتق عبدك عني على كذا ففعل ثم ظهر معيبا وجب الأرش واستمر العتق كما جزم به
الشيخان في الكفار، قالا: ويجزئ عن الكفارة إن لم يمنع العيب الاجزاء. أما الربوي المذكور كذهب بيع بوزنه
ذهبا فبان معيبا بعد تلفه فلا أرش فيه، بل يفسخ البيع، ويغرم البدل، ويسترد الثمن، وإلا لنقص الثمن فيصير
الباقي منه مقابلا بأكثر منه، وذلك ربا إن ورد على العين، فإن ورد على الذمة ثم عين غرم بدل التالف، واستبدل
في مجلس الرد وإن فارق مجلس العقد. وهل يمتنع الرد على بائع الصيد إذا أحرم لأن رده إتلاف عليه؟ قال
الأسنوي: فيه نظر اه‍. والذي يظهر أن له الرد، لأن البائع منسوب إلى تقصير في الجملة. ولو وجد المسلم إليه برأس
مال المسلم عيبا بعد تلفه عنده، فإن كان معينا نقص من المسلم فيه بقدر نقص العيب من قيمة رأس المال أو
في الذمة وعين غرم بدل التالف واستبدل في مجلس الرد، وإن فارق مجلس العقد. (وهو) أي الأرش (جزء من
ثمنه) أي المبيع، (نسبته إليه) أي نسبة الجزء إلى الثمن، (نسبة) أي مثل نسبة (ما نقص العيب من القيمة
لو كان) المبيع (سليما) إليها، ولو ذكر هذه اللفظة وقال كما في المحرر والشرحين والروضة إلى تمام قيمة السليم
54

لكان أولى، لأن النسبة لا بد فيها من منسوب ومنسوب إليه، والنسبة هنا مذكورة مرتين، فالأولى هي النسبة
المذكورة في الجزء الذي هو الأرش وقد ذكر فيها الامرين، وأما الثانية فذكر معها المنسوب خاصة وهو المقدار
الذي نقصه العيب من القيمة، فيقال: نأخذ نسبة هذا المقدار من تمام القيمة، ولكنه ترك ذلك للعلم به، فلو كانت
قيمته بلا عيب مائة وبه تسعين فنسبة النقص إلى قيمة عشر، فالأرش عشر الثمن، وإنما كان الرجوع بجزء من الثمن
لأن المبيع مضمون على البائع بالثمن، فيكون جزؤه مضمونا عليه بجزء الثمن، فإن كان قبض الثمن رد جزئه وإلا سقط عن
المشتري بطلبه، وقيل: بلا طلب. (والأصح اعتبار أقل قيمه) أي المبيع، (من يوم) أي وقت (البيع إلى) وقت (القبض) لأن
القيمة إن كانت وقت البيع أقل فالزيادة حدثت في ملك المشتري فلا تدخل في التقويم، وإن كانت وقت القبض أو بين
الوقتين أقل فما نقص كان من ضمان البائع، والزيادة في الثانية حدثت في ملك المشتري فلا تدخل في التقويم.
والثاني: اعتبار قيمة وقت البيع، لأنه وقت مقابلة الثمن بالمبيع. والثالث: قيمة وقت القبض، لأنه وقت دخول
المبيع في ضمان المشتري.
تنبيه: قول المصنف: أقل قيمه، قال في الدقائق: وهو جمع قيمة، وعلى هذا يقرأ بفتح الياء، وبذلك ضبطه
المصنف في أصله وقال إنه أصوب من قول المحرر أقل قيمتي العقد والقبض لاعتباره الوسط، أي بين قيمتي اليومين.
قال الأسنوي: وما في الكتاب غريب، لأنه ليس محكيا في أصوله المبسوطة وجها فضلا عن اختياره، ولان النقصان
الحاصل قبل القبض إذا زال قبل القبض لا يثبت للمشتري الخيار فكيف يكون مضمونا على البائع اه‍. وعبر بالأصح
دون الأظهر ليوافق الطريقة الراجحة وإن لم يشعر بها، ولو عبر بالمذهب كان أولى، لأن هذه أقوال محكية في طريقة
فيما عدا ما بين الوقتين، والطريقة الراجحة القطع باعتبار أقل قيمتي وقت العقد والقبض. وإذا اعتبرت قيم المبيع فإما
أن تتحد قيمتاه سليما وقيمتاه معيبا، أو تتحدا سليما وتختلفا معيبا، وقيمته يوم العقد أقل أو أكثر أو يتحدا معيبا ويختلفا
سليما، وقيمته يوم العقد أقل أو أكثر، أو يختلفا سليما ومعيبا وقيمته يوم العقد سليما ومعيبا أقل
، أو أكثر، أو سليما أقل ومعيبا أكثر، أو بالعكس، فذاك تسعة أقسام أمثلتها على الترتيب: اشترى عبدا بألف وقيمته وقت العقد والقبض سليما
مائة ومعيبا تسعون فالنقص عشرة، وهي عشر قيمته سليما، فيرجع على البائع بعشر الثمن وهو مائة. ولو كانت قيمتاه
سليما مائة وقيمته معيبا وقت العقد ثمانين ووقت القبض تسعين أو وقت العقد تسعين ووقت القبض ثمانين، فالتفاوت
بين قيمتيه سليما وأقل قيمتيه معيبا عشرون وهي خمس قيمته سليما فيرجع بخمس الثمن. ولو كانت قيمته معيبا ثمانين
وسليما وقت العقد تسعين ووقت القبض مائة أو وقت العقد مائة ووقت القبض تسعين، فالتفاوت بين قيمته معيبا وأقل
قيمتيه سليما عشرة وهي تسع أقل قيمتيه سليما فيرجع بتسع الثمن. ولو كانت قيمته وقت العقد سليما مائة ومعيبا ثمانين
ووقت القبض سليما مائة وعشرين ومعيبا تسعين أو بالعكس أو قيمته وقت العقد سليما مائة ومعيبا تسعين ووقت القبض
سليما مائة وعشرين ومعيبا ثمانين أو بالعكس، فالتفاوت بين أقل قيمتيه سليما وأقل قيمتيه معيبا عشرون وهي خمس أقل
قيمتيه سليما فيرجع بخمس الثمن. وإذا نظرت إلى قيمته فيما بين الوقتين أيضا زادت الأقسام. (ولو تلف الثمن) المقبوض
حسا كأن تلف، أو شرعا كأن أعتقه أو كاتبه أو وقفه أو استولد الأمة أو خرج عن ملكه إلى غيره أو تعلق به حق
لازم كرهن. (دون المبيع) المقبوض ثم اطلع على عيب وأراد رده به (رده) أي المبيع المشتري لوجوده خاليا عن
الموانع، (وأخذ مثل الثمن) إن كان مثليا، (أو قيمته) إن كان متقوما، لأنه لو كان باقيا لاستحقه، فإذا تلف ضمنه
بذلك قياسا على غيره. ويعتبر أقل قيمه من وقت البيع إلى وقت القبض كما في الروضة وأصلها، وهو يخالف ما تقدم
عنهما في الأرش، لكنه يوافق ما في الكتاب هناك. قال الأسنوي: والصواب التسوية ا ه‍. وعبارة الشرح الصغير
هنا. ويعتبر الأقل من قيمة يوم العقد والقبض فهي موافقة لما تقدم، والمعتمد أننا نعتبر الوسط هنا وهناك. ولو صالحه
55

البائع بالأرش أو غيره عن الرد لم يصح، لأنه خيار فسخ فأشبه خيار التروي في كونه غير متقوم ولم يسقط الرد، لأنه
إنما سقط بعوض ولم يسلم إلا إن علم بطلان المصالحة فيسقط الرد لتقصيره، وليس لمن له الرد إمساك المبيع وطلب الأرش
ولا للبائع منعه من الرد ودفع الأرش. (ولو علم العيب) بالمبيع (بعد زوال ملكه) عنه (إلى غيره) بعوض أو بدونه
وهو باق بحاله في يد الثاني، (فلا أرش) له (في الأصح) لأنه لم ييأس من الرد فقد يعود إليه فيرده، وقيل: علته أنه
استدرك الظلامة. وخرجوا على هاتين العلتين زواله بلا عوض، فعلى الأولى وهي الصحيحة لا أرش، وعلى الثانية يجب.
والوجه الثاني أن له الأرش كما لو تلف. (فإن عاد الملك) إليه بعوض أو بغيره أو انفك رهنه أو نحو ذلك، (فله الرد)
لزوال المانع. (و) على العلة الثانية (قيل إن عاد) المبيع إليه (بغير الرد بعيب فلا رد) له، لأنه بالاعتياض عنه
استدر ك الظلامة وغبن غيره كما غبن هو، ولم يبطل ذلك الاستدراك بخلاف ما لو رد عليه بعيب. وعلى الأصح لو تعذر
العود لتلف أو إعتاق رجع بالأرش المشتري الثاني على الأول والأول على بائعه، وله الرجوع عليه قبل الغرم للثاني
ومع إبرائه منه. وقيل: لا فيهما بناء على التعليل باستدراك الظلامة. (والرد) بالعيب (على الفور) بالاجماع كما قاله
ابن الرفعة، ولان الأصل في البيع اللزوم والجواز عارض فيه، ولأنه خيار ثبت بالشرع لدفع الضرر عن المال فكان فوريا
كالشفعة فيبطل بالتأخير بغير عذر. وهذا في المبيع المعين، أما الواجب في الذمة ببيع أو سلم إذ قبض فوجد
معيبا، فقال
الامام: إن قلنا لا يملك لا بالرضا - أي وهو الأصح - فلا يعتبر الفور، إذ الملك موقوف على الرضا. وكذا إن قلنا يملك
بالقبض لأنه ليس معقودا عليه، وإنما يثبت الفور فيما يؤدي رده إلى رفع العقد.
تنبيه: يستثنى من اشتراط الفور صور: منها لو آجر المبيع ثم علم بالعيب ولم يرض البائع بالعين مسلوبة المنفعة مدة الإجارة
فإن المشتري يعذر في التأخير إلى انقضاء المدة. ومنها قريب العهد بالاسلام. ومن ينشأ ببادية بعيدة عن العلماء إذا ادعى
الجهل بأن له الرد فإنه يقبل منه. ولو ادعى الجهل بالفورية وكان ممن يخفى عليه ذلك قبل. ومنها ما لو باع مالا زكويا قبل
الحول ووجد المشتري به عيبا قديما وقد مضى حول من يوم الشراء ولم يخرج الزكاة بعد فليس له الرد حتى يخرجها، سواء
أقلنا الزكاة تتعلق بالعين أم الذمة، لأن للساعي أخذ الزكاة من عينها لو تعذر أخذها من المشتري، وذلك عيب حادث
فلا يبطل الرد بالتأخير إلى أن يؤدي الزكاة لأنه غير متمكن منه قبله، وإنما يبطل بالتأخير مع التمكن. ومنها ما لو اطلع
المشتري على عيب بالشقص قبل أخذ الشفيع فأمسك عن رده انتظارا للشفيع، فإن كان الشفيع غائبا بطل حقه بالانتظار
وإن كان حاضرا فلا. ومنها ما إذا اشتغل بالرد بعيب وأخذ في تثبيته ولم يمكنه فله الرد بعيب آخر ويعذر فيه لاشتغاله
بالرد بعيب غيره ففي فتاوى ابن الصلاح: اشترى جارية ثم ادعى جنونها وطلب ردها ولم يثبت جنونها فادعى عليه بعيب
ثان فإن له الرد إذا ثبت ولا يمنع من ذلك ما ادعاه من جنون متقدم ولا تأخير إثباته إذا كان لعجزه، ولو قال البائع.: أنا أزيل ما به
من عيب، وأمكن في مدة لا أجرة لمثلها كنقل الحجارة المدفونة فإنه يقبل ولا رد للمشتري. (فليبادر) مريد الرد (على
العادة) ولا يؤمر بالعدو والركض ليرد. (فلو علمه وهو يصلي) فرضا أو نفلا (أو يأكل) أو يقضي حاجته كما في
المحرر، أو وهو في حمام كما ذكر المصنف في الشفعة، (فله تأخيره حتى يفرغ) لأنه لا يعد مقصرا، ولا يلزمه تخفيف
الصلاة والاقتصار فيها على ما يجزئ ولا يزيد فيها على ما يسن للمنفرد فيما يظهر. وكلامه يوهم أنه لو علمه وقد دخل وقت
هذه الأشياء ولم يشرع فيها أن الحكم بخلافه، وليس مرادا إذ لا فرق. ولو لبس ثوبه أو أغلق بابه فلا بأس. ولا يضر
في الرد الابتداء بالسلام بخلاف الاشتغال بمحادثته. ولو اشترى عبدا فأبق قبل القبض وأجاز المشتري البيع ثم أراد
الفسخ فله ذلك ما لم يعد العبد إليه. (أو) علمه (ليلا) وقيده ابن الرفعة بكلفة السير فيه، ونقل نحوه عن التتمة.
56

(فحتى يصبح) أما إذا لم يكن عليه كلفة في السير، كأن كان جارا له فلا فرق بين الليل والنهار. (فإن كان
البائع) المالك
(بالبلد رده عليه بنفسه أو وكيله) إن لم يحصل بالتوكيل تأخير، (أو على وكيله) بالبلد كذلك، لأنه قائم مقامه في ذلك.
أما إذا كان البائع وكيلا فإنه يرده عليه أو على موكله وعبارة المحرر: رده بنفسه أو وكيله عليه أو على وكيله، أي لكل
منهما الرد على كل منهما، فقدم المصنف لفظة عليه ففاته النص على التخيير عند الرد إلى الوكيل. ولو مات المالك
رده على وارثه أو حجر عليه فعلى وليه. (ولو تركه) أي البائع أو وكيله (ورفع الامر إلى الحاكم فهو آكد) لأن
الخصم ربما أحوجه في آخر الامر إلى المرافعة إليه فيكون الاتيان إليه فاصلا للامر جزما. وقضية كلام الشيخين
أنه لا فرق في التخيير المذكور بين أن يكون الاطلاع بحضرة أحدهم أم في غيبة الكل، وهو كذلك لما مر، وإن
قال في المطلب إذا علم بحضرة أحدهم فالتأخير لغيره تقصير، وإذا جاء إلى الحاكم لا يدعي، لأن غريمه غائب عن المجلس
وهو في البلد غير متوار ولا متعذر، وإنما يفسخ بحضرته ثم يطلب غريمه ليرد عليه. قال السبكي: إذا قلنا: القاضي
لا يقضي بعلمه فما فائدة ذلك؟ فلعل هذا تفريع على الصحيح أن القاضي يقضي بعلمه. قال الأذرعي: ولان الحاكم
لا يخلو غالبا عن شهود أو يصير الحاكم شاهدا له. (وإن كان) البائع (غائبا) عن البلد ولا وكيل له سواء أكانت
المسافة قريبة أم بعيدة، (رفع) الامر (إلى الحاكم) ولا يؤخر لقدومه. وطريقه عند الرفع أن يدعي شراء ذلك
الشئ من فلان الغائب بثمن معلوم قبضه ثم ظهر العيب وأنه فسخ البيع، ويقيم بينة بذلك ويحلفه الحاكم أن الامر
جرى كذلك، لأنه قضاء على غائب ويحكم بالرد على الغائب ويبقى الثمن دينا عليه ويأخذ المبيع ويضعه عند عدل ثم
يعطيه القاضي الثمن من مال الغائب، فإن لم يجد له سوى المبيع باعه فيه. فإن قيل: ذكر الشيخان في باب المبيع قبل قبضه
عن صاحب التتمة وأقره أن للمشتري بعد فسخه بالعيب حبس المبيع إلى استرجاع ثمنه من البائع، فهلا كان هنا كذلك
أجيب بأن القاضي ليس بخصم فيؤتمن بخلاف البائع. فإن قيل: إطلاق الشيخين الغيبة يشمل قصير المسافة كما تقرر
مع أن القضاء على الغائب لا يصح فيه. أجيب بأن هذه المسألة مستثناة من القضاء على الغائب كما قاله السبكي في شرح
المهذب، لأن في تكليفه الخروج عن البلد مشقة، وإن قال الأذرعي المراد من الرفع إلى الحاكم عند قرب المسافة ليفسخ
عنده أو ليطلب الرد بفسخه قبل الحضور إذا شهد عليه، أما القضاء به وفصل الامر وبيع ماله فلا بد فيه من شروط
القضاء على الغائب. (والأصح أنه يلزمه) أي المشتري، (الاشهاد على الفسخ إن أمكنه) ولو في حال عذره كمرض وغيبة
وخوف من عدو، لأن الترك يحتمل الاعراض. وأصل البيع اللزوم فتعين الاشهاد بعدلين كما قاله القاضي حسين والغزالي
أو عدل ليحلف معه كما قاله ابن الرفعة، وهو الظاهر، وإن قال الروياني في الشفعة إنه إن أشهد واحدا ليحلف معه لم يجز،
لأن من الحكام من لا يحكم بالشاهد واليمين فلم يصر مستوثقا لنفسه بالاشهاد. وقوله: (حتى ينهيه إلى البائع أو الحاكم
) يقتضي بقاء وجوب الذهاب، وهو ما اقتضاه كلام الرافعي أيضا. وليس مرادا، بل المراد مقاله السبكي رحمه الله تعالى
وهو أنه ينفذ الفسخ ولا يحتاج بعده إلى إتيان البائع أو الحاكم إلا للتسليم وفصل الخصومة. والثاني: لا يلزمه الاشهاد
لأنه إذا كان طالبا للمالك أو الحاكم لا يعد مقصرا. أما الاشهاد على الفسخ فلا يكفي علي الأول كما هو مقتضى
كلام الغزالي بخلافه في الشفعة، قال السبكي: لأنه يمكنه إنشاء الفسخ بحضرة الشهود، وفي الشفعة لا يمكنه إلا بأمور
مقصودة، فليس المقدور في حقه إلا الاشهاد على الطلب. (فإن عجز عن الاشهاد) على الفسخ (لم يلزمه التلفظ بالفسخ
في الأصح) إذ يبعد إيجابه من غير سامع أو سامع لا يعتد به، ولأنه ربما يتعذر عليه ثبوته فيتضرر بالمنع. والثاني:
57

يجب ليبادر بحسب الامكان، وعلى هذا عامة الأصحاب كما قاله المتولي لقدرته عليه. (ويشترط) في الرد (ترك الاستعمال
فلو استخدم العبد) ولو شئ خفيف كقوله: اسقني ولو لم يسقه كما في بعض نسخ الروضة الصحيحة، (أو ترك على الدابة
سرجها أو إكافها) وإن كان ملكا للبائع أو ابتاعه معها كما جرى عليه ابن المقري في روضته ولم يحصل بالنزع ضرر أو
ركبها، (بطل حقه) من الرد لاشعار ذلك الرضى. وإنما جعل الترك انتفاعا، لأنه لو لم يتركه على الدابة لاحتاج إلى
حمله أو تحميله. وقيل: لا يضر الاستعمال الخفيف كقوله أغلق الباب، وعلى الأول لا يضر ترك اللجام والعذار
لخفتهما فلا يعد تركهما ولا تعليقهما انتفاعا، ولان سوق الدابة يعسر بدونهما.
فائدة: العذار ما على خد الدابة من اللجام أو المقود، والإكاف بكسر الهمزة أشهر من ضمها، ويقال أيضا
الوكاف بكسر الواو: وهو ما تحت البرذعة، وقيل: نفسها، وقيل: ما فوقها. ولا يضر علفها وسقيها أو حلبها
في الطريق إذا حلبها وهي سائرة، فإن حلبها واقفة بطل حقه كما جزم به السبكي ونقله في البحر عن الأصحاب، وإن قال الأذرعي فيه وقفة.
تنبيه: أفهم كلام المصنف أن الرقيق لو خدم المشتري وهو ساكت لم يؤثر، لأن الاستخدام طلب العمل.
وهو متجه كما قاله الأسنوي، ففي زوائد الروضة أنه لو جاءه العبد بكوز فأخذ الكوز منه لم يضر لأن وضع الكوز
في يده كوضعه على الأرض، فإن شرب ورد الكوز إليه فهو استعمال، وأن مجرد الطلب يؤثر وإن لم يوجد العمل، وهو
ظاهر لدلالة الطلب على الرضا سواء أعمل أم لم يعمل. (ويعذر في ركوب جموح) بفتح الجيم، (يعسر
سوقها وقودها)
بسكون الواو، للحاجة. فإن لم يعسر لم يعذر في الركوب. وإيغال الدابة في الطريق يسقط الرد إلا إن عجزت عن المشي
للعذر. ولو لبس الثوب ثم علم عينه في الطريق لم يكلف نزعه، لأنه غير معتاد، بخلاف النزول عن الدابة لأن استدامة
الركوب ركوب. ويتعين كما في المهمات تعيين عدم النزع في ذوي الهيئات، لأن غالب المحترفة لا يمتنعون من ذلك،
ويأتي نحوه في النزول عن الدابة. (وإذا سقط رده بتقصير) منه (فلا أرش) له لأنه هو المفوت بتقصيره. (ولو حدث)
بالمبيع (عنده) أي المشتري، (عيب) بآفة أو غيرها لا بسبب وجد في يد البائع كما علم مما مر، ثم اطلع على عيب
قديم، (سقط الرد قهرا) أي الرد القهري، لأنه أخذه بعيب فلا يرده بعيبين، والضرر لا يزال بالضرر، ونسيان القرآن والحرفة
بمثابة العيب لنقصان القيمة. ويستثنى من منع الرد بحدوث العيب عند المشتري ما لو لم يعلم بالعيب القديم إلا بعد زوال
الحادث، وما إذا كان العيب هو التزويج وقال الزوج قبل الدخول: إن ردك المشتري بعيب فأنت طالق فله الرد لزوال
المانع. (ثم إن رضي به) أي المبيع (البائع) معيبا، (رده) عليه (المشتري) بلا أرش للحادث، (أو قنع به)
بلا أرش عن القديم، لأن المانع من الرد وهو ضرر البائع قد زال برضاه به. (وإلا) بأن لم يرض البائع به معيبا،
(فليضم المشتري أرش الحادث إلى المبيع ويرد أو يغرم البائع أرش القديم ولا يرد) المشتري، لأن كلا من ذلك فيه
جمع بين المصلحتين ورعاية للجانبين. (فإن اتفقا على أحدهما) في غير الربوي المبيع بجنسه، (فذاك) ظاهر، لأن
الحق لهما، أما الربوي المذكور فيتعين فيه الفسخ مع أرش الحادث لما مر فيه من الكلام على هلاك المبيع عند
المشتري. فإن قيل: قد مر أن أخذ أرش القديم بالتراضي ممتنع. أجيب بأنه عند إمكان الرد يتخيل أن الأرش
في مقابلة سلطنة الرد وهي لا تقابل بخلافه عند عدم إمكانه. فإن المقابلة كون عما فات من وصف السلامة في المبيع. ولو
زال العيب الحادث بعد أخذ المشتري أرش العيب القديم أو بعد قضاء القاضي له به ولم يأخذه فليس له الفسخ رد الأرش
58

لانفصال الامر بذلك، فإن زال قبل أخذه له أو قبل قضاء القاضي به للمشتري فسخ ولو بعد التراضي على أخذ الأرش،
وإن زال العيب القديم قبل أخذ أرشه لم يأخذه أو بعده وجب رده لزوال المقتضى لاخذه. (وإلا) أي وإن بقي العيبان
وتنازعا بأن طلب أحدهما الرد مع أرش الحادث والآخر الامساك مع أرش القديم، (فالأصح إجابة من طلب الامساك)
مع أرش القديم سواء أكان هو البائع أم المشتري لما فيه من تقرير العقد. والثاني: يجاب المشتري مطلقا لتلبيس البائع عليه.
والثالث: يجاب البائع مطلقا لأنه إما غارم أو آخذ ما لم يرد العقد عليه بخلاف المشتري. هذا كله فيمن يتصرف لنفسه، أما من
يتصرف لغيره بولاية أو نيابة فإنه يفعل الاحظ له.
فرع: لو اشترى ثوبا ثم صبغه ثم اطلع على عيبه فطلب المشتري أرش العيب وقال البائع رد الثوب لأغرم لك قيمة
الصبغ، أجيب البائع وسقط مع أرش العيب عن المشتري. فإن قيل: هلا أجيب من طلب الامساك كما في حدوث العيب
أجيب بأن المشتري هنا إذا أخذ الثمن وقيمة الصبغ لم يغرم شيئا، وهناك لو ألزمناه الرد وأرش الحادث غرمناه لا في مقابلة
شئ، فنظير مسألتنا هذه إن يطلب البائع رده بلا أرش الحادث فإنه لا يجاب المشتري، وعلى هذا تستثنى هذه الصورة
من كلام المصنف. فإن قيل: كلامه في العيب الحادث عند المشتري والصبغ في هذه الصورة زيادة في المبيع لا عيب. أجيب
بأن القفال قد صرح بأن الصبغ وإن زادت قيمته من العيوب كما نقله الأذرعي. هذا كله إذا لم يمكن فصل الصبغ
بغير نقص في الثوب، فإن أمكن فصله بغير ذلك فصله ورد الثوب كما اقتضاه تعليلهم وصرح به الخوارزمي وغيره.
(ويجب أن يعلم المشتري البائع على الفور بالحادث) مع القديم، (ليختار) شيئا مما مر من أخذ المبيع وتركه وإعطاء الأرش.
(فإن أخر إعلامه) بذلك من فور الاطلاع على القديم (بلا عذر فلا رد) له به (ولا أرش) عنه، كما لو أخر المشتري الرد،
فلو أخر وادعى الجهل بفورية الاعلام بالحادث فهو كما لو ادعى الجهل بفورية الرد، بل هذا كما قال الأذرعي أولى لأنه
لا يعرفه إلا الفقهاء.
تنبيه: لو كان الحادث قريب الزوال غالبا كرمد وحمى عذر في انتظار زواله في أحد قولين يظهر ترجيحه كما جزم
به في الأنوار ليرد المبيع سالما، وإن كان قد يؤخذ من كلام الشرح الصغير ترجيح ما يفهمه إطلاق المتن من المنع. ولو
حدث عيب مثل القديم كبياض قديم وحادث في عينه ثم زال أحدهما وأشكل الحال واختلف فيه العاقدان. فقال البائع
الزائل القديم فلا رد ولا أرش، وقال المشتري بل الحادث في الرد، وحلف كل منهما على ما قاله، سقط الرد بحلف البائع
ووجب للمشتري الأرش بحلفه، وإنما وجب له مع أنه إنما يدعي الرد لتعذر الرد، فإن اختلفا في قدره وجب الأقل
لأنه المتيقن، ومن نكل منهما عن اليمين قضي عليه كما في نظائره.
قاعدة: كل ما يثبت به الرد على البائع يمنع الرد إذا حدث عند المشتري، وما لا يثبت به الرد عليه لم يمنع الرد
إذا حد ث عند المشتري، فتحريم الأمة الثيب بوطئها على البائع لكون المشتري ابنه أو أباه يمنع الرد كما لا يثبته، وكذا
لا يمنعه إرضاع بحرم الصغير على البائع كأن ارتضعت من أمه أو ابنته في يد المشتري ثم علم الغيب، إلا في مسائل قليلة
يمتنع فيها الرد وإن كانت لا يثبت فيها الرد، منها الثيوبة في الأمة في أوانها فإنه لا يرد بها مع أنه لو اشتراها بكرا فوطئها
امتنع الرد. ومنها وجود العبد غير قارئ أو عارف لصنعة، فإنه لا يرد به مع أنه لو اشتراه قارئا أو عارفا لصنعة فنسي
القرآن أو الصنعة امتنع الرد، وإقرار العبد بدين معاملة لم يمنع الرد، ويمنعه الرد بدين الاتلاف إن صدقه المشتري فيه
وإلا فلا. وعفو المجني عليه عند التصديق كزوال العيب الحادث فيأتي فيه ما مر. (ولو حدث عيب لا يعرف القديم إلا به
ككسر بيض) نعام وقد يعرف باللقلقة. (و) ثقب (رانج) وهو بكسر النون: الجوز الهندي. (وتقوير بطيخ) بكسر
59

الباء الموحدة أفصح من فتحها، ويقال فيه طبيخ بتقديم الطاء. (مدود) بكسر الواو وبعضه (رد) ما ذكر قهرا (ولا أرش
عليه) للحادث (في الأظهر) وكذا كل ما كان مأكوله في جوفه كالرمان والجوز واللوز، لعذره في تعاطيه لاستكشاف العيب
كما في المصراة، ولا أرش عليه بسببه لذلك وكان البائع بالبيع سلطه عليه. والثاني: يرد، ولكن يرد معه الأرش رعاية
للجانبين، وهو ما بين قيمته صحيحا معيبا ومكسورا معيبا، ولا نظر إلى الثمن. والثالث: لا يرد أصلا كما في سائر العيوب
الحادثة، فيرجع المشتري بأرش القديم أو يغرم أرش الحادث إلى آخر ما تقدم. أما ما لا قيمة له كالبيض المذر والبطيخ
المدود كله أو المعفن فيتبين فيه فساد البيع لوروده على غير متقوم، ويلزم البائع تنظيف المكان منه.
تنبيه: قوله: ورانج يوهم عطفه على كسر مع أنه إذا كسر امتنع الرد، فكان حقه أن يقول: وثقب رانج كما قدرته
في كلامه. وخرج بيض النعام ببيض الدجاج ونحوه فإنه لا قيمة لمذره بعد كسره فلا يتأتى فيه الأرش. (فإن أمكن معرفة
القديم بأقل مما أحدثه) المشتري كالتقوير المستغنى عنه بالصغير، وكشق الرمان المشروط حلاوته لامكان معرفة
حموضته بالغرز، كتقوير البطيخ الحامض إذا أمكن معرفة حموضته بغرز شئ فيه. (فكسائر العيوب الحادثة) فيما تقدم
فيها. ولو أطلق بيع الرمان لم يقتض حموضة ولا حلاوة، فلا تكون حموضته عيبا، قاله القاضي حسين.
فرع: لو بان العيب وقد أنعل الدابة ونزع النعل يعيبها فبنزعه بطل حقه من الرد والأرش لقطعه الخيار بتعييبه بالاختيار،
وإن سلمها بنعلها أجبر البائع على قبول النعل إذ لا منة عليه فيه ولا ضرر، وليس للمشتري طلب قيمتها فإنها حقيرة في
معرض رد الدابة، فلو سقطت استردها المشتري لأن تركها إعراض لا تمليك، وإن لم يعيبها نزعها لم يجبر البائع على قبولها
بخلاف الصوف يجبر على قبوله كما قاله القاضي، لأن زيادته تشبه زيادة السمن بخلاف النعل فينزعها. فإن قيل: قد مر أن
الأنعال في مدة طلب الخصم أو الحاكم يضر فهلا كان هناك كذلك أجيب بأن ذلك اشتغال يشبه الحمل على الدابة
وهذا
تفريع. وقد ذكر القاضي أن اشتغاله بجز الصوف مانع له من الرد بل يرد ثم يجز.
فرع: لا يرد بعض المبيع في صفقة بالعيب قهرا وإن زال الباقي عن ملكه للبائع وفاقا لما جزم به المتولي والسبكي
والبغوي، لأنه وقت الرد لم يرد كما تملك، خلافا لما في تعليق القاضي من أن له الرد إذ ليس فيه تبعيض على البائع أو كان المبيع
مثليا بناء على أن المانع اتحاد الصفقة وهو المعتمد خلافا لبعض المتأخرين بناء على المانع ضرر التبعيض. ولو (اشترى عبدين)
أو في معناهما من كل شيئين لا تتصل منفعة أحدهما بالآخر، (معيبين) من واحد، (صفقة) ولم يعلم عيبهما، (ردهما) بعد ظهوره
لوجود المقتضى لردهما. ويجري في رد أحدهما دون الآخر الخلاف المذكور في قوله: (ولو ظهر عيب أحدهما) دون الآخر،
(ردهما لا المعيب وحده) قهرا (في الأظهر) لما فيه من تفريق الصفقة على البائع من غير ضرورة، فإن رضي البائع بذلك
جاز. وسبيل التوزيع بتقديرهما سليمين وتقويمهما - أي سليمين - ويقسط الثمن المسمى عليهما. والثاني: له رده وأخذ
قسطه من الثمن لاختصاصه بالعيب.
تنبيه: أشار بقوله: عبدين إلى أن محل الخلاف في شيئين لا تتصل منفعة أحدهما بالآخر كما مر. أما ما تتصل منفعة
أحدهما بالآخر كمصراعي باب وزوجي خف فلا يرد المعيب منهما وحده قهرا قطعا. (ولو) تعددت الصفقة بتعدد البائع،
كأن (اشترى عبد رجلين معيبا) أو بتفصيل الثمن، كأن اشترى عبدين كل واحد منها بمائة، (فله) في الأولى (رد نصيب أحدهما)
وله في الثانية رد أحدهما أو بعدد المشتري، كما قال: (ولو اشترياه) أي اثنان عبد واحد كما في المحرر، (فلاحدهما الرد) لنصيبه (في الأظهر) لأنه رد جميع ما ملكه من المردود عليه.
تنبيه: ظاهر عبارة المصنف أن الضمير في اشترياه يعود على عبد الرجلين لولا ما قدرته، وحينئذ فيكون هذا
60

البيع في حكم أربع عقود، ويكون كل واحد منهما مشتريا للربع من هذا والربع من ذاك حتى يرد على من شاء منهما
الربع. وهو صحيح من حيث الحكم لا من حيث الخلا ف، لأن الصفقة تتعدد بتعدد البائع قطعا وبتعدد المشتري
في الأظهر كما تقدم، وحينئذ يتعين إعادة الضمير في كلام المصنف على المبيع من رجل واحد. ولو اشتراه واحد من وكيل
اثنين أو من وكيلي واحد جاء الخلاف في أن العبرة بالوكيل أو بالموكل، وقد مر في تفريق الصفقة. ولو اشترى ثلاثة من
ثلاثة فكل مشتر من كل تسعة، وضابط ذلك أن تضرب عدد البائعين في عدد المشترين عند التعدد من الجانبين أو
أحدهما عند الانفراد في الجانب الآخر، فما حصل فهو عدد العقود. ولو اشترى بعض عبد ثم علم العيب بعدما تعذر
رده، كأن خرج عن ملكه أو رهنه، ثم اشترى باقيه ثم عاد إليه البعض الأول كان له رده دون الثاني لأنه اشتراه عالما
بعيبه. (ولو اختلفا في قدم العيب) وحدوثه، كأن قال كل للآخر حدث عندك ودعواهما فيه ممكنة بأن احتمل
قدمه وحدوثه كبرص، (صدق البائع) لأن الأصل عدم العيب، (بيمينه) لاحتمال صدق المشتري، فالبائع يدعي الحدوث
ويتصور أن يدعي قدمه، وهو فيما إذا باع الحيوان بشرط البراءة من كل عيب، والحكم فيها كالأولى على الظاهر، وقيل:
المصدق في هذه المشتري. وإذا صدقنا البائع بيمينه في الأولى لا يثبت بيمينه حدوث العيب مطلقا، لأنها صلحت للدفع عنه
فلا تصلح لشغل ذمة المشتري، فلو فسخ البيع مثلا بتحالف بعد ذلك لم يكن له أرش العيب وللمشتري أن يحلف الآن
أنه ليس بحادث، قاله القاضي والامام والغزالي. أما ما لا يحتمل حدوثه بعد البيع كإصبع زائدة وشين شجة مندملة
وقد جرى البيع أمس، أو لا يحتمل قدمه كشجة طرية وقد جرى البيع والقبض من سنة مثلا، فالقول قول المشتري
في الأولى وقول البائع في الثانية بلا يمين فيهما.
تنبيه: لو باعه عصيرا وسلمه إليه فوجد في يد المشتري خمرا فقال البائع: عندك صار خمرا وقال المشتري: بل عندك
كان خمرا، أو أمكن كل من الامرين، صدق البائع بيمينه لموافقته للأصل من استمرار العقد. ويستثنى من كلامه مسألتان:
الأولى: ما لو ادعى المشتري وجود عينين في يد البائع فاعترف بأحدهما وادعى حدوث الآخر في يد المشتري كان القول
قول المشتري، لأن الرد يثبت بإقرار البائع بأحدهما فلا يبطل بالشك كما نقله ابن الأستاذ في شرح الوسيط عن النص.
قال ابن الرفعة: ولا بد من يمين المشتري، فإن نكل لم ترد على البائع، لأنها إنما ترد إذا كانت تثبت للمردد عليه حقا
ولا حق له هنا، ولكن لا يثبت للمشتري الرد. الثانية: لو اشترى شيئا غائبا وكان قد رآه وأبرأ البائع من عيب به ثم أتاه
به فقال المشتري: قد زاد العيب وأنكر البائع، فإن القول قول المشتري على الأصح المنصوص، لأن البائع يدعي عليه
علمه بهذه الصفة فلم يقبل كادعائه اطلاعه على العيب، ذكراه في بيع الغائب. ولو اختلفا في وجود العيب أو صفته هل
هي عيب أو لا، صدق البائع بيمينه، لأن الأصل عدم العيب ودوام العقد. وهذا إذا لم يعرف الحال من غيرهما، فإن عرف
من غيرهما فلا بد من قول عدلين عارفين بذلك كما جزم به القاضي وغيره وتبعهم ابن المقري، وقيل: يكفي كما قاله البغوي،
ولم يرجح الشيخان شيئا من المقالتين. وإذا حلف البائع يحلف (على حسب) بفتح السين، أي مثل، (جوابه) فإن
قال في جوابه: ليس له الرد علي بالعيب الذي ذكره أو لا يلزمني من قبوله حلف على ذلك، ولا يكلف في الجواب التعرض
لعدم العيب وقت القبض لجواز أن يكون المشتري علم العيب ورضي به. فلو قال البائع: علم المشتري العيب ورضي به كلف
البينة على ذلك. وإن قال في جوابه: ما أقبضته وبه هذا العيب أو ما أقبضته إلا سليما من العيب حلف كذلك ولا يكفي
في الجواب والحلف: ما علمت به هذا العيب عندي، ويجوز الحلف على البت اعتمادا على ظاهر السلامة إذا لم يعلم أو يظن
خلافه. ولو ادعى البائع علم المشتري بالعيب أو تقصيره في الرد فالقول قول المشتري. قال الدارمي: هذا إذا كان مثل
العيب يخفى على المشتري - أي عند الرؤية - فإن كان لا يخفى كقطع أنفه أو يده فالقول قول البائع. (والزيادة المتصلة)
بالمبيع أو الثمن، (كالسمن) وكبر الشجرة وتعلم الصنعة والقرآن، (يتبع الأصل) في الرد لعدم إمكان إفرادها، ولان
61

الملك قد تجدد بالفسخ فكانت الزيادة المتصلة فيه تابعة للأصل كالعقد. (والمنفصلة) عينا ومنفعة، (كالولد والأجرة)
وكسب الرقيق والركاز الذي يجده وما وهب له فقبله وقبضه وما وصى له به فقبله، ومهر الجارية إذا وطئت بشبهة، (لا
تمنع الرد) بالعيب، عملا بمقتضى العيب. نعم ولد الأمة الذي لم يميز يمنع الرد لحرمة التفريق بينهما على الأصح المنصوص،
خلافا لما جرى عليه ابن المقري هنا، وتقدم في المناهي التنبيه عليه. (وهي) أي الزيادة المنفصلة من البيع، (للمشتري)
ومن الثمن للبائع (إن رد) المبيع في الأول، والثمن في الثانية (بعد القبض) سواء أحدث بعد القبض أم قبله، لما روي:
أن رجلا ابتاع من آخر غلاما فأقام عنده ما شاء الله ثم وجد به عيبا، فخاصمه إلى النبي (ص) فرده عليه
، فقال: يا رسول الله قد استعمل غلامي، فقال: الخراج بالضمان رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه. ومعناه أن
فوائد المبيع للمشتري في مقابلة أنه لو تلف كان من ضمانه، وقيس على المبيع الثمن. فإن قيل: المغصوب والمبيع قبل
قبضه لو تلف تحت ذي اليد ضمنه وليس له خراجه. أجيب بأن الضمان هنا معتبر بالملك لأنه الضمان المعهود في
الخبر ووجود الضمان على ذي اليد فيما ذكر ليس لكونه ملكه، بل لوضع يده على ملك غيره بطريق مضمن. (وكذا)
إن رده (قبله في الأصح) بناء على أن الفسخ يرفع العقد من حينه، وهو الأصح، ومقابله مبني على أن يرفعه
من أصله.
تنبيه: إنما جمع المصنف في التمثيل بين الأجرة والولد ليعرفك أنه لا فرق في عدم امتناع الرد بين أن يكون
من نفس المبيع كالولد أم لا كالأجرة، خلافا لأبي حنيفة فيما إذا كان من نفس المبيع.
وإنما مثل للمتولد من نفس المبيع بالولد بخلاف الثمرة وغيرها ليعرفك أنها تبقى له وإن كانت من جنس الأصل، خلافا لمالك، قاله الأسنوي. قال: وهو من
محاسن كلامه. (ولو باعها) أي الجارية أو البهيمة، (حاملا) وهي معيبة مثلا، (فانفصل) الحمل (رده معها)
إن لم تنقص بالولادة، (في الأظهر) بناء على أن الحمل يعلم ويقابل بقسط من الثمن، والثاني: لا، بناء على مقابله. أما إذا
نقصت بالولادة فإنه يمتنع عليه الرد كسائر العيوب الحادثة. نعم إن جهل الحمل واستمر إلى الوضع فله الرد لما مر
أن الحادث بسبب متقدم كالمتقدم. ولو انفصل قبل القبض فللبائع حبسه لاستيفاء الثمن وليس للمشتري بيعه قبل القبض
كأمه. واحترز بقوله: فانفصل عما إذا لم ينفصل فإنه يردها كذلك. ولو حدث الحمل في ملكه لم يتبع في الرد بل هو
له يأخذه إذا انفصل، وعليه قال الماوردي وغيره: وله حبس أمته حتى تضع اه‍. وحدوث حمل الأمة بعد القبض يمنع الرد
قهرا، وكذا حمل غيرها إن نقصت به. والطلع كالحمل، والتأبير كالوضع، فإذا اشترى نخلة عليها طلع غير مؤبر وعلم عيبها بعد التأبير،
فالصحيح أنها على القولين. والصوف الموجود عند العقد يرد مع الأصل وإن جزه لأنه جزء من المبيع، ويرد أيضا
الحادث بعد العقد ما لم يجز، فإن جز لم يرد كالولد المنفصل، وهذا ما في فتاوى القاضي وجرى عليه الخوارزمي وجزم به
في أصل الروضة، ولكن كان قياس الحمل أن ما لم يجز لا يرد أيضا، وبه جزم القاضي في تعليقه وألحق به اللبن الحادث. والأول وإن
وجه بأنه كالسمن فالثاني كما قال شيخنا أوجه، وعليه اقتصر ابن الرفعة، وقال البلقيني: إنه الأصوب. والحادث من أصول
الكراث ونحوه التابعة للأرض في بيعها للمشتري، لأنه ليس تبعا للأرض، ألا ترى أن الظاهر منها في ابتداء البيع لا يدخل
فيه. (ولا يمنع الرد الاستخدام) إجماعا (و) لا (وطئ الثيب) أو العور مع بقاء بكارتها من مشتر أو غيره، وإن حرمت
بالوطئ على البائع كوطئ أصله أو فرعه كما مرت الإشارة إليه، لأنه إلمام من غير إيلام فلا يمنع الرد كالاستخدام. هذا
إذا وطئها المشتري أو غيره شبهة أو مكرهة، أما إذا كانت زانية فهو عيب حادث يمنع الرد إذا كان بعض القبض. (وافتضاض
البكر) بالقاف: أي زوال بكارتها من المشتري أو غيره ولو بوثبة، ولو عبر به كان أولى ليشمل ما ذكر. (بعد القبض
62

نقص حدث) فيمنع الرد كسائر العيوب الحادثة، إلا إن كان بزواج سابق كما مر. (وقبله جناية على المبيع قبل القبض) فيفصل
فيه بين الأجنبي والبائع والمشتري والآفة السماوية. فإن كان من المشتري فلا رد له بالعيب واستقر عليه من الثمن بقدر
ما نقص من قيمتها، فإن قبضها لزمه الثمن بكماله، وإن تلفت قبل قبضها لزمه قدر النقص من الثمن، أو كان من
غيره وأجاز هو البيع فله الرد بالعيب. ثم إن كان زوالها من البائع أو بآفة أو بزواج سابق فهدر، أو من أجنبي فعليه
الأرش إن زالت بلا وطئ أو بوطئ زنا منها، وإلا لزمه مهر بكر مثلها بلا إفراد أرش ويكون للمشتري، لكنه إن رد
بالعيب سقط منه قدر الأرش. وما ذكر من وجوب مهر بكر هنا لا يخالف ما في الغصب والديات من وجوب
مهر ثيب
وأرش بكارة، لأن ملك المالك هنا ضعيف فلا يحتمل شيئين بخلافه ثم، ولهذا لم يفرقوا ثم بين الحرة والأمة ولا ما في
آخر البيوع المنهي عنها في المبيعة بيعا فاسدا من وجوب مهر بكر وأرش لوجود العقد المختلف في حصول الملك به، ثم كما في النكاح
الفاسد بخلافه فيما ذكر، أي فإن فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه. وأرش البكارة مضمون في صحيح البيع
دون صحيح النكاح، فيجب أرش بكارة في البيع الفاسد كما يجب في البيع الصحيح ولا يجب في النكاح الفاسد كما لا يجب في صحيحه، لأن
المشتري لو أزال بكارتها بوطئ أو غيره في البيع الصحيح ثم اطلع على عيب لم يكن له الرد بغير أرش البكارة، ولو أزالها
بأصبعه في النكاح الصحيح ثم طلقها لا شئ عليه، فالتشبيه من حيث أن فاسد كل عقد كصحيحه لا أن النكاح الفاسد
فيه أرش بكارة كما قد يتوهم.
تتمة: من علم في السلعة عيبا لم يحل له أن يبيعها حتى يبينه حذرا من الغش، لخبر الشيخين: من غشنا فليس منا،
والحديث: المسلم أخو المسلم، لا يحل لمسلم باع من أخيه شيئا يعلم به عيبا إلا بينه، أي فيجب على البائع أن يعلم المشتري بالعيب.
ولو حدث بعد البيع وقبل القبض فإنه من ضمانه، بل وعلى غير البائع إذا علم بالعيب أن يبينه لمن يشتريه سواء أكان
المشتري مسلما أم كافرا لأنه من باب النصح، وكالعيب في ذلك كل ما يكون تدليسا. ثم شرع في الأمر الثالث وهو ما يظن حصوله بالتغرير الفعل مصرحا بحكمه فقال:
فصل: التصرية: وهي أن يترك البائع حلب الناقة أو غيرها عمدا مدة قبل بيعها ليوهم المشتري كثرة اللبن. (حرام)
للتدليس على المشتري، ولخبر الصحيحين: لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك - أي النهي - فهو بخير النظرين بعد
أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر. وقيس بالإبل والغنم غيرهما بجامع التدليس. وتصروا بوزن
تزكوا، من صر الماء في الحوض جمعه، وتسمى المصراة المحفلة أيضا بحاء مهملة وفاء مشددة من الحفل وهو الجمع، ومنه
قيل للجمع محفل بفتح الميم.
تنبيه: قضية إطلاق المصنف أنه لا فرق في التحريم بين أن يقصد البيع أم لا، وبه صرح صاحب التتمة وعلله بأنه
مضر للحيوان. وتعليل الرافعي بالتدليس يقتضي اختصاصه بما إذا أراد البيع، وبه صرح الدارمي، وهو محمول على
ما إذا لم يحصل به ضرر. (تثبت الخيار) للجاهل بها إذا علم بها بعد ذلك للخبر السابق وهو (على الفور) كخيار العيب، (وقيل يمتد
ثلاثة أيام) من العقد ولو مع العلم بها، لخبر مسلم: من اشترى (شاة) مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام وهذا ما نص عليه الشافعي رحمه الله
تعالى في الاملاء كما نقله الروياني وصححه جمع كثير من الأصحاب، وقال ابن دقيق العيد في شرح العمدة إنه الصواب.
وأجاب القائلون بالأول عن الحديث بأنه محمول على الغالب، إذ التصرية لا تظهر غالبا فيما دون الثلاث، لإحالة نقص اللبن
قبل تمامها على اختلاف العلف أو المأوى أو تبدل الأيدي أو غير ذلك.
تنبيه: قضية كلام المصنف عدم ثبوت الخيار إذا ترك حلبها ناسيا أو تحفلت بنفسها، وبه قطع الغزالي والحاوي
الصغير لعدم التدليس، والمعتمد ثبوته كما صححه البغوي وقطع به القاضي لحصول الضرر. ولو زاد اللبن بقدر ما أشعرت به
التصرية واستمر فلا خيار لزوال المقتضى له. وإذا علم المشتري بالتصرية بعد الحلب وأراد ردها، (فإن ردها) ها (بعد
63

تلف اللبن) أو لم يتراضيا على رده، (رد معها صاع تمر) وإن زادت قيمته على قيمتها بدل اللبن الموجود حالة العقد للخبر
السابق، والعبرة بغالب تمر البلد كالفطرة.
تنبيه: قوله: بعد تلف اللبن يقتضي أنه لا يجب رد الصاع بعد الحلب وقبل التلف، وليس مرادا، فإنه إذا كان اللبن
موجودا وطلب البائع رده لم يجبر المشتري عليه لأن ما حدث منه بعد البيع ملك له، وإن طلبه المشتري لم يكلف البائع
قبوله وإن لم يتغير لذهاب طراوته، فلو عبر بقوله بعد الحلب كان أولى واستغنى عما قدرته في كلامه. فإن علم بها قبل
الحلب ردها ولا شئ عليه. (وقيل يكفي صاع قو ت) لأنه ورد في رواية ذكر التمر كما مر، وفي رواية ذكر الطعام كما رواه
الترمذي وصححه، وفي رواية ذكر القمح رواه أبو داود، فدل ذلك على اعتبار القوت مطلقا. وعلى هذا هل يتخير بين
الأقوات أو يتعين؟ غالب كلام المصنف يقتضي الأول، وهو وجه، والأصح الثاني، وعلى تعين التمر لو تراضيا بغير صاع
تمر من مثلي أو متقوم جاز لأن الحق لهما لا يعدوهما بل الظاهر كما قال الزركشي أنهما لو تراضيا على الرد بغير شئ جاز.
فإن قيل: لم تعين التمر هنا ولم يجز العدول عنه إلى غيره بغير رضا وإن كان أعلى منه في القيمة والافتيات بخلاف الفطرة؟
أجيب بأن المقصود هنا قطع النزاع مع ضرب تعبد، والمقصود في الفطرة سد الخلة، فإن تعذر عليه التمر فقيمته بالمدينة كما
نقله الشيخان عن الماوردي وهو أحد وجهين له، وجرى عليه ابن المري وهو المعتمد، والوجه الآخر: قيمته في أقرب
بلاد التمر إليه، وصححه السبكي و الأذرعي وغيرهما. ولو اشترى مصراة بصاع من تمر ردها وصاع تمر إن شاء واسترد
صاعه. قال القاضي وغيره: لأن الربا لا يؤثر في الفسوخ، ولو تعددت المصراة في عقد تعدد الصاع بعددها كما نص عليه.
ولو تعدد العقد بتعدد البائع أو المشتري أو بتفصيل الثمن ورد البعض بعيب هل يتعدد الصاع؟ لم أر من تعرض له، والذي
يظهر تعدده لأنهم قالوا إنه لا فرق بين قلة اللبن وكثرته. ولو رضي بعيب التصرية بعد الحلب ثم وجد بها عيبا آخر، فالمنصوص أنه
يردها مع بدل اللبن وكذا لو رد غير المصراة بعد حلبها بعيب فإنه يرد معها صاع تمر بدل اللبن كما جزم به البغوي وصححه
القاضي وابن الرفعة، وقيل: لا يرد لأنه قليل غير معتنى بجمعه بخلافه في المصراة. (والأصح أن الصاع لا يختلف بكثرة اللبن)
وقلته، لظاهر الخبر وقطعا للخصومة بينهما، كما لا تختلف غرة الجنين باختلاف ذكورته وأنوثته ولا أرش الموضحة مع
اختلافها في الصغر والكبر. والثاني: يختلف، فيقدر التمر أو غيره بقدر اللبن فقد يزيد على الصاع وقد ينقص عنه. (و) الأصح
(أن خيارها) أي المصراة، (لا يختص بالنعم) وهي الإبل والبقر والغنم، (بل يعم كل مأكول) من الحيوان (والجارية والاتان)
بالمثناة، وهي الأنثى من الحمر الأهلية لأنه قد ورد في رواية مسلم: من اشترى مصراة وفي رواية للبخاري: من اشترى
محفلة ولان لبنها مقصود للتربية. والثاني: مختص بالنعم، لأن غيرها لا يقصد لبنه إلا على ندور. (ولا يرد معهما شيئا بدل
اللبن، لأن لبن الجارية لا يعتاض عنه غالبا ولبن الأتان نجس لا عوض له. (وفي الجارية وجه) أنه يرد معها بدل لبنها لأنه كلبن
النعم في صحة أخذ العوض عنه. وعلى هذا هل يرد بدله صاع تمر أو قيمته من تمر أو قوت آخر؟ وجهان في النهاية، وظاهر كلام المتن الأول
وأن هذا الوجه لا يجري في الأتان، وطرده الإصطخري فيها لأنه عنده طاهر مشروب، وظاهر كلامهم أن رد الصاع جاز في كل مأكول.
قال السبكي: وهو الصحيح المشهور واستبعده الأذرعي في الأرنب والثعلب والضبع ونحوها. (وحبس ماء القناة و) ماء (الرحى) الذي
يديرها للطحن (المرسل) ماء كل منهما، (عند البيع وتحمير الوجه) وإرسال الزنبور عليه ليظن بالجارية السمن، (وتسويد الشعر
وتجعيده) الدال على قوة البدن، وهو الذي فيه التواء وانقباض لا المفلفل كشعر السودان. (يثبت الخيار) قياسا على
64

المصراة بجامع التدليس. وقضية إطلاقه أنه لا فرق في ذلك بين العبد والأمة، وهو الظاهر كما قاله الأذرعي، وإن كان
في الروضة وأصلها إنما ذكراه في الجارية، لأن الجعودة كما قال الماوردي ومرت الإشارة إليه تدل على قوة البدن، والسبوطة
تدل على ضعفه. تنبيه: قضية تعبيره بالحبس والتحمير والتجعيد والتسويد أن ذلك محله إذا كان بفعل البائع أو بمواطأته، وبه صرح ابن الرفعة،
فلو تجعد الشعر بنفسه فكما لو تحفلت بنفسها. قال الأسنوي: وتجعيد الشعر من زيادات الكتاب على المحرر. ولعل
نسخة المحرر التي اطلع عليها ليس فيها ذلك وإلا فهي في كثير من نسخه كما قاله غيره. (لا لطخ ثوبه) أي الرقيق بمداد، (تخييلا
لكتابته) فظهر كونه غير كاتب فلا رد له، (في الأصح) إذ ليس فيه كبير غرر، لأن الاستدلال به على
الكتابة ضعيف،
فإنه ربما لبس ثوب غيره أو أصابه ذلك من حمل دواة ولأنه مقصر بعدم امتحانه والسؤال عنه. والثاني: يثبت له الرد
نظرا لمطلق التدليس. ويجري الخلاف في إلباسه ثوبا مختصا بحرفة كثياب الخبازين أو غيرهم من أرباب الصنائع، كما لو
اشترى زجاجة يظنها جوهرة بثمن كثير أو باع جوهرة يظنها زجاجة بمال قليل فإنه لا خيار في الأولى للمشتري ولا للبائع
في الثانية. وظاهر إطلاقهم أن هذا ليس بحرام بخلاف التصرية كما أشار إليه الماوردي، ولو قيل بحرمته لم يبعد كما قاله
بعض المتأخرين، لأن الضرر الحاصل بالتصرية يرتفع عن المشتري بإثبات الخيار بخلاف هذا.
خاتمة: سكت المصنف رحمه الله تعالى عن الفسخ بالإقالة وهو جائز، ويسن إقالة النادم، لخبر: من أقال نادما
أقال الله عثرته رواه أبو داود، وصيغتها: تقايلنا أو تفاسخنا، أو يقول أحدهما: أقلتك فيقول الآخر: قبلت، وما أشبه
ذلك. وهي فسخ في أظهر القولين، والفسخ من الآن، وقيل: من أصله. ويترتب على ذلك الزوائد الحادثة، وتجري في السلم
وفي المبيع قبل القبض. وللورثة الإقالة بعد موت المتعاقدين، وتجوز في بعض المبيع وفي بعض المسلم فيه إذا كان ذلك البعض
معينا. وإذا اختلفا في الثمن بعد الإقالة صدق البائع على الأصح، وإن اختلفا في وجود الإقالة صدق منكرها، وذكرت
بقية أحكامها في شرح التنبيه. ولو وهب البائع الثمن المعين بعد قبضه للمشتري ثم وجد المشتري بالمبيع عيبا فهل ل‍ رده
على البائع؟ فيه وجهان، أحدهما: لا، لخلوه عن الفائدة، والثاني وهو الظاهر: نعم، وفائدته الرجوع على البائع ببدل الثمن
كنظيره في الصداق، وبه جزم ابن المقري ثم. ولو اشترى ثوبا وقبضه وسلم ثمنه ثم وجد بالثوب عيبا قديما فرده فوجد
الثمن معيبا ناقص الصفة بأمر حادث عند البائع أخذه ناقصا ولا شئ له بسبب النقص، وعلم مما مر ومما سيأتي أن أسباب
الفسخ كما قال الشيخان سبعة: خيار المجلس، والشرط، والخلف للشرط المقصود، والعيب، والإقالة كما مر بيانها،
والتخالف، وهلاك المبيع قبل القبض كما سيأتي. وبقي من أسباب الفسخ أشياء، وإن علمت من أبوابها وأمكن رجوع بعضها
إلى السبعة فمنها إفلاس المشتري وتلقي الركبان وغيبة مال المشتري إلى مسافة القصر وبيع المريض محاباة لوارث أو أجنبي
بزائد على الثلث ولم يجز الوارث.
باب: في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده،
وأحكام القبض والتنازع في البداءة بالتسليم والتصرف في ماله تحت يد غيره مع ما يتعلق بذلك.
(المبيع قبل قبضه من ضمان البائع) بمعنى انفساخ البيع بتلفه وثبوت الخيار بتعيبه وبإتلاف الأجنبي له لبقاء سلطنته عليه،
سواء أعرضه على المشتري فلم يقبله أم لا، نعم إن وضعه بين يديه عند امتناعه برئ في الأصح كما في
الروضة وأصلها
في الكلام على حقيقة القبض، لكن لو خرج مستحقا ولم يقبضه المشتري لم يكن للمستحق مطالبته، وكذا لو باعه قبل نقله فنقله
المشتري الثاني فليس للمستحق مطالبة المشتري الأول. قال الامام: وإنما يكون الوضع بين يدي المشتري قبضا في الصحيح
65

دون الفاسد، وكذا تخلية الدار ونحوها إنما تكون قبضا في الصحيح دون الفاسد.
تنبيه: احترز المصنف بالمبيع عن زوائده المنفصلة الحادثة في يد البائع، كثمرة ولبن وبيض وصوف وركاز يجده الرقيق
وهو موهوب وموصى به فإنها للمشتري، لأن الفسخ يرفع العقد من حينه لا من أصله، وهي أمانة في يد البائع لأن ضمان
الأصل بالعقد ولم يوجد العقد في الزوائد ولم تحتو يده عليها لتملكها كالمستام، ولا للانتفاع بها كالمستعير، ولم يوجد منه تعد
كالغاصب حتى يضمن. وسبب ضمان اليد عندهم أحد هذه الثلاثة والثمن المعين قبل قبض البائلة كذلك. (فإن تلف)
المبيع بآفة سماوية (انفسخ البيع) لتعذر قبضه المستحق كالتفرق قبله في الصرف، (وسقط الثمن) إن كان في الذمة، فإن كان
معينا وجب رده، أو كان دينا على البائع عاد عليه كما كان. وينتقل الملك في المبيع للبائع قبيل التلف، فتجهيزه على البائع
لانتقال الملك فيه إليه.
تنبيه: استثنى من طرده ما لو وضع العين المبيعة بين يديه بعد امتناعه من قبضها كما مر، ومن عكسه ما لو قبضه المشتري
وديعة من البائع وقلنا بالأصح إنه لا يبطل به حق الحبس فتلف في يده فهو كتلفه في يد البائع، وما لو قبضه المشتري من
البائع في زمن الخيار والخيار للبائع وحده وتلف فهو كتلفه في يد البائع كما مر في بابه، فينفسخ ويرجع المشتري بثمنه وللبائع
بدله من مثل أو قيمة كالمستعار. وفي معنى التلف وقوع الذرة ونحوها في البحر إذا لم يمكن إخراجها منه، وانفلات الصيد
المتوحش والطير إذا لم يرج عوده، واختلاط متقوم كثوب أو شاة بغيره ولم يتميز، وانقلاب العصير خمرا على الأصح وإن
عاد خلا كما أطلقه الشيخان هنا خلاف ما اقتضاه كلامهما في باب الرهن، وجرى عليه ابن المقري هنا في بعض نسخ الروض:
من أنه متى عاد عاد حكمه وللمشتري الخيار، لأن الخل دون العصير. ولو أبق الرقيق أو ضل أو غصب قبل القبض
ثبت للمشتري الخيار ولم ينفسخ البيع لرجاء العود، فإن أجاز البيع لم يطل خياره ما لم يرجع ولم يلزمه تسليم الثمن قبل
العود، فإن سلمه ليسترده ما لم يفسخ. ولو غرقت الأرض بالماء أو سقطت عليها صخرة أو ركبها رمل قبل قبضها ثبت
له الخيار لأنه عيب لا تلف. فإن قيل: يناقضه ما في الشفعة من أن تغرق الأرض تلف لا عيب حتى لو حصل في بعضها لم
يأخذ الشفيع إلا بالحصة، وما في الإجارة من أنه كانهدام الدار فيكون تلفا. أجيب بأن الأرض لم تتلف والحيلولة لا تقتضي
الانفساخ كإباق العبد، وإنما جعلت تالفة فيما ذكر لأن الشفيع متملك، والتالف لا يصح تملكه، ولأنه يغتفر في الدوام
ما لا يغتفر في الابتداء والمستأجر غير متمكن من الانتفاع من حيلولة الماء ولا يمكن ترقب زواله لأن المنافع تتلف ولا تضمن.
(ولو أبرأه المشتري عن الضمان لم يبرأ في الأظهر ولم يتغير الحكم) المذكور للتلف لأنه أبرأ عما لم يجب. والثاني: يبرأ لوجود
سبب الضمان فلا ينفسخ به البيع ولا يسقط به الثمن.
تنبيه: الجمع بين البراءة وتغير الحكم تبع فيه المحرر، قال الأسنوي: لا فائدة فيه، وقال الولي العراقي: لا فائدة
فيه إلا مجرد التأكيد، وقال الزركشي: فائدته نفي توهم عدم الانفساخ إذا تلف وأن الابراء كما لا يرفع
الضمان لا يرفع الفسخ بالتلف وكذلك بقاء المنع من التصرف. (وإتلاف المشتري) المبيع حسا أو شرعا، (قبض) له (إن علم) أنه المبيع حال
إتلافه، كما لو أتلف المالك المغصوب في يد الغاصب. وفي معنى إتلافه ما لو اشترى
أمة فأحبلها أبوه، وما لو اشترى السيد من مكاتبه أو الوارث من مورثه شيئا ثم عجز المكاتب أو مات المورث. وقد ذكر الشيخان في مسألة الوارث جواز
بيعه قبل القبض. وإن كان على الميت دين فيتعلق بالثمن، فإن كان معه وارث آخر لم ينفذ بيعه في قدر نصيب الوارث الآخر
منه لو ورثه حتى يقبضه، ويستثنى ما إذا قتله المشتري دفعا لصياله عليه، وكذا القود كما بحثه في المطلب أو الردة والمشتري الامام وقصد
قتله عنها فينفسخ البيع، فإن لم يقصد ذلك صار قابضا للمبيع وتقرر عليه الثمن كما حكاه الرافعي قبيل الديات عن فتاوى
البغوي، فإن كان غيره كان قابضا. إذ لا يجوز له قتله. فإن قيل: لم لا يجوز لأن للسيد إقامة الحد على عبده فينبغي أن لا يستقر
عليه الثمن لقتله كالامام؟ أجيب بأنه لو قتله وقلنا له ذلك لم يكن قاتلا إلا بحكم الملك، فالملك هو الذي سلطه على ذلك
66

، فلو قلنا ينفسخ ولا يستقر عليه الثمن لتبين بالآخرة أنه قتل غير مملوك له فلذلك جعلنا قتله إياه قبضا. قال الأسنوي: ويقاس
بالمرتد تارك الصلاة وقاطع الطريق والزاني المحصن بأن زنى كافر حر ثم التحق بدار الحرب ثم استرق. فإن قيل
: كيف يكون المشتري قابضا بقتل المرتد أو بمن ذكر معه مع أنه غير مضمون على قابله؟ أجيب بأنه يتبين أنه قتل
ملكه من غير ضرر عليه فيستقر عليه ثمنه. واستثنى البلقيني تفقها ما لو مر بين يدي المشتري في الصلاة فقتله للدفع،
أي بشرطه المذكور في دفع المار، وما لو قاتل مع البغاة أو أهل الذمة فقتله. (وإلا) أي وإن لم يعلم المشتري أنه المبيع،
قال الشارح: وقد أضافه به البائع، (فقولان) وفي الروضة وأصلها: وجهان (كأكل المالك طعامه المغصوب ضيفا)
للغاصب جاهلا بأنه طعامه. والأصح أن الغاصب يبرأ بذلك تقديما للمباشرة، وقضية البناء تصيره قابضا في الأصح. وإنما
قيده الشارح بما تقدم لأجل محل الخلاف، وإلا فالحكم كذلك فيما لو قدمه أجنبي أو لم يقدمه أحد مع أن الخلاف جار
في الأولى أيضا. هذا كله إذا كان المشتري أهلا للقبض واشترى لنفسه وإن كان مجنونا كأن اشتراه قبل جنونه،
فالقياس أن إتلافه ليس بقبض وعليه البدل، وعلى البائع رد الثمن إن كان باقيا ورد بدله إن كان تالفا، أو كان وكيلا
فكالأجنبي سواء أذن له المالك في القبض أم لا. (والمذهب أن إتلاف البائع) المبيع (كتلفه) بآفة سماوية فينفسخ
البيع فيه ويسقط الثمن عن المشتري، لأنه لا يمكن الرجوع على البائع البدل لأن المبيع مضمون عليه بالثمن
فإذا أتلفه سقط الثمن. وقطع بعضهم بهذا، ومقابله قول أنه لا ينفسخ البيع بل يتخير المشتري، فإن فسخ سقط الثمن وإن أجاز غرم البائع القيمة
وأدى له الثمن وقد يتقاصان. ولو أخذ المشتري المبيع بغير إذن البائع حيث له حق الحبس فله الاسترداد، فلو أتلفه البائع
في يد المشتري في هذه الحالة فهل عليه البدل ولا خيار للمشتري لاستقرار العقد بالقبض أو يجعل مستردا بالاتلاف كما
أن المشتري قابض به فيه؟ قولان بلا ترجيح في كلام الشيخين، ورجح ابن المقري الثاني، وهو المعتمد.
تنبيه: سكت المصنف عما لو أتلفاه معا. وقال الماوردي: يلزم البيع في نصفه. وأما النصف الآخر فينفسخ فيه
لأن إتلاف البائع كالآفة ويرجع البائع عليه بنصف الثمن ولا خيار له في فسخ ما قد لزمه بجناية ولا أجرة على البائع في
استعمال المبيع قبل قبضه. ولو تعدى بحبسه مدة لمثلها أجرة خلافا للغزالي، لأن إتلافه كالآفة كما مر وإتلاف الأجنبي
وغير المميز بأمر أحدهما أو بأمر الأجنبي كإتلافه عن أمره، فلو أمره الثلاثة قال الأسنوي: فالقياس أنه يحصل
القبض في الثلث والتخيير في الثلث والفسخ في الثلث أما إتلاف المميز بأمر واحد منهم فكإتلاف الأجنبي بلا أمر
وإذن المشتري للأجنبي أو للبائع في إتلافه لغو لعدم استقرار الملك بخلاف الغاصب فإنه يبرأ بإذن المالك له في إتلافه
لاستقرار الملك ثم. وإتلاف عبد البائع ولو بإذنه إتلاف الأجنبي، وكذا عبد المشتري بغير إذنه، فإن أجاز البيع جعل
قابضا كما لو أتلفه بنفسه فلا شئ له على عبده، وإن فسخ اتبع البائع الجاني. وإنما لم يلحق عبد البائع بعبد المشتري في
التقييد بغير الاذن لشدة تشوف الشارع إلى بقاء العقود، ولو أتلفه دابة المشتري نهارا انفسخ الليل أو ليلا فله الخيار، فإن
فسخ طالبه البائع ببدل ما أتلفه، وإن أجاز فقابض أو دابة البائع فكإتلافه. وإنما لم يفرق فيها بين الليل والنهار كدابة
المشتري، لأن إتلافها إن لم يكن بتفريط من البائع فآفة، وإن كان بتفريط منه فقد مر أن إتلافه كالآفة، بخلاف
إتلاف دابة المشتري، فنزل إتلافها بالنهار منزلة إتلاف البائع لتفريطه بخلافه ليلا. فإن قيل: إتلافها ليلا إما بتقصير
المشتري فيكون قبضا وإلا فيكون كالآفة فينفسخ به البيع فلا وجه لتخييره. أجيب بأنه بتقصيره سواء أكان معها
أم لا، ولما لم يكن إتلافها صالحا للقبض خير، فإن أجاز فقابض أو فسخ طالبه البائع بالبدل كما تقرر. (
والأظهر أن
إتلاف الأجنبي لا يفسخ) البيع القيام البدل مقام المبيع، (بل يتخير المشتري) به على التراخي كما اقتضاه كلام القفال،
وإن نظر فيه القاضي. (بين أن يجيز) البيع (ويغرم الأجنبي) البدل، (أو يفسخ فيغرم البائع الأجنبي) البدل.
وقطع بعضهم بهذا، ومقابله أن البيع ينفسخ كالتلف بآفة. وهذه المسألة كالتي قبلها في حكاية الطريقين، فلو حذف
67

لفظة الأظهر لكان أولى وأخصر. وهذا الخيار في غير الربوي وفيما إذا لم يكن الأجنبي حربيا ولم يكن إتلافه بحق،
وإلا فينفسخ البيع. فإن قيل: إذا غصب أجنبي العين المستأجرة حتى انقضت المدة انفسخت الإجارة ولم يخير المستأجر
كما هنا. أجيب بأن المعقود عليه هنا المال وهو واجب على الجاني فتعدى العقد من العين إلى بدلها بخلاف المعقود
عليه ثم فإنه المنفعة وهي غير واجبة على متلفها فلم يتعد العقد منها إلى بدلها. (ولو تعيب) المبيع بآفة سماوية (قبل
القبض فرضيه) بأن أجاز البيع، (أخذه بكل الثمن) كما لو كان العيب مقارنا ولا أرش له لقدرته على الفسخ. (ولو عيبه
المشتري فلا خيار) له لحصوله بفعله فيمتنع بسببه الرد القهري بالعيوب القديمة ويكون قابضا لما أتلفه، فلو قطع يده
مثلا استقر عليه حصتها من الثمن وهو ما بين قيمته سليما ومعيبا، هذا إذا مات عند البائع بعد الاندمال، فإن سرى وجب
الثمن لما مر أن إتلافه قبض، وبهذا فارق ثبوت الخيار فيما لو عيب المستأجر العين المؤجرة وما لو جبت المرأة ذكر
زوجها، إذ لا يتخيل أن ذلك قبض لأن المستأجر والمرأة لم يتصرفا في ملكهما بل فيما يتعلق به حقهما فلا يكونان بذلك
مستوفيين بخلاف المشتري. (أو) عيبه (الأجنبي) غير الحربي بغير حق، (فالخيار) بتعيينه ثابت للمشتري قياسا على
ما مر في الاتلاف. (فإن أجاز) البيع (غرم الأجنبي الأرش) لأنه الجاني ولكن بعد قبض المبيع، أما قبله فلا
لجواز تلفه فينفسخ المبيع. والمراد بالأرش في الرقيق ما يأتي في الديات، ففي يده نصف قيمته لا ما نقص منه، وفي غيرها
ما نقص من قيمته. (ولو عيبه البائع فالمذهب ثبوت الخيار) للمشتري، (لا التغريم) أما الخيار فلا خلاف في ثبوته لأن
فعل البائع إما كالآفة وإما كفعل الأجنبي، وكلاهما مثبت للخيار قطعا، وإنما الخلاف في التغريم، والمذهب أنه
لا يثبت بناء على أنه كإتلافه الذي هو كالتلف بآفة على الراجح المقطوع به كما مر. ومقابله ثبوت الخيار مع التغريم
بناء على أن فعل البائع كفعل الأجنبي، فصح تعبيره هنا بالمذهب كما هناك، وكان الأولى في التعبير أن يقول ثبت الخيار
لا التغريم على المذهب. ولو لم يعلم المشتري بالحال حتى قبض وحدث عنده عيب كان له الأرش لتعذر الرد.
(ولا يصح
بيع المبيع قبل قبضه) ولا الاشراك فيه ولا التولية منقولا كان أو عقارا وإن أذن البائع في قبض الثمن، لخبر: من
ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه، قال ابن عباس: ولا أحسب كل شئ إلا مثله رواه الشيخان. ولقوله
(ص) ل حكيم بن حزام: لا تبيعن شيئا حتى تقبضه رواه البيهقي وقال: إسناده حسن متصل. ولضعف الملك
قبل القبض بدليل انفساخ العقد بالتلف قبله. فإن قيل: يصح أن يؤجر ما استأجره قبل قبضه فلأي شئ ما امتنع كما
في البيع؟ أجيب بأن البيع قد ورد على العين والقبض يتأتى فيها حقيقة والإجارة واردة على المنفعة فلم يكن القبض لها
حقيقة. (والأصح أن بيعه للبائع كغيره) فلا يصح لعموم الاخبار ولضعف الملك. والثاني: يصح كبيع المغصوب
من الغاصب. ومحل الخلاف إذا باعه بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقص أو تفاوت صفة، وإلا فهو إقالة بلفظ البيع
كما نقلاه عن المتولي وأقراه فيصح، وقيل: لا يصح. وقد ذكر القاضي القولين وبناهما على أن العبرة في العقود باللفظ
أو بالمعنى، والأصحاب تارة يعتبرون اللفظ وهو الأكثر، كما لو قال: بعتك هذا بلا ثمن لا ينعقد بيعا ولا هبة على الصحيح،
وكما لو قال: اشتريت منك ثوبا صفته كذا بكذا ينعقد بيعا لا سلما على الصحيح. وتارة يعتبرون المعنى كما لو قال: وهبتك
هذا الثوب بكذا ينعقد بيعا على الصحيح، فلم يطلقوا القول باعتبار اللفظ بل يختلف الجواب بقوة المدرك كالابراء في
أنه إسقاط أو تمليك، وفي أن النذر يسلك به مسلك الواجب أو الجائز، وفي أن الطلاق الرجعي يزيل الملك أم لا. وتارة
لا يراعون اللفظ ولا المعنى فيما إذا قال: أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد، فإن الصحيح أنه لا ينعقد بيعا ولا سلما.
وكان الأولى للمصنف أن يعبر بالمذهب، ففي شرح المهذب أن مقابله شاذ ضعيف، والأكثرون على القطع بالبطلان.
68

(و) الأصح (أن الإجارة) والكتابة (والرهن والهبة) والصداق والاقراض وجعله عوضا في نكاح أو خلع أو صلح أو
سلم أو غير ذلك، (كالبيع) فلا يصح بناء على أن العلة في البيع ضعف الملك. والثاني: يصح بناء على أن العلة فيه توالي الضمانين.
تنبيه: لا فرق في بطلان الرهن من البائع بين أن يكون رهن ذلك بالثمن أو بغيره، ولا بين أن يكون له حق الحبس
أم لا كما هو ظاهر إطلاق كلام الأصحاب وإن قيده السبكي بما إذا رهن ذلك بالثمن وكان له حق الحبس. وخرج بالمبيع
زوائده الحادثة، فلو اشترى نخلا مثلا منه فأثمرت قبل القبض جاز بيعها قبل قبضها لأنها ليست بمضمونة على البائع، قاله
الأردبيلي. وقال الرافعي: ينبني على أنها تعود للبائع لو عرض انفساخ أو لا، فإن أعدناها لم يتصرف فيها كالأصل
وإلا تصرف.
تنبيه: قوله قبل قبضه يفهم الجواز بعد قبضه مطلقا، وليس مرادا، بل محله ما إذا لم يكن للبائع خيار، فإن كان امتنع
أيضا كما علم مما مر. واستثنى ابن الرفعة من عدم صحة بيع المبيع قبل قبضه صورتين: الأولى: إذا اشترى من مورثه شيئا
ومات مورثه قبل قبضه ولا وارث له غيره، فيجوز له بيعه قبل قبضه لأنه صار في يده شرعا، ويمتنع أن يقبض من نفسه
لنفسه. الثانية: إذا اشترى جزءا شائعا وطلب قسمته قبل قبضه فإنه يجاب إليه وإن قلنا القسمة بيع لأن الرضا غير معتبر
فيها، وإذا لم يعتبر الرضا جاز أن لا يعتبر القبض كالشفعة، نقله الرافعي عن المتولي وأقره، واستثنى غيره صورة أخرى،
وهي ما لو اشترى رقيقا وباعه المشتري من نفسه قبل قبضه فيصح إن قلنا إنه عقد عتاقه، وهو الأصح. وهذه تعلم من قول
المصنف: (و) الأصح (أن الاعتاق بخلافه) فيصح لتشوف الشارع إليه، ونقل ابن المنذر فيه الاجماع. وسواء كان للبائع
حق الحبس أم لا لقوته وضعف حق الحبس، ولهذا يصح إعتاق المرهون من الراهن
المعسر فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الراهن حجر على نفسه. والثاني: لا يصح كالبيع لاشتراكهما في إزالة الملك.
والثالث: إن لم يكن له حق الحبس لتأجيل الثمن صح وإلا فلا لما فيه من إبطال حقه. نعم لا يصح على الأول
إعتاقه على مال لأنه كما قاله القاضي في فتاويه، ولا إعتاقه عن كفارة غيره لأنه هبة، والاستيلاد والتزويج والوقف
سواء احتاج إلى قبول أم لا كما في المجموع خلافا لما في الشرح والروضة نقلا عن التتمة من أن الوقف إن شرط فيه القبول
كان كالبيع وإلا فكالاعتاق، مع أن الأصح أن الوقف على معين لا يحتاج إلى قبول كما سيأتي إن شاء الله تعالى في بابه كالعتق.
ويصح تدبيره والوصية به وإباحته للفقراء طعاما اشتراه جزافا، ويصير المشتري بإعتاقه وإيلاده وإيلاد أبيه وإباحة ما ذكر
إن قبضوه ووقفه قابضا للمبيع وإن كان للبائع حق الحبس لا بتزويجه ولا بوطئ الزوج، أما إذا اشترى الطعام مقدرا
بكيل أو غيره فلا يصح قبضه إلا كذلك، أو اشتراه جزافا وأباحه كما مر ولم يقبضوه فإنه لا يصير قابضا بذلك، فإن لم يرفع البائع
يده بعد الوقف والاستيلاد ضمنه بالقيمة لا بالثمن. (والثمن المعين) نقدا كان أو غيره، (كالمبيع) قبل قبضه فيما مر، فيأتي فيه
جمع ما تقدم لعموم النهي عنه. ولو أبدله المشتري بمثله أو بغير جنسه برضا البائع فهو كبيع المبيع للبائع، فقوله: (فلا يبيعه البائع
قبل قبضه) لا حاجة إليه بل تركه أولى لأنه يوهم جواز غير البيع وليس مرادا، ولهذا عبر في المحرر بالتصرف ليعم. (وله بيع)
وأولى منه وله التصرف في (ماله) وهو (في يد غيره أمانة) فهو (كوديعة ومشترك وقراض ومرهون بعد انفكاكه) أو قبله وأذن
له فيما ذكر المرتهن، (وموروث) كان يجوز للمورث التصرف فيه، (وباق في يد وليه بعد رشده) وأولى منه بعد فك الحجر عنه
ليدخل المجنون، فإن حجره ينفك بنفس الإفاقة لتمام ملكه على ذلك وقدرته على تسليمه. نعم لو أكرى صباغا أو قصارا
69

لعمل في ثوب وسلمه له فليس له بيعه قبل العمل، وكذا بعده إن لم يكن سلم الأجرة،
لأن له الحبس للعمل ثم لاستيفاء الأجرة، ومثل ذلك صوغ الذهب ونسج الغزل ورياضة الدابة. وخرج: بيجوز للمورث التصرف فيه ما مات عنه ولم يقبضه
فليس للوارث بيعه قبل قبضه. فإن قيل: هل هذه مستثناة من كلام المصنف أو لا؟ أجيب بلا، لأن المبيع حينئذ ليس في يد
بائعه أمانة بل هو مضمون عليه. (وكذا) له بيع ماله وهو في يد غيره، (عارية ومأخوذ بسوم) وهو ما يأخذه من يريد الشراء
ليتأمله أيعجبه أم لا لما ذكر. فإن قيل: ما فائدة عطفه بكذا؟ أجيب بأن فائدته التنبيه على أنه قسيم الأمانة لأنه مضمون
ضمان يد فلا ينحصر في الأمانة لكن لا ينحصر فيما ذكره، بل ما رجع إليه بفسخ عقد بعيب أو غيره وهو باق في يد المشتري
بعد رد الثمن له ومقبوض بعقد فاسد لفوات شرط أو نحوه ورأس مال سلم فسخ لانقطاع المسلم فيه أو غيره ومغصوب
يقدر على انتزاعه وما أشبه ذلك.
تنبيه: فصل الماوردي في بيع العارية، فقال: إن أمكن الرد كالدار والدابة صح وإن لم يمكن كالأرض غرست فالبيع
باطل في الأصح لجهالة المدة، واسترجاعها غير ممكن إلا ببذل قيمة البناء والغراس أو أرش النقص، وذلك غير واجب
على البائع ولا على المشتري اه‍. ويحمل إطلاق الشيخين على هذا للتفصيل.
فرع: لو أفرز السلطان لشخص عطاء ورضي به جاز له بيعه قبل قبضه للرفق بالجند، ولا يد السلطان في الحفظ
للمفرز كيد المفرز له. ويصح بيع أحد الغانمين لقدر معلوم ملكه من الغنيمة شائعا. ويصح بيع موهوب رجع فيه الوالد قبل قبضه،
وله بيع مقسوم قسمة إفراز قبل قبضه بخلاف قسمة البيع ليس له بيع ما صار له فيها من نصيب صاحبه قبل
قبضه، ولا بيع شقص أخذه بشفعة قبل قبضه، لأن الاخذ بها معاوضة. وله بيع ثمر على شجر موقوف عليه قبل أخذه،
وكذا سائر غلات وقف حصلت لجماعة وعرف كل قدر حصته كما نقله في المجموع عن المتولي وأقره. (ولا يصح بيع المسلم
فيه ولا الاعتياض عنه) قبل قبضه، لعموم النهي عن بيع ما لم يقبض. والمبيع الثابت في الذمة إذا عقد عليه بغير لفظ السلم
لا يعتاض عنه وإن كان غير سلم على الصحيح. وتناقض في ذلك كلام الشيخين، والمعتمد عدم الصحة. (والجديد جواز
الاستبدال عن الثمن) الثابت في الذمة وإن لم يكن نقدا، لخبر ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: كنت أبيع الإبل
بالدنانير وآخذ مكانها الدراهم وأبيع الدراهم وآخذ مكانها الدنانير، فأتيت النبي (ص) فسألته عن ذلك،
فقال: لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شئ رواه الترمذي وغيره وصححه الحاكم على شرط مسلم. وسواء أقبض
الثمن أم لا، فقوله في الخبر: وليس بينكما شئ أي من عقد الاستبدال لا من العقد الأول بقرينة رواية أخرى تدل
لذلك. والقديم المنع لعموم النهي السابق لذلك. وللمضمونات ضمان العقود كبدل خلع وصداق وأجرة حكم الثمن لاستقرارها، بخلاف دين السلم كما مر. وفرق بينه وبين الثمن بأنه معرض بانقطاعه للانفساخ أو الفسخ، وبأن عينه
تقصد بخلاف الثمن فيهما. ويجوز استبدال الحال عن المؤجل وكان صاحبه عجله بخلاف عكسه لعدم لحوق الاجل.
فائدة: الثمن: النقد إن قوبل بغيره للعرف، فإن كانا نقدين أو عرضين فما التصقت به الباء المسماة بباء السببية
هو الثمن، والمثمن ما يقابله، فلو قال: بعتك هذه الدراهم بعبد ووصفه فالعبد مبلغ لا يجوز الاستبدال عنه والدراهم
ثمن، أو بعتك هذا الثوب بعبد ووصفه فالعبد ثمن يجوز الاستبدال عنه لا عن الثوب لأنه مثمن. فإن قيل: مقتضى كلامهم
أنه لو باع عبده بدراهم سلما كانت ثمنا وصح الاستبدال عنها، وقد تقدم أنه لا يصح الاستبدال عن المسلم فيه. أجيب
بأن دخول الباء عارضه كونه مسلما فيه فلا يصح، فكلامهم على إطلاقه من أن الثمن مدخول الباء ولكن عارض
مانع في هذه الصورة فلا ترد نقصا. وقيل: إن قولهم: يجوز الاستبدال عن الثمن جرى على الغالب حتى لا ترد هذه الصورة.
هذا كله فيما لا يشترط قبضه في المجلس، (فإن استبدل موافقا في علة الربا كدراهم عن دنانير) أو عكسه، (اشترط قبض
70

البدل في المجلس) كما دل عليه الخبر السابق حذرا من الربا، فلا يكفي التعين عنه. (والأصح أنه لا يشترط التعيين)
للبدل، أي تشخيصه، (في العقد) لأن الصرف على ما في الذمة جائز. والثاني: يشترط ليخرج عن بيع الدين بالدين.
(وكذا) لا يشترط (القبض) للبدل (في المجلس) في الأصح، (إن استبدل ما لا يوافق في العلة) للربا، (كثوب
عن دراهم) كما لو باع ثوبا بدراهم في الذمة، لكن لا بد من التعيين في المجلس قطع. وفي اشتراط التعيين في العقد
الوجهان في استبدال الموافق. والثاني: يشترط القبض، لأن أحد العوضين دين، فيشترط قبض الآخر كرأس مال السلم.
فإن قيل: كان الأولى أن يقول كطعام عن دراهم لأن الثوب ليس بربوي، فلا يحسن أن يقال إن الثوب لا يوافق
الدراهم في علة الربا؟ أجيب بأن النفي يصدق بنفي الموضوع، فيصدق بأن لا ربا أصلا. (ولو استبدل عن الفرض)
بمعنى المقرض جاز ولو لم يتلف، خلافا لبعض المتأخرين، وإن كان قبل تلفه غير مستقر في الذمة من حيث أن للمقرض
أن يرجع في عينه. (و) لو استبدل عن (قيمة المتلف) أو مثله، وكذا عن كل دين ليس بثمن ولا مثمن كالدين
الموصى به أو الواجب بتقدير الحاكم في المتعة أو بسبب الضمان أو عن زكاة الفطر إذا كان الفقراء محصورين، (جاز)
لاستقرار ذلك (وفي اشتراط قبضه) أي البدل، (في المجلس) وتعيينه (ما سبق) من كونه مخالفا في علة الربا أو لا،
قال الأسنوي: وفي الدين الثابت بالحوالة نظر، ويحتمل تخريجه على أن الحوالة بيع أم لا، ويحتمل أن ينظر إلى أصله
وهو المحال به فيعطى حكمه اه‍. والثاني أوجه. (وبيع الدين) بعين (لغير من عليه باطل في الأظهر بأن اشترى
عبد زيد) مثلا (بمائة له على عمرو) لأنه لا يقدر على تسليمه. وهذا ما صححه في المحرر والشرحين والمجموع هنا،
وجزم به الرافعي في باب الكتابة. والثاني: يصح، وهو المعتمد كما صححه في زوائد الروضة هنا موافقا للرافعي في آخر
الخلع، واختاره السبكي، وحكي عن النص لاستقراره، كبيعه ممن هو عليه، وعلى هذا قال في المطلب: يشترط أن
يكون المديون مليا مقرا، وأن يكون الدين حالا مستقرا. وصرح في أصل الروضة ك البغوي باشتراط قبض العوضين في
المجلس، وهذا هو المعتمد وإن قال في المطلب مقتضى كلام الأكثرين يخالفه. ولا يصح أن يحمل الأول على الربوي
والثاني على غيره كما قال بعض المتأخرين لأن مثالها يأبى ذلك لأن الشيخين مثلا ذلك بعبد
. تنبيه: القول بالصحة إنما يجري في غير المسلم فيه كما يؤخذ من تعليله ومما مر. (ولو كان لزيد وعمر دينان
على شخص فباع زيد عمرا دينه بدينه بطل قطعا) اتفق الجنس أو اختلف، لنهيه (ص) عن بيع الكالئ
بالكالئ. رواه الحاكم وقال: إنه على شرط مسلم. وفسر ببيع الدين بالدين كما ورد التصريح به في رواية البيهقي. ثم شرع
في بيان القبض والرجوع في حقيقته إلى العرف فيه لعدم ما يضبطه شرعا أو لغة كالاحياء والحرز في السرقة، فقال:
(وقبض العقار) أي إقباضه، وهو الأرض والنخل والضياع كما قاله الجوهري، وأراد بالضياع: الأبنية، (تخليته
للمشتري) أي له تركه بلفظ يدل عليها من البائع كما اقتضاه كلام المطلب نقلا عن الأصحاب. (وتمكينه من التصرف) فيه
بتسليم المفتاح إليه وإن لم يتصرف فيه ولم يدخله. ويشترط كما في الكفاية: أن لا يكون هناك مانع حسي ولا شرعي،
لأن الشارع أطلق القبض وأناط به أحكاما ولم يبينه ولا له حد في اللغة فيرجع فيه إلى العرف كما مر، والعرف قاض بما ذكره
المصنف في هذا وما بعده. قال الرافعي: وفي معنى العقار الأشجار الثابتة والثمرة المبيعة على الشجرة قبل أوان الجذاذ.
وتقييده بذلك يشعر بأن دخول وقت قطعها يلحقها بالمنقول، وهو كما قال الأسنوي متجه وإن نازع فيه الأذرعي.
71

تنبيه قال الشارح: لو أتى المصنف بالباء في التخلية كما في الروضة وأصلها والمحرر كان أقوم إلا أن يفسر
القبض بالاقباض اه‍. أي لأن القبض فعل المشتري والتخلية فعل البائع، فلو لا التأويل المذكور كما قدرته في عبارته
لما صح الحمل. (بشرط فراغه من أمتعة البائع) لأن التسلم في العرف موقوف على ذلك فيفرغها بحسب الامكان ولا
يكلف تفريغها في ساعة واحدة إذا كانت كثيرة، وسيأتي في باب الأصول والثمار أن الأرض المزروعة يحصل تسليمها
بالتخلية مع بقاء الزرع لتأتي التفريغ هنا في الحال بخلافه ثم. ولو جمعت الأمتعة في بيت من الدار وخلي بين المشتري
وبينها حصل القبض فيما عداه، فإن نقلت الأمتعة منه إلى بيت آخر حصل القبض في الجميع.
تنبيه: تقييد المصنف بأمتعة البائع يخرج به أمتعة المشتري فقط، أما أمتعة غير المشتري من مستأجر ومستعير
وموصى له بالمنفعة فكأمتعة البائع كما قاله الأذرعي، وإن خالف في ذلك غيره فاحذره. (فإن لم يحضر العاقدان المبيع)
وحضورهما لا يشترط على الأصح لما فيه من المشقة، (اعتبر) في حصول قبضه (مضي زمن يمكن فيه المضي إليه في
الأصح) سواء أكان في يد المشتري أم لا، منقولا كان أولا، لأنا لا نعتبر الحضور للمشقة، ولا مشقة في مضي الزمان
فاعتبر. والثاني: لا يعتبر لأنه لا معنى لاعتباره مع عدم الحضور. وعلى الأول لا يعتبر نفس المضي ولا يفتقر في مضي الزمان فاعتبر. والثاني: لا يعتبر لأنه لا معنى لاعتباره مع عدم الحضور. وعلى الأول لا يعتبر نفس المضي ولا يفتقر في الغائب عن
العاقدين، ولا في الحاضر بيد المشتري إلى إذن البائع إن لم يكن له حق الحبس وإلا افتقر. (وقبض المنقول) من حيوان
أو غيره، (تحويله) لما روى الشيخان عن ابن عمر: كنا نشتري الطعام جزافا فنهانا رسول الله (ص) أن نبيعه
حتى ننقله من مكانه. وقيس بالطعام غيره، فيأمر العبد بالانتقال من موضعه ويسوق الدابة أو يقودها، ولا يكفي ركوبها
واقفة، ولا استعمال العبد كذلك، ولا وطئ الجارية. وقول الرافعي في كتاب الغصب: لو ركب المشتري الدابة أو
جلس على الفراش حصل الضمان. ثم إن كان ذلك بإذن البائع جاز له التصرف أيضا وإن لم ينقله، وإلا فلا صحيح في
الضمان غير صحيح في التصرف. ويكفي في قبض الثوب ونحوه مما يتناول باليد التناول، ومر أن بيع الثمرة على الشجرة قبل أوان
الجداد يكفي فيها التخلية، وكذا بيع الزرع في الأرض، وأن إتلاف المشتري المبيع قبض له، فيستثنى ذلك من كلامه
هنا، ويستثنى أيضا القسمة فلا حاجة إلى تحويل المقسوم ولو جعلنا القسمة بيعا إذ لا ضمان فيها حتى يسقط بالقبض.
تنبيه: يؤخذ من التعبير بالنقل أن الدابة مثلا لو تحولت بنفسها ثم استولى عليها المشتري لا يحصل القبض، وهو
كذلك، سواء استولى عليها بغير إذن البائع أو بإذنه لما مر أن كلام الرافعي في الغصب ضعيف. ولو كان المبيع تحت يد
المشتري أمانة أو مضمونا وهو حاضر ولم يكن للبائع حق الحبس صار مقبوضا بنفس العقد، بخلاف ما إذا كان له حق الحبس
فإنه لا بد من إذنه كما مر. ولو باع شجرة بشرط القطع كفى فيها التخلية كما ذكره القفال في فتاويه. ولو
اشترى الأمتعة
مع الدار صفقة اشترط في قبضها نقلها كما لو أفردت، وقيل: لا، تبعا لقبض الدار. ولو اشترى صبرة ثم اشترى مكانها لم يكف
خلافا للماوردي، كما لو اشترى شيئا في داره فإنه لا بد من نقله، وما فرق به بينهما غير معتبر. والسفينة من المنقولات كما
قاله ابن الرفعة، فلا بد من تحويلها، وهو ظاهر في الصغيرة وفي الكبيرة في ماء تسير فيه، أما الكبيرة في البر فكالعقار
فتكفي فيها التخلية لعسر النقل، وعلى كل تقدير لا بد فيها من تفريغها من أمتعة البائع ونحوه. ولو بيع ظرف دون
مظروفه اشترط في تسليمه تفريغه كالسفينة، وكذا كل منقول لا بد من تفريغه. (فإن جرى البيع) في أي مكان
كان والمبيع (بموضع لا يختص بالبائع) بأن اختص بالمشتري بملك أو وقف أو وصية له بالمنفعة أو إجارة أو إعارة أو نحو
ذلك كتحجر على ما سيأتي في الاحياء إن شاء الله تعالى، أو لم يختص بأحد كموات وشارع ومسجد، (كفى) في قبضه
(نقله) من حين (إلى حين) آخر من ذلك الموضع. وشمل كلامه المغصوب من أجنبي والمشترك بين المشتري وغيره
وبين البائع وغيره، فإنه يصدق أنه لا اختصاص للبائع به وإن قال الأسنوي فيه نظر.
تنبيه: كان الأولى للمصنف أن يزيد (والمبيع) بالميم، فإن جريان البيع لا مدخل له فيما نحن فيه كما قدرته في
72

كلامه، لكنه تبع المحرر في ذلك، ولعله من غير تأمل. وقوله: لا يختص بالبائع قال الولي العراقي: إنه مقلوب وصوابه
لا يختص البائع به، لأن الباء تدخل على المقصور الذي لا يتعدى اه‍. وفي التعبير بالصواب نظر، لأن دخولها على
المقصور أكثري لا كلي. (وإن جرى) البيع في أي مكان كان كما مر، والمبيع (في دار البائع) أي في موضع يستحق
منفعته، أو الانتفاع به بملك أو وقف أو وصية أو إجارة أو إعارة أو نحو ذلك كتحجر كما مر، (لم يكف ذلك) النقل
في قبضه، (إلا بإذن البائع) فيه، لأن يد البائع عليها وعلى ما فيها. نعم لو جعله أي المشتري في أمتعة له أو مستعارة من
البائع كفى كما نقله في الكفاية عن القاضي حسين وأقره. ويستثنى من إطلاقه ما إذا كان المنقول خفيفا فقبضه بتناوله
باليد كما مر، إذ لا فرق بين وقوعه فيما يختص البائع أو لا. ويشترط في المقبوض كونه مرئيا للقابض وإلا فكالبيع، نبه
على ذلك الزركشي. أما إذا أذن له البائع (فيكون معيرا للبقعة) التي أذن في النقل إليها كما لو استعارها من غيره.
تنبيه: قوله: لم يكف، أي بالنسبة إلى التصرف، أما بالنسبة إلى نقل الضمان فإنه يكون كافيا لاستيلائه عليه، وكذا
لو أذن له في مجرد التحويل. هذا كله في منقول بيع بلا تقدير، فإن بيع بنقدين فسيأتي.
فرع: زاد الترجمة به: (للمشتري قبض المبيع) استقلالا، (إن كان الثمن مؤجلا) لانتفاء حق الحبس، وكذا
لو حل قبل التسليم وإن خالف في ذلك الأسنوي. (أو) كان حالا و (سلمه) لمستحقه، (وإلا) أي وإن كان
حالا ولم
يسلمه كله أو بعضه (فلا يستقل به) بل لا بد من إذن البائع فيه، لأن حق الحبس ثابت له. فإن استقل به لزمه
رده ولا ينفذ تصرفه فيه، لكن يدخل في ضمانه باليد الحسية لا الشرعية ليطالب به إن خرج مستحقا واستقر ثمنه
عليه. (ولو بيع الشئ تقديرا كثوب وأرض ذرعا) بإعجام الذال، (وحنطة كيلا أو وزنا اشترط) في قبضه (مع النقل)
في المنقول (ذرعه) إن بيع ذرعا بأن كان يذرع، (أو كيله) إن بيع كيلا بأن كان يكال، (أو وزنه) إن بيع وزنا بأن كان
يوزن، أو عده أن بيع عدا بأن كان يعد، لورود النص في الكيل في خبر مسلم: من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى
يكتاله دل على أنه لا يحصل فيه القبض إلا بالكيل، وليس بمعتبر في بيع الجزاف إجماعا، فتعين فيما قدر بكيل
الكيل، وقيس عليه الباقي. ويعتبر أن يكيل البائع أو وكيله، فلو قال لغريمه: اكتل حقك من صبرتي لم يصح، لأن
الكيل أحد ركني القبض، وقد صار نائبا فيه من جهة البائع متأصلا لنفسه. ولو تنازعا فيمن يكيل نصب الحاكم
كيالا أمينا يتولاه. ويقاس بالكيل غيره وأجرة كيال المبيع أو وزانه أو من ذرعه أو عده ومؤنة إحضاره إذا كان
غائبا إلى محل العقد، أي تلك المحلة على البائع، وأجرة كيال الثمن أو وزانه أو من ذرعه أو عده ومؤنة إحضار الثمن الغائب إلى محل العقد، على المشتري. وأجرة النقل المحتاج إليه في تسليم المبيع المنقول على المشتري، أي وقياسه،
أن يكون في الثمن على البائع، وأجرة نقاد الثمن على البائع، أي وقياسه أن يكون في المبيع على المشتري، لأن القصد منه
إظهار عيب إن كان ليرد به. ولا فرق في الثمن بين أن يكون معينا أو لا كما أطلقه الشيخان، وإن قيده العمراني في
كتاب الإجارة بما إذا كان الثمن معينا. ولو أخطأ النقاد فظهر بما نقده غش وتعذر الرجوع على المشتري فلا ضمان عليه
وإن كان بأجرة كما أطلقه صاحب الكافي، وإن قيده الزركشي بما إذا كان متبرعا لكن لا أجرة له كما لو استأجره
للنسخ فغلط فإنه لا أجرة له. فإن قيل: إنه يغرم هناك أرش الورق، فقياسه أن يكون هنا ضامنا وهو ما استند إليه
الزركشي. أجيب بأنه هناك مقصر وهنا مجتهد، والمجتهد غير مقصر. ثم إن المصنف رحمه الله تعالى بين لك القدر
في المكيل بمثالين لتقيس عليه غيره، فقال: (مثاله بعتكها) أي الصبرة، (كل صاع بدرهم، أو) بعتكها بخمسة مثلا
73

(على أنها عشرة آصع) لكن في المثال الثاني كما قال ابن شهبة نظر، لأنه جعل ذلك وصفا كالكتابة في العبد، فينبغي
أن لا يتوقف ذلك على الكيل. ويخالف ما إذا باعها كل صاع بدرهم، فإن التقدير يحتاج إلى معرفة الثمن، فلو قبض
ما ذكر جزافا لم يصح القبض، لكن يدخل المقبوض في ضمانه. (ولو كان له) أي لبكر، (طعام) مثلا (مقدر)
كعشرة آصع (على زيد، ولعمرو عليه مثله فليكتل) بكر (لنفسه) من زيد (ثم يكيل لعمرو) لأن الاقباض هنا
متعدد ومن شرط صحته الكيل فلزم تعدد الكيل، وللنهي عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان كما روي
مرفوعا،
يعني صاع البائع وصاع المشتري. قال القاضي حسين: والمعنى فيه أن كل واحد منهما يستحق على من له عليه الحق
قبضه بالكيل. والكيلان قد يقع بينهما تفاوت فلم يجز الاقتصار على الكيل الأول لجواز أن لو حدده لظهر فيه تفاوت
، فإذا كال لنفسه وقبضه ثم كاله لغريمه فزاد أو نقص بقدر ما يقع بين الكيلين لم يؤثر فتكون الزيادة والنقص عليه،
أو بما لا يقع بين الكيلين، فالكيل الأول غلط فيرد بكر الزيادة ويرجع بالنقص، ولو قبضه في المكيال وسلمه لغريمه فيه
صح لأن استدامة المكيال كابتدائه، وقد يقال في الذرع كذلك. (فلو قال) بكر لعمرو: (اقبض من زيد ما لي عليه
لنفسك) أو أحضر معي لأقبضه أنا لك، (ففعل فالقبض فاسد) له لاتحاد القابض والمقبض، وضمنه القابض لاستيلائه
عليه لغرضه وبرئ زيد من حق بكر لاذنه في القبض منه في الأولى وقبضه بنفسه في الثانية. وإن قال له: اقبضه لي ثم لنفسك
أو أحضر معي لأقبضه لي ثم لك ففعل صح القبض الأول، إذ لا مانع منه دون الثاني لاتحاد القابض والمقبض وضمنه القابض،
والمقبض وضمنه القابض، وبرئ زيد من حق بكر.
فروع: لا يجوز للمستحق أن يوكل في القبض من يده يد المقبض كرقيقه ولو مأذونا له في التجارة، كما لا يجوز
أن يوكل فيه المقبض بخلاف ابنه وأبيه ومكاتبه. ولو قال لغريمه: وكل من يقبض لي منك، أو قال لغيره: وكل من
يشتري لي منك صح ويكون وكيلا له في التوكيل في القبض أو الشراء منه. ولو وكل البائع رجلا في الاقباض ووكله
المشتري في القبض لم يصح توكيله لهما معا لاتحاد القابض والمقبض. ولو قال لغريمه: اشتر بهذه الدراهم لي مثل ما تستحقه
علي واقبضه لي ثم لنفسك صح الشراء والقبض الأول دون الثاني لاتحاد القابض والمقبض، أو قال: واقبضه لنفسك
فسد القبض، لأن حق الانسان لا يتمكن غيره من قبضه لنفسه، وضمنه الغريم لاستيلائه عليه وبرئ الدافع من حق الموكل
لاذنه في القبض منه. أو قال: اشتر بها ذلك لنفسك فسدت الوكالة، إذ كيف يشتري بمال الغريم لنفسه والدراهم أمانة
بيده؟ فإن اشترى بعينها بطل أو في الذمة صح ووقع عنه وأدى الثمن من ماله. وللأب وإن علا أن يتولى طرفي القبض
كما يتولى طرفي البيع كما مر في بابه.
فرع: زاد الترجمة به أيضا: إذا (قال البائع) مال نفسه بثمن حال في الذمة بعد لزوم العقد: (لا أسلم المبيع حتى
أقبض ثمنه وقال المشتري في الثمن مثله) أي لا أسلمه حتى أقبض المبيع وترافعا إلى حاكم، (أجبر البائع) على الابتداء
بالتسليم، لأن حق المشتري في العين وحق البائع في الذمة، فيقدم ما يتعلق بالعين كأرش الجناية مع غيره من الديون.
(وفي قول المشتري) لأن حقه متعين في المبيع وحق البائع غير متعين في الثمن فيؤمر بالتعيين ليتساويا في تعين الحق.
(وفي قول لا إجبار) أولا، وعلى هذا يمنعهما الحاكم من التخاصم. (فمن سلم أجبر صاحبه) على التسليم، لأن كلا منهما
ثبت له إيفاء واستيفاء، ولا سبيل إلى تكليف الايفاء قبل الاستيفاء، حكاه الشافعي في الام عن غيره، ثم رده لأن فيه ترك الناس
تمانعون من الحقوق. (وفي قول يجبران) لأن التسليم واجب عليهما فيلزم الحاكم كلا منهما بإحضار ما عليه إليه، أو
74

إلى عدل. فإذا فعل سلم الثمن للبائع والمبيع للمشتري يبدأ بأيهما شاء. (قلت: فإن كان الثمن معينا سقط القولان الأولان)
سواء كان الثمن نقدا أم عوضا كما صرح به في الشرح الصغير وزوائد الروضة. ولا ينافي ذلك تصوير الرافعي في الشرح
الكبير سقوطهما في بيع عرض بعرض، قال الشارح: لأن سكوته عن النقد لا ينفيه. (وأجبرا في الأظهر، والله أعلم)
لاستواء الجانبين، لأن الثمن المعين كالمبيع في تعلق الحق بالعين. أما إذا كان نائبا عن غيره كالوكيل وناظر الوقف والحاكم
في بيع أموال المفلس وعامل القراض فإنه لا يجبر على التسليم، بل لا يجوز له ذلك حتى يقبض الثمن، فلا يأتي إلا إجبارهما
أو إجبار المشتري ولا يأتي قول الاعراض عنهما لأن الحال لا يحتمل التأجيل. قال الامام: ولو تبايع وليان أو وكيلان لم
يأت سوى إجبارهما. (وإذا سلم البائع) بإجبار أو بدونه، (أجبر المشتري) على التسليم في الحال (إن حضر الثمن)
في المجلس، لأن التسليم واجب عليه ولا مانع منه. وإذا أصر المشتري على الامتناع لا يثبت للبائع حق الفسخ كما سيأتي
في كتاب الفلس. والمراد بحضور الثمن حضور عينه إن كان معينا، أو نوعه الذي يقضى منه إن كان في الذمة، فإن
ما في الذمة قبل قبضه لا يسمى ثمنا إلا مجازا. (وإلا) أي وإن لم يحضر الثمن، (فإن كان) المشتري (معسرا) بالثمن فهو
مفلس، (فللبائع الفسخ بالفلس) وأخذ المبيع لما سيأتي في بابه، وحينئذ فيشترط فيه حجر القاضي وإن افتضت عبارة
المصنف كالروضة وأصلها أنه يستقل بذلك من غير توقف على حجر الحاكم. وفي افتقار الرجوع بعد الحجر إلى إذن
الحاكم وجهان، أشهرهما كما قال الرافعي أنه لا يفتقر. (أو موسرا وماله بالبلد، أو بمسافة قريبة) وهو دون مسافة القصر،
(حجر عليه في) المبيع وفي جميع (أمواله) وإن كانت وافية بدينه، (حتى يسلم) الثمن، لئلا يتصرف في ذلك بما
يبطل حق البائع. وهذا يسمى بالحجر الغريب، قال السبكي: والفرق بينه وبين حجر الفلس حيث اعتبر فيه
نقص ما له
مع المبيع عن الوفاء أن الفلس سلطه البائع على المبيع باختياره رضي بذمته بخلافه هنا، هذا إذا لم يكن محجورا
عليه بفلس، وإلا لم يحجر عليه أيضا هذا الحجر لعدم فائدته، لأن حجر الفلس يتمكن فيه من الرجوع إلى عين
ماله بشرطه الآتي، وهذا الحجر يخالفه في ذلك، وفي كونه لا يتوقف على ضيق المال كما مر، ولا يتوقف على فك
القاضي بل ينفك بمجرد التسليم كما جزم به الامام وتبعه البلقيني وإن خالف في ذلك الأسنوي وجعله كحجر الفلس.
(فإن كان) ماله (بمسافة القصر) فأكثر، (لم يكلف البائع الصبر إلى إحضاره) لتضرره بذلك، (والأصح أن له
الفسخ) ولا يحتاج هنا حجر خلافا لبعض المتأخرين لتعذر تحصل الثمن كالافلاس به. والثاني: ليس له الفسخ بل
يباع المبيع ويؤدى حقه من الثمن كسائر الديون. (فإن صبر) البائع إلى إحضار المال، (فالحجر) يضرب على المشتري
(كما ذكرنا) في المبيع وفي جميع أمواله حتى يسلم الثمن لما مر. (وللبائع حبس مبيعه حتى يقبض ثمنه) كله الحال أصالة،
(إن خاف فوته بلا خلاف) وكذا للمشتري حبس الثمن المذكور إن خاف فوت المبيع بلا خلاف. (وإنما الأقوال)
السابقة (إذا لم يخف) أي البائع، (فوته) أي الثمن، وكذا المشتري فوت المبيع، (وتنازعا في مجرد الابتداء) بالتسليم، لأن الأحبار
عند خوف الفوات بالهرب أو تمليك المال أو نحو ذلك فيه ضرر ظاهر. أما الثمن المؤجل فليس للبائع حبس المبيع به
وإن حل قبل التسليم كما مر لرضاه بتأخيره.
تنبيه: كان الأولى للمصنف أن يقول: ولكل بائع ومشتر حبس ما بذله حتى يقبض عوضه ليشمل المشتري
كما قررته، ولكن إنما صرح بالبائع لأنه قدم تصحيح إجباره فذكر شرط وجوبه. ولو استبدل عن الثمن ثوبا مثلا،
75

قال القفال: ليس له الحبس لأنه أبطل حقه من الحبس بنقله إلى العين، إذ حق الحبس لاستيفاء عين الثمن وقد بدله.
لكن عبارة الروضة: ولو صالح من الثمن على مال فله إدامة حبسه لاستيفاء العوض. قال الولي العراقي: ولعل الأول
محمول على ما إذا استبدل عينا، والثاني على ما إذا استبدل دينا اه‍. والمعتمد إطلاق عبارة الروضة كما جرى عليه ابن
المقري في روضه.
خاتمة: اختلاف المكتري والمستأجر في الابتداء بالتسليم كاختلاف البائع والمشتري في ذلك، وما قيل من أن
اختلاف المسلم والمسلم إليه كذلك مردود كما قاله شيخنا لا الاجبار إنما يكون بعد اللزوم كما مر، والسلم إنما يلزم بعد
قبض رأس المال والتفرق من المجلس. ولو تبرع البائع بالتسليم لم يكن له حق الحبس، وكذا لو أعاره البائع للمشتري،
قال الزركشي: والمراد من العارية نقل اليد كما قالوه في إعارة المرتهن الرهن للراهن، وإلا فكيف تصح الإعارة من غير
مالك وقال غيره: صورتها أن يؤجر عينا ثم يبيعها لغير مستأجرها ثم يستأجرها من المستأجر ويعيرها للمشتري قبل القبض،
ولو أودعه له كان له استرداده، إذ ليس له في الايداع تسليط بخلافه في الإعارة. وتلفه في يد المشتري بعد الايداع كتلفه في يد
البائع كما قاله القاضي أبو الطيب في الشفعة، وله استرداده أيضا فيما إذا خرج الثمن زيوف كما قاله ابن الرفعة وغيره. ولو
اشترى شخص شيئا بوكالة اثنين وفي نصف الثمن عن أحدهما كان للبائع الحبس حتى يقبض الكل بناء على أن الاعتبار
بالعاقد، أو باع منهما ولكل منهما نصف وأعطى أحدهما البائع النصف من الثمن سلم إليه البائع نصفه من المبيع لأنه
سلمه جميع ما عليه بناء على أن الصفقة تتعدد بتعدد المشتري.
باب التولية:
أصلها تقليد العمل ثم استعملت فيما يأتي، (والاشراك) مصدر أشركه: أي صيره شريكا، (والمرابحة) وهي مفاعلة
من الربح وهو الزيادة على رأس المال. وفيه أيضا المحاطة من الحط: وهو النقص، ولم يترجم لها، قال ابن شهبة: إما
لادخالها في المرابحة كما فعل الامام لأنها في الحقيقة ربح المشتري، وإما لأنه ترجم للأشرف من القسمين واكتفى به عن
الآخر كقوله تعالى: * (سرابيل تقيكم الحر) * أي والبرد. وأهمل المساومة. ثم شرع في النوع الأول من الترجمة، فقال:
إذا (اشترى) شخص (شيئا) بمثلي (ثم قال) بعد قبضه ولزوم العقد وهو عالم بالثمن (لعالم بالثمن) قدرا وصفة
بإعلام المشتري أو غيره، أو لجاهل به ثم علم به قبل قبوله كما قاله الزركشي: (وليتك هذا العقد) سواء قال: بما اشتريت أم
سكت، (فضل) كقوله: قبلته أو توليته، (لزمه مثل الثمن) جنسا وقدرا وصفة. أما إذا اشتراه بعرض، فإن عقد التولية
لا يصح إلا ممن ملك ذلك العرض. نعم لو قال: قام علي بكذا وقد أوليتك العقد بما قام علي أو ولت المرأة في صداقها بلفظ
القيامة، أو قاله الرجل في عوض الخلع، صح كما جزم به ابن المقري في الأول ومثلها البقية. (وهو) أي عقد التولية، (بيع
في شرطه) أي في سائر شروطه، كالتقابض في الربوي والقدرة على التسليم، لأن حد البيع صادق عليه. (وترتب) جميع
(أحكامه) من تجديد شفعة إذا كان المبيع شقصا مشفوعا عفا عنه الشفيع في العقد الأول. وقضية كونها - أي التولية
- بيعا أن للمولي مطالبة المتولي بالثمن مطلقا، وهو كذلك، وإن قال الامام ينقدح أنه لا يطالبه حتى يطالبه بائعه. وليس للبائع
مطالبة المتولي وإن توقف فيه الامام ومن بقاء الزوائد المنفصلة للمولي وغير ذلك لأنه ملك جديد. (لكي لا يحتاج) عقد
التولية (إلى ذكر الثمن) بل يكتفي العلم به عن ذكره، لأن خاصيته البناء على الثمن الأول وإن لزمه أحكام
البيع. (ولو
حط) بضم الحاء، (عن المولي) بكسر اللام، (بعض الثمن) كما في المحرر، (انحط عن المولى) بفتحها، لأن
76

خاصية التولية التنزيل على الثمن الأول. وشمل كلامه حط البائع ووارثه ووكيله، فإن كان ا لحط للبعض قبل التولية لم تصح
التولية إلا بالباقي. ولو حط عنه الكل قبل التولية ولو بعد اللزوم أو بعدها وقبل لزومها لم تصح لأنها حينئذ بيع بلا ثمن
، أو بعدها وبعد لزومها صحت وانحط الثمن عن المتولي، لأنها وإن كانت بيعا جديدا فخاصيتها التنزيل على ما استقر عليه
الثمن الأول، فهي في حق الثمن كالبناء وفي حق نقل الملك كالابتداء حتى تتجدد فيه الشفعة كما مر. ولو كذب المولي في اخباره
بالثمن فكالكذب فيه في المرابحة وسيأتي. قال ابن الرفعة: وظاهر كلامهم أنه لا فرق في التولية بين كون الثمن حالا وكونه
مؤجلا وفيما إذا كان الثمن مؤجلا ووقعت بعد الحلول نظر، فيجوز أن يقال: يكون الاجل في حق الثاني من وقتها، وأن يقال:
يكون من حين العقد الأول فيلزمه الثمن حالا. والأول أشبه، لأن الاجل من صفات الثمن، وقد شرطوا المثلية في الصفة.
ثم شرع في النوع الثاني فقال: (والاشراك في بعضه) أي المشتري، (كالتولية في كله) في جميع ما مر من الشروط والأحكام،
لأن الاشراك تولية في بعض المبيع. (إن بين البعض) بأن صرح بالمناصفة أو غيرها من الكسور لتعيينه، فلو قال: أشركتك في
النصف كان له الربع بربع الثمن، إلا أن يقول بنصف الثمن فيتعين النصف كما صرح به المصنف في نكته لمقابلته بنصف
الثمن، إذ لا يمكن أن يكون شريكا بالربع بنصف الثمن لأن جملة المبيع مقابلة بالثمن فنصفه بنصفه.
تنبيه: اعترض على المصنف في إدخاله الألف واللام على بعض، وحكي منعه عن الجمهور، فإن ذكر بعضا ولم
يبينه لم يصح للجهل. (ولو أطلق) الاشراك (صح) أيضا (وكان) المشتري بينهما (مناصفة) كما لو أقر بشئ لزيد
وعمرو، (وقيل لا) يصح للجهل بقدر المبيع وثمنه.
فرع: للشريك الرد بعيب على الذي أشركه، فإذا رد عليه رد هو على الأول. وقضية كلام الأكثرين أنه لا يشترط
ذكر العقد، وقال الامام وغيره: يشترط ذكره بأن يقول أشركتك في بيع هذا أو في هذا العقد، ولا يكفي أشركتك في هذا،
وهذا ظاهر كما نقله صاحب الأنوار وأقره، وعليه أشركتك في هذا كناية. ثم شرع في النوع الثالث فقال: (ويصح بيع
المرابحة) من غير كراهة لعموم قوله تعالى: * (وأحل الله البيع) *. (بأن يشتريه) شيئا (بمائة) مثلا، (ثم يقول) لغيره وهما
عالمان بذلك: (بعتك) بمائتين أو (بما اشتريت) أي بمثله أو برأس المال أو بما قام على أو نحو ذلك. (وربح درهم لكل
عشرة) أو في أو على كل عشرة. (أو ربح ده يازده) لأن الثمن معلوم فكان كبعتك بمائة وعشرة. وروي عن
ابن مسعود أنه كان لا يرى بأسا بأزده وده دوازده. وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان ينهى عن ذلك، وعن عكرمة
أنه حرام، وعن إسحاق أن البيع يبطل به حمل على ما إذا لم يبين الثمن. وده بالفارسية عشرة، ويازده أحد عشر، أي:
كل عشرة ربحها درهم، وده دوازده كل عشرة ربحها درهمان، فلو كان الثمن دراهم معينة غير موزونة أو حنطة
مثلا معينة غير مكيلة لم يصح البيع مرابحة.
فرع: له أن يضم إلى الثمن شيئا ويبيعه مرابحة كأن يقول: اشتريت بمائة وبعتك بمائتين وربح درهم لكل
عشرة أو ربح ده يازده، وكأنه قال: بعتكه بمائتين وعشرين. ويجوز أن يكون الربح من غير جنس الثمن، قيل
لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: ما سبب كثرة مالك؟ قال: ما كتمت عيبا ولا رددت ربحا. ثم شرع في النوع الرابع الذي لم يترجم له
فقال: (و) يصح بيع (المحاطة) ويقال لها المواضعة والمخاسرة، (كبعتكه) أي كقول من ذكر لغيره وهما عالمان
بالثمن بعتكه. (بما اشتريت) أي بمثله أو برأس المال أو بما قام علي أو نحو ذلك. (وحط ده يازده) أو وحط
درهم لكل عشرة أو في أو على كل عشرة فيقبل، (ويحط من كل أحد عشر واحد) كما أن الربح في مرابحة ذلك واحد
من أحد عشر، فلو اشتراه بمائة فالثمن تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، أو بمائة وعشرة فالثمن مائة.
77

(وقيل): يحط (من كل عشرة) واحد كما زيد في المرابحة على كل عشرة واحد. ولو قال: يحط درهم من كل عشرة
فالمحطوط العاشر لأن (من) تقتضي إخراج واحد من العشرة بخلاف اللام وفي وعلى. والظاهر في نظيره من المرابحة كما قاله
شيخي الصحة مع الربح، وتحمل (من) على في أو على تجوزا، وقرينة التجوز قوله: وربح درهما إلخ وإن خالف في ذلك
بعض المتأخرين. (وإذا قال بعت) لك (بما اشتريت) أو برأ س المال، (لم يدخل فيه سوى الثمن) الذي استقر
عليه العقد عند لزومه لأنه المفهوم من ذلك، وهذا صادق بما فيه حط عما عقد به العقد أو زيادة عليه في زمن الخيار.
ولو حط جميع الثمن في مدة الخيار بطل العقد على الأصح، كما لو باع بلا ثمن، قاله الشيخان قبيل الكلام على الاحتكار.
قال الدميري: حادثة: وقع في الفتاوى أن رجلا باع ولده دارا بثمن معلوم ثم أسقط عنه جميع الثمن قبل التفرق من المجلس،
فأجيب فيها بأنه يصير كمن باع بلا ثمن وهو غير صحيح فتستمر الدار على ملك الوالد اه‍. وما قالوه هو الموافق لكلام
الشيخين. أما إذا وقع الحط بعد لزوم العبد، فإن كان بعد المرابحة لم يتعدد الحط إلى المشتري، وإن كان قبلها، فإن حط
الكل لم يجز بيعه بقوله قام على، ويجوز بلفظ اشتريت، وإن حط البعض أجيز بلفظ الشراء، ولا يجوز بلفظ
القيام
إلا بعد إسقاط المحطوط. (ولو قال) بعتك (بما قام علي دخل مع ثمنه أجرة الكيال) للثمن المكيل، (والدلال)
للثمن المنادى عليه، أي إن اشترى به المبيع كما أفصح بهما ابن الرفعة في الكفاية والمطلب. (والحارس والقصار والرفاء) بالمد من
رفأت الثوب بالهمز، وربما قيل بالواو. (والصباغ) للمبيع في الصور الأربع. (وقيمة الصبغ) له. (وسائر المؤن المرادة
للاسترباح) كأجرة المكان، وأجرة الختان في الرقيق، وأجرة الطبيب إذا اشتراه مريضا، وأجرة تطيين الدار، وعلف
تسمين، وكذا المكس المأخوذ كما نقلاه عن صاحب التتمة وأقراه، لأن جميع ذلك من مؤن التجارة. أما المؤن المقصودة
للبقاء كنفقة الرقيق وكسوته، وعلف الدابة غير الزائد للتسمين، وأجرة الطبيب إذا حدث المرض، فلا تحسب،
ويقع ذلك في مقابلة الفوائد المستفادة من المبيع. ولو جنى العبد ففداه أو غصب فبذل مؤنة في استرداده لم يحسب ذلك
عند الأكثرين.
تنبيه: ليس معنى قوله: دخل مع ثمنه إلخ أن مطلق ذلك يدخل فيه جميع الأشياء مع الجهل بها، لقوله بعد ذلك:
وليعلما ثمنه أو ما قام به، وفي معنى قوله قام علي ثبت علي بكذا. واستشكل الامام تصوير أجرة الكيال والدلال فإنهما
على البائع، وصوره ابن الرفعة بما تقدم. قال الأسنوي: وصورة أخرى وهي أن يتردد في صحة ما اكتاله البائع فيستأجر
من يكتاله ثانيا ليرجع عليه إن ظهر نقص. وصوره ابن الأستاذ أيضا بأن يكون اشتراه جزافا ثم كاله بأجرة ليعرف قدره،
قال الأذرعي: وفيه توقف، وأقرب منه أن يشتري مع غيره صبرة ثم يقتسماها كيلا، فأجرة الكيال عليهما. (ولو قصر
بنفسه أو كال) أو طين (أو حمل أو تطوع به شخص لم تدخل أجرته) مع الثمر في قوله قام علي لأن عمله ما تطوع به غيره
لم يقم عليه وإنما قام عليه ما بذله. وطريقه أن تقول: بعتكه بكذا وأجرة عملي أو عمل المتطوع عني وهي كذا أو
ربح كذا، وفي معنى أجرة عمله أجرة مستحقة بملك أو غيره كمكتري وعمل غلامه كعمله. ولو صبغه بنفسه حسبت
قيمة الصبغ فقط لأنه عين، ومثله ثمن الصابون في القصارة. (وليعلما) أي المتبايعان (ثمنه) أي المبيع وجوبا في نحو
بعت بما اشتريت، (أو ما قام به) في نحو بعت بما قام علي. (فلو جهله أحدهما بطل) أي لم يصح البيع (على الصحيح)
لجهالة الثمن. والثاني: يصح لسهولة معرفته، لأن الثمن الثاني مبني على الأول. والثالث: إن علم المشتري الثاني قدر الثمن
في المجلس صح، إلا فلا. (وليصدق البائع) وجوبا (في قدر الثمن) الذي استقر عليه العقد أو ما قام به المبيع عليه فيما إذا
78

أخبر بذلك في بيع المرابحة، وفي صفته كصحة وتكسر وخلوص وغش. (و) في (الاجل) لأن بيع المرابحة مبني على
الأمانة لاعتماد المشتري نظر البائع ورضاه لنفسه ما رضيه البائع مع زيادة أو حط.
تنبيه: لو حذف المصنف لفظة قدر لكان أخصر وأعم ليشمل ما زدته. وكلامه يقتضي اشتراط تعيين قدر الاجل
مطلقا وهو كذلك، لأن الاجل يقابله قسط من الثمن وإن قال الزركشي الظاهر أنه لا يجب إلا إن كان خارجا عن العادة.
ولو واطأ صاحبه فباعه ما اشتراه بعشرة ثم اشتراه منه بعشرين ليخبر به في المرابحة كره، وقيل: يحرم، واختاره السبكي،
والأقوى في الروضة ثبوت الخيار. قال الزركشي: القائل بثبوت الخيار لم يقل بالكراهة بل بالتحريم كما أشار إليه صاحب
الاستقصاء، وهو الذي يظهر لأن ما أثبت الخيار يجب إظهاره كالعيب، قال: وعليه ففي جزم النووي بالكراهة مع تقوية
القول بثبوت الخيار نظر. ولو اشترى شيئا بمائة ثم خرج عن ملكه واشتراه بخمسين وجب الاخبار بالخمسين. (و) يجب
أن يصدق في (الشراء بالعرض) فيذكر أنه اشتراه بعرض قيمته كذا، ولا يقتصر على ذكر القيمة لأن البائع بالعرض
يشدد فوق ما يشدد البائع بالنقد، وسواء في ذلك باعه مرابحة بلفظ الشراء أم بلفظ القيام كما قالاه، وإن قال الأسنوي:
إنه غلط، وإن الصواب أنه إذا باع بلفظ القيام يقتصر على ذكر القيمة. في (بيان العيب) القديم (الحادث عنده) بآفة أو
جناية تنقص القيمة أو العين، لأن الغرض يختلف بذلك، ولان الحادث ينقص به المبيع، ولا يكفي فيه تبيين العيب فقط ليوهم
المشتري أنه كان عند الشراء كذلك وأن الثمن المبذول كان في مقابلته مع العيب. ولو كان به عيب قديم ثم اطلع عليه بعد
الشراء أو رضي به وجب بيانه أيضا وبيان أنه اشتراه من طفله أو بدين مماطل أو معسر لأن الغرض يختلف بذلك. ولو
أخذ أرش عيب وباع بلفظ قام على حط الأرش أو بلفظ ما اشتريت ذكر صورة ما جرى به العقد مع العيب وأخذ الأرش،
لأن الأرش المأخوذ جزء من الثمن. وإن أخذ الأرش عن جناية: كأن قطعت يد الرقيق وقيمته مائة ونقص ثلاثين مثلا
وأخذ من الجاني نصف القيمة خمسين، فالمحطوط من الثمن الأقل من أرش النقص ونصف القيمة إن باع بلفظ قام علي، فإن
كان نقص القيمة أكثر من الأرش كستين حط ما أخذ من الثمن ثم أخبر مع إخبار بقيامه عليه بالباقي بنصف القيمة. وإن
باع بلفظ ما اشتريت ذكر الثمن والزيادة. (فلو قال) اشتريته (بمائة) وباعه مرابحة (فبان) أنه اشتراه (بتسعين) بإقراره أو
حجة، (فالأظهر أنه يحط الزيادة وربحها) لأنه تمليك باعتماد الثمن الأول، فتحط الزيادة عنه كما قال في الشفعة إذا أخذت بما أخبر
به المشتري وكان العقد لم ينعقد إلا بما بقي. والثاني: لا يحط شئ لأنه قد سمى عوضا وعقد به، والبيع
صحيح على القولين،
لأنه غره والتغرير لا يمنع الصحة كما لو روج عليه معيبا. (و) الأظهر بناء على الحط (أنه لا خيار للمشتري) ولا للبائع أيضا،
سواء أكان المبيع باقيا أم تالفا، فلو أسقط لفظ المشتري لشملهما. أما المشتري فلانه إذا رضي بالأكثر فبالأقل من باب
أولى، وأما البائع فلتدليسه. والثاني: يثبت الخيار، وهو وجه في البائع، وقيل: قول. أما المشتري فلانه قد يكون له
غرض في الشراء بذلك المبلغ لابرار قسم أو إنفاذ وصية، وأما البائع فلانه لم يسلم له ما سماه. قال السبكي: وهو
على الفور فيما يظهر. ولو لم يبين الاجل أو العيب أو شيئا مما يجب ذكره ثبت للمشتري الخيار لتدليس البائع عليه بترك
ما وجب عليه، وقد علم من ذلك أنه لا سقوط في غير الكذب. ويندفع ضرر المشتري بثبوت الخيار له وإن قال الامام
والغزالي بالسقوط وهو حط التفاوت. (ولو) غلط البائع فنقص من الثمن كأن قال: اشتريته بمائة وباعه مرابحة، ثم (زعم
أنه) أي الثمن الذي اشترى به، (مائة وعشرة) مثلا، (وصدقه المشتري) في ذلك، (لم يصح البيع) الواقع بينهما مرابحة،
(في الأصح) لتعذر إمضائه مزيدا فيه العشرة المتبوعة بربحها، لأن العقد لا يحتمل الزيادة وأما النقص فهو
معهود بدليل الأرش. (قلت: الأصح صحته) كما لو غلط المشتري بالزيادة، ولا تثبت العشرة،
79

(والله أعلم) وللبائع الخيار في الأصح. فإن قيل: طريقة المصنف مشكلة حيث راعى هنا المسمى وهناك العقد. أجيب بأن
البائع هناك نقص حقه، فنزل الثمن على العقد الأول، ولا ضرر على المشتري، وهنا يزيد فلا يلتفت إليه. (وإن كذبه)
أي البائع المشتري، (ولم يبين) أي البائع، (لغلطه وجها محتملا) بفتح الميم. (لم يقبل قوله) لأنه رجوع عن إقرار تعلق به حق
آدمي. (ولا بينته) إن أقامها عليه لتكذيبه لها بقوله الأول. (وله تحليف المشتري أنه لا يعرف ذلك في الأصح) لأنه قد يقر
عند عوض اليمين عليه. والثاني: لا، كما لا تسمع بينته. وعلى الأصح إن حلف أمضى العقد ما حلف عليه، وإن نكل
عن اليمين ردت على البائع بناء على الأظهر من أن اليمين المردودة كالاقرار، فيحلف على البت أن ثمنه المائة والعشرة.
قال الشارح تبعا لغيره: وللمشتري حينئذ الخيار، أي على الوجه الضعيف القائل بثبوت الزيادة، وأما على المعتمد فلا
يثبت له وللبائع الخيار. وقال الشيخان: كذا أطلقوه، وقضية قولنا أن اليمين المردودة كالاقرار أن يعود فيه ما ذكرنا
حالة التصديق، أي فلا خيار للمشتري، وهذا هو المعتمد كما قال في الأنوار إنه هو الحق، قال: وما ذكراه من إطلاقهم غير
مسلم فإن الامام والمتولي والغزالي أوردوا أنه كالتصديق اه‍. فإن قيل: قول الشيخين كذا أطلقوه إلخ ما فائدته مع أنا لو
قلنا إنها كالبينة كان الحكم كذلك؟ أجيب بأن فائدة قولهما المذكور إحالة الحكم فيه على ما ذكراه فإنهما لم يذكرا حكم إقامة البينة ليحيلا عليه، فظهر أن ما بحثناه جار على القولين،
وهذا لا يأتي على القولين إلا فيما إذا بين لغلطه وجها محتملا كما سيأتي وإلا فلا يصح إلا على القول بأنها كالاقرار كما يعلم
من البناء المتقدم. (وإن بين) لغلطه وجها محتملا. كقوله: جاءني كتاب على لسان وكيلي بأنه اشتراه بكذا فبان كذبا عليه، أو
تبين لي بمراجعة جريدتي أني غلطت من ثمن متاع إلى غيره، (فله التحليف) كما سبق لأن العذر يحرك ظن صدقه. (والأصح)
على التحليف (سماع بينته) التي يقيمها بأن الثمن ما ذكره. والثاني: لا، لتكذيبه لها. قال في المطلب: وهذا هو المشهور
والمنصوص عليه.
خاتمة: لو اتهب بشرط الثواب ذكره وباع به مرابحة أو اتهبه بلا عوض أو ملكه بإرث أو وصية أو نحو ذلك ذكر
القيمة وباع بها مرابحة، ولا يبيع بلفظ القيام ولا الشراء ولا رأس المال لأن ذلك كذب، وله أن يقول في عبد هو أجرة
أو عوض خلع أو نكاح (أو صالح به عن دم قام علي بكذا أو بذكر أجرة المثل في الإجارة ومهره في الخلع والنكاح والدية
في الصلح، ولا يقول اشتريت ولا رأس المال كذا لأنه كذب. والدراهم في قولهم: اشتريته بكذا أو بعتكه به وربح
درهم يكون من نقد البلد، سواء أكان الثمن من نقد البلد أم لا، وهذا عند الاطلاق، فإن عينا أن يكون الربح من جنس الثمن الأول أو من غير جنسه عمل به كما يؤخذ من كلام الزركشي.
باب: بيع (الأصول والثمار)
وغيرهما. قال المصنف في تحريره: الأصول الشجر والأرض، والثمار جمع ثمر، وهو جمع ثمرة. قال السبكي: أخذ المصنف
هذه الترجمة من التنبيه ولم أرها لغيرهما. وقال الأذرعي: ذكرها منصور التميمي في المستعمل. وهو جمع بين ترجمتي
بابين متجاورين للشافعي: أحدهما باب ثمر الحائط يباع أصله، والآخر: باب الوقت الذي يحل فيه بيع الثمار. واعلم أن
اللفظ المتناول غيره في عقد البيع سبعة: الأول: الأرض أو نحوها، فإذا (قال: بعتك) أو رهنتك (هذه الأرض)
أو العرصة (أو الساحة) وهي الفضاء بين الأبنية، (أو البقعة، وفيها بناء وشجر) فإن باعها أو رهنها بما فيها من
80

أشجار وأبنية دخلت في العقد جزما ولو بقوله: بعتك أو رهنتك الأرض بما فيها أو عليها أو بها أو بحقوقها، وفي
قوله: بحقوقها وجه أنها لا تدخل في البيع، ويأتي مثله في الرهن، ووجهه أن حقوق الأرض إنما تقع على الممر ومجرى
الماء إليها ونحو ذلك. وإن استثناها: كبعتك أو رهنتك الأرض دون ما فيها لم تدخل في العقد جزما، وإن أطلق
(فالمذهب أنه يدخل) البناء والشجر الرطب (في البيع دون الرهن) لأن البيع قوي، بدليل أنه ينقل الملك فاستتبع
بخلاف الرهن، وهذا هو المنصوص فيهما. والطريق الثاني القطع بعدم الدخول فيهما لخروجهما عن مسمى الأرض،
وحمل نصه في البيع على ما إذا قال بحقوقها. والثالث فيهما قولان بالنص والتخريج: أحدهما عدم الدخول لما مر،
والثاني: يدخلان لأنهما للدوام فأشبها أجزاء الأرض، ولهذا يلحقان بها في الاخذ بالشفعة. وعلى الأول كل ما ينقل
الملك من نحو هبة: كوقف وصدقة ووصية كالبيع، وما لا ينقله من نحو عارية: كإقرار الرهن. أما الشجر اليابس
فلا يدخل كما صرح به ابن الرفعة والسبكي تفقها، وهو قياس ما يأتي من أن الشجر لا يتناول غصنه اليابس. فإن
قيل: بيع الدار يتناول ما فيها من وتد ونحوه فيكون هنا كذلك؟ أجيب بأن ذلك أثبت فيها للانتفاع به مثبتا فصار كجزئها بخلاف
الشجرة اليابسة، ولهذا لو عرش عليها عريش نحو عنب أو جعلت دعامة لجدار أو غيره صارت كالوتد فتدخل في البيع.
وعد البغوي شجر الموز مما يندرج في البيع، وهو المعتمد كما صححه السبكي وإن خالف في ذلك الماوردي. ولا يدخل
في بيع الأرض مسيل الماء وشربها - وهو بكسر الشين المعجمة: نصيبها من القناة - والنهر المملوكين حتى يشرطه، كأن يقول:
بحقوقها، وهذا كما قال السبكي في الخارج عن الأرض، أما الداخل فيها فلا ريب في دخوله. ويخالف ذلك ما لو استأجر
أرضا لزرع أو غراس فإن ذلك يدخل مطلقا لأن المنفعة لا تحصل بدونه.
تنبيه: دخول الفاء في قول المصنف: فالمذهب معترض من جهة العربية، فإنه لم يتقدمه شرط ولا ما يقتضي
الربط، ولذا قدرت في كلامه إذا، وقد وقع له مثل هذا في الجراح وغيره. (وأصول البقل التي تبقى) في الأرض
(سنتين) أو أكثر، بل أو أقل كما قاله جماعة منهم الماوردي ونقله عن نص الام، وقال الأذرعي: إنه المذهب.
ويجز ما ذكر مرارا، (كالقت) وهو بالقاف والتاء المثناة: علف البهائم، ويسمى القرط والرطبة والفصفصة بكسر
الفاءين وبالمهملتين. (والهندبا) بالمد والقصر، والقضب بالمعجمة، والقصب الفارسي والكراث والكرفس والنعناع. أو تؤخذ
ثمرته مرة بعد أخرى كالنرجس والبنفسج والقطن الحجازي والبطيخ والقثاء. (كالشجر) لأن هذه المذكورات للثبات
والدوام فتدخل في البيع دون الرهن على الخلاف المتقدم. والثمرة الظاهرة، وكذا الجزة - بكسرة الجيم - الموجودة عند بيع الأرض
المشتملة على ما يجز مرارا للبائع، بخلاف الثمرة الكامنة لكونها كالجزء من الشجرة والجزة غير الموجودة
فيدخلان في بيع الأرض، وعلى عدم دخول الجزة يشترط على البائع قطعها وإن لم تبلغ أوان الجز لئلا تزيد فيشتبه المبيع
بغيره، بخلاف الثمرة التي لا يغلب اختلاطها فلا يشترط فيها ذلك، وأما غيرها فكالجزة كما يعلم مما يأتي. وما ذكر
من اشتراط القطع هو ما جزم به الشيخان كالبغوي وغيره، واعتبار كثيرين وجو ب القطع من غير اعتبار شرط محمول
على ذلك، قال في التتمة: إلا القصب، أي الفارسي فهو بالصاد المهملة كما قاله الأذرعي، خلافا لما ضبطه الأسنوي من أنه
بالمعجمة، فلا يكلف قطعه حتى يكون قدرا ينتفع به. وشجر الخلاف - بتخفيف اللام - كالقصب في ذلك. فإن قيل: الوجه
التسوية بين المستثنى والمستثنى منه، فإما أن يعتبر الانتفاع في الكل أو لا يعتبر. أجيب بأن تكليف البائع قطع
ما استثنى يؤدي إلى أنه لا ينتفع به من الوجه الذي يراد الانتفاع به بخلاف غيره، ولا بعد في تأخير وجوب القطع حالا
لمعنى بل قد عهد تخلفه بالكلية وذلك في بيع الثمرة من مالك الشجرة كما سيأتي. (ولا يدخل) في مطلق بيع الأرض كما
في المحرر والروضة وأصلها، أو قال بحقوقها كما قاله القمولي وغيره. (ما يؤخذ) بقلع أو قطع (دفعة) واحدة (كحنطة
وشعير وسائر) أي باقي (الزرع) كالفجل والجزر وقطن خراسان والثوم والبصل، لأنه ليس للدوام فأشبه
81

منقولات الدار.
تنبيه: عد الشيخان مما يؤخذ دفعة السلق بكسر السين، واعترضهما جماعة بأنه مما يجز مرار وأجاب عنه
الأذرعي بأنه نوعان: نوع يؤخذ دفعة واحدة، وهو ما أراده الشيخان، ونوع مما يجز مرارا، وهو المعروف بمصر
وأكثر بلاد الشام. (ويصح بيع الأرض المزروعة) قال الشارح: هذا الزرع الذي لا يدخل (على المذهب) كما
لو باع دارا مشحونة بأمتعة. والطريق الثاني: تخريجه على القولين في بيع الدار المستأجرة لغير المشتري أحدهما
البطلان. وفرق الأول بأن يد المستأجر حائلة، أما الزرع الذي يدخل فلا يمنع الصحة بلا خلاف، فتقييد الشارح
لأجل محل الخلاف ولأجل قوله: (وللمشتري الخيار إن جهله) أي الزرع الذي لا يدخل بأن كان قد رآها قبله. قال
الأذرعي: أو لم يسترها الزرع، أي كأن رآها من خلاله. فإن قيل: إذا رآها من خلاله لا خيار له. أجيب بأنه جهل
كونه باقيا إلى الشراء وإلا فكيف يتصور أنه رأى الزرع وله الخيار؟ نعم إن تركه له البائع ولا يملكه إلا بتمليك أو
قصر زمن التفريغ سقط خياره، أما العالم بذلك فلا خيار له لتقصيره. نعم إن ظهر أمر يقتضي تأخير الحصاد عن وقته
المعتاد فله الخيار. (ولا يمنع الزرع) المذكور (دخول الأرض في يد المشتري وضمانه إذا حصلت التخلية في الأصح)
لوجود التسليم في عين المبيع. والثاني: يمنع كما تمنع الأمتعة المشحونة بها الدار من قبضها. وفرق الأول بأن تفريغ الدار
متأت في الحال غالبا بخلاف الأرض. (والبذر) بالذال المعجمة، (كالزرع) فالبذر الذي لا ثبات لنباته، ويؤخذ دفعة واحدة
لا يدخل في بيع الأرض ويبقى إلى أوان الحصاد، ومثله القلع فيما يقلع، وللمشتري الخيار إن جهله وتضرر به
وصح قبضها مشغولة به، ولا أجرة له مدة بقائه، فإن تركه له البائع سقط خياره وعليه القبول، ولو قال أخذه وأفرغ
الأرض وأمكن في زمن يسير ولم يضر سقط خياره. والبذر الذي يدوم كنوى النخل وبزر الكراث ونحوه من البقول
حكمه في الدخول في بيع الأرض كالشجر. (والأصح) وفي الروضة: قطع الجمهور، (أنه لا أجرة للمشتري مدة بقاء الزرع)
قال الشارح: الذي جهله وأجاز كما لا أرش في الإجازة بالعيب اه‍. ولأنه بالإجازة رضي بتلف المنفعة تلك المدة، فأشبه
ما لو باع دارا مشحونة بأمتعة فإنه لا أجرة لمدة التفريغ، والثاني: له الأجرة، قال في البسيط: لأن المنافع متميزة عن
المعقود له، أي فليست كالعيب. أما إذا كان عالما فلا أجرة له جزما، فتقييد الشارح لأجل محل الخلاف. (ولو باع
أرضا مع بذر أو زرع) بها (لا يفرد بالبيع) عنها، أي لا يصح بيعه وحده. والزرع الذي لا يفرد بالبيع كبر لم ير، كأن
يكون في سنبله أو كان مستورا بالأرض كالفجل والبذر الذي لا يفرد بالبيع هو ما لم ير أو تغير بعد رؤيته أو امتنع
عليه أخذه كما هو الغالب. (بطل) البيع (في الجميع) جزما للجهل بأحد المقصودين وتعذر التوزيع. نعم إن دخل
فيها عند الاطلاق بأن كان دائم الثبات صح البيع في الكل، وكأنه ذكره تأكيدا كما قاله المتولي وغيره وإن فرضوه
في البذر. فإن قيل: يشكل إذا لم يره قبل البيع ببيع الجارية مع حملها. أجيب بأن الحمل غير متحقق الوجود بخلاف ماهنا،
فاغتفر فيه ما لا يغتفر في الحمل. (وقيل في الأرض قولان) أحدهما كالأول، والثاني الصحة فيها بجميع الثمن.
تنبيه: ذكر في المحرر البذر بعد صفة الزرع وقدمه في الكتاب، قيل: لتعود الصفة إليه أيضا، فيخرج بها
ما رؤي قبل العقد ولم يتغير وقدر على أخذه فإنه يفرد بالبيع. ولم ينبه في الدقائق على ذلك، وقد أطلق البذر
في الروضة كأصلها، ولم يقل المصنف لا يفردان لأن المعروف في العطف ب‍ أو إفراد الضمير، والزرع الذي يفرد بالبيع كالقصيل الذي
لم يسنبل أو سنبل وثمرته ظاهرة كالذرة والشعير. (ويدخل في بيع الأرض الحجارة المخلوقة) أو المثبتة (فيها) لأنها من
82

أجزائها، فإن كانت تضر بالزرع أو الغرس فهو عيب إن كانت الأرض تقصد لذلك مثبت للخيار. (دون المدفونة) فيها
كالكنوز، فلا تدخل فيها كبيع دار فيها أمتعة. (ولا خيار للمشتري إن علم) الحال ولو ضر قلعها. نعم إن جهل ضررها
وكان لا يزول بالقلع أو تتعطل به مدة لمثلها أجرة فله الخيار كما قاله المتولي. (ويلزم البائع) القلع و (النقل) تفريغا
لملك المشتري، بخلاف الزرع لأن له أمدا ينتظر. وللبائع التفريغ أيضا وإن ضر المشتري، ويلزمه تسوية حفر الأرض
الحاصلة بالقلع، قال في المطلب: بأن يعيد التراب المزال بالقلع من فوق الحجارة مكانه، أي وإن لم يسو، إذ يبعد أن يقال
يسويها بتراب آخر من مكان خارج أو مما فيها، لأن في الأول إيجاب عين لم تدخل في البيع، وفي الثاني تغير المبيع ولا
أجرة عليه لمدة ذلك وإن طالت. (وكذا) لا خيار للمشتري (إن جهل) الحال (ولم يضر قلعها) بأن لم تنقص
الأرض به ولم يحوج النقل والتسوية إلى مدة لمثلها أجرة سواء أضر تركها أم لا، ويلزم البائع النقل وتسوية
الأرض ولا أجرة عليه لمدة ذلك كما مر. (وإن ضر) قلعها بأن نقصت به الأرض أو أحوج التفريغ وتسوية الأرض
لمدة لمثلها أجرة، (فله الخيار) ضر تركها أم لا، ولا يسقط خياره بقول البائع أنا أغرم لك الأجرة والأرش للمنة، فلو
ترك الحجارة وتركها لا يضر المشتري سقط خياره. فإن قيل: في ذلك منة أيضا. أجيب بأن المنة التي فيها حصلت
بما هو متصل بالمبيع شبه جزأه بخلافها في تلك، وهذا الترك إعراض لا تمليك، فللبائع الرجوع فيه ويعود برجوعه
خيار المشتري. نعم لو وهبها له واجتمعت شروط الهبة حصل الملك ولا رجوع للبائع فيها، فإن فقد منها شرط فهو
إعراض كالترك لأنه إذا بطل الخصوص بقي العموم. (فإن أجاز) حيث ثبت له الخيار، (لزم البائع) القلع و (النقل)
تفريغا لملك المشتري. (و) لزمه (تسوية الأرض) كما سبق، سواء أنقل قبل القبض أو بعده. فلو رضي البائع
بتركها، قال الأسنوي: ففيه ما سبق.
تنبيه: ظاهر عبارة الشيخين أنه لو جهل ضرر الترك فقط أنه لا خيار له. واستدرك النسائي والأسنوي عليهما
بأن مقتضى كلام غيرهما ثبوته لأنه قد يطمع في أن البائع قد يتركها له. ورد هذا الاستدراك بأن طمعه في تركها
لا يصلح علة لثبوت الخيار، ولا يقاس ثبوته على ثبوته فيما لو ضر قلعها دون تركها كما مر، لأنه ثم جاهل بها وهنا عالم
بها. (وفي وجوب أجرة المثل مدة النقل) إذا نقل البائع في مدة لمثلها أجرة (أوجه أصحها تجب إن نقل بعد القبض
لا قبله) حيث خير المشتري، لأن التفريغ المفوت للمنفعة مدة جناية من البائع، وهي مضمونة عليه بعد القبض لا قبله لما مر أن جنايته قبل القبض كالآفة. والثاني: تجب مطلقا
بناء على أنه يضمن جنايته قبل القبض. والثالث: لا تجب مطلقا لأن إجازة المشتري رضا بتلف المنفعة مدة النقل. ويجري الخلاف كما قالا في وجوب الأرش فيما لو بقي في الأرض بعد
التسوية عيب، وإن استبعده السبكي. قال البلقيني: فلو باع البائع الأحجار بطريقه فهل يحل المشتري محل البائع أو
تلزمه الأجرة مطلقا لأنه أجنبي عن البائع؟ لم أقف فيه على نقل، والأصح الثاني اه‍. وهذا أوجه مما قاله بعض المتأخرين
من عدم اللزوم. أما إذا لم يخير فإنه لا أجرة له وإن طالت مدة التفريغ ولو بعد القبض.
تنبيه: هل تجب أجرة مدة تفريغ الأرض من الزرع كمدة تفريغها من الحجارة وإن لم تجب لمدة بقائه كما مر؟
قال بعض المتأخرين: نعم. والأوجه كما قال شيخي عدم الوجوب لأنها تابعة لمدة بقائه. ولو أحدث المشتري في هذه
الأرض غرسا وهو جاهل بالأحجار ثم علم بها فله المطالبة بالقلع تفريغا لملكه، ويضمن البائع نقصا حدث بالقلع
في
الغراس، ولا خيار للمشتري إن اختص النقص المذكور بالغراس لأن الضرر راجع لغير المبيع ولان الغراس عيب في
الأرض البيضاء وقد حدث عنده، فإن نقصت الأرض بالأحجار فله قلع الغراس والفسخ إن لم يحصل بالغرس، وقلع
83

المغروس نقص في الأرض وإلا فهو عيب حدث عنده يمنع الرد ويوجب الأرش. وإن أحدث الغرس عالما بالأحجار فله
المطالبة بالقلع تفريغا لملكه كما مر، ولا يضمن البائع أرش نقص الغراس. ولو كان فوق الأحجار زرع لأحدهما ترك
إلى أوان حصاده لأن له أمدا ينتظر بخلاف الغراس، ولا أجرة لمدة بقائه، وإذا قلعها البائع بعد الحصاد فعليه تسوية
الأرض كما صرح به في الروضة. ثم شرع في اللفظ الثاني وهو البستان، فقال: (ويدخل في بيع البستان) وهو فارسي
معرب وجمعه بساتين. والباغ، وهو البستان بالعجمية والكرم والحديثة والجنينة عند الاطلاق. (الأرض والشجر
والحيطان) المحيطة بها لدخولها في مسمى البستان، بل لا يسمى بستانا بدون حائط كما قاله الرافعي. (وكذا)
يدخل (البناء) الذي فيه (على المذهب) وقيل: لا يدخل، وقيل في دخوله قولان، وهي الطرق المتقدمة في دخوله
في بيع الأرض. ويدخل عريش توضع عليه قضبان العنب كما صرح به الرافعي في الشرح الصغير وجرى عليه
ابن المقري في روضه. ولا تدخل المزارع التي حول هذه المذكورات لأنها ليست منها، ولو قال: بعتك هذه الدار البستان
دخلت الأبنية والأشجار جميعا، أو هذه الحائط البستان أو هذه المحوطة دخل الحائط المحيط وما فيه من شجر وبناء. ثم
شرع في اللفظ الثالث وهو القرية ونحوها، فقال: (و) يدخل (في بيع القرية) عند الاطلاق (الأبنية) من سور
وغيره، (وساحات) وأشجار (يحيط بها السور) بخلاف الخارج عنه، (لا المزارع) والأشجار التي حولها، فلا
تدخل (على الصحيح) ولو قال بعتكها بحقوقها لأن العرف لا يقتضي دخولها، ولهذا لا يحنث من حلف لا يدخل
القرية بدخولها. والثاني: تدخل. والثالث: إن قال بحقوقها دخلت وإلا فلا، فإن لم يكن لها سور دخل ما اختلط
ببنائها من المساكن والأبنية. ولا تدخل الأبنية الخارجة عن السور المتصلة به كما هو مقتضى كلام الشيخين، وإن قال
الأسنوي فيه نظر، وسكت الرافعي عن الحريم، وقد صرح بدخول حريم الدار في بيعها فيأتي مثله هنا. وسكت المصنف
عن دخول السور قال السبكي: ولا بد منه لأنه داخل تحت اسمها. وحيث دخل السور دخلت المزارع التي من داخله
كما بحثه بعض المتأخرين، ومثل القرية فيما مر الدسكرة، وتقال لقصر حوله بيوت، وللقرية والأرض
المستوية
والصومعة والبيوت الأعاجم يكون فيها الشراب والملاهي. ثم شرع في اللفظ الرابع وهو الدار، فقال: (و) يدخل (في بيع
الدار) عند الاطلاق (الأرض) إجماعا إذا كانت مملوكة للبائع، فإن كانت موقوفة أو محتكرة لم تدخل، ويثبت الخيار
للمشتري إذا كان جاهلا بذلك. (وكل بناء) من علو أو سفل، لأن الدار اسم للبناء والأرض. وتدخل الأجنحة
والرواشن والدرج والمراقي المعقودة والسقف والآجر والبلاط المفروش الثابت في الأرض. (حتى حمامها) المثبت لأنه من
مرافقها. وحكي عن النص أن حمامها لا يدخل. وحمله الربيع على حمامات الحجاز، وهي بيوت من خشب تنقل.
تنبيه: قوله حمامها مرفوع، قيل: لأن حتى عاطفة كالواو، واعترض بأن ابن مالك ذكر أن عطف الخاص
على العام يختص بالواو، فالأحسن أن تكون ابتدائية والخبر محذوف، أي يدخل. ويدخل شجر رطب مغروس فيها
أما اليابس فلا يدخل لأنه لا يدخل في بيع الأرض كما صرح به الرافعي في الشرح الكبير، وتدخل حريمها بشجره
الرطب إن كانت في طريق لا ينفذ، فإن كانت في طريق نافذ فلا حريم لها. (لا المنقول كالدلو والبكرة) بإسكان الكاف
أشهر من فتحها. (والسرير) غير المسمر والدفين، فلا يدخل في بيع الدار لأن اسمها لا يتناوله. (وتدخل الأبواب
المنصوبة وحلقها) بفتح اللام وغلقها المثبت والخوابي ومعاجن الخبازين وخشب القصارين. (والإجانات) المثبتة،
وهي بكسر الهمزة وتشديد الجيم ما يغسل فيها. (والرف والسلم) بفتح اللام، (المسمران) ومثل التسمير التطيين.
(وكذا) يدخل (الأسفل من حجري الرحى على الصحيح) لثباته، والثاني: لا يدخل لأنه منقول. وإنما أثبت لسهولة
84

الارتفاق به كيلا يتزحزح عند الاستعمال. (و) يدخل (الاعلى) أيضا من الحجرين، (ومفتاح غلق مثبت في الأصح)
وهو بفتح اللام: ما يغلق به الباب، لأنهما تابعان لشئ مثبت بخلاف مفتاح القفل، فإن القفل لا يدخل لأنه غير
مثبت. والثاني: لا يدخلان نظرا إلى أنهما منقولان. والخلاف مبني على دخول الأسفل، صرح به في الشرح والمحرر
وأسقطه من الروضة كالمنهاج، وأسقط منه تقييد الإجانات بالمثبتة وحكاية وجه فيها وفي المسألتين بعدها، ولفظ المحرر:
وكذا الإجانات والرفوف المثبتة والسلالم المسمرة والتحتاني من حجري الرحى على أصح الوجهين. ففهم المصنف أن
التقييد وحكاية الخلاف لما ولياه فقط. وتدخل ألواح الدكاكين وكل منفصل يتوقف عليه نفع متصل كرأس التنور
وصندوق البئر والطاحون وآلات السفينة. فإن قيل: لم يقيدوا ألواح الدكاكين بالمنصوبة كما فعلوا في باب الدار،
لماذا؟ أجيب بأن العادة جارية في انفصال ألواح الدكاكين بخلاف باب الدار.
فرع: لا يدخل في بيع الدار ونحوها إذا كان بها بئر ماء ماء البئر الحاصل حالة البيع كالثمرة المؤبرة
وماء الصهريج، فإن لم يشرط دخوله في العقد فسد لاختلاطه بالحادث، فلا يصح بيعه وحده، ولا بد من شرط دخوله ليصح
البيع بخلاف ماء الصهريج. ويدخل في بيعها المعادن الباطنة كالذهب والفضة لا الظاهرة كالملح والنورة والكبريت،
فحكم الظاهر كالماء الحاصل في أنه لا يصح بيع ما ذكر، ولا تدخل هي فيه إلا بشرط دخولها. ثم شرع في اللفظ الخامس
وهو الحيوان، فقال: (و) يدخل (في بيع الدابة نعلها) وبرتها، وهي حلقة تجعل في أنفها إن لم يكونا ذهبا أو فضة،
وإلا فلا يدخلان للعرف فيهما ولحرمة استعمالهما حينئذ. ولا يدخل في بيعها العذار والمقود واللجام والسرح اقتصارا
على مقتضى اللفظ. (وكذا) تدخل (ثياب العبد) التي عليه (في بيعه في الأصح (للعرف، (قلت: الأصح لا تدخل
ثياب العبد) في بيعه (والله أعلم) ولو كانت ساترة العورة اقتصارا على مقتضى اللفظ، والأمة كالعبد كما في شرح
مسلم، ومثلها الخنثى. ولا يدخل القرط الذي في أذن الرقيق، ولا الخاتم الذي في يده بلا خلاف، وجعلوا المداس كذلك،
والقياس أن يكون كالثياب. ثم شرع في اللفظ السادس وترجم له بفرع، فقال:
فرع: إذا (باع شجرة) رطبة وأطلق ولو مع الأرض تبعا أو بالتصريح، (أدخل عروقها) إن لم يشرط قطعها
(وورقها) لأن ذلك من مسماها، ولا فرق في دخول الورق بين أن يكون من فرصاد وسدر وحناء وتوت أبيض أو غيره
لما ذكر. (وفي ورق التوت) الأبيض الأنثى المبيع شجرته في الربيع، وقد خرج، (وجه) أنه لا يدخل، وكذا في ورق
النبق. وصحح ابن الرفعة أو ورق الحناء لا يدخل، وعلل عدم الدخول فيما ذكر أنه كثمر سائر الأشجار. والتوت
بتاءين على الفصيح، وفي لغة أنه بالمثلثة في آخره. (و) دخل (أغصانها إلا اليابس) فلا يدخل لأن الرطبة تعد من أجزائها
بخلاف اليابسة إذا كانت الشجرة رطبة كما مر، لأن العادة فيه القطع كالثمرة.
تنبيه: شمل كلامه أغصان شجر الخلا ف، وفيه خلاف، فقد صرح الامام في موضع بالدخول وفي آخر بعدمه،
وجمع بينهما بما قاله القاضي أن الخلاف نوعان: ما يقطع من أصله فتدخل أغصانه، وما يترك ساقه وتؤخذ أغصانه فلا
تدخل. ويدخل أيضا الكمام، وهي بكسر الكاف أوعية الطلع وغيره، ولو كان ثمرها مؤبرا لأنها تبقى ببقاء الأغصان،
ومثلها العرجون كما بحثه شيخنا وإن قال بعضهم إنه لمن له الثمرة. قال الأسنوي: وتعبير المصنف يقتضي أنه لا فرق
في العروق والأوراق بين اليابسة وغيرها، وهو مقتضى إطلاق الرافعي أيضا وقد صرح به في الكفاية، لكن في العروق
خاصة اه‍. ويؤخذ من اقتصار صاحب الكفاية على العرو أن الأوراق اليابسة لا تدخل، وهو الأوجه كما قال شيخي،
85

لأن الورق أولى بعدم الدخول من الغصن اليابس. (ويصح بيعها بشرط القلع) وتدخل العروق، (أو القطع) ولا
تدخل كما مر بل تقطع عن وجه الأرض. (وبشرط الابقاء) ويتبع الشرط. (والاطلاق) بأن لم يشرط قلعا ولا قطعا
ولا إبقاء (يقتضي الابقاء) في الشجرة الرطبة للعادة بخلاف اليابسة كما سيأتي. (والأصح أنه) أي الشأن، (لا يدخل)
في بيعها (المغرس) بكسر الراء: موضع غرسها حيث أبقيت، لأن اسم الشجرة لا يتناوله فليس له بيعه، ولا أن يغرس
بدلها إذا قلعت. (لكن يستحق) المشتري (منفعته) فيجب على مالكه أو مستحق منفعته بإجارة أو وصية أن
يمكنه منه، (ما بقيت الشجرة) تبعا لها. ولو بذل مالكه أرش القلع لمالكها وأراد قلعها فإنه يجب عليه إبقاؤها، ولا
يجوز له قلعها. ولو تفرخت منها شجرة أخرى فهل يستحق إبقاءها إلحاقا لها بما يتحدد في الأصل من العروق والغلظ
أو يؤمر بقطعها لكونها لم تكن حالة العقد أو يفرق بين ما جرت العادة في استخلافه وبين ما لم تجر به؟ قال بعضهم:
فيه احتمالات. قال في المطلب: والأول أظهر. وقال الأسنوي يحتمل ان تبقى مدة الأصل فإن زالت أزيلت. اه‍.. هذا أظهر قال في المطلب: وما لعلم استخلافه كشجر الموز فلا شك في وجوب بقائه اه‍. والثاني: يدخل لاستحقاقه
منفعته لا إلى غاية. قال الأسنوي: ولقائل أن يقول: هل محل الخلاف فيما يسامت الشجرة من الأرض دون ما يمتد
إليه أغصانها أم الخلاف في الجميع؟ فإن كان الثاني فيلزم أن يتجدد للمشتري كل وقت ملك لم يكن اه‍. والأوجه ما قاله
غيره، وهو ما يسامت أصل الشجرة خاصة والموضع الذي ينتشر فيه عروق الشجرة حريم للمغرس حتى لا يجوز للبائع
أن يغرس إلى جانبها ما يضر بها. ويجري الخلاف فيما لو باع أرضا واستثنى لنفسه شجرة هل يبقى له مغرسها أو لا،
وفيما إذا باع أرضا فيها ميت مدفون هل يبقى له مكان الدفن أو لا كما قاله الرافعي في أول الدفن. (ولو كانت) الشجرة المبيعة
مع الاطلاق (يابسة لزم المشتري القلع) للعادة في ذلك. وتعبيره بالقلع أولى من تعبير المحرر بالقطع، لأنه يقتضي
أن العروق لا تدخل. وليس مرادا، فإن شرط قطعها أو قلعها لزمه الوفاء به أو إبقاءها بطل البيع، كما لو اشترى ثمرة مؤبرة
وشرط عدم قطعها عند الجذاذ. نعم إن كان له في إبقائها غرض مقصود كأن كانت مجاورة لأرضه وقصد أن يضع عليها
جذوعا أو بناء أو نحوه كعريش صح كما قاله الأذرعي وغيره. ثم شرع في ذكر ثمر المبيع وهو المقصود منه ولو مشموما كالورد،
فقال: (وثمرة النخل المبيع أن شرطت للبائع أو المشتري عمل به) سواء أكانت قبل التأبير أم بعده وفاء بالشرط، ولو
شرط غير المؤبرة للمشتري كان تأكيدا كما قاله المتولي وإن قال السبكي: ينبغي أن يكون كشرط الحمل. (وإلا
) بأن
لم تشرط لواحد منهما بأن سكت عن ذلك. (فإن لم يتأبر منها شئ فهي) كلها (للمشتري، وإلا) بأن تأبر منها شئ
(فللبائع) أي فهي كلها له. والأصل في ذلك خبر الصحيحين: من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها
المبتاع، مفهومه أنها إذا لم تؤبر تكون الثمرة للمشتري إلا أن يشرطها البائع، وكونها في الأول للبائع صادق بأن يشرط له
أو يسكت عن ذلك، وكونها في الثاني للمشتري صادق بذلك. وألحق بالنخل سائر الثمار وبتأبير كلها تأبير بعضها بتبعية
غير المؤبر للمؤبر لما في تتبع ذلك من العسر. والتأبير تشقيق طلع الإناث وذر طلع الذكور فيه ليجئ رطبها أجود
مما لم يؤبر، والعادة الاكتفاء بتأبير البعض والباقي يتشقق
بنفسه ويثبت ربح الذكور إليه. وقد لا يؤبر بشئ ويتشقق الكل، والحكم فيه كالمؤبر اعتبارا بظهور المقصود، ولذلك عدل المصنف عن قول المحرر: لم تكن مؤبرة إلى
ما قاله. وشمل طلع الذكور فإنه يشقق بنفسه، ولا يشقق غالبا، وفيما لم يتشقق منه وجه: أنه للبائع أيضا، لأنه
لا ثمر له حتى يعتبر ظهورها بخلاف طلع الإناث. وتسمى ذكور النخل فحالة بضم الفاء وتشديد الحاء المهملة،
والمقصود من طلعها الكش بضم الكاف وبالشين المعجمة، وهو ما يلقح به الإناث، وهو غير ظاهر حتى يتشقق
86

، وليس المقصود منه الاكل. (وما يخرج ثمره بلا نور) بفتح النون: أي زهر، (كتين وعنب) وفستق بفتح التاء ويجوز ضمها
، وجوز. (إن برز ثمره) أي ظهر (فللبائع، وإلا) بأن لم يبرز، (فللمشتري) لأن البروز هنا كالتشقق في الطلع، ولا يعتبر تشقق
الطلع الاعلى من نحو جوز بل هو للبائع مطلقا لاستتاره بما هو من صلاحه، ولأنه لا يظهر بتشقق الاعلى منه. وإن ظهر
بعض التين أو العنب فما ظهر للبائع وما لم يظهر فللمشتري كما في التتمة والتهذيب، وإن توقف فيه الشيخان،
وجزم بالتوقف صاحب الأنوار، وفرق الاثمة بينه وبين طلع النخل بأن ثمرة النخل ثمرة عام واحد وهو لا يحمل فيه إلا
مرة، والتين ونحوه يحمل حملين مرة بعد أخرى، فكانت الأولى للبائع والثانية للمشتري. وكالتين فيما ذكر الجميز ونحوه
كالقثاء والبطيخ لا يتبع بعضه بعضا لأنها بطون بخلاف ما مر في ثمرة النخل ونحوه فإنها تعد حملا واحدا. (وما خرج في نوره
ثم سقط) نوره (كمشمش) بكسر ميميه، وحكي فتحهما، ورمان (وتفاح) ولوز، (فللمشتري إن لم تنعقد الثمر) لأنها
كالمعدومة. (وكذا) هي له أيضا (إن انعقدت ولم يتناثر النور في الأصح) إلحاقا لها بالطلع قبل تشققه، لأن استتارها بالنور
بمنزلة استتار ثمرة النخل بكمامه. والثاني: يلحقها به بعد تشققه لاستتاره بالقشر الأبيض فتكون للبائع. (وبعد التناثر للبائع)
قطعا لظهورها، وصرح في التنبيه بأن ما لم يظهر من ذلك تابع لما ظهر.
تنبيه: عدل المصنف عن قول المحرر يخرج المناسب للتقسيم بعده، قال الشارح: كأنه لئلا يشتبه بما قبله. وما
يقصد
منه الورد ضربان: ما يخرج من كمام ثم ينفتح كالورد الأحمر إن بيع أصله بعد تفتحه فللبائع كالطلع المتشقق، أو قبله
فللمشتري، وما يخرج ظاهرا كالياسمين، فإن خرج ورده فللبائع وإلا فللمشتري، وتشقق جوز قطن يبقى أصله سنتين
فأكثر كتأبير النخل فيتبع المستتر غيره، وما لا يبقى أصله أكثر من سنة إن بيع قبل تكامل قطنه لم يجز إلا بشرط القطع
كالزرع سواء أخرج الجوز أم لا، ثم إن لم يقطع حتى خرج الجوز فهو للمشتري لحدوثه في ملكه، وإن بيع بعد تكامل
قطنه وتشقق جوزه صح العقد لظهور المقصود ودخل القطن في البيع. فإن قيل: إذا تشقق يكون كالثمرة المؤبرة كما جزم به
القاضي فلا يدخل في البيع. أجيب بأن الشجرة المؤبرة مقصودة كثمار سائر الأعوام، ولا مقصود هنا سوى الثمرة
الموجودة، وإن لم يتشقق جوزه لم يصح العقد لاستتار قطنه بما ليس من صلاحه. (ولو باع نخلات بستان مطلعة) بكسر
اللام: أي خرج طلعها. (وبعضها) قال الشارح: أي من حيث الطلع، (مؤبر) دون بعض واتحد الجنس والعقد،
(فللبائع) طلعها جميعه المؤبر وغيره لما مر. وخرج بقوله من حيث الطلع اختلاف النوع واختلاف الجنس، فإن الأول
يتبع على الأصح والثاني لا يتبع جزما. (فإن أفرد ما لم يؤبر) بالبيع واتحد النوع، (فللمشتري) طلعه (في الأصح) لما مر،
والثاني: هو للبائع، اكتفاء بدخول وقت التأبير عنه، وأما المؤبر فللبائع. ولو باع نخلة وبقيت ثمرتها للبائع ثم خرج
طلع آخر كان له أيضا كما صرحا به، قالا: لأنه من ثمرة العام، قال شيخنا: قلت: وإلحاقا للنادر بالأعم الأغلب. (ولو
كانت) أي النخلات المذكورة، (في بساتين) أي المؤبرة في بستان وغيرها في بستان واتحد العقد والجنس والمالك،
(فالأصح إفراد كل بستان بحكمه) سواء أتباعدا أم تلاصقا. والثاني: هما كالبستان الواحد. أما إذا تعدد العقد أو
اختلف الجنس أو تعدد المالك أفرد كل بحكمه جزما. (وإذا بقيت الثمرة للبائع) بشرط أو غير، (فإن شرط القطع
لزمه) وفاء بالشرط (وإلا) بأن أطلق أو شرط الابقاء - وهو مزيد على المحرر والروضة وأصلها - (فله تركها إلى) زمن (الجداد)
87

تحكيما للعادة، كما يجب تبقية الزرع إلى أوان الحصاد وإبقاء المتاع في السفينة في اللجة إلى الوصول إلى الشط. وهو بفتح الجيم
وكسرها وإهمال الدالين كما في الصحاح، وحكي إعجامهما. ثم إذا جاء أوان الجداد ليس له الصبر حتى يأخذها على
التدريج ولا تأخرها إلى تناهي نضجها، بل المعتبر في ذلك العادة لو كانت الثمرة من نوع يعتاد قطعه قبل النضج كالموز
الأخضر في بلاد لا ينتهي فيها كلف البائع قطعها على العادة. ويستثنى من التبقية صورتان: الأولى إذا تعذر سقي الثمرة
لانقطاع الماء وعظم ضرر الشجر بإبقائها فليس له إبقاؤها. الثانية: إذا أصابتها آفة ولا فائدة في تركها فليس له إبقاؤها.
(ولكل منهما) أي المتبايعين في الابقاء، (السقي إن انتفع به الشجر والثمر) أو أحدهما، (ولا منع للآخر) منه لعدم ضرره.
تنبيه: عبارة المهذب والوسيط: إن لم يتضرر الآخر، ويؤخذ منها عدم المنع عند انتفاء الضرر والنفع لأنه تعنت، قاله
السبكي وغيره. قال شيخنا: وقد يتوقف فيه، إذ لا غرض للبائع حينئذ فكيف يلزم المشتري تمكينه اه‍. وهذا هو الظاهر
كما قاله شيخي. (وإن ضرهما لم يجز إلا برضاهما) معا، فليس لأحدهما السقي إلا برضى الآخر لأنه يدخل عليه ضررا، فإن
رضيا بذلك جاز. فإن قيل: إذا رضيا بذلك ففيه إفساد للمال وهو حرام. أجيب بأن الافساد غير محقق. وقيل: يحمل
كلامهم على ما إذا كان يضرهما من وجه دون وجه. (وإن ضر أحدهما) أي ضر الشجر ونفع الثمر أو العكس (وتنازعا)
أي المتبايعان في السقي، (فسخ العقد) لتعذر إمضائه إلا بإضرار أحدهما. والفاسخ له المتضرر كما يؤخذ من غضون كلامهم
واعتمده شيخي، وقيل: الحاكم، وجزم به وصححه السبكي، وقيل: كل من العاقدين، واستظهره الزركشي.
تنبيه: شمل كلام المصنف ما لو ضر السقي أحدهما ومنع تركه حصول زيادة للآخر، وهو كذلك لاستلزام منع حصولها
له انتفاعه بالسقي. وذكر في الروضة احتمالين للامام. (إلا أن يسامح المتضرر) فلا فسخ حينئذ لزوال النزاع. فإن قيل:
في ذلك إضاعة مال وهي محرمة. أجيب بأن في ذلك إحسانا ومسامحة. نعم الكلام في المالكين المطلقي التصرف لا من
يتصرف لغيره أو لنفسه وهو غير مطلق التصرف. (وقيل لطالب السقي) وهو البائع في الصورة الأولى والمشتري في الثانية،
(أن يسقي) ولا يبالي بضرر الآخر، لأنه قد رضي به حين أقدم على هذا العقد. فلا فسخ على هذا أيضا، وحيث احتاج البائع
إلى سقي ثمرته فالمؤنة عليه. وأما الماء الذي يسقى منه فقال في المطلب: ظاهر كلام الأصحاب أنه الماء المعد لسقي تلك
الأشجار ملكه المشتري أو لا. (ولو كان الثمن يمتص رطوبة الشجر) والسقي ممكن بالماء المعد له، (لزم البائع أن يقطع) ثمرته
(أو يسقي) الشجر دفعا لضرر المشتري، لو تعذر السقي لانقطاع الماء تعين القطع. ثم شرع في اللفظ السابع وهو الثمار وهو
يتناول نواها وقمعها في ضمن فصل، فقال:
فصل: في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما: (يجوز بيع الثمر بعد بدو) أي ظهور (صلاحه) وسيأتي بيانه (مطلقا)
من غير شرط قطع ولا تبقية. (وبشرط قطعه وبشرط إبقائه) سواء أكانت الأصول لأحدهما أم لغيره، لأنه (
ص)
نهى عن بيع الثمر قبل بدو صلاحها، رواه الشيخان. فيجوز بعد بدوه وهو صادق بكل من الأحوال الثلاثة.
والمعنى الفارق بينهما أمن العاهة بعده غالبا لغلظها وكبر نواها، وقبله تسرع إليه لضعفه فيفوت بتلفه الثمن، وبه يشعر قوله
(ص): أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يستحق أحدكم مال أخيه. (وقبل الصلاح إن بيع منفردا عن الشجر
88

لا يجوز) أي لا يصح البيع، ويحرم للخبر المذكور، (إلا بشرط القطع) في الحال، وهو معنى قول ابن المقري منجزا.
(وأن يكون المقطوع منتفعا به) كلوز وحصرم وبلح، فيجوز حينئذ بالاجماع المخصص للخبر السابق، فدخل في المستثنى
منه ما ينتفع به وبيع بغير شرط القطع أو بيع شرطه معلقا، ووجه المنع في الثانية تضمن التعليق التبقية. وما (لا) ينتفع
به (ككمثرى) بفتح الميم المشددة وبالمثلثة الواحدة كمثراة، ذكره الجوهري، فروع: لو وذكر هذا الشرط المعلوم من شروط البيع،
قال الشارح: للتنبيه عليه
(فروع) لو باع ثمرة على شجرة مقطوعة لم يجب شرط القطع لأنها لا تبقى عليها فيصير كشرط القطع ولأنها لا تنمو،
ولا يغني اعتياد القطع عن شرطه لعموم الخبر ولو باع بشرط القطع ورضي البائع بإبقائه جاز. ولو أبقاها مدة ثم قطعها
لزمته أجرتها إن كان البائع طالبه، وإلا فلا، قاله الخوارزمي، والشجرة أمانة في يد المشتري لتعذر تسليم الثمرة بدونها،
بخلاف ما لو اشترى نحو سمن وقبضه في ظرف البائع فإنه مضمون عليه لتمكنه من التسليم في غيره. (وقيل إن كان الشجر
للمشتري) والثمرة للبائع، كأن وهب الثمرة لانسان أو باعها له بشرط القطع ثم اشتراها منه أو أوصى بها الانسان فباعها
لمالك الشجرة، (جاز) بيع الثمرة له (بلا شرط) لاجتماعهما في ملك شخص واحد، فأشبه ما لو اشتراهما معا. وصحح هذا
الوجه في الروضة في باب المساقاة، وليس في الرافعي هنا تصريح بترجيح، ونقلا هنا عن الجمهور تصحيح الأول لعموم
النهي، قال الأسنوي: وهو المعروف فلتكن الفتوى عليه. (قلت: فإن كان الشجر للمشتري وشرطنا القطع) كما هو
الأصح، (لم يجب الوفاء به، والله أعلم) إذ لا معنى لتكليفه قطع ثمره عن شجره. وليس لأحد الشريكين أن يشتري
نصيب شريكه من الثمر قبل بدو صلاحه بنصيبه من الشجر إلا بشرط القطع كغير الشريك، ويصير كل الثمر له وكل
الشجر للآخر، فيتعين على المشتري قطع جميع الثمر لأنه التزم بذلك قطع ما اشتراه ويدفع الشجر لصاحبه. وإن اشترى
نصيب شريكه من الثمر بغير نصيبه من الشجر لم يصح، وإن شرط القطع لتكليف المشتري قطع ملكه
عن ملكه المستقر له قبل البيع. (وإن بيع) الثمر (مع الشجر) ولم يفصل الثمن، (جاز بلا شرط) لقطعه، لأن الثمر هنا تبع للأصل وهو
غير متعرض للعاهة، وبهذا فارق بيع الثمرة من مالك الشجرة. (ولا يجوز بشرط قطعه) لأن فيه حجرا على المشتري
في ملكه أما إذا فصل الثمن، كأن قال: بعتك الشجرة بدينار والثمرة بنصف دينار فلا بد من شرط القطع لانتفاء التبعية.
ولو استثنى البائع الثمرة غير المؤبرة لم يجب شرط القطع لأنه في الحقيقة استدامة لملكها فله الابقاء إلى أوان الجداد. ولو
صرح بشرط الابقاء جاز كما في الروضة، وهو أحد نصين للشافعي رضي الله تعالى عنه كما أفاده البلقيني، ولم يطلع بعضهم
على هذا النص، فزعم أن المنصوص خلافه. ولو باع نصف الثمر على الشجر مشاعا قبل بدو الصلاح من مالك الشجر
أو من غيره بشرط القطع صح إن قلنا للقسمة إفراز، وهو الأصح لامكان قطع النصف بعد القسمة، فإن قلنا إنها بيع
لم يصح لأن شرط القطع لازم له، ولا يمكن قطع النصف إلا بقطع الكل فيتضرر البائع بقطع غير المبيع فأشبه إذا باع
نصفا معينا من سيف، وبعد بدو الصلاح يصح إن لم يشرط القطع، فإن شرطه ففيه ما تقرر. ويصح بيع نصف الثمر مع
الشجر كله أو بعضه ويكون الثمر تابعا. (ويحرم) ولا يصح (بيع الزرع) والمراد به ما ليس بشجره. (الأخضر في الأرض)
إذا لم يبد صلاحه، ولو كان بقلا وكان البقل يجز مرارا. (إلا بشرط قطعه) كالثمر قبل بدو صلاحه أو قلعه كما في المحرر.
فإن باعه من غير شرط أو بشرط إبقائه لم يصح البيع. (فإن بيع) الزرع المذكور (معها) أي الأرض، (أو) وحده
(بعد اشتداد الحب) أو بدو صلاح البقول، (جاز بلا شرط) لأن الأول كبيع الثمر مع الشجر، والثاني كبيع الثمرة بعد
89

بدو الصلاح.
تنبيه: كلامهم قد يوهم اعتبار اشتداد جميع الحب، وليس مرادا، فقد ذكر المتولي وغيره أنه إذا اشتد بعض
السنابل كان كبدو الصلاح بعض الثمار. وقد اكتفوا في التأبير بطلعة واحدة وفي بدو الصلاح بحبة واحدة، وقياسه
هنا أنه يكتفي باشتداد سنبلة واحدة. قال الأذرعي: وفي النفس من ذلك في الجميع شئ. وقال الزركشي: كل ذلك
مشكل. ولا يصح بيع البطيخ والباذنجان ونحوهما قبل بدو الصلاح إلا بشرط القطع، وإن بيع من مالك الأصول
لما مر، ولو باعه مع أصوله فكبيع الثمرة مع الشجرة على ما بحثه الرافعي بعد أن نقل عن الامام والغزالي وجوب شرط القطع
لتعرض أصله للعاهة، بخلاف ما إذا باعهما مع الأرض لأنه كالشجرة فلا يحتاج إلى شرط القطع. وجزم الحاوي بما بحثه الرافعي
وصححه السبكي والأسنوي وغيرهما وهو المعتمد، وقال ابن الرفعة: إنه المنقول وما قاله الامام من تفقهه اه‍. فإن باع ذلك بعد
بدو صلاحه ولو لبعضه دون أصوله أو باع أصوله دونه وغلب اختلاط حادثه بالموجود لم يصح إلا بشرط القطع، لأن بيعه
بدون ذلك يفضي إلى تعذر إمضاء العقد، فإن أمن الاختلاط جاز بغير شرط كما يجوز بيع ما لا يغلب اختلاطه كذلك بأن
ندر أو استوى فيه الأمران أو لم يعلم حاله. (ويشترط لبيعه) أي الزرع، (وبيع الثمر بعد بدو الصلاح ظهور المقصود) من
الحب والثمر لئلا يكون بيع غائب، (كتين وعنب) لأنهما مما لا كمام له. (وشعير) لظهوره في سنبله. (وما لا يرى حبه
كالحنطة والعدس) بفتح الدال، والسمسم (في السنبل لا يصح بيعه دون سنبله) لاستتاره، (ولا معه في الجديد) لأن المقصود
منه مستتر بما ليس من صلاحه كالحنطة في تبنها بعد الدياس فإنه لا يصح قطعا، والقديم الجواز لأن بقاءه فيه من مصلحته،
ولخبر مسلم: نهى رسول الله (ص) عن بيع السنبل حتى يبيض أي يشتد فيجوز، ولم يفصل بين حب وحب، وأجيب
بحمله على الشعير ونحوه جمعا بين الدليلين. والأرز كالشعير، وقيل كالحنطة. والذرة نوعا: بارز الحبات كالشعير، وفي كمام
كالحنطة. ولا يصح بيع الجزر والفجل ونحوهما كالثوم والبصل في الأرض لاستتار مقصودها، وعد في الروضة من ذلك
السلق، وهو محمول على أحد نوعيه، وهو ما يكون مقصوده مغيبا في الأرض. أما ما يظهر مقصوده على وجهها وهو
المعروف بأكثر بلاد مصر والشام فيجوز بيعه كالبقل، ويصح بيع ورقها بشرط القطع كالبقول. (ولا بأس بكمام)
وهو بكسر الكاف: وعاء الطلع وغيره، (ولا يزال إلا عند الاكل) كالرمان والعلس والموز والبطيخ والباذنجان والأرز
في سنبله، لأن بقاءه فيه من مصلحته. ولا يخالف ما ذكر في العلس والأرز عدم صحة السلم فيهما كما سيأتي في بابه، لأن
البيع يعتمد المشاهدة بخلاف السلم فإنه يعتمد الأوصاف، وهي لا تفيد الغرض في ذلك لاختلاف القشر خفة ورزانة،
ولان السلم عقد غرر فلا يضم إليه غرر آخر بلا حاجة إليه. وما نقل عن فتاوى المصنف من أن الأصح جواز السلم
في الأرز محمول على المقشور. (وما له كمامان كالجوز واللوز والباقلا) وهي بتشديد اللام مقصورا: الفول. (فلا يباع في قشره
الأسفل) لأن بقاءه فيه من مصلحته. (ولا يصح في الأعلى) لا على الشجر ولا على الأرض لاستتاره بما ليس من
مصالحه. نعم يصح بيع قصب السكر في قشره الاعلى كما في الاستقصاء، ونقله في المطلب عن الماوردي، ووجه بأن قشره
الأسفل كباطنه، لأنه قد يمص معه فصار كأنه في قشر واحد كالرمان، ولان قشره الاعلى لا يستر جميعه. وما قيل من
أن الشافعي رضي الله تعالى عنه أمر الربيع ببغداد أن يشتري له الباقلا الرطب، رد بأن هذا نصه في القديم ونص في الجديد على خلافه،
وبأن في صحة ذلك توقفا، لأن الربيع إنما صحب الشافعي بمصر لا ببغداد لكن قال بالصحة كثيرون. (وفي
قول يصح
إن كان رطبا) لتعلق الصلاح به حيث أنه يصون الأسفل ويحفظ رطوبة اللب واللوبيا كالفول كما قاله الدارمي وغيره.
90

وعلم من تقييد المصنف الخلاف بالرطب امتناعه إذا جف قطعا، وصرح به في زيادة الروضة إذا لم نجوز بيع الغائب.
وفي الروضة وأصلها يجوز بيع اللوز في القشر الاعلى قبل انعقاد الأسفل لأنه مأكول كله كالتفاح، ونقله في المجموع عن
الأصحاب، وقاس بعضهم عليه ما كان في معناه.
تنبيه: قول المصنف كمامان معترض، لأن الكام جمع كم بكسر الكاف وكمامة كما قاله الجوهري وجرى عليه
المصنف في التحرير، فالأولى أن يقول قشران أو كمان أو كمامتان بزيادة التاء، لأن مراده فردان من أفراد الأكمة كما
قاله الأسنوي. قال ابن الرفعة: والكتان إن بدا صلاحه يظهر جواز بيعه، لأن ما يغزل منه ظاهر والساس في باطنه كالنوى
في التمر لكن هذا لا يميز في رأى العين بخلاف التمر والنوى اه‍. ويظهر أن محله إذا لم يبع مع بزره بعد بدو صلاحه
وإلا فلا يصح كالحنطة في سنبلها. (وبدو صلاح) الأشياء صيرورتها إلى الصفة التي تطلب فيها غالبا، ففي (الثمر ظهور
مبادي النضج) بضم النون وفتحها، (والحلاوة فيما لا يتلون) منه بأن يتموه ويلين كما في المحرر وغيره. وقال الشارح:
وكأن المصنف رأى في إسقاطه أنه لا حاجة إليه مع ما قبله. وفي تكملة الصحاح للصغاني: تموه ثمر النخل والعنب إذا امتلأ ماء
وتهيأ للنضج. وقوله فيما إلخ متعلق بظهور وبدو. (وفي غيره) وهو ما يتلون: أي بدو الصلاح فيه، (بأن يأخذ في الحمرة
أو السواد) أو الصفرة كالبلح والعناب والمشمش والإجاص بكسر الهمزة وتشديد الجمي، وفي نحو القثاء بأن يجنى مثله
غالبا للاكل، وفي الحبوب اشتدادها، وفي نحو ورق التوت تناهيه، وفي نحو الورد انفتاحه.
فائدة: جعل الماوردي بدو الصلاح على ثمانية أقسام، أحدها: باللون كصفرة المشمش وحمرة العناب وسواد
الإجاص وبياض التفاح ونحو ذلك. ثانيها: الطعم كحلاوة قصب السكر وحموضة الرمان إذا زالت المرارة. ثالثها: النضج
في التين والبطيخ ونحوهما، وذلك بأن تلين صلابته. رابعها: بالقوة والاشتداد كالقمح والشعير. خامسها: بالطول
والامتلاء كالعلف والبقول. سادسها: بالكبر كالقثاء. سابعها: بانشقاق كمامه كالقطن والجوز. ثامنها: بانفتاحه كالورد
وورق التوت. (ويكفي بدو صلاح بعضه وإن قل) لصحة بيع كله من شجرة أو أشجار متحدة الجنس ولو حبة واحدة
من عنب أو يسر أو نحوه، لأن الله تعالى أمتن علينا فجعل الثمار لا تطيب دفعة واحدة إطالة لزمن التفكه. فلو اشترط
في المبيع طيب جميعه لأدى أن لا يباع شئ، لأن السابق قد يتلف أو تباع الحبة بعد الحبة وفي كل منهما حرج. فإن اختلف
الجنس كرطب وعنب بدا الصلاح في أحدهما فقط وجب شرط القطع في الآخر، وأما النوع فلا يضر اختلافه كالبرني
والصيحاني كما هو ظاهر كلام الرافعي كما إذا اختلف النوع في التأبير كما مر، وإن كان في كلام القاضي أبي الطيب
ما يدل على أنه يضر. (ولو باع ثمرة بستان أو بساتين بدا صلاح بعضه) واتحد جنسه، (فعلى ما سبق في التأبير)
فيتبع ما لم يبد صلاحه ما بدا صلاحه في البستان أو في كل من البساتين وإن اختلف النوع بخلاف الجنس
فلا يتبع جنس غيره، ولو بدا صلاح بعض ثمر أحدهما دون الآخر فلا تبعية على الأصح بل لا بد من شرط القطع في ثمر الآخر. (ومن
باع ما بدا صلاحه) من ثمر أو زرع وأبقى، (لزمه سقيه) إن كان مما يسقى (قبل التخلية وبعدها) قدر ما ينمو به
ويسلم من التلف والفساد، لأنه من تتمة التسليم الواجب كالكيل في المكيل والوزن في الموزون. فلو شرط كونه على
المشتري بطل البيع لأنه مخالف لمقتضاه، فإن باعه بشرط قطعه لم يلزمه السقي بعد التخلية، ولو باع الثمرة لمالك الشجرة
لم يلزمه سقي كما هو ظاهر كلامهم لانقطاع العلقة بينهما. وظاهر كلامهم أن الثمرة لو كبرت وكان لا يتأتى قطعها إلا
في زمن طويل يحتاج فيه إلى السقي أنا نكلفه ذلك، وإن قال الأذرعي فيه نظر، ويستمر اللزوم إلى أوان الجذاذ.
(ويتصرف مشتريه) أي الثمن، (بعدها) أي التخلية من كل وجه. هذا إن اشتراه قبل أوان الجذاذ، أما بعده
91

فقد تقدم في الكلام على القبض أن كلام الرافعي هناك يقتضي توقف قبضها على النقل. (ولو عرض مهلك بعدها)
أي التخلية من الآفات السماوية، (كبرد) بفتح الراء وإسكانها كما ضبطه المصنف بخطه، أو حر أو جراد أو حريق، (فالجديد
أنه من ضمان المشتري) لأن التخلية كافية في جواز التصرف، فكانت كافية في جواز نقل الضمان قياسا على العقار،
والقديم: من ضمان البائع لخبر مسلم: أنه (ص) أمر بوضع الجوائح. وأجيب بحمله على الندب أو على ما قبل
التخلية جمعا بين الأدلة.
تنبيه: تمثيله بالبرد يفهم أن محل القولين أن يكون المهلك سماويا، وهو كذلك ما قدرته في كلامه. فإن سرق
أو غصب فهو من ضمان المشتري قطعا لامكان الحفظ منه والتغريم، وقيل بطرد القولين، ومحلهما أيضا ما لم يكن بسبب
ترك البائع السقي، وإلا فالمذهب القطع بأنها من ضمان البائع، وما إذا باع الثمرة دون الشجرة وإلا فهي من ضمان المشتري
قطعا، وما إذا باع الثمر من غير مالك الشجر وإلا فهي من ضمانه قطعا لانقطاع العلائق بينهما. ولو عرض المهلك
بعد إمكان الجذاذ فكذا في أشبه القولين عند الرافعي. ولو تعيب بالجائحة فلا خيار للمشتري على الجديد، أما قبل التخلية
فلا يتصرف فيه المشتري، وهو من ضمان البائع كنظائره. (فلو تعيب) الثمر المبيع منفردا من غير مالك
الشجرة، (بترك
البائع السقي، فله) أي المشتري (الخيار) على القولين، لأن الشرع ألزم البائع التنمية بالسقي، والتعييب بتركه
كالتعييب قبل القبض، حتى لو تلف بذلك انفسخ العقد أيضا. هذا إذا لم يتعذر السقي، وإلا بأن غارت العين أو انقطع
النهر فلا خيار له كما صرح به أبو علي الطبري، ولا يكلف في هذه الحالة تحصيل ماء آخر كما هو قضية نص الام من كلام
الجويني في السلسلة. فإن آل التعييب إلى التلف والمشتري عالم به ولم يفسخ لم يغرم له البائع في أحد وجهين كما رجحه
بعض المتأخرين. (ولو بيع) ثمر (قبل) بدو (صلاحه بشرط قطعه ولم يقطع حتى هلك) بجائحة (فأولى بكونه من
ضمان المشتري) ما لم يشترط قطعه بعد بدو الصلاح لتفريطه بترك القطع المشروط. وهذه المسألة مزيدة على الروضة
مذكورة في أصلها.
تنبيه: فرض المصنف المسألة تبعا للمحرر فيما قبل الصلاح، وكذا في الشرحين، وفرض في الروضة فيما بعد بدوه،
وحكمها عند شرط القطع واحد، فالأولى حذف التقييد، ولذلك أطلق البغوي والخوارزمي الخلاف فيما إذا باع بشرط
القطع ليشمل الحالين. (ولو بيع) تمر أو زرع بعد بدو الصلاح ولو لبعضه، (يغلب تلاحقه واختلاط حادثة بالموجود
كتين) وبطيخ (وقثاء لم يصح) البيع لعدم القدرة على تسليمه، (إلا أن يشترط على المشتري قطع ثمره) أو زرعه
خوفا من الاختلاط المانع من التسليم، فيصح حينئذ البيع لزوال المحذور. واحترز ب‍ يغلب عما إذا نذر الاختلاط،
فإن البيع يصح مطلقا وبشرط القطع وبشرط الابقاء، سواء أعلم عدم الاختلاط أم لم يعلم كيف الحال. ولو استوى
الأمران فالظاهر كما قاله بعض المتأخرين أنه يلحق بالنادر. (ولو حصل الاختلاط) قبل التخلية فيما يغلب فيه التلاحق
والاختلاط، أو (فيما يندر فيه، فالأظهر أنه ينفسخ البيع) لبقاء عين المبيع وتسليمه ممكن بالطريق الآتي. (بل يتخير
المشتري) بين الفسخ والإجازة، لأن الاختلاط عيب حدث قبل التسليم. والثاني: ينفسخ لتعذر تسليم المبيع. ونقل هذا
عن تصحيح الأكثرين. وعلى الأول (فإن سمح له البائع بما حدث سقط خياره في الأصح) لزوال المحذور، ويملكه
كما قال ابن المقري بالاعراض كما في الاعراض عن السنابل. فإن قيل: تقدم أنه لا يملك النعم بالاعراض عنها فلم لا كان
92

هنا كذلك؟ أجيب بأن عود النعل إلى المشتري متوقع، ولا سبيل هنا إلى تمييز حق البائع. والثاني: لا يسقط، لما في قبوله من
المنة. وكلام المصنف والرافعي تبعا للامام والغزالي يقتضي إثبات الخيار للمشتري أولا حتى يجوز له المبادرة
إلى الفسخ،
فإن بادر البائع أولا فسامح سقط خياره، وهو كذلك، وإن قال في المطلب إنه مخالف لنص الشافعي والأصحاب فإنهم
خيروا البائع أولا، فإن سمح بحقه أقر العقد وإلا فسخ. وقضية كلام الرافعي وتعليله أنه خيار عيب يستقل به المشتري،
وهو كذلك، وإن نقل في الكفاية عن الماوردي أن الفاسخ هو الحاكم. وخرج بقبل التخلية التي قدرتها في كلامه ما لو
وقع الاختلاط بعدها فلا يخير المشتري، بل إن توافقا على قدر فذاك وإلا صدق صاحب اليد بيمينه في قدر حق الآخر.
وهل اليد بعد التخلية للبائع أو للمشتري أو لهما؟ فيه أوجه، وقضية كلام الرافعي ترجيح الثاني. ولو اشترى شجرة وعليها
ثمرة للبائع يغلب تلاحقها لم يصح إلا بشرط قطع البائع ثمرته، فإن شرط فلم يقطع أو كانت مما يندر تلاحقها وجرى
الاختلاط كما سبق في ثمار المشتري لم ينفسخ، بل من سمح بحقه لصاحبه أجبر صاحبه على القبول، وإن تشاحا فسخ العقد
كما مر. ولو باع جزة من ألقت مثلا بشرط القطع فلم يقطعها حتى طالت وتعذر التمييز جرى القولان، ويجريان أيضا فيما لو
باع حنطة فانصب عليها مثلها قبل القبض وكذا في المائعات. ولو اختلط الثوب بأمثاله أو الشاة المبيعة بأمثالها فالصحيح
الانفساخ لأن ذلك يورث الاشتباه وهو مانع من صحة العقد لو فرض ابتداء، وفي نحو الحنطة غاية ما يلزم الإشاعة وهي
غير مانعة. (ولا يصح بيع الحنطة في سنبلها بصافية) من التبن، (وهو المحاقلة، ولا) بيع (الرطب على النخل بتمر وهو المزابنة)
للنهي عنهما في خبر الصحيحين. وفي رواية للشافعي: والمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق من الحنطة، والمزابنة أن
يبيع التمر على رؤوس النخل بمائة فرق من التمر. قال الرافعي: إن كان هذا التفسير مرفوعا فذاك وإن كان من الراوي
فهو أعرف بتفسير ما رواه. ولعدم العلم بالمماثلة فيهما، ولان المقصود من البيع في المحاقلة مستتر بما ليس من صلاحه،
ولأنه حنطة وتبن بحنطة فبطل لقاعدة مد عجوة. فلو باع شعيرا في سنبله بحنطة وتقابضا في المجلس جاز لأن المبيع
مرئي والمماثلة ليست بشرط لاختلاف الجنس، أو باع زرعا قبل ظهور الحب بحب جاز لأن الحشيش غير ربوي. ويؤخذ من
ذلك أنه إذا كان ربويا اعتيد أكله كالحلبة امتنع بيعه بجنسه، وبه جزم الزركشي. والمحاقلة مأخوذة من الحقل بفتح الحاء
وسكون القاف جمع حقلة، وهي الساحة الطيبة التي لا بناء فيها ولا شجر، سميت بذلك لتعلقها بزرع في حقله. والمزابنة
مأخوذة من الزبن بفتح الزاي وسكون الباء، وهو الدفع لكثرة الغبن فيها فيريد المغبون دفعه والغابن إمضاءه فيتدافعان.
تنبيه: فائدة ذكر هذين الحكمين تسميتهما بما ذكر وإلا فقد علما مما مر. (ويرخص في) بيع (العرايا) جمع عرية،
وهي ما يفردها مالكها للاكل، لأنها عن حكم جميع البستان. (وهو بيع الرطب على النخل) خرصا (بتمر في
الأرض) كيلا، (أو العنب في الشجر) خرصا (بزبيب) في الأرض كيلا. هذا مستثنى من بيع المزابنة لما في الصحيحين:
- عن سهل بن أبي حثمة - بالحاء المهملة المثلثة -: أن رسول الله (ص) نهى عن بيع الثمر - بالثاء المثلثة
- بالتمر - بالتاء المثناة كما قاله المصنف في شرح مسلم - ورخص في بيع العرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبا. وقيس به
العنب بجامع أن كلا منهما زكوي يمكن خرصه ويدخر يابسه. وأفهم كلامه أنهما لو كانا معا على الشجر أو على الأرض
أنه لا يصح، وهو كذلك خلافا لبعض المتأخرين لأن الرخصة يقتصر فيها على ما ورد، وأنه لا يصح بيع الرطب بالرطب
وهو كذلك كما مر في باب الربا. وكالرطب البسر بعد بدو صلاحه، لأن الحاجة إليه كالحاجة إلى الرطب، ذكره الماوردي
والروياني، قيل: ومثله الحصرم. ورد بأن الحصرم لم يبد به صلاح العنب وبأن الخرص لا يدخله لأنه لم يتناه كبره بخلاف البسر فيهما.
تنبيه: محل الجواز في العرايا ما لم يتعلق بالثمر زكاة كأن خرصت عليه وضمن، أو قلنا الخرص تضمين أو لنقصها
93

عن النصاب أو لكفر صاحبها. ومحل الرخصة (فيما دون خمسة أوسق) تحديدا بتقدير الجفاف بمثله، لما روى الشيخان
أنه (ص) أرخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق، أو في خمسة أوسق شك داود بن حصين أحد
رواته، فأخذ الشافعي بالأقل في أحد قوليه. ويجوز في الخمسة في القول الآخر، ولا يجوز فيما زاد عليها قطعا، وحيث زاد
على ما دونها يبطل في الجميع على المشهور، ولا يخرج على تفريق الصفقة كما مرت الإشارة إليه في فصلها لأنه صار بالزيادة ربا فبطل جميعه.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنهي كفي في النقص عن الخمسة ما ينطلق عليه الاسم، حتى قال الماوردي: يكفي نقص ربع
مد. والمتجه كما قال بعض المتأخرين أن ذلك يكفي بل لا بد من زيادة على تفاوت ما يقع بين الكيلين، فإن ربع المد
والمد يقع التفاوت به بين الكيلين غالبا لا سيما في الخمسة أوسق. والمراد بالخمسة أو ما دونها إنما هو من الجاف وإن
كان الرطب الآن أكثر، فإن تلف الرطب أو العنب فذاك، وإن جفف وظهر تفاوت بينه وبين التمر أو الزبيب، فإن كان قدر
ما يقع بين الكيلين لم يضر وإن كان أكثر تبين بطلان العقد. (ولو زاد) على ما دونها (في صفقتين) كل منهما دونها (جاز)
قياسا على الصفقة الأولى، وبتعدد الصفقة بتعدد العقد والمشترك قطعا وبتعدد البائع على الأصح. وإنما نظروا هنا إلى
جانب المشتري أكثر حيث قطعوا فيه بالتعدد دون جانب البائع عكس ما قالوه في الرد بالعيب، لأن الرطب هو
المقصود
والتمر تابع، فلو باع رجلان مثلا لرجلين صفقة جاز فيما دون عشرين لا فيما فوقه، وفي الروضة: فيما دون عشرة، قال
الزركشي وغيره: وهو سبق قلم وليس كذلك، وإنما فرعه على وجه ضعيف، وهو أن الصفقة لا تتعدد بتعدد البائع.
(ويشترط) في صحة بيع العرايا (التقابض) في المجلس (بتسليم التمر) أو الزبيب إلى البائع (كيلا والتخلية في) رطب (النخل)
أو عنب الكرم لأنه مطعوم بمطعوم.
تنبيه: لو عبر بقوله: بتسليم الجاف كيلا والتخلية في الرطب والعنب كان أولى كما يعلم مما قدرته. (والأظهر أنه لا يجوز)
بيع مثل العرايا (في سائر الثمار) أي باقيها كالخوخ والمشمش واللوز مما يدخر يابسه، لأنها متفرقة مستورة بالأوراق فلا يتأتى
الخرص فيها. والثاني: يجوز كما جاز في العنب بالقياس. (و) الأظهر (أنه) أي بيع العرايا، (لا يختص بالفقراء) بل يجري في
الأغنياء لاطلاق الاخبار فيه. والثاني: يختص بهم لما روى الشافعي عن زيد بن ثابت: أن رجالا محتاجين من الأنصار شكوا
إلى رسول الله (ص) أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضل
قوتهم من التمر، فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر. وأجاب الأول بضعف الحديث. وبتقدير صحته
فهذه حكمة المشروعية، ثم قد يعم الحكم كما في الرمل والاضطباع في الطواف.
تنبيه: محل الخلاف في اعتبار حاجة المشتري، أما حاجة البائع فلا تعتبر قطعا. وقال مالك: تعتبر حاجة البائع.
خاتمة: قال الجرجاني والمتولي: ضابط الغني في هذا الباب من عنده نقد، فمن لا نقد عنده فقير وإن ملك أموالا
كثيرة، ولو اشترى العرية من يجوز له شراؤها ثم تركها حتى صارت تمرا جاز. وقال أحمد: يبطل العقد لأن شرط
صحة العقد عنده أن يأخذها كلها أهلها رطبا.
باب اختلاف المتبايعين
أو من يقوم مقامهما في كيفية العقد (إذا اتفقا) أي المتبايعان، (على صحة البيع ثم اختلفا في كيفيته كقدر الثمن)
94

وما يدعيه البائع أكثر كما نبه عليه الرافعي في الصداق، كأن يدعي عشرة والمشتري تسعة. (أو صفته) كأن قال
البائع: بصحاح والمشتري: بمكسرة. أو جنسه، كقول البائع: بذهب والمشتري: بفضة، وقد صرح به في المحرر. (أو الاجل)
بأن أثبته المشتري ونفاه البائع. (أو قدره) كشهر ويدعي المشتري أكثر، أو يقول البائع: بعتكه بشرط رهن أو
كفيل فينكر المشتري. (أو قدر المبيع) كقول البائع: بعتك صاعا من هذه الصبرة بدرهم فيقول المشتري: بل صاعين.
أو اختلفا في اشتراط كون المبيع كاتبا مثلا (ولا بينة) لأحدهما، أو لكل منهما بينة وتعارضتا بأن لم يؤرخا بتاريخين،
(تحالفا) لخبر مسلم: اليمين على المدعى عليه وكل منهما مدعى عليه كما أنه مدع. وتخصيصه البيع بالذكر جرى على
الغالب لأن التحالف يجري في سائر عقود المعاوضات حتى القراض والجعالة والصلح عن دم طردا للمعنى. ولا أثر لقدرة
كل من العاقدين على الفسخ في الأولين بلا تحالف، ولا لعدم رجوع كل منهما إلى عين حقه في الثالث. ويؤخذ مما
ذكر أن التحالف يجري في زمن الخيار، وهو المعتمد كما صرح به ابن يونس والنسائي والأذرعي وغيرهم. وقال
الشافعي والأصحاب بالتحالف في الكتابة مع جوازها من جانب الرقيق. وما استند إليه ابن المقري في قوله بعدم
التحالف في زمن الخيار بإمكان الفسخ في زمنه، أجيب عنه بأن التحالف لم يوضع للفسخ بل عرضت اليمين رجاء
أن ينكل الكاذب فيتقرر العقد بيمين الصادق. واحترز لقوله: واتفقا على صحة البيع عما إذا لم يتفقا على الصحة،
أو اتفقا عليها في عقد ولكن اختلفا هل ذلك العقد بيع أو هبة، فلا تحالف كما سيأتي آخر الباب. والمراد بالاتفاق
على الصحة وجودها، ففي الروضة كأصلها: لو قال بعتك بألف، فقال: بخمسمائة وزق خمر حلف البائع على نفي سبب
الفساد ثم يتحالفان. وبقوله: ولا بينة أي أو تعارضت البينتان كما مر عما إذا أقام أحدهما بينة فإنه يعمل بها. وشمل
كلامه ما إذا كان المتبايعان مالكين أو وكيلين أو مالكا ووكيلا. وفي تحالف الوكيلين وجهان، رجح المصنف
منهما التحالف، وفائدته الفسخ أو أن ينكل أحدهما فيحلف الآخر ويقضى له. وليس لنا صورة يحلف فيها الوكيل
على الأصح غيرها لأنه لم يثبت لغيره بيمينه شيئا، وإنما يرجع الحال بعد التحالف على الفسخ الذي أوجبه الشرع.
تنبيه: يستثنى من التحالف مسائل: منها ما لو تقابلا في العقد ثم اختلفا بعد الإقالة في قدر الثمن فلا تحالف، بل القول
قول البائع لأنه غارم. ومنها ما لو اختلفا في عين المبيع والثمن معا، كأن يقول: بعتك هذا العبد بمائة درهم،
فيقول: بل هذه الجارية بعشرة دنانير فلا تحالف جزما إذا لم يتواردا على شئ مع اتفاقهما على بيع صحيح واختلفا
في كيفيته، بل يحلف كل منهما على نفي دعوى صاحبه على الأصل. ومنها ما لو اختلف ولي محجور مع مستقل وكان
المبيع تالفا وكانت القيمة التي يرجع إليها عند الفسخ بالتحالف أكثر من الشئ الذي سماه، فإنه لا تحالف ويؤخذ بقول
البائع لأنه إذا حصل الفسخ رجع الحال إلى غرم القيمة، وهي أكثر من قوله، كما ذكر نظير ذلك في الصداق. ولو
اختلفا في عين المبيع فقط واتفقا على الثمن أو اختلفا في قدره تحالفا إن كان الثمن معينا، وكذا إن كان في الذمة
كما اقتضى كلام الرافعي هنا ترجيحه وصححه في الشرح الصغير خلافا لما جرى عليه ابن المقري تبعا للأسنوي
من عدم التحالف. ولو أقام البائع بينة أن المبيع هذا العبد، والآخر بينة أنه الجارية ولم تؤرخ البينتان سلمت للمشتري
ويقر العبد في يده إن كان قبضه وإلا فيترك عند القاضي حتى يدعيه كما جزم به ابن أبي عصرون، وقال أبو
الحسن السلمي:
إنه الصحيح، وقيل: يجبر المشتري على قبوله. فإن أرختا قضى بمقدمة التاريخ، ويأتي إيضاح ذلك في محله.
وإذا أخذه القاضي أنفق عليه من كسبه إن كان كسوبا وإلا باعه إن رأى المصلحة في بيعه وحفظ ثمنه، وله ذلك في الحالة
الأولى أيضا كما قاله الشيخ أبو حامد. وإذا وقع التحالف (فيحلف كل) منهما (على نفي قول صاحبه وإثبات
قوله) لما مر من كونه مدعيا ومدعى عليه، فينفي ما ينكره ويثبت ما يدعيه. نعم إنما يحلف الثاني بعد أن
يعرض عليه ما حلف عليه الأول فينكر كما قاله المحاملي. (ويبدأ) في اليمين (بالبائع) ندبا، لحصول الغرض مع
95

تقديم المشتري، وقيل وجوبا واختاره السبكي. وإنما بدأ به لأن جانبه أقوى لأن المبيع يعود إليه بعد الفسخ
المترتب على التحالف، ولان ملكه على الثمن قد تم بالعقد وملك المشتري على المبيع لا يتم إلا بالقبض. (وفي قول) يبدأ
(بالمشتري) ون البائع يدعي عليه زيادة ثمن، والأصل براءة ذمته منها، ولان المبيع في ملكه فيقوى جانبه. (وفي قول
يتساويان) لأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه فلا ترجيح. وعلى هذا (فيتخير الحاكم) فيمن يبدأ به منهما، (وقيل
يقرع) بينهما، كما لو حضرا معا للدعوى فيبدأ بمن خرجت قرعته. قال الامام: وتقديم أحد الجانبين مخصوص
بما إذا باع عرضا بثمن في الذمة، أما إذا كانا معينين أو في الذمة فلا يتجه إلا التسوية. والزوج في الصداق كالبائع فيبدأ
به لقوة جانبه ببقاء التمتع له كما قوي جانب البائع بعود المبيع إليه، ولان أثر التحالف يظهر في الصداق لا في البضع وهو
باذله فكان كبائعه. (والصحيح أنه يكفي كل واحد) منهما (يمين تجمع نفيا) لقول صاحبه، (وإثباتا) لقوله، لأن الدعوى
واحدة ومنفي كل منهما في ضمن مثبته فجاز التعرض في اليمين الواحدة للنفي والاثبات، ولأنها أقرب لفصل الخصومة.
والثاني: أنه يفرد النفي بيمين والاثبات بأخرى لأنه مدع ومدعى عليه. وكان التعبير بالمذهب أولى كما في الروضة، لأن
الأول منصوص مقطوع به. وقوله: ويكفي فيه إشعار بجواز العدول إلى اليمين وهو الظاهر، وإن أفهم كلام الماوردي
خلافه. (ويقدم) في اليمين (النفي) ندبا لا وجوبا لحصول المقصود بكل منهما. (فيقول) البائع في قدر الثمن مثلا: والله
(ما بعت بكذا ولقد بعت بكذا) ويقول المشتري: والله ما اشتريت بكذا ولقد اشتريت بكذا. وهذه الكيفية هي
المشهورة في كلام الأصحاب. وقال الصيمري: يقول البائع: ما بعت إلا بكذا، ويقول المشتري: ما اشتريت إلا بكذا لأنه
أسرع إلى فصل القضاء، ويلزمه الاكتفاء أيضا، إنما بعت بكذا وإنما اشتريت بكذا. والصحيح أن ذلك لا يكفي لأنهم
إنما يكتفون في ذلك بالتصريح.
تنبيه: يفهم من كلام المصنف أنه لا يحتاج إلى صيغة حصر، وهو كذلك وإن كانت عبارة الروضة في البائع:
ما بعت
بكذا وإنما بعت بكذا، وفي المشتري: ما اشتريت بكذا وإنما اشتريت بكذا، إذ لا حاجة إلى الحصر بعد النفي. (وإذا
تحالفا فالصحيح أن العقد لا ينفسخ) بنفس التحالف لأن البينة أقوى من اليمين، ولو أقام كل منهما بينة لم ينفسخ
فبالتحالف أولى. (بل إن تراضيا) على ما قاله أحدهما أقر العقد. قال القاضي: ولا رجوع لمن رضي صاحبه، وإن
سمح أحدهما للآخر بما ادعاه أجبر الآخر، وإن أعرضا عن الخصومة أعرض عنهما كما نقله الأسنوي عن القاضي.
ويفهمه كلام ابن المقري في شرح إرشاده وإن فهم بعض المتأخرين عنه خلافه. (وإلا) بأن استمر نزاعهما، (فيفسخانه
أو أحدهما) لأنه فسخ لاستدراك الظلامة فأشبه الرد بالعيب. (أو الحاكم) لقطع النزاع. وحق الفسخ بعد التحالف
ليس على الفور، فلو لم يفسخا في الحال كان لهما بعد ذلك على الأشبه في المطلب لبقاء الضرر المحوج للفسخ. (وقيل
إنما يفسخه الحاكم) لأنه فسخ مجتهد فيه فلا يفسخ أحدهما، وصححه جمع. ومقابل الصحيح أنه ينفسخ بالتحالف.
ولا بد أن يكون التحالف عند حاكم، فلو تحالفا بأنفسهما لم يكن لايمانهما تأثير في فسخ ولا لزوم، قاله الماوردي
وغيره. والمحكم كالحاكم كما بحثه بعض المتأخرين. وإذا فسخا انفسخ ظاهرا وباطنا كالإقالة، وكذا إن فسخ القاضي
أو الصادق منهما لتعذر وصولهما إلى حقهما كما في الفسخ بالافلاس، فلكل منهما التصرف فيما عاد إليه. وإن فسخ
الكاذب لم ينفسخ باطنا لترتبه على أصل كاذب. وطريق الصادق إنشاء الفسخ إن أراد الملك فيما عاد إليه وإن لم يرده،
فإن أنشأ الفسخ أيضا فذاك وإلا فقد ظفر بمال من ظلمه فيتملكه إن كان من جنس حقه وإلا فيبيعه ويستوفي حقه
من ثمنه. وللمشتري وطئ الجارية المبيعة حال النزاع وقبل التحالف على الأصح لبقاء ملكه، وفي جوازه فيما بعده
96

وجهان أوجههما كما قال شيخنا جوازه كما اقتضاه تعليلهم ببقاء ملكه. (ثم) بعد الفسخ (على المشتري رد المبيع) إن كان
باقيا في ملكه ولم يتعلق به حق ثالث بزوائده المتصلة، لأنها تابعة للأصل دون المنفصلة قبل الفسخ ولو قبل القبض، لأن
الفسخ يرفع العقد من حينه لا من أصله، وكذا على البائع رد الثمن. ومؤنة الرد على الراد كما يفهم من التعبير برد، لأن كل
من كان ضامنا للعين كانت مؤنة ردها عليه. (فإن) تلف شرعا، (كأن وقفه أو أعتقه أو باعه، أو) تعلق به حق لازم كأن
(كاتبه، أو) تلف حسا كأن (مات، لزمه قيمته) إن كان متقوما وإن زادت على ثمنه، ومثله إن كان مثليا على المشهور كما في
المطلب، خلافا لما تفهمه عبارة المصنف من وجوب القيمة وإن صححه في الحاوي. (وهي قيمته يوم التلف) حقيقة أو حكما،
(في أظهر الأقوال) إذ مورد الفسخ العين والقيمة بدل عنها فلتعتبر عند فوات أصلها. وفارق اعتبارها بما ذكر
اعتبارها لمعرفة
الأرش بأقل قيمتي العقد والقبض كما مر بأن النظر إليها ثم لا ليغرم بل ليعرف منها الأرش، وهنا المغروم القيمة، فكأن
اعتبار حالة الاتلاف أليق، ذكره الرافعي. والثاني: قيمة يوم القبض لأنه قيمة يوم دخوله في ضمانه. والثالث: أقل القيمتين
يوم العقد ويوم القبض. والرابع: أقصى القيم من يوم القبض إلى قيمة يوم التلف، لأن يده يد ضمان فتعتبر أعلى القيم.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن التحالف يجري عند بقاء العوض وتلفه. واعترض بالرد بالعيب فإنه لا يجري بعد
التلف. وأجيب بأن الرد يعتمد المردود، والفسخ يعتمد العقد، وبأن الرد يلحقه الأرش فلا ضرورة إليه بخلاف الفسخ.
(وإن تعيب رده مع أرشه) وهو ما نقص من قيمته، لأن الكل مضمون على المشتري بالقيمة فكان بعضه مضمونا ببعضها،
ووط الثيب ليس بعيب فلا أرش له وإن كان قد رهنه، فإن شاء البائع أخذ القيمة أو انتظر الفكاك. فإن قيل: قد ذكروا
في الصداق أنه لو طلقها قبل الوطئ وكان الصداق مرهونا وقال انتظر الفكاك للرجوع فلها إجباره على قبول نصف القيمة
لما عليها من خطر الضمان، فالقياس هنا إجباره على أخذ القيمة. أجيب بأن المطلقة قد حصل لها كسر بالطلاق فناسب
جبرها بإجابتها بخلاف المشتري. وإن كان قد آجره رجع فيه مؤجرا ولا ينتزعه من يد المكتري حتى تنقضي المدة، والمسمى
للمشتري وعليه للبائع أجرة المثل للمدة الباقية من وقت الفسخ إلى انقضائها. (واختلاف ورثتهما) أو وارث أحدهما مع
الآخر، (كهما) أي كاختلافهما فيما مر، لأنها يمين في مال، فقام الوارث مقام المورث كاليمين في دعوى المال. ولا فرق في
ذلك بين أن يكون الاختلاف قبل القبض أو بعده، ولا بين أن يحصل بين الورثة ابتداء أو بين المورثين ثم يموتان قبل
التحالف. ويحلف الوارث في الاثبات على البت وعلى نفي العلم في النفي، ويجوز للوارث الحلف إذا غلب على ظنه صدق
مورثه. (ولو قال بعتكه بكذا فقال بل وهبتنيه) أو رهنتنيه، (فلا تحالف) لأنهما لم يتفقا على عقد واحد. (بل يحلف كل) منهما
(على نفي دعوى الآخر) كسائر الدعاوي. (فإذا حلف رده) لزوما (مدعي الهبة) أو الرهن، (بزوائده) متصلة كانت أو
منفصلة، لأنه لا ملك له ولا أجرة عليه لاتفاقهما على عدم وجوبها. فإن قيل: كيف يرد الزوائد المنفصلة مع اتفاقهما
على حدوثها في ملك الراد بدعواه الهبة وإقرار البائع له بالبيع، فهو كمن وافق على الاقرار بشئ وخالف في الجهة؟ أجيب بأن دعوى الهبة لا تستلزم الملك لتوقفها على القبض بالاذن ولم يوجد، وبأن كلا منهما قد أثبت بيمينه نفي دعوى الآخر
فتساقطتا، ولو سلم عدم تساقطهما فمدعي الهبة لم يوافق المالك على ما أقر له به من البيع فلا يكون كالمسألة المشبهة بها، فالعبرة
بالتوافق على نفس الاقرار لا على لازمه. (ولو ادعى) أحدهما (صحة البيع والآخر فساده) كأن ادعى اشتماله على شرط
فاسد، (فالأصح تصديق مدعي الصحة بيمينه) لأن الأصل عدم المفسد، والظاهر في العقود الجارية بين المسلمين الصحة.
97

والثاني: يصدق مدعي الفساد، لأن الأصل عدم العقد الصحيح. وإنما رجح الأصل الأول لاعتضاده بتشوف الشارع
إلى انبرام العقود. واستثنى من ذلك مسائل: منها ما إذا باع ذراعا من أرض وهما يعلمان ذرعانها فادعى أنه أراد ذراعا
معينا مبهما وادعى المشتري الإشاعة، فالمصدق البائع لأنه أعرف بإرادته. ومنها ما إذا قال السيد: كاتبتك وأنا مجنون
أو محجور علي وعرف له ذلك فإنه المصدق، ومثله قول الروياني فيما لو اختلفا فيما يكون وجوده شرطا كبلوغ البائع كأن
باعه ثم قال: لم أكن بالغا حين البيع وأنكر المشتري واحتمل ما قاله البائع صدق بيمينه، لأن الأصل عدم البلوغ. وأما إذا
قال السيد: كاتبتك على نجم واحد، وقال الرقيق: بل على نجمين فإن الرقيق هو المصدق كما رجحه المصنف. ومنها ما لو
قال مشتري المغصوب: كنت أظن القدرة على تسليمه وأنا الآن لا أقدر فهو المصدق كما أفتى به القفال، لاعتضاده بقيام
الغصب. ومنها ما إذا اختلفا هل وقع الصلح على إنكار أو اعتراف فالمصدق مدعي وقوعه على إنكاره لأنه الغالب كما
سيأتي في بابه. ومنها ما إذا قال المرتهن: أذنت في البيع بشرط رهن الثمن وقال الراهن: بل مطلقا فالمصدق المرتهن،
هكذا قاله الزركشي. قال شيخنا: وليس مما نحن فيه لأن الاختلاف بعد تسليم الحكم المذكور لم يقع من العاقدين، ولا من
نائبهما. ولو قال المشتري: رأيت المبيع وأنكر البائع، أو قال المشتري: اشتريت ما لم أره فالمصدق مدعي الصحة،
وكذا لو باع الثمرة قبل بدو الصلاح أو الزرع في الأرض ثم اختلفا هل شرط القطع أو لا، أو قالت المرأة، وقع العقد بلا
ولي ولا شهود وأنكر الزوج، فالمصدق مدعي الصحة.
تنبيه: هذا الاختلاف قد علمت أنه يجري في غير البيع كالنكاح وغيره، فلو قال المصنف: ولو ادعى صحة العقد،
لكان أولى. (ولو اشترى عبدا) مثلا معينا وقبضه، (فجاء بعبد معيب ليرده فقال البائع ليس هذا المبيع صدق البائع بيمينه)
لأن الأصل السلامة وبقاء العقد. (وفي مثله في السلم) بأن يقبض المسلم المؤدى عن المسلم فيه ثم يأتي بمعيب فيقول المسلم إليه
ليس هذا المقبوض، (يصدق المسلم في الأصح) بيمينه أن هذا هو المقبوض، لأن الأصل بقاء شغل ذمة المسلم إليه بالمسلم
فيه. والثاني: يصدق المسلم إليه كالبيع. وفرق الأول بأن المدعي هنا لم يعترف بقبض ما ورد عليه العقد، والأصل بقاء
شغل ذمة المنكر، وهناك اعترف بقبضه ووقع الاختلاف في سبب الفسخ، والأصل عدمه. وقيدت العبد في كلامه بالمعين
احترازا عن المبيع الموصوف في الذمة فإنه كالمسلم فيه. والثمن المعين كالمبيع المعين فيصدق المشتري في الأصح.
خاتمة: لو قبض المبيع مثلا مكيلا أو موزونا ثم ادعى نقصا، فإن كان قدرا يقع مثله في الكيل أو الوزن صدق بيمينه
لاحتماله مع عدم مخالفته الظاهر، وإلا فلا يصدق، لمخالفته الظاهر، ولأنهما اتفقا على القبض، والقابض يدعي الخطأ
فيه فعليه البينة، كما لو اقتسما ثم جاء أحدهما وادعى الخطأ فيه تلزمه البينة. ولو باعه أو رهنه عصيرا فوجده خمرا أو وجد فيه
فأرة ميتة وقال هكذا قبضته منك وأنكر البائع، صدق البائع بيمينه إن أمكن صدقه، لأن الأصدق عدم المفسد، ولو
اختلفا في القبض صدق المشتري. ولو باع شخص شيئا فظهر أنه كان لابنه أو موكله فوقع اختلاف، كأن قال الابن: باع
أبي مالي في الصغر لنفسه متعديا، وقال الموكل: باع وكيلي مالي متعديا، وقال المشتري: لم يتعد الولي ولا الوكيل صدق المشتري بيمينه،
لأن كلا من الأب والوكيل أمين فلا يتهم إلا بحجة.
باب في معاملة الرقيق
ذكر الشيخ في التنبيه هذا الباب عقب القراض لمشاركته له في اتحاد المقصود، وهو تحصيل الربح بالاذن في التصرف
. وذكره الشافعي رضي الله تعالى عنه هنا وترجم له بمداينة العبيد، وتبعه الرافعي ثم تبعهما المصنف. قال الامام: تصرفات
98

الرقيق ثلاثة أقسام: ما لا ينفذ وإن أذن فيه السيد كالولايات والشهادات، وما ينفذ بغير إذنه كالعبادات والطلاق والخلع
، وما يتوقف على إذنه كالبيع والإجارة، وهذا هو مقصود الباب. وقد شرع المصنف في بيان ذلك فقال: (العبد) قال
ابن حزم: لفظ العبد يشمل الأمة، فكأنه قال الرقيق الذي يصح تصرفه لنفسه لو كان حرا كما قاله الماوردي. (إن
لم يؤذن له في التجارة لا يصح شراؤه بغير إذن سيده في الأصح) لأنه محجور عليه لحق سيده، والثاني: يصح لتعلق
الثمن بالذمة ولا حجر لسيده فيها، ونسب هذا الماوردي إلى الجمهور، وقطع بعضهم بالأول. ولو كان لرجلين عبد
فأذن له أحدهما في التجارة لم يصح حتى يأذن له الآخر كما لو أذن له في النكاح لا يصح حتى يأذن له الآخر. (و) على الأول
(يسترده) أي المبيع (البائع) أي له طلب رده، (سواء كان في يد العبد أو) يد (سيده) لأنه لم يخرج عن ملكه،
ويسترد الثمن السيد إذا أداه الرقيق من ماله لما ذكر، ومؤنة الرد على من في يده العين كما مرت الإشارة إليه
في الباب السابق.
تنبيه: كان الأولى أن يقول سواء أكان في يد العبد أم سيده، فحذف الهمزة، والاتيان بأو لغة قليلة. (فإن
تلف) المبيع (في يده) أي العبد، (تعلق الضمان بذمته) فيطالب به بعد العقد لثبوته برضا مالكه ولم يأذن فيه
السيد، والضابط فيما يتلفه العبد أو يتلف تحت يده إن لزم بغير رضا مستحقه كإتلاف أو تلف بغصب تعلق الضمان برقبته
ولا يتعلق بذمته في الأظهر وإن لزم برضا مستحقه كما في المعاملات، فإن كان بغير إذن السيد تعلق بذمته يتبع به بعد
عتقه سواء أرآه السيد في يد العبد فتركه أم لا أو بإذنه تعلق بذمته وكسبه ومال تجارته. (أو) تلف (في يد السيد فللبائع
تضمينه) أي السيد لوضع يده عليه، (وله) أي البائع، (مطالبة العبد) أيضا (بعد العتق) لتعلقه بذمته لا قبله،
لأنه معسر. ولو قبضه السيد وتلف في يد غيره كان للبائع مطالبة السيد أيضا. (واقتراضه) وكذا سائر عقود المعاوضات
ما عدا النكاح، (كشرائه) في جميع ما مرص. أما النكاح فلا يصح جزما. وقول الزركشي وغيره: قد يستثنى من ذلك
ما لو باع المأذون مع ماله فإنه لا يشترط تجديد إذن من المشتري على الأظهر في النهاية كما قاله ابن الرفعة، أي لأن علم
المشتري بأن العبد مأذون له منزل منزلة إذنه في بيع المال الذي اشتراه مع، ضعيف، لأن بيع السيد الرقيق المأذون
حجر له كما سيأتي، وسكوت السيد لا يكفي كما سيأتي أيضا. (وإن أذن له) سيده (في التجارة تصرف) بالاجماع كما
نقله الرافعي، لأن المنع لحق السيد وقد زال، قال: وشرط في التنبيه أن يكون العبد بالغا رشيدا، وهو معنى قول الماوردي
المتقدم، ولا ينافي ذلك قول الأذرعي لم أجده في الحاوي في مظانه. وقوله: والعقل يبعد أن لا يصح إذنه لعبده الفاسق
والمبذر، ممنوع إذ لا يزيد بالاذن على تصرف الحر. (بحسب الاذن) لأن تصرفه مستفاد من الاذن فاقتصر على المأذون
فيه، ولا يشترط قبول الرقيق. (فإن أذن) له (في نوع) كالثياب أو في وقت كشهر كذا أو في بلد (لم يتجاوزه)
كالوكيل وعامل القراض. قال الأسنوي: وفهم من تعبيره بان الشرطية أن تعيين النوع لا يشترط، لأنها تستعمل فيما
يجوز أن يوجد وأن لا يوجد ولا تستعمل فيما لا بد منه إذا قال، والامر كذلك اه‍. ويستفيد بالاذن في التجارة كل
ما يندرج تحت اسمها وما كان من لوازمها وتوابعها، كالنشر والطي وحمل المتاع إلى الحانوت ورد بعيب ومخاصمة نفي عهدة، والمراد المخاصمة الناشئة عن المعاملة، أما مخاصمة
الغاصب والسارق ونحوهما فلا كما صرح به الرافعي في عامل
القراض، وهذا مثله. فإن لم ينص على شئ تصرف بحسب المصلحة في كل الأنواع والأزمنة والبلدان. ولو أعطاه
ألفا وقال له: أتجر فيه فله أن يشتري بعين الألف وبقدره في ذمته ولا يزيد. فإن اشترى في ذمته ثم تلف الألف قبل تسليمه
99

للبائع لم ينفسخ عقده بل للبائع الخيار إن لم يوفه السيد، وإن اشترى بعينه انفسخ العقد كما لو تلف المبيع قبل
القبض.
ولو قال له: اجعله رأس مالك وتصرف واتجر فله أن يشتري بأكثر من الألف، وله أن يأذن له في التجارة من غير
إعطاء مال فيشتري بالاذن في الذمة ويبيع كالوكيل. ولا يحتاج في الاذن في الشراء في الذمة إلى تقييد بقدر معلوم، لأنه
لا يثبت في ذمة السيد بخلاف الوكيل. (وليس له) بالاذن في التجارة، (نكاح) لنفسه ولا لرقيق التجارة، لأن
اسمها لا يتناوله. (ولا يؤجر نفسه) بغير إذن سيده، لأنه لا يملك التصرف في رقبته فكذا في منفعته، فإن أذن له جاز،
وله أن يؤجر مال التجارة أثيابها ورقيقها ودوابها. (ولا يأذن لعبده) أي الذي اشتراه للتجارة، (في تجارة) بغير
إذن سيده لعدم الإذن له في ذلك، فإن أذن له فيه جاز، وينعزل الثاني بعزل السيد له وإن لم ينزعه من يد الأول وإضافة
عبد التجارة إليه لتصرفه فيه. وهذا في التصرف العام، فإن أذن له في تصرف خاص كشراء ثوب جاز كما صححه الامام
وجزم به الغزالي وابن المقري، وإن كان في مقتضى كلام البغوي المنع، لأنه يصدر عن رأيه، وإنه لا غنى له عن ذلك،
وفي منعه منه تضييق عليه. (ولا يتصدق) ولو عبر ب‍ يتبرع كان أعم ليشمل الهبة والعارية وغيرهما، لأنه ليس من أهل
التبرع. ولا يتخذ دعوة، وهي بتثليث الدال كما قاله ابن مالك، وفتحها أشهر: الطعام المدعو إليه. ولا ينفق على نفسه
من مال التجارة، وقول ابن الرفعة: لو غاب السيد فالوجه الجواز للعرف المطرد به، محمول على عدم وجدان حاكم يراجعه
في ذلك. ولا يسافر بمال التجارة إلا بإذن السيد، ولا يبيع بدون ثمن المثل ولا نسيئة، قال المتولي: وله أن يشتري
بالنسيئة ب‍ إذن. (ولا يعامل سيده) ولا رقيقه المأذون له في التجارة ببيع وشراء وغيرهما، لأن تصرفه للسيد ويد
رقيق السيد كالسيد بخلاف المكاتب. ولا يتمكن من عزل نفسه بخلاف الوكيل. ولا يشتري من يعتق على سيده، فإن
أذن له صح الشراء وعتق إن لم يكن الرقيق مديونا، وإلا ففيه التفصيل في إعتاق الراهن المرهون بين الموسر والمعسر
كما جرى عليه ابن المقري تبعا للأسنوي. (ولا ينعزل بإباقه) قطعا، لأنه معصية لا توجب الحجر. وله التصرف في البلد
الذي أبق إليه على الصحيح إلا أن خص السيد الاذن ببلده، فإن عاد إلى الطاعة تصرف جزما. ولو أذن لامته في التجارة
ثم استولدها لم تنعزل لبقائها على ملكه واستحقاقه منافعها. (ولا يصير) الرقيق (مأذونا له بسكوت سيده على تصرفه)
لأن ما الاذن فيه شرط لا يكفي فيه السكوت، كبيع مال غيره وهو ساكت. (ويقبل إقراره بديون المعاملة) ولو لاصله وفرعه لقدرته على الانشاء، وهذه المسألة أعادها المصنف في باب الاقرار والكلام عليها هناك أنسب.
ولو أحاطت
به الديون فأقر بشئ أنه استعاره قبل منه، وقيل: لا، ذكره شريح في روضه.
فرع: لو باع السيد العبد المأذون له أو أعتقه صار محجورا عليه، لأن إذنه له استخدام لا توكيل، وقد خرج
عن أهليته. وفي معنى ذلك ما يزيل الملك كهبة ووقف، وفي كتابته وجهان، أوجههما وجزم به في الأنوار أنها حجر
وإجارته كما بحثه شيخنا كذلك. وتحل ديونه المؤجلة عليه بموته كما تحل الديون التي على الحر بموته، وتؤدى من الأموال
التي كانت بيده. (ومن عرف رق عبد لم يعامله) أي لم تجز له معاملته حفظا لما له، (حتى يعلم الإذن) له (بسماع سيده
أو بينة أو شيوع بين الناس) لأن الأصل عدم الإذن. والمراد بالعلم غلبة الظن، لأن البينة والشيوخ لا يفيدان إلا الظن.
قال السبكي: وينبغي جوازه بخبر عدل واحد لحصول الظن به وإن لم يكف عند الحاكم، إلحاقا له بالشفعة وكما يكفي سماعه
من السيد والشيوع. وتبعه الأذرعي، ثم قال: ويكفي خبر من يثق به من عبد وامرأة، بل يظهر أنه أولى من شيوع
لا يعرف أصله. وذكر نحوه الزركشي، قال: وهل المراد بالبينة ما يقام عند الحاكم أو إخبار عدلين له؟ الظاهر الثاني.
وهذه الأبحاث كلها ظاهرة، لأن المقصود أن يغلب على الظن إذن السيد. (وفي الشيوع وجه) أنه لا
100

يكفي، لأن الحجر محقق والزوال مشكوك فيه لأنه قد ينشأ من غير أصل، فإن لم يعرف رقه ولا حريته جاز له معاملته، لأن الأصل
والغالب في الناس الحرية. (ولا يكفي قول العبد) أنا مأذون لي لأنه منهم. فلو عامله فبان مأذونا له صح، كمن باع مال
أبيه ظانا حياته فبان ميتا، ومثله عامل من أنكرت وكالته أو من عرف سفهه ثم تبين أنه في الأولى وكيل وفي الثاني رشيد.
ولو قال المأذون له: حجر علي سيدي لم تصح معاملته وإن كذبه سيده، لأن العقد باطل بزعم العاقد فلا يعامل
بقول غيره، وتكذيب الآذن لا يستلزم الاذن له، كما لو قال ابتداء لا أمنعك من التصرف لا يستلزم ذلك، لأن عدم المنع
أعم من الاذن. نعم لو قال: كنت أذنت له وأنا باق عليه جازت معاملته وإن أنكر الرقيق ذلك كما ذكره الزركشي.
ويؤخذ من أن محل منع معاملته فيما إذا كذبه السيد أن يكون المعامل له سمع الاذن من غير السيد وإلا جازت معاملته،
قال شيخنا: بل ينبغي أن يقال حيث ظن كذب العبد جازت معاملته، ثم إن تبين خلافه بطلت وإلا فلا. وهو حسن.
ولمن علمه مأذونا له وعامله أن لا يسلم إليه العوض حتى يقيم بينة بالاذن خوفا من خط إنكار السيد، وينبغي كما قال
الزركشي تصويرها بما إذا علم الاذن بغير البينة وإلا فليس له الامتناع لزوال المحذور، والأصل دوام الاذن
. تنبيه: كان الأولى للمصنف أن يقول: ومن عرف رق شخص، لأن العبد معلوم الرق. (فإن باع مأذون له)
شيئا (وقبض الثمن فتلف في يده فخرجت السلعة مستحقة رجع المشتري ببدلها) أي بدل ثمنها، فهو حذف مضاف
فليس سهو كما قيل، وفي الروضة وأصلها والمحرر وبعض نسخ المنهاج: ببدله، أي الثمن، وهو أوضح. (على العبد)
ولو بعد العتق، لأنه المباشر للعقد فتتعلق به العهدة، كعامل المضاربة والوكيل فإن لرب الدين مطالبتهما ولو بعد العزل
سواء دفع لهما رب المال الثمن أم لا، وإذا غرما رجع، بخلاف العبد إذا غرم بعد عتقه لا يرجع على سيده على الأصح
في الروضة، لأن ما غرمه مستحق بالتصرف السابق على عتقه وتقدم السبب كتقدم المسبب فالمغروم بعد العتق كالمغروم قبله،
وهذا كما لو أعتق السيد عبده الذي أجره في أثناء مدة الإجارة لا يرجع عليه بأجرة مثله للمدة التي بعد العتق. (وله) أي
المشتري، (مطالبة) السيد به (أيضا) لأن العقد له، فكأنه البائع والقابض للثمن. (وقيل لا) يطالبه، لأنه بالاذن
قد أعطاه استقلالا وقصر طمع الذي يعامله على ما في يده وذمته. (وقيل: إن كان في يد العبد وفاء فلا) يطالبه
لحصول الغرض بما في يده، وإلا فيطالب. (ولو اشترى) المأذون (سلعة ففي مطالبة السيد بثمنها هذا الخلاف)
بتعليله، (ولا يتعلق دين التجارة برقبته) لأنه ثبت برضا مستحقه كالصداق، ولا بمهر الأمة المأذونة، لأنه بدل بضعها
وهو لا يتعلق به الديون فكذا بدله. ولا تتعلق أيضا بسائر أموال السيد كأولاد المأذون. (ولا بذمة سيده) وإن
أعتقه أو باعه، لأنه وجب بمعاوضة مقصودة أذن فيها السيد فيكون متعلقا بالكسب كالنفقة في النكاح. فإن قيل:
ما ذكر مخالف لقوله قبل ذلك بنحو سطر أن السيد يطالب ببدل الثمن التالف في يد العبد، وبثمن السلعة التي
اشتراها أيضا، وقد وقع الموضعان كذلك في الشرح والمحرر والروضة، وقال السبكي: سبب هذا التناقض
أن المذكور أولا هو طريقة الامام، وقال في البسيط: إنها ظاهر المذهب، وأشار في المطلب إلى تضعيفها، وثانيا: هو
طريقة الأكثرين من العراقيين والخراسانيين، ونص الام يشهد له، فجمع الرافعي بينهما فلزم منه ما لزم وتبعه الأسنوي
والأذرعي على ذلك. أجيب بأنه لا يلزم من المطالبة بشئ ثبوته في الذمة، بدليل مطالبة القريب بنفقة قريبه والموسر
بنفقة المضطر واللقيط إذا لم يكن له مال، والمراد أنه يطالب ليؤدي مما في يد العبد لا من غيره ولو مما كسبه العبد بعد
الحجر عليه وصارت كالوارث في التركة يطالب بالوفاء بقدرها فقط، وفائدة مطالبة السيد بذلك إذا لم يكن في يد العبد مال
احتمال أنه يؤديه، لأن له به علقة في الجملة وإن لم يلزم ذمته، فإن أداه برئت ذمة العبد وإلا فلا. (بل يؤدى من مال
101

التجارة) أصلا وربحا، لاقتضاء العرف والاذن ذلك. (وكذا من كسبه) الحاصل قبل الحجر عليه، (بالاصطياد ونحوه)
كالاحتطاب (في الأصح) لتعلقه به كما يتعلق به المهر ومؤن النكاح. والثاني: لا، كسائر أموال السيد. وعلى الأول
إن بقي بعد الأداء شئ من الدين يكون في ذمة الرقيق إلى أن يعتق فيطالب به، أما كسبه بعد الحجر فلا يتعلق به
في الأصح
في أصل الروضة لانقطاع حكم التجارة بالحجر. (ولا يملك العبد بتمليك سيده في الأظهر) الجديد، لأنه ليس أهلا للملك
لأنه مملوك فأشبه البهيمة. والثاني، وهو القديم: يملك، لقوله (ص): من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه
المبتاع رواه الشيخان، دل إضافة المال إليه على أنه يملك. وأجاب الأول بأن إضافته فيه للاختصاص لا للملك،
إذ لو كانت للملك لنافاه جعله لسيده وعلى القول بالملك هو ملك ضعيف يملك السيد انتزاعه منه ولا تجب فيه الزكاة،
وليس للعبد التصرف فيه إلا بإذن السيد. واحترز بقوله: بتمليك سيده عن الأجنبي، فإنه لا يملك بتمليكه جزما، قاله الرافعي
في الوقف في الكلام على الموقوف عليه، وفي الظهار، وفي تكفير العبد بالصوم، وأجرى فيه الخلاف الماوردي
والقاضي. والمدبر والمعلق عتقه بصفة وأم الولد كالقن فلا يملكون شيئا بخلاف المبعض والمكاتب. ولو ملك المبعض ببعضه
الحر مالا فاشترى به جارية ملكها ولم يحل له وطؤها ولو بإذن سيده، لأن بعضه مملوك، والوطئ يقع بجميع بدنه لا ببعضه
الحر فقط، وليس للمكاتب وطئ أمته ولو بالاذن لضعف ملكه وللخوف من هلاك الأمة بالطلق.
خاتمة: لو قبل الرقيق ولو سفيها هبة أو وصية بلا إذن صح وإن نهاه سيده على القبول، لأنه اكتساب لا يعقب
عوضا كالاحتطاب، ودخل ذلك في ملك السيد قهرا، نعم إن كان الموهوب أو الموصى به أصلا للسيد أو فرعا له تجب عليه
نفقته حال القبول لنحو زمانة أو صغر لم يصح القبول، ونظيره قبول الولي لموليه ذلك.
كتاب السلم
ويقال له السلف، يقال: أسلم وسلم، وأسلف وسلف. والسلم لغة أهل الحجاز، والسلف لغة أهل العراق، قاله
الماوردي. سمي سلما لتسليم رأس المال في المجلس، وسلفا لتقديم رأس المال. والأصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى:
* (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين) * الآية. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: نزلت في السلم، رواه الشافعي
رضي الله تعالى عنه. وخبر الصحيحين: من أسلف في شئ فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم.
(وهو بيع) شئ (موصوف في الذمة) قال الشارح: هذه خاصته المتفق عليها، أي وأما لفظ السلم فيشترط فيه على
الأصح كما سيأتي. قال الزركشي: وليس لنا عقد يختص بصيغة إلا هذا والنكاح. ويؤخذ من كون السلم بيعا أنه
لا يصح إسلام الكافر في الرقيق المسلم، وهو الأصح كما في المجموع وإن صحح الماوردي صحته وتبعه السبكي، ومثل الرقيق المسلم الرقيق
المرتد كما مر في باب البيع. (يشترط له مع شروط البيع) المتوقف صحته عليها غير الرؤية، لأن سلم الأعمى
يصح كما مر في باب البيع ليصح هو أيضا. (أمور) ستة، (أحدها: تسليم رأس المال) وهو الثمن، (في
المجلس) أي مجلس العقد
قبل لزومه، لأن اللزوم كالتفرق كما مر في باب الخيار، إذ لو تأخر لكان في معنى بيع الدين بالدين إن كان رأس المال
في الذمة، ولان في السلم غررا فلا يضم إليه غرر تأخير تسليم رأس المال. ولا بد من حلول رأس المال كما قاله القاضي
أبو الطيب كالصرف، ولا يغني عنه شرط تسليمه في المجلس، فلو تفرقا قبل قبض رأس المال أو ألزماه بطل العقد، أو قبل
تسليم بعضه بطل فيما لم يقبض وفيما يقابله من المسلم فيه، وصح في الباقي بقسطه، قالا: كما لو اشترى شيئين فتلف أحدهما
102

قبل القبض فيؤخذ منه ثبوت الخيار، وبه صرح في الأنوار وإن جزم السبكي بخلافه. ولو قال المسلم: أقبضتك بعد التفرق
وقال المسلم إليه قبله ولا بينة، صدق مدعي الصحة كما علم مما مر، وإن أقاما بينتين قدمت بينة المسلم إليه لأنها مع موافقتها
الظاهر ناقلة، والأخرى مستصحبة. ولا يكفي قبض المسلم في الحال في المجلس عن قبض رأس المال، لأن تسليمه فيه
تبرع، وأحكام البيع لا تبنى على التبرعات.
تنبيه: أفهم كلام المصنف أنه لو قال: أسلمت إليك المائة التي في ذمتك مثلا في كذا أنه لا يصح السلم، وهو
كذلك. (فلو أطلق) ك‍ أسلمت إليك دينارا في ذمتي في كذا (ثم عين) الدينار (وسلم في المجلس) قبل التخاير،
(جاز) ذلك، لأن المجلس حريم العقد فله حكمه، فإن تفرقا أو تخايرا قبله بطل العقد. (ولو أحال) المسلم المسلم إليه
(به) أي رأس المال، (وقبضه المحال) وهو المسلم إليه، (في المجلس فلا) يجوز ذلك، سواء أذن في قبضه المحيل أم لا
، لأن بالحوالة يتحول الحق إلى ذمة المحال عليه فهو يؤديه عن جهة نفسه لا عن جهة المسلم. نعم إن قبضه المسلم من
المحال عليه أو من المسلم إليه بعد قبضه بإذنه وسلم إليه في المجلس صح، وإن أمره المسلم بالتسليم إليه ففعل لم يكف لصحة
السلم، لأن الانسان في إزالة ملكه لا يصير وكيلا لغيره، لكن يصير السلم إليه وكيلا للمسلم في قبضه ذلك، ثم السلم
يقتضي قبضا آخر، ولا يصح قبضه من نفسه. وإن جرت الحوالة من السلم إليه على رأس المال وتفرقا قبل التسليم بطل
العقد وإن جعلنا الحوالة قبضا، لأن المعتبر هنا القبض الحقيقي، ولهذا لا يكفي عنه الابراء. نعم إن أمر المسلم
إليه المسلم بالتسليم إلى المحتال ففعل في المجلس صح القبض وكان المحتال وكيلا فيه عن المسلم إليه فيصح العقد، على خلاف ما مر في
إحالة المسلم. والفرق ما وجهوا به ذلك من أن القبض فيه بقبض عن غير جهة السلم بخلافه هنا، والحوالة في المسألتين
بكل تقدير فاسدة لتوقف صحتها عن صحة الاعتياض عن المحال به وعليه وهي منتفية في رأس مال السلم، ولان صحتها
تستلزم صحة السلم بغير قبض حقيقي.
تنبيه: قوله: وقبضه المحال ليس شرطا بل غاية، فلو لم يقبضه فأولى بالبطلان، فلو قال وإن قبض كان أولى.
ولو صالح عن رأس المال لم يصح لعدم قبض رأس المال في المجلس. ولو كان رأس المال رقيقا فأعتقه المسلم إليه قبل القبض
لم يكن قبضا، ثم إن تفرقا بعد القبض بأن صحة العقد لوجود الشرط ونفذ العتق على المعتمد كما جزم به الشيخ عبد الغفار
القزويني. وهو أحد وجهين في الروضة صححه أبو عبد الله الحجازي في مختصرها. وإن تفرقا قبله بطل العقد، ولو كان الرقيق
يعتق على المسلم إليه فقياس ما ذكر الصحة إن قبضه قبل التفرق وإلا فلا. (ولو قبضه) المسلم إليه في المجلس (وأودعه
المسلم) قبل التفرق (جاز) لأن الوديعة لا تستدعي لزوم الملك، وكذا يجوز لوروده إليه عن دينه كما اقتضاه كلام أصل
الروضة في باب الربا وصححه في المهمات هنا ك البغوي، خلافا لما نقلاه عن الروياني هنا وأقراه، لأن تصرف أحد العاقدين
في مدة خيار الآخر إنما يمتنع إذا كان مع غير الآخر، لأن صحته تقتضي إسقاط ما ثبت له من الخيار، أما معه فيصح،
ويكون ذلك إجازة منهما. (ويجوز كونه) أي رأس المال، (منفعة) معلومة كما يجوز جعلها ثمنا أو أجرة وصداقا. (وتقبض
بقبض العين) لأنه لما تعذر القبض الحقيقي اكتفي بهذا، لأنه الممكن في قبض المنفعة لأنها تابعة لها. ومن هذا يؤخذ
أنه لو جعل رأس المال عقارا غائبا ومضى في المجلس زمن يمكن فيه المضي إليه والتخلية صح، لأن القبض فيه بذلك، وهو
كذلك. وقضية كلامه أنه لو كانت المنفعة متعلقة ببدنه كتعليم سورة وخدمة شهر صح، وبه صرح الروياني ولم يطلع عليه
الأسنوي فبحثه، لكن استثنى منه ما لو سلم نفسه ثم أخرجها من التسليم لأن الحر لا يدخل تحت اليد. قال شيخنا: وما استثناه
مردود، إذ لا يمكنه إخراج نفسه كما في الإجارة. (وإذا فسخ السلم) بسبب يقتضيه كانقطاع المسلم فيه عند حلوله، (ورأس المال باق)
لم يتعلق به حق ثالث، (استرده بعينه) وليس للمسلم إليه إبداله سواء أورد العقد عليه أم على الذمة ثم عين في المجلس. (وقيل:
103

للمسلم إليه رد بدله إن عين في المجلس دون العقد) لأن العقد لم يتناول عينه. وأجاب الأول بأن المعين في
المجلس بمثابة المعين في العقد، أما إذا كان تالفا فإنه يسترد بدله من مثل أو قيمة. ولو أسلم دراهم أو دنانير في الذمة حمل على غالب نقد البلد،
فإن لم يكن غالب بين النقد المراد وإلا لم يصح كالثمن في المبيع، أو أسلم عرضا في الذمة وجب ذكر قدره وصفته. (ورؤية
رأس المال) المثلي (تكفي عن معرفة قدره في الأظهر) كالثمن والمبيع المعين، فإن اتفق فسخ وتنازعا في القدر، فالقول
قول المسلم إليه لأنه غارم. والثاني: لا يكفي، بل لا بد من معرفة قدره بالكيل في المكيل أو الوزن في الموزون. وقول الشارح:
والذرع في المذروع مرجوح فإنه ليس بمثلي، لأنه قد يتلف وينفسخ السلم فلا يدري بم يرجع. واعترض بإتيان مثل
ذلك في الثمن والمبيع. أما رأس المال المتقوم فتكفي رؤيته عن معرفة قيمته قطعا، وقيل فيه القولان، ومحل الخلاف
إذا تفرقا قبل العلم بالقدر والقيمة، ولا فرق في جريان الخلاف بين السلم الحال والمؤجل. (الثاني) من الأمور المشروطة:
(كون المسلم فيه دينا) لأن لفظ المسلم موضوع له. فإن قيل: الدينية داخلة في حقيقة السلم، فكيف يصح جعلها شرطا
لأن الشرط خارج عن المشروط؟ أجيب بأن الفقهاء قد يريدون بالشرط ما لا بد منه، فيتناول حينئذ جزء الشئ. (فلو
قال أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد) فقبل، (فليس بسلم) قطعا لانتفاء الدينية. (ولا ينعقد بيعا في الأظهر) لاختلاف
اللفظ، فإن اسم السلم يقتضي الدينية والدينية مع التعيين يتناقضان. والثاني: ينعقد بيعا نظرا للمعنى. (ولو قال اشتريت
منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم فقال بعتك انعقد بيعا) اعتبارا باللفظ، وهذا هو الأصح في أصل الروضة وصححه
البغوي وغيره، ولم يصرح في الشرحين هنا بترجيح. (وقيل سلما) اعتبارا بالمعنى. واللفظ لا يعارضه، لأن كل سلم بيع
كما أن كل صرف بيع، فإطلاق البيع على السلم إطلاق له على ما يتناوله. وهذا ما رجحه العراقيون، ونقله الشيخ أبو
حامد عن النص، وجرى عليه الشيخ في التنبيه، ونبهت عليه في شرحه بأنه وجه صححه ابن الصباغ، وقال الأسنوي:
الفتوى عليه. ومحل الخلاف إذا لم يذكر بعده لفظ السلم، فلو قال: بعتك سلما أو اشتريته سلما فسلم كما جزم به الشيخان
في تفريق الصفقة.
تنبيه: تقييد المصنف المسألة بالدراهم المعينة ليس بشرط بل لو كانت في الذمة كانت على الخلاف المتقدم أيضا.
(الثالث) من الأمور المشروطة: ما تضمنه قوله: (المذهب أنه إذا أسلم، وضع لا يصلح للتسليم أو يصلح، ولحمله) أي المسلم
فيه (مؤنة اشترط بيان محل) بفتح الحاء: أي مكان (التسليم) للمسلم فيه لتفاوت الأغراض فيما يراد من الأمكنة في
ذلك، (وإلا) بأن صلح للتسليم ولم يكن لحمله مؤنة، (فلا) يشترط ما ذكر ويتعين مكان العقد للتسليم للعرف. ويكفي
في تعيينه أن يقول تسلم لي في بلدة كذا إلا أن تكون كبيرة كبغداد والبصرة، ويكفي إحضاره في أولها، ولا يكلف
إحضاره إلى منزله. ولو قال: في أي البلاد شئت فسد، أو في أي مكان شئت من بلد كذا، فإن اتسع لم يجز وإلا جاز، أو
ببلد كذا وبلد كذا فهل يفسد أو يصح وينزل على تسليم النصف بكل بلد؟ وجهان: أصحهما كما قال الشاشي الأول. قال
في المطلب: والفرق بين تسليمه في بلد كذا وتسليمه في شهر كذا، حيث لا يصح اختلاف الغرض في الزمان دون المكان.
ومقابل المذهب ستة طرق ذكرها الرافعي، فلينظرها في شرحه من أراد. ومتى شرطنا التعيين فتركه بطل، وحيث لم
نشرطه فذكره تعين، فلو عين مكانا فخرب - بكسر الراء - وخرج عن صلاحية التسليم تعين أقرب موضع صالح له إليه على
الأقيس في الروضة من ثلاثة أوجه. وما ذكره في السلم المؤجل، أما الحال فيتعين فيه موضع العقد للتسليم. نعم إن كان
104

غير صالح للتسليم اشترط البيان كما قاله ابن الرفعة، فإن عينا غيره تعين بخلاف المبيع المعين لأن السلم يقبل التأجيل فقبل
شرطا يتضمن تأخير التسليم بخلاف البيع. والمراد بموضع العقد تلك المحلة لا نفس موضع العقد. والثمن في الذمة كالمسلم
فيه، والثمن العين كالبيع المعين، وفي زيادة الروضة: قال في التتمة: كل عوض ملتزم في الذمة، أي غير مؤجل، من نحو
أجرة وصداق وعوض خلع له حكم السلم الحال إن عين لتسليمه مكان تعين، وإلا تعين موضع العقد لأن كل عوض ملتزم
في الذمة يقبل التأجيل كالمسلم فيه فيقبل شرطا يتضمن تأخير التسليم كما مر. (ويصح) السلم (حالا ومؤجلا) بأن
يصرح بهما. أما المؤجل فبالنص والاجماع، وأما الحال فبالأولى لبعده عن الغرر. فإن قيل: الكتابة لا تصح بالحال
وتصح بالمؤجل. أجيب بأن الاجل فيها إنما وجب لعدم قدرة الرقيق، والحلول ينافي ذلك. فإن قيل: قال رسول الله
(ص): إلى أجل معلوم. أجيب بأن المراد العلم بالأجل، لا الاجل كما في الكيل والوزن بدليل الجواز
بالذرع، وإنما يصح حالا إذا كان المسلم فيه موجودا عند العقد وإلا اشترط فيه الاجل كالكتابة، وليس لنا عقد يشترط
فيه الاجل غيرهما. فإن قيل: ما فائدة العدول من البيع إلى السلم الحال؟ أجيب بأن فائدته جواز العقد مع غيبة المبيع،
فإن المبيع قد لا يكون حاضرا مرئيا فلا يصح بيعه، وإن أخره لاحضاره ربما فات على المشتري، ولا يتمكن من
الانفساخ إذا هو متعلق بالذمة. (فإن أطلق) عن الحلول والتأجيل وكان المسلم فيه موجودا، (انعقد حالا) كالثمن في
البيع المطلق والأجرة، فإن لم يكن المسلم فيه موجودا لم يصح. (وقيل لا ينعقد) لأن المعتاد في السلم التأجيل فحمل المطلق
عليه، فيكون كما لو ذكر أجلا مجهولا. وعلى الأول لو ألحقا به أجلا في المجلس لحق على الأصح كما لا يجوز تعيين رأس المال
فيه، ولو صرحا بالأجل في العقد ثم أسقطاه في المجلس سقط وصار العقد حالا، ولو حذفا فيه المفسد لم ينقلب العقد الفاسد
صحيحا. (ويشترط) في المؤجل (العلم بالأجل) بأن يكون معلوما مضبوطا، فلا يجوز بما يختلف كالحصاد وقدوم الحاج
والميسرة للحديث المار أول الباب، ولا يصح التأقيت بالشتاء والصيف والعطاء إلا أن يريد العاقدان وقتها المعين فيصح.
(فإن عين) العاقدان (شهور العرب أو الفرس أو الروم جاز) لأنها معلومة مضبوطة. ويصح التأقيت بالنيروز وهو نزول
الشمس برج الميزان، وبالمهرجان وهو بكسر الميم وقت نزولها برج الحمل، وبعيد الكفار كفصح النصارى وفطير اليهود
إن عرفها المسلمون، ولو عدلين منهم، أو المتعاقدان، بخلاف ما إذا اختص الكفار بمعرفتها إذ لا يعتمد قولهم. نعم إن كانوا
عددا كثيرا يمتنع تواطؤهم على الكذب جاز كما قاله ابن الصلاح، لحصول العلم بقولهم. فإن قيل: لم اكتفى هنا بمعرفة العاقدين
الاجل أو معرفة عدلين ولم يكتف بذلك في صفات المسلم فيه كما سيأتي؟ أجيب بأن الجهالة هنا راجعة
إلى الاجل وهناك راجعة إلى المعقود عليه، فجاز أن يحتمل هنا ما لا يحتمل هناك. (وإن أطلق) الشهر (حمل على الهلالي) وهو ما بين الهلالين
لأنه عرف الشرع، وذلك بأن يقع العقد أول الشهر، (فإن انكسر شهر) بأن وقع العقد في أثنائه، والتأجيل بأشهر،
(حسب الباقي) بعد الأول المنكسر (بالأهلة وتمم الأول ثلاثين) مما بعدها، لأنه لما تعذر الهلالي في المنكسر رجعنا
إلى العدد، ولا يكفي المنكسر لئلا يتأخر ابتداء الاجل عن العقد. نعم لو وقع العقد في اليوم الأخير من الشهر اكتفي
بالأشهر بعده بالأهلة تامة كانت أو ناقصة، ولا يكمل اليوم مما بعدها إن نقص آخرها كما هو قضية كلام المصنف لأنها مضت
عربية كوامل. والسنة المطلقة تحمل على الهلالية دون غيرها لأنها عرف الشرع، قال تعالى: * (يسألونك عن الأهلة
قل هي مواقيت للناس والحج) *. فإن عقد في آخر يوم من الشهر وفي معناه ليلته، فكل السنة هلالية إن نقص الشهر
الأخير، وإن كمل انكسر اليوم الأخير الذي عقدا فيه، فيكمل منه المنكسر ثلاثين يوما لتعذر اعتبار الهلال فيه
دون البقية. وإن عقدا بعد لحظة من المحرم وأجلا بسنة مثلا فهو منكسر وحده، فيكمل من السنة الثانية. وإن أجلا
105

بسنة شمسية، وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم إلا جزءا من ثلاثمائة جزء من يوم أولها الحمل، وربما جعل
النيروز أو رومية، وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم، أو فارسية: وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما كل شهر
ثلاثون يوما، ويزاد في الآخر خمسة صح لأنها معلومة مضبوطة. ولو قالا: إلى يوم كذا أو شهر كذا أو سنة كذا حل
بأول جزء منه، ولو قالا: في يوم كذا أو شهر كذا أو سنة كذا لم يصح على الأصح، أو قالا: إلى أول شهر كذا أو آخره صح
وحمل على الجزء الأول كما قاله البغوي وغيره. (والأصح صحة تأجيله بالعيد وجمادى) وربيع ونفر الحج. (ويحمل على
الأول) من ذلك لتحقق الاسم به، والثاني: لا، بل يفسد لتردده بين الأول والثاني. ولو قال: بعد عيد الفطر
إلى العيد حمل
على الأضحى لأنه الذي يلي العقد، قاله ابن الرفعة.
فصل: (يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه عند وجوب التسليم) لأن المعجوز عن تسليمه يمتنع بيعه
فيمتنع السلم فيه. فإن قيل: هذا من شروط البيع المذكورة قبل فلا حاجة لذكره. أجيب بأنه ذكره ليرتب عليه
الفروع الآتية، ولان المقصود بيان محل القدرة، وهو حالة وجوب التسليم، وهي تارة تقترن بالعقد لكون السلم
حالا، وتارة تتأخر عنه لكونه مؤجلا كما مر، بخلاف المبيع المعين، فإن المعتبر اقتران القدوة فيه بالعقد مطلقا، فإذا
أسلم في منقطع عند الحلول كالرطب في الشتاء لم يصح، وكذا لو ظن تحصيله بمشقة عظيمة كقدر كثير من الباكورة،
وهي أول الفاكهة. (فإن كان يوجد ببلد آخر صح) لسلم فيه، (إن اعتيد نقله) غالبا منه، (للبيع) ونحوه من المعاملات
وإن بعدت المسافة للقدرة عليه. (وإلا) بأن لم يعتد نقله لنحو البيع منه غالبا بأن نقل له نادرا ولم ينقل منه أصلا أو ينقل منه لغير المعاملة
كالهدية، (فلا) يصح السلم فيه لعدم القدرة عليه. فإن قيل: سيأتي أن المسلم فيه إذا انقطع إن وجد فيما دون مسافة القصر
وجب تحصيله وإلا فلا، ولم يعتبروا هنا قرب المسافة. أجيب بأنه لا مؤنة لنقله هنا على المسلم إليه، فحيث اعتيد نقله
غالبا للمعاملة من محل إلى محل التسليم صح وإن تباعدا، بخلافها فيما يأتي فإنها لازمة له فاعتبر قرب المسافة لخفة المؤنة
عليه. واعتبار محل التسليم فيما ذكر أولى من اعتبار محل العقد كما قاله شيخنا. (ولو أسلم فيما يعم) وجوده (فانقطع
في محله) بكسر الحاء، أي وقت حلوله. (لم ينفسخ في الأظهر) لأن السلم فيه يتعلق بالذمة فأشبه إفلاس المشتري بالثمن. والثاني:
ينفسخ كما لو تلف المبيع قبل القبض. وأجاب الأول بما تقدم. والمراد بانقطاعه أن لا يوجد أصلا أو يوجد ببلد بعيد
وهو مسافة القصر أو ببلد آخر ولو نقل لفسد، ولم يوجد إلا عند قوم لا يبيعونه أو يبيعون بأكثر من ثمن مثله، بخلاف ما إذا
غلا سعره فإنه يحصله، وهذا هو مراد المصنف في الروضة بقوله: ويجب تحصيله وإن غلا سعره لا أن المراد أنه يباع بأكثر
من ثمن مثله، لأن الشارع جعل الموجود بأكثر من قيمته كالمعدوم كما في الرقبة وماء الطهارة، وأيضا الغاصب لا يكلف ذلك
على الأصح. وفرق بعضهم بين الغصب وهذا بما لا يجدي. ويجري الخلاف فيما إذا قصر المسلم إليه في الدفع حتى
انقطع أوحل الاجل بموت المسلم إليه قبل وجود المسلم فيه أو تأخر التسليم لغيبة أحد المتعاقدين ثم حضر بعد انقطاعه.
وعلى الأول (فيتخير المسلم بين فسخه والصبر حتى وجد) فيطالب به دفعا للضرر.
تنبيه: قد يفهم من إطلاقه الخيار أنه على الفور، والأصح أنه على التراخي، فإن أجاز ثم بدا له أن يفسخ مكن منه
، ولو أسقط حقه من الفسخ لم يسقط. (ولو علم قبل المحل) بكسر الحاء، (انقطاعه عنده فلا خيار قبله في
الأصح) لأنه لم يدخل
وقت وجوب التسليم. والثاني، نعم، لتحقق العجز في الحال.
تنبيه: قصر المصنف الخلاف على الخيار وهو جار في الانفساخ أيضا فلو قال كالروضة: لم يتنجز حكم الانقطاع
106

في الأصح لكان أحسن. (و) يشترط (كونه) أي المسلم فيه، (معلوم القدر كيلا) فيما يكال، (أو وزنا) فيما يوزن
للحديث المار أول الباب. (أو عدا) فيما يعد، (أو ذرعا) فيما يذرع قياسا على ما قبلهما. فإن قيل: لم خص في الحديث
الكيل والوزن؟ أجيب بأن ذلك لغلبتهما وللتنبيه على غيرهما. (ويصح المكيل) أي سلمه، (وزنا وعكسه) أي
لموزون الذي يتأتى كيله كيلا. وحمل الامام إطلاق الأصحاب جواز كيل الموزون على ما يعد الكيل في مثله ضابطا فيه،
بخلاف نحو فتات المسك والعنبر لأن للقدر اليسير منه مالية كثيرة، والكيل لا يعد ضابطا فيه؟ نقله عن الرافعي وسكت
عليه، ثم ذكر أنه يجوز السلم في اللآلئ الصغار إذا عم وجودها كيلا ووزنا، وقال في الروضة: هذا مخالف لما تقدم
عن الامام. فكأنه اختار هنا ما تقدم من إطلاق الأصحاب. وأجاب عنه البلقيني بأنه ليس مخالفا له لأن فتات المسك
والعنبر ونحوهما مما لا يعد الكيل فيه ضابطا لكثرة التفاوت بالنقل على المحل وتركه، وفي اللؤلؤ لا يحصل بذلك تفاوت
كالفول والقمح فيصح فيه بالكيل فلا مخالفة. فالمعتمد تقييد الامام، وبه جزم المصنف في تصحيح التنبيه. واستثنى
الجرجاني وغيره النقدين أيضا فلا يسلم فيهما إلا بالوزن، وينبغي أن يكون الحكم كذلك في كل ما فيه خطر في التفاوت
بين الكيل والوزن كما قاله ابن يونس. فإن قيل: لم لا يتعين هنا في المكيل الكيل وفي الموزون الوزن كما في باب الربا؟
أجيب بأن المقصود هنا معرفة القدر، وثم المماثلة بعادة عهده (ص). (ولو أسلم في مائة صاع حنطة) مثلا
(على أن وزنها كذا) أو في ثوب مثلا صفته كذا ووزنه كذا وذرعه كذا، (لم يصح) لأنه يعز وجوده بخلاف الخشب
لأن زائده ينحت، قاله الشيخ أبو حامد وأقراه. فإن قيل: يعتبر فيه ذكر العرض والطول والثخانة، وبالنحت تزول إحدى
هذه الصفات. أجيب بأن وزنه على التقريب كما سيأتي في اللبن.
تنبيه: لو قال المصنف: مائة صاع كيلا كان أولى لأن الصاع اسم للوزن. (ويشترط الوزن في البطيخ) بكسر الباء،
(والباذنجان) بفتح المعجمة وكسرها، (والقثاء) بالمثلثة والمد، (والسفرجل) بفتح الجيم، (والرمان) وما أشبه
ذلك مما لا يضبطه الكيل لتجافيه في المكيال كالرانج وقصب السكر والبقول. ولا يكفي فيها العد لكثرة التفاوت فيها.
والجمع فيها بين الوزن والعد مفسد لأنه يحتاج معه إلى ذكر الجرم فيورث عزة الوجود. وقول السبكي: ولو
أسلم في عدد
من البطيخ مثلا كمائة بالوزن في الجميع دون كل واحد
جاز اتفاقا ممنوع كما قال شيخي، لأنه يشترط ذكر حجم كل واحدة، فيؤدي إلى عزة الوجود. قال الرافعي: ولا يجوز السلم في البطيخة الواحدة والسفرجلة الواحدة لأنه يحتاج إلى ذكر
حجمها ووزنها، وذلك يورث عزة الوجود. (ويصح) السلم (في الجوز واللوز بالوزن) لا بالعد، (في نوع يقل اختلافه)
بغلظ قشورها ورقتها، بخلاف ما لا يقل اختلافه بذلك فلا يصح السلم فيه لاختلاف الأغراض في ذلك. وهذا التقييد
استدركه الامام على إطلاق الأصحاب الجواز، وسكت عليه الرافعي وجزم به المحرر والمصنف هنا وفي الروضة، لكنه قال
في شرح الوسيط بعد ذكره له: والمشهور في المذهب ما أطلقه الأصحاب ونص عليه الشافعي. قال الأسنوي: والصواب
التمسك بما قاله في شرح الوسيط لأنه متسع لا مختصر اه‍. وهذا هو المعتمد، ويؤيده كما قال ابن شهبة إطلاق الشيخين
في باب الربا جواز بيع الجوز بالجوز وزنا، واللوز باللوز كيلا مع قشرهما، ولم يشترطا فيه هذا الشرط مع أن الربا أضيق
من السلم. (وكذا) يصح السلم فيما ذكر (كيلا في الأصح) قياسا على الحبوب والتمر. والثاني: لا، لتجافيهما في المكيال.
ومحل الخلاف في غير الجوز الهندي، أما هو فيتعين فيه الوزن جزما ولا يصح بالعد. ولو عبر المصنف بالأظهر لكان
أولى لأن الخلاف قولان لا وجهان. قال السبكي: ويجوز الكيل والوزن في البندق والفستق، قال: ولا أظن فيهما خلافا،
وعبارة الروضة موهمة للخلاف فيهما اه‍. وإنما يجوز السلم في هذه الأشياء في القشر الأسفل فقط. نعم لو أسلم في اللوز
107

الأخضر قبل انعقاد القشرة السفلى جاز لأنه مأكول كله كالخيار، قاله الأذرعي، وتقدم ذلك في البيع، لأن قولهم في القشر
الأسفل يخرجه لأن هذا لا قشر له أسفل. ويجوز في المشمش كيلا ووزنا وإن اختلف نواه كبرا وصغرا. (ويجمع في اللبن)
بكسر الباء، (بين العد والوزن) ندبا، فيقول مثلا: عشر لبنات زنة كل واحدة كذا، لأنها تضرب عن اختيار فلا يؤدي
إلى عزة الوجود، فالواجب فيه العد، والامر في وزنه على التقريب. ويشترط أن يذكر الطول والعرض والثخانة لكل
لبنة وأنه من طين معروف. (ولو عين مكيالا فسد) السلم ولو كان حالا، (إن لم يكن) ذلك الكيل (معتادا) ككوز
لا يعرف قدر ما يسع لأن فيه غررا، لأنه قد يتلف قبل قبض ما في الذمة فيؤدي إلى التنازع بخلاف بيع ملئه من هذه الصبرة
فإنه يصح لعدم الغرر. (وإلا) بأن كان الكيل معتادا بأن عرف قدر ما يسع، (فلا) يفسد السلم (في الأصح) ويلغو
تعيينه كسائر الشروط التي لا غرض فيها، ويقوم مثل المعين مقامه، فلو شرطا أن لا يبدل بطل العقد. وتعيين
الميزان والذراع
والصنجة في معنى تعيين المكيال. فلو شرط الذرع بذراع يده ولم يكن معلوم القدر لم يصح لأنه قد يموت قبل القبض،
والثاني: يفسد لتعرض الكيل ونحوه للتلف. ولو اختلفت المكاييل والموازين والذرعان فلا بد من تعيين نوع منها، إلا أن
يغلب نوع فيحمل الاطلاق عليه كما في أوصاف المسلم فيه.
فرع: لو قال: أسلمت إليك في ثوب أو في صاع بر مثل هذا الثوب أو البر لم يصح، لأن المشار إليه قد يتلف
كما في مسألة الكوز. وإن قال: أسلمت إليك في ثوب مثل ثوب قد وصف قبل ذلك ولم ينسيا وصفه صح، وفارقت ما قبلها
بأن الإشارة إلى المعين لم تعتمد الصفة. (ولو أسلم في ثمر قرية صغيرة) أو بستان أو ضيعة: أي في قدر معلوم منه، (لم
يصح لأنه قد ينقطع بجائحة ونحوها فلا يحصل منه شئ، وذلك غرر ولا حاجة إليه. وظاهر كلامهم أنه لا فرق في ذلك
بين السلم الحال والمؤجل، وهو كذلك، أو ثمر ناحية (أو) قرية (عظيمة) أي في قدر معلوم منه، (صح في الأصح)
لأنه لا ينقطع غالبا. وهل يتعين أو يكفي الاتيان بمثله؟ فيه احتمالان للامام، قال ابن شهبة: والمفهوم من كلامهم الأول،
والثاني أنه كتعيين المكيال لعدم الفائدة.
تنبيه: لم يتعرضوا لضابط الصغيرة والكبيرة، ونقل ابن كج عن الشافعي ما يقتضي أن الكبيرة ما يؤمن فيها
الانقطاع والصغيرة بخلافه، فالعبرة بكثرة الثمار وقلتها، والثمرة مثال فغيرها مثلها. قال الزركشي: كان ينبغي ذكر هذه
المسألة في شروط القدرة على التسليم لأنه يوجب عسرا إلا في شرط معرفة المقدار فإنها ليست منه في شئ. (و) يشترط لصحة
السلم (معرفة الأوصاف التي يختلف بها الغرض اختلافا ظاهرا) وينضبط بها المسلم فيه، وليس الأصل عدمها لتقريبه
من المعاينة ولان القيمة تختلف بسببها. وهذا الشرط معطوف على قوله أول الفصل: ويشترط كون المسلم فيه مقدورا
على تسليمه كما قدرته في كلامه. وكان ينبغي أن يقدم شرط كونه موصوفا ينضبط بالصفات ثم العلم بها، فإن لم تعرف لم يصح السلم،
لأن البيع لا يحتمل جهل المعقود عليه، وهو عين فلان لا يحتمل، وهو دين أولى، وخرج بالقيد الأول ما يتسامح بإهمال
ذكره كالكحل والسمن في الرقيق كما سيأتي، وبالثاني ما لا ينضبط كما سيأتي أيضا، وبالثالث كون الرقيق قويا على العمل
أو ضعيفا أو كاتبا أو أميا أو نحو ذلك، فإنه وصف يختلف به الغرض اختلافا ظاهرا مع أنه لا يجب التعرض له لأن الأصل
عدمه. (و) يشترط (ذكرها في العقد) مقربة به ليتميز المعقود عليه، فلا يكفي ذكرها قبله ولا بعده ولو في مجلس
العقد. نعم إن توافقا قبل العقد وقالا: أردنا في حالة العقد ما كنا اتفقنا عليه صح كما قاله الأسنوي، وهو نظير من له بنات
وقال لآخر: زوجتك بنتي ونويا معينة، ولا بد أن يكون ذلك. (على وجه لا يؤدي إلى عزة الوجود) لأن السلم غرر كما مر،
فلا يصح إلا فيما يؤثر بتسليمه. والعزة هنا بمعنى القلة، يقال شئ عزيز: أي قليل. (فلا يصح) السلم (فيما لا ينضبط
108

مقصوده كالمختلط المقصود الأركان) التي لا تنضبط، (كهريسة ومعجون وغالية وخف) ونعل (وترياق مخلوط) لعدم
انضباط أجزائها، لأن الغالية مركبة من مسك وعنبر وعود وكافور كما في الروضة، وفي تحرير المصنف: مركبة من دهن
ومسك وعنبر. ومثل الغالية الند وهو بفتح النون: مسك وعنبر وعود خلط بغير دهن. والخف والنعل كل منهما
مشتمل على ظهارة وبطانة وحشو، والعبارة لا تفي بذكر أقدارها وأوصافها. أما الخفاف المتخذة من شئ واحد ومثلها النعال فيصح
السلم فيها إن كانت جديدة واتخذت من غير جلد كالثياب المخيطة والأمتعة. واحترز بالترياق المختلط عما هو نبات واحد
أو حجر فإنه يجوز السلم فيه، وهو بتاء مثناة أو دال مهملة أو طاء كذلك مكسورات ومضمومات، فهذه ست لغات ذكرها
المصنف في دقائقه، ويقال أيضا: دراق وطراق. ومثل ذلك القسي، وهو بكسر القاف والسين وتشديد الياء جمع قوس
، ويجمع أيضا على أقواس: مركبة من خشب وعظم وعصب. والنبل المريش بفتح الميم وكسر الراء وإسكان الياء بوزن
كريم لاختلاف وسطه وطرفيه دقة وغلظة وتعذر ضبطه، أما النبل قبل خرطه وعمل الريش عليه فيصح لتيسر ضبطه.
ولا يصح السلم في الحنطة المختلطة بالشعير ولا في الادهان المطيبة بطيب من نحو بنفسج وبان وورد بأن خالطها شئ من ذلك،
أما إذا روح سمسمها بالطيب المذكور واعتصر فإنه لا يضر. (والأصح صحته في المختلط المنضبط) الاجزاء، (كعتابي) وهو
مركب من قطن وحرير، (وخز) وهو مركب من إبريسم ووبر أو صوف، لسهولة ضبط كل جزء من هذه الاجزاء.
تنبيه: ما المراد بالانضباط؟ قيل: أن يعرف العاقدان أن اللحمة من أحدهما والسدي من الآخر، وقيل: معرفة الوزن
. رجح الأول السبكي، والثاني الأذرعي، وهو الظاهر لأن القيم والاغراض تتفاوت بذلك تفاوتا ظاهرا، وعليه ينطبق قول
الرافعي في الشرح الصغير لسهولة معرفة اختلاطها وأقدارها. (وجبن وأقط) كل منهما فيه مع اللبن المقصود الملح و الإنفحة. والإنفحة من مصالحه، وهي بكسر الهمزة وفتح الفاء وتخفيف الحاء المهملة على المشهور: كرش الخروف والجدي ما لم يأكل غير
اللبن، فإن أكل فكرش، وجمعها أنافح. ويجوز في باء الجبن السكون والضم مع تخفيف النون وتشديدها والجيم مضمومة
في الجميع، وأشهر هذه اللغات إسكان الباء وتخفيف النون. (وشهد) بفتح الشين وضمها: مركب من عسل النحل وشمعه
خلقة، فهو شبيه بالتمر وفيه النوى. (وخل تمر أو زبيب) هو يحصل من اختلاطهما بالماء الذي هو قوامه.
ومقابل الأصح
في السبعة ينفي الانضباط فيها قائلا بأن كلا من الحرير والملح والشمع والماء وغيره يقل ويكثر. والسمك المملح كالجبن.
تنبيه: كلام المصنف قد يوهم أن هذه الأمثلة من أمثلة القسم المتقدم، وهو المختلط المقصود الأركان، وليس
مرادا، بل من أمثلة النوع الثالث من المختلطات، وهو أن يقصد أحد الخليطين والآخر للاصلاح كما هو في الشرح
والروضة، وأشار إليه في المحرر بقوله: وكذا الجبن فقطعهما عما قبلهما، وحينئذ يتعين أن لا تكون مجرورة بالكاف
عطفا على العتابي بل مجرورة ب‍ في عطفا على المختلط. وإدخاله الشهد في هذا النوع تبع فيه المحرر وليس منه بل هو
نوع رابع كما ذكراه في الشرح والروضة، وهو المختلط خلقة، فلو قدمه أو أخره لكان أولى. ويصح السلم في اللبن والسمن
والزبد، ويشترط ذكر جنس حيوانه ونوعه ومأكوله من مرعى أو علف معين بنوعه، ويذكر في السمن أنه جديد أو عتيق
، ولا يصح في حامض اللبن لأن حموضته عيب إلا في مخيض لا ماء فيه فيصح فيه. ولا يضر وصفه بالحموضة لأنها مقصودة
فيه، واللبن المطلق يحمل على الحلو وإن جف، ويذكر طراوة الزبد وضدها. ويصح السلم في اللبن كيلا ووزنا ويوزن
برغوته ولا يكال بها لأنها لا تؤثر في الميزان. ويذكر نوع الجبن وبلده ورطوبته ويبسه الذي لا تغير
فيه، أما ما فيه تغير فلا يصح فيه لأنه معيب، وعليه يحمل منع الشافعي السلم في الجبن القديم. والسمن يوزن ويكال، وجامده الذي يتجافى
في المكيال يوزن كالزبد واللبأ المجفف، أما غير المجفف فكاللبن، وما نص عليه في الام من أنه يصح السلم في الزبد
كيلا ووزنا يحمل على زبد لا يتجافى في المكيال. ولا يصح في الكشك - وكافة الأولى مفتوحة - لعدم ضبط حموضته.
109

(لا الخبز) أي لا يصح السلم فيه، (في الأصح عند الأكثرين) لتأثير النار فيه تأثيرا لا ينضبط، ولان ملحه يقل ويكثر. والثاني
: وصححه الامام ومن تبعه وحكاه المزني عن النص: الصحة، لأن ناره مضبوطة، والملح غير مقصود.
تنبيه: كان الأولى للمصنف تأخير هذه المسألة إلى الكلام على منع السلم في المطبوخ والمشوي، لأن منع السلم فيه لعدم
ضبط تأثير ناره فيه لا لأجل الخليط وهو الملح، لما مر في الجبن والأقط. والأشبه كما قال الأسنوي أن النبيذ كالخبز.
(ولا يصح) السلم (فيما يندر وجوده كلحم الصيد بموضع العزة) أي محل يعز وجوده فيه لانتفاء الوثوق بتسليمه. نعم لو
كان السلم فيه حالا وكان المسلم فيه موجودا عند المسلم إليه بموضع يندر فيه صح كما في الاستقصاء. (ولا فيما لو استقصي
وصفه) الواجب ذكره في السلم، (عز وجوده) لما مر، (كاللآلئ الكبار واليواقيت) وغيرهما من الجواهر النفيسة، لأنه لا بد فيها
من التعرض للحجم والوزن والشكل والصفاء، واجتماع هذه الأمور نادر. وخرج باللآلئ الكبار - وهي ما
تطلب للزينة
- الصغار - وهي ما تطلب للتداوي - وضبطها الجويني بسدس دينار: أي تقريبا كما قالاه، فإنه يصح كما مر، ولا يصح
في العقيق لشدة اختلافه كما قاله الماوردي، بخلاف البلور فإنه لا يختلف، ومعياره الوزن. (وجارية وأختها) أو خالتها أو
عمتها (أو ولدها) أو شاة وسخلها، لأن اجتماعهما بالصفات المشروطة فيهما نادر. فإن قيل: سيأتي أنه لو شرط كون الرقيق
كاتبا أو الجارية ماشطة فإنه يندر ذلك مع اجتماع الصفات ومع ذلك يصح. أجيب بأن ذلك وصف يسهل تحصيله
بالاكتساب، بخلاف البنوة والاخوة، وهذا الجواب لا يأتي في السلم الحال لأنه يجب تسليمه في الحال، فلا يتمكن مع
ذلك من التأخير للتعليم.
تنبيه: إطلاق المصنف المنع يقتضي أنه لا فرق في الأمة بين الزنجية وغيرها، وهو كذلك وإن قيده الامام بمن تكثر
صفاتها بخلاف الزنجية، وجرى عليه الغزالي.
فرع: (يصح) السلم (في الحيوان) لأنه ثبت في الذمة قرضا في خبر مسلم، ففيه: أنه (ص) اقترض
بكرا فقيس على القرض السلم، وعلى البكر غيره من سائر الحيوان. وروى أبو داود: أنه (ص) أمر عمرو بن العاص رضي
الله تعالى عنه أن يأخذ بعيرا ببعيرين إلى أجل، وهذا سلم لا فرض لما فيه من الفضل والأجل. وحديث النهي عن السلف
في الحيوان، قال ابن السمعاني في الاصطلام: غير ثابت وإن خرجه الحاكم. (فيشترط) في السلم (في الرقيق ذكر نوعه كتركي)
ورومي وحبشي لاختلاف الغرض بذلك، وإن اختلف صنف النوع وجب ذكره كخطابي أو رومي. (و) ذكر (لونه) إن
اختلف، (كأبيض) وأسود. (ويصف) سواده بصفاء أو كدورة، و (بياضه بسمرة أو شقرة) فإن لم يختلف لون الصنف
كزنجي لم يجب ذكره. (و) ذكر (ذكورته وأنوثته) أي أحدهما، فلا يصح في الخنثى. (وسنه) كأبن عشر سنين أو محتلم، كذا قالاه.
قال الأذرعي: والظاهر أن المراد به أول عام الاحتلام أو وقته وإلا فابن عشرين سنة محتلم. ويعتمد قول الرقيق في
الاحتلام وفي السن إن كان بالغا، وإلا فقول سيده إن علمه، وإلا فقول النخاسين أي الدلالين بظنونهم. (وقده) أي قامته،
(طولا وقصرا) أو ربعة، فيذكر أحدا من ذلك لاختلاف الغرض بها. (وكله) أي الوصف والسن والقد، (على التقريب)
حتى لو شرط كونه ابن عشر مثلا بلا زيادة ولا نقص لم يصح لندرته.
تنبيه: لم يذكر في المحرر التقريب إلا بالنسبة إلى السن، وكذا هو في الشرحين والروضة. قال ابن النقيب:
وما ذكره المصنف حسن إن ساعده عليه نقل. وقال الأذرعي: وما اقتضته عبارته من أن كل ذلك على التقريب لم
110

أره لغيره، والظاهر أن الامر كما قال، وإنما خصوا السن بذلك لئلا يظن أن المراد حقيقة التجديد فغيره أولى بأن يكون
على التقريب، لكن إنما يظهر ذلك في اللون والقد لا في النوع والذكورة والأنوثة فلا يقال فيها على التقريب، ففي العبارة
قلاقة اه‍. ولذلك حملت عبارته على المراد، لأن هذا معلوم أنه لا يدخله التقريب. وكلام المصنف قد يوهم عدم اشتراط
الثيوبة أو البكارة والأصح الاشتراط. (ولا يشترط ذكر الكحل) بفتح الكاف والحاء، وهو سواد يعلو جفون
العين، كالكحل من غير اكتحال. (و) لا (السمن) في الأمة (ونحوهما) كالدعج، وهو شدة سواد العين
مع سعتها، وتكلثم الوجه وهو استدارته، وثقل الارداف ودقة الخصر والملاحة. (في الأصح) لسامح الناس بإهمالها.
والثاني: يشترط، لأنها مقصودة لا تؤدي إلى عزة الوجود. وتختلف القيمة بسببها، وينزل في الملاحة على أقل درجاتها، ومع
ظهور هذا وقوته المعتمد الأول. وسن ذكر مفلج الأسنان أو غيره وجعد الشعر أو سبطه وصفة الحاجبين لا سائر
الأوصاف التي تؤدي إلى عزة الوجود، كأن يصف كل عضو على حياله بأوصافه المقصودة وإن تفاوت به
الغرض والقيمة لأن ذلك يورث العزة. ولو شرط كون الرقيق يهوديا أو كاتبا أو مزوجا صح بخلاف كونه شاعرا، لأن
الشعر طبع لا يمكن تعلمه فيعز وجوده بالأوصاف المذكورة، وبخلاف خفة الروح وعذوبة الكلام وحسن الخلق
للجهالة. ولو شرط كونه زانيا أو سارقا أو قاذفا صح، لا كونها مغنية أو عوادة ونحو ذلك. وفرق بأنها صناعة محرمة
وتلك أمور تحدث كالعمى والعور، قال الرافعي: وهذا فرق لا يقبله ذهنك، وقال الزركشي: الفرق صحيح، إذ حاصله
أن الغناء والضرب بالعود لا يحصل إلا بالتعليم وهو محظور وما أدى إلى المحظور محظور، بخلاف الزنا والسرقة ونحوهما
فإنها عيوب تحدث من غير تعلم. وفرق بوجه الحر، وهو أن الغناء ونحوه لا بد فيه مع التعلم من الطبع القابل لذلك وهو
غير مكتسب فلم يصح. وهذا أولى، إذ يعتبر على الأول أن يكون الغناء محظورا بآلة محرمة بخلافه على هذا، مع أن التحقيق
أن الغناء ليس محرما مطلقا، وإنما المحرم إذا كان بآلة في الهيئة الاجتماعية. ولو أسلم جارية صغيرة في كبيرة صح كإسلام
صغير الإبل في كبيرها، فإن كبرت - بكسر الباء - أجزأت عن المسلم فيه، وإن وطئها كوطئ الثيب، وردها بالعيب. (و) يشترط
(في الإبل) والبقر والغنم (والخيل والبغال والحمير: الذكورة والأنوثة والسن واللون والنوع) لاختلاف الغرض والقيمة
بذلك، فيقول في الإبل: بخاتي أو عراب أو هن نتاج بني فلان أو بلد بني فلان. وفي بيان المصنف المختلف: أرحبية
أو مهرية، لاختلاف الغرض بذلك. وفي الخيل: عربي أو تركي، أو من خيل بني فلان لطائفة كثيرة. قال الجرجاني:
وينسب البغال والحمير إلى بلد فيقول: مصري أو رومي، وكذا الغنم، فيقول: تركي أو كردي. ولو اختلف صنف النوع
فعلى ما سبق في الرقيق. واستثنى الماوردي من اللون الأبلق فلا يصح السلم فيه لعدم انضباطه، ولا في
الحيوان الحامل
من أمة أو غيرها، لأنه لا يمكن وصف ما في البطن.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه لا يشترط ذكر القدر، وهو كذلك، فقد نقل الرافعي اتفاق الأصحاب عليه، وقول
الماوردي: ليس للاخلال به وجه. أجيب بأن له وجها يعرف مما وجه به عدم اشتراط الدعج ونحوه. ويندب في غير
الإبل ذكر ألوانه المخالفة لمعظم لونه: كالأغر والمحجل، واللطيم بفتح اللام، وهو من الخيل: ما سالت غرته في أحد
شقي وجهه، قال الجوهري. (و) يشترط (في الطير: النوع والصغر وكبر الجثة) أي أحدهما، والسن إن عرف، ويرجع فيه
للبائع كما في الرقيق والذكورة أو الأنوثة إن أمكن التمييز وتعلق به غرض.
فرع: قال الأذرعي: الظاهر أنه لا يجوز السلم في النحل وإن جوزنا بيعه، لأنه لا يمكن حصره بعدد ولا وزن
ولا كيل، وأنه يجوز السلم في أوزة وفراخها ودجاجة وفراخها إذا سمي عددها. وما قام في هذه كما قال شيخنا مردود
إذ هي داخلة في قولهم: حكم البهيمة وولدها حكم الجارية وولدها. (و) يشترط (في اللحم لحم بقر) عراب أو
111

جواميس (أو ضأن أو معز، ذكر خصي رضيع معلوف أو ضدها) أي ضد ما ذكر، والرضيع والفطيم من الصغير. أما
الكبير فمنه الجذع والثني فيذكر أحدهما. ولا يكفي في المعلوفة العلف مرة أو مرات، بل لا بد أن ينتهي إلى
مبلغ يؤثر في اللحم كما قاله الامام وأقراه. وظاهر ذلك أنه لا يجب قبول الراعية وإن كانت في غاية السمن، وهو كذلك
وإن قال في المطلب: الظاهر وجوب قبولها، قيل: لأن الراعية بسمنها أطيب من المعلوفة
لأن الراعية تتردد في المرعى، والمعلوفة مقيمة فيكون سمنها أغث. ولا فرق في صحة السلم في اللحم بين جديده وقد يده ولو مملحا وإن كان عليه عين الملح، لأنه
من مصلحته. ويصح السلم في الشحم والكبد والالية والطحال ونحو ذلك. ويذكر جنس حيوانها ونوعه وصفته
إن اختلف به غرض، وفي السمك والجراد حيا وميتا حيث عم، ويذكر في الحي العد وفي الميت الوزن. ويبين كون
اللحم (من فخذ) بإعجام الذال، (أو كتف أو جنب) أو غيره من سمين أو هزيل، لاختلاف الغرض بذلك. وكل
ما قرب من الماء والمرعى كان أطيب، فلحم الرقبة أطيب لقربه ولحم الفخذ أدون لبعده. (ويقبل عظمه على العادة)
عند الاطلاق لأنه كالنوى من التمر، فإن شرط نزعه جاز ولم يلزمه قبوله. ولا يلزمه قبول الرأس والرجل من الطير ولا
الذنب الذي لا لحم عليه من السمك، ومقتضى كلام الروضة وأصله أنه يلزمه قبول رأس السمك، لكن نص
في البويطي على عدم لزومه. ويلزمه قبول جلد يؤكل عادة مع اللحم كجلد الخروف والجدي الصغيرين والطير والسمك،
قاله الماوردي. ولا مدخل للخصاء والعلف وضدهما في لحم الصيد. ولا بد من ذكر ما يصاد به من أحبولة أو سهم
أو جارحة أو كلب أو فهد، فإن صيد الكلب أطيب لطيب نكهته. (و) يشترط (في الثياب الجنس) كقطن
أو كتان، والنوع والبلد الذي ينسج فيه إن اختلف به الغرض، وقد يغني ذكر النوع عنه وعن الجنس. (والطول
والعرض والغلظ والدقة) بالدال المهملة، هما بالنسبة إلى الغزل. (والصفاقة والرقة) بالراء، هما بالنسبة إلى النسج.
والأولى انضمام بعض الخيوط إلى بعض مأخوذة من الصفق، وهو الضرب، والثانية عدم ذلك. وقد يستعمل الدقيق
موضع الرقيق وبالعكس. (والنعومة والخشونة) لاختلاف الغرض بذلك، والمراد ذكر أحد كل متقابلين بعد
الأولين معهما.
تنبيه: سكت الشيخان تبعا للجمهور عن ذكر اللون، وذكر في البسيط اشتراطه في الثياب، قال الأذرعي:
وهو متعين في بعض الثياب كالحرير والقز والوبر، وكذا القطن ببعض البلاد منه أبيض ومنه أشقر خلقة وهو عزيز،
وتختلف الأغراض والقيم بذلك اه‍. وجوابه ما مر في الدعج ونحوه. (ومطلقه) أي الثوب عن القصر وعدمه،
(يحمل على الخام) دون المقصور، لأن القصر صفة زائدة، قال الشيخ أبو حامد: فإن أحضر المقصور كان أولى،
وقضيته أنه يجب قبوله. قال السبكي وغيره: إلا أن يختلف الغرض به فلا يجب قبوله، وهذا أوجه. (ويجوز في المقصور)
لأن القصر وصف مقصود مضبوط، ولا يجوز في الملبوس لأنه لا ينضبط. ويجوز في القمص والسراويل ونحوهما إذا
كان ذلك جديدا ولو مغسولا إن ضبطه طولا وعرضا وسعة وضيقا. (و) يجوز في‍ (- هما صبغ غزل قبل النسج
كالبرود) إذا بين ما صبغ به وكونه في الشتاء أو الصيف واللون وبلد الصبغ كما قاله الماوردي. (والأقيس صحته
في المصبوغ بعده) أي النسج كما في الغزل المصبوغ (قلت: الأصح منعه) لأن الصبغ بعده يسد الفرج فلا تظهر
معه الصفاقة بخلاف ما قبله. (وبه قطع الجمهور) وهو المنصوص في البويطي، (والله أعلم) وفرق في الامر بينه وبين
ما صبغ غزله ثم نسج بأن الغزل إذا صبغ ثم نسج يكون السلم في الثوب، وإذا صبغ بعد النسج فكأنه أسلم الثوب
112

والصبغ معا والصبغ مجهول.
فروع: يصح السلم في البقول كالكراث والبصل والثوم والفجل والسلق والنعنع والهندبا وزنا، فيذكر جنسها
ونوعها ولونها وكبرها وصغرها وبلدها. ولا يصح في السلجم والجزر إلا بعد قطع الورق لأن ورقهما غير مقصود.
ويصح في الاشعار والأصواف والأوبار، فيذكر نوع أصله وذكورته أو أنوثته لأن صوف الإناث أنعم، واستغنوا بذلك
عن ذكر اللين والخشونة وبلده واللون والوقت كخريفي أو ربيعي، والطول أو القصر والوزن. ولا يقبل إلا منقى من بعر ونحوه
كشوك، ويجوز شرط غسله، ويصح في القطن فيذكر فيه أو في محلوجه أو غزله مع نوعه البلد واللون وكثرة لحمه وقلته
ونعومته أو خشونته، ورقة الغزل أو غلظه، وكونه جديدا أو عتيقا إن اختلف به الغرض، ويأتي ذلك في نحو الصوف
كما ذكره ابن كج. ومطلق القطن يحمل على الجاف وعلى ما فيه الحب، ويصح في حبه لا في القطن في جوزه ولو
بعد الشق لاستتار المقصود بما لا مصلحة فيه بخلاف الجوز واللوز كما مر. قال الماوردي: ولا يجوز السلم في الكتان
على خشبه، ويجوز بعد الدق: أي وبعد النفض، فلا يصح قبل ذلك، أو المراد بالدق النفض، فيذكر بلده ولونه وطوله
أو قصره ونعومته أو خشونته ودقته أو غلظه وعتقه أو حداثته إن اختلف الغرض بذلك. ولا في القز وفيه دوده حيا أو ميتا
، لأنه يمنع معرفة وزن القز، أما بعد خروجه منه فيجوز. ويصح في أنواع العطر العامة الوجود كالمسك والعنبر والكافور
والعود والزعفران لانضباطها، فيذكر الوصف من لون ونحوه والوزن والنوع. (و) يشترط (في التمر) أو الزبيب
أن يذكر (لونه) كأبيض أو أحمر، (ونوعه) كمعقلي أو برني، (وبلده) كمصري أو بغدادي، (وصغر الحبات وكبرها)
أي أحدهما، لأن صغير الحب أقوى وأشد. (وعتقه) بكسر العين كما قاله الأسنوي، وبضمها كما نقله ابن الملقن عن
ضبط المصنف بخطه. (وحداثته) أي أحدهما لاختلاف الغرض بذلك. ويستحب أن يبين عتق عام أو عامين أو نحو
ذلك، فإن أطلق فالنص الجواز، وينزل على مسمى العتق، ويبين كما قال الماوردي أن الجفاف على النخل أو بعد الجذاذ،
فإن الأول أبقى والثاني أصفى. ويستثنى من جواز السلم في التمر التمر المكنوز في القواصر، وهو المسمى بالعجوة، فإنه
لا يصح السلم فيه كما نقله الماوردي عن الأصحاب، لأنه لا يمكن استيفاء صفته المشروطة بعد كنازه، قال الدميري:
ولأنه لا يبقى على صفة واحدة غالبا. ولو أسلم في تمر منزوع النوى ففي صحته وجهان في الحاوي يظهر منهما الصحة.
والرطب كالتمر فيما ذكر، ومعلوم أنه لا جفاف فيه. (والحنطة وسائر الحبوب كالتمر) في الشروط المذكورة، فيبين نوعها
كالشامي والمصري والصعيدي والبحيري، ولونه فيقول أبيض أو أحمر أو أسمر. قال السبكي: وعادة الناس اليوم
لا يذكرون اللون ولا صغر الحبات وكبرها، وهي عادة فاسدة مخالفة لنص الشافعي والأصحاب، فينبغي أن ينبه عليها.
فروع: يصح السلم في الأدقة فيذكر فيها ما مر في الحب إلا مقداره، ويذكر فيها أيضا أنه يطحن برحى
الدواب أو الماء أو غيره، وخشونة الطحن أو نعومته. ويصح في النخالة كما قاله ابن الصباغ إن انضبطت بالكيل ولم
يكثر تفاوتها فيه بالانكباس وضده. ويصح في التبن. قال الروياني: وفي جوازه في السويق والنشاء وجهان، المذهب
الجواز كالدقيق. ويجوز السلم في قصب السكر بالوزن، أي في قشره الأسفل، ويشترط قطع أعلاه الذي لا حلاوة فيه كما
قاله الشافعي، وقال المزني: وقطع مجامع عروقه من أسفله. ولا يصح السلم في العقار، لأنه إن عين مكانه فالمعين لا يثبت
في الذمة وإلا فمجهول. (و) يشترط (في العسل) أي عسل النحل، وهو المراد عند الاطلاق، بأن يذكر زمانه ومكانه
ولونه، فيقول: (جبلي أو بلدي) لاختلاف الغرض بذلك لأن الجبلي أطيب. (صيفي أو خريفي أبيض أو أصفر) لتفاوت
الغرض بذلك، ويبين مرعاه كما نص عليه في الام، قال الماوردي: فإن النحل يقع على الكمون والصعتر فيكون دواء،
ويقع على أنوار الفاكهة وغيرها فيكون داء. قال الأذرعي: وكأن هذا في موضع يتصور فيه رعي هذا بمفرده وهذا
113

بمفرده، وفيه بعد. (ولا يشترط العتق والحداثة) وإن شرطه الماوردي، لأن الغرض لا يختلف فيه بذلك، لأن العسل
لا يتغير وإن قال بعضهم في عدم تغيره نظر، بدليل أن كل شئ يحفظ به. (ولا يصح) السلم (في المطبوخ والمشوي) أي
الناضج بالنار، لأن تأثير النار فيهما لا ينضبط. ويصح في كل ما دخلته نار مضبوطة كالصابون والسكر والفانيد واللبأ والدبس،
كما صححه المصنف في تصحيح التنبيه في كل ما دخلته نار لطيفة ومثل ببعض المذكورات، وإن خالف في ذلك ابن المقري
في روضه تبعا للأسنوي. ويؤيد الأول صحة السلم في الآجر المطبوخ، وعليه يفرق بين بابي الربا والسلم بضيق باب الربا.
فإن قيل: قول المصنف كغيره إن نار ما ذكر لطيفة خلاف المشاهد، وهو كلام من لا عهد له بعمل السكر. أجيب
بأن مراده باللطيفة المضبوطة كما عبرت به. وصرح الامام ببيع الماء المغلي بمثله، فيصح السلم فيه وفي ماء الورد لأن
ناره لطيفة كما جزم به الماوردي وغيره، وفي العسل المصفى بالنار لأن تصفيته بها لا تؤثر لأن ناره لطيفة للتمييز، وإن
أفهم قوله: (ولا يضر تأثير الشمس) في العسل وغيره خلافه لعدم اختلافه فيجوز السلم في المصفى بهما. ويصح
في الشمع والقند والخزف والفحم لما مر. قال الأذرعي: والظاهر جوازه في المسموط لأن النار لا تعمل فيه عملا له تأثير.
(والأظهر منعه) أي السلم، (في رؤوس الحيوان) لاشتمالها على أبعاض مختلفة من المناخر والمشافر وغيرها ويتعذر
ضبطها. والثاني: الجواز، بشرط أن تكون منقاة من الشعر والصوف موزونة قياسا على اللحم بعظمه. وفرق الأول بأن
عظمها أكثر من لحمها عكس سائر الأعضاء. أما إذا لم تنق من الشعر ونحوه فلا يصح السلم فيها جزما. ولا يحتاج المصنف
إلى تقييدها بكونها نيئة، لأن ذلك يخرج بقوله: ولا يصح السلم في المطبوخ إلخ. ولا يصح في الأكارع وإن
كانت نيئة
منقاة لما فيها من الابعاض المختلفة، ويقال فيها كوارع وأكرع جمع كراع، قال المصنف: وهو من الدواب ما دون
كعوبها، والجوهري: مستدق الساق، والشائع إطلاقه عليهما. (ولا يصح) السلم (في مختلف) أجزائه، (كبرمة
معمولة) وهي القدر، (وجلد) على هيئته، (و) معمول نحو (كوز وطس) بفتح الطاء، ويقال له طشت، ولم يذكره
في المحرر. (وقمقم ومنارة) بفتح الميم، (وطنجير) وهو بكسر الطاء الدست، ويجوز فتحها كما قاله المصنف، وإن قال
الجوهري: فتحها من لحن الناس. (ونحوها) كالأباريق، والحباب بكسر المهملة وبالموحدة جمع حب بضمها، وهي
الخابية. والأسطال الضيقة الرأس، لندرة اجتماع الوزن مع الصفات المشروطة ولتعذر ضبطها، إما لاختلاف الاجزاء في الدقة
والغلظ كالجلد، أو لمخالفة أعلاها أو وسطها لأسفلها كالأمثلة المذكورة. أما قطع الجلد فيجوز السلم فيها وزنا لانضباطها،
لأن جملتها مقصودة، وما فيها من التفاوت يجعل عفوا. ولا يصح في الرق لما ذكر.
تنبيه: تقييده البرمة بالمعمولة للاحتراز عن المصبوبة في القالب كما سيأتي، فيكون ذلك قيدا في كل ما بعده إلا
الجلد كما قدرته في كلامه، فكان ينبغي تقديمه وعطف هذه الأشياء عليه أو عكسه لمغايرته لها. قال الأشموني: والمذهب
جواز السلم في الأواني المتخذة من الفخار، ولعله محمول على غير ما مر. (ويصح) السلم (في الأسطال المربعة) لعدم
اختلافها، والمدورة كالمربعة كما صرح به سليم في التقريب، وقال الأذرعي: إنه الصواب، واقتضاه كلام الشيخ
أبي حامد. ويصح في كل ما لا يختلف من ذلك مضروبا كان أو مصبوبا كما صرح به الماوردي. ولو شرط كون السطل
من نحاس ورصاص جميعا لم يصح، نص عليه في الام، قال: لأنهما لا يخلطان فيعرف قدر كل واحد منهما. (وفيما صب
منها) أي المذكورات كما اقتضاه كلام الشرح والروضة، أي من أصلها المذاب، (في قالب) بفتح اللام أفصح من
كسرها، كالهاون - بفتح الواو - مربعا كان أم لا، لأن ذلك لا يختلف.
فروع: يصح السلم في المنافع كتعليم القرآن لأنها تثبت في الذمة كالأعيان. ويصح في الذهب والفضة ولو غير
114

مضروبين كغيرهما لا إسلام أحدهما في الآخر ولو حالا وقبضا في المجلس لتضاد أحكام السلم والصرف، لأن السلم
يقتضي استحقاق قبض أحد العوضين في المجلس دون الآخر، والصرف يقتضي استحقاق قبضهما فيه. ويؤخذ من ذلك
أن سائر المطعومات كذلك. وهذا إذا لم ينويا بالسلم عقد الصرف، والأصح إذا كان حالا وتقابضا في المجلس لأن ما كان
صريحا في بابه ولم يجد نفاذا في موضوعه يكون كناية في غيره. ويصح في الورق، ويبين فيه العدد والنوع والطول
والعرض واللون والدقة أو الغلظ والصفة أو الزمان كصيفي أو شتوي. ويصح في الحديد والرصاص والنحاس، ويشترط
ذكر جنسها ونوعها وذكورة الحديد وأنوثته، قال الماوردي وغيره: والذكر الفولاذ، والأنثى اللين الذي يتخذ منه
الأواني ونحوها. (ولا يشترط) فيما يسلم فيه (ذكر الجودة والرداءة في الأصح) لما ذكره بقوله: (ويحمل مطلقه
) منهما (على الجيد) للعرف. والثاني: يشترط لاختلاف الغرض بهما، فيفضي تركهما إلى النزاع. ورد بالحمل المذكور.
وعلى كلا القولين ينزل على أقل الدرجات، فلو شرط الأجود لم يصح على الأصح لأن أقصاه غير معلوم، وإن شرط الرداءة
فإن كانت رداءة النوع صح على الأصح لانضباط ذلك، أو رداءة العبب لم يصح لأنها لا تنضبط إذ ما من ردئ إلا ويوجد
ردئ آخر خير منه، وإن شرط الأردأ صح على الأصح لأن طلب أردأ من المحضر عناد. (ويشترط) مع ما مر
من اشتراط كون الأوصاف معروفة في نفسها، (معرفة العاقدين الصفات) فلو جهلاها أو أحدهما لم يصح كالبيع، (وكذا
غيرهما) أي معرفة عدلين غير العاقدين (في الأصح) ليرجع إليهما عند تنازع العاقدين. والثاني: لا يشترط معرفة غيرهما.
وعلى الأول يخالف ما تقدم في الاجل من الاكتفاء بمعرفة العاقدين أو معرفة عدلين في التأجيل بنحو شهور الروم،
وتقدم الفرق ثمت بينهما.
فصل: في بيان أداء غير المسلم فيه عنه ووقت أداء المسلم فيه ومكانه: (لا يصح أن يستبدل عن المسلم فيه غير جنسه)
كالبر عن الشعير، (ونوعه) كالتمر البرني عن المعقلي، لأن الأول اعتياض عن المسلم فيه، وتقدم أنه ممتنع مع تعليله،
والثاني يشبه الاعتياض عنه.
تنبيه: الحيلة في الاعتياض أن يفسخا السلم ثم يعتاض عن الثمن الذي في ذمة المسلم إليه. (وقيل يجوز في نوعه)
لأن الجنس يجمعهما، فكان كما لو اتحد النوع واختلفت الصفة، ولهذا تحرم التفاضل بينهما ويضم أحدهما إلى الآخر
في الزكاة. (و) لكن (لا يجب قبوله) لاختلاف الأغراض باختلاف الأنواع (ويجوز) اعطاء (أردأ من المشروط)
لأنه من جنس حقه (و) لكن لا (يجب) قبوله لأنه دون حقه. (ويجوز) إعطاء (أجود) من المشروط صفة، (ويجب
قبوله في الأصح) لأن الامتناع منه عناد، ولاشعار بذله بأنه لم يجد سبيلا إلى براءة ذمة بغيره، وذلك يهون أمر المنة التي
يعلل بها الثاني. والثاني: لا يجب لما فيه من المنة، كما لو أسلم إليه في خشبة خمسة أذرع فجاءتها ستة فإنه لا يجب عليه قبولها.
وفرق الأول بأن الجودة والرداءة لا يمكن فصلها لأنها تابعة بخلاف زيادة الخشبة. نعم إن كان على المسلم
ضرر في قبوله،
كأن أسلم إليه في عبد أو أمة فجاءه بفرعه أو أصله أو زوجته أو زوجها لم يجب قبوله، وإن جاءه بأخيه أو عمه فوجهان
وجه المنع وهو الظاهر أن من الحكام من يحكم بعتقه عليه، ذكره الماوردي.
تنبيه: تفاوت الرطب والتمر تفاوت نوع لا تفاوت وصف، وكذا ما سقي بماء السماء وبماء الأرض، والعبد الهندي
والعبد التركي فلا يجب عليه قبول الآخر. ولا يجوز ولا يصح أن يقبض ما أسلم فيه كيلا بالوزن ولا عكسه، ولا بكيل
أو وزن غير الذي وقع عليه العقد كأن باع صاعا فاكتاله بالمد. ولا يزلزل المكيال، ولا يضع الكف على جوانبه بل
115

يملؤه ويصب على رأسه بقدر ما يحمل. ويسلم التمر جافا ولو في أول جفافه لأنه قبل جفافه لا يسمى تمرا، ولا يجزئ ما تناهى
جفافه حتى لم يبق فيه نداوة لأن ذلك نقص كما ذكره ابن الرفعة والسبكي وغيرهما. ويسلم الرطب غير مشدخ، وهو
البسر يعالج بالغمر ونحوه حتى يتشدخ: أي يترطب، وهو المسمى بالمعمول في بلاد مصر وتسلم الحنطة ونحوها نقية
من التراب والمدر والشعير ونحو ذلك، وقليل التراب ونحوه يحتمل في الكيل لأنه لا يظهر فيه لا في الوزن لظهوره فيه،
ومع احتماله في الكيل إن كان لاخراج التراب ونحوه مؤنة لم يلزمه قبوله كما حكاه في الروضة وأقره. (ولو أحضره) أي
المسلم فيه المؤجل، (قبل محله) بكسر الحاء: أي وقت حلوله. (فامتنع المسلم من قبوله لغرض صحيح بأن كان حيوانا)
يحتاج لمؤنة لها وقع كما قيده في المحرر بذلك، فلو قصرت المدة لم يكن له الامتناع. (أو وقت غارة) والأفصح إغارة كما استعمله
المصنف في باب الهدنة. أو كان تمرا أو لحما يريد أكله عند المحل طريا، أو كان مما يحتاج إلى مكان له مؤنة كالحنطة الكثيرة.
(لم يجبر) على قبوله لتضرره وإن كان للمؤدي غرض صحيح في التعجيل.
تنبيه: لو عبر بقوله (كأن) ليشمل ما ذكرته لكان أولى من التعبير (بأن) لأنه يوهم الحصر فيما ذكره وليس
مرادا، ولكن يكثر في كلام الشيخين الاتيان (بأن) بدل كأن، ولكنه خلاف المصطلح عليه. وقوله: أو وقت غارة تقديره:
أو لوقت وقت غار، فلا يصح عطفه على خبر كان. (وإلا) بأن لم يكن للمسلم غرض صحيح في الامتناع (فإن كان للمؤدي
غرض صحيح) في التعجيل، (كفك رهن) أو براءة ضامن، (أجبر) المسلم على القبول، لأن امتناعه حينئذ تعنت. (وكذا)
يجبر عليه لخوف انقطاع الجنس عند الحلول، أو (لمجرد غرض البراءة) أي براءة ذمة المسلم إليه، (في الأظهر) وكذا
لا لغرض كما اقتضاه كلام الروض، لأن الاجل حق المدين، وقد أسقطه فامتناعه من قبوله محض تعنت. فإن قيل: قد
ذكروا في باب المناهي أن المدين إذا أسقط الاجل لا يسقط حتى لا يتمكن المستحق من مطالبته. أجيب بأن
الاسقاط
هنا وسيلة إلى الطلب المؤدي للبراءة، والدفع محصل لها نفسها فكان أقوى، مع أن الاجل لم يسقط في الموضعين. والثاني:
لا يجبر للمنة. وعلم مما تقرر أنه لو تعارض غرضاهما، فالمرعي جانب المستحق على الأصح كما أفهمه كلام المصنف، فإنه
لم ينظر إلى غرض المؤدي إلا عند عدم غرض المستحق، ويجبر الدائن على قبول كل دين حال إن كان غرض المؤدي غير
البراءة، وعليه أو على الابراء إن كان غرضه البراءة. قال السبكي: هذا إذا أحضره من هو عليه، فإن تبرع به غيره
فإن كان عن حي لم يجب القبول للمنة، وإلا فإن كان المتبرع الوارث وجب القبول لأنه يخلص التركة لنفسه، أو غيره ففيه
تردد جواب القاضي اه‍. والظاهر عدم الوجوب، وحيث ثبت الاجبار وأصر على الامتناع قبضه الحاكم له.
تنبيه: لو أحضر المسلم فيه الحال في مكان التسليم لغرض غير البراءة أجبر المسلم على قبوله، أو لغرضها أجبر على
القبول أو الابراء. وقد يقال بالتخيير في المؤجل والحال المحضر في غير مكان التسليم أيضا، وجرى عليه صاحب الأنوار
في الثاني. والذي يقتضيه كلام الروضة وأصلها وهو الأوجه الاجبار فيهما على القبول فقط، والفرق أن المسلم في مسألتنا
استحق التسليم فيها لوجود زمانه ومكانه، فامتناعه عنه محض عناد فضيق عليه بطلب الابراء بخلاف ذينك. (ولو وجد
المسلم المسلم إليه بعد المحل) بكسر الحاء. (في غير محل التسليم) بفتحها، وهو مكانه المتعين بالعقد أو الشرط وطالبه بالمسلم
فيه (لم يلزمه) أي المسلم إليه، (الأداء إن كان لنقله) من محل التسليم إلى محل الظفر (مؤنة) ولم يتحملها المسلم عن
المسلم إليه لعدم التزامه لها ولتضرره بذلك، بخلاف ما لا مؤنة لنقله كدراهم لا مؤنة لنقلها أو تحملها المسلم فإنه يلزمه
الأداء إذ لا ضرر عليه حينئذ.
تنبيه: أشار المصنف بنفي الأداء خاصة إلا أن له الدعوى عليه وإلزامه بالسفر معه إلى مكان التسليم أو بالتوكيل،
116

ولا يحبس. (ولا يطالبه بقيمته للحيلولة على الصحيح) لامتناع الاعتياض عنه كما مر، لكن له الفسخ واسترداد رأس
المال كما لو انقطع المسلم فيه. (وإن) أحضره المسلم إليه في غير محل التسليم ف‍ (- امتنع) المسلم (من قبوله هناك لم يجبر) على
قبوله، (إن كان لنقله) إلى محل التسليم (مؤنة، أو كان الموضع) المحضر فيه أو الطريق (مخوفا) لتضرره بذلك، فإن
رضي بأخذه لم تجب له مؤنة النقل، بل لو بد لها لم يجز له قبولها لأنه كالاعتياض. (وإلا) بأن لم يكن لنقله مؤنة ولا كان
الموضع أو الطريق مخوفا، (فالأصح إجباره) على قبوله لتحصل له براءة الذمة. والخلاف مبني على القولين السابقين
في التعجيل قبل الحلول لغرض البراءة، وقد مر تعليلهما.
فصل: في القرض: وهو بفتح القاف أشهر من كسرها، ومعناه القطع، ويطلق اسما بمعنى الشئ المقرض ومصدرا
بمعنى الاقراض. (الاقراض) وهو تمليك الشئ على أن يرد بدله. وسمي بذلك لأن المقرض يقطع للمتقرض قطعة من
ماله، وتسميه أهل الحجاز سلفا. (مندوب) إليه بقوله تعالى: * (وافعلوا الخير) *، وقوله (ص): من نفس عن
أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه رواه
مسلم. وفي صحيح ابن حبان عن ابن مسعود: من أقرض مسلما درهما مرتين كان له كأجر صدقة مرة. فإن قيل:
يعارض هذا ما روى ابن ماجة عن انس أن النبي (ص) قال: أرأيت مكتوبا على باب الجنة ليلة أسري بي: الصدقة بعشر
أمثالها والقرض بثمانية عشر، فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل قد يسأل وعنده والمستقرض
لا يستقرض إلا من حاجة. أجيب بأن الحديث الأول أصح لأن هذا تفرد به زيد بن خالد الشامي وهو ضعيف عند
الأكثرين. وقال ابن عمر: الصدقة إنما يكتب لك أجرها حين تتصدق بها، وهذا يكتب لك أجره ما كان عند صاحبه.
نعم قد يجب لعارض كالمضطر، وقد يحرم كما إذا غلب على ظنه أنه يصرفه في معصية، وقد يكره كما إذا غلب على ظنه
أنه يصرفه في مكروه. وفي الروضة في باب الشهادات أنه إنما يجوز الاقتراض لمن علم من نفسه القدرة على الوفاء إلا أن
يعلم المقرض أنه عاجز عن الوفاء. ولا يحل له أن يظهر الغنى ويخفي الفاقة عند القرض، كما لا يجوز إخفاء الغنى وإظهار
الفاقة عند أخذ الصدقة.
تنبيه: كان ينبغي للمصنف أن يقول: مندوب إليه كما قدرته في كلامه، وصرح به صاحب التنبيه، وكذا في المحكم
وغيره، لكن المعروف جره باللام، تقول: ندبته لكذا فانتدب له، ذكره الجوهري. أما المندوب فهو الشخص نفسه
. وأركانه: صيغة وعاقد ومعقود عليه كالبيع. وبدأ بالأول منها فقال: (وصيغته) أي إيجابه: (أقرضتك أو أسلفتك) هذا (أو خذه
بمثله أو ملكتكه على أن ترد بدله) أو خذه واصرفه في حوائجك ورد بدله كما في أصل الروضة، وأسقطه المصنف للاستغناء
عن واصرفه في حوائجك. وتقدم في البيع أن خذه بكذا أو نحوه كناية فيه فيأتي مثله هنا. ولو اقتصر على ملكتك
فهو هبة في الظاهر، والقول في ذكر البدل فيما لو اختلفا فيه قول الآخذ بيمينه، لأن الأصل عدم ذكره والصيغة ظاهرة
فيما ادعاه، وبهذا فارق ما لو اختلفا في كون العقد بيعا أو هبة حيث يحلف كل على نفي دعوى الآخر. (
ويشترط قبوله)
أي الاقراض (في الأصح) كسائر المعاوضات. وشرط القبول الموافقة في المعنى كالبيع، فلو قال: أقرضتك ألفا فقبل خمسمائة
أو بالعكس لم يصح، وإن فرق بعضهم بأن المقرض متبرع فلا يضر قبول بعض المسمى أو الزائد عليه، نعم القرض
الحكمي كالاتفاق على اللقيط المحتاج وإطعام الجائع وكسوة العاري لا يفتقر إلى إيجاب وقبول. والثاني: لا يشترط، لأن القرض
مكرمة وإباحة إتلاف بشرط الضمان، وظاهر أن الالتماس من المقرض كاقترض مني يقوم مقام الايجاب، ومن المقترض
117

كأقرضني يقوم مقام القبول كما في البيع.
تنبيه: ظاهر كلامه أن الايجاب لا خلاف فيه، وليس مرادا، فقد قال القاضي والمتولي: الايجاب والقبول ليسا بشرط،
بل إذا قال أقرضني كذا فأعطاه إياه أو بعث إليه رسولا فبعث إليه المال صح القرض. قال الأذرعي: والاجماع الفعلي
عليه وهو الأقوى والمختار، ومن اختار صحة البيع بالمعاطاة كالمصنف قياسه اختيار القرض بها وأولى بالصحة. قال
الغزي: وهو سهو، لأن شرط المعاطاة بذل العوض والتزامه في الذمة وهو مفقود هنا. ثم شرع في الركن الثاني فقال: (و)
يشترط (في المقرض) بكسر الراء، زيادة على ما مر في البيع، (أهلية التبرع) فيما يقرضه لأن القرض فيه شائبة تبرع، ولو كان
معاوضة محضة لجاز للولي غير القاضي قرض مال موليه لغير ضرورة واللازم باطل. وأما القاضي فيجوز له من غير
ضرورة، وإن صحح السبكي منعه بشرط يسار المقترض وأمانته، ويأخذ رهنا إن رأى ذلك، وله أن يقرض من مال
المفلس إذا رضي الغرماء بتأخير القسمة إلى أن يجتمع المال كله كما نقل عن النص.
تنبيه: لم يتعرض المصنف كأصله لشرط المستقرض، ولا يشترط فيه إلا أهلية المعاملة. ويفهم من كلام المصنف
أن الأعمى يصح قرضه واقتراضه إلا أن قبضه لا يكفي. وأورد على المصنف المحجور عليه بسفه، فإن تدبيره تبرع
وكذا وصيته وتبرعه بمنفعة بدنه الخفيفة، ولا يصح إقراضه، فلو قال التبرع الناجز بالمال أو ما قدرته لخرج عن ذلك.
وقد يجاب بأن الألف واللام أفادت العموم، فكأنه قال أهلية جميع التبرعات. ثم شرع في الركن الثالث، فقال:
(ويجوز إقراض ما يسلم فيه) لصحة ثبوته في الذمة، ولأنه (ص) أقترض بكرا، وقيس غيره عليه.
وقضية كلامه صحة إقراض الدراهم والدنانير المغشوشة لصحة السلم فيها بناء على جواز المعاملة بها في الذمة وهو الراجح
ولأنها مثلية، ولا فرق في ذلك بين أن يعرف قدر الغش أو لا، وإن قيده السبكي بما إذا عرف، ومنعه الروياني
مطلقا، والمراد ما يسلم في نوعه، وإلا فالمعين لا يسلم فيه. والمقرض لا فرق فيه بين أن يكون معينا أو في الذمة حتى إذا قال
أقرضتك ألفا وقيل المقترض ثم تفرقا ثم سلم إليه ألفا صح إن لم يطل الفصل لأن الظاهر أنه دفع الألف عن القرض،
وإلا فلا يصح. وعلله في الروضة تبعا للمذهب، فقال: لأنه لا يمكن البناء مع طول الفصل. أما لو قال أقرضتك هذه الألف مثلا
وتفرقا ثم سلمها إليه لم يضر وإن طال الفصل. (إلا الجارية التي تحل للمقترض) فلا يجوز إقراضها له ولو غير مشتهاة
(في الأظهر) لأنه قد يطؤها ويردها، لأنه عقد جائز من الطرفين يثبت الرد والاسترداد فيصير في معنى إعارة الجواري
للوطئ وهو ممتنع. وخرج بذلك ما لو جعل رأس المال جارية يحل للمسلم إليه وطؤها وكان المسلم فيه جارية أيضا فإن
له أن يردها عن المسلم فيه كما تقدم لأن العقد لازم من الجهتين. والثاني: يجوز، قياسا على ما لو وهب ولده جارية يحل
له وطؤها مع جواز استرجاع الأب لها بعد وطئ الولد. وأجاب الأول بأن عقد الهبة لازم من جهة المتملك، وبأن عقد
القرض مدلوله إعطاء شئ والرجوع فيه أو في بدله فكان كالإعارة بخلاف الهبة. واحترز بقوله: تحل للمقترض
عما لا تحل له لمحرمية أو تمجس أو نحوه، فإنه يجوز أن يقرضها له. وقضية كلامهم جواز إقراض الملاعنة للملاعن، إذ علة
المنع خوف الوطئ والرد، وهي منتفية، وإن قال الأذرعي: الظاهر المنع لتحريم الخلوة وغيرها، وأن الأمة التي لا تحل
له في الحال كأخت الزوجة وعمتها وخالتها كذلك. قال الأسنوي: وفيه نظر، والمتجه المنع، وكلام بعضهم يشعر
به اه‍. وهو الظاهر. وفرق بين المجوسية ونحوها وبين هؤلاء بأنه يقدر على حل أخت زوجته وعمتها وخالتها بأن
يطلق زوجته بخلاف حل المجوسية ونحوها، وقضية الفرق أن المطلقة ثلاثا يحل قرضها مطلقا، وأنه يمتنع أقراض
الخنثى لامتناع السلم فيه وهو ظاهر. وما قيل من جواز إقراضه لأن المانع وهو كونه جارية لم يتحقق، قال الزركشي:
خطأ. ويجوز إقراض الأمة للخنثى كما قاله المصنف في شرح مسلم، وإن نظر فيه السبكي بأنه قد يصير واضحا
فيطؤها ويردها، وأنه يمتنع على الملتقط تملك الجارية الملتقطة التي تحل له، وبه صرح الجرجاني. قال الأذرعي: وقد يفرق
بأن ظهور المالك بعيد اه‍. والفرق أظهر. قال في الروضة: ولا يجوز إقراض المنافع لأنه لا يجوز السلم فيها. ويؤخذ
118

من تعليله أن محله في منافع العين المعينة، أما التي في الذمة فيجوز إقراضها لجواز السلم فيها، ولا يجوز إقراض ماء القناة
للجهل به. (وما لا يسلم فيه) كالجارية وولدها والجواهر ونحوها، (لا يجوز إقراضه في الأصح) لأن ما لا ينضبط أو يندر وجوده
يتعذر أو يتعسر رد مثله. والثاني: يجوز كالبيع. والخلاف مبني على أن الواجب في المتقوم المثل أو القيمة
كما صرح به
في المحرر، إن قلنا بالأول وهو الأظهر لم يجز، وإلا جاز، واستثني قرض ذلك جواز من الخبز وزنا لاجماع أهل الأمصار على
فعله في الاعصار بلا إنكار، وإن صحح البغوي في التهذيب المنع، وقيل: يجوز عددا أيضا، ورجحه الخوارزمي في الكافي.
وصرح الماوردي بأنه لا يجوز إقراض العقار كما لا يجوز السلم فيه، وما نقله ابن الرفعة عن الأصحاب واقتضاه كلام
الشيخين في الشفعة جواز إقراض جزء من دار محمول كما قاله السبكي على ما إذا لم يزد الجزء على النصف فإن له
حينئذ مثلا فيجوز إقراضه كغيره. ولا يصح قرض الروبة لاختلافها بالحموضة، وهي بضم الراء: خميرة من اللبن الحامض
تلقى على الحليب ليروب. قال في الروضة: وذكر في التتمة وجهين في إقراض الخمير الحامض: أحدهما الجواز، ورجحه
بعض المتأخرين وهو الظاهر لاطراد العادة به خلافا لما جزم به في الأنوار من المنع. قال السبكي: والعبرة بالوزن كالخبز.
ولا يشترط في قرض الربوي القبض في المجلس وإلا لجاز في غيره شرط الاجل واللازم باطل. ويشترط العلم بقدر المقرض،
فلو أقرضه كفا من دراهم مثلا لم يصح، نعم إن أقرضه على أن يستبين قدره ويرد بمثله فإنه يصح كما في الأنوار.
ويجوز إقراض الموزون مكيلا وعكسه إن لم يتجاف المكيال كالسلم. (ويرد) في القرض (المثل في المثلي) لأنه أقرب
إلى حقه، ولو في نقد بطل التعامل به. (و) يرد (في المتقوم المثل صورة) لأنه (ص) اقترض بكرا ورد رباعيا وقال:
إن خياركم أحسنكم قضاء رواه مسلم، ولأنه لو وجبت قيمته لافتقر إلى العلم بها. وينبغي كما قال ابن النقيب اعتبار
ما فيه من المعاني كحرفة الرقيق وفراهة الدابة، فإن لم يتأت اعتبر مع الصورة مراعاة القيمة. (وقيل القيمة) كما لو
أتلف متقوما، وعليه فالمعتبر قيمته يوم القبض إن قلنا يملك بالقبض، وبالأكثر من وقت القبض إلى التصرف إن قلنا
يملك بالتصرف. والقول في الصفة أو القيمة عند الاختلاف فيهما قول المستقرض بيمينه لأنه غارم وأداء القرض في الصفة
والزمان والمكان كالمسلم فيه، ومعلوم أنه لا يكون إلا حالا. (ولو ظفر) المقرض (به) أي المقترض، (في غير محل
الاقراض وللنقل) من محله إلى غيره (مؤنة طالبه بقيمة بلد الاقراض) لأنه محل التملك يوم المطالبة، ولأنه وقت
استحقاقها. وإنما جاز ذلك لجواز الاعتياض عنه بخلاف نظيره في السلم كما مر، فعلم أنه لا يطالبه بمثله إذا لم يتحمل
مؤنة حمله لما فيه من الكلفة، وأنه يطالبه بحمل ما لا مؤنة لحمله، وهو كذلك، فالمانع من طلب المثل عند الشيخين
وكثير مؤنة الحمل، وعند جماعة منهم ابن الصباغ كون قيمة بلد المطالبة أكثر من قيمة بلد الاقراض. ولا خلاف
في الحقيقة كما قال شيخي بين كلام الشيخين وغيرهما، لأن من نظر إلى المؤنة ينظر إلى القيمة بطريق الأولى، لأن المدار
حصول الضرر، وهو موجود في الحالين. وينقطع بأخذ القيمة حق المقرض لأنها للفيصولة لا للحيلولة، فلو اجتمعا
ببلد الاقراض لم يكن للمقرض ردها وطلب المثل ولا للمقترض استردادها. (ولا يجوز) الاقراض في النقد وغيره، (بشرط)
جر نفع للمقرض كشرط (رد صحيح عن مكسر، أو) رد (زيادة) أو رد جيد عن ردئ، ويفسد بذلك العقد على
الصحيح لحديث: كل قرض يجر منفعة فهو ربا وهو إن كان ضعيفا، فقد روى البيهقي معناه عن جمع من
الصحابة. والمعنى فيه أن موضوع العقد الارفاق، فإذا شرط فيه لنفسه حقا خرج عن موضوعه فمنع صحته. (ولو رد
هكذا) أي زائدا في القدر أو الصفة، (بلا شرط فحسن) بل مستحب للحديث السابق: إن خياركم أحسنكم قضاء،
ولا يكره للمقرض أخذه ولا أخذ هدية المستقرض بغير شرط، قال الماوردي: والتنزه عنه أولى قبل رد البدل. وأما ما رواه
119

البخاري وغيره مما يدل على الحرمة، فبعضه شرط فيه أجل، وبعضه محمول على اشتراط الهدية في العقد. وفي كراهة
الاقراض ممن تعود رد الزيادة وجهان، أوجههما الكراهة. (ولو شرط) أو يرد (مكسرا عن صحيح) أ رديئا عن
جيد، (أو أن يقرضه غيره) أو شيئا آخر، (لغا الشرط) أي لا يعتبر. (والأصح أنه لا يفسد العقد) لأنه وعد بإحسان
لا جر منفعة للمقرض بل للمقترض، والعقد عقد إرفاق، فكأنه زاد في الارفاق. والثاني: يفسد لمنافاته مقتضى العقد.
فإن قيل: هذا هو المصحح في نظيره من الرهن كما سيأتي فيحتاج إلى الفرق. أجيب بقوة داعي القرض لأنه سنة،
بخلاف الرهن. وأيضا وضع القرض على جر المنفعة إلى المستقر، فكيف يفسد القرض باشتراطه. (ولو شرط أجلا فهو كشرط
مكسر عن صحيح إن لم يكن للمقرض غرض) لارتفاق المستقرض بالأجل، فعلى هذا يصح العقد ولا يلزم الاجل على
الصحيح، لأنه عقد يمتنع فيه التفاضل فامتنع فيه الاجل كالصرف، لكن يندب الوفاء بالأجل لأنه وعد كما في تأجيل
الدين الحال. قال ابن الرفعة: وغير الاجل مما ذكر في معناه. نعم إن أوصى بذلك أو نذره لزم إنفاذ وصيته والوفاء
بالنذر، لكن هذا بتأجيل، بل تأخير طلب مع حلول الدين، ويظهر أثر هذا في الزكاة. (وإن كان) للمقرض
غرض في الاجل، (كزمن نهب) والمستقرض ملئ كما قيداه في الشرح والروضة، (فكشرط صحيح عن مكسر في
الأصح) لما فيه من جر المنفعة فيفسد العقد، والثاني: يصح ويلغو الشرط. (وله) أي للمقرض (شرط رهن
وكفيل)
وإشهاد وإقرار به عند حاكم لأن ذلك توثقة للعقد لا زيادة فيه، فله إذا لم يوف المقترض به الفسخ على قياس
ما ذكر في اشتراطها في البيع وإن كان له الرجوع بلا شرط كما سيأتي لأنه يبقى رجوع بلا سبب. (ويملك القرض) أي
المقرض (بالقبض) وإن لم يتصرف فيه كالموهوب، وأولى لأن للعوض مدخلا فيه، ولأنه لو لم يملك به لامتنع عليه
التصرف فيه. (وفي قول) يملك (بالتصرف) المزيل للملك، بمعنى أنه يتبين به الملك قبله. وفائدة الخلاف تظهر في
المنفعة وفيما لو استقرض من يعتق عليه. (وله) أي للمقرض (الرجوع في عينه ما دام باقيا) في ملك المقترض، (بحاله
في الأصح) لأن له طلب بدله عند فقده، فالمطالبة بعينه أولى لأنه أقرب منه، ويلزم المقترض رده. والثاني: لا يرجع
فيه، بل للمقترض أن يؤدي حقه من موضع آخر كسائر الديون. والخلاف على القول بأنه يملك بالقبض وإلا رجع
فيه جزما. واحترز بقوله: بحاله عما لو وجده مرهونا أو مكاتبا أو جنى فتعلق الأرش برقبته فإنه لا رجوع له. ولو رده
المقترض بعينه لزم المقرض قبوله قطعا، إن نقص فله قبوله مع الأرش أو مثله سليم، قاله الماوردي. ولو زاد رجع في
زيادته المتصلة دون المنفصلة. ويرد على المصنف ما لو وجده مؤجرا أو مدبرا أو معلقا عتقه بصفة فإنه يرجع فيه مع
صدق أنه ليس بحاله، فلو عبر بقوله: ما لم يبطل به حق لازم لكان أولى ولا أرش له فيما إذا وجده مؤجرا بل يأخذه
مسلوب المنفعة. ولو زال ملكه ثم عاد فوجهان وقياس نظائره الرجوع، وبه جزم العمراني وإن أفهم كلام
المصنف خلافه، (والله أعلم).
فائدة: روى ابن ماجة أن النبي (ص) قال: من استقرض في حاجة غير مكروهة فالله معه
، وكان راويه عبد الله بن جعفر يقول كل ليلة لوكيله: اقترض لي شيئا لأبيت والله معي.
خاتمة: لو قال لغيره: خذ من مالي الذي لي في جهة زيد ألفا قرضا فأخذها منه، فإن كان ما في جهة زيد دينا
عليه لم يصح قرضها لأن الانسان في إزالة ملكه لا يصير وكيلا لغيره، وإنما ذلك توكيل بقبض الدين فلا بد من قرض
جديد أو عينا كوديعة صح قرضا. قال الماوردي: ولو قال لغيره: اقترض لي مائة ولك علي عشرة فهو جعالة، فلو أن
120

المأمور أقرضه من ماله لم يستحق العشرة. ولو قال لغيره: ادفع مائة قرضا علي إلى وكيلي فلان فدفع ثم مات الآمر
فليس للدافع مطالبة الآخذ لأنه لم يأخذه لنفسه، وإنما هو وكيل عن الآمر وقد انتهت وكالته بموته، وليس للآخذ الرد
عليه، فإن رد ضمنه للورثة، وحق الدافع يتعلق بتركه الميت عموما لا بما دفع خصوصا لأن الحق قد انتقل للغير.
قال القرطبي: لا يمتنع القرض للاعراض لقصة أبي ضمضم، وهي ما رواه ابن عدي في الكامل والبزار والبيهقي وأبو داود
في المراسيل: لما أمر النبي (ص) بالصدقة وحث عليها قال: اللهم إني أتصدق بعرضي على من ناله من خلقك
فأمر رسول الله (ص) مناديا فنادى: أين المتصدق بعرضه؟ فقال: فقال له النبي (ص): إن الله
قد قبل صدقتك. وفي الحديث: أقرض من عرضك ليوم عرضك.
كتاب الرهن
هو لغة: الثبوت والدوام، ومنه الحالة الراهنة: أي الثابتة. وقال الماوردي: هو الاحتباس، ومنه: * (كل
نفس بما كسبت رهينة) *. وشرعا: جعل عين مال وثيقة بدين يستوفي منها عند تعذر وفائه. والأصل فيه قبل الاجماع
قوله تعالى: * (فرهان مقبوضة) *، وخبر الصحيحين: أنه (ص) رهن درعه عند يهودي يقال له
أبو الشحم على ثلاثين صاعا من شعير لأهله، ثم قيل إنه افتكه قبل موته لخبر: نفس المؤمن معلقة بدينه أي
محبوسة في القبر غير منبسطة مع الأرواح في عالم البرزخ، وفي الآخرة معوقة عن دخول الجنة حتى يقضى عنه، وهو
(ص) منزه عن ذلك. والأصح أنه لم يفتكه لقول ابن عباس: توفي النبي (ص) ودرعه
مرهونة عند يهودي والخبر محمول على غير الأنبياء تنزيها لهم، أو على من لم يخلف وفاء، أي وقصر. أما من لم
يقصر بأن مات وهو معسر وفي عزمه الوفاء فلا تحبس نفسه. فإن قيل: هلا اقترض رسول الله (ص) من المسلمين؟
أجيب بأنه (ص) فعل ذلك بيانا لجواز معاملة أهل الكتاب، وقيل: لأنه لم يكن عند أحد من مياسير أهل المدينة من
المسلمين طعام فاضل عن حاجته. والوثائق بالحقوق ثلاثة: شهادة، ورهن، وضمان. فالأولى لخوف الجحد،
والأخيرتان لخوف الافلاس، وأركان الرهن أربعة: صيغة، وعاقد، ومرهون، ومرهون به. وقد بدأ المصنف
رحمه الله تعالى بالأول فقال: (لا يصح إلا بإيجاب وقبول) أو ما يقوم مقامهما على الشرط المعتبر في البيع لأنه عقد
مالي فافتقر إليهما كالبيع. والقول في المعاطاة والاستيجاب مع الايجاب، والاستقبال مع القبول هنا كالبيع، وقد
مر بيانه. وصورة المعاطاة هنا كما ذكره المتولي أن يقول له: أقرضني عشرة لأعطيك ثوبي هذا رهنا فيعطي العشرة
ويقبضه الثوب. (فإن شرط فيه) أي الرهن (مقتضاه كتقدم المرتهن به) أي المرهون عند تزاحم الغرماء ليستوفي
منه دينه، (أو) شرط فيه (مصلحة للعقد كالاشهاد) به، (أو ما لا غرض فيه) كأن يأكل الرقيق المرهون كذا،
(صح العقد) في الأقسام الثلاثة كالبيع ولغا الشرط الأخير. (وإن شرط ما يضر المرتهن) وإن لم ينتفع به الراهن،
كشرط أن لا يبيعه إلا بعد شهر أو بأكثر من ثمن المثل أو لا يبيعه عند المحل أو يكون مضمونا أو لا يقدم به، (بطل
الرهن) أي عقده لاخلال الشرط بالغرض منه. (وإن نفع) الشرط (المرتهن، وضر الراهن كشرط) زوائد
المرهون، أو (منفعته للمرتهن بطل الشرط) لحديث: كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل. (وكذا)
121

يبطل (الرهن في الأظهر) لمخالفة الشرط مقتضى العقد، كالشرط الذي يضر المرتهن. والثاني: لا يبطل بل يلغو
الشرط ويصح العقد، لأنه تبرع، فلم يؤثر فيه ذلك، كالقرض، وتقدم الفرق بينهما. ولو شرط ما يضر الراهن
أو المرتهن في بيع بطل البيع أيضا لفساد الشرط، ومحل البطلان: إذا أطلق المنفعة، فإن قيدها وكان الرهن مشروطا
في بيع كقوله: وتكون منفعته لي سنة فهو جمع بين بيع وإجارة في صفقة وهو جائز. (ولو شرط أن تحدث زوائده)
أي المرهون كصوفه وثمره وولده، (مرهونة فالأظهر فساد الشرط) لأنها معدومة ومجهولة. والثاني: لا، لأن الرهن عند
الاطلاق إنما لم يتعلل زائد لضعفه، فإذا قوي بالشرط سرى. واحترز بالزوائد عن الاكساب فإن اشتراطه باطل على
القولين. قال الماوردي: ولو شرط أن تكون المنافع مرهونة بطل قطعا. (و) الأظهر (أنه متى فسد) الشرط المذكور
(فسد العقد) يعني أنه يفسد بفساد الشرط. وهذان القولان هما القولان في فساد الرهن بفساد شرط المنافع للمرتهن،
وقد مر توجيههما، فلو قال كشرط منفعته للمرتهن، أو (أن تحدث زوائده مرهونة إلخ) كان أخصر وأوضح. ثم شرع
في الركن الثاني وهو العاقد فقال: (وشرط العاقد) من راهن ومرتهن، (كونه مطلق التصرف) أي بأن يكون من
أهل التبرع مختارا كما في البيع ونحوه. (فلا يرهن الولي) أبا كان أو غيره. (مال الصبي والمجنون ولا يرتهن لهما)
أما الراهن فلانه يمنع من التصرف في المرهون، فهو حبس لمالهما بغير عوض. وأما الارتهان فلان الولي في حال
الاختيار لا يبيع إلا بحال مقبوض قبل التسليم فلا ارتهان. والسفيه والمجنون كالصبي فيما ذكر، فلو قال: ولا يرهن الولي
مال محجوره لشمله، أو يقول الولي ويطلق. (إلا لضرورة أو غبطة ظاهرة) فيجوز له الرهن والارتهان فيهما دون
غيرهما. مثالهما للضرورة أن يرهن على ما يقترض لحاجة المؤنة ليوفي مما ينتظر من غلة أو حلول دين، أو نفاق متاع
كأسد، وأن يرتهن على ما يقرضه أو يبيعه مؤجلا لضرورة نهب أو نحوه. ومثالهما للغبطة أن ما يساوي مائة على
ثمن ما اشتراه بمائة نسيئة وهو يساوي مائتين، وأن يرتهن على ثمن ما يبيعه نسيئة لغبطة كما سيأتي في باب الحجر.
وإنما يجوز بيع ماله مؤجلا لغبطة من أمين غني وبإشهاد وأجل قصير في العرف، ويشترط كون المرهون وافيا بالثمن
فإن فقد شرط من ذلك بطل البيع. وإن باع ماله نسيئة أو أقرضه لنهب ارتهن جوازا إن قاضيا وإلا فوجوبا، فإن
خاف تلف المرهون فالأولى أن لا يرتهن، لأنه قد يتلف ويرفعه إلى حاكم يرى سقوط الدين بتلف المرهون.
تنبيه: قد علم مما تقرر أنه لو عبر بما قدرته لكان أولى من التعبير بمطلق التصرف الذي فرع عليه قوله فلا
يرهن الولي لأنهم صرحوا بأنه مطلق التصرف في مال محجوره غير أنه لا يتبرع به، وحيث جاز الرهن والارتهان
جاز للأب والجد أن يعاملاه بأنفسهما ويتوليا الطرفين وليس لغيرهما ذلك. ورهن المكاتب وارتهانه كالولي فيما ذكر،
وكذا العبد المأذون له في التجارة إن أعطاه سيده مالا، وإلا فإن أتجر بجاهه بأن قال له سيده أتجر بجاهك ولم يعطه مالا
فكمطلق التصرف ما لم يربح، فإن ربح بأن حصل في يده مال كان كما لو أعطاه مالا. قال الزركشي: وحيث منعنا
المكاتب فيستثنى رهنه وارتهانه مع السيد، وما لو رهن على ما يؤدي به النجم الأخير لافضائه إلى العتق. ثم شرع
في الركن الثالث وهو المرهون فقال: (وشرط الرهن) أي المرهون (كونه عينا) يصح بيعها، (في الأصح) فلا يصح
رهن دين ولو ممن هو عليه، لأنه غير مقدور على تسليمه. والثاني: يصح رهنه تنزيلا له منزلة العين. ولا يصح رهن
منفعة جزما كأن يرهن سكنى داره مدة، لأن المنفعة تتلف فلا يحصل بها استيثاق. ومحل المنع في الابتداء فلا ينافي كون
المرهون دينا أو منفعة بلا إنشاء، كما لو مات عن المنفعة وعليه دين أو أتلف المرهون فبدله في ذمة الجاني رهن على
الأرجح في زوائد الروضة، ولا رهن عين لا يصح بيعها كوقف ومكاتب وأم ولد. (ويصح رهن المتاع) كرهن كله
122

من الشريك وغيره، ولا يحتاج إلى إذن الشريك، ويقبض بتسليم كله كما في البيع فيكون بالتخلية في غير المنقول
وبالنقل في المنقول. ولا يشترط إذن الشريك في القبض إلا فيما ينقل، لأنه لا يحصل قبضه إلا بالنقل كما مر. ولا يجوز
نقله بغير إذن الشريك، فإن أبى الاذن فإن رضي المرتهن بكونه في يد الشريك جاز وناب عنه في القبض، وإن تنازعا
نصب الحاكم عدلا يكون في يده لهما ويؤجره إن كان مما يؤجر، وتجري المهايأة بين المرتهن والشريك كجريانها بين
الشريكين. (و) يصح رهن (الام) قال الشارح: من الإماء، (دون ولدها) غير المميز. (وعكسه) أي رهنه
دونها، لأن الملك فيهما باق فلا تفريق، وهو في الام عيب يفسخ به البيع المشروط فيه الرهن إن جهل المرتهن كونها
ذات ولد. فإن قيل: ما فائدة قول الشارح من الإماء مع أن المتن أعم من ذلك؟ أجيب بأنه حمل كلامه على كلام
الأصحاب إذ كلامهم في الأمة، وأيضا جميع الأحكام الآتية إنما تتأتى فيها. (وعند الحاجة) إلى توفية الدين من ثمن
المرهون (يباعان) معا حذرا من التفريق بينهما المنهي عنه. (ويوزع الثمن) عليهما كما قال، (والأصح أن تقوم الام
وحدها) إذا كانت هي المرهونة فتقوم موصوفة بكونها ذات ولد حاضنة له. فإذا قيل: قيمتها مائة مثلا حفظ.
(ثم) تقوم (مع الولد) فإذا قيل قيمتهما مائة وخمسون مثلا (فالزائد) على قيمتها وهو خمسون (قيمته) فيوزع
الثمن على هذه النسبة فيكون للمرتهن ثلثا الثمن يقضى منه الدين وللرهن الثلث لا تعلق المرتهن به. والأصح في صورة
رهن الولد دونها أن التقويم ينعكس فيقوم الولد وحده محضونا مكفولا ثم مع أمه فالزائد قيمة الام، وحكم الولد مع
الأب وغيره ممن يمتنع التفريق بينهما كحكمه مع الام. (ورهن الجاني والمرتد كبيعهما) وتقدم في البيع أنه لا يصح
جميع الجاني المتعلق برقبته مال بخلاف المتعلق بها قود أو بذمته مال، وفي الخيار أنه يصح بيع المرتد. وإذا صح رهن
الجاني لا يكون مختارا للفداء بخلاف بيعه على وجه، لأن محل الجناية باق في الرهن بخلافه في البيع. ورهن المحارب
صحيح أيضا كبيعه. (ورهن المدبر) وهو المعلق عتقه بموت سيده باطل على المذهب وإن جاز بيعه لما فيه من الغرر،
لأن السيد قد يموت فجأة فيبطل مقصود الرهن. وقيل: يجوز كبيعه، قال في الروضة: وهو قوي في الدليل. وقيل: على
قولين مبنيين على أن التدبير وصية أو تعليق عتق بصفة، فإن قلنا بالأول جاز وكان رجوعا أو بالثاني فلا، وهذه
الطريقة أقرب إلى القياس. (و) رهن (المعلق عتقه بصفة تتقدم على حلول الدين) بأن يتيقن الحلول بعد وجود
الصفة. وكذا لو احتمل الأمران أو علمت المقارنة أولم تعلم، بل كان (يمكن سبقها حلول الدين باطل على المذهب) إذا
لم يشرط بيعه قبل وجدوها لما فيه من الغرر، لأنه رهن ما لا يمكن الاستيفاء منه. وقيل فيه قول آخر: إنه يجوز،
وهو مخرج من رهن ما يتسارع إليه الفساد. وفرق الأول بأن الظاهر في هذا من جهة الراهن بيعه إذا خشي تلفه وجعل ثمنه
رهنا. والظاهر في ذلك بقاؤه على الوفاء به لغرضه في تحصيل العتق، فإن شرط بيعه قبل وجود الصفة أو تيقن
حلوله قبلها بأن رهنه بحال أو مؤجل يحل قبل وجودها بزمن يسع البيع صح الرهن جزما. ولا بد من هذا القيد فيما
إذا كان الدين حالا، وإذا كان كذلك فالمدبر لا يعلم فيه ذلك، فسقط ما قيل: إن التدبير تعليق عتق بصفة على الأصح،
فكان ينبغي أن يصح بالدين الحال كالمعلق عتقه بصفة كما قاله البلقيني، أو يمنع فيهما كما قال السبكي، وقال: إنه
مقتضى إطلاق النصوص اه‍. وفرق بعضهم بأن العتق في المدبر آكد منه في المعلق عتقه بصفة، بدليل أنهم اختلفوا
في جواز بيعه دون المعلق بصفة، أي ولان بعض المذاهب يمنع صحة بيع المدبر، فإن لم يبع المعلق عتقه بصفة حتى
وجدت عتق كما رجحه ابن المقري بناء على أن العبرة في العتق المعلق بحال التعليق لا بحال وجود الصفة، وللمرتهن الخيار
بالعتق في فسخ البيع المشروط فيه الرهن إن جهل التعليق كما في رهن الجاني. (ولو رهن ما يسرع فساده) بمؤجل
123

يحل بعد الفساد أو معه أو قبله بزمن لا يسع البيع. (فإن أمكن تجفيفه كرطب) يجئ منه ثمر، أو عنب يجئ منه زبيب،
أو لحم طري يتقدد. (فعل) حفظا للرهن، والمجفف له هو المالك ومؤنته عليه كما قاله صاحب المطلب. أما إذا كان
يحل قبل فساده بزمن يسع البيع فإنه يباع على حاله. (وإلا) أي وإن لم يكن تجفيفه كالثمرة التي لا تجفف واللحم الذي
لا يتقدد والبقول ينظر، (فإن رهنه بدين حال أو مؤجل يحل قبل فساده) بزمن يسع بيعه فيه على العادة، (أو) يحل بعد
فساده أو معه، لكن (شرط) في هاتين الصورتين (بيعه) عند إشرافه على الفساد (وجعل الثمن رهنا) مكانه (صح)
الرهن في الصور كلها لانتفاء المحذور. فإن قيل: شرط جعل ثمنه رهنا ينافيه ما يأتي من أن الاذن في بيع المرهون
بشرط جعل ثمنه رهنا لا يصح. أجيب بأن ذلك اغتفر هنا للحاجة. (ويباع) المرهون وجوبا في الصورتين الأخيرتين
(عند خوف فساده) عملا بالشرط وحفظا للوثيقة، وكذا يباع في الصورتين الأولتين كما في الروضة وأصلها.
(ويكون ثمنه رهنا) مكانه في الصور كلها بلا إنشاء عقد. (وإن شرط منع بيعه) قبل الحلول (لم يصح) الرهن
لمنافاة الشرط المقصود التوثق. (وإن أطلق) بأن لم يشرط واحدا منهما (فسد) الرهن (الأظهر) لتعذر الوفاء
منه، لأن البيع قبل المحل لم يؤذن فيه وليس من مقتضى الرهن. وهذا ما عزاه الرافعي في الشرح الكبير إلى تصحيح
العراقيين وهو المعتمد. والثاني يصح، وعزاه الرافعي في الشرح الصغير إلى تصحيح الأكثرين، وقال الأسنوي:
إن الفتوى عليه. ويباع عند تعرضه للفساد، لأن الظاهر أنه لا يقصد إتلاف ماله. (وإن لم يعلم هل يفسد) المرهون
(قبل) حلول (الاجل صح) الرهن المطلق، (في الأظهر) لأن الأصل عدم فساده قبل الحلول. والثاني: يفسد،
لجهلنا إمكان البيع عند المحل، وهو نظير ما صححه في المعلق عتقه بصفة لا يعلم تتقدم أو تتأخر. وفرق الأول بأن سبب
الفساد ثم وهو التعليق موجود عند ابتداء الرهن بخلافه هنا، وبأن علامة الفساد هنا تظهر دائما بخلافها ثم، وبأن
الشخص ليس له غرض في إتلاف ماله وله غرض في عتقه لتشوف الشارع إليه. ولو أذن الراهن للمرتهن في بيع المرهون
فرط بأن تركه أو لم يأذن له وترك الرفع إلى القاضي كما بحثه الرافعي وقواه المصنف ضمن. فإن قيل: سيأتي أنه يصح
بيع المرتهن إلا بحضرة المالك فينبغي حمل الصورة الأولى عليه. أجيب بأن بيعه ثم إنما امتنع في غيبة المالك لكونه
للاستيفاء وهو متهم بالاستعجال في ترويج السلعة، بخلافه هنا فإن غرضه الزيادة في الثمن ليكون وثيقة له. ولو رهن الثمر
مع الشجر صح مطلقا، إلا إن كان الثمر لا يتجفف فله حكم ما يسرع إليه الفساد فيصح تارة ويفسد أخرى،
ويصح
في الشجر مطلقا، ووجهه عند فساده في الثمرة البناء على تفريق الصفقة. وإن رهن الثمرة مفرد فإن كانت لا تتجفف
فهي كما يتسارع إليه الفساد، وقد تقدم حكمه، وإن كانت تتجفف جاز رهنها ولو قبل بدو الصلاح وبغير شرط قطع،
لأن حق المرتهن لا يبطل باحتياجها، بخلاف البيع فإن حق المشتري يبطل. ولو رهنها بمؤجل يحل قبل الجداد وأطلق
الرهن بأن لم يشرط القطع ولا عدمه لم يصح، لأن العادة في الثمار الابقاء إلى الجداد، فأشبه ما لو رهن شيئا على أن
لا يبيعه عند المحل إلا بعد أيام ويجبر الراهن على إصلاحها من سقي وجداد وتجفيف ونحوها، فإن ترك إصلاحها برضا
المرتهن جاز، لأن الحق لهما لا يعدوهما وهما مطلقا التصرف وليس لأحدهما منع الآخر من قطعها وقت الجداد،
أما قبله فلكل منهما المنع إن لم تدع إليه ضرورة. ولو رهن ثمرة يخشى اختلاطها بدين حال أو مؤجل يحل قبل
الاختلاط أو بعده بشرط قطعها قبله صح إذ لا مانع، وإن أطلق الرهن صح على الأصح، فإن اختلط قبل القبض حيث
صح العقد انفسخ لعدم لزومه أو بعده فلا، ثم إن اتفقا على كون الكل أو البعض رهنا فذاك وإلا فالقول قول الراهن
في قدره بيمينه. ورهن ما اشتد حبه من الزرع كبيعه، فإن رهنه مع الأرض أو منفردا وهو بقل فكرهن الثمرة مع
124

الشجرة أو منفردة قبل بدو الصلاح وقد مر. (وإن رهن ما لا يسرع فساده فطرأ ما عرضه للفساد) قبل الحلول، (كحنطة
ابتلت لم ينفسخ الرهن بحال) وإن تعذر تجفيفها، لأن الدوام أقوى من الابتداء. ألا ترى أن الآبق لا يصح بيعه،
ولو أبق بعد البيع وقبل القبض لم ينفسخ؟ فكذا هنا، وسواء طرأ قبل القبض أم بعده، بل يجبر الراهن عند تعذر
تجفيفه على بيعه وجعل ثمنه رهنا مكانه حفظا للوثيقة. (ويجوز أن يستعير شيئا ليرهنه) بدينه، لأن الرهن توثق،
وهو يحصل بما لا يملكه بدليل الاشهاد والكفالة، بخلاف بيع ملك غيره لنفسه لا يصح، لأن البيع معاوضة فلا يملك
الثمن من لا يملك المثمن. وشمل كلامهم الدراهم والدنانير فتصح إعارتهما لذلك، وهو المتجه كما قاله الأسنوي وإن لم
تصح إعارتهما لغير ذلك. (وهو) أي عقد الاستعارة بعد الرهن، (في قول عارية) أي باق عليها لم يخرج عنها من
جهة المعير إلى ضمان الدين في ذلك الشئ، وإن كان يباع فيه كما سيأتي. (والأظهر أنه ضمان دينا) من المعير (في
رقبة ذلك الشئ) المرهون، لأنه كما يملك أن يلزم ذمته دين غيره، فينبغي أن يملك إلزام ذلك عين ماله، لأن كلا منهما
محل حقه وتصرفه، فعلم أنه لا تعلق للدين بذمته حتى لو مات لم يحل الدين، ولو تلف المرهون لم يلزمه الأداء. (فيشترط)
على هذا (ذكر جنس الدين) ككونه ذهبا أو فضة، (وقدره) كعشرة أو مائة، (وصفته) من صحة وتكسر
وحلول وتأجيل، لاختلاف الأغراض بذلك كما في الضمان. (وكذا المرهون عنده) فيشترط ذكره (في الأصح)
لما مر. والثاني: لا يشترط لضعف الغرض فيه. ولا يشترط شئ مما ذكر على قول العارية. ومتى خالف ما عينه له بطل
الرهن على القولين للمخالفة، لا إن رهن بأقل مما عينه له كأنه عين له ألف درهم فرهنه بمائة فلا يبطل لرضا المعير
به في ضمن رضاه بالأكثر. هذا إذا كان من جنسه، فلو قال: ارهنه بمائة دينار فرهنه بمائة درهم لم يصح
لاختلاف الأغراض بذلك، ولو رهنه بأزيد مما عينه بطل في الجميع لا في الزائد فقط للمخالفة وإن خالف في ذلك
بعض المتأخرين، ولو استعاره ليرهنه عند واحد فرهنه عند اثنين أو عكسه لم يصح لاختلاف الأغراض بذلك، إذ
في الأولى قد يبيع أحد المرتهنين المرهون دون الآخر، فيتشقص الملك على المعير، وفي الثانية لا ينفك منه شئ بأداء
بعض الدين بخلاف ما لو رهنه من اثنين، فإنه ينفك بأداء نصيب أحدهما ما يخصه من المرهون. ولو قال له
المالك: ضمنت ما لفلان عليك في رقبة عبدي من غير قبول المضمون له كفى وكان كالإعارة للرهن.
(فلو تلف) المرهون المعار بعد رهنه أو بيع في جنايته (في يد المرتهن فلا ضمان) على المرتهن بحال
لأنه أمين، ولا على الراهن على قول الضمان لأنه لم يسقط الحق عن ذمته ويضمنه على قول العارية. أما إذا تلف
في يد الراهن فعليه ضمانه لأنه مستعير ولم يتم عليه حكم الضمان. ولو أعتقه المالك فكإعتاق المرهون فينفذ قبل قبض
المرتهن له مطلقا وبعده من الموسر دون المعسر. ولو أتلفه إنسان أقيم بدله مقامه كما قال الزركشي: إنه ظاهر كلامهم.
(ولا رجوع للمالك بعد قبض المرتهن) على القولين، وإلا لم يكن لهذا الرهن معنى، إذ لا وثوق به. وأفهم جواز
الرجوع قبل قبضه، وهو كذلك على القولين لعدم لزومه، وللمرتهن حينئذ فسخ بيع شرط فيه رهن ذلك إن جهل الحال.
وإذا كان الدين مؤجلا وقبض المرتهن المعار فليس للمالك إجبار الراهن على فكه، (فإذا حل الدين أو كان حالا)
وأمهله المرتهن فللمالك ذلك، فإن طالبه وامتنع من أداء الدين، (روجع المالك للبيع) فقد يريد فداءه، لأن المالك
لو رهن عن دين نفسه لوجبت مراجعته فهنا أولى. (و) بعد ذلك (يباع) المعار (إن لم يقض الدين) من جهة
المالك، أو لراهن على القولين وإن لم يأذن المالك، وسواء أكان الراهن معسرا أم موسرا، كما يطالب الضامن في
125

الذمة مع يسار الأصيل وإعساره. (ثم يرجع المالك) على الراهن (بما بيع به) المرهون لانتفاع الراهن به
في دينه، سواء بيع بقيمته أم بأكثر أم أقل بقدر يتغابن الناس بمثله. هذا على قول الضمان، وأما على قول العارية
فيرجع بقيمته إن بيع بها أو بأقل، كذا بأكثر عند الأكثرين لأن العارية بها تضمن. وقال القاضي أبو الطيب
وجماعة: يرجع بما بيع به لأنه ثمن ملكه، قال الرافعي: وهذا أحسن. زاد في الروضة: هذا هو الصواب. وإن قضى
من جهة الراهن انفك الرهن ورجع المالك في عين ماله، فإن قضاه المالك انفك الرهن ورجع بما دفعه على الراهن
إن قضى بإذنه وإلا فلا رجوع له كما لو أدى دين غيره في غير ذلك. فإن قيل: الرهن بالاذن كالضمان به فيرجع وإن
قضى بغير الاذن أيضا. أجيب بأن محل ذلك إذا قضى من ثمن المرهون كما مر، أما إذا قضى من غيره كما هنا فلا.
وحاصله قصر الرجوع فيهما على محل الضمان، وهو هنا رقبة المرهون وثم ذمة الضامن، فإن أنكر الراهن الاذن
فشهد به المرتهن للمعير قبل لعدم التهمة ويصدق الراهن في عدم الإذن لأن الأصل عدمه. ولو رهن شخص شيئا
من ماله عن غيره يأذنه صح ويرجع عليه إن بيع بما بيع به أو بغير إذنه صح ولم يرجع عليه بشئ كنظيره في الضمان
فيهما. ولو قال المديون لغيره: أرهن عبدك مثلا بديني من فلان، فرهنه فهو كما لو قبضه ورهنه. ثم شرع في الركن
الرابع وهو المرهون به مترجما بفصل، فقال:
فصل: شرط المرهون به كونه دينا: فلا يصح الرهن بالعين مضمونة كانت كالمغصوب كما سيأتي، أو أمانة كالمودوع
ومال القراض، لأنه تعالى ذكر الرهن في المداينة فلا يثبت في غيرها، ولأنها لا تستوفي من ثمن المرهون وذلك مخالف
لغرض الرهن عند البيع. ومن هنا يؤخذ بطلان ما جر ت به عادة بعض الناس من كونه يقف كتابا. وبشرط أن لا يعار
أو لا يخرج من مكان يحبسه فيه إلا برهن، وبه صرح الماوردي وإن أفتى القفال بخلافه. وبحث السبكي بحثا حسنا،
وهو أن الواقف إن عنى الوقف الشرعي لم يصح، أو اللغوي وهو أن يكون المرهون تذكرة صح، وإن لم يعرف له إرادة
فالأقرب صحته ويحمل على الثاني تصحيحا للكلام ما أمكن. واعترض الزركشي قوله: إن الأقرب صحته، وحمله
على اللغوي بأن الأحكام الشرعية لا تتبع اللغة إذ كيف يحكم بالصحة مع أنه لا يجوز له حبسه شرعا، وأي فائدة في الصحة
حينئذ؟ اه‍. وضعف بعضهم ما أفتى به القفال بأن الراهن أحد المستحقين والراهن لا يكون مستحقا، إذ المقصود بالرهن
الوفاء من ثم المرهون عند التلف، وهذا الموقوف لو تلف بغير تعد ولا تفريط لم يضمن، وعلى إلغاء الشرط لا يجوز
إخراجه برهن لتعذره ولا بغيره فكأنه قال لا يخرج مطلقا. نعم إن تعسر الانتفاع به في المحل الموقوف فيه ووثق بمن
ينتفع به فيغير ذلك المحل أنه يرده إلى محله بعد قضاء حاجته جاز إخراجه كما أفتى به بعض المتأخرين. ويشترط في
الدين ثلاثة شروط: أحدها كونه (ثابتا) فلا يصح بغيره، سواء أوجد سبب وجوبه كنفقة زوجته في الغد أم لا
كرهنه على ما سيقرضه كما سيأتي، لأن الرهن وثيقة حق فلا تقدم عليه كالشهادة. فلو ارتهن قبل ثبوت الحق وقبضه
كان مأخوذا على جهة سوم الرهن، فإذا استحقت المنفعة أو استقرض لم يصر رهنا إلا بقبض جديد. ثانيها: كونه
معلوما للعاقدين، فلو جهلاه أو أحدهما لم يصح كما في الضمان، ذكره المتولي وغيره، ونص الام بشهد له. ثالثها: كونه
(لازما) فلا يصح بما لا يلزم ولا يؤول إلى اللزوم كمال الكتابة كما سيأتي، لأنه لا فائدة في الوثيقة مع تمكن المديون
من إسقاط الدين. ثم شرع المصنف في بعض محترزات الشروط التي ذكرها، فقال: (فلا يصح بالعين المغصوبة
والمستعارة في الأصح) لما مر: والثاني: يصح كضمانها لترد بجامع التوثق. وفرق الأول بأن ضمانها لا يجر لو لم تتلف
إلى ضرر، بخلاف الرهن بها فيجر إلى ضرر دوام الحجر في المرهون.
تنبيه: لو عبر بالعين المضمونة لكان أخصر وأشمل لتناولها لمأخوذ ببيع فاسد والمأخوذ بسوم والمبيع والصداق
قبل القبض، بل لو اقتصر على العين لكان أولى ليشمل غير المضمون كالمودوع كما مر. وهذه المسائل خرجت
126

عن الصحة بقوله: دينار. (ولا بما سيقرضه) لما مر، وعن ذلك الدخل في الدين بتجوز احترز بقوله ثابتا. (ولو)
امتزج الرهن بسبب ثبوت الدين، كأن (قال: أقرضتك هذه الدراهم وارتهنت بها عبدك، فقال: اقترضت ورهنت، أو
قال: بعتكه بكذا وارتهنت الثوب به، فقال: اشتريت ورهنت، صح في الأصح) لأن شرط الرهن في ذلك جائز، فمزجه
أولي لان التوثق فيه آكد لأنه قد لا يفي بالشرط. والثاني: لا يصح، قال الرافعي: وهو القياس لأن أحد شقي العقد قد
تقدم على ثبوت الدين. وأجاب الأول بأن ذلك اغتفر لحاجة التوثق، وبهذا يعلم أنه لا حاجة هنا في صورة البيع
إلى تقدير وجود الثمن وانعقاد الرهن عقبه، بخلاف ما لو قال: أعتق عبدك عني بكذا فأعتقه عنه فإنه يقدر الملك له ثم
يعتق عليه لاقتضاء العتق تقدم الملك. وهذا الترتيب الذي ذكره المصنف شرط وضابطه أن يتقدم الخطاب بالقرض
مثلا على الخطاب بالرهن، وجواب القرض على جواب الرهن. وقال: بعتك أو زوجتك أو أجرتك بكذا على أن ترهنني
كذا، فقال: اشتريت أو تزوجت أو استأجرت ورهنت صح كما رجحه ابن المقري، وإن لم يقل الأول بعد ارتهنت
أو قبلت لتضمن هذا الشرط الاستيجاب. ومن صور مزج الرهن: أن يقول بعني عبدك بكذا ورهنت به هذا الثوب
، فيقول: بعت وارتهنت. (ولا يصح) الرهن (بنجوم الكتابة) لما سلف. (ولا يجعل الجعالة قبل الفراغ) من
العمل لأن لهما فسخها متى شاء. فإن قيل: الثمن في مدة الخيار كذلك مع أنه يصح كما سيأتي. أجيب بأن
موجب
الثمن البيع وقد تم، بخلاف موجب الجعل وهو العمل. وعن المسألتين احترز بقوله لازما. وصورة المسألة أن يقول
: مرد عبدي فله دينار، فيقول شخص: ائتني برهن وأنا أرده، ومثله: إن رددته فلك دينار وهذا رهن به، أو من
جاء به فله دينار وهذا رهن به لم يصح. (وقيل يجوز بعد الشروع) في العمل لانتهاء الامر فيه إلى اللزوم ما بعد الفراغ
منه فيصح قطعا للزوم الجعل به. (ويجوز) الرهن (بالثمن في مدة الخيار) لأنه آيل إلى اللزوم، والأصل في وضعه
اللزوم، بخلاف جعل الجعالة. وظاهر أن الكلام حيث قلنا ملك المشتري المبيع ليملك البائع الثمن كما أشار إليه الامام،
ولا شك أنه لا يباع المرهون في الثمن ما لم تمض مدة الخيار، دخلت المسألة في قوله لازما بتجوز. قال الأسنوي وغيره:
ولا يغني عن الثابت اللازم، لأن الثبوت معناه الوجود في الحال. واللزوم وعدمه صفة للدين في نفسه لا يتوقف
على وجود الدين، كما يقال: دين الفرض لازم، ودين الكتابة غير لازم، فلو اقتصر على الدين اللازم لورد عليه
ما سيقرضه ونحوه مما لم يثبت. وقال ابن الصلاح: ولان الالتزامات لا يكتفى بها في المخاطبات، وهما وصفان
مقصودان يحترز بهما عن عدم الثبوت واللزوم. ولا فرق في الدين بين المستقر: كدين القرض وثمن
المبيع المقبوض، وغير المستقر: كثمن المبيع قبل قبضه. والأجرة قبل الانتفاع في إجارة العين، والصداق قبل الدخول،
أما الأجرة في إجارة الذمة فلا يصح الرهن بها لعدم لزومها في الذمة، إذ يلزم قبضها في المجلس قبل التفرق، فهي
كرأس مال السلم. ويصح بالمنفعة في إجارة الذمة لأنها في إجارة العين، لأنها في الأولى دين بخلافها في الثانية. ويصح
بمال المسابقة، لأن الأصل في عقدها اللزوم لا بالدية قبل الحلول لأنها لم تثبت، ولهذا تسقط بطرو الموت والجنون
بخلافها بعد الحلول لثبوتها في الذمة. ولا بالزكاة ولو بعد الحلول لعدم ثبوتها قبله، ولعدم الدين بعده كما اقتضاه
كلام الأسنوي وابن المقري، لتعلقها بالعين شركة. والمعتمد الجواز بعد الحول كما في أصل الروضة، لأن الزكاة قد تجب في الذمة
ابتداء كزكاة الفطر ودواما بأن تلف المال بعد الحول. وبتقدير بقائه، فالتعلق به ليس على سبيل الشركة الحقيقية لأن له
أن يعطي من غيرها بغير رضا المستحقين قطعا فصارت الذمة كأنها منظور إليها. (و) يجوز (بالدين) الواحد (رهن
بعد رهن) لأنه زيادة في الوثيقة ويصيران كما لو رهنهما معا. (ولا يجوز أن يرهنه المرهون) قال الشارح: بالنصب مفعول
127

ثان. (عنده بدين آخر) مع بقاء رهنه الأول، (في الجديد) وإن وفى بالدينين وكانا من جنسين، كما لا يجوز رهنه عند
غير المرتهن. والقديم الجواز، ونص عليه في الجديد أيضا كما تجوز الزيادة على الرهن بدين واحد. وفرق
الأول بأن
الدين يشغل الرهن ولا ينعكس، والزيادة في الرهن شغل فارغ فيصح، والزيادة في الدين شغل مشغول فلا يصح. نعم
لو جنى الرقيق المرهون ففداه المرتهن بإذن الراهن ليكون رهنا بالدين والفداء جاز لأنه من مصالح الرهن لتضمنه استيفاءه
، ومثله لو أنفق المرتهن على المرهون بإذن الحاكم لعجز الراهن عن النفعة أو غيبته ليكون مرهونا بالدين والنفقة، وكذا
لو أنفق عليه بإذن الراهن كما قاله القاضي أبو الطيب والروياني وإن نظر فيه الزركشي. ولو رهن الوارث التركة التي عليها
الدين ولو غير مستغرق لها من غريم الميت بدين آخر لم يصح كالعبد الجاني وتنزيلا للرهن الشرعي منزلة الرهن الجعلي.
(ولا يلزم) الرهن من جهة الراهن (إلا بقبضه) أي المرهون، لقوله تعالى: * (فرهان مقبوضة) *، فلو لزم بدون القبض
لم يكن للتقييد به فائدة، ولأنه عقد تبرع يحتاج إلى القبول فلا يلزم إلا بالقبض كالهبة والقرض. ولا ترد الوصية لأنها إنما
تحتاج إلى المقبول فيما إذا كان الموصى له معينا فللراهن الرجوع فيه قبل القبض، أما المرتهن لنفسه فلا يلزم في حقه بحال،
وقد يتصور فسخه للرهن بعد قبضه كأن يكون الرهن مشروطا في بيع ويقبضه قبل التفرق من المجلس ثم يفسخ البيع
فينفسخ الرهن تبعا. قال الرافعي في باب الخيار: والمراد بالقبض القبض المعهود في البيع ولا بد أن يكون القبض والاقباض
كاثنين. (ممن يصح) منه (عقده) أي عقد الرهن، فلا يصح شئ منهما من غيره كصبي ومجنون ومحجور سفه. (وتجري
فيه) أي في كل من القبض والاقباض، (النيابة) كالعقد، (لكن لا يستنيب) المرتهن في القبض (الراهن) ولا نائبه
في الاقباض لئلا يؤدي إلى اتحاد القابض والمقبض. خرج بذلك ما لو كان الراهن وكيلا في عقد الرهن فقط أو وليا فرشد
موليه مثلا، فإنه يجوز للمرتهن أن يستنيبه في القبض لانتفاء العلة، مع أن عبارة المصنف تقتضي عدم الصحة في ذلك، فلو
قال: لكن لا يستنيب مقبضا من راهن أو نائبه لكان أولى، وكان ينبغي أن يقول: ولا عكسه، لأن الراهن لو قال للمرتهن:
وكلتك في قبضه لنفسك لم يصح. فإن قيل: أطلقوا أنه لو أذن له في قبضه صح وهو إنابة في المعنى. أجيب بأن إذنه إقباض
منه لا توكيل. (ولا) يستنيب (عبده) أي الراهن، ولو كان مأذونا له في التجارة أو مدبرا لأن يده كيد مولاه. (وفي المأذون
له وجه) أنه يصح لانفراده باليد والتصرف كالمكاتب. وفرق الأول بأن السيد متمكن من الحجر عليه وأم الولد كالقن.
فإن قيل: لو وكل رجل العبد في شراء نفسه من مولاه صح مع أنه لا يصح فيما لو وكل مولاه، فليست هنا يد العبد كيد
مولاه. أجيب بأن شراء العبد نفسه من مولاه صحيح في الجملة لتشوف الشارع إلى العتق، فلم ينظروا فيه إلى تنزيل العبد
منزلة مولاه في ذلك. (ويستنيب مكاتبه) لاستقلاله باليد والتصرف كالأجنبي، ومثله المبعض إذا كان بينه وبين سيده
مهايأة ووقع القبض في نوبته، وإن وقع التوكيل في نوبة السيد ولم يشترط فيه القبض في نوبته. (ولو رهن) ماله بيد غيره
منه، كأن رهن (وديعة عند مودع أو مغصوبا عند غاصب) أو مؤجرا عند مستأجر أو مقبوضا بسوم عند مستام
أو معارا عند مستعير، (لم يلزم) هنا الرهن (ما لم يمض زمن إمكان قبضه) أي المرهون كنظيره في البيع، لأنه لو لم
يكن في يده لكان اللزوم متوقفا على هذا الزمان، وابتداء زمن إمكان القبض من وقت الاذن فيه لا العقد. وأفهم أنه لا يشترط
ذهابه إليه وهو الأصح. (والأظهر اشتراط إذنه) أي الراهن (في قبضه) لأن يده كانت عن غير جهة الرهن ولم
يقع تعرض للقبض عنه. والثاني: لا يشترط، لأن العقد مع صاحب اليد يتضمن الاذن. ولو رهن الأب ماله عند طفله أو عكسه
اشترط فيه مضي زمن الامكان وقصد الأب للقبض كالاذن فيه. (ولا يبرئه ارتهانه عن الغصب) وإن لزم، لأنه وإن كان
128

عقد أمانة فالغرض منه التوثق وهو لا ينافي الضمان، بدليل ما لو رهنه شيئا فتعدى فيه فإنه لا يبطل الرهن، وكذا لا يبرأ
المستعير بالرهن وإن منعه المعير الانتفاع لما مر، ويجوز له الانتفاع بالمعار الذي ارتهنه لبقاء الإعارة، وإن رجع المعير
فيه امتنع ذلك عليه، وللغاصب إجبار الراهن على إيقاع يده عليه ليبرأ من الضمان ثم يستعيره منه بحكم الرهن، وليس للراهن
إجباره على رد المرهون إليه ليوقع يده عليه ثم يستعيره (ويبرئه) عن الغصب منه المرتهن بحكم الرهن إذ لا غرض له في براءة المرتهن
(الايداع في الأصح) لأن الايداع ائتمان، وهو ينافي الضمان، بدليل أنه لو تعدى في الوديعة
لم يبق أمينا بخلاف الرهن. والثاني: لا يبرئه كالرهن، ورد بما مر. ولو أبرأ الغاصب من ضمان المغصوب وهو باق لم يبرأ لأن
الأعيان لا يبرأ منها، إذ الابراء إسقاط ما في الذمة أو تمليكه. وكذا لو أبرأه عن ضمان ما يثبت في ذمته بعد تلفه لأنه إبراء
عما لم يجب. ولو أجره المغصوب أو قارضه فيه أو وكله في التصرف فيه أو زوجه إياه لم يبرأ لما علم مما مر في رهنه منه. نعم
إن تصرف في مال القراض أو فيما وكل فيه برئ لأنه سلمه بإذن مالكه وزالت عنه يده، وكذا كل من كانت يده يد
ضمان كالمستعير والمستام. وقد علم مما تقرر أن هذا الحكم لا يختص بالارتهان ولا بالغصب. (ويحصل الرجوع عن الرهن
قبل القبض بتصرف يزيل الملك كهبة مقبوضة) وبيع وإعتاق لزوال محل الرهن، (وبرهن مقبوض وكتابة) لتعلق
حق الغير به.
تنبيه: تقييده تبعا للرافعي الهبة والرهن بالقبض يقتضي أن ذلك بدون قبض لا يكون رجوعا، وهو موافق لتخريج
الربيع وتنظيره في الأصح. والذي نقله السبكي وغيره عن النص: أنه رجوع، وهو المعتمد، وقال الأذرعي: والصواب
على المذهب حذف لفظ القبض في الهبة والرهن جميعا لأنها زيادة موهمة. وقضية إطلاق المصنف تبعا لغيره الكتابة أنه
لا فرق فيها بين الصحيحة والفاسدة في الجزم بها، وإلحاق الفاسد بالتدبير في جريان الخلاف أشبه لأنها تعليق عتق
بصفة. (وكذا تدبير) يحصل به الرجوع (في الأظهر) لأن مقصوده العتق، وهو مناف للرهن. والثاني: لا، لأن
الرجوع عن التدبير ممكن. (وبإحبالها) منه أو من أبيه كما في فتاوى القاضي لتعلق العتق به. (لا الوطئ) بغير إحبال
وإن أنزل وكانت ممن تحبل لأنه ليس سببا لزوال الملك. (و) لا (التزويج) إذ لا تعلق له بمورد الرهن، سواء أكان
المزوج عبدا أم أمة، بل رهن المزوج ابتداء صحيح كالإجارة، ولو حل الدين المرهون قبل انقضائها، لأن رهن المؤجر
وبيعه صحيحان. (ولو مات العاقد) الراهن أو المرتهن، (قبل القبض) للمرهون، (أو جن) أو أغمي عليه، (أو تخمر
العصير أو أبق العبد) قبل القبض فيهن أيضا، (لم يبطل الرهن في الأصح) أما الموت فلان مصير الرهن إلى اللزوم
فيتأثر بموته كالبيع في زمن الخيار، ووجه مقابله أنه جائز كالوكالة. وعلى الأول يقوم وارث الراهن مقامه في الاقباض
ووارث المرتهن مقامه في القبض. وأما الاغماء والجنون فمرتبان على الموت، فإن قلنا لا يبطل ثم، فهنا أولى، وإلا
فوجهان، وعلى الأصح يقوم من ينظر في مال المجنون مقامه في القبض والاقباض. والمغمى عليه تنتظر إفاقته، وحجر
الفلس أو السفه على أحدهما كالجنون على المذهب، وأما في التخمر والإباق فبالقياس على ما لو كان بعد القبض لاغتفار
ما يقع في الدوام، ووجه مقابله اختلاله في حال ضعف الرهن وعدم لزومه. وعلى الأول يبطل حكم الرهن للعصير ولو بعد
القبض ما دام متخمرا لخروجه عن المالية، فإن تخلل عاد رهنا كما عاد ملكا. وللمرتهن الخيار في البيع المشروط فيه الرهن
سواء تخلل أم لا إن كان قبل القبض لنقصان الخل عن العصير في الأول، وفوات المالية في الثاني، أما بعد القبض فلا خيار
له لأنه متخمر في يده، فلو قبضه خمرا وتخلل استأنف القبض لفساد القبض الأول بخروج العصير عن المالية لا العقد لوقوعه حال
المالية، ولا بطلان قطعا في الموت أو الجنون أو الإباق بعد القبض. ولو ماتت الشاة المرهونة في يد الراهن أو المرتهن فدبغ المالك
129

أو غيره جلدها عاد ملكا للراهن ولم يعد رهنا، لأن ماليته حدثت بالمعالجة بخلاف الخل. فإن قيل: قد يحدث بها أيضا كنقله
من شمس إلى ظل وعكسه، وقد يقع الجلد في مدبغة من غير معالجة. أجيب بأن ذلك نادر فألحق بالغالب. نعم إن
أعرض عنه المالك فدبغه غيره فهو له، وخرج عن الرهن كما صرح به الأذرعي. (وليس للراهن المقبض تصرف) مع
غير المرتهن بغير إذنه، (يزيل الملك) كالهبة والبيع والوقف، لأنه لو صح لفاتت الوثيقة. وأما معه أو بإذنه فسيأتي أنه
يصح. (لكن) إذا لم يصح تصرفه (في إعتاقه أقوال أظهرها ينفذ) بالمعجمة، (من الموسر) بقيمة المرهون
. وبحث البلقيني بأن المعتبر اليسار بأقل الامرين من قيمة المرهون ومن قدر الدين، وهو كما قال الزركشي التحقيق
دون المعسر لأنه عتق يبطل به حق الغير، ففرق فيه بين الموسر والمعسر كعتق الشريكين، فإن أيسر ببعضها عتق
القدر الذي أيسر بقيمته. وإقدام الموسر على العتق جائز كما اقتضاه نص الشافعي كما قاله البلقيني وغيره واقتضاه كلام
الرافعي وغيره في باب النذر، وإن نقل الرافعي عن الامام في بحث التنازع في جناية المرهون أنه يمتنع إقدامه عليه.
والثاني: ينفذ مطلقا ويغرم المعسر إذا أيسر القيمة وتصير رهنا. والثالث: لا ينفذ مطلقا، وإن احترز بقوله في إعتاقه عن
الحكم بعتقه لا بإعتاق الراهن بل بالسراية، كما إذا رهن نصف عبد ثم أعتق باقيه فإنه يعتق إن نفذنا إعتاقه، وكذا إن لم
ننفذه في الأصح. لكن يشترط اليسار على الأصح، لأن هذا حكم من الشرع بعتقه لا إعتاقه. (و) على الأول (يغرم قيمته) جبرا لحق المرتهن، وتعتبر قيمته (يوم) أي وقت (عتقه) وتصير (رهنا) أي مرهونة من غير حاجة إلى
عقد، وإن حل الدين أو تصرف في قضاء دينه إن حل. (وإذا لم ننفذه) لكونه معسرا أو على القول بأنه لا ينفذ مطلقا
، (فانفك) الرهن بإبراء أو غيره، (لم تنفذ في الأصح) لأنه أعتقه وهو لا يمكن إعتاقه، فأشبه ما لو أعتق المحجور عليه
بالسفه ثم زال عنه الحجر. والثاني: ينفذ لزوال المانع. وعلى الأول لو بيع في الدين ثم ملكه لم يعتق أيضا كما فهم من
المتن بطريق الأولى. ولو استعار من يعتق عليه ليرهنه ثم رهنه ثم ورثه هل يعتق عليه لأنه عتق قهري من الشرع
أو لا لتعلق الوثيقة به؟ والأوجه أن يقال: إن كان موسرا عتق وإلا فلا. (ولو علقه) أي عتق المرهون في حال الرهن
بفكاك الرهن وانفك عتق، إذ لم يوجد حال الرهن إلا التعليق، وهو لا يضر. أو علقه (بصفة) أخرى كقدوم زيد،
(فوجدت) بعد انفكاك الرهن بأن انفك مع وجودها أو قبله عتق أيضا لما مر. أو وجدت (وهو رهن فكالاعتاق) فيما مر، فيفصل فيه بين الموسر وغيره، لأن التعليق مع وجود الصفة كالتنجيز. (أو) وجدت (بعده) أي بعد فكاك
الرهن أو معه، (نفذ) العتق (على الصحيح) والثاني: يقول التعليق باطل كالتنجيز في قول. ولو رهن نصف عبده مثلا
ثم أعتق نصفه، فإن أعتق نصفه المرهون عتق مع باقيه إن كان موسرا أو غير المرهون أو أطلق عتق غير المرهون من
الموسر وغيره، ويسري إلى المرهون على الموسر أخذا مما مر. وينفذ عتق المرهون من الموسر عن كفارته لا عن
كفارة غيره بسؤاله، لأنه بيع إن وقع بعوض وإلا فهبة، وهو ممنوع منها. فإن قيل: يرد على ذلك ما لو
مات الراهن فانتقلت العين إلى وارثه فأعتقها عن مورثه، وكذا إن لم يرهنه ولكن مات وعليه دين فإنه ينتقل إلى
الوارث مرهونا، ومع ذلك يجوز إعتاقه عن مورثه كما هو حاصل كلام الرافعي في باب الوصية، وعلله بأن إعتاقه كإعتاقه.
أجيب بأن الوارث خليفة مورثه ففعله كفعله في ذلك، ولان الكلام في إعتاق الراهن نفسه، وفي الرهن الجعلي لا غيرهما،
ومعلوم أن الاعتاق على المرتهن جائز كالبيع منه.
فرع: المبعض إذا كان له على سيده دين فرهن عنده نصفه صح، ولا يجوز أن يعتقه إلا بإذنه إذا كان معسرا،
فإن كان موسرا صح بغير إذنه كالمرتهن الأجنبي فبهما. (ولا) يصح (رهنه لغيره) أي غير المرهون عنده لمزاحمته حق
130

الأول فيفوت مقصود الرهن. وأما الرهن عنده فتقدم الخلاف فيه. (ولا التزويج) من غيره، لأنه يقل الرغبة وينقص
القيمة، سواء في ذلك العبد والأمة، زوج الأمة لزوجها الأول أم لغيره، خلية كانت عند الراهن أو مزوجة. فإن زوج
فالنكاح باطل، لأنه ممنوع منه قياسا على البيع، وأما التزويج منه فيصح كما قال الزركشي. واحترز بذلك عن الرجعة
فإنها تصح لتقدم حق الزوج. (ولا الإجارة) من غيره (إن كان الدين حالا أو يحل قبلها) أي قبل انقضاء مدتها، لأنها
تنقص القيمة وتقل الرغبات عند الحاجة إلى البيع. فإن حل بعدها أو مع انقضائها صحت إذا كان المستأجر ثقة لانتفاء
المحذور حاله البيع، ويصح أيضا إذا احتمل التقدم والتأخر والمقارنة أو اثنين منها كما هو قضية كلام المصنف وإن قال
الأسنوي فيه نظر. أما الإجارة منه فتصح ويستمر الرهن، وخرج بذلك الإعارة فتجوز إذا كان المستعير ثقة. (ولا
الوطئ) لما فيه من النقص في البكر، وخوف الاحبال فيمن تحبل، وحسما للباب في غيرها. نعم لو خاف الزنا لو لم يطأ جاز
له وطؤها كما بحثه الأذرعي. واحترز بالوطئ عن بقية التمتعات كاللمس والقبلة، فيجوز كما جزم به الشيخ أبو حامد وجماعة،
وقال الروياني وجماعة بحرمتها خوف الوطئ. قال شيخنا وغيره: وقد يجمع بينهما بحمل الثاني على ما إذا خاف الوطئ
والأول على ما إذ أمنه اه‍. وهو جمع حسن. (فإن وطئ) ولو عالما بالتحريم فلا حد عليه ولا مهر، وإذا أحبل
(فالولد حر) نسيب لأنها علقت به في ملكه، وعليه أرش البكارة إن افتضها لاتلافه جزءا من المرهون. وإن
شاء
قضاه من الدين أو جعله رهنا، ويعزر العالم بالتحريم. (وفي نفوذ الاستيلاد أقوال الاعتاق) السابقة، أظهرها ينفذ من
الموسر دون المعسر ويفعل في قيمتها ما تقدم، ويباع على المعسر منها بقدر الدين وإن نقصت بالتشقيص رعاية لحق الايلاد
بخلاف غيرها من الأعيان المرهونة بل يباع كله دفعا للضرر عن المالك، لكن لا يباع شئ من المستولدة إلا بعد
أن تضع ولدها لأنها حامل بحر وبعد أن تسقيه اللبأ وجد مرضعة خوفا من أن يسافر بها المشتري فيهلك ولدها. وإن
استغرقها الدين أو عدم من يشتري البعض بيعت كلها بعدما ذكر للحاجة إليه في الأولى وللضرورة في الثانية، وليس للراهن
أن يهبها المرتهن بخلاف البيع، لأن البيع إنما جوز للضرورة. (فإن لم تنفذه فانفك) الرهن من غير بيع، (نفذ) الاستيلاد
(في الأصح) بخلاف نظيره في الاعتاق، لأنه قول يقتضي العتق في الحال فإذا رد لغا، والايلاد فعل لا يمكن رده،
وإنما يمنع حكمه في الحال لحق الغير، فإذا زال حق الغير ثبت حكمه. أما إذا انفك ببيع فإن الايلاد لا ينفك إلا إذا ملك
الأمة. ولو ملك بعضها فهل يسري إلى باقيها إذا كان موسرا؟ لم أر من ذكره، والظاهر أنه يسري كمن ملك بعض من
يعتق عليه، وهو نظير المسألة بلا شك. (فلو ماتت) هذه الأمة التي أولدها الراهن (بالولادة) أو نقصت بها وهو معسر
حال الايلاد ثم أيسر، (غرم قيمتها) وقت الاحبال، في الأولى تكون (رهنا) من غير إنشاء مكانها، والأرش في الثانية
يكون رهنها معها كذلك، (في الأصح) لأنها تسبب في هلاكها أو نقصها بالاحبال بغير استحقاق، وله أن يصرف
ذلك في قضاء دينه. والثاني: لا يغرم لعبد إضافة الهلاك أو النقص إلى الوطئ، ويجوز كونه من علل وعوارض. وموت
أمة الغير بالولادة من وطئ شبهة يوجب قيمتها لما مر لا من وطئ زنا ولو بإكراه، لأنها لا تضاف إلى وطئه لأن الشرع
قطع نسب الولد عنه. ولو وطئ حرة بشبهة فماتت بالولادة لم يجب عليه دينها لأن الوطئ سبب ضعيف، وإنما أوجبنا
الضمان في الأمة لأن الوطئ بسبب الاستيلاء عليها والعلوق من آثارها فأدمنا به اليد والاستيلاء، والحرة لا تدخل تحت
اليد والاستيلاء. ولا شئ عليه في موت زوجته أمة كانت أو حرة بالولادة لأنه تولد من مستحق. (وله) أي الراهن،
(كل انتفاع لا ينقصه) أي المرهون. والأفصح تخفيف القاف، قال تعالى: * (ثم لم ينقصوكم شيئا) *، ويجوز تشديدها.
(كالركوب) والاستخدام (والسكنى) لخبر الدارقطني والحاكم: الرهن مركوب ومحلوب، وخبر البخاري:
131

الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا. وقيس على ذلك ما أشبهه كلبس وإنزاء فحل على أنثى يحل الدين قبل ظهور
حملها أو تلد قبل حلوله، بخلاف ما إذا كان يحل قبل ولادتها أو بعد ظهور حملها فليس له الانزاء عليها لامتناع بيعها دون
حملها لأنه غير مرهون. وإذا أخذ الراهن المرهون للانتفاع الجائز فتلف في يده من غير تقصير لم يضمنه كما قال الروياني.
(لا البناء والغراس) في الأرض المرهونة، ولو كان الدين مؤجلا ولم يلتزم قلعهما عند فراغ الاجل لنقص القيمة بذلك،
فإن التزم ذلك جاز له كما نص عليه في الام وجرى عليه الدارمي، وهو كما قال بعض المتأخرين ظاهر إذا لم يحدث
قلعه نقصا في الأرض ولا تطول مدته بحيث تضر بالمرتهن. وله زراعة ما يدركه قبل حلول الدين أو معه كما بحثه شيخنا
إن لم ينقص الزرع قيمة الأرض إذ لا ضرر على المرتهن، وإذا حل الدين قبل إدراكه لعارض ترك إلى الادراك. (فإن)
كانت قيمتها تنقص بذلك الزرع أو كان الزرع مما يدرك بعد الحلول أو (فعل) البناء والغراس (لم يقلع) ما ذكر (قبل)
حلول (الاجل) لاحتمال قضاء الدين من غير الأرض، (وبعده) يقلع (إن لم تف الأرض) أي قيمتها، (بالدين وزادت
به) أي القلع ولم يأذن الراهن في بيعه مع الأرض ولم يحجر عليه بفلس لعلق حق المرتهن بأرض فارغة. أما إذا
وفت قيمة الأرض بالدين أو لم تزد بالقلع أو أذن الراهن فيما ذكر أو حجر عليه فلا يقلع بل يباع مع الأرض في الأخيرتين
ويوزع الثمن عليهما، ويحسب النقص في الثالثة على الزرع أو البناء أو الغراس إن كانت قيمة الأرض فيها بيضاء أكثر
من قيمتها مع ما فيها. وليس للراهن السفر بالمرهون وإن قصر سفره لما فيه من الخطر بلا ضرورة
، فإن دعت ضرورة إلى ذلك كأن جلا أهل بلد لخوف أو قحط أو نحو ذلك كان له السفر به. (ثم إن أمكن الانتفاع بالمرهون بما أراده
الراهن منه، (بغير استرداد) له، كأن يرهن رقيقا له صنعة يمكنه أن يعملها عند المرتهن. (لم يسترده) من المرتهن لأجل
عملها عنده. (وإلا) أي وإن لم يمكن الانتفاع به بغير استرداد، كأن يكون دارا يسكنها أو دابة يركبها أو عبدا يخدمه،
(فيسترد) للحاجة إلى ذلك. نعم لا يسترد الجارية إلا إذا أمن من غشيانها لكونه محرما لها أو ثقة وله أهل. ثم ما لا يدوم
استيفاء منافعه عند الراهن يرده عند عدم الحاجة إليه، فيرد عبد الخدمة والدابة إلى المرتهن ليلا ويرد الحارس نهارا.
تنبيه: ظاهر عبارة المصنف تشمل ما لو كان الرقيق يحسن الخياطة وأراد السيد الراهن أن يأخذه للخدمة أنه
لا يمكن من أخذه، وليس مرادا، فلو زاد ما قدرته في كلامه لكان أولى. (ويشهد) المرتهن على الراهن بالاسترداد
للانتفاع في كل استرداده (إن اتهمه) شاهدين كما قاله الشيخان، قال في المطلب: أو رجلا وامرأتين، لأنه في المال.
وقياسه الاكتفاء بواحد ليحلف معه، فإن وثق به لم يكلف الاشهاد. قال الشيخان: لا كل مرة، أي لا يشهد
أصلا
، فهو نفي للمقيد بقيده، كقولهم: لا ضب فيها ينجحر، أي لا ضب ولا انجحار. فسقط ما قيل إن ظاهر كلامهما الاشهاد
في بعض المرات، وإنه مخالف لقول الحاوي. ويشهد له ظاهر العدالة.
فرع: لا تزال يد البائع عن المحبوس بالثمن لاستيفاء منافعه، لأن ملك المشتري غير مستقر، بل يستكسب في يده
المشتري. (وله) أي الراهن، (بإذن المرتهن ما معناه) من التصرفات والانتفاعات من غير بدل، لأن المنع كان لحقه
وقد زال بإذنه فيحل الوطئ، فإن لم تحبل فالرهن بحاله، وإن أحبلها أو أعتق أو باع أو وهب نفذ وبطل الرهن. قال
في الذخائر: فلو أذن له في الوطئ فوطئ ثم أراد العود إلى الوطئ منع، لأن الاذن يتضمن مرة، إلا أن تحبل من تلك الوطأة
فلا منع، لأن الرهن قد بطل اه‍. وظاهر كلام الأصحاب أن له الوطئ فيمن لم تحبل ما لم يرجع المرتهن.
(وله) أي المرتهن (الرجوع) عن الاذن (قبل تصرف الراهن) لأن حقه باق كما للمالك أن يرجع قبل تصرف الوكيل. (فإن تصرف)
بعد رجوعه بغير إعتاق وإيلاد وهو موسر، (جاهلا برجوعه فكتصرف وكيل جهل عزله) من موكله، وسيأتي
132

في بابه أن الأصح عدم النفوذ، فإن كان عالما برجوعه فلا ينفذ قطعا. وأما تصرفه بالاعتاق والاحبال إذا كان موسرا
فنافذ كما علم مما مر. وللمرتهن الرجوع فيما وهب الراهن أو رهن بإذن المرتهن قبل قبض الموهوب أو المرهون، لأنه
إنما يتم بالقبض. ولا رجوع فيما أذن له في بيعه في زمن الخيار، لأن البيع مبني على اللزوم والخيار دخيل فيه، إنما
يظهر أثره في أثره في حق من له الخيار. ومتى تصرف بإعتاق أو نحوه وادعى الاذن وأنكره المرتهن صدق بيمينه، لأن الأصل
عدم الإذن وبقاء الرهن. فإن نكل حلف الراهن، وكان كما لو تصرف بإذنه، فإن لم يحلف الراهن وكان التصرف
بالعتق أو الايلاد حلف العتيق والمستولدة لأنهما ينبتان الحق لأنفسهما، بخلافه في نكول المفلس أو وارثه حيث لا يحلف
الغرماء، لأنهم يثبتون الحق للمفلس أولا. (ولو أذن في بيته) أي المرهون فباعه والدين مؤجل فلا شئ له على الراهن
ليكون رهنا مكانه، لبطلان الرهن، أو حال قضي حقه من ثمنه وحمل إذنه المطلق على البيع في غرضه. وإن أذن له في البيع
أو الاعتاق، (ليعجل المؤجل من ثمنه) أو من غير الثمن في البيع، أو من قيمته، أو من غيرها في الاعتاق بأن شرط ذلك،
(لم يصح البيع) لفساد الاذن سواء كان الدين حالا أو مؤجلا.
تنبيه: لو عبر المصنف بقوله: بشرط أن يعجل كما قدرته في كلامه تبعا للمحرر والحاوي لكان أولى، فإنه لا يلزم
من عبارة المصنف الاشتراط، وقد قال السبكي في هذه الصورة: الذي يظهر أنه ليس بشرط فلا يلتفت إليه، ويصح
الاذن والبيع. قال: فالوجه حمله على أنه صرح بالشرط كما صوره الأصحاب. قال: ولا شك أنه لو قال أذنت لك
في بيعه لتعجل ونوى الاشتراط كان كالتصريح به، وإنما النظر إذا أطلق هل نقول ظاهره الشرط أو لا؟ والأقرب المنع.
(وكذا لو شرط) في الاذن في بيعه أو إعتاقه، (رهن الثمن) أي القيمة: أي جعله مرهونا مكانه، لم يصح، (في الأظهر) وإن كان
الدين حالا لما ذكر، وفساد الشرط بجهالة الثمن عند الاذن. والثاني: يصح البيع ويلزم الراهن الوفاء بالشرط، ولا تضر
الجهالة في البدل لأن الرهن قد ينتقل من العين إلى البدن شرعا، كما لو أتلف المرهون فجاز أن ينتقل إليه شرطا. ولو قال
المرتهن للراهن: اضرب المرهون فضربه فمات لم يضمن لتولده من مأذون فيه، فإن قال له: أدبه فضربه فمات فعليه
ضمانه، لأن المأذون فيه هنا ليس مطلق الضرب بل ضرب تأديب وهو مشروط بسلامة العاقبة، كما لو أدب الزوج
زوجته أو الامام إنسانا كما سيأتي إن شاء الله تعالى في ضمان المتلفات.
فصل: فيما يترتب على لزوم الرهن: (إذا لزم الرهن) بالاقباض، (فاليد فيه) أي المرهون (للمرتهن) لأنها الركن الأعظم
في الوثوق. (ولا تزال إلا للانتفاع كما سبق) وهذا في الغالب وإلا فقد لا تكون له اليد، كما لو رهن رقيقا مسلما أو
مصحفا من كافر أو سلاحا من حربي فيوضع عند من له تملكه، وما لو رهن أمة فإن كانت صغيرة تشتهى أو كان
المرتهن محرما لها، أو ثقة من امرأة، أو ممسوح، أو من أجنبي عنده حليلته أو محرمه، أو امرأتان ثقتان وضعت
عنده وإلا فعند محرما لها، أو ثقة ممن مر، والخنثى كالأمة، لكن لا يوضع عند امرأة أجنبية. (ولو شرطا) أي الراهن
والمرتهن (وضعه) أي المرهون (عند عدل جاز) لأن كلا منهما قد لا يثق بصاحبه، وكما يتولى العبد الحفظ يتولى القبض
أيضا كما اقتضاه كلام ابن الرفعة. وخرج بعقد الفاسق، فلا يوضعانه عنده إذا كانا متصرفين أو أحدهما عن الغير
كولي ووكيل وقيم ومأذون له وعامل قراض ومكاتب، حيث يجوز لهم ذلك وإلا فيجوز. وعلى هذا يحمل قول
الشرحين والروضة عند ثالث، فعبارة المصنف أولى، لأن مفهومها فيه تفصيل. وهو لا يرد، والقول قول العدل
في دعوى الهلاك والرد للمرتهن، فإن أتلفه خطأ أو أتلفه غيره أخذ منه البدل وحفظه بالاذن الأول، أو أتلفه عمدا أخذ
منه البدل ووضع عند آخر، ولو أتلفه مكرها فكما لو أتلفه خطأ. قال الأذرعي: ولو شرطا وضعه بعد اللزوم عند الراهن
133

صح كما هو مقتضى كلام ابن الرفعة، وإن اقتضى كلام الغزالي خلافه. (أو عند اثنين) مثلا، (ونصا على اجتماعهما على حفظه
أو الانفراد به فذاك) ظاهر أنه يتبع الشرط فيه. (وإن أطلقا فليس لأحدهما الانفراد) بحفظه (في الأصح)
كنظيره في الوكالة
والوصاية فيجعلانه في حرز لهما كما في النص على اجتماعهما. فإن انفرد أحدهما بحفظه ضمن نصفه، قال في الأنوار: فإذا
سلم أحدهما للآخر ضمنا معا النصف. والثاني: له الانفراد لما في اجتماعهما منا لمشقة. وللموضوع عنده المرهون أن يرده
على العاقدين أو إلى وكيلهما، وليس له أن يرده إلى أحدهما بلا إذن، فإن غابا ولا وكيل لهما رده إلى الحاكم، فإن رده
إلى أحدهما بلا إذن من الآخر فتلف ضمنه والفرار على القابض. ولو غصبه المرتهن من العدل أو غصب العين شخص
من مؤتمن كمودع ثم ردها إلى من غصبها منه برئ، بخلاف من غصب من الملتقط اللقطة قبل تملكها ثم ردها إليه لم يبرأ
لأن المالك لم يأتمنه. ولو غصب العين من ضامن مأذون له كالمستعير ثم ردها إليه برئ كما جزم به صاحب الأنوار، ولا
ينقل المرهون عند آخر إلا إن اتفق العاقدان عليه فحينئذ يجوز ولو بلا سبب. (ولو مات العدل) الموضوع عنده (أو فسق)
أو عجز عن حفظه أو زاد فسق الفاسق أو حدثت عداوة بينه وبين أحدهما وطلبا أو أحدهما نقله نقل، و (جعلاه حيث
يتفقان) سواء كان عدلا أم فاسقا بشرطه المتقدم، (وإن تشاحا وضعه الحاكم عند عدل) يراه، لأنه العدل قطعا للنزاع،
ولو كان في يد المرتهن فتغير حاله فكتغير حال العدل. فإن قيل: ما صورة التشاحح؟ لأنه إن كان قبل القبض فالتسليم
غير واجب وإجبار الحاكم إنما يكون في واجب، وإن كان بعده فلا يجوز نزعه ممن هو في يده إلا باتفاقهما كما مر. أجيب
بأن صورتها فيما إذا كان الرهن مشروطا في بيع أو وضعاه عند عدل ففسق أو مات كما هو ظاهر كلام المصنف. وكان
الأولى أن يقول: فإن تشاحا كالروضة ليشير إلى التفريع. (ويستحق بيع المرهون عند الحاجة) لوفاء الدين إن لم يوف من غيره،
(ويقدم المرتهن بثمنه) على سائر الغرماء لأن ذلك فائدة الرهن، وكذا يستحق بيعه في جنايته وعند الاشراف على التلف
قبل الحلو. واستنبط ابن الرفعة من استحقاق البيع أنه لا يجب على الراهن الوفاء من غير الرهن كما صرح به الامام ورده
السبكي، واختار أنه يجب الوفاء إما من الرهن وإما من غيره إذا كان أسرع وطالب المرتهن به فإنه يجب تعجيلا للوفاء،
وهذا هو الظاهر. (ويبيعه الراهن أو وكيله بإذن المرتهن) لأن له فيه حقا. (فإن لم يأذن) أي المرتهن (قال له الحاكم تأذن)
في بيعه (أو تبرئ) هو بمعنى الامر: أي ائذن أو أبرئ، دفعا لضرر الراهن. (ولو طلب المرتهن بيعه فأبى الراهن) ذلك،
(ألزمه القاضي قضاء الدين أو بيعه، فإن أصر) الراهن أو المرتهن على الامتناع أو أقام المرتهن حجة بالدين الحال في غيبة
الراهن، (باعه الحاكم) عليه ووفى الدين من ثمنه دفعا لضرر الآخر. وظاهر أنه لا يتعين بيعه، فقد يجد له ما يوفي به الدين من
غير ذلك. وقد وقع أن شخصا رهن دارا بدين ثم غاب وله دار أخرى غير مرهونة، فادعى المرتهن على الغائب عند
حاكم وأثبت الرهن والدين وكانت كل من الدارين يمكن وفاء الدين من ثمنها، فترك القاضي الدار المرهونة وباع الدار التي
ليست بمرهونة. فاختلف المفتون في ذلك، فمنهم من أفتى بالجواز لأن الواجب الوفاء من مال المديون فلا فرق
بين المرهون وغيره كما لو لم يكن بالدين رهن، ومنهم من أفتى بعدم الجواز لأن لبيع المرهون مستحق دون غيره فلا وجه
لبيع غيره مع إمكان بيعه. وأولى من ذلك ما أفتى به السبكي من أن للحاكم بيع ما يرى بيعه من المرهون وغيره، لأن
له ولاية على الغائب فيفعل ما يراه مصلحة، فإن كان للغائب نقد حاضر من جنس الدين وطلبه المرتهن وفاه منه وأخذ
134

المرهون، فإن لم يكن له نقد حاضر وكان بيع المرهون أروج وطلبه المرتهن باعه دون غيره، ولو باعه الراهن عند
العجز عن استئذان المرتهن والحاكم صح كما هو قضية كلام الماوردي، ولو لم يجد المرتهن عند غيبة الراهن بينة أو لم يكن
ثم حاكم في البلد فله بيعه بنفسه كالظافر بغير جنس حقه.
فرع: شخص رهن عينا بدين مؤجل وغاب من له الدين فأحضر الراهن المبلغ إلى الحاكم وطلب منه قبضه ليفك
الرهن هل له ذلك؟ أجاب السبكي بأن له ذلك، وهو ظاهر. (ولو باعه المرتهن بإذن الراهن، فالأصح أنه إن باعه بحضرته
صح) البيع، (وإلا فلا) لأنه يبيعه لغرض نفسه فيتهم في الغيبة بالاستعجال وترك التحفظ دون الحضور. والثاني: يصح
مطلقا، كما لو أذن له في بيع غيره. والثالث: لا يصح مطلقا، لأن الاذن له فيه توكيل فيما يتعلق بحقه، إذ المرتهن مستحق للبيع.
ومحل هذه الأقوال إذا كان الدين حالا ولم يعين له الثمن ولم يقل استوف حقك من ثمنه، فإن كان الدين مؤجلا صح جزما،
أو عين له الثمن صح على غير الثالث لانتفاء التهمة، أو قال: بعه واستوف حقك من ثمنه لم يصح على غير الثاني، لوجود
التهمة. وإذن الوارث لغرماء الميت في بيع التركة، والسيد للمجني عليه في بيع الجاني كإذن الراهن للمرتهن في بيع المرهون.
(ولو شرط) بضم أوله، (أن يبيعه) أي المرهون، (العدل) عند المحل، (جاز) وصح هذا الشرط. (ولا يشترط مراجعة الراهن)
في البيع (في الأصح) لأن الأصل بقاء الاذن الأول. والثاني: تشترط، لأنه قد يكون له غرض في بقاء العين وقضاء الحق من
غيرها. واحترز بالراهن عن المرتهن، فيشترط مراجعته قطعا كما نقله الرافعي عن العراقيين، بأنه ربما أمهل أو أبرأ
، وقال الامام: لا خلاف أنه لا يراجع لأن غرضه توفية الحق. والمعتمد الأول لأن إذنه في البيع قبل القبض لا يصح بخلاف
الراهن. وينعزل العدل بعزل الراهن وموته لا المرتهن وموته، لأنه وكيله في البيع. وإذن المرتهن شرط في صحته، لكن
يبطل إذنه بعزله وبموته، فإن جدده له لم يشترط تجديد توكيل الراهن له لأنه لم ينعزل، وإن جدد الراهن إذنا له بعد
عزله له اشترط إذن المرتهن لانعزال العدل بعزل الراهن. (فإذا باع) العدل وقبض الثمن، (فالثمن عنده من ضمان الراهن)
لأنه ملكه والعدل أمينه، فما تلف في يده يكون من ضمان المالك ويستمر ذلك (حتى يقبضه المرتهن) فإن ادعى العدل
تلف الثمن عنده ولم يبين السبب صدق بيمينه، وإن بينه ففيه التفصيل الآتي في الوديعة، وإن ادعى أنه سلمه للمرتهن فأنكر
صدق بيمينه لأن الأصل عدم التسليم. وإذا رجع بعد حلفه على الراهن رجع الراهن على العدل. ولو صدقه في التسليم
أو كان قد أذن له فيه أو لم يأمره بالاشهاد لتقصيره بترك الاشهاد. فإن قال له: أشهدت وغاب الشهود أو ماتوا فصدقه
الراهن، أو قال له: لا تشهد أو أدى بحضرة الراهن لم يرجع لاعترافه له في الأولتين، ولإذنه له في الثانية، ولتقصيره في الرابعة.
(ولو تلف ثمنه في يد العدل ثم استحق المرهون) المبيع، (فإن شاء المشتري رجع على العدل) لوضع يده عليه، (وإن شاء) رجع
(على الراهن) لالجائه المشتري شرعا إلى التسليم للعدل بحكم توكيله. (والقرار عليه) أي الراهن لما ذكر، فيرجع العدل بعد
غرمه عليه.
تنبيه: ظاهر كلامه أنه لا فرق بين تلفه بتفريط وغيره، وليس مرادا، بل إذا كان بتقصيره فإنه يقتصر في
الضمان عليه كما قال السبكي: أنه الأقرب. نعم إن نصبه الحاكم للبيع لموت الراهن أو غيبته أو غير ذلك لم يكن طريقا
في الضمان حيث لا تقصير، لأنه نائب الحاكم، والحاكم لا يضمن فكذا هو. (ولا يبيع العدل) المرهون (إلا بثمن
مثله حالا من نقد بلده) كالوكيل، فإن أخل بشئ منها لم تصح البيع، لكن لا يضر النقص عن ثمن المثل بما يتغابن
135

به الناس لأنهم يتسامحون فيه. قال الأسنوي: والمتجه إلحاق الراهن والمرتهن به، ورده الزركشي بأن الحق لهما
لا يعدوهما فيجوز بغير ذلك بخلاف العدل. ورد عليه بأن الكلام في كل منهما منفردا. نعم محله في بيع الراهن كما قاله الزركشي
فيما إذا نقص عن الدين، فإن لم ينقص عنه كما لو كان المرهون يساوي مائة والدين عشرة فباعه بإذن المرتهن بالعشرة
صح، إذ لا ضرر على المرتهن في ذلك. ولو قال الراهن للعدل: لا تبعه إلا بالدراهم وقال المرتهن: لا تبعه إلا بالدنانير لم يبع
بواحد منهما لاختلافهما في الاذن، كذا أطلقه الشيخان، ومحله كما قال الزركشي: إذا كان للمرتهن فيه غرض، وإلا كأن
كان حقه دراهم ونقد البلد دراهم وقال الراهن بعه بالدراهم المرتهن بالدنانير فلا يراعى خلافه ويباع بالدراهم
كما قطع به القاضي أبو الطيب والماوردي وغيرهما. وإذا امتنع على العدل البيع بواحد منهما باعه الحاكم بنقد البلد وأخذ
به حق المرتهن إن لم يكن من نقد البلد، أو باع بجنس الدين وإن لم يكن من نقد البلد إن رأى ذلك. (فإن زاد) في الثمن
(راغب) يوثق به زيادة لا يتغابن الناس بمثلها بعد لزوم البيع لم تؤثر، ولكن يستحب أن يستقبل المشتري ليبيعه بالزيادة
للراغب أو للمشتري إن شاء أو زاد الراغب. (قبل انقضاء الخيار) للمجلس أو الشرط، (فليفسخ) أي العدل البيع، (وليبعه)
له أو للمشتري إن شاء. ولو باعه ابتداء من غير فسخ صح وكان البيع فسخا، وهو أولى، لأنه قد يفسخ فيرجع الراغب.
فلو لم يفعل ما ذكر انفسخ لأن زمن الخيار كحالة العقد وهو يمتنع عليه أن يبيعه بمثل الثمن وهناك راغب بزيادة، فلو
رجع الراغب عن الزيادة فإن كان قبل التمكين من بيعه فالبيع الأول بحاله، وإلا بطل واستؤنف من غير افتقار إلى إذن
جديد إن كان الخيار لهما أو للبائع لعدم انتقال الملك، وإلا فلا بد من إذن جديد. (ومؤنة المرهون) من نفقة رقيق وكسوته
وعلف دابة وأجرة سقي أشجار وجداد ثمار وتجفيفها ورد آبق ونحو ذلك، (على الراهن) المالك بالاجماع، إلا ما روي عن
الحسن البصري أنها على المرتهن. (ويجبر عليها لحق المرتهن على الصحيح) حفظا للوثيقة. والثاني: لا يجبر عند الامتناع
ولكن يبيع القاضي جزءا منه فيها بحسب الحاجة إلا أن تستغرق المؤنة الرهن قبل الاجل فيباع ويجعل ثمنه رهنا. وعلى
الأول لو غاب المالك أو أعسر فكهرب الجمال، وسيأتي في الإجارة.
تنبيه: قال الأسنوي: قوله ويجبر عليها إلخ حشو لا حاجة إليه، بل يوهم أن الايجاب متفق عليه، فلو حذفه كان
أصوب، نعم لو حذف الواو من قوله ويجبر زال الابهام خاصة اه‍. وهذا ممنوع، إذ كلام الروضة صريح في أن الخلاف
في الاجبار وعدمه فقط، وقد مر أن كون المؤنة على المالك مجمع عليه إلا ما حكي عن الحسن البصري. فإن قيل: يستثنى
من كلامهم المؤن المتعلقة بالمداواة كالفصد والحجامة وتوديج الدابة، وهو بمنزلة الفصد في الآدميين، والمعالجة بالأدوية
فلا تجب عليه. أجيب بأن هذه لا تسمى مؤنة فلم يتناولها كلامهم، ولهذا ذكرها المصنف عقب ذلك بقوله: (ولا
يمنع الراهن من مصلحة المرهون كفصد وحجامة) ومعالجة بالأدوية والمراهم حفظا لملكه، فدل ذلك على عدم
دخولها فيما تقدم. (وله) ختان الرقيق إن لم يخف منه وكأن يندمل قبل الحلول، سواء في ذلك الصغير والكبير كما
أطلقه الجمهور، لأنه لا بد منه، والغالب فيه السلامة. وله قطع السلعة واليد المتأكلة والمداواة إذا غلبت السلامة وإلا
امتنع عليه ذلك. وله نقل المزدحم من النخل إذا قال أهل الخبرة نقلها أنفع، وقطع البعض منها لاصلاح الأكثر،
والمقطوع منها مرهون بحاله، وما يحدث من سعف وجريد وليف غير مرهون، وكذا ما كان ظاهرا منها عند العقد
كالصوف بظهر الغنم. وله رعي الماشية في الامن نهارا ويردها إلى المرتهن أو العدل ليلا، وله أن ينتجع بها إلى الكلأ
ونحوه لعدم الكفاية في مكانها ويردها إلى عدل يتفقان عليه أو ينصبه الحاكم، ويجوز للمرتهن الانتجاع بها للضرورة
كما يجوز له نقل المتاع من بيع غير محرز إلى محرز، فإن انتجعا إلى مكان واحد فذاك، أو إلى مكانين فلتكن مع
الراهن، ويتفقان على عدل يبيت عنده أو ينصبه الحاكم كما مر. (وهو) أي المرهون، (أمانة في يد المرتهن) لخبر: الرهن
136

من راهنه - أي من ضمان راهنه - له غنمه وعليه غرمه. وقال الشافعي: وهذا أفصح ما قاله العرب: الشئ
من فلان، أي من ضمانه. فلو شرط كونه مضمونا لم يصح الرهن. (ولا يسقط بتلفه شئ من دينه) كموت الكفيل
بجامع التوثق.
تنبيه: قوله ولا يسقط بالواو أحسن من حذفها في المحرر والروضة وأصلها، لأنها تدل على ثبوت حكم الأمانة
مطلقا، ويتسبب عدم السقوط عنها. ولا يلزمه ضمانه بمثل أو قيمة إلا إن استعار الراهن أو تعدى فيه أو منع من رده بعد سقوط الدين والمطالبة، أما بعد سقوطه وقبل المطالبة فهو باق على أمانته.
فروع: ليس للراهن أن يقول للمرتهن أحضر المرهون وأنا أقضى دينك، إذ لا يلزمه الاحضار ولو بعد قضاء
الدين، وإنما عليه التمكين كالمودع، والاحضار وما يحتاج إليه من مؤنة على رب المال. ولو قال: خذ هذا الكيس
واستوف حقك منه فهو أمانة في يده إلى أن يستوفي، فإذا استوفاه صار مضمونا عليه. ولو قال: خذه بدراهمك وكانت
الدراهم التي فيه مجهولة القدر أو كانت أكثر أو أقل من دراهمه لم يملكه ودخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد، وإن
كانت معلومة بقدر حقه ملكها إذا لم يكن للكيس قيمة وإلا فهو من مسألة قاعدة مد عجوة. (وحكم فاسد العقود)
الصادرة من رشيد، (حكم صحيحها في الضمان) وعدمه، لأن العقد إن اقتضى صحيحه الضمان بعد التسليم كالبيع
والإعارة ففاسده أولى، أو عدمه كالرهن والهبة بلا ثواب، والعين المستأجرة ففاسدة كذلك لأن واضع اليد أثبتها
بإذن مالكها ولم يلتزم بالعقد ضمانا. والمراد بما ذكر التسوية في أصل الضمان لا في الضامن ولا في المقدار فإنهما قد
لا يستويان. وخرج بزيادة الصادر من رشيد ما لو صدر من غيره ما لا يقتضي صحيحه الضمان فإنه مضمون، واستثني
من طرد هذه القاعدة ومن عكسها مسائل: فمن الأول ما إذا قال: قارضتك على أن الربح كله لي فهو قراض فاسد
ولا يستحق العامل أجرة، وما لو قال: ساقيتك على أن الثمرة كلها لي فهو فاسد ولا يستحق العامل أجرة. والأولى
عدم استثناء هاتين الصورتين لأنهما لم يدخلا في هذه القاعدة، لأن المراد بها ما يقتضي فساده ضمان العوض المقبوض،
والمالك هنا لم يقبض عوضا فاسدا، والعامل رضي بإتلاف منافعه وباشر إتلافها، وما لو صدر عقد الذمة من
غير الامام
فهو فاسد ولا جزية فيه على الذمي. قال ابن السبكي: وهذه لا تستثنى أيضا، لأن القائل بعدم الوجوب لا يقول
بفسادها، بل يجعل الصادر لغوا غير عقد صحيح ولا فاسد، أي فإتلاف الحربي غير مضمون فلم تلزمه عوض المنفعة،
كما لو دخل دارنا وأقام فيها مدة ولم يعلم به الامام. ومن الثاني الشركة، فإنه لا يضمن كل من الشريكين عمل الآخر
مع صحتها ويضمنه مع فاسدها، فإذا خلطا ألفا بألفين وعملا فصاحب الألفين يرجع على صاحب الألف بثلث أجرة مثله،
وصاحب الألف يرجع بثلثي أجرته على صاحب الألفين. وما لو صدر الرهن أو الإجارة من متعد كغاصب فتلفت العين
في يد المرتهن أو المستأجر فللمالك تضمينه وإن كان القرار على المتعدي، مع أنه لا ضمان في صحيح الرهن والإجارة. ولو
قيل في هذه القاعدة: كل عين لا تعدي فيها وكانت مضمونة بعقد صحيح كانت مضمونة بفاسد ذلك العقد، وما لا
فلا، لم يرد كما قال شيخي وغيره شئ من هذه المسائل المستثنيات. ومن فروع هذه القاعدة ما ذكره بقوله: ولو شرط كون
المرهون مبيعا له عند الحلول فسد أي الرهن لتأقيته والبيع لتعليقه، (وهو) أي المرهون في هذه الصورة (قبل المحل)
بكسر الحاء، أي وقت الحلول، (أمانة) لأنه مقبوض بحكم الرهن الفاسد وبعده مضمون بحكم الشراء الفاسد. واستثنى
الزركشي ما إذا لم يمض بعد زمن الحلول زمن يتأتى فيه القبض وتلف ضمان، ومن ذلك ما لو رهنه أرضا وأذن له
في غرسها بعد شهر فهي قبل الغر س أمانة بحكم الرهن وبعده عارية مضمونة بحكم العارية.
تنبيه: قد تتناول عبارة المصنف ما لو علق ذلك على عدم القضاء فقال: رهنتك وإذا لم أقضك عند الحلول
فهو مبيع منك ولا شك في فساد البيع في هذه الصورة. وأما الرهن فالظاهر كما قال السبكي صحته، وكلام الروياني يقتضيه.
137

وكذا إذا لم يأت بذلك على سبيل الشرط بل رهنه رهنا صحيحا وأقبضه ثم قال: إذا حل الاجل فهو مبيع منك بكذا
فقبل فالبيع باطل والرهن صحيح بحاله. (ويصدق المرتهن في دعوى التلف بيمينه) إذا لم يذكر سببه، فإن ذكره ففيه
التفصيل الآتي في الوديعة. والمقصود من هذه المسألة هو عدم الضمان ولم يصرح به المصنف، وإلا فالمعتدي كالغاصب
يصدق بيمينه في ذلك. (ولا يصدق في) دعوى الرد على الراهن (عند الأكثرين) لأنه قبضه لغرض نفسه كالمستعير، كما
أن المستأجر لا يصدق في دعوى الرد على المؤجر لذلك ويصدق عند غيرهم بيمينه كالمودع.
ضابط: كل من ادعى الرد على من ائتمنه يصدق بيمينه إلا المرتهن والمستأجر. (ولو وطئ المرتهن المرهونة)
من غير إذن الراهن (بلا شبهة) منه، (فزان) فعليه الحد، ويجب المهر إن أكرهها، بخلاف ما إذا طاوعته. (ولا يقبل
قوله جهلت تحريمه) أي الوطئ، (إلا أن يقرب عهده بالاسلام، أو ينشأ ببادية بعيدة عن العلماء) فيقبل قوله
لدفع
الحد، لأنه قد يخفي عليه بخلاف غيره، ويجب المهر. وينبغي أن يكون الحكم كذلك فيما إذا كانت المرهونة لأبيه أو أمه
وادعى جهل تحريمها عليه كما نص عليه الشافعي في الام. واحترز بقوله: بلا شبهة عما إذا ظنها زوجته أو أمته فإنه
لا حد عليه ويجب المهر. قال الأذرعي: إن أراد الأئمة بقرب الاسلام من قدم من دار الحرب ونحوها فذاك، وأما
مخالطونا من أهل الذمة فلا ينقدح فرق بينهم وبين الأغنياء من عوامنا، فإما أن يصدقوا أو لا اه‍. والظاهر إطلاق كلام
الأصحاب. والمراد جهل تحريم وطئ المرهونة كأن قال: ظننت أن الارتهان يبيح الوطئ وإلا فكدعوى جهل
تحريم الزنا. قال الشارح: وقوله فزان أي فهو زان كما في المحرر، جواب لو بمعنى إن مجردة عن زمان انتهى، وهو
جواب عما يقال لو نفسها لا تجاب بالفاء أجاب بأنهم أجروها مجرى إن. وقال مجردة عن الزمان، لأنها تقتضي
الاستقبال، وقال: فهو زان، لأن جوابها لا يكون إلا جملة. (وإن وطئ بإذن الراهن) المالك لها، (قبل دعواه جهل
التحريم) للوطئ مطلقا، (في الأصح) لأن التحريم بعد الاذن لما خفي علي عطاء مع أنه من علماء التابعين
لا يبعد خفاؤه على العوام. والثاني: لا يقبل، لبعد ما يدعيه إلا أن يقرب عهده بالاسلام أو ينشأ بعيدا عن العلماء.
وإذا قبل قوله في ذلك (فلا حد) عليه. وأفهم كلامهم أنه لو لم يدع الجهل أنه يحد وهو كذلك. (ويجب المهر
إن أكرهها) أو جهلت التحريم كأعجمية لا تعقل. (والولد حر نسيب) في هذه الصورة وفي صورة انتفاء الحد السابقتين،
لأن الشبهة كما تدرأ الحد تثبت النسب والحرية. (وعليه قيمته للراهن) لتفويته الرق عليه. قال الزركشي: وينبغي
أن يستثنى منه ما لو كان يعتق على الراهن كما سيأتي في نكاح الأمة. وإذا ملك المرتهن هذه الأمة لم تصر أم ولد له
لأنها علقت به في غير ملكه. نعم لو كان أبا للراهن صارت أم ولد له بالايلاد كما هو معلوم في النكاح. ولو ادعى
بعد الوطئ أنه كان ملكها فنكل الراهن وحلف فالولد رقيق كأمه، فإن نكل الراهن فحلف المرتهن أو ملكها صارت
أم الولد له، والولد حر لاقراره، كما لو أقر بحرية عبد في يد غيره ثم ملكه. (ولو أتلف المرهون وقبض بدله) أو لم يقبض
كما في زيادة الروضة (صار رهنا) لقيامه مقامه، ويجعل في يد من كان الأصل في يده ولا يحتاج إلى إنشاء رهن، بخلاف
بدل الموقوف إذا أتلف فإن الأصح أنه لا بد من إنشاء الوقف فيه. والفرق أن القيمة يصح أن تكون رهنا، ولا يصح
أن تكون وقفا. ولا يضر كونه دينا قبل قبضه في الثانية، وإن اقتضى كلام المصنف خلافه لأن الدين إنما يمتنع رهنه
ابتداء كما مر ت الإشارة إليه عند شرط المرهون كونه عينا. (والخصم في البدل) المالك (الراهن) أو المعير للمرهون، لأنه
138

المالك للرقبة والمنفعة. (فإن لم يخاصم لم يخاصم المرتهن في الأصح) وإن تعلق حقه بما في الذمة لأنه غير مالك، وله إذا خاصم
المالك حضور خصومته لتعلق حقه بالبدل. والثاني: يخاصم، لأن حقه تعلق بما في الذمة. ويجري الخلاف فيما لو غصب المرهون
، ومحل الخلاف إذا تمكن المالك من المخاصمة، أما لو باع المالك العين المرهونة فللمرتهن المخاصمة جزما كما أفتى به البلقيني
واستظهره ابن شهبة. (فلو) جنى رقيق على الرقيق المرهون، و (وجب قصاص اقتص الراهن) منه أو عفا مجانا. (وفات
الرهن) لفوات محله بلا بدل. هذا إذا كانت الجناية في النفس، فإذا كانت في طرف أو نحوه فالرهن باق بحاله. ولو أعرض
الراهن عن القصاص والعفو بأن سكت عنهما لم يجبر على أحدهما لأنه يملك إسقاطه فتأخيره أولى. (فإن وجب المال بعفوه)
عن القصاص على مال (أو بجناية خطأ) أو شبه عمد أو عمد يوجب مالا لعدم المكافأة مثلا صار المال مرهونا ولو لم يقبض
كما مر. (ولم يصح عفوه) أي الراهن عنه لتعلق حق المرتهن به.
تنبيه: قول بعض المتأخرين: ثم محل كون ما ذكر رهنا في الذمة إذا كان الجاني غير الراهن وإلا فلا يصير مرهونا
إلا بالغرم، إذ لا فائدة في كونه مرهونا في ذمته بخلافه في ذمة غيره ممنوع، إذ فائدته أنه يقدم به على الغرماء. وقول الماوردي:
ومحل ما ذكر في الجناية إذا نقصت القيمة بها ولم يزد الأرش، فلو لم تنقص بها كأن قطع ذكره وأنثياه أو نقصت بها وكان
الأرش زائدا على ما نقص منه فاز المالك بالأرش كله في الأولى وبالزائد على ما ذكر في الثانية ممنوع أيضا، لأن حق المرتهن
تعلق بذلك فهو كما لو زاد سعر المرهون بعد رهنه. ولو اقتصر المصنف على قوله: فإن وجب المال ليشمل ما لو وجب
المال ابتداء بجناية عمد لا قصاص فيها كما قدرته في كلامه كالهاشمة أو لكون الجاني أصلا لكان أولى. (ولا) يصح (إبراء
المرتهن الجاني) لأنه غير مالك، ولا يسقط بإبرائه حقه من الوثيقة إلا إن أسقطه منها. (ولا يسري الرهن إلى زيادته) أي
المرهون، (المنفصلة كثمرة وولد) وصوف ولبن وبيض ومهر جارية، لأنه عقد لا يزيل الملك عن الرقبة فلا يسري إليها
كالإجارة، بخلاف المتصلة كسمن وكبر وتعليم فإنها تتبع الأصل لعدم تمييزها. (فلو رهن حاملا وحل الاجل وهي حامل
بيعت) كذلك، لأنا إن قلنا الحمل يعلم وهو الأصح فكأنه رهنهما معا، وإلا فقد رهنها والحمل محض صفة.
تنبيه: عبارة المحرر: ولو رهن حاملا ومست الحاجة إلى البيع وهي حامل بعد فتباع في الدين، وهي أعم من عبارة
الكتاب لشمولها البيع في جناية مثلا. (وإن ولدته بيع معها في الأظهر) بناء على أن الحمل يعلم فهو رهن. والثاني: لا يباع معها،
بناء على أن الحمل لا يعلم فهو كالحادث بعد العقد. (وإن كانت حاملا عند البيع دون الرهن فالولد ليس برهن
في الأظهر)
بناء على أنه يعلم. والثاني: نعم، بناء على مقابله فيتبع كالصفة.
تنبيه: قضية كلامه أن مقابل الأظهر أن الولد يكون مرهونا، وليس مرادا لأنه مفرع على أن الحلم لا يعلم فكيف
يرهن وإنما المراد أنه يباع معها كالسمن. وعلى الأول يتعذر بيعها حتى تضع، قال ابن المقري تبعا للأسنوي: إن تعلق
به حق ثالث بوصية أو حجر فلس أو موت أو تعلق الدين برقبة أمه دونه كالجانية والمعارة للرهن أو نحوها، وذلك لأن
استثناء الحمل متعذر وتوزيع الثمن على الام، والحمل كذلك لأن الحمل لا تعرف قيمته. أما إذا لم يتعلق به أو بها شئ
من ذلك فإن الراهن يلزم بالبيع أو بتوفية الدين، فإذا امتنع من الوفاء من جهة أخرى أجبره الحاكم على بيعها إن لم يكن
له مال غيرها، ثم إن تساوى الثمن والدين فذاك، وإن فضل من الثمن شئ أخذه المالك، وإن نقص طولب بالباقي.
ولو رهن نخلة ثم أطلعت استثنى طلعها عند بيعها ولا يمنع بيعها مطلقا، بخلاف الحامل.
139

فصل: إذا (جنى المرهون) على أجنبي جناية تتعلق برقبته، (قدم المجني عليه) على المرتهن، لأنه لا حق له في غير الرقبة،
فلو قدم المرتهن عليه لضاع حقه. وأما المرتهن فحقه متعلق بها وبالذمة فلا يفوت بفواتها. ولو أمر سيده بالجناية وهو
مميز فلا أثر لاذنه في شئ إلا في الاثم، أو غير مميز أو أعجمي يعتقد وجوب طاعة سيده في كل ما يأمره به فالجاني هو السيد.
ولا يتعلق برقبة العبد قصاص ولا مال، ولا يقبل قول السيد أنا أمرته بالجناية في حق المجني عليه لأنه يتضمن قطع حقه عن
الرقبة، بل يباع العبد فيها وعلى سيده قيمته لتكون رهنا مكانه لاقراره بأمره بالجناية. وأمر غير السيد العبد بالجناية كالسيد
فيما ذكر، كما ذكروه في الجنايات وصرح به الماوردي هنا. (فإن اقتص) المستحق في النفس أو غيرها بأن أوجبت الجناية
قصاصا، (أو بيع) المرهون كله أو بعضه (له) أي لحق المجني عليه، بأن أوجبت الجناية مالا أو عفا على مال. (بطل الرهن)
فيما اقتص أو بيع لفوات محله. نعم إن وجبت قيمته كأن كانت تحت يد غاصب لم يفت الرهن بل تكون قيمته رهنا مكانه،
فلو عاد المبيع إلى ملك الراهن لم يكن رهنا.
تنبيه: قد علم من اقتصاره على القصاص والبيع أنه لو سقط حق المجني عليه بعفو أو فداء لم يبطل. (وإن جنى) المرهون
(على سيده فاقتص بطل) الرهن في المقتص نفسا كان أو طرفا كما صرح به في المحرر.
تنبيه: قال الأسنوي: التاء في اقتص مفتوحة، والضمير يعود إلى المستحق فيشمل السيد والوارث والسلطان فيمن
لا وارث له، ولا يصح ضمها، لأنه لا يتعدى إلا بمن. وقال الشارح: بضم التاء، وقدر منه. والأولى أولى لسلامتها من
التقدير، ولكن يؤيد الشارح ما يأتي في ضبط عفي من قوله: (وإن عفي علي مال لم يثبت على الصحيح) لأن
السيد لا يثبت
له على عبده مال ابتداء. (فيبقى رهنا) كما كان. والثاني: يثبت المال ويتوصل به إلى فك الرهن. ومحل الخلاف في غير الأمة
التي استولدها السيد المعسر، أما هي فإن الاستيلاد لا ينفذ في حق المرتهن، ولا تباع في الجناية على السيد جزما، لأن المستولدة
لو جنت على أجنبي لا تباع بل يفديها السيد فتكون جنايتها على سيدها في الرهن كالعدم.
تنبيه: قوله: عفي بضم العين كما نقل عن خط المصنف ليشمل عفو السيد والوارث، لكنه معترض من جهة اصطلاحه،
فإن الخلاف في عفو السيد وجهان، وفي عفو الوارث قولان، فثبوت المال في الأول ضعيف، والثاني قوي. وأتى بالفاء لأنه مفرع
على الصحيح. وعلى مقابله هو رهن أيضا، لكن يباع في الجناية ويبطل الرهن. ولو جنى على سيده خطأ كان العفو، فلو قال:
وإن وجد سبب المال لكان أشمل. (وإن قتل) المرهون (مرهونا لسيده عند) مرتهن (آخر فاقتص) السيد منه (بطل الرهنان)
لفوات محلهما، (وإن) عفى على غير مال صح كما مر، وإن عفى على مال أو (وجب مال) بجناية خطأ أو نحوه، (تعلق به) أي
المال (حق مرتهن القتيل) والمال متعلق برقبة القاتل، (فيباع) إن لم تزد قيمته على الواجب بالقتل. (وثمنه) إن لم يزد على الواجب
(رهن) وإلا فقدر الواجب منه، لأنه يصير نفسه رهنا. (وقيل يصير رهنا) ولا يباع، لأنه لا فائدة في البيع إذا كان الواجب أكثر
من قيمته أو مثلها. ودفع بأن حق المرتهن في ماليته لا في عينه، ولأنه قد يرغب فيه بزيادة فيتوثق مرتهن القاتل بها، فإن كان
الواجب أقل من قيمته فعلى الأول يباع منه بقدر الواجب ويبقى الباقي رهنا، فإن تعذر بيع بعضه أو نقص به بيع الكل
وصار الزائد رهنا عند مرتهن القتيل،
وعلى الثاني ينتقل من القاتل بقدر الواجب إلى مرتهن القتيل. تنبيه: محل الخلاف إذا طلب الراهن النقل ومرتهن القتيل البيع فأيهما يجاب؟ فيه الوجهان. أما إذا طلب
الراهن البيع ومرتهن القتيل النقل، فالمجاب الراهن إذ لا حق للمرتهن في عينه. ولو اتفق الراهن والمرتهنان على أحد
الطرفين فهو المسلوك قطعا، أو الراهن ومرتهن القتيل على نقل القاتل أو بعضه إلى المرتهن ليكون رهنا فليس لمرتهن
140

القاتل المنازعة وطلب البيع، لأنه فائدة له في ذلك. قال الرافعي: ومقتضى التعليل بتوقع راغب أنه له ذلك. (فإن كانا)
أي القاتل والمقتول (مرهونين عند شخص) أو أكثر (بدين واحد نقصت الوثيقة) بفتح النون والصاد المهملة، كما
لو مات أحدهما.
تنبيه: لو قال عند مستحق لكان أولى ليشمل ما قدرته، إذ لا فرق في ذلك بين الواحد وغيره. (أو بدينين)
عند شخص وتعلق المال برقبة القاتل (وفي نقل الوثيقة) به إلى دين القتيل (غرض) أي فائدة للمرتهن، (نقلت)
وإلا فلا. فلو كان أحد الدينين حالا والآخر مؤجلا أو كان أحدهما أطول أجلا من الآخر فللمرتهن التوثق بثمن القاتل
لدى القتيل، فإن كان حالا فالفائدة استيفاؤه من ثمن القاتل في الحال أو مؤجلا فقد توثق ويطالب بالحال وإن اتفق
الدينان قدرا وحلولا وتأجيلا وقيمة القتيل أكثر من قيمة القاتل أو مساوية لها لم تنقل الوثيقة لعدم الفائدة، وإن
كان قيمة القاتل أكثر نقل منه قدر قيمة القتيل. وحيث قيل بالنقل للقاتل أو بعضه فالمراد به أن يباع ويصير ثمنه رهنا مكان القتيل لا رقبته لما مر. ولو اختلف جنس الدينين: بأن كان أحدهما دنانير والآخر دراهم، واستويا
في المالية بحيث لو قوم أحدهما بالآخر لم يزد ولم ينقص لم يؤثر خلافا لما وقع في الوسيط من تأثيره، فقد قال الشيخان: إنه
مخالف لنص الشافعي والأصحاب كلهم، ولا أثر لاختلافهما في الاستقرار وعدمه، كأن يكون أحدهما عوض مبيع قبل
القبض أو صداقا قبل الدخول والآخر بخلافه. ولو كان بأحدهما ضامن فطلب المرتهن نقل الوثيقة من الدين الذي
بالضمان إلى الآخر حتى يحصل له التوثق فيهما. أجيب كما هو قضية كلام المصنف، واستظهره بعض المتأخرين لأنه
غرض، وقضيته أنه لو قال المرتهن: بيعوه وضعوا ثمنه مكانه فإني لا آمن جنايته مرة أخرى، فتؤخذ رقبته فيها ويبطل
الرهن أنه يجاب لأنه غرض، وفي إجابته وجهان بلا ترجيح رجح الزركشي منهما المنع، وهو الظاهر كسائر ما يتوقع
من المفسدات، ثم نقل عن أبي خلف الطبري ما حاصله أنه المذهب. ولو اقتص السيد من القاتل فاتت الوثيقة، (ولو
تلف المرهون بآفة) سماوية (بطل) الرهن لفواته.
تنبيه: شمل تعبيره بالتلف تخمر العصير، وقضيته أنه لو عاد خلا لا يعود رهنا، وتقدم أن الأصح عوده.
وقد يرد على تقييده بالآفة ما لو أذن المرتهن للراهن في ضرب المرهون فضربه وتلف منه، فإنه ينفسخ الرهن كما نص
عليه في الام وجرى عليه الأصحاب. (وينفك) الرهن (بفسخ المرتهن) ولو بدون الراهن، لأن الحق له وهو
جائز من جهته. نعم التركة إذا قلنا إنها مرهونة بالدين وهو الأصح وأراد صاحب الدين الفسخ لم يكن له ذلك، لأن
الرهن لمصلحة الميت فالفك يفوتها. وخرج بالمرتهن الراهن فلا ينفك بفسخه للزومه من جهته. (وبالبراءة من)
جميع (الدين) بأي وجه كان ولو بحوالة المرتهن على الراهن. ولو اعتاض عن الدين عينا انفك الرهن، فلو تلفت
أو تقايلا في المعاوضة قبل قبضها عاد المرهون رهنا. (فإن بقي شئ منه) أي من الدين، وإن قل، (لم ينفك شئ
من الرهن) بالاجماع كما نقله ابن المنذر، وكحق حبس المبيع وعتق المكاتب ولأنه وثيقة لجميع أجزاء الدين، فلو شرط
كلما قضي من الحق شئ من انفك من الرهن بقدره فسد الرهن لاشتراط ما ينافيه كما قاله الماوردي. (ولو رهن نصف
عبد بدين ونصفه بآخر) في صفقة أخرى، (فبرئ من أحدهما انفك قسطه) لتعدد الصفقة بتعدد العقد. (ولو
رهناه) بدين (فبرئ أحدهما) مما عليه (انفك نصيبه) لتعدد الصفقة بتعدد العاقد ولو اتحد وكيلهما، قال
الامام: لأن المدار على اتحاد الدين وعدمه. ومتى تعدد المستحق أو المستحق عليه تعدد الدين، بخلاف البيع،
فإن
141

العبرة فيه بتعدد الوكيل واتحاده لأنه عقد ضمان فنظر فيه إلى المباشر له بخلاف الرهن. ولو رهنه عند اثنين فبرئ
من دين أحدهما انفك قسطه لتعدد مستحق الدين. فإن قيل: ما يأخذه أحدهما من الدين لا يختص به بل هو مشترك
بينهما، فكيف تنفك حصته من الرهن بأخذه؟ أجيب بأن ما هنا محله إذا لم تتحد جهة دينهما، أو إذا كانت
البراءة بالابراء لا بالأخذ. ولو رهن عبدا استعاره من اثنين ليرهنه ثم أدى نصف الدين وقصد فكاك نصف العبد، أو
أطلق ثم جعله عنه، انفك نصفه نظرا إلى تعدد المالك، بخلاف ما إذا قصد الشيوخ أو أطلق ثم جعله عنهما أو لم
يعرف حاله.
فروع: لو رهن شخص آخر عبدين في صفقة وسلم أحدهما له كان مرهونا بجميع الدين كما لو سلمهما وتلف أحدهما.
ولو مات الراهن عن ورثته ففدى أحدهم نصيبه لم ينفك كما في المورث ولان الرهن صدر ابتداء من واحد، وقضيته
حبس كل المرهون إلى البراءة من كل الدين، بخلاف ما لو فدى نصيبه من التركة فإنه ينفك لأن تعلق الدين بالتركة:
إما كتعلق الرهن به، فهو كما لو تعدد الراهن، أو كتعلق الأرش بالجاني، فهو كما لو جنى العبد المشترك فأدى أحد الشريكين
نصيبه ينقطع التعلق عنه. ولو مات المرتهن عن ورثة فوفى أحدهم ما يخصه من الدين لم ينفك نصيبه كما قاله السبكي،
كما لو وفى مورثه بعض دينه، وإن خالف في ذلك ابن الرفعة.
فصل: في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به: (اختلفا) أي الراهن والمرتهن (في) أصل (الرهن) كأن قال:
رهنتني كذا فأنكر. (أو) في (قدره) أي الرهن بمعنى المرهون، كأن قال: رهنتني الأرض بأشجارها فقال: بل الأرض
فقط. أو في عينه: ك‍ هذا العبد، فقال: بل الجارية. أو قدر المرهون به: ك‍ مائتين، فقال: بل مائة. (صدق الراهن) أي
المالك (بيمينه) وإن كان المرهون بيد المرتهن، لأن الأصل عدم ما يدعيه المرتهن.
تنبيه: لو عبر بالمالك كما قدرته لكان أولى لأن الراهن قد يكون مستعيرا، وأيضا هو ليس براهن، لكن
قال الشارح: إطلاقه على المنكر بالنظر إلى المدعي. وقوله: (إن كان رهن تبرع) أي ليس مشروطا في بيع قيد في التصديق.
(وإن شرط) الرهن المختلف فيه بوجه مما ذكر (في بيع تحالفا) كما لو اختلفا في سائر كيفيات البيع.
تنبيه: شملت عبارته: ما لو اتفقا على اشتراط الرهن في بيع واختلفا في الوفاء، كأن قال المرتهن: رهنت مني
المشروط رهنه وهو كذا فأنكر الراهن، مع أنه لا تحالف حينئذ لأنهما لم يختلفا في كيفية البيع الذي هو موقع التحالف
بل يصدق الراهن بيمينه، وللمرتهن الفسخ إن لم يرهن. وهذه المسألة علم حكمها من قوله في اختلاف المتبايعين اتفقا
على صحة البيع واختلفا في كيفيته، فلا يحتاج إلى ذكرها هنا. (ولو ادعى) على اثنين (أنهما رهناه عبدهما
بمائة)
وأقبضاه إياه، (وصدقه أحدهما فنصيب المصدق رهن بخمسين) مؤاخذة له بإقراره، (والقول في نصيب الثاني قوله
بيمينه) لما سلف. (وتقبل شهادة المصدق عليه) أي المكذب لخلوها عن جلب النفع ودفع الضرر عنه. فإن شهد
معه آخر أو حلف المدعي معه ثبت رهن الجميع. ولو زعم كل واحد منهما أنه ما رهن نصيبه وأن شريكه رهن أو
سكت عن شريكه وشهد عليه قبلت شهادته فربما نسي، وإن تعمد فالكذبة الواحدة لا توجب الفسق، ولهذا لو
تخاصم اثنان في شئ ثم شهدا في حادثة قبلت شهادتهما وإن كان أحدهما كاذبا في التخاصم. فإن قيل: ما ذكر من
أن الكذبة الواحدة غير مفسقة محله عند عدم انضمام غيرها إليها كجحد حق واجب، وهذا بتقدير تعمده يكون
جاحدا لحق واجب عليه فيفسق بذلك. أجيب بأن شرط كون الجحد مفسقا أن يفوت المالية على الغير، وهنا لم
يفوت إلا حق الوثيقة. فإن قيل: محل ذلك إذا لم يصرح المدعي بظلمها بالانكار بلا تأويل، وإلا فلا تقبل شهادتهما
142

لأنه ظهر منه ما يقتضي تفسيقهما. أجيب بمنع أنه بذلك ظهر منه هذا، إذ ليس كل ظلم خال عن تأويل مفسقا بدليل
الغيبة. ولو ادعيا على واحد أنه رهنهما عبده وأقبضه لهما وصدق أحدهما قبلت شهادة المصدق للمكذب إن لم يكن
شريكه فيه، وسيأتي بيان ذلك في الشهادات إن شاء الله تعالى مبسوطا. (ولو اختلفا) أي الراهن والمرتهن (في قبضه)
أي المرهون، (فإن كان في يد الراهن أو في يد المرتهن وقال الراهن غصبته صدق الراهن بيمينه) لأن الأصل عدم
لزوم الرهن وعدم إذنه في القبض. (وكذا إن قال أقبضته عن جهة أخرى) كإجارة أو إيداع يصدق بيمينه، (في
الأصح) المنصوص، لأن الأصل عدم إذنه في القبض عن الرهن. والثاني: يصدق المرتهن لاتفاقهما على قبض مأذون
فيه والراهن يريد صرفه إلى جهة أخرى، وهو خلاف الظاهر لتقدم العقد المحوج إلى القبض. ولو اتفقا على الاذن
في القبض وتنازعا في قبض المرتهن فالمصدق من المرهون في يده. (ولو أقر) الراهن (بقبضه) أي المرتهن المرهون،
(ثم قال: لم يكن إقراري عن حقيقة فله تحليفه) أي المرتهن أنه قبض المرهون. (وقيل: لا يحلفه إلا أن يذكر لاقراره
تأويلا، كقوله: أشهدت على رسم القبالة) قبل حقيقة القبض. والرسم: الكتابة، والقبالة بفتح القاف والباء الموحدة:
الورقة التي يكتب فيها الحق المقر به، أي أشهدت على الكتابة الواقعة في الوثيقة لكي آخذ بعد ذلك، أو ظننت حصول
القبض بالقول، أو ألقي إلي كتاب على لسان وكيلي أنه أقبض ثم خرج مزورا، لأنه إذا لم يذكر تأويلا يكون مناقضا بقوله
لاقراره. وأجاب الأول بأنا نعلم أن الوثائق في الغالب يشهد عليها قبل تحقق ما فيها، فأي حاجة إلى تلفظه بذلك
؟ وكان
ينبغي أن يقول المصنف: ولو أقر بإقباضه لأن به يلزم الرهن.
تنبيه: قضية كلامه أنه لا فرق بين أن يكون الاقرار في مجلس الحكم بعد الدعوى أم لا، وهو كذلك كما هو
مقتضى كلام العراقيين، وجزم ابن المقري، وإن قال القفال: إنه ليس له التحليف إذا كان الاقرار في مجلس الحكم،
وإنما يعتبر إقرار الراهن بالاقباض إذا أمكن، فلو كان بمكة مثلا فقال: رهنته اليوم داري بالشام وأقبضته إياها وهما
بمكة فهو لغو، نص عليه. قال القاضي أبو الطيب: وهذا يدل على أنه لا يحكم بما يمكن من كرامات الأولياء، أي:
لأن هذه الأمور لا يعول عليها في الشرع. (ولو قال أحدهما) أي الراهن أو المرتهن: (جنى المرهون) بعد القبض،
(وأنكر الآخر صدق المنكر بيمينه) لأن الأصل عدم الجناية وبقاء الرهن، وإذا بيع في الدين فلا شئ للمقر له على
الراهن بإقراره ولا يلزم تسليم الثمن إلى المرتهن المقر لاقراره. (ولو قال الراهن) بعد القبض: (جنى قبل القبض) المرهون،
سواء أقال جنى بعد الرهن أم قبله وأنكر المرتهن، (فالأظهر تصديق المرتهن بيمينه في إنكاره) الجناية صيانة لحقه
فيحلف على نفي العلم، لأن الراهن قد يواطئ مدعي الجناية لغرض إبطال الرهن. والثاني: يصدق الراهن لأنه أقر في
ملكه بما يضره.
تنبيه: محل القولين إذا عين المجني عليه وصدقه وادعاه، وإلا فالرهن باق بحاله قطعا، ودعوى الراهن زوال الملك
كدعواه الجناية. (والأصح أنه إذا حلف) المرتهن (غرم الراهن للمجني عليه) لأنه حال بينه وبين حقه فهو كما لو قتله.
والثاني: لا يغرم، لأنه أقر بما لا يقبل إقراره به فكأنه لم يقر.
تنبيه: كان الأولى التعبير بالأظهر كما في الشرحين والروضة فإن الخلاف قولان، وهما القولان المشهوران في
143

الغرم للحيلولة. وقوله: (وأنه يغرم الأقل من قيمة العبد وأرش الجناية) كجناية أم الولد لامتناع البيع، يقتضي أن
الخلاف وجهان، وهو طريقان: أصحهما القطع بذلك. والثانية: قولان كما في فداء العبد الجاني، أظهرهما بالأقل من
قيمته وأرش الجناية، وثانيهما الأرش بالغا ما بلغ، فكان ينبغي التعبير بالمذهب. وقوله: (وأنه لو نكل المرتهن ردت
اليمين على المجني عليه) لأن الحق له (لا على الراهن) لأنه لم يدع لنفسه شيئا، يقتضي أيضا أنهما وجهان. والأصح
أن الخلاف قولان: أصحهما ما مر، والثاني: ترد على الراهن لأنه المالك والخصومة تجري بينه وبين المرتهن. (فإذا
حلف) المردود عليه منهما (بيع) العبد (في الجناية) إن استغرقت الجناية قيمته، وإلا بيع منه بقدرها، ولا يكون
الباقي رهنا لثبوت الجناية باليمين المردودة، ولا خيار للمرتهن في فسخ البيع المشروط فيه لأنه الذي فوته بنكوله
. (ولو
أذن) المرتهن (في بيع المرهون فبيع) وقال: رجعت عن الاذن وأنكر الراهن رجوعه، فالقول قول الراهن بيمينه،
لأن الأصل عدم الرجوع. (و) لو (رجع عن الاذن وقال) بعد البيع: (رجعت قبل البيع وقال الراهن:) بل
(بعده، فالأصح تصديق المرتهن) بيمينه، لأن الأصل عدم البيع والرجوع في الوقت المدعى إيقاع كل منهما فيه،
فيتعارضان فيه ويبقى الرهن. والثاني: يصدق الراهن لأنه أعرف بوقت بيعه وقد سلم له المرتهن الاذن. والثالث: قول
السابق منهما، وهو الصحيح في نظيره من الرجعة، وفي اختلاف الوكيل والموكل في أن العزل قبل البيع أو بعده.
(ومن عليه ألفان) مثلا (بأحدهما رهن) أو كفيل أو هو ثمن مبيع محبوس به والآخر خال عن ذلك، (فأدى
ألفا وقال أديته عن ألف الرهن) أو نحوه مما (صدق بيمينه) لأنه أعلم بقصده وكيفية أدائه، سواء اختلفا
في نيته أم لفظه. فالعبرة في جهة الأداء بقصد المؤدي حتى يبرأ بقصده الوفاء ويملكه المديون وإن ظن الدائن إيداعه،
وكما أن العبرة في ذلك بقصده فكذا الخيرة فيه إليه ابتداء إلا فيما إذا كان على المكاتب دين معاملة، فإذا أراد الأداء
عن دين الكتابة والسيد الأداء عن دين المعاملة، فيجاب السيد كما سيأتي إن شاء الله تعالى في باب الكتابة، وتفارق
غيرها مما ذكر بأن دين الكتابة فيها معرض للسقوط بخلاف غيرها. وإنما اعتبر قصد المكاتب عند عدم التعرض
للجهة لتقصير السيد بعدم التعيين ابتداء. (وإن لم ينو) حال الدفع (شيئا جعله عما شاء) منهما، كما في زكاة المالين الحاضر
والغائب. (وقيل: يقسط) عليهما لعدم أولوية أحدهما على الآخر. والتقسيط قيل على قدر الدينين كما جزم به الامام، وقيل بالتسوية
كما جزم به صاحب البيان وغيره، وهو أوجه كما رجحه بعض المتأخرين فيما لو دفع المال عنهما فإنه يقسط عليهما. ولو مات
قبل التعين قام وارثه مقامه كما أفتى به السبكي فيما إذا كان بأحدهما كفيل، قال: فإن تعذر ذلك جعله بينهما نصفين.
وإذا عين فهل ينفك الرهن من وقت اللفظ أو التعيين؟ يشبه أن يكون كما في الطلاق المبهم. ولو تبايع مشركان درهما
بدرهمين وسلم من التزم الزيادة درهما ثم أسلما، فإن قصد بتسليمه الزيادة لزمه برئ ولا شئ عليه، وإن قصدهما
وزع عليهما وسقط باقي الزيادة ولو لم يقصد الأصل، وإن قصد الأصل شيئا عينه لما شاء منهما.
فصل: في تعلق الدين بالتركة: (من مات وعليه دين تعلق بتركته) المنتقلة إلى الوارث مع وجود الدين كما
سيأتي. (تعلقه بالمرهون) لأنه أحوط للميت، إذ يمتنع على هذا تصرف الوارث فيه جزما بخلاف إلحاقه بالجناية فإنه
يأتي فيه الخلاف في البيع. واغتفر هنا جهالة المرهون به لكونه من جهة الشرع. (وفي قول كتعلق الأرش بالجاني)
لأنه ثبت من غير اختيار المالك، وقيل: كحجر الفلس، واختاره في المطلب، وهو قول الفوراني والامام للتسوية بينه وبين
144

الموت في قوله (ص): من مات أو أفلس. ومحل الخلاف إذا لم تكن التركة مرهونة رهنا اختياريا، فإن كان
لم تتعلق الديون المرسلة في الذمة بالتركة.
تنبيه: قضية كلامه أن الدين لو كان أكثر من قدر التركة فوفى الوارث قدرها فقط أنها لا تنفك من الرهنية، ولا سيما
قوله بعد: يستوي الدين المستغرق وغيره وليس مرادا، بل الأصح أنها تنفك. (فعلى) الأول (الأظهر يستوي الدين
المستغرق وغيره) في رهن التركة فلا ينفذ تصرف الوارث في شئ منها (في الأصح) كالمرهون. والثاني: إن كان الدين أقل
تعلق بقدره من التركة ولا يتعلق بجميعها لأن الحجر في مال كثير بشئ حقير بعيد.
تنبيه: مقتضى كلامه ك الرافعي في كتبه أن هذا الخلاف لا يتأتى على القول بأنه كتعلق الجناية، لكن حكى في المطلب
الخلا ف عليه، قال الأسنوي: فالصواب أن يقول: فعلى القولين. وأجاب الشارح عن ذلك بأنهم رجحوا في تعلق الزكاة
على القول بأنها تتعلق بالمال تعلق الأرش برقبة العبد الجاني أنها تتعلق بقدر هامته، وقيل: بجميعه، ويأتي ترجيحه هنا، فيخالف
المرجح على الأرش للمرجح على الرهن، فقوله: فعلى الأظهر إلخ صحيح انتهى. لكن الزكاة تخالف ما هنا لأن مبناها
على المساهلة، فما قاله الشارح بحسب ما فهمه، والأولى أن يجاب كما قال شيخي بأن الخلاف على الأول أقوى. ويستثنى
من إلحاقه بالرهن ما لو أدى وارثه قسط ما ورث فإنه ينفك نصيبه، بخلاف ما لو رهن ثم مات لا ينفك إلا بوفاء جميع الدين،
وتقدم الفرق بينهما. (ولو تصرف الوارث ولا دين) لا (ظاهر) ولا خفي، (فظهر دين) أي طرأ، ولو عبر به لكان أولى،
لأن ما يجب بالرد الآتي في عبارته لم يكن خفيا ثم ظهر بل لم يكن ثم كان كما يفهم مما قدرته في كلامه، لكن سببه متقدم.
وقوله: (برد) أولى منه كرد، (مبيع بعيب) أتلف البائع ثمنه ليشمل ما لو حفر بئرا عدوانا في حياته ومات ثم تردى فيها شخص
وليس له عاقلة. وقوله: ولا دين احترز به عما إذا كان الدين مقارنا وعلم به فالتصرف باطل، وكذا إن جهله كما في زيادة
الروضة. (فالأصح أنه لا يتبين فساد تصرفه) لأنه كان سائغا له في الظاهر. والثاني: يتبين فساده، إلحاقا لما ظهر من الدين
بالدين المقارن لتقدم سببه.
تنبيه: محل الخلاف إذا كان البائع موسرا وإلا لم ينفذ البيع جزما. (لكن) على الأول (إن لم يقض الدين فسخ)
تصرفه ليصل المستحق إلى حقه.
تنبيه: قوله: إن لم يقض، قال في الدقائق: بضم الياء ليعم قضاء الوارث والأجنبي اه‍. وأولى منه إن لم يسقط الدين لأنه يعم القضاء والابراء وغيرهما.
تنبيه: قد يقتضي كلامه أن الوارث الموسر لو أعتق عبد التركة ولم يقض الدين أنه ينفسخ، وليس مرادا بل
نفوذه أولى من نفوذ عتق الراهن الموسر، لأن التعلق هنا طارئ على التصرف فينفذ عتقه واستيلاده وعليه الأقل
من الدين وقيمة الرقيق. (ولا خلاف أن للوارث إمساك عين التركة وقضاء الدين من ماله) لأنه خليفة المورث والمورث
كان له ذلك، لكن لو أوصى بدفع عين إليه عوضا عن دينه، أو على أن تباع ويوفي دينه من ثمنها عمل بوصيته،
وليس للوارث إمساكها والقضاء من غيرها، لأن تلك العين قد تكون أطيب كما قالاه في باب الوصية. ولو كان الدين
أكثر من التركة فقال الوارث: آخذها بقيمتها وأراد الغرماء بيعها لتوقع زيادة راغب أجيب الوارث لأن الظاهر أنها
لا تزيد على القيمة، وللناس غرض في إخفاء تركات مورثهم عن شهرتها للبيع، فإن طلبت بزيادة لم يأخذها الوارث
بقيمتها كما صرح به ابن المقري. قال الزركشي: ومحل كون ذلك للوارث إذا لم يتعلق الدين بعين التركة، فإن تعلق
لم يكن له ذلك، فليس للوارث إمساك كل مال القراض وإلزام العامل أخذ نصيبه منه من غيره كما نقله في الكفاية عن
145

البحر. (والصحيح) وحكي عن النص، (أن تعلق الدين بالتركة لا يمنع الإرث) لأن تعلقه بها لا يزيد على تعلق حق المرتهن
بالمرهون والمجني عليه بالجاني، وذلك لا يمنع الإرث فكذا هذا. والثاني: يمنع، لقوله تعالى: * (من بعد وصية يوصى بها أو دين)
*، أي من بعد إعطاء وصية أو إيفاء دين إن كان، حيث قدم الدين على الميراث. وأجيب بأن تقديمه عليه لقسمة لا يقتضي أن
يكون مانعا منه، وإذا كان الدين لا يمنع الإرث (فلا يتعلق بزوائد التركة ككسب ونتاج) لأنها حدثت في ملك الوارث،
أما على المنع فيتعلق بها تبعا لأصلها.
خاتمة: قال السبكي رحمه الله تعالى: قد غلط جماعة من المفتين في زماننا في فرع، وهو إذا كان الدين على الميت
للوارث فظنوا أنه يسقط منه بقدر إرثه حتى إذا كان حائزا سقط الجميع، والصواب أنه يسقط منه ما يلزمه أداؤه لو كان
لأجنبي، وهو نسبة إرثه من الدين إن كان مساويا للتركة أو أقل وما يلزم الوارث أداؤه إن كان أكثر، ويستقر له نظيره
في الميراث ويقدر أنه أخذ منه ثم أعيد إليه عن الدين، وهذا سبب سقوطه وبراءة ذمة الميت منه، ويرجع على بقية
الورثة ببقية ما يجب أداؤه وعلى قدر حصصهم، وقد يفضي الامر إلى التقاص إن كان الدين لوارثين.
كتاب التفليس
هو لغة النداء على المفلس وشهرته بصفة الافلاس المأخوذ من الفلوس التي هي أخس الأموال. وشرعا: جعل الحاكم
المديون مفلسا بمنعه من التصرف في ماله. والأصل فيه ما رواه الدارقطني وصحح الحاكم إسناده أن النبي (ص)
حجر على معاذ وباع ماله في دين كان عليه وقسمه بين غرمائه، فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم، فقال لهم النبي (ص)
: ليس لكم إلا ذلك. والمفلس في العرف من لا مال له، وفي الشرع من لا يفي ماله بدينه كما قال ذاكر
الحكمة: (من عليه ديون) لآدمي لازمة (حالة زائدة على ماله يحجر عليه) وجوبا في ماله إن استقل، أو على وليه في مال
موليه إن لم يستقل، (بسؤال الغرماء) ولو بنوا بهم كأوليائهم لأن الحجر لحقهم. وفي النهاية أن الحجر كان على معاذ بسؤال
الغرماء، فلا حجر بدين الله تعالى وإن كان فوريا كما قاله الأسنوي، خلافا لما بحثه بعض المتأخرين، ولا بدين غير لازم
كنجوم كتابة لتمكن المدين من إسقاطه. (ولا حجر بالمؤجل) لأنه لا يطالب به في الحال.
تنبيه: لا يخفى أن لفظ الديون لا مفهوم له، فإن الدين الواحد إذا زاد على المال كان كذلك، وكذا قوله: الغرماء.
ولا بد من تقييد الدين باللازم كما قدرته في كلامه ليخرج دين الكتابة كما مر، وما ألحق به من ديون المعاملة التي على المكاتب
لسيده، وقضية كلامه أنه حجر عليه إذا لم يكن له مال، وتوقف فيه الرافعي فقال: يجوز منعا له من التصرف
فيما عسى أن يحدث باصطياد ونحوه، وهو كما قاله ابن الرفعة مخالف للنص والقياس، إذ ما يحدث له إنما يحجر عليه فيه
تبعا للموجود، وما جاز تبعا لا يجوز قصدا، ولا يحجر على المفلس إلا الحاكم، لأنه يحتاج إلى نظر واجتهاد
. وأما أصل الحجر فلان فيه مصلحة للغرماء، فقد يختص بعضهم بالوفاء فيضر الباقين، وقد يتصرف فيه فيضيع حق
الجميع. قال ابن الرفعة: وهل يكفي في لفظ الحجر منع التصرف، أو يعتبر أن يقول حجرت بالفلس، إذ منع التصرف
من أحكام الحجر فلا يقع به الحجر؟ وجهان، أوجههما كما قال شيخي الأول. قال في الروضة: ويجب على الحاكم الحجر
إذا وجدت شروطه: أي سواء أكان بسؤال الغرماء أو المفلس. قال: وقول كثير من أصحابنا فللقاضي الحجر ليس
مرادهم أنه مخير فيه، أي بل إنه جاز بعد امتناعه قبل الافلاس وهو صادق بالواجب. وقول السبكي: هذا ظاهر إذا
تعذر البيع حالا، وإلا فينبغي عدم وجوبه لأنه ضرر بلا فائدة ممنوع كما قاله شيخنا، بل له فوائد منها المنع من التصرف
146

فيما عساه يحدث باصطياد ونحوه. والمراد بماله ماله العيني المتمكن من الأداء منه، أما ما لا يتمكن من الأداء منه
كمغصوب وغائب فغير معتبر. أما المنافع فإن كان متمكنا من تحصيل أجرتها اعتبرت كما قاله بعض المتأخرين وإلا فلا.
وأما الدين فإن كان حالا على ملئ مقر - أي أو عليه بينة - اعتبر كما قاله الأسنوي وإلا فلا. قال ابن الرفعة: ولو كان المال
مرهونا لم أر فيه نقلا، والفقه منع الحجر إذ لا فائدة فيه. ورد بأن له فوائد منها المنع من صحة التصرف بإذن المرتهن. (وإذا
حجر بحال لم يحل المؤجل في الأظهر) وفي الروضة:: المشهور، لأن الاجل مقصود له فلا يفوت عليه. والثاني: يحل، لأن الحجر
يوجب تعلق الدين بالمال فسقط الاجل كالموت. وفرق الأول بخراب الذمة بالموت. ولو جن المديون لم يحل
دينه كما
صححه المصنف في تنقيحه، وما وقع في أصل الروضة من تصحيح الحلول به نسب فيه إلى السهو، ولا يحل إلا بالموت أو
الردة المتصلة به أو استرقاق الحربي كما جزم به الرافعي في كتاب الكتابة في الحكم الثاني منها، ونقله عن النص. (ولو
كانت الديون بقدر المال فإن كان كسوبا ينفق من كسبه فلا حجر) لعدم الحاجة إليه بل يلزمه الحاكم بقضاء الديون،
فإن امتنع باع عليه أو أكرهه عليه. قال الأسنوي: فإن التمس الغرماء الحجر عليه، أي عند الامتناع، حجر في أظهر الوجهين
وإن زاد ماله على دينه اه‍. وهذا يسمى الحجر الغريب فليس مما نحن فيه. (وإن لم يكن كسوبا وكانت نفقته من ماله
فكذا) لا حجر عليه (في الأصح) لتمكنهم من المطالبة في الحال. والثاني: يحجر عليه كيلا يضيع ماله في النفقة. ودفع
بما ذكر، وهذا محترز قوله: زائدة على ماله. (ولا يحجر بغير طلب) من الغرماء ولو بنوا بهم لأنه لمصلحتهم وهم ناظرون
لأنفسهم، فإن كان الدين لمحجور عليه ولم يسأل وليه فللحاكم الحجر من غير سؤال لأنه ناظر في مصلحته، وهذا محترز
قوله بسؤال الغرماء.
تنبيه: اقتضى كلامه أنه لا يحجر لدين الغائب، وهو كذلك إذ ليس للحاكم استيفاء مال الغياب من الذمم وإنما
له حفظ أعيان أموالهم. ومحله كما قال الفارقي إذا كان المديون ثقة مليئا وإلا لزم الحاكم قبضه قطعا. قال الأسنوي:
وكلام الشافعي في الام يدل على أن الدين إذا كان به رهن يقبضه الحاكم. (فلو طلب بعضهم) الحجر (ودينه قدر
يحجر به) بأن زاد على ماله (حجر) لوجود شرط الحجر. ثم لا يختص أثر الحجر بالملتمس بل يعمهم، (وإلا) بأن لم يزد
الدين على ماله (فلا) حجر، لأن دينه يمكن وفاؤه بكماله فلا ضرورة إلى طلب الحجر، وقيل: المعتبر أن يزيد دين الجميع
على ماله لا الملتمس فقط، وجرى عليه ابن المقري لقول المصنف في زيادة الروضة: وهو قوي. (ويحجر بطلب المفلس)
ولو بوكيله (في الأصح) لأن له فيه غرضا ظاهرا وهو صرف ماله إلى ديونه. وروي أن الحجر على معاذ كان بالتماس منه،
قاله الرافعي. قال السبكي: وصورته أنه يثبت الدين بدعوى الغرماء والبينة أو الاقرار أو علم القاضي، وطلب المديون
الحجر دون الغرماء، وإلا لم يكن له طلبه. والثاني: لا يحجر لأن الحق لهم في ذلك والحجر ينافي الحرية والرشد، وإنما حجر
بطلب الغرماء للضرورة فإنهم لا يتمكنون من تحصيل مقصودهم إلا بالحجر خشية الضياع، بخلافه فإن غرضه الوفاء وهو
متمكن منه ببيع أمواله وقسمها على غرمائه. وتقدم أن الحجر واجب بسؤاله كسؤال الغرماء، فالخلاف في الوجوب لا في
الجواز خلافا لبعض المتأخرين. (فإذا حجر) عليه بطلب أو بدونه، (تعلق حق الغرماء بماله) كالرهن، عينا كان أو دينا
أو منفعة، حتى لا ينفذ تصرفه فيه بما يضرهم ولا تزاحمهم فيه الديون الحادثة. وشمل كلامهم الدين المؤجل حتى لا يصح
الابراء منه، وإن قال الأسنوي الظاهر خلافه. قال البلقيني: وتصح إجازته لما فعل مورثه مما يحتاج إليها لأنها تنفيذ
على الأصح. وخرج بحق الغرماء حق الله تعالى كزكاة ونذر وكفارة فلا تتعلق بمال المفلس كما جزم به في الروضة،
147

وأصلها في الايمان، ولم يقيده بفوري ولا بغيره، وهو يقوي ما مر فيقدم حق الآدمي. وقد مرت الإشارة إلى هذه المسألة
في باب من تلزمه الزكاة.
تنبيه: يستثنى من إطلاقه ما لو حجر عليه في زمن خيار البيع فإنه لا يتعلق حق الغرماء بالمعقود عليه، فيجوز له
الفسخ والإجازة على خلا ف المصلحة في الأصح. (وأشهد) الحاكم ندبا، وقيل: وجوبا، (على حجره) أي المفلس،
وأشهره بالنداء عليه (ليحذر) من معاملته. قال العمراني: فيأمر مناديا ينادي في البلد أن الحاكم حجر على فلان ابن
فلان. (ولو) تصرف تصرفا ماليا مفوتا في الحياة بالانشاء مبتدأ، كأن (باع) أو اشترى بالعين (أو وهب أو أعتق)
أو أجر أو وقف أو كاتب، (ففي قول يوقف تصرفه) المذكور، (فإن فضل ذلك عن الدين) لارتفاع القيمة أو إبراء
الغرماء أو بعضهم، (نفذ) أي بان أنه كان نافذا (وإلا) أي وإن لم يفضل (لغا) أي بان أنه كان لاغيا، (والأظهر
بطلانه) في الحال لتعلق حقهم به كالمرهون، ولأنه محجور عليه بحكم الحاكم فلا يصح تصرفه على مراغمة مقصود الحجر
كالسفيه. قال الأذرعي: ويجب أن يستثنى من منع الشراء بالعين ما لو دفع له الحاكم كل يوم نفقة له ولعياله فاشترى بها،
فإنه يصح جزما فيما يظهر، وأشار إليه بعضهم وهو ظاهر، وسيأتي ما يخرج بهذه القيود. (فلو باع ماله) كله أو بعضه
لغريمه بدينه كما صرح به في المحرر، أو (لغرمائه بدينهم) من غير إذن القاضي، (بطل) البيع (في الأصح) لأن الحجر
يثبت على العموم، ومن الجائز أن يكون له غريم آخر. والثاني: يصح، لأن الأصل عدم غيرهم، وبالقياس على بيع
المرهون من المرتهن. والقولان مفرعان على بطلان البيع لأجنبي السابق كما أفادته الفاء، أما بإذن القاضي فيصح. واحترز
بقوله: بدينهم عما إذا باعه ببعض دينهم أو بعين فإنه كالبيع من أجنبي لأنه لا يتضمن ارتفاع الحجر عنه، بخلاف ما إذا باع
بكل الدين فإنه يسقط، ولو باعه لأجنبي بإذن الغرماء لم يصح في الأصح. وخرج بالتصرف المالي التصرف في الذمة كما
قال: (ولو) تصرف في ذمته كأن (باع سلما) طعاما أو غيره، (أو اشترى) شيئا بثمن (في الذمة) أو باع فيها لا بلفظ السلم،
أو اقترض أو استأجر، (فالصحيح صحته ويثبت) المبيع والثمن ونحوهما (في ذمته) إذ لا ضرر على الغرماء فيه.
والثاني: لا يصح كالسفيه.
تنبيه: لو قال: فلو تصرف في ذمته كما قدرته في كلامه تبعا للرافعي لكان أولى. (ويصح نكاحه وطلاقه وخلعه)
ورجعته (واقتصاصه) أي استيفاؤه القصاص، وإذا طلبه أجيب كما صرح به في المحرر. (وإسقاطه) أي القصاص
ولو مجانا، وهذا من إضافة المصدر إلى مفعوله إذ لا يتعلق بهذه الأشياء مال. ويصح استلحاقه النسب ونفيه باللعان.
أما خلع الزوجة والأجنبي المفلسين فلا ينفذ منهما في العين، وفي الذمة الخلاف في السلم، وفي نفوذ استيلاده خلاف، قيل:
يصح كالمريض، والراجح عدم النفوذ، قال شيخي: لأن حجر الفلس أقوى من حجر المريض بدليل أنه يتصرف في مرض
الموت في ثلث ماله. وخرج بقيد الحياة ما يتعلق بما بعد الموت وهو التدبير والوصية فيصح، وخرج بقيد الانشاء الاقرار
كما قال: (ولو أقر بعين أو دين وجب قبل الحجر) بمعاملة أو إتلاف أو نحو ذلك، (فالأظهر قبوله في حق الغرماء) كما لو
ثبت بالبينة، وكإقرار المريض بدين يزاحم غرماء الصحة ولعدم التهمة الظاهرة، وعلى هذا لو طلب الغرماء تحليفه على
ذلك لم يحلف على الأصح لأنه لو امتنع لم يفد امتناعه شيئا إذ لا يقبل رجوعه على الصحيح. والفرق بين الانشاء والاقرار
أن مقصود الحجر منع التصرف فألغي إنشاؤه، والاقرار إخبار، والحجر لا يسلب العبارة عنه. ويثبت عليه الدين بنكوله عن
الحلف مع حلف المدعي كإقراره، والثاني: لا يقبل إقراره في حقهم لئلا تضرهم المزاحمة ولأنه ربما واطأ المقر له. قال
148

الروياني في الحلية: والاختيار في زماننا الفتوى به، لأنا نرى مفلسين يقرون للظلمة حتى يمنعوا أصحاب الحقوق من مطالبتهم
وحبسهم. وهذا في زمانه، فما بالك بزماننا.
تنبيه: إنما عبر بقوله: وجب ولم يقل لزم كما في المحرر والشرح والروضة ليدخل ما وجب، ولكنه تأخر لزومه
إلى ما بعد الحجر كالثمن في البيع المشروط فيه الخيار، وقوله وجب قبل الحجر صفة للدين فقط (وإن أسند وجوبه إلى ما بعد
الحجر) إسنادا مقيدا (بمعاملة، أو) إسنادا (مطلقا) بأن لم يقيده بمعاملة ولا غيرها، (لم يقبل في حقهم) فلا يزاحمهم بل يطالب
به بعد فك الحجر. أما في الأولى فلتقصير من عامله، وأما في الثانية ف‍ لتنزيل الاقرار على أقل المراتب وهو دين المعاملة.
فلو لم يسند وجوبه إلى ما قبل الحجر ولا إلى ما بعده قال الرافعي: فقياس المذهب تنزيله على الأقل، وهو
جعله كإسناده
إلى ما بعد الحجر. فإن كان ما أطله دين معاملة لم يقبل لاحتمال تأخر لزومه، أو دين جناية قبل لأن أقل مراتبه أن يكون
كما لو صرح به بعد الحجر. فإن لم يعلم أهو دين معاملة أو جناية لم يقبل لاحتمال تأخره وكونه دين معاملة. قال في الروضة:
وهذا التنزيل ظاهر إن تعذرت مراجعة المقر، وإلا فينبغي أن يراجع فإنه يقبل إقراره. قال السبكي: وهذا صحيح لا شك
فيه، ويحمل كلام الرافعي على ما إذا لم تتفق المراجعة اه‍. وينبغي أن يأتي مثل ذلك في الصورة الثانية في المتن. وأفتى ابن
الصلاح بأنه لو أقر بدين وجب بعد الحجر واعترف بقدرته على وفائه قبل وبطل ثبوت إعساره، أي لأن قدرته على
وفائه شرعا يستلزم قدرته على وفاء بقية الديون. (وإن قال عن جناية) بعد الحجر (قبل في الأصح) فيزاحمهم المجني عليه
لعدم تقصير ه. والثاني: أنه كما لو قال عن معاملة. والحاصل أن ما لزمه بعد الحجر إن كان برضا مستحقه لم يقبل في حقهم،
أو لا يرضاه قبل.
تنبيه: لو عبر بالمذهب كما في الروض لكان أولى، فإن أصح الطريقين أنه كما لو أسند لزومه إلى ما قبل الحجر حتى
يقبل في الأظهر. (وله أن يرد بالعيب) أو الإقالة (ما كان اشتراه) قبل الحجر (إن كانت الغبطة في الرد) وليس كما لو باع بها،
لأن الفسخ ليس تصرفا مبتدأ فيمتنع منه، وإنما هو من أحكام البيع الذي لم يشمله الحجر. وقضية كلامهم جواز رده
حينئذ دون لزومه، وبه صرح القاضي، إذ ليس فيه تفويت الحاصل، وإنما هو امتناع من الاكتساب. فإن قيل: نقل
عن النص أن من اشترى في صحته شيئا تمرض واطلع فيه على عيب والغبطة في رده ولم يرد حسب ما نقصه العيب من
الثلث فدل على أنه تفويت وقضيته لزوم الرد. أجيب بأن الضرر اللاحق للغرماء بترك الرد قد يجبر بالكسب بعد بخلاف
الضرر اللاحق للورثة بذلك.
تنبيه: كلام المصنف شامل لرد ما اشتراه قبل الحجر وما اشتراه في الذمة بعد، وصورة الغبطة فيه أن يبيعه المالك
من المفلس وهو جاهل بفلسه، والقدر الذي يأخذه بالمضاربة أكثر من قيمته. أما العالم فلا يتصور فيه الغبطة لعدم
ضرر الغرماء بمزاحمته. أما إذا كانت الغبطة في الابقاء فلا رد له لما فيه من تفويت المال بلا غرض. وقضية كلامه أنه
لا يرد أيضا إذا لم تكن غبطة أصلا لا في الرد ولا في الابقاء، وهو كذلك لتعلق حقهم به فلا يفوت عليهم بغير غبطة. ولو منع
من الرد عيب حادث لزم الأرش ولا يملك المفلس إسقاطه. (والأصح تعدي الحجر إلى ما حدث بعده بالاصطياد) والهبة
(والوصية والشراء) في الذمة (إن صححناه) أي الشراء، وهو الراجح، لأن مقصود الحجر وصول الحقوق إلى أهلها، وذلك
لا يختص بالموجود. والثاني: لا يتعدى إلى ما ذكر، كما أن حجر الراهن على نفسه في العين المرهونة لا يتعدى إلى غيرها. فإن قيل:
يستثنى على الأول من إطلاق المصنف ما لو اتهب أباه أو أوصى له به فإنه لا يتعدى إليه بل يعتق، وليس للغرماء تعلق به.
أجيب بأنه لا حاجة لاستثنائه لأن ملكه لم يستقر عليه حتى يقال لم يحجر عليه فيه، وإنما الشرع قضى بحصول العتق.
149

تنبيه: قضية إطلاقه تبعا لغيره أنه لا فرق على الأول بين أن يزيد ماله مع الحاد ث على الديون أم لا، وهو كذلك لأنه
يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء، وإن قال الأسنوي: فيه نظر. (و) الأصح (أنه ليس لبائعه) أي المفلس في الذمة، (أن
يفسخ ويتعلق بعين متاعه إن علم الحال) لتقصيره، (وإن جهل فله ذلك) لعدم تقصيره لأن الافلاس كالعيب فيفرق فيه
بين العلم والجهل. والثاني: له ذلك، لتعذر الوصول إلى عين الثمن. والثالث: ليس له ذلك مطلقا، وهو مقصر في الجهل بترك
البحث، وعلى التعلق له أن يزاحم الغرماء بثمنه. (و) الأصح (أنه إذا لم يمكن التعلق بها) أي بعين متاعه، (لا يزاحم الغرماء
بالثمن) لأنه دين حادث بعد الحجر برضا مستحقه فلا يزاحم الغرماء الأولين، بل إن فضل شئ عن دينهم أخذه وإلا انتظر
اليسار. والثاني: يزاحم به، لأنه في مقابلة ملك جديد راد به المال.
تنبيه: يجري الخلاف في كل دين يحدث بعد الحجر برضا مستحقه بمعاوضة، أما الاتلاف وأرش الجناية فيزاحم في
الأصل لأنه لم يقصر فلا يكلف الانتظار. ولو حدث دين تقدم سببه على الحجر كانهدام ما أجره المفلس وقبض أجرته
وأتلفها ضارب به مستحقه سواء أحدث قبل القسمة أم لا.
تنبيه: قوله: إذا لم يمكن بميم بعد الياء في أكثر النسخ، ونسب لنسخة المصنف، ويقع في بعضها: يكن. قال الولي العراقي:
وفي كل منهما نقص، يعني أن وجه النقص في يكن لفظة له وفي يمكن لفظة الهاء، أي يمكنه، وعبارة المحرر: إذا لم يكن له.
قال السبكي: فحذف المصنف لفظة له اختصارا أو التبس على بعض النساخ، فكتب إذا لم يكن اه‍. وقال الأذرعي: معنى
يمكن صحيح هنا، ولعل نسخة المصنف بخطه يكن، فغيرها ابن جعوان أو غيره بيمكن لأنها أجود من يكن بمفردها.
فصل: فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما: (يبادر القاضي) ندبا كما قالاه تبعا للبسيط، وإن
أوهمت عبارة الوسيط والوجيز الوجوب، (بعد الحجر) على المفلس (ببيع ماله وقسمه) أي قسم ثمنه (بين الغرماء) على
نسبة ديونهم لئلا يطول زمن الحجر عليه ومبادرة لبراءة ذمته وإيصال الحق لذويه. ولا يفرط في الاستعجال لئلا
يطمع
فيه بثمن بخس. (ويقدم) في البيع (ما يخاف فساده) كالفواكه والبقول لئلا يضيع، ثم ما يتعلق به حق كالمرهون، (ثم الحيوان)
لحاجته إلى النفقة ولأنه معرض للتلف. ويستثنى منه المدبر، فقد نص في الام على أنه لا يباع حتى يتعذر الأداء من غيره.
قال الزركشي: وهو صريح في أنه يؤخر عن الكل صيانة للتدبير عن الابطال. (ثم المنقول) لأنه يخشى ضياعه بسرقة
ونحوها. ويقدم الملبوس على النحاس ونحوه، قاله الماوردي. (ثم العقار) بفتح العين أفصح من ضمها. ويقدم البناء على
الأرض، قاله الماوردي. وإنما أخر العقار لأنه يؤمن عليه من الهلاك والسرقة. وظاهر كلام الشيخين أن هذا الترتيب
واجب، وقال في الأنوار: إنه مستحب. والظاهر كما قال الأذرعي أن الترتيب في غير ما يسرع فساده، وغير الحيوان
مستحب لا واجب. وقد تقتضي المصلحة تقديم بيع العقار أو غيره إذا خيف عليه من ظالم أو نحوه، فالأحسن تفويض
الامر إلى اجتهاد الحاكم، ويحمل كلامهم على الغالب، وعليه بذل الوسع فيما يراه الأصلح.
تنبيه: محل ما ذكر من الترتيب إذا لم يكن في ماله ما تعلق به حق كالجاني والمرهون، فإن كان قدم بيعه بعد
ما يخشى فساده كما قدرته في كلامه، فإن فضل شئ قسم أو بقي شئ ضار ب به المرتهن أو المجني عليه. (وليبع) ندبا
(بحضرة المفلس) بتثليث الحاء والفتح أفصح. أو وكيله (وغرمائه) أو وكيلهم، لأن ذلك أنفى للتهمة وأطيب للقلوب، ولان
المفلس يبين ما في ماله من عيب فلا يرد، ومن صفة مطلوبة فيرغب فيه، ولأنه أعرف بثمن ماله فلا يلحقه غبن، ولان الغرماء
150

قد يزيدون في السلعة. قال الأذرعي: ولا يتعين البيع بل للحاكم تمليك الغرماء أعيان ماله إن رآه مصلحة اه‍. والأولى
أن يتولى البيع المالك أو وكيله بإذن الحاكم ليقع الاشهاد عليه، ولا يحتاج إلى بينة بأنه ملكه، بخلاف ما لو باع الحاكم
لا بد أن يثبت أنه ملكه كما قاله ابن الرفعة تبعا للماوردي والقاضي، إذ بيع الحاكم حكم بأنه له، ويوافق قول الرافعي
في الفرائض: قسم الحاكم يتضمن الحكم بموت المفقود. وكلام جماعة يقتضي الاكتفاء باليد، وحكى السبكي في ذلك
وجهين، ورجح الاكتفاء باليد، قال: وهو قول العبادي، وكذا نقله الزركشي. ثم قال الأذرعي: وأفتى ابن الصلاح بما
يوافقه، والاجماع الفعلي عليه والأول أظهر.
تنبيه: لا يختص هذا الحكم بالمفلس بل كل مديون ممتنع ببيع القاضي عليه. لكن في غير المفلس لا يتعين فيه
البيع بل القاضي مخير بينه وبين إكراهه على البيع كما في زيادة الروضة عن الأصحاب، ولذلك اقتصر المصنف على المفلس
لتعين ذلك فيه. قال السبكي: والذي يظهر أن تخييره إنما هو عند طلب المدعي الحق من غير تعيين طريق، فإن عينه
تعين. قال القاضي: وعزى ذلك إلى القفال الكبير. قال ابنه في التوشيح: وقد يقال ليس للمدعي حق في إحدى الخصال
حتى تتعين بتعينه، وإنما حقه في خلاص حقه، فليعتمد القاضي بما شاء من الطرق اه‍. وهذا هو الظاهر. وإذا قلنا بعدم
الاكتفاء باليد قال ابن الرفعة: فيتجه أن يتعين الحبس إلى أن يتولى الممتنع من الوفاء البيع بنفسه. (وليبع) ندبا
(كل شئ في سوقه) لأن طالبه فيه أكثر والتهمة فيه أبعد، ويشهر بيع العقار ليظهر الراغبون، فلو باع في غير سوقه
بثمن مثله جاز. نعم إن تعلق بالسوق عرض معتبر للمفلس أو للغرماء وجب. قال الأسنوي: ومحله كما قاله الماوردي إذا لم يكن
في نقله مؤنة كبيرة، فإن كانت ورأي الحاكم المصلحة في استدعاء أهل السوق فعل. قال الزركشي: ومحله أيضا إذا ظن عدم
الزيادة في غير سوقه. وإنما يبيع (بثمن مثله) فأكثر (حالا من نقد البلد) وجوبا كما صرح به في المحرر، لأن التصرف
لغيره فوجب فيه رعاية المصلحة كالوكيل والمصلحة ما ذكره. نعم إن رضي المفلس والغرماء بالبيع نسيئة أو بغير نقد البلد
جاز كما قاله المتولي، وإن نظر فيه السبكي وقال: لاحتمال غريم آخر. ولو رأى الحاكم المصلحة في البيع بمثل حقوقهم جاز.
ولو باع ماله بثمن مثله ثم ظهر راغب بزيادة وجب القبول في المجلس وفسخ البيع، فإن لم يقبل فسخ الحاكم عليه. قال الروياني
في التجربة: وقد ذكروا في عد الرهن والوكالة أنه إذا لم يفسخ ومضى زمن يمكن فيه البيع انفسخ بنفسه، فقياسه
هنا كذلك. ولو تعذر من يشتري مال المفلس بثمن مثله من نقد البلد وجب الصبر، قال المصنف في فتاويه: بلا خلاف.
فإن قيل: المرهون يباع بالثمن الذي دفع فيه بعد النداء والاشتهار وإن شهد عدلان أنه دون ثمن مثله، قال ابن أبي الدم:
بلا خلاف. أجيب بأن الراهن التزم ذلك حيث عرض ملكه للبيع. ونظير الراهن المسلم إليه فإنه يلزمه تحصيل المسلم
فيه إذا وجده بأكثر من ثمن مثله أو بثمن غال كما مر في بابه لأنه التزامه. (ثم إن كان الدين) من (غير جنس النقد) الذي
بيع به أو من غير نوعه، (ولم يرض الغريم إلا بجنس حقه) أو نوعه (اشترى) له لأنه واجبه. (وإن رضي جاز
صرف النقد إليه إلا في السلم) ونحوه مما يمتنع الاعتياض فيه كبيع في الذمة وكمنفعة واجبة في إجارة الذمة، فلا يجوز
صرفه إليه وإن رضي لامتناع الاعتياض. وأورد ابن النقيب عن المصنف نجوم الكتابة، فليس للسيد الاعتياض عنها
على الأصح. ولا يرد كما قال الولي العراقي لأن النجوم لا يحجر لأجلها فليست مرادة هنا. (ولا يسلم) الحاكم أو مأذونه
(مبيعا قبل قبض ثمنه) احتياطا، فإن فعل ضمن كالوكيل والضمان بقيمة المبيع، وقيل: بالثمن، وقيل: بأقل الامرين.
فعلم أنه لا يجوز البيع بمؤجل وإن حل قبل أوان القسمة، لأن البيع بمؤجل يجب تسليمه قبل قبض الثمن. قال السبكي:
وينبغي أن يكون محل ضمان الحاكم إذا فعله جاهلا أو معتقدا تحريمه، فإن فعله باجتهاد أو تقليد صحيح لم يضمن لأن
خطأه غير مقطوع به. فإن قيل: يستثنى من إطلاق المصنف ما لو باع شيئا لاحد الغرماء وعلم أنه يحصل له عند المقاسمة
مثل الثمن الذي اشترى به فأكثر، فإنه يجوز أن يسلم له قبل قبض الثمن، والأحوط بقاء الثمن في ذمته لا أخذه وإعادته
151

إليه. أجيب بأنه إن كان الثمن من جنس دينه جاء التقاص، وإن لم يكن من جنسه ورضي به حصل الاعتياض، فلم
يحصل تسليم مع بقاء الثمن على كل تقدير. (وما قبضه) الحاكم من ثمن أموال المفلس (قسمه) ندبا على التدريج
(بين الغرماء) لتبرأ منه ذمته ويصل إليه المستحق، فإن طلب الغرماء القسمة وجبت كما يؤخذ من كلام السبكي
الآتي. (إلا أن يعسر لقلته) وكثر الديون، (فيؤخره) أي الحاكم ذلك (ليجتمع) ما يسهل قسمته دفعا للمشقة
فيقرضه أمينا موسرا، قال السبكي: ترتضيه الغرماء، قال الأذرعي: وغيره مماطل. فإن فقد أودعه ثقة ترتضيه الغرماء،
ولا يضعه عند نفسه لما فيه من التهمة. قال الأذرعي: ولك أن تقول إذا كان الحال يقتضي تأخير القسمة، وأنه إذا
أخذه أقرضه، فينبغي أنه إذا كان المشتري ممن يجوز إقراضه منه أن يترك في ذمته إلى وقت القسمة، ولا وجه لقبضه
منه ثم السعي في إقراضه، وقد لا يجد مقترضا أهلا اه‍. وهو بحث حسن. ولو اختلفت الغرماء فيمن يقرضه أو يودع
عنده أو عينوا غير ثقة، فمن رآه القاضي من العدول أولى، فإن تلف عند المودع من غير تقصير فمن ضمان المفلس.
قال الشيخان: فإن طلب الغرماء القسمة ففي النهاية إطلاق القول بأنه يجيبهم، والظاهر خلافه اه‍. والأوجه كما قال
شيخنا ما أفاده كلام السبكي من حمل هذا على ما إذا ظهرت مصلحة في التأخير، وما في النهاية على خلافه، فلو كان
الغريم واحدا سلمه إليه أولا فأولا لأن إعطاءه للمستحق أولى من إقراضه أو إيداعه.
تنبيه: يستثنى من القسمة عليهم المكاتب إذا حجر عليه وعليه نجوم كتابة وأرش جناية ودين معاملة، فالأصح
تقديم دين المعاملة ثم الأرش ثم النجوم. وإنما قدم دين المعاملة عليهما لأن لهما تعلقا آخر بتقدير العجز عنهما، وهو
الرقبة. وإنما قدم الأرش على النجوم لأنه مستقر والنجوم معرضة للسقوط، وتقدم أنه لا حجر بالنجوم، وهذا بخلاف
المديون وغير المحجور عليه فإنه يقسم كيف شاء، وهو ظاهر بالنسبة لصحة التصرف. أما بالنسبة للجواز فينبغي كما
قال السبكي: أنهم إذا استووا وطالبوا وحقوقهم على الفور أن تجب التسوية. (ولا يكلفون) أي الغرماء عند القسمة
(بينة) أو إخبار حاكم (بأن لا غريم غيرهم) لأن الحجر يشتهر، فلو كان ثم غريم لظهر. ويخالف نظيره في الميراث
لأن الورثة أضبط من الغرماء، وهذه شهادة على نفي يعسر مدركها فلا يلزم من اعتبارها في الأضبط اعتبارها في غيره.
قال في الروضة: ولان الغريم الموجود تيقنا استحقاقه لما يخصه وشككنا في مزاحمه، وهو بتقدير وجوده لا يخرجه
عن استحقاقه له في الذمة. ولا يتحتم مزاحمة الغريم لأنه لو أبرأ أو أعرض أخذ الآخر الجميع، والوارث بخلافه
في جميع ذلك.
تنبيه: لو قال المصنف: ولا يكلفون الاثبات بأن لا غريم غيرهم لكان أولى ليشمل ما زدته في كلام. (فلو
قسم فظهر غريم) يجب إدخاله في القسمة، أي انكشف أمره. (شارك بالحصة) ولم تنقض القسمة، لأن المقصود
يحصل بذلك، فلو قسم ماله وهو خمسة عشر على غريمين لأحدهما عشرون وللآخر عشرة. فأخذ الأول عشرة
والآخر خمسة ثم ظهر غريم له ثلاثون، رجع على كل منهما بنصف ما أخذه. فإن أتلف أحدهما ما أخذه وكان معسرا
جعل ما أخذه كالمعدوم وشارك من ظهر الآخر وكان ما أخذه كأنه كل المال، فلو كان المتلف آخذا الخمسة استرد
الحاكم من آخذ العشرة ثلاثة أخماسها لمن ظهر، ثم إذا أيسر المتلف أخذ منه الآخران نصف ما أخذه وقسماه بينهما
بنسبة دينهما، وقس على ذلك. واحترز بقوله: ظهر عما إذا حدث بعد القسمة فإنه لا يضارب إلا إذا كان سببه متقدما،
كما إذا أجر دارا وقبض أجرتها ثم انهدمت بعد القسمة فإنه يضارب على الصحيح. (وقيل تنقض القسمة) كما لو
اقتسمت الورثة ثم ظهر وارث آخر فإن القسمة تنقض على الأصح. وفرق الأول بأن حق الوارث في عين المال،
بخلاف حق الغريم فإنه في قيمته وهو يحصل بالمشاركة. ولو ظهر الثالث وحصل للمفلس مال قديم أو حادث بعد الحجر
صرف منه إليه بقسط ما أخذه الأولان، والفاضل يقسم على الثلاثة. نعم إن كان دينه حادثا فلا مشاركة له في المال
152

القديم، وتقدم أن الدين إذا تقدم سببه فكالقديم. ولو غاب غريم وعرف قدر حقه قسم عليه وإن لم يعرف، فإن
أمكنت مراجعته وجب الارسال إليه، وإن لم تمكن مراجعته ولا حضوره رجع في قدره إلى المفلس، فإن حضر
وظهر له زيادة فهو كظهور غريم بعد القسمة. ولو تلف بيد الحاكم ما أفرزه للغائب بعد أخذ الحاضر حصته أو إفرازها
، فعن القاضي أن الغائب لا يزاحم من قبض. (ولو خرج شئ باعه) المفلس (قبل الحجر مستحقا والثمن) المقبوض
(تالف فكدين ظهر) سواء أتلف قبل الحجر أم بعده لثبوته قبل الحجر. وخرج بقوله: والثمن تالف ما إذا كان باقيا
فإنه يرده. فإن قيل قوله: فكدين ظهر لا معنى للكاف بل هو دين ظهر حقيقة. أجيب بأن معناها مثل كما في
قوله تعالى: * (ليس كمثله شئ) *، فكأنه قال: فمثل الدين اللازم دين ظهر من غير هذا الوجه، وحكمه ما سبق فيشارك
المشتري الغرماء من غير نقض القسمة أو مع نقضها. والمراد بالمثل البدل ليشمل القيمة في المتقوم. (وإن استحق شئ
باعه الحاكم) أو أمينه والثمن المقبوض تالف، (قدم المشتري بالثمن) أي بمثله على باقي الغرماء لئلا يرغب الناس عن
شراء مال المفلس، فكان التقديم من مصالح الحجر كأجرة الكيال ونحوها من المؤن. (وفي قول يحاص الغرماء به)
كسائر الديون لأنه دين في ذمة المفلس، ودفع بما مر. وليس الحاكم ولا أمينه طريقا في الضمان لأنه نائب الشرع.
(وينفق) الحاكم من مال المفلس عليه و (على من عليه نفقته) من زوجة وقريب وأم ولد وخادم، (حتى يقسم
ماله) لأنه موسر ما لم يزل ملكه عنه، ومحله في الزوجة التي نكحها قبل الحجر، أما المنكوحة بعده فلا، بخلاف الولد
المتجدد له. وفرق بينهما بعدم الاختيار في الولد بخلاف الزوجة. ولا فرق في المملوك بين القديم والحادث بعد الحجر
لأنه مال وفيه نفع للغرماء. فإن قيل: لو أقر السفيه بولد ثبت نسبه وأنفق عليه من بيت المال فهلا كان المفلس كذلك
أجيب بأن إقرار السفيه بالمال ربما يقتضيه لا يقبل، بخلاف إقرار المفلس فإنه يقبل على الصحيح، وغايته هنا أن
يكون قد أقر بدين وإقراره به مقبول ويجب أداؤه، فبالأولى وجوب الانفاق لأنه وقع تبعا، كثبوت النسب تبعا
لثبوت الولادة بشهادة النسوة. فإن قيل: هلا كان إقراره كتجديد الزوجة أجيب بأن الاقرار به واجب بخلاف
التزوج. فإن قيل: قد يكون الآخر واجبا بأن ظلمها في القسم وطلقها على القول بوجوبه كما سيأتي في بابه. أجيب
بأنه يمكنه الخروج من ذلك بأن تسامحه من حقها ولا كذلك النسب، ولو اشترى أمة في ذمته بعد الحجر وأولدها
وقلنا بنفوذ إيلاده، فالأوجه كما اقتضاه كلامهم أنه ينفق عليها، وفارقت الزوجة لقدرتها على الفسخ بخلاف أم الولد.
وينفق على الزوجة نفقة المعسرين على المعتمد الموافق لنص الشافعي، خلافا للروياني من أنه ينفق نفقة الموسرين.
وعلل بأنه لو أنفق نفقة المعسرين لما أنفق على القريب. ورد بأن اليسار المعتبر في نفقة الزوجة غير المعتبر في نفقة
القريب، لأن الموسر في نفقته من يفضل ماله عن قوته وقوت عياله، وفي نفقة الزوجة من يكون دخله أكثر من خرجه،
وبأن نفقة الزوجة لا تسقط بمضي الزمان بخلاف القريب فلا يلزم من انتفاء الأول انتفاء الثاني. واعلم أنهم ذكروا
في ولي الصبي أنه لا ينفق على قريبه إلا بعد الطلب فليكن هنا مثله بل أولى لمزاحمة حق الغرماء.
تنبيه: لو عبر بيمون بدل ينفق لكان أولى ليشمل النفقة والكسوة والاسكان والاخدام وتكفين من مات
منهم قبل القسمة، لأن ذلك كله عليه. (إلا أن يستغني) المفلس (بكسب) لائق به، فلا ينفق الحاكم عليه ولا عليهم
من ماله بل من كسبه، فإن لم يوف كمل من ماله أو فضل منه شئ أضيف إلى المال. أما غير اللائق فكالعدم
كما
صرحوا به في قسم الصدقات وسكتوا عنه هنا. ولو رضي بما لا يليق به وهو مباح لا يمنع منه، قال الأذرعي: وكفانا
مؤنته. ولو امتنع من اللائق به، فقضية كلام المتن والمطلب أن ينفق من ماله لأنه صدق عليه أنه لم يستغن من كسبه
153

، واختاره الأسنوي. وقضية كلام المتولي خلافه، واختاره السبكي. والأول أنسب بقاعدة الباب من أنه لا يؤمر
بتحصيل ما ليس بحاصل، وهو أنسب من قول الولي العراقي من أنه لو فصل بين أن يتكرر ذلك منه ثلاث مرات
فأكثر وبين أن يوجد منه مرة أو مرتين لم يبعد. (ويباع مسكنه وخادمه) ومركوبه (في الأصح) المنصوص،
(وإن احتاج إلى خادم) ومركوب (لزمانته ومنصبه) لأن تحصيلهما بالكراء يسهل، فإن تعذر فعلى المسلمين
. والثاني: يبقيان للمحتاج إذا كانا لائقين به دون النفيسين. وهو مخرج من نصه في الكفارات أيضا. وفرق الأول
بأن حقوق الآدميين أضيق ولا بد لها. وتباع البسط والفرش، ويسامح في حصير ولبد قليلي القيمة. (ويترك له دست
ثوب يليق به) حال فلسه كما قاله الامام إن كان في ماله، وإلا اشتري له لأن الحاجة إلى الكسوة كالحاجة إلى النفقة.
فلو كان يلبس قبل الافلاس فوق ما يليق بمثله رد إلى اللائق أو دون اللائق تقتيرا لم يزد عليه.
تنبيه: قال الأسنوي: الضمير في له عائد على لفظ من المذكور في النفقة، وحينئذ فيدخل فيه نفسه وعياله
، ونقله الزركشي عن البغوي وغيره. (وهو قميص وسراويل) ومنديل (وعمامة ومكعب) أي مداس. (ويزاد في
الشتاء جبة) محشوة أو ما في معناها كفروة، لأنه يحتاج إلى ذلك، ولا يؤجر غالبا. ويترك له أيضا طيلسان وخف
ودراعة - بضم المهملة - يلبسها فوق القميص أو نحوها مما يليق إن لاق به ذلك لئلا يحصل الازدراء بمنصبه. وتزاد المرأة
مقنعة - وغيرها مما يليق بها. وسكتوا عما يلبس على الرأس تحت العمامة، قال الأسنوي: والذي يظهر إيجابه، وذكر
نحوه الأذرعي، وهو ظاهر، ويقال لما تحتها القلنسوة، ومثلها تكة اللباس.
تنبيه: قال العبادي: يترك للعالم كتبه، وتبعه ابن الأستاذ، وقال تفقها: يترك للجندي المرتزق خيله وسلاحه
المحتاج إليهما، بخلاف المتطوع بالجهاد فإن وفاء الدين أولى له إلا أن يتعين عليه الجهاد ولا يجد غيرها. أما المصحف
فيباع، قال السبكي: لأنه محفوظ فلا يحتاج إلى مراجعته، ويسهل السؤال عن الغلط من الحفظة بخلاف كتب العلم.
قال صاحب التهذيب في الفتاوى: ويبيع - أي القاضي - آلات حرفته إن كان مجنونا، ومفهومه أنها لا تباع إن كان عاقلا،
والأصح كما في الأنوار خلافه. وقال ابن سريج: يترك له رأس مال يتجر فيه إن لم يحسن الكسب إلا به. قال الأذرعي:
وأظن أن مراده اليسير كما قاله الدارمي، أما الكثير فلا إلا برضاهم. (ويترك له قوت يوم القسمة وسكناه كما في
الوجيز، (لمن عليه نفقته) لأنه موسر في أوله بخلاف ما بعده. قال في المهمات: والمراد اليوم بليلته كما
صرح به البغوي
في التهذيب، ونقله المصنف في تعليقه على المهذب وارتضاه اه‍. فإن قسم ليلا يلحق به اليوم الذي بعده قياسا على
الليلة، ويترك ما يجهز به من مات منهم ذلك اليوم أو قبله مقدما به على الغرماء. هذا كله إذا كان بعض ماله خاليا عن
تعلق حق لمعين، فإن تعلق بجميع ماله حق لمعين كالمرهون فلا ينفق عليه ولا على عياله منه. (وليس عليه بعد القسمة
أن يكتسب أو يؤجر نفسه لبقية الدين) لقوله تعالى: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) *، أمر بانتظاره ولم يأمر
باكتسابه، ولقوله (ص) في خبر معاذ: ليس لكم إلا ذلك. ولا يلزمه ترك القصاص الواجب له بجناية عليه أو على غيره
كرقيقه بالأرش، لأنه في معنى الكسب. نعم إن وجب الدين بسبب عصى به كإتلاف مال الغير عمدا وجب عليه الاكتساب
كما نقله الأسنوي عن ابن الصلاح، ثم قال: وهو واضح لأن التوبة من ذلك واجبة، وهي متوقفة في حقوق الآدميين
على الرد، بل نقل الغزالي في باب التوبة من الاحياء: أن من استطاع الحج ولم يحج حتى أفلس فعليه الخروج، فإن لم
يقدر مع الافلاس فعليه أن يكتسب من الحلال قدر الزاد، فإن لم يقدر فعليه أن يسأل الناس ليصرف إليه من الزكاة
أو الصدقة ما يحج به، فإن مات قبل الحج مات عاصيا. فهذا أبلغ مما نقل عن ابن الصلاح، فإن الحج من حقوق الله تعالى.
154

والتحقيق كما قال شيخنا أن وجوب ذلك ليس لايفاء الدين بل للخروج من المعصية، وليس الكلام فيه. فإن قيل:
يجب الاكتساب في نفقة القريب مع أن الدين أقوى منها فإنها تسقط بمضي الزمان بخلافه، فهلا كان ذلك مثلها أجيب
بأن قدر النفقة يسير والدين لا ينضبط قدره، وأيضا نفقة القريب فيها إحياء بعضه فلزمه الاكتساب له كما يلزمه الاكتساب
لاحياء نفسه بخلاف الدين قال ابن الرفعة: هذا كله في الحر، أما الرقيق المأذون له في التجارة إذا قسم ما بيده للغرماء
وبقي عليه دين وقلنا يتعلق دين التجارة بكسبه وهو الأصح لزمه أن يكتسب للفاضل اه‍. وفيه نظر. ولا يمكن المفلس
من تفويت حاصل لمنافاته غرض الحجر، فليس له ولا لوارثه العفو عن المال الواجب بجناية لما فيه من تفويت الحاصل.
(والأصح وجوب إجارة أم ولده والأرض الموقوفة عليه) مثلا لبقية الدين لأن منافعها كالأعيان، ولهذا يضمنان بقوتهما
في يد الغاصب بخلاف منافع الحر فيصرف بدلهما إلى الدين ويؤجران مرة بعد أخرى إلى البراءة، فإن المنافع لا نهاية لها.
قال الرافعي: ومقتضى هذا إدامة الحجر إلى البراءة، وهو كالمستبعد. قال البلقيني: ليس هذا مقتضاه
وإنما مقتضاه أحد أمرين: إما أن ينفك الحجر بالكلية، وإما أن ينفك بالنسبة إلى غير الموقوف والمستولدة ويبقى فيهما، وتبعه الأسنوي
على ذلك. قال الزركشي: والمراد إذا كان يحصل منهما ما يزيد على قدر نفقته ونفقة من يمونه قبل قسمة المال فإنها
يقدمان في المال الحاصل فالمنزل منزلته أولى اه‍. لكن إنما تقدم نفقته ونفقة من يمونه قبل قسمة المال. وقياسه أن يقال:
ينفق عليه وعلى من يمونه من أجرة أم الولد والموقوف عليه أن يؤجر. والثاني: لا تجب، لأن المنفعة لا تعد مالا حاصلا.
قال الأذرعي: والظاهر أن الموصى بمنفعته له كالمستولدة والموقوف. قال في الروضة: وأفتى الغزالي بأنه يجبر على
إجارة الموقوف، أي بأجرة معجلة، ما لم يظهر تفاوت بسبب تعجيل الأجرة إلى حد لا يتغابن به الناس في غرض قضاء الدين
والتخلص من المطالبة اه‍. ومثله المستولدة، ومحله في الوقف إذا لم يكن شرط الوقف في إجارته شرطا فإن شرط شيئا
اتبع، قاله القاضي أبو بكر الشاشي في فتاويه.
تنبيه: لو قال المصنف: والموقوف عليه لكان أخصر وأشمل. (وإذا ادعى) المدين (أنه معسر، أو قسم ماله بين غرمائه
وزعم أنه لا يملك غيره وأنكروا) ما زعمه (فإن لزمه الدين في معاملة مال كشراء أو قرض فعليه البينة) بإعساره في الصورة
الأولى، وبأنه لا يملك غيره في الثانية، لأن الأصل بقاء ما وقعت عليه المعاملة. وقضية التوجيه المذكور أن المراد بالمال ما يبقى،
أما ما لا يبقى كاللحم فالظاهر أنه كالقسم الآتي.
تنبيه: قضية كلامه أن الاعسار لا يثبت باليمين المردودة، وليس مرادا فإنه لو ادعى على غريمه علمه بإفلاسه
أو تلف ماله حلف على نفيه، فإن نكل حلف وثبت إفلاسه. وقضيته أيضا أنه لا يكفي علم القاضي بإعساره، وبه صرح
الامام، قال: لأنه ظن لا علم. لكن ذكر الشيخان في الكلام على القضاء بالعلم هو الظن المؤكد
مدلوله الحقيقي، وقضيته أنه يقتضي به هنا وهو الظاهر. (وإلا) بأن لزمه الدين لا في معاملة مال، (فيصدق بيمينه في الأصح)
سواء لزمه باختياره كضمان وصداق أم بغير اختياره كأرش جناية وغرامة متلف، لأن الأصل العدم. وهذا
التعليل يدل على أن صورة المسألة فيمن لم يعرف له مال قبل ذلك، ولذا قال في التنبيه: فإن كان قد عرف له مال قبل
ذلك حبس إلى أن يقيم البينة على إعساره. والثاني: لا يصدق إلا ببينة، لأن الظاهر من حال الحر أنه يملك شيئا، وكذا
علله الرافعي، واعترضه في الكفاية بأن هذا التعليل لا يستقيم فيما إذا قسم ماله، لأن مقتضى الظاهر قد تحقق وعمل به.
والثالث: إن لزمه الدين باختياره لم يصدق إلا ببينة، أو بغير اختياره صدق بيمينه. والفرق أن الظاهر أنه لا يشغل ذمته
باختياره بما لا يقدر عليه. ومحل التفصيل المذكور ما إذا لم يسبق منه إقرار بالملاءة، فلو أقر بها ثم ادعى الاعسار ففي
155

فتاوى القفال: لا يقبل قوله إلا أن يقيم بينة بذهاب ماله. فرع: لو حلف أن يوفي زيدا دينه في وقت كذا ثم ادعى الاعسار قبل الاجل عدم الحنث إلا أن يعرف له مال
كذا، أجابني به شيخي. وهي مسألة كثيرة الوقوع. (وتقبل بينة الاعسار) وإن تعلقت بالنفي لمكان الحاجة، كالبينة على
أن لا وارث سوى هؤلاء. (في الحال) قياسا على غيرها. (وشرط شاهد) ليقبل وهو اثنان، (خبره باطنه) أي المعسر
لطول جوار، أو مخالطة ونحوها فإن المال يخفى فلا يجوز الاعتماد على ظاهر الحال. فإن عرف القاضي أن الشاهد بهذه الصفة
فذاك وإلا فله اعتماد قوله إنه بها، كذا نقلاه عن الامام وهو صرح بنقل ذلك عن الأئمة. وذكر الشيخان في الكلام
على التزكية أن القاضي لا بد أن يعرف أن المزكي من أهل الخبرة، أو أن يعرف من عدالته أنه لا يزكي إلا بعد وجودها.
قال الأسنوي: وينبغي أن يكون هذا مثله اه‍. وهو ظاهر. هذا في الشاهد بالاعسار، أما الشاهد بالتلف فلا يشترط
فيه الخبرة الباطنة، وحينئذ فيصدق بيمينه في إعساره. (وليقل) أي شاهد الاعسار وهو اثنان كما مر. (هو معسر،
ولا يمحض النفي كقوله لا يملك شيئا) لأنه لا يمكنه الاطلاع عليه بل يجمع بين نفي وإثبات فيقول كما قال الشيخان: هو
معسر لا يملك إلا قوت يومه وثياب بدنه. قال البلقيني: وهذا غير صحيح لأنه قد يكون مالكا لغير ذلك وهو معسر،
كأن يكون له مال غائب بمسافة القصر فأكثر ولان قوت يومه قد يستغنى عنه بالكسب، وثياب بدنه قد تزيد على
ما يليق به، فيصير موسرا بذلك، فالطريق أن يشهد أنه معسر عاجز العجز الشرعي عن وفاء شئ من هذا الدين أو ما في معنى
ذلك اه‍. وهو حسن. وأفاد التعبير بالشاهدين أنه لا يكفي رجل وامرأتان ولا رجل ويمين، وأنه لا يشترط ثلاثة. وأما قوله
(ص) فيما رواه مسلم لمن ذكر له أن جائحة أصابت ماله وسأله أن يعطيه من الصدقة حتى يشهد ثلاثة من
ذوي الحجا من قومه، فمحمول على الاحتياط. وسكوت المصنف عن تحليفه مع بينة الاعسار يشعر بأنه لا حاجة إليه،
وليس مرادا، بل يجب تحليفه على إعساره باستدعاء الخصم لجواز أن يكون له مال في الباطن. ولو كان الحق لمحجور
عليه أو غائب أو جهة عامة لم يتوقف التحليف على الطلب، وإنما يحلف بعد إقامة البينة كما قاله القفال. ولا يحلف من
أقام البينة على إتلاف ماله بلا خلاف لأن فيه تكذيب البينة. وله تحليف الغرماء أنهم لا يعرفون إعساره إذا ادعاه
عليهم، فإن نكلوا حلف وثبت إعساره كما مر، وإن حلفوا حبس، فإن ادعى ثانيا وثالثا وهكذا أنه بان لهم إعساره
حلفوا حتى يظهر للحاكم أن قصده الايذاء، ولو ثبت إعساره فادعوا بعد أيام أنه استفاد مالا وبينوا الجهة التي استفاد
منها فلهم بحليفه إلا أن يظهر منهم قصد الايذاء. وإذا شهد على مفلس بالغني فلا بد من بيان سببه لأن الاعدام لما لم
يثبت إلا من أهل الخبرة كذلك الغني، قاله القفال في فتاويه. ولو وجد في يد المعسر مالا فأقر به لشخص وصدقه
أخذه منه ولا حق فيه للغرماء. ولا يحلف المعسر أنه ما واطأ المقر له على الاقرار، لأنه لو رجع عن إقراره لم يقبل،
وإن كذبه المقر له أخذه الغرماء ولا يلتفت إلى إقراره به لآخر لظهور كذبه في صرفه عنه، وإن أقر به لغائب انتظر
قدومه فإن صدقه أخذه وإلا أخذه الغرماء. ولو أقر به لمجهول لم يقبل منه كما اقتضاه كلامهم، وصرح به الروياني وغيره.
والظاهر كما قال الأذرعي أن الصبي ونحوه كالغائب. نعم إن صدقه الولي فلا انتظار. ولو تعارض بينتا إعسار وملاءة
كلما شهدت إحداهما جاءت الأخرى فشهدت بأنه في الحال على خلاف ما شهدت به، فهل يقبل ذلك أبدا ويعمل
بالمتأخر؟ أفتى ابن الصلاح بأنه يعمل بالمتأخر منهما وإن تكررت إذا لم ينشأ من تكرارها ريبة، ولا تكاد بينة
الاعسار تخلو عن ريبة إذا تكررت. (وإذا ثبت إعساره) عند القاضي (لم يجز حبسه ولا ملازمته بل يمهل حتى يوسر)
للآية السابقة، بخلاف من لم يثبت إعساره فيجوز حبسه وملازمته. نعم الأصل ذكرا كان أو غيره وإن علا
لا يحبس بدين الولد كذلك وإن سفل ولو صغيرا أو زمنا لأنه عقوبة. ولا يعاقب الولد بالولد، ولا فرق بين دين النفقة
وغيرها. وكذا لا يحبس المكاتب بالنجوم ولا المستأجر عينه وتعذر عمله في الحبس تقديما لحق المستأجر كالمرتهن، فإن
156

خيف هربه استوثق عليه القاضي على حسب ما يراه، ولان العمل مقصود بالاستحقاق في نفسه بخلاف الحبس ليس
مقصودا في نفسه بل يتوصل به إلى غيره، ذكره في الروضة في باب الإجارة عن فتاوى الغزالي وأقره. قال السبكي:
وعلى قياسه لو استعدى على من استؤجر عينه وكان حضوره للتحاكم يعطل حق المستأجر ينبغي أن لا يحضر، ولا
يعترض باتفاق الأصحاب على إحضار المرأة البرزة وحبسها وإن كانت مزوجة لأن للإجارة أمدا ينتظر. ويؤخذ مما قاله
أنا الموصي بمنفعته كالمستأجر إن أوصى بها مدة معينة وإلا فكالزوجة.
فروع: لا يحبس المريض ولا المخدرة ولا ابن السبيل بل يوكل بهم، ولا الصبي ولا المجنون ولا أبو الطفل والوكيل
والقيم في دين لم يجب بمعاملتهم، وتحبس الامناء في دين وجب بمعاملتهم. ولا يحبس العبد الجاني ولا سيده ليؤدي أو يبيع،
بل يباع عليه إذا وجد راغب وامتنع من البيع والفداء، وعلى الموسر الأداء فورا بحسب الامكان إن طولب لقوله
(ص): مطل الغني ظلم إذ لا يقال مطله إلا إذا طالبه فدافعه. فإن امتنع أمره الحاكم به. فإن امتنع
وله مال ظاهر وهو من جنس الدين وفى منه، أو من غيره باع الحاكم عليه ماله وإن كان المال في غير محل ولايته كما
صرح به القاضي والقمولي أو أكرهه مع التعزير بحبس أو غيره على البيع، أما قبل المطالبة فلا يجب الأداء وإن كان
سبب الدين معصية. ولا ينافيه الوجوب في هذه الحالة للخروج من المعصية، لأن الكلام في الوجوب للحلول. ولو
التمس غريم الممتنع من الأداء الحجر عليه في مال أجيب لئلا يتلف ماله، فإن أخفاه وهو معلوم وطلب غريمه
حبسه
حبس وحجر عليه أولا حتى يظهره، فإن لم ينزجر بالحبس ورأي الحاكم ضربه أو غيره فعل ذلك وإن زاد مجموعه
على الحد، ولا يعزره ثانيا حتى يبرأ من الأول. ولصاحب الدين الحال ولو ذميا منع المديون الموسر بالطلب من السفر المخوف
وغيره بأن يشغله عنه برفعه إلى الحاكم ومطالبته حتى يوفيه دينه، لأن أداءه فرض عين بخلاف السفر. نعم إن استناب
من يوفيه من مال الحاضر فليس له منعه، أما صاحب المؤجل فليس له منعه من السفر، ولو كان مخوفا كجهاد أو الاجل
قريبا إذ لا مطالبة به في الحال. ولا يكلف من عليه المؤجل رهنا ولا كفيلا ولا إشهادا لأن صاحبه هو المقصر حيث رضي
بالتأجيل من غير رهن وكفيل، وله السفر صحبته ليطالبه عند حلوله بشرط أن لا يلازمه ملازمة الرقيب، لأن فيه إضرارا به.
(والغريب العاجز عن بينة الاعسار يوكل القاضي به) وجوبا، (من يبحث) أي اثنان يبحثان بقدر الطاقة، (عن
حاله، فإذا غلب على ظنه إعساره شهد به) لئلا يخلد في الحبس. وظاهر كلام المصنف أنه لا يحبس بل يوكل به في الابتداء،
وكلام الشرح والروضة في فصل التزكية يقتضيه، لكن ظاهر كلامهما هنا أنه يفعل ذلك معه وهو في الحبس، ويدل
لهذا التعليل المذكور. ولا يأثم المحبوس المعسر بترك الجمعة لأنه معذور، وللقاضي منع المحبوس منها إن اقتضته المصلحة،
ومن الاستمتاع بالزوجة ومحادثة الأصدقاء لا من دخولها لحاجة كحمل طعام، وله منعه من شم الرياحين للترفه إلا لحاجة
كمرض لا منعه من عمل صنعة في الحبس، وإن كان مماطلا. ونفقته واجبة على نفسه، وعليه أجرة الحبس لأنها أجرة
المكان. ولو حبست امرأة في دين قال ابن المقري تبعا لاصله لم يأذن فيه الزوج، سقطت نفقتها مدة الحبس ولو ثبت
الدين ببينة كما لو وطئت بشبهة واعتدت فإنها تسقط وإن كانت معذورة. ومفهوم ذلك أنه لو أذن لها في الاستدانة لم
تسقط نفقتها، والأوجه كما قال شيخنا تبعا للأذرعي أنها لا نفقة لها، كما لو أذن لها في الحج ولم يخرج معها فإنه لا نفقة لها. ولو لزمه حق آخر حبس بهما ولم يطلق بقضاء أحدهما دون الآخر. ويخرج المحبوس من الحبس لسماع الدعوى عليه،
ويخرج المجنون من الحبس مطلقا والمريض إن لم يجد ممرضا فإن وجده فلا، وإن كان لا يحبس ابتداء. ومن ثبت إعساره
أخرج ولو بغير إذن الغريم لزوال المقتضى.
فصل: في رجوع المعامل للمفلس عليه بما عامله به ولم يقبض عوضه: (من باع ولم يقبض الثمن حتى حجر على
157

المشتري بالفلس) أي بسبب إفلاسه والمبيع باق عنده بالشروط الآتية. (فله) أي البائع (فسخ البيع واسترداد المبيع)
لحديث الصحيحين: من أدرك ماله بعينه عند رجل أو إنسان قد أفلس فهو أحق به، وكون الثمن غير مقبوض
يحتاج إلى إضماره في الحديث، وقول الراوي فيه: عند رجل أو إنسان شك منه. ولا يحتاج في الفسخ إلى حكم حاكم
بل يفسخه بنفسه على الأصح، ولو حكم حاكم بمنع الفسخ لم ينقض كما صححه المصنف، وإن قال الإصطخري بنقضه.
ولو وقع البيع ممن يلزمه التصرف بالغبطة كأن يكون مكاتبا أو وليا، والغبطة في الفسخ وجب عليه في ذلك. أما من
أفلس ولم يحجر عليه أو حجر عليه للسفه فلا رجوع كما أفهمه كلامه، وأفهم أيضا امتناع الفسخ بالبيع الواقع في حال
الحجر، أي لغير الجاهل كما مر.
تنبيه: قوله: ولم يقبض الثمن المراد لم يقبض منه شيئا، بدليل قوله: واسترداد المبيع. أما إذا قبض بعض الثمن
فسيذكره بعد. وقوله: واسترداد المبيع قد يوهم منع استرداد بعضه، وليس مردا لأنه مصلحة للغرماء كما يرجع الوالد
في بعض ما وهبه لولده بخلاف الرد بالعيب لأنه يضر بالبائع وملك المفلس مبيع كله. وقيد الأذرعي الرجوع بما إذا لم
يحصل به ضرر بالتشقيص على الغرماء. وقال السبكي: لا يلتفت إلى ذلك. واقتصر عليه شيخنا في شرح الروض وهو
المعتمد. (والأصح أن خياره) أي الفسخ (على الفور) كخيار العيب بجامع دفع الضرر. والثاني: كخيار الرجوع في
الهبة للولد. وفرق الأول بحصول الضرر هنا بخلاف ذلك. وعلى الأول لو ادعى الجهل بالفورية كان كالرد بالعيب
بل أولى، لا هذا يخفى على غالب الناس بخلاف ذلك. (و) الأصح (أنه لا يحصل الفسخ بالوطئ للأمة (والاعتاق)
للرقيق (والبيع) والهبة ونحو ذلك، وتلغو هذه التصرفات كمالا يحصل بها في الهبة للولد. والثاني: يحصل كالبائع في زمن
الخيار. وفرق الأول بأن ملك المشتري ثم ليس بمستقر فجاز الفسخ بما ذكر بخلاف مسألتنا. ومحل الخلاف إذا نوى
بالوطئ الفسخ وقلنا هذا الفسخ لا يفتقر إلى حاكم كما مر، وإلا فلا يحصل به قطعا. ويحصل الفسخ ب‍ فسخت البيع ونقضته
ورفعته، وكذا بقوله: رددت الثمن أو فسخت البيع فيه في الأصح. (وله الرجوع) في عين ماله الفسخ (في سائر المعاوضات)
التي (كالبيع) وهي المحضة، كالإجارة والقرض والسلم لعموم الحديث السابق، فإذا أجره دارا بأجرة حالة لم يقبضها حتى
حجر عليه فله الرجوع في الدار بالفسخ تنزيلا للمنفعة منزلة العين في البيع، أو سلمه الدراهم قرضا أو رأس مال سلم حال أو
مؤجل فحل. ثم حجر عليه والدراهم باقية بالشروط الآتية فله الرجوع فيها بالفسخ. وخرج بالمعاوضة غيرها كالهبة،
وبالمحضة غيرها كالنكاح، والصلح عن دم العمد لأنها ليست في معنى المنصوص عليه لانتفاء العوض في الهبة
ونحوها
ولتعذر استيفائه في البقية. وأما فسخ الزوجة بإعسار زوجها بالمهر أو النفقة كما سيأتي في بابه فلا يختص بالحجر. (وله)
أي للرجوع في البيع، (شروط: منها كون الثمن حالا) عند الرجوع فلا يصح رجوع حال وجود الاجل، لأن المؤجل
لا يطالب به. ومن هذا يؤخذ أن الإجارة المستحق فيها أجرة كل شهر عند مضيه أنه لا فسخ فيها لأنه لا يتأتى الفسخ قبل
مضي الشهر لعدم الحلول ولا بعده لفوات المنفعة فهو كتلف المبيع، نبه عليه ابن الصلاح في فتاويه. نعم لو أجر شيئا بأجرة
بعضها حال وبعضها مؤجل فالظاهر كما قال شيخنا أنه يفسخ في الحال بالقسط.
تنبيه: يندرج في كلام المصنف ما لو وقع الشراء بالحال، وما لو اشترى بمؤجل وحل قبل الحجر، وهو الأصح،
وما لو حل بعده، وهو الأصح في الشرح الصغير، وقال في زيادة الروضة: إنه الأصح في الوجيز وسكت عليه، ولا ترجيح
في الكبير. (و) منها (أن يتعذر حصوله) أي الثمن (بالافلاس) أي بسببه. (فلو) انتفى الافلاس و (امتنع من
دفع الثمن مع يساره أو هرب) عطف على امتنع، أو مات مليئا وامتنع الوارث من التسليم، (فلا فسخ في الأصح) لأن
158

التوصل إلى أخذه بالحاكم ممكن، فإن فرض عجز فنادر لا عبرة به. والثاني: يثبت لتعذر الوصول إليه حالا وتوقعه مآلا،
فأشبه المفلس. واحترز أيضا بالافلاس عما إذا تعذر حصوله بانقطاع جنس الثمن لأن له الاعتياض عنه، واستشكله
الأسنوي بأن المعقود عليه إذا فات جاز الفسخ لفوات المقصود منه، وقد جزم به الرافعي في فوات المبيع، وذكر أيضا
أن إتلاف الثمن المعين كإتلاف المبيع حتى يقتضي التخيير، وإذا جاز الفسخ لفوات عينه مع إمكان الرجوع إلى جنسه
ونوعه فلفوات الجنس أولى. وأجيب بأن الملك ههنا قوي إذ العوض في الذمة فبعد الفسخ، وهناك الملك ضعيف لأن
صورة المسألة أن المعقود عليه معين، وأنه فات بإتلاف الأجنبي قبل القبض فساغ الفسخ، بل فيها قول أن العقد ينفسخ
كالتلف بآفة سماوية.
تنبيه: يفهم كلامه أنه لو كان بالثمن ضامن مقر ملئ لم يرجع، وهو كذلك، ولو كان الضمان بلا إذن كما رجحه
ابن المقري لامكان الوصول إلى الثمن من الضامن فلم يحصل التعذر بالافلاس. فلو كان جاحدا ولا بينة أو معسرا رجع لتعذر
الثمن بالافلاس، وكذا لا يرجع لو كان به رهن يفي به ولو مستعارا لما مر، فإن لم يف به فله الرجوع فيما يقابل ما بقي له.
(ولو قال الغرماء) أي غرماء المفلس، أو قال وارثه لمن له حق الفسخ: (لا تفسخ ونقدمك بالثمن فله الفسخ) لما في التقديم من
المنة وخوف ظهور غريم آخر، وقيل: ليس له الفسخ.
تنبيه: وقع في الروضة آخر الباب أنه لو قال الغرماء للقصار: خذ أجرتك ودعنا نكن شركاء صاحب الثوب أجبر
على الأصح، كالبائع إذا قدمه الغرماء بالثمن. واختلف الناس في هذا التنبيه، فقال بعضهم: وهم وقع في نسخة سقيمة
من الشرح وهو في غيرها على الصواب، والأولى أن يقال إنه تفريع على الوجه القائل بعدم الفسخ. ومحل الخلاف إذا قدموه
من مال المفلس فإن قدموه من مال أنفسهم فله الفسخ قطعا. ولو مات المشتري مفلسا وقال الوارث: لا تفسخ وأقدمك من
التركة فكالغرماء، أو: من مالي فوجهان، والأقرب إجابته كما جزم به ابن المقري لأن التركة مال المورث فأشبه فك المرهون،
ولان الوارث خليفة المورث فله تخليص المبيع. ولو تبرع بالثمن أحد الغرماء أو كلهم أو أجنبي كان له الفسخ لما في ذلك من
المنة وإسقاط حقه، فإن أجاب المتبرع ثم ظهر غريم آخر لم يزاحمه فيما أخذه لأنه في وجه لا يدخل في ملك المفلس وفي وجه
يدخل فيه لكن ضمنا، وحقوق الغرماء إنما تتعلق بما دخل ملكه أصالة، أما لو أجاب غير المتبرع فللذي ظهر أن يزاحمه. ثم
إن كانت العين باقية لم يرجع فيما يقابل ما زوحم به في أحد احتمالين يظهر ترجيحه، لأنه مقصر حيث أخر حق الرجوع مع احتمال
ظهور غريم يزاحمه. (و) منها (كون المبيع) أو نحوه (باقيا في ملك المشتري) للخبر السابق. (فلو فات) ملكه
عنه حسا كالموت أو حكما كالعتق والوقف والبيع والهبة، (أو كاتب العبد) أو الأمة كتابة صحيحة، (فلا رجوع)
لخروجه عن ملكه في الفوات، وفي الكتابة هو كالخارج عن ملكه. وليس للبائع فسخ هذه التصرفات بخلاف الشفيع
، لأن حق الشفعة كان ثابتا حين تصرف المشتري، لأنه يثبت بنفس البيع وحق الرجوع لم يكن ثابتا حين تصرف،
لأنه إنما يثبت بالافلاس والحجر.
تنبيه: قد يفهم كلامه أنه لو زال ملكه ثم عاد لا رجوع، وهو الأصح في زيادة الروضة كما هو المصحح
في الهبة للولد، وإن صحح في الشرح الصغير الرجوع، وأشعر برجحانه كلام الكبير، وقال الأسنوي: إنه الأصح. وعلى
هذا لو عاد الملك بعوض ولم يوف الثمن إلى بائعه الثاني فهل الأول أولى لسبق حقه أو الثاني لقرب حقه أو يشتركان
ويضارب كل بنصف الثمن إن تساوى الثمنان؟ فيه أوجه في الشرحين والروضة بلا ترجيح، رجح منها ابن الرفعة الثاني،
وبه قطع الماوردي وابن كج وغيرهما. والاستيلاد كالكتابة كما في الروضة وأصلها، ووقع في فتاوى المصنف أنه يرجع،
ولعله غلط من ناقله عنه فإنه قال في التصحيح: إنه لا خلاف في عدم الرجوع في الاستيلاد. ومنها أن لا يتعلق بالمبيع حق
لازم، كرهن وجناية توجب مالا معلقا بالرقبة، فلو زال التعلق جاز الرجوع، وكذا لو عجز المكاتب، فلو قال البائع
159

للمرتهن: أنا أدفع إليك حقك وآخذ عين مالي فهل يجبر المرتهن أو لا؟ وجهان. قال الأذرعي: ويجب طردهما في المجني
عليه، وقياس المذهب ترجيح المنع. ولو أقرضه المشتري لغيره وأقبضه إياه ثم حجر عليه أو باعه وحجر عليه في زمن
الخيار، قال الماوردي: فللبائع الرجوع فيه كالمشتري. قال البلقيني: ويتخرج عليه ما لو وهب المشتري المتاع لولده
وأقبضه له ثم أفلس فللبائع الرجوع فيه كالواهب له. قال: ويلزم على ما قاله الماوردي أنه لو باع المشتري لآخر ثم أفلسا
وحجر عليهما كان للبائع الأول الرجوع ولا بعد في التزامه اه‍. هذا والمعتمد كما قاله شيخي أنه لا رجوع في القرض ولا
في الهبة لولده لأنه زال عن ملكه فهو داخل في كلام الأصحاب. وأما البيع بشرط الخيار، فإن كان للمشتري فكذلك
لما ذكر وإلا فله الرجوع لعدم خروجه عن ملكه، وكذا لا رجوع لو كان العوض صيدا فأحرم البائع لأنه ليس أهلا
لملكه حينئذ وعبارة المصنف في التصحيح: لم يرجع ما دام محرما، وهو يقتضي أن له الرجوع إذا حل من إحرامه.
وقال البلقيني: إنه قياس الفقه. قال الأذرعي: ولو كان المبيع كافرا فأسلم بيد المشتري والبائع كافر رجع على الأصح،
وبه جزم المحاملي وغيره كما في الرد بالعين لما في المنع منه في الضرر بخلاف المشتري اه‍. فإن قيل: هلا كان الحكم
في الصيد كذلك أجيب بقرب زوال المانع في تلك بخلاف هذه، وبأن العبد المسلم يدخل في ملك الكافر ولا يزول
بنفسه قطعا، بخلاف الصيد مع المحرم، فلا فائدة في الرجوع. (ولا يمنع) الرجوع (التزويج) ولا التدبير ولا تعليق
العتق ولا الإجارة بناء على جواز بيع المؤجر، وهو الأصح، فيأخذه مسلوب المنفعة إن شاء، ولا يرجع بأجرة المثل لما بقي من المدة كما يفهمه كلام ابن الرفعة، وإن شاء ضارب.
تنبيه: قد علم مما تقرر أن شروط الرجوع تسعة: الأول: كونه في المعاوضة المحضة كالبيع، الثاني: أن يرجع
عقب العلم بالحجر. الثالث: أن يكون رجوعه بقوله: فسخت البيع ونحوه مما مر. الرابع: أن يكون عوضه غير مقبوض،
فإن كان قبض شيئا منه ثبت الرجوع فيما يقابل الباقي. الخامس: أن يكون عدم استيفاء العوض لأجل الافلاس.
السادس: كون العوض دينا، فإن كان عينا قدم بها على الغرماء. السابع: حلول الدين. الثامن: كونه باقيا في ملك
المفلس. التاسع: أن لا يتعلق به حق لازم، كرهن. ولو كان المبيع شقصا مشفوعا ولم يعلم الشفيع بالبيع حتى أفلس
مشتري الشقص وحجر عليه أخذه الشفيع لا البائع لسبق حقه، وثمنه للغرماء كلهم يقسم بينهم بنسبة ديونهم. (ولو تعيب)
المبيع بأن حصل فيه نقص لا يفرد بعقد، (بآفة) سماوية، سواء أكان النقص حسيا كسقوط يد أم لا كنسيان
حرفة.
(أخذه) البائع (ناقصا، أو ضارب) الغرماء (بالثمن) كما لو تعيب المبيع قبل قبضه فإن للمشتري أخذه ناقصا أو تركه،
وكالأب إذا رجع في الموهوب لولده وقد نقص، وهذا مستثنى من قاعدة ما ضمن كله ضمن بعضه. ومن ذلك الشاة
المعجلة في الزكاة إذا وجدها تالفة يضمنها أو ناقصة يأخذها بلا أرش، وعللوه بأنه نقص حدث في ملكه فلا يضمنه
كالمفلس. وقد يضمن البعض ولا يضمن الكل، وذلك فيما إذا جنى على مكاتبه فإنه إن قتله لم يضمنه وإن قطع عضوه
ضمنه. (أو بجناية أجنبي) تضمن جنايته، (أو البائع) بعد القبض (فله أخذه، ويضارب من ثمنه بنسبه نقص القيمة)
وإن كان للجناية أرش مقدر، فإذا كان قيمة الرقيق مثلا مع قطع اليدين مائة وبدونه مائتين فيأخذه ويضارب بنصف
الثمن. أما الأجنبي الذي لا تضمن جنايته كالحربي فجنايته كالآفة، وكذا البائع قبل القبض. (وجناية المشتري) فيها
طريقان: أصحهما أنها كجناية البائع على المبيع قبل القبض، وفيها وجهان: أحدهما أنها (كآفة في الأصح)
والثاني أنها كجناية الأجنبي. والطريق الثاني: القطع بالثاني، فكان الأولى التعبير بالمذهب. (ولو تلف) ما يفرد بعقد
، كأن تلف (أحد العبدين) أو الثوبين (ثم أفلس) وحجر عليه ولم يقبض البائع شيئا من الثمن، (أخذ الباقي وضارب
160

بحصة التالف) لأنه ثبت له الرجوع في كل منهما، بل لو كانا باقيين وأراد الرجوع في أحدهما مكن من ذلك كما مرت الإشارة إليه.
تنبيه: قوله: ثم أفلس غير قيد، فلو تلف أحدهما بعد فلسه كان الحكم كذلك. (فلو كان قبض بعض الثمن رجع في
الجديد) على ما يأتي بيانه، لأن الافلاس سبب يعود به كل العين، فجاز أن يعود به، بعضها كالفرقة في النكاح قبل الدخول
يعود بها جميع الصداق إلى الزوج تارة وبعضه أخرى. (فإن تساوت قيمتهما وقبض نصف الثمن أخذ الباقي بباقي الثمن)
ويكون ما قبضه في مقابلة التالف، كما لو رهن عبدين بمائة وأخذ خمسين وتلف أحد العبدين كان الباقي مرهونا بما بقي من
الدين. (وفي قول) مخرج (يأخذ نصفه بنصف باقي الثمن ويضارب بنصفه) وهو ربع الثمن، ويكون المقبوض في مقابلة نصف
التالف ونصف الباقي، وصحح في الروضة طريقة القطع بالأول، والقديم لا يرجع به بل يضارب بباقي الثمن، لأنه قد ورد
في الحديث: فإن كان قد قبض من ثمنه شيئا فهو أسوة الغرماء رواه الدارقطني، وأجيب بأنه مرسل.
تنبيه: كان ينبغي أن يقول ولو بالوا وحذف كان لئلا يفهم التصوير بالتلف وهو لا يختص به، فإنه لو قبض
بعض الثمن ولم يتلف من المبيع شئ جرى القولان، فعلى الجديد يرجع في المبيع بقسط الباقي من الثمن، فلو قبض نصفه
رجع في النصف، قاله المتولي، وعلى القديم يضارب. (ولو زاد المبيع زيادة متصلة كسمن و) تعلم (صنعة
) وكبر شجرة، (فاز
البائع بها) من غير شئ يلزمه لها فيرجع فيها مع الأصل. وكذا حكم الزيادة في جميع الأبواب إلا الصداق فإن الزوج
إذا فارق قبل الدخول لا يرجع بالنصف الزائد إلا برضا الزوجة كما سيأتي. ولو تغيرت صفة المبيع كأن زرع الحب فنبت،
قال الأسنوي: فالأصح على ما يقتضيه كلام الرافعي أنه يرجع. (والمنفصلة كالثمرة) المؤبرة (والولد) الحادثين بعد البيع
(للمشتري) لأنها تتبع الملك بدليل الرد بالعيب. (ويرجع البائع في الأصل) دونها، لأن الشارع إنما أثبت له الرجوع في المبيع
فيقتصر عليه. (فإن كان الولد) أي ولد الأمة (صغيرا) لم يميز، (وبذل) بالمعجمة، (البائع قيمته أخذه مع أمه) لأن التفريق
ممتنع ومال المفلس كله مبيع فأجيب البائع.
تنبيه: قال الأسنوي: هل المراد بكونه يأخذ الولد أن يأخذه بالبيع أو يستقل بأخذه وهو الظاهر من إطلاق
عبارتهم؟ فيه نظر اه‍. والأول أوجه. قال بعض المتأخرين: وهو نظير ما إذا أراد المعير التملك، أي للغراس والبناء في
الأرض المعارة. وهل يشترط في صحة الرجوع في الام رجوعه في الولد أيضا حذرا من التفريق أم يكفي اشتراطه والانفاق
عليه قبل ذلك؟ الأوجه الأول أيضا. وعلى الثاني لو لم يفعل بعد الشرط والاتفاق هل يجبر عليه أو ينقص الرجوع أو
يتبين بطلانه؟ الأوجه الثاني. (وإلا) أي وإن لم يبذلها، (فيباعان) معا (وتصرف إليه حصة الام) من الثمن وحصة الولد
للغرماء فرارا من التفريق الممنوع منه، وفيه إيصال كل منهما إلى حقه. وكيفية التقسيط كما قاله الشيخ أبو حامد:
أن تقوم الام ذات ولد لأنها تنقص به وقد استحق الرجوع فيها ناقصة، ثم يقوم الولد ويضم قيمة أحدهما إلى قيمة الآخر ويقسم
عليهما. وقيل: يجوز التفريق للضرورة. (وقيل: لا رجوع) إذا لم يبذل القيمة بل يضارب لما فيه من التفريق من حين الرجوع
إلى البيع.
تنبيه: عبارة المصنف قلقة، ومعناها أنه إذا لم يبذل البائع قيمة الولد، الأصح أنه تباع الام والولد معا
ويصرف ما يخص الولد إلى المفلس وما يخص الام إلى البائع. والثاني: لا يصرف إليه حصة الام بل يبطل حقه من
161

الرجوع ويضارب بالثمن. (فإن كانت) الدابة المبيعة (حاملا عند الرجوع دون البيع أو عكسه) بالنصب، أي حاملا عند
البيع دون الرجوع بأن انفصل الولد قبله. (فالأصح) وفي الروضة: فالأظهر، (تعدي الرجوع إلى الولد) وجه الأصح في
الصورة الأولى أن الحمل تابع في البيع فكذا في الرجوع، ووجه مقابله أن البائع إنما يرجع فيما كان موجودا حال البيع
والحمل ليس كذلك فيرجع في الام فقط، قال الجويني: قبل الوضع، والصيدلاني وغيره: بعد الوضع. قال في الروضة:
الأول ظاهر كلام الأكثرين. فإن قيل: الوجه الثاني هو الصحيح في نظائر المسألة من الرهن والرد بالعيب ورجوع الوالد
في الهبة، فهلا كان هناك كذلك أجيب بأن الرهن ضعيف بخلاف الفسخ لنقله الملك والرد بالعيب ورجوع الولد في هبته
بأن سبب الفسخ هنا نشأ من جهة المفلس فلم تراع جهته بخلافه ثم. وأما الصورة الثانية فالخلاف فيها مفرع على أن الحمل
يعلم، فكأنه باع عينين فيرجع فيهما، أو لا يعلم فلا يرجع فيه، ولما كان الأصح العلم كان الأصح الرجوع. ولو كانت حاملا
عندهما رجع فيها حاملا قطعا، ولو حدث بينهما وانفصل فقد مر أنه للمشتري، وبذلك يكون للمسألة أربعة أحوال.
قال الأذرعي: ولو وضعت أحد توأمين عند المشتري ثم رجع البائع قبل وضع الآخر هل يكون الحكم كما لو لم تضع
شيئا أو يعطي كل منهما حكمه أو كيف الحال؟ وهل يفترق الحال بين أن يموت المولود أو لا مع بقاء حمل الجنين أو لا
فرق؟ اه‍. والأوجه أن يقال: إن كانت حاملا عند البيع فهما للبائع، وهذه الحالة داخلة في كلام الأصحاب، وإن حدث
الحمل عند المشتري فلكل حكمه. قال شيخي: وقد رجح الشيخان مثل ذلك في الكتابة. وقال بعض المتأخرين: قياس
الباب مع ما هو معلوم من توقف الأحكام على تمام انفصال التوأمين ترجيح الأول من غير فرق بين الحالين. وهل يقال
بمثل ذلك في تأبير البعض، أو أن ما لم يؤبر تابع لما أبر؟ ينبغي اعتماد الثاني، ويفرق بينهما بشدة اتصال الحمل. وأيضا
صرحوا بأن ما لم يؤبر يتبع المؤبر. (واستتار الثمر بكمامه) بكسر الكاف، وهو أوعية الطلع. (وظهوره بالتأبير) أي تشقق
الطلع، (قريب من استتار الجنين وانفصاله) فإذا كانت الثمرة على النخل المبيع عند البيع غير مؤبرة وعند الرجوع مؤبرة،
فهي كالحمل عند البيع المنفصل قبل الرجوع فيتعدى الرجوع إليها على الراجح. (و) هي (أولى بتعدي الرجوع) إليها من
الحمل لأنها مشاهدة موثوق بها بخلافه، ولذلك قطع بعضهم بالرجوع فيها. ولو حدثت الثمرة بعد البيع وهي غير مؤبرة
عند الرجوع رجع فيها على الراجح لما مر في نظير ذلك من الحمل. قال الشارح: وهذه المسألة لا تتناولها عبارة المصنف
اه‍. ودفع بذلك الاعتراض عليه بأن هذه أولى بعدم تعدي الرجوع. ولو كانت الثمرة غير مؤبرة عند البيع والرجوع رجع فيها
جزما. ولو حدثت الثمرة بعد البيع وهي عند الرجوع مؤبرة فهي للمشتري. ومتى رجع البائع في الأصل من الشجر أو الأرض
وبقيت الثمرة أو الزرع فللمفلس والغرماء ما تركه إلى وقت الجداد بلا أجرة. (ولو غرس) أي المشتري (الأرض)
المبيعة له، (أو بنى) فيها ثم أفلس وحجر عليه قبل أداء الثمن واختار البائع الرجوع في الأرض، (فإن اتفق
الغرماء والمفلس
على تفريغها) من الغراس والبناء، (فعلوا) لأن الحق لهم لا يعدوهم، وتجب تسوية الحفر وغرامة أرش النقص من مال
المفلس إن نقصت بالقلع. وهل يقدم البائع به على سائر الغرماء لأنه لتخليص ماله وإصلاحه أو يضارب به كسائر
الغرماء؟ وجهان: الأكثرون على الأول، وجزم به في الكفاية، وأنكر الرافعي حكاية خلاف فيه. (وأخذها) يعني
البائع برجوعه لأنها عين ماله لم يتعلق بها حق لغيره، وليس له أن يلزمهم بأخذ قيمة الغراس والبناء ليتملكهما مع
الأرض لأن المبيع قد سلم له. فإن قيل: لم رجع بأرش النقص مع أنه لا يرجع به فيما لو وجد المبيع ناقصا بل يرجع فيه
من غير شئ؟ أجيب بأن النقص هنا حصل بعد رجوعه. (وإن امتنعوا) من القلع (لم يجبروا) عليه، لأن المشتري
162

حين بنى وغرس لم يكن متعديا بل وضعه بحق فيحترم. (بل له) أي البائع، (أن) يضارب الثمن، وله أن (يرجع) في
الأرض (ويتملك الغراس والبناء بقيمته) أي له جميع الامرين لما سيأتي. (وله) بدل تملك ما ذكر (أن يقلع ويضمن أرش
النقص) لأن مال المفلس مبيع وكله الضرر يندفع بكل واحد من الامرين، فأجيب البائع لما طلب منهما، بخلاف ما لو
أفلس بعد زرعه الأرض ورجع البائع فيها فإنه لا يتمكن من تملك الزرع بالقيمة لأن له أمدا ينتظر فسهل احتماله، بخلاف
الغراس والبناء. وإن اختلفوا بأن طلب المفلس القلع والغرماء أخذ القيمة من البائع ليتملكه أو بالعكس، أو وقع هذا
الاختلاف بين الغرماء فطلب بعضهم البيع وبعضهم القيمة من البائع عمل بالمصلحة. (والأظهر أنه ليس له أن يرجع فيها ويبقى
الغراس والبناء للمفلس) لما فيه من الضرر بنقص قيمتها، فإن الغراس بلا أرش والبناء بلا مقر ولا ممر ناقص القيمة،
والرجوع إنما شرع لدفع الضرر فلا يزال ضرر البائع بضرر المفلس والغرماء، فعلى هذا يضارب الغرماء بالثمن أو يعود إلى
بذل قيمتهما أو قلعهما مع غرامة أرش النقص. قال الأسنوي: وكتب المصنف على حاشية الروضة: قوله: يعود إشارة
إلى أنه لو امتنع من ذلك ثم عاد إليه مكن. والثاني: له ذلك كما لو صبغ الثوب ثم حجر عليه قبل أداء الثمن فإنه يرجع فيه
دون الصبغ ويكون المفلس شريكا معه بالصبغ. وفرق الأول بأن الصبغ كالصفة التابعة للثوب. (ولو كان المبيع) له
مثليا، كأن كان (حنطة فخلطها بمثلها أو دونها فله) أي للبائع بعد الفسخ (أخذ قدر المبيع من المخلوط) أما في الخلط
بالمثل فظاهر، وأما في الدون فيكون مسامحا كنقض العيب، ولو طلب البيع وقسمة الثمن لم يجب إليه في الأصح كما
لا يجبر الشريك على البيع. هذا إذا خلطه المشتري، فلو خلطه أجنبي: أي يضمن ضارب البائع بنقص الخلط كما
في العيب، قاله الزركشي. (أو) خلطها (بأجود) منها، (فلا رجوع في المخلوط في الأظهر) بل يضارب بالثمن فقط لأن
الطريق الموصل إلى أخذه وهو القسمة متعذر هنا، لأنه لا سبيل إليها بإعطاء قدر حقه منه، لأن فيه ضررا بالمفلس،
ولا بإعطاء ما يساوي حقه منه لأنه ربا. والثاني: له الرجوع ويباعان ويوزع الثمن على نسبة القيمة. وعلى الأول لو قل
الأجود بحيث لا يظهر به زيادة في الحس ويقع مثله بين الكيلين، فالوجه القطع بالرجوع كما قاله الامام وأقره الشيخان.
تنبيه: حكم سائر المثليات حكم الحنطة فيما مر كما يعلم مما قدرته في كلامه. ولو كان المختلط من غير جنس المبيع
كزيت بشيرج فلا رجوع لعدم جواز القسمة لانتفاء التماثل فهو كالتالف. (ولو طحنها) أي الحنطة المبيعة له، (أو قصر
الثوب) المبيع له ثم حجر عليه قبل أداء الثمن، (فإن لم تزد القيمة) بما فعله بأن ساوت أو نقصت، (رجع) البائع في
ذلك (ولا شئ للمفلس) فيه، لأنه مبيع موجود من غير زيادة. وإن نقصت فليس للبائع غيره، (وإن زادت) عليها
(فالأظهر أنه) أي المبيع (يباع) ويصير المفلس شريكا بالزيادة إلحاقا لها بالعين، لأنها زيادة حصلت بفعل محترم
متقوم فوجب أن لا يضيع عليه بخلاف الغاصب. (وللمفلس من ثمنه بنسبة ما زاد) بالعمل، مثاله: قيمة الثوب خمسة
وبلغ بالقصارة ستة فللمفلس سدس الثمن، وللبائع إمساك المبيع لنفسه وإعطاء المفلس حصة الزيادة كما صححه الشيخان.
والثاني: لا شركة للمفلس في ذلك لأنها أثر كسمن الدابة بالعلف، وكبر الشجرة بالسقي والتعهد. وفرق الأول بأن الطحن
أو القصارة منسوب إليه بخلاف السمن وكبر الشجرة، فإن العلف والسقي يوجدان كثيرا ولا يحصل السمن والكبر،
فكأن الأثر فيه غير منسوب إلى فعله بل محض صنع الله تعالى، ولهذا لا يجوز الاستئجار على تكبير الشجرة وتسمين
الدابة بخلاف القصارة والطحن. تنبيه: كلامه قد يفهم أن البائع لو أراد أخذه ودفع الزيادة للمفلس لا يمكن من ذلك، وليس مرادا بل له ذلك
163

كما مر، فلو حذف المصنف أنه يباع وقال في الأظهر أن للمفلس بنسبة ما زاد لأفهم ذلك وأشار المصنف بالطحن والقصر
إلى ضابط صور القولين، وهو صنع ما يجوز الاستئجار عليه ويظهر أثره فيه كخبز الدقيق وذبح الشاة وشي اللحم وضرب
اللبن من تراب الأرض ورياضة الدابة وتعليم الرقيق القرآن أو حرفة. وإنما اعتبر الظهور لأن حفظ الدابة وسياستها
يستأجر عليه ولا تثبت به الشركة لأنه لا يظهر بسببه أثر على الدابة. (ولو صبغه) أي المشتري الثوب، (
بصبغة) ثم
حجر عليه، (فإن زادت القيمة) بسبب الصبغ (قدر قيمة الصبغ) كأن تكون قيمة الثوب أبيض أربعة والصبغ
درهمين فصار بعد الصبغ يساوي ستة. (رجع) البائع في الثوب (والمفلس شريك بالصبغ) لأن المبيع هو الثوب
خاصة فيباع ويكون الثمن بينهما أثلاثا. وفي كيفية الشركة وجهان بلا ترجيح في كلام الشيخين، أصحهما كما صححه
ابن المقري. وقال السبكي: نص الشافعي في نظير المسألة من الغصب يشهد له أن كل الثوب للبائع وكل الصبغ للمفلس،
كما لو غرس الأرض. والثاني: يشتركان فيهما جميعا لتعذر التمييز كما في خلط الزيت. أما إذا زادت بارتفاع سوق أحدهما
فالزيادة لمن ارتفع سعر سلعته، فلو زادت بارتفاع سوقهما وزعت عليهما بالنسبة، وهكذا في صورة القصارة والطحن،
فلو حصلت الزيادة بسبب ارتفاع الأسواق لا بسببهما فلا شئ للمفلس معه، ولهذا قدرت في كلامه بنسبة ما زادت من
العمل. وللبائع إمساك الثوب وبذل ما للمفلس من قيمة الصبغ والقصارة وإن كان قابلا للفصل كما يبذل قيمة الغراس
والبناء، ولا ينافي هذا قولهم إنه شريك، لأن أموال المفلس تباع إما للبائع أو لغيره. (أو) زادت القيمة (أقل) من
قيمة الصبغ وسعر الثوب بحاله كأن صارت خمسة، (فالنقص على الصبغ) لأن أجزاءه تتفرق وتنقص والثوب قائم بحاله
فيباع وللبائع معه أربعة أخماس الثمن وللمفلس خمسة، وإن لم يزد الثوب شيئا فلا شئ للمفلس، وإن نقصت قيمة الثوب
فلا شئ للبائع معه. (أو) زادت (أكثر) من قيمة الصبغ كأن صارت تساوي في مثالنا ثمانية، (فالأصح أن الزيادة)
كلها (للمفلس) لأنها حصلت بفعله، فيباع الثوب وله نصف الثمن. والثاني: أنها للبائع كالسمن، فيكون له ثلاثة أرباع
الثمن وللمفلس ربعه. والثالث: أنها توزع عليهما، فيكون للبائع ثلثا الثمن وللمفلس ثلثه. (ولو اشترى منه الصبغ)
وصبغ به ثوبا له ثم حجر عليه فللبائع الرجوع إن زادت قيمة الثوب مصبوغا على ما كانت عليه قبل الصبغ فيكون
شريكا فيه، فإن نقصت حصته عن ثمن الصبغ فالأصح أنه إن شاء قنع وإن شاء ضارب بالجميع أو اشترى الصبغ
(والثوب) من واحد وصبغه به ثم حجر عليه، (رجع) البائع (فيهما) أي في الثوب بصبغه لأنهما عين ماله، (إلا
أن لا تزيد قيمتهما على قيمة الثوب) قبل الصبغ بأن ساوتها أو نقصت عنها، (فيكون فاقدا للصبغ) لاستهلاكه كما
مر، فيضارب بثمنه مع الرجوع في الثوب من جهته، بخلاف ما إذا زادت وهو الباقي بعد الاستثناء فهو محل الرجوع فيهما.
فإن كانت الزيادة أكثر من قيمة الصبغ فالمفلس شريك بالزائد عليها، وقيل: لا شئ له، وإن كانت أقل لم
يضارب بالباقي
أخذا مما تقدم في القصارة، بل إن شاء قنع به وإن شاء ضارب بثمنه. (ولو اشتراهما) أي الثوب والصبغ (من اثنين)
الثوب من واحد والصبغ من آخر وصبغه به ثم حجر عليه وأراد البائعان الرجوع، (فإن لم تزد قيمته مصبوغا على قيمة
الثوب) قبل الصبغ بأن ساوت أو نقصت، (فصاحب الصبغ فاقد) له فضارب بثمنه وصاحب الثوب واجد له، فيرجع
فيه ولا شئ له في صورة النقص أخذا مما مر في القصارة. (وإن زادت بقدر قيمة الصبغ اشتركا) في الرجوع في
الثوب. وعبارة المحرر: فلهما الرجوع ويشتركان فيه، وهي أولى من عبارة المصنف، وفي كيفية الشركة ما مر. (وإن
زادت) ولم تف بقيمتهما فالصبغ ناقص، فإن شاء بائعه قنع به، وإن شاء ضارب بثمنه أو زادت (على قيمتهما) أي
164

الثوب والصبغ جميعا، (فالأصح أن المفلس شريك لهما) أي البائعين (بالزيادة) على قيمتها، فإذا كانت قيمة الثوب
أربعة مثلا والصبغ درهمين وصارت قيمته مصبوغا ثمانية، فالمفلس شريك لهما بالربع. والثاني: لا شئ له والزيادة لهما
بنسبة مالهما.
تنبيه: للمفلس والغرماء قلع الصبغ إن اتفقوا عليه ويغرمون من نقص الثوب كالبناء والغراس، ولصاحب الصبغ
الذي اشتراه المفلس من غير صاحب الثوب وقلعه ويغرم نقص الثوب، ولمالك الثوب قلعه مع غرم نقص الصبغ، قاله المتولي.
ومحل ذلك إذا أمكن قلعه بقول أهل الخبرة وإلا فيمنعون منه، نقله الزركشي عن ابن كج في الأولى، وفي معناه الأخيرتان.
خاتمة: أفتى ابن الصلاح وغيره في رجل ثبت إعساره ثم كتب عليه مسطور بدين وأشهد عليه أنه ملئ به أنه يثبت
بذلك يساره لتمكنه من صرف ما استدانه، وإقراره بالملاء به يسري إلى كل دين. ولو أخفى شخص بعض ماله فنقص
الموجود عن دينه فحجر عليه ورجع البائع في عين ماله وتصرف القاضي في باقي ماله ببيعه وقسم ثمنه بين غرمائه ثم بان أنه
لا يجوز الحجر عليه، لم ينقض تصرفه إذ للقاضي بيع مال الممتنع من قضاء دينه وصرفه في دينه، ورجوع البائع في العين
المبيعة لامتناع المشتري من أداء الثمن مختلف فيه، وقد حكم به القاضي معتقدا جوازه بخلاف ما إذا لم يعتقد ذلك فينقض تصرفه.
باب الحجر
هو لغة: المنع، وشرعا: المنع من التصرفات المالية. والأصل فيه قوله تعالى: * (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح) *
الآية، وقوله تعالى: * (فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا) *. وقد فسر الشافعي رضي الله عنه السفيه بالمبذر،
والضعيف بالصبي، والكبير بالمختل، والذي لا يستطيع أن يمل بالمغلوب على عقله، فأخبر الله تعالى أن هؤلاء
ينوب
عنهم أولياؤهم، فدل على ثبوت الحجر عليهم. والحجر نوعان: نوع شرع لمصلحة الغير، و (منه حجر المفلس)
أي الحجر عليه في ماله كما سبق بيانه (لحق الغرماء والراهن للمرتهن) في العين المرهونة (والمريض للورثة) فيما زاد على
الثلث حيث لا دين. قال الزركشي تبعا للأذرعي: وفي الجميع إن كان عليه دين مستغرق. والذي في الشرح والروضة
في الوصايا عند ذكر ما يعتبر من الثلث أن المريض لو وفي دين بعض الغرماء فلا يزاحمه غيره إن وفى المال جميع الديون،
وكذا إن لم يوف على المشهور، وقيل: لهم مزاحمته كما لو أوصى بتقديم بعض الغرماء بدينه لا تنفذ وصيته، فكلام
الزركشي إنما يأتي على هذا. (والعبد لسيده) والمكاتب لسيده ولله تعالى، (والمرتد للمسلمين) أي لحقهم. (ولها أبواب)
تقدم بعضها وبعضها يأتي. وأشار المصنف بقوله: منه، إلى أن هذا النوع لا ينحصر فيما ذكره، وهو كذلك، فقد ذكر
الأسنوي أنواع الحجر لحق الغرماء ثلاثين نوعا غير ما ذكره المصنف فليراجع ذلك من المهمات. ونوع شرع لمصلحة
المحجور عليه وهو ما ذكره بقوله: (ومقصود الباب حجر المجنون والصبي والمبذر) بالمعجمة، وسيأتي تفسيره. وحجر
كل من هذه الثلاثة أعم مما بعده. وزاد الماوردي نوعا ثالثا، وهو ما شرع للامرين يعني مصلحة نفسه وغيره وهو المكاتب
ومن له أدنى تمييز فكالصبي المميز في الحجر عليه في التصرفات المالية، وإن نظر في ذلك السبكي. (فبالجنون تنسلب
الولايات) الثابتة بالشرع كولاية النكاح أو بالتفويض كالايصاء والقضاء، لأنه إذا لم يل أمر نفسه فأمر غيره أولى. فإن
قيل: لم عبر بالانسلاب دون الامتناع هل لذلك من فائدة؟ أجيب بنعم، وذلك لأن الامتناع لا يفيد السلب بخلاف
165

عكسه، بدليل أن الاحرام مانع من ولاية النكاح ولا يسلب، ولهذا يزوج الحاكم دون الابعد. (واعتبار الأقوال) له وعليه
في الدين والدنيا كالاسلام والمعاملات لعدم قصده، وسكت المصنف عن الافعال. فمنها ما هو معتبر كإحباله وإتلافه
مال غيره وتقرير المهر بوطئه، وترتب الحكم على إرضاعه والتقاطه واحتطابه واصطياده وعمده عمد على الصحيح، أي:
حيث كان له نوع تمييز. ومنها ما هو غير معتبر كالصدقة والهدية، ولو أحرم شخص ثم جن فقتل صيدا ليلزمه جزاؤه
كما مر في بابه، والصبي كالمجنون في الأقوال والافعال إلا أن الصبي المميز يعتبر قوله في إذن الدخول وإيصال الهدية، ويصح
إحرامه بإذن وليه كما مر في بابه، وتصح عبادته، وله إزالة المنكر ويثاب عليه كالبالغ، قاله في زيادة الروضة في باب
الغصب. وأما إسلام سيدنا علي رضي الله تعالى عنه فكان الحكم إذ ذاك منوطا بالتمييز. وألحق القاضي
بالمجنون النائم
والأخرس الذي لا يفهم. قال الأذرعي: وفيه نظر، إذ لا يتخيل أحد أن النائم يتصرف عليه وليه، وأما الأخرس المذكور
فإنه لا يعقل، وإن احتيج إلى إقامة أحد مقامه فينبغي أن يكون هو الحاكم اه‍. وهو كما قال، وإنما ألحقه به في عدم صحة
تصرفه فلا ولي له مطلقا، وإن قال بعض المتأخرين: لعل كلام القاضي محمول على نائم أحوج طول نومه إلى النظر في
أمره وكان الايقاظ يضره مثلا. (ويرتفع) حجر المجنون (بالإفاقة) من الجنون من غير احتياج إلى فك، وقضيته عود
الولايات واعتبار الأقوال، نعم لا تعود ولاية القضاء ونحوه إلا بولاية جديدة. (وحجر الصبي يرتفع ببلوغه رشيدا) لقوله
تعالى: * (وابتلوا اليتامى) * الآية، والابتلاء الاختبار والامتحان، والرشد ضد الغي كما مر في خطبة الكتاب، وفي سنن أبي داود:
لا يتم بعد الاحتلام والمراد من إيناس الرشد العلم به. وأصل الايناس الابصار، ومنه: * (آنس من جانب الطور نارا)
*: أي أبصر.
تنبيه: قوله: رشيدا عبر به جماعة، ومنهم من قال بالبلوغ. قال الشيخان: ليس هذا اختلافا محققا بل من قال
بالأول أراد الاطلاق الكلي، ومن قال بالثاني أراد حجر الصبا، وهذا أولى لأن الصبا سبب مستقل بالحجر، وكذا
التبذير وأحكامهما متغايرة، ومن بلغ مبذرا فحكم تصرفه حكم تصرف السفيه لا حكم تصرف الصبي اه‍. قال الأسنوي:
كلام الكتاب لا يستقيم إن قرئ بلفظ الصبا بكسر الصاد وإن قرئ بفتحها استقام، لكنه بعيد عن كلامه اه‍. قال
ابن شهبة: والمحفوظ قراءته بفتحها ولا بعد فيه فليتأمل اه‍. ولو بلغ وادعى الرشد وأنكره وليه لم ينفك الحجر عنه، ولا
يحلف الولي كالقاضي والقيم بجامع أن كلا أمين ادعى انعزاله، ولان الرشد يوقف عليه بالاختبار فلا يثبت بقوله. قال
الأذرعي: ولان الأصل يعضد قوله، بل الظاهر أيضا، لأن الظاهر في قريب العهد بالبلوغ عدم الرشد، فالقول قوله في
دوام الحجر إلا أن تقوم بينة بالرشد. (والبلوغ) يحصل إما (باستكمال خمس عشرة سنة) قمرية كما صرح به في المحرر، تحديدية
كما قاله المصنف في الأصول والضوابط، وكما يؤخذ من كلامه الآتي لخبر ابن عمر: عرضت على النبي (ص)
يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ولم يرني بلغت، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني
ورآني بلغت رواه ابن حبان وأصله في الصحيحين، وابتداؤها من انفصال جميع الولد. والمراد بقول ابن عمر: وأنا
ابن أربع عشرة سنة، أي طعنت فيها، وبقوله: وأنا ابن خمس عشرة سنة، أي استكملتها، لأن غزوة أحد كانت في
شوال سنة ثلاث، والخندق كان في جمادى سنة خمس.
فائدة: قال القمولي: قال الشافعي: رد النبي (ص) سبعة عشر من الصحابة وهم أبناء أربعة عشر
لأنه لم يرهم بلغوا، ثم عرضوا عليه وهم أبناء خمسة عشر فأجازهم، منهم زيد بن ثابت ورافع بن خديج وابن عمر. (أو
خروج المني) لوقت إمكانه من ذكر أو أنثى، لقوله تعالى: * (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا) *، ولخبر: رفع القلم عن
ثلاث: عن الصبي حتى يحتلم. والحلم الاحتلام، وهو لغة ما يراه النائم، والمراد به هنا خروج المني في نوم أو يقظة بجماع
أو غيره، وقيل: لا يكون في النساء لأنه نادر فيهن.
166

تنبيه: تعبيره بخروج المني أعم من تعبير أصله بالاحتلام، قاله في الدقائق. وأجيب عن أصله بأنه تبع في ذلك لفظ
الحديث، وبما مر من أنه المراد. وكلام المصنف يقتضي تحقق خروج المني، فلو أتت زوجة صبي يمكن بلوغه بولد لأكثر
من ستة أشهر لحقه ولا يحكم ببلوغه به وهو المنصوص، ونقله الرافعي في باب اللعان عن الأصحاب، لأن الولد يلحق بالامكان
والبلوغ لا يكون إلا بتحقيقه، وعلى هذا لا يثبت إيلاده إذا وطئ أمة وأتت بولد، وهو كذلك وإن صوب البلقيني ثبوته
والحكم ببلوغه. وحكى النجوري في المسألة قولين: أحدهما هذا، والثاني: يكون به بالغا، وأجراهما في أنه هل يستقر به
كل المهر أو لا؟. (ووقت إمكانه استكمال تسع سنين) قمرية بالاستقراء. وأفهم قوله استكمال أنها تحديدية وهو كذلك
كما مر، وإن بحث بعض المتأخرين أنها تقريبية كالحيض لأن الحيض ضبط له أقل أو أكثر، فالزمن لا يسع أقل
الحيض، والطهر وجوده كالعدم بخلاف المني. ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى، وقيل: وقته في الذكر نصف العاشرة،
وقيل: تمامها، وقيل: وقته في الأنثى أول التاسعة، وقيل: نصفها. (ونبات) شعر (العانة) الخشن الذي يحتاج في إزالته
لنحو حلق، (يقتضي الحكم ببلوغ ولد الكافر) ومن جهل إسلامه، لخبر عطية القرظي قال: كنت في سبي بني قريظة
فكانوا ينظرون من أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل، فكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت فجعلوني في السبي رواه ابن
حبان والحاكم والترمذي وقال: حسن صحيح. وقول المصنف يقتضي أن ذلك ليس بلوغا حقيقة بل دليل له، وهو كذلك،
ولهذا لو لم يحتمل وشهد عدلان أن عمره دون خمس عشرة سنة لم يحكم ببلوغه بالانبات، قاله الماوردي، وقضيته أنه دليل
البلوغ بالسن. قال السبكي: والذي يظهر أنه علامة على أحد الامرين لا بعينه. وقال الأسنوي: يتجه أنه دليل للبلوغ
بأحدهما. ووقت إمكان نبات العانة وقت الاحتلام ذكره الرافعي وأسقطه من الروضة. ويجوز النظر إلى عانة من احتجنا
إلى معرفة بلوغه على الأصح للحديث، وقيل: يمس من فوق حائل، وقيل: يدفع إليه شمع أو نحوه فيلصقه.
تنبيه: قوله: نبات العانة يقتضي أن العانة هي المنبت لا النابت، وفيه خلاف لأهل اللغة، وخرج بها شعر الإبط
واللحية، فليس دليلا للبلوغ لندورهما دون خمس عشرة سنة، ولان إنباتهما لو دل على البلوغ لما كشفوا العانة في
وقعة بني قريظة لما فيه من كشف العورة مع الاستغناء عنه. وفي معناهما الشارب وثقل الصوب ونهود الثدي ونتف
طرف الحلقوم وانفراق الأرنبة ونحو ذلك. وقوله: ولد الكافر يقتضي كونه علامة في الذكر والأنثى، وهو كذلك، وإن
نقل السبكي عن الجوزي أنه ليس علامة في حق النساء لأنهن لا يقتلن. والخنثى لا بد أن ينبت على فرجيه معا كما صرح به
الماوردي والدارمي وغيرهما. (لا المسلم في الأصح) فلا يكون علامة على بلوغه لسهولة مراجعة آبائه وأقاربه
من المسلمين بخلاف الكفار، ولأنه متهم فربما استعجل الانبات بالمعالجة دفعا للحجر وتشوفا للولايات بخلاف الكافر فإنه
يفضي به إلى القتل أو ضرب الجزية. وهذا جرى على الأصل والغالب، وإلا فالأنثى والخنثى والطفل الذي تعذرت مراجعة
أقاربه المسلمين لموت أو غيره حكمهم كذلك، فإن الخنثى والمرأة لا جزية عليهما مع أن الحكم فيهما ما ذكر. ومن
تعذرت مراجعة أقاربه المسلمين لا يحكم ببلوغه بما ذكر مع فقدان العلة، فقد جروا في تعليلهم (وتزيد المرأة
حيضا) لوقت إمكانه على ما ذكر من السن وخروج على الغالب المني ونبات العانة الشامل لها كما مر. (وحبلا) كذا قاله جمع من
الأصحاب، وزيفه الماوردي والروياني، لأنه يستدل بالانزال لأن الولد يخلق من الماءين، فإذا وضعت المرأة حكمنا
بحصول البلوغ قبل الوضع بستة أشهر ولحظة، وهذا هو مرادهم بلا شك، فإن كانت مطلقة وأتت بولد يلحق بالزوج
حكمنا ببلوغها قبل الطلاق بلحظة.
تنبيه: سكت المصنف عن الخنثى المشكل، وحكمه أنه لو أمنى بذكره وحاض بفرجه حكم ببلوغه في الأصح،
فإن وجد أحدهما أو كلاهما من أحد فرجيه فلا يحكم ببلوغه عند الجمهور لجواز أن يظهر من الآخر ما يعارضه. وقال
الامام: ينبغي الحكم ببلوغه بأحدهما كالحكم بالاتضاح به ثم يغير إن ظهر خلافه. قال الرافعي: وهو الحق. وسكت
167

عليه المصنف، والمعتمد الأول. وأما قول الإمام كالحكم بالاتضاح به، ففرق ابن الرفعة بين الحكم بالبلوغ بذلك وبين
الحكم بالذكورة والأنوثة بأن احتمال ذكورته مساو لاحتمال أنوثته، فإذا ظهرت صورة مني به أو حيض في وقت
إمكانه غلب على الظن الذكورة أو الأنوثة فتعين العمل به مع أنه لا غاية بعده محققة تنتظر، ولا يحكم بالبلوغ لأن
الأصل الصبا فلا نبطله بما يجوز أن يظهر بعده ما يقدح في ترتب الحكم عليه مع أن لنا غاية تنتظر، وهي استكمال خمس
عشرة سنة. وأما قوله: ثم يغير إن ظهر خلافه، فقال الأذرعي: تغيير الحكم فيما يمكن من الأقوال والافعال التي تبقى
معها الحياة ظاهر، لكن إذا حكمنا ببلوغه رتبنا عليه أثره من القتل بقود وردة وغيرهما مع بقاء الشك في البلوغ، وفيه
بعد اه‍. وقال المتولي: إن وقع ذلك مرة لم يحكم ببلوغه، وإن تكرر حكمنا به. قال المصنف: وهو حسن غريب. قال
الأسنوي: الاستدلال بالحيض على الأنوثة وبالمني عليها أو على الذكورة شرطه التكرار، والامام والرافعي استندا في
تصويب الاخذ بأحد الامرين إلى القياس على الاخذ بالذكورة أو الأنوثة، فعلم أن صورة ذلك في التكرار أيضا اه‍.
فعلم من ذلك أن كلام الامام موافق لكلام المتولي. فإن قيل: لا منافاة بين الحيض وخروج المني من الذكر لما مر أنه يجب
الغسل بخروج المني من غير طريقه المعتاد؟ أجيب بأن محل ذلك مع انسداد الأصل، وهو منتف هنا. (والرشد صلاح
الدين والمال) جميعا كما فسر به ابن عباس وغيره قوله تعالى: * (فإن آنستم منهم رشدا) *. وفي وجه أنه صلاح المال فقط. فإن
قيل: الرشد الواقع في الآية نكرة، وهو في سياق الاثبات فلا يعم، لذلك مال ابن عبد السلام إلى هذا الوجه. أجيب
بأن النكرة الواقعة في سياق الشرط تعم كما صرح به إمام الحرمين. وشملت عبارة المصنف الكافر فيعتبر فيه ما هو صلاح
عندهم في الدين والمال كما نقله في زيادة الروضة عن القاضي أبي الطيب وغيره وأقره. ثم بين صلاح الدين بقوله: (فلا
يفعل محرما يبطل العدالة) من كبيرة أو إصرار على صغيرة ولم تغلب طاعاته على معاصيه. واحترز بالمحرم عما يمنع
قبول الشهادة لاخلاله بالمروءة، كالأكل في السوق فإنه لا يمنع الرشد لأن الاخلال المختلف فيه بالمروءة، ليس بحرام على
المشهور. وحكى بعضهم في ذلك ثلاثة أوجه: ثالثها إن كان تحمل شهادة حرم عليه وإلا فلا. ولو شرب النبيذ المختلف
فيه فعن التجريد والاستذكار إن كان يعتقد حله لم يؤثر أو تحريمه فوجهان. وينبغي أنه يؤثر. وإصلاح المال بقوله: (ولا
يبذر بأن يضيع المال باحتمال غبن فاحش في المعاملة) ونحوها، وهو ما لا يحتمل غالبا كما سيأتي في الوكالة، بخلاف اليسير:
كبيع ما يساوي عشرة بتسعة، وهذا كما قال شيخي إذا كان جاهلا بالمعاملة، أما إذا كان عالما وأعطى أكثر من ثمنها فإن
الزائد صدقة خفية محمودة. (أو رميه) أي المال وإن قل، (في بحر) أو نار أو نحو ذلك. (أو إنفاقه في محرم) ولو صغيرة لما فيه
من قلة الدين.
تنبيه: التبذير: الجهل بمواقع الحقوق، والسرف: الجهل بمواقع الحقوق، قاله الماوردي في آداب الدين والدنيا، وكلام
الغزالي يقتضي ترادفهما. ولو عبر المصنف بالإضاعة أو الغرامة كان أولى من التعبير بالانفاق لأنه يقال فيما أخرج في ا
لطاعة، ويقال في المكروه والمحرم: ضيع وخسر وغرم كما مرت الإشارة إلى ذلك في خطبة الكتاب. (والأصح أن صرفه)
أي المال وإن كثر (في الصدقة، و) باقي (وجوه الخير) كالعتق (والمطاعم والملابس التي لا تليق بحاله ليس بتبذير) أما في
الأولى فلان له في الصرف الخير عوضا وهو الثواب، فإنه لا سرف في الخير كما لا خير في السرف.
وحقيقة السرف ما لا يكسب حمدا في العاجل ولا أجرا في الآجل، ومقابل الأصح فيها يكون مبذرا إن بلغ مفرطا في الانفاق، فإن عرض
له ذلك بعد البلوغ مقتصدا فلا، وأما في الثانية فلان المال يتخذ لينتفع به ويلتذ، ومقابل الأصح فيها يكون تبذيرا عادة.
168

تنبيه: قضية كون الصرف في المطاعم والملابس التي لا تليق به ليس بتبذير لأنه ليس بحرام وهو كذلك. فإن قيل:
قال الشيخان في الكلام على الغارم: وإذا كان غرمه في معصية كالخمر والاسراف في النفقة لم يعط قبل التوبة، وجعله في المهمات
تناقضا. أجيب بأنهما مسألتان، فالمذكور هنا في الانفاق من خالص ماله فلا يحرم، والمذكور هناك في الاقتراض من
الناس ويتبسط فيها وهو لا يرجو الوفاء من سبب ظاهر فهو حرام. وقد صرح في الروضة بأنه يحرم على الانسان أن
يقترض مال غيره وليس عنده ولا له ما يوفيه منه. (ويختبر رشد الصبي) في الدين والمال، لقوله تعالى: * (وابتلوا اليتامى) *
أي اختبروهم. أما في الدين فبمشاهدة حاله في العبادات وتجنب المحظورات وتوقي الشبهات ومخالطة أهل الخير. وإنما
عبر بالصبي وإن كانت الأنثى كذلك لأنه يذكر المرأة بعد. (و) أما في المال فإنه (يختلف ب‍) - اختلاف (المراتب، فيختبر
ولد التاجر بالبيع والشراء) على الخلاف الآتي فيهما، (والمماكسة فيهما) وهو طلب النقصان عما طلبه البائع وطلب
الزيادة على ما يبذله المشتري. وإذا اختبر في نوع من التجارة كفى، ولا يحتاج إلى الاختبار في جميعها كما ذكره الشيخ
أبو حامد في تعليقه، وولد السوقة كولد التاجر.
تنبيه: قضية كلامه صحة البيع والشراء من ولد التاجر، والأصح عدم الصحة كما سيأتي، فلو عبر بالمماكسة
في البيع والشراء لكان أولى وأخصر. (و) يختبر (ولد الزراع بالزراعة والنفقة على القوام بها) أي إعطاؤهم الأجرة،
وهم الذين استؤجروا على القيام بمصالح الزرع: كالحرث والحصد والحفظ. (و) يختبر (المحترف بما يتعلق بحرفته) أي
حرفة أبيه وأقاربه كما قاله في الكافي، فيختبر ولد الخياط مثلا بتقدير الأجرة، وولد الأمير ونحوه بأن يعطي شيئا من ماله
لينفقه في مدة شهر في خبز ولحم وماء ونحوه كما قاله في الكفاية تبعا لجماعة، ثم نقل عن الماوردي أنه يدفع إليه نفقة يوم
في مدة شهر ثم نفقة أسبوع ثم نفقة شهر. قال بعض المتأخرين: وهذا إنما يأتي على رأي من يقول بصحته اه‍. وقد يقال
المراد أنه يمتحن بذلك، فإن أراد العقد عقد الولي كما سيأتي.
تنبيه: الحرفة الصنعة، قاله الجوهري، سميت بذلك لأنه ينحرف إليها. ويختبر من لا حرفة لأبيه بالنفقة على
العيال لأنه لا يخلو من له ولد عن ذلك غالبا. (و) تختبر (المرأة بما يتعلق بالغزل والقطن) من حفظ وغيره. والغزل
يطلق على المصدر وعلى المغزول، قال الأسنوي: والظاهر أن المصنف إنما أراد المصدر، يعني أنها هل تجتهد فيه أو لا.
وقال الأذرعي: قوله بما يتعلق بالغزل والقطن، أي في بيتها إن كانت مخدرة، وإن كانت برزة ففي بيع الغزل وشراء
القطن اه‍. والأولى حمل كلام المتن على ما هو أعم من ذلك كما قدرته أولا. وهذا كما قاله السبكي فيمن يليق بها
الغزل والقطن، أما بنات الملوك ونحوهم فلا تختبر بذلك بل بما يعمله أمثالها. (وصون الأطعمة عن الهرة) وهي
الأنثى والذكر هر، وتجمع الأنثى على هرر، كقربة وقرب، والذكر على هررة كقرد وقردة. (ونحوها) كالفأرة
والدجاجة، لأن بذلك يتبين الضبط وحفظ المال وعدم الانخداع، وذلك قوام الرشد. وقيل: إن المبتذلة كالرجل
في الاختبار، قاله الصيمري. والخنثى تختبر بما يختبر به الذكر والأنثى جميعا ليحصل العلم بالرشد كما قاله ابن المسلم. (ويشترط
تكرر الاختبار مرتين أو أكثر) بحيث يغلب على الظن رشده فلا يكفي مرة لأنه قد يصيب فيها اتفاقا. (ووقته)
أي الاختبار، (قبل البلوغ) لآية: * (وابتلوا اليتامى) *، واليتيم إنما يقع على غير البالغ. والمراد بالقبلية: الزمن
القريب للبلوغ بحيث يظهر إرشاده ليسلم إليه المال كما أشار إليه الامام عن الأصحاب. (وقيل بعده) ليصح تصرفه،
ورد بأنه يؤدي إلى أن يحجر على البالغ الرشيد إلى أن يختبر، وهو باطل. والمخاطب بالاختبار على الأول كل ولي،
169

وعلى الثاني وجهان: أحدهما كذلك، والثاني: الحاكم فقط. ونسب الجوري الأول إلى عامة الأصحاب، والثاني إلى
ابن سريج. ويختبر المرأة النساء والمحارم كما نقله ابن كج عن نص المختصر والبويط. (فعلى الأول الأصح) بالرفع،
(أنه لا يصح عقده) لما مر من بطلان تصرفه، (بل) يسلم إليه المال و (يمتحن في المماكسة، فإذا أراد العقد عقد
الولي) لما تقرر من بطلان تصرفه. والثاني: يصح عقده للحاجة. وعلى الوجهين لو تلف المال في يد الممتحن لم يضمنه
الولي لأنه مأمور بالتسليم إليه. وينبغي أن يختبر السفيه أيضا، فإذا ظهر رشده عقد لأنه مكلف. (فلو بلغ غير رشيد)
لاختلال صلاح الدين أو المال، (دام الحجر) عليه لمفهوم الآية السابقة، فيتصرف في ماله من كان يتصرف فيه قبل
بلوغه. وقوله: دام الحجر، أي الجنس لا حجر الصبا لانقطاعه بالبلوغ كما مر ويخلفه غيره. (وإن بلغ
رشيدا انفك)
الحجر عنه (بنفس البلوغ) أو غير رشيد ثم رشد فبنفس الرشد (وأعطي ماله) ولو امرأة، فيصح تصرفها حينئذ
ولا يحتاج إلى إذن الزوج. وأما ما رواه أبو داود لا تتصرف المرأة إلا بإذن زوجها فأشار الشافعي إلى ضعفه، وعلى
تقدير صحته فمحمول على الأولى. (وقيل يشترط فك القاضي) لأن الرشد يحتاج إلى نظر واجتهاد. ورد بأنه حجر
ثبت بغير حاكم فلم يتوقف زواله على إزالة الحاكم كحجر المجنون. وإنما جمع المصنف بين الانفكاك واعطاء المال ليحترز
عن مذهب مالك في المرأة فإنه قال: لا يسلم المال إلى المرأة حتى تتزوج فإذا تزوجت يدفع إليها بإذن الزوج، ولا ينفذ
تبرعها بما زاد على الثلث ما لم تصر عجوزا، فقال له الشافعي: أرأيت لو تصدقت بثلث مالها ثم بثلث الثلثين ثم بثلث
الباقي هل يجوز التصرف الثاني والثالث إن جوزت سلطتها على جميع المال بالتبرع وإن منعت منعت الحر البالغ العاقل
من ماله؟ ولا وجه له. (فلو بذر بعد ذلك) أي بعد بلوغه رشيدا، (حجر) أي حجر القاضي (عليه) لا غيره من أب
وجد لأنه في محل الاجتهاد، وإنما حجر عليه لآية: * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) * أي أموالهم، لقوله تعالى: * (وارزقوهم
فيها واكسوهم) *، ولخبر: خذوا على يد سفهائكم رواه الطبراني بإسناد صحيح. ونقل الروياني عن الشافعي أن
القاضي إذا حجر عليه استحب أن يرد أمره إلى الأب والجد، فإن لم يكن فسائر العصبات لأنهم أشفق. ويسن له
أن يشهد على حجر السفيه وإن رأى النداء عليه ليتجنب في المعاملة فعل، وعلى هذا لو عاد رشيدا لم يرتفع الحجر
إلا برفع القاضي له كما لا يثبت إلا به. (وقيل: يعود الحجر بلا إعادة) كالجنون وتصرفه قبل الحجر عليه صحيح، والمشهور
أن هذا هو السفيه المهمل، ويطلق أيضا على من بلغ غير رشيد، وهذا لا يصح تصرفه، فالخلاف في التسمية فقط.
ولا حجر بالغبن في تصرف دون تصرف لتعذر اجتماع الحجر وعدمه في شخص واحد، ويؤيد ذلك قوله (ص) لمن
قال له إنه يخدع في بعض البيوع: من بايعت فقل لا خلابة. ولا حجر بالشحة على النفس مع اليسار لينفق بالمعروف
لأن الحق له. وقيل: يحجر عليه، قال الماوردي: والقائل به لم يرد حقيقة الحجر فإنه صرح بأنه لا يمنع من التصرف ولكن ينفق عليه بالمعروف
من ماله إلا أن يخاف عليه إخفاء ماله لشدة شحه فيمنع من التصرف فيه لأن هذا أشد
من التبذير. (ولو فسق) مع صلاح تصرفه في ماله بعد بلوغه رشيدا، (لم يحجر عليه في الأصح) لأن الأولين لم
يحجروا على الفسقة والثاني: يحجر عليه كالاستدامة وكما لو بذر. وفرق الأول بين استدامته بالفسق المقترن
بالبلوغ
وبين ما هنا بأن الأصل ثم بقاؤه، وهنا ثبت الاطلاق، والأصل بقاؤه، وبينه وبين الحجر يعود التبذير بأن الفسق
لا يتحقق به إتلاف المال ولا عدم إتلافه بخلاف التبذير. (و) على أنه لا بد من حجر القاضي في عود التبذير (من حجر
عليه لسفه) أي سوء تصرف (طرأ، فوليه القاضي) لأنه الذي يعيد الحجر عليه، إذ ولاية الأب ونحوه قد زالت
170

فينظر من له النظر العام. (وقيل: وليه في الصغر) كما لو بلغ سفيها. ومحل الخلاف ما إذا قلنا بعود الحجر بنفسه وإلا لم
ينظر إلا القاضي قطعا، قاله الروياني. ولو شهد عدلان بسفه رجل وفسرا قبلت شهادتهما حسبة. (ولو طرأ جنون فوليه وليه
في الصغر) وهو الأب ثم الجد. (وقيل) وليه (القاضي) والفرق بين التصحيحين أن السفه مجتهد فيه فاحتاج إلى نظر الحاكم
بخلاف الجنون. (ولا يصح من المحجور عليه لسفه بيع) ولو بغبطة (ولا شراء) ولو في الذمة لمنافاة الحجر، (ولا إعتاق)
في حال حياته لو بعوض كالكتابة لما مر. أما بعد الموت كالتدبير والوصية فالمذهب الصحة ولو لزمه كفارة يمين أو
ظهار صام كمعسر لئلا يضيع ماله. وأما كفارة القتل فالصحيح في المطلب أن الولي يعتق عنه فيها لأن سببها فعل
وهو لا يقبل الدفع، بخلاف كفارة اليمين والظهار. وقضية الفرق أنه يكفر في كفارة الجماع بالمال. قال السبكي: وكل
ما يلزمه في الحج من الكفارات المخيرة لا يكفر عنه إلا بالصوم، وما كان مرتبا يكفر عنه بالمال لأن سببه فعل: أي
مع ترتبه، وإلا فما قبله سببه فعل أيضا، وقضيته أنه يكفر عنه في كفارة الجماع بالمال وهو الأوجه كما قاله شيخنا. (و)
لا (هبة) منه. أما الهبة له فالأصح في زوائد الروضة صحتها، لأنه ليس بتفويت بل تحصيل. ولا يصح قبول
الوصية كما اقتضاه كلام أصل الروضة وجزم به ابن المقري لأنه تصرف مالي، وجزم الماوردي والروياني والجرجاني
بالصحة لقبول الهبة، والمعتمد الأول. والفرق بينهما كما قال شيخي: أن قبول الوصية تملك، بخلاف قبول الهبة،
وأيضا قبول الهبة يشترط فيه الفور وربما يكون الولي غائبا فتفوت، بخلاف الوصية. قال الماوردي: وإذا
صححنا قبول ذلك لا يجوز تسليم الموهوب والموصى به إليه، فإن سلمهما إليه ضمن الموصى به دون الموهوب لأنه ملك
الموصى به بقبوله بخلاف الموهوب. (و) لا (نكاح) يقبله لنفسه (بغير إذن وليه) لأنه إتلاف للمال، أو مظنة
إتلافه. وقوله: بغير إذن وليه، قال الشارح: قيد في الجميع، وقال غيره: يعود إلى النكاح فقط فإنه الذي يصح
بالاذن دون ما قبله كما سيأتي. وإنما قال الشارح ذلك لأجل الخلاف الآتي وإلا فكلام غيره أنسب. أما قبول النكاح
بالوكالة فيصح كما قاله الرافعي في الوكالة، وأما الايجاب فلا يصح مطلقا لا أصالة ولا وكالة أذن الولي أم لا. (فلو اشترى
أو اقترض) من رشيد (وقبض) بإذنه أو إقباضه (وتلف المأخوذ في يده) قبل المطالبة له برده (أو أتلفه فلا ضمان
في الحال، ولا بعد فك الحجر سواء علم حاله من عامله أو جهل) لأن من عامله سلطه على إتلافه بإقباضه إياه وكان من
حقه أن يبحث عنه قبل معاملته. وظاهر كلام المصنف كالروضة وأصلها أنه لا يضمن ظاهرا ولا باطنا، وبه صرح الامام
والغزالي، والذي نص عليه في الام في باب الاقرار أنه يضمن بعد انفكاك الحجر عنه، وهذا هو الظاهر. أما لو قبضه
من غير رشيد، أو من رشيد بغير إذنه وإقباضه، أو تلف بعد المطالبة فإنه يضمنه كما نقل القطع به في الصورتين الأولتين
في الروضة عن الأصحاب، وجزم به ابن المقري في الثالثة وفاقا لتصريح الصيدلاني. ولا معنى لاقتصار المصنف على الشراء
والقرض، فإنه لو نكح بلا إذن ووطئ لم يلزمه شئ كما صرح به المصنف في باب النكاح، ولو بقيت العين في يده حتى
صار رشيدا وتمكن من ردها ثم تلفت ولم يردها ضمنها كما لو استقل بإتلافها، قاله الدارمي في شرح المختصر. قال
في المهمات: وهو ظاهر.
تنبيه: قوله: سواء علم حاله من عامله أو جهل، قال ابن شهبة: لغة شاذة، والمعروف: أعلم حاله أم جهل بزيادة
الهمزة مع علم وبأم موضع أو. ولا ينافي ذلك قول الشارح في غير هذا الموضع سمع: سواء علي قمت أو قعدت. (ويصح
بإذن الولي نكاحه) على ما سيأتي في باب النكاح، فإن المصنف أعاد هذه المسألة هناك بشروطها، وسنتكلم عليها
171

هناك إن شاء الله تعالى. (لا التصرف المالي في الأصح) لأن عبارته مسلوبة كما لو أذن لصبي. والثاني: يصح كالنكاح، وقال
الامام في كتاب النكاح: إنه المذهب. وفرق الأول بأن المقصود بالحجر عليه حفظ المال دون النكاح. ومحل الوجهين
إذا عين له الولي قدر الثمن وإلا لم يصح جزما، ومحلهما أيضا فيما إذا كان بعوض كالبيع، فإن كان خاليا عنه كعتق
وهبة لم يصح جزما. واستثنى من إطلاقه مسائل: منها ما لو وجب عليه قصاص فصالح بغير إذن وليه على الدية أو أكثر
فليس للولي منعه. ومنها عقد الجزية فإنه يصح منه مباشرته بدينار وإن لم يأذن له الولي، ولا يصح منه ولا من الولي
بزيادة عليه، وفرق بينه وبين المصالحة على أكثر من الدية بأن صيانة الروح عن القصاص قد لا تحصل إلا بزيادة
عليه بخلاف عقد الذمة، فإن الامام يجب عليه العقد عند إعطاء الدينار، وعقد الهدنة كالجزية. ومنها ما لو وجب له
قصاص فإن له العفو على مال، وكذا مجانا على المذهب كما ذكره المصنف قبيل كتاب الديات. ومنها ما لو سمع قائلا يقول
من رد علي عبدي فله كذا فرده استحق الجعل كما يأتي في الجعالة، لأن الصبي يستحقه، فالبالغ السفيه أولى. ومنها
ما لو قبض دينه بإذن وليه، قال الرافعي: اعتد به في أرجح الوجهين عند الحناطي. ومنها ما لو وقع في أسر ففدى نفسه
بمال فإنه يصح كما يصح منه عقد الجزية. ومنها ما لو فتحنا بلدا للسفهاء على أن تكون الأرض لنا ويؤدون خراجها
فإنه يصح كالجزية. ومنها ما لو أجر نفسه بماله التبرع به من منافعه، وهو ما ليس عمله مقصودا في كسبه، فإنه يصح. ومنها
ما لو انتهى الامر في المطاعم إلى الضرورة، قال الامام: الوجه عندي القطع بتجويز تصرفاته. (ولا يصح إقراره)
بالنكاح كما لا يصح نشؤه، ولا (بدين) في معاملة أسند وجوبه إلى ما (قبل الحجر أو) إلى ما (بعده) كالصبي،
ولا يقبل إقراره بعين في يده في حال الحجر، (وكذا بإتلاف المال) أو جناية توجب المال (في الأظهر) كدين المعاملة.
والثاني: يقبل، لأنه إذا باشر الاتلاف يضمن، فإذا أقر به قبل. ورد بأن الصبي يضمن بإتلافه ولا يقبل إقراره به جزما.
تنبيه: أفهم تعبيره بعدم الصحة أنه لا يطالب به في حال الحجر ولا بعد فكه. ومحله في الظاهر، وأما فيما بينه
وبين الله تعالى فيجب عليه بعد فك الحجر أداؤه إذا كان صادقا في إقراره كما نص عليه في الام، ولو أقر بعد رشده
أنه كان أتلف مالا لزمه الآن قطعا كما نقله في زيادة الروضة في باب الاقرار عن ابن كج. (ويصح) إقراره (بالحد
والقصاص) لعدم تعلقهما بالمال ولبعد التهمة، ولو كان الحد سرقة قطع ولا يلزمه المال، ولو عفا مستحق القصاص
بعد إقراره على مال ثبت لأنه تعلق باختيار غيره لا بإقراره. (و) يصح (طلاقه) ورجعته (وخلعه) زوجته بمثل
المهر وبدونه. (و) يصح (ظهاره) وإيلاؤه وإيلاده (ونفيه النسب) لما ولدته زوجته (بلعان) ولما ولدته أمته
بحلف، لأن هذه الأمور ما عدا الخلع لا تعلق لها بالمال الذي حجر لأجله. وأما الخلع فلانه إذا صح طلاقه مجانا
فبعوض أولى، إلا أن المال يسلم إلى وليه وهو خاص بالرجل كما تقرر للمعنى المذكور وصرح به المصنف في باب الخلع
وإن كان مطلاقا، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيانه في النكاح تسري جارية إن احتاج إلى الوطئ فإن كرهها
أبدلت.
تنبيه:
لو حذف قوله: بلعان لكان أخصر وأعم لشموله نفي ما يلحقه من أمته، فإن السيد لا يلاعن بل يحلف
على النفي كما مر، ويصح استلحاقه النسب وينفق عليه من بيت المال. قال في زيادة الروضة: ولو أقر باستيلاد
أمته لم يقبل قوله اه‍. نعم إن ثبت أن الموطوءة فراش له وولدت لمدة الامكان ثبت الاستيلاد، قاله السبكي، لكنه في الحقيقة
لم يثبت بإقراره. (وحكمه في العبادة) الواجبة مطلقا والمندوبة البدنية، (كالرشيد) لاجتماع الشرائط فيه. أما المندوبة
المالية كصدقة التطوع فليس هو فيها كالرشيد، (لكن لا يفرق الزكاة بنفسه) لأنه ولاية وتصرف مالي. نعم إن أذن له
الولي وعين له المدفوع إليه صح صرفه كنظيره في الصبي المميز وكما يجوز للأجنبي توكيله فيه، ولا بد أن يكون
172

ذلك بحضرة الولي أو من ينوب عنه كما بحثه الأذرعي، لأنه قد يتلف المال إذا خلا به، أو يدعي صرفه كاذبا، وكالزكاة
في ذلك الكفارة ونحوها. ويصح نذره في الذمة بالمال لا بعين ماله، والمراد بصحة نذره فيما ذكر ثبوته في الذمة إلى
ما بعد الحجر. (وإذا أحرم) حال الحجر (بحج فرض) أصلي أو قضاء أو منذور قبل الحجر وكذا بعده إذا سلكنا به
مسلك واجب الشرع وهو الأصح، (أعطي الولي كفايته لثقة ينفق عليه في طريقه) ولو بأجرة، أو يخرج الولي معه
كما مر في كتاب الحج خوفا من تفريطه فيه. وظاهر أن الحكم كذلك إذا أراد السفر للاحرام، وأن العمرة كالحج
فيما ذكر. ولو أفسد حجه المفروض بالجماع في حال سفهه لزمه المضي فيه والقضاء ويعطيه الولي نفقة القضاء كما هو
مقتضى إطلاق المصنف. ومقتضى إطلاقهم كما قال الأسنوي، أن الحج الذي استؤجر قبل الحجر على أدائه له حكم ما تقدم.
تنبيه: كان الأولى حذف اللام من الثقة، لأن أعطى يتعدى إلى مفعولين بنفسه (وإن أحرم) حال الحجر
(بتطوع) من حج أو عمرة، أو بنذر بعد الحجر وسلكنا به مسلك جائز الشرع وهو الرأي المرجوح، (وزادت مؤنة
سفره) لاتمام النسك، أو إتيانه (عن نفقته المعهودة) في الحضر، (فللولي منعه) من الاتمام أو الاتيان به صيانة
لماله. وظاهر كلام المصنف أنه يصح إحرامه بدون إذن وليه. قال الأسنوي: وفي الفرق بينه وبين الصبي المميز نظر،
وفرق السبكي بينهما باستقلال السفيه. (والمذهب أنه كمحصر فيتحلل) لأنه ممنوع من المضي. والطريق الثاني: وجهان
أحدهما هذا، والثاني: لا يتحلل إلا بلقاء البيت كمن فقد زاده وراحلته. (قلت: ويتحلل بالصوم إن قلنا لدم الاحصار
بدل) وهو الأظهر كما مر في الحج، (لأنه ممنوع من المال) أما إذا قلنا لا بدل له فإنه يبقى في ذمة المحصر، قال في المطلب:
ويظهر أنه يبقى في ذمة السفيه أيضا. (ولو كان له في طريقه كسب قدر زيادة المؤنة لم يجز منعه، والله أعلم) لأن الاتمام
بدون التعرض للمال ممكن. قال في المطلب: وفيه نظر إذا كان عمله مقصودا بالأجرة بحيث لا يجوز له التبرع به.
قال الأذرعي: وفي النظر نظر لأنه وإن كان كذلك لا يعد مالا حاصلا، فلا يلزمه تحصيله مع غناه بخلاف المال الموجود
في يد الولي. قال الغزالي: وما ذكره ابن الرفعة والأذرعي كلاهما عجيب، فإن المسألة مفروضة فيما إذا كان الكسب
في طريقه فقط كما هو ظاهر عباراتهم، أما إذا أحرم بتطوع قبل الحجر ثم حجر عليه قبل إتمامه فإنه كالواجب كما
ذكره في الروضة وأصلها في الحج.
فصل: فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله: (ولي الصبي أبوه) بالاجماع. ولو عبر بالصغير لكان
أولى. وقال ابن حزم: إن الصبي يشمل الصبية، كما قال: إن العبد يشمل الأمة. (ثم جده) أبو الأب وإن علا كولاية
النكاح، وتكفي عدالتهما الظاهرة لوفور شفقتهما فإن فسقا نزع القاضي المال منهما، كما ذكراه في باب الوصية.
وهل ينعزلان بالفسق؟ وجهان حكاهما القاضي وحسين والامام في باب العارية، وينبغي الانعزال وعليه لو فسق بعد
البيع وقبل اللزوم ففي بطلانه وجهان، قال السبكي: وينبغي أن يكون أصحهما أنه لا يبطل ويثبت الخيار لمن بعده من
الأولياء. ولا يعتبر إسلامهما إلا أن يكون الولد مسلما، فإن الكافر يلي ولده الكافر، لكن لو ترافعوا إلينا لم نقرهم
ونلي نحن أمرهم بخلاف ولاية النكاح، لأن المقصود بولاية المال الأمانة، وهي في المسلمين أقوى، والمقصود بولاية
النكاح الموالاة، وهي في الكافر أقوى، قاله الماوردي. (ثم وصيهما) أي وصى من تأخر موته منهما لأنه يقوم مقامه
، وشرطه العدالة كما سيأتي في الوصية. (ثم القاضي) أو أمينه لخبر: السلطان ولي من لا ولي له رواه الترمذي وحسنه
173

والحاكم وصححه. ولو كان اليتيم ببلد وماله في آخر فالولي قاضي بلد المال لأن الولاية عليه ترتبط بما له كمال الغائبين،
لكن محله في تصرفه فيه بالحفظ والتعهد بما يقتضيه الحال مع الغبطة اللائقة إذا أشرف على التلف. أما تصرفه فيه
بالتجارة والاستنماء فالولاية عليه لقاضي بلد اليمين لأنه وليه في النكاح فكذا في المال كما نقله في أصل الروضة عن الغزالي
وأقره. قال شيخنا: ووقع للأسنوي عزو ما يخالف ذلك إلى الروضة وأصلها فاحذره. قال الأذرعي: وعلى ما في أصل
الروضة فلقاضي بلده العدل الأمين أن يطلب من قاضي بلد ماله إحضاره إليه عند أمن الطريق لظهور المصلحة له فيه،
وليتجر له فيه ثم، أو يشتري له به عقارا، ويجب على قاضي بلد المال إسعافه بذلك. وحكم المجنون حكم الصبي
في ترتيب الأولياء، وكذا من بلغ سفيها.
تنبيه: قضية تعبيره بالصبي أنه لا ولاية للمذكورين على مال الأجنة، وصرحا به في الفرائض في الكلام على
ميراث الحمل لكن بالنسبة إلى الحاكم فقط، ومثله البقية. قال الجرجاني: وإذا لم يوجد أحد من الأولياء المذكورين
فعلى المسلمين النظر في حال محجورهم وتولي حفظ ماله (ولا تلي الام في الأصح) كولاية النكاح. والثاني: تلي بعد الأب
والجد وتقدم على وصيهما لكمال شفقتها. وكذا لا ولاية لسائر العصبات كالأخ والعم. نعم لهم الانفاق من مال
الطفل في تأديبه وتعليمه وإن لم يكن لهم عليه ولاية لأنه قليل فسومح به، قاله في المجموع في إحرام الولي عن الصبي. قال
شيخنا: ومثله المجنون والسفيه اه‍. أما السفيه فواضح، وأما المجنون ففيه نظر. نعم إن حمل على من له نوع تمييز فهو
ظاهر ولعله مراده. (ويتصرف) له (الولي بالمصلحة) وجوبا، لقوله تعالى: * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) *
وقوله تعالى: * (وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح) *. وقضية كلامه كأصله أن التصرف الذي لا خير
فيه ولا شر ممنوع منه، إذ لا مصلحة فيه، وهو كذلك كما صرح به الشيخ أبو محمد والماوردي. ويجب على الولي حفظ
مال الصبي عن أسباب التلف واستنماؤه قدر ما تأكله المؤن من نفقة وغيرها إن أمكن، ولا تلزمه المبالغة. ولو خاف
الولي استيلاء ظالم على مال اليتيم فله بذل بعضه لتخليصه وجوبا، ويستأنس له بخرق السيد الخضر السفينة. وإذا
كان للصبي أو السفيه كسب، أي يليق به، أجبره الولي على الاكتساب ليرتفق به في ذلك، وندب أن يشتري له العقار
بل هو أولى من التجارة إذا حصل من ريعه الكفاية كما قاله الماوردي، هذا إن لم يخف جورا من سلطان أو غيره،
أو خرابا للعقار ولم يجد به ثقل خراج. وله أن يسافر بمال الصبي والمجنون وقت الامن، والتسفير به مع ثقة ولو بلا ضرورة
من نحو حريق أو نهب لأن المصلحة قد تقتضي ذلك لا في نحو بحر وإن غلبت السلامة لأنه مظنة عدمها. قال الأسنوي:
ولا يركب بالصبي البحر وإن غلبت سلامته كماله. وفرق غيره بأنه إنما حرم ذلك في ماله لمنافاته غرض ولايته عليه
في حفظه وتنميته بخلافه هو فيجوز أن يركبه البحر إذا غلبت السلامة، كما يجوز إركاب نفسه، والفرق أظهر، والصواب
كما قال الأذرعي عدم تحريم إركاب البهائم والأرقاء والحامل عند غلبة السلامة، خلافا للأسنوي في الجميع. (ويبني دوره)
ومساكنه (بالطين والآجر) أي الطوب المحرق، لأن الطين قليل المؤنة وينتفع به بعد النقض والآجر يبقى. (لا اللبن)
أي الطوب الذي لم يحرق، (والجص) أي الجبس، لأن اللبن قليل البقاء ويتكسر عند النقض والجبس كثير المؤن
ولا تبقى منفعته عند النقض بل يلصق بالطوب فيفسده.
تنبيه: قوله: والجص بالواو هي عبارة المحرر والروضة والشرح الصغير، وعبارة الكبيرة: أو الجص بأو،
وهي أولى
لأنها تدل على الامتناع في اللبن سواء أكان مع الطين أم الجص، وعلى الامتناع في الجص سواء أكان مع اللبن أم
الآجر، وهو كذلك. ويفهم المنع فيما عداهما. والمجنون والسفيه كالصبي فيما ذكر. وما ذكره من اقتصار البناء بالطين
والآجر نص عليه الشافعي وجرى عليه الجمهور. واختار كثير من الأصحاب جواز البناء على عادة البلد كيف كان،
واختاره الروياني واستحسنه الشاشي، والقلب إليه أميل. وفي البيان بعدما نقل ما ذكره المصنف عن النص: وهذا
في البلاد التي يعز فيها وجود الحجارة، فإن كان في بلد توجد فيه الحجارة كانت أولى من الآجر لأنها أكثر بقاء وأقل
174

مؤنة. ويشترط في البناء للمحجور عليه كما قال ابن الصباغ أن يساوي كلفته، وقيل: هذا قل أن يوجد. قال بعضهم:
وهذا في التحقيق منع للبناء. وقوله: ويبني دوره قد يفهم أنه لا يبتدئ له بناء العقار وليس مرادا. وقال بعض فقهاء
اليمن: إنما يبنيه إذا لم يكن الشراء أحظ. قال ابن الملقن: وهو فقه ظاهر. ولا يشتري له ما يسرع فساده وإن
كان مربحا، قاله الماوردي. ولا (يبيع عقاره) لأن العقار أسلم وأنفع مما عداه، (إلا لحاجة) كنفقة وكسوة بأن لم تف
غلة العقار بهما ولم يجد من يقرضه، أو لم ير المصلحة في الاقتراض، أو خاف خرابه. قال في البحر: وكذا لو كان
اليتيم ببلد وعقاره في آخر ويحتاج إلى مؤنة في توجيه من يجمع الغلة فيبيعه ويشتري ببلد اليتيم، أو يبني فيه مثله. قال
الأسنوي: ويظهر أيضا جواز بيعه بثمن مثله دفعا لرجوع الواهب إذا كان أصلا له. (أو غبطة ظاهرة) كأن يرغب فيه
شريك أو جار بأكثر من ثمن مثله وهو يجد مثله ببعض ذلك الثمن أو خيرا منه بكله، أو يكون ثقيل الخراج: أي المغارم
مع قلة بيعه.
تنبيه: قوله: ظاهرة من زيادة المنهاج على بقية كتب الشيخين. قال الامام: وضابط تلك الزيادة أن لا يستهين
بها العقلاء بالنسبة إلى شراء العقار، وكالعقار فيما ذكر آنية القنية من نحاس وغيره كما نقله ابن الرفعة عن البندنيجي.
قال: وما عداهما لا يباع أيضا إلا لغبطة أو حاجة، لكن يجوز لحاجة يسيرة وربح قليل لائق بخلافهما. وينبغي كما قال
ابن الملقن أنه يجوز بيع أموال التجارة من غير تقييد بشئ، بل لو رأى البيع بأقل من رأس المال ليشتري بالثمن
ما هو مظنة للربح جاز كما قاله بعض المتأخرين، ولو طلب ماله بأكثر من ثمن مثله وجب بيعه إن لم يحتج إليه ولم يكن
عقارا يحصل له منه كفايته. قال الروياني: ولو ترك الولي عمارة عقار محجوزة حتى خرب مع القدرة أثم، وهل
يضمن كما في ترك علف الدابة أو لا كما في ترك التلقيح؟ وجهان جاريان فيما لو ترك إيجاره مع القدرة، أوجههما كما قال
شيخنا عدم الضمان فيهما، ويفارق ترك العلف بأن فيه إتلاف روح بخلاف ما هنا. قال القفال: ويضمن ورق الفرصاد
إذا تركه حتى مات أو تلف، وكأنه قاسه على سائر الأطعمة. ولو امتنع من بيع ماله لتوقع زيادة فتلف المال فلا ضمان.
قال العبادي: ولو أجر بياض أرض بستانه بأجرة وافية بمقدار منفعة الأرض وقيمة الثمر ثم ساقى على شجره على سهم
من ألف سهم لليتيم والباقي للمستأجر كما جرت به العادة، قال ابن الصلاح في فتاويه: الظاهر صحة المساقاة، قال الأسنوي:
وهي مسألة نفيسة. ولا يجوز لغير القاضي من الأولياء أن يقرض من مال الصبي والمجنون شيئا إلا لضرورة كحريق
أو نهب، أو أن يزيد سفرا يخاف عليه فيه. أما القاضي فله ذلك مطلقا لكثرة أشغاله، ولا يقرضه إلا لملئ أمين ويأخذ
رهنا إن رأى في ذلك مصلحة وإلا تركه، ولا يودعه أمينا إلا عند عدم التمكن من إقراضه. (وله بيع ماله بعرض
ونسيئة للمصلحة) التي يراها فيهما، كأن يكون في الأول ربح وفي الثاني زيادة لائقة، أو خاف عليه من نهب أو إغارة.
(وإذا باع نسيئة أشهد) على البيع وجوبا، (وارتهن به) أي بالثمن رهنا وافيا به، ويشترط أن يكون المشتري موسرا
ثقة والأجل قصيرا عرفا احتياطا للمحجور عليه، فإن لم يفعل ذلك ضمن. قال السبكي: وبطل البيع على الأصح.
قال: وقال الامام: الأصح أنه لا يبطل إذا كان المشتري مليئا اه‍. والأوجه كلام السبكي، ولا يجزئ فيه الكفيل عن
الارتهان. نعم لا يلزم الأب والجد الارتهان من نفسهما له والدين عليهما بأن باعا ماله لأنفسهما نسيئة لأنهما أمينان في حقه،
ويحكم القاضي بصحة بيعهما مال ولدهما إذا رفعاه إليه وإن لم يثبتا أن بيعهما وقع بالمصلحة لأنهما غير متهمين في حق
ولدهما وفي وجوب إقامتهما البينة بالعدالة ليسجل لهما وجهان أحدهما الاكتفاء بالعدالة الظاهرة كشهود النكاح.
والثاني: نعم كما يجب إثبات عدالة الشهود ليحكم. وينبغي كما قال ابن العماد أن يكون هذا هو الأصح بخلاف ما مر، لأن
ذاك في جواز ترك الحكم لهما على الولاية، وهذا فيما إذا طلبا منه أن يسجل لهما، بخلاف الوصي والأمين فإنه يجب
إقامتهما البينة بالمصلحة وبعد التهمة. ويقبل قول المحجور عليه بعد الكمال أنهما باعا ماله ولو غير عقار بلا مصلحة، فيلزمهما
175

البينة، بخلاف الأب والجد فلا يلزمهما البينة، بل البينة عليه لأنهما لا يتهمان لوفور شفقتهما. ولا يبيع الوصي مال
الطفل أو المجنون لنفسه ولا مال نفسه له، ولا يقتص له ولي ولو أبا، ولا يعفو عن القصاص، نعم له العفو على الأرش
في حق المجنون الفقير، بخلاف الصبي كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الجنايات، لأن الصبا له غاية ينتظر بخلاف الجنون.
ولا يعتق رقيقه في غير الكفارة المرتبة، ولا يكاتبه، ولا يدبره، ولا يعلق عتقه بصفة، ولا يطلق زوجته ولو بعوض
لخبر: إنما الطلاق لمن أخذ بالساق رواه ابن ماجة والدارقطني. ولا يصرف ماله في المسابقة، ولا يشتري له إلا من
ثقة. قال ابن الرفعة: ولا يظهر جواز شراء الجواري للتجارة لغرر الهلاك، وله أن يزرع له كما قاله ابن الصباغ. (ويأخذ له
بالشفعة أو يترك بحسب المصلحة) التي رآها في ذلك لأنه مأمور بفعلها. فيجب الاخذ إذا كانت المصلحة فيه،
ويحرم إذا كانت المصلحة في تركه، فلو استوت المصلحة في الاخذ والترك فهل يحرم الاخذ أو يجب أو يتخير؟
فيه ثلاثة أوجه حكاها في البحر تبعا للماوردي، والأول هو مقتضى كلام المصنف، وقال الأسنوي: هو مقتضى
كلام الرافعي في آخر الشفعة، وقال في المطلب هنا: والنص يفهمه والآية تشهد له، أي قوله تعالى: * (ولا تقربوا مال
اليتيم إلا بالتي هي أحسن) *، فإنها دالة على المنع عند الاستواء لورودها بصيغة التفصيل. ولو ترك الولي الاخذ مع
الغبطة فيه ثم كمل المحجور عليه كان له الاخذ، لأن تر ك الولي حينئذ لم يدخل تحت ولايته فلا يفوت بتصرفه، بخلاف
ما إذا تركها لعدم الغبطة ولو في الاخذ والترك معا كما مر. ولو أخذ الولي مع الغبطة ثم كمل المحجور عليه وأراد الرد
لم يمكن منه كما صرح به في الروضة، والقول قوله بيمينه في أن الولي ترك الاخذ مع الغبطة، ويلزم الولي البينة إلا على
أب أو جد قال إني تركتها لغبطة فلا يقبل قوله عليه. (ويزكي ماله) وجوبا لأنه قائم مقامه، وقد تقدم الكلام على ذلك
في باب الزكاة. (وينفق عليه بالمعروف) في طعام وكسوة وغيرهما مما لا بد منه بما يليق به في إعساره ويساره، فإن قتر
أثم وإن أسرف أثم وضمن، ويخرج عنه أرش الجناية وإن لم يطلب ذلك منه. فإن قيل: الدين الحال لا يجب أداؤه إلا بعد
الطلب كما مر في كتاب التفليس وأرش الجناية دين. أجيب بأن ذلك ثبت بالاختيار فتوقف وجوب أدائه على طلبه
بخلاف ما هنا. وينفق على قريبه بعد الطلب منه كما ذكره الشيخان لسقوطها بمضي الزمان، قال الأسنوي: وما ذكراه
من توقف نفقة القريب على الطلب لا يستقيم إذا كان المنفق عليه مجنونا أو طفلا أو زمنا يعجز عن الارسال ونحو ذلك اه‍.
وهو ظاهر. نعم إن كان له ولي خاص ينبغي اعتبار طلبه، وكالصبي في ذلك المجنون والسفيه. ولا أجرة للولي
ولا نفقة في مال محجوره، فإن كان فقيرا وشغل بسببه عن الاكتساب أخذ الأقل من الأجرة والنفقة بالمعروف،
قال تعالى: * (ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) *، وكالاكل غيره من بقية المؤن، وإنما خص
بالذكر لأنه أعم وجوه الانتفاع. وله أن يستقل بالأخذ من غير مراجعة الحاكم. ولو نقص أجر الأب أو الجد أو
الام
إذا كانت وصية عن نفقته وكان كل منهم فقيرا تممها من مال محجوره لأنها إذا وجبت بلا عمل فمعه أولى. وإذا
أخذ لفقر به ثم أيسر لا يجب عليه رد البدل على الأظهر في زيادة الروضة. هذا كله في الولي غير الحاكم، أما هو
فليس له ذلك لعدم اختصاص ولايته بالمحجور عليه بخلاف غيره حتى أمينه كما صرح به المحاملي. وللوالي خلط ماله
بمال الصبي ومواكلة للارتفاق إذا كان للصبي فيه حظ، قال تعالى: * (وإن تخالطوهم فإخوانكم) * وإلا امتنع،
قال تعالى: * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) *. ويسن للمسافرين خلط أزوادهم وإن تفاوتوا في الاكل،
لاخبار صحيحة وردت فيه. ولا يجب على الولي أن يشتري لموليه إلا بعد استغنائه عن الشراء لنفسه، فإن لم يستغن
عنه قدم نفسه، وإن تضجر الأب وإن علا فله الرفع إلى القاضي لينصب قيما بأجرة من مال محجوره، وله أن ينصب
غيره بها بنفسه. (فإذا ادعى) الصغير (بعد بلوغه على الأب والجد بيعا) لماله ولو عقارا، (بلا مصلحة صدقا باليمين)
لأنهما لا يتهمان لوفور شفقتهما. ومقتضى ذلك كما قاله الأسنوي قبول الام إذا كانت وصية، وكذا من في معناها
176

كأمهاتها وهو كذلك (وإن ادعاه على الوصي والأمين) أي منصوب القاضي، (صدق هو بيمينه للتهمة في حقهما، وقيل:
يصدق الولي مطلقا لأن الأصل عدم الخيانة، وقيل: لا يصدق مطلقا بل لا بد من بينة، وقيل: يصدق الأب والجد مطلقا
وغيرهما في غير العقار، لأن العقار يحتاط فيه ما لا يحتاط في غيره. وإذا قلنا لا يقبل قول الوصي والأمين فمحله في غير أموال
التجارة، أما فيها فالظاهر كما قال الزركشي قبول قولهما لعسر الاشهاد عليهما فيها. ودعواه على المشتري من الولي
كدعواه على الولي فيقبل قوله عليه إن اشترى من غير الأب والجد لا إن اشترى منهما. ولو أقام من لم يقبل قوله من
الولي والمحجور عليه بينة بما ادعاه حكم له بها ولو بعد الحلف كما في المحرر.
تنبيه: سكت المصنف عن الدعوى على القاضي، وكلام التنبيه يقتضي أنه كالوصي والأمين، واختاره الشيخ
تاج الدين الفزاري، وقال السبكي: لم أر للأصحاب تصريحا به، والقول قوله بلا يمين إن كان في زمن حكمه وتوقف فيما
إذا كان معزولا. ثم اعتمد بعد ذلك أنه يقبل قوله بلا يمين مطلقا، وهذا هو الظاهر لأنه نائب الشرع.
خاتمة: سئل السبكي عن يتيم تحت حجر الشرع له مال يعامل في ناظر الأيتام بإذن الحاكم، ثم إن اليتيم سكن قرية من قرى القدس
ومضت مدة يتحقق فيها بلوغه ولم يعلم هل بلغ رشيدا أو لا، هل تجوز له المعاملة في ماله بعد مدة البلوغ
المذكورة وإخراج الزكاة من ماله أو لا؟ فقال: لا تجوز المعاملة في ماله ولا إخراج الزكاة منه في هذه الحالة. ويعضد
ذلك قول الأصحاب أن الولي إذا أجر الصبي مدة يبلغ فيها بالسن لم يصح فيما زاد على البلوغ. وسئل عن
امرأة سفيهة
تحت الحجر أقامت بينة برشدها ثم حضر وليها فأقام بينة بسفهها أيهما تقدم؟ فقال: تقدم بينة السفه لأن معها زيادة علم،
وصورة المسألة أن تشهد بينة الرشد في الوقت الفلاني فتشهد تلك البينة بأنها كانت في ذلك الوقت تشرب الخمر مثلا، أما
إذا أطلقت فالوجه تقديم بينة الرشد.
باب الصلح:
وما يذكر معه من التزاحم على الحقوق والتنازع فيها: هو لغة: قطع النزاع، وشرعا: عقد يحصل به ذلك. وهو
أنواع: صلح بين المسلمين والكفار، وبين الامام والبغاة، وبين الزوجين عند الشقاق، وصلح في المعاملة، وهو مقصود
الباب، والأصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى: * (والصلح خير) *، وخبر: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما
أو حرم حلالا رواه ابن حبان وصححه. والكفار كالمسلمين في ذلك، وإنما خصهم بالذكر لانقيادهم إلى الأحكام غالبا.
والصلح الذي يحل الحرام: أن يصالح على خمر ونحوه أو من دراهم على أكثر منها، والذي يحرم الحلال: أن يصالح زوجته
على أن لا يطلقها ونحو ذلك، ولفظه يتعدى للمتروك ب‍ من وعن، وللمأخوذ ب‍ على والباء غالبا. (وهو قسمان: أحدهما يجري
بين المتداعيين، وهو نوعان: أحدهما صلح على إقرار، فإن جرى على عين غير المدعاة) كما إذا ادعى عليه دارا فأقر له بها
وصالحه عنها بمعين كثوب، (فهو بيع) للعين المدعاة من المدعي للمدعى عليه، (بلفظ الصلح) ويسمى صلح المعاوضة، (تثبت فيه أحكامه)
أي البيع، (كالشفعة والرد بالعيب ومنع تصرفه) في المصالح عليه (قبل قبضه واشتراط التقابض إن اتفقا) أي المصالح عنه والمصالح عليه،
(في علة الربا) وغير ذلك من أحكامه، كاشتراط التساوي إذا كان جنسا ربويا واشتراط القطع في بيع الزرع الأخضر وجريان التحالف
177

عند الاختلاف وفساده بالغرر والشرط الفاسد والجهل، لأن حد البيع يصدق على ذلك. أما إذا صالح على دين فإنه إن كان
ذهبا أو فضة فهو بيع أيضا، وإن كان عبدا أو ثوبا مثلا موصوفا بصفة السلم فهو سلم، وسكت الشيخان عن ذلك لظهوره.
ولو أبدل المصنف عين ب‍ غير لدخل ذلك، لكن لا ينعقد السلم بلفظ البيع كما تقدم في بابه. (أو) جرى الصلح من العين
المدعاة (على منفعة) لغير العين المدعاة كخدمة عبد مدة معلومة، (فإجارة تثبت أحكامها) أي الإجارة في ذلك لأن حد
الإجارة يصدق على ذلك. أما إذا صالح على منفعة العين المدعاة فإنها إعارة تثبت أحكامها، فإن عين مدة فإعارة مؤقتة
وإلا فمطلقة. (أو) جرى الصلح (على بعض العين المدعاة) كربعها، (فهبة لبعضها) الباقي (لصاحب اليد) عليها، فتثبت (أحكامها)
أي الهبة المقررة في بابها من اشتراط القبول وغيره لصدق حدها على ذلك، فتصح في البعض المتروك بلفظ الهبة والتمليك
ونحوهما. (ولا يصح بلفظ البيع) له لعدم الثمن، (والأصح صحته بلفظ الصلح) ك‍ صالحتك من الدار على ربعها لأن الخاصية
التي يفتقر إليها لفظ الصلح هي سبق الخصومة وقد حصلت. والثاني: لا يصح، لأن لفظ الصلح يتضمن المعاوضة ولا
عوض هناك للمتروك، ومحال أن يقابل الانسان ملكه بملكه. وحمله الأول على الهبة تنزيلا لهذا اللفظ في كل موضع
على ما يليق به كلفظ التمليك، ويسمى هذا صلح الحطيطة. (ولو قال من غير سبق خصومة صالحني عن دارك) مثلا
(بكذا) فأجابه، (فالأصح بطلانه) لأن لفظ الصلح يستدعي سبق الخصومة، سواء أكانت عند حاكم أم لا. والثاني: يصح،
لأنه معاوضة فلم يشترط فيه ذلك قياسا على البيع. ومحل الخلاف عند عدم النية، فأما إذا استعملاه ونويا البيع فإنه يكون
كتابة بلا شك كما قال الشيخان وإن رده في المطلب. (ولو صالح من دين) يجوز الاعتياض عنه (على) غيره (عين) أو دين،
قال الأسنوي: أو منفعة، (صح) لعموم الأدلة، سواء أعقد بلفظ البيع أو الصلح أو الإجارة، أما ما لا يصح الاعتياض
عنه كدين السلم فإنه لا يصح.
تنبيه: قوله: على عين وقع في نسخة المصنف تبعا للمحرر، ولو عبر ب‍ غير كما قدرته في كلامه لكان أولى، لأن
لفظه عين تنافي كما قال الفزاري تفصيله الآتي بقوله: فإن كان العوض عينا إلى قوله: أو دينا. وقال السبكي: إنه يوجد
في بعض نسخ المحرر: على عوض وهو الصواب لتقسيمه إياه بعد إلى عين ودين اه‍. وأجاب الشارح عن هذا كما سيأتي
التنبيه عليه. (فإن توافقا) أي الدين المصالح عنه والعوض المصالح عليه (في علة الربا) كالصلح عن فضة بذهب، (اشترط
قبض العوض في المجلس) حذرا من الربا، فإن تفرقا قبل قبضه بطل الصلح. ولا يشترط تعيينه في العقد على الأصح،
(وإلا) قال الشارح: أي وإن لم يتوافق المصالح منه الدين والمصالح عليه في علة الربا فجعله منقطعا عن الأول،
ومثله بقوله: كالصلح عن فضة بحنطة أو ثوب. (فإن كان العوض عينا لم يشترط قبضه في المجلس في الأصح) كما لو
باع ثوبا بدراهم في الذمة لا يشترط قبض للثوب في المجلس. والثاني: يشترط، لأن أحد العوضين دين فيشترط قبض الآخر
في المجلس كرأس مال السلم. (أو) كان العوض (دينا) كصالحتك عن دراهمي التي عليك بكذا، (اشترط تعيينه في
المجلس) ليخرج عن بيع الدين بالدين. (وفي قبضه) في المجلس (الوجهان) أصحهما لا يشترط، وإن كان ربويين
اشترط لما سبق الاستبدال عن الثمن. ولو أحال المصنف عليه لاستغنى عن هذا التفصيل. وإن كان العوض منفعة
قبضها بقبض محلها فيه. قال الأسنوي: ويتجه تخريج اشتراطه على الخلاف فيما إذا لو صالح على عين. (وإن صالح من
دين على بعضه) كربعه، (فهو إبراء عن باقيه) لأنه معناه فتثبت فيه أحكامه. وعلم من كلامه أن الصلح عن الدين
178

ينقسم إلى معاوضة وحطيطة كالعين، وأفهم أنه لا يشترط قبض الباقي في المجلس، لأنه لم يجعل هذا العقد معاوضة بل
إبراء. وهل يعود الدين إذا امتنع المبرأ من أداء الباقي أم لا؟ وجهان أصحهما عدم العود. (ويصح بلفظ الابراء والحط
ونحوهما) كالوضع والاسقاط، لما في الصحيحين عن كعب بن مالك: طلب من عبد الله بن أبي حدرد دينا له عليه،
فارتفعت أصواتهما في المجلس حتى سمعهما رسول الله (ص) فخرج إليهما ونادى: يا كعب فقال: لبيك يا رسول الله
فأشار بيده أن ضع الشطر، فقال: قد فعلت، فقال (ص): قم فاقضه. وإذا جرى ذلك بصيغة الابراء:
كأبرأتك من خمسمائة من ألف الذي لي عليك أو نحوهما مما تقدم، كوضعتها أو أسقطتها عنك لا يشترط القبول على
المذهب، سواء أقلنا الابراء إسقاط أم تمليك. (و) يصح (بلفظ الصلح في الأصح) كصالحتك عن الألف الذي لي
عليك على خمسمائة، والخلاف كالخلاف في الصلح من العين على بعضها بلفظ الصلح، فيؤخذ توجيهه مما تقدم. وهل
يشترط القبول في هذه الحالة؟ فيه خلاف مدركه مراعاة اللفظ أو المعنى، والأصح على ما دل عليه كلام الشيخين هنا
اشتراطه، ولا يصح هذا الصلح بلفظ البيع كنظيره في الصلح عن العين.
تنبيه: مقتضى كلام المصنف البطلان فيما لو كانت الخمسمائة المصالح بها معينة، وهو ما رجحه القاضي والامام،
وقطع به القفال، وصوبه في المهمات، وجرى عليه ابن المقري، لأن تعيينها يقتضي كونها عوضا فيصير بائعا الألف بخمسمائة.
ومقتضى كلام أصل الروضة الصحة، وجرى عليه البغوي والمتولي والخوارزمي، وهو المعتمد لأن الصلح من الألف
على بعضه إبراء للبعض واستيفاء للباقي، فلا فرق بين المعين وغيره. (ولو صالح من) دين (حال على مؤجل مثله)
جنسا وقدرا وصفة، (أو عكس) أي صالح مؤجل على حال مثله كذلك، (لغا) الصلح لأنه وعد في الأولى من الدائن
بإلحاق الاجل، وصفة الحلول لا يصح إلحاقها، وفي الثانية وعد من المديون بإسقاط الاجل، وهو لا يسقط. والصحة
والتكسير كالحلول والتأجيل. (فإن عجل) الدين (المؤجل صح الأداء) وسقط الاجل لصدور الايفاء والاستيفاء من
أهلهما. نعم إن ظن المؤدي صحة الصلح لم يسقط الاجل واسترد ما عجله، كمن ظن أن عليه دينا فأداه فبان
خلافه
فإنه يسترد كما قال السبكي قطعا. وهذه المسألة فرد من أفراد قاعدة متكررة، وهي إذا شرط عليه شئ من التصرفات
لا يلزمه الوفاء به كما لو شرط بيعا في بيع ففعل المشروط عليه جاهلا ببطلان العقد المشروط كأن أتى بالبيع الثاني،
فهل ينفذ لكونه تصرفا صحيحا في نفسه أو لا لكونه وفاء بالشرط الفاسد؟ فيه خلاف. وقد اضطرب الترجيح
في هذه القاعدة كما بينه في المهمات، ثم قال: وقد تظافرت نصوص الشافعي على البطلان، فلتكن الفتوى عليه ولا
عبرة بما عداه. (ولو صالح من عشرة حالة على خمسة مؤجلة برئ من خمسة وبقيت خمسة حالة) لأنه سامح بحط البعض
ووعد بتأجيل الباقي، والوعد لا يلزم، والحط صحيح. (ولو عكس) بأن صالح من عشرة مؤجلة على خمسة حالة، (لغا)
الصلح لأن صفة الحلول لا يصح إلحاقها، والخمسة الأخرى إنما تركها في مقابلة ذلك، فإن لم يحصل الحلو لا يصح
الترك، والصحة والتكثير كالحلول والتأجيل.
تنبيه: قد علم مما تقرر أن أقسام الصلح ستة: البيع، والإجارة، والعارية، والهبة، والسلم، والابراء. وبقي منها أشياء
أخرى منها الخلع ك‍ صالحتك من كذا على أن تطلقني طلقة. ومنها المعاوضة من دم العمد ك‍ صالحتك من كذا على ما تستحقه
على من قصاص. ومنها الجعالة ك‍ صالحتك من كذا على رد عبدي. ومنها الفداء كقوله للحربي: صالحتك من كذا على
إطلاق هذا الأسير. ومنها الفسخ كأن صالح من السلم فيه على رأس المال وكأنه تركها كغيره لاخذها مما ذكر.
(النوع الثاني: الصلح على الانكار) أو السكوت من المدعى عليه كما قاله في المطلب عن سليم الرازي وغيره، كأن ادعى
179

عليه شيئا فأنكره أو سكت ثم صالح عنه. (فيبطل إن جرى على نفس المدعى) كأن يدعي عليه دارا فيصالح عليها
بأن يجعلها للمدعي أو للمدعى عليه كما يصدق بذلك عبارة المصنف، وكلا الصورتين باطل. وفي الروضة وأصلها إن جرى على غير
المدعى كأن يصالحه عن الدار بثوب أو دين. قال الشارح: وكأن نسخة المصنف من المحرر عين فعبر عنها بالنفس
ولم يلاحظ موافقة ما في الشرح، فهما مسألتان حكمهما واحد اه‍. ويريد بذلك دفع اعتراض المصحح فإنه قال:
الصواب التعبير بالغير. وقال الدميري: عبارة المحرر غير وكأن الراء تصحفت على المصنف بالنون فعبر عنها بالنفس.
فإن قيل: التعبير بالنفس لا يستقيم لأن على والباء يدخلان على المأخوذ ومن وعن علي المتروك. أجيب بأن ذلك جرى
على الغالب كما مرت الإشارة إليه، وبأن المدعى المذكور مأخوذ ومتروك باعتبارين، غايته أن إلغاء الصلح في ذلك
للانكار ولفساد الصيغة باتحاد العوضين. وإنما امتنع الصلح على غير إقرار خلافا للأئمة الثلاثة قياسا على ما لو أنكر
الخلع والكتابة ثم تصالحا على شئ. ولان المدعي إن كان كاذبا فقد استحل من المدعى عليه ماله وهو حرام، وإن كان
صادقا فقد حرم عليه ماله الحلال، فدخل في قوله (ص): إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا. فإن قيل: الصلح لم
يحرم الحلال ولم يحلل الحرام بل هو على ما كان عليه من التحريم والتحليل. أجيب بأن الصلح هو المجوز له الاقدام
على ذلك في الظاهر، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فسيأتي. ولو أقيمت عليه بينة بعد الانكار جاز الصلح كما قاله الماوردي،
لأن لزوم الحق بالبينة كلزومه بالاقرار. ولو أقر ثم أنكر جاز الصلح، وإذا تصالحا ثم اختلفا في أنهما تصالحا على إقرار
أو إنكار، فالذي نص عليه الشافعي أن القول قول مدعي الانكار لأن الأصل أن لا عقد. فإن قيل: لو تنازع المتعاقدان
هل وقع العقد صحيحا أو فاسدا كان القول قول مدعي الصحة كما مر فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الظاهر
والغالب جريان البيع على الصحة، والغالب وقوع الصلح على الانكار، ولو ادعى عليه عينا فقال: رددتها عليك ثم
صالحه، وقال البغوي في فتاويه: إن كانت في يده أمانة، لم يصح الصلح، لأن القول قوله فيكون صلحا على إنكار، وإن
كانت مضمونة فقوله في الرد غير مقبول وقد أقر بالضمان فيصح الصلح، ويحتمل بطلانه فإنه لم يقر أن عليه شيئا اه‍.
والأول أظهر. وإن صالح على الانكار فإن كان المدعي محقا فيحل له فيما بينه وبين الله تعالى أن يأخذ ما يبذل له، قاله
الماوردي، وهو صحيح في صلح الحطيطة وفيه فرض كلامه. وما إذا صالح عن غير المدعى ففيه ما يأتي في مسألة الظفر،
قاله الأسنوي، قال: ولو أنكر فصولح ثم أقر كان الصلح باطلا قاله الماوردي. فإن قيل: إذا أقر بأنه كان ملكا للمصالح حال
الصلح، فينبغي الصحة لاتفاقهما على أن العقد جرى بشروطه في علمهما أو في نفس الامر. أجيب بأن شرط صحة
الصلح الاقرار وهو منتف حال العقد. ويصح إبراء المنكر ولو بعد التحليف، ولو تصالحا بعد التحليف لم يصح كما
لو تصالحا قبله. (وكذا) يبطل الصلح (إن جرى على بعضه في الأصح) أي المدعى كما لو كان على غير المدعى. والثاني:
يصح لاتفاقهما على أن البعض مستحق للمدعى ولكنهما مختلفان في جهة الاستحقاق واختلافهما في الجهة لا يمنع الاخذ.
ويستثنى من محل الوجهين ما إذا كان المدعى دينا وتصالحا عن ألف على خمسمائة في الذمة فإنه لا يصح جزما لأن الصحيح
إنما هو تقدير الهبة وإيراد الهبة على ما في الذمة ممتنع، بخلاف ما إذا صالحه على خمسمائة معينة فإنه لا يصح في الأصح.
ويستثنى من بطلان الصلح على الانكار مسائل: منها اصطلاح الورثة فيما وقف بينهم كما سيأتي، إذ لم يبذل أحد عوضا
من خالص ملكه. ومنها ما إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات قبل الاختيار، أو طلق إحدى زوجتيه ومات قبل
البيان أو التعيين ووقف الميراث بينهن فاصطلحن. ومنها ما لو تداعيا وديعة عند رجل فقال لا أعلم لأيكما هي، أو دارا
في يدهما فأقام كل بينة ثم اصطلحا. (وقوله) بعد إنكاره: (صالحني على الدار) مثلا (التي تدعيها، ليس إقرارا
في الأصح) لاحتمال أن يريد قطع الخصومة لا غير. والثاني: إقرار لتضمنه الاعتراف، كما لو قال: ملكي. ودفع بما مر. وعلى
الأول يكون الصلح بعد هذا الالتماس صلح إنكار. أما إذا قال ذلك ابتداء قبل إنكاره فإنه يبطل جزما، ولو قال: بعني
180

العين التي تدعيها أو هبنيها أو زوجني هذه الأمة أو أبرئني مما تدعيه، فإقرار لأنه صريح في التماس التملك. أو قال: أعرني أو
أجرني لم يكن إقرارا في أحد وجهين يظهر كما قال شيخنا ترجيحه، لأن الانسان قد يستعير ملكه ويستأجره من مستأجره.
ولكن يظهر كما قال شيخنا أيضا أنه إقرار بأنه مالك للمنفعة. ولو قال: صالحني عن دعواك فليس بإقرار جزما. (القسم
الثاني) من الصلح (يجري بين المدعي والأجنبي. فإن قال) الأجنبي (وكلني المدعى عليه في الصلح) عن المدعى به، (وهو
مقر لك) به في الظاهر أو فيما بيني وبينه ولم يظهره خوفا من أخذ المالك له كما صرح بالقسمين في المحرر، (صح) الصلح
بينهما لأن دعوى الانسان الوكالة في المعاملات مقبولة، ومحله كما قال الامام والغزالي إذا لم يدع المدعى عليه الانكار
بعد دعوى الوكالة، فإن ادعاه كان عزلا فلا يصح الصلح عنه. ثم إن كان المدعى عينا وصالح على بعض المدعى أو على
عين للمدعى عليه أو على دين في ذمة المدعى عليه صح وصار المصالح عنه ملكا للموكل له إن كان الأجنبي صادقا في الوكالة،
وإلا فهو شراء فضولي، وقد مر حكمه في كتاب البيع. ويرد على إطلاق اعتبار الاقرار ما لو قال الأجنبي: وكلني في
المصالحة لقطع الخصومة وأنا أعلم أنه لك فإنه يصح الصلح في الأصح عند الماوردي، وجزم به في التنبيه وأقره في التصحيح
وجريت عليه في شرحه. قال في الروضة: ولو قال: هو منكر ولكنه مبطل فصالحني له على عبدي هذا لتنقطع الخصومة
بينكما وكان المدعى دينا، فإن المذهب صحة الصلح، وإن كان المدعى عينا لم يصح على الأصح، والفرق أنه لا يمكن تمليك
الغير عين مال بغير إذن ويمكن قضاء دينه بغير إذنه. ولو صالح الوكيل عن الموكل على عين مال نفسه أو على دين في ذمته بإذنه صح
العقد ووقع للآذن ويرجع المأذون عليه بالمثل في المثلي والقيمة في المتقوم، لأن المدفوع قرض لا هبة. وخرج بقول المصنف:
وكلني إلخ ما لو تركه فهو شراء فضولي فلا يصح كما مر. وبقوله: وهو مقر لك ما لو اقتصر على قوله
وكلني في مصالحتك،
فلا يصح بناء على الأصح في أن قوله صالحني عما تدعيه ليس إقرارا. ولو كان المدعى دينا فقال الأجنبي: وكلني المدعى
عليه بمصالحتك على نصفه أو ثوبه فصالحه، صح كما لو كان المدعى عينا. أو: على ثوبي هذا لم يصح لأنه بيع شئ بدين غيره،
وهذا هو المعتمد كما جزم به ابن المقري تبعا للمصنف، خلافا للزركشي ومن تبعه في التسوية بين الدين والعين.
تنبيه: يرد على إطلاق المصنف اعتبار التوكيل ما لو قال الأجنبي صالحني عن الألف الذي لك على فلان على خمسمائة
فإنه يصح سواء أكان بإذنه أم لا، لأنه قضاء دين غيره بغير إذنه جائز، قاله في زيادة الروضة. (ولو صالح) الأجنبي عن
العين (لنفسه) بعين ماله أو بدين في ذمته، (والحالة هذه) أي أن الأجنبي قائل بأنه مقر لك بالمدعى أو نحو ذلك مما مر، (صح)
الصلح للأجنبي وإن لم تجر معه خصومة، لأن الصلح ترتب على دعوى وجواب خلافا للجويني في قوله: يأتي فيه الخلاف
فيما إذا قال من غير سبق خصومة صالحني. (وكأنه اشتراه) بلفظ الشراء. أما إذا صالح الأجنبي عن الدين ففيه الخلاف في
بيع الدين لغير من عليه، ولو قال: صالحني عن الألف الذي لك على فلان على خمسمائة صح ولو بلا إذن لجواز الاستقلال
بقضاء دين الغير كما مر.
تنبيه: أشار المصنف بقوله: وكأنه اشتراه إلى اشتراط كونه بيد المدعى عليه بوديعة أو عارية أو نحو ذلك مما يجوز
بيعه معه، فلو كان مبيعا قبل القبض لم يصح. وعبارة الروضة: كما لو اشتراه، قال ابن الملقن: وهي أولى من عبارة
الكتاب لأنه شراء حقيقة فلا معنى للتشبيه اه‍. والظاهر كما قال ابن شهبة أن التشبيه في كلتا العبارتين، فليست إحداهما
أولى من الأخرى. (وإن كان) المدعى عليه (منكرا وقال الأجنبي هو مبطل في إنكاره) لأنك صادق عندي فصالحني
لنفسي، فإن كان المدعى به عينا (فهو شراء مغصوب فيفرق بين قدرته على انتزاعه) فيصح، (وعدمها) فلا يصح.
181

ويكفي للصحة قوله أنا قادر على انتزاعه. وإن كان المدعى به دينا ففيه الخلاف السابق. أما إذا صالحه على المدعى عليه
لتنقطع الخصومة عنه كأن قال صالحني له بعبدي هذا صح الصلح عن الدين لا عن العين، لأنه لا يمكنه أن يملك غيره عينا
بغير إذنه بخلاف قضاء دينه كما مر. (وإن لم يقل هو مبطل) مع قوله هو منكر وصالح لنفسه أو للمدعى عليه، (لغا الصلح)
لأنه اشترى منه ما لم يثبت ملكه له.
تنبيه: شمل كلامه امتناع ثلاث صور: إحداها أن يقول هو محق. الثانية: لا أعلم حاله. الثالثة: لم يذكر شيئا. وهذه
الثالثة قال الأسنوي: لم يصرح بها في الروضة ولا في أصلها، وقال السبكي: إن الامر فيها كما يفهمه إطلاق الكتاب.
ولو وقف مكانا وأقر به لمدع له غرم قيمته لإحالته بينه وبينه بوقفه، فإن أنكر وصالح عنه أجنبي جاز الصلح لأنه بذل
مال في قربة. ولو صالح متلف العين مالكها نظر، فإن كان بأكثر من قيمتها من جنسها أو بمؤجل لم يصح الصلح لأن
الواجب قيمة المتلف حالة فلم يصح الصلح على أكثر منها ولا على مؤجل لما في ذلك من الربا، وإن كان بأقل من قيمتها
أو بأكثر بغير جنسها جاز لفقد المانع. ولو أقر بمحصل فصالح عنه وهما يعرفانه صح الصلح وإن لم يسمه أحد منهما،
كما لو قال: بعتك الشئ الذي أعرفه أنا وأنت. ولو وكل المنكر في الصلح عنه أجنبيا جاز كما قاله أبو العباس وجرى
عليه ابن المقري، لأن الانكار حرام للكذب والاضرار، فإن أراد إزالة الضرر جاز كمن أذنب ذنبين وأراد التوبة من
أحدهما، وكالوارث يجهل أمر التركة فله التوكيل في الصلح لإزالة الشبهة عنه، وقيل: لا يجوز، وجرى عليه أبو إسحق، لأنه
مع الانكار ألجأ إلى بيعه منه، ولا يحل لاحد أن يلجئ غيره إلى بيع ماله، وإنكار حق الغير حرام، فلو بذل للمنكر مالا
ليقر بالمدعى ففعل لم يصح الصلح لبنائه على فاسد ولا يلزم المال وبذله لذلك وأخذه حرام، ولا يكون مقرا بذلك في
أحد وجهين يظهر ترجيحه كما جزم به ابن كج وغيره.
فصل: في التزاحم على الحقوق المشتركة: (الطريق النافذ) بمعجمة، ويعبر عنه بالشارع، وقيل: بينه وبين الطريق اجتماع
وافتراق لأنه مختص بالبنيان ولا يكون إلا نافذا، والطريق يكون ببنيان وصحراء ونافذا وغير نافذ ويذكر ويؤنث. (لا يتصرف
فيه) بالبناء للمفعول، (بما يضر المارة) في مرورهم فيه، لأن الحق فيه للمسلمين كافة. وتعبير المصنف بما يضر أولى من قول المحرر:
بما يبطل المرور لأن كل ما أبطل المرور ضر بخلاف العكس، فعبارة المصنف أعم، نبه عليه في الدقائق. (و) على هذا (لا يشرع)
أي يخرج، (فيه جناح) أي روشن، (ولا ساباط) أي سقيفة على حائطين والطريق بينهما (يضرهم) أي كل من الجناح والساباط
لما تقدم، (بل يشترط ارتفاعه) أي كل منهما، (بحيث يمر تحته) الماشي (منتصفا) من غير احتياج إلى أن يطأطئ رأسه، لأن ما يمنع
ذلك إضرار حقيقي. ويشترط مع هذا أن يكون على رأسه الحمولة العالية كما قاله الماوردي، وأن لا يظلم الموضع كما اقتضاه
كلام الشافعي وأكثر الأصحاب، ولا عبرة بالاظلام الخفيف. ولو أحوج الاشراع إلى وضع الرمح على كتف الراكب بحيث
لا يتأتى نصبه لم يضر لأن وضعه على كتفه لا ضرر فيه. (وإن كان ممر الفرسان والقوافل فليرفعه بحيث يمر تحته المحمل) بفتح
الميم الأولى وكسر الثانية. (على البعير مع أخشاب المظلة) بكسر الميم - كما في الدقائق - فوق المحمل، لأن ذلك قد يتفق وإن كان نادرا.
والأصل في جواز ذلك أنه (ص) نصب بيده ميزابا في دار عمه العباس رواه الإمام أحمد والبيهقي، وقال:
إن الميزاب كان شارعا لمسجده (ص). ولو كان له داران في جانبي الشارع، فحفر تحت الطريق سردابا من إحداهما
إلى الأخرى وأحكم أزجه بحيث يؤمن الانهيار لم يمنع، لأنه لا فرق بين أن يرتفق بهذا الطريق أو بما تحته من غير ضرر على
182

المارين، بخلاف المفسد المملوك فليس له ذلك بغير إذن أهله كما يؤخذ مما سيأتي في وضع الجناح بغير إذن أهله، فإن
فعل ما منع منه أزيل لقوله (ص): لا ضرر ولا ضرار في الاسلام رواه ابن ماجة وغيره وهو حسن، والمزيل
له الحاكم لا كل أحد لما فيه من توقيع الفتنة، لكن لكل أحد مطالبته بإزالته لأنه من إزالة المنكر.
تنبيه: ما أفهمه من جواز إخراج الجناح غير المضر هو في المسلم أما الكافر فليس له الاشراع إلى شوارع المسلمين
على الصحيح وإن جاز استطراقه، لأنه كإعلاء البناء على المسلم في المنع. قال في المطلب: وسلوك أهل الذمة طرقات المسلمين
ليس على استحقاق ملك بل إما بطريق التبع للمسلمين أو بما يبذلونه من الجزية إذا قلنا إنها في مقابلة سكنى الدار،
ويجري الخلاف في آبار حشوشهم إذا أرادوا حفرها في أفنية دورهم. قال الأذرعي: ويشبه أن لا يمنعوا من إخراج الجناج
ولا من حفر آبار حشوشهم في محالهم وشوارعهم المختصة بهم دار الاسلام كما في رفع البناء، وهي بحث حسن. وقضية
إطلاق المصنف جواز إخراج الجناح إلى الطريق بشرط أنه يجوز إخراج جناح تحت جناح صاحبه، إذ لا ضرر، أو فوقه إن
لم يضر بالمار على جناح صاحبه، أو مقابله إن لم يبطل انتفاع صاحبه، وكذا موضعه أيضا إذا انهدم أو هدمه، وإن كان
على عزم إعادته ولو بحيث لا يمكن معه إعادته وهو كذلك، كما لو قعد لاستراحة ونحوها في طريق واسع ثم انتقل عنه يجوز
لغيره الارتفاق به ويصير أحق به. فإن قيل: قياس اعتبار الاعراض في القعود فيه للمعاملة بقاء حقه هنا إذا عاد إليه كما بحثه
الرافعي. أجيب بأن إشراع الجناح إنما يكون بطريق التبع لاستحقاق الطروق وعند سقوط استحقاق الطروق ثابت
لكل المسلمين، فذلك من كان أحق به لمشاركته في السبب والانتفاع بالمقاعد ليس تبعا لغيره، فلذلك من سبق
كان أحق به ما لم يعرض عنه، وبأن المعاملة لا تدوم بل الانتقال عنها ثم العود إليها ضروري فاعتبر الاعراض بخلاف
ما هنا فاعتبر الانهدام. نعم يستثنى من ذلك ما لو بنى دارا في موات وأخرج لها جناحا ثم بنى آخر دارا تحاذيه واستمر الشارع،
فإن حق الأول يستمر، وإن انهدم جناحه فليس لجاره أن يخرج جناحه إلا بإذنه لسبق حقه بالاحياء، ومن سبق إلى
أكثر الهواء كأن أخذ هواء الطريق لم يكن للآخر منعه. وحكم الشارع الموقوف حكم غيره فيما مر كما اقتضاه
كلام
الشيخين، وإن توقف فيه في المطلب. والطريق ما جعل عند إحياء البلد أو قبله طريقا أو وقفه المالك ولو بغير إحياء كذلك،
وشرح في الروضة نقلا عن الامام بأنه لا حاجة في ذلك إلى لفظ. قال في المهمات: ومحله فيما عدا ملكه، أما فيه فلا بد
من لفظ يصير به وقفا على قاعدة الأوقاف اه‍. وهذا ظاهر. وحيث وجدنا طريقا اعتمدنا فيه الظاهر، ولا يلتفت إلى مبدأ
جعله طريقا. فإن اختلفوا عند الاحياء في تقديره، قال المصنف: جعل سبعة أذرع لخبر الصحيحين عن أبي هريرة رضي
الله تعالى عنه: قضى رسول الله (ص) عند الاختلاف في الطريق أن يجعل عرضه سبعة أذرع. وقال الزركشي:
مذهب الشافعي اعتبار قدر الحاجة والحديث محمول عليه اه‍. وهذا ظاهر، فإن كان أكثر من سبعة أو من قدر الحاجة على
ما مر لم يجز لاحد أن يستولي على شئ منه وإن قل، ويجوز إحياء ما حوله من الموات بحيث لا يضر بالمار. أما إذا
كانت الطريق مملوكة يسبلها مالكها فتقديرها إلى خيرته، والأفضل له توسيعا. (ويحرم الصلح على إشراع الجناح)
أو الساباط بعوض وإن صالح عليه الامام، لأن الهواء لا يفرد بالعقد. وإنما يتبع القرار كالحمل عن الام ولأنه إن ضر لم يجز
فعله وإن لم يضر فالمخرج مستحقه وما يستحقه الانسان في الطريق لا يجوز أخذ العوض عنه كالمرور. (و) يحرم (أن
يبنى في الطريق دكة) بفتح الدال: أي مصطبة أو غيرها. (أو يغرس شجرة) ولو اتسع الطريق وأذن الامام وانتفى
الضرر، لمنع الطروق في ذلك المحل ولتعثر المار بهما عند الازدحام، ولأنه إن طالت المدة أشبه موضعهما الاملاك وانقطع
أثر استحقاق الطروق فيه بخلاف الأجنحة ونحوها. واستشكل التعليل الأول بجواز غرس الشجرة بالمسجد مع الكراهة،
والثاني بجواز فتح الباب إلى درب منسد إذا سمره. وأجيب عن الأول بأن محل جواز غرس الشجرة بالمسجد إذا
كان لعموم المسلمين، بدليل أنهم لا يمنعون من الاكل من ثمارها، وقضيته جواز مثل ذلك في الشارع حيث لا ضرر وهو
كذلك. وعن الثاني بأن الحق في الدرب المنسد لخاص وهو قائم على ملكه وحافظ له بخلاف الشارع، فانقطاع الحق عند
183

طول المدة أقرب. (وقيل: إن لم يضر) ذلك المار، (جاز) كإشراع الجناح. وفرق الأول بما مر. وقضية كلامهم
منع إحداث دكة وإن كانت بفناء داره، وهو الظاهر كما جزم به ابن الرفعة، وإن قال السبكي بجوازه عند انتفاء الضرر.
ولا يضر عجن الطين في الطريق إذا بقي مقدار المرور للناس كما قاله العبادي. ومثله إلقاء الحجارة فيه للعمارة إذا تركت
بقدر مدة نقلها أو ربط الدواب فيه بقدر حاجة النزول والركوب. وأما ما يفعل الآن من ربط دواب العلافين في الشوارع
للكراء فهذا لا يجوز، ويجب على ولي الأمر منعهم، وقد أفتيت بذلك مرارا لما في ذلك من الضرر. ولو رفع التراب من
الشارع وضرب منه اللبن وغيره وباعه صح مع الكراهة كما في فتاوى القاضي. (و) الطريق (غير النافذ يحرم الاشراع)
للجناح (إليه لغير أهله) بلا خلاف، وإن لم يضر بغير رضاهم لأنه ملكهم فأشبه الاشراع إلى الدور. (وكذا) يحرم الاشراع
(لبعض أهله في الأصح) كسائر الاملاك المشتركة تضرروا بذلك أم لا، (إلا برضا الباقين) فيجوز ضر أم لا. والثاني:
يجوز بغير رضاهم إن لم يضر، لأن كل واحد منهم يجوز له الانتفاع بقراره فيجوز بهوائه كالشارع. وعلى الوجهين يحرم
الصلح على إشراعه بمال لما مر. ويعتبر إذن المكتري كما أفتى به البغوي، ويقاس به الموصى له بالمنفعة. ولو رضي بعضهم
ببعض بذلك امتنع عليهم الركوع كما صرح به الماوردي، لأنه لا سبيل إلى قلعه مجانا لوضعه بحق، ولا إلى قلعه مع غرم الأرش
لأنه شريك وهو لا يكلف ذلك، ولا إلى إبقائه بأجرة، لأن الهواء لا أجرة له كما مر. وقضية ذلك أن الاخراج لو كان
فيما لا حق للمخرج فيه بأن كان باب داره وصدر السكة كان لمن رضي الرجوع ليقلع ويغرم أرش النقص، وهو ظاهر.
تنبيه: لو قال المصنف إلا برضا المستحقين لكان أولى لوجهين: أحدهما ليعود الاستثناء إلى المسألة الأولى
أيضا، وهي ما إذا كان المشرع من غير أهله فإنه لا يصح التعبير فيها بالباقين. الثاني: لئلا يتوهم اعتبار إذن من بابه أقرب
إلى رأس السكة لمن بابه أبعد، وهو وجه، والأصح خلافه بناء على استحقاق كل إلى بابه لا إلى آخر الدرب كما يعلم
من قوله الآتي. (وأهله) أي الدرب غير النافذ، (من نفذ باب داره إليه، لا من لاصقه جداره) من غير نفوذ بابه فيه، لأن
أولئك هم المستحقون للانتفاع فهم الملاك دون غيرهم.
تنبيه: لو قال: من له المرور فيه إلى ملكه لكان أولى ليشمل ما لو كان له فيه فرن أو حانوت أو نحو ذلك. (وهل
الاستحقاق في كلها) أي الطريق المذكورة، وهي تذكر وتؤنث، (لكلهم) لأنهم ربما احتاجوا إلى التردد والارتفاق
بكله لطرح القمامات عند الادخال والاخراج. (أم تختص شركة كل واحد بما بين رأس الدرب) وهو عربي، وقيل
معرب. (وباب داره؟ وجهان: أصحهما الثاني) لأن ذلك القدر هو محل تردده، ومروره وما عداه هو فيه كالأجنبي
من السكة، ولأهل الدرب المذكور قسمة صحته كسائر المشتركات القابلة للقسمة، ولو أراد الأسفلون لا الأعلون سد
ما بينهم أو قسمته جاز، بخلاف الأعلين، ولو اتفقوا على سد رأس السكة لم يمنعوا منه ولم يفتحه بعضهم بغير
رضا
الباقين. نعم إن سده بآلة نفسه خاصة فله فتحه بغير رضاهم، ولو امتنع بعضهم من سده لم يكن للباقين ذلك. ولو
وقف بعضهم داره مسجدا أو وجد ثم مسجد شاركهم المسلمون في المرور إليه فيمنعون من السد والقسمة. ولا يجوز
الاشراع عند الضرر وإن رضي أهل السكة لحق سائر المسلمين، ويجوز الاشراع الذي لا يضر وإن لم يرض أهله، ومحله
إذا لم يكن المسجد حادثا وإلا فإن رضي به أهل الدرب فكذلك وإلا فلهم المنع من الاشراع، إذ ليس لأحد الشركاء
إبطال حق البقية من ذلك. وكالمسجد فيما ذكر ما سبل ووقف على جهة عامة، كبئر ومدرسة ورباط، نبه على
ذلك الزركشي.
تنبيه: كان ينبغي له أن يقول: في كله كما في غيره مما قدمه، لأنه عائد إلى غير النافذ وهو مذكر، واستغنى عما
184

قدرته في كلامه تبعا للشارح، وقد أتى في المحرر بجميع الضمائر مؤنثة لكونه عبر أولا بالسكة، ولما عبر المصنف بغير النافذ
عدل عن تأنيث الضمائر إلى تذكيرها إلا هذه اللفظة. وقوله: لكلهم كان الأولى أن يقول لكل منهم، فإنه لا نزاع في
استحقاق كلها لكلهم، أي لمجموعهم، فإن الكل يطلق على الكل المجموعي والكل التفصيلي. فإن قيل: إذا كان الاستحقاق
لهم خاصة فلم جاز لغيرهم دخوله بغير إذنهم؟ أجيب بأن هذا من الحلال المستفاد بقرينة الحال. قال الزركشي: وقضيته
أنه لا يجوز الدخول إذا كان فيهم محجور عليه لامتناع الإباحة منه ومن وليه، وقد توقف الشيخ عز الدين في مسائل قريبة
من ذلك: كالشرب من أنهارهم، والظاهر كما قال بعض المتأخرين الجواز وإن كان الورع خلافه، ومن ذلك ما قاله
الأصحاب من أنه يجوز المرور بملك غيره إذا لم يصر طريقا للناس. قال العبادي في طبقاته: وعليه يحمل إطلاق الأكثرين
الجواز، ومحله فيما جرت العادة بالمسامحة بالمرور فيه، وقد قيل: إن السلطان محمود لما قدم مرو استقبله أهل البلد وفيهم
القفال الكبير والقاضي أبو عاصم العامري، أحدهما عن يمين السلطان والآخر عن يساره، وازدحموا، فتعدى فرس القفال
عن الطريق إلى أرض مملوكة لانسان، فقال السلطان للعامري: هل يجوز أن يتطرق في ملك الغير بغير إذنه؟ فقال له: سل
الشيخ فإنه إمام لا يقع فيما لا يحل في الشرع فسمع القفال ذلك، فقال: يجوز السعي في أرض الغير إذا لم يخش أن يتخذ بذلك
طريقا ولا عاد ضرره على المالك بوجه آخر كالنظر في مرآة الغير والاستظلال بجداره. (وليس لغيرهم فتح باب إليه للاستطراق)
إلا بإذنهم لتضررهم، فإن أذنوا جاز لهم الرجوع ولو بعد الفتح كالعارية. قال الامام: ولا يغرمون شيئا، بخلاف ما لو
أعار أرضا للبناء ونحوه ثم رجع فإنه لا يقلع مجانا. قال الرافعي: ولم أره لغيره، والقياس عدم الفرق. وفرق في المطلب
بينهما بما فيه نظر. والأولى ما فرق به شيخنا من أن الرجوع هناك يترتب عليه القلع وهو خسارة فلم يجز الرجوع مجانا،
بخلافه هنا لا يترتب على خسارة لعدم اقتضائه لزوم سد الباب، وخسارة فتحه إنما ترتبت على الاذن لا على الرجوع مع
أن فتحه لا يتوقف على الاذن، وإنما المتوقف عليه الاستطراق. (وله فتحه إذا سمره) بالتخفيف ويجوز التشديد (في الأصح)
لأن له رفع جداره فبعضه أولى. والثاني: لا، لأن فتحه يشعر بثبوت حق الاستطراق فيستدل به عليه. وما صححه تبعا
للمحرر هو ما صححه في تصحيح التنبيه، وهو المعتمد، وإن قال في زيادة الروضة: إن الأفقه المنع، فقد قال في المهمات:
والفتوى على الجواز، فقد نقله ابن حزم عن الشافعي.
تنبيه: لو حذف لفظ سمره لكان أخصر وأشمل، فإن الخلاف جار فيما إذا فتحه للاستضاءة، وكذا لو قال: لا أدخل منه
ولا أخرج كما قاله في البيان. نعم لو ركب على المفتوح للاستضاءة شباكا أو نحوه جاز جزما كما نقله الأسنوي وغيره عن جمع.
(ومن له فيه باب) أو ميزاب (ففتح آخر أبعد من رأس الدرب) من بابه الأصلي، (فلشركائه) أي لكل منهم (منعه) إذا كان
بابه أبعد من الباب الأول، سواء أسد الأول أم لا، لأن الحق لغيره، بخلاف من بابه بين المفتوح ورأس الدرب أو مقابل المفتوح
كما في الروضة عن الامام، أي المفتوح القديم كما فهمه السبكي وغيره. وفهم البلقيني أنه الجديد، واعترض عليه بأن المقابل للمفتوح
مشارك في القدر المفتوح فيه فله المنع. (فإن كان أقرب إلى رأسه ولم يسد الباب القديم فكذلك) أي لشركائه منعه لأن انضمام الثاني
إلى الأول يورث زحمة ووقوف الدواب في الدرب فيتضررون به، وقيل: يجوز، واختاره الأذرعي وضعف التوجيه بالزحمة
بتصريحهم بأن له جعل داره حماما وحانوتا مع أن الزحمة ووقوف الدواب في السكة وطرح الأثقال بكثرة أضعاف ما عساه يقع
نادرا في فتح باب آخر للدار اه‍. وربما يجاب بأن موضع فتح الباب لم يكن له فيه استحقاق، بخلاف جعل داره ما ذكر. (وإن
سده فلا منع) لأنه ترك بعض حقه. ويجوز لمن داره في آخر الدرب تقديم بابه فيما يختص به وجعل ما بين الدار وآخر
185

الدرب دهليز. قال الأسنوي: ولو كان له دار بوسط السكة وأخرى بآخرها فالمتجه أنه يجوز لمن داره بينهما منعه من
تقديم باب المتوسطة إلى آخر السكة، لأنه وإن كان شريكا في الجميع لكان شركته سببها إنما هو إليها خاصة، وقد يبيع لغيره
فيستفيد زيادة الاستطراق. ولو كان له في السكة قطعة أرض فبناها دورا وفتح لكل واحدة بابا جاز، قاله البغوي في
فتاويه) (ومن له داران تفتحان) بفتح الفوقانية أوله، (إلى دربين) مملوكين (مسدودين، أو) درب مملوك (مسدود، وشارع
ففتح بابا بينهما لم يمنع في الأصح) لأنه يستحق المرور في الدرب، ورفع الحائل بين الدارين تصرف في ملكه فلم يمنع حقه.
وتبع المصنف ك الرافعي في تصحيح هذا البغوي، وهو المعتمد. والثاني، وهو ما نقله في الروضة عن العراقيين عن الجمهور،
وجرى عليه ابن المقري: المنع، لأنه في صورة الأولى يثبت لكل من الدارين استطراقا في الدرب الآخر لم يكن له، وفي الثانية
يثبت للملاصقة للشارع حقا في المسدود لم يكن لها.
تنبيه: قضية إطلاق المصنف أنه لا فرق في جريان الخلاف بين أن يبقي البابين على حالهما أو يسد أحدهما، وهو كذلك
وإن خصه الرافعي بما إذا سد باب أحدهما وفتح الباب لغرض الاستطراق. وقوله: مسدودين أو مسدود وشارع كان
الأولى أن يقول: مملوكين أو مملوك وشارع كما قدرته في كلامه، لأنه لا يلزم من السد الملك، بدليل ما لو كان في أقصاه مسجد
أو نحوه كما مر. وقوله: تفتحان هو بالمثناة فوق في أوله، لأن الدار مؤنثة، وكذا كل فعل كان فاعله ضميرا لغائبتين، قاله
المصنف في الدقائق. قال أبو حيان: وبه ورد السماع، قال تعالى: * (فيهما عينان تجريان) *، وقال: * (أن تزولا) *، وقال: * (امرأتين تذودان) *.
وجوز ابن فارس فيه الياء من تحت. (وحيث منع فتح الباب فصالحه أهل الدرب بمال صح) لأنه انتفاع بالأرض بخلاف
إشراع الجناح، لأن هناك بذل مال في مقابلة الهواء المجرد. هذا إذا صالحوه على الاستطراق، أما إذا صالحوه على مجرد
الفتح بمال فلا يصح قطعا. ثم إن قدروا للاستطراق مدة فهو إجارة، وإن أطلقوا أو شرطوا التأبيد فهو بيع جزء شائع
من الدرب له، وينزل منزلة أحدهم، كما لو صالح رجلا على مال ليجري في أرضه ماء النهر كان ذلك تمليكا لمكان النهر،
بخلاف ما لو صالحه بمال على فتح باب من داره، أو أن يجري الماء على سطحه، فإنه وإن صح لا يملك شيئا من الدار
والسطح، لأن السكة لا تراد إلا للاستطراق فإثباته فيها يكون نقلا للملك، وأما الدار والسطح فلا يقصد بهما الاستطراق
وإجراء الماء. وقيد الأذرعي الجواز في تقدير المدة وعدمه بما إذا لم يكن بالدرب مسجد ونحوه كدار موقوفة على معين
أو غيره، وإلا فلا يجوز إذ البيع لا يتصور في الموقوف وحقوقه. قال: وأما الإجارة والحالة هذه فيتجه فيها تفصيل لا يخفى
على الفقيه استخراجه. ولو أذن صاحب الدرب لانسان في حفر سرداب تحت داره ثم باعها فللمشتري أن يرجع كما كان
للبائع، قاله العبادي. (ويجوز) للمالك (فتح الكوات) في جداره في الدرب النافذ وغيره، سواء أكان من أهل الدرب أم
من غيرهم، سواء أكان للاستضاءة أم لا، أذنوا أم لا، لأنه تصرف في ماله، لأن له إزالة جواره وجعل شباك مكانه. والكوات
جمع كوة بفتح الكاف: الطاقة، وفي لغة غريبة بضمها، والواو مشددة فيهما وجمعها المصنف جمع تصحيح، وفي كافة
اللغتان، ويجمع جمع تكسير فتجمع المفتوحة على كواء بالكسر مع المد والقصر، والمضمومة على كوى
بالضم والقصر.
تنبيه: غالب ما تفتح الكوات للاستضاءة. وله نصب شباك عليها بحيث لا يخرج منه شئ، فإن خرج هو أو
غطاؤه كان كالجناح، قال السبكي: فليتنبه لهذا، فإن العادة أن يعمل في الطاقات أبواب تخرج فيمنع من هواء
الدرب. هذا في حق من ليس له فتح للاستطراق، فإن كان له ذلك فلا منع من أبواب الطاقات. وقضية إطلاق
المصنف أنه لا فرق بين الجواز بين كون الكوة عالية أو لا، وهو كذلك وإن قيده الجرجاني بما إذا كانت عالية لا يقع
النظر منها إلى دار جاره، فقد صرح الشيخ أبو حامد بجواز فتح كوة في ملكه مشرفة على جاره وعلى حريمه، وليس
186

للجار منعه، لأنه إذا أراد رفع جميع الحائط لم يمنع منه، فإذا رفع بعضه لم يمنع. (والجدار بين مالكين) لبناءين (قد
يختص) أي ينفرد (به أحدهما) ويكون ساترا للآخر، (وقد يشتركان فيه، فالمختص) به أحدهما (ليس للآخر وضع
الجذوع) بالمعجمة، أي خشبه (عليه بغير إذن في الجديد، ولا يجبر المالك) له إن امتنع من وضعها، لخبر: لا يحل لامرئ
من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس رواه الحاكم بإسناد على شرط الشيخين في معظمه، وكل منهما منفرد في بعضه.
ولخبر: لا ضرر ولا ضرار في الاسلام قال المصنف: حديث حسن، رواه ابن ماجة والدارقطني. وقياسا على سائر أمواله،
ونقله البغوي في شرح السنة عن أكثر أهل العلم. والقديم: يجوز ذلك ويجبر المالك، لحديث الشيخين عن أبي هريرة رضي
الله تعالى عنه: لا يمنعن جار جاره أن يضع خشبة في جداره ثم يقول أبو هريرة: مالي أراكم عنها - أي عن السنة - معرضين؟
والله لأرمين بها بين أكتافكم - بالتاء المثناة من فوق: أي بينكم، وروي بالنون، ومعناه أيضا بينكم، فإن الكتف هو
الجانب - قال البيهقي: ولم نجد في السنة ما يعارض هذا الحديث، ولا تصح معارضته بالعمومات. وأجاب عنه الأصحاب
بأنه محمول على الندب لقوة العمومات المعارضة، وبأن الضمير في جداره لصاحب الخشب: أي لا يمنع جاره أن يضع
خشبه على جدار نفسه وإن تضرر به من جهة منع الضوء ونحوه. قال الأسنوي: ويتأيد بأنه القياس الفقهي والقاعدة
النحوية، فإنه أقرب من الأول فوجب عود الضمير إليه.
تنبيه: قد يقتضي التعبير بالجديد أن مقابله قديم محض، وليس مرادا بل هو منصوص عليه في الجديد أيضا،
حكاه البويطي عن الشافعي، وهو من رواة الجديد. وظاهره أن القول القديم مطلق وليس مرادا، بل له شروط:
أن لا يحتاج المالك إلى وضع جذوعه عليه، وأن لا يزيد الجار في ارتفاع الجدار، وأن لا يبني عليه أزجا، وأن لا يضع
عليه ما لا يحمله الجدار ولا يضر به، وأن لا يملك الجار شيئا من جدار البقعة التي يريد تسقيفها، وأن لا يملك إلا جدارا
واحدا. وقد يفهم من التعبير بالوضع اختصاص الخلاف بذلك، وأنه لا يجوز إدخال الجذوع في الحائط قطعا، وليس
مرادا، بل الخلاف جار فيه أيضا. وفرض المصنف الخلاف في الجدار بين المالكين يخرج الساباط إذا أراد أن يبنيه
على شارع أو درب غير نافذ، وأن يضع طرف الجذوع على حائط جاره المقابل، فلا يجوز ذلك إلا بالرضا قطعا، قاله
المتولي وغيره، لأن هذا الجدار ليس بين مالكين. فإن قيل: قوله: ولا يجبر المالك قد يفهم أنه مجزوم به وأن القولين
إنما هما في الجواز ابتداء وليس مرادا فلو حذفه لكان أولى. أجيب بأنه فرعه على الجديد. (فلو رضي) المالك
بالوضع (بلا عوض) وقلنا بعدم الاجبار، (فهو إعارة) لصدق حدها عليه فيستفيد بها المستعير الوضع مرة واحدة،
حتى لو رفع جذوعه أو سقطت بنفسها أو سقط الجدار فبناه صاحبه بتلك الآلة لم يكن له الوضع ثانيا في الأصح، لأن
الاذن إنما يتناول مرة فقط. (وله) أي للمالك (الرجوع قبل البناء عليه) قطعا (وكذا بعده في الأصح) كسائر
العواري. والثاني: لا رجوع لبعد البناء، لأن مثل هذه العواري يراد بها التأبيد كالإعارة لدفن الميت. (وفائدة
الرجوع تخييره بين أن يبقيه) أي الموضوع المبني عليه، (بأجرة أو يقلع) ذلك (ويغرم أرش نقصه) وهو ما بين
قيمته قائما ومقلوعا كما في إعارة الأرض للبناء أو الغراس، وليس له التملك لذلك بقيمته وإن قال الزركشي: إن قضية
كلام أكثر العراقيين أن له ذلك. بخلاف من أعار أرضا للبناء أو الغراس، فإن له بعد رجوعه أن يتملكه بقيمته، لأن
الأرض أصل فجاز أن تستتبع والجدار تابع فلا يستتبع. (وقيل: فائدته طلب الأجرة) في المستقبل (فقط) لأن القلع
يضر المستعير، لأن الجذوع إذا ارتفعت أطرافها عن جدار لا تستمسك على الجدار الآخر والضرر لا يزال بالضرر.
187

(ولو رضي بوضع الجذوع والبناء عليها بعوض) على قول منع الاجبار، (فإن أجر رأس الجدار للبناء) عليها (فهو إجارة)
كسائر الأعيان التي تستأجر للمنافع، لكن لا يشترط فيها بيان المدة في الأصح لأنه عقد يرد على المنفعة وتدعو الحاجة إلى
دوامه، فلم يشترط فيه التأقيت كالنكاح. والثاني: يشترط، وكلاما لمصنف يقتضيه. قال الزركشي: نعم لو كانت الدار
وقفا عليه وأجره فلا بد من بيان المدة قطعا، كذا ذكره القاضي حسين. (وإن قال بعته للبناء عليه، أو بعت حق البناء
عليه، فالأصح أن هذا العقد) الواقع بلفظ البيع أو بلفظ الصلح كما في الكفاية، (فيه شوب بيع) لكونه مؤبدا.
(و) شوب
(إجارة) لأن المستحق به منفعة فقط إذ لا يملك المشتري فيه عينا، فلو كان إجارة محضة لاشترطنا تأقيتها أو بيعا محضا
لكان رأس الجدار لصاحب الجذوع. والثاني: أن هذا العقد بيع يملك به مواضع رؤوس الجذوع. والثالث: أنه إجارة
مؤبدة للحاجة. واحترز بقوله: للبناء عليه عما إذا باعه وشرط أن لا يبني عليه، فإنه جائز قطعا، وينتفع به بما عد البناء من
مكث عليه وغيره، وكذا لو باعه ولم يتعرض للبناء بالكلية كما ذكره الماوردي، وحكم البناء على الأرض أو السقف
أو الجدار بلا جذوع كذلك.
تنبيه: قوله: شوب، قال في الدقائق: إنه الصواب، وإن قول بعضهم شائبة محض تصحيف. قال السبكي: لا يظهر
لي وجه التصحيف في ذلك، لأن الشوب الخلط، ويطلق على المخلوط به، وهو المراد هنا، والشائبة يشاب بها، فكل
منهما صواب. وقال الأسنوي: التعبير بالتصحيف هنا لا مدخل له، بل صوابه التحريف. (فإذا بنى) بعد قوله: بعته للبناء
أو بعت حق البناء وقلنا بالأول، (فليس لمالك الجدار نقضه) أي نقض بناء المشتري، (بحال) أي لا مجانا ولا مع إعطاء
أرش نقصه، لأنه يستحق الدوام بعقد لازم. نعم إن اشترى مالك الجدار حق البناء من المشتري جاز كما صرح به المحاملي
وأبو الطيب، وحينئذ يتمكن من الخصلتين اللتين جوزناهما لو أعار لزوال استحقاق صاحب الجذوع.
تنبيه: سكت الشيخان عن تمكين البائع من هدم حائط نفسه ومن منع المشتري أن يبني إذا لم يكن بنى، ولا شك
كما قاله الأسنوي أنه لا يتمكن منهما. ولو وجدنا الجذوع موضوعة عن الجدار ولم نعلم كيف وضعت،
فالظاهر أنها وضعت بحق فلا تنقض ويقضى باستحقاقهما دائما، فلو سقط الجدار وأعيد فله إعادتها بلا خلاف، لأنا حكمنا بأنها وضعت بحق
وشككنا في المجوز للرجوع، ولمالك الجدار نقضه إن كان مستهدما وإلا فلا كما في زيادة الروضة. (ولو انهدم الجدار)
بعد بناء المشتري أو قبله، (فأعاده مالكه) باختياره، ولا يلزمه ذلك في الجديد، (فللمشتري) أولى منه: فللمستحق. (إعادة
البناء) في الأولى وابتداؤه في الثانية بتلك الآلات وبمثلها، لأنه حق ثبت له. ولو لم يبنه المالك فأراد صاحب الجذوع
إعادته من ماله ليبني عليه، قال الأسنوي: كان له ذلك كما صرح به جماعة، وقال السبكي: إنه قضية كلام الأصحاب.
وفهم مما قدرته في كلام المصنف أن العقد لا ينفسخ بعارض هدم أو انهدام، وهو كذلك كما ذكره في أصل الروضة
لالتحاقه بالبيوع، وإن كان قضية تعليل الرافعي وقول المصنف فللمشتري اختصاص ذلك بما إذا وقع العقد بلفظ البيع
ونحوه. فأما إذا أجره إجارة مؤقتة فيجري في انفساخها الخلاف في انهدام الدار المستأجرة. وخرج بانهدام ما لو هدمه
شخص من مالك أو غيره فإن المشتري يطالب بقيمة حق وضع بناءه على الجدار للحيلولة بينه وبين حقه، سواء أبنى أم لا،
مع غرم أرش البناء إن كان قد بنى وإلا فلا أرش، فإن أعيد الجدار استعيدت القيمة لزوال الحيلولة، وله البناءان لم
يكن بنى وإعادته إن كان قد بنى.
تنبيه: لا يغرم الهادم أجرة البناء لمدة الحيلولة، قال الامام: لأن الحق على التأبيد وما لا يتقدر لا ينحط عما
لا يتناهى. قال الأسنوي: وفي كلامه إشارة إلى الوجوب فيما إذا وقعت الإجارة على مدة، والمتجه عدم الوجوب، لأن
188

وجوب الأجرة للحيلولة إنما محله عند قيام العين، ولم يصرحوا بوجوب إعادة الجدار على مالكه، وينبغي أن يقال
إن هدمه مالكه ابتداء عدوانا فعليه إعادته، وإن هدمه أجنبي أو مالكه وقد استهدم لم تجب لكن يثبت للمشتري الفسخ
إن كان ذلك قبل التخلي اه‍. والمعتمد أنه لا يجب على المالك إعادته مطلقا كما هو ظاهر كلام الأصحاب. ويغرم الأجنبي
للمالك أرش الجدار مسلوبا منفعة رأسه، وإذا أعاده المالك استرد من المشتري ما أخذه في نظيرها. (وسواء كان الاذن)
في وضع البناء على غير أرض، (بعوض أو بغيره، يشترط بيان قدر الموضع المبني عليه طولا وعرضا) وبيان محله (وسمك
الجدران) بفتح السين، (وكيفيتها) أي الجدران أهي مجوفة أو منضدة، وهي ما التصق بعضها إلى بعض من حجر أو
غيره، (وكيفية السقف المحمول عليها) أهو من أزج، وهو العقد المسمى بالقبو، أو خشب أو غير ذلك، لأن الغرض
يختلف بذلك. ولا يشترط التعرض لوزن الآلة في الأصح، وتغني مشاهدة الآلة عن كل وصف.
فائدة: ارتفاع الجدار من الأرض سمك بفتح السين، والمنزول منه إليها عمق بضم العين المهملة، لا طول وعرض
له بل طوله امتداده من زاوية البيت مثلا إلى زاويته الأخرى، وعرضه هو البعد النافذ من أحد وجهيه إلى الآخر. وقد
تقدم أن الأولى للمصنف أن يزيد همزة قبل كان ويأتي ب‍ أم عوضا عن أو، وقد وقع للمصنف مثل هذا في مواضع كثيرة.
(ولو أذن في البناء على أرضه كفى بيان قدر محل البناء) لأن الأرض تحمل كل شئ فلا يختلف الغرض إلا بقدر
مكان البناء. وينبغي كما قال الأذرعي بيان قدر حفر الأساس طولا وعرضا وعمقا لاختلاف الغرض به، فإن المالك
قد يحفر سردابا أو غيره تحت البناء لينتفع بأرض، ويمنع من ذلك مزاحمة تعميق الأساس. (وأما الجدار المشترك)
بين اثنين مثلا، (فليس لأحدهما وضع جذوعه عليه بغير إذن) من الآخر (في الجديد) والقديم له ذلك
كالقديم في الجار، وقد سبق توجيههما، وهيهنا أولى. (وليس له) أي أحدهما (أن يتد فيه وتدا) بكسر
التاء فيهما وفتحه في الثاني. (أو يفتح) فيه (كوة) أو يترب كتابه منه، أو نحو ذلك مما يضايق فيه عادة.
(إلا بإذنه) أو علمه برضاه كغيره من المشتركات. وأفهم جواز الفتح وغيره بالاذن، لكن يشترط في الفتح أن
لا يكون بعوض وإلا كان صلحا على الضوء والهواء المجرد. قال ابن الرفعة: وإذا فتح بالاذن فليس له السد إلا
بالاذن أيضا، لأنه تصرف في ملك الغير. (وله أن يستند إليه)، (و) أن (يسند) إليه (متاعا) بقيد، زاده بقوله:
(لا يضر، وله) ولغيره (ذلك في جدار الأجنبي) لأنه لا ضرر على المالك فلا يتضايق فيه، بل له ذلك ولو منعه المالك
لأن منعه عناد محض، بل ادعى الامام في المحصول الاجماع فيه. فإن قيل: قضية كلامهم في باب العارية أنه لا يجوز
الاستناد إلى جدار الغير بغير إذنه. أجيب بأن ذلك محمول على استناد يضر. وللشريكين قسمة الجدار عرضا في كمال
الطول وهذه صورته " - " وطولا في كمال العرض: وهذه صورته " - " لكن بالتراضي لا بالجبر،
فلو طلب أحدهما وامتنع الآخر لم يجبر لاقتضاء الاجبار القرعة، وهي ممتنعة هنا لأنها ربما أخرجت لكل منهما ما يضر
الآخر في انتفاعه بملكه. وكيف يقسم الجدار، هل يشق بالمنشار أو يعلم بعلامة كخط؟ فيه وجهان، الظاهر كما قال
شيخنا جواز كل منهما، ولا نظر في الأول أن شق الجدار إتلاف له وتضييع لأنهما يباشران القسمة لأنفسهما فهو كما لو
هدماه واقتسما النقض، ويجبر على قسمة عرصة الجدار، ولو كان عرضا في كمال الطول ليختص كل منهما بما يليه، فلا
يقتسمانها بالقرعة لئلا يخرج بها لكل منهما ما يلي الآخر، بخلاف ما إذا اقتسماها طولا في كمال العرض. وفارق ما ذكر
في عرصة الجدار ما مر فيه بأنها مستوية وتتيسر قسمتها غالبا بخلافه، وسيأتي إيضاح ذلك إن شاء الله تعالى في باب
189

القسمة. (وليس له إجبار شريكه على العمارة في الجديد) ولو بهدم الشريكين للمشترك لاستهدام أو لغيره، كما لا يجبره
على زراعة الأرض المشتركة، ولان الممتنع يتضرر أيضا بتكليفه العمارة، والضرر لا يزال بالضرر. نعم يجبر في الأرض
على إجارتها على الصحيح، وبها يندفع الضرر القديم، ونص عليه في البويطي الاجبار صيانة للاملاك المشتركة عن
التعطيل، وأفتى بهذا ابن الصلاح، واختاره الغزالي، وصححه جماعة. وقيل: إن القاضي يلاحظ أحوال المتخاصمين،
فإن ظهر له أن الامتناع لغرض صحيح أو شك في أمره لم يجبره وإن علم أنه عناد أجبره. قال في الروضة: ويجري ذلك
في النهر والقناة والبئر المشتركة واتخاذ سترة بين سطحيهما وإصلاح دولاب بينهما تشعث إذا امتنع أحدهما من التنقية
أو العمارة. ولو هدم الجدار المشترك أحد الشريكين بغير إذن الآخر لزمه أرش النقص لا إعادة البناء، لأن الجدار ليس
مثليا، وعليه نص الشافعي في البويطي وإن نص في غيره على لزوم الإعادة. ولا يجبر أحد الشريكين على سقي النابت
من شجر وغيره كما صرح به القاضي وغيره خلافا للجوزي، ولا إعادة السفل لينتفع به صاحب العلو، فلو كان علو الدار
لواحد وسفلها لآخر وانهدمت فليس للأول إجبار الثاني على إعادة السفل، ولا للثاني إجبار الأول على معاونته في إعادته.
والسفل والعلو بضم أولها وكسره. (فإن أراد) الشريك (إعادة منهدم بآلة لنفسه لم يمنع) ليصل إلى حقه بذلك.
واعترض القاضي أبو الطيب وابن الصباغ بذلك، فقالا: أساس الجدار مشترك فكيف جوزتم بناءه بآلة نفسه وأن ينتفع
به بغير إذن شريكه وقال السبكي: العرصة مشتركة، ولا حق لأحدهما على الآخر في الاستبداد بها، ولا سيما وهو
يمكنه المقاسمة، فإن الصحيح جواز المقاسمة في ذلك بالتراضي عرضا في كمال الطول وبها يندفع الضرر اه‍. وصور
صاحب التعليقة على الحاوي المسألة بما إذا كان الاس للباني وحده، وجرى عليه البارزي وصاحب الأنوار، والمنقول
ما في المتن. وأجيب عما ذكر بأن له حقا في الحمل فكان له إعادة الجدار لأجله. وقضيته أنه إذا لم يكن عليه بناء ولا
جذوع لا يكون له إعادته مع أن ظاهر كلامهم الاطلاق، وهو المعتمد وإن كان مشكلا. (ويكون المعاد ملكه يضع
عليه ما شاء وينقضه إذا شاء) لأنه بآلته ولا حق لغيره فيه. نعم لو كان لشريكه عليه جذع خير الباني بين تمكين
الشريك من إعادته ونقض بناءه ليبني معه الآخر ويعيد جزعه. (ولو قال الآخر لا تنقضه وأغرم لك حصتي) أي قيمة
ما يخصني، (لم يلزمه إجابته) على الجديد كابتداء العمارة. أما على القديم وهو لزوم العمارة فعليه إجابته. ولو عمر
البئر أو النهر لم يمنع شريكه من الانتفاع بالماء لسقي الزرع وغيره وله منعه من الانتفاع بالدولاب والآلات التي أحدثها.
(وإن أراد إعادته بنقضه المشترك فللآخر منعه) كسائر الأعيان المشتركة. وأفهم كلام المصنف جواز الاقدام عليه
عند عدم المنع، وقال في المطلب: إنه مفهوم كلامهم بلا شك. والنقض بكسر النون وضمها، وجمعه أنقاض قاله
في الدقائق. (ولو تعاونا على إعادته) بأنفسهما أو بغيرهما (بنقضه عاد مشتركا كما كان) قبل إعادته، فلو شرطا زيادة
لأحدهما لم يصح على الصحيح لأنه شرط عوض من غير معوض. (ولو انفرد أحدهما وشرط له الآخر زيادة جاز وكانت
في مقابلة عمله في نصيب الآخر) وقد صور الرافعي ذلك بصورتين: إحداهما، وهي الأقرب إلى عبارة المصنف: أن
يعيد ذلك بالنقض المشترك فيصير له الثلثان ويكون السدس في مقابلة عمله، ومحله إذا جعل له الزيادة من النقض
والعرصة في الحال، فإن شرطه بعد البناء لم يصح لأن الأعيان لا تؤجل. الصورة الثانية: أن تكون الإعادة
بآلته،
فإذا شرط له الآخر السدس كما مر فقد قابل ثلث الآلة المملوكة له وعمله بسدس العرصة المبني عليها، ولا بد من العلم
بالآلات وبصفات الجدران كما قاله الرافعي.
190

تتمة: لصاحب العلو بناء السفل بماله ويكون المعاد ملكه، ويأتي فيه ما مر في الجدار المشترك، ولصاحب
السفل السكنى في المعاد لأن العرصة ملكه، وليس له الانتفاع به بفتح كوة وغرز وتد ونحوهما، وللأعلى هدمه لأنه
ملكه وكذا للأسفل إن بناه الاعلى قبل امتناع الأسفل من البناء ما لم يبن الاعلى علوه، فإن بناه فللأسفل تملك
السفل بالقيمة وليس له هدمه، أما إذا بنى السفل بعد امتناع الأسفل فليس له تملكه ولا هدمه لتقصيره، سواء أبنى
عليه الاعلى علوه أم لا. ويؤخذ من هذه أن له البناء بآلة نفسه وإن لم يمتنع الأسفل منه، ومثله الشريك في الجدار
المشترك ونحوه، وهو كذلك، وإن قيل في ذلك وقفة. ولصاحب العلو وضع الأثقال المعتادة على السقف المملوك للآخر
أو المشترك بينهما، وللآخر الاستكنان به والتعليق المعتاد به كثوب ولو بوتد يتده، لأنا لو لم نجوز له ذلك لعظم الضرر
وتعطلت المنافع. فإن قيل: قد مر أن الجدار المشترك ليس لأحد الشريكين أن ينتفع به بما يضايق فيه عادة فكان
ينبغي أن يكون هنا كذلك؟ أجيب بأن الاعلى ثبت له الانتفاع قطعا فثبت للأسفل ذلك تسوية بينهما، وفي الجدار
لم يثبت لأحدهما ذلك فلم يثبت للآخر تسوية بينهما. ويجوز غرز الوتد لصاحب العلو فيما يليه في أحد وجهين، قال
شيخنا: هو الظاهر. (ويجوز أن يصالح على إجراء الماء، و) على (إلقاء الثلج في ملكه) أي المصالح معه، (على
مال) لأن الحاجة تدعو إلى ذلك لكن محله في الماء المجلوب من نهر ونحوه إلى أرضه، والحاصل إلى سطحه من
المطر. أما غسالة الثياب والأواني فلا يجوز الصلح على إجرائها على مال لأنه مجهول لا تدعو الحاجة إليه، وإن خالف
في ذلك البلقيني وقال: إن الحاجة إليه أكثر من حاجة البناء على الأرض. وشرط المصالحة على إجراء ماء المطر
على سطح غيره أن لا يكون له مصر ف إلى الطريق إلا بمروره على سطح جاره، قاله الأسنوي. ومحل الجواز
في الثلج إذا كان في أرض الغير لا في سطحه لما فيه من الضرر. ويشترط معرفة السطح الذي يجري منه الماء، سواء
أكان ببيع أو إجارة أو إعارة، لأن المطر يقل بصغره ويكثر بكبره ومعرفة قدر السطح الذي يجري إليه وقوته وضعفه
فإنه قد يتحمل قليل الماء دون كثيره، ولا يضر الجهل بقدر ماء المطر لأنه لا يمكن معرفته لأنه عقد جوز للحاحة.
ثم إن عقد على الأول بصيغة الإجارة فلا بد من بيان موضع الاجراء وبيان طوله وعرضه وعمقه وقدر المدة إن كانت
الإجارة مقدرة بها، وإلا فلا يشترط بيان قدرها كنظيره فيما مر في بيع حق البناء. ولا بد أن يكون الموضع
محفورا وإلا
فلا يصح، لأن المستأجر لا يملك الحفر. وإن عقد بصيغة البيع بأن قال: بعتك مسيل الماء وجب بيان الطول والعرض
لا بيان العمق لأنه ملك القرار، أو بعتك حق مسيل الماء فكما مر في بيع حق البناء. وإن عقد بصيغة الصلح انعقد
بيعا كما اقتضاه كلام الكفاية، ولا حاجة في العارية إلى بيان لأنه يرجع فيها متى شاء والأرض تحمل ما تحمل بخلاف
السقف كما مر. وليس للمستحق في المواضع كلها دخول الأرض من غير إذن مالكها إلا لتنقية النهر، وعليه أن يخرج
من أرضه ما يخرجه من النهر تفريعا لملك غيره. وليس لمن أذن له في إجراء المطر على السطح أن يطرح الثلج عليه
ولا أن يترك الثلج حتى يذوب ويسيل إليه، ومن أذن له في إلقاء الثلج لا يجري المطر ولا غيره، ولو كان مجرى ماء
في ملك غيره فادعى المالك أنه كان عارية قبل قوله كما أفتى به البغوي. واحترز المصنف بقوله: إجراء الماء عن الماء، كما
لو كان له نهر جار فصالحه إنسان على أن يسقي زرعه منه بساقية لم يصح لأن المعقود عليه الماء والمملوك الماء الموجود
دون ما ينبع، والخيلة فيه كما قاله القاضي حسين أن يبيع قدرا من النهر والماء تابع.
تنبيه: قد يفهم من قوله: في ملكه أنه قيد، وليس مرادا، بل يجوز ذلك في الأرض الموقوفة والمستأجرة،
لكن يعتبر هنا التأقيت لأن الأرض غير مملوكة فلا يمكنه العقد عليها مطلقا، وأن يكون هناك ساقية، إذ ليس له
إحداث ساقية أبدا.
فرعان: الأول: المصالحة عن قضاء الحاجة من بول أو غائط، وطرح الكناسة في ملك الغير على مال عقد فيه
شائبة بيع وإجارة، وكذا المصالحة عن المبيت على سقف غيره. الثاني: للشخص تحويل أغصان شجرة لغيره مالت
191

إلى هواء ملكه الخالص أو المشترك امتنع مالكها من تحويلها، وله قطعها ولو بلا إذن قاض إن لم يمكن تحويلها، ولا
يصح الصلح على بقاء الأغصان بمال، فإن اعتمدت على الجدران صح الصلح عنها يابسة لا رطبة لزيادتها فلا يعرف
قدرها وثقلها وانتشار العروق في أرضه كانتشار الأغصان في هواء ملكه، وكذا ميل الجدار إلى هواء الدار. قال
في المطلب: وليس له إذا تولى القطع والهدم بنفسه طلب أجرة على ذلك. قال: ولو دخل الغصن المائل إلى هواء ملكه
في برنية ونبت فيها أترجة وكبرت قطع الغصن والأترجة لتسلم البرنية لاستحقاق قطعهما قبل ذلك، قاله الماوردي
والروياني، ثم قالا: وهذا بخلاف ما لو بلع حيوان غيره جوهرة فإنه لا يذبح لأن له حرمة. (ولو تنازعا) أي اثنان
(جدارا بين ملكيهما، فإن اتصل ببناء أحدهما بحيث يعلم أنهما بنيا معا) كأن دخل نصف لبنات كل منهما في الآخر
أو بنى الجدار على خشبة طرفها في ملكه وليس منها شئ في ملك الآخر، أو كان له عليه أزج وهو العقد قد أميل من
مبتدأ ارتفاعه عن الأرض، (فله اليد) عليه، وعلى الخشبة المذكورة لظهور أمارة الملك بذلك، فيحلف ويحكم له به إلا
أن تقوم بينة بخلافه. ولو كان الجدار مبنيا على تربيع أحد الملكين زائدا أو ناقصا بالنسبة إلى ملك الغير فهو كالمتصل
بجدار أحدهما اتصالا لا يمكن إحداثه، ذكره في التنبيه وأقره المصنف في تصحيحه.
تنبيه: قال الأسنوي: قول المصنف إنهما بكسر الهمزة لأن حيث لا تضاف إلا إلى جملة. ورد بأن حيث هنا مضافة
إلى يعلم، وأن إذا وقعت بعد العلم تكون مفتوحة. (وإلا) أي وإن لم يحصل الاتصال المذكور بأن كان منفصلا من
جدارهما أو متصلا بهما اتصالا يمكن إحداثه أو لا يمكن، أو متصلا بأحدهما اتصالا لا يمكن إحداثه بأن وجد الاتصال
في بعضه، أو أميل الازج الذي عليه بعد ارتفاعه، أو بني الجدار على خشبة طرفاها في ملكيهما. (فلهما) اليد عليه
لعدم المرتهن. وعبارة المحرر والروضة وأصلها: فهو في أيديهما، وذلك أولى من عبارة المصنف فليتأمل.
تنبيه: أفهم كلامه أنه لا يحصل الترجيح بغير ذلك فلا ترجيح بالنقش بظاهر الجدار كالصور والكتابات المتخذة
من جص أو آجر أو غيره، ولا بالجذوع كما سيأتي، ولا بتوجيه البناء وهو جعل إحدى جانبيه وجها كأن يبني بلبنات
مقطعة ويجعل الأطراف الصحاح إلى جانب ومواضع الكسر إلى جانب، ولا بمعاقد القمط بكسر القاف وإسكان الميم
وبضمهما، لكنه بضمهما جمع قماط، والمراد به معنى قمط، وهو حبل رقيق يشد به الجريد ونحوه. وإنما لم يرجح بهذه
الأشياء لأن كون الجدار بين الملكين علامة قوية في الاشتراك، فلا يغير بأسباب ضعيفة معظم القصد بها الزينة
كالتجصيص والتزويق. (فإن أقام أحدهما بينة) أنه له (قضي له) به، لأن البينة مقدمة على اليد وتكون العرصة
تبعا على الأصح. (وإلا) أي وإن لم يكن لأحدهما بينة أو أقامها كل منهما، (حلفا) أي حلف كل منهما على نفي
استحقاق صاحبه للنصف الذي في يده، ولا يلزمه أن يتعرض لاثباته كما نقله الشيخان عن النص. وأنه مستحق النصف
الذي بيد صاحبه، لأن كل واحد منهما مدعى عليه ويده على النصف، فالقول قوله فيه كالعين الكاملة. وقيل: يحلف
كل منهما على الجميع لأنه يدعيه. (فإن حلفا أو نكلا) عن اليمين، (جعل) الجدار (بينهما) بظاهر اليد فينتفع كل
به مما يليه على العادة. (وإن حلف أحدهما) ونكل الآخر كما في المحرر، (قضي له) أي بالكل. وتتضح مسألة
الحلف بما ذكروه في الدعاوي والبينات، وهو أنه إذا حلف من بدأ القاضي بتحليفه ونكل الآخر بعده حلف الأول
اليمين المردودة ليقضي له بالجميع، وإن نكل الأول ورغب الثاني في اليمين فقد اجتمع عليه يمين النفي للنصف الذي ادعاه
صاحبه، ويمين الاثبات للنصف الذي ادعاه هو، فهل تكفيه الآن يمين واحدة يجمع فيها النفي والاثبات أم لا بد من
يمين للنفي وأخرى للاثبات؟ وجهان أصحهما الأول، فيحلف أن الجميع له ولا حق لصاحبه فيه، أو يقول لا حق له في النصف
الذي يدعيه والنصف الآخر لي. (ولو كان لأحدهما عليه جذوع لم يرجح) بذلك، لأنها لا تدل على الملك، لأنها تشبه
192

الأمتعة فيما لو تنازع اثنان دارا بيدهما ولأحدهما فيها أمتعة، فإذا تحالفا بقيت الجذوع بحالها لاحتمال أنها وضعت بحق من
إعارة أو إجارة أو بيع أو قضاء قاض يرى الاجبار على الوضع. والذي ينزل عليه منها الإعارة لأنها أضعف الأسباب،
فلمالك الجدار قلع الجذوع بالأرش أو الابقاء بالأجرة. (والسقف بين علوه) أي الشخص (وسفل غيره كجدار بين ملكين
فينظر أيمكن إحداثه بعد) بناء (العلو) بأن يكون السقف عاليا فيثقب وسط الجدار ويوضع رأس الجذوع في الثقب ويسقف
فيصير البيت الواحد بيتين، (فيكون في يدهما) لاشتراكهما في الانتفاع به، فإنه ساتر لصاحب السفل وأرض لصاحب العلو.
(أو لا) يمكن إحداثه بعد بناء العلو كالأزج الذي لا يمكن عقده على وسط الجدار بعد امتداده في العلو، (فلصاحب السفل)
يكون لاتصاله ببنائه.
خاتمة: لو كان السفل لأحدهما والعلو لآخر وتنازعا في الدهليز أو العرصة، فمن الباب إلى المرقى مشترك بينهما، لأن
لكل منهما يدا وتصرفا بالاستطراق ووضع الأمتعة وغيرهما، والباقي للأسفل لاختصاصه به يدا وتصرفا. وإن تنازعا
في المرقى الداخل وهو منقول، فإن كان في بيت لصاحب السفل فهو في يده، أو في غرفة لصاحب العلو فهو في يده، أو
منصوبا في موضع الرقي فلصاحب السفل كسائر المنقولات كما قاله ابن خيران، وقال في الروضة: إنه الوجه. وإن كان
المرقى مثبتا في موضعه كالسلم المسمر فلصاحب العلو لأنه المنتفع به، وكذا إن كان مبنيا ولم يكن تحته شئ، فإن كان تحته
بيت فهو بينهما كسائر السقوف أو موضع جرة أو نحوها، فلصاحب العلو عملا بالظاهر مع ضعف منفعة الأسفل. ولو
تنازعا في حيطان السفل التي عليها الغرفة فالمصدق صاحب السفل فإنها في يده، أو في حيطان الغرفة فالمصدق صاحب العلو لأنها في يده.
باب الحوالة
هي بفتح الحاء أفصح من كسرها، ومعناها في اللغة الانتقال، من قولهم: إذا انتقل عنه وتغير.
وفي الشرع عقد يقتضي نقل دين من ذمة إلى ذمة، ويطلق على انتقاله من ذمة إلى أخرى، والأول هو غالب استعمال
الفقهاء. والأصل فيها قبل الاجماع خبر الصحيحين: مطل الغني ظلم فإذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع بإسكان التاء
في الموضعين: أي فليحتل كما رواه هكذا البيهقي، ويسن قبولها على ملئ لهذا الحديث. وصرفه عن الوجوب القياس
على سائر المعاوضات. وخبر: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. ويعتبر في الاستحباب كما بحثه الأذرعي أن
يكون الملئ وافيا ولا شبهة في ماله. الملئ بالهمزة: الغني، والمطل: إطالة المدافعة، والأصح أنها بيع دين بدين جوز
للحاجة، ولهذا لم يعتبر التقابض في المجلس وإن كان الدينان ربويين، فهو بيع لأنها إبدال مال بمال، لأن كل واحد
ملك بها ما لم يملك فكأن المحيل باع المحتال ما له في ذمة المحال عليه بما للمحتال في ذمته، وقيل: استيفاء، وهو المنصوص
في الام فكأن المحتال استوفى ما على المحيل، وأقرضه المحال عليه، قال ابن الحداد: والتفريع على قول البيع لم أره
مستمرا. وأركانها ستة: محيل، ومحال عليه، ودين للمحتال على المحيل، ودين للمحيل على المحال عليه،
وصيغة، وكلها تؤخذ من كلامه الآتي، وإن سمي بعضها شرط كما قال: (يشترط لها) لتصح (رضا المحيل والمحتال)
لأن للمحيل إيفاء الحق من حيث شاء، فلا يلزم بجهة، وحق المحتال في ذمة المحيل فلا ينتقل إلا برضاه، لأن الذمم تتفاوت.
والامر الوارد للاستحباب كما مر، وقيل: للإباحة. وطريق الوقوف على تراضيهما إنما هو الايجاب والقبول على ما مر
193

في البيع. وعبر كغيره هنا بالرضا تنبيها على أنه لا يجب على المحتال الرضا بالحوالة وتوطئه لقوله: (لا المحال عليه في الأصح)
فلا يشترط رضاه لأنه محل الحق والتصرف كالعبد المبيع، ولان الحق للمحيل فله أن يستوفيه بغيره، كما لو وكل غيره
بالاستيفاء. والثاني: يشترط رضاه بناء على أن الحوالة استيفاء ولا يتعين لفظ الحوالة، بل هو أو ما يؤدي معناه كنقلت
حقك إلى فلان، أو جعلت ما أستحقه على فلان لك، أو ملكتك الدين الذي لي عليه بحقك، وقوله: أحلني كبعني في البيع،
فتصح الحوالة به. ولا تنعقد بلفظ البيع مراعاة للفظ، وقيل: تنعقد مراعاة للمعنى كالبيع بلفظ السلم. ولو قال: أحلتك
على فلان بكذا ولم يقل بالدين الذي لك عليه، قال البلقيني: فهو كناية كما يؤخذ مما يأتي أنه لو قا: أردت بقولي أحلتك
الوكالة صدق بيمينه. والأوجه كما قال شيخي أنه صريح، لكن يقبل الصرف كغيره من الصرائح التي تقبله. (ولا تصح
على من دين عليه) بناء على الأصح من أنها بيع، إذ ليس للمحيل على المحال عليه شئ يجعله عوضا عن حق المحتال.
(وقيل: تصح برضاه) بناء على أنها استيفاء إلخ. فقبوله ضمان لا يبرأ به المحيل، وقيل: يبرأ. وعلى الأول لو تطوع بقضاء
دين المحيل كان قاضيا دين غيره وهو جائز. (وتصح بالدين اللازم) وهو ما لا خيار فيه، ولا بد أن يجوز الاعتياض عنه
كالثمن بعد زمن الخيار وإن لم يستقر كالصداق قبل الدخول والموت والأجرة قبل مضي المدة، والثمن قبل قبض المبيع
بأن يحيل به المشتري البائع على ثالث. (وعليه) كذلك بأن يحيل البائع غيره على المشتري سواء اتفق الدينان في سبب الوجوب
أم اختلفا، كأن كان أحدهما ثمنا والآخر قرضا أو أجرة فلا تصح بالعين لما مر أنها بيع دين بدين، ولا بما لا يجوز الاعتياض
عنه كدين السلم فلا تصح الحوالة به ولا عليه وإن كان لازما. ولا تصح الحوالة للساعي ولا للمستحق بالزكاة ممن هي
عليه ولا عكسه، وإن تلف النصاب بعد التمكن لامتناع الاعتياض عنها، وتصح على الميت لأنه لا يشترط رضا المحال
عليه. وإنما صحت عليه مع خراب ذمته لأن ذلك إنما هو بالنسبة للمستقبل، أي لا تقبل ذمته شيئا بعد موته، وإلا فذمته
مرهونة بدينه حتى يقضى عنه. ولا تصح على التركة لعدم الشخص المحال عليه. (و) تصح بالدين (المثلي) كالنقود والحبوب،
(وكذا المتقوم) بكسر الواو كالعبد والثوب، (في الأصح) لثبوته في الذمة بعقد السلم ولزومه. والثاني: لا، إذ المقصود من الحوالة
إيصال الحق من غير تفاوت ولا يتحقق فيما لا مثل له. وقضيته أن المثل لا خلاف فيه وليس مرادا، بل قيل: إنها لا تصح إلا
بالأثمان خاصة كما قاله في الكفاية. (و) تصح (بالثمن في مدة الخيار) بأن يحيل المشتري البائع على إنسان، (وعليه) بأن يحيل
البائع إنسانا على المشتري (في الأصح) لأنه آيل إلى اللزوم بنفسه، والجواز عارض فيه. والثاني: لا يصحان لعدم اللزوم الآن.
وعلى الأول يبطل الخيار بالحوالة بالثمن لتراضي عاقديها، ولان مقتضاها اللزوم فلو بقي الخيار فات مقتضاها، وفي الحوالة
عليه يبطل في حق البائع رضاه بها لا في حق مشتر لم يرض، فإن رضي بها بطل في حقه أيضا في أحد وجهين رجحه ابن المقري،
وهو المعتمد، ثم قال: فإن فسخ المشتري البيع بطلت اه‍. إن قيل: هذا مخالف لعموم ما قالوه من أن الحوالة على الثمن لا تبطل
بالفسخ. أجيب بأن الفسخ بالخيار مستثنى، ولا بعد كما قال شيخي في ذلك وإن استبعده بعض المتأخرين لأن العقد مزلزل.
فإن قيل: صحة الحوالة زمن الخيار مشكل إذا كان الخيار للبائع أو لهما لأن الثمن لم ينتقل عن ملك المشتري. أجيب بأن
البائع إذا أحال فقد أجاز فوقعت الحوالة مقارنة لذلك وذلك كاف. فإن قيل: هذا مشكل بامتناع بيع البائع الثمن في زمن
الخيار إذا كان له؟ أجيب بأنهم لما توسعوا في بيع الدين بالدين توسعوا في بيعه فيما ذكر بخلاف ذلك. (والأصح صحة
حوالة المكاتب سيده بالنجوم) لوجود اللزوم من جهة السيد والمحال عليه فيتم الغرض منها، ولصحة الاعتياض عنها في
قول نص عليه في الام. وفرق البلقيني بينها وبين دين السلم بأن السيد إذا احتال بمال الكتابة لا يتطرق إليه أن
يصير
194

الدين لغيره، لأنه إن قبضه قبل التعجيز فواضح، وإلا فمال المكاتب قد صار بالتعجيز للسيد، بخلاف دين السلم قد ينقطع المسلم
فيه فيؤدي إلى أن لا يصل المحتال إلى حقه. (دون حوالة السيد) غيره (عليه) أي المكاتب بمال الكتابة، فلا يصح لأن
الكتابة جائزة من جهة المكاتب فلا يتمكن المحتال من مطالبته وإلزامه. والثاني: يصحان، أما الحوالة من المكاتب فلما مر،
وأما عليه فبناء على أنها استيفاء. والثالث: لا يصحان، أما عليه فلما مر، وأما منه فبناء على أنها بيع والاعتياض عن نجوم
الكتابة غير صحيح. واحترز المصنف بالنجوم عما إذا كان للسيد عليه دين معاملة وأحال عليه فإنه يصح كما في زوائد
الروضة. ولا نظر إلى سقوطه بالتعجيز، لأن دين المعاملة لازم في الجملة وسقوطه إنما هو بطريق التبعية بخلاف نجوم الكتابة.
ولا يصح بجعل الجعالة ولا عليه قبل تمام العمل ولو بعد الشروع فيه لعدم ثبوت دينها حينئذ بخلافه بعد التمام. (ويشترط العلم)
أي علم كل من المحيل والمحتال، (بما يحال به وعليه قدرا) كمائة (وصفة) معتبرة في السلم كما قاله في الكفاية، لأن المجهول لا يصح
بيعه إن قلنا إنها بيع، ولا استيفاؤه إن قلنا إنها استيفاء. وسكت عن الجنس لأنه يستغنى عنه بالصفة لتناولها له لغة. (وفي
قول تصح بإبل الدية وعليها) والأظهر المنع للجهل بصفتها. وصور المصنف في نكت التنبيه المسألة بقوله: كأن يجني رجل
موضحة ثم يجني المجني عليه على آخر موضحة فيجب عليه خمس من الإبل فيحيل المجني عليه أولا وهو الجاني
ثانيا المجني عليه ثانيا على الجاني أولا بالخمس من الإبل. (ويشترط تساويهما) أي المحال به وعليه، (جنسا) فلا تصح بالدراهم
على الدنانير وعكسه. (وقدرا) فلا تصح بخمسة على عشرة وعكسه، لأن الحوالة معاوضة ارتفاق جوزت الحاجة فاعتبر فيها
الاتفاق فيما ذكر كالفرض. (وكذا حلولا وأجلا) وقدرا لأجل. (وصحة وكسرا) وجودة ورداءة (في الأصح) وفي الروضة:
الصحيح إلحاقا لتفاوت الوصف بتفاوت القدر. والثاني: إن كان النفع فيه للمحتال جاز، وإلا فلا، فيحل بالمؤجل
والمكسر على الحال الصحيح، وبأبعد الأجلين على الأقرب بخلاف العكس في الجميع وكأنه تبرع بالزيادة. وانقلب
على المصنف في الروضة بعض هذه الأمثلة فقال بالصحيح على المكسر وبالجيد على الردئ ونسب للسهو. ولو أحال
بمؤجل على مؤجل حلت الحوالة بموت المحال عليه، ولا تحل بموت المحيل لبراءة الحوالة.
تنبيه: أفهم كلام المصنف أنه لا يعتبر اتفاقهما في الرهن ولا في الضمان، وهو كذلك، بل لو أحاله بدين أو على دين
به رهن أو ضامن انفك الرهن وبرئ الضامن لأن الحوالة كالقبض بدليل سقوط حبس المبيع، والزوجة فيما إذا
أحال
المشتري بالثمن أو الزوج بالصداق، ويفارق المحتال الوارث في نظيره من ذلك بأن الوارث خليفة مورثه فيما يثبت له من
الحقوق. ولو شرط العاقد في الحوالة رهنا أو ضمينا فهل يجوز أو لا؟ رجح ابن المقري الأول وصاحب الأنوار الثاني، وحمل
شيخي الأول على ما إذا شرط ذلك على المحال عليه والثاني على ما إذا شرط ذلك على المحيل، وهو بعيد إذ المحال عليه لا مدخل
له في العقد فالمعتمد كلام صاحب الأنوار. ولا يثبت في عقدها خيار شرط لأنه لم يبن على المعاينة ولا خيار مجلس في الأصح.
وإن قلنا إنها معاوضة لأنها على خلاف القياس، والمحيل قيل يثبت بناء على أنها استيفاء وقد تقدم الكلام على ذلك في باب الخيار.
(ويبرأ بالحوالة المحيل عن دين المحتال عليه دين المحيل ويتحول حق المحتال إلى ذمة المحال عليه) أي يصير في
ذمته. أو معنى صيرورته في ذمته أن الأول باق بعينه لكن تغير محله إن قلنا الحوالة استيفاء، وهذا ظاهر المتن، وبمعنى أنه
لزم الذمة ويكون الذي انتقل إليه المحتال غير الذي كان له إن قلنا إنها بيع، وقد مر أنه الأصح، وما ذكر هو فائدة الحوالة.
(فإن تعذر) أخذه من المحال عليه (بفلس) طرأ بعد الحوالة (أو جحد) منه للدين أو للحوالة (وحلف) وقوله: (ونحوهما)
195

من زيادته على كتب الرافعي وعلى الروضة، وأشار به إلى التعذر بامتناعه لشوكته أو بموته موسرا بعد موت البينة. (لم يرجع)
أي المحتال (على المحيل) كما لو أخذ عوضا عن الدين وتلف في يده، فلو شرط عليه الرجوع بشئ من ذلك لم تصح الحوالة
في أحد أوجهه رجحه الأذرعي وغيره، وهو ظاهر لاقترانها بشرط يخالف مقتضاها.
تنبيه: لو عبر بالانكار لكان أعم لأن الجحود لغة الانكار مع العلم، وهو يدخل في عبارته الإقالة حتى لو صدر بين
المحيل والمحتال تقايل في الحوالة لم يرجع على المحيل ينبني على صحة الإقالة في الحوالة والنقل فيها عزيز. وقد قال البلقيني إنه كشف
عن ذلك مصنفات كثيرة فلم يجد التصريح بها، وأن الذي ظهر له الجواز لأن الصحيح أنها بيع والمعتمد عدم صحة الإقالة
فيها، فقد جزم الرافعي بأنه لا تجوز الإقالة في الحوالة، ذكر ذلك في أوائل التفليس في أثناء تعليل في الكلام على موت المشتري
مفلسا قبل وفاء الثمن. وقال المتولي: الحوالة من العقود اللازمة، ولو فسخت لا تنفسخ. (فلو كان) المحال عليه (مفلسا عند
الحوالة وجهله المحتال فلا رجوع له) لأنه مقصر بترك البحث، فأشبه من اشترى شيئا هو مغبون فيه. (وقيل: له الرجوع
إن شرط يساره) لا خلاف الشرط، فأشبه ما لو شرط كون العبد كاتبا فأخلف. ورد بأن فوات الكتابة ليس نقصا لأنه
لو لم يشرطه فلا خيار له لعدمه، بل هو فوات فضيلة والاعسار نقص كالعيب، فلو ثبت الرجوع عند الشرط
لثبت عند
عدمه، ولو بان المحال عليه عبدا لغير المحيل لم يرجع المحتال أيضا بل يطالبه بعد عتقه، أو عبدا له لم تصح الحوالة وإن
كان كسوبا ومأذونا له وكان لسيده في ذمته دين قبل ملكه لسقوطه عنه بملكه. قال ابن الرفعة: ولو قبل المحتال الحوالة
بغير اعتراف بالدين كان قبولها متضمنا لاستجماع شرائط الصحة، فيؤاخذ بذلك لو أنكر المحال عليه وله تحليف المحيل
أنه لا يعلم براءته في أحد وجهين يظهر ترجيحه. (ولو أحال المشتري) البائع (بالثمن فرد المبيع بعيب) أو نحوه كتحالف أو إقالة،
(بطلت في الأظهر) لارتفاع الثمن بانفساخ البيع. والثاني: لا تبطل، كما لو استبدل عن الثمن ثوبا فإنه لا يبطل برد المبيع ويرجع بمثل
الثمن. وسواء في الخلاف أكان الفسخ بعد قبض المبيع ومال الحوالة أم قبله، وعلى الأول يعود الثمن ملكا للمشتري ويرده
البائع إليه إن كان قد قبضه وهو باق أو بدله إن تلف ولا يرده إلى المحال عليه، فإن رده إليه لم تسقط عنه مطالبة المشتري
لأن الحق له وقد قبضه البائع بإذنه، فإذا لم يقع عن البائع يقع عنه ويتعين حقه فيما قبضه البائع حتى لا يجوز إبداله إن بقيت
عينه. وإبراء البائع المحال عليه عن الدين قبل الفسخ كقبضه له فيما ذكر، فللمشتري مطالبته بمثل المحال به. (أو) أحال
(البائع) شخصا (بالثمن) على المشتري، (فوجد الرد) للمبيع بعيب أو نحوه كما مر، (لم تبطل على المذهب) سواء أقبض المحتال
أم لا. والطريق الثاني طرد القولين في المسألة قبلها. وفرق الأول بتعلق الحق هنا بثالث وهو الذي انتقل إليه
الثمن، فلم يبطل حقه بفسخ المتعاقدين، كما لو تصرف البائع في الثمن ثم رد المشتري ما اشتراه بعيب فإن تصرفه لا يبطل. ويؤخذ
من هذا الفرق أن البائع في المسألة الأولى لو أحال على من أحيل عليه لم تبطل تعلق الحق بثالث وهو الظاهر. وعلى المذهب
لا يرجع المشتري على البائع بالثمن إلا بعد تسليمه وإن كانت الحوالة كالقبض لأن الغرم إنما يكون بعد القبض حقيقة
لا حكما، لكن له مطالبته بطلب القبض منه ليرجع على البائع.
فرع: لو أحالها زوجها بصداقها ثم طلقها قبل الدخول أو انفسخ النكاح قبله بردتها أو بعيب أو بخلف شرط لم
تبطل الحوالة، ويرجع الزوج عليها بكل الصداق إن انفسخ النكاح وبنصفه إن طلق. فإن قيل: الحق هنا لم
يتعلق بثالث، فكان ينبغي البطلان كالمسألة الأولى. أجيب بأن الصداق أثبت من غيره، ولهذا لو زاد زيادة متصلة لم يرجع
بها إلا برضاها بخلاف البيع ونحوه. (ولو باع عبدا وأحال بثمنه) على المشتري (ثم اتفق المتبايعان والمحتال على حريته
196

أو ثبتت ببينة) يقيمها العبد أو شهدت حسبة، (بطلت الحوالة) لأنه بان أن لا ثمن حتى يحال به، فيرد المحتال ما أخذه على
المشتري ويبقى حقه كما كان، وهكذا كل ما يمنع صحة البيع ككونه مستحقا. ومحل إقامة العبد البينة إذا تصادق المتبايعان
بعد بيعه لآخر كما صورها القاضي أبو الطيب، إذ لا يتصور إقامته لها قبل بيعه لأنه محكوم بحريته بتصادقهما، فإن لم يصدق
المحتال فلا تسمع دعواه ولا بينته، نبه عليه ابن الرفعة وغيره. ومثله شهادة الحسبة لأنها إنما تقام عند الحاجة ولا حاجة
قبل البيع. ولا يتصور أن يقيم البينة بالحرية المتبايعان لأنهما كذباها بالبيع، كذا قالاه هنا، وذكر في آخر كتاب الدعوى أنه
لو باع شيئا ثم ادعى أنه كان وقفا عليه أو أنه باعه وهو لا يملكه ثم ملكه، إن قال حين باع: هو ملكي لم تسمع دعواه ولا
بينته وإن لم يقل ذلك سمعت كما نص عليه في الام. قال العراقيون: وغلط الروياني من قال بخلافه اه‍. ويمكن حمل ما هنا
على ما هناك، ومحل الخلاف كما بحثه الزركشي وغيره إذا لم يذكر البائع تأويلا، فإن ذكره كأن قال: كنت أعتقه ونسيت
أو اشتبه علي سمعت قطعا، كنظيره فيما لو قال: لا شئ لي على زيد ثم ادعى عليه دينا.
تنبيه: المراد بالبطلان هنا عدم الصحة، لأن الحوالة لم يتقدم لها صحة بخلاف البطلان في الرد بالعيب ونحوه فإنه بطريق
الانفساخ. (وإن كذبهما المحتال) في الحرية (ولا بينة حلفاه على نفي العلم) بها، لأن هذه قاعدة الحلف على النفي الذي لا يتعلق
به فيقول: والله لا أعلم حريته. وعبارته قد توهم توقف الحلف على اجتماعهما، والموافق للقواعد أنه يحلف لمن استحلفه
منهما، أما البائع فلغرض بقاء ملكه في الثمن، وأما المشتري فلغرض رفع المطالبة. لكنه إذا حلفه أحدهما لم يحلفه الثاني
كما قال شيخي إنه الأوجه، لأن خصومتهما واحدة، وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين. (ثم) بعد حلفه (يأخذ المال من
المشتري) لبقاء الحوالة ثم يرجع به المشتري على البائع في أحد وجهين يظهر ترجيحه كما رجحه الرافعي في الشرح الصغير
وجرى عليه ابن المقري، لأنه قضى دينه بإذنه الذي تضمنته الحوالة. ورجح البغوي الوجه الآخر لأنه يقول ظلمني المحتال
بما أخذه، والمظلوم لا يرجع إلا على ظالمه، فإن نكل المحتال عن اليمين حلف المشتري على الحرية. وتبين بطلان الحوالة
بناء على أن اليمين المردودة كالاقرار، أما إذا جعلناها كالبينة إذ لا فائدة في التحليف كما قاله ابن الرفعة. (ولو قال المستحق
عليه) للمستحق (وكلتك لتقبض لي) ديني من فلان، (وقال المستحق أحلتني) به. (أو قال) الأول (أردت بقولي أحلتك) به
(الوكالة وقال المستحق بل أردت) بذلك (الحوالة صدق المستحق عليه بيمينه) لأنه أعرف بإرادته، والأصل بقاء الحقين.
قال البلقيني: ومن هذا يؤخذ أن أحلتك فيما يذكر كناية وقد قدمت ما فيه، وعلى كلامه لو لم يكن له إرادة فلا حوالة
ولا وكالة. (وفي الصورة الثانية وجه) بتصديق المستحق بيمينه لأن الظاهر منعه. ومحل الخلاف إذا قال: أحلتك بمائة على
زيد ونحو ذلك، أما إذا قال: أحلتك بالمائة التي لك علي بالمائة التي لي على زيد، فالقول قول المستحق قطعا لأن ذلك
لا يحتمل غير الحوالة.
تنبيه: أشار المصنف بقوله: المستحق والمستحق عليه إلى أن صورة المسألة أن يتفقا على الدين، فلو أنكر مدعي
الوكالة الدين في الحالة الأولى صدق بيمينه قطعا، وكذا في الثانية عند الجمهور. فإذا حلف المستحق عليه في الصورتين
الأولتين واندفعت الحوالة: إنكار الآخر الوكالة انعزل فليس له قبض، فإن كان قد قبض المال قبل الحلف برئ الدافع له
لأنه محتال أو وكيل ووجب تسليمه للحالف إن كان باقيا وبدله إن كان تالفا وحقه عليه باق. فإن خشي امتناع الحالف
من تسليم حقه له كان له في الباطن أخذ المال وجحد الحالف لأنه ظفر بجنس حقه من مال الحالف وهو ظالمه. ولو تلف
المقبوض مع القابض بلا تفريط منه لم يطالبه الحالف لزعمه الوكالة والوكيل أمين، ولم يطالب هو الحالف لزعمه الاستيفاء.
197

أو تلف معه بتفريط طالبه لأنه صار ضامنا، وبطل حقه لزعمه استيفاءه. (وإن قال) المستحق
عليه (أحلتك فقال) المستحق (وكلتني) أو قال: أردت بقولك أحلتك الوكالة، (صدق الثاني بيمينه) في الأولى جزما، لأن الأصل بقاء حقه. وفي الثانية في
الأصح. ويظهر أثر فائدة هذا الخلاف عند إفلاس المحال عليه. وإذا حلف المستحق في الصورتين اندفعت الحوالة
ويأخذ حقه من الآخر، ويرجع به الآخر على المحال عليه في أحد وجهين رجحه ابن المقري تبعا لاختيار ابن كج. فإن كان
قد قبضه فله تملكه لحقه لأنه من جنس حقه، وإن تلف بلا تفريط لم يضمن لأنه وكيل وهو أمين أو بتفريط ضمن
وتقاصا.
خاتمة: للمحتال أن يحيل غيره وأن يحتال من المحال عليه على مدينه. ولو أجر جندي إقطاعه وأحال ببعض الأجرة
على المستأجر ثم مات تبين بطلان الإجارة فيما بعد موته من المدة وبطلان الحوالة فيما يقابله، وتصح الإجارة في المدة التي
قبل موت المؤجر فتصح الحوالة بقدرها، ولا يرجع المحال عليه بما قبضه المحتال منه من ذلك ويبرأ المحيل منه. ولو أقرض
شخص اثنين مائة مثلا على كل واحد منهما خمسون وتضامنا فأحال بها شخصا على أن يأخذ من أيهما شاء جاز في أصح الوجهين،
وقيل: لا يجوز لأنه لم يكن له إلا مطالبة واحد فلا يستفيد بالحوالة زيادة صفة، ووجه الأول أنه لا زيادة في القدر ولا في
الصفة. قال الأسنوي: ولو أحال على أحدهما بخمسين فهل تنصرف إلى الأصلية أو توزع أو يرجع إلى إرادة المحيل فإن
لم يرد شيئا صرفه بنيته؟ فيه نظر، وفائدته فكاك الرهن الذي يأخذه، أي بخمسين اه‍. والقياس كما قال شيخنا الرجوع إلى
إرادته. ولو أقام بينة أن غريمه الدائن أحال عليه فلانا الغائب سمعت وسقطت مطالبته له، فإن لم يقم بينة صدق
غريمه
بيمينه. ولا يقضى بالبينة للغائب بأن تثبت بها الحوالة في حقه حتى لا يحتاج إلى إقامة بينة إن قدم في أحد وجهين رجحه
ابن سريج، إذ لا يقضى بالبينة للغائب، والوجه الثاني: يقضى بها، وهو احتمال لابن الصباغ، لأنه إذا قدم يدعي على المحال عليه
لا المحيل وهو مقر له، فلا حاجة إلى إقامة البينة.
باب الضمان:
هو لغة: الالتزام، وشرعا: يقال الالتزام حق ثابت في ذمة الغير أو إحضار من هو عليه أو عين مضمونة، ويقال للعقد الذي
يحصل به ذلك، ويسمى الملتزم لذلك ضامنا وضمينا وحميلا وزعيما وكافلا وكفيلا وصبيرا وقبيلا. قال الماوردي: غير
أن العرف جار بأن الضمين مستعمل في الأموال، والحميل في الديات، والزعيم في الأموال العظام، والكفيل في النفوس،
والصبير في الجميع. والأصل فيه قبل الاجماع أخبار كخبر: الزعيم غارم رواه الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه،
وخبر الصحيحين: أنه (ص) أتي بجنازة، فقال: هل ترك شيئا؟ قالوا: لا، قال: هل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة
دنانير، فقال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله وعلي دينه فصلى عليه. وذكرت في شرح التنبيه
ما له بهذا الخبر تعلق، وإنما لم أستدل بقوله تعالى: * (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) * لأنه شرع من قبلنا، وهو ليس
بشرع لنا على الصحيح وإن ورد في شرعنا ما يقرره خلافا لبعض المتأخرين. وأركان ضمان المال خمسة: ضامن، ومضمون له،
ومضمون عنه، ومضمون به، وصيغة، وكلها تؤخذ من كلامه كما ستراه. وبدأ بشرط الضامن، فقال: (شرط
الضامن) ليصح ضمانه (الرشد) وهو كما تقدم في باب الحجر صلاح الدين والمال لأن الضمان تصرف مالي، فلا يصح
من مجنون وصبي ومحجور عليه بسفه لعدم رشدهم.
تنبيه: يرد على طرد هذه العبارة المكره والمكاتب إذا ضمن بغير إذن سيده والأخرس الذي لا تفهم إشارته
198

ولا يحسن الكتابة والنائم، فإنهم رشداء ولا يصح ضمانهم. وعلى عكسها السكران المتعدي بسكره ومن سفه بعد رشده
ولم يحجر عليه والفاسق، فإنهم يصح ضمانهم وليسوا برشداء. فلو عبر بأهلية التبرع والاختيار لسلم من ذلك. فإن قيل:
يرد عليه الصبي أيضا فإنه وصف الصبيان في كتاب الصيام بالرشد. أجيب بأن المراد بالرشد هنا صلاح الدين والمال
كما مر، والصبي ليس كذلك، وإطلاق الرشد عليه هناك مجاز. ولو ضمن شخص ثم قال: كنت وقت الضمان صبيا
وكان في سن محتمل قبل قوله بيمينه، وكذا لو قال: كنت مجنونا (وعرف له جنون سابق صدق) وهذا بخلاف ما لو
زوج أمته ثم ادعى ذلك، فإن الأصح تصديق الزوج كما دل عليه كلام الرافعي قبيل الصداق لأن الأنكحة يحتاط فيها
غالبا، والظاهر أنها تقع بشروطها وإن نظر في ذلك الأذرعي بأن أكثر الناس يجهل الشروط. والغالب على العقود التي
تنفرد بها العامة الاختلاف. (وضمان محجور عليه بفلس) في ذمته (كشرائه) بثمن فيها، والأصح صحته كما سبق،
ويطالب بما ضمنه إذا انفك عنه الحجر وأيسر. (وضمان عبد بغير إذن سيده) مأذونا كان أو غيره، (باطل في الأصح)
لأنه إثبات مال في الذمة بعقد فلم يصح كالنكاح. نعم إن ضمن سيده صح لأن ما يؤدي منه ملكه. فإن قيل: قد
صرحوا بصحة خلع الأمة بغير إذن سيدها مع أنه إثبات مال في الذمة فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الأمة
قد تحتاج إلى الخلع لسوء عشرة الزوج، ولا ضرورة إلى الضمان. والثاني: يصح ويتبع به إذا عتق وأيسر، إذ لا ضرر
على السيد كما لو أقر بإتلاف مال وكذبه السيد. (ويصح بإذنه) حتى عن العبد، لأن المنع إنما كان لحقه وقد زال
بالاذن. ولا يجب عليه أن يضمن وإن كان الاذن بصيغة الامر كما يؤخذ من اقتصار المتن على الصحة، بخلاف البيع
ونحوه من التصرفات لأنه لا سلطة للسيد على ذمة عبده. قال الأسنوي: وهل يشترط معرفة السيد قدر الدين؟ فيه
نظر، والمتجه اشتراطه بناء على تعلقه بمال السيد لا بذمة العبد اه‍. أما سيده فلا يصح ضمان رقيقه له لأنه يؤدي
من كسبه وهو لسيده فهو كما لو ضمن المستحق لنفسه. وقضية ذلك صحة ضمان المكاتب لسيده، وهو كذلك. وإذا
أدى الرقيق ما ضمنه عن الأجنبي بالاذن من سيده بعد العتق فحق الرجوع له، أو قبل العتق فحق الرجوع لسيده، أو
أدى ما ضمنه عن السيد فلا رجوع له وإن أداه بعد عتقه كما اقتضاه كلام الروضة وجزم به ابن المقري. وفارقت هذه
ما قبلها بأن منفعة الرقيق فيها وقعت للسيد فكأنه استوفاها حال رقه، كمسألة الإجارة، بخلافها في تلك فإنها وقعت
للأجنبي فكان الرجوع عليه. (فإن عين) السيد (للأداء كسبه أو غيره) من أموال السيد، (قضى منه)
لتصريحه بذلك. نعم إن قال له اضمن في مال التجارة وعليه دين وحجر القاضي عليه باستدعاء الغرماء لم يؤد مما في يده
، لأن تعلق حق الغرماء سابق. أما إذا لم يحجر عليه فيتعلق بالفاضل عن حقوق الغرماء رعاية للجانبين. (وإلا) بأن
اقتصر له على الاذن في الضمان، (فالأصح أنه إن كان مأذونا له في التجارة تعلق) غرم الضمان (بما في يده) وقت
الاذن في الضمان ربحا ورأس مال، (وما يكسبه بعد الاذن) له في الضمان كما في المهر. فإن قيل: لم اعتبروا في الكسب
هنا حدوثه بعد الاذن، وثم حدوثه بعد النكاح؟ أجيب بأن الدين المضمون كان موجودا حال الاذن في الضمان فتعلق
بما بعد الاذن، بخلاف المهر وسائر مؤن النكاح. (وإلا) أي وإن لم يكن مأذونا له في التجارة، (فيما) أي فيتعلق غرم
الضمان بما (يكسبه) بعد الاذن فيه. والوجه الثاني: يتعلق بذمته في القسمين يتبع به بعد العتق. والثالث: في الأول
يتعلق بما يكسبه بعد الاذن فقط. والرابع: يتعلق بذلك وبالربح الحاصل في يده فقط. والثالث في الثاني يتعلق برقبته وأم
الولد والمدبر والمعلق عتقه بصفة. والمبعض إذا لم تجز بينه وبين سيده مهايأة أو جرت وضمن في نوبة سيده كالقن فيما
ذكر، أما إذا جرت مهايأة في المبعض فإنه يصح الضمان إذا ضمن في نوبته ولو بغير إذن سيده، ويصح ضمان
199

المكاتب بإذن سيده لا بدونه كسائر تبرعاته. ويؤخذ مما مر أنه لو ضمن سيده صح. وأما العبد الموقوف، فقال
في المطلب: ينبغي أن يجزم بعدم صحة ضمانه إذا قلنا بالمشهور أنه لا يصح عتقه لعدم فائدته. قال: والظاهر أن الموصى
برقبته دون منفعته أو بالعكس كالقن، لكن هل المعتبر إذن مالك الرقبة أو المنفعة؟ يشبه أن يكون فيه خلاف يلتفت
إلى أن ضمان القن يتعلق برقبته أو بذمته أو بكسبه. قال الأذرعي: وفيه نظر، لأنه إذا أوصى بمنفعته أبدا فلا سبيل إلى
التعلق بكسبه بإذن مالك الرقبة بمفرده، فأما أن يعتبر إذنهما جميعا أو لا يصح اه‍. والأوجه كما قال شيخي اعتبار إذنهما
لأن الضمان يتعلق بالأكساب النادرة وهي لمالك الرقبة، خلافا لبعض المتأخرين من أن الأوجه اعتبار إذن الموصى له بالمنفعة
بناء على الشق الأخير من كلام المطلب. ويصح ضمان المرأة بغير إذن زوجها كسائر تصرفاتها. ثم شرع في شرط المضمون له
وهو الركن الثاني، فقال: (والأصح اشتراط معرفة المضمون له) وهو مستحق الدين لتفاوت الناس في استيفاء الدين تشديدا
وتسهيلا، وأفتى ابن الصلاح وغيره بأن معرفة وكيل المضمون له كمعرفته وابن عبد السلام وغيره بخلافه، وجرى بين
ابن الصلاح وابن عبد السلام في ذلك محاورات. والأول أوجه لأن كثيرا من الناس لا يوكل إلا من هو أشد منه في الطلب
فيكون الموكل أسهل منه في ذلك غالبا. وقال الأذرعي: الظاهر المختار الصحة لأن أحكام العقد تتعلق بالوكيل، وقد وقع
الاجماع الفعلي على المعاملة للأيتام والمحجورين الذين لا يعرفهم المدين بحال والمماراة فيه جمود لا يليق ب ابن عبد السلام فمن
دونه اه‍. والثاني: لا يشترط لظاهر الآية وحديث أبي قتادة المتقدم، فإنه ضمن لمن لا يعرفه، ولأنه (ص) لم يسأله هل
يعرفه أو لا فكان على عمومه.
تنبيه: قوله: معرفة المضمون له، أي معرفة الضامن والمضمون له كما أفصح به في التنبيه والحاوي، فأضاف المصدر
إلى المفعول وهو قليل. قال في المطلب: والمراد معرفته بالعين لا الاسم والنسب كما دل عليه كلام الماوردي ولا المعاملة
كما قاله صاحب المعين. (و) الأصح على الأول (أنه لا يشترط قبوله) للضمان (و) لا (رضاه) لعدم التعرض لذلك
في حديث أبي قتادة السابق. والثاني: يشترط الرضا ثم القبول لفظا. والثالث: يشترط الرضا دون القبول لفظا.
تنبيه: لو زاد لا قبل رضاه كما قدرتها تبعا للمحرر لكان أولى، لأن المقصود نفي كل منهما، ومع حذفها لا يستفاد
إلا نفي الهيئة الاجتماعية، وحينئذ فيصدق الكلام بالوجه الثالث. ثم شرع في ذكر المضمون عنه حرا كان أو رقيقا موسرا
أو معسر وهو الركن الثالث، فقال: (ولا يشترط رضا المضمون عنه) وهو المدين (قطعا لأن قضاء دين الغير بغير إذنه
جائز فالتزامه أولى وكما يصح الضمان عن الميت اتفاقا وإن لم يخلف وفاء. (ولا معرفته في الأصح) قياسا على رضاه،
إذ ليس ثم معاملة. والثاني: يشترط ليعرف هل هو موسر أو ممن يبادر إلى قضاء دينه أو يستحق اصطناع المعروف أو لا.
ورد بأن اصطناع المعروف لأهله ولغير أهله معروف. ثم شرع في شرط المضمون وهو الركن الرابع، فقال: (ويشترط
في المضمون) وهو الدين أو العين المضمونة، (كونه) حقا (ثابتا) حال العقد، فلا يصح ضمان ما لم يجب سواء أجرى سبب
وجوبه، كنفقة ما بعد اليوم للزوجة وخادمها، أم لا كضمان ما سيقرضه لفلان، لأن الضمان وثيقة بالحق فلا يسبقه كالشهادة،
فيصح بنفقة اليوم للزوجة وما قبله لثبوته لا بنفقة القريب لمستقبل كما مر في نفقة الزوجة. وفي يومه وجهان: صحح
الأذرعي وغيره منهما المنع أيضا لأن سبيلها سبيل البر والصلة لا سبيل الديون، ولهذا تسقط بمضي الزمان وضيافة الغير.
ويكفي في ثبوت الحق اعتراف الضامن لا ثبوته على المضمون عنه، فلو قال شخص: لزيد على عمرو مائة وأنا ضامنه فأنكر
عمرو فلزيد مطالبة القائل في الأصح، ذكره الرافعي في الاقرار بالنسب.
تنبيه: قوله: ثابتا صفة لموصوف محذوف: أي حقا ثابتا كما قدرته في كلامه، وهو ما صرح به الرافعي في كتبه
والمصنف في الروضة، فيشمل الأعيان المضمونة كما قدرته في كلامه أيضا، وسيأتي التنبيه عليها، والدين سواء كان مالا
أم عملا في الذمة بالإجارة، بخلاف الرهن فإنه لما لم يصح على الأعيان، صرح فيه بالدين، فقال هناك: ويشترط كونه
200

دينا ثابتا. (وصحح) في (القديم ضمان ما سيجب) كثمن ما سيبيعه أو ما سيقرضه، لأن الحاجة قد تدعو إليه. (والمذهب صحة
ضمان الدرك) بفتح الراء وسكونها، وهو التبعة، أي المطالبة والمؤاخذة وإن لم يكن له حق ثابت، لأن الحاجة قد تدعو
إلى معاملة الغريب ويخاف أن يخرج ما يبيعه مستحقا ولا يظهر به فاحتيج إلى التوثق به. ويسمى أيضا ضمان العهدة لالتزام
الضامن ما في عهدة البائع رده. والعهدة في الحقيقة عبارة عن الصك المكتوب فيه الثمن، ولكن الفقهاء يستعملونه في الثمن
لأنه مكتوب في العهدة مجازا، تسمية للحال باسم المحل. (بعد قبض الثمن) لأنه إنما يضمن ما دخل في يد البائع ولا يدخل
الثمن في ضمانه إلا بقبضه. وخرج بعد قبضه الثمن ما لو ثبت دين على غائب فباع الحاكم عقاره من المدعي بدينه وضمن
له الدرك شخص إن خرج المبيع مستحقا فإنه لا يصح الضمان - قاله البغوي - لعدم القبض، ونحوه ما في فتاوى ابن الصلاح
لو أجر المديون وقفا عليه بدينه وضمن ضمان الدرك. ثم إن بطلان الإجارة لمخالفتها شرط الواقف لا يلزم الضامن شئ
من الأجرة لبقاء الدين الذي هو أجرة بحاله، فلم يفت عليه شئ. (وهو) أي ضمان الدرك (أن يضمن للمشتري الثمن إن
خرج المبيع مستحقا) أو إن أخذ بشفعة سابقة على البيع ببيع آخر، (أو معيبا) ورده المشتري، (أو ناقصا) إما لرداءته أو (لنقص
الصنجة) التي وزن بها، وهي بفتح الصاد فارسية وعربت والجمع صنج، ويقال سنجة بالسين خلافا لابن السكيت. وهذا
كالمستثنى من بطلان ما سيجب، ووجه صحته ما مر. وفي قول: وهو باطل لأنه ضمان ما لم يجب. ورد بأنه إن خرج المبيع
كما ذكر تبين وجوب رد الثمن. وقطع بعضهم بالأول، وعليه يشترط علم الضامن بقدر الثمن، فإن جهله لم يصح.
وكيفية ضمان الدرك بالثمن أن يقول للمشتري: ضمنت لك
عهدة الثمن أو دركه أو خلاصك منه، فإن قال: ضمنت لك خلاص المبيع لم يصح، لأنه لا يستقل بتخليصه إذا استحق، فإن شرط في البيع كفيلا بخلاص المبيع بطل البيع لفساد
الشرط، وإن ضمن درك الثمن وخلاص المبيع معا صح ضمان الدرك دون ضمان خلاص المبيع تفريقا للصفقة. ولا
يختص ضمان الدرك بالثمن بل يجري في المبيع فيضمنه للبائع إن خرج الثمن المعين مستحقا أو أخذ بشفعة سابقة أو معيبا أو
ناقصا إما لرداءته أو لنقص الصنجة، ولو ضمن عهدة فساد مبيع بغير الاستحقاق أو عهدة العيب أو التلف قبل قبض
المبيع صح للحاجة إليه، ولا يدخل ذلك تحت ضمان العهدة بأن يقول: ضمنت لك عهدة أو درك الثمن أو المبيع من غير
ذكر استحقاق أو غيره مما ذكر، لأن المتبادر منه إنما هو الرجوع بسبب الاستحقاق. ولو خص ضمان الدرك بنوع
كخروج المبيع مستحقا لم يطالب بجهة أخرى، ولو خرج بعض المبيع مستحقا طولب الضامن بقسط المستحق.
تنبيه: قد يفهم كلام المصنف عمد صحة ضمان العهدة للمستأجر، وفيه وجهان حكاهما الشيخان في باب الإجارة
رجح منهما ابن الرفعة الصحة وهو الظاهر. ويصح ضمان عهدة المسلم فيه بعد أدائه للمسلم إن استحق رأس المال المعين،
ولا يصح ضمان رأس المال للمسلم إن خرج المسلم فيه مستحقا لأنه في الذمة ولا استحقاق فيه يتصور، وإنما يتصور
في المقبوض.
فرع: لو اختلف الضامن والبائع في نقص الصنجة صدق الضامن بيمينه لأن الأصل براءة ذمته، أو البائع
والمشتري صدق البائع بيمينه لأن ذمة المشتري كانت مشغولة بخلاف الضامن فيما ذكر. وإذا حلف البائع طالب المشتري
بالنقص لا الضامن إلا إن اعترف أو قامت بينة. قال في المطلب: والمضمون في هذا الفصل ليس هو رد العين
وإلا فكان يلزم أن لا تجب قيمته عند التلف بل المضمون ماليته عند تعذر رده، قال: وهذا لا شك فيه عندي وإن لم أراه
مسطورا
. فائدة: قال ابن سريج: لا يضمن درك المبيع إلا أحمق، وهو كقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: لا يدخل
في الوصية إلا أحمق أو لص، وأراد به الغالب في الناس. (وكونه) أي المضمون دينا (لازما) غير مستقر، كالمهر قبل
201

الدخول أو الموت وثمن المبيع قبل قبضه ودين السلم للحاجة إلى التوثق لأنه آيل إلى الاستقرار. (لا كنجوم كتابة) لأن
للمكاتب إسقاطها بالفسخ فلا معنى للتوثق عليه. ويصح الضمان عن المكاتب بغيرها لأجنبي لا للسيد بناء على أن غيرها
يسقط أيضا عن المكاتب بعجزه وهو الأصح. فإن قيل: قد مر أن الحوالة تصح من السيد عليه فهلا كان هنا كذلك
أجيب بأن الحوالة يتوسع فيها لأنها بيع دين بدين جوز للحاجة. (ويصح ضمانة الثمن في مدة الخيار في الأصح) لأنه آيل إلى
اللزوم بنفسه، فألحق باللازم. والثاني: لا، لعدم لزومه في الحال. وأشار الامام إلى أن تصحيح الضمان مفرغ على أن
الخيار لا يمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع، أما إذا منعه فهو ضمان ما لم يجب. وما أشار إليه هو المتجه حتى لو كان الخيار
لهما أو للبائع وحده لم يصح الضمان، وهذا يخالف الحوالة أيضا لأنها تصح في زمن الخيار مطلقا لما مر. (وضمان الجعل)
في الجعالة (كالرهن به) وتقدم أنه يصح الرهن بعد الفراغ من العمل قطعا، ولا يصح قبله ولو بعد الشروع في الأصح،
فلو قال شخص: من رد عبدي فله دينار فضمنه عنه ضامن قبل مجئ العبد لم يصح، لأنه غير لازم كمال الكتابة. والفرق
بين الجعل والثمن في مدة الخيار أنه لا يصير إلى اللزوم إلا بالعمل، بخلاف الثمن فإنه يؤول إليه بنفسه كما مر. (وكونه) أي
المضمون (معلوما) جنسا وقدرا وصفة وعينا (في الجديد) لأنه إثبات مال في الذمة لآدمي بعقد فأشبه البيع والإجارة، فلا
يصح ضمان المجهول ولا غير المعين كأحد الدينين. والقديم: لا يشترط ذلك لأن معرفته متيسرة. ومحل الخلاف في مجهول
يمكن الإحاطة به مثل: أنا ضامن ما بعت من زيد كما مثل به في المحرر، فإن قال لشئ منه بطل جزما.
تنبيه: جملة الشروط التي اعتبرها المصنف تبعا للرافعي ثلاثة: كونه ثابتا لازما معلوما. قال في المهمات: وبقي
للمضمون شرط رابع ذكره الغزالي وأهمله الشيخان، وهو كونه قابلا لأن يتبرع به الانسان على غيره فيخرج
القصاص
وحد القذف والاخذ بالشفعة اه‍، وكان الأولى أن يقول وحق الشفعة اه‍. وهذا الشرط كما قال بعض المتأخرين ضرره
أكثر من نفعه، فإنه يرد على طرده حق القسم للمظلومة فإنه يصير في ذمة الزوج، ويصح التبرع به على غيره ولا يصح
ضمانه للمرأة، وعلى عكسه دين الزكاة فإنه يصح ضمانه مع أنه لا يصح التبرع به على غيره، وكذلك الدين الذي تعلق
به حق الله تعالى يصح ضمانه ولا يصح التبرع به على غيره، وكذلك الدين للمريض المعسر أو الميت المعسر يصح
ضمانه ولا يصح التبرع به.
تتمة: يصح ضمان رد كل عين ممن هي في يده مضمونة عليه كمغصوبة ومستعارة ومستامة ومبيع لم يقبض كما يصح
بالبدن بل أولى، لأن المقصود هنا المال. ويبرأ الضامن بردها للمضمون له ويبرأ أيضا بتلفها فلا يلزمه قيمتها، كما لو مات المكفول
ببدنه لا يلزم الكفيل الدين، ولو ضمن قيمة العين إن تلفت لم يصح لعدم ثبوت القيمة. ومحل صحة ضمان العين إذا أذن فيه واضع اليد
أو كان الضامن قادرا على انتزاعه منه نقله شارح التعجيز عن الأصحاب. أما إذا لم تكن العين مضمونة على من هي بيده كالوديعة
والمال في يد الشريك والوكيل والوصي فلا يصح ضمانها لأن الواجب فيها التخلية دون الرد. (والابراء) من العين باطل جزما، وكذا
(من) الدين (المجهول) جنسا أو قدرا أو صفة (باطل في الجديد) لأن البراءة متوقفة على الرضا ولا يعقل مع الجهالة. والقديم أنه صحيح،
لأنه إسقاط محض كالاعتاق. ومأخذ القولين أنه تمليك أو إسقاط، فعلى الأول يشترط العلم بالمبرأ منه، وعلى الثاني لا، فيصح. قال في
الروضة في باب الرجعة: المختار أنه من المسائل التي لا يطلق فيها ترجيح بل يختلف الترجيح بحسب المسائل لقوة الدليل وضعفه اه‍.
والتحقيق فيه كما أفاده شيخي أنه إن كان في مقابلة طلاق اشترط علم كل من الزوج والزوجة لأنه يؤول إلى المعاوضة
وإلا فهو تمليك من المبرئ إسقاط عن المبرأ عنه فيشترط علم الأول دون الثاني. وطرق الابراء من المجهول أنه يذكر
عددا يتحقق أنه يزيد على قدر الدين كمن لا يعلم هل له عليه خمسة أو عشرة فيبرئه من خمسة عشر مثلا. (إلا من إبل الدية)
202

فيصح الابراء منها على القولين وإن كانت مجهولة الصفة، لأنه اغتفر ذلك في إثباتها في ذمة الجاني فيغتفر في الابراء تبعا له.
(ويصح ضمانها في الأصح كالابراء، ولأنها معلومة السن والعدد ويرجع في صفتها إلى غالب إبل البلد. والثاني: لا، لجهالة
وصفها والابراء مطلوب فوسع فيه بخلاف الضمان. فالوجهان على الجديد، ويصح على القديم جزما. وعلى القول
بصحة الضمان يرجع ضامنها إذا ضمنها بالاذن وغرمها بمثلها لا بقيمتها كالقرض كما جزم به ابن المقري. ولا
يصح ضمان
الدية عن العاقلة قبل الحلول لأنها غير ثابتة بعد، ولو سلم ثبوتها فليست لازمة ولا آيلة إلى اللزوم عن قرب بخلاف الثمن
في مدة الخيار.
فروع: لو ملكه مدينه ما في ذمته برئ منه من غير نية أو قرينة ولو لم يقبل كالابراء، ولو أبرأ أحد خصميه مبهما
لم يصح، ولو أبرأ وارث عن دين مورثه ولو لم يعلم بموته ثم تبين موته صح كما في البيع، ولو ضمن عنه زكاته صح
كدين الآدمي. ويعتبر الاذن عند الأداء إذا ضمن عن حي، فإن ضمن عن ميت جاز الأداء عنه وإن انتفى الاذن
كما ذكره الرافعي في باب الوصية. ولو استحل منه من غيبة اغتابها ولم يعينها له فأحله منها فهل يبرأ منها أو لا؟ وجهان
أحدهما نعم، لأنه إسقاط محض، كمن قطع عضوا من عبد ثم عفا سيده عن القصاص وهو لا يعلم عين المقطوع فإنه يصح.
والثاني: لا، لأن المقصود رضاه ولا يمكن الرضا بالمجهول. ويفارق القصاص بأن العفو عنه مبني على التغليب والسراية بخلاف
إسقاط المظالم، وبهذا جزم المصنف في أذكاره، قال: لأنه قد يسامح شئ دون شئ. وزعم الأذرعي أن الأصح
خلافه أخذا مما ذكره في باب الشهادة من أن مقتضى كلام الحليمي وغيره الجزم به، وهذا هو الظاهر. (ولو قال
ضمنت مالك على زيد من درهم إلى عشرة فالأصح صحته) لانتفاء الغرر بذكر الغاية. والثاني: لا يصح لجهالة المقدار،
فإنه متردد بين الدرهم والعشرة. (و) الأصح على الأول (أنه يكون ضامنا لعشرة) إن كانت عليه أو أكثر منها إدخالا
للطرفين في الالتزام. (قلت: الأصح لتسعة، والله أعلم إدخالا للطرف الأول لأنه مبدأ الالتزام، وقيل: لثمانية، إخراجا
للطرفين. فإن قيل: رجح المصنف في باب الطلاق أنه لو قال: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث وقوع الثلاث، وقياسه
تعين العشرة. أجيب بأن الطلاق محصور في عدد فالظاهر استيفاؤه بخلاف الدين. ولو ضمن ما بين درهم وعشرة لزمه
ثمانية كما في الاقرار، ولو كان جاهلا بقدر الدين وقال ضمنت دراهمك التي على فلان صح في ثلاثة كما هو مقتضى
كلام أصل الروضة في التفويض في الصداق، لدخولها في اللفظ بكل حال.
فصل: في كفالة البدن، وتسمى أيضا كفالة الوجه: (المذهب صحة كفالة البدن) في الجملة لأنه سيأتي منعها
في حدود الله تعالى. وهي التزام إحضار المكفول إلى المكفول له للحاجة إليها، واستؤنس لها بقوله تعالى: * (لن أرسله
معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به) *. وفي قول: لا تصح، لأن الحر لا يدخل تحت اليد ولا يقدر على تسليمه.
والطريق الثاني القطع بالأول. وقول الشافعي: كفالة البدن ضعيفة، أراد من جهة القياس. (فإن كفل بدن من عليه مال
لم يشترط العلم بقدره) لأنه تكفل بالبدن لا بالمال، (و) لكن (يشترط كونه) أي المال (مما يصح ضمانه) فلا تصح
الكفالة ببدن المكاتب للنجوم التي عليه لأنه لا يصح ضمانها كما مر.
تنبيه: قوله كأصله: من عليه مال يوهم أن الكفالة لا تصح ببدن من عنده مال لغيره، وليس مرادا بل تصح
وإن كان المال أمانة كوديعة، لأن الحضور مستحق عليه فيشمله الضابط الآتي. (والمذهب صحتها ببدن من عليه عقوبة
لآدمي كقصاص وحد قذف) وتعزير، لأنه حق لازم فأشبه المال. وفي قول: لا تصح، لأن العقوبة مبنية على الدفع فتقطع
203

الذرائع المؤدية إلى توسيعها. وقطع بعضهم بالأول وبعضهم بالثاني. (و) المذهب (منعها في حدود الله تعالى) كحد
الخمر والزنا والسرقة لأنها يسعى في دفعها ما أمكن. والطريق الثاني قولان، ثانيهما الصحة كحدود الآدميين. وقول
الأذرعي محل المنع في حدود الله تعالى ما لم يتحتم استيفاء العقوبة، فإن تحتم فيشبه أن يحكم بالصحة ضعيف كما نبه عليه
بعض المتأخرين.
تنبيه: الضابط لصحة الكفالة وقوعها بإذن من المكفول مع معرفة الكفيل له ببدن من لزمه إجابة إلى مجلس
الحكم أو استحق إحضاره إليه عند الاستعداء للحق، كالكفالة ببدن امرأة يدعي رجل زوجيتها، لأن الحضور مستحق
عليها، أو ببدن رجل تدعي امرأة زوجيته، أو ببدن امرأة لمن ثبتت زوجيته، وكذا عكسه كما بحثه شيخنا، وكأن
يكون الزوج موليا. (وتصح) الكفالة (ببدن صبي ومجنون) بإذن الولي، لأنه قد يستحق إحضارهما لمجلس الحكم
لإقامة الشهادة ليشهد على صورتهما في الاتلافات وغيرها إذا تحملوا الشهادة كذلك ولم يعرفوا اسمهما ونسبهما.
ويطالب الكفيل وليهما بإحضارهما عند الحاجة إليه، فإن صدرت بغير إذن الولي فكالكفالة ببدن البالغ العاقل بغير
إذنه. قال الأذرعي: والظاهر أنه يعتبر في كفالة بدن السفيه إذن وليه، ويحتمل خلافه اه‍. والأول أظهر. (و) ببدن
(محبوس وغائب) بإذنه كما سيأتي في عموم اللفظ، لأن حصول المقصود متوقع وإن تعذر تحصيل الغرض في الحال كما
يصح ضمان المعسر المال. ولا فرق فيه بين أن يكون في موضع يلزمه الحضور إلى مجلس الحكم أم لا، حتى لو أذن ثم
انتقل إلى بلد بها حاكم أو إلى فوق مسافة العدوي فوقعت بعد ذلك صحت ووجب عليه الحضور معه لأجل إذنه
في ذلك، بل لو كان فوق مسافة القصر كما يؤخذ مما سيأتي. (و) ببدن (ميت ليحضره فيشهد) بفتح الهاء، (على
صورته) إذا تحمل كذلك ولم يعرف اسمه ونسبه. ومن المعلوم أن محل ذلك قبل دفنه وقبل تغيره، ولا نقل من بلد إلى
آخر، فإن حصل شئ من ذلك لم تصح الكفالة. قال في المطلب: ويظهر اشتراط إذن الوارث إذا اشترطنا إذن
المكفول اه‍. وهو كما قال، لكن محله كما قال شيخنا فيمن يعتبر إذنه وإلا فالمعتبر إذن وليه. ودخل في الوارث بيت
المال، وبقي ما لو مات ذمي عن غير وارث وانتقل ماله فيئا لبيت المال، وظاهر كلامهم عدم الاكتفاء بإذن
الإمام،
وهذا هو الظاهر. (ثم إن عين) الكفيل في الكفالة (مكان التسليم تعين) تبعا لشرطه، (وإلا) بأن لم يعين مكانا (فمكانها)
أي الكفالة يتعين كما في السلم فيهما. وكلامهم يفهم أنه لا يشترط بيان موضع التسليم وإن لم يصلح له موضع التكفل
كاللجة، أو كان له مؤنة، وهو مخالف لنظيره في السلم المؤجل فيحتمل أن يلحق به ويحتمل خلافه أخذا بمفهوم كلامهم.
ويفرق بأن السلم عقد معاوضة والتكفل محض التزام، وهذا هو الظاهر، ويحمل على أقرب موضع صالح للتسليم. (ويبرأ
الكفيل بتسليمه) أو بتسليم وكيله (في مكان التسليم) المذكور (بلا حائل، كمتغلب) يمنع المكفول له عنه لقيامه بما
وجب عليه، فإن أحضره مع وجود الحائل لم يبرأ الكفيل لعدم الانتفاع بتسليمه.
تنبيه: قضية كلامه عدم البراءة بتسليمه في غير مكان التسليم، وهو كذلك إن كان للمكفول له غرض
في الامتناع كفوت حاكم أو معين، وإن امتنع لا لغرض تسلمه الحاكم عنه، لأن التسلم حينئذ لازم له، فإذا امتنع منه
ناب عنه الحاكم فيه، فإن لم يكن حاكم سلمه إليه وأشهد به شاهدين ويبرأ بتسليمه للمكفول له محبوسا بحق لامكان
إحضاره ومطالبته بالحق، بخلاف ما إذا كان محبوسا بغير حق لتعذر تسليمه. (وبأن يحضر المكفول) في مكان التسليم
(ويقول) للمكفول له: (سلمت نفسي عن جهة الكفيل) كما يبرأ الضامن بأداء الأصيل الدين. ولو سلم نفسه عن
الكفيل فأبى أن يقبله، قال الماوردي: أشهد المكفول أنه قد سلم نفسه عن كفالة فلان وبرئ الكفيل منها. وقياس
204

ما تقدم أنه يتعين الرفع إلى الحاكم ثم الاشهاد.
تنبيه: إطلاق المصنف يشمل الصبي والمجنون يسلمان أنفسهما عن جهة الكفيل. قال الأذرعي: وفيه وقفة إذ
لا حكم لقولهما ولم أره نصا، والظاهر أنه إن قبل حصل التسليم وإلا فلا اه‍. وهو حسن. (ولا يكفي مجرد حضوره) من غير
قوله: سلمت نفسي عن الكفالة، لأنه لم يسلمه إليه ولا أحد عن جهته، فلو سلمه إليه أجنبي عن جهة الكفيل بإذنه
برئ، أو بغير إذنه فلا إن لم يقبل. فإن قيل: ولا يلزمه القبول، برئ الكفيل. ولو تكفل به رجلان معا أو مرتبا فسلمه
أحدهما لم يبرأ الآخر. وإن قال: سلمته عن صاحبي كان كما لو كان الدين رهنان فانفك أحدهما لا ينفك الآخر. ولو كفل
رجل لرجلين فسلم إلى أحدهما لم يبرأ من حق الآخر. ولو تكافل كفيلان ثم أحضر أحدهما المكفول به برئ محضره
من الكفالة الأولى والثانية وبرئ الآخر من الثانية، لأن كفيله سلمه ولم يبرأ من الأولى، لأنه لم يسلم هو ولا أحد عن
جهته. ولو أبرأ المكفول له الكفيل من حقه برئ، وكذا لو قال: لا حق لي على الأصيل أو قبله في أحد وجهين
قال الأذرعي: إنه الأقرب، كما يبرأ الأصيل بإقراره المذكور. (فإن غلب) المكفول (لم يلزم الكفيل
إحضاره إن جهل
مكانه) لعدم إمكانه، فأشبه المعسر بالدين والقول قوله أنه لا يعلم. (وإلا) بأن علم مكانه (فيلزمه) إحضاره، ولو كان فوق
مسافة القصر كغيبة مال المديون إلى هذه المسافة فإنه يؤمر بإحضاره، وسواء كان غائبا عند الكفالة كما مر أو غاب بعدها،
بشرط أمن الطريق ولم يذهب إلى من يمنعه، وما يغرمه الكفيل من مؤنة السفر في هذه الحالة في ماله. (ويمهل مدة ذهاب
وإياب) على العادة لأنه الممكن. قال الأسنوي: وينبغي أن يعتبر مع ذلك مدة إقامة المسافرين للاستراحة وتجهيز المكفول،
وهو كما قال شيخنا ظاهر في مسافة القصر فأكثر بخلاف ما دونها. وقال الأذرعي: والظاهر إمهاله عند الذهاب والعود
لانتظار رفقة يأمن بهم، وعند الأمطار والثلوج الشديدة والأحوال المؤذية التي لا تسلك عادة، ولا يحبس مع هذه
الاعذار اه‍. وهذا ظاهر. (فإن مضت) أي المدة المذكورة (ولم يحضره حبس) قال الأسنوي: إن لم يؤد الدين لأنه مقصر،
فلو أداه ثم قدم الغائب، فالمتجه أن له استرداده. وقال الغزي: الأقرب عدم استرداده لأنه متبرع بالأداء لتخليص
نفسه اه‍. والأول أوجه لأنه ليس متبرعا وإنما غرمه للفرقة. وينبغي كما قال شيخي أن يلحق بقدومه تعذر حضوره بموت
ونحوه حتى يرجع به، وإذا حبس أديم حبسه إلى أن يتعذر إحضار الغائب بموت أو جهل بموضعه أو إقامة عند من يمنعه،
قاله في المطلب. (وقيل إن غاب إلى مسافة القصر) فأكثر (لم يلزمه إحضاره) كالولي وشاهد الأصيل، فإن غيبتهما إلى
هذه المسافة كالغيبة المنقطعة. (والأصح أنه إذا مات ودفن أو لم يدفن) أو هرب أو توارى، (لا يطالب الكفيل بالمال) لأنه
لم يلتزمه وإنما ضمن النفس ولم يتمكن من إحضارها. والثاني: يطالب به بدلا عن الاحضار المعجوز عنه لأن ذلك فائدة
هذه الوثيقة.
تنبيه: ظاهر إطلاق المصنف أنه لا فرق في جريان الخلاف بين أن يخلف المكفول وفاء أم لا. قال الأسنوي
تبعا للسبكي: وظاهر كلامهم اختصاصه بما إذا لم يخلف ذلك اه‍. واحترز بالمال عن العقوبة فإنه لا يطالب بها جزما. قال
الأسنوي: وتقييد المصنف تبعا للمحرر بالدفن إنما يستقيم أن لو تكلم في بطلان الكفالة، وأما الوجهان في المطالبة
فيستوي فيها قبل الدفن وبعده اه‍. ولهذا قدرت في كلامه أو لم يدفن، وقبل الدفن إن احتيج إلى إحضاره لإقامة الشهادة
على عينه أحضره الكفيل بالشروط المتقدمة، ولا شئ على من تكفل ببدن رقيق فمات أو زوجة فماتت. (و) الأصح
(أنه لو شرط في الكفالة أنه يغرم المال إن فات التسليم) كقوله: كفلت بدنه بشرط الغرم أو على إني أغرم. (بطلت) لأنه
205

شرط ينافي مقتضاها بناء على أنه لا يغرم عند الاطلاق. والثاني: يصح بناء على مقابله. فإن قيل: هلا بطل
الشرط فقط
كما لو أقرضه بشرط رد مكسر عن صحيح أو لشرط الخيار للمضمون له أو ضمن المؤجل بشرط الحلول بجامع أنه زاد
خيرا أجيب بأن المشروط في تلك صفة تابعة، وفي هذه أصل بفرد بعقد، والتابع يغتفر فيه ما لا يغتفر في الأصل. ولو قال:
كفلت بدنه فإن مات فعلي المال صحت الكفالة وبطل التزام المال، قاله الماوردي. وهو كما قال الزركشي محمول على
ما إذا لم يرد به الشرط وإلا بطلت. (و) الأصح (أنها لا تصح بغير رضا المكفول) الذي يعتبر إذنه أو الولي حيث لا يعتبر، بناء
على أن الكفيل لا يغرم المال عند العجز فلا فائدة لها إلا حضور المكفول، وهو لا يلزمه الحضور مع الكفيل حينئذ. والثاني:
تصح بناء على أنه يغرم فيلزمه المال لأنه عاجز عن إحضاره.
تنبيه: علم من كلام المصنف أنه لا يشترط رضا المكفول له، وهو الأصح، كما لا يشترط رضا المضمون له، فلو تكفل
به بلا إذن منه لم تلزمه إجابة الكفيل فليس للكفيل مطالبته، وإن طالب المكفول له الكفيل كما في ضمان المال بغير إذن
إلا إن سأله المكفول له إحضاره كأن قال له أحضره إلى القاضي فإنه إذا أحضره باستدعاء القاضي وجب عليه، لكنه
ليس بسبب الكفالة بل لأنه وكيل صاحب الحق، وعلى هذا لا بد من اعتبار مسافة العدوي. وإنما اعتبر استدعاء القاضي
لأن صاحب الحق لو طلب إحضار خصمه إلى القاضي لم يلزمه الحضور معه بل يلزمه أداء الحق إن قدر عليه وإلا فلا
شئ عليه. وإذا امتنع الكفيل من إحضار المكفول في هاتين الصورتين لم يحبس، أما في الصورة الأولى وهي فيما إذا لم
تلزمه الإجابة فإنه حبس على ما لا يقدر عليه، وأما في الثانية وهي فيما إذا قال له أحضره إلى القاضي فلانه وكيل.
تتمة: لو مات الكفيل بطلت الكفالة ولا شئ للمكفول له في تركته لأنه لا يلزمه مال كما مر، ولو مات المكفول
له لم تبطل ويبقى الحق لورثته كما في ضمان المال، فلو خلف ورثة وغرماء وأوصياء لم يبرأ الكفيل إلا بالتسليم إلى الجميع،
ويكفي التسليم إلى الموصى له عن التسليم إلى الوصي في أحد وجهين كما رجحه بعض المتأخرين، أي إذا كان الموصى له
محصورا لا كالفقراء ونحوهم كما قال الأذرعي.
فصل: في بيان الصيغة، وهي الركن الخامس للضمان الشامل للكفالة معبرا عن ذلك بالشرط، فقال: (يشترط في الضمان)
للمال (والكفالة) للبدل صيغة لتدل على الرضى، وهي (لفظ) صريح أو كناية (يشعر بالتزام) كغيره من الحقول، وفي معناه
الكتابة وإشارة أخرس مفهمة (كضمنت لك (دينك عليه) أي فلان، (أو تحملته أو تقلدته) أو التزمته (أو تكفلت ببدنه أو
أنا بالمال) الذي على زيد (أو بإحضار الشخص ضامن أو كفيل أو زعيم أو حميل) أو قبيل، أو علي ما على
فلان، لثبوت
بعض ذلك بالنص والباقي بالقياس، مع اشتهار لفظ الكفالة بين الصحابة فمن بعدهم. وكل هذه الألفاظ صرائح، ومن ألفاظ
الكفالة: خل عن فلان والدين الذي عليه عندي، أو دين فلان إلي. ولو تكفل فأبرأه المستحق ثم وجده ملازما للخصيم فقال خله
وأنا على ما كنت عليه من الكفالة صار كفيلا، لأنه إما مبتدئ بالكفالة بهذا اللفظ أو مخبر به عن كفالة واقعة بعد البراءة. فإن قيل:
لو قال سيد المكاتب له بعد فسخ الكتابة: أقررتك على الكتابة لم تعد، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الضمان محض غرر وغبن،
فيكفي فيه ذلك من الملتزم بخلاف الكتابة ونحوها. ولو قال: تكفلت بجسمه أو روحه فهو كقوله: تكفلت ببدنه. ولو تكفل بجزء
شائع كالثلث أو ما لا يبقى الشخص بدونه كالكبد والقلب والرأس والروح والدماغ، فهو كقوله: تكفلت ببدنه كما قاله
صاحب التنبيه وأقره عليه المصنف في تصحيحه وجريت عليه في شرحه، وليس في الشرحين والروضة تصريح بتصحيح، أما
ما يبقى الشخص بدونه كاليد والرجل فلا يكفي. وتقدم الجواب في كتاب البيع عن قولهم كل ما صح تعليقه كالطلاق تصح إضافته
206

إلى الجزء، وما لا كالبيع فلا. والكفالة لا يصح تعليقها كما سيأتي، ويصح إضافتها إلى الجزء.
تنبيه: ذكر في المحرر كالشرحين والروضة لفظة لك بعد ضمنت كما قدرتها في كلامه، فحذفها المصنف تنبيها على
أن ذكرها ليس بشرط، وقال الأذرعي: إنه الظاهر. (ولو قال أؤدي المال أو أحضر الشخص فهو وعد) بالالتزام
لا يلزم الوفاء به، لأن الصيغة لا تشعر بالالتزام. قال في المطلب: إلا أن صحبته قرينة الالتزام فيلزم. (والأصح أنه لا يجوز
تعليقهما) أي الضمان والكفالة (بشرط) ك‍ إذا جاء رأس الشهر فقد ضمنت ما على فلان أو تكفلت ببدنه لأنهما عقدان
فلا يقبلان التعليق كالبيع. والثاني: يجوز، لأن القبول لا يشترط فيهما، فجاز تعليقهما كالطلاق. والثالث: يمتنع تعليق
الضمان دون الكفالة لأن الكفالة مبنية على الحاجة. (و) الأصح أنه (لا) يجوز (توقيت الكفالة) ك‍ أنا كفيل بزيد إلى
شهر وبعده أنا برئ. والثاني: يجوز، لأنه قد يكون له غرض في تسليمه في هذه المدة بخلاف المال، فإن المقصود
منه الأداء، فلهذا لا يجوز تأقيت الضمان قطعا كما يشعر به كلام المصنف. ولا يجوز شرط الخيار في الضمان للضامن ولا
في الكفالة للكفيل لمنافاته مقصودها ولا حاجة إليه، لأن الملتزم فيهما على يقين من الغرر. أما شرطه للمستحق فيصح لأن
الخيرة في الابراء والطلب إليه أبدا، وشرطه للأجنبي كشرطه للضامن. ولو أقر بأنه ضمن أو كفل بشرط خيار مفسد،
أو قال الضامن أو الكفيل: لا حق على من ضمنت أو تكفلت به أو قال الكفيل: برئ المكفول صدق المستحق
بيمينه،
وإن نكل حلفا وبرأنا دون المضمون عنه والمكفول به، ويبطل الضمان بشرط إعطاء مال لا يحسب من الدين، وتبطل
الكفالة بقوله: كفلت زيدا على أن لي عليك كذا، وبقوله: تكفلت بزيد فإن أحضرته وإلا فبعمرو، وبقوله: أبرئ الكفيل
وأنا كفيل المكفول. (ولو نجزها) أي الكفالة (وشرط تأخير الاحضار) بمعلوم كأن جعله (شهرا جاز) لأنه التزام
لعمل في الذمة فجاز مؤجلا كالعمل في الإجارة. واحترز بقوله: نجزها عن تأجيل الكفالة فإنه لا يصح، ومن وقع
في كلامه جواز تأجيلها فهو متجوز، وإنما مراده شرط تأخير الاحضار كما ذكره المصنف. وبقوله: شهرا عن التأجيل
بمجهول كالحصاد فإنه لا يصح. ولو أحضره قبل الاجل فكما سبق في المكان الذي شرط التسليم فيه. (و) الأصح (أنه
يصح ضمان الحال مؤجلا أجلا معلوما) لأن الضمان تبرع والحاجة تدعو إليه فصحح على حسب ما التزمه، ويثبت الاجل
في حق الضامن على الأصح فلا يطالب الضامن إلا كما التزم. ولا نقول التحق الاجل بالدين الحال وإنما يثبت عليه
مؤجلا ابتداء لأن الحال لا يؤجل إلا في صورتين: الأولى إذا أوصى أن لا يطالب إلا بعد شهر مثلا، فإن الوصية صحيحة
ويعمل بها. الثانية: إذا نذر أن لا يطالبه إلا بعد سنة مثلا، قاله المتولي، والثاني: لا يصح الضمان للمخالفة، ووقع في بعض
نسخ المحرر تصحيحه. قال في الدقائق: والأصح ما في بقية النسخ والمنهاج اه‍. ولو ضمن المؤجل مؤجلا بأجل أطول
من الأول فكضمان الحال مؤجلا.
تنبيه: شمل قوله: ضمان الحال من تكفل كفالة شرط فيها تأخير الاحضار ببدن من تكفل بغيره كفالة لم يشرط
فيها ذلك، ولهذا كانت أولى من قول المحرر: ضمان المال الحال. (و) الأصح (أنه يصح ضمان المؤجل حالا) لأنه
تبرع بالتزام التعجيل فصح كأصل الضمان، والثاني: لا يصح لما مر. (و) الأصح على الأول (أنه لا يلزمه التعجيل)
كما لو التزمه الأصيل، والثاني: يلزمه لأن الضمان تبرع لزوم فلزمته الصفة كما لو نذر عتق عبد مؤمن. وعلى الأول هل يثبت
الاجل في حقه مقصودا أو تبعا لقضاء حق المشابهة؟ وجهان، وتظهر فائدتهما فيما لو مات الأصيل والحالة هذه، فإن
جعلناه في حقه تابعا حل عليه وإلا فلا كما لو مات المضمون له، والراجح الثاني كما قاله صاحب التعجيز في شرحه. فإن قيل:
يشكل تصحيح ضمان المؤجل حالا وعكسه بعدم صحة ما لو رهن على الدين الحال وشرط في الرهن أجلا، وكذا عكسه كما صرح
207

به الماوردي فإن كلاهما وثيقة. أجيب بأن الشرط في المرهون إذا كان ينفع الراهن ويضر بالمرتهن أو بالعكس لم يصح،
وهذا الضرر حاصل للراهن إما بحبس المرهون حتى يحل الدين وإما بيعه في الحال قبل حلوله. (وللمستحق) أي المضمون له
أو وارثه، مطالبة الضامن والأصيل) بالدين اجتماعا وانفرادا، أو يطالب أحدهما ببعضه والآخر بباقيه. أما الضامن فلحديث:
الزعيم غارم، وأما الأصيل فلان الدين باق عليه. فإن قيل: يلزم من مطالبتهما أنه إذا كان له مائة أنه يطالب بمائتين
لأنه يطالب كل منهما بمائة، وذلك ممنوع. أجيب بأن الممنوع ليس في المطالبة إنما الممنوع في المرتب عليها وهو الاخذ
وليس له إلا أخذ أحدهما، والتحقيق أن الدين الذي على الضامن هو الذي على الأصيل لا غيره والذمتان مشغولتان به
كالرهنين بدين واحد. قال الماوردي: ولو أفلس الضامن والمضمون عنه، فقال الضامن للحاكم: بع أولا مال المضمون
عنه وقال المضمون له: أريد أن أبيع مال أيكما شئت. قال الشافعي: إن كان الضمان بالاذن أجيب الضامن وإلا فالمضمون له.
وإذا رهن رهنا وأقام ضامنا خير المستحق بين بيع الرهن ومطالبة الضامن على الصحيح.
تنبيه: قد يقتضي كلام المصنف أنه لو قال رجلان لآخر ضمنا مالك على زيد وهو ألف مثلا أنه يطالب كل منهما
بجميع الألف. وفي المسألة وجهان: أحدهما هذا وصححه المتولي، كما لو قالا: رهنا عبدنا هذا بالألف الذي لك على فلان
فإن حصة كل منهما رهن بجميع الألف. والثاني: أنه لا يطالبه إلا بالنصف فقط، وصححه الماوردي والبندنيجي، كما لو
قالا: اشترينا عبدك بألف، وصوب الأول السبكي وقال: لأن الضمان توثقه كالرهن. قال المتولي: ويخالف الشراء
لأن الثمن عوض الملك، فبقدر ما يحصل للمشتري من الملك يجب عليه من الثمن بخلاف الضمان لا معاوضة فيه. وقال
الأذرعي: القلب إلى الثاني أميل لأنه المتيقن وشغل ذمة كل واحد بالزائد مشكوك فيه اه‍. واختلف أيضا علماء
عصرنا في الافتاء في ذلك، وأنا أقول كما قال الأذرعي. وتعبير المصنف بالمستحق أعم من تعبير أصله والروضة بالمضمون
له فإنه يشمل الوارث كما قررت به كلامه، لكنه قد يدخل فيه المحتال مع أنه لا يطالب الضامن، لأن ذمته قد برئت
بالحوالة، ولو ضمن الضامن آخر والآخر آخر وهكذا، طالب المستحق الجميع. (والأصح أنه لا يصح) الضمان (بشرط
براءة الأصيل) لمنافاة الشرط لمقتضى الضمان، وكذا لو ضمن بشرط براءة ضامن قبله
أو كفل بشرط براءة كافل قبله. والثاني: يصح الضمان والشرط، لما رواه جابر في قصة أبي قتادة للميت قال: فجعل النبي (ص) يقول: هما
عليك وفي مالك والميت منهما برئ. فقال: نعم، فصلى عليه. قال الحاكم: صحيح الاسناد. وأجاب الأول بأن المراد
بقوله: برئ إنما في المستقبل. والثالث: يصح الضمان فقط، ويبطل الشرط كما لو أعتق عبدا بشرط أن يعطيه شيئا.
(ولو أبرأ) المستحق (الأصيل) من الدين (برئ الضامن) منه لسقوطه (ولا عكس) أي لو أبرأ الضامن لم
يبرأ
الأصيل لأنه اسقاط وثيقة فلا يسقط بها الدين كفك الرهن، نعم يبرأ معه من بعده من الملتزمين لأنه فرعه فيبرأ ببراءته
دون من قبله.
تنبيه: في معنى الابراء أداء الدين والاعتياض والحوالة به وعليه، وقول ابن الملقن: لو عبر بقوله برئ كان
أشمل، لم يصح في قوله، ولا عكس فإنه لو برئ الكفيل بالأداء برئ الأصيل، فالابراء في الثانية متعين. (ولو مات
أحدهما) والدين مؤجل (حل عليه) لخراب ذمته، وكذا لو استرق (دون الآخر) فلا يحل عليه لأنه يرتفق بالأجل.
فإن كان الميت الأصيل فللضامن أن يطالب المستحق بأخذ الدين من تركته أو إبرائه هو لأن التركة قد تهلك فلا يجد مرجعا
إذا غرم، وإن كان الميت الضامن وأخذ المستحق الدين من تركته لم يكن لورثته الرجوع على المضمون عنه الآذن
في الضمان قبل حلول الأجل.
تنبيه: محل ما ذكره المصنف إذا كان الضمان في الذمة، فإن كان عينا معينة كما لو أعاره عينا ليرهنها وقلنا
بالصحيح أنه ضمان دين في رقبة ذلك الشئ فمات المعير لا يحل الدين كما قاله ابن الصلاح في فتاويه، قال: وإنما يحل الدين
208

الذي في الذمة لتبرأ ذمته منه، وهذا في عين فزال المحذور. (وإذا طالب المستحق الضامن) بالدين (فله مطالبة الأصيل
بتخليصه بالأداء) للدين المضمون له ليبرأ الضامن. هذا (إن ضمن بإذنه) لأنه الذي أوقعه في المطالبة كما أنه يغرمه
إذا غرم. ومعنى التخليص: أنه يؤدي دين المضمون له ليبرأ الضامن. إما إذا ضمن بغير إذنه فليس له مطالبته لأنه
لم يسلطه عليه. قال في المطلب: ولو كان الأصيل محجورا عليه كصبي فللضامن بإذن وليه إن طولب طلب الولي بتخليصه
ما لم يزل الحجر، فإن زال توجه الطلب على المحجور عليه. ويقاس بالصبي المجنون والمحجور عليه بسفه، سواء
أكان الضامن بإذنهما قبل الجنون والحجر أم بإذن وليهما بعد ذلك.
تنبيه: قد يفهم اقتصار المصنف على المطالبة: أن الضامن إذا حبس لا يحبس الأصيل، وهو كذلك إذ لم يفت
عليه قبل تسليمه شئ، قال في المطلب: ولا ملازمته. وصحح السبكي جواز الحبس لأن الأصيل لا يعطي شيئا إذا علم
أنه لا يحبس، وحينئذ فلا يبقى لتجويز المطالبة فائدة. (والأصح أنه لا يطالبه) بتخليصه (قبل أن يطالب) هو
بالدين، كما لا يغرمه قبل أن يغرم. والثاني: يطالب بتخليصه، كما لو استعار عينا للرهن ورهنها فإن للمالك مطالبته بفكها.
وفرق الأول بأن الرهن محبوس بالدين، وفيه ضرر ظاهر بخلاف الضامن، وعلى الأول ليس له أن يقول للمضمون
له إما أن تبرئني من الحق وإما أن تطالبني به لأطالب المضمون عنه كما قاله البندنيجي. ومحل الخلاف إذا كان الدين
حالا وإلا فليس له مطالبته قطعا، ولا يطالب الضامن بالاذن الأصيل بالمال ما لم يسلمه، فلو دفع إليه الأصيل
المال بلا
مطالبة وقلنا لا يملكه وهو الأصح فعليه رده، ويضمنه إن تلف كالمقبوض بشراء فاسد، فلو قال له: اقض به ما ضمنت عني
فهو وكيل والمال أمانة في يده، ولو أبرأ الضامن الأصيل أو صالح عما سيغرم في ماله أو رهنه الأصيل شيئا بما ضمنه
أو أقام به كفيلا لم يصح لأن الضامن لا يثبت له حق بمجرد الضمان، ولو شرط الضامن في ابتداء الضمان أن يرهنه
الأصيل شيئا أو يقيم له به ضامنا فسد الضمان لفساد الشرط. (وللضامن) الغارم (الرجوع على الأصيل إن وجد إذنه
في الضمان والأداء) لأنه صرف ماله إلى منفعة الغير بإذنه. هذا إن أدى من ماله، أما لو أخذ من سهم الغارمين فأدى به
الدين فإنه لا يرجع كما ذكروه في قسم الصدقات خلافا للمتولي. (وإن انتفى) إذنه (فيهما) أي الضمان والأداء (فلا)
رجوع لتبرعه، ولأنه لو كان له الرجوع لما صلى النبي (ص) على الميت بضمان أبي قتادة. (وإن أذن
في الضمان فقط) وسكت عن الأداء (رجع في الأصح) لأنه أذن في سبب الأداء. والثاني: لا يرجع، لانتفاء الاذن في الأداء.
ويستثنى من إطلاق المصنف الرجوع ما إذا ثبت الضمان بالبينة وهو منكر، كأن ادعى على زيد وغائب ألفا وأن كلا
منهما ضمن ما على الآخر بإذنه فأنكر زيد فأقام المدعي بينة وغرمه لم يرجع زيد على الغائب بالنصف لكونه مكذبا للبينة،
فهو مظلوم بزعمه فلا يرجع على غير ظالمه. وما لو ضمن عبد ما في ذمة سيده لأجنبي وأدى بعد العتق فإنه لا يرجع
أي في الأصح، وما لو قال الضامن بالاذن: لله علي أن أؤدي دين فلان ولا أرجع به فإنه إذا أدى لا يرجع. (ولا عكس
في الأصح) لا رجوع فيما إذا ضمن بغير الاذن وأدى بالاذن، لأن وجوب الأداء يسبب الضمان ولم يأذن فيه. والثاني:
لا يرجع، لأنه أسقط الدين عن الأصيل بإذن. ويستثنى من إطلاق المصنف عدم الرجوع ما لو أدى بشرط الرجوع فإنه
يرجع كغير الضامن، وحيث ثبت الرجوع فحكمه حكم القرض حتى يرجع في المتقوم بمثله صورة كما قاله القاضي حسين.
(ولو أدى مكسرا عن صحاح أو صالح عن مائة بثوب قيمته خمسون فالأصح أنه لا يرجع إلا بما غرم) لأنه الذي بذله.
والثاني: يرجع بالصحاح والمائة لحصول براءة الذمة، والنقصان جرى من رب المال مسامحة للضامن. ولو باعه الثوب
209

بمائة وتقاصا، أو قال: بعتك الثوب بما ضمنته لك عن فلان فلا صح البيع ورجع بما ضمنه. ولو صالح الضامن المستحق
من الدين على بعض أو أدى إليه البعض وأبرأه من الباقي رجع بما أدى وبرئ فيهما وبرئ الأصيل عن الباقي في صورة
الصلح دون صورة البراءة، لأن الصلح يقع عن أصل الدين وبراءة الضامن إنما تقع عن الوثيقة.
فروع: لو أحال المستحق على الضامن ثم أبرأ المحتال الضامن هل يرجع الضامن على الأصيل أو لا؟ رجح الجلال
البلقيني الأول، والمعتمد الثاني لقول الأصحاب: إذا غرم رجع بما غرم، وهذا لم يغرم. ومثل ذلك ما لو وهبه المستحق
الدين فإنه لا يرجع، بخلاف ما لو قبضه منه ثم وهبه له فإنه يرجع، كما لو وهبت المرأة الصداق للزوج ثم طلقها قبل الدخول
فإنه يرجع عليها بنصفه بخلاف ما لو أبرأته منه قبل قبضها فإنه لا يرجع عليها بشئ. ولو ضمن ذمي لذمي عن مسلم دينا
فصالح صاحبه على خمر لغا الصلح فلا يبرأ المسلم كما لو دفع الخمر بنفسه. ولو ضمن شخص الضامن بإذنه وأد الدين
للمستحق رجع على الضامن لا على الأصيل ثم يرجع الأول على الأصيل، فإن كان بغير إذنه لم يرجع على الأول لعدم إذنه
ولا الأول على الأصيل لأنه لم يغرم شيئا. (ومن أدى دين غيره بلا ضمان ولا إذن فلا رجوع) له عليه لتبرعه، وفارق
ما لو أوجر طعامه مضطرا قهرا أو وهو مغمى عليه حيث يرجع عليه لأنه ليس متبرعا بل يجب عليه خلاصه من الهلاك
ولما فيه من التحريض على مثل ذلك. ويستثنى من إطلاق المصنف ما لو أدى الولي دين محجوره بنية الرجوع أو
ضمن عنه كذلك فإنه يرجع كما قاله القفال وغيره، وما لو صار الدين إرثا للضامن فإن له الرجوع لانتقال الدين إليه ولو كان
الضمان بغير إذن. (وإن أذن) له في الأداء (بشرط الرجوع رجع) عليه وفاء بالشرط، (وكذا إن أذن) له (مطلقا)
عن شرط الرجوع فإنه يرجع (في الأصح) إذا أدى بقصد الرجوع للعرف. والثاني: لا، إذ ليس من ضرورة الاذن
الرجوع. وفي معنى الاذن التوكيل في الشراء إذا دفع الثمن فإنه يرجع على الراجح لتضمن التوكيل إذنه بدفع الثمن، بدليل
أن للبائع مطالبته بالثمن والعهدة. ولو أذن له في الأداء فضمن لم يرجع لأنه أدى عن الضمان وهو غير مأذون فيه. ولو
ضمن شخص الضامن بإذن الأصيل رجع عليه كما لو قال لغيره أد ديني فأداه. (والأصح أن مصالحته) أي المأذون،
(على غير جنس الدين لا تمنع الرجوع) لأن قصد الآذن حصول البراءة وقد حصلت. والثاني: تمنع، لأنه إنما
أذن في الأداء دون المصالحة فهو متبرع.
تنبيه: لم يبين المصنف بم يرجع، وهو إنما يرجع بالأقل من الدين المضمون وقيمة المؤدى، فلو صالح بالاذن
عن عشرة دراهم على ثوب قيمته خمسة أو عن خمسة على ثوب قيمته عشرة لم يرجع إلا بخمسة. (ثم إنما يرجع الضامن
والمؤدي) بالاذن من غير ضمان (إذا أشهد بالأداء رجلين أو رجلا وامرأتين) لثبوت الحق بذلك، ويعتبر في الشاهد
العدالة. نعم لو أشهد مستورين فبانا فاسقين كفى على الأصح لاتيانه بحجة ولتعذر اطلاعه على الباطن فكان
معذورا.
(وكذا رجل ليحلف معه على الأصح) إذ الشاهد مع اليمين حجة. والثاني: لا، لأنهما قد يترافعان إلى حنفي لا يقضي بشاهد
ويمين فكان ذلك ضربا من التقصير. ورده الامام بأنه لم يشترط أحد إشهاد من يتفق العلماء على قبوله.
تنبيه: قوله: ليحلف معه يقتضي اشتراط العزم على الحلف عند الاشهاد، فلو لم يقصده كان كمن لم يشهد، وبه
صرح في الحاوي. والظاهر أنه لو حلف معه رجع وإن لم يغرم عند الاشهاد. قال الأذرعي: ولو قيل إن كان حاكم
البلد حين الدفع والاشهاد حنفيا فهو مقصر لم يبعد اه‍. والظاهر إطلاق كلام الأصحاب. ولا يكفي إشهاد من يسافر قريبا
إذ لا يفضي إلى المقصود. (فإن لم يشهد) أي الضامن بالأداء وأنكر رب الدين أو سكت، (فلا رجوع) له (إن أدى
210

في غيبة الأصيل وكذبه) لأن الأصيل عدم الأداء وهو مقصر بعدم الاشهاد. (وكذا إن صدقه في الأصح) لأنه لم ينتفع بأدائه
لأن المطالبة باقية. والثاني: يرجع لاعترافه بأنه أبرأ ذمته بإذنه. ومحل الخلاف إذا لم يأمره الأصيل بالاشهاد أو بتركه، فإن
أمره به لم يرجع جزما، أو بتركه رجع جزما كما قاله الدارمي. ولو لم يشهد ثم أدى ثانيا وأشهد هل يرجع بالأول لأنه
المبرئ للذمة أو بالثاني لأنه المسقط للضمان؟ فيه وجهان تظهر فائدتهما فيما لو كان أحدهما صحاحا والآخر مكسرا مثلا،
قال في الروضة: ينبغي أن يرجع بأقلهما، فإن كان الأول فهو بزعمه مظلوم بالثاني، وإن كان الثاني فهو المبرئ لكونه
أشهد به، والأصل براءة ذمة الأصيل من الزائد. (فإن صدقه المضمون له) وكذبه المضمون عنه ولا بينة، (أو أدى بحضرة
الأصيل) مع تكذيب المضمون له، (رجع على المذهب) أي الراجح من الوجهين في المسألتين لسقوط الطلب في الأول وعلم
الأصيل بالأداء في الثانية. والثاني: في الأولى يقول تصديق رب الدين ليس حجة على الأصيل وتصديق ورثة رب الدين
المطلقين التصرف كتصديقه. وهل تصديق الامام حيث يكون لبيت المال كتصديق الوارث الخاص أو تصديق غرماء
من مات مفلسا كتصديق رب الدين؟ قال الأذرعي: لم أر فيه شيئا وهو موضع تأمل اه‍. والظاهر كما قاله بعض المتأخرين
عدم الالحاق لأن المال لغيره، وفي الثانية يقول لم ينتفع الأصيل بالأداء لترك الاشهاد. وأجيب بأنه المقصود بترك الاشهاد،
وهذا ظاهر إذا لم يشرط عليه الاشهاد، فإن شرطه عليه فيظهر أنه لا يرجع لعدم توفيته بالشرط. ويقاس بما ذكر في
الضامن المؤدي في الأحوال المذكورة.
خاتمة: لو قال: أشهدت بالأداء شهودا وماتوا أو غابوا أو طرأ فسقهم فكذبه الأصيل
في الاشهاد، فالقول قول الأصيل بيمينه، لأن الأصل عدم براءة ذمته وعدم الاشهاد، وإن كذبه الشهود فكما لم لو يشهد. فإن قيل: لو أقرت امرأة بنكاح
بحضرة شاهدين فكذباها لا يقدح في إقرارها فهلا كان هنا كذلك أجيب بأنها ثم لو أقرت بحق عليها فلم يلغ بإنكارهما، وهذا
هنا يريد أن يثبت له حقا. ولو قال الشهود: لا ندري وربما نسينا، لا رجوع كما رجحه الامام وجعله أولى بذلك من
دعواه موت الشاهد. ولو باع من اثنين شيئا وشرط أن يكون كل منهما ضامنا للآخر بطل البيع، قال السبكي: ورأيت ابن
الرفعة في حسبته يمنع أهل سوق الرقيق من البيع مسلما، ومعناه إلزام المشتري بما يلحق البائع من الدلالة وغيرها، قال:
ولعله أخذه من هذه المسألة ولا يختص ذلك بالرقيق. وهذا إن كان مجهولا فإن كان معلوما فلا، وكأنه جعله جزءا من الثمن،
بخلاف مسألة ضمان أحد المشتريين للآخر لا يمكن فيها ذلك. قال الأذرعي: لكنه هنا شرط عليه أمرا آخر، وهو أن
يدفع كذا إلى جهة كذا فينبغي أن يكون مبطلا مطلقا اه‍. وهذا هو الظاهر.
كتاب الشركة
بكسر الشين وسكون الراء، وحكي فتح الشين وسكون الراء وكسرها، وشرك بلا هاء. قال تعالى: * (وما لهم
فيهما من شرك) * أي نصيب. وهي لغة: الاختلاط، وشرعا: ثبوت الحق في شئ لاثنين فأكثر على جهة الشيوع. والأصل فيها
قبل الاجماع قوله تعالى: * (واعلموا إنما غنمتم من شئ) * الآية، وخبر السائب بن زيد كان شريك النبي (ص)
قبل المبعث وافتخر بشركته بعد المبعث، وخبر: يقول الله تعالى أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه،
فإذا خانه خرجت من بينهما رواه أبو داود والحاكم وصحح إسنادهما. والمعنى: أنا معهما بالحفظ والإعانة، فأمدهما
بالمعونة في أموالهما، وأنزل البركة في تجارتهما، فإذا وقعت بينهما الخيانة رفعت البركة والإعانة عنهما، وهو
معنى خرجت من بينهما. ومقصود الباب شركة تحدث بالاختيار بقصد التصرف وتحصيل الربح، وليست عقدا مستقلا
211

بل هي في الحقيقة وكالة وتوكيل كما يؤخذ مما سيأتي. (هي) أي الشركة من حيث هي (أنواع) أربعة: الأول: (شركة الأبدان
كشركة الحمالين وسائر المحترفة) كالخياطين والنجارين والدلالين. (ليكون بينهما كسبهما) بحرفتيهما، (متساويا ومتفاوتا
مع اتفاق الصنعة) كنجار ونجار. (أو اختلافها) كخياط ونجار. (و) الثاني: (شركة المفاوضة) بفتح الواو، بأن يشتركا (ليكون
بينهما كسبهما) قال الشيخ في التنبيه: بأموالهما وأبدانهما. (وعليهما ما يعرض) بكسر الراء، (من غرم) سواء أكان بغصب
أم بإتلاف أم ببيع فاسد. وسميت مفاوضة من تفاوضا في الحديث: شرعا فيه جميعا. وقيل: من قولهم قوم فوضى بفتح الفاء:
أي مستوون. (و) الثالث: (شركة الوجوه بأن يشترك الوجيهان) عند الناس (ليبتاع كل منهما بمؤجل) ويكون المبتاع (لهما،
فإذا باعا كان الفاضل عن الأثمان) المبتاع بها (بينهما) أو أن يتفق وجيه وخامل على أن يشتري الوجيه في الذمة ويبيع
الخامل ويكون الربح بينهما، أو على أن يعمل الوجيه والمال للخامل وهو في يده والربح بينهما. قال في أصل الروضة:
ويقرب منه ما ذكره الغزالي أن يدفع خامل مالا إلى وجيه ليبيعه بزيادة ويكون له بعض الربح. وأشهر هذه التفاسير الثلاثة
الأول. (وهذه الأنواع) الثلاثة (باطلة). أما الأول، وهي شركة الأبدان، فلعدم المال فيها ولما فيها من الغرر، إذ لا يدري
أن صاحبه يكسب أم لا، ولان كل واحد منهما متميز ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده، كما لو اشتركا في ماشيتهما وهي
متميزة، ويكون الدر والنسل بينهما، وقياسا على الاحتطاب والاصطياد. وأما الثاني وهي شركة المفاوضة فلاشتمالها
على أنواع من الغرر، ولهذا قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة فلا باطل أعرفه في الدنيا.
أشار إلى كثرة الغرر والجهالات فيها. نعم إن أراد كل منهما بلفظ المفاوضة شركة العنان، كأن قالا: تفاوضنا أو اشتركنا
شركة عنان جاز بناء على صحة العقود بالكنايات. وأما الثالث وهي شركة الوجوه، فلعدم المال المشترك فيها الذي يرجع
إليه عند انفساخ العقد ثم ما يشتريه أحدهما في التصوير الأول، والثاني: ملكه له ربحه وعليه خسرانه، وفي التصوير الثالث
قراض فاسد لاستبداد المالك باليد. نعم إن وكل أحدهما الآخر أن يشتري عينا، وقصد المشتري الشراء لهما، فإنهما يصيران
شريكين في العين المأذون فيها، ولو حصل شئ في النوعين الأولين من اكتساب المشتركين له منفردين أو مجتمعين
فإنه يقسم على أجرة المثل لا بحسب الشرط كما صرح به في أصل الروضة في الأول، واقتضاه كلامه في الثاني. (وشركة العنان
صحيحة) بالاجماع، وهي أن يشتركا في مال لهما ليتجرا فيه على ما سيأتي بيانه. العنان بكسر العين من عن الشئ ظهر،
إما لأنها أظهر الأنواع، أو لأنه ظهر لكل من الشريكين مال الآخر، أو من عنان الدابة، قال السبكي: وهو المشهور.
وإما لاستواء الشريكين في ولاية الصرف والفسخ واستحقاق الربح بقدر المالين كاستواء طرفي العنان، أو لمنع كل منهما
الآخر التصرف كما شاء كمنع العنان الدابة، أو لمنع الشريك نفسه من التصرف في المشترك وهو يطلق التصرف في سائر
أمواله كمنع الآخذ لعنان الدابة إحدى يديه من استعمالها كيف شاء ويده الأخرى مطلقة يستعملها كيف شاء.
وقيل: من عن الشئ عرض، لأن كلا منهما قد عرض له أن يشارك الآخر. وقيل: بفتح العين من عنان السماء: أي
سحابه، لأنها علت كالسحاب بصحتها وشهرتها، ولهذا اتفقوا على صحتها كما مر. ونقل الأسنوي عن القاضي عياض
أنها بالفتح أيضا من عن إذا ظهر. وأركانها ثلاثة: صيغة وعاقدان ومال، وزاد بعضهم رابعا وهو العمل. وبدأ المصنف
منها بالصيغة معبرا عنها بالشرط كما تقدم مثل ذلك في البيع فقال: (ويشترط فيها) أي شركة العنان صيغة، وهي (لفظ
212

يدل على الاذن) من كل منهما للآخر (في التصرف) لمن يتصرف من كل منهما أو من أحدهما، لأن المال المشترك
لا يجوز لاحد الشريكين التصرف فيه إلا بإذن صاحبه، ولا يعرف الاذن إلا بصيغة تدل عليه.
تنبيه: في معنى اللفظ ما مر في الضمان، فلو قال ما يدل على الاذن لكان أولى، فإن قال أحدهما للآخر: أتجر
أو تصرف أتجر في الجميع فيما شاء، وإن لم يقل فيما شئت كالقراض. ولا يتصرف القائل إلا في نصيبه ما لم يأذن له الآخر
فيتصرف في الجميع أيضا. فإن شرط أن لا يتصرف أحدهما في نصيب نفسه لم يصح العقد لما فيه من الحجر على المالك
في ملكه، ومتى عين له جنسا أو نوعا لم يتصرف في غيره. ولا يعتبر فيما عينه أن يعم وجوده، ذكره المحاملي وغيره،
بخلاف القراض. والفرق أن المقصود من القراض حصول الربح حتى لا يضيع عمل العامل، والربح لا يحصل فيما لا يعم،
والمقصود من الشركة الاذن في التصرف فأشبهت الوكالة. (فلو اقتصرا) أي كل منهما (على اشتركنا لم يكف)
في الاذن المذكور (في الأصح) ولا يتصرف كل منهما إلا في نصيبه لاحتمال كون ذلك إخبارا عن حصول الشركة
في المال، ولا يلزم من حصولها جواز التصرف بدليل المال الموروث شركة. والثاني: يكفي لفهم المقصود منه عرفا. نعم
على الأول إن نويا بذلك الاذن في التصرف كان إذنا كما جزم به السبكي. ثم شرع في شرط العاقدين وهما الركن
الثاني، فقال: (و) يشترط (فيهما أهلية التوكيل والتوكل) في المال، لأن كلا منهما يتصرف في ماله بالملك وفي مال
الآخر بالاذن، فكل منهما موكل ووكيل. ومحله كما قال في المطلب إذا أذن كل منهما للآخر في التصرف، وإلا فيشترط
في الآذن أهلية التوكيل وفي المأذون له أهلية التوكل حتى يصح أن يكون الأول أعمى دون الثاني. وقضية كلامهم
جواز الشركة للولي في مال محجوره وهو كذلك كالقراض وإن نظر فيه بعض المتأخرين، بل أولى لأن فيه إخراج
جزء من مال محجوره وهو الربح بخلاف الشركة. ويؤيد الجواز أيضا ما سيأتي من أنه لو مات أحد الشريكين وله
وارث غير رشيد ورأي الولي المصلحة في الشركة استدامها. قال الأذرعي: وعلى الجواز لا يجوز للولي أن يشارك
فاسقا، لأنه يشترط أن يكون الشريك بحيث يجوز إيداع مال المحجور عنده اه‍. وهو كما قال بعض المتأخرين ظاهر فيما
إذا كان الشريك هو المتصرف دون ما إذا كان الولي المتصرف. ويكره مشاركة الكافر، ومن لا يحترز عن الربا
ونحوه وإن كان التصرف مشاركهما كما نقله ابن الرفعة عن البندنيجي، لما في أموالهما من الشبهة. ولو شارك المكاتب
غيره لم يصح كما قاله ابن الرفعة إن كان هو المأذون له، أي ولم يأذن له السيد لما فيه من التبرع بعمله، ويصح إن
كان هو الآذن، فإن أذن له صح مطلقا. ثم شرع في شرط المال وهو الركن الثالث، فقال: (وتصح) الشركة (في كل
مثلي) أما النقد الخالص فبالاجماع، وأما المغشوش ففيه وجهان: أصحهما كما في زوائد الروضة جوازه إن استمر رواجه.
وأما غير النقدين من المثليات كالبر والشعير والحديد فعلى الأظهر، لأنه إذا اختلط بجنسه ارتفع التمييز فأشبه النقدين.
ومن المثلي تبر الدراهم والدنانير فتصح الشركة فيه، فما أطلقه الأكثرون هنا من منع الشركة فيه مبني على أنه متقوم
كما نبه عليه في أصل الروضة، وسوى بينه وبين الحلي والسبائك في ذلك. (دون المتقوم) بكسر الواو، إذ لا يمكن الخلط
في المتقومات لأنها أعيان متميزة، وحينئذ قد يتلف مال أحدهما أو ينقص فلا يمكن قسمة الآخر بينهما. (وقيل تختص
بالنقد المضروب) الخالص من الدراهم والدنانير كالقراض.
تنبيه: كلام المصنف يفهم أن غير المضروب يسمى نقدا وليس مرادا. (ويشترط خلط المالين بحيث لا يتميزان)
لما مر في امتناع المتقوم. ولا بد من كون الخلط قبل العقد، فإن وقع بعده في المجلس لم يكف على الأصح أو بعد مفارقته
لم يكف جزما، إذ لا اشتراك حال العقد بعد ذلك. (ولا يكفي الخلط مع) إمكان التمييز بنحو (اختلاف جنس)
213

كدراهم ودنانير، (أو صفة كصحاح ومكسرة) وحنطة جديدة وحنطة عتيقة، أو بيضاء وسوداء، أو بيضاء وحمراء،
لامكان التمييز وإن كان فيه عسر، فإن خلطا حينئذ وتلف نصيب أحدهما تلف عليه فقط وتعذرت الشركة في الباقي.
تنبيه: قضية كلام المصنف أنه لا يشترط تساوي المثلين في القيمة، وهو كذلك. فلو خلطا قفيزا مقوما بمائة بقفيز
مقوم بخمسين صح، وكانت الشركة أثلاثا بناء على قطع النظر في المثلي عن تساوي الاجزاء في القيمة، وإلا فليس هذا القفيز
مثلا لذلك القفيز وإن كان مثليا في نفسه. ولو كان كل منهما يعرف ماله بعلامة لا يعرفها غيره ولا يتمكن من التمييز هل
تصح الشركة نظرا إلى حال الناس أو لا نظرا إلى حالهما؟ قال في البحر: يحتمل وجهين اه‍. والظاهر عدم الصحة أخذا من
عموم كلام الأصحاب. (هذا) أي اشتراط الخلط، (إذا أخرجا مالين وعقدا، فإن ملكا مشتركا) مما تصح فيه الشركة
أو لا كالعروض كما هو ظاهر إطلاق المصنف، وإن قيده الشارح بالقسم الأول، (بإرث وشراء وغيرهما وأذن
كل) منهما
(للآخر في التجارة فيه تمت الشركة) لأن المعنى المقصود بالخلط حاصل، (والحيلة في الشركة في) باقي (العروض)
من المتقوم كالثياب (أن يبيع كل واحد) منهما (بعض عرضه ببعض عرض الآخر) سواء أتجانس العوضان أم اختلفا،
أو يبيع كل واحد منهما بعض عرضه لصاحبه بثمن في الذمة ثم يتقاصا. (ويأذن له) بعد التقابض وغيره مما شرط
في البيع (في التصرف) فيه. وهذا كما قال الامام أبلغ في الاشتراك، أي من خلط المالين، لأن ما من جزء هنا إلا وهو
مشترك بينهما، وهناك وإن وجد الخلط فمال كل واحد ممتاز عن مال الآخر، وحينئذ فيملكانه بالتسوية إن بيع نصف
بنصف وإن بيع بثلثين أو ربع بثلاثة أرباع لأجل تفاوتهما في القيمة ملكاه على هذه النسبة أيضا. هذا إذا لم يشرطا
في التبايع الشركة، فإن شرطاها فسد البيع كما نقله في الكفاية عن جماعة وأقره، ولا يشترط عليهما بقيمة العوضين.
تنبيه: كان الأولى أن يقول: ومن الحيلة لأن منها ما ذكرته بعد كلامه، وأن يقول في باقي العروض كما قدرته
في كلامه: أو في المنقولات لأن الشركة في المثليات جائزة بالخلط مع أنها من العروض، إذ العرض ما عدا النقد، وأن يقول:
ثم يأذن فإنه يجب تأخير الاذن عن البيع ليقع الاذن بعد الملك والقدرة على التصرف، وأن يحذف لفظة كل فإنه لو باع
أحدهما بعض عرضه ببعض عرض الآخر وتقاصا حصل الغرض. ولعل مراده كما قال بعض المتأخرين كل واحد على
البدل، وقال الشارح: كل محتاج إليه في الاذن ونسبة البيع إليه بالنظر إلى المشتري بتأويل أنه بائع للثمن. (ولا
يشترط) في الشركة (تساوي قدر المالين) أي تساويهما في القدر كما في المحرر وغيره، بل تثبت الشركة مع تفاوتهما
على نسبة المالين، لأنه لا محذور فيه إذ لا محذور فيه إذ الربح والخسران على قدر المالين كما سيأتي. (والأصح أنه لا يشترط العلم بقدرهما)
أي بقدر كل من المالين أهو النصف أم غيره، (عند العقد) إذا أمكن معرفته من بعد بمراجعة حساب أو وكيل، لأن
الحق لا يعدوهما وقد تراضيا، بخلاف ما لا يمكن معرفته. والثاني: يشترط، وإلا يؤدي إلى جهل كل منهما بما أذن فيه
وبما أذن له فيه. ومأخذ الخلاف أنه إذا كان بين اثنين مال مشترك كل منهما جاهل بقدر حصته فأذن كل منهما للآخر
في التصرف في نصيبه منه يصح الاذن في الأصح ويكون الثمن بينهما كالمثمن، ولو جهلا القدر وعلما النسبة بأن
وضع أحدهما الدراهم في كفة الميزان ووضع الآخر بإزائها مثلها صح جزما كما قاله الماوردي وغيره، ولو اشتبه ثوباهما
لم يكشف للشركة كما في أصل الروضة لأن ثوب كل منهما متميز عن الآخر. (ويتسلط كل منهما على
التصرف) إذا وجد
الاذن من الطرفين، (بلا ضرر) كالوكيل، (فلا يبيع نسيئة) للغرر (ولا بغير نقد البلد ولا) يبيع ولا يشتري (بغبن
214

فاحش) كالوكيل. فلو خالف في ذلك لم يصح تصرفه في نصيب شريكه ويصح في نفسه فتنفسخ الشركة في المشتري
أو في المبيع ويصير مشتركا بين البائع أو المشتري والشريك، فإن اشترى بالغبن في الذمة اختص الشراء به فيزن
الثمن من ماله. (ولا يسافر به) أي المال المشترك لما في السفر من الخطر، فإن سافر ضمن، فإن باع صح البيع وإن كان
ضامنا. نعم إن عقد الشركة بمفازة لم يضمن بالسفر إلى مقصده لأن القرينة قاضية بذلك. ومثل ذلك كما قاله بعض
المتأخرين ما لو جلا أهل بلد لقحط أو عدو ولم تمكنه مراجعة الشريك أن له السفر بالمال بل يجب عليه. (ولا يبعضه)
بضم الياء المثناة من تحت وسكون الموحدة: أي يدفعه لمن يعمل فيه متبرعا، لأنه لم يرض بغير يده فإن فعل ضمن.
هذا كله إن فعله (بغير إذن) من شريكه لما مر أنها في الحقيقة توكيل وتوكل، فإن أذن له في شئ مما مر ذكره
جاز. نعم لا يستفيد بمجرد الاذن في السفر ركوب البحر بل لا بد من التنصيص عليه كنظيره في القراض، وسيأتي في الوكالة
أنه لو قال الموكل للوكيل: بع بكم شئت أن له البيع بالغبن الفاحش، ولا يجوز بالنسيئة ولا بغير نقد البلد، أو قال له: بع بما
شئت فله البيع بغير نقد البلد، ولا يجوز بالغبن ولا بالنسيئة، ولو قال: كيف شئت فله البيع بالنسيئة، ولا يجوز بالغبن
ولا بغير نقد البلد، فيأتي مثل ذلك هنا. ثم بين المصنف رحمه الله تعالى أن عقد الشركة جائز من الطرفين بقوله:
(ولكل) من الشريكين (فسخه متى شاء) كالوكالة، (وينعزلان عن التصرف) جميعا (بفسخهما أي بفسخ كل
منهما. (فإن) لم يفسخا ولا أحدهما، ولكن (قال أحدهما) للآخر: (عزلتك أو لا تتصرف في نسيبي) انعزل المخاطب،
و (لم ينعزل العازل) فيتصرف في نصيب المعزول، لأن العازل لم يمنعه أحد بخلاف المخاطب، فإن أراد المخاطب عزله
فليعزله. (وتنفسخ بموت أحدهما وبجنونه وبإغمائه) كالوكالة، ولا ينتقل الحكم في الثالثة عن المغمى عليه لأنه لا يولي
عليه، فإذا أفاق تخير بين القسمة واستئناف الشركة ولو بلفظ التقرير إن كان المال عرضا. واستثنى في البحر إغماء
لا يسقط به فرض الصلاة فلا فسخ به لأنه خفيف، قاله ابن الرفعة. وظاهر كلامهم خلافه. وعلى ولي الوارث غير الرشيد
في الأولى والمجنون في الثانية استئنافها لهما ولو بلفظ التقرير عند الغبطة فيها بخلاف ما إذا
انتفت الغبطة فعليه القسمة. أما إذا كان الوارث رشيدا فيتخير بين القسمة واستئناف الشركة إن لم يكن على الميت دين ولا وصية، وإلا فليس له ولا لولي غير
الرشيد استئنافها إلا بعد قضاء دين أو وصية لغير معين كالفقراء، لأن المال حينئذ كالمرهون، والشركة في المرهون باطلة
، فإن كانت الوصية لمعين فهو كأحد الورثة فيفصل فيه بين كونه رشيدا أو غير رشيد. وتنفسخ أيضا بطرق الحجر بالسفه
والفلس في كل تصرف لا ينفذ منها كنظيره في الوكالة، وتنفسخ بطرق الاسترقاق والرهن كما بحثه الأسنوي. (والربح والخسران
على قدر المالين) باعتبار القيمة لا الاجزاء شرطا ذلك أو لا، (تساويا) أي الشريكان (في العمل أو تفاوتا) فيه، لأن ذلك
ثمرتهما فكان على قدرهما، كما لو كان بينهما شجرة فأثمرت أو شاة فنتجت. (فإن شرطا خلافه) بأن شرط التساوي في الربح
والخسران مع التفاضل في المالين، أو التفاضل في الربح والخسران مع التساوي في المالين، (فسد العقد) لأنه مخالف
لموضوع الشركة. ولو شرطا زيادة في الربح للأكثر منهما عملا بطل الشرط، كما لو شرطا التفاوت في الخسران (فيرجع
كل) منهما (على الآخر بأجرة عمله في ماله) أي الآخر كالقراض إذا فسد، وكذا يجب لكل منهما ذلك عند فساد الشركة
بغير ما ذكر.
تنبيه: يرد على إطلاق المصنف ما لو تساويا في المال وتفاوتا في العمل، وشرط الأقل للأكثر عملا لم يرجع بالزائد
على الأصح لأنه عمل متبرعا. ولو تساويا في أجرة العمل وقع التقاص في الجميع إن تساويا في المال أيضا وفي بعضه إن
215

تفاوتا فيه، ولو تساويا مالا لا عملا وشرط زيادة لمن عمل منهما أكثر قاص صاحبه بربع أجرة عمله ورجع عليه بما زاد
وهو ربعها، ولو شرطت الزيادة لواحد منهما إن زاد عمله فزاد عمل الآخر لم يستحق شيئا يرجع به على الأول وإن تفاوتا
في المال لتبرعه بما زاد من عمله. (وتنفذ التصرفات) منهما لوجود الاذن. (والربح) بينهما (على قدر المالين) لأنه
مستفاد منهما، وقد أبطلنا الشركة فرجع إلى الأصل. (ويد الشريك يد أمانة) كالمودع والوكيل، (فيقبل قوله في الرد)
أي في رد نصيب الشريك. أما لو ادعى رد الكل وأراد طلب نصيبه فلا يكون القول في طلبه. (و) في (الخسران و)
في (التلف) إن ادعاه بلا سبب أو بسبب خفي كالسرقة، (فإن ادعاه) أي التلف (بسبب ظاهر) كحريق وجهل
(طولب ببينة بالسبب ثم) بعد إقامتها (يصدق في التلف به) بيمينه، فإن عرف الحريق دون عمومه صدق بيمينه أو
وعمومه صدق بلا يمين. والمصنف ذكر هذه المسألة مبسوطة في آخر باب الوديعة. (ولو قال من في يده المال) من
الشريكين (هو لي، وقال الآخر) هو (مشترك أو) قالا (بالعكس) أي قال من في يد المال: هو مشترك، وقال الآخر
هو لي. (صدق صاحب اليد) بيمينه لأنها تدل على الملك، وقد ادعى صاحبها جميع المال في المسألة الأولى ونصفه في الثانية.
(ولو قال) صاحبه (اقتسمنا وصار) ما في يدي (لي) وقال الآخر لا بل هو مشترك، (صدق المنكر) بيمينه لأن
الأصل عدم القسمة. وإن ادعى كل منهما أنه ملك هذا الرقيق مثلا بالقسمة وحلفا أو نكلا جعل مشتركا، وإلا
فللحالف. (ولو اشترى) أحدهما (شيئا وقال اشتريته للشركة أو لنفس وكذبه الآخر) بان عكس ما قاله، (صدق
المشتري) لأنه أعرف بقصده وسواء ادعى أنه صرح بالشركة أو نواها، والغالب أن الأول يقع عند ظهور الخسران
والثاني عند ظهور الربح.
تتمة: لو اشترى شيئا فظهر كونه معيبا فادعى أنه كان اشتراه للشركة ليرد حصته لم يقبل أو له على البائع، لأن الظاهر
أنه اشتراه لنفسه فليس له تفريق الصفقة عليه، قاله المتولي والعمراني.
خاتمة: لو أخذ شخص جملا لرجل مثلا وراوية لآخر ليسقي الماء باتفاقهم والحاصل بينهم، لم يصح عقد الشركة
لأنها منافع أشياء متميزة والماء الحاصل بالاستقاء للمستقي إن كان ملكه أو مباحا وقصده لنفسه أو أطل وعليه لكل
من صاحبيه أجرة مثل ماله، فإن قصد الشركة بالاستقاء في المباح فهو بينهم لجواز النيابة في تملك المباحات وقسم بينهم
على قدر أجرة أمثالهم لحصوله بمنافع مختلفة بلا ترجيح بينهم. ولو اشترك مالك أرض ومالك بذر ومالك آلة حرث مع
رابع يعمل على أن الغلة بينهم لم يصح ذلك شركة لعدم اختلاط المالين، ولا إجارة لعدم تقدير المدة والأجرة ولو قراضا
إذ ليس لواحد منهم رأس مال يرجع إليه، فيتعين حينئذ أن يكون الزرع لمالك البذور ولهم عليه أجرة المثل إن حصل
من الزرع شئ وإلا فلا أجرة لهم. فإن قيل: العامل في القراض الفاسد يستحق الأجرة مطلقا حصل ربح أو لا، والمعنى
الذي هنا موجود ثم. أجيب بأن ذلك وجد فيه صورة القراض، وما هنا لم يوجد فيه ذلك، ولا صورة شركة ولا إجارة
، بل أقرب الأشياء به الجعالة الفاسدة، والعامل فيها إنما يستحق أجرة المثل إذا وجد فيها الغرض. ولو قال شخص لآخر
: سمن هذه الشاة مثلا ولك نصفها أو هاتين على أن لك إحداهما لم يصح ذلك واستحق أجرة المثل للنصف الذي سمنه
للمالك، وهذه المسألة مما عمت بها البلوى في قرى مصر في الفراريج يدفع كاشف الناحية أو ملتزم البلد إلى بعض البيوت
المائة أو الأكثر أو الأقل ويقول: ربوها ولكم نصفها، فيجب على ولي الأمر ومن له قدرة على منع ذلك أن يمنع من
يفعل هذا، فإن فيه ضررا عظيما.
216

كتاب الوكالة
هي بفتح الواو وكسرها لغة: التفويض، يقال: وكل أمره إلى فلان: فوضه إليه واكتفى به، ومنه: توكلت على
الله. وشرعا: تفويض شخص ما له فعله مما يقبل النيابة إلى غيره ليفعله في حياته. والأصل فيها من الكتاب قوله تعالى
: * (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) *، وأما قوله تعالى: * (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه) *، وقوله: * (اذهبوا بقميصي
هذا) *، فهذا شرع من قبلنا، والصحيح أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا وإن ورد في شرعنا ما يقرره. ومن السنة أحاديث
كثيرة، منها خبر الصحيحين: أنه (ص) بعث السعاة لاخذ الزكاة، ومنها توكيله (ص)
عمرو بن أمية الضمري في نكاح أم حبيبة، ومنها: توكيله أبا رافع في قبول نكاح ميمونة، ومنها: توكيله عروة
البارقي في شراء الشاة. وانعقد الاجماع على جوازها، ولان الحاجة داعية إليها، فإن الشخص قد يعجز عن قيامه
بمصالحه كلها، بل قال القاضي حسين وغيره: إن قبولها مندوب إليه لقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) *
ولخبر: والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. وأركانها أربعة: موكل، ووكيل، وموكل فيه، وصيغة.
وقد شرع في شرط الركن الأول فقال: (شرط الموكل صحة مباشرته ما وكل) بفتح الواو، (فيه) وهو التصرف المأذون
فيه، (بملك) كتوكيل نافذ التصرف في ماله، (أو ولاية) كتوكيل الأب أو الجد في مال موليه. (فلا يصح توكيل صبي
ولا مجنون) ولا مغمى عليه ولا نائم في التصرفات ولا فاسق في نكاح ابنته، إذ لا تصح مباشرتهم لذلك، فإذ لم
يقدر الأصل على تعاطي الشئ فنائبه أولى أن لا يقدر. واحترز بالملك والولاية عن الوكيل فإنه لا يوكل عند الاطلاق
على تفصيل يأتي، فإنه ليس بمالك ولا ولي. (ولا) يصح توكيل (المرأة) أجنبيا، (و) لا (المحرم) بضم الميم حلالا
، (في النكاح) أما المرأة فإنها لا تزوج نفسها فلا توكل فيه. أما لو أذنت للولي بصيغة الوكالة فإنه يصح كما نقله في البيان
عن النص وصوبه في الروضة. وأما المحرم فللنهي عنه في صحيح مسلم. وصورة توكيله أن يوكل ليعقد له أو لموليه حال
الاحرام، فإن وكله ليعقد له بعد التحلل أو أطلق صح لأن الاحرام يمنع الانعقاد دون الاذن كما سيأتي ذلك في النكاح،
وطرده القاضي فيما لو وكله ليشتري له هذا الخمر بعد تخلله، وكذا لو وكل حلال محرما ليوكل حلالا بالتزويج على الأصح
لأنه سفير محض، وإن كان إطلاق المصنف يقتضي المنع في المسائل الثلاث واختاره السبكي. (ويصح توكيل الولي) وهو
الأب والجد (في حق الطفل) في النكاح والمال، والوصي والقيم في المال، فيوكل الولي عن الطفل أو عن نفسه أو عنهما
معا. وفائدة كونه وكيلا عن الطفل أنه لو بلغ رشيدا لم ينعزل الوكيل بخلاف ما إذا كان وكيلا عن الولي، وكالطفل
المجنون والمعتوه والسفيه والمحجور عليه ونحوهم. ولو حذف المصنف الطفل لكان أولى ليشمل هؤلاء. قال الأذرعي:
وما ذكر هنا في توكيل الوصي هو الصحيح، وقضية كلام الشيخين في الوصايا أنه لا يوكل ولا يصح توكيله، أي فيما
يتولى مثله، فعليه يمكن حمل ما هنا على ذلك، لكن الظاهر كما قال شيخنا الاطلاق. ويصح توكيل السفيه والمفلس
والعبد فيما يستقلون به من التصرفات، ولا يصح فيما لا يستقلون به إلا بعد إذن الولي والغريم والسيد، ويصح توكيل
أصناف الزكاة في قبضها لهم، قال في الخادم: وإن كان الوكيل لا يجوز له أخذها كما صرح به القفال في فتاويه. (ويستثنى)
من هذا الضابط المذكور طردا وعكسا صور، فمن صور الثاني، وهو من لا تصح منه المباشرة لا يصح منه التوكيل:
(توكيل الأعمى في البيع والشراء) ونحوهما مما يتوقف على الرؤية كالإجارة والاخذ بالشفعة، (فيصح) وإن لم يقدر
217

على مباشرته للضرورة. والمستحق لقطع طرف أو لحد قذف، فيصح أن يوكل في استيفائه مع أنه يمتنع عليه استيفاؤه.
وما لو وكل المشتري بإذن البائع من يقبض الثمن منه البائع مع أنه يمتنع قبضه من نفسه. وما لو وكلت امرأة رجلا بإذن
الولي لا عنها بل عنه أو مطلقا في نكاح موليته فيصح، فإن كانت الموكلة هي المولية فكذلك في أحد وجهين رجحه
ابن الصباغ والمتولي. وما لو وكلت مالكة الأمة وليها في تزويج الأمة فإنه يصح وإن لم تملك هي تزويجها. ومن الأول،
وهو أن كل من صحت منه المباشرة بالملك والولاية صح منه التوكيل: الولي غير المجبر إذ أذنت له موليته في النكاح ونهته
عن التوكيل فإنه لا يوكل. وما إذا جوزنا لصاحب الدين أن يكسر الباب ويأخذ ما يجده فإنه لا يجوز له التوكيل فيه كما
صرح به جماعة، ويحتمل جوازه عند عجزه. وما إذا طلق إحدى زوجتيه أو أعتق إحدى رقيقيه أو أسلم على أكثر
من أربع لا يوكل في التعيين ولا في الاختيار إلا إذا عين للوكيل المعين أو المختار فهو كالتوكيل في الرجعة، والأصح فيها
الصحة كما سيأتي فيصح. وما لو استحق المسلم قصاصا من مسلم لا يوكل في استيفائه كافرا. والسفيه المأذون له في النكاح
ليس له التوكيل فيه، فإن حجره لم يرتفع إلا عن مباشرته، والوكيل لا يستقل بالتوكيل فيما يقدر عليه. والتوكيل
في الاقرار ممتنع على الصحيح، وفي رد المغصوب والمسروق مع قدرته على الرد بنفسه لا يجوز كما قاله الشيخ عز الدين
بن عبد السلام. وليس للمسلم أن يوكل كافرا في نكاح مسلمة. ثم شرع في شرط الركن الثني وهو الوكيل، فقال:
(وشرط الوكيل صحة مباشرته التصرف) المأذون فيه (لنفسه) وإلا فلا يصح توكله، لأن تصرف الشخص لنفسه أقوى
من تصرفه لغيره، فإن تصرفه له بطريق الأصالة، ولغيره بطريق النيابة، فإذا لم يقدر على الأقوى لا يقدر على الأضعف
بطريق الأولى، فلا يصح توكيل مغمى عليه، و (لا صبي و) لا (مجنون) ولا نائم ولا معتوه لسلب ولا يتهم، (وكذا
المرأة والمحرم) بضم الميم (في) عقد (النكاح) إيجابا وقبولا لسلب عبارتهما فيه. ولا يصح توكيل المرأة في الرجعة
ولا في الاختيار للنكاح إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة، ولا في الاختيار للفراق، إلا إذا عين للمرأة من يختارها أن يفارقها،
وأما إذا لم يعين فقد تقدم أنه لا يصح من الرجل أيضا. والخنثى كالمرأة كما قاله ابن المسلم في أحكام الخناثى وذكره في شرح
المذهب تفقها، قال: ولو بان ذكرا فعلى الخلاف فيما لو باع مال مورثه ظانا حياته فبان ميتا. (لكن الصحيح اعتماد قول
صبي) مميز مأمون، (في الاذن في دخول دار وإيصال هدية) لتسامح السلف في مثل ذلك وهو توكيل من جهة الآذن
والمهدي. والثاني: لا، كغيره إذا لم يحتف بخبره قرينة، فإن احتفت به وأفادت العلم جاز الاعتماد على خبره جزما، وهو
في الحقيقة عمل بالعلم لا بخبره. قال الماوردي والروياني: ويعتمد قوله في إخباره بطلب صاحب الوليمة. والكافر
والفاسق كالصبي في ذلك، بل قال المصنف في شرح مسلم: لا أعلم في جواز اعتمادهما خلافا.
تنبيه: محل عدم صحة توكيل الصبي فيما لا تصح منه مباشرته، فيصح توكيل الصبي المميز في حج تطوع وفي
ذبح أضحية وتفرقة زكاة لصحة مباشرته لذلك. (والأصح صحة توكيل عبد في قبول نكاح) ولو بغير إذن سيده، إذ
لا ضرر على السيد فيه. (ومنعه في الايجاب) ولو بإذن سيده، لأنه إذا لم يزوج بنت نفسه فبنت غيره أولى. والثاني: صحته
فيهما. والثالث: منعه فيهما. واعلم أن اعتماد قول الصبي في الاذن في الدخول وإيصال الهدية وتوكيل العبد في قبول النكاح
بغير إذن سيده مستثنى من عكس الضابط، وهو من لا تصح مباشرته لنفسه لا يصح توكيله، وقد أشار المصنف إلى
استثنائها بقوله: لكن على وجه الاستدراك. ويستثنى معها مسائل أيضا: منها توكيل الشخص في نكاح أخت زوجته
وكذا من تحته أربع في نكاح امرأة، ومنها توكيله في نكاح محرمة كأخته، ومنها توكيل الموسر في قبول نكاح أمة،
ومنها توكيل السفيه في قبول النكاح بغير إذن وليه فإنه يجوز، ومنها توكيل المسلم كافرا في شراء مسلم، ومنها توكيل
218

المرأة في طلاق غيرها، ومنها المرتد يجوز أن يكون وكيلا لغيره وإن لم يجز تصرفه في ماله واستثنى المتولي ما إذا حجر
عليه وأقراه، وأما توكيله لغيره في التصرفات المالية فموقوف على الأظهر عندهما، وكذا انقطاع التوكيل إذا وكل ثم ارتد،
وكذا كما في المهمات إنما يستقيم الوقف هنا على القديم القائل بوقف العقود، وجزم في المطلب بأن ردة الموكل عزل دون
ردة الوكيل، وليس بظاهر بل الظاهر أنه ليس بعزل بناء على عدم زوال ملكه. ومنها توكيل المسلم كافرا في طلاق
المسلمة، وقد يتصور وقوع طلاق كافر على مسلمة بأن تسلم أولا ويتخلف ثم يطلقها في العدة ثم يسلم قبل انقضائها، فإن
طلاقه واقع عليها.
تنبيه: يشترط في الوكيل أيضا تعيينه، فلو قال لاثنين: وكلت أحدكما في بيع داري مثلا، أو قال: أذنت لكل من
أراد بيع داري أن يبيعها لم يصح. نعم لو قال: وكلتك في بيع كذا مثلا وكل مسلم صح كم بحثه شيخنا، قال: وعليه
العمل. ويشترط في وكيل القاضي أن يكون عدلا، وفي وكيل الولي في بيع مال المولي عدم الفسق. ويصح توكيل
السكران بمحرم كسائر تصرفاته، بخلاف السكران بماء كدواء فإنه كالمجنون. ويصح توكيل المفلس ولو لزمته عهدة
فيما وكل فيه كما يصح شراؤه.
مهمة: هل المراد في شرط الوكيل صحة مباشرته التصرف لنفسه في جنس ما وكل فيه في الجملة أو في عينه؟ خلاف،
والأصح أن المراد صحة مباشرته لذلك الجنس وإن امتنع عليه الصرف لنفسه في بعض أفراده فيصح استثناء كثير من
المسائل السابقة، ولذلك قال الزركشي: لا حاجة لاستثناء الأعمى من الضابط المتقدم، فإن الأعمى يصح بيعه في الجملة
وهو السلم ويصح شراؤه نفسه فهو مالك لمطلق البيع والشراء، وإنما امتنع في الكل لأمر خارج، ألا ترى أن البصير لو
ورث عينا غائبة فوكل في بيعها جاز وإن لم يصح منه البيع؟ ثم شرع في شروط الركن الثالث، وهو الموكل فيه، وله ثلاثة
شروط بدأ بالشرط الأول منها فقال: (وشرط الموكل فيه أن يملكه الموكل) حين التوكيل، لأنه إذا لم يملكه كيف
يأذن فيه.
تنبيه: قال الأذرعي: هذا فيمن يوكل في مال نفسه، وإلا فالولي والحاكم وكل من جوز ناله التوكيل في مال
الغير لا يملكون الموكل فيه، فكان ينبغي أن يقول الموكل أو الموكل عنه. قال الغزي: وهو عجيب، لأن المراد التصرف
الموكل فيه لا محل التصرف. قال بعض المتأخرين: بل ما قاله هو العجيب، بل المراد محل التصرف بلا شك بدليل
ما سيأتي. وأما الكلام على التصرف الموكل فيه فقد مر أول الباب. (فلو وكل ببيع) أو إعتاق (عبد سيملكه وطلاق من
سينكحها) وتزويج بنته: إذا انقضت عدتها أو طلقها زوجها، وقضاه دين سيلزمه، (بطل) أي لم يصح (في
الأصح)
لأنه إذا لم يباشر ذلك بنفسه حال التوكيل، فكيف يستنيب غيره؟ والثاني: يصح، ويكتفي بحصول الملك عند
التصرف.
تنبيه: صورة مسألة الكتاب أن يفرد مالا يملكه كما يشعر به تعبيره، فإن جعله تبعا لحاضر كبيع مملوك وما سيملكه ففيه احتمالان للرافعي، والمنقول عن الشيخ أبي حامد وغيره الصحة كما لو وقف على ولده الموجود وما سيحدث
له من الأولاد. ولو وكله ببيع عين يملكها وأن يشتري له بثمنها كذا فأشهر القولين صحة التوكيل بالشراء كما ذكره صاحب
المطلب، وقياس ذلك صحة توكيله بطلاق من سينكحها تبعا لمنكوحته. ونقل ابن الصلاح عن الأصحاب أنه يصح
التوكيل ببيع ثمرة شجرة قبل إثمارها، ويوجه بأنه مالك لأصلها، وأفتى بأنه إذا وكله في المطالبة بحقوقه دخل فيه
ما يتجدد من هذه الحقوق. (و) الشرط الثاني: (أن يكون قابلا للنيابة) لأن الوكالة إنابة فما لا يقبلها كاستيفاء حق القسم بين
الزوجات لا يقبل التوكيل. (فلا يصح في عبادة) لأن المقصود منها الابتلاء والاختبار بإتعاب النفس، وذلك لا يحصل
بالتوكيل. (إلا بالحج) والعمرة عند العجز، (وتفرقة زكاة) وكفارة ونذر وصدقة، (وذبح) هدي وجبران وعقيقة،
219

(وأضحية) وشاة وليمة ونحوها، لأدلة في بعض ذلك، والباقي في معناه. ويستثنى من ذلك أيضا الرمي بمنى وركعتا الطواف
تبعا للحج والعمرة، فلو أفردهما بالتوكيل لم يصح. وصب الماء على أعضاء المتطهر والتيمم عند العجز، وفي استثناء هاتين
الصورتين نظر، لأن المتوضئ والمتيمم حقيقة هو العاجز. وصوم الولي عن الميت كما مر في بابه. واعتذر الزركشي عن
استثناء العتق والكتابة والوقف التي استثناها القاضي أبو الطيب بأن نية العبادة غير معتبرة فيها. قال الروياني: ولا يجوز
التوكيل في غسل الميت، لأنه من فروض الكفايات. والأوجه كما قال الأذرعي الجواز لأنه يجوز الاستئجار عليه. وخرج
بالعبادة التوكيل في إزالة النجاسة فيصح لأنها من باب التروك، ولذلك لا يشترط فيه النية على الأصح. (ولا) يصح (في
شهادة) لأنا احتطنا فيها ولم يقم غير لفظها مقامها فألحقت بالعبادة، ولان الحكم منوط بعلم الشاهد وهو غير حاصل
للوكيل. فإن قيل: الشهادة على الشهادة باسترعاء ونحوه جائزة كما سيأتي فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن ذلك ليس
بتوكيل كما صرح به القاضي أبو الطيب وابن الصباغ بل شهادة على شهادة، لأن الحاجة جعلت المتحمل عنه بمنزلة
الحاكم المؤدى عنه عند حاكم آخر. (و) لا في (إيلاء) لأنه حلف بالله تعالى واليمين لا تدخلها النيابة. (و) لا في (لعان) لأنه
يمين أو شهادة، والنيابة لا تصح في واحد منهما. (و) لا في (سائر) أي باقي (الايمان) لأنها تشبه العبادة
لتعلقها بتعظيم الله
تعالى. ولا في النذر وتعليق الطلاق والعتاق إلحاقا لها باليمين. (ولا في الظهار في الأصح) لأن المغلب فيه معنى اليمين لتعلقه
بألفاظ وخصائص كاليمين. والثاني: يلحقه الطلاق، وعليه قال في المطلب: ولعل صورته أن يقول: أنت على موكلي
كظهر أمه، أو جعلت موكلي مظاهرا منك ولا في المعاصي كالقذف والسرقة والقتل، لأن حكمها يختص بمرتكبها
، لأن كل شخص بعينه مقصود بالامتناع منها. فإن قيل: كيف يجري الخلاف في الظهار مع كونه معصية؟ أجيب بأنه ليس
المقصود نفس المعصية بل ترتب الكفارة وتحريم الوطئ قهرا كالتوكيل في الطلاق البدعي، ولذلك يصح التوكيل فيما يحرم
ويوصف بالصحة كمبيع حاضر لباد، والبيع وقت النداء. ولا في ملازمة مجلس الخيار فينفسخ العقد بمفارقة الموكل لأن
التعبد في العقد منوط بملازمة العاقد. (ويصح) التوكيل (في طرفي بيع وهبة وسلم ورهن ونكاح وطلاق) منجز، (وسائر
العقود)، الضمان والصلح والابراء والشركة والحوالة والوكالة والإجارة والقراض والمساقاة والاخذ بالشفعة. أما النكاح
والشراء فبالنص، وأما الباقي فبالقياس. (والفسوخ) المتراخية كالايداع والوقف والوصية والجعالة والضمان والشركة
والفسخ بخيار المجلس والشرط. ويستثنى من التوكيل في الفسوخ التوكيل في فسخ نكاح الزوائد على أربع فإنه لا يجوز كما
مر، أما الفسخ الذي على الفور فينظر فيه إن حصل عذر لا يعد به مقصرا بالتوكيل فكذلك وإلا فلا يصح التوكيل فيه
للتقصير. قال في المطلب: وصيغة الضمان والحوالة والوصية بالوكالة: جعلت موكلي ضامنا لك كذا أو أحلتك بمالك
على موكلي من كذا بنظيره مما له على فلان، أو موصيا لك بكذا. (و) في (قبض الديون وإقباضها) لعموم الحاجة إلى ذلك.
أما الأعيان، فتارة يصح التوكيل في قبضها وإقباضها كالزكاة، فللأصناف أن يوكلوا في قبضها لهم، وللمالك أن يوكل
في دفعها لهم، وتارة يصح التوكيل في قبضها دون إقباضها مع القدرة على ردها كالوديعة، لأنه ليس له دفعها لغير مالكها،
فلو سلمها لوكيله بغير إذن مالكها كان مفرطا، لكنها إذا وصلت إلى مالكها خرج الموكل عن عهدتها، قال الأسنوي:
وعن الجوهري ما يقتضي استثناء العيال كالابن وغيره اه‍. وهو حسن للعرف في ذلك وإذا كان في المفهوم تفصيل لا يرد.
تنبيه: إطلاق المصنف الديون يشمل المؤجل، قال الزركشي: وقد يتوقف في صحة التوكيل فيه، لأن الموكل
لا يتمكن من المطالبة به، ولا شك في الصحة لو جعلناه تابعا للحال. (و) في (الدعوى والجواب) للحاجة إلى ذلك
وإن لم يرض الخصم لأنه محض حقه، وسواء كان ذلك في مال أم في غيره إلا في حدود الله تعالى كما سيأتي
. (وكذا) يصح
220

التوكيل (في تملك المباحات كالاحياء والاصطياد والاحتطاب في الأظهر) لأنها أحد أسباب الملك، فأشبه الشراء فيحصل
الملك للموكل إذا قصده الوكيل له. والثاني: المنع، والملك فيها للوكيل، لأن سبب الملك وهو وضع اليد قد وجد منه فلا
ينصرف عنه بالنية.
تنبيه: هذا الخلاف مخرج، فتارة يعبر عنه بالقولين كما هنا، وتارة بالوجهين كما في أصل الروضة. ولا يصح التوكيل
في الالتقاط كما في الاغتنام، فلو وكله فيه فالتقطه كان له دون الموكل تغليبا لشائبة الولاية لا لشائبة الاكتساب. و (لا) يصح
(في الاقرار في الأصح) بأن يقول: وكلتك لتقر عني لفلان بكذا فيقول الوكيل: أقررت عنه بكذا
، أو جعلته مقرا بكذا، لأنه إخبار عن حق فلا يقبل التوكيل كالشهادة، والثاني: يصح، لأنه قول يثبت به الحق فأشبه الشراء. وعلى الأول
يكون الموكل مقرا لاشعار ذلك بثبوت ذلك الحق عليه. وقيل: ليس بإقرار كما أن التوكيل بالابراء ليس بإبراء، ومحل
الخلاف إذا قال: وكلتك لتقر عني لفلان بكذا كما مثلته، فلو قال: أقر عني لفلان بألف له علي كان إقرارا قطعا، ولو
قال: أقر له علي بألف لم يكن إقرارا قطعا، صرح به صاحب التعجيز. (ويصح) التوكيل (في استيفاء عقوبة آدمي كقصاص
وحد قذف) كسائر الحقوق، بل قد يجب التوكيل في حد القذف، وكذا في قطع الطرف كما ذكره المصنف في موضعه.
تنبيه قد يفهم كلامه المنع في حدود الله تعالى، وليس مرادا بل يجوز للإمام لما في الصحيحين من قوله (ص)
في قصة ماعز: اذهبوا به فارجموه وفي غيرها: واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها. وكذا من السيد
في حد رقيقه، وإنما يمتنع إثباتها لبنائها على الدرء. نعم قد يقع إثباتها بالوكالة تبعا بأن يقذف شخص آخر فيطالبه بحد
القذف، فله أن يدرأ عن نفسه بإثبات زناه بالوكالة وبدونها، فإذا ثبت أقيم عليه الحد. ومحل صحة التوكيل فيما ذكره
المصنف إذا وكله بعد الثبوت، فإن وكله قبله ففيه وجهان حكاهما الماوردي، والظاهر منهما عدم الصحة. (وقيل لا يجوز)
استيفاؤها (إلا بحضرة الموكل) لاحتمال العفو في الغيبة فلا يمكن تداركه بخلاف غيره. ورد بأن احتمال العفو كاحتمال رجوع
الشهود فيما إذا ثبت ببينة، فإنه لا يمتنع الاستيفاء في غيبتهم.
تنبيه: المحكي بقيل قول من طريقة، والثانية القطع به، والثالثة القطع بمقابله. والثالث من الشروط العلم بما يجوز
فيه التوكيل بوجه ما، وقد أشار إلى ذلك بقوله: (وليكن الموكل فيه معلوما من بعض الوجوه) حيث يقل معه الغرر، (ولا
يشترط علمه من كل وجه) لأن تجويز الوكالة للحاجة يقتضي المسامحة فيه فيكفي أن يكون معلوما من وجه يقل معه الغرر
للوكيل، بخلاف ما إذا كثر. (فلو قال وكلتك في كل قليل وكثير) لي أو من أموري (أو في كل أموري أو فوضت إليك
كل شئ) أو أنت وكيلي فتصرف كيف شئت، أو نحو ذلك، (لم يصح) التوكيل لكثرة الغرر فيه.
تنبيه: قضية كلامهم عدم الصحة في ذلك وإن كان تابعا لمعين، وهو كذلك، وإن خالف في ذلك بعض
المتأخرين، إذ يدخل في هذا أمور لو عرض تفصيلها على الموكل كطلاق زوجاته وعتق أرقائه والتصدق بجميع ماله
لاستنكره، وقد منع الشارع بيع الغرر وهو أخف خطرا من هذا. وقد علم بذلك الفرق بين هذا وبين ما مر فيما يصح
تبعا. (وإن قال) وكلتك (في بيع أموالي) وقبض ديوني واستيفائها (وعتق أرقائي) ورد ودائعي ومخاصمة خصمائي ونحو
ذلك، (صح) وإن جهل الأموال والديون ومن هي عليه، والأرقاء والودائع ومن هي عنده، والخصوم وما فيه
الخصومة، لأن الغرر فيه قليل، بخلاف ما لو قال: بع بعض مالا أو طائفة أو سهما منه، أو بع هذا أو هذا، فإنه لا يصح لكثرة
221

الغرر، ولو قال: بع أو أوهب مالي، أو اقض من ديوني ما شئت أو أعتق، أو بع من عبيدي من شئت، صح في البعض
لا في الجميع فلا يأتي الوكيل بالجميع، لأن من للتبعيض. فإن قيل: لو قال للوكيل: طلق من نسائي من شاءت فله أن يطلق كل من شاءت الطلاق، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن المشيئة في هذه مستندة إلى كل منهن فلا تصدق مشيئة واحدة
بمشيئة غيرها، فكان ذلك في معنى أي امرأة شاءت منهن الطلاق طلقها، بخلافها فيما مر فإنها مستندة إلى الوكيل فصدقت
مشيئته فيما لا يستوعب الجميع فلا يتمكن من مشيئته فيما يستوعبه احتياطا. ولو قال: تزوج لي من شئت صح، كما لو قال
: بع من مالي ما شئت، ولو قال: أبرئ فلانا عما شئت من مالي صح وليبق منه شيئا، أو عن
الجميع، فأبرأه عنه أو عن بعضه صح، أو أبرئه عن شئ منه أبرأه عن أقل ما يطلق عليه الاسم كما قاله المتولي. ويكفي في صحة الوكالة بالابراء علم
الموكل بقدر الدين وإن جهله الوكيل والمديون. (وإن وكله في شراء عبد وجب بيان نوعه) كتركي أو هندي. ولا يكفي
ذكر الجنس كعبد لاختلاف الأغراض بذلك، وإن تباينت أوصاف نوع وجب بيان الصنف كخطابي وقفجاقي. ولا يشترط
استيفاء أوصاف السلم ولا ما يقرب منها اتفاقا. وإن وكله في شراء رقيق وجب مع بيان النوع ذكر الذكورة والأنوثة تقليلا
للغرر فإن الأغراض تختلف بذلك، ولو قال: اشتر لي عبدا كما تشاء لم تصح لكثرة الغرر. (أو) في (دار وجب بيان المحلة)
أي الحارة (والسكة) بكسر السين: أي الزقاق، والعلم بالبلد ونحوها من ضرورة ذلك. وفي شراء الحانوت يبين السوق
ليقل الغرر، وقس على ذلك. هذا كله إذا لم يكن للتجارة وإلا فلا يجب فيه ذكر نوع ولا غيره، بل يكفي اشتر ما شئت
من العروض أو ما فيه حظ كما صرح به الماوردي والمتولي واقتضاه كلام الرافعي. ولو وكله أن يزوجه امرأة ولم يعينها لم
يصح التوكيل، صرح به في الروضة في هذا الباب، بخلاف ما لو قال: زوجني من شئت
فإنه يصح كما صرح به في الروضة في باب النكاح، كما في الوكالة بشراء عبد لم يصفه، بخلاف الأول فإنه مطلق ودلالة العام على إفراده ظاهرة، بخلاف المطلق
لا دلالة له على فرد، فلا تناقض في عبارته كما ادعاه بعضهم. و (لا) يجب بيان (قدر الثمن في الأصح) فيما ذكر، لأن غرضه
قد يتعلق بواحد من ذلك النوع نفيسا كان أو خسيسا، وقال في التهذيب: يكون إذنا في أعلى ما يكون منه. والثاني: يجب
بيان قدره كمائة، أو غايته كأن يقول: من مائة إلى ألف لظهور التفاوت. ثم شرع في الركن الرابع وهو الصيغة، فقال: (ويشترط)
في الصيغة (من الموكل لفظ) ولو كناية (يقتضي رضاه) وفي معناها ما مر في الضمان، (كوكلتك في كذا أو فوضته إليك أو
أنت وكيلي فيه) أو أقمتك مقامي، أو أنبتك، كما يشترط الايجاب في سائر العقود، لأن الشخص ممنوع من التصرف في
مال غيره إلا برضاه. (فلو قال بع أو أعتق حصل الاذن) لأنه أبلغ مما سبق وإن كان كما قال الرافعي لا يسمى إيجابا وإنما
هو قائم مقامه، وإليه يشير قول المصنف: حصل الاذن. (ولا يشترط القبول) من الوكيل (لفظا) لأن التوكيل إباحة ورفع
حجر فأشبه إباحة الطعام. وعلى هذا لا يشترط في صحة الوكالة علم الوكيل بها، فلو تصرف قبل علمه فكبيع مال مورثه
ظانا حياته فبان ميتا. (وقيل: يشترط) فيه كغيره. (وقيل: يشترط في صيغ العقود كوكلتك، دون صيغ الامر كبيع وأعتق)
إلحاقا لصيغ العقد بالعقود والامر بالإباحة.
تنبيه: قد يشترط على الأول القبول لفظا فيما لو كان الانسان عين معارة أو مستأجرة أو مغصوبة فوهبها لآخر
فقبلها وأذن له في قبضها، ثم إن الموهوب له وكل في قبضها المستعير أو المستأجر أو الغاصب، اشترط قبوله لفظا، ولا يكفي
الفعل وهو الامساك لأنه استدامة لما سبق، فلا دلالة فيه على الرضا بقبضه عن الغير. واحترز بقوله: (لفظا) عن القبول معنى،
222

فإنه إن كان بمعنى الرضا فلا يشترط أيضا على الصحيح، لأنه لو أكرهه على بيع ماله، أو طلاق زوجته أو نحو ذلك
صح كما قاله الرافعي في الطلاق، أو بمعنى عدم الرد فيشترط جزما، فلو قال: لا أقبل أو لا أفعل بطلت، فإن ندم بعد ذلك
جددت له. ومر أن المفهوم إذا كان فيه تفصيل لا يرد. وتكفي الكتابة والرسالة في الوكالة، (ولا يصح تعليقها بشرط)
من صفة أو وقت كقوله: إذا قدم زيد أو جاء رأس الشهر فقد وكلتك بكذا، أو فأنت وكيلي فيه. (في الأصح) كسائر
العقود. والثاني: يصح كالوصية. وفرق الأول بأن الوصية تقبل الجهالة فتقبل التعليق، وعلى الأول ينفذ تصرفه
في ذلك عند وجود الشرط لوجود الاذن، وينفذ أيضا تصرف صادف الاذن حيث فسدت الوكالة لا أن يكون الاذن
فاسدا كقوله: وكلت من أراد بيع داري فلا ينفذ التصرف كما قاله الزركشي.
تنبيه: هل يجوز الاقدام على التصرف بالوكالة الفاسدة؟ قال ابن الرفعة: لا يجوز، ولكن استبعده ابن الصلاح.
وهذا هو الظاهر، لأن هذا ليس من تعاطي العقود الفاسدة، لأنه يقدم على عقد صحيح. (فإن نجزها وشرط للتصرف
شرطا جاز) كوكلتك ببيع عبدي وبعه بعد شهر، فتصح الوكالة، ولا يتصرف إلا بعد الشهر. ويصح تأقيتها كوكلتك
شهرا، فإذا مضى الشهر امتنع على الوكيل التصرف. (ولو قال وكلتك ومتى) أو إذا أو مهما (عزلتك فأنت وكيلي) فيه،
أو: قد وكلتك، (صحت في الحال في الأصح) لوجود الاذن. والثاني: لا تصح، لاشتمالها على شرط التأبيد وهو التزام العقد
الجائز. وأجيب بمنع التأبيد بما ذكر كما سيأتي. (و) على الأول (في عوده وكيلا بعد العزل الوجهان في تعليقها)
لأنه علق الوكالة ثانيا على العزل، والأصح عدم العود، لأن الأصح فساد التعليق. والثاني: تعود الوكالة مرة واحدة.
وعلى الأول ينفذ تصرفه للاذن كما مر، فطريقه في أنه لا ينفذ تصرفه أن يكرر عزله فيقول: عزلتك عزلتك،
فإن كان التعليق ب‍ كلما تكرر العود بتكرر العزل، وينفذ تصرفه على الأول لما مر. وطريقه في أنه لا ينفذ تصرفه أن
يوكل غيره في عزله، لأن المعلق عليه عزل نفسه، إلا إن كان قد قال: إن عزلتك أو عزلك أحد عني فلا يكفي التوكيل
بالعزل، بل يتعين أن يقول: كلما عدت وكيلي فأنت معزول، فيمتنع تصرفه. فإن قيل: هذا تعليق للعزل عن الوكالة
فهو تعليق قبل الملك لأنه لا يملك العزل عن الوكالة التي لم تصدر منه، فهو كقوله: إن ملكت فلانة فهي حرة أو نكحتها
فهي طالق وهو باطل. أجيب بأن العزل المعلق إنما يؤثر فيما يثبت فيه التصرف بلفظ الوكالة المعلقة السابقة على لفظ،
لا فيما يثبت بلفظ الوكالة المتأخرة عنه، إذ لا يصح إبطال العقود قبل عقدها. فإن قيل: إذا كان تصرفه نافذا مع
فساد الوكالة فما فائدة صحتها؟ أجيب بأن الفائدة في ذلك استقرار الجعل المسمى إن كان بخلاف الفاسدة فإنه يسقط،
ويجب أجرة المثل، كما أن الشرط الفاسد في النكاح يفسد الصداق المسمى ويوجب مهر المثل وإن لم يؤثر في النكاح.
(ويجريان) أي الوجهان في تعليق الوكالة (في تعليق العزل) كقوله: إذا طلعت الشمس فأنت معزول. أصحهما
عدم صحته أخذا من تصحيحه في تعليقها، لكن العزل أولى بصحة التعليق من الوكالة كما في الروضة كأصلها، لأنه
لا يشترط فيه قبول قطعا. وعلى الأصح السابق يمتنع من التصرف عند وجود الشرط لوجود المنع كما رجحه الأسنوي،
كما أن التصرف ينفذ في الوكالة الفاسدة بالتعليق عند وجود الشرط لوجود الاذن.
فصل: فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما: وأعلم أن للوكالة أربعة
أحكام:
الأول: الموافقة في تصرف الوكيل المقتضي اللفظ الصادر من الموكل أو القرينة كما قال: (الوكيل بالبيع مطلقا) أي توكيلا
لم يقيد بشئ، (ليس له البيع بغير نقد البلد) لدلالة القرينة العرفية عليه، فإن كان في البلد نقدان لزم البيع بأغلبهما،
223

فإن استويا فبأنفعهما للموكل، فإن استويا تخير، فإن باع بهما ولو في عقد واحد جاز كما قاله الإمام والغزالي.
تنبيه: المراد بالبلد بلد البيع لا بلد التوكيل، لكن لو سافر بما وكل فيه إلى بلد بغير إذن وباعه فيها اعتبر نقد
بلد حقه أن يبيع فيها. وقوله: مطلقا نصب على الحال، وكان الأولى أن يقول: بمطلق البيع، فإن صورته أن يقول: وكلتك
لتبيع بكذا ولا تتعرض لبلد ولا أجل ولا نقد كما قدرته في كلامه تبعا للشارح، بخلاف البيع المطلق لتقييد البيع بقيد الاطلاق
وإنما المراد البيع لا يفيد. (ولا) يبيع (بنسيئة) وإن كان أكثر من ثمن المثل، لأن مقتضى الاطلاق الحلول لأنه المعتاد
غالبا. (ولا بغبن فاحش، وهو ما لا يحتمل غالبا) بخلاف اليسير، وهو ما يحتمل غالبا، كدرهم في عشرة فيصح البيع به.
ويختلف المحتمل كما قال الروياني باختلاف أجناس الأموال فلا تعتبر النسبة في المثال المتقدم، ولهذا قال ابن أبي الدم:
والعشرة إن تسومح بها في المائة فلا يتسامح بالمائة في الألف ولا بالألف في العشرة آلاف، فالصواب الرجوع للعادة.
ولو باع بثمن المثل وثم راغب موثوق به بزيادة لا يتغابن بمثلها لم يصح لأنه مأمور بالمصلحة. ولو وجد الراغب في زمن
الخيار فالأصح أنه يلزمه الفسخ، فإن لم يفعل انفسخ كما مر مثل ذلك فيعدل الرهن، ومحله كما قال الأذرعي إذا لم يكن
الراغب مماطلا ولا متجوها ولا ماله أو كسبه حرام.
فائدة: ثمن المثل نهاية رغبات المشتري. (فلو) خالف و (باع على أحد هذه الأنواع) لم يصح على المذهب،
(و) إذا (سلم المبيع ضمن) لتدنيه ويسترده إن بقي وإلا غرم الموكل من شاء من المشتري والوكيل قيمته سواء أكان
مثليا أم متقوما كما ذكره الرافعي، وإن بحث بعض المتأخرين التفصيل بين المثلي والمتقوم. وقرار الضمان على المشتري،
وإذا استرده فله بيعه بالاذن السابق كما في بيع العدل الرهن، بخلاف ما لو رد عليه بعيب أو فسخ البيع المشروط فيه الخيار
للمشتري وحده لا يبيعه ثانيا بالاذن السابق، والفرق أنه لم يخرج عن ملك الموكل في الأول وخرج عن ملكه في الثاني
وإذا خرج عن ملكه انعزل الوكيل. أما قبل التسليم فلا ضمان عليه، لأن ما قاله هذيان.
تنبيه: لو قال: لم يصح وضمن كما قدرته لكان أولى، إذ لا يلزم من الضمان عدم الصحة. ولو قال له: بع بكم شئت
صح بيعه بالغبن الفاحش، ولا يصح بالنسيئة ولا بغير نقد البلد. أو: بما شئت أو بما تيسر صح بيعه بالعروض، ولا يصح
بالغبن الفاحش، ولا بالنسيئة. ولا يصح بالغبن الفاحش ولا بغير نقد البلد. أو بما عز
وهان صح بيعه بالغبن الفاحش وبالعروض ولا يصح بالنسيئة، أو: كيف شئت صح بيعه بالنسيئة، وذلك لأن كم للعدد فشمل القليل والكثير، وما للجنس
فشمل النقد والعرض، لكنه في الأخيرة لما قرن بعز وهان شمل عرفا القليل والكثير أيضا، وكيف للحال فشمل الحال
والمؤجل. (فإن وكله) في الصيف في شراء جمد لم يشتره في الشتاء ولا في الصيف بعده، أو (ليبيع مؤجلا وقدر الاجل
فذاك) ظاهر، ويجوز أن يبيعه إلى ذلك الاجل ولا يزيد عليه، فإن نقص عنه أو باع حالا صح البيع إن لم يكن فيه
على الموكل ضرر من نقص ثمن أو خوف أو مؤنة حفظ أو نحوها من الأغراض. نعم إن عين له المشتري فيظهر كما قال
الأسنوي المنع لظهور قصد المحاباة كما يؤخذ مما سيأتي في تقدير الثمن. (وإن أطلق) الاجل (صح) التوكيل (في
الأصح، وحمل على المتعارف في مثله) حملا للمطلق على المعهود كما تقدم في النقود، فإن لم يكن عرف راعى الأنفع للموكل.
وقد يفهم كلام المصنف البطلان في هذه الصورة. ويشترط الاشهاد قياسا على عامل القراض وبه صرح القاضي. والثاني:
لا يصح، لاختلاف الغرض بتفاوت الاجل طولا وقصرا، وقيل: يصح، ولا يزيد على سنة لتقدير الديون المؤجلة بها شرعا
كالجزية والدية، فلو أخر المصنف قوله في الأصح إلى بعد قوله وحمل على المتعارف لعلم منه الخلاف في المسألة الثانية
أيضا. (و) الوكيل بالبيع والشراء مطلقا (لا يبيع) ولا يشتري (لنفسه و) لا ل‍ (ولده الصغير) ونحوه من محاجيره
224

ولو أذن له فيه لتضاد غرضي الاسترخاص لهم والاستقصاء للموكل، وكذا لو قدر له الثمن ونهاه عن الزيادة، لأن الأصل
عدم جواز اتحاد الموجب والقابل وإن انتفت التهمة، ولأنه لو وكله ليهب من نفسه لم يصح وإن انتفت التهمة لاتحاد
الموجب والقابل، ولو وكله في هبة أو تزويج أو استيفاء حد أو قصاص أو دين من نفسه لم يصح لذلك. ومقتضى ذلك منع
توكيل السارق في القطع، وهو ما صرح به في أصل الروضة هنا، لكن صرحوا في باب استيفاء القصاص بخلافه وهو
الأوجه. ولو وكله في طرفي عقد ونحوه كمخاصمة لم يأت بهما لما مر، وله اختيار طرف منهما. ويصح توكيله في إبرا
نفسه بناء على أنه لا يشترط القبول في الابراء، وفي إعتاقها والعفو عنها من قصاص أو حد قذف. (والأصح أنه) أي الوكيل
بالبيع مطلقا، (يبيع لأبيه) وسائر أصوله (وابنه البالغ) وسائر فروعه المستقلين، لأنه باع بالثمن الذي لو باع به لأجنبي لصح،
فلا تهمة حينئذ فهو كما لو باع من صديقه. والثاني: لا، لأنه متهم بالميل إليهم، كما لو فوض إليه الإمام أن يولي القضاء من شاء
لا يجوز له تفويضه إلى أصوله ولا فروعه. وفرق الأول بأن لنا هنا مرادا ظاهرا وهو ثمن المثل، ولان فيه تزكية لأصوله
وفروعه بخلاف الوكالة. (و) الأصح (أن الوكيل بالبيع له قبض الثمن) الحال إن لم يمنعه الموكل من قبضه، (و) له
(تسليم المبيع) إن كان مسلما إليه إن لم ينه عن تسليمه لأنهما من مقتضيات البيع. والثاني: لا، لعدم الإذن فيهما،
وقد يرضاه للبيع دون القبض. ومحل الخلاف إذا لم يكن القبض شرطا، فإن كان كالصرف ونحوه فله القبض والاقباض
قطعا، أما إذا كان الثمن مؤجلا ولوحل أو حالا ونهاه عن قبضه لم يملك قبضه قطعا، ولو قال له: امنع المشتري من
المبيع فسدت الوكالة لأن منع الحق عمن يستحق إثبات يده عليه حرام، ويصح البيع بالاذن، وإن قال: لا تسلم المبيع
له لم يفسد لأنه لم يمنعه من أصل التسليم المستحق بل من تسليمه بنفسه، وبهذا فرق بين هذه وما قبلها فيسلم الموكل المبيع
للمشتري عن الوكيل في الصورتين. وخرج بالبيع الهبة فليس للوكيل فيها التسليم قطعا، لأن الملك فيها لا يقع بالعقد بخلاف البيع.
تنبيه: سكت المصنف عن حكم الوكيل بالشراء، وهو كالوكيل بالبيع، فله قبض المبيع وله تسليم الثمن إن كان
مسلما إليه ولم ينهه عن تسليمه. (ولا يسلمه) أي وكيل البائع المبيع (حتى يقبض الثمن) لما في التسليم قبله من الخطر. (فإن خالف
ضمن) لتعديه قيمته كما قاله الرافعي وقت التسليم. وقضيته أنه لا فرق في غرم القيمة بين المثلي والمتقوم، وهو كذلك لأنه
للحيلولة، فإذا غرمها ثم قبض الثمن دفعه إلى الموكل واسترد المغروم. هذا إذا سلمه مختارا، فإن ألزمه الحاكم بتسليم المبيع
قبل القبض، ففي البحر: الأشبه أنه لا يضمن، وهو حسن. (وإذا وكله في شراء) شئ موصوف أو معين كما يقتضيه كلام
الشيخين، (لا يشتري معيبا) أي يمتنع عليه ذلك، لأن الاطلاق يقتضي السلامة بخلاف عامل القراض لأن المقصود الربح
وقد يكون في المعيب. (فإن اشتراه) أي المعيب في الذمة وهو يساوي مع المعيب ما اشتراه به، (وقع) الشراء (عن الموكل
إن جهل) المشتري (المعيب) إذ لا ضرر على المالك لتخييره ولا تقصيره من جهة الوكيل لجهله، ولا خلل من جهة
اللفظ لاطلاقه. نعم لو نص له على السليم، فالوجه كما قال الأسنوي أنه لا يقع للموكل لأنه غير المأذون فيه.
تنبيه: قوله: في الذمة يوهم أنه إذا اشتراه بعين مال الموكل لا يقع له، وليس مرادا بل يقع له، لكن ليس
للوكيل الرد لأنه لا يمكن انقلاب العقد له بحال فلا يتضرر بخلاف الشراء في الذمة، ففائدة التقييد أولا بالذمة إخراج
المذكور آخرا وهو رد الوكيل، فلو قيد الأخير فقط فقال للموكل الرد، وكذا للوكيل إن اشترى في الذمة لكان أولى.
(وإن علمه فلا) يقع عن الموكل (في الأصح) لأنه غير مأذون فيه، سواء أساوى ما اشتراه أم زاد. والثاني: يقع له، لأن
الصيغة مطلقة ولا نقص في المالية. (وإن لم يساوه لم يقع عنه) أي الموكل (إن علمه) أي الوكيل لتقصيره، وقد يهرب
225

البائع فلا يتمكن الموكل من الرد فيتضرر. (وإن جهله وقع) على الموكل (في الأصح) كما لو اشتراه بنفسه جاهلا.
والثاني: لا، لأن الغبن يمنع الوقوع عنه مع السلامة فعند العيب أولى. وأجاب الأول بأن الخيار يثبت في المعيب فلا ضرر
بخلاف الغبن. (وإذا وقع) الشراء (للموكل) في صورتي الجهل، (فلكل من الوكيل والموكل الرد) بالعيب، أما الموكل
فلانه المالك والضرر لاحق به، وأما الوكيل فلانه نائبه، ولأنا لو لم نجوزه له لكان المالك ربما لا يرضى به فيتعذر
الرد لكونه فوريا ويبقى للوكيل فيتضرر به. أما إذا قلنا إنه يقع للموكل في صورة العلم فيرده الموكل وحده كما فهم من
التقييد المذكور وإن أوهم كلام المصنف خلافه، والعيب الطارئ قبل القبض كالمقارن في جواز الرد كما نقله في الكفاية
عن مقتضى كلام القاضي أبو الطيب وأقره. ولو رضي بالعيب الموكل أو قصر في الرد فيما إذا اشترى الوكيل في الذمة لم
يرده الوكيل، إذ لاحظ له في الفسخ، بخلاف عامل القراض لحظة في الربح. ولو رضي به الوكيل أو قصر في الرد رده
الموكل لبقاء حقه، هذا إذا سماه الوكيل في الشراء أو نواه وصدقه البائع وإلا وقع الشراء للوكيل لأنه اشترى في الذمة ما لم
يأذن فيه الموكل فانصرف إليه. ويقع الشراء في صورتي العلم للوكيل أيضا، أما إذا علمه واشترى بعين مال الموكل فإن
الشراء لم يصح.
فرع: لو قال البائع للوكيل: أخر الرد حتى يحضر الموكل لم يلزمه إجابته، وإن أخر فلا رد له لتقصيره ولو ادعى
البائع على الوكيل رضا الموكل بالعيب واحتمل رضاه به باحتمال بلوغ الخبر إليه، فإن حلف الوكيل على نفي العلم رد وإن
نكل وحلف البائع لم يرد لتقصيره بالنكول. فإن حضر الموكل في الصورة الأولى وصدق البائع في دعواه فله استرداد
المبيع منه، أو في الثانية وصدق البائع فكذلك. وإن كذبه وقع الشراء للموكل وله الرد خلافا للبغوي، نبه عليه في أصل
الروضة. أما إذا لم يحتمل رضاه فلا يلتفت إلى دعوى البائع. (وليس للوكيل أن يوكل بلا إذن إن تأتى منه ما وكل فيه)
لأن المالك لم يرض بتصرف غيره، ولا ضرورة كالمودع لا يودع. (وإن لم يتأت) منه ذلك (لكونه لا يحسنه أو لا يليق به
فله التوكيل) إذ تفويض مثل ذلك إليه إنما يقصد منه الاستنابة، وقضيته امتناع التوكيل عند جهل الموكل بحاله أو اعتقاده
خلاف ما هو عليه، وهو كما قال الأسنوي ظاهر. (ولو كثر) الموكل فيه (وعجز) الوكيل (عن الاتيان بكله،
فالمذهب أنه يوكل فيما زاد على الممكن) غيره، لأن الضرورة دعت إليه فيما لا يمكن بخلاف الممكن، وقيل: يوكل في الجميع
لأنه ملك التوكيل في البعض فيوكل في الكل، وهذه طريقة. والثاني: لا يوكل في الممكن، وفي الزائد عليه وجهان. والثالثة:
في الكل وجهان. ولو وكله فيما يمكنه عادة ولكنه عاجز عنه لسفر أو مرض، فإن كان التوكيل في حال علمه بسفره
أو مرضه جاز له أن يوكل، وإن طرأ العجز فلا خلافا للجويني، قاله في المطلب. وكطرق العجز ما لو جهل الموكل حال
توكيله ذلك كما يؤخذ مما مر آنفا عن الأسنوي.
تنبيه: هل المراد بالعجز أن لا يتصور القيام بالجميع بذل المجهود أو أنه لا يقوم به إلا بكلفة عظيمة؟ فيه
وجهان: في النهاية والبسيط أظهرهما الثاني كما يؤخذ من كلام مجلي في الذخائر. وحيث وكله في هذه الأقسام فإنما
يوكل عن موكله، فإن وكل عن نفسه فالأصح في زيادة الروضة المنع. (ولو أذن) الموكل (في التوكيل وقال) للوكيل:
(وكل عن نفسك ففعل، فالثاني وكيل الوكيل) عملا بإذن الموكل، وقيل: إنه وكيل الموكل، وكأنه قال أقم غيرك
مقامك. (و) على الأول (الأصح أنه ينعزل) أي الثاني (بعزله) أي الأول، (وانعزاله) بموته أو جنونه أو عزل موكله له.
والثاني: لا ينعزل بذلك، بناء على أنه وكيل عن الموكل. وعلى الأول للموكل أيضا عزل الثاني لأنه فرع الفرع كما ينعزل
226

بموته وجنونه.
تنبيه: جزم المصنف بأن الثاني وكيل الوكيل، وحكايته وجهان مع ذلك في انعزاله بعزل الوكيل، وانعزاله غير
صحيح في المعنى ومخالف لما في الشرح والروضة من حكاية خلاف في البناء وبناء العزل عليهما كما تقرر. (وإن قال) له: (وكل
عني) ففعل، (فالثاني وكيل الموكل) لأنه مقتضى الاذن. (وكذا لو أطلق) بأن قال: وكل ولم يقل عني ولا عنك، (في الأصح)
لأن توكيل الأول له تصرف وقع بإذن الموكل فيقع عنه. والثاني: أنه وكيل الوكيل، وكأنه قصد تسهيل الامر عليه، كما
لو قال الإمام أو القاضي لنائبه: استنب فاستناب فإنه نائب عنه لا عن منيبه. وفرق الأول بأن القاضي ناظر في حق غير
الموكل كما قاله الماوردي والوكيل ناظر في حق الموكل. (قلت: وفي هاتين الصورتين) وهما ما إذا قال: عني أو أطلق، (لا يعزل
أحدهما الآخر ولا ينعزل بانعزاله) فإنه ليس وكيلا عنه، ففي الأولى جزما، وفي الثانية على الأصح. قال ابن النقيب:
ولو سكت عن هذا لفهم من التفريع، ولكنه أراد زيادة الايضاح اه‍. وللموكل عزل أيهما شاء (وحيث جوزنا للوكيل
التوكيل) عنه أو عن الموكل (يشترط أن يوكل أمينا) رعاية لمصلحة الموكل.
تنبيه: ظاهر إطلاق المصنف أنه لا يجوز توكيل غير الأمين، ولو نص له على الثمن والمشتري، وهو كذلك وإن كان
فيه احتمال لصاحب المطلب لأنها استنابة عن الغير. (إلا أن يعين الموكل غيره) أي الأمين فيتبع تعيينه، فله أن يوكله لاذنه
فيه. ولو علم الوكيل فسق المعين دون الموكل، قال الأسنوي: فيظهر تخريجه على ما إذا وكله في شراء معين فاطلع الوكيل
على عيبه دون الموكل وقد سبق أنه لا يشتريه، فتستثني هذه المسألة من كلامه. ولو عين له فاسقا فزائد فسقه امتنع عليه
توكيله كما قاله الزركشي كنظيره فيما لو زاد فسق عدل الرهن. هذا كله فيمن وكل عن نفسه، أما الموكل عن غيره
كالولي فلا يجوز لوكيله أن يوكله ولا غيره.
تنبيه: مقتضى التعبير بالتعيين: أنه إذا عمم فقال: وكل من شئت لا يجوز توكيل غير الأمين، وهو كذلك. فإن قيل:
قد قالوا في النكاح إن المرأة إذا قالت زوجني ممن شئت جاز تزويجها من الأكفاء وغيرهم، فقياسه الجواز هنا بل أولى، لأنه
لم يصح ولا خيار لها، وهنا يستدرك لأنه إذا وكل فاسقا فباع بدون ثمن المثل لا يصح أو اشترى معينا ثبت الخيار.
أجيب بأن المقصود بالتوكيل في التصرف في الأموال حفظها وتحصيل مقاصد الموكل فيها، وهذا ينافيه توكيل الفاسق،
بخلاف الكفاءة فإنها صفة كمال وقد تسامح المرأة بتركها لحاجة القوت أو غيره، وقد يكون غير الكفء أصلح لها،
والظاهر أن الموكل هنا إنما قصد التوسعة عليه بعدم التعيين بشرط النظر له بالمصلحة. (ولو وكل) الوكيل (أمينا) في الصورتين
السابقتين (ففسق لم يملك الوكيل عزله في الأصح، والله أعلم) لأنه أذن له في التوكيل دون العزل. والثاني: يملك عزله،
لأن الاذن في التوكيل يقتضي توكيل الامناء، فإذا فسق لم يجز استعماله فيجوز عزله.
فصل: فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها: لو (قال: بع لشخص معين) كزيد (أو في
زمن) معين كيوم الجمعة (أو مكان معين) كسوق كذا، (تعين) ذلك. أما الشخص فلانه قد يقصد تخصيصه بتلك
السلعة وربما كان ماله أبعد عن الشبهة. نعم إن دلت قرينة على إرادة الريح وأنه لا غرض له في التعيين إلا ذلك،
فالمتجه كما قال الزركشي جواز البيع من غير المعين. وأما الزمان فلان احتياجه إلى البيع قد يكون فيه خاصة.
وفائدة التقييد بالزمان أنه لا يجوز قبله ولا بعده وذلك متفق عليه في البيع والعتق، فلو قال له: بع أو أعتق يوم الجمعة
مثلا لم يجز له ذلك قبله ولابعده، والمتجه كما قال الأسنوي انحصار يوم الجمعة في الذي يليه حتى لا يجوز ذلك في مثله
227

من جمعة أخرى. وأما الطلاق فلو وكل به في وقت معين فطلق قبله لم يقع أو بعده فكذا على المعتمد، مراعاة لتخصيص
الموكل كما صرح به في الروضة في كتا ب الطلاق نقلا عن البوشنجي، وأشار إليه هنا بعد نقله عن الداركي
أنه يقع بعده
لا قبله لأن المطلقة فيه مطلقة بعده لا قبله، وما قاله الداركي غريب مخالف لنظائره. وأما المكان فإن ظهر له الغرض في
تعيينه لكون الراغبين فيه أكثر أو النقد فيه أجود فواضح، وإلا فقد يكون له فيه غرض خفي لا يطلع عليه. وتعيينه إذا
لم يكن للموكل غرض ظاهر هو المعتمد كما رجحه الشيخان، ولذلك قال: (وفي المكان وجه إذا لم يتعلق به غرض)
صحيح أنه لا يتعين، وإن قال الأسنوي إنه الراجح فقد نص عليه الشافعي
وجمع، وقال الزركشي: نص عليه الشافعي وجمهور الأصحاب. وعلى الأول محله إذا لم يقدر الثمن، فإن قدره لم يتعين
المكان إلا إن نهاه عن البيع في غيره فيتعين البيع فيه، وإن عين للبيع بلدا أو سوقا فنقل الموكل فيه إلى غيره ضمن الثمن والمثمن وإن قبضه وعاد به، كنظيره من
القراض للمخالفة. قال في أصل الروضة: بل لو أطلق التوكيل في البيع في بلد فليبع فيه، فإن نقله ضمن.
تنبيه: في عبارة المصنف تساهل، فإن كان يحكي بها لفظ الموكل فيكون قوله معين من تتمة لفظ الموكل فمدلوله: بع
من معين لا مبهم، وكذا القول في الزمان والمكان، وليس ذلك مرادا كما يفهم مما مثلت به، وعبارة المحرر قال: بع
من فلان أو في وقت كذا أو كذا أو عين مكانا، وهو تعبير حسن.
فروع: لو قال: اشتر عبد فلان وكان فلان قد باعه فللوكيل شراؤه من المشتري، ولو قال: طلق زوجتي ثم طلقها
الزوج فللوكيل طلاقها أيضا في العدة، قاله البغوي في فتاويه. ولو باع الوكيل ليلا فإن كان الراغبون فيه مثل النهار صح وإلا فلا،
قاله القاضي في تعليقه. ولو قال: بع من زيد فباع لوكيله لم يصح، بخلاف نظيره في النكاح فيصح لأنه لا يقبل نقل
الملك والبيع يقبله، وقياسه عدم الصحة فيما لو قال: بع من وكيل زيد فباع من زيد. (وإن قال بع) هذا (بمائة لم يبع بأقل)
منها ولو يسيرا وإن كان بثمن مثله لأنه مخالف للاذن، وهذا بخلاف النقص عن ثمن المثل بما يتغابن به عند الاطلاق لأنه
قد يسمى ثمن المثل، بخلاف دون المائة لا يسمى مائة. (وله أن يزيد) عليها، لأن المفهوم من ذلك عرفا إنما هو منع النقص،
وقيل: لا يزيد لأن المالك ربما كان له غرض في إبرار قسم، وكما لو زاد في الصفة، بأن قال: بمائة درهم مكسرة فباع بمائة صحيحة.
تنبيه: قوله: له يشعر بجواز البيع بالمائة وهناك راغب بزيادة، وليس مرادا، فإن الأصح في زيادة الروضة المنع، لأنه
مأمور بالاحتياط والغبطة، فلو وجده في زمن الخيار لزمه الفسخ، فلو لم يفسخ انفسخ البيع قياسا على ما مر. (إلا أن
يصرح بالنهي) عن الزيادة فتمتنع لأن النطق أبطل حق العرف.
تنبيه: يرد على حصره الاستثناء ما لو قال: بع لزيد بمائة فإنه ليس له الزيادة قطعا لأنه ربما قصد إرفاقه. فإن قيل:
لو وكله بالخلع بمائة جاز له أن يزيد عليها ولم يحملوه على ذلك. أجيب بأن الخلع يقع غالبا عن شقاق، وذلك قرينة دالة
على عدم قصد المحاباة، ولذلك قيد ابن الرفعة المنع في الأولى بما إذا كانت المائة دون ثمن المثل لظهور قصد المحاباة، بخلاف
ما إذا كانت ثمن المثل فأكثر. فإن قيل: لو وكله أن يشتري عبد زيد بمائة كان له أن يشتريه بأقل منها ولم يحملوه على ذلك.
أجيب بأن البيع لما كان ممكنا من المعين وغيره كان تعيينه ظاهرا في قصد إرفاقه وشراء العين لما لم يمكن من غير المذكور
ضعف احتمال ذلك المقصد فظهر قصد التعريف.
فروع: لو قال له: بع العبد بمائة فباعه بمائة وثوب أو دينار صح لأنه حصل غرضه وزاد خيرا. ولو قال له:
بع بألف درهم فباع بألف دينار لم يصح، إذ المأتي به ليس مأمورا به ولا مشتملا عليه. ولو قال: اشتر بمائة لا بخمسين
جاز الشراء بالمائة وبما بينها وبين الخمسين لا بما عدا ذلك. ولو قال: بع بمائة لا بمائة وخمسين لم يجز النقص عن
المائة ولا استكمال الماء والخمسين ولا الزيادة عليها للنهي عن ذلك، ويجوز ما عداه. ولو قال: لا تبع أو لا تشتر
228

بأكثر من مائة مثلا فاشترى أو باع بثمن المثل وهو مائة أو دونها لا أكثر جاز لاتيانه بما أمر به، بخلاف ما إذا اشترى
أو باع بأكثر من مائة للنهي عنه. (ولو قال: اشتر بهذا الدينار شاة ووصفها) بصفة (فاشترى به شاتين بالصفة)
المشروطة، (فإن لم تساو واحدة) منهما (دينارا لم يصح الشراء للموكل) وإن زادت قيمتهما جميعا على الدينار لفوات
ما موكل فيه. (وإن ساوته) أو زادت عليه (كل واحدة) منهما، (فالأظهر الصحة) للشراء (وحصول الملك فيهما
للموكل) لحديث عروة السابق في بيع الفضولي، ولأنه حصل غرضه وزاد خيرا، كما لو قال: بع بخمسة دراهم فباعه بعشرة
منها، وليس له بيع إحداهما ولو بدينار ليأتي به وبالأخرى إلى الموكل، وإن فعل عروة ذلك كما مر، لعدم الإذن فيه،
وأما عروة فلعله كان مأذونا له في بيع ما رآه مصلحة من ماله (ص). والوكالة في بيع ما سيملكه تبعا لبيع
ما هو مالكه صحيحة كما مر. والثاني: يقول إن اشترى في الذمة فللموكل واحدة بنصف دينار والأخرى للوكيل ويرد
على الموكل نصف دينار، وإن اشترى بعين الدينار فقد اشترى شاة بإذن وشاة بغير إذن فيبطل في شاة ويصح في شاة بناء على تفريق الصفقة كما مر.
تنبيه: قوله: وإن ساوته كل واحدة هو طريقة، والأصح في زيادة الروضة أن الشرط أن تكون إحداهما
فقط مساوية للدينار ولو لم تساوه الأخرى. واحترز بقوله: ووصفها عما إذا لم يصفها، فإن التوكيل لم يصح. والمعتبر
في الوصف ما سبق في التوكيل بشراء عبد كما أشعر به كلام الرافعي هنا، قال الأسنوي: وهو واضح. (ولو أمره بالشراء
بمعين) أي بعين ماله كما في المحرر، (فاشترى في الذمة لم يقع للموكل) لمخالفته لأنه أمره بعقد ينفسخ بتلف العين
فأتى بما لا ينفسخ بتلفها، ويطالب بغيره، ويقع العقد للوكيل إن لم يصرح بالسفارة، وكذا إن صرح على الأصح.
(وكذا) لا يصح (عكسه) وهو فيما إذا قال له: اشتر في الذمة وادفع هذا في ثمنه فاشترى بعينه لم يقع الشراء للموكل.
(في الأصح) لمخالفته، لأنه أمره بعقد لا ينفسخ بتلف العين فأتى بما ينفسخ بتلفها. وقد يكون غرض الموكل
تحصيل المبيع على كل حال، وعلى هذا لا يقع لواحد منهما. والثاني: يقع له، لأنه زاد خيرا حيث لم يلزم ذمته شيئا.
ولو دفع إليه شيئا وقال: اشتر لي كذا وأطلق تخير بين الشراء بعينه وفي الذمة لتناول الشراء لهما، ولو قال: اشتر بهذا
تخير أيضا على المعتمد، وإن خالف في ذلك الإمام والشيخ أبو علي الطبري وقالا: يتعين الشراء بعينه، لأن الأول هو
الذي اقتضاه كلامهم في الكلام على مسألة الشاة حيث فرقوا على مقابل الأظهر بين الشراء بعين الدينار والشراء
في الذمة. (ومتى خالف) الوكيل (الموكل في بيع ماله) بأن باعه على غير الوجه المأذون فيه، (أو) في (الشراء بعينه)
بأن اشترى له بعين ماله على وجه لم يأذن له فيه، (فتصرفه باطل) لأن الموكل لم يرض بخروج ملكه على ذلك
الوجه. ولو قال: اشتر لفلان بألف في ذمته فهو كشرائه بعين مال الغير كما قاله الرافعي في الشرط الثالث من شروط
البيع. (ولو اشترى في الذمة) غير المأذون فيه (ولم يسم الموكل وقع) الشراء (للوكيل) وإن نوى الموكل، لأن
الخطاب وقع منه، وإنما ينصرف بالنية إلى الموكل إذا كان موافقا لاذنه، فإن خالف لغت نيته. (وإن سماه فقال
البائع بعتك فقال اشتريت لفلان فكذا) يقع الشراء للوكيل (في الأصح) وتلغو تسمية الموكل في القبول لأنها
غير معتبرة في الشراء، فإذا سماه ولم يمكن صرفها إليه صار كأنه لم يسمه. والثاني: يبطل العقد، لأنه صرح بإضافته إلى
229

الموكل وقد امتنع إيقاعه له فألغي. (وإن قال بعت موكلك زيدا، فقال اشتريت له، فالمذهب بطلانه أي العقد، لأنه لم
يجر بين المتعاقدين مخاطبة، ولم يصرح في الروضة ولا أصلها بمقابل المذهب. ويؤخذ من هذا التعليل أن ذلك في موافق
الاذن وفي الكفاية حكاية وجهين في المسألة، وفي المطلب: لو قال بعتك لموكلك فلان، فقال: قبلت له صح جزما،
أو بعتك لنفسك وإن كنت تشتريه للغير فلا أبيعه لك فاشتراه للغير لم يصح بلا خلاف. ولو لم يصرح البائع بلفظ الموكل
بل باسمه فقال: بعت زيدا، فقال المشتري: اشتري له ونوياه فكالتعبير بالموكل.
تنبيه: قضية كلام المصنف عدم وجوب تسمية الموكل في العقد، ويستثنى من ذلك مسائل: منها ما إذا وكل
شخص عبدا أن يشتري نفسه من سيده، فيجب أن يقول: اشتريت نفسي منك لموكلي، لأن قوله: اشتريت نفسي صريح
في اقتضاء العتق فلا يندفع بمجرد النية، ومنها ما إذا وكل العبد أجنبيا في شراء نفسه من سيده، فإنه يجب تصريحه بإضافته
إلى العبد، فلو أطلق ونوى وقع للوكيل، لأن المالك قد لا يرضى بعقد يتضمن الاعتاق قبل قبض الثمن. ومنها ما لو قال:
اشتر لي عبد فلان بثوبي هذا مثلا ففعل. ومنها وكيل المتهب يجب أن يسميه في القبول وإلا فيقع العقد له لجريان الخطاب
معه بغير ذكر الموكل، ولا تكفي النية في وقوع العقد لموكله لأن الواهب قد يسمح بالتبرع له دون غيره. نعم إن
نواه الواهب أيضا وقع عنه كما بحثه الأذرعي وغيره. قال الزركشي: وقياس ما ذكر في الهبة يجري مثله في الوقف
والوصية والإعارة والرهن والوديعة وغيرها مما لا عوض فيه اه‍. ولا ينحصر ذلك فيما لا عوض فيه كما يعلم مما تقدم.
ومنها وكيل النكاح كما سيأتي إن شاء الله تعالى في بابه. ثم شرع في الحكم الثاني من أحكام الوكالة وهو الأمانة، فقال:
(ويد الوكيل يد أمانة وإن كان بجعل) لأنه نائب عن الموكل في اليد والتصرف فكانت يده كيده، وإن الوكالة عقد
إرفاق ومعونة والضمان مناف لذلك ومنفر عنه فلا يضمن ما تلف في يده بلا تعد. (فإن تعدى) في العين بلبس أو ركوب
أو نحو ذلك، (ضمن) بخلاف ما لو تلف بلا تعد كغيره من الامناء فيهما. ومن التعدي أن يضيع منه ولا يدري كيف
ضاع، وكذا لو وضعه في موضع ثم نسيه. وهل يضمن بتأخير ما وكل في بيعه؟ وجهان: أوجههما كما قال بعض المتأخرين
عدم الضمان. (ولا ينعزل) بالتعدي (في الأصح) لأن الوكالة إذن في التصرف والأمانة حكم يترتب عليها، ولا يلزم
من ارتفاعها ارتفاع أصلها كالرهن. والثاني: ينعزل كالمودع. وأجاب الأول بأن الوديعة ائتمان محض. نعم إن كان
وكيلا لولي أو وصي فالمتجه كما قال الأذرعي وغيره انعزاله كالوصي بفسق، إذ لا يجوز إبقاء ماله بيد غير عدل. فإن
قيل: هذا مردود لأن الفسق لا يمنع الوكالة وإن منع الولاية ولكن الممنوع إبقاء المال بيده. أجيب بأن هذا هو المردود،
فإن الأول هو المنقول، فإنهم قالوا الوكيل ينعزل بالفسق فيما العدالة شرط فيه.
تنبيه: محل الوجه الثاني إذا تعدى بالفعل، فإن تعدى بالقول كما لو باع بغبن فاحش ولم يسلم لا ينعزل جزما
لأنه لم يتعد فيما وكل فيه. وعلى الأول: لو باع وسلم بالمبيع زال الضمان عنه لأنه أخرجها من يده بإذن مالكها، ولا
يضمن الثمن لأنه لم يتعد فيه، ولو رد المبيع عليه بعيب عاد الضمان لعود اليد. فإن قيل: هذا إنما يأتي إذا قلنا إن
الفسخ يرفع العقد من أصله لا من حينه، والمعتمد أنه يرفعه من حينه لا من أصله فلا يعود الضمان؟ أجيب بأن المعتمد
عود الضمان والفسخ وأن رفع العقد من حينه لا من أصله لا يقطع النظر عن أصله بالكلية وتقدم أنه لو تعدى
بسفره
بما وكل فيه وباعه فيه ضمن ثمنه، وإن تسلمه وعاد من سفره فيكون مستثنى مما مر. ولو امتنع الوكيل من التخلية
بين الموكل والمال ضمن إن لم يكن عذر كالمودع، فإن كان له عذر: ككونه مشغولا بطعام لم يضمن. ثم شرع
في الحكم الثالث من أحكام الوكالة وهو العهدة، فقال: (وأحكام العقد تتعلق بالوكيل دون الموكل، فيعتبر في الرؤية ولزوم
230

العقد بمفارقة المجلس والتقابض في المجلس حيث يشترط) كالربوي ورأس مال السلم، (الوكيل دون الموكل) لأن الوكيل هو
العاقد حقيقة وله الفسخ بخيار المجلس، وكذا بالخيار المشروط له وحده كما قاله بعض المتأخرين وإن رضي الموكل ببقائه،
بخلاف ما مر في المعيب من أن الموكل إذا رضي به ليس للوكيل الرد، لأنه لدفع الضرر عن المالك، وليس منوطا باسم
المتعاقدين كما نيط به كل الفسخ بخيار المجلس، لخبر: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، وخيار الشرط بالقياس على خيار المجلس، ولان ملكه ثم قد ثم عليه بخلافه هنا. (وإذا اشترى
الوكيل طالبه البائع بالثمن إن كان دفعه إليه الموكل) للعرف، سواء اشترى بعينه أم في الذمة ولتعلق أحكام العقد بالوكيل، وله مطالبة الموكل أيضا على المذهب كما ذكراه في باب معاملات العبيد.
(وإلا) بأن لم يدفعه إليه (فلا) يطالبه (إن كان الثمن معينا) لأنه ليس في يده، وحق البائع مقصور عليه. (وإن كان) الثمن
(في الذمة طالبه) به دون الموكل (إن أنكر وكالته أو قال لا أعلمها) لأن الظاهر أنه يشتري لنفسه والعقد وقع معه.
تنبيه: مسألة عدم العلم من زيادته من غير تمييز. (وإن اعترف بها طالبه أيضا في الأصح كما يطالب الموكل ويكون
الوكيل كضامن والموكل كأصيل) لأن العقد وإن وقع للموكل لكن الوكيل فرعه ونائبه ووقع العقد معه فلذلك
جوزنا مطالبتهما، فإذا غرم رجع بما غرمه على الموكل. والثاني: لا يطالب الوكيل بل الموكل فقط، لأن العقد وقع له
والوكيل سفير محض. والثالث: لا يطالب الموكل بل الوكيل فقط، لأن الالتزام وجد معه. (وإذا قبض الوكيل بالبيع الثمن)
حيث يجوز له، (وتلف في يده وخرج المبيع مستحقا رجع عليه المشتري) ببدل الثمن، (وإن اعترف بوكالته في الأصح)
لحصول التلف في يده. والثاني: يرجع به على الموكل وحده، لأن الوكيل سفير محض. (ثم) على الأول إذا غرم الوكيل
(يرجع الوكيل على الموكل) بما غرمه، لأنه غره، هذا إذا لم يكن الوكيل منصوبا من جهة الحاكم وإلا فلا يكون طريقا
في الضمان لأنه نائب الحاكم والحاكم لا يطالب فكذا نائبه. (قلت: وللمشتري الرجوع على الموكل ابتداء) أيضا (في الأصح،
والله أعلم) لأن الوكيل مأمور من جهته ويده كيده وإذا غرم لا يرجع به على الوكيل، لأن قرار الضمان عليه. والثاني:
لا يرجع على الموكل لأنه تلف تحت يد الوكيل، وقد بان فساد الوكالة. ولو تلف الثمن تحت يد الموكل والحال ما ذكر ففي
مطالبة الوكيل وجهان: أظهرهما كما قال الأذرعي مطالبته. وهذا الخلاف جميعه يأتي في وكيل المشتري إذا تلف المبيع
في يده ثم ظهر استحقاقه.
فرع: وكيل المستقرض كوكيل المشتري فيطالب ويرجع بعد الغرم على الموكل.
تنبيه: المقبوض للوكيل بالشراء الفاسد يضمنه الوكيل سواء أتلف في يده أم في يد موكله لوضع يده عليه بغير
إذن شرعي، ويرجع إذا غرم على الموكل، لأن قرار الضمان عليه كما مر. ثم شرع في الحكم الرابع وهو الجواز مترجما
له بفصل، فقال:
فصل: الوكالة: ولو بجعل، (جائزة من الجانبين) أي من جانب الموكل، لأنه قد يرى المصلحة في ترك ما وكل
231

فيه أو في توكيل آخر، ومجانب الوكيل لأنه قد لا يتفرع فيكون اللزوم مضرا بهما. هذا إذا لم يكن عقد الوكالة باستئجار،
فإن كان بأن عقد بلفظ الإجارة فهو لازم، وهذا لا يحتاج إلى استثنائه. وإن عقدت بلفظ الوكالة وشرط فيها جعل معلوم،
قال الرافعي: فيمكن بناؤه على أن الاعتبار بصيغ العقود أو بمعانيها. وهذان الاحتمالان نقلهما الروياني وجهين وصحح
منهما الأول على القاعدة الغالبة في ذلك، وهو المعتمد كما جزم به الجويني في مختصره، لأن الإجارة لا تنعقد بلفظ الوكالة،
وعلى هذا أيضا لا يحتاج إلى استثنائه. (فإذا عزله الموكل في حضوره) أي أتى بلفظ العزل خاصة، (أو قال) في حضوره (رفعت
الوكالة أو أبطلتها) أو أزالتها أو فسختها أو نقضتها أو صرفتها (أو أخرجتك منها انعزل) منها لدلالة كل من الألفاظ المذكورة
عليه. (فإن عزله وهو غائب انعزل في الحال) لأنه رفع عقد لا يعتبر فيه الرضا فلا يحتاج إلى العلم كالطلاق، وقياسا على
ما لو وكل أحدهما والآخر غائب. (وفي قول لا) ينعزل (حتى يبلغه الخبر) ممن تقبل روايته كالقاضي. وفرق الأول بتعلق
المصالح الكلية بالقاضي فيعظم الضرر بنقض الأحكام وفساد الأنكحة وغير ذلك بخلاف الوكيل. قال الأسنوي: ومقتضاه
أن الحاكم في واقعة خاصة حكمه حكم الوكيل اه‍. قال ابن شهبة: ومقتضاه أيضا أن الوكيل العام كوكيل السلطان لا ينعزل
قبل بلوغ الخبر لعموم نظره كالقاضي، ولم يذكروه اه‍. وربما يلتزم ذلك، ولا يصدق موكله بعد التصرف في قوله: كنت
عزلته إلا ببينة، فينبغي له أن يشهد على عزله. ولو تلف المال في يده بعد عزله لم يضمنه، ولو باعه جاهلا بعزله فالبيع
باطل، فإن أسلمه للمشتري ضمنه كالوكيل إذا قتل بعد العفو تلزمه الدية والكفارة خلافا لما بحثه الروياني من عدم الضمان.
ولو عزل المودع الوديع وهو غائب لم ينعزل حتى يبلغه الخبر، وفرق بينه وبين الوكيل
بأن الوديع أمين والوكيل بتصرف، والعزل يمنع صحة التصرف، ولذلك قلنا الوكيل باق على أمانته بعد عزله كما مر. وذكر الرافعي في العارية
أنه لو عزل المعير المستعير لم ينعزل حتى يبلغه الخبر. ولو عزل أحد وكيليه مبهما لم يتصرف واحد منهما حتى يميز للشك
في أهليته. (ولو قال) الوكيل: (عزلت نفسي أو رددت الوكالة) أو فسختها أو خرجت منها أو نحو ذلك كأبطلتها، (انعزل)
لدلالة ذلك عليه، وإن كانت صيغة الموكل صيغة أمر، وقيل: إن كانت صيغته صيغة أمر كأعتق وبع لم ينعزل، لأن ذلك
إذن وإباحة فأشبه ما لو أباح الطعام لغيره فإنه لا يرتد برد المباح له. وعلى الأول، فإن قيل: كيف ينعزل بذلك مع قولهم
لا يلزم من فساد الوكالة فساد التصرف لبقاء الاذن؟ أجيب بأن العزل أبطل ما صدر من الموكل من الاذن في التصرف،
فلو قلنا له التصرف لم يفد العزل شيئا بخلاف المسألة المستشهد بها فإنه إذا فسد خصوص الوكالة لم يوجد ما ينافي عموم الاذن،
ولا فرق بين أن يكون الموكل غائبا أو حاضرا، لأنه قطع للعقد فلا يفتقر إلى حضور من لا يعتبر رضاه كالطلاق. قال
الأذرعي: وله علم الوكيل أنه لو عزل نفسه في غيبة موكله لاستملك المال قاض جائز أو غيره فينبغي أن يلزمه البقاء
على الوكالة إلى حضور موكله أو أمينه على المال كما سيأتي في الوصي اه‍.
تنبيه: يستثنى من إطلاق المصنف ما لو وكل السيد عبده في تصرف مالي فإنه لا ينعزل بعزل نفسه، لأنه من
الاستخدام الواجب. (وينعزل) أيضا (بخروج أحدهما) أي الموكل والوكيل، (عن أهلية التصرف بموت أو جنون)
وإن زال عن قرب، لأنه لو قارن منع الانعقاد فإذا طرأ قطعه. قال في المطلب: والصواب أن الموت ليس بعزل
بل تنتهي الوكالة به كالنكاح. قال الزركشي: وفائدة عزل الوكيل بموته انعزال من وكله عن نفسه إن جعلناه وكيلا
عنه اه‍. وقيل: لا فائدة لذلك في غير التعاليق. (وكذا إغماء) ينعزل به (في الأصح) إلحاقا له بالجنون. والثاني:
لا ينعزل لأنه لم يلتحق بمن يولي عليه، واختاره السبكي تبعا للإمام وغيره. وعلى الأول يستثنى الوكيل في رمي الجمار
232

فإنه لا ينعزل بإغماء الموكل كما مر في الحج، ومن الواضح أنه لا ينعزل بالنوم وإن خرج به عن أهلية التصرف.
تنبيه: لو اقتصر المصنف على قوله: بخروج أحدهما عن أهلية التصرف لكان أخصر وأشمل ليشمل ما لو حجر
عليه بسفه أو فلس أو رق فيما لا ينفذ منه أو فسق فيما العدالة شرط فيه. (و) ينعزل أيضا (بخروج محل التصرف عن ملك
الموكل) بالبيع ونحوه كإعتاق ما وكل فيه، لاستحالة بقاء الولاية والحالة هذه، ولو عاد إلى ملكه لم تعد الوكالة. ومثل
خروجه عن ملكه ما لو أجره أو كاتبه لاشعاره بالندم على البيع، وكذا الايصاء والتدبير وتعليق العتق كما بحثه البلقيني
وغيره، وبالرهن مع القبض كما قال ابن كج، قال الشيخان: وكذا بتزويج الجارية. فمن المتأخرين من أخذ
بمفهوم ذلك
وقال بخلاف العبد كما أفهمه كلام الشيخين، ومنهم من جعله مثالا وقال العبد كالأمة، واعتمده شيخي، وهو الظاهر،
إذ لا فرق بين الجارية والعبد في ذلك. وهذه الصور قد ترد على المصنف لأن محل التصرف لم يخرج عن ملك الموكل.
ولا ينعزل بتوكيل وكيل آخر ولا بالعرض على البيع. وفي عزل الوكيل بطحن الموكل الحنطة الموكل بيعها وجهان،
وقضية ما في التتمة كما قال الأذرعي وغيره الانعزال هذا إذا ذكر اسم الحنطة، وإلا فالأوجه أنه لا ينعزل كما هو قضية
كلام الروضة. ولو وكل عبده في تصرف ثم أعتقه أو باعه أو كاتبه انعزل، لأن إذن السيد له استخدام كما مر لا توكيل،
وقد زال ملكه عنه، بخلاف ما لو وكل عبد غيره فباعه سيده أو أعتقه أو كاتبه فإنه لا ينعزل بذلك لكن يعصي العبد
بالتصرف إن لم يأذن له مشتريه فيه، لأن منافعه صارت مستحقة له. (وإنكار الوكيل الوكالة لنسيان) لها (أو لغرض) له
(في الاخفاء) كخوف أخذ ظالم المال الموكل فيه، (ليس بعزل) لعذره. (فإن تعمد) إنكارها (ولا غرض) له فيه،
(انعزل) بذلك، لأن الجحد حينئذ رد لها، والموكل في إنكارها كالوكيل في ذلك. وما أطلقه الشيخان في التدبير من
جحد الموكل أنه يكون عزلا محمولا كما قال ابن النقيب على ما هنا.
فروع: لو وكله ببيع عبد أو شرائه لم يعقد على بعضه لضرر التبعيض. نعم إن باع البعض بقيمة الجميع صح
كما ذكره المصنف في تصحيحه، هذا إن لم يعين المشتري كما قاله الزركشي، وإلا لم يصح لقصده محاباته. ولو أمره
أيشتري بالعبد ثوبا فاشتراه ببعضه جاز، ولو قال له: بع هؤلاء العبيد أو اشترهم جاز له أن يفرقهم في عقود وأن
يجمعهم في عقد. نعم إن كان الاحظ في أحدهما تعين. ولو قال: بعهم أو اشترهم صفقة لم يفرقها لمخالفة أمره، أو قال: بعهم
بألف لم يبع واحدا بأقل من ألف لجواز أن لا يشتري أحد الباقين بباقي الألف، فإن باعه بألف صح، وله بيع الباقين
بثمن المثل. ولو قال له: اطلب حقي من زيد فمات زيد لم يطالب وارثه لأنه غير المعين، أو اطلب حقي الذي على زيد
طالب وارثه. ولو قال له: أبرئ غرمائي لم يبرئ نفسه، لأن المخاطب لا يدخل في عموم أمر المخاطب له على الأصح، فإن قال:
وإن شئت فأبرئ نفسك فله ذلك، كما لو وكل المديون بإبراء نفسه. ولو قال: أعط ثلثي للفقراء صح، أو لنفسك لم يصح
لتولي الطرفين. ولو قال له: بع هذا ثم هذا لزمه الترتيب امتثالا لأمر موكله. ولو وكله في شراء جارية ليطأها لم يشتر له من
تحرم عليه كأخته، ولو بلغه أن زيدا وكله فإن صدق المخبر تصرف وإلا فلا. (وإذا اختلفا في أصلها) بأن قال: وكلتني
في كذا فقال: ما وكلتك. (أو صفتها بأن قال وكلتني في البيع نسيئة أو الشراء بعشرين) مثلا، (فقال) الموكل: (بل نقدا أو
بعشرة صدق الموكل بيمينه) لأن الأصل عدم الإذن فيما ذكره الوكيل، ولان الموكل أعرف بحال الاذن الصادر منه.
وصورة المسألة الأولى كما قال الفارقي إذا كان بعد التصرف، أما قبله فلا فائدة في الخصومة، لأنه إذا ادعى عليه فأنكر
الموكل الوكالة انعزل فلا حاجة لقولنا القول قوله بيمينه.
تنبيه: قوله: صدق الموكل بيمينه فيه تسمح، لأنه في الأولى ليس بموكل إلا أن يراد أنه موكل بزعم الوكيل.
233

(ولو اشترى) الوكيل (جارية بعشرين) درهما مثلا وهي تساوي عشرين فأكثر (وزعم أن الموكل أمره) بالشراء بها
، (فقال) الموكل: (بل) أنت (بعشرة، و) لا بينة لواحد منهما أو لكل منهما بينة وتعارضا، (حلف) الموكل، ثم
ينظر (فإن اشترى) الوكيل الجارية (بعين مال الموكل وسماه في العقد وقال) المال له (أو) لم يسمه لكن قال (بعده)
أي العقد (اشتريته) أي المذكور، والأولى اشتريتها: أي الجارية (لفلان والمال له وصدقه البائع) فيما ادعاه أو قامت
بذلك بينة، (فالبيع باطل) في الصورتين، لأنه ثبت بتسمية الوكيل في الأولى وتصديق البائع أو البينة في الثانية أن المال
والشراء لغير العاقد، وثبت بيمين من له المال أنه لم يأذن في الشراء بذلك القدر، فيلغو الشراء والجارية لبائعها وعليه رد ما أخذه.
تنبيه: محل البطلان فيما ذكر إذا لم يوافق البائع المشتري على وكالته بالقدر المذكور وإلا فالجارية باعتراف البائع
ملك للموكل فيأتي فيه التلطف الآتي كما نبه عليه البلقيني. (وإن كذبه) البائع في الصورة الثانية فيما قال بأن قال: إنما
اشتريت لنفسك والمال لك ولست وكيلا في الشراء المذكور) ولا بينة، (حلف على نفي العلم بالوكالة) الناشئة عن التوكيل،
وإلا فهو ليس وكيلا في زعم البائع. فإن قيل: كيف يستقيم الحلف على نفي العلم والحلف إنما يكون على حسب الجواب
وهو إنما أجاب بالبت، وكيف يصح أيضا الاقتصار على تحليفه على نفي الوكالة مع أنه لو أنكرها واعترف بأن المال
لغيره كان كافيا في إبطال البيع فينبغي الحلف عليهما كما يحنث بهما جميعا، بل يكفي التحليف على المال وحده لما
ذكرنا؟ أجيب عن الأول بأن تحليفه على البت يستلزم محذورا وهو تحليفه على البت في فعل الغير، لأن معنى قوله:
لست وكيلا فيما ذكر أن غيرك لم يوكلك، وعلى الثاني بأنه إنما حلف على نفي العلم بالوكالة خاصة، لأنها على خلاف
الأصل والمال لوكيل بمقتضى الأصل وهو ثبوت يده عليه، فلم تقبل دعواه أنه للغير بما يبطل به حق البائع. (ووقع الشراء
للوكيل) ظاهر أو يسلم إلى البائع الثمن المعين ويرد للموكل بدله، (وكذا) يقع الشراء للوكيل ظاهرا (إن
اشترى
في الذمة ولم يسم الموكل) في العقد، بأن نواه وقال: اشتريت له والمال له وكذبه البائع فيحلف كما مر، وظاهر أنه
لو صدقه البائع بطل الشراء كما قاله القمولي لاتفاقهما على وقوع العقد للموكل وثبوت كونه بغير إذنه بيمينه، وكأنهم
سكتوا عنه، لأن الغالب أنه إذا لم يسم الموكل لا يتصور معه ذلك. (وكذا) يقع الشراء للوكيل ظاهرا، (إن سماه وكذبه
البائع في الأصح) بأن قال له: أنت مبطل في تسميتك ولم تكن وكيله، والوجهان هنا هما الوجهان المتقدمان في قول
المصنف: وإن سماه فقال البائع: بعتك إلخ وقد مر تعليلهما. (وإن صدقه) البائع في التسمية (بطل الشراء) لاتفاقهما
على وقوع العقد للموكل وثبت كونه بغير إذنه بيمينه، وإن سكت عن تصديقه وتكذيبه وقع الشراء للوكيل كما يؤخذ
من قول المصنف: وإن سماه فقال البائع بعتك إلخ. (وحيث حكم بالشراء للوكيل) مع قوله إنه للموكل، (يستحب
للقاضي أن يرفق) أي يتلطف (بالموكل ليقول للوكيل إن كنت أمرتك) بشراء جارية (بعشرين فقد بعتكها بها)
أي بالعشرين، (ويقول هو اشتريت لتحل له) باطنا إن كان صادقا في أنه أذن له بعشرين، ولا يضر التعليق
المذكور في صحة البيع للضرورة إليه ولأنه تصريح بمقتضى العقد، فإنه لو قال: بعتك كان معناه إن كنت أذنت،
فأشبه قوله بعتك إن شئت، وليس لنا بيع يصح مع التعليق إلا في هذه، فإن تجز الموكل البيع صح قطعا ولا يكون
ذلك إقرارا بما قاله الوكيل، لأنه يقوله بأمر الحاكم للمصلحة وإن لم يجب الموكل إلى ما ذكر أو لم يسأله القاضي. فإن
234

كان الوكيل صادقا فهي للموكل وعليه للوكيل الثمن وهو لا يؤديه، وقد ظفر الوكيل بغير جنس حقه وهو الجارية فله
بيعها وأخذ ثمنها، وإن كان كاذبا لم يحل له وطؤها ولا التصرف فيها ببيع أو غيره إن كان الشراء بعين مال الموكل لبطلانه،
وفي هذه يحتاج القاضي إلى التلطف بالبائع مع التلطف بالموكل، وإن كان في الذمة حل ما ذكر للوكيل لوقوع الشراء له.
وذكر المتولي كما في الروضة وأصلها: أنه إذا كان كاذبا والشراء بالعين أنه يكون كما لو كان صادقا فيكون قد ظفر بغير جنس
حقه لتعذر رجوعه على البائع بحلفه. (ولو قال) الوكيل: (أتيت بالتصرف المأذون فيه) من بيع أو غيره، (وأنكر
الموكل) ذلك، (صدق الموكل) بيمينه، لأن الأصل عدم التصرف وبقاء ملك الموكل. (وفي قول) يصدق (الوكيل)
لأن الموكل قد ائتمنه فعليه تصديقه. ومحل الخلاف إذا وقع النزاع قبل العزل وإلا فالمصدق الموكل قطعا لأن الوكيل
غير مالك لانشاء التصرف حينئذ. ولو اتفقا على التصرف ولكن قال الموكل: عزلتك قبله وقال الوكيل: بل بعده
فكنظيره في الرجعة وسيأتي. (وقول الوكيل في تلف المال مقبول بيمينه) لأنه أمين كالمودع، فلا بد فيه من التفصيل
المذكور في الوديعة كما أشار إليه الرافعي في كتاب الرهن.
تنبيه: مقصود المصنف عدم الضمان ولو لم يصرح به، وإلا فالغاصب وكل من يده ضامنة يقبل قوله في التلف.
(وكذا) يقبل قوله (في الرد) على الموكل لأنه ائتمنه، ولا فرق بين أن يكون بجعل أو لا، لأنه إن كان بغير جعل
فقد أخذ العين بمحض غرض المالك فأشبه المودع، وإن كان بجعل فلانه إنما أخذ العين لنفع المالك انتفاعه هو إنما هو
بالعمل في العين لا بالعين نفسها، ولا فرق بين أن يكون قبل العزل أو لا خلافا لما في المطلب. (وقيل إن كان)
وكيلا (بجعل فلا) يقبل قوله في الرد، لأن أخذ العين لمصلحة نفسه فأشبه المرتهن. وفرق الأول بأن المرتهن تعلقه
بالمرهون قوي بدليل تعلقه ببدله عند التلف بخلاف الوكيل.
تنبيه: محل قبول قول الوكيل في الرد ما لم تبطل أمانته، أما لو طالبه الموكل فقال: ما قبضته منك، فأقام الموكل
البينة على قبضه، فقال الوكيل: رددته إليك أو تلف عندي ضمنه، ولا يقبل قوله في الرد لأنه بطلت أمانته بالجحود وتناقضه،
ودعوى الجاني تسليم ما جباه إلى الذي استأجره على القبول أيضا. (ولو ادعى) الوكيل (الرد على رسول الموكل
وأنكر الرسول صدق الرسول) بيمينه، لأنه لم يأتمنه فلا يقبل قوله عليه. (ولا يلزم الموكل تصديق الوكيل) في ذلك (على
الصحيح) لأنه يدعي الرد على من لم يأتمنه فليقم البينة عليه. والثاني: يلزمه، لأنه معترف بإرساله ويد رسوله كيده،
فكأنه ادعى الرد عليه. ولو صدقه الموكل على الدفع إلى رسوله لم يغرم الوكيل كما قاله الأذرعي إنه الأصح. ولو اعترف
الرسول بالقبض وادعى التلف في يده لم يلزم المالك الرجوع إليه، لأن الأصل عدم القبض. (ولو قال قبضت الثمن)
حيث يجوز له قبضه، بأن وكل في البيع مطلقا أو مع قبض الثمن، (وتلف) في يدي أو دفعته إليك، (وأنكر الموكل)
قبض الوكيل له. (صدق الموكل إن كان) الاختلاف (قبل تسليم المبيع) لأن الأصل بقاء حقه وعدم القبض. (وإلا)
بأن كان بعد تسليم البيع (فالوكيل) هو المصدق بيمينه (على المذهب) لأن الموكل ينسبه إلى تقصير وخيانة بتسليم
المبيع قبل القبض، والأصل عدمه. وفي وجه أن المصدق الموكل، لأن الأصل بقاء حقه. والطريق الثاني في المصدق
منهما في الحالين القولان في دعوى الوكيل التصرف وإنكار الموكل، فلو أذن له في التسليم قبل القبض أو في البيع
بمؤجل أو في القبض بعد الاجل فهو كما قبل التسليم إذ لا خيانة بالتسليم، وإذا صدقنا الوكيل فحلف ففي براءة
المشتري
235

وجهان، أصحهما كما قال البغوي لا يبرأ، لأن الأصل عدم القبض. وإنما قبلنا قول الوكيل في حقه لائتمانه إياه، وعلى
نقل هذا اقتصر الرافعي في الشرح الصغير، ورجح الوجه الآخر الإمام، ونقله ابن الرفعة عن القاضي حسين، وصححه
الغزالي في بسيطه. ولو قال الموكل للوكيل: قبضت الثمن فادفعه إلي، فقال الوكيل: لم أقبضه صدق الوكيل بيمينه، وليس
للموكل مطالبة المشتري به لاعترافه ببراءة ذمته، ولا مطالبة الوكيل بعد حلفه إلا إن سلم الوكيل المبيع بلا إذن فإنه يغرم
للموكل قيمة المبيع للحيلولة لاعترافه بالتعدي بتسليمه قبل القبض، فلا يشكل بكون القيمة أكثر من الثمن الذي لا يستحق
غيره. (ولو) دفع إلى شخص مالا، و (وكله بقضاء دين) عليه (فقال قضيته) به (وأنكر المستحق) قضاءه، (صدق
المستحق بيمينه) لأنه لم يأتمن الوكيل حتى يلزمه تصديقه، ولان الموكل لو ادعى القضاء لم يصدق، لأن الأصل عدم
القضاء فكذا نائبه. وإذا حلف المستحق طالب الموكل بحقه لا الوكيل. (والأظهر أنه لا يصدق الوكيل على الموكل إلا ببينة)
أو شاهد ويحلف معه، لأنه وكله في الدفع إلى من لم يأتمنه فكان من حقه الاشهاد عليه، وعلى هذا فيأتي فيه ما سبق
في رجوع الضامن من الاكتفاء بالمستور وبالواحد ومن التفصيل بالأداء بين الحضرة والغيبة وقبول قول الموكل بيمينه في أنه
لم يحضر وغير ذلك مما مر. والثاني: يصدق عليه، لأن الموكل قد ائتمنه فأشبه ما لو ادعى الرد عليه. (وقيم اليتيم إذا ادعى دفع
المال إليه بعد البلوغ) والرشد، (يحتاج إلى بينة على الصحيح) لأنه لم يأتمنه حتى يكلف تصديقه، وكذا ولي السفيه
إذا ادعى الدفع إليه بعد رشده، ويخالف ذلك الانفاق لأنه يعسر إقامة البينة عليه. والثاني: يقبل قوله مع يمينه لأنه أمين، فأشبه
المودع. وأما الوصي فقد ذكره المصنف في آخر الوصية وجزم فيه بأنه لا يصدق. قال الأسنوي: ولو عكس المصنف كما فعل
الماوردي لجزم في القيم بعدم التصديق وتردد في الوصي لكان أولى، لأن الوصي أقرب إلى التصديق، لأن الأب أو الجد أقامه
مقام نفسه اه‍. ورد عليه بأن ما فعله المصنف أولى لأن القيم في معنى القاضي فكان أعلى مرتبة وأقرب إلى التصديق.
وهذا الرد مردود لأن الأب والجد أعلى مرتبة من القاضي.
تنبيه: مراد المصنف بقيم اليتيم كما قاله الأسنوي منصوب القاضي فقط، وهو اصطلاح الإمام والرافعي وغيرهما،
خلافا لابن الملقن في قوله: وهو من قوم بأمره أبا كان أو جدا أو وصيا أو حاكما، إذ لا يتم مع الأب والجد في معناه.
وعلى هذا لم يتعرض الشيخان للأب والجد، والمشهور فيهما كما قاله في المطلب عدم القبول أيضا، وإن جزم
السبكي
بقبول قولهما تبعا للماوردي. وقضية كلام الحاوي أن الحاكم كالأب، وألحقه أبو الطيب بالوصي، وهو قضية كلام التنبيه.
قال الأذرعي: وعلى تقدير أن يقبل قوله، فيجب أن يكون ذلك في القاضي العدل الأمين كما ذكره الأصحاب في باب
الوديعة، بل لا يجوز لغير الأمين وضع يده على مال اليتيم ونحوه اه‍. والمجنون كاليتيم والإفاقة كالبلوغ. (وليس لوكيل
ولا مودع) ولا غيرهما ممن يقبل قوله في الرد كالشريك وعامل الغراض (أن يقول بعد طلب المالك) ماله (لا أرد
المال إلا بإشهاد في الأصح) لأن قوله في الرد مقبول بيمينه فلا حاجة إليه. والثاني: له ذلك حتى لا يحتاج إلى يمين، فإن
الامناء يحترزون عنها ما أمكنهم. (وللغاصب ومن لا يقبل قوله في الرد ذلك) أي التأخير إلى الاشهاد كما أشار إليه المصنف
من عدم قبول قوله سواء أكان عليه بينة بالأخذ أم لا، وقيل: إن لم يكن عليه بينة بالأخذ ليس له طلب الاشهاد لتمكنه
من أن يقول ليس له عندي شئ ويحلف عليه. ورد بأنه ربما رفعه إلى قاض يرى الاستفصال كالمالكي فيسأله هل
هو غصب أو لا؟ فإن قيل التوبة واجبة على الفور من الغصب، وهي لا تحصل إلا برد المغصوب، فكيف يجوز التأخير
لطلب الاشهاد؟ أجيب بأن ذلك لأجل الضرورة لأنه ربما طولب به ثانيا.
236

تنبيه: تعبير المصنف بالرد لا يشمل من عليه الدين كالمقترض، وحكمه حكم من لا يقبل قوله في الرد، فلو عبر بالدفع
لشمله. (ولو قال رجل) لمن عنده مال لمستحقه: (وكلني المستحق بقبض ماله عندك من دين أو عين وصدقه) من عنده المال
في ذلك، (فله دفعه إليه) لأنه محق بزعمه، فإن سلم إليه الحق فأنكر المستحق وكالته، فإن كان عينا وبقيت أخذها أو أخذها
الدافع وسلمها إليه، فإن تلفت طالب ببدلها من شاء منهما. ومن غرم منهما لا يرجع على الآخر لاعترافهما أن الظالم
غيرهما فلا يرجع إلا على ظالمه إلا إن قصر القابض لها فتلفت، وغرم المستحق الدافع لها فإنه يرجع على القابض لأنه
وكيل عنده والوكيل يضمن بالتقصير، وكذا يرجع عليه كما في الأنوار إن شرط الضمان عليه إن أنكر المالك، وإن كان
الحق دينا لم يطالب به المستحق إلا غريمه لأن القابض فضولي بزعمه والمقبوض ليس حقه وإنما هو مال المديون. وإذا
غرمه فله استرداده من القابض إن كان باقيا لأنه مال من ظلمه وقد ظفر به وإن كان تالفا، فإن كان بلا تفريط لم يغرمه
وإلا غرمه. هذا كله إن صرح بتصديقه في دعواه الوكالة كما هو فرض المسألة، وإلا فله مطالبته والرجوع عليه بما قبضه
منه دينا كان أو عينا. وقد علم من هذا التفصيل أنه لا فرق بين أن يكون المدعى به دينا أو عينا فيجوز له دفعه
عند
التصديق، وإن قيده بعض المتأخرين من عند نفسه بالدين. ولا يقال إن ذلك تصرف في ملك الغير بغير إذنه إذ غلبة الظن
في ذلك كافية. (والمذهب أنه لا يلزمه) الدفع إليه (إلا ببينة على وكالته) لاحتمال إنكار المستحق لها. والطريق الثاني فيه
قولان: أحدهما هذا وهو المنصوص، والثاني وهو مخرج من مسألة الوارث الآتية: يلزمه الدفع إليه بلا بينة لاعترافه
باستحقاقه الاخذ. (ولو قال) لمن عليه دين: (أحالني) مستحقه (عليك) به وقبلت الحوالة، (وصدقه) في ذلك، (وجب الدفع)
إليه (في الأصح) لأنه اعترف بانتقال الحق إليه. والثاني: لا يجب إلا ببينة لاحتمال إنكار صاحب الحق الحوالة.
تنبيه: جحد المحيل الحوالة كجحد الموكل الوكالة، كذا قالاه. ولا يخفى أن الدافع مصدق للقابض على أن ما قبضه صار
له بالحوالة، وأن المستحق ظلمه فيما أخذه منه، فينبغي كما قال شيخنا أن لا يرجع على القابض فتخالف الحوالة الوكالة
في ذلك. (قلت: وإن قال) من عنده حق لمستحقه: (أنا وارثه) المستغرق لتركته كما قيده في الكفاية، أو وصى له أو موصى
له منه (وصدقه) من عنده الحق في ذلك، (وجب الدفع) إليه (على المذهب، والله أعلم) لأنه اعترف بانتقال الحق إليه.
والطريق الثاني فيه قولان: أحدهما هذا وهو المنصوص. والثاني: وهو مخرج من مسألة الوكيل السابقة: لا يجب الدفع إليه إلا
ببينة على إرثه، لاحتمال أنه لا يرثه الآن لحياته ويكون ظن موته خطأ. وإذا سلمه ثم ظهر المستحق حيا وغرمه رجع الغريم
على الوارث والوصي والموصى له بما دفعه إليهم لتبين كذبهم، بخلاف صور الوكالة لا رجوع فيها في بعض صورها كما مر،
لأنه صدقه على الوكالة وإنكار المستحق لا يرفع تصديقه وصدق الوكيل لاحتمال أنه وكله ثم جحد، وهذا بخلافه.
خاتمة: لو صدق الموكل بقبض دين أو استرداد وديعة أو نحوه مدعي التسليم إلى وكيله المنكر لذلك لم يغرم الموكل
مدعي التسليم بترك الاشهاد، ويفارق ما لو ترك الوكيل بقضاء الدين الاشهاد حيث يغرمه الموكل بأن الوكيل يلزمه الاحتياط
للموكل فإذا تركه غرم بخلاف الغريم. ويجوز عقد النكاح والبيع ونحوهما بالمصادقة على الوكالة به، ثم بعد العقد إن كذب
الوكيل نفسه لم يؤثر وإن وافقه من وقع العقد، لأن فيه حقا للموكل، إلا أن يقيم من وقع له العقد بينة بإقراره أنه لم يكن
مأذونا له في ذلك فيؤثر فيه.
237

كتاب الاقرار
هو لغة الاثبات، من قولهم: قر الشئ يقر قرارا إذا ثبت، وشرعا: إخبار عن حق ثابت على المخبر، فإن كان بحق له
على غيره فدعوى، أو لغيره على غيره فشهادة: هذا إذا كان خاصا، فإن اقتضى شيئا عاما فإن كان عن أمر محسوس فهو
الرواية، وإن كان عن حكم شرعي فهو الفتوى. ويسمى الاقرار اعترافا أيضا. والأصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى:
* (أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري) * أي عهدي * (قالوا أقررنا) *، وقوله تعالى: * (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) *، قال
المفسرون: شهادة المرء على نفسه هو الاقرار. وخبر الصحيحين: اغديا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها.
والقياس، لأنا إذا قبلنا الشهادة على الاقرار فلان نقبل الاقرار أولى. وأجمعت الأمة على المؤاخذة به. وأركانه أربعة:
مقر ومقر له وصيغة ومقر به، وقد بدأ المصنف منها بالأول فقال: (ويصح من مطلق التصرف) وهو المكلف الذي لا حجر
عليه، ويعتبر فيه أيضا الاختيار، وأن لا يكذبه الحس ولا الشرع كما سيأتي. (و) على هذا (إقرار الصبي والمجنون) والمغمى
عليه، ومن زال عقله بعذر كشرب دواء وإكراه على شرب خمر، (لاغ) لامتناع تصرفهم. وسيأتي حكم السكران إن شاء الله تعالى
في كتاب الطلاق.
تنبيه: الأصل أن من قدر على الانشاء قدر على الاقرار، ومن لا فلا. واستثني من الأول إقرار الوكيل بالتصرف
إذا أنكره الموكل فلا ينفذ وإن أمكنه إنشاؤه، ومن الثاني إقرار المرأة بالنكاح، والمجهول بحريته أو رقه وبنسبه، والمفلس
ببيع الأعيان، والأعمى بالبيع ونحوه، والوارث بدين على مورثه، والمريض بأن كان وهب وارثه وأقبضه في الصحة،
فكل من هؤلاء يصح إقرارهم بما ذكر ولا يمكنهم إنشاؤه. قال ابن عبد السلام: قولهم من ملك الانشاء ملك الاقرار
هو في الظاهر، وأما في الباطن فبالعكس، أي لأنه إذا ملكه باطنا فهو ملكه، فليس له أن يقر به لغيره. (فإن ادعى) الصبي
أو الصبية (البلوغ بالاحتلام) أو ادعته الصبية بالحيض (مع الامكان) له بأن كان في سن يحتمل البلوغ، وقد مر بيان زمن
الامكان في بابي الحيض والحجر، (صدق) في ذلك لأنه لا يعرف إلا من جهته، والمراد بالاحتلام الانزال في يقظة أو منام.
(ولا يحلف) عليه، وإن فرض ذلك في خصومة وادعى خصمه صباه ليفسد معاملته، لأنه إن كان صادقا فلا حاجة إلى اليمين،
وإلا فلا فائدة فيها لأن يمين الصبي غير منعقدة. ولو طلب غاز سهمه من المقاتلة وادعى البلوغ بالاحتلام وجب تحليفه
إن اتهم وأخذ السهم. فإن لم يحلف لم يعط شيئا. فإن قيل: هذه الصورة تشكل على ما قبلها. أجيب بأن الكلام فيما مر في وجود البلوغ في الحال، وفي هذه في وجوده
فيما مضى لأن صورتها أن تنازع الصبي بعد انقضاء الحرب في بلوغه حال الحرب.
لكن يشكل على هذا ما لو طلب إثبات اسمه في الديوان فإنه يحلف، والأولى في الجواب كما أفاده شيخي أن
يقال: إن لم
يرده مزاحمة غيره في حقه كطلب السهم وإن لم يثبت له استحقاقا كطلب إثبات اسمه في الديوان لم يحلف وإلا حلف. وإذا
لم يحلف فبلغ مبلغا يقطع فيه ببلوغه، قال الإمام: فالظاهر أيضا أنه لا يحلف على أنه كان بالغا حينئذ، لأنا إذا حكمنا بموجب
قوله، فقد أنهينا الخصومة نهايتها. وأقره الرافعي في الشرح الكبير، وجزم به في الشرح الصغير من غير عزو. (وإن ادعاه
بالسن) بأن قال: استكملت خمس عشرة سنة، (طولب ببينة) عليه وإن كان غريبا لامكانها. ولو أطلق الاقرار بالبلوغ ولم يعين
نوعا ففي تصديقه وجهان في فتاوى القاضي: أوجههما كما اختاره الأذرعي الاستفسار، أي أمكن وإلا فالقبول، وكذا إذا أطلقت البينة،
فإن قالت بالسن فلا بد من بيان قدره لأن البلوغ به مختلف فيه، نبه عليه شيخي. ولو أقر الرشيد بإتلافه مالا في صغره قبل كما لو قامت به
238

بينة. ومحله كما بحثه البلقيني إذا لم يكن على وجه لا يسقط عن المحجور عليه، فإن كان كذلك كالمقترض فلا يؤاخذ به.
(والسفيه والمفلس سبق حكم إقرارهما) في بابي الحجر والتفليس. ومما لم يسبق إقرار المفلس بالنكاح، وهو مقبول،
بخلاف السفيه فلا يقبل. ويقبل إقرار السفيهة لمن صدقها كالرشيدة، إذ لا أثر للسفه من جانبها. والفرق بين إقرار
السفيهة والسفيه بذلك في إقرارها تحصيل مال وفي إقراره تفويته. (ويقبل إقرار الرقيق بموجب) - بكسر الجيم - (عقوبة)
كقصاص وشرب خمر وزنا وسرقة بالنسبة إلى القطع لبعد التهمة في ذلك، لأن النفوس مجبولة على حب الحياة والاحتراز
عن الآلام، روي أن عليا قطع عبدا بإقراره. ولو عفا مستحق القصاص على مال تعلق برقبة العبد وإن كذبه السيد.
فائدة: لا يصح الاقرار على الغير إلا هنا وفي إقرار الوارث بوارث آخر، قاله صاحب التعجيز. ويضمن مال السرقة
في ذمته إن لم يصدقه السيد يتبع به إذا عتق، فإن صدقه أخذ المال إن كان باقيا وإلا بيع في الجناية إن لم يفده السيد.
ولا يتبع بعد العتق بما زاد على قيمته، إذ لا يجتمع التعلق بالرقبة مع التعلق بالذمة، والدعوى عليه فيما يقبل إقراره به
وإلا فعلى سيده لأن الرقبة المتعلق بها المال حقه، فإن قال المدعي: لي بينة فقل تسمع الدعوى عليهما لانتفاء التهمة،
وهو ما نقله في الروضة هنا عن البغوي، والراجح أنه لا تسمع على العبد كما في الدعاوى، نبه عليه الأسنوي وغيره،
وسيأتي ثم فيه زيادة بيان. وإن أقر من نصفه حر مثلا بدين إتلاف لزمه نصف ما أقر بإتلافه، ولا يقبل إقراره على
سيده إلا أن يصدقه فيتعلق نصف ما أقر به بجزئه الرقيق، والظاهر كما قال شيخنا: أن ما لزم ذمته في نصفه الرقيق
لا يجب تأخير المطالبة به إلى العتق لأنها إنما أخرت في كامل الرق لعدم ملكه والبعض يملك. (ولو أقر بدين جناية
لا توجب عقوبة) أي حدا أو قصاصا كجناية الخطأ والغصب والاتلاف، (فكذبه السيد تعلق بذمته دون رقبته) للتهمة
ويتبع به إذا عتق. أما ما أوجب عقوبة غير حد أو قصاص، ففي تعلقه برقبته أقوال، أظهرها لا يتعلق أيضا. قال
الأسنوي: واحترازه عن ذلك الخلاف مع كونه لم يذكره غير مستقيم، واحترز بقوله: فكذبه، أي أو سكت، عما
إذا صدقه فإنه يتعلق برقبته ويباع ما لم يكن مرهونا ولا جانيا إن لم يفده بأقل الامرين من قيمته وقدر الدين، فإذا
بيع أو فداه السيد وقد بقي من الدين شئ لا يتبع بما زاد على قيمته إذا عتق، لأنه إذا ثبت التعلق بالرقبة فكأن
الحق انحصر فيها.
تنبيه: لا يقبل إقرار السيد على رقيقه بموجب عقوبة ولا بدين معاملة، ويقبل إقراره عليه بدين جناية ويتعلق
برقبته، فلو بيع وبقي شئ ليطالب به بعد العتق بإتلاف مال لغيره قبل
عتقه لزمه دون سيده، فإن ثبت بالبينة أنه كان جنى لزم السيد الأقل من قيمته والأرش، والدعوى على الرقيق بما
يتعلق بذمته كدين معاملة لا تسمع كالدعوى عليه بالمؤجل (وان أقر بدين معاملة لم يقبل على السيد إن لم يكن مأذونا
له في في التجارة بل يتعلق بذمته به إذا عتق وإن صدقه السيد لتقصير من عامله بخلاف الجناية (ويقبل) على
السيد (إن كان) مأذونا له في التجارة لقدرته على الانشاء، (ويؤدي من كسبه وما في يده) كما مر في بابه. نعم لو
كان المأذون اشترى شراء فاسدا أو أقر بما لا يتعلق بالتجارة كالقرض فلا يقبل على السيد لأن الاذن لم يتناول ذلك.
تنبيه: محل قبول إقراره إذا لم يحجر عليه السيد، فلو أقر بعد الحجر عليه بدين معاملة أضافه إلى الاذان لم تقبل
إضافته. فإن قيل: إقرار المفلس بعد الحجر في حق الغرماء مقبول، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن إقرار العبد
يؤدي إلى فوات حق السيد بخلا ف غرماء المفلس إذ يبقى لهم الباقي في ذمة المفلس. ولو أطلق الاقرار بالدين قبل الحجر
عليه لم يقبل على السيد، ومحله كما قال الأسنوي وغيره: إذا تعذرت مراجعته، فإن أمكنت روجع. وقد ذكر المصنف
239

في الصورة هذا الاستدراك في إقرار المفلس وهو نظير مسألتنا. وإقرار المكاتب في البدن والمال كالحر، ويؤديه مما
في يده، فإن عجز نفسه ولا مال معه فديون معاملاته يؤديه بعد عتقه، وأرش جناياته في رقبته تؤدى من ثمنه. (ويصح
إقرار المريض مرض الموت لأجنبي) بمال عينا كان أو دينا كإقرار الصحيح، ويكون من رأس المال بالاجماع كما
قاله الغزالي. ولو أراد الوارث تحليف المقر له على الاستحقاق لم يكن له ذلك كما حكاه ابن الملقن وأقره. (وكذا) يقبل
إقراره به (الوارث على المذهب) كالأجنبي، لأن الظاهر أنه محق لأنه انتهى إلى حالة يصدق فيها الكاذب ويتوب فيها
الفاجر، وفي قول لا يصح لأنه متهم بحرمان بعض الورثة، والطريق الثاني القطع بالقبول. ويجري الخلاف في إقرار
الزوجة يقبض صداقها من زوجها في مرض موتها، وفي إقراره لوارث بهبة أقبضها له في حال صحته.
تنبيه: الخلاف في الصحة، أما التحريم فعند قصد الحرمان لا شك فيه كما صرح به جمع منهم القفال
في فتاويه، وقال: إنه لا يحل للمقر له أخذه اه‍. وإذا ادعى بقية الورثة على المقر له أنه لا حقيقة لاقرار مورثهم له فأحلف
أنه أقر لك بحق لازم كان يلزمه الاقرار به، فعليه أن يحلف، فإن نكل حلف بقية الورثة وقاسموه، ولا يشكل ذلك
بما تقدم عن ابن الملقن لأن التهمة في الوارث أشد منها في الأجنبي، ولذلك اختار الروياني مذهب مالك، وهو أنه إن كان
متهما لم يقبل إقراره وإلا قبل، قال الأذرعي: وهو قوي. وقد يغلب على الظن بالقرائن كذبه بل يقطع به في بعض
الأحوال، فلا ينبغي لمن يخشى الله أن يقضي أو يفتي بالصحة مطلقا وإن ساعده إطلاق الشافعي والأصحاب، ولا
شك فيه إذا علم أن قصده الحرمان، نعم لو أقر لمن لا يستغرق الإرث ومعه بيت المال فالوجه إمضاؤه في هذه الاعصار
لفساد بيت المال اه‍. والخلاف في الاقرار بالمال، أما لو أقر بنكاح أو عقوبة فيصح جزما وإن أفضى إلى المال بالعفو
أو بالموت قبل الاستيفاء لضعف التهمة. (ولو أقر في صحته بدين) لانسان (وفي مرضه) بدين لآخر، لم يقدم الأول
بل يتساويان كما لو ثبتا بالبينة. (ولو أقر في صحته أو مرضه) بدين لانسان ثبت ببينة، (وأقر وارثه بعد موته) بدين
(لآخر لم يقدم الأول في الأصح) لأن إقرار الوارث كإقرار المورث لأنه خليفته فكأنه أقر بدينين. والثاني: يقدم الأول
لأن بالموت تعلق بالتركة فليس للوارث صرفها عنه. قال البلقيني: ولو أقر الوارث لمشاركة في الإرث وهما مستغرقان
كزوجة وابن أقر لها بدين على أبيه وهي مصدقة له ضاربت بسبعة أثمان الدين مع أصحاب الديون، لأن الاقرار صدر
ممن عبارته نافذة في سبعة أثمان، فعملت عبارته فيها كعمل عبارة الحائز في الكل اه‍.
فروع: لو ادعى إنسان على الوارث أن المورث أوصى له بثلث ماله مثلا وآخر بأن له عليه دينا مستغرقا وصدق
الوارث مدعي الوصية ثم مدعي الدين المستغرق أو بالعكس أو صدقهما معا قدم الدين لو ثبتا بالبينة. ولو أقر المريض
لانسان بدين ولو مستغرقا ثم أقر لآخر بعين قدم صاحبها كعكسه، لأن الاقرار بالدين لا يتضمن حجرا في العين بدليل
نفوذ تصرفه فيها بغير تبرع. ولو أقر بإعتاق أخيه في الصحة عتق وورث إن لم يحجبه غيره، أو بإعتاق عبد في الصحة
وعليه دين مستغرق لتركته عتق، لأن الاقرار إخبار لا تبرع. (ولا يصح إقرار مكره) بما أكره عليه، لقوله تعالى:
* (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) *، جعل الاكراه مسقطا لحكم الكفر فبالأولى ما عداه. وصورة إقراره أن
يضرب ليقر، فلو ضرب ليصدق في القضية فأقر حال الضرب أو بعده لزمه ما أقر لأنه ليس مكرها، إذ المكره من
أكره على شئ واحد، وهذا إنما ضرب ليصدق، ولا ينحصر الصدق في الاقرار، ولكن يكره إلزامه حتى يراجع
ويقر ثانيا. قال المصنف: وقبول إقراره حال الضرب مشكل لأنه قريب من المكره ولكنه ليس مكرها، وعلله
بما مر، ثم قال: وقبول إقراره بعد الضرب فيه نظر إن غلب على ظنه إعادة الضرب إن لم يقر، وقال الأذرعي: الولاة
240

في هذا الزمان يأتيهم من يتهم بسرقة أو قتل أو نحوهما فيضربونه ليقر بالحق، ويراد بذلك الاقرار بما ادعاه خصمه، والصواب
أن هذا إكراه، سواء أقر في حال ضربه أم بعد، وعلم أنه إن لم يقر بذلك لضرب ثانيا اه‍. وهذا متعين. ثم شرع في الركن الثاني
، فقال: (ويشترط في المقر له أهلية استحقاق المقر به) لأنه حينئذ يصادق محله وصدقه محتمل، وبهذا يخرج ما إذا أقرت
المرأة بصداقها عقب النكاح لغيرها، أو الزوج ببدل الخلع عقب المخالعة لغيره، أو المجني عليه بالأرش عقب استحقاقه لغيره،
لأن صدق هؤلاء غير محتمل. فإن قيل: الحصر في هذه الثلاثة غير مستقيم، فإن المتعة والحكومة والمهر الواجب عن وطئ
شبهة وأجرة بدن الحر كذلك؟ أجيب بأنها راجعة إلى الثلاث، فالحكومة ترجع إلى الأرش والمتعة والمهر الواجب عن
وطئ شبهة يرجع إلى الصداق. وأما ما ذكر من عدم صحة الاقرار بأجرة بدن الحر فممنوع، فإن الحر يحتمل أن يكون قد
أجر بدنه قبل ذلك ثم وكله المستأجر في إجارة نفسه، ولا فرق فيما ذكر بين الدين والعين، حتى لو أعتق عبدا ثم أقر له هو
أو غيره عقب عتقه بدين أو عين لم يصح، إذ أهلية الاستحقاق لم تثبت له إلا في الحال، ولم يجز بينهما ما يوجب المال.
(فلو قال لهذه الدابة) أو لدابة فلان (علي كذا فلغو) لأنها ليست أهلا للاستحقاق فإنها غير قابلة للملك في الحال ولا في
المآل، ولا يتصور منها تعاطي السبب كالبيع ونحوه بخلاف الرقيق كما سيأتي. نعم لو أضافه إلى ممكن كالاقرار بمال من
وصية ونحوها صح كما قاله الماوردي. ومحل البطلان كما قاله الأذرعي في المملوكة، أما لو أقر لخيل مسبلة فالأشبه
الصحة كالاقرار لمقبرة، ويحمل على أنه من غلة وقف عليها أو وصية لها، وبه صرح الروياني واقتضى كلامه أنه لا خلاف
فيه. (فإن قال) علي (بسببها لمالكها) كذا، (وجب) لأنه إقرار للمالك لا لها، وهي السبب: إما بجناية عليها، وإما باستيفاء
منفعتها بإجارة أو غصب، ويكون المقر به ملكا لمالكها حين الاقرار. فإن لم يقل (لمالكها) واقتصر على قوله: بسببها
لم يلزم أن يكون المقر به لمالكها في الحال، بل يسأل ويحكم بموجب بيانه، إذ يحتمل أن يكون المقر به لغير مالكها، كأن تكون
أتلفت شيئا على إنسان وهي في يد المقر. (ولو قال لحمل هند) علي أو عندي (كذا بإرث) من أبيه مثلا، (أو وصية) له من
فلان أو بغيرهما مما يمكن في حقه، (لزمه) ذلك لأن ما أسنده إليه ممكن، والخصم في ذلك ولي الحمل. ولا بد من تعيين
الحامل كما أشار إليه بهند لأن إبهامها يلزم منها إبهام المقر له وإبهامه مبطل للاقرار، ثم إن انفصل ميتا فلا حق له في الإرث
والوصية وغيرهما مما أسند إليه، ويكون المقر به لورثة المورث أو الموصي أو لغيرهم مما أسند إليه أو حيا لدون ستة
أشهر من حين سبب الاستحقاق كما قاله الأسنوي استحق، وكذا ستة أشهر فأكثر إلى أربع سنين ما لم تكن أمه فراشا.
ثم إن استحق بوصية فله الكل، أو بإرث من الأب وهو ذكر فكذلك، أو أنثى فلها النصف، وإن ولدت ذكرا وأنثى فهو
بينهما بالسوية إن أسنده إلى وصية وأثلاثا إن أسنده إلى إرث واقتضت جهته ذلك، فإن اقتضت التسوية كولدي أم
سوى بينهما في الثلث. وإن أطلق الاقرار بالإرث سألناه عن الجهة وعملنا بمقتضاها، فإن تعذرت مراجعة المقر قال
في الروضة: فينبغي القطع بالتسوية، قال الأسنوي: وهو متجه. (وإن أسنده إلى جهة لا تمكن في حقه) كقوله: أقرضني
أو باعني شيئا، (فلغو) للقطع بكذبه في ذلك، وهذا ما صححه في الروضة قال: وبه قطع في المحرر، والذي في الشرحين فيه
طريقان أصحهما القطع بالصحة. والثاني: على القولين في تعقب الاقرار بما يرفعه. قال الأذرعي: وطريقة التخريج
جزم بها أكثر العراقيين، وطريقة القطع بالصحة ذكرها المراوزة، وما صححه النووي ممنوع، ولم أر من قطع بإلغاء
الاقرار، وما عزاه للمحرر بناء على ما فهمه من قول المحرر وإن أسنده إلى جهة لا تمكن فهو لغو من أنه أراد، فالاقرار
لغو وليس مرادا، بل مراده: فالاسناد لغو، بقرينة كلام الشرحين، وذكر مثله صاحب الأنوار والزركشي، وهو
كما قال شيخنا حسن، ومشيت عليه في شرح التنبيه. (وإن أطلق) الاقرار، أي لم يسنده إلى شئ، (صح في الأظهر)
241

وحمل على الجهة الممكنة في حقه وإن ندر حملا لكلام المكلف على الصحة ما أمكن. والثاني: لا يصح، لأن الغالب أن
المال لا يجب إلا بمعاملة أو جناية ولامتناع المعاملة مع الحمل ولا جناية عليه، فيحمل إطلاقه على الوعد وعلى الصحة
في هاتين الحالتين إن انفصل الحمل ميتا، فلا شئ له للشك في حياته، فيسأل القاضي المقر حسبة عن جهة إقراره من إرث
أو وصية ليصل الحق إلى مستحقه. وإن مات المقر قبل البيان بطل كما صرح به البغوي وغيره، فإن انفصل حيا للمدة
المعتبرة فالكل له ذكرا كان أو أنثى، وإن انفصل ذكر وأنثى فهو لهما بالسوية. وإن ألقت حيا وميتا جعل المال للحي
لأن الميت كالمعدوم. ولو قال: لهذا الميت علي كذا ففي البحر عن والده أن ظاهر لفظ المختصر يقتضي صحة الاقرار وأنه يمكن
القطع بالبطلان لأن المقر له لا يتصور ثبوت الملك له حين الاقرار، والظاهر الأول. والاقرار للمسجد والرباط والقنطرة
كالاقرار للحمل. ولو أقر لطفل وأطلق صح قطعا لأنه من أهل المعاملة بواسطة وليه. ويشترط لصحة الاقرار عدم
تكذيب المقر له المقر كما يؤخذ من قوله: (وإذا كذب المقر له المقر) بمال (ترك المال) المقر به (في يده) دينا كان أو عينا،
(في الأصح) لأن يده تشعر بالملك ظاهرا، والاقرار الطارئ عارضه التكذيب فسقط. والثاني: ينزعه الحاكم ويحفظه إلى
ظهور مالكه.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف يقتضي تخصيص الخلاف بالمعين لقوله: ترك المال في يده، وبه جزم القاضيان أبو الطيب
والحسين، والمعتمد أنه لا فرق كما تقرر. وإذا بقي المال في يده قال الزركشي: فينبغي أن يجوز له جميع التصرفات فيه
ما خلا الوطئ لاعترافه بتحريم ذلك عليه، بل ينبغي أن يمتنع عليه جميع التصرفات حتى يرجع اه‍. والظاهر كما قال شيخنا
أنه إن كان ظانا أن المال للمقر له امتنع عليه التصرف، وإلا فلا. (فإن رجع المقر في حال تكذيبه) أي المقر له، (وقال: غلطت)
في الاقرار أو تعمدت الكذب، (قبل قوله في الأصح) بناء على أن المال يترك في يده. والثاني: لا، بناء على أن الحاكم ينزعه
منه إلى ظهور مالكه.
تنبيه: تقييده بحال تكذيب المقر له يوهم أنه لو رجع المقر له وصدقه أنه لا يكون كذلك، وليس مرادا، فإن
الأصح أن رجوع المقر له غير مقبول ولا يصرف إليه إلا بإقرار جديد، لأن نفيه عن نفسه بطريق المطالبة، بخلاف المقر فإن
نفيه عن نفسه بطريق الالتزام فكان أضعف. فلو قال المصنف: بعد تكذيبه لشمل حالتي التكذيب وبعده. والظاهر كما
قال شيخنا أن تكذيب وإرث المقر له كتكذيبه، حتى لو أقر لميت أو لمن مات بعد الاقرار فكذبه الوارث لم يصح. أما
في حق غيره فيصح، كما لو أقر بجناية على المرهون وكذبه المالك فإنه وإن لم يصح في حق المالك صح في حق المرتهن حتى
يستوثق بأرشها. ولو قال: بيدي مال لا أعرف مالكه نزعه القاضي منه، لأنه إقرار بمال ضائع فهو إقرار صحيح. فإن قيل:
إنه لو قال: علي مال لرجل أو لواحد من بني آدم لا يكون إقرارا لفساد الصيغة، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن ما هنا
في العين وما هناك في الدين كما أجاب به السبكي ويشير إليه كلام أصل الروضة. ولو قام رجل في المسألة الثانية وقال: أنا
المراد بالاقرار لم يصدق بل المصدق المقر بيمينه، فعلم أنه يشترط أن يكون المقر له معينا نوع تعيين بحيث يتوقع منه
الدعوى والطلب كقوله لاحد هؤلاء الثلاثة علي كذا.
فروع: لو أقرت له امرأة بالنكاح وأنكر سقط حقه، قال المتولي: حتى لو رجع بعد وادعى نكاحها لم يسمع إلا
أن يدعي نكاحا مجددا. وإنما احتيج لهذا الاستثناء لأنه يعتبر في صحة إقرار المرأة بالنكاح تصديق الزوج لها فاحتيط
له، بخلاف غيره. ولو أقر لآخر بقصاص أو حد قذف وكذبه سقط وكذا حد سرقة، وفي المال ما مر من كونه يترك في يده.
ولو أقر له بعبد فأنكره لم يحكم بعتقه لأنه محكوم برقه فلا يرفع إلا بيقين، بخلاف اللقيط فإنه محكوم بحريته بالدار، فإذا أقر ونفاه
المقر له بقي على أصل الحرية. ولو أقر له بأحد عبدين وعينه فرده وعين الآخر لم يقبل فيما عينه إلا ببينة وصار مكذبا للمقر فيما عينه. ثم شرع في الركن الثالث مترجما له بفصل فقال:
242

فصل: في الصيغة: (قوله لزيد كذا صيغة إقرار) وجهه الأسنوي بأن اللام تدل على الملك، ومحله كما قال هو
وغيره إذا كان المقر به معينا كهذا الثوب فيجب عليه أن يسلمه له إن كان بيده أو انتقل إليها وإن لم يكن كألف أو ثوب
فلا بد أن يضيف إليه شيئا من الألفاظ الآتية ك‍ علي أو عندي أو نحو ذلك، وقد أشار المصنف إلى هذا بقوله صيغة إقرار
ولم يقل لزمه. (وقوله علي ونفي ذمتي للدين) الملتزم في الذمة لأنه المتبادر منه تصرفا، وهذا عند الاطلاق لما سيأتي أنه يقبل
التفسير في علي بالوديعة.
تنبيه: لو عبر المصنف ب‍ أو هنا فقال: علي أو في ذمتي كما عبر به في الروضة وفيما سيأتي فقال: معي أو عندي لكان
أولى، لئلا يوهم أن المراد الهيئة الاجتماعية. (ومعي وعندي للعين) لأنهما ظرفان فيحمل كل منهما عند الاطلاق على
عين له بيده، فلو ادعى أنها وديعة وأنها تلفت أو أنه ردها صدق بيمينه. وقوله قبلي بكسر القاف وفتح الموحدة للعين
والدين كما جرى عليه ابن المقري تبعا لما رجحه الشيخان بحثا بعد نقلهما عن البغوي أنه للدين. قال الأسنوي: ولو أتى
بلفظ يدل على العين وآخر على الدين كأن قال: له علي ومعي عشرة، فالقياس أنه يرجع إليه في تفسير بعض ذلك بالعين
وبعضه بالدين. (ولو قال) إنسان لآخر: (لي عليك ألف فقال) له: (زن أو خذ أو زنه أو خذه أو اختم عليه أو اجعله في كيسك)
أو هي صحاح، (فليس بإقرار) لأنه ليس بالتزام وإنما يذكر في موضع الاستهزاء. (ولو قال) له: (بلى أو نعم أو صدقت)
أو أجل أو جير أو أي بمعنى نعم (أو أبرأتني منه أو قضيته أو أنا مقر به فهو إقرار) أما الثلاثة الأول فلأنها ألفاظ موضوعة
للتصديق وفي معناها ما ذكر معها. وأما دعوى الابراء والاقتضاء فلانه قد اعترف بالشغل وادعى الاسقاط والأصح عدمه.
وفي الروضة وأصلها فيما لو قال: لي عليك ألف فقال: صدقت أو نحوه يشبه محل كونه إقرارا إذا لم توجد قرينة تصرفه
للاستهزاء والتكذيب كالأداء والايراد، أي كيفية أداء الكلمة وإيرادها من الضحك وغيره، كتحريك الرأس عجبا
وإنكارا اه‍. فإن وجد منه ذلك ففيه خلاف لتعارض اللفظ والقرينة كما لو قال: لي عليك ألف فقال مستهزئا: لك علي
ألف فإن المتولي حكى فيه وجهين، وقضية كلامه كما في المهمات أن الأصح اللزوم.
تنبيه: لو اقتصر على قوله: أبرأتني فليس بإقرار، وكذا قوله للحاكم: قد أقر أنه أبرأني أو أنه قد استوفى مني الألف،
قاله القفال في فتاويه. وهو حيلة لدعوى البراءة مع السلامة من التزام، ومثل ذلك ما لو قال: قد أبرأتني من هذه الدعوى
فلا يكون مقرا بالحق. وأما قوله: أنا مقر به فقضية التعليل الآتي في أنا مقر به تقييد حكم أنا مقر بما إذا خاطبه فقال: أنا مقر
لك به وإلا فيحتمل الاقرار به لغيره، قاله الرافعي وأسقطه من الروضة، وأجاب عنه السبكي بأن الضمير عائد إلى الألف التي
له، أي فلا يقبل قول المقر أردت به غيرك، كما لا يقبل تفسيره الدراهم بالناقصة إذا لم يصلها بالكلام وكانت دراهم البلد تامة،
إذ الجواب منزل على السؤال. (ولو قال أنا مقر) ولم يقل به (أو أنا أقر به فليس بإقرار) أما الأول فلجواز أن يريد الاقرار
ببطلان دعواه أو بوحدانية الله تعالى، وأما الثاني فلاحتمال الوعد بالاقرار في ثاني الحال. فإن قيل: لو قال: لا أنكر ما تدعيه
كان إقرارا مع احتمال الوعد فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن العموم إلى النفي أسرع منه إلى الاثبات بدليل النكرة فإنها
تعم في حيز النفي دون الاثبات. قال الرافعي: ولك أن تقول هب أن هذا الفرق متين لكنه لا ينفي الاحتمال، وقاعدة الباب
الاخذ باليقين. وأجيب أيضا بأن المفهوم عرفا من لا أنكر ما تدعيه أنه إقرار بخلاف أنا أقر به. (ولو قال أليس) أو هل كما
في المطلب (لي عليك كذا فقال بلى أو نعم فإقرار) لأنه المفهوم منهما، (وفي نعم) في صورة المتن (وجه) أنه ليس بإقرار،
لأنه موضوع للتصديق فيكون مصدقا له في النفي، بخلاف بلى فإنها لرد النفي ونفي النفي إثبات. قال ابن عباس رضي الله عنهما
243

في قوله تعالى: * (ألست بربكم قالوا بلى) *: لو قالوا نعم كفروا. فهذا هو مقتضى اللغة ورجحه ابن الرفعة. وأجاب الأول
بأن النظر في الاقرار إلى العرف وأهله يفهمون الاقرار بنعم فيما ذكر. واختار الغزالي في المنخول التفصيل بين النحوي
وغيره كما في نظيره من الطلاق، وبه أجاب ابن يونس في المحيط. ولو قال: ليس لي عليك ألف فقال: بلى أو نعم فالمتجه
كما قال الأسنوي أن يجعل بلى إقرارا دون نعم.
فروع: لو قال في جواب من ادعى عليه بألف: ما لك علي أكثر من ألف لم يكن إقرارا لأن نفي الزائد عليه
لا يوجب إثباته ولا إثبات ما دونه، ونعم إقرار بالعبد مثلا لمن قال: اشتر عبدي كما أنه إقرار به لمن قال:
أعتق عبدي، لا لمن
قال: اشتر هذا العبد لأنه لم يعترف له إلا بكونه يملك بيعه لا نفسه. ولو قال في جواب دعواه: لا تدم المطالبة وما أكثر
ما تتقاضى لم يكن إقرارا لعدم صراحته، قاله ابن العماد. ولو قال في جواب دعوى عين بيده: اشتريتها أو ملكتها منك
أو من وكيلك كان إقرارا لتضمن ذلك الملك للمخاطب عرفا. ولم ينظروا إلى احتمال كون المخاطب وكيلا في البيع، ولا إلى
احتمال كون الوكيل باع ملك غير المخاطب لعبده عن المقام، بخلاف قوله ملكتها على يدك لا يكون إقرارا، لأن معناه:
كنت وكيلا في تمليكها. (ولو قال اقض الألف الذي لي عليك فقال نعم أو أقضي غدا، أو أمهلني يوما، أو حتى أقعد
أو أفتح الكيس، أو أجد) أي المفتاح مثلا، أو أبعث من يأخذه، أو أمهلني حتى أصرف الدراهم، أو أقعد حتى
تأخذ، أو لا أجد اليوم، (فإقرار في الأصح) لأنه المفهوم من هذه الألفاظ عرفا. والثاني: لا، لأنها ليست صريحة في
الالتزام. قال الأسنوي: وما ما ذكره من اللزوم في أقضي غدا ونحوه مما عري عن الضمير العائد على المال المدعى
به مردود، بل يتعين أن يكون التصوير عند انضمام الضمير كقوله أعطه ونحوه فإن اللفظ بدونه محتلم أن يراد به
المذكور وغيره على السواء، ولهذا كا مقرا في قوله أنا مقر به دون أنا مقر، ولو قال: كان لك علي ألف، أو كانت
لك عندي دار فليس بإقرار لأنه لم يعترف في الحال بشئ والأصل براءة الذمة، ولا ينافي ذلك ما في الدعاوى من أنه
لو قال: كان ملكك أمس كان مؤاخذا به لأنه ثم وقع جوابا للدعوى وهنا بخلافه فطلب فيه اليقين. ولو قال: أسكنتك
هذه الدار حينا ثم أخرجتك منها كان إقرارا له باليد لأنه اعترف بثبوتها من قبل وادعى زوالها، ولا ينافي
ذلك ما في الاقرار من أنه لو قال: كان في يدك أمس لم يؤاخذ به لأنه هنا أقر له بيد صحيحة بقوله أسكنتكها بخلافه ثم، لاحتمال
كلامه أن يده كانت عن غصب أو سوم أو نحوه. وقوله لمن شهد عليه ولو واحدا بشئ هو صادق أو عدل ليس بإقرار
حتى يقول فيما شهد به، ولو قال: إذا شهد علي شاهدان بألف مثلا فهما صادقان لزمه في الحال وأن لم يشهدا عليه
لأنهما لا يكونا صادقين إلا أن كان على الألف الآن، بخلاف ما لو قال: إذا شهدا علي بألف صدقتهما، لأن غير
الصادق قد يصدق، ولان ذلك وعد. وخرج بالألف ما لو قال: ما يشهد به شاهدان علي فهما صادقان عدلان فليس
بإقرار بل تزكية وتعديل كما نقله الرافعي في التزكية عن الهروي وأقره كما قاله في المهمات. ولو لم يأت بصيغة الشهادة بل
قال: إذا قال زيد إن لعمرو علي كذا فهو صادق كان الحكم كذلك كما ذكره ابن العماد. ولو قال: أقرضتك كذا فقال:
كمن تمن به علي، أو لاقترضت منك غيره كان إقرارا، بخلاف ما لو قال لمن قال له لي عليك كذا: لزيد علي أكثر مما
لك بفتح اللام، فإنه لا شئ عليه لواحد منهما لاحتمال أنه قاله استهزاءا، أو أنه أراد: له علي من الحرمة والكرامة أكثر مما لك.
أما لو قال: من مالك بكسر اللام، أو له علي مال أكثر من مالك، أو له علي أكثر مما ادعيت، فهو إقرار لزيد.
ولو كتب لزيد علي ألف أو كتبه غيره فقال: اشهدوا علي بما فيه لغا، لأن الكتابة بلا لفظ ليست إقرارا، ويؤخذ من
ذلك أنها من الأخرس عند القرينة المشعرة ليست لغوا، ولو لقن إقرارا أو غيره بغير لغته وقال: لم أفهمه وأمكن عدم
فهمه له بأن لم يكن له مع أهل تلك اللغة اختلاط صدق بيمينه، ولو قال: أقررت وأنا صبي أو مجنون أو مكره وأمكن الصبا
وعهد الجنون، أو كانت أمارة على الاكراه من جنس أو ترسيم أو نحو ذلك صدق بيمينه لظهور ما قاله، ولان الأصل
244

بقاء ما كان على ما كان، فإن لم يمكن الصبا ولم يعهد الجنون ولم تكن أمارة لم يصدق، والامارة إنما تثبت باعتراف
المقر له، أو بالبينة، أو باليمين المردودة، فإن قامت بينة في الصور الثلاث بكون المقر حين إقراره كان بالغا في الأولى أو
عاقلا في الثانية أو مختارا في الثالثة عمل بها ولا يصدق لتكذيبه البينة. ثم شرع في الركن الرابع مترجما بفصل أيضا فقال:
فصل: يشترط في المقر به: وهو كل ما جازت المطالبة به، (أن لا يكون ملكا للمقر) حين يقر به، لأن الاقرار ليس
إزالة عن الملك وإنما هو إخبار عن كونه مملوكا للمقر له فلا بد من تقديم المخبر عنه على الخبر. (فلو قال داري أو ثوبي أو
ديني الذي على زيد لعمرو فهو لغو) لأن الإضافة إليه تقتضي الملك له فينافي إقراره لغيره إذ هو إخبار بحق سابق عليه كما
مر، فحمل على الوعد والهبة. ولو قال: الدار التي اشتريتها لنفسي، أو ورثتها من أبي ملك لزيد لم يصح أيضا إلا أن
يريد الاقرار فيصح، وكذا لو قال: داري لفلان وأراد الاقرار لأنه أراد بالإضافة إضافة سكنى ذلك، ذكر ذلك البغوي
في فتاويه. قال الأذرعي بعد نقله كلام البغوي: ويتجه أن يستفسر عند إطلاقه ويعمل بقوله، بخلاف قوله داري التي هي
ملكي له للتناقض الصريح. واستشكل الأسنوي عدم صحة الاقرار في الأولتين إذ لم يرده بأن الملكين لم يتواردا على وقت
واحد. وأجيب بأن الموافق لقاعدة الباب بالأخذ باليقين كما سيأتي عدم الصحة، ولو قال: مسكني أو ملبوسي
لفلان صح، إذ لا منافاة لأنه قد يسكن ويلبس ملك غيره. ولو قال: الدين الذي كتبته على زيد لعمرو صح لاحتمال أنه وكيل،
فلو طالب عمرو زيدا فأنكر فإن شاء عمرو أقام بينة بإقرار المقر أن الدين الذي كتبه على زيد له ثم يقيم بينة عليه بالمقر به،
وإن شاء قام بينة بالمقر به ثم بينة بالاقرار.
فرع: قال المصنف في فتاويه: لو كان بالدين المقر به رهن أو كفيل انتقل إلى المقر له بذلك. وفصل الشيخ تاج
الدين الفزاري فقال: إن أقر أن الدين صار لزيد: ينتقل بالرهن لأن صيرورته إليه إنما تكون بالحوالة وهي تبطل الرهن
وإن أقر أن الدين كان له بقي الرهن بحاله. وهذا التفصيل هو الظاهر، ومثل الرهن الكفيل. (ولو قال هذا) العبد مثلا
(لفلان وكان ملكي إلى أن أقررت به فأول كلامه إقرار وآخره لغو) فيطرح آخر ويؤخذ بأوله، لأنه مشتمل على جملتين
مستقلتين. ولو شهدت بينة بأن زيدا أقر بأن هذا ملك لعمرو وكان ملك زيد إلى أن أقر به لم تقبل، وفارقت المقر بأنها
تشهد على غيرها فلا يقبل قولها إلا إذا لم يتناقض، والمقر يشهد على نفسه فيؤاخذ بما يصح من كلامه، ولو قال: ملكي
هذا لفلان صح الاقرار أيضا كما صرح به الإمام واقتضاه كلام الرافعي، وهو إقرار بعد إنكار. (وليكن المقر به) من
الأعيان (في يد المقر) حسا أو شرعا (ليسلم بالاقرار للمقر له) لأنه إذا لم يكن في يده كان كلامه إما دعوى عن الغير بغير
إذنه أو شهادة بغير لفظها فلا تقبل.
تنبيه: كونه في يد المقر شرط لأعمال القرار وهو التسليم لا شرط لصحته فلا يقال إنه لاغ بالكلية، فإنه إذا حصل
بيده لزمه تسليمه إليه كما سيأتي. واستثني من ذلك مسائل: الأولى ما إذا باع شيئا بشرط الخيار له أو لهما ثم ادعاه رجل
فأقر البائع في مدة الخيار له به صح وانفسخ البيع لأن له الفسخ. الثانية: ما لو باع الحاكم مال الغائب بسبب اقتضاه،
ثم قدم وادعى أنه كان قد تصرف فيه قبل بيع الحاكم، فإنه يقبل منه كما نقله الرافعي قبيل كتاب الصداق عن النص.
الثالثة: لو وهب لولده عينا ثم أقبضه إياها ثم أقر بها لآخر فإنه يقبل إقراره، أفتى بذلك صاحب البيان، لكنه كما قال
الأذرعي مفرع على أن تصرف الواهب رجوع والأصح خلافه. ومحل ما ذكره المصنف إذا كان في يده لنفسه، أما
إذا كان في يده لغيره كمحجوره ووقف هو ناظر عليه لم يصح إقراره. وخرج بما قدرته في كلامه الدين فلا يتأتى فيه
245

ما ذكر. (فلو أقر) بشئ (ولم يكن في يده) حال الاقرار (ثم صار) فيها (عمل بمقتضى الاقرار) لوجود شرط العمل به فيسلم
للمقر له. (فلو) قال هذا وهو في يده غيره مرهون عند زيد فحصل في يده بيع في دين زيد عملا بإقراره السابق. وإن (أقر
بحرية عبد في يد غيره ثم اشتراه) صح وإن اعتقد المشتري حريته، استنقاذا للعبد من أسر الرق وتنزيلا للعقد على قول من
صدقه الشرع وهو البائع لكونه ذا يد. (وحكم بحريته) بعد انقضاء مدة خيار البائع، وترفع يد المشتري عنه
لوجود الشرط.
هذا كله إذا اشتراه لنفسه، فلو اشتراه لموكله لم يحكم بحريته لأن الملك يقع ابتداء للموكل، وكما لو اشترى
أباه بالوكالة.
تنبيه: إنما صور المصنف المسألة بالشراء لأجل ثبوت الخيار الآتي في كلامه، فإنه لو ملكه بغير الشراء كالإرث والوصية
حكم بحريته. ولو عبر بحرية شخص بدل عبد لكان أولى لئلا يتناقض الحرية، إلا أن يريد كما قال الولي العراقي بالعبد المدلول
العام لا الخاص الذي هو الرق. (ثم إن كان قال) في صيغة إقراره (هو حر الأصل فشراؤه افتداء) له من جهة المشتري كما
ذكره في المحرر، فلا يثبت له أحكام الشراء لأن اعترافه بحريته مانع له من ذلك. وأما البائع ففيه الخلاف الآتي كما صرح به
في المطلب فيثبت له الخياران، وإن كان ظاهر عبارة المصنف أنه افتداء من جهته أيضا. فإذا مات المدعي حريته بعد
الشراء فما له لوارثه الخاص، فإن لم يكن فلبيت المال، وليس للمشتري أخذ شئ منه لأنه بزعمه ليس للبائع كما مر،
واعترف المشتري بأنه كان مملوكا ولكن اعتقد مالكه قبل شراء البائع له كاعترافه بأنه حر الأصل، لكنه هنا يورث
بالولاء بشرطه ويأخذ المشتري من تركته أقل الثمنين. (وإن قال أعتقه) البائع وهو يسترقه ظلما، (فافتداء) أي فشراؤه
حينئذ افتداء (من جهته) أي المشتري، (وبيع من جهة البائع على المذهب) عملا بزعم كل منهما، وقيل: بيع من الجهتين
تغليبا لجانب البائع، وقيل: افتداء من الجهتين تغليبا لجانب المشتري.
تنبيه: اختلف في قوله: على المذهب، فقال السبكي: يرجع إلى البائع
والمشتري. وقال الأسنوي: يعود إلى البائع فقط، فإن الطريقين فيه، ويفوته الخلاف في المشتري، فلو قال فافتداء من جهته على الصحيح كان أحسن. وقال ابن
النقيب: الأول أقرب إلى ظاهر العبارة، والثاني أقرب إلى ما في نفس الامر. (فيثبت فيه) على الأول (الخياران) أي خيار
المجلس والشرط، (للبائع فقط) ويثبت له أيضا الفسخ بالعيب دون المشتري لأنه من جهته افتداء فلا يثبت له شئ من
ذلك، وولاؤه موقوف لأن البائع لم يعترف بعتقه والمشتري يعتقه، فإن مات بلا وارث بغير الولاء وخلف تركة فصدق
البائع المشتري بعتقه ورثه البائع ورد الثمن للمشتري، وإن لم يصدقه فللمشتري أخذ قدر الثمن من تركته ويوقف الباقي إن
كان، لأنه إما كاذب في حريته فكل الكسب له، أو صادق فالكل للبائع إرثا بالولاء، وقد ظلمه بأخذ الثمن منه وتعذر
استرداده وقد ظفر بماله. أما إذا كان له وارث بغير الولاء، فإن لم يكن مستغرقا فله من ميراثه ما يخصه وفي الباقي ما مر،
وإلا فجميع ميراثه له، وليس للمشتري أخذ شئ منه لأنه بزعمه ليس للبائع إلا إذا كان البائع يرث بغير الولاء كأن كان
أخا للعبد لم يرث بل يكون الحكم كما لو لم يكن وارث بغير الولاء كما اقتضاه التعليل وصرح به البلقيني وغيره ولو
مات العبد قبل قبض المشتري له استرد الثمن من البائع إن كان سلمه له، ولا يطالبه البائع به إن لم يسلمه له لأنه لا حرية
في زعمه، وقد تلف المبيع قبل القبض، بخلاف ما لو اشترى من يعتق عليه فمات قبل قبضه فإنه يلزم المشتري الثمن
لأن العبد عتق عليه بالاتفاق وعتقه وقع قبضا، ولو قال إنه حر وأطلق استفسر فإن تعذر حمل على أنه
حر الأصل.
فروع: لو أقر بعبد في يده لزيد وأقر العبد أنه لعمرو سلم لزيد لأنه في يد من يسترقه لا في يد نفسه، فإن أعتقه
246

زيد فولاؤه له لأن الولاء لمن أعتق. وهل أكسابه الحاصلة بعد عتقه لعمرو لاقراره بأنه كان له أولا لأن استحقاق الاكساب
فرع الرق ولم يثبت؟ وجهان: أرجحهما كما قال الزركشي الثاني، فتكون الاكساب مستحقة للعتيق. ولو أقر أن عمرا
غصب عبدا من زيد ثم اشتراه من عمرو صح الشراء استنقاذا لملك الغير كما يستنقذ الحر، وأخذه زيد، ولا يثبت للمشتري
الخياران كما قاله الإمام لأنهما إنما يثبتان لمن يطلب الشراء ملكا لنفسه أو مستنيبه. ولو أقر بحرية أمة لغيره فاستأجرها
لزمته الأجرة أو نكحها لزمه المهر، وليس له في الأولى استخدامها بغير رضاها ولا وطؤها في الثانية إلا إذا كان نكحها
بإذنها وسيدها عنده ولي بالولاء، كأن قال: أنت أعتقتها أو بغيره كأن كان أخاها، قال الماوردي: وسواء أحلت له الأمة
أم لا لاعترافه بحريتها، وقال السبكي وغيره: وينبغي أن لا يصح إلا أن يكون ممن تحل له الأمة لأن أولادها يسترقون
كأمهم اه‍. وهذا هو الظاهر، ويؤيده ما أفتى به شيخي فيمن أوصى بأولاد أمته لآخر ثم مات وأعتقها الوارث فلا بد
في تزويجها من الشروط المذكورة في تزويج الأمة، نعم المسموح له أن يتزوج بها. ثم شرع في بيان الاقرار بالمجهول،
فقال: (ويصح الاقرار بالمجهول) سواء أكان ابتداء أم جواب عن دعوى، لأن الاقرار إخبار عن حق سابق والشئ يخبر
عنه مفصلا تارة ومجملا أخرى، إما للجهل به أو لثبوته مجهولا بوصية ونحوها أو لغير ذلك، ويخالف الانشاءات
حيث لا تحتمل الجهالة احتياطا لابتداء الثبوت وتحرزا عن الغرر. قال السبكي: والمبهم كأحد العبدين في معنى المجهول. (فإذا
قال له علي شئ قبل تفسيره بكل ما يتمول) وهو كما قال الإمام ما يسد مسدا أو يقع موقعا من جلب نفع أو دفع ضرر، وإن
نظر فيه الأذرعي. (وإن قل) كفلس لصدق اسم الشئ عليه، فلو امتنع من التفسير أو فسره ولكن نوزع فيه فقد ذكره
المصنف في أثناء الفصل الذي بعد هذا. (ولو فسره بما لا يتمول) أي لا يتخذ مالا (لكنه من جنسه كحبة
حنطة)
أو قمع باذنجانة أو قشرة فستقة أو جوزة، (أو) فسره (بما) لا يتمول لكنه ليس من جنسه، و (يحل اقتناؤه ككلب
معلم) لصيد أو قابل لتعليمه (وسرجين) وهو الزبل، وكذا بكل نجس يقتنى كجلد ميتة يطهر بالدباغ وخمر محترمة،
(قبل في الأصح لصدق كل منهما بالشئ مع كونه محترما يحرم أخذه ويجب رده، والأصل براءة ذمته من غيره. والثاني:
لا يقبل فيهما، لأن الأول لا قيمة له فلا يصح التزامه بكلمة علي والثاني ليس بمال، وظاهر الاقرار المال.
تنبيه: لو قال بدل معلم مقتنى لدخل ما زدته وكلب الماشية ونحوه، لكنه يفهم من قوله بعد أن لا يقبل في كلب
لا نفع فيه، ولو فسره بحق شفعة أو حد قذف أو رد وديعة قبل لما مر. (ولا يقبل) تفسيره (بما لا يقتنى) أي بشئ
لا يحل اقتناؤه، (كخنزير وكلب لا نفع فيه) من صيد ونحوه وجلد لا يطهر بالدبغ وميتة لا يحل أكلها وخمر غير محترمة،
إذ ليس فيها حق ولا اختصاص ولا يجب ردها فلا يصدق بها قوله علي. وقضية التعليل كما قال الأسنوي وغيره قبول
تفسيره بالخمرة غير المحترمة إذا كان المقر له ذميا لأن على غاصبها ردها له إذا لم يتظاهر بها، ولو فسر بميتة لا يحل أكلها
لمضطر قبل كما رجحه الإمام خلافا للقاضي. ولو قال بدل علي له عندي شئ أو غصبت منه شيئا صح تفسيره بما لا يقتنى،
إذ ليس في لفظه ما يشعر بالتزام حق إذ الغصب لا يقتضى التزاما وثبوت مال، وإنما يقتضي الاخذ قهرا بخلاف قوله علي.
وربما يستشكل ذلك بأن الغصب هو الاستيلاء على مال الغير أو حق الغير فكيف يقبل تفسيره بما ليس بمال ولا حق.
(ولا) يقبل تفسيره أيضا (بعيادة) لمريض (و) لا (رد سلام) لبعد فهمهما في معرض الاقرار إذ لا مطالبة بهما،
لكن إن قال: له علي حق قبل تفسيره بهما. فإن قيل: الحق أخص من الشئ فكيف يقبل
في تفسير الأخص ما لا يقبل في تفسير الأعم؟ أجيب بأن الحق يطلق عرفا على ذلك بخلاف الشئ فيقال في العرب له علي حق ويراد به ذلك
، وفي الخبر: حق المسلم على المسلم خمس وذكر منها عيادة المريض ورد السلام، فاعتبار الاقرار بما لم يطالب في محله
247

إذا لم يسع اللفظ عرفا فيما لا يطالب به. ولو قال: غصبك أو غصبتك ما تعلم لم يصح إذ قد يريد نفسه، فإن قال: أردت
غير نفسك قبل لأنه غلظ على نفسه، وإن قال: غصبتك شيئا ثم قال: أردت نفسك لم يقبل، وقضيته أن الحكم كذلك
لو قال: غصبتك شيئا تعلمه وهو ظاهر، ويفرق بينه وبين ما مر في غصبتك ما تعلم بأن شيئا استام ظاهر في المغايرة بخلاف
ما. (ولو أقر بمال) مطلق (أو مال عظيم أو كبير بموحدة بعد الكاف بخطه، (أو
كثير) بمثلثة بعد الكاف بخطه، وجليل أو خطير أو وافر أو نفيس أو أكثر من مال فلان أو مما في يده أو مما يشهد به الشهود عليه أو مما حكم به الحاكم
على فلان أو نحو ذلك، (قبل تفسيره بما قل منه) أي من المال وإن لم يتمول كحبة حنطة وإن كثر مال فلان. أما عند
الاقتصار على المال فلصدق الاسم عليه والأصل براءة الذمة من الزيادة، وأما عند وصفه بالعظمة ونحوها فلاحتمال أن
يريد ذلك بالنسبة إلى الفقير أو الشحيح أو باعتبار كفر مستحله وعقاب غاصبه وصواب باذله لمضطر ونحوه. وأما كونه
أكثر من مال فلان فمن حيث أنه أحل منه أو أنه دين لا يتعرض للتلف، وذلك عين تتعرض له. وقد قال الشافعي رضي
الله تعالى عنه: أصل ما أبني عليه الاقرار أن ألزم اليقين وأطرح الشك ولا استعمل الغلبة. قال الشيخ أبو علي: أي
ما غلب على الناس اه‍. والمراد باليقين في كلامه ما يشمل الظن القوي كما قال الهروي وغيره: الشافعي يلزم في الاقرار
باليقين وبالظن القوي لا بمجرد الظن والشك، ويقبل منه ذلك إذا وصف المال بضد ما ذكر كقوله مال حقير أو قليل
أو خسيس أو طفيف أو نحو ذلك من باب أولى، ويكون وصفه بالحقارة ونحوها من حيث احتقار الناس له أو فناؤه.
ويخالف ما ذكروه هنا من أن حبة البر ونحوها مال كما ذكر ما قالوه في باب البيع من أنها لا تعد مالا،
فإن كونها لا تعد مالا لعدم تمولها لا ينفي كونها مالا كما يقال زيد لا يعد من الرجال وإن كان رجلا، فكل متمول مال ولا ينعكس. فإن
قيل: كيف يحكي الخلاف في قبول التفسير بها في قوله شئ ويجزم بالقبول في مال أو مال عظيم ونحوه بل ينبغي أن يعكس
ذلك. أجيب بأنه إنما لم يذكر الخلاف هنا لأنه يخفى أن الجواب هنا مفرع على الأصل هناك. (وكذا) يقبل
تفسيره (بالمستولدة) للمقر له (في الأصح) لأنها تؤجر وينتفع بها، وتجب قيمتها إذا أتلفها أجنبي وإن كانت لا تباع.
والثاني: لا، لخروجها عن اسم المال المطلق إذ لا يصح بيعها. ولا فرق على الأول في قبول تفسيره بها بين أن يقول: له علي
مال كما في الروضة وأصلها والمحرر، أو يقول: له عندي مال، وإن قيل المناسب في صورة التفسير بها هو الثاني. ولو فسره
بوقف عليه، قال الرافعي: فيشبه أن يخرج على الخلاف في الملك اه‍. وقضيته أنه لا يقبل على الأظهر، ويؤيده ما صرحا
في كتاب الايمان من أنه لو حلف لا مال له لم يحنث بالموقوف إن قلنا: الملك فيه لله تعالى، أي وهو الأظهر، أو للواقف،
وإن قلنا فكالمستولدة. و (لا) يقبل تفسيره (بكلب و) لا (جلد ميتة) ونحوهما من النجاسات لانتفاء اسم المال
عنهما. (وقوله) أي المقر (له) أي لزيد مثلا: علي (كذا كقوله): علي (شئ) فيقبل تفسيره بما مر فيه لأنها
أيضا مبهمة، وهي في الأصل مركبة من كاف التشبيه واسم الإشارة، ثم نقلت فصار يكنى بها عن العدد وغيره،
ويجوز استعمالها في النوعين مفردة ومركبة ومعطوفة، تقول: نزلنا بدار كذا وبكذا كذا، أو بكذا وكذا وهكذا
في العدد.
(وقوله): له علي (شئ شئ أو كذا كذا) ولو زاد على مرتين من غير عطف (كما لو لم يكرر) لأن ما بعد الأول
يحتمل التأكيد بل هو ظاهر فيه فيؤخذ باليقين، فإن قال: أردت الاستئناف، عمل به لأنه غلظ على نفسه. (ولو) كرر
مع العطف كأن (قال): له علي (شئ وشئ أو كذا وكذا وجب شيئان) متفقان أو مختلفان بحيث يقبل ك‍ منهما
في تفسير شئ لاقتضاء العرف المغايرة. (ولو قال): له علي (كذا درهما أو رفع الدرهم أو جره) أو سكنه، (لزمه درهم)
248

لأن كذا مبهم وقد فسره بدرهم، والنصب فيه جائز على التمييز والرفع على أنه عطف بيان أو بدل كما قاله الأسنوي
، أو خبر مبتدأ محذوف كما قاله غيره، وقال السبكي: إنه لحن. وقال ابن مالك: وأما تجويز الفقهاء الرفع فخطأ، لأنه لم
يسمع من لسانهم. والجر لحن عند البصريين، وهو لا يؤثر في الاقرار كما لا يؤثر في الطلاق ونحوه، والسكون كالجر كما
قاله الرافعي، ووجه بأنه أدون من المرفوع والمنصوب لاختلافهم في أنه يلزمه درهم أو دونه فحملوه عليه لاحتمال إرادته.
فإن قيل: ينبغي أن يلزمه عشرون في حال النصب كما قيل به لأنه أقل عدد يميز بمفرده منصوب. أجيب بأن الاقرار
لا ينبني على هذا المأخذ وإلا للزم في حالة الجر مائة لأنه أقل عدد يميز بمفرده مجرور ولم يقل به أحد. فإن قيل: في حال
الجر ينبغي أن يلزمه بعض درهم كما قيل به وتقديره: كذا من درهم. أجيب بأن كذا إنما تقع على الآحاد لا على
كسورها. (والمذهب أنه لو قال كذا وكذا) أو كذا ثم كذا (درهما بالنصب) تمييزا، (وجب درهمان) لأنه أقر
بشيئين مبهمين وعقبهما بالدرهم منصوبا، فالظاهر أنه تفسير لكل منهما. وعلله في المطلب بأن التمييز وصف والوصف
المتعقب لشيئين يعود إليهما الشافعي، ولا يحسن التأكيد مع وجود عاطف، وفي قول: يلزمه درهم لجواز أن يريد
تفسير اللفظين معا بالدراهم، وفي قول: يلزمه درهم وشئ. أما الدراهم فلتفسير الثاني، وأما الشئ فللأول الباقي على
إبهامه، والطريق الثاني القطع بالأول. فإن قيل: ينبغي أن يلزمه أن يقول أحد وعشرون كما قيل لأنه أقل عدد
معطوف يميز بمنصوب. أجيب بمثل ما مر. (و) المذهب (أنه لو رفع أو جر) الدرهم (فدرهم) والمعنى في الرفع
هما درهم. والطريق الثاني قولان، ثانيهما درهمان، لأنه يسبق إلى الفهم أنه تفسير لهما وأنه أخطأ في إعراب التفسير،
وأما في الجر فلانه لما كان ممتنعا عند جمهور النحاة وكان لا يظهر له معنى في اللغة وفي العرف يفهم منه تفسير ما سبق
حمل عليه بخلاف النصب فإنه تمييز صحيح فيعود إليهما كما مر. ولم ينقل الرافعي في هذه خلافا بل جزم بدرهم، لكن
قال الماوردي عن الشافعي وجوب درهمين. (ولو حذف الواو فدرهم في الأحوال) المذكورة رفعا ونصبا وجرا
لاحتمال التأكيد. قال الأسنوي: ولم يتعرض الشيخان ولا ابن الرفعة للسكون في هذا القسم، أي حذف الواو ولا الذي
قبله. وقياس ما سبق عن الرافعي في الافراد من جعله كالمخفوض لأنه أدون أن يكون كذلك في التركيب والعطف
أيضا، قال: ويتحصل من ذلك اثنتا عشرة مسألة، لأن كذا إما أن يؤتى بها مفردة أو مركبة أو معطوفة، والدرهم
إما أن يرفع أو ينصب أو يجر أو يسكن، ثلاثة في أربعة يحصل ما ذكر، والواجب في جميعها درهم إلا إذا عطف ونصب
تمييزها فدرهمان. وجزم ابن المقري تبعا للبلقيني بأن ثم كالواو أي والفاء كذلك، ولو قال: كذا بل كذا ففيه وجهان
حكاهما الماوردي: أحدهما يلزمه شئ واحد، والثاني: يلزمه شيئان، وهذا وجه لأنه لا يسوغ رأيت زيدا بل زيدا إذا
عنى الأول، وإنما يصح إذا عنى غيره. (ولو قال) له علي (ألف ودرهم قبل تفسير الألف بغير الدراهم من المال
كألف فلس كما في عكسه وهو درهم وألف، ولان العطف إنما وضع للزيادة ولم يوضع للتفسير، وسواء أفسره بجنس واحد
أم أجناس، قال القاضي حسين: ولو قال ألف ودرهم فضة فينبغي أن يكون الألف أيضا فضة اه‍. وهو ظاهر بخلاف
ما لو قال: له علي ألف وقفيز حنطة فإن الألف مبهمة، إذ لا يقال ألف حنطة ويقال ألف فضة، ولو قال: له علي ألف
درهم برفعهما أو نصبهما أو خفضهما منونين، أو نصب الدراهم أو خفضه أو سكنه، أو نصب الألف منونا ورفع الدرهم أو خفضه
أو سكنه، كان له تفسير الألف بما عدده ألف وقيمته درهم، وكأنه قال: ألف مما قيمة لألف منه درهم. (ولو قال:
له علي) خمسة وعشرون درهما، أو ألف ومائة وخمسة وعشرون درهما، أو ألف وخمسة عشر درهما، أو ألف
ونصف درهم، (فالجميع) من الخمسة والعشرين وما بعدها (دراهم على الصحيح) لأنه جعل الدرهم تمييزا، فالظاهر
249

أنه تمييز لكل من المذكورات بمقتضى العطف. والظاهر كما قال شيخنا أنه لو رفع الدرهم أو نصبه في الأخيرة كان
الحكم كذلك، ولا يضر فيه اللحن، وأنه لرفعه أو نصبه فيها لكن مع تنوين نصف أو رفعه أو خفضه في بقية
الصور لزمه معدده العدد المذكور وقيمته درهم أخذا مما مر في ألف درهم منونين مرفوعين والوجه الثاني: يقول:
الخمسة في مثال المصنف مجملة والعشرون مفسرة بالدراهم مكان العطف فألحقت بألف ودرهم. قال المتولي: وعلى هذا
لو قال: بعتك هذا الثوب بمائة وخمسين درهما لا يصح البيع، ولم يقل به أحد اه‍. ولو قال: له علي خمسة عشر درهما
فالكل دراهم جزما لأنهما اسمان جعلا اسما واحدا، فالدرهم تفسير له. (و) المعتبر في الدراهم المقر بها دراهم الاسلام
وإن كانت دراهم البلد أكثر منها وزنا ما لم يفسره المقر بما يقبل تفسيره، فعلى هذا (لو قال: الدراهم التي أقررت بها
ناقصة الوزن) كدراهم طرية كل درهم منها أربعة دوانق، (فإن كانت دراهم البلد) أو القرية التي أقر بها (تامة
الوزن) أي كاملة بأن يكون وزن كل درهم منها ستة دوانق، (فالصحيح قبوله) أي التفسير بالناقصة (إن ذكره
متصلا) بالاقرار كما في الاستثناء. والثاني: لا يقبل، لأن اللفظ صريح في التام صنفا وعرفا، والأول يمنع دعوى الصراحة.
(ومنعه إن فصله عن الاقرار) ويلزمه دراهم تامة إلا أن يصدقه المقر له، لأن اللفظ وعرف المحل ينفيان ما يقوله.
والثاني: يقبل، لأن اللفظ محتمل له والأصل براءة الذمة. وتقدم في الزكاة معرفة الدراهم التام فليراجع. وإذا قبلنا تفسيره
بالناقصة روجع كما صرح به الصيمري، فإن تعذر بيانه نزل على أقل الدراهم. (وإن كانت) دراهم المحل المذكور
(ناقصة قبل) قوله (إن وصله) بالاقرار جزما، لأن اللفظ والعرف يصدقانه فيه. (وكذا إن فصله) عنه (في النص)
حملا لكلامه على عرف المحل كما في المعاملات، وفي وجه لا يقبل حملا لاقراره على وزن الاسلام. ويجري الخلاف فيما
إذا أقر بمحل أوزانهم فيه أكثر من دراهم الاسلام، فإن قال: أردت الاسلامي متصلا قبل على الصحيح، أو منفصلا فلا.
(والتفسير بالمغشوشة) من الدراهم (كهو) أي التفسير (بالناقصة) ففيها الخلاف والتفصيل السابقان في الناقصة،
لأن الغش نقص في الحقيقة. ولو فسرها بجنس من الفضة ردئ أو بدراهم سكتها غير جارية في ذلك المحل قبل تفسيره
ولو منفصلا، كما لو قال: له علي ثوب ثم فسره بجنس ردئ أو بما لا يعتاد أهل البلد لبسه. ويخالف تفسيره بالناقص
لدفع ما أقر به بخلافه هنا، ويخالف البيع حيث يحمل على سكة البلد لأن البيع إنشاء معاملة، والغالب أنها في كل محل
تقع بما يروج فيه، والاقرار إخبار عن حق سابق يحتمل ثبوته بمعاملة في غير ذلك المحل فيرجع إلى إرادته. ولو فسر
الدراهم بما لا فضة فيه كالفلوس لم يقبل، لأنها لا تسمى دراهم سواء أقاله مفصولا أم موصولا. نعم إن غلب التعامل بها
ببلد بحيث هجر التعامل بالفضة، وإنما تؤخذ عوضا عن الفلوس كالديار المصرية في هذه الأزمان، فينبغي كما قاله بعض
المتأخرين أن يقبل وإن ذكره منفصلا. وقوله: له على دريهم بالتصغير، أو درهم صغير لزمه درهم صغير القدر وازن
إن كان بمحل أوزانهم فيه وافية، لأن الدرهم في صريح الوازن. والوصف بالصغير يجوز أن يكون
في الشكل وأن يكون بالإضافة إلى الدرهم البغلي، فلا يترك الصريح بالاحتمال. فإن كان بمحل أوزانهم ناقصة
قبل قوله أنه أراد منها ولزمه
درهم ناقص منها، وإن قال: له علي درهم كبير وفي المحل دراهم كبار القدر وزان متسعة لزمه درهم واسع منه كما في التنبيه
عملا بالاسم واللفظ، لأنه أمكن اجتماعهما. ويجب بقوله: له علي دراهم كثيرة أو قليلة ثلاثة، ولا يشترط تساويها
في الوزن، بل يكفي أن تكون الجملة زنة ثلاثة دراهم. ويجب بقوله: له علي أقل عدد الدراهم درهمان، لأن الواحد
ليس بعدد. (ولو قال له علي من درهم إلى عشرة لزمه تسعة في الأصح) إخراجا للطرف الأخير وإدخالا للأول لأنه مبدأ
الالتزام، وقيل عشرة إدخالا للطرفين، وقيل ثمانية إخراجا لهما، كما لو قال: عندي أو بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار
250

فإنهما لا يدخلان. وفرق الأول بأن المقر به أو المبيع هناك الساحة وليس الجدار منها بخلاف الدراهم. قال بعض المتأخرين:
وذكر الجدار مثال فالشجرة كذلك، بل لو قال من هذه الدراهم إلى هذه الدراهم فكذلك فيما يظهر، لأن القصد
التحديد لا التقييد اه‍. وما بحثه في الدراهم ممنوع بالفرق المذكور. وهذه المسألة قد سبق ذكرها في الضمان، فالحكم فيه
وفي الاقرار والابراء والوصية واليمين والنظر واحد. فإن قيل: قد قالوا فيما لو قال لزوجته: أنت طالق من واحدة إلى
ثلاث أنه يقع عليه الثلاث، فقياسه لزوم العشرة هنا. أجيب بأن عدد الطلاق محصور فأدخلوا فيه الطرفين بخلافه
هنا، وإن قال: له علي ما بين الدرهم والعشرة أو ما بين الدرهم إلى العشرة لزمه ثمانية إخراجا للطرفين لأن ما بينهما لا يشملهما.
(وإن قال): له علي (درهم في عشرة، فإن أراد المعية) بأن قال: أردت مع العشرة دراهم له (لزمه أحد عشر) درهما،
لأن في تستعمل بمعنى مع كما في قوله تعالى: * (فادخلي في عبادي) *. فإن قيل: قد جزموا فيما لو قال: له علي درهم مع
درهم أنه يلزمه درهم واحد لاحتمال أن يريد مع درهم لي فمع نية مع أولى. أجيب بأن قصد المعية في قوله: درهم
في عشرة بمثابة حرف العطف، والتقدير: له درهم وعشرة، ولفظ المعية مرادف لحرف العطف بدليل تقديرهم في جاء
زيد وعمرو بقولهم: مع عمرو، بخلاف قوله له علي درهم مع درهم، فإن مع فيه لمجرد المصاحبة، والمصاحبة تصدق
بمصاحبة درهم لدرهم غيره، ولا يقدر فيها عطف عطف بالواو، ولهذا لا يلزمه إلا درهم إلا أن يريد: مع درهم آخر يلزمني
فيلزمه درهمان. وأيضا فقوله: درهم مع درهم صريح في المعية، ودرهم في عشرة صريح في الظرفية، فإذا نوى بالثانية
المعية لزمه الجميع عملا بنيته، وإن أراد به المعية لم يصح تقدير المعية بالمصاحبة لدرهم آخر، لأن فيه تكثير المجاز وهو
ممتنع وأيضا امتنع ذلك لأن المعية مستفادة لا من اللفظ بل من نيته، فلو قدر معه مجازا لاضمار لكثر المجاز،
وأما
قوله: درهم مع درهم آخر فهو ظاهر في المعية المطلقة، فإذا أطلق لم يلزمه إلا درهم، فحصل الفرق من وجهين.
فإن قيل: سلمنا وجوب أحد عشر فينبغي أن يلزمه درهم ويرجع في تفسير العشرة إليه، كما لو قال: له علي ألف ودرهم فإن
الألف مبهمة ويرجع في تفسيرها إليه. أجيب بأن قوله: ألف ودرهم فيه عطف الدرهم على الألف والألف مبهم،
وههنا بالعكس، فإن عطف العشرة تقديرا على الدرهم والدرهم غير مبهم، فكانت العشرة من جنسه، لأن الأصل
مشاركة المعطوف للمعطوف عليه. وأجيب أيضا بما قدرته في كلامه، لكن الجواب الأول أولى لأنه يشمل ما إذا لم تعلم له
إرادة. (أو) أراد (الحساب) وهو يعرفه، (فعشرة) تلزمه لأنها موجبة عندهم، فإن لم يعرف الحساب فدرهم، وإن قال:
أرد ت ما يريده الحساب كما بحثه في الكفاية فإنه الصحيح في نظيره من الطلاق. (وإلا) بأن لم يرد المعية ولا الحساب وأراد
الظرف، (فدرهم) لأنه المتيقن.
فصل: في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء، وقد بدأ بالقسم الأول فقال:
لو (قال: له عندي سيف في غمد) بكسر الغين المعجمة، (أو ثوب في صندوق) بضم الصاد، (لا يلزمه الظرف) لأنه
لم يقر به، إذ الظرف غير المظروف، والاقرار يعتمد اليقين. (أو غمد فيه سيف، أو صندوق فيه ثوب لزم الظرف
وحده) لا المظروف لما مر، وهكذا كل ظرف ومظروف لا يكون الاقرار بأحدهما إقرارا بالآخر، فلو قال: له عندي
جارية في بطنها حمل أو خاتم فيه أو عليه فص أو دابة في حافرها نعل أو قمقمة عليها عروة أو فرس عليها سرج لزمته
الجارية والدابة والقمقمة والفرس لا الحمل والنعل والعروة والسرج، ولو عكس عكس الحكم. ولو قال: له عندي جارية
وأطلق وكانت حاملا لم يدخل الحمل، لأنه الجارية لم تتناوله، بخلاف البيع، لأن الاقرار إخبار عن حق سابق كما مر،
وربما كانت الجارية له دون الحمل بأن كان موصى به، ولهذا لو قال: هذه الدابة لفلان إلا حملها صح، ولو قال: بعتكها
251

إلا حملها لم يصح، والشجرة كالجارية، والثمر كالحمل فيما ذكر. ولو قال: له عندي خاتم وكان فيه فص دخل في الاقرار،
لأن الخاتم يتناوله، فإن قال: لم أرد الفص لم يقبل منه لأنه رجوع عن بعض ما أقر به، وإنما لم يتناوله في خاتم فيه أو
عليه فص كما مر لقرينة الوصف الموقع في الشك. (أو) قال: له عندي (عبد على رأسه عمامة) بكسر العين وضمها،
(لم تلزمه العمامة على الصحيح) لما مر. والثاني: تلزمه، لأن العبد له يد على ملبوسه ويده كيد سيده. ورد بأنه لو
باعه لم تدخل في البيع فكذا في الاقرار، إذ الضابط في ذلك كما قاله القفال وغيره: أن كل ما يدخل تحت مطلق
البيع يدخل تحت الاقرار، وما لا فلا، إلا الثمرة غير المؤبرة والحمل والجدار فإنها تدخل في البيع ولا تدخل في الاقرار
لبنائه على اليقين، وبناء البيع على العرف. (أو) قال: له عندي (دابة بسرجها) أو عبد بعمامته (أو ثوب مطرز) بتشديد
الراء، (لزمه الجميع) لأن الباء بمعنى مع كما مر، والطراز جزء من المطرز وإن ركب عليه بعد نسجه. قال ابن الرفعة:
ويظهر أن قوله: عليه طراز كقوله: مطرز اه‍. وقال ابن الملقن: يظهر عدم اللزوم اه‍. أي كخاتم عليه فص، وهذا
أولى. ولو قال: له علي ألف في هذا الكيس لزمه ألف وإن لم يكن فيه شئ لاقتضاه على اللزوم، ولا نظر إلى ما عقب به،
فإن وجد فيه دون الألف لزمه تمام الألف كما أنه لو لم يكن فيه شئ، يلزمه الألف فإن قال له على الألف الذي
في الكيس فلا تتميم لو نقص، ولا يغرم لو لم يكن فيه شئ لأنه لم يعترف بشئ في ذمته على الاطلاق. وفرق أيضا بين
المنكر والمعرف بأن الاخبار عن المنكر الموصوف في قوة خبرين فأمكن قبول أحدهم وإلغاء الآخر، والاخبار عن
المعرف الموصوف يعتمد الصفة، فإذا كانت مستحيلة بطل الخبر كله. (ولو قال): له (في ميراث أبي)
أو من ميراث أبي (ألف) أي ألف درهم، (فهو إقرار على أبيه بدين). فإن قيل: لم لا يصح تفسيره أيضا بالوصية والرهن عن دين
الغير أو نحو ذلك كما لو قال: له في هذا العبد ألف فإنه يصح أن يفسر بذلك؟ أجيب بأن قوله: في ميراث أبي
ألف إقرار بتعلق الألف بعموم الميراث فلا يقبل منه دعوى الخصوص بتفسيره بشئ مما ذكر، لأن العبد المفسر بجنايته
أو رهنه مثلا لو تلف ضاع حق المقر له في الأول، وانقطع حق تعلقه بعين من التركة في الثاني، فيصير كالرجوع عن
الاقرار بما يرفع كله أو بعضه. وقضيته أنه لو فسر هنا بما يعم الميراث وأمكن قبل، وأنه لو قال ثم: وله عبيد له في
هذه العبيد ألف وفسر بجناية أحدهم لم يقبل. وخرج بالألف الجزء الشائع كقوله: له في ميراث أبي نصفة أو ثلث
فلا يكون دينا على الأب، وإلا لتعلق بجميع التركة، ذكره الأسنوي، ثم قال: والظاهر صحة الاقرار لاحتمال أنه أوصى له بذلك
الجزء وقبله وأجازه الوارث إن كان زائدا على الثلث. وهذا أوجه من قول السبكي: إنه ينبغي أن يكون قوله: له في
ميراث أبي نصفه كقوله: له في ميراثي نصفه، وأن يكون قوله: له فيه ثلثه إقرارا له بالوصية بالثلث. (ولو قال): له
(في ميراثي من أبي) أو في مالي أو من مالي (ألف فهو وعد هبة) أي وعده بأن يهبه الآلف، هذا إذ لم يرد به الاقرار
، ولم يذكر ما يدل على الالتزام لأنه أضاف الميراث إلى نفسه ثم جعل لغيره جزءا منه واحتمل كونه تبرعا، بخلافه فيما
قبلها. فإن أراد به الاقرار أو ذكر ما يدل على الالتزام، كقوله: له في ميراثي من أبي ألف أو له في مالي
ألف بحق
لزمني أو بحق ثابت لزمه ما أقر به. (ولو) كرر المقر الدرهم بلا عطف، كأن (قال: له علي درهم درهم) ولو زاد
في التكرير على ذلك ولو ألف مرة، وسواء أكان في مجلس أو مجالس عند حاكم أو عند غيره، (لزمه درهم)
لاحتمال إرادة التأكيد. (فإن) كرر الدرهم مع العطف، كأن (قال): له علي درهم (ودرهم) أو درهم ثم درهم
، (لزمه درهمان) لأن العطف يقتضي المغايرة، وثم كالواو، وأما الفاء فالنص فيها لزوم درهم إذا لم يرد العطف لأنها
تأتي لغيره فيؤخذ باليقين. فإن قيل: لو قال: أنت طالق فطالق لزمه طلقتان، فهلا كان يلزمه درهمان أجيب بأنه قد
252

يريد: فدرهم لازم لي أو أجود منه، ومثله لا ينقدح في الطلاق، وبأن الانشاء أقوى وأسرع نفوذا، ولهذا يتعدد اللفظ به
في يومين بخلاف الاقرار. واعترض الرافعي الفرق الأول بأنه قد يريد: فطالق مهجورة أو لا تراجع أو خير منك أو نحوه.
وأجيب بأن ذلك صرف للصريح عن مقتضاه. أما إذا أراد بالفاء العطف فيلزمه درهمان كما في العطف بالواو. ومثل
الطلاق الثمن، فلو قال: بعتك بدرهم فدرهم فقبل لزمه درهمان لأنه إنشاء لا إخبار. (ولو قال: له) علي (درهم ودرهم
ودرهم لزمه بالأولين درهمان) لاقتضاء العطف التغاير كما مر، (وأما الثالث، فإن أراد) به (تأكيد الثاني) بعاطفه (لم يجب
به شئ) عملا بنيته، (وإن نوى) به (الاستئناف لزمه ثالث) عملا بإرادته، (وكذا إن نوى) به (تأكيد الأول أو أطلق) بأن
لم ينو به شيئا (في الأصح) لأن التأكيد في الأول ممنوع للفصل والعطف، ولهذا اتفقوا على لزوم درهمين في قوله: درهم
ودرهم، ومقابل الأصح فيها يلزمه درهمان، لأن الثاني في قوله: درهم ودرهم معطوف على الأول فامتنع تأكيده، وهنا
الثالث معطوف على الثاني على رأي فأمكن أن يؤكد الأول به. وأما الثانية فلان تأكيد الثاني بالثالث وإن كان جائزا
، لكنه إذا دار اللفظ بين التأسيس والتأكيد كان حمله على التأسيس أولى، فعلى هذا لو كرر ألف مرة فأكثر لزمه بعدد
ما كرر. ومقابل الأصح فيها يلزمه درهمان، لأنه وإن كان الأصل التأسيس لكن عارضه كون الأصل براءة الذمة فتعارضا
فتساقطا، فلم يبق للثالث مقتض فاقتصرنا على الدرهمين.
تنبيه: لو عبر في الثانية بالمذهب كما في الروضة لكان أولى فإن الأكثرين قطعوا بها، وقيل: قولان كنظيره من الطلاق.
وفرق الأولون بأن التأكيد في الطلاق أكثر لأنه يقصد به التخويف والتهديد، والعطف ب‍ ثم كالواو فيما ذكر، لكن لو
عطف ب‍ ثم في الثالث، كقوله: درهم ودرهم ثم درهم لزمه ثلاثة بكل حال، إذ لا بد من اتفاق حرف العطف في المؤكد
والمؤكد.
فروع: لو قال: له علي درهم بل درهم أو: لا بل أو: لكن درهم لزمه درهم، لأنه ربما قصد الاستدراك فتذكر أنه
لا حاجة إليه فقصد الأول. وإن قال: له علي درهم بل درهمان أو: لا بل أو: لكن درهمان لزمه درهمان لتعذر نفي ما قيل
بل أو لكن لاشتمال ما بعدها عليه. فإن قيل: لو قال أنت طالق طلقه بل طلقتين لزمه ثلاث، فهلا كان هنا كذلك
أجيب بأن الطلاق إنشاء، فإذا أنشأ طلقة ثم أضرب عنها إلى إنشاء طلقتين لا يمكن إنشاء إعادة الأولى مع الثانية، لأن تحصيل
الحاصل محال والاقرار إخبار، فإذا أخبر بالبعض ثم أضرب عن الاخبار به إلى الاخبار بالكل جاز دخول البعض
في الكل. هذا إذا لم يعين الدرهمين ولم يختلف الجنس، فإن عينهما أو اختلف الجنس كقوله: له هذا الدرهم بل هذان الدرهمان
أو هل علي درهم لا بل دينار لزمه ثلاثة دراهم في الأول ودرهم ودينار في الثاني لعدم دخول ما قبل بل فيما بعدها، ولا يقبل
رجوعه عنه، وكاختلاف الجنس اختلاف النوع والصفة. ولو قال: له علي درهمان بل درهم أو: لا بل درهم أو: درهم ودرهم
بل درهم لزمه درهمان مؤاخذة له بإقراره الأول. ولو قال: له علي درهم ودرهمان لزمه ثلاثة دراهم، ولو قال: له علي درهم
مع درهم أو: فوق أو تحت درهم أو: معه أو فوقه أو تحته درهم لزمه درهم فقط لأنه ربما يريد: مع أو فوق أو تحت درهم لي،
أو: معه أو فوقه أو تحته درهم لي، أو يريد: فوقه في الجودة وتحته في الرداءة ومعه في أحدهما. ويلزمه درهمان فيما لو قال: له علي درهم
قبل أو بعد درهم أو قبله أو بعده درهم لاقتضاء القبلية والبعدية المغايرة وتعذر التأكيد. وفرقوا بين الفوقية والتحتية وبين القبلية
والبعدية بأنهما يرجعان إلى المكان فيتصف بهما نفس الدرهم، والقبلية والبعدية يرجعان إلى الزمان ولا يتصف بهما نفس الدرهم،
فلا بد من أمر يرجع إليه التقدم والتأخر، وليس إلا الوجوب عليه. وهنا اعتراض للرافعي ذكرته في الجواب عنه في شرح
253

التنبيه. (ومتى أقر بمبهم) ولم يمكن معرفته بغير مراجعته، (كشئ وثوب وطولب بالبيان فامتنع، فالصحيح أنه يحبس) لأن
البيان واجب عليه، فإذا امتنع منه حبس كالممتنع من أداء الدين وأولى لأنه لا وصول إلى معرفته إلا منه. والثاني: لا يحبس
لامكان حصول الغرض بدون الحبس. أما إذا أمكن معرفته بغير مراجعته، كقوله: له علي من الدراهم قدر ما باع به
فلان فرسه فلا يحبس بل نرجع إلى ما أحال عليه، وكذا لو أمكن معرفته باستخراجه من الحساب كقوله: لزيد علي ألف
إلا نصف ما لعمرو علي، ولعمرو علي ألف إلا ثلث ما لزيد علي. ومن طرق معرفة ذلك أن تجعل لزيد شيئا وتقول: لعمرو
ألف إلا ثلث شئ فتأخذ نصفه وهو خمسمائة إلا سدس شئ وتسقطه من ألف زيد يبقى خمسمائة وسدس شئ،
وذلك
يعدل الشئ المفروض لزيد، لأنه جعل له ألفا إلا نصف ما لعمرو فتسقط سدس شئ بسدس شئ يبقى خمسة أسداس
شئ في مقابلة خمسمائة فيكون الشئ التام ستمائة وهوما لزيد، فإذا أخذت ثلثها وهو مائتان وأسقطته من الألف بقي ثمانمائة
وهو ما أقر به لعمرو. (ولو بين) المقر إقراره المبهم تبينا صحيحا (وكذبه المقر له في ذلك، (فليبين) جنس الحق وقدره،
(وليدع) به، (والقول قول المقر) بيمينه (في نفيه) ثم إن فسره ببعض الجنس المدعى به كمائة ودعوى المقر له مائتان، فإن
قال المقر له: أراد المقر بالمبهم المائة ثبتت باتفاقهما وحلف المقر على نفي الزيادة، وإن قال: أرادهما حلف على نفي الزيادة
وعلى نفي الإرادة لهما يمينا واحدة لاتحاد الدعوى، فإن نكل حلف المدعي على الاستحقاق لهما لا على إرادة المقر لهما
لأنه لا اطلاع له عليها، وإن كذبه في استحقاق ما فسر به بطل الاقرار فيه وإلا ثبت. ولو اقتصر على دعوى
الإرادة وقال: ما أردت بكلامك ما وقع التفسير به وإنما أردت كذا لم يسمع منه ذلك، لأن الاقرار والإرادة لا يثبتان
حقا فعليه أن يدعي الحق لنفسه. فإن مات المقر قبل البيان طولب به الوارث، فإن امتنع وقفت التركة كلها لا أقل متمول
منها حتى يبين الوارث، لأنها وإن لم تدخل في التفسير مرتهنة بالدين. ولا يخالف صحة التفسير بالسرجين ونحوه، لأنها لم تتيقن
عدم إرادة المال فيمتنع التصرف في الجميع احتياطا. فإن بين المقر له زيادة على ما فسر به الوارث صدق الوارث بيمينه كالمقر
وتكون يمينه على نفي إرادة مورثه زيادة، لأنه قد يطلع في حال مورثه على ما لا يطلع عليه غيره. وهنا سؤالان ذكرتهما مع
جوابهما في شرح التنبيه. (ولو أقر له) أي لشخص (بألف) مثلا في يوم، (ثم أقر له بألف في يوم آخر لزمه ألف فقط) وإن كتب
بذلك وثيقة وأشهد عليه فيها، لأن الاقرار إخبار، ولا يلزم من تعدده تعدد المخبر عنه، وهذا يقتضي أن النكرة إذا أعيدت
كانت عين الأولى. ولو عرف الألف في اليوم الثاني كان أولى بالاتحاد. (وإن اختلف القدر) المقر به في اليومين ولم يتعذر
دخول أحد الاقرارين في الآخر كأن أقر بخمسة ثم بعشرة أو عكس، (دخل الأقل في الأكثر) إذ يحتمل أنه ذكر بعض ما أقر
به في أحدهما. هذا إذا أمكن الجمع بين الاقرارين، (فلو) تعذر كأن (وصفهما بصفتين مختلفتين) كصحاح ومكسرة، (أو
أسندهما إلى جهتين) كبيع وقرض، (أو قال: قبضت يوم السبت عشرة، ثم قال: قبضت يوم الأحد عشرة لزما) أي القدران
في الصور الثلاث، لأن اتحادهما غير ممكن. فإن قيد أحدهما وأطلق الآخر لم يتعدد وحمل المطلق عليه كما أشار إليه
المصنف بقوله: صفتين. وأما قوله: مختلفتين فلا حاجة إليه وإن ذكره المحرر في الصفتين لا يكونان إلا
مختلفتين كما
لم يحتج إليه في الجهتين، إذ لم يقل فيهما مختلفتين لأنهما لا يكونان إلا كذلك. (ولو قال: له علي ألف من ثمن خمر أو كلب،
أو) له علي (ألف) لكن (قضيته) وذكر ذلك متصلا، (لزمه الألف في الأظهر) عملا بأول الاقرار وإلغاء
254

لآخره، لأنه وصل به ما يرفعه فأشبه قوله: له علي ألف لا تلزمني. والثاني: لا يلزمه شئ، لأن الكل كلام واحد فتعتبر
جملته ولا يتبعض، كقوله: لا إله إلا الله لا يكون كفرا وإيمانا، أما إذا فصله عن الاقرار فيلزمه جزما. ولو قدمه كقوله: له
علي من ثمن خمر ألف لم يلزمه جزما كما في الروضة وأصلها. وظاهر إطلاقهم في مسألة التقديم أنه لا فرق بين المسلم والكافر
، لأن الكفار إذا ترافعوا إلينا إنما نقرهم على ما نقرهم عليه لو أسلموا. ولو قال: كان من ثمن خمر فظننته يلزمني حلف المقر
له على نفيه رجاء أن يقر أو يرد اليمين عليه، فيحلف المقر أو لا يلزمه. قال الإمام: وكنت أود لو فصل بين أن يكون المقر
جاهلا بأن ثمن الخمر لا يلزمه وبين أن يكون عالما فيعذر الجاهل دون العالم، لكن لم يصر إليه أحد من الأصحاب. وقال
الأذرعي: كنت أود لو فصل فاصل بين أن يكون المقر يرى جواز بيع الكلب الصائد كما هو مذهب جماعة من العلماء،
وبين أن لا يكون كذلك، بل كثير من عوامنا الذين لا مذهب لهم يظنون جواز بيعه ولزوم ثمنه اه‍. لكن فائدة
ذلك التحليف كما مر كما لو أقر بأنه لا دعوى له على عمرو ثم خصص ذلك في شئ كأن قال: إنما أردت في عمامته وقميصه لا في
داره وبستانه فإنه لا يقبل، وله تحليف المقر له أنه ما علمه قصد ذلك. (ولو قال): له علي ألف ووصله بقوله: (من ثمن عبد)
أو هذا العبد مثلا، ثم قال ولو منفصلا: (لم أقبضه) سواء قال: (إذا سلمه سلمت) أم لا، وأنكر المقر له البيع وطلب الألف،
(قبل على المذهب) لأن ما ذكره آخر إلا يرفع ما قبله، (وجعل ثمنا) أي أجري عليه أحكامه حتى لا يجبر على التسليم إلا بعد
قبض العبد. والطريق الثاني: طرد القولين في المسألة قبلها، أحدهما لا يقبل عملا بأول كلامه.
تنبيه: قوله: من ثمن عبد لا بد من ذكره متصلا كما مر، فإن فصله لم يقبل. وقوله: إذا سلمه سلمت لا حاجة إليه كما
تقرر، وكذا قوله: وجعل ثمنا مع قبول دعواه أنه ثمن، ولهذا لم يذكره في الروضة. وإنما نكر المصنف العبد ولا فرق
بين تنكيره وتعريفه كما قدرته في كلامه، لأن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه يوافق عند التعريف ويخالف عند التنكير،
فأشار إلى النص على خلافه. ولو قال: اشتريت من زيد عبدا بألف إن سلم سلمت قبل جزما كما قاله البغوي وغيره، أو
قال: أقرضني ألفا ثم ادعى أنه لم يقبضه قبل قوله كما قال الماوردي، وظاهره أنه لا فرق بين أن يذكره متصلا أو منفصلا،
لكن في الشامل: إن قاله منفصلا لا يقبل، وهذا أوجه. ثم شرع في القسم الثاني وهو بيان التعليق بالمشيئة،
فقال: (ولو قال: له
علي ألف إن شاء الله) أو: إن لم يشأ الله، أو: إلا أن يشاء الله، أو: إن شئت، أو: إن شاء فلان، (لم يلزمه شئ على المذهب) سواء
أقدم الألف على المشيئة أم لا، لأنه لم يجزم بالالتزام بل علقه بالمشيئة، ومشيئة الله تعالى وعدمها مغيبة عنا، ومشيئة غير الله
لا توجب شيئا. وقال الثاني إنه على القولين في قوله من ثمن خمر، لأن آخره يرفع أوله. وفرق الأول بأن دخول حرف
الشرط على الجملة يصير الجملة جزءا من الجملة الشرطية، وحينئذ يلزم تغيير معنى أول الكلام، وقوله من ثمن خمر
لا يغير ذلك بل هو لبيان جهته فلا يلزم من إلغاء الاقرار عند التعليق وعدم تبعيضه حذرا من جعله جزء الجملة
جملة برأسها أن يتبعض في الخمر ونحوه. ولو قال: له علي ألف إن جاء رأس الشهر مثلا لم يلزمه لما مر، إلا إن قصد التأجيل ولو
بأجل فاسد فيلزمه ما أقر به، ولكن من عقب إقراره بذكر أجل صحيح متصل ثبت الاجل بخلاف ما إذا لم يذكره صحيحا
كقوله: إذا قدم زيد، وما إذا كان صحيحا لكن ذكره منفصلا.
تنبيه: يشترط قصد الاستثناء قبل فراغ الاقرار، وأن يتلفظ به بحيث يسمع من يقر به، وأن لا يقصد بمشيئة
الله تعالى التبرك. ولو قال ابتداء: كان له علي ألف قضيته لم يلزمه شئ لأنه لم يلتزم في الحال شيئا، ولو واطأ الشهود
على الاقرار بما ليس عنده أو عليه ثم أقر بشئ لزمه ما أقر به كقوله: له علي الألف
لا يلزمني. (ولو قال): له علي (ألف لا يلزم لزمه) لأنه غير منتظم فلا يبطل به الاقرار، وكذا لو قال: له علي
255

ألف لا أو ألف أو لا بإسكان الواو. (ولو قال: له علي ألف ثم جاء بألف وقال) بعد الفصل كما يفهم من ثم (أردت به هذا، وهو وديعة، فقال المقر له: لي عليك ألف آخر) غير
ألف الوديعة وهو الذي أردته بإقرارك، (صدق المقر في الأظهر بيمينه) لأن الوديعة يجب عليه حفظها والتخلية بينها وبين
مالكها، فكأنه أراد ب‍ علي الاخبار عن هذا الواجب، وقد تستعمل علي بمعنى عندي وفسر بذلك قوله تعالى: * (ولهم علي ذنب) *.
وكيفية اليمين أن يحلف أنه لا يلزمه تسليم ألف آخر إليه، وأنه ما أراد بإقراره إلا في هذه، قاله القاضي. والثاني: يصدق المقر
له بيمينه أن له عليه ألفا آخر، لأن كلمة علي ظاهرة في الثبوت في الذمة والوديعة لا تثبت في الذمة، أما إذا قال: له علي ألف
وديعة متصلا فإنه يقبل على المذهب. (فإن كان قال): له علي ألف (في ذمتي أو دينا) ثم جاء بألف وفسر بالوديعة كما سبق،
(صدق المقر له) بيمينه إن له عليه ألفا آخر، (على المذهب) لأن العين لا تكون في الذمة ولا دينا. والطريق الثاني: حكاية
وجهين، ثانيهما: القول فيه قول المقر لجواز أن يريد: ألفا في ذمتي إن تلفت الوديعة لأني تعديت فيها.
تنبيه: قضية كلام المصنف أن محل الخلاف فيما إذا جاء بألف وقال: هي هذه، أما لو قال: له في ذمتي ألف ثم جاء
بألف وقال: الألف الذي أقررت به كان وديعة وتلف وهذا بدله قبل لجواز أن يكون تلف لتفريطه فيكون البدل
ثابتا في
ذمته، وهذا ما اقتضاه كلام القاضي وغيره، وقال ابن الرفعة: إنه المشهور. ولو وصل دعواه الوديعة بالاقرار كقوله:
علي ألف في ذمتي وديعة لم يقبل خلافا لما جرى عليه بعض المتأخرين من القبول، فهو نظير ما لو قال: من ثمن خمر بعد قوله:
له علي ألف لأنه يدعي في الوديعة التلف فلا يلزمه شئ كما ذكره بقوله: (قلت) كما قال الرافعي في الشرح (فإذا قبلنا التفسير
بالوديعة فالأصح أنها أمانة فيقبل دعواه) أي المقر، (التلف) للوديعة، (بعد الاقرار) بتفسيره (ودعوى الرد) بعده، لأن هذا
شأن الوديعة. والثاني: تكون مضمونة حتى لا يقبل دعواه التلف والرد نظرا إلى قوله علي الصادق بالتعدي فيها. وأجاب
الأول بصدق وجوب حفظها.
تنبيه: قوله: بعد الاقرار متعلق بالتلف، وخرج به ما لو كان دعوى التلف والرد قبل الاقرار فإنه لا يقبل كما قاله
السبكي وجرى عليه الأسنوي، لأن التالف والمردود لا يكون عليه. (وإن قال: له عندي أو معي ألف صدق في دعوى
الوديعة، والرد والتلف) بعد الاقرار (قطعا، والله أعلم) لأن عندي ومعي مشعران بالأمانة. (ولو أقر ببيع أو
هبة وإقباض) فيها (ثم قال: كان) ذلك (فاسدا وأقررت لظني الصحة لم يقبل) في قوله بفساده، لأن الاسم يحمل عند الاطلاق
على الصحيح. (وله تحليف المقر له) لامكان ما يدعيه، وجهات الفساد قد تخفى عليه ولا يقبل منه البينة لتكذيبها بإقراره السابق. (فإن نكل) عن الحلف (حلف المقر) إنه كان فاسدا (وبرئ) من البيع والهبة أي حكم ببطلانها، لأن اليمين المردودة
له كالاقرار وكالبينة وكلاهما يحصل الغرض.
تنبيه: لو عبر بدل قوله وبرئ ب‍ حكم ببطلانهما كما قدرته في كلامه تبعا للمحرر والروضة لكان أولى، لأن النزاع
في عين لأنها هي التي يرد عليها البيع والهبة لا في دين. واحترز بقوله: وإقباض لو اقتصر على الاقرار بالهبة فإنه
لا يكون مقرا بالاقباض، فإن قال: وهبته له وخرجت منه أو ملكه لم يكن إقرارا بالقبض لجواز أن يريد الخروج إليه
منه بالهبة، نعم إن كان بيد المقر له كان إقرارا بالقبض، وكذا إن كان أقبضته له وأمكن وإن لم يكن بيد المقر له، ولو
قال: وهبته له وقبضه بغير رضاي، فالقول قوله لأن الأصل عدم الرضى، نص عليه، والاقرار بالقبض هنا كالاقرار به في
256

الرهن، فإذا قال: لم يكن إقراري عن حقيقة فله تحليف المقر له أنه قبض الموهوب وإن لم يذكر لاقراره تأويلا. (ولو قال
هذه الدار) مثلا التي في يدي (لزيد) لا (بل لعمرو، أو غصبتها من زيد) لا (بل) غصبتها (من عمرو) نزعت
من يده و (سلمت لزيد) لأن من أقر بحق لآدمي لا يقبل رجوعه عنه. (والأظهر أن المقر) بعد تسليمها لزيد
(يغرم
قيمتها لعمر بالاقرار) لأنه حال بينه وبين ملكه بإقراره الأول، والحيلولة سبب الضمان، كما لو غصب عبدا فأبق من يده
. والثاني: لا يغرم له، لأن الاقرار الثاني صادف ملك الغير فلا يلزمه به شئ كما لو أقر بالدار التي بيد زيد لعمرو، ولو قال:
غصبتها من زيد وغصبها زيد من عمرو سلمها لزيد لسبق إقراره وغرم لعمرو القيمة لأنه وصل إقراره الثاني بالأول، أولا
تسلمها زيد بنفسه أو سلمها له الحاكم للحيلولة بإقراره الأول، والحيلولة توجب الضمان كالاتلاف. ولو عطف ب‍ ثم ففي
الوسيط أنه يغرم أيضا. ولو قال: غصبتها من زيد وعمرو سلمت إليهما، أو: غصبتها من زيد وغصبتها من عمرو، فالحكم
كذلك أحد وجهين رجحه السبكي. ولو قال: غصبتها من زيد والملك فيها لعمرو سلمت لزيد لأنه اعترف له بالملك،
ولا يغرم لعمرو لجواز كونها ملك عمرو وهي في يد زيد بإجارة أو وصية بمنافعها أو نحو ذلك كرهن. ثم شرع في القسم
الثالث، وهو بيان الاستثناء، وهو إخراج ما لولاه لدخل فيما قبله ب‍ إلا أو نحوها، وهو من الاثبات نفي ومن النفي إثبات،
فقال: (ويصح الاستثناء) في الاقرار وغيره لكثرة وروده في القرآن وغيره، وهو مأخوذ من الثني بفتح الثاء المثلثة
وسكون النون وهو الرجوع، ومنه ثنى عنان دابته: إذا رجع، فلما رجع في الاقرار ونحوه عما اقتضاه لفظة سمي استثناء.
واصطلاحا: إخراج لما بعد إلا وأخواتها من حكم ما قبلها في الايجاب وإدخاله في النفي. هذا (إن اتصل) بالمستثنى منه
بحيث يعد معه كلاما واحدا عرفا فلا يضر الفصل اليسير بسكتة تنفس أو وعي أو تذكر أو انقطاع صوت كما نص عليه
في الام، بخلاف الفصل بسكوت طويل وكلام أجنبي ولو يسيرا. وفي الكافي: لو قال: له علي ألف درهم - الحمد لله - إلا مائة لزمه الألف،
ولو قال: ألف درهم أستغفر الله إلا مائة صح الاستثناء، وهذا هو المعتمد خلافا لابن المقري لأن قوله أستغفر الله لاستدراك
ما سبق منه. ولا بد أن ينوي الاستثناء قبل فراغ الاقرار كما مرت الإشارة إليه. (ولم يستغرق) أي الاستثناء المستثنى منه،
كقوله: له علي خمسة إلا أربعة، فإن استغرقه كقوله: له علي خمسة إلا خمسة فباطل لأنه رفع ما أثبته. ولا يجمع مفرق
بالعطف في المستثنى أو المستثنى منه أو فيهما إن حصل بجمعه استغراق أو عدمه، لأن واو العطف وإن اقتضت الجمع لا تخرج
الكلام عن كونه ذا جملتين من جهة اللفظ الذي يدور عليه الاستثناء، وهذا مخصص لقولهم: إن الاستثناء يرجع إلى جميع المعطوفات لا إلى الأخير فقط، فلو قال: له علي درهمان ودرهم أو درهم ودرهم
ودرهم إلا درهما لزمه ثلاثة لأن المستثنى منه إذا لم يجمع مفرقه كان الدرهم الواحد مستثنى من درهم واحد فيستغرق فيلغو. ولو قال: له علي درهم ودرهم ودرهم إلا درهما ودرهما ودرهما لزمه ثلاثة، لأنه إذا لم
يجمع مفرق المستثنى والمستثنى منه كان المستثنى درهما من درهم
فيلغو، وقس على ذلك. (فلو قال: له علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية لزمه تسعة) لأن الاستثناء من الاثبات نفي وعكسه
كما مر. والطريق فيه وفي نظائره أن يجمع كل ما هو إثبات وكل ما هو نفي ويسقط المنفي من المثبت فيكون الباقي هو
الواجب، فالعشرة والثمانية في هذا المثال مثبتان وهما ثمانية عشرة، والتسعة منفية، فإذا أسقطتها من الثمانية عشر
يبقى تسعة، فإن قال مع ذلك: إلا سبعة وهكذا إلى الواحد لزمه خمسة لأن العدد المثبت ثلاثون والمنفي خمسة وعشرون،
فإذا أسقطتها بقي خمسة. ولك طريق آخر، وهي أن تخرج المستثنى الأخير مما قبله وما بقي منه يخرج مما قبله، فتخرج الواحد
من الاثنين وما بقي تخرجه من الثلاثة وما بقي تخرجه من الأربعة وهكذا حتى ينتهي إلى الأول، ولك أن تخرج الواحد
من الثلاثة ثم ما بقي من الخمسة ثم ما بقي من السبعة ثم ما بقي من التسعة، وهذا أسهل من الأول ومحصل له، فما بقي
257

فهو المطلوب. فروع: لو قال: له علي عشرة إلا خمسة أو ستة لزمه أربعة لأن الدرهم الزائد مشكوك فيه، هذا إن تعذرت
مراجعته كما إذا قال: أنت طالق طلقة واحدة أو اثنتين فإنه يعين. فإن قيل: هلا لزمه خمسة لأنه أثبت عشرة واستثنى خمسة
وشككنا في استثناء الدرهم السادس أجيب بأن المختار أن الاستثناء لبيان ما لم يرد بأول الكلام لا أنه إبطال ما ثبت،
ولو قال: له علي شئ إلا شيئا أو مال إلا مال أو نحو ذلك، فكل من المستثني والمستثنى منه مجمل فليفسرهما، فإن فسر الثاني
بأقل مما فسر به الأول صح الاستثناء والالغاء. ولو قال: له علي ألف إلا شيئا أو عكس، فالألف والشئ مجملان فيفسرهما
ويجتنب في تفسيره الاستغراق. ولو قال: له علي ألف إلا درهما فالألف مجمل فليفسره بما فوق الدرهم، فلو فسره بما
قيمته درهم فما دونه لغا الاستثناء والتفسير للاستغراق. ولو قال: ليس له على شئ إلا خمسة لزمه خمسة، أو قال: ليس له علي
عشرة إلا خمسة لم يلزمه شئ لأن العشرة إلا خمسة خمسة فكأنه قال: ليس له علي خمسة، فجعل النفي الأول متوجها إلى
مجموع المستثني والمستثنى منه، وإن خرج عن قاعدة أن الاستثناء من النفي إثبات. وإنما لزمه في الأول خمسة لأنه
نفي مجمل فيبقى عليه ما استثناه، ولو قدم المستثنى على المستثنى منه صح كما قاله الرافعي في أول كتاب الايمان. (ويصح)
الاستثناء (من غير الجنس) أي جنس المستثنى منه، (كألف) من الدراهم (إلا ثوبا) لوروده في القرآن وغيره،
ومنه قوله تعالى: * (فإنهم عدو لي إلا رب العالمين) * وقوله تعالى: * (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن) *. (ويبين بثوب
قيمته دون ألف) حتى لا يستغرق. فإن فسره بثوب قيمته ألف بطل التفسير، وكذا الاستثناء على الأصح فيلزمه ألف
، لأنه بين ما أراد بالاستثناء فكأنه تلفظ به وهو مستغرق. ولو قال: له علي ألف إلا دينارا رجع في تفسير الألف إليه
وأسقط منه الدينار لما مر.
حيلة: لو كان لشخص على آخر ألف درهم وله عليه قيمة عبد أو ثوب أو عشرة دنانير ويخاف إن أقر له جحده،
قال ابن سراقة: فطريقه أن يقول: له علي ألف درهم إلا عبدا أو إلا ثوبا أو إلا عشرة دنانير، فإن الحاكم يسمع إقراره
ويستفسره فإن فسره بأقل من ألف حلفه أن جميع ما عليه ذلك ولم يلزمه غيره، وتقوم قيمة العبد أو الثوب أو الدنانير
ويسقطها من الألف. (و) يصح الاستثناء (من المعين) كما يصح من المطلق سواءا كان المستثنى مجهولا أم معلوما،
(كهذه الدار له إلا هذا البيت أو هذه الدراهم له إلا ذا الدرهم) أو هذا القطيع له إلا هذه الشاة، لأنه إخراج بلفظ متصل
فهو كالتخصيص. وعلله الشافعي رحمه الله تعالى في الام بأنه كلام صحيح ليس بمحال. (وفي المعين وجه شاذ) أنه لا يصح
الاستثناء منه لأن الاقرار بالمعين يقتضي الملك فيها تضمينا فيكون الاستثناء رجوعا بخلاف الاقرار بالدين. ثم أشار إلى
صحة الاستثناء المجهول من المعين فقال: (قلت) كما قال الرافعي في الشرح لو كان المستثنى مجهولا كما (لو قال هؤلاء العبيد
له إلا واحدا قبل) وإن كان المستثنى مجهولا كما لو قال: له علي عشرة إلا شيئا إذ إلا فرق بين المعين والدين. (ورجع
في البيان إليه) لأنه أعرف بمراده ويلزمه البيان، فإن مات قام وارثه مقامه كما قاله القاضي حسين. (فإن ماتوا إلا واحدا
وزعم أنه المستثنى صدق بيمينه) أنه الذي أراده إذا كذبه المقر له، (على الصحيح والله أعلم) لاحتمال ما ادعاه. والثاني:
لا يصدق للتهمة. أما لو قتلوا إلا واحدا وزعم أنه المستثنى فإنه يصدق قطعا لبقاء أثر الاقرار وهو القيمة. ويؤخذ من ذلك
أنه لو قال: غصبتهم إلا واحدا فماتوا وبقي واحد وزعم أنه المستثنى أنه يصدق لأن أثر الاقرار باق وهو الضمان
فروع: لو أقر أحد الشريكين لثالث بنصف الألف المشترك بينهما تعين ما أقر به في نصيبه، وهذا فرع من
قاعدة الحصر والإشاعة وفيها اضطراب، ولذا قال الزركشي: الحق أنه لا يطلق فيها ترجيح بل تختلف باختلاف الأبواب
والمأخذ كما في الرجعة والنذر ونظائرهما. ولو أقر لورثة أبيه بمال وكان هو أحدهم ولم يدخل لأن المتكلم لا يدخل
في عموم كلامه. وهذا عند الاطلاق كما قاله السرخسي، فإن نص على نفسه دخل، ولو قال: له علي ألف إلا أن يبدو لي
258

ففيه وجهان في العدة والبيان، قال المصنف: لعل الأصح أنه إقرار اه‍. لا يلزمه شئ كما نقله الهروي عن
النص، كما
إذا قال: له علي ألف إلا أن يشاء الله، ولو قال: غصبت داره ولو بإسكان الهاء، وقال: أردت داره الشمس أو القمر لم يقبل
قوله لأن غصب ذلك محال، فلا تقبل إرادته. وإن أقر البائع بالبيع في زمن الخيار له أولها لاحد انفسخ البيع لأن له الفسخ
حينئذ، بخلاف ما لو أقر بعد انقضاء الخيار له أو لها أو كان للمشتري لعجزه عن الفسخ. ولو أقر أو أوصى بثياب بدنه
دخل فيه كل ما يلبسه حتى الفروة، لا الخلف لأنه ليس من مسمى الثياب.
فصل: في الاقرار بالنسب وهو القرابة، وجمعه أنساب. وهو على قسمين: الأول أن يلحق النسب بنفسه، والثاني
بغيره. وقد بدأ بالقسم الأول فقال: لو (أقر) البالغ العاقل الذكر، ولو عبدا وكافرا وسفيها (بنسب) لغيره (إن ألحقه
بنفسه) ك‍ هذا ابني أو أنا أبوه، وإن كان الأول أولى لكون الإضافة فيه إلى المقر، (اشترط لصحته) أي هذا الالحاق أمور:
أحدها: (أن لا يكذبه الحس) بأن يكون في سن يمكن أن يكون منه، فلو كان في سن لا يتصور كونه منه، أو كان قد قطع
ذكره وأنثياه من زمن يتقدم على زمن العلوق به لم يثبت نسبه لأن الحس يكذبه، وهذا بالنسبة إلى النسب، أما بالنسبة
إلى العتق فسيأتي. ولو قدمت كافرة بطفل وادعاه رجل وأمكن اجتماعهما أو احتمل أنه أنفذ إليها ماء فاستدخلته، لحقه،
وإلا فلا. (و) ثانيها: أو (لا) يكذبه (الشرع)، وتكذيبه (بأن يكون) المستلحق بفتح الحاء، (معروف النسب من غيره) أو ولد
على فراش نكاح صحيح، لأن النسب الثابت من شخص لا ينتقل إلى غيره سواء أصدقه المستلحق أم لا. (و) ثالثها: (أن
يصدقه المستلحق) بفتح الحاء (إن كان أهلا للتصديق) بأن يكون مكلفا، لأن له حقا في نسبه، وهو أعرف به من غيره.
تنبيه: أهمل المصنف من الشروط أن لا يكون منفيا بلعان الغير عن فراش نكاح صحيح، فإن كان لم يصح استلحاقه
لغير النافي. أما المنفي بوطئ شبهة أو نكاح فاسد فيجوز لغيره أن يستلحقه، لأنه لو نازعه فيه قبل النفي سمعت دعواه، وأن
لا يكون ولد زنا، وأن لا يكون المستلحق - بفتح الحاء - رقيقا للغير ولا عتيقا صغيرا أو مجنونا، فإن كان لم يصح
استلحاقه محافظة على حق الولاء للسيد، بل يحتاج إلى البينة، فإن صدقه الكبير العاقل قبل كما رجحه ابن المقري
خلافا لما رجحه صاحب الأنوار من عدم القبول. والرقيق باق على رقه لعدم التنافي بين النسب والرق، لأن النسب
لا يستلزم الحرية والحرية لم تثبت. وإن كان الرقيق له وهو بيده ولم يمكن لحوقه به كأن كان أسن منه لغا قوله، وإن
أمكن لحوقه به لحقه الصغير والمجنون والمصدق له وعتقوا. أما ثابت النسب من غيره أو المكذب له فلا
يلحقانه ويعتقان
عليه مؤاخذة له باعترافه بحريتهما، ولا يرثان منه كما لا يرث منهما. ثم إن أقر بأم ففي زوائد الروضة للعمراني عن ابن
اللبان إن قرار الشخص بالام لا يصح لامكان إقامة البينة على الولادة، وأقره في الكفاية. ولو أقر بأب فكذبه أو سكت
لم ينبت الاستلحاق. أو ابن (فإن كان بالغا فكذبه) أو قال لا أعلم، وكذا لو سكت كما في الروضة والشرحين هنا، وإن
صحح في الشرح والروضة في فصل التسامع في الشهادة إن سكوت البالغ في النسب كالاقرار، (لم يثبت) نسبه (إلا ببينة)
كسائر الحقوق، ويثبت أيضا باليمين المردودة وإن لم تصدق بذلك عبارة المصنف. ولو استلحق بالغا عاقلا وصدقه ثم
رجعا لا يسقط النسب لأن النسب المحكوم بثبوته لا يرتفع بالاتفاق كالثابت بالافتراش. (وإن استلحق صغيرا) أو مجنونا (ثبت)
نسبه بالشروط السابقة ما عدا التصديق، لأن إقامة البينة على النسب عسرة، والشارع قد اعتنى به وأثبته بالامكان فلذلك أثبتناه بالاستلحاق إذا لم يكن المقر به أهلا للتصديق. (فلو بلغ) الصغير أو أفاق المجنون (وكذبه) بعد كماله (لم يبطل)
نسبه (في الأصح) فيهما، لأن النسب يحتاط له فلا يندفع بعد ثبوته كالثابت بالبينة. وليس للمقر به تحليفه لأنه لو رجع لم
259

يقبل. والثاني: يبطل فيهما، لأنا حكمنا به حين لم يكن أهلا للانكار، وقد صار، والأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما.
فإن قيل: ما ذكر في المجنون يخالفه ما لو قال مجنون: هذا أبي حيث لا يثبت نسبه حتى يفيق ويصدق، وقد قال الروياني:
ما أدري ما الفرق بينهما إلا أن يقال الابن بعد الجنون يعود إلى ما كان عليه في صباه بخلاف الأب. أجيب بأن أصل
هذا للماوردي، ورأيه أن المجنون البالغ لا يصح استلحاقه إلا إن أفاق وصدق، ولا يشكل باستلحاق الميت لليأس من
عوده، وهذا رأي مرجوح فإذا لا فرق بين هذا أبي وهذا ابني كما أفاده شيخي. (ويصح أن يستلحق ميتا صغيرا)
ولو بعد أن قتله ولا يبالي بتهمة الميراث ولا بتهمة سقوط القود، لأن النسب يحتاط فيه، ولهذا لو نفاه في الحياة أو بعد الموت
ثم استلحقه بعد موته لحقه وورثه. (وكذا كبير) ميت يصح استلحاقه (في الأصح) لأن الميت ليس أهل للتصديق فصح استلحاقه كالمجنون والصغير. والثاني: لا يصح لفوات التصديق، وهو شرط، لأن تأخير الاستلحاق إلى الموت يشعر
بإنكاره لو وقع في حياته. ويجري الوجهان فيمن جن بعد بلوغه عاقلا ولم يمت لأنه سبق له حالة يعتبر فيها تصديقه،
وليس الآن من أهل التصديق. (و) على الأول (يرثه) أي الميت المستلحق. ولا نظر إلى التهمة لأن الإرث فرع النسب
وقد ثبت نسبه. ومسألة الإرث مزيدة على المحرر والروضة.
فائدة: لو نفي الذمي ولده، أي الصغير أو المجنون، ثم أسلم لا يحكم بإسلام الولد، لأنا حكمنا بأن لا نسب
بينهما فلا
يتبعه في الاسلام، فلو مات هذا الولد وصرفنا ميراثه لأقاربه الكفار ثم استلحقه النافي حكم بالنسب، وتبين أنه صار
مسلما بإسلامه تبعا، ويسترد ميراثه من ورثته الكفار وتصرف له. (ولو استلحق اثنان) فأكثر (بالغا ثبت لمن
صدقه) منهما أو منهم أو لاجتماع الشرائط فيه دون الآخر، فإن صدقهما أو لم يصدق واحد منهما عرض على القائف كما سيأتي
إن شاء الله تعالى قبيل باب العتق. (وحكم الصغير) إذا استلحقه اثنان فأكثر، (يأتي في) كتاب (اللقيط إن
شاء الله تعالى) ويأتي فيه أيضا حكم استلحاق العبد والمرأة. (ولو قال لولد أمته) غير المزوجة والمستفرشة له: (هذا
ولدي ثبت نسبه) عند اجتماع شروطه. ولا بد في تتمة التصوير أن يقول: منها كما في التنبيه، كذا قاله في الروضة. ولعله
لأجل الخلاف في قوله: (ولا يثبت الاستيلاد في الأظهر) وإلا فلا يحتاج إليه لثبوت النسب، وإنما لم يثبت الاستيلاد
لاحتمال أنه أولدها بنكاح أو شبهة ثم ملكها. قال الرافعي: وهذا أشبه بقاعدة الاقرار وهو البناء على اليقين. والثاني
وصححه جمع: يثبت حملا على أنه أولدها بالملك، والأصل عدم النكاح. (وكذا) لا يثبت الاستيلاد في الأظهر (لو
قال) هذا (ولدي ولدته في ملكي) لاحتمال أن يكون قد أحبلها قبل الملك بما مر ثم اشتراها حاملا فولدت في
ملكه. (فإن قال: علقت به في ملكي) أو: هذا ولدي استولدتها به في ملكي أو: هذا ولدي منها وملكي عليها مستمر
من عشر سنين مثلا وكان الولد ابن نحو سنة، (ثبت الاستيلاد) لانتفاء الاحتمال كما قاله الرافعي وتبعه المصنف. فإن
قيل: يحتمل أنها كانت مرهونة ثم أولدها وهو معسر فبيعت في الدين ثم اشتراها وقلنا بأنها لا تصير مستولدة على رأي.
أجيب بأن هذا احتمال بعيد لا يعول عليه، ولكن لو كان مكاتبا قبل إقراره فلا يثبت الاستيلاد حتى ينفي احتمال
أنه أحبلها زمن كتابته، لأن إحبال المكاتب لا يثبت أمية الولد كما سيأتي إن شاء الله تعالى آخر الكتاب. ولو
قال: يد فلان ابني أو أخي أو يد في هذه الأمة مستولدتي ليس إقرارا بالنسب ولا بالاستيلاد، إذا جعلنا نظيره في الطلاق
إنه يقع على الجزء ثم يسري، وهذا هو الراجح، وإن جعلناه عبارة عن الجملة على رأي مرجوح كان إقرارا بالنسب
والاستيلاد، ذكره الرافعي في كتاب الطلاق عن التتمة. (فإن كانت فراشا له لحقه) الولد عند الامكان (بالفراش)
260

بأن أقر بوطئها، (من غير استلحاق) لقوله (ص): الولد للفراش وللعاهر الحجر وتصير أم ولد. (وإن كانت مزوجة
فالولد للزوج) عند إمكان كونه منه، لأن الفراش له. (واستلحاق السيد) له باطل) للحوقه بالزوج شرعا.
فرع: لو أقر بأنه لا وراث له إلا أولاده هؤلاء وزوجته هذه، قال ابن الصلاح: يثبت حصر ورثته فيهم بإقراره
كما يعتمد إقراره في أصل الإرث يعتمد في حصره فإنه من قبيل الوصف له. وفي فتاوى القاضي ما يدل له. ثم شرع
في القسم الثاني: فقال: (وأما إذا ألحق النسب بغيره) ممن يتعدى النسب منه إلى نفسه، (كهذا أخي) وعبارة الروضة
وأصلها: هذا أخي ابن أبي وأمي، وفيه إشارة إلى الالحاق بالام، وسيأتي الكلام على ذلك. (أو) هذا (عمي، فيثبت
نسبه من الملحق به) إذا كان رجلا، لأن الورثة يخلفون مورثهم في حقوق والنسب من جملتها. وإنما مثل المصنف بمثالين
ليعرفك أنه لا فرق بين أن يتعدى النسب منه إلى نفسه بواسطة واحدة كالأب في قوله: هذا أخي أو ثنتان كالجد في قوله:
هذا عمي، وقد يكون بثلاثة كابن العم.
تنبيه: إنما قيدت الملحق به بكونه رجلا، لأن استلحاق المرأة لا يقبل على الأصح كما ذكره المصنف
في كتاب اللقيط كما مرت الإشارة إليه، فبالأولى استلحاق وارثها وإن كان رجلا لأنه خليفتها. قال الأسنوي: وهو
واضح، وكذا جزم به ابن اللبان، ونقله عنه العمراني في زوائده: أن الاقرار بالام لا يصح كما مر لامكان إقامة البينة
على الولادة كما في استلحاق المرأة اه‍. لكن قول الأصحاب: لا بد من موافقة جميع الورثة ولو بزوجية وولاء كما سيأتي،
يشمل الزوجة والزوج، ويدل لذلك عبارة الروضة، وهي: ويشترط موافقة الزوج والزوجة على الصحيح اه‍.
وصورته في الزوج أن تموت امرأة وتخلف ابنا وزوجا، فيقول الابن لشخص: هذا أخي فلا بد من موافقة الزوج، فهذا
استلحاق بامرأة، وهذا كما قال الزركشي في خادمه يرد على اللبان والعمراني في قولهما إن الاستلحاق بالمرأة
لا يصح. وفرق شيخي بين استلحاق الوارث بها وبين عدم صحة استلحاقها بأن إقامة البينة تسهل عليها، بخلاف
الوارث، خصوصا إذا تراخى النسب. وإنما يثبت ذلك (بالشروط السابقة) فيما إذا ألحقه بنفسه، (ويشترط كون الملحق
به ميتا) فلا يلحق بالحي ولو مجنونا لاستحالة ثبوت نسب الشخص مع وجوده بقول غيره، فلو صدق الحي ثبت نسبه
بتصديقه. والاعتماد في الحقيقة على التصديق لا على المقر، وأما تصديق ما بينهما من الوسائط ففي المهذب أنه لا بد منه
، وهو مقتضى كلام الحاوي. وخالف في البيان، وقال: إن كان بينهما اثنان بأن أقر بعم، فقال بعض أصحابنا: يشترط
تصديق الأب والجد، والذي يقتضيه المذهب أنه يكفي تصديق الجد فإنه الأصل الذي ثبت النسب به، ولو اعترف به
وكذبه ابنه لم يؤثر تكذيبه، فلا معنى لاشتراط تصديقه. قال الأسنوي: وما قاله صحيح لا شك فيه اه‍. وهذا ظاهر.
فإن قيل: ما صورة هذه المسألة، لأن الذي بين المقر والمقر به إن كان وارثا فالمقر غير وارث فلا يعتبر إقراره، وإن كان
غير وارث فلا يعتبر تصديقه؟ أجيب بأنه غير وارث، وقد يعتبر تصديقه لأن في إثبات النسب بدونه إلحاقا به، وهو
أصل المقر، ويبعد إثبات نسب الأصل بقول الفرع، بخلاف ما إذا ألحق النسب بنفسه فإن فيه إلحاقا بأصوله وفروعه
لكنه بطريق الفرعية عن إلحاقه بنفسه، ولا يبعد تبعية الأصل للفرع. (ولا يشترط) في إلحاق النسب بغيره (أن
لا يكون نفاه) الميت (في الأصح) فيجوز إلحاقه به كما لو استلحقه النافي. والثاني: يشترط ما ذكر لما في إلحاقه من
العار على الميت، والوارث لا يفعل إلا ما فيه حظ المورث، وصححه ابن الصلاح، وقال الأذرعي: القلب إليه أميل.
(ويشترط كون المقر) في إلحاق النسب بغيره (وارثا) بخلاف غيره كرقيق وقاتل وأجنبي، (حائزا) لتركة الملحق
به واحدا كان أو أكثر، فلو مات وخلف ابنا واحدا فأقر بأخ آخر ثبت نسبه وورث، أو مات عن ابنين وبنات فلا
261

بد من اتفاقهم جميعا، وكذا يعتبر موافقة الزوج والزوجة كما مر والمعتق لأنهم من الورثة.
تنبيه: كلام المصنف يقتضي عدم صحة استلحاق الإمام فيمن إرثه لبيت المال لأنه ليس بوارث، لأن إرثه إنما
هو من جهة الاسلام. والذي في الشرح الكبير عن العراقيين وقال في الشرح الصغير: إنه الأقرب، وصححه
في الروضة، أن حكمه في ذلك حكم الوارث، فللإمام أن يلحق النسب به، ولا بد أن يوافق فيه غير الحائز. ودخل
في كلامه الحائز بواسطة، كأن أقر بعم وهو حائز تركة أبيه الحائز تركة جده الملحق به، فإن كان قد مات أبوه قبل جده
فلا واسطة، صرح به في أصل الروضة. قال ابن الرفعة: وهو يفهم أنه يعتبر كون المقر حائزا لميراث الملحق به لو قدر
موته حين الالحاق، وكلامهم بأباه لأنهم قالوا: لو مات مسلم وترك ولدين مسلما وكافرا ثم مات المسلم وترك ابنا مسلما
وأسلم عمه الكافر، فحق الالحاق بالجد لابن ابنه المسلم، لا لابنه الذي أسلم بعد موته، ولو كان كما قيل لكان الامر
بالعكس اه‍. ويصح إلحاق المسلم الكافر بالمسلم وإلحاق الكافر المسلم بالكافر، (والأصح أن المستلحق لا يرث)
كذا في نسخة المصنف كما حكاه السبكي. قال الشيخ برهان الدين: وهو يقتضي أنه مع كون المقر حائزا أن المستلحق
لا يرث، وهذا لا يعرف بل هو خلاف النقل والعقل، والظاهر أنه سقط هنا شئ إما من أصل المصنف وإما من ناسخ،
وصوابه أن يقول: وإن لم يكن حائزا فالأصح إلخ كما يؤخذ من بعض النسخ اه‍. ويوجد في بعضها: فلو أقر
أحد الابنين دون الآخر فالأصح إلخ، وهو كلام صحيح، ولعله هو المراد من النسخة الأولى. وحاصله: أنه إذا أقر أحد
الحائزين بثالث وأنكره الآخر أو سكت أن المستلحق لا يرث، ويدل لذلك كما قال الولي العراقي في قوله: (ولا يشارك
المقر في حصته) ظاهرا لعدم ثبوت نسبه، فهو قرينة ظاهرة على أن صورة المسألة إقرار بعض الورثة، إذ لو كان المقر
حائزا لم يكن له حصة بل جميع الإرث له. والثاني: يرث بأن يشارك المقر في حصته دون المنكر. أما في الباطن فهل على
المقر إذا كان صادقا أن يدفع إليه شيئا؟ فيه وجهان: أصحهما في أصل الروضة. نعم وهل يشارك بنصف ما في يده أو
بثلثه؟ وجهان: أصحهما الثاني. وإذا قلنا لا يرث لعدم ثبوت نسبه حرم على المقر بنت المقر به وإن لم يثبت نسبها
مؤاخذة له بإقراره كما ذكره الرافعي، ويقاس بالبنت من في معناها وفي عتق حصة المقر إذا كان المقر به عبدا
من التركة كأن قال أحدهما لعبد فيها إنه ابن أبينا وجهان، أوجههما أنه يعتق لتشوف الشارع إلى العتق. (و) الأصح
(أن البالغ) العاقل (من الورثة لا ينفرد بالاقرار) لأنه غير حائز للميراث. والثاني: ينفرد به ويحكم بثبوت النسب
في الحال احتياطا للنسب. وعلى الأول ينتظر بلوغ الصغير وإفاقة المجنون، فإذا بلغ الأول وأفاق الثاني ووافق البالغ العاقل
ثبت النسب حينئذ، ولا بد من موافقة الغائب أيضا. وتعتبر موافقة وارث من مات قبل الكمال أو الحضور، فإن
لم يرث من ذكر غير المقر ثبت النسب كما يؤخذ من قوله: (و) الأصح (أنه لو أقر أحد الوارثين) الحائزين بثالث
(وأنكر الآخر ومات ولم يرثه إلا المقر ثبت النسب) وإن لم يجدد إقرارا بعد الموت، لأن جميع الميراث صار له. فإن قيل:
قد ثبت النسب في هذه الصورة المذكورة مع أن الاقرار لم يصدر من الوارث الحائز فإنه ما صار حائزا إلا بعد الاقرار. أجيب بأن الحيازة تعتبر حالا أو مآلا. والثاني: لا يثبت، لأن إقرار الفرع مسبوق بإنكار الأصل وهو المورث. وخرج
بقوله: وأنكر الآخر ما لو سكت، فإنه يثبت جزما لأنه لم يسبق تكذيب أصله، فإن حلف المنكر أو الساكت ورثة غير
المقر اعتبر موافقتهم. (و) الأصح (أنه لو أقر ابن حائز) مشهور النسب لا ولاء عليه (بأخوة مجهول، فأنكر
المجهول نسب المقر) بأن قال: أنا ابن الميت ولست أنت ابنه، (لم يؤثر فيه) إنكاره لشهرته، ولأنه لو أثر فيه لبطل
نسب المجهول فإنه الثابت بقول المقر فإنه لم يثبت بقول المقر إلا لكونه حائزا. وإذا لم يؤثر فيه ثبت نسب المجهول كما
262

قال: (ويثبت أيضا نسب المجهول) لأن الوارث الحائز قد استلحقه. والثاني: يؤثر الانكار فيحتاج المقر إلى البينة على نسبه.
والثالث: لا يثبت نسب المجهول لزعمه أن المقر ليس بوارث. وعلى الأول لو أقر الحائز والمجهول بنسب ثالث فأنكر
الثالث نسب الثاني سقط نسبه لأنه ثبت نسب الثالث، فاعتبر موافقته في ثبوت نسب الثاني، وهذا من باب قولهم: أدخلني
أخرجك. ولو أقر بأخوين مجهولين معا فكذب كل منهما الآخر أو صدقه ثبت نسبهما لوجود الاقرار من الحائز، وإن
صدق أحدهما الآخر فكذبه الآخر سقط نسب المكذب - بفتح الذال - دون نسب المصدق إن لم يكونا توأمين، وإلا فلا
أثر لتكذيب الآخر، ولان المقر بأحد التوأمين مقر بالآخر. ولو كان المنكر اثنين والمقر واحدا للمقر تحليفهما، فإن نكل
أحدهما لم ترد اليمين على المقر لأنه لا يثبت بها نسبا ولا يستحق بها إرثا. ولو أقر الورثة بزوجية امرأة للمورث ثبت لها
الميراث كما لو أقروا بنسب شخص، وكذا لو أقروا بزوج للمرأة. وإن أقر البعض وأنكر البعض لم يثبت لها ميراث في
الظاهر كنظيره من النسب، أما في الباطن فكما تقدم في النسب. وخرج بمن لا ولاء عليه من عليه ولاء، فإنه إذا أقر بأخ
أو أب فإنه لا يقبل لما فيه من الاضرار بالسيد، بخلاف ما لو أقر بنسب ابن فإنه يقبل لأن به حاجة إلى استلحاق الابن لأنه
لا يتصور ثبوت نسبه من جهة غيره إلا ببينة، بخلاف الأب والأخ فإنه يتصور ثبوته من جهة أبيهما ولأنه قادر على إنشاء
الاستيلاد فصح إقراره به. (و) الأصح (أنه إذا كان الوارث الظاهر بحجبه المستلحق) بفتح الحاء، (كأخ أقر بابن للميت ثبت
النسب) للابن، لأن الوارث الحائز في الظاهر قد استلحقه. (ولا إرث) له للدور الحكمي، وهو أن يلزم من إثبات الشئ
نفيه، وهنا يلزم من إرث الابن عدم إرثه، لأنه لو ورث لحجب الأخ فيخرج عن كونه وارثا فلم يصح إقراره، ولو أقر
به الأخ والزوجة لم ير ث معهما لذلك، وكما لو اشترى شخص أباه في مرض موته فإنه يعتق عليه ولا يرث. ولو خلف
بنتا أعتقته فأقرت بأخ لها فهل يرث أو لا؟ وجهان: أوجههما نعم، لأنه لا يحجبها بل يمنعها عصوبة الولاء. ولو مات عن
بنت وأخت فأقرتا بابن له سلم للأخت نصيبها لأنه لو ورث لحجبها. ولو ادعى مجهول على أخي الميت أنه ابن الميت
فأنكر الأخ ونكل عن اليمين فحلف المدعي اليمين المردودة ثبت نسبه ولم يرث لما مر في إقرار الأخ.
خاتمة: لو أقر ابنان من ثلاثة بنين بأخ لهم وشهدا له عند إنكار الثالث قبلت شهادتهما لأنها لا تجر لهما نفعا بل ضررا.
ولو أقر بأخ وقال منفصلا: أردت من الرضاع لم يقبل لأنه خلاف الظاهر، ولهذا لو فسر بأخوة الاسلام لم يقبل. فإن
قيل: قد قال العبادي: لو شهد أنه أخوه لا يكتفى به لأنه يصدق بأخوة الاسلام، فكان ينبغي أن يكون هنا كذلك. أجيب
بأن المقر يحتاط لنفسه بما يتعلق به فلا يقر إلا عن تحقيق، فإن ذكره متصلا قبل.
كتاب العارية
بتشديد الياء بخطه، وقد تخفف، وفيها لغة ثالثة: عارة بوزن ناقة. وهي اسم لما يعار، ولعقدها، من عار إذا ذهب
وجاء، ومنه قيل للغلام الخفيف عيار لكثرة ذهابه ومجيئه. وقيل: من التعاور، وهو التناوب، وقال الجوهري: كأنها
منسوبة إلى العار، لأن طلبها عار وعيب. واعترض عليه بأنه (ص) فعلها كما سيأتي، ولو كانت عيبا ما فعلها، وبأن
ألف العارية منقلبة عن واو، فإن أصلها عورية، وأما ألف العار فمنقلبة عن ياء بدليل عيرته بكذا. وحقيقتها شرعا
إباحة الانتفاع بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه. والأصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * وتعاونوا على البر والتقوى) *
وفسر جمهور المفسرين قوله تعالى: * (ويمنعون الماعون) * بما يستعيره الجيران بعضهم من بعض كالدلو والفأس
263

والابرة. وقال علي وابن عمر رضي الله تعالى عنهما: الماعون الزكاة والطاعة. وقال عكرمة: أعلاها الزكاة وأدناها
عارية المتاع. وقال البخاري: هو المعروف كله. وهي مندوب إليها، ففي الصحيحين: أنه (ص) استعار فرسا من أبي
طلحة فركبه وفي رواية لأبي داود وغيره بإسناد جيد: أنه (ص) استعار درعا من صفوان بن أمية يوم حنين فقال أغصب
يا محمد؟ فقال: بل عارية مضمونة. قال الروياني وغيره: وكانت واجبة أول الاسلام للآية السابقة، ثم نسخ وجوبها
وصارت مستحبة، أي أصالة، وقد تجب كإعارة الثوب لدفع حر أو برد، وإعارة الحبل لانقاذ غريق، والسكين لذبح
حيوان محترم يخشى موته. وأفتى أبو عبد الله الزبيدي بوجوب إعارة كتب الحديث إذا كتب صاحبها اسم من سمعه ليكتب
نسخة السماع. قال الزركشي: والقياس أن العارية لا تجب عينا، بل هي أو النقل إذا كان الناقل ثقة، وقد تحرم كإعارة
الصيد من المحرم والأمة من أجنبي، وإعارة الغلمان لمن عرف باللواط، وقد تكره كإعارة العبد المسلم من كافر. وأركانها
أربعة: معير ومستعير ومعار وصيغة، وقد بدأ المصنف بأولها رحمه الله تعالى مبينا لشرطه فقال: و (شرط المعير صحة
تبرعه) وأن يكون مختارا، لأن العارية تبرع بإباحة المنفعة فلا تصح ممن لا يصح تبرعه كصبي وسفيه ومفلس ومكاتب
بغير إذن سيده، ولا من مكره. فإن قيل: يرد على المصنف جواز إعارة السفيه بدن نفسه إذا كان عمله ليس مقصودا في
كسبه لاستغنائه بماله عنه. أجيب بأن ذلك لا يسمى عارية، لأن بدنه في يده، وكان الأولى أن يقول: تبرع ناجز،
لأن السفيه أهل للتبرع بالوصية ولا تصح عاريته.
تنبيه: قضية كلامهم أن المفلس لا يعير العين. قال الأسنوي: والمتجه جوازه إذا لم يكن في الإعارة تعطيل للنداء
عليها كإعارة الدار يوما، وهو ظاهر كما قاله بعض المتأخرين إذا لم تكن المنفعة تقابل بأجرة وإلا فيمتنع. (و) شرط للمعير أيضا (ملكه المنفعة) ولو بوصية أو وقف، وإن لم يملك العين، لأن الإعارة ترد على المنفعة دون العين. وقيد ابن الرفعة
جواز الإعارة من الموقوف عليه إذا كان ناظرا وهو واضح. (فيعير مستأجر) لأنه مالك للمنفعة (لا مستعير على الصحيح)
لأنه غير مالك للمنفعة وإنما أبيح له الانتفاع ولهذا لا يوجر والمستبيح لا يملك نقل ما أبيح له بدليل أن الضيف لا يبيح
لغيره ما قدم له. والثاني: يعير كما أن للمستأجر أن، فإن أذن له المالك صحت الإعارة. قال الماوردي: ثم إن لم
يسم من يعير له فالأول على عاريته وهو المعير من الثاني والضمان باق عليه وله الرجوع فيها، وإن ردها
الثاني عليه برئ وإن
سماه انعكس هذا الحكم. (و) لكن (له) أي المستعير (أن يستنيب من يستوفي المنفعة له) كأن يركب الدابة المستعارة وكيله
الذي هو مثله أو دونه في حاجته أو زوجته أو خادمه، لأن الانتفاع راجع إليه بواسطة المباشرة. فإن قيل: يرد على قيد
ملك المنفعة صحة إعارة الكلب للصيد مع أنه لا يملك، وصحة إعارة الأضحية والهدي المنذورين مع خروجهما عن ملكه،
وصحة إعارة الإمام مال بيت المال من أرض وغيرها مع أنه ليس ملكا له. أجيب بأن هذه الأمور ليست عارية حقيقة
بل شبيهة بها، وبأنهم أرادوا هنا بملك المنفعة ما يعم الاختصاص بها والتصرف فيها إلا بطريق الإباحة. قال شيخنا: وعلى
هذا لا يرد ما عليه العمل من إعارة الصوفي والفقيه مسكنهما بالرباط والمدرسة وما في معناهما اه‍. أي على القول بجواز
ذلك، والمعتمد أنه لا يجوز كما قاله الأذرعي وغيره.
تنبيه: قضية كلام المصنف أنه ليس للأب أن يعير ولده الصغير، وهو ما أطلقه صاحب العدة، وهو محمول كما في
زيادة الروضة على خدمة تقابل بأجرة، وأما ما لا يقابل بأجرة لحقارته، فالظاهر الذي يقتضيه أفعال السلف أنه لا منع
منه إذا لم يضر بالصبي. وقال الروياني: يجوز أن يعير ولده لخدمة من يتعلم منه، ويؤيده قصة أنس في الصحيح.
ولو استعار كتابا يقرأ فيه فوجد فيه خطأ لا يصلحه إلا أن يكون قرآنا فيجب كما قاله العبادي تقييده بالاصلاح يعلم
أن ذلك لو كان يؤدي إلى نقص قيمته لرداءة خط ونحوه امتنع لأنه إفساد لماليته لا إصلاح، أما الكتاب الموقوف فيصلح
جزما خصوصا ما كان خطأ محضا لا يحتمل التأويل. وسكت المصنف عن شرط المستعير، وهو الركن الثاني، وشرطه أن
264

يكون أهلا للتبرع عليه بعقد فلا تصح لمن لا عبارة له كصبي ومجنون وبهيمة كما لا تصح الهبة منهم. قال في المهمات:
وقضية ذلك صحة استعارة السفيه، إذ الصحيح صحة قبوله الهبة والوصية، لكن كيف تصح استعارته مع أنها مضمونة لا جرم
جزم الماوردي وغيره بعدم صحتها اه‍. وقضيته صحتها منه، ومن المجنون والصبي بعقد وليهما إذا لم تكن مضمونة كأن
استعار من مستأجر، وهو واضح. ثم شرع في شرط الركن الثالث، فقال: (و) شرط (المستعار كونه منتفعا به) فلا يعار
ما لا ينفع كالحمار الزمن. وأما ما توقع نفعه في المستقبل كالجحش الصغير، فالذي يظهر فيه أن العارية إن كانت مطلقة
أو مؤقتة بزمن يمكن الانتفاع به فيه صحت وإلا فلا، ولم أر من تعرض لذلك. فإن قيل: يشترط في الإجارة أن يكون النفع
موجودا عند العقد. أجيب بأن تلك مقابلة بعوض، وليس هذه كذلك. وكان ينبغي أن يقول انتفاعا مباحا ليخرج
ما ينتفع به انتفاعا محرما كآلات الملاهي فإنه لا تصح إعارته، وأن تكون منفعة قوية فلا يعار النقدان إذ منفعة
التزيين
بهما والضرب على طبعهما منفعة ضعيفة قل ما تقصد ومعظم منفعتهما في الانفاق والاخراج، نعم إن صرح بالتزيين
أو الضرب على طبعهما، أنوى ذلك كما بحثه شيخنا صحت لاتخاذه هذه المنفعة مقصدا وإن ضعفت. وينبغي مجئ هذا
الاستثناء في المطعوم بالآتي كما قاله بعض المتأخرين. (مع بقاء عينه) كالعبد والثوب، فلا يعار المطعوم ونحوه، فإن
الانتفاع به إنما هو بالاستهلاك فانتفى المقصود من الإعارة. قال الأسنوي: ويدخل في الضابط ما لو استعار قيم المسجد
أحجارا أو أخشابا يبني بها المسجد، مع أنه لا يجوز كما أفتى به البغوي، لأن حكم العواري جواز استردادها، والشئ إذا
صار مسجدا لا يجوز استرداده. (وتجوز إعارة جارية لخدمة امرأة أو) ذكر (محرم) للجارية لعدم المحذور في ذلك،
وفي معنى المرأة والمحرم المسموح وزوج الجارية ومالكها كأن يستعيرها من مستأجرها أو الموصى له بمنفعتها والشيخ
الهرم، وكذا الطفل قياسا على ما سيأتي في غير المشتهاة، وكذا المريض إذا لم يجد من يخدمه غير المرأة فيجوز إعارة
الجارية لخدمته. وخرج بذلك الذكر الأجنبي، فلا تجوز إعارتها له لخوف الفتنة إلا أن تكون صغيرة لا تشتهى أو قبيحة
يؤمن من الأجنبي عليها، فلا يحرم كما في الروضة لانتفاء خوف الفتنة وإن رجح بعض المتأخرين المنع فيهما. وقال الأسنوي،
الصواب الجواز في الصغيرة دون الكبيرة. قال الزركشي: ويلحق بالمشتهاة الأمرد الجميل لا سيما من عرف بالفجور.
قال الأذرعي: وفي جواز إعارة الأمة المسلمة للكافرة الأجنبية منها لخدمتها التي لا تنفك عن رؤيتها معها نظر. وقال الزركشي
لا وجه لاستثناء الذمية، فإنه إنما يحرم نظر الزائد على ما يبدو في المهنة وفيما وراء ذلك يمكن معه الخدمة اه‍. وهذا أوجه.
قال الأسنوي: وسكتوا عن إعارة العبد للمرأة، وهو كعكسه بلا شك. ولو كان المستعير أو المعار خنثى امتنع احتياطا، والمفهوم
من الامتناع فيه وفي الأمة الفساد كالإجارة للمنفعة المحرمة، وهو ما بحثه في أصل الروضة وهو المعتمد، وإن جزم ابن الرفعة
بالصحة. فإن قيل: قد صرحوا بجواز إجارة الأمة المشتهاة والوصية بمنافعها للأجنبي فهلا كان هنا كذلك أجيب
بأن المستأجر والموصى له يملكان المنفعة فيعيران ويؤجران لمن يخلو بها إن امتنع عليهما الانتفاع بأنفسهما، والإعارة
إباحة له فقط فإذا لم يستبح بنفسه لم يكن له فائدة. (ويكره) كراهة تنزيه كما جزم به الرافعي، (إعادة) وإجارة (عبد مسلم
لكافر) لأن فيها امتهانا، وقيل: تحرم، واختاره السبكي. ويكره أن يستعير أو يستأجر أحد أبويه وإن علا للخدمة صيانة
لهما عن الاذلال. نعم إن قصد باستعارته واستئجاره لذلك توقيره فلا كراهة فيهما بل هما مستحبان كما قاله
القاضي
أبو الطيب وغيره في صورة الاستعارة. وأما إعارة وإجارة الوالد نفسه لولده فليستا مكروهتين وإن كان فيهما إعانة على
مكروه، قال القرافي: لأن نفس الخدمة غير مكروهة، وإنما كانت الكراهة في جانب الولد لمكان الولادة فلم تتعد لغيره
بخلاف إعارة الصيد من المحرم، فإن العبادة يجب احترامها لحق الله تعالى، وهو شامل لكل مكلف. لو قال: أعرني
دابة فقال: أدخل الدار فخذ ما أردت صحت الإعارة، فإنه لا يشترط تعيين المستعار عند الإعارة، وخالفت الإجارة
265

بأنها معاوضة والغرر لا يحتمل فيها. فرع: يحرم إعارة السلاح والخيل للحربي، والمصحف وما في معناه للكافر، وإعارة الصيد للمحرم، فإن استعاره
فتلف في يده ضمن الجزاء لله تعالى والقيمة لمالكه. ولو استعار حلال من محرم فتلف في يده لم يضمنه له لأنه غير مالك،
وعلى المحرم الجزاء لله تعالى لأنه متعد بالإعارة إذ يلزمه إرساله. ويجوز إعارة فحل للضراب وكلب للصيد، لأنها تبرع
بخلاف الإجارة فإنها معاوضة. ولو أعاره شاة أو دفعها له وملكه درها ونسلها لم يصح، وإلا لم يضمن آخذها الدر
والنسل لأنه أخذها بهبة فاسد، ويضمن الشاة بحكم العارية الفاسدة. فلو أباحهما له أو استعار منه الشاة لأخ ذلك
أو الشجرة ليأخذ ثمرها أو البئر ليأخذ ماءها أو الجارية ليأخذ لبنها جاز وكان إباحة للدر والنسل والثمرة والماء واللبن، وعلى
هذا قد تكون العارية لاستفادة عين، وليس من شرطها أن يكون المقصود مجرد المنفعة، بخلاف الإجارة، فالشرط في العارية
أن لا يكون فيها استهلاك للمعار لا أن لا يكون فيها استيفاء عين. قال الأسنوي: التحقيق أن الدر والنسل ليس مستفادا بالعارية
بل بالإباحة، والمستعار هو الشاة لمنفعة، وهي التوصل لما أبيح له، وكذا الباقي اه‍. وهو كلام متين لم أره لغيره.
فإن ملكه در الشاة ونسلها أو أباحها له وشرط عليه علفها، فهو بيع وإجارة فاسدان، فيضمن الدر والنسل بحكم البيع
الفاسد دون الشاة لأنه أخذها بإجارة فاسدة كمن أعطى سقاء شيئا ليشرب فأعطاه كوزا فانكسر في يده فإنه يضمن الماء
لأنه أخذ بشراء فاسد دون الكوز لأنه أخذه بإجارة فاسدة، فإن كان الماء أكثر مما يشربه لم يضمن الزائد لأنه في يده
أمانة، فإن سقاه مجانا فانكسر الكوز ضمنه لأنه أخذه بإعارة فاسدة دون الماء لأنه أخذه بهبة فاسدة. ثم شرع في شرط
الركن الرابع فقال: (والأصح) في ناطق (اشتراط لفظ) في الصيغة، لأن الانتفاع بمال الغير يعتمد إذنه، (كأعرتك) هذا،
أو أعرتك منفعته وإن لم يضفه إلى العين كما في نظيره من الإجارة. (أو أعرني) أو خذه لتنتفع به، لأن ذلك يدل على
الرضا القلبي فأنيط الحكم به. (ويكفي لفظ أحدهما مع فعل الآخر) كما في إباحة الطعام. ولا يشترط اللفظ من
جانب المعير
بخلافه في الوديعة فإنها مقبوضة لغرض المالك، وغرضه لا يعلم إلا بلفظ من جانبه، والعارية بالعكس فاكتفي فيها بلفظ
المستعير. ولا يكفي الفعل من الطرفين إلا فيما سيأتي استثناؤه.
فرع: لو أضاف شخصا وفرش له لينام فيه وقال: قم ونم فيه فقام، أو فرش بساطا في بيت وقال لآخر: أسكن فيه
تمت العارية. والثاني: لا يشترط اللفظ، حتى لو رآه حافيا فأعطاه نعلا أو عاريا فألبسه قميصا أو فرش له مصلى أو وسادة أو
نحو ذلك كان ذلك عارية، وهو ما جرى عليه المتولي بناء منه على أنه لا يشترط فيها اللفظ، قال: بخلاف ما لو دخل فجلس
على فراش مبسوط لأنه لم يقصد به انتفاع شخص بعينه، والعارية لا بد فيها من تعيين المستعير اه‍. وعلى الأول يكون
ما جرى عليه المتولي إباحة كا جرى عليه ابن المقري لقضاء العرف به، وإن كان في كلام أصله ما يقتضي تقرير المتولي على
ما قاله. ويستثنى من اشتراط اللفظ ما إذا اشترى شيئا وسلمه له في ظرف، فالظرف معار في الأصح. وما لو أكل المهدى
إليه الهدية في ظرفها فإنه يجوز إن جرت العادة بأكلها منه كأكل الطعام من القصعة المبعوث فيها، وهو معار فيضمنه بحكم
العارية، لا إن كان للهدية عوض وجرت العادة بالاكل منه فلا يضمنه بحكم الإجارة الفاسدة، فإن لم تجر العادة بذلك ضمنه
في الصورتين بحكم الغصب. قال الأذرعي: ولا خفاء في جواز إعارة الأخرس المفهوم الإشارة واستعارته بها وبكتابته،
والظاهر كما قاله ابن شهبة جوازها بالمكاتبة من الناطق كالبيع وأولى بالمراسلة.
فرع: يجوز تعليق الإعارة وتأخير القبول، ففي الروضة وأصلها أنه لو رهنه أرضا وأذن له في غراسها بعد شهر
فهي بعد الشهر عارية غرس أم لا وقبله أمانة حتى لو غرس قبله قلع. (ولو قال أعرتكه) أي فرسي مثلا، (لتعلفه
) أو على أن تعلفه بعلفك، (أو لتعيرني فرسك) أو بخمسة دراهم مثلا، (فهو إجارة) نظرا للمعنى، (فاسدة) لجهالة
العلف في الأولى والعوض في الثانية والمدة في الثالثة. (توجب أجرة المثل) إذا مضى بعد قبضه زمن لمثله أجرة. وقيل،
إنه عارية فاسدة نظرا للفظ فلا تجب الأجرة. وأما العين فمضمونه على الثاني دون الأول، وهذا عند جهل العوضين كما
266

فرضه المصنف. أما لو قال: أعرتكها شهرا من الآن بعشرة أو لتعيرني فرسك سنة من الآن ففيه وجهان: أحدهما أنه
إجارة صحيحة نظرا للمعنى، والثاني: عارية صحيحة نظرا للفظ، وأصحهما كما في الأنوار الأول.
تنبيه: قضية كلام الشيخين أن نفقة المستعار ليست على المستعير بل على المالك، وهو كذلك لأنها من
حقوق الملك كما نقله المصنف في نكت التنبيه وسكت عليه وإلا لم يكن شرطه مفسدا، وإن كان في تعليق القاضي حسين
أنها على المستعير. (ومؤنة الرد) للعارية إذا كان لها مؤنة (على المستعير) من المالك أو المستأجر أن نحوه كالموصى
له بالمنفعة، لقوله (ص): على اليد ما أخذت حتى تؤديه حسنه الترمذي وصححه الحاكم. وأنه أخذها
لنفسه، بخلاف الوديعة. هذا إن رد على من استعار منه، فلو استعار من المستأجر أو الموصى له بالمنفعة ورد على المالك
فمؤنة الرد عليه كما لو رد عليه المستأجر، ويجب على المستعير الرد عند طلب المالك إلا إذا حجر على المالك المعير فإنه
لا يجوز الرد إليه بل إلى وليه. ولو استعار مصحفا أو عبدا مسلما من مسلم ثم ارتد وطلبه لم يجز الرد إليه. ثم شرع
في أحكام العارية، وهي ثلاثة: الأول الضمان وقد ذكره بقوله: (إن تلفت) أي العين المستعارة عند المستعير (لا باستعمال)
لها مأذون فيه، (ضمنها وإن لم يفطر) لقوله (ص) في الحديث المتقدم أول الباب: بل عارية مضمونة، ولأنه
مال يجب رده لمالكه فيضمن عند تلفه كالمستام، فلو أعارها بشرط أن تكون أمانة لغا الشرط كما ذكره الشيخان ولم
يتعرضا لصحتها ولا لفسادها. ومقتضى كلام الأسنوي صحتها، وإليه يومئ تعبيرهما بأن الشرط لغو.
فرع: لو أعار عينا بشرط ضمانها عند تلفها بقدر معين فسد الشرط دون العارية كما قاله المتولي، وإن قال الأذرعي
فيه وقفة. وفي كيفية ضمان العارية خلاف ذكره المصنف آخر البا ب. وسكت عن ضمان الاجزاء إذا أتلفت، والأصح
أنها كالعين، وقيل: لا يضمنها إلا بالتعدي. ولو استعار حمارة معها جحش فهلك لم يضمنه، لأنه إنما أخذه لتعذر حسبه
عن أمه، وكذا لو استعارها فتبعها ولدها، ولم يتعرض المالك له بنفي ولا إثبات، فهو أمانة. قاله القاضي: ولو استعار
عبدا عليه ثياب لم تكن مضمونة عليه لأنه لم يأخذها ليستعملها بخلاف إكاف الدابة، قاله البغوي في فتاويه. واستثنى
من ضمان العارية مسائل منها جلد الأضحية المنذورة، فإن إعارته جائزة، ولا يضمنه المستعير إذا تلف في يده كما قاله
القاضي والبلقيني لابتناء يده على يد من ليس بمالك. ومنها المستعار للرهن إذا تلف في يد المرتهن لا ضمان عليه ولا
على المستعير كما تقدم في باب الرهن. ومنها لو استعار صيدا من محرم فتلف في يده لم يضمنه في الأصح. ومنها ما لو أعار
الإمام شيئا من بيت المال لمن له حق في بيت المال فتلف في يد المستعير فلا ضمان، لكن قد تقدم أن هذا ليس بعارية ومثله
لو استعار الفقيه كتابا موقوفا على المسلمين لأنه من جملة الموقوف عليهم، وقد أفتى الأذرعي بأن الفقيه لا يضمن الكتاب
الموقوف على المسلمين إذا استعاره وتلف في يده من غير تفريط. ومنها ما لو أصدق زوجته منفعة أو صالح على منفعة
أو جعل رأس مال السلم منفعة، فإنه إذا أعارها مستحق المنفعة شخصا فتلفت تحت يد لم يضمن على الأصح.
(والأصح
أنه) أي المستعير، (لا يضمن ما ينمحق) أي يتلف بالكلية، (أو ينسحق) أي ينقص كما في المحرر، (باستعمال) مأذون
فيه لحدوث عن سبب مأذون فيه، فأشبه قوله: اقتل عبدي أو اقطع يده. والثاني: يضمن لحديث: على اليد ما أخذت حتى
تؤديه فإذا تعذر الرد ضمنه. (والثالث) وهو من زيادة المصنف: (يضمن المنمحق) دون المنسحق، لأن مقتضى الإعارة
الرد ولم يوجد في المنمحق فيضمنه بخلاف المنسحق.
تنبيه: تلف الدابة بركوب أو حمل معتادين كالانمحاق وتعيبها بذلك كالانسحاق. ولو أعار سيفا يقاتل به فانكسر
في القتال لم يضمنه كانسحاق الثوب، قاله الصيمري. ويستثنى الهدي والأضحية المنذوران يجوز إعارتهما. قال في أصل
الروضة في الأضحية: وإن نقصا بذلك ضمن اه‍. فإن أراد المستعير فهو صريح في الاستثناء، وإن أراد المعير لزم منه ضمان
المستعير أيضا. وصرح الزركشي أيضا بضمان المعير، ثم قال: وليس لنا عارية جائزة مع العلم بالحال يضمن المعير فيها
267

إلا هذه الصورة: أي إذا كان ذلك بعد دخول الوقت والتمكن من الذبح، وإلا فلا ضمان على المعير ولا على المستعير، لأن
يد المعير يد أمانة كالمستأجر، نبه على ذلك ابن العماد. (والمستعير من مستأجر إجارة صحيحة (لا يضمن) التالف
(في الأصح) لأنه نائبه وهو لا يضمن. والثاني: يضمن كالمستعير من المالك، فإن كانت الإجارة فاسدة ضمنا معا،
والقرار على المستعير كما قاله البغوي في فتاويه. فإن قيل: فاسد كل عقد كصحيحه فكان ينبغي هنا عدم الضمان.
أجيب بأن الفاسدة ليست حكم الصحيحة في كل ما يقتضيه، بل في سقوط الضمان بما يتناوله الاذن لا بما اقتضاه
حكمها، والمستعير من الموصى له بالمنفعة الموقوفة عليه حيث يجوز له الإعارة كالمستعير من المستأجر. قال البلقيني:
والضابط لذلك أن تكون المنفعة مستحقة لشخص استحقاقا لازما وليست الرقبة له، فإذا أعار لا يضمن المستعير منه،
وسيأتي حكم المستعير من الغاصب في بابه. ولو استعار فقيه كتابا موقوفا على المسلمين شرط واقفه أن لا يعار إلا برهن
بحرز قيمته فسرق من حرزه لا ضمان، لأنه مستحق تلف في يده بلا تفريط وإن سمي عارية عرفا. قال الماوردي: ولا
يجوز أن يؤخذ على العارية رهن ولا ضامن، فإن شرط فيها ذلك بطلت. (ولو تلفت دابته في يد وكيل) له (بعثه في
شغله، أو) تلفت (في يد من سلمها إليه ليروضها) أي يعلمها المشي من غير تفريط، (فلا ضمان) على واحد منهما،
لأنه لم يأخذها لغرض نفسه بل لغرض المالك. هذا إذا ركبها في الرياضة، فإن ركبها في غيرها فتلفت ضمن، وهكذا
لو دفع إليه غلامه ليعلمه حرفة فاستعمله في غيرها. ولو أركب المالك دابته منقطعا في الطريق تقربا لله تعالى
فتلفت
ضمنها سواء التمس الراكب أم ابتدأه المركب، وإن أردفه فتلفت بغير الركوب فعليه نصف الضمان. ولو وضع متاعه على
دابة شخص وقال له: سيرها ففعل فتلفت بغير الوضع ضمنها كسائر العواري، وإن كان عليها متاع لغيره فتلفت بذلك ضمن
منها بقسط متاعه لأنه مستعير منها بقسطه مما عليه حتى لو كان عليها مثل متاعه ضمن نصفها، فإن سيرها مالكها بغير
أمر الواضع فتلفت لم يضمن الواضع لأنها تحت يد مالكها، بل يضمن المالك متاعه إذ له طرحه عنها. ولو حمل صاحب
الدابة متاع شخص بسؤال الشخص فهو معير، أو بسؤاله هو فهو وديع. (وله) أي المستعير (الانتفاع)
بالمعار (بحسب الاذن) لرضا المالك به دون غيره. وقضية كلامه أنه لو أعاره دابة ليركبها إلى موضع ولم يتعرض
للكروب في الرجوع أنه لا يركبها في الرجوع، لكن في الشرح والروضة: أو أخر الإجارة، عن العبادي: أن له الركوب في الرد،
وأقراه، بخلاف الدابة المستأجرة إلى موضع فليس له ركوبها في الرجوع على الأصح. والفرق أن الرد لازم للمستعير
فالاذن يتناول ركوبها في العود بالعرف، والمستأجر لا رد عليه، وإن استعار للكروب إلى موضع فجاوزه ضمن أجرة
ذهاب مجاوزته عنه ورجوعه إليه تعذيبه. وهل له الرجوع بها إلى مكانها الذي استعارها منه أو لا؟ وجهان: أحدهما
لا، لأن الاذن قد انقطع بالمجاوزة فيسلمها إلى حاكم تلك البلد. وثانيهما: نعم، وهو الأوجه، وصححه السبكي وتبعه البلقيني.
كما لا ينعزل الوكيل عن وكالته بتعديه بجامع أن كلا منهما عقد جائز، ولا يلزمه على هذا أجرة الرجوع. ونظير ذلك
ما لو سافر بواحدة من نسائه بالقرعة وزاد مقامه في البلد الذي مضى إليه قضى الزائد لبقية نسائه، وفي قضاء الرجوع
وجهان: أصحهما الافضاء. ولو أودعه ثوبا مثلا ثم أذن له في لبسه فإن لبسه صار عارية وإلا فهو باق على كونه وديعة. ولو
استعار صندوقا فوجد فيه دراهم أو غيرها فهي أمانة عنده، كما لو طرحت الريح ثوبا في داره فإن أتلفها ولو جاهلا بها أو تلفت
بتقصيره ضمنها. ثم شرع في الحكم الثاني، وهو تسلط المستعير على الانتفاع المأذون فيه، فقال: (فإن أعاره) أرضا
(لزراعة حنطة) مثلا، (زرعها) لاذنه فيها (ومثلها) أو دونها في الضرر، فإن قال: ازرع البر فله زرع الشعير والباقلاء
ونحوهما كالجلبان (1) والحمص لأن ضررها في الأرض فوق ضرر ما ذكر، وليس له أن يزرع ما فوقه كالذرة والقطن والأرز.
هذا (إن لم ينهه) عن غيرها فإن نهاه عنه لم يكن له زرعه تبعا لنهيه، كما لو قال: (اشتر بمائة ولا تشتر بخمسين)، ولو عين
268

نوعا ونهى عن غيره اتبع، صرح به في المحرر. (أو) أعاره أرضا (لشعير) يزرعه فيها (لم يزرع فوقه
كحنطة) لأن ضررها
أعظم من ضرره، فإن خالفه وزرع ما ليس له زرعه كأن أذن في البر فزرع الذرة جاز للمعير قلعه مجانا، فلو مضت مدة
لمثلها أجر فهل يلزمه أجرة المثل أو ما بين زراعة البر وزراعة الذرة؟ احتمالان: أوجههما كما يؤخذ من قول المتولي:
فإن فعل فكالغاصب الأول، وبه جزم في الأنوار.
تنبيه: تنكير المصنف للحنطة والشعير يوهم أنه إذا أشار إلى شئ معين منهما وأعاره لزراعته جواز الانتقال عنه
كما هو الصحيح في الإجارة، والمتجه كما قال الأسنوي هنا منعه ولهذا عرفها في المحرر. وصرح في الشعير بما لا يجوز
بقوله: لم يزرع فوقه، وفي الحنطة بما يجوز بقوله: ومثلها لدلالة كل منهما على الآخر. (ولو أطلق) المعير (الزراعة) أي الاذن
فيها كقوله: أعرتك للزراعة أو لتزرعها، (صح) عقد الإعارة (في الأصح، ويزرع ما شاء) لاطلاق اللفظ. والمراد
كما قال الأذرعي: أن يزرع ما شاء مما اعتيد زرعه هناك ولو نادرا حملا للاطلاق على الرضا بذلك. والثاني: لا يصح
لتفاوت ضرر المزروع. قال الشيخان: ولو قيل يصح ويقتصر على أخفها ضررا لكان مذهبا، ورده البلقيني بأن
المطلقات إنما تنزل على الأقل إذا كان بحيث لو صرح به لصح، وهذا لو صرح به لم يصح لأنه لا يوقف على حد أقل
الأنواع ضررا فيؤدي إلى النزاع، والعقود تصان عن ذلك.
تنبيه: مثل ما ذكره المصنف بل أولى ما أعاره ليزرع ما شاء لأنه عام لا مطلق. (وإذا استعار لبناء أو) لغرس (غراس
فله الزرع) إن لم ينهه لأنه أخف. وقيل: لا، لأنه يرخي الأرض، فإن نهاه لم يفعله. (ولا عكس) أي إذا استعار للزرع
فلا يبني ولا يغرس لأن ضررهما أكثر ويقصد بهما الدوام. (والصحيح) وفي الروضة: الأصح، (أنه لا يغرس مستعير لبناء وكذا
العكس) أي لا يبني مستعير لغراس لاختلاف الضرر، فإن ضرر البناء في ظاهر الأرض أكثر من باطنها، والغراس
بالعكس لانتشار عروقه. والثاني: يجوز ما ذكر لأن كلا من الغراس والبناء للتأييد.
تنبيه: موضع المنع في الغراس ما يراد للدوام. أما ما يغرس للنقل في عامه، ويسمى الفسيل بالفاء وهو صغار النخل،
فكالزرع كما نقله الرافعي عن الجويني. قال السبكي: وسكتوا عن البقول ونحوها مما يجز مرة بعد أخرى، ويحتمل إلحاق
عروقه بالغراس كما في البيع إلا أن يكون مما ينقل أصله فيكون كالفسيل الذي ينقل. (و) الصحيح (أنه لا تصح إعارة الأرض
مطلقا، بل يشترط تعيين نوع المنفعة) من زرع أو غيره قياسا على الإجارة. والثاني: تصح، واختاره السبكي، قال: ولا
يضر الجهل لأنه يحتمل فيها ما لا يحتمل في الإجارة. ونقل ابن الرفعة الصحة عن العراقيين، وجزم به جماعة من
الخراسانيين، فالخلاف قوي مع أن كلام المصنف يقتضي ضعفه. وعلى الأول: لو قال: أعرتكها لتنتفع بها كيف شئت
أو بما بدا لك، ففي الصحة وجهان: أصحهما كما في المطلب الصحة، وقال السبكي: ينبغي القطع به، وقد صحح الشيخان
في نظيره من الإجارة الصحة. والعارية به أولى، وعلى هذا فقيل: ينتفع بها كيف شاء، وقيل: ينتفع بما هو العادة في المعار.
قال الرافعي: وهو أحسن اه‍. وهو المعتمد كما جرى عليه ابن المقري في روضه. قال الرافعي: والوجه القطع بأن إطلاق
الإعارة لا يسلط على الدفن لما فيه من ضرر اللزوم
تنبيه: ذكر المصنف الأرض مثال لما ينتفع به بجهتين فأكثر كالدابة تصلح للركوب والحمل، أما ما ينتفع به بوجه
واحد كالبساط الذي لا يصلح إلا للفراش فلا حاجة في إعارته إلى بيان لكونه معلوما بالتعيين. ثم شرع في الحكم الثالث
وهو الجواز مترجما له بفصل، فقال:
269

(فصل: لكل منهما) أي: للمعير والمستعير (رد العارية متى شاء) وإن كانت مؤقتة والمدة باقية لأنها مبرة من المعير
وارتفاق من المستعير فلا يليق بها الالزام. ورد المعير بمعنى رجوعه كما في المحرر، ولو عبر به لكان أولى كما عبر به في
الوديعة. (إلا إذا) كانت العارية لازمة، كمن (أعار) أرضا (لدفن) لميت محترم وفعل المستعير، (فلا يرجع) أي المعير في موضعه
الذي دفن فيه، وامتنع على المستعير ردها، فهي لازمة من جهتهما، (حتى يندرس أثر المدفون) بأن يصير ترابا لا يبقى منه
شئ غير عجب الذنب، وهو مثل حبة خردل في طرف العصعص لا جميع العصعص، ولما كان لا يكاد يتحقق بالمشاهدة
لم يتعرض المصنف لاستثنائه فإنه لا يبلى أبدا. وإنما امتنع الرجوع محافظة على حرمة الميت، ولهما الرجوع قبل وضعه فيه
لا بعد وضعه وإن لم يوار بالتراب كما رجحه في الشرح الصغير، خلافا لما قاله المتولي من جواز الرجوع. وليس في
الروضة وأصلها تصريح بترجيح. قال الأذرعي: وكلام النهاية والبسيط يوافق كلام المتولي، ولم أر من صرح بخلافه
اه‍. وصورة ذلك بعد البلى إذا أذن المعير في تكرار الدفن وإلا فقد انتهت العارية، وإذا امتنع الرجوع قبل البلى لا يستحق
المعير أجرة كما صرح بذلك البغوي والماوردي وغيرهما، لأن العر ف غير قاض به والميت لا مال له، وللمعير سقي
شجر بالأرض التي بها القبر إن أمن ظهور شئ من الميت وإلا امتنع عليه، ولو أظهره السيل من قبره قال الماوردي
والروياني: يجب إعادته لأنه قد صار حقا له مؤبدا. قال ابن الرفعة: وقد يوجه بأن دفنه على الفور وفي تأخيره إلى حفر
غيره ونقله إليه تأخير للواجب. ويؤخذ من ذلك أن السيل إن حمله إلى موضع مباح يمكن دفنه فيه من غير
تأخير منع
إعادته وهو كذلك، وعلى المعير لولي الميت مؤنة حفر ما رجع فيه قبل الدفن لأنه المورط له. فإن قيل: لو بادر المعير
إلى زراعة الأرض بعد تكريب المستعير لها لم يلزمه أجرة التكريب كما في فتاوى البغوي، فهلا كان هنا كذلك أجيب
بأن الدفن لا يمكن إلا بالحفر بخلاف الزراعة فإنها ممكنة بدون التكريب، ولا يلزمه الطم لما حفره لأنه بالاذن.
تنبيه: أورد على حصره الاستثناء فيما ذكره مسائل، منها ما لو كفن الميت أجنبي وقلنا إن الكفن باق على ملك الأجنبي
كما هو الأصح في زيادة الروضة في كتاب السرقة فهو عارية لازمة كما قاله في الوسيط، أي من الجانبين، فلو نبش الميت
سبع وأكله فقد انتهت العارية فيرجع إلى المعير ولا يسمى راجعا في العارية. ومنها ما لو قال: أعيروا داري بعد موتي لزيد
شهرا لم يكن للمالك وهو الوارث الرجوع قبل الشهر كما قالاه في التدبير. ومنها ما لو نذر المعير أن لا يرجع إلا بعد سنة مثلا
أو نذر أن يعيره سنة مثلا امتنع الرجوع قبل السنة، قاله الرافعي في التدبير. ومنها ما لو أعار سفينة فوضع المستعير فيها متاعا ثم
طلبها المعير في اللجة لم يجب لذلك لأجل الضرر لا للزومها، قاله البندنيجي والروياني، قال ابن الرفعة: ويظهر أن له الأجرة من
حين الرجوع كما لو أعاره أرضا لزرع فرجع قبل انتهائه. ومنها ما لو أعاره دابة أو سلاحا أو نحو ذلك للغزو فالتقى الصفان
فليس له الرجوع في ذلك حتى ينكشف القتال، قاله الخفاف في الخصال. ومنها ما لو أراد الصلاة المفروضة فأعاره ثوبا ليستر
به عورته أو ليفرشه في مكان نجس ففعل وكان الرجوع مؤديا إلى بطلان الصلاة، قال الأسنوي: فيحتمل منعه وهو متجه،
ويحتمل الجواز وتكون فائدته طلب الأجرة اه‍. ونقل الزركشي في الخادم عن البحر: أنه ليس للمعير الاسترداد ولا للمستعير
الرد إلا بعد فراغ الصلاة، وفي شرح المهذب عن الماوردي وغيره: أن المعير لو رجع في الصلاة نزعه وبنى ولا إعادة عليه بلا
خلاف اه‍. والأولى كما قال شيخي أن يقال في استعارة السترة للصلاة إن استعارها ليصلي فيها الفرض فهي لازمة من جهتهما
أو لمطلق الصلاة فهي لازمة من جهة المستعير فقط إن أحرم فيها بفرض وجائزة من جهتهما إن أحرم بنفل، ويحمل ما ذكر
على هذا التفصيل. ومنها ما لو استعار سترة يستتر بها في الخلوة فهي لازمة من جهة المستعير أيضا. ومنها ما لو استعار دارا
لسكني المعتدة فهي لازمة من جهة المستعير أيضا. ومنها ما لو استعار سلاحا ونحوه ليدفع به عما يجب الدفع عنه كما هو مبين
في كتاب الصيال. ومنها ما إذا استعار ما يدفع به أذى الحر والبرد المهلكين. ومنها ما إذا استعار ما ينجو به من الغرق ويطفئ به الحرق،
270

ويقاس بذلك ما في معناه. (وإذا أعار للبناء أو الغراس ولم يذكر مدة) بأن أطلق (ثم رجع) بعد أن بنى
المستعير أو غرس،
(إن كان) المعير (شرط) عليه (القلع) فقط أو شرطه (مجانا) أي بلا أرش لنقصه، (لزمه) قلعه عملا بالشرط، فإن امتنع
فللمعير القلع. ويلزم المستعير تسوية الحفر إن شرطت، وإلا فلا.
تنبيه: قوله: مجانا كذا هو في الروضة وكتب الرافعي، قال السبكي والأسنوي: والصواب حذفه كما فعله جمهور
الأصحاب، فإنه يقتضي لولا الذي قدرته فيه أنه لا يؤمر بالقلع مجانا إلا عند التنصيص عليه، وليس مرادا فإنه خلاف
ما نص عليه في الام والمختصر. ولعل المصنف احترز به عما لو شرط القلع وغرامة الأرش فإنه يلزمه، ولو اختلف المعير
والمستعير هل شرط القلع بأرش أو لا؟ فقال الأذرعي: الظاهر تصديق المعير كما لو اختلفا في أصل العارية لأن من كان
القول قوله في شئ كان القول قوله في صفته. (وإلا) أي وإن لم يشرط عليه القلع، (فإن اختار المستعير القلع قلع) بلا أرش
لأنه ملكه وقد رضي بنقصانه، (ولا يلزمه تسوية الأرض في الأصح) في المحرر، لأن الإعارة مع العلم بأن للمستعير أن
يقلع رضا بما يحدث من القلع. (قلت: الأصح تلزمه) التسوية (والله أعلم) لأنه قلع باختياره. ولو امتنع منه لم يجبر عليه
فيلزمه إذا قلع رد الأرض إلى ما كانت عليه ليرد كما أخذ، وهذا هو الأظهر في الشرحين، وقال في الروضة: إنه قول
الجمهور وإن ما في المحرر ضعيف، وقال السبكي: إن كان الكلام في حفر حصلت في مدة العارية لأجل الغرس والبناء
فالامر كما في المحرر، وإن كان في حفر حصلت من القلع زائدة على ما حصل قبل ذلك، فالراجح وجوب التسوية، ثم
قال: فتلخص للفتوى الفرق بين الحفر لأجل الغراس والبناء وبين الحفر للقلع، وهذا الحمل متعين.
تنبيه: محل الخلاف كمقاله ابن الملقن: إذا كانت الحفر الحاصلة في الأرض على قدر الحاجة، فإن كانت زائدة
على حاجة القلع لزمه طم الزائد قطعا. (وإن لم يختر) أي المستعير القلع (لم يقلع) أي المعير (مجانا) لأنه وضع بحق فهو محترم،
(بل للمعير الخيار بين أن يبقيه بأجرة) أي أجرة مثله (أو يقلع ويضمن أرش النقص) وهو قدر التفاوت ما بين قيمته قائما
ومقلوعا كما في الكفاية. (قيل: أو يتملكه) أي بعقد ولا يلحق بالشفيع كما يؤخذ في كلام الرافعي. (بقيمته) أي مستحق
القلع حين التملك كما قاله العمراني، فإن قيمته تنقص على هذا التقدير. ووجه مقابله إن ذلك بيع، فلا بد فيه من التراضي.
وتخييره بين الثلاث هو المعتمد وفاقا للإمام والغزالي وصاحب الحاوي الصغير والأنوار وغيرهم ومقتضى كلام الروضة
وأصلها في الصلح، خلافا لما فيها هنا من تخصيص التخيير بالأول والثالث. وأما وقع في الكتاب تبعا لاصله من التخيير بين
التبقية بالأجرة وبين القلع مع غرامة الأرش دون التملك بالقيمة لم يذكراه في الشرحين والروضة وجها فضلا عن
تصحيحه
بل لم يذكره غيرهما إما يوهمه كلام التنبيه، بل قال الزركشي تبعا للبلقيني: ليس في المسألة خلاف كما زعمه الشيخان، بل
الكل متفقون على التخيير بين الثلاث، ونسبه الإمام إلى كافة الأصحاب.
تنبيه: محل التخيير بين الثلاث إذا كان في الأرض نقص وكان المعير غير شريك ولم يكن على الغراس ثمر
لم يبد صلاحه، وإلا فيتعين القلع في الأول والتبقية بأجرة المثل في الثاني وتأخير التخيير إلى بعد الجداد كمال الزرع
في الثالث لأن له أمدا ينتظر، وإذا لم يرض الشريك في الثاني بالأجرة أعرض الحاكم عنهما. ومحله أيضا إذا لم يوقف
البناء والغراس، وإلا قال ابن الرفعة وغيره: فيتعين تبقيتهما بالأجرة، والزركشي: يتخير بين ذلك وبين قلعهما بالأرش،
وهذا أوجه. ومحله أيضا إذا لم يوقف الأرض وإلا فيتخير بين الثلاث، لكن لا يقلع بالأرش إلا إذا كان أصلح للوقف
من التبقية بالأجرة، ولا يتملك بالقيمة إذا كان في شرط الواقف جواز تحصيل مثل ذلك البناء والغراس من ريعه، وبذلك
271

أفتى ابن الصلاح في نظيره من الإجارة.
فرع: لو قطع شخص غصنا له ووصله بشجرة غيره فثمرة الغصن لمالكه لا لمالك الشجرة كما لو غرسه في أرض غيره،
ثم إن كان الوصل بإذن المالك فليس له قطعة مجانا بل يتخير المالك بين أن يبقيه بالأجرة أو يقلعه مع غرامه أرش النقص
ولا يتملكه بالقيمة وإن قلنا فيما مر أنه يتملك بالقيمة البناء والغراس للفرق الواضح. (فإن لم يختر) أي المعير واحدة من
الخصال التي خير فيها، (لم يقلع مجانا) أي ليس له ذلك (إن بذل) بالذال المعجمة: أي أعطى (المستعير الأجرة) لانتفاء
الضرر، (وكذا إن لم يبذلها في الأصح) لأن المعير مقصر بترك الاختيار راض بإتلاف منافعه. والثاني: يقلع لأنه بعد الرجوع
لا يجوز الانتفاع بماله مجانا. (ثم) على الأصح (قيل يبيع الحاكم الأرض وما فيها) من بناء وغراس، (ويقسم بينهما) على ما يذكره
بعد فصلا للخصومة. (والأصح أنه) أي الحاكم (يعرض عنهما حتى يختارا شيئا) أي يختار المعير ماله اختياره ويوافقه المستعير
عليه لينقطع النزاع بينهما.
تنبيه: في نسخة المصنف إثبات الألف في يختارا كما رأيتها بخطه وهو ما في المحرر، ولكن الذي في أكثر نسخ الشرحين
وفي الروضة بخط المصنف يختار بغير ألف، وصحح بخطه على موضع سقوط الألف، قال السبكي: وهو أحسن، وقال
الأسنوي: إنه الصواب لأن اختيار المعير كاف في فصل الخصومة اه‍. وقال الأذرعي: إن الوجه إثباتها. ثم حكى عن جماعة
أنهم عبروا عن الوجه الأصح بأن يقال لهما انصرفا حتى تصطلحا على شئ، قال: فأفهم ذلك أن قوله: يختارا أثبت في
النقل وأعم، ولم أر في شئ من نسخ الشرحين إسقاط الألف اه‍. وهذا أوجه، وهو الذي حليت عليه عبارة المصنف
تبعا للشارح فإن المعير قد يختار ما لا يجبر عليه المستعير ولا يوافقه عليه. ثم فرع المصنف على الاعراض عنهما حتى يختارا
فقال: (وللمعير دخولها والانتفاع بها) في مدة المنازعة لأنها ملكه، وله الاستظلال بالبناء والغراس، قال الإمام: والظاهر
لزوم الأجرة مدة التوقف. وجزم في البحر بأن لا أجرة له، وهو أوجه لأن الخبرة في ذلك إليه. (ولا يدخلها المستعير بغير
إذن) من المعين (للتفرج) لأنه لا ضرورة به إليه فكان كالأجنبي.
تنبيه: التفرج لفظة مولدة لعلها من انفراج الهم وهو انكشافه كما قاله المصنف في تحريره، ولو قال بدلها: بلا حاجة
لكان أولى. (ويجوز) الدخول (للسقي) للغراس (والاصلاح) له أو للبناء صيانة لملكه عن الضياع، ويجوز أيضا لاخذ
ثمر أو جريد أو نحو ذلك من غراسه. نعم لو تعطل نفع الأرض على مالكها بدخوله لم يلزمه أن يمكنه من دخولها إلا
بأجرة كما نقله الرافعي عن التتمة وأقره.
تنبيه: فهم مما تقرر في المعير عدم جواز الاستناد إلى البناء والغراس، وبه قطع القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما،
وحكاه القاضي حسين ثم استشكله بما مر في الصلح من جواز هذا في جدار الأجنبي. وأجيب بحمل ما هنا على ما فيه
ضرر، فإذا لا فرق، وإن فرق بأن المعير حجر على نفسه لعدم اختياره، فلهذا منع بخلاف الأجنبي. (ولكل) من المعير
والمستعير (بيع ملكه) من صاحبه ومن غيره كسائر الاملاك، فإن باع المعير لثالث يتخير المشتري كما كان يتخير البائع،
وإن باع المستعير كان المعير على خيرته، وللمشتري الفسخ إن جهل الحال، ولو باعا معا بثمن واحد جاز للضرورة
ويوزع الثمن عليهما، قال المتولي: كما في رهن الام دون الولد، وقال البغوي: يوزع الثمن على قيمة الأرض مشغولة
بالغراس أو البناء وعلى حصة ما فيها وحده، فحصة الأرض للمعير وحصة ما فيها للمستعير، وبهذا جزم ابن المقري
في روضه. (وقيل: ليس للمستعير بيعه لثالث) لأن ملكه غير مستقر فإن للمعير تملكه بالقيمة. وأجاب الأول بأن هذا
لا يمنع البيع كما في بيع الشقص المشفوع.
272

تنبيه: قد يفهم كلامه أن للمعير بيعه لثالث قطعا، وليس مرادا، بل فيه وجه صححه الماوردي والروياني، لأن
مدة بقاء البنا والغرس مجهولة. ولو أجر المعير الأرض فالمتجه كما قال الأسنوي الصحة إن أمكن التفريغ قبل مضي زمن
لمثله أجرة. (والعارية المؤقتة) لبناء أو غراس أو غير، (كالمطلقة) فيما مر من الأحكام إذا انتهت المدة أو رجع فيها،
لكن في المؤقتة يجوز له أن يغرس ويبني المرة بعد الأخرى ما لم تنقص المدة أو يرجع المعير، وفي المطلقة لا
يفعل ذلك
إلا مرة واحدة. فإن قلع ما بناه أو غرسه لم يكن له إعادته إلا بإذن جديد إلا إن صرح له بالتجديد مرة بعد أخرى،
ذكره الشيخان في الكلام على الزرع، وغير الغراس والبناء في معناهما. فإن فعل عالما أو جاهلا برجوعه أو بعد انقضاء
المدة قلع مجانا وكلف تسوية الأرض كالغاصب في حالة العلم، وكذلك ما نبت بحمل السيل إلى أرض غيره في حالة الجهل. (وفي
قول له القلع فيها) أي المؤقتة، (مجانا إذا رجع) بعد المدة ويكون هذا فائدة التأقيت، ومقابله يقول: فائدته طلب الأجرة.
تنبيه: محل هذا القول بعد المدة كما قدرته وهو بعدها لا يحتاج إلى رجوع، فكان الأولى التعبير بالانتهاء دون
الرجوع. (وإذا أعاره) أرضا (لزراعة) مطلقا (ورجع) المعير (قبل إدراك الزرع. فالصحيح أن عليه الابقاء إلى
الحصاد) لأنه محترم وله أمد ينتظر بخلاف البناء والغراس. ومقابل الأصح وجهان: أحدهما له قلعه ويغرم أرش النقص،
والثاني: له التملك بالقيمة في الحال. وعلى الأول إن كان الزرع مما يعتاد قلعه فصيلا كلف القلع، وكذا إن لم ينقص بالقلع
كما في المطلب وإن لم يعتد قلعه. (و) الصحيح، وفي الروضة: الأصح، (أن له الأجرة) من وقت الرجوع إلى الحصاد،
لأن الإباحة انقطعت بالرجوع فأشبه ما إذا أعار دابة ثم رجع في الطريق فإن عليه نقل متاعه إلى مأمن بأجرة المثل.
والثاني: لا أجرة له، لأن منفعة الأرض إلى الحصاد كالمستوفاة بالزرع. ثم أشار إلى ما هو كالمستثنى مما قبله بقوله: (فلو عين)
المعير (مدة) للزراعة (ولم يدرك) أي الزرع (فيها لتقصيره) أي المستعير (بتأخير الزراعة قلع) المعير الزرع (مجانا)
لما أشار إليه من كونه مقصرا، ويلزمه أيضا تسوية الأرض وإن قصر بالزرع ولم يقصر بالتأخير كأن كان على الأرض
سيل أو ثلج أو نحو ذلك لا يمكن معه الزرع ثم زرع بعد تمكنه وهو لا يدرك في المدة، فالحكم كذلك. أما إذا لم يحصل
منه تقصير فإنه لا يقلع مجانا بل يكون كما لو أعار مطلقا سواء أكان عدم الادراك لحر أم برد أم مطر أم لقلة المدة المعينة أم لاكل
الجراد رؤوس الزرع فنبت ثانيا. قال الأسنوي: وذكر الرافعي في الإجارة أنه إذا أبدل الزرع المعين بغيره كان
كالتقصير بالتأخير فيأتي مثله هنا أيضا. (ولو حمل السيل) أو نحوه كهواء (بذرا) لغيره (إلى أرضه فنبت) فيها، (فهو)
أي النابت (لصاحب البذر) بإعجام الذال، لأنه عين ماله تحول إلى صفة أخرى فلم يزل ملكه عنه، فيجب رده إليه إن
حضر وعلمه وإلا فيرده إلى القاضي لأنه نائب الغائب ويحفظ المال الضائع.
تنبيه: شمل إطلاقه ما لو كان المحمول لا قيمة له كحبة أو نواة لم يعرض عنها مالكها، وهو الأصح كما في زيادة الروضة.
(والأصح أنه) أي المالك (يجبر على قلعه) أي ما ذكر، لأن مالك الأرض لم يأذن له. والثاني: لا يجير لأنه غير متعد فهو
كالمستعير. وعلى الأول يلزمه تسوية الأرض لأن ذلك لتخليص ملكه، ولا أجرة عليه للمدة التي قبل القلع كما في المطلب
لعدم فعله. أما إذا أعرض عنها مالكها وكان ممن يصح إعراضه فهي لمالك الأرض.
تنبيه: قول المصنف: بذرا أي ما سيصير مبذورا، تسمية لاسم المفعول بالمصدر، ففيه تجوز من وجهين، فلو لم
ينبت المحمول الذي لم يعرض عنه مالكه لزم رده إليه إن حضر وإلا فللقاضي كما مر. ثم شرع في الاختلاف بين المالك
وذوي اليد فقال: (ولو ركب) شخص (دابة) لغيره (وقال لمالكها أعرتنيها فقال) له مالكها (بل أجرتكها) مدة
273

كذا بكذا. (أو اختلف مالك الأرض وزارعها كذلك فالمصدق المالك على المذهب) إذا اختلفا بعد مضي مدة لمثلها أجرة
والدابة باقية، لأن المنافع تصح المعاوضة عليها كالأعيان. ولو اختلفا في العين بعد تلفها كأن أكل طعام غيره وقال كنت
أبحته لي وأنكر المالك فإنه يصدق بيمينه، فكذا هنا فيحلف على النفي والاثبات وله أجرة المثل في الأصح المنصوص،
وقيل: المسمى، وقيل: الأقل منها. والمراد بتصديق المالك في استحقاق الأجرة لا في أنه يصدق في عقد الإجارة حتى
يتمكن الآخر من أخذ المنافع إذا كان الاختلاف في أول المدة أو في أثنائها، فإن نكل المالك لم يحلف الراكب ولا الزارع
لأنهما لا يدعيان الإعارة وليست لازمة، وقيل: يحلفان، ونسب للقاضي حسين للتخليص من غرم. والثاني: يصدق
الراكب والزارع لأن المالك وافقهما على إباحة المنفعة لهما، والأصل براءة ذمتهما من الأجرة التي يدعيها. والثالث:
يصدق المالك في الأرض دون الدابة لأن الدواب يكثر فيها الإعارة بخلاف الأرض. أما إذا لم تمض مدة لمثلها أجرة،
فالمصدق الراكب والزارع فيحلف ما أجرتني لأنه لم يتلف شيئا حتى نجعله مدعيا لسقوط بدله. وإن وقع ذلك بعد تلف
الدابة، فإن تلفت عقب الاخذ فالراكب مقر بالقيمة لمنكرها فترد برده، أو بعد مضي مدة لمثلها أجرة فالراكب مقر بالقيمة
لمنكر لها وهو يدعي الأجرة فيعطي قدر الأجرة من القيمة بلا يمين ويحلف للزائد فيما إذا زادت على القيمة. (وكذا)
يصدق المالك على المذهب (لو قال) الراكب أو الزارع (أعرتني فقال) المالك (بل غصبت مني) وقد مضت مدة
لمثلها أجرة والعين باقية، لأن الأصل عدم الإذن فيحلف ويستحق أجرة المثل. والثاني: أن القول قول المستعير لأن
الظاهر أن تصرفه بحق. (فإن تلفت العين) بما يوجب ضمان العارية قبل ردها، (فقد اتفقا على الضمان) لأن كلا
من المغصوب والمستعار مضمون، (لكن الأصح أن العارية تضمن بقيمة يوم التلف لا بأقصى القيم ولا بيوم القبض)
وهما مقابل الأصح. (فإن كان ما يدعيه المالك) بالغصب (أكثر) من قيمة يوم التلف (حلف للزيادة)
لأن غريمه ينكرها، وأما المتفق عليه فيأخذه بلا يمين لموافقة غريمه على استحقاقه، وإليه يشير قوله: حلف للزيادة، ولا
يضر اختلاف الجهة.
تنبيه: قضية كلام الشيخين في كتبهما أنه لا فرق في ضمانه بالقيمة بين المتقوم والمثلي، قال الأسنوي: وهو
كذلك، ففي الحاوي والمهذب والبحر إن ضمناه المتقوم بالأقصى أوجبنا المثل في المثلي وإن ضمناه بقيمة يوم التلف وهو الأصح ففي المثلي القيمة أيضا، فما في كتب الشيخين ماش على الصحيح وجزم به في الأنوار واقتضاه كلام جمع، وحينئذ
يصير مستثنى من قاعدة أن المثلي يضمن بالمثل. وقال ابن أبي عصرون: يضمن المثلي بالمثل، وجرى عليه السبكي، وقال
شيخنا: وهو الأوجه. وقول المصنف: لكن إلخ مسألة مستقلة، وهي أن العارية هل تضمن بقيمة يوم التلف بغير
الاستعمال المأذون فيه أو بالأقصى أو بيوم القبض؟ وفيه أوجه، أصحها بقيمة يوم التلف، فلا وجه للاستدراك.
تتمة: لو قال المالك: غصبتني، وقال الراكب: أجرتني، صدق المالك بيمينه لأن الأصل بقاء استحقاق المنفعة فيسترد
العين إن كانت باقية، وله فيما إذا انقضت مدة لها أجرة أخذ قدر المسمى بلا يمين لأن الراكب مقر له به، ويحلف للزائد
على المسمى وقيمة المعين إن تلفت. ولو قال المالك: غصبتني، وقال ذو اليد: أودعتني، صدق المالك بيمينه وأخذ القيمة إن
تلفت العين وأجرة المثل إن مضت مدة لها أجرة. ولو ادعى لمالك الإجارة وذو اليد الغصب، فإن لم تتلف العين ولم
تمض مدة لها أجرة صدق ذو اليد بيمينه، فإن مضت فالمالك مدع للمسمى وذو اليد مقر له بأجرة المثل، فإن لم يزد المسمى
عليها أخذه بلا يمين وإلا حلف للزائد. ولو ادعى المالك الإعارة وذو اليد الغصب فلا معنى لنزاع فيما إذا كانت العين
باقية ولم تمض مدة لها أجرة، وإن مضت فذو اليد مقر بالأجرة لمنكرها وإن تلفت قبل مضي مدة لها أجرة، فإن لم يزد
274

أقصى القيم على قيمة يوم التلف أخذ القيمة بلا يمين، وإلا فالزيادة مقر بها ذو اليد لمنكرها، وإن مضت مدة لها أجرة
فالأجرة مقر بها ذو اليد لمنكرها.
خاتمة: لو اختلف المعير والمستعير في رد العارية، فالقول قول المعير بيمينه، لأن الأصل عدم الرد مع أن المستعير
قبض العين لمحض حق نفسه. ولو استعمل المستعير العارية جاهلا برجوع المعير لم يلزمه أجرة. فإن قيل: الضمان لا فرق
فيه بين الجهل وعدمه. أجيب بأن ذلك عند عدم تسليط المالك وهنا بخلافه، والأصل بقاء السلطة، وبأنه المقصر بترك
الاعلام. فإن قيل: الجواب الثاني مشكل بوجوب الدية على الوكيل إذا اقتص جاهلا بعزل المستحق. أجيب بأنه مقصر
بتوكله في القود لأنه غير مستحق، إذ العفو فيه مطلوب فضمن زجرا له عن التوكل فيه.
كتاب الغصب
(هو) لغة أخذ الشئ ظلما، وقيل: أخذه ظلما جهارا. وشرعا: (الاستيلاء على حق الغير عدوانا) أي على وجه التعدي.
ويرجع في الاستيلاء للعرف، وذكر في الكتاب أمثلة يتضح بها ستأتي. قال المصنف: ولا يصح قول من قال: علي مال
الغير لأنه يخرج المنافع والكلب والسرجين وجلد الميتة وخمر الذمي وسائر الاختصاصات كحق التحجر. واختار الإمام
أنه الاستيلاء على مال الغير بغير حق، قال: ولا حاجة إلى التقييد بالعدوان بل يثبت الغصب وحكمه بغير عدوان كأخذه مال
غيره يظنه ماله. وقول الرافعي: والأشبه التقييد به، والثابت في هذه الصورة حكم الغصب لا حقيقته، قال شيخنا:
ممنوع، وهو ناظر إلى أن الغصب يقتضي الاثم مطلقا وليس مرادا وإن كان غالبا. وقال شيخي: الذي يتحصل في تعريفه
من كلام الأصحاب أن الغصب ضمانا وإثما الاستيلاء على مال الغير عدوانا، وضمانا الاستيلاء على مال الغير بغير حق،
وإنما الاستيلاء على حق الغير عدوانا. فإن قيل: يرد على التعريف السرقة فإنه صادق بها وليست غصبا. أجيب بأنها
غصب أيضا، وإن كانت من حيث أنها سرقة يترتب عليها حكم زائد على الغصب بشرطه. وقال بعضهم: إن السارق
والمختلس خرج بقوله الاستيلاء فإن الاستيلاء ينبني على القهر والغلبة. وأخذ مال الغير على وجه المحاباة وهو كاره له
في معنى الغصب كما قاله الزركشي. وقال في الاحياء: من طلب من غيره مالا بحضرة الناس فدفعه إليه بباعث الحياء والقهر
لم يملكه، ولا يحل له التصرف فيه. والغصب كبيرة وإن لم يبلغ المغصوب نصاب سرقة، وفي الكفاية عن الماوردي:
الاجماع على أن من فعله مستحلا - أي وهو ممن لا يخفى عليه تحريمه - كان كافرا، ومن فعله غير مستحل كان فاسقا. والأصل
في تحريمه آيات، منها قوله تعالى: * (ويل للمطففين) * الآية، وإذا كان هذا في التطفيف وهو غصب القليل فما ظنك بغصب
الكثير ومنها قوله تعالى: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) *، أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل. وأخبار، منها خبر
الصحيحين: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، ومنها خبرهما أيضا: من ظلم قيد شبر من أرض طوقه من سبع
أرضين. ومعنى طوقه كلف حمله، وقيل: يجعل في حلقه كالطوق. ثم شرع المصنف في الأمثلة التي يتضح بها فقال: (فلو
ركب دابة، أو جلس على فراش) لغيره، (فغاصب وإن لم ينقل) ذلك ولم يقصد الاستيلاء، لحصول الغاية
المطلوبة من
الاستيلاء وهي الانتفاع على وجه التعدي.
تنبيه: قضية إطلاق المصنف الغصب بالجلوس على الفراش أنه لا فرق بين حضور المالك وغيبته، وهو كذلك.
وما ذكره في أصل الروضة من أن المالك إذا حضر ولم يزعجه وكان بحيث يمنعه التصرف في ذلك أن قياس ما
يأتي في العقار إن يكون غاصبا لنصفه فقط ليس في الحقيقة نظيره، وإنما نظيره كما قال شيخي أن يجلس معه على الفراش،
ويمكن حمل كلام أصل الروضة على ذلك. وكلام المنصف قد يفهم أن غير الدابة والفراش من المنقولات أنه لا بد فيها
275

من النقل، وبه صرح صاحب التعجيز فقال: المعتبر في المنقول النقل إلا في الدابة والفراش فإن الاستيلاء عليهما يتم
بالركوب والجلوس، بدليل أنهما لو تنازعا فيه جعلت اليد له. والمعتمد أنه لا فرق بينهما وبين غيرهما، فاستخدام العبد
كركوب الدابة كما ذكره ابن كج. (ولو دخل داره) أي دار غيره بعياله أو بدونهم على هيئة من يقصد بالسكنى وإن لم
يقصد الاستيلاء، (وأزعجه عنها) أي أخرجه منها كما فسره ابن سيده، (أو أزعجه وقهر على الدار) بما يصير به قابضا
في بيعها وهو التسلط على التصرف، (ولم يدخل) - ها، (فغاصب) أما في الأولى فلان وجود الاستيلاء يغني عن قصده،
وأما في الثانية فلانه لا يعتبر في قبضها دخولها والتصرف فيها. ولكن لا بد من قصد الاستيلاء كما قاله الماوردي
والإمام وإليه أشار المصنف بقوله: وقهره على الدار، فإن وجد الازعاج فقط في الثانية، أو لم يقصد السكنى في الأولى كمن
يهجم الدار لاخراج صاحبها كظالم ولا يقيم، فلا يكون غاصبا لشئ منها ولا يضمنها. (وفي الثانية) أي فيما إذا أزعجه
وقهره ولم يدخل، (وجه واه) أي ضعيف جدا مجاز عن الاسقاط أنه لا يكون غاصبا، لأن أهل العرف لا يطلقون
على ذلك أنه غاصب. وأما أمتعة الدار فإن منع الغاصب المالك منها كان غاصبا لها وإلا فلا، قاله القاضي والمتولي. (ولو سكن
بيتا) من الدار (ومنع المالك منه دون باقي الدار فغاصب للبيت فقط) لقصده الاستيلاء عليه دون باقي الدار. (ولو د
خل بقصد الاستيلاء وليس المالك فيها) ولا من يخلفه من أهل ومستأجر ومستعير ونحو ذلك (فغاصب) لها، وإن
ضعف الداخل وقوي المالك لحصول الاستيلاء في الحال وأثر قوة المالك وسهولة إزالته لا تمنع في الحال. أما إذا دخل
لا على قصد الاستيلاء، بل ينظر هل تصلح له أو ليأخذ مثلها أو نحو ذلك، فإنه لا يكون غاصبا حتى لو انهدمت حينئذ لم
يضمنها. (وإن كان) المالك فيها (ولم يزعجه فغاصب لنصف الدار) لاستيلائه مع المالك عليها، (إلا أن يكون)
الداخل (ضعيفا لا يعد مستوليا على صاحب الدار) فلا يكون غاصب الشئ منها وإن قصد الاستيلاء إذ لا عبرة بقصد
ما لا يتمكن منه، وإنما هذا وسوسة وحديث نفس، ولا يكون في صورة المشاركة السابقة غاصبا للنصف. قال السبكي
وقياس ما ذكر هنا يقتضي أنه لو انعكس الحال فكان المالك ضعيفا والداخل بقصد الاستيلاء قويا كان غاصبا للجميع.
قال الأذرعي: وفيه نظر، لأن يد المالك الضعيف موجودة فلا معنى لالغائها بمجرد قوة الداخل اه‍. وهذا كما قال شيخي
أوجه.
تنبيه: حيث لا يجعل غاصبا لا يلزمه أجرة كما دل عليه كلام القاضي في فتاويه، فإنه قال: لو دخل سارق ولم
يمكنه الخروج وتخبأ في الدار ليلة فلا أجرة عليه لأن اليد للمالك. وقال الأذرعي: ما ذكره القاضي مشكل لا يوافق عليه اه‍.
وهذا أوجه لأنه صدق عليه أنه استمر في داره ليلة بغير إذنه. ولو دفع إلى عبد غيره شيئا ليوصله إلى بيته بغير إذن
مالكه كان غاصبا له، قاله القاضي، وطرد ذلك فيما إذا استعمله في شغل، وفي فتاوى البغوي أنه لا يضمن إلا إذا اعتقد
طاعة الامر، وهذا أيضا أوجه. قال البغوي: ولو أن الزوج بعث عبد زوجته في شغل دون إذنها ضمنه بكل حال،
لأن عبد المرأة قد يرى طاعة زوجها، فهو كالأعجمي في حق الأجنبي. وسئل ابن الصلاح عن رجل أخاف مملوكا
لغيره بسبب تهمة فهرب لوقته، فأجاب بأنه لا يضمنه إن لم يكن نقله من مكان إلى مكان لقصد الاستيلاء اه‍. وقوله: نقله
إلخ ليس بقيد بل مسكه بيده كاف. ولو استولى على حيوان فتبعه ولده الذي من شأنه أن يتبعه، أو هادي الغنم فتبعه
الغنم لم يضمن التابع في الأصح إذ لم يستول عليه، وكذا لو غصب أم النحل لا يضمنه إلا إن استولى
عليه خلافا لصاحب المطلب. (وعلى الغاصب الرد) للمغصوب على الفور عند التمكن وإن عظمت المؤنة في رده، ولو كان
276

غير متمول كحبة بر أو كلب يقتنى، للحديث المار: على اليد ما أخذت حتى تؤديه، فلو لقي المالك بمفازة والمغصوب
معه فإن استرده لم يكلف أجرة النقل. وإن امتنع فوضعه بين يديه برئ إن لم يكن لنقله مؤنة. ولو أخذه المالك وشرط
على الغاصب مؤن النقل لم يجز لأنه نقل ملك نفسه، ذكر ذلك البغوي. وفي الشرح والروضة في آخر الباب عن المتولي
أنه لو رد الدابة لاصطبل المالك برئ إن علم المالك به مشاهدة أو إخبار ثقة ولا يبرأ قبل العلم، وأقراه. ولو غصب من
المودع والمستأجر والمرتهن برئ بالرد إليهم لا إلى الملتقط لأنه غير مأذون له من جهة المالك، وفي المستعير والمستام وجهان
أوجههما أنه يبرأ لأنهما مأذون لهما من جهة المالك لكنهما ضامنان. ولو أخذ من عبد شيئا ثم رده إليه فإن كان سيده
دفعه إليه كملبوس العبد وآلات يعمل بها برئ، وكذا لو أخذ الآلة من الأجير وردها إليه لأن المالك رضي به، قاله
البغوي في فتاويه.
تنبيه: قضية كلام المصنف أنه لا يجب على الغاصب مع رد عين المغصوب شئ. ويستثنى مسألة يجب فيها مع الرد القيمة،
وهي ما لو غصب أمة فحملت بحر في يده ثم ردها لمالكها فإنه يجب عليها قيمتها للحيولة، لأن الحامل بحر لا تباع،
ذكره المحب الطبري، قال: وعلى الغاصب التعزير لحق الله تعالى واستيفاؤه للإمام، ولا يسقط بإبراء المالك.
واستثنى البلقيني من وجوب الرد صورا: إحداها إذا ملكه الغاصب بالغصب، وذلك في حربي غصب مال حربي، ولا يملك
الغاصب بالغصب إلا في هذه الصورة لأن مال الحربي غير محترم. الثانية: لو غصب خيطا وخاط به جرح حيوان محترم
فلا ينزع منه ما دام حيا، أي إذا كان يتألم به. الثالثة: غصب عصيرا عصر بقصد الخمرية فتخمر عنده يريقه ولا يرده.
الرابعة: كل عين غرمنا الغاصب بدلها لما حدث فيها وهي باقية لا يجب ردها على المالك، كما في الحنطة تبتل بحيث يسري
إلى الهلاك ونحو ذلك. ويستثنى من وجوب الرد على الفور مسألتان: الأولى ما لو غصب لوحا وأدرجه في سفينته وكانت
في لجة وخيف من نزعه هلاك محترم في السفينة ولو للغاصب على الأصح فلا ينزع في هذه الحالة. ثانيهما: تأخيره للاشهاد
وإن طالبه المالك. فإن قيل: هذا مشكل كما قاله بعضهم لاستمرار الغصب. أجيب بأنه زمن يسير اغتفر للضرورة لأن
المالك قد ينكره وهو لا يقبل قوله في الرد. (فإن تلف عنده) متمول بآفة أو إتلاف كله أو بعضه، (ضمنه) بالاجماع.
أما غير المتمول كحبة بر أو كلب يقتنى وزبل وحشرات ونحو ذلك فلا يضمنه، ولو كان مستحق الزبل قد غرم على نقله
أجرة لم نوجبها على الغاصب.
تنبيه: يستثنى من ضمان المتمول إذا تلف مسائل: منها ما لو غصب الحربي مال مسلم أو ذمي ثم أسلم أو عقدت له
ذمة بعد التلف فإنه لا ضما، ولو كان باقيا وجب رده. ومنها لو غصب عبدا وجب قتله لحق الله تعالى بردة ونحوها
فقتله فلا ضمان على الأصح. ومنها الرقيق غير المكاتب إذا غصب مال سيده وأتلفه لم يضمنه. ومنها لو قتل المغصوب
في يد الغاصب واقتص المالك من القاتل فإنه لا شئ على الغاصب لأن المالك أخذ بدله، قاله في البحر. قال الأسنوي:
وقوله: تلف لا يتناول ما إذا أتلفه هو أو أجنبي لكنه مأخوذ من باب أولى، ولذا قلت أو إتلاف، لكن لو أتلفه المالك
في يد الغاصب بأو أتلفه من لا يعقل أو من يرى طاعة الآمر بأمر المالك برئ من الضمان. نعم لو صال المغصوب
على المالك فقتله دفعا لم يبرأ الغاصب سواء أعلم أنه عبده أم لا، لأن الاتلاف بهذه الجهة كتلف العبد نفسه. وخرج بقول
المصنف: عنده ما لو تلف بعد الرد إلى المالك فإنه لا ضمان، واستثني من ذلك ما لو رده على المالك بإجارة أو رهن أو وديعة
ولم يعلم المالك فتلف عند المالك فإن ضمانه على الغاصب، وما لو قتل بعد رجوعه إلى المالك بردة أو جناية في يد
الغاصب فإنه يضمنه. ثم شرع المصنف في مسائل ذكرها الأصحاب استطرادا يقع فيها الضمان بلا غصب بل بمباشرة
كالاتلاف أو سبب كفتح القفص. وقد بدأ بالأول، فقال: (ولو أتلف مالا في يد مالكه ضمنه) بالاجماع، واستثني
من ذلك مسائل: منها كسر الباب ونقب الجدار في مسألة الظفر. ومنها ما إذا لم يتمكن من دفع الصائل إلا بعقر دابته
وكسر سلاحه ونحو ذلك. ومنها ما إذا لم يتمكن من إراقة الخمر إلا بكسر آنيته، ومنها ما يتلفه الباغي على العادل
277

وعكسه حالة الحرب، وكذا ما يتلفه الحربيون علينا وما يتلفه العبد على سيده. وما لو أتلف العبد المرتد والمحارب
وتارك الصلاة والحيوان الصائل بقتله بيد مالكه. ولو دخل دكان حداد وهو يطرق الحديد فطارت شرارة فأحرقت
ثوبه كان هدرا، وإن دخل بإذن الحداد. وخرج بالاتلاف التلف فلا يضمنه، كما لو سخر دابة ومعها مالكها فتلفت
لا يضمنها كما قاله في كتاب الإجارة إلا إذا كان السبب منه، كما لو اكترى لحمل مائة فحملت زيادة عليها وتلفت بذلك
وصاحبها معها فإنه يضمن قسط الزيادة، وسيأتي بسط ذلك في باب الإجارة إن شاء الله تعالى. ثم شرع في الثاني وهو السبب،
فقال: (ولو فتح رأس زق) بكسر الزاي وهو السقاء، (مطروح على الأرض فخرج ما فيه بالفتح) وتلف (أو) زق
(منصوب فسقط بالفتح) لتحريكه الوكاء وجذبه، (وخرج ما فيه) وتلف أو بتقاطر ماء فيه وابتلال أسفله به، ولو
كان التقاطر بإذابة شمس أو حرارة أو ريح مع مرور الزمان فسال ما فيه وتلف، (ضمن) لأنه باشر الاتلاف في الأولين
والاتلاف ناشئ عن فعله في الباقي، سواء أحضر المالك وأمكنه التدارك فلم يفعل أم لا كما لو قتل عبده أو حرق ثوبه وأمكن
الدفع فلم يفعل كما ذكره القمولي. واحترز بقوله: فخرج ما فيه بالفتح عما إذا كان جامدا فخرج بتقريب نار إليه
، فإن الأصح أن الضمان على المقرب. (وإن سقط) الزق بعد فتحه له (بعارض ريح) أو نحوها كزلزلة ووقوع طائر أو
جهل الحال فلم يعلم سبب سقوطه كما جزم به الماوردي وغيره، (لم يضمن) لأن التلف لم يحصل بفعله، وليس فعله في الأولى
مما يقصد به تحصيل ذلك العارض وللشك في الموجب في الثانية، وفارق حكم الأولى إذابة الشمس بأن طلوع الشمس محقق
فلذلك قد يقصده الفاتح بخلاف الريح.
تنبيه: أفهم كلامه أن الريح لو كانت هابة عند الفتح ضمن، وهو الظاهر كما يؤخذ من الفرق المذكور ومن تفرقتهم
بين المقارن والعارض فيما إذا أوقد نارا في أرضه فحملها الريح إلى أرض غيره فأتلفت شيئا. ولو قلب الزق غير الفاتح
فخرج ما فيه ضمنه دون الفاتح. ولو أزال ورق العنب ففسدت عناقيده بالشمس ضمنه، أو ذبح شاة رجل فهلكت
سخلتها أو حمامة فهلك فرخها ضمنها لفقد ما يعيشان به. فإن قيل: لو حبس المالك على ما شبته ولو ظلما فهلكت لم
يضمنها، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن التالف هنا جزء أو كالجزء من المذبوح بخلاف الماشية مع مالكها، وبأنه
هنا أتلف غذاء الولد المتعين له بإتلاف أمه بخلافه ثم. ولو أراد سوق الماء إلى النخل أو الزرع فمنعه ظالم من السقي
حتى فسدت لم يضمن كما في زوائد الروضة كما لو حبس المالك عن الماشية، خلافا لما صححه في الأنوار من الضمان. ولو
حل رباط سفينة فغرقت بحله ضمنها أو بعارض ريح أو نحوه فلا لما مر، فإن لم يظهر حادث فوجهان: أوجههما كما
قاله الزركشي عدم الضمان للشك في الموجب كما مر. (ولو فتح قفصا عن طائر وهيجه فطار) في الحال (ضمنه)
بالاجماع كما قاله الماوردي، لأنه ألجأه إلى الفرار كإكراه الآدمي. (وإن اقتصر على الفتح فالأظهر أنه إذا طار في الحال
ضمن) لأن طيرانه في الحال يشعر بتنفيره. (وإن وقف ثم طار فلا) يضمنه، لأن طيرانه بعد الوقوف يشعر باختياره.
والثاني: يضمنه مطلقا لأنه لو لم يفتح لم يطر. والثالث: لا يضمن مطلقا لأن له قصدا واختيارا، والفاتح متسبب، والطائر
مباشر، والمباشرة مقدمة على السبب. ويجري الخلاف فيما لو حل رباط بهيمة أو فتح بابا فخرجت وضاعت، وفيما لو
حل قيد رقيق مجنون أو فتح عليه الباب، بخلاف الرقيق العاقل ولو كان آبقا لأنه صحيح الاختيار، فخروجه عقب
ما ذكر يحال عليه. ولو أخذته هرة بمجرد الفتح وقتلته وإن لم تدخل القفص أو لم يعهد ذلك منها كما بحثه شيخنا
أو طار فصدم جدار فمات أو كسر في خروجه قارورة أو القفص ضمن ذلك، لأنه ناشئ من فعله ولان فعله في الأولى
بمعنى إغراء الهرة. وقضية هذا التعليل أن محل ذلك فيما إذا كانت الهرة حاضرة وإلا فلا ضمان كعروض ريح بعد
278

فتح الزق. ولو كان الطائر في أقصى القفص فأخذ يمشي قليلا قليلا ثم طار فكطيرانه في الحال كما قاله القاضي، قال:
ولو كان القفص مفتوحا فمشى إنسان على بابه ففزع الطائر وخرج ضمنه، ولو أمر طفلا أو مجنونا بإرسال طائر في يده
فأرسله فهو كفتح القفص عنه كما قاله الماوردي والروياني.
فروع: لو حل رباط عن علف في وعاء فأكلته في الحال بهيمة ضمن. فإن قيل: قد صرح الماوردي بأنه لو حل رباط
بهيمة فأكلت علفا أو كسرت إناء لم يضمن سواء اتصل ذلك بالحل أم لا، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأنه إنما لم
يضمن في تلك لأنه لم يتصرف في التالف بل في المتلف عكس ما هنا. ولو خرجت البهيمة عقب فتح الباب ليلا فأتلفت زرعا
أو غيره لم يضمنه الفاتح كما جزم به ابن المقري خلافا لما في الأنوار، إذ ليس عليه حفظ بهيمة الغير عن ذلك. ولو وقف
طائر على جداره فنفره لم يضمنه لأن له منعه من جداره، وإن رماه في الهواء ولو في هواء بارد فقتله ضمنه، إذ ليس له
منعه من هواء داره. ولو فتح الحرز فأخذ غيره ما فيه أو دل عليه اللصوص فلا ضمان عليه إذ لم تثبت يده على المال وتسببه
بالفتح في الأولى قد انقطع بالمباشرة، نعم لو أخذ غيره بأمره وهو أعجمي أو ممن يرى طاعة أمره فعليه الضمان لا على
الاخذ. ولو بنى دارا فألقت الريح فيها ثوبا وضاع لم يضمنه، لأنه لم يستول عليه.
تنبيه: كان الأولى أن يقول المصنف عن طير بلا ألف، إذ هو غير طائر في القفص، وقد اعترض المصنف في نكته
على التنبيه بذلك. وأجيب بأن الذي قاله جمهور أهل اللغة: أن الطائر مفرد، والجمع طير. (والأيدي المترتبة على يد
الغاصب أيدي ضمان وإن جهل صاحبها) أي الأيدي (الغصب) وكانت أيدي أمانة، لأنه وضع يده على ملك غيره بغير
إذنه، والجهل ليس مسقطا للضمان بل للإثم فيطالب المالك من شاء منهما، نعم يستثنى الحاكم وأمينه فإنهما لا يضمنان
بوضع اليد على وجه الحفظ والمصلحة للمغصوب منه. ومن انتزع المغصوب ليرده لمالكه إن كان الغاصب حربيا ورقيقا
للمالك لا غيرهما وإن كان معرضا للضياع كما في الروضة وأصلها في باب اللقطة خلافا للسبكي فيما إذا كان معرضا للضياع.
تنبيه: قد يفهم كلام المصنف أنه لو زوج الغاصب المغصوبة وهلكت عند الزوج أن الزوج يطالب بقيمتها. والمذهب
أنه لا يطالب بها بخلاف المودع، لأن كونها في حيال الزوج ليس كحلول المال في اليد، وينبغي كما قاله الزركشي تخصيصه
بما إذا تلف بغير الولادة وإلا فيضمنها كما أولد أمة غيره بشبهة وماتت بالولادة فإنه يضمنها على الأصح كما قاله الرافعي
في الرهن. (ثم إن علم) من ترتبت يده على يد الغاصب الغصب، (فكغاصب من غاصب) حكمه (فيستقر عليه ضمان ما تلف
عنده) لأن حد الغصب صادق عليه، ويطالب بكل ما يطالب به الغاصب ولا يرجع على الأول إن غرم، ويرجع عليه الأول
إن غرم. نعم إن كانت القيمة في يد الأول أكثر فالمطالب بالزيادة هو الأول خاصة، وإليه أشار المصنف بقوله: فيستقر عليه ضمان ما تلف عنده.
تنبيه: لو أبرأ المالك الغاصب الأول لا يبرأ الثاني، وإن أبرأ الثاني برئ الأول لأن الثاني هو الذي يتقرر عليه
الضمان والأول كالضامن عنه، قاله القفال في فتاويه. (وكذا) يستقر على من ترتبت يده على يد الغاصب، (إن جهل) الغصب
(وكانت يده في أصلها يد ضمان كالعارية) والبيع والقرض والسوم لأنه دخل على الضمان فلم يغره الغاصب.
(وإن) جهل و (كانت) يده (يد أمانة) بلا اتهاب (كوديعة) وقراض، (فالقرار على الغاصب) دونه لأنه دخل على أن
يده نائبة عن يد الغاصب لكنه طريق في الضمان، فإن غرم الغاصب لم يرجع على الأمين وإن غرم هو رجع على
الغاصب، ومثله ما لو صال المغصوب على شخص فأتلفه، فلو كان هو المالك لم يبرأ الغاصب. أما لو وهب الغاصب المغصوب من شخص فقرار الضمان على الموهوب له على الأظهر، لأنه وإن كانت يده ليست يد ضمان إلا أنه أخذه
279

للتملك. ولو ضاع المغصوب من الغاصب فالتقطه إنسان جاهل بحاله، فإن أخذه للحفظ أو مطلقا فهو أمانة، وكذا إن
أخذه للتملك ولم يتملك، فإن تملكه صارت يده يد ضمان. (ومتى أتلف الآخذ من الغاصب مستقلا به) أي الاتلاف، وهو من أهل الضمان، (فالقرار عليه مطلقا) أي سواء كانت يده يد ضمان أو أمانة، لأن الاتلاف أقوى من إثبات اليد العادية.
تنبيه: احترز بقوله: مستقلا عما إذا حمله الغاصب عليه، وفيه تفصيل، وهو إن كان لغرض الغاصب كذبح الشاة
وطحن الحنطة فالقرار على الغاصب، أو لا لغرض كإتلاف المال فعلى المتلف لأنه حرام، أو لغرض المتلف فقد ذكره
بقوله: (وإن حمله الغاصب عليه بأن قدم له طعاما مغصوبا ضيافة فأكله فكذا) القرار على الآكل (في الأظهر) لأنه المتلف
وإليه عادت المنفعة. والثاني: أن القرار على الغاصب لأنه غر الآكل. وعلى الأول لو قال هو ملكي فالقرار على الآكل
أيضا فلا يرجع بما غرمه على الغاصب، لكن بهذه المقالة إن غرم الغاصب لم يرجع على الآكل لأن دعواه الملك اعتراف منه
بأن المالك ظلمه بتغريمه، ولا يرجع على غير من ظلمه. وإذا قدمه لعبد ولو بإذن مالكه فالاكل جناية منه يباع فيها
لتعلق موجبها برقبته، فلو غرم الغاصب رجع على قيمة العبد، بخلاف ما لو قدمه لبهيمة فأكلته وغرم الغاصب فإنه لا يرجع
على المالك إن لم يأذن وإلا رجع عليه. (وعلى هذا) أي الأظهر في أكل الضيف، (لو قدمه) أي الغاصب (لمالكه) أو لم
يقدمه له، (فأكله) جاهلا بأنه له (برئ الغاصب) لأنه باشر إتلاف ماله باختياره. وعلى الثاني لا يبرأ لجهل المالك به. أما
إذا كان عالما بأنه له فإن الغاصب يبرأ قطعا.
تنبيه: إنما يبرأ الغاصب بذلك إذا لم يعد المغصوب هالكا كالهريسة، وإلا فلا يبرأ لأن الغاصب يملكه في هذه الحالة،
فهو إنما أكل مال الغاصب فيلزم الغاصب البدل للمالك، ولهذا قال الزبيري: لو غصب سمنا وعسلا ودقيقا وصنعه
حلوا وقدمه لمالكه فأكله لم يبرأ قطعا لأنه بالخلط صار كالتالف وانتقل الحق إلى القيمة، ولا تسقط عندنا ببذل غيرها
إلا برضا مستحقها ولو مع العلم بذلك اه‍. ويبرأ الغاصب أيضا بإعارته أو بيعه أو إقراضه للمالك ولو جاهلا
بأنه له، لأنه
باشر أخذ ماله باختياره لا بإيداعه ورهنه وإجارته وتزويجه منه والقراض معه فيه جاهلا بأنه له لأن التسلط فيها غير تام،
بخلاف ما إذا كان عالما. والتزويج شامل للذكر والأنثى، ومحله في الأنثى ما لم يستولدها، فإن استولدها - أي وتسلمها -
برئ الغاصب. ولو قال الغاصب للمالك: أعتقه عني أو أعتقه عنك فأعتقه ولو جاهلا بأنه له عتق وبرئ الغاصب كما رجحه
ابن المقري، وصرح به السبكي، ويقع العتق عن المالك لا عن الغاصب على الصحيح في أصل الروضة. والأوجه معنى
كما قال شيخنا أنه يقع عن الغاصب، ويكون ذلك بيعا ضمنا إن ذكر عوضا وإلا فهبة بناء على صحة البيع فيما لو باع
مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا.
فصل: في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره: (تضمن نفس الرقيق) المغصوب (بقيمته) بالغة ما بلغت، ولو زادت
على دية الحر كسائر الأموال (أتلف) بجناية (أو أتلف تحت يد عادية) بتخفيف الياء تأنيث عاد بمعنى متعد، لأنه مال متقوم
فوجبت قيمته كسائر الأموال المتقومة.
تنبيه: لو قال: تحت يد ضامنة بدل عادية لكان أولى ليشمل المستام والمستعير وغيرهما ويخرج الحربي
وعبد المالك، وقد يقال: إنه لما كان الباب معقودا للتعدي اختار التعبير بالعادية. (و) تضمن (أبعاضه التي لا يتقدر
أرشها من الحر) كالبكارة وجرح البدن والهزال (بما نقص من قيمته) بالاجماع، تلف أو أتلف كما في سائر الحيوانات.
280

تنبيه: استثنى المتولي ما إذا كانت الجناية فيما يتقدر كاليد وكان الناقص أكثر من مقدره أو مثله فلا توجب
جميعه، لأنه يؤدي إلى أن يزيد على موجب الجناية أو يساويه بإدخال خلل في العضو على نفس العضو. لكن الحاكم
يوجب فيه حكومة باجتهاده، قال البلقيني: وهذا تفصيل لا بد منه، وإطلاق من أطلق محمول عليه اه‍. وهذا كما قال
شيخنا إنما يأتي في غير الغاصب، أما فيه فيضمن بالنقص مطلقا، والكلام إنما هو فيه. (وكذا) تضمن الابعاض
(المقدرة) كاليد والرجل بما نقص من قيمته (إن تلفت) بآفة سماوية، لأن الساقط من غير جناية لا يتعلق به قصاص
ولا كفارة ولا يضرب على العاقلة فأشبه الأموال.
تنبيه: أفهم قوله: بما نقص من قيمته أنه لو لم تنقص القيمة كما لو سقط ذكره وأنثياه كما هو الغالب من عدم تنقيص
القيمة لم يلزمه شئ قطعا، وهو كذلك. (وإن أتلفت) بجناية فكذا) تضمن بما نقص من قيمته (في القديم) قياسا
على البهيمة، لأنه حيوان مملوك. (وعلى الجديد تتقدر من الرقيق) لأنه يشبه الحر في كثير من الأحكام، (والقيمة فيه
كالدية في الحر، ففي يده) ولو مكاتبا أو مدبرا أو أم ولد، (نصف قيمته) هذا إذا كان الجاني غير الغاصب
وإن كان
في يد الغاصب كما قاله شيخنا في شرح الروض كما يضمن يد الحر بنصف دية، وسيأتي بسط ذلك في آخر الديات إن شاء
الله تعالى، فإن المصنف أعادها هناك. أما الغاصب ذو اليد العادية فيلزمه أكثر الامرين من أرشه ونصف قيمته لاجتماع
الشبهين، فلو كان الناقص بقطعها ثلثي قيمته لزماه النصف بالقطع والسدس باليد العادية، نعم إن قطعها المالك ضمن
الغاصب الزائد على النصف فقط، نقله الأذرعي عن الروياني. وقياسه أنه لو قطعها أجنبي أنه يستقر عليه الزائد على النصف،
ولو قطع الغاصب منه أصبعا زائدة وبرئ ولم تنقص قيمته، قال ابن سريج: لا شئ عليه، وقال أبو إسحاق: يلزمه
ما نقص ويقوم قبل البرء والدم سائل للضرورة اه‍. وهذا أوجه. ولو قطعت يده قصاصا أو حدا فكالآفة كما صححه
البلقيني، والمبعض يعتبر بما فيه من الرق كما ذكره الماوردي، ففي قطع يده مع ربع الدية أكثر الامرين من ربع
القيمة ونصف الأرش.
تنبيه: قد علم من كلام المصنف أن في يدي الرقيق قيمته، واستثنى منها مسألة، وهي ما إذا اشترى عبدا ثم قطع
يديه في يد البائع فلا يجعل قابضا للعبد ويجب ما نقص من قيمته، فإنا لو أوجبنا القيمة لزم أن يكون المشتري قابضا للعبد
والعبد المقطوع في يد البائع، حكاه الإمام عن ابن سريج وقال: إنه من محاسن تفريعاته اه‍. وفي هذا نظر، بل يأخذه المشتري
بالثمن ولا أرش له لحصول ذلك بفعله. (و) يضمن (سائر) أي باقي (الحيوان) غير الآدمي (بالقيمة) تلف أو أتلف،
وتضمن أجزاؤه تلفت أو أتلفت بما نقص من قيمته، لأنه مملوك لا يشبه الحر في أكثر أحكامه فأوجبنا فيه ما نقص قياسا
على الجهاد. ولو جنى على بهيمة حامل فألقت جنينا حيا ثم مات من ألم الجناية فهل تجب قيمته حيا أو أكثر الامرين
من قيمته ونقص الام بالولادة؟ قولان في النهاية: أوجههما كما قال شيخي الثاني.
تنبيه: ما قررت به كلام المصنف من أن ذلك شامل للحيوان ولأجزائه تبعا لابن النقيب أولى من اقتصار
الأسنوي على أجزائه. هذا كله في غير الغاصب، أم هو فيضمن ما ذكر بأقصى قيمه من حين الغصب إلى حين التلف.
ويستثنى من إطلاق المصنف قتل الصيد في الحرم فيضمن بمثله من النعم لأجل النص فيه. (وغيره) أي الحيوان من
الأموال قسمان: (مثلي ومتقوم) بكسر الواو، وقيل بفتحها، لأن المال إن كان له مثل فهو المثلي وإلا فالمتقوم. (والأصح
أن المثلي ما حصره كيل أو وزن وجاز السلم فيه) فخرج بقيد الكيل والوزن ما يعد كالحيوان أو يذرع كالثياب، وبجواز
السلم فيه الغالية والمعجون ونحوهما، لأن المانع من ثبوت ذلك في الذمة بعقد السلم مانع من ثبوته بالتلف
والاتلاف.
281

وشمل التعريف الردئ نوعا، أما الردئ عيبا فليس بمثلي لأنه لا يجوز السلم فيه. فإن قيل: يرد على هذا الحد القمح
المختلط بالشعير فإنه لا يجوز السلم فيه مع أن الواجب فيه المثل فيخرج القدر المحقق منهما. أجيب بأن إيجاب رد مثله
لا يستلزم كونه مثليا كما في إيجاب رد مثل المتقوم في القرض، وبأن امتناع السلم في جملته لا يوجب امتناعه في جزأيه
الباقيين بحالهما، ورد المثل إنما هو بالنظر إليهما والسلم فيهما جائز. قال الزركشي: وقد يمنع رد مثله لأنه بالاختلاط انتقل
من المثلي إلى المتقوم لجهل بالقدر، لكن أورد عليه خل التمر فإنه متقوم ويحصره الكيل أو الوزن ويجوز السلم فيه.
ثم شرع في أمثلة يتضح بها الضابط، فقال: (كماء) قال في المطلب: بارد، إذ الحار متقوم لدخول النار فيه. قال الأذرعي:
وهذا يطرق غيره من المائعات، وعلى هذا فهو خارج بقولهم وجاز السلم فيه لكن في الكفاية في باب الربا عن الإمام
أنه يجوز بيع الماء المسخن بعضه ببعض اه‍. وهذا هو المعتمد. (وتراب) ورمل (ونحاس) بضم النون بخطه، وحكي
كسرها، وحديد (وتبر) وهو الذهب الخارج من المعدن الخالص عن ترابه قبل أن يصاغ، وبعضهم أطلقه على الفضة
أيضا، وأطلقه الكسائي على الحديد والنحاس. (ومسك) وعنبر (وكافور) وثلج وجمد (وقطن) ولو بحبه كما صرح
به الرافعي في السلم. قال الأسنوي: ولم يستحضر في المطلب ما قاله الرافعي هناك، فقال: أما قبل نزع حبه فالذي يظهر
القطع بأنه متقوم، وأما الصوف فقال الشافعي: يضمن بالمثل إن كان له مثل. قيل: وهذا توقف منه في أنه مثلي أم لا،
ومع هذا فهو كالقطن. (وعنب) ورطب وسائر الفواكه الرطبة على الأصح في الشرح والروضة، وهذا هو المعتمد، وإن
صححا فيهما في باب زكاة المعشرات عن الأكثرين: أن الرطب والعنب غير مثليين، وتقدم الكلام عليهما هناك.
(ودقيق) ونخالة كما في فتاوى ابن الصلاح، وكذا الحبوب الجافة والادهان والألبان والخلول التي ليس فيها ماء والسمن
والمخيض والدراهم والدنانير الخالصة والمغشوشة والمكسرة والسبيكة، (لا غالية ومعجون) لأنهما مختلطان من أجزاء مختلفة،
فهما مما خرج بقيد جواز السلم. (فيضمن المثلي بمثله) لأنه أقرب إلى حقه، ولان المثل كالنص لأنه محسوس والقيمة
كالاجتهاد. (تلف أو أتلف) زاد في المحرر: تحت اليد العادية، لقوله لها في أول الفصل، فحذفها المصنف فورد عليه المستعير
والمستام فإنهما يضمنان المثلي بالقيمة كما تقدم التنبيه عليه في المستعير، فكان الأحسن ذكره هنا وحذفه هناك، لكن
لما كان كلامه في الغصب استغنى عن ذلك.
تنبيه: استثني من ذلك مسائل: إحداها إذا خرج المثلي عن أن يكون له قيمة كمن غصب جمدا في الصيف أو
ماء في مفازة وتلف أو أتلفه هناك بلا غصب ثم اجتمع المالك والغاصب أو المتلف في الشتاء في الأولى أو على ماء نهر في الثانية
لزمه قيمة المثل في الصيف في الأولى وفي مثل تلك المفازة في الثانية، ثم إذا اجتمعا في الصيف أو في مثل تلك المفازة فلا تراد.
ثانيها: لو غصب مثليا له مؤنة كأن نقل المالك برا من مصر إلى مكة ثم غصبه شخص هناك ثم طالبه مالكه به في مصر، فإنه
يلزمه قيمته بمكة كما أفتى به شيخي لأجل المؤنة. ثالثها: لو صار المثلي متقوما كجعله
الدقيق خبزا أو صار المتقوم مثليا كجعله الشاة لحما أو صار المثلي مثليا آخر كجعله السمسم شيرجا ثم تلف عنده أخذ المالك المثل في الثلاثة مخيرا في الثالث منها بين
المثلين، إلا أن يكون الآخر أكثر قيمة فيؤخذ هو في الثالث وقيمته في الأولين، وهذا محل الاستثناء، أما لو صار المتقوم
متقوما آخر كحلي صبغ من إناء غير ذهب ولا فضة فيجب فيه أقصى القيم كما يعلم مما يأتي في غير المثلي. رابعها: لو تراضيا على
أخذ القيمة مع وجود المثل جاز في أحد وجهين، قطع به المتولي وهو المعتمد كما رجحه ابن المقري، فعلى هذا لا يتعين ضمان
المثلي بالمثل إلا إذا لم يرض مالكه بأخذ القيمة. خامسها: لو غصب مثليا وتلف ثم ظفر بالغاصب في غير بلد التلف على
ما سيأتي. سادسها: إذا وجده بأكثر من ثمن مثله لأن وجوده بأكثر من ثمن مثله كالمعدوم، ولو غصب حليا من ذهب
وزنه عشرة دنانير مثلا وقيمته عشرون دينارا أو تلف ضمن التبر بمثله لأنه مثلي كما مر، والصنعة بقيمتها لأنها متقومة
من نقد البلد، وإن كان من جنس الحلي ولا ربا لاختصاصه بالعقود، وهذا ما نقله في أصل الروضة عن البغوي
282

، وجرى عليه ابن المقري، ويوافقه ما سيأتي في الدعوى. ونقل في أصل الروضة أيضا عن الجمهور أنه يضمن الجميع بنقد
البلد، والأول أوجه. فإن كانت الصنعة محرمة كالإناء من أحد النقدين ضمنه بمثله وزنا كالسبيكة وغيرها مما لا صنعة فيه
كالتبر. سابعها: إذا تعذر المثل كما قال: (فإن تعذر) المثل بأن لم يوجد بمحل الغصب ولا حوله فيما دون مسافة القصر
كما في السلم، أو منعه من الوصول إليه مانع، (فالقيمة) لأنه لما تعذر المثل
أشبه ما لا مثل له بالكلية. ولو وجد المثل بعد أخذ القيمة فليس لأحدهما ردها وطلبه في الأصح كما اقتضاه كلام الشرح والروضة وإن مال السبكي إلى مقابله،
وللمغصوب منه أن يصير حتى يوجد المثل ولا يكلف أخذ القيمة لأنها لم تتعين بخلاف غيرها من الديون إذا دفعها وهي
في ذمته وامتنع صاحب الحق من قبضها حيث يجبر. (والأصح أن المعتبر أقصى قيمه) بفتح الياء وكسر الميم جمع
قيمة بسكون الياء. (من وقت الغصب إلى تعذر المثل) أي إذا كان المثل موجودا عند التلف فلم يسلمه حتى فقده كما صرح به
في المحرر، والمراد أقصى قيم المثل. كما صححه السبكي كما هو ظاهر كلام الأصحاب، خلافا لبعض المتأخرين القائل بأن
المراد المغصوب، لأن المغصوب بعد تلفه لا تعتبر الزيادة الحاصلة فيه بعد التلف لأن وجود المثل كبقاء عين المغصوب لأنه
كان مأمورا برده كما كان مأمورا برد المغصوب، فإذا لم يفعل غرم أقصى قيمه، أما إذا كان المثل مفقودا عند التلف
فالأصح وجود الأكثر من الغصب إلى التلف كما قاله الشيخان. ومقابل الأصح أحد عشر وجها: قيل: قيمة يوم المطالبة،
وقيل: يوم التلف، وقيل: يوم فقد المثل. (ولو نقل المغصوب المثلي إلى بلد آخر فللمالك أن يكلفه رده) إلى بلده إذا علم مكانه
ليرده كما أخذه. (و) له (أن يطالبه) مع ذلك كما نبه عليه الأسنوي (بالقيمة في الحال) أي قبل الرد للحيلولة بينه وبين
ملكه إن كان بمسافة بعيدة وإلا فلا يطالب إلا بالرد، قاله الماوردي. وهذا كما قال الأذرعي فيما إذا لم يخف هرب
الغاصب أو تواريه، وإلا فالوجه عدم الفرق بين المسافتين. فإن قيل: في عبارة المصنف تكرار فإن هذا داخل في قوله:
وعلى الغاصب الرد، فإن هذه بعض تلك، فإن تلك أعم من المثلي ومن المتقوم المستقر في بلد الغاصب والمنقول عنه بنقل
الغاصب أو بغيره. أجيب بأنه إنما ذكره هنا لأنه لو اقتصر على أن له المطالبة بالقيمة في الحال لتوهم أن ليس له
سوى ذلك مع أن له الجمع بينهما كما تقرر، وإنما لم يغرم المثل في المثلي كما قال الأسنوي إنه القياس لأنه لا بد من التراد،
فقد يرتفع السعر وينخفض فيلزم الضرر والقيمة شئ واحد، وهذه القيمة يملكها الآخذ على الأصح وإلا لما سدت
مسد المغصوب، وهو كملك القرض كما صرح به القاضي حسين والإمام لأنه ينتفع به على حكم رده أو بدله عند رد العين،
وليس لنا موضع يجتمع فيه ملك البدل والمبدل على المذهب إلا هذه. والقيمة الواجبة أقصى القيم من الغصب إلى الطلب،
فقول المصنف: في الحال متعلق بقوله: يطالبه لا بالقيمة. وينبغي كما قال الأسنوي إذا زادت القيمة بعد هذا أن يطالب
لأنه باق على ملكه.
تنبيه: قول المصنف: إلى بلد آخر يفهم أن النقل إلى دار أخرى بالبلد لا يسلط على طلب القيمة، وهو ظاهر إذا أمكنه
إحضاره في الحال وإلا كان له ذلك كما قاله الأذرعي. (فإذا رده) أي المغصوب (ردها) أي القيمة إن كانت باقية وإلا
فبدلها لزوال الحيلولة. ويجب على الغاصب رد المغصوب إذا عاد بعد أخذ القيمة واسترجاع القيمة جزما، بخلاف
ما لو غرم القيمة لاعزاز المثل ثم وجد المثل فإنه لا يرد على الأصح. والفرق أن المغصوب عين حقه والمثل بدل حقه، ولا يلزم
من تمكينه من الرجوع إلى عين حقه تمكينه من الرجوع إلى بدل حقه، فإن اتفقا على ترك التراد فلا بد من بيع
بشروطه.
ويجب على الغاصب أجرة المغصوب إلى وصوله للمالك ولو أعطى القيمة للحيلولة، وكذا حكم ضمان زوائده وأرش
جنايته، وليس للمغصوب منه إمساك الدراهم المبدولة إذا كانت باقية وغرامة مثلها كما في زوائد الروضة لما مر أنها
كالقراض فيردها بزوائدها المتصلة دون المنفصلة، ويتصور زيادتها بأن يدفع عنها حيوانا فينتج أو شجرة فتثمر كما قاله
العمراني، أو بأن يكون ببلد يتعامل أهله بالحيوان كما قاله بعضهم.
283

تنبيه: قضية كلام المصنف أنه لا يسترد القيمة إلا إذا رد العين، واستثنى من ذلك ما لو أخذ السيد قيمة أم الولد
للحيلولة ثم مات السيد قبل ردها فإن الغاصب يسترد القيمة كما قاله في المطلب، ويلتحق بذلك ما لو أعتقها أو أعتق العبد
المغصوب. ويفهم من قول المصنف، فإذا رده ردها أنه ليس للغاصب حبس المغصوب لاسترداد القيمة، وهو كذلك، وإن
حكى القاضي حسين عن النص أن له ذلك. (فإن تلف) المغصوب المثلي (في البلد المنقول إليه طالبه بالمثل) حيث ظفر به
(في أي البلدين) شاء، لأنه كان لمطالبته برد العين فيهما. ويؤخذ من ذلك كما قال الأسنوي أن له المطالبة في أي موضع
أراد من المواضع التي وصل إليها في طريقه بين البلدين.
تنبيه: قول المصنف: في البلد المنقول إليه ليس بقيد، فإنه لو أعاده الغاصب إلى بلد الغصب فتلف فيه لم يسقط
التخيير. (فإن فقد المثل) حسا بأن لم يوجد، أو شرعا بأن منع من الوصول إليه مانع، أو وجد بزيادة على ثمن مثله، (غرمه)
المالك (قيمة أكثر البلدين قيمة) لأنه كان يجوز له المطالبة بالمثل فيهما بل يطالبه بأكثر قيم البقاع التي وصل إليها المغصوب
كما صرح به الروياني لما ذكر. (ولو ظفر) المالك (بالغاصب) للمثلي، أو المتلف بغير غصب بأن وجده (في غير بلد التلف)
والمثل موجود، (فالصحيح أنه إن كان لا مؤنة لنقله كالنقد) اليسير (فله مطالبته بالمثل) إذ لا ضرر على واحد منهما
في ذلك، (وإلا) بأن كان لنقله مؤنة (فلا مطالبة) له (بالمثل) ولا للغاصب أو المتلف أيضا تكليفه قبوله، لما فيه من المؤنة
والضرر. (بل يغرمه قيمة بلد التلف) لأن تعذر الرجوع إلى المثل كالانقطاع. والثاني: له المطالبة بالمثل مطلقا، كما لو أتلف
مثليا في وقت الرخص له طلبه في وقت الغلاء. والثالث: إن كانت قيمة ذلك البلد مثل قيمة بلد التالف أو أقل طالبه بالمثل
وإلا فلا، ونقله الأسنوي عن جمع كثير.
تنبيه: اقتصار المصنف على قيمة بلد التلف محله إذا لم ينقل المغصوب عن موضعه، فإن نقل فقد مر أنه يجب
أكثر البقاع قيمة. ولو تراضيا على المثل، قال في أصل الروضة: لم يكن له تكليفه مؤنة النقل. ولو أخذ المثل على أن
يغرم له مؤنة النقل لم يجز كما قاله البغوي. ولو ظفر بالمتلف الذي ليس بغاصب في غير مكان التلف فحكمه حكم الغاصب
فيما ذكره المصنف. ثم لما فرغ من ذكر المثلي شرع في ذكر المتقوم فقال: (وأما) المغصوب (المتقوم فيضمن بأقصى قيمه
من) وقت (الغصب إلى) وقت (التلف) لأنه في حال زيادة القيمة غاصب مطالب بالرد، فإذا لم يرد ضمن بدله،
بخلاف ما لو رده بعد الرخص فإنه لا يضمن شيئا لأنه مع بقاء العين يمكن توقع الزيادة في المستقبل فلم تغير بالكلية. ولا فرق في
اختلاف القيمة بين تغير السعر أو تغير المغصوب في نفسه، ولا عبرة بالزيادة بعد التلف، وإنما تجب القيمة من نقد
بلد التلف، كذا قالاه، وهو محمول كما قال الأسنوي على ما إذا لم ينقله إلا فيتجه كما في الكفاية اعتبار البلد الذي تعتبر
القيمة فيه، وهو أكثر البلدين قيمة كما مر في المثلي، وفي البحر عن والده ما يقاربه.
تنبيه: يستثنى من ضمان المتقوم بالقيمة ما لو تلف المال الزكوي في يده بعد الحول بلا عذر فإنه يضمنه بالمثل
الصوري وإن قلنا الزكاة تتعلق بالعين تعلق شركة، لأنه لو فعل ذلك مع بقاء المال لأجزأه فتعين عند عدمه، حكاه
في الكفاية في قسم الصدقات عن الأصحاب. والعبرة بالنقد الغالب، فإن غلب نقدان وتساويا عين القاضي واحدا
كما قاله الرافعي في كتاب البيع. (وفي الاتلاف) للمتقوم (بلا غصب) يضمن (بقيمة يوم التلف) لأنه لم يدخل في ضمانه
قبل ذلك وما بعده فلا وجود له. وتعتبر القيمة في موضع الاتلاف إلا إذا كان لا يصلح كالمفازة فيعتبر بأقرب
البلاد كما في الكافي. (فإن) نقص، كأن (جنى) على متقوم بيد مالكه، أو من يخلفه في اليد وقيمته مائة (وتلف) بعد
284

ذلك (بسراية) وقيمته خمسون، (فالواجب الأقصى أيضا) وهو المائة، لأنا إذا اعتبرنا الأقصى في اليد العادية فلان
يعتبر في نفس الاتلاف أولى. (ولا تضمن الخمر) سواء أكانت لمسلم أم لغيره محترمة أم لا، إذ لا قيمة لها كالدم والميتة
وسائر الأعيان النجسة. والنبيذ كالخمر مع أن اسمها لا يتناوله عند الأكثرين، ولكن لا يريقه إلا بأمر حاكم مجتهد
يرى ذلك - كما قاله الماوردي - لئلا يتوجه عليه الغرم، فإنه عند أبي حنيفة مال، والحاكم المقلد الذي يرى إراقته كالمجتهد
في ذلك. قال الأذرعي: وكأن الكلام مفروض فيما إذا كان المتجاهر به مستحله مذهبا أو تقليدا، أما إذا كان ممن
يرى تحريمه فالظاهر أنه في حقه كالخمر المجمع عليها، وهل العامي الذي لا يتبع مذهبا كهذا أو يصرف لمستبيح؟ فيه
احتمال اه‍. واعترض بأن توقي الغرم عند من يراه لا فرق فيه بين من يعتقد تحريمه وغيره، فلا وجه لما قاله. وذكر
المصنف في الدقائق أن الحشيشة مسكرة، وعلى هذا فيتجه كما قال الأسنوي إلحاقها بالخمر. ولا ضمان في المتنجس من المائع
في أحد وجهين يظهر ترجيحه لعدم صحة بيعه، وأما إناء الخمر ونحوه فيجوز كسره إذا لم يقدر على الإراقة إلا به، أو
كان الاناء ضيق الرأس، أو لو اشتغل بإراقته أدركه الفساق ومنعوه، أو كان يضيع زمانه ويتعطل شغله، ذكره
الغزالي.
وللولاة كسر آنية الخمر والنبيذ زجرا وتأديبا دون الآحاد، وقد فعل ذلك في زمنه (ص). قال الأسنوي: وهو من
النفائس المهمة. (ولا تراق) الخمر ونحوها (على ذمي) لأنهم يقرون على الانتفاع بها كما قاله في الكفاية. (إلا أن
يظهر شربها أو بيعها) أو غيرهما كهبتها ولو من مثله فتراق عليه، لأن في إظهار ذلك استهانة بالاسلام كإظهارهم كفرهم،
والاظهار هو الاضطلاع عليه من غير تجسس، والخنزير كالخمر في ذلك. هذا إذا كانوا بين أظهرنا، فإن انفردوا بقرية
مثلا فلا يعترض عليهم إذا تظاهروا بالخمر ونحوها كما سيأتي بسط ذلك إن شاء الله تعالى في كتاب الجزية. (وترد عليه)
إذا لم يظهرها وجوبا، (إن بقيت العين) لما سبق من تقريرهم عليها، والمؤنة على الآخذ في الأصح في الشرح
والروض في باب الجزية، فهو مستثنى من قاعدة من لا يضمن العين لا يضمن ردها. قال في الام: ومن تعرض لهم
زجر، فإن عاد أدب. (وكذا) ترد الخمرة (المحترمة) إن بقيت وما ألحق بها (إذا غصبت من مسلم) عليه، لأن له
إمساكها لتصير خلا. أما غير المحترمة فلا ترد عليه بل تراق. والمحترمة كما قال الرافعي هنا: هي التي عصرت من غير
قصد الخمرية، وهو أولى من قوله في الرهن: هي التي عصرت بقصد الخلية، فالتي عصرت بغير قصد شئ محترمة على
الأول دون الثاني. ومن أظهر خمرا وزعم أنها خمر خل، قال الإمام: لم يقبل منه، قال الأذرعي: إلا أن يكون معلوم
الورع مشهور التقوى وإلا لاتخذ الفساق ذلك ذريعة إلى اقتناء الخمر بإظهارها وأنهم عصروها للخلية اه‍. وهو تفصيل
حسن، وهو مأخوذ من قول الإمام. ولو اطلعنا على خمر ومعها مخايل تشهد بأنها خمر خل، فالمذهب أنا لا نتعرض
لها. (والأصنام) والصلبان (وآلات الملاهي) كالطنبور (لا يجب في إبطالها شئ) لأن منفعتها محرمة لا تقابل
بشئ. وقضية التعليل كما قال الأسنوي: أن ما جاز من آلات اللهو كالدف يجب الأرش على كاسره. وفي أواني الذهب
والفضة خلاف مبني على حل الاتخاذ. (والأصح أنها لا تكسر الكسر الفاحش) لامكان إزالة الهيئة المحرمة مع بقاء
بعض المالية. نعم للإمام ذلك زجرا وتأديبا على ما قاله الغزالي في إناء الخمر بل أولى. (بل تفصل لتعود كما قبل التأليف)
لزوال الاسم بذلك. والثاني: لا يجب تفصيل الجميع بل بقدر ما لا يصلح للاستعمال، ولا يكفي إزالة الأوتار فقط جزما لأنها
منفصلة عنها. والثالث: تكسر حتى تنتهي إلى حد لا يمكن اتخاذ آلة محرمة لا الأولى ولا غيرها. ولو زاد في الكسر
على المشروع غرم التفاوت بينه وبين المشروع، ولو اختلفا في الزيادة على الحد المشروع وادعى صاحب الآلة
الزيادة وأنكر المتلف قال الزركشي: ينبغي أن يصدق صاحب الآلة كما يصدق المالك فيما لو أراق شيئا وقال
المالك كان عصيرا وقال المتلف بل خمرا، فإن المالك يصدق بيمينه كما قاله البغوي في فتاويه، إذ الأصل بقاء المالية.
285

(فإن عجز المنكر) على الأول (عن رعاية هذا الحد) أي التفصيل المذكور (لمنع صاحب المنكر، أبطله كيف تيسر) وإن زاد
على ما مر، لأن صاحبه مفرط، ولا يجوز إحراقها ما لم يتعين طريقا للإزالة لأن رضاضها متمول. ويشترك في جواز إزالة المنكر
الرجل والمرأة والخنثى ولو أرقاء وفسقة، قال الأسنوي: وفي حفظي أنه ليس للكافر إزالته. وجزم ابن الملقن في العدة
أنه ليس للكافر ذلك، ويشهد له قول الغزالي في الاحياء: ومن شروط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون
المنكر مسلما، قال: لأن ذلك نصرة للدين، فكيف يكون من غير أهله وهو جاحد لأصل الدين؟ وعدو له والصبي المميز
يثاب كما يثاب البالغ، قال في الاحياء: وليس لأحد منعه من إزالة سائر المنكرات كما ليس له منع البالغ، فإنه وإن كان
غير مكلف فهو من أهل القرب، وإنما يجب على قادر مكلف. (وتضمن) بأجرة المثل (منفعة الدار والعبد ونحوهما)
من كل ما له منفعة يستأجر عليها كالكتاب والدابة والمسك، (بالتفويت) كأن يطالع في الكتاب أو يركب الدابة أو
يشم المسك، (والفوات في يد عادية) بأن لم يفعل ذلك ولا غيره كإغلاق الدار، لأن المنافع متقومة فكانت مضمونة
بالغصب كالأعيان، سواء أكان مع ذلك أرش أم لا كما سيأتي. فإن تفاوتت الاجر في مدة ضمن كل مدة بما يقابلها
وكان للمغصوب صنائع وجب أجرة أعلاها إن لم يمكن جمعها، وإلا فأجرة الجميع كخياطة وحراسة وتعليم قرآن. أما
ما لا يؤجر لكونه غير مال ككلب أو لكونه محرما كآلات اللهو أو لغير ذلك كالحبوب فلا تضمن منفعته، فلو اصطاد
بالكلب شيئا كان له كما لو غصب شبكة أو قوسا فاصطاد بهما، فإن اصطاد له العبد شيئا فالمصيد لسيده ولو كان غير مميز
كما صرح به الروياني، ويضمن الغاصب أجرته في زمن صيده أيضا. (ولا تضمن منفعة البضع) وهو الفرج (إلا
بتفويت) بالوطئ فيضمنه بمهر المثل كما سيأتي، ولا يضمن بالفوات لأن اليد لا تثبت عليه، بل اليد على منفعته للمرأة
بدليل أن السيد يزوج أمته المغصوبة، ولا يؤجرها لأن يد الغاصب حائلة. (وكذا) لا تضمن (منفعة بدن الحر)
إلا بالتفويت (في الأصح) فإن حبسه ولم يستوف منفعته لم يستحق شيئا وإن كان صغيرا، لأن الحر لا يدخل تحت اليد
فمنافعه تفوت تحت يده. والثاني: أنها تضمن بالفوات أيضا، لأن منافعه تقوم في الإجارة الفاسدة فأشبهت منافع الأموال.
واحترز بالمنفعة عن نفس الحر فلا يضمن بالغصب، وقد ذكره المصنف في باب السرقة، فقال: ولا يضمن حر بيده
ولو ذكره هنا كان أولى، وعن ثياب الحر المستولي عليه فلا تدخل في ضمان المستولي صغيرا كان المستولي عليه أو كبيرا،
قويا كان أو ضعيفا.
تنبيه: منفعة المسجد والشارع والرباط والمقبرة وأرض عرفات ونحوها ملحقة ببدن الحر تضمن بالتفويت
لا بالفوت، فلو شغل بقعة من المسجد بمتاعه لزمه أجرتها إن لم يغلقه وإلا لزمه أجرة الكل، فإن أغلقه بلا وضع متاع
ومنع الناس من الصلاة فيه فلا ضمان عليه لأن المسجد لا تثبت عليه اليد، ومثله في ذلك البقعة. (وإذا نقص المغصوب)
عند الغاصب (بغير استعمال) كسقوط يد العبد بآفة وعماء، (وجب الأرش) للنقص (مع الأجرة) للفوات، لأن
السبب مختلف ويضمن بأجرة المثل سليما قبل النقص ومعيبا بعده. (وكذا) يجب الأرش مع الأجرة (لو نقص به)
أي الاستعمال، (بأن) أي كأن (بلي الثوب) باللبس (في الأصح) لأن كلا منهما يجب ضمانه عند الانفراد فكذا
عند الاجتماع. والثاني: أن الواجب أكثر الامرين من الأجرة والأرش، لأن النقصان نشأ من الاستعمال وقد قوبل
بالأجرة فلا يجب ضمان آخر. ودفع بأن الأجرة في مقابلة الفوات لا الاستعمال.
فصل: في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها. لو (ادعى) الغاصب (تلفه)
286

أي المغصوب ولم يذكر سببا أو ذكر سببا خفيا كسرقة، وسيأتي ضبط ذلك في الوديعة (وأنكر المالك) ذلك (صدق الغاصب
بيمينه على الصحيح) لأنه قد يكون صادقا ويعجز عن البينة، فلو لم يصدقه لأدى إلى تخليد حبسه، والثاني: يصدق المالك
بيمينه لأن الأصل بقاؤه. (فإذا حلف) الغاصب (غرمه المالك) بدل المغصوب من المثل أو القيمة، (في الأصح) لعجزه عن
الوصول إلى عين ماله بيمين الغاصب، والثاني: لا، لبقاء العين في زعمه. (ولو اختلفا في قيمته) بعد الاتفاق على الهلاك أو حلف
الغاصب عليه، (أو) اختلفا (في الثياب التي على العبد المغصوب) كأن قال المالك: هي لي، وقال الغاصب: بل هي لي، (أو)
اختلفا (في عيب خلقي) كأن قال الغاصب: ولد أكمه أو عديم اليد، وقال المالك: كان سليما، وإنما حدث عندك. (صدق
الغاصب بيمينه) في المسائل الثلاث. أما في الأولى فلان الأصل براءة ذمته من الزيادة وعلى المالك
البينة، فإن أقام المالك بينة على أن القيمة أكثر مما قاله الغاصب من غير تقدير سمعت وكلف الغاصب الزيادة على ما قاله إلى حد لا تقطع البينة
بالزيادة عليه، وقيل: إنها لا تسمع، ومال إليه ابن الرفعة. وإن أقامها على الصفات ليقومه المقومون بتلك الصفات لم تقبل،
لكن يستفيد المالك بإقامتها إبطال دعوى الغاصب مقدارا حقيرا لا يليق بتلك الصفات، وصار كما أقر الغاصب بالصفات
وذكر قيمة حقيرة فيؤمر بالزيادة إلى حد اللائق، وإن أقامها بقيمته قبل الغصب لم تسمع على الصحيح. وأما في الثانية
فلان يد الغاصب على العبد وما عليه، أو خرج بالعبد الحر فلا تثبت يد غاصبه أو سارقه على ثيابه كما مرت الإشارة إليه.
وأما في الثالثة فلان الأصل العدم والبينة ممكنة. (و) في الاختلاف (في عيب حادث) بعد تلفه، كأن قال الغاصب كان سارقا
أو أقطع، (يصدق المالك بيمينه في الأصح) لأن الأصل والغالب السلامة. والثاني: يصدق الغاصب لأن الأصل براءة ذمته.
ولو رده الغاصب وبه عيب وقال غصبته هكذا، وقال المالك: بل حدث عندك صدق الغاصب بيمينه لأن أصل براءة
ذمته عما يزيد على تلك الصفة. فإن قيل: لا يتقيد ذلك برد المغصوب، بل لو تلف كان الحكم كذلك أخذا من التعليل
المذكور ومن مسألة الطعام الآتية. أجيب بأن الغاصب في التلف قد لزمه الغرم فضعف جانبه بخلافه بعد الرد. (ولو رده) أي
المغصوب (ناقص القيمة) بسبب الرخص، (لم يلزمه شئ) لبقائه بحاله، والذي فات إنما هو رغبات الناس. (ولو غصب
ثوبا) مثلا (قيمته عشرة) مثلا (فصارت بالرخص درهما ثم لبسه) مثلا (فصارت نصف درهم فرده لزمه خمسة. وهي قسط
التالف من أقصى القيم) لأن الناقص باللبس نصف الثوب فيلزمه قيمته أكثر ما كانت من الغصب إلى التلف، وهو في المثال
المذكور خمسة، والنقصان الباقي وهو أربعة ونصف سببه الرخص وهو غير مضمون، ويجب أيضا مع الخمسة أجرة
اللبس كما علم مما مر. ولو عادت العشرة باللبس إلى خمسة ثم بالغلاء إلى عشرين لزمه مع رده خمسة فقط وهي الفائتة
باللبس، لامتناع تأثير الزيادة الحاصلة بعد التلف، بدليل أنه لو تلف الثوب كله ثم زادت القيمة لم يغرم الزيادة. ولو اختلف
المالك والغاصب في حدوث الغلاء قبل التلف باللبس فقال المالك: حد ث قبله، وقال الغاصب: بل بعده صدق الغاصب
بيمينه لأنه الغرم. (قلت: ولو غصب خفين) أي فردي خف فكل واحد يسمى خفا، (قيمتهما عشرة فتلف أحدهما
ورد الآخر وقيمته درهمان أو أتلف أحدهما) في يده (غصبا) له فقط فأتلف معطوف على غصب. (أو في يد مالكه)
287

والقيمة لهما وللباقي ما ذكر، (لزمه ثمانية في الأصح، والله أعلم) خمسة للتالف وثلاثة لأرش ما حصل من التفريق عنده، فالثمانية
قيمة ما تلف أو أتلفه وأرش التفريق الحاصل بذلك. والثاني: يلزمه درهمان قيمة ما تلف أو أتلفه.
تنبيه: خرج بقوله: في يد مالكه ما لو أتلفه في يد الغاصب فإنه لا يلزمه إلا درهمان وهما قيمته وحده. ونبه بالخفين
على إجراء الخلاف في كل فردين لا يصلح أحدهما إلا بالآخر كزوجي النعل ومصراعي الباب، وأجراه الدارمي في زوجي
الطائر إذا كان يساوي مع زوجه أكثر. واتفقوا على أنه لا يقطع بسرقة أحدهما إذا لم يبلغ وحده نصابا وإن ضمناه إياه،
لأنه كان نصابا في الحرز حال الانضمام ونقص بالتفريق حال الاخراج فضمناه، لأنه يضمن الأقصى مع وضع اليد ولم
يقطعهما اعتبارا بحالة الاخراج. (ولو حدث) في المغصوب (نقص يسري إلى التلف بأن) أي كأن (جعل) الغاصب (الحنطة)
المغصوبة (هريسة) أو الدقيق عصيدة، (فكالتالف) حكمه، لأنه لو ترك بحاله لفسد فكأنه هلك، فيغرم بدل كل المغصوب
من مثل أو قيمة. (وفي قول يرده مع أرش النقص) قياسا على التعييب الذي لا يسري. وفي ثالث: يتخير بين الامرين، واستحسنه
في الشرح الصغير. وعلى الأول هل تبقى الهريسة أو العصيدة للغاصب لأنا ألحقناه بالهالك، أو للمالك كما لو قتل شاة
لغيره يكون المالك أحق بجلدها؟ وجهان، أصحهما كما جزم المصنف في نكته الأول، وفرق بينه وبين مسألة الجلد بأن المالية
هنا باقية بخلاف الشاة. ومثل الشاة ما لو نجس الزيت مثلا فإنه يغرم بدله والمالك أحق بزيته.
تنبيه: أشار المصنف بالتمثيل إلى أن صورة المسألة إذا حدث النقص بفعل الغاصب، فلو حدث في يده كما لو نقص
الطعام بنفسه أخذه المالك مع الأرش. أما ما لا يسري إلى التلف فيجب أرشه، كما (ولو جنى) الرقيق (المغصوب) في
يد الغاصب (فتعلق برقبته مال) ابتداء أو وجب عليه قصاص فعفى على مال، (لزم الغاصب تخليصه) لأنه نقص حدث في
يده، فلزم تخليصه (بالأقل من قيمته والمال) الواجب بالجناية، لأن الأقل إن كان هو القيمة فهو الذي دخل في ضمانه، وإن
كان هو المال فهو الذي وجب. ويجب عليه أيضا أرش العيب الذي اتصف به وهو كونه صار جانيا على ما ذكر
الرافعي في البيع. (فإن تلف) الرقيق الجاني (في يده) أي الغاصب، (غرمه المالك) أقصى قيمة من الغصب إلى التلف. (وللمجني عليه
تغريمه) أي الغاصب إن لم يكن غرمه، لأن جناية المغصوب مضمونة عليه. (وأن يتعلق بما أخذه المالك) من الغاصب بقدر
حقه، لأنه بدل الرقبة التي حقه متعلق بها. (ثم) إذا أخذ المجني عليه حقه من تلك القيمة (يرجع المالك) بما أخذه منه (على
الغاصب لأن ما أخذه المالك لم يسلم له.
تنبيه: مقتضى قوله: ثم يرجع أنه ليس للمالك مطالبة الغاصب بالأرش قبل أن يأخذ المجني عليه القيمة منه، وهو
كذلك كما صرح به الإمام، لأنه ربما يبرئ المجني عليه الغاصب، وذلك يمنعه من الرجوع. نعم له مطالبته بالأداء كما
يطالب به الضامن المضمون عنه كما قاله ابن الرفعة. (ولو رد العبد) الجاني (إ لي المالك فبيع في الجناية رجع المالك
بما أخذه) منه (المجني عليه على الغاصب) لأن الجناية حصلت حين كان مضمونا عليه. ولو جنى الرقيق في يد
الغاصب أولا ثم في يد المالك وكل من الجنايتين مستغرقة قيمته بيع فيهما وقسم ثمنه بينهما نصفين، وللمالك الرجوع
على الغاصب بنصف القيمة للجناية المضمونة عليه، وللأول التعلق به كما في المسألة السابقة. فإن أخذه من المالك
رجع به المالك على الغاصب مرة أخرى ويسلم له المأخوذ ثانيا، لأن الأول أخذ تمام القيمة، والثاني لم يتعلق حقه
288

إلا بالنصف وقد أخذه. (ولو غصب أرضا فنقل ترابها) بكشطه من وجه الأرض، (أجبره المالك على رده) إلى محله كما كان
قبل نقله إن كان باقيا، ولو غرم عليه أضعاف قيمته. (أو رد مثله) إن كان تالفا لما مر أن التراب مثلي، فإن تعذر رد مثله
غرم الأرش كما نص عليه في الام، وهو ما بين قيمتها بترابها وقيمتها بعد نقله منها. (و) أجبره المالك أيضا على (إعادة الأرض
كما كانت) قبل النقل من انبساط وارتفاع أو انخفاض لامكانه.
تنبيه: خرج بما قيدت به المسألة ما لو أخذ التراب من مكان واحد بحيث صار مكانه حفرة فإن المصنف ذكره بعد
ذلك، وما إذا كان المأخوذ من القمامات، ففي المطلب أنه لا يتعلق بها ضمان عند تلفها فإنها محقرة. ومقتضى كلامه وجوب
ردها إن كانت باقية، وهو كذلك كما قاله الأسنوي. (وللناقل الرد) له (وإن لم يطالبه المالك) أو منعه كما جرى عليه ابن
المقري، (إن كان له فيه) أي النقل (غرض) كأن ضيق ملكه أو ملك غيره، أو كان المنقول إليه شارعا وخشي منه ضمانا،
أو حصل في الأرض نقص وكان ذلك النقص يزول بالرد لدفع الضرر عنه. (وإلا) بأن لم يكن له فيه غرض كأن نقله منها
إلى موات، أو من أحد طرفيها إلى الآخر، (فلا يرده بلا إذن في الأصح) لأنه تصرف في ملك غيره بغير إذنه، وعلى هذا
لو استقل به كان للمالك تكليفه الرد إلى المحل الذي نقله منه إليه. والثاني: له الرد بلا إذن، لأنه رد ملكه إلى محله
. تنبيه: محل الخلاف إذا لم يمنعه المالك من الرد، فإن منعه لم يرد جزما، أو منعه من بسطه حيث كان له الرد لم يبسطه
وإن كان في الأصل مبسوطا. (ويقاس بما ذكرنا) من نقل التراب بالكشط (حفر البئر وطمها) فعليه الطم بترابها إن بقي
وبمثله إن تلف إن أمره المالك بالطم، وإلا بأن كان له فيه غرض استقل به وإلا فلا في الأصح. واستشكل الأسنوي الطم
بمثل التراب التالف بأنه إذا تلف يجب في ذمة الغاصب مثله، والواجب في الذمة إنما يملك بقبض صحيح فكيف يستقيم الرد
بدون الاذن اه‍. ولعلهم اغتفروا ذلك للحاجة. ومن الغرض هنا ضمان التردي، فإن منعه المالك من الطم ورضي باستدامتها
فليس له الطم ويندفع عنه الضمان. فإن اقتصر على منعه من الطم فكذلك في أحد وجهين نقله الروياني وابن الرفعة عن
الأصحاب. ولو كان الغاصب قد طوى البئر بآلة نفسه فليس له نقلها وللمالك إجباره عليه، فإن وهبها منه لم يلزمه القبول
في الأصح. (وإذا أعاد) الغاصب (الأرض كما كانت ولم يبق) فيها (نقص فلا أرش) عليه للمالك لعدم الموجب له، (لكن عليه أجرة
المثل لمدة الإعادة) من الرد والطم وغيرهما وإن كان آتيا بواجب كما يلزمه أجرة ما قبلها.
تنبيه: عبارة الروضة: لمدة الحفر والإعادة، وهي كما قال السبكي أزيد فائدة لولا ما قدرناه. (وإن بقي نقص) في
الأرض بعد الإعادة، (وجب أرشه معها) أي الأجرة لاختلاف سببهما. (ولو غصب زيتا ونحوه) من الادهان كالشيرج
والسمن (وأغلاه فنقصت عينه دون قيمته) كأن (غصب صاعا قيمته) درهم فصار إلى نصف صاع قيمته درهم، (رده)
لبقاء العين (ولزمه مثل الذاهب) منه (في الأصح) ولا يجبر نقصه لزيادة قيمته.
كما لو خصى العبد فزادت قيمته فإنه يضمن قيمته على الجديد. والثاني: لا يلزمه جبر النقصان، إذ ما فيه من الزيادة والنقصان حصل من واحد فيجبر
النقصان بالزيادة. (فإن نقصت القيمة فقط) كأن لم تنقص عن الصاع بل نقصت قيمته كأن صارت نصف درهم، (لزمه
289

الأرش) جبرا له. (وإن نقصتا) أي العين والقيمة جميعا، (غرم الذاهب ورد الباقي مع أرشه إن كان نقص القيمة أكثر)
من نقص العين، كأن صار الصاع نصف صاع يساوي أقل من نصف درهم، فإن لم تنقص القيمة كأن صار نصف الصاع
يساوي نصف درهم فلا أرش، وإن لم ينقص واحد منهما فلا شئ غير الرد. ولو غصب عصيرا فأغلاه فنقصت عينه
دون قيمته لم يضمن مثل الذاهب، لأن الذاهب منه مائية لا قيمة لها، والذاهب من الدهن دهن متقوم، وفارق نظيره في
الفلس حيث يضمن بدل الذاهب للبائع كالزيت، لأن ما زاد بالاغلاء ثم للمشتري فيه حصة، فلو لم يضمن المشتري ذلك
لأجحفنا بالبائع، والزائد بالاغلاء هنا للمالك فانجبر به الذاهب. ومثل إغلاء العصير ما لو صار العصير خلا أو الرطب
تمرا ونقصت عينه دون قيمته لا يضمن مثل الذاهب، وأجراه الماوردي والروياني في اللبن إذا صار جبنا ونقص كذلك،
وتعرف النسبة بوزنهما. (والأصح أن السمن) الطارئ في المغصوب عند الغاصب (لا يجبر نقص هزال) حصل (قبله)
عنده، كأن غصب جارية سمينة فهزلت عنده ثم سمنت عنده فعادت القيمة، فإنه يردها وأرش السمن الأول، لأن الثاني
غير الأول، حتى لو زال الثاني ردها وأرش السمنين. والوجه الثاني: يجبر، كما لو جنى على عين فابيضت
ثم زال البياض، وعود الحسن كعود السمن.
تنبيه: أشار بقوله: نقص هزال إلى أن السمن المفرط الذي لا تنقص القيمة بزواله غير مضمون، وهو كذلك.
ولو
انعكس الحال بأن كانت معتدلة فسمنت في يد الغاصب سمنا مفرطا ونقصت قيمتها ردها. وهل يغرم أرش النقص؟ قال
في الكفاية: لا، لأنها لم تنقص حقيقة ولا عرفا. وقال الأسنوي: نعم، وهو الأوجه لأن الأول مخالف للقاعدة في
تضمين نقص القيمة. ويجري الخلاف فيما لو كسر الحلي أو الاناء ثم أعاده بتلك الصنعة. (و) الأصح (أن تذكر صنعة
نسيها) المغصوب عند الغاصب (يجبر النسيان) سواء استذكرها عند الغاصب وهو ظاهر أم عند المالك كما بحثه في المطلب
وشملته عبارة المصنف، لأنه عين الأول فصار كما لو لم ينسها، بخلاف السمن فإنه زيادة في الجسم محسوسة مغايرة لتلك الأجزاء
الذاهبة. والثاني: لا يجبر كالسمن. ورد بما مر. ولو تعلم الصنعة عند الغاصب بعد نسيانها فكالتذكر كما قاله الرافعي، أو عند
المالك فلا كما قال الأسنوي إنه المتجه. ولو تعلمت الجارية المغصوبة الغناء فزادت قيمتها به ثم نسيته لم يضمنه، قال في
أصل الروضة: لأنه محرم كما في كسر الملاهي. وهو محمول على غناء يخاف منه الفتنة لئلا ينافي ما صححه في الشهادات من
أنه مكروه. وكالجارية فيما ذكر العبد، وما نقله في أصل الروضة فيه من لزوم القيمة محمول على ذلك. ولو أتلف ديك الهراش
أو كبش النطاح ضمنه غير مهارش أو ناطح لأن ذلك محرم.
تنبيه: مرض الرقيق المغصوب أو تمعط شعره أو سقط سنه ينجبر بعوده كما كان ولو عاد بعد الرد للمالك، بخلاف
سقوط صوف الشاة وورق الشجر فإنه لا ينجبر بعوده كما كان، لأنه متقوم ينقص به وصحة الرقيق وشعره وسنه غير
متقوم. (وتعلم صنعة) عند الغاصب (لا يجبر نسيان) صنعة (أخرى) عنده قطعا وإن كان أرفع من الأولى، لاختلاف
الأغراض. (ولو غصب عصيرا فتخمر ثم تخلل) عنده، (فالأصح أن الخل للمالك) لأنه عين ماله وإن انتقمن صفة إلى
صفة. (وعلى الغاصب الأرش إن كان الخل أنقص قيمة) من العصير لحصوله في يده، فإن لم تنقص قيمته اقتصر عليه.
والثاني: يلزمه مثل العصير لأنه بالتخمر كالتالف. والخل على هذا قيل للغاصب، والأصح أنه للمالك لأنه فرع ملكه.
ويجري الخلاف فيما لو غصب بيضا فتفرخ أو حبا فنبت أو بزر قز فصار قزا
. تنبيه: احترز بقوله: ثم تخلل عما لو تخمر ولم يتخلل فإنه يلزمه رد مثله لفوات ا لمالية، وعليه إراقة الخمر إن عصرت
290

بقصد الخمرية، وإلا فلا يجوز له إراقتها لاحترامها. (ولو غصب خمرا فتخللت) عنده، (أو جلد ميتة) يطهر بالدباغ
(فدبغه، فالأصح أن الخل والجلد للمغصوب منه) لأنهما فرع ما اختص به فإذا تلفا في يده ضمنهما. والثاني: هما للغاصب
لحصول المالية عنده. وقضية تعليل الأول إخراج الخمرة غير المحترمة، وبه جزم الإمام، وسوى المتولي بينهما، وهو كما قال
شيخنا أوجه إلا إن أعرض المالك عنها فلا يجب ردها عليه وليس للمالك استردادها، وإعراض المالك عن الجلد كإعراضه
عن الخمر، وإذا لم يعرض عنه فيجب على الغاصب الرد لعموم الخبر ولأنه منتفع به. ولو أتلف شخص جلدا غير مدبوغ
فادعى المالك أنه مذكى والمتلف أنه ميتة صدق المتلف بيمينه لأن الأصل عدم التذكية.
فصل: فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها: والزيادة أثر وعين، فالاثر لاحق للغاصب فيه كما قال: (زيادة
المغصوب إن كانت أثرا محضا كقصارة) لثوب وخياطة بخيط منه وطحن حنطة وضرب السبائك دراهم وضرب الطين
لبنا وذبح الشاة وشيها. (فلا شئ للغاصب بسببها) لتعديه بعمله في ملك غيره، بخلاف المفلس حيث كان شريكا للبائع فإنه
عمل في ملكه. (وللمالك تكليفه رده) أي المغصوب، (كما كان إن أمكن) كرد الدراهم سبائك واللبن طينا، لأنه متعد
بفعله، ولا يغرم أرش ما كان زاد بصنعته لأن فواته بأمر المالك، فإن لم يمكن كالقصارة فليس له إجباره بل يأخذه بحاله.
(وأرش النقص) إن نقص عما كان قبل الزيادة. وإذا رضي المالك بما يمكن إعادته بحاله أجبر الغاصب على تسليمه
له بحاله وعلى غرم أرش النقص إن كان، إلا أن يكون له غرض في الإعادة كأن خشي على نفسه من بقائها ضررا من تغرير
أو غيره، كمن ضرب الدراهم بغير إذن السلطان، أو على غير عياره فله إبطالها وإن لم يرض به المالك، بخلاف ما إذا لم يخش
سواء أرضي المالك ببقائها أم سكت عن الرضا والمنع. نعم لو ضرب الشريك الطين لبنا أو السبائك دراهم بغير إذن شريكه
جاز له كما أفتى به البغوي أن ينقضه، وإن رضي شريكه بالبقاء ينتفع بملكه كما كان. ثم شرع في القسم الثاني وهو العين، فقال:
(وإن كانت) أي الزيادة (عينا كبناء وغراس كلف القلع) لها، وأرش النقص إن كان وإعادتها كما كانت، وأجرة
المثل إن مضت مدة لمثلها أجرة. ولو أراد المالك تملكها بالقيمة أو إبقاءها بأجرة لم يلزم الغاصب إجابته في الأصح لامكان
القلع بلا أرش بخلاف المستعير.
تنبيه: قد يفهم كلامه أنه ليس للغاصب القلع بغير رضا المالك، وليس مرادا، بل لو أراد القلع فليس للمالك
منعه. ولو بادر لذلك أجنبي غرم الأرش، وقيل: لا غرم لأنه غير محترم. ورد بأن عدم احترامه بالنسبة إلى مستحق الأرض
لا مطلقا. ولو كان الغراس والبناء مغصوبين من آخر، فلكل من مالكي الأرض والبناء والغراس إلزام الغاصب بالقلع
وإن كانا لصاحب الأرض، فإن رضي المالك به لم يكن للغاصب قلعه ولا شئ عليه وإن طالبه بالقلع، فإن كان له فيه غرس
لزمه قلعه مع أرش النقص، وإلا فوجهان: أحدهما وهو الظاهر: نعم لتعديه، والثاني: لا، لأنه عيب. وسكت المصنف
عن نماء المغصوب كما لو أتجر الغاصب في المال المغصوب فالربح له في الأظهر، فإذا غصب دراهم واشترى شيئا في ذمته ونقد
الدراهم في ثمنها وربح رد مثل الدراهم لأنها مثلية إن تعذر عليه رد ما أخذه وإلا وجب عليه رده بعينه، أما إذا اشترى
بعينه فالجديد بطلانه. ولو غصب أرضا وبذرا من واحد وبذر الأرش به فللمالك تكليفه إخراج البذر منها وأرش
النقص، وإن رضي المالك ببقاء البذر في الأرض لم يكن للغاصب إخراجه. ولو زوق الغاصب الدار المغصوبة بما لا يحصل
منه شئ بقلعه لم يجز له قلعه إن رضي ببقائه المالك، وليس للمالك إجباره عليه كما في الروضة خلافا للزركشي، كالثوب
إذا قصره. (وإن صبغ) الغاصب (الثوب) المغصوب (بصبغه) وكان الحاصل تمويها لا يحصل منه الانصباغ عين مال
فكالتزويق فيما مر. وإن حصل منه ذلك (وأمكن فصله) منه، كأن كان الصبغ غير منعقد، (أجبر عليه في الأصح)
291

قياسا على البناء والغراس، والثاني: لا، لما فيه من ضرر الغاصب، لأنه يضيع بفصله بخلاف البناء والغراس. وعلى الأول
لو تركه الغاصب للمالك ليدفع عنه كلفة القلع لم يجبر على قبوله في أصح الوجهين، ولو رضي المالك بإبقائه كان للغاصب
الفصل إن لم ينقص الثوب بالفصل وكذا إن نقص، وإذا تراضيا على القلع فذاك أو على الابقاء فهما شريكان. (وإن
لم يمكن) فصله كأن كان الصبغ منعقدا، (فإن لم تزد قيمته) أي الثوب بالصبغ ولم تنقص كأن كان يساوي عشرة والصبغ
خمسة فصار مصبوغا يساوي عشرة، لا لانخفاض سوق الثياب بل لأجل الصبغ. (فلا شئ للغاصب فيه) لعدم الزيادة ولا شئ
عليه لعدم النقص. (وإن نقصت) قيمته كأن صار يساوي ثمانية، (لزمه الأرش) لأن النقص حصل بفعله.
(وإن زادت) قيمته بالصبغ كأن صار يساوي خمسة عشر في مثالنا، (اشتركا فيه) أي الثوب هذا بصبغه وهذا بثوبه
أثلاثا ثلثاه للمغصوب منه وثلثه للغاصب، فشركتهما ليست على الإشاعة، بل كل منهما يملك ما كان له مع ما يخصه من
الزيادة. فلو حصل فيهما أو في أحدهما نقص لانخفاض سعر أحدهما أو زيادة لارتفاعه عمل به فيكون النقص أو الزيادة
لاحقا لمن انخفض أو ارتفع سعر ماله، وإن حصل ذلك بسبب اجتماع الثوب والصبغ، أي بسبب العمل، فالنقص على
الصبغ لأن صاحبه هو الذي عمل، والزيادة بينهما لأن الزيادة الحاصلة بفعل الغاصب إذا إذا أسندت إلى الأثر المحض تحسب
للمغصوب منه، وأيضا الزيادة قامت بالثوب والصبغ فهي بينهما. ولو بذل صاحب الثوب للغاصب قيمة الصبغ ليتملكه لم
يجب إليه سواء أمكن فصله أم لا، بخلاف البناء والغراس في العارية، لتمكنه هنا من القلع مجانا بخلاف المعير
. ولو أراد
أحدهما الانفراد ببيع ملكه لثالث لم يصح، إذ لا ينتفع به وحده كبيع دار لا ممر لها، نعم لو أراد المالك بيع الثوب لزم
الغاصب بيع صبغه معه لأنه متعد فليس له أن يضر بالمالك، بخلاف ما لو أراد الغاصب بيع صبغه لا يلزم مالك الثوب بيعه
معه لئلا يستحق المتعدي بتعديه إزالة ملك غيره.
تنبيه: احترز المصنف بقوله: بصبغة عن صورتين: الأولى أن يكون الصبغ مغصوبا من آخر فهما شريكان
كما لو كان الصبغ للغاصب، فإن حصل في المغصوب نقص باجتماعهما اختص النقص بالصبغ كما مر وغرم الغاصب لصاحب
الصبغ قيمة صبغه، وإن أمكن فصله فلكل منهما تكليفه الفصل، فإن حصل به نقص فيهما أو في أحدهما غرمه
الغاصب، وإن لم يمكن فصله بأن كان الحاصل تمويها فكما سبق في التزويق، ففي هذه الصورة
زيادة على ما تقدم. الصورة الثانية: أن يكون الصبغ لمالك الثوب، فالزيادة له لا للغاصب لأنها أثر محض والنقص على الغاصب فيغرم أرشه، وللمالك
إجباره على فصله إن أمكن، وليس للغاصب فصله إذا رضي المالك بالابقاء، وكذا لو سكت كما قال الأسنوي إنه القياس.
فرع: لو طيرت الريح ثوبا إلى مصبغة شخص فانصبغ فيها اشتركا في المصبوغ مثل ما مر ولم يكلف أحدهما البيع
ولا الفصل ولا الأرش وإن حصل نقص إذ لا تعدي. (ولو خلط المغصوب بغيره) سواء أخلط بجنسه كحنطة بيضاء بحنطة
حمراء، أم بغير جنسه كبر بشعير (وأمكن التمييز، لزمه) التمييز لسهولته ولامكان رد عين ما أخذه. (وإن شق) عليه
تمييز جميعه وجب عليه تمييز ما أمكن. (فإن تعذر) كأن خلط الزيت بمثله أو بشيرج، (فالمذهب أنه كالتالف) لا مشتركا،
سواء أخلطه بمثله أم بأجود أم بأردأ لتعذر رده وملكه الغاصب. (فله) أي المغصوب منه (تغريمه) أي الغاصب،
(وللغاصب أن يعطيه من غير المخلوط) لأن الحق فيه انتقل إلى ذمته، وله أيضا أن يعطيه منه إن خلطه بمثله أو بأجود
منه لا بأردأ لأنه دون حقه إلا برضاه، فله أخذه ولا أرش له وكان مسامحا ببعض حقه وإلا أخذ مثل ماله. والطريق
الثاني قولان: أحدهما هذا، والثاني: يشتركان في المخلوط، وللمغصوب منه قدر حقه من المخلوط. قال السبكي: والذي
أقوله وأعتقده وينشرح صدري له أن القول بالهلاك باطل، لأن فيه تمليك الغاصب مال المغصوب منه بغير رضاه، بل
292

بمجرد تعديه بالخلط. وأطال الكلام في ذلك. وقال الزركشي: إذا قلنا إنه كالتالف ويملكه الغاصب فلا يتصرف فيه
وهو محجور عليه فيه حتى يعطي المالك بدله أه‍. وهو كما قال ابن شهبة ظاهر، قال: ولم أره لغيره.
تنبيه: قضية إطلاقهم أن خلط الدراهم بمثلها بحيث لا تتميز هلاك، وهو كذلك كما قاله بعض المتأخرين، وهو
أوجه من قول ابن الصباغ وغيره إنهما يشتركان، والفرق بأن كل درهم متميز في نفسه بخلاف الزيت ونحوه منتقض
بالحبوب. ولو اختلط الزيتان أو نحوهما بانصباب ونحوه كصب بهيمة أو برضا مالكهما فمشترك لعدم التعدي، فإن كان
أحدهما أراد إجبار صاحبه على قبول المختلط، لأن بعضه عين حقه وبعضه خير منه لا صاحب الأجود، فلا يجبر على ذلك،
فإن أخذ منه فلا أرش له لعدم التعدي، وإلا بيع المختلط وقسم الثمن بينهما بنسبة القيمة، فإن أراد قسمة غير المتفاضلين
في القيمة على نسبة القيمة لم يجز للتفاضل في الكيل ونحوه. أما لو خلط المغصوب بغير جنسه كالزيت بالشيرج ودقيق
الحنطة بدقيق الشعير، فإن تراضيا على الدفع منه أو ببيعه وقسمة ثمنه جاز، لأن الحق لا يعدوهما، ولان التفاضل جائز
مع اختلاف الجنس، وإن امتنع أحدهما لم يجبر الممتنع، لأنه كالهالك فلا يلزم الغاصب ببذل ما لم يجب عليه ولا المغصوب
منه بقبول ما لم يجب له فيغرم المثل، وقيل: يباعان ويقسم الثمن على نسبة القيمتين ولو لم يكن غصب، كأن انصب
أحدهما على الآخر فمشترك بينهما لما مر. ولو غصب زيتين أو نحوهما من اثنين فأكثر وخلطهما، قال ابن المقري:
فهو كما لو غصب زيتا وخلطه بزيته، وهو مقتضى كلام أصله. وقال البلقيني: المعروف عند الشافعية أنه لا يملك
شيئا عنه ولا يكون كالهالك، وهذا أوجه، ومما يؤيده كما قال شيخي ما نقل عن فتاوى المصنف أنه لو غصب دراهم من
جماعة وخلطها ودفع لكل منهم قدر حقه جاز له أخذه والتصرف فيه، وإن دفع لأحدهم فقط صار مشتركا بين الجميع.
وفرق بينه وبين ما إذا خلطه بمال نفسه بأنه تبع للملوك له فاستتبع، بخلاف مال الأجنبيين لا أولوية لأحدهما على الآخر.
(ولو غصب خشبة) مثلا (وبنى عليها) في ملكه أو غيره كمنارة مسجد، (أخرجت) أي بلزومه إخراجها وردها إلى
مالكها إن لم تتعفن، ولو تلف عليه بسبب الاخراج أضعاف ما قيمتها لتعديه، وعليه أرش نقصها إن حدث فيها نقص
وأجرة مثلها إن مضت مدة لمثلها أجرة، أما إذا تعفنت بحيث لو أخرجت لم يبق لها قيمة فهي كالتالفة. (ولو أدرجها)
أي الغاصب (في سفينة فكذلك) أي يلزمه ما مر إلا أن تتعفن، (إلا أن يخاف) من إخراجها من السفينة (تلف نفس
أو مال معصومين) ولو للغاصب، كأن كانت السفينة في اللجة والخشبة في أسفلها فإنها لا تنزع، وإنما لم تنزع لأنها
لا تدوم في البحر فيسهل الصبر إلى الشط، أي وتؤخذ القيمة للفرقة أو نحوه كرقراق بخلاف هدم البناء لرد اللوح، بل
يأخذ القيمة للحيلولة إلى تيسر النزع. وخرج بالمعصومين نفس الحربي وماله، وبالخوف المذكور ما لو كانت السفينة
على الأرض أو مرساة على الشط أو نحوه، أو كانت الخشبة في أعلاها. قال الأسنوي: وينبغي أن يلحق
بالتلف ما يبيح
التيمم، قال الولي العراقي: إلا الشين، وجرى عليه الزركشي. والأوجه عدم الاستثناء في الآدمي كما يؤخذ من قولهم
ولو خاط شيئا بمغصوب لزمه نزعه منه ورده إلى مالكه إن لم يبل، وإلا فالهالك لا من جرح حيوان محترم يخاف بالنزع
هلاكه، أو ما يبيح التيمم فلا يجوز نزعه منه لحرمته إلا أنه لا يؤثر ذلك الشين في غير الآدمي بخلاف الآدمي كما في التيمم.
ولو شد بمغصوب جبيرة كان كما لو خاط به جرحه، ذكره المتولي. ولا يذبح لنزعه مأكول ولا غيره ولو كان للغاصب،
للنهي عن ذبح الحيوان لغير أكله ويضمنه لأنه أحال بينه وبين مالكه. ولو خاط به الغاصب جرحا لآدمي بإذنه فالقرار
عليه ولو جهل الغصب، كما لو قرب له طعاما مغصوبا فأكله، وينزع الخيط المغصوب من الميت ولو آدميا، وإنما لم ينزع
في الحياة لحرمة الروح. وينزع من حي غير محترم كمرتد وزان محصن وكلب لا ينتفع به. وحيث لا يجوز نزعه يجوز غصبه
له ابتداء ليخاط به جرحه إن لم يوجد خيط حلال، وحيث يجوز نزعه لا يجوز غصبه ليخاط به الجرح. (ولو وطئ)
الغاصب الأمة (المغصوبة عالما بالتحريم) لوطئها مختارا، (حد) لأنه زنا، سواء أكانت عالمة أم جاهلة. نعم الأب ونحوه
293

لا حد عليه، (وإن جهل) تحريمه لاشتباهها عليه أو لقرب (وفي عهده بالاسلام أو لبعده عن العلماء، أو أكره عليه (فلا
حد) عليه لعذره الحالين) أي حالتي علمه وجهله (يجب المهر) لأنه استوفى المنفعة، وهي غير زانية، لكن
في حالة الجهل يجب مهر واحد وإن تكرر الوطئ، وفي حالة العلم يتعدد. وإن وطئها مرة جاهلا ومرة عالما وجب مهران،
وسيأتي بسط ذلك في باب الصداق إن شاء الله تعالى. (إلا أن تطاوعه) في الوطئ عالمة بالتحريم، (فلا يجب) لها مهر
(على الصحيح) لأنها زانية، وقد نهى عن مهر البغي، وهي الزانية. والثاني: يجب، لأنه لسيدها فلا يسقط بطواعيتها
فيه، كما لو أذنت في قطع يدها. وأجاب الأول بأن المهر وإن كان للسيد فقد عهدنا أنه يتأثر بفعلها كما لو ارتدت
قبل الدخول. (وعليها الحد إن) طاوعته، و (علمت) بالتحريم لزناها. وهذا أيضا قيد فيما قبله كما قدرته، فإن جهلته أو
أكرهت عليه فلا حد. وسكت المصنف عن أرش البكارة، ولا شك في وجوبه، ولا يسقط بمطاوعتها كما لا يسقط
أرش طرفها بإذنها في قطعه. وتقدم في باب الخيار أنه يجب لها هنا أرش بكارة ومهر ثيب، والفرق بين ما هنا وما هناك.
(ووطئ المشتري من الغاصب كوطئه) أي الغاصب (في الحد والمهر) وأر ش البكارة أيضا إن كانت بكرا، لاشتراكهما
في وضع اليد على ملك الغير بغير حق، فيأتي فيه ما ذكر في حالتي العلم والجهل، إلا أن جهل المشتري قد
ينشأ من الجهل
بكونها مغصوبة فإنه يقبل قوله في ذلك. (فإن غرمه) أي المهر للمالك، (ليرجع به) المشتري (على الغاصب في الأظهر)
لأنه باشر الاتلاف. والثاني: يرجع إن جهل الغصب، لأنه لم يدخل في العقد على ضمانه فيرجع به على البائع لأنه غره
بالبيع. ويجري الخلاف في أرش البكارة أيضا فلا يرجع به على الأظهر كما قاله الرافعي، وإن خالف في ذلك جمع، لأنه
بدل جزء منها أتلفه. (وإن أحبل) الغاصب أو المشتري منه حال كونه (عالما بالتحريم) للوطئ، (فالولد رقيق) للسيد
(غير نسيب) لأنه من زنا، وإن انفصل حيا فمضمون على الغاصب أو ميتا بجناية فبدله للسيد أو بغيرها، ففي وجوب
ضمانه على المحبل وجهان أوجههما كما قال شيخنا نعم كما هو ظاهر النص لثبوت اليد عليه تبعا لامه، والثاني لا، لأن
حياته غير متيقنة. ويجري الوجهان في حمل البهيمة المغصوبة إذا انفصل ميتا، وعلى الأول تعتبر قيمته يوم الانفصال
لو كان حيا، ونسب في المهمات ترجيح الثاني للرافعي، لكن قال الأذرعي إن ما ذكره غلط صريح، فإن الموضع
الذي نقل عنه إنما قاله الرافعي في الجاهل بالتحريم وما نحن فيه في العالم اه‍. وحاصله أنه انتقل نظره من مسألة إلى أخرى.
(وإن جهل) من ذكر التحريم (فحر نسيب) للشبهة بالجهل، والمشهور كما قاله في المطلب أنه انعقد حرا لا رقيقا
ثم عتق. (وعليه) للسيد (قيمته) بتقدير رقه لتفويته رقه بظنه (يوم الانفصال) حيا، لأن التقويم قبله غير ممكن،
وعليه أيضا أرش نقص الولادة. (ويرجع بها) أي بالقيمة (المشتري على الغاصب) لأنه غره بالبيع، لأن مقتضاه أن
يسلم له الولد من غير غرامة. ووقع في الروضة بخط المصنف: ولا برجع ونسب لسبق القلم. ويرجع أيضا بأرش نقص
الولادة كما نقل الرافعي عن العراقيين القطع به، فإن انفصل ميتا بجناية فعلى الجاني ضمانه بالغرة، وللمالك مطالبة الغاصب
أو المشتري منه قياسا عليه بعشر قيمة الام لأنا نقدره رقيقا في حقه. ثم إن كانت الغرة أكثر فالزائد لورثة الجنين، أو أقل
ضمن الغاصب أو المشتري منه للمالك عشر قيمة الام كاملا، وسيأتي في الجنايات إن شاء الله تعالى أن بدل الجنين المجني عليه تحمل
العاقلة. قال المتولي: والغرة تجب مؤجلة فلا يغرم الغاصب حتى يأخذ الغرة، وتوقف الإمام فيه. وإن انفصل ميتا بغير
جناية فلا شئ فيه لعدم تيقن حياته. ويخالف ما لو انفصل رقيقا ميتا حيث قلنا فيه بالضمان كما مر، لأن الرقيق يدخل
تحت اليد فجعل تبعا للام، ولو انفصل حيا حياة غير مستقرة ثم مات وجب ضمانه لأنا تيقنا حياته.
294

تنبيه: اقتصار المصنف على المشتري قد يوهم أن المتهب من الغاصب لا يرجع عليها بها، وفيه وجهان رجح
البلقيني
منهما الرجوع لأنه دخل على أن لا يضمنها.
فرع: لو أذن المال للغاصب أو للمشتري منه في وطئ الأمة المغصوبة ووطئ وجب عليه المهر في أحد وجهين رجحه
ابن القطان، وقيمة الولد في أحد طريقين رجحه غيره. (ولو تلف المغصوب عند المشتري) من الغاصب (وغرمه) لمالكه،
(لم يرجع به) أي بما غرمه على الغاصب، سواء كان عالما أم جاهلا، وإنما يرجع عليه بالثمن، لأن المبيع بعد القبض
من ضمان المشتري. وقيل: يرجع من المغروم بما زاد على قدر الثمن، ونقل عن صاحب التقريب. (وكذا) لا يرجع بالأرش
الذي غرمه (لو تعيب عنده) بآفة (في الأظهر) لأن التعييب بآفة من ضمان المشتري. والثاني: يرجع للتغرير بالبيع، أما إذا
كان بفعله فإنه لا يرجع قطعا. (ولا يرجع) عليه (بغرم منفعة استوفاها) كاللبس والركوب والسكنى (في الأظهر) وهما القولان
في المهر ومر توجيههما. (ويرجع) عليه (بغرم ما تلف عنده) من منفعة بغير استيفاء، (وبأرش نقص) بالمهملة، (بنائه وغراسه
إذا نقض) بالمعجمة، من جهة مالك الأرض، (في الأصح) في المسألتين، لأنه غره بالبيع. والثاني: في الأولى ينزل التلف عنده
منزلة إتلافه، وفي الثانية يقول كأنه بالبناء والغراس يتلف ماله.
تنبيه: ثمرة الشجرة ونتاج الدابة وكسب العبد كالمنفعة كما جزم به في الروضة. قال السبكي: ويمكن إدخاله في كلام
المصنف، ولولا أنه شامل لذلك لقال: وما فات لأنها العبارة المستعملة في المنفعة اه‍. ولا يرجع بما أنفق على الرقيق ولا بما
أدى من خراج الأرض كما صححه الرافعي. ولو زوج الغاصب الأمة المغصوبة ووطئها الزوج أو استخدمها جاهلا وغرم
المهر أو الأجرة لم يرجع لأنه استوفى مقابلها، بخلاف المنافع الفائتة عنده فإنه يرجع بغرمها. (وكل ما) أي شئ (لو غرمه
المشتري رجع به) على الغاصب كأجرة المنافع الفائتة تحت يده، (لو غرمه الغاصب) ابتداء (لم يرجع به على المشتري) لأن
القرار عليه لا على المشتري. (وما لا فيرجع) أي وكل ما لو غرمه المشتري لا يرجع به على الغاصب، كالمنافع التي استوفاها لو
غرمه الغاصب ابتداء رجع به الغاصب على المشتري لأن القرار عليه. نعم إن سبق من الغاصب اعتراف بالملك لم يرجع
قطعا لأنه يقول الذي ظلمني هو المدعي، والمظلوم لا يرجع إلا على من ظلمه. ولو غرم قيمة العين وقت الغصب لكونها
أكثر لم يرجع بالزائد على الأكثر من قيمة وقت قبض المشتري إلى التلف، لأنه لم يدخل في ضمان المشتري، ولا تستثنى
هذه الصورة لأن المشتري لا يغرم الزائد فلا يصدق به الضابط المذكور.
فائدة: تكتب ما من كل ما إذا كانت غير ظرف كما هنا مفصولة، وإلا فموصولة ك‍ كلما رأيت زيدا فأكرمه. (
قلت)
كما قال الرافعي في الشرح: (وكل من انبنت) بنون فموحدة فنون فمثناة من فوق بضب المصنف، (يده على يد الغاصب)
غير المشتري (كالمشتري) في الضابط المذكور في الرجوع وعدمه (والله أعلم). قال الأسنوي: وقد سبق في أول الباب بيان
ذلك، فقال: والأيدي المترتبة على يد الغاصب أيدي ضمان إلخ. فتأمل ما قاله هناك وقيد به ما أطلقه هنا.
خاتمة: لو وقع فصيل في بيت أو دينار في محبرة ولم يخرج الأول إلا بهدم البيت والثاني إلا بكسر المحبرة،
فإن كان الوقوع بتفريط صاحب البيت والمحبرة فلا غرم على مالك الفصيل والدينار، وإلا غرم الأرش، فإن كان الوقوع
بتفريطهما، فالوجه كما قال الماوردي أنه إنما يغرم النصف لاشتراكهما في التفريط كالمتصادمين. ولو أدخلت بهيمة
295

رأسها في قدر ولم تخرج إلا بكسرها كسر ت لتخليصها، ولا تذبح المأكولة لذلك. ثم إن صحبها مالكها فعليه الأرش
لتفريطه، فإن لم يكن معها فإن تعدى صاحب القدر بوضعها بموضع لا حق له فيه أو له فيه حق لكنه قدر على دفع
البهيمة فلم يدفعها فلا أرش له، ولو تعدى كل من مالك القدر والبهيمة فحكمه حكم ما مر عن الماوردي. ولو ابتلعت
بهيمة جوهرة لم تذبح لتخليصها وإن كانت مأكولة بل يغرم مالكها إن فرط في حفظها قيمة الجوهرة للحيلولة، فإن
ابتلعت ما يفسد بالابتلاع غرم قيمته للفيصولة. ولو ابتاعها بطعام معين فأكلته قبل قبضه بوجه مضمون استقر العقد
ووقع ذلك قبضا للثمن وإلا انفسد العقد، أو بعد قبضه فقد أتلفت مالا للبائع فلا ينفسخ العقد. ولو غصب لؤلؤة ودجاجة
فابتلعت الدجاجة اللؤلؤة، يقال له: إن لم تذبح الدجاجة غرمناك قيمة اللؤلؤة، فإن ذبحتها غرمناك أرش الدجاجة. ولو
غصب لؤلؤة مثلا وابتلعها وأمكن إخراجها بشرب دواء هل يلزمه ذلك أو لا؟ أفتى القفال بأنه لا يلزمه بل يغرم القيمة، أي للحيلولة كما مر. ولو غصب ثوبا فتنجس عنده لم يجز له تطهيره بغير إذن مالكه ولا يكلف تطهيره، فإن طهره
فنقص ضمن أرش النقص، وإن لم يطهره فعليه مؤنة التطهير وأرش نقصه إن نقص. ويضمن الغاصب نقص الشباب
بالكبر، ونقص النهود بتدلي الثدي، ونقص المرودة بالالتحاء، ونقص الفحل بالضراب أو نحو ذلك. والولد الحاصل
بضراب الفحل لمالك الام وإن كانت للغاصب، ولا شئ على الغاصب للانزاء بلا نقص لأنه لا يقابل بمال.
كتاب الشفعة
وهي بضم الشين وإسكان الفاء، وحكي ضمها. لغة مأخوذة من الشفع بمعنى الضم على الأشهر، من شفعت الشئ
ضممته، ومنه شفع الاذان، سميت بذلك لضم نصيب الشريك إلى نصيبه، أو بمعنى التقوية أو الزيادة، وقيل: من
الشفاعة. وشرعا: حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض. والأصل فيها خبر
البخاري
عن جابر رضي الله عنه: قضى رسول الله (ص) بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة،
وفي رواية له: في أرض أو ربع أو حائط، والربع: المنزل، والحائط: البستان. والمعنى فيه ضرر مؤنة القسمة أو
استحداث المرافق كالمصعد والمنور والبالوعة في الحصة الصائرة إليه، وقيل: دفع ضرر المشاركة. قال الشيخ عز الدين:
والعفو عنها أفضل إلا أن يكون المشتري نادما أو مغبونا، وذكرت عقب الغصب لأنها تؤخذ قهرا فكأنها مستثناة من
تحريم أخذ مال الغير قهرا. وحكى ابن المنذر فيها الاجماع، لكن نقل الرافعي عن جابر بن زيد من التابعين إنكارها،
قال الدميري: ولعل ذلك لم يصح عنه. وأركانها ثلاثة: مأخوذ، وآخذ، ومأخوذ منه، والصيغة إنما تجب في التمليك
كما سيأتي. وقد شرع المصنف في بيان الركن الأول. فقال: (ولا تثبت) الشفعة في (منقول) كالحيوان والثياب، سواء
أبيعت وحدها أم مضمومة إلى أرض للحديث المار فإنه يخصها بما تدخله القسمة والحدود والطرق، وهذا لا يكون في
المنقولات، ولان المنقول لا يدوم، بخلاف العقار فيتأبد فيه ضرر المشاركة، والشفعة تملك بالقهر، فناسب مشروعيتها
عند شدة الضرر. والمراد بالمنقول ابتداء لتخرج الدار إذا انهدمت بعد ثبوت الشفعة، فإن نقضها يؤخذ بالشفعة.
تنبيه: قول المصنف: لا تثبت أولى من قول التنبيه: لا تجب. (بل في أرض وما فيها من بناء) وتوابعه الداخلة في مطلق
البيع من أبواب منصوبة ورفوف مسمرة ومسامير ومفاتيح غلق مثبت ودولاب ثابت وحجر الطاحونة ونحوها
كغطاء تنور. (و) من (شجر تبعا) لها، وفي معنى الشجر أصل ما يجز مرارا كالقت والهندباء. وشرط تبعية البناء
والشجر للأرض أن تباع الأشجار مع البياض الذي يتخللها أو مع البستان كله، فلو باع شقصا من جداره وأساسه
296

فقط أو من أشجار ومغارسها فقط فإنه لا شفعة على الأصح لأن الأرض هنا تابعة. قال السبكي: وينبغي أن تكون
صورة المسألة حيث صرح بدخول الأساس والمغرس في البيع وكانا مرئيين قبل ذلك، فإنه إذا لم يرهما وصرح بدخولهما
لم يصح البيع في الأرض. فإن قيل: كلامهم في البيع يقتضي أنه إذا قال: بعتك الجدار وأساسه أنه يصح وإن لم ير
الأساس. أجيب بأن المراد بذلك الأساس الذي هو بعض الجدار كحشو الجبة، أما الأساس الذي هو مكان البناء
فهو عين منفصلة لا تدخل في البيع عند الاطلاق على الأصح، فإذا صرح به اشترط فيه شروط المبيع. قال الأسنوي:
واحترز بقوله: تبعا عما إذا باع أرضا وفيها شجرة جافة شرطا دخولها في البيع، فإنه لا يؤخذ بالشفعة لأنها لم تدخل بالتبع
بل بالشرط. (وكذا ثمر لم يؤبر) تثبت فيه تبعا للأرض، (في الأصح) لأنه يتبع الأصل في البيع فيتبعه في الاخذ
قياسا على البناء والغراس ولو لم يتفق الاخذ لها حتى أبرت لدخولها في مطلق البيع. والثاني: لا، لأنه لا يراد به التأبيد.
وعلى الأول لا فرق بين إن انقطع أم لا، وكذا كل ما دخل في البيع ثم انقطعت تبعيته فإنه يؤخذ بالشفعة، كما لو انفصلت
الأبواب بعد البيع، ويأخذ الشفيع الشجر بثمرة حدثت بعد البيع ولم تؤبر عند الاخذ لأنها قد تبعت الأصل في البيع
فتبعته في الاخذ، بخلاف ما إذا أبرت عنده فلا يأخذها لانتفاء التبعية. أما المؤبرة عند البيع إذا دخلت بالشرط فلا
تؤخذ لما سبق من انتفاء التبعية فتخرج بحصتها من الثمن: كالزرع والجزة الظاهرة التي لا تدخل في مطلق البيع مما
يتكرر، ويبقى كل ما لا يأخذه من ثمرة وزرع وجزة إلى أوان الجذاذ. (ولا شفعة في حجرة بنيت على سقف غير مشترك)
بأن اختص به أحد الشريكين فيها أو غيرهما، إذ لا أرض لها، فهي كالمنقولات. (وكذا) سقف (مشترك في الأصح)
لأن السقف الذي هو أرضها لا ثبات له أيضا. والثاني: يجعله كالأرض. ولو كان السفل مشتركا بين اثنين والعلو لأحدهما
فباعه ونصيبه من السفل، فالشفعة في نصيبه من السفل لا في العلو لأنه لا شركة له فيه، وهكذا لو كانت الأرض مشتركة
وفيها أشجار لأحدهما فباعه مع نصيبه منها، فالشفعة في الأرض بحصتها من الثمن لا في الشجر. (وكل ما لو قسم بطلت
منفعته المقصودة كحمام ورحى) أي طاحونة صغيرين لا يجئ منهما حمامان وطاحونتان كما ذكره في باب القسمة، (لا شفعة
فيه في الأصح) هذا الخلاف مبني على ما مر من أن علة ثبوت الشفعة دفع ضرر مؤنة القسمة واستحداث المرافق إلخ،
والثاني: مبني على أن العلة دفع ضرر الشركة فيما يدوم. وكل من الضررين حاصل قبل البيع، ومن حق الراغب فيه
من الشريكين أن يخلص صاحبه منهما بالبيع له، فإذا باع لغيره سلطه الشرع على أخذه منه لما روى مسلم عن جابر:
قضى رسول الله (ص) بالشفعة في كل شركة (لم تقسم) ربعة أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن
شاء أخذ وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به.
تنبيه: المراد بإمكان القسمة أن يكون في الأرض دون الآلات كحجر الطاحون فإنه لا يمكن قسمه حجرين،
وعبر في المحرر بالطاحونة فعدل المصنف إلى الرحى، وهما مترادفان كما قاله الجوهري. قال السبكي: ولا أدري بأي
معنى عدل عن عبارة المحرر، وفي بلادنا أن الطاحون يطلق على المكان والرحى على الحجر، ومن المعلوم أن الحجر ليس
المراد هنا فإنه منقول، والشفعة إنما تثبت فيه تبعا للمكان، فالمراد المكان المعد للطحن اه‍. قال ابن شهبة: فتعبير
المحرر أولى. ويثبت لمالك عشر الدار الصغيرة إن باع مالك تسعة الأعشار نصيبه لأنه لو طلب من مالك العشر القسمة
أجبر عليها، بخلاف ما لو باع مالك العشر نصيبه فإن الشفعة لا تثبت للآخر لأمنه من القسم، إذ لا فائدة فيها فلا يجاب
طالبها لتعنته. ولو باع نصيبه من أرض تنقسم وفيها بئر ماء لا تنقسم ويسقى منها ثبتت الشفعة في الأرض دون البئر
، بخلاف الشجر النابت في الأرض لأنه ثابت في محل الشفعة والبئر مباينة عنه. ثم شرع في بيان الركن الثاني، وهو
الاخذ، فقال: (ولا شفعة إلا لشريك) في رقبة العقار، فلا تثبت للجار لخبر البخاري المار، ولا للشريك في غير
رقبة العقار كالشريك في المنفعة فقط كأن ملكها بوصية، ولو قضى بالشفعة للجار حنفي لم ينقض حكمه، ولو كان
297

القضاء بها لشافعي كنظائره من المسائل الاجتهادية. وتثبت لذمي على مسلم ومكاتب على سيد كعكسهما. ولو كان
للمسجد شقص من دار مشتركة بشراء أو هبة ليصرف في عمارته ثم باع شريكه نصيبه كان للقيم أن يأخذ بالشفعة إن
رآه مصلحة ولو كان لبيت المال شريك في أرض فبلغ شريكه كان للإمام الاخذ بالشفعة إن رآه مصلحة. ولا شفعة
لصاحب شقص من أرض مشتركة موقوف عليه إذا باع شريكه نصيبه، ولا شريكه إذا باع شريك آخر نصيبه كما أفتى
به البلقيني، لامتناع قسمة الوقف عن الملك، ولانتفاء ملك الأول عين الرقبة. نعم ما اختاره الروياني والمصنف من جواز
قسمته عنه لا مانع من أخذ الشافعي، وهو المعتمد إن كانت القسمة قسمة إفراز. (ولو باع دارا وله شريك في ممرها)
فقط التابع لها، فإن كان دربا غير نافذ (فلا شفعة له فيها) لانتفاء الشركة فيها، فأشبه ما لو باع عقارا غير مشترك
وشقصا مشتركا. (والصحيح ثبوتها في الممر) بحصته من الثمن (إن كان للمشتري طريق آخر إلى الدار أو أمكن فتح
باب) لها (إلى شارع) أو إلى ملكه لامكان الوصول إليها من غير ضرر وإن احتاج إحداث الممر إلى مؤنة على الأصح،
(وإلا) أي وإن لم يكن شئ من ذلك، (فلا) تثبت فيه لما فيه من إضرار المشتري، والضرر لا يزال بالضرر. والثاني:
تثبت فيه والمشتري هو المضر بنفسه بشرائه هذه الدار. والثالث: المنع مطلقا إذا كان في اتخاذ الممر عسر أو مؤن لها
وقع لأن فيه ضررا ظاهرا.
تنبيه: محل الخلاف إذا لم يتسع الممر، فإن اتسع بحيث يمكن أن يترك للمشتري منه شئ يمر فيه تثبت
الشفعة في الباقي قطعا، وفي المقدار الذي لا يتأتى المرور بدونه الخلاف. قال ابن الرفعة: أما الدرب النافذ فغير مملوك فلا
شفعة في ممر الدار المبيعة منه قطعا. ولو باع نصيبا ينقسم من ممر لا ينفذ فلأهله الشفعة لأنهم شركاء فيه،
ولو باع نصيبه
من الممر خاصة، ففي الروضة وأصلها أن للشريك الشفعة إن كان منقسما. فإن قيل: الممر من حريم الدار وهو لا يصح
بيعه ولأنه يؤدي إلى بقاء الدار بلا ممر، فهو كمن باع دارا واستثنى لنفسه منها بيتا، والأصح في زيادة الروضة بطلانه.
أجيب بأن الدار متصلة بملكه أو شارع. ولو اشترى من له دار لا ممر لها نصيب أحد الشريكين في ممر ثبتت الشفعة
وإن لم يكن للمشتري تحصيل ثمر كما هو ظاهر كلام أصل الروضة، لأن الممر ليس من حقوق الدار قبل البيع، وبهذا
فارقت مسألة الكتاب. والشركة في صحن ألحان دون بيوته، وفي مجرى الماء دون الأرض، وفي بئر المزرعة دون المزرعة
كالشركة في الممر فيما مر. ثم شرع في بيان الركن الثالث، وهو المأخوذ بالشفعة، فقال: (وإنما تثبت) الشفعة للشريك
القديم (فيما ملك) أي في شئ ملكه الشريك الحادث، (بمعاوضة) محضة كالبيع، أو غير محضة كالمهر. أما البيع
فبالنص، والباقي بالقياس عليه بجامع الاشتراك في المعاوضة مع لحوق الضرر، فلا تثبت الشفعة فيما ملك بغير معاوضة
كإرث وهبة بلا ثواب ووصية وفسخ. أما المملوك بالإرث فلانه قهري فلم يضر بالشريك، بخلاف المشتري فإنه كان
من حقه أن لا يدخل على الشريك ضررا، فلما لم يفعل تسلط الشريك عليه، وأما ما ملك بالهبة والوصية والفسخ
فلانه لا عوض فيها فتؤخذ به. وصورة مسألة الفسخ: أن يعلم بالبيع فلم يأخذ ثم انفسخ بعيب أو إقالة أو فلس أو نحو ذلك.
أما إذا لم يعلم بالبيع إلا بعد صدور الفسخ فإن له رد الفسخ والاخذ بالعقد الأول. وقوله: (ملكا لازما) قيد مضر
لا حاجة إليه لثبوت الشفعة في مدة خيار المشتري كما سيأتي. وعدم ثبوتها في مدة خيار البائع أو خيارهما كما
سيأتي إنما هو لعدم الملك الطارئ لا لعدم اللزوم، نعم لو شرط الخيار في الثمن للبائع لم تثبت الشفعة إلا بعد لزومه لئلا
يبطل خياره، نبه عليه الأسنوي. (متأخرا) سببه (عن) سبب (ملك الشفيع). ثم شرع في أمثلة المعاوضة
المذكورة، فقال: (كمبيع ومهر وعوض خلع، و) عوض (صلح دم) في جناية العمد، فإن كانت خطأ أو شبه عمد
298

فالواجب فيها إنما هو الإبل والمصالحة عنها باطلة على الأصح لجهالة صفاتها.
تنبيه: تقييد الصلح بالدم ليس لاخراج الصلح عن المال فإنه تثبت الشفعة فيه قطعا، وإنما خصصه ليكون منتظما
في سلك الخلع من حيث أنه معاوضة غير محضة. وقوله: (ونجوم) أي وعوض صلح عن نجوم كتابة، كأن ملك المكاتب
شقصا فصالح سيده به عن النجوم التي عليه، وإلا فالشقص لا يكون نجوم كتابة لأن عوضها لا يكون إلا دينا، والشقص
لا يتصور ثبوته في الذمة. وهذا مبني على صحة الاعتياض عن النجوم، وهو وجه نص عليه في الام، وصححه السبكي،
والصحيح المنع كما صححاه في كتاب الكتابة لأنه غير مستقر كالمسلم فيه. وقوله: (وأجرة ورأس مال سلم) هما معطوفان
على مبيع، فلو جعلهما قبل المهر كان أولى لئلا يتوهم عطفهما على خلع فيصير المراد عوض أجرة وعوض رأس مال
سلم، وليس مرادا لأن رأس مال السلم لا يصح الاعتياض عنه. ولو قال لمستولدة: إن خدمت أولادي بعد موتي سنة فلك
هذا الشقص فخدمتهم فلا شفعه فيه لأنه وصية. (ولو شرط في البيع الخيار لهما) أي المتبايعين، (أو) شرط (للبائع) وحده،
(لم يؤخذ) ذلك الشقص (بالشفعة حتى ينقطع الخيار) سواء أقلنا الملك في زمنه للبائع أم للمشتري أم موقوف.
تنبيه: قوله: لهما من زيادته، ولا حاجة إليه فإن المانع ثبوته للبائع. (وإن شرط للمشتري وحده، فالأظهر أنه
يؤخذ) بالشفعة (إن قلنا الملك) في زمن الخيار (للمشتري) وهو الراجح كما سبق في باب الخيار، (وإلا) بأن قلنا الملك في
زمنه للبائع أو موقوف، (فلا) يؤخذ بالشفعة زمنه، لأن ملك البائع غير زائل على التقدير الأول، وغير معلوم الزوال على
التقدير الثاني.
تنبيه: كلامه يشعر بأن الخلاف في هذا الشق قولان، وليس مرادا بل هو وجهان. وما ذكر في خيار الشرط يجري
في خيار المجلس ويتصور انفراد أحدهما بإسقاط الآخر خيار نفسه، فلو عبر بثبت الخيار لكان أولى. وقد علم بما تقرر
أن مجرد البيع ونحوه لا يكفي في ثبوت الشفعة بل لا بد فيه من ملك المشتري أو من في معناه كما أشار إليه المصنف بقوله: فيما
ملك. (ولو وجد المشتري بالشقص) بكسر المعجمة: اسم للقطعة من الشئ، (عيبا وأراد) المشتري (رده بالعيب وأراد الشفيع
أخذه ويرضى بالعيب فالأظهر إجابة الشفيع) حتى لا يبطل حقه من الشفعة، لأن حقه سابق على حق المشتري فإنه ثابت
بالبيع وحق المشتري في الرد ثابت بالاطلاع. والثاني: إجابة المشتري، لأن الشفيع إنما يأخذ إذا استقر العقد وسلم عن الرد،
ويجري الخلاف إذا كان الثمن معيبا كعبد وأراد البائع رده. وعلى الأول لو رد المشتري قبل مطالبة الشفيع كان للشفيع أن
يرد الرد ويأخذه في الأصح، وهل يفسخ الرد أو يتبين أنه كان باطلا؟ وجهان: صحح السبكي الأول، وفائدتهما كما قال
في المطلب: الفوائد والزوائد من الرد إلى الاخذ، ويلتحق بالرد بالعيب الرد بالإقالة. ولو أصدقها شقصا ثم طلقها قبل
الدخول فللشفيع أخذ النصف الذي استقر لها، وكذا العائد للزوج، لثبوت حق الشفيع بالعقد والزوج إنما ثبت حقه
بالطلاق، ومثله ما لو أفلس المشتري قبل الاخذ.
تنبيه: جزم المصنف بأن الخلا ف قولان، وعبارة الروضة قولان، وقيل وجهان. ثم شرع في محترز قوله: متأخرا
عن ملك الشفيع فقال: (ولو اشترى اثنان) معا (دارا أو بعضها فلا شفعة لأحدهما على الآخر) لاستوائهما في وقت
حصول الملك.
تنبيه: أورد عليه ما لو باع أحد الشريكين نصيبه بشرط الخيار له فباع الآخر نصيبه في زمن الخيار بيع بت
299

فالشفعة للمشتري الأول إذا لم يشفع بائعه لتقدم سبب ملكه على سبب ملك الثاني لا للثاني، وإن تأخر عن ملكه ملك الأول
لتأخر سبب ملكه عن سبب ملك الأول، وكذا لو باعا مرتبا بشرط الخيار لهما دون المشتري سواء أجازا معا أم أحدهما
قبل الآخر، فلو عبر المصنف بسبب الملك كما قدرته كان أولى من تعبيره بالملك. وتثبت الشفع لكل من الشركاء وإن كان
المشتري من جملتهم كما يشير إليه قوله: (ولو كان للمشتري شرك) بكسر المعجمة بخط المصنف، أي نصيب، (في الأرض)
كأن تكون بين ثلاثة أثلاثا فباع أحدهم نصيبه لاحد شريكيه، (فالأصح أن الشريك لا يأخذ كل المبيع) وهو الثلث في هذا
المثال، (بل) يأخذ (حصته) أي نصيبه منه، وهي في هذا المثال السدس لاستوائهما في الشركة. والثاني: يأخذ الجميع وهو
الثلث، وحق فيه للمشتري، لأن الشفعة تستحق على المشتري فلا يستحقها على نفسه. وأجاب الأول بأنا لا نقول استحقها
على نفسه بل دفع الشريك عن أخذ نصيبه، فلو قال المشتري خذ الكل أو اتركه وقد أسقطت حقي لك لم تلزمه الإجابة
ولم يسقط حق المشتري من الشفعة.
تنبيه: قوله: في الأرض مثال لا حاجة إليه. ثم شرع في كيفية الاخذ بالشفعة فقال: (ولا يشترط في التملك بالشفعة حكم
حاكم) بها لثبوتها بالنص، (ولا إحضار الثمن) كالبيع بجامع أنه تملك بعوض. وكان ينبغي أن يقول: ولا ذكر الثمن. (ولا حضور
المشتري) ولا رضاه كالرد بالعيب، (ولكن (يشترط لفظ من الشفيع كتملكت أو أخذت بالشفعة) ونحو ذلك
كاخترت الاخذ بالشفعة، ويقوم مقام اللفظ إشارة الأخرس المفهمة، ولا يكفي المعاطاة كما مر في البيع، ولا أنا مطالب
بالشفعة ونحو ذلك.
تنبيه: عدم اشتراط هذه الأمور الثلاثة قال ابن الرفعة: مشكل بما سيذكره عقبه من أنه لا بد من أحد هذه الأمور
أو ما يلزم منه أحدها، ثم قال: وأقرب ما يمكن أن يحمل عليه أن مجموع الثلاثة لا تشترط. قال الأسنوي: وهذا الحمل
لا يستقيم مع تكرار لا النافية، بل الحمل الصحيح أن كل واحد بخصوصه لا يشترط. قال الزركشي: ما قاله ابن الرفعة
عجيب منه، لأن المراد هنا الاخذ بالشفعة وهو قوله أخذت بالشفعة وهو لا يشترط فيه شئ من ذلك لثبوته بالنص،
وأما حصول الملك فيشترط فيه ما سيأتي. قال ابن شهبة: ويرد هذا قول المصنف: ولا يشترط في التملك بالشفعة اه‍. وهذا
لا يرده لأنه قال: لأن المراد، ولذلك قال شيخنا في منهجه: لا يشترط في ثبوتها، قال في شرحه: وهو مراد
الأصل كغيره
بقوله ولا يشترط في التملك. (ويشترط مع ذلك) أي اللفظ المذكور، (إما تسليم العوض إلى المشتري) أو التخلية بينه وبينه
إذا امتنع. (فإذا تسلمه) من الشفيع أو خلى بينه وبينه عند الامتناع، (أو ألزمه القاضي التسلم) بضم اللام، ثم امتنع منه أو
قبضه القاضي عنه، (ملك الشفيع الشقص) لأنه وصل إلى حقه في الحالة الأولى ومقصر فيما بعدها. (وإما رضي المشتري
بكون العوض في ذمته) أي الشفيع حيث لا ربا سواء أسلم الشقص أم لا، لأن الملك في المعاوضة لا يتوقف على القبض،
فإن كان ربا كأن كان المبيع صفائح ذهب أو فضة والثمن من الآخر لا يكف الرضا بكون الثمن في الذمة بل يعتبر التقابض
كما هو معلوم من باب الربا (وأما قضاء القاضي له) أي الشفيع (بالشفعة) أي ثبوت حقها كما قاله في المطلب لا بالملك
، (إذا حضر مجلسه وأثبت حقه) في الشفعة واختار التملك، (فيملك به) أي القضاء (في الأصح) لأن اختيار التملك قد تأكد
بحكم الحاكم. والثاني: لا يملك بذلك لأنه لم يرض بذمته.
تنبيه: اشتراط المصنف أحد هذه الأمور يفهم أنه لا يكفي التملك عند الشهود، وهو كذلك، كما هو أظهر الوجهين
300

في الوجيز ورجحه ابن المقري ولو عند فقد القاضي كما هو ظاهر كلامهم، وإن قال ابن الرفعة: لا يبعد التفصيل كما في مسألة
هرب الجمال حيث يقوم الاشهاد مقام القضاء، لأن الضرر هناك أشد منه هنا. ويشترط في التملك أيضا أن يكون الثمن
معلوما للشفيع، وإذا ملك الشفيع الشقص بغير الطريق الأول وهو تسليم العوض لم يكن له أن يتسلم الشقص حتى يؤدي
الثمن وإن تسلمه المشتري قبل أداء الثمن، ولا يلزم المشتري أن يؤخر حقه بتأخير البائع حقه، فإن غاب ماله أمهل ثلاثة
أيام، فإن مضت ولم يحضر الثمن فسخ الحاكم التملك، وقيل: يبطل بلا فسخ، وليس للشفيع خيار مجلس لما مر في بابه.
(ولا يتملك شقصا لم يره الشفيع على المذهب) بناء على منع بيع الغائب، وقيل: يتملكه قبل الرؤية بناء على صحة بيع
الغائب، وله الخيار عند الرؤية وليس للمشتري منعه من الرؤية. والطريق الثاني: القطع بالأول، لأن الاخذ بالشفعة
قهري لا يناسبه إثبات الخيار فيه.
تنبيه: أشعر اقتصاره على رؤية الشفيع أنه لا يشترط أن يراه المأخوذ منه، وهو كذلك، قال الأسنوي: وسببه
أنه قهري. ويتصور ذلك في الشراء بالوكالة وفي الاخذ من الوارث.
فرع: لا يتصرف الشفيع في الشقص قبل قبضه وإن سلم الثمن للمشتري وله الرد بالعيب عليه، فإن قبضه بإذن المشتري
وأفلس بالثمن رجع فيه المشتري كما في البيع في ذلك كله، وللمشتري التصرف فيه بعد الطلب وقبل التملك لأنه ملكه بخلافه
بعد التملك كما سيأتي.
فصل: فيما يؤخذ به الشقص وفي الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما: (إذا اشترى) شخص شقصا من عقار (بمثلي)
كبر ونقد، (أخذه) منه (الشفيع بمثله) إن تيسر لأنه أقرب إلى حقه، فإن لم يتيسر وقت الاخذ فبقيمته. ولو قدر الثمن بغير
معيار الشرع كقنطار حنطة أخذه بمثله وزنا على الأصح في الرافعي في باب القرض، وقيل: يكاد ويؤخذ بقدره كيلا، وحكاه
في الكفاية عن الجمهور. (أو بمتقوم) كعبد وثوب (فبقيمته) لتعذر المثل. قال ابن الرفعة: ويظهر أن الشفيع لو ملك الثمن
قبل الاخذ تعين الاخذ به لا سيما المتقوم لأن العدول عنه إنما كان لتعذره، ويحتمل خلافا لما فيه من التضييق اه‍. والأول
أوجه. وتعتبر القيمة (يوم) أي وقت (البيع لأنه وقت إثبات العوض واستحقاق الشفعة، ولا اعتبار بما يحدث بعدها
لحدوثه في ملك البائع. (وقيل: يوم) أي وقت (استقراره بانقطاع الخيار) كما يعتبر الثمن حينئذ. وجرى على هذا القول في
التنبيه ونبهت في شرحه على ضعفه. ولو جعل الشريك الشقص رأس مال سلم أخذه الشفيع بمثل المسلم فيه إن كان مثليا،
وبقيمته إن كان متقوما، أو صالح به عن دين أخذه بمثله أو قيمته كذلك، أو صالح به عن دم عمد، أو استأجر به أو
أمتعه أخذه بقيمة الدية وقت الصلح، أو أجرة المثل لمدة الإجارة، أو متعة حال الامتاع، وإن أقرضه أخذه بعد ملك
المستقرض بقيمته ويصدق الدين فيما ذكر بالحال. ويقابله قوله: (أو) اشترى (بمؤجل فالأظهر) الجديد، وجزم به جمع،
(أنه) أي الشفيع لا يأخذ بمؤجل، بل هو (مخير بين أن يعجل) الثمن للمشتري (ويأخذ) الشقص (في الحال، أو يصير إلى
المحل) بكسر المهملة بخطه وهو الحلول، (ويأخذ) بعد ذلك ولا يسقط حقه بتأخيره لعذره، لأنا لو جوزنا له الاخذ بالمؤجل
لأضررنا بالمشتري، لأن الذمم تختلف. وإن ألزمناه الاخذ في الحال بنظيره من الحال أضررنا بالشفيع، لأن الاجل يقابله
قسط من الثمن، فكان ذلك دافعا للضررين وجامعا للحقين. ولا يجب على الشفيع إعلام المشتري بالطلب على أشهر
الوجهين في الشرحين، وما وقع في أصل الروضة من أن عليه ذلك نسب لسبق القلم. والثاني: يأخذه بالمؤجل تنزيلا له منزلة
المشتري. والثالث: يأخذه بسلعة لو بيعت إلى ذلك الاجل لبيعت بذلك القدر.
301

تنبيه: لو اختار على الأول الصبر إلى الحلول ثم عن له أن يعجل الثمن ويأخذ، قال في المطلب: فالذي يظهر أن في
ذلك له وجها واحدا، قال الأذرعي وغيره: وهو ظاهر إذا لم يكن زمن نهب يخشى منه على الثمن المعجل الضياع. ولو
كان الثمن منجما، قال الماوردي: فالحكم فيه كالمؤجل فيعجل أو يصبر حتى يحل كله، وليس له كلما حل نجم
أن يعطيه
ويأخذ بقدره لما فيه من تفريق الصفقة على المشتري. قال: ولو رضي المشتري بدفع الشقص وتأجيل الثمن إلى محله وأبى
الشفيع إلا الصبر إلى المحل بطلت الشفعة على الأصح، ولو حل الثمن على المشتري بموته أو نحوه كردة لا يتعجل الاخذ
على الشفيع بل يستمر على خيرته، ولو مات الشفيع فالخيرة لوارثه. (ولو بيع شقص وغيره) مملا شفعة فيه من منقول
كنقد أو أرض أخرى لا شركة فيها للشفيع صفقة واحدة، (أخذه) أي الشقص لوجود سبب الاخذ دون غيره، (بحصته)
أي بقدرها (من القيمة) باعتبار القيمة وقت البيع، لأنه وقت المقابلة، فلو كان الثمن مائة وقيمة الشقص ثمانين وقيمة
المضموم إليه عشرين أخذ الشقص بأربعة أخماس الثمن ويبقى المضموم للمشتري بالخمس الباقي، فقوله: بحصته من القيمة
لا يعطي هذا المعنى لولا ما قدرته. ولا خيار للمشتري بتفريق الصفقة عليه لدخوله عالما بالحال، وبهذا فارق ما مر
في البيع من امتناع أفراد المعيب بالرد. قال الأذرعي: وظاهره أنه لو جهل الحال ثبت له الخيار، ولم أر من صرح به اه‍.
والظاهر كما قال شيخنا: أنهم جروا في ذكر العلم على الغالب. (ويؤخذ) الشقص (الممهور) لامرأة (بمهر مثلها) وقت نكاحها،
(وكذا) يؤخذ بمهر مثلها وقت خلعها (عوض الخلع) سواء أكان أقل من قيمته أم لا، لأن البضع متقوم وقيمة مهر المثل.
تنبيه: محل الاخذ بالشفعة في ذلك إذا كان الشقص معلوما، فلو أمهرها شقصا غير معلوم كان لها مهر مثلها ولا
شفعة لأنه مجهول، نص عليه في الام. (ولو اشترى بجزاف) - بتثليث جيمه كما مر في باب الربا - نقدا كان أو غيره كمذروع
مكيل، (وتلف) الثمن قبل العلم بقدره، (امتنع الاخذ) بالشفعة لتعذر الوقوف على الثمن والاخذ بالمجهول غير ممكن.
وهذا من الحيل المسقطة للشفعة، وهي مكروهة لما فيها من إبقاء الضرر لا في دفع شفعة الجار الذي يأخذ بها عند القائل
بها. وصورها كثيرة، منها أن يبيع الشقص بأكثر من ثمنه بكثير ثم يأخذ به عرضا يساوي ما تراضيا عليه عوضا
عن الثمن أو يحط عن المشتري ما يزيد عليه بعد انقضاء الخيار. ومنها أن يبيعه بمجهول مشاهد ويقبضه ويخلطه بغيره
بلا وزن في الموزون أو ينفقه أو يتلفه. ومنها أن يشتري من الشقص جزءا بقيمة الكل ثم يهبه الباقي. ومنها أن يهب
كل من مالك الشقص وآخذه للآخر بأن يهب له الشقص بلا ثواب ثم يهب له الآخر قدر قيمته، فإن خشي عدم الوفاء
بالهبة وكلا أمينين ليقبضاهما منهما معا بأن يهبه الشقص ويجعله في يد أمين ليقبضه إياه ويهبه الآخر قدر قيمته ويجعله
في يد أمين ليقبضه إياه ثم يتقابضا في حالة واحدة. ومنها أن يشتري بمتقوم قيمته مجهولة كفص ثم يضعه أو
يخلطه بغيره، فإن كان غائبا لم يلزم البائع إحضاره ولا الاخبار بقيمته. فإن قيل: هذا يخالف ما سبق من أنه ليس للمشتري
منع الشفيع من رؤية الشقص إذا منعناه أخذ ما لم ير. أجيب بأن هذا لا حق له على البائع بخلاف المشتري. (فإن عين الشفيع
قدرا) لثمن الشقص كقوله للمشتري: اشتريته بمائة درهم، (وقال المشتري: لم يكن ذلك الثمن (معلوم القدر، حلف على
نفي العلم) بقدره، لأن الأصل عدم علمه به. ويخالف هذا ما لو ادعى على غيره ألفا فقال: لا أعلم كم لك علي حيث
لا يكفي ذلك منه، إذ المدعى هنا هو الشقص لا الثمن المجهول، وبتقدير صدق المشتري لا يمكنه الاخذ بالشفعة فكان ذلك
إنكارا لولاية الاخذ، ولا يكفيه أن يحلف أنه اشتراه بمجهول لأنه قد يعلمه بعد الشراء. ولو قال المشتري: لم أشتر
بذلك القدر حلف كذلك، وللشفيع بعد حلف المشتري أن يزيد في قدر الثمن ويحلفه ثانيا وثالثا، وهكذا حتى ينكل المشتري
302

فيسند بنكوله فيحلف على ما عينه ويشفع، لأن اليمين قد يسند إلى التخمين، كما في جواز الحلف على خط أبيه إذا سكنت
نفسه إليه. ولا يكون قوله نسيت قدر الثمن الذي اشتريت به عذرا، بل يطلب منه جواب كاف.
تنبيه: قضية كلام المصنف أن المشتري إذا حلف سقطت الشفعة، وهو كذلك كما صرح به في نكت التنبيه. وقيل:
إن الشفعة موقوفة إلى أن يتضح الحال، وحكاه القاضي حسين عن النص. (وإن ادعى) الشفيع (علمه) أي المشتري بالثمن،
(ولم يعين) له (قدرا لم تسمع دعواه في الأصح) لأنه لم يدع حقا له. والثاني: تسمع ويحلف المشتري أنه لا يعلم قدره.
واحترز المصنف بقوله: تلف عما لو كان باقيا فإنه يضبط، ويأخذ الشفيع بقدره. ولو قامت بينة بأن الثمن كان ألفا وكفا
من الدراهم هو دون المائة يقينا، فقال الشفيع: أنا آخذه بألف ومائة كان له الاخذ كما في فتاوى الغزالي، لكنه
لا يحل للمشتري قبض تمام المائة. (وإذا ظهر الثمن) الذي دفعه مشتري الشقص (مستحقا) لغيره ببينة أو بتصديق من
البائع والمشتري والشفيع كما قاله المتولي، وذلك بعد أخذ الشفيع الشقص، (فإن كان معينا) كأن اشترى بهذه المائة (بطل
البيع) يعني بان بطلانه، لأن أخذ عوضه لم يأذن فيه المالك، وسواء أكان الثمن عوضا أم نقدا، لأن النقد عندنا يتعين
بالعقد كالعرض. (و) بطلت (الشفعة) لترتبها على البيع. ولو خرج بعض الثمن مستحقا بطل فيما يقابله من المبيع
والشفعة دون الباقي تفريقا للصفة، (وإلا) بأن اشترى بثمن في ذمته ودفع عما فيها فخرج المدفوع مستحقا، (أبدل) المدفوع
(وبقيا) أي البيع والشفعة، لأن إعطاءه عما في الذمة لم يقع الموقع، فكان وجوده كعدمه، وللبائع استرداد الشقص
إن لم يكن تبرع بتسليمه وحبسه إلى أن يقبض الثمن.
تنبيه: خروج الدنانير أو الدراهم نحاسا كخروج الثمن مستحقا. ولو خرج الثمن رديئا تخير البائع بين الرضا به
والاستبدال، فإن رضي به لم يلزم المشتري الرضا بمثله، بل يأخذ من الشفيع ما اقتضاه العقد، كذا قاله البغوي وأقره
الرافعي. قال المصنف، وفيه احتمال ظاهر. قال الأذرعي، ولم يتبين لي وجهه، والظاهر أن الغرض بعد لزوم العقد.
وقال البلقيني: ما قاله البغوي جار على قوله فيما إذا ظهر العبد الذي باع به البائع معيبا ورضي به أن على الشفيع قيمته
سليما، لأنه الذي اقتضاه العقد. وقال الإمام: إنه غلط، وإنما عليه قيمته معيبا، حكاهما في الروضة، قال: فالتغليظ
بالمثلي أولى، قال: والصواب في كلتا المسألتين ذكر وجهين. والأصح منهما اعتبار ما ظهر، أي لا ما رضي به البائع.
وهذا هو الظاهر، وبه جزم ابن المقري في المعيب. (وإن دفع الشفيع) ثمنا (مستحقا) لغيره (لم تبطل شفعته) جزما
(إن جهل) كونه مستحقا بأن اشتبه عليه بماله وعليه إبداله، (وكذا) لا تبطل شفعته (إن علم) كونه مستحقا
(في الأصح) إن كان الثمن معينا، ك‍ تملكت الشقص بهذه الدراهم، لأنه لم يقتصر في الطلب والاخذ. والثاني: يبطل،
لأنه أخذ بما لا يملكه فكأنه ترك الاخذ مع القدرة وعلى الأول يتبين أنه لم يملكه فيحتاج إلى تملك جديد. فإن كان
الثمن في الذمة لم تبطل جزما، وعليه إبداله كما مر، وإن دفع رديئا لم تبطل شفعته علم أو جهل. (وتصرف المشتري
في الشقص) المشفوع (كبيع) وهبة (ووقف وإجارة) ورهن وغير ذلك (صحيح) لأنه ملكه وإن كان غير لازم
كتصرف المرأة في الصداق قبل الدخول. (وللشفيع نقض ما لا شفعة فيه) مما لا يستحق به الشفعة لو وجد ابتداء، (كالوقف)
والهبة والإجارة، وحكم جعله مسجدا كالوقف كما قاله ابن الصباغ. (وأخذه) أي الشقص بالشفعة، لأن حقه سابق على هذا
التصرف فلا يبطل به. فإن قيل: حق فسخ البائع بالفلس يبطل بتصرف المشتري، وحق رجوع المطلب قبل الدخول إلى
نصف الصداق يبطل بتصرف المرأة فيه، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأنهما لا يبطلان بالكلية بل ينتقلان إلى البدل
303

ولا كذلك حق الشفيع. (ويتخير) الشفيع (فيما فيه شفعة كبيع) وإصداق (بين أن يأخذ). (بالبيع الثاني) أو الاصداق،
(أو ينقضه أو يأخذ). (بالأول) لما مر. وفائدته أن الثمن في الأول قد يكون أقل أو الجنس فيه أسهل. وليس المراد بالنقض الفسخ، ثم الاخذ بالشفعة بل الاخذ بها وإن لم يتقدمه لفظ فسخ قبله كما استنبطه في المطلب من كلامهم
خلافا لما يقتضيه كلام أصل الروضة. فإن قيل: تصرف الأب فيما وهب لولده لا يكون رجوعا فلا يكفي فهلا كان هنا
كذلك أجيب بأن الأب هو الواهب فلا بد أن يرجع عن تصرفه بخلاف الشفيع.
تنبيه: لو عبر بالابطال أو الفسخ كان أولى، فإن النقض رفع الشئ من أصله كما مرت الإشارة إليه في باب
أسباب الحدث.
فرع: لو بنى المشتري أو غرس أو زرع في المشفوع ولم يعلم الشفيع بذلك ثم علم قلع ذلك مجانا لعدوان المشتري،
نعم إن بنى أو غرس في نصيبه بعد القسمة ثم أخذ بالشفعة لم يقلع مجانا. فإن قيل: القسمة تتضمن غالبا رضا الشفيع بتملك
المشتري. أجيب بأن ذلك يتصور بصور: منها أن يظهر المشتري أنه هبة ثم تبين أنه اشتراه أو أنه اشتراه بثمن كثير
ثم ظهر أنه بأقل، أو يظن الشفيع أن المشتري وكيل للبائع، ولبناء المشتري وغراسه حينئذ حكم بناء المستعير وغراسه، إلا
أن المشتري لا يكلف تسوية الأرض إذا اختار القلع لأنه كان متصرفا في ملكه، فإن حدث في الأرض نقص فيأخذه
الشفيع على صفته أو يترك ويبقى زرعه إلى أوان الحصاد بلا أجرة، وللشفيع تأخير الاخذ بالشفعة إلى أوان الحصاد،
لأنه لا ينتفع به قبله. وفي جواز التأخير إلى أوان جداد الثمرة فيما إذا كان في الشقص شجر عليه ثمرة لا تستحق بالشفعة؟
وجهان، أوجههما لا، والفرق أن الثمرة لا تمنع من الانتفاع بالمأخوذ بخلاف الزرع. ولو ادعى المشتري إحداث بناء
وادعى الشفيع أنه قديم صدق المشتري كما في الشامل وإن توقف فيه في المطلب، ولو اختلف المشتري والشفيع في قدر الثمن
الذي اشترى به الشقص أو قيمته إن تلف ولا بينة (صدق المشتري) بيمينه لأنه أعلم بما باشره من الشفيع، وينبغي
كما قال الزركشي أن محل ذلك إذا لم يدع ما يكذبه الحس، كما لو ادعى أن الثمن ألف دينار وهو يساوي دينارا لم يصدق،
فإن نكل المشتري حلف الشفيع وأخذ بما حلف عليه، فإن كان لأحدهما بينة قضي له، فإن أقاما بينتين تعارضتا على الأصح
وإنما لم يتحالفا كالمتبايعين، لأن كلا من المتبايعين مدع ومباشر للعقد، وههنا المشتري لا يدعي والشفيع لم يباشر. وإن
اختلف المشتري والبائع في قدر الثمن لزم الشفيع ما ادعاه المشتري وإن ثبت ما ادعاه البائع لاعتراف المشتري بأن البيع
جرى بذلك والبائع ظالم بالزيادة، وتقبل شهادة الشفيع للبائع لعدم التهمة دون المشتري لأنه متهم في تقليل الثمن. ولو
فسخ البيع بالتحالف أو نحوه بعد الاخذ بالشفعة أقرت الشفعة وسلم المشتري قيمة الشقص للبائع، أو تحالفا قبل الاخذ
أخذ بما حلف عليه البائع لأن البائع اعترف باستحقاق الشفيع الآخذ بذلك الثمن فيأخذ حقه منه وعهدة المبيع على
البائع لتلقي الملك منه. (وكذا) يصدق المشتري بيمينه (لو أنكر الشراء) للشقص، بأن قال: لم أشتره سواء أقال معه
ورثته أو اتهبته أم لا. أو أنكر (كون الطالب) للشقص (شريكا) أو كون ملكه مقدما على ملكه، فإنه يصدق
أيضا بيمينه، لأن الأصل عدم ذلك. ويحلف على حسب جوابه في الأولى وعلى نفي العلم في الأخيرتين، فإن نكل حلف
الطالب على البت واستحق الشفعة. (فإن اعترف الشريك) القديم، وهو البائع، (بالبيع) للمشتري المنكر
للشراء
والمشفوع بيده أو بيد المشتري. وقال إنه وديعة له أو عارية أو نحو ذلك، (فالأصح ثبوت الشفعة) لطالب الشقص، لأن
إقراره يتضمن إثبات حق المشتري وحق الشفيع، فلا يبطل حق الشفيع بإنكار
المشتري كما لا يبطل حق المشتري بإنكار الشفيع. والثاني: لا تثبت، لأن الشفيع يأخذه من المشتري، فإذا لم يثبت الشراء لم يثبت ما يتفرع عليه. (ويسلم الثمن إلى
304

البائع إن لم يعترف بقبضه) من المشتري، وعليه عهدة الشقص لتلقي الملك منه وكأن الشفيع هو المشتري. فلو امتنع
من قبضه من الشفيع كان له مطالبة المشتري به في أحد وجهين رجحه شيخنا، وهو الظاهر، لأن ماله قد يكون أبعد عن
الشبهة. فإن حلف المشتري فلا شئ عليه، فإن نكل حلف البائع وأخذ الثمن منه وكانت عهدته عليه. (وإن اعترف)
البائع بقبضه (فهل يترك) الثمن (في يد الشفيع أم يأخذه القاضي ويحفظه) فإنه مال ضائع؟ (فيه خلاف سبق في الاقرار
نظيره) في قول المتن هناك: إذا كذب المقر له المقر ترك المال في يده في الأصح. فصرح هناك بالأصح وصرح هنا
بذكر المقابل له أيضا، فالمراد سبق أصل الخلاف لا أن الوجوه كلها سبقت في الاقرار.
تنبيه: قوله: في يد الشفيع كان الأولى أن يقول في ذمته فإنه لا يتعين إلا بالقبض وهو لم يقبض. وتسمح المصنف
في استعمال أم بعد هل، وإلا فالأصل أن أم تكون بعد الهمزة، وأو بعد هل. ولو ادعى المشتري شراء الشقص وهو
في يده والبائع غائب للشفيع أخذه على الأصح كما في الروضة وأصلها خلافا لما صححه المصنف في نكت التنبيه، ويكتب
القاضي في السجل أنه أخذه بالتصادق ليكون الغائب على حجته. ولو قال المشتري اشتريته لغيري نظر إن كان المقر له
حاضرا ووافق على ذلك انتقلت الخصومة إليه، وإن أنكر أو كان غائبا أو مجهولا أخذ الشفيع الشقص بلا ثمن لئلا
يؤدي إلى سد باب الشفعة، وإن كان طفلا معينا، فإن كان عليه للمقر ولاية فكذلك وإلا انقطعت الخصومة عنه. هذا
كله فيما إذا استحق الشفعة واحد، أما لو استحقها جمع
فحكمه ما ذكره المصنف بقوله: (ولو استحق) بالملك (الشفعة جمع) من الشركاء (أخذوا) بها في الأظهر (على قدر الحصص) من الملك، لأنه حق مستحق بالملك فقسط على قدره
كالأجرة والثمرة، فلو كانت الأرض بين ثلاثة لواحد نصفها، ولآخر سدسها فباع الأول حصته أخذ الثاني
سهمين والثالث سهما. (وفي قول) أخذوا (على) قدر (الرؤوس) التي للشركاء، فيقسم النصف في المثال المذكور بين
الشريكين سواء، لأن سبب الشفعة أصل الشركة. واختار هذا جمع من المتأخرين، بل قال الأسنوي: إن الأول خلاف
مذهب الشافعي. ولو مات مالك أرض عن ابنين ثم مات أحدهما عن ابنين فباع أحدهما نصيبه ثبتت الشفعة للعم والأخ
لاشتراكهما في الملك، والنظر في الشفعة إلى ملك الشريك لا إلى سبب ملكه، لأن الضرر المحوج إلى إثباتها لا يختلف.
وكذا الحكم في كل شريكين ملكا بسبب وغيرهما من الشركاء ملك بسبب آخر فباع أحدهما نصيبه، مثاله: بينهما دار
فباع أحدهما نصيبه أو وهبه لرجلين ثم باع أحدهما نصيبه، فالشفعة بين الأول والثاني لما مر. وإن مات شخص عن
بنتين وأختين وخلف دارا فباعت إحداهن نصيبها شفع الباقيات كلهن لا أختها فقط. (ولو باع أحد الشريكين) في عقار
مناصفة (نصف حصته لرجل) مثلا، (ثم) قبل أخذ الشريك الأول بالشفعة والعفو عنها باع (باقيها لآخر، فالشفعة
في النصف الأول للشريك القديم) لأنه ليس معه في حال البيع شريك إلا البائع لا يأخذ بالشفعة ما باعه. (والأصح
أنه إن عفا) الشريك القديم (عن النصف الأول) بعد البيع الثاني (شاركه المشتري الأول في النصف الثاني)
لأن ملكه قد سبق البيع الثاني واستقر بعفو الشريك القديم عنه فيستحق مشاركته. (وإلا) بأن لم يعف الشريك القديم
عن النصف الذي اشتراه بل أخذه منه، (فلا) يشارك الأول القديم لزوال ملكه. والوجه الثاني: يشاركه مطلقا، لأنه
الشريك حالة الشراء. والثالث: لا يشاركه مطلقا، لأن الشريك القديم تسلط على ملكه فكيف يزاحمه.
تنبيه: أشار المصنف ب‍ ثم إلى أن صورة المسألة أن يقع البيعان على الترتيب، فإن وقعا معا فمعلوم أن الشفعة
فيهما معا للأول خاصة. وعلم بما تقرر من أن العفو بعد البيع الثاني أنه لو عفا قبله اشتركا فيه قطعا أو أخذ قبله انتفت
305

قطعا. (والأصح أنه لو عفا أحد شفيعين سقط حقه) من الشفعة كسائر الحقوق المالية، (وتخير الآخر بين أخذ الجميع
وتركه) كالمنفرد، (وليس له الاقتصار على حصته) لئلا تتبعض الصفقة على المشتري. والثاني: يسقط حق العافي وغيره
كالقصاص. وأجاب الأول بأن القصاص يستحيل تبعيضه وينتقل إلى بدله.
تنبيه: قوله: وتخير الآخر إلخ في حيز الأصح كما تقرر، فلو قال: وأن الآخر يخير كان أصرح في إفادة الخلاف.
وما ذكره في شفعة ثبتت لعدد ابتداء، فلو كان لشقص شفيعان فمات كل عن ابنين ثم عفا أحدهم سقط حقه وانتقل
للثلاثة فيأخذون الشقص أثلاثا. (و) الأصح (أن) الشفيع (الواحد إذا أسقط بعض حقه سقط كله) كالقصاص.
والثاني: لا يسقط منه شئ، كعفوه عن بعض حد القذف. والثالث: يسقط ما أسقطه ويبقى الباقي، لأنه حق مالي يقبل الانقسام.
(ولو حضر أحد شفيعين) وغاب الآخر، (فله) أي الحاضر (أخذ الجميع في الحال) لا الاقتصار على حصته لئلا تتبعض
الصفقة على المشتري لو لم يأخذ الغائب، إذ يحتمل أنه زال ملكه بوقف أو غيره أو لا رغبة له في الاخذ. فلو رضي المشتري
بأن يأخذ الحاضر حصته فقط، قال السبكي: فالذي يتجه أن يكون كما لو أراد الشفيع الواحد أن يأخذ بعض حقه،
والأصح منعه. (فإذا) أخذ الحاضر الجميع ثم (حضر الغائب شاركه) فيه، لأن حقه ثابت فحضوره الآن كحضوره من قبل،
وما استوفاه الحاضر من المنافع والثمرة والأجرة لا يشاركه فيه الغائب كما أن الشفيع لا يشارك المشتري فيه. (والأصح أن له
تأخير الاخذ إلى قدوم الغائب) وإن كان الاخذ بالشفعة على الفور لعذره، لأن له غرضا ظاهرا في أنه لا يأخذ ما يؤخذ
منه، ولأنه قد لا يقدر إلا على أخذ البعض الآن. والثاني: لا، لتمكنه من الاخذ. ولو استحق الشفعة ثلاثة كأن كانت دار
لأربعة بالسواء فباع أحدهم نصيبه واستحقها الباقون فحضر أحدهم أخذ الكل أو ترك أو أخر لحضورهما كما مر. فإن
أخذ الكل وحضر الثاني ناصفه بنصف الثمن كما لو لم يكن إلا شفيعان. وإذا حضر الثالث أخذ من كل ثلث ما في يده لأنه
قدر حصته، ولو أراد أخذ ثلث ما في يد أحدهما فقط جاز كما لو يجوز للشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشتريين فقط. واعلم
أن للثاني أخذ الثلث من الأول لأنه لا يفوت الحق عليه إذ الحق ثبت لهم أثلاثا، فإن حضر الثالث وأخذ نصف ما في
يد الأول أو ثلث ما في يد كل من الأول والثاني وكان الثاني في الثانية قد أخذ من الأول النصف استووا في المأخوذ، أو
أخذ الثالث ثلث الثلث الذي في يد الثاني فله ضمه إلى ما في يد الأول ويقتسمانه بالسوية بينهما فتصح قسمة الشقص من
ثمانية عشر، فإنه يأخذ ثلث الثلث وهو واحد من تسعة يضمه إلى ستة منها فلا تصح على اثنين فتضرب اثنين في تسعة
فللثاني منها اثنان في المضروب فيها بأربعة يبقى أربعة عشر بين الأول والثالث لكل منهما سبعة، وإذا كان ربع الدار
ثمانية عشر فجملتها اثنان وسبعون، وإنما كان للثالث أخذ ثلث الثلث من الثاني لأنه يقول ما من جزء إلا ولي منه ثلثه.
ولو استحق الشفعة حاضر وغائب فعفا الحاضر ثم مات الغائب فورثه الحاضر أخذ الكل بالشفعة وإن كان قد عفا أولا،
لأنه الآن يأخذ بحق الإرث.
تنبيه: إنما يضر تفريق الصفقة في شقص العقد الواحد، فإن تعدد العقد بتعدد المشتري أو البائع لم يضر، وقد
أشار إلى الأول بقوله: (ولو اشتريا) أي اثنان (شقصا) من واحد، (فللشفيع أخذ نصيبهما ونصيب أحدهما) فقط،
إذ لا تفريق عليه. (ولو اشترى واحد من اثنين فله) أي الشفيع (أخذ حصة أحد البائعين في الأصح) لتعدد الصفقة
بتعدد البائع، فصار كما لو ملكه بعقدين. والثاني: لا، لأن المشتري ملك الجميع فلا يفرق ملكه عليه. ولو باع شقصين
306

من دار صفقة جاز أخذ أحدهما ولو اتحد فيهما الشفيع لأنه لا يفضي إلى تبعيض الشئ الواحد. ولو اشترياه من
اثنين جاز الشفيع أخذ ربعه أو نصفه أو ثلاثة أرباعه أو الجميع. ولو وكل أحد الثلاثة شريكه ببيع نصيبه فباع نصيبهما
صفقة بالاذن في بيعه كذلك أو بدونه لم يفرقها الثالث، بل يأخذ الجميع أو يتركه لأن الاعتبار بالعاقد لا بالمعقود عليه.
ولو كانت دار بين اثنين فوكل أحدهما الآخر في بيع نصف نصيبه مطلقا أو مع نصيب صاحبه صفقة فباع كذلك، فللموكل
إفراد نصيب الوكيل بالأخذ بالشفعة بحق النصف الباقي له لأن الصفقة اشتملت على ما لا شفعة للموكل فيه وهو ملكه،
وعلى ما فيه شفعة وهو ملك الوكيل، فأشبه من باع شقصا وثوبا بمائة.
تنبيه: قد سبق في البيع أن الصفقة تتعدد بتعدد البائع قطعا وبتعدد المشتري على الأصح، وقد عكسوا هنا فقطعوا
بتعددها بتعدد المشتري، والخلاف في تعدد البائع، والفرق يؤخذ من التعليل في ذلك. (والأظهر أن الشفعة) بعد علم الشفيع
بالبيع (على الفور) لأنها حق ثبت لدفع الضرر فكان على الفور كالرد بالعيب. والمراد بكونها على الفور هو طلبها وإن
تأخر التمليك كما نبه عليه ابن الرفعة تبعا للعمراني. ومقابل الأظهر أقوال: أحدها تمتد إلى ثلاثة أيام. وثانيها: تمتد مدة
تسع التأمل في مثل ذلك الشقص. وثالثها: أنها على التأبيد ما لم يصرح بإسقاطها أو يعرض به كبعه لمن شئت.
تنبيه: استثنى بعضهم عشر صور لا يشترط فيها الفور، وغالبها في كلام المصنف، لكن لا بأس بجمعها، الأولى: لو
شرط الخيار للبائع أو لهما فإنه لا يأخذ بالشفعة ما دام الخيار باقيا. الثانية: له التأخير لانتظار إدراك الزرع وحصاده على
الأصح. الثالثة: إذا أخبر بالبيع على غير ما وقع من زيادة في الثمن فترك ثم تبين خلافه فحقه باق. الرابعة: إذا كان أحد
الشفيعين غائبا فللحاضر انتظاره وتأخير الاخذ إلى حضوره. الخامسة: إذا اشترى بمؤجل. السادسة: لو قال: لم أعلم أن لي
الشفعة وهو ممن يخفى عليه ذلك. السابعة: لو قال العامي: لم أعلم أن الشفعة على الفور فإن المذهب هنا وفي الرد بالعيب قبول
قوله. الثامنة: لو كان الشقص الذي يأخذ بسببه مغصوبا كما نص عليه البويطي فقال: وإن كان في يد رجل شقص من دار
فغصب على نصيبه ثم باع الآخر نصيبه ثم رجع إليه فله الشفعة ساعة رجوعه إليه، نقله البلقيني. التاسعة: الشفعة التي يأخذها
الولي لليتيم ليست على الفور، بل في حق الولي على التراخي قطعا، حتى لو أخرها أو عفا عنها لم يسقط لأجل اليتيم، صرح به
الإمام وغيره. العاشرة: لو بلغه الشراء بثمن مجهول فأخر ليعلم لا يبطل، قاله القاضي حسين. وقد تقدمت هذ الصورة
وأنها مخالفة لما في نكت التنبيه. (فإذا علم الشفيع) واحدا كان أو أكثر (بالبيع) مثلا، (فليبادر) عقب علمه بالشراء (على
العادة) ولا يكلف البدار على خلافها بالعدو ونحوه، بل يرجع فيه إلى العرف، فما عده العرف تقصيرا وتوانيا كان مسقطا،
وما لا فلا. وسبق في الرد بالعيب كثير من ذلك وذكر هنا بعضه، فلو جمعهما في موضع وأحال لآخر عليه
لكان أولى
لأن الحكم في البابين واحد.
تنبيه: محل المبادرة بالطلب عقب العلم إذا لم يثبت للشفيع خيار المجلس، وهو الأصح كما مر. واحترز بالعلم عما
إذا لم يعلم فإنه على شفعته ولو مضى سنون. ولا يكلف الاشهاد على الطلب إذا سار طالبه في الحال أو وكل في الطلب،
فلا تبطل الشفعة بتركه كما في الشرح والروضة، خلافا لما صححه المصنف في تصحيح التنبيه. (فإن كان) للشفيع عذر ككونه
(مريضا) مرضا يمنع من المطالبة لا كصداع يسير، أو محبوسا ظلما أو بدين وهو معسر وعاجز عن البينة، (أو غائبا
عن بلد المشتري) غيبة حائلة بينه وبين مباشرة الطلب كما جزم به السبكي في شرحه، (أو خائفا من عدو، فليوكل) في طلبها
(إن قدر) على التوكيل فيه لأنه الممكن. ويعذر الغائب في تأخير الحضور للخوف من الطريق إذا لم يجد رفقة تتعمد،
والحر والبرد المفرطين. (وإلا) بأن عجز عن التوكيل، (فليشهد على الطلب) لها عدلين أو عدلا وامرأتين ولا يكفي
واحد ليحلف معه، قاله الروياني وغيره، لأن بعض القضاة لا يحكم به فلم يستوثق لنفسه. لكن قياس ما قالوه في
307

الرد بالعيب الاكتفاء به، وهو كما قال الزركشي الأقرب، وبه جزم ابن كج في التجريد. (فإن ترك) الشفيع (المقدور عليه
منهما) أي التوكيل والاشهاد في محله وترتيبه، (بطل حقه في الأظهر) لتقصيره في الأولى ولاشعار السكوت مع التمكن من
الاشهاد بالرضا في الثانية. والثاني: لا يبطل، لأنه قد يلحقه في الأولى منه أو مؤنة، وفي الثانية أن الاشهاد إنما هو لاثبات الطلب
عند الحاجة.
تنبيه: مقتضى كلامه تعين التوكيل في الغيبة، وليس مرادا، ففي فتاوى البغوي: أنه لو كان الشفيع غائبا فحضر عند
قاضي بلد الغيبة وأثبت الشفعة وحكم له بها ولم يتوجه إلى بلد البيع أو الشفعة لا تبطل لأنها تقررت بحكم القاضي، قال
السبكي: فثبت أن الغائب مخير بين التوكيل وبين الرفع إلى الحاكم، وقياسه كذلك إذا كان الشفيع حاضرا والمشتري غائبا.
ولو خرج بنفسه لم يكلف التوكيل كما صرح به الدارمي، فهو مخير بين المبادرة بنفسه وبوكيله مع القدرة. ولا يختص التوكيل
بحالة المرض ونحوها، وإنما اقتصر المصنف وغيره على التوكيل عند العجز لأن التوكيل حينئذ يتعين طريقا، لا لأنه يمتنع
مع القدرة على الطلب بنفسه. وحيث ألزمناه الاشهاد فلم يقدر عليه لم يلزمه أن يقول تملكت الشقص كما مر أنه الأصح
في الرد بالعيب. (فلو) علم الحاضر بالبيع، و (كان في صلاة أو حمام أو طعام) أو قضاء حاجة، (فله الاتمام) ولا يكلف قطعها.
ولا يلزمه الاقتصار في الصلاة على أقل ما يجزئ، أي بل له أن يستوفي المستحب، فإن زاد عليه فالذي يظهر أنه لا يكون
عذرا. ولو حضر وقت الصلاة أو الطعام أو قضاء الحاجة جاز له أن يقدمها، وأن يلبس ثوبه فإذا فرغ طالبه بالشفعة
وإن كان في ليل فحتى يصبح. ولو لقي الشفيع المشتري في غير بلد الشقص فأخر الاخذ إلى العودة إلى بلد الشقص بطلت
شفعته لاستغناء الاخذ عن الحضور عند الشقص. (ولو أخر) الطلب لهما (وقال: لم أصدق المخبر) ببيع الشريك الشقص، (لم
يعذر) جزما (إن أخبره عدلان) أو عدل وامرأتان بذلك، لأنها شهادة مقبولة. (وكذا) إن أخبره (ثقة) حر أو عبد أو امرأة
(في الأصح) لأنه إخبار وإخبار الثقة مقبول. والثاني: يعذر، لأن البيع لا يثبت بالواحد. (ويعذر إن أخبره من لا يقبل خبره)
كفاسق وصبي لأنه معذور، وهذا إذا لم يبلغ المخبرون للشفيع حد التواتر، فإن بلغوا ولو صبيانا أو كفارا أو فساقا بطل
حقه. ولو قال فيما إذا أخبره عدلان: جهلت ثبوت عدالتهما، وكان يجوز أن يخفى عليه ذلك، قبل قوله، لأن رواية المجهول
لا تسمع، قاله ابن الرفعة. ولو قال: أخبرني رجلان وليسا عدلين عندي وهما عدلان لم تبطل شفعته، لأن قوله محتمل. (ولو
أخبر) الشفيع (بالبيع بألف فترك) الشفعة (فبان) بأقل، كأن بان (بخمسمائة بقي حقه) في الشفعة لأنه لم يتركه زهدا بل للغلاء
فليس مقصرا، ويبقى حقه أيضا لو كذب عليه في تعيين المشتري أو عدده أو قدر المبيع أو جنس الثمن أو نوعه أو حلوله
أو قصر أجله فترك. (وإن بان بأكثر) مما أخبر به أو أخبر ببيع جميعه بألف فبان أنه باع بعضه بألف، (بطل) حقه، لأنه إذا
لم يرغب فيه بالأقل فبالأكثر أولى، ويبطل أيضا لو أخبر ببيع الشقص بكذا مؤجلا فترك فبان حالا، لأنه متمكن من التعجيل
إن كان يقصده. (ولو لقي) الشفيع (المشتري فسلم عليه) أو سأل عن الثمن، (أو قال) له: (بارك الله) لك (في صفقتك لم
يبطل) حقه. أما في الأولى فلان السلام سنة قبل الكلام، وأما في الثانية فلان جاهل الثمن لا بد له من معرفته وقد
يريد العارف إقرار المشتري، وأما في الثالثة فلانه قد يدعو بالبركة ليأخذ صفقة مباركة، وكذا لو جمع بين السلام والدعاء
كما اقتضاه كلام المحاملي في التجريد. (وفي الدعاء وجه) أنه يبطل به حق الشفعة لاشعاره بتقرير بيعه. وهذا الخلاف
كما قال الأسنوي إذا زاد لفظة لك كما قدرته في كلامه. (ولو باع الشفيع حصته) أو أخرجها عن ملكه بغير بيع كهبة
308

(جاهلا بالشفعة فالأصح بطلانها) لزوال سببها، وهو الشركة. والثاني: لأنه كان شريكا عند البيع ولم يرض بسقوط حقه.
تنبيه: كلامه يعم جهله بالبيع وجهله بثبوت الشفعة أو بفوريتها مع علمه بالبيع، وحكم ذلك حكم ما سبق في الرد
بالعيب. واحترز بالجهل عن العلم فيبطل جزما، هذا إذا باع جمع حصته، فإن باع بعضها عالما فالأظهر أنها تبطل لأنه إنما
استحقها بجميع نصيبه، فإذا باع بعضه بطل بقدره وإذا بطل البعض بطل الكل كما لو عفا عن بعض الشقص المشفوع،
أو جاهلا فلا كما في زيادة الروضة لعذره مع بقاء الشركة. ولو زال البعض قهرا كأن مات الشفيع وعليه دين قبل الاخذ
فبيع بعض حصته في دينه جبرا على الوارث وبقي باقيها له كان له الشفعة كما قاله ابن الرفعة لانتفاء تخيل العفو عنه.
خاتمة: لا يصح الصلح عن الشفعة بحال كالرد بالعيب، وتبطل شفعته إن علم بفساده، فإن صالح عنها في الكل
على أخذ البعض بطل الصلح لأن الشفعة لا تقابل بعوض، وكذا الشفعة إن علم ببطلانه وإلا فلا كما جزم به في الأنوار.
ولو باع حصته بشرط الخيار جاهلا ففسخ ثم علم فلا شفعة كما نقل عن المرشد، وللمفلس الاخذ بالشفعة والعفو عنها. ولا
يزاحم المشتري الغرماء بل يبقي ثمن ما اشتراه في ذمة الشفيع إلى أن يوسر، وله الرجوع فيما اشتراه إن جهل فلسه، وللعامل
في القراض أخذها فإن لم يأخذها جاز للمالك أخذها، فلو اشترى العامل بمال القراض شقصا من شريك المالك لم يشفع
المالك لأن الشراء وقع له فلا يمكن الاخذ من نفسه لنفسه. فإن كان العامل شريك البائع في الشقص المبيع منه كان
له الاخذ بالشفعة لنفسه ولو ظهر في المال ربح، لأنه لا يملك منه شيئا بالظهور. وإن باع المالك شقصه الذي هو من مال
القراض فلا شفعة للعامل لأنه ليس بشريك، وإن ظهر ربح لذلك فللشفيع تكليف المشتري بقبض الشقص ليأخذه منه،
وله أيضا الاخذ من البائع - كما صرح به المقري - وعهدته على المشتري، لانتقال الملك إليه منه. وعفو الشفيع قبل البيع وشرط
الخيار وضمان العهدة على المشتري لا يسقط كل منها شفعته. وإن باع شريك الميت فلوارثه أن يشفع لا لولي الحمل لأنه
لا يتيقن وجوده، وإن وجبت الشفعة للميت وورثه الحمل أخرت لانفصاله فليس لوليه الاخذ له قبل انفصاله لذلك وللوارث
الشفعة ولو استغرق الدين التركة. ولو باع الورثة في الدين بعض دار الميت لم يشفعوا وإن كانوا شركاء له فيها، لأنهم إذا
ملكوها كان المبيع جزءا من ملكهم فلا يأخذ ما خرج عن ملكه بما بقي منه، وأما أخذ كل منهم نصيب الباقي بالشفعة
فلا مانع منه. ولو توكل الشفيع في بيع الشقص لم تبطل شفعته في الأصح.
كتاب القراض
هو بكسر القاف لغة أهل الحجاز، مشتق من القرض وهو القطع، لأن المالك يقطع للعامل قطعة من ماله يتصرف
فيها وقطعة من الربح. أو من المقارضة وهي المساواة لتساويهما في الربح، أو لأن المال من المالك والعمل من العامل.
وأهل العراق يسمونه المضاربة لأن كلا منهما يضرب بسهم في الربح ولما فيه غالبا من السفر والسفر يسمى ضربا. وجمع
المصنف بين اللغتين في قوله: القراض والمضاربة. والأصل فيه الاجماع، والقياس على المساقاة، لأنها إنما جوزت للحاجة
من حيث أن مالك النخيل قد لا يحسن تعهدها ولا يتفرغ له، ومن يحسن العمل قد لا يملك ما يعمل فيه. وهذا المعنى
موجود في القراض، فكان الأولى تقديم المساقاة على خلاف ترتيب المصنف، وهو كما قيل رخصة خارج عن قياس
الإجارات كما خرجت المساقاة عن بيع ما لم يخلق والحوالة عن بيع الدين بالدين والعرايا عن المزابنة. واحتج له الماوردي
بقوله تعالى: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم، وبأنه (ص) ضارب لخديجة بمالها
إلى الشام وأنفذت معه عبدها ميسرة. وأما (القراض والمضاربة) والمقارضة شرعا فهو (أن يدفع) أي المالك
309

(إليه) أي العامل (مالا ليتجر) أي العامل (فيه والربح مشترك) بينهما، فخرج ب‍ يدفع عدم صحة القراض على
منفعة كسكنى الدار وعدم صحته على دين سواء أكان على العامل أم غيره، وخرج بقوله: والربح مشترك الوكيل
والعبد المأذون.
تنبيه: قال السبكي: قد يشاحح المصنف في قوله: أن يدفع، ويقال: القراض العقد المقتضي للدفع، لا نفس
الدفع اه‍. وأركانه خمسة: مال وعمل وربح وصبغة وعاقدان. ثم شرع في شرط الركن الأول، فقال: (ويشترط لصحته
كون المال) فيه (دراهم أو دنانير خالصة) بالاجماع كما نقله الجويني، وقال في الروضة: بإجماع الصحابة. (فلا يجوز
على تبر) وهو الذهب والفضة قبل ضربهما، وقال الجوهري: لا يقال تبر إلا للذهب. (و) لا على (حلي مغشوش)
من الدراهم والدنانير وإن راجعت وعلم قدر غشها وجوزنا التعامل بها، لأن الغش الذي فيها عرض. وخالف في ذلك
السبكي، فقال: يقوى عندي أن أفتي بالجواز وأن أحكم به إن شاء الله تعالى. (و) لا على (عروض) مثلية كانت
أو متقومة ولو فلوسا، لأن القراض عقد غرر إذ العمل فيه غير مضبوط، والربح غير موثوق به وإنما جوز للحاجة
فاختص بما يروج غالبا ويسهل التجارة به، وهو الأثمان، ويجوز أني كون دراهم ودنانير معا، وعبارة المحرر:
ويكون نقدا وهو الدراهم والدنانير، قال ابن الرفعة: والأشبه صحة القراض على نقد أبطله السلطان. قال الأذرعي:
وفيه نظر إذ عز وجوده أو خيف عزته عند المفاصلة اه‍. وهذا هو الظاهر. (و) لا بد أن يكون المال المذكور (معلوما)
فلا يجوز على مجهول القدر دفعا لجهالة الربح، بخلاف رأس مال السلم، فإنه لم يوضع على الفسخ بخلافه. ولا على مجهول الصفة
كما قاله ابن يونس، ومثلها الجنس. قال السبكي: ويصح القراض على غير المرئي، لأنه توكيل. وأن يكون (معينا)
فلا يجوز على ما في ذمته أو ذمة غيره كما في المحرر وغيره، ولا على إحدى
الصرتين لعدم التعيين، (وقيل: يجوز على إحدى الصرتين) المتساويتين في القدر والجنس والصفة فيتصرف العامل في أيتهما شاء فيتعين القراض، لا بد أن يكون
ما فيهما معلوما. نعم على الأول لو قارضه على دراهم أو دنانير غير معينة، ثم عينها في المجلس صح كما صححه في الشرح
الصغير واقتضاه كلام الروضة وأصلها كالصرف والسلم، وقيل: لا يصح، وبه قطع البغوي والخوارزمي، وهو مقتضى
كلام المصنف كأصله.
تنبيه: مقتضى كلامه عدم صحة القراض في إحدى الصرتين على الأول وإن عينت في المجلس، وهو ظاهر لفساد
الصيغة وإن اقتضى كلام بعض المتأخرين الصحة. ويستثنى من اشتراط التعيين ما لو خلط ألفين بألف لغيره، ثم قال
قارضتك على أحدهما وشاركتك في الآخر، فإنه يجوز مع عدم تعيين ألف القراض وينفرد العامل بالتصرف في ألف
القراض، ويشتركان في التصرف في باقي المال، ولا يخرج على الخلاف في جمع الصفقة الواحدة عقدين مختلفين لأنهما
يرجعان إلى التوكيل في التصرف. ولو كان بين اثنين دراهم مشتركة، فقال أحدهما للآخر: قارضتك على نصيبي
منها صح، ولو قارض المودع أو غيره على الوديعة أو الغاصب على المغصوب صح وبرئ الغاصب بتسليم المغصوب لمن
يعامل، لأنه سلمه بإذن مالكه، وزالت عنه يده لا بمجرد القراض. ولو قال شخص لآخر: اقبض ديني من فلان فإذا
قبضته فقد قارضتك عليه لم يصح لتعليقه، ولو قال: اعزل مالي الذي في ذمتك فعزله ولم يقبضه ثم قارضه عليه لم يصح
لأنه لا يملك ما عزله بغير قبض. ولو اشترى له في ذمته وقع العقد للآمر، لأنه اشترى له بإذنه والربح للآمر لفساد
القراض، وعليه للعامل أجرة مثله. (و) أن يكون (مسلما إلى العامل) وليس المراد اشتراط تسليم المال إليه حال العقد
أو في مجلسه وإنما المراد أن يستقل العامل باليد عليه والتصرف فيه، ولهذا قال: (فلا يجوز) ويصح الاتيان
بما ينافي ذلك، وهو (شرط كون المال في يد المالك) أو غيره ليوفي منه ثمن ما اشتراه العامل. ولا شرط مراجعته في
310

التصرف، لأنه قد لا يجده عند الحاجة. (ولا) شرط (عمله) أي المالك (معه) أي العامل، لأن انقسام التصرف يفضي إلى انقسام اليد.
تنبيه: قضية كلامه كالمحرر أن هذا من محترز قوله: مسلما إلى العامل، وليس مرادا، بل هو شرط آخر، وهو
استقلال العامل بالتصرف، فكان الأولى أن يقول وأن يستقل بالتصرف، فلا يجوز شرط عمله معه. ولو شرط كون
المال تحت يد وكيله، وأن يكون معه مشرف مطلع على عمله من غير توقف في التصرف على مراجعته لم يصح أخذا من
التعديل السابق، نبه عليه الأسنوي. (ويجوز شرط عمل غلام) أي عبد (المالك معه) معينا له لا شريكا له في الرأي (على
الصحيح) كشرط إعطاء بهيمة له ليحمل عليها. والثاني: لا يجوز كشرط عمل السيد، لأن يد عبده يده. وأجاب الأول
بأن عبده وبهيمته مال فجعل عملهما تبعا للمالك بخلاف المالك، وبخلاف عبده إذا جعله شريكا للرأي فيما مر، ويشترط
أن يكون العبد والبهيمة معلومين بالرؤية أو الوصف. وتعبير المصنف بغلامه يشمل أجيره الحر، فالظاهر كما قال شيخنا أنه
كعبده لأنه مالك لمنفعته. وقد ذكر الأذرعي مثله في المساقاة. وإنما جعلت الغلام في كلامه بمعنى العبد لأنه متفق عليه،
ولو شرط لعبده جزءا من الربح صح وإن لم يشرط عمله معه، لرجوع ما شرط لعبده إليه.
تنبيه: سكوت المصنف عن بيان نوع ما يتجر فيه العامل مشعر بأنه لا يشترط، ويحمل الاطلاق على العرف وهو
الصحيح في الروضة، وإن جزم الجرجاني باشتراطه. ثم شرع في الركن الثاني وهو العمل، فقال: (ووظيفة العامل التجارة)
وهي الاسترباح بالبيع والشراء.
فائدة: الوظيفة بظاء مشالة: ما يقدر عليه الانسان في كل يوم ونحوه. (و) كذا (توابعها) مما جرت العادة أن يتولاه
بنفسه، (كنشر الثياب وطيها) وزرعها وغير ذلك مما سيأتي. ومنه أن ما يلزم العامل فعله إذا استأجر عليه
يستأجر عليه من ماله، وما لا يلزمه إذا استأجر عليه يستأجر عليه من مال القراض. وخرج بالتجارة استخراج العامل
الربح باحتراف كما يشير إليه قوله: (فلو قارضه ليشتري حنطة) مثلا (فيطحن) ويعجن (ويخبز) ويبيع ذلك، (أو) يشتري (غزلا)
مثلا (ينسجه ويبيعه) والربح بينهما، (فسد القراض في الصورتين)، لأن القراض شرع رخصة للحاجة وهذه الأعمال
مضبوطة يمكن الاستئجار عليها فلم تشملها الرخصة والعامل فيها ليس متجرا بل محترفا، فليست من وظيفة العامل. فلو
اشترى الحنطة وطحنها من غير شرط لم ينفسخ القراض فيها في الأصح، ثم إن طحن بغير الاذن فلا أجرة له، ولو استأجر
عليه لزمته الأجرة ويصير ضامنا وعليه غرم ما نقص بالطحن، فإن باعه لم يكن الثمن مضمونا عليه لأنه لم يتعد فيه، وإن
ربح فالربح بينهما كما شرطا. ولو شرط أن يستأجر العامل من يفعل ذلك من مال القراض وحظ العامل التصرف فقط،
قال في المطلب: يظهر الجواز. قال الأذرعي: وفيه نظر، لأن الربح لم ينشأ عن تصرف العامل، وقد قال القاضي حسين:
لو قارضه على أن يشتري الحنطة ويخزنها مدة فإذا ارتفع سعرها باعها لم يصح، لأن الربح ليس حاصلا من جهة
التصرف، وفي البحر نحوه. وهذا هو الظاهر، بل لو قال: على أن تشتري الحنطة وتبيعها في الحال، فإنه لا يصح. ويشترط
أن لا يضيق المالك على العامل في التصرف، (و) حينئذ (لا يجوز أن يشرط عليه شراء) بالمد بخطه (متاع معين) كهذه الحنطة
أو هذا الثوب، (أو) شراء (نوع يندر وجوده) كالخيل البلق والياقوت الأحمر والخز الأدكن، (أو) شرط عليه (معاملة
شخص) بعينه كلا تبع إلا لزيد أو لا تشتر إلا منه، لاخلاله بالمقصود، لأن المتاع المعين قد لا يربح والنادر قد لا يجده،
والشخص المعين قد لا يعامله، وقد لا يجد عنده ما يظن أن فيه ربحا. قال في الحاوي: ويضر تعيين الحانوت دون السوق
لأن السوق كالنوع العام والحانوت كالعرض المعين.
تنبيه: أفهم كلام المصنف أن النوع إذا لم يندر وجوده أنه يصح ولو كان ينقطع كالفواكه الرطبة، وهو كذلك،
311

لانتفاء التعيين. وكذا إن ندر وكان بمكان يوجد فيه غالبا، قاله الماوردي والروياني. ولو نهاه عن هذه الأمور صح
لأنه يمكنه شراء هذه السلعة والشراء والبيع من غير زيد. ولو قارضه على أن يصارف مع الصيارفة فهل يتعينون
عملا بالشرط فتفسد المصارفة مع غيرهم أولا، لأن المقصود بذلك أن يكون تصرفه صرفا لا مع قوم بأعيانهم؟ وجهان،
أوجههما الأول أن ذكر ذلك على وجه الاشتراط، وإلا فالثاني، ولا يشترط تعين ما يتصرف فيه بخلاف الوكالة،
والفرق أن للعامل حظا يحمله على بذل المجهود، بخلاف الوكيل، وعليه الامتثال لما عينه إن عين كما في سائر التصرفات المستفادة
بالاذن فالاذن في البز يتناول ما يلبس من المنسوج لا الأكسية ونحوها كالبسط عملا بالعرف، لأن بائعها لا يسمى بزازا. (ولا
يشترط بيان مدة القراض) بخلاف المساقاة، لأن مقصود القراض وهو الربح ليس له وقت معلوم بخلاف الثمرة، ولأنهما
قادران على فسخ القراض بخلاف المساقاة، ولو قال: قارضتك ما شئت أو ما شئت جاز، لأن ذلك شأن العقود الجائزة. ولا يصح
إلا أن يعقد في الحال، فإن علقه في شرط كأن قال: إذا جاء رأس الشهر فقد قارضتك أو علق تصرفه كأن قال: قارضتك
الآن ولا تتصرف حتى ينقضي الشهر لم يصح. أما في الأولى فكما في البيع ونحوه، وأما في الثانية فكما لو قال: بعتك هذا
ولا تملكه إلا بعد شهر. ولو دفع إليه مالا وقال: إذا مت فتصرف فيه بالبيع والشراء قراضا على أن لك نصف الربح لم
يصح، وليس له التصرف بعد موته لأنه تعليق ولان القراض يبطل الموت لو صح. (فلو ذكر مدة) كشهر لم يصح، لاخلال
التأقيت بمقصود القراض فقد لا يربح في المدة وإن عين مدة كشهر. (ومنعه التصرف) أو البيع كما في المحرر (بعدها فسد)
العقد لما مر. (وإن منعه الشراء) فقط كأن قال: لا تشتر (بعدها) ولك البيع، (فلا) يفسد البيع (في
الأصح) لحصول الاسترباح بالبيع
الذي له فعله بعد الشهر. ويؤخذ من التمثيل بشهر كما في التنبيه أن تكون المدة كما قال الإمام يتأتى فيها الشراء لغرض الربح
بخلاف نحو ساعة.
تنبيه: ظاهر عبارة المصنف كغيره أنه أقت القراض بمدة ومنعه الشراء بعدها، وليس مرادا، بل المراد أنه
لم يذكر تأقيتا أصلا كقوله: قارضتك ولا تتصرف بالشراء بعد شهر فإن القراض المؤقت لا يصح سواء أمنع المالك العامل
التصرف أم البيع كما مر أم سكت أم الشراء كما قاله شيخنا في شرح منهجه، ولو كانت المدة مجهولة كمدة إقامة العسكر
قال الماوردي: فيه وجهان اه‍. والظاهر منهما عدم الصحة. ثم شرع في الركن الثالث وهو الربح، فقال: (ويشترط
اختصاصهما بالربح) فلا يجوز شرط شئ منه الثالث إلا عبد المالك كما مر أو عبد العامل، فإن ما شرط له يضم إلى
ما شرط لسيده.
تنبيه: جرى المصنف رحمه الله تعالى هنا على القاعدة من دخول الباء على المقصور خلاف تعبير المحرر والروضة
كأصلها من دخولها على المقصور عليه، حيث قالوا: يشترط اختصاص الربح بهما. (واشتراكهما فيه) ليأخذ المالك بملكه
والعامل بعمله فلا يختص به أحدهما.
تنبيه: لا يغني الشرط الأول عن هذا، خلافا لمن قال ذلك، لأنه إذا انفرد به أحدهما صدق عليه اختصاصهما به إذا
لم يشرط فيه شئ لثالث. (ولو قال قارضتك على أن كل الربح لك فقراض فاسد) في الأصح نظرا للفظ. (وقيل: قراض
صحيح) نظرا للمعنى. (وإن قال) للمالك: كله - أي الربح - (لي فقراض فاسد) في الأصح لما مر، فيستحق العالم حينئذ
على المالك في الأولى أجرة عمله دون الثانية وينفذ تصرفه فيهما كما سيأتي. (وقيل) هو (إبضاع) أي توكيل بلا جعل
لما مر أيضا، والابضاع بعث المال مع من يتجر فيه متبرعا. والبضاعة المال المبعوث. ويجري الخلاف فيما لو قال:
أبضعتك على أن نصف الربح لك أو كله لك هل هو قراض فاسد أو إبضاع؟ ولو قال: خذه وتصرف فيه والربح كله
لك فقرض صحيح، أو كله لي فإبضاع. وفارقت هذه المسألة المتقدمة بأن اللفظ فيها صريح في عقد آخر. ولو اقتصر
312

على قوله: أبضعتك كان بمثابة قوله: تصرف والربح كله لي فيكون إبضاعا كما هو مقتضى كلامهم، قال في المطلب: وكلام
الفوراني وغيره يدل عليه. ولو دفع إليه دراهم وقال: أتجر فيها لنفسك حمل على أنه قرض في أحد وجهين يظهر ترجيحه
كما قاله بعض المتأخرين، والوجه الآخر أنه هبة. ولو قال: خذ المال قراضا بالنصف مثلا صح في أحد وجهين رجحه
الأسنوي أخذا من كلام الرافعي، فعلى هذا لو قال المالك: أردت أن النصف لي فيكون فاسدا، أو ادعى العامل العكس
صدق العامل بيمينه لا الظاهر معه، قاله سليم. (و) يشترط (كونه) أي الاشراك في الربح (معلوما بالجزئية) كالنصف
أو الثلث. ثم شرع في محترز قوله معلوما بقوله: (فلو قال) قارضتك (على أن لك) أو لي (فيه شركة أو نصيبا) أو
جزءا أو شيئا من الربح، أو على أن تخصني بدابة تشتريها من رأس المال أو تخصني بركوبها أو بربح أحد الألفين مثلا ولو كانا
مخلوطين، أو على أنك إن ربحت ألفا لك نصفه أو ألفين فلك ربعه، (فسد) القراض في جميع ذلك للجهل بقدر الربح
في الأربعة الأول، وبعينه في الأخيرة، ولان الدابة في صورتها الثانية ربما تنقص بالاستعمال ويتعذر التصرف فيها،
ولأنه خصص العامل في التي تليها، وفي صورتها الأولى بربح بعل المال. (أو) أن الربح (بيننا، فالأصح الصحة ويكون
نصفين) كما لو قال: هذه الدار بيني وبين فلان فإنها تجعل بينهما نصفين. والثاني: لا يصح، لاحتمال اللفظ لغير المناصفة فلا
يكون الجزء معلوما، كما لو قال: بعتك بألف دراهم ودنانير. ولو قال: قارضتك على أن الربح بيننا أثلاثا لم يصح كما في الأنوار
للجهل بمن له الثلث ومن له الثلثان، ولو قال: قارضتك كقراض فلان وهما يعلمان القدر المشروط صح، وإلا فلا، ولو
قال: قارضتك ولك ربع سدس العشر صح وإن لم يعلما قدره عند العقد لسهولة معرفته، كما لو باعه مرابحة وجهلا حال العقد
حسابه. (ولو قال: لي النصف) مثلا وسكت عن جاب العامل (فسد في الأصح) لأن الربح فائدة المال فيكون للمالك إلا
أن ينسب منه شئ إلى العامل ولم ينسب إليه شئ. والثاني: يصح ويكون النصف الآخر للعامل. (وإن قال: لك النصف)
مثلا وسكت عن جانبه (صح على الصحيح) لأن الذي سكت عنه يكون للمالك بحكم الأصل، فكان كقوله: لك النصف ولي
النصف بخلاف الصورة السابقة. والثاني: لا يصح كالتي قبلها. ثم شرع في محترز قوله بالجزئية، فقال: (ولو شرط لأحدهما)
مالك أو عامل (عشرة) - بفتح العين والشين بالنصب - من الربح والباقي للآخر أو بينهما كما صرح به في المحرر، (أو)
شرط لأحدهما (ربح صنف) من مال القراض أو شرط له النصف ودينارا مثلا أو إلا دينارا، (فسد) القراض لانتفاء
العلم بالجزئية، ولان الربح قد ينحصر فيما قدره أو في ذلك النصف فيؤدي إلى اختصاص أحدهما بالربح وهو خلاف
وضع القراض. ولو قال: قارضتك ولم يتعرض للربح فسد القراض لأنه خلاف وضعه. ثم شرع في الركن الرابع وهو
الصيغة مترجما له بفصل فقال:
فصل: يشترط: لصحة القراض صيغة، وهي (إيجاب) ك‍ قارضتك أو ضاربتك أو عاملتك أو بع واشتر على
أن الربح بيننا نصفين، فلو قال: اشتر ولم يذكر البيع لم يصح في الأصح. (وقبول) متصل بالايجاب بالطريق المعتبر في البيع
ولو في قوله خذه واتجر فيه أو اعمل فيه لأنه عقد معاوضة يختص بمعين كالبيع.
تنبيه: تسمح المصنف في إطلاق الشرط على الصيغة فإنها ركن كما مر، وعبارة المحرر: لا بد في القراض من الايجاب
والقبول، هي أظهر في المراد من عبارة المتن لدلالة كلمة في علي دخولهما في ماهية القراض. وتقدم له مثل ذلك في البيع،
وقدمنا هناك أن مراده بالشرط ما لا بد منه، وعلى هذا فهو مساو لعبارة المحرر. وقيل: يكفي القبول بالفعل كما في الوكالة
والجعالة إن كانت صيغة الايجاب لفظ أمر ك‍ خذ فيكفي أخذ الدراهم مثلا، فلو كانت لفظ عقد ك‍ قارضتك فلا بد في القبول
313

من اللفظ كما يقتضيه كلام المحرر والروضة وأصلها، والأصح المنع مطلقا لما مر أنه عقد معاوضة إلخ فلا يشبه الوكالة
لأنها مجرد إذن، ولا الجعالة لأنها لا تختص بعين. ثم شرع في الركن الخامس وهو العاقدان ذاكرا لشرطهما فقال:
(وشرطهما) أي المالك والعامل (كوكيل وموكل) في شرطهما لأن القراض توكيل وتوكل بعوض، فيشترط أهلية التوكيل
في المالك وأهلية التوكل في العامل، فلا يكون واحد منهما سفيها ولا صبيا ولا مجنونا ولا رقيقا بغير إذن سيده. ولولي المحجور
عليه من صبي ومجنون وسفيه أن يقارض من يجوز إيداعه المال المدفوع إليه سواء أكان الولي أبا أم جدا أم وصيا أم حاكما
أم أمينه، نعم إن تضمن العقد الاذن في السفر اتجه كما في المطلب كونه كإرادة الولي السفر بنفسه. وأما المحجور عليه
بالفلس فلا يصح أن يقارض ويصح أن يكون عاملا، ويصح القراض من المريض ولا يحسب ما زاد على أجرة المثل
من الثلث لأن المحسوب منه ما يفوته من ماله والربح ليس بحاصل حتى يفوته، وإنما هو شئ يتوقع حصوله، وإذا حصل حصل
بتصرف العامل، بخلاف مساقاته فإنه يحسب فيها ذلك من الثلث لأن الثمار فيها من عين المال بخلافه. (ولو قارض
العامل) شخصا (آخر بإذن المالك ليشاركه) ذلك الآخر (في العمل والربح لم يجز في الأصح) لأن القراض على خلاف
القياس، وموضوعه أن يكون أحد العاقدين مالكا لا عمل له والآخر عاملا ولو متعددا لا ملك له، وهذا يدور بين عاملين
فلا يصح. والثاني: يجوز كما يجوز للمالك أن يقارض شخصين في الابتداء، وقواه السبكي، وقال في شرح التعجيز: إنه
الذي قطع به الجمهور، ورد بما مر.
تنبيه: احترز بقوله: ليشاركه في العمل عن إذنه له في ذلك لينسلخ هو من القراض ويكون فيه وكيلا عن المالك
والعامل هو الثاني فإنه يصح جزما كما لو قارضه المالك بنفسه. ومحله كما قال ابن الرفعة إذا كان المال مما
يجوز
عليه القراض، فلو دفع ذلك بعد تصرفه وصيرورته عرضا لم يجز. قال الماوردي: ولا يجوز عند عدم التعيين أن يقارض
إلا أمينا، والأشبه في المطلب أنه ينعزل بمجرد الاذن له في ذلك إن ابتدأه المالك به، لا إن أجاب به سؤاله فيه (وبغير إذنه
فاسد) مطلقا سواء أقصد المشاركة في عمل وربح أم ربح فقط أم قصد الانسلاخ، لأن المالك لم يأذن فيه ولم يأتمن على المال
غيره، كما لو أراد الوصي أن ينزل وصيا منزلته في حياته يقيمه في كل ما هو منوط به فإنه لا يجوز كما قاله الإمام. قال السبكي:
ولو أراد ناظر وقف شرط له النظر إقامة غيره مقامه وإخراج نفسه من ذلك كان كما مر في الوصي. قال: وقد وقعت
هذه المسألة في الفتاوى ولم أتردد في أن ذلك ممنوع. (فإن تصرف) العامل (للثاني) بغير إذن المالك، (فتصرف غاصب)
تصرفه فيضمن ما تصرف فيه لأن الاذن صدر ممن ليس بمالك ولا وكيل. (فإن اشترى في الذمة) وسلم ما أخذه من مال
القراض فيما اشتراه وربح (وقلنا بالجديد) وهو أن الربح كله للغاصب، (فالربح) هنا جميعه (للعامل الأول في الأصح)
لأن الشراء صحيح والتسليم فاسد، فيضمن الثمن الذي سلمه ويسلم له الربح سواء أعلم بالحال أم لا كما صرح به سليم
الرازي. وقوله: (وعليه للثاني أجرته) من زيادته من غير تمييز لأنه لم يعمل مجانا. فإن قلنا بالقديم وهو أن الربح للمالك إذ لو جعلناه للغاصب لاتخذه الناس ذريعة إلى الغصب، فالأصح عليه من خلاف منتشر أن الربح نصفه
للمالك ونصفه بين العاملين سواء. (وقيل هو) أي الربح في المسألة المذكورة (للثاني) من العاملين، واختاره السبكي لأنه لم يتصرف
بإذن المالك فأشبه الغاصب.
تنبيه: هذا الجديد الذي ذكره لم يتقدم له ذكر في الكتاب فلا تحسن الإحالة عليه، وقد صرح في المحرر هنا
بمسألة الغاصب وذكر القولين فيها ثم فرع على الجديد مسألة الكتاب وهو حسن، فأسقط المصنف مسألة الغاصب
وهي أصل لما ذكره فاختل. وإنما أحال عليه في الروضة مع عدم ذكره له هنا لتقدم ذكره له في البيع والغصب،
314

وسكت المصنف عن التفريع على القديم. (وإن اشترى) هذا الثاني (بعين مال القراض فباطل) شراؤه على الجديد
القائل ببطلان شراء الفضولي، وأما القديم المقابل له فقائل بالوقف. هذا كله إن بقي المال، فإن تلف في يد العامل
الثاني وعلم بالحال فغاصب فقرار الضمان عليه، وإن جهل فعلى العامل الأول. (ويجوز أن يقارض) في الابتداء المالك
(الواحد اثنين) كزيد وعمرو (متفاضلا ومتساويا) فيما شرط لهما من الربح، فيشترط لزيد ثلث الربح ولعمرو سدسه
أو يشرط لهما بالسوية بينهما لأن عقد الواحد مع اثنين كعقدين، وعند التفاضل لا بد أن يعين مستحق الأكثر كما
مثلنا.
هذا إذا أثبت لكل منهما الاستقلال، فإن شرط على كل واحد مراجعة الآخر قال الإمام: لم يجز، قال الرافعي: ولم أر
أن الأصحاب يساعدونه عليه، قال في المهمات: والامر كذلك، وقال البلقيني: ما قاله الإمام الأصحاب يساعدونه عليه فالوجه
القطع به فإن من شرط القراض الاستقلال بالتصرف وهنا ليس كذلك اه‍. وهذا هو الظاهر. (و) يجوز أيضا أن يقارض
(الاثنان) عاملا (واحدا) لأن ذلك كعقد واحد، ثم إن تساويا فيما شرط فذاك، وإن تفاوتا كأن شرط أحدهما
النصف والآخر الربع فإن أيهما لم يجز، أو عينا جاز إن علم بقدر ما لكل منهما. (و) يكون (الربح بعد نصيب العامل
بينهما) أي المالكين (بحسب المال) فإن كان مال أحدهما ألفين والآخر ألفا وشرط للعامل نصف الربح اقتسما
نصفه الآخر بينهما أثلاثا على نسبة ماليهما، فإن شرطا غير ما تقتضيه النسبة فسد العقد لما فيه من شرط الربح لمن ليس
بمالك ولا عامل. (وإذا فسد القراض نفذ تصرف العامل) للاذن فيه كما في الوكالة الفاسدة، وليس كما لو فسد البيع
لا ينفذ تصرف المشتري، لأنه إنما يتصرف بالملك ولا ملك في البيع الفاسد. هذا إذا قارضه المالك بماله، أما إذا
قارضه بمال غيره بوكالة أو ولاية فلا كما قاله الأذرعي. (والربح) كله حين الفساد (للمالك) لأنه نماء ملكه وعليه
الخسران أيضا. (وعليه للعامل أجرة مثل عمله) وإن لم يكن ربح، لأنه عمل طامعا في المسمى، فإذا فات وجب رد عمله
عليه وهو متعذر فتجب قيمته وهي الأجرة، وقيل: لا يستحق أجرة عند عدم الربح، وهو القياس لأن القراض الصحيح
لا يستحق فيه شيئا عند عدم الربح.
تنبيه: ظاهر كلامهم أنه يستحق الأجرة سواء أعلم بالفساد أم لا. قال السبكي: ولعل سببه أنه أذن أن يعمل
بعوض فلا يحبط عمله. (إلا إذا قال) المالك (قارضتك وجميع الربح لي) وقبل العامل (فلا شئ له في الأصح)
لأنه عمل مجانا غير طامع في شئ. والثاني: له أجرة المثل كسائر أسباب الفساد، وصححه ابن الرفعة. (ويتصرف العامل
محتاطا) في تصرفه كالوكيل، وحينئذ يجب عليه أن يحبس المبيع حتى يقبض الثمن الحال. و (لا) يتصرف (بغبن)
فاحش في بيع أو شراء، (ولا نسيئة) في ذلك (بلا إذن) من المالك في الغبن والنسيئة، لأنه في الغبن يضر
بالمالك وفي النسيئة ربما هلك رأس المال فتبقى العهدة متعلقة بالمالك فيتضرر أيضا، فإن أذن جاز، ويجب الاشهاد في البيع
نسيئة. وقياس ما مر في الوكالة بأداء الدين ونحوه الاكتفاء بشاهد واحد وبمستور، قاله الأسنوي، فإن ترك الاشهاد
ضمن. قال الأذرعي: ويجب أن يكون البيع من ثقة ملئ كما مر في بيع المحجور. وفي الثمن الحال لا يلزمه الاشهاد لعدم
جريان العادة به في البيع الحال، ويحبس المبيع إلى قبض الثمن كما مر. فإن سلم المبيع قبل قبض الثمن ضمن
إلا أن
يأذن له الملك في ذلك فلا يضمن للاذن. قال الماوردي: ولا يجوز عند الاذن بالنسيئة أن يشتري أو يبيع سلما،
لأن عقد السلم أكثر غررا، نعم إن أذن له في الشراء سلما جاز أو في البيع سلما لم يجز بينهما بوجود الحظ غالبا
في الشراء دون البيع، والأوجه كما قال شيخنا جوازه في صورة البيع أيضا لوجود الرضا من الجانبين. وليس له أن
315

يشتري شيئا بثمن مثله وهو لا يرجو حصول ربح فيه، لأن الاذن لا يقتضيه، قاله الماوردي، ولا يشتري بغير جنس
رأس المال. قال الماوردي: ولو شرط على العامل البيع المؤجل دون الحال فسد العقد. (وله البيع بعرض) لأن
الغرض الربح، وقد يكون فيه بخلاف الوكيل. وأما البيع بغير نقد البلد فلا يجوز كما صرح به جمع منهم الروياني والمحاملي،
وفرق السبكي بأن نقد غير البلد لا يروج فيها فيتعطل الربح بخلاف العرض. وله شراء المعيب ولو بقيمته معيبا عند
المصلحة، وليس له ولا للمالك رده بالعيب. (وله) أي العامل عند الجهل (الرد بعيب تقتضيه) أي الرد (مصلحة)
وإن رضي المالك، لأن للعامل حقا في المال فلا يمنع منه رضا المالك بخلاف الوكيل لأنه لا حق له في المال.
تنبيه: اعترض تعبير المصنف بأن جملة تقتضيه مصلحة لا تصح كونها صفة للرد لأنه معرفة والجملة في معنى النكرة،
ولا كونها حالا من الرد لأنه مبتدأ ولا يجئ الحال منه عند الجمهور، ولا حالا من الضمير العائد على الرد المستتر في الجار
والمجرور الواقع خبرا لتقدمه على المبتدأ ولا يتحمل حينئذ ضميرا عند سيبويه. أجيب إما بجعل لام الرد للجنس فيكون
في معنى النكرة فيصح وصفه بجملة تقتضيه، فهو كقوله تعالى: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار وإما بجعل الجملة صفة
عيب، والتقدير: بعيب يقتضي الرد به مصلحة حينئذ فلم توصل النكرة إلا بنكرة. وإما بصحة مجئ الحال من المبتدأ
كما صرح به ابن مالك في كتاب له يسمى سبك المنظوم تبعا لسيبويه. وإما بجعل الرد فاعلا بالظرف وإن لم يعتمد
كما ذهب إليه الأخفش وغيره وإن منعه سيبويه، وحينئذ يصح مجئ الحال منه، والشارح اقتصر على الجواب الأول. (فإن
اقتضت) المصلحة (الامساك) للمعيب (فلا) يرده العامل (في الأصح) لاخلاله بمقصود العقد. والثاني: له الرد
كالوكيل. وأجا ب الأول بأن الوكيل ليس له شراء المعيب بخلاف العامل إذا رأى فيه ربحا كما مر فلا يرد ما فيه مصلحة
بخلاف الوكيل، فإن استوى الرد والامساك كان له الرد قطعا كما قاله في البسيط، ويجب على العامل مراعاة المصلحة في
الرد والامساك. وتعبير المصنف بالمصلحة أولى من تعبير الروضة بالغبطة، وهي الزيادة على القيمة زيادة لها بال، ولا
يشترط ذلك. (وللمالك الرد) لما اشتراه العامل معيبا حيث جاز للعامل الرد وأولى لأنه مالك الأصل. (فإن اختلفا)
أي المالك والعامل في الرد والامساك، (عمل بالمصلحة) في ذلك، لأن كلا منهما له حق. قال في الاستقصاء: ويتولى
الحاكم ذلك. فإن استوى الأمران قال في المطلب: يرجع إلى العامل إن جوزنا له شراء المعيب بقيمته، أي وهو الأصح
كما مر إن رأى فيه مصلحة.
تنبيه: حيث ينقلب العقد للوكيل فيما مر في الوكالة ينقلب للعامل هنا. (ولا يعامل) العامل (المالك) بمال
القراض لأنه يؤدي إلى بيع ماله بماله، ولا فرق في ذلك بين أن يظهر في المال ربح أو لا، فإن عامله بغيره صح.
ولو كان له عاملان كل واحد منهما منفرد بمال فهل لأحدهما الشراء من الآخر؟ فيه وجهان في العدة والبيان، أصحهما
لا. (ولا يشتري للقراض بأكثر من رأس المال) وربحه لأن المالك لم يرض بأن يشغل العامل ذمته إلا بذلك، فإن
فعل لم يقع الزائد لجهة القراض. فلو كان رأس المال وحده أو مع ربحه مائة فاشترى عبدا بمائة ثم اشترى آخر بعين
المائة فالثاني باطل سواء اشترى الأول بالعين أم في الذمة، لأنه إن اشتراه بالعين فقط صارت ملكا للبائع بالعقد الأول،
فإن اشترى في الذمة فقد صارت مستحقة الصرف لعقد الأول، وإن اشترى الثاني في الذمة وقع للعامل حيث
يقع للوكيل إذا خالف. (ولا) يشتري (من يعتق على المالك) لكونه أصله أو فرعه أو كان أقر بحريته أو كان أمة
مستولدة له وبيعت لكونها مرهونة. هذا إذا كان (بغير إذنه) في ذلك، لأن مقصود العقد تحصيل الربح وهذا خسران كله،
بخلاف الوكيل في شراء عبد غير معين فإنه يصح أن يشتري للموكل من لا يعتق عليه ويعتق عن الموكل لقرينة قصد
316

الربح هنا. أما بإذنه فيصح ويعتق على المالك إن لم يكن في المال ربح ويكون الباقي هو رأس المال إن بقي شئ وإلا ارتفع
القراض، وكذا إن كان فيه ربح ويغرم المالك نصيب العامل من الربح، ولو أعتق المالك عبدا من مال القراض كان الحكم
فيه كذلك.
تنبيه: قوله: بغير إذنه قال الأذرعي: الظاهر أنه مقصور على الثانية، وهو شراء من يعتق عليه، ويحتمل عوده إلى التي
قبلها أيضا ولم أره نصا اه‍. وهذا هو الظاهر. وسكت المصنف عما لو اشترى العامل من يعتق عليه، وحكمه أنه إن اشتراه
بالعين صح ولا عتق، وإن اشتراه في الذمة للقراض فحيث صححنا الشراء بعين مال القراض أوقعناه عن القراض وحيث
لم يصح هناك أوقعناه عن العامل وعتق عليه، وظاهر أنه لو اشترى زوجته للقراض صح أيضا وأنه لا ينفسخ نكاحه.
وليس للمالك ولا للعامل أن ينفرد بكتابة عبد القراض كما في الجواهر، فإن كاتباه صح والنجوم قراض، فإن
عتق وثم ربح
شارك العامل المالك في الولاء بقدر ماله من الربح. (وكذا زوجه) من ذكر أو أنثى ولا يشتريه بغير إذنه (في الأصح) للضرر
بالمالك بسبب انفساخ نكاحه. والثاني: يجوز، إذ قد يكون مربحا، وأما الضرر في حقه فمن جهة أخرى، بخلاف شراء
القريب لفواته بالكلية.
تنبيه: قول المصنف رحمه الله: زوجه أولى من قول المحرر زوجته بالتاء قبل الهاء لما مر. (ولو فعل) العامل ما منع
منه من الشراء بأكثر من رأس المال وشراء من يعتق عليه وشراء زوج المالك (لم يقع) ذلك الشراء في الصورة المذكورة
(للمالك) لئلا يتضرر بذلك، (ويقع) الشراء (للعامل إن اشترى في الذمة) لما سبق في الوكالة. هذا إن ليصرح بالسفارة للقراض،
فإن صرح بها لزمه الثمن من ماله، فإن أداه من مال القراض ضمنه وإن اشترى بعين مال القراض لم يصح، وكذا إن
اشترى في الذمة بشرط أن ينقد الثمن من مال القراض، قاله الروياني. (ولا يسافر بالمال) ولو كان السفر قريبا والطريق آمنا
ولا مؤنة في السفر، (بلا إذن) من المالك، لأن السفر مظنة الخطر. نعم لو قارضه بمحل لا يصلح للإقامة كالمفازة فالظاهر كما
قاله الأذرعي أنه يجوز له السفر به إلى مقصده المعلوم لهما. ثم ليس له بعد ذلك أن يحدث سفرا إلى غير محل إقامته، فإن
أذن له جاز بحسب الاذن، وإن أطلق الاذن سافر لما جرت به العادة من البلاد المأمونة، فإن سافر بغير إذن أو خالف فيما أذن له
فيه ضمن ولو عاد من السفر. ثم إن كان المتاع بالبلد الذي سافر إليه أكثر قيمة أو تساوت القيمتان صح البيع واستحق
نصيبه من الربح وإن كان متعديا بالسفر، ويضمن الثمن الذي باع به مال القراض في سفره وإن عاد الثمن من السفر لأن سبب
الضمان وهو السفر لا يزول بالعود، وإن كان أقل قيمة لم يصح البيع إلا أن يكون النقص قدرا يتغابن به. ولا يسافر في البحر إلا
أن نص له عليه فلا يكفي فيه الاذن في السفر لخطره، نعم إن عين له بلدا ولا طريق له إلا البحر كساكن الجزائر التي يحيط
بها البحر كان له أن يسافر فيه وإن لم ينص له عليه والاذن محمول عليه، قاله الأذرعي وغيره. والمراد بالبحر الملح كما قاله
الأسنوي. قال الأذرعي: وهل يلحق به الأنهار العظيمة كالنيل والفرات؟ لم أر فيه نصا اه‍. والأحسن أن يقال إن زاد خطرها
على خطر البر لم يجز إلا أن ينص له عليه كما قاله ابن شهبة. (و) لا يتصدق من مال القراض ولو بكسرة لأن العقد لم يتناوله.
(ولا ينفق منه على نفسه حضرا) جزما، (وكذا سفرا في الأظهر) كما في الحضر، لأن له نصيبا من الربح فلا يستحق شيئا آخر،
ولان النفقة قد تكون قدر الربح فيؤدي إلى انفراده به، وقد تكون أكثر فيؤدي إلى أن يأخذ جزءا من رأس المال
، وهو ينافي
مقتضاه، فلو شرط له النفقة في العقد فسد. والثاني: ينفق منه بالمعروف ما يزيد بسبب السفر كالإداوة والخف والسفرة والكراء،
لأنه حبسه عن الكسب والسفر لأجل القراض فأشبه حبس الزوجة بخلاف الحضر، ويحسب هذا من الربح فإن لم يكن فهو
خسران لحق المال، وما يأخذه الرصدي والخفير يحسب من مال القراض، وكذا المأخوذ ظلما كأخذ المكسة كما قاله الماوردي.
(وعليه) أي العامل (فعل ما يعتاد) فعله من أمثال من عمال القراض بحسب العرف، (كطي الثوب) ونشره، وسبقا في قول
317

المتن ووظيفة العامل التجارة إلخ. (و) عليه أيضا ذرع الثوب وإدراجه في الصندوق، و (وزن الخفيف: كذهب) وفضة
(ومسك) لاقتضاء العرف ذلك، (لا الأمتعة الثقيلة) فليس عليه وزنها، (و) لا (نحوه) بالرفع بخطه: أي ليس عليه نحو وزنها،
كحملها ونقلها من الخان مثلا للسوق وعكسه لجريان العرف بالاستئجار لذلك. (وما لا يلزمه) كأجرة كيل وحفظ (له
الاستئجار عليه) من مال القراض لأنه من تتمة التجارة ومصالحها، ولو فعله بنفسه لم يستحق أجرة. وما يلزمه فعله
لو اكترى عليه من فعله فالأجرة في ماله لا في مال القراض،
فلو شرط على المالك الاستئجار عليه من مال القراض، حكى
الماوردي فيه وجهين، والظاهر منهما عدم الصحة. (والأظهر) عند الأكثرين كما في المحرر، (أن العامل يملك حصته من
الربح) الحاصل بعمله (بالقسمة) للمال (لا بالظهور) للربح، إذ لو ملك به لكان شريكا في المال، حتى لو هلك منه شئ
هلك من المالين، وليس كذلك، بل الربح وقاية لرأس المال. والثاني: يملك بالظهور قياسا على المساقاة. وفرق الأول
بأن الربح وقاية لرأس المال بخلاف نصيب العامل من الثمار لا يجبر به نقص النخل، وعلى الأول له فيه قبل القسمة حق
مؤكد يورث عنه ويقدم به على الغرماء لتعلقه بالعين، ويصح إعراضه عنه ويغرمه له المالك بإتلافه المال أو استرداده.
تنبيه: لا يستقر ملك العامل بالقسمة، بل إنما يستقر بتنضيض رأس المال وفسخ العقد لبقاء العقد قبل الفسخ مع
عدم تنضيض المال، حتى لو حصل بعد القسمة نقص جبر بالربح المقسوم أو تنضيض المال والفسخ بلا قسمة المال لارتفاع
العقد والوثوق بحصول رأس المال، أو تنضيض رأس المال فقط واقتسام الباقي مع أخذ المالك رأس المال. وكالأخذ الفسخ
كما عبر به ابن المقري. (وثمار الشجر والنتاج) لامة أو بهيمة، (وكسب الرقيق) من صيد واحتطاب وقبول وصية وهبة،
(والمهر) وأجرة الأراضي والدواب (الحاصلة) كل منهما (من مال القراض) المشترى به شجر ورقيق وأرض وحيوان
للتجارة إذا حصل في مدة التربص لبيع كل من الأمور المذكورة، (يفوز بها المالك) في الأصح، لأنها ليست
من فوائد
التجارة. أما لو اشترى حيوانا حاملا فيظهر كما قال الأسنوي تخريجه على نظيره من الفلس والرد بالعيب وغيرهما. (وقيل
مال قراض) لأن حصول هذه الفوائد بسبب شراء العامل الأصل.
تنبيه: إطلاقه المهر أحسن من تقييد الروضة بوطئ الشبهة، إذ التقييد به ليس مرادا كما قاله الأذرعي، بل يجري
في الوطئ بالزنا مكرهة أو مطاوعة، وهي ممن لا يعتبر مطاوعتها أو بالنكاح. ويحرم على كل من المالك والعامل وطئ
جارية القرا ض، سواء أكان في المال ربح أم لا، إذ لا يتحقق انتفاء الربح في المتقومات إلا بالتنضيض. فإن قيل: هذه
العلة تنافي ما سيأتي من أن العامل لو وطئ ولا ربح أنه يحد إن كان عالما فإنها تقتضي عدم الحد. أجيب بأن المقتضي لعدم الحد عند ظهور الربح إنما هو شبهة الملك، وهي منتفية لانتفاء ظهور الربح، ويحرم على كل منهما تزويجها لأنه
ينقصها فيضر بالآخر، وليس وطئ المالك فسخا للقراض ولا موجبا مهرا ولا حدا واستيلاده كإعتاقه فينفذ ويغرم
للعامل حصته من الربح، فإن وطئها العام عالما بالتحريم ولا ربح حد لعدم الشبهة وإلا فلا حد للشبهة، ويثبت عليه المهر
ويجعل في مال القراض كما قاله الشيخان. فإن قيل: هذا إنما يأتي على طريقة الإمام
لا على طريقة الجمهور من أن مهر الإمام يختص به المالك كما مر. أجيب بأن وطئ العامل كالتصرف في مال القراض، فالمهر كالربح بخلاف وطئ الأجنبي. (والنقص
الحاصل) في مال القراض (بالرخص) أو العيب أو المرض الحادثين، (محسوب من الربح ما أمكن) الحساب منه، (ومجبور)
318

ذلك النقص (به) أي الربح لاقتضاء العرف ذلك. تنبيه: لو حذف المصنف قوله: بالرخص لكان أولى ليشمل ما قدرته. (وكذا لو تلف بعضه) أي مال القراض
(بآفة) سماوية كحرق وغرق (أو غصب أو سرقة) وتعذر أخذه أو أخذ بدله، (بعد تصرف العامل) فيه بالبيع أو
الشراء محسوب من الربح (في الأصح) قياسا على ما مر. والثاني: لا، لأنه نقص لا تعلق له بتصرف العامل وتجارته
بخلاف الحاصل بالرخص، وليس ناشئا من نفس المال بخلاف المرض والعيب. (وإن تلف) بما ذكر (قبل تصرفه)
فيه ببيع أو شراء، (فمن) أي فيحسب ما تلف من (رأس المال) لا من الربح (في الأصح) لأن العقد لم يتأكد بالعمل.
والثاني: من الربح لأنه بقبض العامل صار مال قراض. تنبيه: احترز بقوله: لو تلف بعضه عن تلف كله، فإن القراض يرتفع سواء أتلف بآفة سماوية أم بإتلاف
المالك أم العامل أم أجنبي، لكن يستقر نصيب العامل من الربح في الثانية كما مر ويبقى القراض في البدل إن أخذه
في الرابعة والخصم في البدل المالك إن لم يكن في المال ربح، والمالك والعامل إن كان فيه ربح. وبحث الشيخان
في الثالثة بعد نقلهما فيها ما ذكر عن الإمام أن العامل كالأجنبي، وبه صرح المتولي واختاره السبكي، لكن القاضي
قال بما قال به الإمام، وهو المعتمد، والفرق بينه وبين الأجنبي أن له الفسخ، فجعل إتلافه فسخا كالمالك، بخلاف
الأجنبي. فإن قيل: هذا منقوض بأن للمشتري في زمن الخيار فسخ البيع، ومع ذلك ليس إتلافه فسخا. أجيب بأن
وضع البيع على اللزوم، فلم يكن إتلاف المبيع فسخا بخلاف القراض. ولو قتل عبد القراض، وقدره في المال ربح
فالقصاص مشترك بينهما، فليس لأحدهما الانفراد به، فإن عفا العامل عن القصاص سقط ووجبت القيمة كما لو عفا
المالك. ويستمر القراض في بدله فإن قيل هذا إنما يأتي على القول إن العامل يملك الربح بالظهور، لا على القول بأنه
لا يملك. أجيب بأنه وإن لم يملكه به ثبت له به في المال حق مؤكد كما مر، والقصاص مبني على الدرء كما سيأتي
، فإن لم يكن في المال ربح فللمالك القصاص والعفو مجانا، وإن تلف مال قراض اشترى بعينه شيئا قبل تسليمه انفسخ
البيع والقراض، أو في الذمة وتلف قبل الشراء انقلب الشراء للعامل فيرتفع القراض، وإن تلف بعد الشراء وقع للمالك،
فلو كان المال مائة وتلف لزمه مائة أخرى.
فصل: في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما. (لكل) منهما
(فسخه) أي عقد القراض متى شاء من غير حضور الآخر ورضاه، لأن القراض في ابتدائه وكالة وفي انتهائه إما شركة
وإما جعالة وكلها عقود جائزة. ويحصل الفسخ بقوله: فسخت عقد القران أو رفعته أو أبطلته أو لا تنصرف بعد
هذا أو نحو ذلك، وباسترجاع المال، فإن استرجع بعضه انفسخ فيه وبقي في الباقي، وبإعتاقه واستيلاده له كالوكالة. ولو
حبس العامل ومنعه التصرف أو باع ما اشتراه العامل للقراض لم يكن فسخا له لعدم دلالة ذلك على الفسخ عبل يبيعه
إعانة للعامل، بخلاف بيع الموكل ما وكل في بيعه وانكار المالك القرض عزله كما رجحه المصنف. فإن قيل: ينبغي أن
يكون كإنكار الموكل الوكالة كما جرى عليه ابن المقري تبعا للأسنوي فيفرق به كونه لغرض أو لا. أجيب بأن الفقه
ما قاله المصنف، لأن صورة ذلك في الوكالة أن يسأل عنها المالك فينكرها، وصورته في القراض أن ينكره ابتداء،
حتى لو عكس انعكس الحكم. وللعامل بعد الفسخ بيع مال القراض إذا توقع فيه ربحا كأن ظفر بسوق أو براغب فلا
يشتري لارتفاع العقد مع كونه لاحظ له فيه. (ولو مات أحدهما أو جن أو أغمي عليه انفسخ) عقد القران كالوكالة،
وللعامل إذا ما ت المالك أو جن الاستيفاء والتنضيض بغير إذن الورثة في الأولى والولي في الثانية اكتفاء بإذن العاقد
كما في حال الحياة، وكالجنون الاغماء المفهوم بالأولى، بخلا ف ما لو مات العامل، فإن ورثته لا تملك المبيع بدون إذن
319

المالك لأنه لم يرض بتصرفهم، فإن امتنع المالك من الاذن في البيع تولاه أمين من جهة الحاكم. ولا يقرر ورثة
المالك العامل على القراض كما لا يقرر المالك ورثة العامل عليه لأن ذلك ابتداء إقراض، وهو لا يصح على العرض،
فإن نص المال ولو من غير جنس المال جاز تقرير الجميع، فيكفي أن تقول ورثة المالك للعامل: قررناك على ما كنت
عليه مع قبوله، أو يقول المالك لورثة العامل: قررتكم على ما كان مورثكم عليه مع قبولهم لفهم المعنى. وكالورثة
وليهم، وكالموت الجنون والاغماء، فيقرر المالك بعد الإفاقة منها، وولي المجنون مثله قبل الإفاقة. ويجوز التقرير على
المال الناجز قبل القسمة لجواز القراض على المشاع، فيختص العامل بربح نصيب ويشتركان في ربح نصيب الآخر، مثاله
المال مائة وربحها مائتان مناصفة وقرر العقد مناصفة، فالعامل شريك الوارث بمائة، فإذا بلغ مال القراض بستمائة
فلكل منهما ثلاثمائة، إذا للعامل من الربح القديم مائة وربحها مائة ورأس المال في التقرير مائتان
للوارث وربحهما مائتان فمقسوم بينهما. ولو قال البائع بعد فسخ البيع للمشتري: قررتك على البيع صح بخلاف النكاح لأنه لا بد فيه من لفظ
التزويج أو الانكاح كما سيأتي. (ويلزم العامل الاستيفاء) لدين مال القراض (إذا فسخ أحدهما) أو هما أن انفسخ،
كأن باع بنقد ثم انفسخ القراض قبل توفير الثمن، لأن الدين ناقص وقد أخذ منه ملكا تاما فليرد كما أخذ، سواء كان
في المال ربح أم لا.
تنبيه: قضية إطلاقه كغيره الاستيفاء أنه يلزمه استيفاء رأس المال والربح معا، وهو كذلك كما صرح به في المرشد، وإن
كان ظاهر كلام المهذب أنه إنما يلزمه استيفاء رأس المال، وصرح به ابن يونس. فإن قيل: يدل لهذا تصريحهم بأن
في العروض لا يلزمه إلا تنضيض رأس المال فقط. أجيب بأن القراض مستلزم لشراء العروض والمالية فيه محققة،
فاكتفي بتنضيض رأس المال فقط بخلاف الدين، ولو رضي المالك بقبول الحوالة جاز. ولو قال المصنف: ويلزمه
الاستيفاء إذا انفسخ كان أولى ليشمل ما قدرته، لأن حكم الفسخ والانفساخ في ذلك سواء. (و) يلزم العامل أيضا
(تنضيض رأس المال إن كان) عند الفسخ (عرضا) وطلب المالك تنضيضه سواء أكان في المال ربح أم لا. ولو
كان المال عند الفسخ ناضا لكنه من غير جنس رأس المال أو من جنسه ولكن من غير صفته كالصحاح والمكسرة
فكالعروض. ولو أبطل السلطان النقد الذي جرى عليه القراض والمال عرض رد من الأول كما في زيادة الروضة،
وقيل: من الحادث، فإن لم يطلب المالك التنضيض لم يجب إلا أن يكون المال المحجور عليه وحظه في التنضيض فيجب.
ولو قال المالك: لا تبع ونقسم العروض بتقويم عدلين، أو قال: أعطيك نصيبك من الربح ناضا أجيب، وكذا لو
رضي
بأخذ العروض من العامل بالقيمة ولم يزد راغب كما جزم به ابن المقري، فلو حدث بعد ذلك غلاء لم يؤثر. وخرج بقدر
رأس المال الزائد عليه فلا يلزمه تنضيضه بل هو عرض اشترك فيه اثنان لا يكلف أحدهما بيعه، نعم لو كان بيع بعضه
ينقص قيمته كالعبد لزمه تنضيض الكل كما بحثه في المطلب. (وقيل لا يلزمه) أي العامل (التنضيض إذا لم يكن ربح)
إذ لا فائدة له فيه. ودفع بأن في عهده أن يرد لما أخذ كما مر. (ولو استرد المالك بعضه) أي مال القراض، (قبل
ظهور ربح وخسران) فيه، (رجع رأس المال إلى) ذلك (الباقي) بعد المسترد، لأنه لم يترك في يده غيره فصار كما
لو اقتصر في الابتداء لي إعطائه له. (وإن استرد) المالك بغير رضا العامل (بعد) ظهور (الربح فالمسترد) منه
(شائع ربحا ورأس مال) على النسبة الحاصلة من جملة الربح، ورأس المال لا يلحقه حكم الباقي لاستقرار ملك العامل
على ما يخصه من الربح فلا يسقط بما يحصل من النقص بعد. أما إذا كان الاسترداد برضا العامل فإن قصد هو والمالك
الاخذ من الأصل اختص به أو من الربح فكذلك، لكن يملك العامل مما بيده مقدار ذلك على الإشاعة، وإن أطلقا
320

حمل على الإشاعة وحينئذ الأشبه كما قال ابن الرفعة أن تكون حصة العامل قرضا، نقله عنه الأسنوي وأقره، ثم قال،
وإذا كان الاسترداد بغير رضاه ينفذ تصرفه في نصيبه وإن لم يملكه بالظهور. (مثاله رأس المال مائة) من الدراهم
(والربح عشرون) منها، (واسترد) المالك من ذلك (عشرين، فالربح) في هذا المثال (سدس) جميع (المال) وحينئذ
(فيكون المسترد) وهو العشرون (سدسه) بالرفع بخطه، وهو ثلاثة دراهم وثلث يحسب من الربح فيستقر للعامل
المشروط منه وهو درهم وثلثان إن شرط له نصف الربح. (وباقيه) أي المسترد وهو ستة عشر وثلثان، (من رأس المال)
فيعود رأس المال إلى ثلاثة وثمانين وثلث، فلو عاد ما في يده إلى ثمانين لم يسقط ما استقر له بل يأخذ منها درهما وثلثي
درهم، ويرد الباقي وهو ثمانية وسبعون درهما وثلث درهم.
تنبيه: كون العامل يأخذ مما في يده خارجا عن القواعد كما قاله ابن الرفعة وتبعه الأسنوي، لأنه لما جعل
المسترد شائعا لزم أن يكون نصيب العامل في عين المال المسترد إن كان باقيا، وفي ذمة المالك إن كان تالفا، ولا يتعلق
بالمال الباقي إلا برهن أو نحوه ولم يوجد حتى لو أفلس لم يتقدم به بل يضارب. (وإن استرد) المالك بعضه (بعد) ظهور
(الخسران فالخسران موزع على المسترد والباقي) بعده، وحينئذ (فلا يلزم جبر حصة المسترد) وهو عشرون،
(لو ربح) المال (بعد ذلك. مثاله: المال) أي رأس المال (مائة، والخسران) الحاصل فيه (عشرون، ثم
استرد) المالك
(عشرين فربع العشرين) التي هي جميع الخسران (حصة المسترد) منها خمسة، فكأنه استرد خمسة وعشرين. (ويعود)
بعد ذلك (رأس المال) الباقي بعد المسترد وبعد حصته من الخسران (إلى خمسة وسبعين) لأن الخسران إذا وزعناه على
الثمانين خص كل عشرين خمسة، والعشرون المستردة حصتها خمسة فيبقى ما ذكره، فلو ربح بعد ذلك شيئا قسم بينهما
ربحا على حسب ما شرطاه. (ويصدق العامل بيمينه في قوله لم أربح) شيئا، (أو لم أربح إلا كذا) عملا بالأصل فيهما.
ولو أقر بربح ثم ادعى غلطا أو كذبا ثم قال: غلطت في الحساب أو كذبت فيما قلت خوفا من انتزاع المال من يدي
لم يقبل قوله، لأنه أقر بحق لغيره فلم يقبل رجوعه عنه، وله تحليف المالك سواء أذكر شبهة أم لا. فإن ادعى بعد ذكر
الكذب أو بعد إخباره بالربح خسارة صدق بيمينه إن احتمل ذلك، مثل أن يعرض في الأسواق كساده، قاله القاضي حسين
والمتولي، فإن لم يحتمل لم يقبل. ويصدق أيضا فيما تضمنه قوله أو اشتريت هذا الشئ للقراض وإن كان خاسرا
(أولى) وإن كان رابحا، لأنه مأمون وهو أعرف بقصده، ولأنه في الثانية في يده.
تنبيه: محل قبول قوله أنه اشتراه لنفسه إذا وقع العقد على الذمة لأن التعويل فيه على النية، أما إذا ادعى أنه
اشتراه لنفسه وأقام المالك بينة أنه اشتراه بعين مال القراض فهل يحكم به للقراض أو لا فيبطل العقد؟ فيه وجهان رجح
ابن المقري منهما الثاني، وبه صرح الماوردي و الشاشي والفارقي وغيرهم كما نقله عنهم الأذرعي وغيره، لأنه قد يشتري
لنفسه بمال القراض عدوانا. ورجح صاحب الأنوار الأول، ثم قال: قال الإمام والغزالي و القشيري: وكل شراء
وقع بمال القراض لا شك في وقوعه له ولا أثر لنية العامل، أي لاذن المالك له في الشراء. والثاني أوجه كما اعتمده
شيخي. (أو) قال العامل: (لم تنهني عن شراء كذا) كالعبد، لأن الأصل عدم النهي. (و) يصدق العامل أيضا (في قدر
321

رأس المال) لأن الأصل عدم دفع الزيادة، وهذا حيث لا ربح، فإن كان فهل يصدق العامل أو المالك أو يتحالفان؟
أوجه أصحها أولها، وعلى هذا لو قار ض اثنين على أن نصف الربح له والباقي بينهما سواء فربحا وأحضرا ثلاثة آلاف
فقال المالك: رأس المال ألفان وصدقه أحدهما وأنكر الآخر وحلف أنه ألف فله خمسمائة لأنها نصيبه بزعمه، وللمالك
ألفان من رأس المال لاتفاقه مع المعترف عليه، وله ثلثا خمسمائة من الربح والباقي منها للمقر لاتفاقهم على أن ما يأخذه المالك
من الربح مثلا ما يأخذه كل من العاملين وما أخذه المنكر كالتالف. ويصدق العامل أيضا فيما إذا اختلفا في جنس رأس
المال أو صفته، (و) في (دعوى التلف) لأنه مأمون فهو كالمودع، ففيه التفصيل الآتي في باب الوديعة. (وكذا) يصدق
في (دعوى الرد) لمال القراض على المال (في الأصح) لأنه ائتمنه كالوكيل. والثاني: كالمرتهن والمستأجر. وفرق الأول
بأن العامل إنما أخذ العين لمنفعة المالك وانتفاعه هو بالعمل فيها لا بها بخلاف المرتهن والمستأجر.
فائدة: كل أمين ادعى الرد على من ائمتنه يصدق بيمينه إلا المرتهن والمستأجر. (ولو اختلفا) في أن العامل وكيل
أو مقارض صدق المالك ولا أجرة للعامل، أو (في) القدر (المشروط له) أي العامل، كأن قال: شرطت النصف فقال
المالك: بل الثلث (تحالفا) كاختلاف المتبايعين في قدر الثمن، فلا ينفسخ بالتحالف بل يفسخانه أو أحدهما أو الحاكم كما
في زيادة الروضة عن البيان، وإن أشعر كلام المصنف بأنه يفسخ بمجرد التحالف وصرح به الروياني. (وله) أي العامل
حينئذ (أجرة المثل) لعمله بالغة ما بلغت لتعذر رجوع عمله إليه فوجب له قيمته وهو الأجرة. ولو كان القراض لمحجور
عليه ومدعي العامل دون الأجرة فلا تحالف كنظيره من الصداق.
خاتمة: لو اشترى العامل ولو ذميا خمرا أو أم ولد أو نحوهما مما يمتنع بيعه وسلم الثمن للبائع ولو جاهلا ضمن لأن الضمان
لا يختلف بالعلم والجهل. ولو قارضه المالك ليجلب من بلد إلى بلد لم يصح، لأن ذلك عمل زائد على التجارة. وإن
قارضه على مالين في عقدين فخلطهما ضمن لتعديه في المال، بل إن شرط في العقد الثاني بعد التصرف في المال الأول ضم
الثاني إلى الأول فسد القراض في الثاني وامتنع الخلط لأن الأول استقر حكمه ربحا وخسرانا، وإن شرط قبل التصرف
صح وجاز الخلط وكأن دفعها إليه معا، نعم إن شرط الربح فيهما مختلفا امتنع الخط. ويضمن العامل أيضا لو خلط
مال القراض بماله أو قارضه اثنان فخلط مال أحدهما بمال الآخر، ولا ينعزل بذلك عن التصرف كما نقله
الإمام عن الأصحاب. وإذا اشترى بألفين لمقارضين لعبدين فاشتبها عليه وقعا له وغرم لهما الألفين لتفريطه بعدم الافراد.
ولو دفع إلى شخص مالا وقال: إذا مت فتصرف فيه قراضا على أن لك نصف الربح مثلا لغا، لأن تعليق، ولو صح لبطل
بالموت. ولو جنى عبد القراض فداه المالك من مال نفسه لامن مال القراض، كما لو أبق فإن نفقه رده على المالك وإن
كان في المال ربا بناء على أن العامل إنما يملك حصته بالقسمة، فإن قلنا بالظهور فعليهما الفداء.
كتاب المساقاة
لما شابهت القراض في العمل في شئ ببعض نمائه وجهالة العوض والإجارة في اللزوم والتأقيت جعلت بينهما. وهي
مأخوذة من السقي بفتح السين وسكون القاف المحتاج إليه فيها غالبا لا سيما في الحجاز فإنهم يسقون من الآبار لأنه أنفع
أعمالها وأكثرها مؤنة. وحقيقتها أن يعامل غيره على نخل أو شجر عنب ليتعهده بالسقي والتربية على أن الثمرة لهما.
والأصل فيها قبل الاجماع خبر الصحيحين: أنه (ص) عامل أهل خيبر، وفي رواية: دفع إلى يهود خيبر نخلها وأرضها
بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع. والحاجة داعية إليها لأن مالك الأشجار قد لا يحسن تعهدها أو لا يتفرغ له، ومن
322

يحسن ويتفرغ قد لا يملك الأشجار فيحتاج ذاك إلى الاستعمال وهذا إلى العمل، ولو اكترى المالك لزمته الأجرة في
الحال وقد لا يحصل له شئ من الثمار ويتهاون العامل فدعت الحاجة إلى تجويزها. وأركانها خمسة: عاقد، ومورد
العمل، والثمار، والعمل، والصيغة. ثم شرع في شرط الركن الأول فقال: (تصح من جائز التصرف) لنفسه لأنها معاملة
على المال كالقراض.
تنبيه: لو قال: إنما تصح لكان أولى ليفيد الحصر. (ولصبي ومجنون) وسفيه (بالولاية) عليهم عند المصلحة للاحتياج إلى ذلك.
تنبيه: لو عبر بالمحجور عليه لكان أخصر وأحصر لشموله ما قدرته. وهذا الشرط يعتبر أيضا في العامل، وفي
معنى الولي ناظر الوقف، وكذا الإمام في بساتين بيت المال، وما لا يعرفه مالكه، وكذا بساتين الغائب كما قاله الزركشي،
قال: ومقتضى كلام الماوردي أنه ليس لعامل القراض المساقاة فإن عمله في حق المالك لا في حق نفسه بخلاف المساقي.
ثم شرع في الركن الثاني، وهو مورد العمل، فقال: (وموردها) أصالة: أي ما ترد صيغة عقد المساقاة عليه، (النخل) للخبر
السابق، ولو ذكورا كما اقتضاه إطلاق المصنف وصرح به الخفاف، ويشترط فيه أن يكون مغروسا معينا مرئيا. (و) مثله
(العنب) لأنه في معنى النخل بجامع وجوب الزكاة وتأتي الخرص.
تنبيه: إنما لم يقل الكرم بدل العنب لورود النهي عن تسميته به، قال (ص): لا تسموا العنب كرما،
إنما الكرم الرجل المسلم رواه مسلم. قيل: سمي كرما من الكرم بفتح الراء لأن الخمر المتخذة منه تحمل عليه، فكره أن
يسمى به وجعل المؤمن أحق بما يشتق من الكرم، يقال رجل كرم بإسكان الراء وفتحها: أي كريم. وثمرات النخل
والأعناب أفضل الثمار وشجرهما أفضل الشجر بالاتفاق. واختلفوا في أيهما أفضل، والراجح أن النخل أفضل لورود:
أكرموا عماتكم النخل المطعمات في المحل، وإنها خلقت من طينة آدم. والنخل مقدم على العنب في جميع القرآن، ومر في
زكاة الفطر أن التمر خير من الزبيب. وشبه (ص) النخلة بالمؤمن وأنها تشرب برأسها وإذا قطع ماتت وينتفع
بأجزائها، وهي الشجرة الطيبة المذكورة في القرآن فكانت أفضل. وليس في الشجر شجر فيه ذكر وأنثى يحتاج الأنثى فيه
إلى الذكر سواه، وشبه (ص) عين الدجال بحبة العنب لأنها أصل الخمرة وهي أم الخبائث. (وجوزها القديم
في سائر الأشجار المثمرة) كالتين والتفاح للحاجة، واختاره المصنف في تصحيح التنبيه، والجديد المنع لأنها رخصة فنختص
بموردها، ولأنه لا زكاة في ثمرها فأشبهت غير المثمرة، ولأنها تنمو من غير تعهد بخلاف النخل والعنب. وعلى المنع لو
كانت هذه الأشجار بين النخل أو العنب فساقي عليها معه تبعا جاز، وإن كانت كثيرة كما هو مقتضى كلام الروضة،
وإن قيدها الماوردي بالقليلة كما تجوز المزارعة تبعا للمساقاة.
تنبيه: احترز المصنف بالأشجار وهي ما لها ساق عما لا ساق له كالبطيخ وقصب السكر، وبالمثمرة عن غيرها
كالتوت الذكر، وما لا يقصد ثمره كالصنوبر، فلا تجوز المساقاة عليه على القولين، وعلى الجديد لا تجوز على المقل على
الأصح في الروضة، وإن قال في المهمات: الفتوى على الجواز. فإن قيل: قد قلتم غير الشجر هو الذي لا ساق له،
وقد قال تعالى: * (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين) *. أجيب بأنها كانت شجرة على خلاف العادة في القرع معجزة لسيدنا
يونس صلى الله عليه وعلى سائر الأنبياء وسلم، كما كانت تأتيه وعلة صباحا ومساء يشرب من لبنها حتى قوي. (ولا تصح
المخابرة، وهي عمل) العامل في (الأرض) أي المعاملة عليها كما عبر به في المحرر، ولو عبر به لكان أولى لأن العمل
من وظيفة العامل فلا يفسر العقد به. (ببعض ما يخرج منها) كنصف (والبذر من العامل، ولا) تصح (المزارعة
323

وهي هذه المعاملة) أي المخابرة، () لكن (البذر) فيها يكون (من المالك) للنهي عن الأولى في الصحيحين وعن الثانية في
مسلم. والمعنى في المنع فيهما أن تحصيل منفعة الأرض ممكنة بالإجارة فلم يجز العمل عليها ببعض ما يخرج منها كالمواشي،
بخلاف الشجرة فإنه لا يمكن عقد الإجارة عليه فجوزت المساقاة للحاجة. واختار في الروضة جوازهما مطلقا تبعا لابن المنذر
والخطابي وغيرهما. وتأولوا الأحاديث على ما إذا شرط لواحد زرع قطعة معينة ولآخر أخرى، واختاره الماوردي.
ولا تصح المشاطرة المسماة أيضا بالمناصبة - بموحدة بعد صاد مهملة - كالتي تفعل بالشام، وهي أن يسلم إليه أرضا ليغرسها
من عنده والشجر بينهما. وفي فتاوى القفال أن الحاصل في هذه الصورة للعامل، ولمالك الأرض أجرة مثلها عليه. ومن
زارع على أرض بجزء من الغلة فعطل بعض الأرض أفتى المصنف بأنه يلزمه أجرة ما عطل منها، وخالفه الشيخ تاج الدين
الفزاري، وقال بعدم اللزوم، وهو أوجه. (فلو كان بين النخل) أو العنب (بياض) وهو أرض لا زرع فيها ولا شجر، (صحت
المزارعة عليه مع المساقاة على النخل) أو العنب تبعا للمساقاة وتعسر الافراد، وعليه حمل خبر الصحيحين أول الباب.
تنبيه: اقتصر المصنف هنا وفي الروضة على ذكر النخل، وكان الأولى له ذكر العنب معه كما قدرته، فإنه
قال في
التصحيح إنه الصواب. وإنما يجوز ذلك (بشرط اتحاد العامل) فيهما، فلا يصح أن يساقي واحدا ويزارع آخر لأن الاختلاف
يزيل التبعية. وليس المراد باتحاده اشتراط كونه واحدا، بل أن لا يكون من ساقاه غير من زارعه، فلو ساقى جماعة
وزارعهم بعقد واحد صح. (و) بشرط (عسر إفراد النخل بالسقي، و) عسر إفراد (البياض بالعمارة) وهي الزراعة
لانتفاع النخل بسقي الأرض وتقليبها. وعبر في الروضة بالتعذر، ومراده التعسر كما هنا، فإن أمكن ذلك لم تجز
المزارعة لعدم الحاجة.
تنبيه: لو كان بين النخل بياض بحيث تجوز المزارعة عليه تبعا للمساقاة وكان فيه زرع موجود، ففي جواز المزارعة
وجهان بناء على القولين في جواز المساقاة على ثمرة موجودة. وقضيته كما قال الزركشي ترجيح الجواز فيما لم يبد صلاحه،
فحينئذ لا اختصاص للتعبير بالبياض المجرد. وتبع المصنف في الجمع بين عسر إفراد النخل بالسقي والبياض بالعمارة
الروضة كأصلها، والذي اقتصر عليه الجمهور ذكر عسر إفراد النخل بالسقي والعمل، واقتصر الغزالي في كتبه على عسر
إفراد البياض المتخلل بالعمارة، وما قاله المصنف أوجه. (والأصح أنه يشترط) في عهد المساقاة والمزارعة (أن لا يفصل)
بضم أوله وفتح ثالثه بخطه: أي لا يفصل العاقدان (بينهما) بل يؤتى بهما على الاتصال لتحصل التبعية، فلو ساقاه على
النصف مثلا فقبل ثم زارعه على البياض لم تصح المزارعة لأن تعدد العقد يزيل التبعية. والثاني: يجوز الفصل بينهما لحصولهما
لشخص واحد.
تنبيه: محل الخلاف كما قال الدارمي حيث بقي من مدة المساقاة ما يمكن فيه المزارعة وإلا امتنع جزما. (و) الأصح
أنه يشترط (أن لا يقدم المزارعة) على المساقاة لأنها تابعة والتابع لا يقدم على متبوعه. والثاني: يجوز تقديمها وتكون
موقوفة إن ساقاه بعدها بأن صحتها وإلا فلا. وفهم من الأول أنه لا يغني لفظ أحدهما عن الآخر، ولكن لو أتى بلفظ
يشملهما كعاملتك على النخل والبياض بالنصف فيهما كفى، بل حكى فيه الإمام الاتفاق. قال الدارمي: ويشترط أيضا
بيان ما يزرعه بخلاف إجارة الأرض للزراعة لأنه هناك شريك فلا بد من علمه به بخلاف الآخر إذ لا حق له في الزرع.
والأصح (أن كثير البياض كقليله) في صحة المزارعة عليه، لأن الغرض عسر الافراد والحاجة لا تختلف. والثاني، لا، لأن
الكثير لا يكون تابعا.
324

تنبيه: النظر في الكثير إلى مساحة الأرض ومغارس الشجر لا إلى زيادة النماء على الأصح في زيادة الروضة
.
(و) الأصح (أنه لا يشترط تساوي الجزء المشروط من الثمن) في المساقاة (والزرع) في المزارعة، بل يجوز أن يشرط
للعامل نصف التمر وربع الزرع مثلا. والثاني: يشترط لأن التفاضل يزيل التبعية، وصحح هذا المصنف في نكت التنبيه.
(و) الأصح (أنه لا يجوز أن يخابر تبعا للمساقاة) لعدم ورود ذلك. والثاني: يجوز ذلك كالمزارعة. وأجاب الأول بأن
المزارعة في معنى المساقاة من حيث أنه ليس على العامل فيها إلا العمل، بخلاف المخابرة فإنه يكون عليه العمل والبذر.
(فإن أفردت أرض) قراح أو بياض متخلل بين النخل أو العنب بالمخابرة، فالمغل للعامل لأن الزرع يتبع البذر وعليه
للمالك أجرة مثل الأرض، أو (بالمزارعة فالمغل للمالك) لأنه نماء ملكه، (وعليه للعامل أجرة) مثل (عمله، و) عمل
(دوابه، و) عمل ما يتعلق به من ما يتعلق به من (آلاته) كالبقر إن كانت له، سواء حصل من الزرع شئ أم لا أخذا
من نظيره في القراض، وذلك لأنه لم يرض ببطلان منفعته إلا ليحصل له بعض الزرع، فإذا لم يحصل له وانصرف كل
المنفعة إلى المالك استحق الأجرة. فإن قيل: المنقول عن المتولي في نظيره من الشركة الفاسدة فيما إذا أتلف الزرع بآفة
أنه لا شئ للعامل لأنه لم يحصل للمالك شئ، وصوبه المصنف، فيكون الحكم هنا كذلك. أجيب بأن العامل هنا
أشبه به في القراض من الشركة، على أن الرافعي قال في كلام المتولي: لا يخفى عدوله عن القياس الظاهر. ولو كان البذر
منهما فالغلة لهما، ولكل على الآخر أجرة ما انصرف من منافعه على حصة صاحبه. ثم شرع في حيلة تسقط الأجرة
وتجعل الغلة مشتركة بين المالك والعامل في الصورة السابقة، فقال: (وطريق جعل الغلة لهما في صورة إفراد الأرض
بالمزارعة ولا أجرة) لأحدهما على الآخر تحصل بصورتين: إحداهما (أن يستأجره) أي المالك العامل (بنصف
البذر) شائعا (ليزرع له النصف الآخر) في الأرض، (ويعيره نصف الأرض) شائعا. ومن هنا يؤخذ جواز إعارة
المشاع المفيدة إسقاط الأجرة، بخلاف ما إذا لم يعره نصفها واستأجره لزراعة نصف البذر فزرع جميعه فإنه يلزمه أجرة
نصف الأرض. والطريق الثاني: ما أشار إليه بقوله: (أو يستأجره) أي العامل (بنصف البذر) شائعا (ونصف
منفعة الأرض) كذلك (ليزرع) له (النصف الآخر) من البذر (في النصف الآخر) بفتح الخاء، ويجوز
كسرها على معنى المتأخر، (من الأرض) فيكونان شريكين في الزرع على المناصفة، ولا أجرة لأحدهما على الآخر،
لأن العامل يستحق من منفعة الأرض بقدر نصيبه من الزرع والمالك من منفعته بقدر نصيبه من الزرع. فإن قيل:
ما الفرق بين الطريقين؟ أجيب بأنه في الأولى جعل الأجرة عينا وفي الثانية عينا ومنفعة، وفي الأولى متمكن من
الرجوع بعد الزراعة في نصف الأرض ويأخذ الأجرة، وفي الثانية لا يتمكن. ويفترقان أيضا في أنه لو فسد منبت الأرض في
المدة لزمه قيمة نصفها على الأول دون الثاني لأن العارية مضمونة.
تنبيه: قد توهم عبارته الحصر في الطريقين، وليس مرادا، بل من ذلك أن يقرض المالك العامل نصف البذر
ويؤجره نصف الأرض بنصف عمله ونصف منافع دوابه وآلاته، ومنه أن يعيره نصف الأرض والبذر منهما ثم يعمل
العامل، فالمغل بينهما ولا تراجع لأن كلا منها متطوع، لكن البذر في هذا ليس كله من المالك. وطريق جعل الغلة
لهما في المخابرة ولا أجرة: أن يستأجر العامل نصف الأرض بنصف البذر ونصف عمله ومنافع دوابه وآلاته أو بنصف
البذر ويتبرع بالعمل والمنافع، ولا بد في هذه الإجارات من رعاية الرؤية وتقدير المدة وغيرهما من شروط الإجارة.
325

ثم شرع في الركن الثالث وهو الثمار مترجما له بفصل، فقال: فصل: فيما يشترط في عقد المساقاة: (يشترط) فيه (تخصيص الثمر بهما) أي المالك والعامل، فلا يجوز شرط بعضه
لغيرهما، (واشتراكهما فيه) فلا يجوز شرط كل الثمرة لأحدهما، (والعلم) أي علمهما (بالنصيبين بالجزئية) وإن قل كجزء
من ألف جزء، (كالقراض) في جميع ما سبق، ومما سبق الصحة فيما إذا قال: بيننا وفيما إذا قال: على أن لك النصف. وقول
المصنف بالجزئية قد يوهم الفساد هنا، وليس مرادا. ولو ساقاه على نوع بالنصف وآخر بالثلث صح العقدان إذا عرفا
قدر كل من النوعين، وإلا فلا لما فيه من الغرر، فإن المشروط فيه الأقل قد يكون أكثر، وإن ساقاه على النصف
من كل منهما صح وإن جهلا قدرهما. وخرج بالثمر الجريد والكرناف والليف فلا يكون مشتركا بينهما بل يختص به
المالك كما جزم به في المطلب تبعا للماوردي وغيره، قال: ولو شرط جعله بينهما على حسب ما شرطناه في الثمن فوجهان
في الحاوي اه‍. والظاهر منهما الصحة كما نقله الزركشي عن الصيمري. ولو شرط للعامل بطل قطعا. ولا يصح كون
العوض غير الثمر، فلو ساقاه بدراهم أو غيرها لم تنعقد مساقاة ولا إجارة إلا إذا فصل الأعمال وكانت معلومة. ولو
ساقاه على نوع بالنصف على أن يساقيه على آخر بالثلث فسد الأول للشرط الفاسد، وأما الثاني فإن عقده جاهلا بفساد الأول
فكذلك وإلا فيصح.
تنبيه: لا قلب في كلام المصنف كما قال بعض الشراح من أن حقه أن يقول: يشترط تخصيصهما بالثمر، لأن المصنف
مشى هنا على الاستعمال العرفي من دخول الباء على المقصور عليه، ومشى في باب القراض حيث قال فيه: ويشترط
اختصاصهما بالربح على الاستعمال اللغوي من دخول الباء على المقصور، وقد نبه على الاستعمالين بعض المحققين، فقال
في قوله تعالى: * (إياك نعبد) * معناه: نخصك بالعبادة، ولو قيل نخص العبادة بك كان استعمالا عرفيا. (والأظهر صحة المساقاة بعد
ظهور الثمر) لأنه أبعد عن الغرر للوثوق بالثمر فهو أولى بالجواز. والثاني: لا يصح لفوات بعض الأعمال، (لكن) محل
الصحة (قبل بدو الصلاح) إذا جعل عوض العامل من الثمرة الموجودة لبقاء معظم العمل، أما بعده فلا يجوز قطعا،
وكذا لو ساقاه على النخل المثمر وعلى ما يحدث من ثمر العام. ويشترط في الشجر المساقى عليه أن يكون مغروسا كما مر.
(و) على هذا (لو ساقاه على ودي) وهو بواو مفتوحة وداخل مكسورة ومثناة تحتية مشددة: صغار النخل، (ليغرسه ويكون
الشجر لهما لم يجز) إذا لم ترد المساقاة على أصل ثابت، وهي رخصة فلا تتعدى موردها، ولان الغرس ليس من أعمال
المساقاة، فأشبه ضم غير التجارة إلى عمل القراض.
تنبيه: ليس الشجر بقيد، فلو قال ولك نصف الثمرة لم يصح أيضا. وإذا عمل في الصورتين فله أجرة المثل
على المالك إن توقعت الثمرة في المدة وإلا فلا في الأصح، وله أجرة الأرض أيضا إن كانت له. ولو كان الغراس للعامل
والأرض للمالك فلا أجرة له ويلزمه أجرة الأرض. (ولو كان) الودي (مغروسا) وساقاه عليه (وشرط له جزءا من
الثمر على العمل، فإن قدر) في عقد المساقاة عليه (مدة يثمر) الودي (فيها غالبا) كخمس سنين، (صح) العقد،
ولا يضر كون أكثر المدة لا ثمر فيها كما لو ساقاه خمس سنين. والثمرة يغلب وجودها في الخامسة خاصة، فإن اتفق أنه
لم يثمر لم يستحق العامل شيئا كما لو ساقاه على النخيل المثمرة فلم تثمر. (وإلا) أي وإن قدر مدة لا يثمر فيها غالبا، (فلا)
تصح لخلوها عن العوض كالمساقاة على شجرة لا تثمر، فإن وقع ذلك وعمل العامل لم يستحق أجرة إن علم أنها لا تثمر ف
ي تلك المدة وإلا استحق ويرجع في المدة المذكورة لأهل الخبرة بالشجر في تلك الناحية كما يقتضيه كلام الدارمي.
(وقيل: إن تعارض الاحتمالان) في الأثمار وعدمه، وليس أحدهما أظهر، (صح) العقد لأن الثمر مرجو كالقراض
326

فإن الربح مرجو الحصول، فإن أثمرت استحق وإلا فلا شئ له. وأجاب الأول بأن هذا على عوض غير موجود
ولا الظاهر وجوده، فأشبه السلم فيما لا يوجد غالبا، وعلى هذا فله الأجرة وإن لم يثمر لأنه عمل طامعا. (وله مساقاة شريكه
في الشجر إذا) استقل الشريك بالعمل فيها و (شرط) المالك (له) أي الشريك (زيادة على حصته كأن يكون الشجر
بينهما نصفين فيشرط له ثلثي الثمرة ليكون السدس عوض عمله، فإن شرط له مقدار نصيبه أو دونه لم يصح،
إذ
لا عوض لاستحقاقه ذلك بالملك، بل شرط عليه في مسألة ما دون نصيبه أن يترك بعض ثمرته أيضا. فإن عمل لم يستحق
أجرة لأنه لم يطمع في شئ، وإن شرط له كل الثمرة فسد العقد، لكن يستحق الأجرة لأنه عمل طامعا، وقيده الغزالي
كإمامه تفقها بما إذا لم يعلم الفساد وعدم التقييد أوجه كما مر في القراض. أما إذا لم يستقل الشريك بالعمل بأن شرط
معاونته له في العمل فإن العقد يفسد، كما لو ساقى أجنبيا بهذا الشرط، فإن عاونه واستوى عملهما فلا أجرة لاحد منهما
على الآخر، وكذا لا أجرة للمعاون إذا زاد عمله بخلاف الآخر إذا زاد عمله فله أجرة عمله بالحصة على المعاون لأنه
لم يعمل مجانا. واستشكل السبكي مسألة الكتاب بأن عمل الأجير يجب كونه في خالص ملك المستأجر، قال: والخلاص
من هذا أن يقال صورة المسألة إذا قال ساقيتك على نصيبي حتى لا يكون العمل المعقود عليه واقعا في المشترك، وبهذا
صور أبو الطيب المسألة تبعا لما أفهمه كلام المزني، لكن كلام غيرهما يقتضي عدم الفرق وهو ظاهر كلام الكتاب اه‍.
والذي ينبغي أن يقال: إن قال ساقيتك على كل الشجر لم يصح، أو قال ساقيتك على نصيبي أو أطلق صح، والظاهر كما قال
شيخنا صحة مساقاة أحد الشريكين على نصيبه أجنبيا ولو بغير إذن شريكه الآخر. ولو ساقى الشريكان ثالثا لم يشترط
معرفته بحصة كل منهما إلا إن تفاوتا في المشروط له، فيشترط معرفته بحصة كل منهما. (ويشترط) لصحة المساقاة (أن
لا يشرط) المالك في عقدها (على العامل ما ليس من جنس أعمالها) التي جرت عادة العامل بها كحفر بئر، فإن شرطه
لم يصح العقد لأنه استئجار بعوض مجهول واشتراط عقد في عقد.
تنبيه: كان الأولى أن يقد المصنف على هذه المسألة بيان أعمال المساقاة ليعرف أن شرط غيرها مفسد كما جر
على ذلك في كتاب القراض حيث قال فيه: ووظيفة العامل كذا، ثم قال: فلو قارضه ليشتري حنطة إلخ. ويشترط أيضا
أن لا يشترط على المالك في العقد ما على العامل، كذا قالاه، ومقتضاه أنه لو شرط السقي على المالك أن العقد يبطل وهو
كذلك وبه صرح في البحر، وسيأتي التنبيه على ذلك. ثم شرع في الركن الرابع وهو العمل، فقال: (و) يشترط
(أن ينفرد) العامل (بالعمل) فلو شرط عمل المالك معه فسد بخلاف ما لو شرطا عمل غلام المالك معه بلا شرط يد
ولا مشاركة في تدبير فإنه يصح على المذهب المنصوص، ولا بد من معرفته بالرؤية أو الوصف ونفقته على المالك بحكم
الملك. وإن شرطت في الثمرة بغير تقدير جزء معلوم لم يصح لأن ما يبقى يكون مجهولا، أو شرطت على العامل وقدرت صح
لأن العمل عليه فلا يبعد أن تلزمه مؤنة من يعمل معه وهو كاستئجار من يعمل معه، ولو لم يقدر صح أيضا، والعرف
كاف لأنه يتسامح بمثله في المعاملات. وإن شرط العامل عمل الغلام في حوائج نفسه أو استئجار معاون له بجزء من الثمر أو
من غيرها من مال المالك لم يصح العقد، أما في الأولى فظاهر، وأما في الثانية فلان قضية المساقاة أن تكون الأعمال
ومؤنها على العامل، أما إذا جعلت الأجرة من مال العامل فإنها تصح. (و) يشترط أيضا أن ينفرد (باليد في الحديقة)
ليتمكن من العمل متى شاء، فلو شرط كونها في يد المالك أو بيدهما لم يصح.
فائدة: الحديقة: أرض ذات شجر، قاله الليث. وقال أبو عبيدة: وهي الحائط، أي البستان. وقال الغزالي
: إنما يقال حديقة البستان عليه حائط. (و) يشترط (معرفة العمل) جملة لا تفصيلا كما يشعر به قوله: (بتقدير المدة
كسنة أو أكثر) إلى مدة تبقى فيها العين غالبا للاستغلال، فلا تصح مطلقة ولا مؤبدة لأنها عقد لازم فأشبهت الإجارة.
تنبيه: قد يفهم كلامه أنها لا تجوز على أقل من سنة، وليس مرادا، بل أقل مدتها ما يطلع فيها الثمر ويستغنى
327

عن العمل. وإنما ذكر السنة لأنها محل وفاق، وفيما زاد عليها فيه خلاف. فإذا ساقاه أكثر من سنة صح وإن لم يبين حصة
كل سنة، فإن فاوت بين السنين لم يضر، ووقع في الروضة: لم يصح، وهو تحريف. وإن شرط ثمر سنة معينة من السنين
والأشجار بحيث تثمر كل سنة لم يصح العقد، وإن ساقاه عشر سنين مثلا لتكون الثمرة بينهما ولم تتوقع إلا في العاشرة
صح، وتكون السنين بمثابة الأشهر من السنة الواحدة، وفارقت ما قبلها لأنه شرط له فيها سهم من جميع الثمرة بخلافه
في تلك، فإن أثمر قبل العاشرة فلا شئ للعامل في الثمرة لأنه لم يطمع في شئ.
تنبيه: السنة المطلقة في التأجيل عربية، فإن شرطا رومية أو غيرها وعرفا صح وإلا فلا. وإن انقضت المدة
وعلى النخيل طلع أو بلح فللعامل حصته منه وعلى المالك التعهد إلى الجداد، وإن قال صاحب المرشد إن التعهد عليهما
لأن الثمرة مشتركة بينهما، ولا يلزم العامل أجرة لتبقية حصته على الشجر إلى حين الادراك لأنه يستحقها ثمرة مدركة
بحكم العقد، وإن أدرك الثمر قبل انقضاء المدة لزم العامل أن يعمل البقية بلا أجرة، فإن لم يحدث الثمر إلا بعد المدة فلا
شئ للعامل. (ولا يجوز التوقيت) لمدة المساقاة (بإدراك الثمر في الأصح) لجهالته بالتقدم تارة والتأخر أخرى. والثاني:
ينظر إلى أنه المقصود والمراد بالادراك كما قاله السبكي الجداد. ثم شرع في الركن الخامس وهو الصيغة، فقال: (وصيغتها)
أي المساقاة أو (ساقيتك على هذا النخل) أو العنب (بكذا) من ثمره كنصفه، لأنه الموضوع لها. (أو سلمته إليك لتتعهده)
أو اعمل في نخيلي أو تعهد نخيلي بكذا لأدائه معناه. وهذه الثلاثة يحتمل أن تكون كناية، وأن تكون صريحة، قاله
في الروضة كأصلها. ومقتضى كلام الإمام والماوردي والشاشي وغيرهم الأول، وقال ابن الرفعة: الأشبه الثاني، وهو
ظاهر كلام ابن المقري وغيره، وهو الظاهر.
تنبيه: أفهم قوله: بكذا أنه لابد من ذكر العوض، فلو سكت عنه لم يصح. وفي استحقاقه الأجرة وجهان
أوجههما عدم الاستحقاق. ولو ساقاه بلفظ الإجارة لم يصح على الأصح في الروضة كأصلها، قالوا: لأن لفظ الإجارة صريح في عقد آخر، فإن أمكن تنفيذه في محله نفذ فيه كما سيأتي وإلا فالإجارة فاسدة. قال الأسنوي: وتصحيح عدم الانعقاد
مشكل مخالف للقواعد فإن الصريح في بابه إنما يمنع أن يكون كناية في غيره إذا وجد نفاذا في موضوع، وقوله
لزوجته: أنت علي كظهر أمي ناويا الطلاق فلا تطلق، ويقع الظهار، بخلاف قوله لامته: أنت طالق فهو كناية في العتق
لأنه لم يجد نفاذا في موضوعه، ومسألتنا من ذلك اه‍. ولما كان الاشكال قويا قلت تبعا لشيخنا: قالوا فإن وجدت
الإجارة بشروطها كأن استأجره بنصف الثمرة الموجودة أو كلها بعد بدو الصلاح، وكذا قبله بشرط القطع، ولم يكن
النصف شائعا كأن شرط له ثمرة معينة صح، ولو قال: ساقيتك بالنصف - مثلا - ليكون أجرة لك لم يضر لسبق لفظ المساقاة.
(ويشترط) فيها (القبول) لفظا من الناطق للزومها كإجارة وغيرها، وتصح بإشارة الأخرس المفهمة ككتابته. (دون
تفصيل الأعمال) فيها، فلا يشترط التعرض له في العقد (ويحمل المطلق في كل ناحية على العرف الغالب) فيها في العمل،
إذ المرجع في مثله إلى العرف، هذا إذا عرفاه فإن جهلاه أو أحدهما أو لم يكن عرف وجب التفصيل.
تنبيه: قضية كلامه أن الحمل المذكور يجري وإن عقد بغير لفظ المساقاة، وهو كذلك، وبه صرح ابن يونس،
وإن كان كلام الروضة قد يفهم أنه لا يجري إلا في لفظها. (و) يجب على (العامل) عند الاطلاق (ما) أي عمل
(يحتاج إليه لصلاح الثمر واستزادته مما يتكرر في كل سنة) في العمل، ولا يقصد به حفظ الأصل، (كسقي) إن لم يشرب
بعروقه، ويدخل في السقي توابعه من إصلاح طرق الماء وفتح رأس الساقية وسدها عند السقي، فلو شرط السقي على
المالك فقيل يجوز، ونص عليه في البويطي، لأن المساقاة تجوز على النخل البعلي، وهو الذي يشرب بعروقه، والمشهور
328

أن ما على العامل إذا شرط على المالك يبطل العقد. وأما ما يشر ب بعروقه فحكى الماوردي فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن
سقيها على العامل. والثاني: على المالك. والثالث، أي وهو الظاهر، يجوز اشتراطه على المالك وعلى العامل، فإن أطلق صح
ويكون على العامل. (وتنقية) بئر و (نهر) أي مجرى الماء من الطين ونحوه، (وإصلاح الأجاجين التي يثبت فيها الماء) وهي
الحفر حول الشجر يجتمع فيها الماء ليشربه، شبهت بالأجاجين التي يغسل فيها. (وتلقيح) للنخل، وهو وضع شئ من طلع
الذكور في طلع الإناث، وقد يستغني بعض النخيل عن الوضع المذكور لكونها تحت ريح الذكور فيحمل الهواء
ريح
الذكور إليها. (وتنحية) أي إزالة حشيش مضر كما في الروضة، ولو عبر بالكلأ لكان أولى لأن الكلأ يقع على الأخضر
واليابس، والحشيش لا يطلق إلا على اليابس على المشهور. (و) تنحية (قضبان مضرة) بالشجر وقطع الجريد وصرفه عن
وجوده العناقيد لتصيبها الشمس ويتيسر قطفها عند الادراك، وتقليب الأرض بالمساحي ونحو ذلك مما هو مذكور في المطولات
لاقتضاء العرف ذلك.
تنبيه: إنما قيدت كلامه بعمل ليخرج الطلع الذي يلقح به، والقوصرة التي يجعل فيها العناقيد حفظا عن الطيور
والزنابير، والمنجل والمعول بكسر ميميهما، والثور وآلته من المحراث وغيره، فإن ذلك على المالك لأنه عين، وإنما يكلف
العامل العمل. وإنما اعتبر التكرار لأن ما لا يتكرر يبقى أثره بعد فراغ المساقاة، وتكليفه العامل إجحاف به. (و) عليه
أيضا (تعريش) أي إصلاح العريش التي (جرت به عادة) لتلك البلد التي يطرح الكروم فيها على العريش، وهو أن ينصب
أعوادا ويظللها ويرفع العنب عليها. قال المتولي: ونصب الأقصاب فيما يكون على القصب. (وكذا) عليه (حفظ الثمر)
على الشجر من السراق ومن الطيور والزنابير بجعل كل عنقود في وعاء يهيئه المالك، كقوصرة، وعن المشمش بجعل حشيش
أو نحوه فوقه عند الحاجة. (و) عليه (جداده) أي قطعه وحفظه في الجرين من السراق ونحوهم، (وتجفيفه في الأصح) لأنها
من مصالحه. والخلاف راجع للمسائل الثلاث، لكنه في الروضة عبر في الثانية والثالثة بالصحيح. والثاني: ليس عليه، لأن
الحفظ خارج عن أعمال المساقاة، وكذا الجداد والتجفيف لأنهما بعد كمال الثمر.
تنبيه: قيد في الروضة وأصلها الوجوب في التجفيف على العامل بما إذا اطردت العادة به أو شرطاه، وليس
هذا القيد من محل الخلاف، وألحق ابن المقري بالتجفيف في ذلك الحفظ والجداد وهو ظاهر، وإذا لزم التجفيف وجب
تسوية الجرين ونقله إليه وتقليبها في الشمس إن احتيج إليه. وكل ما وجب على العامل كان له استئجار المالك عليه، وكل
ما وجب على المالك لو فعله العامل بإذن المالك استحق الأجرة. فإن قيل: ينبغي أن لا يستحق أجرة بمجرد الاذن
كما لو أمر بغسل ثوبه. أجيب بأن إذنه في ذلك بمنزلة أمره بقضاء دينه لا كأمره بغسل ثوبه. (و) كل (ما قصد به
حفظ الأصل) أي أصل الثمر وهو الشجر، (ولا يتكرر كل سنة كبناء الحيطان) للبستان (وحفر نهر جديد) له وإصلاح
ما انهار من النهر ونصب الدولاب والأبواب، (فعلى المالك) لاقتضاء العرف ذلك، وعليه أيضا خراج الأرض الخراجية.
تنبيه: قوله: كبناء الحيطان قد يوهم أن وضع الشوك على الجدار والترقيع اليسير الذي يتفق في الجدار ليس
على المالك، وليس مرادا بل الأصح أن ذلك بحسب العادة. وتعبيره بجديد قد يشعر بأن ما انهار من النهر يكون
على
العامل، وليس مرادا، بل هو على المالك، وما نقله السبكي عن النص من إن الثاني على المالك محمول على ما إذا اطردت
العادة من كونهما على المالك أو العامل. (والمساقاة لازمة) أي عقد لازم من الجانبين كالإجارة، بجامع أن العمل
فيهما في أعيان تبقى بحالها بخلاف القراض لا تبقى أعيانه بعد العمل فأشبه الوكالة. فإن قيل: القول بلزومها مشكل
329

لأنها إذا وردت على الذمة أشبهت بيع الدين بالدين، لأن العمل دين على العامل، والثمرة وإن لم تكن دينا إلا أنها معدومة
فهي في معنى الدين، وبيع الدين بالدين مجمع على بطلانه، وقال السبكي: لم يتبين لي دليل قوي على لزومها، وكنت أود
لو قال أحد من أصحابنا بعدم لزومها حتى كنت أوافقه. أجيب عن الأول بأن بيع الدين بالدين قد جوز للحاجة كما في
الحوالة، وهذه أولى لشدة الحاجة إليها، وعن الثاني بما مر من القياس على الإجارة. ويملك العامل فيها حصته بالظهور
بخلاف القراض لأن الربح فيه وقاية لرأس المال بخلاف الثمرة، نعم إن عقدت المساقاة بعد ظهور الثمرة ملكها بالعقد
. وفي فروع ابن القطان أن العامل لو قطع الثمرة قبل أن تبلغ كان متعديا، قال: ولا شئ له. والأول ظاهر، والثاني لا يأتي
على القول بأن العامل يملك حصته بالظهور. ثم فرع على اللزوم قوله: (فلو هرب العامل) أو مرض أو عجز بغير ذلك
(قبل الفراغ) من عملها (وأتمه المالك) بنفسه أو ماله (متبرعا) بالعمل أو بمؤنته عن العامل، (بقي استحقاق العامل) كتبرع
الأجنبي بأداء الدين.
تنبيه: لا يختص الحكم المذكور بالهرب، بل لو تبرع عنه بحضوره كان كذلك. وقوله: وأتمه المالك ليس بقيد، بل
لو تبرع عنه بجميع العمل كان كذلك. والمالك أيضا ليس بقيد، فلو فعله أجنبي متبرعا عن العامل فكذلك سواء أجهله
المالك أم علمه، ولا يلزم المالك إجابة الأجنبي المتطوع. وقد يفهم من قيد التبرع أنه لو عمل في مال نفسه ولم يقصد
التبرع عنه لم يستحق العامل، وكذا لو تبرع الأجنبي عن المالك كما في الجعالة، ويحتمل أن يقال يستحق، ويفرق بينه وبين
الجعالة باللزوم، وهذا هو (وإلا) بأن لم يوجد متبرع، الظاهر وإن قال السبكي الأقرب الأقرب الأول (استأجر الحاكم عليه) بعد
رفع الامر إليه وثبوت كل من المساقاة وهرب العامل وتعذر طلبه كأن لم يعرف مكانه. (من يتمه) من مال العامل ولو كان
ماله عقارا. وهل تجعل نفس الأرض أو بعضها أجرة، أو تباع ويجعل منها أجرة؟ يجب على الحاكم أن يفعل ما فيه المصلحة،
فإن لم يكن له مال فإن كان بعد بدو الصلاح باع نصيب العامل كله أو بعضه بحسب الحاجة واستأجر بثمنه،
وإن كان
قبل بدو الصلاح سواء أظهرت الثمرة أم لا، اقترض عليه من المالك، أو أجنبي أو بيت المال إن لم يجد من يعمل
بأجرة مؤجلة مدة إدراك الثمر لتعذر بيع بعضه وحده للحاجة إلى شرط قطعه وتعذره في الشائع واستأجر بما اقترضه ويقضيه
العامل بعد زوال المانع، أو يقضيه الحاكم من نصيبه من الثمرة بعد بدو الصلاح، فإن وجد العمل بذلك استغنى عن
الاقتراض وحصل الغرض. ولو استأجر الحاكم المالك أو أذن له في الانفاق فأنفق ليرجع رجع كما لو اقترض منه، ومتى
تعذر الاقتراض وغيره قبل خروج الثمرة وبعد بدو صلاحها لم يفسخ المالك لأجل الشركة. ولا تباع الثمرة بشرط
القطع لتعذر قطعها للشيوع إلا إن رضي المالك ببيع الجميع فيصح البيع، وقول الروضة هنا: وأن يشتري المالك نصيب
العامل بغير شرط القطع، لأن لصاحب الشجر أن يشتري الثمر قبل بدو الصلاح بغير شرط القطع ضعيف، بل قال
الزركشي: ما وقع في أصل الروضة هنا سبق قلم. وإن كان ذلك قبل خروج الثمرة فله الفسخ وللعامل أجرة ما عمل.
تنبيه: يستأجر الحاكم أيضا إذا كان العامل حاضرا وامتنع من العمل كما قاله صاحب المعين اليمني. وظاهر كلام
المصنف أنه يكتري وإن كانت المساقاة واردة على العين، والذي جزم به صاحب المعين اليمني والنشائي المنع في الواردة
على العين لتمكن المالك من الفسخ، وهذا هو الظاهر. وقولهم: استقرض واكترى عنه يفهم أنه ليس له أن يساقي
عنه، وهو كذلك. (فإن لم يقدر) أي المالك (على) مراجعة (الحاكم) إما لكونه فوق مسافة العدوي أو حاضرا ولم يجبه
إلى ما التمسه، (فليشهد على) العمل بنفسه أو (الانفاق إن أراد الرجوع) بما يعمله أو ينفقه، لأن الاشهاد حال العذر كالحكم،
ويصرح في الاشهاد بإرادة الرجوع، فإن لم يشهد كما ذكر فلا رجوع له وإن لم يمكنه الاشهاد فلا رجوع له أيضا لأنه
330

عذر نادر.
تنبيه: متى أنفق وأشهد ثم اختلف المالك والعامل في قدر النفقة ففي المصدق منهما احتمالان للإمام رجح السبكي
منهما قول المالك. ولم يصرح الشيخان بالمسألة، وكلامهما في هرب الجمال يقتضي تصديق العامل، فإنهما رجحا
قبول قول الجمال وعللاه بأن المنفق لم يستند إلى ائتمان من جهة الحاكم فيكون هنا كذلك. (ولو مات) العامل المساقي
في ذمته قبل تمام العمل (وخلف تركة أتم الوارث العمل منها) بأن يستأجر عليه، لأنه حق وجب على مورثه فيؤدي من
تركته كغيره. وفي معنى التركة نصيبه من الثمرة، قاله القاضي وغيره. (وله أن يتم العمل بنفسه أو بماله) إن اختار
ويستحق المشروط، ولا يجب عليه الوفاء من عين التركة كغيره من الديون، وعلى المالك تمكينه إن كان عارفا
بعمل المساقاة أمينا وإلا استأجر الحاكم من التركة، فإن لم يخلف تركة لم يقترض عليه لأن ذمته خربت بخلاف
الحي. أما إذ كانت المساقاة على عين العامل فإنها تنفسخ بالموت كالأجير المعين ولا تنفسخ بموت المالك في أثناء
المدة بل يتم العامل ويأخذ نصيبه. ولو ساقى البطن الأول البطن الثاني ثم مات الأول في أثناء المدة وكان الوقف وقف
ترتيب فينبغي أن تنفسخ كما قاله الزركشي، لأنه لا يكون عاملا لنفسه، قال: ويلغز به فيقال مساقاة تنفسخ بموت العاقد
أي المالك. واستثنى من ذلك الوارث، أي إذا ساقى المورث من يرثه ثم مات المورث فإن المساقاة تنفسخ لما مر.
(ولو ثبتت خيانة عامل) فيها بإقراره أو ببينة أو يمين مردودة، (ضم إليه مشرف) إلى أن يتم العمل، ولا تزال يده
لأن العمل حق عليه ويمكن استيفاؤه منه بهذا الطريق، فتعين سلوكه جمعا بين الحقين، وأجرة المشرف عليه. نعم
لو لم تثبت الخيانة ولكن ارتاب المالك فيه فإنه يضم إليه مشرف وأجرته حينئذ على المالك. (فإن لم يتحفظ به) أي
المشرف، أزيلت يده بالكلية، و (استؤجر) عليه (من مال العامل) من يتم العمل تعذر استيفاء العمل الواجب عليه
منه والقدرة عليه بهذا الطريق. نعم إن كانت المساقاة على عينه فظاهر كما قال الأذرعي: أنه لا يستأجر عنه بل يثبت
للمالك الخيار. (ولو خرج الثمر) بعد العمل (مستحقا) لغير المساقي كأن أوصى بثمن الشجر المساقى عليه، أو خرج
الشجر مستحقا، (فللعامل على المساقي أجرة المثل) لعمله، لأنه فوت منافعه بعوض فاسد فيرجع ببدلها. هذا إذا عمل
جاهلا بالحال، فإن علم الحال فلا شئ له، وكذا إذا كان الخروج قبل العمل. ولو اختلفا في قدر المشروط للعامل
ولا بينة لأحدهما أو لهما بينتان وسقطتا تحالفا وفسخ العقد كما في القراض، وللعامل على المالك أجرة عمله إن فسخ العقد
بعد العمل وإن لم يثمر الشجر وإلا فلا أجرة له، وإن كان لأحدهما بينة قضي له بها. وتصح الإقالة في المساقاة كما قاله
الزركشي، قال: فإن كان هناك ثمرة لم يستحقها العامل.
خاتمة: بيع المالك شجر المساقاة قبل خروج الثمر لا يصح لأن للعامل حقا فيها، فكأن المالك استثنى بعضها،
وأما بعده فصحيح، ويكون العامل مع المشتري كما كان مع البائع، وليس للبائع بيع نصيبه من الثمرة وحدها بشرط
القطع لتعذر قطعه لشيوعه. وقول القاضي في فتاويه: إذا شرط المالك على العامل أعمالا تلزمه فأثمرت الأشجار
والعامل لم يعمل بعض تلك الأعمال استحق من الثمرة بقدر ما عمل فإن عمل نصف ما لزمه استحق نصف ما شرط له مبني على
أن العامل ليس بشريك، والراجح أنه شريك فيستحق حصته وإن لم يعمل، وبذلك أفتى شيخي. والمساقي
المالك
في ذمته أن يساقي غيره، ثم إن شرط له مثل نصيبه أو دونه فذلك ظاهر أو أكثر صح العقد فيما يقابل قدر نصيبه دون
الزائد تفريقا للصفقة ولزمه للزائد أجرة المثل، فإن كانت المساقاة على عينه وعامل غيره انفسخت بتركه العمل لا بمجرد
العقد وكانت الثمرة للمالك ولا شئ للعامل الأول والثاني عليه الأجرة إن جهل الحال وإلا فلا. ولو أعطى شخص آخر دابة
ليعمل عليها أو يتعهدها وفوائدها بينهما لم يصح العقد لأنه في الأولى يمكنه إيجار الدابة فلا حاجة إلى إيراد عقد عليها فيه
331

غرر، وفى الثانية الفوائد لا تحصل بعمله، ولو أعطاها له ليعلفها من عنده بنصف درها ففعل ضمن له المالك العلف،
وقول الروضة بدل النصف نسب إلى سبق قلم وضمن الآخر للمالك نصف الدر، وهو القدر المشروط له لحصوله
بحكم بيع فاسد ولا يضمن الدابة لأنها غير مقابلة بعوض، فإن قال: لتعلفها بنصفها ففعل، فالنصف المشروط مضمون
على العالف لحصوله بحكم الشراء الفاسد دون النصف الآخر.
كتاب الإجارة
بكسر الهمزة المشهور وحكى ابن سيده ضمها، وصاحب المستعذب فتحها، وهي لغة، اسم للأجرة. ثم اشتهرت
في العقد. وشرعا عقد على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم، فخرج بمنفعة العين، وبمقصودة
النافهة كاستئجار بياع على كلمة لا تتعب، وبمعلومة القراض والجعالة على عمل مجهول. وبقباله لما ذكر منفعة البضع
فإن العقد عليها لا يسمى إجازة. فإن قيل منفعة البضع لم تدخل حتى يحتاج إلى إخراجها، فإن الزوج ما ملك المنفعة،
وإنما ملك أن ينتفع. أجيب بأن قولهم على منفعة ليس فيه أنه ملك المنفعة، فلهذا أخرجت بقابلة للبذل، وبعوض
هبة المنافع والوصية بها الشركة والإعارة، وبمعلوم المساقاة والجعالة على عمل معلوم بعوض مجهول كالحج بالرزق ودلالة
الكافر لنا على قلعة نحاربهم منها، نعم يرد عليه بيع حق الممر ونحو والجعالة عل عمل معلوم بعوض. الأصل
فيها قبل الاجماع قوله تعالى " فإن أرضعن لكن فآتوهن أجورهن " وجه الدلالة أن الإرضاع بلا عقد تبرع لا يوجب
أجرة وإنما يوجبها ظاهر العقد فتعين، وخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجرته، وخبر البخاري
أنه صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله عنه استأجرا رجلا من بنى الديل يقال له عبد الله بن الأريقط، وخبر مسلم أنه صلى الله
عليه وسلم نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة، وخبر ابن ماجة والبيهقي أنه صلى الله عليه وسلم قال " أعطوا الأجير أجرته قبل أنه
يجف عرقه " وروى أن عليا أجر نفسه من يهودي فاستقى له كل بتمرة حتى بلغ بضعا وأربعين دلوا، والحاجة داعية
إليها، إذ ليس لكل أحد مركوب ومسكن وخادم، فجوزت لذلك كما جوز بيع الأعيان. وأركانها أربعة. عاقدان وصيعة
وأجرة ومنفعة، وقد بدأ بشرط الركين الأول، فقال (شرطهما) أي المؤجر والمستأجر وإن لم يتقدم لهما ذكر لدلالة
الإجارة عليهما (كبائع ومشتر) في شرطهما وتقدم بيانه. نعم إسلام المشترى شرط فيما كان المبيع عبد مسلما
وهنا لا يشترط، فيصح من الكافر استئجار المسلم كما في قصة على رضى الله تعالى عنه إجارة ذمة. وكذا إجارة عين على
الأصح مع الكراهة كما نص عليه الشافعي رضى الله تعالى عنه. لكن يؤمر بإزالة ملكه عن المنافع على الأصح
في شرح المهذب بأن يؤجره المسلم، وعلم من قوله كبائع أن الأعمى لا يكون مؤجرا وإن جاز له إجارة نفسه.
(تنبيه) يرد على طرده السفيه فإنه يجوز له إجارة نفسه فيما ليس بمقصود من عمله كما مر في باب الحجر لأنه لما
جاز أن يتطوع على غيره بالعمل فأولي بعوض بخلاف المقصود من عمل مثله، ويرد على عكسه ما لو أجر السيد عبد نفسه
فإنه لا يصلح وإن صح أن يبيعه نفسه كما ذكره المصنف في فتاويه، والشريكان في العقار، إذا تنازعا المهايأة أجر القاضي
عليهما، ويرجع في المدة إلى اجتهاد القاضي كما بحثه الزركشي. ثم شرع في الركن الثاني فقال (والصيغة) نحو قول
المؤجر (آجر هذا) الثوب مثلا (أو أكريتك) إياه (أو ملكتك منافعه سنة بكذا) وإن لم يقل من الآن كما سيأتي
(فيقول) المستأجر فورا (قبلت أو استأجرت أو اكتريت) أو استكريت.
(تنبيه) قوله: وللصيغة مبتدأ لا معطوف وما بعده خيره، وهو قوله أجرتك هذا الخ، ومعنى أجرتك سنة: أي
332

منافع سنة. ولا يجوز كون سنة ظرفا: أي مفعولا فيه لأنه إنشاء وزمنه يسير، بل المعنى واستمر أنت
على ذلك سنة كما قيل بذلك في قوله تعالي " فأماته الله عام " أن المعنى فأماته الله واستمر عل ذلك مائة عام،
وإلا فزمن الإماتة يسير. وأما نحو أجرتك الدار سنة، فالدار مفعول ثان وسنة ظرف بفعل مقدر مأخوذ من أجرتك:
أي لتنتفع به سنة، ولا يجوز كون سنة مفعولا لأن أجر لا يتعدى إلى مفاعيل، ووزن آجر كما قال ابن الحاجب
فاعل كضارب لا أفعل كأكرم، ويجوز تقدم لفظ القابل ولو بقبلت كما يؤخذ من التشبيه بالبيع وبالكتابة والاستيجاب
والإيجاب، وبإشارة الأخرس المفهمة وبالكناية كالبيع، ومن الكنايات هنا أسكن داري شهرا بكذا أو جعلت لك منفعتها
بكذا، والخلاف في المعاطاة في البيع جار هنا، وفى الرهن والهبة كما نقله في كتاب كتاب البيع من المجموع عن المتولى وآخرين
قال في التوشيح. ولا أدرى هل يختار النووي صحة المعاطاة فيها كما اختاره في البيع أولا، والأظهر لا، فإنه لأعرف فيها،
بخلاف البيع.
(تنبيه) اعلم أن مقصود الإجارة المنافع، وهي مورد العقد عند الجمهور، إذ لو كان موردها العين رهن العين
المستأجرة والمرهونة، وقى موردها العين ليستوفى منها المنفعة، لأن المنافع معدومة. قال الشيخان: ويشبه أن لا يكون
خلافا محققا لأن من قال بالثاني لا يعنى به أن العين تملك بالإجارة كما تملك بالبيع، ومن قال بالأول لا يقع النظر عن
العين بالكلية ونازع في ذلك ابن الرفعة بأن في البحر وجها: أن حلى الذهب لا تجوز إجارة بالذهب، وحلى الفضة لا تجوز
إجارته بالفضة، ولا يظهر له وجه إلا على التخريج بأن المؤجر فقد صار خلافا محققا ونشأ عنه الاختلاف في هذا الفرع.
وقال ابن الملقن تظهر فائدة الخلاف وفى إجارة المستأجر قبل قبضه قلنا مورد العقد مورد العقد العين صحة الإجارة والا فسدت لأن
المنافع غير مقبوضة (والأصح انعقادها) أي الإجارة (بقوله) أي المؤجر لدار مثلا (أجرتك) أو أكريتك (منفعتها) سنة
مثلا بكذا فيقبل المستأجر فهو كما لو قال آجرتكتها، ويكون ذكر المنفعة تأكيدا كقول البائع: بعتك عين هذه الدار
مثلا بكذا فيقبل المستأجر فهو كما لو قال آجرتكها، ويكون ذكر المنفعة تأكيدا كقول البائع: بعتك عين هذه الدار
ورقبتها. والثاني المنع لأن لفظ الإجارة وضع مضافا لأن المنفعة لا منفعة لها فكيف يضاف العقد إليها، وجعل في المطلب
هذا من فوائد الخلاف في أن موردها العين أو المنفعة (و) الأصح (منعها) أي منع انعقادها (بقوله: بعتك منفعتها) لأن
لفظ البيع موضوع لملك الأعيان فلا يستعمل في المنافع كما لا ينعقد البيع بلفظ الإجارة وكلفظ البيع لفظ الشراء. والثاني يجوز
لأنها صنف من البيع. وهو قول ابن سريج، وجرم به في التنبيه وصححه جمع من المتأخرين كالأسنوي والأذرعي،
وهذه المسألة من فوائد الخلاف أيضا في أن مورد العقد هل العين أو المنفعة والصحة على قول العين والمنع على قول المنفعة
وعليه لا يكون البيع كناية فيها أيضا لأن بعتك ينافي سنة فلا يكون صريحا ولا كناية خلافا لما بحثه بعض المتأخرين
من أنه فيها كناية. هذا كله في إجارة العين. أما إجارة الذمة فيكفي فيها ألزمت ذمتك بكذا عن لفظ الإجارة ونحوها
فيقول قبلت كما في الكافي أو التزمت (وهي) أي الإجارة (قسمان) أحدهما إجارة (ورادة على عين) أي على منفعة مرتبطة
بعين (كإجارة العقار ودابة أو شخص) وقوله (معينين) صفة دابة أو شخص غلب فيه لمذكر على المؤنث على الأصل
ولو قال معنى بالافراد لوافق المعروف لغة من أن العطف بأو يقتضى الافراد ولهذا أجيب عن قوله تعالى " إن يكن غنيا
أو فقيرا فالله أولي برما " بأن المرد التنويع، وبه يجاب عن المصنف هنا وفى كثير من الأبواب (و) القسم الثاني إجارة
واردة (على الذمة كاستئجار دابة موصوفة) لحمل مثلا (وبأن يلزم ذمته) أي الشخص عملا (خياطة أو بناء) أو غير
ذلك ويقول الآخر قبلت أو اكتريت، وإنما يجعل المصنف العقار من قسم الواردة على عين، واقتصر عليه لأنه لا يثبت
في الذمة. والقسم الثاني يتصور فيه الأمران، والسفن هل تلحق بالدواب أو بالعقار؟ لم يتعرضوا له، والأقرب إلحاقها
بالدواب كما قاله الجلال البلقيني.
(تنبيه) تقسيم الإجارة إلى واردة على العين وواردة على الذمة لا ينافي تصحيحهم أن موردها المنفعة لا العين لأن
333

المراد بالعين ثم ما يقال المنفعة، وهنا بما يقابل الذمة، ولهذا قدرت في كلامه ما يدل لذلك (ولو قال شخص لاخر (استأجرتك
لتعمل) لي (كذا فإجارة عين في الأصح للإضافة إلى المخاطب كقوله استأجرتك لهذه الدابة (وقيل) إجارة (ذمة)
نظرا إلى المعنى لأن المقصود حصول العمل من جهة المخاطب، فكأنه قال استحقيت كذا عليك فله تحصيله بغيره وبنفسه،
ورد هذا بأنه يجر لفظ الذمة ولا اللفظ ظاهر فيه، وقد قطعوا بالأول في كتاب الحج فمثلوا استئجار عين الشخص للحج
ورد هذا بأنه لفظ الذمة ولا اللفظ ظاهر فيه، وقد قطعوا بالأول في كتاب الحج فمثلوا استئجار عين الشخص للحج
باستأجرتك لتحج عنى أو عن ميتي ولم يحكوا فيه الخلاف (ويشترط في) صحة (إجارة الذمة تسليم الأجرة في المجلس)
قطعا إن عقدت بلفظ السلم كرأس مال السلم لأنها سلم في المنافع، وكذا إن عقدت بلفظ الإجارة في الأصح نظرا
إلي المعنى فلا يجوز فيها تأخير الأجرة ولا الاستبدال عنها ولا الحولة بها ولا عليها ولا الابراء منها.
(تنبيه) لا يعلم من كلامه وجوب كون الأجرة حالة وهو لابد منه لأنه لا يلزم من القبض الحلول (وإجارة العين
لا يشترط) في صحتها (ذلك) أي تسليم الأجرة (فيها) في المجلس معينة كانت الأجرة أو في الذمة كالثمن في البيع. ثم إن
عين لمكان التسليم مكانا تعين، وإلا فموضع العقد كما نقله في باب السلم من زيادة الروضة عن التتمة وأقره (ويجوز)
في الأجرة (فيها) أي إجارة العين (التعجيل) للأجرة (التأجيل) فيها (إن كانت) تلك الأجرة (في الذمة) كالثمن
ويجوز الاستبدال عنها والحوالة عنها والحوالة بها وعليها والابراء منها، فإن كانت معينة لم يجز التأجيل الأعيان لا تؤجل (وإذا
أطلقت) تلك الإجارة (تعجلت) فتكون حالة كالثمن في البيع المطلق (وإن كانت معينة) أو مطلقة كما في الروضة
وأصلها أو في الذمة كما قاله المتولي، وإن أفهم كلام المصنف خلافه (ملكت في الحال) بالعقد ملكا مراعى بمعنى
أنه كما مضى جزء من الزمان على السلامة بان أن المؤجر استقر ملكه من الأجرة على ما يقال ذلك. أما استقرار
جميعها فباستيفاء المنفعة أو بتفويتها كما سيأتي في كلامه آخر الباب، ولو ذكره هنا كان أولى ولو تنازعا في البداءة
بالتسليم فكما مر في البيع كما قاله المتولي وأقره خلافا للماوردي في قوله: لا يجب تسليم الأجرة ما لم يسلم العين المستأجرة
إلى المستأجر.
(تنبيه) كما يملك المؤجر الأجرة بالعقد يملك المنفعة المعقود عليها وتحدث في ملكه بدليل جواز تصرفه فيها
في المستقبل، ولو أجر الناظر الوقت سنين وأخذ الأجرة لم يجز له دفع جميعها للبطن الأول، وإنما يعطى بقدر
ما مضى
في المستقبل، ولو الناظر الوقت سنين وأخذ الأجرة لم يجر له دفع جميعها للبطن الأول، وإنما يعطى بقدر ما مضى
من الزمان، فإن دفع أكثر منه فمات الاخذ ضمن الناظر تلك الزيادة للبطن الثاني قاله القفال قال الزركشي: وقياسه
أنه لو أجر الموقوف عليه لا يتصرف في جميع الأجرة لتوقع ظهور كونه لغيره بموته اه‍ وهو كما قا السبكي محمول على
ما إذا طالت المدة. أما إذا قصرت في الجميع لأنه ملكه في الحال. أما صرفها في المعارة فلا منع منه بحال. ثم
شرع في الركن الثالث ذا كرا لشرطه، فقال، (ويشترط كون الأجرة) التي في الذمة (معلومة جنسا وقد وقد صفة
كالثمن في البيع، فإن كانت معينة كفت مشاهدتها إن كانت معينة كفت مشاهدتها إن كانت على منفعة معينة على المذهب أو في علي الأصح، فإن قيل
يرد على اشتراط لعلم بها صحة الحج بالرزق كما جرم به في الروضة أن الرزق مجهول. أجيب بأن ذلك ليس بإجارة،
بل نوع جعالة يغتفر فيها الجهل بالجعل وعلى اشتراط العلم بالأجرة (فلا تصح) استئجار الدار مثلا (بالعمارة) كأجرتكها
بما تحتاج إليه من عمارة أو بدينار مثلا تعمرها به لأن العمل بعض الأجرة وهو مجهول فتصير الأجرة مجهوله، فإن
أجرة الدار بدراهم معلومة بلا شرط وأذن له في صرفها في المعارة صح. قال ابن الرفعة: ولم يخرجوه على اتحاد القابض
والمقبض لوقوعه ضمنا، وإذا أنفق واختلفا في القدر المنفق صدق المنفق بيمينه إن ادعى قدرا محتملا كما جزم به
ابن الصباغ وغيره (و) لا يصح أيضا إجارة دابة شهرا مثلا بنحو مثلا بنحو (العلف) بسكون اللام فتحها. بخطه: الأولى مصدر
334

والثاني لما يعلف به كرياضتها للجهالة (ولا) يصح أيضا استئجار سلاخ (ليسلخ) الشاة (بالجلد) الذي عليها
(ولا) طحان على أن (يطحن) البر مثلا (ببعض الدقيق) منه كربعة (أو بالنخالة) منه للجهل بثخانة الجلد وبقدر
الدقيق والنخالة ولعدم القدرة على الأجرة حالا، وقد روى الدارقطني وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
قفيز الطحان، وفسر بأن يجعل أجرة الطحن قفيزا مطحونا، الضابط في هذا أن تجعل شيئا يحصل بعمل الأجير.
قال السبكي: ومنه ما يقطع في هذه الأزمان من جعل أجرة الجاني العشر مما يستخرجه. قال فإن قيل: لك نظير العشر
لم تصح الإجارة أيضا وفى صحة جعالة نظر اه‍ والظاهر فيها البطلان للجهل بالجعل.
(تنبيه) أطلق المصنف الطحن، وصورته أن يقول: لتطحن الكل أو يطلق. فإن قال لتطحن ما وراء الصاع
المجعول أجرة صح كما قال الماوردي (ولو استأجرها) أي المرأة (لترضع رقيقا ببعضه) كربعه (في الحال جاز على
الصحيح) ولا أثر لكون عملها يقع في مشترك المساقاة شريكة إذا شرط له زيادة من الثمر فإنه يجوز، وإن كان
عمله
يقع في مشترك كما مال إليه الإمام والغزالي، وقال ابن النقيب: إطلاق نص الأم أنه لا يجوز كونه أجيرا على شئ هو شريك
فيه اه‍ والتحقيق ما اختاره السبكي من أنه إن كان الاستئجار على الكل لم يجز، وهو مراد النص كأن يقول لغير
شريكه اكتريتك لتطحن لي هذه الويبة بربعها ولشريكه فيها اكتريتك بربعها لتطحن لي حصتي، أو على حصته
فقط جاز كقوله لغير شريكة اكتريتك بربعها لطحن لي باقيها ولشريكه فيها اكتريتك بربعها لتطحن لي باقي حصتي
منها، وعلى هذا ينزل كلامهم. ثم شرع في الركن الرابع، وهو المنفعة وله خمسة شروط مبتدئا بأول الشروط، فقال
(و) يشترط (كون المنفعة متقومة) لم يرد بالتقومة هنا مقابلة المثلة، بل مالها ليحسن بذل المال في مقابلتها
كاستئجار دار للسكنى والمسك والرياحين للشم، فإنها إذا لم تكن قيمة إما لحرمتها أو لخستها أو قلتها يكون بذل المال
في مقابلتها سفها وتبذيرا، وهذا الشرط معطوف على قوله معلومة كما يعلم من التقدير، وضابط ما يجوز استئجاره كل عين
ينتفع بها مع بقاء عينها منفعة مباحة معلومة مقصودة تضمن وتباح بالإباحة. ثم فرع على اشتراط تقويم المنفعة قوله
(فلا يصح استئجار) تفاحة للشم لأنها تافهة لا تقصد له فهي كحبة بر في كحبة في البيع، فإن كثر التفاح صحت الإجارة لأن منه
ما هو أطيب من كثير من الرياحين، ولا استئجار (بياع على كلمة لا تتعب) قائلها (وإن) كانت إيجابا وقبولا و (روجت
السلعة) إذ لا قيمة لها. لكن لو استؤجر عليها ولم يتعب بتردد أو كلام فلا شئ له وإلا فله أجرة المثل. فإن قيل ذلك
غير معقود عليه فهو متبرع به. أجيب بأنه لما كان المعقود عليه لا يتم إلا به عادة نزل منزلته. أما ما يحصل فيه التعب
من الكلمات كما في بيع الثياب والعبيد ونحوهما مما يختلف ثمنه باختلاف المتعاقدين فيصح الاستئجار عليه، ويلحق بما
ذكره المصنف ما إذا استأجره ليعلمه آية لا تعب فيها كقوله تعالي " ثم نظر " كما صرحوا به في الصدق، وكذا على
إقامة الصلاة إذا لا كلفة فيها بخلاف الأذان فإن فيه كلفة مراعاة الوقت. قال الرافعي: وليست صافية من الإشكال وتقوى
الصحة بالتبعية للأذان، وفى الاحياء لا يجوز أخذ عوض على كلمة يقولها طبيب بدواء ينفرد به بمعرفته إذ لا مشقة عليه
في التلفظ به بخلاف ما لو عرف الصيقل الماهر إزالة اعوجاج السيف والمرآة بضربة واحدة، فإن أخذ العوض وإن كثر
لأن هذه صناعات يتعب في تعليمها ليكتسب بها ويخفف عن نفسه التعب، وأفتى القفال بأنه لا يصح استئجار له، وهذا
هو الظاهر. وإن قال الأذرعي المختار ما قاله الغزالي (وكذا دراهم ودنانير للتزيين) للحوانيت ونحوها (وكلب) معلم
(للصيد) ونحوه كحراسة ماشية أو زرع أو درب لا يجوز استئجار كل من ذلك (في الأصح في الجميع لأن
سفعة التزيين
بالنقد غير متقومة فلا تقابل بمال بخلاف إعارتها للزينة كما مر بابها، والكلب لا قيمة لعينه فكذا المنفعة. والثاني
ينازع في مثل ذلك، ومثل التزيين في ذلك الضرب على سكتها والوزن بها. أما إذا لم يصرح بالتزيين أولم يكن الكلب
335

معلما فلا يصح الاستئجار جزما، وخرج بالكلب الخنزير فلا تصح إجارته جزما، والمتولد منهما كذلك كما قاله بعض
المتأخرين، وخرج بالدراهم والدنانير الحلى فتجوز إجارته حتى بمثله من ذهب أو فضة، ولو استأجر شجرة للاستظلال
بظلها أو الربط بها أو طائرا للأنس بصوته كالعندليب أو لونه كالطاوس صح لأن المنافع المذكورة مقصودة متقومة، ويصح
الاستئجار في المهرة لدفع الفأر والشبكة والفهد والبازي للصيد لأن لمنافعها قيمة. ثم شرع في الشرط الثاني فقال (و)
يشترط في المنفعة أيضا (كون المؤجر قادرا على تسليمها) حسا أو شرعا ليتمكن المستأجر منها، والقدرة على التسليم
تشتمل ملك الأصل وملك المنفعة فيدخل المستأجر فله إجار ما استأجره، وكذا للمقطع أيضا إجارة ما أقطعة له الإمام كما
في فتاوى المصنف قال: لأنه مستحق لمنفعة، وخالف في ذلك الشيخ تاج الدين الفزاري وجماعة من علماء عصره
فأفتوا بالبطلان، فإن المقطع لم يملك المنفعة وإنما أبيح له الانتفاع بها كالمستعير، والأولى كما قال الزركشي التفصيل بين
أن يأذن له الإمام في الإيجاز أو يجرى عرف عام كديار مصر فيصح وإلا فيمتنع، وعلى اشتراط القدرة (فلا يصح
استئجار آبق ومغصوب) لغير من هما في يده ولا يقدر على انتزاع المغصوب عقب العقد. أما الغاصب أو القادر على
انتزاع المغصوب عقب العقد أو من وقع الآبق في يده الاستئجار منه.
(تنبيه) يؤخذ من اشتراط القدرة على تسليم المنفعة أو لا يصح استئجار العبد المنذور عتقه أو المشروط عتقه
على المشترى، وبه صرح في المجموع (و) لا يصح استئجار (أعمى) إجارة عين (للحفظ) فيما يحتاج للنظر ولا أخرس
للتعليم. أما لو استأجر واحد منهما لحفظ شئ لحفظ شئ بيده أو جلوسه خلف باب للحراسة ليلا فإنه يصح، وخرج بإجارة العين
إجارة الذمة فيصح منها مطلقا لأنها سلم، وعلى المسلم إليه تحصيل المسلم فيه بأي طريق كان، ولا استئجار غير القارئ
لتعليم القرآن في إجارة العين، ولو اتسعت المدة ليعلمه قبل تعليمه، لأن المنفعة مستحقة من عينه والعين لا تقبل التأجيل
بخلافها في إجارة الذمة لأنها سلم في المنافع كما مر (و) لا استئجار (أرض للزراعة له دائم) أي مستمر (ولا يكفيها
المطر المعتاد) ولا ما في معناة كثلج ونداوة ولا تسقى بماء غالب الحصول لعدم القدرة على التسلم، ومجرد الامكان
لا يكفي كإمكان عود الآبق والمغصوب. نعم لو قال المكرى أنا أحفر لك بئرا وأسقى أرضك منها أو أسوق
الماء إليها من
موضع آخر صحت الإجارة كما قاله الروياني. أما لو استأجرها للسكنى فإنه يصح، وإن كانت بمحل لا يصلح لها كالمفازة
(يجوز) استئجارها للزراعة (إن كان لها ماء دائم) من عين أو بئر أو نهر ولو صغيرا (وكذا) يجوز (إن كفاها
المطر المعتاد أو ماء الثلوج المجتمعة) في نحو جبل (والغالب حصولها في الأصح) لأن الظاهر حصول الغالب، والثاني
لا يجوز لعدم الوثوق بحصول ما ذكر، يجوز استئجار أراضي مصر للزراعة بعد ريها بالزيادة، وكذا قبله على الأصح
إن كانت تروى من الزيادة الغالبة كخمسة عشر ذراعا فما دونها كما نقله في الكفاية عن أبي الطيب وابن الصباغ واقتضاه
كلام الشيخين، وقال السبكي: وما يروى من خمسة عشر كالموثوق به عادة ومار يروى من ستة عشر وسبعة عشر غالب
الحصول وإن كان الاجتماع متطرقا إلى الستة عشر قليلا وإلى السبعة عشر كثيرا اه‍ بل الغالب في زماننا وصول الزيادة
إلى السبعة عشر والثمانية عشر، ويصح استئجار الأرض للزراعة انحسار الماء عنها وإن سترها عن الروية، لأن
الماء من مصلحتها كاستتار الجوز واللوز بالقشر. فإن قيل ينبغي دم الصحة، لأن الانتفاع عقب العقد شرط والماء
يمنعه. أجيب بأن الماء من مصالح الزرع وبأن صرفه ممكن في الحال بفتح موضع ينصب إليه فيتمكن من الزرع حالا
كاستئجار دار مشحونة بأمتعة يمكن نقلها في زمن لا أجرة له، هذا إن وثق بانحسار وقت الزراعة وإلا فلا يصح،
وإن كانت الأرض على شط نهر، والظاهر أنه يغرقها وتنهار في الماء لم يصح استئجار ها لعدم القدرة على تسليمها،
وإن احتمله ولم يظهر جاز لأن الأصل والغالب السلامة، وإن استأجرها أرضا للزراعة وأطلق دخل فيها شربها إن اعتيد
336

دخوله بعرف مطرد، وهو بكسر الشين: النصيب من الماء: بخلاف ما لو باعها لا يدخل، لأن المنفعة هنا لا تحصل بدونه
أو شرط في العقد، فإن اضطرب العرف فيه أو استثنى الشرب ولم يوجد شرب غيره، لم يصح العقد للاضطراب في الأول
وكما لو استثنى ممر الدار في بيعها في الثاني، فإن وجد شرب غيره صح الزوال المانع بالاغتناء عن شربها (والامتناع الشرعي)
لتسليم المنفعة (كالحسى) في حكمه.
(تنبيه) استثنى من هذه القاعدة مسائل: منها ما لو رأى المتيمم ماء في صلاته التي تسقط القضاء ثم تلف امتنع
عليه التنفل بعد السلام بذلك التيمم مع أنه رآه، وهو ممنوع من استعماله شرعا لأجل الصلاة، ولم يجعلوه كما لو رآه
وثم مانع منه حسي كسبع وعدو، ومنها ما ذكروه في الايلاء أن المانع إذا قام بالمرأة إن كان حسيا منع من ضرب المدة
أو شرعيا فلا في بعض الصور، ومنها الإقالة فإنها تجوز بعد تلف المبيع ولا تجوز بعد بيع المبيع أو إجارته، ومنها ما لو
فقد إحدى رجليه ولبس الخلف على الأخرى فإنه يجوز أن يمسحه، ولو كانت عليلة بحيث لا تغسل لم يسمح خف الأخرى
على الصحيح. ثم فرع على القاعدة المذكورة قوله (فلا يصح استئجار لقلع سن صحيحة) لحرمة قلعها، وفى معناها
إن قلعها يزيل لالم. وأما المستحق قلعها في قصاص فيجوز الاستئجار له، لأن الاستئجار في القصاص واستيفاء الحدود
جائز، وفى البيان أن الأجرة على المقتص منه إذا لم ينصب الإمام جلادا يقيم الحدود ويرزقه من مال المصالح، ولو كان
السن صحيحا ولكن النصب تحته مادة من نزلة ونحوها، وقال أهل الخبرة لا تزول المادة إلا بقلعها، فالأشبه كما قال
الأذرعي جواز القلع للضرورة، واليد المتأكلة كالسن الوجعة، جوز للحاجة ولو استأجره لقلع سن وجعة فبرئت انفسخت
الإجارة التعذر القلع. فإن لم تبرأ ومنعه من قلعها لم يجبر عليه ويستحق الأجرة بتسليم نفسه ومضى مدة إمكان العمل لكنها
تكون غير مستقرة حتى لو سقطت رد الأجرة كمن مكنت الزوج فلم يطأها ثم فارق، ويفارق ذلك ما لو حبس الدابة مدة
إمكان السير حيث تستقر عليه الأجرة لتلف المنافع تحت يده (و) لا استئجار مسلمة (حائض) أو نفساء أو مستحاضة إجارة
عين (الخدمة مسجد) وإن أمنت التلويث، وجوزنا العبور لاقتضاء المكث أو التردد، وهي ممنوعة منه أما الكافرة
إذا أمنت التلويث فالأشبه الصحة كما قاله الأذرعي بناء على الأصح من تمكين الكافر الجنب من المكث
بالمسجد لأنها التلويث فالأشبه الصحة كما قاله الأذرعي بناء على الأصح من تمكين الكافر الجنب من المكث
فلو دخلت وكنست عصت ولم تستحق أجرة، وفى معنى خدمة المسجد تعليم القرآن، وفى معنى الحائض المستحاضة ومن
به جراحة نضاحة إذا لم لم يأمن التلويث. وأما إجارة من ذكر في الذمة فتصح، ولا استئجار لتعليم التوراة والإنجيل والسحر
والفحش والنجوم الرمل ولا لختان الصغير الذي لا يحتمل ولا لختان الكبير في شدة الحر والبرد ولا لتثقيب الاذن ولو
والفحش والنجوم والرمل ولا لختان الصغير الذي لا يحتمل ولا لختان الكبير في شدة الحر والبرد ولا لتثقيب الاذن ولو
لأنثى ولا للزمر والنياحة وحمل الخمر وغير المحترمة لا للإراقة ولا لتصوير الحيوانات وسائر المحرمات، وجعل في النبية
من المحرمات الغناء والنياحة وحمل الخمر غير المحترمة لا للإراقة ولا لتصوير الحيوانات وسائر المحرمات، وجعل في النبية
من المحرمات الغناء، وفيه كلام ذكرته في شرحة، ولا يجوز أخذ العوض على شئ من ذلك الميتة. أما الاستئجار على
حمل الخمر للإراقة أو حمل المحترمة فجاز كنقل الميتة إلى المزبلة، وكما يحرم أخذ الأجرة على المحرم يحرم
إعطاؤها إلا لضرورة
كفك الأسير وإعطاء الشاعر لئلا يهجوه الظالم ليدفع ظلمه والحاكم ليحكم فلا يحرم الاعطاء عليها (وكذا) حرة
(منكوحة) لغير المستأجر تملك منافع نفسها، ولا تجوز إجارة عين كما قاله القاضي حسين وغيره (لرضاع أو غيره)
مما لا يؤدي لخلوة محرمة (بغير إذن الزوج في الأصح) لأن أوقاتها مستغرقة بحقه، والثاني يجوز لأن محله غير محل النكاح
إذ لاحق له في لبنها وخدمتها لكن له فسخها حفظها لحقه.
(تنبيه) استثنى من كلام المصنف ما لو كان الزوج غائبا غيبة بعيدة أو كان طفلا فأجرت نفسها لعمل تعمله في منزله
337

بحيث تظن فراغها من قبل تمكنه من التمتع بها فإنه يصح كما قاله الأذرعي، وقول الغزي أن هذا ضعيف، لأن منافعها
مستحقة للزوج بعقد النكاح ممنوع فإن الزوج لم يستحق المنافع، وإنما استحق أن ينتفع وهو متعذر، وخرج بالحرة
الأمة فإن لسيدها أن يؤجرها نهارا بغير إذن زوجها لأن له الانتفاع. بها. نعم المكاتبة كالحرة كما قاله الأذرعي إذ لا سلطة
للسيد عليها والعتيقة الموصى بمنافعها أبدأ لا يعتبر إذن الزوج في إيجارها كما قال الزركشي وبغير المستأجر المنكوحة له
فيجوز له استئجارها ولو لده منها، ويتملك منافعها ما لو كانت مستأجرة العين فلا يصح أن تؤجر نفسها قطعا، فإن قيل
قد عمت البلوى باستئجار العكامين للحج، وقد أفتى السبكي بمنعة لأن الإجارة وقعت على أعينهم للعكم فكيف يستأجرون
بعد ذلك؟ أجيب بأنه لا مزاحمة بين أعمال الحج والعكم إذ يمكنه فعلها في غير أوقات العكم لأنه لا يستغرق الأزمنة،
وبإجارتها إجارة عين ما لو التزمت عملا في ذمتها، فإن العقد يصح وإن لم يأذن الزوج، وبغير إذنه ما لو أذن فإنه يصح
قطعا، لأن المنع لحقه، وليس لمستأجرها منع الزوج من وطئها وفى أوقات فراغها خوف الحبل وانقطاع اللبن على
الأصح في زيادة الروضة. فإن قيل قياس منع الراهن من وطء الأمة المرهونة بغير إذن المرتهن منع الزوج من وطء الزوجة
بغير إذن المستأجر كما قال به الروياني، ونقله الإمام عن الأصحاب. أجيب بأن الراهن يملك منافع الأمة، وقد حجر
على نفسه بالرهن ولا كذلك الزوج (ويجوز تأجيل المنفعة) إلى أجل معلوم (في إجارة الذمة) لأن الدين يقبل التأجيل
كما لو أسلم في شئ إلى أجل معلوم. فإن أطلق كان حالا. وقوله (كألزمت زمتك الحمل) لكذا (إلي مكة) مثلا
(أول شهر كذا) تبع فيه المحرر. وظاهره أنه تأجيل صحيح. وهو المنصوص في البويطي لكن الأصح كما في الروضة
وأصلها في السلم عن الأصحاب أنه لو قال أول شهر رمضان لأنه يقع على جميع النصف الأول. فلو مثل كالشرحين
والروضة بغرة شهر كذا لكان أولى. ويمكن أن يرد بالأول المستهل فيكون مساويا للتمثيل بالغرة (ولا يجوز) ولا يصح
والروضة بغرة شهر كذا كان لكان أولى. ويمكن أن يريد بالأول المستهل فيكون مساويا للتمثيل بالغرة (ولا يجوز) ولا يصح
(إجارة عين لمنفعة مستقبلة) كإجارة الدار السنة المستقبلة أو سنة أولها من الغد. واحترز بالعين عن إجارة الذمة كما مر.
فإن قيل يرد على الكتاب ما لو استأجره لعمل لا يعمل إلا بالنهار وعقد الإجارة ليلا وأطلق فإنه يصيح وإن كان الحال
يقتضى تأخير العمل كما لو أرضا للزراعة أرضا للزراعة في وقت لا يتصور المبادرة فيه إلى زراعتها. أجيب بأن قوله لمنفعة مستقبلة
يدل على أن ذلك وقع في لفظ العقد، ثم استثنى المصنف من قوله: ولا يجوز الخ مسألتين أشار إلى الأولى بقوله: (فلو أجر)
المالك (السنة الثانية المستأجر الأولي قبل انقضائها جاز) ذلك (في الأصح) لاتصال المدتين مع اتحاد المستأجر كما لو أجر
منه السنتين في عقد واحد، فإن قيل إن العقد الأولى قد ينفسخ فلا يتحقق الاتصال. أجيب بأن الشرط ظهوره فلا يقدح
عروض لانفساخ: الوجه الثاني لا يجوز كما أجرها الغيرة وصححه جمع، واحترز بقوله انقضائها عما لو قال
أجرتكها سنة، فإذا انقضت فقد أجرتكها سنة أخرى، فإن العقد الثاني لا يصح كما لو علق بمجئ الشهر.
(تنبيه) لو قال المصنف، لمستحق منفعة السنة الأولى لكان أولى لشموله صورتين ذكرهما القفال في فتاويه
إحداهما الموصى له بالمنفعة مدة يجوز للوارث أن يؤجره مدة ثانية قبل فراغ الموصى له بها، الثانية المعتدة بالأشهر
المستحقة للسكنى بدار تصح إجارتها لها قب فراغ العدة مدة مستقبلة، وإن استأجرت الدار من المستأجر الأول فللمالك
أن يؤجره السنة الأخرى من الثاني، لأنه المستحق، الان المنفعة، لامن الأول كما جزم به صاحب الأنوار، لأنه الآن غيره
مستحق للمنفعة خلافا لما أفتى به القفال من ترجيح صحة الإجارة من الأول دون الثاني، ويجوز لمشتري العبن المستأجرة أن
يؤجرها من المستأجر من البائع السنة الثانية قبل فراغ الأولي لاتحاد المستأجر خلافا لابن المقرى، وكذا لو أجر الوارث
ما أجره مورثه للمستأجر منه لما مر هذا كله إذا لم يحصل بين السنتين، وإلا فلا تصح الثانية قطعا، وشمل كلامهم
المطلق والوقف إلا أن شرط الواقف أن لا يجوز الوقف أكثر من سنة فأجره الناظر سنة في عقد ثم سنة في عقد آخر، قبل مضى
المدة، فإن العقد الثاني لا يصح كما أفتى به ابن الصلاح وإن بحث ابن الأستاذ الصحة، ولو أجر عينا فأجرها المستأجر لغيره ثم
338

تقايل المؤجر والمستأجر الأول صحت الإقامة كما قاله السبكي ولم تنفسخ الثانية كما قاله بعض المتأخرين وهو ظاهر ويخالف
نظيره في البيع بانقطاع علقته بخلاف الإجارة، ولو أجرة حانوتا أو نحوه مما يستمر الانتفاع به عادة أيام شهر لا لياليه أو
عكسه لم يصح، لأن زمان الانتفاع لم يتصل بعضه بخلاف العبد، والدابة فيصح لأنهما عند الاطلاق للإجارة يرفهان
في الليل أغيره على العادة لأنها، لا يطيقان العمل دائما ثم أشار إلى المسألة الثانية بما تضمنه قوله (ويجوز كراء العقب
في الأصح) المنصوص جمع عقبة بضم العين وهي النوبة، لأن كلا منهما يعقب صاحبه ويركب موضعه (وهو) أي كراء
العقب (أن يؤجر دابة رجلا) مثلا (ليركبها بعض الطريق) يعنى كنصفه أو ربعة في الأصح) المنصوص جمع عقبة بضم العين وهي النوبة، لأن كلا منهما يعقب صاحبة ه ويركب موضعة (وهو) أي كراء
العقب (أن يؤجر دابة رجلا) مثلا (ليركبها بعض الطريق) يعنى كنصفه أو ربعه أو نحو ذلك: والمؤجر البعض الاخر تناوبا
مع عدم شرط البداءة بالمؤجر سواء أشر للمستأجر أم أطلقا أو قالا ليركب أحدنا وسواء وردت الإجارة على العين
باطل في إجارة العين لتأخير حق المكترى وتعلق الإجارة بالمستقبل (أو) يؤجرها (رجلين) مثلا (ليركب هذا أياما) معلومة
(وذا أياما) كذلك تناوبا (ويبين البعضين) في الصورتين إن لم يكن عادة. فإن كان هناك عادة مضبوطة بزمان أو مسافة
اتبعت (ثم يقتسمان) أي المكرى والمكترى في الأولى، والمكتريان في الثانية الركوب بالتراضي على الوجه المبين أو المعتاد
فإن تنازعا في الابتداء أقرع، ومقابل الأصح أوجه أصحها المنع في الصور تين لأنها إجارة زمان منقطعة. والثاني: تصح
في الصورة الثانية لاتصال زمن الإجارة فيها دون الأولى. والثالث: تصح فيهما إن كانت في الذمة، ولا تصح إن كانت
معينة. واعلم أن قضية قوله: أياما بصيغة الجمع جواز كون التوبة ثلاثة أيام فأكثر، وهذا قد يخالفه قول الروضة
وأصلها: ليس لأحد هما طلب الركوب ثلاثا والمشي ثلاثا للمشقة. قال السبكي: والحق أنه يجوز أن يشارطا عليه إلا أن
يكون فيه ضرر على البهيمة، وكلام الروضة محمول على أنه بعد استقرار الامر على يوم ونحوه ليس له طلب ثلاث قال
الولي العراقي: كلام الروضة محمول على ما إذا كانت العادة يوما اه‍، فإن اتفقا على ذلك ولم يحصل ضرر للماشي ولا
للدابة جاز كما نقله في الثانية في البيان وبحثه بعضهم في الأولى، والزمان المحسوب في المناوبة زمن السير دون النزول كما قاله
المتولي حتى لو نزل أحدهما للاستراحة أو لعلف الدابة لم يحسب زمن النزول، لأن نفس الزمان غير مقصود وإنما المقصود
قطع المسافة، ولو استأجر اثنان دابة لا تحملهما حمل الاستئجار على التعاقب، وإن كانت تحملهما ركباها جميعا، ولو
استأجر دابة ليركبها بعض الطريق متوليا صح قطعا، أو أطلق، أو استأجر نصفها إلى موضع كذا صحت الإجارة
مشاعة كبيع المشاع، ويقسمان بالزمان أو المسافة، فإن تنازعا في البداءة أقرع بينهما كما مر.
(تنبيه) يضاف إلى ما استثناه المصنف من المسألتين المصنف من المسألتين مسائل: الأولى: ما لو أجر الشخص نفسه ليحج عن
غيره إجارة عين قبل وقت الحج، فإنه يصح إن لم يتأت تأديته من بلد العقد إلا بالسير قبله، وكان بحيث يتهيأ للخروج
عقبه. الثانية: أنه يصح استئجار دار مثلا ببلد آخر، وإن كان التسليم لا يتأتى إلا بقطع المسافة. الثالثة: أنه يصح
استئجار دار مشحونة بأمتعة يمكن نقلها في زمن يسير لا يقابل بأجره. الرابعة: ما سبق من صحة استئجار أرض للزراعة
وعليها الماء قبل انحساره.
(فرع) استئجار مالا منفعة فيه في الحال كجحش صغير فاسد، لأن الإجارة موضوعة على تعجيل المنافع، بخلاف
المساقاة على مالا يثمر في تلك السنة ويثمر بعدما، لأن تأخر الثمار يحتمل في كل مساقاة. ثم شرع في الشرط الثالث
مترجما له بفصل، فقال:
(فصل: يشترط) في إجارة عين أو زمة فيها له منافع كدار (كون المنفعة) في كل منهما (معلومة) عينا وصفة وقدرا
ولم يقل وكون المنفعة معلومة كما قال سابقا، وكون المؤجر قادرا على تسليمها لكثرة أبحاث هذا الشرط، فلا يصح
339

إيجار أحد عبديه، ولا إجارة الغائب ولا إجارة مدة غير مقدرة، واستثنى من ذلك دخول الحمام فإنه جائر بالاجماع
كما حكاه في المجموع في باب بيع الغرر مع اختلاف حال الداخلين في المكث واستعمال الماء، والأصح أن الذي يأخذه
الحمامي أجرة الحمام وما يسكب به الماء والإزار وحفظ الثياب. أما الماء فغير مضبوط على الداخل، والحمامي أجير مشترك
لا يضمن على المذهب، وقيل إن الذي يأخذه ثمن الماء وأجرة الحمام وما يسكب به وحفظ الثياب، وصححه السبكي تبعا
لابن أبي عصرون. ثم إن لم يكن للعين المعينة سوى منفعة واحدة كالبساط للفرش حمل الاطلاق عليها وإن كان له منافع
كالأرض والدابة جبت البيان كما قال (ثم تارة تقدر) المنفعة (بزمان) فقط (كدار) أي كإجارة دار وثوب وإناء (سنة)
معينة متصلة بالعقد فيقول: أجرتك هذه الدار بالسكنى سنة. فإن قال على أن تسكنها لم يصح كما في البحر ولو أجره شهرا
مثلا، وأطلق صح وجعل ابتداء المدة من حينئذ، لأنه المفهوم المتعارف. وإن قال ابن الرفعة: لابد أن يقول من الان
ولا تصح إجارة شهر من هذه السنة وبقى أكثر من شهر للابهام. فإن لم يبق فيها غيره صح، وقوله أجر تك من هذه
السنة كل شهر بدرهم أو أجرتك كل شهر منها بدرهم فاسد. لأنه لم يعين فيها مدة. فإن قال أجرتك هذه السنة كل شهر
بدرهم صح، لأنه أضاف الإجارة إلى جميع السنة بخلافه في الصورة السابقة. ولو قال: أجرتك هذا الشهر
بدينار
وما زاد فبحسابه صح في الشهر الأول. قال في المجموع: وأجمعوا على جواز الإجارة شهرا مع أنه قد يكون ثلاثين
يوما. وقد يكون تسعة وعشرين. قال الزركشي: قال الزركشي: لكن إذا أجره شهرا معينا بثلاثين درهما كل يوم منه بدرهم فجاء
الشهر تسعة وعشرين بطل كما لو باع الصبرة بمائة درهم كل صاع بدرهم فخر جت تسعين مثلا (وتارة) تقدر (بعمل)
أن محله من غير مدة (كدابة) معينة أو موصوفة للركوب (إلى مكة) مثلا (وكخياطة ذا لثوب) المعين. لأن هذه المنافع
معلومة في أنفسها فلم تفتقر إلى تقدير المدة.
(تنبيه) قد يوهم كلامه تعين التقدير بالعمل في ذلك وليس مرادا: بل يجوز تقديره بالزمان أيضا فيقول: أجرني
هذه الدابة لأركبها إلى موضع كذا أو لأركبها شهر أو أجرى عبدك ليحفظ لي هذا الثوب أو يخيط لي شهرا. وفى البيان
وغيره: من كتب العراقيين المنافع ثلاثة أقسام: قسم لا تقدر فيه المنفعة إلا بالمدة كالعقار والرضاع والتطيين والتجصيص
لأن منافع العقار وتقدير اللبن إنما ينضبط بالزمان، وسمك والتجصيص لا ينضبط رقة وثخانة. وكما في الاكتحال
فإن قدر الدواء لا ينضبط ويختلف بحسب الحاجة وتقدر المداواة لا بالبرء والعمل. فإن برئ قبل تمام المدة انفسخت
الإجارة في الباقي. وقسم لا تقدر فيه المنفعة إلا بالعمل كبيع الثوب الحج وقبض شئ من فلان. وقسم يجوز فيه الأمران
كالدابة والخياطة، بل يشترط أن يبين الثوب وما يريد به من قميص أو غيره والطول والعرض وأن يبين الخياطة أهي
ولا محلا للخياطة، بل يشترط أن يبين الثوب وما يريد به من قميص أو غيره والطول والعرض وأن يبين الخياطة أهي
رومية أو فارسية إلا أن تطرد عادة بنوع فيحمل المطلق عليه. قال في الروضة: الرومي بغرزتين والفارسي بغرزة،
فلو أعطاه ثوبا وقال إن خطته روميا فلك درهم وان خطته فارسيا فنصفه لم يصح العقد للابهام، فإن خاطه كيف اتفق
كان له أجره المثل.
(تنبيه) تارة نصبت على المصدر، ومعناها الوقت والحين، والعامل فيه مقدر ويجمع على تارات كساعة وساعات
وفسرها الجوهري بالمرة (فلو جمعهما) أي الزمان والعمل (فاستأجره) أي شخصا (ليخيطه) أي الثوب (بياض النهار
لم يصح في الأصح) للغرر فقد يتقدم العمل أو يتأخر كما لو أسلم في قفيز حنطة بشرط كون وزنه كذا لا يصح لاحتمال
أن يزيد أو ينقص، وبهذه اندفع ما قاله السبكي من أنه لو كان الثوب صغير يقطع بفراغه في اليوم فإنه يصح، ومر
أنه لو قصد التقدير، بالعمل وذكر اليوم: أي شرطه للتعجيل فينبغي أن يصح. والثاني يصح إذ المدة مذكورة
للتعجيل
فلا تورث للفساد، وهذا بحث للسبكي (ويقدر تعلم للقرآن بمدة) كشهر كما لو استأجر خياطا ليخيط له شهرا، وقيل
340

لا يجوز لتفاوت السور والآيات في سهولة الحفظ وصعوبته.
(تنبيه) قضية إطلاق المصنف أنه لا فرق في ذلك بين الاستئجار لجميع القرآن أو لبعضه، وليس مرادا بل المراد
ما يسمى قرآنا. أما إذا استأجره مدة لجميعه فإنه لا يصح على فإن فيه جمعا بين الزمان والعمل، وحينئذ كان
ينبغي للمصنف أن يقول تعليم قرآن بالتنكير، فإن الشافعي رضي الله عنه نص في باب التدبير، على أن القرآن بالألف
واللام لا يطلق إلا على جميعه، فإذا قدر التعليم، بمدة كشهر هل يدخل الجميع أولا؟ أفتى الغزالي بأن أيام السبوت مستثناة
في استئجار اليهودي شهرا لاطراد العرف به. قال البلقيني: ويقاس عليه الأحد للنصارى، والجمع في حق المسلمين
كذلك (أو تعيين سور) أو سورة أو آيات من سورة كذا من أولها أو آخرها للتفاوت في ذلك، ويشترط علم المتعاقدين بما
يقع العقد على تعليمه، فإن لم يعلماه وكلا من يعلم ذلك، ولا يكفي أن يفتح المصحف ويقول تعلمي من هنا إلى هنا
لأن ذلك لا يفيد معرفة المشار إليه بسهولة أو صعوبة.
(تنبيه) أفهم كلام المصنف أنه لا يشترط أن يبين قراءة نافع ونحوه إذا الامر فيها قريب، وقضيته، أن يعلمه ما شاء
من القراءات. لكن قال الماوردي والروياني تفريعا على ذلك: يعلمه الأغلب، من قراءة البلد كما لو أصدقها دراهم، فإنه
بعين غالب دراهم البلد: أي فإن لم يكن فيها أغلب علمه ما شاء من ذلك وهذا أوجه فإن عيه له قراءة تعينت فإن
أقرأه غيرها لم يستحق أجرة في أحد وجهين يظهر ترجيحة، ولا يشترط روية المتعلم ولا اختيار حفظه وهو نظير ما ذكروه
في المسابقة من أنه لا يشترط معرفة حال الفرس. نعم يشترط تعيينه فلو وجه ذهنه في الحفظ خارجا عن عادة أمثاله ثبت له
الخيار كما قاله ابن الرفعة، ولو كان ينسى فهل على الأجير إعادة تعليمه أولا؟ المرجع في ذلك إلى العرف الغالب، فإن لم
يكن عرف غالب فالأوجه كما قال شيخنا اعتبار ما دون الآية، فإذا علمه بعضها فنسيه قبل أن يفرع من باقيها لزم الأجير
إعادة تعليمها، ولا يشترط تعيين الموضع الذي يقرأ فيه، ويشترط في المتعلم أن يكون مسلما أو يرجى إسلامه فإن لم يرج
لم يعلم كما بياع المصحف من الكافر، وقضية هذا القياس جواز بيع المصحف من الكافر إذا رجى إسلامه وليس مرادا.
(فرع) الإجارة للقرآن على القبر مدة معلومة أو قدرا معلوما جائرة للانتفاع بنزول الرحمة حيث يقرأ القرآن ويكون
الميت كالحي الحاضر سواء أعقب القرآن بالدعاء أم جعل أجر قراءته له أم لا فتعود منفعة القرآن إلى الميت في ذلك، ولان
الدعاء يلحقه وهو بعدها أقرب إلى الإجابة وأكثر بركة، ولأنه إذا جعل أجرة الحاصل بقراءة للميت فهو دعاء بحصول
الاجر له فينتفع به، فقول الشافعي رضى اله تعالى عنه أن القراءة لا تحصل له محمول على غير ذلك (وفى النباء) أي
الاستئجار له على أرض أو غيرها كسقف (يبين الموضع) للجدار (والطول) وهو الامتداد من إحدى الزاويتين
إلى الأخرى (والعرض) وهو ما بين وجهي الجدار (والسمك) وهو بفتح السين بخطه: الارتفاع (و) يبين أيضا
(ما يبنى به) الجدار من طين أو آخر أو غيره (إن قدر بالعمل) لاختلاف الأغراض به، فإن قدر بالزمان والبناء
على الأرض لم يحتج إلى بيان شئ من ذلك. نعم يحتاج إلى بيان ما يبنى به كما قاله العمراني لاختلاف الغرض. وحمل
هذا وما ذكره المصنف إذا لم يكن ما يبنى به حاضرا، وإلا فمشاهدته تغنى عن تبيينه، ويبين في النساخة عدد الأوراق
وأسطر الصفحة وقدر القطع والحواشي، ويجوز التقدير فيها بالمدة، ويبين في الرعى المدة وجنس الحيوان ونوعه
ويجوز العقد على قطيع معين وعلى قطيع في الذمة ولو لم يبين فيه العددا كتفي بالعرف كما قاله ابن الصباغ وجرى عليه
ابن المقرى، ويبين في الاستئجار لضرب اللبن إذا قدر بالعمل العدد والقالب بفتح للام طولا وعرضا وسمكا إن لم يكن
معروفا وإلا فلا حاجة إلى التبيين وإن قدر بالزمان لم يحتج إلى ذكر العدد كما صرح به العمراني وغيره (وإذا صلحت
الأرض) بضم اللام وفتحها (لبناء وزراعة وغراس) أو لاثنين من هذه الثلاثة (اشتراط تعيين المنفعة) في الصورتين
الاختلاف الضرر واللاحق باختلاف منافع هذه الجهات، فإن أطلق لم يصح. أما إذا لم تصلح إلا لجهة واحدة فإنه يكفي
341

الاطلاق فيها كأراضي الأحكام فإنه يغلب فيها البناء. وبعض البساتين فإنه يغلب فيه الغراس (ويكفى) في أرض
استؤجرت لزرع (تعيين لزراعة عن ذكر ما يزرع) فيها كقوله أجرتكها للزراعة أو لتزرعها فيصح (في الأصح)
لقلة التفاوت بين أنواع الزرع ويزرع ما شاء للإطلاق. قال الرافعي. وكان يحتمل أن ينزل على أقل الدرجات، وما بحثه
حكاه الخوارزمي وجها. والثاني لا يكفي لأن ضرر الزرع مختلف، ويجرى في قوله لتنبى أو لتغرس لتفاوت الاختلاف
في ذلك إن توقف فيه السبكي: نعم إن أجر على غيره بولاية أو نيابة لم يكف الاطلاق لوجوب الاحتياط قاله السبكي وغيره
في مسألة المتن وغيرها كذلك (ولو قال لتنتفع بها بما شئت صح) في الأصح ويصنع ما شاء لرضاه به لكن يشترط عدم
الاضرار. قال ابن الصلاح: في فتاويه فعليه أن يريح المأجور ما جرت به العادة كما في إراحة الدابة (وكذا) يصح (لو
قال) له (إن شئت فازرع) أي الأرض (وإن شئت فاغرس في الأصح) ويتخير بينهما لأنه رضى بالغراس والزرع
أهون. والثاني لا يصح للابهام. قال السبكي: لابد في تصوير هذه المسألة من زيادة ما شئت فيقول إن شئت فازرع ما شئت
أو أغرس ما شئت، فإن لم يزيد ما ذكر عاد الخلاف في وجوب تعيين ما يزرع اه‍ وهذا ظاهر مما تقدم، ولو قال أجرتكها
لتزرع أو تغرس فازرع واغرس ولم يبين القدر أو لتزرع نصفا وتغرس نصفا، ولم يخص لك نصف بنوع لم يصح العقد
في الثلاثة للابهام لأنه في الأولى جعل له أحدهما لا بعينه حتى لو قال ذلك على معنى أنه يفعل أيهما شاء صح كما نقل عن
التقريب فتكون كالمسألة المتقدمة، وقى الثانية لم يبين كم يزرع وكم يغرس، وفى الثالثة لم يبين المغروس والمزروع فصار
كقوله بعتك أحد هذين العبدين بألف والآخر بخمسمائة (ويشترط في إجارة دابة لركوب) إجارة عين أو ذمة (معرفة
الراكب بمشاهدته) له (أو وصف تام) لجثته لينتفي الغرر.
(تنبيه) لم يبين المراد بالوصف التام، فقيل بأن بصفة بالضخامة أو الثخانة ليعرف وزنه تخمينا، وقيل يصفه
بالوزن ولم يرجحا شيئا. والأرجح الأول كما رجحه الحاوي الصغير (وقيل لا يكفي الوصف) فيه وتتعين المشاهدة لأن
الخبر ليس كالمعاينة كما ورد به الخبر (وكذا الحكم فيه يركب عليه من محمل) بفتح الميم الأولى وكسر الثانية (وغيره)
من نحو زاملة (إن كان له) أي المكترى وذكرى في الإجارة ولم يطرد فيه عرف فإنه يشترط معرفته، بمشاهدته أو وصفه
التام، واحترز وبقوله إن كان له عما إذا كان الراكب مجردا ليس له ما يركب عليه فإنه لا حاجة إلى ذكر ما يركب عليه
ويركبه المؤجر على ما شاء من نحو سرج على ما يليق بالدابة فإن اطرد فيه عرف فلا حاجة إلى ذكر، ويحمل على المعهود
وبهذا سقط قول الأذرعي يطلب الجمع بين هذا وبين قولهم بعد ذلك أن الأصح في السرج اتباع العرف.
(تنبيه) ما ذكره المصنف لا يختص بما يركب عليه، بل لو كان معه نحو زاملة كان الحكم كذلك، وقد صرح به في
المحرر فلاوجه الاهمال المصنف له، ويشترط رؤية الوطاء، وهو الذي بفرش في المحمل ليجلس عليه أو وصفه، والغطاء
الذي يستظل به يتوفى بهمن المطر، وقد لا يكون فيحتاج إلى شرطه، رؤيته أو وصفه إلا إذا اطرد به عرفت
فيكفي الاطلاق ويحمل على العرف يأتي مثله في الوطاء كما صرح العمراني وغيره، فإن كان للمحمل طرف فكالغطاء
(ولو شرط) في الإجارة (حمل المعاليق) جمع معلوق بضم الميم، وهو ما يعلق على البعير كسفرة وقدر وقصعة (مطلقا)
أي من غير رؤية ولا وصف (فسد العقد في الأصح) لاختلاف الناس فيها فربما قلت وربما كثرت. والثاني يصح ويحمل
على الوسط المعتاد.
(تنبيه) محل الخلاف في المعاليق إذا كانت فارغة، فإن كانت فيها ماء أو طعام فكسائر المحمولات (وإن لم يشرطه)
342

أي حمل المعاليق (لم يستحق) بالبناء للمفعول، حملها في الأصح الاختلاف الناس فيه. وقيل يستحق لأن العادة تقتضيه
فال الإمام: والمعاليق تختلف باختلاف المركوب، فمعاليق الحمار دون معاليق البعير.
(تنبيه) محمل الخلاف في دابة يحمل عليها ذلك. أما إذا استأجر دابة بسرج فإنه لا يستحق حملها قطعا (ويشترط في
إجارة) الدابة إجارة (العين) لركوب (تعين الدابة) فلا يصح أن يؤجره إحدى هاتين الدابتين للإبهام (وفى اشتراط
رؤيتها الخلاف في بيع الغائب) والأظهر الاشتراط.
(تنبيه) لم يحترز بالتعيين عن الوصف في الذمة لأن إجارة العين لا تكون في الذمة بل أراد بالتعيين مقابل الابهام لتخرج
الصورة المقدمة، ولا يشترط معرفة الذكورة والأنوثة، خلافا للزركشي لأن المشاهدة كافية (و) يشترط (في إجارة
الذمة) لركوب دابة (ذكرى الجنس) لها كالإبل ولخيل (والنوع) كبخاتي وعراب (والذكورة أو الأنوثة) لاختلاف
الأغراض بذلك، فإن الأنثى أسهل سيرا والذكر أقوى، ولابد من ذكر صفة السير كبحر أو قطوف أو مهملج، لأن
معظم الغرض يتعلق بكيفية السير. والبحر: الواسع المشي. والقطوف بفتح القاف: البطئ السير، والمهملج بكسر
اللام: حسن السير في سرعة (ويشترط فيهما) أي إجارة العين والذمة للركوب (بيان قدر كل يوم) إن كان قدرا
تطيقه الدابة غالبا، وهو يختلف باختلاف الطرق سهولة وصعوبة وبالأوقات كزمن وحل أو ثلج أو مطر ويشترط أيضا
فيهما بيان وقت السير أهو الليل أو النهار والنزول في القرى أو الصحراء (إلا أن يكون بالطريق منازل مضبوطة فينزل
قدر السير عند الاطلاق (عليها) فإن شرط شئ مما ذكر اتبع، فإن زاد في يوم على المشروط أو نقص عنه فلا يجبر ان من
اليوم الثاني بزيادة أو نقص بل يسير أن على الشرط، ولو أراد أحدهما، زيادة أو نقصا لخوف أجيب إن غلب على الظن
الضرر به أو الغصب أو لخوف ولم يغلب على الظن الضرر به فلا يجاب (ويجب في الايجار للحمل) إجارة عين أو ذمة (أن
يعرف) مؤجر الدابة (المحمول) لاختلاف تأثيره وضرره (فإن حضر رآه) إن لم يكن في ظرف (وامتحنه بيده إن كان في
ظرف) تخمينا لوزنه، فإن لم ين امتحانه باليد الروية، ولا يشترط الوزن في الحالين.
(تنبيه) قوله: إن كان في ظرف يوهم أن ما يستغنى عن الظرف كالأحجار والأخشاب لا يمتحن باليد وليس مرادا
فلو قال وامتحنه بيده إن أمكن لكان أولى (وإن غاب) المحمول (قدر بكيل)
(أو وزن) في موزون أو
مكيل فإن الوزن في كل شئ أولى وأحصر (و) أن يعرف (جنسه) أي المحمول الغالب لاختلاف تأثيره في الدابة
كما في الحديد والقطن، فإن الحديد يثقل في محل أقل من القطن والقطن يعمها ويتثاقل بالريح، فلو قال مائة رطل مما
شئت صح، بل وبدون مما شئت كما نقله الإمام عن قطع الأصحاب ويكون رضا منه بأضر الأجناس في التقدير
بالوزن فإنه يغنى عن ذكر الجنس، أما إذا قدر بالكيل فلا يغنى قوله عشرة أقفزة مما شئت عن ذكر الجنس لكثرة
الاختلاف في الكيل وقلته في الوزن، وأين ثقل الملح من ثقل الذرة، ويحسب من المائة الظرف إن ذكره كقوله
مائة رطل حنطة بظرفها قال: قال: مائة رطل حنطة أو مائة قفيز حنطة لم يحسب الظرف حينئذ معرفة إن كان
يختلف: فإن كان هناك غرائر، متماثلة اطرد العرف باستعمالها حمل مطلق العقد عليها. فإن قال لتحمل عليها ما شئت
لم يصح للإضرار بها بخلاف إجارة الأرض لزرعها ما شاء الان الدابة لا تطيق كل ما تحمل (لا جنس الدابة و) لا (صفتها)
343

فلا تجب معرفتها في إجارة دابة لحمل (إن كانت إجارة ذمة) بخلاف ما مر فيها في الركوب الان المقصود هنا تحصيل المتاع في
الموضع المشروط فلا يختلف الغرض باختلاف حامله (إلا أن يكون المحمول زجاجا) بتثليث الزاي (ونحوه) كخزف
فلا من معرفة حال الدابة في ذلك صيانة له، وفى معنى ذلك كما قال القاضي حسين أن يكون في الطريق وحل أو طين.
أما إجارة عين دابة لحمل فيشترط رؤيتها ويعينها كما في إجارة العين للركوب.
(فصل) في الاستئجار للقرب، وفيه إشارة إلى الشرط الرابع، وهو حصول المنفعة للمستأجر. والقرب على قسمين
ما يحتاج إلى نية، ومالا يحتاج والقسم الثاني إن كان فرض كفاية، فإما أن يكون شائعا في الأصل أولا، وقد شرع فيها
هو شائع في الأصل، فقال (لا تصح) من إمام وغيره (إجارة مسلم) ولو عبدا (الجهاد) لأنه يقع عنه، ولأنه إذا حضر
الصف تعين عليه، واحترز بالمسلم عن الذمي، وهو صحيح بالنسبة إلى الإمام الآحاد فيمتنع على الأصح كما ذكره
في كتاب السير. ثم شرع فيها يحتاج إلى نية، فقال (ولا عبادة) أي لا تصح إجارة لعبادة (تجب لها نية) كالصلاة والصوم
إذا القصد منا امتحان المكلف بكسر نفسه بفعلها، ولا يقوم الأجير مقامه في ذلك، وهل يستحق الأجير أجرة ما عمل
لم يصرحوا به، لكن قضية قولهم في النفقات: إن كل مالا يصح الاستئجار عليه لا يستحق فاعله أجرة للعمل وإن ما عمل
طاما في الأجرة عدم الاستحقاق (إلا استئجار لقربة من (حج) أو عمرة وركعتي طواف تبعا لهما عن ميت أو عاجر
كما مر في كتابه (وتفرقة زكاة) وصوم عن ميت وذبح هدى وأضحية ونحوها فيجوز. وضابط هذا: أن كل ما تدخله
النيابة من العبادة يجوز الاستئجار عليه ومالا فلا. ثم شرع فيما هو فرض كفاية غير شائع في الأصل، فقال (وتصح)
الإجارة وإن تعين على الأجير في الأصح. قال الرافعي لأنه غير مقصود بفعله حتى يقع عنه، ولا يضر عروض تعينه
في الأصل وإن تعين على الأجير في الأصح. قال الرافعي: لأنه غير مقصود حتى بفعله حتى يقع عنه، ولا يضر عروض تعينه
عليه كالمضطر فإنه يتعين إطعامه مع تغريمه البدل. وروى البخاري خبر " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " ومعنى
عدم شيوع فرض الكفاية في الأصل في تجهيز الميت أن تجهيز الميت يختص بالتركة، ثم بمال من تلزمه نفقته، فإن لم يكن فعلى
أغنياء المسلمين القيام بها، وفى تعليم القرآن أن التعليم بالمؤن يختص بمال المتعلم ثم بمال من تلزمه نفقته، فإن لم فعلى
أغنياء المسلمين القيام بها.
(تنبيه) احتج بعضهم على جواز أخذ الأجرة على فرض الكفاية بعامل الصدقة فإنها أجرة على الأصح وذكر الدفن
بعد التجهيز من ذكر الخاص بعد العام لدخوله فيه كما يعلم مما قدرته، ولا تكرار في ذكر التعليم لأنه هنا من حيث أنه عبادة
وفيما مر من حيث التقدير، وقد مر عن النص أن القرآن بالتعريف الا يطلق إلا على جميعة وحينئذ فكان ينبغي تنكيره فإن
بعضه كذلك كما قدرته في كلامه وتقييده التعليم بالقرآن قد يفهم امتناع الاستئجار التدريس العلم وهو كذلك، نعم إن عين
أشخاصا ومسائل مضبوطة يعلمها لهم جاز وإن تعين على الأجير كنظيره فيما مر. وينبغي كما قال شيخا أن يأتي مثله في
الاستئجار للقضاء، ويصح الاستئجار لشعار غير فرض كالاذان كما مرفى بابه مع زيادة والأجرة تؤخذ عليه بجميع صفاته
ولا يبعد استحقاقها على ذكر الله تعالى كتعليم القرآن لا على رفع الصوت ولا على رعاية الوقت ولا على الحيعلتين كما قيل
بكل منهما ولا يصح الاستئجار للأمانة ولو نافلة كالتراويح لأن فائدتها م تحصيل فضيلة الجماعة لا تحصيل للمستأجر بل للأجير
ويصح الاستئجار للمباحات كالاصطياد كما جزم به الإمام ويصح استئجار بيت ليتخذه مسجد ايصلى فيه وصورته كما قال صاحب
الانتصار أن يستأجر للصلاة أما إذا استأجره ليجعله مسجد أفلا يصح بلا خلاف والشر الخامس في المنفعة أن لا يتضمن عقد
الإجارة لاستيفاء عن قصدا فاستئجار البستان لثمرته والشاة لصوفها أو نتاجها أو لبنها لا يصح لأن الأعيان لا تملك الإجارة
344

قصدا بخلاف ما إذا تضمن استيفاءها للضرورة أو حاجة كما يشرط إليه قوله (و) تصح الإجارة ولو من زوج كما سبق
(لحضانة) أي حضانة امرأته (وإرضاع) له (معا) نصب على الحال للحاجة إليها (ولأحدهما فقط) أما الحضانة فلأنها
نوع خدمة، وهي نوعان: صغرى وكبرى، وسيأتي بيانهما. وأما الارضاع فلقوله تعالى (فإن أرضعن لكم) الآية وإذا
جاز الاستئجار على الارضاع وحده فله مع الحضانة أولي. فالحاجة داعية إلى ذلك. ومر أن الاستئجار على الإرضاع
يقدر بالمدة فقط. ويجب تعيين الرضيع. قال في البحر: وإنما يعرف بالمشاهدة: أي أو بالوصف كما يؤخذ من كلام
الحاوي لاختلاف شربة باختلاف سنة وتعيين موضع الارضاع أهو بيته أو بيتها لأنه في بيته أشد توثقا به، وفى بيتها أسهل
عليها. قال الرافعي: وعلى المرضعة أن تأكل وتشرب كل ما يكثر به البن، وللمكتري تكليفها بذلك. وقال ابن
الرفعة: الذي قاله الماوردي: أي والصيمري والروياني: أن له منعها من أكل ما يضر بلبنها اه‍ وهذا أظهر، ويوافقه
قولهم في النفقات: للزوج منع زوجته من تناول ما يضربها، وإذا لم يقبل الرضيع ثديها ففي انفساخ الإجارة وجهان في
تعليق القاضي. وينبغي عدم لانفساخ وثبوت الخيار، ففي الحاوي والبحر أن الطفل إذا لم يشرب لبنها لقلة في اللبن فهو
عيب يثبت للمستأجر الفسخ، ولو سقته لبن غيرها استحقت الأجرة إن كانت إجارة ذمة وإلا فلا.
(تنبيه) ظاهر كلام المصنف صحة الاستئجار على إرضاع اللبأ وهو كذلك وإن كان إرضاع واجبا على الام كما يعلم
من باب النفقات خلافا للزركشي. ويشترط في الإجارة للرضاع بلوغ لمرضعة تسع سنين كما في البيان وخرج بالمرأة البهيمة
كاستئجار الشاة لارضاع سخلة أو طفل فلا يصح لعدم الحاجة كما صرح به في الروضة في الأولى والبلقيني في الثانية قال
بخلاف استئجار المرأة لارضاع السخلة فالظاهر صحته (والأصح أنه لا يستتبع أحدهما الاخر) في الإجارة لأنهما منفعتان
يجوز إفراد كل منهما بالعقد فأشبه سائر المنافع. والثاني نعم بتلازمهما ثم شرع في بيان الحضانة فقال (والحضانة)
الكبرى (حفظ صبي) أي جنسه الصادق بالذكرى والأنثى (وتعهده بغسل رأسه وبدنه وثيابه) وتطهيره من النجاسات
(ودهنه) بفتح الدال اسم للفعل. وأما بالضم ففي الروضة كأصلها أنه على الأب، فإن جرى عرف البلد بخلافه فوجهان
اه‍ والظاهر منهما اتباع العرف (وكحله) وإضجاعه (وربطه في المهد) وهو سرير الرضيع (وتحريكه) على العادة (لينام
ونحوها) مما يحتاج إليه الرضيع لاقتضاء اسم الحضانة عرفا لذلك ولحاجة الرضيع إليا، واشتقاقها من الحضن بكسر الحاء
وهو ما تحت الإبط وما يليه لأن الحاضنة تجعل الولد هنالك. والارضاع ويسمى الحضانة الصغرى أن تلقمه بعد وضعه
في حجرها مثلا الثدي وتعصره عند الحاجة.
(تنبيه) إذا استأجر للحضانة والارضاع فالأصح أن المعقود عليه كلاهما لأنها مقصودان، وقيل اللبن والحضانة
تابعة، وقيل عكسه، إذا استأجر للرضاع فقط فالأصح أن المعقود عليه الحضانة الصغرى واللبن تابع لقوله تعالى
فإن أرضعن لكم فآتوهن أجور هن علق الأجرة بفعل الارضاع لا باللبن، ولان الإجارة موضوعة للمنافع كما مر
،
وإنما الأعيان تبع للضرورة (ولو استأجر لهما) أي الحضانة) فلا ينفسخ العقد فيها بناء على الراجح من خلاف تفريق الصفقة
ولو أتى باللبن من محل آخر ولم يتضرر الولد جاز، ويصح استئجار القناة وهي الجدول المحفور للزراعة بمائهما ا الجاري
إليها من النهر الحاجة لا استئجار قرارها دون الماء، بأن استأجرها ليكون أحق بمائها الذي يتحصل فيها بالمطر والثلج
في المستقبل، لأنه استئجار لمنفعة مستقبلة بخلاف، ما لو استأجرها ليجرى فيها الماء، أو ليحبس الماء فيها حتى
يجتمع فيها السمك، ويصح استئجار البئر للاستقاء من مائها للحاجة، لا استئجار الفصل للضراب كما مرفى باب
345

البيوع المنهى عنها (والأصح) وعبر في المحرر بالمشهور، وفى الروضة كأصلها بالمذهب (أنه لا يجب حبر) بكسر الحاء اسم
للمداد (و) لا (خيط و) لا (كحل) ولا ذرور ولا صبغ ولا طلع نخل (على وراق) أي ناسخ، وفى الصحاح أنه الذي
يورق ويكتب. أما بياع الورق فيقال له كاغذي (و) لاعلى (خياط و) لا (كحال) وصباغ وملقح في استئجار هم لذلك
اقتصارا على مدلول اللفظ، والأعيان لا تستحق بالإجارة، وأمر اللبن على خلاف القياس للضرورة (قلت: صحح
الرافعي في الشرح الرجوع فيه) أي المذكور (إلى العادة) للناس، إذ لا ضبط في الشرع ولا في اللغة ولم يعبر الرافعي بالأصح
بل بالأشبه. ثم قال (فإن اضطربت) أو لم يكن عادة كما فهم بالأولى (وجب البيان، وإلا) أي وإن لم يبين (فتبطل)
أي لم تنعقد (الإجارة، والله أعلم) لأن اللفظ عند تردد العادة وعدم التقييد يلتحق بالمجملات.
(تنبيه) قضية كلام الإمام أن التردد في ذلك كان العقد على الذمة، فإن كان على العين لم يجب غير نفس العمل
وهذا هو الظاهر، ولا يؤخذ من كلام المتن ترجيح في هذه المسألة، بل فائدته أنه نقل اختلاف ترجيح الرافعي في المحرر
والشرح: اللهم إلا أن يقال أن إيراد كلام الشرح على جهة الاستدراك يشعر بترجيحه، بدليل أنه لما ذكر في الروضة
تصحيحه لم يتعقبه بما في المحرر، وقد يقال بترجيح ما في المحرر لأنه لما استدرك عليه بما في الشرح لم يرجحه، والأوجه
الأول، وإذا أوجبنا الحبر ونحوه على الوراق ونحوه لم يجب تقديره وإن لم نوجبه عليه وشرط عليه فسد العقد، ويلحق
بما ذكر قلم النساخ، ومرود الكحال وإبرة الخياط. وأما الاستئجار على عمل النعال، فإن ابتاع النعلين والشراكين ثم
استأجره بأجرة معلومة على العمل صح وإلا فلا كما نقل عن نص الام، وصوبه الزركشي، ولقائل أن يقول ما الفرق
بين هذا وبين الصباغ والخياط مع أنه العادة جارية بذلك ولا يبعد أن يقال فيه بالطراد العادة ولم أر من ذكره.
(فصل) فيما يجب على مكرى دار أو دابة، وبدأ بالأول فقال (يجب) على (تسليم مفتاح الدار إلى المكترى
) إذا
سلمها إليه لتوقف الانتفاع عليه، فإن لم يسلمه فللمكتري الخيار ولا يأثم المكرى بالمنع من التسليم لما سيأتي وتنفسخ
الإجارة في مدة المنع كما قاله القاضي، وإذا تسلمه المكترى فهو في يده أمانة فلا يضمنه بلا تفريط، وإذا ضاع منه
لا تفريط ولم يبدله المكرى له ثبت له الفسخ، ولا يجبر المكرى على الابدال، هذا في مفتاح غلق مثبت. أما
القفل المنقول ومفتاحه فلا يستحقه المكترى وإن اعتيد، ولا يثبت له بمنعه منهما خيار لأن الأصل عدم دخول المنقول
في العقد الواقع على العقار والمفتاح تابع للغلق (و) ليس على المستأجر (عمارتها) بل هي (على المؤجر) سواء أقارن الخلل
العقد كدار لا باب لها أم عرض لها دواما، وسواء أكان لا يحتاج لعين زائدة كإقامة مائل، أم يحتاج. كبناء وتطيين
وليس المراد بكونها على المؤجر أنه يجبر على عمارتها بدليل قوله (فإن بادر وأصلحها) بالعمارة فذلك (وإلا فللمكتري
الخيار) إن نقصت المنفعة لتضرره فإذا وكف البيت: أي قطر سقفه في المطر لترك التطيين ثبت الخيار في تلك الحالة،
فإذا انقطع زال الخيار إلا إذا حصل بسببه نقض وهذا في الخلل الحادث. أما المقارن للعقد، إذا علم به فلا خيار له كما جزم
به في أصل الروضة وإن نظر فيه بعضهم.
(تنبيه) محل عدم وجوب العمارة في المطلق. أما الوقت فيجب فيجب على الناظر عمارته حيث كان فيه ريع كما أوضحوه
في كتاب الوقت، وفى معناه المتصرف بالاحتياط كولى المحجور عليه بحيث لو لم يعمر فسخ المستأجر الإجارة وتضرر،
346

المحجور عليه، ولا المؤجر أن يدفع عن العين المؤجرة الحريق والنهب وغيرهما، وإنما عليه تسليم العين ورد
الأجرة إن تعذر الاستيفاء، وإذا الدار على متاع المستأجر لم يلزم المؤجر ضمانه ولا أجرة تخليصه كما أفتى به الغزالي،
ولو غصبت العين المؤجرة وقدر المالك على انتزاعها لزمه كما بحثه في الروضة هنا، ولكن اعترض بأن ما بحثه هنا يخالف
ما قاله آخر الباب من أنه لا يلزمه أن يدفع عنها الحريق والنهب وغيرهما كما مر. وأجيب بأن ما هناك فيما بعد التسليم أو
فيما لا يقدر على انتزاعه إلا بكلفة وما هنا بخلافه فلزمه ذلك لكونه من تمام التسليم أو لعدم الكلفة، وهذا هو المعتمد
وإن قال بعض المتأخرين الأوجه عدم اللزوم في الحالين (وكسح) أي رفع (الثلج عن السطح) في دوام الإجارة (على
المؤجر) لأنه كعمارة الدار، فإن تركه وحدث به عيب ثبت للمكتري الخيار ومحله كما قال ابن الرفعة في دار لا ينتفع
ساكنها بسطحها كما لو كانت جملونات، وإلا فيظهر أنه كالعرصة (وتنظيف عرصة الدار) وهي بقعة بين الأبنية أليس
فيها بناء كما مر في باب الألفاظ المطلقة، وجمعها عراص وعرصات (عن ثلج وكناسة على المكترى) إن
حصلا في دوام
المدة. أما الكناسة، وهي ما يحصل من القشور ونحوه فلحصولها بفعله بخلاف التراب الذي يجتمع لهبوب الريح فإنه
لا يلزم المستأجر. وأما الثلج فلانه يتوقف عليه كمال الانتفاع لا أصله، وهو مما يتسامح بنقله عرفا. نعم إن انقضت المدة أجبر
على نقل الكناسة دون الثلج قاله في المطلب، ولو كان التراب أو الرماد أو الثلج الخفيف موجودا عند العقد فالذي يظهر كما
قاله ابن الرفعة أن إزالته على المؤجر، إذ يحصل به التسليم التام، ونقل رماد الحمام وغيره في الانتهاء من وظيفة المستأجر
في أحد وجهين يظهر ترجيحه تبعا لابن الرفعة، وتفريغ البالوعة ومنتقع الحمام والحش على المكترى في الدوام
ما لم تنقض ولى المالك في الابتداء والانتهاء، وفارق حكم الانتهاء، هنا حكمه فيها قبله بأن الحادث هنا مع
انقضاء المدة ضروري بخلافه ثم. ويجب على المؤجر تسليم بئر الحش والبالوعة وهما فارغان، وليس المراد بكون ما ذكر
على المؤجر أو المستأجر إجباره عليه، بل إنه من وظيفته كما عبر به في بعض الصور، حتى إذا ترك المؤجر ما عليه ثبت
للمستأجر الخيار، أو المستأجر ما عليه وتعذر الانتفاع لاخيار له ويمنع مستأجر دار للسكنى من طرح الرماد والتراب في أصل
حائط الدار ومن ربط الدابة فيها إلا إن اعتيد ربطها فيها فإنه لا يمنع كما قاله الأذرعي. ثم شرع في الثاني فقال (وإن
أجر دابة لركوب) إجارة عين وذمة وأطلق (فعلى المؤجر إكاف) وقد مر ضبطه في خيار العيب، والأولى أن يفسر
هنا بغير البرذعة لقوله (وبرذعة) بفتح الباء وذال معجمة، وحكى إهمالها، وفسرها الجوهري بالحلس الذي يلقى
تحت الرحل، ومن يفسر الإكاف بالبرذعة كصاحب الفصيح يشكل عليه عطف المصنف البرذعة عليه إلا أن يحمل على عطف
التفسير (وحزام) بكسر الحاء بحطه: ما يشد به الا كاف (وثفر) بمثلثه وفاء مفتوحة بخطه: ما يجعل ذنب الدابة
سمى بذلك لمجاورته ثفر الدابة بسكون الفاء وهو حياؤها (وبرة) بضم الموحدة وتخفيف الراء: حلقة تجعل في أنف البعير
(وخطام بكسر الحاء المعجمة: خيط يشد في البرة ثم يشد في طرد المقود بكسر الميم لأن التمكين واجب عليه،
ولا يحصل بدون ذلك والعرف مطرد به.
(تنبيه) إنما تجب هذه الأمور عند إطلاق العقد في إجارة الذمة للركوب، إن شرط ما ذكر على المؤجر أو
المستأجر أو شرط عدم ذلك كأجرتك هذه الدابة عريا بلا حزام ولا إكاف ولاغير هما اتبع الشرط (وعلى المكتري محمل)
وقد مر ضبطه في كتاب الحج (ومظلة) يظلل بها على المحمل، ومر ضبطها في باب الصلح (ووطاء وغطاء) بكسر
أولهما ممدودين والأول ما يفرش في المحمل والثاني، ما يغطى به (توابعها) كالحبل لذي يشد به المحمل على البعير،
أو أحد المحلين على الآخر وهما على البعير أو الأرض، لأن هذه الأمور تراد لكمال الانتفاع، وذلك غير
مستحق
أو أحد المحملين على الاخر وهما على البعير أو الأرض، لأن هذه الأمور تراد لكمال الانتفاع، وذلك غير مستحق
بالإجارة (والأصح) وفى المحرر الأشبه (في السرج) للفرس المؤجر (اتباع العرف) في موضع الإجارة قطعا للنزاع
347

والثاني على المؤجر كالا كاف (وظرف المحمول على المؤجر في إجارة) الدابة للحمل إجارة (الذمة) لأنه التزم النقل
فليهيئ أسبابه والعادة مؤيدة له (وعلى المكترى في إجارة العين) لأنه ليس عليه إلا تسليم الدابة بالا كاف ونحو كما
سيأتي (وعلى في إجارة الذمة الخروج الدابة) بنفسه أو نائبه (لتعهدها) وصونها (و) عليه أيضا (إعانة
الراكب في ركوبه) الدابة (ونزوله) عنها (بحسب الحاجة) وتراعى العادة في كيفية الإعادة فينيخ البعير لامرأة
وضعيف بمرض أو هرم أو سمن مفرط ونحوها، ويقرب الحمار والبغل من مكان مرتفع ليسهل عليه الركوب لأنه التزم
النقل والتبليغ ولا يتم إلا بهذه الأمور، ولا يلزمه إناخة البعير لقوى كما قاله الماوردي، فإن كان على البعير ما يتعلق به
لركوبه تعلق به وركب وإلا شبك الجمل بين أصابعه ليرقى عليها ويركب، والاعتبار في القوة والضعف بحالة الركوب
لا بحالة العقد، وعليه أيضا الوقوف لينزل الراكب لقضاء الحاجة والطهارة وصلاة الفرض وانتظار فراغة منها، ولا يلزمه المبالغة
في التخفيف ولا القصر ولا الجمع، وليس له التطويل ولو كان عادته ذلك، فإن طول قال الماوردي فللمؤجر الفسخ وليس
له أيضا النزول لما يتأتى فعله على الدابة كأكل وشرب ونافلة وله النوم على الراحلة في وقت العادة دون غيرها لأن النائم
يثقل، وفى لزوم القوى النزول المعتاد للإراحة، وفى العقبات وجهان. قال المصنف. ينبغي أن يكون الأصح
وجوبه في العقبة فقط، ولا يجب النزول على المرأة والمريض الشيخ والعاجز. قال الصنف: وينبغي أن يلحق بهم من
له وجاهة ظاهرة وشهرة يحل مروءته في العادة المشي (و) على المؤجر المذكور (رفع المحمل) بكسر الميم بخطه على
ظهر الدابة (وحطه) على ظهرها. وقوله (وشد المحمل) بكسر الميم بخطه يصدق بشد أحد المحملين إلى الاخر وهما
على الأرض وهو الأصح (وحله) لاقتضاء العرف ذلك (و) المؤجر (ليس عليه في إجارة) دابة لركوب أو حمل
إجارة (العين إلا التخلية بين المكتري والدابة) لا إعانته في ركوب ولا حمل ونحوها، والمراد بالتخلية التمكين من
الانتفاع بالدابة، وليس المراد أن قبضها بالتخلية لئلا يخالف قبض المبيع، ويشترط في قبض الدابة سوقها أو قودها
كما قاله الرافعي، ولا يكفي ركوبها كما قاله المصنف.
(تنبيه) مؤنة الدليل وسائق الدابة وأجرة الخفير وأجرة وحفظ المتاع في المنزل والدلو والرشاد الاستئجار
للاستقاء كالظرف
فيما مر. وأما حفظ الدابة فعلى صاحبها إلا أن يكون قد سلمها إليه ليسافر عليها وحده فيلزمه الحفظ صيانة لها لا بحكم
الإجارة قاله المتولي، وإذا استأجر دابة ليركبها إلى موضع معين فوصله لم يكن له ردها، منه إلا بإذن المالك بل يسلمها
لقاضي ذلك الموضع، أو إلى، فإن تعذر استصحبها معه حيث يذهب ولا يركبها إلا أن تكون جموحا كالوديعة
(وتنفسخ) الإجارة في (إجارة العين) في المستقبل (بتلف الدابة) المستأجرة ولا تبدل لفوات المعقود عليه،
بخلاف إجارة الذمة فإنها تبدل (وثبت الخيار) على التراخي قاله الماوردي، خلافا لابن السكري من أنه على الفور
(بعيبها) المقارن إذا جهل والحادث لتضرره بالبقاء، والمراد بالعيب هنا ما يؤثر في المنفعة أثرا يظهر له تفاوت في الأجرة
لا في القيمة، لأن مورد العقد المنفعة، قاله، الأذرعي وغيره، وحيث له الخيار وأجار لزم المسمى، فلو لم يعلم بالعيب
حتى مضت المدة فات الخيار وله الأرش، وإن علم به في الأثناء وفسخ فله الأرش، وإن لم يفسخ فلا أرش للمستقبل
ويتجه كما قال الغزي وجوبه فيما مضى كما في كل المدة.
(تنبيه) خشونة مشى الدابة ليس بعيب كما جزما به وخالف ابن الرفعة فجعله عيبا وصوبه الزركشي قال وبه جزم
الرافعي في عيب المبيع اه‍ وجمع بين ماهنا بأن المراد هنا خشونة لا يخاف منها السقوط بخلافه هنا
348

(ولا خيار) للمكتري (في إجارة الذمة) بعيب دابة أحضرها المكرى (بل يلزمه الإبدال) كما لو وجد بالمسلم فيه عينا لأن
المعقود عليه في الذمة بصفة السلامة وهذا غير سليم، فإذا لم يرض به رجع إلى ما في الذمة.
(تنبيه) سكت المصنف في هذه الحالة عن عدم انفساخها بالتلف مع أنه صرح به في المحرر. قال الزركشي لأنه
يعلم من نفيه الخيار من طريق أولى وفيما قاله نظر، وإذا لم تنفسخ بإتلافها أبدلت، فإن عجز عن إبدالها فالظاهر
كما قال الأذرعي ثبوت الخيار وليس للمكري أن يبدل الدابة المسلمة عن الإجارة في الذمة بغير إذا المكترى إذ للمكتري
إجارتها بعد قبضها والاعتياض عنها لاقبل قبضها عما التزم له المكرى لأن إجارة الذمة كالسلم. وتبدل هذه عند العيب
بخلاف المعينة كما مر، ولو أفلس المؤجر قدم بمنفعتها على الغرماء على الأصح، وليس للمستأجر في إجارة العين أن يؤجر
العين المؤجرة قبل قبضها من أجنبي، وفى إجارتها للمؤجر وجهان، قال المصنف، الأصح صحتها منه اه‍ ويفرق بين
الإجارة والبيع بأنه يتسامح في المنافع مالا يتسامح في الأعيان (والطعام المحمول) لا ليصل بل (ليؤكل) في الطريق
(يبدل إذا أكل في الأظهر) كسائر المحمولات إذا باعها أو تلفت. والثاني لا يبدل لأن العادة في الزاد أن لا يبدل.
(تنبيه) محل الخلاف إذا كان يجد الطعام في المنازل المستقبلة بسعر المنزل الذي هو فيه إلا أبدل قطعا، واحترز بقوله
إذا أكل عما إذا تلف كله أو بعضه بسرقة أو غيرها فإنه يبدل جزما. وهذا كله عند الإطلاق فإن شرط شئ اتبع. وأما الماء
المحمول إذا شرب فإنه يبدل بلا خلاف كما صرح به بعض شراح التنبيه لتطابق اللفظ والعرف على الابدال، ول حمل التاجر متاعا
يبيعه في طريقه فباع بعضه، ففي فروع ابن القطان يحمل على العرف، يتجه أن يقال هو مثل الزاد اه‍ الأوجه الأول.
(فصل) في باب الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك (يصح عقد الإجارة مدة) معلومة (تبقى
فيها العين) المؤجرة (غالبا) لامكان استيفاء المقود عليه ولا يقدر بمدة إذ لا توقيف فيه، والمرجع في المدة التي تبقى فيها
فيها العين) المؤجرة (غالبا) لامكان استيفاء المعقود عليه ولا يقدر بمدة إذ لا توقيف فيه، والمرجع في المدة التي تبقى فيها
العين غالبا إلى أهل الخبرة فيؤجر الدار والرقيق ثلاثين سنة والدابة عشر سنين والثوب سنة أو سنتين على ما يليق به، والأرض مائة سنة أو أكثر (وفى قول لا يزاد على سنة) لاندفاع الحاجة بها (وفى قول) على (ثلاثين) سنة لأنها نصف
العمر الغالب.
(تنبيه) قضية إطلاق المصنف أنه لا فرق في ذلك بين الوقت والمطلق وهو المشهور، ويستثنى من إطلاق صور:
إحداها ما إذا شرط الواقف أن لا يوجر وقفه إلا سنة ونحوها فإنه يتبع شرط على الأصح. ثانيها إجارة الاقطاع لا تجوز
أكثر من سنة كما نقله الغزي عن ابن جماعة وأقره. ثالثها المنذور إعتاقه كقوله: إن شفى الله مريضي فالله على أن
أعتق هذا العبد بعد سنة لم تجز إجارة أكثر من المدة، كما قاله البلقيني لئلا يؤدى إلى استمرار الإجارة عليه بعد عتقه
بناء على الأصح من أن من أجر عند نفسه ثم أعتقه لا تنفسخ الإجارة. رابعا المعلق عتقه بصفة. قال البغوي: إن
تحقق عدم وجوب الصفة قبل انقضاء الأجل صحت الإجارة والا فيجب أن لا يجوز كالصبي. وقال في الروضة: ينبغي
فالاستثناء من كلام البغوي. خامسها إجارة المرهونة بغير المرتهن على دين موجل فإنه يعتبر في الصحة أن يكون
الدين موجلا بأجل، يحل بعد انقضاء مدة الإجارة أو معها. سادسها إجارة الولي الصبي أو ماله فإنه لابد فيها من أنه
لا يجاوز مدة بلوغه بالسن، فلو كان عمرة عشر سنين فأجره عشر سنين بطل في الزائد على مدة البلوغ وفى الباقي قولا
تفريق الصفقة، بخلاف ما لو أجره مدة لا يبلغ فيها بالسن وإن احتمل بلوغه بالاحتلام، لأن الأصل بقاء الصبي وهذا
الخلاف في أكثر مدة الإجارة. أما أقلها فقال الماوردي أقل تؤجر الأرض فيها للزراعة مدة زراعتها وأقل مدة
توجر الدار للسكنى يوم لأن ما دونه تافه لا يقابل بعوض، ويستثنى من اشتراط بيان المدة في الإجارة مسائل: الأولى
349

سواد العراق، فإن الأصح أن عمر رضى الله تعالى أجره على التأبيد، واحتمل ذلك للمصلحة الكلية ثانيها
أجمعوا على جواز إجارة الدار وغيرها شهر مع أنه قد يكون ثلاثين يوما وقد يكون تسعة وعشرين كما مر عن المجموع.
ثالثها عقد الجزية إذا قلنا إنها عقد إجارة على إقامتهم في دارنا وهو الأصح. رابعها استئجار العلو لحق البناء ولاجراء
الماء لا يشترط فيه بيان المدة على المذهب كما مر في باب الصلح. خامسها استئجار الذمي للجهاد من غير تبيين المدة
يجوز للضرورة قاله في الشامل في باب الغنيمة. سادسها استئجار الإمام للاذان من بيات المال كل شهر بكذا كما مر
في فصل الاذان والمنفعة المستحقة بعقد الإجارة تتوقف على مستوف مستوفى منه وبه وفيه، وأشار إلى الأول بقوله
وللمكتري استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره) كما يجوز أن يؤجر ما استأجره من غيره لكن يشترط أمانة من سلمها إليه،
فلو شرط استيفاءها عليه بنفسه لم يصح كما لو باعه عينا وشرط أن لا يبيعها، ولابن الرفعة في ذلك نظر.
(تنبيه) تعبيره بالمنفعة قد يخرج الاستئجار لإفادة عنى كالرضاع والبئر ليستقى منها مع ليستقى منها مع أن الحكم واحد في الجميع
أفهم قوله بغيره جواز إعارة المكترى المنفعة لغيره، وقد جزم به في المتن في باب العارية، وإذا جاز الاستيفاء بغيره
(فيركب) في استئجار دابة للركوب مثله ضخامة ونحافة وطولا وعرضا وقصرا أدونه فيما ذكر (ويسكن) في استئجار
دار للسكنى (مثله، ولا يسكن) إذا كان بزازا مثلا (حداد، و) لا (قصارا) لزيارة الضرر بدقهما، وكذا يلبس
الثوب مثله ودونه. وينبغي في اللابس المماثلة في النظافة، لأن فيه استيفاء عين المنفعة المستحقة بغير زيادة، ولعل
ضابط المسألة أن يساوى المستأجر في الضرر بالعين المستأجرة، ويعبر عن هذا بأن المستوفى يجوز إبداله، واستثنى جمع
منهم الجرجاني ما لو قال لتسكنها وتسكن من شئت للاذن كما لو قال ازرع ما شئت، وللأذرعي في ذلك نظر، وأشار
للثاني بقوله (وما يستوفى منه) المنفعة (كدار ودابة معينة) هو فيد في الدابة لأن الدار لا تكون إلا معينه، ولو
كان قيدا فيها لوجب التثنية (لا يبدل) لأنه معقود عليه فأشبه المبيع، ولهذا في الدابة لأن الدار لا تكون الا معينه ولو
(تنبيه) يستثنى من مفهوم المتن جواز الابدال إذا لم تكن معينة ما إذا أسلم دابة عما في الذمة فإنها لا تبدل بغير
رضاه في الأصح كما مر، وأشار إلى الثالث بقوله (وما يستوفى) المنفعة (به كثوب وصبي عين) الأول في عقد
الإجارة (للخياطة، و) الثاني الاجل (الارتضاع) أو التعليم (يجوز إبداله) أي ما ذكر بمثله (في الأصح) وإن
لم يرض الأجير لأنه ليس معقودا عليه وإنما هو طريق للاستيفاء فأشبه الركب والمتاع المعين للحمل. والثاني المنع
كالمستوفى منه، وجرى عليه في أصل الروضة في باب الخلع، وجرى عليه البلقيني وابن المقرى في روضه، ورجح الأول
في شرح إشارة، ورجحه الرافعي في الشرح الصغير، وهو المعتمد، وسكت المصنف عن المستوفى فيه، وحكمه أنه
يجوز إبداله كأن استأجر دابة ركوب في طريق له ابدال الطريق بمثله أو دونه.
(تنبيه) فول المصنف عين أشار به إلى ما نقلاه عن الشيخ أبى على وأقراه أن محل الخلاف إذا التزم في ذمته خياطة ثوب
معين أو حمل متاع معين، أما لو استأجر دابة معينة لركوب أو حمل متاع فلا خلاف في جواز إبدال الراكب والمتاع،
وفرق بأن العقد والحالة هذه يتناول المدة بدليل استقرار الأجرة بتسليمها وإن لم يركب، وإذا كان في الذمة تناول
العقد العمل المستوفى به فكأنه معقود عليه، وللإمام نحوه، ولو اعتاض عن منفعة بمنفعة جاز قطعا وكان الأولى للمصنف
أن يقول وعينا بالتثنية فإنه لصبي وثوب، وإيقاع المفرد موضع التثنية شاذ
(فرع) لو استأجر ثوبا للبس لم ينم فيه ليلا عملا بالعادة ولو كان الثوب التحتاني كما هو ظاهر كلام الأصحاب،
فطريقه إذا أراد النوم فيه أن يشرطه، وينام في الثوب التحتاني نهار ساعة أو ساعتين أو نحو ذلك، وأما الفوقاني فلا
350

ينام فيه ولا يلبسه كل وقت بل عند التجمل في الأوقات التي جرت العادة فيها بالتجمل كحالة الخروج إلى السوق ونحوه
ودخول الناس، عليه وينزعه في أوقات، الخلوة عملا بالعرف، وليس له أن يتزر بقميص استأجره للبسه ولا برداء استأجره
للارتداء به، وله أن يرتدى ويتعمم بما استأجره للبس والاتزار، ولو استأجر ثوبا يوما كاملا فمن طلوع الفجر إلى
الغروب، إذا النهار من طلوع الفجر إلى الغروب، وقيل من طلوع الشمس إلى الغروب، أو يوما وأطلق فمن وقت العقد
إلى مثله أو لثلاثة أيام دخلت الليالي المشتملة عليها (ويد المكترى على) المستأجر من (الدابة والثوب) وغيرهما (يد أمانة
مدة الإجارة) جزما فلا يضمن ما تلف فيها تقصير، إذا لا يمكن استيفاء حقه إلا بوضع اليد عليها وعليه دفع متلفاتها
كالمودع.
(تنبيه) لو قال على المستأجر كما قدرته بدل على الدابة والثوب لكان أخصر وأشمل (وكذا بعدها) إذا لم يستعملها
(في الأصح) استصحابا لما كان كالمودع فلا يلزمه ردها بل التخلية بينها وبين المالك كالوديعة. والثاني يد ضمان. وقال
السبكي: إنها بعد المدة أمانة شرعية كثوب ألقته الريح بداره، فإن تلفت عقب انقضاء المدة التمكن من الرد على
المالك أو إعلامه فلا ضمان جزما. أما إذا استعملها فإنه يضمنها قطعا.
(تنبيه) لو انفسخت الإجارة بسبب ولم يعلم المستأجر بعد علمه به ضمنها ومنافعها لتقصيره بعدم
إعلامه، فإن أعلمه أو لم يعلمه لعدم علمه أو كان هو عالما به لم يضمن لأنه أمين ولا تقصير منه (ولو ربط دابة اكتراها
لحمل أو ركوب) أو غيره كحرث واستفاء (ولم ينتفع بها) وتلفت (لم يضمن) قيمتها لأنها بيده أمانة، وسواء أتلفت
في المدة أم بعدها على الأصح (إلا انهدم عليها اصطبل) وهو عجمي معرب (في وقت) للانتفاع (لو انتفع بها) فيه خارجا
عن اصطبلها وقت الانهدام مع جريان للانتفاع بها ذلك الوقت كالنهار (لم يصبها الهدم) بل تسليم فإنه يضمنها حينئذ
لأن التلف حصل بربطها فيه بخلاف ما إذا تلفت بانهدام سقف في وقت لم تجر العادة باستعمالها فيه كجنح الليل في الشتاء
وبذلك علم أن الضمان بذلك ضمان جناية لا ضمان يد وإن تردد فيه السبكي. قال الزركشي: وسكتوا عما لو سافر بها فتلفت
فينبغي أن يأتي فيها التفصيل، فيقال إن سافر في وقت لم تجر العادة بالسير فيه فتلفت بآفة أو نقصت ضمن، ولو ترك
الانتفاع بها في وقت مرض أو خوف عرض له فتلفت بذلك لم يضمن كما بحثه الأذرعي الخوف أخذا من كلام الإمام.
(تنبيه) إنما قيد المصنف المسألة بالرضا ليستثني منها، وإلا في مدة الانتفاع كان الحكم كذلك، ولو حمل قدر
للرد على دابة فانكسرت القدر بتعثر الدابة، فإن كان لا يستقل بحملها أو كان لا يليق به حملها كما قاله الزركشي لم يضمن
وإلا ضمن لتقصيره إذ العادة أن القدر لا ترد على الدابة مع استقلال بحملها المستأجر بحملها (ولو تلف المال) أو بعضه (في يد
أجير) قبل العمل فيه أو بعد (بلا تعد) منه فيه (كثوب استؤجر لخياطته أو صبغه) بفتح الصاد بخطه لأن المراد المصدر
لا ما يصغ به (لم يضمن إن لم ينفرد) ذلك الأجير (باليد) وفسر عدم الانفراد بها بقوله: (بأن قعد المستأجر معه
أو أحضره منزله) ولم يعقد، وكذا لو حمله المتاع ومشى خلقه كما قاله القاضي حسن، لأن المالك ثابتة على
العين حكما، وإنما استعان بالأجير في شغله كالمستعين بالوكيل (وكذا إن انفرد) باليد سواء المشترك والمنفرد
فإن انتفى ما ذكر في القسم قبله لا يضمن (في أظهر الأقوال) والثاني يضمن، كالمستام لأنه أخذه لمنفعة نفسه ودفع
بأنه أخذه لمنفعة المستأجر أيضا، فلا يضمن القراض. وقال الربيع: اعتقاد الشافعي، أنه لا ضمان
351

على الأجير، وأن القاضي يقضى بعلمه، وكان لا يبوح به خشية قضاة السوء. وقال الفارقي: بعد أن
صحح الأول إلا أن يعمل به: أي بالثاني لفساد الناس. قال ولى نحو ثلاثين سنة ما أفتيت بواحد من القولين ولا حكمت
إلا بالمصلحة (والثالث يضمن) الأجير (المشترك) وفسر المشترك بقوله (وهو من التزم عملا في ذمته) كعادة القصارين
والخياطين، وسمى مشتركا لأنه إن التزم العمل لجماعة فذلك، أو الواحد أمكنه أن يلتزم لاخر مثله، فكأنه مشترك بين
الناس (لا) الأجير، (المنفرد، وهو من أجر نفسه مدة معينة لعمل) لغيره لا يمكنه شرعا التزام مثله لآخر في تلك المدة،
سمى بذلك لانفراد المستأجر بمنفعة في تلك المدة، والفرق أن المنفرد منافعه مختصة بالمستأجر في المدة فيده كيد الوكيل مع
الموكل بخلاف المشترك.
(تنبيه) قول المصنف مدة معينة ليس بقيد لأن المأخذ كونه أوقع الإجارة على عينه، وقد يقدر بالعمل دون المدة
كعكسه، واحترز بقوله: بلا تعد عما إذا تعدى فيضمن مطلقا كما لو أسرف الخبار في الوقود أو ترك الخبر في النار
حتى احترق أو ضرب على التأديب والتعليم للصبي فمات لأن تأديبه بغير الضرب ممكن، ومتى اختلفا في التعدي عمل بقول
عدلين من أهل الخبرة، فإن لم يجدهما فالقول قول الأجير، وحيث ضمنا الأجير، فإن كان بتعد فبأقصى قيمه من وقت
القبض إلى وقت التلف، وإن كان بغيره فبوقت التلف.
(فرع) الأجير لحفظ الدكان مثلا لا ضمان عليه إذا أخذ ما فيه لأنه لا يدل على المال. قال القفال وهو بمنزلة الحارس
في السكة لو سرق من بيت من بيوت السكة لم يم يكن عليه شئ، ويعلم منه كما قال الزركشي: أن الخفراء لا ضمان عليهم
(ولو دفع ثوبا) بلا استئجار (إلى قصار ليقصره أو) إلى (خياط ليخيطه) أو نحو ذلك كغسال يغسله (ففعل) ذلك (ولم يذكر)
له (أجرة فلا أجرة له) على الأصح المنصوص، وقول الجمهور لأنه لم يلتزم له عوضا فصار كقوله: أطعمني فأطعمه
قال في البحر: ولأنه لو قال أسكني دارك شهرا لا يستحق عليه جرة بالاجماع (وقيل له) أجرة مثل لاستهلاك
الدافع عمله (وقيل إن معروفا بذلك العمل) بأجرة (فله) أجرة المثل. وقال الشيخ عز الدين تجب له الأجرة التي جرت
بها العادة لذلك العمل وطن زادت على أجرة المثل (وإلا) أي لم يكن معروفا بذلك العمل (فلا) أجرة (وقد يستحسن)
هذا الوجه لدلالة العرف على ذلك وقيامه مقام اللفظ كما في نظائره، وعلى هذا عمل الناس. وقال الغزالي: إنه الأظهر
وقال الشيخ عز الدين: إنه الأصح، وحكاه الروياني في الحلية عن الأكثرين وقال إنه الاختيار. وقال في البحر وبه أفتى
وأفتى به خلائق من المتأخرين، وإذا قلنا لا أجرة له على الأصح فمحله كما قال الأذرعي إذا كان حرا مطلق التصرف، أما
لو كان عبدا أو محجورا عليه بسفه ونحوه فلا إذ ليسوا من أهل التبرع بمنافعهم المقابلة بالأعواض واحترز بقوله ولم يذكر
أجرة عما إذا قال مجانا فلا يستحق شيئا قطعا ومالو أجرة فيستحقها جزما وإن كانت صحيحة فالمسمى و إلا فأجرة
المثل، ولو عرض بذكر كاعمل وأنا أرضيك أو اعمل وما ترى منى إلا ما يسرك أو نحو ذلك كقوله حتى أحاسبك
استحق أجرة المثل كما في البيان وغيره وقد ترد هذه على المصنف لأنه لم يذكر في هذه أجرة إلا أن يكون مراده ولم يذكر
أجرة لا تصريحا ولا تعريضا. ويستثنى من الخلاف المذكور في المتن مسائل: إحداها عامل المساقاة إذا عمل ما ليس من
أعمالها بإذن المالك، فإنه يستحق الأجرة كما مر في بابها. قال بعضهم: ولا تستثنى لأن عمله تابع لما فيه
أجرة فقد
تقدم ذكر الأجرة في الجملة. ثانيها عامل الزكاة فإنه يستحق العوض ولو لم يسم قال الزركشي ولا تستثنى لأن الأجرة
ثابتة له بنص القرآن فهي مسماة شرعا وإن لم يسمها الإمام. ثالثها عامل القسمة بأمر الحاكم فللقاسم الأجرة من غير تسمية
352

كذا استثناها بعضهم ونازع في التوشيح في استثنائها، وقال إنه كغيره وهو الظاهر، وأن داخل الحمام بلا إذن من الحمامي
فإنه يلزمه الأجرة وإن لم يجر لها ذكر، والفرق وبينه وبين القصار. ونحوه أن هؤلاء صرفوا منافعهم لغيرهم، والداخل
للحمام استوفى منفعة الحمام بسكونه، فإن أذن له في الدخول، فالحمامي فيه كالأجير كما قالوا به فيمن دخل سفينة بإذن
صاحبها حتى أتى الساحل فإنه كالأجير فيما ذكر: أي فلا أجرة له، دخلها بغير إذن استحق عليه الأجرة. قال
في المطلب: ولعله فيما إذا لم يعلم به مالكها حيت سيرها، وإلا فيشبه أن يكون كما لو وضع متاعه على دابة غيره فيسرها
مالكها فإنه لا أجرة على مالكه ولا ضمان.
(فرع) ما يأخذه الحمامي أجرة الحمام والآلة من سطل وإزار ونحوها وحفظ المتاع لا ثمن الماء كما مرت الإشارة
إليه لأنه غير مضبوط فلا يقابل بعوض، فالحمامي مؤجر للآلة وأجير مشترك في الأمتعة فلا يضمنها كسائر الاجراء، والآلة
غير مضمونة على الداخل لأنه مستأجر لها ولو كان مع الداخل الآلة ومن يحفظ المتاع كان ما يأخذه الحمامي أجرة الحمام
فقط (ولو تعدى المستأجر بأن ضرب لا دابة أو كبحها) بموحدة ومهملة ويقال بميم بدل الموحدة، ويقال بمثناة فوقية
بدل الموحدة أيضا ويقال أقبح، والمعنى أن المستأجر جذبها باللجام لتقف، وقوله (فوق العادة) قيد في المسألتين
(أو أركبها أثقل منه، أو أسكن حدادا أو قصارا) وهما أشد ضررا مما استأجر له (ضمن العين) أي دخلت في ضمانه لتعديه
والقرار على المستعمل الثاني إن علم الحال، وإلا فعلى الأول إن كانت يد الثاني يد أمانة كالمستأجر فإن كانت يد ضمان
كالمستعير فالقرار عليه كما أوضحوه في الغصب نبه عليه الأسنوي وغيره. فإن قيل: ما ذكروه في الغصب فيمن ترتبت
يده على يد الغاصب وهنا ترتبت يده على يد المستأجر، والأصح أن المستعير من المستأجر لا يضمن. أجيب بأنه بإركابه من
هو أصقل منه صار في حكم الغاصب ولهذا ضمن العين، ويؤيده قولهم، إنه لو أركب مثله فجاوز العادة في الصرب كان
الضمان على الثاني دون الأولى لأنه لم يتعد. أما الضرب المعتاد إذا أفضى إلى تلف فلا يوجب ضمانا. فإن قيل: ضرب
الزوج زوجته الضرب المعتاد يوجب الضمان. أجيب بأن تأديها ممكن باللفظ وعلى تقدير الظن بأنه لا يفيد إلا الضرب
فهو اجتهاد فاكتفى به للإباحة دون سقوط الضمان، ولو إذ تدف مع مكتريي دابة ركباها ثالث عدوانا ضمن الثلث إن
تلف توزيعا على رؤوسهم لاعلى قدر أوزانهم، لأن الناس لا يوزنون غالبا ولو سخر رجلا وبهيمته فماتت في يد
صاحبها قل استعمالها فلا ضمان على المسخر لأنها في يد صاحبها. أما بعد استعمالها فهي معارة.
(تنبيه) أشار المصنف بالأمثلة المذكورة إلى أن التعدي في رقبة العين المستأجر ليخرج ما لو أجر الأرض لزرع
حنطة فزرع الذرة فإنه لا يكون ضامنا للأرض على الأصح في زيادة الروضة لأنه تعدى في المنفعة لا الرقبة ويلزمه
أجرة المثل للذرة (وكذا) يصير ضامنا (لو أكثري) دابة (لحمل مائة رطل من حنطة فحمل) عليها (مائة شعير أو
عكس) بأن أكثرها لحمل مائة رطل شعير فحمل عليها مائة حنطة لأن الحنطة أثقل فيجتمع ثقلها في موضع واحد
والحديد. قال القاضي الحسين وسواء أتلفت بذلك السبب أم بغيره لأن يده صارت يد عدوان، ويبدل بالقطن
الصوف والوبر لأنهما مثله في الحجم لا الحديد، ويبدل بالحديد الرصاص والنحاس لأنهما مثله في الحجم لا القطن (أو)
اكتراها (لعشرة أقفزة شعير فحمل) عشرة (حنطة) فإنه يصير ضامنا للدابة لأنها أثقل، والأقفزة، وهو
مكيال يسع اثنى عشر صاعا (دون عكسه) لخفة مع استوائهما في الحجم (ولو أكثري) دابة (لمائة) أي لحمل
مائة رطل حنطة مثلا (فحمل) عليها (مائة) منها (وعشرة لزمه أجرة المثل للزيادة) مع المسمى على المشهور لتعديه بذلك
353

(تنبيه) أشار بتمثيله بالعشرة إلى أن الزائد قد لا يتسامح به، أما ما يتسامح به كالذي به التفاوت بين الكيلين فإنه
لا أجرة له ولا ضمان بسببه، ولو اكترى، مكانا لوضع أمتعة فيه فزاد عليها نظرت فإن كان أرضا فلا شئ عليه، وإن
كان غرفة لزمه المسمى وأجرة المثل للزائد على قياس ما مر في مسألة الدابة (وإن تلفت) تلك الدابة (بذلك الزائد (ضمنها)
ضمان يد (إن لم يكن صاحبها معها) لأنه صار ضامنا لها بحمل الزائد (فإن كان) صاحبها معها (ضمن) المستأجر (قسط
الزيادة) فقط ضمان جناية مؤاخذة له بقدر جناية (وفى قول نصف القيمة) لأنها تلفت بمضمون وغيره فقسطت
القيمة عليهما، كما لو جرحه واحد جراحة وآخر جراحات، وفرق الأول بتيسر التوزيع، هنا، بخلاف الجراحات
لأن نكاياتها لا تنضبط.
(تنبيه) قوله بذلك يحترز به عما إذا تلفت بغيره فإنه يضمنها عند انفراده باليد لأنه، ضمان باليد لا عند عدم انفراده
بها لأنه ضمان بالجناية وإذا كان بالمفهوم تفصيل فلا يرد (ولو سلم) المستأجر (المائة والعشرة إلى المؤجر فحملها)
بميم مشددة (جاهلا) بالزيادة كأن قال له: هي مائة كاذبا فصدقه فتلفت الدابة بها (ضمن المكترى على المذهب)
كما لو حمل بنفسه لأن إعداد المجهول وتسليمه إلى المؤجر بعد عقد الإجارة كالإجارة إلى الحمل شرعا فكان كشهادة شهود
القصاص وفيما يضمنه القولان، والطريق الثاني على القولين في تعارض الغرر والمباشرة.
(تنبيه) لو قال: فكما لو المكترى لكان أولى ليعم الضمان وأجرة الزيادة، وخرج بالجاهل العالم بالزيادة
فإن قال له المستأجر احمل هذه الزيادة ضمان كما علم من باب العارية وإن لم يفل له المستأجر شيئا فحكمه مذكور في قوله (ولو
وزن المؤجر وحمل) الدابة (فلا أجرة للزيادة) تعمد ذلك أم لا على المستأجر بالزيادة وسكت أم جهلها لعدم الإذن
في نقلها (ولا يضمن) المستأجر الدابة (إن تلفت) إذ لا يد ولا تعدى، وللمستأجر مطالبة المؤجر بردها إلى المنقول منه،
وليس للمؤجر ردها رضاه، وله مطالبته بالبدل للحيلولة، فلو غرم له بدلها ثم ردها إلى مكانها استرده وردها إليه،
ولو كان المؤجر وحمل المستأجر فكما لو كان بنفسه وحمل سواء أكان عالما بالزيادة أم لا، ولو وضع المستأجر المائة
والعشرة على الدابة فسيرها المؤجر فكما لو حملها المؤجر، ولو كان أجنبي وحمل بلا إذن في الزيادة فهو غاصب للزائد وعليه
أجرته للمؤجر وروده إلى المكان المنقول منه إن طالبه وعليه ضمان الدابة على التفصيل المذكور في المستأجر من
غبية صاحبها وحضرته على ما مر، ولو حمل بعد كيل الأجنبي المائة والعشرة أحد المتكاريين ففيه التفصيل السابق بين
غيبة صاحبها وحضرته على ما مر، ولو حمل بعد كيل الأجنبي الأجنبي والعشرة أحد المتكاريين ففيه التفصيل السابق بين
الغرر وعدمه، وإن اختلفا في الزيادة أو قدرها فالقول قول المكترى بيمينه لأن الأصل عدم الزيادة، ولو وجد المحمول
على الدابة ناقصا عن المشروط نقصا يؤثر وقد كاله المؤجر حط قسطه من الأجرة إن كانت الإجارة في الذمة لأنه لم يف
بالمشروط: كذا إن كانت إجارة عن ولم يعلم النقص فإن علمه لم يحط شئ من الأجرة، لأن التمكين من الاستيفاء
قد حصل وذلك كاف في تقرير الأجرة. أما النقص الذي لا يؤثر كالذي يقع به التفاوت بين الكيلين أو الوزنين فلا عبرة به
(ولو أعطاه) أي خياطا (ثوبا ليخيطه) وأذن له المالك في قطعه (فخاطه قباء وقال) للمالك (أمرتني بقطعه قباء فقال)
المالك للخياط (بل) أمرتك بقطعه (قميصا) فعليك الأرش (فالأظهر تصديق المالك بيمينه) كما لو اختلفا في أصل
الإذن فيحلف أنه ما أذن له في قطعه قبا ولا يحتاج ن يتعرض للقميص. والثاني يصدق الخياط بيمينه لأن المالك يدعى
عليه الأرش والأصل براءة ذمته.
354

(تنبيه) لو عبر المصنف بالمذهب لكان أولى فإن في المسألة طرقا أصحها طريقة القولين (و) على الأول (لا أجرة
عليه) أن المالك للخياط إذا حلف المالك لأن عمل الخياط صار حينئذ مأذون فيه (وعلى الخياط أرش النقص) لأنه
إذا انتفى فالأصل الضمان، وفى الأرش الواجب وجهان أحدهما ما بين قيمته صحيحا ومقطوعا، لأنه أثبت
بيمينه
أنه لم يأذن في قطعه قباء. والثاني ما بين قيمته مقطوعا قميصا ومقطوعا قباء لأن أصل القطع مأذون فيه، وصحيح الأول
الإمام وغيره. وقال الأسنوي إنه الأصح، وصحح الثاني جمع، واختاره السبكي وقلا لا يتجه غيره، وهذا هو المعتمد
وللخياط نز خيطه وعليه أرش النزع إن حصل به نقص، وله منع المالك من شد خيط في خيط الخياطة يجره في المدروز
مكانه إذا نزع لأنه تصرف في مالك غيره فلا يجوز إلا برضاه، وحيث قلنا لا أجرة للخياط له أن يدعى بها على المالك، فإن
نكل ففي تجديد اليمين عليه وجهان. قال في زيادة الروضة: وينبغي أن يكون أصحهما التجديد وهذه قضية مستأنفة،
ولو قال المالك للخياط إن كان هذا الثوب يكفيني قميصا فاقطعه فقطعه ولم يكفيه ضمن الأرش، لأن الإذن مشروط بما
لم يوجد وإن قال له في جوابه هو يكفيك فقال اقطعه فقطعه ولم يكفه لم يضمن لأن الإذن مطلق، ولو جاء الخياط مثلا
بثوب وقال للمالك هذا ثوبك فأنكره صدق الخياط بيمينه كما قاله البندنيجي، حلف فقد اعترف للمالك بشئ وهو ينكره.
(فصل) في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيهما، وقد شرع في بيان ذلك فقال (لا تنفسخ الإجارة)
عينا كانت أو ذمة، ولا تفسخ (بعذر) في غير المعقود عليه المؤجر أو مستأجر، فالأول كمريض مؤجر دابة عجز عن
خروجه معها الذي هو من أعمال الإجارة حيث كانت الدابة غير معينة. والثاني (كتعذر وقود حمام) على مستأجر،
والوقود بفتح الواو بخطه ما يوقد به من حطب وغيره، وبضمها مصدر وقدت النار (وسفر) بفتح الفاء عرض المستأجر
دار مثلا لا بسكونها كما وقع للسبكي في أنه لابد للمسافر من رفقة وهم السفر أي المسافرون يتعذر خروجهم (و) كعروض
(مرض مستأجر دابة لسفر) عليها، والمعنى في الجميع أنه لا خلل في المعقود عليه والاستنابة من كل منهما ممكنة، ومحل
عدم الانفساخ في غير العذر الشرعي. أما هو كمن استأجر شخصا لقلع سن مؤلمة فزال الألم فإن الإجارة تنفسخ كما مر
لوائل الباب لتعذر قلعها حينئذ شرعا.
(تنبيه) يستثنى من ذلك إجارة الإمام ذميا للجهاد وتعذر لصلح حصل قبل مسير الجيش فإنه عذر للإمام يسترجع
به كل الأجرة كما قاله الماوردي، وإفلاس المستأجر قبل تسليم الأجرة ومضى المدة يوجب للمؤجر الفسخ، كما
أطلقه في الروضة وأصلها في باب التفليس، وعم دخول الناس الحمام المستأجر بسبب فتنة حادثة أو خراب الناحية ليس
بعيب يثبت الخيار كما قاله الزركشي خلافا للروياني إذ لا خلل في المعقود عليه (ولو استأجر أرضا لزراعة فزرع فهلك
الزرع بجائحة) أصابته من سيل أو شدة برد أو حر أو أكل جراد أو غير ذلك (فليس له الفسخ ولا حط شئ
من الأجرة)
لأن الجائح لحقت زرع المستأجر لا منفعة الأرض، فلو تلفت الأرض بجائحة أبطلت قوة الانبات انفسخت الإجارة
في المدة الباقية، فلو تلف الزرع قبل تلف وتعذر إبداله قبل الانفساخ بتلفها لم يسترد من المسمى لما قبل التلف
شيئا كما رجحه ابن المقرى، لأن صلاحية الأرض لو يقيت لم يكن للمستأجر فيها نفع بعد فوات الزرع، وأما بعد التلف
فيسترد ما يقابله من المسمى لبطلان العقد فيه، وإن تلفت الأرض أولا استرد أجرة المستقبل وكذا الماضي كما في جواهر
فيسترد ما يقابله من المسمى لبطلان العقد فيه وإن تلفت الأرض أو لا استرد أجرة المستقبل وكذا الماضي كما في جواهر
القمولي وإن اقتضى كلام ابن المقرى خلافه (وتنفسخ) الإجارة (بموت الدابة والأجير المعينين) وكذا معين غير هما
355

لكن الانفساخ (في) الزمن (المستقبل) لفوات المعقود عليه، وهو المنفعة قبل قبضها كما ينفسخ البيع بتلف المبيع قبل قبضه.
(تنبيه) لا فرق بين أن يكون الموت بآفة سماوية أو بغيرها كإتلاف المستأجر. فإن قيل: لو أتلف المشترى المبيع
استقر عليه المثن فلا كان المستأجر كذلك؟ أجيب بأن البيع ورد على العين فإذا أتلفها صار قابضا لها، والإجارة
واردة على المنافع، ومنافع الزمن المستقبل معدومه لا يتصور ورود الاتلاف عليها، ولو قال المنصف وتنفسخ بتلف العين
المستأجر لكان أخصر وأشمل واستغنى عما قدرته (لا) في الزمن (الماضي) إذ كان بعد القبض ولمثله أجرة
(في الأظهر) لاستقرارها بالقبض (فيستقر قسطه من المسمى) موزعا على قيمة لمنفعة لاعلى الزمان، فلو كانت مدة
الإجارة سنة مثلا ومضى نصفها وأجرة مثله ضعف الباقي وجب من المسمى ثلثاه وإن كان بالعكس فثلثه،
والاعتبار بقيمة المنفعة حالة العقد لا بما بعده قاله القاضي حسين. والثاني ينفسخ فيه أيضا لأن العقد واحد وقد انفسخ
في البعض فلينسخ في الباقي. أما إذا كان قبل القبض أو بعده ولم يكن لمثله أجرة فإنه ينفسخ في الجميع، واحترز بالمعين
عما في الذمة فلا ينفسخ بتلفهما لأن العقد لم يرد عليهما، فإذا أحضرا وماتا في خلال المدة أبدلا كما مر (ولا تنفسخ)
الإجارة ولو ذمة كما في البسيط (بموت العاقدين) أو أحدهما بل تبقى إلى انقضاء المدة لأنها عقد لازم فلا تنفسخ بالموت
كالبيع، ويخلف المستأجر وارثه في استيفاء المنفعة، وإنما انفسخت بموت الأجير المعين لأنه مورد العقد لا لأنه عاقد فلا
يستثنى من عدم الانفساخ. لكن استثنى منه مسائل: منها ما لو أجر عبده المعلق عتقه بصفة فوجدت مع موته فإن
الإجارة تنفسخ على الأصح كما اقتضاه كلام الرافعي. ومنها ما لو أجرام ولده ومات المدة فإن الإجارة تنفسخ بموته
خلافا لما اقتضاه كلام الرافعي في باب الوقف. ومنها المدبر فإنه كالمعلق عتقه بصفة. ومنها موت البطن الأول كما سيأتي.
ومنها الموصى له بمنفعة دار مثلا مدة عمره، وما قيل من أن الوصية بالمنفعة إباحة لا تمليك فلا تصح إجارتها مردود
بأن ذلك محمله كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الوصية بأن ينتفع بالدار لا بمنفعتها كما هنا، ورد بعضهم استثناء هاتين
المسألتين بأن الانفساخ ليس لموت العاقد بل لانتهاء حقه بالموت وليس بظاهر (و) لا تنفسخ أيضا بموت (متولي)
أي ناظر (الوقت) من حاكم منصوبة أو من شرط له النظر على جميع البطون، ويستثنى من إطلاقه ما لو كان الناظر
هو المستحق للوقف وأجر بدون أجرة المثل فإنه يجوز له ذلك كما صرح به الإمام وغيره، فإذا مات في أثناء المدة انفسخت
كما قاله ابن الرفعة (ولو أجر البطن الأول) من الموقوف عليهم العين لا موقوفة (مدة ومات) البطن المؤجر (قبل تمامها)
وشرط الواقف لكل بطن منهم النظر في حصته مدة استحقاقه فقط (أو الولي صبيا) أو ماله (مدة لا يبلغ فيها) أو ماله (مدة لا يبلغ فيها) الصبي
(بالسن فبلغ) فيها (بالاحتلام) وهو رشيد كما قاله الماوردي وغيره (فالأصح انفساخها) فيها بقي من المدة (في
الوقت) لأن الوقف انتقل استحقاقه بموت المؤجر لغيره ولا ولاية له عليه ولا نيابة (لا) في (الصبي) فلا تنفسخ،
لأن الولي بنى صرفه على المصلحة. الثاني والثاني لا تنفسخ في الوقت كالملك وتنفسخ في الصبي لتبين عدم الولاية فيما بعد
البلوغ. أما الماضي من المدة فلا تنفسخ فيه، ولو كانت المدة يبلغ فيها بالسن بطلت الإجارة فيها بعد البلوغ، وفيما قبله.
قولا تفريق الصفقة، ولو أجر الولي ما المجنون فأفاق في أثناء المدة فكبلوغ الصبي بالاحتلام. أما إذا بلغ الصبي سفيها
فهو كالصبي في استمرار الولاية عليه.
(تنبيه) لو أجر أحد الموقوف عليهم المشروط له النظر بالأرشدية ثم مات انفسخت الإجارة في نصيبه خاصة كما
أشار إليه الأذرعي واعتمده الغزي في الفتوى. وقول المصنف البطن الأول ليس بقيد، بل كل البطون كذلك. قال
الزركشي، واحترز بقوله البطن الأول عما لو كان المؤجر الحاكم أو الواقف أو منصوبه ومات عن البطن الأول كما أوضحه
356

ابن الرفعة، فالصحيح عدم الانفساخ لأن العاقد ناظر للكل قال: ولو أجر الناظر الثاني فمات البطن الأول انتقلت
منافع الوقت إليهم فتنفسخ الإجارة لأنه صار مستحق المنافع ولا يستحق لنفسه على نفسه (و) الأصح (أنها تنفسخ)
في المستقبل (بانهدام) كل (الدار) الزوال الاسم وفوات المنفعة، بخلاف المبيع المقبوض لا ينفسخ البيع بتلفه في يد
المشترى لأن الاستيلاء في البيع حصل على جملة المبيع حصل على جملة المبيع والاستيلاء على المنافع عليها لا يحصل إلا شيئا فشيئا.
(تنبيه) لو هدمها المستأجر كان الحكم كذلك كما صرح به البغوي. وأما قول الشيخين في النكاح: طن
المستأجر
لو خرب الدار ثبت له الخيار فهو محمول على تخريب يحصل به تعييب لا هدم كامل، ولهذا زدت في المتن كل ليخرج ما لو
انهدم بعضها فإنها لا تنفسخ بل يثبت للمستأجر الخيار. نعم إن أمكن إصلاحه في الحال وأصلحه المؤجر سقط خيار المستأجر
و (لا) تنفسخ الإجارة بسبب (انقطاع ماء أرض استوجرت لزراعة) لبقاء الاسم مع إمكان زرعها بغير الماء المنقطع
(بل يثبت الخيار) للعيب وهو على التراخي لأن بسببه تعذر قبض المنفعة وذلك يتكرر بمرور الزمان. هذا إن لم يسق
المؤجر الماء إليها من موضع آخر مع بقاء وقت الزراعة ولم تمض مدة لمثلها أجرة وإلا فلا خيار.
(تنبيه) الانفساخ في الأولى وثبوت الخيار في الثانية هو المنصوص عليه فيهما. ومنهم من نقل وخرج وجعل
في المسألتين قولين، إذا لم يمكن زراعة الأرض بغير الماء المنقطع، فقضية ما ذكر أنه تنفسخ الإجارة، وهو كما قال
بعض المتأخرين ظاهر.
(فرع) تعطيل الرحى لانقطاع الماء والحمام لخلل الأبنية أو لنقص الماء في بئر ونحوه كانهدام الدار كما ذكراه
في الشرح والروضة آخر الباب، وقضية الانفساخ، والقياس ثبوت الخيار كانقطاع ماء الأرض لبقاء اسم الحمام والرحى
كما أشار إليه في المهمات (وغصب الدابة) وندها (وإباق العبد) بغير تفريط من المستأجر إذا وقعت الإجارة على عينهما
(يثبت الخيار) لتعذر الاستيفاء، وإذا فسخ انفسخ فيما بقي ما المدة وفيما مضى الخلاف السابق في موت الدابة المعينة.
نعم إن بادر المؤجر وانتزع من الغاصب ورد النادة والآبق قبل مضى مدة لمثلها أجرة سقط خيار المستأجر، وإنما لم
تنفسخ الإجارة لبقاء عين المعقود عليه، فإن أجازوا التقدير بالعمل كبعير يركبه إلي استوفاه متى قدر عليه لأن
المنفعة المقدرة بعمل وإن وجب تسليمها عقب العقد لا تفوت بمضي الزمان أو بالزمان انفسخت الإجارة فيما انقضى منه
واستعمل العين وفى الباقي، فإن لم يفسخ وانقضت المدة انفسخت الإجارة، فطن كان بتفريط من المستأجر لزمه المسمى
كما لو فرط في الرقبة ضمنها قاله الماوردي، وليس للمستأجر مخاصمة الغاصب المستعير والمودع.
(تنبيه) محل الخلاف في غصب الأجنبي: أما إذا غصبها المالك بعد القبض أو قبله بامتناعه من الاقباض فطريقان:
أحدهما كغصب الأجنبي، وأصحهما القطع بالانفساخ، وإن غصبها المستأجر ويتصور بأخذها من المالك بغير إذنه قبل
انقضاء الإجارة استقرت الأجرة عليه، وفى إجارة الذمة لاخيار وعلى المؤجر الابدال (ولو أكرى جمالا) بعينها أو
القاضي ليمونها) ومن يقوم بحفظها (من مال الجمال، فإن لم يجد له ما لا) ولم يكن في الجمال فضل (اقترض) القاضي
(عليه) من المكترى أو أجنبي أو بيت المال (فإن وثق) القاضي (بالمكترى دفعه) أي ما اقترضه (إليه) وإن اقترضه منه
لينفقه عليها (وإلا) بأن لم يثق به (جعله) أي ما اقترضه القاضي (عند ثقة) ينفق عليها (وله) أي القاضي إن لم يجد مالا
يقترضه كما في الروضة وأصلها (دان ببيع منها قدر النفقة) عليها وعلى متعهدها.
357

(تنبيه) أفهم قوله: فإن لم يجد له مالا أنه لو كان في الجمال المتروكة زيادة على حاجة المستأجر لا يقترض عليه كما
صرح به العراقيون بل يبيع الفاضل عن الحاجة، وأشار بقوله: منها إلي أنه لا يجوز له بيع جميعها خشية أن تأكل
أثمانها، وبه صرح جمع. قال الأذرعي: والظاهر أنه في إجارة الذمة إذا رأى المصلحة في بيعها ويكترى للمستأجر من
ثمنها كان له ذلك حيث يجوز له بيع مال الغائب للمصلحة (ولو أذن) القاضي (للمكترى في الانفاق) على الجمال
ومتعهدها (من ماله) أو مال غيره (ليرجع) بما أنفقه عليها وعلى متعهدها (جاز في الأظهر) كما لو اقترض ثم دفع إليه،
ولأنه محل ضرورة فقد لا يجد القاضي من يقرضه أو لا يراه. والثاني المنع ويجعل متبرعا.
(تنبيه) أفهم كلام المصنف أنه متى أنفق بغير إذن الحاكم لم يرجع، ومحله إذا أمكن، فإذا لم يكن كأن لم يكن
حاكم أو عسر إثبات الواقعة عند فأنفق وأشهد على ما أنفق ليرجع رجع ويحفظها القاضي بعد المدة أو يبيع منها بقدر
ما اقترض، وإن خشي أن تأكل نفسها لو باع بعضها باع الكل، والقول قوله في قدر ما أنفق إذا ادعى نفقة مثله في العادة
لأنه أمين، واحترز بقوله: أولا وتركها عما لو أخذها الجمال معه. وحكمه أن الإجارة إن كانت في المذمة اكترى الحاكم عليه من ماله، فإن لم يجدله مالا اقترض عليه واكترى، فإن تعذر الاكتراء عليه فللمستأجر الفسخ وإن كانت
إجارة عين فله الفسخ كما إذا ندت الدابة (ومتى قبض المكترى) العين المؤجرة (الدابة أو الدار) أو غير هما في إجارة
عين أو ذمة (وأمسكها حتى مضت مدة الإجارة استقرت الأجرة) عليه (وإن لم ينتفع) لتلف المنافع تحت يده فيستقر
عين أو ذمة (وأمسكها حتى مضت مدة الإجارة استقرت الأجرة) عليه (وإن لم ينتفع) لتلف المنافع تحت يده فيستقر
عليه البدل كالمبيع إذا تلف في يد المشترى، وسواء أترك الانتفاع اختيارا أم لعذر كخوف الطريق أو لعدم الرفقة مع
أنه لو خرج في حالة الخوف ضمنها، وليس له فسخ ولا إلزام المكرى باسترداد الدابة إلى تيسر الخروج لأنه إذا خاف
من الخروج إلى تكل البلدة أمكنة السير إلى بلد آخر واستعمالها تلك المدة، وإذا مضت المدة فليس له الانتفاع، فإن
فعل لزمه أجرة المثل مع المسمى.
(تنبيه) أفهم (تنبيه) أفهم قوله: قبضها أن المؤجر لو عرضها عليه فامتنع أو وضعها بين يديه أو خلى بينه وبين الدار ومضت
مدة الإجارة أن الأجرة لا تستقر، وليس مرادا، بل تستقر عليه الأجرة كما في البحر وغيره (وكذا لو اكترى دابة)
بركوب إلى موضوع) معين (وقبضها) أو عرضت عليه فامتنع أو وضعها بين يديه كما مر (و) لم يسر حتى (مضت مدة
إمكان السير إليه) فإن الأجرة تستقر عليه التمكين من المؤجر، وهذه الصورة في الإجارة المقدرة بالعمل والتي
قبلها في المقدرة بالمدة (وسواء فيه) أي المذكور من هاتين المسألتين (إجارة العين والذمة) وقوله (إذا سلم) المؤجر (الدابة
الموصوفة) للمستأجر قيد في إجارة الذمة لتعين حقه بالتسلم وحصول التمكين، فإن لم يسلمها إليه لم يستحق عليه الأجرة
لأن المعقود عليه في الذمة فلا يستقر بدله من غير استيفاء كالمسلم فيه.
(تنبيه) تقييد المصنف المسألة بالدابة قد يوهم أنه لو عقد على منفعة الحر ولم يستعمله حتى مضت المدة لا تستقر
الأجرة وليس مرادا وإن قال به القفال بل تستقر كما قاله الأكثرون، فلو قال المصنف أولا، ومتى قبض المكترى
الأجرة وليس مرادا وإن قال به القفال بل تستقر كما قاله الأكثرون، فلو قال المصنف أولا، ومتى قبض المكترى
المؤجر لشمل هذه المسألة. ثم أشار لفرع من قاعدة: أن فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه بقوله (وتستقر
في الإجارة الفاسدة) سواء أقدرت بعمل أم بمدة (أجرة المثل) سواء أكانت أكثر من المسمى أم لا (بما يستقر به
المسمى في الصحيحة) سواء انتفع بها أم لا، بخلاف المهر في النكاح الفاسد لا يجب إلا بالوطء، إذ اليد لا تثبت على
منافع البضع، وإنما لزمه أجرة المثل لأن الإجارة كالبيع والمنفعة كالعين، والبيع الفاسد كالصحيح في الضمان بالقبض
358

فكذا الإجارة.
(تنبيه) يستثنى من التسوية التخلية فإنها تكفى في قبض العقار في الإجارة الصحيحة ولا تكفى في الفاسدة، بل لابد من
القبض الحقيقي وكذا الوضع بين يديه يكفي في الصحيحة دون الفاسدة، وكذا لو عرض المؤجر العين على المستأجر في
المنفعة تحت يده ولم يوجد أحدهما، وعلى المستأجر في الفاسدة رد العين المؤجرة وليس له حبسها لاسترداد الأجرة كما
في التمة.
(قاعدة) كل فسد سقط فيه المسمى إلا إذا عقد الإجارة الذمة مع الكفار على سكنى الحجار فسكنوا ومضت
المدة فيجب المسمى لتعذر أجرة المثل لأنهم استوفوا المنفعة وليس لمثلها أجرة، إذا لا مثل لها تعتبر أجرته فرجع إلي المسمى
وخرج بالفاسدة بالباطلة كاستئجار صبي بالغا على عملي فعمله فإنه لا يستحق شيئا (ولو أكرى عينا مدة ولم يسلمها)
المكرى (حتى مضت تلك المدة (انفسخت) تلك الإجارة لفوات المعقود عليه قبل قبضه سواء استوفى المكرى تلك المنفعة
أم لا، وسواء أمسكها لقبض الأجرة أم لغيره، فإن مضى بعض المدة ثم سلمها انفسخت في الماضي وثبت الخيار في الباقي
(ولو لم يقدر) في الإجارة (مدة أجر) له دابة (لركوب إلى موضع) معين (ولم يسلمها) إليه (حتى مضت مدة) إمكان
(السير) إليه (فالأصح أنها) أي الإجارة (لا تنفسخ) لأن هذه الإجارة معلقة لا بالزمان فلم يتعذر الاستيفاء. والثاني
تنفسخ كما لو حبسها المكترى تلك المدة قبل الأجرة تستقر عليه. وأجاب الأول بأنا لو لم نقدر عليه الأجرة لضاعت
المنفعة على المكرى، وعلى الأول لاخيار للمكتري كما لا خيار للمشترى إذا امتنع البائع من تسليم المبيع ثم سلمه.
(تنبيه) احترز المصنف بالعين عن إجارة الذمة إذا لم يسلم ما تستوفى منه المنفعة مصت المدة التي يمكن فيها
استيفاؤها فلا فسخ ولا انفساخ قطعا لأنها دين تأخر وفاؤه (ولو أجر عبده ثم أعتقه) أو باعه أو وقفه (فالأصح) المنصوص
في الام، وعبر في الروضة بالصحيح (أنها لا تنفسخ الإجارة) لأن السيد تبرع بإزالة ملكة ولم تكن المنافع له وقت العتق
فلم يصادف العتق إلا الرقبة مسلوبة المنفعة، والثاني تنفسخ كموت البطن الأول.
(تنبيه) احترز المصنف بقوله: ثم أعتقه عما لو علق عتقه بصفة ثم أجره فوجدت الصفة في أثناء لمدة فإنه يعتق وتنفسخ
الإجارة، وعما لو أجر أم ولده ثم عتقت بموته فإن الإجارة تنفسخ كما اقتضاه كلام الروضة وأصلها هنا، وإن اقتضى
كلا منها في باب الوقف خلافه، ولو أجر أمته مدة ثم استولدها ثم مات في أثناء المدة لم تنفسخ كما قاله ابن الرفعة لتقدم
استحقاق المنفعة على سبب العتق (و) الأصح (أنه لاخيار للعبد) في فسخ لاجارة بعد العتق، لأن سيده تصرف في خالص
ملكه فلا ينقض ويستوفى المستأجر منفعته، والثاني له الخيار كالأمة تعتق تحت عبد. قال الروياني: وهو غلط لأن خيارها
ثبت لنقصه ولم يرض به وقت العقد، وهذا المعنى مفقود هنا (والأظهر) على الأول (أنه لا يرجع على سيده بأجرة ما بعد
تناول الرقبة خالية عن المنفعة بقية مدة الإجارة، ولا نفقة على السيد وينفق عليه من بيت المال لأن السيد قد زال ملكه
عنه وهو عاجز عن تعهد نفسه.
(تنبيه) أفهم كلام المصنف أمرين: أحدهما أنه لو مات المؤجر ثم أعتقه وارثه أنه لا يرفع العبد بشئ عليه
قطعا وهو كذلك، لأنه لم يعقد عليه عقدا ثم نقضه. ثانيهما أنه لو أقرض بعتق سابق على الإجارة عتق ولم يقبل فبي بطلان
الإجارة وأنه يغرم للعبد أجرة مثله، وهو كذلك كما نقلاه عن الشيخ أبى على قبيل كتاب الصداق وأقراه، وكما
359

لا تنفسخ الإجارة بطرو الحرية لا تنفسخ بطرو الرق، فلو استأجر مسلم حربيا فاسترق أو استأجر منه دارا في دار الحرب
ثم ملكها المسلمون لم تنفسخ الإجارة وإن أجر دارا بعبد ثم قبضه وأعتقه ثم انهدمت فالرجوع بقيمته، ولو ظهر بالعبد
عيب بعد العتق وفسخ المستأجر الإجارة ملك العتيق منافع نفسه لأنه صار مستقلا. فإن قيل لو بيع المؤجر وانفسخت
الإجارة أن المنفعة ترجع للبائع لا للمشترى كما يأتي آخر الباب فكان القياس أنها ترجع للسيد كما رجحه الأسنوي؟.
أجيب بأن العتق لما كان متقربا به والشارع متشوفا إليه كانت منافع له نظرا لمقصود من كمال تقربه، بخلاف
البيع ونحوه، ولو أجر المكاتب نفسه ثم عجره سيده انفسخت الإجارة لزوال ملكه عن نفسه، ولا تصح مكاتبة المؤجر
إذا لا يمكنه التصرف لنفسه (ويصح بيع) العين (المستأجرة) قبل انقضاء مدة الإجارة (للمكترى) لأنها بيده من غير حائل فأشبه
بيع المغصوب من الغاصب (ولا تنفسخ الإجارة في الأصح) لأن الملك لا ينافيها ولهذا يستأجر ملكه من المستأجر. والثاني تنفسخ
كما لو اشترى زوجته فان النكاح ينفسخ. وأجاب الأول بأنه إنما ينتقل إلى المشتري ما كان للبائع والبائع حين البيع ما كان
يملك المنفعة، بخلاف النكاح فإن السيد يملك منفعة بضع أمته المزوجة بدليل أنها لو وطئت بشبهة كان المهر للسيد لا للزوج.
(تنبيه) قول المصنف: في الأصح راجع إلى الانفساخ. أما البيع فصحيح قطعا كما في أصل الروضة (ولو باعها)
المؤجر أو وهبها (لغيره) أذن المستأجر أم لا (جاز في الأظهر) لأن ثبوت العقد على المنفعة لا يمنع بيع الرقبة كالأمة المزوجة
والثاني لا يجوز لأن يد المستأجر مانعة من التسليم. وأجيب بأن العين تؤخذ منه وتسلم للمشترى ثم تعاد إليه يستوفى منفعتها
إلى آخر المدة ويعفى عن القدر يعق التسليم فيه لأن يسير لا يثبت فيه خيار المستأجر كما لو انسدت بالوعة الدار فلا
خيار لأن زمن فتحها يسير.
(تنبيه) ما أطلقه المصنف من الصحة تبع فيه الجمهور، ومحله إذا كانت الإجارة مقدرة بالمدة. فإن قدرت بعمل
غير مقدر بمدة كأن استأجر دابة للركب إلي بلد كذا، فعن أبي الفرج الزوازان: البيع ممتنع قولا واحد الجهالة مدة السير
ذكره البلقيني، ويقاس بالبيع ما في معناه، ويستثنى من محل الخلاف مسألة هرب الجمال السابقة فإن يباع من الجمال قدر
النفقة، قالا ولا يخرج على الخلاف في بيع المستأجر لأنه محل ضرورة، والبيع الضمني كأعتق عبدك عنى على كذا فأعتقه
عنه وهو مستأجر فإنه يصح قطعا لقوة العتق كما نقلاه عن القفال في كفارة الظهارة وأقراه (ولا تنفسخ) الإجارة بما ذكر
قطعا كما لا ينفسخ النكاح ببيع الأمة المزوجة من غير الزوج فتبقى في يده المستأجر إلى انقضاء المدة، وللمشتري الخيار إن
جهل الإجارة، وكذا إن علمها وجهل المدة كما قاله الرافعي في باب بيع الأصول والثمار، ولو قال علمت بالإجارة
ولكن ظننت أن لي أجرة ما يحدث على ملكي من المنفعة. قال الغزالي في فتاويه: ثبت له الخيار إن كان ممن يشتبه عليه
ذلك. وأجاب أبو بكر الشاشي بالمنع. قال الزركشي: والأول أوجه لأنه مما يخفى فإن علمها ولم يكن ذلك فلا
خيار
ولا أجرة، وإن جهل ثم علم وأجار فلا أجرة له لبقية المدة كما قاله البغوي، ولو وجده المستأجر به عيبا وفسخ الإجارة
أو عرض ما تنفسخ به الإجارة فمنفعة بقية المدة بقية المدة للبائع في أحد وجهين رجحه ابن المقرى لا للمشترى لأنه لم يملك منافع
تلك المدة ولان الفسخ يرفع العقد من حينئذ لامن أصله.
(خاتمة) لو ألزم ذمته نسج ثوب على أن ينسجه بنفسه لم يصح التزامه لأنه غرر فإنه ربما يموت قبل النسخ،
ولو استأجر شخصا للخدمة ولو مطلقا عن ذكر وقتها وتفصيل أنواعها صح، وحمل الاطلاق على العرف في المستأجر
والأجير رتبة وذكورة وأنوثة ومكانا ووقتا وغيرها، وإن استأجر للخبز بين أن ما يخبزه أرغفة أو أقراص غلاظ أو
والأجير رتبة وذكورة وأنوثة ومكانا ووقتا وغيرها، وإن استأجر للخبز بين أن ما يخبزه أرغفة أو أقراص غلاط أو
رقاق، وأنه يخبر في فرق أن تنور، وحطب الخبار كحبر النساخ فيعتبر فيه العرف، وعلى الأجير لغسل الثياب أجرة
من يحملها إليه، لأن حملها إليه من تمام الغسل إلا إن شرطت الأجرة على المستأجر فتلزمه، ولو استعار دابة
ليركبها إلى بلد فركبها إليه ردها إلي المكان الذي سار منه ولو راكبا لها لأن الرد لازم له، فالاذن يتناوله بالعرف
360

كتاب إحياء الموات وما يذكر معه
قال الرافعي في الشرح الصغير: الموات الأرض التي لا ماء لها ولا ينتفع بها أحد. وقال الماوردي والروياني: حد
الموات عند الشافعي ما لم يكن عامرا ولا حريما لعامر، قرب من العامر أو بعد. وكلام المتن يوافق ذلك حيث قال هنا:
(الأرض التي لم تعمر قط) وقال فيما بعد: ولا يملك بالاحياء حريم معمور. والأصل فيه قبل الاجماع أخبار كخبر: من
عمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها رواه البخاري، والتمليك به مستحب كما ذكره في المهذب ووافق عليه المصنف
لحديث: من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر وما أكلت العوافي - أي طلاب الرزق منها - فهو صدقة رواه النسائي وغيره
وصححه ابن حبان. قال ابن الرفعة: وهو قسمان أصلي وهو ما لم يعمر قط، وطارئ وهو ما خرب بعد عمارة الجاهلية.
ولا يشترط في نفي العمارة التحقق بل يكفي عدم تحققها بأن لا يرى أثرها ولا دليل عليها من أصل شجر ونهر وجدر
وأوتاد ونحوها، وحكمها (إن كانت) تلك الأرض (ببلاد الاسلام فللمسلم) أي يجوز له (تملكها بالاحياء) وإن لم
يأذن له فيه الإمام اكتفاء بإذن رسول الله (ص) كما وردت به الأحاديث المشهورة، ولأنه مباح كالاحتطاب والاصطياد،
لكن يستحب استئذانه خروجا من الخلاف. نعم لو حمى الإمام لنعم الصدقة موضعا من الموات فأحياه شخص لم يملكه
إلا بإذن الإمام لما فيه من الاعتراض على الأئمة.
تنبيه: تعبير المصنف بالتملك قد يفهم من التكليف، لأن الصبي والمجنون لا يتملكان بل يملكان، وكلام القاضي
أبي الطيب يفهم، لكن الأصح أنه لا فرق كما صرح به الماوردي والروياني. ويرد على قوله: فللمسلم ما لو تحجر مسلم
361

مواتا ولم يترك حقه ولم تمض مدة يسقط فيها حقه فلا يحل للمسلم تملكه، وإن كان لو فعل ملكه، وإن حمل الجواز في كلامه
على الصحة فلا إيراد. ويستثنى من إطلاقه تملك الأرض التي لم تعمر ما تعلق بها حق المسلمين عموما، كالطريق والمقبرة
وكذا عرفة ومزدلفة ومنى وما حماه النبي (ص) لنعم الصدقة كما ذكره بعد، ومن مفهوم قوله: لم تعمر قط ما كان
معمورا في الجاهلية ثم خرب وبقي آثار عمارتهم فللمسلم تملكه كما سيذكره. وما عمره الكافر في موات دار الاسلام
فإنه لا يملكه كما قال، (وليس هو) أي إحياء الأرض المذكورة، (لذمي) ولا لغيره من الكفار كما فهم بالأولى وإن
أذن له فيه الإمام، لأنه استعلاء وهو ممتنع عليهم بدارنا. فلو أحيا ذمي أرضا نزعت منه ولا أجرة عليه فلو نزعها منه
مسلم وأحياها ملكها، وإن لم يأذن له الإمام كما في زيادة الروضة، إذ لا أثر لفعل الذمي، فإن بقي له فيها عين نقلها. ولو
زرعها الذمي وزهد فيها صرف الإمام الغلة في المصالح، ولا يحل لاحد تملك الغلة، وللذمي والمستأمن الاحتطاب والاحتشاش
والاصطياد بدارنا ونقل تراب من موات دارنا لا ضرر علينا فيه، أما الحربي فيمنع من ذلك، لكن لو أخذ شيئا من
ذلك ملكه كما قاله المتولي. (وإن كانت) تلك الأرض (ببلاد الكفار) دار حرب وغيرها، (فلهم إحياؤها) مطلقا، لأنه
من حقوق دارهم ولا ضرر علينا فيه فيملكونه بالاحياء كالصيد. (وكذا للمسلم) أيضا إحياؤها (إن كانت مما لا يذبون)
بكسر المعجمة وضمها: أي يدفعون، (المسلمين عنها) كموات دارنا، ولا يملكها بالاستيلاء لأنها غير مملوكة لهم
حتى يملك عليهم. فإن ذبوهم عنها فليس له إحياؤها كما صرح به في المحرر. واقتضاه كلام المصنف كالمعمور من بلادهم.
وإذا استولينا عليها وهم يذبون عنها فالغانمون أحق بإحياء أربعة أخمساها وأهل الخمس أحق بإحياء الخمس، فإن أعرض
كل الغانمين عن إحياء ما يخصهم فأهل الخمس أحق به كالمتحجر لأنهم شركاؤهم فكانوا أحق به اختصاصا. فإن
صالحناهم على أن البلد لنا وهم يسكنون بجزية فالمعمور منها فئ ومواتها الذي كانوا يذبون عنه يتحجر لأهل الفئ على ا
الأصح فيحفظه الإمام لهم فيكون فيئا في الحال. أو صالحناهم على أن البلد لهم فالمتحجر في ذلك الموات لهم تبعا للمعمور،
كما أن تحجر موات دارنا لنا تبعا للمعمور. فإن فني الذميون فكنائسهم في دار الاسلام كسائر أموالهم التي فنوا عنها
ولا وارث لهم. وبيع النصارى التي في دار الاسلام لا تملك بالاحياء. والمراد بدار الاسلام كل بلدة بناها المسلمون
كبغداد والبصرة، أو أسلم أهلها عليها كالمدينة واليمن، أو فتحت عنوة كخيبر وسواد العراق، أو صلحا على أن تكون
الرقبة لنا وهم يسكنونها بخراج، وإن فتحت على أن الرقبة لهم فمواتها كموات دار الحرب، ولو غلب الكفار على بلدة
يسكنها المسلمون كطرسوس لا تصير دار حرب. (وما كان معمورا) من بلاد الاسلام أو غيرها وإن خصصه بعض
الشراح ببلاد الاسلام، (فلمالكه) إن عرف مسلما كان أو ذميا أو نحوه أو لوارثه، ولا يملك ما خرب منه بالاحياء.
نعم استثنى الماوردي ما أعرض عنه كافر قبل القدرة عليه فإنه يملك بالاحياء.
تنبيه: شمل كلامه ما كان معمورا في الحال أو معمورا في الزمن السابق ثم اندرس، بل هو في هذا أظهر وأولى
من قول المحرر: والمعمور لا يدخل الاحياء فيه بل هو لمالكه. (فإن لم يعرف) مالكه (والعمارة إسلامية فمال)
أي فهذا المعمور مال (ضائع) لأنه لمسلم أو ذمي أو نحوه وأمره إلى الإمام في حفظه إلى ظهور مالكه، أو بيعه وحفظ
ثمنه أو استقراضه على بيت المال.
تنبيه: لو خربت قرية للمسلمين وتعطلت ولم يعرف مالكها فهل للإمام إعطاؤها لمن يعمرها؟ وجهان: أوجههما
أن له ذلك أخذا من قول السبكي. وكل ما لا يعرف مالكه ولا يرجى ظهوره فهو لبيت المال فيجوز للإمام أن يأذن فيه
كسائر مال بيت المال. ويؤخذ منه أيضا ما عمت به البلوى من أخذ العشور والمكوس وجلود البهائم ونحوها التي تذبح
وتؤخذ من ملاكها بغير اختيارهم وغير ذلك وتصير بعد ذلك لا يعرف ملاكها أنها تصير لبيت المال. (وإن كانت) أي
العمارة، (جاهلية) بأن كان عليها آثار عماراتهم، (فالأظهر) وحكى جمع الخلاف على وجهين، (أنه) أي ما كان
362

معمورا جاهليا ثم خرب، (يملك بالاحياء) إذ لا حرمة لملك الجاهلية. والثاني المنع لأنها ليست بموات.
تنبيه: محل الخلاف إذا كانت ببلادهم وهم لا يذبون عنه، وإلا فظاهر أنه لا يملك بالاحياء كما علم مما مر. وإن شككنا
في معمور أنه عمر في الجاهلية أو الاسلام، قال في المطلب: فيه الخلاف المذكور في الركاز الذي جهل حاله، أي وقد تقدم
أنه لقطة. والأرض العامرة إذا لبسها رمل أو غرقها ماء فصارت بحرا ثم زال الرمل أو الماء فهي لمالكها إن عرف،
وما ظهر من باطنها يكون له، ولو لبسها الوادي بتراب آخر فهي بذلك التراب له كما في الكافي، وإلا فإن كانت إسلامية
فمال ضائع، أو جاهلية فتملك بالاحياء على ما مر. وأما الجزائر التي تربيها الأنهار فإن كان أصلها من أراضي بلاد كما
هو مشاهد في نهر النيل فحكمها حكم تلك البلدة، وإلا بأن ربيت من أرض النهر وليست حريما لمعمور فهي
موات، وإن
وقع الشك في ذلك فأمرها لبيت المال. هذا ما يظهر من كلامهم، ولم أر من حقق هذا المحل. (ولا يملك بالاحياء حريم
معمور) لأن مالك المعمور مستحق لمرافقه، ولهذا سمي حريما لتحريم التصرف فيه على غيره.
تنبيه: قد يفهم كلامه أن الحريم غير مملوك، وهو وجه والأصح خلافه، لكنه لا يباع وحده كما قاله أبو عاصم
العبادي، كما لا يباع شرب الأرض وحده. (وهو) أي الحريم، (ما تمس الحاجة إليه لتمام الانتفاع) بالمعمور وإن حصل
أصل الانتفاع بدونه.
تنبيه: كان الأولى تقديم بيان الحريم على حكمه، لأن الحكم على الشئ فرع عن تصوره. (فحريم القرية) المحياة
(النادي) وهو المجلس الذي يجتمعون فيه يندون: أي يتحدثون. ولا يسمى المجلس ناديا إلا والقوم فيه، ويطلق النادي
على أهل المجلس أيضا. وعبارة المحرر: مجتمع النادي وهي أولى. نعم إن قدر في كلام المصنف مضاف محذوف وهو مجتمع
ساوى تعبير المحرر. (ومرتكض الخيل) بفتح الكاف وهو مكان سوقها. أي إذا كانوا خيالة كما قاله الإمام وغيره. (ومناخ
الإبل) بضم الميم بخطه، وهو الموضع الذي تناخ فيه إذا كانوا أهل إبل على قياس ما قاله الإمام. (ومطرح) السرجين والقمامات،
و (الرماد ونحوها) كمراح غنم وسيل ماء وملعب صبيان. وكذا المرعى والمحتطب المستقلان القريبان كما قاله الإمام، وكذا
البعيدان كما قاله البغوي واقتضاه كلام القاضي وغيره. وينبغي كما قال الأذرعي أن يكون محله إذا لم يفحش بعدهما عن
القرية وكانا بحيث يعدان من مرافق القرية، أما إذا لم يستقلا ولكن كان يرعى ويحتطب منهما عند خوف البعد فليسا
بحريم. (وحريم البئر) المحفورة (في الموات موقف النازح) منهما وهو القائم على رأس البئر ليستقي. أما المحفورة في ملكه
فيعتبر فيها العرف.
تنبيه: عبارة المحرر: البئر المحفورة في الموات وهي حسنة، فإن عبارة المصنف مشكلة من حيث الاعراب، إذ
لا يصح قوله في الموات أن يكون حالا من المضاف إليه، إذ شرط الحال من المضاف إليه أن يكون المضاف عاملا
فيها أو يكون المضاف جزءا من المضاف إليه أو كجزئه، وهنا ليس كذلك. وقد يقال: إن حريم البئر كجزئها فيكون
كقوله تعالى: * (اتبع ملة إبراهيم حنيفا) *. (والحوض) بالرفع، وكذا المعطوفات بعده عطف على موقف. والمراد به ما يصب
النازح فيه ما يخرجه من البئر، وكذا عبر في المحرر وغيره بمصب الماء. ومراد المصنف أن الحريم موضع الحوض، وكذا
يقدر الموضع في المعطوفات على الحوض. (والدولاب) بضم الدال أشهر من فتحها، فارسي معرب إن كان الاستقاء به
كما قيداه في الروضة وأصلها. (ومجتمع الماء) الذي يطرح فيه ما يخرج من الحوض لسقي الماشية والزرع، وبهذا يندفع
ما قيل أن ذكر المجتمع مع الحوض تكرار. (ومتردد) النازح من (الدابة) إن استقى بها أو الآدمي، أما البئر المتخذة
للشرب فيعتبر حريمها بموضع وقوف المستقي منها. ولو حفر بئرا في موات بحيث نقص به ماء الأولى منع في الأصح، وعليه
363

فهو معتبر في حريم الموات. (وحريم الدار) المبنية (في الموات مطرح رماد وكناسة وثلج) في بلد يثلج فيه للحاجة إلى ذلك.
(وممر في صوب الباب) ليتوقف الانتفاع بها عليه، والمراد بصوب الباب جهته، وليس المراد منه استحقاقه قبالة الباب
على امتداد الموات بل لغيره إحياء ما في قبالة الباب إذا ألقى له ممرا، ولو احتاج إلى انعطاف وازورار. وفناء جدران الدار
وهو ما حواليها من الخلاء المتصل بها ليس حريما لها في أوجه وجهين نقله ابن الرفعة عن النص والزركشي عن الأكثرين،
ولكن يمنع من حفر بئر بقربها ومن سائر ما يضر بها كإلصاق جداره أو رمله بها لأنه تصرف بما يضر ملك غيره. (وحريم
آبار القناة) المحياة، (ما لو حفر فيه) أي الحريم، (نقص ماؤها أو خيف) عليها (الانهيار) أي السقوط. ويختلف ذلك باختلاف
الأراضي صلابة ولينا، ولا يحتاج إلى موقف نازح ولا شئ مما مر في بئر الاستقاء بل إلى حفظها وحفظ مائها. أما لو
حفر بئرا في ملكه ثم حفر آخر بئرا في ملكه فلا يمنع وإن نقص ماء غيره، والفرق أن الحفر في الابتداء تملك فلا يمكن منه
إذا تضرر به الغير، وهنا كل متصرف في ملكه فلا يمنع منه.
تنبيه: ما جعله المصنف حريما هو بالنسبة إلى حفر الآبار لا مطلقا، فإنه يجوز لغيره أن يبني في الحريم المذكور كما قاله
الزركشي. ومحله أيضا إذا انتهى الموات إليه فإن كان ثم ملك قبل تمام حد الحريم فالحريم إلى انتهاء الموات. وضبط
المصنف بخطه آبار بهمزة بعد الموحدة الساكنة، ويجوز تقديم الهمزة على الموحدة وقلبها ألفا، قال الجار بردي: والأول
أكثر استعمالا. (والدار المحفوفة بدور) بأن أحييت كلها معا، (لا حريم لها) إذ ليس جعل موضع حريما لدار أولى من جعله
حريما لاخرى.
تنبيه: قوله: المحفوفة ليس بقيد بل مثلها كل ما لا موات حوله، ومنه غير المحفوفة إذا كانت بطريق نافذ كما قاله
الرافعي في باب بيع الأصول والثمار لأنه لعامة المسلمين، بخلاف ما إذا كانت في غير نافذ. (ويتصرف كل واحد) من
الملاك (في ملكه على العادة) في التصرف وإن تضرر به جاره أو أدى إلى إتلاف ماله، كمن حفر بئر ماء أو حش فاختل
به جدار جاره أو تغير بما في الحش ماء بئره، لأن في منع المالك من التصرف في ملكه مما يضر جاره
ضررا لا جابر له.
(فإن تعدى) بأن جاوز العادة في التصرف، (ضمن) ما تعدى فيه لافتئاته. (والأصح أنه يجوز) للشخص (أن يتخذ داره
المحفوفة بمساكن حماما) ولفظه مذكر، وطاحونة ومدبغة (واصطبلا) وفرنا (وحانوته في البزازين حانوت حداد) وقصار
ونحو ذلك كأن يجعله مدبغة. لكن (إذا احتاط وأحكم الجدران) إحكاما يليق بما يقصده، لأنه يتصرف في خالص ملكه
وفي منعه إضرار به. والثاني: المنع للاضرار به. ورد بأن الضرر لا يزال بالضرر. وعلى الأول لو فعل ما الغالب فيه ظهور
الخلل في حيطان الجار كدق عنيف يزعج الحيطان، أو حبس الماء في ملكه بحيث تسري النداوة إلى جدار الجار فالأصح
المنع. والحاصل كما قاله الزركشي منع ما يضر الملك دون المالك، ويستثنى منه ما تقدم قريبا من أنه لو حفر بئرا في
ملكه يلزم من حفره سقوط جدار جاره أنه يجوز له. واستثنى بعضهم من ذلك أيضا ما لو كان له دار في سكة غير نافذة
فليس له جعلها مسجدا ولا حماما ولا حانوتا ولا سبيلا إلا بإذن الشركاء كما قال شيخنا، وفيه نظر. ووجهه أن الشخص
لا يمنع من التصرف في ملكه، وهذا هو المعتمد كما مر في باب الصلح. ولو دق فاهتز الجدار فانكسر ما كان معلقا فيه،
قال العراقيون: فإن سقط في حالة الدق ضمن وإلا فلا، وقال القاضي: لا ضمان في الحالين، وهذا هو الظاهر.
تنبيه: لو أخر المصنف قوله: فإن تعدى ضمن عن قوله الأصح إلخ لكان أولى. (ويجوز إحياء موات الحرم)
364

كما يملك عامره بالبيع وغيره، (دون عرفات) فلا يجوز إحياؤها (في الأصح) وإن كانت من غير الحرم لتعلق الوقوف
بها، كالحقوق العامة من الطرق ومصلى العيد في الصحراء وموارد الماء. وقد عمت البلوى بالعمارة على شاطئ النيل
والخلجان، فيجب على ولي الأمر ومن له قدرة منع من يتعاطى ذلك. والثاني: إن ضيق امتنع، وإلا فلا. (قلت: ومزدلفة
ومنى كعرفة، والله أعلم) فلا يجوز إحياؤهما في الأصح لحق المبيت والرمي وإن لم يضق به المبيت والمرمى. وقد عمت
البلوى بالبناء بمنى وصار ذلك لا ينكر، فيجب على ولي الأمر هدم ما فيها من البناء والمنع من البناء فيها.
تنبيه: ظاهر كلامه أن هذا الحكم منقول، وأن خلاف عرفة يجري فيه وبه صرح في التصحيح. والذي
في الروضة أن ذلك على سبيل البحث، فإنه قال: ينبغي أن يكون الحكم في أرض منى ومزدلفة كعرفات لوجود المعنى،
وقال ابن الرفعة: ينبغي القطع لضيقه بخلاف عرفات. قال الأسنوي: والمتجه المنع من البناء بمزدلفة، ولو قلنا بما
رجحه الرافعي من استحباب المبيت بها لكونه مطلوبا حينئذ. فينبغي أن يكون المحصب كذلك لأنه يستحب للحجيج
إذا نفروا أن يبيتوا به، قال الولي العراقي: لكنه ليس من مناسك الحج، فمن أحيا شيئا منه ملكه اه‍. وهذا هو
المعتمد.
(ويختلف الاحياء بحسب الغر ض) والرجوع فيه إلى العرف، فإن الشرع أطلقه ولا حد له في اللغة فيرجع فيه إليه كالقبض
والحرز في السرقة، وهو في كل شئ بحسبه، والضابط التهيئة للمقصود. (فإن أراد) إحياء الموات (مسكنا اشترط) فيه
لحصوله (تحويط البقعة) بآجر أو لبن أو قصب بحسب عادة ذلك المكان.
تنبيه: قضية كلام الشيخين الاكتفاء بالتحويط بذلك من غير بناء، ونص في الإمام على اشتراط البناء وهو
المعتمد كما في التنبيه وغيره. (و) اشترط أيضا (سقف بعضها) ليتهيأ للسكنى، وفيه وجه أنه لا يشترط. (وتعليق) بعين
مهملة: أي نصب باب لأن العادة في المنازل أن يكون لها أبواب، وما لا (باب) له لا يتخذ مسكنا. (وفي) تعليق (الباب
وجه) أيضا أنه لا يشترط، لأن فقده لا يمنع السكنى وإنما ينصب لحفظ المتاع. ولو قال: وفيهما وجه كان أولى، فإن في
السقف أيضا وجها كما مر.
تنبيه: أفهم كلامه أن السكنى لا تشترط في إحياء ما ذكر، وبه صرح المتولي وغيره. (أو) أراد إحياء الموات
(زريبة دواب) أو نحوها كحظيرة لجمع ثمار وغلات وغيرها، (فتحويط) بالبناء بما جرت به العادة. ولا يكفي نصب سعف
وأحجار من غير بناء لأن المجتاز بفعل ذلك والمتملك لا يقتصر عليه عداة. (لا سقف) فلا يشترط في إحياء الزريبة لأن
العادة فيها عدمه. ولو حوط لها ببناء من طرف، واقتصر في الباقي على نصب أحجار أو سعف، قال القاضي: كفى، وخالفه
الخوارزمي، والأوجه الأول. (وفي) نصب (الباب الخلاف) السابق في المسكن. ولو حفر قبرا في موات كان إحياء
لتلك البقعة وملكه كما قال الزركشي، كما لو بنى فيها ولم يكن، بخلاف ما لو حفر قبرا في أرض مقبر مسبلة فإنه لا يختص به
إذا السبق فيها بالدفن لا بالحفر. (أو) أراد إحياء الموات، (مزرعة) بفتح الراء أفصح من ضمها وكسرها. (فجمع
التراب) ونحوه كحجر وشوك (حولها) يشترط في إحيائها لينفصل المحي عن غيره لجدار الدار، ولا حاجة إلى التحويط
لأنه العرف. (وتسوية الأرض) بطم المنخفض وكسح المستعلي وحرثها إن لم تزرع إلا به وتلبين ترابها ولو بما يساق إليها
لتتهيأ للزراعة. (وترتيب ماء لها) بشق ساقية من نهر أو بحفر بئر أو قناة أو نحو ذلك.
تنبيه: أفهم تعبيره بترتيب أنه لا يشترط السقي بالفعل وهو كذلك، فإذ حفر طريقه ولم يبق إلا إجراؤه كفى
وإن لم يجر، فإن هيأه ولم يحفر طريقه كفى أيضا في أحد وجهين، ورجحه في الشرح الصغير. هذا (إن لم يكفها المطر
365

المعتاد) فإن كفاها لم يحتج لترتيب الماء. ويستثنى من ترتيب الماء صورتان: إحداهما أرضي الجبال التي لا يمكن سوق
الماء إليها ولا يكفيها المطر المعتاد، فإنها تملك بالحراثة، وجمع التراب في أحد وجهين اقتضى كلام الرافعي
ترجيحه ونقله
الخوارزمي عن سائر الأصحاب. الثانية: أراضي البطائح، وهي بناحية العراق غلب عليها الماء فالشرط في إحيائها حبس
الماء عنها عكس غيرها، ذكره الماوردي و الروياني وغيرهما. و (لا) يشترط في إحيائها (الزراعة في الأصح) لأنه
استيفاء منفعة الأرض، وهو خارج عن الاحياء كما لا يعتبر في إحياء الدار سكناها. والثاني: يشترط، إذ الدار لا تصير محياة
إلا إذا جعل فيها عين مال المحيي، فكذا المزرعة وما يبذر فيها يقال له زريعة بتخفيف الراء وجمعها زرائع، وأما الحصاد
فلا يشترط جزما. (أو) أراد إحياء الموات (بستانا فجمع التراب) يشترط حول الأرض كالمزرعة. وحكم الكرم حكم
البستان. (والتحويط حيث جرت العادة به) عملا بها، وإن جرت بتحويط ببناء اشترط أو بقصب أو شوك كفى، أو
اكتفت بجمع تراب كفى، فعلم بذلك أنه لا يشترط الجمع بين التحويط وجمع التراب. وعبارة المصنف تقتضي اشتراط
جمع التراب مع التحويط، وليس مرادا، إذ لا معنى له، فلو قيد التراب بحالة عدم التحويط كان أولى. وعبارته توهم
أيضا أنه لا يشترط شئ من ذلك في موضع إن لم يعتد. وعبارة الروضة والشرحين: ولا بد من التحويط والرجوع فيما
يحوط به إلى العادة. (وتهيئة ماء) على ما سبق في المزرعة. (ويشترط) في إحياء الموات بستانا، (الغرس على المذهب)
وقيل: لا يشترط كالزرع في المزرعة. وفرق الأول بينهما بأن اسم المزرعة يقع على الأرض قبل الزرع بخلاف البستان قبل
الغرس، ولان الغرس للدوام فالتحق ببناء الدار بخلاف الزرع، ومن شرط الزرع في المزرعة شرط الغرس في البستان
بطريق الأولى، فهذه طريقة ثانية قاطعة بالاشتراط.
تنبيه: قد يفهم كلامه الاكتفاء بغرس البعض، وهو كذلك كما صححه في البسيط، لكن يشترط كما قال الأذرعي
غرس ما يسمى به بستانا. ويبعد الاكتفاء بغرس شجرة أو شجرات في أرض واسعة، ولا يشترط أن يثمر الغراس.
وسكت المصنف عن نصب الباب، وظاهره أنه لا يشترط، وهو كذلك وإن صرح الحاوي الصغير تبعا للغزالي باشتراطه.
ويشترط في إحياء البئر خروج الماء وطي البئر الرخوة أرضها بخلاف الصلبة، وفي إحياء بئر القناة خروج الماء وجريانه. ولو
حفر نهرا ممتدا إلى النهر القديم بقصد التملك ليجري فيه الماء ملكه ولو لم يجره، كما لا يشترط السكنى في إحياء المسكن. (ومن
شرع في عمل إحياء) لنوع فغيره لنوع آخر ملكه بما يحيي به ذلك النوع، كأن شرع في عمل بستان ثم قصد أن يجعله
مزرعة ملكه بما تملك به المزرعة. وكلام ابن المقري في روضه محمول على ذلك، لا على ما حمله شيخنا عليه من أنه لو حوط
البقعة ملكها وإن قصد المسكن، لأنه مما تملك به الزريبة لو قصدها. واعترضه بأنه احتمال للإمام مخالف لكلام الأصحاب.
ولو شرع في عمل إحياء (ولم يتمه) كأن حفر أساسا أو جمع ترابا (أو أعلم) عطف على شرع، أي جعل له علامة
العمارة، (على بقعة بنصب أحجار أو غرز خشبا) فيها أو نحو ذلك كأن خط خطا أو جمع ترابا حولها، (فمتحجر)
لذلك المحل في الصور المذكورة، لأنه بذلك منع غيره منه. (وهو أحق به) من غيره: يعني مستحقا له دون غيره، لحديث
أبي داود: من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له ولان الاحياء يفيد الملك فليفد الشروع فيه الامتناع كالاستيام
مع الشراء. وهذه الأحقية أحقية احتصاص لا ملك، لأن سببه الاحياء ولم يوجد. ولها شرطان، أحدهما: أن لا يزيد
على قدر كفايته، فإن خالف كان لغيره أن يحيي ما زاد على كفايته كما قاله المتولي، وقيل: لا يصح بحجره أصلا. الثاني:
القدرة على تهيئة الاكمال، فلو تحجر ما يعجز عن إحيائه كان لغيره إحياء الزائد كما مر. ولما كانت أحقية المتحجر
ما يحجره قد توهم أحقية الملك استدرك المصنف بقوله: (لكن الأصح) المنصوص (أنه لا يصح بيعه) أي أحقية
366

اختصاص المتحجر كما قاله الإمام وغيره، ولا هبته كما قاله الماوردي خلافا للدارمي، لأن حق التملك لا يباع ولا يوهب
كحق الشفعة، ولكن له نقله إلى غيره وإيثاره به كإيثار بجلد الميتة قبل الدباغ، ويصير الثاني أحق به ويورث عنه.
والثاني: يصح بيعه، وبه قال أبو إسحاق، وكأنه يتبع حق الاختصاص كبيع علو البيت للبناء والسكنى دون أسفله. فإن
قيل، ما استدركه المصنف مستدرك كما قيل، فإن عدم البيع مناسب لعدم الملك المفهوم من لفظ الأحقية. أجيب بأن
قوله أحق وأعم فيصدق بالأحقية مع الملك فيقتضي صحة البيع، فلذلك دفعه بقوله: لكن إلخ.
تنبيه: قال الزركشي: والعجب من احتجاجهم لمنع البيع بحق الشفعة مع أن أبا إسحاق يخالف فيه أيضا،
وكذلك في مقاعد الأسواق، وهل يجري خلافه في المساجد والريط ونحوها؟ الظاهر المنع فيمتنع الاعتياض عنها قطعا
لأنها عين ولا منفعة كما قطعوا به في امتناع العوض على حق القسم، ويشبه أن يكون النزول عن الوظائف مثله لأنه
ملك أن ينتفع بها لا المنفعة اه‍. (و) الأصح (أنه لو أحياه) شخص (آخر ملكه) وإن عصى بذلك، كما لو دخل في سوم
أخيه واشترى. والثاني: لا يملكه لئلا يبطل حق غيره.
تنبيه: محل الخلاف إذا لم يعرض عن العمارة، فإن أعرض عنها ملكه المحيي قطعا. قال الرافعي: والخلاف
في هذه المسألة شبيه بما إذا عشش الطائر في ملكه وأخذ الفرح غيره هل يملكه، وكذا لو توحل طير في أرضه أو وقع الثلج فيها ونحو ذلك اه‍.
وقد وقع في ذلك اضطراب، وسيأتي تحريره إن شاء الله تعالى في آخر الوليمة. (ولو طالت مدة التحجر) ولم
يحي ويرجع في طولها للعرف، (قال له السلطان) أو نائبه: (أحي أو اترك) ما تحجرته. لأنه ضيق على الناس في حق مشترك
فمنع منه كما لو وقف في شارع. (فإن استمهل) المتحجر (أمهل مدة قريبة) يستعد فيها للعمارة وتقديرها إلى رأي الإمام،
وقيل: تقدر بثلاثة أيام، وقيل: بعشرة أيام. فإذا مضت المدة ولم يعمر بطل حقه من غير رفع إلى سلطان. وقضية هذا
أنه لا يبطل حقه بمضي المدة بلا مهلة، وهو ما بحثه الشيخ أبو حامد، لكنه خلاف منقوله الذي جزم به الإمام من أنه
يبطل بذلك لأن التحجر ذريعة إلى العمارة، وهي لا تؤخر عنه إلا بقدر أسبابها، ولهذا لا يصح تحجر من لا يقدر على
تهيئة لأسباب كمن تحجر ليعمر في قابل، وكفقير تحجر إذا قدر فوجب إذا أخر وطال الزمان أن يعود مواتا كما كان.
وقال السبكي: ينبغي إذا عرف الإمام أنه لا عذر له في تطويل المدة انتزعها منه في الحال، وكذا إن لم تطل المدة وعلم
أنه معرض عن العمارة.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه لا فرق في طلب الامهال بين أن يكون يعذر أو بغيره، وبه صرح الروياني، وهو
خلاف قضية كلام الروضة وأصلها فإنهما قالا: فإن ذكر عذرا أو استمهل أمهل مدة قريبة اه‍. وهذا هو الظاهر كما
يؤخذ من كلام السبكي السابق. (ولو أقطعه الإمام مواتا) لا لتمليك رقبته، (صار) بمجرد الاقطاع (أحق بإحيائه)
من غيره، يعني مستحقا له دون غيره. (كالمتحجر) لتظهر فائدة الاقطاع. ولو قال المصنف، صار كالمتحجر لكان
أخصر وأشمل ليأتي فيه سائر أحكام التحجر. لكن يستثنى هنا كما قال الزركشي ما أقطعه النبي (ص)
فلا يملكه الغير بإحيائه قياسا على أنه لا ينقض ما حماه، أما إذا أقطعه لتمليك رقبته فيملكه كما ذكره المصنف في مجموعه
في باب الركاز. والأصل في الاقطاع خبر الصحيحين: أنه (ص) أقطع الزبير أرضا من أموال بني النضير،
وخبر الترمذي وصححه: أنه (ص) أقطع وائل بن حجر أرضا بحضرموت.
تنبيه: هل يلحق المندرس الضائع بالموات في جواز الاقطاع؟ فيه وجهان أصحهما في البحر نعم، بخلاف الاحياء.
فإن قيل: هذا ينافي ما مر من جعله كالمال الضائع. أجيب بأن المشبه لا يعطي حكم المشبه به في جميع الوجوه، والحاصل
أن هذا مقيد لذاك. وأما إقطاع العامر فعلى قسمين: إقطاع تمليك، وإقطاع استغلال، والأول أن يقطع الإمام ملكا
أحياه بالاجراء والوكلاء أو اشتراه أو وكيله في الذمة فيملكه المقطع بالقبول والقبض إن أبدا أو أقت بعمر المقطع، وهو
367

العمري، ويسمى معاشا، والاملاك المتخلفة عن السلاطين الماضية بالموت والقتل ليست بملك للإمام القائم بل لورثتهم
إن تبينوا وإلا فكالأموال الضائعة. ولا يجوز إقطاع أراضي الفئ تمليكا ولا إقطاع الأراضي التي اصطفاها الأئمة لبيت
المال من فتوح البلاد: إما بحق الخمس، وإما باستطابة نفوس الغانمين، ولا إقطاع أراضي الخراج صلحا. وفي إقطاع
أراضي من مات من المسلمين ولا وارث له وجهان، والظاهر منهما المنع. ويجوز إقطاع الكل معاشا. الثاني: أن يقطع
غلة أراضي الخراج. قال الأذرعي: ولا أحسب في جواز الاقطاع للاستغلال خلافا إذا وقع في محله لمن هو من أهل
النجدة قدرا يليق بالحال من غير مجازفة اه‍. أي فيملكها المقطع له بالقبض ويختص بها من
قبله. فإن أقطعها من أهل الصدقات بطل، وكذا من أهل المصالح وإن جاز أن يعطوا من مال الخراج شيئا، لكن بشرطين: أن يكون
بمال مقدر قد وجب بسبب استباحته كالتأذين والإمامة وغيرهما، وأن يكون قد حل المال ووجب لتصح الحوالة به.
ويخرج بهذين الشرطين عن حكم الاقطاع. وإن أقطعها من القضاة ومن كتاب الدواوين جاز سنة واحدة، وهل تجوز
الزيادة عليها؟ وجهان: أصحهما المنع إن كان جزية، والجواز إن كان أجرة. ويجوز إقطاع الجندي من أرض عامرة
للاستغلال بحيث تكون منافعها له ما لم ينزعها الإمام، وقضية قول المصنف في فتاويه: إنه يجوز له إجارتها أنه يملك
منفعتها. قال بعض المتأخرين: وما يحصل للجندي من الفلاح من مغل وغيره فحلال بطريقه، وما يعتاد أخذه من رسوم
ومظالم فحرام. والمقاسمة مع الفلاح حيث البذر منه منعها الشافعي رضي الله تعالى عنه وغيره، وحينئذ فالواجب على
الفلاح أجرة الأرض، وإذا وقع التراضي على أخذ المقاسمة عوضا من أجرة الأرض، وإن كان ذلك جائزا، فحق على الجندي
المتورع أن يرضي الفلاح في ذلك، ولا يأخذ منه إلا ما يقابل أجرة الأرض. وإن كان البذر من الجندي فجميع المغل
له، وللفلاح أجرة مثل ما عمل، فإن رضي الفلاح عن أجرته بالمقاسمة جاز. (ولا يقطع) الإمام (إلا) شخصا (قادرا
على الاحياء، و) يكون ما يقطعه له (قدرا يقدر عليه) لو أراد إحياءه لأنه منوط بالمصلحة.
تنبيه: المراد بالقدرة ما يعم الحسية والشرعية، فلا يقطع الذمي في دار الاسلام، (وكذا التحجر) فلا يتحجر
الشخص إلا أن يقدر على الاحياء وقدرا يقدر على إحيائه، فإن زاد فالأقوى في الروضة أن لغيره إحياء الزائد كما
مرت الإشارة إليه. (والأظهر أن للإمام) أو نائبه (أن يحمي) بفتح أوله، ويجوز ضمه: أي يمنع عامة المسلمين، (بقعة
موات لرعي نعم جزية) وهو ما يؤخذ بدلا عن النقد المأخوذ في الجزية، وفيما إذا قال قوم نؤدي الجزية باسم الصدقة.
(و) لرعي نعم (صدقة) تطوع، (و) لرعي نعم (ضالة) وتستعمل الضالة في غير النعم
أيضا. (و) لرعي نعم شخص (ضعيف عن النجعة) بضم النون: وهي الابعاد في طلب المرعى، بأن يمنع
الناس من رعيها بحيث لا يضرهم بأن
يكون قليلا من كثير بحيث تكفي بقيته الناس، لأنه (ص) حمى النقيع - بالنون، وقيل: بالباء - لخيل المسلمين،
رواه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه. والثاني: المنع، لخبر: لا حمى إلا لله ولرسوله رواه البخاري.
تنبيه: أهمل المصنف خيل المجاهدين، وهي أحق من غيرها، إذ الحمى الوارد في الحديث كان لها. قال
الأذرعي: ويشبه أن يلحق بها الظهر الذي يحتاجون إليه في الغزو. وكان الأحسن للمصنف تقديم ضالة أو تأخيرها
حتى لا ينقطع النظير عن النظير. ويحرم على الإمام وغيره من الولاة أن يأخذ من أصحاب المواشي عوضا عن الرعي في
الحمى أو الموات بلا خلاف، وكذا يحرم عليه أن يحمي الماء العد: أي العذب لشرب خيل الجهاد، وإبل الصدقة،
والجزية وغيرهما. (و) الأظهر (أن له) أي الإمام، (نقض) أي رفع (ما حماه) وكذا ما حماه غيره من الأئمة
إن ظهرت المصلحة في نقضه، وإن أوهمت عبارته اختصاص النقد بالحامي فإنه قول مرجوح. وقوله: (للحاجة) إليه:
أي عندها كما في المحرر، بأن ظهرت المصلحة فيه بعد ظهورها في الحمى. وللحاجة متعلق ب‍ نقض لا بما حماه، وليس
هذا من نقض الاجتهاد بالاجتهاد. الثاني: المنع، لتعينه تلك الجهة، كما لو عين بقعة لمسجد أو مقبرة. وعلى الأول لو
368

أحياه محي بإذن الإمام ملكه وكان الاذن منه نقضا، وليس له أن يجيبه بغير إذنه لما فيه من الاعتراض على تصرف الإمام
وحكمه. أما ما حماه (ص) فليس لأحد من الأئمة نقضه، لأنه نص عليه فلا ينقض ولا يغير بحال ولو استغني عنه، فمن
زرع فيه أو غرس أو بنى قلع. وحكى صاحب الرونق قولا وصححه أنه لا يجوز نقض ما حماه الخلفاء الأربعة رضي
الله تعالى عنهم. قال السبكي: وهذا غريب لكنه مليح فإن فعلهم أعلى من فعل كل إمام بعدهم. (ولا يحمي) الإمام
(لنفسه) قطعا، لأن ذلك من خصائصه (ص)، ولم يقع ذلك منه، وعليه يحمل خبر البخاري السابق الذي
استدل به القول المرجوح. وخرج بالإمام ونائبه غيرهما، فليس له أن يحمي. وليس للإمام أن يدخل مواشيه ما حماه
للمسلمين لأنه من الأقوياء، ويندب له ولنائبه أن ينصب أمينا يدخل فيه دواب الضعفاء ويمنع منه إدخال دواب الأقوياء،
فإن رعاه قوي منع منه ولا يغرم شيئا. قال في الروضة: وليس هذا مخالفا لما ذكرناه في الحج أن من أتلف شيئا من
نبات النقيع ضمنه على الأصح، لأن ما هنا في الرعي فهو من جنس ما أحمي له، وما هناك في الاتلاف بغيره. ولا يعزر
أيضا، قال ابن الرفعة: ولعله فيمن جهل التحريم وإلا فلا ريب في التعزير اه‍. ولعلهم سامحوا في ذلك كما سامحوا في الغرم.
فصل: في حكم المنافع المشتركة: (منفعة الشارع) الأصلية (المرور) فيه لأنه وضع لذلك. وتقدمت هذه
المسألة في
الصلح، وعبر المصنف هناك عن الشارع بالطريق النافذ، وذكرت هنا توطئة لما بعدها. وخرج بالأصلية المنفعة بطريق
التبع المشار إليها بقوله: (ويجوز الجلوس به) ولو في وسطه (لاستراحة ومعاملة ونحوهما) كانتظار رفيق وسؤال، وله
الوقوف فيه أيضا. قال ابن الصباغ: وللإمام مطالبة الواقف بقضاء حاجته أو الانصراف. هذا كله (إذا لم يضيق على
المارة) فيه، لقوله (ص): لا ضرر ولا ضرار في الاسلام. (ولا يشترط) للجلوس في الشارع (إذن الإمام) لاطباق
الناس عليه من غير نكير.
تنبيه: شمل إطلاقه الذمي، وفي ثبوت هذا الارتفاق له وجهان: أوجههما كما قال ابن الرفعة وتبعه السبكي الثبوت
وإن لم يأذن الإمام. وليس للإمام ولا لغيره من الولاة أن يأخذ ممن يرتفق بالجلوس في الشارع ولو لبيع ونحوه عوضا
قطعا، قاله في زيادة الروضة. قال السبكي: وقد رأينا في هذا الزمان من وكلاء بيت المال من يبيع من الشارع ما يقول
إنه يفضل عن حاجة المسلمين، وهذا لا يقتضيه قول أحد لأن البيع يستدعي تقدم الملك، ولو جاز ذلك لجاز
بيع الموات، ولا قائل به. قال ابن الرفعة: وفاعل ذلك لا أدري بأي وجه يلقى الله تعالى. قال الأذرعي: وفي معنى
ذلك الرحاب الواسعة بين الدور في المدن، فإنها من المرافق العامة كما صرح به في البحر. وقد نقل في الشامل الاجماع
على منع إقطاع المرافق العامة، وللإمام أن يقطع بقعة ارتفاقا لا بعوض ولا تمليكا فيصير المقطع أحق به كالمتحجر، ولا
يجوز لاحد تملكه بالاحياء. ويجوز الارتفاق أيضا بغير الشارع كالصحاري لنزول المسافرين إن لم يضر النزول بالمارة.
وأما الارتفاق بأفنية المنازل في الاملاك، فإن أضر ذلك بأصحابها منعوا من الجلوس فيها إلا بإذنهم، وإلا فإن كان
الجلوس على عتبة الدار لم يجز إلا بإذن مالكها، وله أن يقيمه ويجلس غيره. ولا يجوز أخذ أجرة على الجلوس في فناء
الدار، ولو كانت الدار لمحجور عليه لم يجز لوليه أن يأذن فيه، وحكم فناء المسجد كفناء الدار. (وله) أي الجالس في
الشارع (تظليل مقعده) أي موضع قعوده في الشارع (ببارية) بتشديد التحتانية كما في الدقائق وحكي تخفيفها:
نوع ينسج من قصب كالحصير. (وغيرها) مما لا يضر بالمارة كثوب وعباءة لجريان العادة به، فإن كان مثبتا ببناء
لم يجز كبناء الدكة. وله وضع سرير في أحد احتمالين لصاحب الكافي يظهر ترجيحه، ويختص الجالس بمكانه ومكان
متاعه ومعامليه، وليس لغيره أن يضيق عليه في المارة بحيث يضر به في الكيل والوزن والاخذ والعطاء، فله أن
369

يمنع واقفا بقربه إن منع رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه. وليس له منع من قعد لبيع مثل متاعه إذا لم
يزاحمه فيما
يختص به من المرافق المذكورة. (ولو سبق إليه) أي مكان من الشارع، (اثنان) وتنازعا في موضع منه، (أقرع) بينهما لعدم
المزية. (وقيل: يقدم الإمام) أحدهما (برأيه) كمال بيت المال. وهذا كما قال الدارمي إذا كانا مسلمين، أما إذا كان أحدهما
مسلما والآخر ذميا فالمسلم مقدم مطلقا. (ولو جلس فيه للمعاملة) أو للحرفة كالخياطة، (ثم فارقه) أي موضع جلوسه (تاركا)
للمعاملة أو (للحرفة أو منتقلا إلى غيره بطل حقه) بمفارقته لاعراضه عنه. قال الأذرعي: وسواء فيه المقطع وغيره فيما
أراه. (وإن فارقه) ولو بلا عذر، (ليعود) إليه (لم يبطل) حقه منه، لخبر مسلم: إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق
به. وإذا فارقه بالليل فليس لغيره مزاحمته في اليوم الثاني، وكذا الأسواق التي تقام في كل أسبوع أو في كل شهر مرة إذا
اتخذ فيها مقعدا كان أحق به في النوبة الثانية، ولو أراد غيره الجلوس فيه مدة غيبته إلى أن يعود جاز إن كان لغير معاملة
وكذا المعاملة على الأصح. (إلا أن تطول مفارقته) له بعذر أو بغيره، (بحيث ينقط معاملوه عنه ويألفون) في معاملتهم (غيره)
فيبطل حقه وإن ترك فيها شيئا من متاعه، لأن الغرض من الموضع المعين أن يعرف فيعامل.
تنبيه: قضية إطلاقه أنه لافرق بين أن يجلس بإقطاع الإمام أو لا، وهو كذلك كما صححه في أصل الروضة. وقيل،
لا يبطل فيما إذا جلس بإقطاع الإمام، وجزم به في التنبيه وأقره المصنف في تصحيحه وجزم به في نكته. وخرج بجلس
لمعاملة ما لو جلس لاستراحة أو نحوها فإنه يبطل حقه بمفارقته، وكذا لو كان جوالا - وهو من يقعد كل يوم في موضع من
السوق - فإنه يبطل بمفارقته. ويكره الجلوس في الشارع للحديث ونحوه إلا أن يعطي الطريق حقه من غض البصر
وكف الأذى ورد السلام والامر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ورد في تفسيره بذلك في الخبر. (ومن ألف من المسجد موضعا
يفتي فيه) الناس (ويقرئ) القرآن أو الحديث أو الفقه أو غيرها من العلوم المتعلقة بعلوم الشرع كنحو وصرف ولغة، فحكمه
(كالجالس في) مقعد في (شارع لمعاملة) في التفصيل السابق.
تنبيه: فهم من إلحاق المصنف المسجد بالشارع أنه لا يشترط فيه إذن الإمام، وهو كذلك كما قاله الإمام، إذ المساجد
لله تعالى، وإن قيده الماوردي بصغار المساجد، قال: وأما كبارها والجوامع فيعتبر فيه إذن الإمام إن كان عادة البلد ا
لاستئذان فيه. وقد يخرج بقوله: يفتي ويقرئ جلوس الطالب، لكن في زيادة الروضة أن مجلس الفقيه حال تدريس
المدرس في مجلس أو مدرسة الظاهر فيه دوام الاختصاص اه‍. وهذا هو المعتمد إذا كان أهلا للجلوس فيه كما قاله الأذرعي،
أما إذا كان لا يفيد ولا يستفيد فلا معنى له. (ولو جلس فيه) أي المسجد (لصلاة لم يصر أحق به في) صلاة (غيرها) لأن
لزوم بقعة معينة للصلاة غير مطلوب بل ورد فيه نهي، وبقاع المسجد لا تختلف بخلاف مقاعد الأسواق. فإن قيل:
هذا ممنوع لأن ثوا ب الصلاة في الصف الأول أفضل من غيره. أجيب بأن الصف الأول ينحصر في بقعة بعينها. فإن
قيل: قد تفوته فضيلة القرب من الإمام. أجيب بأن له طريقا إلى تحصيله بالسبق الذي طلبه الشارع.
تنبيه: أفهم كلام المصنف الأحقية في تلك الصلاة، حتى لو استمر إلى وقت صلاة أخرى فحقه باق، وهو كذلك.
وشمل ما لو كان الجالس صبيا وهو الأصح في شرح المهذب. ويلحق بالصلاة الجلوس في المسجد لسماع وعظ أو حديث،
أي أو قراءة في لوح مثلا، وكذا من يطالع منفردا بخلاف من يطالع لغيره، ولم أر من تعرض لذلك، وهو ظاهر. (فلو
فارقه) قبل الصلاة (لحاجة) كإجابة داع ورعاف وقضاء حاجة، (ليعود) بعد فراغ حاجته، (لم يبطل اختصاصه)
370

به (في تلك الصلاة في الأصح) وعبر في الروضة بالصحيح. (وإن لم يترك) في ذلك الموضع (إزاره) أو نحوه كسجادة لحديث
مسلم المار. والثاني: يبطل كغيرها من الصلاة.
تنبيه: محل الخلاف إذا لم تقم الصلاة في غيبته، أما لو أقيمت واتصلت الصفوف فالوجه كما قال الأذرعي وغيره
سد الصف مكانه. وقضية كلامه طرد الخلاف فيما لو كان دخل لانتظار الصلاة قبل دخول وقتها
وخرج قبل دخول وقتها ليعود، وهو كذلك وإن قال الأذرعي لم أر فيه تصريحا اه‍. وقول الزركشي: ينبغي أن يستثنى من حق السبق ما لو قعد
خلف الإمام وليس أهلا للاستخلاف، أو كان ثم من هو أحق منه بالإمامة فيؤخر ويقدم الأحق موضعه لخبر: ليليني منكم
أولو الأحلام والنهى. ممنوع إذ الصبي إذا سبق إلى الصف الأول لا يؤخر.
مسألة: وهي كثيرة الوقوع: لو بسط شخص شيئا في مسجد مثلا ومضى أو بسط له كان لغيره تنحيته كما جزم به
الرافعي في باب الجمعة خلافا للمروزي. ولو نوى اعتكاف أيام في المسجد فخرج لما يجوز الخروج له في الاعتكاف وعاد
كان أحق بموضعه وخروجه لغير ذلك ناسيا كذلك كما بحثه شيخنا. وإن نوى اعتكافا مطلقا فهو أحق بموضعه ما لم يخرج
من المسجد كما صرح به في الروضة. ويندب منع من يجلس في المسجد لمبايعة وحرفة إذ حرمته تأبى اتخاذه حانوتا، وتقدم
في باب الاعتكاف أن تعاطي ذلك فيه مكروه. ولا يجوز الارتفاق بحريم المسجد إذ أضر بأهله، ولا يجوز للإمام الاذن
فيه حينئذ وإلا جاز. ويندب منع الناس من استطراق حلق القراء والفقهاء في الجوامع وغيرها توقيرا لهم. (ولو سبق رجل
إلى موضع من رباط مسبل) في طريق أو طرف بلد وهو ممن يسكنه مثله، (أو) سبق (فقيه إلى مدرسة أو
صوفي) وهو واحد
الصوفية، (إلى خانقاه) وهي مكان الصوفية، (لم يزعج) منه، سواء أذن له الإمام أم لا. (ولم يبطل حقه) منه بخروجه لشراء
حاجة) كشراء طعام، (ونحوه) كصلاة وحمام، سواء أخلف فيه غير أم متاعه أم لا، وسواء أدخله بإذن الإمام أم لا، إلا إن
شرط الواقف أن لا يسكن أحد إلا بإذن الإمام، بخلاف ما إذا خرج لغير حاجة.
تنبيه: ظاهر قوله: لو سبق إلخ أنه لا يحتاج في الدخول إلى إذن الناظر، وليس مرادا للعرف كما أفتى به ابن الصلاح
والمصنف، وإن حمله ابن العماد على ما إذا جعل الواقف للناظر أن يسكن من شاء ويمنع من شاء لما في ذلك من الافتيات على
الناظر. وإن سكن بيتا وغاب ولم تطل غيبته عرفا ثم عاد فهو باق على حقه وإن سكنه غيره، لأنه ألفه مع سبقه إليه.
ولا يمنع غيره من سكناه مدة غيبته على أن يفارقه إذا حضر، فإن طالت غيبته بطل حقه. ولو طال مقام المرتفق في شارع
ونحوه كمسجد لم يزعج إلا في الربط الموقوفة على المسافرين، فلا يزادون على ثلاثة أيام بلياليها إلا لخوف أو مطر. ولو شرط
الواقف مدة لم يزد عليها، وعند الاطلاق يعمل بالعرف فيقيم الطالب في المدرسة الموقوفة على طلبة العلم حتى يقضي غرضه
أو يترك التعلم والتحصيل فيزعج، ويؤخذ من هذا كما قاله السبكي أنه إذا نزل في مدرسة أشخاص للاشتغال بالعلم وحضور
الدرس وقدر لهم من الجامكية ما يستوعب قدر ارتفاع وقفها لا يجوز أن ينزل زيادة عليهم بما ينقص ما قرر لهم من المعلوم
لما في ذلك من الاضرار بهم. وفي فوائد المهذب للفارقي في آخر زكاة الفطر: يجوز للفقهاء الإقامة في الربط وتناول معلومها،
ولا يجوز للمتصوف القعود في المدارس وأخذ شئ منها لأن المعنى الذي يطلق به اسم المتصوف موجود في حق الفقيه، وما
يطلق به اسم الفقيه غير موجود في الصوفي. ويجوز لكل أحد من المسلمين دخول المدارس والأكل والشرب والنوم
فيها ونحو ذلك مما جرى العرف به، لا السكنى إلا الفقيه أو بشرط الواقف.
فرع: النازلون بموضع في البادية في غير مرعى البلد لا يمنعون ولم يزحموا - بفتح الحاء - على المرعى والمرافق إن ضاقت،
فإن استأذنوا الإمام في استيطان البادية ولم يضر نزولهم بابن السبيل راعى الأصلح في ذلك، وإذا نزلوها بغير
371

إذن وهم غير مضرين بالسابلة لم يمنعهم من ذلك إلا إن ظهر في منعهم مصلحة فله ذلك.
فصل: في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض: (المعدن) وسبق بيانه في باب زكاته. وهو نوعان: ظاهر
وباطن، فالمعدن (الظاهر وهو ما خرج) أي برز جوهره (بعلاج) أي عمل، وإنما العمل والسعي في تحصيله، وقد
يسهل وقد لا يسهل، (كنفط وهو بكسر النون أفصح من فتحها وإسكان الفاء فيهما: ما يرمى به. قال الزركشي:
وهو يكون على وجه الماء في العين، وفي الصحاح أنه اسم لدهن. (وكبريت) وهو بكسر أوله: عين تجري ماء فإذا
جمد ماؤها صار كبريتا أبيض وأصفر وأحمر وأكدر، ويقال إن الأحمر الجوهر ولهذا ضربوا به المثل في العزة فقالوا:
أعز من الكبريت الأحمر، يقال إن معدنه خلف بلاد وادي النمل الذي مر به سليمان صلوات الله وسلامه عليه وعلى
سائر الأنبياء، يضئ في معدنه، فإذا فارقه زال ضوؤه. (وقار) وهو الزفت، ويقال فيه قير. (ومومياء) وهو بضم
الميم الأولى وبالمد وحكي القصر: شئ يلقيه الماء في بعض السواحل فيجمد فيه فيصير كالقار، وقيل: إنه أحجار سود
باليمن خفيفة فيها تخويف. وأما التي تؤخذ من عظام الموتى فهي نجسة. (وبرام) بكسر الموحدة جمع برمة بضمها:
حجر يعمل منه القدر. (وأحجار رحى) وأحجار نورة ومدر وجص وملح مائي وكذا جبلي إن لم يحوج إلى حفر
وتعب. (لا يملك بالاحياء) هذا خبر قوله المعدن. وقوله: (ولا يثبت فيه اختصاص بتحجر ولا إقطاع) من سلطان،
معطوف على الخبر لأن هذه الأمور مشتركة بين الناس مسلمهم وكافرهم كالماء والكلأ، لأنه (ص)
أقطع رجلا ملح مأرب فقال رجل: يا رسول الله إنه كالماء العد - أي العذب - قال: فلا إذن رواه أصحاب السنن الأربعة
وصححه ابن حبان. وظاهر هذا الحديث وكلام المصنف أنه لا فرق في الاقطاع بين إقطاع التمليك وإقطاع الارفاق، وهو
كذلك وإن قيد الزركشي المنع بالأول. وليس للإمام أن يقطع أرضا ليأخذ حطبها أو حشيشها أو صيدها، ولا بركة ليأخذ
سمكها. ولا يدخل في هذه الأشياء تحجر كما لا يدخل إقطاع، وقد مر في زكاة المعدن أنه يطلق على المخرج وهو المراد
هنا وعلى البقعة، وإذا كان كذلك فلا تساهل في عبارة المصنف كما قيل. وأما البقاع التي تحفر بقرب الساحل ويساق
إليها الماء فينعقد فيها ملحا فيجوز إحياؤها وإقطاعها. (فإن ضاق نيله) أي الحاصل منه على اثنين مثلا جاء إليه، (قدم
السابق) إليه (بقدر حاجته) منه لسبقه ويرجع فيها إلى ما تقتضيه عادة أمثاله كما قاله الإمام وأقراه، وقيل: إن أخذ لغرض
دفع فقر أو مسكنة مكن من أخذ كفاية سنة أو العمر الغالب على الخلاف الآتي في قسم الصدقات. (فإن طلب زيادة
على حاجته (فالأصح إزعاجه) إن زوحم عن الزيادة، لأن عكوفه عليه كالتحجر. والثاني: يأخذ منه ما شاء لسبقه.
(فلو جاءا) إليه (معا) ولم يكف الحاصل منه لحاجتهما وتنازعا في الابتداء، (أقرع) بينهما (في الأصح) لعدم المزية.
والثاني: يجتهد الإمام ويقدم من يراه أحوج. والثالث: ينصب من يقسم الحاصل بينهما.
تنبيه: ظاهر كلامه أنه لا فرق بين أن يأخذ أحدهما للتجارة والآخر للحاجة أم لا، وهو المشهور. ولو كان
أحدهما مسلما والآخر ذميا قدم المسلم كما بحث الأذرعي نظير ما مر في مقاعد الأسواق. (والمعدن الباطن، وهو ما لا يخرج)
أي يظهر جوهره (إلا بعلاج كذهب وفضة وحديد) ورصاص (ونحاس) وفيروزج وياقوت وعقيق وسائر الجواهر
المبثوثة في طبقات الأرض، (لا يملك بالحفر والعمل) في موات بقصد التملك، (في الأظهر) كالمعدن الظاهر. والثاني:
يملك بذلك إذا قصد التملك كالموات. وفرق الأول بأن الموات يملك بالعمارة وحفر المعدن تخريب، ولان الموات إذا ملك
يستغني المحيي عن العمل، والنيل مبثوث في طبقات الأرض يحوج كل يوم إلى حفر وعمل، نعم هو أحق به. وإذا طال
372

مقامه ففي إزعاجه الخلاف السابق في الظاهر. ولو ازدحم عليه اثنان وضاق عنهما فعلى ما سبق من الأوجه في المعدن
الظاهر، ولقطعة ذهب أبرزها السيل أو أتى بها حكم المعدن الظاهر.
تنبيه: سكوت المصنف عن الاقطاع هنا يفهم جوازه، وهو الأظهر، لأنه (ص) أقطع بلال بن الحرث المعادن
القبلية رواه أبو داود، وهي بفتح القاف والباء الموحدة: قرية بين مكة والمدينة يقال لها الفرع بضم الفاء وإسكان الراء.
وهذا الاقطاع إقطاع إرفاق كمقاعد الأسواق، وقيل: تمليك كإقطاع الموات. (ومن أحيا موتا فظهر فيه معدن باطن)
كذهب (ملكه) جزما، لأنه بالاحياء ملك الأرض بجميع أجزائها ومن أجزائها المعدن، بخلاف الركاز فإنه مودع فيها
ومع ملكه له لا يجوز له بيعه على الأصح في الروضة، لأن مقصود المعدن النيل وهو مجهول، فلو قال مالكه لشخص:
ما استخرجته منه فهو لي ففعل فلا أجرة له، أو قال: فهو بيننا فله أجرة النصف، أو قال له: كله لك فله أجرته، والحاصل
مما استخرجه في جميع الصور للمالك لأنه هبة مجهول وخرج بظهر ما إذا كان عالما بأن بالبقعة المحياة معدنا فاتخذ عليه
دارا، ففيه طريقان: أحدهما أنه على القولين في تملكه بالاحياء وهو قضية إطلاق المحرر، فيكون الراجح عدم تملكه
لفساد القصد، وهو المعتمد كما هو في بعض نسخ الروض المعتمدة. والطريق الثاني: القطع بأنه يملكه، ورجحه في الكفاية.
وخرج بالباطن الظاهر فلا يملكه بالاحياء
إن علمه لظهوره من حيث إنه لا يحتاج إلى علاج. أما إذا لم يعلمه فإنه يملكه
كما في الحاوي، نقله عنه الشارح وهو المعتمد. فحاصله أن المعدنين حكمهما واحد وإن أفهمت عبارة المصنف أن الظاهر
لا يملك مطلقا. وأما بقعة المعدنين فلا يملكها بالاحياء مع علمه بهما لفساد قصده، لأن المعدن لا يتخذ دارا ولا مزرعة
ولا بستانا أو نحوها.
تنبيه: إنما خص المعدن بالذكر لأن الكلام فيه، وإلا فمن ملك أرضا بالاحياء ملك طبقاتها حتى
الأرض السابعة. (والمياه المباحة من الأودية) كالنيل والفرات ودجلة، (والعيون) الكائنة (في الجبال)
ونحوها من الموات
وسيول الأمطار، (يستوي الناس فيها) لخبر: الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار رواه ابن ماجة بإسناد
جيد، فلا يجوز لاحد تحجرها ولا للإمام إقطاعها كما نقله القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما. ولو حضر
اثنان فصاعدا أخذ كل ما شاء، فإن ضاق وقد جاءا معا قدم العطشان لحرمة الروح، فإن استويا في العطش أو
في غيره أقرع بينهما، وليس للقارع أن يقدم دوابه على الآدميين، بل إذا استووا استؤنفت القرعة بين الدواب. ولا
يحمل على القرعة المتقدمة لأنهما جنسان، وإن جاءا مترتبين قدم السابق بقدر كفايته إلا أن يكون مستقيا لدوابه
والمسبوق عطشان فيقدم المسبوق. والمراد بالمباح ما لا مالك له، واحترز به عن الماء المملوك وسيذكره.
فرع: كل أرض وجد في يد أهلها نهر لا تسقى تلك الأرض إلا منه ولم يدر أنه حفر أو انحفر حكم لهم بملكه
لأنهم أصحاب يد وانتفاع. والظاهر كما قال الأذرعي أن صورة المسألة أن يكون منبعه من أراضيهم المملوكة لهم،
أما لو كان منعه بموات أو كان يخرج من نهر عام كدجلة فلا، بل هو باق على الإباحة. قال الزركشي: ولو كان على الماء
المباح قاطنون فأهل النهر أولى به، قاله أبو الطيب. وفي معنى ذلك حافات المياه التي يعم جميع الناس الارتفاق بها فلا
يجوز تملك شئ منها بإحياء ولا بابتياع من بيت المال ولا غيره، وقد عمت البلوى بالأبنية على حافات النيل كما عمت
بالقرافة مع أنها مسبلة اه‍. وقد مرت الإشارة إلى بعض ذلك. (فإن أراد قوم سقي أراضيهم) بفتح الراء بلا ألف بعدها،
(منها) أي المياه المباحة، (فضاق) الماء عنهم وبعضها أعلى من بعض، (سقي الاعلى فالأعلى) ولو كان زرع الأسفل
قبل أن ينتهي الماء إليه، فلا يجب على من فوقه إرساله إليه كما قاله أبو الطيب. (وحبس كل واحد) منهم (الماء حتى
يبلغ الكعبين) لأنه (ص) قضى بذلك رواه أبو داود بإسناد حسن، وهذا ما عليه الجمهور. وقال
373

الماوردي: ليس التقدير بالكعبين في كل الأزمان والبلدان لأنه مقدر بالحاجة والحاجة تختلف، وبه جزم المتولي، وقال
السبكي: إنه قوي جدا. والحديث واقعة حال يحتمل أن التقدير فيها لما اقتضاه حالها، ولولا هيبة الحديث وخوفي
سرعة تأويله وحمله لكنت أختاره، لكن أستخير الله فيه حتى ينشرح صدري، ويقذف الله فيه نور المراد لنبيه (ص)
اه‍. والمراد بالأعلى المحيى قبل الثاني وهكذا لا الأقرب إلى النهر. وعبروا بذلك جريا على الغالب من أن
من أحيا بقعة يحرص على قربها من الماء ما أمكن لما فيه من سهولة السقي وخفة المؤنة وقرب عروق الغراس من الماء،
ومن هن يقدم الأقرب إلى النهر إن أحيوا دفعة أو جهل السابق منهم، وهو المعتمد، وإن قال الأذرعي: ولا يبعد
الاقراع. وخرج بضاق ما إذا اتسع: بأن كان يكفي جميعهم فيرسل كل منهم الماء في ساقيته إلى أرضه. (فإن كان
في الأرض) الواحدة (ارتفاع) لطرف منها (وانخفاض) لآخر منها، (أفرد كل طرف بسقي) لأنهما لو سقيا معا لزاد
الماء في المنخفضة على القدر المستحق، وطريقه كما في الروضة أن يسقي المنخفض حتى يبلغ الكعبين ثم يسده ثم يسقي
المرتفع. والظاهر كما قال السبكي أنه لا يتعين البداءة بالأسفل، بل لو عكس جاز. ومرادهم أنه لا يزيد في المستغلة
على الكعبين، وصرح في الاستقصاء بالتخيير بين الامرين وهو ظاهر. ولو احتاج الاعلى إلى السقي مرة أخرى قبل
وصوله للأسفل قدم. ولو تنازع متحاذيان بأن تحاذت أرضهما أو أرادا شق النهر من موضعين متحاذيين تعينت القرعة
إذ لا مزية لأحدهما على الآخر، وهذا كما قال الأذرعي إذا أحيا دفعة أو جهل أسبقهما، ولا ينافي هذا ما تقدم من
أنه يقدم الاعلى فيما إذا أحيوا معا أو جهل الأسبق لأنه إنما قدم هناك لقربه من النهر، ولا مزية هنا مع أنه قيل بالاقراع
كما مر. ولو أراد شخص إحياء أرض موات وسقيها من هذا النهر، فإن ضيق على السابق منع من الأحساء لأنهم
استحقوا أرضهم بمرافقها والماء من أعظم مرافقها وإلا فلا منع، وقضية ذلك أنه لا يتقيد المنع بكونه أقرب إلى رأس
النهر، وهو كذلك كما هو ظاهر كلام الروضة خلافا لابن المقري.
تنبيه: عمارة هذه الأنهار من بيت المال، ولكل من الناس بناء قنطرة عليها يمرون عليها وبناء رحى عليها إن
كانت الأنهار في موات أو في ملكه، فإن كانت من العمران جاز مطلقا إن كان العمران واسعا، وبإذن الإمام إن كان
ضيقا، ويجوز بناء الرحى أيضا إن لم يضر بالملاك وإلا فلا كإشراع الجناح في الشارع فيهما. (وما أخذ من هذا الماء)
المباح (في بناء) أو حوض مسدود المنافذ أو بركة أو حفرة في أرض أو نحو ذلك، (ملك على الصحيح) كالاحتطاب
والاحتشاش والاصطياد، وحكى ابن المنذر فيه بالاجماع، وقال ابن الصلاح في فتاويه: الدولاب الذي يديره
الماء إذا دخل إناء في كيزانه ملكه صاحب الدولاب كما بذلك لو استقاه بنفسه، والثاني: لا يملك الماء بحال، بل يكون
بحرزه أولى به من غيره. وعلى الأول لو رده إلى محله لم يصر شريكا به باتفاق الأصحاب. وهل يحرم عليه رده
لأن فيه ضياع مال كما لو رمى في البحر فلسا فإنه يحرم عليه؟ ظاهر كلامهم عدم الحرمة. وقد سئلت عن هذه المسألة
قبل ذلك وما أجبت فيها بشئ، وقد ظهر لي الآن عدم الحرمة لما قيل من أن الماء لا يملك بحال. وخرج بالاناء ونحوه
الداخل في ملكه بسيل فإنه لا يملكه بدخوله في الأصح، فلو أخذه غيره ملكه وإن كان دخوله في ملكه بغير إذنه
حراما. ومن حفر نهرا ليدخل فيه الماء من الوادي فالماء باق على إباحته، لكن مالك النهر أحق به، ولغيره الشرب
وسقي الدواب والاستعمال منه ولو بدلو لجريان العرف بذلك. (وحافر بئر بموات) لا للتملك بل (للارتفاق)
بها لنفسه مدة إقامته هناك، كمن ينزل في الموات ويحفر للشرب وسقي الدواب. (أولى بمائها) من غيره فيما يحتاج إليه
كسقي ماشيته وزرعه، (حتى يرتحل) لحديث: من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به. أما ما فضل
عن حاجته قبل ارتحاله فليس له منع ما فضل عنه لشرب أو ماشية وله منع غيره من سقي الزرع به، فإذا ارتحل صار البئر
كالمحفورة للمارة، أو لا بقصد شئ، فإن عاد فهو كغيره. قال الأذرعي: هذا إذا ارتحل معرضا، أما لو كان لحاجة عازما
374

على العود فلا إلا أن تطول غيبته اه‍. وهو حسن. وإعراضه عنها كارتحاله كما اقتضاه كلام الروياني.
تنبيه: كان ينبغي للمصنف أن يقول: لارتفاق نفسه كما قدرته في كلامه ليخرج ما لو حفرها لارتفاق المارة،
فإن الحافر كأحدهم أو حفرها لا بقصد شئ فإنه لا يختص بها على الأصح، بل هو كواحد من الناس وتصير مشتركة
بين الناس وإن لم يتلفظ بوقف كما صرح به الصيمري والماوردي، قالا: ولو حفر لنفسه ثم أراد سدها ليس له ذلك لأنه
قد تعلق بها حق الماشية بظهور مائها فلم يكن له إبطاله. (و) البئر (المحفورة) في الموات لا للمارة بل (للتملك أو
في ملك يملك) الحافر (ماءها في الأصح) لأنه نماء مسلكه كالثمرة واللبن والشجر النابت في ملكه. والثاني: لا يملكه،
لخبر الناس شركاء في ثلا ث السابق. ويجري الخلاف كما قال الروياني في كل ما ينبع في ملكه من لفظ وقير
وملح ونحوها. (وسواء ملكه) على الصحيح (أم لا) على مقابله، (لا يلزمه بذل ما فضل عن حاجته لزرع) وشجر،
(ويجب) بذل الفاضل منه عن شربه لشرب غيره من الآدميين وعن ماشيته وزرعه لغيره، (لماشية) ولو أقام غيره ثم.
وقوله: (على الصحيح) يمكن عوده إلى عدم الوجوب للزرع وإلى الوجوب للماشية فإن الخلاف فيهما،
وذلك لخبر الصحيحين: لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ أي من حيث أن الماشية إنما ترعى بقرب الماء فإذا منع من الماء
فقد منع من الكلأ. والمراد بالماشية هنا الحيوانات المحترمة. وأطلق المصنف الحاجة وقيدها
الماوردي بالناجزة، قال: فلو فضل عنه الآن واحتاج إليه في ثاني الحال وجب بذله لأنه يستخلف، هذا إن كان هناك
كلا مباح ولم يجد ماء مبذولا له ولم يحرزه في إناء ونحوه وإلا فلا يجب بذله. وإنما وجب بذله للماشية دون الزرع
لحرمة الروح، وقيل: يجب للزرع كالماشية، وقيل: لا يجب للماشية كالماء المحرز. ولا يجب بذل فضل الكلأ لأنه
لا يستخلف في الحال ويتمول في العادة، وزمن رعيه يطول، بخلاف الماء. وحيث لزمه بذل الماء للماشية لزمه أن يمكنها
من ورود البئر إن لم يضر به، فإن ضر به لم يلزمه تمكينها وجاز للرعاة استقاء الماء لها. وبما تقرر علم ما في كلام
المصنف من الاجحاف، وحيث وجب البذل لم يجز أخذ عوض عليه وإن صح بيع الطعام للمضطر لصحة النهي عن
بيع فضل الماء رواه مسلم، ولا يجب على من وجب عليه البذل إعارة آلة الاستقاء. ويشترط في بيع الماء
التقدير بكيل
أو وزن لا بري الماشية والزرع، والفرق بينه وبين جواز الشرب من ماء السقاء بعوض أن الاختلاف في شرب الآدمي
أهون منه في شرب الماشية والزرع.
تنبيه: الشرب وسقي الدواب من الجداول والأنهار المملوكة إذا كان السقي لا يضر بمالكها جائز إقامة للاذن
العرفي مقام اللفظي، قاله ابن عبد السلام، ثم قال: نعم لو كان النهر لمن لا يعتبر إذنه كاليتيم والأوقاف العامة فعندي فيه
وقفة، والظاهر الجواز. (والقناة) أو العين (المشتركة) بين جماعة (يقسم ماؤها) عند ضيقه عنهم (بنصب خشبة)
مستوية الطرفين والوسط موضوعة بمستوى من الأرض. وقوله: (في غرض النهر) متعلق بنصب. (فيها ثقب) بضم
المثلثة أو له بخطه، ولو قرئت بنون مضمومة جاز. (متساوية) تلك الثقب، (أو متفاوتة على قدر الحصص) من القناة
أو العين، لأنه طريق في استيفاء كل واحد حصته، فلو كان لواحد النصف ولآخر الثلث ولآخر السدس جعل فيها ست ثقب:
للأول ثلاثة وللثاني اثنان وللثالث واحد، ويجوز تساوي الثقب مع تفاوت الحقوق كأن يأخذ صاحب الثلث ثقبة والآخر
ثقبتين، هذا إن علم قدر الحصص، فإن جهل قسم على قدر الأرض على الأصح في زيادة الروضة، لأن الظاهر أن
الشركة بحسب الملك. ويصنع كل واحد بنصيبه ما شاء لكن لا يسوقه لأرض لا شرب لها من النهر لأنه يجعل لها شربا
لم يكن. أما إذا اتسع ماء القناة أو العين بحيث يحصل لكل قدر حاجته لم يحتج لما ذكر. (ولهم) أي الشركاء (القسمة
مهايأة) وهي أمر يتراضون عليه، كأن يسقي كل منهم يوما أو بعضهم يوما وبعضهم أكثر بحسب حصته، ويستأنس
375

لذلك بقوله تعالى: * (لها شرب ولكم شرب يوم معلوم) *، وكسائر الاملاك المشتركة، ولكل منهم الرجوع متى شاء
، فإن رجع وقد أخذ نوبته قبل أن يأخذ الآخر نوبته، فعليه أجرة نوبته من النهر للمدة التي أخذ نوبته فيها. ويمنع أحدهم
من توسيع فم النهر ومن تضييقه، ومن تقديم رأس الساقية التي يجري فيها الماء ومن تأخيره، ومن إجراء ما يملكه
فيه، ومن بناء قنطرة ورحى عليه، ومن غرس شجرة على حافته إلا برضا الباقين كما في سائر الاملاك المشتركة
وعمارته بحسب الملك.
تنبيه: قوله: مهايأة منصوب إما على الحال على المبتدأ أو هو القسمة بناء على صحة الحال منه كما ذهب إليه سيبويه
وغيره، أو على أنها مفعول بفعل محذوف بتقدير: ويقسم مهايأة، ويجوز كون القسمة فاعلة بالظرف بناء على قول من
جوز عمل الجار بلا اعتماد وهم الكوفيون، وعليه فنصب مهايأة على الحال من الفاعل.
خاتمة: لا يصح بيع ماء البئر والقناة منفردا عنهما، لأنه يزيد شيئا فشيئا ويختلط المبيع بغيره فيتعذر التسليم. فإن
باعه بشرط أخذه الآن صح، ولو باع صاعا من ماء راكد صح لعدم زيادته أو من جار فلا لأنه لا يمكن ربط العقد بمقدار
مضبوط لعدم وقوفه. ولو باع ماء القناة مع قراره والماء جار لم يصح البيع في الجميع للجهالة، وإن أفهم كلام الروضة
البطلان في الماء فقط عملا بتفريق الصفقة. فإن اشترى البئر وماءها الظاهر أو جزأيهما شائعا وقد عرف عمقها فيهما صح
وما ينبع في الثانية هو مشترك بينهما كالظاهر، بخلاف ما لو اشتراها أو جزأها الشائع دون الماء أو أطلق لا يصح لئلا يختلط
الماءان. ولو سقى زرعه بماء منصوب ضمن الماء ببدله والغلة له لأنه المالك للبذر، فإن غرم البدل وتحلل من صاحب
الماء كانت الغلة أطيب له مما لو غرم البدل فقط. ولو أشعل نارا في حط ب مباح لم يمنع أحدا الانتفاع بها ولا الاستصباح
منها، فإن كان الحطب له فله المنع من الاخذ منها لا الاصطلاء بها ولا الاستصباح منها.
كتاب الوقف
هو والتحبيس والتسبيل بمعنى. وهو لغة: الحبس، يقال: وقفت كذا، أي حبسته، ولا يقال أوقفته إلا في لغة تميمية
وهي رديئة وعليها العامة. وهو عكس حبس فإن الفصيح أحبس، وأما حبس فلغة رديئة. وشرعا: حبس مال يمكن الانتفاع
به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود، ويجمع على وقوف وأوقاف. والأصل فيه قوله
تعالى: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) *، فإن أبا طلحة لما سمعها رغب في وقف بيرحاء وهي أحب أمواله.
وقوله تعالى: * (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) *، وخبر مسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة
جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له. والولد الصالح هو القائم بحقوق الله تعالى وحقوق العباد، ولعل هذا محمول
على كمال القول، وأما أصله فيكفي فيه أن يكون مسلما. والصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف كما قاله الرافعي،
فإن غيره من الصدقات ليست جارية، بل يملك المتصدق عليه أعيانها ومنافعها ناجزا. وأما الوصية بالمنافع لو إن شملها
الحديث فهي نادرة، فحمل الصدقة في الحديث على الوقف أولى، وفي الصحيحين: أن عمر رضي الله تعالى عنه أصاب
أرضا بخيبر، فقال: يا رسول الله ما تأمرني فيها؟ فقال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق بها عمر على أن
لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث. وهو أول وقف في الاسلام على المشهور. وقال جابر رضي الله تعالى عنه: ما بقي أحد
من أصحاب رسول الله (ص) له مقدرة إلا وقف وقفا، وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه في القديم: بلغني
أن ثمانين صحابيا
من الأنصار تصدقوا بصدقات محرمات. والشافعي يسمى الأوقاف الصدقات المحرمات. وأركانه أربعة: واقف وموقوف
وموقوف عليه وصيغة. وقد شرع في الركن الأول فقال: (شرط الواقف صحة عبارته) دخل في ذلك الكافر فيصح
376

منه ولو لمسجد وإن لم يعتقده قربة اعتبارا باعتقادنا، وإن قال الواحدي لا يصح منه اعتبارا باعتقاده، وخرج الصبي والمجنون
فلا يصح وقفهما. ودخل في قوله: (وأهلية التبرع) المبعض والمريض مرض الموت، ويعتبر وقفه من الثلث، وخرج
المكاتب والمحجور عليه بسفه أو فلس ولو بمباشرة الولي، وهذا الشرط يغني عن الأول فإنه يلزم منه صحة العبارة. ولا بد
أن يكون مختارا فلا يصح من مكره، ولا يعتبر كون الوقف معلوما للواقف فدل على صحة وقف ما لم يره، وهو ما صححه
في زيادة الروضة تبعا لابن الصلاح وقال: لا خيار له إذا رآه، وعلى هذا يصح وقف الأعمى، وهو كذلك وإن لم يصرحوا
به فيما علمت.
تنبيه: كان ينبغي للمصنف أن يقول: وأهلية التبرع في الحياة فإن السفيه أهل للتبرع بعد الموت ومع ذلك لا يصح
وقفه. نعم لو قال وقفت داري على الفقراء بعد موتي صح لأنه تخص وصيته. ثم شرع في شرط الركن الثاني، فقال: (و)
شرط (الموقوف) مع كونه عينا معينة مملوكة ملكا يقبل النقل ويحصل منها فائدة أو منفعة يستأجر لها، (دوام الانتفاع به)
انتفاعا مباحا مقصودا، فخرج بالعين المنفعة والوقف الملتزم في الذمة كما سيأتي، وبالمعينة وقف أحد داريه، وبالمملوكة
ما لا يملك. واستثنى من اعتبار الملك وقف الإمام شيئا من أرض بيت المال، فإنه يصح كما صرح به القاضي حسين وإن
توقف فيه السبكي، سواء أكان على معين أم جهة عامة، وأفتى به المصنف وأفتى به أبو سعيد بن أبي عصرون للسلطان نور
الدين الشهيد متمسكا بوقف عمر رضي الله تعالى عنه سواد العراق، ونقله ابن الصلاح في فوائد حلته عن عشرة أو يزيدون
ثم وافقهم على صحته، ونقل صاحب المطلب في باب قسم الفئ والغنيمة صحته عن النص، وفي الشرح والروضة: لو رأى
الإمام وقف أرض الغنيمة كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه جاز إذا استطاب قلوب الغانمين في النزول عنها بعوض أو بغيره،
وبقبول النقل أم الولد والحمل فإنه لا يصح وقفه منفردا وإن صح عتقه. نعم إن وقف حاملا صح فيه تبعا لامه كما صرح
به شيخنا في شرح الروض، وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين. والمراد بالفائدة اللبن والثمرة ونحوهما، وبالمنفعة
السكنى واللبس ونحوهما، وبيستأجر لها وبدوام الانتفاع الطعام ونحوه كما سيأتي، ويستثنى من ذلك وقف الفحل
للضراب
فإنه جائز ولا تجوز إجارته، ومن دوام الانتفاع المدبر والمعلق عتقه بصفة فإنه يصح وقفهما مع أنه يدوم النفع بهما
لأنهما يعتقان بموت السيد ووجود الصفة ويبطل الوقف، وبمباحا وقف آلات الملاهي فلا يصح وقفهما وإن كان فيهما
منفعة قائمة لأنها غير مباحة، وبمقصودا وقف الدراهم والدنانير للتزيين فإنه لا يصح على الأصح المنصوص.
تنبيه: يصح الوقف بالشروط المتقدمة وإن انتفى النفع حالا، كوقف عبد وجحش صغيرين وزمن يرجى برؤه، وكمن
أجر أرضا ثم وقفها، وهذه حيلة لمن يريد إبقاء منفعة الشئ الموقوف لنفسه مدة بعد وقفة. (لا مطعوم وريحان) برفعهما،
فلا يصح وقفهما ولا ما في معناهما لأن منفعة المطعوم في استهلاكه. وعلل في الروضة كأصلها عدم صحة وقف الريحان
بسرعة فساده، وقضيته تخصيصه بالرياحين المحصورة، أما المزروعة فيصح وقفها للشم كما قال المصنف في شرح الوسيط
إنه الظاهر لأنه يبقى مدة، وفيه منفعة أخرى وهي التنزه. وقال الخوارزمي وابن الصلاح: يصح وقف المشموم الدائم
نفعه كالمسك والعنبر والعود. ويطلق الريحان على كل نبت رطب غض طيب الريح فيدخل الورد لريحه. (ويصح وقف
عقار) من أرض أو دار بالاجماع، (و) وقف (منقول) كعبد وثوب، لقوله (ص): وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا
فإنه احتبس أدراعه وأعبده رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. وأعبده رواه المتولي بالباء
الموحدة جمع عبد، وقال السبكي: الصواب أعتده بالتاء المثناة جمع عتاد، وهو كل ما أعده من السلاح والدواب
كما قاله الخطابي وجماعة. واتفقت الأمة في الاعصار على وقفه الحصر والقناديل والزلالي في المساجد من غير نكير، (و)
وقف (مشاع) من عقار أو منقول، لأن عمر رضي الله تعالى عنه وقف مائة سهم من خيبر مشاعا، رواه الشافعي. ولا يسري إلى الباقي لأنها من خواص العتق.
377

تنبيه: ظاهر كلامه كغيره أنه يصح وقف المشاع مسجدا، وبه صرح ابن الصلاح، وقال: يحرم المكث فيه على
الجنب تغليبا للمنع وتجب القسمة لتعينها طريقا. قال السبكي: والقول بوجوبها مخالف للمذهب المعروف - يعني من منع
قسمة الوقف من المطلق - إلا أن يكون فيه نقل صريح بخصوصه، وأفتى البارزي بجواز المكث فيه ما لم يقسم، كما يجوز
للجنب حمل المصحف مع الأمتعة، واعترضه السبكي بأن محل جواز حمل المصحف مع الأمتعة إذا لم يكن مقصودا اه‍.
وكلام ابن الصلاح هو الظاهر كما قاله ابن شهبة. وتستثنى هذه الصورة من منع قسمة الوقف من المطلق للضرورة، ولا
فرق بين أن يكون الموقوف مسجدا هو الأقل أم لا. فإن قيل: ينبغي عدم حرمة المكث فيما إذا كان الموقوف مسجدا
أقل كما أنه لا يحرم حمل التفسير إذا كان القرآن أقل على المحدث. أجيب بأن المسجدية هنا شائعة في جميع
أجزاء الأرض
غير متميزة في شئ منها فلم يمكن تبعية الأقل للأكثر إذ لا تبعية إلا مع التمييز، بخلاف القرآن فإنه متميز عن التفسير فاعتبر
الأكثر ليكون الباقي تابعا، ومر في باب الاعتكاف أنه لا يصح الاعتكاف فيه. (لا عبد وثوب) مثلا (في الذمة) سواء في
ذلك ذمته وذمة غيره، كأن يكون له في ذمة غيره عبد أو ثوب بسلم أو غيره فلا يصح وقفهما إذ لا ملك والوقف إزالة ملك
عن عين. نعم يصح وقفهما بالتزام نذر في ذمة الناذر، كقوله لله علي وقف عبد أو ثوب مثلا ثم يعينه بعد ذلك. (ولا) يصح
(وقف حر نفسه) لأن رقبته غير مملوكة، كما لا يهب نفسه. ولا يصح وقف المنفعة دون الرقبة مؤقتة كانت كالإجارة
أو مؤبدة كالوصية، لأن الرقبة أصل والمنفعة فرع، والفرع يتبع الأصل. (وكذا مستولدة وكلب معلم) أو قابل للتعليم
كما بحثه السبكي، (وأحد عبديه) لا يصح وقف واحد منهم (في الأصح) لأن المستولدة آيلة إلى العتق وليست قابلة للنقل إلى
الغير، وبهذا فارقت صحة وقف المعلق عتقه بصفة، والكلب غير مملوك وأحد العبدين مبهم. والثاني: يصح في أم الولد
قياسا على صحة إجارتها، وفي الكلب كذلك على رأي، وفي أحد العبدين قياسا على عتقه. وفرق الأول بأن العتق أنفذ
بدليل سرايته وتعليقه، أما غير المعلم والقابل للتعليم فلا يصح وقفه جزما. (ولو وقف بناء أو غرسا في أرض مستأجرة
لهما) أو مستعارة كذلك، أو موصى له بمنفعتها، (فالأصح جوازه) سواء أكان الوقف قبل انقضاء المدة أم بعده كما صرح
به ابن الصلاح، أو بعده رجوع المعير، لأن كلا منهما مملوك يمكن الانتفاع به في الجملة مع بقاء عينه، ويكفي دوامه إلى
القلع بعد مدة الإجارة أو رجوع المعير. والثاني: المنع، لأنه معرض للقلع فكأنه وقف ما لا ينتفع به.
تنبيه: ظاهر كلامهم أنه لو غرس أو بنى بعد انقضاء مدة الإجارة أو رجوع المعير أنه لا يصح وقفه، وهو كذلك،
لأنه غير موضوع بحق، ولذا قال شيخنا في منهجه: وبناء وغراس وضعا بأرض بحق اه‍. ولو قلع البناء بعد انقضاء مدة
الإجارة أو رجوع المعير بقي وقفا كما كان إن نفع، فإن لم ينفع فهل يصير ملكا للواقف أو للموقوف عليه؟ وجهان،
قال الأسنوي: والصحيح غيرهما وهو شراء عقار أو جزء من عقار، ويقاس بالبناء في ذلك الغراس. وقال السبكي:
الوجهان بعيدان، وينبغي أن يقال الوقف باق بحاله وإن كان لا ينتفع به، لأنا لو جعلناه ملكا للموقوف عليه أو
للواقف لجاز بيعه وبيع الوقف ممتنع اه‍. وكلام الأسنوي هو الظاهر إن كان الغراس ما بقي يصلح إلا للاحراق وصارت
آلة البناء لا تصلح له، وإلا فكلام السبكي وأرش النقص الحاصل بقطع الموقوف يسلك به مسلكه فيشترى به شئ
ويوقف على تلك الجهة.
فرع: لو شرط الواقف صرف أجرة الأرض المستأجرة من ريع الموقوف هل يصح الوقف أو لا؟ قيل: لا يصح،
لأن الأجرة دين في ذمته فأشبه ما لو وقف على قضاء دينه. وقال ابن دقيق العيد: الظاهر الصحة، ووقف البناء لا يمنع
وجوب أجرة القرار فإذا شرط صرف الأجرة من ريعه فقد شرط ما يوافق مقتضى العقد ولا ينافيه شرعا، قال الزركشي:
وقد صرح ابن الأستاذ بأن الأجرة من ريع الوقف إن شرط الواقف ذلك أو سكت عنه اه‍. وما بحثه ابن دقيق العيد
378

وقاله ابن الأستاذ غير الصورة المختلف فيها، لأن تلك في إجارة استأجرها الوقف قبل الواقف، ولزمت الأجرة ذمته،
وما قالاه في أجرة المثل إذا بقي الموقوف بها. والذي ينبغي أن يقال في الصورة الأولى أنه إن شرط أن يوفي منه ما مضى
من الأجرة فالبطلان أو المستقبل فالصحة، وكذا إن أطلق ويحمل على المستقبل. فإن قيل: الأجرة لازمة لذمته على
كل حال قبل الوقف. أجيب بأنها إنما تستقر شيئا فشيئا بحسب ما يمضي من الزمان.
تنبيه: قوله: لهما أي للبناء والغراس. ثم شرع في الركن الثالث وهو على قسمين: معين وغيره، وقد بدأ بالقسم
الأول فقال، (فإن وقف على معين) من (واحد) أو اثنين (أو جمع اشترط إمكان تمليكه) في حال الوقف عليه
بوجوده في الخارج، فلا يصح الوقف على ولده وهو لا ولد له، ولا على فقير أولاده ولا فقير فيهم، فإن كان فيهم فقير
وغني صح، ويعطي منه أيضا من افتقر بعد كما قاله البغوي، وبكونه أهلا لتملك الموقوف. (فلا يصح) الوقف (على
جنين) لعدم صحة تملكه، وسواء أكان مقصودا أم تابعا، حتى لو كان له أولاد وله جنين عند الوقف لم يدخل، نعم
إن انفصل دخل معهم إلا أن يكون الواقف قد سمى الموجودين أو ذكر عددهم فلا يدخل كما قاله الأذرعي.
تنبيه: قد علم مما ذكر أن الوقف على الميت لا يصح لأنه لا يملك به صرح الجرجاني، ولا على أحد هذين
الشخصين لعدم تعيين الموقوف عليه. (ولا) يصح (على العبد نفسه) أي نفس العبد، سواء أكان له أم لغيره،
لأنه ليس أهلا للملك. (فلو أطلق الوقف عليه) فإن كان له لم يصح لأنه يقع للواقف، وإن كان لغيره (فهو وقف
على سيده) كما في الهبة والوصية والمدبر وأم الولد والمعلق عتقه بصفة حكمهم كذلك. وأما المكاتب فإن كان مكاتب نفسه
لم يصح الوقف عليه كما جزم به الماوردي وغيره نظير ما في إعطاء الزكاة له، أو مكاتب غيره صح كما جزم به الماوردي
أيضا وجرى عليه ابن المقري لأنه يملك. فإن عجز بان أن الوقف منقطع الابتداء لأنه يسترجع منه ما أخذه، وإن عتق
وقد قيد الوقف بمدة الكتابة بان أنه منقطع الانتهاء فيبطل استحقاقه وينتقل الوقف إلى من بعده، فإن أطلقه دام
استحقاقه، وفي معنى التقييد ما لو عبر بمكاتب فلان. وأما الوقف على المبعض فالظاهر كما قال شيخنا أنه إن
كان مهايأة
وصدر الوقف عليه يوم نوبته فكالحر، أو يوم نوبة سيده فكالعبد، وإن لم تكن مهايأة وزع على الرق والحرية، وعلى
هذا يحمل إطلاق ابن خير أن صحة الوقف عليه. ولو أراد مالك المبعض أن يقف نصفه الرقيق على نصفه الحر
فالظاهر كما قال السبكي الصحة، كما لو أوصى به لنصفه الحر. ويصح الوقف على الأرقاء الموقوفين لخدمة الكعبة ونحوها
كقبره (ص) وبيت المقدس، كالوقوف على علف الدواب المرصدة في سبيل الله. ولا يصح الوقف على الدار وإن قال
علي عمارتها لأنها لا تملك، إلا إن قال: وقفت هذا على هذه الدار لطارقها، لأن الموقوف عليه حقيقة طارقوها
وهم يملكون. وإلا إن كانت موقوفة، لأن حفظ عمارتها قربة، فهو كالوقف على مسجد أو رباط. (ولو أطلق الوقف
على بهيمة) مملوكة أو قيده بعلفها، (لغا) الوقف عليها لأنها ليست أهلا للملك بحال، كما لا تصح الهبة لها ولا الوصية.
(وقيل): هو في المعنى (وقف على مالكها) فيصح كالوقف على العبد. وفرق الأول بما مر، بخلاف العبد فإنه أهل له بتمليك
سيده في قول، فإن قصد مالكها فهو وقف عليه. وخرج بالمملوكة الموقوفة، كالخيل الموقوفة في الثغور ونحوها فيصح
الوقف على علفها كما مرت الإشارة إليه، وأما المباحة كالوحوش والطيور المباحة فلا يصح الوقف عليها جزما. نعم
يستثنى من ذلك كما قال الغزالي حمام مكة فيصح الوقف عليه. (ويصح) الوقف من مسلم أو ذمي (على ذمي) معين
كصدقة التطوع وهي جائزة عليه، ولكن يشترط في صحة الوقف عليه أن لا يظهر فيه قصد معصية، فلو قال: وقفت
على خادم الكنيسة لم يصح كما لو وقف على حصرها كما قاله في الشامل وغيره، وأن يكون ممن يمكن تمليكه فيمتنع
وقف المصحف وكتب العلم والعبد المسلم عليه والجماعة المعينون كالواحد، وسيأتي الكلام في الوقف على أهل الذمة
379

أو اليهود أو نحو ذلك. قال الأذرعي: ويشبه أن يكون المعاهد والمستأمن كالذمي إن حل بدارنا ما دام فيها، فإذا
رجع صرف إلى من بعده. وقال الزركشي، مقتضى كلامهم أنه كالحربي، وجزم به الدميري، والأول أوجه. ولم يتعرضوا
لما لو لحق الذمي الموقوف عليه بدار الحرب ماذا يفعل بغلة الموقوف عليه، وينبغي أن تصرف إلى من بعده أخذا
من كلام الأذرعي المتقدم. و (لا) يصح الوقف على (مرتد وحربي و) لا وقف الشخص على (نفسه في الأصح)
المنصوص في الثلاثة، أما في الأولى والثانية فلأنهما لا دوام لهما مع كفرهما، والوقف صدقة جارية، فكما لا يوقف
ما لا دوام له لا يوقف على من لا دوام له، أي مع كفره، فلا يرد الزاني المحصن فإنه يصح الوقف عليه مع
أنه مقتول.
والثاني: يصح عليهما كالذمي. ونص المصنف في كتب التنبيه على الخلاف بقوله: وقفت على زيد الحربي أو المرتد
كما يشير إليه كلام الكتاب. أما إذا وقف على الحربيين أو المرتدين فلا يصح قطعا. وأما الثالثة فلتعذر تمليك الانسان
ملكه لنفسه لأنه حاصل، وتحصيل الحاصل محال. والثاني: يصح، لأن استحقاق الشئ وقفا غير استحقاقه ملكا.
ومثل وقفه على نفسه ما لو وقف على الفقراء وشرط أن يأخذ معهم من ريع الوقف لفساد الشرط. وقول عثمان رضي الله
تعالى عنه في وقفه بئر رومة: دلوي فيها كدلاء المسلمين ليس على سبيل الشرط، بل إخبار بأن للواقف أن ينتفع بوقفه
العام كالصلاة بمسجد وقفه. ولو وقف على نفسه وحكم به حاكم نفذ حكمه ولم ينقض لأنها مسألة اجتهادية. ويستثنى
من عدم صحة الوقف على النفس مسائل، منها ما لو وقف على العلماء ونحوهم كالفقراء واتصف بصفتهم، أو على الفقراء
ثم افتقر، أو على المسلمين كأن وقف كتابا للقراءة ونحوها أو قدرا للطبخ فيه أو كيزانا للشرب بها ونحو ذلك فله
الانتفاع معهم لأنه لم يقصد نفسه. ومنها ما لو وقف على أولاد أبيه الموصوفين بكذا وذكر صفات نفسه فإنه يصح
كما قاله القاضي الفارقي وابن يونس وغيرهما، واعتمده ابن الرفعة وإن خالف فيه الماوردي ومنها ما لو شرط النظر
لنفسه بأجرة المثل، لأن استحقاقه لها من جهة العمل لا من جهة الوقف، فينبغي أن لا تستثنى هذه الصورة، فإن شرط
النظر بأكثر منها لم يصح الوقف لأنه وقف على نفسه. ومنها أن يؤجر ملكه مدة يظن أن لا يعيش فوقها منجمة ثم
يقفه بعد على ما يريد، فإنه يصح الوقف ويتصرف هو في الأجرة كما أفتى به ابن الصلاح وغيره، والأحوط أن يستأجره
بعد الوقف من المستأجر لينفرد باليد ويأمن خطر الدين على المستأجر. ومنها أن يرفعه إلى حاكم يرى صحته كما عليه
العمل الآن، فإنه لا ينقض حكمه كما مر، ولو وقف وقفا ليحتج عنه منه جاز كما قاله الماوردي، وليس هذا وقفا على نفسه
لأنه لا يملك شيئا من غلته، فإن ارتد لم يجز صرفه في الحج وصرف إلى الفقراء، فإن عاد إلى الاسلام أعيد الوقف إلى
الحج عنه، ولو وقف على الجهاد عنه جاز أيضا، فإن ارتد فالوقف على حاله لأن الجهاد يصح من المرتد بخلاف
الحج. ثم شرع في القسم الثاني، فقال: (وإن وقف) مسلم أو ذمي (على جهة معصية، كعمارة الكنائس) ونحوها من
متعبدات الكفار للتعبد فيها أو حصرها أو قناديلها أو خدامها أو كتب التوراة والإنجيل أو السلاح لقطاع الطريق،
(فباطل) لأنه إعانة على معصية، والوقف شرع للتقرب فهما متضادان، وسواء فيه إنشاء الكنائس وترميمها
منعنا
الترميم أو لم نمنعه. ولا يعتبر تقييد ابن الرفعة عدم صحة الوقف على الترميم بمنعه، فقد قال السبكي: أنه وهم
فاحش لاتفاقهم على أن الوقف على الكنائس باطل وإن كانت قديمة قبل البعثة، فإذا لم نصحح الوقف عليها ولا على قناديلها
وحصرها فكيف نصححه على ترميمها وإذا قلنا ببطلان وقف الذمي على الكنائس، ولم يترافعوا إلينا لم نتعرض
لهم حيث لا يمنعون من الاظهار، فإن ترافعوا إلينا أبطلناه وإن أنفذه حاكمهم لا ما وقفوه قبل المبعث على كنائسهم
القديمة فلا نبطله بل نقره حيث نقرها. أما عمارة كنائس غير التعبد ككنائس نزول المارة فيصح الوقف عليها كما
قاله الزركشي وابن الرفعة وغيرهما كالوصية كما سيأتي. (أو) وقف على (جهة قربة) أي يظهر قصد القربة فيها،
لقرينة قوله بعد: أو جهة لا تظهر فيها القربة وإلا فالوقف كله قربة. (كالفقراء والعلماء) والقراء والمجاهدين (والمساجد)
380

والكعبة والربط (والمدارس) والثغور وتكفين الموتى، (صح) لعموم أدلة الوقف.
تنبيه: ظاهر كلام الرافعي في قسم الصدقات أن فقير الزكاة والوقف واحد فما منع من
أحدهما منع من الآخر، وعلى هذا يجوز الصرف على المساكين أيضا. وقال في الروضة من زوائده آخر الباب: الأصح أن لا يعطي من
وقف الفقراء فقيرة لها زوج يمونها ولا المكفي بنفقة أبيه. والمراد بالعلماء أصحاب علوم الشرع كما ذكره في الروضة.
ويدخل في الوقف على الفقهاء من حصل في علم الفقه شيئا يهتدي به إلى الباقي وإن قل، لا المبتدئ من شهر ونحوه،
وللمتوسط بينهما درجات يجتهد المفتي فيها. والورع للمتوسط الترك وإن أفتى بالدخول كما نقله المصنف عن الغزالي. وفي
الوقف على المتفقهة من اشتغل بالفقه مبتدئة ومنتهية، وفي الوقف على الصوفية النساك الزاهدون المشتغلون بالعبادة
في غالب الأوقات المعرضون عن الدنيا، وإن ملك أحدهم دون النصاب أو لا يفي دخله بخرجه ولو خاط ونسج أحيانا
في غير حانوت أو درس أو وعظ أو كان قادرا على الكسب أو لم يلبسه الخرقة شيخ، فلا يقدح شئ من ذلك في كونه صوفيا،
بخلاف الثروة الظاهرة، ويكفي فيه مع ما مر التزيي بزيهم أو المخالطة. وفي الوقف على سبيل البر أو الخير أو الثواب
أقرباء الواقف، فإن لم يوجدوا فأهل الزكاة غير العاملين والمؤلفة، وفي الوقف على سبيل الله الغزاة: الذين هم أهل
الزكاة، فإن جمع بين سبيل الله وسبيل البر وسبيل الثواب كان ثلث للغزاة وثلث لأقارب الواقف وثلث لأصناف الزكاة
غير العامل والمؤلفة. (أو) وقف على (جهة لا تظهر فيها القربة كالأغنياء) وأهل الذمة والفسقة، (صح في الأصح)
نظرا إلى أن الواقف تمليك. والثاني: لا، نظرا إلى ظهور قصد القربة. والثالث: يصح على الأغنياء ويبطل على أهل الذمة
والفسقة. وتمثيل المصنف بالأغنياء قد يرشد إليه، واستحسنه في أصل الروضة بعد قوله، الأشبه بكلام
الأكثرين ترجيح
كونه تمليكا فيصح الوقف على هؤلاء، يعني على الأغنياء وأهل الذمة والفساق. وهذا هو المعتمد، ولذلك أدخلت
في كلام المصنف. وممن صرح بصحة الوقف على اليهود والنصارى الماوردي في الحاوي والصيمري في شرح الكفاية،
وهو المذكور في الشامل والبحر والتتمة لأن الصدقة عليهم جائزة.
تنبيه: لم يتعرضوا لضابط الغنى الذي يستحق به الوقف على الأغنياء. قال الأذرعي: والأشبه الرجوع
فيه إلى العرف. وقال غيره إنه الذي يحرم عليه الصدقة، إما لملكه أو لقوته وكسبه أو كفايته بنفقة غيره، وهذا أولى.
ولو وقف على الأغنياء وادعى شخص أنه غني لم يقبل إلا ببينة، بخلاف ما لو وقف على الفقراء وادعى شخص أنه فقير
ولم يعرف له مال فيقبل بلا بينة نظرا للأصل فيهما. وقد علم من كلام المصنف أن الشرط انتفاء المعصية لا وجود ظهور
القربة. فإن قيل: قد مر أن الوقف على علف الطيور المباحة لا يصح ولا معصية فيه بل فيه قربة، فقد ورد في الخبر:
إن في كل كبد حراء أجرا. أجيب بأن بطلان الوقف ليس من هذه الحيثية، بل من حيثية كونها ليست أهلا للملك
كما سبق. ولا يصح الوقف على تزويق المسجد أو نقشه كما في الروضة هنا في آخر الباب، ولا على عمارة القبور لأن
الموتى صائرون إلى البلى فلا يليق بهم العمارة. قال الأسنوي: وينبغي استثناء قبور الأنبياء والعلماء والصالحين كنظيره
في الوصية. قال صاحب الذخائر: وينبغي حمله على عمارتها ببناء القباب والقناطر عليها على وجه مخصوص، لا بنائها
نفسها للنهي عنه اه‍. وهذا ظاهر. ويصح الوقف على المؤن التي تقع في البلد من جهة السلطان ووقف بقرة أو نحوها
على رباط إذا قال ليشرب لبنها من ينزل أو ليباع نسلها ويصرف ثمنه في مصالحه، فإن أطلق قال القفال: لم يصح وإن
كنا نعلم أنه يريد ذلك، لأن الاعتبار باللفظ. قال الأذرعي: والظاهر أن ما قاله القفال بناء على طريقته من أنه إذا وقف
شيئا على مسجد كذا لا يصح حتى يبين جهة مصرفه، وطريقة الجمهور تخالفه اه‍. فالمعتمد كما قال شيخنا هنا الصحة
أيضا. ثم شرع في الركن الرابع، فقال: (ولا يصح) الوقف (إلا بلفظ) من ناطق يشعر بالمراد كالعتق بل أولى،
وكسائر التمليكات، وفي معناه إشارة الأخرس المفهمة وكتابته، بل وكتابة الناطق مع نيته كالبيع بل أولى.
تنبيه: يستثنى من اشتراط اللفظ ما إذا بنى مسجدا في موات ونوى جعله مسجدا فإنه يصير مسجدا، ولم يحتج
381

إلى لفظ كما قاله في الكفاية تبعا للماوردي، لأن الفعل مع النية مغنيان هنا عن القول. ووجهه السبكي بأن الموات لم
يدخل في ملك من أحياه مسجدا، وإنما احتيج للفظ لاخراج ما كان ملكه عنه وصار للبناء حكم المسجد تبعا. قال
الأسنوي: وقياس ذلك إجراؤه في غير المسجد أيضا من المدارس والربط وغيرها، وكلام الرافعي في إحياء الموات يدل
له. والظاهر كما قال شيخنا أنه لو قال: أذنت في الاعتكاف فيه صار مسجدا بذلك، لأن الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد
بخلاف الصلاة. ثم لفظ الواقف ينقسم إلى صريح وكناية، وقد شرع في القسم الأول، فقال: (وصريحه) كأن يقول:
(وقفت كذا) على كذا، فإن لم يقل: على كذا لم يصح. (أو) يقول: (أرضي موقوفة عليه) لاشتهاره لغة وعرفا. وإنما
قال: موقوفة لينبه على أنه لا فرق بين الفعل والمشتق منه. (والتسبيل والتحبيس صريحان) أيضا، أي المشتق منهما (على
الصحيح) لتكررهما شرعا واشتهارهما عرفا، قاله المتولي، وما نقل عن الصحابة وقف إلا بهما. والثاني: هما كنايتان
لأنهما لم يشتهرا اشتهار الوقف. (ولو قال: تصدقت بكذا صدقة محرمة أو) صدقة (موقوفة أو) صدقة (لا تباع ولا
توهب فصريح في الأصح) المنصوص في الام، لأن لفظ التصدق مع هذه القرائن لا يحتمل غير الوقف، وهذا صريح
بغيره، وما قبله صريح بنفسه. والثاني: هو كناية لاحتمال التمليك المحض.
تنبيه: قوله: كغيره ولا توهب بالواو محمول على التأكيد، وإلا فأحد الوصفين كاف كما رجحه الروياني وغيره،
وجزم به ابن الرفعة. واستشكل السبكي حكاية الخلاف في قوله: صدقة موقوفة مع جزمه أولا بصراحة أرضي موقوفة
فكيف إذا اجتمع مع غيره يجئ الخلاف فضلا عن قوته. قال: ولولا وثوقي بخط المصنف والمنهاج عندي بخطه لكنت
أتوهم أن مكان موقوفة مؤبدة كما ذكره أكثر الأصحاب تبعا للشافعي. قال ابن النقيب: لك الخلاف محكي من
خارج لأن في صراحة لفظ الوقف وجها فطرد مع انضمامه لغيره لكنه ضعيف، أي فلا يناسب أن يعبر بالأصح. وقال
غيره: إن موقوفة من طغيان القلم، ويكون القصد كتابة لفظة مؤبدة كما قاله الشافعي والجمهور، فسبق القلم إلى كتابة
موقوفة. فإن قيل: لفظ التحريم كناية على الصحيح، والقاعدة أن الكناية إذا انضم إليها من الألفاظ ما يدل على
المراد، كقوله: أنت بائن بينونة محرمة لا تحلين لي أبدا لا تخرج عن كونها كناية، فهلا كانت هذا كالطلاق أجيب
بأن صرائح الطلاق محصورة بخلاف الوقف، وبأن قوله: بينونة محرمة لا تحلين لي أبدا غير مختص بالطلاق بل يدخل
فيه الفسوخ، والزائد في ألفاظ الوقف يختص بالوقف، وبأن قوله: تصدقت يقتضي زوال الملك، وله محملا
: محمل الصدقة التي تحتمل الملك، ومحمل الصدقة التي هي الوقف، فالزائد يعين المحمل الثاني بخلاف الطلاق. (وقوله: تصدقت
فقط ليس بصريح) في الوقف ولا يحصل به الوقف، (وإن نوى) الوقف، لتردد اللفظ بين صدقة الفرض والتطوع،
والصدقة الموقوفة. (إلا أن يضيف إلى جهة عامة) كالفقراء (وينوي) الوقف فيحصل بذلك. وظاهر هذا أنه يكون
صريحا حينئذ. وظاهر كلام الرافعي في كتبه والمصنف في الروضة عدم الصراحة، وإنما إضافته إلى الجهة
العامة صيرته
كناية حتى تعمل فيه النية، وهو كما قال الزركشي الصواب لأن الصريح لا يحتاج إلى نية. أما إذا أضيف إلى معنى
واحد أو أكثر فلا يكون وقفا على الصحيح بل ينفذ فيما هو صريح، وهو محض التمليك كما في الروضة وأصلها.
تنبيه: هذا كله كما قال الزركشي بالنسبة إلى الظاهر، أما في الباطن فيصير وقفا فيما بينه وبين الله تعالى كما صرح
به جمع: منهم ابن الصباغ وسليم و المتولي وغيرهم. (والأصح أن قوله حرمته) للفقراء مثلا، (أو أبدته) عليهم، (ليس
بصريح) بل هو كناية، لأنهما لا يستعملان مستقلين، وإنما يؤكد بهما الألفاظ السابقة. والثاني: هو صريح، لإفادة الغرض
كالتسبيل، ويجري الخلاف أيضا فيما لو قال: حرمته وأبدته.
تنبيه: أفهم كلام المصنف أنه لا يشترط في الوقف أن يقول أخرجته عن ملكي، وهو كذلك، وإن حكى الإمام فيه
382

احتمالين. (و) الأصح (أن قوله جعلت) هذه (البقعة مسجدا) وإن لم يكن لله، (تصير به) أي بمجرد هذا اللفظ (مسجدا) لأن
المسجد لا يكون إلا وقفا فأغنى لفظه عن لفظ الوقف ونحوه. والثاني وعليه جمع كثير: أن القول المذكور لا يصيره مسجدا
لعدم ذكر شئ من ألفاظ الوقف. وإن قال: جعلت البقعة مسجدا لله تعالى صارت مسجدا جزما، وكذا إن قصد بقوله:
جعلت البقعة مسجدا لوقف كما صرح به القاضي حسين. ولو قال: وقفتها للصلاة كان صريحا في الوقف كفاية في وقفه مسجدا
فيحتاج إلى نية. ولو بنى بيتا وأذن في الصلاة فيه لم يصر بذلك مسجدا وإن صلى فيه ونوى جعله مسجدا، وقد تقدم أن
النية تكفي فيما إذا بناه في موات. (و) الأصح (أن الوقف على معين يشترط فيه قبوله) متصلا بالايجاب إن كان من أهل القبول،
وإلا فقبول وليه كالهبة والوصية، وهذا هو الذي قاله الجوزي والفوراني وصححه الإمام وأتباعه، وعزاه الرافعي في
الشرحين للإمام وآخرين، وصححه في المحرر، ونقله في زيادة الروضة عنه مقتصرا عليه، وجرى عليه في الكتاب. والثاني:
لا يشترط واستحقاقه المنفعة كاستحقاق العتيق منفعة نفسه بالاعتاق، قال السبكي: وهذا ظاهر نصوص الشافعي في غير
موضع، واختاره الشيخ أبو حامد وسليم والماوردي والمصنف في الروضة في السرقة ونقله في شرح الوسيط عن الشافعي،
واختاره ابن الصلاح وجرى عليه شيخنا في منهجه. قال في المهمات: ووافقه قول الرافعي لو قال: وقفت عليه زوجته
انفسخ النكاح. قال في الوسيط: والذي رأيته في نسخ الرافعي: فلو وقف بحذف لفظة قال وهو الصواب، أي فيكون
الوقف قد تم بإيجاب وقبول بخلاف الأول فإنه ينفسخ بمجرد قول الواقف: وقفت عليه زوجته فيكون مفرعا على
عدم
القبول. وبالجملة فالأول هو المعتمد. وإلحاق الوقف بالعتق ممنوع، لأن العتق لا يرد بالرد ولا يبطل بالشروط المفسدة، بخلاف
الوقف في ذلك باتفاق القائلين بأنه ينتقل إلى الله تعالى. وعلى هذا يستثنى ما إذا وقف على ابنه الحائز ما يخرج من ثلثه،
فإن قضية كلامهم في باب الوصية لزوم الوقف بمجرد اللفظ وبه صرح الإمام. ولا يشترط على القول بالقبول القبض على
المذهب، وشذ الجوزي فحكى قولين في اشتراطه في المعين.
تنبيه: قضية كلام المصنف ترجيح اشتراط القبول في البطن الثاني والثالث لأنهم يتلقون الوقف من الواقف، قال السبكي:
والذي يتحصل من كلام الشافعي والأصحاب أنه لا يشترط قبولهم وإن شرطنا قبول البطن الأول، وأنه يريد بردهم
كما يرتد برد الأول على الصحيح فيهما، وجرى على هذا ابن المقري. وعلى هذا فإن ردوا فمنقطع الوسط أو رد الأول
بطل كالوكالة والوصية والوقف. أما الوقف على جهة عامة كالفقراء أو على مسجد أو نحوه فلا يشترط فيه القبول جزما
لتعذره. فإن قيل: لم لم يجعل الحاكم نائبا في القبول كما جعل نائبا عن المسلمين في استيفاء القصاص؟
. أجيب بأن القصاص لا بد له من مباشر فلذلك جعل نائبا فيه، بخلاف هذا، ولم يشترطوا قبول ناظر المسجد، بخلاف ما لو وهب للمسجد شئ
فإنه لا بد من قبول ناظره وقبضه كما لو وهب شئ لصبي. وقوله، جعلته للمسجد كناية تمليك لا وقف، فيشترط قبول
الناظر وقبضه كما مر. (ولو رد) الموقوف عليه المعين العين الموقوفة، (بطل حقه) سواء (شرطنا القبول) من المعين (أم لا)
كالوصية والوكالة. ولو رجع بعد الرد لم يعد له، وقول الروياني: يعود له إن رجع قبل حكم الحاكم به لغيره، مردود
كما نبه عليه الأذرعي. نعم لو وقف على وارثه. الحائز لتركته شيئا يخرج من الثلث لزم ولم يبطل حقه برده كما نقله الشيخان
في باب الوصايا عن الإمام.
تنبيه: يشترط في الوقف أربعة شروط: الأول: التأبيد، كالوقف على من لم ينقرض قبل قيام الساعة كالفقراء أو على
من ينقرض، ثم على من لا ينقرض كزيد، ثم الفقراء فلا يصح تأقيت الوقف كما تضمنه قوله: (ولو قال وقفت هذا) على
كذا (سنة) مثلا (فباطل) هذا الوقف لفساد الصيغة. فإن أعقبه بمصرف كوقفته على زيد سنة ثم على الفقراء صح، وروعي
فيه شرط الواقف كما نقله البلقيني عن الخوارزمي.
تنبيه: ما ذكر محله فيما لا يضاهي التحرير، أما ما يضاهيه كالمسجد والمقبرة والرباط كقوله: جعلته مسجدا سنة
383

فإنه يصح مؤبدا كما لو ذكر فيه شرطا فاسدا، قاله الإمام وتبعه غيره، أي وهو لا يفسد بالشرط الفاسد. (ولو قال: وقفت
على أولادي أو على زيد ثم نسله) ونحوه مما لا يدوم، (ولم يزد) على ذلك من يصرف إليه بعدهم، (فالأظهر صحة الوقف)
لأن مقصود الوقف القربة والدوام وإذا بين مصرفه ابتداء سهل إدامته على سبيل الخير، ويسمى منقطع الآخر. والثاني:
بطلانه لانقطاعه. وعلى الأول (فإذا انقرض المذكور فالأظهر أنه يبقى وقفا) لأن وضع الوقف على الدوام كالعتق. والثاني:
يرتفع الوقف ويعود ملكا للواقف أو وارثه إن مات. (و) الأظهر على الأول (أن مصرفه) عند انقراض من ذكر (أقرب
الناس إلى الواقف يوم انقراض المذكور) لأن الصدقة على الأقارب من أفضل القربات، وفي الحديث: صدقتك على غير
رحمك صدقة، وعلى رحمك صدقة وصلة. ويختص المصرف وجوبا كما صرح به الخوارزمي وغيره بفقراء قرابة الرحم
لا الإرث في الأصح، فيقدم ابن بنت على ابن عم. فإن قيل: الزكاة وسائر المصارف الواجبة عليه شرعا لا يتعين صرفها ولا
الصرف منها إلى الأقارب فهلا كان الوقف كذلك أجيب بأن الأقارب مما حث الشارع عليهم في تحبيس الوقف، لقوله
(ص) لأبي طلحة: أرى أن تجعلها في الأقربين فجعلها في أقاربه وبني عمه. وأيضا الزكاة ونحوها من المصارف
الواجبة لها مصرف متعين فلم تتعين الأقارب، وهنا ليس معنا مصرف متعين، والصرف إلى الأقارب أفضل فعيناه
. والثاني: يصرف إلى الفقراء والمساكين لأن الوقف يؤول إليهم في الانتهاء. وعلى الأول فإن لم يكن له أقارب صرف
الإمام الريع إلى مصالح المسلمين كما حكاه الروياني عن النص، وقيل: يصرف إلى الفقراء والمساكين.
تنبيه: هذا إذا كان الواقف مالكا مستقلا، فإن وقف الإمام من بيت المال على بني فلان ثم انقرضوا، قال الزركشي:
لم يصرف إلى أقارب الإمام بل في المصالح، قال: وهذا أصح وإن لم يذكروه. وقد وقع في الفتاوى: ولو لم يعرف أرباب
الوقف فمصرفه كما في منقطع الآخر. (ولو كان الوقف منقطع الأول كوقفته على) ولدي ولا ولد له أو على مسجد سيبني
أو على (من سيولد لي) ثم الفقراء، (فالمذهب بطلانه) لأن الأول باطل لعدم إمكان الصرف إليه في الحال فكذا ما ترتب عليه.
والطريق الثاني فيه قولان: أحدهما الصحة وصححه المصنف في تصحيح التنبيه، ولو وقف على بعض ورثته في المرض
ولم يجز الباقون أو على مبهم ثم الفقراء فمنقطع الأول.
تنبيه: تمثيل المصنف لمنقطع الأول ناقص، فكان ينبغي أن يزيد ما قدرته وإلا فهو منقطع الأول والآخر، ولا
خلاف في بطلانه كما قاله القاضي وغيره. (أو) كان الوقف (منقطع الوسط) بفتح السين، (كوقفت على أولادي ثم)
على (رجل) منهم (ثم) على (الفقراء، فالمذهب صحته) لوجود المصرف في الحال والمال، والخلاف هنا مبني على
الخلاف في منقطع الآخر وأولى بالصحة لما ذكر. وعلى الأول بعد أولاده يصرف للفقراء لا لأقرب الناس إلى الواقف
لعدم معرفة أمد الانقطاع، فإن قال: وقفت على أولادي ثم على العبد نفسه ثم على الفقراء كان منقطع الوسط أيضا، ولكن
في هذه الصورة يصرف بعد أولاده لأقرباء الواقف مثل ما مر في منقطع الآخر، والشارح جعل صورة المتن كهذه
الصورة وتبعه كثير من الشراح، وليس كذلك، ولم أر من نبه على التفرقة بين الصورتين غير ابن المقري في روضه، وتبعه
على ذلك شيخنا في شرح منهجه. ثم شرع في الشرط الثاني وهو بيان المصرف، فقال: (ولو اقتصر على) قوله (وقفت)
كذا ولم يذكر مصرفه، (فالأظهر بطلانه) لعدم ذكر مصرفه. فإن قيل: لو قال: أوصيت بثلث مالي ولم يذكر مصرفا
أن يصح ويصرف للمساكين، فهلا كان هنا كذلك كما يقول به مقابل الأظهر واختاره الشيخ أبو حامد ومال إليه السبكي
384

فيما إذا قال وقفت هذا لله أجيب بأن غالب الوصاية للمساكين فحمل الاطلاق عليه بخلاف الوقف، وبأن الوصية مبنية
على المساهلة فتصح بالمجهول والنجس بخلاف الوقف. قال الأذرعي: ويشبه أنه لو نوى المصرف واعترف به صح ظاهرا،
ونازعه الغزي في ذلك، فإنه لو قال: طلقت ونوى امرأته لا تطلق لأن النية إنما تصح فيما يحتمله اللفظ، وليس هنا لفظ يدل
على المصرف أصلا اه‍. وهذا أظهر. ولو بين المصرف إجمالا كقوله: وقفت هذا على مسجد كذا كفى وصرف إلى مصالحه
عند الجمهور، وإن قال القفال: لا يصح ما لم يبين الجهة فيقول على عمارته ونحوه. ثم شرع في الشرط الثالث، وهو
التنجيز، فقال: (ولا يجوز تعليقه كقوله إذا جاء زيد فقد وقفت) كذا على كذا، لأنه عقد يقتضي نقل الملك في الحال لم يبن
على التغليب والسراية فلم يصح تعليقه على شرط كالبيع والهبة.
تنبيه: محل الخلاف فيما لا يضاهي التحرير، أما ما يضاهيه ك‍ جعلته مسجدا إذا جاء رمضان، فالظاهر صحته كما
ذكره ابن الرفعة. ومحله أيضا ما لم يعلقه بالموت، فإن علقه به كقوله: وقفت داري بعد موتي على الفقراء فإنه يصح. قال
الشيخان: وكأنه وصية لقول القفال إنه لو عرضها للبيع كان رجوعا. ولو نجز الوقف وعلق الاعطاء للموقوف عليه بالموت
جاز كما نقله الزركشي عن القاضي الحسين، ولو قال: وقفته على من شئت أو فيما شئت وكان قد عين له ما شاء أو من يشاء
عند وقفه صح وأخذ ببيانه، وإلا فلا يصح للجهالة. ولو قال: وقفته فيما شاء الله كان باطلا لأنه لا يعلم مشيئة الله تعالى.
ثم شرع في الشرط الرابع وهو الالزام فقال: (ولو وقف بشرط الخيار) لنفسه في إبقاء وقفه والرجوع فيه متى شاء أو شرطه
لغيره أو شرط عوده إليه بوجه ما، كأن شرط أن يبيعه أو شرط أن يدخل من شاء ويخرج من شاء. (بطل على الصحيح) قال
الرافعي: كالعتق والهبة. قال السبكي: وما اقتضاه كلامه من بطلان العتق غير معروف، وأفتى القفال بأن العتق لا يبطل
بذلك لأنه مبني على الغلبة والسراية. ومقابل الصحيح يصح الوقف ويلغو الشرط كما لو طلق على أن لا رجعة له.
تنبيه: كان الأولى التعبير بالأظهر، فإن الخلاف قولان منصوصان في البويطي. (والأصح أنه إذا وقف بشرط أن
لا يؤجر) أصلا أو أن لا يؤجر أكثر من سنة صح الوقف، و (اتبع شرطه) كسائر الشروط المتضمنة للمصلحة. والثاني:
لا يتبع شرطه، لأنه حجر على المستحق في المنفعة.
تنبيه: يستثنى من إطلاق المصنف حال الضرورة، كما لو شرط أن لا تؤجر الدار أكثر من سنة ثم انهدمت وليس
لها جهة عمارة إلا بإجارة سنين، فإن ابن الصلاح أفتى بالجواز في عقود مستأنفة وإن شرط الواقف أن لا يستأنف لأن
المنع في هذه الحالة يفضي إلى تعطيله، وهو مخالف لمصلحة الواقف. ووافقه السبكي والأذرعي إلا في اعتبار التقييد بعقود
مستأنفة، فرداه عليه وقالا: ينبغي الجواز في عقد واحد. والذي ينبغي كما قال شيخنا ما أفتى به ابن الصلاح لأن الضرورة
تتقدر بقدرها. ولو شرط الواقف أن لا يؤجر أكثر من ثلاث سنين فأجره الناظر ست سنين، فإن كان في عقد واحد لم
يصح في شئ منها ولا يخرج على تفريق الصفقة كما مرت الإشارة إليه في فصلها، وإذا أجر ثلاث سنين ثم الثلاث الاخر
قبل انقضاء الأولى لم يصح العقد الثاني كما أفتى به ابن الصلاح. وإن فرعنا على الأصح أن إجارة المدة المستقبلة من المستأجر
صحيحة اتباعا لشرط الواقف، فإن المدتين المتصلتين كالمدة الواحدة، وإنما أبطلناه في الثاني دون الأول لانفراده. ولو
شرط في وقفه أن لا يؤجر من متجره ونحو ذلك مما يكتب في كتب الأوقاف اتبع شرطه، قاله الأذرعي، قال: ولم أره نصا
اه‍. وهو ظاهر، والظاهر كما في المطلب أن للموقوف عليه الاعراب. (و) الأصح (أنه إذا شرط) ابتداء (في وقف المسجد)
بأن وقف شخص مكانا مسجدا وشرط فيه (اختصاصه بطائفة كالشافعية اختص) بهم، أي اتبع شرطه كما في المحرر
كالروضة وأصلها، فلا يصلي ولا يعتكف فيه غيرهم. (كالمدرسة والرباط) إذا شرط في وقفهما اختصاصهما بطائفة
اختصا بهم جزما. والثاني: لا يختص المسجد بهم، لأن جعل البقعة مسجدا كالتحرير فلا معنى لاختصاصه بجماعة. ولو خص
385

المقبرة بطائفة اختصت بهم عند الأكثرين كما قاله الإمام. (ولو وقف على شخصين) معينين (ثم الفقراء) (مثلا فمات أحدهما
فالأصح المنصوص) في حرملة (أن نصيبه يصرف إلى الآخر) لأن شرط الانتقال إلى الفقراء انقراضهما جميعا ولم يوجد،
وإذا امتنع الصرف إليهم فالصرف إلى من ذكره الواقف أولى. والثاني: يصرف إلى الفقراء كما يصرف إليهم إذا ماتا.
تنبيه: محل الخلاف ما لم يفصل، فإن فصل فقال: وقفت على كل منهما نصف هذا فهو وقفان كما ذكره السبكي فلا
يكون نصيب الميت منهما للآخر بل يحتمل انتقاله للأقرب إلى الواقف أو الفقراء، وهو الأقرب إن قال: ثم على الفقراء،
فإن قال: ثم من بعدهما على الفقراء، فالأقرب الأول. ولو وقف عليهما وسكت عمن يصرف إليه بعدهما فهل نصيبه
للآخر أو الأقوياء الواقف؟ وجهان، أوجههما كما قال شيخنا أنه للآخر وصححه الأذرعي. ولو رد أحدهما أو بان ميتا
فالقياس على الأصح صرفه للآخر. ولو وقف على زيد ثم عمرو ثم بكر ثم الفقراء فمات عمرو قبل زيد ثم مات زيد، قال
الماوردي والروياني: لا شئ لبكر، وينتقل الوقف من زيد إلى الفقراء لأنه رتبه بعد عمرو، وعمرو بموته، أو لا لم يستحق
شيئا لم يجز أن يتملك بكر عنه شيئا. وقال القاضي في فتاويه: الأظهر أنه يصرف إلى بكر، لأن استحقاق الفقراء مشروط
بانقراضه، كما لو وقف على ولده ثم ولد ولده ثم الفقراء فمات ولد الوالد ثم الولد يرجع إلى الفقراء. ويوافقه فتوى البغوي
في مسألة طويلة، حاصلها أنه إذا مات واحد من ذرية الواقف في وقف الترتيب قبل استحقاقه للوقف لحجبه بمن فوقه
يشارك ولده من بعده عند استحقاقه. قال الزركشي: وهذا هو الأقرب. ولو قال: وقفت على أولادي فإذا انقرض
أولادهم فعلى الفقراء هل تدخل أولاد الأولاد في الوقف أو لا؟ اختار ابن أبي عصرون الأول، ويجعل ذكرهم قرينة
في دخولهم. وقال الأذرعي: إنه المختار. وقال الشيخ أبو حامد: الصحيح أنه منقطع الوسط، لأن أولاد الأولاد لم
يشترط لهم شيئا، وإنما شرط انقراضهم لاستحقاق غيرهم اه‍. وهذا أوجه.
فصل: في أحكام الوقف اللفظية: والأصل فيها أن شروط الواقف مرعية ما لم يكن فيها ما ينافي الوقف. فإذا تلفظ
الواقف في صيغة وقفه بحرف عطف يقتضي تشريكا أو ترتيبا عمل به كما أشار المصنف إلى ذلك بقوله: (قوله) أي الشخص:
(وقفت) كذا (على أولادي وأولاد أولادي يقتضي التسوية) في أصل الاعطاء والمقدار، (بين الكل) وهو جميع أفراد
الأولاد وأولادهم ذكرهم وأنثاهم، لأن الواو لمطلق الجمع لا للترتيب كما هو الصحيح عند الأصوليين ونقل عن إجماع
النحاة، ومن جعلها للترتيب كما حكاه الماوردي في باب الوضوء عن أكثر الأصحاب، ينبغي كما قال ابن الرفعة تقديم
الأولاد. ولو جمعهم بالواو ثم قال: ومن مات منهم فنصيبه لولده فمات أحدهم اختص ولده بنصيبه وشارك الباقين
فيما عداه.
تنبيه: إدخال أل على كل جائز عند الأخفض والفارسي، ومنعه الجمهور نظرا إلى أن إضافة كل معنوية فلا
تجامعها. (وكذا) يسوي بين الكل (لو زاد) على أولاد أولادي قوله: (ما تناسلوا) أي أولاد الأولاد، وكأنه قال:
عليهم وعلى أعقابهم ما تناسلوا. فإن قيل: قوله: ما تناسلوا لا يقتضي تسوية ولا ترتيبا، وإنما يقتضي التعميم. أجيب بأنه
يقتضي التعميم بالصفة المتقدمة وهي التسوية فيكون بمنزلة قوله: وإن سفلوا. (أو) زاد على ما ذكر قوله: (بطنا بعد
بطن) أو نسلا بعد نسل، فإنه أيضا يقتضي التسوية بين الجميع، فيشارك البطن الأسفل البطن الاعلى كقوله: ما تناسلوا.
وهذا ما جرى عليه البغوي والفوراني والعبادي، ووجه بأن بعد تأتي بمعنى مع كما في قوله تعالى: * (والأرض بعد ذلك
دحاها) * أي: مع ذلك، على أحد الأقوال. وذهب الجمهور إلى أن قوله: بطنا بعد بطن للترتيب كقوله: الاعلى فالأعلى،
وصححه السبكي تبعا لابن يونس، قال: وعليه هو للترتيب بين البطنين فقط فينتقل بانقراض الثاني لمصرف آخر إن
386

ذكره الواقف وإلا فمنقطع الآخر. قال الأسنوي: والرافعي لم يمعن النظر في هذه المسألة، فإنه نقل الترتيب عن بعض أصحاب الإمام
وهو مقطوع به في كلام الإمام نفسه. وعد جماعة من الأصحاب القائلين بالترتيب، ثم قال: وما ذكره
الشيخان من اقتضاء التسوية باطل من جهة البحث أيضا، فإن لفظة بعد في اقتضاء الترتيب أصرح من ثم والفاء وغيرهما،
وقد جزما باقتضاء الترتيب فما نحن فيه أولى. قال ابن العماد: وما قاله الأسنوي من أن بعد أصرح من ثم والفاء
في الترتيب خطأ مخالف لنص القرآن العظيم، فقد قال تعالى: * (ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير
معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم) * قال المفسرون: أي مع ما ذكر من أوصافه زنيم، واستدل بغير ذلك من القرآن ومن
كلام العرب. والمقصود من ذلك إنما هو إظهار الحق، لأن العلماء أئمة الهدى وبهم نقتدي، فلا يظن فيهم غير ذلك،
فظهر بهذا أن ما جرى عليه الشيخان هو المعتمد. فإن قيل: قد صرحا في باب الطلاق بأنه لو قال لزوجته غير المدخول
بها: أنت طالق طلقة بعدها طلقة أنها تبين بالأولى ولا تقع الثانية، ولو كانت بعد بمعنى مع وقع طلقتان، كما لو قال: طلقة
معها طلقة. أجيب بأن قوله: بطنا بعد بطن تقدم عليه ما هو صريح في التعميم وهو: وقفت على أولادي إلخ وتعقيبه بالبعدية
ليس صريحا في الترتيب، وإنما القصد به إدخال سائر البطون حتى لا يصير الوقف منقطع الآخر.
تنبيه: قوله بطنا منصوب على الحال بمعنى مر تبين، ويجوز رفعه مبتدأ ومسوغه وصف محذوف تقديره منهم
،
فهو كقوله تعالى: * (وطائفة) * أي منهم، وانتصاب بعد على أنه ظرف لمحذوف أي كائنا بطن. (ولو قال:) وقفت كذا
(على أولادي ثم أولاد أولادي ثم أولادهم ما تناسلوا أو) قال: وقفت كذا (على أولادي وأولاد أولادي الاعلى فالأعلى)
منهم، (أو الأول فالأول) منهم، أو الأقرب فالأقرب منهم، (فهو للترتيب) فيما ذكر لدلالة اللفظ عليه، فلا يأخذ بطن
وهناك بطن أقرب منه آخر كما صرح به البغوي وغيره.
تنبيه: لا وجه لتخصيص ما تناسلوا بالأولى مع أنه لا حاجة إليه فيها، بل إن ذكره فيها وفي البقية لم يكن
التأبيد والترتيب خاصين بالطبقتين الأولتين، وإلا اختصا بهما كما صرح به القاضي وغيره ويكون بعدهما منقطع الآخر.
قال السبكي: وقد يتوقف في الصورة الأولى بعد البطن الثالث لعدم ذكر ثم فيه، إلا أن يقال قوله: ما تناسلوا يقتضي
التعميم بالصفة المتقدمة وهي تقديم الأولاد ثم أولادهم على غيرهم فيتم ذلك في كل بطن، ولا بأس به اه‍. وقد مرت الإشارة
إلى ذلك. ولو جاء ب‍ ثم للبطن الثاني وبالواو فيما بعده من البطون، كأن قال: وقفت على أولادي
ثم أولاد أولادي وأولاد أولاد أولادي كان الترتيب للبطن الثاني
دونهم عملا ب‍ ثم وبالواو فيهم، وإن عكس بأن جاء بالواو في البطن الثاني وب‍ ثم فيما جاء بعده كان الترتيب لهم دونه
. تنبيه: قوله: الأول فالأول بكسر اللام فيهما بخطه، وهو إما على البدل وإما على إضمار فعل أي: وقفته على الأول
فالأول. (ولا يدخل أولاد الأولاد في الوقف على الأولاد في الأصح) المنصوص عليه في البويطي، لأنه لا يقع عليه اسم
الولد حقيقة، إذ يصح أن يقال في ولد ولد الشخص ليس ولده. والثاني: يدخلون، لقوله تعالى: * (يا بني آدم) *. وقوله (ص):
ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا. فإن قيل: كان ينبغي ترجيح هذا على قاعدة الشافعي في حمل
اللفظ على حقيقته ومجازه. أجيب بأن شرطه على قاعدة إرادة المتكلم له، والكلام هنا عند الاطلاق. والثالث: يدخل
أولاد البنين لانتسابهم إليه. قال (ص): أنا ابن عبد المطلب دون أولاد البنات.
تنبيه: محل الخلاف إذا وجد النوعان، فلو قال: وقفت على أولادي ولم يكن له إلا أولاد أولاد حمل اللفظ عليهم
لوجود القرينة وصيانة لكلام المكلف عن الالغاء، فلو حدث له ولد فالظاهر كما قال شيخنا الصرف له لوجود الحقيقة
وأنه يصرف لهم معه كالأولاد في الوقف، ويحتمل أن يختص بذلك، وإلا وجه الأول، ومحله عند الاطلاق، فلو
أراد جميعهم دخل أولاد الأولاد قطعا، أو قال: وقفت على أولادي لصلبي لم يدخلوا قطعا. ولو قال: وقفت على أولادي
387

ولم يكن له إلا ولد فقط اختص به على الأصح. (ويدخل أولاد البنات) قريبهم وبعيدهم (في الوقف على الذرية و)
على (النسل، و) على (العقب) بكسر القاف بخطه ويجوز إسكانها، وهو ولد الرجل الذي يبقى بعده، قاله القاضي
عياض. (و) على (أولاد الأولاد) لصدق اللفظ بهم. أما في الذرية فلقوله تعالى: * (ومن ذريته داود وسليمان) * إلى أن ذكر عيسى، وليس هو إلا وله البنت والنسل والعقب في معناه. (إلا أن
يقول: على من ينتسب إلي منهم) أي من أولاد
الأولاد، فلا يدخل أولاد البنات لأنهم لا ينتسبون إليه، بل إلى آبائهم. فإن قيل: قال (ص) في الحسن
بن علي: إن ابني هذا سيد. أجيب بأنه من خصائصه (ص) أن أولاد بناته ينسبون إليه كما ذكروه
في النكاح. فإن قيل: قضية كلامهم دخول أولاد البنين سواء أكان الواقف رجلا أم امرأة، وهو مشكل في المرأة
لقولهم في النكاح وغيره إنه لا مشاركة بين الام والابن في النسب. أجيب بأن ذكر الانتساب في المرأة هنا لبيان الواقع
لا للاخراج فيدخل أولاد البنات أيضا، وإلا يلزم إلغاء الوقف أصلا، فالعبرة فيها بالنسبة اللغوية لا الشرعية، ويكون
كلام الفقهاء محمولا على وقف الرجل.
تنبيه: يدخل الخنثى في الوقف على البنين والبنات لأنه لا يخرج عنهم، والاشتباه إنما هو في الظاهر. نعم
إنما يعطي المتيقن إذا فاضل بين البنين والبنات ويوقف الباقي إلى البيان، ولا يدخل في الوقف على أحدهما، لاحتمال أنه
من الصنف الآخر. وظاهر هذا كما قال الأسنوي أن المال يصرف إلى من عينه من البنين أو البنات، وليس مرادا
لأنا لم نتيقن استحقاقهم لنصيب الخنثى، بل يوقف نصيبه إلى البيان كما في الميراث، وقد صرح به ابن المسلم. ولا يدخل
في الوقف على الولد المنفي باللعان على الصحيح لانتفاء نسبه عنه فلو استلحقه بعد نفيه دخل جزما. والمستحقون
في هذه الألفاظ لو كان أحدهم حملا عند الوقف لم يدخل على الأصح، لأنه قبل الانفصال لا يسمى ولدا فلا يستحق
غلة مدة الحمل، فلو كان الموقوف نخلة فخرجت ثمرتها قبل خروج الحمل لا يكون له من تلك الثمرة شئ. فإن قيل، هلا
استحق كالميراث أجيب بأن المعتبر هنا تسميته ولدا، وهو لا يسمى كما مر بخلاف الإرث، وأما بعد الانفصال
فيستحق قطعا، وكذا الأولاد الحادث علوقهم بعد الوقف يستحقون إذا انفصلوا على الصحيح. ولو وقف على بني تميم
دخل فيهم البنات لأنه يعبر به عن القبيلة بخلاف العكس. ولا يدخل الأخوات في الوقف على الاخوة كما جزم به
في الروضة وأصلها في آخر الوصية، وإن قال الماوردي بدخولهن. (ولو وقف على مواليه وله معتق)
بكسر التاء، (ومعتق) بفتح التاء، (قسم) الموقوف (بينهما) نصفين على الصنفين لا على عدد الرؤوس على الراجح. (وقيل: يبطل) لما
فيه من الاجمال. ولا يمكن حمل اللفظ على العموم لاختلاف معناهما، وترجيح الأول من زيادته، وصححه في زيادة
الروضة أيضا ونص عليه الإمام الشافعي في البويطي. وخرج بقوله: وله معتق ومعتق ما إذا لم يوجد إلا أحدهما
فإنه يتعين قطعا، فلو طرأ الآخر بعده لم يدخل وإن بحث ابن النقيب دخوله قياسا على الأولاد. أجيب عن
القياس
بأن إطلاق المولى على كل منهما من الاشتراك اللفظي، وقد دلت القرينة وهي الانحصار في الموجود على أحد معنيين، فصار
المعنى الآخر غير مراد. وأما مع القرينة فيحمل عليهما احتياطا أو عموما على خلاف في ذلك مقرر في الأصول، بخلاف
الوقف على الاخوة فإن الحقيقة واحدة، وإطلاق الاسم على كل واحد من المتواطئ، فمن صدق عليه هذا الاسم
استحق من الوقف إلا أن يقيد الواقف بالموجدين حال الوقف فيتبع تقييده.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن هذا الخلاف يختص بحالة الجمع، وهو موافق لقول الإمام: لا يتجه التشريك
في الافراد كوقفت على مولاي وينقدح مراجعة الواقف، لكن ظاهر كلام ابن المقري في روضه كأصله التسوية بين
المولى والموالي، وهو الظاهر كما صرح به القاضي أبو الطيب وابن الصباغ. وإذا اقتضى الحال الصرف إلى المولى الأسفل
بتصريح أو غيره لم يدخل فيه من يعتق بموته في الأصح كما ذكره في الروضة في الوصايا، لأنهما ليس من الموالي لا حال
388

الوصية ولا حال الموت، وقضية التقييد بالموت أن من عتق في حياته ولو بعد الوقف يدخل. (والصفة المتقدمة على جمل)
أو مفردات (معطوفة) لم يتخللها كلام طويل، (تعتبر) تلك الصفة (في الكل) من تلك الجمل أو المفردات.
(كوقفت على محتاجي أولادي وأحفادي) وهم أولاد الأولاد، (وإخوتي، وكذا) الصفة (المتأخرة عليها) أي عنها
كما في المحرر. (والاستثناء) يعتبران في الكل (إذا عطف) فيهما (بواو كقوله) في المتأخرة: وقفت (على أولادي
وأحفادي وإخوتي المحتاجين) والمحتاج من يجوز له أخذ الزكاة كما أفتى به القفال، وإن بحث الزركشي مراجعة الواقف
إن أمكن. (أو إلا أن يفسق بعضهم) لما تقرر في الأصول من أن الأصل اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في جميع
المتعلقات كالصفة وغيرها، وكذا الاستثناء بجامع عدم الاستقلال. وإن عطف ما ذكر من المتعاطفات ب‍ ثم أو فرق بينهما
بكلام طويل اختصت الصفة والاستثناء بالمعطوف الأخير، فالشرط في عودهما للجميع العطف بالواو، وأن لا يتخلل كلام
طويل كما نقله في أصل الروضة عن الإمام وأقره. قال الزركشي: وما نقل عن الإمام إنما هو احتمال له والمذهب خلافه،
وقد صرح هو في البرهان بأن مذهب الشافعي العود إلى الجميع. وإن كان العطف ب‍ ثم، قال في المختار: إنه لا يتقيد بالواو
بل الضابط وجود عاطف جامع بالوضع كالواو والفاء وثم اه‍. وهذا المختار هو المعتمد. وتقديم الصفة على المتعاطفات
كتأخيرها عنها في عودها إلى الجميع، وكذا المتوسطة، وإن قال السبكي: الظاهر اختصاصها بما وليته اه‍. ومثلها فيما
ذكر الاستثناء. واعلم أن عود الاستثناء إلى الجمل لا يتقيد بالعطف، فقد نقل الرافعي في الايمان أنه يعود إليها بلا عطف،
حيث قال القاضي أبو الطيب: لو قال: إن شاء الله أنت طالق عبدي حر لم تطلق ولم يعتق.
تنبيه: ما ذكره المصنف مثال لعطف المفردات لا الجمل، إلا أن يقدر لكل من المعطوفات عامل. ولو وقف على
زوجاته أو أمهات أولاده وبناته ما لم يتزوجن فتزوجت واحدة منهن خرجت ولا تعود إذا طلقت أو فارقت بفسخ أو وفاة.
فإن قيل: لو وقف على بناته الأرامل فتزوجت واحدة منهن ثم طلقت عاد استحقاقها فهلا كان هنا كذلك أجيب بأنه
في البنات أثبت استحقاق البنات الأرامل، وبالطلاق صارت أرملة، وهنا جعلها مستحقة إلا أن تتزوج، وبالطلاق لا تخرج
عن كونها تزوجت. ومقتضى هذا وكلام ابن المقري وأصله من لم تتزوج أصلا أرملة، وليس مرادا، بل الذي نص
عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه أنها التي فارقها زوجها. وفي الوصية من الروضة أنه الأصح، وعلى هذا فلا سؤال.
فصل: في أحكام الوقف المعنوية: (الأظهر أن الملك في رقبة الموقوف) على معين أو جهة (ينتقل إلى الله تعالى) وفسر
المصنف انتقاله إلى الله تعالى بقوله: (أي ينفك عن اختصاص الآدمي) ذكر وأنثى، وإلا فجميع الموجودات له سبحانه
وتعالى في كل الأوقات. قال الإمام في الشامل: لا يتصور في حق العباد ملك الرقاب وإن أطلق توسعا، فالمالك في
الحقيقة هو الله تعالى. وقوله: (فلا يكون للواقف ولا للموقوف عليه) أشار به إلى القولين الآخرين. وجه بقاء الملك
للواقف أنه حبس الأصل وسبل الثمرة، وذلك لا يوجب زوال ملكه، ووجه الثالث الالحاق بالصدقة. فإن قيل: الوقف
يثبت بشاهد ويمين، وهو يدل لهذين القولين، وأن حقوق الله تعالى لا تثبت إلا بشاهدين. أجيب بأن المقصود بالثبوت
هو الريع، وهو حق آدمي ولو جعل البقعة مسجدا أو مقبرة انفك اختصاص الآدمي قطعا. ومثلها الرباط والمدرسة
ونحوهما. (ومنافعه) أي الموقوف على معين عند الاطلاق (ملك للموقوف عليه) وفسر المصنف هذا الملك بقوله:
(يستوفيها بنفسه وبغيره بإعارة وإجارة) كسائر الاملاك، ولكن لا يؤجر إلا إذا كان ناظرا أو أذن له الناظر في ذلك
389

نعم للناظر منعه من سكنى الدار الموقوفة عليه ليؤجرها للعمارة إن اقتضاها الحال، لأنه إذا لم يمنعه لربما أدى ذلك إلى الخراب.
وفهم من تجويز الإعارة الإجارة بدون أجرة المثل، وبه صرح الإمام، فإن كان الوقف على جهة كالفقراء لم يملك
الموقوف عليه المنفعة بل الانتفاع، أو قيد بشئ كما لو وقف دارا على أن يسكنها معلم الصبيان بالقرية مثلا ليس له أن
يسكنها غيره بأجرة ولا بغيرها. وقضية هذا منع إعارتها، وهو كذلك وإن جرت عادة الناس بالمسامحة بإعارة بيت المدرس
ونحوه، وقد نقل أن المصنف لما ولي دار الحديث وفيها قاعة للشيخ لم يسكنها وأسكنها غيره، فلو قال الواقف:
لتشغل ويعطى
المعلم غلتها لم يسكنها كما في الروضة وأصلها عن فتاوى القفال وغيره. ولو حصل من استيفاء المنفعة نقص في عين الموقوف
كرصاص الحمام واستوفى الموقوف عليه الأجرة لزمه قيمة ما أذهبته النار من الرصاص مما قبضه من الأجرة وصرفه في
مثله، قاله في المطلب تفقها، قال الدميري: وعليه عمل الناس.
تنبيه: أفهم قوله: للموقوف عليه أن الواقف لا ينتفع بشئ من الوقف، لكن يستثنى منه ما لو وقف شخص ملكه
مسجدا أو مقبرة أو بئرا فله أن يصلي فيه ويدفن فيه ويستقي منه. (ويملك الأجرة) للموقوف كما لو أجر ملكه
لأنها من المنافع.
تنبيه: قد يفهم هذا أن الناظر لو أجر الوقف سنين بأجرة معجلة أن له صرفها إليه في الحال، وقد مر الكلام على
ذلك في كتاب الإجارة فمن شاء فليراجعه. (و) يملك أيضا (فوائده) الحاصلة بعد الوقف عند الاطلاق أو شرط أنها للموقوف
عليه، (كثمرة) وأغصان ونحوه مما يعتاد قطعه، لأنها كالثمرة، بخلاف ما لا يعتاد قطعه. نعم إن شرط قطع الأغصان
التي لا يعتاد قطعها مع ثمارها كانت له، قاله الإمام. أما الثمرة الموجودة حال الوقف فهي للواقف إن كانت مؤبرة وإلا
فقولان، قاله الدارمي. وينبغي أن تكون للموقوف عليه. (وصو ف) وشعر ووبر وريش (ولبن وكذا الولد) الحادث بعد
الوقف يملكه الموقوف عليه عند الاطلاق أو عند شرط الولد له، (في الأصح) كالثمرة واللبن. (والثاني: يكون وقفا) تبعا لامه،
ولو كانت حاملا عند الوقف فولدها وقف على الثاني، وكذا على الأول بناء على أنه يعلم، وهو الأصح، ومثله الصوف
ونحوه كما بحثه شيخنا.
تنبيه: محل ملكه لولد الأمة إذا كان من نكاح أو زنا، فإن كان من وطئ شبهة فهو حر وعلى الواطئ قيمته
وتكون ملكا للموقوف عليه إن جعلنا الولد ملكا له، وإلا فيشترى بها عبد ويوقف كما قالاه. وظاهره أنه لا فرق
بين أن يكون الولد ذكرا أو أنثى، وهو كذلك، وإن قال الأسنوي: إنما يشترى به عبد إذا كان الولد ذكرا وإلا فأنثى
كما لو قتل الموقوف، لأن الولد حين انعقاده لم يكن صالحا للوقفية بخلاف الأمة الموقوفة إذا قتلت فشراء العبد بالقيمة
أولى، لأنه خير من الأمة ويكسبه ما لا تكسبه فهو أصلح للوقف. وخرج بعند الاطلاق وقف دابة لركوب ففوائدها
من در ونحوه للواقف، لأنها لم تدخل في الوقف. والحيوان الموقوف للانزاء لا يستعمل في غير الانزاء، نعم لو عجز
عن الانزاء جاز استعمال الواقف له في غيره كما قاله الأذرعي. (ولو ماتت البهيمة) الموقوفة (اختص بجلدها) لأنه أولى بها
من غيره، فإن اندبغ ولو بنفسه كما بحثه شيخنا عاد وقفا. قال في الدقائق: وعبرت بالاختصاص لأن النجس لا يوصف
بأنه مملوك. وإن قطع بموت البهيمة الموقوفة المأكولة جاز ذبحها للضرورة، وهل يفعل الحاكم بلحمها ما يراه
مصلحة
أو يباع ويشترى بثمنه دابة من جنسها وتوقف؟ وجهان، رجح الأول ابن المقري والثاني صاحب الأنوار، وهو كما قال
شيخنا أولى بالترجيح. فإن لم يقطع بموتها لم يجز ذبحها وإن خرجت عن الانتفاع كما لا يجوز إعتاق العبد الموقوف.
وقضية كلام الروضة أنه لا يجوز بيعها حية، وهو كذلك كما صححه المحاملي والجرجاني، وإن قال الماوردي بالجواز.
(وله) أي الموقوف عليه (مهر) وطئ (الجارية إذا وطئت بشبهة) أو زنا بها مكرهة أو غير مميزة، (أو نكاح إن
صححناه) أي نكاحها، (وهو الأصح) إذا زوجها الحاكم من غير الواقف والموقوف عليه وأذن له الموقوف عليه، لأنه
390

من جملة الفوائد كالثمرة. ويحرم على الواقف والموقوف عليه وطئ الأمة الموقوفة، ويلزم الموقوف عليه الاذن في تزويجها
وإن طلبته منه، لأن الحق له. ولا يحل له نكاحها بل لو وقفت عليه زوجته انفسخ نكاحه إن قبل الوقف على القول
باشتراط القبول. ولا يحل نكاحها للواقف أيضا، وإذا وطئها الموقوف عليه لا يلزمه المهر ولا قيمة ولدها الحادث بتلفه
أو بانعقاده حرا، لأن المهر ولد الموقوفة الحادث له، ويلزمه الحد حيث لا شبهة كالواقف، ولا أثر لملكه المنفعة، وهذا
هو المعتمد كما جرى عليه ابن المقري في روضه. وسيأتي في باب الوصية إن شاء الله تعالى أن الموصى له بمنفعة أمة إذا
وطئها لا حد عليه والفرق بينه وبين الموقوف عليه.
تنبيه: قول المصنف: إن صححناه لا مفهوم له، لأنه إذا لم يصح كان وطئ شبهة، وقد قال إن المهر له في ذلك.
أما إذا زنى بها مطاوعة وهي مميزة فلا مهر لها. (والمذهب أنه) أي الموقوف عليه وكذا الواقف (لا يملك قيمة العبد)
مثلا (الموقوف إذا) تلف تحت يد ضامنه لرقبته، أو (أتلف) سواء أتلفه أجنبي أم الواقف أم الموقوف عليه تعديا.
أما إذا أتلفه الموقوف عليه بلا تعد فلا ضمان، ومن ذلك كما في زيادة الروضة الكيزان المسبلة على أحواض الماء، وكذا
الكتب الموقوفة على طلب العلم مثلا فلا ضمان على من تلف في يده شئ منها بلا تعد، وإن تعدى ضمن، ومن التعدي
استعماله في غير ما وقف له. (بل يشترى بها أي بالقيمة (عبد) مثله، فلا يشترى أمة بقيمته ولا عبد بقيمة أمة ولا صغير
بقيمة كبير ولا عكسه على أقوى الوجهين كما رجحه المصنف. (ليكون وقفا مكانه) مراعاة لغرض الواقف من استمرار
الثواب وتعلق حق البطن الثاني وما بعده به.
تنبيه: الذي يتولى الشراء والوقف هو الحاكم، ولا فرق بين أن يكون للوقف ناظر خاص أو لا، وهو كذلك
خلافا للزركشي في الشق الأول، بناء على أن الموقوف ملك لله تعالى. وأشار المصنف بقوله، ليكون وقفا إلى
أنه لا يصير
وقفا حتى يقفه الحاكم. وفرق بينه وبين المبني في عمار الجدران الموقوفة وترميمها حيث يصير وقفا بالبناء لجهة الوقف
بأن العبد الموقوف مثلا قد فات بالكلية والأرض الموقوفة باقية والطين والحجر المبني بهما كالوصف التابع. (فإن تعذر)
شراء عبد بقيمة التالف، (فبعض عبد) لأنه أقرب إلى مقصود الواقف، بخلاف الأضحية حيث لا يشترى بقيمتها شقص
شاة لتعذر التضحية به، وقيل، يملك القيمة الموقوف عليه بناء على أن الملك له، وينتهي الوقف له. والطريق الثاني
القطع بشراء عبد بها ألخ. فإن تعذر الشقص ففيه ثلاثة أوجه: أحدها يبقى البدل إلى أن يتمكن من شرا شقص.
ثانيها: يكون ملكا للموقوف عليه ثالثها: يكون لأقرب الناس إلى الواقف، وهذا أقربها. ولو جنى الموقوف جناية توجب
قصاصا اقتص منه وفات الوقف كما لو مات، وإن وجب بجنايته مال أو قصاص وعفي علي مال فداه الواقف بأقل الامرين
من قيمته والأرش وإن مات العبد بعد الجناية، ولا يتعلق المال برقبته لتعذر بيعه، وله إن تكررت الجناية منه حكم
أم الولد. وإن مات الواقف ثم جنى العبد أفدي من كسبه في أحد وجهين يظهر ترجيحه، والوجه الآخر من بيت المال
كالحر المعسر، ولا يفتدى من تركة الواقف لأنها انتقلت إلى الوارث. (ولو) تعطلت منفعة الموقوف بسبب غير مضمون،
كأن (جفت الشجرة) أو قلعها ريح أو سيل أو نحو ذلك ولم يمكن إعادتها إلى مغرسها قبل جفافها، (لم ينقطع الوقف
على المذهب) وإن امتنع وقفها ابتداء لقوة الدوام.
تنبيه: لو عبر كالمحرر والروضة وأصلها بالأصح كان أولى، فإن المقابل وجه يقول إن الوقف ينقطع وينقلب
ملكا للواقف أو وارثه لا طريقة. (بل ينتفع بها) حاله كونها (جذعا) بإجارة وغيرها إدامة للوقف في عينها. ولا تباع
ولا توهب للخبر السابق أول الباب، (وقيل: تباع) لتعذر الانتفاع كما شرطه الواقف. (والثمن) على هذا حكمه
(كقيمة العبد) المتلف على ما سبق فيه. فإن لم يمكن الانتفاع بها إلا باستهلاكها بإحراق أو نحوه ففيه خلاف، قيل: تصير
391

ملكا للموقوف عليه لكنها لاتباع ولا توهب بل ينتفع بعينها كأم الولد ولحم الأضحية، وصحح هذا ابن الرفعة والقمولي
وجرى عليه ابن المقري في روضه ونقل أصله عن اختيار المتولي. ولكن اقتصار المصنف على ما ذكره كالحاوي الصغير
يقتضي أنها لا تصير ملكا بحال، قال شيخنا: وهو المعتمد الموافق للدليل وكلام الجمهور اه‍. والأول أوجه. فإن قيل:
يلزم عليه التنافي، إذ القول بأن الوقف لا يبطل ويعود ملكا متنافيان. أجيب بأن معنى عوده ملكا أنه ينتفع به
ولو باستهلاك عينه كالاحراق، ومعنى عدم بطلان الوقف أنه ما دام باقيا لا يفعل ما يفعل بسائر الاملاك من بيع ونحوه
كما مر، وإذا كان كذلك فلا تنافي بين بقاء الوقف وعوده ملكا، بل قيل: إن الموقوف ملك للموقوف عليه في حال
الانتفاع به. ولو كان البناء والغراس موقوفا في أر ض مستأجرة وصار الريع لا يفي بالأجرة أو يفي بها فقط، أفتى ابن
الأستاذ بأنه يلتحق بما لا ينتفع به إلا باستهلاكه، أي بإحراق ونحوه، فيقلع وينتفع بعينه إن أمكن وإلا صرف إلى
الموقوف عليه اه‍. وهذا مما يؤيد ما مر. ثم قال: وإن كان الغراس مما ينتفع بعينه بعد القلع وانتهت مدة الإجارة
واختار المؤجر قلعه، فيظهر عدم صحة الواقف ابتداء اه‍. وهذا ممنوع لما مر أنه يصح وقف الرياحين المغروسة، وعلل
بأنها تبقى مدة. ولو اشترى بناء على أرض محتكرة ولم يستأجرها ثم وقف البناء، قال الزركشي: فالظاهر أنه إن كان
ثم ريع وجبت منه الأجرة وإلا لم يلزم الواقف أجرة لما بعد الوقف، وللمالك مطالبته بالتفريغ اه‍. وإذا قلع يأتي فيه
التفصيل المتقدم. وإذا انقلعت أشجار الموقوف أو انهدم بناؤه أجرت أرضه لما لا يراد دوامه كزرعها ولما يراد كغرس
وشرط قلعه عند انتهاء المدة وغرست الأرض أو بنيت بأجرتها الحاصلة بإيجارها بعد انقضاء مدة الإجارة. (والأصح جواز
بيع حصر المسجد) الموقوفة (إذا بليت وجذوعه إذا انكسرت) أو أشرفت على ذلك كما في الروضة وأصلها، ولو اقتصر
عليه المصنف لفهم حكم المنكسر بطريق الأولى. (ولم تصلح إلا للاحراق) لئلا تضيع ويضيق المكان بها من غير فائدة،
فتحصيل نزر يسير من ثمنها يعود إلى الوقف أولى من ضياعها، ولا تدخل بذلك تحت بيع الوقف، لأنها صارت في حكم
المعدومة. وهذا ما جرى عليه الشيخان، وهو المعتمد، وعلى هذا يصرف ثمنها في مصالح المسجد. قال الرافعي:
والقياس أن يشترى بثمن الحصير حصير لا غيرها، قال: ويشبه أنه مرادهم اه‍. وهو ظاهر إن أمكن وإلا فالأول. وكالحصر
في ذلك نحاتة الخشب وأستار الكعبة إذا لم يبق فيها نفع ولا جمال. والثاني: لا يباع ما ذكر إدامة للوقف في عينه،
ولأنه يمكن الانتفاع به في طبخ جص أو آجر. قال السبكي: وقد تقوم قطعة من الجذوع مقام آجرة وقد تقوم النحاتة
مقام التراب ويختلط به. قال الأذرعي: ولعله أراد مقام التبن الذي يستعمل في الطين، وجرى على هذا جمع من
المتأخرين. وأجاب الأول بأنه لا نظر لامكان الانتفاع في هذه الأمور، لأن ذلك نادر لندرة اصطناع هذه الأشياء لبعض
المساجد فضلا عن جميعها. أما الحصر الموهوبة أو المشتراة للمسجد فإنها تباع للحاجة. واحترز بقوله: إلا للاحراق عما إذا
أمكن أن يتخذ منها ألواح وأبواب فلا تباع قطعا.
تنبيه: جدار الدار الموقوفة المنهدم إذا تعذر بناؤه كالتالف فيأتي فيه ما مر. (ولو انهدم مسجد وتعذرت
إعادته) أو تعطل بخراب البلد مثلا، (لم) يعد ملكا ولم (يبع بحال) كالعبد إذا عتق ثم زمن ولم ينقض إن لم يخف
عليه لامكان الصلاة فيه ولامكان عوده كما كان، قال المتولي: وتصرف غلة وقفه لأقرب المساجد إليه: أي إذا لم يتوقع
عوده والا حفظ كما قاله الإمام وهذا أولى من قول الماوردي: تصرف إلى الفقراء والمساكين. ومن قول الروياني أنه
كمنقطع الاخر فإن خيف عليه نقص وبنى الحاكم بنقضه مسجدا آخر ان رآى ذلك والا حفضه وبنائه بقربه أولى
ولا يبنى به بئرا كما لا يبنى بنقض بئر خربت مسجدا بل بئر أخرى مراعاة لغرض ما أمكن ولو وقف على قنطرة
وانخرق الوادي وتعطلت القنطرة واحتيج إلى قنطرة أخرى جاز نقلها إلى محل الحاجة وغلة وقف الثغر وهو الطرف
الملاصق من بلادنا بلاد الكفار إذا حصل فيه الامن بحفظه النادر لاحتمال عوده ثغرا ويدخر من زائد غلة المسجد
392

على ما يحتاج إليه ما يعمره بتقدير هدمه ويشتري له بالباقي عقارا ويقفه لأنه أحفظ له، لا بشئ من الموقوف على عمارته،
لأن الواقف وقف عليها.
فرع: تقدم عمارة الموقوف على حق الموقوف عليهم لما في ذلك من حفظ الوقف، ويشرف ريع الموقوف على
المسجد وقفا مطلقا أو على عمارته في البناء والتجصيص المحكم والسلم والبواري للتظليل بها والمكانس ليكنس بها والمساحي
لينقل بها التراب، وفي ظلة تمنع إفساد خشب الباب بمطر ونحوه إن لم يضر بالمارة، وفي أجرة قيم لا مؤذن وإمام وحصر
ودهن، لأن القيم يحفظ العمارة بخلاف الباقي. فإن كان الوقف لمصالح المسجد صرف من ريعه لمن ذكر لا في التزويق
والنقش، بل لو وقف عليها لم يصح كما مرت الإشارة إليه، ولا يصرف لحشيش السقف ما عين لحشيش الحصر ولا عكسه. ولأهل الوقف المهايأة لا قسمته، وإن قلنا القسمة إفراز لما فيه من تغيير شرط الواقف ولا تغييره عن هيئته
كجعل البستان دارا أو حماما إلا أن يشرط الواقف العمل بالمصلحة فيجوز التغيير بحسبها عملا بشرطه. قال السبكي:
والذي أراه تغييره في غير ذلك بثلاثة شروط: أن يكون يسيرا لا يغير مسمى الوقف، وأن لا يزيل شيئا من عينه بل ينقل
نقضه من جانب إلى جانب، وأن يكون فيه مصلحة للوقف. وعليه ففتح شباك الطبرسية في جدار الجامع الأزهر لا يجوز
إذ لا مصلحة للجامع فيه، وكذا فتح أبواب الحرم، لأنه إنما هو لمصلحة السكان.
فصل: في بيان النظر على الوقف: وشرط الناظر ووظيفته (إن شرط الواقف النظر) على وقفه (لنفسه أو
غيره) واحدا كان أو أكثر، (اتبع) شرطه سواء فوضه له في حال حياته أم أوصى به لأنه المتقرب بالصدقة فيتبع
شرطه كما يتبع في مصارفها وغيرها. ولو جعل ولاية وقفه لفلان فإن مات فلفلان جاز. وقد كان عمر رضي الله تعالى
عنه يلي أمر صدقته، ثم جعله إلى حفصة تليه ما عاشت، ثم يليه أولو الرأي من أهلها رواه أبو داود، ولقبول المشروط
له النظر حكم قبول الوكيل بجامع اشتراكهما في التصرف وفي جواز الامتناع منهما بعد قبولهما فلا يشترط قبوله لفظا.
(وإلا) أي وإن لم يشرطه لاحد، (فالنظر للقاضي على المذهب) لأن له النظر العام فكان أولى بالنظر فيه، ولان الملك
في الوقف لله تعالى، والطريق الثاني ينبني على أقوال الملك والخلاف في الروضة كأصلها وجهان. ولو بنى مسجدا
ببلد ووقف عليه وقفا ببلد آخر ولم يشرط النظر لاحد وقلنا بالمذهب إن النظر للحاكم كان النظر على المسجد لحاكم
بلده وعلى الموقوف لحاكم بلده. ووقع بعد تولية القضاة الأربعة فتوى فيمن شرط النظر لزيد ثم لحاكم المسلمين
بدمشق. وأفتى الفزاري بأن النظر المشروط للحاكم لا يختص بحاكم معين ونوزع في ذلك، واختار السبكي اختصاص
الشافعي بالنظر في الأوقاف التي شرطت للحاكم، والتي سكت عن نظرها، والتي آل نظرها إلى الحاكم، قال: لأن
القاضي الشافعي وهو المفهوم عرفا عند الاطلاق، فمتى قيل القاضي من غير تعيين فهو الشافعي، وإن أريد غيره قيدوه،
وقد استقر ذلك في الديار المصرية وبسط القول في ذلك. (وشرط الناظر العدالة) وإن كان الوقف على معينين رشداء
لأن النظر ولاية كما في الوصي والقيم. قال السبكي: ويعتبر في منصوب الحاكم العدالة الباطنة، وينبغي أن يكتفي
في منصوب الواقف بالظاهرة كما في الأب وإن افترقا في وفور شفقة الأب، وخالف الأذرعي فاعتبر فيه الباطنة أيضا، والأول أوجه. (و) شرطه أيضا
(الكفاية) وفسرها في الذخائر بقوة الشخص وقدرته وعلى التصرف فيما هو ناظر عليه
، فإن اختلت إحداهما نزع الحاكم الوقف منه وإن كان المشروط له النظر الواقف. وقضية كلام الشيخين أن الحاكم
يتولاه استقلالا فيوليه من أراد، وأن النظر لا ينتقل لمن بعده إذا شرط الواقف النظر لانسان بعد آخر، أي إلا أن
ينص عليه الواقف كما قاله السبكي وغيره، فإن زال الاختلال عاد نظره إن كان مشروطا في الوقف منصوصا عليه
بعينه كما ذكره المصنف في فتاويه وإن اقتضى كلام الإمام خلافه، وما في الفتاوى يدل على أنه لا ينفذ عزله من نفسه
ولا من غيره وهو كذلك من غيره أو من نفسه إذا تعين.
393

تنبيه: في ذكر الكفاية كفاية عن قوله: (والاهتداء إلى التصرف) ولذلك حذفه من الروضة كأصلها، وحينئذ
فعطف الاهتداء على الكفاية من عطف التفسير، أيقال: أفرده بالذكر لكونه المهم من الكفاية. ولو كان له النظر
على مواضع فأثبت أهليته في مكان ثبت في باقي الأماكن من حيث الأمانة ولا يثبت من حيث الكفاية إلا إن ثبتت أهليته
في سائر الأوقاف، قاله ابن الصلاح، وهو كما قال الدميري ظاهر إذا كان الباقي فوق ما أثبت أهليته فيه، أو مثله
بكثرة مصارفه وأعماله، فإن كان أقل فلا. ولا يتصرف الناظر إلا على وجه النظر والاحتياط لأنه ينظر في مصالح الغير
فأشبه ولي اليتيم. (ووظيفته) عند الاطلاق أو تفويض جميع أمور (العمارة والإجارة وتحصيل الغلة وقسمتها
) على
مستحقيها وحفظ الأصول والغلا ت على الاحتياط لأنه المعهود في مثله.
تنبيه: أفتى ابن عبد السلام بأن المدرس هو الذي ينزل الفقهاء ويقرر جامكياتهم، وأنه ليس للناظر إلا تحصيل
الريع وقسمته على المنزلين. وهذا قد يخالفه قول المصنف بعد: وللواقف عزل من ولاه ونصب غيره، والناظر قائم مقام
الواقف، فإنه قد أقامه مقام نفسه فكيف يقال بتقديم غيره عليه وكيف يقال الناظر يولي المدرس وهو ينزل الطلبة
فالمدرس فرع الناظر، فكيف يقدم الفرع على الأصل وهذا هو المعتمد كما صوبه الزركشي وغيره. (فإن فوض إليه
بعض هذه الأمور لم يتعده) اتباعا للشرط كالوكيل. ولو شرط الواقف للناظر شيئا من الريع جاز وان زاد على اجرة مثله
كما صرح به الماوردي، بخلاف ما لو كان النظر له وشرط لنفسه فإنه لا يزيد على أجرة المثل كما مرت الإشارة إليه، فإن
لم يذكر الواقف للناظر أجرة فلا أجرة له على الصحيح كالغسال ونحوه، فلو رفع الناظر الامر إلى الحاكم ليقرر له أجرة
فهو كما إذا تبرم الولي بحفظ مال الطفل فرفع الامر إلى القاضي ليثبت له أجرة، ولو ادعى متولى الوقف صرف الربع
للمستحقين، فإن كانوا معينين فالقول قولهم ولهم مطالبته بالحساب، وإن كانوا غير معينين فهل للإمام مطالبته بالحساب
أولا؟ وجهان: حكاهما شريح في أدب القضاء، أوجههما الأول ويصدق في قدر ما أنفقه عند الاحتمال، فإن اتهمه الحاكم
حلفه، والمراد كما قال الأذرعي إنفاقه فيما يرجع إلى العادة، وفى معناه الصرف إلى الفقراء ونحوهم من الجهات العامة،
بخلاف انفاقه على الموقوف عليه المعين فلا يصدق فيه لأنه لم يأتمنه، ولو فوض الواقف النظر لاثنين لم يستقل أحدهما
بالتصرف ما لم ينص عليه، ولو جعل النظر لعدلين من أولاده وليس فيهم إلا عدل نصب الحاكم آخر، وإن شرطه
للأرشد من أولاده فالأرشد، فأثبت كل منهم أنه الأرشد اشتركوا في النظر بلا استقلال إن وجدت الأهلية فيهم، لأن
الأرشدية قد سقطت بتعارض البينات فيها وبقى أصل الرشد، وإن وجدت الأرشدية في بعض منهم اختص بالنظر عملا
بالبينة، ويدخل في الأرشد من أولاد أولاده الأرشد من أولاد أولاده الأرشد من أولاد البنات لصدقه به، ولو قال الواقف جعلت النظر لفلان.
وله أن يفوض النظر إلى من أراد ففوض النظر إلى شخص فهل يزول نظر المفوض، أو يكون المفوض إليه وكيلا عن
المفوض، وفائدة ذلك أنه لو مات المفوض هل يبقى النظر للمفوض إليه، أو مات المفوض إليه هل يعود للمفوض أولا؟
يدل للأول ما في فتاوى المصنف إذا شرط الواقف النظر لانسان وجعل له أن يسند إلى من شاء، وكذلك سند بعد
سند فأسند إلى إنسان فهل للمسند عزل المسند إليه أولا وهل يعود النظر إلى المسند أولا؟ ولو أسند المسند أو المسند
إليه إلى ثالث فهل لأول عزله أو لا؟ أجاب ليس للمسند عزل المسند إليه ولا مشاركته، ولا يعود النظر إليه بعد موته،
وليس له ولا للثاني عزل الثالث الذي أسند إليه الثاني (وللواقف) الناظر (عزل من) أي شخص (ولاه) النظر
(ونصب غيره) مكانه كما يعزل الموكل وكيله وينصب غيره وكان المتولي نائبا عنه. أما غير الناظر فلا يصح منه تولية
ولا عزل بل هي للحاكم.
(تنبيه) قد يقتضى كلامه أن له العزل بلا سبب، وبه صرح السبكي في فتاويه فقال: إنه يجوز للواقف وللناظر
الذي من جهته عزل المدرس ونحوه إذا لم يكن مشروطا في الوقف لمصلحة ولغير مصلحة، لأنه كالوكيل المأذون له في
394

إسكان هذه الدار لفقير فله أن يسكنها من شاء من الفقراء، وإذا سكنها فقير مدة فله أن يخرجه ويسكن غيره لمصلحة ولغير
مصلحة وليس تعيينه لذلك يصيره كأنه مراد الواقف حتى يمتنع تغييره وبسط في ذلك - فإن قيل في زوائد الروضة قبيل
باب القسمة عن الماوردي أنه إذا أراد ولى الامر إسقاط بعض الأجناد المثبتين في الديوان بسبب جاز، أو بغير سبب فلا
وإذا كان هذا في النظر العام ففي النظر الخاص المقتضى للاحتياط أولي. أجيب بأن الأجناد المثبتين في الديوان قد ربطوا
أنفسهم على الجهاد، وهو من فروض الكفايات، ومن شرع فيه أو ربط نفسه عليه لا يجوز إخراجه بغير سبب بخلاف
الوقف فإنه خارج عن فروض الكفايات. وقال البلقيني: عزل الناظر للمدرس من غير طريق مسوغ لا ينفذ ويكون
قادحا في نظره. وقال الزركشي في خادمه: لا يبعد أن ينفد وإن كان عزله غير جائز وقال في شرحه على المنهاج في باب
القضاء: لا ينعزل أصحاب الوظائف الخاصة كالإمامة والأقراء والتصوف والتدريس والطلب والنظر من غير سبب
كما أفتى به كثير من المتأخرين منهم ابن رزين، فقال: من تولي تدريسا لا يجوز عزله بمثله ولا بدونه ولا ينعزل بذلك اه‍
وهذا هو الظاهر، ثم استثنى المصنف من جواز العزل قوله (إلا أن يشرط) الواقف لشخص (نظره حال الوقف) فليس
له عزله ولو لمصلحة لأنه لا تغيير لما شرط كما ليس لغيره ذلك، ولأنه لا نظر له حينئذ وليس له عزل من شرط تدريسه
أو فوض إليه حال الوقف ولو لمصلحة، كما لو وقف على أولاده الفقراء لا يجوز تبديلهم بالأغنياء، بخلاف من جعل
له ذلك بعد تمام الوقف فإن له عزله كما نقله الشيخان عن فتاوى البغوي وأقراه، لكن ينبغي كما قال شيخنا تقييده في
تفويض التدريس بما إذا كانت جنحة، ولو عزل الناظر بالشرط نفسه أو فسق فتولية غيره إلى الحاكم لا إلى الواقف،
إذ لا نظر له بعد أن جعل النظر في حال الوقف لغيره، فإن شرط النظر حال الوقف لزيد بعد انتقال الوقف من
عمرو
إلى الفقراء، فعزل زيد نفسه من النظر، أو استناب فيه غيره قبل انتقال الوقف من عمرو إلى الفقراء، لم يصح العزل
ولا الاستنابة، لأنه غير ناظر في الحال، ولا يملك الوقاف عزل زيد في الحال ولا من بعده كما علم مما مر (وإذا أجر
الناظر) لاعين الموقوفة على غيره مدة بأجرة مثله (فزادت الأجرة في المدة أو ظهر طالب بالزيادة) عليها (لم ينفسخ العقد
في الأصح) لأن العقد قد جرى بالغبطة في وقه فأشبه ما إذا باع الولي مال الطفل ثم ارتفعت القيم بالأسواق، أو ظهر طالب
بالزيادة. والثاني ينفسخ إذا كان للزيادة وقع والطلب ثقة لتبين وقوعه على خلاف الغبطة. أما إذا أجر العين الموقوفة
عليه فإنه يصح قطعا ولو بدون أجرة المثل كما لو أجر المطلق به أو أجر الناظر الموقوف على غيره بدون أجرة المثل فإنه
لا يصح قطعا، وأفتى ابن الصلاح فيما إذا أجر الناظر الوقف مدة معلومة بأجرة معلومة وشهد شاهدان أنها أجرة المثل
حالة العقد، ثم تغيرت الأحوال وطرأت أسباب توجب زيادة أجرة المثل أنه يتبين بطلان العقد، ويتبين خطأ الشاهدين
بأجرة المثل، لأن تقويم المنافع في مدة ممتدة، إنما يصح إذا استمر الحال الموجودة حالة التقويم التي هي حالة العقد وليس
هذا التقويم كتقويم السعلة الحاضرة. قال الأذرعي: وهذا مشكل جدا، والذي يقع في النفس إنما ينظر إلى أجرة المثل
التي تنتهى إلهيا الرغبات حالة العقد في جميع المدة المعقود عليها مع قطع النظر عما عساه يتجدد لأن ذلك يؤدى إلى سد
باب إجارة الأوقاف والزهادة فيها لأن الدنيا لا تبقى على حالة واحدة وأطال في رد ذلك وما قاله لاخفاء فيه.
(خاتمة) نفقة الموقوف ومؤن تجهيزه وعمارته من حيث شرطها الواقف من ماله أو من ماله الوقف، وإلا فمن
منافع الموقوف، ككسب العبد وغلة العقار، فإذا تعطلت منافعه فالنفقة ومؤن التجهيز لا العمارة في بيت المال، ولو
اندرس شرط الواقف وجهل الترتيب بين أرباب الوقف أو المقادير، بأن لم يعلم هل سوى الواقف بينهم أو فاضل قسمت
اللغة بينهم بالسوية لعدم الأولوية، وإذا تنازعوا في شرط ولا بينة، ولأحدهم يد صدق بيمينه لاعتضاد دعواه باليد
فإن كان الواقف حيا عمل بقوله بلا يمين، أو ميتا فوارثه، فإن لم يكن فناظره من جهة الواقف لا المنصوب من جهة
395

الحاكم، ولو وجد الوارث والناظر والناظر كما اله الأذرعي: ولو وقف على قبيلة كالطالبين أجزأ ثلاثة منهم، فإن قال:
وقفت على أولاد علي وجعفر وعقيل اشترط ثلاثة من كل منهم. ويدخل في الوقف على الفقراء الغرباء وفقراء أهل البلد.
وللناظر الاقتراض في عمارة الوقف بإذن الإمام، فلو نبتت شجرة بمقبرة فثمرتها مباحة للناس تبعا للمقبرة وصرفها إلى
مصالح المقبرة أولى من تبقيتها للناس، لا ثمر شجرة غرست للمسجد فيه فليست مباحة بلا عوض، بل يصرف الإمام عوضها
لمصالح المسجد. وإنما خرجت الشجرة عن ملك غارسها هنا بلا لفظ للقرينة الظاهرة، وخرج بغرسها للمسجد غرسها
مسبلة، فيجوز أكلها بلا عوض، وكذا إن جهلت نيته حيث جرت العادة به. وتقطع الشجرة من المسجد إن رآه الإمام،
بل إن جعل البقعة مسجدا وفيها شجرة فللإمام قطعها. وإن أدخلها الواقف في الوقف والوقف أمانة في يد الموقوف عليه،
فإن استعمله في غير ما وقف له ضمنه، فإن انكسر القدر بلا تعد فإن تطوع أحد بإصلاحه فذاك وإلا أعيد صغيرا
ببعضه، فإن تعذر فقصعة أو مغرفة أو نحوها ولا حاجة إلى إنشاء وقف، ولو وقف دهنا لاسراج المسجد به أسرج كل
الليل إلا أن لا يتوقع حضور أحد ينتفع به انتفاعا جائزا. قال الدميري: واقعة عن السبكي: قال لي ابن الرفعة: أفتيت
ببطلان خزانة كتب وقفها واقف لتكون في مكان معين في مدرسة الصالحية بمصر، لأن ذلك المكان مستحق لغير تلك
المنفعة. قال السبكي: ونظيره إحداث منبر في مسجد لم يكن فيه فإنه لا يجوز، وكذا إحداث كرسي مصحف مؤبد يقرأ
فيه كما يفعل بالجامع الأزهر وغيره لا يصح وقفه لما تقدم من استحقاق تلك البقعة لغير هذه الجهة، قال: والعجب من
قضاة يثبتون وقف ذلك شرعا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. وسئل السبكي عن رجل وقف أرضا بها أشجار موز
والعادة أن شجر الموز لا يبقى أكثر من سنة فزالت الأشجار بعد أن نبتت من أصولها أشجار ثم أشجار على ممر الزمان،
فأجاب: الأرض وما فيها من أصول الموز وفراخه وقف وما نبت بعد ذلك من الفراخ ينسحب عليه حكم الوقف ولا
يحتاج إلى إنشاء وقف، بخلاف العبد الموقوف إذا قتله واشترى بقيمته عبدا آخر فإنه يحتاج إلى إنشاء وقف كما تقدم،
والفرق أن العبد قد فات بالكلية والأرض الموقوفة باقية.
كتاب الهبة
تقال لما يعم الهدية والصدقة ولما يقابلهما، واستعمل الأول في تعريفها والثاني في أركانها وسيأتي. والأصل فيها
على الأول قبل الاجماع قوله تعالى: * (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) *، وقوله: * (وآتى المال على حبه) *
الآية، وقوله تعالى: * (وإذا حييتم بتحية) * الآية، قيل: المراد منها الهبة. وأخبار كخبر الصحيحين: لا تحقرن جارة لجارتها ولو
فرسن شاة أي ظلفها. وانعقد الاجماع على استحباب الهبة بجميع أنواعها، قال الله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * والهبة
بر، ولأنها سبب التواد والتحاب، قال (ص): تهادوا تحابوا. وقبل (ص) هدية المقوقس الكافر وتسر من
جملتها بمارية
القبطية وأولدها، وقبل هدية النجاشي المسلم وتصرف فيها وهاداه أيضا. وقد يعرض لها أسباب تخرجها عن ذلك: منها الهبة
لأرباب الولايات والعمال فإنه يحرم عليهم قبول الهدية من أهل ولاياتهم ممن ليست له عادة بذلك قبل الولاية كما هو محرر
في محله. ومنها ما لو كان المتهب يستعين بذلك على معصية. وصرفها في الأقارب والجيران أفضل من صرفها في غيرهم لما في
الأول من صلة الرحم، ولما روي في الثاني من قوله (ص): من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره. والصرف إلى
الأول أفضل. ثم شرع المصنف في تعريفها بالمعنى الأول، فقال: (التمليك) لعين (بلا عوض) في حال الحياة تطوعا (هبة)
فخرج بالتمليك العارية والضيافة والوقف، وبالعين الدين والمنفعة وسيأتي حكمهما، وبنفي العوض ما فيه عوض كالبيع ولو بلفظ
396

الهبة، وبالحياة الوصية لأن التمليك فيها إنما يتم بالقبول وهو بعد الموت، وبالتطوع الواجب من زكاة وكفارة ونحوهما.
وكان الأولى في تعريف الهبة كما في الحاوي الصغير: الهبة تمليك إلخ، فإن الهبة هي المحدث عنها. فإن قيل: يرد على حصر
الهبة في التمليك ما لو أهدى إلى غني من لحم أضحية أو هدي أو عقيقة فإنه هبة ولا تمليك فيه، وما لو وقف شيئا فإنه تمليك
بلا عوض وليس بهبة. أجيب عن الأول بمنع أنه لا تمليك فيه، بل فيه تمليك، لكن يمنع من التصرف فيه بالبيع
ونحوه كما يعلم من باب الأضحية، وعن الثاني بأنه تمليك منفعة، وإطلاقهم التمليك إنما يريدون به الأعيان.
تنبيه: قضية كلامه أن الهبة بثواب لا يطلق عليها اسم الهبة لوجود الأعيان العوضية، وبه صرح الزبيري. ثم قسم
التمليك المذكور إلى الصدقة والهدية بقوله: (فإن ملك) بلا عوض (محتاجا) شيئا (لثواب الآخرة) أي لأجلها،
(فصدقة) أي فلا بد من اجتماع الامرين. والتحقيق كما قال السبكي أخذا من كلام المجموع وغيره أن الحاجة غير معتبرة،
قال السبكي: فينبغي أن يقتصر على أحد الامرين: إما الحاجة أو قصد ثواب الآخرة، فإن الصدقة على الغنى جائزة،
ويثاب عليها إذا قصد القربة، فخرج بذلك ما لو ملك غنيا من غير قصد ثوب الآخرة. (فإن نقله) بنفسه أو بغيره
مع قصد الثواب (إلى مكان الموهوب له إكراما له فهدية) أيضا، أو بدون قصد الثواب فهدية فقط، ولهذا قال في
المحرر: وإن نقله، بالواو، وهي أولى، فإن الفاء توهم لولا ما قدرته أن الهدية قسم من الصدقة وليس مرادا، بل هي
قسيمها. وإذا انضم إلى تمليك المحتاج بقصد ثواب الآخرة النقل إلى مكانه فتكون هدية وصدقة، وقد تجتمع الأنواع
الثلاثة فيما لو ملك محتاجا لثواب الآخرة بلا عوض ونقله إليه إكراما بإيجاب وقبول. قال السبكي: والظاهر أن الاكرام
ليس شرطا فالشرط هو النقل. قال الزركشي: وقد يقال احترز به عن الرشوة، ولا يقع اسم الهدية على العقار. فإن
قيل قد صرحوا في باب النذر أن الشخص لو قال: لله علي أن أهدي هذا البيت مثلا صح وباعه ونقل ثمنه. أجيب بأنهم
توسعوا فيه بتخصيصه بالاهداء إلى فقراء الحرم وتعميمه في المنقول وغيره. وأما تعريفها بالمعنى الثاني، وهو المراد عند
الاطلاق، فأركانها ثلاثة: عاقد وصيغة وموهوب. وقد أخذ المصنف في بيان بعض ذلك فقال: (وشرط الهبة) لتتحقق
عاقدان كالبيع، وهذا هو الركن الأول، ولهما شروط، فيشترط في الواهب الملك وإطلاق التصرف في ماله، فلا تصح
من ولي في مال محجورة ولا من مكاتب بغير إذن سيده. ويشترط في الموهوب له أن يكون فيه أهلية الملك لما يوهب
له من تكليف وغيره، وسيأتي أن غير المكلف يقبل له وليه فلا تصح لحمل ولا لبهيمة ولا لرقيق نفسه، فإن أطلق الهبة
له فهي لسيده. و (إيجاب وقبول لفظا) من الناطق مع التواصل المعتاد كالبيع، وهذا هو الركن الثاني. ومن صريح
الايجاب: وهبتك ومنحتك وملكتك بلا ثمن، ومن صريح القبول: قبلت ورضيت. ويستثنى من اعتبارهما مسائل:
منها الهبة الضمنية كأن يقول لغيره: أعتق عبدك عني ففعل فيدخل في ملكه هبة ويعتق عليه ولا يحتاج للقبول. ومنها
ما يخلعه السلطان على الامراء والقضاة وغيرهم لا يشترط فيه القبول كما بحثه بعض المتأخرين لجريان العادة بذلك.
ومنها ما لو وهبت المرأة نوبتها من ضرتها لم يحتج لقبولها على الصحيح كما سيأتي إن شاء الله تعالى في القسم والنشوز.
ومنها ما لو اشترى حليا لولده الصغير وزينه به فإنه يكون تمليكا له بخلاف ما لو اشتراه لزوجته فإنه لا يصير ملكا لها كما قاله القفال،
والفرق بينهما أن له ولاية على الصغير بخلاف الزوجة، كذا ذكره السبكي وتبعه ابن الملقن. ويرد هذا قول الشيخين
وغيرهما، فإن وهب للصغير ونحوه ولي غير الأب والجد قبل له الحاكم، وإن كان أبا أو جدا تولى الطرفين فلا بد
من الايجاب والقبول. ومنها ما لو قال: اشتري لي بدراهمك لحما فاشتراه، وصححناه للسائل، فإن الدراهم تكون هبة لا قرضا.
ويقبل الهبة للصغير ونحوه ممن ليس أهلا للقبول الولي، فإن لم يقبل انعزل الوصي ومثله القيم وأثما لتركهما الاحظ،
بخلاف الأب والجد لكمال شفقتهما. ويقبلها السفيه نفسه وكذا الرقيق لا سيده وإن وقعت له، أما الأخرس فيكفيه الإشارة
المفهمة. وفي الذخائر أن انعقاد الهبة بالكناية مع النية وبالاستيجاب على الخلاف في البيع، أي فتصح. ومن الكناية
397

الكتابة، واختار في المجموع صحتها بالمعاطاة. وقوله لغيره: كسوتك هذا الثوب كناية في الهبة، فإن قال
الواهب: لم أردها
صدق لأنه يصلح للعارية فلا يكون صريحا في الهبة كالبيع. ولا يصح قبول بعض الموهوب أو قبول أحد شخصين
نصف ما وهب لهما وجهان: أوجههما كما قال شيخ تبعا لبعض اليمانيين الصحة، بخلاف البيع فإنه لا يصح لأنه معاوضة
بخلاف الهبة فاغتفر فيها ما لم يغتفر فيه، وإن قال بعض المتأخرين: إن هذا الفرق بين بقادح. (ولا يشترطان) أي الايجاب
والقبول (في الهدية على الصحيح) ولو في غير المطعوم، (بل يكفي البعث من هذا) أي المهدي، ويكون كالايجاب، (والقبض
من ذاك) أي المهدى إليه ويكون كالقبول كما جرى عليه الناس في الاعصار، وقد أهدى الملوك إلى رسول الله (ص)
الكسوة والدواب والجواري كما مر. وفي الصحيحين: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة رضي الله
تعالى عنها وعن أبويها، ولم ينقل إيجاب ولا قبول. والثاني: يشترطان كالهبة، وحمل ما جرى عليه الناس على الإباحة
رد بتصرفهم في المبعوث تصرف الملاك والفروج لا تباح بالإباحة.
تنبيه: سكوت المصنف عن احتياج الصدقة إلى الصيغة يشعر بعدم افتقارها إليها قطعا، وقال الإمام: إنه الظاهر،
لكن قال في الروضة وأصلها: إن الصدقة كالهدية بلا فرق. فإن قيل: بل كلامه إنما يشعر باشتراط الايجاب والقبول
فيها لأنه اعتبر الايجاب والقبول ولم يستثن إلا الهدية. أجيب بأن المراد الهبة في قوله، وشرط الهبة إيجاب وقبول الهبة الخاصة
المقابلة للهدية والصدقة كما مرت الإشارة إليه لا الهبة العامة المرادة أول الباب. وقوله: لفظا تأكيد ونصبه بنزع الخافض الياء. فرع: لو ختن شخص ولده واتخذ دعوة فأهدي إليه ولم يسم أصحاب الهدايا الابن ولا الأب، حكي في المسألة وجهان:
أحدهما أنها للابن، وصححه العبادي وصاحب الكافي وجزم به القاضي حسين. والثاني ويحكى عن الشيخ أبي إسحاق،
وقال المصنف إنه أقوى وأصح: أنها للأب. ولو غرس شجرا وقال عند غرسه: غرسته لطفلي لم يملكه، فإن قال: جعلته
له صار ملكه أي إذا قبله له مما مر. ولا يصح تعليق الصفة ولا توفيتها إلا ما استثناه بقوله: (ولو قال: أعمرتك
هذه الدار) مثلا، أي جعلتها لك عمرك أو حياتك أو ما عشت أو حييت أو نحو ذلك، (فإذا مت) بفتح التاء، (فهي لورثتك)
أو لعقبك كما في الروضة، (فهي هبة) حكما، ولكنه طول العبارة فيعتبر الايجاب والقبول وتلزم بالقبض، فإذا مات
كانت لورثته فإن لم يكونوا فلبيت المال، ولا تعود للواهب بحال لخبر مسلم: أيما رجل أعمر عمري فإنها للذي أعطيها لا ترجع
إلى الذي أعطاها. (ولو اقتصر على) قوله (أعمرتك) هذه الدار مثلا ولم يتعرض لما بعد موته، (فكذا) هي هبة (في الجديد)
لحديث الصحيحين: العمري ميراث لأهلها وليس في جعلها له مدة حياته ما ينافي انتقالها إلى ورثته، فإن
الاملاك كلها
مقدرة بحياته. والقديم بطلانه كما لو قال أعمرتك سنة. (و) على الجديد (لو قال) مع قوله أعمرتكها (فإذا مت عادت إلي) أو
إلى وارثي، (فكذا) هي هبة وإعمار صحيح (في الأصح) وبه قطع الأكثرون كما في الروضة، ويلغو ذكر الشرط
لاطلاق الأحاديث الصحيحة. فإن قيل: هذا شرط فاسد فهلا بطلت العمري كالبيع أجيب بأن شروط البيع تقابل ببعض الثمن،
فإذا بطلت يسقط ما يقابلها فيصير الثمن مجهولا فيبطل، والعمري لا ثمن فيها فلذلك صحت، وبأن هذا الشرط يقتضي
فسخا منتظرا ولا يضر الهبة بدليل هبة الأب لابنه ويضر البيع. قال السبكي: وقضية الجواب الأول أنه لو قيد الهبة
بالشرط المذكور صحت كالعمري، وهو كذلك.
فائدة: قال البلقيني: ليس لنا موضع يصح فيه العقد مع وجود الشرط الفاسد المنافي لمقتضاه إلا هذا. والثاني: يبطل
العقد لفساد الشرط، وعلى القديم يبطل من باب أولى كما ذكره في المحرر.
تنبيه: قد يقتضي كلام المصنف أنه لو قال: جعلتها لك عمرى أو عمر زيد فإنه يبطل، وهو الأصح لخروجه عن اللفظ
المعتاد لما فيه من تأقيت الملك، فإن الواهب أو زيدا قد يموت أولا بخلاف العكس، فإن الانسان لا يملك إلا مدة حياته
398

فكأن لا توقيت. ولا يصح تعليق العمرى كإذا مت أو جاء فلان أو رأس الشهر فهذه الدار لك عمرك، فلو قال: إن مت فهي
لك عمرك فوصية يعتبر خروجها من الثلث. (ولو قال: أرقبتك) هذه الدار مثلا (أو جعلتها لك رقبي) وفسر المصنف مدة
طول ذلك بقوله: أي إن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك استقرت لك فالمذهب طرد القولين الجديد) وهو الصحية ويلغو الشرط. (والقديم) وهو عدم الصحة،
ومقابل المذهب القطع بالبطلان. ولا يحتاج للتفسير في عقد الرقبى بل يكفي
الاقتصار على أرقبتك. نعم إن عقدها بلفظ الهبة كوهبتها لك عمرك احتيج للتفسير المذكور. والعمرى والرقبى كالعقدين
في الجاهلية في عطيتين مخصوصتين، فالعمري من العمر لأنها يجعلها عمره، والرقبى من الرقوب لأن كل واحد منهما
يرقب موت صاحبه. قال السبكي: وصحة العمرى والرقبى بعيد عن القياس، لكن الحديث مقدم على كل أصل وكل
قياس، وقد ورد فيهما أمر ونهي، فلو قيل بتحريمهما للنهي وصحتهما للحديث كما قلنا في طلاق الحائض لم يبعد
وبسط ذلك، ولا بد في الرقبى من القبول والقبض كما مر في العمرى. ولو جعل رجلان كل منهما داره للآخر رقبى على أن من مات
قبل الآخر عادت للآخر فرقبى من الجانبين. ثم شرع في الركن الثالث ضابطا له بضابط، فقال: (و) كل (ما جاز بيعه
جاز هبته) بالأولى لأن بابها أوسع. فإن قيل: لم حذف المصنف التاء من جاز هبته؟ أجيب بأن تأنيث الهبة
غير
حقيقي أو لمشاكلة جاز بيعه.
تنبيه: يستثنى من هذا الضابط مسائل: منها الجارية المرهونة إذا استولدها الراهن أو أعتقها وهو معسر فإنه
يجوز بيعها للضرورة ولا يجوز هبتها لا من المرتهن ولا من غيره. ومنها بيع الموصوف سلما في الذمة جائز، ويمتنع هبته
كوهبتك دينارا في ذمتي ثم يعينه في المجلس. ومنها المكاتب يصح بيعه ما في يده ولا تصح هبته. ومنها القيم والوصي
على مال الطفل يصح منهما بيع ما له لا هبته. ومنها هبة المنافع فإنها تباع لاجارة، وفي هبتها وجهان: أحدهما أنها ليست
بتمليك بناء على أن ما وهب منافعه عارية وهو ما جزم به الماوردي وغيره ورجحه الزركشي، والثاني: أنها تمليك بناء
على أن ما وهب منافعه أمانة، وهو ما رجحه ابن الرفعة والسبكي وغيرهما وهو الظاهر. (و) كل (ما لا) يجوز بيعه (كمجهول
ومغصوب) لغير قادر على انتزاعه (وضال) وآبق (فلا) تجوز هبته بجامع أنها تمليك في الحياة.
تنبيه: يستثنى من هذا الضابط مسائل: منها ما استثناه المصنف بقوله: (إلا حبتي حنطة ونحوهما) من المحقرات كشعير،
فإنهما لا يجوز بيعهما كما مر في البيع وتجوز هبتهما لانتفاء المقابل فيهما، وهذا الاستثناء مما زاده على المحرر
ولم يذكره في الروضة، وقال ابن النقيب، إنه سبق قلم، ففي الرافعي في تعريف اللقطة أن ما لا يتمول كحبة حنطة وزبيبة
لا يباع ولا يوهب، لكن قال الأذرعي وغيره: إن الصحيح المختار ما في المتن، وهو كذلك. ومنها ما إذا لم تعلم الورثة مقدار
ما لكل منهم من الإرث، كما لو خلف ولدين أحدهما خنثى، وقد ذكر الرافعي في الفرائض أنه لو اصطلح الذين وقف
المال بينهم على تساو أو تفاوت جاز، قال الإمام: ولا بد أن يجري بينهم تواهب، وهذا التواهب لا يكون إلا عن جهالة
ولكنها تحتمل للضرورة. ومنها ما إذا اختلط حمام برجين فوهب صاحب أحدهما نصيبه للآخر فإنه يصح على الصحيح
وإن كان مجهول القدر والصفة للضرورة، ومثل ذلك ما لو اختلطت حنطته بحنطة غيره، أو مائعه بمائع غيره، أو ثمرته
بثمرة غيره. ومنها ما لو قالا: أنت في حل مما تأخذ من مالي أو تعطي أو تأكل فإنه يجوز له الاكل دون الاخذ والاعطاء
لأن الاكل إباحة، وهي تصح مجهولة بخلافهما. ومنها صوف الشاة المجعولة أضحية ولبنها كما قاله الروياني. ومنها الطعام
المغنوم من دار الحرب تجوز هبته للمسلمين بعضهم من بعض ما داموا في دار الحرب، كما يجوز لهم أكله هناك، ولا يصح
لهم تبايعه، قاله الزركشي، وهذه في الحقيقة لا تستثنى، لأن الآخذ لا يملك المأخوذ حتى يملكه لغيره، وإنما هو مباح
للغانم غير مملوك. ومنها الثمار قبل بدو الصلاح تجوز هبتها من غير شرط القطع، بخلاف البيع، وكذا الزرع الأخضر
399

قبل اشتداد الحب. ومنها ما لو وهب الأرض مع بذر أو زرع لا يفرد بالعقد، فإن الهبة تصح في الأرض وتفرق الصفقة
هنا على الأرجح، والجهالة في البذر لا تضر في الأرض إذ لا ثمن ولا توزيع. ومنها ما لو باع المتحجر ما تحجره لم يصح
على الأصح، لأن حق التملك لا يباع وتجوز هبته، قال الدارمي: ولو وهب مرهونا أو كلبا ولو معلما أو خمرا ولو محترمة،
أو جلد ميتة قبل الدباغ أو دهنا نجسا لم يصح كالبيع، وما قاله في الروضة في باب الأواني من أن جلد الميتة قبل الدباغ
تصح هبته محمول على نقل اليد لا على التمليك كما صرح هنا بأن هبته لا تصح. (وهبة الدين للمدين إبراء) له منه لا يحتاج
قبولا نظرا للمعنى.
تنبيه: قضية كلام المصنف أن هبة الدين صريح في الابراء، وهو كذلك وإن قال في الذخائر إنه كناية، وترك الدين
للمدين كناية إبراء. (و) هبته (لغيره) وهو من لا دين عليه (باطلة في الأصح) وعبر في الروضة بالمذهب لأنه غير مقدور على
تسليمه وإنما يقبض من الديون عين لا دين، والقبض في الهبة إنما يكون فيما ورد العقد عليه. والثاني: صحيحة، ونقل عن
نص الام وصححه جمع تبعا للنص كما مر في بيعه على ما صححه في الروضة، قيل: بل أولى. ووجه الأول وهو المعتمد
أن هبة ما في الذمة غير صحيح، بخلاف بيع ما في الذمة فإنه يصح، ولهذا لم يختلف ترجيح الشيخين في بطلان هبة الدين
لغير من هو عليه، واختلف في ترجيح البيع له، وعلى هذا يستثنى من طرد القاعدة لأنه يجوز بيعه ولا تجوز هبته.
فرع: تمليك المسكين الدين الذي عليه أو على غيره عن الزكاة لا يصح، لأن ذلك فيما عليه إبدال وهو لا يجوز،
وفيما على غيره تمليك وهو لا يجوز أيضا. (ولا يملك موهوب) بالهبة الصحيحة غير الضمنية وذات الثواب الشاملة للهدية
والصدقة (إلا بقبض) فلا يملك بالعقد لما روى الحاكم في صحيحه: أنه (ص) أهدى إلى النجاشي ثلاثين أوقية مسكا ثم قال
لام سلمة: إني لا أرى النجاشي إلا قد مات ولا أرى الهدية التي قد أهديت إليه إلا تسترد فإذا ردت إلي فهي لك فكان كذلك،
لأنه عقد إرفاق كالقرض فلا يملك إلا بالقبض. وخرج بالصحيحة الفاسدة فلا تملك بالقبض، والمقبوض بها غير مضمون
كالهبة الصحيحة إذ الأصل أن فاسد كل عقد كصحيحه، وبغير الضمنية الضمنية، كما لو قال: أعتق عبدك عني مجانا،
فإنه يعتق عنه ويسقط القبض في هذه الصورة كما يسقط القبول إذا كان التماس العتق بعوض كما ذكروه في باب الكفارة،
وبغير ذات الثواب ذاته، فإنه إذا سلم الثواب استقل بالقبض لأنها بيع.
تنبيه: شمل كلامه هبة الأب لابنه الصغير أنها لا تملك إلا بالقبض، وهو كذلك كما هو مقتضى كلامه في البيع
ونحوه، خلافا لما حكاه ابن عبد البر. ولا بد أن يكون القبض (بإذن الواهب) فيه إن لم يقبضه الواهب سواء أكان
في يد المتهب أم لا، فلو قبض بلا إذن ولا إقباض لم يملكه ودخل في ضمانه سواء أقبضه في مجلس العقد أم بعده،
ولا بد من إمكان السير إليه إن كان غائبا، وقد سبق بيان القبض في باب البيع قبل قبضه إلا أنه لا يكفي الاتلاف ولا
الوضع بين يديه بغير إذنه لأنه غير مستحق القبض، فإن أذن له في الاكل أو العتق عنه فأكله أو أعتقه كان قبضا،
بخلاف البيع والزيادة الحادثة من الموهوب قبل قبضه للواهب لبقائه عن ملكه. وقبض المشاع بقبض الجميع منقولا كان
أو غيره، فإن كان منقولا ومنع من القبض شريكه ووكيله الموهوب له في قبض نصيبه صح، فإن لم يوكله الموهوب له
قبض له الحاكم ويكون في يده لهما، ويصح بيع الواهب للموهوب قبل قبضه وإن ظن لزوم الهبة بالعقد. وليس
الاقرار بالهبة ولو مع الملك إقرارا بقبض الموهوب لجواز أن يعتقد لزومها بالعقد، والاقرار يحمل على اليقين إلا إن قال:
وهبته له وخرجت منه إليه وكان في يد المتهب وإلا فلا، وقوله: وهبته وأقبضته له، إقرار بالهبة والقبض. ولو اختلفا
في الاذن في القبض صدق الواهب، فإن اتفقا عليه وقال الواهب رجعت قبل أن يقبضه وقال المتهب
بل بعده صدق المتهب بيمينه، لأن الأصل عدمه. ولو أقبضه وقال قصدت به الايداع أو العارية وأنكر المتهب صدق الواهب كما في الاستقصاء.
400

(فلو مات أحدهما) أي الواهب أو الموهوب له (بين الهبة والقبض) لم ينفسخ العقد، و (قام وارثه مقامه) أي وارث
الواهب في الاقباض والاذن في القبض ووارث المتهب في القبض. (وقيل ينفسخ العقد) لجوازه كالوكالة. وأجاب الأول
بأنها تؤول إلى اللزوم فلم ينفسخ بالموت كالبيع الجائز، بخلاف الوكالة. ويجري الخلاف في الجنون والاغماء ويقبضان
إذا أفاقا، ولولي المجنون قبضها قبل الإفاقة.
فرع: لو رجع الواهب الشامل لمهدي والمتصدق أو وارثه في الاذن في القبض أو مات هو أو المتهب قبل القبض
فيهما بطل الاذن فليس للرسول إيصال الهبة إلى المتهب أو وارثه إلا بإذن جديد، وينبغي كما قال الزركشي أن يكون
جنون الواهب وإغماؤه والحجر عليه كذلك. (ويسن للوالد) وإن علا (العدل في عطية أولاده بأن يسوي بين
الذكر والأنثى) لخبر الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: وهبني أبي هبة فقالت أمي عمرة
بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله (ص)، فأتى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله إن
أم هذا أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها، فقال (ص): يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم، قال:
كلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا، قال: فارجعه وفي رواية للبخاري: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم وفي لفظ
مسلم قال: فأشهد على هذا غيري وفي لفظ لأحمد: لا تشهدني على جور إن لبنيك من الحق أن تعدل بينهم،
ولئلا
يفضي بهم الامر إلى العقوق أو التحاسد.
تنبيه: قضية كلام المصنف أن ترك هذا خلاف الأولى، والمجزوم به في الرافعي الكراهة وهو المعتمد، بل قال
ابن حبان في صحيحه: إن تركه حرام، ويؤيده رواية: لا تشهدني على جور وأكثر العلماء على أنه لا يجب، وحملوا
الحديث على الاستحباب لرواية: فأشهد على هذا غيري ولان الصديق رضي الله تعالى عنه فضل عائشة رضي الله
عنها على غيرها من أولاده، وفضل عمر رضي الله تعالى عنه ابنه عاصما بشئ، وفضل عبد الله بن عمر رضي الله تعالى
عنهما بعض ولده على بعض. (وقيل كقسمة الإرث) فيضعف حظ الذكر كالميراث كما أعطاهم الله تعالى وهو خير
الحاكمين. وأجاب الأول بأن الوارث رضي بما فرض الله له بخلاف هذا، بل قيل: إن الأولى أن تفضل الأنثى، حكاه
ابن جماعة المقدسي في شرح المفتاح، لأن الذكر والأنثى إنما يختلفان في الميراث بالعصوبة، فأما إذا كان بالرحم فهما
سواء كالاخوة والأخوات من الام. ولو كان في أولاده خنثى فحكمه حكم الذكر لا الأنثى حتى يجري فيه الوجهان،
قاله في المجموع في نواقض الوضوء، قال الزركشي: وهو خلاف قياس الميراث من وقف المشكوك فيه.
تنبيه: محل الكراهة عند الاستواء في الحاجة أو عدمها وإلا فلا كراهة، وعلى ذلك يحمل تفصيل الصحابة
رضي الله تعالى عنهم فيما مر، ويستثنى العاق والفاسق إذا علم أنه يصرفه في المعاصي فلا يكره حرمانه. ويسن أيضا
أن يسوي الولد إذا وهب لوالديه شيئا، ويكره له ترك التسوية كما مر في الأولاد، فإن فضل أحدهما فالأم أولى لخبر:
إن لها ثلثي البر والاخوة ونحوهم لا يجري فيهم هذا الحكم، ولا شك أن التسوية بينهم مطلوبة لكن دون طلبها
في الأصول والفروع. روى البيهقي في الشعب عن سعيد بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي (ص)
قال: حق كبير الاخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده وفي رواية: الأكبر من الاخوة بمنزلة الأب. (وللأب
الرجوع) على التراخي (في هبة ولده) الشاملة للهدية والصدقة، وكذا لبعضها كما فهم بالأولى من دون حكم حاكم.
(وكذا لسائر الأصول) من الجهتين ولو مع اختلاف الدين، (على المشهور) سواء أقبضها الولد أم لا، غنيا كان
أو فقيرا، صغيرا أو كبيرا، لخبر: لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده.
رواه الترمذي والحاكم وصححاه. والوالد يشمل كل الأصول إن حمل اللفظ على حقيقته ومجازه وإلا ألحق به بقية
401

الأصول بجامع أن لكل ولادة كما في النفقة وحصول العتق وسقوط القود. والثاني: لا رجوع لغير الأب، مستدلا بالحديث
المتقدم، وقصر الوالد على الأب وعممه الأول. وعبد الولد غير المكاتب كالولد، لأن الهبة لعبد الولد هبة للولد
بخلاف
عبده المكاتب لأنه كالأجنبي. نعم انفسخت الكتابة فقد بان بآخر الامر أن الملك للولد فهو كهبة اثنين لو تنازعا
فيه ثم ألحق بأحدهما فإنه يرجع لثبوت بنوته، وهبته لمكاتب نفسه كالأجنبي. ولو وهب شيئا لولده ثم مات ولم يرثه
الولد لمانع قام به، ورثه جد الولد ولم يرجع في الهبة الجد الحائز للميراث لأن الحقوق لا تورث وحدها إنما تورث
بتبعية المال وهو لا يرثه. ويكره للوالد أن يرجع في هبته لأولاده إن عدل بينهم إلا لمصلحة، كأن يستعينوا بما أعطاه لهم
على معصية وأصروا عليها بعد إنذاره بالرجوع من غير سبب كالهبة
ولا لأن الخبر ورد في الاعطاء؟ وجهان حكاهما في البحر، أوجههما الكراهة.
نبيه: محل الرجوع فيما إذا كان الولد حرا، أما الهبة لولده الرقيق فهبة لسيده كما علم مما مر، ومحله أيضا في هبة
الأعيان. أما لو وهب ولده دينا له عليه فلا رجوع له جزما، سواء أقلنا إنه تمليك أم إسقاط، إذ لا بقاء للدين، فأشبه
ما لو وهبه شيئا فتلف. (وشرط رجوعه) أي الأب أو أحد سائر الأصول (بقاء الموهوب في سلطنة) أي ولاية (المتهب)
وهو الولد، ويدخل في السلطنة ما لو أبقى الموهوب أو غصب فيثبت الرجوع فيهما، ويخرج بها ما لو جنى الموهوب أو
أفلس المتهب وحجر عليه فيمتنع الرجوع فيهما. نعم إن قال: أنا أؤدي أرش الجناية وأرجع مكن في الأصح. فإن قيل:
سيأتي أنه لو رهنه وقبضه المرتهن وقال، أنا أبذل قيمته وارجع لم يمكن، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأنه لا يؤمن
من خروج دراهمه مستحقة فيفوت الرهن لأنه فسخ العقد ولا يقع موقوفا، بخلاف بذل الأرش لأنه ليس بعقد فجاز
أن يقع موقوفا، فإن سلم ما بذله وإلا رجع إليه، وأيضا لما في الرجوع بعد الرهن إبطال تصرف المتهب، نعم له
أن يفديه بكل الدين لأن له أن يقضي دين الأجنبي لكن بشرط رضا الغريم. وخرج بحجر الفلس حجر السفه
فلا يمنع الرجوع لأنه لم يتعلق به حق غيره. ويمتنع أيضا الرجوع في صور ذكر المصنف بعضها في قوله: (فيمتنع) الرجوع
في الموهوب بزوال السلطنة، سواء أزالت بزوال ملكه عنه (ببيعه) كله (ووقفه) وعتقه ونحو ذلك أم لا، كأن كاتب
الموهوب أو استولد الأمة، أما لو خرج عن ملكة بعضه فله الرجوع في الباقي.
تنبيه: قضية كلامهم امتناع الرجوع لبيع وإن كان البيع من أبيه الواهب، وهو كما قال شيخنا ظاهر، (لا برهنه و) لا
(هبته قبل القبض) فيهما لبقاء السلطنة. وقياس هذا أنه لو باعه بشرط الخيار له أولهما ثبوت الرجوع
لبقاء سلطنته لأن الملك له وهو ظاهر، أما بعد القبض فلا رجوع له لزوالها. (و) لا (تعليق عتقه) ولا تدبيره (و) لا
(تزويجها) الجارية (و) لا زراعتها) أي الأرض، فلا يمتنع الرجوع
بكل منها لبقاء السلطنة. (وكذا الإجارة لا تمنع الرجوع (على المذهب) لأن العين باقية بحالها ومورد الإجارة
المنفعة، وعلى هذا فالإجارة بحالها يستوفي المستأجر المنفعة، ومقابل
المذهب قول الإمام لم يصح بيع المؤجر ففي الرجوع تردد.
تنبيه: يستثنى من الرجوع مع بقاء السلطنة ما إذا منع مانع من الرجوع، وذلك في صور: منها لما لو جن
الأب فإنه لا يصح رجوعه حال جنونه، ولا رجوع لوليه، بل إذا أفاق كان له الرجوع، ذكره القاضي أبو الطيب.
ومنها ما لو أحرم والموهوب صيد فإنه لا يرجع في الحال، لأنه لا يجوز إثبات يده على الصيد في حال الاحرام. ومنها ما لو
ارتد الولد وفرعنا على وقف ملكه فإنه يرجع لأن الرجوع لا يقبل الوقف كما لا يقبل التعليق، فلو حل، أي من
إحرامه، أو عاد إلى الاسلام والموهوب باق على ملك الولد رجع، ولو وهب لولده شيئا ووهبه الولد لولده لم يرجع الأول
في الأصح لأن الملك غير مستفاد منه، ولو باعه من ابنه أو انتقل بموته إليه لم يرجع الأب قطعا لأنه لا رجوع له
فالأب أولى، ولو وهبه لولده فوهبه الولد لأخيه من أبيه لم يثبت للأب الرجوع، لأن الواهب لا يملك الرجوع فالأب
402

أولى، ولو وهبه الولد لجده ثم الجد لولد ولده فالرجوع للجد فقط. (ولو زال ملكه) أي الولد عن الموهوب (وعاد) إليه
بإرث أم لا، (لم يرجع) أي الأصل من الجهتين فيه (في الأصح) لأن الملك غير مستفاد من الأصل حتى يرجع فيه. والثاني:
يرجع، نظرا إلى ملكه السابق.
تنبيه: شمل كلامه ما لو عاد ملك الموهوب للولد بالإقالة والرد بالعيب، وهو كذلك وإن الملك قد زال عنه ثم عاد
إليه. نعم يستثنى من ذلك ما لو وهب له عصيرا ثم تخمر ثم تخلل فله الرجوع على المذهب، لأن الملك الكائن في الخل سببه
ملك العصير، وما لو كاتبه ثم عجز فله الرجوع، واستثنى الدميري ما لو وهبه صيدا فأحرم الولد ولم يرسله ثم تحلل.
وهذا ممنوع لأن ملك الولد قد زال عنه بالاحرام ولم يعد بالتحلل فإنه يجب عليه إرساله بعد التحلل على الأصح
المنصوص. ولو زرع الولد الحب أو فرخ البيض لم يرجع الأصل فيه كما جزم به ابن المقري وإن جزم البلقيني بخلافه
لأن الموهوب صار مستهلكا. (ولو زاد) الموهوب (رجع) الأصل (فيه بزيادته المتصلة) كسمن وحرث أرض لزراعة
لأنها تتبع الأصل.
تنبيه: يستثنى من إطلاقه صورتان: الأولى ما لو وهب أمة أو بهيمة حائلا ثم رجع فيها وهي حامل لم يرجع إلا
في الام دون الحمل بناء على أن الحمل يعلم، وهو الأصح، ويرجع في الام ولو قبل الوضع في أحد وجهين صححه القاضي
وهو المعتمد كما أجاب به ابن الصباغ وغيره. الثانية: ما وهبه نخلا فأطلعت تمرا غير مؤبر فلا يرجع فيه على المذهب لأنه
لا معاوضة ولا تراض كالصداق، قاله الحاوي في باب بيع الأصول والثمار. لكن في الروضة في التفليس عن الشيخ أبي حامد
ما يقتضي ترجيح التبعية، أي تبعية الطلع، واقتصر عليه، والأول أوجه قياسا على الحمل. (لا) الزيادة (
المنفصلة) كالولد
الحادث والكسب، فلا يرجع الأصل فيها بل تبقى المتهب لحدوثه على ملكه، بخلاف الحمل المقارن للهبة فإنه يرجع فيه
وإن انفصل لأنه من جملة الموهوب. ولو كان الحمل مقارنا للهبة ثم رجع في الام فقط كان رجوعا في الحمل أيضا كما
هو ظاهر كلامهم. ولو صبغ الولد الثوب أو قصر أو طحن الحنطة أو نسج الغزل شارك والده بعد والده الرجوع في الثوب
بما زاد على قيمته، فإن لم تزد فلا شركة.
تنبيه: قضية كلامه أن الموهوب لو تعلم عند الولد صنعة فزادت قيمته يفوز بها الوالد، وبه صرحا هنا في الروضة
وأصلها، فذكر من الزيادة المتصلة تعلم الحرفة وحرث الأرض، لكن ذكرا نفي باب التفليس أن تعلم الحرفة كالعين،
وقضيته أن الولد يكون شريكا فيها بما زاد كالقصارة. وأجاب عن ذلك الزركشي بأن ما هنا تعلم لا معالجة للسيد فيه،
وما هناك تعلم فيه معالجة منه، ولو رجع الأصل في الأرض التي وهبها للولد وقد غرس الولد أو بنى تخير الأصل
بعد رجوعه في الغرس أو البناء بين قلعه بأرش نقصه، أو تملكه بقيمته أو تبقيته بأجرة كالعارية، ولو نقص الموهوب
رجع فيه من غير أرش نقص.
فرع: لو وهب لولده عينا وأقبضه إياها في الصحة فشهدت بينة لباقي الورثة أن أباه رجع فيما وهبه له ولم نذكر ما رجع
فيه، لم تسمع شهادتها ولم تنزع العين منه لاحتمال أنها ليست من المرجوع فيه. (ويحصل الرجوع برجعت فيما وهبت أو
استرجعته أو رددته إلى ملكي أو نقضت الهبة) أو نحو ذلك، كأبطلتها وفسختها، وكل هذه صرائح. ويحصل بالكناية
مع النية كأخذته وقبضته، وكل ما يحصل به رجوع البائع بعد فلس المشتري يحصل به الرجوع هنا.
تنبيه: الموهوب بعد الرجوع فيه من غير استرداد له أمانة في يد الولد بخلاف المبيع في يد المشتري بعد فسخ
البيع، لأن المشتري أخذه بحكم الضمان. ولا يصح الرجوع إلا منجزا، فلو قال: إذا جاء رأس الشهر فقد رجعت لم
يصح لأن الفسوخ لا تقبل التعليق كالعقود. و (لا) يحصل الرجوع (ببيعه) أي ما وهبه الأصل لولده، (و) لا (وقفه
403

و) لا (هبته و) لا (إعتاقه و) لا (وطئها) لكمال ملك الولد ونفوذ تصرفه فلا يؤثر فيه ما ذكر، وقوله: (في الأصح) راجع
للخمس صور. والثاني: يحصل الرجوع بكل منها كما يحصل به من البائع في زمن الخيار. وفرق الأول بأن الملك هناك ضعيف
بخلاف ما نحن فيه، وعلى الأول يلزم الوالد بالاتلاف والاستيلاد القيمة وبالوطئ المهر، وتلغو البقية، وتحرم به الأمة
على الولد لأنها موطوءة والده، وتحرم موطوءة الولد التي وطئها الوالد عليهما معا كما سيأتي إن شاء الله تعالى في موانع
النكاح. ولو تفاسخ المتواهبان الهبة أو تقايلا حيث لا رجوع لم تنفسخ كما جزم به صاحب الأنوار.
فروع: أحدها: لو باع الولد العين الموهوبة من أبيه ثم ادعى الأب أنه رجع فيها قبل البيع لم يقبل إلا ببينة. ثانيها:
لو جهز شخص ابنته بأمتعة لم تملكها إلا بإيجاب وقبول إن كانت بالغة، ويصدق بيمينه أنه لم يملكها، وكذا لو اشترى
أمتعة بيتها لم تملكها بذلك، بخلاف ما لو كانت صغيرة واشترى بنيتها فتملك بذلك، ثم إن أنقد الثمن بنية الرجوع رجع
وإلا فلا. ثالثها: لو كان في يد الوالد عين وأقر بأنها في يده أمانة وهي ملك ولده ثم ادعى بعد ذلك أن المقر به كان هبة منه
وأنه رجع فيه وكذبه الولد صدق عند الأكثرين ولا رجوع للأب، والمعتمد ما أفتى به القضاة الثلاثة: أبو الطيب،
والماوردي، والهروي من أن الأب هو المصدق بيمينه، وصححه المصنف. رابعها: لو تصدق على غير بثوب فظن أنه
أودعه أو أعار له ملكه اعتبارا بنية الدافع، فلو رده عليه المدفوع له لم يحل له أخذه لزوال ملكه عنه. (ولا رجوع لغير
الأصول في هبة مقيدة بنفي الثواب) أي العوض للحديث المار، ولأنه بذل ماله مجانا كالمتصدق.
تنبيه: أفهم كلامه صحة الهبة إذا قيدت بنفي الثواب، وهو الأصح لأنه حقه فله إسقاطه. (ومتى وهب) شيئا (مطلقا)
عن تقييده بثواب وعدمه، (فلا ثواب) أي لا عوض (إن وهب لدونه) في المرتبة، كالملك لرعيته، والأستاذ لغلامه،
إذ لا تقتضيه لفظا ولا عادة.
تنبيه: ألحق الماوردي بذلك سبعة أنواع: هبة الأهل والأقارب لأن القصد الصلة، وهبة العدو لأن القصد
التآلف، وهبة الغني للفقير لأن المقصود نفعه، والهبة للعلماء والزهاد لأن القصد القربة والتبرك، وهبة المكلف لغيره
لعدم صحة الاعتياض منه، والهبة للأصدقاء والاخوان لأن القصد تأكد المودة، والهبة لمن أعان بجاهه أو ماله لأن
المقصود مكافأته. وزاد الدارمي هدية المتعلم لمعلمه، وهو داخل في عموم كلام الماوردي. (وكذا) إن وهب مطلقا
الدون (لاعلى منه) كهبة الغلام لأستاذه فلا ثواب (في الأظهر) كما لو أعاره دارا لا يلزمه شئ إلحاقا للأعيان بالمنافع.
والثاني: يجب الثواب لاطراد العادة بذلك. (و) كذا إن وهب مطلقا (لنظيره) فلا ثواب أيضا (على المذهب) المقطوع
به لأن القصد من مثله الصلة وتأكد الصداقة، والطريق الثاني: طرد القولين السابقين. والهدايا في ذلك كالهبة
كما قاله المصنف تفقها ونقله في الكفاية عن تصريح البندنيجي. وأما الصدقة فثوابها عند الله تعالى فلا يجب العوض
فيها مطلقا، قال في زيادة الروضة: ونقل عن تصريح البغوي وغيره. (فإن وجب) في الهبة مطلقا ثواب على المرجوح
وهو مقابل الأظهر، (فهو قيمة الموهوب) أي قدرها (في الأصح) لأن العقد إذا اقتضى العوض ولم يسم فيه شئ
تجب فيه القيمة، وعلى هذا فالأصح اعتبار قيمة وقت القبض لا وقت الثواب. والثاني: يلزمه ما يعد ثوابا لمثله عادة.
(فإن لم يثبه) هو ولا غيره (فله) أي الواهب (الرجوع) في الموهوب إن بقي، وببدله إن تلف. ولو أهدى
شخص لآخر على أن يقضي له حاجة أو يخدمه فلم يفعل وجب عليه ردها إن بقيت وبدلها إن تلفت كما قاله الإصطخري.
(ولو وهب) شخصا شيئا (بشرط ثواب معلوم) عليه، كوهبتك هذا على أن تثيبني كذا، (فالأظهر صحة) هذا
(العقد) نظرا للمعنى فإنه معاوضة بمال معلوم فصح كما لو قال بعتك. والثاني: بطلانه نظرا إلى اللفظ لتناقضه، فإن لفظ
404

الهبة يقتضي التبرع (ويكون بيعا على الصحيح) نظرا إلى المعنى، فعلى هذا تثبت فيه أحكام البيع من الشفعة والخيارين
وغيرهما. قال في التنقيح: بلا خلاف، وغلط الغزالي في إشارته إلى خلاف فيه اه‍. وما صححاه في باب الخيار من أنه لا خيار
في الهبة ذات الثواب مبني على أنها ليست ببيع كما مرت الإشارة إليه هناك. والثاني: يكون هبة نظرا إلى اللفظ فلا يلزم
قبل القبض. (أو) بشرط ثواب (مجهول) كوهبتك هذا العبد بثوب، (فالمذهب بطلانه) أي العقد لتعذر صحته بيعا لجهالة
العوض، ولتعذر صحته هبة لذكر الثواب بناء على أنها لا تقتضيه، وقيل: يصح هبة بناء على أنها تقتضيه.
تنبيه: لو قا المتهب للواهب: وهبتني بلا ثواب، وقال الواهب: بل بثواب صدق المتهب لأنهما اتفقا على أنه ملكه،
والأصل عدم ذكر البدل. (ولو بعث) شخص لآخر (هدية في ظرف) وهو الدعاء (فإن لم تجر العادة برده كقوصرة تمر)
وهي بتشديد الراء على الأفصح: وعاء التمر، ولا تسمى بذلك إلا وفيها التمر وإلا فهي زنبيل. (فهو) أي الظرف (هدية
أيضا) تحكيما للعرف المطرد، ومثله علب الحلواء والفاكهة ونحوهما. (وإلا) بأن جرت العادة برد الظرف أو اضطربت كما
هو قضية كلام ابن المقري، (فلا) يكون هدية بل أمانة في يده كالوديعة. قال الأذرعي: ويشبه أن تختلف العادة في رد
الظروف باختلاف طبقات الناس وعادة البلاد وما يحمل منها إلى البلاد البعيدة دون مهاداة أهل البلد، وكذا الاهداء إلى
الملوك، ولا سيما ما يحمل إليهم من النواحي البعيدة، فإن العادة أن لا ترد ظروفه. والحاصل أنه يعتبر في كل ناحية عرفها،
وفي كل قوم عرفهم باختلاف طبقاتهم.
تنبيه: ألحق المتولي بذلك الكتاب الذي يكتبه الانسان لصاحبه: أي سواء كان غائبا أم حاضرا، فإن المكتوب
إليه يملكه، فإنه هدية إلا أن يكتب فيه أن اكتب لي الجواب على ظهره، فإنه لا يملكه ويلزمه رده إليه. (و) إذا لم يكن
الظرف هدية (يحرم استعماله) لأنه انتفاع بملك الغير بغير إذنه، (إلا في أكل الهدية منه إن اقتضته العادة) عملا بها، ويكون عارية
حينئذ. قال القاضي: ويستحب له رده حالا لخبر: استبقوا الهدايا برد الظروف. قال الأذرعي: والاستحباب
المذكور حسن، وفي جواز حبسه بعد تفريغه نظر إلا أن يعلم رضا المهدى به. وهل يكون إبقاؤها فيه مع إمكان تفريغه
على العادة مضمنا، لأنه استعمال غير مأذون فيه لا لفظا ولا عرفا أم لا؟ في كلام القاضي ما يفهم الأول وهو محل نظر.
وأما الخبر المذكور فلا أعرف له أصلا. ولو خلص شخص آخر من يد ظالم ثم أنفذ إليه شيئا هل يكون رشوة أو هدية؟
قال القفال في فتاويه: ينظر إن كان أهدى إليه مخافة أنه ربما لو لم يبره بشئ لنقض جميع ما فعله كان رشوة، وإن كان
يأمن خيانته بأن لا ينقض ذلك بحال كان هبة.
خاتمة: أفضل البر بر الوالدين بالاحسان إليهما وفعل ما يسرهما من الطاعة لله تعالى وغيرها مما ليس بمنهي عنه،
قال تعالى: * (وبالوالدين إحسانا) * ومن برهما الاحسان إلى صديقهما، لخبر مسلم: إن من أبر البر أن يصل الرجل
أهل ود أبيه. ومن الكبائر عقوق كل منهما وهو أن يؤديه أذى ليس بالهين ما لم يكن ما أذاه به واجبا. قال الغزالي:
وإذا كان في مال أحد أبويه شبهة ودعاه للاكل منه فليتلطف في الامتناع، فإن عجز فليأكل ويقلل بتصغير اللقمة
وتطويل المضغة، قال: وكذا إذا ألبسه ثوبا من شبهة وكان يتأذى برده فليقبله وليلبسه بين يديه وينزعه إذا غاب،
ويجتهد أن لا يصلي فيه إلا بحضرته. وصلة القرابة، وهي فعلك مع قريبك ما تعد به وأصلا مأمور بها، وتحصل بالمال وقضاء
الحوائج والزيارة والمكاتبة والمراسلة بالسلام ونحو ذلك، ويتأكد استحبا ب وفاء العهد كما يتأكد كراهة إخلافه.
ويكره للانسان أن يشتري ما وهبه من الموهوب له، قال في الاحياء: لو طلب إنسان من غيره أن يهبه مالا في ملا
من الناس فاستحيا منهم، ولو كان في خلوة ما أعطاه له فوهبه منه على ذلك لم يحل كالمصادر، وكذا كل من وهب
له شئ لاتقاء شره أو سعايته. قال البيهقي في شعبه عن عمار بن ياسر: كان النبي (ص) لا يأكل من هدية
405

حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها للشاة التي أهديت إليه يعني المسمومة بخيبر، وهذا أصل لما يفعله الملوك في ذلك
ويلحق بهم من في معناهم. فإن قيل: كيف كان النبي (ص) يفعل ذلك وقد قال الله تعالى: * (والله يعصمك من
الناس) *؟. أجيب بأن ذلك كان قبل نزول الآية، أو أن العصمة لا تنافي تعاطي الأسباب، كما أن إخباره تعالى بأنه
يظهره على الدين كله لا ينافي جهاده وأمره بالقتال، فمن تمام التوكل كما قاله بعض السلف سلوك الأسباب والاعتماد على
رب الأرباب.
كتاب اللقطة
بضم اللام وفتح القاف. وحكى ابن مالك فيها أربع لغات: لقاطة، ولقطة بضم اللام وسكون القاف، ولقطة بضم
اللام وفتح القاف، ولقط بفتح اللام والقاف بلا هاء، ونظمها في بيت، فقال:
لقاطة ولقطة ولقطه * ولقط لاقط قد لقطه
ويقال اللقطة بفتح القاف اسم للملتقط بكسرها أيضا. وهي لغة: ما وجد على تطلب، قال تعالى: * (فالتقطه آل فرعون) *.
وشرعا: ما وجد في موضع غير مملوك من مال أو مختص ضائع من مالكه سقوط أو غفلة ونحوها لغير حربي ليس بمحرز
ولا ممتنع بقوته ولا يعرف الواجد مالكه. فخرج بغير المملوك ما وجد في أرض مملوكة، فإنه لمالك الأرض إن ادعاه،
وإلا فلمن ملك منه، وهكذا حتى تنتهي إلى المحي، فإن لم يدعه فحينئذ يكون لقطة. وبسقوط أو غفلة ما إذا ألقت
الريح ثوبا في حجره مثلا أو ألقى في حجره هارب كيسا ولم يعرفه فهو مال ضائع يحفظه ولا يتملكه. وفرقوا بينها وبين
المال الضائع، بأن الضائع ما يكون محرزا بحرز مثله كالموجود في مودع الحاكم وغيره من الأماكن المغلقة ولم يعرف مالكه،
واللقطة ما وجد ضائعا بغير حرز. واشتراط الحرز فيه دونها إنما هو للغالب، وإلا فمنه ما لا يكون محرزا كما مر في إلقاء
الهارب، ومنها ما يكون محرزا كما لو وجد درهما في أرض مملوكة أو في بيته ولا يدري أو هو له أو لمن دخل بيته، فعليه
كما قال القفال أن يعرفه لمن يدخل بيته. وبغير حربي ما وجد بدار الحرب وليس
بها مسلم فهو غنيمة يخمس وليس لقطة، وما خرج ببقية الحد واضح. ودخل فيه صحة التقاط الهدي، وفائدته جواز التصرف فيه بالنحر بعد التعريف والموقوف، وفائدته تملك منافعه بعد التعريف.
ويرد عليه ولد اللقطة فإنه ليس بضائع، والركاز الذي هو دفين الاسلام
يصح لقطة وليس مالا ضائعا، والخمر غير المحترمة فيصح التقاطها ولا مال ولا اختصاص. وإنما ذكر المصنف اللقطة
بعد الهبة لأن كلا منهما تمليك بلا عوض، وذكرهما في التنبيه بعد إحياء الموات لأن كلا منهما تمليك من الشارع،
ولو ذكرت عقب القرض لكان مناسبا، لأنه يسلك بها مسلكه، والشرع أقرضه الملتقطة. والأصل فيها قبل الاجماع
الآيات الآمرة بالبر والاحسان، إذ في أخذها للحفظ والرد بر وإحسان، وخبر الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني. أن
النبي (ص) سئل عن لقطة الذهب أو الورق، فقال: أعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن لم تعرفها فاستنفقها
ولتكن وديعة عند ك، فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه وإلا فشأنك بها، وسئل عن ضالة الإبل فقال، ما لك
ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها، وسئل عن الشاة فقال: خذها فإنما هي
لك أو لأخيك أو للذئب. وفي الالتقاط معنى الأمانة والولاية من حيث أن الملتقط أمين فيما التقطه والشرع ولاه
حفظه كالولي في مال الطفل، وفيه معنى الاكتساب من حيث أن له التملك بعد التعريف، وهو المغلب لأنه مآل الامر.
وأركانها ثلاثة: التقاط وملتقط بكسر القاف وملتقط بفتحها. وقد شرع في الأول، فقال: (يستحب الالتقاط
لواثق
بأمانة نفسه) وهو ظاهر نص المختصر لما فيه من البر، وفي خبر مسلم: والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
406

ويكره تركه كما قاله المتولي وغيره لئلا يقع فيد خائن، وإنما لم يجب لأنها أمانة أو كسب، وكل منهما لا يجب ابتداء. (وقيل
يجب) عليه، ونص عليه في الام والمختصر، صيانة للمال عن الضياع. وقال ابن سريج: إن غلب على ظنه ضياعه وجب
وإلا فلا. وحمل النصين على ذلك، واختاره السبكي، وقال: لا يتحقق القول بعدم الوجوب في هذه الصورة عن أحد
والنقل أمانة، فإنا لو سئلنا عمن قال به لم نجد من ننقله عنه. (ولا يستحب) الالتقاط قطعا (لغير واثق) بأمانة نفسه
في المستقبل وهو في الحال آمن خشية الضياع أو طرو الخيانة. (و) لكن (يجوز) له الالتقاط (في الأصح) لأن
خيانته لم تتحقق والأصل عدمها، وعليه الاحتراز. والثاني: لا يجوز خشية استهلاكها.
تنبيه: أفهم كلامه كغيره حرمة الالتقاط لمن علم من نفسه الخيانة، وبه صرح ابن سراقة فقال: يحرم عليه
أخذها، وقد صرحوا به في نظيره من الوديعة. (ويكره) الالتقاط تنزيها كما عزاه في الروضة وأصلها للجمهور، (لفاسق)
لئلا تدعوه نفسه إلى الخيانة، وقيل: تحريما كما في البسيط، قال الرافعي: وهو شاذ أو مؤول. واعترض بأنه ظاهر كلام
كثير من العراقيين. (والمذهب أنه لا يجب الاشهاد على الالتقاط) كالوديعة، سواء أكان لتملك أم حفظ كما يقتضيه كلام
الرافعي، لكن يسن، وقيل، يجب لحديث أبي داود: من التقط فليشهد ذا أو ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب، وحمله
الأول على الندب. والطريق الثاني: القطع بأنه لا يجب. ويذكر في الاشهاد بعض صفات اللقطة ليكون في الاشهاد فائدة
وفائدته أنه ربما طمع فيها بعد ذلك، فإذا أشهد أمن، ولا يستوعبها لئلا يتوصل إليها كاذب، بل يصفها للشهود بأوصاف
يحصل بالاشهاد بها فائدة، ويكره استيعابها كما ذكره القمولي عن الإمام، وجزم به صاحب الأنوار.
تنبيه: محل استحباب الاشهاد إذا لم يكن السلطان ظالما يخشى أنه إذا علم بها أخذها، وإلا فيمتنع الاشهاد،
وكذا التعريف كما جزم به المصنف في نكت التنبيه. ثم شرع في الركن الثاني والمغلب فيه الاكتساب لا الولاية، لأنه
مآل الامر كما مر، فقال: (و) المذهب (أنه يصح التقاط الفاسق) والمرتد إن قلنا لا يزول ملكه، وهو الأصح، والسفيه
(والصبي) والمجنون (والذمي في دار الاسلام) وفي معناه المستأمن والمعاهد كما بحثه الزركشي، كاصطيادهم واحتطابهم.
وشرط الإمام في صحة التقاط الصبي التمييز، قال الأذرعي، ومثله المجنون. والطريق الثاني: تخريجه على أن المغلب في اللقطة
الاكتساب فيصح، أو الولاية والأمانة فلا يصح. قال الأذرعي: والمراد بالفاسق الذي يوجب فسقه حجرا عليه في ماله اه‍.
والظاهر أنه لا فرق. قال الزركشي: لا يقال إن مسألة الفاسق مكررة مع قوله قبله ويكره لفاسق، فإن المراد بالصحة
هنا أن أحكام اللقطة هل يثبت له وأن معناه الاخذ، أما التقاط الذمي بدار الكفار فلا يجري عليه حكمنا. وخرج به
الحربي يجدها في دار الاسلام فإنها تنزع منه بلا خلاف، أي ومن أخذها منه كان له تعريفها وتملكها كما هو ظاهر
كلامهم، وقيل: تكون غنيمة للمسلمين، قال المحاملي. وأما المرتد فترد لقطته على الإمام وتكون فيئا إن مات مرتدا
فإن أسلم فحكمه كالمسلم. (ثم الأظهر أنه) أي الملتقط (ينزع) أي ينزعه القاضي (من الفاسق ويوضع عند عدل) لأن
مال ولده لا يقر في يده فكيف مال الأجانب. والثاني: لا، لأن له حق التملك، أي إن أمنت غائلته، ولكن يضم إليه
عدل مشرف، وأجرة العدل على القولين في بيت المال كما في الأنوار تبعا للدارمي، فإن لم يكن فمن الواجد الفاسق. (و)
الأظهر (أنه لا يعتمد تعريفه بل يضم إليه) عدل (رقيب)
خشية من التفريط في التعريف. والثاني: يعتمد من غير رقيب لأنه الملتقط. قال في الكفاية: ومؤنة التعريف عليه على القولين. وظاهر كلام الرافعي أن الفاسق يعرف والعدل يراقبه،
وفي الكفاية عن الماوردي أن الأمين هو الذي يعرف. وقال القاضي أبو الطيب والمحاملي وغيرهما: يجتمعان على التعريف،
ويمكن حمل ذلك عليه، وإذا تم التعريف فللملتقط التملك على كل قول. قال الماوردي: ويشهد عليه الحاكم بغرمها
إذا جاء صاحبها وإذا لم يتملكها تركت بيد الأمين.
407

تنبيه: اقتصار المصنف على الفاسق قد يوهم أنه لا ينزع من يد الذمي بل يقر في يده، وليس مرادا، ففي الروضة
كأصلها إلحاقه بالفاسق، ويلحق به أيضا المرتد والمستأمن والمعاهد. قال الماوردي: ولو كان الملتقط أمينا لكنه ضعيف
لا يقدر على القيام بها لم تنزع منه. وعضده الحاكم بأمين يقوي به على الحفظ والتعريف. (وينزع الولي) وجوبا (لقطة
الصبي) والمجنون والسفيه لحقهم وحق المالك وتكون يده نائبة عنهم كما ناب عنهم في مالهم، ويعرف) - بها الولي لا من مال
الصبي والمجنون والسفيه بل يرفع الامر إلى الحاكم ليبيع جزءا من اللقطة لمؤنة التعريف، وهذا مستثنى من كون مؤنة
التعريف على المتملك.
تنبيه: أفهم كلام المصنف أن تعريف الصبي لا يصح، ومثله المجنون، وأما السفيه فيصح تعريفه، ولا بد من
إذن وليه كما قال الزركشي. (ويتملكها للصبي) ونحوه (إن رأى ذلك) مصلحة (حيث يجوز الاقتراض له) لأن
التملك في معنى الاقتراض، فإن لم يره مصلحة له حفظه أمانة أو دفعه إلى القاضي. (و) على صحة التقاط الصبي والمجنون والسفيه
(يضمن الولي إن قصر في انتزاعه) أي الملتقط، (حتى تلف في يد الصبي) ومن ذكر معه، أو أتلفه كل
منهم لتقصيره
كما لو قصر في حفظ ما احتطبه، قال الزركشي: إلا أن يكون وليه الحاكم فالأشبه عدم ضمانه اه‍. وفيه نظر. فإن لم يقصر
في انتزاعها ضمن الصبي ومن ذكر معه بالاتلاف لا بالتلف بلا تقصير، ويعرف التالف المضمون ويتملك للصبي ونحوه
القيمة بعد قبض الحاكم لها. أما ما في الذمة فلا يمكن تملكه لهم ولو لم يعلم بها الولي، حتى بلغ الصبي أو أفاق
المجنون أو رشد السفيه كان كما لو وجدها بعد زوال الحجر سواء استأذن الحاكم فأقرها في يده أم لا كما هو أحد احتمالين للصيمري
يظهر ترجيحه. (والأظهر بطلان التقاط العبد) إذا لم يأذن له فيه السيد ولم ينهه، لأن اللقطة أمانة وولاية ابتداء وتمليك
انتهاء، وليس هو من أهلهما. والثاني: صحته، ويكون لسيده كاحتطابه واصطياده، فإن أذن له كقوله: متى وجد ت
لقطة فأتني بها صح جزما، وإن نهاه امتنع جزما عند الإصطخري، وقواه المصنف وطرد غيره فيه القولين. والاذن
في الاكتساب إذن في الالتقاط في أحد وجهين يظهر ترجيحه كما يؤخذ من كلام الزركشي. ويستثنى من بطلان التقاط
العبد نثر الوليمة فإنه يصح، ويملكه سيده كما في الروضة آخر الوليمة، وكذا الحقير كتمرة وزبيبة، وهذا في الحقيقة
لا يستثنى من اللقطة، لأن هذا لا تعريف فيه ولا تملك، فهو كالاحتطاب والاصطياد. (و) على بطلان التقاطه (لا يعتد
بتعريفه) لأنه غير ملتقط ويضمن الملتقط في رقبته، وعلى صحة التقاطه يعتد بتعريفه ولو بغير إذن سيده في الأصح،
وليس له بعد التعريف أن يتملكه لنفسه بل يتملكه لسيده بإذنه، ولا يصح بغير إذنه. والمدبر ومعلق العتق وأم الولد كالقن إلا أن الضمان في أم الولد
يتعلق بسيدها لا برقبتها علم سيدها أم لا. (فلو أخذه) أي الملتقط (سيده) أو أجنبي
(منه) أي العبد (كان التقاطا) له وإن لم يأذن السيد للأجنبي، ويسقط عن العبد الضمان. وفي معنى أخذ السيد إقراره
اللقطة في يد العبد إن كان أمينا إذ يده كيده، فإن استحفظه وهو غير أمين أو أهمله تعلق الضمان بالعبد وسائر أموال
السيد حتى لو هلك العبد لا يسقط الضمان، ولو أفلس السيد قدم صاحب اللقطة في العبد على سائر الغرماء.
تنبيه: قوله: أخذه سيده قد يفهم أنه لو أعتق العبد بعد أن التقط لا يأخذه منه، وهو كذلك، وللعتيق تملكها
وكأنه التقط بعد الحرية. (قلت) كما قال الرافعي في الشرح: (المذهب صحة التقاط المكاتب كتابة صحيحة) كالحر،
لأنه مستقل بالملك والتصرف فيعرف ويتملك. والقول الثاني: لا يصح، لما فيه من التبرع والحفظ، وليس هو من أهله
فهو كالقن، لكن لا يأخذها السيد منه وإن أوهمته عبارة المصنف بل يأخذها القاضي ويحفظها إذ لا ولاية للسيد عليه.
والطريق الثاني: القطع بالصحة كالحر. وعلى الأول لو تملكها المكاتب بعد تعريفها، فإن تلفت كان بدلها في
كسبه.
ولا يقدم مالكها به على الغرماء في أحد وجهين استظهره شيخنا، وينبغي جريانهما كما قال الزركشي في الحر المفلس أو
408

الميت، فلو عجز نفسه قبل تملك اللقطة لم يأخذها السيد، لأن التقاط المكاتب لا يقع لسيده ولا ينصرف إليه وإن
كان التقاطه اكتسابا، لأن له يدا كالحر فليس للسيد ولا لغيره أخذها منه بل يحفظها الحاكم للمالك. أما المكاتب كتابة
فاسدة فلا يصح التقاطه بغير إذن سيده كالقن. (و) المذهب صحة التقاط (من بعضه حر) وبعضه رقيق، لأنه كالحر في
الملك والتصرف والذمة، وقيل على القولين في القن. (و) على الأول (هي) أي اللقطة (له ولسيده) فيعرفانها ويتملكانها.
هذا إن لم تكن مهايأة (فإن كانت مهايأة) بالهمز: أي مناوبة، (فلصاحب النوبة في الأظهر) بناء على دخول الكسب النادر
في المهايأة، وهو الأصح. والثاني: تكون بينهما بناء على عدم دخوله فيها. فعلى الأظهر من وقعت في توبته عرفها وتملكها،
والاعتبار بوقت الالتقاط على الأصح.
تنبيه: هل يحتاج إلى إذن السيد فيما إذا كانت مهايأة وفيما إذا لم تكن مهايأة أو لا؟ لم أر من تعرض لذلك، وظاهر
كلامهم أنه في نوبة سيده كالقن أنه لا بد من إذنه، وأما في نوبة نفسه فهو كالحر. وأما إذا لم تكن مهايأة فيظهر من كلامهم
أنه لا يحتاج إلى إذن تغليبا للحرية. (وكذا حكم سائر) أي باقي (النادر من الاكساب) الحاصلة للمبعض كالوصية والهبة
والركاز والصدقة، وكذا زكاة الفطر في الأصح، لأن مقصود المهايأة أن يختص كل واحد بما وقع في نوبته. (و) حكم النادر
من (المؤن) كأجرة طبيب وثمن دواء وأجرة حمام إلحاقا للغرم بالغنم، فالاكساب لمن حصلت في نوبته، والمؤن على من
وجد سبها في نوبته في الأظهر فيهما. ومقابله يشتركان فيهما، لأن النادرة مجهولة وربما لا تخطر بالبال عند التهايؤ، ولا
ضرورة إلى إدخالها. (إلا أرش الجناية) الموجودة من المبعض أو عليه كما شملته عبارة المصنف وبحثه الزركشي في نوبة
أحدهما، فلا يختص أرشها بصاحب النوبة بل يكون الأرش بين المبعض والسيد جزما، (والله أعلم) لأن الأرش يتعلق بالرقبة
وهي مشتركة، ونقل الإمام في باب صدقة الفطر اتفاق العلماء عليه. وإذا لم تكن مهايأة فيشتركان في سائر النادر من
الأكساب والمؤن.
فصل: في بيان حكم الملتقط، وهو الركن الثالث. والملتقط نوعان: أحدهما: حيوان، وثانيهما جماد، وقد شرع
في النوع الأول، فقال: (الحيوان المملوك) بأثر يدل على الملك كوسم وتعليق قرط، (الممتنع من صغار السباع) كالنمر والفهد
والذئب. ثم فصل امتناع الحيوان بقوله: (بقوة) يمتنع بها (كبعير) كبير (وفرس) وبغل وحمار، (أو)
يمتنع (بعدو) أي
جري (كأرنب وظبي، أو) يمتنع بسبب (طيران كحمام) وهو كل ما عب وهدر كقمري ويمام، (إن وجد) هذا الحيوان
(بمفازة) وهي المهلكة، سميت بذلك على القلب تفاؤلا بالفوز. (فللقاضي) أو منصوبه (التقاطه للحفظ) على مالكه لا للتملك،
لأن له ولاية على أموال الغائبين، وكان ل عمر رضي الله تعالى عنه حظيرة يحفظ فيها الضوال، رواه مالك. (وكذا لغيره)
أي القاضي من الآحاد التقاطه للحفظ أيضا (في الأصح) المنصوص في الام، لئلا يأخذه خائن. والثاني: لا، إذ لا ولاية للآحاد
على مال الغير.
تنبيه: محل الخلاف كما قاله الدارمي إذا لم يعرف مالكه، فإن عرفه وأخذه ليرده عليه كان في يده أمانة جزءا حتى
يصل إليه. قال السبكي: وينبغي أن يكون محل أخذ الحاكم إذا خشي عليه الضياع، أما إذا أمن عليه فلا ينبغي
أن يتعرض له حتى يأتي صاحبه. قال الأذرعي: وهذا أحسن في غير الحاكم اه‍. وهو ظاهر. (ويحرم التقاطه) أي
الحيوان الممتنع في الامن، (لتملك) على كل أحد لما مر في حديث زيد في ضالة الإبل: ما لك ولها دعها، وقيس الباقي عليها
بجامع إمكان رعيها في البرية بلا راع، فمن أخذه للتملك ضمنه، ولا يبرأ برده إلى موضعه ويبرأ بدفعه إلى القاضي على
409

الأصح في الشرح والروضة. أما زمن النهب والفساد فيجوز أخذه للتملك في صحراء وغيرها.
تنبيه: تعبير المصنف أولا بالمملوك يخرج صورا: منها الكلب، ومنها الهدي، ومنها الموقوف، ومنها الموصى
بمنفعته أبدا، وقد مر الكلام على ذلك. (وإن وجد بقرية) أو بلدة أو ما قرب من ذلك، (فالأصح جواز التقاطه للتملك)
لأنه في العمران يضيع بامتداد اليد الخائنة إليه بخلاف المفازة فإن طروقها لا يعم. والثاني: المنع كالمفازة لاطلاق الحديث.
وأجاب الأول بأن سياقه يقتضي المفازة بدليل: دعها ترد الماء وترعى الشجر.
تنبيه: يستثنى من جواز الالتقاط للتملك صور: منها لقطة الحرم كما سيأتي. ومنها الجارية التي تحل له فإنه لا يتملكها
بناء على أنه لا يجوز اقتراضها. (وما) أي والحيوان الذي (لا يمتنع منها) أي صغار السباع، (كشاة) وعجل وفصيل من الحيوان
المأكول وكسير خيل وإبل (يجوز) لقاض وغيره (التقاطه للتملك في القرية) ونحوها، (والمفازة) صونا له عن الخونة والسباع،
لقوله في الحديث السابق في الشاة: هي لك أو لأخيك أو للذئب. (ويتخير) فيما لا يمتنع (آخذه) بمد الهمزة بخطه، (من مفازة)
بين ثلاث خصال كما بينها بقوله: (فإن شاء عرفه وتملكه) وينفق عليه مدة التعريف، فإن أراد الرجوع استأذن الحاكم،
فإن لم يجده أشهد كما سبق في نظيره. (أو) أي وإن شاء (باعه) مستقلا إن لم يجد حاكما، وبإذنه إن وجده في الأصح. (وحفظ
ثمنه وعرفها) أي اللقطة التي باعها وكان تعريفها بمكان يصلح للتعريف، (ثم تملكه) أي الثمن.
تنبيه: إنما لم يقل وعرفه لئلا يتوهم عود الضمير للثمن مع أنه لا يعرف. (أو) أي وإن شاء (أكله) متملكا له، (وغرم
قيمته إن ظهر مالكه) وذكر المصنف التعريف في الخصلتين الأوليين دون الثالثة كالصريح في أنه لا يجب بعد أكلها تعريفه،
وهو الظاهر عند الإمام لأنه لا فائدة فيه، وصححه في الشرح الصغير. قال الأذرعي: لكن الذي يفهمه إطلاق الجمهور
أنه يجب أيضا، قال: ولعل مراد الإمام أنها لا تعرف بالصحراء لا مطلقا اه‍. وهذا هو الظاهر.
تنبيه: التخيير بين هذه الخصال ليس تشهيا، بل عليه فعل الاحظ كما بحثه الأسنوي وغيره قياسا على ما يمكن
تجفيفه. وزاد الماوردي خصلة رابعة، وهي تملكه في الحال وتبقيته حيا لدر ونسل، قال: لأنه لما استباح تملكه
مع استهلاكه فأولى أن يستبيح تملكه مع استبقائه. وظاهر كلام الأصحاب منعها لأن الأولى عللت بالقياس على غيرها،
وأما الثانية فلانه إذا جاز الأكل فالبيع أولى، وأما الثالثة فبالاجماع كما حكاه ابن عبد البر. والقيمة المعتبرة قيمة يوم
الاخذ إن أخذ للاكل وقيمة يوم التملك إن أخذ للتعريف كما حكاه عن بعض الشيوخ وأقراه. (فإن أخذ من العمران فله
الخصلتان الأوليان) بضم الهمزة وبمثناة تحتية: وهما الامساك والبيع. (لا الثالثة) وهي الاكل (في الأصح) وعبر في الروضة
بالأظهر. والثاني: له الاكل أيضا كما في الصحراء. وأجاب الأول بأنه إنما أبيح له الاكل في الصحراء لأنه قد
لا يجد فيها من يشتريه بخلاف العمر أو يشق النقل إليه. أما غير المأكول كالجحش الصغير ففيه الخصلتان الأوليان
ويجوز تملكه في الحال بل بعد تعريفه، وإذا أمسك لقطة الحيوان وتبرع بالانفاق فذاك، وإن أراد الرجوع أنفق بإذن
الحاكم، فإن لم يجده أشهد.
تنبيه: المراد بالعمران الشارع والمساجد ونحوها لأنها مع الموات محال اللقطة كما علم من تعريف اللقطة. (ويجوز
أن يلتقط عبدا لا يميز) في زمن أمن أو نهب كسائر الأموال ومميزا وقت نهب، بل قد يجب الالتقاط إن تعين طريقا لحفظ
روحه، ولا يجوز التقاط المميز في الامن لا في مفازة ولا في غيرها لأنه يستدل فيه على سيده فيصل إليه. فإن قيل: صورة
410

التقاط العبد غير المميز مشكلة لما سيأتي في باب اللقيط أن من لا يعرف رقه ولا حريته أنه محكوم بحريته، فكيف يلتقط
وإن عرف رقه ببينة عر ف مالكه، فكيف صورة المسألة؟ أجيب بأن الرق يعرف بعلامة كعلامة الحبشة والزنج أو
أنه عرف رقه وجهل مالكه ثم وجده ضالا، وكذلك يأتي هذا في معرفة كون الأمة مجوسية.
تنبيه: خرج بقول المصنف، عبدا الأمة، فإنها إن حلت للملتقط لم يجز أن يلتقطها للتملك بل للحفظ، وإن لم تحل له
كمجوسية ومحرم جاز له التقاطها، وقد مرت الإشارة إلى ذلك. ويؤخذ من كلامهم أن في التقاط الرقيق الخصلتين
الأولتين، وينفق عليه مدة الحفظ من كسب، فإن لم يكن له كسب فعلى ما مر آنفا في غير الرقيق. وإذا بيع ثم ظهر المالك
وقال: كنت أعتقته قبل قوله وحكم بفساد البيع على الأظهر في الشرح والروضة. والتقييد بالعتق قد يوهم عدم تصديقه فيما
عداه كالبيع والهبة لأجل ما يتخيل من قوة العتق، وليس مرادا بل سائر التصرفات المزيلة للملك كذلك كما ذكراه قبيل
الصداق. ثم شرع في النوع الثاني، فقال: (و) أن (يلتقط غير الحيوان) وهو الجماد، سواء أكان مالا كالنقود والثياب
أم غير مال كجلد ميتة لم يدبغ وخمر محترمة للاختصاص أو الحفظ. (فإن كان) مما (يسرع فساده كهريسة) وعنب
لا يتزبب ورطب لا يتتمر تخير آخذه بين خصلتين، (فإن شاء باعه) استقلالا إن لم يجد حاكما وبإذنه إن وجده، أخذا
مما مر. (وعرفه) أي المبيع بعد بيعه (ليتملك ثمنه) بعد التعريف ولا يعرف الثمن وهذه الخصلة
أولى من الخصلة المذكورة في قوله: (وإن شاء تملكه في الحال وأكله) وغرم قيمته سواء أوجده
في مفازة أم عمران. (وقيل: إن وجده في عمران وجب البيع) لتيسره أو امتنع الاكل، وهو قياس ما سبق في الشاة من تصحيح منع الاكل، ومنهم من قطع
بالأول. وفرق بينه وبين الشاة بأن الطعام قد يفسد قبل أن يظفر بالمشتري فتمس الحاجة إلى أكله، وإذا جوزنا الاكل
فأكل وجب التعريف في العمران بعده. وإن كان في الصحراء، قال الإمام: فالظاهر أنه لا يجب، وقد مر الكلام فيه،
ولا يجب إفراز القيمة المغرومة من ماله، نعم لا بد من إفرازها عند تملكها لأن ملك الدين لا يصح، قاله القاضي. (وإن
أمكن بقاؤه) أي ما يسرع فساده، لكن (بعلاج) فيه (كرطب يتجفف) أي يمكن تجفيفه ولبن يصير أقطا، (فإن
كانت الغبطة في بيعه بيع) جميعه بإذن الحاكم إن وجده، وإلا استقلالا كما يؤخذ مما مر. (أو) كانت الغبطة (في تجفيفه
وتبرع به الواجد) له أو غيره (جففه) لأنه مال غيره فروعي فيه المصلحة كولي اليتيم. (وإلا بيع بعضه) بقدر ما يساوي
التجفيف، (لتجفيف الباقي) طلبا للاحظ. وخالف هذا الحيوان حيث بيع جميعه لأن نفقته تتكرر فيؤدي إلى
أن يأكل نفسه.
تنبيه: قوله: الواجد ليس بقيد كما تقرر، وظاهر كلامه أن مراعاة الأغبط واجبة، وكلام الأصحاب مصرح به.
قال الأذرعي: والأقرب أنه لا يستقل بعمل الأغبط في ظنه بل يراجع القاضي، فإن استوى الأمران بيع كما بحثه بعض
المتأخرين لما في البيع من قلة الكلفة. (ومن أخذ لقطة للحفظ أبدا) وهو أهل لذلك، (فهي أمانة) في يده، وكذا درها
ونسلها لأنه يحفظها لمالكها فأشبه المودع. (فإن دفعها إلى القاضي لزمه القبول) حفظا لها على صاحبها،
وكذا من أخذ
للتملك ثم بدا له، فإن أراد دفعها إلى الحاكم يلزمه القبول بخلاف الوديعة من غير ضرورة لا يلزمه القبول لقدرة المودع
على الرد إلى المالك. (ولم يوجب الأكثرون) من الأصحاب (التعريف والحالة هذه) وهي أخذ اللقطة للحفظ أبدا،
لأن الشرع إنما أوجبه لما جعل له التملك بعده. ورجح الإمام والغزالي وغيرهما وجوبه، وهذا هو المعتمد كما صححه
411

المصنف في شرح مسلم، وقال في زيادة الروضة إنه الأقوى المختار، وفي كلام المصنف إشارة إليه بعزوه عدم التعريف
إلى الأكثرين ولم يقل على الأصح كعادته، وقال الأذرعي: الصحيح الوجوب لأن كتمانها يفوتها على صاحبها. فإن
قيل: مالكها ينشدها فيعلم به آخذها للحفظ. أجيب بأنها قد تسقط من عابر سبيل وممن لا يمكنه ذلك لعارض مرض
أو جنون أو حبس أو موت أو غيرها، وإن أراد التخلص من تعب التعريف دفعها إلى حاكم أمين، وإذا عرفها ثم بدا له
قصد التملك عرفها سنة من يومئذ، ولا يعتد بما عرفه قبل على الأصح سواء قلنا بوجوب التعريف أم لا. (فلو قصد بعد
ذلك) الاخذ الذي للحفظ أبدا، وكذا بعد الاخذ للتملك، (خيانة) فيما التقطه (لم يصر) بمجرد قصد الخيانة (ضامنا
في الأصح) حتى يتحقق ذلك القصد بالفعل كالمودع. والثاني: يضمن. وخرج بقصد ما لو فعل الخيانة فإنه يصير ضامنا أو جزما.
تنبيه: متى صار الملتقط ضامنا في الدوام بحقيقة الخيانة أو بقصدها ثم أقلع وأراد أن يعرفها ويتملك كان له ذلك
على الأصح في أصل الروضة وبه جزم القاضي الحسين، وهذا بخلا ف ما إذا قصد الخيانة ابتداء كما قال: (وإن أخذه
بقصد الخيانة فضامن) عملا بقصد المقارن لفعله، (وليس له بعده) أي الاخذ خيانة (أن يعرف ويتملك) بعد التعريف،
(على المذهب) نظرا للابتداء كالغاصب. وفي وجه من الطريق الثاني: له ذلك نظرا لوجود صورة الالتقاط، ولو سلمها
للحاكم برئ من الضمان كما هو شأن الغاصب. (وإن أخذ ليعرف ويتملك) بعد التعريف، (فأمانة مدة التعريف كالمودع
(وكذا بعدها ما لم يختر التملك في الأصح) كما قبل مدة التعريف. والثاني وبه قال الإمام والغزالي: تصير مضمونة عليه
إذا كان غرم التملك مطردا كالمستام. وفرق الأول بأن المستام مأخوذ لحظ آخذه حين أخذه بخلاف اللقطة.
تنبيه: بقي من أحوال المسألة ما إذا أخذ لا بقصد خيانة ولا أمانة أو بقصد أحدهما ونسيه، وحكمهما أن لا تكون
مضمونة وله التملك بشرطه اتفاقا، قاله الإمام وتابعاه. (ويعرف) الملتقط، بفتح الياء بخطه من المعرفة وهي العلم، (جنسها)
أي اللقطة من قد أو غيره، ونوعها من كونها أشرفية أو فلورية، (وصفتها) من صحة وتكسر ونحوهما، وقدرها)
بكيل أو وزن أو ذرع أو عد، (وعفاصها) بكسر العين بخطه، وهو الوعاء من جلد وغيره، قال الخطابي:
وأصله الجلد
الذي يلبس رأس القارورة ثم أطلق على الوعاء توسعا. (ووكاءها) بكسر الواو والمد بخطه، وهو ما يربط به من خيط
أو غيره لخبر زيد السابق، وقيس بما فيه غيره، وليعرف صدق واصفها، وهذه المعرفة تكون عقب الاخذ كما قاله المتولي
وغيره، وهي سنة كما قاله الأذرعي وغيره، وهو المعتمد كما هو قضية كلام الجمهور، وفي الكافي أنها واجبة، وجرى
عليه ابن الرفعة. ويندب كتب الأوصاف، قال الماوردي: وأنها التقطها في وقت كذا. (ثم يعرفها) بضم أوله وكسر ثالثه
المشدد من التعريف، وهذا واجب إن قصد التملك قطعا وإلا فعلى ما سبق. ويستثنى من التعريف كما قاله المصنف في نكته
تبعا للجيلي ما لو كان السلطان ظالما بحيث يعلم أو يغلب على الظن أنه إذا عرفها أخذها فلا يجوز التعريف حينئذ، بل
تكون أمانة في يده، وقضيته أنه لا يتملك بعد السنة، وهو كذلك كما صرح به الغزالي في فتاويه، وإن كان مقتضى
كلام ابن الصباغ أنه يتملك بعدها.
تنبيه: أفهم قوله: ثم يعرفها أمرين: أحدهما أن المبادرة بالتعريف عقب الالتقاط لا تجب، وهو كذلك على
الأصح في أصل الروضة، وقال البلقيني: محل: جواز التأخير ما لم يغلب على ظن الملتقط أنه يفوت معرفة المالك بالتأخير،
فإن غلب على ظنه ذلك وجب البدار ولم يتعرضوا له اه‍. وهذا ظاهر. وإذا لم يوجب المبادرة ينبغي كما قال بعض المتأخرين
أن يؤرخ وجدان اللقطة في تعريفه ويسنده إلى وقته حتى يكون ذلك في معاوضة ما جرى من التأخير المنسي. الثاني:
أنه يتعين تعريفها بنفسه، وليس مرادا بل له ذلك بمأذونه أيضا ولكن لا يسلمها له. ويشترط كون المعرف عاقلا غير
412

مشهور بالخلاعة والمجون، وهو أن لا يبالي الانسان بما صنع، قاله الجوهري. قال ابن الرفعة: ولا يشترط فيه العدالة إذا
حصل الوثوق بقوله. ثم أشار إلى مكان التعريف بقوله: (في الأسواق) عند قيامها في بلد الالتقاط، (و) في (أبواب
المساجد) عند خروج الناس (ونحوها) من المجامع والمحافل ومحال الرجال ومناخ الاسفار، لأن ذلك أقرب إلى وجود
صاحبها. ويجب التعريف في الموضع الذي وجدها فيه وليكثر منه فيه، لأن طلب الشئ في مكانه أكثر. وخرج بقوله:
أبواب المساجد المساجد، فيكره التعريف فيها كما جزم به في المجموع، وإن أفهم كلام الروضة التحريم، إلا المسجد الحرام فلا
يكره التعريف فيه اعتبارا بالعرف، ولأنه مجمع الناس، ومقتضى ذلك أن مسجد المدينة والأقصى كذلك. ولو أراد سفرا
استناب بإذن الحاكم من يحفظها ويعرفها، فإن سافر بها أو استناب بغير إذن الحاكم مع وجوده ضمن لتقصيره. وإن
التقط في الصحراء. وهناك قافلة تبعها وعرف فيها، إذ لا فائدة في التعريف في الأماكن الخالية. فإن لم يرد ذلك ففي بلدة
يقصدها قربت أو بعدت سواء أقصدها ابتداء أم لا، حتى لو قصد بعد قصده الأول بلدة أخرى ولو بلدته التي سافر منها
عرف فيها، ولا يكلف العدول عنها إلى أقرب البلاد إلى ذلك المكان. وقوله: (سنة) أي من يوم التعريف بيان لمدة
التعريف، لخبر زيد المار، وقيس بما فيه غيره. والمعنى في ذلك أن السنة لا يتأخر فيها القوافل غالبا وتمضي فيها الفصول
الأربعة، قال ابن أبي هريرة: ولأنه لو لم يعرف سنة لضاعت الأموال على أربابها، ولو جعل التعريف أبدا لامتنع من
الالتقاط فكأن في السنة نظرا للفريقين معا. وشرط ذلك في الأموال الكثيرة، وأما القليلة فستأتي. ولو التقط اثنان لقطة
عرفها كل واحد نصف سنة كما قال السبكي إنه الأشبه، وإن خالف في ذلك ابن الرفعة، لأنها لقطة واحدة، والتعريف
من كل منهما لكلها لا لنصفها لأنها إنما تقسم بينهما عند التملك. قال الزركشي: ويستثنى من إيجاب السنة لقطة دار الحرب،
وقضية نص الشافعي الاكتفاء بتعريفها هناك، فإن لم يجد من يعرفها ردت إلى المغنم.
تنبيه: قد يتصور التعريف سنتين، وذلك إذا قصد الحفظ فعرفها سنة ثم قصد التملك فإنه لا بد من تعريفه
سنة من حينئذ كما مرت الإشارة إليه. ولا يجب أن يستوفي السنة بالتعريف كل يوم، بل (على العادة) زمانا ومكانا
وقررا، (يعرف أولا) أي أول سنة التعريف (كل يوم) مرتين (طرفي النهار) لا ليلا ولا وقت القيلولة، (ثم)
يعرف (كل يوم مرة ثم كل أسبوع) مرة أو مرتين كما في المحرر، (ثم كل شهر) مرة تقريبا في الجميع بحيث
لا ينسى أن الأخير تكرير الأول كما في الشرحين والروضة. وإنما جعل التعريف في الأزمنة الأول أكثر لأن تطلب
المالك فيها أكثر، وسكتا في الروضة وأصلها عن بيان المدة في ذلك، وفي المهذب ذكر الأسبوع في المدة الأولى
، قال الشارح: ويقاس بها الثانية. قال الزركشي: قيل: ومرادهم أنه يعرف كل يوم من هذه المدة ثلاثة أشهر. ولو
مات الملتقط في أثناء السنة بنى وارثه على ذلك كما بحثه الزركشي. (ولا تكفي) في التعريف (سنة متفرقة في الأصح)
في المحرر، وعبارته: والأحسن، لأن المفهوم من السنة في الخبر التوالي كما لو حلف لا يكلم زيدا سنة، وعلى هذا إذا قطع
التعريف مدة استأنف ولا يبني. (قلت: الأصح تكفي) السنة المفرقة في التعريف، (والله أعلم) لاطلاق الخبر، وكما
لو نذر صوم سنة فإنه يجوز تفريقها. وعلى هذا لا بد أن يبين في التعريف زمان الوجدان حتى يكون ذلك في مقابلة ما جرى
من التأخير كما قاله الإمام، قال: وتساهل بعض أصحابنا فجعل التاريخ مستحبا. ويقول في تعريفها كما في
التنبيه: من ضاع له شئ.
فصل: (ويذكر) ندبا (بعض أوصافها) كما يذكر جنسها، فيقول: من ضاع له دنانير أو عفاصها
أو وكاءها لأنه أقرب إلى الظفر بالمالك. ولا يستوفيها لئلا يعتمدها كاذب، فإن استوفاها حرم عليه كما جزم به الأذرعي
وضمن، لأنه قد يرفعه إلى من يلزمه الدفع بالصفات. ويفارق هذا ما مر أول الباب من أنه يجوز استيفاؤها في الاشهاد
لحصر الشهود وعدم التهمة. (ولا يلزمه مؤنة التعريف إن أخذ) اللقطة (لحفظ) لها على مالكها، بناء على وجوب
413

التعريف السابق، إذ الحظ لمالكها فقط. (بل يرتبها القاضي من بيت المال) قال ابن الرفعة: قرضا وقال الأذرعي:
الأقرب أنه إنفاق، ويدل له قول المصنف: (أو يقترض على المالك) وهذا هو الذي يدل عليه كلام الأصحاب. أما
إذا قلنا لا يجب التعريف فالملتقط متبرع إن عرف، وللقاضي أن يأمر الملتقط بصرف المؤنة من ماله ليرجع على المالك
أو يبيع بعضها إن رآه كما لو هرب الجمال. (وإن أخذ) اللقطة (لتملك) وجب عليه تعريفها جزما كما مر، و (لزمته)
مؤنة التعريف، سواء أتملكها أم لا لأن الحظ له. (وقيل: إن لم يتملك) أي اللقطة كأن ظهر مالكها، (فعلى المالك)
لعود الفائدة إليه.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه إذا تملك ثم ظهر المالك ورجع فيها لم يجئ هذا الوجه. وتعبير الروضة
والشرحين بظهور المالك يشمل ظهوره بعد التملك، قال السبكي: وهو أحسن، فإنه متى ظهر قبل التملك أو بعده رجع
على هذا الوجه، قال: فلو قال المنهاج وقيل إن ظهر المالك فعليه لكان أخلص اه‍. وكالتملك قصد الاختصاص وقصد الالتقاط
للخيانة. وما ذكره المصنف هو في مطلق التصرف، أما لو التقط محجور عليه بسفه أو صبي أو جنون فليس
لوليه إخراج مؤنة التعريف من ماله كما مرت الإشارة إليه، بل يرفع الامر إلى الحاكم فيبيع جزءا من اللقطة المؤنة
التعريف، وإن قال الأذرعي في النفس منه شئ. (والأصح أن الحقير) أي القليل المتمول ولا يقدر بشئ في الأصح،
بل ما هو ما يغلب على الظن أن فاقده لا يكثر أسفه عليه ولا يطول طلبه له غالبا لأن ذلك دليل على حقارته. وقدر بالدينار
وقدر بالدرهم كما في التنبيه لقول عائشة رضي الله تعالى عنها: لا بأس بما دون الدرهم أن يستنفع به وقدر بما لا تقطع
فيه يد السارق. (لا يعرف سنة) لأن فاقده لا يدوم على طلبه سنة بخلاف الخطير. والثاني: يعرف سنة لعموم الاخبار
ولأنها جهة من جهات التملك فاستوى فيها القليل والكثير. قال الأذرعي: وهذا هو المذهب المنصوص وقول الجمهور،
قال: ويشكل على ترجيح الرافعي الفرق بين الحقير وغيره قوله: إن الأكثر قالوا إن ما ليس بمال كالكلب الذي فيه
منفعة يقتنى لها يعرف سنة ثم يختص به اه‍. وهذا ليس بمشكل لأن الكلب ونحوه من الاختصاصات يكثر عليه الأسف،
فإن فرض قلته عليه فهو داخل في قول المصنف: (بل) الأصح يعرفه (زمنا يظن أن فاقده يعرض عنه غالبا) ويختلف
ذلك باختلاف المال، وأما غيره فسيأتي الكلام عليه، قال الروياني: فدانق الفضة يعرف في الحال، ودانق الذهب
يوما أو يومين أو ثلاثة.
تنبيه: عبارة الروضة والشرحين: مدة يظن في مثلها طلب فاقدها، فإذا غلب على الظن إعراضه سقط، وهذه
العبارة ظاهرة. فإن قيل، كان ينبغي للمصنف أن يقول: لا يعرض أو يقول: إلى زمن. أجيب بأن لا تقدر في الكلام
الفصيح كما قدرت في قوله تعالى: * (وعلى الذين يطيقونه فدية) * كما عليه أكثر المفسرين، وبأن زمنا منصوب عطفا
على سنة، أي لا يعرفها إلى سنة بل إلى زمن إلخ، لأن بل لا تعطف الجمل، بل هي معها حرف ابتداء، وقد مرت
الإشارة إلى ذلك في كتاب الطهارة عند قول المصنف: بل يخلطان. ومقابل الأصح يكفي مرة، لأنه يخرج بها عن حد
الكتمان، وقيل: لا يجب تعريف القليل أصلا. أما ما لا يتمول كحبة بر وزبيبة لم يجب تعريفه ويستبد به واجده، فقد
قيل إن عمر رضي الله تعالى عنه سمع رجلا ينشد في الطواف زبيبة، فقال: إن من الورع ما يمقته الله، ومر (ص)
مرة بتمرة في الطريق فقال: لولا أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها. ولكن هل يزول ملك صاحبه
عنها إذا وقع؟ فيه وجهان في الوافي، والأصح أن ملكه لا يزول بذلك بدليل ما قالوه فيما لو حمل السيل حبة أو نواة إلى
أرض غيره فإنه يلزمه قلعها، وإن أعرض عنها فهي لمالك الأرض، فعلم أنه لا يزول ملكه إلا بالاعراض. فإن قيل: إذا
لم يزل ملكه إلا بالاعراض فكيف يستبد به واجده؟ أجيب بأن هذا من المباح المستفاد بالعادة كالشرب من الأنهار،
وأما التقاط السنابل ونحوها في وقت الحصاد فيجوز إذا ظن إعراض المالك عنها أو ظن رضاه بأخذها، وإلا فلا. ولا
414

فرق بين أن يكون الآخذ من أهل الزكاة أم لا، وإن خالف في الثاني الزركشي، لأن هذا القدر يغتفر كما جرى عليه السلف
والخلف. ولو التقط كلبا يفتني أو خمرا محترمة أو زبلا كثيرا عرفه سنة أو ما يليق به ثم اختص به، فإن ظهر صاحبه وكان
باقيا أخذه، وإلا فلا شئ له.
فصل: فيما تملك به اللقطة: (إذا عرف) ملتقطها للتملك (سنة) على العادة أو دونها على ما مر جاز له التملك. (لم
يملكها) بذلك (حتى يختاره) أي التملك (بلفظ) من ناطق يدل على التملك، (كتملكت) ما التقطته، لأنه تمليك مال ببدل
فافتقر إلى ذلك كالشفيع ويملكه بذلك، ولو لم يتصرف فيه كالقرض. وهذا فيما يملك، وأما غيره كالكلب
والخمر
فلا بد فيه من اختيار نقل الاختصاص الذي كان لغيره لنفسه كما قاله ابن الرفعة. أما الأخرس فتكفي إشارته المفهمة كسائر
عقوده كما قاله الزركشي، وكذا الكناية مع النية، والظاهر كما قال شيخنا أن ولد اللقطة كاللقطة إن كانت حاملا عند
التقاطها وانفصل منها قبل تملكها وإلا ملكه تبعا لامه، وعليه يحمل قول من قال إنه يملك بعد التعريف لامه، أي وتملكها.
(وقيل تكفي) بعد التعريف (النية) أي تجديد قصد التملك من غير لفظ لفقد الايجاب. (وقيل) قال الأذرعي: وهو ظاهر
نص الام والمختصر: (يملك) اللقطة (بمضي السنة) بعد التعريف اكتفاء بقصده عند الاخذ للتملك بعد التعريف.
تنبيه: لا فرق عندنا في جواز تملك اللقطة بين الهاشمي وغيره ولا بين الفقير وغيره. وقال أبو حنيفة: لا يجوز
تملكها لمن لا تحل له الصدقة. وقال مالك: لا يجوز تملكها للفقير خشية ضياعها عند طلبها. ويستثنى من التملك مسائل
لا يتأتى فيها التملك: منها الجارية التي تحل للملتقط فإنه لا يتملكها بناء على أنه لا يصح التقاطها للتملك كما مر، لأنه لا يجوز
له استقراضها على الراجح، فعلى هذا تلتقط للحفظ فقط، وفي تعريفها الخلاف السابق. فإن قيل: ينبغي أن تعرف، وبعد
الحول تباع ويتملك ثمنها كما لو التقط ما يتسارع إليه الفساد فإنه يبيعه ويتملك ثمنه بعد المدة. أجيب بأنه إنما يتبع في ذلك
مصلحة المالك، وقد لا يكون له مصلحة في بيع الأمة. ومنها ما لو دفعها إلى الحاكم وترك التعريف والتملك ثم ندم وأراد
أن يعرف ويتملك فإنه لا يمكن لأنه أسقط حقه، قاله في زيادة الروضة. ومنها ما لو أخذ للخيانة كما مر. ومنها لقطة الحرم
كما سيأتي. (فإن تملك) الملتقط اللقطة (فظهر المالك) لها وهي باقية بحالها ولم يتعلق بها حق لازم يمنع بيعها كما في القرض،
(واتفقا على رد عينها) أو بدلها (فذاك) ظاهر، إذ الحق لا يعدوهما، ويجب على الملتقط ردها إلى مالكها إذا علمه ولم يتعلق
بها حق لازم قبل طلبه في الأصح كما قاله الرافعي في باب الوديعة، ومؤنة الرد على الملتقط لأنه قبض العين لغرض نفسه.
أما إذا حصل الرد قبل تملكها فمؤنة الرد على مالكها كما قاله الماوردي: (وإن أرادها المالك وأراد الملتقط العدول إلى بدلها
أجيب المالك في الأصح) كالقرض بل أولى، ولخبر الصحيحين: فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه. والثاني: يجاب
الملتقط لأنه ملكها كما قيل به في القرض.
تنبيه: لو جاء المالك وقد بيعت اللقطة بشرط الخيار أو كان خيار المجلس باقيا كان له الفسخ وأخذها إن لم
يكن الخيار للمشتري فقط كما جزم به ابن المقري لاستحقاقه الرجوع لعين ماله مع بقائه، أما إذا كان الخيار للمشتري
فقط فلا رجوع له كالبائع، وكذا لو تعلق بها حق رهن أو كتابة. وإذا ردها الملتقط سليمة أو معيبة مع الأرش لزم المالك
القبول، ويتعين ردها بالزوائد المتصلة وإن حدثت بعد التملك تبعا للأصل، بل لو حدثت قبله ثم انفصلت
ردها كنظيره من الرد بالعيب وغيره، فلو التقط حائلا فحملت قبل تملكها ثم ولدت رد الولد مع الام. أما الزوائد المنفصلة
الحادثة بعد التملك فهي للملتقط لحدوثها على ملكه، ومقتضى هذا أن الأمة لو ولدت عنده رقيقا أنه يجوز التفريق.
415

قال الزركشي: وفيه نظر اه‍. والظاهر أنه لا يجوز نظير ما في التفريق بالفسخ وتقدم فيه خلاف. وتقدم في الرد بالعيب
أن الحمل الحادث بعد الشراء كالمنفصل، فيكون الحادث هنا بعد التملك للملتقط. (وإن) جاء المالك وقد (تلفت) تلك
اللقطة حسا أو شرعا بعد التملك (غرم مثلها) إن كانت مثلية (أو قيمتها) إن كانت متقومة، لأنه تمليك يتعلق به العوض
فأشبه البيع، والقيمة تعتبر (يوم التملك) لها لأنه يوم دخول العين في ضمانه، وقيل: يوم المطالبة بها.
تنبيه: قال ابن الرفعة: وقضية قولهم إنه يملك اللقطة كملك القرض أن يكون الواجب فيما له مثل صوري رد المثل
في الأصح. قال الأذرعي: ولا يبعد الفرق بين البابين اه‍. ولعل الفرق أن المالك في القرض دفع ماله باختياره فنفسه
مطمئنة على أن المقترض يرد له مثل ما أخذ. وأما اللقطة فالقيمة فيها قد تكون في يوم التملك أكثر من قيمة المردود
فيفوت ذلك على المالك فيتضرر به، وحينئذ يظهر أن الفرق بين البابين أظهر. ولو قال الملتقط للمالك بعد التلف: كنت
أمسكتها لك، وقلنا بالأصح أنه لا يملكها إلا باختيار التملك لم يضمنها، وكذا لو قال: لم أقصد شيئا، فإن كذبه المالك في
ذلك صدق الملتقط بيمينه لأن الأصل براءة ذمته. أما التلف قبل التملك من غير تفريط فلا ضمان فيه على الملتقط كالمودع،
ولو عين الملتقط البدل عند إباحة إتلاف اللقطة كأكل الشاة الملتقطة في المفازة فتلفت سقط حق المالك بتلف القيمة، أي
والمثل للصورة كما نقله الرافعي في الكلام على الطعام عن نص الأصحاب. هذا كله في المملوك، أما الاختصاصات كالخمر
المحترمة والكلب النافع فلا يضمن أعيانها ولا منافعها. (وإن) جاء وقد (نقصت بعيب) أو نحوه حدث بعد تملكها، (فله)
أي مالكها (أخذها مع الأرش في الأصح) لأن الكل مضمون فكذا البعض، لأن الأصل المقرر أن ما ضمن كله بالتلف
ضمن بعضه عند النقص. ولم يخرج عن هذا إلا مسألة الشاة المعجلة فإنها تضمن بالتلف، وإن نقصت لم يجب أرشها.
والثاني: لا أرش له وله على الوجهين الرجوع إلى بدلها سليمة. ولو أراد المالك بدلها وقال الملتقط أضم إليها الأرش
وأردها أجيب الملتقط على الأصح. (وإذا ادعاها رجل) مثلا (ولم يصفها) بصفاتها السابقة (ولا بينة) له
بها مما يثبت بها
الملك كالشاهد واليمين ولم يعلم الملتقط أنها له، (لم تدفع إليه) لحديث: لو أعطي الناس بدعواهم الحديث، فإن أقام بينة
بذلك عند الحاكم كما قاله في الكفاية ولا يكفي إخبارها للملتقط أو علم أنها له، وجب عليه دفعها إليه وعليه العهدة لا إن
ألزمه بتسليمها بالوصف حاكم، (وإذا وصفها) مدعيها، وهو واحد بما يحيط بجميع صفاتها، (وظن ملتقطها صدقه جاز)
له (الدفع إليه) جزما عملا بظنه، بل نص الشافعي على استحبابه. (ولا يجب على المذهب) لأنه مدع يحتاج إلى بينة كغيره.
وفي وجه من الطريق الثاني يجب، لأن إقامة البينة عليها قد تعسر. أما إذا وصفها جماعة، فقال القاضي أبو الطيب: أجمعنا
على أنها لا تسلم إليهم. ولو ادعاها اثنان وأقام كل منهما بينة بأنها له تعارضتا.
تنبيه: احترز بقوله: وظن صدقة عما إذا لم يغلب على الظن صدقة فإنه لا يجب الدفع اتفاقا ولا يجوز على المشهور.
ولو تلف اللقطة فشهدت البينة على وصفها ثبتت ودفع إليه بدلها كما حكاه ابن كج عن النص، ولو قال له المالك: تعلم
أنها لي فله أن يحلف أنه لا يعلم ذلك، قاله الرافعي. (فإن دفع) اللقطة لواصفها بمجرد الوصف من غير إجبار حاكم يراه،
(فأقام آخر بينة بها) أي بأنها ملكه، وأنها لا تعلم أنها انتقلت منه كما قاله الشيخ أبو حامد وغيره، (حولت) من الأول
(إليه) لأن البينة حجة توجب الدفع فقدمت على الوصف المجرد. (فإن تلفت عنده) أي الواصف للقطة، (فلصاحب
البينة) بأن اللقطة له (تضمين الملتقط) لأنه سلم ما لم يكن له تسليمه، أما إذا ألزمه بالدفع حاكم يراه فلا ضمان عليه
416

لعدم تقصيره، (و) له مطالبة (المدفوع إليه) اللقطة لأنه أخذ ما لم يكن له أخذه. نعم لو كانت اللقطة قد أتلفها الملتقط
بعد التملك ثم ادعاها بعد وصفها فسلم إليه البدل ثم جاء آخر فأقام بينة بها لم يرجع على المدفوع إليه لتلفه في يده،
لأن الذي حصل في يده مال الملتقط لا مال المدعي. (و) إذا كان له تغريم المدفوع إليه ف‍ (- القرار عليه) لتلفه في يده.
نعم لو كان الملتقط قد أقر للواصف بالملك ثم غرم صاحب البينة الملتقط لم يرجع على المدفوع إليه، لأنه يزعم أن المدعي
ظلمه، والمظلوم لا يرجع على غير ظالمه. ولما كان كلام المحرر في تملك اللقطة شاملا للقطة الحرم أشار المصنف لاخراجها
بقوله: (قلت) كما قال الرافعي في الشرح: (لا تحل لقطة الحرم) وفي الروضة وأصلها: مكة وحرمها، (للتملك) بل للحفظ
أبدا (على الصحيح) المنصوص، لخبر الصحيحين: إن هذا البلد حرمه الله لا يلتقط لقطته إلا من عرفها، وفي رواية للبخاري:
لا تحل لقطته إلا لمنشد قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: أي لمعرف، ففرق (ص) بينها وبين غيرها،
وأخبر أنها
لا تحل إلا للتعريف. ولم يوقت في التعريف بسنة كغيرها، فدل على أنه أراد التعريف على الدوام وإلا فلا فائدة في التخصيص.
والمعنى فيه أن حرم مكة شرفها الله تعالى مثابة للناس يعودون إليه المرة بعد الأخرى، فربما يعود مالكها من أجلها،
أو يبعث في طلبها، فكأنه جعل ماله به محفوظا عليه كما غلظت الدية فيه. والثاني: تحل. والمراد بالخبر تأكيد التعريف
لها سنة لئلا يظن الاكتفاء بتعريفها في الموسم لكثرة الناس فيه.
تنبيه: محل الخلاف في المتمول، أما غيره فيستبد به واجدة كما هو ظاهر وإن لم أر من تعرض له. وكان
ينبغي للمصنف أن يعبر كعبارة الروضة المتقدمة ليخرج حرم المدينة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فإنه
ليس كحرم مكة كما اقتضاه كلام الجمهور وصرح به الدارمي والروياني وإن سوى بينهما البلقيني، وليست لقطة عرفة
ومصلى إبراهيم كلقطة الحرم، وحكايته الخلاف وجهين موافق للروضة ومخالف للشرحين في حكايته قولين. (ويجب
تعريفها) عند التقاطها للحفظ للخبر المار. وقوله: (قطعا) زيادة على الرافعي في الشرح، (والله أعلم) ولا يجئ فيه الوجه
المتقدم فيمن التقط للحفظ. ونقل في زيادة الروضة عن الأصحاب أنه يلزم الملتقط الإقامة للتعريف أو دفعها للحاكم،
قال ابن المقري: وقد يجئ هذا التخيير في كل ما التقط للحفظ.
خاتمة: لو أخذ اللقطة اثنان فترك أحدهما حقه من الالتقاط للآخر لم يسقط، وإن أقام كل منهما بينة بأنه الملتقط
ولم يسبق تاريخ لهما تعارضتا. ولو سقطت من الملتقط لها فالتقطها آخر فالأول أولى بها منه لسبقه. ولو أمر واحد آخر
بالتقاط لقطة رآها فأخذها فهي للآمر إن قصده الآخر ولو مع نفسه وإلا فهي له، ولا يشكل هذا بما مر في الوكالة
من عدم صحتها في الالتقاط، لأن ذلك في عموم الالتقاط، وهذا في خصوص لقطة وجدت، فالامر يأخذها استعانة
مجردة على تناول شئ معين. وإن رآها مطروحة فدفعها برجله وتركها ضاعت لم يضمنها، لأنها لم تحصل
في يده. ولو أخذ خمرا أراقها صاحبها فتخللت عنده ملكها بلا تعريف لها، وقيل: تخللها عليه إذا جمعها إراقتها إلا إذا
علم أنها محترمة فيعرفها كالكلب المحترم.
كتاب اللقيط
فعيل بمعنى مفعول كجريح وقتيل، ويسمى ملقوطا باعتبار أنه يلقط، ومنبوذا باعتبار أنه ينبذ إذا ألقي في الطريق
ونحوه، ويسمى دعيا أيضا. والأصل فيه مع ما يأتي قوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * وقوله تعالى: * (وافعلوا
417

الخير) *. وأركان اللقيط الشرعي ثلاثة، التقاط، ولقيط، وملتقط. وقد بدأ بالركن الأول فقال: (التقاط) أي أخذ
(المنبوذ) بالمعجمة، (فرض كفاية) لقوله تعالى: * (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) * إذ بإحيائها يسقط الحرج
عن الناس فإحياؤهم بالنجاة من العذاب، ولأنه آدمي محترم فوجب حفظه كالمضطر إلى طعام غيره، بل أولى لأن البالغ
العاقل ربما احتال لنفسه. وفارق اللقطة حيث لا يجب التقاطها بأن المغلب عليها الاكتساب والنفس تميل إليه فاستغنى
بذلك عن الوجوب كالنكاح والوطئ فيه. فلو لم يعلم بالمنبوذ إلا واحد لزمه أخذه، فلو لم يلتقطه حتى علم به غيره فهل
يجب عليهما كما لو علما معا أو على الأول فقط؟ أبدى ابن الرفعة فيه احتمالين، قال السبكي: والذي يجب القطع به أنه
يجب عليهما. (ويجب الاشهاد عليه) أي التقاطه (في الأصح) وإن كان ظاهر العدالة خوفا من أن يسترقه. والثاني:
لا يجب اعتمادا على الأمانة كاللقطة. وأجاب الأول بأن الغرض منها المال، والاشهاد في التصرف المالي مستحب
ومن اللقيط حريته ونسبه فوجب الاشهاد كما في النكاح، وبأن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف، ولا تعريف في اللقيط،
ويجب الاشهاد أيضا على ما معه تبعا له ولئلا يتملكه. وقيد الماوردي وجوب الاشهاد عليه وعلى ما معه بالملتقط بنفسه.
أما من سلمه الحاكم له فالاشهاد مستحب له فقط، قال شيخنا: وهو ظاهر. وأما الركن الثاني وهو اللقيط، فهو صغير
منبوذ في شارع أو مسجد أو نحو ذلك لا كافل له معلوم ولو مميزا لحاجته إلى التعهد. وإن أفهم التعبير بالمنبوذ اختصاصه
بغير المميز، فإن المنبوذ وهو الذي ينبذ دون التمييز، ونبذه في الغالب إما لكونه من فاحشة خوفا من العار، أو للعجز
عن مؤنته، فإن فقد النبذ رد إلى القاضي لقيامه مقام كافله فيسلمه إلى من يقوم به، كما يقوم بحفظ مال الغائبين،
أو وجد له كافل ولو ملتقطا رد إليه. وخرج بالصبي البالغ لاستغنائه عن الحفظ. نعم المجنون كالصبي، وإنما ذكروا
الصبي لأنه الغالب، قاله السبكي وغيره. ثم شرع في الركن الثالث وهو الملتقط فقال: (وإنما تثبت ولاية الالتقاط) أي
حضانة اللقيط (لمكلف حر) ذكر أو أنثى، ولكن الإناث أليق بها. غني أو فقير، (مسلم) إن كان اللقيط محكوما
بإسلامه، (عدل) لأنها ولاية على الغير فاعتبر فيها الأوصاف المذكورة كولاية القضاء، فإن كان محكوما بكفره بالدار
فللكافر التقاطه، لأنه من أهل الولاية عليه.
تنبيه: مقتضى كلامهم جواز التقاط اليهودي للنصراني وعكسه، وهو كذلك كالإرث، وإن قال ابن الرفعة لم أره
منقولا. وقوله: (رشيد) مستغنى عنه بعدل كما يستغنى عن مكلف بعدل، ومراده العدالة الباطنة والظاهرة ليدخل
المستور كما يؤخذ من قوله الآتي. ويقدم عدل على مستور، ولا تفتقر ولاية الالتقاط إلى إذن الحاكم، لكن يستحب
دفعه إليه. نعم لو وجده فأعطاه غيره لم يجز حتى يدفعه إلى الحاكم كما قاله الدارمي. ثم شرع في ذكر
محترزات ما تقدم
فذكر محترز حر في قوله: (ولو التقط) رقيق (عبد) أو أمة مدبر أو معلق عتقه بصفة، أو أم ولد أو مكاتب (بغير
إذن سيده انتزع) اللقيط (منه) لأن الحضانة تبرع وليس هو من أهلها، (فإن علمه) أي السيد (فأقره عنده،
أي التقط بإذنه فالسيد) هو (الملتقط) وهو نائبه في الاخذ والتربية إذ يده كيده، ولا بد أن يكون أهلا للترك في يده.
قال الماوردي: وهذا قبل الرفع إلى الحاكم، أما بعده فيدفعه إلى من يراه إذ لا حق للسيد فيه اه‍. وفي الحالة الثانية نظر
إذ السيد هو الملتقط. ولو قال السيد للمكاتب التقط لي فالسيد هو الملتقط، وهو المبعض إذا التقط في نوبته وجهان، أصحهما
عدم الصحة كما قاله الروياني، لأن الحضانة ولاية، ولا ولاية للمبعض بخلاف اللقطة، فإن لم يكن بينه وبين السيد مهايأة
أو التقط في نوبة السيد فالتقاطه كالقن كما صرح به الماوردي وذكر محترز مكلف عدل رشيد في قوله: (ولو التقط صبي)
أو مجنون (أو فاسق أو محجور عليه) بسفه (أو كافر مسلما انتزع منه) لعدم أهلية الصبي والمجنون وتهمة الفاسق
418

والمحجور عليه بسفه وعدم ولاية الكافر على المسلم، والمنتزع منهم هو الحاكم كما قاله شارح التعجيز. وخرج بمسلم المحكوم
بكفره فإنه يقر بيده كما مر، وكذا بيد المسلم كما سيأتي. (ولو ازدحم اثنان) كل منهما أهل لالتقاطه (على أخذه)
متعلق بازدحم، وذلك بأن يقول كل منهما أنا آخذه، (جعله الحاكم عند من يراه منهما أو) عند من يراه (من غيرهما)
لأنه لا حق لهما قبل أخذه فيفعل الاحظ له. (وإن سبق واحد) منهما (فالتقطه منع الآخر من مزاحمته) لقوله (ص):
من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو أحق به رواه أبو داود. وخرج بقوله: فالتقطه ما لو سبق
إلى الوقوف عنده ولم يأخذه فإنه لا حق له. (وإن التقطاه معا) أي في زمن واحد وإن لم يجب ذلك في معنى
مع لأنها تأتي بمعنى جميع، (وهما أهل) لالتقاطه (فالأصح أنه يقدم غني على فقير) لأنه قد يواسيه بماله. ولو تفاوتا
في الغنى لم يقدم أغناهما. نعم لو كان أحدهما بخيلا والآخر جوادا فقياس تقديم الغني أن يقدم الجواد، لأن حفظ اللقيط
عنده أكثر، وظاهر أنه يقدم الغني على الفقير وإن كان الغني بخيلا. والثاني: يستوي الغني والفقير، لأن نفقة اللقيط
لا تجب على ملتقطه. (و) يقدم (عدل) باطنا بكونه مزكى عند حاكم، (على مستور) أي عدل ظاهرا بأن لم يعلم
فسقه ولم يعلم تزكيته عند حاكم، أما العدل عند الله فلا يعلمه إلا الله. ويقدم الحر على المكاتب لكماله، والبلدي
على البدوي. ويستوي المسلم والكافر في التقاط المحكوم بكفره، وقيل: يقدم المسلم، وقيل: الكافر، ولا تقدم المرأة
على الرجل وإن قدمت في الحضانة.
تنبيه: لو ازدحم على أخذ لقيط ببلد أو قرية ظاعن إلى بادية أو قرية وآخر مقيم فالمقيم أولى لأنه أرفق به
وأحوط لنسبه، لا على ظاعن يظعن به إلى بلد أخرى بل يستويان بناء على أنه يجوز للمنفرد نقله إلى بلده كما سيأتي.
واختار المصنف تقديم قروي مقيم بالقرية على بلدي ظاعن، ونقله عن ابن كج، لكن منقول الأصحاب أنهما مستويان
كما نقله هو تبعا للرافعي. ويقدم حضري على بدوي إذا وجداه بمهلكة، ويستويان فيه إذا وجداه بمحلة أو قبيلة أو نحو
ذلك. قال الأذرعي: ويقدم البصير على الأعمى، والسليم على المجذوم والأبرص إن قيل بأهليتهم للالتقاط. (فإن
استويا) في الصفات المعتبرة وتشاحا، (أقرع) بينهما على النص لعدم الأولوية ولو كان اللقيط مميزا واختار أحدهما،
بخلاف تخيير الصبي المميز بين أبويه لتعويلهم ثم على الميل الناشئ عن الولادة وهو معدوم هنا. ولا يهايأ بينهما للاضرار
باللقيط، ولا يترك في يدهما لتعذر أو تعسر الاجتماع على الحضانة. وقد كانت القرعة في الكفالة في شرع من قبلنا في قصة
مريم، قال تعالى: * (إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) * أي اقترعت الأحبار على كفالتها بإلقاء أقلامهم، ولم يرد في
شرعنا ما يخالفه، وتقدم الكلام على ذلك هل يكون شرعا لنا أم لا. وليس للقارع ترك حقه للآخر وإن خالف في ذلك
الماوردي، كما أنه ليس للمنفرد نقله إلى غيره، ولو ترك حقه قبل القرعة انفرد به الآخر. (وإذا وجد بلدي) أو قروي
أو بدوي (لقيطا ببلد) أو قرية (فليس له نقله إلى بادية) لخشونة عيشها وتفويت العلم والدين والصنعة، وقيل: لضياع
النسب، ولا فرق بين السفر به للنقلة وغيرها كما قال المتولي وأقراه. نعم لو قربت البادية من البلد أو القرية بحيث يسهل
المراد منها جاز النقل إليها لانتفاء العلة، صرح به في أصل الروضة. ويمتنع أيضا نقله من بلدة إلى قرية لما مر.
تنبيه: البادية خلاف الحاضرة، لأن الحاضرة المدن والقرى والريف، والقرية هي العمارة المجتمعة، فإن كبرت
سميت بلدا، وإن عظمت سميت مدينة، والريف هي الأرض التي فيها زرع وخصب. (والأصح أن له) أي الملتقط
(نقله) أي اللقيط (إلى بلد آخر) بناء على العلة الأولى، سواء كانت وطن الملتقط أم لا سافر إليها لنقلة أم لا كما يقتضيه
419

إطلاقه، وصرح به المتولي. والثاني: يمتنع بناء على العلة الثانية. تنبيه: محل الخلاف عند أمن الطريق وتواصل الاخبار، فإن كان مخوفا أو انقطعت الاخبار بينهما لم يقر
اللقيط في يده قطعا. ولم يفرق الجمهور بين مسافة القصر ودونها، وجعل الماوردي الخلاف في مسافة القصر وقطع فيما
دونها بالجواز، ومنعه في الكفاية، فما عليه الجمهور هو المعتمد. (و) الأصح (أن للغريب) المختبر أمانته (إذا التقط
ببلد أن ينقله إلى بلده) بهاء الضمير بخطه، للمعنى الأصح لتقارب المعيشة. والثاني: لا، للمعنى الثاني وهو
ضياع النسب.
تنبيه: محل الخلاف في الغريب المختبر أمانته كما مر، فإن جهل حاله لم يقر بيده قطعا مع أن هذه المسألة
لا حاجة لذكرها لدخولها في المسألة قبلها، والنقل من بادية إلى بادية ومن قرية إلى قرية كالنقل من بلد إلى بلد. (وإن
وجده) أي اللقيط بلدي (ببادية) في حلة أو قبيلة (فله نقله إلى) قرية وإلى (بلد) يقصده لأنه أرفق به، وقيل
وجهان بناء على العلتين، فإن كانت البادية في مهلكة فله نقله لمقصده قطعا. (وإن وجده) قروي أو (بدوي ببلد
فكالحضري) فإن أراد المقام به أقر بيده أو نقله إلى بلد أو بادية فعلى ما تقدم. (أو) وجده البدوي (ببادية أقر بيده)
وإن كان أهل حلته ينتقلون لأنها في حقه كبلدة أو قرية. (وقيل: إن كانوا ينتقلون للنجعة) بضم النون وسكون الجيم
وهي الانتقال في طلب المرعى وغيره، (لم يقر) لأن فيه تضييعا لنسبه. والبدوي ساكن البادية، والحضري ساكن
الحضارة، وهي خلاف البادية، والبلدي ساكن البلد، والقروي ساكن القرية. (ونفقته) أي اللقيط ومؤنة حضانته
ليست على الملتقط، بل (في ماله) كغيره (العام كوقف على اللقطاء) والوصية لهم. فإن قيل: كيف يصح الوقف عليهم
ووجودهم لا يتحقق بخلاف الوقف على الفقراء؟ أجيب بأن الجهة لا يشترط فيها الوجود وإلا لم يصرف إلى من حدث.
فإن قيل: قد يتوقف في هذا الجواب ويقال لا بد من وجود من يمكن الصرف إليه. أجيب بأن الموقوف عليه الجهة
ويكفي إمكانها.
تنبيه: إضافة المال إلى اللقيط فيه تجوز فإنه في الحقيقة ليس هو ماله بل مال الجهة العامة، ولكن المراد
أنه يصرف إليه منه وإن لم يكن ملكه لعموم كونه لقيطا أو موصى له، وقد يكون المال له بخصوصه كالوقف عليه نفسه
أو الهبة أو الوصية له، ويقبل له القاضي من ذلك ما يحتاج إلى القبول. (أو) نفقة اللقيط في ماله (الخاص، وهو ما اختص به
كثياب ملفوفة عليه) وملبوسة له كما صرح به في المحرر وأسقطه من الروضة لفهمه مما ذكر بطريق الأولى. (ومفروشة
تحته) ومغطى بها ودابة مشدودة في وسطه أو عنانها بيده أو راكبا عليها، (وما في جيبه من دراهم وغيرها) كذهب
وحلي، (ومهده) وهو سريره الذي هو فيه، (ودنانير منثورة فوقه و) منثورة (تحته) لأن له يدا واختصاصا كالبالغ
والأصل الحرية ما لم يعرف غيرها.
تنبيه: قضية كلام المصنف وغيره التخيير في الانفاق عليه من العام والخاص، وهو كذلك وإن قال في التوشيح
لم أجد فيه نقلا، وقال بعض المتأخرين: الأفقه تقديم الخاص فلا ينفق من العام إلا عند فقد الخاص. (وإن وجد
في دار) ونحوها كحانوت ولا يعرف لها مستحق ليس فيها غيره، (فهي) أي الدار ونحوها (له) ليد، ولا
مزاحم، وإن
وجد فيها غيره كلقيطين أو لقيط وغيره فهي لهما كما لو كانا على دابة، فلو ركبها أحدهما ومسك الآخر زمامها فهي للراكب
فقط لتمام الاستيلاء. وفي الروضة عن ابن كج عن أنها بينهما، قال الأذرعي: وجه، والمذهب الصحيح أن اليد للراكب
ولو كان على الأرض وزمامها بيده أو مربوطة فيه فهي له وكل ما على الدابة التي حكم بأنها له. ولا يحكم له ببستان وجد
فيه في أحد وجهين يظهر ترجيحه كما رجحه بعض المتأخرين بخلاف الدار لأن سكناها تصرف، والحصول في البستان
420

ليس تصرفا ولا سكنى. وقضية هذا التعليل أنه إذا كان يسكن عادة يكون كالدار. ولا يحكم له بضيعة وجد فيها كما قال
في الروضة: ينبغي القطع بأنه لا يحكم له بها.
تنبيه: المراد بكون ما ذكر له صلاحية التصرف فيه ودفع المنازع له لا أنه طريق للحكم بصحة ملكه ابتداء، فلا يسوغ
للحاكم بمجرد ذلك أن يقول ثبت عندي أنه ملكه، نبه على ذلك الزركشي. (وليس له) أي اللقيط (مال مدفون) ولو كان
(تحته) وفيه رقعة مكتوب فيها أن الدفين له، لأن الكبير العاقل لو كان جالسا على أرض تحتها دفين لم يحكم له به، وحكم هذا
المال إن كان من دفين الجاهلية فركاز وإلا فلقطة. نعم إن حكم بأن المكان له فهو له مع المكان كما صرح به الدارمي
وغيره. قال الأذرعي: ولو وجد خيط متصل بالدفين مربوط ببعض بدنه أو ثيابه وجب الجزم بأنه يقضى له به،
ولا شك فيه إذا انضمت الرقعة إليه. (وكذا ثياب وأمتعة) ودابة (موضوعة بقربه) ليست له (في الأصح) لأن يده لا تثبت
إلا على ما اتصل به، بخلاف الموجود بقرب المكلف فإنه يحكم بملكه له، لأن له رعاية. والثاني: أنها له عملا بالظاهر.
وعلى الأول لو حكم بأن المكان له كان ذلك له مع المكان كما يؤخذ مما مر، وصرح به المصنف في نكته. وخرج بقربه
البعيدة عنه فلا تكون له جزما.
تنبيه: لم يتعرضوا لضبط القرب، قال السبكي: والمحال عليه فيه العرف. (فإن لم يعرف له) أي اللقيط (مال) عام ولا
خاص (فالأظهر أنه ينفق عليه من بيت المال) من سهم المصالح بلا رجوع كما صرح به في الروضة، لأن عمر رضي الله
تعالى عنه استشار الصحابة رضي الله عنهم في ذلك، فأجمعوا على أنها في بيت المال، وقياسا على البالغ المعسر بل أولى. والثاني:
المنع، بل يقترض عليه من بيت المال أو غيره لجواز أن يظهر له مال. (فإن لم يكن) في بيت المال شئ أو كان وثم ما هو أهم
من ذلك كسد ثغر يعظم ضرره لو ترك أو حالت الظلمة دونه اقترض له الإمام من المسلمين في ذمة اللقيط كالمضطر إلى
الطعام، فإن تعذر الاقتراض (قام المسلمون بكفايته قرضا) بالقاف بخطه، حتى يثبت لهم الرجوع بما أنفقوا على اللقيط
ويقسطها الإمام على الأغنياء منهم ويجعل نفسه منهم، فإن تعذر استيعابهم لكثرتهم قسطها على من رآه منهم باجتهاده، فإن
استووا في اجتهاده تخير، فإن ظهر له سيد رجعوا عليه، أو ظهر له إذا كان حرا مال أو اكتسبه فالرجوع عليه، أو قريب
رجع عليه. فإن قيل: نفقة القريب تسقط بمضي الزمان فكيف يطالب بها قريبه؟ أجيب بأن النفقة وقعت قرضا بإذن
الحاكم والحاكم إذا اقترض النفقة على من تلزمه ثبت الرجوع بها، ولا تسقط بمضي الزمان كما صرح به المصنف وغيره
في بابها، فإن لم يظهر له مال ولا قريب ولا كسب ولا للرقيق سيد فالرجوع على بيت المال من سهم الفقراء أو الغارمين
بحسب ما يراه الإمام. وإن حصل في بيت المال شئ قبل بلوغه ويساره قضي منه، وإن حصل له مال مع بيت المال معا
فمن ماله، وسواء فيما ذكر اللقيط المحكوم بإسلامه أم بكفره على الأصح، وإن صحح في الكفاية خلافه تبعا للماوردي.
(وفي قول) يقوم المسلمون بكفايته (نفقة) لأنه محتاج عاجز، وإن قام بها بعضهم اندفع الحرج عن الباقين.
تنبيه: قوله: قرضا ونفقة منصوبان بنزع الخافض، أي بالقرض والنفقة، أو على التمييز، أي من جهة القرض
والنفقة. (وللملتقط الاستقلال بحفظ ماله) أي اللقيط، (في الأصح) لأنه مستقل بحفظ المالك فماله أولى، ومحله كما قال
الأذرعي في العدل الذي يجوز إيداع مال اليتيم عنده. والثاني: يحتاج إلى إذن القاضي. وعلى الأول ليس له مخاصمة من
نازعه فيه إلا بولاية من الحاكم. (ولا ينفق عليه منه) أي من مال اللقيط، (إلا بإذن القاضي) لأن ولاية المال لا تثبت
لقريب غير الأب والجد فالأجنبي أولى، فإن أنفق بغير إذنه ضمن. وقوله: (قطعا) تبع فيه الإمام، وليس في الروضة
وأصلها بل فيهما وجه حكاه ابن كج أنه إن أنفق بغير إذنه لم يضمن، ومقتضاه أن إذن القاضي ليس شرطا، وقد حكى
421

الرافعي الخلاف في الدعاوي وحكاه الماوردي هنا.
تنبيه: محل وجوب مراجعة الحاكم إذا وجده، فإن لم يجده أنفق وأشهد وجوبا. وقول ابن الرفعة: كل مرة فيه
حرج، والظاهر أنه لا يكلف ذلك فإن لم يشهد مع الامكان ضمن.
فصل: في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها: (إذا وجد لقيط بدار الاسلام) بأن سكنها المسلمون (و)
إن كان (فيها أهل ذمة) أو معاهدون كما قاله الماوردي وغيره، (أو) وجد لقيطا (بدار فتحوها) أي المسلمون (وأقروها)
قبل ملكها (بيد كفار صلحا) أي على جهته، (أو) أقرها المسلمون بيد كفار (بعد ملكها) عنوة (بجزية) أو كانوا يسكنونها
ثم جلاهم الكفار عنها (وفيها مسلم) في الصور الأربع يمكن أن يولد للمسلم ذلك اللقيط، ولو كان المسلم أسيرا
منتشرا أو
تاجرا أو مجتازا أو نفاه (حكم بإسلام اللقيط) في المسائل الأربع تغليبا للاسلام، وفي مسند الإمام أحمد والدارقطني:
الاسلام يعلو ولا يعلى عليه.
تنبيه: قوله: وفيها أهل ذمة ليس بقيد كما يعلم مما قدرته تبعا للروضة. وقضية كلامه أن يحكم بإسلام اللقيط في دار
الاسلام مطلقا وإن لم يكن فيها مسلم، وليس مرادا كما يعلم مما قدرته أيضا، فقد قال الدارمي: إنما يحكم بإسلامه إذا
كان في القرية مسلم، أما لو كان جميع من فيها كفارا فهو كافر. وقضية كلامه أيضا أن المعطوف على دار الاسلام
ليس دار إسلام، وليس مرادا، فقد صرح في أصل الروضة أن الجميع دار إسلام. وإذا وجد اللقيط بدار الاسلام ولا
مشرك فيها كالحرم، فهو مسلم ظاهرا وباطنا كما قاله الماوردي، وإلا ففي الظاهر (وإن وجد) اللقيط (بدار كفار) وهي
دار الحرب، (فكافر) ذلك اللقيط (إن لم يسكنها مسلم) إذ لا مسلم يحتمل إلحاقه به. ثم إن كان أهل البقعة مللا جعل من أقربهم إلى الاسلام.
تنبيه: ظاهر كلامه أن المجتاز لا أثر له، لكن قال الفوراني: إذا اجتاز بها مسلم فهو مسلم. ويؤخذ مما مر أنه إن
أمكن كونه منه فهو مسل، وإلا فلا. (وإن سكنها مسلم كأسير) وتاجر يمكن أن يكون ولده (فمسلم في الأصح) تغليبا للاسلام،
فإن أنكره ذلك المسلم قبل في نفي نسبه دون إسلامه كما مرت الإشارة إليه. والثاني، كافر، تغليبا للدار.
تنبيه: قال الإمام: الخلاف في أسير ينتشر إلا أنه ممنوع من الخروج من البلد، أما المحبوس في المطمورة فيتجه
أنه لا أثر له كما لا أثر للمجتاز اه‍. وهو ظاهر كما قاله بعض المتأخرين إذا لم يكن في المحبوسين امرأة. وحاصله حيث أمكن
كونه منه حكم بإسلامه فلا بد أن يكون المسلم بها وقت العلوق. أما إذا طرقها مسلم ثم بعد شهر مثلا وجد بها منبوذ لا يحكم
بإسلامه لاستحالة كونه منه. ولو وجد اللقيط ببرية فمسلم، حكاه شارح التعجيز عن جده، وهو ظاهر إذا كانت برية دارنا
أو برية لا يد لاحد عليها، أما برية دار الحرب لا يطرقها مسلم فلا. وولد الذمية من الزنا ليس بمسلم، قال ابن حزم الظاهري:
مسلم، والظاهر كما قال شيخي خلافه لأن هذا مقطوع النسب عنه، وسيأتي التنبيه على ذلك. (و) تبعية الدار ضعيفة،
وحينئذ (من حكم بإسلامه بالدار فأقام ذمي) أو معاهد أو مستأمن كما قاله الزركشي، (بينة بنسبه لحقه) لأنه كالمسلم في
النسب، (وتبعه في الكفر) وارتفع ما ظنناه من إسلامه، لأن الدار حكم باليد، والبينة أقوى من اليد المجردة هذا
إن شهد عدلان وإن شهد أربعة من النسوة ففي الحكم بتبعيته في الكفر وجهان حكاهما الدارمي، وكذا لو ألحقه
القائف. ويؤخذ من العلة التبعية ومن قوله: (وإن اقتصر على الدعوى) بأنه ابنه، (فالمذهب أنه لا يتبعه في
الكفر)
وإن لحقه في النسب، لأنا حكمنا بإسلامه فلا تغير بمجرد دعوى كافر، ويجوز كونه ولده من مسلمة بوطئ شبهة ويحال
422

بينهما كما يحال بين الصبي المميز إذا وصف الاسلام وبين أبيه، وسيأتي هل ذلك واجب أو مندوب. والطريق الثاني فيه
قولان، ثانيهما يتبعه في الكفر كالنسب. (ويحكم) أيضا (بإسلام الصبي بجهتين أخريين) غير تبعية الدار، (لا تفرضان في
اللقيط) وإنما ذكرا في بابه استطرادا. (إحداهما) وهي أقواهما (الولادة، فإذا كان أحد أبويه مسلما وقت العلوق فهو) أي
الصبي، أي الصغير الشامل للأنثى والخنثى، (مسلم) بإجماع وتغليبا للاسلام، ولا يضر ما يطرأ بعد العلوق منهما من درجة.
(فإن بلغ) الصغير المسلم بالتبعية لاحد أبويه (ووصف كفرا) بأن أعرب به عن نفسه كما في المحرر، (فمرتد) لأنه مسلم ظاهرا
وباطنا. (ولو علق بين كافرين ثم أسلم أحدهما) قبل بلوغه، (حكم بإسلامه) حالا، سواء أسلم أحدهما قبل وضعه أم بعده، قبل
تمييزه أم بعده وقبل بلوغه، لقوله تعالى: * (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم) *.
تنبيه: قول المصنف: ثم أسلم أحدهما بوهم قصره على الأبوين، وليس مرادا بل في معنى الأبوين الأجداد والجدات
وإن لم يكونوا وارثين وكان الأقرب حيا. فإن قيل: إطلاق ذلك يقتضي إسلام جميع الأطفال بإسلام أبيهم آدم عليه
الصلاة والسلام. أجيب بأن الكلام في جد يعرف النسب إليه بحيث يحصل بينهما التوارث، وبأن التبعية في اليهودية والنصرانية
حكم جديد وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه. والمجنون المحكوم عليه بكفره كالصغير في تبعية أحد أصوله في الاسلام إن
بلغ مجنونا، وكذا إن بلغ عاقلا ثم جن في الأصح. وتقدم عن ابن حزم الظاهري أن المسلم إذا زنى بكافرة يكون الولد
مسلما يرده قولهم: أسلم أحد أبويه، وهذا ليس كذلك. ويدخل في قول المصنف بين كافرين الأصليان والمرتدان على ترجيحه
من أن ولد المرتدين مرتد كما سيأتي في كتاب الردة، أما على ترجيح الرافعي من أنه مسلم فلا يدخل ذلك. (فإن بلغ ووصف)
بعد بلوغه (كفرا فمرتد) في الأظهر لسبق الحكم بإسلامه، فأشبه من أسلم بنفسه ثم ارتد. (وفي قول كافر أصلي) لأنه كان
محكوما بكفره وأزيل ذلك الحكم بالتبعية، فإذا استقل انقطعت فيعتبر بنفسه.
تنبيه: محل الخلاف المذكور إذا لم يصدر منه بعد البلوغ وصف الاسلام، فإن وصفه ثم وصف الكفر فمرتد
قطعا. وعلى القول الأول لا تنقض الأحكام الجارية عليه قبل الحكم بردته من إرث وغيره من الأحكام حتى لا يرد ما أخذه
من تركة قريبه المسلم، ولا يأخذ من تركة قريبه الكافر ما حرمناه منه، ولا يحكم بأن إعتاقه عن الكفارة لم يقع مجزئا
لأنه كان مسلما باطنا وظاهرا بخلاف ما إذا قلنا إنه كافر أصلي، فإن مات قبل البلوغ وقبل الافصاح بشئ لم
ينقض
ما حكم به من أحكام إسلامه في الصبا، بخلاف ما إذا قلنا إنه كافر أصلي لو أعرب بالكفر، وإن حكم بإسلامه تبعا للدار فبلغ
وأفصح بالكفر فأصلي لا مرتد فيقر على كفره وينقض ما أمضيناه من أحكام الاسلام مما جرى في الصغر وبعد البلوغ وقبل
الافصاح بشئ، وهذا معنى قولهم: تبعية الدار ضعيفة الجهة. (الثانية: إذا سبى مسلم طفلا) أو مجنونا (تبع السابي) له
(في الاسلام) فيحكم بإسلامه ظاهرا وباطنا، (إن لم يكن معه أحد أبويه) لأن له عليه ولاية وليس معه من هو أقرب إليه منه
فتبعه كالأب قال الإمام: وكأن السابي لما أبطل حريته قلبه قلبا كليا، فعدم عما كان وافتتح له وجود تحت يد
السابي وولاية فأشبه تولده بين الأبوين المسلمين، وسواء أكان السابي بالغا عاقلا أم لا، أما إذا سبي مع أحد أبويه فإنه
لا يتبع السابي جزما، ومع كون أحد أبوي الطفل معه أن يكونا في جيش واحد وغنيمة واحدة لا أن مالكهما واحد بل
يتبع أحد أبويه في دينه وإن اختلف سابيهما، لأن تبعة الأصل أقوى من تبعية السابي فكان أولى بالاستتباع. ولا
423

يؤثر موت الأصل بعد، لأن التبعية إنما تثبت في ابتداء السبي. (ولو سباه ذمي) وحمله كما قال البغوي إلى دار الاسلام،
أو مستأمن كما قاله الدارمي، (لم يحكم بإسلامه في الأصح) لأن كونه من أهل دار الاسلام لم يؤثر فيه ولا في أولاده فكيف
يؤثر في مسبيه ولان تبعية الدار إنما تؤثر في حق من لا يعرف حاله ولا نسبه، نعم هو على دين سابيه كما ذكره الماوردي
وغيره. والثاني: يحكم بإسلامه تبعا للدار.
تنبيه: استشكل حكاية المصنف الخلاف بأن الذمي إذا انفرد بأخذه بأن سرقه وقلما يختص به ولا يخمس فينبغي
القطع بالأصح، وإن قلنا إنه غنيمة للمسلمين وهو المذهب ويد الذمي نائبة عنهم، فينبغي القطع بإسلامه، وجوز ابن
الرفعة جريان الخلاف في هذه الحالة لتعارض يده وحقهم. ولو سباه مسلم وذمي حكم بإسلامه تغليبا لحكم الاسلام، ذكره
القاضي وغيره. ولو سبى الذمي الصبي أو المجنون وباعه لمسلم، أو باعه المسلم الذي سباه مع أحد أبويه في جيش واحد ولو
دون أبويه من مسلم، لم يتبع المشتري لفوات وقت التبعية، لأنها إنما تثبت ابتداء. ولو بلغ المحكوم بإسلامه تبعا للسابي
ووصف كفرا كان كالمحكوم بإسلامه تبعا لاحد أصوله. ولو جنى اللقيط بإسلامه خطأ أو شبه عمد فموجبها
في بيت المال إذ ليس له عاقلة خاصة، أو عمدا وهو بالغ عاقل اقتص منه وإلا فالدية مغلظة في ماله كضمان ماله أتلفه،
فإن لم يكن مال ففي ذمته. وإن قتل خطأ أو شبه عمد ففيه دية كاملة عملا بظاهر الحرية توضع في بيت المال، وأرش
طرقه له. وإن قتل عمدا فللإمام أن يعفو على مال لا مجانا لأنه خلاف مصلحة المسلمين، أو يقتص لا بعد البلوغ وقبل
الافصاح بالاسلام، بل تجب ديته كما صححه المصنف وصوبه في المهمات، ويقتص لنفسه في الطرف إن
أفصح بالاسلام
بعد بلوغه فيحبس قاطعه قبل البلوغ له إلى البلوغ والإفاقة، ويأخذ الولي ولو حاكما لا وصي الأرش لمجنون فقير لا لغني
ولا لصبي غني أو فقير، فلو أفاق المجنون وأراد رد الأرش ليقتص منه منع. ولما فرغ المصنف من إسلام التبعية شرع
في إسلام المباشر فقال: (ولا يصح إسلام صبي مميز استقلالا على الصحيح) المنصوص في القديم والجديد كما قاله الإمام،
لأنه غير مكلف فأشبه غير المميز والمجنون وهما لا يصح إسلامهما اتفاقا كما سيأتي، ولان نطقه بالشهادتين إما خبر وإما
إنشاء، فإن كان خبرا فخبره غير مقبول، وإن كان إنشاء فهو كعقوده وهي باطلة. والثاني: يصح إسلامه حتى يرث
من قريبه المسلم، لأنه (ص) دعا عليا رضي الله تعالى عنه إلى الاسلام قبل بلوغه فأجابه، ولأنه لا يلزم من كونه غير
مكلف به أنه لا يصح منه كالصلاة والصوم وسائر العبادات، قال المرعشي: وهو الذي أعرفه في مذهب الشافعي. وأجاب الأول
عن قصة علي رضي الله تعالى عنه بأنه كان بالغا عند إسلامه كما نقله القاضي أبو الطيب عن الإمام أحمد رضي
الله تعالى عنه، فعلى تقدير ثبوته فلا كلام، وعلى عدم تقديره فقد ذكر البيهقي في المعرفة أن الأحكام إنما صارت معلقة
بالبلوغ بعد الهجرة، قال السبكي: وهو صحيح لأن الأحكام إنما أنيطت بخمسة عشر عام الخندق، فقد تكون منوطة
قبل ذلك بسن التمييز: والقياس على الصلاة ونحوها لا يصح لأن الاسلام لا ينتفل به، وعلى هذا يحال بينه وبين أبويه
الكافرين لئلا يفتنوه، وهذه الحيلولة مستحبة على الصحيح في الشرح والروضة هنا فيتلطف بوالديه ليؤخذ منهما، فإن
أبيا فلا حيلولة، وقيل: إنها واجبة، واختاره السبكي، احتياطا للاسلام. ولا تمنعه من الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات
كما قاله الزركشي أخذا من كلام الشافعي. ويدخل بإسلامه الجنة إذا أسره كما أظهره، ويعبر عنه بصحة إسلامه باطنا
لا ظاهرا، أي بالنسبة إلى الآخرة دون الدنيا. فإن بلغ ثم وصف الكفر هدد وطولب بالاسلام، فإن أصر رد إليهما.
واحترز المصنف بالمميز عن غيره من صبي ومجنون فلا يصح إسلامهما قطعا وأنه يصح إسلام المكلف بالنطق للناطق
والإشارة للعاجز عن النطق قطعا، وكالمكلف المتعدي بسكر. وفي أطفال الكفار إذا ماتوا ولم يتلفظوا بالاسلام خلاف
منتشر، والأصح أنهم يدخلون الجنة، لأن كل مولود يولد على الفطرة، فحكمهم حكم الكفار في الدنيا، فلا يصلى عليهم، ولا يدفنون في مقابر المسلمين، وحكمهم حكم المسلمين في الآخرة لما مر.
424

فصل: فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه: إذا لم يقر اللقيط برق فهو حر) لأن الغالب في الناس الحرية،
وحكى ابن المنذر فيه الاجماع، لكن قال الشافعي: لو قذفه قاذف لم أحده حتى أسأله، فإن قال أنا حر حددت
قاذفه.
وقال البلقيني: لو وجد في دار الحرب ولا مسلم فيه ولا ذمي فهو رقيق كسائر صبيانهم ونسائهم، ويحمل كلامهم على
دار الاسلام، قال: ولم أر من تعرض له انتهى. وهو ظاهر المعنى. وعلى هذا فتستثنى هاتان الصورتان من كلام
المصنف مضافتين إلى قوله: (إلا أن يقيم أحد بينة برقه) وتتعرض لسبب الملك كما سيأتي فيعمل بها. (وإن أقر) اللقيط المكلف
(به) أي الرق (لشخص فصدقه قبل إن لم يسبق) منه (إقرار بحرية) كسائر الأقارير. وخرج بصدقه ما لو كذبه فإن الرق
لا يثبت ولو صدقه بعد ذلك، ولم يسبق ما لو سبق إقراره بحرية بعد البلوغ فلا يقبل إقراره بعده على الأصح المنصوص،
لأنه بالاقرار الأول التزم أحكام الأحرار فلا يملك إسقاطها. فإن قيل: لو أنكرت المرأة الرجعة ثم أقرت بها فإنها تقبل،
فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن دعواها الرجعة مستندة إلى أصل وهو عدم انقضاء العدة، وجعل الشارع القول قولها في
انقضاء العدة إثباتا وقد اعترفت بالخيانة، وإقرار اللقيط مخالف للأصل وهو الحرية وقد تأكد بالاقرار بالحرية. فإن
قيل: يرد على المصنف ما لو أقر بالرق لزيد فكذبه فأقر به لعمرو فإنه لا يقبل إقراره ولو صدقه عمرو، وهذا لم يسبق
منه إقرار بحرية. أجيب بأن إقراره الأول يتضمن نفي الملك لغيره، فإذا كذبه المقر له خرج عن كونه مملوكا له أيضا
فصار حر الأصل، والحرية مظنة حقوق الله تعالى والعبادة فلا سبيل إلى إبطالها بالاقرار الثاني.
تنبيه: سكتوا عن اعتبار الرشد هنا في المقر، وينبغي كما قال الزركشي اعتباره كغيره من الأقارير فلا يقبل اعتراف
الجواري بالرق كما حكي عن ابن عبد السلام، لأن الغالب عليهن السفه وعدم المعرفة. قال الأذرعي: وهذه العلة موجودة
في غالب العبيد، لا سيما من قرب عهده بالبلوغ. (والمذهب أنه لا يشترط) في صحة الاقرار بالرق (أن لا يسبق) منه (تصرف
يقتضي نفوذه) بمعجمة بخطه، (حرية كبيع ونكاح) وغيرهما، (بل) بعد التصرف بشئ من المذكورات (يقبل إقراره في
أصل الرق و) في (أحكامه المستقبلة) مطلقا فيما له وعليه. أما فيما له فقياسا على إقرار المرأة بالنكاح فإنه يصح على الجديد
وإن تضمن ثبوت حق لها. وأما فيما عليه فلانه أقر بحق عليه فيؤاخذ به كسائر الأقارير. وفي قول من الطريق الثاني: لا يقبل
فتبقى أحكام الحرية. (لا) الأحكام (الماضية المضرة بغيرها) فلا يقبل إقراره بالنسبة إليها (في الأظهر) كما لا يقبل إقراره على
الغير بدين ونحوه. والثاني: يقبل، لأنه لا يتجزأ ويصير كقيام البينة. وفرع المصنف على الأظهر قوله: (فلو لزمه) أي اللقيط
(دين فأقر برق) أو ادعى شخص رقه (وفي يده مال قضي) الدين (منه) ولا يجعل للمقر له إلا ما فضل
عن الدين، فإن بقي
من الدين شئ اتبع به بعد عتقه ولا يقضي منه على الثاني، بل المال للمقر له ويبقى الدين في ذمة المقر، أما الأحكام الماضية
المضرة به فيقبل إقراره بالنسبة إليها جزما.
تنبيه: لو نكح ثم أقر بالرق فإن كان أنثى لم ينفسخ النكاح بل يستمر ويصير كالمستوفي المقبوض، لأن انفساخه
يضر الزوج فيما مضى سواء أكان الزوج ممن يحل له نكاح الأمة أم لا كالحر إذا وجد الطول بعد نكاح الأمة،
لكن للزوج الخيار في فسخ النكاح إن شرطت الحرية فيه لفوات الشرط، فإن فسخ بعد الدخول بها لزمه للمقر له
لأقل من المسمى ومهر المثل لأن الزائد منهما يضر الزوج، وإن أجاز لزمه المسمى لأنه الذي لزمه بزعمه وإن كان
قد سلمه إليها أجزأه، فلو طلقها قبل الدخول سقط المسمى، لأن المقر له يزعم فساد النكاح وتسلم إلى الزوج تسليم
425

الحرائر، ويسافر بها زوجها بغير إذن سيدها وأولادها قبل إقرارها بالرق أحرار لظنه حريتها ولا يلزم قيمتهم لأن قولها
غير مقبول في إلزامه وبعده أرقاء لأنه وطئها عالما برقها. ويلغز بهذه المسألة فيقال لنا: حر تزوج حرة فأولدها حرا ثم رقيقا
في عقد واحد. وإذا طلقت تعتد بثلاثة أقراء، لأن عدة الطلاق حق الزوج، وله الرجعة فيها في الطلاق الرجعي. وتعتد
للوفاة كالأمة لعدم تضرر الزوج بنقصان العدة. وإن كان المقر بالرق ذكرا انفسخ نكاحه، إذ لا ضرر على الزوجة
ولزمه المسمى إن دخل بها، ونصفه إن لم يدخل بها، لأن سقوط ذلك يضرها، وحينئذ يؤديه مما في يده أو من كسبه
في الحال والاستقبال، وإن لم يوجد بقي في ذمته إلى أن يعتق. ولو جنى على غيره عمدا ثم أقر بالرق اقتص منه حرا
كان المجني عليه أو رقيقا، وإن جنى خطأ أو شبه عمد قضي الأرش مما بيده. فإن قيل: الأرش لا يتعلق بما في يد الجاني حرا
كان أو رقيقا. أجيب بأن الرق لما أوجب الحجر عليه اقتضى التعلق بما في يده كالحر إذا حجر عليه بالفلس، فإن لم يكن
معه شئ تعلق الأرش برقبته، وإن أقر بالرق بعدما قطعت يده مثلا عمدا اقتص من الرقيق دون الحر لأن قوله مقبول
فيما يضره، أو بعدما قطعت خطأ وجب الأقل من نصفي القيمة والدية لأن قبول قوله في الزائد يضر بالجاني. (ولو ادعى رقه
من ليس في يده بلا بينة لم يقبل) جزما، إذ الظاهر الحرية فلا تترك إلا بحجة، بخلاف النسب فإن في قبوله مصلحة للصبي وثبوت
حق له. (وكذا إن ادعاه الملتقط) بلا بينة وأسنده إلى الالتقاط لم يقبل أيضا (في الأظهر) لأن الأصل الحرية، فلا تزال
بمجرد الدعوى. والثاني: يقبل ويحكم له بالرق كما في يد غير الملتقط وسيأتي. وفرق الأول بأن اللقيط محكوم بحريته ظاهرا
بخلاف غيره. ولو ادعى على اللقيط الرق فأنكر كونه له ثم أقر له بالرق قبل، فإن أنكر كان للمدعي تحليفه، فإن كان
أنكر أصل الرق ثم أقر له لم يقبل ولم يحلف لأن التحليف لطلب الاقرار وإقراره غير مقبول. ولو قذف شخص لقيطا
كبيرا أو جنى عليه ولو صغيرا جناية توجب قصاصا وادعى أنه رقيق فأنكر فالقول قول اللقيط بيمينه، لأن الأصل الحرية،
فيجب الحد على القاذف في الأولى والقصاص على الجاني في الثانية. ومتى كان اللقيط قاذفا وادعى الرق حد حد الأحرار،
إذ لا يقبل إقراره فيما يضر بغيره في الماضي. (ولو رأينا صغيرا مميزا أو غيره في يد من يسترقه) بادعائه رقه (ولم يعرف
استنادها إلى الالتقاط) ولا غيره (حكم له بالرق) بدعواه على الصحيح في الروضة عملا باليد والتصرف بلا معارض،
ويحلف وجوبا على الأصح المنصوص، وقيل: ندبا، وقيل: لا يحكم بالرق كاللقيط، فعلى الأول لا يؤثر تكذيب المميز.
تنبيه: أفهم قوله: ولم يعرف إلخ أن الملتقط لو أقام بينة على أنه كان يده قبل التقاطه حكم له به، وهو ما في
الروضة كأصلها عن البغوي، ثم قالا: لكن روى ابن كج عن النص أنه لا يرق حتى يقيم البينة على سبب الملك اه‍. وهذا
أظهر. (فإن بلغ) اللقيط بعد الحكم برقه (وقال أنا حر) الأصل، (لم يقبل قوله في الأصح إلا ببينة) بالحرية، لأنا قد حكمنا برقه
في صغره فلا نزيله إلا بحجة، وله تحليف السيد كما نقلاه عن البغوي وأقراه. والثاني: يقبل قوله لأنه الآن من أهل القول
إلا أن يقيم المدعي بينة برقه، ولا فرق في جريان الخلاف بين أن يدعي في الصغر ملكه ويستخدمه ثم يبلغ وينكر وبين أن
يتجرد الاستخدام إلى البلوغ ثم يدعي ملكه وينكر المستخدم كما صرح به الرافعي في الدعاوي، ولو أقر بالرق لغير سيده
لم يقبل. والمجنون البالغ كالصبي فيما ذكر، وإفاقته كبلوغه.
فرع: لو رأينا صغيرة في يد رجل يدعي نكاحها وبلغت وأنكرت قبل قولها وعلى المدعي البينة، وهل يحكم
في صغرها بالنكاح؟ قال ابن الحداد: نعم كالرق، والأصح المنع. وفرق الأصحاب بأن اليد في الجملة دليل على
الملك، ويجوز أن يولد المملوك مملوكا والنكاح طارئ بكل حال فيحتاج إلى البينة. (ومن أقام) من ملتقط وغيره (بينة
426

برقه عمل بها) لظهور فائدتها. سواء أقامها من هو تحت يده أم غيره. (ويشترط أن تتعرض البينة لسبب الملك) كإرث
وشراء، لئلا تعتمد ظاهر اليد وتكون عن التقاط. (وفي قول يكفي مطلق الملك) كسائر الأموال وفرق الأول بأن أمر
الرق خطير فاحتيط فيه.
تنبيه: قضية إطلاق المصنف جريان الخلاف في الملتقط وغيره، وهي طريقة الجمهور كما قاله في الكفاية. ويكفي
في البينة رجل وامرأتان، إذ الغرض إثبات الملك، ومن التعرض إلى سبب الملك أن تشهد البينة بأن أمته ولدته وإن لم
تقل في ملكه لأن الغرض العلم بأن شهادتها لم تستند إلى ظاهر اليد، وقد حصل، ولان الغالب أن ولد أمته ملكه
، وقيل،
لا يقتل حتى تشهد أن أمته ولدته في ملكه، لأن من اشترى جارية وقد ولدت أولادا صدق عليه أن أمته ولدتهم وليسوا
ملكا له، فإذا قال انتفى هذا الاحتمال، وهذا ما صححه المصنف في تصحيحه على وفق ما يأتي في الدعاوي، والأصح ا
لأول كما في أصل الروضة، وجرى عليه ابن المقري. وفرق ابن الرفعة بين ما هنا وبين ما في الدعاوي بأن ما هنا في اللقيط،
أي أو نحوه، والمقصود فيه معرفة الرق من الحرية، والقصد في الدعاوي تعيين المالك لأن الرق متفق عليه، وذلك لا يحصل
بكون أمته ولدته. وفرق ابن العماد بأن اليد نص في الدلالة على الملك فاشترط في زوالها ذكر ذلك بخلاف الحكم بحرية
الولد فإنه ظاهر والرق محتمل، ولهذا اختلف في وجوب القود على قاتله لاحتمال الرق. وإذا اكتفى بالشهادة المذكورة
فتكفي شهادة أربع نسوة أنه ولدته أمته لأنها شهادة بالولادة، ويثبت الملك ضمنا شهدت به أيضا أم لا لثبوت النسب
في ضمن الشهادة بالولادة. (ولو استلحق اللقيط) المحكوم بإسلامه (حر) ذكر (مسلم لحقه) بالشروط السابقة في الاقرار،
لأنه أقر له بحق لا ضرر فيه على غيره، فأشبه ما لو أقر له بمال، وسواء فيه الملتقط وغيره الراشد والسفيه. ويسن للقاضي
أن يقول للملتقط: من أين هو ولدك من أمتك أو زوجتك أو شبهة؟ فإنه قد يتوهم أن الالتقاط يفيد النسب، بل ينبغي كما قال
الزركشي وجوبه إذا كان المستلحق ممن يجهل ذلك احتياطا للنسب.
تنبيه: قوله: مسلم لا مفهوم له، فإن الكلام في لقيط محكوم بإسلامه، وقد مر أنه يصح للكافر حينئذ استلحاقه لكن لا يتبعه في الكفر. قال ابن الرفعة: ولو كان للمستلحق امرأة فأنكرت أنه ابنها لم يلحقها. (و) إذا لحقه (صار أولى) أي
أحق (بتربيته) من غيره بمعنى أنه مستحق لها دون غيره، كقولهم: فلان أحق بماله، يعني أنه لا حق لغيره فيه. وقوله:
حر لا مفهوم له أيضا كما يشير إليه قوله: (وإن استلحقه) أي اللقيط (عبد لحقه) لأنه في النسب كالحر، لامكان حصوله منه
بنكاح أو وطئ شبهة. وإنما فصله المصنف عن الحر لأجل قوله: (وفي قول يشترط) في لحوقه به (تصديق سيده) فيه لما
فيه من قطع الإرث المتوهم على تقدير عتقه. وأجاب الأول بأنه لا عبرة بهذا لأن من استلحق ابنا وكان له أخ يقبل استلحاقه،
وإذا لحقه بتصديق أو بغيره لا يسلم إليه لعجزه عن نفقته، إذ لا مال له، وعن حضانته لأنه لا يتفرغ لها فيقر في يد الملتقط
وينفق عليه من بيت المال. ولو أقر عبد بأخ أو عم لم يلحقه كما صرحوا به في الاقرار، خلافا لما جرى عليه ابن المقري تبعا
لظاهر كلا أصله، لأنه يلحق النسب بغيره، وشرطه أن يصدر من وارث حائز. قال البلقيني: ولعله يتصور فيما إذا
كان حال موت الحر حرا ثم استرق لكفره وحرابته، فإذا أقر به لحق الميت اه‍. وهذا بعيد لا ينظر إليه إلا إن ثبت. ولو
استلحق حر عبد غيره. وهو بالغ عاقل فصدقه لحقه، ولا عبرة بما فيه من قطع الإرث المتوهم بالولاء. وإن استلحقه وهو صغير
أو مجنون لم يلحقه إلا ببينة كما مر في الاقرار. (وإن استلحقته امرأة) حرة (لم يلحقها في الأصح) إلا ببينة وإن كانت خلية
لامكانها إقامة البينة بالولادة من طريق المشاهدة بخلاف الرجل، وحكى ابن المنذر فيه الاجماع. والثاني: يلحقها، لأنها أحد الأبوين
فصارت كالرجل. والثالث: يلحق الخلية دون المزوجة لبعد الالحاق بها دونه، فإن أقامت بينة على دعواها لحقها، وكذا
427

زوجها إن شهدت البينة بوضعه على فراشه وأمكن العلوق منه وإلا فلا يلحقه. ولو تنازعت امرأتان لقيطا أو مجهولا
وأقامتا بينتين تعارضتا وعرض معهما على القائف، فلو ألحقه بإحداهما لحقها وألحق زوجها بالشرط المتقدم، فإن لم يكن
بينة لم يعرض على القائف لما مر أن استلحاق المرأة إنما يصح مع البينة. واستلحاق الأمة يصح بالبينة كالحرة، لكن
لا يحكم برق الولد لمولاها باستلحاقها لاحتمال انعقاده حرا بوطئ شبهة. ويصح استلحاق الخنثى على الأصح عند القاضي
أبي الفرج البزاز، ويثبت النسب بقوله، لأن النسب يحتاط له ولا يحتاج عليه، فإن اتضحت ذكورته بعد استمر الحكم
أو أنوثته فخلاف المرأة. (أو) استلحق اللقيط (اثنان) أهلان للالتقاط، بأن ادعى كل منهما نسبه منه، (لم يقدم) منهما (مسلم
وحر على ذمي) وأولى منه على كافر (وعبد) بل يستويان في ذلك، لأن كلا منهما لو انفرد كان أهلا لذلك، فلا بد من
مرجح مما سيأتي. (فإن لم يكن) لواحد منهما (بينة) أو كان لكل منهما بينة وتعارضتا كما سيأتي، (عرض) اللقيط مع المدعيين
(على القائف فيلحق من ألحقه به) لأن في إلحاقه أثرا في الانتساب عند الاشتباه كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى آخر الدعاوي
، فإن كان لأحدهما بينة قضى بها فإنها تقدم على إلحاق القائف. (فإن لم يكن قائف) بأن لم يوجد على دون مسافة القصر كما
ذكره الماوردي وحكاه الرافعي في العدد عن الروياني، (أو) كان ولكن (تحير أو نفاه عنهما أو ألحقه بهما) انتظر بلوغه،
و (أمر بالانتساب بعد بلوغه إلى من يميل طبعه) الجبلي (إليه منهما) فلا يكفي فيه مجرد التشهي، فمن انتسب إليه منهما
لحق به لما روي البيهقي بسند صحيح: أن رجلين ادعيا رجلا لا يدرى أيهما أبوه، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: اتبع
أيهما شئت ولان طبع الولد يميل إلى والده ويجد به ما لا يجده بغيره، فلا يكفي انتسابه وهو صبي ولو مميز بخلافه في
الحضانة فإنه يخير بين أبويه لأن اختياره فيها لا يلزم، بل له الرجوع عن الأول لأنه ليس من أهل الأقوال
الملتزمة بخلاف
ما هنا فلا يقل رجوعه عن انتسابه إلى أحدهما، وينفقان عليه مدة الانتظار والقرار على من لحقه النسب، لكن إنما يرجع
الآخر إذا أنفق بإذن الحاكم كما قيده الرافعي في الباب الثاني من العدد.
تنبيه: قول المصنف: أمر يقتضي جبره عليه، وبه صرح الصيمري، وزاد غيره: فإن امتنع
حبس. هذا فيمن امتنع عنادا، أما من لم يمل طبعه إلى واحد منهما فيوقف الامر، فإن انتسب
إلى غيرهما وصدقه ثبت نسبه منه، وإذا انتسب إلى أحدهما وألحقه القائف بالآخر قدم القائف لأنه حجة أو حكم، أو ألحقه القائف بأحدهما وأقام الآخر بينة قدمت لأنها
حجة في كل خصومة. ولو كانا ولدين فانتسب كل واحد منهما لواحد دام الاشكال، فإن رجع أحدهما إلى الآخر قبل
قوله بعد بلوغه. وقوله: أو ألحقه بهما من زيادته من غير تمييز. (ولو أقاما) على نسبه (بينتين متعارضتين سقطتا في الأظهر)
وعرض على القائف كما مر، إذ لا يمكن العمل بالبينتين لاستحالة كون الولد منهما، ولا يرجح بينة بيد لأن اليد إنما تدل على
الملك لا على النسب. والثاني: لا يسقطان، وترجح إحداهما بقول القائف. قال الرافعي: ولا يختلف المقصود على الوجهين،
وهما مفرعان على قول التساقط في التعارض في الأموال.
خاتمة: لو تداعيا مولودا فقال أحدهما هو ذكر وقال الآخر هو أنثى فبان ذكرا ففي الشامل يحتمل أن لا تسمع
دعوى من قال هو أنثى، لأنه قد عين غيره، ويحتمل أن تسمع لأنه قد يخطئ في الصفة اه‍. والأول أظهر. ولو استرضع ابنه
يهودية لها ابن ثم غاب ثم رجع فوجدها ميتة ولم يعرف ابنه من ابنها أفتى المصنف بأن أمرهما موقوف حتى يتبين الحال
ببينة أو قائف، أو يبلغا فينتسبا انتسابا مختلفا، وفي الحال يوضعان في يد مسلم، فإن لم توجد بينة ولا قافة وانتسبا
إلى واحد دام الوقف فيما يرجع للنسب، ويتلطف بهما ليسلما فإن أصرا على الامتناع لم يكرها عليه، وإذ ماتا دفنا بين مقابر
428

المسلمين والكفار وتجب الصلاة عليهما، وينوى الصلاة على المسلم منهما إن صلي عليهما معا أو على واحد واحد فينوي
الصلاة عليه إن كان مسلما كما علم ذلك من الصلاة على الميت.
كتاب الجعالة
بتثليث الجيم كما قاله ابن مالك وغيره، واقتصر المصنف في تحريره كالجوهري على الكسر وابن الرفعة في كفايته على
الفتح. (وهي) لغة اسم لما يجعل للانسان على فعل شئ. وكذا الجعل والجعيلة. وشرعا: التزام عوض معلوم على عمل معين
أو مجهول عسر علمه. (كقوله) أي مطلق التصرف: (من) خاط ثوبي هذا قميصا فله كذا، أو (رد آبقي) أو آبق زيد (فله
كذا) فعرفه المصنف بالمثال وذكرها تبعا للجمهور بعد باب اللقيط لأنها طلب التقاط الضالة، ومنهم من ذكرها عقب
الإجارة كصاحب التنبيه والغزالي وتبعهم في الروضة لأنها عقد على عمل. والأصل فيها قبل الاجماع خبر الذي
رقاه
الصحابي بالفاتحة على قطيع من الغنم كما في خبر الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وهو الرقي كما رواه الحاكم وقال صحيح
على شرط مسلم، والقطيع ثلاثون رأسا من الغنم ويستأنس لها بقوله تعالى: * (ولمن جاء به حمل بعير) * وكان معلوما عندهم
كالوسق، ولو استدل بالآية لما قدمته في غير هذا الباب أن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا وإن ورد في شرعنا ما يقرره.
قال الزركشي: ويستنبط من هذا الحديث جواز الجعالة على ما ينتفع به المريض من دواء أو رقية ولم يذكروه اه‍. وهو
ظاهر إن حصل فيه تعب وإلا فلا كما يعلم مما يأتي، ولان الحاجة تدعو إليها في رد ضالة وآبق وعمل لا يقدر عليه ولا يجد
من يتطوع برده ولا تصح الإجارة على رده للجهل بمكانه، فجازت كالقراض، واحتمل إبهام العامل فيها لأن القائل ربما
لا يهتدي إلى الراغب في العمل. وأركانها أربعة: صيغة وعاقد وعمل وجعل، وقد بدأ بالأول منها معبرا عنه بالشرط كما
مر له في غير هذا المحل فقال: (ويشترط) فيها لتحقق (صيغة) من الجاعل من الصيغ السابقة ونحوها، (تدل على) إذن في
(العمل) بطلب، كقوله: رد عبدي أو عبد فلان ولك كذا أو بشرط كقوله: إن رددت عبدي فلك كذا. والصيغة المذكورة
في المتن لا دلالة فيها على الاذن في الرد إلا من جهة العرف لا الوضع. (بعوض) معلوم مقصود (ملتزم) بما مر من الصيغ
ونحوها، لأنها معاوضة فافتقرت إلى صيغة تدل على المطلوب وقدر المبذول. وإشارة الأخرس المفهمة تقوم مقام الصيغة.
(فلو) رده من علم بإذنه قبل رده استحق الجعل الملتزم سواء أعلمه بواسطة أم بدونها. نعم إن قال: إن رد عبدي من سمع ندائي
فله كذا فرده من علم نداءه ولم يسمعه لم يستحق شيئا وإن عمل طامعا كما قاله الماوردي. وإن (عمل بلا إذن)
كأن عمل قبل النداء فلا شئ له، لأنه عمل متبرعا وإن كان معروفا برد الضوال، ودخل العبد مثلا في ضمانه كما جزم به الماوردي.
(أو أذن لشخص فعمل غيره فلا شئ له) أي لواحد ممن ذكر. أما العامل بغير إذن فلما مر، وأما المعين فلم يعمل. نعم
إن كان الغير رقيق المأذون له ورد بعد علم سيده بالالتزام استحق المأذون له الجعل لأن يد رقيقه كيده. ولو قال: من رد
آبقي فله كذا فرده من لم يبلغه نداؤه، أو قال: إن رده زيد فله كذا فرده زيد غير عالم بإذنه أو أذن له في الرد ولم يشرط
عوضا أو شرط عوضا غير مقصود كالذم فلا شئ للراد.
تنبيه: أطلق المصنف أنه إذا لم يذكر عوضا عدم الاستحقاق من غير تفصيل، وأجرى جماعة فيه خلاف
الغسال ونحوه، وقد استحسن المصنف التفصيل السابق في الإجارة. ويشترط في الصيغة عدم التأقيت كالقراض، فلو
قال: من رد آبقي اليوم فله كذا لم يصح لأنه ربما لا يظفر به في ذلك اليوم. ويؤخذ من التشبيه بالقراض أنه لا
يصح
تعليقا، وهو ظاهر وإن لم أر من تعرض له. (و) لا يشترط في الجاعل كونه مالكا، وحينئذ (لو قال أجنبي) ليس
429

من عادته الاستهزاء والخلاعة كما بحثه الزركشي: (من رد عبد زيد فله كذا، استحقه الراد على الأجنبي) لأنه التزمه.
وليس الجعل عوض تمليك، وبهذا خالف الثمن في البيع حيث لا يجوز إلا ممن يقع المالك له. فإن قيل، إنه لم يلتزمه بقوله
علي، ويحتمل أنه يريد فله كذا على مالكه فيكون فضوليا محضا فلا يصح ولا يلزم واحدا منهما. أجيب بأنهم جعلوه
التزام عند الاطلاق لأنه سابق إلى الفهم. وصور ابن يونس المسألة بما إذا قال: فله علي، ثم قال: وألحق الأئمة به قوله:
فله كذا وإن لم يقل علي لأن ظاهره التزام. فإن قيل: لا يجوز لاحد بهذا القول وضع يده على الآبق بل يضمن،
فكيف يستحق الأجرة؟ أجيب بأنه لا حاجة إلى الاذن في ذلك لأن المالك راض به قطعا، أو بأن صورة ذلك أن يأذن
المالك لمن شاء في الرد، أو يكون للأجنبي ولاية على المالك، ولو صدق الراد المنادي على أمر السيد لم يرجع على
المنادي، قاله الماوردي.
تنبيه: قد يفهم تعبير المصنف كغيره بالأجنبي أنه لو قال الولي ذلك عن محجوره على وجه المصلحة بحيث يكون
الجعل قدر أجرة مثل ذلك العمل أن الراد يستحقه في مال المالك بمقتضى قول وليه، قال بعض المتأخرين: وهو
واضح، ولم أر من تعرض له اه‍. فإن ثبت هذا لم يصح الجواب الأخير عن السؤال الثاني. (وإن قال) الأجنبي:
(قال زيد، من عبدي فله كذا، وكان) الأجنبي (كاذبا لم يستحق) العامل (عليه) أي الأجنبي لعدم التزامه،
(ولا على زيد) إن كذب القائل، وإن صدقه استحق العامل على زيد إن كان القائل ثقة، وإلا فهو كما لو رد عبد
زيد غير عالم بإذنه والتزامه فلا شئ له على زيد وإن صدقة كما في أصل الروضة، فإن أنكر المالك الخبر لم تقبل شهادة
القائل الثقة عليه لأنه متهم في ترويج قوله. (ولا يشترط قبول العامل) لفظا (وإن عينه) الجاعل، أما في غير المعين فلاستحالة طلب جوابه، وأما في المعين
فلما فيه من التضييق في محل الحاجة، وعليه قال القمولي: لو قال لغيره: إن
رددت عبدي فلك دينار، فقال: أرده بنصف دينار، فالوجه القطع باستحقاق الدينار. فإن قيل: قياس ما في الروضة
وأصلها في باب الخلع أنه لو قالت له زوجته: طلقني بألف فطلق بخمسمائة فإنه يقع بها أنه يستحق هنا نصف الدينار.
أجيب بأن الخلع لما كان فيه شوب معاوضة من جهة الزوج وقد رضي ببعض ما شرط له اعتبر. وأما الركن الثاني،
هو العاقد، فيشترط في الملتزم للجعل مالكا كان أو غيره أن يكون مطلق التصرف، فلا يصح من صبي ومجنون
ومحجور سفه. وأما العامل فإن كان معينا اشترط فيه أهلية العمل فيدخل فيه العبد وغير المكلف بإذن وغيره كما قاله
السبكي خلافا لابن الرفعة في العبد إذا لم يأذن له سيده. ويخرج عنه العاجز عن العمل كصغير لا يقدر عليه، لأن منفعته
معدومة فأشبه استئجار الأعمى للحفظ، قاله ابن العماد. وإن كان مبهما كفى علمه بالنداء. قال الماوردي هنا: لو
قال: من جاء بآبقي فله دينار، فمن جاء به استحق من رجل أو امرأة أو صبي أو عبد عاقل أو مجنون إذا سمع النداء
أو علم به، لدخولهم في عموم قوله: من جاء. وهذا هو المعتمد خلافا لما قاله في السير من عدم استحقاق الصبي والعبد
إذا قام به بغير إذن سيده. ثم شرع في الركن الثالث وهو العمل، فقال: (وتصح) الجعالة (على عمل مجهول) كرد
آبق للحاجة، ولان الجهالة إذا احتملت في القرض لحصول زيادة فاحتمالها في رد الحاصل أولى. فإن قيل: إن هذا قد
علم من تمثيله أول الباب برد الآبق. أجيب بأن ذكره هنا لضرورة التقسيم وأطلق تبعا للرافعي صحتها على المجهول،
وهو مخصوص كما قال ابن الرفعة تبعا للقاضي حسين بما عسر علمه كما مر، فإن سهل تعين ضبطه إذ لا حاجة إلى
احتمال الجهالة، ففي بناء حائط يبين طوله وعرضه وارتفاعه وموضعه وما يبنى عليه، وفي الخياطة يعتبر وصف الثوب والخياطة.
(وكذا) كل عمل (معلوم) يقابل بأجرة كالخياطة والبناء تصح الجعالة عليه، (في الأصح) لأنه إذا جاز مع الجهالة
فمع العلم أولى. والثاني: المنع استغناء بالإجارة. وسواء في العمل الواجب وغيره، فلو حبس ظلما فبذل مالا لمن يتكلم
430

في خلاصه بجاهه أو بغيره جاز كما نقله المصنف في فتاويه عن جماعة، وإن كان هذا العمل فرض كفاية.
تنبيه: يشترط في العمل كونه فيه كلفة، وعلى هذا لو سمع النداء من المطلوب في يده فرده وفي الرد كلفة
كالآبق استحق الجعل وإلا فلا يستحق شيئا، لأن ما لا كلفة فيه لا يقابل بعوض. وشمل كلامهم ما لو كان المال في يده بجهة
توجب الرد، كالغصب والعارية، وقضيته الاستحقاق بالرد إن كان فيه كلفة، ولكن تعليلهم عدم استحقاق من دل
على ما في يده أنه لا يستحق شيئا لأن ذلك واجب عليه شرعا يقتضي خلافه، وهذا هو الظاهر كما قاله بعض شراح
الكتاب. ولو جعل لمن أخبره بكذا جعلا فأخبره به لم يستحق شيئا، لأنه لا يحتاج فيه إلى عمل، فإن تعب وصدق
في أخباره وكان للمستخبر غرض في المخبر به كما صرح به الرافعي في آخر الباب استحق الجعل. ثم شرع في الركن
الرابع، وهو الجعل، فقال: (ويشترط) لصحة الجعالة (كون الجعل) مالا (معلوما) لأنه عوض كالأجرة، ولأنه
عقد جوز للحاجة، ولا حاجة لجهالة العوض بخلاف العمل والعامل. (فلو) كان مجهولا، كأن (قال: من رده) أي
عبدي مثلا (فله ثوب أو أرضيه) أو نحوه، أو كان الجعل خمرا أو مغصوبا، (فسد العقد) لجهل الجعل أو نجاسة عينه
أو عدم القدرة على تسليمه، (وللراد أجرة مثله) كالإجارة الفاسدة. واستثني من هنا صورتان: الأولى ما إذا قال:
حج عني وأعطيك نفقتك فإنه يجوز مع جهالتها كما جزم به الرافعي في الشرح الصغير والمصنف في الروضة، وقيل، إن
هذه أرزاق لا جعالة، وإنما يكون جعالة إذا جعله عوضا، فقال: حج عني بنفقتك، وقد صرح الماوردي في هذه
الصورة بأنها جعالة فاسدة، ونص عليه في الام. الثانية: مسألة العلج، وستأتي في السير إن شاء الله تعالى.
تنبيه: لو وصف الجعل بما يفيد العلم استحقه العامل كما جزم به في الأنوار ونقله في أصل الروضة عن المتولي.
فإن قيل: قد تقرر في البيع والإجارة وغيرهما أن الشئ المعين لا يغني وصفه عن رؤيته، وحينئذ فله أجرة المثل هنا. أجيب
بأن تلك العقود عقود لازمة بخلاف الجعالة، فاحتيط لها ما لم يحتط للجعالة. ولو قال: من رد رقيقي مثلا فله ثيابه أو ربعه
استحق المشروط إن علمه وإلا فأجرة المثل. وهل يكفي الوصف في الرقيق أو لا لتفاوت الأغراض؟ فيه خلاف، والذي
ينبغي أنه إن وصفه مما يفيد العلم الصحة.
فائدة: الاعتبار بأجرة المثل بالزمان الذي حصل فيه كل العمل لا بالزمان الذي حصل فيه التسليم كما قالوه في المسابقة.
(ولو قال) شخص بناء على صحة الجعالة على عمل معلوم: من رد عبدي مثلا (من بلد كذا) فله كذا، (فرده) العامل (من)
مكان (أقرب منه فله قسطه) أي الأقرب، (من الجعل) لأنه جعل كل الجعل في مقابلة العمل فبعضه في مقابلة البعض، فإن
رده من نصف الطريق مثلا استحق نصف الجعل، ويجب فرضه كما قال ابن الرفعة فيما إذا تساوت الطريق سهولة وحزونة،
فإن تفاوتت بأن كانت أجرة نصف المسافة ضعف أجرة النصف الآخر فيقابله ثلثا الجعل.
تنبيه: شمل قوله: أقرب تلك البلدة وغيرها، وهو كذلك، وإن نظر في ذلك السبكي. فلو قال مكي: من
رد عبدي من عرفة فله كذا فرده من منى أو من التنعيم استحق بالقسط، لأن التنصيص على المكان إنما يراد به الارشاد
إلى موضع الآبق أو مظنته، لا أن الرد منه شرط في أصل الاستحقاق، إذ لو أريد حقيقة ذلك المكان لكان إذا رده من
دونه لا يستحق شيئا لأنه لم يرده منه. وخرج بأقرب ما لو رده من أبعد فلا يستحق للزيادة شيئا. (ولو عمم المالك
النداء، كأن قال: من رد عبدي فله كذا و (اشترك) حينئذ (اثنان) مثلا غير معينين (في رده اشتركا في الجعل) لحصول
الرد منهما، والاشتراك فيه على عدد الرؤوس وإن تفاوتا في العمل لأنه لا ينضبط، أي غالبا، حتى يقع التوزيع عليه. وخالف
هذا ما لو قال: من دخل داري فأعطه درهما فدخل جمع استحق كل واحد درهما، لأن كل واحد دخل، وليس
كل واحد يراد،
وما لو قال: من حج عني فله دينار فحج عنه اثنان معا لم يستحق واحد منهما شيئا لأن أحدهما ليس أولى من الآخر كالوليين
431

في عقد النكاح كما ذكروه في كتاب الحج، فإن سبق أحدهما استحق. ولو قال: من رد العبدين من كذا فله دينار
فردهما سامع من نصف المسافة، أو رد أحدهما من جميعها، استحق النصف عملا بالتوزيع على العمل، أو قال لاثنين:
إن رددتما العبدين فلكما كذا فردهما واحد منهما فله النصف، أو رد أحدهما واحدا من العبدين فله الربع لذلك
فيهما. قال السبكي: ولو قال: أي رجل رد عبدي فله درهم فرده اثنان اقتسما الدرهم بينهما على الأقرب عندي. ولو كان
عبد بين اثنين لأحدهما ثلثه فقالا لرجل: إن رددت عبدنا فلك دينار فرده فالدينار بينهما أثلاثا على قدر الملك في أصح
الوجهين كما قاله القاضي. (ولو التزم جعلا لمعين) كإن رددت عبدي فلك دينار (فشاركه غيره في العمل إن قصد)
الغير (إعانته) بعوض أو بغيره، (فله) أي المعني (كل الجعل) لأن رد غير المعين بقصد الإعانة له واقع
عنه ومقصود المالك رد الآبق بأي وجه أمكن، فلا يحمل لفظه على قصر العمل على المخاطب. (وإن قصد) المشارك
(العمل) لنفسه أو (للمالك) أو مطلقا كما بحثه شيخنا، (فللأول) أي المعين (قسطه) وهو النصف، إذ القسمة على عدد
الرؤوس كما مر وإن أفهمت عبارته أنها على قدر العمل. ولو قصد العمل لنفسه والعامل أو للعامل والملتزم أو للجميع
فللمعين في غير الأخيرة ثلاثة أرباع الجعل وفيها ثلثاه. ولو شاركه اثنان في الرد فإن قصدا إعانته فله تمام الجعل أو العمل
للمالك فله ثلثه أو واحد إعانته والآخر العمل للمالك فله ثلثاه. (ولا شئ للمشارك بحال) في أي حال مما قصده، لأن
المالك لم يلتزم له شيئا، نعم إن التزم له العامل بشئ لزمه. ولو قال لزيد: رد عبدي مثلا ولك دينار فأعانه آخر فالكل
لزيد، فقد يحتاج للمعاونة، وغرض الملتزم العمل بأي وجه أمكن فلا يحمل على قصر العمل على المخاطب. ويجوز للعامل
أن يستعين بغيره إذا لم يكن معينا وإن لم يعجز، لأن الجعالة خفف فيها، وإن كان معينا فهو كالوكيل فيجوز
أن يستعين به فيما يعجز عنه أو لا يليق به كما يوكل فيه، وتوكيل غير المعين بعد سماعه النداء غيره كالتوكيل في الاحتطاب
ونحوه فيجوز.
فائدة: استنبط السبكي رحمه الله تعالى من استحقاق المجعول له تمام الجعل إذا قصد المشارك إعانته، ومن
استحقاق العامل في المساقاة نصيبه إذا تبرع عنه المالك أو أجنبي في العمل جواز الاستنابة في الإمامة. وكل وظيفة تقبل
الاستنابة كالتدريس بشرط أن يستنيب مثله أو خيرا منه ويستحق كل المعلوم، قال: وإن أفتى ابن عبد السلام والنووي
بعدم استحقاق واحد منهما، قالا: أما المستنيب فلعدم مباشرته، وأما النائب فلعدم ولايته إلا أن يأذن له الناظر في
المباشرة. قال الزركشي: ومدركهما في ذلك أن الريع ليس من باب الإجارة ولا الجعالة، لأن شرطهما أن يقع العمل
فيهما للمستأجر والجاعل والعمل هنا لا يمكن وقوعه للجاعل فلم يبق إلا الإباحة بشرط الحضور ولم يوجد فلا يصح إلحاقه
بهذه المسألة. وقال الأذرعي: وما ذكره رحمه الله تعالى فتح باب لأرباب الجهات والجهالات في تولي المناصب الدينية
واستنابة من لا يصلح أو يصلح بنزر يسير من المعلوم ويأخذ ذلك المستنيب مال الوقف على ممر الاعصار اه‍. وقال الغزي
بعد تمثيل السبكي بالإمامة: وهذا بخلاف الفقهاء. قال ابن شهبة: وهو واضح، لأنه لا يمكن أن يستنيب من يتفقه
عنه اه‍. واعلم أن الجعالة إذا وردت على بذل المنافع في تحصيل الشئ فلها صورتان: إحداهما
أن يكون الجعل على شئ واحد كقوله: من بنى لي حائطا أو خاط لي ثوبا فله كذا فخاط بعض الثوب، أو بنى بعض الحائط، وسيأتي الكلام
على ذلك. الثانية: أن يكون على تحصيل شيئين ينفك أحدهما عن الآخر كقوله: من رد العبدين فله كذا فرد أحدهما
استحق نصف الجعل. قال الزركشي: وعلى هذا يتخرج غيبة الطالب عن الدرس بعض الأيام، إذا قال الواقف: من
حضر شهر كذا فله كذا فإن الأيام كمسألة العبيد فإنها أشياء متفاصلة فيستحق قسط ما حضر، قال: فتفطن لذلك فإنه
مما يغلط فيه. قال الدميري: ولذلك كان الشيخ تقي الدين القشيري إذا بطل يوما غير معهود البطالة في درسه لا يأخذ
لذلك اليوم معلوما. قال: وسألت شيخنا عن ذلك مرتين، فقال: إن كان الطالب في حال انقطاعه مشتغلا بالعلم
432

استحق وإلا فلا، قال - يعني شيخه - ولو حضر ولم يكن بصدد الاشتغال لم يستحق لأن المقصود نفعه بالعلم لا مجرد
حضوره، وكان يذهب إلى أن ذلك من باب الأرصاد اه‍. قال الزركشي: ولو تولى وظيفة وأكره على عدم مباشرتها
أفتى الشيخ تاج الدين الفزاري باستحقاقه المعلوم، والظاهر خلافه لأنها جعالة وهو لم يباشر اه‍. والظاهر ما أفتى به الشيخ
تاج الدين. والذي ينبغي أن يقال في ذلك أن هذه الوظائف إن كانت من بيت المال وكان من هي بيده مستحقا فهو
يستحق معلومها سواء أحضر أم لا استناب أم لا. وأما النائب فإن جعل له معلوما في نيابته استحق وإلا فلا، فإن لم
تكن من بيت المال أو كانت ولم يكن مستحقا فيه، فما قاله المصنف هو الظاهر. (ولكل منهما) أي المالك والعامل
(الفسخ قبل تمام العمل) لأنه عقد جائز من الطرفين. أما من جهة الملتزم فلأنها تعليق استحقاق بشرط فأشبهت
الوصية. وأما من جهة العامل فلان العمل فيها مجهول فأشبهت القراض.
تنبيه: إنما يتصور الفسخ ابتداء من العامل المعين، وأما غيره فلا يتصور الفسخ منه إلا بعد الشروع في العمل،
وتقدم أنه لا يشترط قبول العامل فيؤول الفسخ في حقه بالرد. وخرج بقوله: قبل تمام العمل ما بعده فإنه لا أثر للفسخ
حينئذ للزوم الجعل. (فإن فسخ) بضم أوله بخطه، أي فسخ المالك أو العامل المعير، (قبل الشروع) في
العمل (أو
فسخ العامل بعد الشروع) فيه، (فلا شئ له) في الصورتين. أما الأولى فلانه لم يعمل شيئا، وأما في الثانية فلانه
لم يحصل غرض المالك، سواءا وقع العمل مسلما أم لا كما جزم به ابن الرفعة. نعم لو زاد المالك في العمل ولم يرض
العامل بالزيادة ففسخ لذلك فله أجرة المثل كما ذكره في أصل الروضة في آخر المسابقة، لأن المالك هو الذي ألجأه لذلك.
وقول الأسنوي: وقياسه إذا نقص من الجعل، ممنوع وإن كان الحكم صحيحا، لأن النقص فسخ كما سيأتي، فهو فسخ من
المالك لا من العامل. ولو فسخ العامل والملتزم معا لم أر من ذكره وينبغي عدم الاستحقاق لاجتماع المقتضي والمانع. وإن
عمل العامل شيئا بعد الفسخ، قال في أصل الروضة: لم يستحق شيئا إن علم بالفسخ، فإن لم يعلم بنى على الخلاف في نفوذ
عزل الوكيل في غيبته قبل علمه اه‍. وقضية البناء عدم الاستحقاق، وهو المعتمد كما جزم به ابن المقري وإن قال الماوردي
والروياني إن له المسمى إذا كان جاهلا وهو معين أو لم يعين المالك بالفسخ. قال ابن شهبة: ولعل ما قاله الماوردي
والروياني مبني على أن الوكيل لا ينعزل إلا بالعلم، وينفسخ أيضا بموت أحد المتعاقدين وبجنونه وإغمائه. وإن مات
المالك بعد الشروع في العمل فرده إلى وارثه وجب قسط ما عمله في الحياة من المسمى. قال الماوردي: ولو مات العامل
فرده وارثه استحق القسط أيضا اه‍. وهذا إذا كان العامل معينا، أما غير المعين فيظهر أنه يستحق الجميع بعمله وعمل
مورثه، كما لو رده اثنان، وهذا ظاهر ولم أر من ذكره. (وإن فسخ المالك بعد الشروع) في العمل (فعليه أجرة
المثل) لما عمله العامل (في الأصح) لأن جواز العقد يقتضي التسليط على رفعه، وإذ ارتفع لم يجب المسمى كسائر
الفسوخ، لكن عمل العامل وقع محترما فلا يفوت عليه فرجع إلى بدله وهو أجرة المثل كالإجارة إذا فسخت بعيب. وربما
عبر معظم الأصحاب عن ذلك بأنه ليس له الفسخ حتى يضمن، أي يلتزم للعامل أجرة مثل ما عمل، وجرى عليه صاحب
التنبيه. والثاني: لا شئ عليه، كما لو فسخ العامل بنفسه. والفرق ظاهر، وعلى الأول لا فرق بين أن يكون ما صدر من العامل
لا يحصل به مقصود أصلا كرد العبد إلى بعض الطريق أو يحصل به بعضه كما لو قال: إن علمت ابني القرآن فلك كذا
فعلمه بعضه ثم منعه من تعليمه كما جزم به في أصل الروضة، ووقع للأذرعي في شرحه هنا خلاف ذلك فليحذر. فإن
قيل: قياس ما لو مات المالك في أثناء المدة حيث تنفسخ ويستحق القسط من المسمى أن يكون هنا كذلك، وأي
فرق بين الفسخ والانفساخ؟ أجيب بأن العامل ثم تمم العمل بعد الانفساخ ولم يمنعه المالك منه بخلافه هنا. (
وللمالك
أن يزيد وينقص) أي يتصرف (في الجعل) أي الذي شرطه للعامل بزيادة أو نقص أو يعتبر جنسه، (قبل الفراغ)
من عمل العامل، سواء أكان قبل الشروع أم بعده، كما يجوز في البيع في زمن الخيار بل أولى، كأن يقول: من رد
433

عبدي فله عشرة ثم يقول: فله خمسة أو عكسه، أو يقول: من رده فله دينار ثم يقول: فله درهم. وإن سمع العامل ذلك
قبل الشروع في العمل اعتبر النداء الأخير وللعامل ما ذكر فيه وإن لم يسمعه العامل، أو كان بعد الشروع فهو ما ذكره
بقوله: (وفائدته بعد الشروع) في العمل أو قبله ولم يسمعه العامل، (وجوب أجرة المثل) لأن النداء الأخير فسخ للأول، والفسخ
من المالك في أثناء العمل يقتضي الرجوع إلى أجرة المثل، فلو عمل من سمع النداء الأول خاصة، ومن سمع الثاني استحق
الأول نصف أجرة المثل والثاني نصف المسمى الثاني. والمراد بالسماع العلم وأجرة المثل فيما ذكر لجميع العمل لا للماضي
خاصة، ولا ينافيه ما مر من أنه لو عمل شيئا بعد الفسخ لا شئ له لأن ذلك فيما فسخ بلا بدل بخلاف هذا. (ولو) تلف
المرود قبل وصوله، كأن (مات الآبق) بغير قتل المالك له (في بعض الطريق) ولو بقرب دار سيده، (أو) غصب أو تركه
العامل أو (هرب) ولو في دار المالك قبل تسليمه له، (فلا شئ للعامل) وإن حضر الآبق لأنه لم يرده، بخلاف ما لو اكترى
من يحج عنه فأتى ببعض الأعمال ومات حيث يستحق من الأجرة بقدر ما عمل. وفرقوا بينهما بأن المقصود من الحج الثواب،
وقد حصل ببعض العمل، وهنا لم يحصل شئ من المقصود، وبأن الإجارة لازمة تجب الأجرة فيها بالعقد شيئا فشيئا،
والجعالة جائزة لا يثبت فيها شئ إلا بالشرط ولم يوجد. ولو خاط نصف الثوب فاحترق أو تركه أو بنى بعض الحائط
فانهدم أو تركه أو لم يتعلم الصبي لبلادته فلا شئ له كما لو طلب الآبق فلم يجده. هذا إذا لم يقع العمل مسلما، وإلا فله
أجرة ما عمل بقسطه من المسمى، كما لو مات الصبي في أثناء التعليم لوقوعه مسلما بالتعليم مع ظهور أثر العمل على المحل،
ومحله إذا كان حرا كما قيده به في الكفاية، فإن كان رقيقا لم يستحق إلا إذا سلمه السيد أو حصل التعليم بحضرته أو في
ملكه. ولا يشكل هذا بما تقدم في الفسخ من أنه لا يستحق مطلقا، لأن التقصير بالفسخ جاء من جهته مع تمكنه من تمام
العمل بخلاف ما هنا. ولو منع الصبي أبوه من تمام التعلم أو المالك من تمام العمل وجب له أجرة المثل لما عمله، لأن المنع
فسخ أو كالفسخ. أما إذا قتله المال فيستحق العامل القسط كما لو فسخ المالك. ولو أعتق المالك رقيقه قبل رده، قال
ابن الرفعة: يظهر أن يقال لا أجرة للعامل إذا رده بعد العتق وإن لم يعلم لحصول الرجوع ضمنا، أي فلا أجرة لعمله بعد
العتق، تنزيلا لاعتاقه منزلة فسخه. (وإذا رده) أي الآبق العامل على سيده، (فليس له حبسه لقبض الجعل) لأن الاستحقاق
بالتسليم ولا حبس قبل الاستحقاق، وكذا لا يحبسه لاستيفاء ما أنفقه عليه بإذن المالك. (ويصدق المالك) بيمينه (إذا أنكر
شرط الجعل) للعامل بأن اختلفا فيه فقال العامل (شرطت لي جعلا) وأنكر المالك، (أو) أنكر (سعيه) أي العامل (في رده)
أي الآبق بأن قال: لم ترده وإنما رجع بنفسه، لأن الأصل عدم الشرط والرد. ولو اختلف المالك والعامل في بلوغه النداء،
فالقول قول الراد بيمينه كما لو اختلفا في سماع ندائه. (فإن اختلفا) أي الملتزم والعامل (في قدر الجعل) بعد فراغ العمل أو
بعد الشروع وقلنا للعامل قسط عمله، (تحالفا) وفسخ العقد ووجب للعامل أجرة المثل كما لو اختلفا في الإجارة، أما قبل
الشروع فلا استحقاق له فلا تخالف، ومثله الاختلاف في قدر العمل كقوله: شرطت له مائة على رد عبدين فقال: بل على عبد.
خاتمة: يد العامل على ما يقع في يده إلى أن يرده يد أمانة، فإن خلاه بتفريط ضمن لتقصيره، وإن أنفق عليه مدة
الرجوع فمتبرع إلا أن يأذن له الحاكم أو يشهد عند فقده ليرجع. ومن وجد مريضا عاجزا عن السير بنحو بادية لزمه
المقام معه إلا إن خاف على نفسه أو نحوها، وإذا أقام معه فلا أجر له. ولو مات المريض لزمه إن كان أمينا حمل ماله إلى
ورثته وإلا فلا يلزمه وإن جاز له، وإلا يضمنه في الحالين لو تركه. وحكم المغشي عليه حكم المريض كما أفاده كلام الروضة
لا حكم الميت كما قاله ابن المقري. ولو سرق الآبق قطع كغيره ويحفظه الحاكم إذا وجده انتظارا لسيده، فإن أبطأ سيده
باعه الحاكم وحفظ ثمنه، فإذا جاء سيده فليس له غير الثمن، والله سبحانه وتعالى أعلم.
434

قال المؤلف رضي الله عنه: قد تم شرح النصف الأول من كتاب المنهاج بحمد الله وعونه على يد مؤلفه فقير رحمة ربه
محمد الخطيب الشربيني غفر الله تعالى له ذنوبه، وستر في الدارين عيوبه، وغفر له ولوالديه ولأقاربه ولمشايخه
وأصحابه وجميع المسلمين آمين.
تم الجزء الثاني
من
مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج
ويليه الجزء الثالث، وأوله: كتاب الفرائض
435