الكتاب: فتح العزيز
المؤلف: عبد الكريم الرافعي
الجزء: ١١
الوفاة: ٦٢٣
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

فتح العزيز
شرح الوجيز
وهو الشرح الكبير للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 ه‍
..
الجزء الحادي عشر
دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم
1

(كتاب الوكالة. وفيه ثلاثة أبواب)
الحاجة داعيه إلى تجويز الوكالة ظاهره وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) (أنه وكل السعادة لاخذ الصدقات)
وروى أنه صلى الله عليه وسلم (2) (وكل عروة البارقي ليشتري له شاة للأضحية) (3) (وعمرو بن أمية الضمري لقبول
2

نكاح أم حبيبة بنت أبي سفيان) (1) (وأبا رافع لقبول نكاح ميمونة) وعن جابر رضي الله عنه قال (أردت
الخروج إلى خيبر فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إذا لقيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فأن
ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته) (2) وقد أدرج صاحب الكتاب رحمه الله تعالى مسائل الوكالة
في ثلاثة أبواب (أحدها) في أركانها وبين فيه ما يعتبر في كل واحد منها لصحة العقد فيعرف بذلك
3

صحيح الوكالة وفاسدها (والثاني) في أحكام الوكالة الصحيحة فهي فائدة العقد وثمرته (وثالثها) في الاختلاف
لأنهما قد يختلفان في أصل العقد وفى كيفيته وتعرض لسببه أحكام يحتاج إلى الوقوف عليها (أما) الأركان
فلا يخفي أن التوكيل تفويض ولا شك أن التفويض يكون في شئ يصدر من شخص إلى
شخص ويتحصل بشئ وهذه الأربعة التي ذكرناها لكن جعلها أركانا للوكالة كجعل البائع
والمشترى والمبيع أركانا للبيع وفيه كلام قدمناه في البيع.
قال (الباب الأول في أركانها وهي أربعة {الأول} ما فيه التوكيل وشروطه ثلاثة
(الأول) أن يكون مملوكا للموكل. فلو وكل بطلاق زوجة سينكحها. أو بيع عبد سيملكه
فهو باطل).
الركن الأول ما فيه التوكل وله شروط (أحدها) أن يكون ما يوكل فيه مملوكا فلو وكل غيره
في طلاق امرأة سينكحها أو بيع عبد سيملكه أو اعتاق كل رقيق يملكه فوجهان (أحدهما) أن هذا
التوكيل باطل لأنه لا يتمكن من مباشرة ذلك بنفسه فلا ينتظم منه إنابة غيره فيه (والثاني)
صحيح ويمكن بحصول الملك عند التصرف فإنه المقصود من التوكيل ويجرى الوجهان فيما إذا وكله
بقضاء كل دين سيلزمه وتزويج ابنته إذا انقضت عدتها أو طلقها زوجها وما أشبه ذلك وبالوجه الثاني
4

أجاب القفال في الفتاوى وهو الذي أورده في التهذيب (والأول) أصح عند أصحابنا العراقيين والامام
ولم ينقل صاحب الكتاب غيره ويجوز أن يقال الخلاف عائد إلى الاعتبار بحال التوكيل أو بحال
إنشاء التصرف وله نظائر.
قال (الثاني أن يكون قابلا للنيابة كأنواع البيع. وكالحوالة. والضمان. والكفالة.
والشركة. والوكالة. والمضاربة. والجعالة. والمساقاة. والنكاح. والطلاق. والخلع. والصلح.
وسائر العقود. والفسوخ. ولا يجوز التوكيل في العبادات الا في الحج وأداء الزكوات. ولا
يجوز في المعاصي كالسرقة والغصب والقتل بل أحكامها تلزم متعاطيها. ويلتحق بفن العبادات
الايمان والشهادات فإنها تتعلق بألفاظ وخصائص. واللعان والايلاء من الايمان. وكذا الظهار على
رأى. ويجوز التوكيل بقبض الحقوق. وفى التوكيل بأثبات اليد المباحث كالاصطياد
5

والاستقاء خلاف. وفى التوكيل بالاقرار خلاف لتردده بين الشهادة والالتزامات. ثم إن لم
يصح ففي جعله مقرا بنفس التوكيل خلاف. وكذلك يجوز التوكيل بالخصومة برضا الخصم وغير
رضاه (ح). وباستيفاء العقوبات في حضور المستحق. وفى غيبته طريقان. أحدهما المنع.
والآخر قولان. وقيل بالجواز أيضا).
يشترط في الموكل فيه أن يكون قابلا للنيابة فان التوكيل تفويض وانابه والذي يفرض
فيه التوكيل أنواع (منها) العبادات والأصل فيها امتناع النيابة لان الاتيان بها مقصود من الشخص
عينه ابتلاء واختبار واستثني الحج للاخبار ومن جنس الصلاة ركعتي الطواف على كلام فيهما يأتي
في الوصايا وتفريق الزكاة والكفارات والصدقات الحاقا لها بسائر الحقوق المالية وذبح الضحايا
6

والهدايا فأن النبي صلى الله عليه وسلم أناب (1) فيه وفى صوم الولي عن الميت خلاف سبق في موضعه والحق
بالعبادات الايمان والشهادات قال في الوسيط لان الحكم في الايمان يتعلق بتعظيم اسم الله تعالى
فامتنعت النيابة فيها كالعبادات وفى الشهادات علقنا الحكم بخصوص لفظ الشهادة حتى لم يقم
غيرها مقامها فكيف يحتمل السكوت عنها بالتوكيل ومن جملة الايمان الايلاء واللعان والقسامة
فلا يجوز التوكيل في شئ منها وفى الظهار وجهان بناء على أن المغلب فيه معنى اليمين أو الطلاق
والظاهر عند المعظم منع التوكيل فيه وذكر في التتمة أن الظاهر الجواز وأن المنع مذهب المزني وفى
معني الايمان النذور وتعليق الطلاق والعتق والتدبير وفى التتمة أن الحكم في التدبير يبنى على أنه
وصية أو تعليق عتق بصفة فان قلنا بالثاني منعناه (ومنها) المعاملات فيجوز التوكيل في طرفي البيع
بأنواعه من السلم والصرف والتوليه وغيرها وفى الرهن والهبة والصلح والابراء والحوالة والضمان
والكفالة والشركة والوكالة والمضاربة والإجارة والجعالة والمساقاة والايداع والإعارة والاخذ بالشفعة
والوقف والوصية وقبولها وعن القاضي الحسين وجه أنه لا يجوز التوكيل في الوصية لأنها قربة ويجوز
التوكيل في طرفي النكاح والخلع وفى تنجيز الطلاق والعتاق والكتابة ونحوها وفى الرجعة وجهان
(أصحهما) الجواز كابتداء النكاح فان كل واحد منهما استباحة فرج محرم (والثاني) المنع كما لو أسلم
الكافر على أكثر من أربع نسوة ووكل بالاختيار وكذا لو طلق إحدى امرأتيه وأعتق أحد عبديه
7

ووكل بالتعيين وكما يجوز التوكيل في العقود يجوز في الإقالة وسائر الفسوخ نعم ما هو على الفور
فالتأخير فيه بالتوكيل قد يكون تقصيرا وفى التوكيل في خيار الرؤية خلاف سبق في موضعه ويجوز
التوكيل في قبض الأموال مضمونة كانت أو غير مضمونة وفى قبض الديون واقباضها ومنها الجزية
فيجوز التوكيل في قبضها واقباضها نعم يمتنع توكيل الذمي المسلم فيه على رأى مذكور في كتاب الجزية
(ومنها) المعاصي كالقتل والقذف والسرقة والغصب فلا مدخل للتوكيل فيها بل أحكامها تثبت في حق
مرتكبها لان كل شخص بعينه مقصود بالامتناع عنها فأن فعل أجرى حكمها عليه. ثم في الفصل
وراء هذه الصور المبتورة مسائل (إحداها) في التوكيل في تملك المباحات كاحياء الموات والاحتطاب
والاصطياد والاستقاء وجهان (أصحهما) الجواز حتى يحصل الملك للموكل إذا قصده الوكيل لأنه أحد
أسباب الملك فأشبه الشراء (والثاني) المنع كالاغتنام لان الملك فيها يحصل بالحيازة وقد حدث من التوكيل
فيكون الملك له ولو استأجره ليحتطب له أو يستقى ففي التهذيب أنه على الوجهين وبالمنع أجاب القاضي
ابن كج ورأي الامام جواز الاستئجار مجزوما به فقاس عليه وجه تجويز التوكيل (الثانية) في التوكيل
بالاقرار وجهان وصورته أن يقول وكلتك لتقر عني لفلان (أظهرهما) عند الأكثرين ويحكى عن
ابن سريج واختيار للقفال أنه لا يصلح لأنه اخبار عن حق فلا يقبل التوكيل كالشهادة وإنما يليق التوكيل
بالانشاءات (والثاني) يصح لأنه قول يلزم به الحق فأشبه الشراء وسائر التصرفات وبهذا قال أبو حنيفة
رحمه الله تعالى فعلى الأول هل يجعل بنفس التوكيل مقرا فيه وجهان (أحدهما) نعم وبه قال ابن
القاص تخريجا واختاره الامام رحمه الله تعالى لان توكيله دليل ثبوت الحق عليه (وأظهرهما) عند
8

صاحب التهذيب أنه لا يجعل مقرا كما أن التوكيل بالابراء لا يجعل ابراء وإذا قلنا بالوجه الثاني
فينبغي أن يبين الوكيل جنس المقر به وقدره فلو قال قرعني بشئ لفلان فأقر أخذ الموكل بتفسيره
ولو اقتصر على قوله أقر عني لفلان فوجهان حكاهما الشيخ أبو حامد وغيره (أحدهما) أنه كما لو قال
أقر عني بشئ (وأصحهما) أنه لا يلزمه شئ بحال لجواز أن يريد الاقرار بعلمه أو سماعه لا بالمال (الثالثة)
يجوز لكل واحد من المدعى والمدعي عليه التوكيل بالخصومة رضى صاحبه أولم يرض وليس لصاحبه
الامتناع من خصومة الوكيل وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى له الامتناع الا أن يريد الموكل سفرا
أو يكون مريضا أو مخدرة وقال مالك رحمه الله تعالى له ذلك إلا أن يكون سفيها خبيث اللسان فيعذر الموكل
في التوكيل. لنا أنه توكيل في خالص حقه فيمكن منه كالتوكيل باستيفاء الدين من غير رضا من
عليه ولافرق في التوكيل في الخصومة بين أن يكون التوكيل المطلوب مالا أو عقوبة لآدمي
كالقصاص وحد القذف فأما حدود الله تعالى فلا يجوز التوكيل في اثباتها لأنها مبنية على الدرء
(الرابعة) يجوز التوكيل في استيفاء حدود الله تعالى للامام والسيد في حد مملوكه وقد قال صلى الله عليه وسلم في قصة
ماعز (اذهبوا به فارجموه) (1) (وقال واغد يا أنيس على امرأة هذا فان اعترفت فارجمها) (2) وأما عقوبات
الآدميين فكذلك يجوز استيفاؤها بالوكالة في حضور المستحق وفى غيبته ثلاث طرق (أشهرها)
9

على قولين (أحدهما) المنع وهو ظاهر نصه ههنا لأنا لا نتيقن بقاء الاستحقاق عند الغيبة لاحتمال العفو
وأيضا فإنه ربما يرق قلبه عند الحضور فيعفو فليشترط الحضور (وأصحهما)
الجواز لأنه حق يستوفى بالنيابة في الحضور فكذلك في الغيبة كسائر الحقوق
واحتمال العفو كاحتمال رجوع الشهود فيما إذا كانت بالبينة فإنه لا يمتنع الاستيفاء في غيبته
(والثاني) وبه قال أبو إسحاق القطع بالجواز وحمل ما ذكره ههنا على الاحتياط (الثالث) القطع بالمنع
لعظم خطر الدم وبالمنع قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى وذكر الروياني أنه الذي يفتى به. وإذا عرفت
ما ذكرنا لم يخف عليك أن قوله في الكتاب وسائر العقود والفسوخ وإن كان يشعر بالجزم وصحة
التوكيل فيها لكن في العقود ما هو مختلف فيه كالرجعة والوصية وفى الفسوخ أيضا طرد الفسخ وخيار
الرؤية فيجوز اعلامه - بالواو - لذلك وقوله في آخر الفصل وقيل بالجواز أيضا طريقة ثالثة أوردها بعد
الطريقين وثالثها محفوظة عن الشيخ أبى حامد ومن تقدم.
قال (الشرط الثالث أن يكون ما به التوكيل معلوما نوع علم لا يعظم فيه الغرر. ولو قال
وكلتك بكل قليل وكثير لم يجز. ولو قال وكلتك بما إلى من تطليق زوجاتي وعتق عبيدي.
وبيع أملاكي جاز. ولو قال وكلتك بما إلى من قليل وكثير ففيه تردد. ولو قال اشتر عبدا
لم يجز (و). ولو قال عبدا تركيا بمائة كفى. ولا يشترط أوصاف السلم. ولو ترك ذكر مبلغ
الثمن أو ذكر الثمن ولم يذكر نوعه ففيه خلاف. والتوكيل بالابراء يستدعى علم الموكل بمبلغ الدين
المبرأ عنه لاعلم الوكيل. ولا علم من عليه الحق. ولو قال بع بما باع به فلان فرسه فالعلم بمبلغ ما
10

باع به فلان فرسه يشترط في حق الوكيل لا في حق الموكل. ولو قال وكلتك بمخاصمة خصماي
فالأظهر جوازه وان لم يعين).
لا يشترط في الموكل فيه أن يكون معلوما من كل وجه فأن الوكالة إنما جوزناها لعموم الحاجة
وذلك يقتضى المسامحة فيها ولذلك احتمل تعليقها بالاغرار على رأى ولم يشترط القبول فيها بالقول ولا
على الفور ولكن يجب أن يكون معلوما مبينا من بعض الوجوه حتى لا يعظم ولا فرق في ذلك
بين أن تكون الوكالة عامة أو خاصة (أما) الوكالة العامة فبين ما نقله الامام وصاحب الكتاب فيها
تصويرا وحكما وبين ما نقله سائر الأصحاب بعض التفاوت ونذكر الطريقين. قال الامام وصاحب الكتاب
لو قال وكلتك بكل قليل وكثير ولم يضف إلى نفسه فالتوكيل باطل لأنه لفظ مبهم بالغ في الابهام ولو
ذكر الأمور المتعلقة به الذي تجرى فيها النيابة وفصلها فقال وكلتك ببيع أملاكي وتطليق زوجاتي
واعتاق عبيدي صح التوكيل فلو قال وكلتك بكل امر هو لي مما يناب فيه ولم يفصل أجناس
التصرفات فوجهان (أحدهما) يبطل كما قال وكلتك بكل قليل وكثير (الثاني) يصح لأنه أضاف
التصرفات إلى نفسه فلا فرق بين أن يذكرها بلفظ يعمها وبين أن يفصلها جنسا جنسا والأول
أظهر (وأما) سائر الأصحاب فأنهم قالوا لو قال وكلتك بكل قليل وكثير أو في كل أموري أوفى
جميع حقوقي أو بكل قليل وكثير من أموري أو فوضت إليك جميع الأشياء أو أنت وكيلي فتصرف
في مالي كيف شئت لم تصح الوكالة ولو قال وكلتك ببيع أموالي واستيفاء ديوني أو استرداد ودائعي
أو اعتاق عبيدي صحت الوكالة ووجه التفاوت بين الطريقين أنهما عللا المنع بأرسال لفظ القليل والكثير
11

وترك اضافتهما حتى ذكروا وجهين فيما إذا أضافهما والآخرون سووا بين ما إذا أرسل وبين ما إذا
أضاف ولم ينقلوا الخلاف في واحد من القسمين وعللوا بأن في تجويز هذه الوكالة غررا وضررا عظيما
لا حاجة إلى احتماله وهذه الطريقة أصح نقلا ومعنى (أما) النقل فلان الشافعي رضي الله عنه قال في
اختلاف العراقيين وإذا شهد الرجل لرجل أنه وكله بكل قليل وكثير له فالوكالة غير جائزة نص على
المنع مع وجود الإضافة (وأما) المعنى فلان الانسان إنما يوكل فيها يتعلق به سواء نص على الإضافة إلى نفسه
أو لم ينص ولهذا قال لو وكل بشراء هذا لم يحتج إلى أن يقول لي (وأما) الوكالة الخاصة ففيها صور (منها)
أن يوكل في بيع أمواله أو قضاء ديونه أو استيفائها وقد نقلنا صحته عن الطريقين وهل يشترط أن
تكون أمواله معلومة قال في التهذيب لو قال وكلتك ببيع جميع مالي وكان معلوما أو قبض جميع
ديوني وهو معلوم لجاز فهذا التفسير يشعر بالاشتراط لكن الأشبه خلافه فان معظم الكتب لا تتعرض
لهذا الاشتراط وفى فتاوى القفال لو قال وكلتك باستيفاء ديوني التي على الناس جاز مجملا وإن كان
لا يعرف من عليه الدين أنه واحد أو أشخاص كثيرة وأي جنس ذلك الدين وإنما لا يجوز إذا لم يبين
ما يوكل فيه كأن يقول وكلتك في كل قليل وكثير وما أشبهه هذا لفظه وفى الرقم لأبي الحسين
العبادي أنه لو قال بع جميع أموالي صح لأنه أعلم بالجملة ولو قال بع طائفة من مالي أو بعضه أو سهما
منه لم يصح لجهالته بالجملة فكان الشرط أن يكون الموكل فيه معلوما أو بحيث تسهل معرفته
ولو قال بع ما شئت من مالي أو اقبض ما شئت من ديوني جاز ذكره صاحب المهذب والتهذيب وفى
الحلية ما ينازع فيه فإنه قال لو قال بع من رأيت من عبيدي لا تجوز حتى يميز (ومنها) التوكيل
12

بالشراء فلا يكفي أن يقول اشتر لي شيئا أو حيوانا أو رقيقا بل يشترط أن يبين أنه عبد أو أمة ويبين
النوع من التركي والهندي وغيرهما والمعنى فيه أن الحاجة لا تكاد تمس إلى عبد مطلق على أي نوع
ووصف كان وفى الابهام غرر ظاهر فلا يحتمل وفى النهاية أن صاحب التقريب حكى وجها أنه
يصح التوكيل بشراء عبد مطلق وهذا الوجه بعيد ههنا وإذا طرد في شراء شئ كان
أبعد لأنه أبعد في التوكيل بشراء شئ وهل يشترط مع التعرض للنوع ذكر الثمن فيه
وجهان (أصحهما) لا وبه قال أبو حنيفة وابن سريج لان تعلق الغرض بعبد من ذلك
النوع نفيسا كان أو خسيسا ليس ببعيد (والثاني) أنه لابد من تقدير الثمن أو بيان
غايته بأن يقول بمائة أو من مائة إلى الف لكثرة التفاوت فيه ولا يشترط استقصاء
الأوصاف التي تضبط في السلم ولا ما يقرب منها بالاتفاق نعم إذا اختلفت الأصناف الداخلة
تحت النوع الواحد اختلافا ظاهرا فعن الشيخ أبى محمد أنه لابد من التعرض له إذا فرعنا على
المذهب في اعتبار التعرض للتركي والهندي (وقوله) في الكتاب أو ذكر الثمن ولم يذكر نوعه ففيه
خلاف أراد به ما هو المفهوم من ظاهره وهو أن يقول اشتر لي عبدا بمائة ولا يتعرض لقوله تركيا
وهنديا واثبات الخلاف في هذه الصورة بعد الحكم بأنه لابد من ذكر التركي والهندي مما لا
يتعرض له الأئمة ولأنه ذكر في وسيط صاحب الكتاب فالوجه تأويله على اصطلاح استعمله الامام
وذلك أنه سمى التركي والرومي والهندي أجناسا للرقيق في هذا المقام واتباعا للعرف وسمى الأصناف
الداخلة تحت التركي مثلا أنواعا له فيجوز أن يريد صاحب الكتاب ههنا بالنوع ذلك وهو
ما شرط التعرض له على ما روينا عن الشيخ أبى محمد وينتظم اثبات الخلاف فيه وحينئذ يكون
المعنى أو ذكر الثمن مع كون العبد تركيا أو لم يذكر صفته. ولو قال اشتر لي عبدا كما تشاء فظاهر
13

رأى الشيخ أبى محمد تجويزه لأنه صرح بالتفويض التام بخلاف ما إذا اقتصر على قوله اشتر لي
عبدا فإنه لم يأت ببيان معتاد ولا تفويض تام ولم يكتف الأكثرون بذلك وفرقوا بينه وبين أن
يقول في القراض اشتر من شئت من العبيد لان المقصود هناك الربح بنظر العامل وتصرفه فيليق به
التفويض إليه وفى التوكيل بشراء الدار يجب التعرض للمحلة والسكة وفى الحانوت للسوق وعلى
هذا القياس (ومنها) لو وكله بالابراء قال القاضي الحسين إذا عرف الموكل مبلغ الدين كفى ذلك
ولم يجب اعلام الوكيل قدر الدين وجنسه وهذا هو الذي أورده في الكتاب وقال في المهذب
والتهذيب لابد من أن يبين للوكيل قدر الدين وجنسه والأشبه الأول ويخالف ما إذا قال بع
عبدي بما باع به فلان فرسه حيث يشترط لصحة البيع علم الوكيل لان العهدة تتعلق به فلا بد وأن
يكون على بصيرة من الامر ولا عهدة في الابراء ولو كان الموكل جاهلا بقدر ما باع به فلان
فرسه لم يضر (وأما) قوله في صورة الابراء ولا علم من عليه الحق فاعلم أن فيه خلافا مبنيا على الأصل
الذي مر في كتاب الضمان وهو أن الابراء محض اسقاط أو تمليك فان قلنا اسقاط صح مع جهل
من عليه الحق بمبلغ الحق وان قلنا تمليك فلا بد من علمه كما أنه لابد من علم المهب بما وهب فإذا
قوله ولا علم من عليه الحق ينبغي أن يعلم - بالواو - وكذلك قوله علم الوكيل بما قدمناه وقوله يستدعى
علم الوكيل يجوز اعلامه - بالواو - أيضا لأنا إذا صححنا الابراء عن المجهول لا نعتبر علم الموكل أيضا ثم ينظر
في صيغة الابراء فان قال أبرئ فلانا عن ديني أو أبرئه عن الكل وان قال عن شئ منه أو أبرئه عن قليل منه وان
قال عما شئت أبرأه عما شاء وأبقى شيئا (ومنها) إذا وكله بالخصومة فيذكر ما يدخل فيه وما لا يدخل
والغرض الآن أنه لو أطلق وقال وكلتك بمخاصمة خصماي هل يصح التوكيل فيوجهان (أصحهما)
نعم ويصير وكيلا في جميع الخصومات (والثاني) لا بل يجب تعيين من يخاصم معه لاختلاف الغرض
به وهذا الخلاف قريب من الخلاف الذي مر فيما إذا وكل ببيع أمواله وهي غير معلومة.
14

قال (الركن الثاني الموكل وشرطه أن يملك مباشرة ذلك التصرف بملك أو ولاية. فلا يصح
توكيل الصبي (ح) والمجنون. ولا يصح (ح) توكيل المرأة في عقد النكاح. ويجوز توكيل الأب
والجد. توكيل الوكيل الا إذا عرف كونه مأذونا بلفظ أو قرينة. وفى توكيل الولي الذي لا يجبر
تردد لتردده بين الولي والوكيل).
يشترط في الموكل أن يتمكن من مباشرة ما يوكل فيه إما بحق الملك لنفسه أو بحق الولاية
على غيره وفى هذا الضابط قيدان (أحدهما) التمكن من مباشرة ذلك التصرف فمن لا يتمكن من
مباشرة ذلك التصرف كالصبي والمجنون والنائم والمغمى عليه لا يصح منه التوكيل والمرأة لا يصح منها
التوكيل في النكاح وكذا توكيل الفاسق في تزويج ابنته إذا قلنا لا يليه وتوكيل السكران حكمه حكم
سائر التصرفات (والثاني) كون التمكن بحق الملك والولاية فيدخل فيه توكيل الأب والجد في النكاح
والمال ويخرج عنه توكيل الوكيل فإنه ليس بمالك ولا ولى نعم لو مكنه الموكل من التوكيل لفظا
أو دلت عليه قرينة نفذ وتفصيله سيأتي في الباب الثاني وفى معناه توكيل العبد المأذون لأنه إنما
يتصرف عن الاذن لا بحق الملك ولا الولاية وفى توكيل الأخ والعم ومن لا يجبر في النكاح
وجهان يعزوان في النكاح لأنه من حيث لا يعزل كالولي ومن حيث إنه لا يستقل كالوكيل والمحجور
عليه بالفلس والسفه والرق يجوز توكيله فيما لا يستقل به من التصرفات وفيما لا يستقل لا يجوز الا بعد
اذن الولي والمولى ومن جوز التوكيل بطلاق امرأة سينكحها أو بيع عبد سيملكه فقياسه تجويز
توكيل المحجور بما سيأذن فيه الولي ولم يتعرضوا ولنعرف في الضابط المذكور أمورا (أحدها)
أنه يستثنى عنه بيع الأعمى وشراؤه فإنه يصح التوكيل وان لم يملكه الأعمى للضرورة (والثاني) أنه
إذا أنفذ توكيل الوكيل على ما سيأتي فمنصوبه وكيل الموكل أو وكيل الوكيل فيه خلاف ستقف عليه
وإذا كان الوكيل لم يكن من شرط التوكيل كون الموكل مالكا للتصرف بحق الملك والولاية
(وقوله) ولا يصح توكيل المرأة في عقد النكاح معلم - بالحاء - لما اشتهر عن مذهبه.
15

قال (الركن الثالث الوكيل ويشترط فيه صحة العبارة وذلك بالتكليف. ولا يصح (ح) توكيل
الصبي الا في الاذن في الدخول وايصال الهدية على رأى. ولا يصح توكيل المرأة (ح) والمحرم (ح)
في عقد النكاح. والأظهر جواز توكيل العبد والفاسق في إيجاب النكاح. وكذا المحجور بالسفه
والفلس إذ لا خلل في عبارتهم. ومنع استقلالهم بسبب أمور عارضة).
كما يشترط في الموكل التمكن من مباشرة التصرف للموكل فيه بنفسه يشترط في الوكيل التمكن من
مباشرته بنفسه وذلك أن يكون صحيح العبارة فيه فلا يصح توكيل المجنون والصبي في التصرفات
واستثنى في الكتاب الاذن في دخول الدار والملك عند ايصال الهدية ففي اعتبار عبارته في الصورتين
وجهان سبق ذكرهما في أول البيع فان جاز ذلك فهو وكيل من جهة الآذن والمهدى واعلم أن
تجويزهما إذا كان على سبيل التوكيل فلو أنه وكل بأن يوكل غيره فامتاز تخريجه على الخلاف في أن الوكيل
هل يوكل فان جاز لزم أن يكون الصبي أهلا للتوكيل أيضا وعند أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله تعالى
يصح توكيل الصبي المميز والمرأة والمحرم مسلوبا العبارة في النكاح فلا يتوكلان فيه كما لا يوكلان
خلافا لأبي حنيفة وذكر في التتمة أنه لا يجوز توكيل المطلقة الرجعية في رجعية نفسها ولا توكيل المرأة
امرأة أخرى لان الفرج لا يستباح بقول النساء وأنه لا يجوز توكيل المرأة في الاختيار في النكاح إذا
أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة وفى الاختيار للفراق وجهان سبق ذكرهما في باب معاملة
العبيد وفى توكيله في قبول النكاح بغير إذن السيد وجهان (أصحهما) الجواز وإنما لم يجز قبوله لنفسه
16

لما أن يتعلق به المهر ومؤن النكاح وفى توكيله في طرف الايجاب وجهان (أحدهما) المنع لأنه لا يجوز
أن يزوج ابنة غيره (والثاني) الجواز لصحة عبارته في الجملة وإنما لم يل امر ابنته
لأنه لا يتفرغ للبحث والنظر ههنا وتم البحث والنظر من جهة الموكل وهذا أظهر عند صاحب
الكتاب والأول أظهر عند المعظم وربما لم يذكروا غيره وتوكيل المحجور عليه بالسفه في طرفي النكاح
كتوكيل العبد وتوكيل الفاسق في ايجاب النكاح كتوكيلهما إذا سلبنا الولاية بالفسق ولا
خلاف في جواز قبوله بالوكالة والمحجور عليه بالفلس يتوكل فيما لا يلزم ذمته عهدة وكذا فيما يلزم
عهدة على الأصح من الوجهين كما أن شراءه صحيح على الصحيح ويجوز توكيل المرأة في طلاق
زوجة الغير على أصح الوجهين كما يجوز أن يفوض الزوج طلاق زوجته إليها وقوله في الكتاب ومنع
استقلالهم بأمور عارضة أي هم صحيحو العبارة كاملو الحال وإنما منعناه لأمور تعرض فيمنع استقلالهم
بالتصرف لا مطلق التصرف على ما مر.
17

(فرع) توكيل المرتد في التصرفات المالية يبنى على انقطاع ملكه وبقائه إن قطعناه لم
يصح وان أبقيناه صح وان قلنا إنه موقوف فكذلك التوكيل ولو وكل ثم أربد ففي ارتفاع التوكيل
الأقوال ولو وكل مرتدا أو ارتد الوكيل لم يقدح في الوكالة لان التردد في تصرفه لنفسه لا لغيره
هكذا نقل الأصحاب عن ابن سريج وفى التتمة أنه يبنى على أنه هل يصير محجورا عليه ان قلنا
نعم انعزل عن الوكالة والا فلا.
قال (الركن الرابع الصيغة ولا بد من الايجاب. وفى القبول ثلاثة أوجه. الا عدل هو
الثالث وهو أنه لو اتى بصيغة عقد كقوله وكلتك أو فوضت يشترط القبول. وان قال بع أو أعتق
فيكفي القبول بالامتثال كما في إباحة الطعام. وإذا لم يشترط قبوله ففي اشتراط علمه مقرونا بالوكالة
خلاف. ولا خلاف في أنه يشترط عدم الرد منه. فان رد انفسخ لأنه جائز. وفى تعليق الوكالة
بالاغرار خلاف مشهور. فان منع فوجد الشرط فقد قيل يجوز التصرف بحكم الاذن. وفائدة فساده
سقوط الجعل المسمى والرجوع إلى الأجرة. ولو قال وكلتك في الحال ولا تتصرف الا بعد شهر فهو
جائز (و) يلزمه الامساك. ومهما صححنا التعليق فقال مهما عزلتك فأنت وكيلي فطريقه في العزل
أن يقول ومهما عدت وكيلي فأنت معزول حتى يتقاوما في الدور ويبقى أصل الحجر).
18

الفصل يشتمل على مسألتين (أحدهما) لابد من جهة الموكل من لفظ دال على الرضا
بتصرف الغير له والا فكل أحد ممنوع عن التصرف في حق غيره وذلك مثل أن يقول وكلتك
بكذا وفوضته إليك وأنبتك فيه وما أشبههما ولو قال بع وأعتق ونحوهما حصل الاذن وهذا لا يكاد
يسمى إيجابا وإنما هو أمر وإذن والايجاب هو قوله وكلتك وما يضاهيه وعلى هذا فقوله في الكتاب
ولابد من الايجاب أي وما يقوم مقامه وأما القبول فإنه مطلق بمعنيين (أحدهما) الرضا والرغبة فيما
فوض إليه ونقيضه الرد (والثاني) اللفظ الدال عليه على النحو المعتبر في البيع وسائر المعاملات ويعتبر
في الوكالة القبول بالمعنى الأول حتى لو رده وقال لا أفعله أو لا أفعل بطلت الوكالة ولو ندم وأراد أن
يفعل لا ينفع بل لابد من إذن جديد وذلك لان الوكالة جائزة ترتفع في الدوام بالفسخ فلان يزيد
في الابتداء بالرد كان أوجه وأما بالمعنى الثاني فقد نقل الامام طريقين (أحدهما) أن في اشتراطه
وجهين (أحدهما) المنع لأنه إباحة ورفع حجر فأشبه إباحة الطعام ولا يفتقر إلى القبول اللفظي (والثاني)
الاشتراط لأنه إثبات حق التسليط والتصرف للوكيل فليقبل كما في سائر التمليكات والثانية عن
19

القاضي الحسين أن الوجهين فيما إذا أتى بصيغة عقد بأن قال وكلتك أو فوضت إليك فأما في صيغ
الامر نحو بع واشتر فلا يشترط القبول باللفظ جزما بل يكفي الامتثال على المعتاد كما في إباحة الطعام
وإذا اختصرت خرج من الطريقين ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب والطريقة الثانية هي التي
ذكرها في التتمة وجعل قوله أذنت لك بمثابة قوله بع وأعتق لا بمثابة قوله وكلتك وإن كان اذنا
على صيغ العقود قال والمذهب أنه لا يعتبر في الوكالة القبول لفظا وهذا ما أجاب به في التهذيب
وآخرون وان مال صاحب الكتاب إلى الوجه الفارق وسماه أعدل الوجوه (التفريع) إن شرطنا القبول
فهل يجب أن يكون على الفور ظهر المذهب أنه لا يجب لأنه عقد يحتمل ضربا من الجهالة فيحتمل فيه تأخير
القبول كالوصية وعن القاضي أبى حامد أنه يكتفى وقوعه
في المجلس هذا في القبول اللفظي (فاما) بالمعنى الأول فلا يجب التعجيل بحال ولو خرج على أن الامر هل يقتضى الفور
لما بعد وإن لم يشترط الفور فلو وكله والوكيل لا يشعر به هل تثبت وكالته قال في النهاية فيه وجهان يقربان
20

من القولين في أن العزل هل ينفذ قبل بلوغ الخبر الوكيل فلو كآلة أولى بان لا تثبت لأنه تسلط على
التصرفات فإن لم يثبتها فهل نحكم بنفوذها حالة بلوغ الخبر كالعزل أم لا وفيه وجهان عن رواية
الشيخ أبى محمد ان لم نحكم به فقد شرطنا اقتران علمه بالوكالة والأظهر ثبوت الوكالة وان لم يعلم وعلى
هذا فلو تصرف الوكيل وهو غير عالم بالتوكيل ثم تبين الحال خرج على الخلاف فيما إذا باع مال
أبيه على ظن أنه حي وكان ميتا ومن فروع هذا الخلاف أنا حيث لا نشترط القبول نكتفي بالكتابة
والرسالة ونجعله مأذونا في التصرف وحيث اشترطناه فالحكم كما لو كتب بالبيع الذي أجاب به
القاضي الروياني في الوكالة بالجواز (ومنها) إذا اشترطنا القبول في الوكالة فلو قال وكلني بكذا فقال
الموكل وكلتك هل يشترط القبول أم يقام مقامه قوله وكلني فيه خلاف كما في البيع ونحوه ثم قيل
الوكالة أحوج للاشتراط لأنها ضعيفه ولو عكس موجها بان الوكالة يحتمل في البيع
فكانت أولى بعدم الاشتراط لكان أقرب (الثانية) إذا علق الوكالة بشرط فقال إذا قدم زيد
21

أو جاء رأس الشهر فقد وكلتك بكذا أو أنت وكيلي ففيه وجهان (أحدهما) ويحكى عن أبي حنيفة
وأحمد أنها تصح لأنها استنابه في التصرف فاشتبهت عقد الامارة فإنها تقبل التعليق على ما قال عليه
الصلاة والسلام فان أصيب جعفر فزيد (وأظهرهما) المنع كما أن الشركة والمضاربة وسائر العقود
لا تقبل التعليق وخرج بعضهم الخلاف على أن الوكالة هل تفتقر إلى القبول (إن قلنا) لا تفتقر جاز
التعليق وإلا لم يجز لان فرض القبول في الحال والوكالة لم تثبت بعد بعيد وتأخرها إلى أن يحصل
الشرط مع الفصل الطويل خارج عن قاعدة التخاطب ولو نجز الوكالة وضرب للتصرف شرطا بأن
قال وكلتك الآن ببيع عبدي هذا ولكن لا تبيعه حتى يجئ رأس الشهر صح التوكيل بالاتفاق
ولا يتصرف الا بعد حصول الشرط وتصح الوكالة المؤقتة مثل أن يقول وكلتك إلى الشهر قاله العبادي
في الرقم ويتعلق بالخلاف في تعليق الوكالة قاعدتان (إحداهما) إذا أفسدنا الوكالة بالتعليق فلو
تصرف الوكيل بعد حصول الشرط ففي صحة التصرف وجهان (أصحهما) الصحة لان الاذن حاصل
وإن فسد العقد فصار كما لو شرط في الوكالة عوضا مجهولا فقال بع كذا على أن لك العشر من ثمنه
تفسد الوكالة لكن لو باع صح (والثاني) وبه قال الشيخ أبى محمد انه لا يصح لفساد العقد ولا اعتبار
22

بالاذن الذي يتضمنه العقد الفاسد ألا ترى أنه لو باع بيعا فاسدا وسلم المبيع لا يجوز
للمشترى التصرف فيه وان تضمن البيع والتسليم الاذن في التصرف والتسليط عليه
قال في التتمة وأصل المسألة ما إذا كان عنده رهن لدين مؤجل فاذن المرتهن في بيعه على
أن يجعل حقه من الثمن وفيه اختلاف قد تقدم وهذا البناء يقتضى ترجيح الوجه الثاني
لان النص وظاهر المذهب هناك فساد الاذن والتصرف (فان قلنا) بالصحة فأثر فساد الوكالة أنه
يسقط الجعل المسمى إن كان قد سمى له جعلا ويرجع إلى أجرة المثل وهذا كما أن الشرط الفاسد في
النكاح الفاسد يفسد الصداق ويوجب مهر المثل وإن لم يؤثر في النكاح (الثانية) إذا قال وكلتك
بكذا ومهما عزلتك فأنت وكيلي ففي صحة الوكالة في الحال وجهان (أصحهما) الصحة ووجه المنع
اشتمالها على الشرط الفاسد وهو الزام العقد الجائز (فان قلنا) بالصحة أو كان قوله مهما عزلتك
مفصولا عن الوكالة فإذا عزله نظر ان لم يشعر به الوكيل واعتبرنا شعوره في نفوذ العزل فهو على
وكالته وان لم نعتبره أو كان شاعرا به ففي عوده وكيلا بعد العزل وجهان مبنيان على أن الوكالة
23

هل تقبل التعليق لأنه علق التوكيل ثانيا بالعزل (أظهرهما) المنع (والثاني) وبه قال أبو حنيفة رحمه
الله أنه يعود وكيلا فعلى هذا ينظر في اللفظة الموصولة بالعزل ان قال عزلتك أو مهما أو متى
لم يقتض ذلك عود الوكالة الا مرة واحدة وان قال كلما عزلتك اقتضى العود مرة بعد أخرى لان كلما
تقتضي التكرار دون غيرها على ما ستعرفه في أبواب الطلاق إن شاء الله تعالى فلو أراد أن لا يعود
وكيلا فسبيله أن يوكل غيره بعزله فينعزل لان المعلق عليه عزل نفسه فإن كان قد قال عزلتك أو
عزلك أحد من قبلي فالطريق أن يقول كلما عدت وكيلي فأنت معزول فإذا عزله ينعزل لتقاوم
التوكيل والعزل بالأصل وهو الحجر في حق الغير قال الامام رحمه الله وفيه نظر على
بعد متلقى عن استصحاب الوكالة. واعلم أن الخلاف في الوكالة هل تقبل التعليق جار في أن
24

العزل هل يقبله ولكن بالتريب والعزل أولى بقبوله لأنه لا يشترط فيه القبول واشتراطه في الوكالة
مختلف فيه وتصحيح إرادة الوكالة والعزل جميعا مبنى على قبولهما التعليق ثم قال الامام رحمه الله إذا
نفذنا العزل وقلنا تعود الوكالة فلا شك أن العزل ينفذ في وقت وان لطف ثم تترتب عليه الوكالة
فلو صادف تصرف الوكيل ذلك الوقت اللطيف هل ينفذ فيه وجهان للأصحاب وإنما كان يصح هذا
الفرض والتصوير أن لو وقع بينهما ترتب زماني حيث يتصور وقوع التصرف بينهما لكن الترتيب
في مثل هذا لا يكون الا عقليا (وقوله) في كتاب وفى تعليق الوكالة بالاغرار الاغرار الاخطار
وإنما يقع هذا اللفظ بالاستحقاق على ما فيه خطر كقدوم زيد ومجئ المطر وان لم يكن في الحكم فرق
فيمن بينه وبين ما يوثق به كمجئ الشهر (وقوله) ويلزم الامتثال أي لا يجوز له التصرف في
الشهر لا أنه يجب عليه خارج الشهر فان الامر إلى اختياره.
25

(الباب الثاني في حكم الوكالة)
قال (ولها ثلاثة أحكام (الأول) صحة ما وافق من التصرفات وبطلان ما خالف. وتعرف الموافقة
باللفظ مرة. وبالقرينة أخرى. وبيانه بصور سبع (الأولى) إذا قال بع مطلقا فلا يبيع بالعرض
(ح) ولا بالنسيئة (ح) ولا بما دون ثمن المثل (ح) الا قدرا يتغابن الناس بمثله
كالواحد في عشرة).
للوكالة الصحيحة أحكام منها صحة تصرف الوكيل إذا وافق إذن الموكل والموافقة والمخالفة
يعرفان بالنظر إلى اللفظ تارة وبالقرائن التي تنضم إليه أخرى فأن القرينة قد تقوى فيكون لها
اطلاق اللفظ الا ترى إذا أمره في الصيف بشراء الجمد لا يشتريه في الشتاء وقد يتعادل اللفظ
والقرينة وينشأ من تعادلهما خلاف في المسألة وهذا القول الجملي يوضحه صور ترشد إلى أخواتها
منها إذا وكله ببيع شئ وأطلق لم يكن له أن يبيعه بغير نقد البلد من العروض والنقود وأن يبيعه
بثمن مؤجل وبغبن فاحش وبه قال مالك رحمه الله تعالى وكذا أحمد في أظهر الروايتين وقال
أبو حنيفة يجوز له جميع ذلك. لنا القياس على الوصي لأنه لا يبيع له الا بثمن المثل من نقد البلد حالا
وأيضا فإنه وكيل في عقد البيع فتصرفه بالغبن لا يلزم الموكل كالوكيل في الشراء إذا اشترى بغبن
26

فاحش وأيضا فإنه إذا باع وأطلق كان الثمن حالا فإذا وكل بالبيع وأطلق حمل على الثمن الحال ولنا
قول أن البيع على الوجه المذكور يصح موقوفا على إجازة الموكل وهذا هو القول المنقول في بيع
الفضولي والمذهب الأول ولو كان في البلد نقدان أحدهما أغلب فعليه أن يبيع به وان استويا
في المعاملة باع بما هو أنفع للموكل فأن استويا تخير على المشهور وقال صاحب التهذيب بعد نقل
التخيير إذا استويا في المعاملة وجب أن لا يصح التوكيل ما لم يبين كما لو باع بدراهم وفى البلد نقدان
متساويان لا يصح حتى بقيد بأحدهما ووجدت في كلام الشيخ أبى حامد مثل ما ذكره صاحب التهذيب
ثم إذا باع الوكيل في أحد الوجوه المذكورة لم يصير ضامنا للمال ما لم يسلمه إلى المشترى فان سلم ضمن
ثم القول فيه إذا كان المبيع باقيا أو تالفا في كيفية تغريم الموكل الوكيل والمشترى على ما بيناه فيما إذا باع
العدل الرهن بالغبن الفاحش أو بغير نقد البلد بالنسيئة وأما البيع بالغبن اليسير فإنه جائز واليسير الذي
يتغابن الناس بمثله ويحتملونه غالبا وبيع ما يساوى عشرة بتسعة يحتمل في الغالب وبيعه بثمانية غير محتمل قال
الروياني ويختلف القدر المحتمل باختلاف أجناس الأموال من الثياب والعبيد والعقارات وغيرها وكما
يجوز أن ينقص الوكيل عن ثمن المثل لا يجوز أن يقتصر عليه وهناك طالب للزيادة ولو باع بثمن المثل
ثم ظهر في المجلس طالب يزيد فالحكم ما مر في عدل الرهن.
27

(فرع) إذا قال الموكل عند التوكيل بعه بكم شئت جاز له البيع بالغبن ولا يجوز بالنسيئة
ولا بغير نقد البلد ولو قال بما شئت فله البيع بغير نقد البلد ولا يجوز بالغبن والنسيئة فلو قال كيف
شئت فله البيع بالنسيئة ولا يجوز بالغبن وبغير نقد البلد ولكن القاضي الحسين يجوز الكل ولو
قال بع بما عزو وهان قال في التتمة هو كما لو قال بعه بكم شئت وقال العبادي له البيع بالعرض والغبن
ولا يجوز بالنسيئة وهو الأولى.
(فرع) ذكرنا في الرهن والتفليس أن الحاكم يبيع المرهون ومال المفلس بنقد البلد وأنه
لو لم يكن دين المستحقين من ذلك أو على تلك الصفة صرفه إلى مثل حقوقهم وقد يحتاج فيه إلى
توسط معاملة أخرى إذا كان نقد البلد المكسور وحقهم الصحيح فلا يمكن تحصيل الصحيح بالمكسر
الا ببذل زيادة وانه ربا فيشترى بالمكسر سلعة وبالسلعة الصحيح ولو رأى الحاكم المصلحة في البيع
بمثل حقوقهم في الابتداء جاز وقد مر ذلك في الرهن قال القفال في الفتاوى والمرتهن عند امتناع
الراهن عن أداء الحق يبيع الرهن ويقوم مقام الحاكم في توسط المعاملة الأخرى وفى بيعه بجنس
الدين وعلى صفته واعلم أن مجرد امتناع الراهن عن أداء ما عليه لا يسلط المرتهن على بيع المرهون
ولكنه قد يتسلط عليه على ما مر بيانه في الرهن وإذا الحق المرتهن حينئذ بالحاكم فيما ذكره أشبه
أن يلحق وكيل الراهن ببيع المرهون وقضاء الحق منه بالمرتهن بل أولى قال لان نيابة المرتهن
قهرية والموكل قد رضى تصرفه ونصبه لهذا الغرض.
28

قال (ويبيع (ح) على الأصح من أقاربه الذين ترد له شهادتهم. ولا يبيع من ينفسه).
الوكيل بالبيع مطلقا هل يبيع من ابنه وأبيه وسائر أصوله وفروعه فيه وجهان (أصحهما) نعم لأنه
باع بالثمن الذي لو باع به من أجنبي صح فأشبه ما لو باع من صديقه وأيضا فإنه يجوز للعم أن يزوج
وليته من ابنه البالغ إذا أطلقت الاذن وقلنا لا يشترط تعيين الزوج فكذلك ههنا (والثاني) وبه
قال أبو حنيفة لا لأنه متهم بالميل إليهم ومن الجائز أن يكون هناك راغب بأكثر من ذلك الثمن
وأجرى الوجهين في الأصول والفروع المستقلين أما ابنه الصغير فلا يبيع منه وكذلك لا يبيع من نفسه
لأنه يستقصى لنفسه وطفله في الاسترخاص وغرض البائع الاستقصاء في البيع للأكثر وهما غرضان
متضادان فلا يتأتى من الواحد القيام بهما وأيضا فان التوكيل بالبيع مطلقا يشعر بالبيع من الغير
والألفاظ المطلقة تحمل على المفهوم منها في العرف الغالب وفى كتاب القاضي ابن كج شيئان غريبان
في المسألة (أحدهما) أن أبا حامد القاضي حكى عن الإصطخري وجها أن للوكيل أن يبيع من نفسه
(والثاني) أنه حكى وجهين فيما لو وكل أباه بالبيع هل أن يبيع من نفسه لان للأب بيع مال ولده
من نفسه بالولاية فكذلك بالوكالة وإذا قلنا بظاهر المذهب فلو صرح له بالاذن في بيعه من نفسه
فوجهان قال ابن سريج يجوز كما لو أذن له في البيع من أبيه وابنه البالغ يجوز وكما لو قال لزوجته طلقي
29

نفسك على الف ففعلت صح وتكون نائبة من جهته قابلة من جهة نفسها وقال الأكثرون لا يجوز
لما ذكرنا من تضاد الغرضين ولان وقوع الايجاب والقبول من شخص واحد بعيد عن التخاطب
ووضع الكلام وتجويزه في حق الأب كان على خلاف القياس ولو صرح بالاذن في بيعها من ابنه
الصغير قال في التتمة هو على هذا الخلاف وقال صحاب التهذيب وجب أن يجوز لأنه رضى بالنظر
للطفل وترك الاستقصاء وتولى الطرفين في حق الولد معهود في الجملة بخلاف ما لو باع من نفسه ويجرى
الوجهان فيما لو وكله بالهبة وأذان له ليهب من نفسه أو يتزوج ابنته وأذن له في تزويجها من نفسه وفى
تولى ابن العم طرفي النكاح بان يتزوج ابنة عمه باذنها حيث انتهت الولاية إليه والنكاح أولى
بالمنع لما روى موقوفا ومرفوعا أنه عليه السلام قال (لا نكاح إلا بأربعة خاطب وولى وشاهدين) (1)
وكذا فيما إذا وكل مستحق الدين المديون باستيفائه من نفسه أو وكل مستحق القصاص الجاني
باستيفائه من نفسه اما في النفس أو في الطرف أو وكل الامام السارق ليقطع يده وحكى الامام رحمه
الله إجراءه فيما لو وكل الزاني ليجلد نفسه واستبعده من جهة أنه متهم في ترك الايلام بخلاف القطع
إذ لا مدخل للتهمة فيه وظاهر المذهب في الكل المنع وفى التوكيل بالخصومة من الجانبين وجهان
(أحدهما) الجواز لأنه يتمكن من إقامة البينة للمدعى عليه (وأصحهما) المنع لما فيه من اختلاف
30

غرض كل واحد منهما فإنه يحتاج إلى العقد بل من جانب والى الجرح من جانب وعلى هذا فإليه
الخيرة يخاصم أيهما شاء ولو توكل رجل في طرفي النكاح أو البيع اطراد الوجهان ومنهم من قطع
بالمنع لو وكل من عليه بابراء نفسه ففيه طريقان (أحدهما) التخريج على الوجهين (والثاني)
القطع بالجواز كما لو وكل من عليه القصاص بالعفو والعبد باعتاق نفسه والوكيل بالشراء كالوكيل
بالبيع في أنه لا يشترى من نفسه ولا من مال ابنه الصغير ويخرج شراؤه لابنه البالغ على الوجهين
في سائر الصور (وقوله) في الكتاب اجراه ابن سريج في تولى ابن العم طرفي النكاح اتبع فيه
ما رواه الامام فإنه نسب طرد الخلاف فيها إلى سريج ورأيت للحناطي نحو ذلك وعامة الكتب
ساكتة عنه
قال (فان أذن له في البيع من نفسه ففي تولية الطرفين خلاف. أجراه ابن سريج في
تولى ابن العم لطرفي النكاح. وتولى من عليه الدين أو القصاص أو الحد استيفاءه من نفسه
بالوكالة. ويطرد في الوكيل من الجانبين بالخصومة ومن عقد النكاح والبيع. كما
إذا كان وكيلا من جهة الموجب والقابل جميعا. وان اذن له في البيع بالأجل مقدارا جاز. وان
أطلق فالأصح أن العرف يقيده بالمصلحة. وقيل إنه مجهول).
31

إذا أذن للوكيل في البيع إلى أجل نظر ان قدر الأجل صح التوكيل وان أطلق فوجهان
(أحدهما) أنه لا يصح التوكيل لاختلاف الغرض بتفاوت الأجل طولا وقصرا وهذا ما أورده في التهذيب
(وأصحهما) ما ذكره في الكتاب واختيار ابن كج أنه يصح التوكيل وعلى ما يحمل فيه ثلاثة أوجه
(أظهرها) وهو المذكور في الكتاب أنه ينظر إلى المتعارف في مثله فإن لم يكن فيه عرف راعى
الوكيل الأنفع للموكل (والثاني) له التأجيل إلى أيه مدة شاء لاطلاق اللفظ (والثالث) يؤجل
إلى سنه ولا يزيد عليها لان الديون المؤجلة تتقدر بها كالدين والحرية.
قال (الثانية الوكيل بالبيع لا يملك تسليم المبيع قبل توفر الثمن. وبعد التوفير لا يجوز له المنع
فإنه حق الغير. والوكيل بالشراء يملك تسليم الثمن المسلم إليه ويملك قبض المشترى. والوكيل بالبيع
هل يملك قبض الثمن من حيث إنه من توابعه ومقاصده وان لم يصرح به فيه خلاف. ويقرب منه
الخلاف في أن الوكيل باثبات الحق هل يستوفى. وباستيفاء الحق يخاصم فقه ثلاثة أوجه.
الا عدل أن الوكيل بالاثبات لا يستوفى. وبالاستيفاء يثبت ويخاصم سعيا في الاستيفاء)
32

أول مذكور في الفصل أن الأصحاب نقلوا وجهين في أن الوكيل بالبيع مطلقا هل يملك
قبض الثمن وربما نسبوها إلى ابن سريج (أحدهما) أنه لا يملك لأنه إنما أذن في البيع وقبض الثمن
أمر وراء البيع وليس كل من يرضاه للبيع يرضاه لاثبات اليد على الثمن (وأصحهما) أنه
يملكه لأنه من توابع البيع ومقتضياته فالاذن في البيع أذن فيه وان لم يصرح به وهل يملك
تسليم المبيع إذا كان مسلما إليه أشار الأكثرون إلى الجزم بأنه يملكه تعليلا بأن البيع
اقتضى إزالة الملك ووجوب التسليم وقال الشيخ أبو علي الوجهان في أنه هل يملك قبض الثمن يجريان
في أنه يملك تسليم المبيع وكيف لا وتسليم المبيع دون قبض الثمن فيه خطر ظاهر ولو كان قد صرح
له بهما لم يملك التسليم ما لم يقبض الثمن وعلى هذا جرى صاحب التهذيب وغيره ولا خلاف في أن
الموكل بعقد الصرف يملك القبض والاقباض لأنه شرط صحة العقد وكذلك في السلم يقبض وكيل
المسلم إليه رأس المال ووكيل المسلم يقبضه إياه لا محالة إذا تقرر ذلك فينظر ان باع الوكيل بثمن مؤجل
بحيث يجوز له ذلك سلم المبيع إذ لا ينسب للبائع حق الحبس عند تأجيل الثمن ويجئ على ما ذكره
33

الشيخ وجه مانع من التسليم لا لغرض الحبس لكن لأنه لم يفوضه إليه ثم إذا أجل الأجل لم يملك
الوكيل قبض الثمن الا بأذن مستأنف وان اباعه بثمن حال وجوزنا القبض فلا يسلم المبيع حتى يقبض
الثمن كما لو أذن فيها صريحا فله مطالبة المشترى بتسليم الثمن فإن لم نجوز له القبض لم يكن له المطالبة
وللموكل المطالبة بالثمن على كل حال خلافا لأبي حنيفة رحمه الله تعالى ولو وكله بالبيع ومنعه من قبض
الثمن لم يكن له القبض لا محالة ولو منعه من تسليم المبيع فكمثل جواب الشيخ في شرح الفروع
وقال قائلون هذا الشرط فاسد فان التسليم مستحق بالعقد ورووا عن أبي على الطبري وغيره وجهين
في أن الوكالة هل تفسد به حتى يسقط الجعل المسمى ويقع الرجوع إلى أجرة المثل ووجه الامام رحمه
الله تعالى وجه سقوطه بأن استحقاقه مربوط بالبيع والامتناع من التسليم وكان مقابلا بشئ صحيح
وشئ فاسد فليفسد المسمى والحق أن يقال المسألة مبنية على أن في صورة الاطلاق هل للوكيل
التسليم أم لا (ان قلنا) لا فعند المنع أولى (وان قلنا) نعم فكذلك لأنه من توابع العقد وتمامه كالقبض
لا لان تسليمه مستحق بالعقد فان المستحق هو التسليم لا تسليمه والممنوع منه تسليمه نعم لو قال امنع
34

المبيع منه فهذا الشرط فاسد لان منع الملك عن المالك حيث يستحق اثبات اليد عليه غير جائز وفرق
بين أن يقول لا تسلمه إليه وبين أن يقول أمسكه وامنعه منه (وأما) الوكيل بالشراء فأن لم يسلم الموكل
الثمن إليه فاشترى في الذمة فسيأتي الكلام في أن المطالبة بالثمن على من توجه في الحكم الثاني من
الباب فأن سلمه إليه واشترى بعينه أو في الذمة فالقول في أنه هل يسلمه وهل يقبض المبيع بمجرد
التوكيل في الشراء كالقول في أن الوكيل البائع هل يسلم المبيع ويقبض الثمن بمجرد التوكيل بالبيع
هكذا هو في التهذيب والتتمة ولفظ الكتاب يشعر بالجزم بتسليمه الثمن وقبض المبيع ووجهه في
الوسيط بان العرف يقتضى ذلك ويدل عليه وأيضا فان الملك في الثمن لا يتعين الا بالقبض فيستدعى
اذنا جديدا وأما المبيع فإنه متعين للملك ولمن طرد الخلاف أن يمنع العرف الفارق بين الطريقين
وبين المعنى الثاني فلو كان به اعتبار لوجوب أن يجزم بقبض وكيل البائع الثمن إذا كان معينا ولم يفرقوا
35

في رواية الوجهين بين أن يبيع بثمن معين أو في الذمة (وقوله) في الكتاب وبعد التوفير لا يجوز له
المنع فإنه حق للغير أراد به ما ذكره الامام رحمه الله تعالى من أن المشترى إذا وفر الثمن على الموكل
أو على الوكيل إذا جوزنا له القبض فالوكيل يسلمه المبيع وان لم يأذن له الموكل في تسليمه لان
أداء الثمن إذا وفر صار قبض المبيع مستحقا وللمشتري الانفراد بأخذه فأن أخذ المشترى فذاك وان
سلمه الوكيل فالامر محمول على أخذ المشترى ولا حكم للتسليم ثم قرب من الخلاف في أن الوكيل
بالبيع هل يقبض الثمن الخلاف في مسألة أخرى وهي أن الوكيل باستيفاء الحق هل يثبت ويقيم البينة
عند انكار من عليه فيه وجهان عند ابن سريج (أصحهما) لا لأنه لم يوكل الا بالقبض وقد يرضى
للقبض من لا يرضاه للخصومة (والثاني) نعم لأنه لا يتمكن من الاستيفاء عند انكار من عليه الاثبات
فليمكن مما يتوسل به إلى الاستيفاء ولافرق على الوجهين بين أن يكون الموكل باستيفائه
عينا أو دينا وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إن كان دينا ملك الاثبات وإن كان عينا لم يملكه وأما
أن الوكيل بالاثبات هل يستوفى بعد الاثبات فيه طريقان (أحدهما) أن فيه وجهين أيضا
كالوجهين في أن الوكيل بالبيع هل يملك قبض الثمن لأنه من توابع الاثبات ومقاصده كقبض
الثمن بالإضافة إلى البيع (وأظهرهما) القطع بالمنع لان الاستيفاء يقع بعد الاثبات فليس ذلك نفس
المأذون فيه ولا واسطة بخلاف العكس وبخلاف مسألة قبض الثمن لأنه إذا وكله بالبيع أقامه مقام
36

نفسه فيه وانه عقد يتضمن عهدا منها تسليم المبيع وقبض الثمن فجاز أن يكون من قضاياه وأما
الاثبات فليس فيه ما يتضمن التزاما قال في التتمة الخلاف في الصورة الثانية في الأموال أما
القصاص والحد فلا يستوفيهما بحال وحكى القاضي ابن كج عن ابن خيران أنه على الوجهين
وإذا جمعت بن الامرين الاستيفاء والاثبات وقلت الوكيل بأحدهما هل يملك الثاني حصل في
الجواب ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب لكن تسمية الوجه الفارق أعدل الوجوه ربما أوهم
ترجيحه والظاهر عند الأصحاب أنه لا يفيد واحد منهما الثاني.
(فرع) عرفت أن الوكيل لا يسلم المبيع قبل قبض الثمن فلو فعل للموكل قيمته إن كانت
القيمة والثمن سواء أو كان الثمن أكثر وإن كانت القيمة أكثر بأن باعه بغبن محتمل فيغرمه
جميع القيمة أو يحط عنه قدر الغبن لصحة البيع بذلك الثمن فيه وجهان (أصحهما) أولهما ولو باع بغبن
فاحش بأذن الموكل فقياس الوجه الثاني أن لا يغرم إلا قدر الثمن ثم لو قبض الوكيل الثمن بعد
ما غرم دفعه إلى الموكل واسترد المغروم.
قال (الثالثة أن الوكيل بالشراء إذا اشترى معيبا بثمن مثله وجهل العيب وقع عن الموكل
وان علم فوجهان. وإن كان بغبن وعلم لم يقع عن الموكل. وان جهل فوجهان. ثم مهما جهل
الوكيل فله الرد (و) الا إذا كان العبد معينا من جهة الموكل فوجهان في الرد. وحيث يكون
37

الوكيل عالما فلا رد له. وفى الموكل وجهان. إذ قد يقوم علم الوكيل مقام علم الموكل كما في
رؤيته. ومهما يثبت الخيار لم يسقط برضا الوكيل حق الموكل ويسقط برضا الموكل رد الوكيل).
الوكيل بالشراء اما أن يكون وكيلا بشراء شئ موصوف فلا يشترى الا السليم لان قضية
الاطلاق السلامة ألا ترى أنه إذا أسلم في شئ موصوف استحق السليم منه ويخالف عامل القراض
حيث يجوز له شراء المعيب وههنا المقصود الادخار إذ يجوز أن يكون الادخار والاقتناء مقصودا
وإنما يقتنى السليم دون المعيب وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يجوز للوكيل شراء المعيب فلو خالف
ما ذكرناه واشترى المعيب نظر إن كان مع العيب يساوى ما اشتراه به فان جهل العيب فان جهل العيب وقع عن
الموكل وان علمه فثلاثة أوجه (أظهرها) أن لا يقع عنه لتقييد الاذن بالسليم (والثاني) يقع لأنه
لا نقصان في المالية والصيغة عامة (والثالث) يفرق بين ما يمنع من الاجزاء في الكفارة إذا كان
المبيع عبدا وبينما لا يمنع حملا لقوله اشتر لي رقبة على ما حمل عليه قوله تعالى (فتحرير رقبة)
قال الامام رحمه الله تعالى وصاحب هذا الوجه يستثنى الكفر فإنه يمنع من الاجزاء في الكفارة
ويجوز للوكيل شراء الكافر وإن كان لا يساوي ما اشتراه به فان علم لم يقع عن الموكل وان جهل
فوجهان (أصحهما) عند الامام أنه لا يقع أيضا عنه لان الغبن يمنع عن الموكل مع سلامة المبيع وأن
لم يعرف الوكيل فعند العيب أولى وأوفقهما لكلام الأكثرين أنه يقع عنه كما لو اشترى لنفسه جاهلا
38

ويفارق مجرد الغبن فإنه لا يثبت الخيار فلو صح البيع ورفع عن الموكل للزم ولحقه الضرر والعيب
يثبت الخيار والحكم بوقوعه عنه لا يورطه في الضرر وحيث قلنا بوقوعه عن الموكل فينظر إن كان
الوكيل جاهلا فللموكل الرد إذا اطلع لأنه المالك وأما الوكيل فعن صاحب التقريب رواية وجه عن
ابن سريج أنه لا ينفرد بالرد لأنه كان مأذونا في الشراء دون الفسخ وظاهر المذهب أنه ينفرد لمعنيين
(أحدهما) أنه اقامه مقام نفسه في هذا العقد ولواحقه (والثاني) أنه لو لم يكن له الرد إلى استئذان الموكل
فربما لا يرضى الموكل فيتعذر الرد لكونه على الفور ويبقى المبيع كلا على الوكيل وفيه ضرر ظاهر
وهذا هو المعتمد عند الأصحاب لكن فيه اشكال لأنا لو لم نثبت له الرد لكان كسائر الأجانب عن
العقد فلا أثر لتأخره وأيضا فان من له الرد قد يعذر في التأخير لأسباب داعية إليه فهلا كانت مشاورة
الموكل عذرا وأيضا فإنه وان تعذر منه الرد فلا يتعذر بنفس الرد إذ الموكل يرد إذا كان قد سماه في العقد
أو نواه على أن في كون المبيع للوكيل وفى الرد منه بتقدير تعذر كونه له خلافا وسيأتي جميع ذلك في الفصل
وإن كان الوكيل عالما فلا رد له وفى الموكل وجهان (أحدهما) أنه لا رد له أيضا لأنه نزل الوكيل منزلة
نفسه في العقد والاخذ فيكون اطلاعه على العيب كاطلاع الموكل كما أن رؤيته كرؤيته واخراج العقد عن
أن يكون على قولي شراء الغائب (وأصحهما) أن له الرد لان اطلاعه ورضاه بعد العقد لا يسقط حق
الرد للموكل فكذلك اطلاعه في الابتداء وعلى هذا فينتقل الملك إلى الوكيل أو ينفسخ العقد من
39

أصله حكي الامام رحمه الله فيه وجهين قال من قال بالأول كأنه يقول انعقاد العقد موقوفا إلى أن
يتبين الحال والا فيستحيل ارتداد الملك عن الموكل إلى الوكيل وهذه الاختلافات مفرعة على وقوع
العقد للوكيل مع علم الوكيل بالعيب والمذهب خلافه (الحالة الثانية) أن يكون وكيلا بشراء شئ معين
فإن لم ينفرد الوكيل في الحالة الأولى بالرد فهو ههنا أولى وان انفرد فههنا وجهان (وجه المنع) أنه ربما
يتعلق الغرض بعينه فينتظر مشاورته (ووجه الجواز) وهو الأصح والمنصوص في اختلاف العراقيين
أن الظاهر أنه بعينه شرط السلامة ولم يذكروا في هذه الحالة أنه متى يقع عن الموكل ومتى لا يقع
والقياس أنه كما سبق في الحالة الأولى نعم لو كان المبيع معيبا يساوى ما اشتراه به وهو عالم فايقاعه عن الموكل ههنا
أولى لجواز تعلق الغرض بعينه وجميع ما ذكرنا في الحالتين مفروض فيما إذا اشترى بثمن في الذمة أما إذا
كان الثمن بعين مال الموكل فحيث قلنا هناك لا يقع عن الموكل فههنا لا يصح أصلا وحيث قلنا يقع فكذلك
ههنا وهل للوكيل الرد فيه وجهان (أصحهما) لا ويمكن أن يكون الوجهان مبنيان على المعنيين السابقين
إن عللنا انفراده بالرد فإنه اقامه مقام نفسه في العقد ولواحقه فكذلك ههنا وان عللنا بأنه لو أخر ربما
لزم العقد فصار المبيع كلا عليه فلا لان المشترى بملك الغير لا يقع له بحال (واعلم) أنه إذا ثبت الرد للوكيل
في صورة الشراء في الذمة فلو أطلع الموكل على العيب قبل اطلاع الوكيل أو بعده ورضى سقط خيار الوكيل بخلاف
الرد فأن رضى المالك بحظه فمن الربح ولا يسقط خيار الموكل بتأخير الوكيل وتقصيره
وإذا أخر أو صرح بإلزام العقد فهل له العود إلى الرد لان أصل الحق باق بحاله وهو نائب أم لا وكأنه
40

بالتأخير أو الالزام عزل نفسه عن الرد وجهان (أظهرهما) الثاني وإذا قلنا به أو أثبتنا له العود
ولم يعد فإذا اطلع الموكل عليه وأراد الرد فله ذلك إن سماه الوكيل في الشراء أو نواه وصدقه البائع
عليه وإلا فوجهان (أحدهما) وهو المذكور في التهذيب والتتمة أنه يرده على الوكيل ويلزم المبيع
لأنه اشترى في الذمة ما لم يأذن فيه الموكل فيصرف إليه (والثاني) وهو الذي نقله الشيخ أبو حامد
وأصحابه أن المبيع يكون للموكل والرد قد فات لتفريط الوكيل وما الذي يضمن قال أبو يحيى البلخي قدر
نقصان قيمته من الثمن ولو كانت القيمة تسعين والثمن مائة يرجع بعشرة ولو تساويا فلا رجوع وقال
الأكثرون يرجع بأرش العيب لأنه فات الرد بغير تقصيره فكان له الأرش كما لو تعذر الرد بعيب
حادث إلا أن هناك يوجد الأرش من البائع لتلبيسه وههنا من الوكيل لتقصيره ولو أراد الوكيل
الرد فقال البائع أجزه حتى يحضر الموكل لم يلزمه الإجابة بل له الرد لئلا يصير المبيع كلا عليه أو يلزمه
الغرم ولان الرد حيث ثبت له فلا يكلف تأخيره وإذا رد ثم حضر الموكل ورضيه احتاج إلى
استئناف شراء ولو أخره كما التمس البائع فحضر الموكل ولم يرض به قال في التهذيب المبيع للوكيل
ولا رد لتأخيره مع الامكان وقيل له الرد لأنه لم يرض بالعيب قال وهو ضعيف ولك أن تقول
له أنت وسائر النقلة متفقون على أنه إذا رضى الوكيل بالعيب ثم حضر الموكل وأراد الرد فله ذلك
إذا كان الوكيل قد سماه أو نواه وههنا الوكيل والموكل والبائع يتصادقون على أن الشراء للموكل
41

فلا بد وأن يكون قد سماه ونواه ووجب أن يقال المبيع للموكل وله الرد ولو أراد فقال
البائع إنه قد عرفه الموكل ورضى به وليس لك الرد نظر إن لم يحتمل بلوغ الخبر إليه لم يلتفت
إلى قوله وإن احتمل وأنكر الوكيل حلف على نفى العلم برضى الموكل لأنه لو أقر به للزمه حكم
إقراره وعن أبي حامد القاضي وغيره وجه آخر أنه لا يخاف والمذهب الأول وقوله في المختصر وإن
وكله بشراء سلعه فأصاب بها عيبا كان له الرد بالعيب وليس عليه أن يخلفه أنه ما رضى به الا مؤول
عند الأصحاب محمول على ما إذا لم يكن ما يدعيه محتملا أو على ما إذا احتمل طلب اليمين منه على البت
أو على ما إذا لم يجزم بالدعوى بل قال أجز فلعله بلغه الخبر ورضى به ومنهم من غلط المزني في النقل
وقال إنه أدخل جواب مسأله في مسأله إذا عرفت ذلك فإذا عرضنا اليمين على الوكيل لم يخل
اما أن يخلف أو ينكل ان حلف رده فان حضر الموكل وصدق البائع فعن سريج أن له استرداد
المبيع من البائع لموافقته إياه على الرضى قبل الرد وفى التتمة أن القاضي الحسين قال لا يسترد وينفذ
فسخ الوكيل فان مكل حلف البائع وسقط رد الوكيل ثم إذا حضر الموكل وصدق البائع فذاك
وان كذبه قال في التهذيب لزم العقد للوكيل ولا رد له لابطاله الحق بالنكول وفيه من الاشكال
ما قدمناه هذا كله في طرف الشراء أما الوكيل بالبيع إذا بالع فوجد المشترى بالمبيع عيبا رده عليه
ان لم يعلمه وكيلا وان علمه وكيلا رده عليه ان شاء ثم هو يرد على الموكل وعلى الوكيل ان شاء
42

وهل للوكيل حط بعض الثمن المعيب فيه قولان عن ابن سريج ولو زعم الموكل حدوث العيب في
يد المشترى وصدق الوكيل المشترى رد المشترى على الوكيل ولم يرد الوكيل على الموكل.
(فرع) سيأتي في القراض أن الوكيل بالشراء هل يشترى من يعتق على الموكل ان قلنا
يشتريه فلو كان معيبا فللوكيل رده لأنه لا يعتق على الموكل قبل الرضى بالعيب ذكره في التهذيب.
قال (الرابعة الوكيل بتصرف معين لا يوكل الا إذا أذن له فيه. فلو وكل بتصرفات كثيرة
وأذن في التوكيل وكل. وان أطلق فثلاثة أوجه. وفى الثالث يوكل في المقدار المعجوز عنه
ويباشر الباقي. ثم لا يوكل الا أمينا رعاية للغبطة).
مقصود الفصل الكلام في أن الوكيل هل يوكل لا يخلو اما أن يأذن له الموكل في التوكيل
صريحا أو يسكت عنه ان سكت عنه فينظر إن كان أمرا يتأتى له الاتيان به لم يوكل فيه لأنه لم
يرض بتصرف غيره وان لم يتأت ذلك منه اما لأنه لا يحسن أو لان الاتيان به لا يليق بمنصبه فله
التوكيل فيه لان الشخص لا يقصد منه الا الاستنابة فيه وفيه وجه أنه لا يوكل لقصور قضية اللفظ
ولو كثرت التصرفات التي وكله بها ولم يمكنه الاتيان بالكل لكثرتها ففيه ثلاثة طرق (أصحهما)
أنه يوكل فيما يزيد على قدر الامكان وفى قدر الامكان وجهان (أحدهما) يوكل فيه أيضا لأنه
ملك التوكل في البعض فيوكل في الكل كما لو أذن صريحا (وأصحهما) أنه لا يوكل في القدر المقدور
له لأنه لا ضرورة إليه (والثانية) أنه لا يوكل في قدر الامكان وفيما يزيد عليه وجهان (الثالثة) اطلاق
43

الوجهين في الكل قال الامام رحمه الله تعالى والخلاف على اختلاف الطرق ناظر إلى اللفظ والقرينة وفى
القرينة تردد في التعميم والتخصيص أما إذا أذن له في التوكيل فله أن يوكل ثم له ثلاث صور
لأنه اما أن يقول وكل عن نفسك أو وكل عنى أو يطلق (الصورة الأولى) إذا قال وكل
عن نفسك ففعل انعزل الثاني بعزل الأول لأنه نائبه وفيه وجه أنه لا ينعزل الا بالاذن
واجري هذا الخلاف في انعزاله بموت الأول وجنونه (والأصح) الانعزال ولو عزل الموكل
الوكيل الأول انعزل وفى انعزال الثاني بانعزاله هذا الخلاف ولو عزل الثاني ففي
انعزاله وجهان (أحدهما) لا ينعزل لأنه ليس بوكيل من جهته (وأصحهما) أنه ينعزل كما ينعزل بموته
وجنونه والعبارة المعبرة عن هذا الخلاف أن الثاني وكيل الوكيل كما صرح به في التوكيل أو وكيل
الأول ومعنى كلامه أقم غيرك مقام نفسك والأصح أنه وكيل الوكيل الوكيل لكنه إذا كان وكيل الوكيل
كان فرع الفرع وفرع الفرع فرع الأصل فينعزل بانعزاله (الصورة الثانية) إذا قال وكل عنى ففعل
فالثاني وكيل الموكل كالأول وله عزل أيهما شاء وليس لواحد منهما عزل الآخر ولا ينعزل بانعزال
الآخر (الثالثة) إذا قال وكلتك بكذا وأذنت لك في أن تو كل به وكيلا ولم يقل عنى ولا عن نفسك
ففيه وجهان (أحدهما) ان الحكم كما في الصورة الأولى لان المقصود في الاذن في التوكيل تسهيل
الامر عليه (وأصحهما) أنه كالصورة الثانية لان التوكيل تصرف يتولاه باذن الموكل فيقع عنه وإذا
44

جوزنا للوكيل أن يوكل في صورة سكوت الموكل عنه فينبغي أن يوكل عن موكله فلو وكله عن
نفسه ففيه وجهان وهذا لان القرينة المجوزة للتوكيل كالاذن في مطلق التوكيل ويشترط على
الوكيل حيث ملك التوكيل أن يوكل أمينا رعاية لمصلحة الموكل الا أن يعين له من ليس بأمين
ولو وكل أمينا ففسق فهل له عزله فيه وجهان.
(فرع) إذا وكله بتصرف وقال له افعل فيه ما شئت هل يكون ذلك كالاذن في التوكيل فيه
وجهان عن ابن سريج (أصحهما) لا وقوله افعل ما شئت ينصرف إلى تصرفه بنفسه (وقوله) في الكتاب
الوكيل بتصرف معين لا يوكل إلا إذا أذن فيه غير معمول بظاهره بل المعنى إلا إذا كان الموكل فيه
مالا يتأتى للوكيل مباشرته فان الظاهر جواز التوكيل والحالة هذه كما تقرر (وقوله) فان أطلق فثلاثة
أوجه هي حاصل ما يخرج من الطرق الثلاثة التي قدمناها واعلم أن الصورة المذكورة في أول الباب إلى
هذه الغاية موضوعة في الوكيل المطلق ومن هذا الموضع إلى آخره في التوكيل المقرون بضرب من التقييد.
قال (الخامسة تتبع مخصصات الموكل. فلو قال بع من زيد لم يبع من غيره. وان
خصص زمانا تعين. وان خصص سوقا يتفاوت بها الغرض تعين والا فلا. وإذا صرح بالنهي عن
غير المخصوص امتنع قطعا. ولو قال بع بمائة يبيع بما فوقه الا إذا نهاه عنه. ولا يبيع بما دونه
بحال. ولو قال اشتر بمائة يشترى بما دونها الا إذا نهاه. ولا يشترى بما فوقها بحال. ولو قال بع بمائة
نسيئة فباع نقدا بمائة. أو قال اشتر بمائة نقدا فاشترى بمائة فوجهان لان التفاوت فيه يشبه
45

اختلاف الجنس. ولا خلاف أنه لو قال بع بألف درهم فباع بألف دينار لم يجز وفيه احتمال).
الأصل في هذه الصورة وما بعدها أنه يجب النظر بتقييدات الموكل في الوكالة ويشترط على
الوكيل رعاية المفهوم منها بحسب العرف وفى الفصل صور (أحدها) إذا عين الموكل شخصا بأن قال بع
من زيد أو وقتا بأن قال بع في يوم كذا لم يجز أن يبيع من غيره ولا قبل ذلك الزمان ولا بعده أما
الأول فلان ذلك الشخص المعين قد يكون أقرب إلى الحل وأبعد عن الشبهة وربما يريد تخصيصه
بذلك المبيع وأما الثاني فلانه ربما يحتاج إلى البيع في ذلك الوقت ولو عين مكانا من سوق ونحوها
نظر إن كان له في المكان المعين غرض بأن كان الراغبون فيه أكثر أو النقد فيه أجود لم يجز أن
يبيع في غيره وان لم يكن غرض ظاهر فوجهان (أحدهما) يجوز والتعيين في مثل ذلك يقع اتفاقا هذا
ما أورده في الكتاب وبه قال القاضي أبو حامد وقطع به الغزالي (والثاني) لا يجوز لأنه ربما يكون له
غرض لا يطلع عليه وهذا أصح عند ابن الفطان وصاحب التهذيب ولو نهاه صريحا عن البيع في
غير ذلك الموضع امتنع بلا خلاف وذكر ابن كج أن قوله بع في بلد كذا كقوله بع في سوق كذا
حتى لو باعه في بلد آخر جاء في التفصيل المذكور وهذا صحيح ولكنه يصير ضامنا للمال لنقله من
ذلك البلد وكذا الثمن يكون مضمونا في يده بل لو أطلق التوكيل بالبيع وهو في بلد فليبعه في
ذلك البلد ولو نقله صار ضامنا (الثانية) لو قال بع بمائة درهم لم يبع بما دونها وله أن يبيع بما فوقها
والمقصود من التقدير أن لا ينقص ثمنها عن المقدار نعم لو نهاه صريحا لم يبع بما فوقها وحكي العبادي أن
46

بعض البصريين من أصحابنا لم يجوز أن يبيع بما فوق المائة والمشهور الأول وهل له أن يبيع بمائة وهناك
من يرغب بالزيادة على المائة فيه وجهان (أحدهما) نعم لموافقة صريح اذنه (والثاني) لا كما لو أطلق الوكالة
فباع بثمن المثل وهناك من يرغب بالزيادة وذكر الأئمة أنه لو كان المشترى معينا بأن قال بع كلا
من فلان بمائة لم يجز أن يبيع بأكثر منها وكان المعنى فيه أنه ربما يقصد ارفاقه ولو قال بع كذا ولا
تبعه بأكثر من مائة لم يبع بالأكثر ويبيع بها وبما دونها ما لم ينقص عن ثمن المثل ولو قال بعه
بمائة ولا تبعه بمائة وخمسين فله أن يبيع بما فوق المائة دون المائة والخمسين ولا يبيع بالمائة والخمسين وفيما فوق
ذلك وجهان عن ابن سريج (أصحهما) المنع لأنه لما نهى عن زيادة خمسين فعن ما فوقها أولى وكذلك
في طرف الشراء لو قال اشتر بمائة له أن يشترى بما دونها إلا إذا نهاه ولا يشترى بما فوقها ولو قال
اشتر بمائة ولا تشترى بخمسين يجوز أن يشترى بما بين المائة والخمسين ولا يشترى بخمسين وفيما دونها
الوجهان (الثالثة) لو قال بعه إلى أجل وبين قدره أو قلنا لا حاجة إلى البيان وحملناه على المعتاد فخالف
وباع حالا نظر إن باعه بما يساويه حالا لم يصح لأنه يكن ناقصا عن ما أمر به فان ما يشترى به
الشئ نقدا أقل مما يشترى به نسئة ولو باعه بما يساويه إلى ذلك الأجل حالا نظر إن كان في وقت
لا يؤمن فيه من نهب أو سرقة أو كان لحفظه مؤنة في الحال لم يصح أيضا وان لم يكن شئ من ذلك
47

فوجهان (أحدهما) المنع أيضا فإنه ربما كان يحتاج إلى الثمن في ذلك الوقت ويخاف من التعجيل خروجه
في نفقته (وأصحهما) على ما ذكره في التهذيب الجواز لأنه زاد خيرا ولافرق فيما ذكره بين ثمن المثل عند
الاطلاق وبين ما يقدره من الثمن بأن قال بع بمائة نسيئة نقدا كما صور في الكتاب ولو
قال بع بكذا إلى شهرين فباعه إلى شهر ففيه وجهان ولو قال اشتر حالا فاشتراه مؤجلا نظر ان اشتراه
بما يرغب به فيه حالا إلى ذلك الأجل فوجهان كما في طرف البيع (وجه) الجواز ما مر (ووجه) المنع أنه
ربما يخاف هلاك المال وبقاء الدين في ذمته قال أبو سعيد المتولي هذا إذا قلنا إن مستحق الدين المؤجل
إذا عجل حقه يلزمه القبول (أما) إذا قلنا لا يلزمه القبول لا يصح الشراء ههنا للموكل بحال وذكر هو
وغيره تخريجا على المسألة التي نحن فيها أن الوكيل بالشراء مطلقا لو اشترى نسيئة بثمن مثله جاز
لأنه زاد خيرا والموكل بسبيل من تفريغ ذمته بالتعجيل (وقوله) في الكتاب لان التفاوت فيه
نسيئة اختلاف الجنس أي في النقد ونسيئة وإنما يشبهه باختلاف الجنس لما بين الدين والعين أو بين
الحال والمؤجل من شدة اختلاف الاغراض وهذا توجيه وجه المنع في صورتي البيع والشراء ولذلك
عقبة بقوله ولا خلاف أنه لو قال بع بألف درهم فباع بألف دينار لم يجز وإنما كان كذلك لان المأتى
به ليس هو المأمور به ولا هو مشتمل على تحصيل ما أمر بتحصيله والوكيل متصرف بالاذن فإذا
عزل عن المأذون فيه لغا تصرفه وأما قوله وفيه احتمال فقد أورد القاضي ابن كج نحوا منه وليس له
48

ذكر في الوسيط ولا في كتاب الامام رحمه الله تعالى ويمكن توجيهه بأنا عرفنا بالتوكيل رغبته في
البيع ومن رغب في البيع بالدراهم فهو في البيع بمثل عددها من الدنانير أرغب هذا هو العرف الغالب
وكما أن البيع بالدنانير غير المأذون فيه وهو البيع بالدراهم كذلك البيع بالمائتين غير المأذون فيه وهو
البيع بالمائة ألا ترى أنه لو قال بعتك بمائة درهم لم يصح القبول بمائتي درهم كما لا يصح بمائتي دينار
فإذا صححنا البيع بالمائتين اعتمادا على العرف فكذلك البيع بالدنانير وعلى هذا الاحتمال فالبيع بعرض
يساوى مائتي دينار يشبه أن يكون كالبيع بمائة دينار.
قال (ولو سلم إليه دينارا ليشترى شاة فاشترى شاتين تساوى كل واحدة منهما دينارا وباع
إحداهما بدينار ورد الدينار والشاة فقد فعل هذا عروة البارقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا له فهو صحيح
على أسد القولين. وفى بيع الشاة خلاف ظاهر. وتأويل الحديث أنه لعله كان وكيلا مطلقا).
صور المسألة أن يسلم دينارا إلى وكيله ليشترى له شاة ووصفها فاشترى الوكيل شاتين بتلك
الصفة بدينار فينظر إن لم تساوى كل واحدة منهما دينارا لم يصح الشراء للموكل وان زادتا معا على
الدينار لأنه ربما يبغي شاة تساوى دينارا فإن كانت كل واحدة منهما تساوى دينارا فقولان (أصحهما)
صحة الشراء وحصول الملك فيهما للموكل لأنه اذن له في شراء شاة بدينار فإذا اشترى شاتين كل
واحدة منهما تساوى دينارا بدينار فقد زاد خيرا مع تحصيل ما طلبه الموكل فأشبه ما إذا أمره ببيع شاة
49

بدرهم فباعها بدرهمين أو يشترى شاة بدرهم فاشتراهما بنصف درهم (والثاني) أنه لا تقع الشاتان معا للموكل
لأنه لم يأذن الا في شراء واحدة ولكن ينظر ان اشتراها في الذمة فللموكل واحدة بنصف دينار
والأخرى للوكيل ويرد على الموكل نصف دينار وللموكل أن ينزع الثانية منه ويقرر العقد فيهما لأنه
عقد العقد له وان اشتراهما بعين الدينار فكأنه اشترى واحدة باذنه وأخرى بغير اذنه فينبنى على أن
العقود هل تتوقف على الإجازة (ان قلنا) لا تتوقف بطل العقد في واحدة وفى الثانية قولا تفريق الصفقة
(وان قلنا) تتوقف فأن شاء الموكل أخذهما بالدينار وان شاء اقتصر على واحدة ورد الأخرى على
المالك والقول في وضعه مشكل لان تعيين واحدة للموكل أو بطلان العقد فيهما ليس بأولى من الأخرى
والتخيير مشبه بما إذا باع شاة من شاتين على أن يتخير المشترى وهو باطل ونقل الامام رحمه الله
تعالى فيما إذا اشترى في الذمة قولا ثالثا وهو ان الشراء لا يصح للموكل في واحدة منهما بل يقعان للوكيل
وإذا قلنا بصحة الشراء فيهما للموكل فلو باع الوكيل أحدهما عن غير اذن الموكل ففي صحة البيع
قولان عن ابن سريج (أحدهما) المنع لأنه لم يأذن في البيع فأشبه ما إذا اشترى شاة بدينار ثم باعها
بدينارين (والثاني) أنه يصح لأنه إذا جاء بالشاة فقد حصل مقصود الموكل فلا فرق فيما زاد بين
أن يكون ذهبا أو غيره وعلى هذا يخرج ما إذا اشترى شاة بدينار وباعها بدينارين ويقال هذا الخلاف
هو بعينه القولان في بيع الفضولي فعلى القول الجديد يلغو وعلى القديم ينعقد موقوفا على إجازة
50

الموكل واعلم أن صورة المسألة شراءا وبيعا قد نقل في حديث عروة الباقي وهو مذكور في أول
البيع في مسألة الفضولي واحتج بهذا الحديث لكل واحد من القولين في أصل المسألة اما للقول الأصح
فلان النبي صلى الله عليه وسلم فرره على شرائهما وألزم العقد فيهما واما للقول الثاني فلان الشاتين لو وقعتا للنبي
صلى الله عليه وسلم لما باع أحداهما قبل مراجعته لان الانسان لا يبيع مال الغير كيف وقد سلم وتصرف الفضولي
وان حكم بانعقاده فلا كلام في أنه ليس له التسليم قبل مراجعة المالك واجازته فلما باع أحدهما دل على
أنها دخلت في ملكه وقد يقال هب أن واحدة منهما ملكه لكنها لا تتعين ما لم يختر الموكل واحدة
منهما أو يجرى فيهما اصطلاح في ذلك وإذا لم تكن التي ملكها معينة فكيف يبيع واحدة منهما على التعيين
ثم القائلون بالقول الأول والاحتجاج الأول احتج من ذهب منهم إلى صحة بيع إحدى الشاتين بالحديث
ومن منع حمل القضية على أن عروة كان وكيلا مطلقا من جهة النبي صلى الله عليه وسلم في بيع أمواله إذا رآى
رأى المصلحة فيه ولكن في هذا التأويل بحث لأنه إن كان قد وكله في بيع أمواله وما سيملكه
وقع في الخلاف المذكور في التوكيل ببيع ما سيملكه الا أن يقال ذلك الخلاف فيما إذا خصص بيع
ما سيملكه بالتوكيل أما إذا حصل تابعا لأمواله الموجودة في الحال فيجوز وهذا كما أنه لو قال وقفت
على من سيولد من أولادي لا يجوز ولو قال على أولادي ومن سيولد لي جاز.
51

(فرع) لو قال بع عبدي بمائة درهم فباعه بمائة درهم وعبد أو ثوب يساوى مائة درهم فعن
ابن سريج أنه على قولين بالترتيب على مسألة الشاتين وأولى بالمنع لأنه عدل عن الجنس الذي أمره
بالبيع به ان منع فيمتنع في القدر الذي يقابل غير الجنس وهو الصنف أم في الجمع كيلا تتفرق
الصفقة فيه قولان (ان قلنا) في ذلك القدر خاصة ففي التتمة أنه لاخيار للبائع لأنه إذا رضى ببيع الجميع
بالمائة كان أرضى ببيع النصف بها وأما المشترى ان لم يعلم كونه وكيلا بالبيع بالدراهم فله الخيار فان
علمه فوجهان لشروعه في العقد مع العلم بان بعض المعقود عليه لا يسلم له.
قال (السادسة الوكيل بالخصومة لا يقر على موكله كما لا يصالح. ولا يبرئ الوكيل بالصلح عن
الدم على خمر إذا فعل حصل العفو كما لو فعله الموكل. ولو صالح على خنزير ففيه تردد. والوكيل
بالشراء الفاسد لا يستفيد به الصحيح فلا معنى لوكالته. وليس للوكيل بالخصومة ان يشهد لموكله
الا إذا عزل قبل الخوض في الخصومة ثم شهد. وإن كان قد خاض لم يقبل لأنه متهم بتصديق نفسه
وإذا وكل رجلين بالخصومة فهل لكل واحد الاستبداد وجهان).
قال الشارح في أول هذه الصورة وفى آخرها مسائل تتعلق بالتوكيل بالخصومة في خلالها
ما لا يتعلق بالخصومة ونحن نستوفي ما يتعلق بالخصومة ثم نذكر المدرج في مسائلها أما ما يتعلق بالخصومة
فثلاث مسائل (إحداها) الوكيل بالخصومة من جهة المدعى يدعى ويقيم البينة ويسعى في تعديلها
52

ويحلف ويطلب الحكم والقضاء ويفعل ما يقع وسيلة إلى الاثبات والوكيل بالخصومة من جهة
المدعى عليه ينكر ويطعن في الشهود ويسعى في الدفع بما يمكنه ولو أقر وكيل المدعى بالقبض أو الابراء
أقبول الحوالة أو المصالحة على مال أو بأن الحق مؤجل أو أقر وكيل المدعى عليه بالحق المدعى لم يقبل
سواء أقر في مجلس الحكم أو غيره وبهذا قال أحمد وقال أبو حنيفة تقبل إذا أقر في مجلس الحكم
وسلم أنه لا يقبل في دعوى النكاح والطلاق والقصاص والعفو (ولنا) القياس على ما سلمه وأيضا فإنه
لا يصالح ولا يبرئ لان اسم الخصومة لا يتناولهما فكذلك الاقرار ثم وكيل المدعى إذا أقر بالقبض
أو الابراء انعزل عن الوكالة وان لم يلزم اقراره الموكل وكذلك وكيل المدعى عليه إذا أقر بالحق لأنه
بعد الاقرار ظالم في الخصومة بزعمه وأطلق القاضي ابن كج وجهين في أنه هل تبطل وكالته بالاقرار
وهل يشترط في التوكيل بالخصومة بيان من يخاصم. معه.
(فرع) نقل في النهاية أن الوكيل بالخصومة من جهة المدعى عليه لا يقبل منه تعديل بينة
المدعى لأنه كالاقرار في كونه قاطعا للخصومة وليس للوكيل قطع الخصومة بالاختيار وقال المصنف في
الوسيط لاشك أن تعديله وحده لا ينزل منه منزلة اقرار الموكل بعدالتهم لكن رده مطلقا بعيد لان التعديل
غير مستفاد من الوكالة إلا أن يوجه بأنه بالتعديل مقصر في الوكالة وتارك حق النصح (الثانية) تقبل
شهادة الوكيل على موكله ولموكله في غير ما هو وكيل فيه كما لو شهد له بعبد وقد وكله ببيع
53

دار وان شهد فيما هو وكيل فيه نظر إن كان ذلك قبل العزل لم تقبل لأنه يثبت لنفسه محل ولاية
التصرف وإن كان بعده فإن كان قد خاصم فه لم تقبل أيضا لأنه متهم بتمشية قوله واظهار الصدق
وإن لم يخاصم فوجهان (أحدهما) لا تقبل كما لو شهد قبل العزل (وأصحهما) ويحكى عن أبي حنيفة
رحمه الله تعالى أنه تقبل لأنه ما انتصب خصما ولا يثبت لنفسه حقا فأشبه ما لو شهد قبل التوكيل
هذه هي الطريقة المشهورة وقال الامام رحمه الله تعالى قياس المراوزة أنه يعكس فيقال إن لم يخاصم
تقبل شهادته وإن كان قد خاصم فوجهان ورأي هذا التفصيل فيما إذا جرى الامر على تواصل فأما
إذا طال الفصل فالوجه القطع بقبول الشهادة مع احتمال فيه ويجوز أن يعلم لما ذكرنا قوله في الكتاب ثم
يشهد - بالواو - (وقوله) فإن كان قد خاصم إلى آخره في حكم المكرر لان فيما قبله ما يغني عنه (الثالثة) لو
وكل رجلين بالخصومة ولم يصرح باستقلال كل واحد منهما (فأصح) الوجهين أن كل واحد منهما
لا يستقل بها بل يتساويان ويتناصران كما لو وكل رجلين ببيع أو طلاق أو غيرهما أو وصى إلى رجلين
(والثاني) أن لكل واحد منهما الاستقلال لعسر الاجتماع على الخصومة ويقرب منهما الوجهان فيما
إذا وكل رجلين بحفظ متاع فعلى الأصح لا ينفرد واحد منهما بحفظه بل يحفظانه في حرز بينهما وعلى
الثاني ينفرد به كل منهما فان قبل القسمة قسم ليحفظ كل واحد منهما بعضه واعلم أنه إذا ادعى عند القاضي
أنه وكيل فلان في خصومة فلان فإن كان المقصود بالخصومة حاضرا وصدقة ثبتت الوكالة وله مخاصمته
54

وإن كذبه فأقام البينة على الوكالة ولا يحتاج أن يدعى حقا لموكله وإن كان غائبا وأقام المدعى البينة
على الوكالة سمعها القاضي واتبعها ولا يعتبر حضور المقصود بالخصومة في اثبات الوكالة خلافا لأبي
حنيفة رحمه الله تعالى حيث قال لا تسمع البينة الا في وجه الخصم قال الامام رحمه الله تعالى هو بناء
على امتناع القضاء على الغائب ثم حكى عن القاضي الحسين أنه لابد وان ينسب القاضي مسخرا ينوب
عن الغائب ليقيم المدعى البينة في وجهه ثم استبعده وقال لا أعرف لهذا أصلا فهما فيه من مخالفة
الأصحاب وحكى أيضا عنه أن القضاة اصطلحوا على أن من وكل في مجلس القاضي وكيلا بالخصومة
يختص التوكيل بالخصومة في ذلك المجلس وقال الامام رحمه الله تعالى والذي نعرفه للأصحاب أنه
يخاصمه في ذلك المجلس وبعده ولا نعرف للقضاة العرف الذي ادعاه.
(فرع) وكل رجلا عند القاضي بالخصومة عنه وطلب حقوقه فللوكيل أن يخاصم عنه ما دام
حاضرا اعتمادا على العيان فإذا غاب وأراد الوكيل الخصومة عنه بناء على اسم وسبب يذكره فلابد
من إقامة البينة على أن فلان بن فلان وكله أو على أن الذي وكله هو فلان ابن فلان ذكره
أصحابنا العراقيون والشيخ أبو عاصم العبادي وعبارة العبادي أنه لابد وأن يعرف الموكل شاهدان
يعرفهما القاضي ويثق بهما في أدب مختصر صفة القضاة ووراء ذلك شيئان (أحدهما) روى الامام رحمه الله
55

تعالى عن القاضي الحسين أن الحكام عادتهم التساهل في هذه البينة بالعدالة الظاهرة وترك البحث
والاستزكاء تسهيلا على الغرماء (والثاني) قال القاضي أبو سعيد يمكن أن يكتفى بمعرفة واحد إذا
كان موثوقا به كما ذكر الشيخ أبو محمد أن تعريف المرأة في تحمل الشهادة عليها يحصل بمعرف واحد
لأنه اخبار وليس بشهادة وأما ما أدرجه في خلال مسائل الخصومة فمسألتان (إحداهما) لو وكله
الصلح عن الدم على خمر ففعل حصل العفو كما لو فعله الموكل بنفسه وهذا لان في الصلح على الخمر وإن كان
فاسدا فيما يتعلق بالعوض ولكنه صحيح فيما يتعلق بالقصاص فيصح التوكيل فيما لو فعله بنفسه
ليصح لا أنا نصحح التوكيل في العقد الفاسد ولو وكله بالصلح عن القصاص على خمر فصالح على
خنزير ففيه جوابان عن ابن سريج أشبههما أنه لغو ويبقى القصاص على ما كان لأنه مستبد بما فعل
غير موافق لأمر الموكل (والثاني) أنه كما لو عفا على خمر لان الوكالة بالصلح ثابتة والخمر لا تثبت
وان ذكرت وإنما نثبت الدية فلا فرق فيما يصح ويثبت بين أن يذكر الخمر أو الخنزير وعلى هذا
لو صالح على ما يصلح عوضا وعلى الدية نفسها يجوز ولا خلاف في أنه لو اجرى هذا الاختلاف
56

بين الموجب والقابل في المصالحة يلغو لعدم انتظام الخطاب والجواب ولو وكله بأن يخالع زوجته
على خمر فخالع على خمر أو خنزير فعلى ما ذكرنا في الصلح عن الدم (الثانية) لو وكله ببيع أو شراء
فاسد مثل أن يقول بع أو اشتر إلى وقت العطاء أو قدوم زيد لم يملك الوكيل العقد الصحيح لان
الموكل ما أذن فيه ولا الفاسد لان الشرع ما أذن فيه وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه يملك الصحيح.
قال (السابعة إذا سلم إليه ألفا وقال اشتر بعينه شيئا فاشترى في الذمة لم يقع عن الموكل. وان
قال اشتر في الذمة وسلم الألف فاشترى بعينه ففي صحته وجهان).
لو سلم إليه ألفا وقال اشتر كذا بعينه فاشترى في الذمة لينقد ما سلمه إليه في ثمنه لم يصح الشراء
للموكل لأنه أمره بعقد ينفس لو تلف ما سلمه إليه وقد لا يريد لزوم الف آخر والوكيل أبى العقد
لا ينفسخ لو تلف ما سلم إليه ويلزم الرد ولو قال اشتر في الذمة وسلم هذا في ثمنه فاشترى بعينه فوجهان
(أحدهما) أنه يصح للموكل لأنه زاد خيرا حيث عقد على وجه لو تلف المسلم إليه لم يلزمه
شئ آخر (وأصحهما) المنع لأنه ربما يريد حصول ذلك المبيع لو سلم ما يسلمه إليه أو تلف ولو سلمه
57

إليه وقال اشتر كذا ولم يقل بعينه ولا قال في الذمة فوجهان (أحدهما) أنه كما لو قال اشتر بعينه لان
قرينة التسليم تشعر به (وظهرهما) ان الوكيل يتخير بين ان يشترى بعينه أو في الذمة لأنه
على النقد يرين يكون اتيانا بالمأمور ويجوز أن يكون غرضه من تسليمه إليه مجرد انصرافه إلى
ثمن ذلك الشئ.
قال (ثم الوكيل مهما خالف في البيع بطل تصرفه. ومهما خالف الشراء بعين مال
الموكل فكمثل. فان اشترى في الذمة وقع عن الوكيل الا إذا صرح بالإضافة إلى الموكل ففي وقوعه
عن الوكيل وجهان).
لما تكلم فيما أراد من صور مخالفة الوكيل الموكل وموافقته بين حكم البيع والشراء إذا وقعا مخالفين
لأمر الموكل اما البيع فإذا قال بع هذا العبد فباع عبدا آخر فهو باطل لان المالك لم يرض بإزالة
ملكه عنه واما الشراء فان وقع بعين مال الموكل فهو كالبيع أو اشترى في الذمة نظر ان لم يسم الموكل
فهو واقع عن الوكيل لان الخطاب جامعة وإنما ينصرف إلى الموكل بشرط كونه موافقا لاذنه فاما
إذا لم يوافق لغت النية وكان كأجنبي يشترى لغيره بالذمة وهذا كله جواب على الجديد في منع وقف
العقود والغاء تصرف الفضولي واما على القديم فسبيل الوكيل فيه سبيل الأجانب يتوقف الشراء في الذمة
58

على اجازته ان شاء وقع عنه والا فعن الوكيل وكذا القول في مخالفة الموكل في البيع على ما ذكرنا في
أول البيع وكذا الشراء بعين ماله والبيع ينعقدان موقوفان على ذلك القول فيجوز ان يعلم قوله
وقع عن الوكيل وقوله بطل تصرفه - بالواو - وكذلك القول وان سمى الموكل فوجهان (أحدهما) انه
يبطل العقد رأسا لأنه صرح بإضافته إلى الموكل وامتنع ايقاعه عنه فيلغو (وأظهرهما) يقع عن الوكيل
وتلغو تسمية الموكل وهذا لان تسمية الموكل غيره معتبرة في الشراء فإذا سماه ولم يمكن صرف العقد
إليه صار كأنه لم يسمه هذا فيما إذا قال البائع بعت منك وقال المشترى اشتريته لفلان يعنى موكله (اما)
إذا قال البائع بعت من فلان يعنى موكله وقال المشترى اشتريت لفلان يعنى موكله فظاهر المذهب
بطلان العقد لأنه لم تجر بينهما مخاطبة ويفارق النكاح حيث يقع من الزوج ووكيل الزوج على
هذه الصيغة بل لا يجوز الا كذلك لان للبيع أحكاما تتعلق بمجلس العقد كالخيار وغيره وتلك الأحكام
إنما يمكن الاعتبار فيها بالمتعاقدين فاعتبر جريان الخاطبة بينهما والنكاح سفارة مخضة.
(فرع) في فتاوى القفال ان وكيل المتهب بالقبول يجب ان يسمى موكلة والا وقع عنه لجريان
الخطاب معه ولا ينصرف بالنية إلى الموكل لان الواهب قد يقصده بالتبرع بعينه وما لكل اخذ تسمح
النفس بالتبرع عليه ويخالف الشراء فان المقصود فيه حصول العوض.
59

قال (الحكم الثاني للوكله العهد في حق الوكيل. ويده يد أمانه في حق الموكل حتى
لا يضمن سواء كان وكيلا بجعل أو بغير جعل. ثم إن سلم إليه الثمن فهو مطالب به مهما وكل بالشراء.
وان لم يسلم الثمن وتنكر البائع كونه وكيلا طالبه. وان اعترف بوكالته ففيه ثلاثة أوجه. والظاهر أنه
يطالبه به دون الموكل. وفى الثاني يطالب الموكل دونه. وفى الثالث يطالبهما. ثم إن طولب
الوكيل فالصحيح رجوعه على الموكل. وكذلك لو تلف الثمن في يده بعد أن خرج ما اشتراه مستحقا
فالمستحق يطالب البائع. وفى مطالبته الوكيل والموكل هذه الأوجه. وكذا الوكيل بالبيع إذا قبض
الثمن وتلف في يده فخرج المبيع مستحقا فرجع المشترى بالثمن على الوكيل أو على الموكل ففيه
هذا الخلاف).
ترجم الحكم بالعهدة لكنه قد مر على الكلام في العهدة أصل اخر جعله في الوسيط حكما
برأسه واشتغل الحكم على مقصودين (أحدهما) ان يد الوكيل يد أمانه فلو تلف المال في يده من
غير تصرفه فلا ضمان عليه سواء كان وكيلا بجعل أو بغير جعل وان تعدي فيه كان ركب الدابة أو
60

لبس الثوب ضمن وهل ينعزل عن الوكالة فيه وجهان (أحدهما) نعم لأنها أمانه فترجع بالتعدي
كالوديعة (وأصحهما) لا وبه قطع بعضهم لان الوكالة أمانه واذن في التصرف والأمانة حكم يترتب
عليه فلا يلزم من ارتفاع هذا الحكم بطلان أصل العقد وهذا كما أن الرهن لما كان القصود منه التوثيق
ومن حكمه الأمانة لا يلزم من الارتفاع حكم الأمانة فيه بطلان أصل الرهن وتخالف الوديعة فإنها ائتمان
محض فلا تبقى مع التعدي فعلى هذا يصح تصرفه وإذا باع وسلم زال عنه الضمان لأنه أخرجه من
يده باذن الملك وهل يزول الضمان بمجرد البيع فيه (أحدهما) نعم لزوال ملك الموكل
بالبيع (وأصحهما) لا لأنه ربما يرتفع العقد بتلفه قبل قبض المشترى فيكون التلف على ملك الموكل
والثمن الذي يقبضه لا يكون مضمونا على لأنه لم يتعد فيه ولو رد المشترى المبيع عليه بعيب عاد الضمان
ولو دفع لوكيله دراهم ليشتري بها طعاما مثلا فتصرف فيها على أن تكون قرضا عليه صار ضامنا
وليس له ان يشترى للموكل بدراهم نفسه ولا في الذمة ولو فعل كان ما اشتراه له دون الموكل وقال
أبو حنيفة رحمه الله تعالى تكون للموكل ولو عادت الدراهم التي أنفقها إلى يده فأراد ان يشترى بها
للموكل فهو على الخلاف المذكور في أن الوكيل هل ينعزل بالتعدي والأصح انه لا ينعزل ولا يكون
61

ما اشتراه مضمونا عليه لأنه لم يتعد فيه ولو رد ما اشتراه بعينه واسترد الثمن عاد مضمونا عليه ومتى
طالب الموكل الوكيل برد ماله فعليه ان يخلي بينه وبينه فان امتنع صار ضامنا كالمودع (المقصود
الثاني) الكلام في العهدة ونقدم عليه أصلين (أحدهما) الوكيل بالشراء إذا اشترى لموكله ما وكله
بشرائه فالملك يثبت للوكيل ثم ينتقل إلى الموكل أم يثبت للموكل ابتداء فيه وجهان لابن سريج
(أحدهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى انه يثبت للوكيل أولا ثم ينتقل إلى الموكل لان
الخطاب جرى معه وأحكام العقد تتعلق به (وأصحهما) انه يثبت للموكل ابتداء كما لو اشترى الأب
للطفل يثبت الملك للطفل ابتداء ولأنه لو ثبت للوكيل لعتق عليه أبوه إذا اشتراه لموكله ولا يعتق
(الأصل الثاني) ان أحكام العقد في البيع والشراء تتعلق بالوكيل دون الموكل حيث تعتبر رؤية الوكيل
دون الموكل وتلزم بمفارقة الوكيل مجلس العقد ولا تلزم بمفارقة الموكل إن كان حاضرا فيه وتسليم رأس
المال في السلم والتقابض حيث يشترط التقابض يعتبران قبل مفارقه الوكيل والفسخ بخيار المجلس
وخيار الرؤية ان أثبتناه ثبت للوكيل دون الموكل حتى لو أراد الموكل الإجازة كان للوكيل ان يفسخ
ذكره في التتمة وفرق بينه وبين خيار العيب حيث قلنا لا رد للوكيل إذا رضى الموكل بمالا يكاد
تسكن النفس إليه إذا تقرر ذلك ففي الفصل مسائل (أحدهما) إذا اشترى الوكيل بثمن معين
نظر إن كان في يده طالبه البائع به والا فلا وإذا اشترى في الذمة فإن كان الموكل قد سلم
62

إليه ما يصرفه إلى الثمن طالبه البائع وان لم يسلمه نظر ان أنكر كونه وكيلا أو قال لا أدري هل
هو وكيل طالبه به وان اعترف بوكالته فمن الذي يطالبه البائع بالثمن فيه ثلاثة أوجه (أحدهما) ان المطالب
الوكيل لاغير لان أحكام العقد تتعلق به والالتزام وجد منه (والثاني) ان المطالب الموكل لاغير لأن العقد
له والوكيل سفير ومعبر (والثالث) انه يطالب من شاء منهما نظر إلى المعنين وهذا أظهر عند صاحب
التهذيب والامام وغيرهما وان رجح صاحب الكتاب الأول.
(التفريغ) ان قلنا بالأول فهل الوكيل مطالبة الموكل قبل ان يغرم فيه وجهان لان بعضهم
قال يثبت الثمن للبائع على الوكيل وللوكيل مثله على الموكل بناء على أن الوكيل يثبت له الملك ثم ينتقل
الموكل فعلى هذا للوكيل مطالبته بما ثبت له وان لم يؤد ما عليه وقال آخرون ينزل الوكيل
منزله المحال عليه الذي لادين عليه فعلى هذا ففي رجوعه قبل الغرم وجهان كالمحال عليه والأصح المنع
وإذا غرم الوكيل للبائع فقياس تنزيله منزله المحال عليه الذي لا دين عليه الخلاف المذكور هناك في أنه
هل في الرجوع كون الأداء بالاذن وشرط الرجوع وذكر في النهاية ان المذهب القطع
بالرجوع والا لخرج المبيع عن أن يكون مملوكا للموكل بالعوض وفى ذلك تغيير لوضع العقد (وان قلنا)
بالوجه الثالث فالوكيل كالضامن والموكل كالمضمون عنه فيرجع الوكيل إذا غرم والقول في اعتبار
63

شرط الرجوع وفى انه هل يطالبه بتخليصه قبل الغرم كما سبق في الضمان وحكى الامام ان ابن سريج
فرع على الخلاف في المسألة فقال لو سلم دراهم إلى الوكيل ليصرفها إلى الثمن الملتزم في الذمة ففعل
ثم ردها البائع عليه بعيب (فان قلنا) بالوجه الثاني والثالث فعلى الوكيل رد تلك الدارهم بأعيانها إلى
الموكل وليس له امساكها وابدالها (وان قلنا) بالوجه الأول فله ذلك لان ما دفعه الموكل إليه على
هذا الوجه كأنه اقرضه منه لتبرأ ذمته فإذا عاد إليه فهو ملكه وللمستقرض امساك ما استقرضه ورد مثله
فهو ملكه ولك ان تقول لا خلاف ان للوكيل ان يرجع على الموكل في الجملة وإنما الكلام في أنه
متى يرجع وبأي شئ يرج وإذا كان ذلك فيتجه أن يكون تسليم الدارهم دفعا له وبه التراجع
لا اقراضا (المسألة الثانية) الوكيل بالبيع إذا قبض الثمن اما باذن صريح أو بالاذن في البيع على رأي
وتلف المقبوض في يده وخرج المبيع مستحقا والمشترى معترف بالوكالة فحق رجوعه بالثمن يكون
على الوكيل لأنه الذي يتولى القض وحصل التلف في يده أو على الموكل لان الوكيل سفير ويده ويده يده أو على
من شاء منهما فيه الأوجه الثلاثة السابقة (فان قلنا) حق الرجوع على الموكل فإذا غرم لم يرجع على الوكيل وكذا
إذا جعلناه على الوكيل فغرم لا يرجع على الموكل قاله الامام (وان قلنا) يرجع على من شاء منهما فثلاثة أوجه
(أشهرها) انه ان غرم الموكل لم يرجع على الوكيل وان غرم الوكيل رجع على الموكل لان الموكل قد غر الوكيل
64

والمغرور يرجع على الغار دون العكس (والثاني) ان واحدا منهما لا يرجع على الاخر اما الموكل فلانه
غارم واما الوكيل فلحصول التلف في يده (والثالث) ان الموكل يرجع على الوكيل دون العكس
لحصول التلف في يد الوكيل والذي يعنى به من هذه الاختلافات ان المشترى يغرم من شاء منهما
والقرار على الموكل ولذلك اقتصرنا على هذا الجواب في عزل الراهن وإن كان يطرد فيه الخلاف
(الثالثة) وهي مقدمة على الثانية في الكتاب الوكيل بالشراء إذا قبض المبيع وتلف في يده ثم تبين
انه كان مستحقا لغير البائع فللمستحق مطالبة البائع بقيمة المبيع أو مثله لأنه غاصب ومن يده خرج
المال وفى مطالبة الوكيل والموكل الأوجه الثلاثة قال الامام رحمه الله تعالى والا قيس في المسألتين انه
لا رجوع له الا على الوكيل لحصول التلف عنده ولأنه إذا ظهر الاستحقاق بان فساد العقد وصار
الوكيل قابضا ملك الغير بغير حق ويجرى الخلاف في القرار في هذه الصورة أيضا (الرابعة) ولم
يذكرها في الكتاب الوكيل بالبيع إذا باع بثمن في الذمة واستوفاه ودفعه إلى الموكل فخرج مستحقا أو
معيبا ورده فللموكل ان يطالب المشترى بالثمن وله ان يرغم الوكيل لأنه صار مسلما للمبيع قبل اخذ
عوضه وفيما يغرمه وجهان (أحدهما) قيمة العين لأنه فوت عليه العين (والثاني) الثمن لان حقه انتقل
من العين إلى الثمن بالبيع فان قلنا بالأول فإذا اخذ منه القيمة طالب الوكيل المشترى بالثمن فإذا اخذه
65

دفعه إلى الموكل واسترد القيمة (الخامسة) دفع إليه دراهم ليشترى بعينها عبدا ففعل وتلف في يده
قبل التسليم انفسخ البيع ولا شئ على الوكيل وان تلف قبل الشراء ارتفعت الوكالة ولو قال اشتر
في الذمة واصرفها إلى الثمن الملتزم فتلف في يد الوكيل بعد الشراء لم ينفسخ العقد لكنه ينقلب إلى
الوكيل ويلزمه الثمن أو يبقى للموكل وعليه ان يأتي بمثلها فيه وجهان قال القفال ووجه ثالث يحتمل
وهو ان يعرض الحال على الموكل فان رغب فيه واتى بمصل تلك الدراهم فالشراء له والا وقع للوكيل
وعليه الثمن ولو تلف قبل الشراء لم ينعزل فان اشترى للموكل فيقع له أم للوكيل فيه الوجهان
(وقوله) في الكتاب فالصحيح رجوعه به على الموكل ليس الوجه الاخر انه لا يرجع أصلا وإنما الخلاف
في أنه هل يشترط الرجوع بشرط الرجوع وكون الأداء بالاذن كما تقدم (وقوله) لو تلف الثمن في يده
بعد أن خرج ما اشتراه الجمع بين اللفظين موحش فالوجه ان تطرح لفظه ما اشتراه.
(فرع) إذا اشترى الوكيل شراء فاسدا وقبض وتلف المبيع اما في يده أو بعد تسليمه إلى
الموكل فللموكل مطالبته بالضمان ثم هو يرجع على الموكل ولو ارسل رسولا ليستقرض له فاستقرض
فهو وكيل كوكيل وفى مطالبته المشترى ما في مطالبة وكيل المشترى بالثمن والظاهر أنه يطالب
ثم إذ أغرم رجع على الموكل.
قال (الحكم الثالث للوكالة الجواز من الجانبين فينعزل بعزل الموكل إياه في حضرته وكذا
في غيبته (ح) قبل بلوغ الخبر في أقيس القولين. كما ينعزل ببيع الموكل واعتاقه. ينعزل بعزل
نفسه. وبرده الوكالة. وجحوده مع العلم رد لها. ومع الجهل أو لغرض في الاخفاء ليس برد. وينعزل
66

بخروج كل واحد منهما عن أهلية كالموت والجنون. وكذا الاغماء على الأظهر. وفى انعزال العبد
بالعتق والكتابة والبيع خلاف. لخروجه عن أهلية الاستخدام. والامر في حقه منزل على الخدمة).
الوكالة جائزة من جانب الموكل والوكيل جميعا لأنها اذن وإنابة وقد يبدو للموكل في الامر الذي
أناب فيه أو في نيابة ذلك الشخص وقد لا يتفرغ له الوكيل فالالزام يصير بهما جميعا ولارتفاعهما
أسباب (فمنهما) ان يعزله الموكل في حضرته اما بلفظ العزل أو بأن يقول رفعت الوكالة أو فسختها أو أخرجته
فينعزل سواء ابتدأ بالتوكيل أو وكل بمسألة الخصم كما إذا سألت المرأة زوجها ان يوكل بالطلاق
أو الخلع أو المرتهن الراهن ان يوكل ببيع الرهن أو الخصم الخصم ان يوكل في الخصومة ففعل المسؤول
التوكيل وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان التوكيل بمسألة الخصم لم ينعزل وان عزله في غيبته
ففي انعزاله قبيل بلوغ الخبر إليه قولان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى انه لا ينعزل كما أن
القاضي لا ينعزل ما لم يبلغه الخبر وحكم الفسخ لا يلزم المكلفين قبل بلوغ الخبر ولان تنفيذ العزل
قبل بلوغ الخبر إليه يسقط الثقة بتصرفه (وأصحهما) الانعزال لأنه رفع عقد لا يحتاج فيه إلى الرضا فلا
يحتاج إلى العلم كالطلاق ولأنه لو جن الموكل انعزل الوكيل وان لم يبلغه الخبر وكذا لو وكله ببيع عبد
أو اعتاقه ثم باعه الموكل أو أعتقه نفذ تصرفه وانعزل الوكيل وان لم يشعر بالحال ضمنا لنفوذ تصرفه
وإذا لم يعتبر بلوغ الخبر في العزل الضمني ففي صريح العزل أولى واما انعزال القاضي فمنهم من طرد
الخلاف فيه وعلى التسليم وهو الظاهر فالفرق تعلق المصالح الكلية بعمله وأما الفسخ فلا فرق بينه
وبين ما نحن فيه لان حكم الفسخ اما إيجاب امتثال الأمر الثاني واما إحراج الأول عن الاعتداد به
67

فيما يرجع إلى الايجاب والالزام ولا يثبت قبل العلم لاستحالة التكليف بغير المعلوم وهذا النوع لا يثبت
الوكالة أصلا ورأسا لان أمر الموكل غير واجب الامتثال (وأما) النوع الثاني فهو ثابت هناك أيضا
قبل العلم حتى يلزمه القضاء ولا تبرأ ذمته بالأول وعن أحمد روايتان كالقولين ومن أصحاب مالك
اختلاف في المسألة فان قلنا لا ينعزل قبل بلوغ الخبر إليه فالمعتبر اخبار من تقبل روايته دون الصبي
والفاسق إذا قلنا بالانعزال فينبغي ان يشهد الموكل على العزل لان قوله بع تصرف الوكيل كنت قد
عزلته غير مقبول (ومنها) إذا قال الوكيل عزلت نفسي أو أخرجتها عن الوكالة أو رددت الوكالة
انعزل وقال بعض المتأخرين إن كانت صيغة التوكيل بع أو أعتق ونحوهما من صيغ الامر لم ينعزل
برد الوكالة وعزله نفسه لان ذلك اذن وإباحة فأشبه ما إذا أباح الطعام لغيره لا يرتد برد المباح له وقد
أورد الامام رحمه الله تعالى هذا الكلام على سبيل الاحتمال ولا يشترط في انعزال الوكيل بعزله نفسه
حضور الموكل خلافا لأبي حنيفة (ومنها) ينعزل الوكيل بخروجه أو خروج الموكل عن أهلية ذلك
التصرف بالموت أو بالجنون الذي يطرأ أو يزول عن قرب حكاية تردد عن صاحب التقريب وضبط
الامام موضع التردد بان لا يكون امتداده بحيث تعطل المهمات ويحوج إلى نصب قوام فليلتحق
حينئذ بالاغماء وفى الاغماء وجهان (أظهرهما) وبه قال في الكتاب أنه كالجنون في اقتضاء الانعزال
(والثاني) وهو الأظهر عند الامام رحمه الله تعالى وبه قال في الوسيط أنه لا يقتضى الانعزال واحتج
له بأن المغمى عليه لا يلتحق بمن تولى عليه والمعتبر في الانعزال التحاق الوكيل أو الموكل بمن
يولى عليه وفي علي الجنون الحجر بالسفه أو الفلس في كل تصرف لا ينفذ من السفيه والمفلس وكذا
68

لو طرأ الرق بأن وكل حربيا فاسترق (ومنها) خروج محل التصرف عن ملك الموكل كما إذا باع العبد
الذي وكله ببيعه وقد مر ذلك وان وكله ببيع شئ آخر ثم اجره قال في التتمة ينعزل الوكيل لان
الإجارة ان منعت البيع لم يبق مالكا للتصرف وان لم يمنعه فهو علامة الندم لان من يريد البيع
لا يؤاجر لقلة الرغبات بسبب الإجارة وكذا تزويج الجارية وفى طحن الحنطة الموكل بيعها وجهان
(وجه) اقتضائه الانعزال بطلان اسم الحنطة واشعاره بالامساك والعرض على البيع وتوكيل وكيل آخر
لا يقتضى الانعزال (ومنها) لو وكل السيد عبده ببيع أو تصرف آخر ثم أعتقه أو باعه ففي انعزاله
وجهان عن ابن سريج مبنيان على أنه توكيل محقق أو استخدام وأمر (ان قلنا) بالأول ففي الاذن
بحاله لأنه صار أكمل حالا مما كان (وان قلنا) بالثاني ارتفع الاذن لزوال الملك وعلى الثاني فلو قال
عزلت نفسي فهو لغو وفصل بعضهم وقال إن كانت الصيغة وكلتك بكذا ففي الاذن ان أمره به
ارتفع الاذن بالعتق والبيع وان حكمنا ببقاء الاذن في صورة البيع فعليه استئذان المشترى لان منافعه
صارت مستحقة له والكتابة كالبيع والاعتاق في جريان الوجهين ولو وكل عبد غيره بإذن المالك للعبد
فباعه مالكه ففي ارتفاع الوكالة وجهان أيضا وجه الارتفاع بطلان اذنه بزوال ملكه وعلى الثاني يلزمه
استئذان المشترى ولو لم يستأذن في الصورتين بعد تصرفه لدوام الاذن وان ترك واجبا قال الامام رحمه الله
تعالى وفيه احتمال بقي علينا مما في متن الكتاب مسألة غفلنا عنها إلى الآن وهي أن الوكيل لو جحد الوكالة
وأنكرها هل يكون يكون ذلك ردا للوكالة روى في الوسيط فيها أوجها (أصحها) وهو المذكور في الكتاب
انه إن كان لنسيان أو غرض في الاخفاء فهو رد ولم أعثر على المسألة في النهاية ولكنه أورد قريبا
69

من هذه الأوجه في إنكار الموكل التوكيل هل يكون عزلا أولا (اعلم) أن قولنا ان الجواز من أحكام
الوكالة يريد به الوكالة الخالية عن الجعل فأما إذا شرط فيها جعلا معلوما واجتمع شرائط الإجارة وعقد
العقد بصيغة الإجارة فهو لازم وان عقد بصيغة الوكالة فيمكن تخريجه على أن الاعتبار بصيغ
العقود أو بمعانيها هذا شرح مسائل الكتاب ونختمه بصور نوردها على الاختصار. لو وكل رجلا
بالبيع فباع ورد عليه المبيع بعيب أو أمره بشرط الخيار فشرط ففسخ البيع لم يكن له بيعه ثانيا خلافا
لأبي حنيفة رحمه الله تعالى ولو قال بع نصيبي من كذا أو أقسم مع شركائي أو خذ بالشفعة فأنكر
الخصم ملكه هل له الاثبات يخرج على الوجهين في أن الوكيل بالاستيفاء هل يثبت ولو قال بع واشترط
الخيار فباع مطلقا لم يصح ولو أمره بالمبيع وأطلق لم يكن للوكيل شرط الخيار للمشترى وكذا ليس للوكيل
بالشراء شرط الخيار للبائع وفى شرطهما الخيار لنفسهما وللموكل وجهان فان اطلاق العقد يقتضى عقدا
بلا شرط ولو أمره بشراء عبد أو بيع عبد لم يكن له ان يعقد على بعضه لضرر التبعيض ولو فرضت
فيه غبطة كما إذا امره بشراء عبد بألف فاشترى نصفه بأربعمائة ثم نصفه الآخر بأربعمائة فكذلك ولا ينقلب
الكل إليه بعد انصراف العقد عنه وفيه وجه ضعيف ولو قال اشتره بهذا الثوب فاشتراه بنصف الثوب
صح لأنه إذا رضى بزوال كل الثوب في مقابلته فهو بزوال بعضه أشد رضى ولو قال بع هؤلاء
العبيد واشتر لي خمسة أعبد ووصفهم فله الجمع والتفريق إذ لا ضرر ولو قال اشترهم صفقة واحدة لم يفرق ولو
فرق لم يصح للموكل ولو اشترى خمسة من مالكين لأحدهما ثلاثة وللآخر اثنان دفعة واحدة وصححنا
مثل هذا العقد ففي وقوع شرائهم عن الموكل وجهان (أحدهما) وبه قال ابن سريج يقع حملا
70

لكلامه على الامر بتمليكهم دفعة واحدة ولو قال بع هؤلاء الا عبد الثلاثة بألف لم يبع واحدا
منهم بما دون الألف لجواز أن لا يشترى الباقيان بالباقي من الألف ولو باعه بألف صح ثم هل يبيع
الآخرين فيه وجهان (أصحهما) نعم ولو قال بع من عبيدي من شئت أبقى بعضهم ولو واحدا ولو وكله
باستيفاء دينه على زيد فمات نظر إن قال وكلتك في طلب حقي من زيد لم يطالب الورثة وان قال
بطلب حق الذي على زيد طالبهم ولو أمره بالبيع نسيئة فباع لم يلزمه التقاضي بعد حلول الأجل ولكن
عليه بيان المعامل حتى لا يكون مضيعا لحقه وكذلك لو قال ادفع هذا الذهب إلى صائغ فقال دفعته
فطالبة الآمر ببيانه قال القفال عليه البيان ولو امتنع كان متعديا حتى إذا بينه من بعد وكان قد
تلف في يد الصائغ يلزمه الضمان قال القفال والأصحاب كانوا يقولون لا يلزمه البيان ولو قال لغيره بع
عبدك من فلان بألف وأنا أدفعه إليك فباعه منه قال ابن سريج يستحق البائع الألف على الآمر
دون المشترى فإذا غرم الآمر رجع على المشترى ولو قال لغيره اشتر عبد فلان بثوبك هذا أو
بدراهمك ففعل حصل الملك للآمر ويرجع المأمور عليه بالقيمة أو المثل وفيه أنه إذا لم يجر شرط
الرجوع لا يرجع ومتى قبض وكيل المشترى المبيع وغرم الثمن من ماله لم يكن له حبس المبيع ليغرم الموكل
له وفيه وجه ان له الحبس وبه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى بناء على أن الملك يحصل للوكيل ثم
71

ينتقل إلى الموكل ولو وكله باستيفاء دينه من زيد فقال زيد للوكيل خذ هذه العشرة واقض بها
ديني عن فلان يعنى موكله فاخذها صار وكيل زيد في قضاء دينه حتى يجوز لزيد استردادها ما دامت
في يد الوكيل ولو تلف عنده بقي الدين بحاله ولو قال زيد خذها عن الذي تطالبني به لفلان فاخذها
كان قبضا للموكل وبرئت ذمة زيد وليس له الاسترداد ولو قال خذها قضاء عن دين فلان فهذا
محتمل للوجهين جميعا ولو تنازع الموكل وزيد فالقول قول زيد مع يمينه ولو دفع عشرة إلى رجل
فقال تصدق بها على الفقراء فتصدق بها ونوى نفسه لغت نيته وكانت الصدقة للآمر ولو وكل
عبدا ليشترى نفسه أو مالا آخر من سيده ففي وجه لا يجوز لان يده يد السيد فأشبه ما لو
وكل انسانا ليشترى له من نفسه والأظهر الجواز كما يجوز توكيله في الشراء من غير
سيده وعلى هذا فعن صاحب التقريب أنه يجب أن يصرح بذكر الموكل فيقول اشتريت
نفسي منك لموكلي فلان والا فقوله اشتريت نفسي صريح في اقتضاء العتق لا يندفع بمجرد النية
ولو قال العبد لرجل اشتر لي نفسي من سيدي ففعل قال صاحب التقريب يجوز ويشترط التصريح
بالإضافة إلى العبد فلو أطلق وقع الشراء للوكيل إذ البائع لا يرضى بعقد يتضمن الاعتاق قبل توفير الثمن
ولو قال لغيره أسلم في كذا ورأس المال من مالك ثم ارجع على قال ابن سريج يصح ويكون رأس
المال قرضا على الآمر وقيل لا يصح لان الاقراض لا يتم الا بالاقباض ولم يوجد من المستقرض قبض
وإذا أبرأ وكيل المسلم المسلم إليه لم يلزم ابراؤه الموكل لكن المسلم إليه لو قال لا أعرفك وكيلا وإنما
72

التزمت لك شيئا فبرأتني عنه نفذ في الظاهر وتعطل بفعله حق المسلم وفى وجوب الضمان عليه
قولا الغرم بالحيلولة (والأظهر) وجوبه لكن لا يغرم مثل المسلم فيه ولا قيمته كيلا يكون اعتياضا
عن المسلم وإنما يغرم له رأس المال حكاه الامام عن العراقيين وشهد له الحسن ورأيت في تعليق الشيخ
أبى حامد أنه يغرم للموكل مثل المسلم فيه ولو قال اشتر لي طعاما بكذا نص الشافعي رضي الله عنه أن
يحمل على الحنطة اعتبارا بعرفهم قال الروياني وعلى هذا لو كان بطبرستان لم يجز التوكيل لأنه لا
عرف فيه لهذا اللفظ عندهم فيكون التوكيل في مجهول ولو قال وكلتك بابراء غرمائي لم يملك الوكيل
ابراء نفسه فإن كان قد قال وان شئت تبرئ نفسك فافعل فعلى الخلاف السابق في أنه هل يجوز
توكيل المديون بابراء نفسه ولو قال فرق ثلثي مالي على الفقراء وان شئت أن تضعه في نفسك فافعل فعلى
الخلاف فيما إذا أذن للوكيل في البيع من نفسه.
(الباب الثالث في النزاع)
قال (وهو في ثلاثة مواضع (الأول) في أصل الاذن وصفته وقدره. والقول فيه قول الموكل
فإذا اشترى جارية بعشرين فقال ما أذنت إلا في الشراء بعشرة وحلف. فإن كان اشتراه بعين مال
الموكل وصدقه البائع في أنه وكيل فالبيع باطل وغرم له الوكيل العشرين. وان اشتراه في الذمة
واعترف البائع بالوكالة فباطل. وان أنكر البائع الوكالة لم يقبل. فان أنكر الوكالة وبقيت الجارية
في يد الوكيل فليتلطف الحاكم بالموكل حتى يقول للوكيل بعتك بعشرين. فان قال إن كنت
أذنت لك فقد بعتك بعشرين صح على النص. فان امتنع والوكيل صادق في الباطن فالصحيح
أنها لا تحل له ولا يملكها. ولكن له بيعها وأخذ العشرين من ثمنها لأنه ظفر بغير جنس حقه.
ومن له الحق لا يدعى عين المال فيقطع بجواز أخذه).
73

الاختلاف في الوكالة في مواضع (منها) أصل فإذا قال وكلتني في كذا فأنكر فالقول قوله مع
يمينه لان الأصل عدم الإذن ولو توافقا على العقد واختلفا في الكيفيات أو المقادير كما
إذا قال وكلتني ببيع كله أو بيعه نسيئة أو بشرائه بعشرين وقال الموكل لا بل ببيع بعضه أو بيعه نقدا
أو بشرائه بعشرة فالقول قول الموكل أيضا لان الأصل عدم الإذن فيما يدعيه الوكيل والموكل أعرف
بحال الاذن الصادر منه ولأنه لما كان القول في أصل العقد قوله وجب أن يكون في الصفة والمقدار
كذلك كما أن الزوجين إذا اختلفا في عدد الاطلاق كان القول فيه قول الزوج لأنهما لو اختلفا في
أصله كان القول فيه قوله وفرقوا بينه وبين ما إذا قطع الخياط ثوب غيره قباء وقال كذلك أمرتني
وقال المالك بل أمرتك أن تقطعه قميصا حيث كان القول قول الخياط على قول مع أنهما لو اختلفا
في أصل الاذن كان القول قول المالك بان المالك هناك يريد الزام الخياط الأرش والأصل عدمه وههنا
الموكل لا يلزم الوكيل غرامه وان لزمه الثمن وإنما يلزمه بحكم اطلاق البيع على ما سيأتي. إذا تقرر ذلك
فلو وكله بشراء جارية فاشتراها الوكيل بعشرين وزعم أن الموكل أذن فيه وقال الموكل ما أذنت إلا
في الشراء بعشرة وحلفناه فحلف فينظر في الشراء أكان بعين مال الموكل أم في الذمة إن كان
بعين مال الموكل فان ذكر في العقد أن المال لفلان والشراء له فهو باطل لان المال في يده لم يتعلق
به حق الغير قبل الشراء فيقبل اقراره فيه وحينئذ يكون العقد واقعا بمال الغير وقد ثبت بيمين من
له المال أنه لم يأذن في الشراء الذي باشره الوكيل فيلغو فإن لم يذكره في العقد وقال بعد الشراء
إني اشتريت له فان صدقه البائع فالعقد باطل أيضا وإذا بطل الشراء كانت الجارية باقية على ملك
البائع وعليه رد ما أخذه وان كذبه البائع وقال إنما اشتريت لنفسك والمال لك حلف على
74

نفى العلم بالوكالة وحكم بصحة الشراء للوكيل في الظاهر وسلم الثمن المعين إلى البائع وغرم
الوكيل مثله للموكل. وإن كان الشراء في الذمة نظر إن لم يسم الموكل ولكن نواه كانت
الجارية للوكيل والشراء له ظاهرا وان سماه فان صدقه البائع بطل الشراء لاتفاقهما على
كونه للغير وثبوت كونه بغير إذنه بيمنه وان كذبه البائع وقال أنت مبطل في تسميته فيلزم الشراء
الوكيل ويكون كما لو اقتصر على النية أو يبطل الشراء من أصله فيه وجهان سبق ذكرهما في أخوات
هذه الصورة (والأظهر) وبه قال أبو إسحاق صحته ووقوعه للوكيل وحيث صححنا الشراء وجعلنا الجارية
للوكيل ظاهرا وزعمه أنها للموكل قال المزني عن الشافعي رضي الله عنه يستحب في مثل هذا أن
يرفق الحاكم بالموكل فيقول له ان كنت امرته ان يشتريها بعشرين فقل بعته إياها بعشرين ويقول
الآخر قد قبلت فيحل له الفرج قال الأئمة ان أطلق الموكل وقال بعتكها بعشرين وقال الوكيل اشتريت صارت
الجارية له ظاهرا وباطنا وان علق كما ذكره المزني ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح البيع للتعليق والتعليق مما
حكاه المزني من كلام الحاكم لا من الموكل (وأصحهما) الصحة لأنه لا يتمكن من البيع إلا بهذا الشرط فلا
يضر التعرض له كما لو قال هذا زكاة مالي الغائب إن كان سالما يجزئه لأنه إنما يقع زكاة عن الغائب
بهذا الشرط وسواء أطلق البيع أو علق فلا يجعل ذلك إقرارا بما قاله الوكيل وتكذيبا لنفسه وان امتنع
الموكل من الإجابة أو لم يرفق الحاكم به نظر إن كان الوكيل كاذبا لم يحل له وطؤها ولا التصرف فيها
بالبيع وغيره وإن كان الشراء بعين مال الموكل لان الجارية حينئذ تكون للبائع وإن كان الشراء في
الذمة ثبت الحل لوقوع الشراء عن الوكيل ضرورة كونه مخالفا للموكل وذكر في التتمة أنه إذا كان
كاذبا والشراء بمال الموكل فللوكيل بيعها اما بنفسه أو بالحاكم لان البائع حينئذ يكون أخذ مال الموكل
75

لا عن استحقاق وقد غرم الوكيل للموكل فله أن يقول للبائع رد مال الموكل أو أغرمه إن كان تالفا
لكنه قد تعذر ذلك بسبب اليمين فله أخذ حقه من الجارية التي هي ماله ولو كان الوكيل صادقا
ففيه أوجه (أحدها) ويحكى عن الإصطخري أنها تكون للوكيل ظاهرا وباطنا حتى يحل له الوطئ
وكل تصرف وبه قال أبو حنيفة رحمه الله بناء على أن الملك يثبت للوكيل ثم ينتقل إلى الموكل فإذا
تعذر نقله منه بقي على ملكه ومنهم من خص هذا الوجه بما إذا كان الشراء في الذمة ولم يطرده في
الحالين واليه مال الإمام رحمه الله تعالى (وثانيها) أنه ان ترك الوكيل مخاصمة الموكل فالجارية له ظاهرا
وباطنا وكأنه كذب نفسه والا فلا (وثالثها) وهو الأصح أنه لا يملكها باطنا بل هي للموكل وللوكيل
الثمن عليه فهو كمن له على رجل دين لم يؤده فظفر بغير جنس حقه من ماله فيجئ الخلاف أنه هل
له بيعه وأخذ الحق من ثمنه (والأصح) أن له ذلك ثم يباشر البيع بنفسه أو يرفع الامر إلى القاضي حتى
يبيعه فيه وجهان (الأصح) ههنا أن له بيعها بنفسه لان القاضي لا يجيبه إلى البيع ولان المظفور بماله في
سائر الصور يدعي المال لنفسه وتسلط غيره عليه قد يستبعد وههنا الموكل لا يدعى المال لنفسه (وإذا قلنا)
انه ليس له أن يأخذ الحق من ثمنها فتوقف في يده حتى يظهر مالكها أو يأخذها القاضي ويحفظها
فيه وجهان نذكرهما في نظائره. ولو اشترى جارية فقال له الموكل ما وكلتك بشرائها وإنما وكلتك
بشراء غيرها وحلف عليه بقيت الجارية المشتراة في يد الوكيل ويتلطف كما مر (وقوله) في أول الباب
القول فيه قول الموكل اطلاق لفظ الموكل على المشترى في الصورتين بالخلاف في صفة الاذن أو
قدره قويم حسن لكنه في صورة الاختلاف في أصل الاذن غير مستحق وكيف ونحن نصدقه
بأنه غير موكل (قوله) صح على النص المراد منه ما حكيناه من كلام المزني وهو ظاهر في تصحيح البيع
76

يأبى عن قبول التأويل المذكور (وقوله) ولكن له بيعها واخذ العشرين من ثمنها معلم - بالواو - لما مر (وقوله)
لا يملكها - بالحاء - (وقوله) لأنه ظفر بغير جنس حقه إشارة إلى ما ذكرنا من أن الظافر ههنا أولى بالتمكن.
(فرع) لو باع الوكيل بالبيع نسيئة وقال كنت مأذونا فيه وقال الموكل ما أذنت لك الا
في بيعه نقدا فالقول قول الوكل كما مر ثم لا يخلو اما ان ينكر المشترى الوكالة أو يعترف بها (الحالة
الأولى) أن ينكر الوكالة أو يقول إنما عرفت البائع مالكا فالموكل يحتاج إلى البينة فإن لم تكن بينة
فالقول قول المشترى على نفي العلم بالوكالة فان حلف قرر المبيع في يده والا ردت على الموكل فان
حلف حكم ببطلان البيع ولا فهو كما لو حلف المشترى ونكل الموكل عن يمين الرد في خصومة المشترى
لا يمنعه من الحلف على التوكيل فإذا حلف عليه فله أن يغرم الوكيل قيمة المبيع أو مثله إن كان مثليا
والوكيل لا يطالب المشترى بشئ حتى يحل الأجل مؤاخذة له بموجب تصرفه فإذا حل نظران رجع
عن قوله الأول فصدقه الموكل فلا يأخذ من المشترى الا أقل الأمرين من الثمن أو القيمة لأنه إن كان
الثمن أقل فهو موجب عقده وتصرفه فلا يقبل رجوعه فيما يلزم زيادة على الغير وإن كانت القيمة أقل
فهو الذي غرمها فلا يرجع الا بما غرم لأنه قد اعترف آخرا بفساد العقد فإن لم يرجع وأصر على قوله
الأول فيطالبه بالثمن بتمامه وإن كان مثل القيمة أو أقل فذاك وإن كان أكثر فالزيادة في يده للموكل
ينكرها فيحفظها أو يلزم دفعها إلى القاضي فيه خلاف مذكور في موضعه وسأل الامام نفسه ههنا
وقال إذا أنكر الموكل التوكيل بالبيع نسيئة كان ذلك عزلا للوكيل على رأى فكيف يملك الوكيل
بعد استيفاء الثمن وأجاب عنه بأنه إنما استوفى الثمن لان الموكل ظلمه بتغريمه في زعمه واعتقاده والثمن
على المشترى ملكه فإن كان من جنس حقه فقد ظفر بجنس حقه من مال من ظلمه وإن كان من غير الجنس
77

فيأخذه أيضا ولا يخرج على القولين بالظفر بغير جنس الحق في غير هذه الصورة لان المالك يدعيه لنفسه
ويمنع الغير عنه والموكل لا يدعى الثمن ههنا وأول مصرف يعرض له التسليم إلى الغارم الوكيل وهذا ما
أراد صاحب الكتاب بقوله في مسألة الجارية فيقطع بجواز أخذه والمذهب المشهور تخريجه على الخلاف
في ذلك الأصل على ما مر ولك أن تعلم قوله ويقطع بجواز أخذه وعليك أن تعلم أن الظاهر خلافه
(الحالة الثانية) أن يعترف المشتري بالوكالة فينظر ان صدقة الموكل فالبيع باطل وعليه رد المبيع إن كان
باقيا وان تلف فالموكل بالخيار ان شاء غرم الوكيل لتعديه وان شاء غرم المشترى لتفرع يده على يد
مضمونه وقرار الضمان على المشترى لحصول الضمان في يده (نعم) يرجع بالثمن الذي دفعه إلى الوكيل
لخروج المبيع مستحقا وان صدق الوكيل فالقول قول الموكل فان حلف أخذ العين وان نكل حلف
المشترى وبقيت له.
قال (الثاني في المأذون فإذا قال تصرفت كما أذنت من بيع أو عتق فقال الموكل بعد لم تتصرف
فقولان (أحدهما) القول قول الوكيل لأنه أمين وقادر على الانشاء والتصرف إليه (والآخر) لا
فإنه اقرار على الموكل ملزم والأصل عدمه. وأما إذا ادعى تلف المال فالقول قوله لأنه يبغي دفع
الضمان عن نفسه. وكذا إذا ادعى رد المال سواء كان بجعل أو بغير جعل. وذكر العراقيون في
تصديق الوكيل بالجعل وجهين).
في الفصل مسألتان (الأولى) إذا وكله ببيع أو هبة أو صلح أو طلاق أو إعتاق أو إبراء فقال الوكيل
تصرفت كما أذنت وقال الموكل لم تتصرف بعد نظر ان جرى هذا الخلاف بعد انعزال الوكيل
لم يقبل قوله إلا ببينة لأنه غير مالك للتصرف حينئذ وان وقع قبله فقولان (أحدهما) أنه يصدق
78

الوكيل بيمنه لأنه ائتمنه فعليه تصديقه ولأنه مالك لانشاء التصرف ومن يملك الانشاء يقبل إقراره
كالولي المجبر إذا أقر بنكاح موليته وبهذا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إلا في النكاح إذا اختلف فيه
الوكيل والموكل فالقول قول الموكل (والثاني) ان القول قول الموكل لان الأصل العدم ولان
الوكيل مفر عليه بزوال الملك عن السلعة فوجب أن لا يقبل بخلاف ما إذا ادعى الرد أو التلف فإنه يبغي
دفع الضمان عن نفسه لا إلزام الموكل شيئا وما الأصح من القولين وما كيفيتهما (أما الأول) فكلام أكثر
الأصحاب ترجيح تصديق قول الموكل وهو اختيار ابن الحداد ورجحه الشيخ أبو علي من جهة القياس (وأما
الثاني) فان قول تصديق الموكل منقول عن الشافعي رضي الله عنه في مواضع واختلف الناقلون في
القول الآخر فذكر الروياني وغيره أنه منصوص عليه في الرهن الكبير قال الشيخ أبو علي أنه مخرج
خرجه ابن سريح على هذه الطريقة وربما أبدلوا لفظ القولين بالوجهين وفى المسألة وجه ثالث وهو
أن ما يستقل به الوكيل كالطلاق والاعتاق والابراء يقبل ففيه قوله مع يمينه وما لا يستقل كالبيع لابد
فيه من البينة ولو صدق الموكل في البيع ونحوه ولكن قال كنت عزلتك قبل التصرف وقال
الوكيل بل كان العزل بعد التصرف فهو كما لو قال الزوج راجعتك قبل انقضاء العدة وقالت انقضت
عدتي قبل أن تراجعني ولو قال الموكل قد باع الوكيل فقال الوكيل لم أبع فان صدق المشترى الموكل
حكم بانتقال الملك إليه وإلا فالقول قوله (الثانية) دعوى الوكيل تلف المال مقبول مع يمنيه كما
في المودع وكذا دعواه الرد على اختلاف ذكرناه في الرهن والظاهر القبول أيضا وقد ذكر صاحب
79

الكتاب حكم دعواه الرد مرة في باب الرهن الا أن لفظه في حكاية طريقة العراقيين هناك جواب
على أحد وجهيهم وهو أن الوكيل بالجعل غير مصدق وههنا نص على الوجهين كما ذكرناهما
في شرح طريقتهم هنا ك وقد بينا ثم إن تسويته بين دعوى التلف والرد في نقل الخلاف على خلاف
ما أورده الجمهور ولفظه ههنا صالح لما ذكره هناك ولما هو الحق أن يفصل بين قوله وكذا إذا ادعى
رب المال عما قبله وكل ما ذكرناه ههنا وهناك فيما إذا ادعى الأمين الرد على من ائتمنه أما إذا ادعى
الرد على غيره فقد ذكره صاحب الكتاب في الوديعة وستأتي إن شاء الله تعالى ومن مسائله دعوى
القيم الرد على اليتيم الذي كان يقوم بأمره وهي مذكورة في هذا الباب من بعد (ومنها) أن يدعى
الوكيل الرد على رسول المالك لاسترداد ما عنده فلا خلاف في أن الرسول إذا أنكر القبض كان
القول قوله مع يمينه وأما الوكيل فالمذهب أنه لا يلزمه تصديق الوكيل لأنه يدعى الرد على
من لم يأتمنه فليقم البينة وفى وجه عليه التصديق لأنه معترف برسالته ويد رسوله يده
فكأنه ادعى الرد عليه.
قال (وكذلك لو قال قبضت الثمن وتلف في يدي وكان ذلك بعد التسليم فالقول قوله لان
الموكل يريد أن يجعله خائنا بالتسليم قبل الاستيفاء. فأما إذا كان قبل التسليم فالقول فيه قول الموكل
والأصل بقاء حقه).
إذا وكل وكيلا باستيفاء دين له على إنسان فقال استوفيته وأنكر الموكل نطر إن قال استوفيته
وهو قائم في يد فخذه فعليه أخذه ولا معنى لهذا الاختلاف ولو قال استوفيته وتلف في يدي فالقول
قول الموكل مع يمينه على نفى العلم باستيفاء الوكيل لان الأصل بقاء حقه فلا يقبل قول الوكيل
80

والمديون إلا ببينة هذا ظاهر المذهب وجعله بعضهم على الخلاف المذكور فيما إذا اختلفا في البيع
ونحوه وعلى الأول فإذا حلف الموكل أخذ حقه ممن كان عليه ولا رجوع له على الوكيل لاعترافه أنه
مظلوم ولو وكله بالبيع وقبض الثمن أو البيع مطلقا وقلنا الوكيل بالبيع يملك قبض الثمن واتفقا على
البيع واختلفا في قبض الثمن فقال الوكيل قبضته وتلف في يدي وأنكر الموكل فهذه مسألة الكتاب
وفى معناها ما إذا قال قبضته ودفعته إليك فأنكر الموكل القبض ففي المصدق منهما طريقان
(أحدهما) أنه على الخلاف المذكور في البيع وسائر التصرفات (وأظهرهما) أن هذا الاختلاف إن كان
قبل تسليم المبيع فالقول قول الموكل كما في المسألة السابقة وإن كان بعد تسليمه فوجهان (أحدهما)
الجواب هكذا لان الأصل بقاء حقه (وأصحهما) وبه قال ابن الحداد أن القول قول الوكيل لان
الموكل ينسبه إلى الخيانة قبل قبض الثمن ولزوم الضمان والوكيل ينكر فأشبه ما إذا قال للوكيل طالبتك
برد الثمن الذي دفعته إليك أو بثمن المبيع الذي قبضته فامتنعت مقصرا إلى أن تلف فقال الوكيل
لم تطالبني ولم أكن مقصرا فان القول قوله وهذا التفصيل فيما إذا أذن في البيع مطلقا أو
حالا فان أذن في التسليم قبل قبض الثمن أو أذن في البيع بثمن مؤجل وتنازعا في القبض بعد الأجل
فههنا لا يكون خائنا بالتسليم قبل القبض والاختلاف كالاختلاف قبل التسليم فإذا صدق الوكيل
فحلف فهل تبرأ ذمة المشتري فيه وجهان (أحدهما) نعم لأنا قبلنا قول الوكيل في قبضه الثمن
فاكتفى بموجبه (والثاني) لا لان الأصل عدم الأداء وإنما قبلناه من الوكيل في حقه لائتمانه إياه
81

وهذا أصح عند صاحب التهذيب والأول عند الامام وعلى الأول فإذا حلف الوكيل وبرأنا المشترى
ثم وجد المشترى عيبا فان رده على الموكل وغرم الثمن لم يكن له الرجوع على الوكيل لاعترافه بان الوكيل
لم يأخذ شيئا وان رده على الوكيل وغرمه لم يرجع على الموكل والقول قوله مع يمينه في أنه لم يأخذ شيئا
ولا يلزم من تصديقنا الوكيل في الدفع عن نفسه بثمنه أن نثبت بها حقا على غيره ولو خرج المبيع
مستحقا قال في التهذيب يرجع المشترى بالثمن على الوكيل لأنه دفعه إليه ولا رجوع له على الموكل لما
مر ولو اتفقا على قبض الوكيل الثمن فقال الوكيل دفعته إليك وقال الموكل بل هو باق عندك فهو كما
لو اختلفا في رد المال المسلم إليه والظاهر أن القول قول الوكيل ولو قال الموكل قبضت الثمن فادفعه لي
وقال الوكيل لم أقبضه بعد فالقول قول الوكيل مع يمينه وليس للموكل طلبه الثمن فهو متعد بفعله
وللموكل أن يغرمه قيمة المبيع
قال (الثالث إذا وكله بقضاء الدين فليشهد فان قصر ضمن بترك الاشهاد. وكذا قيم اليتيم
لا يصدق (و) في دعوى رد المال. قال الله تعالى (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم). ومن يصدق
في الرد إذا طولب بالرد هل له التأخير بقدر الاشهاد وجهان).
ذكر في أول الباب أن نزاع الموكل والوكيل في ثلاثة مواضع (وثالثها) في الوسيط
النزاع في القبض وهو ما سبق في الفصل المتقدم على هذا الفصل وههنا جعل الثالث مما يشرع فيه
الآن وترتيب الوسيط أحسن لان أكثر المسائل من هذا الموضع إلى آخر الباب لا تعلق له بالاختلاف
وفى الفصل الثالث ثلاث صور (إحداها) إذا دفع إليه مالا ووكله بقضاء دينه ثم قال الوكيل دفعته إلى رب
82

الدين وأنكر رب الدين فالقول قوله مع يمينه لأنه لم يأتمن الوكيل حتى يلزمه تصديقه والأصل عدم
الدفع فإذا حلف طالب الموكل بحقه وليس له مطالبة الوكيل وهل يقبل قول الوكيل على الموكل فيه
قولان (أحدهما) نعم خرجه ابن سريج ويحكى عن أبي حنيفة لان الموكل قد ائتمنه فأشبه ما إذا
ادعى الرد عليه (وأصحهما) لا بل لابد من البينة لأنه أمره بالدفع إلى من لم يأتمنه فكان من حقه
الاشهاد عليه فعلى الأول يحلف الوكيل وتنقطع مطالبة المالك عنه ولا يغنيه تصديق المدفوع إليه
عن اليمين وعلى الأصح ينظر إن ترك الاشهاد على الدفع فان دفع بحضور الموكل فلا رجوع للموكل
عليه في أصح الوجهين وان دفع في غيبته فله الرجوع ولا فرق بين أن يصدقه الموكل على
الدفع أو لا يصدقه وعن أبي الطيب وجه أنه لا يرجع عند التصديق وان اختلفا فقال الوكيل دفعت
بحضرتك وأنكر الموكل فالقول قول الموكل مع يمينه وإن كان قد اشهد عليه لكن مات الشهود
أو جنوا أو غابوا فلا رجوع وإن كان قد أشهد شاهدا واحدا أو فاسقين فيه خلاف وكل ذلك على ما ذكرنا
في رجوع الضامن على الأصيل فإذا عرفت ذلك أعلمت قوله ضمن بترك الاشهاد وتنزيله على الحالة
التي يجب التنزيل عليها ولو أمره بايداع ماله ففي لزوم الاشهاد وجهان مذكوران في الوديعة (الثانية) إذا
قيم اليتيم أو الوصي دفع المال إليه بعد البلوغ فظاهر المذهب أنه لا يقبل قوله بل يحتاج إلى البينة
لان الأصل عدم الدفع وهو لم يأتمنه حتى يكلف تصديقه واحتج له أيضا بأن الله تعالى قال (فإذا دفعتم
إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) أمر بالاشهاد ولو كان قوله مقبولا لما أمر لكن يجوز أن يكون الامر
بالاشهاد إرشادا أو ندبا إلى التورع عن اليمين وعن رواية ابن المرزبان وغيره وجه آخر أنه يقبل قوله
83

مع يمينه لأنه أمين (الثالثة) إذا طلب المالك من في يده المال بالرد فقال لا أرد إلا بالاشهاد ينظر إن
كان ممن يقبل قوله في الرد كالمودع والوكيل ففيه وجهان (أشهرهما) وهو الذي أورده العراقيون أنه
ليس له ذلك لان قوله في الرد مقبول فلا حاجة إلى البينة (والثاني) ويروى عن ابن أبي هريرة رحمه
الله أن له الامتناع كيلا يحتاج إلى اليمين فان الامناء يتحرزون عنها ما أمكنهم وفيه وجه ثالث أنه
إن كان التوقف إلى الاشهاد يورث تأخيرا أو تعويقا في التسليم لم يكن له الامتناع وإلا فله ذلك
وإن كان ممن لا يقبل قوله كالغاصب فإن كان عليه بينة بالأخذ فله الامتناع إلى الاشهاد لأنه يحتاج
إلى بينة الأداء إن توجهت عليه بينة الاخذ وإن لم تكن عليه بينة بالأخذ فوجهان (أصحهما) عند
صاحب التهذيب أن له أن يمتنع إلى الاشهاد لان قوله في الرد غير مقبول (والثاني) المنع لأنه يمكنه
أن يقول ليس عندي شئ ويحلف عليه هذا ما أورده المشايخ العراقيون والمديون في هذا الحكم كمن
لا يقبل قوله في رد الأعيان.
قال (ولمن عليه الحق (ح وز) أن لا يسلم إلى الوكيل المستحق إلا بالاشهاد وان اعترف به
وإن كان في يده تركه وأقر لانسان بأنه لا وراث سواه لزمه (و) التسليم. ولم يجز له تكليفه شهادة
(و) على أن لا وارث سواه. ولو اعترف لشخص بأنه المستحق ألفا عن جهة الحوالة ولكن خاف
انكار المحيل فهو كخوف انكار الموكل فعلى وجهين).
إذا كان له دين في ذمة غيره أو عين في يد غيره فأتى ذلك الغير إنسان وقال أنا وكيل بقبضه فله
حالتان (إحداهما) أن يصدقه في دعوى الوكالة فله دفعه إليه وإذا دفع ثم ظهر المستحق وأنكر
84

الوكالة فالقول قوله مع يمينه فإذا حلف فإن كان الحق عينا أخذها فان تلف فله تغريم من شاء منهما
ولا رجوع للغارم منهما على الآخر لأنه مظلوم بزعمه والمظلوم لا يؤاخذ إلا من ظلمه قال في التتمة هذا
إذا تلف من غير تفريط منه فان تلف بتفريط من القابض فينظر ان غرم المستحق القابض فلا رجوع
وان غرم الدافع فله الرجوع لان القابض وكيل عنده والوكيل يضمن بالتفريط والمستحق ظلمه بأخذ
القيمة منه وماله في ذمة القابض فيستوفيه بحقه. وإن كان الحق دينا فله مطالبة الدافع بحقه وإذا غرمه
قال المتولي إن كان المدفوع باقيا فله استرداده وان صار ذلك للمستحق في زعمه لأنه ظلمه بتغريمه
وذلك مال له ظفر به وإن كان تالفا فان فرط فيه غرم والا فلا وهل للمستحق مطالبة القابض ينظر
ان تلف المدفوع عنده فلا لان المال للدافع بزعمه وضمانه له وإن كان باقيا فوجهان عن أبي إسحاق أن
له مطالبته بتسليمه إليه لأنه إنما دفعه إليه ليدفعه إلى المستحق فكأنه انتصب وكيلا في الدفع من
جهته وبهذا أجاب الشيخ أبو حامد في التعليق (وقال الأكثرون) لا مطالبة لان الآخذ فضولي بزعمه
والمأخوذ ليس حقا له وإنما هو مال المديون فلا تعلق للمستحق به (فان قلنا) بالأول فأخذه برئ
الدافع عن الدين وهل يلزم من عنده الحق دفعه إليه بالتصديق أم له الامتناع إلى قيام البينة على
الوكالة نص أنه لا يلزمه الا بعد البينة ونص فيما إذا أقر بدين أو عين من تركة انسان أنه مات ووارثه
فلان أنه يلزمه الدفع إليه ولا يكلف البينة وللأصحاب طريقان (أحدهما) ونقل عن أبي إسحاق أن
المسألتين على قولين في قول يلزم الدفع إلى الوكيل والوارث لأنه اعترف باستحقاقه الاخذ فلا يجوز له
منع الحق عن المستحق وفيه قول لا يلزمه الدفع إلى واحد منهما الا بالبينة (أما) في الصورة الأولى
85

فلاحتمال انكار الموكل (وأما) في الثانية فلاحتمال استناد اقراره بالموت إلى ظن خطأ (وأصحهما)
وهو المذكور في الكتاب تقرير النصين والفرق حصول اليأس بزعمه عن عود الموت وصيرورة
الحق للوارث وعدم اليأس عن إنكار الموكل الوكالة وبقاء الحق له (الثانية) أن لا يصدقه فلا
يكلف الدفع إليه فان دفع ثم حضر الموكل وحلف على نفى الوكالة وغرم كان له أن يرجع على القابض
دينا كان أو عينا لأنه لم يصرح بتصديقه وإنما بنى الامر على ظاهر قوله فإذا تبين خلافه غرم
ما غرم ولو أنكر الوكالة أو الحق وكان الوكيل مأذونا في إقامة البينة أو قلنا إن الوكيل بالقبض مطلقا
يملك اقامه البينة فله أن يقيم البينة ويأخذ فإن لم تكن بينة فهل له التحليف ينبنى على أن إذا صدقه هل
يلزمه الدفع إليه (إن قلنا) نعم فله تحليفه فلعله يصدقه إذا عرضت اليمين عليه (ان قلنا) لا ينبنى على أن النكول
ورد اليمين كإقامة البينة من المدعى أو كالاقرار من المدعى عليه (إن قلنا) بالأول فله تحليفه طمعا في أن
ينكل فيحلف الوكيل (وان قلنا) بالثاني فلا ولو جاء رجل وقال لمن عليه الدين أحالني عليك فلان
فصدقه وقلنا إذا صدق مدعى الوكالة لا يلزمه الدفع إليه فوجهان (أحدهما) أنه لا يلزم أيضا لأنه قد
ينكر صاحب الحق كما ينكر صاحب الوكالة (وأصحهما) اللزوم لاعترافه بانتقال الحق إليه كالوارث
وينبنى على الوجهين أنه لو كذبه ولم تكن بينة هل له تحليفه إن ألزمناه الدفع إليه له تحليفه والا فكما
سبق. ولو قال مات فلان وله عندي كذا فهذا وصية فهو كما لو قال هذا وارثه ولو قال مات وقد أوصي
به لهذا الرجل فهو كما لو أقر بالحوالة وإذا أوجبنا الدفع إلى الوارث والوصي أو لم نوجب فدفع ثم بان
أن المالك حي ثم غرم الدافع فله الرجوع على المدفوع إليه بخلاف صورة الوكالة لأنه صدقه على الوكالة
وانكار صاحب الحق لا يرفع بتصديقه وصدق الوكيل لاحتمال أنه وكله ثم جحد وهل هنا بخلافه والحوالة في
ذلك كالوكالة (وقوله) في الكتاب ولمن عليه الحق أن لا يسلم إلى الوكيل المستحق له الا بالاشهاد كان
الأحسن أن يقول إلى من يدعى الوكالة عن المستحق ولفظ الاشهاد ههنا بعيد عما هو المراد أن أراد
86

به البينة لان المفهوم من الاشهاد ما استعمل اللفظ له في المسائل قبل هذا الفصل ويمكن أن يراد اشهاد
الوكيل على الموكل (قوله) وان اعترف معلم - بالواو - لما نقلناه من طريقة القولين والحالان عند أبي حنيفة
يجب دفع الدين إلى من أقر بوكالته ولا يجب دفع العين وفرق بينهما بأنه في الدين أقر بثبوت المطالبة المدعى
الوكالة في ماله وفى العين يقر بمال الغير فلا يلتفت إليه وبالزاي لان أبا إسحاق الشيرازي وغيره حكوا
عن المزني أنه يلزمه تسليم الحق إليه ولم يفرقوا بين الدين والعين (وقوله) في مسألة الوارث لزمه التسليم
معلم - بالواو - لما مر.
قال (ولو ادعى على الوكيل قبض الثمن فجحد فأقيم عليه بينة بالقبض فادعى تلفا أو ردا قبل
الجحود للقبض لم يقبل قوله لأنه خائن ولا بينته (و) لأنه لا تسمع دعواه. ولو ادعى بعد الجحود
ردا سمع الدعوى (و) ولا يصدق لأنه خائن. ولكن تسمع البينة. ولو ادعى التلف صدق ليبرأ
من العين ولكنه خائن فيلزمه الضمان).
إذا ادعى على إنسان أنه دفع إليه متاعا ليبيعه ويقبض ثمنه وطالبه برده أو قال بعته وقبضت الثمن
فسلمه إلى فأنكر المدعى عليه فأقام المدعى بينة على ما ادعاه فادعى المدعى عليه أنه كان قد تلف
أو رده فينظر في صيغة جحوده ان قال مالك عندي شئ أو لا يلزمني تسليم شئ إليك قبل قوله في
الرد والتلف لأنه إذا كان قد تلف أو رده كان صادقا في إنكاره ولم يكن بين كلاميه تناقض وان أقام
عليه بينه سمعت بينة وإن كان صيغة جحوده أنك ما وكلتني أو ما دفعت إلى شيئا أو ما قبضت الثمن
وهذه صورة مسألة الكتاب فينظر ان ادعى التلف أو الرد قبل أن يجحد لم يصدق لأنه مناقض
87

لقوله الأول ولزمه الضمان وان أقام بينة على ما ادعاه فوجهان (أولاهما) أنها تسمع لأنه لو صدقة
المدعى لسقط عنه الضمان فكذلك إذا قامت الحجة عليه وأيضا فلما يذكر في الوديعة (الثاني) وهو
الأظهر عند الامام وهو الذي أورده في الكتاب أنها لا تسمع لان جحوده الأول كذب هذه البينة
وعلل في الكتاب عدم سماع البينة بعدم سماع الدعوى ونجئ فيه نحو الامام فإنه قال كل بينة
تقام فان قيامها يستدعى دعوى من يقيمها فان فسدت الدعوى استقلت البينة وهي غير مسموعة
من غير دعوى لكن من يقول بسماع الدعوى كيف يسلم عدم سماع الدعوى إذ الدعوى قد تسمع
بمجرد تحليف الخصم لما سبق في باب الرهن وقبله وان ادعى الرد بعد الجحود لم يصدقه لصيرورته
خائنا لكن لو أقام بينة فالمشهور في هذا الباب أنها تسمع ورأي الامام رحمه الله تعالى أن يكون
سماع البينة على الوجهين السابقين لتناقص دعوى الرد والجحود وهو حسن موافق لما ذكرناه في
باب الوديعة وان ادعى التلف بعد الجحود صدق بيمينه لتنقطع عنه المطالبة برد العين ولكن يلزمه
الضمان لخيانته وهذا كما إذا ادعى الغاصب التلف.
(فرع) لو قال بع هذا ثم هذا لزمه رعاية الترتيب قاله القفال ولو جعل للوكيل بالبيع
جعلا فباع استحقه وان تلف الثمن في يده لان استحقاقه بالعمل وقد عمل وإذا ادعى خيانة عليه لم
تسمع حتى يتبين القدر الذي خان به بأن يقول بعت بعشرة وما دفعت إلى الا خمسة وإذا وكل
بقبض دين أو استرداد وديعة فقال المديون أو المودع دفعت وصدقة الموكل والوكيل منكر هل يغرم
الدافع بترك الاشهاد فيه وجهان كما لو ترك الوكيل بقضاء الدين الاشهاد ومن قال أنا وكيل في
بيع أو نكاح وصدقه من يعامله صح العقد فلو قال الوكيل بعد العقد لم أكن مأذونا فيه لم يلتفت
88

إلى قوله ولم يحكم ببطلان العقد وكذا لو صدقة المشترى بحق من يوكل عنه الا أن يقيم المشترى بينة
على اقراره بأنه لم يكن مأذونا من جهته في ذلك التصرف والله أعلم.
(كتاب الاقرار. وفيه أربعة أبواب)
(الباب الأول في أركانه)
وهي أربعة (الركن الأول) المقر وهو ينقسم إلى مطلق ومحجور. فالمطلق ينفذ إقراره بكل
ما يقدر على إنشائه. والمحجور عليه سبعة أشخاص. الصبي واقراره مسلوب مطلقا. نعم لو ادعى
أنه بلع بالاحتلام في وقت إمكانه يصدق إذ لا يمكن معرفته الا من جهته. ولو ادعى البلوغ بالسن
طولب بالبينة. والمجنون وهو مسلوب القول مطلقا. والسكران وهو ملتحق بالمجنون أو الصاحي
فيه خلاف مشهور والمبذر والمفلس وقد ذكرنا حكمهما).
الاقرار أصله الاثبات من قولك قر الشئ يقر وقررته إذا أقر به القرار ولم يسم ما يسوغ فيه اقرارا
من حيث إنه افتتاح اثبات ولكن لأنه اخبار عن ثبوت ووجوب سابق والأصل فيه من حيث
الكتاب قوله تعالى (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) قال المفسرون شهادة المرء
على نفسه اقراره وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (قولوا الحق ولو على أنفسكم) ولا شك أن في الاقرار
89

مقرا ومقرا به وصيغة تترتب عليها المؤاخذة وهذه الأمور سماها في الكتاب أركانا له ثم المقر به قد
يكون مالا وقد يكون غيره وعلى التقديرين فأما أن يعقب الاقرار بما يرفعه أو لا يعقب وإذا لم يكن
المقر به مالا قد يكون عقوبة من قصاص أو حد وقد يكون نسبا أو غيره فجعل أبواب الكتاب
أربعة (الأول) في الأركان (والثاني) في الأقارير المجملة (والثالث) في تعقب الاقرار بما يرفعه (والرابع)
في الاقرار بالنسب وأما ما عدا النسب فما يقع في قسم ما عدا المال فلم يورده قدما الأصحاب في هذا الباب
فنجري على أمثالهم (الركن الأول) من الباب المقر وهو إما مطلق أو محجور أما المطلق وهو
المنفك عن أنواع الحجر فاقراره صحيح (وقوله) ينفذ اقراره بكل ما يقر به على أسبابه كالدخيل في هذا
الركن فان الكلام فيه في المقر وهذا لا يضبط المقر به والضبط ما ينفذ اقرار المقر فيه على أنه يحتاج إلى
استثناء صور أقر بها بناء على أن الوكيل إذا قال تصرفت كما أذنت لي فقال الموكل لم تتصرف لم يقبل
قول الوكيل على أحد القولين مع قدرته على الانشاء وكذا لو قال استوفيت ما أمرتني باستيفائه ونازعه
الموكل (ومنها) أن انشاء نكاح البنت إلى وليها فاقراره غير مقبول ويمكن أن يزاد فيه فيقال ينفذ اقرار
90

الانسان في التصرفات المتعلقة به التي يستقل بأسبابها أو يقال ما يقدر على أسبابه ويؤاخذ المقر بموجب
الاقرار به ولا يلزم نفوذه في حق الغير فتخرج المسائل (وأما) المحجور فقد ذكرنا في كتاب الحجر أقسامه
فمنها حجر الصبي وأقاريره لاغية خلافا لأبي حنيفة رحمه الله تعالى حيث قال إن كان مميزا مأذونا من
جهة الولي صح اقراره كتصرفاته ولنا قول في صحة تدبيره ووصيته فعلى ذلك القول يصح اقراره بهما ولو
ادعى أنه بلغ بالاحتلام أو ادعت الجارية البلوغ بالحيض في وقت امكانها وقد سبق بيانه صدقا وان
فرض ذلك في خصومة لم يحلفهما لأنه لا يعرف ذلك الا من جهتهما فأشبه ما إذا علق العتق على مشيئة
الغير فقال شئت يصدق من غير يمين وأيضا فإنهما ان صدقا فلا تحليف وان كذبا فكيف يحلفان
واعتقاد المكذب أنهما صغيران وقرب الامام رحمه الله تعالى المسألة من الدائرات الفقهية فان في تحليفه
تصديق الصبي وبتصديق الصبي لا يحلف فإذا لو حلف لما حلف هذا ما نقله صاحب الكتاب وشيخه
وبه قال أبو زيد وعلى هذا فإذا بلغ مبلغا تيقن بلوغه قال الامام رحمه الله تعالى انه لا يحلف أيضا على
أنه كان بالغا حينئذ لأنا إذا حكمنا بموجب قوله فقد أنهينا الخصومة نهايتها فلا عود إلى تحليفه وفى
التهذيب وغيره أنه إذا جاء واحد من الغزاة يطلب سهم المقاتلة وذكر أنه احتلم حلف واخذ السهم
فإن لم يحلف فوجهان عن صاحب التخليص تخريجا انه لا يعطى وقال غيره يعطى لأن الظاهر
استحقاقه بحضور الواقعة ولو ادعى البلوغ بالسن طولب بالبينة لامكانها نعم لو كان غريبا خامل الذكر
فيلحق بدعوى الاحتلام أو يطالب بالبينة لامكانها من حيث المدعى وينظر في الاثبات لتعذر معرفة
التاريخ كما في صبيان الكفار فيه ثلاثة احتمالات للامام رحمه الله تعالى (والظاهر) الثاني لأنه إذا أمكن
91

إقامة البينة كلف اقامتها ولم ينظر إلى حال المدعى وعجزه هذا فقه المسألة ولفظ الكتاب يشعر بأنه عد
دعوى الاحتلام اقرارا فان قوله نعم لو ادعى أنه بلغ بالاحتلام اقرارا كالاستدراك لقوله قبله واقراره مسلوب
مطلقا لكن عدها اقرار بعيد فان المفهوم من الاقرار الاخبار عن ثبوت حق عليه للغير ونفس البلوغ
ليس كذلك ولهذا يطالب مدعى البلوغ بالسن بالبينة واختلفوا في تحليف مدعي البلوغ بالاحتلام
والمقر لا يكلف البينة ولا اليمين نعم لو قال أنا بالغ فقد اعترف بثبوت الحقوق المنوطة بالبلوغ فهو من
هذا الوجه يكون متضمنا للاقرار لا أن نفسه إقرار وبتقدير كونه إقرارا فليس ذلك كاقرار الصبي بأنه
إذا قال أنا بالغ يحكم ببلوغه سابقا على قوله فلا يكون إقراره إقرار الصبي حتى يحتاج إلى الاستدراك
(ومنها) حجر المجنون وهو مسلوب القول أيضا بلا استثناء والسكران بين الصاحي والمجنون فبأيهما
يحلق في إقراره وتصرفاته فيه طرق للأصحاب تبسط في كتاب الطلاق (ومنها) حجر المبذر والمفلس
وقد بينا حكم إقرارهما في بابيهما ويقبل اقرار المفلس المحجور عليه في النكاح دون السفيه المحجور اعتبارا
للاقرار بالانشاء قال الامام رحمه الله تعالى واقرار السفيهة بأنها منكوحة فلان كاقرار الرشيدة إذ لا أثر
للسفه في النكاح من جانب المرأة (قال) وفيه احتمال من جهة ضعف قولها وخبل عقلها والعلم عند الله.
قال (والرقيق واقراره مقبول بما يوجب عليه عقوبة. ولو أقر بسرقة مال ووجب عليه القطع
ففي قبوله في وجوب المال قولان. ولو أقر باتلاف مال وكذبه السيد لم يتعلق برقبته بل يطالب به
بعد العتق. ولو كان مأذونا فأقر بدين معاملة قبل وأدى من كسبه. ولو لم يستند إلى معاملة بل
92

أطلق ففي القبول خلاف. ولو أقر بعد الحجر بدين أسنده إلى حال الاذن فالظاهر رده لأنه في الحال
عاجز عن إنشائه).
أحد المحجورين الرقيق وإذا أقر اما أن يقر بما يوجب عليه عقوبة أو بغيره (اما) القسم الأول
كالاقرار بالزنا وشرب الخمر والسرقة والقذف وما يوجب القصاص في النفس والطرف فذلك مقبول
ويقام عليه موجب ما أقر به خلافا لأحمد والمزني حيث قالا لا يقبل اقراره على نفسه بالعقوبات لأنه
ملك السيد والاقرار في ملك الغير لا يقبل ويروى عن أحمد أنه لا يقبل اقراره بما يوجب القتل ويقبل
بما يوجب سائر العقوبات. لنا ما روى (1) أن عليا رضي الله عنه قطع عبدا باقراره وأيضا فإنه لو ظهر الحال
بالبينة لأقيمت عليه العقوبات فإذا ظهر بالاقرار كان أولى لأنه أبعد عن التهمة فان كل نفس مجبولة
على حب الحياة والاحتراز عن الألم وإذا أقر بسرقة توجب القطع قبل في القطع وفى قبوله في المال
قولان إذا كان المقر بسرقته تالفا (أحدهما) أنه يقبل ويتعلق الضمان برقبة لان اقراره لما تضمن
عقوبة القطع انقطعت التهمة عنه (وأصحهما) أنه لا يقبل كما لو أقر بمال ويتعلق الضمان بذمته اما
أن يصدقه السيد فيقبل وإن كان المقر بسرقته باقيا نظر إن كان في يد السيد لم ينزع من يده الا
بتصديقه كما لو أقر حر بسرقته ودفعه إليه وإن كان في يد العبد فطريقان عن ابن سريج أن في
انتزاعه القولين في التالف (فان قلنا) لا تنزع ثبت بدله في ذمته ويروى هذا عن أبي حنيفة رحمه
الله تعالى ومالك رحمه الله تعالى ويروى عنهما أنه لا يوجب القطع أيضا والحالة هذه ومن الأصحاب
من قطع بنفي القبول في المال كما لو كان في يد السيد لان يده يد السيد ويخالف ما لو كان تالفا
93

لان غاية ما في الباب فوات رقبته على السيد إذا بيع في الضمان والأعيان التي تفوت عليه لو قبلنا
اقراره منها لا ينضبط فيعظم ضرر السيد ومنهم من عكس وقال إن كان المال باقيا في يد العبد قبل
اقراره بناء على ظاهر اليد وإن كان تالفا لم يقبل لأن الضمان حينئذ يتعلق بالرقبة وهو محكوم بها للسيد
وإذا اختصرت قلت في قبول اقراره بالمال أربعة أقوال يقبل مطلقا لا يقبل مطلقا يقبل إذا كان المال
باقيا يقبل إذا كان المال تالفا وقد أوردها صاحب الكتاب مجموعة هكذا في السرقة واقتصر ههنا على
القولين الأولين. ولو أقر ثم رجع عن الاقرار كان كما لو أقر بسرقة لا توجب القطع ولو أقر بالقصاص
على نفسه فعفى المستحق على مال أو عفى مطلقا وقنا انه يوجب المال فوجهان (أصحهما)
عند صاحب
التهذيب أنه يتعلق برقبته وان كذبه السيد لأنه إنما أقر بالعقوبة والمال يؤخذ بالعفو ولا ينظر احتمال
أنه واطأه المستحق على أن يقر ويعفو المستحق لتفوت الرقبة على السيد لأن هذه التهمة ضعيفة
إذ المستحق ربما يموت أو لا يفي فيكون المقر مخاطرا بنفسه (والثاني) أن الجواب هكذا ان قلنا
موجب العمد القصاص (أما) إذا قنا موجبه أحد الامرين ففي ثبوت المال قولان بناء على الخلاف
في ثبوت المال إذا أقر بالسرقة الموجبة للقطع وينسب هذا إلى صاحب الافصاح (وأما القسم الثاني)
فإذا أقر بدين خيانة من جهة غصب أو سرقة لا توجب القطع أو اتلاف فصدقه السيد تعلق برقبته
كما لو قامت عليه بينة فيباع فيه الا أن يختار السيد الفداء وإذا بيع فيه وبقى شئ من الدين فهل
يتبع به إذا عتق فيه قولان مذكوران في الجنايات وان كذبه السيد لم يتعلق برقبته ولكن يتعلق
بذمته يتبع به إذا عتق ولا يخرج على الخلاف فيما إذا بيع في الدين وبقى شئ لأنه إذا ثبت التعلق
94

في الذمة فكان الحق الحصر فيها وتعينت محلا للأداء وفى النهاية أن القياسيين خرجوه على ذلك
الخلاف وقالوا الفاضل عن قدر الدين غير متعلق بالرقبة كما أن أصل الحق غير متعلق بها ههنا. ولو أقر
بدين معاملة نظر ان لم يكن مأذونا له في التجارة فلا يقبل اقراره على السيد ويتعلق المقر به بذمته
يتبع به إذا عتق ولا فرق فيه بين أن يصدقه السيد أو يكذبه وإن كان مأذونا له في التجارة قبل
وأدى من كسبه وما في يده الا إذا كان مما لا يتعلق بالتجارة كالقرض فلو أطلق المأذون الاقرار بالدين
ولم يبين جهته فينزل على جهة دين المعاملة أو لا ينزل على ذلك لاحتمال أنه أراد دين الاتلاف فيه
وجهان (وأظهرهما) الثاني ولا فرق في دين الاتلاف بين المأذون وغيره ولو أقر عليه فأقر بعد الحجر
بدين معاملة أسنده إلى حال الاذن ففيه وجهان مبنيان على القولين فيما لو أقر المفلس بدين لزمه
قبل الحجر هل يقبل في مزاحمته الغرماء (والأظهر) ههنا المنع لعجزه عن الانشاء في الحال وتمكن
التهمة. وإذا عرفت ما ذكرناه لم تخف عليك المواضع التي ينبغي أن تعلم بعلامات الاختلاف ورأي
الامام رحمه الله تعالى أن يخرج وجوب القطع في مسألة الاقرار بالسرقة إذا نقبله في المال على الخلاف
فيما إذا أقر الحر بسرقة مال زيد هل يقطع قبل مراجعة زيد وذلك لارتباط كل واحد منهما بالآخر
وعلى هذا يجوز اعلام قوله ووجب عليه القطع - بالواو -.
(فرع) قال في التتمة من نصفه حر ونصفه رقيق إذا أقر بدين جناية لم يقبل فيما يتعلق
بالسيد إلا أن يصدقه ويقبل في نصفه وعليه قضاؤه مما في يده وان أقر بدين معاملة فمتى صححنا تصرفه
قبلنا اقراره عليه وقضيناه مما في يده ومتى لم نصححه فاقراره كاقرار العبد.
95

(فرع) اقرار السيد على عبده بما يوجب عقوبته مردود وبدين الجناية مقبول الا أنه
إذا بيع منه شئ لم يتبع به بعد العتق الا أن نصدقه وكذا اقراره بدين المعاملة لا يقبل
على العبد.
قال (والمريض وهو غير محجور عليه عن الاقرار في حق الأجانب. وفى حق الوارث أيضا
على الصحيح. وقيل فيه قولان. ولو أقر بأنه كان وهب من الوارث في الصحة فالظاهر أنه لا يقبل
لعجزه عن الانشاء في الحال. ولو أقر بدين مستغرق فمات وأقر وارثه عليه بدين مستغرق فيتزاحمان
أو يقدم اقرار المورث لوقوع اقرار الوارث بعد الحجر فيه قولان. ولو أقر بعين ماله في المرض لشخص
ثم أقر بدين مستغرق سلم العين للأول ولا شئ للثاني لأنه مات مفلسا. وان أخر الاقرار بالعين
فكمثل. وفيه وجه آخر أنه إذا تأخر يتزاحمان).
ومن المحجورين المريض مرض الموت وفى اقراره مسألتان (أحدهما) يصح اقراره بالنكاح
بموجبات العقوبات وكذا لو أقر بدين أو عين لأجنبي وفى اقراره للوارث طريقتان (أحدهما) أنه
على القولين (أحدهما) انه لا يقبل وبه قال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله لأنه موضع التهمه لقعد
حرمان بعض الورثة فأشبه الوصية للوارث (وأصحهما) القبول كما لو أقر في حال الصحة والظاهر أنه
لا يقر الا عن حقيقة ولا يقصد حرمانا فإنه انتهى إلى حال يصدق فيها الكاذب ويتوب الفاجر
(والثاني) القطع بالقبول وحمل قول الشافعي رضي الله عنه فيمن أجاز الاقرار لوارث اجازه ومن أبي
رده على حكاية مذهب الغير وهذه الطريقة أصح عند صاحب الكتاب والأكثرون رجحوا
96

طريقة القولين ونقلوا عن الاملاء نصه على المنع وفى تعليق الشيخ أبى حامد أنه رجح إليها بعد ما كأن يقول
بطريق القطع بالقبول وقال مالك رحمه الله إن كان المقر منهما لم يقبل اقراره والا قبل ويجتهد
الحاكم فيه واختاره القاضي الروياني لفساد الزمان.
(التفريع) ان قلنا لا يقبل فالاعتبار في كونه وارثا بحال الموت أم بحال الاقرار قيل فيه
وجهان وقيل قولان (الجديد) أن الاعتبار بحال الموت كما في الوصية وهذا لان المنع من القبول كونه
وارثا والوراثة تتعلق بحالة الموت وبهذا قال أبو حامد (والقديم) وبه قال مالك رحمه الله الاعتبار بحال
الاقرار لان التهمة حينئذ تمكن (والأول) أظهر في المذهب وأشهر (وبالثاني) قال أبو إسحاق واختاره
القاضي الروياني فعلى الأول لو أقر لزوجته ثم أبانها أو لأخته ثم ولد له ابن صح الاقرار ولو أقر لأجنبية
ثم نكحها أو لأخته وله ابن فمات لا يصح وعلى الثاني الحكم فيهما بالعكس ولو أقر في المرض انه كان
قد وهب من وارثه وأقبض في الصحة أشار الامام رحمه الله إلى طريقين (أحدهما) القطع بالمنع
لذكره ما هو عاجز عن إنشائه في الحال (والثاني) أنه على القولين في الاقرار للوارث ورجح صاحب
الكتاب ههنا عدم القبول واختار القاضي الحسين القبول لأنه قد يكون صادقا فيه فليكن ذلك له
طريق إلى ايصال الحق إلى المستحق ولو أقر لوارثه ولأجنبي معا هل يصح في نصفه للأجنبي إذا لم يقبل
فيه قولان لابن سريج الظاهر الصحة (المسألة الثانية) أقر في صحته بدين لانسان وفى مرضه بدين
لآخر فهما سواء كما لو ثبتا بالبينة وكما إذا أقر بهما في الصحة أو المرض وقال أبو حنيفة رحمه الله يقدم
ما أقر به في الصحة حتى لو لم يفضل عنه شئ له ولو أقر في صحته أو مرضه بدين ثم مات
97

فاقر وارثه عليه بدين آخر فوجهان (أحدهما) أنهما سواء يتضاربان بان في التركة كما لو ثبت الدينان بالبينة
وكما لو أقر بهما في حياته فان الوارث خليفته واقراره كاقراره (والثاني) أنه يقدم ما يقر به المورث
لأنه بالموت تعلق بالتركة فليس للوارث صرف التركة عنه والوجهان جاريان فيما لو أقر لوارث بدين
عليه ثم أقر لآخر بدين آخر عليه وهما مبنيان على أن المحجور عليه بالفلس إذا أقر بدين أسنده إلى
ما قبل الحجر هل يقبل اقراره في زحمة الغرماء فيه قولان والتركة كمال المحجوز عليه من حيث إن
الورثة ممنوعون من التصرف فيها وهذا معنى قوله في الكتاب لوقوع اقرار الوارث بعد الحجر
واطلاقه القولين في المسألة خلاف رواية الجمهور فإنهم جعلوها وجهين ويمكن تنزيلهما على أنهما مخرجان
من مسألة الفلس (وقوله) في تصوير المسألة بدين مستغرق غير محتاج إليه بل الخلاف ثابت فيما
إذا زادت التركة على قدر الدين الأول ففي وجه يوزع عليهما وفى وجه يوفى الأول بتمامه ويصرف
الفاضل إلى الثاني ولو ثبت عليه دين في حياته بالبينة ثم مات فاقر وارثه عليه بدين جرى الخلاف
أيضا فاذن ليس من الشرط أن يكون بوت الدين الأول بالاقرار وماله الأظهر من الخلاف أشار بعضهم
إلى ترجيح وجه التقديم وقال في التهذيب التسوية أصح وهو موافق لما مر في مسألة المفلس وان
ثبت عليه دين في حياته أو موته ثم تردت بهيمة في بئر كان قد احتفرها في محل عدوان ففي مزاحمة
صاحب البهيمة رب الدين القديم ما سبق فيما إذا جني المفلس بعد الحجر عليه قاله في التتمة وإذا مات
وخلف ألف درهم فجاء وادعي أنه أوصى له بثلث ماله فصدقه الوارث ثم جاء آخر وادعي عليه ألف درهم
دينا فصدقه الوارث قيل يصرف الثلث إلى الوصية لتقدمها وقيل يخرج على قولنا بأن اقراري
98

الوارث والموروث يتساويان ولو صدق مدعى الدين أولا صرف المال إليه على قياس الوجهين جميعا ولو
صدق المدعيين معا فالحكاية عن الأكثر أنه يقسم الألف بينهما أرباعا لأنا نحتاج إلى الألف للدين
وإلى ثلث الألف للوصية فيتزاحم على الألف وثلث الألف فيخص الوصية بثلث عائل وهو الربع
وعن الصيدلاني أنه تسقط الوصية ويقدم الدين كما لو ثبتا بالبينة وهذا هو الحق سواء قدمنا عند ترتيب
الاقرارين الأول منهما أو سوينا بينهما ولو أقر المريض بعين ماله لانسان ثم أقر بدين آخر مستغرق
أو غير مستغرق سلمت العين للمقر له بها ولا شئ للثاني لأنه مات المقر ولا يعرف له مال ولو أقر بالدين
أولا ثم أقر بعين ماله فوجهان (أصحهما) أن الحكم كما في الصورة الأولى لان الاقرار بالدين لا يتضمن
حجرا في العين ألا ترى أنه تنفذ تصرفاته فيه (والثاني) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله أنهما يتزاحمان
لان لاحد الاقرارين قوة السبق وللآخر الإضافة إلى العين فاستويا ولا يخفى أن التعرض للاستغراق
في المسألة اتفاق غير محتاج إليه والله أعلم. ويشترط في المقر الاختيار فاقرار المكره على الاقرار باطل
كسائر تصرفاته.
قال (الركن الثاني المقر له وله شرطان (الأول) أن يكون أهلا للاستحقاق. ولو قال لهذا
الحمار على الف بطل قوله. ولو قال بسببه على الف لزمه لمالكه على تقدير الاستئجار. ولو أقر لعبد
99

لزم الحق لمولاه. ولو قال لحمل فلانة على الف من إرث أو وصية قبل. ولو أطلق ولم يذكر الجهة
فظاهر النص أنه لا يقبل. وفيه قول أنه يقبل وينزل على هذا الاحتمال. وكذلك إذا قال للمسجد
أو للمقبرة على الف ان أضاف إلى وقف عليه قبل. وان أطلق فعلى الخلاف).
يشترط في المقر له أهلية استحقاق الحق المقر به والا كان الكلام لغوا وهزوا وفيه ثلاثة صور
(إحداها) لو قال لهذا الحمار أو لدابة فلان علي الف بطل اقراره ولو قال بسببها على الف صح ولزمه
حملا على أنه جني عليها أو اكتراها وعن الشيخ أبى عاصم العبادي وجه أنه لا يصح لان الغالب لزوم
المال بالمعاملة ولا تتصور المعاملة معها ولو قال لعبد فلان على أو عبدي كذا صح وكان الاقرار لسيده
ويخالف مسألة الدابة لأنه لا تتصور المعاملة معها وتتصور مع العبد والإضافة إليه كالإضافة في الهبة وسائر
الانشاءات (وقوله) في الكتاب ولو قال بسببه على الف لزمه لمالكه المراد ما إذا قال لمالكه بسببه على
الف فاما إذا اقتصر على اللفظ المذكور في الكتاب لم يلزم أن يكون الألف لمالك الدابة في الحال
ولكن يسأل ويحكم بموجب بيانه (الثانية) إذا قال لحمل فلانة على الف أو عندي الف فله ثلاثة
أحوال (إحداها) أن يسنده إلى جهة صحيحة بأن يقول ورثه من أبيه أو يقول أوصى به فلان له فيعتبر
اقراره ثم إن انفصل الحمل ميتا فلا حق له بل هو لورثة من قال إنه ورثه منه أو للموصى أو ورثته ان
100

أسنده إلى وصيته وان انفصل حيا فان انفصل لما دون ستة أشهر من يوم الاقرار استحق لأنا تيقنا
وجوده يومئذ وان انفصل لأكثر من أربع سنين فلا لأنا تقينا عدمه يومئذ وان انفصل لستة أشهر
أو أكثر ولما دون أربع سنين فإن كانت مستفرشة لم يستحق لاحتمال تجدد العلوق بعد الاقرار والأصل
عدم الاستحقاق وعدمه عند الاقرار فإن لم تكن مستفرشة فقولان (أحدهما) أنه لا يستحق لأنا
لا نتيقن وجوده عند الاقرار (وأظهرهما) الاستحقاق إذ لا سبب في الظاهر يتجدد به العلوق والظاهر
وجوده وقت الاقرار لحكم ثبوت نسبه ممن كانت فراشا له وإذا ثبت الاستحقاق فان ولدت تلك
المرأة ذكر فهو له وان ولدت ذكرين فصاعدا فلهم بالسوية وان ولدت أنثى فهو لها ان أسنده إلى
وصية وان أسنده إلى الإرث من الأب فنصفه لها وان ولدت ذكرا وأنثى فهو بينهما بالسوية ان
أسنده إلى وصية وثلثاه ان أسنده إلى الإرث من الأب (وقوله) ونصفه لها وهذا إذا اقتضت جهة
الوراثة ما ذكرنا فان أقضت التسوية بأن يكونا ولدى الام كان ثلثه بينهما بالسوية قال الامام رحمه الله
تعالى ولو أطلق الإرث سألناه عن الجهة وحكمنا بمقتضاها (الحالة الثانية) أن يطلق الاقرار ففيه قولان
(أحدهما) وهو نصه في المختصر أنه باطل لان المال في الغالب إنما يجب المعاملة أو جناية ولامتناع
المعاملة مع الجهل ولا الجناية عليه (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وأبو إسحاق أنه يصح ويحمل
101

على الجهة الممكنة في حقه وإن كانت نادرة (الثالثة) أن يسنده إلى جهة فاسدة بأن يقول الف
أقرضنيه أو ثمن ما باعه منى فإن لم نصححه بالاقرار المطلق فهذا أولى وان صححناه فطريقان (أحدهما) أنه
على القولين في تعقيب الاقرار بما يرفعه (وأظهرهما) الصحة لأنه عقبه بما هو غير مقبول ولا منتظم
فأشبه ما إذا قال لفلان على الف لا يلزمني وإذا صححنا الاقرار في الحالتين الأخيرتين فان انفصل الحمل
ميتا فلا حق له ويسأل المقر عن جهة اقراره من الميراث أو الوصية ويحكم بموجبه قال في النهاية وليس
لهذا السؤال والبحث طالب معين فكان القاضي يسأل حسبة ليصل الحق إلى المستحق فان مات
قبل البيان كان كما لو أقر لانسان فرده وفى تعليق الشيخ أبى حامد أنه يطالب ورثته ليفسروا فان
انفصل حيا للمدة التي قدرنا من قبل فالكل له ذكرا كان أو أنثى وان انفصل ذكرا وأنثى فهو لهما
بالسوية لان ظاهر الاقرار يقتضى التسوية ومن المحتمل أن تكون الجهة الوصية ومتى انفصل حي
وميت فيجعل الميت كان لم يكن وينظر في الحي على ما ذكرنا ولو أقر بحمل جارية أو بهيمة لانسان
ففيه التفصيل المذكور فيما إذا أقر للحمل فان قال أنه أوصى له به صح وينظر كم بين انفصاله وبين
الاقرار من المدة على ما سبق وفى حمل البهيمة يرجع إلى أهل الخبرة وان أطلق أو أسند إلى جهة فاسدة
خرج على ما تقدم من الخلاف ولو أقر بالحمل لرجل وبالأم لآخر إن جوزنا الاقرار بالحمل صح الاقرار
102

والا فلا قال صاحب التهذيب هما جميعا للآخر وهذا البناء على أن الاقرار بالحامل إقرار بالحمل وفيه خلاف
يأتي من بعد (الصورة الثالثة) لو أقر لمسجد أو مقبرة أو نحوها بمال وأسنده إلى جهة صحيحه كغلة وقف عليه
صح وان أطلق فعلى وجهين تخريجا من القول في مسألة الحمل وعلى قياسه ما إذا أضاف إلى جهة فاسدة.
قال (الثاني) أن لا يكذبه المقر له فان كذبه لم يسلم إليه ويترك في يد المقر في وجه. ويحفظه
القاضي في وجه. فان رجع المقر له عن الانكار سلم إليه. فان رجع المقر في حال انكار المقر له
فالأظهر أنه لا يقبل لأنه أثبت الحق لغيره بخلاف المقر له فإنه اقتصر على الانكار).
يشترط في الحكم بالاقرار عدم تكذيب المقر له في إنكاره وان لم يشترط قبوله لفظا على
رسم الايجاب والقبول في الانشاءات فان كذبه نظر إن كان المقر به مالا لم يدفعه إليه وفيما يفعل به
ثلاثة أوجه (أظهرها) أنه يترك في يد المقر كما كان لان يده تشعر بالملك ظاهرا والاقرار الثاني عارضه
انكار المقر له فيسقط وأيضا فانا لا نعرف مالكه ونراه في يده المقر فهو أولى الناس بحفظه (وثانيها)
واختاره صاحب التهذيب والتتمة أنه ينتزعه القاضي ويتولى حفظه إلى أن يظهر مالكه فإنه في حكم مال
ضائع فيحتاط لمالكه فان رأى استحفاظ صاحب اليد فهو كما لو استحفظ عدلا آخر (وثالثها) أنه يخير المقر
له على القبول والقبض وهو بعيد وقال الشيخ أبو محمد موضع الخلاف ما إذا قال صاحب اليد هذا لفلان وكذبه
103

فلان فأما إذا قال صاحب اليد للقاضي في يدي مال لا أعرف مالكه فالوجه القطع بأن القاضي يتولى حفظه وأبعد
بعضهم فلم يجوز انتزاعه ههنا ولو رجع المقر له عن الانكار فصدق المقر فقد حكى الامام رحمه الله الجزم بقبوله وتسليم
المقر به إليه لكن الأظهر وهو الذي أورده المتولي وغيره تفريعه على الخلاف السابق (ان قلنا) يترك
في يد المقر فهذا حكم منا ببطلان ذلك الاقرار فلا يصرف إلى المقر له الا باقرار جديد (وان قلنا) انه
ينتزعه القاضي ويحفظه فكذلك لا يسلم إليه بل لو أراد إقامة البينة على أنه ملكه لم تسمع وإنما يسلم له إذا
فرعنا على الوجه البعيد فان الظاهر أنه لا يسلم إليه على خلاف ما ذكر في الكتاب ولو رجع المقر في
حال انكار المقر له وقال غلطت أو تعمدت الكذب لم يقبل رجوعه ان قلنا ينتزعه القاضي وان تركناه
في يده فعلى وجهين رواهما الامام رحمه الله (أظهرهما) عنده وعند صاحب الكتاب أنه لا يقبل أيضا
بناء على أنه لو عاد المقر له إلى التصديق قبل منه فإذا كان ذلك متوقعا لم يلتفت إلى رجوعه (والثاني) أنه يقبل
بناء على أن الترك في يده ابطال الاقرار وقضية كلام الأكثرين ترجيح هذا الوجه ويعزى إلى
ابن سريج ومن قال به لا يسلم لصاحب الكتاب قوله لأنه أثبت الحق لغيره بل يقول يشترط كونه
اثباتا سلامته مع معارضة الانكار وجميع ما ذكرناه فيما إذا كان الاقرار بثوب ونحوه أما إذا كان
اقراره بعبد فأنكر ففيه وجهان (أحدهما) يحكم بعتقه لان صاحب اليد لا يدعيه والمقر له ينفيه فيصير
104

العبد في يد نفسه فيعتق وهذا كما إذا أقر اللقيط بعد البلوغ بأنه مملوك زيد فأنكر يحكم بحريته (وأظهرهما)
المنع لأنه مملوك بالرق فلا يرفع الا بيقين وتخالف صورة اللقيط فإنه محكوم بحريته بالدار فإذا أقر ونفاه
المقر له بقي على أصل الحرية فعلى هذا الحكم فيه ما ذكرنا في الثوب وغيره فإن كان المقر قصاصا
أو حد قذف وكذبه المقر له سقط الاقرار وكذا لو أقر بسرقة توجب القطع فأنكر رب المال السرقة
فلا قطع وفى المال ما سبق وان أقرت بالنكاح وأنكر سقط حكم الاقرار في حقه.
(فرع) لو قال من في يده عبدان أحد هذين لفلان طولب بالبيان فلو عين أحدهما فقال
المقر له ان عبدي هو الآخر فهو مكذب للمقر ففي المعين ومدع في العبد الآخر.
(فرع) ادعى على آخر ألفا من ثمن مبيع فقال المدعى عليه قد أقبضتك الألف وأقام
بينة على اقراره بالقبض يوم كذا وأقام المدعي بينة على اقرار المشتري بعد بينته بأنه ما أقبضه الثمن
بعد سمعت وألزم المشترى الثمن لأنه وان قامت البينة على اقراره بالقبض فقد قامت أيضا على أن صاحبه
كذبه فيبطل حكم الاقرار ويبقى الثمن على المشترى ويعتبر في المقر له شرط آخر وهو أن يكون
معينا فلو قال لانسان أو لواحد من بني آدم أو من أهل البلد على الف هل يصح اقراره خرجه الشيخ
أبو علي على وجهين بناء على أنه إذا أقر لمعين بشئ وكذبه المقر له هل يخرج من يده (إن قلنا)
105

نعم لأنه مال ضائع فكذا هاهنا ويفيد الاقرار (وان قلنا) لا لم يصح هذا الاقرار وهو الصحيح قال
في التتمة ولو جاء واحد وقال أنا الذي أردتني ولى عليك الألف فالقول قول المقر مع يمينه في نفى
الإرادة ونفى الألف ويخالف الاقرار على هذا الابهام ما إذا قال غصبت هذا من أحد هذين الرجلين
أو هؤلاء الثلاثة حيث يعتبر ذلك على ما سنذكره ونفرعه من بعد والفرق أنه إذا قال هو لاحد
هذين فله مدع وطالب فلا يبقى في يده مع قيام الطالب واعترافه بأنه ليس له وإذا قال لواحد من
بني آدم فلا طالب له فيبقى في يده وكان الشرط أن يكون المقر له معينا ضرب تعين تتوقع معه
الدعوى والطلب.
قال (الركن الثالث المقر به ولا يشترط أن يكون معلوما بل يصح الاقرار بالمجهول. ولا أن
يكون مملوكا للمقر بل لو كان ملكا بطل اقراره. فلو قال داري لفلان أو مالي لفلان فهو متناقض
ولو شهد الشاهد أنه أقر له بدار وكان ملكه إلى أن أقر كانت الشهادة باطلة. ولو قال هذا الدار
لفلان وكانت ملكي إلى وقت الاقرار آخذناه بأول كلامه ولم نقبل آخره).
لا يشترط أن يكون المقر به معلوما بل يصح الاقرار بالمجاهيل على ما سيأتي ولا أن يكون مملوكا
له حين يقر لان الاقرار ليس إزالة ملك وإنما هو أخبار عن كونه مملوكا للمقر له فلا بد من تقدم المخبر
106

به على الخبر فلو قال داري هذه أو ثوبي الذي أملكه لفلان فهو متناقض والمفهوم منه الوعد بالهبة
ولو قال مسكني هذا لفلان يكون اقرارا لأنه أضاف إلى نفسه السكنى وقد يسكن ملك الغير ولو شهدت بينة
على أن فلانا أقر أن له دار كذا وكانت ملكه إلى أن أقر كانت الشهادة باطلة نص عليه ولو قال
المقر هذه الدار لفلان وكانت ملكي إلى وقت الاقرار فاقراره نافذ والذي ذكره مناقض لأوله
فليلغو كما لو قال هذه الدار لفلان وليست له هذا في الأعيان وكذلك في الديون إذا كان له دين على
غيره في الظاهر من قرض أو أجرة أو ثمن مبيع فقال ديني الذي لي على زيد لعمرو فهو باطل ولو
قال الدين الذي لي على زيد لعمرو واسمى في الكتاب عارية فهو صحيح فلعله كان وكيلا عنه في
الاقراض والإجارة والبيع ثم عمرو ويدعى المال على زيد لنفسه فان أنكر فهو بالخيار بين أن يقيم البينة
على دين المقر على زيد ثم على اقراره له بما على زيد وبين أن يقيم البينة أولا على الاقرار ثم على
الذين ذكره القفال واستثني صاحب التلخيص ثلاثة ديون ومنع الاقرار بها (أحدها) الصداق في
ذمة الزوج لا تقر المرأة به (والثاني) بدل الخلع في ذمة المرأة لا يقر الزوج به (والثالث) أرش الجناية
لا يقر به المجني عليه لان الصداق لا يكون الا للمرأة وبدل الخلع الا للزوج وأرش الجناية الا للمجني
عليه نعم لو كانت الجناية على عبد أو مال آخر جاز أن يقر به الغير لاحتمال كونه له يوم الجناية قال
107

الأئمة هذه الديون وان لم يتصور فيها الثبوت للغير ابتداء وتقديرا بوكالة ولكن يجوز انتقالها إلى
الغير بالحوالة وكذلك في البيع على قوله فيصح الاقرار بها عند احتمال جريان الناقل وحملوا
ما ذكره صاحب التخليص على ما إذا أقر بها عقيب ثبوتها بحيث لا يحتمل جريان الناقل لكن سائر
الديون كذلك فلا ينتظم الاستثناء بها بل الأعيان أيضا يرتد المستثنى به حتى لو أعتق عبده ثم أقر
له السيد أو غيره عقيب العتق بدين أو عين لم يصح لان أهلية الملك لم تثبت له الا في الحال ولم يجز
بينهما ما يوجب المال وزاد أبو العباس الجرجاني في الفصل شيئا فقال إن أسند الأقارير الثلاثة إلى
جهة حوالة أو بيع ان جوزناه فذلك والا فعلى قولين بناء على ما لو أقر للحمل بمال وأطلق.
قال (نعم يشترط أن يكون المقر به تحت يده وتصرفه. فلو أقر بحرية عبد في يد غيره لم
يقبل. فلو أقدم على شرائه صح تعويلا على قول صاحب اليد. ثم قيل إنه شراء. وقيل إنه فداء
من جانبه بيع من جانبه البائع. والصحيح أن خيار الشرط والمجلس لا يثبت فيه. كما لا يثبت في
بيعه عبده من نفسه. ولا يثبت في بيع العبد من قريبه الذي يعتق عليه على الصحيح. ثم يحكم
بعتق العبد على المشترى ولا يكون الولاء له ولا للبائع. فان مات العبد وله كسب فللمشتري أن يأخذ من
تركته قدر الثمن لأنه ان كذب فكله له. وان صدق فهو للبائع وله الولاء وقد ظلمه بالثمن. وقد ظفر
هو بماله هكذا ذكره المزني رحمه الله. ومن الأصحاب من خالفه لأنه غير مصدق في هذه الجهة).
108

قوله يشترط أن يكون المقر به تحت يده وتصرفه أراد به أنه إذا لم يكن تحت يده لم يسلطنا
اقراره على الحكم بثبوت الملك للمقر له بل يكون ذلك دعوى أو شهادة وليس معناه أنه يلغو قوله
من كل وجه بل لو حصل المقر به في يده يوما من الدهر يؤمر بتسليمه إليه فقال فلو قال العبد الذي
في يد زيد مرهون عند عمرو بكذا ثم حصل العبد في يده يؤمر ببيعه في دين عمرو ولو أقر بحرية عبد
في يد غيره أو شهد بحريته فلم تقبل شهادته لم يحكم بحريته في الحال ولو أقدم المقر على شرائه صح
تنزيلا للعقد على قول من صدقه الشرع وهو صاحب اليد البائع ويخالف ما إذا قال فلانه أختي
من الرضاع ثم أراد أن ينكحها لا يمكنه منها لان في الشراء غرض استنقاذه من أسر السرق ومثل
هذا الغرض لا يوجد هناك فيمنع من الاستمتاع بفرج اعترف بأنه حرام ثم إذا اشتراه حكم بحرية
العبد وأمر برفع اليد عنه ثم للاقرار حالتان (أحدهما) أن تكون الصيغة أنك أعتقته وتسترقه
ظلما وهي التي تكلم بها في الكتاب فالعقد الجاري بينه وبين البائع ما حكمه أهو شراء أم افتداء
حكى صاحب الكتاب فيه أوجها ثلاثة (أصحهما) أنه بيع من جهة البائع وافتداء من جهة المقر
(والثاني) أنه بيع من الجانبين (والثالث) أنه افتداء من الجانبين وهذا الثالث مما ينبو الطبع عنه
في جانب البائع وكيف ينتظم أن يقال إنه يأخذ المال لينقذ من يسترقه ويعرفه حرا يفتديه بل لو
قيل فيه المعنيان جميعا والخلاف في أن الأغلب منهما ما إذا كان أو بما رآه والمعتمد الذي رواه
الأكثرون أنه بيع من جانب البائع لا محالة ومن جانب المشترى وجهان (أحدهما) أنه شراء كما
في جانب البائع (وأصحهما) أنه افتداء لاعترافه بحريته وامتناع شراء الحر وينبنى على هذا الخلاف
الكلام في ثبوت الخيار في هذا العقد أما البائع فيثبت له خيار المجلس والشرط بناء على ظاهر
109

المذهب في أنه بيع من جانبه ولو كان المبيع بثمن معين فخرج معيبا ورده كان له أن يسترد العبد
بخلاف ما لو باع عبدا أو أعتقه المشترى ثم خرج الثمن المعين معيبا ورده لا نسترد العبد بل يعدل
إلى القيمة لاتفاقهما على العتق هناك وأما المقر المشترى فان جعلناه شراء في حقه فيه الخيار وان جعلناه فداء
فلا وعلى الوجهين لأرد له لو خرج العبد معيبا لكن يأخذ الأرش على وجه الشراء ولا يأخذ على الوجه
الآخر وذكر الامام رحمه الله أنه إذا لم يثبت خيار المجلس والشرط لا يثبت فيه إلى آخره يشعر
باثبات الخلاف فيه نعم مع الحكم بكونه شراء وبيعا لاستعقابه العتق كالخلاف في شراء القريب واعلم
أن مسألتي بيع العبد من نفسه وبيعه من قريبه قد ذكرناهما بما فيهما في البيع وتبين أن كلامه في شراء
القريب بخلاف كلام الأكثرين والحكم بان الصحيح ههنا منع الخيار غير مسلم على اطلاقه بل
الصحيح ثبوتهما في طرف البائع نعم في طرف المشترى الفتوى بالمنع بناء على أنه فداء والله أعلم.
ثم إذا حكمنا بالعتق والحالة هذه فلا نقول بان ولاءه للمشترى لاعترافه انه لم يعتقه ولا للبائع لزعمه
أنه ليس بعتق بل هو موقوف فان مات وقد اكتسب مالا فإن كان له وارث بالنسب فهو له والا
فينظر إن صدق البائع المشترى أخذه ورد الثمن وان كذبه وأصر على كلامه الأول فظاهر النص أنه
يوقف المال كما كان الولاء موقوفا وأعترض المزني فقال للمشترى أن يأخذ قدر الثمن مما تركه فان
فضل شئ كان الفاضل موقوفا وعلله بان المشترى إذا كان كاذبا فالميت رقيق وجميع أكسابه له أو
صادقا فالأكساب للبائع إرثا بالولاء وهو قد ظلمه بأخذ الثمن وتعذر استرداده فإذا ظفر بماله كان له أن
يأخذ به حقه وافترض الأصحاب في المسألة فذهبت فرقة إلى تقرير النصين تخطئة المزني فالتوجيه من
110

وجهين (أحدهما) أنه لو أخذ شيئا فاما أن يأخذه بجهة أنه كسب مملوكه وقد نفاه باقراره أو بجهة
الظفر بمال من ظلمه وهو ممتنع لأنه إنما بذله تقربا إلى الله تعالى باستنقاذه حرا فيكون سبيله سبيل
الصدقات والصدقات لا يرجع فيها (والثاني) لا يدري أنه يأخذه بجهة الملك أو بجهة الظفر بمال من
ظلمه فيمتنع من الاخذ إلى ظهور جهته وقال ابن سريج وأبو إسحاق وأكثر مشايخ المذهب
الامر كما ذكره المزني وعن ابن سريج والقاضي أبى حامد أن الشافعي رحمه الله نص عليه في غير
هذا الموضع وحملوا ما ذكره ههنا على أن ما يأخذه بجهة الولاء لا يكون موقوفا وهو ما زاد على قدر
الثمن فاما المستحق بكل حال فلا معنى للتوقف فيه قالوا ويجوز الرجوع في المبذول على جهة الفدية
كما لو فدى أسيرا في يد المشركين ثم استولى المسلمون على بلادهم ووجد الباذل عين ماله أخذه
(وأما) اختلاف الجهة فلا يسلم أنه يمتنع أخذه بعد الاتفاق على أصل الاستحقاق (الحالة الثانية)
أن يكون صفة إقراره أنه حر الأصل وأنه عتق قبل ان اشتريته فإذا اشتراه فهو فداء من جهته بلا
خلاف كذلك ذكره صاحب التهذيب وإذا مات وقد اكتسب مالا وليس له وارث فالمال لبيت
المال وليس للمشترى أن يأخذ منه شيئا لان تقدير صدقه لا يكون المال للبائع حتى يأخذ عوضا عن
الثمن ولو مات العبد قبل أن يقبضه المشترى لم يكن للبائع أن يطالبه الثمن لأنه لا حرية في زعمه والمبيع
قد تلف قبل القبض هذا شرح المسألة وقد اندرج فيه بعض ما يتعلق بلفظ الكتاب خاصة (وقوله)
لم يحكم بعتق العبد على المشترى على من صلة الحكم لامن صله العتق فانا لا نحكم بأنه عتيق على
المشترى وإنما نحكم على المشترى بأنه عتيق (وقوله) لأنه غير مصدق في الجهة أراد به ما ذكرنا في
التوجيه الثاني وشبه هذا الخلاف فيما إذا قال عليك الف ضمنته فقال ما ضمنت شيئا ولكن لك
على الف قيمة متلف والأصح الثبوت وقطع النظر عن الجهة.
111

(فرع) لو أستأجر العبد المقر بحريته بدلا عن الشراء لم يحل له استخدامه والانتفاع به
وللمكرى مطالبته بالأجرة ولو أقر بحرية جارية ثم قبل نكاحها منه لم يحل له وطؤها وللزوج
مطالبته بالمهر.
(فرع) لو قال العبد الذي في يدك غصبته من فلان ثم اشتراه منه ففي صحة العقد وجهان
نقلهما الامام رحمه الله (أصحهما) الصحة كما لو أقر بحريته ثم اشتراه (والثاني) المنع لأن الصحيح ثم
الافتداء والانقاذ من الرق ولا يتجه مثله في تخليص ملك الغير (ثالث) لو أقر بعبد في يده لزيد وقال
العبد بل أنا ملك لعمر وسلم إلى زيد دون عمرو لأنه في يد من يسترقه لا في يد نفسه فلو أعتقه لم يكن
لعمرو تسليم رقبته والتصرف فيها أيضا لما فيها من ابطال الولاء على المعتق وهل له أخذ اكسابه فيه
وجهان (وجه المنع) أن استحقاق الاكساب فرع الربح وأنه لم يثبت.
قال (الركن الرابع الصيغة فإذا قال لفلان على أو عندي الف فهو اقرار. ولو قال المدعى لي
عليك الف فقال زن أو خذ لم يكن اقرار. وكذا إذا قال زنه أو خذه (و) ولو قال بلى أو أجل أو
نعم أو صدقت أو أنا مقر به أو لست منكر له فهو اقرار. ولو قال أنا مقر ولم يقل به فلا يكون
اقرار به. ولو قال أنا أقر به قيل أنه اقرار. وقيل إنه وعد بالاقرار. ولو قال أليس لي عليك
الف فقال بلى لزمه. ولو قال نعم قيل إنه لا يلزمه والأصح التسوية. ولو قال اشتر منى هذا العبد
فقال نعم فهو اقرار بالعبد).
في الفصل صور (أحدهما) قول القائل كذا لفلان صيغة إقرار (وقوله) لفلان على أو ذمتي
إقرار بالدين ظاهرا (وقوله) عندي أو معي إقرار بالعين ولو قال له قبلي الف قال في التهذيب هو
112

دين ويشبه أن يكون هو صالح للدين والعين جميعا (الثانية) إذا قال لغير لي عليك الف وقال في
الجواب زن أو خذ لم يكن إقرارا لأنه لم توجد منه صيغة التزام وقد يذكر مثل ذلك من يستهزئ
ويبالغ في الجحود ولو قال استوف أو اتزن فكذلك وفى التتمة نقل وجه في قوله اتزن أنه اقرار
لأنه يستعمل في العادة فيما يستوفيه الانسان لنفسه بخلاف قوله زن ويقال هو مذهب أبي حنيفة
رحمه الله ولو قال خذه أو زنه فظاهر المذهب أنه ليس باقرار أيضا وقال الزبيري انه اقرار ووجهه أن
الكناية تعود إلى ما تقدم في الدعوى ولو قال سده في همنا بك أو اجعله في كسبك أو اختم عليه
فهو كقوله زنه أو خذه واعلم أن الوجه الذي رويناه عن الزبيري نسبه صاحب الكتاب في الوسيط
إلى صاحب التخليص فلم يورد فيه المسألة ولو قال المدعى عليه في الجواب بلى أو نعم أو أجل أو
صدقت فهو اقرار لأن هذه الألفاظ موضوعة للتصديق والموافقة ومثله أجابوا فيما إذا قال لعمري ولعل
العرف يختلف فيه ولو قال أنا مقر به أو بما يدعيه ولست بمنكر له فهو اقرار ولو قال أنا مقر ولم
يقل به أو قال لست بمنكر أو أنا أقر لم يكن اقرارا لجواز ان يريد الاقرار ببطلان دعواه أو بأن
الله تعالى واحد وهذا يدل على أن الحكم بأن قوله انى مقر به اقرار فيما إذا خاطبه فقال أنا مقر لك به
والا فيجوز أن يريد الاقرار به لغيره ولو قال أنا أقر لك به فوجهان (أحدهما) أنه ليس باقرار لجواز
أن يريد به الوعد بالاقرار في ثاني الحال (والثاني) أنه اقرار لان قرينة الخصومة تشعر بالتمييز ونسب
الامام رحمه الله الثاني للأكثرين واختاره كذلك القاضيان الحسين والروياني ولا يحكى الثاني
الا نادرا فضلا عن الذهاب إليه (وأما) المختار فهو مؤيد بأنهم اتفقوا على أنه لو قال لا أنكر ما تدعيه
كان اقرارا غير محمول على الوعد ورأيت بعض أصحاب أبي عاصم العبادي أجاب عن هذا الالزام
113

بأن العموم إلى النفس أسرع منه إلى الاثبات ألا ترى ان النكرة في معرض النفي تعم وفى معرض
الاثبات لا تعم ولك ان تقول هب ان هذا الفرق بين لكن لا ينفى الاحتمال وقلدة الاقرار الاخذ باليقين
قال الامام رحمه الله وبتقدير حمله على الوعد فالقياس ان الوعد بالاقرار اقرار كما أنا نقول التوكيل بالاقرار
اقرار ولو قال في الجواب لا أنكر أن يكون محقا لم يكن مقرا بما يدعيه لجواز ان يريد في شئ آخر فلو
قال فيما تدعيه فهو اقرار ولو قال لا أقر به ولا أنكر فهو كما لو سألت فيجعل منكرا وتعرض عليه اليمين ولو
قال أبرأتني عنه أو قبضته فهو اقرار وعليه بينة القضاء أو الابراء وعن بعض الأصحاب ان قوله أبرأتني
ليس باقرار لقوله تعالى (فبرأه الله مما قالوا) وتبرئته عن عيب الادرة لا يقتضى اثباته له ولو قال
أقررت بأنك أبرأتني واستوفيت مني لم يكن اقرارا ولو قال في الجواب لعل أو عسى أو أظن أو
أحسب أو أقدر لم يكن مقرا وههنا مباحثة وهو أن اللفظ وإن كان صريحا في التصديق فقد تنضم
إليه قرائن تصرفه عن موضوعه إلى الاستهزاء والكذب ومن جملة الأداء والابراء وتحريك الرأس
على شدة التعجب والانكار ويشبه أن يحمل قول الأصحاب ان صدقت وما في معناه اقرار على غير
هذه الحالة أما إذا اجتمعت القرائن فلا يجعل إقرارا أو يقال فيه خلاف لتعارض اللفظ والقرينة كما لو
قال لي عليك الف فقال في الجواب على سبيل الاستهزاء لك على الف فان أبا سعيد المتولي حكى
فيه وجهين (الثالثة) لو قال أليس لي عليك الف فقال بلى كان مقرا ولزمه الألف ولو قال نعم فوجهان
(أحدهما) أنه لا يلزمه لان نعم تصديق لما دخل عليه حرف الاستفهام ويلي تكذيب له من حيث
أن أصل بلى بل وزيدت عليها الياء وهو الرد والاستدراك وإذا كان كذلك فقوله بلى رد لقوله أليس
لي عليك الف فإنه الذي أدخل عليه حرف الاستفهام ونفى له ونفى النفي اثبات فكأنه قال لي
114

عليك لك على الف وقوله نعم تصديق فكأنه قال ليس لي لك على عليك الف هذا تلخيص ما نقل عن
الكسائي وغيره من أئمة اللغة وعلى وفاقه ورد القرآن قال الله (الست ربكم قالوا بلى) وقال تعالى (أم
يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون) وقال تعالى (أيحسب الانسان أن لن
نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه) وقال تعالى في لفظة نعم (فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا
قالوا نعم) وقال تعالى (أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم) والوجه الثاني أن يكون مقرا بان
كل واحد منهما يقام مقام الآخر في العرف والوجه الأول هو الذي أورده صاحب التهذيب وغيره
لكن الثاني أصح عند الامام وصاحب الكتاب وبه أجاب الشيخ أبو محمد وأبو سعيد المتولي ووجهوه
بان الأقارير تحمل على معهود العرف لاعلى حقائق العربية ولو قال هل لي عليك الف فقال نعم فهو
اقرار (الرابعة) إذا قال اشتر مني عبدي هذا فقال نعم فهو اقرار به للقائل كما لو قال أعتق عبدي
هذا فقال ويمكن أن يجئ فيه خلاف ما ذكرنا في الصلح فيما إذا قال بعني هذا العبد هل هو
اقرار بالعبد للمخاطب وليس في لفظ الكتاب في المسألة إضافة العبد إلى نفسه ولكن المراد ما إذا
أضاف وكذلك صور في الوسيط ولو كان اللفظ اشتر منى هذا العبد كما في الكتاب فالتصديق بنعم
يقتضى الاعتراف بملكية البيع لا بأنه يملك المبيع ولو ادعى عليه عبدا في يده فقال اشتريته من
وكيلك فلان فهو اقرار له ويحلف المدعى عليه أنه ما وكل فلانا بالبيع ثم إنا نردف شرح صور الفصل
بصور تقرب منها لو قال له على كذا في علمي أو فيما أعلمه وأشهد فهو اقرار ولو قال كان على الف
لفلان أو كانت هذه الدار في السنة الماضية له فوجهان (أحدهما) أنه اقرار في الحال بحكم الاستصحاب
115

(والثاني) لا لأنه لم يعرف في الحال بشئ والأصل براءة الذمة ويقرب منه الخلاف فيما إذا قال
هذه داري أسكنت فيها فلانا ثم أخرجته منها قيل هو اقرار باليد لأنه اعترف بثبوتها من قبل وادعى
زوالها وعن أبي على الزجاجي في جواب الجامع الصغير أنه ليس اقراره بالملك لزيد ودعوى انتقالها
منه لأنه لم يعترف بيد فلان الا من جهته ولو قال ملكتها من زيد فهو اقرار فإن لم يصدقه زيد أمر
بالرد إليه وقول قال اقض الألف الذي لي عليك فقال نعم فهو اقرار ولو قال في الجواب اعطني غدا أو
ابعث من يأخذه أو امهلني يوما أو حتى اصرف الدراهم أو حتى افتح باب الصندوق أو اقعد حتى
تأخذ أو لا أجد اليوم أولا تزال تتقاضى أو قال ما أكثر ما تتقاضى والله لأقضينك فجميع هذه الصور
اقرار عند أبي حنيفة رحمه الله والأصحاب فيه مضطربون والميل إلى موافقته في أكثر الصور أكثر
وتردد بعضهم في قوله اقض الألف الذي لي عليك فقال نعم أيضا وكذا لو قال اسرح دابة فلان
هذه فقال نعم أو قال متى تقضى حقي فقال غدا ولو قال له قائل غصبت ثوبي فقال ما غصبت من أحد
قبلك ولا بعدك لم يكن مقرا لان نفى الغصب من غيره لا يوجب الغصب منه وكذا لو قال ما لزيد
أكثر من مائة درهم لان نفى الزائد على المائة لا يوجب اثبات المائة وفيه وجه آخر
أنه اقرار بالمائة ولو قال معسر لفلان على ألف درهم ان رزقني الله مالا قيل ليس باقرار للتعليق وقيل
هو اقرار وذلك بيان لوقت الأداء والأصح أن يستفسر فان فسر بالتأجيل صح وان فسر بالتعليق
لغا ولو شهد عليه شاهد فقال هو صادق أو عدل لم يكن مقرا وان قال صادق فيما شهد به أو عدل فيه
كان مقرا قاله في التهذيب ولو قال إن شهد على فلان وفلان أو شاهدان بكذا فهما صادقان قال في
الحيلة فيه قولان (أصحهما) أنه اقرار وان لم يشهدا وبه أجاب صاحب التلخيص في المفتاح (والثاني)
أنه ليس باقرار لما فيه من التعليق فان قال إن شهدا صدقتهما لم يكن مقرا لان غير الصادق قد يصدق
116

(الباب الثاني في الأقارير المجملة)
قال (وهي سبعة (الأول) إذا قال لفلان على شئ يقبل تفسيره بأقل ما يتمول (ح) لأنه
محتمل. وهل يقبل بحبة من الحنطة فيه خلاف. وهل يقبل بالكلب والسرجين وجلد الميتة فيه
خلاف. والأظهر القبول لأنه شئ لازم. ولا يقبل بالخمر والخنزير لأنه لا يلزم ردهما. ولا يقبل برد
جواب السلام والعيادة فإنه لا مطالبة بهما. وان قال غصبت شيئا قبل بالخمر والخنزير. ولو قال له
عندي شئ لم يقبل بالسلام لأنه لا يملك. وفيه وجه).
المقر به يكون مفصلا وقد يكون مجملا مجهول الحال وإنما احتمل فيه الاجمال لأنه اخبار عن
سابق والشئ يخبر عنه مفصلا تارة ومجملا تارة ويخالف الانشاءات حيث لا تحتمل الجهالة والاجمال في أغلبها
احتياطا لابتداء الثبوت وتحرزا عن الغرر ولا فرق في الأقارير المجملة بين أن تقع ابتداء أو في جواب
دعوى معلومة كما إذا ادعى عليه ألف درهم وقال لك على شئ والألفاظ التي تقع فيها الجهالة والاجمال
لاحصر لها فاشتغل الشافعي رضي الله عنه والأصحاب ببيان ما هو أكثر استعمالا ودورانا على الألسنة
ليعرف حكمهما ويقاس بها غيرها (منها) إذا قال لفلان على شئ رجعنا في التفسير إليه فان فسره بما يتمول قبل
قليلا كان أو كثيرا كفلس ورغيف وتمرة حيث يكون لها قيمة وان فسره بما لا يتمول فاما أن يكون من
جنس ما يتمول أولا يكون إن كان كحبة من الحنطة والشعير والسمسم وقمع الباذنجانة ففيه وجهان
(أحدهما) لا يقبل التفسير به لأنه لا قيمة له فلا يصح التزامه بكلمة على ولهذا لا تصح الدعوى به (وأصحهما)
117

القبول لأنه شئ يحرم أخذه وعلى من أخذه رده (وقوله) ان الدعوى به لا تسمع ممنوع والتمرة الواحدة
حيث لا قيمة لها من هذا القبيل وعن القاضي أن الخلاف فيها بالترتيب وهو أولى بالقبول وان
لم يكن من جنس ما يتمول فاما أن يجوز اقتناؤه... أولا يجوز (القسم الأول) لكلب المعلم والسرجين
وجلد الميتة القابل للدباغ ففي التفسير بها وجهان (أحدهما) لا يقبل لأنها ليست بمال وظاهر الاقرار
المال (وأصحهما) القبول لأنها أشياء يثبت فيها الحق والاختصاص ويحرم أخذها ويجب ردها ومن
هذا القسم الخمر المحترمة والكلب القابل للتعليم ومثال الثاني الخمرة التي لا حرمة لها والخنزير وجلد
الميتة والكلب الذي لا منفعة به ففي التفسير بها وجهان لكن الأصح ههنا المنع وهو الذي ذكره
في الكتاب لأنه ليس فيه حق اختصاص ولا يلزم ردها (وقوله) على مقتضى ثبوت حق المقر له
ولو فسره بوديعة قبل لان عليه ردها عند الطلب وقد يتعدى فتكون مضمونة عليه وروى الامام رحمه
الله وجها أنه لا يقبل لأنها في يده لا عليه ولو أقر بحق الشفعة يقبل ذكره القاضي الروياني وبالعيادة
118

ورد السلام لا يقبل لأنه بعيد عن الفهم في معرض الاقرار إذ لا مطالبة بهما والاقرار في العادة يجرى
بما يطلب المقر ويدعيه قال في التهذيب ولو قال له على حق قبل التفسير بهما وظني أن الفرق بينهما
عسير وكيف لا والحق أخص من الشئ ويبعد أن يقبل تفسير الأخص بما لا يقبل به الأعم وبتقدير أن يكون
الامر كما ذكره فينتقض التوجيه المذكور (وقوله) في الكتاب لا يقبل برد جواب السلام أخذ
اللفظين من الرد والجواب كاف والآخر زائد ولو كان الاقرار بلفظ الغصب فقال غصبت منه شيئا فبما
يقبل تفسيره في الصورة السابقة يقبل ههنا بطريق الأولى إذا احتمله اللفظ وهذا القيد لتخرج
الوديعة وحق الشفعة ويقبل أيضا بالخمر والخنزير نص عليه في الام لأن الغصب لا يقتضى الا الاخذ
قهرا وليس في لفظه ما يشعر بالتزام وثبوت حق بخلاف قوله على ولو قال له عندي شئ فكذلك
يقبل التفسير بالخمر والخنزير على المشهور لأنه شئ مما عنده وقال الشيخ أبو محمد لا يقبل واختاره
119

الامام وصاحب الكتاب ووجهوه بان قوله عندي يشعر بثبوت ملك أو حق وللأولين أن يمنعوا
ذلك ويحتجوا عليه بانتظام قو القائل لفلان عندي خمر أو خنزير ثم لهم أن يدعوا مثل ذلك في
قوله غصبت من فلان.
قال (ثم إن امتنع عن التفسير حبس إلى أن يفسر على رأى. وجعل نا كلا عن اليمين
على رأى حتى يحلف المدعي. فلو فسر بدرهم فقال المدعى بل أردت عشرة لم يقبل دعوى الإرادة
بل عليه أن يدعي نفس العشرة. والقول قول المقر في عدم الإرادة وعدم اللزوم).
عرفت أنه بم يقبل تفسير الاقرار بالشئ وبم لا يقبل وفى الفصل وردت مسألتان لا اختصاص
لهما بلفظ الشئ بل يعمان سائر المبهمات وإنما أوردهما في هذا الموضع لان الاقرار بالشئ أول ما ذكره
من الأقارير المحملة (المسألة الأولى) إذا أقر بمجمل وطالبناه بالتفسير فامتنع ففيه ثلاثة أوجه جمعها
الامام رحمه الله أظهرها انا نحبسه حبسنا إياه إذا امتنع من أداء الحق لان التفسير والبيان حق واجب
(والثاني) أنه لا يحبس بل ينظر ان وقع الاقرار المبهم في جواب دعوى وامتنع عن التفسير جعل
120

ذلك انكارا منه وتعرض عليه اليمين فان أصر جعل نا كلا عن اليمين وحلف المدعى وان أقر
ابتداء قلنا للمقر له ادعى عليه حقك فإذا ادعاه وأقر بما ادعاه أو أنكر فذاك وأجرينا عليه الحكم
وان قال لا أدرى جعلناه منكرا فان أصر جعلناه نا كلا وذلك أنه إذا أمكن تحصيل الغرض من غير
حبس لا يحبس (والثالث) عن حكاية صاحب التقريب انه ان أقر بغصب وامتنع من بيان المغصوب
حبس وان أقر بدين مبهم فالحكم كما ذكرنا في الوجه الثاني وذكر أبو عاصم العبادي أنه إذا قال
على شئ وامتنع من التفسير لم يحبس وان قال على ثوب أو فضة ولم يبين يحبس وأشار من شرح
كلامه إلى أن الفرق مبني على قبول التفسير بالخمر والخنزير فإنه لا يتوجه بذلك مطالبته وحبسه
(الثانية) إذا فسر اقراره المبهم بتفسير صحيح وصدقه المقر له فذاك والا فليبين جنس الحق وقدره
وليدعيه والقول قول المقر في نفيه ثم لا يخلو اما أن يكون ما ادعاه من جنس ما فسره المقر أو من غير
جنسه فإن كان من جنسه كما إذا فسر اقراره بمائة درهم وقال المقر له لي عليه مائتان فان صدقه على
إرادة المائة فهي ثابتة بالاتفاق ويحلف المقر على نفى الزيادة ولو قال أراد به المائتين حلف المقر على أنه
ما أراد مائتين وليس عليه إلا مائة ويجمع بينهما في يمين واحدة وعن ابن المرزبان أنه لابد من يمينين
والمشهور الأول فلو نكل حلف المقر له على استحقاق المائتين ولا يحلف على الإرادة لأنه لا يطلع
121

عليها بخلاف ما إذا مات المقر وفسر الوارث وادعى ليقر له زيادة حيث يحلف الوارث على نفي إرادة
الموروث لأنه قد يطلع من حال مورثه على مالا يطلع عليه غيره قال صاحب التهذيب ومثله لو أوصى
بمجمل ومات فبينه الوارث فزعم الموصي له أنه أكثر يحلف الوارث على نفى العلم باستحقاق
الزيادة ولا يتعرض للإرادة والفرق أن الاقرار اخبار عن سابق وقد يعرض فيه اطلاع والوصية انشاء
أمر على الجهالة وبيانه إذا مات الموصى إلى الوراث وإن كان ما ادعاه من غير جنس ما فسر به
المقر نظر ان صدقه في الإرادة وقال ليس لي عليه ما فسر به إنما لي عليه كذا بطل حكم الاقرار
برده وكان مدعيا في غيره وان كذبه في دعوى الإرادة وقال إنما أراد ما ادعيته حلف المقر على نفى
الإرادة ونفى ما يدعيه ثم إن كذبه في استحقاق المقر به بطل الاقرار فيه والا ثبت ولو اقتصر المقر على
نفى دعوى الإرادة وقال ما أرددت بكلامك ما فسرته وإنما أردت كذا اما من جنس المقر به أو من غيره
لم يسمع منه ذلك لان الاقرار والإرادة لا يثبتان حقا له بل الاقرار اخبار عن حق سابق وعليه أن
يدعى الحق لنفسه وقال الامام وفيه وجه ضعيف أنه تقبل دعوى الإرادة المجردة وهو كالخلاف فيمن
ادعى على خصمه أنه أقر بألف درهم هل تسمع منه أم عليه أن يدعى بعين الألف (وقوله) في
122

الكتاب لم تقبل منه دعوى الإرادة بل عليه أن يدعى نفس العشرة ربما يفهم منه أن دعوى
الإرادة لا التفات إليها أصلا وليس كذلك وإنما المراد أنها وحدها غير مسموعة فأما إذا ضم إليها
دعوى الاستحقاق فيحلف المقر على نفيهما على التفصيل الذي تبين الذي اتفقت النقلة عليه ويدل
عليه من لفظ الكتاب قوله والقول قول المقر في نفى الإرادة ونفى اللزوم ولكن فيه كلام وهو
انا حكينا في البيع وجهين وهو أن المشترى إذا ادعى عيبا قديما بالمبيع وقال البائع بعته أو قبضته سليما
يلزمه أن يحلف كذلك أم يكفيه الاقتصار على أنه لا يستحق به الرد فليجئ ههنا وجه أنه يكفيه
نفس اللزوم ولا يحتاج إلى التعرض للإرادة.
(فرع) لو مات المبهم قبل التفسير طولب به الوارث فان امتنع فقولان (أحدهما) أنه
يوقف مما ترك أقل ما يتمول (وأظهرهما) أنه يوقف الكل لان الجميع وان لم يدخل في التفسير فهو
مرتهن بالدين.
قال (الثاني إذا قال على مال يقبل بأقل ما يتمول ولا يقبل بالكلب وجلد الميتة. والأظهر
قبول المستولدة. ولو قال مال عظيم أو نفيس أو كثير أو مال كان كما لو قال مال وحمل
على عظم الرتبة بالإضافة. فلو قال مال أكثر من مال فلان أو مما شهد به الشهود على فلان قبل
تفسيره بما دونه. ومعناه أن الدين أكثر بقاء من العين أو الحلال أكثر من الحرام).
123

في الفصل ثلاث صور (إحداها) إذا قال له على مال قبل تفسيره بأقل ما يتمول ولا يقبل بما
ليس بمال كالكلب وجلد الميتة والوجه القبول بالتمرة الواحدة ولو كان بحيث يكثر التمر وتوجيهه أنه
مال وان لم يتمول في ذلك الموضع هكذا يذكره العراقيون ويقولون كل ما يتمول مال ولا ينعكس
وتلتحق الحبة من الحنطة بالتمرة الواحدة وفى قبول التفسير بالمستولدة وجهان حكاها الشيخ أبو محمد
(أظهرهما) وهو اختيار الشيخ القبول لأنه ينتفع بها وتستأجر وإن كانت لاتباع وان فسر بوقف عليه
فيشبه أن يخرج على الخلاف في أن الملك في الوقف هل للموقوف عليه (الثانية) إذا قال على
مال عظيم أو كبير أو كثير أو جليل أو نفيس أو خطير أو غير تافه أو مال وأي مال قبل تفسيره
بأقل ما يتمول لأنه يحتمل أن يريد به عظيم خطره يكفر مستحله أو وزر غاصبه والخائن فيه وقد قال
الشافعي رضي الله عنه أصل ما أبنى عليه الاقرار أن لا الزم الا اليقين وأطرح الشك ولا استعمل الغلبة
وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يقبل في العظيم والكثير بأقل من عشرة دراهم ويروى مائتا درهم
وساعدنا في الجليل والنفيس والخطير وعن مالك رحمه الله أنه لا يقبل التفسير بأقل مما تقطع فيه يد
السارق وذهب بعض الأصحاب فيما حكاه القاضي الحسين وغيره إلى أنه يجب أن يزيد تفسير المال
العظيم على تفسير مطلق المال ليكون لوصفه بالعظيم فائدة واكتفي بعضهم بالعظيم من حيث
124

الجرم والجثة ولو قال على مال قليل أو حقير أو خسيس أو طفيف أو تافه أو نذر أو يسير فهو كما لو قال
مال وتحمل هذه الصفات على استحقار الناس إياه أو على أنه فان زائل فكثيره بهذا الاعتبار قليل
وقليله بالاعتبار الأول كثير (وقوله) في الكتاب وحمل على عظم الرتبة بالإضافة إلى أحوال الناس
وطباعهم فقد يستعظم الفقير ما يستحقره السرى (الثالثة) قال لزيد على مال أكثر مما لفلان قبل
تفسيره بأقل ما يتمول وان كثر مال فلان لأنه يحتمل أن يريد به انه دين لا يتطرق إليه الهلاك وذلك
عين متعرض الهلاك أو يريد أن ما لزيد على حلال ومال فلان حرام والقليل من الحلال أكثر بركة
من الحرام وكما أن القدر مبهم في هذا الاقرار فكذلك الجنس والنوع مبهمان ولو قال له على أكثر
من مال فلان عددا فالابهام في الجنس والنوع ولو قال له على من الذهب أكثر مما لفلان فالابهام
في القدر والنوع ولو قال من صحاح الذهب فالابهام في القدر والنوع ولو قال من الذهب فالابهام في
القدر وحده ولو قال لزيد على أكثر مما شهد به الشهود على فلان قبل تفسيره بأقل ما يتمول أيضا
لاحتمال أن يعتقد أنهم شهدوا زورا ويريد أن القليل من الحلال أكثر بركة ولو قال أكثر مما قضى
به القاضي على فلان فوجهان (أحدهما) أنه يلزمه القدر المقضى به لان قضاء القاضي محمول على الصدق
والحق (وأظهرهما) أنه كما قال أكثر مما شهد به الشهود لان قضاء القاضي قد يستند إلى شهادة
الزور والحكم الظاهر لا يغير ما عند الله تعالى ولو قال لفلان على أكثر مما ففي يد فلان قبل تفسيره
125

بأقل ما يتمول كما لو قال من مال فلان ولو قال له على أكثر مما في يد فلان من الدراهم لا يلزم التفسير
من جنس الدراهم لكن يلزمه بذلك العدد من أي جنس شاء وزيادة بأقل ما يتمول هكذا ذكره في
التهذيب لكنه يخالف ما سبق من وجهين (أحدهما) التزام ذلك العدد (والثاني) التزام زيادة عليه
فان التأويل الذي تقدم الأكثرية يتبعهما جميعا ولو قال على من الدراهم أكثر مما في يد فلان من
الدراهم وكان في يد فلان ثلاثة دراهم فجواب صاحب التهذيب أنه يلزمه ثلاثة دراهم وزيادة بأقل
مما يتمول (والأظهر) ما نقله الامام رحمه الله وهو أنه لا يلزمه زيادة حملا للأكثر على ما سبق وحكى
عن شيخه أنه لو فسر بما دون الثلاثة يقبل أيضا ولو كان في يده عشرة دراهم وقال المقر لم أعلم وظننت
أنها ثلاثة قبل قوله مع يمينه (وقوله) في الكتاب إذ الحلال أكثر من الحرام أي أكثر بركة أو
رغبة وما أشبه ذلك.
قال (الثالث إذا قال له على كذا فهو كالشئ. وإذا قال كذا كذا درهم فهو تكرار.
ولو قال كذا درهم (ح و) يلزمه درهم واحد. وكذلك كذا وكذا (ح) درهم. ولو قال كذا وكذا
درهما نقل المزني رحمه الله قولين (أحدهما) أنه تفسير لهما فهما درهمان (ح) (والثاني) أنه درهم
(ح و) واحد. وهذا في قوله درهما بالنصب. وفى قوله درهم بالرفع الأصح انه درهم واحد).
126

إذا قال لفلان على كذا فهو كما لو قال شئ ويقبل تفسيره بما يقبل به تفسير الشئ ولو قال
كذا كذا فهو كما لو قال كذا والتكرار للتأكيد لا للتحديد ولو قال كذا وكذا فعليه التفسير بشيئين
مختلفين أو متفقين يقبل كل واحد منهما في تفسير كذا من غير عطف وكذا لو قال على شئ أو قال
شئ وشئ ولو قال على كذا درهما يلزمه درهم واحد وكان الدرهم تفسيرا لما أبهم وفى النهاية أن عند أبي
حنيفة رحمه الله يلزمه عشرون لأنه أول اسم مفرد ينتصب الدرهم المفسر عقبه وان أبا إسحاق
المروزي وافقه فيما إذا كان المقر عارفا بالعربية وأجاب الأصحاب في أن تفسير الألفاظ المبهمة لا ينظر إلى
الاعراب ولا توازن المبهمات بالمبينات بدليل أنه لو قال على كذا درهم صحيح لا يلزمه مائه درهم
بالاتفاق وإن كانت الموازنة المذكورة تقتضي لزوم مائة والتقييد بالصحيح لئلا يحمل على نصف درهم
أو ثلث درهم لكن نقل البندنيجي ان الطحاوي حكى عن بعض أصحاب أبي حنيفة أنه يلزمه مائة
درهم والمشهور أنه لا يلزمه الا درهم واحد كما هو قولنا ولو قال كذا درهم من غير صفة الصحة فكذلك
وفيه وجه أنه يلزم بعض درهم وهو اختيار ابن الصباغ ولو قال كذا درهم بالرفع فلا خلاف أنه يلزمه
درهم واحد ولو قال كذا درهم ووقف فهو كما لو خفض ولو قال كذا كذا درهما لم يلزمه أيضا إلا درهم
وقال أبو حنيفة رحمه الله يلزمه أحد عشر درهما ووافقه أبو إسحاق في العالم بالعربية ولو قال كذا وكذا
127

درهم أو درهم فكذلك لا يلزمه إلا درهم ويجئ في الحفض الوجه الذي مر ولو قال على كذا وكذا
درهما قال في المختصر يعطيه درهمين لان كذا يقع درهم يعنى لما وصل الخمس بالدرهم كان كل واحد
من المعطوف والمعطوف عليه واقعا على درهم وكناية عنه هكذا قال المزني وقال في موضع آخر إذا
قال على كذا وكذا درهما قيل اعطه درهما أو أكثر من قبل ان كذا يقع على أقل من درهمين
(وقوله) أكثر إذا فسر بأكثر من درهم لزمه والا فالدرهم تعيين هذا ما نقله المزني واختلف الأصحاب
في المسألة على طريقين (أشهرهما) أنه على قولين وبه قال ابن خيران وأبو سعيد (وأصحهما) أنه يلزمه
درهمان لأنه أقر بجملين مبهمتين وعقبهما بالدرهم منصوبا والظاهر كونه تفسيرا (والثاني) وهو
اختيار المزني أنه لا يلزمه الا الدرهم لجواز أن يريد تفسير اللفظين معا بالدرهم وحينئذ يكون المراد من
كل واحد نصف درهم ومنهم من زاد قولا ثالثا وهو أنه يلزمه درهم شئ فاما الدرهم فلتفسير الجملة
الثانية وأما الشئ فلان الأولى باقية على ابهاما وهذا ينطبق على رواية من روى اعطه درهم
وأكثر (والطريق الثاني) وبه قال أبو إسحاق القطع بأنه يلزمه درهما واختلفوا في نقل المزني
والتصرف فيه من وجوه (أحدها) حمل ما نقل عن موضع آخر على ما إذا قال كذا وكذا درهم بالرفع
كأنه يقول وكذا والعرض أبهمته درهم (الثاني) أنه حيث قال درهمان أراد ما إذا أطلق اللفظ وحيث
128

قال درهم أراد به ما إذا نواه ويصرف اللفظ عن ظاهره بالنية (والثالث) أنه حيث قال درهم أراد
ما إذا قال كذا وكذا درهم فشك ان الذي يلزمه شيئان أو شئ واحد (والرابع) أنه حيث قال يلزمه
درهم صور فيما إذا قال كذا وكذا درهما وقال أبو حنيفة رحمه الله يلزمه أحد وعشرون درهما للموازنة
السابقة وبه قال أبو إسحاق في العارف بالعربية وخصص اختلاف الطرق وتفرق الأصحاب بغيره ولو
قال كذا وكذا درهم بالرفع فطريقان (أحدهما) طرد القولين لأنه يسبق إلى الفهم أنه تفسير لهما
وان أخطأ في اعراب التفسير (وأصحهما) القطع بأنه لا يلزمه الا درهم واحد لما سبق وكذا لو قال كذا
وكذا درهم بالخفض لم يلزمه الا واحد ويمكن أن يخرج مما سبق أنه يلزمه شئ وبعض درهم أولا
يلزمه الا بعض درهم ولو قال كذا وكذا وكذا درهما (فان قلنا) لو ذكر مرتين لزمه درهمان فههنا
يلزمه ثلاثة (وان قلنا) يلزمه درهم فكذلك ههنا وإذا عرفت ما ذكرناه أعلمت قوله ثم كذا
درهما يلزمه درهم - بالحاء - والواو - كما ذهب إليه أبو إسحاق وكذا قوله وكذا كذا كذا
درهما ويجوز اعلام قوله فهما درهمان وقوله أنه درهم في مسألة كذا وكذا درهما بهما أيضا
(وقوله) وهذا في قوله درهما بالنصب أي موضع القولين ذلك فاما إذا رفع فاصح الطريقين القطع
بلزوم درهم.
129

قال (ولو قال على الف ودرهم فالألف مبهم وله تفسيره بما شاء بخلاف ما لو قال الف
وخمسة عشر درهما أو الف ومائة وخمسة وعشرون درهما فان الدرهم لم يثبت بنفسه فكان تفسيرا
للكل ولو قال درهم ونصف ففي النصف خلاف).
إذا قال لفلان على الف ودرهم أو درهم أو الف وثوب أو الف وعبد فهذا عطف مبين
على مبهم فله تفسير الألف بغير جنس المعطوف وقال أبو حنيفة رحمه الله إن كان المعطوف مكيلا
أو موزونا أو معدودا يفسر الألف به وإن كان متقوما كالثوب والعبد بقي على ابهامه. لنا القياس على
ما سلمه وعن مالك رحمه الله مثل مذهبنا. واختلف أصحاب أحمد فمنهم من ساعدنا ومنهم من قال يفسر
بالمعطوف بكل حال. ولو قال خمسة عشر درهما فالكل دراهم لأنه لاعطف وإنما هما اسمان جعلا واحدا
فالمذكور تفسير له ولو قال خمسة وعشرون درهما فظاهر المذهب ان الكل دراهم لان لفظ الدراهم
فيه لا يجب به شئ زائد بل هو تفسير لبعض الكلام والكلام يحتاج إلى التفسير فيكون تفسيرا
للكل وقال ابن خيران والاصطخري الخمسة مجملة والعشرون مفسرة بالدراهم لمكان العطف وعلى
هذا الخلاف قوله مائة وخمسة عشرون درهما وقوله الف ومائة وخمسة وعشرون درهما والف وثلاثة
أثواب ومائة وأربعة دنانير وقوله مائة ونصف درهم. ولو قال درهم ونصف أو عشرة دراهم ونصف
فوجهان أيضا (قال) الإصطخري وجماعة من الأصحاب النصف مبهم لأنه معطوف على ما تقدم مفسر
به فلا يتأتى فيه (وقال) الأكثرون الكل دراهم لجريان العادة به حتى أنه من قال درهم ونصف درهم
عد ذلك تطويلا منه زائدا على قدر الحاجة. ولو قال نصف ودرهم فالنصف مبهم ولو قال مائة وقفيز
حنطة فالمائة مبهمة بخلاف قوله مائة وثلاثة دراهم لان الدراهم تصلح تفسيرا للكل والحنطة لا تصلح
تفسيرا للمائة لأنه لا يصلح أن يقال مائة حنطة ولو قال على ألف درهم برفعهما وتنوينهما فسر الألف
بما لا تنقض قيمته عن درهم كأنه قال الألف مما قيمة الألف منه درهم.
130

قال (الرابع إذا قال على درهم يلزمه درهم فيه ستة دوانيق عشرة منه تساوى سبعة مثاقيل
وهي دراهم الاسلام. فان فسر بالناقص في الوزن متصلا قبل (ح). وإن كان منفصلا لم يقبل
إلا إذا كان التعامل به غالبا ففيه وجهان. وعليه يخرج التفسير بالدراهم المغشوشة. ولو فسر بالفلوس
لم يقبل بحال. وكذا لو قال على دريهمات أو دراهم صغار وفسر بالناقص لم يقبل. ولو قال على
دراهم يلزمه ثلاثة).
ذكرنا في الزكاة ان الدرهم الاسلامي المعتبر به نص الزكاة والديات وغيرها عشرة من الدراهم
سبع مثاقيل وكل واحد منها ستة دوانيق ونزيد الآن ان كل دانق ثمان حبات وخمسا حبة فيكون
الدرهم الواحد خمسين حبة وخمسي حبة والمراد من الحبة حبة الشعير المتوسطة التي لم تقشر لكن
قطع من طرفها ما دق وطال والدينار اثنان وسبعون حبة منها كذا نقل عن رواية أبى عبيد القاسم
وحكاه الخطابي عن ابن سريج وفى حلية الروياني ان الدانق ثمان حبات فعلى هذا يكون الدرهم ثمانية وأربعون
حبة. إذا عرفت ذلك ففي الفصل مسائل (إحداها) إذا قال على درهم أو ألف درهم ثم قال وهي ناقصة
فدراهم طبرية الشام الواحد منها أربعة دوانيق فأما أن يتفق الاقرار في بلد دراهمه تامة أو بلد دراهمه
ناقصة إن كان الأول فاما أن يذكره منفصلا أو متصلا فان ذكره متصلا فطريقان (أصحهما) القبول
كما لو استثني وكأنه استثنى من كل درهم دانقين (والثاني) وبه قال ابن خيران أنه على قولين بناء على أن
الاقرار هل يتبعض وقد يوجه القبول بما سبق والمنع بأن اللفظ صريح فيه وما كل لفظ يتضمن نقصانا
يصلح للاستثناء ألا ترى أنه لو قال على الف بل خمسمائة يلزمه الألف وان ذكره منفصلا لم يقبل
وعليه وزن درهم الاسلام إلا أن يصدقه المقر له لان لفظ الدراهم صريح في القدر المعلوم وعرف البلد
مؤيد له واختار الروياني أنه يقبل لان اللفظ محتمل له والأصل براءة الذمة وحكاه عن جماعة من
131

الأصحاب وهو غريب وإن كان الثاني فان ذكره متصلا قبل لان اللفظ والعرف يصدقان وان ذكره منفصلا
فوجهان (أحدهما) لا يقبل ويحمل مطلق قراره على وزن الاسلام وهذا كما أن نصب الزكاة لا تختلف
باختلاف البلاد (وأظهرهما) وهو المحكى عن نصه أنه يقبل حملا لكلامه على نقد البلاد لان للعرف أثرا بينا في
تقييد الألفاظ باهل العرف وصار كما في المعاملات ويجرى الخلاف فيما إذا أقر في بلد وزن دراهمه أكثر من
وزن دراهم الاسلام مثل غزنة انه يحمل اقراره على دراهم البلد أو على دراهم الاسلام (ان قلنا) بالأول فلو
قال عنيت دراهم الاسلام منفصلا لم يقبل وان قاله متصلا ففيه الطريقان السابقان (والأصح) القبول مطلقا
وقد ذكرنا فيه خلافا إذا كان الاقرار في بلد وزن دراهمه كامل (وقوله) وإن كان منفصلا لم يقبل
يجوز اعلامه - بالواو - كما قاله الروياني (الثانية) الدراهم عند الاطلاق إنما تستعمل في النقرة فلو
أقر بدارهم وفسرها بالفلوس لم يقبل والتفسير بالدراهم المغشوشة كالتفسير بالناقصة لان نقرتها لا تبلغ
وان الدراهم فيعود فيه التفصيل المذكور في الناقصة ولو فسر بجنس ردئ من الفضة أو قال أردت
من سكة كذا وهي غير جارية في تلك البلد قبل كما لو قال على ثوب ثم فسره بجنس ردئ أو بمالا
يعتاد أهل البلد لبسه ويخالف ما لو فسر بالناقصة لان يرفع شيئا مما أقر به وههنا بخلافه ويخالف البيع
حيث يحمل على سكة البلد لان البيع انشاء معاملة والغالب أن المعاملة في كل بلد تقع بما يروج فيها
ويتعامل الناس بها إقراره اخبار عن سابق ربما ثبت بمعاملة في تلك البلدة وربما ثبت بغيرها فوجب
الرجوع إلى ارادته ولأنه لابد من صيانة البيع عن الجهالة والحمل على ما يروج في البلد أصلح طريق
تنتفي به الجهالة والاقرار لا تجب صيانته عن الجهالة وقال المزني لا يقبل تفسيره بغير سكة البلد وحكاه
الشيخ أبو حامد عن غيره من الأصحاب (الثالثة) إذا قال على دريهم أو دريهمات أو درهم صغير
أو دراهم صغار ففيه اضطراب رواية الذي ذكره الامام رحمه الله وصاحب الكتاب أنه كما لو
132

قال درهم أو دراهم فيعود في التفسير بالنقص التفصيل السابق وليس التقييد بالصغر كالتقييد
بالنقصان لان لفظ الدراهم صريح في الوزن والوصف بالصغر يجوز أن يكون من حيث الشكل
ويجوز أن يكون بالإضافة إلى الدراهم البغلية وساعدهما صاحب التهذيب على ما ذكره في الدريهم
وقال في قوله درهم صغير إن كان بطبرية لزمه نقد البلد وإن كان ببلد وزنه وزن مكة فعليه وزن
مكة وكذلك إن كان بغزنة ولك أن تقول الجواب فيما إذا كان بطبرية لا يلائم الجواب فيما إذا كان
بغزنة لأنه اما أن يعتبر اللفظ أو عرفت البلد ان اعتبرنا اللفظ فيجب الوزن بالطبرية وان اعتبرنا
عرف البلد فيجب نقد البلد نقرة وقال الشيخ أبو حامد ومن تابعه إذا قال دريهم أو درهم صغير
لزمه درهم من الدراهم الطبرية لأنها أصغر من دراهم الاسلام وهي أصغر من البغلية على ما بينا في
الزكاة فهي صغر الصغيرين باليقين فيؤخذ باليقين ولم يفرق بين بلدة وبلدة ويشبه أن يكون الأظهر من
هذه الاختلافات ما تضمنه الكتاب ولأنا لا نفرق بين أن يقول مال وبين أن يقول مال صغير
وكذلك في الدراهم وهو ظاهر ما ذكره في المختصر ولو قال على درهم كبير فعلى قياس ما في الكتاب هو
كما لو قال درهم ونقله الشيخ أبو حامد وهو أفقه وقال في التهذيب إن كان ببلد وزنه وزن مكة أو
طبرية لزمه وزن مكة وإن كان بغيره لزمه من نقد البلد وفيه الاشكال الذي ذكرناه (الرابعة)
عرفت أن قدر الدراهم وجنسه ماذا أما من حيث العدد فإذا قال على دراهم يلزمه ثلاثة ولا يقبل تفسيره
بأقل منها وكذلك لو قال على دراهم كثيرة أو عظيمة ويجئ فيه الوجه المذكور في المال العظيم
والكثير ولو قال على أقل اعداد الدراهم لزمه درهمان لان العدد هو المعدود وكل معدود متعدد
فيخرج عنه الواحد ولو قال على مائة درهم عددا لزمه مائة درهم بوزن الاسلام صحاح قال في التهذيب
ولا يشترط أن يكون كل واحد ستة دوانق وكذلك في البيع ولا يقبل مائة من العدد ناقصة الوزن
133

الا أن يكون نقد البلد عدده ناقصة فظاهر المذهب القبول ولو قال على مائة عدد من الدراهم فههنا
يعتبر العدد دون الوزن.
قال (ولو قال على من واحد إلى عشرة فالأصح أنه يلزمه تسعة وقيل ثمانية وقيل عشرة
ولو قال درهم في عشر ولم يرد الحساب لم يلزمه إلا واحد).
إحدى مسألتي الفصل إذا قال له على من درهم إلى عشرة ففيما يلزمه ثلاثة أوجه (أحدها)
عشرة ويدخل الطرفان فيه كما يقال من فلان إلى فلان لا يرضى أحد بكذا (والثاني) تسعة لان
الملتزم زائد على الواحد والواحد مبدأ العدد والالتزام فيبعد اخراجه عما يلزمه (والثالث) ثمانية ولا
يدخل الطرفان كما لو قال بعتك من هذه الجدار إلى الجدار لا يدخل الجداران في البيع والأول أصح
عند صاحب التهذيب وقال الشيخ أبو حامد والعراقيون الأصح الثاني ووافقهم صاحب الكتاب
واحتج له الشيخ أبو حامد بأنه لو قال لفلان من هذه النخلة إلى هذه النخلة تدخل النخلة الأولى
في الاقرار دون الأخيرة وما ينبغي أن يكون الحكم في هذه الصورة كما ذكر بل هو كما لو قال بعتك
من هذا الجدار إلى هذا الجدار (وقوله) في الكتاب ثمانية وعشرة معلمان - بالحاء - لان مذهب أبي
حنيفة رحمه الله كالوجه الثاني وبه قال أحمد رحمه الله. ولو قال على ما بين درهم إلى عشرة فالمشهور
أنه يلزمه ثمانية توجيها بأن ما بمعنى الذي كأنه قال له العدد الذي يقع بين الواحد والعشرة وهو صريح
في اخراج الطرفين وذكره ابن الحداد حكاية عن نصه ونقل في المفتاح عن نصه أنه يزمه تسعة
ووجه بأن الحد إذا كان من جنس المحدود يدخل فيه فيضم الدرهم العاشر إلى الثمانية وحكى أبو خلف
السلمي عن القفال أنه يلزمه عشرة والمقصود بيان غاية ما عليه فحصل في المسألة ثلاث أوجه كما في
الصورة الأولى ولم يفرقوا بين أن يقول ما بين واجد إلى عشرة وبين أن يقول ما بين واحد وعشرة
134

وربما سووا بينهما ويجوز أن يفرق ويقطع بالثمانية في الصيغة الأخرى (الثانية) إذا قال على درهم
في عشرة ان أراد الظرف لم يلزمه الا واحد وان أراد الحساب فعليه عشرة وان أراد المعية فعلية أحد
عشر درهما وان أطلق لم يلزمه الا واحد أخذا باليقين وفيما إذا قال أنت طالق واحدة في اثنتين في
قول آخر أنه يحمل على الحساب وان أطلق لأنه أظهر في الاستعمال وذلك القول عائد ههنا وان لم
يذكروه ولفظ الكتاب يفتقر إلى تأويل لأنه حكم بأنه لا يلزمه الا واحد إذا يرد الحساب وله شرط
وهو أنه يريد المعية.
قال (الخامس إذا قال له عندي زيت في جرة أو سيف في غمد لا يكون مقرا بالظرف
(ح). ولو قال له عندي غمد فيه سيف أو جرة فيها زيت لم يكن مقرا الا بالظرف. وعلى قياس
ذلك قوله فرس في اصطبل. وحمار على ظهره اكاف. وعمامة في رأس عبد ونظائره. ولو قال له
عندي خاتم وجاء به وفيه فص وقال ما أردت الفص فالظاهر أنه لا يقبل. ولو قال جارية فجاء بها وهي
حامل ففي استثناء الحمل وجهان).
الإضافة إلى الظرف صور تبينها فصول هذا النوع والأصل المقرر فيها أن الاقرار بالمظروف
لا يقتضى الاقرار بالظرف وبالعكس أيضا وأصل هذا الأصل البناء على اليقين فإذا قال لفلان عندي
زيت في جرة أو سيف في غمد لا يكون مقرا بالجرة والغمد وكذا لو قال ثوب في منديل أو تمره
في جراب أو لبن في كوز أو طعام في سفينة لاحتمال أن يريد في جرة أو منديل لي وكذا لو قال
غصبت زيتا ثم رأيناه في جرة لا يكون مقرا الا بغصب الزيت ولو قال عندي غمد فيه سيف أو جرة
فيها زيت أو جراب فيه تمر فهو اقرار بالظرف دون المظروف وعلى هذا القياس إذا قال فرس في اصطبل
أو حمار على ظهر اكاف أو دابة عليها سرج أو زمام أو عبد على رأسه عمامة أوفى وسطه منطقة أو في رجليه خف فلا
135

يكون مقرا الا بالدابة والعبد وعند أبي حنيفة الاقرار بالمظروف في الظرف يكون اقرارا بهما إذا كان
مما يحرز في الظرف غالبا كالزيت في الجرة والتمر في الجراب دون الفرس في الإصطبل وقل صاحب
التلخيص إذا قال عبد على رأسه عمامة أو عليه قميص أو في رجله خف فهو اقرار بما مع العبد لان
العبد له يد على ملبوسه وما في يد العبد فهو في يد سيده فإذا أقر بالعبد للغير كان ما في يده لذلك
الغير بخلاف المنسوب إلى الفرس وعامة الأصحاب على أنه لافرق بينهما وذكر الامام رحمه الله أنه
قال ذلك في التخليص وفى المفتاح أجاب بما يوافق قول الجمهور وهو وهم بل جوابه في
المفتاح كجوابه في التلخيص ولو قال عندي دابة مسرجة أو دار مفروشة لم يكن مقرا بالسرج
ولا الفرش بخلاف ما إذا قال سرجها وفرشها وبخلاف ما لو قال ثوب مطرز لان الطراز جزء من الثوب
ومنهم من قال إن ركب عليه بعد النسج فهو على وجهين نذكرهما في أخوات المسألة ولو قال فص
في خاتم فهو اقرار بالفص دون الخاتم ولو قال خاتم فيه فص ففي كونه مقرا بالفص وجهان (أصحهما)
ما ذكره في التهذيب أنه ليس بمقر لجواز أن يريد فيه فص لي فصار كالصورة السابقة (والثاني) أنه
يكون مقرا بالفص لان الفص من الخاتم حتى لو باعه دخل فيه بخلاف تلك الصورة ولو اقتصر على
قوله عندي خاتم ثم قال بعد ذلك ما أردت الفص فد ذكر صاحب الكتاب فيه وجهين (أحدهما)
أنه يقبل منه لان اسم الخاتم يطلق مع نزع الفص (وأصحهما) الذي ينبغي أن يقطع به أنه لا يقبل
لان الفص متناول باسم الخاتم فهو رجوع عن بعض المقر به ولو قال حمل في بطن جارية لم يكن مقرا
بالجارية وكذا لو قال نعل في حافر دابة وعروة على قمقمة ولو قال جارية في بطنها حمل أو دابة في
حافرها نعل وقمقمة عليها عروة فوجهان كما في قوله خاتم فيه فص ويشبه أن يترتب الوجهان في
مسألة الكتاب على الوجهين في صورة الحمل وهي ماذا قال هذه الجارية لفلان وكانت حاملا
136

يتناول الاقرار الحمل فيه وجهان (أحدهما) نعم كما في البيع وبه أجاب القفال (وأظهرهما) لا وله أن يقول
لم أرد الحمل بخلاف البيع لان الاقرار اخبار عن سابق وربما كانت الجارية له دون الحمل بأن كان
الحمل موصى به وسلم القفال أنه لو قال هذه الجارية لفلان إلا حملها يجوز بخلاف البيع (فان
قلنا) الاقرار بالجارية يتناول الحمل ففيه الوجهان المذكوران في الصورة السابقة والا فيقطع بأنه لا يكون
مقرا بالحمل كما إذا قال جارية في بطنها حمل ولو قال ثمرة على شجرة لم يكن مقرا بالشجرة ولو قال شجرة
عليها ثمرة فليرتب ذلك على أن الثمرة هل تدخل في مطلق الاقرار بالشجرة وهي لا تدخل بعد التأبير
كما في البيع وفى فتاوى القفال أنها تدخل وهو بعيد وقيل التأبير وجهان (أظهرهما) وهو الذي
أطلقه في التهذيب أنها لا تدخل أيضا لان الاسم لا يتناولها في البيع والبيع ينزل على المعتاد وذكر
القفال وغيره لضبط الباب أن ما يدخل تحت البيع المطلق يدخل تحت الأقارير ومالا فلا قال القفال
137

إلا الثمار المؤبرة وما ذكرنا من المسائل يقتضى أن يقال في الضبط مالا يتبع في البيع ولا يتناوله الاسم
ففيه وجهان (وقوله) في الكتاب لا يكون مقرا بالظرف معلم - بالحاء - لان عند أبي حنيفة رحمه
الله الاقرار بالمظروف في الظرف اقرار بهما إذا كان ذلك مما يحرز في الظرف غالبا كالتمر في الجراب
والزيت في الجرة بخلاف الفرس في الإصطبل.
قال (ولو قال الف في هذا الكيس ولم يكن فيه شئ لزمه الألف. فإن كان الألف
ناقصا يلزمه الاتمام عند القفال. ولا يلزمه عند أبي زيد للحصر. ولو قال الألف الذي في الكيس
لا يلزمه الاتمام. فإن لم يكن فيه شئ فهل يلزمه الألف فوجهان).
138

إذا قال على الف في هذا الكيس لزمه سواء كان فيه شئ أو لم يكن فيه شئ أصلا لان
قوله على يقتضى اللزوم ولا يكون مقرا بالكيس على ما عرفت وإن كان فيه دون الألف ففيه وجهان
قال أبو زيد لا يلزمه إلا ذلك القدر لحصر المقر به وقال القفال يلزمه الاتمام كما أنه لو لم يكن فيه شئ
يلزمه الألف وهذا أقوى ولو قال على الألف الذي في هذا الكيس فإن كان فيه دون الألف لم يلزمه
إلا ذلك القدر لجمعه بين التعريف والإضافة إلى الكيس وعن أبي على وجه آخر ضعفوه أنه يلزمه
الاتمام ويمكن أن يخرج هذا على الخلاف في أن الإشارة تقدم أم اللفظ وان لم يكن في الكيس
شئ ففيه وجهان ويقال قولان بناء على ما إذا حلف ليشربن ماء من هذا الكوز ولا ماء فيه هل
تنعقد يمينه ويحنث أم لا.
139

قال (ولو قال له في هذا العبد ألف درهم إن فسر بأرش الجنابة قبل. وان فسر بكون
العبد مرهونا فالأظهر أنه يقبل. ولو قال وزن في شراء عشره ألفا وأنا اشتريت جميع الباقي بألف
قبل ولا يلزمه إلا عشر العبد).
إذا قال لفلان في هذا العبد ألف درهم فهذا لفظ مجمل فيسأل عنه إن قال أردت أنه جني عليه
أو على ماله جناية أرشها الف قبل وتعلق الألف برقبته وان قال إنه رهن عنده بألف على ففيه وجهان
(أحدهما) أنه لا يقبل لان اللفظ يقتضى كون العبد محلا للألف ومحل الدين الذمة لا المرهون وإنما
المرهون وثيقة له وعلى هذا إذا نازعه المقر له وأخذناه بالألف الذي ذكره في التفسير وطالبناه للاقرار
الجملي بتفسير صالح (وأظهرهما) القبول لان الدين وإن كان في الذمة فله تعلق ظاهر بالمرهون فصار
كالتفسير بأرش الجناية ولو قال إنه وزن في شراء عشره ألفا وأنا اشتريت الباقي بألف أو بما
دون الألف قبل لأنه محتمل ولا يلزمه بهذا الاقرار الا عشر العبد وان قال أردت انه وزن في ثمنه ألفا قيل
140

له هل وزنت شيئا فان قال لا فالعبد كله للمقر له وان قال نعم سئل عن كيفية الشراء أكان دفعة
واحدة أم لا فان قال دفعة واحدة سئل عن قدر ما وزن فان قال وزنت ألفا أيضا فالعبد بينهما وان قال
وزنت الفين فثلثا العبد له والثلث للمقر له وعلى هذا القياس ولا نظر إلى قيمته خلافا لمالك رحمه الله
حيث قال لو كان يساوى الفين وقد زعم أنه وزن الفين والمقر له ألفا يكون العبد بينهما بالسوية ولا
يقبل قوله انى وزنت الفين في ثلثه وقد يعبر عن مذهبه بأن المقر له من العبد ما يساوى ألفا وان
قال اشتريناه دفعتين ووزن في شراء عشره مثلا ألفا وأنا اشتريت تسعة أعشاره بألف قبل لأنه
يحتمل ولو قال أردت به أنه أوصى له بألف من ثمنه قبل البيع ودفع له الف ثمنه وليس له دفع
الألف من ماله وان فسرنا به دفع إليه الألف ليشترى له العبد ففعل فان صدقه المقر له فالعبد له وان
141

كذبه فقد رد اقراره بالعبد وعليه رد الألف الذي أخذه وان قال أردت أنه أقرضه ألفا فصرفته إلى
ثمنه قبل ولزمه الألف وتوجيه الخلاف المذكور فيما إذا فسره بالرهن يقتضى عوده ههنا ولو قال له
على من هذا العبد ألف درهم فهو كما لو قال في هذا العبد ولو قال من ثمن هذا العبد ألف درهم
فكذلك ذكره في التهذيب ولو قال على درهم في دينار فهو كما لو قال الف في هذا العبد فان
أراد النفي معه لزماه.
قال (ولو قال له في هذا المال الف أو في ميراث أبى الف لزمه ولو قال له في مالي الف أو
في ميراثي من أبى الف لم يلزمه للتناقض).
قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر لو قال له في ميراث أبى ألف درهم كان اقرارا منه
على أبيه بدين ولو قال له في ميراثي من أبى ألف درهم كانت هبة الا أن يريد اقرارا وما الفرق
142

قيل إنه الصورة الثانية أضاف الميراث إلى نفسه وما يكون له لا يصيره لغيره بالاقرار فكان كما لو قال
داري أو مالي لفلان وفي الأول لم يضف الميراث إلى نفسه فكان مقرا بتعلق الألف بالتركة وهذا
ما أشار إليه صاحب الكتاب بقوله للتناقض ولك أن تمنع التناقض بين إضافة الميراث إلى نفسه
وبين تعلق دين الغير به فان تركة على كل مديون مملوكه لورثته على الصحيح والدين يتعلق بها وقال
الأكثرون الفرق أنه إذا قال في ميراث أبى فقد أثبت حق المقر له في التركة وذلك لا يحتمل الا شيئا
واجبا فان التبرعات التي لا تلزم ترتفع بالموت ولا تتعلق بالتركة وإذا قال في ميراثي من أبى فقد
أضاف التركية إلى نفسه ثم جعل المقر به شيئا منها وأضافه إليه وذلك قد يكون بطريق لازم وقد يكون
بطريق التبرع وإذا فسر بالتبرع قبل واعتبره فيه شرطه وعن صاحب التقريب الإشارة إلى التسوية
بين الصورتين كأنه قل وخرج فإن كان كذلك جاز إعلام قوله في الكتاب أو في ميراث أبى
- بالواو - والمذهب المشهور الفرق بمثله ولو قال له في هذه الدار نصفها فهو إقرار وان قال له في داري
143

نصفها فهو وعد هبة حكاه الشيخ أبو علي عن النص أيضا واشتهر عن نصه أنه لو قال له في مالي
ألف درهم كان اقرارا ولو قال من مالي كان وعد هبة لا اقرارا وهذا الموضع البحث فيه من وجهين
(أحدهما) أن هذا النص في قوله في مالي يخالف ما نقلناه في قوله في ميراثي وفى داري فما حال هذه
النصوص (والثاني) انه لافرق بين في ومن وهل المذهب الظاهر ما نص عليه أم الأول فللأصحاب
طريقين فيما إذا قال في مالي ألف درهم منهم من قال فيه قولان (أحدهما) أنه وعد هبة لإضافة المال إلى
نفسه (والثاني) أنه اقرار لان قوله له يقتضى الملك وبوعد الهبة لا يحصل الملك ومنهم من قطع بأنه
وعد هبة وحمل ما روى عن النص الأخير على خطأ النساخ وربما تأوله على ما إذا أتى بصيغة التزام
فقال على في مالي ألف درهم فإنه يكون إقرارا على ما سيأتي وإذا أثبتنا الخلاف فعن الشيخ أبى على
أنه يطرد فيما إذا قال في داري نصفها وامتنع من طرده فيما إذا قال في ميراثي من أبى وعن صاحب
التقريب وغيره أنه يلزمه تخريجه فيه بطريق الأولى لان قوله في ميراثي من أبى أولى بأن يجعل
144

اقرارا من قوله في مالي أو في داري لان التركة مملوكه للورثة مع تعلق الدين بها فيحسن إضافة
الميراث إلى نفسه مع الاقرار بالدين بخلاف المال والدار (واما) الثاني فمنهم من قال لافرق ولم يثبت هذا النص
أو أوله ومنهم من فرق بان في تقتضي كون مال المقر ظرفا لمال المقر له وقوله من مالي يقتضى الفصل
والتبعيض وهو ظاهر في الوعد بأنه يقطع شيئا من ماله فإذا فرقنا بينهما لزمه مثله في الميراث والدار لا محالة والظاهر أنه
لافرق بينهما وان الحكم في قوله في مالي كما ذكرنا أولا في ميراثي واستبعد الامام رحمه الله ان تخريج
الخلاف فيما إذا قال له في داري نصفها لأنه إذا أضاف الكل إلى نفسه لم ينتظم الاقرار ببعضه كمالا ينتظم
منه الاقرار بكله بأن يقول داري لفلان وتخصص طريقة الخلاف بما إذا لم يكن المقر به جزءا من مسمى ما
أضافه إلى نفسه كقوله في مالي ألف درهم أو في داري ألف ولا يخفى عليك مما ذكرنا حاجة قوله في
الكتاب لم يلزمه التناقض إلى الاعلام - بالواو - وحيث قلنا في هذه الصورة إنه وعد هبة لا اقرار
فذلك فيما لم يذكر كلمة التزام فأما إذا ذكر بأن يقول على ألف درهم في هذا المال أو في مالي أو في
145

ميراث أبى أو في ميراثي أو داري أو عبدي أو في هذا العبد فهو إقرار بكل حال ولو قال له في ميراثي
عن أبي أو في مالي كذا بحق لزمني أو بحق ثابت وما أشبهه فهو كما لو قال على فيكون اقرارا بكل حال
ذكره ابن القاص (واعلم) أن قضية قولنا ان قوله على في هذا المال أو في هذا العبد ألف درهم قرار
له بالألف وان لم يبلغ ذلك المال ألفا وربما يخطر ذلك الخلاف المذكور فيما إذا قال لفلان على ألف
في هذا الكيس وكان فيه دون الألف إلا أن ظرفية العبد للدراهم ليست كظرفية الكيس لها فيمكن
أن يختلفا في الحكم لكن لو قال في هذا العبد ألف درهم من غير كلمة على وفسره بأنه أوصى له بألف
من ثمنه فلم يبلغ ثمنه ألفا فلا ينبغي أن يجب عليه تتمة الألف بحال.
قال (السادس إذا قال له على درهم درهم درهم لم يلزمه الا درهم واحد لاحتمال التكرار.
ولو قال درهم ودرهم أو درهم لزمه درهما لامتناع التكرار. ولو قال درهم مع درهم أو درهم
تحت درهم أو فوق درهم لا يلزمه إلا واحد تقديره مع درهم لي بخلاف نظيره من الطلاق. ولو قال
146

درهم قبل درهم أو بعد درهم لزمه درهمان إذ التقدم والتأخر لا يحتمل إلا في الوجوب. ولو قال درهم
ودرهم ودرهم وقال أردت بالثالث تكرار الثاني قبل. ولو قال أردت بالثالث تكرار الأول لم يقبل
لتخلل الفاصل. وكذا في قوله طالق وطالق وطالق. فإذا أطلق ففي الطلاق قولان (أحدهما) يلزمه
ثلاثة لصورة اللفظ (والثاني) ثنتان لجرى العادة في التكرار. والأظهر في الاقرار أنه يلزمه عند الاطلاق
ثلاثة لأنه أبعد عن قبول التأكيد اعتيادا. ولو قال على درهم فدرهم يلزمه درهم واحد. ولو قال
أنت طالق فطالق يقع طلقتان. وتقدير الاقرار فدرهم لازم. وقيل بتخريج فيه من الطلاق ولو قال
درهم بل درهمان فدرهمان. ولو قال درهم بل ديناران فدرهم وديناران. إذ إعادة الدرهم في
الدينار غير ممكن).
في الفصل صور نذكرها مع ما يناسبها وان احتجنا إلى تقدير وتأخير فعلناه (الأولى) لو قال له على
درهم درهم درهم لم يلزمه إلا درهم واحد لاحتمال إرادة التأكيد بالتكرار وكذا لو كرر عشرا فصاعدا
147

ولو قال درهم ودرهم أو درهم ثم درهم لزمه درهمان لاقتضاء العطف المغايرة ولو قال درهم ودرهم ودرهم
لزمه بالأول والثاني درهمان وأما الثالث فان أراد به درهما آخر لزمه وان قال أردت به تكرار الثاني
قبل ولا يلزمه الا درهمان وان قال أردت به تكرار الأول فوجهان ذكرهما في النهاية (وأظهرهما) وهو
المذكور في الكتاب أنه لا يقبل ويلزمه ثلاثة لان التكرار إنما يؤكد به إذا لم يتخلل بينهما فاصل
وهذا الحكم فيما إذا قال أنت طالق وطالق وطالق ففي الطلاق قولان ينظر في أحدهما إلى صورة
اللفظ وفى الثاني إلى احتمال التكرار وجريان العادة وسيعود ذكرهما في الطلاق وفى الاقرار طريقان
(قال) ابن خيران انه على قولين في الطلاق (وقطع) الأكثرون بأنه يلزمه ثلاثة وفرقوا بأن دخول
التأكيد في الطلاق أكثر منه في الاقرار لأنه لا يقصد به التخويف والتهديد ولأنه يؤكد بالمصدر
فيقال هي طالق طلاقا والاقرار بخلافه وعلى هذا لو كرر عشر مرات أو أكثر لزمه من الدراهم
بعدد ما كرر ولو قال على درهم ثم درهم ثم درهم فهو كما لو قال درهم ودرهم ودرهم ولو
148

قال درهم ودرهم ثم درهم لزمه ثلاثة لا محالة (الثانية) إذا قال على درهم مع درهم أو
معه درهم أو فوق درهم أو فوقه درهم أو تحت درهم أو تحته درهم فرواية المزني في المختصر انه لا يلزمه الا درهم
واحد لجواز ان يريد مع درهم لي أو فوق درهم لي وأيضا فقد يريد فوقه الجودة وتحته الرداءة وبهذه الرواية
اخذ أكثر الأصحاب وهي التي أوردها في الكتاب ووراء هذا مذهبان للأصحاب (أحدهما) انه يلزمه
درهمان واختلف القائلون به فمن ناسب له إلى النص في رواية الربيع ومن قائل انه مخرج واختلف هؤلاء
فقيل هو مخرج من الطلاق فإنه لو قال أنت طالق طلقه مع طلقة أو فوق طلقة تقع طلقتان وقيل هو مخرج
مما لو قال علي درهم قبل درهم فإنه يلزمه درهمان ومن قال بالأول فإنه اعتذر عن قوله قبل درهم وأما
الطلاق فالفرق أن لفظه الصريح موقع فإذا أنشأه عمل عمله والاقرار اخبار عن سابق فإذا كان فيه
اجمال روجع حتى يبين أنه عم أخبر (والذهب الثاني) قال الداركي ان قال درهم معه درهم أو فوقه درهم لزمه
درهمان لرجوع الكناية إلى الأول الذي التزمه ولو قال درهم علي عليه درهم أو على درهم فهو كما لو قال
149

فوقه درهم أو فوق درهم ولو قال على درهم قبل درهم فرواية المزني وبها أجاب الأكثرون انه يلزمه
درهمان بخلاف الصورة السابقة والفرق ان الفوقية والتحتية يرجعان إلى المكان ويتصف بهما نفس
الدرهم فلا بد من امر يرجع إليه التقديم والتأخير وليس ذلك الا الوجوب عليه وفيه قول آخر انه لا يلزمه
الا درهم منهم من حكاه نصا عن رواية الربيع ومنهم من خرجه من الصورة السابقة وسوى بينهما
جميعا فجعلهما على قولين ولمن قال به أن يقول القبلية والبعدية كما يكونان بالزمان يكونان بالرتبة
وغيرها ثم هب أنهما زمانيان وان نفس الدرهم لا يتصف بهما لكن يجوز رجوعهما إلى غير الواجب
بان يريد درهما مضروبا قبل درهم وما أشبهه ثم هب انهما راجعان إلى الواجب لكن يجوز أن يريد
لزيد درهم وجب له قبله وجوب درهم لعمرو وفى المسألة وجه آخر عن ابن خيران وغيره انه ان قال
قبله درهم وبعده درهم لزمه درهمان وان قال قبل درهم وبعد درهم لم يلزمه الا درهم واحد لاحتمال
150

ان يريد قبل لزوم درهم أو بعد درهم كان لازما (وقوله) في الكتاب لا يلزم الا واحد يجوز اعلامه
مع - الواو - بالحاء والألف - اما الحاء فلان عند أبي حنيفة رحمه الله يلزم درهمان فيما إذا قال فوق درهم
واما الألف فلان عند احمد يلزمه في جميع الصور درهمان (الثالثة) إذا قال له على أو عندي درهم فدرهم
ان أراد العطف لزمه درهمان والا فالنص أنه لا يلزمه الا درهم ونص فيما إذا قال أنت طالق فطالق
انه يقع طلقتان فنقل ابن خيران الجواب من كل واحدة إلى الأخرى وجعلهما على قولين (أحدهما) يلزمه
ودرهمان يقع طلقتان لان الفاء حرف عطف كالواو وثم (والثاني) لا يلزمه الا واحد ولا يقع إلا طلقه لان الفاء
قد تستعمل لغير العطف فيؤخذ باليقين وذهب الأكثرون إلى تقرير النصين وفرقوا بوجهين (أحدهما)
أنه يحتمل في الاقرار أن يريد فدرهم لازم أو فدرهم أجود والاقرار اخبار والانشاء أقوى وأسرع نفوذا
ولهذا لو أقر اليوم بدرهم وغدا بدرهم لا يلزمه الا درهم ولو تلفظ بالطلاق في اليومين وقعت طلقتان
وهذا أظهر في المذهب لكن لابن خيران ان يمنع الفرق الأول ويقول يجوز أن يريد فطالق مهجورة
151

أو لا تراجع ويجوز أن يريد فطالق حرمتك وما أشبهه (وأما) الثاني فإنه يناقض الفرق المذكور في
مسألة درهم ودرهم وطالق وطالق (وقوله) في الكتاب يلزمه درهم واحد معلم - بالحاء والألف - لان
عندهما يلزمه درهمان (وقوله) يقع طلقتان يجوز اعلامه - بالواو - لأنه لم يذكر طريقة النقل والتخريج
بتمامها حتى يستغنى عن الاعلام وإنما ذكر التخريج من الطلاق في الاقرار ورأيت في بعض الشروح
ان ابن أبي هريرة حكى قولا منصوصا للشافعي رضي الله عنه أنه يلزمه درهمان ويتأيد هذا القول بما إذا قال
درهم ودرهم فإنه يلزمه درهمان ولا يمتنع فيه مثل التقديرات المذكورة في الفاء ولو قال على درهم
فقفيز حنطة فلا يلزمه الا درهم أو يلزمانه جمعيا فيه هذا الخلاف وذكر أبو العباس الروياني في
الجرجانيات ان قياس ما ذكرنا في الطلاق أنه إذا قال بعتك بدرهم فدرهم يكون بائعا بدرهمين
لأنه انشاء (الرابعة) قال على درهم بل دهم لم يلزمه الا درهم لجواز أن يقصد الاستدراك فيتذكر
أنه لا حاجة إليه فيعيد الأول ولو قال درهم لا بل درهم أولا درهم فكذلك ولو قال درهم لا بل درهمان
أو قفيز حنطة لا بل قفيزان لم يلزمه الا درهمان وقفيزان لان بل للاستدراك ولا يمكن أن يكون المقصود
152

هاهنا نفي المذكور أولا لاشتمال الدرهمين على الدرهم والقفيزين على القفيز وإنما المقصود نفى الاقتصار
على الواحد واثبات الزيادة عليه وهذا يشكل بما إذا قال أنت طالق طلقة بل طلقتين فإنه يقع الثلاثة
ولا أدرى لم لم يتصرفوا فيهما ههنا تصرفهم فيما سبق من المسائل ثم ما ذكرناه مفروض فيما إذا
أرسل ذكر المقر به أما إذا قال له عندي هذا القفيز بل هذان القفيزان لزمه الثلاث لان القفيز المعين لا يدخل
في القفيزين المعينين وكذلك لو اختلف جنس الأول والثاني مع الارسال بان قال على درهم بل
ديناران أو قفيز حنطة بل قفيزا شعير لزمه الدرهم والديناران أو قفيز الحنطة وقفيز الشعير لان الأول
غير داخل في الثاني فهو راجع عن الأول مثبت الثاني والرجوع لا يقبل وما أقر به ثانيا يلزمه ولو قال
درهمان بل درهم أو عشرة بل تسعة يلزمه الدرهمان والعشرة لان الرجوع عن الأكثر لا يقبل
ولا يدخل الأقل فيه ولو قال دينار بل ديناران بل ثلاثة يلزمه ثلاثة ولو قال دينار بل ديناران بل
قفيز بل قفيزان لزمه ديناران وقفيزان ولو قال دينار وديناران بل قفيز وقفيزان فثلاثة دنانير وثلاثة
أقفزة وقس على ما ذكرنا ما شئت.
153

قال (السابع إذا قال يوم السبت على ألف وقال ذلك يوم الأحد لم يلزمه الا ألف واحد.
الا أن يضيف إلى سببين مختلفين. فلو أضاف أحدهما إلى سبب وأطلق الآخر نزل المطلق على
المضاف. وكذلك لو قامت الحجة على اقرارين بتاريخين جمع بينهما. وكذلك إذا كان بلغتين
إحداهما بالعجمية والأخرى بالعربية. وكذلك لو شهد على كل واحد شاهد واحد فالأصح أنه يجمع
نظرا إلى المخبر عنه. وفى الافعال لا يجمع أصلا.
القول الجملي في الفصل أن تكرير الاقرار لا يقتضي تعدد المقر به لان الاقرار إخبار ألا ترى أنه
يحتمل فيه الابهام ولو كان انشاء لما احتمل وتعدد الخبر لا يقتضى تعدد المخبر عنه فيجمع إلا إذا عرض
ما يمنع الجمع والتنزيل على واحد فحينئذ يحكم بالمغايرة وفيه مسألتان (إحداهما) إذا أقر لزيد يوم
السبت بألف وأقر له يوم الأحد بألف لم يلزمه إلا ألف واحد سواء اتفق الاقراران في مجلس واحد
أو مجلسين وسواء كتب به صكا وأشهد عليه شهودا على التعاقب أو كتب صكا بألف وأشهد عليه ثم
154

كتب صكا بألف وأشهد عليه وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله خلافا لأبي حنيفة رحمه الله فيما إذا كتب صكين
وأشهد عليهما وفيما إذا أقر في مجلسين ومن أصحابه من لا يفرق بين المجلس والمجلسين ولو أقر في أحد اليومين
بالألف وفى الآخر بخمسمائة دخل الأقل في الأكثر ولو أقر مرة بالعربية وأخرى بالعجمية لم يلزمه إلا واحد
ولا اعتبار باختلاف اللغات والعبارات. وإذا لم يمكن الجمع كما إذا أقر في يوم السبت بألف من ثمن عبد
ويوم الأحد بألف من ثمن جارية أو قال مرة صحاح ومرة مكسرة لزمه الألفان ولم يجمع وكذا لو قال
قبضت منه يوم السبت عشرة ثم قال قبضت منه يوم الأحد عشرة أو طلقتها يوم السبت طلقة ثم
قال طلقتها يوم الأحد طلقة ولو قال يوم السبت طلقتها طلقة ثم أقر يوم الأحد بطلقتين لم يلزمه إلا
طلقتان ولو أضاف أحد الاقرارين إلى سبب أو وصف الدرهم بصفة وأطلق الاقرار الآخر نزل المطلق
على المضاف لامكانه (وقوله) في الكتاب وكذا لو قامت الحجة على الاقرارين بتاريخين جمع بينهما
كان الغرض منه الإشارة إلى تكرير الاشهاد والصك لا تأثير له والا فالحجة على الاقرارين لا توجب
155

تعدد المقر به (المسألة الثانية) لو شهد شاهد على أنه أقر يوم السبت بألف أو بغصب تلك الدار وآخر
يوم الأحد لفقنا بين الشهادتين وأثبتنا الألف والغصب لان الاقرار لا يوجب حقا بنفسه إنما هو اخبار
عن ثابت فينظر إلى المخبر عنه وإلى اتفاقهما على الاخبار عنه وكذا لو شهد أحدهما على اقراره بألف
بالعربية والآخر على اقراره بالعجمية ولو شهد شاهد أنه طلق يوم السبت وآخر أنه طلقها يوم الأحد
لم تثبت شهادتهما لأنهما لم يتفقا على شئ واحد وليس هو اخبار حتى ينظر إلى المقصود والمخبر عنه
وعن صاحب التقريب ان من الأصحاب من جعل الاقرارين والطلاقين على قولين بالنقل والتخريج
قال الامام رحمه الله (أما) التخريج من الطلاق في الاقرار فهو قريب في المعنى وان بعد في النقل لان
الشاهدين لم يشهدا على شئ واحد بل شهد هذا على اقرار وشهد ذاك على اقرار آخر والمقصود من
اشتراط العدد في الشهادة زيادة التوثق والاستظهار وإذا شهد كل واحد على شئ لم يحصل هذا
المقصود فاتجه أن لا يحكم بقولهما (وأما) التخريج من الاقرار في الطلاق فبعيد نقلا ومعنى لان من
156

طلق اليوم ثم طلق غدا والمرأة رجعية فزعم أنه أراد طلقة واحدة لم يقبل منه فكيف
يجمع بين شهادة شاهد على طلاق اليوم وشهادة آخر على طلاق الغد حتى لو شهد أحدهما أنه قذف
يوم السبت أو بالعربية والثاني على أنه قذف يوم الأحد أو بالعجمية لم يثبت بشهادتهما شئ أو شهد
أحدهما على اقراره بأنه يوم السبت قذف أو بالعربية قذفه والثاني على اقراره بأنه يوم الأحد قذفه أو
بالعجمية قذفه فلا تلفيق أيضا لان المقر به شيئان مختلفان وقد قطع به الشيخ أبو محمد ولو شهد شاهد بألف
من ثمن مبيع وآخر بألف من قرض أو شهد أحدهما بألف استقرضه يوم السبت وآخر بألف استقرضه
يوم الأحد لم تثبت شهادتهما لكن للمدعى أن يعين أحدهما ويستأنف الدعوى عليه ويحلف مع الذي
شهد له وله أن يدعيهما ويحلف مع كل واحد من الشاهدين وإن كانت الشهادتان على الاقرار شهد
أحدهما أنه أقر بألف من ثمن مبيع وشهد الثاني على إقراره بألف من قرض ففي ثبوت الألف وجهان
(الظاهر) انه لا يثبت أيضا وربما بنو الوجهين على الوجهين فما إذا ادعى عليه ألفا من ثمن مبيع فقال
المدعى عليه لك على ألف ولكن من قرض هل يحل للمدعى أخذ الألف لاتفاقهما على ولاختلافهما في
157

الجهة (ان قلنا) اختلاف الجهة يمنع الاخذ لم يثبت الألف والا ثبت ولو ادعى ألفا فشهد أحد
الشاهدين على أنه ضمن ألفا والثاني على أنه ضمن خمسمائة في ثبوت خمسمائة قولان عن ابن سريج
وهذا قريب من التخريج المذكور في الانشاءات أو هو هو ولو شهد أحد شاهدي المدعى عليه أن
المدعي استوفى الدين والآخر على أنه أبرأه فلا يلفق على المذهب ولو شهد الثاني على أنه برئ إليه
منه قال أبو عاصم العبادي يلفق لان إضافة البراءة إلى المديون عبارة عن ايفائه وقيل بخلافه.
(فرع) أورده في هذا الموضع ادعى رجل ألفين وشهد له شاهد بألفين وآخر بألف ثبت
الألف وله أن يحلف مع الذي شهد بالألفين ويأخذ الكل وكذا الحكم لو كانت الشهادتان على
الاقرار وقال أبو حنيفة رحمه الله انه لا يثبت الألف وسلم أنه لو شهد أحدهما بثلاثين والآخر بعشرين
العشرون كالألف والألفين وفيه وجه لان لفظ الثلاثين لا يشتمل على العشرين ولفظ الألفين
يشتمل على الألف وربما سمع أحد الشاهدين بالألف وغفل عن الآخر ولو ادعى ألفا فشهد له
شاهد بألف والآخر بألفين فالثاني شهد بالزيادة قبل أن يستشهد ففي مصيره بذلك مجروحا وجهان
158

ان لم يصر مجروحا فشهادته في الزيادة مردودة وفى المدعى قولا تبعيض الشهادة وقطع
بعضهم بثبوت الألف وخص الخلاف بالتبعيض بما إذا اشتملت الشهادة على ما يقتضى
الرد كما إذا شهد لنفسه ولغيره فأما إذا زاد على المدعى فقوله في الزيادة ليس بشهادة
بل هو كما لو أتى بلفظ الشهادة في غير مجلس الحكم (وان قلنا) انه يصير مجروحا فقد ذكر
في التهذيب أنه يحلف مع شاهد الألف ويأخذه قال الامام رحمه الله تعالى انه على
هذا الوجه بما يصير مجروحا في الزيادة فاما الألف المدعى فلا جرح في الشهادة عليه لكن إذا ردت
الشهادة في الزائد كانت الشهادة في المدعى على قولي التبعيض فإن لم نبعضها فلو أعاد الشهادة بألف قبلت
لموافقتها الدعوى وهل يحتاج إلى إعادة الدعوى قال فيه وجهان (أظهرهما) المنع ونختم الباب بخاتمتين
(أحدهما) في فروع لائقة بالباب (منها) لو أقر بجميع في يده أو ينسب إليه صح فلو تنازعا في شئ انه
هل كان في يده يومئذ فالقول قول المقر وعلى المقر له البينة ولو قال ليس لي مما في يدك الا ألف صح وعمل
159

بمقتضاه ولو قال لاحق لي في شئ مما في يد فلان ثم الدعي شيئا منه وقال لم اعلم كونه في يده يوم
الاقرار صدق بيمينه ولو قال لفلان على درهم أو دينار لزمه أحدهما وطولب بالتعيين وعن رواية
الشيخ أبى على وجه ضعيف انه لا يلزمه شئ ولو قال على الف أو على زيد أو على عمر ولم يلزمه شئ وكذا
لو قال على سبيل الاقرار أنت طالق أولا فان ذكره في معرض الانشاء طلقت كما لو قال أنت طالق
طلاقا لا يقع عليك ولو قال على ألف درهم والا لفلان على ألف دينار لزمه وهذا للتأكيد والاقرار
المطلق يلزمه ويؤاخذ به المقر على المذهب المشهور وخرج فيه وجه أنه لا يلزمه حتى يسأل المقر عن
سبب اللزوم لان الأصل براءة الذمة والاقرار ليس موجبا في نفسه وأسباب الوجوب مختلف فيها
فربما ظن ما ليس بموجب موجبا وهذا كما أن الجرح المطلق لا يقبل وكما لو أقر بان فلانا وارثه لا يقبل
حتى يبين جهة الوراثة ولو قال وهبت منك كذا أو خرجت منه إليك لم يكن مقرا بالقبض لجواز
أن يريد الخروج منه بالهبة وعن القفال أنه مقر بالقبض لأنه نسب إلى نفسه ما يشعر بالاقباض بعد
العقد المفروغ عنه ولو أقر الآن بعين مال لابنه فيمكن أن يكون مستند اقراره ما يمنع الرجوع
160

ويمكن أن يكون مستنده مالا يمنع وهو الهبة فهل له الرجوع عن الماوردي وأبى الطيب أنهما أفتيا بثبوت الرجوع
تنزيلا الاقرار على أضعف الملكين وأدنى السببين لما ينزل على أقل المقدارين عن الشيخ العبادي أنه لا رجوع
لان الأصل بقاء الملك للمقر له ويمكن أن يتوسط فيقال أن أقر بانتقال الملك منه إلى الابن فالامر كما قال القاضيان
وان أقر بالملك المطلق فالامر كما قال العبادي ولو أقر في وثيقة انه لا دعوى له على فلان ولا طلب بوجه
من الوجوه ولا سبب من الأسباب ثم قال إنما أردت في عمامته أو قميصه لا في داره وكرمه قال القاضي
أبو سعيد بن يوسف هذا موضع تردد والقياس أنه يقبل لان غايته تخصيص عموم وهو محتمل
(الثانية) المقر به المجهول قد تمكن معرفته من غير رجوع إلى المقر وتفسيره وذلك بان يحيله على
معروف وذلك ضربان (أحدهما) أن يقول له على من الدراهم بوزن هذه الصنجة أو بالعدد المكتوب
في كتاب كذا أو بقدر ما باع به فلان عبده وما أشبه ذلك فيرجع إلى ما أحال عليه (والثاني) أن
يذكر ما يمكن استخراجه من الحساب فمن أمثلته مسألة المفتاح وهو أن يقول لزيد على ألف درهم
إلا نصف مالا بينه على ولا بينه على الف إلا ثلث ما لزيد على ولمعرفته طرق (أحدها) أن يجعل لزيد
شيئا ويقول للابن الف إلا ثلث شئ فيأخذ نصفه وهو خمسمائة الا سدس شئ ويسقط من الألف
يبقى خمسمائة وسدس شئ وذلك يعدل شيئا فالمفروض لزيد لأنه جعل له ألفا إلا نصف ما لابنه
161

فسقط سدس شئ لسدس شئ يبقى خمسة أسداس شئ في مقابلة خمسمائة فيكون الشئ التام ستمائة وهو
ما لزيد فإذا أخذت ثلثها وهو مائتين وأسقطته من الألف فبقي ثمانمائة وهي ما أقر به للاثنين (والثاني) أن يجعل
لزيد ثلاثا أشياء لاستثنائه الثلث منه ويسقط ثلثها من الألف المضاف إلى الابن فيكون لهما الف ناقص شئ، ثم
تأخذ نصفه وهو خمسمائة قصة نصف شئ وتزيده على ما فرضناه لزيد وهو ثلاثة أشياء تكون خمسمائة وستين
ونصف شئ وذلك يعدل الألف درهم فسقط خمسمائة بخمسمائة تبقى خمسمائة في مقابلة ستين ونصف شئ
فيكون الشئ ما بين وقد كان لزيد ثلاثة أشياء فهي اذن ستمائة (والثالث) أن تقول استثني من أحد الاقرارين
النصف ومن الآخر الثلث فيضرب مخرج أحدهما في مخرج الآخر يكن ستة ثم ينظر في الجزء المستثني من الاقرارين
وكلاهما واحد فتضرب واحدا في واحد يكون واحدا تنقصه من الستة يبقى خمسة فتحفظها وتسميها المقسوم عليه
ثم تضرب ما يبقى من مخرج كل واحد من الجزءين بعد اسقاطه في مخرج الثاني وذلك بان تضرب
ما يبقي في مخرج النصف بعد النصف وهو واحد في مخرج الثلث وهو ثلاثة يحصل ثلاثة تضربها
في الألف المذكور في الاقرار يكون ثلاثة آلاف تقسمها على العدد المقسوم عليه وهو خمسة يخرج
نصيب الواحد وهو ستمائة وهو ما لزيد وتضرب ما يبقى في مخرج الثلث بعد الثلث وهو اثنان في
مخرج النصف وهو اثنان يكون أربعة تضربها في الألف يكون أربعة آلاف تقسمها على
الخمسة يخرج من القسمة ثمانمائة فهو ما للابن. ولو قال لزيد على عشره إلا ثلثي ما لعمرو ولعمرو عشرة
162

إلا ثلاثة أرباع ما لزيد تضرب المخرج في المخرج يحصل اثنى عشر ثم تضرب أحد الجزءين في الباقي
وهو اثنين في ثلاثة يكن ستة تسقطها من اثني عشر يبقى ستة تضرب الباقي في مخرج الثلث بعد
اخراج الثلثين وهو واحد في أربعة يكون أربعة تضربها في العشرة المذكورة في الاقرار يكون أربعين
تقسمها على الستة يكون ستة وثلثين وذلك ما أقر به لزيد ثم يضرب واحد وهو الباقي في مخرج الربع
بعد اخراج الأرباع الثلاثة في ثلاثة يكون ثلاثة تضربها في العشرة يكون ثلاثين تقسمها على الستة
يكون خمسة وهو ما أقر به لعمرو والطريقان الأولان يجريان في أمثال هذه الصور بأسرها (وأما)
الطريق الثالثة فإنه لا تطرد فيما إذا اختلف المبلغ المذكور في الاقرارين وتخرج فيما إذا كانت الأقارير
ثلاثة فصاعدا مثل أن يقول لزيد عشرة الا نصف ما لعمرو ولعمرو عشرة الا ثلث ما لبكر ولبكر عشرة
الأربع ما لزيد إلى تطويل لا يؤثر ذكره في هذا الموضع. ولو قال لزيد على عشرة الا نصف ما لعمرو
ولعمرو ستة الا ربع ما لزيد يكون مقرا لزيد بثمانية ولعمرو بأربعة ولو قال لزيد على عشرة الا نصف
ما لعمرو ولعمرو عشرة الأربع ما لزيد يكون مقرا لزيد بخمسة وخمسة أسباع ولعمرو ثمانية وأربعة
أسباع وقد يصور صدور كل اقرار من شخص بان يدعى مالا على زيد وعلى عمرو فيقول زيد لك
على عشرة الا نصف مالك على عمرو ويقول عمرو لك على عشرة الا ثلث ما على زيد فطريق
الحساب لا يختلف.
163

(الباب الثالث. في تعقيب الاقرار بما يرفعه)
قال (وله صور (الأولى) إذ قال على الف من ثمن خمر أو خنزير أو من ضمان شرط فيه
الخيار ففي لزومه قولان يجريان في تعقيب الاقرار بما ينتظم لفظا في العادة ويبطل حكمه. وكذلك
إذا قال على الف من ثمن عبد ان سلم سلمت. فعلى قول لا يطالب الا بتسليم العبد. وعلى قول
يؤاخذ بأول الاقرار. ولو قال الف لا يلزم يلزمه لأنه غير منتظم. وقيل قولان. ولو قال على الف
قضيته فالأصح انه يلزمه. وقيل قولان. ولو قال الف إن شاء الله فالأصح أنه لا يلزمه. وقيل
قولان. ولو قال الف مؤجل فالأصح أنه لا يطالب في الحال. وقيل قولان. ولو ذكر الأجل بعد
الاقرار لم يقبل. ولو قال الف مؤجل من جهة تحمل العقل قبل قولا واحدا. ولو قال من جهة
القرض لم يقبل قولا واحدا. ولو قال على الف ان جاء رأس الشهر فهو على القولين إذ وقع لزوم
الاقرار بالتعليق. ولو قال إن جاء رأس الشهر فعلى الف لم يلزمه أصلا. لان الاقرار المعلق باطل
(الثانية) إذا قال له على الف ثم جاء بألف وقال هو وديعة عندي قبل. لأنه يتصور أن يكون
مضمونا عليه بالتعدي وكان لازما عليه. ولا يقبل قوله في سقوط الضمان لو ادعى التلف بعد الاقرار
وفيه قول آخر أنه لا يقبل تفسيره بالوديعة أصلا فيلزمه الف آخر. وهو أظهر فيما إذ قال على وفى ذمتي
أو قال الف دينا).
164

يعقب الاقرار بما ينافيه اما بالاستثناء أو غيره (والثاني) ينقسم إلى ما يرفعه أصلا والى غيره
(والأول) ينقسم إلى مالا ينتظم لفظا فيلغو والى ما ينتظم فإن كان مفصولا لم يقبل وإن كان موصولا
ففيه خلاف بالترتيب هذا عقد الباب وإذا مرت بك مسائله عرفت أن كل واحدة من أي قبيل
هي (أما) الاستثناء فسيأتي حكمه فمن المسائل إذا قال لفلان على الف من ثمن خمر أو كلب أو
خنزير نظر ان وقع قوله من ثمن خمر منفصلا عن قوله على الف فتلزمه الألف وإن كان موصولا
ففيه قولان (أحدهما) وهو اختيار المزني وأبى اسحق انه يقبل ولا يلزمه شئ لان الكل كلام
واحد فيعتبر بآخره ولا يتبعض كلامه (والثاني) لا يقبل فيعتبر أوله ويلغى آخره لأنه وصل باقراره
ما يرفع فأشبه ما إذا قال على الف لا تلزمني أو فصل قوله عن ثمن خمر عن الاقرار وبهذا قال
أبو حنيفة رحمه الله فعلى هذا لو قال المقر كان ذلك من ثمن خمر وظننته لازما فله تحليف المقر له
على نفيه ويجرى القولان فيما إذا وصل باقراره ما ينتظم لفظه في العادة ولكنه يبطل حكمه شرعا
إذا أضاف المقر به إلى بيع فاسد كالبيع بأجل مجهول وخيار مجهول أو قال تكفلت ببدن فلا شرط
الخيار أو ضمنت لفلان كذا بشرط الخيار وما أشبه ذلك في كلام الأئمة ذكر مأخذين لهذا الخلاف
165

(أحدهما) بناءه على القولين في تبعيض الشهادة إذا شهد لابنه وأجنبي ولك أن تقول هذا لا يشبه
مسألة الشهادة لان الشهادة للأجنبي والشهادة للابن أمران لا تعلق لأحدهما بالآخر وأنما قرن بينهما
الشاهد لفظا والخلاف فيها شبيه بالخلاف في تفريق الصفقة وأما ههنا فالمذكور أولا مستند إلى
المذكور آخرا ولكنه فاسد في نفسه مفسد للأول ولهذا لو قدم ذكر الخمر فقال لفلان على من ثمن
الخمر الف لم يلزمه شئ بحال وفى الشهادة لافرق بين أن يقدم الابن أو الأجنبي ثم هب انهما متقاربان
لكن ليس بناء الخلاف في الاقرار على الخلاف في الشهادة بأولى من القلب والعكس (والثاني)
أنه يجوز بناء هذا الخلاف على الخلاف في حد المدعى والمدعى عليه (ان قلنا) المدعي من لو سكت
تر ك فههنا لو سكت عن قوله من ثمن خمر لترك فهو بإضافته إلى الخمر مدع فلا يقبل قوله ويحلف
المقر له (وان قلنا) المدعى من يدعى أمرا باطنا قبل قول المقر لأن الظاهر معه وهو براءة الذمة والمقر
له هو الذي يدعى أمرا باطنا وهو زوال أصل البراءة ولك أن تقول لو صح هذا البناء لما افترق
الحال بين أن يضيفه إلى الخمر موصولا أو مفصولا ولوجب أن يخرج التعقب بالاستثناء على هذا
الخلاف وقال الامام رحمه الله بعد ذكر القولين كنت أود لو فصل بين أن يكون المقر جاهلا بان
166

ثمن الخمر لا يلزم وبين أن يكون عالما فيعذر الجاهل دون العالم لكن لم يصر إليه أحد من الأصحاب.
(ومنها) إذا قال على الف من ثمن عبد لم أقبضه إذا سلمه سلمت الألف ففيه طريقان (أحدهما) أن
قبول قوله من ثمن عبد لم أقبضه على القولين السابقين وفى قول يقبل ولا يطالب بالألف الا بعد
تسليم العبد وفى قول يؤاخذ بأول الاقرار ولا يحكم بثبوت الألف ثمنا وهذا ما أورده في الكتاب
(وأصحهما) القطع بالقبول وثبوته ثمنا ويفارق صور القولين فان المذكور آخرا منها يرفع المقر به وههنا
بخلافه وعلى هذا فلو قال على الف من ثمن عبد واقتصر عليه ثم قال مفصولا لم أقبض ذلك العبد
قبل أيضا لأنه علق الاقرار بالعبد والأصل فيه عدم القبض نعم لو اقتصر على قوله لفلان على الف
ثم قال مفصولا هو من ثمن عبد لم اقبضه لم يقبل ولا فرق عندنا بين أن يعين العبد فيقول على الف
من ثمن هذا العبد إذا سلمه سلمت الألف وبين أن يطلق فيقول من ثمن عبد وقال أبو حنيفة
رحمه الله ان عين قبل وأن أطلق للم يقبل ولزمه الألف (ومنها) لو قال على الف قضيته ففيه طريقان
(أحدهما) القطع بلزوم الألف لقرب اللفظ من عدم الالتزام فان ما قضاه لا يكون عليه بخلاف
قوله من ثمن الخمر فإنه ربما يظن لزومه وهذا أصح عند صاحب الكتاب (وأصحهما) عند الجمهور أنه
على القولين لان مثله يطلق في العرف والتقدير كان له على الف فقضيته ويجرى الطريقان فيما إذا
قال لفلان علي الف أبرأني عنه ولو ادعى عليه ألفا فقال قد قضيته فالمشهور ما ذكرناه في الباب
الأول وهو انه اقرار وجعله أبو علي البندنيجي بمثابة ما لو قال على الف قضيته (ومنها) إذا قال على الف
إن شاء الله فالصحيح أنه لا يلزمه شئ لأنه لم يلزم بالاقرار وقد علقه على المشيئة وهي غيب عنا وأيضا
فان الاقرار اخبار عن واجب سابق والواقع لا يتعلق بالغير وعن صاحب التقريب ان من الأصحاب
167

من جعله على الخلاف فيما إذا قال من ثمن خمر لأنه لو اقتصر على أول الكلام لكان اقرارا جازما
ولو خرجوا طريقا آخر جازما باللزوم لكان قريبا بناء على أن تعليق السابق لا ينتظم وبهذا قال
احمد. ولو قال على الف ان شئت أو شاء فلان فالمشهور بطلان الاقرار وقال الامام رحمه الله الوجه
تخريجه على القولين لأنه نفي بآخر كلامه مقتضى أوله قال وليس ذلك كقوله إن شاء الله وان شاء
زيد فان مثل هذا الكلام يطلق للالتزام في المستقبل ألا ترى أنه لو قال لك على كذا ان رددت
عبدي الآبق كان ذلك التزاما في المستقبل ولو قال على الف إذا جاء رأس الشهر أو إذا قدم فلان
أطلق مطلقون أنه لا يكون اقرارا لان الشرط لا أثر له في ايجاب المال والواقع لا يعلق بالشرط وذكر
الامام رحمه الله وغيره أنه على القولين لان صدر الكلام صيغة التزام والتعليق يرفع حكمه ويمكن
أن يكون اطلاق من أطلق اقتصارا على الأظهر من القولين في المسألة وهذا إذا أطلق وقال قصدت
التعليق أما إذا قال قصدت به كونه مؤجلا إلى رأس الشهر فسيأتي ولو قدم التعليق فقال إن جاء
رأس الشهر قبل فعلى الف لم يلزمه شئ لأنه لم توجد صيغة التزام جازمة نعم لو قال أردت به التأجيل
برأس الشهر قبل وفى التتمة حكاية وجه أن مطلقه يحمل على التأجيل برأس الشهر وبهذا أجاب
فيما إذا أخر صيغة التعليق فقال على الف إذا جاء رأس الشهر ولم يذكر غيره فيجوز أن يعلم لذلك
قوله في الكتاب لم يلزمه أصلا - بالواو - وكذا قوله في الصورة الأولى فهو على قولين أيضا ولعلك
تقول ما حكيت في صورة التعليق افهمني أن ظاهر المذهب بطلان الاقرار فيما إذا قال من ثمن الخمر
والخنزير ان الأصح عند العراقيين وغيرهم لزوم ما أقر به فهل من فارق (والجواب) أنه يمكن أن يقال
دخول الشرط على الجملة يصير الجملة جزأ من الجملة الشرطية والجملة إذا صارت جزأ من جملة أخرى
168

تغير معناها (وقوله) من ثمن خمر أو خنزير لا يغير معنى صدر الكلام وإنما هو بيان جهته فلا
يلزم من أن لا يبعض الاقرار عند التعليق بل يلغى تحرزا من اتخاذ جزء الجملة جملة برأسها أن لا ينبعض
في الصورة الأخرى (ومنها) لو قال على الف مؤجل إلى وقت كذا نظر ان ذكر الأجل مفصولا
لم يقبل وان ذكره موصولا ففيه طريقان كالطريقين فيما إذا قال ألف من ثمن عبد لم أقبضه والظاهر
القبول وبه قال أحمد وإذا قلنا لا يقبل فالقول قول المقر له مع يمينه في نفى الأجل وبه قال أبو حنيفة
رحمه الله واعلم لذلك (قوله) في الكتاب لا يطالب في الحال بالحاء قال الامام وموضع الطريقين ما إذا
كان الدين المقر به مطلقا أو مستندا إلى سبب وهو بحيث يتعجل ويتأجل (أما) إذا استند إلى جهة
لا تقبل التأجيل كما إذا قال ألف أقرضنيه مؤجلا فيلغو ذكر الأجل بلا خلاف وان أسند إلى جهة
يلازمها التأجيل كالدية المضروبة على العاقلة فان ذكر ذلك في صدر إقراره بان قال قتل ابن عمى
فلانا خطأ ولزمني من دية ذلك القتل كذا مؤجلا إلى سنة انتهاؤها كذا فهو مقبول لا محالة وان قال
علي كذا م جهة تحمل العقل مؤجلا إلى وقت كذا فطريقان (أحدهما) القطع بالقبول لأنه كذلك
يثبت (والثاني) أنه على القولين والطريق الأول هو المذكور في الكتاب لكن الثاني أظهر لان أول
كلامه ملزم لو اقتصر عليه وهو في الاسناد إلى تلك الجهة مدع كما في التأجيل.
(فرع) لو قال بعتك أمس كذا فلم تقبل فقال قد قبلت فهو على قولي تبعيض الاقرار ان
بعضناه فهو مصدق بيمينه في قوله قبلت وكذا الحكم فيما إذا قال لعبده أعتقتك على ألف فلم تقبل
ولامرأته خالعتك على الف فلم تقبلي وقالا قبلنا.
(فرع) إذا قال إني الآن بما ليس على لفلان على الف أو ما طلقت امرأتي ولكن أقر
بطلاقها فأقول طلقتها عن الشيخ أبى عاصم أنه لا يصح اقراره وقال صاحب التتمة الصحيح انه
كما قال على الف لا يلزمني لفلان ولو قال على الف وزعم أنه وديعة فاما أن يذكر ذلك منفصلا
أو متصلا (الحالة الأولى) وهي المذكورة في الكتاب أن يذكره منفصلا فان اتى بألف بعد
اقراره وقال أردت هذا وهو وديعة عندي فقال المقر له هو وديعة ولى عليك الف آخر دينا وهو الذي
169

أردته باقرارك ففيه قولان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وأحمد أن القول قول المقر له فما أتى
به وديعة وعليه الف دينا لان كلمة علي تقتضي الثبوت في الذمة ولهذا ولو قال على ما على فلإن كان
ضامنا والوديعة لا تثبت في الذمة فلا يجوز التفسير بها (وأصحهما) أن القول قول المقر مع يمينه لان
الوديعة يجب حفظها والتخلية بينها وبين المالك فلعله أراد بكلمة على الاخبار عن هذا الواجب
ويحتمل أيضا أنه تعدى فيها حتى صارت مضمونة عليه فلذلك قال هي على وأيضا فقد تستعمل على بمعنى
عندي وفسر بذلك قوله تعالى مخبرا (ولهم على ذنب) وحكى الامام طريقة قاطعة بالقول الثاني والمشهور
اثبات القولين وقد نسبهما الشيخ أبو حامد إلى نصه في الام ولو كان قد قال على الف في ذمتي أو
ألف دينا ثم جاء بألف وفسر كما ذكرنا فإن لم تقبل في الصورة الأولى فههنا أولى وان قبلنا هناك
فوجهان (أحدهما) يقبل لجواز أن يريد الألف في ذمته ان تلفت الوديعة لأني تعديت فيها (وأصحهما)
أنه لا يقبل والقول قول المقر له مع يمينه لأن العين لا تثبت في الذمة (وقوله) في الكتاب تفريعا على
قبول التفسير بالوديعة فلا يقبل قوله في سقوط الضمان لو ادعى التلف أراد به ما ذكره الامام
من أن الأصحاب قالوا الألف مضمون وليس بأمانة لان قوله على يتضمن الالزام فلو ادعى تلف
الألف الذي زعم أنه وديعة لم يسقط الضمان عنه ولو ادعى رده لم يصدق لأنه ضامن وإنما
يصدق المؤمن والمفهوم من هذا الكلام أنه لا يصدق في دعوى تلفه بعد الاقرار أو رده لكن
فيه إشكال توجيها ونقلا أما التوجيه فان كلمة على يجوز أن يريد بها صيرورتها مضمونة عليه لتعديه
ويجوز أن يريد بها وجوب الحفظ والتخلية ويجوز أن يريد بها عندي كما سبق وهذان المعنيان لا
ينافيان الأمانة وأما النقل فلان قضية ايراد غيرهما أنه ان ادعى أنه تلف أو رده قبل الاقرار لم يصدق
لان التالف والمردود لا يكون عليه بمعنى من المعاني فان ادعى التلف بعد الاقرار فيصدق وقد صرح به
صاحب الشامل في موضعين من الباب (الحالة الثانية) أن يذكره على الاتصال فيقول لفلان على
الف وديعة وتأويل كلامه على ما مر وعن الشيخ أبى اسحق أنه على القولين فيما لو قال على
170

الف قضيته وهو متوجه تفريعا على عدم القبول حالة الانفصال (وإذا قلنا) القبول فإذا أتى بألف
وقال هذا هو فبع به وان لم يأت بشئ وادعى التلف أو الرد ففي القبول وجهان بناهما في التهذيب
على تأويل كلمة على أن حملناها على وجوب الحفظ قبل وهو الأصح وان حملناها على صيرورته
مضمونا عليه فلا يحوز ان يثبت في الحالة الأولى مثل هذا الخلاف نظرا إلى المعنيين ولو قال معي
أو عندي الف فهو محتمل للأمانة مصدق في قوله إنه كان وديعة وفى دعوى التلف والرد ولو قال
له عندي ألف درهم مضاربة دينا أو وديعة دينا فهو مضمون عليه ولا يقبل قوله في دعوى التلف
والرد نص عليه ووجهوه بان كونه دينار عبارة عن كونه مضمونا فان قال أردت به أنه دفعه إلى
مضاربة أو وديعة بشرط الضمان لم يقبل قوله لان شرط الضمان في الأمانة لا يوجب الضمان هذا
إذا فسر منفصلا وان فسره متصلا ففيه قولا تبعيض الاقرار ولو قال عندي الف عارية فهي
مضمونة عليه صححنا إعارة الدارهم أو أفسدناها لان الفاسد كالصحيح في الضمان ولو قال دفع إلى
ألفا ثم فسره بوديعة وزعم تلفها في يده صدق بيمينه وكذا لو قال أخذت منه ألفا وقال أبو حنيفة
رحمه الله إذ قال اخذت منه ألفا ثم فسره بوديعة وقال المأخوذ منه بل غصبته فالقول قول المقر له
لان الاخذ منه قد لا يكون برضاه ودفعه يكون برضاه وعن القفال أنه قال المذهب عندي
انه يفرق بين اللفظين كما قال أبو حنيفة رحمه الله ولو ذكره على الاتصال فقال أخذت من فلان ألفا
وديعة فعند أبي حنيفة لا يقبل وعلى ما ذكره القفال يجئ فيه القولان في تبعيض الاقرار وظاهر
المذهب لا يخفى.
قال (الثالثة إذا قال هذه الدار لك عارية قبل لان الإضافة باللام تحتمل العارية إذا وصل به.
وقيل وفيه قولان. ولو قال هي لك هبة ثم قال أردت هبة قبل القبض قبل أيضا ولو قال وهبت
وأقبضت. أو رهنت أو قبضت ثم قال كذبت لم يقبل. ولو قال ظنت أن القبض بالقول قبض.
أو شهدت على الصك على العادة. وهل تقبل دعواه ليحلف الخصم فيه خلاف. ولو أقر ثم
قال لقنت بالعربية وهو عجمي لا يفهم قبل دعواه بالتحليف).
171

الفصل يشتمل على ثلاث مسائل (أحدها) إذا قال هذه الدار لك عارية فهو اقرار بالإعارة وله
الرجوع عنها وقال صاحب القريب هي لك اقرار بالمالك لو اقتصر عليه وذكر العارية معه ينافيه
فيكون على القولين في تبعيض الاقرار وأجابوا عنه الإضافة باللام تقتضي الاختصاص بالملك أو
غيره فان تجردت وأمكن الحمل على الملك حمل عليه لأنه أظهر وجوه الاختصاص وان وصل بها وذكر
وجها آخر من الاختصاص أو لم يمكن الحمل على الملك كقولنا الجل للفرس حمل عليه ولو قال هذه
الدار لك هبة عارية بإضافة الهبة إلى العارية أو هبة سكني فهو كما لو قال لك عارية بلا فرق (الثانية) الاقرار
بالهبة لا يتضمن الاقرار بالقبض على المشهور وفى الشامل ذكر خلاف في المسألة إذا كانت العين في
يد الموهوب منه وقال أقبضتني ولو قال وهبته وخرجت منه إليه فقد مر ان الظاهر أنه ليس
باقرار بالقبض أيضا وكذا لو قال وهبت منه وملكها قاله في التهذيب أما إذا أقر بالقبض
مع الهبة فقال وهبت وأقبضت أو سلمته منه أو حازه منى لزمه الاقرار فلو عاد وأنكر القبض
وذكر لاقراره تأويلا أو لم يذكره فهو كما ذكرنا في الرهن إذا قال رهنت وأقبضته ثم عاد
وأنكر المذكور في الرهن انه له تحليفه وقيل لا يحلفه الا ان يذكر للاقرار تأويلا (وقوله)
في الكتاب أو رهنت وأقبضت كالمكرر لأنه أورده ثم الا انه أورد الخلاف ههنا فيما إذا
ذكر لاقراره تأويلا وهناك أجاب بالأصح وهو انه يحلف ولو أقر ببيع أو هبة وقبض ثم قال
كان ذلك فاسدا وأقررت لظني الصحة لم يصدق لكن له تحليف المقر له فان نكل حلف المقر
وحكم ببطلان البيع والهبة ولو أقر باتلاف مال على إنسان واشهد عليه ثم قال كنت عازما على
الاتلاف فقدمت الاشهاد على الاتلاف لم يلتفت إليه بحال بخلاف ما لو اشهد على نفسه ثم قال
كنت عازما على أن استقرض منه فقدمت الاشهاد على الاستقراض لان هذا معتاد وذلك غير
معتاد (الثالث) اقرار أهل كل لغة بلغتهم إذا عرفوها صحيحة فلو أقر عجمي بالعربية أو بالعكس
وقال لم افهم معناه ولكن لقنته فتلقنته صدق بيمينه إن كان ممن يجوز ان لا يعرفه وكذلك الحكم
في جميع العقود والحلول وكذا لو أقر ثم قال كنت يوم الاقرار صغيرا وهو محتمل صدق بيمينه إذ
172

الأصل الصغر وكذلك لو قال كنت مجنونا وقد عهد له جنون ولو قال كنت مكرها وثم امارات
الاكراه من حبس أو توكيل فكذلك وان لم تكن امارة لم يقبل قوله والامارة إنما تثبت باقرار المقر
له أو بالبينة وإنما تؤثر إذا كان الاقرار لمن ظهر منه الحبس والتوكيل أما إذا كان في حبس زيد لم
يقدح ذلك في الاقرار لعمرو ولو شهد الشهود على إقراره وتعرضوا لبلوغه وصحة عقله واختياره فادعي
المقر خلافه لم يقبل لما فيه من تكذيب الشهود ولا يشترط في الشهادة التعرض للبلوغ والعقل
والطواعية والحرية الرشد ويكتفي بان الظاهر وقوع الشهادة على الاقرار الصحيح وفى مجهول الحرية
قول انه يشترط التعرض للحرية وخرج منه اشتراط التعرض لسائر الشروط والمذهب الأول قال
الأئمة وما يكتب في الوثائق انه أقر طائعا مع صحة عقله وبلوغه احتياط ولا تقيد به شهادة الاقرار
لكون طائعا وأقام الشهود عليه بينة على كونه مكرها قدم بينة الاكراه ولا تقبل الشهادة على الاكراه
مطلقا بل لابد من التفصيل (وقوله) في الكتاب في مسالة التلقين تقبل دعواه التحليف إنما قيد اللفظ
فيما لا يصدق فيه الشخص لكنه يحلف فيه الخصم وههنا هو مصدق على ما بينا.
قال (الرابعة إذا قال الدار لزيد بل لعمرو وسلم إلى زيد ويغرم لعمرو في أقيس القولين.
ولو قال غصبتها من زيد وملكها لعمروا ويبرأ بالتسليم إلى زيد فلعله مرتهن أو مستأجر).
فيها مسألتان (إحداهما) إذا قال غصبت هذه الدار من زيد لا بل من عمرو أو قال غصبت هذه الدار من
زيد وغصبها زيد من عمرو أو قال هذه الدار لزيد لا بل لعمرو فسلم الدار لزيد وهل يغرم المقر قيمتها لعمرو
فيه قولان منصوصان (أحدهما) وهو الذي نقله في المختصر في الصورة الأولى انه لا يغرم لأنه اعترف للثاني بما
يدعيه وإنما منع الحكم من قبوله وأيضا فان الاقرار الثاني صادف ملك الغير فلا يلزمه شئ كما لو أقر لعمرو
بالدار التي هي في يد زيد لعمرو (والثاني) انه يغرم وبه قال احمد لأنه حال عمرو وبين داره باقراره الأول
والحيلولة تثبت الضمان بالاتلاف الا ترى انه لو غصبت عبدا فابق من يده ضمنه وهذا أصح عند الأكثرين
وفى الصورة الثالثة طريقة قاطعة بأنه يجب الغرم مذكورة في التهذيب والتتمة موجهة بأنه لم يقر بجناية
في ملك الغير بخلاف الصورتين الأولتين فإنه أقر فيهما بالغصب فضمن لذلك وقال أبو حنيفة رحمه
173

الله إذا قال غصبت هذه الدار من فلان بل من فلان غرم للثاني ولو قال هذه لفلان بل لفلان
لا يغرم للثاني فيجوز ان يعلم لذلك (قوله) في الكتاب ويغرم لعمرو بالحاء ويجوز ان يعلم (قوله) على أقيس
القولين بالواو إشارة إلى الطريقة القاطعة بنفي الغرم واختلفوا في الموضع القولين حيث ثبتنا فقال قائلون
هما مخصومان بما إذا انتزعها الحاكم من يد المقر وسلمها إلى زيد فاما إذا سلمها إلى زيد بنفسه غرمها
لعمرو بلا خلاف وقال آخرون يجريان في الحالين لان سبب انتزاع القاضي أيضا اقراره ولو باع
عينا واقبضها واستوفى الثمن ثم قال كنت قد بعته من فلان أو غصبته لم يقبل قوله على المشترى وفى
غرامته القيمة للمقر له طريقان (أحدهما) انه على القولين (أصحهما) عند صاحب التهذيب ورواه
الماسرخسي عن ابن أبي هريرة القطع بأنه يغرم لتفويته عليه بتصرفه وتسليمه لأنه استوفى عوضه
وللعوض مدخل في الضمان الا ترى انه لو غر بحرية أمة فنكحها وأحبلها ثم أجهضت بجناية جان
يغرم المغرور الجنين لمالك الجارية لأنه يأخذ الغرة ولو سقط ميتا من غير جناية لا يغرم وينبنى على هذا
الخلاف ان المدعى العين المبيعة هل له دعوى القيمة على البائع مع بقاء العين في يد المشترى (ان قلنا)
لو أقر يغرمه القيمة فله دعواها والا فلا ولو كان في يد انسان عين فانتزعها منه مدع بيمينه بعد نكول
صاحب اليد ثم جاء آخر يدعيها هل له طلب القيمة من الأول (ان قلنا) النكول ورد اليمين كالبينة
فلا كما لو كان الانتزاع بالبينة وان جعلناها كالاقرار ففي سماع دعوى الثاني عليه القيمة الخلاف
(الثانية) إذا قال غضبت هذه الدار من زيد وملكها لعمرو سلمت الدار إلى زيد لأنه اعترف له
باليد (والظاهر) كونه حقا فيها ثم الخصومة في الدار تكون بين زيد وعمرو ولا تقبل شهادة المقر لعمرو
لأنه غاصب وفى غرامته لعمرو طريقان (أحدهما) انه على القولين فيما إذا قال غصبتها من زيد المقر لا
بل من عمرو واختاره في التهذيب (وأصحهما) القطع بأنه لا يرغم لان الاقرارين هناك متنافين
والاقرار الأول مانع من الحكم بالثاني وههنا لا منافاة لجواز أن يكون الملك لعمر وتكون في يد
زيد بإجارة أو رهن أو وصية بالمنافع فيكون الآخذ منه غاصبا منه ولو اخر ذكر الغصب فقال هذه
الدار ملكها لعمرو وغصبتها من زيد فوجهان (أظهرهما) ان الحكم كما في الصورة الأولى لعدم التنافي
174

فتسلم إلى زيد ولا يغرم لعمرو (والثاني) انه إذا أقر بالملك أولا لم يقبل إقراره باليد لغيره فتسلم إلى عمرو
وفى الغرم لزيد القولان هكذا أطلقوه وفيه مباحثة لأنا إذا غرمنا المقر في الصورة السابقة للثاني فانا
نغرمه القيمة لأنه أقر بالملك وههنا جعلناه مقرا باليد دون الملك فلا وجه لتغريمه القيمة بل القياس ان
يسأل عن يد أكانت بإجارة أو برهن أو غيرهما فان اسندها إلى الإجارة غرم قيمة المنفعة وان اسندها
إلى الرهن غرم قيمة المرهون ليتوثق به في دينه وكأنه أتلف المرهون ثم إن وفى الدين من موضع
آخر فترد القيمة عليه (وقوله) في الكتاب يبرأ بالتسليم إلى زيد يجوز اعلامه بالواو لأنه أراد البراءة عن
الغرم لعمرو على ما هو بين في الوسيط وقد عرفت الخلاف فيه.
(فرع) إذا قال غصبت هذه العين من أحدكما فيطالب بالتعيين فإنه عين أحدهما سلمت
إليه وهل للثاني تحليفه ينبنى على أنه لو أقر للثاني هل يغرم له القيمة (ان قلنا) لا فلا (وان قلنا)
نعم فنعم لأنه ربما يقر له إذا عرضت اليمين عليه فيغرم فعلى هذا ان نكل ردت اليمين
على الثاني وإذا حلف فليس له الا القيمة ومنهم من قال (ان قلنا) النكول ورد اليمين كالاقرار
منن المدعى عليه فالجواب كذلك أما إذا قلنا كالبينة فتنتزع الدار من الأول وتسلم إلى الثاني ولا غرم
عليه للأول وعلى هذا فله التحليف (وان قلنا) لا يرغم القيمة لو أقر للثاني طمعا في أن ينكل
فيحلف المدعى ويأخذ العين وان قال المقر لا أدري من أيكما غصبت وأصر عليه فان صدقاه فالعين
موقوفة بينهما حتى يتبين المالك أو يصطلحا وكذا ان كذباه وحلف لهما على نفى العلم هذا ظاهر المذهب
في الفرع وللشيخ أبى على فيه تطويل في شرح الفروع لكنه لم يتنقح لي تنقيح كلامه فتركته.
قال (الخامسة إذا استثنى عن الاقرار مالا يستغرق صح كقوله على عشرة الا تسعة يلزمه واحد.
ولو قال عشرة الا تسعة الا ثمانية يلزمه تسعة لان الاستثناء من النفي اثبات كما أنه منن الاثبات نفى).
الكلام من هذا الموضع إلى آخر الباب في الاستثناء وهو جائز في الاقرار والطلاق وغيرهما
بشرط أن يكون متصلا ولا يكون متفرقا فان سكت بعد الاقرار طويلا أو تكلم بكلام
أجنبي عما هو فيه ثم استثنى لم ينفع الاستثناء ولو استغرق فقال عشرة الا عشرة فعليه العشرة
175

لان هذا الاستثناء غير منتظم في البيان ولو قال على عشرة الا تسعة أو سواء واحد صح
الاستثناء ولزمه في الصورة الأولى درهم وفى الثانية تسعة ولا فرق بين استثناء الأقل من
الأكثر وبين عكسه وعن أحمد انه لا يجوز استثناء الأكثر من الأقل (فقوله) في الكتاب يلزمه واحد
يصح اعلامه بالألف لذلك ويصح اعلامه بالميم لان في التتمة ان مالكا لا يصح عنده استثناء
الآحاد من العشرات ولا المئين من الألوف وإنما يصح استثناء العشرات من المئين والألوف وفى
الذخيرة للبندنيجي ان مالكا لا يصحح الاستثناء في الاقرار أصلا ثم الاستثناء من الاثبات نفى ومن
النفي اثبات لأنه مشتق من الثنى وهو الصرف إنما يكون من الاثبات إلى النفي وبالعكس
فلو قال عشرة الا تسعة الا ثمانية فعليه تسعة المعنى الا تسعة لا يلزم الا ثمانية فتلزم فتكون
الثمانية والواحد الباقي من العشرة والطريق فيه وفى نظائره ان يجمع كل ما هو اثبات وكل ما هو نفى
فيسقط المنفى من المثبت فيكون الباقي هو الواجب فالعشرة في الصورة المذكورة والثمانية مثبتتان يجمعهما
وبسقط التسعة المنفية من المجموع يبقى تسعة ولو قال عشرة الا تسعة الا ثمانية الا سبعة وهكذا إلى
الواحد فعليه خمسة لان الاعداد المثبتة ثلاثون والمنفية خمسة وعشرون قال الامام وطريق تمييز
المثبتات من المنفيات ان ينظر إلى العدد المذكور أولا فإن كان شفعا فالأوتار منفية والاشفاع مثبتة
وإن كان وترا فالعكس ولهذا شرط وهو أن تكون الاعداد المذكورة على التوالي الطبيعي أو يتلو
كل شفع منها وترا وبالعكس ولو قال ليس لفلان على شئ الا خمسة فعليه خمسة ولو قال ليس له
على عشرة الا خمسة لم يلزمه شئ عند الأكثرين لان عشرة الا خمسة خمسة فكأنه قال ليس على
خمسة وفى النهاية وجه آخر انه يلزمه خمسة بناء على أن الاستثناء من النفي اثبات ولو اتى باستثناء بعد
استثناء والثاني مستغرق صح الأول وبطل الثاني مثاله قال على عشرة الا خمسة الا عشرة أو
عشرة الا خمسة الا خمسة يلزمه خمسة وإن كان الأول مستغرقا كقوله عشرة الا عشرة الا أربعة
فيه ثلاثة أوجه (أحدها) يلزمه عشرة ويبطل الاستثناء الأول لاستغراقه والثاني يلزمه أربعة ويصح
الاستثناء آن لان الكلام إنما يتم بآخره وآخره يخرج الأول عن كونه مستغرقا ويصيره كأنه استثنى من
176

أول الكلام ستة قال في الشامل وهذا أقيس (والثالث) يلزمه ستة لان الاستثناء الأول باطل
لاستغراقه فيكون وجوده كعدمه ويرجع الاستثناء إلى أول الكلام ولو قال على عشرة الا عشرة
الا خمسة فعلى الوجه الأول يلزمه عشرة وعلى الأخيرين خمسة هذا إذا لم يكن في الاستثناء
عطف أما إذا قال عشرة الا خمسة والا ثلاثة أو على عشرة الا خمسة وثلاثة فهما جمعا مستثنيان من
العشرة ولا يلزمه الا درهمان فإن كان العدد ان بحيث لو جمعا حصل الاستغراق كما إذا قال على
عشرة الا سبعة وثلاثة فيلزمه عشر لان الواو تجمعهما وتوجب الاستغراق أو يخص الثاني بالبطلان
لان الأول صح استثناؤه والثاني مثل العدد الباقي فهو المستغرق فيه وجهان قال الشيخ أبو علي
(أصحهما) الثاني ورأي أن يفرق بين قوله عشرة الا سبعة وثلاثة وبين قوله عشرة الا سبعة الا ثلاثة فيقطع
في الصورة الثانية بالبطلان لأنهما استثناءان مستقلان فيحصل من ذلك وجه ثالث فارق ومهما كان
في المستثنى والمستثنى منه عدد ان معطوف أحدهما على الاخر ففي الجمع بينهما وجهان كما الصورة
السابقة أصحهما ويحكى عن نصه في الطلاق وبه أجاب ابن الحداد والأكثرون انه لا يجمع لان الواو
العاطفة وان اقتضت الجمع لكنها لا تخرج الكلام عن كونه ذا جملتين من جهة اللفظ والاستثناء
ويدور على اللفظ مثاله إذا قال على درهمان ودرهم الا درهمان ان لم يجمعه لزمه ثلاثة لأنه استثنى
درهمان من درهم وان جمعنا لزمه درهم فكان الاستثناء مستغرقا ولو قال ثلاثة الا درهما ودرهمين
فإن لم نجمع لزمه درهمان وان جمعتا فثلاثة ولو قال درهم فدرهم ودرهم الا درهما ودرهما ودرهما لزمه
177

ثلاثة على الوجهين لأنا ان جمعنا جمعنا من الطرفين وان لم نجمع كان مستثنيا درهما من درهم وحكم
هذه الصورة في الطلاق كحكمها في الاقرار وقد ذكر صاحب الكتاب أكثرها في الطلاق ولو
قال على عشرة الا خمسة أو ستة قال في التتمة يلزمه أربعة لان الدرهم الزائد مشكوك فيه فصار
كما لو قال خمسة أو ستة يلزمه الا خمسة ويمكن ان يقال يلزمه خمسة لأنه أثبت العشرة
واستثنى منه خمسة واستثنى درهم زاد مشكوك فيه فلو قال على درهم غير دانق فقضية النحو
وبه قال بعض الأصحاب انه ان نصب غير فعليه خمسة دوانيق لأنه استثناء والا فعليه درهم تمام إذ
المعنى عليه درهم لا دانق وقال الأكثرون السابق إلى فهم أهل العرف منه الاستثناء فيحمل عليه
وان أخطأ في الاعراب والله أعلم.
قال (السادسة الاستثناء من غير الجنس صحيح كقوله على ألف درهم لاوب معناه قيمة
ثوب. ثم ليفسر بما ينقص قيمته عن الألف. فلو استغرق بطل تفسيره في وجه. واصل
استثناؤه في وجه).
الاستثناء من غير جنس صحيح كما إذا قال على ألف درهم الا ثوبا أو عبدا وقال مالك وأبو
حنيفة لا يصح الا المكيل والموزون والمعدود ويستثنى بعضها من بعض مع اختلاف الجنس وقال احمد
لا يصح ذلك بحال وحجة المذهب مشهورة في الأصول ثم عليه ان يبين ثوبا وتستغرق قيمته الألف فان
استغرق فالتفسير لغو وفى الاستثناء وجهان (أحدهما) انه لا يبطل لأنه صحيح من حيث اللفظ وإنما الخلل
178

فيما فسر به اللفظ فيقال له هذا التفسير غير صحيح ففسره صحيح (والثاني) انه يبطل الاستثناء
ويلزمه الألف لأنه بين ما أراد باللفظ فكأنه تلفظ به والوجه الأول أصح عند صاحب التهذيب وقال
الامام وغيره الثاني أصح وهو الأشبه ويصح استثناء المجمل من المجمل والمجمل من المفضل
وبالعكس فالأول كما إذا قال الف الا شيئا فيبين جنس الألف أو لا ثم يفسر الشئ بما لا يستغرق
الألف من الجنس الذي بينه المفسر به (والثاني) كما إذا قال شئ الا درهما يفسر الشئ بما يزيد
على الدرهم وان قل وكذا لو قال الف الا درهما ولا يلزمه من استثناء الدرهم أن يكون الألف درهم
ومهما بطل التفسير هذا الصورة ففي بطلان الاستثناء الوجهان وان اتفق اللفظ في المستثني والمستثني منه
كما إذا قال على شئ الا شيئا أو مال الا مالا فقد حكي الامام الامام عن القاضي وجهين (أحدهما) انه يبطل
الاستثناء كما لو قال على عشرة الا عشرة (والثاني) لا يبطل لوقوعه على القليل والكثير فلا يمتنع حمل
الثاني على أقل ما يتمول وحمل الأول على الزائد على أقل ما يتمول قال وفى هذا التردد غفلة لأنا ان
ألغينا استثناءه اكتفينا بأقل ما يتمول وان صححناه ألزمناه أيضا أقل ما يتمول فيتفق الجوابان
ويمكن ان يقال حاصل الواجب لا يختلف لكن التردد غير خال عن الفائدة فإنما إذا أبطلنا الاستثناء
لم نطالبه الا بتفسير اللفظ الأول وان نبطله طالباه بتفسيرهما وله آثار في الامتناع من التفسير وكون
التفسير الثاني التفسير الثاني صالح للاستثناء الأول وما وما أشبه ذلك.
قال (السابعة الاستثناء عن العين صحيح كقوله هذه الدار لفلان الا ذلك البيت. والخاتم
179

الا الفص. وهؤلاء العبيد الا واحدا. ثم له التعيين. فان ماتوا الا واحدا فقال هو المستثني قبل.
وقيل فيه قولان).
صحته من المطلقان كما إذا قال هذه الدار لفلان الا هذا البيت وهذا القميص الا كميه وهذه
الدراهم الا هذا الواحد وهذا القطيع الا هذه الشاة ونظائره وفيه وجه انه لا يصح لان الاستثناء المعتاد هو
الاستثناء من الاعداد المطلقة واما المعينات فالاستثناء فيها غير معهود ولأنه إذا أقر بالمعين كان ناصا على
ثبوت الملك فيه فيكون الاستثناء بعده رجوعا والأول ظاهر المذهب وقد نص عليه في بعض الصور
المذكورة واقتصر في الكتاب ههنا على ما هو الظاهر لكنه قال في الطلاق لو قال أربعتكن طوالق
الا ثلاثة لم يصح هذا الاستثناء عند القاضي الحسين كما لو قال هؤلاء الا عبد الأربعة لفلان إلا هذا
الواحد لم يصح لان الاستثناء في المعين لا يعتاد وأجاب بعدم الصحة من غير ذكر الخلاف والكلام
في مسألة الطلاق يأتي في موضعه ولو قال هؤلاء العبيد لفلان الا واحدا فالمستثنى منه معين والمستثنى
غير معين وهو الصحيح إذا جوزنا الاستثناء من المعين والرجوع إليه في غير المعين فان ماتوا إلا واحدا
فقال هو الذي أردته بالاستثناء قبل قوله مع يمينه لأنه محتمل وفيه وجه أنه لا يقبل للتهمة وندرة مثل
مثل هذا الاتفاق وهو ضعيف باجماع من نقله (وقوله) في الكتاب قبل وقيل فيه قولان يقتضى أولا أن
يكون الخلاف قولا وثانيا إثبات طريقين طريقة جازمة وطريقة خلافية وفيهما نظر من جهة النقل
ولو قال غصبتهم إلا واحدا فماتوا الا واحدا فقال هو المستثنى قبل بلا خلاف لان أثر الاقرار ينفى
180

في الضمان وكذا لو قتلوا في الصورة الأولى الا واحدا لان حقه يثبت في القيمة فلو قال هذه الدار
لفلان وهذا البيت منها لي أو هذا الخاتم لفلان وفصه لي قبل لأنه اخراج بعض مما يتناوله اللفظ فكان
كالاستثناء وقد فرغنا من شرح أبواب الكتاب سوى الأخير ونذكر قبل الشروع فيه مسائل
وفروع بقيت علينا مما يورد تعدد في الاقرار وإن كان بعضها أجبنا عنه (منها) جارية في يد انسان جاء
غيره وقال بعتك هذه الجارية بكذا أو سلمتها إليك فأد الثمن وقال من في يده بل زوجتنيها على
صداق كذا وهو على فاما أن يجرى هذا التنازع وصاحب اليد لم يولدها أو يجرى بعد أن أولدها (فاما)
في الحالة الأولى فيحلف كل واحد منهما على نفي ما يدعيه الآخر فان حلفا سقط دعوى الثمن والنكاح
ولا مهر سواء دخل بها صاحب اليد أو لم يدخل لأنه وان أقر بالمهر لمن كان مالكا فهو منكر له وتعود
الجارية إلى المالك ثم أحد الوجهين أنها تعود إليه كما يعود المبيع إلى البائع كما لافلاس المشتري بالثمن
(والثاني) أنها تعود بجهة أنها لصاحب اليد بزعمه وهو يستحق الثمن عليه فقد ظفر بغير جنس حقه
من ماله فعلى هذا يبيعها ويستوفى ثمنها فان فضل شئ فهو لصاحب اليد ولا يحل له وطؤها وعلى
الأول يحل له وطؤها والتصرف فيها ولا بد من التلفظ بالفسخ وان حلف أحدهما دون الآخر نظر ان
حلف مدعى الثمن على نفى التزويج ونكل صاحب اليد عن اليمين على نفى الشراء حلف المدعى اليمين
المردودة على المشتري ووجب الثمن وان حلف صاحب اليد على نفى الشراء ونكل الآخر على نفى التزويج حلف
صاحب اليد المردودة على النكاح وحكم له بالنكاح وبان رقبتها للآخر ثم لو ارتفع النكاح بطلاق أو
181

غيره حلت للسيد في الظاهر وكذا في الباطن إن كان كاذبا وعن القاضي الحسين أنه إذا نكل أحدهما
عن اليمين المعروضة عليه اكتفى من الثاني بيمين واحدة يجمع فيها بين النفي والاثبات والمذهب
الأول (الحالة الثانية) إذا كان قد أولدها صاحب اليد فالولد حر والجارية أم ولد باعتراف المالك القديم
وهو يدعى الثمن فيحلف صاحب اليد على نفيه فان حلف على نفى الشراء لسقط عنه الثمن المدعى
وهل يرجع المالك عليه بشئ فيه وجهان (أحدهما) أنه يرجع بأقل الأمرين من الثمن أو المهر لأنه
يدعي الثمن وصاحب اليد مقر له بالمهر فالأقل منهما متفق عليه (والثاني) لا يرجع بشئ لان
صاحب اليد أسقط الثمن عن نفسه بيمينه والمهر الذي يقر به لا يدعيه الآخر ولا يتمكن من المطالبة
به وهل لصاحب اليد تحليف المالك على نفى الزوجية بعد ما حلف على نفى الشراء فيه وجهان
(أحدهما) لا لأنه لو ادعى ملكها وتزويجها يعد اعترافه بأنها أم ولد لآخر لم يقبل فكيف يحلف
على ما لو أقر به لم يقبل (والثاني) نعم طمعا في أن ينكل فيحلف ويثبت له بالنكاح فلو نكل
صاحب اليد عن اليمين على نفى الشراء حلف المالك القديم المردودة واستحق الثمن وعلى
كل حال فالجارية مقررة في يد صاحب اليد فإنها أم ولده أو زوجته وله وطؤها في الباطن
وفى الظاهر وجهان (أحدهما) الحل ووجه المنع أنه لا يدري أنه يطأ زوجته أو أمته اعتذر الامام
عن هذا النص فقال ليس المنع في هذه الصورة لاختلاف الجهة بل لان الملك في زمن الخيار
للمشترى على قول وإذا ثبت الملك انفسخ النكاح والملك الثابت ضعيف لا يقيد حل الوطئ ونفقتها
182

على صاحب اليد إن جوزنا له الوطئ وإلا فوجهان ذكرهما أبو إسحاق (أحدهما) أنه على المالك
القديم لأنها كانت عليه فلا يقبل قوله في سقوطها وإن قبل هما عليه وهو زوال الملك وزوال الاستيلاد
(وأصحهما) أنها في كسب الجارية ولا يكلف بها المالك القديم كما لا يكلف بنفقة الولد وإن كان
ت حريته مستفادة من قوله أيضا فعلى هذا لو لم يكن لها كسب كانت من محاويج المسلمين
ولو ماتت الجارية قبل موت المستولد ماتت رقيقة وللمالك القديم اخذ الثمن مما تركته من
اكتسابها لان المستولد يقول إنها بأسرها له وهو يقول إنها للمستولدة وله عليه الثمن فيأخذ
حقه منها والفاضل موقوف لا يدعيه أحد وإن ماتت بعد موت المستولد ماتت حرة وما لها لوارثها
النسيب فإن لم يكن فهو موقوف لان الولاء لا يدعيه واحد منهما وليس للمالك القديم أخذ الثمن
من تركتها لان الثمن بزعمه على المستولدة وهي قد عتقت فلا يؤدى دينه بما جمعته بعد
الحرية هذا كله فيما إذا أصرا على كلاهما أما إذا رجع المالك القديم وصدق صاحب اليد لم يقبل
في حرية الولد وثبوت الاستيلاد ويكون اكتسابها له ما دام المستولد حيا فإذا مات عتقت وكان
اكتسابها له ولو رجع المستولد وصدق المالك القديم لزمه الثمن وكان ولاؤها له (ومنها) اقرار الورثة على
الميت بالدين والعين مقبول كاقراره ولو أقر بعض الورثة عليه بدين وأنكر البعض فقولان القديم
وبه قال أبو حنيفة رحمه الله ان على المقر أيضا جميع الدين من نصيبه من التركة إن كان وافيا
والا صرف جميع نصيبه إليه لان الدين مقدم على الميراث فإذا أقر بدين على الميت لا يحل له شئ
183

من التركة ما بقي شئ من الدين ويحكى هذا عن ابن سريج واختاره القاضي الروياني والجديد أنه
لا يلزمه من الدين الا نسبة نصيبه من التركة لان الوارث لا يقر بالدين على نفسه وإنما يقر على
الميت بحكم الخلافة عنه وأيضا فان أحد الشريكين في العبد المشترك إذا أقر بجناية لم تلزمه الا بحصته
فكذلك ههنا وقال بعض المتلقين عن الشيخ ابن عاصم يجب القطع بأن على المقر توفية جميع الدين
مما في يده عند الامكان فان المقر في نصيبه لا يتقاعد عن الأجنبي في جملة التركة ولو أقر أجنبي بدين
في التركة يستغرقها لزمه اقراره حتى لو وقعت التركة يوما من الدهر الزم بصرفها إلى ذلك الدين والقولان
محمولان على أن باقراره ثبت جميع الدين على الميت تبعا لثبوته على المقر أم لا يثبت الا حصته وفائدته التقدم
على الوصية فعلى قول يتقدم جميع الدين المقر به على الوصايا وعلى قول حصته والمشهور الأول (وإذا قلنا)
بالجديد فلو مات المنكر ووارثه المقر فهل نلزمه جميع لنقر به الآن فيه وجهان (أصحهما) نعم لحصول جميع التركة
في يده ويتفرع على القولين فرعان (أحدهما) لو شهد بعض الورثة بدين على المورث (ان قلنا) لا يلزمه
بالاقرار الا حصته تقبل (وان قلنا) الجميع لم تقبل لأنه متهم باسقاط بعض الدين عن نفسه ولا فرق
بين أن تكون الشهادة بعد الاقرار أو قبله لأنه متهم بالعدول من طريق الاقرار إلى طريق الشهادة
وعليه اظهار ما على مورثه بأحد الطريقين وعند أبي حنيفة ان شهد قبل الاقرار قبل وان شهد بعده
فلا (الثاني) كيس في يد رجلين فيه ألف درهم فقال أحدهما لثالث لك نصف ما في الكيس فيحمل اقراره على
النصف الذي في يده أو على نصف ما في يده وهو ربع الجميع فيه وجهان بناء على القولين السابقين وبني على
الخلاف فيما إذا أقر أحد الشريكين في العبد المشترك بالسوية بنصفه أنه يحمل على نصيبه أم يوزع النصف
184

المقر به على النصفين وهذا الخلاف الثاني مذكور في الكتاب في باب العتق (ومنها) مات عن اثنين
فأقر أحدهما بأن أباه أوصى لزيد بعشرة فهو كما لو أقر عليه بدين فعلى القديم تتعلق كل العشرة بثلث
نصيبه وعلى الجديد يتعلق نصف العشرة بثلث نصيبه وبه قال أبو حنيفة بخلاف ما قال في الاقرار
بالدين ولو أقر أحدهما بأنه أوصى بربع ماله وأنكر الآخر فعلى المقر أن يدفع ربع ما في يده إلى الموصى
له ولو أقر بأنه أوصى بعين من أعيان أمواله نظر ان لم يقتسما التركة فنصيب المقر في تلك العين يصرف
إلى الموصى له وإن كانت في يد المنكر فللموصى له أخذ نصف القيمة من المقر لأنه فوته عليه بالقسمة
ولو شهد المقر للموصي له قبلت شهادته ويغرم المشهود عليه نصف قيمة العين كما لو خرج بعض أعيان
التركة مستحقا (ومنها) لو قال لعبد أعتقتك على ألف وطالبه بالألف فأنكر العبد وحلف سقط دعوى
المال ويحكم بعتق العبد لاقراره وكذلك لو قال بعت منك ابنك بكذا فأنكر فكذلك لاعترافه
بصيرورته حرا إذا دخل في ملك أبيه (ومنها) إذا قال لفلان عندي خاتم ثم جاء بخاتم وقال هذا الذي
أقررت به فعن الشافعي رضي الله عنه أنه قال في موضع لا يلزمه التسليم قال الأصحاب الأول محمول
على ما إذا صدقه المقر له والثاني على ما إذا قال الذي أقررت به غيره وليس هذا لي فلا يسلم ما جاء
185

به إليه والقول قول المقر في نفى غيره.
(الباب الرابع في الاقرار بالنسب. ومن هو من أهل الاقرار)
قال (إذا قال لغيره هذا ابني به شرط أن لا يكذبه الحس بأن يكون أكبر سنا منه.
أو الشرع بأن يكون مشهور النسب. أو المقر له بأن يكون بالغا فينكر. فلو استلحق مجهولا بالغا
ووافقه لحق. ولو كان صغيرا لحق في الحال حتى يتوارثان في الصغر. فلو بلغ وأنكر ففي اعتبار
انكاره بعد الحكم به خلاف. ولو مات صبي وله مال فاستلحقه ثبت نسبه وورث. وإن كان بالغا
فاستلحقه بعد الموت ففيه خلاف. لان تأخيره إلى الموت يوشك أن يكون خوفا من انكاره).
الاقرار بالنسبة لا يصح الا إذا كان المقر بالصفات المعتبرة في المقرين كما سبق ثم لا يخلو اما ان
يلحق النسب بنفسه أو بغيره (القسم الأول) أن يلحق النسب بنفسه فيشترط فيه أمور (أحدها) أن
لا يكذبه الحس ويكون ما لديه ممكنا فلو كان في ممن لا يتصور أن يكون ولدا للمستحق بأن كان
أكبر سنا منه أو كان المستحق أكبر ولكن بقدر لا يولد لمثله فلا اعتبار باقراره ولو قدمت
186

امرأة من الروم أو غيرها من بلاد الكفر ومعها صبي فادعاه رجل من المسلمين لحقه إن احتمل أنه
خرج إليها أو أنها قدمت قبل ذلك وان لم ينقدح احتمال لم يلحقه (والثاني) ان لا يكذبه الشرع بأن يكون
المستلحق معروف النسب من غيره لان النسب الثابت من شخص لا ينتقل إلى غيره ولا
فرق بين أن يصدقه المستلحق أو يكذبه وفيما جمع من الفتاوى القفال أن المنفى باللعان لا يصح استلحاقه
لان فيها شبهة للملاعن (والثالث) أن يصدقه المقر له إذا كان ممن يعتبر تصديقه فان استلحق بالغا
فكذبه لم يثبت النسب إلا أن يقيم عليه بينة فإن لم تكن بينة حلفه فان حلف سقط دعواه فان
نكل المدعى وثبت نسبه حتى يرث نسبه وكذا لو قال رجل لآخر أنت أبى فالقول قول المنكر مع يمينه وان
استلحق صغيرا ثبت نسبه حتى يرث منه الصغير لو مات ويرث هو لو مات الصفير وان استلحق
صغيرا فلما بلغ كذبه ففيه وجهان (أحدهما) أنه يندفع النسب لأنا إنما حكمنا به حين لم يكن انكار
(وأظهرهما) أنه لا يندفع لان النسب مما يحتاط له فإذا حكم ثبوته لم يتأثر بالانكار كما لو ثبت بالبينة
وعلى هذا فلو أراد المقر تحليفه قال ابن الصباغ ينبغي أن لا يمكن منه لأنه لو رجع لم يقبل فلا معنى
لتحليفه ولو استلحق مجنونا فأفاق وأنكر فهو على الوجهين ولو استلحق مجنونا فأفاق وأنكر فهو على الوجهين ولو استلحق صبيا بعد موته لحقه كان له
187

مال أو لم يكن ولم ينظر إلى التهمة بطلب المال بل يورث لان أمر النسب مبني على التغلب ولهذا
نثبته لمجرد الامكان حتى أنه لو قتله ثم استلحقه قبل ويحكم بسقوط القصاص وقال أبو حنيفة رحمه
الله لا يلحقه (وأما) إذا كان بالغا ففيه وجهان لان شرط لحقوق البالغ تصديقه ولا تصديق ولان تأخير
الاستلحاق إلى موت يوشك أن يكون خوفا من انكاره وهذا أظهر عند القاضي الحسين وصاحب
التهذيب والأكثرون على أنه يلحقه كالصغير ومنعوا كون التصديق شرطا على الاطلاق بل هو
شرط إذا كان المستلحق أهلا للتصديق (وأما الكلام الثاني) فهو تمسك بالتهمة وقد بينا أنه لا اعتبار
بها في النسب ويجرى الوجهان فيما إذا استلحق مجنونا طرأ جنونه بعد ما بلغ عاقلا ولو ازدحم اثنان
فصاعدا على الاستلحاق نظر إن كان المستلحق بالغا ثبت نسبه ممن صدقه وإن كان صبيا لم يلحق بواحد
منهما بل الحكم ما هو مذكور في الكتاب في باب اللقيط فإذا عدم زحمة الغير شرط رابع للحوق
وهذا كله فيما إذا كان ذكرا حرا (أما) استلحاق المرأة والعبد فسيأتيان في اللقيط ولو استلحق
عبد الغير أو معتقته لم يلحقه إن كان صغيرا محافظة على حق الولاء للسيد بل يحتاج إلى البينة وإن كان
بالغا وصدقه ففيه خلاف نذكره هناك ولو استلحق عبدا في يده نظر ان لم يوجد الامكان بان
188

كان أكبر سنا منه كفى قوله وان وجد فإن كان مجهول النسب لحقه إن كان صغيرا وحكم بعتقه
وكذا إن كان بالغا وصدقه وان كذبه لم يثبت النسب وفى العتق وجهان وكذا لو كان المستلحق
معروف النسب من غيره (وأما) لفظ الكتاب فقوله التحق به يجوز اعلامه - بالميم - لان البندنيجي
حكى عن مالك أنه ان شاع في الناس انه استلحق من ليس ولدا له لم يلحقه وان اجتمعت الشرائط
التي ذكرناها (وقوله) أو المقر له ليس فيه الاعتبار عدم التكذيب وهو معتبر لكنه غير مكفى
به بل المعتبر تصديقه عند الامكان صرح به صاحب الشامل وغيره وقضيته أنه لو سكت لم يثبت
النسب (وقوله) فلو استلحق مجهولا بالغا لفظ المجهول لا ضرورة إليه في هذا الموضع فإنه قد بين
اشتراطه من قبل وإذا كنا في شرط لم نحتج فيه إلى التعرض لسائر الشرائط إلا للايضاح.
(فرع) لو استلحق بالغا عاقلا ووافقه ثم رجعا قال ابن أبي هريرة رحمه الله يسقط النسب
كما لو أقر بمال ورجع وصدقه المقر له وعن الشيخ أبى حامد أنه لا يسقط لان النسب المحكوم بثبوته
لا يرتفع بالاتفاق كما لو ثبت بالفراش.
قال (ولو كان له أمتان ولكل واحدة ولد ولا زوج لهما فقال أحدهما ابني علقت به أمه في
189

ملكي طولب بالتعيين. فان عين ثبت نسبه وعتقه وأمية الولد للام. فان مات كان تعيين
الوارث كتعيينه. فان عجزنا عنه فالحاق القائف كتعيينه. فان عجزنا فيقرع بينهما فمن خرجت قرعته
عتق ولم يثبت نسبه ولا ميراثه إذ القرعة لا تعمل إلا في العتق. وهل يقرع بين الأمتين للاستيلاد
فيه خلاف من حيث أن أمية الولد فرع النسب وقد أيس عنه. وهل يوقف نصيب ابن من الميراث
فيه خلاف لأنه نسب أيس من ظهوره فيمتنع التوريث به. ولو كانت له أمة لها ثلاثة أولاد فقال
أحدهم ابني فان عين الأصغر تعيين. وان عين الأوسط عتق معه الأصغر وثبت نسبهما. الا أن يدعى
استبراء بعد ولادة الأوسط ورأينا ذلك نافيا للنسب. فان مات قبل البيان وعجزنا عن تعيين الوارث
والقائف أقرع بينهم. وأدخل الصغير في القرعة. وفائدة خروج القرعة عليه اقتصار العتق عليه والا
فهو عتيق في كل حال. وفى وقف الميراث الخلاف الذي مضى).
في الفصل مسألتان تقدم أن من له جارية ذات ولد إذا قال هذا ولدى من هذه الجارية
ثبت نسبه عند الامكان وهل تكون الجارية أم ولد فيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) لا
لاحتمال أنه استولدها بالنكاح ثم ملكها وحينئذ لا تكون أم ولد على أحد القولين (والثاني) نعم
190

لأن الظاهر أنه استولدها في الملك لأنه حاصل محقق والنكاح غير معلوم والأصل فيه العدم وللمسألة
خروج ظاهر على قول يقابل الأصل والظاهر وما الأظهر من الخلاف في المسألة ذكر الشيخ أبو حامد
وجماعة أن الثاني أظهر وهو ظاهر نصه في المختصر لكن الأول أقرب إلى القياس وأشبه بقاعدة
الاقرار وهي البناء على اليقين ولقربه أعرض الأكثرون عن الترجيح وأرسلوا ذكر الخلاف ومن
ذهب إليه لم يصعب عليه جعل النص على الصورة الآتية ولو قال إنه ولدى ولدته في ملكي فطريقان
(أحدهما) القطع بثبوت أمية الولد لتصريحه بالولادة في الملك (وأصحهما) أنه على القولين لاحتمال
أن يحبلها قبل الملك بالنكاح ثم يشتريها وتلد بالملك ولو قال إنه ولدى استولدتها به في ملكي أو
علقت به في ملكي انقطع الاحتمال وكانت أم ولد له لا محالة وكذا لو قال هذا ولدى منها وهي في
ملكي منذ عشرين سنة وكان الولد ابن سنة وهذا كله مفروض إذا لم تكن الام مزوجة ولا فراشا
أما إذا كانت مزوجة لم ينسب الولد إلى السيد ولم يعتد باستلحاقه للحوقه بالزوج وإن كانت فراشا
له فان أقر بوطئها فالولد يلحقه بحكم الفراش لا بالاقرار ولا يعتبر فيه الا الامكان ولافرق في الاقرار
بالاستيلاد بين أن يكون في الصحة أو في المرض لان انشاءه نافذ في الحالتين إذ تبين ذلك فالمسألة
191

الأولى إذا كان له أمتان لكل واحدة منهما ولد فقال أحدهما ولدى فللأمتين أحوال (إحداها)
أن لا تكون واحدة منهما مزوجة ولا فراشا للسيد فيؤمر بالتعيين كما لو أقر بطلاق إحدى امرأتيه
فإذا عين أحدهما ثبت نسبه وكان حرا وورثه وهل أمه أم ولد له وان صرح بأنه استولدها في النكاح
لم تصر أم ولد وان أضافه إلى وطئ شبهة ففيه قولان يذكران في موضعهما ولو قال استولدتها بالزنا
مفصولا عن الاستلحاق لم يقبل وكانت أمية الولد على القولين فيما إذا أطلق الاستلحاق وان وصله
باللفظ قال في التهذيب لا يثبت النسب ولا أمية الولد ولك أن تقول ينبغي أن يخرج
على قولي تبعيض الاقرار ولو ادعت الأمة الأخرى أن ولدها هو الذي استلحقه وأنها التي استولدها
فالقول قول السيد مع يمينه ولو أن السيد مات قبل التعيين قام ورثته مقامه في التعيين وحكم تعيينهم
حكم تعينه في النسب والحرية والإرث وتكون أم المعين مستولدة ان ذكر السيد ما يقتضى ثبوت
الاستيلاء والا سئلوا وحكم بيانهم حكم بيان المورث فان قالوا لا نعلم أنه بما استولدها فعلى الخلاف فيما إذا
أطلق المستلحق استلحاقه ولو لم يكن وارث أو قال الورثة لا نعلم عرض الولدان على القائف فأيهما ألحقه به
192

لحق والحكم في النسب والحرية والإرث كتعين المورث أو الوارث وفى الاستيلاد كما وأطلق الاستلحاق
ويجوز ظهور الحال للقائف مع موت المستلحق بأن كان قد رآه أو بان يرى قبل الدفن أو بان يرى عصبته
فيجد الشبه فان عجز عن الاستفادة من القائف لعدمه أو لالحاقه الولدين به أو نفسيهما أو أشكل الامر
عليه أقرعنا بينهما لنعرف الحر منهما ولا ينتظر بلوغ الولدين حتى ينتسبا بخلاف ما لو تنازع اثنان في ولد
ولا قائف لان الاشتباه ههنا في أن الولد أيهما فلو اعتبر الانتساب فربما انتسب كل واحد منهما إليه
فلا يرتفع الاشكال ولا يحكم لمن خرجت قرعته بالنسب والميراث لان القرعة على خلاف القياس
وإنما ورد الخبر بها في العتق فلا تعمل في النسب والميراث. نعم هل يوقف نصيب ابن بين من خرجت
القرعة له وبين الآخر فيه وجهان ثاني توجيههما (والأظهر) منهما في المسألة الثانية واختيار المزني أنه يوقف
(واما الاستيلاد) فهو على التفصيل السابق فإن لم يوجد من السيد ما يقتضيه لم يثبت وان وجد فهل
تحصل أمية الولد في أم ذلك الولد بخروج القرعة حكى الامام فيه وجهين وقال المذهب أنها لا تحصل
لأنها نتبع النسب فإذا لم يجعله ولدا لم يجعلها أم ولد والذي أورده الأكثرون أنها تحصل لان المقصود
العتق والقرعة عاملة فيه فكما تفيد حريته تفيد حريتها وعلى هذا الخلاف يحمل قوله في الكتاب وهل
يقرع بين الأمتين في الاستيلاد فيه خلاف وقد يتبادر إلى الفهم من ظاهره اخراج القرعة بهما مرة
أخرى ولا يفعل ذلك إذ لا يؤمن خروج القرعة على غير التي خرج لولدها.
(فرعان) أحدهما حيث يثبت الاستيلاد فالولد حر الأصل لا ولاء عليه وحيث لا يثبت فعليه الولاء إلا
193

إذا نسبه إلى وطئ شبهه وقلنا إنها لا تصير أم ولد إذا ملكها بعد ذلك (والثاني) إذا لم يثبت الاستيلاد
ومات السيد ورث الولد أمه وعتقت عليه وهذا إذا تعين لا بالقرعة وإن كان معه وارث آخر عتق
نصيبه عليه ولم يشتر هذا تمام الكلام في الصورة الأولى وهي المذكورة في الكتاب (الثانية) إذا
كانت الأمتان مزوجتين لم يقبل قول السيد وولد كل أمة يلحق بزوجها وإن كانت فراشا للسيد فإن كان
قد أقر بوطئها لحقه الولدان بحكم الفراش (الثالثة) إذا كانت أحداهما مزوجة لم يتعين إقراره في
الأخرى بل يطالب بالتعيين فان عين ولد المزوجة لم يقبل وان عين ولد الأخرى قبل وثبت نسبه
وإن كانت إحداهما فراشا له لم يتعين اقراره في ولدها بل يؤمر بالتعيين فان عين في ولد الأخرى
لحقه بالاقرار والولد الآخر ملحق به بالفراش (المسألة الثانية) إذا قال من له أمة لها ثلاثة أولاد أحد
هؤلاء ولدى والتصوير فيما إذا لم تكن مزوجة ولا فراشا للسيد قبل ولادتهم فيطالب بالتعيين فمن
عينه منهم فهو نسيب حر وارث والقول في الاستيلاد على التفصيل الذي مر ثم إذا كان المعين الأصغر
فالأكبران رقيقان فلكل واحد منهما أن يدعى انه الولد والقول قول المنكر مع يمينه فإن كان المعين
الأوسط فالأكبر رقيق وأمر الصبي مبنى على استيلاد الأمة فإذا لم نجعلها مستولدة فهو رقيق كالأم
وان جعلناها مستولدة فينظر ان لم يدع الاستبراء بعد الأوسط فقد صارت فراشا له بالأوسط
فيلحقه الأصغر ويرثه وادعى الاستبراء فينبنى على أن نسب ملك اليمين هل ينتفى بدعوى
الاستبراء فيه خلاف مذكور في اللعان (وان قلنا) لا ينتفى فهو كما لو لم يدع الاستبراء (وان
قلنا) ينتفى فلا يلحقه الأصغر وفى حكمه وجهان (أظهرهما) انه كالأم يعتق بوفاة السيد لأنه ولد أم ولد
194

وأم الولد إذا ولدت من زوج أو زنا عنق بعتقها (والثاني) أنه يكون قنا لان ولد أم الولد قد لا يكون
كذلك كما لو أحبل الراهن الجارية المرهونة وقلنا إنها لا تصير أم ولد له فبيعت في الحق وولدت
أولادا ثم ملكها وأولادها فانا نحكم بأنها أم ولد على الصحيح والأولاد أرقاء لا يأخذون حكمها وأيضا
فإنه إذا أحبل جاريه بالشبهة ثم أتت بأولاد من زوج أو زنا ثم ملكها وأولادها تكون أم ولد له على
قول والأولاد لا يأخذون حكمها وإذا أمكن ذلك لم يلزمه من ثبوت الاستيلاء أن يأخذ الولد حكمها
بالشك والاحتمال ولصاحب الوجه الأول أن يقول الأولاد في الصورتين ولدوا قبل الحكم بالاستيلاد
فالأصغر ولد بعد الحكم بالاستيلاد على أن بعظهم حكى في صورة الرهن وجها أن الأولاد يأخذون حكمها
ولا يبعد أن يجئ مثله في صورة الاحبال بالشبهة وذكر في التتمة وجها آخر فيما إذا لم يكن يدع
الاستبراء أنه لا يثبت نسبه ويكون حكمه حكم الام يعتق بموت السيد لان الاستبراء حصل بالأوسط
ولم أر لغيره ذكر وإن كان المعين الأكبر فالقول في حكم الأوسط والأصغر كما ذكرناه في الأصغر إذا
عين الأوسط ولو مات السيد قبل التعيين عين وارثه فإن لم يكن وارث أو قال لا أعرف عرضوا
على القائف ليعين والحكم على التقديرين كما لو عين السيد فان تعذر معرفة القائف نص أنه يقرع
بينهم لمعرفة الحرية وثبوت الاستيلاد على التفصيل الذي سبق واعترض المزني في المختصر بأن الأصغر
حر بكل حال عند موت السيد لأنه اما أن يكون هو المقر أو يكون أو يكون ولد أم الولد يعتق
بموت السيد وإن كان حرا بكل حال وجب أن لا يدخل في القرعة أيضا لاحتمال أنها لا تخرج على
غيره فيلزم ارقاقه واختلف الأصحاب في الجواب عنه فسلم بعظهم حريته وقالوا انه لا يدخل في القرعة ليرق
195

ان خرج لغيره بل ليرق غيره ان خرجت عليه ويقتصر العتق عليه وهذا ما ذكره في الكتاب
ومنعها آخرون بناء على أنها وإن كانت أم ولد فولد أم الولد يحوز أن يكون رقيقا (والأظهر الأول) وهو
عين الوجه الأول المذكور فيما إذا عين الأوسط وادعى الاستبراء بعده وقلنا إنه ينتفى به النسب ثم
إذا أقرعنا بينهم وخرجت القرعة لواحد منهم فهو حر والمشهور ان النسب والميراث لا يثبتان كما ذكرنا
في المسألة الأولى وعن المزني في المختصر الكبير ان الأصغر نسيب بكل حال لأنه بين أن يكون
هو المراد بالاستلحاق وبين أن يكون ولد أمته التي صارت فراشا له بولادة من قبل وجرى الأصحاب
على رأيهم في الطعن على اعتراضاته متبادرين لكن الحق المطابق لما تقدم أن يفرق بين ما إذا كان
السيد قد ادعى الاستبراء قبل ولادة الأصغر وبين ما إذا لم يدعه ويساعده في الحالة الثانية وإذا ثبت
النسب ثبتت الحرية لا محالة وحيث لا نحكم بثبوت النسب فهل يوقف الميراث فيه وجهان (أحدهما)
نعم لأنا نتيقن ان أحدهما ابنه وان لم تفد القرعة تعيينه فأشبه ما إذا طلق إحدى امرأتيه ومات قبل
البيان حيث يوقف نصيب امرأة (والثاني) لا لأنه اشكال دفع الناس من روائه فأشبه ما إذا غرق المتوارثان
فلم يدر أنهما ماتا معا أو على التعاقب لا توريث ولا وقف وهذا أصح عند الأكثرين واختار المزني
الوقف واختلف الرواية عنه في كيفيته ففي رواية ابن خزيمة وجماعة أنه إذا كان له ابن معروف النسب
يدفع إليه ربع الميراث ويدفع ربعه إلى الأصغر ويوقف النصف وفى رواية ابن عبد ابن المروزي في آخرين
أنه يدفع نصف الميراث إلى المعروف النسب ويوقف النصف للمجهول واعلم أن الرواية الأولى مبنية على
ما ذهب إليه المزني من أن الأصغر نسيب بكل حال فهو والمعروف ابنان يقينا فيدفع النصف إليهما ويوقف النصف
196

بينهما وبين الأكبرين فيجوز أن يكون الأوسط ابنا دون الأكبر والرواية الثانية اختيار للشافعي
رضي الله عنه جوابا على أنه لا يثبت نسب واحد منهم على التعيين ولكن يعلم أن فيهم ابنا فيقف النصف
له ويدفع النصف إلى الابن المعروف وأما لفظ الكتاب (فقوله) فقال أحدهم ابني أراد ما إذا ذكر معه
ما يقتضى الاستيلاد على أمة صور في المسألة الأولى حيث قال فقال أحدهما انى علقت به في ملكي
ألا ترى أنه حكم بعتق الأصغر عند تعيين الأوسط وإنما يكون كذلك إذا ثبت الاستيلاد
(وقوله) عتق معه الأصغر يجوز اعلامه بالواو للوجه المنقول عن التهذيب (وقوله) أقرع بينهم
بالحاء لان الحكاية عن أبي حنيفة أن الأصغر حر كله ويعتق من الأوسط ثلثاه لأنه حر في
الحالتين وهما إذا عينه أو عين الأكبر فالأكبر رقيق في حاله وهي إذا عين الأصغر ومن الأكبر ثلثه لأنه
حر في حالة وهي إذا عين فيه رقيق في حالتين وهما إذا عين في الأوسط أو الأصغر قال ويعتق من الام
ثلثاها لأنه قد عتق ثلثا ولدها (وقوله) وان دخل الصغير في القرعة اعلم بالزاي لما تقدم ويجوز أن يعلم
بالواو أيضا لأنه نقل في النهاية وجها عن بعض الأصحاب أن الصغير يخرج عن القرعة قال وهو ضعيف
لأنه إنما يقرع بين عبدين يتعين ان فيهم حرا ومن الجائز أن يكون المستلحق الأصغر ويكون الأكبر ان
رقيقان فكيف يقرع بينهما وقوله والا فهو عتق بكل حال معلم - بالواو - لما مر.
قال (أما إذا أقر باخوة غيره أو بعمومته فهو اقرار بالنسب على الغير فلا يقبل إلا من وارث
مستغرق. كمن مات وخلف ابنا واحدا فأقر بأخ آخر ثبت نسبه وميراثه. وإن كان معه زوجة
اعتبر موافقتهما (و) لشركتهما في الإرث. وكذا موافقته المولى (و) المعتق. وان خلف
بنتا واحدة وهي معتقة ثبت النسب باقرارها لأنها مستغرقة. فإن لم تكن معتقة فوافقها الامام ففيه
197

خلاف لان الامام ليس بوارث إنما هو نائب. ولو خلف اثنين فاقر أحدهما بأخ ثالث وأنكر الآخر
لم يثبت النسب ولا الميراث (ح) على القول المنصوص. وقيل إنه يثبت باطنا وفى الظاهر خلاف
فلو مات وخلف ابنا مقرا فهل يثبت الآن فيه خلاف. لان اقرار الفرع مسبوق بانكار الأصل.
وكذا الخلاف فيما إذا لم يخلف إلا الأخ المقر. ولو كان ساكتا فمات فأقر ابنه ثبت لا محالة.
والأخ الكبير مع الصغير لا ينفرد بالاقرار بالنسب على الأصح. ولو أقر بشخص فأنكر المقر له
نسب المقر فقيل إنه لا يشارك لان موجب قوله أن من أقر له ليس من أهل الاقرار. وقيل إنه
يستحق الكل).
القسم الثاني أن يلحق النسب بغيره مثل أن يقول هذا أخي ابن أبي أو ابن أمي أو بعمومة
غيره فيكون ملحقا للنسب بالجد والكلام في فصلين (أحدهما) في ثبوت النسب ويثبت النسب
بهذا الالحاق بالشرائط المقدمة فيما إذا لحق بنفسه وبشرائط أخر (أحدها) أن يكون الملحق به ميتا فما
دام حيا ليس لغيره الالحاق به وإن كان مجنونا (والثانية) أن لا يكون الملحق به قد نفى المقر به أما
إذا نفاه ثم استلحقه وارثه بعد موته ففيه وجهان (أحدهما) اللحوق كما لو استلحقه المورث بعد ما نفاه
بلعان وغيره (والثاني) المنع لأنه نسب قد سبق الحكم ببطلانه ففي الحاقه بعد الموت الحاق عار
بنسبه وشرط الوارث أن يفعل ما فيه حظ الموروث لا ما يضر به ولم يورد صاحب التهذيب من الوجهين
الا الثاني ولا معظم العراقيين الا الأول وهو الأشبه (والثالثة) صدور الاقرار من الورثة الحائزين للتركة
وفيه مسائل (أحدها) اقرار الأجانب لا يثبت به النسب ولو مات مسلم عن ابن كافر أو قاتل أو رقيق
198

لم يقبل اقراره عليه بالنسب كما لا يقبل اقراره عليه بالمال ولو كان له ابنان مسلم وكافر لم تعتبر موافقة
الكافر ولو كان الميت كافرا كفى استلحاق الكافر ولا فرق في ثبوت النسب بين أن يكون
المقر به كافرا أو مسلما (الثانية) لو مات وخلف ابنا واحدا وأقر بأخ آخر يثبت نسبه ولو مات وخلف
ابنين أو ابنتين أو بنات فلابد من اتفاقهم جميعا وكذلك تعتبر موافقة الزوج والزوجة لأنهما من
الورثة وفيهما وجه لان الزوجية تنصرم بالموت ولان المقر به النسب ولا شركة لهما في النسب ويجرى
مثل هذا الخلاف في المعتق ولو خلف بنتا واحدة فإن كانت حائزة بأن كانت معتقه يثبت النسب باقرارها
وان لم تكن حائزة ووافقها الامام فوجهان جاريان فيما إذا مات من لا وارث له فالحق الامام به مجهولا
والخلاف مبني على أن الامام له حكم الوارث أم لا والذي أجاب به العراقيون انه يثبت النسب بموافقة الامام
ثم هذا الكلام فيما إذا ذكر الامام ذلك لا على وجه الحكم أما إذا ذكر على وجه الحكم (فان قلنا)
أنه يضئ لعلم نفسه ثبت النسب والا فلا (الثالثة) لافرق بين أن تكون حيازة الملحق تركة المحلق
به بغير واسطة أو بواسطة كما إذا أقر بعمومة مجهول وهو حائز لتركة أبيه الحائز لتركة جده الملحق به
فإن كان قد مات أبوه قبل جده والوارث ابن الابن فلا واسطة (الرابعة) البالغ من الوارثين لا ينفرد
بالاقرار ونقل الامام وجها أنه ينفرد ويحكم بثبوت النسب في الحال وربما يوجه بأن أمر النسب خطر
فالظاهر من حال كامل الحال من الورثة أن يعتنى به ولا يجازف فيه وعلى الأول ينتظر بلوغ الصبي
فإذا بلغ الصبي ووافق البالغ ثبت النسب حينئذ فان مات قبل البلوغ نظر أن لم يخلف سوى
المقر ثبت النسب وان لم يجدد اقراره وان خلف ورثة سواه اعتبر موافقتهم وإذا كان أحد الوارثين
مجنونا فهو كما لو كان أحدهم صبيا ولو خلف بالغين عاقلين وأقر أحدهما وأنكر الآخر ثم مات ولم يخلف
199

الا أخاه المقر فاظهر الوجهين أنه يثبت النسب لان جميع الميراث قد صار له وثانيهما المنع لان اقرار
الفرع مسبوق بانكار الأصل ويجرى الخلاف فيما إذا أخلف المنكر وارثا فاقر ذلك الوارث والوجهان
عند القاضي الحسين مبنيان على الوجهين في استلحاق من نفاه المورث ولو أقر أحد الاثنين وسكت
الآخر ثم مات الساكت وابنه مقر ثبت النسب لا محالة لان اقراره غير مسبوق بتكذيب الأصل
(الخامسة) لو أقر الوارث المستغرق بأخوة مجهول فأنكر المجهول نسب المعروف لم يتأثر بقوله
النسب المشهور وفيه وجه أن المقر يحتاج إلى البينة على نسبه لاعترافه بنسب المجهول وانكاره
إياه والمذهب الأول وفى ثبت نسب المجهول وجهان (وجه المنع) أن المقر ليس بوارث بزعمه
(والثاني) وهو الأصح انه يثبت لحكمنا بأنه وارث حائز ولو أقر باخوة مجهول ثم أنهما أقرا
بنسب ثالث وأنكر الثالث نسب الثاني ففي سقوط نسب الثاني وجهان (أصحهما) السقوط لأنه ثبت
بنسب الثالث فاعتبر موافقته لثبوت نسب الثاني ولو أقر باخوة مجهولين فصدق كل واحد منهما
الاخر ثبت نسبهما وان كذب كل واحد منهما الآخر فوجهان (أصحهما) ثبوت النسب لوجود الاقرار
ممن يجوز التركة فان صدق أحدهما وكذبه الآخر ثبت نسب المصدق دون المكذب هذا إذا لم يكن
المجهولان توأمين فإن كانا توأمين فلا أثر لتكذيب أحدهما الآخر فإذا أقر الوارث بأحدهما ثبت
نسب كليهما (السادسة) إذا أقر بنسب من يحجب المقر كما إذا مات عن أخ أو عم فاقر بان للميت
فأحد الوجهين انه لا يثبت نسبه لأنه لو ثبت لورث ولو ورث لحجب المقر وإذا حجب خرج عن الأهلية
200

للاقرار وإذا بطل الاقرار بطل النسب (وأصحهما) الثبوت لان ثبوت النسب بمجرده لا يرفع الاقرار
وإنما يلزم ذلك من التوريث وسيأتي الكلام في الفصل الثاني ثم التوريث قد ينتفى
بأسباب وموانع ولا يبعد أن يكون هذا منها.
(الفصل الثاني في ثبوت الميراث)
قال (والمقر يحتاج إلى البينة. ولو أقر الأخ بابن لأخيه الميت فالظاهر أنه يثبت النسب دون
الميراث إذ لو ثبت لحرم الأخ وخرج عن أهلية الاقرار. وقيل إنهما يثبتان. وقيل أنهما لا يثبتان).
المقر به لا يخلو أما أن يكون ممن لا يحجب المقر عن الميراث أو ممن يحجبه أو يحجب بعض الورثة
المقرين دون البعض (الحالة الأولى) إذا لم يحجب المقر فيشتركان في التركة على فرائض الله تعالى
ولو أقر أحد الابنين المستغرقين بأخ وأنكر الآخر فظاهر المذهب وهو المنصوص أنه لا يرث لان
201

الإرث فرع النسب وانه غير ثابت كما سبق وإذا لم يثبت الأصل لم يثبت الفرع وعن صاحب
التقريب حكاية وجه تخريج أن المقر له يرث ويشارك المقر بما في يده ورأيت ذلك لابن سريج وبه
قال أبو حنيفة رحمه الله ومالك وأحمد رحمهما الله ويتأيد بمسائل (منها) لو قال أحد الابنين فلانة
بنت أبينا وأنكر الآخر حرم على المقر نكاحها مع أنه فرع النسب الذي لم يثبت ولو قال أحدهما
لعبد في التركة إنه ابن أبينا هل يحكم بعتقه فيه وجهان (ومنها) لو قال أحد شريكي العقار لثالث
بعت منك نصيبي فأنكر لا يثبت الشراء وفي ثبوت الشفعة للشريك خلاف (ومنها) لو قال لزيد على
عمرو كذا وأنا به ضامن فأنكر عمرو ففي مطالبة المقر بالضمان خلاف (والأصح) المطالبة (ومنها) إذا
اعترف الزوج بالخلع وأنكرت المرأة ثبتت البينونة وان لم يثبت المال الذي هو الأصل (وإذا قلنا)
بظاهر المذهب كذلك في ظاهر الحكم (فأما) في الباطن فهل على المقر إذا كان صادقا أن يشركه
فيما في يده فيه وجهان (أحدهما) لا كما في الظاهر (والثاني) نعم قال ابن الصباغ وهو الصحيح
لأنه عالم باستحقاقه محرم عليه منع حقه منه وعلى فيه وجهان (أحدهما) بنصف ما في
202

يده لان قضية البنتين التسوية فلا يسلم لأحدهما شئ والا ويسلم للآخر مثله والثالث
بزعمهما غصبهما بعض حقهما وبها قال أبو حنيفة رحمه الله (وأصحهما) وبه قال مالك رحمه الله وأحمد
بثلث ما في يده لان حق الثالث بزعم المقر شائع فيما في يده ويد صاحبه فله الثلث من هذا وله الثلث
من ذاك ويقال الوجهان مبنيان من القولين فيما إذا أقر أحد الابنين بدين على أبيه فأنكر الآخر
هل على المقر توفية جميع الدين مما في يده أم لا يلزمه إلا القسط (فان قلنا بالثاني) لم يلزمه إلا الثلث
لجعلنا الحق الثابت بالاقرار شائعا في التركة ولكل واحد من الوجهين عبارة تجرى مجرى الضابط
لأخوات هذه الصورة فالعبارة على وجه النصف اننا ننظر في أصل المسألة على قول المنكر ونصرف
إليه نصيبه منها ثم نقسم الباقي بين المقر والمقر به فان انكسر صححناه بالضرب فاصل المسألة في الصورة
التي نحن فيها اثنان على قول المنكر يدفع إليه واحدا منهما يبقى واحد لا ينقسم على اثنين نضرب
اثنين في أصل المسألة يكون أربعة سهمان منها من منكر ولكل واحد من الآخرين سهم
وعلى وجه الثلث نأخذ أصل المسألة على قول المنكر وأصلها على قول المقر ونضرب أحدهما
203

في الآخر ونقسم الحاصل باعتبار مسألة الانكار فيدفع نصيب المنكر منه إليه باعتبار الاقرار ويدفع
نصيب المقر منه إليه ويدفع الباقي إلى المقر به ومسألة الانكار فيما نحن فيه من اثنين ومسألة الاقرار
من ثلاثة فنضرب أحدهما في الآخر يكون ستة ثلاثة منها للمنكر وسهمان للمقر وواحد للمقر له ولو
كانت المسألة بحالها وأقر أحد الابنين بآخرين فعلى الوجه الأول المسألة على قول المنكر من اثنين
يدفع نصيبه إليه يبقى واحد لا ينقسم على ثلاثة يضرب ثلاثة في اثنين يكون ستة ثلاث منها للمنكر
ولكل واحد من الباقين واحد وعلى الوجه الثاني أصلها على قول المنكر من اثنين وعلى قول المقر
من أربعة يضرب أحدهما في الآخر يكون ثمانية أربعة منها للمنكر واثنان للمقر ولكل واحد من
المقر بهما سهم وعن صاحب التقريب يصرف بالتوسط بين الوجهين وهو أن ينظر فيما حصل في
يد المقر أحصل بقسمة أجبر المنكر عليها أم بقسمة وهو مختار فيها أما على تقدير الاجبار (فالجواب)
ما ذكرنا في الوجه الثاني وأما على تقدير الاختيار فينظر إن كان عالما عند القسمة بان معهما ثالث مستحقا
(والجواب) ما ذكرناه في الوجه الأول لأنه معتد بتسليم نصف حقه الثابت إليه فيغرمه ما حصل في يد
204

صاحبه كما يغرم الحاصل في يده فإن لم يكن عالما حينئذ ثم علم فوجهان يوجه أحدهما بأنه لا تقصير منه
(والثاني) بأنه لافرق بين العلم والجهل فيما يرجع إلي الغرم (الحالة الثانية) إذا كان المقر به ممن
يحجب المقرين عن الميراث أو بعضهم كما لو كان للوارث في الظاهر أخا أو ابن عم أو معتقا فاقر بابن
للميت فإن لم نثبت نسبة فذاك وان أثبتناه ففي الميراث وجهان (أظهرهما) المنع لأنه لو ورث لحجب
الأخ ولو حجبه لخرج عن أهلية الاقرار وإذا بطل الاقرار فلا نسب ولا ميراث فإذا يلزم من توريثه
منعه (والثاني) وبه قال ابن سريج أنه يرث ويحجب المقر وهو اختيار صاحب التقريب وابن الصباغ
وجماعة ومنعوا لزوم بطلان الاقرار من حرمانه وقالوا المعتبر كونه وارثا لولا اقراره ذلك لا ينافي خروجه
عن الوارثية بالاقرار كما أن المعتبر كونه حائزا للتركة لو أقر الابن المستغرق في الظاهر بأخوة غيره قبل
وتشاركا في الإرث كذلك ههنا ولو خلف بنتا هي مقتنعة فأقرت بأخ ففي ميراثه وجهان تفريعا
على الوجه الأول في المسألة (أحدهما) يرث ويكون المال بينهما أثلاثا لان توريثها لا يحجبها
(والثاني) لا لأنه عن عصوبة الولاء فصار كما لو خلف بنتا ومعتقا وأقر بابن للميت لا يثبت
205

لحجبه المعتق ولو أدعي المجهول على أخي الميت أنه ابن الميت فأنكر الأخ ونكل عن اليمين فحلف
المدعى المردودة ثبت نسبه ثم إن جعلنا النكول ورد اليمين كالبينة ورث وحجب الأخ وان
جعلناهما كالاقرار ففيه الخلاف المذكور فيما إذا أقر الأخ ولو مات عن بنت وأخت
فأقرنا بابن للميت فنصيب الأخت على الوجه الأظهر يسلم لها لأنه لو ورث الابن لحجبها وعلى الثاني
يأخذ ما في يدها كله وهذا الحكم فيما إذا خلف زوجة وأخا فأقر بابن يكون للزوجة الربع على
الوجه الأظهر وهذا الابن لا ينقض حكمها كما لا يسقط الأخ ولنعد إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب
(أما) قوله فلا يقبل الامن وارث مستغرق معلم - بالحاء والميم - وكذلك قوله ثبت نسبه وميراثه
لان عند أبي حنيفة في روايته المشهورة لا يشترط اقرار جميع الورثة وإنما المعتبر عدد الشهادة فإذا لم
يكن الا ابن واحد لم يثبت النسب باقراره فإذا خلف أبناء فأقر اثنان منهم كفى وبه قال مالك (وقوله)
اعتبر موافقتهما معلم - بالواو - وكذلك قوله موافقة المولى المعتق (وقوله) ولان الامام ليس بوارث إنما هو
206

نائب أي نائب المسلمين في أخذ حقهم وحفظه وهو إشارة إلى ما سبق أن الامام هل له حكم الوارث
أم لا (وقوله) ولا الميراث عند قوله لم يثبت النسب ولا الميراث على القول المنصوص إلى الميراث معلم
- بالألف - وحده وأما أن النسب لا يثبت فلا خلاف فيه (وأعلم) أن حاصل الخلاف في المسألة طريقان جمعهما
صاحب التقريب (أحدهما) أن الإرث يثبت باطنا وفى الظاهر خلاف (والثاني) أنه لا يثبت ظاهرا إلا
أن المقابل للقول المنصوص هو المخرج الذي عزاه بعضهم إلى ابن سريج على ما بينه في الوسيط وإنما
خرج ابن سريج ذلك في الإرث الظاهر وإذا كان جازما بثبوته باطنا فيكون قوله بعد ذلك وقيل
يثبت باطنا وفى الظاهر خلاف غير ما ذكره مرة فلا ينبغي أن بقول وقيل لا يثبت ظاهرا وفى
الباطن خلاف إن أراد الطريقة الأخرى والأوجه الثلاثة التي ذكرناها في الميراث إذا أقر لشخص
وأنكر المقر له نسب المقر حاصلة من الخلاف الذي أسلفناه في أن النسب المقر هل يتأثر بانكار المقر له
وان لم يتأثر فهل يثبت نسب المجهول (فقوله) لا يشارك مبني على أن نسب المقر بحالة ونسب المقر له يثبت
207

(وقوله) وقيل إنهما يشتركان ولا يبالي بتكذيبه مبنى على أن نسب المقر بحاله ونسب المقر له يثبت
والوجه الآخر مبني على أن نسب المقر يتأثر بانكار المجهول (وأما) الوجوه الثلاثة المذكورة فيما إذا
أقر الأخ بابن لأخيه الميت فلا يخفى عليك خروجها مما مر إذا جمع بين النسب والميراث وقد وقع في
شرح الفصل تغيير ترتيب بعض المسائل للحاجة إليه فلا يبالي به.
(فرع) إقرار الورثة بزوج أو زوجة للميت مقبول وعلى القديم قول أنه لا يقبل فلو أقر أحد
الابنين المستغرقين وأنكر الآخر فالتوريث على ما ذكرنا فيما إذا أقر أحدهما بأخ وأنكر الآخر.
(فرع) لو أقر انسان وقال فلان أخي ثم فسر بالاخوة من الرضاع حكي القاضي الروياني
عن أبيه أن الأشبه بالمذهب أن لا يقبل لأنه خلاف الظاهر ولهذا لو فسر باخوة الاسلام لا يقبل.
(فرع) في فتاوى القفال أنه إذا أقر على أبيه بالولاء فقال هو معتق فلان ثبت الولاء عليه
إن كان المقر مستغرقا كما في النسب والله تعالى أعلم بالصواب.
208

(كتاب العارية)
قال (والنظر في أركانها وأحكامها * أما الأركان فأربعة (الأول المعير) ولا يعتبر فيه الا
كونه مالكا للمنفعة غير محجور عليه في التبرع * فيصح من المستأجر ولا يصح من المستعير على الأظهر
لأنه مستبيح بالاذن كالضيف * نعم له أن يستوفى المنفعة بالوكيل يوكله لنفسه (الثاني المستعير)
ولا يعتبر فيه الا كونه أهلا للتبرع)
قال في الصحاح العارية بالتشديد كأنها منسوبة إلى العار لان طلبها عار وقال غيره منسوبة
إلى العارة وهي مصدر يقال أعار يعير إعارة كما يقال أجاب يجيب إجابة وجابة وأطاق إطاقة وطاقة
وقيل هي من عار يعير أي جاء وذهب فسميت عارية لتحويلها من يد إلى يد وقال إنه من التعاور
والاعتوار هو أن يتداول القوم الشئ بينهم وذكر الخطابي في الغريب أن لغة العارية بالتشديد
وقد تخفف والأصل فيها قوله تعالى (ويمنعون الماعون) فسره بعضهم بما يستعيره بعض الجيران من
بعض كالدلو والفأس والقدر وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (العارية مضمونة والزعيم غارم) (1)
209

وروى أيضا أنه صلى الله عليه وسلم (استعار درعا من صفوان فقال اغصبا يا محمد فقال عليه السلام
بل عارية مضمونة) (1) قال صاحب الكتاب ولها أركان وأحكام أما الأركان (فأحدها) المعير والمعتبر
فيه ملكه المنفعة وأن لا يكون محجورا عليه في التبرعات وإنما اعتبرت ملكية المنفعة دون العين
لان الإعارة ترد على المنفعة دون العين وإنما اعتبر عدم الحجر في التبرعات لان الإعارة تبرع ويتعلق
بقيد المالكية صورتان (إحداهما) أن المستأجر يجوز له أن يعير لأنه مالك المنفعة ألا ترى أنه يجوز
له أخذ العوض عنها بعقد الإجارة وكذا الموصى له بخدمة العبد وسكني الدار له أن يعيرهما (والثانية)
أن المستعير هل يعير فيه وجهان (أحدهما) نعم كالمستأجر فان للمستأجر أن يؤجر فكذلك المستعير
210

له أن يعير ويحكي هذا عن أبي حنيفة (وأصحهما) المنع لأنه غير مالك للمنفعة ألا ترى أنه لا يجوز له
أن يؤجر وإنما أبيح له الانتفاع والمستبيح لا يملك نقل الملك بالإباحة إلى غيره والضيف الذي أبيح له
الطعام ليس له أن يبيح لغيره نعم للمستعير أن يستوفى المنفعة بنفسه وبوكيله (الركن الثاني) في
المستعير قال في الكتاب ولا يعتبر فيه الا لكونه أهلا للتبرع أي يتبرع عليه وكأنه أراد التبرع بعقد
يشتمل على الايجاب والقبول اما بقول أو فعل والا فالصبي والبهيمة لهما أهلية التبرع والاحسان إليهما
ولكن لا يوهل منهما ولا يعار.
قال (الثالث المستعار وشرطه أن يكون منتفعا به مع بقائه. وفى إعارة الدنانير والدراهم لمنفعة
التزيين خلاف لأنها منفعة ضعيفة. فإذا جرت فهي مضمونة لأنها عارية فاسدة. وأن يكون
الانتفاع مباحا فلا تستعار الجواري للاستمتاع. ويكره الاستخدام الا لمحرم. وكذا يكره استعارة
أحد الأبوين للخدمة. وإعارة العبد المسلم من الكافر. ويحرم إعارة الصيد من المحرم).
(الركن الثالث) المستعار وله شرطان (أحدهما) أن يكون منتفعا له مع بقاء عينه كالعبيد
والدواب والدور والثياب أما الأطعمة فلا يجوز اعارتها لان منفعتها في استهلاكها وفى إعارة الدراهم
والدنانير وجهان (أحدهما) الجواز لأنها تصلح للتزين بها على طبعها (وأصحهما) المنع لان
211

هذه منفعة ضعيفة قلما تقصد ومعظم منفعتها في الانفاق والاخراج قال الامام وما ذكرناه في الدراهم
يجرى في استعارة الحنطة والشعير وما في معناهما ولك أن تبحث عن مواضع الخلاف أهو ما إذا صرح
بالإعارة للتزين أم إذا أطلق فالجواب ان الأسبق إلى الفهم من كلامهم في مسألة الدراهم ان الخلاف
في حالة الاطلاق فاما إذا صرح بغرض التزين فقد اتخذ هذه المنفعة مقصدا وان ضعفت فينبغي أن
يصح وبصحته أجاب في التتمة وعلى هذا قوله في الكتاب لمنفعة التزيين ليس هو من كلام
المعير وإنما هو إشارة إلى صورة الجواز لكن هذا يتفرع على تصحيح الإعارة مطلقا أما إذا شرطنا
تعيين جهة الانتفاع فلا بد من التعر ض للتزيين أو غيره وسيأتي الخلاف فيه وحيث قلنا إنه لا يصح
اعارتها فان جرت فهي مضمونة لان العارية صحيحة مضمونة وللفاسدة حكم الصحيحة في الضمان وفيه
وجه أنها غير مضمونة لان العارية صحت أو فسدت تعتمد منفعة معتبره فإذا لم توجد فما جرى بينهما ليس
بعارية لا أنه عارية فاسدة ومن قبض مال الغير بإذنه لا لمنفعة كان أمانة في يده (الشرط الثاني)
أن تكون المنفعة مباحة فلا يجوز استعارة الجواري للاستمتاع وأما للخدمة فيحوز إن كانت الإعارة
من محرم أو امرأة وإلا فلا يجوز لخوف الفتنة الا إذا كانت صغيرة لا تشتهي أو قبيحة ففيها وجهان
(وقوله) في الكتاب ويكره الاستخدام الا لمحرم لفظ الكراهية يستعمل للتحريم تارة وللتنزيه
أخرى وأراد ههنا التحريم على ما صرح به الوسيط وهو جواب على نفى الفرق بين الصغيرة
والكبيرة ثم إنه حكم في الوسيط بالصحة وإن كانت الإعارة محظورة فيشبه أن يقال بالفساد
212

فالإجارة للمنفعة المحرمة ويشعر بهما ما أطلقه المعظم من نفى الجواب ويكره استعارة أحد الأبوين
للخدمة لان استخدمهما مكروه ولفظ الامام في مسألة نفى الحل ويكره إعارة العبد المسلم من الكافر
وهي كراهة تنزيه ولا يجوز للحلال إعارة الصيد من المحرم لأنه يحرم عليه امساكه فلو فعل وتلف
في يد المحرم ضمن الجزاء لله تعالى والقيمة للحلال وان أعار محرم من حلال (فان قلنا) ان المحرم يزول
ملكه عن الصيد فلا قيمة له على الحلال لأنه أعار ما ليس ملكا له وعلى المحرم الجزاء لو تلف في يد
الحلال لأنه متعد بالإعارة وكان من حقه الارسال (وان قلنا) لا تزول صحت الإعارة وعلى الحلال
القيمة لو تلف الصيد عنده.
(فرع) دفع شاة إلى رجل وقال ملكتك درها ونسلها فهي هبة فاسدة ولما حصل في
يده من الدر والنسل كالمقبوض بالهبة الفاسدة والشاة مضمونة عليه بالعارية الفاسدة ولو قال أبحت
لك درها ونسلها فهو كما لو قال ملكتك على أحد الوجهين (والثاني) أنها إباحة صحيحة والشاة عارية
صحيحة وهذا ما أورده صاحب التتمة وعلى هذا فقد تكون العارية لاستيفاء عين وليس من شرطها
أن يكون المقصود مجرد المنفعة بخلاف الإجارة ولو قال ملكت لك درها وأبحته لك على أن تعلفها
قال في التهذيب العلف اجره وثمن الدر والنسل والشاة غير مضمونة لأنها مقبوضة بإجارة فاسدة
213

والدر والنسل مضمون عليه بالشراء الفاسد وكذلك لو دفع قراضة إلى سقاء وأخذ الكوز ليشرب
فسقط من يده وانكسر ضمن الماء لأنه مأخوذ بالشراء الفاسد ولم يضمن الكوز لأنه في يده
بإجارة فاسدة فان أخذه مجانا فالكوز عارية والماء كالمقبوض بالهبة الفاسدة (الثاني) قال في التتمة تعيين
المستعار ليس بشرط عند الاستعارة حتى لو قال أعرني دابتك فقال المالك ادخل الاسطبل وخذ
ما أردت صحت العارية بخلاف الإجارة تصان عن مثلها لان الغرر لا يحتمل في المعاوضة.
قال (الرابع صيغة الإعارة وهو كل لفظ يدل على الاذن في الانتفاع. ويكفي القبول بالفعل.
ولو قال أعرتك حماري لتعير لي فرسك فهو إجارة فاسدة غير صحيحة ولا مضمونة. ولو قال اغسل هذا
الثوب فهو استعارة لبدنه. وإن كان الغاسل ممن يعمل بالأجرة اعتياديا استحق الأجرة)
في الباب ما يدل على الاذن في الانتفاع لقوله أعرتك أو خذه لتنتفع به وما أشبه ثم ضاهر لفظ
الكتاب انه يعتبر اللفظ من جهة المعير وانه لا يعتبر من جهة المستعير وإنما يعتبر منه القبول اما باللفظ
واما بالفعل كما في الضيف وقد صرح بهذا في الوسيط وقال صاحب التهذيب وغيره المعتبر في الإعارة
اللفظ من أحد الطرفين والفعل من الآخر حتى لو قال المستعير أعرني فسلمه المالك إليه صحت الإعارة
وكان كما لو قال خذه لتنتفع به فأخذه تشبيها للإعارة بإباحة الطعام وذكر أبو سعيد المتولي ان اللفظ
214

لا يعتبر في أحد من الطرفين حتى لو رآه عاريا فأعطاه قميصا فلبسه تمت العارية وكذلك لو فرش
لضيفه فراشا أو بساطا أو مصلى أو القى به وسادة فجلس عليها كان ذلك إعارة بخلاف ما لو دخل
مجلسا على البسط المفروشة لأنه لم يقصد بها انتفاع شخص معين ولا بد في العارية من تعين الشخص
المستعير وهذا الذي ذكره يشبه تمام الشبه بالضيافة ويوافقه ما ذكره عن الشيخ أبي عاصم انه إذا
انتفع بظرف الهدية المبعوثة إليه حيث جرت العادة باستعمالها كل الطعام من القصعة فيها كان عارية
لأنه منتفع بملك الغير بأذنه والأشهر الرواية الوسطى ولو أعلم قولة في الكتاب وصيغة الإعارة - بالواو -
لما ذكره في التتمة لكان صحيحا ثم الفصل مسألتان (الأولى) إذا قال أعرتك حماري لتعيرني
فرسك فهو إجارة فاسدة على كل واحد منهما أجرة مثل دابة الآخر وكذلك الحكم إذا اعاره شيئا
بعوض مجهول كما لو أعار دابته ليعلفها أو داره ليطين سطحها وكذلك لو كان العوض معلوما ولكن
مدة الإعارة مجهولة كما لو قال لك أعرتك بعشر دراهم أو لتعيرني ثوبك شهرا وفيه وجه أنه عارية فاسدة
نظرا إلى اللفظ فعلى هذا تكون مضمونة عليه وعلى الأول لا ضمان ولو بين مدة الإعارة وذكر عوضا
معلوما فقال أعرتك هذه الدار شهرا واليوم بعشرة دراهم لتعيرني ثوبك شهرا من اليوم فهي إجارة
215

صحيحة مضمونه أو إعارة فاسدة فيه وجهان مبنيان على النظر إلى اللفظ أو المعنى ولو دفع دراهم
إلى رجل وقال اجلس في هذا الحانوت واتجر عليها بنفسك أو دفع إليه بذرا وقال ازرع به هذه
الأرض فهو معير الحانوت والأرض واما الدراهم والبذر فتكون هبة أو قرضا فيه وجهان
(الثانية) لو قال لقصار اغسل هذا الثوب أو لخياط خطه مجانا ففعل فلا أجره له ولو قال اغسله أو
خيطه وأنا أعطيك حقك أو أجرتك استحق أجره المثل وهذا إجارة فاسدة ولو اقتصر على قوله
اغسله أو خيطه ففيه أوجه نذكرها في الإجارة فان ذلك الموضع أحق بذكرها وصاحب الكتاب
قد أعاد المسألة هناك وذكر بعض تلك الأوجه واعرف في هذا المقام سببين (أحدهما) أن قوله فهو
استعارة أراد به استعارة بدنه لذلك العمل ولا يعد في اطلاق الاستعارة والإعارة في منافع الحر
كالإجارة (والثاني) أن حاصل جوابه في المسألة انه إن كان ممن يعتاد ذلك بالأجرة استحق الأجرة والا
فلا وهذا أحد الوجوه المشار إليها لكن ظاهر المذهب غيره على ما سيأتي.
216

قال (أما أحكامها فأربعة (الأول الضمان) والعارية مضمونة الرد والعين بقيمتها (ح) يوم
التلف. وقيل بأقصى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف كالغصب. وما ينمحق من أجزائها
بالاستعمال غير مضمون. والمستعير من المستأجر هل يضمن فيه خلاف. والمستعير من الغاصب
يستقر عليه الضمان إذا تلف تحت يده. ولو طولب بأجرة المنفعة فما تلف تحت يده فلا خلاف
في قرار ضمانه على المعير. وما تلف باستيفائه فقولان لأنه مغرور فيه).
من أحكام العارية الضمان والكلام في ضمان الرد والعين والاجزاء أما ضمان الرد فمعناه أن مؤنة
الرد على المستعير وقوله عليه السلام (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) (1) وأيضا فان الإعارة نوع بر
ومعروف فلو لم تجعل مؤنة الرد على المستعير لامتنع الناس من الإعارة (وأما) ضمان العين فإنها إذا
تلفت في يد المستعير ضمنها سواء تلفت بآفة سماوية أو بغفلة بتقصير أو من غير تقصير وبه قال أحمد
217

وقال أبو حنيفة لا يضمن الا إذا تعدى فيها وعن رواية الشيخ أبى على أن للشافعي رضي الله عنه قولا
مثله في الأمالي ووجه ظاهر المذهب الخبر المذكور في صدر هذا الباب وأيضا فإنه مال يجب رده إلى مالكه
فتجب قيمته عند التلف كالمأخوذ على سبيل السوم وأيضا فان المستعير من الغاصب يستقر عليه الضمان
ولو كانت العارية أمانة لما استقر كالمودع من الغاصب وذهب مالك إلى أن العارية مضمونة الا أن تكون
حيوانا فهو أمانة ولو أعار بشرط أن تكون أمانة لغى الشرط وكانت مضمونة وإذا وجب الضمان
فأي قيمة تجب فيه ثلاثة أوجه وسماها الزجاجي أقوالا وكذلك فعل الوسيط (أحدها) أقصى القيم
من يوم القبض إلى التلف لأنه لو تلف في حالة زيادة القيمة لوجبت القيمة الزائدة فأشبه المغصوب (والثاني)
قيمة يوم القبض تشبيها بالقرض يومئذ (والثالث) وهو الأصح قيمة يوم التلف لان ايجاب أقصى
القيم بمثابة ضمان الاجزاء التالفة بالاستعمال وهي غير مضمونة على الصحيح كما سيأتي ومن قال
بالأول منع كون تلك الأجزاء غير مضمونة بالاستعمال على الاطلاق وقال إنما لا يضمن إذا رد
العين وينبنى على هذا الخلاف ان العارية إذا ولدت في يد المستعير هل يكون الولد مضمونا في يده
ان قلنا إن العارية مضمونة ضمان الغصب كان مضمونا عليه والا فلا وليس له استعماله بلا خلاف
والخلاف المذكور في العارية انها كيف تضمن جار في المأخوذ على سبيل السوم الا ان الأصح هناك على
ما ذكره في النهاية ان الاعتبار بقيمة يوم القبض لان تضمين أجزائه غير ممتنع وقال غيره الأصح فيه
كهو في العارية وهذا كله فيما إذا تلفت العين لا بالاستعمال أما إذا تلفت بالاستعمال بأن انمحق الثوب
218

باللبس فوجهان (أصحهما) أنه لا يجب ضمانها كالاجزاء (والثاني) يجب لان حق العارية ان تردد فإذا تعذر
الرد لزم الضمان وعلى هذا فما الذي يضمن فيه وجهان (أحدهما) وهو المذكور في النهاية انه يضمن
العين بجميع أجزائها (وأصحهما) وهو المذكور في التهذيب انه يضمن في آخر حالات التقويم وصححه
في التتمة (واما) ضمان الاجزاء فما تلف منها بسبب الاستعمال المأذون فيه كانمحاق الثوب باللبس لا يلزم
ضمانها لحدوثه عن سبب واذن فيه وفيه وجه ضعيف أنه يلزم لان العارية مؤداة فإذا تلف بعضها فات
رده فيضمن بدله وما تلف منها بغير هذا السبب وفيه وجهان مذكوران في التهذيب (أحدهما) انه لا يلزم
ضمانها أيضا كما لو تلف بالاستعمال ويكتفى برد الباقي (وأصحهما) اللزوم كما لو تلفت العين كلها وهلاك
الدابة بسبب الركوب والحمل المعتاد كانمحاق الثوب وتعييبها به كالانمحاق كذا ذكره الامام وفيما جمع من فتاوى
القفال انه أو قرح ظهرها بالحمل وتلفت منه يضمن سواء كان متعديا بما حمل أو لم يكن لأنه إنما اذن في الحمل
لا في الجراحة وردها إلى المالك لا يخرجه عن الضمان لان السراية تولدت من مضمون فصار كما لو جرح دابة
الغير في يده وهذا في الجمل الذي هو غير متعد به جوابا على وجوب الضمان في صورة تفسير الانمحاق
والله أعلم. وجميع ما ذكرنا فيما إذا استعار من المالك ووراءه صورتان (إحداهما) إذا استعار من
المستأجر أو الموصى له بالمنفعة فأحد الوجهين انه يضمن كما لو استعار من المالك (وأصحهما) أنه
لا يضمن لان المستأجر لا يضمن وهو نائب المستأجر الا ترى أنه إذا أنقضت مدة الإجارة ارتفعت
219

الإعارة وانه استقرت الأجرة على المستأجر بانتفاع المستعير ومؤنة الرد في هذه الاستعارة على المستعير إن
رد على المستأجر وعلى المالك إن رد عليه كما لو رد عليه المستأجر (الثانية) إذا استعار المغصوب
من الغاصب وتلف في يده غرم المالك قيمته يوم التلف من شاء منهما فان الضمان على المستعير
لان المال حصل في يده بجهة مضمونة وإن كانت قيمته يوم التلف أكثر نظر إن كانت الزيادة في
يد المعير الغاصب لم يطالب بها غيره وإن كانت في يد المستعير (فان قلنا) العارية تضمن ضمان العصب
فهو كقيمته يوم التلف (وان قلنا) لا تضمن ضمان المغصوب فغرامة الزيادة كغرامة المنافع وإذا طالبه
المالك فغرامة المنافع وغرمها بالمنفعة التي تلفت في يده قرار ضمانها على المعير لان يد المستعير في المنافع
ليست يد ضمان والتي استوفاها بنفسه فيها قولان مشروحان في الغصب النظر في أحدهما إلى تغرير
المعير إياه وفى الثاني إلى مباشرة الاتلاف وهو الأظهر والمستعير من المستأجر من الغاصب حكمه حكم
المستعير من الغاصب إن ضمنا المستعير من المستأجر والا فليرجع بالقيمة التي غرمها على المستأجر ويرجع
المستأجر على الغاصب.
قال (والمستعير كل طالب أخذ المال لغرض نفسه من غير استحقاق. فلو اركب وكيله
المستعمل في شغله دابته فتلفت فلا ضمان عليه. ولو أركب في الطريق فقيرا تصدقا عليه فالأظهر
أنه لا يضمن).
220

ذكر حد المستعير ليبنى عليه مسائل فقال والمستعير كل طالب اخذ المال لغرض نفسه من غير
استحقاق وزاد بعضهم فقال من غير استحقاق وتملك وقصد بهذه الزيادة الاحتراز عن المستقرض (وأما)
نفى الاستحقاق والقصد منه الاحتراز عن المستأجر والحد مع هذه الزيادة ودونها معترض من
وجهين (أحدهما) أنه منقوض بالمستلم من الغاصب (والثاني) أن التعرض لكونه طالبا غير محتاج
إليه إذ لافرق بين أن يلتمس المستعير حتى يعير وبين أن يبتدئ المعير بالإعارة (وأما) المسائل المشار
إليها (فمنها) أنه لو أركب وكيله الذي استعمله في أشغاله دابته وسيره إلى موضع فتلفت الدابة في
يده من غير تعد فلا ضمان عليه لأنه لم يأخذها لغرض نفسه وكذلك لو سلمها إلى رائض ليروضها
أو كان عليها متاع نفيس فاركب انسانا فوقه احرازا للمال (ومنها) لو وجد من أعيى في الطريق فأركبه
فالمشهور أنه يضمن سواء التمس المعيى أو أبتدأ المركب وقال الامام انه لا يضمن لان القصد من
هذه العارية التصدق والقربة والصدقات في الأعيان تفارق الهبات ألا ترى أنه يرجع في الهبة ولا
يرجع بالصدقة وكذلك يجوز أن تفارق العارية التي هي صدقة سائر العواري في الضمان وأقام
صاحب الكتاب هذا وجها وحكم بأنه أظهر. ولو أركبه مع نفسه فعلى الرديف نصف الضمان ورأي الامام
أنه لا يلزمه شئ تشبيها بالضيف وعلى الأول لو وضع متاعه على دابة غيره وأمره أن يسير الدابة ففعل
كان صاحب المتاع مستعيرا للدابة بقسط متاعه مما عليها حتى لو كان عليها مثل متاعه وتلف ضمن
221

نصف الدابة ولو لم يقل صاحب المتاع سيرها ولكن سيرها المالك لم يكن صاحب المتاع مستعيرا ودخل
المتاع في ضمان صاحب الدابة لأنه كان من حقه أن يطرحها وإن كان لاحد الرفيقين في السفر متاع
وللآخر دابة فقال صاحب المتاع للآخر احمل متاعي على دابتك فاجابه فصاحب المتاع مستعير لها
ولو قال صاحب الدابة اعطني متاعك لأضعه على الدابة فهو مستودع متاعه ولا تدخل الدابة في ضمان
صاحب المتاع أورده في التهذيب.
(فرع) لو استعار دابة ليركبها إلى موضع فجاوزه فهو متعد من وقت المجاوزة وعليه
أجرة المثل ذهابا ورجوعا إلى ذلك الموضع وفى لزوم الأجرة من ذلك الموضع إلى أن يرجع
إلى البلد الذي استعار منه وجهان (وجه المنع) أنه مأذون فيه من جهة المالك (ووجه) اللزوم ان
ذلك قد انقطع بالمجاوزة وعلى هذا فليس له الركوب من ذلك الموضع بل يسلمه إلى حاكم الموضع
الذي استعار إليه
(فرع) أودعه ثوبا وقال إن شئت تلبسه فالبسه فهو قبل اللبس وديعة وبعده عارية
وعن صاحب التقريب تخريج وجه آخر من السوم لأنه مقبوض على توقع عقد ضمان قال ولو قيل
لا ضمان في السوم أيضا تخريجا مما نحن فيه لم يبعد.
222

(فرع) استعار صندوقا فوجد فيه دراهم فهي أمانة عنده كما لو طير الريح الثوب في داره.
قال (الحكم الثاني التسلط على الانتفاع وهو بقدر التسليط فان أذن له في زراعة الحنطة
لم يزرع ما ضرره فوقها وزرع ما ضرره مثلها أو دونها إلا إذا نهاه. ولو أذن في الغراس فبني أو في
البناء فغرس فوجهان لاختلاف جنس الضرر. ولو أعار الأرض ولم يعين فسدت العارية فان عين
جنس الزراعة كفاه)
من أحكام العارية تسلط المستعير على الانتفاع بحسب اذن المعير وتسليطه وفيه مسائل (الأولى)
إذا أعار أرضا للزراعة فاما يبين ما يزرعه أو يطلق كما إذا قال أعرتكها لزراعة الحنطة نظر ان لم
ينه عن زراعة غيرها فله أن يزرع الحنطة وما ضرره مثل ضرر الحنطة أو دونه وليس له أن يزرع
ما ضرره فوق ضرره كالذرة والقطن فان نهاه عن زراعة غيرها لم يكن له زراعة غيرها وحيث زرع
ما ليس له أن يزرعه فلصاحب الأرض قلعه مجانا وان أطلق ذكر الزراعة ولم يبين المزروع فوجهان
(أصحهما) وهو المذكور في الكتاب ان الإعارة صحيحة وله أن يزرع ما شاء لاطلاق اللفظ (والثاني)
أنها لا تصح للتفاوت الظاهر بين أنواع المزروع ولو قيل تصح الإعارة ولا يزرع إلا أقل الأنواع ضررا
لكان مذهبا (الثانية) إذا أعار للزراعة لم يكن له البناء ولا الغراس لان ضررهما أكثر والقصد
منهما الدوام ولو أعار للغراس هل له أن يبني أو للبناء هل له أن يغرس فيه وجهان (أحدهما) نعم
223

لتقارب ضررهما فان كلا منهما للأبد (وأصحهما) لا لاختلاف جنس الضرر فان ضرر الغراس في باطن
الأرض أكثر لانتشار عروقه وضرر البناء في ظاهرها أكثر (الثالثة) إن كان المستعار لا ينتفع به
إلا بجهة واحدة كالبساط الذي لا يصلح الا أن يفرش فلا حاجة في اعارته إلى التعرض للانتفاع وإن كان
ينتفع به بجهتين فصاعدا كالأرض تصلح للزراعة والبناء والغراس والدابة تصلح للحمل والركوب
فهل تصلح اعارته مطلقا أم لابد من التعرض لجهة الانتفاع فيه وجهان (أحدهما) وهو الذي أورده
الروياني وصاحب التهذيب انها تصح ولا يضر ما فيها من الجهالة بخلاف الإجارة يشترط فيها التعيين
لأنه يحتمل في العارية ما لا يحتمل في الإجارة (وأظهرهما) عند الامام وهو المذكور في الكتاب
انه لابد من تعيين نوع المنفعة لان الإعارة معونة شرعية جوزت للحاجة فلتكن على حسب الحاجة
ولا حاجة إلى الإعارة المرسلة وعلى هذا فلو قال أعرتك كذا لتفعل به ما بدا لك أو لتنتفع به كيف
شئت فوجهان على الوجه الأول للمستعير أن ينتفع به كيف شاء لاطلاق الاذن وقال القاضي الروياني
ينتفع به على العادة فيه وهذا أحسن.
قال (الحكم الثالث جواز الرجوع عن العارية. الا إذا أعار لدفن ميت فيمتنع نبش القبر
إلى أن يندرس أثر المدفون. وإذا أعار جدارا لوضع الجذوع عليه فلا يستفيد بالرجوع قبل الانهدام
شيئا إذ لا أجرة له حتى يطالب به ولا يمكن هدمه والطرف الآخر في خاص ملك الجار.
224

الأصل في العارية الجواز حتى يجوز للمعير الرجوع متى شاء وللمستعير الرد متى شاء لأنه مبرة
وتبرع فلا يليق بها الالتزام فيما يتعلق بالمستقبل ولا فرق بين العارية المطلقة والمؤقتة وعن مالك أنه لا يجوز
الرجوع في المؤقتة واستثني الأصحاب من الأصل المذكور صورتين (إحداهما) إذا أعار أرضا لدفن ميت
قال في النهاية وله سقى الأشجار التي فيها ان لم يفض إلى ظهور شئ من بدن الميت وله الرجوع قبل الحفر
وبعده ما لم يوضع فيه الميت قال في التتمة كذا بعد الوضع ما لم يواره لتراب وذكر أن مؤنة الحفر إذا رجع
بعد الحفر وقبل الدفن على ولى الميت ولا يلزمه الطم. واعلم أن الدفن في الأرض إحدى منافعها
كالبناء والغراس وقد ذكرنا خلافا في أن التعرض للمنفعة يشترط في الإعارة أم اطلاق الإعارة
تسليط عليه لما فيه من ضرر اللزوم ولو قدر تسليطه عليه لكان ذلك ذريعة إلى الزام عارية
الأرضين (الثانية) إذا أعار جدارا لوضع الجذوع عليه ففي جوز الجذوع وجهان (ان جوزناه) ففائدته
طلب الأجرة للمستقبل أو التخيير بينه وبين القلع وضمان أرش النقصان فيه وجهان وكل ذلك بالشرح
مذكور في كتاب الصلح والذي أجاب به صاحب الكتاب هناك جواز الرجوع وأورد تفريعا عليه
الوجهين في فائدة الرجوع (وقوله) ههنا فلا يستفيد بالرجوع قبل الانهدام شيئا حاصله الجواب منع
الرجوع لان أثر الرجوع اما طلب الأجرة أو الهدم أو ضمان النقصان وقد تفاهما جميعا في هذا الموضع
وكان ذلك منعا من الرجوع الا ترى انه لما امتنع في الصورة السابقة طلب الأجرة والنبش أطلقنا القول
بمنع الرجوع إذا كان كذلك جاز اعلام قوله فلا يستفيد بالرجوع قبل الانهدام شيئا - بالواو - وكذلك
قوله إذ لا أجرة له وقوله ولا يمكن هدمه وقد بين في الصلح الأصح من الوجهين ماذا وحاول بعض
225

من شرح هذا الكتاب الجمع بين كلامه ههنا وبين قوله في الصلح فمهما رجع كان له النقص بشرط
أن يغرم النقض فحمل ما ذكره في الصلح على ما إذا كان طرف الجذوع على المستعار وما ذكره
ههنا على ما إذا كان أحد الطرفين على خاص ملك المستعير لكن فيه نظر من حيث إن الوجه
الثاني هناك وهو قوله وقيل فائدة الرجوع المطالبة بالأجرة للمستقبل موجه في الوسيط وغيره
بأن الطرف الآخر من خالص ملك المستعير فلا يمكن تمكينه من نقضه فلو كان التصوير هناك
فيما إذا كان الطرفان على ملك المعير انتظم ذلك وبالجملة فالأئمة لم يفرقوا في حكاية الوجهين
في ثبوت الرجوع والوجهين في فائدة الرجوع إذا أثبتناه بين أن يكون على ملك المعير أحد طرفي
الجذوع أو كلاهما
قال (فان أعار البناء والغراس مطلقا لم يكن له نقضه مجانا لأنه محترم بل يتخير بين أن
يبقى بأجرة أو ينقض بأرش أو يتملك ببدل فأيها أراد أجير المستعير عليه. فان أبى كلف تفريغ
الملك. فان بادر إلى التفريغ بالقلع ففي وجوب تسوية الحفر خلاف لأنه كالمأذون في القلع بأصل
العارية. ويجوز للمعير دخول الأرض وبيعها قبل التفريغ. ولا يجوز للمستعير الدخول بعد
الرجوع الا لمرمة البناء على وجه. وفى جواز بيعه البناء خلاف لأنه معرض للنقض. ولو قال أعرتك
سنة فإذا مضت قلعت مجابا فله ذلك. ولو لم يشترط القلع لم يكن له الا التخيير بين الخصال الثلاثة
كما في العارية المطلقة. وإذا أعار للزراعة ورجح قبل الادراك لزمه الابقاء إلى الادراك. وله أخذ الأجرة
من وقت الرجوع. وإذا حمل السيل نواة إلى أرض فأنبتت فالشجرة لمالك النواة. والظاهر
أن لمالك الأرض قلعها مجانا إذ لا تسليط من جهته).
226

إعارة الأرض للبناء والغراس تنقسم إلى مطلقة وهي التي لم تبين لها مدة والى مؤقتة وهو التي
بين لها مدة (القسم الأول) المطلقة للمستعير فيها ان يبنى ويغرس ما لم يرجع المعير فإذا رجع لم يكن له
البناء والغراس ولو فعل وهو عالم بالرجوع قلع مجانا وكلف تسوية الأرض كالغاصب وإن كان جاهلا
فوجهان كالوجهين فيما لو حمل السيل نواة إلى أرض فنبتت وربما شبهها بالخلاف في تصرف الوكيل
جاهلا بالعزل وأما ما بني وغرس قبل الرجوع فان أمكن رفعه من غير نقصان يدخله رفع والا فينظر
إن كان قد شرط عليه قلعه مجانا عند رجوعه وتسوية الحفر ألزم ذلك فان امتنع قلعة المعير مجانا وإن كان
قد شرط القلع دون التسوية لم يجب على المستعير التسوية لان شرط القلع رضاء بالحفر وان لم يشترط
القلع أصلا نظر ان أراد المستعير القلع مكن منه لأنه ملكه فله نقله عنه فإذا قلع فهل عليه التسوية
فيه وجهان (أحدهما) لا لان الإعارة مع العلم بان للمستعير أن يقلع رضى بما يحدث من القلع (وأظهرهما)
نعم لأنه قلع باختياره ولو امتنع منه لم يجبر عليه ويلزمه رد الأرض إلى ما كانت عليه وإن لم يختر المستعير
القلع لم يكن للمعير قلعه مجانا لأنه بناء محترم ولكنه يخير بين ثلاثة خصال (أحدها) أن يبقيه بأجرة
يأخذها (والثانية) أن يقلع ويضمن أرش النقصان وهو قدر التفاوت بين قيمته ثابتا ومقلوعا (الثالثة)
أن يتملكه عليه بقيمته فان اختار القلع وبذل أرش النقص فله ذلك والمستعير يجبر عليه وان اختار
أحد الخصلتين الأخريين أجبر المستعير عليه أيضا فيما رواه جماعة منهم الامام وأبو الحسين العبادي
وصاحب الكتاب وفى التهذيب أنه لابد فيها من رضى المستعير لان إحداهما بيع والأخرى إجارة
ويمكن أن يقرر وجه ثالث فارق بين التملك بالقيمة فيقال إذا اختاره المعير أجبر المستعير وهو كتملك
الشفيع الشقص بهذا وبين الابقاء بالأجرة فيقال إنه لابد فيه من رضى المستعير واستخرج هذا الفرق
227

من قول من يقول من الأصحاب بتخير المعير بين خصلتين القلع وضمان الأرش والتمليك بالقيمة وهذا
ما ذكره القاضي أبو علي وأكثر العراقيين وغيرهم ويشبه أن يكون هذا أظهر في المذهب والمعنى المرجوع
إليه في الباب ان العارية مكرمة ومبرة فلا يليق بها منع المعير من الرجوع ولا تضييع مال المستعير
فأثبتنا الرجوع على وجه لا يتضرر به المستعير وربطنا الامر لاختيار المعير لأنه الذي صدرت منه هذه
المكرمة ولان ملكه الأرض وهي أصل والبناء والغراس فرع تابع لها وكذلك يتبعها في البيع. فإذا عرفت
ما ذكرنا أعلمت قوله فأيها أراد أجبر المستعير عليه - بالواو - (وأما) قوله فان أبى كلف تفريغ الملك فاعلم
أن من فوض الامر إلى اختيار المعير في الخصال الثلاثة قال منه الاختيار ومن المستعير الرضى واسعافه
بما طلب فإن لم يسعفه كلفناه تفريغ أرضه ومن أختار رضى المستعير والتمليك بالقيمة والابقاء بالأجرة
فلا يكلفه التفريغ بل يكون الحكم عنده كالحكم فيما إذا لم يختر المستعير شيئا مما خيرناه فيه وسيأتي
فليكن قوله فان أبى كلف تفريغ الملك معلما - بالواو - أيضا ثم من قصر خيرة المعير على خصلتي القلع
بشرط ضمان الأرش والتمليك لا قيمة قالوا لو أمتنع من بذل الأرش أو القيمة وبذل المستعير الأجرة
لم يكن للمعير القلع مجانا وان لم يبذلها فوجهان (أظهرهما) أنه ليس له ذلك أيضا وبه أجاب الذين
خيروه بين الخصال الثلاثة إذا امتنع منها جميعا وما الذي يفعل فال بعض الأصحاب منهم أبو علي
الزجاجي يبيع الحاكم الأرض مع البناء والغراس ليفاصل الامر وقال الأكثرون ويحكي عن المزني
إنه يعرض الحاكم عنهما إلى أن يختارا شيئا ويجوز للمعير دخول الأرض والانتفاع بها والاستظلال
228

بالبناء والشجر لأنه جالس على ملكه وليس للمستعير دخولها للتفرج بغير اذن المعير ويجوز لسقي
الأشجار على أصح الوجهين صيانة لملكه عن الضياع ووجه المنع أنه يشغل ملك الغير إلى أن ينتهي
إلى ملكه وعلى الأول لو تعطلت المنفعة على صاحب الأرض لدخوله قال في التتمة لا يمكن الا بالأجرة
ولكل واحد من المعير والمستعير بيع ملكه من الآخر وللمعير بيع الأرض من ثالث ثم يتخير المشترى
تخير المعير وهل للمستعير بيع البناء من ثالث فيه وجهان (أحدهما) لا لأنه في معرض النقض والهدم
ولان ملكه عليه مستقر لان المعير بسبيل من تملكه (وأصحهما) لأنه مملوك في الحال ولا اعتبار بمكنة
تمليك الغير كتمكن الشفيع من تملك الشقص وعلى هذا فيزل المشترى منزلة المستعير وللمعير الخيرة
على ما ذكرنا وللمشتري فسخ البيع إن كان جاهلا بالحال. ولو أن المعير والمستعير اتفقا على بيع الأرض
بما فيها بثمن واحد فقد قيل هو كما لو كان لهذا عبد ولهذا عبد فباعهما بثمن واحد (والأظهر) الجواز
للحاجة ثم كيف يوزع الثمن ههنا وفيما إذا باعاهما على أحد الوجهين في التتمة أنه على الوجهين
المذكورين فيما إذا غرس الراهن في الأرض المرهونة أشجارا والذي أورده في التهذيب أمه يوزع على
الأرض مشغولة بالغراس والبناء وعلى ما فيها وحده فحصة الأرض للمعير وحصة ما فيها للمستعير وحكم
الدخول والانتفاع والبيع على ما ذكرناه في ابتداء الرجوع إلى الاختيار فيما إذا امتنعا من الاختيار
واعراض القاضي عنهما على وتيرة واحدة (القسم الثاني) المقيدة بمدة فللمستعير البناء والغراس في
المدة الا أن يرجع المعير وله أن يجدد كل يوم غرسا كذا قاله في التهذيب وبعد مضى المدة ليس له
إحداث البناء والغراس وإذا رجع المعير عن العارية إما قبل مضى المدة أو بعده فالحكم كما لو رجع في القسم
229

الأول ويختص هذا القسم بشيئين (أحدهما) أن فيما قبل مضى المدة وجها أنه لا يتمكن من الرجوع
كما قدمناه عن مالك (والثاني) أن أبا حنيفة والمزني جوزا له القلع مجانا فإذا رجع بعد المدة ذهابا
إلى أن فائدة ذهاب المدة القلع بعد مضيها مضبوطة ونقل أبو علي الزجاجي قولا مثله عن رواية الساجي
وهو اختيار القاضي الروياني ووجه ظاهر المذهب أنه مخير ما لم يشترط نقضه فلا ينقض مجانا كما في
العارية المطلقة وبيان المدة كما يجوز أن يكون المنع من إحداث البناء والغراس بعدها أو طلب الأجرة
(وقوله) في الكتاب بل يتخير بين أن يبقى بأجره وينقض بأرش أو يمتلك ببدل المراد من الأرش
ما مر والتفاوت بين قيمته ثابتا ومقلوعا ومن الأجرة أجرة المثل ومن البدل القيمة عند من يقول باختيار
المستعير على ما اختاره المعير منها وما يتفقان عليه ومن الأجرة والابدال عند من يعتبر رضى المستعير
(وقوله) لأنه معرض للنقل يمكن حمله على نقض الملك بأن يملكه المعير وعلى نقض البناء بأن يقلعه
وهو الذي أراد صاحب الكتاب (وقوله) لم يكن له الا التخيير بين الخصال الثلاثة معلم - بالحاء والواو
والزاي - وسائر ما يحتاج إلى ذكره من ألفاظ الكتاب قد اندرج في أثناء الكلام.
(فرع) قال أبو سعيد المتولي أحد الشريكين إذا بني أو غرس في الأرض المشتركة باذن
صاحبه ثم رجع صاحبه لم يكن له أن ينقض ويغرم أرش النقصان لأنه يتضمن نقض بناء المالك في
ملكه ولا أن يمتلك بالقيمة في الأرض مثل حقه فلا يمكننا ان نقول الأصل للمعير والبناء تابع له
نعم له التقرير بالأجرة فإن لم يبذلها الثاني يباع أو يعرض عنهما فيه ما سبق قال الرافعي رحمه الله تعالى
في الفصل صورتان إذا أعار أرضا للزراعة فزرعها ثم رجع قبل ادراك الزرع نظر إن كان مما يعتاد
230

قطعه كلف قطعه والا فقد ذكرنا للمعير خصالا عند رجوعه في البناء والغراس واختلف الأصحاب
ههنا فعن صاحب التقريب وجه أن له أن يقلع ويغرم أرش النقصان تخريجا مما إذا رجع في العارية
المؤقتة للبناء قبل مضى المدة وعن الطبري انه يملكه بالقيمة وظاهر المذهب أنه ليس كالبناء في هاتين
الخصلتين لان للزرع أمدا ينتظر والغراس للتأييد فعلى المعير ابقاؤه للمستعير إلى أوان الحصاد ثم فيه
وجهان (أحدهما) ويحكى عن المزني واختاره القاضي الروياني أنه يبقيه بالأجرة لأنه إنما أباح المنفعة
إلى وقت الرجوع فصار كما إذا أعاره دابة إلى بلد ثم رجع في الطريق عليه نقل متاعه إلى مأمن بأجرة
المثل ولو عين المعير للزراعة مدة فانقضت المدة غير مدرك نظر إن كان ذلك لتقصيره في
الزراعة بالتأخير قلع مجانا والا فهو كما لو أعاره مطلقا وان أعار للفسيل قال الشيخ أبو محمد إن كان
ذلك مما يعتاد نقله فهو كالزرع والا فكالبناء.
(فرع) قال في التهذيب إذا أعار للزراعة مطلقا لم يزرع الا زرعا واحدا وكذا لو أعار للغراس
فغرس وقلع لا يغرس بعده الا باذن من جديد وهذا بين أن المعنى من قولنا فيما إذا أعار للبناء والغراس
مطلقا يبنى ويغرس ما لم يرجع المعير لان البناء المأذون فيه جائز له ما لم يرجع والمأذون فيه هو البناء
مرة واحدة الا إذا كان قد صرح له بالتجديد مرة بعد أخرى (الثانية) إذا حمل السيل حبات أو
نويات لغيره إلى أرضه فعليه ردها إلى مالكها ان عرفه والا دفعها إلى القاضي فلو نبتت في أرضه فوجهان
(أحدهما) ان مالكها لا يجبر على قلعها لأنه لم يوجد منه تعد وعلى هذا هو كالمستعير فينظر في النابت
أهو شجر أم زرع ويكون الحكم على ما سبق (وأصحهما) الاجبار لان المالك لم يأذن فيه كما لو انتشرت
231

أغصان شجره المعير إلى هواء داره له قطعها ولو حمل مالا قيمة له من نواة واحدة أو حبة فنبتت فهي لمالك الأرض
في وجه لان التقويم والمالية حصل في أرضه ولمالك الأصل في وجه لأنها كانت محرمة الا خذ فعلى هذا في
قلع النابت الوجهان ولو قلع صاحب الشجرة الشجرة فعليه تسوية الأرض لأنه قصد تخليص ملكه.
قال (الحكم الرابع فصل الخصومة فإذا قال راكب الدابة لمالكها أعرتنيها وقال المالك
أجرتكها فالقول قول الراكب. ولو قال ذلك زارع الأرض لمالكها فالقول قول المالك لان عارية
الأرض نادرة وقيل في المسألتين قولان بالنقل والتخريج. ولو قال بل عصبتنيها فالقول قول المالك
إذا الأصل عدم الإذن. ولو قال الراكب أركبتنيها وقال المالك أعرتكها فالقول قول المالك إذا
الأصل عدم الإجارة فيحلف حتى يستحق القيمة عند التلف وجواز الرجوع عند القيام).
في ترجمة تساهل فان فصل الخصومة ليس حكما للعارية بخلاف الأحكام السابقة والمقصود
بيان مسائل (إحداها) إذا قال راكب الدابة لمالكها أعرتني هذه الدابة وقال المالك أجرتكها مدة كذا
بكذا فاما أن يقرض هذا الخلاف والدابة باقية أو هالكة (الحالة الأولى) أن تكون باقية فاما أن
يقع الاختلاف بعد مضى مدة لمثلها أجرة والنص في المختصر أن القول قول الراكب مع يمينه ونص
في باب الزراعة انه إذا زرع أرض الغير ثم اختلفا هكذا أن القول قول المالك مع يمينه وللأصحاب
فيها طريقان (أحدهما) تقرير النصين لان الدواب يغلب فيها الإعارة وفى الأراضي يندر فصدق في كل صورة
232

من الظاهر معه وذكر في الرقم أن هذا أظهر القفال (وأصحهما) عند الجمهور وبه قال الربيع والمزني
وابن سريح أن الصورتين على القولين ثم منهم من يقول بحصولهما على النقل والتخريج ومنهم من
يقول خما منصوصان في كل واحد من الصورتين (أصحهما) تصديق المالك وبه قال مالك وكما لو أكل
طعام الغير وقال كنت أبحته لي فأنكر المالك فالقول قوله (والثاني) تصديق الراكب والزارع
ويحكى هذا عن أبي حنيفة لأنهما اتفقا على أن المنفعة مباحة له والمالك يدعى عليه الأجرة والأصل
براءة ذمته عنها والى هذا مال السيخ أبو حامد وفرق الأئمة بين هذه المسألة وبين ما إذا غسل ثوبه
غسال أو خاطه خياط ثم قال فعلته بالأجرة وقال المالك بل مجانا حيث كان القول قول مالك مع
يمينه قولا واحدا فان الغسال فوت منفعة نفسه ثم ادعى لها عوضا على الغير وههنا المتصرف فوت
منفعة مال الغير وأراد أسقاط الصمان عن نفسه فلم يقبل (التفريع) ان صدقنا المالك فعلى ما يحلف حكي
الامام عن شيخه في طائفة أنه إنما يحلف على نفى الإعارة التي تدعى عليه ولا يتعرض لاثبات الإجارة
مع نفي الإعارة وكان السبب فيه أن ينكر أصل الأدلة حتى يتوصل إلى أثبات المال بنفي الاذن ونسبته
إلى الغصب وإذا اعترف بأصل الاذن فإنما يثبت بطريق الإجارة فملكناه الحلف على اثباته
233

(فان قلنا) لا يتعرض الا لنفى الإعارة فإذا حلف أستحق أقل الأمرين من أجرة المثل أو المسمى لأنه إن كان
أجر المثل أقل لم تقم حجة على الزيادة وإن كان المسمى أقل فقد أقر أنه لا يستحق الزيادة (وان قلنا)
يتعرض لهما ففيما يستحقه وجهان (أحدهما) المسمى اتماما لتصديقه (وأظهرهما) ويحكي نصا
في الام أجرة المثل لأنهما لو اتفقا على الإجارة واختلفا في الأجرة كان الواجب أجرة
المثل وإذا اختلفا في أصل الإجارة كان أولى والامام لم يحك الوجه الثاني هكذا ولكن حكى
بدله أنه يستحق أقل الأمرين كما سبق والتعرض للإجارة على هذا ليس لاثبات المال الذي يدعيه
ولكن لينتظم كلامه من حيث إنه اعترف بأصل الاذن فحصل فيما يستحقه ثلاثة أوجه كما ترى وان
نكل المالك عن اليمين المعروضة عليه لم ترد اليمين على الراكب والزارع لأنهما لا يدعيان حقا
على المالك حتى يثبتا اليمين وإنما يدعيان الإعارة وليست هي حقا لازما على المعير وعن أبي الحسين
رمز إلى أنها ترد يخلص من الغرم ولو صدقنا الراكب والزارع فإذا حلف على نفى الإجارة كفاه
وبرئ وان نكل رد اليمين على المالك واستحق بيمينه المسمى لان اليمين المردودة كالبينة أو كالاقرار
وأيهما كان يثبت به المسمى وفيه وجه ضعيف أنه يستحق أجره المثل لان الناكل ينفي أصل الإجارة
فيقع المدعى على اثباته (القسم الثاني) أن يقع الاختلاف قبل مضى مدة لمثلها أجرة بل عقب
العقد والقول قول الراكب مع يمينه فإذا حلف على نفى الإجارة سقط دعوى الإجارة وردت
234

اليمين إلى المالك فان نكل حلف المالك اليمين المردودة ويستحق الأجرة وإنما لم يجئ
القولان في هذه الصورة لان الراكب لا يدعى لنفسه حقا ولم يتلف المنافع على المالك فالمدعى
على الحقيقة هو المالك وهناك تلفت المنافع تحت يد الراكب بعد القول باحاطتها فهو الذي جر الخلاف
(الحالة الثانية) أن تكون الدابة هالكة فان تلفت عقب الاخذ قبل أن يثبت لمثلها أجرة فالراكب يقر
بالقيمة والمالك ينكرها ويدعي الأجرة فتخرج على خلاف ما تقدم في أن اختلاف الجهة هل يمنع
الاخذ (إن قلنا) نعم سقطت القيمة برده والقول قول من رد الأجرة فيه الطريقان المذكوران في الحالة
الأولى (وان قلنا) لا فإن كانت الأجرة مثل القيمة أو أقل اخذها بلا يمين وإن كانت أكثر أخذ قدر
القيمة وفى المصدق في الزيادة الخلاف السابق (وقوله) في الكتاب فالقول قول الراكب معلم - بالميم
والزاي - (وقوله) والقول قول المالك معلم - بالحاء - ولا يخفى بعدما ذكرنا في لفظ الكتاب في المسألة
وأن كان مطلقا فالمراد منه القسم الأول من الحالة الأولى (المسألة الثانية) إذا قال المتصرف أعرتني
هذه الدابة والأرض وقال المالك بل غصبتنيها فإن لم تمض مدة لمثلها أجرة فلا معنى لهذه المنازعة إذ لم
تفت العين ولا المنفعة ويرد المال إلى المالك وإن كان النزاع بعد مضي مدة لمثلها أجرة نقل المزني
أن القول قول المستعير وللأصحاب فيه طرق ثلاثة (أظهرها) أن الحكم على ما ذكرنا في المسألة الأولى
فيفرق بين الدابة وبين الأرض على طريق ويجعلان على قولين في طريق لان المالك ادعى أجرة المثل
235

هاهنا كما يدعى المسمى هناك والأصل براءة لذمة (والثاني) القطع بأن القول قول المالك بخلاف تلك
المسألة لأنهما متفقان على الاذن هناك وههنا المالك منكر له والأصل عدمه ومن قال بهذا خطأ المزني
في النقل قال أبو حامد لكنه ضعيف لان الشافعي رضي الله عنه نص في الام على ما نقله المزني
(والثالث) القطع بأن القول قول المتصرف لأن الظاهر من حاله أنه لا يتصرف إلا على وجه جائز
هذا إذا تنازعا والعين باقية أما إذا كانت هالكة نظر إن هلكت بعد مضى مدة لمثلها أجرة فالمالك
يدعى أجرة المثل والقيمة بجهة الغصب والمتصرف ينكر الأجرة ويقر بالقيمة بجهة العارية فالحكم
في الأجرة على ما ذكرنا عند بقاء العين (وأما) القيمة فقد قال في التهذيب (إن قلنا) إن اختلاف الجهة
يمنع الاخذ فلا يأخذها إلا باليمين (وان قلنا) لا يمنع فان قلنا العارية تضمن ضمان الغصب أو لم نقل
به ولكن كانت قيمته يوم التلف أكثر أخذها باليمين وإن كانت قيمته يوم التلف أقل أخذ بلا يمين
وفى الزيادة يحتاج إلى اليمين وان هلكت عقيب القبض وقبل مضى مدة يثبت لمثلها أجرة لزمه القيمة
ثم قياس ما نقلناه عن التهذيب الآن أن يقال (ان جعلنا) اختلاف الجهة مانعا من الاخذ حلف والا
أخذ من غير يمين وقضية ما ذكره الامام أنه لا تخريج على ذكر الخلاف لا هذه الصورة ولا ما إذا
كان الاختلاف بعد مضى مدة يثبت لمثلها أجرة قال لأن العين متحدة ولا وقع الاختلاف في الجهة
236

مع اتحاد العين (والظاهر) الأول (وقوله) في الكتاب والقول قول المالك معلم - بالواو - لما ذكرنا
من اضطراب الطرق وربما أعلم - بالزاي - لأنه قال في الوسيط قال المزني والقول قول الراكب وهذا
ليس بقويم لان المزني لم يقل ذلك ولا صار إليه وإنما نقله عن الشافعي رضي الله عنه كما تقدم ثم أخذ
يعترض عليه واختياره في المسألة تصديق المالك كما اختار في المسألة الأولى ولو قال المالك غصبتنيها وقال
المتصرف بل أجرتني (فالجواب) تفريعا على الأصح أنه إن كانت العين باقية ولم تمض مدة لمثلها
أجرة فالمصدق المالك فان حلف استرد المال وان مضت مدة لمثلها أجرة فالمالك يدعى أجرة المثل
والمتصرف يقر بالمسمى فان استويا أو كانت أجرة المثل أقل أخذ بلا يمين وإن كانت أجرة المثل أكثر
أخذ قدر المسمى بلا يمين والزيادة باليمين قال صاحب التهذيب ولا يجئ ههنا خلاف اختلاف الجهة
كما لو ادعى المالك فساد الإجارة والمتصرف صحتها يحلف المالك ويأخذ أجرة المثل وإن كان بالاختلاف
بعد بقاء العين مدة في يد المتصرف وتلفها فالمالك يدعي أجرة المثل والقيمة والمتصرف يقر بالمسمى
وينكر القيمة فللمالك أخذ ما يقر به بلا يمين وأخذ ما ينكره باليمين ولو قال المالك غصبني وقال صاحب
اليد بل أودعتني فيحلف المالك على الأصح ويأخذ القيمة ان تلف المال وأجرة المثل ان مضت مدة
لمثلها أجرة (الثالثة) قال راكب الدابة أكريتنيها وقال المالك بل أعرتكها فان اختلفا والدابة باقية
237

فالمصدق المالك في نفى الإجارة لان الراكب يدعي استحقاق المنفعة عليه والأصل عدمه فإذا حلف
استردها فان نكل الراكب واستحق الامساك ثم إن كان قد مضى مدة لمثلها أجرة فالراكب
يقر له بالأجرة والمالك ينكرها ولا يخفى حكمه وإن كان الاختلاف بعد هلاك الدابة فان هلكت
عقيب القبض فالمذهب أن المالك يحلف ويأخذ القيمة لان الراكب أتلف عليه ماله ويدعى أنه أباحه
له والأصل عدمه وخرج قول مما مر في المسألة الأولى أن المصدق الراكب لان الأصل براءة ذمته وان
هلكت بعد مدة لمثلها أجرة فالمالك يدعى القيمة وينكر الأجرة والراكب يقر بالأجرة وينكر القيمة
(فان قلنا) اختلاف الجهة يمنع الاخذ حلف وأخذ القيمة ولا عبرة باقرار الراكب (وان قلنا) لا يمنع
وهو الأصح فإن كانت القيمة والأجرة سواء أو كانت القيمة أقل أخذها بلا يمين وإن كانت القيمة
أكثر أخذ الزياد باليمين.
(فرع) إذا استعمل المستعير العارية بعد رجوع المعير وهو جاهل بالرجوع لم تلزمه
الأجرة ذكره القفال.
(فرع) إذا مات المستعير. وجب على ورثته الرد وان لم يطالب المعير.
238

(كتاب الغصب وفيه بابان)
(الباب الأول في الضمان)
(وفيه ثلاثة أركان (الأول الموجب) وهو ثلاثة. التفويت بالمباشرة أو التسبب أو إثبات
اليد العادية. وحد المباشرة إيجاد علة التلف كالقتل والاكل والاحراق. وحد السبب إيجاد ما يحصل
الهلاك عنده لكن بعلة أخرى إذا كان السبب مما يقصد لتوقع تلك العلة فيجب الضمان على المكره
على إتلاف المال. وعلى حفر بئرا في محل عدوان فتردت فيه بهيمة إنسان. فان رداه غيره
فعلى المردي تقديما للمباشرة على السبب).
للأصحاب طرق في التعبير عن معنى الغصب (إحداها) أنه أخذ مال الغير على جهة التعدي
وربما يقال الاستيلاء على مال الغير (والثانية) وهي أعم من الأولى أنه الاستيلاء على مال الغير بغير
حق واختار الامام هده العبارة وقال لا حاجة إلى التقييد بالعدوان بل يثبت الغصب وحكمه من غير
عدوان كما إذا أودع ثوبا عند انسان ثم جاء وأخذ ثوبا للمودع على ظن أنه ثوبه أو لبسه المودع وهو
يظن أنه ثوبه (والثالثة) وهي أعم من الأولين حكى أبو العباس الروياني عن بعض الأصحاب اطلاق
القول بأن كل مضمون على ممسكه فهو مغصوب حتى المقبوض بالشراء الفاسد والوديعة إذا تعدى فيها
المودع والرهن إذا تعدى فيه المرتهن وأشبه العبارات وأشهرها الأولى وفى الصورة المذكورة الثابت
حكم الغصب لا حقيقته وفى الكتاب والسنة ما يدل على تحريم الغصب ويشير إلى جمل من أحكامه
قال الله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وعن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم
النحر (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) (1) وعن سمرة.
239

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) (1) وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال ((من غصب شبرا من أرض طوقه الله تعالى من سبع أرضين يوم القيامة) (2) والاجماع منعقد على
تحريم الغصب وتعلق الضمان به ثم المغصوب إما أن يتلف قبل العود إلى يد المالك أولا يتلف وحينئذ
فاما أن يعود إلى المالك من غير تغيير فيه واما ان يتغير بطارئ فخص المصنف كلام الكتاب في بابين
(أحدهما) في الضمان عند التلف (والثاني) في الطوارئ وأحكمهما (أما الأول) فالحاجة فيه إلى معرفة ما يوجب
الضمان وما يجب ضمانة وما يوجب ضمانا فهذه ثلاثة أركان (الأول) الموجب والغصب وإن كان موجبا
240

للضمان فالموجب غير منحصر فيه بل الاتلاف أيضا موجب بل هو أقوى فإنه بمجرده يوجب اشغال الذمة
بالضمان والغصب بمجرده لا يوجبه وإنما يوجب دخول المغصوب في ضمانه حتى إذا تلف اشتغلت الذمة بالضمان
والاتلاف قد يكون بالمباشرة وقد يكون بالسبب فصارت الأسباب ثلاثة التفويت بالمباشرة والتفويت
بالتسبب واثبات اليد العادية وهو الغصب (أما التفويت) بالمباشرة والتسبب فأول مبدئه بيانهما والفرق
بينهما واعلم أن ماله مدخل في هلاك الشئ اما أن يكون بحيث يضاف إليه الهلاك في العادة إضافة حقيقة
أولا يكون كذلك وما لا يكون كذلك فاما أن يكون بحيث يقصد بتحصيله حصول ما يضاف إليه الهلاك
أولا يكون كذلك فالذي يضاف إليه الهلاك يسمى علة والآتيان مباشرة وما لا يضاف إليه الهلاك ويقصد
بتحصيله ما يضاف إليه يسمى سببا والآتيان به تسببا وهو القصد والتوقع قد يكون لتأثير بمجرده
فيه وهو علة العلة وقد يكون بانضمام أمور إليه هي غير بعيدة الحصول وقد يخص أسم السبب بالنوع
الأول وعلى ذلك جرى صاحب الكتاب في أول كتاب الجراح وأما ههنا فإنه فسر السبب بمطلق
ما يقصد به حصول العلة وفسره في الديات بما هو أعم من ذلك فقال السبب ما يحصل الهلاك عنده
بعلة سواه ولكن لولاه لما أثرت العلة فلم يعتبر الا أنه لابد منه وعلى هذا التفسير فكل شرط سبب
241

ولما فسر في الأبواب بتفاسير اختلف اعتبار الحفر مع التردي فسمى الحفر ههنا وفى الديات
سببا وامتنع منه في أول الجراح واقتصر على تسميته شرطا وفى الجملة فيكفي للتأثير في الأموال مالا
يكتفى به للتأثير في القصاص والحكم المقصود لا يختلف باختلاف التعبيرات والاصطلاحات ولكن
كان الأحسن الاستمرار على تفسير واحد وتعليق الأحكام عليه ثم إنه اندفع في بيان صور من مسمى
المباشرة والتسبب والمباشرة لقتل والاكل والاحراق ومن التسبب الاكراه على اتلاف مال الغير فان
الاكراه مما يقصد لتحصيل الاتلاف ومنه ما إذا حفر بئرا في محل عدوانا فتردت فيها بهيمة أو عبد أو حر
فان رداه غيره لضمان على المردي لان المباشرة تتقدم على السبب والكلام فيه وفى موضع عد ان الحفر
يستقصى في الجنايات إن شاء الله تعالى (وقوله) في الكتاب والموجب وهو ثلاثة ظاهره يقتضى حصر أسباب
الضمان في الثلاثة وقد يقال كيف حصرها في الثلاثة وله أسباب أخر الاستيام والاستعارة وغيرها (والجواب) انه
يجوز أن يريد الأسباب الذي ضمنها قدما الأصحاب هذا الباب فاما ما عداها فلها مواضع مفردة (وقوله) التفويت
المباشرة أو السبب أو إثبات اليد العادية إدخال أو في السبب حسن لأنه طريق للتفويت كما أن المباشرة طريق
لكن ادخالها في اثبات اليد العادية لا يحسن لأنه سبب للضمان برأسه لا لأنه طريق للتفويت
(وقوله) وحد المباشرة إيجاد علة التلف أي مباشرة التفويت ولفظ الايجاد لا يستحبه المتكلم الا أن
المعنى فيه مفهوم وأراد بعلة التلف ما ذكرنا من أنه يضاف إليه التلف في العرف وإنما قلنا إنه إضافة
حقيقية لان الهلاك قد يضاف إلى السبب فيقال هلك مال فلان بسعاية فلان لكنه مجاز بدليل
242

صحة النفي عنه (وقوله) إيجاد ما يحصل الهلاك عنده لفظة عنده ههنا ليست للحصر والمقارنة وإنما المراد
عقيبه أو ما أشبه ذلك (وقوله) إذا كان السبب إعادة لفظ السبب في حد السبب وتفسيره مما لا يستحسن
ولو طرحه لانتظم الكلام.
قال (ولو فتح رأس زق فهبت ريح وسقط وضاع فلا ضمان. لان الضياع بالريح ولا يقصد بفتح
الزق تحصيل الهبوب فهو كما لو فتح الحرز فسرق غيره. أو دل سارقا فسرق. أو بنى دارا فألقى
فيه الريح ثوبا وضاع أو حبس المالك عن الماشية حتى هلكت فلا ضمان في شئ من ذلك
وكذا إذا نقل صبيا حرا إلى مضيعة فافترسه سبع. ولو نقله إلى مسبعة أو فتح الزق حتى أشرقت
الشمس وأذابت ما فيه ففي الضمان خلاف لان ذلك يتوقع فيقصد. وكذلك نقول إذا غصب الأمهات
وحدثت الزوائد والأولاد في يده مضمونة وكان ذلك تسببا إلى اثبات اليد. ولو فتح قفص طائر
فوقف ثم طار لم يضمن لأنه مختار. وان طار في الحال ضمن لان الفتح في حقه تنفير. وكذا
البهيمة والعبد المجنون المقيد بمنزلة البهيمة. وإن كان العبد عاقلا فلا يضمن من فتح باب السجن
وإن كان آبقا. ولو فتح رأس الزق فتقاطرت قطرات وابتل أسفله وسقط ضمن لان التقاطر حصل
بفعله. ولو فتح الزق عن جامد فقرب غيره النار منه حتى ذاب وضاع فالثاني بالضمان أولى. وقيل
لا ضمان عليهما).
243

في الفصل مسألتان (إحداهما) لو فتح رأس زق فضاع ما فيه نظر إن كان مطروحا على الأرض
فاندفق ما فيه بالفتح ضمن وإن كان منتصبا لا يضيع ما فيه بالفتح لو بقي كذلك لكنه سقط نظر إن
سقط بفعله كما لو فتح رأسه فأخذ ما فيه في التقاطر شيئا فشيئا حتى أميل أسفله وسقط ضمن لان السقوط
بالميلان الناشئ من الابتلال الناشئ من التقاطر الناشئ من الفتح وهو مما يقصد تحصيله بالفتح
وان سقط بأمر عارض من زلزلة أو هبوب ريح أو وقوع طائر فلا ضمان لان الهلاك لم يحصل بفعله
ولا فعله مما يقصد به تحصيل ذلك العارض وعن مالك فيما ذكره المسعودي انه يجب الضمان لأنه
لولا الفتح لما ضاع ما فيه بالسقوط ولو جاء انسان وأسقط فالضمان عليه لا على الفاتح ولو أنه لما فتح
رأسه أخذ ما فيه في الخروج ثم جاء آخر ونكسه مستعجلا فضمان الخارج بعد التنكيس عليهما
كالخارجين أو على الثاني وحده كالخارج مع الخارج فيه وجهان (أصحهما) الثاني هذا إذا كان ما في
الزق مائعا أما إذا كان جامدا فشرقت الشمس فاذابته فضاع أو ذاب بمرور الزمان وتأثير حرارة الهواء
فيه وجهان (أحدهما) أن الضياع إنما حصل بعارض الشروق فأشبه هبوب الريح (وأصحهما) الوجوب
لان الشمس تذيب ولا تخرج فيكون الخروج بفعله وكأن الشمس كما يعلم شروقها فيكون الفاتح معرضا
لما فيه للشمس وذلك تضييع بخلاف هبوب الريح فإنه ليس مما ينتظر وعن القاضي الحسين اجراء
الوجهين فيما إذا أزال أوراق الكروم وجرد عنا قيدها للشمس حتى أفسدتها وطرد أيضا فيما إذا ذبح
شاة انسان فهلكت سخلتها أو حمامته فهلك فرخها لفقدان ما يصلح لهما ولو جاء آخر وقرب نارا من
244

الجامد حتى ذاب وضاع فوجهان (أحدهما) أنه لا ضمان على واحد منهما (أما الأول) فلان مجرد
الفتح لا يقتضى الضمان (وأما الثاني) فلانه لم يتصرف في الظرف ولا في المظروف (وأظهرهما)
وهو اختيار صاحب المهذب وجوب الضمان على الثاني لان تقرب النار منه تصرف بالتضييع والاتلاف
والوجهان جاريان في تقريب الفاتح النار منه وفيما إذا كان رأس الزق مفتوحا فجاء انسان وقرب
منه النار ولو حل رباط سفينة فغرقت بالحل ضمن ولو غرقت بسبب حادث من هبوب الريح أو غيره
لم يضمن وان لم يظهر سبب حادث فوجهان مذكوران في المهذب والتهذيب وليكن الامر كذلك
في مسألة الزق إذا لم يظهر حادث لسقوطه (الثانية) لو فتح قفصا عن طائر وهيجه حتى طار ضمنه
لأنه أتلفه على مالكه وان لم يزد على فتح القفص فطار الطائر فاما أن يطير في الحال أو يقف ثم
يطير فاما في الحالة الأولى فطريقان (أظهرهما) أن في وجوب الضمان قولين (أحدهما) أنه لا يلزمه
الضمان لان للحيوان قصدا واختيارا ألا ترى أنه يقصد ما ينفعه ويتوقى المهالك وغاية الموجود من الفاتح
التسبب إلى تضييعه فتقدم على مباشرة الطائر واختياره (وأظهرهما) اللزوم لان الطائر ينفر ممن يقرب
منه فإذا طار عقيب الفتح اشعر ذلك بأنه نفره (والثاني) القطع بالقول الثاني ومنهم من فرق بين أن
يخرج الطائر من غير اضطراب وبين أن يضطرب ثم يخرج فيدل ذلك على فزعه وتنفره (وأما)
في الحالة الثانية فطريقان أيضا (أحدهما) أنه على قولين (وأظهرهما) القطع بنفي الضمان لان الطيران
بعد الوقوف امارة ظاهرة على أنه طار باختياره وإذا اختصرت قلت في المسألة ثلاثة أقوال (أحدها)
245

أن يضمن مطلقا وبه قال مالك وأحمد واختاره أبو خلف السلمي والقاضي الروياني وغيره من الأصحاب
(وثانيها) لا يضمن مطلقا (وأظهرها) أنه يضمن ان طار في الحال ولا يضمن ان وقف ثم طار وروى
عن أبي حنيفة مثله وأيضا مثل القول الثاني وهو أشهر وذكر العراقيون أن الثاني هو قوله في القديم
وفى التهذيب عن طريق القولين في الحالة الثانية أن القديم لا يضمن وفيما جمع من فتاوى القفال
وغيره تفريعا على وجوب الضمان إذا طار في الحال أنه لو وثبت هرة كما لو فتح القفص ودخلت وقتلت
الطائر لزمه الضمان كأنهم جعلوا الفتح اغراء للهرة كما أنه تنفير للطائر وانه لو كان القفص مغلقا
فاضطرب بخروج الطائر وسقط وانكسر وجب ضمانه على الفاتح وأنه لو كسر الطائر في خروجه
قارورة انسان لزمه ضمانه لان فعل الطائر منسوب إليه وانه لو كان شعير في جراب مسدود الرأس
وبجنبه حمار ففتح فاتح رأسه فأكله الحمار في الحال لزمه الضمان وإذا حل رباط بهيمة أو فتح الإصطبل
فخرجت فضاعت فالحكم على ما ذكرنا في فتح القفص وحكى الامام أن شيخه أبا محمد كان يثبت
الفرق بين الحيوان النافر بطبعه والانسي ويجعل خروج الانسي على الاتصال كخروج النافر على
الانفصال قال وهذا منقاس ولكني لم أره الا له وإذا خرجت البهيمة في الحال وأتلفت زرع انسان
فعن القفال انه إن كان نهارا لم يضمن وإن كان ليلا ضمن كما في دابة نفسه وقال العراقيون لا يضمن
إذ ليس له حفظ بهيمة الغير من الزرع ولو حل قيد العبد المجنون أو فتح باب السجن فذهب
فهو كما لو حل رباط البهيمة وإن كان عاقلا نظر ان لم يكن آبقا فلا ضمان لان له اختيارا صحيحا وذهابه
246

محال عليه وإن كان آبقا ففيه خلاف للأصحاب منهم من جعل حل قيده كحل رباط البهيمة لأنه أطلقه
وقد اعتمد المالك ضبطه فأتلفه عليه فعلى هذا يجئ فيه التفصيل السابق وهذا ما أورده في التهذيب
(والأظهر) أنه لا ضمان بحال كما في غير الآبق وهو المذكور في الكتاب ولو وقع طائر على جداره
فنفره لم يضمن لأنه كان ممتنعا من قبل ولو رماه في الهواء فقتله ضمن سواء كان في هواء داره أو
في غيره إذ ليس له منع الطائر من هواء ملكه هذا شرح المسألتين وكانت صورة المسألة الأولى
مبددة في الكتاب فنظمناها وقد أدرج في خلالها صورا للاستشهاد لانهملها وإن كانت تأتى في
الشرح في مواضعها (منها) لو فتح باب الحرز فسرق غيره أو دل سارقا فسرق أو أمر غاصبا حتى
غصب أو بنى دارا فألقت الريح فيها ثوبا فضاع لا ضمان عليه لأنه لم يوجد منه اثبات يد على المال
ولا مباشرة اتلاف ولا سبب يمكن تعليق الضمان به اما في الصورة الأخيرة فلا تسبب أصلا لأنه
لا يقصد ببناء الدار ذلك وأما فيما سواها فلانه طرأ عليه مباشرة المحتاز فانقطعت الإضافة إلى السبب
(ومنها) لو حبس المالك عن ماشيته حتى تلفت لا ضمان عليه لأنه لم يتصرف في المال وإنما تصرف في
المالك وكان هذا التصوير فيما إذا لم يقصد منعه عن الماشية وإنما قصد حبسه فأفضى الامر إلى هلاكها
لان أبا سعيد المتولي أجرى الوجهين المذكورين فيما إذا فتح الزق عن جامد فذاب ما فيه بشروق
الشمس وضاع وفيما إذا كان زرع ونخيل وأراد سوق الماء إليهما فمنعه ظالم من السقي حتى فسدت هل
يلزمه الضمان (ومنها) لو نقل صبيا حرا إلى مضيعة فاتفق سبع فافترسه لا ضمان عليه إحالة للهلاك على
247

اختيار الحيوان ومباشرته وأنه لا يقصد بالنقل ذلك أما إذا كان نقله إلى مسبعة فافترسه سبع فقد حكى
صاحب الكتاب وجهين الحاقا بالوجهين في مسألة شروق الشمس (والمشهور) من مذهبنا أنه لا ضمان
وإنما يوجبه أبو حنيفة (وأما) قوله وكذلك نقول إذا غصب الأمهات وحدثت الزوائد بالأولاد في
يده مضمونة فهذا وإن كان مذكورا على سبيل الاستشهاد لكنه يشتمل على مسألة مقصودة في
الباب وهي أن زوائد المغصوب منفصلة كانت كالولد والثمرة والبيض أو متصلة كالسمن وتعلم الصنعة
مضمونة على الغاصب كالأصل سواء طالبه المالك بالردة أو لم يطالبه وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة
هي أمانة لا يضمنها إلا بما يضمن سائر الأمانات ويروى مثله عن مالك. لنا ان غصب الام يتضمن منع
حصول الولد من يد المالك فليكن كإزالة يده عنه كما أن من غر بحرية أمة فأحبلها كان الولد حرا
وضمن من قيمته باعتقاد حرية الام يقع دحول الولد في ملكه فجعل كاتلاف ملكه وأيضا فان اليد
العادية مضمونة كالاتلاف ثم الاتلاف قد يكون على سبيل المباشرة وقد يكون على سبيل التسبب
وكذلك اليد واثبات اليد على الأصول تسبب إلى إثبات اليد على الأولاد فيتعلق به الضمان وهذا
معنى قوله في الكتاب وكان ذلك تسببا إلى اثبات اليد واستشهد بالمسألة بقوله ان ذلك يتوقع
فيقصد ولتطرد هذه القاعدة ذهب بعضهم إلى أنه إذا غصب هادي القطيع فتبعه القطيع أو بقرة
فتبعها العجل يضمن القطيع والعجل.
248

قال (أما اثبات اليد فهو مضمن. وإذا كان عدوانا فهو غصب. والمودع إذا جحد فهو من
وقت الجحود غاصب. واثبات اليد في المنقول بالنقل الا في الدابة فيكفي فيها الركوب (و). وفى
الفراش الجلوس عليه فهو غاية الاستيلاء. وفى العقار (ح) يثبت الغصب بالدخول وازعاج المالك.
وان أزعج ولم يدخل لم يضمن. وان ادخل ولم يزعج ولم يقصد الاستيلاء لم يضمن. وان قصد صار
غاصبا للنصف والنصف في يد المالك. والضعيف إذا دخل دار القوى وهو فيها وقصد الاستيلاء لم
يضمن. لان المقصود غير ممكن. وان لم يكن القوى فيها ضمن لأنه في الحال مستول وأثر القوة
في القدرة على الانتزاع. فهو كما لو غصب قلنسوة ملك ضمن في الحال).
السبب الثالث اثبات اليد العادية وينقسم إلى المباشرة بان يغصب الشئ ويأخذه من مالكه والى
التسبب وهو في الأولاد ويتأيد بالزائد كما مر أن اثبات اليد على الأصول ينسب إلى اتباعها على الفروع
(وقوله) في الكتاب اثبات اليد فهو مضمن يعنى اثبات اليد العادية كما ذكر في أول الركن لا مطلق
اثبات اليد (وقوله) فإذا كان عدوانا فهو غصب يعنى إذ كان عدوانا بمباشرته ويمكن أن يحمل قوله إن
اثبات اليد مضون على أنه جهة للضامن في الجملة فإذا انضمت إليه العدوانية فهو غصب اما المباشرة
أو التسبب وهذا أحسن واللفظ إليه أقرب لكنه صرح بالأول في الوسيط والظاهر أنه أراد ههنا
ما صرح به هناك (وقوله) وإذا جحد فهو من وقت الجحود غاصب هذه الصورة وحكمها مذكورة في
الوديعة والداعي إلى ذكرها في هذا الموضع أن أبا حنيفة يقول غاصب الأصل وان أثبت اليد على
الولد لكنه لم تزل يد المالك فيه والغصب عبارة عن إزالة يد المالك فمنع الأصحاب اعتبار قيد الإزالة
249

في الغصب واحتجوا عليه أن المودع من وقت الجحود غاصب وبأنه لو طولب بولد المغصوب فامتنع
كان غاصبا وان لم تزل يد المالك ولمن ينازع أن يقول لا غصب في الصورتين لكنه يضمن ضمان
المغصوب لتقصيره في الأمانة في الجحود والامتناع ثم تكلم فيما تثبت به اليد العادية في العقار
والمنقول (أما المنقول) فالأصل فيه النقل لكن لو ركب دابة الغير أو جلس على فراشه ولم ينقله فقد
حكي الامام فيه وجهين (أحدهما) أنه لابد من النقل كما أنه لابد منه في قبض المبيع وسائر العقود
(وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يكون غاصبا لحصول غاية الاستيلاء بصفة الاعتداء ولمن
نصره أن يجيب عن احتجاج الأول بأن القبض في البيع له حكمان دخوله في ضمانه وذلك حاصل
بالركوب والجلوس من غير نقل (والثاني) تمكنه من التصرف فالركوب إما أن يكون باذن البائع أو
دون إذنه فان إذن البائع فالتمكن حاصل وان لم يأذن فلا يتمكن لكن الحكم في النقل بغير
اذنه مثله فإذا لافرق ويشبه أن تكون المسألة مصورة فيما إذا قصد الراكب أو الجالس الاستيلاء
أما إذا لم يقصده ففي التتمة في كونه غاصبا وجهين قال وهذا إذا كان المالك غائبا أما إذا كان حاضرا
فان زححه وجلس على الفراش ضمن وكذا أن لم يزححه وكان بحيث يمنعه من دفعه والتصرف فيه
وقياس ما سيأتي في نظيره في العقار أن لا يكون غاصبا الا لنصفه وأما العقار فاما أن يكون مالكه
فيه أو لا يكون إن كان فيه فأزعجه ظالم ودهل الدار باهله على هيئة من يقصد السكنى فهو غاصب سواء
قصد الاستيلاء أم لم يقصد فان وجود نفس الاستيلاء يغنى عن قصده ولو سكن بيتا من الدار ومنع
المالك عنه دون باقي الدار فهو غاصب لذلك البيت دون باقي الدار فان أزعج المالك لكنه لم يدخل
الدار فقد أطلق ههنا وفى الوسيط أنه لا يضمن واعتبر دخول الدار في غصبها لكن قدم في البيع انه
لا يعتبر في قبض العقار دخوله والتصرف فيه وإنما المعتبر التمكن من التصرف بالتحلية وتسليم المفتاح
250

إليه وإذا كان حصول التمكين بتمكين البائع قبضا وجب أن يكون حصوله بالتسليط في أخذ
المفتاح بالقهر غصبا وان لم يوجد الدخول وهذا ما يدل عليه كلام عامة الأصحاب فإنهم لم يعتبروا الا
الاستيلاء ومنع المالك عنه ولم يذكر الامام المسألة كما ذكرها صاحب الكتاب ولكن قال لا يحصل
الغصب لنفس الازعاج فإنه بمثابة منع المالك عن ماشيته وحمل هذا على ما ذكره الأكثرون هين
ولو لم يزعج المالك ولكنه دخل واستولى مع المالك كان غاصبا لنصف الدار لاجتماع يدهما واستيلائهما
عليه نعم لو كان الداخل ضعيفا والمالك قوى لابعد مثله مستوليا لم يكن غاصبا لشئ من الدار ولا
عبرة بقصد مالا يتمكن من تحقيقه أما إذ لم يكن مالك العقار فيه ودخل على قصد الاستيلاء فهذا
غاصب وإن كان الداخل ضعيفا وصاحب الدار قويا لان الاستيلاء حاصل في الحال وأثر قوة المالك
سهولة إزالته والانتزاع من يده فكان كما لو سلب قلنسوة ملك يكون غاصبا وان سهل على المالك
انتزاعها وتأديبه وفيه وجه أنه لا يكون غاصبا لان مثله في العرف يعد هزأ لاستيلاء وان دخله لاعلى
قصد الاستيلاء لينظر هل يصلح له أو ليتخذ مثله لم يكن غاصبا قال في التتمة لكن لو انهدمت
في تلك الحالة هل يضمنها فيه وجهان (وأصحهما) لا بخلاف المنقول وفرق بينهما بأثر اليد على المنقول
حقيقة فلا يحتاج في إثبات حكمها إلى قرينة وعلى العقار حكمية فلا بد من تحقيقها من قرينة قصد
الاستيلاء وهذا الفرق كأنه راجع إلى الأصح والا فوجهان جاريان في المنقول على ما سبق (وقوله) في الكتاب إلا في الدابة وفى الفراش ليس القصد من الاستيلاء الدابة والفراش ولا شئ في المنقولات
فيكفي على وجه (وقوله) وفى العقار يثبت الغصب معلم - بالحاء - لان عند أبي حنيفة لا يثبت فيه
الغصب لنا ان العقار تثبت عليه اليد فيدخله الغصب كالمنقول (وقوله) بالدخول) وإزعاج المالك اعتبار
الدخول والازعاج جميعا وفى اعتبار الدخول ما ذكرنا فيجوز أن يعلم (قوله) بالدخول والواو وكذا (قوله)
251

لم يضمن (وأما) الازعاج فهو غير معتبر في غصب العقار أيضا ألا ترى أنه لو كان المالك غائبا يوجد
الغصب ولا إزعاج ولو استولى مع المالك صار غاصبا للنصف ولا إزعاج بل الاعتبار باليد والاستيلاء
حتى لو اقتطع قطعة من أرض ملاصقة لأرضه وبني عليها حائطا وأضافها إلى ملكه يضمنها الا أن
الاستيلاء في الغالب يحصل بالدخول والازعاج فلذلك ذكرهما.
قال (وكل يد تبتنى على يد الغاصب فهي يد ضمان إن كان مع العلم. وإن كان مع الجهل
بالغصب فهو أيضا يد ضمان. ولكن في اقرار الضمان تفصيل. وكل يد لو ابتني على يد المالك اقتضى
أصل الضمان كيد العارية والسوم والشراء. فان ابتني على يد الغصب مع الجهل اقتضى قرار الضمان
عند التلف. ومالا كيد الوديعة والإجارة والرهن والوكالة لا تقتضي قرار الضمان).
قد مر أكثر صور الفصل في باب الرهن من الكتاب مع الخلاف واقتصر ههنا على ذكر
ظاهر المذهب وهو أن كل يد ترتبت على يد الغاصب فهي يد ضامن حتى يتخير المالك بين أن
يطالب الغاصب عند التلف وبين أن يطالب من ترتبت يده على يده سواء علم الغصب أو لم يعلم
لأنه أثبت يده على مال الغير بغير اذنه والجهل غير مسقط للضمان ثم الثاني ان علم بالغصب فهو كالغاصب
من الغاصب يطالب بكل ما يطالب به الغاصب وان تلف المغصوب في يده فاستقرار ضمانه حتى
لو غرم لم يرجع على الأول ولو غرم الأول رجع إليه إذا لم تختلف قيمته في أيديهما أو كانت في يد الثاني
أكثر أما إذا كانت في يد الأول أكثر فلا يطالب بالزيادة الا الأول ويستقر عليه وان جهل الثاني
الغصب فإن كان اليد في وضعها يد ضمان كالعارية فيستقر الضمان على الثاني وإن كانت يد أمانة
كالوديعة فيستقر على الغاصب وإذا تأملت الشرح هناك أعلمت قوله وإن كان مع الجهل بالغصب فهو
أيضا يد ضمان بالواو للوجه الذاهب إلى أن أيدي الأمانات لا تقتضي الضمان عند الجهل وكذا (قوله)
252

لا يقتضى قرار الضمان للوجه الذاهب فيها إلى القرار (1) واعلم أن الطريق المنسوب إلى العراقيين
لم يورده الامام ههنا كما سبق في الرهن ولكن نقل عنهم فرقا بين أيدي الأمانات على نحو ما تقدم
عنهم من التصديق عند دعوى الرد والاعتماد على ما سبق هناك (وأما) ما يتعلق باللفظ فقوله وكل
يد أثبتت على هكذا يوجد في الأكثر ويقرأ لكن الابتناء متعد كالبناء فالوجه أن يقال ابتنت وقد
تستعمل اللازمة الابتناء فيمكن أن تراعى الصورة ويقرأ ابتنت وقوله تقرير ضمان يعني بصفة الاستقرار
(وأما) عند الجهل فهو يد ضمان وفى صفة الاستقرار التفصيل (وقوله) اقتضت أصل الضمان ينبغي أن
يكون الضمان ههنا مفسرا باستقرار اليد عليه إذا حصل التلف في يده ثم البدل القيمة تارة والثمن
أخرى وهذا لأن الشراء معدود من أيدي الضمان فليكن التفسير ما يشمل الشراء والكلام في تفصيل
ما يضمن المشتري من الغاصب وسائر ما يناسبه يأتي في الفصل الثالث من الباب الثاني إن شاء الله
تعالى والقرض معدود من أيدي الضمان ولو وهب المغصوب من انسان فتلف في يده فالقرار على
على الغاصب في أحد القولين لان يد الاتهاب ليست يد ضمان وعلى المتهب في أصحهما لأنه أخذه
للتمليك ولو زوج الجارية المغصوبة فتلفت عند الزوج ففي مطالبة الزوج بالقيمة طريقان قيل هو
كالمودع ومنهم من قطع بأنه لا يطالب لان كون الزوجة في حبالة الزوج ليس ككون المال في يد
صاحب اليد قال في التهذيب وهو المذهب.
قال (ومهما أتلف الآخذ من الغاصب فالقرار عليه أبدا. الا إذا كان مغرورا. كما لو قدم
إليه ضيافة ففيه قولان لمعارضة الغرور والمباشرة. وكذا الخلاف فيما لو غر الغاصب المالك وقدمه
إليه فاكله المالك. وههنا أولى بان يبرأ الغاصب. وكذلك يطرد الخلاف في الايداع والرهن والإجارة
من المالك إذا تلف بيده. ولو زوج الجارية من المالك فاستولدها مع الجهل نفذ الاستيلاد وبرئ
هامش (1) بياض بالأصل فحرر
253

الغاصب. وكذا لو وهبه منه فان التسليط تام. ولو قال هو عبدي فاعتقه فقد قيل لا ينفذ عتقه
لأنه مغرور. وقيل ينفذ ويرجع بالغرم. وقيل لا يرجع بالغرم).
عرفت حكم قرار الضمان عند تلف المغصوب في يد من ترتبت يده على يد الغاصب أما إذا
أتلفه فينظر ان استقل به فقرار الضمان عليه لان الاتلاف أقوى من اثبات اليد العادية فان حمله
الغاصب عليه كما إذا غصب طعاما فقدمه إلى إنسان ضيافة حتى أكله فالقرار عليه أيضا إن كان
عالما وإن كان جاهلا فقولان (أحدهما) أن القرار على الغاصب لأنه غره حيث قدم الطعام إليه وأوهم
أنه لا تبعة فيه ويروى هذا عن القديم وبعض كتب الجديد (وأصحهما) وهو المشهور من الجديد وبه
قال أبو حنيفة والمزني ان القرار على الآكل لأنه المتلف واليه عادت منفعته فعلى هذا إذا غرم لم
يرجع على الغاصب والغاصب إذا غرم يرجع على الآكل وعلى الأول الحكم بالعكس وهذا إذا قدم
الطعام ولم يذكر شيئا أما إذا قدمه وقال هو ملكي ففي رجوع الآكل على الغاصب القولان ولو غرم
الغاصب قال المزني يرجع على الآكل وغلطه الأصحاب لان في ضمن قوله إنه ملكي اعتراف بأنه
مظلوم بما غرم والمظلوم لا يرجع على غير الظالم ولو وهب المغصوب من غيره وأتلفه ففيه القولان
وأولى بأن يستقر الضمان على المتهب لحصول الملك له ولو قدم الطعام المغصوب إلى عبد انسان فاكله
فان جعلنا القرار على الحر إذا قدمه إليه فاكله فهذه جناية من العبد يباع فيها والا فلا يباع وإنما
يطالبه الغاصب كما لو قدم شعيرا معصوبا إلى بهيمة غيره من غير اذن مالكها ولو غصب شاة وأمر
قصابا فذبحها جاهلا بالحال فقرار ضمان النقصان على الغاصب ولا يخرج على الخلاف في أكل الطعام
لأنه ذبح للغاصب وهناك انتفع به لنفسه ولو أمر الغاصب انسانا فأتلف المغصوب بالقتل والاحراق
ونحوها ففعله جاهلا بالغصب فمنهم من جعله على القولين في أكل الطعام والأصح القطع بأن القرار
254

على المتلف لأنه محظور بخلاف الاكل ولا وقع للتغرير مع الحظر ثم في الفصل صور (أحدها) لو
قدم الطعام المغصوب إلى مالكه فأكله جاهلا بالحال فان قلنا في التقديم إلى الأجنبي ان القرار
على الغاصب لم يبرأ الغاصب ههنا وان جعلنا القرار على الآكل برئ الغاصب ههنا وبه قال أبو
حنيفة وربما نصر العراقيون الأول لكن قد سبق في المسألة المبنى عليها أن الأصح ثبوت الاستقرار
على الآكل وحكى الامام عن الأصحاب انهم رأوا البراءة ههنا أولى من الاستقرار وههنا تصرف المالك
في ضمن اتلافه يتضمن قطع علقة الضمان عن الغاصب وتابعه صاحب الكتاب على ذلك وبنيا
على هذه الأولوية تردد الشيخ أبى محمد فيما إذا أودع أو رهن أو أجر المالك وهو جاهل بالحال فتلف
المغصوب عنده لان يد المالك إذا ثبتت قطعت أثر الضمان وظاهر المذهب أن الغاصب لا يبرؤ
في هذه الصور كما أن الضمان لا يتقرر على الأجنبي وعلى عكسه لو باع أو أقرض أو أعار من المالك
فتلف عنده يبرأ الغاصب ولو دخل المالك دار الغاصب فأكل طعاما على اعتقاد أنه طعام الغاصب
فكان طعامه المغصوب يبرأ الغاصب لأنه أتلف مال نفسه في جهة منفعته من غير تغرير من الغاصب
ولو صال العبد المغصوب على مالكه فقتله المالك لم يبرأ الغاصب من الضمان سواء علم أنه عبده أو
لم يعلم لان الاتلاف بهذه الجهة كاتلاف العبد نفسه ولهذا لو كان العبد لغيره لا يضمنه وفيه وجه أنه
يبرأ عند العلم لاتلافه مال نفسه في مصلحته (الثانية) لو زوج الجارية المغصوبة من مالكها وهو جاهل
فتلفت عنده فهو كما لو أودع المغصوب عنده فتلف ثم لو استولدها نفذ الاستيلاد وبرئ الغاصب
ومنهم من أثبت فيه خلافا وهو قريب من الخلاف الذي نذكره في إعتاقه (الثالثة) لو قال الغاصب
لمالك العبد المغصوب أعتقه فاعتقه جاهلا بالحال ففي نفوذ العتق وجهان (أحدهما) أنه لا ينفذ لأنه لم
يرض باعتاق عبده (وأصحهما) النفوذ لإضافة العتق إلى رقيقه والعتق لا يدفع بالجهل وعلى هذا فوجهان
255

(أحدهما) أنه لا يبرأ الغاصب عن الضمان بل يرجع المالك عليه بالغرم لأنه لم يرض بزوال ملكه
(وأصحهما) البراءة لانصرافه إلى جهة صرفه إليها بنفسه وعادت مصلحتها إليه ولو قال أعتقه عنى وفعل
جاهلا ففي نفوذ العتق الوجهان ان نفذ ففي وقوعه عن الغاصب وجهان قال في التتمة الصحيح المنع
ولو قال المالك للغاصب أعتقه عني أو مطلقا فاعتق وبرئ الغاصب.
قال (الركن الثاني في الموجب فيه. وهو كل مال مغصوب. وينقسم إلى الحيوان
وغيره. فالحيوان يضمن بقيمته حتى العبد يضمن عند التلف والاتلاف بأقصى قيمته ولو قطع
الغاصب إحدى يدي العبد التزم أكثر الامرين من نصف قيمته أو أرش النقصان لأنه
تلف تحت يده إذا قلنا جراح العبد مقدر. ولو سقطت يده بآفة سماوية لا يضمن إلا أرش النقصان.
ولا يجب في عين البقرة والفرس إلا أرش النقص. ولا يضمن الخمر لذمي ولا مسلم. ولكن يجب
ردها إن كانت محترمة. ولا يراق على أهل الذمة الا إذا أظهروها. فان أريق فلا ضمان. وكذلك
الملاهي إذا كسرت. فان أحرقت وجب قيمة الرضاض لأنه غير جائز. وكذا في الصليب والصنم
والمستولدة والمدبر. والمكاتب ملحق في الضمان بالعبد القن).
في الموجب فيه قال حملة المذهب المضمونات قسمان (أحدهما) ما ليس بمال وهو الأحرار فيضمنون
بالجناية على النفس والطرف بالمباشرة تارة وبالسبب أخرى والقول في هذا القسم يبسط في الجنايات
(والثاني) ما هو مال وينقسم إلى الأعيان والمنافع والأعيان قسمان الحيوان وغيره والحيوان قسمان
الآدمي وغيره أما الآدمي فتضمن النفس والطرف في الرقيق بالجناية كما يضمن الحر ويضمن أيضا باليد
العادية وبدل نفسه قيمته بالغة ما بلغت سواء قتل أو تلف تحت اليد العادية وأما الأطراف والجراحات
فتنقسم إلى ما يتقدم واجبه من الحر والواجب فيه من الرقيق ما ينقص قيمته سواء حصل بالجناية أو
تحت اليد العادية والى ما ينقدر من الحر مما يحصل منها بجناية فيه قولان (أصحهما) وهو الجديد أنه
256

يتقدر من الرقيق أيضا والقيمة في حقه كالدية في الحر فيجب في يد العبد نصف قيمته كما يجب في
الحر نصف ديته وعلى هذا القياس (والثاني) وينسب إلى اختيار ابن سريج أن الواجب ما ينقص
من القيمة كما في سائر الأموال وما يحصل تحت مجرد اليد العادية كما إذا غصب عبدا فسقطت يده
بآفة سماوية فالواجب فيه قدر النقصان وفيه وجه أنه إذا كان النقصان أقل من المقدر وجب ما يجب
على الجاني والمذهب الأول لان ضمان اليد سبيله سبيل ضمان الأموال الا ترى أنه لا يتعلق به القصاص
ولا الكفارة ولا يضرب على العاقلة بحال ولهذا لو كان قدر النقصان أكثر من المقدر كان هو الواجب
بالاتفاق (فان قلنا) بالجديد فلو قطع الغاصب يد العبد المغصوب لزمه أكثر الامرين من نصف القيمة
أو أرش النقصان لاجتماع السببين حتى لو كانت قيمته ألفا ونقص أربعمائة وجب خمسمائة ولو نقص
ستمائة وجب ستمائة ولو قطع يديه فعليه كل قيمته وكذا لو قطع أنثييه فزادت قيمته ولو كان الناقص
بقطع الغاصب ثلثي قيمته فالواجب ثلثا القيمة على القولين (أما) على القديم فلانه قدر النقصان (وأما)
على الجديد فالنصف واجب بالجناية والسدس باليد العادية ولو كان الناقص بسقوط اليد ثلث قيمته
فهو الواجب على القديم وكذا على الجديد جوابا على أصح الوجهين وعلى الثاني الواجب نصف القيمة
والمستولدة والمكاتب والمدبر يلتحقون في الضمان بالعبد القن وقال أبو حنيفة المستولدة لا تضمن بالغصب
257

لنا القياس على المدبر بجامع بقاء الرق فيهما ألا ترى أنه يملك تزوجها واجارتها ويأخذ قيمتها لو قتلت
(وأما) غير الآدمي من الحيوانات فالواجب فيها باليد والجناية القيمة وفيما يتلف من أجزائها ما ينقص
من القيمة ولا فرق في ذلك بين نوع ونوع وعن أبي حنيفة أن الإبل والبقر والخيل وماله اللحم والظهر
مما يجب في إحدى عينيه ربع القيمة استحسانا وبه قال أحمد في الخيل خاصة (أما) القياس على
أطرافها وعلى ماله اللحم وحده كالغنم أو الظهر وحده كالبغال والحمير ولا فرق أيضا بين مالك ومالك
وعن مالك أن في قطع ذنب حمار القاضي تمام القيمة لأنه لا يصلح له بعد ذلك وعن أحمد رواية
مثله لنا أن النظر في الضمان إلى نفس المفوت لا إلى أغراض الملاك ألا ترى أنه في وطئ جارية الأب
بالشبهة مهر المثل كما في وطئ جارية الأجنبي بالشبهة وأن تضمن وطئ جارية الأب تحريمها عليه
(وأما) غير الحيوان فينقسم المثلى والمتقوم وسيأتي ما يضبطهما في الركن الثالث بقي من فقه الفصل
مسألة وهي ان الخمر والخنزير لا يضمنان للمسلم ولا للذمي خلافا لأبي حنيفة حيث قال يجب الضمان
في إراقة خمر الذمي ان أراقها مسلم ضمنها بالقيمة وان أراقها ذمي ضمنها بالمثل. لنا أن مالا يضمن
للمسلم لا يضمن للذمي كالميتة والدم وأيضا فان الخمر ليست بمال ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يريق حيث
تجوز الإراقة وحيث لا تجوز ولا تراق خمر أهل الذمة الا إذا تظاهر وأبشر بها أو بيعها ولو غصبت منهم
258

والعين باقيه وجب دخول ردها وان غصبت من مسلم وجب ردها إن كانت محترمة والا لم يجز بل أريقت لحديث
أبى طلحة في خمور الأيتام وآلات الملاهي كالبربط والطنبور وغيرهما وكذلك الصليب والصنم لا يجب
في أبطالها شئ أصلا لأنها محرمة الاستعمال ولا حرمة لتلك الصنعة والهيئة واختلفوا في الحد المشروع
لابطالها على وجهين (أحدهما) أنها تكسر وترضض حتى تنتهي إلى حد لا يمكن إيجاد آلة محرمة منها
لا الأولى ولا غيرها (وأظهرهما) أنها لا تكسر الكسر الفاحش ولكنها تفصل وفى حد التفصيل وجهان
(أحدهما) أنها تفصل قدر مالا تصلح للاستعمال الحرام حتى إذ رفع وجه البربط وترك على شكل قصعة كفى
(والثاني) أنها تفصل إلى حد لو فرض إيجاد آلة محرمة من مفصلها لنال الصانع التعب الذي يناله في
ابتداء الايجاد وهذا بان يبطل تأليف الاجزاء كلها حتى تعود كما كانت قبل التأليف ويشبه أن
يكون هذا أقرب إلى كلام الشافعي رضي الله عنه وعامة الأصحاب وما ذكرنا من الاقتصار على
تفصيل الاجزاء فيما إذا تمكن المحتسب منه أما إذا منعه من في يده وكان يدفع عن المنكر فله ابطاله
بالكسر وحكى الامام وفاق الأصحاب على أن قطع الأوتار لا يكفي لأنها مجاورة لها منفصلة وتوقف في
شيئين تفريعا على وجه المبالغة في الكسر (أحدهما) في الصفائح التي لا توجد في يد من تصنع تلك الآلات
لان من البالغ في الكسر عند حصول الهيئة المحظورة قد لا يرى تلك المبالغة في الابتداء (والثاني)
259

في الصليب لأنها خشبة معروضة على خشبه فإذا رفعت إحداهما عن الأخرى فلا معنى للزيادة عليه إذا
عرفت ذلك فمن اقتصر في بطالها على الحد المشروع فلا شئ عليه ومن جاوزهما فعليه التفاوت بين
قيمتها مكسورة إلى الحد المشروع وبين قيمتها منتهية إلى الحد الذي اتى به وان أحرقها فعليه قيمتها
مكسورة إلى الحد المشروع ولنعد إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) وهو كل مال معصوم ظاهره
يقتضى حصر ما يجب ضمانه في الأموال وقد عرفت من التقسيم السابق أن الأحرار مضمونون أيضا
وكأنه أراد ما يجب ضمانه بالأسباب المذكورة في أول الباب وحينئذ يخرج الأحرار لأنهم لا يضمنون
باليد العادية وإن كانوا مضمونين وأشار بالمعصوم إلى أن عصمة المال شرط في وجوب الضمان فلا
يضمن مال الحربي وقوله وحتى العبد يضمن عند التلف والاتلاف أقصى قيمته معلم بالحاء لان أبا
حنيفة لا يوجب أقصى قيمه المماليك على ما بينته في موضعه (وقوله) إذا قلنا جرح العبد مقدر إشارة
إلى قوله الجديد (وقوله) لا يضمن الا أرش النقصان معلم بالواو (وقوله) ولا يجب في عين البقرة والفرس
بالحاء والألف لما ذكرنا التعرض لمذهبهما وإنما ذهبا إليه لاثر فيه عن الصحابة
وتأويله عندنا أن الأرش في الواقعة كان قدر الربع (وقوله) لذمي معلم بالحاء (وقوله) ولكن يجب ردها
260

بجوز اعلامه بالواو كما تقدم في فصل التحليل في كتاب الرهن وقوله وان أريقت فلا ضمان ضرب
تأكيد وبينه على أن لا يضمن الخمر مع المنع من اراقتها والا فقوله لا يضمن الخمر لذمي يفيد النفي
الكلي وإذا ذكره فلا بأس بإعادة اعلامه بالحاء (وقوله) وكذا الملاهي إذا كسرت يعني الكسر
المشروع ولفظ المستولدة معلم بالحاء واتلاف الخمر وابطال منفعة الملاهي يخرج عما يضمن بقوله في أول
الركن وهو كل مال معصوم.
قال (ومنفعة الأعيان تضمن بالفوات تحت اليد والتفويت. ومنفعة البضع لا تضمن إلا
بالتفويت. ومنفعة بدن الحر تضمن بالتفويت وهل يضمن بفواتها عند الحر وجهان وهو
تردد في ثبوت يد غيره عليه حتى ينبني عليه جواز إجارة الحر عند استئجاره إن قلنا تثبت اليد وانه
بتسليم نفسه هل يتقرر أجرته. وفى ضمان منفعة الكلب المغصوب وجهان. وما اصطاده بالكلب
المغصوب فهو للغاصب على أحد الوجهين. فان اصطاد العبد فهل يدخل أجرته تحته لان الصيد
للمالك فيه وجهان. ولو لبس ثوبا ونقص قيمته فهل تندرج الأجرة تحت النقص فيه وجهان
ولو ضمن العبد المغصوب بعد إباقه فهل تسقط عنه أجرته بعد الضمان فيه وجهان).
261

تم الكلام في قسم الأعيان من المضمونات (أما) المنافع فهي أنواع (منها) منافع الأموال من
العبيد والثياب وغيرها وهي مضمونة بالتفويت والفوات تحت اليد العادية خلافا لأبي حنيفة حيث قال
لا تضمن بالتفويت ولا بالفوات وإنما تضمن بعقد أو شبهة عقد ولمالك حيث قال لا تضمن بالفوات تحت
اليد وإنما تضمن بالتفويت والاستعمال لنا أن المنافع مضمونة بالعقد الفاسد وتضمن بالغصب كالأعيان
وأيضا فإنها متقومة ألا ترى أنه يبذل المال لتحصيلها ولو استأجر عينا لمنفعة واستعملها في غيرها ضمنها فاشتبهت
الأعيان إذا تقرر ذلك فكل عين لها منفعة تستأجر من أجلها يضمن منفعتها إذا بقيت في يده مدة
لمثلها أجرة حتى لو غصب كتابا وأمسكه مدة طالعه أو لم يطالعه أو مسكا شمه أو لم يشم لزمه الأجرة ولو
كان العبد المغصوب يحسن صناعات لزمه أجرة أعلاها ولا يجب أجرة الكل (ومنها) منفعة البضع وهي
لا تضمن بالفوات تحت اليد والفرق بينها وبين سائر المنافع أن اليد لا تثبت على منفعة البضع الا ترى
أن السيد يزوج الأمة المغصوبة ولا يؤجرها كما لا يبيعها لان يد الغاصب حائلة ولو تداعى اثنان نكاح
امرأة يدعيان عليها ولا يدعى أحدهما على الآخر وإن كانت عنده وإذا أقرت لإحداهما حكم بأنها منكوحته
وذلك يدل على أن اليد لها وأيضا فان منفعة البضع تستحق استحقاق ارتفاق للحاجة وسائر المنافع
تستحق استحقاق ملك تام الا ترى أن من ملك منفعة بالاستئجار نقلها إلى غيره بالعوض بأن يؤجر
وبغير العوض بأن يعير والزوج المستحق لمنفعة البضع لا يملك نقلها لا بعوض ولا بغير عوض (واما)
إذا فوت منفعة البضع بالوطئ ضمن مهر المثل وأخرنا بسط الكلام فيه إلى الفصل الثالث من الباب
262

الثاني لان حكم وطئ المشترى من الغاصب مذكور هناك وذكر حكم وطئ الغاصب معه أحسن في
النظم (ومنها) منفعة بدن الحر وهي مضمونة بالتفويت وإذا قهر حرا واستخدمه في عمل ضمن أجرته
وان حبسه وعطل منافعه فوجهان (أحدهما) أنه يضمنها أيضا لان منافعه متقومة بالعقد الفاسد
فأشبهت منتفع الأموال وحكى هذا عن ابن أبي هريرة (وأصحهما) المنع لان الحر لا يدخل تحت اليد
بخلاف الأموال ويقرب من هذين الوجهين الخلاف في صورتين (إحداهما) لو أستأجر حرا وأراد أن
يؤجره هل له ذلك (والثانية) إذا أسلم المستأجر نفسه ولم يستعمله المستأجر إلى انقضاء المدة التي استأجره
فيها هل تتقرر أجرته قال الأكثرون له أن يؤجره وتتقرر أجرته وقال القفال لا يؤجره ولا تتقرر أجرته
لان الحر لا يدخل تحت اليد ولا تحصل منافعه في يد المستأجر وضمانه إلا عند وجودها هكذا أورد
النقلة توجيه الخلاف في المسائل الثلاثة ولم يجعلوا دخول الحر تحت اليد مختلفا فيه ولكن القائلين
بجواز إجارة المستأجر وتغريم الأجرة كأنهم بنو الامر على الحاجة والمصلحة وصاحب الكتاب جعله
مختلفا فيه وبني الخلاف في المسائل على التردد في دخوله تحت اليد ولم أعثر على ذلك لغيره وبتقدير
ثبوته يجوز أن يعلم (قوله) والحر لا يدخل تحت اليد وفى الرهن في الباب الثالث في مسألة موت الحرة
المزني بها في الطلق من حمل الزنا بالواو وفى دخول ثياب الحر في ضمان من استولى عليه تفصيل مذكور
في الكتاب في السرقة.
263

(فرع) قال في التتمة نقل حرا صغيرا أو كبيرا من موضع إلى موضع آخر فإن لم يكن
له غرض في الرجوع إلى الموضع الأول فلا شئ وإن كان واحتاج إلى مؤنة فهو على الناقل لتعديه
(ومنها) منفعة الكلب فمن غصب كلب الصيد أو الحراسة لزمه رده مع مؤنة الرد إن كان له مؤنة
وهل يضمن منفعته بالأجرة فيه وجهان مرتبان على الوجهين في جواز استئجاره وسيأتي ذكرهما وما
اصطاده الغاصب بالكلب المغصوب للمالك على أحد الوجهين كصيد العبد واكسابه وللغاصب
على أظهرهما لان الجارحة آلة كما غصب شبكة أو قوسا واصطاد بهما ويجرى الوجهان فيما لو أصطاد
بالبازي والفهد المغصوبين وحيث كان الصيد للغاصب لزمه أجرة المثل للمغصوب منه وحيث كان
للمالك كصيد العبد ففي وجوب الأجرة لزمن الاصطياد وجهان (أحدهما) لا تجب لأنه
إذا كان الحاصل له كانت المنافع منصرفة إليه (وأشبههما) الوجوب لأنه ربما كان يستعمله في غير ما
استعمل به ولا تدخل الأجرة فيما اكتسبه ثم الفصل مختوم بقاعدتين (إحداهما) إن كان النقص بسبب
غير الاستعمال كما لو غصب ثوبا أو عبدا فانتقصت قيمته بآفة سماوية كما لو سقط العبد بمرض وجب
الأرش مع الأجرة والأجرة الواجبة لما قبل حدوث النقصان أجرة مثله سليما ولما بعده أجرة مثله معيبا
فإن كان النقص بسبب الاستعمال كما إذا لبس الثوب فأبلاه فوجهان (أصحهما) أنهما يجبان أيضا كما لو
حصل النقصان بسبب آخر (والثاني) أنه لا يجب ألا أكثر الامرين من أجرة المثل وأرش النقصان
264

لان النقصان نشأ من الاستعمال وقد قوبل الاستعمال بالأجرة فلا يجب له ضمان أجر والقائل الأول
يقول الأجرة لا تجب للاستعمال وإنما تجب لفوات المنفعة على المالك ألا ترى أنها تجب وان لم يشتمل
فإذا لا يلزم وجوب ضمانين بشئ واحد (الثانية) سنذكر أن العبد المغصوب إذا تعذر رده بآفة غرم
الغاصب قيمته للحيلولة ويلزمه مع ذلك أجرة المثل للمدة التي تمضي قبل بذل القيمة ولما بعده وجهان
(أحدهما) أنها لا تجب لان القيمة المأخوذة نازلة منزلة المغصوب فكأن المغصوب عاد إليه (وأصحهما)
الوجوب لان حكم الغصب باق وإنما وجبت القيمة للحيلولة فيضمن الأجرة لفوات المنفعة والوجهان
جاريان في أن الزوائد الحاصلة بعد دفع القيمة هل تكون مضمونة على الغاصب وفى أنه هل يلزمه
مؤنة ردها وفى أن جناية الآبق في إباقه هل يتعلق ضمانها بالغاصب ولو غيب لغاصب العبد المغصوب
إلى مكان بعيد وعسر رده وغرم القيمة قال الامام وسيجئ في هذه الصورة الخلاف في الأحكام المذكورة
أيضا (ومنهم) من قطع وجوب الأجرة وثبوت سائر الأحكام والفرق أن من غيبه باختياره
فهو باق في يده وتصرفه فلا تنقطع علائق الضمان عنه بخلاف الآبق
265

قال (الركن الثالث في الواجب. وهو ينقسم إلى المثل والقيمة. وحد المثلى ما تتماثل
أجزاؤه في المنفعة والقيمة من حيث الذات لا من حيث المنفعة. والأظهر أن الرطب والعنب والدقيق
مثلي. وكذا الخبز فان اخلاطه غير مقصودة بخلاف سائر المخلوطات).
ما يجب بضمانا ينقسم باعتبار المضمون إلى المثل والقيمة فيضمن المثلى بالمثل لأنه أقرب إلى التالف
والمتقوم بالقيمة وللأصحاب في ضبط المثلى عبارات (أحدها) أن كل مقدور بكيل أو وزن فهو مثلي
وتروى هذه العبارة عن أبي حنيفة واحمد وتنسب إلى نص الشافعي رضي الله عنه لقوله في
المختصر وماله كيل أو وزن فعليه مثل كيله أو وزنه (والثانية) زاد بعضهم اشتراط جواز السلم
فيه لان المسلم فيه يثبت بالوصف في الذمة والضمان وما يشبهه لا يثبت في الذمة (والثالثة) زاد القفال
وآخرون اشتراط جواز بيع بعضه ببعض لتشابه الأصلين في قضية التقابل واعترض على العبارات
266

الثلاث بأن القماقم والملاعق والمغارف من الصفر والنحاس موزونة ويجوز السلم فيها وبيع
بعضها ببعض وليست مثلية هكذا حكى الامام الاعتراض عن القاضي لكن قدم في باب السلم أن
القماقم ونحوها لا يجوز السلم فيها لاختلافها وأنما الجواز في الأسطال المربعة والظروف المضربة من القوالب
فإن كان الالتزام بمثلها فلا يبعد ممن صار إلى العبارات الثلاثة طردها فيها والحكم بأنها مثلية
(والرابعة) نقل بعض شارحي المفتاح أن المثاليات هي التي تنقسم بين الشريكين من غير حاجة إلى
تقويم ولك أن تقول هذا مشكل بالأرض المتساوية الاجزاء فإنها تنقسم من غير تقويم وليست
هي بمثلية (الخامسة) قال العراقيون المثلى مالا تختلف اجزاء النوع الواحد منه في القيمة وربما
يقال في الجرم والقيمة ويقرب منه قول قال المثليات هي التي تتشاكل في الخلقة ومعظم المنافع
وما اختاره الامام هو تساوى الاجزاء في المنفعة والقيمة فزاد النظر إلى المنفعة وعلى ذلك جرى صاحب
الكتاب وزاد قوله من حيث الذات لامن حيث الصنعة وقصد به الاحتراز من الملاعق والمغارف
267

وصنجات الميزان المتساوية فان تساويهما جاء من حفظ التشابه في الصنعة والا المصنوعات مختلفة
في الغالب ولك أن تقول الملعقة ونحوها لو وردت على الضابط المذكور اما ان ترد لتماثل أجزائها
وهي ملعقة أو لتماثل جوهرها فقط (والأول) باطل لان أجزاء الملعقة غير متماثلة في الصنعة وأما
(الثاني) فالصفر الذي هو جوهر الملعقة إذا كان مثليا كان تماثل أجزائه من حيث الذات لا من
حيث الصنعة وإذا لم تؤثر الصنعة في تماثل الاجزاء فكيف يقال ما تماثل أجزاؤه من حيث الذات
لا من حيث الصنعة والحق أن أثر الصنعة في تماثل الاعداد وأوضاع أجزائها لاغير وإذا وقفت على
هذه العبارات وبحثت عن الأظهر منها فأعلم أن الأولى منقوضة بالمعجونات (والثالثة) المعتبرة بجواز بيع
البعض بالبعض بعيدة عن اعتبار أكثر الأصحاب فإنهم أعرضوا عن هذا الشرط وقالوا امتناع بيع البعض
بالبعض من الربويات لرعاية التماثل في حال الكمال بمعزل عما نحن فيه (والرابعة) لادخل لها وأما الخامسة
268

فأن أريد بالاجزاء فيها كل ما يتركب منه الشئ فيلزم أن لا تكون الحبوب مثلية لأنها تتركب من القشور
والألباب والقشر مع اللباب مثليان في القيمة والمنفعة وكذا التمر والزبيب لما فيهما من النوى والعجم وان أريد
الاجزاء التي يقع عليها اسم الجملة فيلزم أن لا تكون الدراهم والدنانير مثلية لما يقع في الصحاح من اختلاف في
الوزن وفى الاستدارة والاعوجاج وفى وضوح السكة وخفائها وذلك ما يؤثر في المنفعة والقيمة والنظر إلى
الجرم بعيد لان الحبوب والتمور متماثلة ومعلوم أن نوعا منها لا يخلو عن اختلاف الحبات في الصغر
والكبر فإذا أظهر العبارات الثانية لكن الأحسن أن يقال المثلى كل ما يحصره الكيل أو الوزن
ويجوز السلم فيه ولا يقال كل مكيل أو موزون لان المفهوم منهما ما يعتاد كيله ووزنه فيخرج منه الماء
وهو مثلي على الأصح هذا ما يتعلق بالضبط وينشأ من اختلاف العبارات الخلاف في الصفر
والنحاس والحديد والآنك لان أجزائها مختلفة الجواهر ولان زبرها متقاربة الاجرام وفى
التبر والسبيكة والعنبر والمسك والكافور والثلج والجمد والقطن بمثل ذلك وفى العنب والرطب
269

وسائر الفواكه الرطبة لامتناع بيع بعضها ببعض وكذا في الدقيق والأظهر أنها جميعا مثلية وفى السكر
والفانيد والعسل المصفى بالنار واللحم المشوي الخلاف في جواز بيع كل منهما بجنسه وفي الخبر لامتناع
بيع بعضه ببعض وأيضا للخلاف في جواز السلم فيه وجعل صاحب الكتاب الأظهر كونه مثليا بناء
على قطع النظر عن امتناع بيع بعضه ببعض ويجوز السلم فيه لكنا أثبتنا الخلاف في السلم وبيان
ذلك الخلاف (وقوله) فان اخلاطه غير مقصودة بخلاف سائر المخلوطات يعني المعجونات والغوالي
ونحوها والفرق بين ما يقصد اخلاطه وبين ما لا يقصد منه الا الواحد مقرر في السلم أما الحبوب
والادهان والألبان والسمن والمخيض والخل لم يستعن في إيجاده بالماء والزبيب والتمر ونحوهما فهي مثلية
بالاتفاق وكذا الدراهم والدنانير لكن قضية العبارة الثانية اثبات الخلاف فيها لان في السلم فيها
اختلافا قد تقدم وأيضا فإنهم جعلوا المكسرة على الخلاف في التدبير والسبيكة لتفاوت القراضات في
الجرم ومثل ذلك يفرض في الصحاح فيلزم مجئ الخلاف فيها وهذا في الدراهم والدنانير الخالصة أما
270

المغشوشة ففي التتمة أن أمرها يبنى على جواز التعامل بها ان جوزناها فهي مثلية والا متقومة لان
مالا يملك بالعقد لا يملك بالقبض عوضا عن التلف.
قال (ثم لم يسلم المثل بعد أن تلف المغصوب حتى فقد المثل. فقيل الواجب أقصى قيمة
المغصوب من وقت الغصب إلى التلف. وقيل أقصى قيمة المثل من وقت وجوبه إلى الاعواز.
وقيل من وقت الغصب إلى الاعواز. وقيل إلى وقت طلب الضمان ولو غرم القيمة ثم قدر على
المثل فلا يرد على الأظهر لتمام الحكم بالبدل الحقيقي).
إذا غصب مثليا وتلف في يده والمثل موجود فلم يسلمه حتى فقد أخذت منه القيمة والمراد من
الفقدان أن لا يوجد في ذلك البلد وما حواليه على ما تبين في انقطاع المسلم فيه وفى القيمة المعتبرة
عشرة أوجه (أحدها) أنها أقصى قيمة من يوم الغصب إلى التلف ولا اعتبار بزيادة قيمة أمثاله بعد
تلفه كما في المتقومات (وثانيها) أنها أقصى قيمة من وقت تلف المغصوب إلى الاعواز لان المثل هو
271

الواجب الا انه لما فقد تعذر الوصول إليه فينظر إلى قيمته من وقت وجوبه إلى التعذر ويطلق هذان
الوجهان على أن الواجب عند اعواز المثل قيمة المغصوب لأنه الذي تلف على المالك أو قيمة المثل
لأنه الواجب عند التلف وإنما رجعنا إلى القيمة لتعذره وفيه وجهان لأبي الطيب بن سلمة (ان قلنا)
بالأول اعتبرنا الأقصى من وقت الغصب إلى وقت تلف المغصوب (وان قلنا) بالثاني اعتبرنا من وقت
تلف المغصوب لان المثل حينئذ يجب إلى وقت الانقطاع والاعواز ولفظ الكتاب في حكاية الوجه
الأول أقصى قيمة المغصوب وفى حكاية الوجه الثاني أقصى قيمة المثل إشارة إلى هذا (وثالثها) وهو
الأصح أن القيمة المعتبرة أقصى القيم من يوم الغصب إلى الاعواز لان وجود المثل كبقاء عين
المغصوب من حيث إنه كان مأمورا بتسليم المثل كما كان مأمورا برد العين فإذا لم يفعل غرم أقصى
272

قيمة من المدتين كما أن المتقومات تضمن بأقصى قيمتها لهذا المعنى ولا نظر إلى ما بعد انقطاع
المثل كما لأنظر إلى ما بعد تلف المغصوب المتقوم (ورابعها) أقصى القيم من الغصب إلى وقت تغريم
القيمة والمطالبة بها لان المثل لا يسقط بالاعواز الا ترى أن المغصوب منه لو صبر إلى وجد أن المثل ملك
المطالبة به وإنما المصير إلى القيمة عند تغريمها وهذه الأوجه الأربعة هي المذكورة في الكتاب
(وخامسها) عن رواية الشيخ أبى محمد أنها أقصى القيم من وقت انقطاع المثل واعوازه إلى وقت المطالبة
بالقيمة لان الاعواز وقت الحاجة إلى العدول إلى القيمة فيعتبر الأقصى من يومئذ (وسادسها) أنها أقصى
القيم من وقت تلف المغصوب إلى وقت المطالبة لأن الضمان يومئذ يجب (وسابعها) أن الاعتبار بقيمة
اليوم الذي تلف فيه المغصوب (وثامنها) أن الاعتبار بقيمة يوم الاعواز لأنه وقت العدول إلى القيمة
ويحكى هذا عن اختبار أبى على الزجاجي والحناطي والماوردي وأبى خلف السلمي (وتاسعها) أن
الاعتبار بقية يوم المطالبة لان الاعواز حينئذ يظهر ويتحقق وقد يتبدل لفظ المطالبة والتغريم
273

بالحكم والقيمة والمرجع بها إلى شئ واحد (وعاشرها) أنه أن كان منقطعا في جميع البلاد فالاعتبار
بقيمة يوم الاعواز وان فقد في تلك البقعة فالاعتبار بقيمة يوم الحكم بالقيمة نقله صاحب المهذب
وفيما علق عن الشيخ أبى حامد أن المعتبر فيه يوم أخذ القيمة لا يوم المطالبة ولا يوم التلف فهذا وجه
آخر إن كان ثابتا ويجوز اعلام جميع الوجوه المذكورة في الكتاب - بالحاء - لان البندنيجي حكى عن
أبي حنيفة الاعتبار بقيمة يوم المطالبة والقبض هذا لفظه - وبالألف - لان مذهب احمد كالوجه الثامن ولو
غصب مثليا فتلف والمثل مفقود فالقياس أن يجب على الوجه الأول والثالث أقصى القيم من يوم
الغصب إلى التلف وعلى الثاني والسابع والثامن قيمة يوم التلف وان يعود الرابع والسادس والتاسع
بحالها وعلى الخامس أقصى القيم من يوم التلف إلى يوم التغريم وعلى العاشر إن كان مفقودا في جميع
البلاد وجب قيمة التلف والا قيمة يوم التغريم ولو تلف مثليا على إنسان من غير غصب واثبات
يد عليه وكان المثل موجودا فلم يسلم حتى فقد فعلى الوجه الأول تجب قيمة يوم الاتلاف وعلى الثاني
274

وعلى الثالث أقص القيم من يوم الاتلاف إلى الاعواز وعلى الرابع من يوم الاتلاف إلى التغريم
والقياس عود الوجوه الباقية ولو أتلفه والمثل مفقود فالقياس أن يقال على الوجه الأول والثاني والثالث
والسابع والثامن تجب قيمة يوم الاتلاف وعلى الرابع والخامس والسادس أقصى القيم من يوم الاتلاف
إلى التغريم وعلى السابع قيمه يوم التغريم وعلى العاشر إن كان منقطعا في جميع البلاد وجبت قيمة
يوم الاتلاف والا فقيمة يوم التغريم والله أعلم. (ومنها) غرم الغاصب أو المتلف القيمة لاعواز المثل ثم
وجد المثل هل للمالك رد القيمة وطلب المثل وجهان (أحدهما) نعم لان حقه المثل وإنما أخذت
القيمة للعجز عنه وإذا حصلت القدرة عدل إليه كما إذا غرم قيمة العبد الآبق ثم عاد (وأظهرهما) على
ما ذكر صاحب الكتاب والقاضي الروياني المنع لان الامر قد انفصل ببذل المثل وإذا تم الحكم
بالبدل فلا عود إلى المبدل كما لو صام المعسر في الكفارة المرتبة ثم أيسر وهذا معنى قوله لتمام الحكم
بالبدل الحقيقي وأراد بتسميته حقيقا أن القيمة بدل حقيقة عند اعواز المثل لا لالتحاق المثل حينئذ
بالمتقوم وفى غرامة العبد الآبق ليست القيمة بدلا حقيقة وإنما هي مأخوذة لحصول الحيلولة بينه
275

وبين حقه وهو المثل فالأجود من الفرق أن يقال العين عين حقه المغصوب والمثل بدل حقه
فلا يلزم من تمكينه من الرجوع إلى عين حقه تمكينه من الرجوع إلى بدل حقه.
قال (ولو أتلف مثليا فظفر به في غير ذلك المكان لم يلزمه الا القيمة. فإذا عاد إلى ذلك
المكان لزمه المثل وأخذ القيمة. ولو ظفر به في غير ذلك الزمان جاز طلب المثل لان رد الزمان
غير ممكن فتعذر المثل الحقيقي. والمسلم إليه إذا انتقل لم يطالب. وفى مطالبته بالقيمة تردد من
حيث إنه اعتياض. فان منع فله الفسخ. وطلب رأس المال)
مقصود الفصل أن المثل هل يؤخذ مثله مع اختلاف المكان والزمان أما المكان فاعلم أولا أنه
لو غصب مثليا ونقله إلى بلد آخر كان للمالك أن يكلفه رده وله أن يطالب بالقيمة في الحال للحيلولة
ثم إذا رده الغاصب رد القيمة واسترده ولو تلف في البلد المنقول إليه طالبه بمثله حيث ظفر به من
البلدين لتوجه الطلب عليه برد العين في الموضعين فان فقد المثل غرمه قيمة أكثر البلدين قيمة ولو أتلف
مثليا أو غصبه وتلف عنده في بلد ثم ظفر المالك به في بلد آخر هل له بمطالبته بالمثل الذي ذكره
276

الأكثرون أنه إن كان مما لا مؤنة لنقله كالدراهم والدنانير فله المطالبة بالمثل وإن كان لنقله مؤنه لم يكن
له طلب المثل ولا للغارم تكليفه قبول المثل لما يلزم فيه من المؤنة والضرر وللمالك أن يغرمه قيمة
بلد التلف فان تراضيا على المثل لم يكن له تكليفه مؤنة النقل وعلى هذا تنزيل جوابه في الكتاب
وان أطلقه إطلاقا وحكى الامام وراءه وجهين (أحدهما) عن شيخه أبى محمد أنه يطالبه بالمثل وان لزمت
المؤنة وزادت القيمة كما لو أتلف مثليا في وقت الرخص له طلب المثل في وقت الغلاء (والثاني) عن رواية
الشيخ أبى علي أنه إن كانت قيمة ذلك البلد مثل قيمة المتلف أو أقل طالبه بالمثل والا فلا وذكر
أبو عاصم العبادي مثل هذا وإذا حكمنا بالمنع وأخذ القيمة ثم اجتمعا في بلد التلف هل للمالك رد القيمة
وطلب المثل وهل لصاحبه استرداد القيمة وبذل المثل فيه الوجهان فيما إذا غرم القيمة لاعواز المثل
والذي أورده صاحب الكتاب منهما أن عليه المثل وأخذ القيمة مع أنه جعل الأظهر في مسألة الاعواز
المنع وهذا لاوجه له بل الخلاف في المسألتين واحد باتفاق الناقلين فاما أن يختار فيهما النفي أو الاثبات ولو
نقل المغصوب المثلى إلى بلد آخر فتلف هناك أو أتلف ثم ظفر به المالك في بلد ثالثة وقلنا إنه لا يطالب
277

بالمثل في غير موضع التلف فله أخذ قيمة أكثر البلدين قيمة (وأما) إذا اختلف الزمان فله المطالبة بالمثل
وان زادت القيمة وليس له إلا ذلك وان نقصت القيمة والفرق بينه وبين المكان (إذا قلنا) لا يطالب
بالمثل في غير ذلك المكان أن العود إلى المكان الأول يمكن فجاز انتظاره ورد الزمان الأول غير ممكن فقنعنا
بصورة المثل وان لم يكن ذلك مثلا حقيقة لان التساوي في القيمة معتبر في المثلين وللزمان أثر ظاهر في
تفاوتهما لكن يتوجه على هذا أن يقال نعم رد الزمان الأول غير ممكن لكن انتظار الزمن الذي تكون
القيمة فيه كالقيمة وقت الاتلاف ممكن فهلا قنع بقيمة يوم الاتلاف وانتظر المثل إليه وهذا كله فيما إذا لم
يخرج المثل باختلاف المكان والزمان عن أن يكون له قيمة ومالية (أما) إذا خرج كما إذا أتلف عليه الماء
في مفازة ثم اجتمعا على شط نهر أو بلد أو أتلف عليه الجمد في الصيف واجتمعا في الشتاء فليس
للمتلف بذل المثل بل عليه قيمة المثل في تلك المفازة وفى الصيف وإذا غرم القيمة ثم اجتمعا في
مثل تلك المفازة وفى الصيف هل يثبت التراد فيه الوجهان السابقان (وأما) قوله في الكتاب والمسلم
إليه إلى آخره فقد ذكرنا المسألة بما فيها في السلم.
278

قال (ولو أتلف آنية من نقرة يلزمه المثل. وما زاد بالصنعة يقوم بغير جنس الأصل حذرا
من الربا. وقيل لا يبالي به فإنه ليس ببيع).
الذهب والفضة إما أن يكونا مضروبين فقد ذكرنا أنهما مثليان أو لا يكونا مضروبين وكل
واحد منهما إما أن تكون فيه صنعة كالحلي أولا تكون كالتبر (أما الأول) فإذا أتلف حليا وزنه
عشرة وقيمته عشرون فقد نقل أصحابنا العراقيون وجهين فيما يلزمه (أحدهما) أنه يضمن العين بوزنها
من جنسها والصنعة من بقيمتها من غير جنسها سواء كان ذلك نقل البلد أو لم يكن لأنا لو ضمنا الكل
بالجنس لقابلنا عشرة بعشرين وذلك ربا (وأصحهما) عندهم أنه يضمن الجميع بنقد البلد وإن كان من
جنسه ولا يلزم الربا فإنه إنما جرى في العقود لا في الغرامات وإن كان هذا ربا لكان الوجه الأول
أيضا ربا فإنه كما لا يقابل دينار بدينارين لا يقابل دينار بدينار ودرهم وفيه وجهان آخران (أحدهما) أن العين
تضمن بوزنها من جنسها والصنعة بنقد البلد كما لو أتلف الصنعة وحدها بكسر الحلى يضمن بنقد البلد سواء
كان من جنس الحلي أو غير جنسه وهذا محكى في النهاية مع الأولين (والثاني) أنه يضمن الكل بغير
279

جنسه تحرزا من التفاضل ومن اختلاف الجنس في أحد الطرفين ويروى هذا عن أبي حنيفة
وأحسن ترتيب في المسألة ما ذكره في التهذيب وهو أن صنعة الحلى متقومة وفى وزنه الاختلاف
الذي سبق في التبر والسبيكة (إن قلنا) انه مثلي فوجهان (أحدهما) أنه يضمن الكل بغير جنسه
كيلا يلزم الربا (وأصحهما) أنه يضمن الوزن بالمثل والصنعة بنقد البلد سواء كان من جنسه أو من غير
جنسه (وان قلنا) انه متقوم فيعتبر الكل بنقد البلد كيف كان وينبغي أن يجئ على هذا وجه
التضمين بغير الجنس إذا كان نقد البلد من الجنس لان معنى الربا لا يختلف ولو أتلف آنية من ذهب
أو فضة فتبنى على أن اتخاذها هل هو جائز (ان قلنا) نعم فهو كما أتلف حليا (وان قلنا) لا فهو
كاتلاف مالا صنعة فيه كالتبر والسبيكة فينبني على الخلاف في أنه مثلي أو متقوم (ان قلنا) بالأول
ضمن مثله (وان قلنا) بالثاني فوجهان (أحدهما) أنه يضمن قيمته بنقد البلد سواء كان من جنسه أو
من غير جنسه كسائر المتقومات (والثاني) أن الجواب كذلك إلا إذا كان نقد البلد من جنسه وكانت
القيمة تزيد على الوزن فحينئذ يقوم بغير الجنس ويضمن به وهذا ما اختاره العراقيون ههنا فارقين
بين ما فيه صنعة وبينه بأن الزيادة ثم تقع في مقابلة الصنعة فلا تؤدي إلى الربا وههنا لا قيمة للصنعة
280

فيلزمه الربا لكن لصاحب الوجه الأول أن يقول لو كان الربا من الغرامات لاستوى المصنوع وغيره
كما لو قابل حليا بتبر لا يجوز للفضل (وقوله) في الكتاب ولو أتلف آنية التصوير في الآنية مفرع
على جواز اتخاذها كما بيناه (وقوله) ويلزمه المثل مثل وزن الآنية والحلي التبر لا الدراهم والدنانير المضروبة
(قوله) لا نبالي به أي أنه بتقويم الصنعة بجنس الأصل وتغريمها رد وذلك مما يترك فيه وجه تقويم
الكل بنقد البلد إذا كان نقد البلد من جنسه ووجه تقويم الأصل بالمثل والصنعة بنقد البلد إذا كان
من جنسه ويجوز اعلامه - بالحاء - وكذا اعلام قوله يلزمه المثل لما مر من الرواية عند قوله فإنه
ليس ببيع يعنى أنه غرامة متلف ومحل الربا إنما هو البيوع والمعاقدات.
قال (ولو اتخذ من الرطب تمرا وقلنا لامثل للرطب وللتمر مثل. أو من الحنطة دقيقا فالأولى
أن يتخير المالك بين المطالبة بقيمة الرطب والدقيق أو مثل التمر والحنطة. كما لو اتخذ من السمسم
الشيرج فيطالب ان شاء بالسمسم أو بالشيرج. ولو عدم المثل الا بالأكثر من ثمن المثل لم يلزمه
الشراء على الأظهر).
في الفصل مسألتان (الأولى) إذا تغير المغصوب في يد الغاصب من حال إلى حال ثم تلف عنده
فاما أن يكون متقوما في الحالة الأولى مثليا في الثانية أو بالعكس أو مثليا فيهما أو متقوما فيهما (أما)
القسم الأول فكما إذا غصب رطبا وقلنا إنه متقوم فصار تمرا ثم تلف عنده ففيه وجهان (أحدهما) وبه
أجاب العراقيون أنه يضمن مثل التمر لأنه لا يمكن الجمع بين المثل والقيمة ولابد من ايجاب أحدهما
والمثل أقرب إلى التالف فيكون ايجابه أولى (وأشبههما) وهو المذكور في التهذيب أنه إن كان الرطب
أكثر قيمة فعليه قيمته كيلا تضيع الزيادة عليه وإن كان التمر أكثر قيمة أو استويا فعليه المثل واختيار
281

صاحب الكتاب أنه يتخير بين أن يأخذ مثل التمر أو قيمة الرطب لأنه أتلف عليه ماله وهو مثلي
ورد ماله وهو متقوم فيطالب بموجب ما شاء من الحالين (وأما) القسم الثاني فهو كما لو غصب حنطة
وطحنها وتلف الدقيق عنده أو جعله خبزا أو أكله وقلنا لامثل للدقيق والخبز أو غصب تمرا واتخذ منه
الخل بالماء فعلى جواب العراقيين يضمن المثل وهو الحنطة والتمر وعلى ما أورده في التهذيب إن كان
المتقوم أكثر قيمة غرمها والا غرم المثل وعن القاضي الحسين أنه يغرم أقصى القيم وليس للمالك مطالبته
بالمثل لان التلف حصل وهو متقوم وعلى هذا فإذا قيل من غصب حنطة في الغلاء وبقيت عنده إلى
التلف وغرمه المالك في وقت الرخص يغرم المثل أو القيمة لم يصح اطلاق الجواب بالمثل ولا القيمة
بل الصواب أن يفصل فيقال إن تلفت وهي حنطة غرمه المثل وان صارت إلى حالة التقويم ثم تلفت
فالقيمة ويقال كأن القاضي قد لقن المسألة الرئيس أبا على المنيعي ليغلط بها فقهاء مرو فغلط من أطلق
الجواب منهم (وأما) الثالث فكما لو غصب سمسما واتخذ منه شيرجا ثم تلف عنده ونقل العراقيون
وصاحب الكتاب أن المالك بالخيار فيغرمه ما شاء منهما وفى التهذيب أنه إن كان أحدهما أكثر قيمة
غرم مثله والا تخير المالك وأخذ ما شاء منهما وظاهره يقتضى إثبات خلاف في التخيير إذا كان أحدهما
أكثر قيمة (وأما) الرابع فحكمه بين وهو وجوب أقصى القيم في الحالتين (المسألة الثانية) إذا لزمه المثل
فعليه تحصيله ان وجده بثمن المثل وإذا لم يجده إلا بما فوقه فوجهان (أحدهما) أنه لا يلزمه تحصيله لان
الموجود بأكثر من ثمن المثل كالمعدوم بدليل الماء في الطهارة والرقبة في الكفارة (والثاني) يلزمه لان
المثل كالعين ورد العين واجب وان لزم في مؤنته اضعاف قيمته وهذا أظهر الوجهين عند صاحب
282

التهذيب والقاضي الروياني والأول أظهر عند آخرين ومنهم صاحب الكتاب وفرقوا بين المثل والعين
بأنه تعدى في العين دون المثل فلا يأخذ المثل حكم العين هذا ما يتعلق بقسم المثلى.
قال (أما المتقومات إذا تلفت تضمن بأقصى قيمتها من وقت الغصب إلى التلف. فان أبق
العبد ضمن (ح) في الحال للحيلولة. فإذا عاد ردت القيمة (ح) وسلم العبد. وللغاصب حبس العبد
إلى أن ترد القيمة عليه).
القسم الثاني من الأموال المتقوم فإذا غصبه وتلف عنده لزمه أقصى قيمته من يوم الغصب إلى
يوم التلف لأنه في حال زيادة القيمة غاصب مطالب بالرد فإذا لم يرد ضمن بدله وإنما تجب القيمة من
نقد البلد الذي حصل فيه التلف وتفاوت القيمة قد يكون لزيادة ونقصان في المغصوب كما إذا
كان العبد كاتبا فنسي الكتابة وقد يكون لمحض ارتفاع الأسواق وانخفاضها فلو كانت قيمته مائة
فبلغت مائتين ثم عادت بتراجع الأسواق إلى مائة وخمسين ثم هلك لزمه مائتان ولا عبرة باتفاق
السوق بعد التلف ولو تكرر ارتفاع السوق وانخفاضها لم يضمن كل زيادة وإنما يضمن الأكثر ولو
أتلف متقوما من غير غصب لزمه قيمته يوم الاتلاف فان حصل التلف بتدريج وسراية واختلف
القيمة في تلك المدة كما إذا جنى على بهيمة قيمة مثلها يومئذ مائة ثم هلكت وقيمة المثل خمسون قال
283

القفال يلزمه مائة لأنا إذا اعتبرنا الأقصى في اليد العادية فلان نعتبرها في نفس الاتلاف كان أولى
وليعلم قوله في الكتاب فأقصى قيمتها - بالحاء والألف - أما الحاء فلان أبا حنيفة يعتبر قيمة يوم الغصب
بناء على أن الزوائد غير مضمونة (وأما) الألف فلان أحمد يعتبر قيمة يوم التلف إذا كان التفاوت
لاضطراب الأسواق ولو لم يهلك العبد المغصوب لكنه أبق أو عيبه الغاصب أو ضلت الدابة أو ضاع
الثوب فللمالك أن يضمنه القيمة في الحال لحصول الحيلولة ولزوم الضرر والاعتبار بأقصى القيم من يوم
الغصب إلى يوم المطالبة وليس للغاصب أن يلزمه قبول القيمة لان قيمة الحيلولة ليست حقا ثابتا في
الذمة حتى يجبر على قبوله والابراء عنه بل لو أبرأه المالك منها لم ينفذ وعن بعض الأصحاب تنزيلها منزلة
الحقوق المستقرة ثم القيمة المأخوذة يملكها المالك كما يملك عند التلف وينفذ تصرفه فيها ولا يملك الغاصب
المغصوب كما لا يملك نصف العبد إذا قطع إحدى يديه وغرم فإذا ظفر بالمغصوب فللمالك استرداده ورد
القيمة وللغاصب رده واسترداد القيمة وهل له حبس المغصوب إلى أن يسترد القيمة ذكر في الكتاب أن له
ذلك وهذا حكاه القاضي حسين عن نص الشافعي رضي الله عنه كما حكى ثبوت الحبس للمشتري
في الشراء الفاسد لاسترداد الثمن لكن تقدم في البيع ذكر الخلاف في ثبوت الحبس للمشتري وبينا
أن الظاهر المنع ويشبه أن يكون حبس الغاصب في معناه والمنع هو اختيار الإمام في الصورتين وإذا
284

كانت الدراهم المبذولة باقية بعينها في يد المالك فللشيخ أبى محمد تردد في أنه هل يجوز للمالك
إمساكها وغرامة مثلها أم لا وإذا اتفقا على ترك التراد فلا بد من بيع ليصير المغصوب للغاصب (وقوله)
في الكتاب ورد القيمة معلم - بالحاء - لان عنده تملك العبد بالضمان فلا رد ولا استرداد وساعدنا في
المدبر وفيما إذا اختلفا في القيمة وغرمناه ما اعترف به ثم عند الظفر بالمغصوب أنها كانت أكثر
واعلم أن التضمين في صورة الاتفاق وغيرها لا يختص بالمتقومات وان أورده في هذا القسم بل ضمان
الخيار ثابت في كل مغصوب خرج من يد المالك وتعذر رده.
(فرع) قد مر أن منافع المغصوب مضمونة فبم كانت الأجرة في مدة الغصب متفاوتة يضمن
فيه ثلاثة أوجه حكاها القاضي أبو سعد بن يوسف (أضعفها) إنها بالأكثر في جميع المدة (وأظهرها)
أنها تضمن في كل بعض من أبعاض المدة بأجرة مثلها (والثالث) أن الامر كذلك إن كانت الأجرة
في أول المدة أقل وإن كانت أكثر ضمنها بالأكثر في جميع المدة لأنه لو كان المال في يده فربما
يلزمه بها جميع المدة.
قال (وان تنازعا في تلف المغصوب فالقول قول الغاصب (و) لأنه ربما يعجز عن البينة وهو
صادق. فان حلف جاز طلب القيمة وإن كان العين باقية بزعم الطالب للعجز بالحلف. وكذلك
285

إذا تنازعا في القيمة أو في صفقة العبد (و) أو في عيب (ز) يؤثر في القيمة فالقول قول الغاصب لان
الأصل براءة الذمة. وكذلك إذا تنازعا في الثوب الذي على العبد لان العبد وثوبه في يد الغاصب).
المقصود من بقية الباب الكلام في تنازع المالك والغاصب وذلك يقع على أنحاء (منها) إذا
ادعى الغاصب تلف المغصوب وأنكر المالك فالصحيح وهو المذكور في الكتاب أن القول قول
الغاصب مع يمينه لأنه قد يعجز عن البينة وهو صادق فلو لم نصدقه لتخلد الحبس عليه ولما وجد عنه
مخرجا وفيه وجه أن القول قول المالك مع اليمين لان الأصل بقاؤه (وإذا قلنا) بالأول فلو حلف
الغاصب هل للمالك تغريمه القيمة أو المثل فيه وجهان (أحدهما) لا لبقاء العين في زعمه (وأصحهما)
نعم وهو المذكور في الكتاب لأنه عجز عن الوصول إليها بيمين الغاصب وإن كانت باقية (ومنها)
إذا اتفقا على الهلاك واختلفا في قيمته فالقول قول الغاصب لان الأصل براءة ذمته عن الزيادة وعلى
المالك البينة وينبغي أن يشهد الشهود بان قيمته كذا أما إذا أراد إقامة البينة على صفات العبد ليقومه
المقومون بتلك الصفات فعن صاحب التقريب حكاية قول أنها تقبل ويقوم وينزل على أقل الدرجات
(والمذهب) المنع لان الموصوفين بالصفات الواحدة يتفاوتون في القيمة لتفاوتهم في الملاحة وما لا يدخل
تحت الوصف قال الامام لكن المالك يستفيد بإقامة البينة على الأوصاف ابطال دعوى الغاصب
286

مقدارا حقيرا لا يليق بتلك الصفات كما لو أقر الغاصب بصفات في العبد تقتضي النفاسة ثم قومه بشئ
حقير لا يليق بها لا يلتفت إليه بل يؤمر بالزيادة إلى أن يبلغ حدا يجوز أن تكون قيمة لمثل ذلك
الموصوف ولو قال المالك قيمته ألف وقال الغاصب خمسمائة وجاء المالك ببينة على أنها أكثر من
خمسمائة من غير تقدير (منهم) من قال لا تسمع البينة هكذا (والأكثرون) سمعوها وقالوا فائدة السماع
ان يكلف الغاصب الزيادة على الخمسمائة إلى حد لا تقطع البينة بالزيادة عليه ولو قال المالك لا أدري
كم قيمته لم تسمع دعواه لقوله حتى يبين وكذا لو قال الغاصب أعلم أعلم أنه دون ما ذكره ولا أعرف
قدره لم تسمع حتى يبين فإذا حلف عليه (ومنها) لو قال المالك كان العبد كاتبا أو محترفا وأنكر
الغاصب فالقول قول الغاصب لان الأصل عدمه براءة ذمته وحكى العراقيون من أصحابنا وجها أن القول
قول المالك لأنه أعرف بحال مملوكه ولو ادعي الغاصب به عيبا وأنكر المالك نظر ان ادعى عيبا حادثا
بان قال كان أقطع أو سارقا ففي المصدق منهما قولان (أحدهما) الغاصب لان الأصل براءة ذمته
(وأصحهما) المالك لان الأصل والغالب دوام السلامة ولو ادعى عيبا في أصل الخلقة بان قال كان
أكمه أو ولد أعرج أو عديم اليد فالمصدق الغاصب لان الأصل العدم والمالك متمكن من اثباته
بالبينة وفيه وجهان آخران (أحدهما) تصديق المالك نظرا إلى غلبة السلامة (والثاني) الفرق بين
287

ما يندر من العيوب ومالا يتدر ولفظ الكتاب في الغصب وإن كان مطلقا لكن في الوسيط ما يبين
أنه أراد به العيب الخلقي ولو رد المغصوب وبه عيب وقال غصبته هكذا وقال المالك بل حدث
العيب عندك قال في التتمة المصدق الغاصب لان الأصل براءة ذمته وعدم يده على تلك الصفة
(ومنها) لو تنازعا في الثياب التي على العبد فالمصدق الغاصب لان العبد وما عليه في يد الغاصب هذه
صورة الكتاب في الاختلاف (ومنها) لو قال غصبت مني دارا بالكوفة فقال بل غصبت منى دار بالكوفة فقال غصبت دارك بالمدينة
فالقول قول المدعى عليه في أنه لم يغصب دار الكوفة وأما غصب دار المدينة فان وافقه فان وافقه المدعى عليه
ثبت والا ارتد اقراره بتكذيبه (ومنها) غصب خمرا محترمة وهلكت عنده ثم قال المغصوب منه هلك
بعد التخليل وقال الغاصب بل قبلها فلا ضمان على المصدق لان الأصل بقاء الخمرية وبراءة
ذمته (ومنها) قال طعامي الذي غصبته حديثا وقال الغاصب بل عتيقا فهذا كالخلاف في كون
288

العبد كاتبا والمصدق الغاصب فان نكل عن اليمين حلف المالك ثم له ان يأخذ العتيق فإنه دون حقه
(ومنها) باع عبدا من انسان فجاء آخر يدعي أنه ملكه وأن البائع كان غصبه منه فلا شك أن له دعوى
عين العبد على المشترى وفى دعواه القيمة على البائع ما ذكرناه في الاقرار فان ادعى العين على
المشترى فصدقه أخذ العبد منه ولا رجوع له بالثمن على البائع المكذب فان كذبه فأقام المدعي عليه
بينة اخذه ورجع المشترى بالثمن على البائع فإن لم يقم البينة ونكل المشترى حلف المدعى وأخذه ولا
رجوع للمشترى بالثمن لتقصيره بالنكول وان صدقه البائع دون المشترى لم يقبل اقرار البائع على
المشترى وبقى البيع بحاله الا أن يكون اقراره بالغصب في زمن الخيار فيجعل ذلك فسخا للبيع ثم
لو عاد العبد إلى البائع بإرث أو رد بعيب لزمه تسليمه إلى المدعى وان صدقه البائع والمشترى
جميعا سلم العبد إلى المدعى وعلى البائع رد الثمن المقبوض على المشترى ان بقي بحاله وضمانه ان
تلف ولو جاء المدعى بعد ما أعتق المشترى العبد وصدقه البائع والمشترى لم يبطل العتق سواء
289

وافقهما العبد أو خالفهما لما في العتق من حق الله تعالى ولهذا سمعت شهادة الحسبة عليه بخلاف ما لو
كاتبه المشترى ثم توافقوا على تصديق المدعى لان الكتابة قابلة للفسخ وللمدعى في مسألة الاعتاق قيمة
العبد على البائع ان اختص بتصديقه إذا أوجبنا الغرم للحيلولة وعلى المشترى ان اختص بتصديقه
وعلى من شاء منهما ان صدقاه وقرار الضمان على المشتري إلا أن تكون القيمة في يد البائع أكثر
فلا يطالب المشترى بالزيادة ولو مات المعتق وقد اكتسب أموالا كانت للمدعى لان المال خالص حق
الآدمي وقد اتفقوا على أنه هو المستحق بخلاف العتق فان تصادقهم فيه إنما لم يؤثر لما فيه من حق الله
تعالى هكذا أطلقوه قال الامام وهو منزل على الاكساب التي يستقل العبد بها فاما الاكساب التي
يحتاج فيها إلى إذن السيد فان المدعى لا يستحقها إذا اعترف بخلوها عن الاذن.
(الباب الثاني في الطوارئ وفيه ثلاثة فصول)
قال (الأول في النقصان فإذا غصب ما قيمته عشرة فعاد إلى درهم ورده بعينه فلا شئ عليه
لان الفائت رغبات الناس لا شئ من المغصوب. وان تلف فالواجب عشرة وهو أقصى القيمة. وان
290

تلف بعضه كالثوب إذا أبلاه حتى عاد إلى نصف درهم بعد رجوع الأصل إلى درهم ضمن القدر الفائت
وهو نصف الثوب بنصف أقصى القيم وهو خمسة. وردها مع الثوب البالي)
الطوارئ على المغصوب (اما) أن تعود إلى ذاته أو لا تعود إليها فالأول اما أن تكون بزيادة أو
نقصان واما أن لاتعود إلى ذاته فأهم ما نتكلم فيه من هذا النوع تصرفات الغاصب فلذلك اشتمل
الباب على ثلاثة فصول (أولها) في النقصان والناقص من المغصوب اما قيمته أو شئ من أجزائه
وصفاته أو كلاهما (القسم الأول) أن يكون النقصان في القيمة وحدها كما لو غصب ما قيمته عشرة فرده
بحاله وقد عادت قيمته إلى درهم فلا شئ عليه وقال أبو ثور عليه نقصان القيمة كما لو تلف المغصوب
والصورة هذه تلزمه أقصى قيمته عشرة. لنا أن الفائت رغبات الناس لا شئ من المغصوب بخلاف
ما إذا أتلف فان الواجب هناك البدل فوجب الأكثر لكونه مأمورا بالرد في تلك الحالة وإذا كانت
العين باقية فالواجب ردها وقد أتى به وليعلم (قوله) في الكتاب فلا شئ عليه - بالواو - لمذهب أبي ثور
فإنه وإن كان داخلا في طبقه أصحاب الشافعي رضي الله عنه فله مذهب برأسه ولا يعد تفرده وجها
لكن حكي الموفق بن طاهر أن من الأصحاب من يوافقه وأيضا فان الامام بعد توجيه مذهبه بأنه
291

تنسب إلى تفويت تلك الزيادة بإدامة اليد العادية قال وهذا يجده القياس منقاسا (الثاني) أن يكون
النقصان في كليهما فالجزء التالف مضمون بقسط من أقصى القيم من يوم الغصب إلى التلف والنقصان
الحاصل بتفاوت السوق في الباقي المردود غير مضمون مثاله غصب ثوبا قيمته عشرة وانخفض السوق
فعادت قيمته إلى درهم ثم لبسه فابلاه حتى عادت إلى نصف درهم يرده مع خمسة دراهم لان الاستعمال
والابلاء تنسحق أجزاء من الثوب وتلك الأجزاء والصورة هذه نصف الثوب لانتهاء قيمته إلى نصف
درهم بعد ما كانت قبل الاستعمال درهما فيغرم النصف بمثل نسبته من أقصى القيم كما يغرم الكل عند
تلفه بالأقصى ولو كانت القيمة عشرين وعادت بانخفاض السوق إلى عشرة ثم لبسه وأبلاه حتى عادت
إلى خمسة لزمه مع رده عشرة ولو كانت عشرة وعادت بانخفاض السوق إلى خمسة ثم لبسه وأبلاه
حتى عادت إلى درهمين لزمه مع ستة لأنه تلف بالابلاء ثلاثة أخماس الثوب فيغرمها بثلاثة أخماس
أقصى القيم وذكر الشيخ أبو علي أن بعض من شرح المولدات أخطأ في هذه الصورة فقال يلزمه ثلاثة
لأنها الناقصة بالابلاء ولا عبرة بالخمسة التي هي نقصان السوق وقياس قول هذا القائل أن يلزمه في
الصورة الأولى وهي المذكورة في الكتاب نصف درهم وفى الثانية خمسة دراهم ولو غصبه وقيمته
292

عشرة فاستعمله أولا حتى عادت بالابلاء إلى خمسة ثم انخفض السوق فعادت قيمته إلى درهمين فرده
يلزمه مع الرد الخمسة الناقصة بالابلاء ولا يغرم النقصان الحاصل في السوق في البالي الباقي ولو غصب
ثوبا قيمته عشرة ولبسه وأبلاه حتى عادت القيمة إلى خمسة ثم ارتفع السوق فبلغت قيمته وهو
بال عشرة فظاهر كلام ابن الحداد أنه يغرم مع رد الثوب لان الباقي من الثوب نصفه
وهو يساوى عشرة فلو بقي كله لكان يساوى عشرين فيغرم عشرة للتالف واختلف الأئمة فيه
فساعده بعضهم وخالفه الجمهور على انقسامهم إلى مغلط ومؤول وقالوا لا يغرم مع رده الا الخمسة
الناقصة بالاستعمال ولا عبرة بالزيادة الحاصلة بعد التلف ألا ترى أنه لو تلف الثوب كله ثم زادت القيمة
لم يغرم تلك الزيادة قال الامام والصفات كالاجزاء في ذلك كله حتى لو غصب عبدا صانعا قيمة مائة
فنسي الصنعة وعادت قيمته إلى الخمسين ثم أرتفع السوق فبلغت قيمته ناسيا مائة وقيمة مثله إذا أحسن
تلك الصنعة مائتين لا يغرم مع رده الا خمسين وأعلن أن الجواب في صور ابلاء كلها مبنى على
أن أجرة مثل المغصوب لازمه مع أرش النقصان الحاصل بالاستعمال وهو الأصح وقد مر وجه آخر
أنه لا يجمع بينهما فعلى ذلك الوجه الجواب لزوم أكثر الامرين من المقادير المذكورة أو أجرة المثل
293

ولو أختلف المالك والغاصب في قيمة الثوب الذي أبلاه أنها متى زادت فقال المالك زادت قبل الابلاء
فاغرم التالف بقسطه منها وقال الغاصب بل زادت بعده قال ابن سريج المصدق الغاصب لأنه غارم
كما لو تلف كله واختلفا في أن القيمة قبل التلف أو لعده (وأما) القسم الثالث وهو أن يكون النقصان
في شئ من الاجزاء والصفات بعدها فيوضحه المسائل الآتية على الأثر.
قال (ولو مزق الثوب خرقا لم يملكه (ح) بل يرد الخرق وأرش النقص. وأن كانت
الجناية لا تقف سرايتها إلى الهلاك كما لو بل الحنطة حتى تعفنت. أو اتخذ منها هريسة. أو من التمر
والسمن حلواء فنص الشافعي رحمة الله عليه أن المالك بالخيار بين أن يأخذ المعيب وأرش النقص).
أو يطالب بمثل أصل المال فان مصيره إلى الهلاك في حق من لا يرده فكأنه هالك. وفيه قول
مخرج وهو القياس أنه ليس له ألا ما بقي من ملكه وأرش النقص).
النقصان الحاصل في المغصوب نوعان (أحدهما) مالا سراية له فعلى الغاصب أرشه ورد الباقي
لافرق في ذلك بين أن يكون الأرش قدر القيمة كما في قطع يدي العبد أو دونها ولا بين أن
يفوت معظم منافعه أولا يفوت ولابين أن يبطل بالجناية عليه الاسم الأول وأن يبطل قال أبو حنيفة
294

إذا كان الواجب قدر القيمة أو فوت الغاصب معظم منافعه بجنايته كما لو مزق الثوب المغصوب خرقا
أو شقه طولا أو كسر قوائم الدابة أو بعضها لم يكن للمالك أن يغرمه شيئا الا أن يترك المغصوب إليه
وكذا لو ذبح الشاة أو صبغ الثوب بما لا يقبل بعده لونا آخر وهو السواد قال فإذا تصرف فيه بما
أبطل الاسم الأول ملك وغرم قيمته ولا سبيل للمالك إلى أخذه منه وهذا كما إذا أخذه غصب حنطة
فطحنها أو دقيقا فخبزة أو شاة فذبحها وشواها أو صفرا واتخذه آنية أو ثوبا فخاط منه قميصا وساعدنا في
قطع أذن الدابة واحدى يدي العبد وما أشبهها أنه يأخذ الباقي ويغرمه الأرش واحتج الشافعي رضي الله عنه
فقال جناية قطع اليدين فوق جناية جناية قطع إحداهما فإذا لم يستفد بالغرامة في أدنى الجنايتين ملكا
وجب أن لا يستفيد في أعلا الجناتين بطريق أولى وعبارة الأصحاب أنه جنى على ملك الغير فلا يتوقف
تغريمه على تمليكه كما لو قطع إحدى اليدين ولو أراد المالك ترك الناقص عند الغاصب وتغريمه
بدله لم يكن له ذلك فإنه عين ملكه ونقل صاحب المهذب وغيره وجها أنه إذا طحن الطعام
المغصوب للمالك ترك الدقيق ومطالبته بالمثل لأنه أقرب إلى حقه من الدقيق (والنوع الثاني) ماله
سراية لا تزال تزداد إلى الهلاك الكلى كما لو بل الحنطة وتمكن منها العفن الساري أو اتخذ من الحنطة
295

المغصوبة هريسة أو غصب سمنا وتمرا ودقيقا واتخذ منها عصيرة نقل العراقيون عن نصه في الام انه
يجعل كالهلاك ويغرم بدل كل مغصوب من مثل أو قيمة وقولا آخر عن رواية الربيع أنه يرده مع
أرش النقصان ثم قالوا فيه طريقان للأصحاب (أحدهما) اثبات القولين وجه الثاني القياس على النوع
الأول من النقصان ووجه الأول أنه مشرف على التلف والهلاك ولو ترك بحاله لفسد فكأنه هالك
(والطريق الثاني) القطع بالقول الأول وجعله كالهالك أظهر عندهم سواء أثبت القولين أم لا وأما الامام
وصاحب التهذيب فإنهما رويا في المسألة قولين (أرجحهما) أنه يرده مع أرش النقصان وليس للمالك
الا ذلك (والثاني) انه يتخير المالك بينه وبين أن يغرمه بدل ماله من مثل أو قيمة ويجعل كالهالك
لان أرش النقص الساري لا يكاد ينضبط فله أن يكفي نفسه مؤنه الاطلاع عليه وأيضا فإنه إذا لم
يرده وتركه بحاله أيهلك بخلاف ما إذا طحن الحنطة فإنه يرد الدقيق فلو ترك بحاله لا يهلك ونسب الامام
التخير هكذا إلى نص الشافعي رضي الله عنه وبه أجاب طائفة منهم الشيخ أبو محمد والمسعودي هو
كالمتوسط بين ما اختاره العراقيون وبين ما اختاره الامام وصاحب التهذيب وذكر البندنيجي قولا آخر
عن رواية أبي إسحاق في الشرح أنه يتخير الغاصب بين أن يسكنه ويغرمه وبين أن يرده مع أرش النقصان
296

ويخرج المختصر من هذه الروايات أربعة أقوال (تغريمه) كما هلك (رده) وأرش النقصان (تخيير)
الغاصب وإذا قلنا بالأول فقد أورد أبو سعيد المتولي وجهين في أن الحنطة المبلولة لمن تكون (أحدهما) تبقى
للمالك كيلا يكون العدوان قاطعا حقه كما لو نجس زيته وقلنا إنه لا يطهر بالغسل فان كونه للمالك أولى
به (والثاني) أن يكون للغاصب لأنا ألحقناه بالهلاك في حق المالك ولو هلك لم يكن للمالك غير ما أخذه
ضمانا وكذلك ههنا وإذا حكمنا بتغريمه الأرش مع الرد فإنه يغرم أرش عيب سار وهو أكثر من
أرش الفائت ثم قال الشيخ المتولي ان رأى الحاكم أن يسلم الجميع إليه فعل وان رأى سلم أرش النقص
المتحقق في الحال إليه ووقف الزيادة إلى أن تتقين نهايته وفى هذا توقف لان المعقول من أرش العيب
الساري أرش العيب الذي شأنه السراية وانه حاصل في الحال أما المتولد منه فيجب قطع النظر عنه
إذ الكلام في النقصان الذي لا تقف سرايته إلى الهلاك فلو نظرنا إلى المتولد معه لأنجز ذلك إلى أن يكون
أرش العيب الساري تمام قيمته وهو عود إلى القول الأول وقد بين في شرح المفتاح الشيخ
أبو حامد السلمي ذلك فإنه قال في التعبير عن قول التخيير ان شاء المالك ضمنه ما نقص إلى الآن ثم لا شئ
له من زيادة فساد تحصل من بعد وان شاء تركه إليه وطالبه بجميع البدل. ومن صور النوع الثاني ما إذا
صب الماء في الزيت وتعذر تخليصه منه فأشرف على الفساد وعن الشيخ أبى محمد تردد في مرض العبد
المغصوب إذا كان ساريا عسر العلاج كالسل والاستسقاء ولم يرتضه الامام لان المرض المئيوس منه
قد يبرأ والعفن المفروض في الحنطة يفضى إلى الفساد لا محالة (وقوله) في الكتاب وفيه قول مخرج لم
أجد غيره يصغه بكونه مخرجا وقد ذكرنا انهم نقلوه عن رواية الربيع ولا حاجة مع النقل إلى التخريج
نعم ربما لا يبلغ النقل المخرج فيقع الحافر على الحافر.
قال (ولو جني العبد المغصوب جناية قتل بها قصاصا ضمن الغاصب للمالك أقصى قيمته إذ
حصل الفوات تحت يده. وان تعلق الأرش برقبته ضمن الغاصب للمجني عليه كما يضمن المالك إذا
منع البيع وكأن الغاصب مانع. فان تلف العبد في يده ضمن للمجني عليه الأرش وللمالك القيمة.
وان سلم القيمة إلى المالك فللمجني عليه التعلق به لأنه بدل عبد تعلق به أرشه. فإذا أخذه المجني
عليه رجع المالك على الغاصب بما اخذه لأنه لم يسلم له).
297

مقصود الفصل الكلام في جناية العبد المغصوب وسبب ذكره في هذا الموضع ان الجناية
أحد أنواع النقصان ونحن نذكره ونضم إليه حكم الجناية عليه اما جنايته فينظر ان جنى بما يوجب
القصاص واقتص منه في يد الغاصب أقصى قيمه من يوم الغصب إلى الاقتصاص وان جني
بما يوجب القصاص في الطرف واقتص منه في يده غرم بدله كما لو سقط بآفة ولو اقتص منه بعد الرد
إلى السيد غرم الغاصب أيضا لان سبب الفوات حصل في يده وكذا الحكم لو ارتد أو سرق في يد
الغاصب ثم قتل أو قطع بعد الرد إلى المالك ولو غصب مرتدا أو سارقا فقتل أو قطع في يد الغاصب هل
يضمنه الغاصب في النهاية أنه على الوجهين في أنه إذا اشترى مرتدا أو سارقا فقتل أو قطع في يد المشترى
فمن ضمان من يكون القطع والقتل ولو جني المغصوب على نفس أو مال جناية توجب المال متعلقا
برقبته فعلى الغاصب تخليصه بالفداء قال الامام وبم يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ أم بأقل الأمرين
من الأرش ومن قيمة العبد فيه قولان كما إذا أراد المالك تخليص العبد الجاني وفداه قال وهذا
لان وجوب بذل الأرش بتمامه في حق المالك ووجهه أنه امتنع من البيع ولو رغب فيه ربما وقع الظفر
بمن يشتريه بمقدار الأرش ومثل هذا موجود في حق الغاصب لأنه بالغصب مانع ملكه من بيعه
وينزل ذلك منزلة المالك المانع ويترتب عليه تضمينه المجني عليه وهذا ما أشار إليه صاحب الكتاب بقوله
كما يضمن المالك إذا منع البيع وكان الغاصب مانعا ولك أن تقول لو كان يضمنه للمنع من البيع
لسقط الضمان إذا رده إلى المالك لارتفاع الحيلولة ولا يسقط بل لو بيع في الجناية بعد الرد إلى المالك
غرمه الغاصب أيضا كما سيأتي ولم يوجه العراقيون تضمينه بذلك وإنما وجهوه بان جناية العبد لنقص
دخله فكان كسائر وجوه النقصان وسواء جرى الوجهان كما ذكره الامام أولا فالظاهر أنه لا يجب
على الغاصب تحصيله إلا بأقل الامرين وهو المذكور في التتمة فإذا ثبت أن الجاني والجناية مضمونان
على الغاصب فلا يخلوا إما ان يتلف العبد في يد الغاصب أو يرده ان تلف في يده فللمالك تغريمه
أقصى القيم فإذا أخذها فللمجني عليه إن لم يغرم الغاصب له بعد أن يغرم الغاصب وله أن يتعلق بالقيمة
التي أخذها المالك لان حقه كان متعلقا بالرقبة فيتعلق ببدلها كما أن العين المرهونة إذا أتلفها متلف
يتوثق المرتهن ببدلها وحكى الشيخ أبو علي وجها أن القيمة المأخوذة تسلم للمالك ولا يطالبه المجني
298

عليه بها وإنما يطالب الغاصب كما أن المجني عليه لو أخذ الأرش لم يكن للمالك التعلق به فهما كرجلين
لكل واحد منهما دين على ثالث والصحيح الأول وإذا أخذ المجني عليه حقه من تلك القيمة يرجع المالك بما أخذه
على الغاصب لأنه لم يسلم له بل أخذ منه بجناية مضمونة على الغاصب ثم الذي يأخذه المجني عليه قد يكون كل القيمة
بأن كان الأرش مثل القيمة وقد يكون بعضها بأن كانت القيمة ألفا والأرش خمسمائة فلا يأخذ الا خمسمائة ولا يرجع
المالك الا بخمسمائة لان الباقي قد سلم له وكذا لو كان العبد يساوى ألفا فرجع بانخفاض السوق إلى خمسمائة ثم جنى
ومات عند الغاصب فغرمه الملك الألف لم يكن للمجني عليه الا خمسمائة وإن كان أرش الجناية ألفا
لأنه ليس له عليه الا قدر قيمة الجناية وان رد العبد إلى المالك نظر ان رده بعد ما غرم المجني عليه
فذلك وان رد قبله فبيع في الجناية رجع المالك على الغاصب بما أخذه منه لان الجناية حصلت حين
كان العبد مضمونا عليه ويخالف ما إذا جنى في يد المالك ثم غصبه فرده ثم بيع في تلك
الجناية حيث لا يرجع المالك بشئ لان الجناية حصلت وهو غير مضمون عليه وفرع ابن الحداد
على ذلك فقال إذا جني في يد المالك جناية تستغرق قيمته ثم غصب وجني في يد الغاصب جناية أخرى
مستغرقة ثم رده إلى المالك ثم بيع في الجنايتين وقسم الثمن بينهما نصفين يرجع الملك على الغاصب
بنصف قيمة العبد لان إحدى الجنايتين وجدت والعبد في ضمانه فإذا أخذه كان للمجني عليه الأول التعلق
به ولا حق للمجني عليه الثاني ووجه الشيخان أبو علي وأبو محمد بان سبب وجوب هذا النصف إنما
هو الغصب فإنه بالغصب ضمن ما يجنى المغصوب والغصب مقدم على الجناية الثانية فلا يأخذ المجني
عليه الثاني بما يوجب به شيئا كما لو جنى عبده على رجل ثم قطعت يده ثم جنى على آخر ثم قتل
أو مات من سراية القطع فان أرش اليد لا يأخذ منه المجني عليه الثاني شيئا لوجوبه بالقطع المتقدم
على الجناية عليه ثم إذا أخذ المجني عليه الأول لم يرجع المالك على الغاصب لأنه أخذه بسبب جناية
غير مضمونة على الغاصب ولو كان الفرع بحاله وتلف العبد بعد الجنايتين في يد الغاصب فله طلب
القيمة من الغاصب وللمجنى عليه أخذها فإذا أخذها فللمالك الرجوع بنصفها على الغاصب لأنه أخذ
منه النصف بجناية مضمونة على الغاصب فإذا رجع فللمجني عليه الأول أخذه لأنه بدل ما تعلق به حقه
قبل الجناية الثانية وإذا أخذه لم يكن له الرجوع على الغاصب مرة أخرى لأنه مأخوذ بجناية غير
299

مضمونة على الغاصب هذا الظاهر المذهب في الحالتين وقيل إذا رد العبد وبيع في الحالتين فالنصف
الأول يرجع به المالك سلم له ولا يؤخذ منه وإنما يطالب المجني عليه الأول الغاصب بنصف القيمة وإذا
ثبت في يد الغاصب بعد الجنايتين لا يأخذ المالك شيئا والمجني على الأول يطالب بتمام القيمة
والمجني عليه الثاني يطالبه بنصف القيمة ولو جنى العبد المغصوب في يد الغاصب أولا ثم رده إلى المالك
فجنى في يده جناية أخرى وكل واحد منهما مستغرق القيمة فبيع فيهما وقسم الثمن بينهما فللمالك الرجوع
على الغاصب بنصف القيمة للجناية التي هي مضمونة عليه فإذا أخذه قال الشيخ أبو علي سمعت الشيخ القفال
مرة يقول ليس لواحد من المجني عليهما أخذه (أما) الثاني فلان الجناية عليه مسبوقة بجناية مستغرقة
وحق الثاني لم يثبت إلا في نصف القيمة وقد أخذ (وأما) الأول فلان حق السيد في القيمة ثبت
بنفس الغصب وهو مقدم على حق المجني عليه فما لم يصل حقه إليه لا يدفع إلى غيره شيئا وقال وليس
هذا بشئ بل للمجني عليه الأول أخذه كما في المسألة السابقة ولا عبرة بثبوت حق السيد في القيمة
فان حق السيد وإن كان متقدما فيتقدم عليه حق المجني عليه كما في نفس الرقبة قال وقد ناظرت
القفال فرجع إلى قوله وعلى هذا فإذا أخذه المجني عليه الأول رجع به المالك على الغاصب مرة أخرى
ويسلم له المأخوذ ثانيا لان الأول قد أخذ تمام القيمة والثاني لم يتعلق حقه الا بالنصف وقد أخذه
ولو جني في يد الغاصب ثم في يد المالك كما صورنا ثم قتله الغاصب أو غصبه ثانيا فمات عنده أخذت
القيمة منه بين المجني عليهما ثم للمالك أن يأخذ منه نصف القيمة لأنه أخذ منه بسبب جناية مضمونة
عليه فإذا أخذه كان للمجني عليه الأول أن يأخذه منه ثم له أن يرجع على الغاصب مرة أخرى
ويسلم له المأخوذ في هذه المرة وقد غرم الغاصب والصورة هذه القيمة مرتين مرة بجناية العبد في يده
ومرة بالقتل وعلى قياس الوجه الذي سبق يأخذ المجني عليه الأول تمام القيمة من الغاصب والثاني
نصف القيمة وللمالك نصف القيمة ولا تراجع. هذا هو القول في جناية العبد المغصوب (وأما) الجناية
عليه فان قتل نظر ان وجب القصاص بأن كان القاتل عبدا والقتل عمدا فللمالك القصاص فإذا اقتص
برئ الغاصب لأنه أخذ بدل عبده ولا نظر مع القصاص إلى تفاوت القيمة كما لأنظر في الأحرار
إلى تفاوت الدية فإن لم يجب القصاص بأن كان الجاني حرا فعليه بالجناية قيمة يوم القتل سواء قتله
300

الغاصب أو أجنبي والمالك بالخيار بين أن يطالب به الغاصب أو الجاني لكن القرار على الجاني ثم
إن كانت قيمته قبل يوم القتل أكثر ونقصت في يد الغاصب فعليه ما نقص بحكم اليد وإن كان الجاني عبدا
فان سلمه سيده وبيع في الجناية نظر إن كان الثمن مثل قيمة المغصوب أخذه ولا شئ له على الغاصب إلا إذا كانت
القيمة قد نقصت عنه قبل القتل وإن كان الثمن أقل أخذ الباقي من الغاصب فان اختاره سيده فداه (ان قلنا)
يفديه بالأرش أخذه ولا شئ له على الغاصب الاعلى التقدير المذكور (وان قلنا) يفدي بالأقل من أرش
الجناية وقيمة الجاني فإن كانت قيمة المغصوب أكثر من قيمة الجاني فالباقي على الغاصب إن كانت
أقل أو مثلها أخذها المالك ولا شئ له على الغاصب إلا على التقدير المذكور ولو اختار المالك تغريم
الغاصب الفداء فله ذلك ويأخذ منه جميع قيمة المغصوب ثم يرجع الغاصب على سيد العبد الجاني بما
غرم الا مالا يطالب به الا الغاصب هذا إذا كانت الجناية قتلا (أما) الجراحات فاما أن يكون لها
أرش مقدر في حق الحر أولا يكون لها أرش مقدر فالواجب في القسمين ما بينا من قبل فإذا كان
الواجب ما نقص من قيمته بالجناية كان المرعى حالة الاندمال فإن لم يكن حينئذ نقصان لم يطالب
بشئ وإذا كان الواجب مقدرا من القيمة كالمقدر من الدية فيؤخذ في الحال أم يؤخر إلى الاندمال
فيه قولان كما لو كانت الجناية على الحر وسيأتي ذلك في موضعه وإذا كان الجاني غير الغاصب وغرمناه
القدر من القيمة وكان النقص أقصر من ذلك المقدر فعلى الغاصب ما زاد على المقدر فإن كان المقدر
أكثر مما نقص من القيمة فهل يطالب الغاصب بالزيادة على ما نقص من القيمة ذكرنا فيما إذا
سقطت يده بآفة أن الأصح أنه لا يطالب وههنا الظاهر أنه يطالب والقرار على الجاني وترددوا فيما إذا
قطعت يده قصاصا أوحدا لأنه يشبه السقوط بآفة من حيث إنه تلف بلا بدل ويشبه الجناية من
حيث حصوله بالاختيار فان اجتمعت جناية المغصوب والجناية عليه كما إذا قتل العبد المغصوب إنسانا
ثم قتله في يد الغاصب إنسان فللمغصوب منه أن يقتص ويسقط به الضمان عن الغاصب ويبطل حق
ورثة من قتله المغصوب لان العبد الجاني إذا هلك ولم يحصل له عوض يضيع حق المجني عليه نعم
لو كان المغصوب قد نقص عند الغاصب بعروض عيب بعد ما جني فلا يبرأ الغاصب من أرش ذلك
النقصان ولولى من قتله التمسك به وان عرض عيب قبل جنايته فاز المغصوب منه بالأرش لان الجزء *
301

المقابل للأرش كان مقصودا عند الجناية ولو لم يقتص المغصوب منه بل عفي على المال أو كانت الجناية
موجبة للمال فحكم تغريمه وأخذه المال على ما مر في الجناية عليه من غير جناية منه ثم إذا أخذ المال
كان لورثة من جني عليه عبده التعلق به لأنه بدل الجاني على مورثهم فإذا أخذوه رجع المغصوب منه على
الغاصب مرة أخرى لأنه أخذ منه بسبب جناية مضمونة عليه ويسلم له المأخوذ ثانيا على ما مر نظيره.
قال (وإذا نقل الغاصب التراب من أرض المالك فعليه رد التراب بعينه أو رد مثله أو الأرش
لتسوية الحفر والبائع إذا قلع أحجاره يكفيه تسوية الحفر ولا يلزمه الأرش. وقيل في المسألتين
قولان بالنقل والتخريج. والاكتفاء بالتسوية في الموضعين أولى فإنه لا يتفاوت بخلاف بناء الجدار بعد
هدمه وليس للغاصب أن ينقل التراب إلى ملكه الا باذنه. فان منعه لم يكن له ذلك الا إذا تضرر
الغاصب به لتضييقه ملكه أو لوقوعه في شارع يحذر من التعثر به ضمانا. ولو حفر بئرا في داره فله
طمها وان أباه المالك ليخرج عن عهدة ضمان التردي فان أبرأه المالك فالأظهر أن رضاه الطارئ
كالرضا المقرون بالحفر حتى يسقط الضمان به فلا يجوز له الطم بعد رضاه).
نقل التراب من الأرض المغصوبة تارة يكون من غير احداث حفرة فيها كما إذا كشط عن
وجهها وتارة يكون باحداث حفرة فيها كما إذا حفر بئرا أو شق نهرا (الحالة الأولى) إذا كشط وجه
الأرض ونقل التراب فللمالك اجباره على رده إن كان باقيا وان تلف وانمحق بهبوب الرياح والسيول
الجارية رد مثله إليه وعليه إعادة وضعه وهيئته كما كانت من انبساط أو ارتفاع وان لم يطالبه المالك
بالرد نظر إن كان له فيه غرض بأن دخل الأرض نقص وكان ذلك النقص يرتفع بالرد ويتوقع منه
الأرش أو كان نقل التراب إلى ملكه وأراد تفريغه أو إلى ملك غيره أو شارع يحدث من التعثر به
الضمان فله الاستقلال بالرد وان لم يكن شئ من ذلك بل نقله إلى موات أو من أحد طرفي الأرض
المغصوبة إلى الآخر فان منعه المالك من الرد لم يرده وان لم يمنعه فهل يفتقر الرد إلى اذن المالك حكي
في التتمة فيه وجهين بناء على الوجهين في أنه إذا منعه فخالف فرد فهل يفتقر الرد للمالك مطالبته بالنقل ثانيا
إلى الأرض (إن قلنا) لأرد من غير اذن المالك (وان قلنا) نعم افتقر إلى اذنه وهو المذكور في الكتاب
وهو الأظهر وإذا كان له غرض في الرد فرده إلى الأرض فمنعه المالك من بسطه لم يبسط وإن كان في
302

الأصل مبسوطا (الحالة الثانية) إذا حفر في الأرض المغصوبة بئرا فأمره المالك بطمها لزمه الطم وان لم
يأمره المالك كان له أن يستقل بالطم ليدفع عن نفسه خطر الضمان لو تردى فيها مترد وأيضا فقد يكون
في الطم بعض الاغراض المذكورة في الحالة الأولى وقال المزني لا يطم الا بإذن المالك فان منعه المالك
وقال رضيت باستدامة البئر فإن كان للغاصب غرض في الطم سوى دفع ضمان التردي فله الطم وان
لم يكن له غرض سواه فوجهان (أحدهما) له الطم أيضا لان الاذن الطارئ لا يرفع حكم الحفر المتقدم
(وأظهرهما) ويحكي عن أبي حنيفة المنع ويندفع عنه الضمان لخروجه عن أن يكون جناية وتعديا ولو
لم يقل رضيت باستدامتها واقتصر على المنع من الطم ففي التتمة أنه كما لو صرح بالرضي لتضمنه إياه
وقال الامام لا يتضمنه ولو كان الغاصب قد طم البئر بآلة نفسه فله نقلها وللمالك اجباره عليه فان تركها
ووهبها منه لم يلزمه القبول على أظهر الوجهين وحيث قلنا في الحالتين أنه يرد التراب إلى الأرض
المغصوبة لوقوعه في ملكه أو في شارع فذاك إذا لم يتيسر نقله إلى موات ونحوه في طريق الرد فان
تيسر لم يرده الا بالاذن قاله في النهاية وذكر أنه يستقل بطم البئر إذا بقي التراب الأول بعينه (أما)
إذا تلف ففي الطم بتراب آخر دون أذن المالك وجهان وينبغي أن يجري هذا الخلاف في الحالة الأولى
وفيما إذا طلب المالك الرد والطم عند تلف ذلك التراب والظاهر فيها جميعا أنه لافرق بين ذلك
التراب وغيره أما إذا أعاد هيئة الأرض في الحالتين إلى ما كانت عليه اما بطلب المالك أو دونه نظر
ان لم يتفق في الأرض نقص فلا أرش عليه ولكن عليه أجرة المثل لمدة الحفر والرد وان بقي
فيها نقص وجب عليه الأرش مع الأجرة هذا ما به الفتوى في مسألة الفصل من أولها إلى هذا
الموضع ووراءه تصرف الأصحاب قالوا النص فيما نحن فيه ان يجب أرش النقص الحاصل بالحفر ولم
يوجب التسوية لأنه نص على ذلك فيما إذا غرس الأرض المغصوبة ثم قلع بطلب المالك وإذا باع
أرضا فيها أحجار مدفونة فقلعها ونقلها نص أنه يلزمه تسوية الأرض واختلفوا فيها على طريقين
(أحدهما) أن في الصورتين قولين بالنقل والتخريج (أحدهما) أن الواجب في الموضعين أرش
303

النقصان لان الزام التسوية تقابل فعل بمثله فصار كما إذا هدم جدار الغير لا يكلف بإعادة (والثاني)
أن الواجب التسوية لتعود الأرض إلى ما كانت ومهما أمكن التضمين بالمثل لا يصار إلى التضمين
بالقيمة ويفارق هدم الجدار كما تقدم في البيع (والطريق الثاني) تقرير النصين وفرقوا بان الغاصب
متعد فغلظ عليه الامر بايجاب الأرش لكن لا متانة لهذا الفرق لان مؤنة التسوية قد تزيد على
أرش النقصان الحاصل بالحفر فلا يظهر زيادة تغليظ بايجاب الأرش وأيضا فانا إذا أوجبنا التسوية
وبقى بعد التسوية نقصان من الأرش يجب أرشه نص عليه الأئمة ولا يدمنه والا كان الضمان
دون الفائت وإذا أوجبنا أرش النقصان الباقي بعد التسوية مع التسوية لم يكن فيه تخفيف والله أعلم. وإذا
نظرت في لفظ الكتاب أفهمك ظاهره انصراف الطريقين إلى شئ آخر وهو أن الواجب مجرد
التسوية أم يجب مع التسوية أرش النقص الباقي لأنه قال فعليه رد التراب والأرش وأيضا قال
يكفيه تسوية الحفر ولا يلزمه الأرش وأيضا قال والاكتفاء بالتسوية في الموضعين أولى لكن
الاعتماد على ما نقلناه وإن كان المراد ما اشعر به ظاهره كما أنتظم الوجه بقوله فإنه لا يتفاوت بخلاف بناء
الجدار بعد هدمه لان هذا المعنى لا يقتضى القناعة بالتسوية والاضراب عن أرش النقصان الباقي بعدها
وإنما هو توجيه القول الصائر إلى وجوب التسوية والفرق بين إعادة الجدار بعد هدمه وبين التسوية إلى المغصوب
منه لا إلى الأرش ويكون معنى قوله والأرش لتسوية الحفر وقوله يكفيه تسوية الحفر ولا يلزمه الأرش
يؤمر بالتسوية ولا يكلف الأرش أو ما أشبه ذلك ويجوز أن يعلم بالواو وقوله في الكتاب وتسوية الحفر في
مسألة بيع الأرض التي فيها حجارة مدفونة من كتاب البيع كما عرفته ههنا وكنا قد أحلنا شيئا من الكلام
فيه إلى هذا الموضع واعلم أن توجيه هذا الخلاف الذي شرحناه يقتضى طرده في طم البئر لكنهم سكتوا
عنه وقوله وليس له أن ينقل التراب إلى ملكه يجوز اعلامه بالواو ولما سبق وقوله وله طمه وان أباه
304

المالك أي لم يرده ولم يأذن فيه أما إذا صرح بالمنع مع الرضى باستدامة البئر فهو على الوجهين اللذين
ذكرهما عقبه وليعلم قوله وان أباه بالزاي وقوله فان أبرأه المالك أي عن ضمان التردي وهذا اللفظ
قد استعمله كثير من الأصحاب قال الامام وليس المراد منه حقيقة الابراء فان الضمان حق عساه يثبت
للمتردي فكيف يبرئ عن حق الغير قبل ثبوته وإنما المراد الرضا بابقاء البئر كما قد مناه
. قال (وإذا خصى العبد فعليه كما قيمته. قان سقط ذلك العضو بآفة سماوية فلا شئ (و)
عليه لأنه به تزيد قيمته. وكذلك إذا نقص السمن المفرط ولم ينقص من القيمة)
إذا خصى العبد المغصوب فهو على القولين السابقين في أن جراح العبد هل تتقدر (ان قلنا)
بالجديد وهو أنه تتقدر لزمه كمال القيمة (وان قلنا) لا تتقدر فالواجب ما نقص من القيمة فإن لم ينقص
شئ فلا شئ عليه ولو سقط ذلك العضو بآفة سماوية وزادت قيمته ورده فلا شئ عليه على القولين
نعم قياس الوجه الذي قدمناه في أنه يضمن بالتلف تحت اليد العادية كما يضمن بالجناية أن يجب كمال
القيمة فلو كان بالجارية سمن مفرط فزال ورجع إلى حد الاعتدال ولم تنقص قيمتها لم يلزمه شئ لان
السمن ليس له بدل مقد بخلاف الأنثيين ويجوز أن يعلم لما ذكرناه قوله فعليه كمال قيمته بالواو
وكذا قوله فلا شئ عليه.
305

قال (ولو عاد الزيت بالاغلاء إلى نصفه ضمن مثل نصفه وان لم تنقص القيمة لان له
مثلا. وكذا في اغلاء العصير. وقال ابن سريج لا يضمن في العصير لان الذاهب مائية غير متمولة
بخلاف الزيت).
إذا غصب زيتا أو دهنا فأغلاه فاما أن تنقص عينه أو قيمته أو كليهما أولا ينقص واحد منهما
فان نقصت عينه دون قيمته كما إذا غصب صاعين قيمتهما درهمين فعادا بالاغلاء إلى صاع قيمته درهمان
ففيه وجهان (أحدهما) ويروى عن صاحب التلخيص أنه يرده ولا غرم عليه لان ما فيه من الزيادة
والنقصان استند إلى سبب واحد فيجبر النقصان بالزيادة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يرده
ويغرم مثل الصاع الذاهب لان للزيت بدلا مقدرا وهو المثل فصار كما لو جني وخصى العبد والزيادة
الحاصلة أثر محض لا ينجبر به النقصان كما لا يستحق به الغاصب شيئا إذا لم يكن نقصان. وان نقصت
قيمته دون عينه رده مع أرش النقصان. وان انتقصا جميعا فالواجب عليه مع رد الباقي مثل ما ذهب
بالاغلاء إلا إذا كان ما نقص من القيمة أكثر مما نقص من العين فيلزمه مع مثل الذاهب أرش نقصان
الباقي وان لم ينقص واحد منهما رده ولا شئ عليه * ولو غصب عصيرا وأغلاه فهل هو كالزيت حتى
يضمن مثل الذاهب إذا لم تنقص القيمة فيه وجهان (أحدهما) نعم وبه قال أبو علي الطبري لأنه
مضمون بالغلي كالزيت (والثاني) لا وبه قال ابن سريج والفرق أن حلاوة العصير باقية والذاهب
306

مائية ورطوبة لا قيمة لها والذاهب من الزيت زيت متقوم وهذا أصح مما ذكره الشيخ أبو حامد والقاضي
الروياني ومن قال به قطع بأنه لا يضمن مثل العصير الذاهب وايراد صاحب الكتاب يقتضي ترجيح
الوجه الأول وربما يقول من رجحه الذاهب من الزيت المائية أيضا الا أن مائيته أقل وعلى هذا أن
يعود الوجهان المذكوران في أنه هل يضمن مثل الزيت الذاهب إذا لم تنتقص القيمة والخلاف
المذكور فيما إذا أغلى العصير يجرى فيما إذا صار خلا وانتقص عينه دون قيمته وكذا وإذا صار
الرطب تمرا.
قال (ولو هزلت الجارية ثم سمنت. أو نسي الصنعة ثم تذكر. أو أبطل صنعة الاناء ثم
أعاد مثله ففي حصول الجبر وجهان. ولو أعاد صنعة أخرى فلا ينجبر أصلا).
نقصان المغصوب هل ينجبر بالكمال بعده ينظر إن كان الكمال من الوجه الذي حصل فيه
النقصان كما لو هزلت الجارية ثم سمنت وعادت كما كانت ففيه وجهان (أحدهما) ينجبر ويسقط
الغرم كما لو أبق العبد فعاد وكما لو جني على عين فابيضت ثم زال البياض (وأظهرهما) المنع لان السمن
الثاني غير الأول ويروى هذا عن الإصطخري والأول عن ابن أبي هريرة والوجهان عند القاضي
أبي الطيب مبنيان على الخلاف فيما إذا قلع سن كبير وعاد وضعفه صاحب التتمة لان عود سن الكبير
نادر وعود السمن ليس بنادر فهو بعود سن الصغير أشبه وأجري الوجهان فيما إذا كان العبد المغصوب
307

صانعا فنسي الصنعة ثم تذكرها أو تعلمها ومنهم من قطع ههنا بالانجبار لان السمن الثاني زيادة في
الجسم محسوسة مغايرة لما كان وتذكر الصنعة لا يعد في العرف شيئا متجددا والظاهر ههنا الانجبار
سواء ثبت الخلاف أم لا ومنهم من قطع في السمن بعدم الانجبار وخص الخلاف بالصورة الثانية
وحكاه في التهذيب عن صاحب التلخيص وإذا قلنا بالانجبار فلو لم تبلغ القيمة بالعائد إلى القيمة الأولى
ضمن ما بقي من النقصان وانجبر ما وراءه بما عاد ويجرى الخلاف فيما إذا كسر الحلى والاناء المغصوبين
ثم أعاد تلك الصنعة ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب وجهان بالواو للطريقة القاطعة بعدم
الانجبار بعود السمن وبالانجبار في تذكر الصنعة وإن كان الكمال من وجه آخر بان نسي صنعة
وتعلم أخرى أو أبطل صنعة الاناء وأحدث صنعة أخرى فلا انجبار بحال وعلى هذا لو تكرر النقصان
وكان الناقص كل مرة مغاير للنوع الناقص في المرة الأخرى ضمن الكل حتى لو غصب جارية
قيمتها مائة فسمنت وبلغت القيمة ألفا وتعلمت صنعة فبلغت القيمة الفين ثم هزلت ونسيت الصنعة
فعادت قيمتها إلى مائة يردها ويغرم ألفا وتسعمائة ولو علم العبد المغصوب سورة من القرآن أو حرفة
فنسيها ثم علمه حرفة أو سورة أخرى فنسيها أيضا ضمنها وان لم تكن مغايرة كما إذا علمه سورة واحدة
أو حرفة واحدة مرارا وهو ينساها في كل مرة (فان قلنا) لا يحصل الانجبار بالعائد ضمن النقصان كل
مرة (وان قلنا) يحصل ضمن أكثر المرات نقصانا.
308

(فرع) لو زادت قيمة الجارية بتعلم الغناء ثم نسيته نقل القاضي الروياني عن النص انه
لا يضمن النقصان لأنه غير محترم والمضمون الزيادة المحترمة وعن بعض الأصحاب أنه يغرمه ولهذا لو قتل
عبدا مغنيا يغرم قيمته قال وهو الاختيار.
(فرع) مرض العبد المغصوب ثم برئ وزال أثر المرض لا شئ عليه مع رده وفيه وجه
بعيد أنه يضمن النقص الحاصل بالمرض ولا يسقط عنه بالبرء وكذا الحكم فيما لو رده مريضا ثم
برئ وزال الأثر.
(فرع) غصب شجرة فتحاث ورقها ثم أو رقت أو شاة فجز صوفها ثم نبت غرم الأول
ولا ينجبر بالثاني بخلاف ما لو سقط من الجارية المغصوبة ثم نبت أو انمعط شعرها ثم نبت يحصل
الانجبار قاله في التهذيب لان الورق والصوف متقومان فيغرمهما وسن الجارية وشعرها غير متقومين وإنما
يغرم أرش النقص الحاصل بفقدانها وقد زال.
قال (ولو غصب عصيرا فصار خمرا ضمن مثل العصير لفوات المالية. ولو صار خلافا لأصح
أنه يرد مع أرش النقصان إن كان الحل أنقص قيمة. وقيل يغرم مثل العصير ويرد الخل وهو رزق
جديد كالسمن العائد. وكذا الخلاف في البيض إذا تفرخ. والبذر إذا زرع. والأصح الاكتفاء
به فإنه استحالة إلى زيادة. ولو غصب خمرا فتخلل في يده. أو جلد ميتة فدبغه فالأصح أن الخل
(ح) والجلد للمغصوب منه. وقيل بل للغاصب فإنه حصل بفعله مما لا مالية للمالك فيه).
309

في باقي الفصل مسألتان (إحداهما) إذا غصب عصيرا فتخمر عنده كان للمغصوب منه تضمينه
مثل ما لعصير لفوات المالية وذكروا أن على الغاصب إراقة الخمر فلو جعلت محترمة كما لو تخمرت في يد
المالك من غير قصد التخميرية لكان جائزا ولو تخللت في يد الغاصب فوجهان (أصحهما) أن الخل
للمالك وعلى الغاصب أرش النقصان إن كانت قيمة الخل أنقص (والثاني) أنه يغرم مثل العصير لأنه
بالتخمير كالتالف وعلى هذا ففي الخل وجهان (أحدهما) أنه للغاصب كما لو غصب الخمر فتخللت
يكون الخل للغاصب على وجه (وأظهرهما) أنه للمالك لأنه فرع ملكه ويجوز أن يكون الخل له
ولا يسقط الضمان اللازم قبل التخلل كما في السمن العائد على أحد الوجهين ويجرى هذا الخلاف فيما
إذا غصب بيضة فتفرخت عنده أو بذرا فزرعه فنبت أو بزر قز فصار قزا فعلى الأصح الحاصل للمالك
ولا يغرم الغاصب شيئا إلا أن يكون الحاصل أنقص قيمة مما عصبه لان المغصوب قد عاد إليه زائدا
وعلى الثاني يغرم المغصوب لهلاكه والحاصل للمالك في أظهر الوجهين وللغاصب في الآخر وبه قال أبو
حنيفة والمزني ويجوز أن يعلم لما ذكرنا قوله ويرد الخل بالواو (وقوله) والأصح الاكتفاء به بالحاء
والزاي لان اكتفاء المالك مفرع على أنه له وهما لا يجعلان الحاصل له ثم الاكتفاء فيما إذا لم يكن
الحاصل نقص وهو الغالب (الثانية) إذا غصب خمرا فتخللت في يده أو جلد ميتة فدبغه فوجهان
(أصحهما) أن الخل والجلد للمغصوب منه لأنه فرع ملكه فعلى هذا إذا تلف في يده غرمه (والثاني)
أنهما للغاصب لحصولهما عنده بما ليس بمال وفي المسألة طريقان آخران (أحدهما) القطع بان الخل للمالك
وتخصيص الوجهين بالجلد بأن الجلد صار مالا بفعله والخمر تخللت بنفسها (والثاني) القطع بأن الجلد
للمالك وتخصيص الوجهين بالخل لان جلد الميتة يقتنى والخمر التي غصبها لا يجوز اقتناؤها فإن كانت الخمر
محترمة كانت كجلد الميتة وإذا جمعت الطرق واختصرت قلت هما للمالك أو للغاصب أو الخل للمالك
والجلد للغاصب أو بالعكس فيه أربعة أوجه وإذا حكمنا بأنها للمالك وذلك فيما إذا لم يكن المالك معرضا
310

عن الخمر والجلد (وأما) إذا كان قد أرق الخمر أو القى جلد الشاة الميتة فأخذهما أحد هل للمعرض
استرداد الحاصل فيه وجهان لأنه أبطل اختصاصه بالابقاء (وقوله) في الكتاب فإنه حصل بفعله فيما
لا مالية للمالك فيه هذا في الجلد ظاهر وفي الخمر كأنه يعني به الحفظ والامساك إلى أن تتخلل.
قال (الثاني في الزيادة فإذا غصب حنطة فطحنها. أو ثوبا فقصره. أو خاطه. أو طينا
فضر به لبنا. أو شاة فذبحها وشواها لم يملك (ح) شيئا من ذلك. بل يرده على حاله وأرش النقص
ان نقص. وان غصب نقرة فصاغها حليا ردها كذلك. ولو كسره ضمن الصنعة وإن كانت من
جهته لأنها صارت تابعة للنقرة. فان أجبره المالك على رده إلى البقرة فله ذلك ولا يضمن أرش الصنعة.
ويضمن ما نقص من قيمة أصل النقرة بالكسر).
الزيادة في المغصوب تنقسم إلى آثار محضة والى أعيان (أما القسم الأول) فالقول الجملي فيه أن
الغاصب لا يستحق بتلك الزيادة شيئا لتعديه ثم ينظران لم يمكن رده إلى الحالة الأولى رده بحاله وأرش النقص
وان نقصت قيمته وان أمكن رده إلى الحالة الأولى فان رضى به المالك لم يكن للغاصب رده إلى ما كان وعليه
أرش النقص إن كان فيه نقص الا أن يكون له غرض في الرد إلى الحالة الأولى فله الرد وان ألزمه
الرد إلى الحالة الأولى لزمه ذلك وأرش النقص ان نقص عما كان قبل تلك الزيادة. إذا تقرر ذلك فمن
صور هذا القسم طحن الحنطة وقصارة الثوب وخياطته وضرب الطين لبنا وذبح الشاة وشيها ولا يملك
الغاصب المغصوب بشئ من هذه التصرفات بل يردها مع أرش النقص ان نقصت القيمة وقد ذكرنا
خلاف أبي حنيفة وإنما تكون الخياطة من هذا القسم إذا خاط بخيط المالك (أما) إذا كان الخيط
للغاصب فستأتي نظائره في الطحن والقصارة والذبح والشئ لا يمكن الرد إلى ما كان وكذا في شق
الثوب وكسر الاناء ولا يجبر على رفو الثوب واصلاح الاناء لأنه لا يعود إلى ما كان بالرفاء والاصلاح
وعن مالك أنه يجبر عليها كما في تسوية الحفر ولو غزل القطن المغصوب رد الغزل وأرش النقص إن نقص
311

ولو نسج الغزل المغصوب فالكرباس للمالك مع أرش النقص ان قرض نقص وليس للمالك اجباره على
نقضه إن كان لا يمكن رده إلى الحالة الأولى ونسجه ثانيا وان أمكن كالخز فله اجباره عليه فان نقضه
ونقصت قيمته عن قيمة الغزل في الأصل غرمه ولا يغرم ما كان قد زاد بالنسج وفات بالنقض لان
المالك أمره بذلك فان نقض من غير اذن المالك ضمنه أيضا ولو غصب نقرة وضربها دراهم أو صاغ
منها حليا أو غصب نحاسا أو زجاجا واتخذ منه اناء فان رضى المالك به رده كذلك وان لم يكن له
رده إلى الحالة الأولى الا أن يكون ضرب الدراهم بغير اذن السلطان أو على غير عياره لأنه حينئذ
يخاف التغرير.
قال (ولو غصب ثوبا قيمته عشرة وصبغه بصبغ قيمته عشرة فصارت قيمة الثوب عشرين
فهما شريكان. فيباع ويقسم الثمن بينهما. فان وجد زبون يشترى بثلاثين صرف إلى كل واحد
خمسة عشر. وان عاد الثوب إلى خمسة عشر بالصبغ حسب النقصان على الصبغ. وان عاد إلى ثمانية
ضاع الصبغ وغرم الغاصب درهمين. وكذا القول في ثبوت الشركة إذا طير الريح الثوب إلى إجانة
صباغ. أو صبغ الثوب المغصوب بصبغ مغصوب من غيره. فان قبل الصبغ الفصل أجبر الغاصب
على فصله كما يجبر على قلع الزرع والغراس والبناء وان نقص زرعه به. وقال ابن سريج لا يجبر على
فصل الصبغ إن كان يضيع بالفصل أولا تفي قيمته بما يحدث في الثوب من نقصان بسبب الفصل.
ومهما طولب بالفصل وكان يستضر به فلو تركه على المالك أجبر على قبوله في وجه كالنعل في الدابة
المردودة بالعيب. وان لم يكن عليه ضرر لم يكن له الاجبار على القبول. ولو بذل المالك قيمة الصبغ
لم يكن له أن يتملك عليه فان بيع الثوب للخلاص من الشركة سهل. بخلاف المعير يتملك بناء
المستعير ببدل لان بيع العقار عسير. ومهما رغب المالك في بيع الثوب أجبر الغاصب على بيع
الصبغ ليصل كل واحد إلى الثمن. فان رغب الغاصب ففي اجبار المالك وجهان).
312

القسم الثاني الأعيان فمن صوره صبغ الثوب المغصوب ونقدم عليه وصورتين مقصودتين في
نفسهما ويحتاج إليهما في مسألة الصبغ (إحداهما) إذا غصب أرضا وبني فيها أو غرس أو زرع كان
لصاحب الأرض أن يكلفه القلع قال صلى الله عليه وسلم (ليس لعرق ظالم حق) (1) وعن أحمد أنه
لا يكلف قلع الزرع مجانا لان له غاية تنتظر ولكن يخير صاحب الأرض بين أن يبقيه بأجرة وبين
أن يتملكه ويغرم مثل البذر وأجرة عمله ولو أراد الغاصب القلع لم يكن للمالك منعه فإنه عين ماله
وإذا قلع فعليه الأجرة وفي وجوب التسوية أو الأرش ما قدمناه في نقل التراب وان نقصت الأرض
لطول مدة الغراس فيجمع بين أجرة المثل وأرش النقص أولا يجب الا أكثرهما فيه الخلاف
المذكور فيما إذا أبلى الثوب بالاستعمال ولو أراد صاحب الأرض أن يتملك البناء أو الغراس بالقيمة
أو تبقيتهما أو الزرع بالأجرة هل على الغاصب اجابته قال في التتمة فيه وجهان (أحدهما) نعم
313

كالمستعير وبل أولى فان الغاصب متعد (وأظهرهما) المنع لتمكنه من القلع بلا غرامة بخلاف المعير
وهذا ما ذكره الامام حكاية عن القاضي الحسين * ولو غصب من رجل أرضا وبذرا وزرعها به فللمالك
أن يكلفه اخراج البذر من الأرض ويغرمه أرش النقصان وليس للغاصب اخراجه إذا رضي المالك
(الثانية) إذا زوق الدار المغصوبة نظر إن كان بحيث لو نزع حصل منه شئ فللمالك اجباره على النزع
وان تركه الغاصب ليدفع عنه كلفة النزع هل يجبر المالك على قبوله فيه وجهان نشرحهما في مسألة
الصبغ ولو أراد الغاصب نزعه فله ذلك لأنه عين ماله ولا فرق بين أن يكون للمنزوع قيمة أولا يكون
فإذا نزع فنقصت الدار عما كانت قبل التزويق لزمه الأرش وإن كان التزويق محض تمويه لا يحصل
منه عين لو نزع فليس للغاصب النزع ان رضى المالك وهل له اجباره عليه فيه وجهان (أحدهما) نعم
لأنه قد يريد تغريمه أرش النقص الحاصل بإزالته (والثاني) لا كما في الثوب إذا قصر وقال في التهذيب
وهو الأصح. إذا عرفت ذلك عدنا إلى الصبغ وقلنا للصبغ الذي يصبغ به الثوب أحوال (أن يكون)
للغاصب فينظر إن كان الحاصل تمويها محضا فالحكم على ما ذكرنا في التزويق وان حصل بالانصباغ
عين مال فيه فاما أن لا يمكن فصله عنه أو يمكن (القسم الأول) إذا لم يمكن فصله عنه فعن صاحب
التقريب حكاية قول عن القديم أنه يفوز به صاحب الثوب تشبيها له بالسمن (والمذهب) المشهور أنه
ليس له ذلك لكن قضية الشركة بين المالك والغاصب لأنه عين مال له انضم إلى ملك المغصوب منه
بخلاف السمن وبخلاف القصارة والطحن ونحو هما فإنهما آثار محضه وحينئذ ينظر إن كانت قيمة الثوب
مصبوغا مثل قيمته وقيمة الصبغ قبل الصبغ كما إذا كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة وهو
314

يساوى بعد الصبغ عشرين فهو بينهما بالسوية حتى لو وجدا راغبا باعاه منه بثلاثين فهي بينهما وان
نقصت قيمته مصبوغا عن قيمتها بأن عاد الثوب مصبوغا والتصوير كما سبق إلى خمسة عشر أطلق
الأكثرون بأن النقصان محسوب من الصبغ لان الأصل هو الثوب والصبغ وإن كان علينا كالصفة
التابعة للثوب فيكون الثوب المصبوغ بينهما أثلاثا الثلثان للمغصوب منه والثلث للغاصب وفي الشامل
والتتمة انه إن كان النقصان لانخفاض سوق الثياب فالنقصان محسوب من الثوب وإن كان لانخفاض
سوق الاصباغ فمن الصبغ وكذا لو كان النقصان بسبب العمل لان صاحب الصبغ هو الذي عمل
ويمكن أن يكون اطلاق من أطلق منزلا على هذا التفصيل وإن كانت قيمته بعد الصبغ عشرة
انمحق الصبغ ولا حق فيه للغاصب وان تراجعت القيمة وكان الثوب مصبوغا يساوى ثمانية فقد
ضاع الصبغ ونقص من الثوب درهمان فيرده مع درهمين وان زادت قيمة الثوب مصبوغا عن قيمتها
قبل الصبغ بان بلغت ثلاثين في الصورة المذكورة فمن أطلق الجواب في طرف النقصان أطلق القول
ههنا بأن الزيادة بينهما على نسبة ماليهما ومن فصل قال إن كان ذلك لارتفاع سوق الثياب فالزيادة
لصاحب الثوب وإن كان لارتفاع سوق الاصباغ فهي للغاصب وإن كان للعمل والصنعة فهي بينهما
لان كل واحد منهما قد زاد بالصنعة والزيادة الحاصلة بفعل الغاصب إذا استندت إلى الأثر المحض
تسلم للمغصوب منه (القسم الثاني) إذا أمكن فصله من الثوب (فعن) صاحب التقريب نقلا عن القديم
انه إن كان المفصول لا قيمة له فهو كالسمن (والمذهب) انه ليس كالسمن وان لا يفوز به المغضوب منه
315

هل يملك اجبار الغاصب على فصله فيه وجهان (أحدهما) نعم كما يملك اجباره على اخراج الغراس
ويحكي هذا عن ابن خيران وأبي اسحق في الزيادات على الشرح (والثاني) لاوبه قال ابن سريج
لما فيه من الضرر بخلاف الغراس فإنه لا يضيع بالاخراج ولان الأرض بالقلع تعود إلى ما كانت والثوب
لا يعود ولان الأشجار تنتشر عروقها وأغصانها فيخاف ضررها في المستقبل وهذا أظهر عند أصحابنا
العراقيين وقال صاحب التهذيب في طائفة الأول أصح وكذا ذكره الامام وحكى قطع المراوزة به وان
موضع الوجهين ما إذا كان الغاصب يخسر بالفصل خسرانا بينا وذلك قد يكون لضياع المنفصل بالكلية
وقد يكون لحقارته بالإضافة إلى قيمة الصبغ ومن جملة الضياع ان يحصل في الثوب نقصان بسبب
الفصل لا يفي بأرشه قيمة المفصول ولو رضى المغصوب منه بابقاء الصبغ وأراد الغاصب فصله فله ذلك أن
لم ينتقص الثوب وان انتقص قال الامام يبنى على الخلاف في أن المغصوب منه هل يجبره على
الفصل (ان قلنا) لا لم يفصله (وان قلنا) نعم فله ذلك وهو الأظهر ويحكى الأول عن أبي الطيب بن سلمة
وان تراضيا على ترك الصبغ بحاله فهما شريكان وكيفية الشركة كما بينا في القسم الأول ثم الكلام
في فروع (أحدها) لو ترك الغاصب الصبغ على المالك ففي اجباره على القبول وجهان ووجه الاجبار
صيرورته كالصفة التابعة للثوب وأيضا فان المشترى إذا انعل الدابة ثم اطلع على عيبها فردها مع النعل
لكان يعيبها لو نزع النعل يجبر البائع على القبول ووجه المنع القياس الظاهر ويدل عليه أنه لاجبر
على قبول البناء والغراس إذا تركه الغاصب وذكر القاضي الروياني ان الأول ظاهر المذهب لكن
الثاني أقيس وأشبه ويخالف مسألة النعل لان الغاصب متعد والمشترى غير متعدي على أنه لو الحق
بما إذا صبغ المشتري الثوب بما زاد في قيمته ثم اطلع على عيبه فرده مسامحا بالصبغ لكان أقرب
316

لما مر من أن الصبغ يصير ملكا للبائع (فأما) في مسألة النعل فإنه يجبر على قبول النعل وفي دخول
النعل في ملكه اختلاف مذكور في موضعه وذكر الامام في الفرع شيئين (أحدهما) ان في موضع
الوجهين طريقين (أحدهما) أنهما مطردان فيما إذا أمكن فصل الصبغ وفيما إذا لم يمكن (وأظهرهما)
التخصيص بما إذا أمكن وقلنا إن الغاصب يجبر على الفصل والا فهما شريكان لا يجبر واحد منهما على
قبول الهبة من الآخر وعلى هذا فطريقان (أحدهما) ان الوجهين فيما إذا كان يتضرر بالفصل إما لما يناله من التعب
أو لان المفصول يضيع كله أو معظمه فإن لم يكن كذلك لم يلزمه القبول بحال (والثاني) ان الوجهين
فيما إذا كان الثوب ينقص بالفصل نقصانا لا يفي بأرش قيمته الصبغ المفصول فان وفى لم يلزمه القبول
وان تعيب أوضاع معظم المفصول (والثاني) إذا قلنا بلزوم القبول على المغصوب منه فلا حاجة إلى تلفظه
بالقبول و (أما) من جهة الغاصب فلا بد من لفظ يشعر بقطع الحق كقوله أعرضت عنه أو تركته إليه
أو أبرأته عن حقي أو أسقطته قال ويجوز أن يعتبر اللفظ المشعر بالتمليك (الثاني) لو بذل المغصوب منه
قيمة الصبغ وأراد أن يتملكه على الغاصب هل يجاب إليه فيه وجهان سواء كان الصبغ مما يمكن
فصله أو مما لا يمكن (أحدهما) نعم ويجبر الغاصب على قبوله لينفصل الامر بينهما وقد شبه ذلك بما إذا
رجع المعير وقد بني المستعير أو غرس فان له أن يتملكه عليه بالقيمة وبهذا قال أبو حنيفة (وأظهرهما)
317

وهو المذكور في الكتاب المنع ويفارق مسألة العارية لان المعير لا يتمكن من القلع مجانا فكان محتاجا
إلى التمليك بالقيمة وههنا بخلافه وأيضا فان بيع العقار عسير وبيع الثوب سهل وبه يحصل الخلاص
من الشركة وفي التتمة أنه إن كان الصبغ بحيث لو فصل حصل منه شئ ينتفع به ففي تملك المغصوب
منه الوجهان المذكور ان في الغراس والبناء وإن كان لا يحصل منه شئ فله تملكه لا محالة فيتولد
من هذا وجه ثالث فارق (الثالث) متى اشتركا في الثوب المصبوغ فهل لأحدهما الانفراد ببيع ما يملكه
منه جعله الامام على الوجهين في بيع دار لا ممر لها لأنه لا يتأتى الانتفاع بأحدهما دون الآخر (والأظهر)
المنع فلو رغب مالك الثوب في البيع ففي المهذب والتهذيب أنه يباع ويجبر الغاصب على موافقته
ووجهه أن المالك ان لم يتمكن من بيع الثوب وحده فامتناع الغاصب منع له من بيع ماله وان تمكن
فلا شك في عسر البيع عليه لقلة الراغبين فيه والغاصب متعد فليس له الاضرار بالمالك بالمنع من البيع
وتعسيره وان رغب الغاصب في البيع ففي اجبار المالك على موافقته وجهان (أحدهما) يجبر تسوية
بين الشريكين ليصل كل واحد منهما إلى عين ملكه (وأظهرهما) المنع كيلا يستحق المتعدى بتعديه
إزالة ملك غير المتعدى وفي النهاية أن واحدا منهما لا يجبر على موافقة الآخر على قياس الشركة في
الأموال (الحالة الثانية) أن يكون الصبغ مغصوبا من غير مالك الثوب أيضا فإن لم يحدث بفعله نقصان
318

وبلا غرم على للغاصب وهما شريكان في الثوب المصبوغ كما سبق في الغاصب والمالك وان حدث نظر
إن كانت قيمته مصبوغا عشرة والتصوير كما تقدم فهو لصاحب الثوب ويغرم الغاصب الصبغ للآخر
وإن كانت قيمته خمسة عشر روى صاحب التهذيب ان الثوب بينهما بالسوية ويرجعان على الغاصب
بخمسة قال والقياس أن يكون بينهما أثلاثا كما مر في الحالة الأولى وهذا ما نقله غيره وهو الحق فإن كان
مما يمكن فصله فلهما تكليف الغاصب الفصل فان حصل بالفصل نقص فيهما أو في أحدهما كان
قبل الصبغ غرمه الغاصب ولصاحب الثوب وحده طلب الفصل أيضا إذا قلنا إن الملك يجبر الغاصب
على الفصل في الحالة الأولى وهذا إذا حصل بالانصباغ عين مال في الثوب فإن لم يحصل الا بمؤنة
فالحكم ما بينا في التزويق ويقاس بما ذكرنا في الحالتين ثبوت الشركة فيما إذا طير الريح ثوب
انسان في إجانة صباغ ونصبغ لكن ليس لأحدهما أن يكلف الآخر الفصل ولا التغريم ان حصل
نقص في أحدهما إذ لا تعدى ولو أراد صاحب الثوب تملك الصبغ بالقيمة فعلى ما تقدم (الحالة الثالثة) أن
يكون الصبغ مغصوبا من مالك الثوب أيضا فإن لم يحدث بفعله نقصان فهو للمالك ولا غرم على الغاصب
ولا شئ له ان زادت القيمة لان الموجود منه أثر محض وان حدث بفعله نقصان غرم الأرش وإذا
أمكن الفصل فللمالك اجباره عليه وليس للغاصب الفصل إذا رضى المالك (واعلم) أن المذكور في
319

الكتاب هو الحالة الأولى وفي أثنائها تعرض للثانية (وقوله) في أول الفصل فلهما شريكان يجوز اعلامه
بالواو لما حكي عن القديم من تنزيله منزلة السمن (وقوله) فيباع ليس المراد منه البيع القهري
وإنما الغرض ههنا أنه إذا بيع كان الثمن بينهما كما كان الثوب مشتركا بينهما ثم إن رضيا بالبيع فذاك
والا فهل يجبر أحدهما الآخر فيه ما قد عرفته (وقوله) وان عاد الثوب إلى خمسة عشر بالصبغ يمكن أن
يفهم من قوله بالصبغ الاحتراز عما إذا كان النقصان بسبب تراجع الأسواق فان النقصان حينئذ
لا يحسب من الصبغ إذا كان التراجع في الثياب على ما حكيناه عن الشامل والتتمة (وقوله) وكذا
القول في ثبوت الشركة إذا طيرت الريح الثوب إنما قال في ثبوت الشركة ولم يقل وكذا القول فيما إذا
طيرت الريح الثوب لان الصورتين اللتين ذكرهما ليستا كما إذا صبغ الثوب المصبوغ بصبغ نفسه في
جميع الأحكام المذكورة إذ لو رجع الثوب مصبوغا إلى ثمانية لا يغرم صاحب الإجانة شيئا وإنما الصورتان
كتلك الصورة في ثبوت الشركة فيهما حيث ثبتت الشركة فيهما ويجوز أن يعلم بالواو لان قياس القول
القديم أن يفوز صاحب الثوب بالصبغ في الصورتين ولا تثبت الشركة (وقوله) كما يجبر على قلع الزرع والغراس
والبناء وان نقص زرعه به أشار بقوله وان نقص زرعه به إلى أنه لا عبرة بما يعرض في الصبغ من ضرر بسبب
انتشاره وتمدده كمالا عبرة بنقصان الزرع (وقوله) ومهما طولب بالفصل وكان يستضر به (وقوله) بعد ذلك وان
320

لم يكن عليه ضرر لم يكن له الاجبار على القبول جواب على طريقة تخصيص الوجهين بما إذا تضرر
بالفصل وقد بينا ما فيه من الاختلاف فيجوز اعلام قوله لم يكن له الاجبار بالواو (وقوله) لم يكن
له أن يتملك معلم بالحاء والواو (وقوله) لتضمن الغاصب على بيع الصبغ بالواو لما حكينا عن النهاية
(فرع) إذا كان الصبغ للغاصب وقيمته عشرة وقيمة الثوب عشرة وبلغت قيمته مصبوغا ثلاثين
ففصل الغاصب الصبغ ونقصت قيمة الثوب عن عشرة لزمه ما نقص عن عشرة وكذا ما نقص عن
خمسة عشران فصل بغير ان المالك وطلبه وان فصل باذنه لم يلزمه إلا نقصان العشرة وان عادت قيمته
مصبوغا إلى عشرة لتراجع الأسواق وكان التراجع في الثياب والأصباغ على وتيرة واحدة فالثوب
بالسوية بينهما كما كان والنقصان داخل عليهما جميعا وليس على الغاصب غرامة ما نقص مع رد العين
نعم لو فصل الصبغ بعد تراجع القيمة إلى عشرة فصار الثوب يسوى أربعة دارهم غرم ما نقص وهو
خمس الثوب بأقصى القيم والمعتبر في الأقصى خمسة عشران فصل بنفسه وعشرة ان فصل بطلب
المالك له.
قال (وإذا غصب زيتا وخلطه بزيته فالنص أنه كالاهلاك فيضمن المثل من أين شاء. وتخريج
الأصحاب أن لا ضمان لأنه لو خلطه بمثله فهو مشترك. وان خلطه بالأجود أو بالأردأ فقولان. (ان
321

قلنا) انه هالك غرم مثله من أين شاء. (وأن قلنا) انه مشترك فيباع الكل ويوزع على نسبة القيمة
ولا يقسم الزيت (و) بعينه على تفاوت فيؤدى إلى الربا. وخلط الدقيق كخلط الزيت
بالزيت. وخلط الزيت بالشيرج أولى بجعله اهلاكا. وخلط الحنطة بالشعير ليس باهلاك بل يلزمه
الفصل بالالتقاط)
إذا خلط الزيت المغصوب بغيره لم يخل اما أن يتعذر التمييز بينهما أو لا يتعذر. ان تعذر فاما
أن يكون ذلك الغير من جنسه أولا يكون. إن كان من جنسه كالزيت والزيت والحنطة والحنطة
نظر ان خلطه بأجود من المغصوب فالنص أنه كما لو هلك حتى يتمكن الغاصب من أن يعطيه قدر
حقه من غير المخلوط ونص في التفليس فيما إذا خلطه بالأجود ثم فلس على قولين (أحدهما) هذا حتى
لا يكون للبائع الا المضاربة بالثمن (والثاني) أنهما شريكان في المخلوط ويرجع البائع إلى حقه منه واختلف
الأصحاب على طريقين (أظهرهما) اثبات القولين في الغصب أيضا وجه جعله هالكا تعذر رده والوصول
إليه وأيضا فان قلنا بالشركة لاحتجنا إلى البيع وقسمة الثمن بينهما كما سيأتي ولا يصل المالك إلى عين
حقه ولا إلى مثله مع وجود العين والمثل أقرب إلى حقه من الثمن ووجه الشركة القياس على مسألة
الصبغ وعلى ما إذا اختلط الزيتان بنفسهما أو برضى المالكين وأيضا فلو غصب صاعا من هذا وصاعا
322

من هذا وخلطهما وجعلناهما هالكين ينتقل الملك فيهما إلى الغاصب وذلك بمحض التعدي وأظهر
القولين عند الأكثرين الأول المنصوص وعند الامام والمتولي الثاني (والطريق الثاني) القطع بالقول
الأول والفرق أنا إذا لم نثبت الشركة هناك لا يحصل للبائع تمام حقه بل يحتاج إلى المضاربة وههنا
يحصل للمالك تمام البدل وان خلطه بمثله ففيه الطريقان وطريق ثالث وهو القطع بالشركة لان في اثبات
الشركة اتصال المالك إلى بعض حقه بعينه والى بدل بعض من غير زيادة نقوم على الغاصب فكان
أولى من اتصاله إلى بدل الكل وحكى ذلك عن ابن سريج وأبى اسحق وان خلطه بأردأ منه فالنص
أنه كالهالك أيضا ويحبئ فيه الطريقان المذكوران في الأجود ولكن المنصوص في التفليس والحالة
هذه ليس إلا قول الشركة وذكرنا أن بعضهم خرج فيه قولا آخر يمكن أن يكون مخرجا من نصه
ههنا ويكون في الصورتين قولا بالنقل والتخريج من الطرفين ويمكن أن يكون قول الهلاك
في الأردأ مخرجا من توجيه في الأردأ فان الشافعي رضي الله عنه قال الذائب إذا اختلط انقلب حتى
لا يوجد عين ماله على ما مر وإذا اختصرت قلت في الخلط المطلق ثلاثة أوجه (ثالثها) الفرق بين خلط
بغير المثل فيكون المغصوب هالكا وبالمثل فيشتركان.
(التفريع) إن جعلنا الاختلاط كالهلاك فللغاصب أن يعطيه المثل من غير المخلوط وله أن
يعطيه منه إذا كان الخلط بالمثل وكذا لو خلطه بالأجود لان المخلوط خير من المغصوب وليس له ان
يعطيه قدر حقه من المخلوط إذا خلط بالأردأ إلا إذا رضى المالك وإذا رضى فلا أرش له كما إذا أخذ
الردئ من موضع آخر وان حكمنا بالشركة فان خلط بالمثل فقدر زنته من المخلوط وان خلط بالأجود
323

كما إذا خلط صاعا قيمته درهم بصاع قيمته درهمان نظر ان أعطاه صاعا من المخلوط أجبر المالك على
قبوله لان بعضه من حقه وبعضه خير منه والا فيباع المخلوط ويقسم الثمن بينهما أثلاثا فان أرادا قسمة
عين الزيت على نسبة القيمة فالظاهر أنه لا يجوز لأنه يكون أخذ ثلثي صاع لجودته في مقابلة صاع
وهو ربا وعن رواية البويطي أنه يجوز وبني ذلك على أن القسمة افراز حق لا بيع وفي المسألة وجه
أنه يكلف الغاصب تسليم صاع من المخلوط لان اكتساب المخلوط صفة الجودة بالخلط كزيادة متصلة
تحصل في يد الغاصب وان خلط بالأردأ كما إذا خلط صاعا قيمته در همان بصاع قيمته درهم أخذ المالك
من المخلوط صاعا مع أرش النقصان لان الغاصب متعد بخلاف ما إذا خلط المشترى بالأردأ وأفلس
فان البائع اما أن يقنع بصاع من المخلوط أو يضارب مع الغرماء فان اتفقا على بيع المخلوط وقسمة الثمن
أثلاثا جاز وان أرادا قسمة عين الزيت على نسبة الثمنين فمنهم من جعله على الخلاف المذكور في
طرق الأجود ومنهم من قطع بالمنع لأنه أمكن الرجوع إلى صاع منه مع الأرش ولا حاجة إلى احتمال
القسمة المشتملة عيل التفاضل وخلطه الخل بالخل واللبن باللبن كخلط الزيت بالزيت وإذا خلط الدقيق
بالدقيق (فان قلنا) انه مثلي وبه قال ابن سريج فهو كخلط الزيت بالزيت أيضا (وان قلنا) انه متقوم
(فان قلنا) ان المختلط هالك فالواجب على الغاصب القيمة (وان قلنا) بالشركة فيباع ويقسم الثمن
بينهما على قدر القيمتين فان أرادا قسمة عين الدقيق على نسبة القيمتين والخلط بالأجود أو الأردأ
فهو على ما ذكرنا في قسمة الزيت المخلوط وإن كان الخلط بالمثل فالقسمة جائزة ان جعلناها افرازا
وان جعلناها بيعا لم تجز لان بيع الدقيق بالدقيق لا يجوز هذا إذا كان الخلط بالجنس (أما) إذا خلط
324

المغصوب بغير جنسه كما لو خلط زيتا بشيرج أو دهن بان أو دهن جوز أو خلط دقيق حنطة بدقيق
شعير فالمغصوب هالك لبطلان فائدته وخاصيته باختلاط غير الجنس به بخلاف الجيد مع الردئ
ومنهم من جعله على الخلاف السابق ووجه ثبوت الشركة ما لو خلطا بالرضى هذا ما اختاره صاحب
التتمة ههنا أيضا وقال إن تراضيا على بيع المخلوط وقسمة الثمن جاز وان أراد قسمته جاز وكان المغصوب
منه باع ما يضمن في يد الغاصب من الزيت بما يصير في يده من الشيرج قال الامام وألحق
الأصحاب بخلط الزيت بالشيرج لت السويق بالزيت وهو بعيد وإنما هو كصبغ الثوب وهذا في
الخلط الذي يتعذر معه التمييز والفصل بالالتقاط وان شق سواء خلط بالجنس كالحنطة البيضاء والحمراء أو
بغير الجنس كالحنطة والشعير والمواضع الذي ينبغي أن يعلم عليها من الفصل غير خافية.
(فرع) لو خلط الزيت بالماء وأمكن التمييز لزم التمييز وأرش النقص إن كان فيه نقص وان
لم يمكن التمييز فهو كخلطه بالبان الا أن لا يبقى له قيمة فيكون هالكا لا محالة فان حصل فيه مميز أو
غير مميز نقص سيار فقد سبق حكمه.
قال (ولو غصب ساجة وأدرجها في بنائه لم يملك بل يرد (ح) على مالكه وان أدى إلى
هدم بنائه. وان أدرج في سفينة لم ينزع إن كان في النزع اهلاك الغاصب. أو اهلاك حيوان
محترم. أو اهلاك مال لغيره ولكن يغرم القيمة في الحال للحيلولة إلى أن يتيسر الفصل. وان لم يكن
فيه الآمال الغاصب ففي جواز النزع وجهان).
325

إذا غصب ساجة وأدرجها في بنائه أو بني عليها أو على آجر مغصوب لم يملك المغصوب
وعليه اخراجه من البناء ورده إلى المالك وبه قال مالك وأحمد وعند أبي حنيفة يملك ويغرم قيمته لنا
أنه بنى على ملك الغير عدوانا فلا يزول به ملك المالك قياسا على ما لو غصب أرضا وبني عليها وأيضا
فان القدرة على المثل تمنع من العدول إلى القيمة لان المثل أقرب إلى المغصوب فأولى ان تمنع القدرة
على العين العدول إلى القيمة وهذا ما لم تعفن الساجة فان عفنت بحيث لو أخرجت لم
يكن لها قيمة فهي مستهلكة فان أخرجها وردها لزمه أرش النقص ان دخلها نقص وفي
الأجرة ما ذكرنا في ابلاء الثوب بالاستعمال ولو أدرج لوحا مغصوبا في سفينة نظر ان
لم يخف من النزع هلاك نفس ولامال بأن كانت على وجه الأرض أو مرساة على الشط أو أدرج في
أعلاها ولم يخش من نزعه الغرق أو لم يكن فيها نفس ولامال ولا خيف هلاك السفينة نفسها نزع ورد
وخلاف أبي حنيفة عائد فيه وإن كان في لجة البحر وخيف من النزع هلاك حيوان محترم سواء كان
آدميا اما الغاصب أو غيره أو غير آدمي لم تنزع حتى تصل إلى الشط وان خيف من النزع هلاك مال اما
نفس السفينة أو غيرها فهو اما للغاصب أو لمن وضع فيها وهو يعلم أن فيها لوحا مغصوبا أو لغيرهما إن كان
لغيرهما لم ينزع أيضا وإن كان لهما فوجهان (أصحهما) عند الامام النزع كما يهدم البناء لرد الساجة ولا
يبالي بما يضيع عليه (والثاني) وهو الأصح عند ابن الصباغ وغيره أنه لا ينزع لان السفينة لا تدوم
في البحر فيسهل الصبر إلى انتهائها إلى الشط بخلاف الساجة المدرجة في البناء فان البناء للتأبيد
وحيث لا تنزع إلى الوصول إلى الشط توجد القيمة للحيلولة إلى أن يتيسر الفصل فحينئذ يرد اللوح
مع أرش النقص ان نقص ويسترد القيمة ان قلنا لا يبالي في النزع بهلاك مال الغاصب فلو اختلطت التي
أدرج منها اللوح بسفن الغاصب ولا توقف على النزع الا بفصل الكل حكى في المهذب فيه وجهين.
326

قال (وكذا لو غصب خيطا وخاط به جرح آدمي أو حيوان محترم غير مأكول وكان
في نزعه خوف هلاك لم ينزع إذ يجوز الغصب بمثل هذا القدر ابتداء بل يغرم قيمته. فان مات
المجروح أو ارتد ففي النزع لان فيه مثلة. وفي الحيوان المأكول خلاف لأنه ذبح بغير مأكلة.
وينزع عن الخنزير والكلب العقور إذ لا حرمة لهما).
الخيط المغصوب إن خيط به ثوب ونحوه فالحكم كما في البناء على الساجة وان خيط به جرح
حيوان فهو إما محترم أو غيره (القسم الأول) المحترم وهو الآدمي وغيره (أما) الادمي فان خيف من
نزعه هلاكه لم ينزع وعلى الغاصب قيمته ثم إن خاط جرح نفسه فالضمان مستقر عليه وان خاط
جرح غيره باذنه وهو عالم بالغصب فقرار الضمان عليه وإن كان جاهلا فعلى الخلاف فيما إذا أطعم
المغصوب غيره وفي معنى خوف الهلاك خوف كل محذور يجوز العدول إلى التيمم من الوضوء وفاقا
وخلافا قال الامام ولو رتب انقدح وجهان (أحدهما) أن ترك الخيط أولى لقيام القيمة مقامه (والثاني)
أن نزعه أولى لتعلقه بحق الآدمي المبني على الضيق (وأما) غير الآدمي فهو على ضربين (أحدهما) غير
المأكول فالحكم فيه كما في الآدمي إلا أنه لا اعتبار ببقاء الشين فيه (والثاني) المأكول فإن كان لغير
الغاصب لم ينزع وإن كان للغاصب ففيه قولان وقيل وجهان (أحدهما) وهو رواية الربيع أنه يذبح
ويرد الخيط لأنه جائز الذبح وبذبحه يصل الحق إلى المستحق (وأظهرهما) المنع كما في غير المأكول
لان الحيوان حرمته في نفسه ألا ترى أنه يؤمر بالانفاق عليه ويمنع من إتلافه وإذا لم يقصد بالذبح
327

الاكل منع مه وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن ذبح الحيوان إلا لمأكلة) (1) وإذا مات الحيوان
الذي خيط به جرحه فإن كان غير الآدمي نزع منه الخيط وفي الآدمي وجهان (أصحهما) على ما ذكره
في النهاية أنه ينزع وان لم ينزع في الحياة لحرمة الروح (والثاني) المنع لان الآدمي محترم بعد الموت
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم (كسر عظم الميت ككسر عظم الحي) (2) (القسم الثاني) غير المحترم فلا
يبالي بهلاكه ونزعه منه الخيط ومن هذا القسم الخنزير والكلب العقور (أما) كلب الصيد والماشية فلا
يجوز النزع منه قاله الامام والحق الكلب الذي لا منفعة فيه بالمؤذيات وذكر ترددا فيما إذا خاط به
جرح مرتد وحكم بأن الأوجه المنع لان المثلة بالمرتد محرمة وليست كالمثلة بالميت لأنا نتوقع بالمرتد عودا
إلى الاسلام هذا لفظه ويوافق ذلك قوله في الكتاب أو ارتد ففي النزع خلاف غير أن الامام صوره
فيما إذا خيط به جرح المرتد ولفظ الكتاب فيما إذا طرأت الردة على الخياطة والذي أجاب به الأكثرون
أن المرتد غير محترم فينزع الخيط منه وكذا الحربي وخرج صاحب التتمة فيما إذا خاط به جرح الزاني
المحصن أو المحارب على الخلاف فيما إذا خاط به جرح معصوم فمات لان تفويت روحه مستحقة فالحق
328

بالميت ويبني على التفصيل المذكور في جواز غصب الخيط ابتداء ليخاط به الجرح إذا لم يوجد
خيط حلال فيحث حكمنا بالنزع لا يجوز الغصب وحيث قلنا لا ينزع يجوز والى هذا أشار بقوله إذ
يجوز الغصب بمثل هذا القدر ابتداء.
قال (ولو أدخل فصيلا في بيته أو دينارا في محبرته وعسر اخراجه كسر عليه تخليصا للمال.
وان لم يكن بفعله فالا ظهر أن المخلص ماله يغرم أرش النقص. وان غصب فرد خف قيمة الكل عشرة
وقيمة الفرد ثلاثة ضمن سبعة لان الباقي ثلاثة. وقيل ثلاثة لأنه المغصوب. وقيل خمسة كما لو أتلف
غيره الفرد الآخر تسوية بينهما).
فيه فرعان (أحدهما) فصيل رجل حصل في بيت آخر ولم يمكن اخراجه الا بنقض البناء فينظر إن
كان بتفريط من صاحب البيت بأن غصبه وأدخله فيه نقض ولم يغرم صاحب الفصيل شيئا وإن كان
بتفريط من صاحب الفصيل فإذا نقص البناء غرم أرش النقص وان دخل الفصيل بنفسه نقض أيضا وهل
على صاحب الفصيل أرش النقص قال العراقيون نعم وهو ظاهر المذهب لأنه إنما نقض لتخليص ملكه وذكر
الامام وصاحب الكتاب فيه خلافا ووجه المنع أنه لا تفريط من أحد والاخراج لابد منه لحرمة الروح
وإنما ينتظم هذا إذا كان الفرض فيما إذا خيف هلاكه لو لم يخرج ولو وقع دينار في محبرة ولم يخرج
الا بكسرها ان وقعها فيها بفعل صاحب المحبرة عمدا أو سهوا كسرت ولا غرم على صاحب الدينار
وان وقع بفعل صاحب الدينار فعليه الأرش وان وقع من غير تفريط من أحد كسرت وعلى صاحب
الدينار الأرش وأجرى صاحب الكتاب في وجوب الأرش الخلاف المذكور في الصورة الأولى لكن
التوجيه الذي مر لا يجئ ههنا وقال ابن الصباغ إذا لم يفرط واحد منهما وضمن صاحب المحبرة الدينار
329

ينبغي أن يقال لا تكسر المحبرة لزوال الضرر بذلك وهذا الاحتمال عائد في صورة البيت والفصيل ولو
أدخلت بهيمة رأسها في قدر ولم تخرج الا بكسرها فإن كان معها صاحبها فهو مفرط بترك
الحفظ فإن كانت غير مأكولة تخلص بكسر القدر وعليه أرش النقصان وإن كانت مأكولة ففي
ذبحها وجهان كما في مسألة الخيط وإذا لم يكن معها أحد فان فرط صاحب القدر مثل ان وضع القدر
في موضع لاحق له فيه كسرت ولا غرم له وان لم يفرط كسرت وغرم صاحب البهيمة الأرش ولم
يذكر التفصيل المذكور في صورة القدر والفرق بين المأكول وغير المأكول في الفصيل والبيت
والوجه التسوية (الثاني) غصب زوجي خف قيمتهما عشرة ثم رد إحداهما وقيمته ثلاثة وتلف الآخر
يلزمه سبعة لان بعض المغصوب قد تلف والباقي ينقص ولو أتلف أحدهما أو غصبه وحده وتلف وعادت قيمة
الباقي إلى ثلاثة ففيه أوجه (أحدها) أنه يضمن سبعة لأنه أتلف أحدهما وأدخل النقصان على الباقي بتعديه
فأشبه ما لو حل أجزاء الباب والسرير فنقصت قيمته (والثاني) يضمن ثلاثة لان قيمة الفرد الذي
أتلفه ثلاثة (والثالث) خمسة كما لو أتلف رجل أحدهما وآخر الآخر فإنه يسوى بينهما ويضمن كل واحد
منهما خمسة ونظم الكتاب يقتضي ترجيح الأول وبه قال الشيخ أبو حامد ومن تابعه وقال الامام
وصاحب التهذيب الأظهر الثالث ولو أخذ أحدهما على صورة السرقة وقيمته مع نقصان الثاني نصاب
لا يقطع بلا خلاف.
(فرع) سيأتي القول في أن ما تتلفه البهيمة متى يضمنه مالكها فإذا ابتلعت البهيمة شيئا واقتضى
الحال لزوم الضمان نظر إن كان مما يفسد بالابتلاع ضمنه وإن كان مما لا يفسد كاللآلئ فإن لم
تكن مأكولة لم تذبح ويغرم قيمة ما ابتلعته للحيلولة وإن كانت مأكولة فعلي الوجهين السابقين
330

ولو باع بهيمة بثمن معين فابتلعته نظر ان لم يكن الثمن مقبوضا انفسخ البيع وهذه بهيمة للبائع ابتلعت
ما لا للمشترى الا أن يقتضي الحال وجوب الضمان على صاحب البهيمة فيستقر العقد ويكون ما جرى
قبضا للثمن بناء على أن اتلاف المشترى قبض منه وإن كان الثمن مقبوضا لم ينفسخ البيع وهذه بهيمة
للمشترى ابتلعت مالا للبائع.
(الفصل الثالث. في تصرفات الغاصب)
قال (فإذا باع الجارية المغصوبة ووطئها المشترى وهو عالم لزمه الحد والمهر (ح) إن كانت
مستكرهة. وإن كانت راضية فوجهان لقوله عليه الصلاة والسلام (لا مهر لبغي) ولكن المهر للسيد
فيشبه أن لا يؤثر رضاها. وفي مطالبة الغاصب بهذا المهر تردد لان منافع البضع لا تدخل تحت
الغصب. وإن كان جاهلا لزمه المهر ولا يجب إلا مهر واحد بوطئات إذا تحدث الشبهة وفي تعدد
الوطئ بالاستكراه تردد في تعدد المهر).
هذا الفصل الثالث وإن كان مترجما بتصرفات الغاصب مطلقا لكن القصد منه شيئان
(أحدهما) الكلام في وطئ المشترى من الغاصب (والثاني) فيما يرجع به إذا غرم على الغاصب
واعلم قبل الشروع فيهما أنه إذا اتجر الغاصب في المال المغصوب ففيه قولان (الجديد) أنه ان باعه
أو اشترى بعينه فالتصرف باطل وان باع سلما أو اشترى في الذمة وسلم المغصوب فالعقد صحيح والتسليم
فاسد ولا تبرأ ذمته عما التزم ويملك ما يأخذ وأرباحه له (والقديم) أنه يتبعه والشراء بعينه منعقد
موقوفا على إجازة المالك فان إجازة فالربح له وكذا إذا التزم في الذمة وسلم المغصوب وتكون الأرباح
للمالك وهذه المسألة قد مر ذكرها في أول البيع ويتم شرطها في القراض والغرض الآن التذكير
331

ببيان أن مسائل الفصل متفرعة على المذهب الجديد. إذا عرفت ذلك فالمقصد الأول هو القول في
وطئ المشترى من الغاصب ولا يخلو اما أن يكون محبلا أولا (الضرب الأول) الوطئ الحالي عن
الاحبال ونذكر أولا حكمه إذا وجد من الغاصب بعضه فنقول انه مع الجارية المغصوبة اما أن يكونا
جاهلين بتحريم الوطئ أو عالمين أو أحدهما عالم والآخر جاهل إن كانا جاهلين فلا حد عليهما وعليه
المهر للسيد وكذلك أرش الافتضاض إن كانت بكرا ثم ذكروا وجهين في أنا نفرد أرش الافتضاض
من المهر فنقول عليه مهر مثلها ثيبا وأرش الافتضاض أولا نفرد ونقول عليه مهر مثلها بكرا ورجحوا
الأول لوجوبهما بسببين مختلفين وانفكاك كل واحد مهما عن الآخر (فان قلت) هل يختلف
المقدار بالاعتبارين أم لا أن اختلف وجب أن يقطع بوجوب الزائد لان بناء أمر الغاصب على التغليظ
وان لم تختلف فلا فائدة للوجهين (فالجواب) ان يقال إن اختلف المقدار فالوجه ما ذكرته وقد أشار إليه
الامام وان لم تختلف فللوجهين فوائد تظهر من بعد. وإن كانا عالمين بالتحريم فينظر إن كانت الجارية
مكرهة فعلى الغاصب الحد والمهر خلافا لأبي حنيفة في المهر ويجب عليه أرش الافتضاض إن كانت
بكرا وإن كانت طائعة فعليهما الحد وفي المهر وجهان ويقال قولان (أحدهما) يجب لان المهر حق
السيد فلا يؤثر فيه رضاها كما لو أذنت في قطع يدها (وأظهرهما) وهو المنصوص أنه لا يجب لأنها
زانية ساقطة الحرمة فأشبهت الحرة إذا زنت طائعة وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن مهر البغي) (1) ويجوز
332

أن يكون مهرها للسيد ويتأثر بضعها كما لو ارتدت قبل الدخول أو أرضعت ارضاعا مفسدا للنكاح
ويجب أرش الافتضاض إن كانت بكرا إذا قلنا إنه يفرد عن المهر وان قلنا لا يفرد ففي وجوب
الزيادة على مهر مثلها وهي ثيب وجهان (في وجه) لا تجب كما لو زنت الحرة طائعة وهي بكر (وفي وجه)
تجب كما لو أذنت في قطع طرف منها. وإن كان أحدهما عالما دون الآخر فإن كان الغاصب عالما فعليه
الحد وأرش البكارة إن كانت بكرا والمهر وإن كانت الجارية عالمة فعليها الحد دونه ويجب المهر إن كان
ت مكرهة وإن كانت مطاوعة فعلى الخلاف. واعلم أن الجهل بتحريم وطئ المغصوبة قد يكون
للجهل بتحريم الزنا مطلقا وقد يكون لتوهم حلها خاصة لدخولها بالغصب في ضمانه ولا تقبل دعواهما
الا من قريب العهد بالاسلام أو ممن نشأ في موضع بعيد من المسلمين وقد يكون لاشتباهها عليه
وظنه أنها جاريته ولا يشترط لقبول الدعوى ما ذكرناه. هذا في وطئ الغاصب وأما المشترى
من الغاصب فالقول في وطئه في حالتي العلم والجهل كما ذكرنا في الغاصب الا أن الجهل في حق
المشتري قد ينشأ من الجهل بكونها مغصوبة أيضا فلا يشترط في دعواه الشرط السابق كما
لا يشترط في الاشتباه وإذا غرم المشترى المهر فسيأتي الخلاف في رجوعه على الغاصب وهل
للمالك مطالبة الغاصب به ابتداء فيه وجهان عن صاحب التقريب (وجه المنع) أن المهر بدل
منفعة البضع وهي غير داخلة تحت اليد ولا مضمونة بالغصب (ووجه الثاني) وهو قضية كلام
333

المعظم أن الامر إذا أفضى إلى الغرم بعد فرضه غير متعلق بالغاصب وأشار الامام إلى جريان الوجهين
سواء قلنا برجوع المشترى على الغاصب بالمهر أو بعدم الرجوع وقال (إذا قلنا) بعدم الرجوع فظاهر
القياس أن لا يطالب وغيره محتمل (وإذا قلنا) بالرجوع فالظاهر المطالبة لاستقرار الضمان عليه ويجوز
أن يقال الرجوع بسبب الغرر فيختص به المغرور وطرد الخلاف في مطالبة الغاصب بالمهر إذا وطئت
بالشبهة وإذا تكرر الوطئ إما من الغاصب أو من المشترى من الغاصب فإن كان في حالة الجهل لم
يجب الا مهر واحد لان الجهل شبهة واحدة مطردة فأشبه ما إذا وطئ في النكاح الفاسد مرارا وإن كان
عالما وجب المهر ككونها مستكرهة وعلى قولنا بالوجوب مع طواعيتها فوجهان (أحدهما)
الاكتفاء بمهر واحد كما في حالة الجهل (وأصحها) وبه أجاب صاحب الكتاب في الصداق حيث
أعاد هذه الصورة في أخوات لها أنه يجب لكل مرة مهر لان الواجب ههنا لاتلاف منفعة البضع
فيتعدد بتعدد الاتلاف لكن قضية هذا الوجه الحكم بالتعدد في صورة الجهل لان الاتلاف الذي
هو سبب الوجوب حاصل فلا معني للإحالة على الشبهة وإنما يحصل اعتماد الشبهة حيث لا يجب
المهر لولا الشبهة وذكر هذا المستدرك امام الحرمين وقال هذه لطيفة يقتضى منها العجب وان وطئها
مرة جاهلا ومرة عالما وجب مهران (قوله) في الكتاب لزمه الحد والمهر لفظ المهر معلم بالحاء
لان عند أبي حنيفة لا يجامع المهر الحد والمشهور من لفظ الخبر أنه نهى عن مهر البغي كما تقدم لا
ما أورده في الكتاب.
334

قال (أما الولد فهو رقيق لا نسب له إن كان عالما وإن كان جاهلا انعقد على الحرية
وضمن المشترى قيمته ورجع به على الغاصب إذ الشراء لا يوجب ضمان الوالد. وان انفصل الولد
ميتا فلا ضمان لان الحياة لم تتيقن وان سقط ميتا بجناية جان يجب الضمان لأنه انفصل مضمونا
وقد قدر الشارع حياته وضمانه عشر قيمة الام. وقيل في هذه الصورة يجب أقل الأمرين من عشر
قيمه الام أو الغرة إذا وجب الضمان بسببها فلا يزيد عليها).
الضرب الثاني الوطئ المحبل سواء وجد من الغاصب أو من المشتري منه فينظر إن كان عالما
بالتحريم فالولد رقيق للمالك غير نسيب لكونه زانيا وان انفصل حيا فهو مضمون على الغاصب وان
انفصل ميتا بجناية جان فبدله لسيده وان انفصل ميتا من غير جناية ففي وجوب الضمان على
الغاصب وجهان (أحدهما) وهو ظاهر النص الوجوب لثبوت اليد عليه تبعا لثبوت اليد على الام
ويحكي هذه عن الأنماطي وأبي الطيب بن سلمة واختاره القفال (والثاني) المنع وبه قال أبو إسحاق واختاره
الشيخ أبو محمد والامام وصاحب التهذيب لان جنايته غير منتفية وسبب الضمان هلاك رقيق تحت
يده ويجرى الوجهان في حمل البهيمة المغصوبة إذا انفصل ميتا وان أو جبنا الضمان فنوجب قيمته يوم
الانفصال لو كان حيا في ولد الجارية والبهيمة سواء وخرج الامام وجها آخر في ولد الجارية أنه يضمن
335

بعشر قيمة الام تنزيلا للغاصب منزلة الجاني الذي يترتب على جنايته الاجهاض وإن كان الواطئ
جاهلا بالتحريم به فالولد نسيب حر للشبهة وعليه قيمته لمالك الجارية يو الانفصال ان انفصل
حيا لان التقويم قبله غير ممكن وان انفصل ميتا فاما أن ينفصل بنفسه أو بجناية (أما) على التقدير
الأول فالمشهور أنه لا يلزمه قيمته لأنا لا نتيقن جناية وأن الغاصب أتلفه ويخالف ما لو انفصل رقيقا
ميتا حالة العلم حيث ذكرنا في وجوب الضمان وجهين لان الرقيق يدخل تحت اليد والغصب
فجعل تبعا للام فيه وفي التتمة حكاية وجه ههنا أيضا أنه تلزمه القيمة لأن الظاهر الحياة (وأما) على
التقدير الثاني فعلى الجاني ضمانه لان الانفصال عقيب الضرب يغلب على الظن أنه كان حيا فمات
بفعله وللمالك الضمان على الغاصب بخلاف ما إذا انفصل ميتا من غير جناية لأنه لا بدل له هناك
وههنا يقوم له فيقوم عليه وكان حق المالك يتعلق ببدله كما لو قتل العبد الجاني يتعلق العبد المجني
عليه ببدله ولو مات فات حقه ثم الذي يجب على الجاني الغرة والذي يجب للمالك عشر قيمة
الام لان الجنين الرقيق به يضمن فإن كانت قيمة الغرة وعشر قيمة الام سواء ضمن الغاصب للمالك
عشر قيمة الام وإن كانت قيمة الام أكثر فكذلك والزيادة تستقر له بحق الإرث وان نقصت
الغرة عن العشر فوجهان (أظهرهما) أنه يضمن للمالك تمام العشر لأنه لما انفصل متقوما كان بمثابة ما
لو انفصل حيا ولان بدله إنما يقصر عن العشر بسبب الحرية الحاصلة بظنه (والثاني) لا يجوز الا قدر
336

الغرة ويعبر عنه بأن الواجب أقل الأمرين من العشر والغرة ووجهه أن مثبت وجوب الضمان يقدمه
عليه فلا يضمن فوق ما يحصل له وان انفصل ميتا بجناية الغاصب نفسه لزمه الضمان لان ما وجد منه
بسبب الضمان الا أنه لا يستحق على نفسه شيئا ولو أحبل الغاصب الجارية مات وخلف أباه ثم انفصل
الجنين ميتا بجناية جان فالغرة تكون لجد الجنين وعن القاضي أنه يضمن للمالك ما كان يضمنه
الغاصب لو كان حيا وعنه أنه لو كان مع الغاصب أم أم الجنين فورثت سدس الغرة يقطع النظر عنه
وينظر إلى عشر قيمة الام وخمسة أسداس الغرة وكأنها كل الغرة والجوابان يختلفان فرأى الامام اثبات
احتمالين في الصورتين فصار في أحدهما إلى أن من يملك الغرة ينبغي أن يضمن للمالك ويستبعد في
337

الثاني تضمين من لم يغصب ولا تفرعت يده على يد الغاصب وذكر في التتمة أن الغرة تجب مؤجلة
فإنما يغرم الغاصب عشر قيمة الام إذا أخذ الغرة وللامام توقف فيه هذا ظاهر المذهب في الولد
المحكوم بحريته وفيه طريقة أخرى أنه لا ينظر إلى عشر قيمة الام ولكن تعتبر قيمته لو انفصل حيا
وينظر إليه والى الغرة على التفصيل الذي بيناه وأشار في الوسيط إلى استمداد هذه الطريقة من
القول القديم في أن جراح العبد لا تتقدر لان عشر قيمة الام نوع مقدر لكنه ليس بواضح فان الخلاف
في أن البدل يتقدر أولا يتقدر في أطراف العبد والفائت ههنا جملته وليس لهذا البناء ذكر في كتاب
الامام لكنه قال الطريقة ملتفتة إلى الخلاف في أن ما يتلف في يد الغاصب من أعضاء العبد المغصوب
338

بآفة سماوية أو بجناية غير الغاصب يعتبر في حقه بدله المقدر في حق الجاني أم ينظر إلى قدر النقصان
بايجاب العشر في قيمة الام ايجاب المقدر الواجب على الجناية وعن بعض الأصحاب أن الغاصب
يغرم للمالك أكثر الامرين من قيمة الولد والغرة وضعفه من نقله لان الغرة أن كانت أكثر فثبوت
الزيادة بسبب الحرية فكيف يستحقها المالك ومن العجب أن صاحب التهذيب أجاب بهذا الوجه
في المشترى من الغاصب وجوابه في الغاصب ما تقدم ودعوى الجهل في هذا الضرب كدعواه
في الضرب الأول وروى المسعودي خلافا في قبولها لحرية الولد وان قبلت لدفع الحد كما رواه
في استيلاد المرتهن ويجب في حالتي العلم والجهل أرش نقصان الجارية وان نقصت بالولادة فان
339

تلفت عنده وجب أقصى القيم ودخل فيه نقصان الولادة وأرش البكارة ولو ردها وهي حبلى فماتت
في يد المالك من الولادة ذكر أبو عبد الله القطان في المطارحات أنه لا شئ عليه في صورة العلم
لان الولد ليس منه حتى يقال ماتت من ولادة ولده وان في صورة الجهل قولين (واعلم) أن لوجوب
الضمان في هذه الصورة مأخذين (أحدهما) أنه أحبل جارية الغير اما بالشبهة أو بالزنا وفي كونه سببا
للضمان ما قدمناه في المرتهن (والثاني) أنه يحصل نقصان الحمل تحت اليد وذلك سبب الضمان وان
وجد أثره بعد الرد إلى المالك كما لو جنى المغصوب عند الغاصب فرده ثم بيع في يد المالك وأطلق
صاحب التتمة القول بوجوب الضمان للمأخذ الثاني (وقوله) في الكتاب ويضمن المشترى قيمته
340

ويرجع بها على الغاصب إذ الشراء لا يوجب ضمان الولد والكلام في الرجوع أخرناه إلى الفصل
التالي لهذا الفصل وقد كرره هناك وفي ذكره هناك غنية عن الذكر ههنا (وقوله) فلا ضمنا لان
الجناية لا تتيقن معلم بالواو ويجوز أعلام قوله وضمان عشر قيمة الام بالحاء لما سيأتي
في موضعه.
(فرع) في ذخيرة البندنيجي لو وطئ الغاصب بإذن المالك فحيث لا يجب المهر لو لم يأذن
فههنا أولى وحيث نوجبه فقولان محافظة على حرمة البضع وفي قيمة الولد طريقان (أحدهما) أنه على
الخلاف في المهر (والثاني) القطع بالوجوب لأنه لم يصرح بالاذن في الاحبال.
قال (ويضمن المشترى (ح) أجرة المنفعة التي فأنت تحت يده ومهر المثل عند الوطئ
وقيمة انعقاده حرا ويرجع بكل ذلك على الغاصب مهما كان جاهلا ويغرم قيمة العين إذا تلفت ولا
يرجع. وكذا المتزوج من الغاصب لا يرجع بالمهر وهل يرجع المشترى بقيمة منفعة استوفاها فيه قولا
341

الغرور ولو بنى فقلع بناءه فالأولى أن يرجع بأرش النقص ولو تعيب في يده نص الشافعي أنه يرجع
(ز) لأن العقد لا يوجب ضمان الاجزاء بخلاف الجملة وكذا إذا تعيب قبل القبض لم يكن للمشترى
الأرش ولو اشترى عبدا لجارية ورد الجارية بعيب وبالعبد عيب حادث لزمه قبول العبد أو طلب
قيمته وليس له طلب الأرش مع العبد ولذلك فرق بين الجزء والجملة).
الفصل الثاني الكلام فيما يرجع به المشترى على الغاصب إذا غرم ومالا يرجع وسنبين في خلاله
ما يغرمه ومالا يغرمه وفي سائر الأيدي المترتبة على يد الغاصب مسائل نشرح ما في الكتاب منها
غير مبالين بما يحتاج إليه من تغيير نظمه ونصيف إليها ما يتفق (الأولى) إذا تلفت العين المغصوبة عند
المشترى ضمن قيمتها أكثر ما كانت من يوم القبض إلى يوم التلف ولا يضمن الزيادة التي كانت
في يد الغاصب إن كانت في يده أكثر قيمة ولا يرجع بما يضمنه عالما كان أو جاهلا لأن الشراء عقد
ضمان وقد شرع فيه على أن تكون العين من ضمانه وإن كان الشراء صحيحا ولك أن تقول إن كان
المراد من كونه عقد ضمان أنه إذا تلف المبيع عنده تلف من ماله واستقر عليه الثمن فهذا مسلم لكن
لم يكن شارعا فيه على أن يضمن القيمة ومعلوم أنه لو لم يكن المبيع مغصوبا لم يلزمه شئ بالتلف فكان
الغاصب مغررا موقعا إياه في خطر الضمان فليرجع عليه وإن كان المراد غيره فلم قلتم أن الشراء عقد ضمان
على تفسير آخر وربما انساق هذا الاشكال إلى ما حكى عن صاحب التقريب أنه يرجع من المغروم بما
342

زاد على قدر الثمن سواء اشتراه رخيصا في الابتداء أو زادت القيمة بعد الشراء وأنه إذا رجع بما زاد
على الثمن لم يلحقه ضرر (الثانية) تعيب المغصوب عند المشترى بعمى أو شلل أو نحوهما ينظر إن كان
بفعل المشترى فيستقر ضمانه عليه وكذا لو أتلف الكل وإن كان بآفة سماوية فقولان (أحدهما) عن
تخريج المزني وغيره أنه لا يرجع على الغاصب بضمانه كما لا يرجع بالقيمة عند هلاك الكل تسوية بين
الجملة والاجزاء وبهذا أجاب العراقيون بل أكثر الأصحاب (والثاني) وينسب إلى نص الشافعي رضي الله عنه
أنه يرجع وقرره ابن سريج بأن العقد يوجب ضمان الجملة ولا يوجب ضمان الاجزاء على الانفراد
واحتج عليه بصورتين (إحداهما) أنه لو تعيب المبيع قبل القبض لم يكن للمشترى أن يجيز العقد ويطالبه
بجزء من الثمن بل اما أن يفسخ أو يجيز بكل الثمن ولو تلف يستقر كل الثمن (والثانية) لو اشتري عبدا
بجارية وتقابضا ثم وجد بائع العبد بالجارية عيبا قديما فردها وقد تلف العبد فإنه يأخذ قيمته ولو لم يتلف
وتعيب بعيب حادث لم يكن له طلب الأرش مع العبد بل يقنع به أو يأخذ القيمة. واعلم أن في الصورة
الثانية وجهين ذكرناهما في فصل الرد بالعيب فلنا صر القول الأول أن يمنع ويقول له استرداد العبد
وطلب أرش النقصان واليه ميل الامام (وأما) الصورة الأولى فان المبيع في يد البائع
غير مضمون بالقيمة بل بالثمن فإذا تلف سقط الثمن وإذا تعيب أمكن رده واسترداد جملة الثمن
فلا يمكن من طلب الأرش الذي هو تغيير العقد وحط من الثمن وإنما يصار إليه عند الضرورة
343

فلهذا المعنى لم يثبت الأرش (الثالثة) منافع المغصوب يضمنها المشترى للمالك بأجرة مثلها وهل يرجع
على الغاصب (أما) ما استوفاه بالسكون والركوب واللبس ففيه قولان وكذا في الرجوع بالمهر إذا غرمه
بالوطئ (أحدهما) يرجع لان الغاصب قد غره ولم يشرع على أن يضمن المهر والأجرة (وأصحهما)
وهو قوله الجديد وبه قال أبو حنيفة أنه لا يرجع لان نفعه عاد إليه ولأنه أتلف المنفعة وحوالة الضمان على
مباشر الاتلاف أولى وأجرى الخلاف في أرش الافتضاض إن كانت بكرا وعدم الرجوع به أظهر لأنه
بدل جزء منها أتلفه فأشبه ما لو قطع عضوا من أعضائها وفي التهذيب أن الخلاف فيه مبني على
أنه يفرد عن المهر أم لا ان أفرده لم يرجع به والا رجع (وأما) المنافع التي فاتت تحت يده ولم تستوفها
(فان قلنا) يرجع بضمان ما استوفاه فضمانها أولى (وان قلنا) لا يرجع هناك فوجهان (أصحهما) الرجوع
أيضا لأنه لم يتلف ولا شرع في العقد على أن يضمنها (والثاني) لا يرجع تنزيلا للتلف تحت يده منزلة
الاتلاف (الرابعة) إذا غرم قيمة الولد عند انعقاده حرا رجع به على الغاصب لأنه شرع في العقد على أن
يسلم الولد حرا من غير غرامة ولم يصدر منه تفويت وعن الأستاذ أبى اسحق الأسفراييني طريقة أخرى
في شرح الفروع أن الرجوع بها كالرجوع بالمهر لان نفع حرية الولد تعويد إليه (والمشهور) الأول
وأرش نقصان الولادة قطع العراقيون بأنه يرجع به وعن غيرهم خلاف قال الامام وسبيله سبيل النقصان
الحاصل بسائر الآفات السماوية فيجئ فيه ما ذكرناه من الخلاف السابق ولو وهب الجارية المغصوبة
فاستولدها المتهب جاهلا بالحال وغرمه قيمة الولد ففي الرجوع بها وجهان (وجه) الفرق أن الواهب
344

متبرع والبائع ضامن سلامة الولد له بلا غرامة (الخامسة) إذا بني المشترى أو غرس في الأرض المغصوبة
فجاء المالك ونقض بناءه وغرسه هل يرجع بأرش النقصان على الغاصب فيه وجهان (أحدهما)
345

لا كما لا يرجع بما أنفق على العمارة وكأنه بالبناء متلف ماله (وأظهرهما) نعم لشروعه في العقد على ظن
السلامة وإنما جاءه هذا الضرر من تغرير الغاصب وهذا ما ذكره العراقيون وقد ذكرنا طرفا من المسألة
346

في الضمان وذكر في التهذيب أن القياس أن لا يرجع على الغاصب بما أنفق على العمارة وما أدى من
خراج الأرض لأنه شرع في الشراء على أن يضمنها (السادسة) لو زوج الغاصب الجارية المغصوبة
347

فوطئها الزوج جاهلا غرم مهر المثل للمالك ولا يرجع به على الغاصب لأنه شرع فيه على أن يضمن
348

المهر ويخالف ما إذا غر بحرية أمة وغرم المهر حيث يرجع على الغار على أحد القولين لان النكاح ثم
صحيح والبضع مملوك له فإذا فسخ اقتضى الفسخ استرداد ما بذل له وههنا النكاح باطل وإنما غرم لاتلافه
349

منفعة البضع حتى لو كان المغرور ممن لا يحل له نكاح الأمة لم يثبت له الرجوع بالمهر لبطلان النكاح
ولو استخدامها الزوج وغرم الأجرة يرجع على الغاصب لأنه لم يسلطه على الاستخدام بخلاف الوطئ
ويرجع بغرم المنافع التالفة تحت يده لأنه ما استوفاها ولا شرع على أنه يضمنها والقول في قيمتها لو تلفت
350

في يده قد تقدم فان غرمها رجع بها قال الأئمة والضابط في هذه المسائل أن ينظر فيما غرمه من ترتيب
يده على يد الغاصب عن جهل ان شرع فيه على أن يضمنه لم يرجع به وان شرع على أنه لا يضمنه
فإن لم يستوف ما يقابله رجع به وان استوفاه ففيه قولان وعلى هذا فلو كان المغصوب شاة فنتجت
في يد المشترى أو شجرة فأثمرت فأكل فائدتها وغرمها للمالك ففي الرجوع بما غرم الغاصب قولان
351

كالمهر وان هلكت تحت يده فالحكم كما في المنافع التي لم يستوفها ذكره في التتمة وكذا القول
في الاكساب وان انفصل الولد ميتا فالظاهر أنه لا ضمان وكذا إذا انفصل ميتا في يد الغاصب ولو استرضع
المشترى الجارية في ولده أو ولد غيره غرم أجرة مثلها وفي الرجوع قولان كالمهر ويغرم المشترى اللبن
وان انصرف إلى سخلتها وعاد نفعه إلى المالك كما لو غصب علفا وأعلف به بهيمة مالكه لكن قال
صاحب التهذيب وجب أن يرجع به على الغاصب لأنه لم يشرع فيه على أنه يضمنه ولاعاد نفعه إليه
ولو أجر العين المغصوبة غرم المستأجر أجرة المثل للمالك ولم يرجع بها على الغاصب لان شرع فيه على
352

أن يضمنها ويسترد الأجرة المسماة ولو أعارها رجع المستعير بما غرم للمنافع التي فاتت تحت يده وفي
الرجوع بما غرم للمنافع التي استوفاها القولان وكذا غرم الاجزاء التالية بالاستعمال. واعلم أن كل
ما لو غرمه المشترى يرجع به على الغاصب فلو طولب به الغاصب وغرمه لم يرجع به على المشترى وكل
ما لو غرمه المشترى ولم يرجع به على الغاصب لم يرجع به على المشترى وكذا الحكم فيمن غير المشترى
ممن ترتبت يده على يد الغاصب (وقوله) في الكتاب ويرجع بكل ذلك على الغاصب جواب في المهر
353

المغروم عند الوطئ بقول الرجوع وقد مر أن أصح القولين ومذهب أبي حنيفة منع الرجوع فيجوز
أن يعلم ما ذكره بالحاء والواو لذلك وأيضا فللطريقة المروية في قيمة الولد (وقوله) فيرجع
المشترى بقيمة منفعة استوفاها يدخل فيه منفعة البضع المستوفاة بالوطئ كما يدخل سائر المنافع وإجراؤه
على اطلاقه ممكن ففي جميع ذلك قولان كما سبق لكن الأشبه أنه أراد ما سوى منفعة البضع وأما إذا
وطئ وغرم المهر وقد ذكره مرة وحكم فيه بالرجوع على الغاصب (وقوله) فيه قولا الغرور أي
ومباشرة الاتلافات على ما مر في تقديم الطعام المغصوب فحذف أحد الطرفين. واعلم قوله في نقل
354

النص في التعيب أنه يرجع بالزاي إشارة إلى تخريج المزني (وقوله) فليس له طلب الأرش يجوز اعلامه
بالواو (وقوله) فذلك فرق بين الجملة والجزء هكذا هو في بعض النسخ وفي بعضها وكذلك
فرق أي الشافعي رضي الله عنه وهما صحيحان.
قال (ونقصان الولادة لا يجبر (ح) بالولد فان الولد زيادة جديدة).
إذا انتقصت الجارية بالولادة وكان الولد رقيقا تفي قيمته ببعض نقصانها أو بكله لم يتجبر به النقصان
بل الولد له ويأخذ الأرش خلافا لأبي حنيفة. لنا أن الولد زيادة تحدث على ملكه ألا ترى أنه يسلم
355

له وان لم يكن في الام نقصان وملكه لا يجبر نقصان ملكه لا يجبر نقصان ملكه ولو ماتت الام من الولادة والولد واف
بقيمتها فلهم فيه اختلاف وقد فرغنا من شرح كتاب الغصب ونختمه بمسائل منثورة (منها) أسند خشبة
تعب بحملها إلى جدار يستريح إن كان الجدار لغيره ولم يأذن في اسناده إليه فهو متعد يضمن الجدار
ان وقع باسناده إليه ويضمن ما تلف بوقوعه عليه وان وقعت الخشبة وأتلفت شيئا ضمن ان وقعت
في الحال وان وقعت بعد ساعة لم يضمن وإن كان الجدار له أو لغيره وقد أذن في اسناده إليه
فكذلك يفرق بين أن تقع الخشبة في الحال أو بعد ساعة تشبيها بفتح رأس الزق (ومنها) غصب دارا
356

ونقضها وأتلف النقض ضمن النقض وما نقص من قيمة العرصة وحكى الشيخ أبو حامد وجهين
في أنه يضمن أجرة مثلها دلا إلى وقت الرد أو إلى وقت النقض (ومنها) غصب شاة وأنزى عليها فحلا
فالولد للغاصب ولا شئ عليه للانزاء لنهيه عليه السلام عن عسيب الفحل فان انتقص غرم الأرش
ولك أن تقول المغصوب منه ولو غصب فحلا وأنزاه على شاته فالولد مغصوب منه وجب أن يخرج
وجوب شئ للانزاء على الخلاف في جواز الاستئجار (ومنها) غصب جارية ناهدا فتدلى نهداها أو
عبدا شابا فشاخ أو أمردا فالتحى غرم النقصان وعن أبي حنيفة أنه لا يضمن في الأمرد ولو غصب
خشبة واتخذ منها أبوابا وسمرها بمسامير من عنده نزع المسامير وان انتقصت الأبواب بذلك ضمن
357

الأرش ولو بذلها ففي اجبار الغصوب منه على قبولها وجهان ذكرناهما في نظائرها (ومنها) غصب ثوبا
ونجسه أو نجس عنده لم يكن له تطهيره ولا للمالك أن يكلفه التطهير ولو غسله وانتقصت قيمته ضمن
النقصان ولو رده نجسا فمؤبر التطهير على الغاصب وكذا أرش النقصان اللازم منه وتنجيس المائع
الذي لا يمكن تطهيره اهلاك وتنجيس الدهن ينبني على امكان غسله ان جوزناه فهو كالثوب (ومنها)
قال في التتمة لو غصب من الغاصب فابرأ المالك الأول عن ضمان الغصب صح الابراء لأنه مطالب
بقيمته فهو كدين عليه وان ملكه المغصوب برئ وانقلب الضمان على الثاني حقا له وان باعه من غاصب
358

الغاصب أو وهبه منه وأذن له في القبض برئ الأول وان أودعه من الثاني وقلنا إنه يصير أمانة في يده
برئ الأول أيضا فان رهنه من الثاني لم يبرأ واحد منهما عن الضمان (ومنها) لورد المغصوب إلى المالك
أو إلى وكيله أو وليه برئ من الضمان ولو رد الدابة إلى اصطبله قال في التتمة يبرأ أيضا إذا علم المالك
به أو أخبره من يعتمد خبره وقيل إن لم يعلم ويخبر لا يبرأ فان امتنع المالك من الاسترداد رفع الامر إلى
359

الحاكم (ومنها) عن القفال وغيره ان المالك لو أبرأ غاصب الغاصب عن الضمان برئ الأول
لان القرار على الثاني والأول كالضامن وهذا ان فرض بعد تلف الملل فهو بين واما قبله فليخرج على
صحة ابراء الغاصب مع بقاء المال في يده وفيه خلاف مذكور في كتاب الرهن.
360

(كتاب الشفعة. وفيه ثلاث أبواب)
(الباب الأول في أركان الاستحقاق)
قال (وهي ثلاثة المأخوذ والآخذ والمأخوذ منه (الأول المأخوذ) وهو كل عقار ثابت منقسم
احترزنا بالعقار عن المنقول فلا شفعة فيه عن الشريك لخفة الضرر فيه).
361

الشفعة مأخوذة من قولك شفعت كذا بكذا إذا جعلته شفعا به كأن الشفيع يجعل نصيبه شفعا
بنصيب صاحبه يقال أصل الكلمة التقوية والإعانة ومنه الشفاعة والشفيع لان كل واحد من الوترين
يقوى بالآخر ومنه شاة شافع للتي معها ولدها لتقويها به ومسرت في الشريعة بحق تملك قهري يثبت
للشريك القديم على الحادث وفيه مجال لمضايقات (منها) أن الشركة مأخوذة في هذا التفسير ولو كان
كذلك لما انتظم قولنا هل تثبت الشفعة للجار أم لا والأصل في الشفعة الاخبار التي نوردها متفرقة في
362

الباب وكل ما يدل على مسألة في باب يدل على ثبوت أصل ذلك الباب واحتج بعضهم بالاجماع لكنه
نقل عن جابر بن زيد من التابعين غيرهم وإنكار أصل الشفعة وإذا علمت أن لحق الشفعة ثبوتا ذهب
ذهنك إلى البحث عن أنه لم يثبت وأنه كيف يؤخذ الشقص وأنه يستمر أو يسقط وبم يسقط ان سقط
وهذه الأمور الثلاثة هي أبواب الكتاب الثلاثة (إما) أنه بما يثبت فاعلم أن سبب ثبوت الشفعة يتركب من
أمور (منها) ما يرجع إلى الملك المأخوذ (ومنها) ما يرجع إلى الآخذ (ومنها) ما يرجع إلى الذي يؤخذ منه وسمى
363

صاحب الكتاب هذه الثلاثة ثلاثة أركان الاستحقاق لتعلقه بها وتركب سببه من الأمور معتبره فيها
فقال (الباب الأول) في أركان الاستحقاق (الركن الأول) المأخوذ فاعتبر فيه ثلاثة شروط (أحدها) أن
يكون عقارا قال الأصحاب والأعيان ثلاثة أضرب (أحدها) المنقولات فلا شفعة فيها سواء بيعت وحدها
أو مع الأرض وعن مالك ثلاث روايات (إحداها) إثبات الشفعة في كل منقول باع أحد الشفيعين
نصيبه منه (والثانية) إثباتها في السفن خاصة (والثالث) أنها إن بيعت وحدها فلا شفعة فيها وان بيعت
364

مع الأرض ففيها الشفعة كيلا تتفرق الصفقة على المشترى. لنا قوله صلى الله عليه وسلم (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت
الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) (1) وبما روى أنه صلى الله عليه وسلم (قضى بالشفعة في كل ما لا يقسم ربع أو حائط لا يحل
له أن يبيعه حتى يؤذن شريكه فان شاء أخذ وان شاء ترك فان باعه ولم يؤذنه فهو أحق به) (2) وروى
365

(الشفعة في كل شرك ربع أو حائط) (الضرب الثاني) الأراضي فتثبت الشفعة فيها سواء بيع الشقص
منها وحده أو مع شئ من المنقولات ثم في الحالة الثانية يوزع الثمن عليه وعلى ذلك المنقول كما سيأتي
(والثالث) الأعيان التي كانت منقولة في الأصل ثم أثبتت في الأرض للدوام كالأبنية والأشجار فان
بيعت منفردة فلا شفعة فيها لأنها في حكم المنقولات وكانت في الأصل منقولة وتنتهي إليه وان طال
أمدها وليس معها ما نجعل تابعة له وحكي الإمام أبو الفرج السرخسي وجها أنه تثبت الشفعة فيها
لثبوتها في الأرض (والمذهب) الأول وان بيعت الأرض وحدها ثبتت الشفعة فيها ويكون
366

الشفيع معه كالمشتري وان بيعت وان بيعت الأبنية والأشجار مع الأرض اما صريحا أو على قولنا ان الأرض
تستتبعها ثبتت الشفعة فيها تابعة للأراضي كما سبق من الاخبار فان لفظ الربع يتناول الأبنية ولفظ
الحائط يتناول الأشجار ولو كان على النخل ثمرة مؤبرة ما دخلت في البيع شرطا لم تثبت فيها الشفعة لأنها
لا تدوم في الأرض بل يأخذ الشفيع الأرض والنخيل بحصتها من الثمن وعن مالك وأبي حنيفة إثبات
الشفعة فيها تبعا وإن كانت غير مؤبرة دخلت في البيع تبعا وهل يأخذ فيه وجهان أو قولان (أحدهما) لا كالمؤبرة
367

لأنها منقولة (والثاني) نعم لدخولها في مطلق البيع قال في التهذيب وهذا أصح وعلى هذا فلو لم يتفق الاخذ إلى أن
تأبرت فوجهان (أظهرهما) الاخذ لان حقه تعلق بها وزيادتها كالزيادة الحاصلة في الشجرة من بسوقها.
أو طول أغصانها (والثاني) المنع وبه قال القاضي أبو الطيب لخروجها عن أن تكون تابعة للنخيل وعلى هذا
فبم يأخذ النخيل والأرض فيه وجهان (أشبههما) بحصتها من الثمن كما في المؤبرة (والثاني) بجميع الثمن
تنزيلا له منزلة عيب يحدث بالشقص ولو كانت النخيل حائلة عند البيع ثم حدثت الثمرة قبل أخذ
الشفيع فإن كانت مؤبرة لم يأخذها وإن كانت غير مؤبرة فعلى قولين ذكرنا هما بتوجيههما وتخاريجهما
368

فيما إذا أفلس مشترى النخيل وهي مطلعة هل يتعدى الرجوع إلى الطلع وقد ذكر كثير من الناقلين
أن قول أخذ الثمار قوله القديم ومقابله الجديد وعلى هذا فالمسألة مما يجاب فيها على القديم لما مر في
التفليس أن الاخذ أظهر عند الأصحاب وإذا بيعت الثمرة للمشترى فعلى الشفيع إبقاؤها إلى الادراك وهذا
إذا بيعت الأشجار مع البياض الذي يتخللها أو بيع البستان كله أما إذا بيعت الأشجار ومغارسها لاغير
فوجهان وكذا لو باع الجدار مع الاس (أحدهما) أنه تثبت الشفعة لأنها فرع أصل ثابت (وأشبههما)
369

المنع لان الأرض تابعة ههنا والمتبوع منقول ولو باع شقصا فيه زرع لا يجذ مرارا وادخله في البيع شرطا
أخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن ولم يأخذ الزرع خلافا لأبي حنيفة ومالك وإن كان مما يجذ
مرارا فالجذوة الظاهرة التي لا تدخل في البيع المطلق كالثمار المؤبرة والأصول كالأشجار وما يدخل
تحت مطلق بيع الدار من الأبواب والرفوف والمسامير يؤخذ بالشفعة تبعا كالأبنية وكذا الدولاب
370

الثابت في الأرض سواء اداره المساء أو غيره بخلاف الدلو والمنقولات ولو باع شقصا من طاحونة
فالحجر التحتاني يؤخذ بالشفعة (إن قلنا) بدخوله في البيع وفي الفوقاني وجهان مع التفريع عليه
كالوجهين في الثمار التي لم تؤبر (وقوله) في الكتاب كل عقار غير مجرى على ظاهره لأنه يقتضى
اشتراط كون المأخوذ عقارا وقد عرفت أن الأبنية والأشجار بل الثمار أيضا مأخوذة ومعلوم أن اسم
371

العقار لا يقع عليها في المتعارف ولا يمكن أن يقال أراد بالعقار غير المنقول لان قضيته حينئذ إثبات
الشفعة في الأبنية والأشجار وحدها لأنه كما لا يقع عليها اسم العقار لا يقع عليها اسم المنقول وهي ثابتة
372

في الأرض فيصدق عليها أنها غير المنقول (وقوله) فلا شفعة فيه معلم بالميم (وقوله) لحقه الضرر
فيه معناه أن المنقول لا يبقى دائما والعقار يتأبد فيتأبد سوء ضرر المشاركة فيه الشفعة تملك قهري فلا
373

يحكم بثبوته الا عند شدة الضرورة.
قال (وبالثابت عن حجرة عالية مشتركة مبنية على سقف لصاحب السفل فإنه لا أرض لها
فلا ثبات. فإن كان السقف لشركاء العلو فوجهان لان السقف في الهواء فلا ثبات له).
374

الشرط الثاني كونه ثابتا وقصد به الاحتراز عما إذا كان بين اثنتين حجرة أو غرفة عالية مبنية
على سقف لأحدهما أو لغيرهما فإذا باع أحدهما نصيبه فلا شفعة لشريكه لأنه لا أرض لها ولاثبات
لهو كالمنقولات ولو كان السقف المبني عليه مشتركا بينهما فعلى وجهين نقلهما ههنا وفي الوسيط
375

(أحدهما) أن الشفعة تثبت للاشتراك فيهما أرضا وجدارا (وأظهرهما) المنع لان السقف الذي هو أرضه
لاثبات له أيضا وما لا ثبات له في نفسه لا يفيد ثباتا لما هو عليه ولو كان السقف مشتركان بين اثنين
والعلو لأحدهما فباع صاحب العلو العلو ونصيبه من السفل ففيه للقفال جوابان (أحدهما) أن الشريك
376

يأخذ السفل ونصف العلو بالشفعة لان الأرض مشتركة بينهما وما فيها تابع لها الا ترى أنه يتبعها
في بيع الأرض عند الاطلاق فكذلك لي الشفعة (وأصحهما) وهو الذي ارتضاه الشيخ أبو علي أنه
لا يأخذ الا السفل لان الشفعة لا تثبت في الأرض إلا إذا كانت مشتركة فكذلك فيما فيها من
377

الأبنية ولا شركة بينهما في العلو. ولو كانت بينهما أرض مشتركة وفيها أشجار لأحدهما فباع
صاحب الأشجار الأشجار ونصيبه من الأرض ففيه هذا الخلاف هذا فقه الفصل ولك أن تقول اسم
العقار اما أن يقع على الأبنية بقطع النظر عن الأرض أو لا يقع إن وقع كان الضابط المذكور متناولا للأبنية
378

وحدها فلتكن مأخوذة بالشفعة وحدها ان لم يقع خرجت الصورتان المذكورتان في الكتاب عن
الضابط بلفظ العقار فلا حاجة إلى ذكر قيد الثابت.
قال (واحترزنا بالمنقسم عن الطاحونة والحمام وبئر الماء وما لا يقبل القسمة إلا بابطال منفعته
المقصودة منه فلا شفعة فيها (ح و) إذا ليس فيها ضرر مؤنة الاستقسام وتضايق الملك بالقسمة).
379

الشرط الثالث كونه منقسما وفي ثبوت الشفعة في العقار الذي لا ينقسم اختلاف مبنى على أن
الشفعة لم تثبت في المنقسم وفيه وجهان (أحدهما) أنها تثبت لدفع ضرر الشركة فيما يتأبد ويدوم كتضييق
المدخل والتأذي بحرفة الشريك وأخلاقه أو كثرة الداخلين عليه وما أشبههما (وأصحهما) أنها تثبت
380

لدفع الضرر الذي ينشأ من القسمة من بدل مؤنتها والحاجة إلى افراد الحصة الصائرة له بالمرافق الواقعة
في حصة صاحبه كالمصعد المبرز والبالوعة وحدها وكل واحد من الضررين وإن كان واقعا قبل البيع
سكن من رغب من الشريكين في البيع كان من حقه أن يخلص الشريك مما هو فيه ببيعه منه فإذا لم
381

يفعل سلطه الشرع على أخذه (فان قلنا) بالمعنى الأصح انه لم تثبت الشفعة فيما لم ينقسم لأنه يؤمن فيه
غرر القسمة وهذا هو الذي أورده في الكتاب (وان قلنا) بالثاني ثبتت الشفعة فيه ويحذف هذا الشرط
الثالث وبه قال أبو حنيفة وابن سريج وهذا المذهب الثاني ينسب إلى تخريجه واختاره أبو خلف
382

السلمي والقاضي الروياني ومنهم من يجعل هذا الخلاف قولين ويقول الجديد منع الشفعة وهو ظاهر
المذهب كيف فرض الخلاف وعن مالك وأحمد اختلاف رواية فيه أيضا والظاهر المنع والمراد من
المنقسم ما إذا طلب أحد الشريكين قسمته أجبر الآخر عليها وفي ضبطه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه الذي لا تنقص
383

لقسمة قيمته نقصانا فاحشا حتى لو كانت قيمة الدار مائة ولو قمست عادت قيمة كل نصف إلى ثلاثين فلا تقسم
لما فيها من الضرر (وثانيها) أنه الذي يبقى منتفعا به بعد القسمة بوجه ما أما مالا يبقى منتفعا به بحال اما
لضيق
الخطة أو قلة النصيب أو لان أجزاءه غير منتفع بها وحدها كما سراب القنا فلا يقسم (واضحها) أنه الذي إذا
قسم أمكن أن ينتفع به من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة ولا عبرة بامكان الانتفاع به من وجه
384

آخر للتفاوت العظيم بين أجناس المنافع. إذا عرفت ذلك فلو كان بينهما طاحونة أو حمام أو نهر أو بئر
فباع أحدهما نصيبه نظر إن كانت الطاحونة كبيرة يمكن ان تجعل طاحونتين لكل واحد حجران
والحمام كثير البيوت يمكن أن يجعل حمامين أو كبير البيوت يمكن جعل كل بيت بيتين والبئر
واسعة يمكن أن يبني فيها فتجعل بئرين لكل واحدة بياض يقف فيها المستقى ويلقى فيه ما يخرج
385

منها ثبتت الشفعة فيها وان لم يكن كذلك وهو الغالب في هذه العقارات فلا شفعة فيها على الأصح
وهذا جوابه على أصح الوجوه في معنى المنقسم أما إذا اعتبرنا بقاء منفعة ما كفى ان يصلح لكل
سهم من الحمام بعد القسمة للسكنى فان اعتبرت القسمة لم يخفف حكمه. ولو اشترك اثنان في دار صغيرة
386

لأحدهما عشرها وللآخر باقيها فان حكمنا بثبوت الشفعة فيما لا ينقسم فأيهما باع نصيبه فلصاحبه الشفعة
وان حكمنا بمنعها فان باع صاحب العشر نصيبه لم يثبت لصاحبه الشفعة لأنه أمن من أن يطلب
مشتريه القسمة لأنه لا فائدة له في القسمة وبتقدير أن يطلب فلا يجاب لأنه متعنت مضيع ماله وإذا
كان كذلك فلا يلحقه ضرر قسمه وان باع صاحب النصيب الأوفر نصيبه ففي ثبوت الشفعة لصاحب
387

العشر وجهان بناء على أن صاحب النصيب الأوفر هل يجاب إذا طلب القسمة لأنه منتفع بالقسمة
(والظاهر) انه يجاب ولو كان حول البئر بياض وأمكنت القسمة بان نجعل البئر لواحد والبياض لآخر
ليزرعه أو يسكن فيه أو كان موضع الحجر في الرحا واحدا ولكن لها بيت يصلح لغرض آخر
وأمكنت القسمة بأن يجعل موضع الحجر لواحد وذلك البيت لآخر ليزرعه فقد ذكر جماعة من
388

الأصحاب أن الشفعة تثبت وأن البئر والحالة هذه من المنقسمات وهذا جواب على جريان الاجبار في هذا النوع
من القسمة وفيه خلاف على أنه لا يشترط فيما يصير لكل واحد منهما أن يمكن الانتفاع به من الوجه
الذي كان ينتفع به قبل القسمة (وقوله) في الكتاب وبئر الماء ليس مذكورا للتقييد بل بئر الماء وسائر
الآبار في الشفعة واحدة (وقوله) الا بابطال منفعته المقصودة إشارة إلى الوجه الأصح في ضبط المنقسم
389

(وقوله) فلا شفعة فيها معلم بالحاء والواو ويمكن أن يعلم بالميم والألف لإحدى الروايتين عنهما (وقوله) إذ
ليس فيها ضرر مؤنة الانقسام إلى آخره معناه أن هذا هو المقتضى للشفعة في المنقسم وأنه غير موجود
واعلم أنا لو قدرنا ثبوت الشفعة هناك لمجموع المعنيين يلزم المنع في غير المنقسم أيضا لانتفاء أحد المعنيين.
390

(فرع) شريكان في مزارع وبئر تستقى منها باع أحدهما نصيبه منها ثبتت للآخر الشفعة
فيها إذا انقسمت البئر أو قلنا بثبوت الشفعة فيما لا ينقسم والا فتثبت في المزرعة وفي البئر وجهان
(أحدهما) تثبت كما تثبت في الأشجار تبعا للأراضي (وأصحها) المنع لان الأشجار ثابته في محل الشفعة
والبئر مباينة عنه.
391

قال (الركن الثاني الآخذ وهو كل شريك بالملك. فلا شفعة (ح) للجار عندنا وإن كان
ملاصقا (و). وتثبت للشريك وإن كان كافرا. فان شارك بحصة موقوفة وقلنا لا يملك الموقوف
عليه فلا شفعة. والا فهو بناء على أنه هل يجوز افراز الوقف عن الملك. والشريك في الممر المنقسم
يأخذ الممر بالشفعة إن كان للمشترى طريق آخر إلى داره. والا فيأخذ بشرط أن يمكن من الاجتياز.
وقيل يأخذ وان لم يمكن. وقيل لا يأخذ وان مكن).
392

فقه الركن صور (إحداها) أنه لا شفعة للجار ملاصقا كان أو مقابلا وبه قال مالك وأحمد وعند
أبي حنيفة للملاصق الشفعة وكذا المقابل إذا لم يكن الطريق بينهما نافذا لما ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة) (1) وعن ابن سريج تخريج قول كمذهب أبي
393

حنيفة قال القاضي الروياني ورأيت بعض أصحابنا يفتي به وهو الاختيار وذكر الامام أن الشيخ أبا على
لم يثبت ذلك عن ابن سريج وحمل كلامه فيه على أنه لا يعترض في الظاهر على الشافعي إذا قضى
394

له الحنفي بشفعة الجار وهذا شأن مسائل الخلاف في الأغلب وفي الحل باطنا خلاف (الثانية) الدار
اما أن يكون بابها مفتوحا إلى درب نافذ أو إلى درب غير نافذ إن كان الأول ولا شركة في الدار فلا
شفعة فيها لاحد ولا في ممرها لان مثل هذا الدرب غير مملوك وإن كان الثاني فالدرب ملك مشترك
بين شركائه على ما سبق في الصلح فان باع نصيبه من الممر وحده فللشركة الشفعة فيه إن كان منقسما
395

على ما عرفت معناه والا ففيه ما مر من الخلاف وان باع الدار بممرها فلا شفعة الشركاء الممر في الدار لأنه لا شركة
لهم فيها فصار كما لو باع شقصا من عقار مشترك وعقار غير مشترك وخرج ابن سريج أنه تثبت الشفعة فيها
بتبعية الشركة في الطريق وبه قال مالك وأبو حنيفة وقدم أبو حنيفة الشريك في الممر على الجار الملاصق الذي
ينفذ باب داره إلى درب آخر وظاهر المذهب الأول ولو أرادوا أخذ الممر بالشفعة نظر إن كان
396

للمشترى طريق آخر إلى الدار أو أمكنه فتح باب آخر إلى شارع فلهم ذلك على المشهور إن كان منقسما والا فعلى
الخلاف في غير المنقسم وقال الشيخ أبو محمد إن كان في إيجاد الممر الحادث عسر أو مؤنة لها وجب
أن يكون ثبوت الشفعة على الخلاف الذي نذكره على الأثر وان لم يكن له طريق آخر ولا أمكن
397

ايجاده ففيه أوجه (أحدها) أنهم لا يمكنون منه لما فيه من الاضرار بالمشترى وإنما أثبتت الشفعة لدفع
الضرر فلا يزال الضرر بالضرر (والثاني) أن لهم الاخذ والمشترى هو المضر بنفسه حيث اشترى منه
مثل هذه الدار (والثالث) أنه يقال لهم ان أخذتموه على أن تمكنوا المشترى من المرور فلكم الاخذ
وان أبيتم تمكنيه منه فلا شفعة لكم جميعا بين الحقين وايراد الكتاب يشعر بترجيح هذا الوجه
واليه ذهب أبو الفرج السرخسي لكن الأصحاب من العراقيين وغيرهم على أن الوجه الأول أصح بل
مر نص الامام وجماعة عبارة تخيير الشفيع وأدوا الغرض في عبارة أخرى فقالوا في أحده بالشفعة وجهان
398

ان أخذ ففي بقاء المرور وللمشتري وجهان وشركة مالكي بيوت الخيار في صحته كشركة مالكي الدور في الدروب
التي لا تنفذ وكذا الشركة في مسيل ماء الأرض دون الأرض وفي بئر المزرعة دون المزرعة كالشركة
399

في الممر وحده (الثالثة) تثبت الشفعة للذمي على المسلم والذمي حسب ثبوتها للمسلم وقال احمد لا شفعة للذمي
على المسلم (لنا) القياس على الرد بالعيب ولو باع ذمي شقصا من ذمي بخمر أو خنزير وترافعوا إلينا بعد الاخذ
بالشفعة لم نرده ولو ترافعوا قبله لم نحكم بالشفعة وقال أبو حنيفة نحكم وإن كان الشفيع مسلما أخذ الشقص
بقية الخمر وإن كان ذميا فبمثلها ولو بيع الشقص فارتد الشريك فهو على شفعته إن قلنا أن الردة لا تزيل
400

الملك (وان قلنا) تزيله فلا شفعة له وان عاد إلى الاسلام وعاد ملكه ففي عود الشفعة تردد عن الشيخ
أبى على والظاهر المنع (وان قلنا) بالوقف فمات أو قتل على الردة فللامام أخذه لبيت المال كما لو اشترى
معيبا أو اشترط الخيار وارتد ومات للامام رده ولو ارتد المشترى فالشفيع على شفعته (الرابعة) دار نصفها
لرجل ونصفها ملك للمسجد اشتراه قيم المسجد أو وهبه منه ليصرف في عمارته فباع الرجل نصيبه
401

كان للقيم أن يأخذ بالشفعة ان رأى المصلحة فيه كما لو كان لبيت المال شرك في دار فباع الشريك
نصيبه للامام الاخذ بالشفعة وإن كان صف الدار وقفا والنصف ملكا فباع المالك نصيبه فينبني
على أن الموقوف عليه هل يملك الوقف (ان قلنا) لا لم يأخذ ما باعه بالشفعة (وان قلنا) نعم فينبني
على أن الملك هل تقرر عن الوقف وفيه وجهان يذكران في القسمة (ان قلنا) نعم ففي ثبوت الشفعة
402

وجهان (أحدهما) تثبت لدفع ضرر القمسة ودفع ضرر مداخلة الشريك وهذا ما أورده في الكتاب بناء
على جواز قسمته وعلى هذا فلو كان الوقف على غير معينين أخذه المتولي ان رأى المصلحة فيه (وأظهرهما)
المنع لان الوقف لا يستحق بالشفعة فلا ينبغي أن يستحق به وأيضا فإنه ملك ناقص ألا ترى أنه لا ينفذ
تصرفه فيه فلا يتسلط على الاخذ (وإن قلنا) لا يقرر الملك على الوقف فأن لم تثبت الشفعة فيما لا ينقسم لم
تثبت
403

وإن أثبتناه عاد الوجهان (وقوله) في كل شريك بالملك قصد بقوله بالملك الاحتراز عن الشريك
بالوقف والمراد ملك الرقبة أما إذا لم يملك إلا المنفعة اما مؤقتا بالإجارة أو مؤبدا بأن أوصى له بالمنفعة
لم يكن له الاخذ بالشفعة ويخرج بلفظ الشريك الجار ويدخل المسلم والذمي والحر والمكاتب حتى لو
كان السيد والمكاتب شريكين في الدار فلكل منهما الشفعة على الآخر والمأذون له في التجارة إذا
404

اشترى شقصا ثم باع الشريك نصيبه فله الاخذ بالشفعة الا أن يمنعه السيد أو يسقط الشفعة وله الاسقاط
وان أحاطت به الديون وكان الاخذ غبطة كما له منعه من سائر الاعتياضات في المستقبل ولو أراد السيد
أخذه بنفسه فله ذلك ولا يخفى أن الشركة لا تعتبر في مباشرة الاخذ وإنما هي معتبرة فيمن يقع له
الاخذ بدليل الولي والوكيل والعبد المأذون فان لهم الاخذ بالشفعة (وقوله) والشريك في الممر المنقسم يأخذ الممر
405

بالشفعة معلم بالواو ولما حكينا عن الشيخ أبي محمد وليس لمسألة الممر اختصاص بذكر الاخذ ولعل
ايرادها في ركن المأخوذ أولى.
قال (الركن الثالث المأخوذ منه وهو كل من تجدد ملكه اللازم بمعاوضة. احترزنا بالتجدد
عن رجلين اشتريا دارا فلا شفعة لأحدهما على الآخر إذ لا تجدد لأحدهما. واحترزنا باللازم عن
406

الشراء في زمان الخيار فإنه لا يؤخذ إن كان للبائع خيار لأنه اضرار به ولا حق للشفيع على البائع. وإن كان
للمشترى وحده فطريقان (أحدهما) لا لأن العقد بعد لم يستقر (والثاني) فيه قولان. كما لو وجد
المشترى بالشقص عيبا وأراد رده وقصد الشفيع أخذه فأيهما أولى وقد تقابل الحقان فيه قولان. وكذا
الخلاف في تزاحم الشفيع والزوج إذا طلق قبل المسيس على الشقص الممهور).
407

المأخوذ منه هو المشترى ومن في معناه وفي ضبطه قيود (أحدها) كون ملكه طارئا على ملك الآخذ
فإذا اشترى رجلان دارا معا أو شقصا من دار فلا شفعة لواحد منهما على الآخر لاستوائهما في وقت
ثبوت الملك (الثاني) كونه لازما وفيه ثلاث صور (إحداها) ان جرى البيع بشرط الخيار لهما أو للبائع
الخيار وحده لم يؤخذ الشقص بالشفعة ما دام الخيار باقيا اما على قولنا الملك غير منتقل إلى المشترى
408

فظاهر واما على قول الانتقال فلان في اخذه ابطال خيار البائع ولا سبيل للشفيع إلى الاضرار بالبائع
وابطال حقه وعن صاحب التقريب احتمال على قولنا بانتقال المالك إلى المشترى وان شرط الخيار للمشترى
وحده فان قلنا الملك له ففي أخذه بالشفعة قولان رواية الربيع واختيار أبى اسحق المنع وبه قال مالك
واحمد لان المشترى لم يرض بلزوم العقد وفى الاخذ الزام واثبات للعهدة عليه ورواية المزني يؤخذ وبه
409

قال أبو حنيفة لأنه لاحق فيه الا للمشترى والشفيع مسلط عليه بعد لزوم الملك واستقراره فقبله اولي
وهذا أصح عند عامة الأصحاب ونقل للامام وصاحب الكتاب في المسألة طريقين (أحداهما) اثبات
القولين هكذا لكن قالا هما مأخوذان من الخلاف الذي نذكره فيما بعد إذا اطلع المشترى على عيب
بالشقص وأراد رده وأراد الشفيع أخذه فعلى رأى للشفيع قطع خيار المشترى في الصورتين وعلى رأى
410

لا يمكن منه (والثاني) القطع بأنه لا يأخذه إلى أن يلزم العقد والفرق بين الرد بالعيب وبينه أن الاخذ
بالشفعة يفتقر إلى استقرار العقد وتمامه (واعلم) أن هذه الطريقة الثانية لا تكاد توجد في غير كتابنا والذهاب
على الطريقة الأولى إلى تخريج القولين من الخلاف في الرد بالعيب بعيد مع أن الجمهور حكوهما عن
النص ولو عكس وقيل الخلاف في الرد بالعيب مأخوذ من الخلاف ههنا لكان أشبه هذا إذا فرعنا على
411

أن الملك للمشترى (أما) إذا قلنا إنه بعد للبائع أو موقوف والمشترى منفرد بالخيار فعن صاحب التقريب
وجه أن الشفيع يأخذ الشقص لانقطاع سلطة البائع بلزوم العقد من جهته (والأصح) المنع لان ملك
البائع غير زائل على التقدير الأول وغير معلوم الزوال إلى الثاني وعلى الأول إذا أخذه الشفيع تبينا أن
الملك للمشترى فبل أخذه وانقطع الخيار.
412

(فرع) باع أحد الشريكين نصيبه بشرط الخيار ثم باع الثاني نصيبه في زمان الخيار بيع
بتات فلا شفعة في المبيع أولا للبائع الثاني لزوال ملكه ولا للمشترى منه وان تقدم ملكه على ملك المشتري
الأول إذا فرعنا على أنه لا يملك في زمان الخيار لان سبب الشفعة البيع وهو سابق على ملكه
(وأما) الشفعة في المبيع ثانيا فموقوفة ان توقفنا في الملك وللبائع الأول ان أبقينا الملك له وللمشتري
منه ان أثبتنا الملك له وعلى هذا قال في التتمة ان فسخ البيع قبل العلم بالشفعة بطلت شفعته ان
413

قلنا) ان الفسخ بخيار الشرط يرفع العقد من أصله (وان قلنا) يرفعه من حينه فهو كما لو باع ملكه
قبل العلم بالشفعة وان أخذه بالشفعة ثم فسخ البيع فالحكم بالشفعة كالحكم في الزوائد الحادثة في زمن
الخيار (الثانية) إذا وجد المشترى بالشقص عيبا قديما فأراد رده وجاء الشفيع يريد أخذه ويرضى
بكونه معيبا فيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) ان الشفيع أولى بالإجابة لان حقه سابق على حق
414

المشترى فإنه ثابت بالبيع ولان الغرض للمشترى استدراك الظلامة والوصول إلى الثمن وهذا الغرض
حاصل بأخذ الشفيع ولأنا لو قدمنا المشترى بطل حق الشفيع بالكلية ولو قدمنا الشفيع حصل
للمشترى مثل الثمن أو قيمته (والثاني) ان المشترى أولى لان الشفيع إنما يأخذ إذا استقر العقد وسلم
عن الرد لأنه قد يريد استرداد عين ماله ودفع عهدة الشقص عن نفسه والأول أرجح عند الأكثرين
415

ومنهم من لا يذكر غيره ولو رده بالعيب قبل مطالبة الشفيع ثم جاء الشفيع طالبا فلا يجاب (ان
قلنا) المشترى أولى عند اجتماعها (وان قلنا) الشفيع أولى فوجهان (أحدهما) لايجاب لتقدم الرد وفي
(الأظهر) يجاب ويفسخ الرد أو نقول تبينا أن الرد كان باطلا والخلاف في أن الشفيع أولى أو المشترى
416

جاز كما إذا اشترى شقصا بعبد ثم وجد البائع بالعبد عيبا فأراد رده واسترداد الشقص وأراد الشفيع
أخذه بالشفع والمسألة مذكورة في الكتاب من بعد وسنعود إليها وحكى في التهذيب جريانه أيضا
فيما إذا اشترى شقصا بعبد وقبض الشقص قبل تسليم العبد فتلف العبد في يده حتى تبطل شفعة الشفيع
في وجه ويتمكن من الاخذ في الثاني كما لو تلف بعد أخذ الشفيع فان الشفعة لا تبطل بل على الشفيع
قيمة العبد للمشترى وعلى المشترى قيمة الشقص للبائع والذي أورده صاحب الشامل وغيره أنه إذا
417

كان الثمن عينا وتلف قبل القبض بطل البيع والشفعة (الثالثة) ستعرف أن الشقص الممهور مأخوذ
بالشفعة فلو أصدقها شقصا ثم طلقها قبل الدخول أو ارتد وجاء الشفيع يريد أخذه بالشفعة فله أخذ نصفه
(وأما) النصف الآخر فالزوج أولى به أو الشفيع فيه وجهان وكذلك إذا اشترى شقصا وأفلس بالثمن
فأراد البائع الفسخ والشفيع الاخذ بالشفعة فيه الوجهان (أحدهما) أن الزوج والبائع أولى بالإجابة لاستناد
حقهما إلى ملك سابق وأيضا فان البائع لم يرض بزوال الشقص إلا على أن يسلم له الثمن فإذا لم يسلم
418

وجب أن لا يؤخذ منه (وأصحهما) أن الشفيع أولى لان حقه ثبت بالعقد وحق الزوج ثبت بالطلاق
وحق البائع بالافلاس وأسبق الحقين أولى بالرعاية ولان منع الشفيع ابطال حقه وإذا قدمناه لا يبطل
حق الزوج والبائع وإنما ينتقل إلى البدل ولان حق الشفيع أقوى من حق الزوج والبائع ألا ترى أن الشفيع
يبطل تصرف المشترى عند افلاسه ولا الزوجة تصرف لزوج قال الشيخ أبو علي والوجهان مبنيان على
القولين فيما إذا كان الخيار للمشترى وحده وأراد الفسخ والشفيع أراد أخذه بالشفعة وقد قدمنا هما وذكر
419

الامام وصاحب التهذيب أن الوجهين متولدان من جواب ابن الحداد في الصورة الأولى أن الشفيع
أولى وجواب أبي إسحاق في الثانية بأن تصرف البائع أولى وتصرف من بعدهما من الأصحاب في
كلامهما وجعلوا الصورتين على جوابين بالنقل والتخريج وقطع بعضهم بجواب بان الحداد في الصورة
الأولى وبجواب أبي إسحاق في الثانية والفرق أن الثابت للزوج بالطلاق الملك والشفيع ثبت له ولاية
التملك لا نفس الملك فكان الزوج أولى بالتقديم وفي الصورة الأخرى الثابت للبائع والشفيع معا ولاية
420

التملك لكن الشفيع أسبق حقا فهو أولى بالتقديم وإذا قدمنا الشفيع في صورة الافلاس فاظهر الوجوه وبه
قال ابن الحداد ان الثمن المأخوذ من الشفيع مقسوم بين الغرماء كلهم لان حق البائع إذا انتقل
عن العين إلى الذمة التحق بسائر الغرماء (والثاني) يحكى عن ابن سريج أنه يقدم البائع بالثمن رعاية
للجانبين (والثالث) أنه إن كان البائع سلم الشقص ثم أفلس المشترى لم يكن أولى بالثمن لرضاه بذمة
المشترى وان سلم فهو أولى بالثمن والطريقان جاريان فيما إذا اقتضى الحال عود كل الصداق إلى
الزوج لرده أو فسخ قبل الدخول هذا إذا اجتمع الشفيع مع الزوج أو البائع اما لو أخذ الشفيع
421

الشقص من يد الزوجة ثم طلق الزوج أو من يد المشترى ثم إنه أفلس فلا رجوع للزوج والبائع إلى
الشفيع بحال لكن ينتقل حق البائع إلى الثمن وحق الزوج إلى القيمة في مالهما كما لو زال الملك ببيع
أو غيره ولو طلقها قبل علم الشفيع واخذ النصف ثم جاء الشفيع ففي استرداده ما أخذه الزوج وجهان
كما إذا جاء بعد الرد بالعيب وحكى الامام طريقة أخرى قاطعة بالمنع لان المهر يتشطر بالطلاق من غير
اختيار فيبعد نقصه وان قلنا يسترده أخذه وما بقي في يدها والا أخذ ما في يدها ودفع إليها نصف مهر
422

المثل ولو كان للشقص الممهور شفيعان فطلبا وأخذ أحدهما نصفه وطلقها قبل أن يأخذ الآخر
فلا يأخذ الزوج النصف الحاصل في يد الشفيع (وأما) النصف الآخر فهو أولى أم الشفيع فيه
الخلاف السابق ويجرى فيما إذا أخذ الشفيعين من يد المشترى ثم أفلس فان قلنا الشفيع أولى ضارب
البائع مع الغرماء بالثمن (وان قلنا) البائع أولى فان شاء أخذ النصف الباقي وضارب مع الغرماء بنصف
الثمن والا تركه وضارب بجميع الثمن.
423

قال (واحترزنا بالمعاوضة عن ملك حصل بهبة أو إرث أو رجع ناقلة أو رد بعيب. فلا شفعة
في شئ من ذلك. وتثبت (ح) الشفعة فيما جعل أجرة في إجارة. أو صداقا في نكاح. أو عوضا
في كتابه أو خلع أو صلح عن دم عمد أو عن متعة نكاح. ولو بذل المكاتب شقصا عوضا عن
نجومه ثم عجز ورق ففي الشفعة خلاف إذ خرج عن كونه عوضا. ولو أوصي لمستولدته بشقص ان
خدمت أولاده شهرا ففيه خلاف لتردده بين الوصية والمعاوضة).
424

القيد الثالث في ضبط المأخوذ منه أن يكون ملكه حاصلا بمعاوضة فيخرج عنه ما إذا ملك بإرث أو
هبة أو وصية فإنه لا يؤخذ بالشفعة (أما) الإرث فلان الوارث لا اختيار له في حصول الملك بخلاف ما إذا
ملك اختيارا فإنه كان من حقه أن لا يدخل على الشريك ولا يضر به فإذا لم يفعل سلط الشريك عليه (وأما)
الهبة والوصية فلان المتهب والموصي له تقلدا لما به من الواهب والموصي بقبول تبرعهما ولو أخذ الشفيع لاخذ
425

عن استحقاق ولو تسلط فلا يكون متقلدا للمانة ووضع الشفعة على أن يأخذ الشفعة بما أخذ به المتملك
ولو وهب بشرط الثواب أو مطلقا وقلنا إن يقتضي الثواب فوجهان (أصحهما) أنه يؤخذ بالشفعة لأنه
مملوك بعقد معاوضة (والثاني) لا يؤخذ لأنه ليس المقصود منه المعاوضة وعلى الأول ففي أخذه قبل قبض
الموهوب وجهان (أظهرهما) الاخذ لأنه صار بيعا (والثاني) لا لان الهبة لا تتم إلا بالقبض وهذا هو
426

الخلاف في أن الاعتبار باللفظ أو بالمعنى ولو اشترى شقصا ثم تقايلا فإن كان الشفيع قد عفا فتجدد
الشفعة ينبني على أن الإقالة فسخ أم بيع (إن قلنا) بيع تجدد وأخذه من البائع (وإن قلنا) فسخ
لم تتجدد كما لا تجدد بالرد بالعيب لان الفسوخ وإن كانت تشتمل على تراد العوضين فلا تعطى
أحكام المعاوضات ألا ترى أنه يتعين فيها العوض الأول وان جرت الإقالة قبل علم الشفيع بالشفعة
427

فان جعلنا الإقالة بيعا فالشفيع بالخيار بين ان يأخذ بها وبين أن ينقضها حتى يعود الشقص إلى
المشترى فيأخذ منه وان جعلناها فسخا فهو كطلب الشفعة بعد الرد العيب وقد سبق ويدخل في
الضبط ما إذا جعل الشقص اجرة في إجارة أو جعلا في جعالة أو رأس مال في سلم أو أصدق امرأته
شقصا أن متعها به أو خالعها على شقص أو صالح عليه على ما أو دم أو جراحة أو جعله المكاتب
428

عوضا عن النجوم فتثبت الشفعة في ذلك كله خلافا لأبي حنيفة حيث قال لا تثبت الشفعة الا في
الشراء وهو رواية عن أحمد لنا قياس ما عداه عليه بجامع أنه مملوك بعقد معاوضة ولو أقرضه شقصا
قال في التتمة القرض صحيح وللشفيع أخذه إذا ملكه المستقرض وإنما تثبت الشفعة في الجعالة بعد
العمل قان الملك حينئذ يحصل للعامل ثم في الفصل فرعان (أحدهما) لو بذل المكاتب شقصا عوضا
429

عن بعض النجوم ثم عجز ورق ففي بطلان الشفعة وجهان ينظر في أحدهما إلى أنه كان عوضا أو لا
وفي الثاني خروجه أجرا عن العوضية وهذا أظهر والخلاف شبيه بما ذكرنا فيما إذا كان الثمن عينا وتلف
قبل القبض (الثاني) لو قال لمستولد انه ان خدمت أولادي شهرا فلك هذا الشقص فخدمتهم استحقت
الشقص وفي ثبوت الشفعة فيه وجهان (أحدهما) تثبت لأنها ملكته يالخدمة فكان كالمملوك بالإجارة
430

وسائر المعاوضات (وأظهرهما) المنع لأنها معتبرة من الثلث كسائر الوصايا وذكر الخدمة شرط داخل على
الوصية (وقوله) في الكتاب على ملك حصل بهبة اعلم لفظ الهبة بالميم لأنه روى في الوسيط عن مالك
انه يأخذ الموهوب بالقيمة وهذه إحدى الروايتين عنه فيما ذكره في الشامل وقوله أو رجع بإقالة معلم
بالواو ولما اذكرنا ويجوز أن يعلم بالحاء لان صاحب الشامل حكى عن أبي حنيفة ثبوت الشفعة فيه وكذا
431

في الرد بالعيب إذا جرى بالتراضي (وقوله) تثبت الشفعة فيما جعل اجرة معلم بالحاء ويجوز أن يعلم بالواو
لان في أمالي أبي الفرج السرخسي أن صاحب التخليص قال إذا كان ما يقابل الشقص مما لا يثبت في
الذمة بالسلم ولا بالقرض فلا شفعة فيه لأنه تعذر أخذه بما ملك به المتملك وهو غريب (وقوله) أو صلح
عن دم عمد ربما يبحث فيه عن سبب التقيد بالعمدية واعلم أن الجناية على النفس فما دونها تنقسم إلى
432

مالا يوجب القصاص والقول في صحة الصلح عن موجبها ما ذكرنا في كتاب الصلح والى ما يوجبه
والصلح ههنا مبني على الخلاف في أن موجب العمد ماذا فإذا تأملت القسمين وجدت صحة الصلح
عما يوجب القصاص أظهر أعم فيمكن أن يكون ذلك سبب التقييد بالعمدية التي هي مناط القصاص
(وقوله) ولو بذل المكاتب شقصا عوضا عن نجومه أشار به إلى أن نفس الشقص لا يمكن الكتابة
عليه لأنه لا يثبت في الذمة بعقود المعاوضات والمعين لا يملكه العبد وهذا هو المراد بقوله قبله أو عوضا
عن كتابة.
قال (ولو اشترى الوصي للطفل وهو شريك أخذ (و) بالشفعة لنفسه. ولو باع شقص الطفل
لم يأخذه (و) لأنه متهم كما لو باع من نفسه. والأب يأخذ فإنه غير متهم. ولذلك يبيع من نفسه.
ولو كان له في الدار شركة أخرى قديمة فيترك (و) عليه ما يخصه لو كان المشترى غيره).
فيه مسألتان (الأولى) إذا باع الوصي أو القيم شقصا للطفل وهو شريك فيه فأصح الوجهين وبه
قال ابن الحداد وهو المذكور في الكتاب أنه ليس له أخذه بالشفعة لأنه لو تمكن منه لم يؤمن أن
433

يترك النظر والاستقصاء للصبي ويتسامح في البيع ليأخذ بالشفعة بالثمن البخس وهذا كما أنه لا يتمكن
من بيع ماله من نفسه (الثاني) عن رواية صاحب التقريب وبه قال أبو الحسين بن القطان أن له
الاخذ لأنه حق ثبت له على المشترى بعد تمام العقد وانقطاع ملك الطفل. ولو اشترى شقصا للطفل
وهو شريك في العقار (فالمشهور) أنه يأخذ لأنه لا تهمة ههنا إذ لا يزيد في الثمن ليأخذ به ونقل في
الشامل وجها آخر لان في الشراء أو الاخذ تعليق عهدة بالصبي من غير منفعة له وللأب والجد الاخذ
بالشفعة إذا كانا شريكين سواء باعا أو اشتريا لقوة ولايتهما وشفقتهما ولهذا كان لهما بيع مال الطفل من
أنفسهما. ولو كان في حجر الوصي يتيمان بينهما دار فباع نصيب أحدهما من رجل فله أخذه بالشفعة
للثاني لان الأول قد يحتاج إلى البيع والثاني إلى الاخذ. ولو وكل أحد شريكي الدار صاحبه ببيع
نصيبه فباعه ففي الشفعة وجهان أيضا لكن الشيخ أبا على قال إن الأكثرين ههنا على أنه يأخذ لان
الموكل ناظر لنفسه يعترض ويستدرك ان عثر على تقصير من الوكيل والصبي عاجز عن ذلك فيصان
حقه عن الضياع. ولو وكل انسان أحد الشريكين بشراء شقص من الآخر فله الاخذ بلا خلاف.
434

وقال أبو حنيفة في الوكيل والوصي معا تثبت الشفعة الشراء ولا تثبت في البيع. ولو وكل الشريك الشريك
ببيع نصف نصيبه أو أذن له في بيع نصيبه أو بعض نصيبه مع نصيب الموكل ان شاء فباع نصف نصيب الموكل مع
نصف نصيبه صفقة واحدة فللموكل أخذ نصيب الوكيل بالشفعة وهل للوكيل أخذ نصيب الموكل فيه وجهان
(المسألة الثانية) إذا كان للمشترى في الدار شركة قديمة بأن كان بين ثلاثة أثلاثا فباع أحدهم نصيبه
من أحد الآخرين فأصبح الوجهين وهو المذكور في الكتاب وبه قال أبو حنيفة والمزني ان المشترى والشريك
الآخر يشتركان في المبيع لاستوائهما في الشركة كما لو كان المشترى غيره. وعن ابن سريج أن الشريك
الثالث ينفرد بالشفعة ولا حق فيه للمشترى لان الشفعة تستحق على المشترى ولا يجوز أن يستحقها
المشترى على نفسه فعلى هذا الثالث بالخيار بين أن يترك جميع المبيع أو يأخذ الجميع وعلى الأصح هو
بالخيار بين أن يأخذ نصف المبيع أو يترك فان قال خذ الكل أو اترك الكل وقد تركت أنا حقي
لم تلزمه الإجابة ولم يصح اسقاط المشترى الشفعة لان ملكه مستقر على النصف بالشراء فأشبه ما إذا
كان للشقص شفيعان حاضر وغائب فاخذ الجميع الحاضر ثم عاد الغائب له أن يأخذ نصفه وليس للحاضر
435

أن يقول له اترك الكل أو خذ الكل وأنا تركت حقي ولا نظر إلى تبعض الصفقة عليه فإنه يلزمه
دخوله في هذا العقد. وعن رواية الشيخ أبي على وجه أنه إذا ترك المشترى حقه وجب على الآخر أخذ
الكل أو ترك الكل كما إذا باع من أجنبي وله شفيعان فترك أحدهما حقه يأخذ الآخر الكل أو يترك
إلا أن هذا الترك سابق على اختيار التملك ههنا وفيما نحن فيه اختيار التملك بالشراء فلم يؤثر الاعراض
بعده. ولو كان بين اثنين دار فباع أحدهما نصف نصيبه من ثالث ثم باع النصف الثاني من ذلك الثالث
فعلى الأصح حكمه حكم ما لو باع النصف الثاني من أجنبي وهو المذكور في الباب الثاني وعلى ما ذكره ابن سريج
لا شفعة للمشترى فللشفيع الخيار بين أن يأخذ الكل أو يأخذ أحد النصفين دون الآخر. وإذا عرفت
ما ذكرناه أعلمت قوله في الكتاب أخذ بالشفعة لنفسه بالواو وكذا (وقوله) لم يأخذ فإنه متهم وكذا
(قوله) فيترك عليه ما يخصه.
قال (ولو باع المريض شقصا يساوى الفين بألف من أجنبي والوارث شريك فلا يأخذ بالشفعة
لأنه يصل إليه المحاباة. وقيل يأخذ لان المحاباة معه ليست من المريض. وقيل لا يصح البيع لتناقض
الاثبات والنفي جميعا. وقيل يأخذ الوارث بقدر قيمة الألف والباقي يبقى للمشترى مجانا).
436

إذا باع في مرض موته شقصا وحابى فلا يخلو إما أن يكون المشترى والشفيع أجنبيين أو وارثين
أو المشترى وارثا والشفيع أجنبيا أو بالعكس والمذكور في الكتاب هو القسم الرابع ونحن نذكر
أربعتها (الأول) أن يكونا أجنبيين فان احتمل الثلث المحابات صح البيع وأخذ الشقص بالشفعة ولا
إشكال وان لم يحتمله كما إذا باع شقصا يساوى الفين بألف ولا مال له غيره نظر إن رده الورثة بطل
البيع في بعض المحاباة وفي صحته في الثاني طريقان (أحدهما) التخريج على الخلاف في تفريق الصفقة
(والثاني) القطع بالصحة (وإذا قلنا) بالصحة ففيما يصح فيه البيع قولان (أحدهما) أنه يصح في قدر
الثلث والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن (والثاني) انه لا يسقط شئ من البيع إلا ويسقط ما يقابله
من الثمن وقد وجهنا كل واحد من الطريقين والقولين وتكلمنا فيما هو الأظهر في تفريق الصفقة (فان
قلنا) بالقول الأول صح البيع في الصورة المفروضة في خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن (وان قلنا)
بالثاني دارت المسألة وحسابها أن يقال صح البيع في شئ من الشقص بنصف شئ يبقى مع الورثة
الفان إلا نصف شئ وذلك يعدل مثلي المحابة وهو نصف شئ فتلاها شئ فيجبر ويقابل فيكون
437

الفان معادلين لشئ وصنف والشئ من شئ ونصف ثلثاه فعلمنا أن البيع صحيح في ثلثي الشقص
قيمته الف وثلاثمائة وثلاث وثلاثون وثلث مثلي الثمن وهو نصف هذا المبلغ فتكون المحاباة ستمائة وستة
وستون وثلثي يبقى للورثة ثلث الشقص وثلثا الثمن وهما الف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وذلك
ضعف المحاباة وعلى القولين جميعا للمشترى الخيار لان جميع لم يسلم له فان أجاز أخذ الشفيع خمسة
أسداس الشقص بجميع الثمن على القول الأول وثلثيه بثلثي الثمن على الثاني ولو أراد أن يفسخ وجاء
الشفيع فمن المجاب منهما فيه الخلاف المذكور في الرد بالعيب وكذلك لو فسخ قبل طلب الشفيع تبطل
الشفعة أم للشفيع رد الفسخ فيه ما سبق من الخلاف وان أجاز الورثة صح البيع في الكل ثم
إن قلنا إن إجازتهم كما فعله المورث أخذ الشفيع الكل بكل الثمن (وان قلنا) انها ابتداء عطية منهم
لم يأخذ الشفيع القدر النافذ بإجارتهم وأخذ القدر المستغني عن اجازتهم وفيه القولان المذكوران عند
الرد (القسم الثاني والثالث) أن يكونا وارثين أو المشترى وارثا فيكون هذا البيع محاباة مع الوراث
438

وهي مردودة فإن لم نفرق الصفقة بطل البيع في الكل وان فرقناها (فان قلنا) هناك يصح في ثلثيه
بثلثي الثمن فههنا يبطل البيع في الكل هكذا ذكره القفال وغيره وعلله في التهذيب بأن البيع لا يبطل
في شئ الا ويسقط بقدره من الثمن فما من جزء يصح فيه البيع الا ويكون بعضه محاباة وهي مردودة
ولك هنا كلامان (أحدهما) أن المفهوم من هذا التوجيه شيوع المعاوضة والمحاباة في جميع الشقص وذلك
لا يمنع تخصيص قدر المحاباة بالابطال ألا ترى أنه لم يمنع في القسم الأول تخصيص ما وراء القدر
المحتمل من المحاباة والابطال (والثاني) أن الوصية للوارث موقوفة على إجازة باقي الورثة
على رأى كما أن الوصية بما زاد على الثلث لا تنفذ من غير إجازة الورثة على رأى فليفرق
ههنا بين الإجازة والرد كما في القسم الأول (والرابع) أن يكون الشفيع وارثا دون المشترى فإذا
احتمل الثلث المحاباة أو لم يحتمل وصححنا البيع في بعض المحاباة في القسم الأول ومكنا الشفيع من
أخذه فههنا وجوه (أحدها) أنه يصح البيع كذلك ولا يأخذه الوارث بالشفعة لان محاباة البائع مع
المشترى وهو أجنبي عنه والشفيع يتملك على المشترى ولا محاباة معه من المريض (والثالث) أنه لا يصح
439

البيع أصلا لأنه لو صح لتقابلت فيه أحكام متناقضة لأنا إن لم نثبت الشفعة أضررنا بالشفيع وان أثبتناها
أوصلنا إليه المحاباة وهذا ما عناه بقوله لتناقض النفي والاثبات جميعا (والرابع) يصح في الجميع ويأخذ
الشفيع ما يوازي الثمن منه ويبقي الباقي للمشترى مجانا لان المحاباة مع الأجنبي دون الوارث فيجعل
كأنه باع بعض الشقص منه ووهب بعضه فيأخذ المبيع دون الموهوب (والخامس) أنه لا يصح البيع
في القدر الموازي للثمن لأنه لو صح في الكل فان أخذه الشفيع وصلت إليه المحاباة وان أخذ ما وراء
قدر المحاباة كان إلزاما بجميع الثمن ببعض المبيع وهو على خلاف وضع الشفعة وقد يقال في العبارة عن
هذا الوجه ان ترك الشفيع الشفعة صحت المحاباة مع المشترى والا فهو كما لو كان المشترى وارثا فلا
تصح المحاباة والأوجه الأربعة الأخيرة تحكى عن ابن سريج وأصح الخمسة عند الأكثرين منهم أبو علي
صاحب الافصاح والعراقيون والأستاذ أبو منصور والامام وصاحب التهذيب إنما هو الثاني والأول
عند ابن الصباغ وقية إيراده في الكتاب ويحسن أن يرتب فيقال في صحة البيع وجهان ان صح
فيصح في الجميع أو فيما وراء قد المحاباة وجهان ان صح في الجميع بالشفعة أو ما وراء قدر المحاباة أولا
يأخذ شيئا فيه ثلاثة أوجه.
440

قال (ولو تساوى شريكان إلى مجلس الحكم وزعم كل واحد أن شراء الآخر متأخر وله
الشفعة فالقول قول كل واحد في عصمة ملكه عن الشفعة. فان تحالفا أو تناكلا تساقطا. وان
حلف أحدهما ونكل الآخر قضى لمن حلف).
ذكرنا من قبل أن تقدم ملك الآخذ على ملك المأخوذ منه شرط في الشفعة فلو كانت في يد رجلين
دار شرياها بعقدين وادعى كل واحد منهما أن شراءه كان قبل شراء صاحبه وأنه يستحق الشفعة عليه نظر
إن ابتدأ أحدهما بالدعوى أو جاءا معا وتنازعا في البداءة فقدم أحدهما بالقرعة وادعي فعلي الآخر الجواب
ولا يرضي منه في الجواب بأن يقول بل شرائي أسبق فإنه ابتداء دعوى بل إما أن ينفي سبق شراء
المدعي أو يقول لا يلزمني تسليم شئ إليك وحينئذ يحلف فان حلف استقر ملكه ثمر تسمع دعواه على
الأول فان حلف استقر ملكه أيضا وان نكل المدعي عليه أولا ردت اليمين على المدعي فحلف أخذ
ما في يد المدعي عليه وليس للمدعي عليه الناكل بعد ذلك أن يدعي عليه لأنه لم يبق له ملك يأخذ
به الشفعة وان نكل المدعي عن اليمين المردودة سقطت دعواه وللمدعي عليه أن يدعي عليه هذا إذا
441

لم يكن لواحد منهما بينة (أما) إذا أقام أحدهما البينة على السبق دون الآخر قضى له وان أقام كل واحد
منهما بينة على سبق شرائه مطلقا أو على أنه اشترى يوم السبت وصاحبه اشترى يوم الأحد فهما
متعارضتان وفي تعرض البينتين قولان (أحدهما) أنهما يتساقطان فكأنه لا بينة لواحد منهما (والثاني)
أنهما يستعملان وفي كيفيته أقوال (أحدها) القرعة فعلي هذا فمن خرجت قرعته أخذ نصيب الآخر
بالشفعة (والثاني) القسمة ولا فائدة لها ههنا إلا أن تكون الشركة بينهما على التفاوت فيكون النصف
مقيدا (والثالث) الوقف وعلى هذا يوقف حق التملك إلى أن يظهر الحال ومهم من لم يجز قول الوقف
ههنا وقال لا معني للوقف مع كون الدار في يدهما ولو عينت كل واحدة من البينتين وقتا واحدا فلا
تنافي بينهما لاحتمال وقوع العقدين معا ولا شفعة لواحد منهما لأنا تبينا وقوع العقدين معا وفيه وجه
أنهما يسقطان لان واحدة منهما لم تتعرض لمقصود مقيمها فكأنه لا بينة.
(الباب الثاني في كيفية الاخذ)
قال (والنظر في أطراف ثلاثة (الأول) فيما لا يملك به فلا يملك بقوله أخذت وتملكت. ولكن
442

يملك بتسليم الثمن وان لم يرض المشترى به. أو بتسليم المشترى الشقص إليه رضا بكون الثمن في ذمته.
وهل يملك بمجرد رضا المشترى دون التسليم. أو بقضاء القاضي له بالشفعة عند الطلب. أو بمجرد
الاشهاد على الطلب فيه خلاف. والأظهر أنه لا يملك).
حق الشفعة قد يثبت لواحد وقد يثبت لجماعة وعلى التقديرين فلا شك أن الاخذ بها ضرب
تملك يعرض فالحاجة إلى بيان ما يحصل به الملك وبيان العوض المبذول وبيان الأحكام العارضة باعتبار
تعدد المستحق فعقد لهذه الأمور أطرافا (فاما الأول) فلا يشترط في التمليك بالشفعة حكم الحاكم ولا
إحضار الثمن ولا حضور المشترى ورضاه (أما) الأول فلانه ثابت بالنص فيستغني عن حكم الحاكم (وأما)
الثاني فلانه تملك بعوض فلا يفتقر إلى إحضار العوض كالبيع (وأما)
الثاني فلانه تملك بعوض فلا يفتقر إلى إحضار العوض كالبيع (وأما) الثالث فلما ذكرنا في الرد بالعيب
وعند أبي حنيفة يعتبر حضور المشترى أو حكم الحاكم ولا يحكم الحاكم إلا إذا حضر الثمن وعن الصعلوكي
أن حضور المأخوذ منه أو وكيله شرط ولابد من جهة الشفيع من لفظ كقوله تملك أو اخترت الاخذ
بالشفعة أو أخذته بالشفعة وما أشبه ذلك والا فهو من باب المعاطاة ولا يكفي أن يقول لي حق الشفعة
443

وأنا مطالب بها لان المطالبة رغبة في التملك والملك لا يحصل بالرغبة المجردة هكذا ذكره في التتمة وفي
أمالي أبي الفرج السرخسي أن الطلب يكفي سببا لثبوت التلمك ولا يقف على قوله تملك والأول
أظهر وكذلك قالوا يعتبر في التملك أن يكون الثمن معلوما للشفيع ولم يشترطوا ذلك في الطلب
وينبغي أن يكون في صحة التملك مع كون الثمن مجهولا ما ذكرناه في بع المرابحة وفي التتمة إشارة
إلى نحو من هذا ثم لا يملك الشفيع بمجرد اللفظ بل يعتبر مع ذلك أحد أمور (الأول) أن يسلم العوض
إلى المشترى فيملك به أن يسلمه والا خلي بينه وبينه أو رفع الامر إلى القاضي حتى يلزمه التسليم
(والثاني) أن يتسلم المشترى الشقص ويرضى بكون الثمن في ذمته نعم لو باع شقصا من دار عليها صفائح
ذهب بالفضة أو بالعكس وجب التقابض ولو رضى بكون الثمن في ذمته ولم يسلم الشقص فوجهان
(أحدهما) أنه لا يحصل الملك وقول المشترى ما لم يتصل به القبض في حكم وعد (وأصحهما) الحصول لأنه
معاوضة والملك في المعارضات لا يتوقف على القبض (والثالث) أن يحضر مجلس القاضي ويثبت حقه
في الشفعة ويختار التملك فيقضي القاضي له بالشفعة وفيه وجهان (أحدهما) أنه لا يحصل الملك ويستمر
444

ملك المشتري إلى أن يصل إليه عوضه أو يرضي بتأخيره (وأصحهما) الحصول لان الشرع نزل الشفيع
منزلة المشترى كأن العقد عقد له إلا أن يتخير بين الاخذ والترك فإذا طلب وتأكد طلبه بالقضاء
وجب أن يحكم له بالملك (والرابع) ان يشهد عدلين على الطلب فإن لم نثبت الملك بحكم القاضي فههنا
أولى وان أثبتناه فوجهان لقوة قضاء القاضي (وقوله) في الكتاب والأظهر أنه لا يملك بمقتضى ترجيح
الوجه الصائر إلى عدم حصول الملك بالقضاء والاشهاد وفيما إذا رضى المشترى أن يكون الثمن في ذمة
الشفيع وان لم يستلم الشقص لكن جواب الأكثرين في هذه الصورة وفي صورة قضاء القاضي بالشفعة
أنه يثبت الملك وإذا ملك الشفيع الشقص بغير الطريق الأول لم يكن له أن يتسلمه حتى يؤدى الثمن
وان سلمه المشترى قبل أداء الثمن ولا يلزمه أن يؤخر حقه وان أخر البائع حقه وإذا لم يكن الثمن
حاضرا وقت التملك أمهل ثلاثة أيام فان انقضت ولم يحضره فسخ القاضي تملكه هكذا حكى عن
ابن سريج وساعده المعظم وفيه وجه آخر أنه إذا قصر في الأداء بطل حقه وان لم يؤخذ رفع إلى
الحاكم وفسخ به.
445

قال (وهل يلتحق هذا التمليك بالشراء في ثبوت خيار المجلس للشفيع وامتناع التصرف في
الشقص قبل القبض. وامتناع التملك دون رؤية الشقص فيه خلاف من حيث أنه يشبه البيع في
كونه معاوضة ويخالفه في أنه لا تراضي فيه).
فيه ثلاث صور (إحداها) في ثبوت خيار المجلس للشفيع فيه خلاف ذكرناه في البيع (والأظهر)
الثبوت يحكي ذلك عن نصه في اختلاف العراقيين وعلى هذا فيمتد إلى مفارقة المجلس وهل يقطع
بأن يفارقه المشترى فيه وجهان (وجه) المنع أنه لاحظ له في الخيار فلا اعتبار بمفارقته (الثانية) إذا ملك
الشفيع امتنع تصرف المشترى وان طلبه ولم يثبت الملك بعد لم يمتنع وأبدى الامام فيه احتمالا لتأكد
حقه بالطلب وحكى فيه وجهين في نفوذ تصرف الشفيع قبل القبض إذا كان قد سلم الثمن (أظهرها)
المنع كتصرف المشترى قبل (ووجه) الثاني كونه قهريا كالإرث قال ولو ملك بالاشهاد أو
قضاء القاضي لم ينفذ تصرفه وكذا لو تملك برضى المشترى لكون الثمن عنده والقياس التسوية
(الثالثة) في تملك الشفيع الشقص الذي لم يره طريقان (أظهرهما) أنه على قولي بيع الغئب ان منعناه
446

لم يتملكه قبل الرؤية وليس للمشترى منعه من الرؤية وان صححناه فله التملك ثم منهم من جعل خيار
الرؤية على الخلاف في خيار المجلس ومنهم من قطع به وقال المانع على رأى بعد اختصاص ذلك
الخيار يأخذ الجانبين (والثاني) المنع سواء صححنا بيع الغائب أو أبطلناه ولان البيع بالتراضي فأثبتنا
الخيار فيه وههنا الشفيع يأخذ من غير رضى المشترى فلا يمكن إثبات الخيار فيه نعم لو رضى المشترى
بأن يأخذه الشفيع ويكون بالخيار فيكون بالخيار على قولي بيع الغائب ويحكى هذا الطريق عن ابن
سريج وإذا جوزنا له التملك وأثبتنا الخيار فللمشتري أن يمتنع من قبض الثمن واقباض المبيع حتى يراه
ليكون على ثقة فيه (وقوله) حيث إنه يشبه البيع إلى آخره توجيه لطرفي الخلاف في المسائل الثلاث
والأظهر التحاقه بالشراء وكذلك يرد الشفيع باعيب ولو أفلس وكان المشترى سلم الشقص إليه راضيا
بذمته يجوز له الاسترداد.
قال (الطرف الثاني فيما يبذل من الثمن. وعلى الشفيع بذل مثل ما بذله المشترى إن كان مثليا
447

أو قيمة (و) يوم العقد إن كان من ذوات القيم. فيبذل في المهور وما عليه الخلع قيمة (وم) البضع.
وفي عوض الكتاب قيمة النجوم (وم). وفي عوض المتعة قيمة المتعة (وم) وفي الصلح عن الدم
قيمة الدم (وم)).
المقصود الآن بيان ما يأخذ به الشفيع والمأخوذ أنواع (منها) المبيع فان بيع بمثلي كالنقدين
والحبوب يأخذه بمثله ثم إن قد بمعيار الشرع أخذه به وان قد بغيره كما لو باع بمائة من من
الحنطة فيأخذه بمثله وزنا أم يكال ذلك المبلغ ويأخذ به كيلا فيه اختلاف ذكرناه في القرض
ولو كان المثل منقطعا وقت الاخذ عدل إلى القيمة كما في الغصب ولو بيع بمتقوم من
عبد وثوب ونحوهما أخذه بقيمة ذلك المتقوم والاعتبار بقيمة يوم البيع لأنه يوم إثبات
العوض واستحقاق الشفعة وقال ابن سريج تعتبر قيمته يوم استقرار العقد بانقطاع الخيار
وهذا ما أورده صاحب التهذيب وجماعة وعن مالك أن الاعتبار بقيمته يوم المحاكمة. لنا أن الثمن صار
ملكا للبائع فلا تعتبر زيادته في حق المشترى ولو جعل الشقص رأس مال سلم أخذه الشفيع بمثل
448

المسلم فيه ان مثليا أو بقيمته إن كان متقوما ولافرق بين أن يكون دين اتلاف أو دين معاملة (ومنها)
الشقص الممهور يؤخذ بمهر مثل المرأة لان البضع متقوم وقيمته مهر المثل وكذا إذا خالعها على شقص
والاعتبار بمهر مثلها يوم النكاح ويوم جريان البينونة هذا هو المشهور وفي التتمة عن بعض الأصحاب
أنه خرج وجها أنه يأخذه بقيمته يوم القبض وأصله ان المرأة إذا وجدت الصداق عيبا وردته ترجع
بقيمته على أحد القولين وإذا كان المستحق عند الرد بالعيب بدل المسمي كذلك عند الاخذ بالشفعة
وهذا مذهب مالك. ولو متع المطلقة بشقص أخذه الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر لان المتعة هي التي وجبت
بالطلاق والشقص عوض عنها (ومنها) لو اخذ من المكاتب شقصا عوضا عن النجوم أخذه الشفيع بمثل
النجوم أو قيمتها لان النجوم هي التي قابلته (ومنها) الشقص الذي جعل أجرة الدار يؤخذ بقيمة المنفعة
وهي أجرة مثل الدار (ومنها) إذا صالح عليه عن الدم أخذه الشفيع بقيمة الدم وهي الدية ويقود منه
الجريح ويذهب ملكه (ومنها) ما لرب التمر لو استقرض شقصا أخذه الشفيع بمثل قيمته وان قلنا إن
المستقرض يرد المثل لان الفرض مبني على الارفاق والشفعة ملحقة بالاتلاف والمواضع المحتاجة إلى
الرقوم من لفظ الكتاب لا تخفي بعد ما ذكرناه.
قال (وان باع بألف إلى سنة. فان شاء عجل في الحال الألف واخذ. وان شاء نبه على
الطلب (و) وأخر التسليم إلى مضى السنة. وروى حرملة قولا أنه يأخذ (ح) بثمن مؤجل عليه كما
أخذه المشترى. وحكي ابن سريج أنه يأخذ بعوض يساوى ألفا إلى سنة).
449

إذا كان الثمن حالا بذله الشفيع في الحال فاما إذا باع بألف إلى سنة مثلا ففيه ثلاثة أقوال
(أصحها) وبه قال أبو حنيفة ان الشفيع بالخيار بين أن يعجل الألف ويأخذ الشقص في الحال وبين
أن يصبر إلى أن يحل الأجل فحينئذ يبذل الألف ويأخذ الشقص وليس له أن يأخذ بألف مؤجل
لان الذمم لا تتمثل فقد لا يرضي المشترى بذمة الشفيع وان رضى البائع بذمة المشتري ولا يمكن إلزامه
لاخذ بألف حال لما فيه من الاجحاف (والثاني) أن له أخذ الشقص بألف مؤجل كما أخذه المشترى تنزيلا
للشفيع منزلة المشترى كما ينزل منزلته في قدر الثمن وسائر صفاته (والثالث) أنه يأخذ بعرض يساوى
الألف إلى سنة كيلا يتأخر الاخذ ولا يتضرر الشفيع ولا المشترى. ولنتكلم في حال هذه الأقوال
وتفريعها (أما) حالها (فالأول) منصوص عليه في الجديد (والثاني) نسبه الامام وصاحب الكتاب إلى
رواية حرملة وسكت الأكثرون عن ذلك ورووه عن القديم (وأما الثالث) فعامة الأصحاب ذكروا
أن ابن سريج نقله عن الشافعي رضي الله عنه من كتاب الشروط والمفهوم من إيراده أنه نص عليه فيه وقال الشيخ أبو علي أن ابن سريج خرجه من قول الشافعي من كتاب الشروط أنه يجوز بيع
الدين فقال يقوم الدين المؤجل بعرض ويأخذه الشفيع به.
(التفريع) فان قلنا بالجديد لم يبطل حقه بالتأخير لأنه تأخير بعذر ولكن هل يجب عليه
تنبيه المشترى على الطلب فيه وجهان (أحدهما) لا إذ لا فائدة فيه (والثاني) نعم لأنه ميسور إن كان
450

الآخذ معسرا والى هذا أشار في الكتاب بقوله ان شأنية المشترى على الطلب لكن الأول أشبه بكلام
الأصحاب. ولو مات المشترى وحل عليه الثمن لم يتعجل الاخذ على الشفيع بل على خيرية إن شاء أخذ
في الحال وان شاء صبر إلى مجئ ذلك المحل ولو مات الشفيع فالخيرة التي كانت له تثبت لورثته ولو
باع المشتري الشقص في المدة نقدا فالشفيع بالخيار بين أن يأخذه بالثمن الثاني وبين أن يفسخه إما
في الحال واما عند حلول الأجل ويأخذه بالثمن الأول هذا إذا قلنا إن الشفيع ينقض تصرف المشترى
وهو الظاهر وفيه خلاف سيأتي (وان قلنا) بالقول الثاني ففي موضعه وجهان (أحدهما) أنه إنما يأخذ
بثمن مؤجل إذا كان مليئا موثوقا به أو إذا أعطى كفيلا مليئا والا لم يأخذه لأنه اضرار بالمشترى وبهذا
قال مالك أحمد (والثاني) أن له الاخذ على الاطلاق ولا ينظر إلى صفته. ولو أخذه ثم مات حل عليه
الأجل (وان قلنا) بالقول الثالث فتعيين العرض إلى الشفيع وتعديل القيمة إلى من يعرفها ذكره الإمام قال
فلو لم يتفق طلب الشفعة حتى حل الأجل وجب الا يطالب على هذا القول الا بالسلعة المعدلة لأن الاعتبار
في قيمة عوض المبيع بحال المبيع ألا ترى أنه إذا باع بمتقوم تعتبر قيمته يوم البيع وعلى القولين
الآخرين لو أخر الشفيع بطل حقه.
قال (ولو اشترى شقصا وسيفا بألف أخذ (م) الشقص بما يخصه من الثمن باعتبار قيمة يوم
العقد. ثم لاخيار للمشترى فيما فرق عليه من الصفقة).
451

إذا اشترى الشقص المشفوع مع عرض كثوب وسيف صفقة واحدة وزع الثمن عليهما باعتبار
قيمتها وأخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن وبه قال أبو حنيفة وأحمد وعن مالك أنه يأخذهما جميعا
لما ذكرنا في أول الكتاب ويروى عنه إن كان من مصالح الصفقة وتوابعها كالثيران وآلات الحرث والعبد
العالم والبستان أخذه الشفيع مع الشقص وإن كان غير ذلك لم يأخذه ثم النظر في قيمتها إلى يوم
البيع لأنه وقت المقابلة قال الامام وإذا قلنا إن الملك ينتقل بانقطاع الخيار فيجوز أن يعتبر انقطاع الخيار لان
انتقال الملك الذي هو سبب الشفعة حينئذ يحصل وإذا أخذ الشفيع الشقص لم يثبت للمشترى الخيار
وان تفرقت الصفقة على لدخوله فيها عالما بالحال
قال (ولو تعيبت الدار باضطراب سقفها أخذ المعيب بكل الثمن كما يأخذ المشترى من البائع
إذا عاب المبيع قبل القبض. وان تلف الجدار مع بعض العرصة بأن تعشاه السيل أخذ الباقي بحصته.
وان بقي تمام العرصة واحترقت السقوف. فان قلنا إنها كأطراف العبد أخذ (م) بالكل. وان قلنا
كأحد العبدين أخذ بحصته. وإن كان النقض باقيا فهو منقول ففي باق ء الشفعة فيه قولان (و) لأنه
قارن الابتداء لم يتعلق به الشفعة. وان قلنا يبقي حق الشفيع فيه فيأخذ المنهدم مع النقض بكل الثمن.
وان قلنا لا يبقي الحق فيه. فان قلنا الجدار كأحد العبدين أخذ الباقي بحصته. وان قلنا كأطراف العبد
فقولان. إذ يبعد أن يفوز المشترى بشئ مجانا).
452

الفصل يتعلق بأصلين (أحدهما) أن المنقول لا شفعة فيه وإذا ضم إلى شقص وبيعا صفقه واحدة
أخذ الشقص بالشفعة بحصته والعهد قريب بهذا الأصل (والثاني) أن الخلاف في أن السقف والجدران
من الدار المبيعة كأحد العبدين المبيعين أو كطرف من أطراف العبد المبيع أو أو صفة من صفاته وهذا
ذكرناه في النظر الثالث من كتاب البيع. إذا عرف ذلك فإذا اشترى شقصا من دار ثم نقضت الدار
فلها أحوال (أحدها) ان بيعت من غير تلف شئ منها ولا انفصال بعضها من بعض بان شق جدار أو
ملأت أسطوانة أو انكسر جذع أو اضطرب سقف فالشفيع بالخيار بين الاخذ بكل الثمن وبين الترك
ويكون تعيبه في يد المشترى كتعيب المبيع في يد البائع فإنه يخير المشترى بين الاخذ بجميع الثمن وبين الفسخ
(والثانية) أن بتلف بعضها فينظر ان تلف شئ من العرصة بأن غشيها السيل فغرقها أخذ الباقي بحصته من الثمن
وان بقيت العرصة بتمامها وتلفت السقوف والجدران باحتراق وغيره (فان قلنا) ان الا بنية كأحد العبدين
المبيعين أخذ العرصة بحصتها من الثمن وهو الأصح وبه قال أحمد ومالك (وان قلنا) انها كأطراف العبد
وصفاته أخذها بكل الثمن وفرق بعضهم بين أن يكون التلف بآفة سماوية فيأخذها بجميع الثمن أو باتلاف
متلف فيأخذها بالحصة لان المشترى يحصل له بدل التالف فلا يتضرر وبهذا قال أبو حنيفة (والثالث) أن
لا يتلف شئ منها ولكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام وسقوط الجدران فهل يأخذ الشفيع النقض
فيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) لا لأنه منقول كما لو كان في الابتداء كذلك وأدخل النقض في البيع
453

لا يؤخذ بالشفعة (والثاني) نعم قال في الشامل وهو اختيار أبي إسحاق وشيوخنا المتأخرين لان منقوليته عرضت
بعد البيع وتعلق حق الشفيع به والاعتبار بحال جريان العقد ولهذا لو اشترى دارا فانهدمت يكون
النقض والعرصة للمشترى وإن كان النقض لا يدخل في البيع لو جرى وهي منهدمة (فان قلنا) انه يأخذ
النقض أخذه مع العرصة بجميع الثمن والا أعرض عن الكل (وان قلنا) انه لا يأخذه فينبني على أن
السقوف والجدران كأحد العبدين المبيعين أو كطرف العبد (إن قلنا) بالأول أخذ العرصة وما بقي من
البناء بحصتهما من الثمن (وان قلنا) بالثاني فوجهان (أحدهما) أنه يأخذ الحصة لان النقض كان من
الدار المشتراة فيبعد أن يبقي للمشترى مجانا ويأخذ الشفيع ما سواه بتمام الثمن (والثاني) أن يأخذ الكل
بالثمن كما في الحالة الأولى وعلى هذا يشبه النقض بالثمار والزوائد التي يفوز بها المشترى قبل قبض الشفيع
ومنهم من يطلق قولين تفريعا على أن النقض غير مأخوذ من غير البناء على أن النقض كأحد
العبدين أو كأطراف العبد ويوجه الاخذ بالكل لأنه نقص حصل عند المشترى فأشبه تشقق الحائط
والاخذ بالهبة بأن ملا يؤخذ من البيع بالشفعة تسقط حصته من الثمن كما إذا اشترى شقصا وسيفا.
(واعلم) أن منقول المزني في المختصر أن الدار إذا أصابها هدم يأخذ الشفيع الشقص بجميع الثمن أو يترك
وعن القديم ومواضع من الجديد أنه يأخذ بالحصة واختلف الأصحاب في النصين بحسب ما حكينا
عنهم في فقه الفصل فالفارقون في الحالة الثانية بين أن يتلف بعض العرصة حيث يأخذ الباقي بالحصة وبين
454

أن يتلف بعض النقض أو كله وتبقي العرصة كلها حيث يأخذ الباقي بالكل جوابا على إلحاقه بأطراف
العبد وحملوا النص الثاني على ما إذا تلف بعض العرصة والأول على ما إذا بقي كل العرصة وتلفت
الأبنية والفارقون بين أن يكون التلف بآفة سماوية أو باتلاف متلف حملوا الأول على ما إذا كان
التلف بآفة سماوية والثاني على ما إذا كان باتلاف متلف والفريقان متفقان على فرض النصين في الحالة
الثانية والذين قالوا في الحالة الثالثة لا يأخذ الشفيع النقض منهم من أثبت النصين المذكورين وقطع
بالأخذ بالحصة وحمل منقول المزني على الحالة الأولى وهو مجرد التعيب والذين قالوا يأخذ النقض بالشفعة حملوا
النص الثاني على ما إذا تلف كل النقض أو بعضه ونزلوا الأول على مذهبهم فخلصت من هذه التصرفات
خمسة طرق في النصين والله أعلم. (وقوله) في الكتاب وفي بقاء الشفعة قولان يجوز إعلامه بالواو
لان عن أن سريج طريقة جازمة ببقاء الشفعة فيه ذكرها في التتمة.
قال (ولو اشترى الشقص بألف ثم حط بالابراء فإنه إن كان بعد اللزوم فلا يلحق الشفيع.
وإن كان في مدة الخيار لحقه على الأصح (و). وان وجد البائع بالعبد الذي هو عوض الشقص عيبا
وأراد استرداد الشقص قبل أخذ الشفيع فهو أولى به من الشفيع في أقيس القولين. وإن كان بعد
أخذ الشفيع لم ينقض (و) ملك الشفيع. ولكن يرجع إلى قيمة الشقص. فان زاد على ما بدله
الشفيع أو نقص ففي التراجع بين المشترى والشفيع خلاف إذا صارت القيمة ما قام الشقص بها على
455

المشترى أخيرا. وكذا لو رضى البائع بالعيب ففي استرداد الشفيع به قيمة السلامة من المشترى
خلاف. وان وجد المشترى بالشقص عيبا بعد أخذ الشفيع لم يكن (و) له طلب أرش. فان رد
الشفيع عليه رد هو على البائع. فان وجد قبل أخذ الشفيع ومنعه عيب حادث من الرد فاسترد
أرشا فهو محطوط عن الشفيع قولا واحدا).
الفصل ينظم مسائل (إحداها) إذا اشترى الشقص بألف درهم ثم اتفق المتبايعان على حط من
الثمن أو زيادة فذلك إما أن يكون قبل لزوم العقد أو بعده اما في زمن الخيار أو مكانه وحكم القسمين
ما ذكرناه في البيع بالشرح وحاصله أنه لا تلتحق الزيادة ولا الحط بالعقد بعد لزومه ولا حط البعض
ولا حط الكل وذهب أبو حنيفة إلى التحاق حط البعض به حتى يأخذ الشفيع بالباقي وفيما قبل اللزوم
وجهان (أصحهما) الالتحاق كما ذره صاحب الكتاب ههنا وان أشار في البيع إلى ترجيح المنع (وإذا قلنا)
بالالتحاق وحط كل الثمن فهو كما لو باع بلا ثمن وحينئذ فلا شفعة للشريك لأنه يصير هبة على رأى ويبطل
على رأى وكنا قد ذكرنا في البيع التفات الخلاف في الالتحاق إلى الخلاف في الملك في زمن الخيار وعلى ذلك
جري الامام وآخرون ههنا فقالوا (ان قلنا) ان لخيار لا يمنع ثبوت الملك للمشترى فكما يملك المشتري المبيع
بملك البائع ثمنه فينفذ تصرفه بالابراء لمصادفته ملكه قال الامام وفيه احتمال لان الأصحاب ترددوا
في أن اعتاق المشترى في زمن الخيار هل ينفذ مع الحكم بثبوت الملك له لتعلق خيار البائع بالمبيع فإذا ترددوا في
456

الاعتاق مع قوته لهذا المعني جاز أن يتردد في الابراء لان الثمن متعلق خيار المشترى (وإذا قلنا) ان
الملك للبائع أو موقوف نفي صحة الحط وجهان عن القاضي حسين (أحدهما) الصحة لجريان الناس عليه
في الاعصار الخالية (والثاني) المنع لأنه تصرف فيما ليس مملوكا فيحث قلنا بصحة الحط ففي التحاقه بالعقد
خلاف (والثانية) إذا اشترى الشقص بعبد مثلا وتقابضا ثم وجد البائع بالعبد عيبا وأراد رده بالعيب
واسترداد الشقص وجاء الشفيع يريد أخذ الشقص ففي الأولى منهما خلاف مر وحكي الامام طريقة
أخرى قاطعة بتقديم البائع وفرق بينه وبين ما إذا أراد المشترى رد الشقص بالعيب وزاحمه الشفيع
حيث ذكرنا فيه القولين بأن البائع ينشئ الرد على غير محل الشفعة والمشترى ينشئه في غير محل
الشفعة ولو عرف عيب العبد بعد أخذ الشقص لم ينقض ملك الشفيع ولم يرد شفعته كما لو باع ثم
اطلع على العيب وعن صاحب التقريب قول أنه يسترد المشترى الشقص من الشفيع ويرد عليه ما
أخذه ويسلم الشقص إلى البائع لان الشفيع نازل منزله المشترى فرد البائع يتضمن نقض ملكه
ولا يتضمن نقض ملك المشتري لو كان في ملكه والمذهب الأول (وإذا قلنا) به أخذ البائع
قيمة الشقص من المشترى فإن كانت مثل قيمة العبد فذاك وان زادت قيمة الشقص على
قيمة العبد أو نقصت عنها ففي رجوع من بذل الزيادة من المشترى أو الشفيع على صاحبه
وجهان (أظهرهما) أنه لا تراجع بينهما لان الشفيع قد ملكه بالعوض المبذول فلا يتغير حكمه بعد
ذلك كما إذا باعه ثم رد البائع العبد بالعيب (والثاني) ويحكي عن ابن سريج أنه يثبت التراجع بينهما
457

لان قيمة الشقص استمر الحال عليها وقرار الفسخ ينفي أن يأخذها بما قام على المشترى ولو عاد
الشقص إلى ملك المشتري بابتياع أو غيره لم يتمكن أو غيره لم يتمكن البائع من إجباره على رد الشقص ولا للمشترى
من إجباره على القبول ورد القيمة بخلاف ما إذا غرم العبد المغصوب لاباقه فرجع لان ملك
المغصوب منه لم يزل وملك المشتري قد زال وبعد الرد على القيمة حكى صاحب التتمة وجهين في المسألة
بناء على الوجهين فيما لو خرج المبيع عن ملك المشتري وعاد ثم الطلع البائع على عيب بثمن مهين فرده هل
يسترد المبيع ولو وجد البائع العيب بالعبد وقد حدث عنده عيب فاخذ الأرش لامتناع الرد نظر إن
أخذ الشفيع الشقص بقيمة العبد سليما فلا رجوع عليه وان أخذه بقيمته معيبا ففي رجوع المشترى على
الشفيع الوجهان السابقان في التراجع لكن الأصح ههنا الرجوع ومال ابن الصباغ إلى القطع به لان
الشقص استقر عليه بالعبد والأرش ووجوب الأرش من مقتضي العقد لاقتضائه سلامة العوض ولهذا
إذا أخذه الشفيع بقيمته سليما لم يرجع على المشترى بشئ ولو رضى البائع ولم يرده فما الذي يجب على الشفيع
فيه وجهان (أحدهما) أن عليه قيمة العبد سليما ورضا البائع مسامحة منه مع المشترى (والثاني) أن تلزمه
قيمته معيبا حتى لو بذل قيمة السليم استرد قيمة السلامة من المشترى لان الذي يلزم الشفيع قيمة المجعول
ثمنا بصفاته وضعف الامام الوجه الأول وغلط من قال به لكنه هو الذي أورده في التهذيب (الثالثة) للمشترى
رد الشقص بالعيب على البائع وللشفيع رده على المشترى بالعيوب السابقة على البيع وكذا بالعيوب
السابقة على الاخذ ثم لو وجد المشترى العيب بعد أخذ الشفيع فلا رد في الحال وليس له الأرش أيضا
458

وكذا أطلقه في الكتاب وهو الصحيح ويجئ فيه الخلاف الذي ذكرناه فيما إذا باعه أو أزال الملك
بجهة أخرى فلو رد عليه الشفيع بالعيب رده حينئذ على البائع ولو وجد المشترى عيب الشقص قبل
أن يأخذه الشفيع ومنعه عيب حادث من الرد فاسترد أرش العيب القديم حط ذلك عن الشفيع لأنه
بدل صفة السلامة التي استحقها الشفيع كما استحقها المشترى على البائع وان قدر على الرد لكنهما
توافقا على الرجوع إلى الأرش ففي صحة المصالحة وجهان مذكوران في موضعهما ان صححناها ففي حطه
عن الشفيع وجهان (أحدهما) لا يحط لان ينزع من البائع (وأصحهما) الحط لتقرر الثمن على الباقي (وقوله)
في الكتاب فهو أولى به في أقيس القولين يمكن أن يعلم بالواو للطريقة القاطعة بتقديم البائع (وقوله) لم
ينقض ملك الشفيع معلم به وكذا قوله لم يكن له طلب أرش (وقوله) وهو محطوط عن الشفيع قولا واحدا
كأن الإشارة به إلى هذه الصورة تفارق ما إذا رجع المشترى بالأرش مع إمكان الرد فهي مختلف فيها.
قال (ولو اشترى بكف من الدراهم لم يعرف وزنه وحلف على أنه لا يعرف وزنه فلا شفعة (و)
إذا الاخذ بالمجهول غير ممكن).
إذا اشترى بكف من الدراهم لا يعرف وزنه أو بصبرة من الحنطة لا يعلم كيلها فيوزن وتكال ليأخذ الشفيع
بذلك القدر فإن كان ذلك غائبا فتبرع البائع باحضاره أو أخبر عنه واعتمد قوله فذاك والا فليس للشفيع أن
يكلفه الاحضار ولا الاخبار عنه وان هلك الثمن وتعذر الوقوف عليه تعذر أخذه بالشفعة فان أنكر الشفيع
كون الشراء بما لا يعلم قدره نظر إن عين قدرا وقال اشتريته بكذا وقال المشترى انه لم يكن معلوم القدر
459

فعن ابن سريج أنه لا يقنع بذلك ولا يحلف على نفى العلم كما لو ادعى ألفا على إنسان فقال في الجواب
لست أدرى كم لك على فعلى هذا لو أصر على قوله الأول جعل ناكلا وردت اليمين على الشفيع والمحكى
عن النص وأكثر الأصحاب أنه يقنع منه بذلك ويحلف عليه لأنه محتمل ويخالف ما إذا ادعى عليه
ألفا فان المدعي ههنا هو الشقص لا الثمن المجهول وبتقدير صدق المشترى ليس له الاخذ بالشفعة
فكان ذلك إنكارا لولاية الاخذ وعلى هذا الخلاف لو قال نسيت مقدار الثمن الذي اشتريت به
فعلى رأى يجعل قوله نسيت نكولا وترد اليمين على الشفيع قاله القاضي الروياني وبه قال ابن سريج
وابن أبي هريرة والماوردي والقفال وهو الاختيار. وان لم يعين قدرا ولكن ادعي على المشترى أنه يعلمه
وطالبه بالبيان ففيه وجهان (أصحهما) عند صاحب التهذيب أنه لا تسمع دعواه حتى يعين قدرا فيحلف
المشترى حينئذ أنه لا يعرف (والثاني) أنها تسمع ويحلف المشترى على ما يقوله فان نكل حلف الشفيع على
علم المشترى وحبس المشترى حتى يبين قدره وحكى عن ابن سريج وغيره تفريعا على الأول أن
طريق الشفيع أن يعين قدرا فان ساعده المشتري فذاك والا حلفه على نفيه فان نكل استدل الشفيع
بنكوله وحلف على ما عينه اتفاقا وان حلف المشترى زاد وادعي ثانيا وهكذا يفعل إلى أن ينكل المشترى
فيستدل الشفيع بنكوله ويحلف وهذا لان اليمين قد تستند إلى التخمين ألا ترى أن له أن يحلف على
خط أبيه إذا سكنت نفسه إليه (وقوله) في الكتاب وحلف أنه لا يعرف وزنه غير محتاج إليه في التصوير
فإنه لو اقتصر على أن يقول ولو اشترى بكف من الدارهم لا يعرف وزنه فلا شفعة كان صحيحا وإنما
460

يحتاج إلى الحلف إذا فرض نزاع ثم الحلف على نفي العلم إنما يكون إذا سمع منه نفي العلم في جواب
دعوى الشفيع ويجئ فيه ما سبق من الخلاف.
قال (ولو خرج ثمن المبيع مستحقا وهو معين تعين بطلان (ح) البيع والشفعة. وان خرج ثمن
الشفيع مستحقا لزمه الابدال ولم يبطل ملكه ولا شفعته في أظهر الوجهين. وكذا إذا خرج زيوفا).
إذا ظهر الاستحقاق في ثمن الشقص المشفوع فاما أن يظهر في ثمن المبيع أو في ثمن الشفيع فان ظهر
في ثمن البيع نظر إن كان معيبا بان بطلان البيع وإذا بطل البيع وإذا بطل أبيع سقطت الشفعة وعلى الشفيع رد الشقص
إن كان قد أخذه. وعند أبي حنيفة لا يبطل البيع إذا كان الثمن نقدا بناء على أن النقود لا تتعين
بالتعيين وان خرج بعضه مستحقا بطل البيع في ذلك القدر وفي الباقي قولا تفريق الصفقة فان فرقناه
واختار المشترى الإجازة فللشفيع الاخذ فان اختار الفسخ وأراد الشفيع أخذه ففيه الخلاف المذكور
فيما إذا أصدقها شقصا ثم طلقها قبل الدخول وإن كان الثمن في الذمة أي ونقده المشترى ثم خرج المدفوع
مستحقا فعليه الابدال والبيع والشفعة بحالهما وللبائع استرداد الشقص ليحبسه إلى أن يقتضي الثمن (فاما)
إذا ظهر الاستحقاق في ثمن الشفيع فإن كان جاهلا لم يبطل حقه وعليه الابدال ثم حكي الامام وجهين
في أنا نتبين بم يملك بأداء المستحق ويفتقر الآن إلى تملك جديد أو نقول إنه ملكه والثمن دينا عليه
وإن كان عالما فوجهان (أحدهما) ان شفعته تبطل لأنه أخذ بما لا يجوز الاخذ به فكأنه ترك الشفعة
مع القدرة عليها (والثاني) لا تبطل لأنه لم يقصر في الطلب والاخذ والشفعة لا تستحق بمال معين
461

حتى تبطل باستحقاقه (والأول) هو المذكور في التهذيب (والثاني) ظاهر كلام المزني واختاره كثير من
الأصحاب ومنهم صاحب الكتاب وهل من فرق بين أن يكون ثمن الشفيع معينا بأن يقول تملكت
الشقص بهذه الدنانير أو غير معين بأن يقول تملكته بعشرة فمنهم من قال لا وقال الشيخ أبو حامد
وآخرون نعم وموضع الوجهين ما إذا كان معينا. وخروج الدنانير نحاسا كخروجها مستحقة. ولو خرج ثمن
المبيع رديئا فللبائع الخيار بين أن يرضى به وبين أن يستبدل فان رضى به لم يلزم المشترى الرضا بمثله
بل يأخذ من الشفيع ما اقتضاه العقد ذكره في التهذيب. ولو خرج ثمن الشفيع رديئا لم تبطل شفعته
عالما كان أو جاهلا لان أداءه صحيح بدليل ما إذا رضى المشترى به فيه وجه أن خروجه معيبا كخروجه
مستحقا (وقوله) في الكتاب لم يبطل ملكه ولا شفعته في أظهر الوجهين. أطلق الكلام في المسألة
اطلاقا ولم يفرق بين أن يكون عالما أو جاهلا لاختياره الوجه الذاهب إلى أن حقه لا يبطل وإن كان
عالما والوجه الذي يقابله على هذا لا يراد انه إن كان عالما بطل وإن كان جاهلا فلا يبطل البطلان
مطلقا فإنه لا قائل به والخلاف في أن ملكه هل يبطلهما الوجهان اللذان نسبناهما إلى حكاية الامام
في حالة الجهل ويطردان في حالة العلم إذا قلنا إن حقه لا يبطل لكنه حكم بأن الأظهر أن ملكه
لا يبطل وهو خلاف المفهوم من كلام الجمهور سيما في حالة العلم (وقوله) وكذا لو خرج زيوفا إن كان
المراد منه النحاس المحض فهو صحيح وان أراد الذي من ذل الجنس فالتسوية بينه وبين ما إذا
خرج مستحقا خلاف ظاهر المذهب وقد أجاب في الوسيط بان خروج الثمن زيوفا لا يبطل الملك
ولا الشفعة وهذا يقتضي إرادة المعني الثاني وحينئذ يختلف جوابه في الكتابين ويكون الصحيح
ما في الوسيط.
462

قال (ولو بني المشترى في الشقص الذي قاسمه وكيل الشريك في غيبته فإذا حضر فحقه في
الشفعة باق له فإنه كان شريكا ولم يسقط هو حق الشفعة وقد بقي له نوع اتصال وهو الجوار. ولكن
لا يقلع (ح ز) بناء المشترى مجانا. بل يتخير بأن يبقى بأجرة أو يتملك بعوض أو ينقض بأرش
كالمعير سواء. إلا أنه يبقي زرعه ولا يطالبه (و) بالأجرة. والمعير له الأجرة لان المشترى زرع ملك
نفسه فكأنه استوفي منفعته فهو كما لو زرع ملكه وباع).
إذا بني المشترى أو غرس أو زرع في الشقص المشفوع ثم علم الشفيع فله الاخذ بالشفعة وقلع
بنائه وغراسه وزرعه مجانا لا بحق الشفعة ولكن لأنه شريك وأحد الشريكين إذا انفرد بهذه التصرفات
في الأرض المشتركة كان للآخر أن يقلع مجانا وان بني وغرس المشترى في نصيبه بعد القسمة والتمييز
ثم على الشفيع لم يكن له قلعه مجانا وبه قال مالك وأحمد خلافا لأبي حنيفة. لنا أنه بني في ملكه الذي
ينفذ تصرفه فيه فلا يقلع مجانا وتعلق حق الشفعة به لا يمكن من القلع مجانا لتعلق حق الرجوع بالأرض
المرهونة (واعلم) أن في تصوير المسألة إشكالين (أحدهما) قال المزني المقاسمة تتضمن الرضا من الشفيع
وإذا رضى الشفيع بمالكية المشترى بطلت الشفعة فكيف يفرض ثبوت الشفعة مع جريان القسمة
(والثاني) أن القسمة تقطع الشركة وترد العلقة بينهما إلى الجوار وحينئذ وجب أن لا تبقي الشفعة
لاندفاع الضرر الذي كنا نثبت الشفعة لدفعه كمالا تثبت ابتداء للجار وأجاب الأصحاب عن الأول بصور
463

واضحة القسمة مع بقاء الشفعة في صور (منها) أن يخبر بأن البيع جري بألف فيعفو أو يقاسم أرباب
الشقص أو انتقل إليه بالهبة فيقاسم ويبني ثم يتبين أن البيع كان بما دون الألف وأن الانتقال كان
بالعوض فتصح القسمة وتثبت الشفعة (ومنها) أن يقاسم الشفيع المشترى على ظن أنه وكيل إما
لاخباره عنه أو لسبب آخر (ومنها) أن يكون للشفيع وكيل بالقسمة مع شركائه والمشترين منهم فيقاسم
الوكيل المشترى والشفيع غير عالم (ومنها) أن يكون له وكيل بالقسمة وفي أخذ الأشقاص بالشفعة فيرى
في شقص الحظ في الترك فيتركه فيقاسمه ثم يقدم الشفيع ويظهر له بأن الحظ في الاخذ وكذلك ولى
اليتيم (ومنها) أن يكون الشفيع غائبا فيطالب المشترى الحاكم بالقسمة وللامام في إجابة القاضي إياه وقفة
إذا علم ثبوت الشفعة والمشهور الإجابة (وأما الثاني) فأجيب عنه بأن الجوار وان لم يكن يكتفي به في الابتداء
إلا أنه اكتفي به في الدوام عند حصول الشركة في الابتداء ولم يخرج على الخلاف في بطلان الشفعة فيما إذا
باع نصيبه جاهلا بالشفعة لان الجوار على حال ضرب اتصال قد يؤدى إلى التأذي بضيق المرافق وسوء
الجوار ولذلك اختلف العلماء في ثبوت الشفعة (وقوله) في الكتاب في الشقص الذي قاسمه وكيل الشريك
إشارة إلى حل الاشكال الأول وبيان بعض طرق صحة القسمة مع بقاء الشفعة (وقوله) فإنه كان شريكا
إلى آخره إشارة إلى حل الثاني. إذا تقرر ذلك فان اختار المشترى قلع البناء أو الغراس فله ذلك ولا
يكلف تسوية الأرض لأنه كان متصرفا في ملكه فان حدث في الأرض نقص فالشفيع إما أن يأخذه
على صفته واما أن يترك فإن لم يختر المشترى القلع فللشفيع الخيار بين إبقاء ملكه في الأرض بأجرة وبين
464

تملكه بقيمته يوم الاخذ وبين أن ينقضه ويغرم أرش النقص على الوجه الذي تقرر في المعير إذا رجع
وقد بني المستعير في الأرض أو غرس بلا فرق ولو كان قد زرع فيبقى زرعه إلى أن يدرك فيحصد
وقياس التسوية في فصل البناء وما نحن فيه وبين العارية أن يجئ الخلاف المذكور هناك في زرع
الأرض المستعارة (والظاهر) في الموضعين أنه يبقي الزرع وهل للشفيع أن يطالبه بالأجرة عن صاحب
التقريب أن له المطالبة كما أن المعير يبقي بالأجرة على الظاهر (والمشهور) أنه لا مطالبة للشفيع بالأجرة
بخلاف المعير فان المستعير زرع أرض المعير والمشترى زرع ملك نفسه واستوفي منفعته بالزراعة وهذا
كما لو باع أرضا مزروعة لا يطالبه المشترى بالأجرة لمدة بقاء الزرع (وقوله) في الكتاب ولكن لا يقلع
بناء المشترى مجانا معلم بالحاء لما مر وبالزاي لان المزني يوافقه (وقوله) إن يبقي زرعه هذا
الاستثناء يتعلق بالتسوية بين الشفيع والمعير كأنه قال والشفيع كالمعير إلا أنه يبقي زرع المشترى بلا
أجرة والمعير يبقي بالأجرة (واعلم) أن في الصور الثلاث منها صورة بيع الأرض المزروعة وصورة
465

العارية وما نحن فيه وجهين في وجوب الأجرة وقد ذكرنا الخلاف في الصورتين في موضعها لكن
الظاهر من الخلاف في صورة العارية وجوب الأجرة وفي الصورتين الأخيرتين المنع للمعني الذي يجمعهما
وهو أنه استوفي منفعة ملكه هذا ما ذكره عامة الأصحاب وصاحب الكتاب ناقض في مسألة بيع
الأرض المزروعة والذي ذكره ههنا جواب على أنه لا تجب الأجرة وذكر في اللفظ الأول من القسم
الثالث من النظر الرابع من كتاب البيع أن الأظهر وجوبها.
(فرع) ذكرنا أنه إذا زرع لزم الشفيع إبقاء الزرع وحينئذ يجوز له تأخير الشفعة إلى الادراك
والحصاد لأنه لا ينتفع به قبل ذلك ويخرج الثمن من يده قال الامام ويحتمل أنه لا يجوز له التأخير
وان تأخرت المنفعة كما لو بيعت الأرض في الشتاء لا يؤخر الشفعة إلى أوان الانتفاع ولو كان في الشقص
أشجار عليها ثمار لا تستحق بالشفعة ففي جواز التأخير إلى القطاف وجهان والفرق أن الثمار لا تمنع من
الانتفاع بالمأخوذ بخلاف الزرع.
قال (ولو تصرف المشترى بوقف أو هبة نقض (و). وإن كان ببيع فالشفيع بالخيار بين
أن يأخذه بالبيع الأول فينقضه (و). أو بالثاني).
466

تصرفات المشترى في الشقص من البيع والوقف وغيرهما صحيحة لأنها واقعة في ملكه وثبوت حق التملك
للشفيع لا يمنع المشترى من التصرف كما أن حق التملك للواهب بالرجوع لا يمنع تصرف المتهب وكما أن
حق التملك للزوج بالطلاق لا يمنع تصرف الزوجة وفي التتمة وجه غريب عن ابن سريج أنها باطلة
لان الشفيع حقا لا سبيل إلى إبطاله فأشبه حق المرتهن (وإذا قنا) بالشفعة فظاهر المذهب وهو المذكور
في الكتاب ونصه في القديم أنه ينظر إن كان التصرف مما لا تثبت فيه الشفعة كالوقف والهبة
فللشفيع نقضه وأخذ الشقص بالشفعة وإن كان مما تثبت فيه الشفعة كالبيع ولا صداق فهو بالخيار
بين أن ينقض تصرفه ويأخذ به الشقص بالبيع الأول فربما يكون الثمن فيه أقل أو من جنس هو عليه أيسر وبين
أن لا ينقض تصرفه به ويأخذ وعن أبي إسحاق المروزي أنه ليس تصرف المشترى بأقل من بنائه فكما لا ينقض
467

الشفيع بناءه لا ينبغي أن ينقض تصرفه واختلفوا في موضع هذا الوجه منهم من خصصه بما ثبتت فيه الشفعة
من التصرفات (أما) مالا تثبت فيه فله نقضه لتعذر الاخذ به ومنهم من عمم وقال تصرفات المشترى
تبطل حق الشفيع كما يبطل تصرف المشترى المفلس في حق الفسخ للبائع وتصرف المرأة حق الرجوع
إلى العين إذا طلق قبل الدخول وتصرف المتهب رجوع الواهب نعم لو كان التصرف بيعا أو غيره
مما تثبت فيه الشفعة تجدد حق الشفعة بذلك وعن رواية الشيخ أبي علي بن أبي إسحاق أنها لا تتجدد
أيضا لان تصرف المشترى إذا كان مبطلا للشفعة لا يكون مثبتا لها كما إذا تحرم بالصلاة ثم شك فجدد
نية وتكبيرا لا تنعقد بها الصلاة لأنه يحصل بها الحل فلا يحصل العقد ووجه ظاهر المذهب وهو أن
للشفيع نقض تصرف المشترى لان حقه ثابت بأصل العقد فلا يتمكن المشترى من ابطاله ولا يشبه
تصرف المفلس وتصرف المرأة في الصداق فان حق البائع والزوج لا يبطل بالكلية بل ينتقل إلى
468

الثمن أو القيمة والواهب رضى بسقوط حقه حيث سلمه إليه وسلطه عليه وههنا يبطل حق الشفيع
بالكلية ولم يوجد منه رضى ولا تسليم قال الشيخ أبو علي ويجوز أن ينبغي الوجهان على القولين فيما
إذا عتقت الأمة تحت عمد وطلقها قبل أن تختار الفسخ هل ينفذ الطلاق ووجه الشبه أن الطلاق
يبطل حقها في الفسخ ولم تسلط عليه كما ذكرنا وحكي القاضي أبو الطيب عن القاضي الماسرخسي أنه
لا ينقض تصرف الوقف وينقض ما عداه.
قال (ولو تنازع المشترى والشفيع في العفو فالقول قول الشفيع. أو في قدر الثمن فالقول قول
المشترى. أو في كون الشفيع شريكا فالقول قول المشترى يحلف أنه لا يعرف له شريكا. فان أنكر
المشترى الشراء فإن كان للشفيع بينة أخذ الشقص وترك الثمن في يده على رأى (و) إلى أن يقر. أو
يحفظه القاضي في وجه. أو يجبر المشترى على قبوله في وجه. وان لم يكن له بينة فان أقر البائع
469

بالبيع دون قبض الثمن سلم الثمن إليه وأخذ (و) بالشفعة فالحق لا يعدوهما. وان قال قبضت الثمن فيقرر
الثمن في يده أو يحفظه القاضي. وقال لا شفعة ههنا لتعذر الاخذ بلا ثمن).
غرض الفصل في الاختلاف وفيه مسائل (إحداها) إذا اختلف المشترى والشفيع فقال المشترى
للشفيع عفوت عن الشفعة أو قصرت وسقط حقك وأنكر الشفيع فالقول قوله لان الأصل بقاء حقه
(الثانية) قال المشترى اشتريت بألف وقال الشفيع بل بخمسمائة فالقول قول المشترى لأنه أعلم بالعقد
الذي باشره من الشفيع ولان الأصل بقاء ملكه حتى ينتزع فيما يقر باستحقاق الانتزاع منه وكذلك
لو كان الثمن عرضا وتلف واختلفا في قيمته فان نكل المشترى حلف الشفيع وأخذ بما حلف عليه
وهذا إذا لم تكن بينة فإن كان لأحدهما بينة قضى بها ولا تقبل شهادة البائع للمشترى لأنه يشهد
لحق نفسه وفعل نفسه وفيه وجه أنها تقبل لأنه لا يجر إلى نفسه نفعا بشهادته والثمن ثابت له باقرار المشترى
470

ولو شهد للشفيع فيخرج من كلام النقلة ثلاثة أوجه (أحدها) المنع لأنه شهد على نفسه حيث يقول
بعت بكذا وهذا ما أجاب به العراقيون (والثاني) القبول لأنه ينقض حقه وهذا أصح عند صاحب
التهذيب (والثالث) أنه ان شهد قبل قبض الثمن قبلت شهادته لأنه ينقض حقه إذ لا يأخذ أكثر مما
شهد به وان شهد بعده لم تقبل لأنه يجر إلى نفسه نفعا من حيث إنه إذا قبل الثمن قبل ما يغرمه عند
ظهور الاستحقاق وان أقام كل واحد منهما بينة على ما يقوله فعن الشيخ أبي حامد أن بينة المشترى
أولى كما أن بينة الداخل أولى من بينة الخارج (والأصح) ويحكى عن القاضي أبي حامد أنهما يتعارضان
لان النزاع ههنا فيما وقع عليه العقد ولا دلالة لليد عليه وعلى هذا فالاستعمال ههنا اما ان قلنا
بالنساقط فكما لو لم تكن بينة وان استعملناها ههنا اما بالقرعة واما بالتوقف ولو اختلف البائع والمشترى
471

في قدر الثمن فان ثبت قول المشترى فذاك وان ثبت قول البائع بالبينة أو باليمين المردودة فعلى المشترى
ما ادعاه البائع والشفيع بأخذ بما ادعاه المشترى لاعترافه بأن البيع جرى بذلك والبائع ظالم بالزيادة
فتقبل شهادة الشفيع للبائع ولا تقبل للمشترى لأنه متهم في تقليل الثمن وان لم تكن بينة وتحالفا
وفسخ البيع بينهما أو انفسخ فان جرى ذلك بعد ما أخذ الشفيع الشقص أقر في يده وعلى المشترى
قيمة الشقص للبائع وان جرى قبل الاخذ ففي سقوط حقه الخلاف المذكور فيما إذا خرج معيبا (فان
قلنا) لا تسقط أخذه بما حلف عليه البائع لأنه اعترف باستحقاق الشفيع الاخذ بذلك الثمن فلا يبطل
حقه ببطلان حق المشترى بالتحالف بل يأخذه منه وتكون عهدته عليه وتكلموا في أنه لو لم
يتحالف المشترى والشفيع تحالف البائع والمشترى وفرقوا بينهما من ثلاثة أوجه (أحدها) أن كل واحد من البائع
والمشترى يدعى ويدعى عليه شئ فحلف كل واحد منهما من حيث هو مدعى وليس كذلك الشفيع والمشترى
بل الشفيع مدع محض والمشترى مدعى عليه محض فاختص بالتحليف (والثاني) أن البائع والمشترى كلاهما
472

مباشر للعقد والاحتمال في قولهم على لسواء وههنا الشفيع أجنبي عن العقد فكان تصديق المباشر
أولى (والثالث) قال أبو إسحاق كل واحد من البائع والمشترى يرجع إلى شئ بعد التحالف
هذا إلى المبيع وذاك إلى الثمن (وأما) الشفيع والمشتري لو تحالفا لم يرجع الشفيع إلى شئ
فلا فائدة في تحليفه (الثالثة) لو أنكر المشترى كون الطالب شريكا فالقول قوله مع يمينه
وإنما يحلف على نفى العلم بشركته لا على نفى شركته فان نكل حلف الطالب على البت وأخذ بالشفعة
وكذلك الحكم لو أنكر تقدم ملك الطالب على ملكه (الرابعة) إذا كانا شريكين في عقار فغاب
أحدهما ورأينا نصيبه في يد ثالث فادعي الحاضر عليه أنك اشتريته ولى فيه حق الشفعة فلا يخلو إما
أن يكون للمدعى بينة على دعواه أو لا يكون (القسم الأول) أن تكون له بينة فيقضي بها ويأخذه
بالشفعة ثم إن اعترف المدعى عليه سلم الثمن إليه والا فيترك في يد المدعي إلى أن يقر المدعي عليه أو
يأخذه عنه القاضي ويحفظه أو يجبر على قبوله أو الابراء فيه ثلاثة أوجه مذكورة في باب الاقرار وغيره
ولو أقام المدعي ببينة وجاء المدعي عليه بينة على أنه ورثه أو التهبه فالبينتان متعارضتان وان جاء ببينة
على أن ذلك الغائب أو دعه إياه أو أعاره فإن لم يكن للبينتين تاريخ للايداع فلا منافاة فيقضي بالشفعة
لأنه ربما أودعه ثم باعه وان سبق تاريخ البيع فلا منافاة أيضا لاحتمال أن البائع غصبه بعد البيع ثم
رده بلفظ الايداع فاعتمده الشهود قال الشيخ أبو حامد ولاحتمال أنه تعذر على المشترى تسليم الثمن
فقال له البائع أودعتك ما في يدي من هذا العقار إلى أن تسلم الثمن نعم لو انقطع الاحتمال بأن كان
تاريخ الايداع لاحقا وذكر الشهود أنه أودعه وهو ملكه فههنا يراجع الشريك القديم فان قال إنه
473

وديعة سقط دعوى الشراء وان قال لاحق لي فيه قضي بالشفعة (والقسم الثاني) أن لا يكون له بينة
قللمدعى عليه في الجواب أحوال (أحدها) أن يقر بأنه كان لذلك الغائب فاشتراه منه كما ادعي المدعي
فهل للمدعي أخذه فيه وجهان عن ابن سريج (أحدهما) لا لأنه اعترف بسق ملك الغائب ثم ادعي
انتقاله إليه فلا يقبل قوله في الانتقال فعلى هذا يوفق الامر حتى يكاتب ويبحث هل هو مقر بالبيع
(والثاني) وهو الأظهر نعم لتقارهما على البيع ويكتب القاضي في السجل أنه أثبت الشفعة باقرارهما فإذا
قدم الغائب فهو على حجة الثانية) أن ينكر أصل الشراء فالقول قوله مع يمينه ثم ينظران اقتصر في الجواب
على أنه لا يستحق أخذه بالشفعة أو أنه لا يلزمه تسليمه إليه حلف كذل ولم يلزمه التعرض لنفى الشراء وان قال
في الجواب لم اشتره بل ورثته أو اتهبته فيحلف كذلك أم يكفيه الحلف على أنه لا يستحق الشفعة فيه وجهان
كما ذكرنا في دعوى عيب المبيع. وان نكل المدعي عليه حلف الطالب واستحق الشقص وفي الثمن ما
تقدم من الوجوه. هذا إذا أنكر المشتري والشريك القديم غير معترف بالبيع فإن كان معترفا والشقص
في يده نظر ان لم يعترف بقبض الثمن ففي الشفعة وجهان (أصحهما) ثبوتها وبه قال أبو حنيفة وأحمد
والمزني لان إقراره يتضمن إثبات حق المشترى وحق الشفيع فلا يبطل حق الشفيع بانكار المشترى
(والثاني) وبه قال مالك انه لا نثبت لان الشفيع يتملك على المشترى وهو منكر فلا يثبت ما يتفرع
عليه ويروى هذا عن ابن سريج (فان قلنا) بالثبوت فإلى من يسلم الثمن فيه وجهان (أظهرهما) وهو
المذكور في الكتاب إلى البائع وتكون عهدته عليه لأنه يتلقى الملك منه فكان الشفيع في هذه
474

الصورة هو المشترى (والثاني) أنه ينصب القاضي أمينا يقبض الثمن من الشفيع للمشترى ويدفعه
إلى البائع ويقبض الشقص من البائع للمشترى ويدفعه إلى الشفيع وهذا يستمد من أحد الوجهين
في أن الاخذ بالشفعة هل يتوقف على قبض المشترى الشقص وإذا أخذ البائع ثمن الشفيع فهل له
مخاصمة المشترى ومطالبته بالثمن فيه وجهان لأنه قد يكون ماله أبعد عن الشبهة والرجوع بالدرك عليه
أسهل (إن قلنا) نعم وحلف المشتري فلا شئ عليه وإن نكل حلف البائع وأخذ الثمن من المشترى وكانت
عهدته عليه وما أخذه من الشفيع بترك في يده أم يؤخذ ويوقف فيه وجهان هكذا أورده صاحب التهذيب وفي
الشامل أن الوجهين في أنه هل يطالب المشترى فيما إذا لم يرض بأخذ الثمن من الشفيع فان رضى فليقنع بما أخذ
وهذا أحسن. وان اعترف مع البيع بقبض الثمن (فان قلنا) لا شفعة فيما إنه لم يعترف بالقبض فههنا أولى
وان أثبتنا الشفعة هناك ففي هذه الصورة وجهان (أظهرهما) الثبوت ثم الثمن يترك في يد الشفيع أو
يأخذه القاضي ويحفظه أو يجبر المشترى على قبوله أو لابراء منه فيه الأوجه السابقة (والثاني) ويحكى
عن أبي إسحاق وابن أبي هريرة أنها لا تثبت لان الشفيع لا يأخذ إلا بالثمن ولا يمكن صرف الثمن
ههنا إلى المشترى ولا إلى البائع (الثالثة) أن يقول في الجواب اشتريته لفلان ولا خصومة لك معي
فينظر في المضاف إليه أهو حاضر أم غائب بالغ أو صبي ويكون الحكم فيه ما سيأتي في الدعاوي. وقوله
في الكتاب سلم إليه الثمن وأخذ كلاهما معلم بالواو لما ذكرنا من الخلاف في الاخذ بالشفعة وفيمن
475

يسلم إليه الثمن على تقدير الاخذ (وقوله) فيقرر الثمن في يده أو يحفظه القاضي إشارة إلى الخلاف الذي
ذكره مرة وترك الوجه الثالث اكتفاء بما سبق في نظير المسألة والله أعلم.
قال (الطرف الثالث في تزاحم الشركاء. فان توافقوا في الطلب وتساوت حصصهم وزع
عليهم بالسوية. وان تفاوت حصصهم فقولان في أنه بوزع على قدر الحصص. (ح و) أو على عدد الرؤس
والجديد على أنه على قدر الحصص. ولو باع أحد الشريكين نصيبه من شخصين في صفقتين متعاقبتين
فالمشترى الأول هل يشارك الشريك القديم في أخذ مضمون الصفقة الثانية وملكه في نفسه معرض
للنقض ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين أن يأخذ القديم نصيبه فلا يساهمه (ح) أو يعفو عن صفقته
فيستقر شركته فيساهم فيه).
الكلام في هذا الطرف ينحصر في ثلاثة أمور (الأول) أن يتفق الشركاء على الطلب (والثاني)
أن يطلب بعضهم ويعفو بعضهم (والثالث) أن يحضر بعضهم ويغيب بعضهم وسبيل ضبطها إما أن
يكون كلهم حضور أو لا يكون كذلك إن كان الأول فاما أن يتفقوا على الطلب وهو الأمر الأول
أو على الترك وشأنه هين أو يطلب بعضهم ويترك البعض وهو الثاني وإن كان الثاني فاما إن
كانوا غائبين جميعا وهو متروك لوضوحه أو كان بعضهم غائبا والبعض حاضرا وهو الثالث (أما)
الأول فتقدم عليه أن تعدد المستحقين للشفعة قد يكون ابتداء بأن كانت الدار مشتركة بين جماعة
476

فباع أحدهم نصيبه فتثبت الشفعة للباقين وقد يحصل في الدوام بأن يكون الاستحقاق لواحد فمات
تثبت الشفعة لورثته وعند أبي حنيفة وأحمد حق الشفعة لا يورث. لنا قوله صلى الله عليه وسلم (من ترك حقا فهو
لورثته) وانه حق لازم مالي فأشبه الرد بالعيب. إذا تقرر ذلك ففي الفصل مسألتان (إحداهما) أن
المستحقين للشفعة إن تساوت حصصهم كدار بين ثلاثة فيأخذون الشقص بالسوية وان تفاوتت
حصصهم كما إذا كان لاخذ الثلاثة نصفها وللثاني ثلثها وللثالث سدسها فباع صاحب النصف نصيبه
فقولان (أصحهما) وبه قال مالك أن الشفعة على قدر الحصص فيقسم النصف بينهما أثلاثا لان الشفعة
من مرافق الملك فيقدر الملك ككسب العبد المشترك والنتاج والثمار (والثاني) وبه قال أبو حنيفة
واختاره المزني أنها على عدد الرؤس فيقسم النصف بينهما بالسوية لان سبب الشفعة أصل الشركة
فأشبه أجرة الصكاك وعن أحمد روايتان كالقولين واحتج المزني للقول الثاني بثلاث مسائل (إحداها)
أنه إذا اشترك ثلاثة في عبد على التفاوت فأعتق اثنان نصيبهما وهما موسران يغرمان نصيب الثالث
بالسوية (والثانية) لو مات مالك الدار عن اثنين ثم مات أحدهما وله اثنان ثم باع أحد الاثنين نصيبه
سوى الشافعي بين الأخ والعم في الشفعة مع تفاوت حصصهم (والثالثة) قال الشافعي فيما إذا مات
477

الشفيع قبل أن يأخذ فلورثته أن يأخذوا ما كان يأخذه أبوهم بينهم على العدد امرأته وابنه في ذلك سواء
(والجواب) (أما) مسألة العتق فمن الأصحاب من لم يسلمها وجعلها على القولين ومنهم من سلم وفرق بأن ذلك
ضمان إتلاف والنظر فيه إلى المتلفين لا إلى حال الاتلاف وهذا فائدة من فوائد الملك فيتقدر بقدره (وأما)
المسألتان الأخيرتان فهما من باب الشفعة فنشرحهما ثم نذكر اعتذرا من نصر القول الأول (أما) الأولى
فللشافعي فيها قولان (القديم) وبه قال مالك أن الأخ يختص بالشفعة لان ملكه أقرب إلى ملك
الأخ لأنهما ملكا بسبب واحد ولهذا لو ظهر دين على أبيها يباع فيه ملكهما دون ملك العم وإذا
كان أقرب ملكا كان أحق بالشفعة كالشريك مع الجار (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة وأحمد والمزني
أنهما يشتركان في الشفعة لاشتراكهما في الملك والنظر في الشفعة إلى ملك الشريك لا إلى سبب
ملكه لان الضرر المحوج إلى إثبات الشفعة لا يختلف فعلى هذا يوزع على الأخ والعم بالسوية أم على
قدر الحصص فيه القولان وقال الامام قضية المذهب القطع بالتوزيع عليهما على قدر الحصص لان
القول باستحقاقهما هو الجديد ولا تردد على الجديد في أن الشفعة على قدر الحصص والتوزيع
على الرؤس هو القول القديم وفي القديم لا شفعة للعم في المسألة وفي هذا الذي ذكره نزاع سنورده من
بعد (وإذا قلنا) باختصاص الأخ بالشفعة فلو أنه عفا هل تثبت للعم فيه وجهان عن ابن سريج
(أحدهما) لا لأنه لو كان مستحقا لنقدم غيره عليه (والثاني) نعم لأنه شريك وإنما يقدم الأخ عليه
478

لزيادة قربه فإذا سقط حقه استحق العم كما أن المرتهن يتقدم على سائر الغرماء في المرهون ثم إذا سقط
حقه تمسك به الباقون وهذا الخلاف راجع إلى أن العم على القول القديم ساقط عن الاستحقاق أو
مزحوم بالأخ والقولان في مسألة الأخ والعم جاريان في كل صورة ملك شريكان بسبب واحد وغيرهما
من الشركاء بسبب آخر فباع أحد المالكين بالسبب الواحد نصيبه ففي قول الشفعة لصاحبه خاصة وفي
قول للكل مثاله كان بين اثنين دار فباع أحدهما نصيبه من رجلين أو وهبه ثم باع أحدهما نصيبه
أو مات مالك الدار عن ابنين وأختين فباعت إحدى الأختين نصيبها ففي من له الشفعة وجهان عن
ابن سريج (أحدهما) أنه على القولين ففي قول هي للأخت الأخرى وفي قول لهن جميعا (وأظهرهما)
القطع باستحقاقهن جميعا لان سبب ملكهن واحد وإنما الاختلاف في مقادير الملك (وأما) الثانية فإذا
مات الشفيع عن ابن وزوجة ورثا حق الشفعة كما تقدم وفي كيفيته ثلاثة طرق (أحدها) أن في كون
الشفعة بينهما على الرؤس أو على قدر المواريث القولين (أظهرهما) وبه قال صاحب الافصاح والشيخ
أبو حامد القطع بأنهما يأخذان على قدر الميراث والطريقان مبنيان على خلاف الأصحاب في أن
479

ورثة الشفيع يأخذون لأنفسهم أو للموروث ثم يتلقون منه (فان قلنا) يأخذون لأنفسهم عاد القولان
في المسألة (وان قلنا) يأخذون للميت قطعنا بأنهما يأخذان على قدر الميراث والثاني يوجه بأنهم لو أخذوا
لأنفسهم لأخذوا بالملك وإنما يحصل ملكهم بالإرث وهو متأخر عن الشراء والملك المتأخر لا يفيد
ولازلة الشفعة (والطريق الثالث) القطع بالتسوية لان الموروث من الشفيع حق تملك الشقص لا الشقص
ومجرد الحق قد يسوى فيه بين الورثة كحد القذف هكذا حكاه ووجهه الشيخ أبو الفرج السرخسي. إذا
عرفت المسألتين فمن نصر قول التوزيع على الحصص قال في المسألة الأولى (ان قلنا) بطريق القولين
فلا فرق ولا احتجاج وعلى ما ذكره الامام الحكم في المسألة غير ما احتج به جزما فلا يصح الاحتجاج
به أصلا ولكن الذي ذكره مبني على أن الجديد هو التوزيع على الحصص والأكثرون عكسوا ذلك
وقالوا القولان معا منصوصان في الام والقديم منهما هو التوزيع على الحصص ولذلك اعترضوا على
ابن القاص ومن أثبت قول التوزيع في المسألة تفريعا على ثبوت الشفعة للأخ والعم جميعا بان الشفعة
إنما ثبتت لهما في الجديد التوزيع على عدد الرؤس فلا يجئ فيهما الا قولان التخصيص
480

بالأخ والتسوية بينهما ذكر هذا الاعتراض القفال في كثير من الأئمة (وأما) المسألة الثانية فمن قال
فيها بالقولين قال الذي ذكرناه أحد القولين وسقط الآخر ومن قطع فيهما بالتفاوت اختلفوا فمنهم من
لم يثبت ما نقله المزني ومنهم من حمله على التسوية في أصل الاستحقاق دون المقدار المستحق (وقوله) في
في الكتاب والجديد انه على قدر الحصص معلم بالحاء والزاي وجعل هذا القول جديدا اتباعا لما ذكره
الامام وفيه ما ذكرنا عن الأولين وكأنهم لما رأوا القولين منصوصين في الجديد وأحدهما وهو التوزيع
على الحصص منصوصا في القديم رأوا اسم الجديد مما يقابل القديم أحق فخصصوه به (المسألة الثانية) دار بين
اثنين مناصفة باع أحدهما نصف نصيبه من انسان ثم باع النصف الثاني من آخر فالشفعة في النصف
الأول تختص بالشريك القديم ولا يخلوا الحال اما أن يعفو عنه أو يأخذه ان عفا فهل يشاركه المشترى
الأول في النصف الثاني فيه وجهان (أحدهما) لا لان الشريك القديم مسلط على ملكه فيكف يزاحمه
به (وأصحهما) نعم لان ملكه قد سبق الصفقة الثانية واستقر بعفو الشريك القديم فيستحق به وقطع قاطعون
بهذا الوجه وإذا قلنا به فيأخذان بالسوية أم بحسب الحصتين فيه القولان السابقان. وان أخذ الشريك
481

القديم النصف الأول ففي مشاركة الأول إياه في النصف الثاني وجهان أيضا قربوهما من الخلاف فيما
إذا باع الشفيع ملكه وهو جاهل بالشفعة هل يبقى له الحق لأنه زال ملكه ههنا بالقهر كما زال هناك
بالجهل (والأصح) أنه لا يشاركه وقطع به بعضهم وإذا اختصرت قلت في المسألة ثلاثة أوجه كما ذكر
في الكتاب (أحدها) أن الشريك القديم والمشترى الأول يتساويان في النصف الثاني بكل حال
(والثاني) يختص به الشريك القديم بكل حال (والثالث) يفرق بين أن يعفو عن النصف الأول
أو لا يعفو وهو الظاهر والمحكي عن أبي حنيفة في المسألة يوافق الوجه الأول.
قال (وان عفا أحد الشريكين وجب على الثاني أن يأخذ الكل (و) لان أخذ البعض إضرار
بالمشترى. وان عفا شريك واحد عن بعض حقه سقط (و) كله. كالعفو عن القصاص فإنه لا يتجزء
نظرا للمشترى. وإن كانوا ثلاثة ولم يحضر إلا واحد أخذ الكل وسلم كل الثمن حذرا من التبعيض.
فإذا رجع الثاني شاطره وملك عليه من وقت تسليم نصف الثمن إليه وعهدته عليه. وإذا جاء
الثالث قاسمهما جميعا).
الأمر الثاني يطلب بعض الشركاء يعفو بعضهم ونبتدئ فيه بما إذا كانت الشفعة لواحد
فعفا عن بعض حقه وفيه وجوه (أصحها) وهو المذكور في الكتاب أنه يسقط جميعه لان البعض لا سبيل
إليه لما فيه من الاضرار بالمشترى فإذا سقط بعضه سقط كله كالقصاص إذا عفا المستحق عن بعضه
(والثاني) لا يسقط شئ لان التبعيض قد تعذر وليست الشفعة مما يسقط بالشبهات فيغلب فيها جانب
الثبوت وأيضا فإنه لم يرض بترك حقه وإنما عفا عن البعض ليأخذ الباقي فصار كما لو عفا عن بعض
482

حد القذف (والثالث) أنه يسقط ما عفا عنه ويبقى الباقي لأنه حق مالي قابل للانقسام وعن الصيدلاني
أن موضع هذا الوجه إذا رضى المشترى بتبعيض الصفقة عليه فان أبى وقال خذ الكل أو دع الكل
فله ذلك قال الامام وهذه الوجوه إذا لم نحكم بأن الشفعة على الفور فان حكمنا به فطريقان (منهم) من
قطع بأن العفو عن البعض تأخير في طلب الباقي (ومنهم) من احتمل ذلك إذا بادر إلى طلب الباقي
وأجرى الوجوه ويدنو الأول أن صاحب الشامل ذكر أنه لو استحق شقصا بالشفعة فجاء وقال آخذ
نصفه سقطت شفعته في الكل لأنه ترك طلب النصف. إذا تقرر ذلك فلو استحق الشفعة اثنان فعفا
أحدهما عن حقه ففيه أربعة أوجه (أحدها) ويحكي عن ابن سريج أنه يسقط حقهما جميعا كما لو استحق
اثنان القصاص فعفى أحدهما (والثاني) لا يسقط حق واحد منهما كما ذكرنا في الصورة الأولى لأنه
لا يسقط شئ فغلبنا جانب الثبوت (والثالث) أنه يسقط حق العافي وليس لصاحبه إلا أن
يأخذ قسطه لان العفو يقتضي استقرار العفو عنه على المشترى كما لو عفوا جميعا وليس للمشترى
أن يلزمه أخذ الجميع (والرابع) وهو الأصح أن حق العافي يسقط ويثبت الحق بكماله للثاني فان
شاء ترك الكل وان شاء أخذ الكل وليس له أن يقتصر على أخذ حصته لولا العفو لما
فيه من تبعيض الصفقة على المشترى هذا هو الوجه المذكور في الكتاب (وقوله) وجب على
الثاني أن يأخذ الكل أراد به أنه ان أخذ أخذ الكل لا الحصة إلا أنه يلزمه الاخذ هذا إذا ثبتت
الشفعة لعدد ابتداء (أما) إذا ثبتت لواحد ومات وورثه اثنان فعفا أحدهما فهو كما لو ثبتت الشفعة لواحد
فعفا عن بعضها أو ثبتت لاثنين فعفا أحدهما فيه وجهان (أظهرهما) الثاني قال الامام والخلاف
483

بناء على ما سبق أن الوارث يأخذ الشفعة لنفسه أو يتلقاها عن المورث (واعلم) أن الوجوه المذكورة
شاملة لعفو الشفيع عن بعض حقه ولعفو أحد الشفيعين عن حقه الا الوجه الصائر إلى استقرار
العفو عنه على المشتري فإنهم لم يذكروه في عفو الشفيع عن بعض حقه فبه يحصل الافتراق وأيضا
يفترقان في الأصح. ولو كان للشقص شفيعان فمات كل واحد منهما عن ابنين فعفا أحدهما (فان قلنا)
عفو الوارث كعفو الشفيع عن بعض حقه ففي وجه يسقط الكل كما كان وقياس الوجه الثالث في عفو
الشفيع عن بعض حقه أن يسقط حق العافي وأخيه ويأخذ الآخران (وان قلنا) كعفو أحد شفيعي الأصل
عاد الوجه الأول والثاني وفيه وجه ثالث وهو أنه ينتقل حق العافي إلى الثلاثة فيأخذون الشقص أثلاثا
ووجه رابع وهو أن حق العافي يستقر للمشترى وكل واحد من الثلاثة يأخذ الرابع ويجئ في
هذه الصورة وجه خامس وهو أن حق العافي ينتقل إلى أخيه خاصة بناء على القول القديم في
مسألة الأخ والعم.
(فرع) مات الشفيع عن اثنين وادعى المشترى عليهما أنهما عفوا فالقول قولهما مع اليمين
وتكون اليمين على البت بخلاف ما إذا ادعى أن أباهما عفا عن الشفعة فأنكرا فإنهما يحلفان على نفى
العلم ثم إن حلفا أخذا وان نكلا حلف المشترى ويبطل حقهما وان حلف أحدهما دون الآخر قال
ابن الحداد ليس للمشترى أن يحلف لأنه لا يستفيد بيمينه شيئا فإنه وان ثبت عفو أحدهما ينتقل الحق
إلى الثاني وهذا جواب على أنه إذا عفا أحد الشريكين كان للآخران يأخذ الكل وهو الأصح
(أما) إذا قلنا إن حق العافي يستقر على المشترى فيحلف المشترى ليستقر له نصيب الناكل ثم الوارث
484

الحالف لا يستحق الكل بنكول أخيه ولكن ينظر ان صدق أخاه على أنه لم يعف فالشفعة بينهما
وان ادعى العفو وأنكر الناكل عرضت عليه اليمين لدعوى أخيه وان نكل في جوابه أيضا
حلف المدعي على أنه عفا وحينئذ يأخذ الكل قال وإن كانوا ثلاثة ولم يحضر الا واحد أخذ الكل
وسلم كل الثمن حذارا من التبعيض فإذا رجع الثاني شاطره وملك عليه من وقت تسليم نصف الثمن إليه
وعهدته عليه فإذا جاء الثالث قاسمهما جميعا (الأمر الثالث) أن يحضر بعض الشركاء دون بعض
فإذا كانت الدار لأربعة بالسوية فباع أحدهم نصيبه وثبتت الشفعة للباقين ولم يحضر
الا واحد فليس له أخذ حصته من الشقص لأنه ربما لا يأخذ الغائبان فتتفرق الصفقة
على المشترى ولا يكلف الصبر إلى أن يحضرا ولكنه يخير بين أن يأخذ الكل أو يترك الكل وهل
له تأخير الاخذ إلى حضور الشريكين إذا جعلنا الشفعة على الفور فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن
أبي هريرة لا لتمكنه من الاخذ (وأصحهما) عن الشيخ أبي حامد ويحكي على ابن سريج وأبي إسحاق
نعم لأنه تأخير بالعذر لان له غرض ظاهر في أن لا يؤخذ ما يؤخذ منه وإذا أخذ الكل ثم حضر
أحد الغائبين أخذ منه النصف بنصف الثمن كما لو لم يكن الا شفيعان فإذا حضر الثالث فله أن يأخذ
من كل واحد منهما ثلث ما في يده وحينئذ يحصل الاستواء ويستقر ملكهم ثم للمسألة فروع (منها)
إذا خرج الشقص مستحقا بعد الترتيب المفروض ففي العهدة وجهان (أحدهما) أن عهدة الثلاثة
على المشترى لاستحقاقهم الشفعة عليه (والثاني) أن رجوع الأول المشترى يسترد منه كل الثمن
ورجوع الثاني على الأول يسترد منه النصف ورجوع الثالث على الأولين يسترد من كل منها ما دفع إليه
485

لان التملك وتسليم الثمن هكذا وقع فيما بينهم وهذا أظهر وهو المذكور في الكتاب والعراقيون يرجحون
الأول. وفي التتمة أن هذا الخلاف في الرجوع بالمغروم من أجرة المثل وما عساه ينقص من قيمة الشقص
فأما الثمن فكل منهم يسترد ما سلمه ممن سلمه إليه بلا خلاف. ولو أخذ الحاضر جميع الشقص ثم وجد
به عيبا فرده فقدم الثاني وهو في يد المشترى فله أخذ الكل (ومنها) ما يستوفيه الأول من المنافع ويحصل
له من الأجرة والثمن يسلم له فلا يزاحمه فيها الثاني والثالث على أصح الوجهين وكذا الثالث لا يزاحم
الثاني فيما حصل له بعد المشاطرة كما أن الشفيع لا يزاحم المشترى فيها ويقرب من هذين الوجهين الخلاف
فيما إذا أخذ الأول كل الشقص وأفرزه بأن أتى الحاكم فنصب فيما في مال الغائبين فاقتسما وبني فيه أو
غرس ثم رجع الغائبان هل لهما القلع (وأصح) الوجهين أنهما لا يقلعان كما أن الشفيع لا يقلع بناء المشترى
وغراسه مجانا وفي الثاني لهما القلع لأنهما يستحقان مثل استحقاق الأول وبذلك السبب فليس له
التصرف حتى يظهر حالهما بخلاف الشفيع مع المشترى ولو كان اثنان حاضرين فأخذا الشقص واقتسما
مع القيم في مال الغائب ثم قدم الغائب فله الاخذ وابطال القسمة وان عفا استمرت القمسة (ومنها) لو
اخذ الأول والثاني كما صورنا ثم حضر الثالث وأراد أن يأخذ من أحدهم ثلث ما في يده ولا يأخذ من
الثاني شيئا فله ذلك كما يجوز للشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشتريين دون الثاني (ومنها) لو أخذ الأول
الكل وقدم الثاني وأراد أن يأخذ الثلث بلا مزيد هل له ذلك فيه وجهان (أحدهما) لا يجوز له
ذلك كما لا يجوز للأول ان اقتصر على أخذ الثلث (وأظهرهما) نعم لان أخذه الثلث لا يفرق الحق على
الأول إذا الحق ثبت لهم أثلاثا وبأخذ الأول الثلث تفرق الصفقة على المشترى فان أخذ الثلث تفريعا على هذا
486

الوجه أو أخذه بالتراضي وقدم الثالث نظر إن أخذ من الأول نصف ما في يده ولم يتعرض للثاني فلا كلام قاله
في التتمة وان أراد أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده فله ذلك لأنه يقول ما من جزء إلا ولى ثلثه وان ترك
الثاني حقه حيث لم يشاطر الأول فلا يلزمني أن أترك حقي ثم له أن يجئ إلى الأول فيقول ضم ما معك إلى
ما أخذته لنقسمه لأنا متساويا القدر والشقص والحالة هذه إنما تصح قسمته من ثمانية عشر لأنا نحتاج إلى عدد
له ثلث ولثلثه ثلث وأقله تسعة يحصل منها ثلاثة في يد الثاني وستة في يد الأول ثم ينتزع الثالث من
يد الثاني واحد ويضمه إلى الستة في يد الأول تكون سبعة يقتسمانها بينهما وسبعة لا تنقسم على اثنين فتضرب
اثنين في تسعة تبلغ ثمانية عشر وكان في يد الثاني من التسعة بعد انتزاع الثالث منه ما انتزع اثنان
نضربهما في المضروب في المسألة يكون له أربعة فهي حصته تبقى أربعة عشر يأخذ كل واحد من
الأول والثالث منهما سبعة فإذا كان ربع الدار ثمانية عشر كانت جملتها اثنين وسبعين هذا ما ذكره
الأكثرون ونقلوه عن ابن سريج وحكي الامام عن القاضي حسين أنه لما ترك الثاني سدسا على الأول
كان عافيا عن بعض حقه يبطل جميعه على الظاهر كما سبق فينبغي ان يسقط حق الثاني بالكلية
ويكون الشقص بين الأول والثالث (ومنها) قال ابن الصباغ لو حضر اثنان وأخذا الشقص ثم حضر الثالث
وأحدهما غائب فان قضى له القاضي على الغائب أخذ من كل واحد من الحاضر والغائب ثلث ما في يده لأنه
الذي يستحقه منه الثاني يأخذ نصف ما في يده لأنه إذا غاب أحدهما فكان الحاضرين هما الشفيعان فيسوى
بينهما ثم لو حضر الغائب وقد غاب الحاضر فإن كان الثالث أخذ من الحاضر ثلث ما في يده أخذ من هذا الذي
قدم ثلث ما في يده أيضا وإن كان قد أخذ نصف ما في يده أخذ من القادم سدس ما في يده ويتم نصيبه بذلك
487

الشقص والمسألة تقسم من اثني عشر للحاجة إلى عدد له نصف ولنصفه ثلث وسدس وإذا كان الربع اثنا عشر
فالكل ثمانية وأربعون (ومنها) ثبتت الشفعة الحاضر وغائب فعفا الحاضر ثم مات الغائب وورثه الحاضر له أخذ
الشقص بالشفعة وان عفا أولا لأنه الآن يأخذ بحق الإرث وهذا جواب على أصح الأوجه في عفو أحد
الشريكين وهو أن للآخر أخذ الكل وساعده التفريع على أن العفو من بعض الشركاء لا يصح
(أما) إذا قلنا إن نصيب العافي يستقر على المشترى فلا يأخذ الحاضر بحق الإرث إلا النصف (وان
قلنا) ان عفو أحدهما يسقط حق الآخر لم يأخذ شيئا.
قال (ومهما تعدد البائع أو المشترى جاز أخذ مضمون إحدى الصفقتين. وان اشترى في صفقة
واحدة شقصين في دارين شريكهما واحد ففي جواز أخذ أحدهما وجهان).
أصل الفصل أنه ليس للشفيع تفريق الصفقة على المشترى على ما مر في أثناء الكلام ولو اشترى
اثنان شقصا من واحد فللشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما خاصة لأنه لا يفرق على واحد منهما ملكه
وعن أبي حنيفة لا يجوز إن كان ذلك قبل القبض وان تعدد البائع بأن باع اثنان من شركاء الدار
شقصا م واحد فوجهان (أحدهما) أنه لا يجوز أخذ حصة أحد البائعين لان المشترى ملك الكل
بصفقة واحدة فلا يفرق ملكه عليه وبهذا قال مالك (وأصحهما) ويحكى عن نصه في القديم وبه أجاب
المزني أنه يجوز لان تعدد البائع يوجب تعداد العقد كتعدد المشترى فصار كما لو ملكه بعقدين ولو
باع اثنان من شركاء الدار نصيبهما بعقد واحد من رجلين والصفقة نازلة منزلة أربعة عقود تفريعا على
الأصح في أن تعدد البائع كتعدد المشترى وللشفيع الخيار بين أن يأخذ الجميع وبين أن يأخذ ثلاثة
488

أرباع المبيع وهو نصيب أحد المشتريين ونصف نصيب الآخر وبين أن يأخذ نصفه إما بأخذ نصيب
أحدهما وترك الآخر أو بأخذ نصف نصيب واحد منهما وبين أن يأخذ ربعه بأخذ نصف نصيب
أحدهما لاغير وان وكل وكيلين في بيع شقص أو شرائه أو وكلا وكيلا في بيع شقص أو شرائه فالاعتبار
بالعاقد أو من له العقد فيه خلاف وقد ذكرناه في تفريق الصفقة حتى لو كانت الدار لثلاثة شركاء
توكل أحدهم لآخر ببيع نصيبه وجوز له أن يبيعه مع نصيب نفسه إن شاء صفقة واحدة فباع كذلك
فليس للثالث إذا جعلنا الاعتبار بالعاقد إلا أخذ الكل أو ترك الكل فان جعلنا الاعتبار بالمعقود
فله أن يأخذ حصة أحدهما كما لو باع كل منهما حصته بنفسه ولو كانت الدار لرجلين فوكل أحدهما
الآخر ببيع نصف نصيبه وجوز له أن يبيعه مع نصيب نفسه إن شاء صفقة واحدة فباع كذلك وأراد
الموكل أخذ نصيب الوكيل بالشفعة بحق ما بقي له من النصف فله ذلك لان الصفقة اشتملت على ما
لا تثبت فيه الشفعة للموكل وهو ملكه وعلى ما تثبت وهو ملك الغير فشبه ذلك بما إذا باع ثوبا
وشقصا بمائة وفيه وجه أنه كالصورة السابقة ولو باع شقصين من دارين صفقة واحدة فإن كان الشفيع
في أحدهما غير الشفيع في الأخرى فلكل واحد منهما أن يأخذ ما هو شريك فيه وافقه الآخر
في الاخذ أم لا وإن كان الشفيع فيهما واحدا فوجهان (أحدهما) ويروى عن أبي حنيفة
أنه لا يجوز لان الصفقة متحدة (وأصحهما) الجواز لأنه لا يفضى إلى تبعيض الشئ وذلك التبعيض
هو الذي يوجب الضرر.
489

(الباب الثالث فيما يسقط به حق الشفعة)
قال (وفيه ثلاثة أقوال (الأول) الجديد أنه على الفور (م). قال صلى الله عليه وسلم (الشفعة كحل العقال)
(والثاني) أنه يبقى ثلاثة أيام (والثالث) أنه يتأبد فلا يبطل الا بابطال أو دلالة الابطال (و).
لاشك أن حق الشفعة يعرض له السقوط ومقصود الباب بيان أنه بم يسقط وسبيل التدريج
إليه أن قول الشافعي رضي الله عنه اختلف في أنه تثبت على الفور أم على التراضي (وأصح) القولين وهو
المنصوص في الكتب الجديدة على الفور الماوردي أنه صلى الله عليه وسلم قال (الشفعة كحل العقال) (1) أي أنها تفوت إذا لم يبتدر
إليها كالبعير الشرود يحل عنه العقال إن قيدت ثبتت والا فاللوم على من تركها. وأيضا فإنه حق خيار
ثبت في البيع بنفسه لدفع الضرر فكان على الفور كالرد بالعيب (والثاني) أنه على التراخي وعلى هذا
ففي تقرير مدته قولان (أظهرهما) أنها تمتد إلى ثلاثة أيام لان
الحكم بالفور يضر بالشفيع فإنه قد يحتاج إلى تأمل ونظر والحكم بالتأبيد يضر بالمشترى لأنه لا يأمن
من أخذ الشفيع فتفوت عليه العمارة والتصرف فلابد من حد فاصل فجعلت الثلاثة حدا كما في خيار
الشرط وغيره (والثاني) عن حكاية صاحب التقريب أنه يمتد إلى أن تمضي مدة التدبر في ملك
490

ذلك الشقص ويختلف باختلاف حال المأخوذ (والثاني) أنه لا تتقدر له مدة بل يتأبد لأنه لا ضرر
على المشترى في التأخير إذ الشقص له وان بني فيه أو غرس فله قيمته إن أخذ الشفيع ومالا ضرر
في تأخيره يتأبد كالقصاص فعلى هذا لو صرح بابطاله يبطل وفيما يدل على الابطال قولان (أظهرهما)
البطلان وهو المذكور. ومما له دلالة الابطال قوله للمشترى بع الشقص ممن شئت أو هبه ولو قال بعه
أو هبه مني أو قاسمني عليه فكذلك وفيه وجه أنه لا يبطل بقاء الشفعة لأنه قد يخاف الاخذ بغير طريق
الشفعة إن تيسر له وللمشتري إذا لم يأخذ الشفيع ولم يعف أن يرفعه إلى الحاكم ليلزمه الاخذ أو العفو
وفيه قول أنه ليس له ذلك تنزيلا للشفيع منزلة مستحق القصاص. ويخرج من الترتيب عند الاختصار
خمسة أقوال في كيفية ثبوت الشفعة أنها على الفور تمتد ثلاثة أيام تمتد مدة تسع للتأمل تتأبد إلى
التصريح بالابطال تتأبد إلى أن يصرح بالابطال أو يأتي بما يدل عليه. وعند أبي حنيفة وأحمد أنها
تمتد امتداد المجلس للعلم بالشفعة وعند مالك تمتد سنة في رواية ومدة يغلب على الظن فيها الاسقاط
والترك في أخرى.
قال (والصحيح أنه على الفور وأنه يسقط بكل ما يعد تقصيرا أو توانيا في الطلب. فإذا
بلغه الخبر فلينهض عن مكانه طالبا. فإن كان ممنوعا بمرض أو حبس في باطل فليوكل. فإن لم
يوكل مع القدرة بطل حقه (و) وان لم يكن في التوكيل مؤنة ومنة ثقيلة. فإن لم يجد الوكيل
491

فليشهد. فان ترك الاشهاد ففي بطلان حقه قولان. وإن كان المشترى غائبا ولم يجد في الحال رفقة
وثيقة لا يبطل حقه. وإن كان في حمام أو على طعام أو في صلاة نافلة لم يلزمه. (و) قطعها
على خلاف العادة).
إنما أعاد ذكر الفور فقال الصحيح أنه على الفور لأنه أراد التفريع عليه (واعلم) أنا إنما نحكم
بالفور بعد علم الشفيع بالبيع (أما) إذا لم يعلم حتى مضت سنون فهو على حقه * ثم إذا علم فلا يكلف ابتدارا
على خلاف العادة بالعدو بقوة بل يرجع فيه إلى العرف فما يعد تقصيرا أو توانيا في الطلب يسقط
الشفعة ومالا يعد تقصيرا لاقتران عذر به لا يسقطها والاعذار ضربان (أحدهما) مالا ينتظر زواله عن
قرب كالمرض المانع من المطالبة فينبغي للمريض أن يوكل إن قدر عليه وان لم يفعل فثلاثة أوجه
(أصحها) بطلان الشفعة كما لو أمكنه الطلب بنفسه فقصر (والثاني) وبه قال أبو علي الطبري لا يبطل
لأنه يلزمه في التوكيل منة أو مؤنة (والثالث) إن لم يلزمه فيه منة ولا مؤنة ثقيلة يبطل حقه وان
لزمه أحدهما لم يبطل. وان لم يمكنه التوكيل فليشهد على الطلب فإن لم يشهد فقولان أو وجهان (أظهرهما)
أنه يبطل حقه لان السكوت مع التمكن من الاشهاد مشعر بالرضا (والثاني) لا يبطل وإنما الاشهاد
لاثبات الطلب عند الحاجة وهذا ما اختاره الشيخ أبو محمد. والخوف من العدو كالمرض وكذا الحبس
إن كان ظلما أو بدين هو معسر به وعاجز عن بينة الاعسار فان حبس بحق فإن كان مليئا فهو غير
492

معذور بل عليه الأداء والخروج. ومن هذا الضرب الغيبة فإذا كان المشترى في بلدة والشفيع في غيرها
فعلى الشفيع أن يخرج طالبا كما بلغه الخبر أو يبعث وكيلا إلا أن يكون الطريق مخوفا فيجوز التأخير
إلى أن يجد رفقة وثيقة يصحبها هو أو وكيله أو يزول الحر المفرط أو البرد المفرط فإذا أخر لذلك أو لم
يمكنه المسير بنفسه ولا وجد وكيلا فليشهد على الطلب فإن لم يشهد ففي بطلان حقه الخلاف السابق
وأجري ذلك في وجوب الاشهاد إذا سار في الحال والظاهر ههنا أنه لا يجب ولا تبطل الشفعة بتركه
كما لو أنفذ وكيلا ولم يشهد يكتفي فيه بذلك وليطرف فيما إذا كان حاضرا في البلد فخرج إليه أو إلى مجلس الحكم
كما سبق في الرد بالعيب (والضرب الثاني) ما ينتظر زواله عن قريب بأن كان مشغولا بطعام أو صلاة أو قضاء
حاجة أو في حمام فله الاتمام ولا يكلف قطعها على خلاف المعهود وفيه وجه أن عليه قطعها حتى الصلاة إذا كانت
نافلة ولو دخل وقت الاكل والصلاة أو قضاء الحاجة جاز له أن يقدمها فإذا فرغ طالب بالشفعة ولا يلزمه تخفيف
الصلاة والاقتصار على أقل ما يجزئ. ولو رفع الشفيع الامر إلى الحاكم وترك مطالبة المشترى مع حضوره جاز
وقد ذكرناه في الرد بالعيب. ولو أشهد على الطلب ولم يراجع المشترى والحاكم لم يكلف خلاف لأبي حنيفة. وإن كان
المشترى غائبا فالقياس أن يرفع الامر إلى الحاكم ويأخذ كما ذكرنا هناك وإذا ألزمناه الاشهاد ولم يقدر
عليه فهل يؤمر أن يقول تملكت الشقص فيه وجهان مر نظائرهما في الرد بالعيب. وإذا تلاقيا في غير
بلد الشقص فأخر الشفيع إلى العود إليه بطل حقه لاستغناء الاخذ عن الحضور عند الشقص (وقوله)
493

في الكتاب فإذا بلغه الخبر أي خبر من يتعمد قوله فلينهض عن مكانه طالبا أي إما بنفسه أو بنائبه
(وقوله) فإن لم يوكل مع القدرة بطل حقه معلم بالواو وكذا قوله لم يلزمه قطعا.
قال (ولو أخبرنا ثم قال لم أصدق المخبر فان أخبره من تقبل شهادته بطل حقه. وان أخبره
من لا تقبل روايته كفاسق وصبي فلا يبطل. وان أخبره عدل واحد أو عبد يقبل روايته فالأظهر
(و) أنه يبطل حقه. وان كذب المخبر في دينار الثمن. أو تعبين المشترى. أو جنس (و ح) الثمن.
أو قدر المبيع فترك المبيع لم يبطل حقه لان له غرضا. وان أخبر بأن الثمن الف فإذا هو الفان لم يكن
له الرجوع إذ لا غرض فهي وإذا لقى المشترى فقال السلام عليكم لم يبطل حقه. ولو قال بكم اشتريت
ففيه تردد. وكذا في قوله بارك الله لك في صفقة يمينك. ولو قال اشتريت رخيصا وأنا طالب بطل
حقه لأنه فضول من غير غرض).
الفصل يشتمل على صور (إحداها) إذا أخر الطلب ثم قال إنما أخرت لأني لم أصدق المخبر نظر
أن أخبره عدلان يبطل حقه لان شهادتهما مقبولة فكان من حقه أن يعتمد قولهما ويثق به وكذا لو
أخبره رجل وامرأتان. وإن أخبره من لا تقبل روايته كالكافر والفاسق والصبي لم يبطل حقه وان
أخبره عدل واحد حر أو عبد فوجهان (أحدهما) لا يبطل حقه لان الحجة لا تقوم بالواحد وهو رواية عن
أبي حنيفة ذكره في التتمة (وأظهرهما) البطلان لأنه اخبار واخبارهم مقبول وفي النهاية أنهم ألحقوا العبد
494

بالفاسق لأنه ليس من أهل الشهادة والمرأة الواحدة كالعبد حتى يجئ فيها الوجهان. وقطع بعضهم بأن
اخبارها لا يبطل حقه وعلى هذا فلو أخبره نسوة قال أبو سعيد المتولي ينبني على أن المدعي إذا أقام امرأتين
هل يقضي بيمينه معهما (ان قلنا) لا فاخبارهن كاخبار المرأة الواحدة (وان قلنا) نعم فكالعدل الواحد
وهذا كله إذا لم يبلغ عدد المخبرين حدا لا يحتمل التواطؤ عل الكذب فان بلغه وأخر بطل حقه وإن كان
وا فساقا (الثانية) لو كذبه المخبر فزاد في قدر الثمن بأن قال باع الشريك نصيبه بألف فعفا الشفيع أو
توانى ثم بان أن البيع بخمسمائة لم يبطل حقه ولو كذب بالنقصان فقال باع بألف فعفا ثم بان انه باع
بألفين بطل حقه لأنه إذا لم يرغب فيه بألف فبألفين أولى ولو كذب في تعيين المشترى بأن قال باعه
من زيد ثم بان أنه باعها من غيره أو قال المشترى اشتريت لنفسي ثم بان أنه كان وكيلا أو في جنس الثمن
بأن قال باع بالدراهم فبان أنه باع بالدنانير أو في نوعه بأن قال باع بالنيسابورية فبان أنه باع بالمروية أو
في قدر المبيع بأن قال باع كل نصيبه فبان أنه بعضه أو بالعكس لم يبطل حفه لأنه ربما يرضى بتركه لزيد
دون غيره وقد يجد الدنانير دون الدراهم أو يرغب في الكل دون البعض وبالعكس وكذا لو قال باعه من
فلان فعفا ثم بان أنه باع من غيره أو قال باعه من رجلين فبان أنه باعه من أحدهما أو قال باعه بكذا حالا
فبان أنه باعه مؤجلا أو قال باع بكذا إلى شهر فبان أنه باع إلى شهرين لا يبطل حقه ولو قال باعه بكذا مؤجلا فعفا
ثم بان أنه باعه حالا يبطل حقه لأنه متمكن من التعجيل إن كان يقصده وكذا لو قال باع كله بألف
فعفا ثم بان أنه بيع بعضه بألف يبطل حقه لأنه إذا لم يرغب في الكل بألف ففي البعض أولى وعند
495

أبي حنيفة إذ أخبر عن البيع بالدراهم فعفا ثم بان أن البيع بالدنانير أو بالعكس ولم يتفاوت القدر عند
التقويم بطلت شفعته وبه أجاب الامام فيجوز أن يعلم لذلك قوله أو جنس الثمن بالحاء والواو
(الثالثة) لقى المشتري فقال السلام عليك أو سلام عليك أو سلام عليكم لم يبطل حقه لان السنة
السلام قبل الكلام قال الامام ومن غلا في اشتراط قطع ما هو مشغول به من الطعام وقضاء الحاجة
لا يبعد أن يشترط ترك الابتداء بالسلام. وفيما إذا قال عند لقاء المشتري بكم اشتريت وجهان ذكر
العراقيون أنه يبطل حقه وقالوا من حقه أن يظهر الطلب ثم يبحث (والأصح المنع) لأنه إن لم يعلم قدر
الثمن فلابد من البحث عنه وان علم فيجوز أن يريد أخذ إقرار المشترى كيلا ينازعه في الثمن وحكى
الامام وجهين أيضا فيما إذا قال بارك الله في صفقة يمينك عن قياس طريق المراوزة أنه يبطل حقه لان
الدعاء يشعر بتقرير الشقص في يده فلا ينتظر الطلب عقيبه (وأصحهما) وهو الذي أورده المعظم أنه لا
يبطل لأنه قد يدعو بالبركة ليأخذ بصفقة مباركة ولو قال اشتريت رخيصا وما أشبهه ثم أعقبه بالطلب
بطل حقه لأنه فضول لا غرض فيه ولو أخر الطلب ثم أعتذر بمرض أو حبس أو غيبة وأنكر المشترى
فالقول قول الشفيع إن علم له العارض الذي يدعيه وا لا فالمصدق المشترى. ولو قال لم أكن أعلم بثبوت
حق الشفعة أو كونها على الفور فهو كما في الرد بالعيب.
قال (ولو باع ملك نفسه مع العلم بالشفعة بطل حقه. فإن لم يعلم فقولان من حيث أنه انقطع
الضرر. وان صالح عن حق الشفعة لم يصح الصلح. ثم إن كان جاهلا ففي بطلان شفعته خلاف).
496

في هذه البقية مسألتان (الأولى) إذا باع الشفيع نصيب نفسه من العقار أو وهب عالما بثبوت
الشفعة له بطل حقه (أما) إذا جعلنا الشفعة على الفور فظاهر (وأما) إذا جعلناها على التراخي فلان
الشفعة إنما ثبتت لدفع ضرر سوء المشاركة والمقاسمة وإنما يلزمه ذلك من الشركة فإذا باع نصيب نفسه
فقد أزال سبب الشفعة ولو باع بعض نصيبه حكي الشيخ أبو علي غيره فيه قولين (أحدهما) أن شفعته
لا تبطل لأنه لو لم يملك إلا ذلك القدر ابتداء له الشفعة (والثاني) تبطل لأنه إنما يستحق الشفعة بجميع
نصيبه فإذا باع بعضه بطل بقدره وإذا بطل البعض بطل الكل كما لو عفا عن بعض الشقص المشفوع
وهذا أظهر على ما ذكره الامام وغيره هذا إذا كان عالما (أما) إذا باع نصيبه جاهلا بالشفعة قال أكثرهم
فيه وجهان وقال صاحب الكتاب قولان (أحدهما) أنه على شفعته لأنه كان شريكا يوم البيع ولم
يرض بسقوط حق الشفعة (وأشبههما) أنها تبطل لزوال سبب الشفعة ولهذا لو زال عيب المبيع قبل
497

التمكن من الرد سقط حق الرد ولو باع بعض نصيبه جاهلا أطلق في التهذيب أن شفعته لا تبطل
والوجه أن يكون على الخلاف السابق إذا فرعنا على أنه لو باع الجميع بطلت شفعته (الثانية) لو صالح
على حق الشفعة على مال فهو على ما ذكرناه في الصلح عن الرد بالعيب واختار أبو إسحاق المروزي
صحته ولو تصالحا على أن يأخذ بعض الشقص فيصح الصلح برضى المشترى بالتبعيض أو يبطل وتبقى
خيرة الشفيع بين أخذ الكل وترك الكل أو تبطل شفعته أصلا تنزيلا لترك البعض منزلة ترك
الكل نقلوا فيه ثلاثة أقوال وقد فرغنا بتوفيق الله تعالى من شرح مسائل الكتاب ونزيده بفصلين
(أحدهما) في الحيل الدافعة للشفعة (منها) أن يبيع الشقص بأضعاف ثمنه دراهم ويأخذ عرضا قيمته
مثل الثمن الذي يتراضيان عليه بدلا عن الدارهم أو يحط عن المشترى ما يزيد على فلا يرغب الشفيع
في الشفعة لحاجته إلى الاخذ بالدراهم المسماة وفيها غرر لان البائع قد لا يرضى بالعرض عوضا أو لا يحط
(ومنها) قال ابن سريج يشترى أولا بائع الشقص عرضا يساوى ثمن الشقص بأضعاف ذلك الثمن ثم
يجعل الشقص عوضا عما لزمه وفيها غرر لان البائع قد لا يرضى به (ومنها) أن يبيع جزأ من الشقص
بالثمن كله ويهب منه الباقي فلا يأخذ الشفيع الشقص المبيع للغبن ولا يتمكن من أخذ الموهوب وفيها
غرر ظاهر (ومنها) أن يجعل الثمن حاضرا مجهول القدر ويقبضه البائع وينفقه أو يخلط بغيره فتندفع
الشفعة وفيه خلاف ابن سريج على ما تقدم (ومنها) إذا وقف المشترى الشقص أو وهبه يبطل حق
الشفيع على رأى أبي إسحاق (ومنها) لو باع بعض الشقص ثم باع الباقي لم يكن للشفيع أخذ جميع
المبيع ثانيا في أحد الوجهين فيندفع أخذ الجميع (ومنها) لو وكل الشريك شريكه بالبيع فباع لم يكن
له الشفعة على أحد الوجهين وقد سلف ذكره هذه المسائل.
498

(فرع) عند أبي يوسف لا يكره دفع الشفيع بالحيلة إذ ليس فيها تفويت حق على الغير
لان الحق إنما يثبت بعد البيع وعند محمد يكره لما فيها من إيقاع الشفيع في الضرر مع حقه من
الثبوت وهذا أشبه بمذهبنا في الحيلة في دفع الزكاة وهما يختلفان في الزكاة (الفصل الثاني) في مسائل وفروع
من الباب لم تسلك فيما قدمنا ونوردها منثورة فنقول للمفلس العفو عن الشفعة والاخذ والاعتراض عليه
للغرماء وينبغي أن يعود في أخذه الخلاف المذكور في شرائه في الذمة ثم الكلام في أنه لم يؤد الثمن
على ما ذكرناه في التفليس ولو وهب من عبده وقلنا إنه يملك فبيع باقيه قال الشيخ أبو محمد تثبت له
الشفعة وهل يفتقر إلى إذن جديد من السيد فيه وجهان ولعامل القراض الاخذ بالشفعة فإن لم يأخذ
فللمالك الاخذ ولو اشترى بمال القراض شقصا من عقار فيه شركة لرب المال ففي ثبوت الشفعة له
وجهان عن ابن سريج (أصحهما) المنع ووجه الثاني أن مال القراض كالمنفرد عن ملكه لتعلق حق
الغير به ويجوز أن يثبت له على ملكه حق والحالة هذه كما ثبت له على عبده المرهون حق الجناية
وإن كان العامل شريكا فيه فله الاخذ إن لم يكن في المال ربح أو كان وقلنا إنه لا يملك بالظهور
وان قلنا إنه يملك فعلى الوجهين في المالك ولو كان الشقص في يد البائع فقال الشفيع لا أقبضه
إلا من المشترى فيه وجهان عن ابن سريج (أحدهما) له ذلك ويكلف الحاكم المشترى أن يتسلمه
ويسلمه إلى الشفيع وإن كان غائبا نصب الحاكم من ينوب عنه في الطرفين (والثاني) أنه لا يكلف
ذلك بل يأخذه الشفيع من يد البائع وسواء أخذ من المشترى أو من البائع فعهدة الشفيع على المشترى
فان الملك ينتقل إليه منه وقال أبو حنيفة ان أخذه من يد المشترى فالعهد على المشترى وان أخذه من يد
البائع فالعهدة عليه ولو اشترى شقصا شرط البراءة من العيوب فان أبطلنا البيع فذاك وان صححناه
وأبطلنا الشرط فكما لو اشترى مطلقا فان صححنا الشرط فللشفيع رده بالعيب على المشتري وليس للمشترى
499

الرد كما لو كان المشتري عالما بعيبه عند الشراء والشفيع جاهلا به عند الاخذ وان علم الشفيع العيب
دون المشترى فلا رد للشفيع وليس للمشترى طلب الأرش لأنه استدرك للظلامة أو لأنه لم ييأس
من الرد فلو رجع إليه ببيع أو غيره لم يرده على العلة الأولى ويرده على الثانية ولو قال أحد الشريكين
للآخر بع نصيبك فقد عفوت عن الشفعة فباع ثبتت له الشفعة ولغا العفو قبل ثبوت الحق وعن
تفريع ابن سريج عن الجامع الكبير لمحمد أنه إذا باع شقصا فضمن الشفيع العهدة للمشترى لم تسقط
بذلك شفعته وكذلك إذا شرط الخيار للشفيع وصححنا شرط الخيار للأجنبي ولو كان بين أربعة دار فباع
أحدهم نصيبه واستحق الشركاء الشفعة فشهد اثنان منهم على الثالث بالعفو ثبتت شهادتهما ان شهدا بعد
ما عفوا وان شهدا قبله لم تقبل لأنهما يجران الشقص إلى أنفسهما فلو عفوا ثم أعادوا بتلك الشهادة لم تقبل أيضا
للتهمة وان شهدا بعد ما عفا أحدهما قبلت شهادة العافي دون الاخر فيحلف المشترى مع العافي ويثبت العفو ولو شهد
البائع على عفو الشفيع قبل قبض الثمن لم يقبل لأنه قد يقصد الرجوع بتقدير الافلاس وإن كان بعد
القبض فوجهان لأنه ربما يتوقع الرجوع إلى العين بسبب من الأسباب ولو أقام المشترى على عفو
الشفيع بينة وأقام المشترى بينة على أنه أخذ بالشفعة والشقص في يده فبينة الشفيع أولى لتقويها باليد
أو بينة المشترى لزيادة علمها بالعفو فيه وجهان (أظهرهما) الثاني ولو شهد السيد على شراء شقص فيه شفعة
لمكاتبه فعن الشيخ أبي محمد قبول شهادته قال الامام كأنه أراد أن يشهد للمشترى إذا ادعى الشراء
فيجوز أن تثبت الشفعة تبعا اما شهادته للمكاتب فإنها لا تقبل بحال ولو كان الشفيع صبيا فعلى وليه
الاخذ إن كان فيه مصلحة والألم يجز الاخذ وإذا ترك بالمصلحة ثم بلغ الصبي فهل له الاخذ فيه
خلاف ذكرناه في آخر الحجر ولو كان بين اثنين دار فمات أحدهما عن حمل في البطن ثم باع الاخر نصيبه
فلا شفعة للحمل لأنه لا يتيقن وجوده فإن كان له وارث غير الحمل فله الشفعة وإذا انفصل حيا فليس
500

لوليه أن يأخذ شيئا من الوارث ولو ورث الحمل الشفعة عن مورثه فهل لأبيه أوجده الاخذ قبل انفصاله
فيه وجهان (وجه المنع) وبه قال ابن سريج ان لا يتيقن وجوده فإذا أخذ الشفيع وبني فيه أو غرس وخرج
مستحقا وقلع المستحق بناءه وغراسه فالقول فيما يرجع به الشفيع على المشترى من الثمن وما ينقص قيمة
البناء والغراس وغيرهما كالقول في رجوع المشترى من الغاصب عليه قال الامام وان نظرنا إلى أن
الرجوع بما ينقص من قيمة البناء والغراس هناك مبني على التغرير ولا تغرير من المشترى بل الشقص مأخوذ
عنه قرها فيجوز ان يجاب عنه بأنه مختار في الشراء والاخذ بالشفعة موجب للشراء ولو مات رجل وله
شقص من دار وعليه ديون تستغرق التركة فباع الشريك الآخر نصيبه قبل ان يباع الشقص في
الدين قال ابن الحداد للورثة أخذه بالشفعة وهو جواب على أن الدين لا يمنع انتقال الملك في التركة
إلى الورثة وهو الأصح (فان قلنا) يمنع فلا شفعة لهم ولو خلف دارا وديونا لا تستغرق قيمة الدار فبيع منها
ما بقي بالدين قال ابن الحداد لا شفعة للورثة فيما بيع بما بقي لهم في الملك وهذا مستمر على الأصل
السابق فإنهم إذا ملكوا الدار كان المبيع جزأ من ملكهم ومن بيع جزء من ملكه بحق لم يكن له
استرجاعه بالباقي (فان قلنا) انه يمنع فمنع الملك في قدر الدين أم في جميع التركة فيه خلاف مذكور في موضعه
(ان قلنا) بالثاني فلا شفعة لهم أيضا لأنهم إنما يملكون الباقي بأداء الدين وإنما تثبت الشفعة بملك يتقدم
على البيع (وان قلنا) بالأول ثبتت لهم الشفعة ولو كانت الدار المشتركة بين المورث والورثة ثم إنه مات
فبيع نصيبه أو بعضه في ديونه وصاياه قال ابن الحداد لهم الشفعة وهذا يخالف الأصل الذي سبق
فإنهم إذا ملكوا التركة صار جميع الدار ملكهم فيكون المبيع جزأ من ملكهم واختلف من بعده فمنهم
من أخذ به وقال ما يباع في ديونه ووصاياه بمثابة ما يبيعه بنفسه ولو باعه في حياته بنفسه كان لهم الشفعة
فكذلك ههنا والأكثرون خالفوه وجروا على قضية ذلك الأصل ثم منهم من خطأه وقال إنما ينتظم
501

هذا الجواب على أن الدين لا يمنع ملكهم فيستحقون الشفعة بالملك القديم وعن الشيخ أبي زيد حمل
كلامه على ما إذا باع بنفسه في مرض موته ومن مولدات ابن الحداد دار بين ثلاثة لأحدهم نصفها ونصفها بين
الأخيرين بالسوية فاشترى صاحب النصف نصيب أحد الآخرين ثم باع ثلث ما معه مطلقا من أجنبي والشريك
الثالث غائب مثلا فاعلم أن الشفيع في المبيع الثاني هو الشريك الثالث لاغير وأما في الأول فيتعلق النظر
بأصلين أحدهما الخلاف الذي سبق في أن المشترى إذا كان أحد الشركاء تكون الشفعة بينه وبين الشريك الآخر
أو يختص بها الشريك الآخر (والثاني) عود القولين في أن الشفعة على عدد الرؤس أو الحصص إذا حكمنا بالشركة
إذا عرفت ذلك فإذا قدم الغائب وفرعنا على قسمه بينه وبين المشترى وهو الأصح نظرنا ان طلب
الشفعة في العقد الأول فله مما اشتراه الشريك على قولنا بالتوزيع على عدد الرؤس النصف وهو
ثمن جميع الدار وذلك شائع فيما معه وهو ثلاثة أرباع الدار فإذا باع ثلث ما معه كان بائعا ثلث حق
الشفيع ولا ينصرف إلى الشريك ما يستقر ملكه فيه لان الكل قابل للبيع فيأخذ القادم من المشترى
ثلثي الثمن ومن المشترى منه ثلث الثمن فيتم له ما استحقه بالعقد الأول (وان قلنا) بالتوزيع على الحصص
فله مما اشتراه الشريك الثلث لان ملكه قدر نصف ملك الشريك وحينئذ فله نصف سدس الدار
فيأخذ من الشريك ثلثي نصف السدس ومن المشترى منه ثلثه لما ذكرنا من الشيوع فعلى القول
الأول يخرج الحساب من أربعة وعشرين لان نصيب الغائب سدس ما معه وهو الثلاثة أرباع
الدار فيحتاج إلى عدد لثلاثة أرباعه سدس فتضرب أربعة في ستة تكون أربعة وعشرين وعلى الثاني
من ستة وثلاثين لان نصيب الغائب تسع ما معه فيحتاج إلى عدد الثلاثة أرباعه تسع فتضرب أربعة في
تسعة يكون ستة وثلاثين والربع الذي اشتراه الشريك على التقدير الأول ستة وعلى الثاني تسعة ثم
إذا أخذ ذلك فله أن يأخذ ما بقي من يد المشترى بالعقد الثاني وله ان يعفو فيكون للمشترى الخيار بين
502

ان يفسخ لتفرق الصفقة عليه وبين أن يختر بحصته من الثمن أما إذا فرعنا على أن المشترى إذا كان
شريكا لا شفعة له بل يختص بها الشريك الآخر وبه قال ابن سريج فان الغائب إذا كان يأخذ جميع
ما اشتراه الشريك لو لم يكن بيع ثان فإذا باع ثلث ما في يده فقد باع من حق الغائب الثلث فإذا قدم أخذ
ثلث الربع من المشترى وثلثيه من الشريك فيتم له ما استحق بالبيع الأول ثم له أن يأخذ ما في يد المشترى
بالعقد الثاني وله ان يعفو عن الأول ويأخذ جميع الربع من يد المشترى وهذا كله فيما إذا باع ثلث ما في
يده مطلقا أما إذا قال بعت ربع الذي اشتريت فليس للغائب أن يأخذ غير ما في يد المشترى من الشريك
لكنه إن عفا عن شفعة البيع الأول أخذ جميع الربع بالبيع الثاني وان أراد الاخذ بالبيع الأول
فسخ البيع في نصف الربع على قول التوزيع على الرؤس وثلثه على القول المقابل له ثم له أخذ الباقي بالبيع
الثاني ولو قال بعت الدار من جملة النصف الذي كنت أملكه قديما فللغائب أن يأخذ جميعه بالعقد الثاني
وأن يأخذ بالعقد الأول مما في يد الشريك نصف الربع أو ثلثه على اختلاف القولين.
بعون الله قد تم طبع الجزء الحادي عشر من..
503