الكتاب: فتح العزيز
المؤلف: عبد الكريم الرافعي
الجزء: ٧
الوفاة: ٦٢٣
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

فتح العزيز
شرح الوجيز
وهو الشرح الكبير للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 ه‍
..
الجزء السابع
دار الفكر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحج
قال (ولا يجب في العمر إلا مرة واحدة والنظر في المقدمات والمقاصد واللواحق القسم
الأول في المقدمات وهي الشرائط والمواقيت)
2

قال الله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" (نبي الاسلام على خمس) " (1) الحديث ولا يجب الحج بأصل الشرع في العمر إلا مرة واحدة لما روى
3

عن ابن عباس رضي الله عنه قال (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا أيها الناس إن الله كتب
عليكم الحج فقام الأقرع بن حابس فقال أفي كل عام يا رسول الله فقال لو قلتها لوجبت ولو وجبت
لم تعملوا بها الحج مرة فمن زاد فتطوع " (1) وقد يجب أكثر من مرة واحدة بعارض كالنذر والقضاء
4

وكما أنا نوجب على قول الاحرام بحج أو عمرة لدخول مكة على ما سيأتي وليس من العوارض الموجبة
الردة والاسلام بعدها فمن حج ثم ارتد ثم عاد إلى الاسلام لم يلزمه الحج خلافا لأبي حنيفة ومأخذ
الخلاف ان الردة عنده محبطة للعمل وعندنا إنما تحبطه بشرط أن يموت عليها قال الله تعالى (ومن
يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر) الآية وساعد أحمد أبا حنيفة رحمه الله في المسألة ولكن لا من
جهة هذا المأخذ ثم إن المصنف حصر مقصود الكتاب في ثلاثة أقسام (أولها) المقدمات (وثانيها) المقاصد
(وثالثها) اللواحق والخواتم وفي القسم الأول مقدمتان (إحداهما) في الشرائط والأخرى في المواقيت
(واعلم) انه جعل الميقات على قسمين زماني ومكاني ولا شك أن الميقات الزماني من شرائط صحة الحج
فالوجه حمل الشرائط وإن أطلقها على ما سوى الوقت لئلا يدخل شئ من إحدى المقدمتين في الأخرى
والله أعلم
5

قال (القول في الشرائط: ولا يشترط لصحة الحج الا الاسلام إذ يجوز للولي أن يحرم (ح) عن الصبي
ويحج به ولا يشترط لصحة المباشرة الا الاسلام والتميز فان المميز لو حج بإذن الولي جاز وكذا
العبد ولا يشترط لوقوعه عن حجة الاسلام الا الاسلام والحرية والتكليف ويشترط لوجوب حج
الاسلام هذه الشرائط مع الاستطاعة) *
الشخص اما أن يجب عليه الحج أو لا يجب ومن يجب عليه اما يجزئه المأتي به عن حجة الاسلام
حتى لا يجب عليه بعد ذلك بحال أو لا يجزئه ومن لا يجزئه أما أن تصح مباشرته للحج أو لا تصح ومن لا تصح
مباشرته إما أن يصح له الحج أو لا يصح فههنا أربعة أحكام (أحدها) مطلق صحة الحج له (وثانيها)
صحته له مباشرة (وثالثها) وقوعه عن حجة الاسلام (ورابعها) وجوب حجة الاسلام وشروط
هذه الأحكام مختلفة (أما) الصحة المطلقة فلها شرط واحد وهو الاسلام فلا يصح الحج للكافر
كالصوم والصلاة وغيرهما ولا يشترط فيها التكليف بل يجوز للولي ان يحرم عن الصبي الذي لا يميز
وعن المجنون واعلم قوله إذ يجوز للولي بالحاء لان أبا حنيفة رحمه الله لا يجوزه وكذا قوله الا الاسلام
لأنه لا يصح الحج للصبي وسيأتي جميع ذلك في الفصل الحادي عشر من باب أعمال الحج (وأما) صحة
6

المباشرة فلها شرط زائد على الاسلام وهو التمييز فلا يصح مباشرة المجنون والصبي الذي لا يميز
كسائر العبادات ويصح من الصبي المميز ان يحرم ويحج ثم القول في أنه يستقل به أو يفتقر
إلى إذن الولي موضعه الفصل المحال عليه (وقوله) بإذن الولي هذا التقييد دخيل في هذا الموضع فان المقصود
ههنا صحة مباشرته في الجملة ولا يشترط فيها الحرية بل يصح من العبد مباشرة الحج كسائر العبادات
(وأما) وقوعه عن حجة الاسلام فله شرطان زائدان (أحدهما) البلوغ (والثاني) الحرية والدليل على اعتبارهما
7

ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال " أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة الاسلام وأيما عبد حج ثم عتق
فعليه حجة الاسلام " (1) والمعني فيه أن الحج عبادة عمر لا تتكرر فاعتبر وقوعها في حال الكمال وإذا
جمعت شرائط هذا الحكم قلت هي أربع (الاسلام) (والتمييز) (والبلوغ) (والحرية) فان اختصرت قلت هي
ثلاث (الاسلام) (والتكليف) (والحرية) على ما ذكر في الكتاب ولو تكلف الفقير الحج وقع حجه عن
8

الفرض كما لو تحمل الغني خطر الطريق وحج وكما لو تحمل المريض المشقة وحضر الجمعة (واما) وجوب
حجة الاسلام فيعتبر فيه هذه الشرائط فلا يخاطب بالحج كافر في كفره ولا عبد ولا صبي ولا مجنون وله شرط
زائد وهو الاستطاعة قال الله تعالى (من استطاع إليه سبيلا) وكلام الكتاب من هذا الموضع
إلى رأس المقدمة الثانية في المواقيت يتعلق بهذا الشرط *
قال (والاستطاعة نوعان (الأول) المباشرة والقدرة عليها تتعلق بالزاد والراحلة والطريق والبدن
(أما) الراحلة فلا بد منها ولا يجب (ح م) الحج على القوى على المشي الا فيما دون مسافة القصر ولا على
من لم يستمسك على الراحلة ما لم يجد محملا أو شق محمل مع شريك فإن لم يجد الشريك لم يلزمه) *
استطاعة الحج نوعان استطاعة مباشرته بنفسه واستطاعة تحصيله بغيره (النوع الأول) استطاعة
9

المباشرة وتتعلق بأمور أربعة (أحدها) الراحلة والناس قسمان (أحدهما) من بينه وبين مكة مسافة القصر
فلا يلزمه الحج الا إذا وجد راحلة سواء كان قادرا على المشي أو لم يكن لكن القادر على المشي
يستحب له أن لا يترك الحج وفي كون الحج راكبا أو ماشيا أفضل اختلاف قول قد تعرض له صاحب
الكتاب في النذور وقال مالك القادر على المشي يحج ماشيا * لنا ما روي " انه سئل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن تفسير السبيل فقال زاد وراحلة " (1) إذا عرف ذلك فينظر إن كان يستمسك على
10

الراحلة من غير محمل ولا يلحقه ضرر ولا مشقة شديدة فلا يعتبر في حقه الا وجدان الراحلة وإلا
فيعتبر مع وجدان الراحلة وجدان المحمل أيضا قال في الشاملي وعلى هذا لو كان يلحقه مشقة غليظة في
ركوب المحمل اعتبر في حقه الكنيسة وذكر المحاملي وغيره من العراقيين ان في حق المرأة يعتبر المحمل
وأطلقوا القول فيه لأنه استر لها وأليق بحالها ثم العادة جارية بركوب اثنين في المحمل فان وجد مؤنة
محمل أو شق محمل ووجد شريكا يجلس في الجانب الآخر لزمه الحج وان لم يجد الشريك فلا (أما)
إذا لم يجد إلا مؤنة الشق فظاهر وأما إذا وجد مؤنة المحمل بتمامه فقد علله في الوسيط بأن بذل
الزيادة خسران لا مقابل له أي هو مؤنه مجحفة يعسر احتمالها وكان لا يبعد تخريجه
على الخلاف في لزوم اجرة البذرقة وفي كلام الامام إشارة إليه (وانقسم الثاني) من ليس
بينه وبين مكة مسافة القصر بأن كان من أهل مكة أو كان بينه وبينها دون مسافة القصر فإن كان
قويا على المشي لزمه الحج ولم يعتبر في حقه وجدان الراحلة وإن كان ضعيفا لا يقوى على المشي أو يناله
11

منه الضرر ظاهر فلا بد من الراحلة ومن المحمل أيضا ان لم يمكنه الركوب دونه كما حق البعيد ووجدت
لبعض المتأخرين من أئمة طبرستان تخريج وجه في أن القريب كالبعيد مطلقا والمشهور الفرق ولا يؤمر
بالزحف بحال وإن أمكن وحيث اعتبرنا وجدان الراحة والمحمل فالمراد منه أن يملكهما أو يتمكن
من تحصيلهما ملكا واستئجارا بثمن المثل أو أجرة المثل (واعلم) انه يشترط أن يكون ما يصرفه
إلى الراحلة مع المحمل أو دونه فاضلا عما يشترط كون الزاد فاضلا عنه وسيأتي ذلك
(وقوله) أما الراحلة فلا بد منها قد عرفت انه غير مجرى على اطلاقه لوجوب الحج على القريب المتمكن
من المشي (وقوله) ولا على من لا يستمسك على الراحلة أي من غير محمل ونحوه لا مطلقا بخلاف قوله بعد
هذا أما البدن فلا يعتبر فيه الا قوة يستمسك بها على الراحلة فان المراد هناك الاستمساك عليها مطلقا
(وقوله) ما لم يجد محملا أو شق محمل مع شريك الوجه صرف قوله مع شريك إلى حالتي وجدان المحمل
ووجدان الشق لأنه لو خصص بما إذا وجد الشق لكان ذلك حكما باللزوم فيما إذا وجد مؤنة المحمل مطلقا
وهو خلاف ما نقلناه في الوسيط *
قال (وأما الزاد فهو أن يملك ما يبلغه إلى الحج فاضلا عن حاجته أعني به المسكن والعبد الذي
يخدمه ودست ثوبه ونفقة أهله إلى الإياب فإن لم يكن له أهل ولا مسكن ففي اشتراط نفقة الإياب
إلى الموطن وجهان ولو احتاج إلى نكاح لخوف العنت فصرف المال إليه أهم وفي صرف رأس ماله
الذي لا يقدر على التجارة الا به إلى الحج وجهان ومن لا نفقة معه في الطريق وقدر على الكسب لم يلزمه الخروج
للمشقة في الجمع بين الكسب والسفر) *
12

المتعلق الثاني الزاد ويشترط لوجوب الحج أن يجد الزاد وأوعيته وما يحتاج إليه في السفر إن
كان له أهل وعشيرة فمدة ذهابه وإيابه إلى بلده وإن لم يكونوا ففي اشتراطه لمدة الإياب وجهان (أحدهما)
لا يشترط لان البلاد في حق مثل هذا الشخص متقاربة (وأصحهما) انه يشترط لما في الغربة من الوحشة
ولنزاع النفوس إلى الأوطان ويجرى الوجهان في اعتبار الراحلة للاياب وهل يخصص الوجهان بما إذا
لم يملك ببلدته مسكنا أم لا أبدى الامام رحمه الله فيه احتمالين ورأي الأظهر التخصيص وأغرب
أبو عبد الله الحناطي فنقل وجها في أن مدة الإياب لا تعتبر في حق ذي الأهل والعشيرة أيضا ثم في
الفصل مسائل (إحداها) يشترط أن يكون الزاد والراحلة فاضلا عن نفقة من تلزمه نفقتهم وكسوتهم
مدة ذهابه ورجوعه (الثانية) في اشتراط كونهما فاضلين عن المسكن والعبد لمن يحتاج إلى خدمته لزمانته
أو لمنصبه وجهان (أظهرهما) عند الأكثرين وهو المذكور في الكتاب الاشتراط فيبقى عليه مسكنه
وعبده كما يبقيان عليه في الكفارة ولأنه متعلق حاجته المهمة فأشبه دست ثوب يليق بمنصبه وعلى هذا
لو كان معه نقد يريد صرفه إليهما مكن (والثاني) وبه قال مالك لا يشترط بل عليه بيع المسكن والخادم
والاكتفاء بالاكتراء لان الاستطاعة مفسرة في الخبر بالزاد والراحلة وهو واجد لهما وهذا الوجه
أصح عند صاحب التتمة وبه أجاب أبو القاسم الكرخي وحكاه عن نصه في الام ومن قال به فرق
بين الحج والكفارة بان العتق في الكفارة له بدل معدول إليه والحج بخلافه وهذا الخلاف
كالخلاف في اعتبارهما في صدقة الفطر وقد مر (فان قلنا) بالوجه الأول فذلك فيما إذا كانت الدار
مستغرقة بحاجته وكانت سكنى مثله والعبد عبد مثله فأما إذا أمكن بيع بعض الدار وفي ثمنه بمؤنة
الحج أو كان نفيسين لا يليقان بمثله ولو أبدلهما لو في التفاوت بمؤنة الحج لزمه ذلك هكذا أطلقوه
ههنا لكن في لزوم بيع الدار والعبد النفيسين المألوفين في الكفارة وجهان وقد أوردهما في الكتاب
ولا بد من عودهما والله أعلم (الثالثة) لو كان له رأس مال يتجر فيه وينفق من ربحه ولو نقص لبطلت
13

تجارته أو كان له مستغلات ترتفع منها نفقته فهل يكلف بيعها فيه وجهان (أحدهما) وبه قال أحمد
وابن سريج لا واختاره القاضي أبو الطيب لئلا ينسلخ من ذات يده ولا يلتحق بالمساكين (وأصحهما)
وبه قال أبو حنيفة رحمه الله نعم كما يكلف بيعها في الدين لأنه فسر الاستطاعة في الخير بالزاد
والراحلة وهو واجد لهما ويفارق العبد والمسكن لأنه محتاج إليهما في الحال وليس كذلك ما نحن
فيه وإنما يتخذه ذخيرة للمستقبل (الرابعة) إذا ملك مالا فاضلا عن الوجوه المذكورة لكنه كان
محتاجا إلى أن ينكح خائفا من العنت فصرف المال إلى مؤن النكاح أهم من صرفه إلى الحج هذه
عبارة الجمهور وعللوه بأن حاجة النكاح ناجزة والحج على التراخي والأسبق إلى الفهم من التقديم
الذي أطلقوه انه لا يجب الحج والحالة هذه فيصرف ما يملكه إلى مؤنات النكاح وقد صرح الامام
بهذا المفهوم لكن كثيرا من العراقيين وغيرهم قالوا يجب الحج على من أراد التزويج لكن له أن يؤخره
لوجوبه على التراخي ثم إن لم يخف العنت فتقديم الحج أفضل وإن خافه فتقديم النكاح أولى (الخامسة) لو لم
يجد ما لا يصرفه إلى الزاد لكنه كان كسوبا يكتسب ما يكفيه وقد أدخر لأهله النفقة فهل يلزمه الحج تعويلا
على الكسب حكى الامام عن أصحابنا العراقيين انه إن كان السفر طويلا لم يلزمه ذلك لأنه قد
ينقطع عن الكسب لعارض وبتقدير أن لا ينقطع فالجمع بين تعب الكسب والسفر تعظم فيه المشقة
وإن كان قصيرا نظر إن كان يكتسب في كل يوم ما يكفيه ولا يفضل عنه لم يلزمه لأنه ينقطع عن كسبه
في أيام الحج فيتضرر وإن كان كسبه في يوم يكفيه لأيام لزمه الخروج قال الامام وفيه احتمال كما أن القدرة على الكسب
14

في يوم الفطر لا تجعل كحصول الصاع في ملكه (وقوله) في الكتاب لم يلزمه الخروج معلم بالميم
لان عند مالك يلزمه ذلك وهكذا قال فيمن أمكنه الحج بالسؤال في الطريق تم لفظ الكتاب مطلق
وقضية ما نقلناه التقييد (وقوله) في أول الفصل وأما الزاد فهو أن يملك ما يبلغه إلى الحج فيه اضمار
لان كونه مالكا لما يبلغه لا يصلح تفسيرا للزاد والمعنى أن القدرة على الزاد هي أن يملك ما يبلغه
(وقوله) نفقه أهله إلى الإياب أي إن كان له أهل والمراد من الأهل ههنا من يلزمه نفقته لا غير وفى
قوله فإن لم يكن له أهل لا يمكن الحمل على هؤلاء فحسب إذ ليس ذلك موضع الوجهين وإنما الوجهان
فيما إذا لم يكن له عشيرة أصلا كذا ذكره الصيدلاني وغيره لأنه يعظم على الانسان مفارقة العشائر
فلا بد من اعتبار الإياب إذا كان الرجل ذا عشيرة قال الامام ولم يتعرض أحد من الأصحاب
للمعارف والأصدقاء لان الاستبدال بهم متيسر (وقوله) ومسكن يشعر باعتبار فقدان المسكن في
حصول الوجهين وهو جواب على أظهر الاحتمالين عند الامام كما مروا عرف في نظم الكتاب
15

شيئين (أحدهما) أنه لم يصرح باعتبار كونه فاضلا عن نفقته في نفسه لكنه مفهوم من كلامه
في مواضع (منها) اعتبار كونه فاضلا عن نفقة الأهل فإنه يفهم اعتبار كونه فاضلا عن
نفقته بطريق الأولى (ومنها) قوله ففي اشتراط نفقة الإياب وجهان ومعلوم أنه في نفقة
نفسه لا في نفقة الأهل فإنها مجزوم باشتراطها إلى الإياب (الثاني) أنه لم يعتبر كونه فاضلا
عن الدين ولا بد منه أما إذا كان حالا فلانه ناجز والحج على التراخي وأما إذا كان مؤجلا فلانه
إذا صرف ما معه إلى الحج فقد يحل الأجل ولا يجد ما يقضى به الدين وقد تخترمه المنية فتبقى ذمته
مرتهنة وفيه وجه أن المدة إن كانت بحيث تقضى بعد رجوعه من الحج لزمه الحج ولو كان ماله
دينا في ذمة انسان نظر ان تيسر تحصيله في الحال بأن كان حالا ومن عليه ملئ مقر أو عليه بينة
فهو كالحاصل في يده وان لم يتيسر بأن كان من عليه منكرا ولا بينة أو كان مؤجلا فهو كالمعدوم
وقد يتوصل المحتال بهذا إلى دفع الحج فيبيع ماله نسيئة إذا قرب وقت الخروج فان المال إنما يعتبر
وقت خروج الناس *
16

قال (وأما الطريق فشرطه أن يكون آمنا عما يخاف في النفس والبضع والمال فلو كان في الطريق
بحر لزم الركوب على قول لغلبة السلامة ولم يلزم في قول للخطر ولزم على غير المستشعر في قول دون
الجبان وإذا لم توجب فلو توسط البحر واستوت الجهات في التوجه إلى مكة والانصراف عنها ففي الوجوب
الآن وجهان واستطاعة المرأة كاستطاعة الرجل لكن إذا وجدت محرما أو نسوة (ح و) ثقات مع أمن الطريق
ولو كان على المراصد من يطلب مالا لم يلزم الحج وفى لزوم اجرة البذرقة وجهان وإذا لم يخرج محرم
المرأة الا بأجرة لزم على أظهر الوجهين) *
المتعلق الثالث الطريق ويشترط فيه الامن في ثلاثة أشياء قال الامام وليس الامن الذي نذكره
قطعيا ولا يشترط أيضا الامن الذي يغلب في الحضر بل الامن في كل مكان بحسب ما يليق به
(فأحد) الأشياء الثلاثة النفس فلو خاف على نفسه من سبع أو عدو في الطريق لم يلزمه الحج ولهذا جاز
التحلل عن الاحرام بمثل ذلك على ما سيأتي في باب الاحصار وهذا إذا لم يجد طريقا سواه فان وجد
طريقا آخر آمنا لزمه سلوكه أما إذا كان مثل مسافة الأول فظاهر وأما إذا كان أبعد فكذلك إذا
وجد ما يقطعه به كما لو لم يجد طريقا سواه وذكر في التتمة وجها أنه لا يلزمه كما لو احتاج إلى بذل مؤنة
زائدة في ذلك الطريق ولو كان في الطريق بحر لم يخل اما أن يكون له في البر طريق أيضا أو لا يكون
إن كان لزم الحج والا فقد قال في المختصر ولم يبلي ان أوجب ركوب البحر للحج ونص في الام
على أنه لا يجب وفى الاملاء على أنه إن كان أكثر عيشه في البحر وجب والأصحاب منقسمون إلى
17

مثبتين للخلاف في المسألة والى نافين له وللمثبتين طريقان (أحدهما) أن المسألة على قولين مطلقا
حكاه الشيخ أبو محمد وغيره (أحدهما) أنه يلزم ركوبه للظواهر المطلقة في الحج (والثاني) لا لما فيه
من الخوف والخطر (وأظهرهما) انه إن كان الغالب منه الهلاك اما باعتبار خصوص ذلك البحر أو لهيجان
الأمواج في بعض الأحوال لم يلزم الركوب وإن كان الغالب السلامة ففيه قولان (أظهرهما) اللزوم
كسلوك طريق البر عند غلبة السلامة (والثاني) المنع لان عوارض البحر عسرة الدفع وعلى هذا لو اعتدل
الاحتمال فيلحق بغلبة السلامة أو بغلبة الهلاك تردد كلام الأئمة فيه (واما) النافون للخلاف فلهم
طرق (أحدها) القطع بعدم اللزوم وحمل نصه في الاملاء على ما إذا ركبه لبعض الاغراض فصار
18

أقرب إلى الشط الذي يلي مكة (والثاني) القطع باللزوم وهذا قد أشار إليه الحناطي وغيره (والثالث)
وبه قال أبو إسحاق الإصطخري انه إن كان الغالب الهلاك لم يلزمه وإن كان الغالب السلامة لزم
واختلاف النص محمول على الحالين وبهذا قال أبو حنيفة واحمد رحمهما الله (والرابع) تنزيل النصين
على حالتين من وجه آخر إن كان الرجل ممن اعتاد ركوب البحر كالملاحين وأهل الجزائر لزمه
وإلا فلا لصعوبته عليه حكى الطريقة هكذا على هذا العراقيون وطائفة ونقل الامام عن بعض الأصحاب
19

اللزوم عند جرءة الراكب وعدمه عند استشعاره وهذا قريب من الطريقة الأخيرة ويشبه أن يكون
هو هي وإنما الاختلاف في العبارة ثم ذكر ان من الأصحاب من نزل النصين على الحالتين من
غير ترديد قول (ومنهم) من قال لا يجب على المستشعر وفى غيره قولان (ومنهم) من قال يجب
على غير المستشعر وفيه قولان والصائرون إلى هذين الطريقين من المثبتين للخلاف واتبع حجة
الاسلام رحمه الله منقول الامام قدس الله روحه واستخرج من الطرق التي نقلها ثلاثة
أقوال (اللزوم) مطلقا (والمنع) مطلقا والفرق بين الجبان وغيره والمستشعر والجبان ههنا
20

مطلقان بمعنى واحد ولو قال على غير المستشعر دون المستشعر أو على غير الجبان
دون الجبان لكان أحسن وأقرب إلى الافهام وفي لفظ الكتاب ما ينبئك أن الخلاف مخصوص بما
إذا كان الغالب السلامة حيث قال لغلبة السلامة فإن كان الغالب الهلاك فالظاهر الجزم بالمنع على ما مر
(التفريع) إذا قلنا لا يجب ركوبه فهل يستحب فيه وجهان (أحدهما) لا لما فيه من التغرير بالنفس (وأظهرهما)
نعم كما يستحب ركوبه للغزو وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال " لا يركبن أحد الا غازيا أو معتمرا
أو حاجا " (1) والوجهان فيما إذا كان الغالب السلامة (أما) إذا كان الغالب الهلاك فيحرم الركوب هكذا
21

نقله الامام وحكى ترددا للأصحاب فيما إذا اعتدل الاحتمال وإذا لم نوجب الركوب فلو توسط البحر
هل له الانصراف أم عليه التمادي فيه وجهان وقيل قولان وهما مبنيان عند الأئمة على القولين في
المحصر إذا أحاط العدو به من الجوانب هل له التحلل (ان قلنا) له التحلل فله الانصراف (وإن قلنا) لا
فلا لأنه لم يستفد به الخلاص فليس له الانصراف قال في التتمة وهو المذهب وموضع الوجهين
ما إذا استوى ما بين يديه وما خلفه في غالب الظن فإن كان ما بين يديه كثر لم يلزمه التمادي بلا خلاف
على القول الذي عليه نفرع وإن كان أقل لزم وموضعهما عند التساوي ما إذا كان له في المنصرف
طريق غير البحر فإن لم يكن فله الانصراف بلا خلاف كيلا يحتاج إلى تحمل زيادة الاخطار وجميع
ما ذكرناه في حق الرجل أما المرأة ففيها خلاف مرتب على الرجل وأولي بعدم الوجوب لأنها أشد
تأثرا بالأهوال ولأنها عورة ربما تنكشف للرجال لضيق المكان وإذا قلنا بعدم الوجوب فنقول
بعدم الاستحباب أيضا ومنهم من طرد الخلاف وليست الأنهار العظيمة كجيحون في معني البحر
لان المقام فيها لا يطول والخطر فيها لا يعظم وفيه وجه غريب (والثاني) البضع والغرض من ذكره
بيان حكم المرأة في الطريق قال في الكتاب واستطاعة المرأة كاستطاعة الرجل ولكن إذا وجدت
محرما إلى آخره يسوى بين استطاعة الرجل واستطاعة المرأة الا فيما يتعلق بالمحرم وليس الامر على
هذا الاطلاق لما مر من قول من اعتبر المحمل في حقها مطلقا وأيضا فلما ذكرناه الآن في ركوب
البحر (واما) ما يتعلق بالمحرم فاعلم أنه لا يجب عليها الحج حتى تأمن على نفسها فان خرج معها زوج
أو محرم اما بنسب أو غيره فذاك والا فنظر ان وجدت نسوة ثقات يخرجن فعليها ان تحج معهن
وهل يشترط أن يكون مع واحدة منهن محرم فيه وجهان (أحدهما) وبه قال القفال نعم ليكلم الرجال
عنهن ولتستعن بالتي معها محرم إذا ابتلين بنائبة (وأصحهما) لا لأن النساء إذا كثرن انقطع الأطماع
22

عنهن وكفين أمرهن وان لم تجد نسوة ثقات لم يلزمها الحج هذا ظاهر المذهب ووراءه قولان (أحدهما)
أن عليها أن تخرج مع المرأة الواحدة يحكي هذا عن الاملاء (والثاني) واختاره جماعة من الأئمة
أن عليها أن تخرج وحدها إذا كان الطريق مسلوكا ويحكى هذا عن رواية الكرابيسي * واحتج
له بما روى عن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا عدى ان طالت بك الحياة لترين
الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف الا الله قال عدى فرأيت ذلك " (1) وأيضا بأن
23

المرأة لو أسلمت في دار الكفر لزمها الخروج إلى دار الاسلام وإن كانت وحدها ولمن ذهب إلى
الأول أن يقول (اما) الحديث فليس فيه ما يقتضي الوجوب (واما) التي أسلمت فخوفها لو أقامت هناك
أكثر من خوف الطريق هذا حكم الحج الفرض وهل لها الخروج إلى سائر الاسفار مع النساء
الخلص فيه وجهان لأنه لا ضرورة إليها (والأصح) عند القاضي الروياني المنع وليعلم قوله في الكتاب
ولكن إذا وجدت محرما بالواو للقول الصائر إلى أنها تخرج وحدها وقوله أو نسوة ثقات أيضا
بالواو لامرين (أحدهما) القول المستكفى بالواحدة (وثانيهما) الوجه الشارط لأن يكون مع بعضهن
محرم وبالحاء لان عنده إذا لم يكن محرم وزوج فلا يجوز لها الخروج الا أن تكون المسافة بينها وبين
مكة دون ثلاثة أيام ويروى عن أحمد مثله وفي كون المحرم أو الزوج شرط الوجوب أو التمكن
اختلاف رواية عنهما قال الموفق ابن طاهر ولأصحابنا مثل هذا التردد في النسوة الثقات ولم يتعرض
في الكتاب للزوج واقتصر على اشتراط المحرم أو النسوة الثقات لكنه كالمحرم بالاتفاق (وقوله)
مع امن الطريق مما يذكر للاستظهار والايضاح والا فقد سبق ما تعرف به اشتراطه (والثالث) المال
فلو كان يخاف على ماله في الطريق من عدو أو رصدي لم يلزم الحج وإن كان الرصدي يرضى بشئ
يسير إذا تعين ذلك الطريق ولا فرق بين أن يكون الذين يخاف منهم مسلمين أو كفارا لكن إذا
كانوا كفارا واطلقوا مقاومتهم فيستحب لهم ان يخرجوا ويقاتلوا لينالوا ثواب الحج والجهاد جميعا وإن كانوا
مسلمين لم يستحب الخروج والقتال ويكره بذل المال للرصديين لأنهم يحرضون بذلك على التعرض للناس
24

ولو بعثوا بأمان الحجيج وكان أمانهم موثوقا به أو ضمن لهم أمير ما يطلبونه وأمن الحجيج لزمهم
الخروج ولو وجدوا من يبذرقهم بأجرة ولو استأجروه لامنوا في غالب الظن فهل يلزمهم استئجاره
فيه وجهان (أحدهما) لا لأنه خسران لدفع الظلم فأشبه التسليم إلى الظالم (والثاني) نعم لان بذل الأجرة
بذل مال بحق والمبذرق أهبة من أهب الطريق كالراحلة وغيرها وهذا أظهر عند الامام ورتب عليه
لزوم استئجار المحرم على المرأة إذا لم يساعدها ألا بأجرة وجعل اللزوم ههنا أظهر لان الداعي
إلى التزام هذه المؤنة معنى فيها فأشبه زيادة مؤنة المحمل في حق ما يحتاج إليه ويشترط لوجوب الحج
وجود الزاد والماء في المواضع التي جرت العادة بحمل الزاد والماء منها فإن كان العام عام
جدب وخلا بعض تلك المنازل عن أهلها أو انقطعت المياه لم يلزمه الحج لأنه إن لم يحمل معه خاف
على نفسه وإن حمله لحقته مؤنة عظيمة وكذلك الحكم لو كان يوجد فيها الزاد والماء ولكن بأكثر من ثمن
المثل وهو القدر اللائق به في ذلك المكان والزمان وإن وجدهما بثمن المثل لزم التحصيل سواء
كانت الأسعار غالية أو راخصة إذا وفى ماله ويحتمل حملهما قدر ما جرت العادة به في طريق مكة
حرصها الله لحمل الزاد من الكوفة إلى مكة وحمل الماء مرحلتين أو ثلاثا إذا قدر عليه ووجد آلات
الحمل وأما علف الدابة فيشترط وجوده في كل مرحلة لان المؤنة تعظم في حمله لكثرته ذكره
صاحب التهذيب والتتمة وغيرهما *
25

قال (وأما البدن فلا يعتبر فيه الا قوة يستمسك بها على الراحلة ويجب على الأعمى إذا قدر على
قائد ويجب على المحجور المبذر وعلى الولي أن ينفق عليه وينصب عليه قواما) *
المتعلق الرابع البدن ويشترط فيه لاستطاعة المباشرة قوة يستمسك بها على الراحلة والمراد
أن يثبت على الراحلة من غير أن يلحقه مشقة شديدة فأما إذا لم يثبت أصلا أو كان يثبت ولكن
بمشقة شديدة فليس له استطاعة المباشرة سواء فرض ذلك لمرض أو غيره روى
أنه صلى الله عليه وسلم قال " من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر فلم يحج
فليمت ان شاء يهوديا وان شاء نصرانيا " (1) والقول في أنه متى يستنيب ومتى لا يستنيب
26

سيأتي من بعد ثم في الفصل مسألتان (إحداهما) الأعمى إذا وجد مع الزاد والراحلة قائدا يلزمه الحج
بنفسه لأنه مستطيع له والقائد في حقه كالمحرم في حق المرأة وبه قال أحمد وعن أبي حنيفة رحمهما الله
اختلاف رواية فروى عنه أنه لا حج عليه وهذه عبارة الكرخي في مختصره وروى أنه لا يلزمه
الخروج بنفسه ولكن يستنيب (الثانية) المحجور عليه بالسفه كغيره في وجوب الحج عليه إلا أنه
لا يدفع المال إليه لتبذيره بل يخرج الولي معه لينفق عليه في الطريق بالمعروف ويكون قواما عليه ويفارق
الصبي والمجنون إذا أحرم الولي عنهما فان في إنفاقه ما زاد بسبب الحج من مالهما خلافا سنذكره
لأنه لا وجوب عليهما وإذا زال ما بهما لزمهما حجة الاسلام وذكر في التهذيب أنه إذا شرع السفيه
في حج الفرض أو في حج نذره قبل الحجر بغير اذن الولي لم يكن له أن يحلله فيلزمه أن ينفق عليه
27

إلى أن يفرغ وان شرع في حج تطوع ثم حجر عليه فكذلك ولو شرع فيه بعد الحجر كان للولي أن
أن يحلله إن كان ما يحتاج إليه للحج يزيد على نفقته المعهودة ولم يكن له كسب وان لم يزد أو كان له
كسب يفي مع قدر النفقة للحج وجب اتمامه ولم يكن للولي ان يحلله (وقوله) في الكتاب وعلى الولي ان
ينفق عليه أي من مال المحجور (وقوله) وينصب عليه قواما أي ان لم يتول ذلك بنفسه (واعلم)
ان الأئمة شرطوا في وجوب الحج أمرين آخرين لم يصرح بهما في الكتاب (أحدهما)
28

امكان المسير وهو ان يبقى من الزمان عند وجدان الزاد والراحلة ما يمكنه المسير فيه إلى
الحج السير المعهود (اما) إذا احتاج إلى أن يقطع في كل يوم أو في بعض الأيام أكثر من مرحلة لم
يلزمه الحج (والثاني) قال صاحب التهذيب وغيره يشترطان يجد رفقة يخرج معهم في الوقت
الذي جرت عادة أهل بلده بالخروج فيه فان خرجوا قبله لم يلزمه الخروج معهم وان أخروا الخروج
بحيث لا يبلغون الا بأن يقطعوا أكثر من مرحلة لم يلزمه أيضا وفى بعد هذا الفصل وله ان يتخلف
عن أول قافلة ما يشعر باعتبار وجدان القافلة ومن أطلق القول باعتباره من الأصحاب فكلامه محمول
29

على غالب الحال فإن كانت الطرق بحيث لا يخاف الواحد فيها فلا حاجة إلى الرفقة والقافلة ذكره في
التتمة وبهذا الفقه يتبين دخول هذا الشرط تحت اعتبار أمن الطريق وعن أحمد أن أمن الطريق
وإمكان المسير من شرائط الأداء دون الوجوب حتى لو استطاع والطريق مخوف أو الوقت ضيق استقر
الوجوب عليه وروى عن أصحاب أبي حنيفة رحمه الله اختلاف في أن امن الطريق من شرائط الوجوب
أو الأداء *
قال (ومهما تمت الاستطاعة وجب الحج على التراخي (م ح ز) وله أن يتخلف عن أول قافلة فان مات
قبل حج الناس تبين عدم الاستطاعة وإن مات بعد الحج فلا وإن هلك ماله بعد الحج وقبل إياب
الناس تبين ان لا استطاعة لان نفقة الإياب شرط في الحج فان دامت الاستطاعة إلى إياب الناس ثم مات
أو طرا العضب لقى الله عاصيا على الأظهر وتضيق عليه الاستنابة إذا طرأ العضب بعد الوجوب
فان امتنع ففي اجبار القاضي إياه على الاستنابة وجهان) *
ذكر في الوسيط أن المسائل المذكور إلى هذا الموضع كلام في أركان الاستطاعة ومن ههنا إلى
رأس النوع الثاني كلام في أحكامها ولك أن تقول الاستطاعة إحدى شرائط وجوب الحج
كما مر وقد توجد الاستطاعة مسبوقة بسائر الشروط وقد يوجد غيرها مسبوقا بها فلم كانت هذه المسائل
أحكام الاستطاعة دون غيرها وبقدير أن تكون أحكام الاستطاعة فهي أحكام مطلق الاستطاعة كما ستعرفه
لا أحكام النوع الأول منها وكان ذكرها بعد النوعين أحسن والحق انها ليست بأحكام الاستطاعة
ولا سائر الشروط لكن مسائل هذا الفصل تتعلق بكيفية ثبوت الوجوب بعد استجماع الشرائط
30

وأنه متى تستقر ومسائل الفصل الثاني لا تعلق لها بالوجوب أيضا ومقصود الفصل أن الحج يجب
على التراخي وهو في العمر كالصلاة بالإضافة إلى وقتها * وقال مالك وأحمد والمزني رحمهم الله أنه على
الفور ويروي مثله عن أبي حنيفة رحمه الله * لنا أن فريضة الحج نزلت سنة خمس من الهجرة وأخره
النبي صلى الله عليه وسلم من غير مانع فإنه خرج إلى مكة سنة سبع لقضاء العمرة ولم يحج وفتح مكة
سنة ثمان وبعث أبا بكر رضي الله عنه أميرا على الحاج سنة تسع وحج هو سنة عشر وعاش
بعدها ثمانين يوما ثم قبض إلى رحمة الله تعالى إذا تقرر ذلك فلمن وجب عليه الحج بنفسه أو غيره
أن يؤخره عن أول سنة الامكان نعم لو خشي العضب وعبد وجب عليه الحج بنفسه ففي جواز
التأخير وجهان (أظهرهما) المنع وإذا تخلف فمات قبل حج الناس تبين عدم الوجوب لتبين عدم
الاستطاعة والامكان وعن أبي يحيى البلخي أنه يستقر عليه وذكر في المهذب أن أبا إسحاق
أخرج إليه نص الشافعي رضي الله عنه فرجع عنه فلا يعلم قوله تبين عدم الاستطاعة بالواو كذلك
وان مات بعد ما حج الناس استقر الوجوب عليه ولزم الاحجاج من تركته قال في التهذيب ورجوع
القافلة ليس بشرط حتى لو مات بعد انتصاف ليلة النحر ومضي إمكان المسير إلى منى والرمي بها
والى مكة والطواف بها استقر الفرض عليه وان مات أو جن قبل انتصاف ليلة النحر لم يستقر
وان هلك ماله بعد إياب الناس أو مضي امكان الإياب استقر الحج وان هلك بعد حجهم وقبل
31

الإياب وامكانه فوجهان (أحدهما) الاستقرار كما في صورة الموت (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب
انه لا يستقر بخلاف صور الموت لأنه إذا مات استغنى عن المال للرجوع وههنا نفقة الرجوع لا بد
منها وهذا حيث نشترط نفقة الإياب فإن لم نشترطها تعين الوجه الأول وان احصر الذين تمكن
من الخروج معهم فتحللوا لم يستقر الفرض عليه وان سلكوا طريقا آخر فحجوا استقر وكذا إذا
حجوا في السنة التي بعدها إذا عاش وبقى ماله وإذا دامت الاستطاعة وتحقق الامكان ولم يحج حتى
مات فهل يعصي فيه وجهان (أحدهما) وبه قال أبو إسحاق لا لأنا جوزنا له التأخير (أظهرهما)
نعم والا ارتفع الحكم بالوجوب والمجوز هو التأخير دون التفويت والوجهان كالوجهين
فيما إذا مات في وسط الوقت قبل أداء الصلاة لكن الأظهر هناك انه لا يموت عاصيا وسبب الفرق
قد مر هناك وبه قال ابن سريج وفصل بعض الأصحاب فقال إن كان شيخا مات عاصيا وإن كان
شابا فلا والخلاف جار فيما إذا كان صحيح البدن مستطيعا فلم يحج حتى صار رمنا والأظهر التعصية
أيضا ولا نظر إلى امكان الاستنابة فإنها في حكم بدل والأصل المباشرة ولا يجوز ترك الأصل مع
القدرة عليه ويتفرع على الحكم بالتعصية فرعان (أحدهما) في تضيق الاستنابة عليه في صورة عروض
الزمانة وجهان حكاهما الامام رحمه الله (أظهرهما) عنده وبه أجاب صاحب الكتاب رحمه الله
أنها تتضيق لخروجه بتقصيره عند استحقاق الترفيه فيه (والثاني) له التأخير كما لو بلع مغصوبا عليه الاستنابة
على التراخي ولك ان تشبه هذين الوجهين بوجهين قد مر ذكرهما في قضاء الصوم إذا تعدى
32

بتفويته وهل يكون على الفور وإذا قلنا بالوجه الأول فلو امتنع وأخر هل يجبره القاضي على الاستنابة
ويستأجر عليه فيه وجهان (أظهرهما) عند الامام رحمه الله تعالى لا لان الحدود هي التي تتعلق بتصرف
الامام (والثاني) نعم تشبيها له بزكاة الممتنع فان كل واحد منهما تدخله النيابة (الثانية) إذا قلنا يموت
عاصيا فمن أي وقت تحكم بعصيانه فيه وجهان (أحدهما) من أول سنة الامكان لاستقرار الفرض
عليه يومئذ (وأظهرهما) وبه قال أبو إسحاق من آخر سنة الامكان لجواز التأخير إليها وفيه وجه
ثالث أنا نحكم بموته عاصيا من غير أن نسنده إلى وقت معين ومن فوائد الحكم بموته عاصيا أنه لو
كان قد شهد عند القاضي ولم يقض بشهادته حتى مات فلا يقض كما لو بان له فسقه ولو قضى
بشهادته بين الأولى من سنى الامكان وأخراها فان عصيناه من أخراها لم ينقض ذلك الحكم بحال
وان عصيناه من أولاها ففي نقضه القولان فيما إذا بان الشهود فسقة (وقوله) في الكتاب ومهما تمت
الاستطاعة أي مع سائر الشرائط (وقوله) أو طرأ العضب القطع يقال عضبت الشئ أعضبته إذا
قطعته سمى معضوبا لان الزمانة التي عرضت له قطعت حركة أعضائه وقيل هو معصوب - بالصاد
المهملة - كأنه ضرب على عصبه فانعزلت أعضاؤه عن عملها والله أعلم *
قال (ولا بد من الترتيب (م ح) في الحج فيبدأ بحجة الاسلام ثم بالقضاء (و) ثم بالنذر ثم بالتطوع فلو
غير هذا الترتيب وقع على هذا الترتيب ولغت نيته وإذا حج عن المستأجر وهو لم يحج عن نفسه
وقع عنه دون المستأجر (م ح) *
حجة الاسلام في حق من يتأهل لها تقدم على حجة القضاء وصورة اجتماعهما أن يفسد الرقيق
حجه ثم يعتق فعليه القضاء ولا يجزئه عن حجة الاسلام فان القضاء يتلو تلو الأداء وكذا حجة
33

الاسلام على حجة النذر ولو اجتمعتا مع حجة الاسلام قدمت هي ثم القضاء الواجب بأصل الشرع
ثم المنذورة تقديما للأهم فالأهم ومن عليه حجة الاسلام ليس له أن يحج عن غيره وكذا من عليه
حجة نذر أو قضاء * وقال أبو حنيفة الله ومالك رحمهما الله يجوز التطوع بالحج قبل أداء الفرض
ويجوز لمن عليه الحج أن يحج عن غيره وأظهر ما روى عن أحمد رحمه الله مثل مذهبنا * لنا ما روى عن
ابن عباس رضي الله عنهما " - أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة فقال النبي
صلى الله عليه وسلم من شبرمة قال أخي أو قريب لي فقال أحججت عن نفسك قال لا قال حج عن
نفسك ثم عن شبرمة - وفى رواية - هذه عنك ثم حج عن شبرمة " (1) دل الحديث على أنه لابد من تقديم فرض
نفسه على ما استؤجر له وفهم منه انه لا بد من تقديم فرضه على ما يتطوع به والعمرة إذا أوجبناها كالحج
34

في جميع ذلك (وقوله) في الكتاب ثم بالقضاء ثم بالنذر اعلم بالواو لان الامام رحمه الله أشار إلى
تردد في تقديم القضاء على النذر وتابعه المصنف في الوسيط (والصحيح) ما ذكره في الكتاب إذا
تقرر ذلك فلو أنه غير الترتيب المذكور فتقدم ما يجب تأخيره لغت نيته ووقع على الترتيب المذكور
ولو استأجر المعضوب من يحج عن نذره وعليه حجة الاسلام فنوى الأجير النذر وقع عن حجة
الاسلام ولو استأجر من لم يحج عن نفسه وهو الذي يسمي ضرورة ليحج عن المستأجر فنوى
الحج عنه لغت إضافته ووقع عن الأجير وينبغي أن يعلم قوله في الكتاب وقع عنه دون المستأجر
بالألف لان عن أحمد رحمه الله رواية أنه لا يقع عنه ولا عن المستأجر بل يلغو ولو نذر ضرورة أن
يحج في هذه السنة ففعل وقع عن حجة الاسلام وخرج عن نذره وليس في نذره الا تعجيل ما كان له أن يؤخره
ولو استأجره الضرورة للحج في الذمة جاز والطريق أن يحج عن نفسه ثم عن المستأجر في سنة بعدها
وإجارة العين تفسد لأنه يتعين لها السنة الأولى فان إجارة السنة القابلة لا تجوز وإذا فسدت الإجارة
35

نظر ان ظنه قد حج فبان ضرورة لم يستحق أجرة لتغريره وإن علم أنه ضرورة وقال يجوز في
اعتقادي أن يحج الضرورة عن غيره فحج الأجير يقع عن نفسه كما تقدم ولكن في استحقاقه أجرة
المثل قولان أو وجهان سيأتي نظائرهما ولو استأجر للحج من يحج ولم يعتمر أو للعمرة من اعتمر
ولم يحج فقرن الأجير وأحرم بالتسكين جميعا عن المستأجر أو أحرم بما استؤجر له عن المستأجر وبالآخر
عن نفسه فقد حكي صاحب التهذيب وغيره فيه قولين (الجديد) أنهما يقعان عن الأجير لان نسكي
القران لا يتفرقان لاتحاد الاحرام ولا يمكن صرف ما لم يأمر به المستأجر إليه (والثاني) أن ما استؤجر
له يقع عن المستأجر والآخر عن الأجير وعلى القولين لو استأجر رجلان من حج واعتمر أحدهما
ليحج عنه والآخر ليعتمر عنه فقرن عنهما فعلى الأول يقعان عن الأجير وعلى الثاني يقع عن كل
واحد منهما ما استأجره له ولو استأجر المعضوب رجلين ليحجا عنه في سنة واحدة أحدهما حجة
الاسلام والاخر حجة قضاء أو نذر ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لان حجة الاسلام لا تتقدم على
غيرها (وأظهرهما) ويحكى عن نصه في الام الجواز لان غيرها لا يتقدم عليها وهذا القدر هو المرعي فعلى
الأول إن أحرم الأجيران معا يصرف إحرامهما إلى نفسهما وإن سبق احرام أحدهما وقع ذلك عن
حجة الاسلام عن المستأجر وانصرف إحرام الآخر إلى نفسه ولو أحرم الأجير عن المستأجر ثم نذر
حجا نظر ان نذر بعد الوقوف لم ينصرف حجه إليه ووقع عن المستأجر وان نذر قبله فوجهان
(أظهرهما) انصرافه إلى الأجير ولو أحرم الرجل بحج تطوعا ثم نذر حجا بعد الوقوف لم ينصرف
إلى النذر وإن كان قبله فعلى الوجهين والله أعلم * وقد ذكرنا في خلال الكلام ما يتعلق بلفظ
36

الكتاب وبالقيد الذي أوردناه في أول الفصل يعرف أن قوله ولا بد من الترتيب في الحج الخ محمول
على من يحج منه حجة الاسلام والا فالصبي والعبد إذا حجا فقد تقدم في حقهما غير حجة الاسلام
على حجة الاسلام ولو استأجر المعضوب من يحج عنه تلك السنة فاحرم الأجير عن نفسه تطوعا فقد روى الامام
عن شيخه أن احرامه ينصرف إلى المستأجر لان حجة الإجارة في هذه السنة مستحقة عليه والمستحق
في الحج مقدم على غيره وعن سائر الأصحاب أنه لا ينصرف لان استحقاقها ليس من حكم وجوب
يؤول إلى الحج وإنما يتقدم واجب الحج على تطوعه إذا رجع الوجوب إلى نفس الحج *
قال (النوع الثاني استطاعة الاستنابة والنظر في ثلاثة أطراف (الطرف الأول) جواز
الاستنابة وإنما تجوز للعاجز عن المباشرة بالموت أو بزمانة (م) لا يرجي زوالها وإنما تجوز في
حجة الاسلام إذا وجبت بالاستطاعة وطرأ العضب أو مات وكذا لو مات قبل الوجوب
أو امتنع الوجوب لعدم الاستطاعة على أصح الطريقين وفي الاستئجار للتطوع قولان) *
قد مر ان الاستطاعة نوعان استطاعة مباشرة واستطاعة استنابة وحصل الفراغ عن أولهما
(وأما) الثاني فتمس الحاجة فيه إلى بيان انه متى تجوز الاستنابة ومتى تجب ثم هي قد تكون بطريق
الاستئجار وقد تكون بغيره فهذه أربعة أطراف وقد تكلم فيها جميعا لكن اقتصر على ترجمة
ثلاثة منها الجواز والوجوب والاستئجار (واما) الاستنابة بغير طريق الاستئجار فقد ادرج مسائلها
37

في الطرف الثاني (الأول) في حال جواز الاستنابة لا يخفى ان العبادات بعيدة عن قبول النيابة لكن
احتمل في الحج ان يحج الشخص عن غيره إذا كان المحجوج عنه عاجزا عن الحج بنفسه إما بسبب
الموت وإما بكبر أو زمانة أو مرض لا يرجى زواله (أما) بسبب الموت فلما روى عن بريدة قال (أتت
امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي ماتت ولم تحج فقال حجي عن أمك) (1) (واما) بالكبر
38

ونحوه فلما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما (ان امرأة من خثعم قالت يا رسول الله ان فريضة
الله على عباده في الحج أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع ان يستمسك على الراحلة أفأحج عنه قال
نعم " (1) ويروى كما لو كان عليه دين فقضيته (2) والمعتبر ان لا يثبت على الرحالة أصلا أو لا يثبت إلا بمشقة
شديدة فالمقطوع اليدين أو الرجلين إذا أمكنه الثبوت على الراحلة من غير مشقة شديدة لا تجوز
39

النيابة عنه وكذا لا تجوز النيابة عمن لا يثبت على الراحلة لمرض يرجو زواله فإنه يتوقع مباشرته له وكذا
من وجب عليه لحج ثم جن لم يكن للولي ان ينيب عنه لأنه ربما يفيق فيحج بنفسه فان أناب عنه
ومات ولم يفق ففي اجزائه قولان كما لو استناب من يرجو زوال مرضه فلم يزل وهذا كله في حجة
الاسلام وفي معناها حجة النذر حكى ذلك عن نصه ويلحق بهما القضاء (واما) حجة التطوع فهل يجوز
استنابة المعضوب فيها واستنابة الوارث للميت فيه قولان (أحدهما) لا لبعد العبادات البدنية عن قبول
النيابة وإنما جوزنا في الفرض الضرورة (وأصحهما) وبه قال مالك وأبو حنيفة واحمد رحمهم الله نعم لأنها
عبادة تدخل النيابة في فرضها فتدخل في نفلها كأداء الزكاة ولو لم يكن الميت قد حج ولأوجب عليه
لعدم الاستطاعة ففي جواز الاحجاج عنه طريقان نقلهما الامام (أحدهما) طرد القولين لأنه لا ضرورة
إليه (والثاني) القطع بالجواز لوقوعه عن حجة الاسلام فان جوزنا الاستئجار للتطوع فللأجير الأجرة المسماة
ويجوز أن يكون الأجير عبدا أو صبيا بخلاف حجة الاسلام لا يحوز استئجارهما فيها لأنهما ليسا من أهلها
وفي المنذورة الخلاف المشهور في أنه يسلك بالنذر مسلك الواجبات أم لا وان لم تجوز الاستئجار للتطوع وقع
الحج عن الأجير ولم يستحق المسمي وفى أجرة المثل قولان مرويان عن الام (أحدهما) أنه لا يستحق أيضا
لوقوع الحج عنه (وأظهرهما) عند المحاملي وغيره أنه يستحقها لأنه دخل في العقد طامعا في الأجرة
وتلفت منفعته عليه وإن لم ينتفع بها المستأجر فصار كما لو استأجر لحمل طعام مغصوب فحمل يستحق الأجرة
(وأما) لفظ الكتاب فقوله وإنما يجوز للعاجز عن المباشرة ليست اللام في قوله للعاجز لإضافة
40

فعل الاستنابة إليه لان العاجز بالموت لا يتصور منه الاستنابة وإنما المراد كون الاستنابة للعاجز ثم
هي قد تصدر منه وقد تصدر من غيره ويجوز أن يرقم بالحاء والألف لان عند أبي حنيفة وأحمد
تجوز الاستنابة للصحيح أيضا في حجة التطوع (وقوله) أو بزمانه معلم بالميم لان عند مالك لا تجوز النيابة عن
الحي وإنما تجوز عن الميت (وقوله) وإنما تجوز في حجة الاسلام يفهم الحصر فيها لكن النذر والقضاء
في معناه كما سبق ولافهامه الحصر أعلم بالميم والحاء والألف إشارة إلى أنهم يجوزونها في حجة التطوع
أيضا (وقوله) أو مات قبل الوجوب إذا امتنع الوجوب لعدم الاستطاعة جواب على طريقة نفى الخلاف
في المسألة أو على أظهر القولين على الطريقة الأخرى فليعلم بالواو * واحتج في الجواز بما روى " أن امرأة
قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان فريضة الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يحج أفأحج
عنه قال نعم " وليس هذا الاحتجاج بقوي لان هذا الحديث هو حديث الخثعمية واللفظ المشهور في حديثها
لا يستطيع أن يثبت على الراحلة " (1) وذلك يدل على أن اللفظة التي نقلها - أن يثبت - محمولة على نفى استطاعة
المباشرة وذلك لا ينفى وجوب الحج والمسألة فيمن لا وجوب عليه ويجوز ان يحتج له بحديث بريدة
فان المرأة قالت أن أمي ماتت ولم تحج ولم يفصل الجواب والله أعلم *
41

قال (وإذا استأجر المعضوب حيث لا يرجى زواله فمات أو المريض حيث لا يرجى برؤه فشفى
ففي وقوع الحج موقعه قولان ينظر في أحدهما إلى الحال وفى الآخر إلى المآل فان قلنا إنه لا يقع عنه
فالصحيح انه يقع عن تطوعه ويكون هذا عذرا في تقديم التطوع كالصبا والرق ثم يستحق
الأجير الأجرة ولا يجوز الحج عن المعضوب بغير إذنه ويجوز عن الميت من غير وصية (م ح) ويستوى
فيه الوارث والأجنبي) *
المعلول الذي يرجي زوال علته ليس له أن يحج عن نفسه كما مر فان أحج نظر
إن شفى لم يجزه ذلك قولا واحدا وإن مات ففيه قولان (أحدهما) وبه قال
أبو حنيفة يجزئه لأنه تبين أنها كانت غير مرجوة الزوال (الثاني) لا يجزئه لان الاستنابة لم
تكن جائزة له حينئذ قال الأئمة وهذا أظهر وعلى عكسه لو كانت غير مرجوة الزوال فأحج عن نفسه
ثم شفى فطريقان (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب طرد القولين وبالثاني قال أبو حنيفة ويروى
الأول عن مالك واحمد رحمهما (والثاني) القطع بأنه لا يجزئه والفرق أن الخطأ في الصورة الأولي
غير مستيقن لجواز ان لا يكون المرض بحيث يوجب اليأس ثم يزداد فيوجبه فيجعل الحكم للمآل
وههنا الخطأ مستيقن إذ لا يجوز أن يكون اليأس حاصلا ثم يزول والطاردون للقولين في الصورتين
قالوا مأخذهما فيهما أن النظر إلى الحال أو إلى المآل ان نظرنا إلى الحال لم يجزه في الصورة الأولى
42

وأجزأ في الثانية وان نظرنا إلى المآل عكسنا الحكم فيهما وربما شبه القولان بالقولين فيما إذا رأوا سوادا
فظنوه عدوا فصلوا صلاة الخوف ثم تبين خلافه هل تجزئهم الصلاة والأظهر عدم الاجزاء وقد
عرفت مما ذكرنا انه يجوز أن يكون قوله في الكتاب قولان معلمان بالواو للطريق الثاني في الصورة
الثانية (التفريع) ان قلنا أن الحجة المأتى بها تجرئه استحق الأجرة المسماة لا محالة (وإن قلنا) انها لا تجزئه
فهل تقع عن تطوعه أم لا تقع عنه أصلا فيه وجهان (أحدهما) حكي الامام عن شيخه عن القفال ان
من أئمتنا من قال إنه يقع عن تطوعه ويكون العضب الناجز بمثابة الرق والصبا في كونه عذرا لتقديم التطوع
على حجة الاسلام (والثاني) انها لا تقع عنه أصلا لو كما استأجر ضرورة ليحج عنه وذكر صاحب
الكتاب أن الأول هو الصحيح لكن الامام والجمهور استبعدوه فان قلنا لا يقع عنه أصلا فهل
يستحق الأجير الأجرة فيه قولان (أحدهما) نعم لأنه عمل له في اعتقاده (وأصحهما) لا لان المستأجر
لم ينتفع به فان قلنا بالأول فماذا يستحق الأجير الأجرة المسماة أم أجرة المثل فيه وجهان (مأخذهما) انا
هل نتبين فساد لاستئجار أم لا وإن قلنا إنه يقع عن تطوعه فالأجير يستحق الأجرة وماذا يستحقه
المسمي أو أجرة المثل عن الشيخ أبي محمد انه لا يمتنع تخريجه على الوجهين لان الحاصل غير ما ابتغاه (الثانية)
لا يجزئ الحج عن المعضوب بغير إذنه بخلاف قضاء الدين عن الغير لان الحج يفتقر إلى النية
وهو أهل للاذن وللنية وإن لم يكن أهلا للمباشرة وروى في التتمة عن أبي حامد المروروزي رحمه الله
43

جواز الحج بغير اذنه ويجوز الحج عن الميت بل يجب عند استقراره عليه سواء أوصى به أو لم يوص
خلافا لأبي حنيفة ومالك حيث قالا إن لم يوص لا يحج عنه ويسقط فرضه بالموت * لنا ما روى عن
ابن عباس رضي الله عنهما " ان رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان أختي نذرت
ان تحج وماتت قبل ان تحج أفأحج عنها فقال لو كان على أختك دين أكنت قاضية قال نعم قال
فاقضوا حق تعالى الله فهو أحق بالقضاء (1) ويستوى في الحج عن الميت الوارث والأجنبي تشبيها
بقضاء الدين *
قال (الطرف الثاني في وجوب الاستنابة وذلك عند القدرة عليها من المكلف الحر بمال بملكه
فاضلا عن حاجته التي ذكرناها وافيا بأجرة الأجير راكبا فإن لم يجد الا ماشيا لم يلزمه على أحد الوجهين
لما فيه من الخطر على المال) *
قصد بهذا الطرف بيان أن الاستنابة متي تجب على المعضوب (فأما) وجوب الاحجاج عن الميت
الذي وجب عليه الحج فقد تعرض له في كتاب الوصية والمعضوب تلزمه الاستنابة في الجملة ولا فرق بين
أن يطرأ العضب بعد الوجوب وبين أن يبلغ معضوبا واجدا للمال وبه قال أحمد وعند مالك لا استنابة
على المعضوب بحال لأنه لا نيابة عن الحي عنده ولا حج على من لا يستطيعه بنفسه وعن أبي حنيفة انه
لا حج على المعضوب ابتداء لكن لو طرأ العضب بعد الوجوب لم يسقط وعليه أن ينفق على من
يحج عنه إذا تقرر ذلك فلوجوب الاستنابة على المعضوب طريقان يشتمل هذا الفصل على أحدهما
وهو أن يجد ما لا يستأجر به من يحج والشرط أن يكون فاضلا عن الحاجات المذكورة فيما لو كان يحج
بنفسه إلا أنا اعتبرنا ثم أن يكون المصروف إلى الزاد والراحلة فاضلا عن نفقة عياله إلى الإياب وههنا
44

يعتبر أن يكون فاضلا عن نفقتهم وكسوتهم يوم الاستئجار ولا يعتبر بعد فراغ لأجير من الحج إلى إيابه
وهل تعتبر مدة الذهاب حكي صاحب التهذيب رحمه الله فيه وجهين (أصحهما) انها لا تعتبر بخلاف
ما لو كان يحج بنفسه فإنه إذا لم يفارق أهله يمكنه تحصيل نفقتهم قال الامام وهو كما في الفطرة لا يعتبر
فيها إلا نفقة اليوم وكذلك في الكفارات المرتبة إذا لم تشترط تخليف رأس المال ثم إن وفى ما يجده
بأجرة أجير راكب فذاك وإن لم يجد الا أجرة ماش ففي لزوم الاستئجار وجهان (أصحهما) يلزم
بخلاف ما لو كان يحج بنفسه لا يكلف المشي لما فيه من المشقة ولا مشقة عليه في المشي الذي تحمله
الأجير (والثاني) ويحكي عن اختيار القفال انه لا يلزم لان الماشي على خطر وفى بذل المال في أجرته
تغرير به ولو طلب الأجير أكثر من أجرة المثل لم يلزم الاستئجار وان رضي بأقل منها لزمه وإذا
امتنع من الاستئجار فهل يستأجر عليه الحاكم فيه وجهان (أشبههما) انه لا يستأجر (وقوله) في الكتاب من
المكلف الحر كالمستغني عنه في هذا الموضع لأنه قد سبق بيان اشتراط التكليف والحرية في وجوب
الحج وكلامنا الآن في شرط الاستطاعة وإذا كنا في ذكر أحد شروط الشئ لم نحتج إلى التعرض
فيه لسائر الشروط والا لانجر بنا الامر إلى ذكر كل شرط في كل شرط والله أعلم *
قال (وان قدر ببذل الأجنبي مالا لم يلزمه القبول للمنة وإن بذل ابنه الطاعة في الحج عنه وجب
القبول (ح) وإن بذل الأجنبي الطاعة أو الابن المال فوجهان وإن كان الابن ماشيا ففي لزوم
القبول وجهان وإن كان معولا في زاده على الكسب أو على السؤال فخلاف مرتب وأولى
بأن لا يجب) *
الطريق الثاني أن لا يجد المال ولكن يجد من يحصل له الحج وفيه صور (إحداها) أن يبذل
الأجنبي مالا ليستأجر به وفى لزوم قبوله وجهان حكاهما الحناطي وغيره (أحدهما) يلزم لحصول الاستطاعة
بما يبذله (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لا يلزم لما فيه من المنة الثقيلة (والثانية) أن يبذل واحدا
من بنيه وبناته وأولادهم الطاعة في الحج فيلزمه القبول والحج خلافا لأبي حنيفة وأحمد رحمهما الله
45

لنا أن وجوب الحج معلق في نص القرآن بوجود الاستطاعة وإنها تارة تكون بالنفس وتارة بالأعوان
والأنصار ألا ترى أنه يصدق ممن لا يحسن البناء أن يقول أنا مستطيع لبناء دار إذا تمكن منه
بالأسباب والأعوان إذا تقرر ذلك فيشترط فيه أن لا يكون المطيع ضرورة ولا معضوبا وأن يكون
موثوقا بصدقه وإذا توسم أثر الطاعة فهل يلزمه الامر فيه وجهان (أحدهما) لا لان الظن قد يخطئ
(وأظهرهما) نعم إذا وثق بالإجابة لحصول الاستطاعة وهذا ما اعتمده أصحاب الشيخ أبي حامد
وحكوه عن نص الشافعي رضي الله عنه ولو بذل المطيع الطاعة فلم يأذن المطاع فهل يتوب الحاكم
عنه فيه وجهان (أصحهما) لا لان مبني الحج على التراخي وإذا اجتمعت الشرائط ومات المطيع قبل
أن يأذن فان مضى وقت امكان الحج استقر في ذمته والا فلا ولو كان له من يطيع ولم يعلم بطاعته
فهو كما لو كان له مال موروث ولم يعلم به وشبه ابن الصباغ ذلك بما إذا نسي الماء في رحله ففي سقوط
الفرض قولان وشبهه صاحب المعتمد بالضل والمغصوب وفي وجوب الزكاة فيهما خلاف قد مر ولك
ان تفرق بين الحج وغيره فتقول وجب أن لا يلزم الحج بحال لأنه معلق بالاستطاعة ولا استطاعة
عند عدم الشعور بالمال والطاعة وإذا بذل الولد الطاعة ثم أراد الرجوع فإن كان بعد الاحرام لم يجد
إليه سبيلا وإن كان قبله رجع على أظهر الوجهين (والثالثة) أن يبذل الأجنبي الطاعة ففي لزوم القبول
وجهان (أصحهما) وهو ظاهر نصه في المختصر أنه يلزم لحصول الاستطاعة كما لو كان الباذل الولد
(والثاني) لا يلزم لان الولد بضعة منه فنفسه كنفسه بخلاف غيره والأخ والأب في بذل الطاعة
كالأجنبي لان استخدامهما ثقيل وفى بعض تعاليق الطبرية حكاية وجه أن الأب كالابن
كما أنهما يستويان في وجوب النفقة وغيره (الرابعة) أن يبذل الولد المال ففي لزوم قبوله وجهان
(أحدهما) يلزم كما لو بذل الطاعة (وأصحهما) وبه قال ابن سريج لا يلزم لان المنة في قبول
المال أعظم ألا ترى أن الانسان يستنكف عن الاستعانة بمال الغير ولا يستنكف عن الاستعانة
ببدنه في الاشغال والوجهان صادران من القائلين بعدم وجوب القبول من الأجنبي فان أوجبناه
46

فههنا أولي وبذل الأب المال للابن كبذل الابن للأب أو كبذل الأجنبي ذكر الامام قدس الله روحه فيه
احتمالين (أظهرهما) الأول *
(فرع) جميع ما ذكرنا في بذل الطاعة مفروض فيما إذا كان راكبا أما إذا بذل الابن الطاعة
على أن يحج عنه ماشيا ففي لزوم القبول وجهان (أحدهما) لا يلزم كما لا يلزم الحج ماشيا (والثاني) يلزم
إذا كان قويا فان المشقة لا تناله وهذان الوجهان مرتبان عند الشيخ أبى محمد على الوجهين في لزوم استئجار
الماشي قال وهذه الصورة أولي بالمنع لأنه يعز عليه مشي ولده وفى معناه ما إذا كان المطيع الوالد
وأوجبنا القبول ولا يجئ الترتيب فيما إذا كان المطيع الأجنبي وإذا أوجبنا القبول والمطيع ماش
فهو فيما إذا كان مالكا للزاد فان عول على الكسب في الطريق ففي وجوب القبول وجهان وأولي
بالمنع لان المكاسب قد تنقطع في الاسفار فإن لم يكن كسوبا أيضا وعول على السؤال فأولي بالمنع
لان السائل قد يرد فإن كان يركب مفازة لا يجدي فيها كسب ولا سؤال لم يجب القبول بلا خلاف
إذ يحرم عليه التغرير بالنفس *
قال (ومهما تحقق وجوب الحج فالعمرة تجب على الجديد) *
في كون العمرة من فرائض الاسلام قولان (أصحهما) وبه قال أحمد انها من فرائضه كالحج
روى عن ابن عباس رضي الله عنهما " انه كقرينتها في كتاب الله تعالى) (1) وأتموا الحج والعمرة لله
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الحج والعمرة فريضتان " (2) (والثاني) وبه قال مالك
47

وأبو حنيفة رحمهما الله أنه سنة لما روى عن جابر رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن
العمرة أواجبة هي فقال لا وان تعتمروا فهو أفضل " (1) والأول هو قوله في الجديد والثاني القديم وأشار
بعضهم إلى ترديد القول فيه جديدا وقديما وإذا قلنا بالوجوب فهي من شرائط مطلق الصحة وصحة
المباشرة والوجوب والاجزاء عن عمرة الاسلام على ما ذكرنا في الحج وفى قوله ومهما تحقق وجوب
الحج إشارة إلى أن شرائط وجوب العمرة كشرائط وجوب الحج وان الاستطاعة الواحدة
كافية لهما جميعا *
48

قال الطرف الثالث في الاستئجار والنظر في شرائطه وأحكامه (فأما) شرائطه فمذكورة في
الإجارة ولتراع ههنا أربعة أمور (الأول) أن يكون الأجير قادرا فإن كان مريضا أو كان الطريق
مخوفا أو طالت المسافة مع ضيق الوقت لم يصح ولا باس به في وقت الانداء والثلوج فان ذلك يزول
ثم ليبادر الأجير مع أول رفقة ولا تلزمه المبادرة وحده (الثاني) ألا يضيف الحج إلى السنة القابلة (ح)
الا إذا كانت المسافة بحيث لا تقطع في سنة أو كانت الإجارة على الذمة) *
لك أن تعلم لفظ الاستئجار بالحاء والألف لان عندهما لا يجوز الاستئجار على الحج كما في
سائر العبادات ولكن يرزق عليه ولو استأجر كان ثواب النفقة للآمر وسقط عنه الخطاب بالحج ويقع
الحج عن الحاج * لنا أنه عمل تدخله النيابة فيجزئ فيه الاستئجار كتفريق الزكاة وعندنا يجوز الحج
بالرزق كما يجوز بالإجارة وذلك بأن يقول حج عنى وأعطيك نفقتك ذكره في العدة وإذ استأجره
بالنفقة لم يصح لأنها مجهولة والأجرة لا بد أن تكون معلومة * واعلم أن الاستئجار في جميع الأعمال
على ضربين * استئجار عين الشخص والزام ذمته العمل ونظير الأول من الحج أن يقول المعضوب
استأجرتك لتحج عني أو يقول الوارث لتحج عن ميتي ونظير الثاني أن يقول ألزمت ذمتك تحصيل
الحج * والضربان يفترقان في أمور ستعرفها ثم للاستئجار شروط لا بد منها ليصح وإذا صح فله
آثار وأحكام وموضع ذكر ما يتعلق منها بمطلق الاستئجار كتاب الإجارة وفصل ههنا ما يتعلق
بخصوص الحج فذكر أنه يراعي في الشروط أربعة أمور وهذا الفصل يشتمل على اثنين منها وشرحها
أن كل واحد من ضربي الإجارة إما أن يعين زمان العمل فيه أو لا يعين وإن عين فاما أن يعين السنة
الأولي أو غيرها (فأما) في إجارة العين إن عينا السنة الأولي جاز بشرط أن يكون الخروج والحج فيما بقي
منها مقدورا للأجير فلو كان مريضا لا يمكنه الخروج أو كان الطريق مخوفا أو كانت المسافة بحيث
لا تقطع في بقية السنة لم يصح العقد لان المنفعة غير مقدور عليها وان عينا غير السنة الأولي بطل
العقد كاستئجار الدار الشهر القابل * نعم لو كانت المسافة شاسعة لا يمكن قطعها في سنة لم
49

يضر التأخير والمعتبر السنة الأولى من سنى امكان الحج من ذلك البلد وان أطلقا ولم يعينا الزمان فهو محمول
على السنة الأولى فيعتبر فيها ما ذكرنا (واما) في الإجارة الواردة على الذمة يجوز تعيين السنة الأولي
وغيرها وهو بمثابة الدين في الذمة قد يكون حالا وقد يكون مؤجلا وإن أطلقا فهو كما لو عينا السنة الأولي
إذا عرفت ذلك عرفت ان الامرين المذكورين في الفصل ليسا ولا واحد منهما شرطا في مطلق
الإجارة (اما الثاني) فلا مجال له في الضرب الثاني منها ولا هو بمضطر في الأول كما صرح به في الكتاب
(واما الأول) وهو قدرة الأجير فلانه لو كانت الإجارة على الذمة لم يقدح كونه مريضا بحال لامكان
الاستنابة ولا يقدح خوف الطريق ولا ضيق الوقت أيضا ان عين غير السنة الأولي (واما) قوله ثم
ليبادر الأجير مع أول رفقة فاعلم أن قضية كلام المصنف والامام تجويز تقديم الإجارة على خروج الناس
وأن له انتظار خروجهم ولا يلزمه المبادرة وحده والذي ذكره جمهور الأصحاب على طبقاتهم ينازع فيه ويقتضي
اشتراط وقوع العقد في زمان خروج الناس من ذلك البلد حتى قال صاحب التهذيب لا يصح استئجار العين
الا في وقت خروج القافلة من ذلك البلد بحيث يشتغل عقيب العقد بالخروج أو بأسبابه من شرى
الزاد ونحوه فإن كان قبله لم تصح لان إجارة الزمان المستقبل لا تجوز وبنوا على ذلك أنه لو كان
الاستئجار بمكة لم يجز الا في أشهر الحج ليمكنه لاشتغال بالعمل عقيب العقد وعلى ما أورده المصنف
فلو جرى العقد في وقت تراكم الثلوج والانداء فقد حكي الامام فيه وجهين روى عن شيخه أنه
يجوز لان توقع زوالها مضبوط وعن غيره أنه لا يجوز لتعذر الاشتغال بالعمل في الحال بخلاف انتظار
الرفقة فان خروجها في الحال غير متعذر والأول هو الذي أورده في الكتاب وهذا كله في إجارة
العين (فاما) الإجارة الواردة على الذمة فيجوز تقديمها على الخروج لا محالة (واعلم) أن الكلام في أن
الأجير يبادر مع أول رفقة ولا يبادر وحده عند من لا يشترط وقوع العقد في زمان خروج الناس
يتعلق بأحكام العقد وآثاره لا بشرائطه وكان من حق الترتيب أن يؤخره ولا يخلطه بالشرائط *
(فرع) ليس للأجير في إجارة العين أن ينيب غيره لان الفعل مضاف إليه فان قال لتحج عنى بنفسك
فهو أوضح وأما في الإجارة على الذمة ففي التهذيب وغيره انه ان قال ألزمت ذمتك لتحصل لي حجة
جاز أن ينيب غيره وان قال لتحج بنفسك لم يجز لان الاغراض تختلف باختلاف أعيان الاجراء
وهذا قد حكاه الامام عن الصيدلاني وخطأه فيه وقال ببطلان الإجارة في الصورة الثانية لان الدينية
مع الربط بمعين يتناقضان فصار كما لو أسلم في ثمرة بستان بعينه وهذا اشكال قوى *
50

قال (الثالث أن تكون اعمال الحج معلومة للأجير وفى اشتراط تعين الميقات قولان وقيل إنه
إن كان على طريقه ميقات واحد تعين وان أمكن ان يفضي إلى ميقاتين وجب التعيين) *
أعمال الحج معروفة مضبوطة فان علماها عند العقد فذاك وان جهلاها أو أحدهما فلا بد من الاعلام
وهل يشترط تعيين الميقات الذي يحرم منه الأجير قال في المختصر نعم وعن الاملاء وغيره انه
لا يشترط وللأصحاب فيه طريقان (أظهرهما) ان المسألة على قولين ويحكي ذلك عن ابن سريج وأبى
اسحق (أحدهما) يشترط لاختلاف المواقيت قربا وبعدا واختلاف الاغراض باختلافها (والثاني)
لا يشترط ويتعين ميقات تلك البلدة على العادة الغالبة وبهذا أجاب المحاملي في المقنع وذكر ابن عبدان
انه الصحيح وشبهوا هذا الخلاف بالخلاف في التعرض لمكان التسليم في السلم والمعاليق في إجارة
الدابة (والثاني) تنزيل النصين على حالين ولمن قال به طريقان (أظهرهما) حمل النص الأول على
ما إذا كان للبلد طريقان مختلفا الميقات أو كان يفضي طريقها إلى ميقاتين كالعقيق وذات
عرق وحمل الثاني على ما إذا كان لها طريق واحد له ميقات واحد (والثاني) ويحكى عن ابن خيران
ان حمل الأول على ما إذا استأجر حي والثاني على إذا ما كان الاستئجار لميت والفرق أن الحي له
غرض واختيار والميت لا اختيار له والمقصود تبرئة ذمته وهي تحصل بالاحرام من أي ميقات كان
فان شرطنا تعيين الميقات فسدت الإجارة باهماله لكن يقع الحج عن المستأجر لوجود الاذن ويلزمه
أجرة المثل وإذا كانت الإجارة للحج والعمرة فلا بد من بيان انه يفرد أو يقرن أو يتمتع لاختلاف
الاغراض بها *
قال (الرابع الا يعقد بصيغة الجعالة فلو قال من حج عني فله مائة فحج عنه انسان نقل المزني
صحته وطرده الأصحاب في كل إجارة بلفظ الجعالة والا قيس فساد المسمي والرجوع إلى أجرة
المثل لصحة الاذن) *
حكي الأئمة أن المزني رحمه الله نقل في المنثور عن نصه انه لو قال المعضوب من حج عني فله مائة درهم
فحج عنه انسان استحق المائة واختلاف الأصحاب فيه على وجهين (أحدهما) وبه قال أبو إسحاق ان
هذا النص مقرر وتجوز الجعالة على كل عمل يصح ايراد الإجارة عليه لان الجعالة جائزة مع كون العمل
مجهولا فأولي أن تجوز مع العلم به (والثاني) وبه قال المزني ان النص مخالف مؤل ولا تجوز الجعالة
51

على ما تجوز الإجارة عليه لان العمل غير معين فيها فإنما يعدل إليها عند تعذر الإجارة للضرورة
وعلى هذا فلو حج عنه انسان فالمسمي ساقط لفساد العقد ولكن الحج يقع عن المعضوب وللعامل أجرة
المثل لوجود الاذن وإن فسد العقد وكذا الحكم فيما لو قال من خاط ثوبي فله كذا فخاطه انسان وفيه
وجه انه يفسد الاذن لأنه ليس موجها نحو معين كما لو قال وكلت من أراد ببيع داري لا يصح
التوكيل إذا تقرر ذلك فلفظ الكتاب ههنا يرجع الوجه الصائر إلى عدم صحة الجعالة فإنه سماه الاقيس
وجعل عدم العقد بصيغة الجعالة من الأمور المرعية لكنه قد أعاد هذه المسألة في باب الجعالة وايراده هناك
يقتضي ترجيح وجه الصحة وكلام الأكثرين إليه أميل (وقوله) الا يعقد بصيغة الجعالة إن كان المراد منه
ان لا يعقد الإجارة بصيغة الجعالة فهذا يوهم رجوع المنع إلى الصيغة وكون الجعالة إجارة وليس كذلك بل هما
عقدان مختلفا الأركان وإن كان المراد انه لا يعقد على الحج الجعالة ذهابا إلى الوجه الثاني فعده من شروط
الإجارة بعيد عن الاصطلاح لان الامتناع عن العقد الذي لا يجوز ايراده على الشئ لا يعد شرطا فيما يجوز
ايراده عليه والا فليكن لامتناع عن البيع وسائر ما لا يقبله الحج شرطا في الإجارة *
قال (أما أحكامه فتظهر بأحوال الأجير وهي سبعة (الأولي) إذا لم يحج في السنة الأولى
انفسخت الإجارة ان إذا كانت على الذمة فللمستأجر الخيار كافلاس المشترى وقيل تنفسخ في قول
كانقطاع المسلم فيه فان حكمنا بالخيار فكان المستأجر ميتا فليس للوارث فسخ الإجارة فإنه يجب صرفه إلى أجير
آخر فأجير الميت اولي) *
أحكام مطلق الإجارة تذكر في بابها والتي يختص بالاستئجار على الحج مثبتة على اختلاف
حال الأجير في عدم الوفاء بالملتزم وهي فيما ذكر سبع أحوال ووجه حصرها أن عدم الوفاء إما أن
يكون بعدم اشتغاله به في السنة الأولي وهو الحالة الأولي أو بغير هذا الطريق وهو إما بالشروع فيه على
خلاف قضية الإجارة أو بعدم الاستمرار عليها بعد الشروع على وفاقها والأول اما بالمخالفة في
الميقات وهو الحالة الثانية أو في الافعال وهو الثالثة (والثاني) وهو اما أن يكون بتقصير منه أو لا
والأول اما بالافساد وهو الرابعة أو بتغير النية وهو الخامسة (والثالث) إما بالموت وهو السادسة
أو بالاحصار وهو السابعة وفقه الحالة الولي أنه إذا لم يخرج إلى الحج في السنة الأولي أما بعذر
أو بغير عذر فينظر إن كانت الإجارة على العين انفسخت وإن كانت في الذمة فينظر ان لم يعينا سنة
فقد قدمنا ان الحكم كما لو عينا السنة الأولي وذكر في التهذيب انه يجوز التأخير عن السنة الأولي والحالة
52

هذه لكن يثبت به الخيار للمستأجر وإن عينا سنة اما الأولى أو غيرها فأخر عنها هل تنفسخ الإجارة
حكى الامام رحمه الله فيه طريقين (أظهرهما) انه على قولين كالقولين فيما لو حل السلم والمسلم فيه منقطع
(أحدهما) ينفسخ لفوات مقصود العقد (وأصحهما) لا ينفسخ كما لو اخر أداء الدين عن محله لا ينقطع
(والثاني) القطع بالقول الثاني وإذا قلنا بعد الانفساخ فينظر ان صدر الاستئجار من المعضوب لنفسه فله
الخيار لتعوق المقصود كما لو أفلس المشترى بالثمن فان شاء أجاز ليحج في السنة الأخرى وان شاء فسخ
واسترد الأجرة وارتفق بها إلى أن يستأجر غيره وإن كان الاستئجار لميت في ماله فقد ذكر أصحابنا
العراقيون أنه لا خيار لمن استأجر في فسخ العقد لان الأجرة متعينة لتحصيل الحج فلا انتفاع
باستردادها وتوقف الامام فيما ذكروه لان الورثة يستفيدون باسترداد الأجرة صرفها إلى من هو
أحرى بتحصيل المقصود وأيضا فلأنهم إذا استردوها تمكنوا من ابدالها بغيرها وأورد صاحب
التهذيب وغيره ان على الولي مراعاة النظر للميت فإن كانت المصلحة في فسخ العقد لخوف افلاس
الأجير أو هربه فلم يفعل ضمن وهذا هو الأظهر ويجوز ان يحمل المنسوب إلى العراقيين على أحد
أمرين رأيتهما للأئمة (الأول) صور بعضهم المنع فيما إذا كان الميت قد أوصى بان يحج عنه انسان بمائة
مثلا ووجهه بان الوصية مستحقة الصرف إلى المعين (الثاني) حكي الحناطي ان أبا إسحاق ذكر في
الشرح ان للمستأجر للميت ان يرفع الامر إلى القاضي ليفسخ العقد إن كانت المصلحة تقتضيه وان
لم يستقل به فإذا نزل ما ذكروه على التأويل الأول ارتفع الخلاف وان نزل على الثاني هان امره ولو
استأجر انسان للميت من مال نفسه تطوعا عليه فهذا كاستئجار المعضوب لنفسه فله الخيار ولو
قدم الأجير الحج على السنة المعينة جاز وقد زاد خيرا * ولنعد إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله)
ان لم يحج في السنة الأولى أي بان لم يشرع في أعماله وإلا فيدخل فيه ما إذا مات
في أثناء الحج وما إذا أحصر وما إذا فاته بعد الشروع فيه وهذه الصورة بأحكامها مذكورة من بعد
(وقوله) الا إذا كانت على الذمة فللمستأجر الخيار غير مجرى على اطلاقه لأنه لو عين غير السنة الأولى لم يؤثر
تأخيره عن السنة الأولى (وقوله) فللمستأجر الخيار كافلاس المشترى جواب على الطريقة الجازمة بعدم
الانفساخ لقوله بعده وقيل ينفسخ في قول (واما) قوله فان حكمنا بالخيار وكان المستأجر ميتا فليس
للوارث فسخ الإجارة (فاعلم) انا حكينا فيما إذا كان الاستئجار لميت الوجه المنقول عن العراقيين
53

والذي يقابله ووراءه صورة أخرى وهي ان يستأجر المعضوب لنفسه ثم يموت ويؤخر الأجير الحج
عن السنة الأولى هل يثبت الخيار للوارث ولفظ الكتاب مشعر بهذه الصورة بعيد عن الأولى
تصويرا وتوجيها فإنها فيما إذا كان الاستئجار لميت لا فيما إذا كان المستأجر ميتا والأولى هي التي
تكلم الأئمة فيها واما الثانية فلم نلقها مسطورة فان حمل كلام الكتاب على الأولي وجعل ما ذكره
جوابا على ما نقل عن العراقيين فهو بعيد من جهة اللفظ ثم ليكن معلما بالواو للوجه المقابل له وقد ذكرنا
انه الأظهر وان حمل على الثانية فالحكم بان الوارث لا خيار له بعيد من جهة المعني والقياس ثبوت
الخيار للوارث كما في خيار العيب ونحوه *
قال (الثانية إذا خالف في الميقات فأحرم بعمرة عن نفسه ثم أحرم بحج المستأجر في مكة ففي قول
لا تحسب المسافة له لأنه صرفه إلى نفسه فيحط من اجرته بمقدار التفاوت بين حجه من بلده وبين حجه
54

من مكة فيكثر المحطوط وعلى قول تحسب المسافة فلا يحط مقدار التفاوت بين حج من الميقات
وحج من مكة فيقل المحطوط وان لم يعتمر عن نفسه وأحرم من مكة فعليه دم الإساءة وهل
ينجبر به حتى لا يحط شئ فيه وجهان فان قلنا لا ينجبر ففي احتساب المسافة في بيان القدر المحطوط
وجهان مرتبان وأولى بان يحتسب لأنه لم يصرف إلى نفسه ولو عين له الكوفة فهل يلزمه الدم في
مجاوزتها الحاقا لها بالميقات الشرعي فعلى وجهين ولو ارتكب محظور ألزمه الدم ولا حط لأنه أتى بتمام العمل) *
في الفصل صورتان (إحداهما) الأجير للحج إذا انتهي إلى الميقات المعين من المواقيت اما بتعينهما ان
اعتبرناه أو بتعيين الشرع فلم يحرم بالحج عن المستأجر ولكن أحرم بعمرة عن نفسه ثم لما فرغ منها
أحرم بالحج عن المستأجر لم يخل اما ان يحرم به من غير أن يعود إلى الميقات أو يعود إلى الميقات
فيحرم منه (الحالة الأولي) ان لا يعود إليه كما إذا أحرم من جوف مكة فيصح الحج عن المستأجر
بحكم الاذن ويحط شئ من الأجرة المسماة لأنه لم يحج من الميقات وكان هو الواجب عليه وفى قدر
المحطوط اختلاف يتعلق بأصل وهو انه إذا سار الأجير من بلدة الإجارة وحج فالأجرة تقع في مقابلة
أعمال الحج وحدها أو تتوزع على السير والأعمال وسيأتي شرحه من بعد فان أوقعناها في مقابلة اعمال
الحج وحدها وزعت الأجرة المسماة على حجة من الميقات وحجة من جوف مكة لان المقابل بالأجرة المسماة
على هذا هو الحج من الميقات فإذا كانت أجرة حجة منشأة من الميقات خمسة وأجرة حجة
منشأة من جوف مكة ديناران فالتفاوت بثلاثة أخماس فيحط من الأجرة المسماة ثلاثة أخماسها
وان وزعنا الأجرة على السير والأعمال جميعا وهو الأظهر فقولان (أحدهما) ان المسافة لا تحتسب
له ههنا لأنه صرفه إلى غرض نفسه حيث أحرم بالعمرة من الميقات ومن عمل لنفسه لم يستحق اجرة
55

على غيره فعلى هذا توزع الأجرة المسماة على حجة تنشأ من بلدة الإجارة ويقع الاحرام بها من
الميقات وعلى حجة تنشأ من جوف مكة فيحط بنسبة التفاوت من الأجرة المسماة فإذا كانت اجرة
الحجة المنشأة من بلدة الإجارة مائة وأجرة الحجة المنشأة من مكة عشرة حط من الأجرة المسماة
تسعة أعشارها (وأصحهما) أنه يحتسب قطع المسافة إلى الميقات لجواز أن يكون قصده منه تحصيل
الحج الا انه أراد ربح عمرة في أثناء سفره فعلى هذا توزع الأجرة المسماة على حجة منشأة من بلدة الإجارة
إحرامها من الميقات وعلى حجة منشأة منها احرامها من مكة فإذا كانت أجرة الأولى مائة وأجرة
الثانية تسعين حططنا من المسمي عشرة وإذا وقفت على ما ذكرنا تحصلت على ثلاثة أقوال والثاني
والثالث هما اللذان أوردهما الأكثرون منهم صاحب التهذيب والتتمة وحكاهما ابن الصباغ وجهين مفرعين
على توزع الأجرة على السير والعمل (وأما) القولان المذكوران في الكتاب فالأول منهما هو الثاني
في الترتيب الذي ذكرناه والثاني منهما يمكن تنزيله على الثالث ليوافق ايراد الأكثرين وعلى هذا
فقوله وعلى قول تحتسب المسافة أي في الصورة التي نحن فيها وقوله فلا يحط الا مقدار التفاوت بين حج
من الميقات وحج من مكة أي احرامه من الميقات أو مكة وانشاؤهما من بلدة الإجارة
ذلك وإنما أراد القول الذي ذكرناه أولا هو واضح من كلامه في الوسيط وكذلك أورده الامام
رحمه الله في النهاية وعلى هذا فظاهر المذهب غير القولين المذكورين في الكتاب (وقوله) وعلى
قول تحتسب المسافة أي في الجملة لا في هذه الصورة واعرف بعد هذا شيئين (أحدهما) ان الحكم بوقوع
الحج الذي أحرم به من مكة عن المستأجر ليس صافيا عن الاشكال لان المأمور به حجة يحرم بها
من الميقات وهذا الخصوص متعلق الغرض فلا يتناول الاذن غيره ولهذا لو أمره بالبيع على وجه
خاص مقصود لا يملك البيع على غير ذلك الوجه (الثاني) ان الأجير في المسألة التي نحن فيها يلزمه دم لاحرامه
بالحج بعد مجاوزة الميقات وسنذكر خلافا في غير صورة الاعتمار ان إساءة المجاوزة هل تنجبر باخراج
56

الدم حتى لا يحط شئ من الأجرة أم لا وذلك الحلاف عائد ههنا نص عليه ابن عبدان وغيره فإذا
الخلاف في قدر المحطوط مفرع على القول بأصل الحط ويجوز أن نفرق بين الصورتين ونقطع بعدم
الانجبار ههنا لأنه ارتفق بالمجاوزة حيث أحرم بالعمرة لنفسه (الحالة الثانية) ولم يذكر ما في الكتاب
أن يعود إلى الميقات بعد الفراغ من العمرة ويحرم بالحج منه فهل يحط شئ من الأجرة يبني على
الخلاف في الحالة الأولي (ان قلنا) الأجرة موزعة على السير والعمل ولم يحسب السير ههنا لانصرافه
إلى العمرة فتوزع الأجرة المسماة على حجة منشأة من بلدة الإجارة احرامها من الميقات وعلى حجة
منشأة من الميقات من غير قطع مسافة فإذا كانت أجرة الأولي عشرين مثلا وأجرة الثانية خمسة
حططنا من المسمي ثلاثة أرباعه (وإن قلنا) الأجرة في مقابلة العمل وحده أو وزعنا عليه وعلى السير
واحتسبنا قطع المسافة ههنا فلا حط وتجب الأجرة بتمامها وهذا هو الأظهر ولم يذكر كثيرون غيره
(الصورة الثانية) إذا شرطا في الإجارة ميقاتا من المواقيت الشرعية أو قلنا إنه يتعين ميقات بلده
فجاوزه غير معتمر ثم أحرم بالحج عن المستأجر نظر إن عاد إليه وأحرم منه فلا دم عليه ولا يحط
من الأجرة شئ وان أحرم من جوف مكة أو بين الميقات ومكة ولم يعد لزمه دم الإساءة بالمجاوزة وهل
ينجبر به الخلل حتى لا يحط شئ من الأجرة نص في المختصر على أنه لا ينجبر بل يرد من الأجرة بقدر ما ترك
57

ونقل عن القديم انه يلزمه دم وحجته تامة ولم يتعرض للأجرة واختلفوا على طريقين (أظهرهما)
ان المسألة على قولين (أحدهما) ان الدم يجبر الإساءة الحاصلة ويصير كان لا مخالفة فيستحق تمام الأجرة
(وأظهرهما) أنه يحط لأنه استأجره لعمل وقد نقص منه فصار كما لو استأجره لبناء أذرع فنقص
منها والدم إنما وجب لحق الله تعالى فلا ينجبر بها حق الآدمي كما لو جنى المحرم على صيد مملوك يلزمه
الضمان مع الجزاء (والثاني) وبه قال أبو إسحاق القطع بالقول الثاني الا انه سكت عن حكم الأجرة
في القديم فان قلنا بحصول الانجبار فهل ننظر إلى قيمة الدم ونقابلها بقدر تفاوت الأجرة حكي
الامام فيه وجهين (أحدهما) وبه قال ابن سريج نعم حتى لا ينجبر ما زاد على قيمة الدم (وأظهرهما)
لا لان المعول في هذا القول على انجبار الخلل والشرع قد حكم به من غير نظر إلى القيمة (وان قلنا)
بعدم الانجبار وحططنا شيئا ففي القدر المحطوط وجهان مبنيان على الأصل الذي سبقت الإشارة
إليه وهو أن الأجرة في مقابلة ماذا ان أوقعناها في مقابلة الأعمال وحدها وزعنا المسمي على حجة
من الميقات وحجة من حيث أحرم وان وزعناها على السير والعمل جميعا وهو الأظهر وزعنا
المسمى على حجة من بلدة الإجارة يكون احرامها من الميقات وعلى حجة منها يكون احرامها
من حيث أحرم وعلى هذا يقل المحطوط بخلاف ما لو وزعنا على السير والعمل جميعا ثم لم تحتسب
يقطع المسافة في الصورة الأولي فإنه يكثر المحطوط وإذا نسبت هذه الصورة إلى الأولى ترتب الخلاف
في ادخال المسافة في الاعتبار على الخلاف في الأولي كما ذكره في الكتاب وهذه أولى بالاعتبار
لأنه لم يصرف إلى نفسه ثم حكي الشيخ أبو محمد رحمه الله وجهين في أن النظر إلى الفراسخ وحدها
أم يعتبر مع ذلك السهولة والحزونة والأصح الثاني (وأعلم) أن الجمهور أوردوا في مسألة الانجبار
على طريقة اثبات الخلاف قولين وصاحب الكتاب أطلق وجهين لكن الامر فيه هين فإنهما
58

ليسا بمنصوصين ويجوز أن يعلم قوله وجهان بالواو لطريقة نفي الخلاف ولو عدل الأجير عن طريق
الميقات المتعين إلى طريق آخر ميقاته مثل ذلك الميقات أو أبعد فالمذهب أنه لا شئ عليه هذا كله
في الميقات الشرعي أما إذا عينا موضعا آخر نظر إن كان أقرب إلى مكة من الميقات الشرعي فهذا
الشرط فاسد مفسد للإجارة إذ ليس لمن يريد النسك أن يمر على الميقات غير محرم وإن كان أبعد كما
عينا الكوفة فهل يجب على الأجير الدم في مجاوزتها غير محرم فيه وجهان قد حكاهما المسعودي
وغيره رحمهما الله (أحدهما) لا يجب لان الدم منوط بالميقات المحترم شرعا فلا يلحق به غيره ولان
الدم يجب حقا لله تعالي والميقات المشروط إنما يتعين حقا للمستأجر والدم لا يجبر حق الآدمي
(وأظهرهما) وهو نصه في المختصر أنه يلزمه لان تعينه وإن كان لحق الآدمي فالشارع هو الذي
حكم به وتعلق به حقه (فان قلنا) بالأول حط قسط من الأجرة لا محالة (وإن قلنا) بالثاني ففي حصول
الانجبار الوجهان وكذلك لو لزمه الدم بسبب ترك مأمور كالرمي والمبيت وإن لزمه بسبب ارتكاب
محظور كاللبس والقلم لم يحط شئ من لأجرة لأنه لم ينقص من العمل ولو شرط على الأجير أن يحرم
في أول شوال فاخره لزمه الدم وفى الانجبار الخلاف المذكور وكذا لو شرط ان يحج ماشيا فحج راكبا لأنه
ترك شيئا مقصودا حكي الفرعان عن القاضي الحسين ويشبه أن يكونا مفرعين على أن الميقات الشرطي
كالميقات الشرعي والا فلا يلزم الدم كما في مسألة تعيين الكوفة والله أعلم *
قال (الثالثة إذا أمر بالقران فافرد فقد زاد خيرا وان قرن قدم القران على المستأجر على أصح
الوجهين ولو أمر بالافراد فقرن فالدم على الأجير وبرئت ذمة المستأجر عن الحج بالعمرة لان القران
59

كالافراد شرعا وفى حط شئ من الأجرة مع جبره بالدم الخلاف السابق وان أمر بالقران فتمتع
كان كالقران على وجه وفي وجه جعل مخالفا له وعليه الدم ويعود الخلاف في حط شئ من الأجرة) *
قد مر أن الاستئجار إذا كان لكلا النسكين فلا بد من التعرض لجهة أدائهما ويترتب عليه
مسائل ذكر بعضها في الكتاب وأعرض عن بعض ونحن نذكرها على الاختصار وإن تغير ترتيب ما في
الكتاب منها فليحتمل فان الشرح قد يدعو إليه (المسألة الأولى) إذا أمره بالقران لم يخل إما أن
يمتثل أو يعدل إلى جهة أخرى فان امتثل وجب دم القران وعلى من يجب فيه وجهان وقال في
التهذيب قولان (أصحهما) على المستأجر لأنه مقتضى الاحرام الذي امر به وكأنه القارن بنفسه (والثاني)
على الأجير لأنه قد التزم القران والدم من تتمته فكليف به فعلى الأول لو شرطا أن يكون على الأجير
60

فسدت الإجارة لأنه جمع بين الإجارة وبيع المجهول كأنه يشترى الشاة منه وهي غير معينة ولا موصوفة
والجمع بين الإجارة وبيع المجهول فاسد ولو كان المستأجر معسرا فالصوم يكون على الأجير لان بعض
الصوم ينبغي أن يكون في الحج والذي في الحج منهما هو الأجير هكذا ذكره في التهذيب وقال
في التتمة هو كما لو عجز عن الهدى والصوم جميعا وعلى الوجهين يستحق الأجرة بتمامها وان عدل
إلى جهة أخرى نظر ان عدل إلى الافراد فحج ثم اعتمر فقد نقل عن نصه في الكبير انه يلزمه ان
يرد من الأجرة ما يخص العمرة وهذا محمول على ما إذا كانت الإجارة على العين فإنه لا يجوز تأخير
العمل فيها عن الوقت المعين وإن كانت في الذمة نظر ان عاد إلى الميقات للعمرة فلا شئ عليه
وقد زاد خيرا ولا شئ على المستأجر أيضا لأنه لم يقرن وان لم يعد فعلى الأجير دم لمجاوزته الميقات
61

للعمرة وهل يحط شئ من الأجرة أم تنجبر الإساءة بالدم فيه الخلاف السابق وان عدل إلى
التمتع فقد أشار أبو سعيد المتولي إلى أنه إن كانت الإجارة إجارة عين لم يقع الحج عن المستأجر
لوقوعه في غير الوقت المعين وهذا هو قياس ما تقدم وإن كانت الإجارة على الذمة فينظر ان عاد
إلى الميقات للحج فلا دم عليه ولا على المستأجر وان لم يعد ففيه وجهان (أحدهما) لا يجعل مخالفا
لتقارب الجهتين فان في القران نقصانا في الافعال واحراما من الميقات وفى التمتع كمالا في الافعال
ونقصانا في الاحرام لوقوعه بعد مجاوزة الميقات فعلى هذا الحكم كما لو امتثل وفى كون الدم على الأجير
أو المستأجر الوجهان (وأظهرهما) انه يجعل مخالفا لأنه مأمور بالاحرام بالتسكين من الميقات وقد ترك
الاحرام بالحج منه فعلى هذا يجب على الأجير الدم لاساءته وفى حط شئ من الأجرة الخلاف
62

السابق وذكر أصحاب الشيخ أبي حامد انه يجب على الأجير دم لتركه الاحرام من الميقات وعلى
المستأجر دم آخر لان القران الذي امر به يتضمنه واستبعده ابن الصباغ وغيره (المسألة الثانية) إذا امره بالتمتع
فامتثل فالحكم كما لو امره بالقران فامتثل وان أفرد نظر ان قدم العمرة وعاد للحج إلى الميقات فقد زاد خيرا
وان أخر العمرة فإن كانت الإجارة إجارة عين انفسخت فيها لفوات الوقت المعين للعمرة فيرد حصتها من
المسمي وإن كانت إجارة على الذمة وعاد للعمرة إلى الميقات لم يلزمه شئ وان لم يعد فعليه دم لترك الاحرام
بالعمرة من الميقات وفى حط شئ من الأجرة الخلاف السابق وان قرن فالمنقول عن النص انه قد زاد خيرا
لأنه أحرم بالنسكين من الميقات وكان مأمورا بان يحرم بالعمرة منه وبالحج مكة ثم إن عدد الافعال فلا شي
عليه وإلا فقد نقلوا وجهين في أنه هل يحط شئ من الأجرة للاختصار في الافعال وفى أن الدم على
63

المستأجر لامره بما يتضمن الدم أم على الأجير لنقصان الافعال وكل ذلك مخرج على الخلاف المقدم
في عكسه وهو ما إذا تمتع المأمور باقران (المسألة الثالثة) لو أمره بالافراد وامتثل فذاك وان قرن نظر إن
كانت الإجارة على العين فالعمرة واقعة لا في وقتها فهو كما لو استأجره للحج وحده فقرن وإن كانت
في الذمة وقعا عن المستأجر لان القران كالافراد شرعا في أخراج النفس عن العهدة ويجب على
الأجير الدم وهل يحط شئ من الأجرة أم ينجبر الخلل بالدم فيه الخلاف السابق وان تمتع فإن كانت
الإجارة على العين وقد أمره بتأخير العمرة فقد وقعت في غير وقتها فيرد ما يخصها من الأجرة وان
أمره بتقديمها أو كانت الإجارة على الذمة وقعا عن المستأجر وعلى الأجير دم إن لم يعد للحج إلى
الميقات وفي حط شئ من الأجرة الخلاف السابق (وقوله) في الكتاب وفى حط شئ من الأجرة
64

مع جبره بالدم ظاهره يقتضي كون الجبر مجزوما به وليس كذلك بل التردد في الحط تردد في أن
خلل المخالفة هل ينجبر بالدم أم لا على ما تقرر وتكرر (وأعلم) أن المسائل مشتركة في أن العدول عن
الجهة المأمور بها إلى غيرها غير قادح في وقوع النسكين عن المستأجر وفيه اشكال لان ما يراعى الاذن
في أصله يراعي في تفاصيله المقصودة فإذا خالف كان المأتي به غير المأذون فيه وأجاب الامام رحمه الله عنه بان
مخالفة المستأجر مشبهة بمخالفة الشرع في ترك المأمورات وارتكاب المحظورات التي لا تفسد وهي لا تمنع
الاعتداد بأصل النسكين وهذا لان المستأجر لا يحصل الحج لنفسه وإنما يحصله ليقع لله تعالي فجعلت مخالفته
كمخالفة الشرع ولك ان تقول لم تشبه مخالفة المستأجر بمخالفة الشرع ولا نسلم أن المستأجر لا يحصله لنفسه بل
يحصله ليخرج النفس عن عهدة الواجب وللفعل المخرج كيفيات مخصوصة بعضها أفضل من بعض فليراع غرضه
فيه ثم الفارق ان مخالفة الشرع فيما لا يفسد يستحيل ان يؤثر في الافساد وإذا صح فمحال أن يصح
لغيره وقد أتي به لنفسه وأما النسك الذي خالف فيه المستأجر فلا ضرورة في وقوعه عنه بل أمكن
صرفه إلى المباشرة على المعهود في نظائره والله أعلم *
قال (الرابعة إذا جامع الأجير فسد حجه وانفسخت الإجارة ان وردت على عينه ولزمه القضاء
لنفسه وإن كان على ذمته لم تنفسخ وهل يقع قضاؤه عن المستأجر أو يجب حجة أخرى سوى القضاء له
65

على وجهين) *
إذا جامع الأجير فسد حجه وانقلب إلى الأجير فيلزمه الكفارة والمضي في الفاسد والقضاء
ووجهه انه أتي بغير ما امر به فان المأمور به الحج الصحيح والمأتى به الحج الفاسد فينصرف إليه
كما لو أمره بشرى شئ بصفة فاشتري على غير تلك الصفة يقع عن المأمور وقد ينقلب الحج عن
الحالة التي انعقد عليها إلى غيرها ألا ترى ان حج الصبي ينعقد نفلا ثم إذا بلغ قبل الوقوف ينقلب
فرضا (فان قيل) انه موقوف في الابتداء (قلنا) بمثله ههنا وروى صاحب التهذيب رضي الله عنه عن
المزني رحمه الله انه لا ينقلب إلى الأجير بل يقع الفاسد والقضاء جميعا عن المستأجر وفى هذا تسليم
لوجوب القضاء لكن الرواية المشهورة عنه انه لا انقلاب ولا قضاء اما انه لانقلاب فلان الاحرام
قد انعقد عن المستأجر فلا ينقلب إلى غيره وأما انه لا قضاء فلان من له الحج لم يفسده فلا يؤثر
فعل غيره فيه ولم يعز الحناطي هذا المذهب إلى المزني لكن قال إنه حكاه قولا وإذا قلنا بظاهر
المذهب فإن كانت الإجارة على العين انفسخت والقضاء الذي يأتي به الأجير يقع عنه وإن كانت
في الذمة لم تنفسخ وعمن يقع القضاء فيه وجهان وقيل قولان (أحدهما) عن المستأجر لأنه قضاء
الأول ولو لافساده لو وقع عنه (وأصحهما) عن الأجير لان القضاء يحكي الأداء والأداء واقع عن الأجير فعلى
66

هذا يلزمه سوى القضاء حجة أخرى للمستأجر فيقضى عن نفسه ثم يحج عن المستأجر في سنة أخرى
أو ينيب من يحج عنه في تلك السنة وحيث لا تنفسخ الإجارة فللمستأجر خيار الفسخ لتأخر المقصود
وفرق أصحابنا العراقيون بين ان يستأجر المعضوب وبين أن تكون الإجارة لميت في ثبوت الخيار
وقد سبق نظيره والكلام عليه والمواضع المحتاجة إلى العلامة بالزاي تثبته *
قال (الخامسة لو أحرم عنه ثم نوي الصرف إلى نفسه لم ينصرف إليه وسقطت اجرته على أحد
القولين لأنه أعرض عنها *
إذا أحرم الأجير عن المستأجر ثم صرف الاحرام إلى نفسه ظنا منه بأنه ينصرف وأتم الحج
على هذا الظن فالحج للمستأجر وفى استحقاق الأجير الأجرة قولان (أحدهما) انه لا يستحق لأنه
أعرض عنها حيث قصد بالحج نفسه (وأصحهما) أنه يستحق لصحة العقد في الابتداء وحصول
غرض المستأجر وهذا الخلاف مجرى فيما إذا دفع ثوبا إلى صباغ ليصبغه فامسكه وجحده وصبغه
لنفسه ثم رده هل يستحق الأجرة وقس على هذا نظائره وإذا قلنا باستحقاق الأجرة فالمستحق المسمى
أو أجرة المثل حكى صاحب التتمة فيه وجهين (أصحهما) الأول *
قال (السادسة من مات في أثناء الحج فهل للوارث أن يستأجر أجيرا ليبنى على حجه فيه
67

قولان فان جوزنا ذلك فان مات بين التحللين أحرم الأجير احراما حكمه الا يحرم اللبس والقلم
لأنه بناء على ما سبق فهو كالدوام فعلى هذا إذا مات الأجير في أثناء الحج استحق قسطا من الأجرة
لان ما سبق لم يحبط وان قلنا لا يمكن البناء فقد حبط حق المستأجر ففي استحقاقه شيئا وجهان ولو مات
قبل الاحرام ففي استحقاقه قسطا لسفره وجهان مرتبان وأولى بان لا يستحق لان السفر لم يتصل بالمقصود) *
غرض الفصل بالكلام فيما إذا مات في أثناء الحج وقد قدم عليه مقدمة وهي ان الحاج
لنفسه إذا مات في أثناء الحج هل يجوز البناء على حجه وفيه قولان شبهوهما بالقولين في جواز البناء
على الاذان والخطبة وفى جواز الاستخلاف وان اختلفت الصور في الأظهر منها (الجديد) الصحيح انه
لا يجوز البناء على الحج لأنه عبادة يفسد أولها بفساد آخرها فأشبهت الصوم والصلاة ولأنه لو احصر
فتحلل ثم زال الحصر فأراد البناء عليه لا يجوز فإذا لم يجز له البناء على فعل نفسه فأولى ان لا يجوز
لغيره البناء على فعله (والقديم) الجواز لان النيابة جارية في جميع أفعال الحج فتجرى في بعضها كتفرقة
الزكاة (التفريع) ان لم يجوز البناء حبط المأتى به إلا في حق الثواب ووجب الاحجاج من تركته
إذا كان مستقرا في ذمته وان جوزنا البناء فاما ان يتفق الموت وقد بقي وقت الاحرام بالحج أو حين
لم يبق وقته فاما في الحالة الأولي فيحرم النائب بالحج ويقف بعرفة ان لم يقف الأصل ولا يقف
68

ان وقف ويأتي ببقية الأعمال ولا بأس بوقوع احرام النائب وراء الميقات فإنه مبنى على
احرام أنشئ منه واما في الحالة الثانية فبم يحرم فيه وجهان (أحدهما) وبه قال أبو إسحاق
انه يحرم بعمرة لفوات وقت الاحرام بالحج ثم يطوف ويسعى فيجزآنه عن طواف الحج وسعيه
ولا يبيت ولا يرمي فإنهما ليسا من أعمال العمرة ولكنهما يجبران بالدم (وأصحهما) انه يحرم بالحج
أيضا ويأتي ببقية الأعمال لأنه لو أحرم بالعمرة للزمه أفعال العمرة ولما انصرف إلى الحج والاحرام
ابتدأ هو الذي يمتنع تأخيره عن أشهر الحج وهذا ليس احراما مبتدأ وإنما هو مبني على ما سبق وعلى هذا
فلو مات بين التحللين أحرم النائب إحراما لا يحرم اللبس والقلم وإنما يحرم النساء لان احرام الأصل لو بقي
لكان بهذه الصفة (واعلم) ان الامام رحمه الله حكي الوجه الأول عن العراقيين ونسب الثاني إلى المروازه
ولعل ان نسبته الثاني إلى المراوزة بمعنى انه الذي أورده ولا يستمر نسبته إليهم بمعنى انهم أبدعوه ولا نسبة
الأول إلى العراقيين يعنى انهم اختاروه ولا انهم اقتصروا على ذكره لان كتبهم مشحونة بحكاية
الوجهين وناصة على ترجيح الثاني منهما وجميع ما ذكرنا فيما إذا مات قبل حصول التحللين فاما إذا مات بعد
حصولهما فقد قطع صاحب التهذيب وغيره بأنه لا يجوز البناء والحالة هذه إذ لا ضرورة إليه لامكان
جبر ما بقي من الأعمال بالدم وأوهم بعضهم اجراء الخلاف والله أعلم * إذا عرفت هذه المقدمة فنقول
69

لموت الأجير أحوال (إحداها) أن يكون بعد الشروع في الأركان وقبل الفراغ منها فهل يستحق
شيئا من الأجرة فيه قولان (أحدهما) لا لأنه لم يسقط الفرض عن المستأجر وهو المقصود فأشبه
ما لو التزم له مالا ليرد عبده الآبق إليه فرده إلى بعض الطريق ثم هرب (والثاني) نعم لأنه عمل بعض
ما استؤجر له فاستحق بقسطه من الأجرة كما لو استأجره لخياطة ثوب فخاط بعضه ثم اختلفوا فصار
صائرون إلى أن القولين مبنيان على أن البناء على الحج هل يجوز أم لا إن منعناه لم يلزم شئ
من الأجرة لان المستأجر لم ينتفع بما فعله وان جوزناه لزم وفى كلام أصحابنا العراقيين ما ينفي هذا
البناء لامرين (أحدهما) أن ابن عبدان ذكر أن الجديد استحقاق الأجرة والقديم خلافه وذلك
على عكس المنقول في جواز البناء (والثاني) ان كلمة الأصحاب متفقة على ترجيح قول المنع من قولي
البناء وقد حكم كثير منهم بترجيح قول الاستحقاق اما صريحا فقد ذكره الكرخي وغيره وأما
دلالة فلأنهم أشاروا إلى أن مأخذ القولين ان هذا العقد يلحق بالإجارات أو بالجعالات من حيث
أن المقصود عاقبة الامر وقطع المسافة ليس بمقصود ولابد منه ثم إنهم استبعدوا الحاقه بالجعالات وعدوه
إجارة ومعلوم أن في الإجارة يستحق بعض الأجرة ببعض العمل وأورد الامام رضي الله عنه
طريقة متوسطة بينهما وتابعه صاحب الكتاب فقالا إن جوزنا البناء استحق قسطا من الأجرة لا محالة
70

لان المستأجر بسبيل من اتمامه وان لم تجوزه ففي الاستحقاق الخلاف ووجه عدم الاستحقاق ان ما عمله
قد حبط ولم ينتفع المستأجر به ووجه الاستحقاق أنه ينفعه في الثواب وإن لم ينفعه في الاجزاء وقد أتى
الأجير بما عليه والموت ليس إليه والمشهور من الخلاف القولان وصاحب الكتاب نقلهما وجهين
(فان قلنا) إنه لا يستحق شيئا فذلك فيما إذا مات قبل الوقوف بعرفة فان مات بعده فقد حكي
الحناطي فيه وجهين والأظهر أنه لا فرق (وان قلنا) أنه يستحق شيئا فالأجرة تقسط على الأعمال
وحدها أم عليها مع السير فيه طريقان قال الأكثرون هو على قولين (أحدهما) انها تقسط على الأعمال
وحدها لان الأجرة تقابل المقصود والسير تسبب إليه وليس من المقصود في شئ (وأظهرهما) أنها تقسط على
العمل والسير جميعا لان للوسائل حكم المقاصد وتعب الأجير في السير أكثر فيبعد أن لا يقابل بشئ وقال
ابن سريج رحمه الله ان قال استأجرتك لتحج عنى فالتوزيع على الأعمال وحدها وان قال لتحج من بلد كذا
فالتوزيع على السير والأعمال جميعا ونزل النصين على الحالين ثم هل يبنى على ما فعله الأجير ينظر إن كانت
الإجارة على العين انفسخت ولا بناء لورثة الأجير كما لم يكن له أن ينيب بنفسه وهل للمستأجر أن يستأجر
من يتمه يبني على القولين في جواز البناء ان جوزناه فله ذلك والا فلا وإن كانت الإجارة على الذمة
71

(فان قلنا) لا يجوز البناء فلورثة الأجير أن يستأجروا من يحج عمن استؤجر له فان أمكنهم الاحجاج
عنه في تلك السنة لبقاء الوقت فذاك وان تأخر إلى السنة الأخرى ثبت الخيار كما سبق وان جوزنا
البناء فلورثة الأجير أن يتموا الحج ثم القول في أن النائب بم يحرم وفي حكم إحرامه بين التحللين
على ما سبق (الحالة الثانية) أن يكون بعد الاخذ في السير وقبل الاحرام فالمنقول عن نصه في عامة
كتبه أنه لا يستحق شيئا من الأجرة لأنه بسبب لا يتصل بالمقصود فصار كما لو قرب الأجير على
البناء الآلات من موضع البناء ولم يبن لم يستحق شيئا وعن أبي بكر الصيرفي والاصطخري أنه
يستحق قسطا من الأجرة لأنهما أفتيا سنة حصر القرامطة الحجيج بالكوفة بان الاجراء يستحقون
من الأجرة بقدر ما عملوا ووجهه أن الأجرة تقع في مقابلة السير والعمل جميعا ألا ترى أنها تختلف
باختلاف المسافة طولا وقصرا وفصل ابن عبدان المسألة فقال إن قال استأجرتك لتحج من بلد
كذا فالجواب على ما قالاه وان قال على أن تحج فالجواب على ما هو المشهور وهذا كالتفصيل الذي
مر عن ابن سريج (الحالة الثالثة) ولم يذكرها في الكتاب أن يكون موته بعد اتمام الأركان وقبل
الفراغ من سائر الأعمال فينظر إن فات وقتها أو لم يفت ولكن لم نجوز البناء فيجبر بالدم من مال
72

الأجير وفى ورد شئ من الأجرة الخلاف السابق وإن جوزنا البناء فإن كانت الإجارة على العين
انفسخت ووجب رد قسطها من الأجرة واستأجر المستأجر من يرمي ويبيت ولا دم على الأجير
وإن كانت على الذمة استأجر وارث الأجير من يرمى ويبيت ولا حاجة إلى الاحرام لأنهما عملان
يؤتى بهما بعد التحللين ولا يلزم الدم ولا يرد شئ من الأجرة ذكره في التتمة *
قال السابعة لو أحصر فهو كما لو مات ولو فات الحج فهو كالافساد لأنه يوجب القضاء ولا
يستحق شيئا) *
لو أحصر الأجير فله التحلل كما لو أحصر الحاج لنفسه فان تحلل فعمن يقع ما أتى به فيه وجهان
(أصحهما) عن المستأجر كما لو مات إذ لم يوجد من الأجير تقصير (والثاني) عن الأجير كما لو أفسده
لأنه لم يحصل غرضه فعلى هذا دم الاحصار على الأجير وعلى الأول هو على المستأجر وفى استحقاقه
شيئا من الأجرة الخلاف المذكور في الموت وان لم يتحلل وأقام على الاحرام حتى فاته الحج انقلب
الحج إليه كما في صورة الافساد ثم يتحلل بعمل عمرة وعليه دم الفوات ولو فرض الفوات بنوم
أو تأخر عن القافلة وغيرهما من غير احصار انقلب المأتى به إلى الأجير أيضا كما في الافساد لاشتراكهما
73

في ايجاب القضاء ولا شئ للأجير ومن الأصحاب من أجرى فيه الخلاف المذكور في الموت ولا يخفى
بعد الوقوف على ما ذكرنا أن قوله لو أحصر فهو كما لو مات أراد به ما إذا أحصر وتحلل وأنه يجوز ان
يعلم قوله كما لو مات بالواو لأنا حكينا وجها انه إذا تحلل وقع المأتي به عن الأجير وذلك الوجه غير
جاء في الموت فلا يكون الاحصار كالموت على ذلك الوجه وأنه لو أعلم قوله فهو كالافساد بالواو
وكذا قوله لا يستحق شيئا وقوله ولا يستحق شيئا جار مجرى التوكيد والايضاح والا ففي التشبيه
بالافساد ما يغنى عنه والله أعلم هذا تمام الكلام في المقدمة الأولي)
قال (المقدمة الثانية المواقيت * والميقات الزماني للحج شهر شوال (ح) وذو القعدة وتسع من ذي الحجة
وفى ليلة العيد إلى طلوع الفجر وجهان) *
ميقات الحج والعمرة ينقسم إلى زماني ومكاني (أما) الزماني فالكلام فيه في الحج ثم العمرة (أما)
الحج فوقت الاحرام به شوال وذو القعدة وتسع ليال بأيامها من ذي الحجة وفى ليلة النحر وجهان
حكاهما الامام وصاحب الكتاب (أصحهما) ولم يورد الجمهور سواه انها وقت له أيضا لأنها وقت للوقوف
بعرفة ويجوز أن يكون الوجه الآخر صادرا ممن يقول أنها ليست وقتاله وسيأتي بيان ذلك الخلاف في موضعه (واعلم) أن لفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر وأشهر الحج شوال وذو القعدة وتسع من ذي
الحجة وهو يوم عرفة فمن لم يدركه إلى الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج وفيه مباحثتان (إحداهما)
74

(قوله) وهو يوم عرفة قال المسعودي معناه والتاسع يوم عرفة وفيه معظم الحج (وقوله) فمن لم يدركه اختلفوا
في تفسيره فقال الأكثرون أراد من لم يدرك الاحرام بالحج إلى الفجر من يوم النحر وقال المسعودي
أراد من لم يدرك الوقوف بعرفة (الثانية) اعترض ابن داود فقال (قوله) وتسع من ذي الحجة اما أن يريد
به الأيام أو الليالي ان أراد الأيام فاللفظ مختل لان جمع المذكر في العدد بالهاء كما قال الله تعالى * وثمانية
أيام * وان أراد الليالي فالمعنى مختل لان الليالي عنده عشر لا تسع قال الأصحاب ههنا قسم آخر وهو
انه يريد الأيام والليالي جميعا والعرب تقلب التأنيث في العدد ولذلك قال الله تعالى: أربعة أشهر
وعشرا * وقال صلى الله عليه وسلم " واشترطي الخيار ثلاثا " والمراد الأيام والليالي ثم هب ان المراد الليالي
ولكن افردها بالذكر لان أيامها ملحقة بها (فاما) الليلة العاشرة فنهارها لا يتبعها فأفردها بالذكر
حيث قال فمن لم يدركه إلى الفجر من يوم النحر وهذا على تفسير الأكثرين (وأما) على تفسير
المسعودي فلم يمنع انشاء الاحرام ليلة النحر ان يتمسك بظاهر قوله وتسع من ذي الحجة ولا يلزمه
اشكال ابن داود واعلم قوله في الكتاب وتسع من ذي الحجة بالحاء والألف لأنهما يقولان
وعشر من ذي الحجة بأيامها وبالميم لأنه يقول وذي الحجة كله قال جماعة من الأصحاب وهذا اختلاف
لا يتعلق به حكم وعن القفال ان فائدة الخلاف مع مالك كراهة العمرة في ذي الحجة فان عنده تكره
العمرة في أشهر الحج ثم اتفق مالك وأبو حنيفة واحمد رحمهم الله على أن الاحرام بالحج ينعقد في غير
اشهره الا انه مكروه ويجوز ان يعلم قوله وتسع من ذي الحجة بالواو أيضا لان المحاملي حكى في الأوسط
قولا عن الاملاء كمذهب مالك (وقوله) والميقات الزماني للحج أي للاحرام به (فاما) الافعال فسيأتي
بيان أوقاتها *
قال (وأما) العمرة فجميع السنة وقتها ولا تكره في وقت أصلا الا للحاج العاكف بمنى في شغل
الرمي والمبيت لأنه لا تنعقد عمرته لعجزه عن التشاغل في الحال ولو أحرم قبل أشهر الحج بحج انعقد
إحرامه ويتحلل بعمل عمرة وهل تقع عن عمرة الاسلام فيه قولان)
75

السنة كلها وقت للاحرام بالعمرة ولا يختص بأشهر الحج روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " عمرة في
رمضان تعدل حجة (1) " واعتمرت عائشة رضي الله عنها من التنعيم ليلة المحصب (2) وهي الليلة التي يرجعون
فيها من منى إلى مكة ولا يكره في وقت منها وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة يكره في خمسة أيام يوم
عرفة ويوم النحر وأيام التشريق وقد قدمنا عن مالك كراهيته في أشهر الحج وتوقف الشيخ أبو محمد في
76

ثبوته عنه لنا أن كل وقت لا يكره فيه القران بين النسكين لا يكره فيه الافراد بأحدهما (أما) على أبي
حنيفة فكما قيل يوم عرفة (وأما) على مالك فكالافراد بالنسك الآخر ولا يكره أن يعتمر في السنة
مرارا بل يستحب الا كثار منها وعن مالك انه لا يعتمر في السنة الا مرة لنا ما روى " انه صلى الله عليه
وسلم أعمر عائشة في سنة واحدة مرتين (1) " وقد يمتنع الاحرام بالعمرة لا باعتبار الوقت بل باعتبار عارض
كمن كان محرما بالحج لا يجوز له ادخال العمرة على أظهر القولين كما سنشرحه وإذا تحلل عنه التحللين
وعكف بمني لشغل المبيت والرمي لم ينعقد والرمي لم ينعقد إحرامه بالعمرة لعجزه عن التشاغل بأعمالها في الحال نص عليه قال
الامام وكان من حق تلك المناسك ان لا تقع الا في زمان التحلل فان نفر النفر الأول فله الاحرام
بها لسقوط بقية الرمي عنه ثم في الفصل مسألة تتعلق بوقت الاحرام بالحج وهي انه لو أحرم بالحج
في غير أشهره ما حكمه لا شك في أنه لا ينعقد إحرامه بالحج ثم إنه نص في المختصر على أنه يكون عمرة
وفى موضع آخر على أنه يتحلل بعمل عمرة وللأصحاب فيهما طريقان (أظهرهما) ان المسألة على قولين
(أصحهما) ان إحرامه ينعقد بعمرة لان الاحرام شديد التشبث واللزوم فإذا لم يقبل الوقت ما أحرم به
انصرف إلى ما يقبله (والثاني) انه لا ينعقد بعمرة ولكن يتحلل بعمل عمرة كما لو فات حجه لان كل
واحد من الزمانين ليس وقتا للحج فعلى الأول إذا اتى بأعمال العمرة سقطت عنه عمرة الاسلام إذا
77

قلنا بافتراضها وعلى الثاني لا تسقط وشبهوا القولين بالقولين في التحرم بالصلاة قبل وقتها هل تنعقد
نافلة لكن الأظهر هناك انه إن كان عالما بالحال لم تنعقد نافلة وههنا الأظهر انعقاد عمرة
بكل حال لقوة الاحرام ولهذا ينعقد مع السبب المفسد له بان أحرم مجامعا (والطريق
الثاني) نفى القولين وله طريقان (أشهرهما) القطع بأنه يتحلل بعمل عمرة ولا ينعقد احرامه
عمرة لأنه لم ينوها (والثاني) حكى الامام قدس الله روحه عن بعض التصانيف ان احرامه ينعقد بهما
ان صرفه إلى العمرة كان عمرة صحيحة والا تحلل بعمل عمرة والنصان ينزلان على هذين الحالين وقد
عرفت من هذا ان المذكور في الكتاب طريق القولين ولما كانا متفقين على انعقاد الاحرام وعلى
أنه لا بد من عمل عمرة وإذا أتي به تحلل لا جرم جزم بانعقاد الاحرام وحصول التحلل ورد القولين
إلى الاحتساب به عن عمرة الاسلام ولك اعلام قوله قولان بالواو للطريق الثاني ولو أحرم قبل أشهر
الحج احراما مطلقا فان الشيخ أبا على خرجه على وجهين يأتي ذكرهما فيما إذا أحرم بالعمرة قبل
أشهر الحج ثم ادخل عليه الحج في اشهره هل يجوز (ان قلنا) يجوز انعقد احرامه بهما فإذا دخل أشهر
الحج فهو بالخيار في جعله حجا أو عمرة أو قرانا ويحكى هذا عن الخضري (وان قلنا) لا يجوز انعقد
احرامه بعمرة وهذا هو جواب الجمهور في هذه المسألة والقاطعون بأنه يتحلل بعمل عمرة في الصورة
الأولي نزلوا نصه في المختصر على هذه الصورة والله أعلم *
قال (أما الميقات المكاني فهو في حق المقيم بمكة خطة مكة على وخطة والحرم على رأى والأفضل
أن يحرم من باب داره فان أحرم خارج الحرم فهو مسئ) *
تكلم في الميقات المكاني في الحج ثم في العمرة وفى الحج في حق المقيم بمكة وغيره اما المقيم بمكة إذا أراد
الحج مكيا كان أو غيره فإنه يحرم منها وميقاته نفس مكة أو خطة الحرم كلها فيه وجهان وقال الامام
قولان (أصحهما) نفس مكة لما سيأتي من خبر ابن عباس رضي الله عنهما في المواقيت فعلى هذا
لو فارق البنيان وأحرم في حد الحرم فهو مسئ يلزمه ان يريق دما ان لم يعد كما لو جاوز خطة قرية
هي ميقات ثم أحرم والثاني ان ميقاته خطة الحرم لاستواء مكة وما وراءها من الحرم في الحمرمة ولهذا
لا يكفي للمكي إذا أراد ان يحرم بالعمرة ان يخرج عن خطة مكة بل يحتاج إلى الخروج عن الحرم فعلى هذا
78

إحرامه في الحرم بعد مجاوزة العمران ليس باساءة أما إذا أحرم بعد مجاوزة الحرم فقد أساء وعليه
الدم الا ان يعود قبل الوقوف بعرفة اما إلى مكة على الوجه الأول أو إلى الحرم على الثاني فيكون
حينئذ كمن قدم الاحرام على الميقات (وقوله) في الكتاب على رأى وعلى رأى مفسر بالقولين على
ما رواه الامام رحمه الله وبالوجهين على ما رواه المصنف في الوسيط وصاحبا التتمة والمعتمد ثم من
أي موضع أحرم من عمران مكة جاز وما الأفضل فيه قولان (أحدهما) ان الأفضل ان يتهيأ للاحرام
ويحرم في المسجد قريبا من البيت (وأظهرهما) ان الأفضل ان يحرم من باب داره ويأتي المسجد محرما
وهذا هو الذي أجاب به في الكتاب ويدل عليه ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " ان أفضل
حج ان تحرم من دويرة أهلك (1)) " *
قال (اما الآفاقي فميقات من يتوجه من جانب المدينة ذو الحليفة ومن الشام الجحفة ومن
اليمن يلملم ومن نجد اليمن ونجد الحجاز قرن ومن جهة المشرق ذات عرق وهذه المواقيت لأهلها
ولكل من مر بها والذي مسكنه بين الميقات وبين مكة فميقاته من مسكنه والذي جاوز الميقات لا على
قصد النسك فان عن له النسك فميقاته من حيث عن له) *
79

غير المقيم بمكة اما أن يكون مسكنه وراء المواقيت الشرعية وهو الافاقي أو بينها وبين مكة
والأول إذا انتهي إلى الميقات فاما أن يكون مريدا للنسك أو لا يكون فهؤلاء ثلاثة أصناف ولا بد
أولا من بيان المواقيت الشرعية وهي في حق المتوجهين من المدينة ذو الحليفة وهو على عشر مراحل
من مكة وعلى ميل من المدينة في حق المتوجهين من الشام ومصر والمغرب الجحفة وهي على خمسين
فرسخا من مكة وفى حق المتوجهين من تهامة اليمن يلملم وقد يسمى الملم وفى حق المتوجهين من نجد اليمن
ونجد الحجاز قرن وفي حق المتوجهين من جهة المشرق والعراق وخراسان ذات عرق وكل واحد من هذه
الثلاثة من مكة على مرحلتين وقد ذكر الأئمة أن اليمن يشتمل على نجد وتهامة وكذلك الحجاز وإذا أطلق
ذكر نجد كان المراد منه نجد الحجاز وميقات النجديين جميعا قرن وإذا قلنا إن ميقات اليمن يلملم
أراد به تهامتها لا كل اليمن (واعلم) ان ما عدا ذات عرق من هذه المواقيت منصوص عليه روى
في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة
ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم من لهن ولمن أتي عليهن من غيرهن ممن
أراد الحج والعمرة (1) " ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة واختلفوا في ذات
عرق على وجهين (أحدهما) أن توقيته مأخوذ من الاجتهاد لما روي عن طاوس أنه قال " لم يوقت رسول
الله صلى الله عليه وسلم ذات عرق ولم يكن حينئذ أهل المشرق أي مسلمين (2) " وفى الصحيح عن ابن
عمر رضي الله عنهما قال " لما فتح هذان المصران أتوا عمر رضي الله عنه فقالوا يا أمير المؤمنين ان
80

رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرن وهو حور عن طريقنا وانا ان أردنا شق علينا
قال فانظروا حذوها من طريقكم فحد لهم ذات عرق " (1) (والثاني) واليه صغو الأكثرين أنه منصوص
عليه روى عن عائشة رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق ذات عرق " (2)
ولا يبعد أن ينص عليه والقوم مشركون يومئذ إذا علم اسلامهم ويحتمل أن النصوص لم تبلغ
عمر رضي الله عنه والذين أتوه فاجتهدوا فوافق اجتهادهم النص ولو أحرم أهل المشرق من العقيق
كان أفضل وهو واد وراء ذات عرق مما يلي المشرق بقرب منها لما روى عن ابن عباس رضي الله
عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق " (3) ولان ذات عرق مؤقتة بالاجتهاد
على أحد الرأيين فالاحرام مما فوقها أحوط وقد يخطر ببالك إذا انتهيت إلى هذا المقام البحث عن
قرن من وجهين (أحدهما) أنه بتحريك الراء أو تسكينها وإن كان الأول فهل هو الذي ينسب إليه
81

أويس رضي الله عنه أم لا (والثاني) أنه قال في الخبر قرن المنازل فما هذه الإضافة وهل هو للتمييز
عن قرن آخر أم لا (والجواب) أما الأول فالسماع المعتمد فيه عن المتقنين التسكين ورأيته منقولا
عن أبي عبيد وغيره ورواه صاحب الصحاح بالتحريك وادعى أن أويسا منسوب إليه (واما الثاني)
فقد ذكر بعض الشارحين للمختصر أن القرن اثنان (أحدهما) في هبوط يقال له قرن المنازل (والآخر)
على ارتفاع يقرب منه وهي القرية وكلاهما ميقات والله أعلم * إذا عرفت ذلك فالصنف الأول الآفاقي
82

الذي انتهى إلى الميقات وهو يريد النسك فليس له مجاوزته غير محرم سواء أراد الحج أو العمرة
أو القران فان جاوزه فقد أساء وسيأتي حكمه ولا فرق بين أن يكون من أهل تلك الناحية أو من غيرها
كالمشرقي إذا جاء من المدينة والشامي إذا جاء من نجد لقوله صلى الله عليه وسلم " هن لهن ولمن اتى
عليهن من غيرهن " (الثاني) الآفاقي الذي انتهى إلى الميقات وهو غير مريد للنسك فننظر ان لم يكن
على قصد التوجه إلى مكة ثم عن له قصد النسك بعد مجاوزته فميقاته من حيث عن له هذا القصد
ولا يلزمه الرجوع إلى الميقات وقد أشار إليه في الخبر الذي سبق حيث قال فإن كان يريد الحج والعمرة
وإن كان على قصد التوجه إلى مكة لحاجة غير النسك ثم عن له قصد النسك عنة المجاوزة فينبنى
83

هذا على أن من أراد دخول الحرم هل يلزمه الاحرام بنسك وفيه خلاف مذكور في الكتاب في فصل
سنن دخول مكة فان ألزمناه فعليه انشاؤه من الميقات فيأثم بمجاوزته غير محرم كما إذا جاوزه على قصد
النسك غير محرم وان لم يلزمه الاحرام فهو كمن جاوزه غير قاصد للتوجه إلى مكة (الثالث) الذي مسكنه
بين أحد المواقيت وبين مكة فميقاته مسكنه يعني القرية التي يسكنها والحلة التي ينزلها البدوي
لقوله صلى الله عليه وسلم بعد ذكر المواقيت " فمن كان دونهن فمهله من أهله " وقوله في الكتاب والذي
جاوز الميقات لا على قصد النسك الخ قد أطلق الكلام فيه اطلاقا ولا بد من التفصيل الذي ذكرناه
ويجوز ان يعلم قوله فميقاته حيث عن له بالألف لان عند احمد أنه إذا جاوز غير قاصد لدخول مكة
ثم عن له قصد النسك يلزمه العود إلى الميقات فإن لم يعد فعليه دم *
84

قال (والأحب ان يحرم من أول جزء من الميقات وان أحرم من آخره فلا بأس ولو حاذى
ميقاتا فميقاته عند المحاذاة إذا المقصود مقدار البعد عن مكة وان جاء من ناحية لم يحاذ ميقاتا ولا مر به
أحرم من مرحلتين فإنه أقل المواقيت وهو ذات عرق) *
في الفصل صور (إحداها) يستحب لمن يحرم من بعض المواقيت الشرعية ان يحرم من أول
جزء ينتهى إليه وهو الطرف الا بعد من مكة ليقطع الباقي محرما ولو أحرم من آخره جاز لوقوع الاسم
عليه ويستحب لمن ميقاته حلته أو قريته أيضا ان يحرم من الطرف الا بعد والاعتبار في المواقيت
85

الشرعية بتلك المواضع لا بالقرى والأبنية حتى لا يتغير الحكم لو خرب بعضها فنقلت العمارة إلى
موضع آخر قريب منه وسمى بذلك الاسم (الثانية) إذا سلك البحر أو طريقا في البر لا ينتهي إلى واحد
من المواقيت المعينة فميقاته الموضع الذي يحاذي الميقات المعين فان اشتبه عليه فليتأخ وطريق الاحتياط
لا يخفى ولو حاذى ميقاتين يتوسطهما طريقه نظران تساويا في المسافة إلى مكة والى طريقه جميعا أو في المسافة
إلى مكة وحدها فميقاته الموضع الذي يحاذيها وإن تساويا في المسافة إلى طريقه وتفاوتا في المسافة إلى مكة
ففيه وجهان (أحدهما) أنه يتخير ان شاء أحرم من الموضع المحاذي لا بعد الميقاتين وان شاء أحرم من الموضع
المحاذي لأقربهما (وأظهرهما) وبه قال القفال انه يحرم من الموضع المحاذي لا بعدهما وليس له انتظار
86

الوصول إلى محاذاة الأقرب كما ليس للآتي من المدينة أن يجاوز ذا الحليفة ليحرم من الجعفة وقد
تصور في هذا القسم محاذاة الميقاتين دفعة واحده وذلك بانحراف أحد الطريقين والتوائه لوعورة
وغيرها فلا كلام في أنه يحرم من موضع المحاذاة وحكي الامام وجهين في أنه منسوب إلى أبعد الميقاتين أو
أقربهما قال وفائدتهما تظهر فيما إذا جاوز موضع المحاذاة والنهي إلى حيث يفضي إليه طريقا الميقايتين وأراد
العود لدفع الإساءة ولم يعرف موضع المحاذاة أيرجع إلى هذا الميقات أم إلى ذلك وتابعه المصنف
على رواية الوجهين في الوسيط وكلاهما لا يصرح بالتصوير في الصورة التي ذكرتها كل التصريح لكنه
المفهوم مما ساقاه ولا اعرف غيره والله أعلم. وان تفاوت الميقاتان في المسافة إلى مكة والى طريقه فالاعتبار
87

بالقرب إليه أو إلى مكة فيه وجهان أولهما أظهرهما (واعلم) ان الأئمة فرضوا جميع هذه الأقسام فيما إذا
توسط بين طريقين يفضى كل واحد منهما إلى ميقات ويمكن تصوير القسم الثالث والرابع في ميقاتين على
يمينه أو شماله كذي الحليفة والجحفة فان أحدهما بين يدي الآخر فيجوز فرضهما على اليمين أو
الشمال وتساوى قربهما إلى طريقه وتفاوته (الثالثة) لو جاء من ناحية لا يحاذي في طريقها ميقاتا ولا يمر
به فعليه ان يحرم إذا لم يبق بينه وبين مكة إلا مرحلتان إذ ليس شئ من المواقيت أقل مسافة
من هذا القدر (وقوله) في الكتاب فإنه أقل المواقيت وهو ذات عرق إنما كان يحسن ان لو كانت
ذات عرق أقل مسافة من كل ما سواها من المواقيت لكن قد مران ذات عرق مع يلملم وقرن
متساوية في المسافة
88

(قال ومهما جاوز ميقاتا غير محرم فهو مسئ وعليه الدم ويسقط عنه بان يعود إلى الميقات قبل
أن يبعد عنه بمسافة القصر وان عاد بعد دخول مكة لم يسقط وإن كان بينهما فوجهان ثم ينبغي ان
يعود أولا ثم يحرم من الميقات فان أحرم ثم عاد محرما ففي سقوط الدم وجهان ولو أحرم قبل
الميقات كان أحب)
الفصل يشتمل على المسألتين (إحداهما) إذا جاوز الموضع الذي لزمه الاحرام منه غير محرم أثم
وعليه العود إليه والاحرام منه ان لم يكن عذر وإن كان كما لو خاف الانقطاع من الرفقة أو كان
الطريق مخوفا أو الوقت ضيقا أحرم ومضي على وجهه ثم إذا لم يعد فعليه دم لما روى عن ابن عباس
89

رضي الله عنهما موقوف ومرفوعا " ان من ترك نسكا فعليه دم " (1) وان عاد فلا يخلو إما ان يعود وينشئ
الاحرام منه أو يعود إليه بعد ما أحرم (فأما) في الحالة الأولى فالذي نقله الامام وصاحب الكتاب
رحمهما الله انه ان عاد قبل ان يبعد عن الميقات بمسافة القصر فلا دم عليه لأنه حافظ على الواجب في
تعب تحمله وإن عاد بعد ما دخل مكة لم يسقط عنه الدم لوقوع المحذور وهو دخول مكة غير محرم
مع كونه على قصد النسك وإن عاد بعد ما بعد عن الميقات بمسافة القصر فوجهان (أظهرهما) أنه يسقط
90

كما لو عاد بعد البعد عنه بهذه المسافة (والثاني) لا يسقط لتأكد الإساءة بانقطاعه عن الميقات حد
السفر الطويل هذا ما ذكراه والجمهور قضوا بأنه لو عاد وأنشأ الاحرام منه فلا دم عليه ولم يفصلوا
بين ان يبعد أو لا يبعد ولا بين ان يدخل مكة أو لا يدخلها فعليك إعلام قوله وان عاد بعد دخول
مكة لم يسقط بالواو ومعرفة ما فيه (واما) الحالة الثانية وهي أن يحرم ثم يعود إلى الميقات محرما فقد
أطلق صاحب الكتاب وطائفة في سقوط الدم فيها وجهين ورواهما القاضي أبو الطيب قولين وجه
عدم السقوط وبه قال مالك واحمد رحمهما الله تأكد الإساءة بانشاء الاحرام من غير موضعه وراعى
الامام رحمه الله مع ذلك ترتيب هذه الحالة على التفصيل المذكور في الأولى فقال إن قصرت المسافة
91

ففي السقوط الخلاف ون طالت فالخلاف مرتب وأولي بألا يسقط فان دخل مكة فأولى بعدم
السقوط من الحالة الأولى وظاهر المذهب عند الأكثرين ان يفصل فيقال إن عاد قبل ان يتلبس بنسك
سقط عنه الدم لقطعه المسافة من الميقات محرما وأداء المناسك بعده وان عاد بعد ما تلبس بنسك لم
يسقط لتأديه باحرام ناقص ولا فرق بين أن يكون ذلك النسك ركنا كالوقوف بعرفة أو سنة
كطواف القدوم ومنهم من لم يجعل للتلبس بالسنة تأثيرا وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا أحرم بعد مجاوزة
الميقات وعاد قبل ان يتلبس بنسك ولبي سقط عنه الدم وان عاد ولم يلب لم يسقط (وقوله) في أول
الفصل ومهما جاوز ميقاتا غير محرم فهو مسئ وعليه الدم يدخل فيه ما إذا جاوز عالما وما إذا جاوز جاهلا أو
ناسيا والامر على هذا الاطلاق فيما يرجع إلى لزوم الدم لأنه مأمور بالاحرام من الميقات والنسيان ليس
عذرا في ترك المأمورات كالنية في الصوم والصلاة بخلاف ما إذا تطيب أو لبس ناسيا فإنهما من
المحظورات والنسيان عذر فيهما كما في الاكل في الصوم والكلام في الصلاة (واما) الإساءة فهي ثابتة
على الاطلاق أيضا ان أراد بكونه مسيئا كونه مقصرا وان أراد الاثم فلا أثم عند الجهل والنسيان ويجوز
ان يعلم قوله وعليه الدم بالحاء لان عند أبي حنيفة رحمه الله الجائي من طريق المدينة إذا لم يكن
مدنيا لو جاوز ذا الحليفة وأحرم من الجحفة لم يلزمه دم ويروى ذلك في حق المدني وغيره (المسألة
92

الثانية) الاحرام من الميقات أفضل أو مما فوقه روى البويطي والمزني في الجامع الكبير انه من الميقات
أفضل وبه قال مالك واحمد وقال في الاملاء الاحب ان يحرم من دويرة أهله وبه قال أبو حنيفة
وللأصحاب طريقان (أظهرها) ان المسألة على قولين (أحدهما) انه لا يستحب الاحرام مما فوقه لان النبي صلى الله عليه وسلم
لم يحرم الا من الميقات " (1) ومعلوم انه يحافظ على ما هو الأفضل ولان في الاحرام فوق الميقات تغريرا
93

بالعباد لما في مصابرته والمحافظة على واجياته من العسر ولهذا المعني أطلق مطلقون لفظ الكراهة
على تقديم الاحرام عليه (وأظهرهما) ان الاحب ان يحرم من دويرة أهله لان عمر وعليا رضي الله عنهما
فسرا الاتمام في قوله تعالي (وأتموا الحج والعمرة لله) بذلك وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من أحرم من
المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام بحجة أو عمرة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر " (1) (والطريق
94

الثاني) القطع بالقول وحمل الأول على التزيي بزي المحرمين من غير احرام على ما يعتاده الشيعة ويخرج
من فحوى كلام الأئمة طريقة ثالثة وهي حمل الأول على ما إذا لم يأمن على نفسه من ارتكاب محظورات
الاحرام وتنزيل الثاني على ما إذا امن عليها (وقوله) في لكتاب ولو أحرم قبل الميقات كان أحب
يجوز أن يكون جوابا على أظهر القولين على الطريقة الأولي ويجوز أن يكون ذهابا إلى الثانية وهو
95

الذي قصده المصنف على ما أورده في الوسيط فإنه نسب استحباب التقديم إلى القديم وكراهيته إلى
الجديد وذكر ان الجديد مؤول وكيفما كان فليكن قوله أحب معلما بالواو مع الميم والألف (واعلم) ان
تسمية أحد القولين قديما والاخر جديدا لم أره الا له والكتب التي عزى النصان إليها بأسرها معدودة
من الحديد *
96

(قال اما العمرة فميقاتها ميقات الحج الا في حق المكي والمقيم بها فان عليهم الخروج إلى
طرف الحل ولو بخطوة في ابتداء الاحرام فإن لم يفعل لم يعتد بعمرته على أحد القولين لأنه لم يجمع بين
الحل والحرم والحاج بوقوف عرفة جامع بينهما وأفضل البقاع لاحرام العمرة الجعر أنه تم التنعيم ثم الحديبية)
لما فرغ من الكلام في الميقات المكاني في الحج اشتغل بالكلام فيه في العمرة والمعتمر إما
أن يكون خارج الحرم أو فيه فإن كان خارج الحرم فموضع احرامه بالعمرة هو موضع إحرامه بالحج بلا فرق
وإن كان في الحرم سواء كان مكيا أو مقيما بمكة فالكلام في ميقاته الواجب ثم في الأفضل (أما) الواجب فهو
أن يخرج إلى أدنى الحل ولو بخطوة من أي جانب شاء " لان عائشة رضي الله عنها لما أرادت أن
97

تعتمر بعد التحلل أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بان تخرج إلى الحل فتحرم " (1) فان خالف وأحرم
بها في الحرم انعقد إحرامه ثم له حالتان (إحداهما) ان لا يخرج إلى الحل بل يطوف ويسعي ويحلق
فهل يجزئه ذلك عن عمرته فيه قولان محكيان عن نصه في الام (أصحهما) نعم وبه قال أبو حنيفة
لان احرامه قد انعقد وأتى بعده بالأعمال الواجبة لكن يلزمه دم لتركه الاحرام من الميقات
98

(والثاني) انه لا يجزئه ما أتي به لأن العمرة أحد النسكين فيشترط فيه الجمع بين الحل والحرم كما في
الحج فان الحاج لا بد له من الوقوف بعرفة وانها من الحل (التفريع) ان قلنا بالأول فلو وطئ بعد
الحلق لم يلزمه شئ لوقوعه بعد التحلل وان قلنا بالثاني فالوطئ واقع قبل التحلل لكنه يعتقد كونه
بعد التحلل فهو بمثابة وطئ الناسي وفى كونه مفسدا قولان سيأتي ذكرهما فان جعلناه مفسدا فعليه
المضي في الفاسد بان يخرج إلى الحل ويعود فيطوف ويسعي ويحلق ويلزمه القضاء وكفارة الافساد
ويلزمه دم للحلق أيضا لوقوعه قبل التحلل (والحالة الثانية) ان يخرج إلى الحل ثم يعود فيطوف
99

ويسعي فيعتد بما أنى به لا محالة وهل يسقط عنه دم الإساءة حكى الامام رحمه الله فيه طريقين
(أحدهما) تخريجه على الخلاف المذكور في عود من جاوز الميقات إليه محرما (والثاني) القطع بالسقوط
فان المسئ هو الذي ينتهي إلى الميقات على قصد النسك ثم يجاوزه وهذا المعنى لم يوجد ههنا بل هو شبيه
بمن أحرم قبل الميقات وهذا هو الذي أورده الأكثرون فعلى هذا الواجب هو خروجه إلى الحل
قبل الأعمال اما في ابتداء الاحرام أو بعده وان قلنا لا يسقط الدم فالواجب هو الخروج في ابتداء
الاحرام وقد أشار إليه في الوسيط فقال ولو بخطوة في ابتداء الاحرام أو دوامه على رأى وإذا كان
100

كذلك فليعلم قوله في ابتداء الاحرام بالواو ثم قوله فإن لم يفعل يعتد بعمرته على أحد القولين ظاهر
اللفظ يقتضي كون الاعتداد بأفعال العمرة على القولين إذا لم يخرج إلى الحل في ابتداء الاحرام
وليس كذلك بل موضع القولين ما إذا لم يخرج لا في الابتداء ولا بعده حتى أتى بالأعمال فليؤول
(وقوله) لم يعتد معلم بالحاء لم أقدمنا (وقوله) أولا الا في حق المكي والمقيم بها لا شك أن المراد من المكي
الحاضر بمكة فلو اقتصر على قوله في حق المقيم بمكة لا غناه ودخل فيه ذلك المكي (وأما) الأفضل
فأحب البقاع من أطراف الحل لاحرام العمرة الجعرانة فإن لم يتفق فمن التنعيم فإن لم يتفق فمن الحديبية
101

وليس النظر فيها إلى المسافة ولكن المتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نقلوا انه اعتمر من الجعرانة مرتين مرة عمرة
القضاء سنة سبع ومرة عمرة هوازن ولما أرادت عائشة رضي الله عنها ان تعتمر امر أخاها عبد الرحمن ان
يعمرها من التنعيم فاعمرها منه (1) وصلى بالحديبية عام الحديبية وأراد الدخول منها للعمرة فصده المشركون
عنها فقدم الشافعي رضي الله عنه ما فعله ثم امر به ثم ما هم به والجعرانة على ستة فراسخ من مكة والحديبية
102

كذلك وهي بين طريق جدة وطريق المدينة في منعطف بين جبلين وبها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم التنعيم على
فرسخ من مكة وهو على طريق المدينة وفيه مسجد عائشة رضي الله عنها هذا تمام الكلام في القسم الأول
من كتاب الحج *
قال (القسم الثاني من الكتاب في المقاصد وفيه ثلاثة أبواب
(الباب الأول) في وجوه أداء النسكين
وهو ثلاثة (الأول) الافراد وهو أن يأتي بالحج مفردا من ميقاته وبالعمرة مفردة من ميقاتها) *
من أحرم بنسك لزمه فعل أمور وترك أمور والنظر في الأمور المفعولة من وجهين (أحدهما) في كيفية أفعالهما
103

(والثاني) في كيفية أدائهما باعتبار القران بينهما وعدمه فلا جرم حصر كلام هذا القسم في ثلاثة أبواب (أولها)
في وجوه أداء النسكين (وثانيها) في صفة الحج ويتبين فيه صفة العمرة أيضا (وثالثها) في محظورات الحج والعمرة
وإنما انقسم أداء النسكين إلى الوجوه الثلاثة لأنه اما أن يقرن بينهما وهو المسمى قرانا أو لا يقرن فاما أن يقدم
الحج على العمرة وهو الافراد أو يقدم العمرة على الحج وهو التمتع وفيه شروط ستظهر من بعد فإذا تخلف بعضها
فربما عدت الصورة من الافراد والوجوه جميعا جائزة بالاتفاق وقد روى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت
" خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بالحج ومنا من أهل بالعمرة ومنا من أهل بالحج والعمرة (1) " (وأما)
104

الأفضل منها فان قول لشافعي رضي الله عنه لا يتخلف في تأخير القران عن الافراد والتمتع لان أفعال النسكين
فيهما كمل منها في القران * وقال أبو حنيفة رحمه الله القران أفضل منهما ويحكى ذلك عن اختيار المزني
105

وابن المنذر وأبي إسحاق المروزي لما روى عن عائشة قالت " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يصرخ بهما صراخا يقول
لبيك بحجة وعمرة " (1) لكن هذه الرواية معارضة بروايات أخر راجحة على ما سيأتي واختلف قوله في الافراد
والتمتع أيهما أفضل قال في اختلاف الحديث التمتع أفضل وبه قال احمد وأبو حنيفة رحمهما الله لما روى عن النبي
106

صلى الله عليه وسلم قال " لو استقبلت من امرى ما استدبرت ما سقت الهدى وجعلته عمرة " (1) والاستدلال انه صلى الله عليه وسلم تمنى
تقديم العمرة ولولا أنه أفضل لما تمناه وقال في عامة كتبه الافراد أفضل وهو الأصح وبه قال مالك لما روى
107

عن جابر رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد " وروى مثله ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم (1) ورجح الشافعي
رضي الله عنه رواية جابر على رواية رواة القران والتمتع بان جابرا أقدم صحبة وأشد عناية بضبط المناسك (2)
108

وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم من لدن خروجه من المدينة إلى أن تحلل (وأما) قوله لو استقبلت من أمري الخبر (1)
فإنما ذكره تطييبا لقلوب أصحابه واعتذارا إليهم وتمام الخبر ما روى عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم إحراما
109

مبهما وكان ينتظر الوحي في اختيار أحد الوجوه الثلاثة فنزل الوحي بان من ساق الهدى فليجعله
حجا ومن لم يسق فليجعله عمرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة قد ساقا الهدى دون غيرهما فأمرهم بان
110

يجعلوا إحرامهم عمرة ويتمتعوا وجعل النبي صلى الله عليه وسلم إحرامه حجا فشق عليهم ذلك لأنهم كانوا
يعتقدون
من قبل أن العمرة في أشهر الحج من أكبر الكبائر فالنبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك وأظهر الرغبة في موافقتهم لو لم
111

يسق الهدى فان الموافقة الجالبة للقلوب أهم بالتحصيل من فضيلة وقربة واتفق الأصحاب على القولين
على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفردا عام حجة الوداع وحكى الامام رحمه الله عن ابن سريج أنه كان متمتعا ونقل
112

عن بعض التصانيف شيئا آخر في الفصل واستبعده وهو أن الافراد مقدم على القران والتمتع جزما
والقولان في التمتع والقران أيهما أفضل واعلم أن تقديم الافراد على التمتع والقران مشروط بأن
113

يعتمر في تلك السنة (أما) لو أخر فكل واحد من التمتع والقران أفضل منه لان تأخير العمرة عن سنة الحج مكروه
(وقوله) في الكتاب وهو أن يأتي بالحج مفردا من ميقاته وبالعمرة مفردة من ميقاتها أراد من ميقاتها في حق
114

الحاضر بمكة ولا يلزمه العود إلى ميقات بلده وفيما علق عن الشيخ أبي محمد أن أبا حنيفة رحمه الله
يأمره بالعود ويوجب دم الإساءة ان لم يعد والله أعلم ثم الافراد لا ينحصر في هذه الصورة بل يلتحق
115

بها من صور تخلف شروطا التمتع صورا ينتهى إليها *
قال (الثاني القران وهو أن يحرم بهما جميعا فيتحد الميقات والفعل (ح) وتندرج العمرة تحت الحج
116

ولو أحرم بالعمرة ثم أدخل الحج عليها قبل الطواف كان قارنا وإن كان بعده لغى ادخاله ولو أدخل العمرة
على الحج لم يصح في أحد القولين لأنه لا يتغير الاحرام به بعد انعقاده)
117

الصورة الأصلية للقران أن يحرم بالحج والعمرة معا فتندرج العمرة تحت الحج ويتحد الميقات والفعل ويجوز
أن يعلم قوله والفعل بالحاء لان عند أبي حنيفة رحمه الله يأتي بطوافين وسعيين أحدهما للحج والآخر للعمرة *
118

لنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها " وطوافك بالبيت وسعيك
بين الصفا والمروة يكفيك لحجتك وعمرتك " (1) وأيضا فقد سلم الاكتفاء باحرام
119

واحد وحلق واحد فنقيس السعي والطواف عليهما ثم في الفصل مسألتان (إحداهما)
لو أحرم بالعمرة أولا ثم أدخل عليها الحج نطر ان أدخله عليها في غير أشهر الحج لغى ولم يتغير
احرامه بالعمرة وإن أدخله عليها في أشهر الحج نظر إن أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج فهذه الصورة
120

قد ذكرها في الكتاب في أول الباب الثاني وستجدها عند الوصول إليها مشروحة إن شاء الله تعالى *
وان أحرم بالعمرة في أشهر الحج وادخل عليها الحج في اشهره وهو المقصود في هذا الموضع فينظر ان
121

لم يشرع في الطواف جاز وصار قارنا لان عائشة رضي الله عنها أحرمت بالعمرة لما خرجت مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فحاضت ولم يمكنها ان تطوف للعمرة وخافت فوات الحج لو اخرته إلى
122

إن تظهر فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكى فقال مالك أنفست قالت بلى قال ذاك شئ كتبه الله علي بنات
آدم أهلي بالحج واصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت وطوافك يكفيك لحجك وعمرتك " (1)
فأمرها صلى الله عليه وسلم بادخال الحج على العمرة لتصير قارنة حتى لا يفوتها الحج فإذا طهرت طافت
للنسكين معا وان شرع في الطواف أو أتمه لم يجز إدخال الحج عليها ولم لا يجوز ذكروا في تعليله أربعة معان
123

(أحدها) أنه اشتغل بعمل من أعمال العمرة واتصل الاحرام بمقصوده فيقع ذلك العمل عن العمرة ولا
ينصرف بعده إلى القران (والثاني) أنه أتى بفرض من فروض العمرة فان الفرائض هي المعينة وما عداها
لا يضر عدم انصرافها إلى القران (والثالث) أنه أتى بمعظم أفعال العمرة فان الطواف هو المعظم في العمرة
فإذا وقع عن العمرة لم ينصرف إلى غيرها (والرابع) أنه أخذ في التحلل في العمرة وحينئذ لا يليق به إدخال
احرام عليه لأنه يقتضي قوة الاحرام وكماله والمتحلل جار في نقصان الاحرام وشبه الشيخ أبو علي ذلك بما لو
ارتدت الرجعية فراجعها الزوج في الردة فان الشافعي رضي الله عنه نص على أنه لا يجوز لان الرجعة
124

استباحة فلا تصح والمرأة جارية إلى تحريم وهذا المعنى الرابع هو الذي أورده أبو بكر الفارسي في العيون
وحيث جوزنا إدخال الحج على العمرة فذلك إذا كانت العمرة صحيحة فان أفسدها ثم أدخل عليها الحج
ففيه خلاف سنورده من بعد إن شاء الله تعالى (المسألة الثانية) لو أحرم بالحج في وقته أولا ثم أدخل عليه
العمرة ففي جوازه قولان (القديم) وبه قال أبو حنيفة انه يجوز كما ادخال الحج على العمرة والجامع انهما
نسكان يجوز الجمع بينهما (والجديد) وبه قال احمد رحمه الله أنه لا يجوز لان الحج أقوى وآكد من العمرة
لاختصاصه بالوقوف والرمي والمبيت والضعيف لا يدخل على القوى وإن كان القوى قد يدخل على الضعيف
ألا ترى ان فراش ملك النكاح لما كان أقوى من فراش ملك اليمين لاختصاصه بإفادة قوة حقوق نحو
الطلاق والظهار والايلاء والميراث لم يجز إدخال فراش ملك اليمين على فراش ملك النكاح حتى لو
اشترى أخت منكوحته لم يجز له وطؤها ويجوز إدخال فراش النكاح على فراش ملك اليمين حتى لو
نكح أخت أمته أو أخت أم ولده حل له وطؤها وأيضا فإنه إذا ادخل الحج على العمرة زاد بادخاله أشياء
لم تكن عليه وإذا ادخل العمرة على الحج لم يزد شيئا على ما عليه فلو جوزناه لأسقطنا العمرة عنه بالدم
وحده وذلك مما لا وجه له والى هذا المعنى أشار في الكتاب بقوله لأنه لم يتغير الاحرام به بعد انعقاده
فإن لم نجوز ادخال العمرة على الحج فذاك وان جوزناه فإلى متى تجوز فيه وجوه مفرعة على المعاني
الأربعة في المسألة السابقة (أحدها) انه يجوز قبل طواف القدوم ولا يجوز بعد اشتغاله به لاتيانه بعمل
من اعمال الحج وذكر في التهذيب ان هذا أصح (والثاني) ويحكي عن الخضري انه يجوز بعد طواف
القدوم ما لم يسع وما لم يأت بفرض من فروض الحج فان اشتغل بشئ منها فلا (والثالث) يجوز وان اشتغل
125

بفرض ما لم يقف بعرفة فإذا وقف فلا لأنه معظم أعمال الحج وعلى هذا لو كان قد سعي فعليه إعادة السعي
ليقع عن التسكين جميعا كذا قاله الشيخ في معظم الفروع (والرابع) يجوز وإن وقف ما لم يشتغل بشئ من
أسباب التحلل من الرمي وغيره فان اشتغل فلا وعلى هذا لو كان قد سعي فقياس ما ذكره الشيخ وجوب
إعادته وحكي الامام فيه وجهين وقال المذهب انه لا يجب ويجب على القارن دم لما روى عن عائشة رضي الله عنها
قالت " أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بقرة ونحن قارنات " (1) ولان الدم واجب على المتمتع
بنص القرآن وأفعال المتمتع أكثر من أفعال القارن فإذا وجب عليه الدم فلان يجب على القارن كان أولى وصفة
126

دم القران كصفة دم التمتع وكذا بدله وعن مالك ان على القارن بدنة وحكي الحناطي عن القديم
مثله * لما ان المتمتع أكثر ترفيها لاستمتاعه بمحظورات الاحرام بين النسكين فإذا اكتفى منه بشاة فلان
يكتفي بها من القارن كان أولى والله أعلم *
قال (الثالث التمتع وهو أن يفرد العمرة ثم الحج ولكن يتحد الميقات إذا تحرم بالحج من
جوف مكة وله ستة شروط (الأول) ان لا يكون من حاضري الحرام المسجد فان الحاضر ميقاته نفس مكة
فلا يكون قد ربح ميقاتا وكل من مسكنه دون مسافة القصر حوالي مكة فهو من الحاضرين والآفاقي
إذا جاوز الميقات غير مريد نسكا فكما دخل مكة اعتمر ثم حج لم يكن متمتعا إذا صار من الحاضرين
إذ ليس يشترط فيه قصد الإقامة (الثاني) أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج فلو تقدم تحللها لم يكن متمتعا
إذ لم يزحم الحج بالعمرة في مظنته ولو تقدم احرامها دون التحلل ففيه خلاف فإذا لم يكن متمتعا ففي لزوم دم
الإساءة لأجل أنه أحرم بالحج من مكة لا من الميقات وجهان (الثالث) أن يقع الحج والعمرة في سنة واحدة
(الرابع) ألا يعود إلى ميقات الحج فلو عاد إليه أو إلى مثل مسافته كان مفردا ولو عاد إلى ميقات كان أقرب من
ذلك الميقات فوجهان (الخامس) ان يقع النسكان عن شخص واحد فلو اعتمر عن نفسه ثم حج عن المستأجر فلا
تمتع على أحد الوجهين (السادس) نية التمتع على أحد الوجهين تشبيها له بالجمع بين الصلاتين (والأصح)
أنه يشترط كما في القران) *
(التمتع هو أن يحرم بالعمرة من ميقات بلده ويدخل مكة ويأتي بأعمال العمرة ثم ينشئ
الحج من مكة سمى تمتعا لاستمتاعه بمحظورات الاحرام بينهما أو تمكنه من الله الاستمتاع
لحصول التحلل وعند أبي حنيفة رحمه إن كان قد ساق الهدى لم يتحلل بفراغه من العمرة بل يحرم
بالحج فإذا فرغ منه حل منهما جميعا وإن لم يسق الهدى تحلل عند فراغه من العمرة * لنا أنه متمتع
ما أكمل أفعال عمرته فأشبه وإذا لم يسق الهدى (وقوله) أن يفرد العمرة ثم الحج فيه إشارة إلى أن أفعالهما
127

لا تتداخل بل يأتي بهما على الكمال بخلاف ما في القران (وقوله) لكن يتحد الميقات إذ يحرم بالحج من
جوف مكة معناه أنه بالتمتع من العمرة إلى الحج يربح ميقاتا لأنه لو أحرم بالحج من ميقات بلده لكان
يحتاج بعد فراغه من الحج إلى أن يخرج من أدنى الحل فيحرم بالعمرة منه وإذا تمتع استغنى عن الخروج
لأنه يحرم بالحج من جوف مكة فكان رابحا أحد الميقاتين ويجب على المتمتع دم قال الله تعالى (فمن تمتع
بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى) وإنما تجب بشروط (أحدها) الا يكون من حاضري المسجد
الحرام قال الله تعالى (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) والمعنى فيه أن الحاضر بمكة ميقاته
للحج نفس مكة فلا يكون بصورة التمتع رابحا ميقاتا وكل من مسكنه دون مسافة القصر فهو من
حاضري المسجد الحرام فان زادت المسافة فلا وبه قال أحمد وعند أبي حنيفة رحمه الله حاضر والمسجد
أهل المواقيت والحرم وما بينهما وقال مالك هم أهل مكة وذي طوى وربما روى عنه أنهم أهل الحرم
لنا ان من قرب من الشئ ودنا منه كان حاضرا إياه يقال حضر فلان فلانا إذا دنا منه ومن كان مسكنه دون
مسافة القصر فهو قريب نازل منزلة المقيم في نفس مكة ولهذا لا يجوز للخارج إليه الترخص بالفطر
والقصر ونحوهما على أن في مذهب أبي حنيفة بعدا فإنه يؤدى إلى اخراج القريب من الحاضرين
وادخال البعيد فيهم لتفاوت مسافات المواقيت ثم المسافة التي ذكرناها مرعية من نفس مكة أو من
الحرم حكي إبراهيم المروروزي فيه وجهين (والثاني) هو الدائر في عبارات أصحابنا العراقيين ويدل
128

عليه ان المسجد الحرام عبارة عن جميع الحرم لقوله تعالى (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا)
ولو كان له مسكنان (أحدهما) في حد القرب من الحرم والآخر في حد البعد فإن كان مقامه
بالبعيد أكثر فهو أفاقي وإن كان بالقريب أكثر فهو من الحاضرين وان استوى مقامه بهما
129

نظر إلى ماله وأهله فان اختص بأحدهما أو كان في أحدهما أكثر فالحكم له وان استويا في ذلك
أيضا اعتبر حاله بعزمه فأيهما عزم على الرجوع إليه فهو من أهله فان يكن له عزم فالاعتبار
بالذي خرج منه ولو استوطن غريب بمكة فهو من الحاضرين ولو استوطن مكي بالعراق فليس
130

له حكم الحاضرين والاعتبار بما آل إليه الامر ولو قصد الغريب مكة ودخلها متمتعا ناويا للإقامة
بها بعد الفراغ من النسكين أو من العمرة أو نوى الإقامة بها بعد ما اعتمر لم يكن من الحاضرين
ولم يسقط عنه دم التمتع فان الإقامة لا تحصل بمجرد النية وذكر حجة الاسلام رحمه الله في هذا
الشرط صورة هي من مواضع التوقف ولم أجدها لغيره بعد البحث وهي أنه قال والآفاقي إذا
جاوز الميقات غير مريد نسكا فلما دخل مكة اعتمر ثم حج لم يكن متمتعا إذ صار من الحاضرين
إذ ليس يشترط فيه قصد الإقامة وهذه الصورة متعلقة أولا بالخلاف في أن من قصد مكة هل يلزمه
131

الاحرام بحج أو عمرة أم لا ثم ما ذكره من عدم اشتراط الإقامة مما تنازع فيه كلام عامة الأصحاب
ونقلهم عن نصه في الاملاء والقديم فإنه ظاهر في اعتبار الإقامة بل في اعتبار الاستيطان والله
أعلم * وفى النهاية والوسيط حكاية وجهين في صورة تدانى هذه وهي أنه لو جاوز الغريب الميقات
وهولا يريد نسكا ولا دخول الحرم ثم بدا له قريبا من مكة أن يعتمر فاعتمر منه وحج بعدها
على صورة التمتع هل يلزمه الدم (أحد) الوجهين أنه لا يلزمه لأنه لم يلتزم الاحرام وهو على مسافة
بعيدة وحين خطر له ذلك كان على مسافة الحاضرين (وأصحهما) يلزم لأنه وجد صورة التمتع وهو
132

غير معدود من الحاضرين وذكر في الوسيط في توجيه هذا الوجه أن اسم الحاضرين لا يتناوله
الا إذا كان في نفس مكة أو كان متوطنا جولها فلم يعتبر التوطن فيمن هو بمكة واعتبره فيمن هو حواليها
والنفس لا تنقاد لهذا الفرق ثم كما لا يجب الدم على المكي إذا أتى بصورة التمتع لا يجب عليه إذا
133

قرن وبان الأصل دم التمتع المنصوص عليه في الكتاب فإذا لم يجب ذلك على المكي يجب دم
القران وروى الحناطي وجها أن عليه دم القران ويشبه أن يكون هذا الاختلاف مبنيا على وجهين
134

نقلهما صاحب العدة في أن دم القران دم جبر أو دم نسك والمشهور أنه دم جبر وهل يجب على
المكي إذا قرن إنشاء الاحرام من أدنى الحل كما لو أفرد العمرة أم يجوز أن يحرم من جوف مكة
135

ادراجا للعمرة تحت الحج فيه وجهان (أصحهما) الثاني ويجريان في الآفاقي إذا كان بمكة وأراد
القران (الشرط الثاني) أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج فلو أحرم وفرغ من أعمالها قبل أشهر الحج
ثم حج لم يلزمه الدم لأنه لم يجمع بين الحج والعمرة في وقت الحج فأشبه المفرد لما لم يجمع بينهما لم
136

يلزمه دم وقد ذكر الأئمة أن دم التمتع منوط من جهة المعنى بأمرين (أحدهما) ربح ميقات كما سبق
(والثاني) وقوع العمرة في أشهر الحج وكانوا لا يزحمون الحج بالعمرة في مظنته ووقت إمكانه
137

ويستنكرون ذلك فورد التمتع رخصة وتخفيفا إذا الغريب قد يرد قبل عرفة بأيام ويشق عليه
استدامة الاحرام لو أحرم من الميقات ولا سبيل إلى مجاوزته فجوز له أن يعتمر ويتحلل * ولو أحرم
بها قبل أشهر الحج وأتى بجميع أفعالها في أشهره ففيه قولان (أحدهما) يلزمه الدم قاله في القديم والاملاء لأنه
138

حصلت المزاحمة في الافعال وهي المقصودة والاحرام كالتمهيد لها (وأصحهما) لا يلزمه قاله في الام
139

وبه قال أحمد رحمه الله لأنه لم يجمع بين النسكين في أشهر الحج لتقدم أحد أركان العمرة عليها
140

وعن ابن سريج رحمه الله أن النصين محمولان على حالين وليست المسألة على قولين ان أقام بالميقات
بعد إحرامه بالعمرة حتى دخل أشهر الحج أو عاد إليه محرما بها في الأشهر لزمه الدم وإن جاوزه
قبل الأشهر ولم يعد إليه لم يلزمه والفرق حصوله بالميقات محرما في الأشهر مع التمكن من الاحرام
بالحج وان سبق الاحرام مع بعض الأعمال أشهر الحج فالخلاف فيه مرتب (ان) لم نوجب الدم إذا
سبق الاحرام وحده فههنا أولى (وإن) أوجبناه فوجهان والظاهر أنه لا يجب أيضا وعن مالك رحمه
141

الله انه مهما حصل التحلل في أشهر الحج وجب الدم وعند أبي حنيفة إذا أتى بأكثر أفعال العمرة
في الأشهر كان متمتعا * وإذا لم نوجب دم التمتع في هذه الصورة ففي وجوب دم الإساءة وجهان
142

(أحدهما) يجب وبه قال الشيخ أبو محمد رحمه الله لأنه أحرم بالحج من مكة دون الميقات (وأصحهما)
لا يجب لان المسئ من ينتهى إلى الميقات على قصد النسك ويجاوزه غير محرم وههنا قد أحرم بنسك
143

وحافظ على حرمة البقعة (وقوله) في الكتاب ولو تقدم احرامها دون التحلل يمكن تنزيله على تقدم مجرد
الاحرام (وقوله) دون التحلل أي دون الأعمال إذا التحلل بها يحصل ويمكن تنزيله على ما تشترك فيه هذه الصورة
144

وصورة تقدم بعض الأعمال وعلى التقديرين فتفسير الخلاف الذي أبهمه بين مما ذكرنا والامام رحمه
الله أورد بدل القولين وجهين وهو خلاف رواية الجمهور * ويجوز اعلام لفظ الخلاف بالواو لما
مر عن ابن سريج (الثالث) أن يقع الحج والعمرة في سنة واحدة فلوا اعتمر ثم حج في السنة
القابلة فلا دم عليه سواء أقام بمكة إلى أن حج أو رجع وعاد لان الدم إنما يجب إذا زاحم
145

بالعمرة حجته في وقتها وترك الاحرام بحجته من الميقات مع حصوله بها في وقت الامكان ولم يوجد
وقد روى عن سعيد بن المسيب قال " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتمرون في أشهر
الحج فإذا لم يحجوا في عامهم ذلك لم يهدوا " (1) ويمكن رد هذا الشرط والشرط الثاني إلى شئ واحد
146

وهو وقوع العمرة في أشهر الحج التي حج فيها (الرابع) ألا يعود إلى الميقات كما إذا أحرم
بالحج من جوف مكة واستمر عليه فان عاد إلى ميقاته الذي أنشأ العمرة منه وأحرم بالحج فلا دم
عليه لأنه لم يربح ميقاتا ولو رجع إلى مثل مسافة ذلك الميقات وأحرم منه فكذلك لا دم عليه
لان المقصود قطع تلك المسافة محرما * ذكره الشيخ أبو محمد وغيره ولو أحرم من جوف مكة ثم عاد إلى
147

الميقات محرما ففي سقوط الدم مثل الخلاف المذكور فيما إذا جاوز الميقات غير محرم وعاد إليه محرما * ولو
عاد إلى ميقات أقرب إلى مكة من ذلك الميقات وأحرم منه كما إذا كان ميقاته الجحفة فعاد إلى
ذات عرق فهل هو كالعود إلى ذلك الميقات فيه وجهان (أحدهما) لا وعليه الدم إذ لم يعد إلى ميقاته
148

ولا إلى مثل مسافته (والثاني) نعم لأنه أحرم من موضع ليس ساكنوه من حاضري المسجد
الحرام وهذا هو المحكى عن اختيار القفال والمعتبرين وأويده بان دم التمتع خارج عن القياس لاحيائه
كل ميقات بنسك فإذا أحرم بالحج من مسافة القصر بطل تمتعه وترفهه فلا يقدح إيجاب الدم عليه
بحال ولو دخل القارن مكة قبل يوم عرفة ثم عاد إلى الميقات للحج هل يلزمه الدم * ذكر الامام
149

رحمه الله أنه مرتب على المتمتع إذا أحرم ثم عاد إليه إن لم يسقط الدم ثم فههنا أولى وإن أسقطنا
فوجهان والفرق أن اسم القران لا يزول بالعود إلى الميقات بخلاف التمتع قال الحناطي والأصح انه
لا يجب أيضا وقد نص عليه في الاملاء (وقوله) في الكتاب أن لا يعود إلى ميقات الحج أراد إلى
150

الميقات للحج وإلا فلا يحسن حمله على مطلق الحج فان المواقيت لا اختصاص لها بالحج بل هي
للنسكين سواء ولا على حجة خاصة فإنه ميقات عمرة المتمتع لا ميقات حجه (وقوله) كان مفردا
معلم بالحاء لان عند أبي حنيفة رحمه الله لا يكون مفردا ولا يسقط عنه دم التمتع حتى يعود إلى بلده
151

ويلم باهله
(الخامس) اختلفوا في أنه هل يشترط وقوع النسكين عن شخص واحد أم لا فعن
الخضري انه يشترط وقوعهما في سنة واحدة * وقال الجمهور لا يشترط لأنا زحمة الحج
وترك الميقات لا يختلف * إذا عرفت ذلك فهذا الامر المختلف في اشتراطه يفرض فواته في ثلاث
صور (أحدها) أن يكون أجيرا من قبل شخصين استأجره أحدهما للحج والآخر للعمرة (والثانية)
152

أن يكون أجيرا للعمرة فيعتمر للمستأجر ثم يحج عن نفسه (والثالثة) أن يكون أجيرا للحج فيعتمر
لنفسه ثم يحج عن المستأجر وهذه الثلاثة هي التي أوردها في الكتاب * وقد ذكرها في صدر الحالة
الثانية من أحوال الأجير قبل هذا البيان حكمها فيما يتعلق باحتساب المسافة وحط الأجرة (فان قلنا)
153

بمذهب الجمهور فقد ذكروا ان نصف دم التمتع على من يقع له الحج ونصفه على من تقع له العمرة
وليس هذا الكلام على هذا الاطلاق بل هو محمول على تفصيل ذكره صاحب التهذيب رحمه
الله (اما) في الصورة الأولي فقد قال إن أذنا في التمتع فالدم عليهما نصفان وان لم يأذنا فهو على الأجير
154

وعلى قياسه ان اذن أحدهما دون الآخر فالنصف على الآذن والنصف على الأجير وأما في الصورتين
الأخرتين فقد قال إن أذن له المستأجر في التمتع فالدم عليهما نصفان والا فالكل على الأجير ولنتبه
155

ههنا لأمور (أحدها) ايجاب الدم على المستأجرين أو أحدهما مفرع على الأصح في أن دم القران والتمتع
على المستأجر والا فهو على الأجير بكل حال (الثاني) إذا لم يأذن المستأجرين أو أحدهما في الصورة الأولي
156

أو المستأجر في الصورة الثالثة وكان الميقات البلد معينا في الإجارة أو نزلنا المطلق عليه فلزمه مع
دم التمتع دم الإساءة لمن جاوز ميقات نسكه (والثالث) إذا أوجبنا الدم على المستأجرين فلو كانا
157

معسرين فعلى كل واحد منهما خمسة أيام لكن صوم التمتع بعضه في الحج وبعضه بعد الرجوع
وهما لم يباشرا حجا فعلى قياس ما ذكره صاحب التهذيب تفريعا على قولنا ان دم القران والتمتع
على المستأجر يكون الصوم على الأجير على قياس ما ذكره صاحب التتمة ثم هو كما لو عجز المتمتع
158

عن الصوم والهدى جميعا ويجوز أن يكون الحكم على ما سيأتي في التمتع إذا لم يصم في الحج كيف
يقضي فإذا أوجبنا التفريق أفضي تفريق الخمسة بنسبة الثلاثة والسبعة إلى تبعيض القسمين فيكملان
ويصوم كل واحد منهما ستة أيام وقس على هذا ما أوجبنا الدم في الصورتين الأخيرتين على الأجير
159

والمستأجر * وان فرعنا على الوجه المعزى إلى الخضري فإذا اعتمر عن المستأجر ثم حج عن نفسه ففي
كونه مسيئا الخلاف الذي مر فيهما إذا اعتمر قبل أشهر الحج ثم حج من مكة لكن الأصح ههنا انه
مسئ لامكان الاحرام بالحج حين حضر الميقات * قال الامام فإن لم يلزمه الدم ففوات هذا الشرط
لا يؤثر الا في فوات فضيلة التمتع على قولنا انه أفضل من الافراد وان ألزمناه الدم فله اثران هذا
أحدهما (والثاني) ان المتمتع لا يجب عليه العود إلى الميقات وإذا عاد وأحرم منه سقط عنه الدم بلا
خلاف والمسئ يلزمه العود وإذا عاد ففي سقوط الدم عنه خلاف وأيضا فان الدمين يتفاوتان في البدل
160

(السادس) في اشتراط نية التمتع وجهان (أصحهما) لا يشترط كما لا تشترط نية القران وهذا لان الدم منوط
بزحمة الحج وربح أحد السفرين وذلك لا يختلف بالنية وعدمها (والثاني) يشترط لأنه جمع بين عبادتين
في وقت أحداهما فأشبه الجمع بين الصلاتين لكن الفرق ظاهر فان أشهر الحج كما هي وقت الحج فهي
وقت العمرة بخلاف وقت الصلاة فان قلنا باشتراطها ففي وقتها ثلاثة أوجه مأخوذة من الخلاف في وقت
نية الجمع بين الصلاتين (أحدها) ان وقتها حالة الاحرام بالعمرة (والثاني) ما لم يفرغ من العمرة (والثالث)
ما لم يشرع في الحج * قال الامام رحمه الله واعتبار ما نحن فيه بنية الجمع بين الصلاتين في نهاية الضعف
لكن لو قيل إنما يلزم الدم إذا كان على قصد الحج عند الانتهاء إلى الميقات وأتى بالعمرة فإنه قدم
161

أدنى النسكين من أطول الميقاتين أما إذا لم يكن على قصد الحج أو كان على قصد الاقتصار على
العمرة ثم اتفق الحج فلا دم عليه قياسا على من جاوز الميقات لا على قصد النسك لكان هذا قريبا
من مأخذ لمناسك والله أعلم * فهذا شرح الشروط. المذكورة في الكتاب وورائها شرطان (أحدهما)
ان يحرم بالعمرة من الميقات فلو جاوزه مريدا للنسك ثم أحرم بها فالمنقول عن نصه أنه ليس عليه دم
التمتع ولكن يلزم دمه الإساءة وقد اخذ باطلاقه آخذون وقال الأكثرون هذا إذا كان الباقي
162

بينه وبين مكة دون مسافة القصر فان بقيت مسافة القصر فعليه الدمان معا (والثاني) حكى ابن خيران
اشترط وقوع النسكين في شهر واحد وأباه عامة الأصحاب * واعلم أن الشروط المذكورة معتبرة في لزوم
الدم لا محالة على ما فيها من الوفاق والخلاف وهل هي معتبرة في نفس التمتع (منهم) من يطلق اعتبارها
بعينها حتى إذا انخرم شرط من الشروط كانت الصورة صورة الافراد وعلى هذا قال في مواضع من الفصل
لم يكن متمتعا وهو ظاهر قوله في أوله وله ستة (شروط) ومنهم من لا يعتبرها في نفس التمتع وهذا أشهر
163

ولذلك رسموا صحة التمتع من المكي مسألة خلافية فقالوا يصح عندنا التمتع والقران من المكي وبه
قال مالك رحمه الله وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يصح منه قران ولا تمتع وإذا أحرم بهما ارتفضت
عمرته وإن أحرم بالحج بعد ما أتى بشطوط من الطواف للعمرة ارتفض حجه في قول أبي حنيفة وعمرته
164

في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وان أحرم به بعد مأتي بأكثر الطواف مضى فيهما وأراق دما *
قال (وإذا وجدت الشرائط فمكة ميقات المتمتع كما أنها ميقات المكي فلو جاوزها في الاحرام
لزمه دم الإساءة مع دم التمتع) *
إذا اعتمر ولم يرد العود إلى الميقات فعليه أن يحرم من مكة " أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه
رضي الله عنهم ان يحرموا من مكة وكانوا متمتعين " (1) وهي في حقه كهي في حق المكي والكلام في
الموضع الذي هو أولى لاحرامه وفيما إذا خالف وأحرم خارج مكة اما في حد الحرم أو بعد مجاوزته
165

إذا لم يعد إلى الميقات ولا إلى مسافته على ما ذكرنا في المكي وإذا اقتضى الحال وحوب دم الإساءة
لزم مضموما إلى دم التمتع واعترض صاحب الشامل عليه فقال دم التمتع لا يجب الا لترك الميقات
فيكف يجب لذلك دم آخر أجابوا عنه بانا لا نسلم انه يجب لهذا القدر بل يجب لربح أحد الميقاتين
وزحمة الحج بالعمرة على ما مر ويدل على تغاير سببهما تغايرهما في كيفية البدل وبتقدير أن لا يجب
دم التمتع الا لترك الميقات فإنما يجب ذلك لتركه الاحرام من ميقات بلده وهذا الدم إنما يجب لتركه
166

الاحرام مما صار ميقاتا له ثانيا وهو مكة (وقوله) في الكتاب فلو جاوزها في الاحرام لزمه دم
الإساءة مطلق لكن المراد منه ما إذا لم يعد إلى الميقات ولا إلى مسافته على ما تبين من قبل ووجوب
دم التمتع والحالة هذه يبين أن الشرط في التمتع ان لا يعود إلى الميقات لا حرام الحج لا أن يحرم
من مكة ومن قال الشرط أن يحرم من مكة فهو غالط في العبارة *
قال (وأنما يجب دم التمتع باحرام الحج وهل يجوز تقديمه بعد العمرة على الحج فيه قولان للتردد
في تشبيه العمرة باليمين مع الحنث فإنه أحد السببين) *
لما فرغ من القول في تصوير التمتع والشرائط المرعية فيه أراد أن يتكلم في وقت وجوب الدم
167

وفى بدله وما يتعلق بهما والمتمتع يلزمه دم شاة إذا وجد وبه فسر قوله تعالى (فما استيسر من الهدي)
وصفته صفة شاة الأضحية ويقوم مقامه السبع من البدنة والبقرة ووقت وجوبه الاحرام بالحج
وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لأنه حينئذ يصير متمتعا بالعمرة إلى الحج * وعن مالك رضي الله عنه انه
لا يجب حتى يرمى جمرة العقبة فيتم الحج وإذا وجب جاز اراقته ولم يتاقت بوقت كسائر دماء
الجبرانات الا أن الأفضل اراقته يوم النحر * وقال مالك وأبو حنيفة واحمد رحمهم الله لا يجوز اراقته
الا يوم النحر وهل يجوز اراقته قبل الاحرام وبعد التحلل من العمرة فيه قولان وقيل وجهان (أحدهما)
لا يجوز كما لا يجوز الصوم في هذه الحالة وهذا لان الهدى يتعلق به عمل البدن وهي تفرقة اللحم والعبادات
168

البدنية لا تقدم على وقت وجوبها (وأصحها) الجواز لأنه حق مالي تعلق بسببين وهما الفراغ من
العمرة والشروع في الحج فإذا وجد أحدهما جاز اخراجه كالزكاة والكفارة (وقوله) للتردد في
تشبيه العمرة باليمين مع الحنث بها أحد السببين معناه ان أحد القولين موجه بتشبيه الفراغ من العمرة
والشروع في الحج باليمين مع الحنث ومن نصر القول الثاني ينازع في هذا التشبيه ويقول الكفارة
متعلقة باليمين منسوبة إليها والدم ليس متعلقا بالعمرة وإنما هو متعلق بالتمتع من العمرة إلى الحج وهو
خصلة واحدة فان فرعنا على جواز التقدم على الاحرام بالحج فهل يجوز التقديم على التحلل من العمرة فيه
وجهان (أصحهما) المنع لأن العمرة أحد السببين فلا بد من تمامه كما لا بد من تمام النصاب في تعجيل
الزكاة ومنهم من قطع بهذا ونفى الخلاف ولا خلاف في أنه لا يجوز التقديم على الشروع في العمرة *
169

قال (واما المعسر فعليه صيام عشرة أيام في الحج بعد الاحرام وقبل يوم النحر ولا تقدم (ح) على
الحج لأنها عبادة بدنية ولا تجوز في أيام التشريق على الجديد وإذا تأخر عن أيام التشريق صار
فائتا ولزم القضاء (ح) (وأما) السبعة فأول وقتها بالرجوع إلى الوطن وهل تجوز في الطريق فيه وجهان
وقيل المراد به الرجوع إلى مكة وقيل الفراغ من الحج) *
170

(قوله) وأما المعسر ربما يوهم أن الصوم إنما يعدل إليه المتمتع إذا لم يملك الهدي ولا ما يشتريه
به وليس كذلك بل له العدول إلى الصوم وإن قدر على الهدى في بلده إذا عجز عنه في موضعه
لان في بدله وهو الصوم تأقيتا بكونه في الحج فلا نظر إلى غير موضعه بخلاف الكفارات فإنه
يعتبر فيها العدم المطلق إذ لا تاقيت فيها إذا عرفت ذلك فان المتمتع العادم للهدى يلزمه صوم عشرة
أيام بنص القرآن ويجعلها قسمين ثلاثة وسبعة (أما) الثلاثة فيصومها في الحج ولا يجوز تقديمها على
171

الاحرام بالحج خلافا لأبي حنيفة حيث قال يجوز بعد الاحرام بالعمرة لأحمد حيث قال في رواية
بقول أبي حنيفة وقال في رواية يجوز بعد التحلل من العمرة * لنا أن الصوم عبادة بدنية فلا تقدم
على وقتها كالصلاة وسائر العبادات الواجبة ولا يجوزان يصوم شيئا منها في يوم النحر وفى جواز
ايقاعها في أيام التشريق قولان قدمنا ذكرهما في كتاب الصوم والمستحب أن يصوم الأيام الثلاثة
قبل يوم عرفة فان الاحب للحاج يوم عرفة أنه يكون مفطرا على ما مر وإنما يمكنه ذلك إذا
تقدم احرامه بالحج بحيث يقع بين احرامه ويوم عرفة ثلاثة أيام قال الأصحاب رحمهم الله وهذا
172

هو المستحب للمتمتع الذي هو من أهل الصوم يحرم قبل اليوم السادس من ذي الحجة ليصوم
الثلاثة ويفطر يوم عرفة ونقل الحناطي عن شرح أبي أسحق وجها أنه إذا لم يؤمل هديا يجب
عليه تقديم الاحرام بحيث يمكنه صوم الأيام الثلاثة قبل يوم النحر وأما الواجد للهدى فالمستحب
له ان يصوم يوم التروية بعد الزول متوجها إلى منى لما روى عن جابر رضي الله عنه " أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال إذا توجهتم إلى مني فاهلوا بالحج " (1) فإذا فاته صوم الأيام الثلاثة في الحج لزمه
173

القضاء خلافا لأبي حنيفة حيث قال يسقط الصوم ويستقر الهدى عليه وعن ابن سريح وأبي اسحق
رحمهما الله تخريج قول مثله والمذهب الأول لأنه صوم واجب فلا يسقط كفوات وقته كصوم رمضان
وإذا قضاها لم يلزمه دم خلافا لأحمد رحمه الله (وأما) السبعة فهي مقيدة بالرجوع قال الله تعالى (وسبعة
إذا رجعتم) وما المراد من الرجوع فيه قولان (أصحهما) وهو نصه في المختصر وحرمله ان المراد
174

منه الرجوع إلى الأهل والوطن لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال المتمتعين " من كان معه هدى
فليهد ومن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " (1) وعن ابن عباس رضي الله
175

عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ثلاثة في أيام الحج وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم " (1) (والثاني)
ان المراد منه الفراغ وبهذا قال أبو حنيفة واحمد رحمهما الله لان قوله وسبعة إذا رجعتم مسبوق
بقوله ثلاثة أيام في الحج فينصرف إليه وكأنه بالفراع رجع عما كان مقبلا عليه من الأعمال (فان قلنا)
176

بالأول فله توطن مكة بعد فراغه من الحج صام بها وان لم يتوطنها لم يجز صومه بها وهل يجوز في
الطريق إذا توجه وطنه روى الصيدلاني وغيره فيه وجهين (أحدهما) نعم لان ابتداء السير أول
الرجوع (وأصحهما) لا لأنه تقديم العبادة البدنية على وقتها وبهذا قطع أصحابنا العراقيون تفريعا
177

على القول الأصح وجعلوا الوجه الأول قولا برأسه حملا للرجوع في الآية على الانصراف من
مكة والوجه ما فعلوه فانا إذا جوزنا الصوم في الطريق فقد تركنا التوقيت بالعود إلى الوطن وإذا
فرعنا على أن المراد الفراغ من الحج والانصراف من مكة فلو أخره حتى يرجع إلى وطنه جاز
178

وهل هو أفضل أم التقديم أفضل مبادرة إلى العبادة حكى العراقيون فيه قولين (أصحهما) وبه قال
مالك ان التأخير أفضل تحرزا عن الخلاف وسواء قلنا إن الرجوع هو الرجوع إلى الوطن أو
الفراغ من الحج فلو أراد أن يوقع بعض الأيام السبعة في أيام التشريق لم يجز وان حكمنا بأنها
قابلة للصوم اما على القول الأول فظاهر وأما على الثاني فلانه يعد في اشتغال الحج وان حصل
التحلل ونقل بعضهم عن الشافعي رضي الله عنه أن المراد من الرجوع هو الرجوع من منى إلى مكة
والامام وصاحب الكتاب عدا هذا قولا وراء قول الرجوع إلى الوطن وقول الفراغ من الحج لكن
179

قضية كلام كثير من الأئمة أنه وقول الفراغ من الحج شئ واحد وان الغرض منه بيان ما ينزل
عليه لفظ الرجوع في الآية وهو الأشبه وبتقدير أن يكون قولا برأسه فعلى ذلك القول لو
رجع من منى إلى مكة صح صومه وان تأخر طوافه للوداع والله أعلم * ولنتكلم فيما يتعلق بلفظ
الكتاب على الخصوص سوى ما اندرج في أثناء الكلام (أما) قوله ثلاثة في الحج بعد الاحرام أي بالحج
وهو معلم بالحاء والألف لما قدمنا (وقوله) وقبل يوم النحر جواب على الجديد في أنه لا يجوز للمتمتع
180

صوم أيام التشريق فيجوز أن يعلم بالواو (وقوله) ولا يقدم على الحج كالمكرر لان في قوله بعد
الاحرام ما يفيده ولعله إنما أعاده ليعلق به العلة وهي قوله لأنها عبادة بدنية (وقوله) ولا يجوز في
أيام التشريق على الجديد مكرر قد ذكره مرة في الصوم ثم هو مرقوم بالميم والألف لما كتبناه ثم
(وقوله) فإذا تأخر عن أيام التشريق صار فائتا معناه ان الفوات حاصل عند مضى أيام التشريق
لا محالة فأما أنه بم يحصل ان لم نجعل أيام التشريق قابلة للصوم فإنه يحصل بمضي يوم عرفة واما
181

إذا جعلناها غير قابلة فإنه يحصل بمضيها ويمكن ان يتأخر طواف الزيارة عن أيام التشريق إذ لا أمد
له من جهة التأخر فيكون بعد في الحج لبقاء بعض الأركان عليه لكن صوم الثلاثة بعد أيام
التشريق لا يكون أداء وان بقي الطواف لان تأخره عن أيام التشريق مما يبعد ويندر فلا يقع مرادا
من قوله تعالى (ثلاثة أيام في الحج) بل هو محمول على الغالب المعتاد * هكذا حكاه الامام وغيره
وفى التهذيب وجه ضعيف ينازع في ذلك (وقوله) بالرجوع إلى الوطن معلم - بالميم والحاء الألف -
لما تقدم وقوله بعد ذلك وقيل قولان لا وجهان وقد مر ما فيهما *
182

قال (ثم إذا فاتت الثلاثة قضي عشرة أيام ويفرق بين الثلاثة والسبعة بمقدار ما يقع التفرقة في
الأداء فإن لم يفعل ففي صحة اليوم الرابع عن هذه الجهة قولان فان قلنا لا يصح (و) صح ما بعده وجعل
اليوم الرابع كالافطار المتخلل) *
إذا لم يصم الثلاثة في الحج حتى فرع ورجع لزمه صوم العشرة وقد حكينا خلاف أبي حنيفة وقولا
يوافقه فيه فإذا قلنا بالمذهب فهل يجب التفريق في القضاء بين الثلاثة والسبعة فيه قولان في رواية
الحناطي والشيخ أبى محمد رحمهما الله ووجهان في رواية غيرهما (أحدهما) وبه قال احمد انه لا يجب
لان التفريق في الأداء يتعلق بالوقت فلا يبقى حكمه في القضاء كالتفريق في الصلوات المؤداة وهذا
183

أصح عند الامام وطائفة (والثاني) وهو الأصح عند الأكثرين أنه يجب التفريق كما في الأداء ويفارق
تفريق الصلوات فان ذلك التفريق يتعلق بالوقت وهذا يتعلق بالفعل وهو الحج والرجوع فعلى هذا
هل يجب التفريق بمثل ما يقع التفريق في الأداء فيه قولان (أحدهما) لا بل يكفي
التفريق بيوم لان المقصود انفصال أحد قسمي الصوم عن الآخر وهذا حاصل باليوم الواحد ويحكى
هذا عن نصه في الاملاء (وأصحهما) انه يجب التفريق في القضاء بمقدار ما يقع به التفريق في الأداء
لتتم محاكاة القضاء للأداء وفيما يقع به التفريق في الأداء أقوال أربعة تتولد من أصلين سبقا (أحدهما)
أن المتمتع هل له صوم أيام التشريق (والثاني) أن الرجوع إلى ماذا (فان قلنا) ليس للمتمتع صوم أيام
التشريق وفسرنا الرجوع بالرجوع إلى الوطن فالتفريق بأربعة أيام ومدة امكان مسيره إلى أهله
على العادة الغالبة (وان قلنا) ليس له صومها وفسرنا الرجوع بالفراغ من الحج فالتفريق بأربعة أيام
184

لا غير لتمكنه من الابتداء بصوم السبعة كما مضت أيام التشريق (وإن قلنا) للمتمتع صومها وفسرنا
الرجوع بالرجوع إلى الوطن فالتفريق بمدة امكان مسيره إلى أهله (وان قلنا) له صومها وفسرنا الرجوع
بالفراغ من الحج فوجهان (أصحهما) أنه لا يجب التفريق لأنه يمكنه في الأداء على هذا أن يصوم أيام
التشريق عن الثلاثة ويصل بها صوم السبعة (والثاني) لا بد من التفريق بيوم لان الغالب أن يفطر
يوم الرجوع إلى مكة وأيضا فان الثلاثة تنفصل في الأداء عن السبعة بحالتين متغايرتين لوقوع أحدهما
في الحج والآخر بعده فينبغي أن يقيم في القضاء مقام ذلك التفريق بافطار يوم والله أعلم *
فان أردت حصر الأقوال التي تجئ فيمن لم يصم الثلاثة في الحج مختصرا (قلت) فيه ستة
أقوال لا صوم عليه بل ينتقل إلى الهدى عليه صوم عشرة متفرقا أو متتابعا صوم عشرة بشرط
185

التفريق بيوم فصاعدا بشرط التفريق بأربعة أيام ومدة امكان المسير إلى الأهل بشرط التفريق بأربعة
أيام فحسب بشرط التفريق بمدة امكان المسير فحسب ولو صام عشرة أيام ولاء والتفريع على ظاهر المذهب
وهو لزوم القضاء أجزأه ان لم نشترط التفريق فان شرطنا التفريق واكتفينا بيوم لم يعتد باليوم الرابع
ويعتد بما بعده ويجعل ذلك اليوم كالافطار إذا لم يقع عن هذه الجهة ولهذا لو نوي فيه تطوعا أو قضاء
يجزئه فعلى هذا يصوم يوما آخر وقد خرج عن العهدة وعن صاحب التقريب حكاية وجه ضعيف
186

انه لا يعتد بشئ مما بعد اليوم الرابع وحكي الحناطي عن الإصطخري وجها أضعف من هذا وهو انه
لا يعتد بالثلاثة أيضا إذا نوى التتابع وان شرطنا التفريق بأكثر من يوم لم يعتد بذلك القدر
ويقاس ما قبله وما بعده بما ذكرنا (وأما) لفظ الكتاب فقوله قضي عشرة أيام لا يمكن حمله على القضاء
المقابل للأداء فان العشرة لا تكون قضاء بهذا المعني لكون السبعة مؤداة فيها ولكن المراد
قضاؤها عشرة أيام أو المراد صام عشرة أيام معبرا بلفظ القضاء على ما يشترك فيه القضاء والأداء
ويجوز ان يعلم بالحاء والواو لما أعلم بهما قوله من قبل ولزم القضاء (وقوله) ويفرق بين الثلاثة والسبعة
بمقدار ما يقع التفرقة في الأداء لا يمكن من جهة النظم حمله على شرائط التفريق هكذا وإن كان هو
187

ظاهر المذهب عند عامة الأصحاب لأنه لو كان هذا حكما باشتراطه لم يصح أن يقول بعده فإن لم يفعل
ففي صحة اليوم الرابع قولان وأيضا فإنه حكم بصحة ما بعد اليوم الرابع ان لم يصح اليوم الرابع ومن
شرط التفريق بذلك المقدار لا يكتفى بيوم فكأنه أراد به هكذا ينبغي أن يفعل تحرزا عن الخلاف
فإن لم يفعل ففيه الخلاف (وقوله) فإن لم يفعل في صحة اليوم الرابع عن هذه الجهة قولان أولا فيه اضمار
188

معناه فإن لم يفعل ووالي بين العشرة والا فلا يلزم من أن يفرق بين الثلاثة والسبعة بمقدار ما يقع
عليه التفرقة في الأداء الموالاة لجواز التفريق بمقدار يخالف ذلك المقدار وحينئذ لا يلزم أن يكون صائما
اليوم الرابع حتى يقال هل يعتد به أم لا ثم لا يخفى ان هذا الخلاف هو في أن التفريق هل هو
شرط أم لا كما مر ثم يتعين اليوم الرابع والحكم بأنه ان لم يصح صح ما بعده ذهاب إلى الاكتفاء في
189

التفريق بيوم واحد والظاهر خلافه على ما أوضحناه فيجب اعلام قوله صح ما بعده بالواو لذلك ثم
للوجه المنقول عن صاحب التقريب
(فرع) كل واحد من صوم الثلاثة في الحج والسبعة بعده يستحب فيه التتابع ولا يجب وروى
صاحب المعتمد تخريج قول في كفارة اليمين انه يجب فيهما التتابع *
قال (وان وجد الهدى بعد الشروع في الصوم لم يلزمه ولو وجد قبل الشروع وبعد الاحرام بالحج
يبنى على أن في الكفارات بحالة الأداء أو بحالة الوجوب)
190

إذا شرع في الصوم ثم وجد الهدى استحب له أن يهدى ولا يلزمه سواء شرع في صوم الثلاثة
أو في صوم السبعة وبه قال مالك وكذلك أحمد رحمهما الله في رواية خلافا للمزني في الحالتين ولأبي
حنيفة رحمه الله فيما إذا شرع في صوم الثلاثة ولو فرغ من صوم الثلاثة ووجد الهدى قبل
يوم النحر يلزمه الهدى أيضا عنده وان وجد بعده فلا والخلاف في المسألة شبيه بالخلاف في القدرة
على العتق بعد الشروع في صوم الشهرين وفى وجدان الماء بعد الشروع في الصلاة بالتيمم ولو أحرم
بالحج ولا هدى ثم وجده قبل الشروع في الصوم فيبني ذلك على أن الاعتبار في الكفارات بحالة
الوجوب أو بحالة الأداء أو يعتبر أغلظ الحالتين والخلاف فيه يذكر موضعه إن شاء الله تعالى
191

فان اعتبرنا حالة الوجوب أجزاه الصوم وان اعتبرنا حالة الأداء أو أغلظ الحالتين لزمه الهدي وهو
المنقول عن نصه في هذه المسألة *
قال (ولو مات المتمتع قبل الفراع من الحج سقط عنه الدم على أحد القولين نظرا إلى الاخر
ولو مات بعد الفراغ أخرج من تركته فان مات معسرا قبل التمكن من الصوم برئت الذمة وان مات
بعد التمكن من الصوم صام عنه وليه أو فدي عن كل يوم بمد كما في رمضان وقيل إنه يرجع ههنا إلى
الأصل وهو الدم) *
المتمتع الواجد للهدى إذا مات قبل الفراغ من الحج هل يسقط عنه الدم حكي صاحب النهاية
وغيره فيه قولين أحدهما نعم لان الكفارة إنما تجب عند تمام النسكين على سبيل الرفاهية وربح أحد
السفرين وإذا مات قبل الفراغ لم يحصل هذا الغرض (وأصحها) أنه لا يسقط بل يخرج من تركته لأنه
192

وجب بالاحرام بالحج والتمتع بالعمرة إلى الحج وأنه موجود ولو مات بعد الفراغ من الحج فلا خلاف
في أنه يخرج من تركته (وأما) الصوم فان مات قبل التمكن منه ففيه قولان (أحدهما) أنه يهدى عنه لأن الصوم
قد وجب بالشروع في الحج فلا يسقط من غير بدل وهذا مصور فيما إذا لم يجد الهدى في
موضعه وله ببلده مال وفيما إذا كان يباع بثمن غال (والثاني) انه يسقط لأنه صوم لم يتمكن من
الاتيان به فأشبه صوم رمضان وهذا أصح قاله ابن الصباغ وصاحب التهذيب وان تمكن من
193

الصوم فلم يصم حتى مات فهل هو كصوم رمضان فيه طريقان (أصحهما) نعم لأنه صوم مفروض فاته
بعد القدرة عليه فعلى هذا يصوم عنه وليه في القول القديم وفى الجديد يطعم عنه من تركته لكل
يوم مد فان تمكن من جميع العشرة فعشرة أمداد والا فبالقسط وهل يجب صرفه إلى فقراء الحرم
أم يجوز صرفه إلى غيرهم فيه قولان (أشبههما) الثاني (والثاني) انه لا ينزل منزلة صوم رمضان وتجعل
194

الفدية من خواص رمضان كالكفارة العظمى وعلى هذا فقولان (أصحهما) ان الرجوع إلى الدم لأنه
أقرب إلى هذا الصوم من الامداد فيجب في فوات ثلاثة إيام إلى العشرة شاة وفى يوم واحد ثلث
شاة ويومين ثلثا شاة وعن أبي إسحاق إشارة إلى أن اليوم واليومين كاتلاف الشعرة
والشعرتين من المحرم وفيما يقابل به الشعرة الواحدة أقوال (أحدها) مد من طعام (والثاني)
195

درهم (والثالث) ثلث شاة (والثاني) نقله الامام والمصنف في الوسيط عن رواية صاحب التقريب
انه لا يجب شئ أصلا (فان قلت) قد عرفت حكم ما إذا تمكن من الصوم وما إذا لم يتمكن فما التمكن
(قلنا) (اما) الثلاثة فالتمكن من صومها بان يحرم بالحج لزمان يسع صومها قبل الفراغ ولا يكون به
مرض مانع وذكر الامام رحمه الله انه لا يجب شئ في تركته ما لم ينته إلى الوطن لان دوام السفر
196

كدوام المرض وصوم الأيام الثلاثة وإن كان ثابتا على الغرباء فلا يزيد تأكده على تأكد صوم
رمضان أداء واستدراكا وهذا غير متضح لان صوم الثلاثة يتعين ايقاعه في الحج وإن كانوا
غرباء مسافرين بالنص فكيف ينهض السفر عذرا فيه وكيف يقاس بصوم رمضان (واما) السبعة
فان فسرنا الرجوع بالرجوع إلى الوطن فله التأخير إلى الوصول إليه وكأنه لا يمكن قبله وان فسرناه
بالفراغ من الحج فكذلك ثم دوام السير عذر على ما ذكره الامام رحمه الله وعن القاضي الحسين
197

رحمه الله انا إذا استحببنا التأخير إلى أن يصل إلى الوطن تفريعا على أن الرجوع هو الفراغ من الحج
فهل يفدى عنه إذا مات في الطريق فيه وجهان تخريجا من الوجهين فيما إذا ظفر بالمساكين ولم يدفع
الزكاة إليهم ليدفعها إلى الامام فتلف المال هل يضمن ولا يخفي بعد ما ذكرناه ان قوله صام عنه وليه
198

أو فدي كل يوم بمد ليس المراد منه التخيير وإنما هو إشارة إلى القولين القديم والجديد المذكورين
في صيام رمضان وان قوله وقيل أنه يرجع ههنا إلى الأصل قول لا وجه وأن المراد من قوله فان مات
معسرا إلى آخره ما إذا مات بعد التمكن وإن كان اللفظ مطلقا ويجوز ان يعلم قوله صام عنه وليه
أو فدى كل يوم بمد كلاهما بالحاء اما الأول فلان أبا حنيفة رحمه الله لا يقول بصوم الولي واما
199

الثاني فلما قدمنا انه إذا لم يصم الثلاثة في الحج سقط الصوم واستقر الهدى ولفظ الكتاب مطلق
ويجوز ان يعلم الأول بالميم والألف أيضا *
قال (الباب الثاني في أعمال الحج وفيه أحد عشر فصلا (الأول) في الاحرام وينعقد بمجرد
النية (ح) من غير تلبية وان أحرم مطلقا ثم عين بحج أو عمرة أو قران فله ذلك الا ان يحرم قبل أشهر الحج
ثم يعين الحج أو يدخل عليه الحج بعد الأشهر فإنه لا يجوز (و)) *
فصول الباب تفصيل ترجمته الجميلة غير الفصل الأخير فإنه لا اختصاص له بهذا الباب ولعل غيره
أليق به ومقصود الفصل الأول الكلام فيما ينعقد به الاحرام وفى كيفية انعقاده وينبغي للمحرم ان ينوى
ويلبى فإن لم ينو ولبي فقد حكى عن رواية الربيع انه يلزمه ما لبي به وقال في المختصر وإن لم يرد حجا
ولا عمرة فليس بشئ واختلف الأصحاب على طريقين (أضعفهما) أن المسألة على قولين (أصحهما) أن
200

احرامه لا ينعقد على ما ذكره في المختصر لان الأعمال بالنيات (والثاني) انه يلزمه ما سمى لأنه التزمه بقوله
وعلى هذا لو أطلق التلبية انعقد له احرام مطلق بصرفه إلى ما شاء من كلا النسكين أو أحدهما (وأصحهما)
القطع بعدم الانعقاد وحمل منقول الربيع على ما إذا تلفظ بأحد النسكين على التعيين ولم ينوه ولكن نوى
الاحرام المطلق فيجعل لفظه تفسيرا وتعيينا للاحرام المطلق (واعرف) ههنا شيئين (أحدهما) أن تنزيل
لفظ المختصر على صورة المسألة يفتقر إلى إضمار لأنه قد لا يريد حجا ولا عمرة ولكن يريد نفس الاحرام
فالمعنى حجا ولا عمرة ولا أصل الاحرام (والثاني) ان جعل اللفظ المجرد تفسيرا في صورة التأويل مشكل
كجعله احراما في الابتداء والظاهر أنه على تجرده لا يجعل تفسيرا على ما سيأتي ولو نوى انعقد
201

احرامه وإن لم يلب وبه قال مالك واحمد رحمهما الله لأنه عبادة ليس في آخرها وفى أثنائها
نطق واجب فكذلك في ابتدائها كالطهارة والصوم وعن أبي علي بن خيران وابن أبي هريرة وأبى
عبد الله الزبيري رحمهم الله ان التلبية شرط لانعقاد الاحرام لاطباق الناس على الاعتناء به عند
الاحرام وبه قال أبو حنيفة الا ان عنده سوق الهدى وتقليده والتوجه معه يقوم مقام التلبية وحكي
الشيخ أبو محمد وغيره قولا للشافعي رضي الله عنه مثل مذهبه وحكى الحناطي هذا القول في
الوجوب دون الاشتراط وذكر تفريعا عليه انه لو ترك التلبية لزمه دم وإذا عرفت أن النية هي
المعتبرة دون التلبية فيترتب عليه أنه لو لبى بالعمرة ونوى الحج فهو حاج ولو كان بالعكس فهو معتمر
ولو تلفظ بأحدهما ونوى القران فقارن ولو تلفظ بالقران ونوى أحدهما فهو محرم بما نوى (واعلم)
202

أن الاحرام تارة ينعقد معينا بأن ينوى أحد النسكين على التعيين أو كليهما ولو أحرم بحجتين أو
بعمرتين لم يلزمه الا واحدة خلافا لأبي حنيفة رحمه الله حيث قال يلزمانه فيشتغل بواحدة وتكون
الأخرى في ذمته وتارة ينعقد مطلقا بان ينوى نفس الاحرام ولا يقصد القران ولا أحد النسكين فهو
جائز لما روى " أنه صلى الله عليه وسلم أحرم مطلقا وانتظر الوحي " ويفارق الصلاة فإنه لا يجوز الاحرام
بها والتعيين بعده لان التعيين ليس بشرط في انعقاد الحج ولهذا لو أحرم الضرورة عن غيره
203

انصرف إليه ولو أحرم بالنفل قبل الفرض إلى الفرض وإذا أحرم مطلقا فينظر إن أحرم في
أشهر الحج فله أن يصرفه إلى ما شاء من الحج والعمرة والقران والتعيين بالنية لا باللفظ ولا يجزئ
العمل قبل التعيين ذكره الشيخ أبو علي وغيره وان أحرم قبل الأشهر فان صرفه إلى العمرة صح وان
صرفه إلى الحج بعد دخول الأشهر هل يجوز بناه الشيخ أبو علي على مسألة أخرى وهي ما لو أحرم
بالعمرة قبل أشهر الحج ثم أراد إدخال الحج عليها في الأشهر ليكون قارنا وفى جوازه وجهان
204

(أحدهما) يجوز لأنه إنما يصير داخلا في الحج من وقت احرامه به ووقت احرامه به صالح للحج
(والثاني) لا يجوز لان ابتداء احرامه وقع قبل الأشهر والقارن في حكم ملابس باحرام واحد ألا
يرى أنه لو ارتكب محظورا لم يلزمه الا فدية واحدة فلو انعقد الحج وابتداء الاحرام سابق
على الأشهر لا انعقد الاحرام بالحج قبل الأشهر (فان قلنا) بالوجه الأول فإذا أحرم مطلقا ثم دخلت
الأشهر فله أن يجعله حجا وان يجعله قرانا ويحكي هذا عن الحضري (وان قلنا) بالثاني حكمنا بانعقاد
الاحرام المطلق عمرة لأنه لا يحتمل ان ينصرف إلى غيرها وعلى الأول ينعقد على الابهام ثم لو صرفه
205

إلى الحج قبل دخول الأشهر كان كما لو أحرم بالحج قبل الأشهر وقد مضى الكلام فيه (واعلم) ان
الصورتين معا المبنية والمبني عليها مذكورتان في الكتاب (وقوله) الا ان يحرم قبل أشهر الحج ثم يعين للحج
أراد به ما إذا أحرم مطلقا قبل الأشهر ثم صرفه إلى الحج في الأشهر (وقوله) أو يدخل عليه الحج بعد
الأشهر أراد به ما إذا أحرم بالعمرة في غير الأشهر ثم أدخل الحج عليها في الأشهر وان لم
يكن في اللفظ أنباء عنه وقد أجاب فيهما جميعا بالمنع وهو ظاهر المذهب في الصورة الأولي (وأما) في
الثانية وهي صورة الادخال فكأنه تابع فيه الشيخ أبا على فإنه اختاره وحكاه عن عامة الأصحاب
206

لكن القفال اختار الجواز وبه أجاب صاحب الشامل وغيره ثم فيما ذكره من جهة اللفظ استدراك
فإنه استثني الصورتين مما إذا أحرم مطلقا والصورة الثانية غير داخلة فيه حتى تستثنى وما الأفضل
من اطلاق الاحرام وتعيينه فيه قولان (قال) في الاملاء الاطلاق أفضل لما روى أنه صلى الله عليه
وسلم " أحرم مطلقا " (1) وأيضا فقد يعرض ما يمنعه من أحد النسكين فإذا أطلق أمكن صرفه إلى الآخر
(وقال) في الام وهو الأصح التعيين أفضل وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لأنه أقرب إلى الاخلاص
207

وقد روى عن جابر رضي الله عنه قال " قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقول لبيك
بالحج " (1) وعلى هذا فهل يستحب التلفظ بما عينه فيه وجهان (أصحهما) وهو المنصوص لا بل يقتصر
على النية لان اخفاء العبادة أفضل (والثاني) وبه قال أبو حنيفة نعم لخبر جابر رضي الله عنه ولأنه
يكون أبعد عن النسيان والله أعلم *
قال (ولو أهل عمرو باهلال كهلال زيد صح فإن كان احرام زيد مفصلا أو مطلقا كان
208

احرام زيد كذلك وإن كان زيد أطلق أولا ثم فصله قبل احرام عمرو نزل احرام عمرو على المطلق
نظرا إلى الأول أو على المفصل نظرا إلى الآخر فيه وجهان ولو لم يكن زيد محرما بقي احرامه
مطلقا الا إذا عرف أنه غير محرم فأن عرف موته انعقد لعمرو احرام مطلق على أظهر الوجهين
ولغت الإضافة إلى الثاني فإنه نص في الام انه لو أحرم عن مستأجرين تعارضا وانعقد عن
الأجير وكذا لو أحرم عن نفسه وعن المستأجر تساقطت الإضافتان وبقى الاحرام عن الأجير) *
209

إذا أهل عمرو بما أهل به زيد جاز لما روى " ان عليا وأبا موسي رضي الله عنهما قدما من اليمن
مهلين بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليهما " (1) ثم فيه ثلاث مسائل لان زيدا اما أن يكون
محرما أو لا يكون وإن كان محرما فاما ان يمكن الوقوف على ما أحرم به أو لا يمكن والفصل مشتمل
210

على مسألتين من الثلاث (أحداهما) أن يكون زيد محرما ويمكن الوقوف على ما أحرم به فينعقد
لعمرو مثل احرامه وإن كان محرما بحج فعمرو أيضا حاج وإن كان معتمرا فمعتمر وإن كان قارنا
فقارن وإن كان احرامه مطلقا انعقد لعمرو احرام مطلق أيضا ويتخير كما يتخير زيد ولا يلزمه صرف
احرامه إلى ما يصرف إليه زيد وفي المعتمد نقل وجه انه يلزمه والمشهور الأول قال في التهذيب
الا إذا أراد احراما كاحرام زيد بعد تعيينه وإن كان احرام زيد فاسدا فاحرام عمرو ينعقد مطلقا
211

أو لا ينعقد أصلا عن القاضي أبى الطيب حكاية وجهين فيه ولو أن زيدا كان قد أبهم احرامه أولا
ثم فصله قبل احرام عمرو ففيه وجهان (أشبههما) أن احرامه ينعقد مبهما نظرا إلى أول احرام زيد
(والثاني) ينعقد مفصلا نظرا إلى اخره * والوجهان جاريان فيما لو كان زيد قد أحرم بعمرة ثم أدخل
عليها الحج فعلى الأول لا يلزمه الا العمرة وعلى الثاني يكون قارنا وموضع الوجهين ما إذا لم يخطر
له التشبيه بآخر احرام زيد في الحال والا فالاعتبار بالآخر بلا خلاف وما إذا يخطر له التشبيه
212

بابتداء احرامه والا فالاعتبار بالأول بلا خلاف ولو اخبره زيد عما أحرم به ووقع في نفسه خلافه
فيعمل بما أخبره عنه أو بما وقع في نفسه فيه وجهان وإذا أخبره عن احرامه بالعمرة وجري على قوله
ثم بان انه كان محرما بالحج فقد بان ان احرام عمرو كان منعقدا بالحج فان فات الوقت تحلل من احرامه
213

للفوات وأراق دما وهو في ماله أو مال زيد للتغرير فيه وجهان أورد المسألتين صاحب المعتمد وغيره *
(الثانية) ان لا يكون محرما أصلا فينظر إن كان عمرو جاهلا به انعقد احرامه مطلقا لأنه جزم بالاحرام
وجعل له كيفية خاصة فيبقى أصل الاحرام وان بطلت تلك الكيفية وإن كان عالما بأنه غير محرم
214

فوجهان (أحدهما) أنه لا ينعقد احرامه أصلا كما إذا قال إن كان فلان محرما فقد أحرمت فلم يكن محرما
(وأصحهما) ولم يذكر الجمهور غيره انه ينعقد احرامه مطلقا لما ذكرنا في صورة الجهل ويخالف ما إذا
قال إن كان محرما فقد أحرمت فان هناك علق أصل احرامه باحرامه فلا جرم إن كان محرما فهو
محرم والا فلا وههنا الأصل مجزوم به * واستشهد في الكتاب لهذا الوجه بصورتين نص عليها في
215

الام (إحداهما) لو استأجره رجلان ليحج عنها فاحرم عنهما لم ينعقد الاحرام عن واحد منهما لان
الجمع غير ممكن وليس أحدهما أولى بصرف الاحرام إليه فلغت الإضافتان ووقع الحج عن الأجير
والتصوير في الإجارة على الذمة بين وقد تصور في إجارة العين أيضا وإن كانت إحدى الإجارتين
فاسدة لان الاحرام عن الغير لا يتوقف على صحة الإجارة * (والثانية) لو استأجره رجل ليحج عنه
216

فاحرم عن نفسه وعن المستأجر لغت الإضافتان وتساقطتا وبقى الاحرام عن الأجير فلما لغت
الإضافة في الصورتين وبقى أصل الاحرام جاز ان يلغوها هنا التشبيه في الكيفية ويبقى أصل
الاحرام ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب وانعقد عن الأجير بالحاء لان عند أبي حنيفة إن كان
المستأجر ان أبوي الأجير وأحرم عنهما أو أحرم عنهما من غير إجارة انعقد الاحرام عن أحدهما وله
صرفه إلى أيهما شاء وعنه في المستأجرين الأجنبيين روايتان (أظهرهما) مثل مذهبنا (وقوله) بان عرف
217

موته أشار به إلى ما ذكره الامام من أن العلم بأنه غير محرم لا يكاد يتحقق فان الاعتبار بالنية ولا يطلع
عليها غير الله تعالى وإنما يظهر التصوير إذا شبه إحرامه باحرام زيد وهو يعرف أنه ميت (واعلم) أن
المسألتين والثالثة التي سنذكرها مفروضات فيما إذا أحرم في الحال باحرام كاحرام الغير أما لو علق
باحرامه في المستقبل فقال إذا أحرم فانا محرم لم يصح كما إذا قال إذا جاء رأس الشهر فانا محرم
218

لا يصير محرما بمجيئه لان العبادات لا تعلق بالاخطار كذا أورده صاحب التهذيب وغيره ونقل في
المعتمد وجهين في صحة الاحرام المعلق بطلوع الشمس ونحوه وقياس تجويز تعليق أصل الاحرام
باحرام الغير تجويز هذا لان التعليق موجود في الحالين الا أن هذا تعليق بمستقبل وذاك تعليق
بحاضر وما يقبل التعليق من العقود يقبلهما جميعا والله أعلم *
219

قال (ولو مات زيد بعد الاحرام أو عسر مراجعته فهو كما لو أحرم مفصلا ثم نسي ما أحرم
به والقول الجديد أنه لا يؤخذ بغلبة الظن اجتهادا لكن يبني على اليقين فيجعل نفسه قارنا فتبرأ
ذمته عن الحج بيقين وكذا عن العمرة إلا إذا قلنا لا يجوز ادخال العمرة على الحج فإنه يحتمل انه
وقع الآن كذلك وقيل النسيان عذر في جواز ادخال العمرة على الحج (فان قلنا) يبرأ عن العمرة فعليه
دم القران وإلا فلا وان طاف أولا ثم شك فيمتنع ادخال الحج لو كان معتمرا فطريقه ان يسعى ويحلق
220

ويبتدئ احرامه بالحج ويتمه فيبرأ عن الحج بيقين لأنه إن كان حاجا فغايته انه حلق في غير أوانه
وفيه دم وإن كان معتمرا فقد تحلل ثم حج وعليه دم التمتع فالدم لازم بكل حال ولا يضره الشك
في الجهة فان التعيين ليس بشرط في نية الكفارات) *
المسألة الثالثة أن يكون زيد محرما لكن يتعذر مراجعته بجنون أو غيبة أو موت بعد الاحرام وقد
شبهها في الكتاب بمسألة طويلة الفقه فنشرحها ثم نعود إلى هذه فنقول وإذا أحرم بنسك معين من
221

النسكين ثم نسيه قال في القديم أحب ان يقرن وان تحرى رجوت ان بجزئه ونص في الجديد على أنه
قارن ونقل الشيخ أبو علي فيها طريقين (أحدهما) نفي الخلاف في جواز التحري ونص في الجديد على
ماذا شك فلم يدر انه أحرم بأحد النسكين أو قرن (وأصحهما) وهو رواية المعظم ان المسألة على قولين
(القديم) انه يتحرى ويعمل بظنه لامكان ادراك المقصود بالتحري كما في القبلة والأواني
(والجديد) أنه لا يتحرى لأنه تلبس بالاحرام يقينا ولا تحلل الا إذا اتى باعمال المشروع فيه
فالطريق ان يقرن ويأتي باعمال النسكين وهذا كما لو شك في صلاته في عدد الركعات يبنى على
222

اليقين ليتحقق الخروج عما شرع فيه ويفارق التحري في القبلة والأواني لان لها علامات تدل عليها
ولا دلالة ههنا (واعلم) أن هذا الفرق مبني على أن الاجتهاد يعتمد النظر في العلامات وقد ذكرنا في
كتاب الطهارة خلافا فيه وبتقدير ان يعتمده فناصر القول الأول قد لا يسلم انتفاء الامارات ههنا
وبنى الشيخ أبو محمد رحمه الله على هذين القولين اختلاف أصحابنا فيما إذا اجتهد جمع في
أوان منها اثنان فصاعدا بصفة الطهارة وغلب على ظن كل واحد طهارة واحد هل يجوز
اقتداء بعضهم ببعض وقال هذا خلاف في أن الاقتداء هل يجوز بالتحري والاجتهاد
223

(التفريع) ان قلنا بالقديم فما غلب على ظنه أنه المشروع فيه من النسكين مضي فيه وأجزأه كما لو
اجتهد في الثوب والقبلة وصلى على مقتضى اجتهاده وفى شرح الفروع ذكر وجه ضعيف أنه لا يجزئه
الشك وفائدة التحري الخلاص من الاحرام وان قلنا بالجديد فللشك حالتان (إحداهما) أن يعرض
قبل الاتيان بشئ من الأعمال فلفظ النص أنه قارن قال الأصحاب معناه أنه ينوى القران ويجعل
نفسه قارنا لا انه يحكم بكونه قارنا لحصول الشك وأغرب أبو عبد الله الحناطي رحمه الله فحكي قولا
انه يصير قارنا من غير نية ثم إذا نوى القران واتى بالأعمال تحلل وبرئت ذمته عن الحج بيقين
224

وأجزأته عن حجة الاسلام لأنه إن كان محرما بالحج لم يضر تجديد الاحرام به وادخال العمرة عليه
لا يقدح فيه جوزناه أم لا وإن كان محرما بالعمرة فادخال الحج عليها جائز قبل الاشتغال
بالأعمال (وأما) العمرة فهل تجزئه عن عمرة الاسلام ان فرضناها يبنى على أن العمرة هل يجوز ادخالها
على الحج أم لا ان جوزناه أجزأته أيضا لأنه إن كان محرما بها فذاك والا فقد أدخلها على الحج
وان لم نجوز ادخال العمرة على الحج ففيه وجهان (أصحهما) لا تجزئه لاحتمال انه كان محرما بالحج
وامتناع ادخال العمرة عليه والعمرة واجبة عليه فلا تسقط بالشك (والثاني) ويحكى عن أبي إسحاق
أنها تجزئه ويجعل الاشتباه عذرا في جواز الادخال فان حكمنا باجزائهما جميعا لزمه دم القران
فإن لم يجد صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع وان قلنا يجزئه الحج دون العمرة ففي
لزوم الدم وجهان (أصحهما) انه لا يجب لأنا لم نحكم باجزاء العمرة فلا يلزمه الدم بالشك وهذا هو
225

الذي أورده في الكتاب (والثاني) يجب لأنه قد نوى القران وصحة نسكيه محتملة فكما لا تحسب العمرة
احتياطا لا يسقط الدم احتياطا (الحالة الثانية) أن يعرض الشك بعد الاتيان بشئ من الأعمال
وله حالات (إحداها) أن يعرض بعد الوقوف بعرفة وقيل الطواف فيجزئه الحج لأنه إن كان
محرما به فذاك وإن كان محرما بالعمرة فقد أدخل الحج عليها قبل الطواف حيث نوى القران
وذلك جائز ولا تجزئه العمرة لاحتمال أنه كان محرما بالحج فليس له ادخال العمرة عليه بعد الوقوف
هكذا أورده أبو القاسم الكرخي وصاحب التهذيب وهو جواب أولا على أن العمرة لا تدخل على
الحج بعد الوقوف وقد قدمنا وجها آخر أنها تدخل عليه ما لم يأخذ في أسباب التحلل * ثم هو مفروض
226

فيما إذا كان وقت الوقوف باقيا فوقف ثانيا والا فمن الجائز انه كان محرما بالعمرة فلا يجزئه ذلك
الوقوف عن الحج (الثانية) ان يعرض بعد الطواف وقبل الوقوف فإذا نوى القران وأتى باعمال القران
لم يجزئه حجه لاحتمال أنه كان محرما بالعمرة فيمتنع ادخال الحج عليها بعد الطواف (وأما) العمرة
فهل تجزئه يبني على أن ادخال العمرة على الحج هل يجوز وبتقدير ان يجوز هل يجوز بعد الطواف
وأما العمرة فهل يجزئه يبنى على أن ادخال العمرة على الحج هل يجوز وبتقدير أن يجوز فهل يجوز
بعد الطواف أم لا ان قلنا نعم أجزأته والا فلا لجواز انه كان محرما بالحج وقد طاف وهذا هو
الأصح لأنه شاك في عين ما أحرم به وفيما ادخله عليه فأشبه ما لو فاته ظهر وعصر وصلى إحداهما
227

وشك فيما صلي يلزمه اعادتهما جميعا وذكر ابن الحداد في هذه الصورة انه يتم أعمال العمرة بان
يركع ركعتي الطواف ويسعى ويحلق أو يقصر ثم يحرم بالحج ويأتي بأعماله وإذا فعل ذلك صح
حجه لأنه إن كان محرما بالحج لم يضر تجديد الاحرام وإن كان محرما بالعمرة فقد تمتع ولا تصح
عمرته لاحتمال انه كان محرما بالحج ولم تدخل العمرة عليه ان لم ينو القران * قال الشيخ أبو زيد
وصاحب التقريب والأكثرون ان فعل ذلك فالجواب ما ذكره لكن لو استفتانا لم نفت به لجواز
انه كان محرما بالحج وان هذا الحلق وقع في غير أوانه وحينئذ يكون الحلق محظورا
وهذا كما لو ابتلعت دجاجة انسان لؤلؤة غيره لا نفتي لصاحب اللؤلؤة بذبحها واخراج اللؤلؤة
لكن لو فعل ذلك لم يلزمه الا قدر التفاوت بين قيمتها حية ومذبوحة وكذا لو استقبلت دابتان
لشخصين على شاهق وتعذر مرورهما لا نفتي لأحدها باهلاك دابة الآخر لكن لو فعل خلص
228

دابته ولم يغرم الا قيمة دابة الآخر وسواء أفتينا له بذلك على ما ذكره ابن الحداد أو لم نفت فلو
فعل لزمه دم لأنه إن كان محرما بالحج فقد حلق في غير أوانه وإن كان محرما بالعمرة فقد تمتع فيريق
دما عن الواجب عليه ولا يعين الجهة كما إذا كانت عليه كفارة قتل أو ظهار فاعتق ونوى عما عليه
تجزئه لان التعين في الكفارات ليس بشرط فإن كان معسرا لا يجد دما ولا طعاما صام عشرة
أيام كما يصوم المتمتع فإن كان اللازم دم التمتع فذاك وإن كان دم الحلق أجزأه ثلاثة أيام والباقي
تطوع ولا يعين الجهة في صوم الثلاثة ويجوز تعيين التمتع في صوم السبعة ولو اقتصر على صوم ثلاثة
أيام هل تبرأ ذمته قضية ما ذكره الشيخ أبو علي أنها لا تبرأ لان شغل الذمة بالدم معلوم فلابد
من تعين البراءة * قال الامام رحمه الله ويحتمل ان تبرأ لان الأصل براءة الذمة والشغل غير معلوم
229

وأطلق المصنف رحمه الله في الوسيط وجهين تعبيرا عن هذين الكلامين ويجزئه الصوم مع وجدان
الطعام لان الطعام لا مدخل له في دم التمتع وفدية الحلق على التخيير قال الله تعالى (ففدية من طعام)
أو صدقة أو نسك) ولو أطعم هل تبرأ ذمته أم لا لاحتمال ان اللازم دم التمتع فيه كلاما الشيخ
والامام رحمهما الله وهذا كله فيما إذا استجمع الرجل شرائط لزوم الدم للتمتع فإن لم يكن مستجمعا
كما لو كان مكيا لم يلزم الدم لان شرط التمتع مفقود ولزوم دم الحالق مشكوك فيه وإذا جوز
أن يكون احرامه أو لا بالقران فهل يلزمه دم آخر مع الدم الذي وصفناه فيه الوجهان السابقان
(الثالثة) ان يعرض الشك بعد الطواف والوقوف فان اتى ببقية اعمال الحج لم يجزئه حجه ولا
عمرته (أما) الحج فلجواز أنه كان محرما بالعمرة فلا ينفع فيه الوقوف (وأما) العمرة فلجواز أنه كان
محرما بالحج ولم يدخل عليه العمرة فان نوى القران وأتي باعمال القارن فاجزاء العمرة يبنى على أن
العمرة هل تدخل على الحج بعد الوقوف وقياس المذكور في الحالة السابقة وان لم يتعرضوا له
230

ههنا انه لو أتم أعمال العمرة وأحرم بالحج واتى بأعماله مع الوقوف أجزأه الحج وعليه دم كما
سبق ولو أتم اعمال الحج ثم أحرم بعمرة وأتى بأعمالها أجزأته العمرة والله أعلم * وفى
المولدات وشروحها فرعان شبيهان بالمسألة نردفها بهما (أحدهما) لو تمتع بالعمرة إلى الحج وطاف
للحج طواف الإفاضة ثم بان له انه كان محدثا في طواف العمرة لم يصح طوافه ذلك ولا سعيه بعده
لان شرط صحة السعي تقدم طواف عليه وبان ان حلقه كان في غير الوقت ويصير باحرامه بالحج
مدخلا للحج على العمرة قبل الطواف فيصير قارنا ويجزئه طوافه وسعيه في الحج عن الحج والعمرة
جميعا وعليه دمان دم للقران ودم للحلق في غير وقته وان بان انه كان محدثا في طواف الحج
تطهر وأعاد الطواف والسعي وليس عليه الا دم التمتع إذا اجتمعت شروطه وان شك فلم يدر انه
في أي طوافيه كان محدثا فعليه أن يعيد الطواف والسعي وإذا أعادهما صح حجه وعمرته لأنه إن كان
حدثه في طواف العمرة فقد صار قارنا باحرام الحج فيجزئه طوافه وسعيه المعادان عن النسكين جميعا
231

وإن كان في طواف الحج فعمرته صحيحة وكذا اعمال الحج سوى الطواف والسعي وقد أعادهما
وعليه دم لأنه اما قارن أو متمتع وينوى بإراقته الواجب عليه ولا يعين الجهة وكذا لو لم يجد الدم
فصام والاحتياط ان يريق دما أخر لاحتمال أنه حالق قبل الوقت. نعم لو لم يحلق في العمرة على
قولنا ان الحلق استباحة محظور فلا حاجة إليه وكذا لا يلزمه عند تبين الحدث في طواف العمرة الا دم
واحد (الثاني) لو كانت المسألة بحالها إلا أنه جامع بعد أعمال العمرة ثم أحرم بالحج وهذا الرفع ينظر إلى
الأصلين (أحدهما) ان جماع الناسي هل يفسد النسك فيوجب البدنة كجماع العامد أم لا وفيه قولان
سيأتي ذكرهما (والثاني) انه إذا فسد العمرة بالجماع ثم أدخل عليها هل يدخل ويصير محرما بالحج فيه
وجهان (أظهرهما) عند الشيخ أبى محمد رحمه الله وبه أجاب ابن الحداد لا لان الاحرام بالفساد في حكم
المنحل وإذا انحل إحرام العمرة لم يدخل الحج عليها كما لو أدخل الحج عليها بعد الطواف (والثاني) نعم واليه
ميل الأكثرين وبه قال الشيخ أبو زيد وحكاه عن ابن سريج لأنه محرم بالعمرة ولم يأت بشئ من
أعمالها فأشبهت الصحيحة ولا اثر لكونها فاسدة كما لا اثر لاقتران المفسد بالاحرام فعلى هذا هل
يكون الحج صحيحا مجزئا فيه وجهان (أحدهما) نعم لان المفسد متقدم عليه فلا يؤثر فيه (وأصحهما) لا لان
232

الاحرام واحد وهو فاسد ومحال ان يؤدى بالاحرام الفاسد نسك صحيح فعلى هذا ينعقد فاسدا أو صحيحا
ثم يفسد فيه وجهان ذكروا نظيرهما فيما إذا أصبح في رمضان مجامعا فطلع الفجر واستدام (أحدهما) انه
ينعقد صحيحا ثم يفسد كما لو أحرم مجامعا انعقد صحيحا ثم فسد (وأصحهما) انه ينعقد فاسدا إذ لو
انعقد صحيحا لما فسد لأنه لم يوجد بعد انعقاده مفسد (فان قلنا) ينعقد فاسدا أو صحيحا ويفسد
مضى في النسكين وقضاهما (وان قلنا) ينعقد صحيحا ولا يفسد قضي العمرة دون الحج وعلى
الوجوه الثلاثة يلزمه دم القران ولا يجب عليه الا بدنة واحدة لان الاحرام واحد هكذا قاله
الشيخ أبو علي وحكي الامام وجهين آخرين إذا حكمنا بانعقاد حجه على الفساد (أحدهما) أنه يلزمه
بدنة أخرى لافساد الحج بادخاله على العمرة الفاسدة (والثاني) انه يلزمه بدنة لافساد العمرة وشاة
لادخال الحج عليها كما لو فسد نسكه بالجماع ثم جامع ثانيا يجب عليه للجماع الثاني شاة في وجه. إذا
وقفت على الأصلين فانظر ان قال كان الحدث في طواف لعمرة فالطواف والسعي بعده فاسدان
233

والجماع واقع قبل التحلل وفيه طريقان (أحدهما) وبه أجاب الشيخ انه كجماع الناسي ففي افساده
القولان إذ لا فرق بين ان ينسي فيجامع وبين ان يجامع وعنده انه قد تحلل كما لا فرق بين ان يتكلم
في الصلاة ناسيا وبين أن يتكلم وعنده انه قد تحلل (والثاني) انه لا ينزل منزلة الناسي قال الامام
رحمة الله وهذا كالخلاف فيما إذا جامع على ظن أن الصبح غير طالع فبان خلافه هل يفسد الصوم
أن يجعل الغالط كالناسي فإن لم تفسد العمرة به صار قارنا باحرامه بالحج وعليه دمان أحدهما للقران
والآخر للحلق قبل وقته الا إذا لم يحلق كما سبق وان أفسدنا العمرة به وبه أجاب ابن الحداد
فعليه بدنة للافساد ودم للحلق قبل وقته وإذا حرم بالحج فقد أدخله على عمرة فاسدة فإن لم يدخل
فهو في عمرته كما كان فيتحلل منها ويقضيها وان دخل وقلنا بفساد الحج فعليه بدنة للافساد ودم
للقران ودم للحلق قبل وقته ويمضى في الفاسدين ثم يقضيهما وان قال كان الحدث في طواف الحج
فعليه إعادة الطواف والسعي وقد صح نسكاه وليس عليه الا دم التمتع وان قال لا أدرى انه في
أي الطوافين كان أخذ في كل حكم بيقين فلا يتحلل ما لم يعد الطواف والسعي لاحتمال ان حدثه
كان في طواف الحج وهذا حكمه ولا يخرج عن عهدة الحج والعمرة إن كانا لازمين عليه لاحتمال
234

كونه محدثا في طواف العمرة وتأثير الجماع في إفساد النسكين على ظاهر المذهب فلا تبرأ ذمته
بالشك فإن كان متطوعا فلا قضاء لاحتمال ان الافساد وعليه دم (إما) للتمتع إن كان
الحدث في طواف الحج أو للحلاق قبل الوقت إن كان في طواف العمرة ولا تلزمه
البدنة لاحتمال أنه لم تفسد العمرة ولكن الاحتياط ذبح بدنة وذبح شاة أخرى إذا
جوزنا ادخال الحج على العمرة الفاسدة لاحتمال أنه صار قارنا بذلك والله أعلم * إذا عرفت
235

هذا كله وعدت إلى المسألة الثالثة من مسائل الاحرام المشبه باحرام الغير وهي ان يتعذر الوقوف
على احرام ذلك الغير فاعلم أنها على ما حكاه صاحب الكتاب وطائفة بمثابة نسيان ما أحرم به ففيها القولان
القديم والجديد وقال الأكثرون لا يتحرى بحال بل ينوى القران وحكوه عن نصه في القديم والفرق
في مسألة النسيان حصل الشك في فعله فله سبيل إلى التحري والتذكير وفى المسألة الأخرى الشك
في فعل الغير ولا سبيل إلى الاطلاع على نيته والتحري في فعله فاعلم لهذا قوله في الكتاب فهو كما
لو أحرم مفصلا بالواو ويجوز أن يعلم قوله فالقول الجديد بالواو لما حكينا من الطريقة النافية
للخلاف عن الشيخ أبي علي (وقوله) ولكن يبني على اليقين فيجعل نفسه قارنا مشعر بما هو
المشهور وهو أنه يصير قارنا بان ينويه خلافا لما حكاه الحناطي انه يصير قارنا من غير نية ويجوز
أن يعلم بالواو لذلك واعلم بالألف أيضا لان عند احمد يتخير بين ان يجعله حجا أو عمرة لان
236

عنده فسخ الحج إلى العمرة جائز لكن هذا الاعلام إنما كان يحسن أن لو ألزمناه جعل نفسه قارنا
وهو غير لازم وقد أوضح امام الحرمين رحمه الله ذلك فقال لم يذكر الشافعي رضي الله عنه القران
على معنى أنه لا بد منه لكن ذكره ليستفيد الشاك به التحلل مع براءة الذمة عن النسكين فلو اقتصر
بعد النسيان على الاحرام بالحج وأتى بأعماله حصل التحلل لا محالة وتبرأ ذمته عن الحج لأنه إن كان
محرما بالحج فذاك وإن كان محرما بالعمرة فقد أدخل الحج عليها ولا تبرأ ذمته عن العمرة
لجواز انه كان من الابتداء محرما بالحج وعلى هذا القياس لو اقتصر على الاحرام بالعمرة وأتي
باعمال القران حصل التحلل وبرئت ذمته عن العمرة ان جوزنا ادخال العمرة على الحج لأنه اما
237

محرم بها في الابتداء أو مدخل لها على الحج ولا تبرأ عن الحج لجواز أنه كان من الابتداء محرما
بالعمرة ولم يحرم بغيرها ولو لم يجدد واحراما بعد النسيان واقتصر على الاتيان باعمال الحج يحصل
التحلل أيضا ولكن لا تبرأ ذمته عن أحد النسكين لشكه فيما أتى به وان اقتصر على أعمال
العمرة فلا يحصل التحلل لجواز انه محرم يحرم بالحج ولم يتم أعماله * واختلفت رواية
أصحابنا عن أبي حنيفة في المسألة فنقل ناقلون عنه موافقة الجديد منهم صاحب الشامل وناقلون
238

موافقة القديم ومنهم صاحب التهذيب * والرواية الثانية تقتضي اعلام قوله لا يأخذ بغلبة الظن
بالحاء وقوله فيما إذا شك بعد الطواف فطريقه أن يسعى ويحلق إلى آخره مشعر بالترخص فيه
والامر به كما قدمناه عن ابن الحداد وقد صرح باختيار ذلك في الوسيط * ووجهه الشيخ أبو علي
بان الحلق في غير وقته قد يباح بالعذر كما إذا كان به أذى من رأسه وضرر الاشتباه لو لم يحلق
أكثر لفوات الحج لكن الأظهر عند الأكثرين أنه لا يؤمر به على ما مر فليعلم قوله فطريقه بالواو ولذلك وقوله
ويبتدئ إحرامه بالحج ويتمه أي عند الامكان وهو ما إذا بقي وقت الوقوف وبالله التوفيق
239

(الفصل الثاني في سنن الاحرام)
قال (وهي خمسة الأولى الغسل تنظفا حتى يسن للحائض والنفساء ويغتسل الحاج لسبعة مواطن
للاحرام ودخول مكة والوقوف بعرفة وبمزدلفة ولرمي الجمرات الثلاث لان الناس يجتمعون في
هذه الأوقات)
من سنن الاحرام أن يغتسل إذا أراده روى " أنه صلى الله عليه وسلم تجرد لاهلاله
واغتسل " (1) ويستوى في استحبابه الرجل والمرأة والصبي وإن كانت حائضا أو نفساء لان مقصود
هذا الغسل التنظيف وقطع الرائحة الكريهة ودفع أذاها عن الناس عند اجتماعهم وقد روى " أن أسماء
240

بنت عميس امرأة أبى بكر نفست بذى الحليفة فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تغتسل
للاحرام " (1) ولو كانت يمكنها القيام بالميقات حتى تطهر فالأولى ان تؤخر الاحرام حتى تطهر وتغتسل
241

ليقع احرامها في أكمل حاليها * وإذا لم يجد المحرم ماء أولم يقدر على استعماله تيمم لان التيمم
ينوب عن الغسل الواجب فعن المندوب أولى نص عليه في الام وقد ذكرنا في غسل الجمعة أن
الامام أبدى احتمالا في أنه هل يتيمم إذا لم يجد الماء وجعله صاحب الكتاب وجها واختار انه
لا يتيمم وذلك الاحتمال عائد ههنا بلا شك * وان لم يجد من الماء ما يكفيه للغسل توضأ قاله في
التهذيب (وقوله) في الكتاب حتى يسن للحائض والنفساء يجوز اعلامه بالواو لان إبراهيم
242

المروروذي رحمه الله حكى قولا في أنه لا يسن لهما ذلك وإذا اغتسلنا فهل تنويان فيه نظر لإمام الحرمين
قدس الله روحه والظاهر أنهما ينويان لأنهما تقيمان مسنونا (واعلم) أن الحاج يسن له الغسل
في مواطن قد عدها في هذا الموضع ومرة أخرى في كتاب صلاة الجمعة مع زيادة طواف الوداع
وكنا أخرنا شرح تلك الأغسال إلى هذا الموضع فنقول (أحدها) الغسل عن الاحرام وقد عرفته (والثاني)
الغسل لدخول مكة يروى ذلك عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم (1) (والثالث) الغسل للوقوف بعرفة
عشية عرفة (والرابع) الغسل للوقوف بمزدلفة غداة يوم النحر (والخامس والسادس والسابع) ثلاثة
أغسال لرمي الجمرات أيام التشريق وسببها أن هذه مواطن يجتمع لها الناس فاستحب فيها الاغتسال
243

قطعا للروائح الكريهة واغتسال يوم التشريق في حق من لم ينفر في النفر الأول فان نفر سقط
عنه غسل اليوم الثالث وهذه الأغسال قد نص عليها الشافعي رضي الله عنه قديما وجديدا ويستوى
في استحبابها الرجل والمرأة وحكم الحائض ومن لم يجد الماء فيها على ما ذكرنا في الغسل للاحرام
وزاد في القديم غسلين آخرين (أحدهما) لطواف الإفاضة (والثاني) لطواف الوداع لان الناس يجتمعون
لهما ولم يستحبهما في الجديد لان وقتها متسع فلا تغلب الرحمة فيهما كغلبتها في سائر المواطن وعن
244

القاضي أبى الطيب رحمه الله حكاية غسل آخر عن القديم وهو عند الحلق فتصير أغسال الحاج على
هذا عشرة قال الأئمة رحمهم الله ولم يستحب الشافعي رضي الله عنه الغسل لرمي جمرة العقبة يوم النحر
لامرين (أحدهما) اتساع وقته فان وقته من انتصاف ليلة النحر إلى الزوال ووقت رمي الجمرات من
من الزوال إلى الغروب والتقريب بعد هذا من وجهين (أحدهما) أن اتساع الوقت مما يقلل الزحمة
(والثاني) ان ما بعد الزوال وقت شدة الحر وانصباب العرق فتكون الحاجة إلى دفع ما يؤذى الغير
245

أكثر (والثاني) أن في غسل العيد يوم النحر والوقوف بعرفة غنية عن الغسل لرمي جمرة العقبة
لقرب وقتها منه والله أعلم *
قال (الثانية التطيب للاحرام ولا بأس بطيب له جرم (ح) وفى تطيب ثوب الاحرام قصدا
له خلاف لأنه ربما ينزع فيكون عند اللبس كالمستأنف فان اتفق ذلك ففي وجوب الفدية وجهان
ويستحب خضاب المرأة تعميما لليد لا تظريفا) *
246

يستحب أن تطيب لاحرامه لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت (كنت أطيب
رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت " (1) ولا فرق بين
247

ما يبقى له أثر وجرم بعد الاحرام وبين ما لا يبقى قالت عائشة رضي الله عنها " كأني أنظر إلى وبيص
الطيب من مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم " ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب الثانية التطيب
للاحرام بالواو لان من الأصحاب من روي وجها أنه ليس من السنن والمحبوبات وإنما هو مباح
وأيضا فان اللفظ مطلق لا يفرق بين الرجال والنساء والاستحباب شامل للصنفين في ظاهر المذهب
وحكي في المعتمد قولان عن نقل الداركي أنه لا يستحب لهن التطيب بحال ووجها أنه لا يجوز لهن
248

التطيب بطيب تبقى عينه واعلم قوله ولا بأس بطيب له جرم - بالحاء الميم - (أما) - بالحاء - فلان شرذمة
روت عن أبي حنيفة رحمه الله المنع من ذلك ومنهم المصنف ذكره في الوسيط لكن الثابت عنه مثل
مذهبنا (وأما) بالميم فلان عند مالك يكره له التطيب بما تبقى رائحته بعد الاحرام ويروى عنه منع
التطيب مطلقا ثم إذا تطيب لاحرامه فله ان يستديم بعد الاحرام ما تطيب به بخلاف ما إذا تطيبت
249

المرأة ثم لزمتها العدة يلزمها إزالته في وجه لان في العدة حق الآدمي فتكون المضايقة فيها أكثر
ولو أخذه من موضعه بعد الاحرام ورده إليه أو إلى موضع آخر لزمته الفدية وروي الحناطي رحمه الله
فيه قولين ولو أنتقل من موضع إلى موضع باسالة العرق إياه فوجهان (أصحهما) انه يلزمه شئ لتولده
عن مندوب إليه من غير قصد منه * (والثاني) أن عليه الفدية إذا تركه كما لو أصابه من موضع آخر لان
في الحالتين أصاب الطيب بعد الاحرام موضعا لم يكن عليه طيب * هذا كله في البدن وفى تطييب ازار
250

الاحرام وردائه وجهان (أحدهما) لا يجوز لان الثوب ينزع ويلبس وإذا نزعه ثم أعاده كان كما لو استأنف
لبس ثوب مطيب (وأصحهما) انه يجوز كما يجوز تطييب البدن وبعضهم ينقل هذا الخلاف قولين والمشهور
الأول وفى النهاية وجه ثالث وهو الفرق بين أن يبقى عليه عين بعد الاحرام فلا يجوز وبين أن لا يبقى فيجوز كما
لو شد مسكا في ثوبه واستدامه * قال الامام والخلاف فيما إذا قصد تطييب الثوب (أما) إذا طيب
بدنه فتعطر ثوبه تبعا فلا حرج بلا خلاف والي هذا أشار في الكتاب حيث قال قصدا إليه
فان جوزنا تطييب الثوب للاحرام فلا بأس باستدامة ما عليه بعد الاحرام كما في البدن لكن
لو نزعه ثم لبسه ففي الفدية وجهان (أحدهما) لا يلزم لان العادة في الثوب أن ينزع ويعاد فجعل
251

عفوا وأصحهما انها تلزم كما لو أخذ الطيب من بدنه ثم رده إليه وكما لو ابتدأ لبس ثوب مطيب بعد
الاحرام وفى الفصل مسألة أخرى وهي أن المرأة يستحب لها أن تخضب بالحناء يديها إلى الكوعين
قبل الاحرام روى " أن من السنة أن تمسح المرأة يديها للاحرام بالحناء وتمسح وجهها أيضا بشئ
من الحناء " (1) لأنا نأمرها في الاحرام بنوع تكشف فلتستر لون البشرة بلون الحناء ولا يختص أصل
252

الاستحباب بحالة الاحرام بل هو محبوب في غيرها من الأحوال * " روى أن امرأة بايعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأخرجت يدها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أين الحناء " (1) نعم في
253

حالة الاحرام " لا فرق بين ذات الزوج الخلية وفى سائر الأحوال يكره الخضاب للخلية قاله
في الشامل وحيث يستحب فإنما يستحب تعميم اليد بالخضاب دون التنقيش والتسويد والتطريف
فقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن التطريف " (1) وهو أن تخضب أطراف الأصابع
254

ويكره لها أن تختضب بعد الاحرام لما فيه من الزينة وإزالة الشعث ولو فعلت ففيه كلام نذكره في
الباب الثالث عند ذكر خضاب الرجل شعر لحيته ورأسه إن شاء الله تعالى *
قال (الثالثة أن يتجرد عن المخيط في ازار ورداء أبيضين ونعلين) *
إذا أراد الاحرام تجرد عن مخيط ثيابه إذ ليس للمحرم لبس المخيط على ما سيأتي ويلبس
255

إزارا ورداء ونعلين * روي أنه صلى الله عليه وسلم قال " يحرم أحدكم في ازار ورداء ونعلين " (1)
ويستحب أن يكون الإزار والرداء أبيضين " فان أحب الثياب إلى الله تعالى البيض " (2) وليكونا جديدين
فإن لم يجد فليكونا غسيلين ويكره المصبوغ لما روى عن عمر " أنه رأى على طلحة رضي الله عنهما ثوبين
مصبوغين وهو حرام فقال أيها الرهط انكم أمة يهتدى بكم فلا يلبس أحدكم من هذه الثياب
المصبغة في الاحرام شيئا " (3) (وقوله) في الكتاب أن يتجرد عن المخيط في ازار إلى آخره ينبغي
256

أن يعلم فيه ان المعدود من السنن التجرد بالصفة المذكورة (فاما) مجرد التجرد فلا يمكن عده من السنن
لان ترك لبس المخيط في الاحرام لازم ومن ضرورة لزومه لزوم التجرد قبل الاحرام وبالله التوفيق *
قال (الرابعة أن يصلى ركعتي الاحرام ثم يلبي حيث تنبعث به دابته وفى القديم حيث
يتحلل عن الصلاة) *
(يستحب أن يصلى قبل الاحرام ركعتين لما روى أنه صلى الله عليه وسلم " صلى بذى الحليفة
ركعتين ثم أحرم " (1) وإنما يستحب ذلك في غير وقت الكراهية (واما) في أوقات الكراهية فاصح
257

الوجهين الكراهة على ما مر في فصل الأوقات المكروهة * ولو كان احرامه في وقت فريضة وصلاها
أغنته ذلك عن ركعتي الاحرام ثم إذا صلى نوي ولبى وفى الأفضل قولان (أصحهما) ان الأفضل أن
ينوى ويلبى حين تنبعث به دابته إن كان راكبا * وحين يتوجه إلى الطريق إن كان ماشيا لما روى أن
النبي صلى الله عليه وسلم " لم يهل حتى انبعثت به دابته (1) " قال الامام رحمه الله وليس
المراد من انبعاث الدابة ثورانها بل المراد استواؤها في صوب مكة (والثاني) أن الأفضل انه
258

ينوى ويلبي كما تحلل من الصلاة وهو قاعد ثم يأخذ في السير وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد لما
روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم " أهل حينئذ " (1) ويشتهر القول
الأول بالجديد والثاني بالقديم ويروى أيضا عن المناسك الصغير من الام واختاره طائفة من الأصحاب
وحملوا اختلاف الرواية على أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد التلبية عند انبعاث الدابة فظن من سمع
أنه حينئذ لبى (2) والأكثرون على ترجيح الأول *
قال (الخامسة أن يلبى عند النية ويجددها عند كل صعود وهبوط وحدوث حادثة
259

وفى مسجد مكة ومنى عرفات وفيما عداها من المساجد قولان وفى حال الطواف قولان ويستحب
رفع الصوت بها إلا للنساء) *
لك أن تعلم قوله وان يلبى عند النية بالواو لوجه قدمناه في أن التلبية من واجبات الاحرام
لا من سننه ثم تكثير التلبية في دوام الاحرام مستحب قائما كان أو قاعدا راكبا كان
أو ماشيا حتى في حالة الجنابة والحيض لأنه ذكر لا اعجاز فيه فأشبه التسبيح وقد قال صلى الله
عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين حاضت " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " (1)
وتجديدها أفضل في كل صعود وهبوط وحدوث حادث من ركوب أو نزول أو انضمام رفاق
أو فراغ من صلاة وعند اقبال الليل والنهار ووقت السحر روى عن جابر رضي الله عنه " أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبي في حجته إذا لقى ركبا أو علا أكمة أو هبط واديا وفي أدبار
المكتوبة ومن آخر الليل " (2) ويستحب الاتيان بها في مسجد مكة وهو المسجد الحرام
260

ومسجد الخيف بمنى ومسجد إبراهيم عليه السلام بعرفة فإنها مواضع النسك وفى سائر المساجد
قولان (القديم) أنه لا يلبى فيها حذرا من التشويش على المتعبدين والمصلين بخلاف المساجد الثلاثة
فان التلبية معهودة فيها ويروي هذا عن مالك رحمه الله (والجديد) أنه يلبي فيها كسائر المساجد ويدل
عليه اطلاق الأخبار الواردة في التلبية فإنها لا تفرق بين موضع وموضع وهذا الخلاف على ما أورده
الأكثرون في أصل التلبية فان استحببناه استحببنا رفع الصوت والا فلا وهو قضية نظم الكتاب *
وجعل امام الحرمين الخلاف في أنه هل يستحب فيها رفع الصوت بالتلبية ثم قال إن لم نؤثر رفع
الصوت بالتلبية في سائر المساجد ففي الرفع في المساجد الثلاثة وجهان وهل تستحب التلبية في
261

طواف القدوم والسعي بعده فيه قولان (الجديد) أنه لا يستحب لان فيها أدعية وأذكارا خاصة
فصار كطواف الإفاضة والوداع وقد روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال " لا يلبى الطائف " (1)
(والقديم) انه يستحب ولكن لا يجهر بها بخلاف طواف الإفاضة فان هناك شرع في أسباب التحلل
فانقطعت التلبية وهذا التوجيه يعرفك ان قوله في الكتاب وفي حال الطواف قولان محمول على
طواف القدوم وإن كان اللفظ مطلقا وفي غيره من أنواع الطواف لا يلبي بلا خلاف * ويستحب
رفع الصوت بالتلبية لقوله صلى الله عليه وسلم " أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا
أصواتهم بالتلبية (2) " وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " أفضل الحج العج والثج (3) " والعج
262

هو رفع الصوت وإنما يستحب الرفع في حق الرجل ولا يرفع بحيث يجهده ويقطع صوته والنساء
يقتصرن على اسماع أنفسهن ولا يجهرن كما لا يجهرن بالقراءة في الصلاة * قال القاضي الروياني ولو
رفعت صوتها بالتلبية لم يحرم لان صوتها ليس بعورة خلافا لبعض أصحابنا * والأحب أن لا يزيد
في التلبية على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يكررها وبه قال أحمد وعن أصحاب أبي حنيفة
رحمهم الله أن الاحب الزيادة فيها وتلبيته: " لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك إن
الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " (1) (وقوله) ان قد تكسر على تقدير الابتداء وقد تفتح على
معنى لان الحمد * فان رأى شيئا يعجبه قال لبيك إن العيش عيش الآخرة (2) ثبت ذلك عن رسول الله
263

صلى الله عليه وسلم وروى في بعض الروايات أنه قال في تلبيته " لبيك حقا حقا تعبدا ورقا " (1)
ولو زاد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نقل بأنه مكروه روى عن ابن عمر رضي الله عنهما
أنه كان يزيد فيها " لبيك لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل " (2)
ويستحب إذا فرغ من التلبية أن يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وأن يسأل الله رضوانه والجنة
ويستعيذ به من النار يقول أسألك رضاك وأسألك الجنة وأعوذ بك من النار روى أن النبي صلى الله عليه وسلم
264

" كان إذا فرغ من تلبيته في حج أو عمرة سأل الله رضوانه والجنة واستعاذ برحمته من النار " (1)
ثم يدعو بما أحب ولا يتكلم في أثناء تلبيته بأمر ونهى وغيرهما لكن لو سلم عليه رد نص عليه
ومن لم يحسن التلبية بالعربية لبى بلسانه (واعلم) انه يستحب الاتيان بالسنن الخمس على الترتيب
المذكور في الكتاب نعم لم أر ما يقتضى ترتيبا بين التطيب والتجرد ويستحب أيضا للمحرم أن
يتأهب للاحرام بحلق الشعر وتقليم الظفر وقص الشارب وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم (كان إذا أراد
أن يحرم غسل رأسه بأشنان وخطمى (2)) وبالله التوفيق
265

* الفصل الثالث *
(في سنن دخول مكة)
قال (وهي أن يغتسل بذى طوى ويدخل مكة من ثنية كداء ويخرج من ثنية كداء وإذا وقع
بصره على الكعبة قال اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا وزد من شرفه
وعظمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا ثم يدخل البيت من باب بنى شيبة
فيؤم الركن الأسود ويبتدئ طواف القدوم) *
266

المحرم بالحج قد يقرب من مكة ووقت الوقوف ضيق فيعدل عن الجادة إلى عرفة فإذا وقف
دخلها وهكذا يفعل الحجيج الآن غالبا وقد يتسع الوقت فيدخلونها ثم يخرجون منها إلى عرفة
وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) وفى الفصل وما بعده ما هو مبنى على التصوير الثاني وهكذا
هو في مصنفات عامة الأصحاب رحمهم الله ونحن ننبه على ما يفترق فيه التصوير ان في مواضع الحاجة
إن شاء الله تعالى * إذا عرفت ذلك فلدخول مكة سنن (منها) أن يغتسل بذى طوي وهو من سواد
مكة قريب منها * روى عن ابن عمر رضي الله عنهما " انه كان لا يقدم مكة الا بات بذى طوى حتى
يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله " (2) (واعلم) ان القصد بقوله أن يغتسل
267

بذى طوى بيان استحباب موضع الغسل (فاما) كون الغسل للدخول مستحبا فقد ذكره مرة في الفصل الثاني
من هذا الباب ومرة قبل ذلك في كتاب الجمعة (ومنها) أن يدخل من ثنية كداء - بفتح الكاف
والمد - وهو من أعلى مكة وإذا خرج خرج من ثنية كدى - بضم الكاف - وهو على ما يشعر به كلام
الأكثرين بالمد أيضا ويدل عليه انهم كتبوه بالألف ومنهم من قال إنه بالياء وروى فيه شعرا وهو
من أسفل مكة * وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من
الثنية السفلى " (1) قال الأصحاب وهذه السنة في حق من جاء من طريق المدينة والشام واما الجاؤن
من سائر الأقطار فلا يؤمرون بان يدوروا حول مكة ليدخلوا من ثنية كداء وكذلك القول في
ايقاع الغسل بذي طوى وقالوا إنما دخل النبي صلى الله عليه وسلم من تلك الثنية اتفاقا لا قصدا
268

لأنها على طريق المدينة وههنا شيئان (أحدهما) أن قضية هذا الكلام أن لا يتعلق بنسك واستحباب
بالدخول من تلك الثنية في حق الجائين من طريق المدينة أيضا وهكذا أطلق الامام نقله عن الصيدلاني
(والثاني) أن الشيخ أبا محمد نازع فيما ذكروه من موضع الثنية وقال ليست هي على طريق المدينة بل
هي في جهة المعلي وهو في أعلى مكة والمرور فيه يفضى إلى باب بني شيبة ورأس الردم وطريق المدينة
يفضي إلى باب إبراهيم عليه السلام * ثم ذهب الشيخ إلى استحباب الدخول منها لكل جاء تأسيا
برسول الله صلى الله عليه وسلم والامام ساعد الجمهور في الحكم الذي ذكروه وشهد للشيخ بان الحق
في موضع الثنية ما ذكره * (ومنها) إذا وقع بصره على البيت قال ما روي في الخبر وهو أن النبي
صلى الله عليه وسلم " كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما
وتكريما ومهابة وزد من شرفه وعظمته ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا " (2)
269

ويستحب أن يضيف إليه " اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام " يروى ذلك
عن عمر رضي الله عنه (1) ويؤثر أيضا أن يقول " اللهم انا كنا نحل عقدة ونشد أخرى ونهبط واديا
270

ونعلوا آخر حتى أتيناك غير محجوب أنت عنا إليك خرجنا وبيتك حججنا فارحم ملقى
رحالنا بفناء بيتك " (1) ويدعو بما أحب من مهمات الدنيا والآخرة وأهمها سؤال المغفرة (واعلم)
أن بناء البيت رفيع يرى قبل دخول المسجد في موضع يقال له رأس الردم إذا دخل الداخل
من أعلا مكة وحينئذ يقف ويدعو بما ذكرنا * (ومنها) أن يقصد المسجد كما فرغ من الدعاء ويدخله
من باب بني شيبة وقد أطبقوا على استحبابه لكل قادم لان النبي صلى الله عليه وسلم " دخل المسجد
منه قصدا لا اتفاقا فإنه لم يكن على طريقه وإنما كان على طريقه باب إبراهيم عليه السلام " (2) والدوران
حول المسجد لا يشق بخلاف الدوران حول البلد وكان المعنى فيه ان ذلك الباب في جهة باب الكعبة
والركن الأسود وإن كان في زاوية المسجد ويبتدئ كما دخل بطواف القدوم * روي أن النبي صلى الله عليه وسلم
271

(حج فأول شئ بدأ به حين قدم ان توضأ ثم طاف بالبيت " (1) أو يؤخر تغيير ثيابه واكتراء منزله
إلى أن يفرغ منه نعم لو كان الناس في المكتوبة حين دخل صلاها معهم أولا وكذا لو أقيمت
الجماعة وهو في أثناء الطواف قدم الصلاة وكذا لو خاف فوت فريضة أو سنة مؤكدة * ولو قدمت
المرأة نهارا وهي ذات جمال أو شريفة لا تبرز للرجال أخرت الطواف إلى الليل * وليس في حق من
272

قدم الوقوف على دخول مكة طواف قدوم وإنما هو في حق من دخلها أولا لسعة الوقت ويسمى أيضا طواف
الورود وطواف التحية لأنه تحية البقعة يأتي به من دخلها سواء كان تاجرا أو حاجا أو دخلها لأمر
آخر * ولو كان معتمرا فطاف للعمرة أجزأه ذلك عن طواف القدوم كما أن الفريضة عند دخول المسجد
تجزئ عن التحية والله أعلم * ولعلك تنظر في لفظ الكتاب في الدعاء عند رؤية المبيت فتقول انه
جمع أولا بين المهابة والبر ولم يرووا في الخبر المهابة وذكر أخيرا البر دون المهابة وكذا رويتموه
273

في الخبر * ونقل المزني في المختصر المهابة دون البر فما الحال فيهما (فاعلم) أن الجمع بين المهابة والبر لم نره
إلا لصاحب الكتاب ولا ذكر له في الخبر ولا في كتب الأصحاب بل البيت لا يتصور منه بر فلا يصح
اطلاق هذا اللفظ إلا أن يعنى البر إليه * (وأما) الثاني فالثابت في الخبر الاقتصار على البر كما أورده
ولم يثبت الأئمة ما نقله المزني (وقوله) فيؤم الركن الأسود كالمستغنى عنه في هذا الموضع إذا لابد لكل
طائف أن يؤم الركن الأسود ويبتدئ به على ما سيأتي في واجبات الطواف فلو لم يعرض له ههنا كما لم
يتعرض لسائر واجبات الطواف لما ضره (وقوله) ويبتدئ بطواف القدوم مطلق لكنه محمول على
274

ما سوى المواضع التي بيناها * واختلفوا في أن دخول مكة راكبا أولى أم دخولها ماشيا على وجهين
وان دخلها ماشيا فقد قيل الأولى أن يكون حافيا لما روى " أنه صلى الله عليه وسلم قال " لقد حج
هذا البيت سبعون نبيا كلهم خلعوا نعالهم من ذي طوى تعظيما للحرم (1)) *
275

قال (وكل من دخل مكة غير مريد نسكا لم يلزمه (ح) الاحرام على أظهر القولين ولكنه
يستحب كتحية المسجد) *
من قصد دخول مكة لا لنسك له حالتان (أحداهما) أن لا يكون ممن يتكرر دخوله كالذي
يدخلها لزيارة أو تجارة أو رسالة وكالمكي إذا دخلها عائدا من سفره فهل يلزمه أن يحرم بالحج أو
276

العمرة فيه طريقان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه على قولين (أحدهما) ويحكى عن مالك
واحمد انه يلزمه الاحرام بحج أو عمرة لاطباق الناس عليه والسنن يندر فيها الاتفاق العملي * وعن
ابن عباس رضي الله عنهما " أنه لا يدخل أحد الا محرما " (1) (والثاني) انه لا يلزمه ذلك ولكن يستحب
277

كتحية المسجد وما الأظهر منهما ذكر صاحب الكتاب ان هذا القول الثاني أظهر وبه قال الشيخ
أبو محمد واليه ميل الشيخ أبى حامد ومن تابعه ورجح المسعودي وصاحب التهذيب في آخرين قول
الوجوب وبه أجاب صاحب التلخيص ولا فرق على القولين بين أن تكون داره فوق الميقات أو
دونه * وعند أبي حنيفة إن كان داره فوق الميقات لزمه والا فلا (والطريق الثاني) القطع بالاستحباب ويحكى
هذا عن صاحب التقريب * (والحالة الثانية) أن يكون ممن يتكرر دخوله كالحطابين والصيادين ونحوهم
فان قطعنا بنفي الوجوب في الحالة الأولى فههنا أولى وان سلكنا طريقه القولين فههنا طريقان (أحدهما)
278

طرد القولين (وأصحهما) القطع بنفي الوجوب وبه أجاب في التلخيص * والفرق ان هؤلاء ان امتنعوا
من الدخول انقطعوا عن معايشهم يتضرر به الناس وان دخلوا وأحرموا كل مرة شق عليهم وفيه
وجه ضعيف انه يلزمهم الاحرام في كل سنة مرة * (التفريع) ان قلنا بالوجوب فلذلك شروط (أحدها)
أن يجئ الداخل من خارج الحرم فاما أهل الحرم فلا احرام عليهم بلا خلاف (والثاني) أن لا يدخلها
لقتال ولا خائفا فان دخلها لقتال باغ أو قاطع طريق أو غيرهما أو خائفا منه أو خائفا من ظالم أو
279

غريم يحبسه وهو معسر لا يمكنه ان يطهر لأداء النسك لم يلزمه الاحرام بحال " دخل رسول الله صلى
الله عليه وسلم مكة عام الفتح غير محرم لأنه كان مترصدا للقتال خائفا غدر الكفار " (1) * (والثالث)
أن يكون حرا أما العبيد فلا احرام عليهم بحال لان منافعهم مستحقة للسادة ولا فرق بين ان يأذنوا
في الدخول أو لا يأذنوا لان الاذن في الدخول لا يتضمن الاذن في الاحرام رواه الامام عن اتفاق
الأصحاب ومن يلزم الاحرام بالدخول لا يبعد منه المنازعة في هذا التوجيه * وان اذن السيد لعبده في
280

الدخول محرما فهل يكون حينئذ كالأحرار فيه وجهان (أقيسهما) لا لأنه ليس من أهل فرض النسك
فصار كما لو اذن له في حضور الجمعة * وإذا اجتمعت شرائط الوجوب دخلها غير محرم فهل عليه
القضاء قال الامام فيه قولان وقال غيرهما وجهان (أحدهما) نعم تداركا للواجب * وسبيله على هذا ان
يخرج ويعود محرما ولا نقول إن عوده يقتضي احراما آخر كما لو دخلها على قصد النسك يكفيه
إحرامه بذلك النسك ولا يلزمه بالدخول احرام آخر وكان الغرض أن لا يعرى دخوله عن الاحرام
281

لحرمة البقعة (وأصحهما) وهو الذي أورده الأكثرون انه لا يجب وله علتان (أحداهما) انه لا يمكن
القضاء لان دخوله الثاني يقتضى احراما آخر وإذا لم يمكن القضاء لم يجب كمن نذر صوم الدهر وأفطر *
وفرع صاحب التلخيص على هذه العلة فقال لو لم يكن ممن يتكرر دخوله كالحطابين ثم صار منهم
قضى لحصول الامكان وربما نقل عنه انه يجب عليه أن يجعل نفسه منهم (وأصحهما) وبه قال العراقيون
والقفال انه تحية البقعة فلا يقضى كتحية المسجد وزيفوا العلة الأولى بما سبق في توجيه القول الأول *
وذكر القاضي ابن كج تفريعا على القول بالوجوب انه إذا انتهى إلى الميقات على قصد دخول مكة
يلزمه ان يحرم من الميقات * ولو أحرم بعد مجاوزته فعليه دم بخلاف ما إذا ترك الاحرام أصلا ورأسا
282

لان نفس العبادة لا تجبر بالدم * وهل ينزل دخول الحرم منزلة دخول مكة فيما ذكرناه قال بعض الشارحين
نعم والمراد بدخول مكة فيما نحن فيه دخول الحرم ولا يبعد تخريجه على خلاف سبق في نظائره
(وقوله) في الكتاب وكل من دخل مكة غير مريد نسكا فيه إشارة إلى أنه لو كان مريدا نسكا
يلزمه أن يدخلها محرما على الوجه الذي مر في موضعه وليس ذلك موضع الخلاف * ثم لفظ الكتاب
283

وإن كان مطلقا في حكاية الخلاف فالمراد ما إذا اجتمعت الشروط المذكورة * ثم قوله لم يلزمه معلم
بالحاء والميم والألف ويجوز أن يعلم قوله على أظهر القولين بالواو للطريقة النافية للخلاف (واعلم) أن
هذا الفصل لما كان مترجما بسنن دخول مكة وكان الاحرام عند الدخول في حق من لا يقصد النسك
معدودا من المستحبات على ما اختاره صاحب الكتاب استحسن ايراد المسألة في هذا الفصل *
284

قال (الفصل الرابع في الطواف)
(وواجباته ست: (الأول) شرائط الصلاة من طهارة الحدث والخبث وستر العورة إلا أنه
يباح فيه الكلام) *
285

للطواف بأنواعه وظائف واجبة وأخرى مسنونة (القسم الأول) الواجبات وقد عدها في
الكتاب سبعة (أحدها) الطهارة عن الحدث والخبث وستر العورة كما في الصلاة وبه قال مالك لما
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الطواف بالبيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه فمن
تكلم فلا يتكلم إلا بخير " (1) فلو طاف جنبا أو محدثا أو عاريا أو طافت المرأة حائضا أو طاف وعلى
286

ثوبه أو بدنه نجاسة لم يعتد بطوافه وكذا لو كان يطأ في مطافه النجاسات ولم أر للأئمة رحمهم الله
تشبيه مكان الطواف بالطريق في حق المتنفل ماشيا أو راكبا وهو تشبيه لا بأس به ولو أحدث
الطائف في خلال طوافه نظر ان تعمد الحدث فقولان في أنه يبنى أو يستأنف إذا توضأ ويقال
وجهان (أحدهما) يستأنف كما في الصلاة (وأصحهما) انه يبنى ويحتمل في الطواف ما لا يحتمل في الصلاة
كالفعل الكثير والكلام وان سبقه الحدث رتب على حالة التعمد ان قلنا يبني عند التعمد فههنا
أولي وان قلنا يستأنف فههنا قولان أو وجهان (والأصح) البناء وهذا كله فيما إذا لم يطل الفصل
فان طال فسيأتي حكمه وحيث لا يجب الاستئناف فلا شك في استحبابه (وقوله) شرائط الصلاة
غير مجرى على ظاهره فان المعتبر في الطواف بعضها وهو الطهارة وستر العورة ولا يعتبر فيه استقبال
287

القبلة وترك الكلام وترك الأفعال الكثيرة وترك الاكل (واعلم) قوله من طهارة الحدث والخبث
وستر العورة بالحاء لان عنده لو طاف جنبا أو محدثا أو عاريا أو طافت المرأة حائضا لزمت الإعادة ما لم
يفارق مكة فان فارقها أجزأ دم شاة ان طاف مع الحدث وبدنة ان طاف مع الجناية وبالألف لان عند
احمد رواية مثله إلا أن الاعلام بهما إنما يصح إذا كان المراد من وجوب شرائط الصلاة في الطواف
اشتراطها فيه دون الوجوب المشترك بين الشرائط وغيره فانا قد نوجب الشئ ولا نشترطه
كركعتي الطواف في الطواف على أحد القولين * والذي حكيناه عن أبي حنيفة رحمه الله ينافي
الاشتراط دون الوجوب المشترك والله أعلم *
288

قال (الثاني الترتيب (ح) وهو أن يجعل البيت على يساره ويبتدئ بالحجر الأسود فان جعله
على يمينه لم يصح ولو استقبله بوجهه ففيه تردد ولو ابتدأ بغير الحجر لم يعتد بذلك الشوط إلى أن
ينتهى إلى الحجر فمنه يبدأ الاحتساب ولو حاذى آخر الحجر ببعض بدنه في ابتداء الطواف
فيه وجهان) *
هذا الواجب وما بعده قد يحوج إلى معرفة هيئة البيت فنقدم في وضع البيت وما لحقه من
التغايير مقدمة مختصرة: ونقول لبيت الله تعالى أربعة أركان ركنان يمانيان وركنان شاميان وكان
لاصقا بالأرض وله بابان شرقي وغربي فذكر أن السيل هدمه قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه
289

وسلم بعشر سنين وأعادت قريش عمارته على الهيئة التي هي عليها اليوم ولم يجدوا من النذور
والهدايا والأموال الطيبة ما يفي بالنفقة فتركوا من جانب الحجر بعض البيت وخلفوا الركنين الشاميين
عن قواعد إبراهيم عليه السلام وضيقوا عرض الجدار من الركن الأسود إلى الشامي الذي يليه
فبقي من الأساس شبه الدكان مرتفعا وهو الذي يسمى الشاذروان وقد روى أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال لعائشة رضي الله عنها " لولا حدثان قومك بالشرك لهدمت البيت ولبنيته على قواعد
إبراهيم فألصقته بالأرض وجعلت له بابين شرقيا وغربيا " (1) ثم إن ابن الزبير رضي الله عنهما عدمه
290

أيام ولايته وبناه على قواعد إبراهيم عليه السلام كما تمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لما استولى عليه
الحجاج هدمه وأعاده على الصورة التي هو عليها اليوم (1) وهي بناء قريش والركن الأسود والباب في
صوب الشرق والأسود هو أحد الركنين اليمانيين والباب بينه وبين أحد الشاميين وهو الذي
يسمى عراقيا أيضا والباب إلى الأسود أقرب منه إليه ويليه الركن الآخر الشامي والحجر بينهما
وسنصفه من بعد والميزاب بينهما ويلي هذا الركن اليماني الآخر الذي هو عن يمين الأسود * إذا
عرفت ذلك فاعلم أن مما يعتبر في الطواف شيئان قد يعبر عنهما معا بالترتيب وقد يعبر
291

به عن أحدهما (والأول) قضية لفظ الكتاب (أحدهما) أن يجعل البيت على يساره (والثاني) أن
يبتدئ بالحجر الأسود فيحاذيه بجميع بدنه في مروره وإنما اعتبر لان النبي صلى الله عليه وسلم كذلك طاف
وقال " خذوا عنى مناسككم " (1) فلو جعل البيت على يمينه كما إذا ابتدأ من الحجر الأسود ومر على
وجهه نحو الركن اليماني لم يعتد بطوافه وقال أبو حنيفة رحمه الله يعيد الطواف ما دام بمكة فان فارقها
أجزأه دم شاة ولو لم يجعله على يمينه ولكن استقبله بوجهه وطاف معترضا فعن القفال فيه وجهان (أحدهما)
الجواز لحصول الطواف في يسار البيت (والثاني) المنع لأنه لم يول الكعبة شقه الأيسر والخلاف
جار فيما لو ولاها شقه الأيمن ومر القهقرى نحو الباب والقياس جريانه فيما لو استدبرها ومر معترضا
وما الأظهر من هذا الخلاف الذي أورده صاحب التهذيب وغيره في الصورة الثانية انه يجوز ويكره
وقال الامام والأصح المنع كما أن المصلى لما أمر بان يولى الكعبة صدره ووجهه لم يجز أن يوليها شقه وهذا
292

أوفق لعبارة الأكثرين فإنهم قالوا يجب أن يجعل البيت على يساره ولم يوجد ذلك في هذا الصورة
وقالوا لو جعله على يمينه لم يصح وقد وجد ذلك في صورة الرجوع القهقرى ومن صحح الطواف في هذه الصور
فالمعتبر عنده أن يكون تحرك الطائف ودورانه في يسار البيت لا غير والله أعلم * ولو ابتدأ الطائف
من غير الحجر الأسود لم يعتد بما فعله حتى ينتهي إلى الحجر الأسود فيكون منه ابتداء طوافه
كما لو قدم المتوضئ على غسل الوجه غسل عضو آخر فانا نجعل غسل الوجه ابتداء وضوءه وينبغي
أن يمر عند الابتداء بجميع بدنه على الحجر الأسود وذلك بان لا يقدم جزءا من بدنه على جزء من
الحجر فلوا حاذاه ببعض بدنه وكان بعضه مجاوزا إلى جانب الباب ففيه قولان (الجديد) أنه لا يعتد
بتلك الطوافة (والقديم) انه يعتد بها وتكفي المحاذاة ببعض البدن وهذا الخلاف كالخلاف فيما إذا
استقبل الكعبة ببعض بدنه وصلى هل تصح صلاته وفيما علق عن الشيخ أبى محمد وغيره أن الخلاف
ثم مخرج من الخلاف في الطواف وعكس الامام ذلك فأشار إلى تخريج هذا من ذاك ولو حاذي
بجميع البدن بعض الحجر دون البعض أجزأه كما يجزئه أن يستقبل بجميع بدنه بعض الكعبة ذكره
أصحابنا العراقيون (وقوله) في الكتاب لم يعتد بذلك الشوط هو الطوفة الواحدة وكره
الشافعي رضي الله عنه اللفظ فاستحب أن يقال طواف وطوافان (وقوله) ولو حاذى آخر
293

الحجر أراد بآخر الحجر البعض الذي يلي الباب ولا حاجة إلى هذا التقييد بل الخلاف جار فيما إذا
حاذى جميع الحجر ببعض بدنه (وقوله) وجهان اقتدى فيه بامام الحرمين رحمهما الله ومعظم الأصحاب
احكوا قولين منصوصين كما قدمنا *
قال ((الثالث أن يكون بجميع بدنه خارجا عن البيت فلا يمشى على شاذروان البيت ولا في
داخل محوط الحجر فان ستة أذرع منه من البيت ولو كان يمس الجدار بيده في موازاة الشاذروان
صح (ح) لان معظم بدنه خارج) *
294

الطواف المأمور به هو الطواف بالبيت قال الله تعالى (وليطوفوا بالبيت العتيق) وإنما يكون طائفا
به إذا كان خارجا عنه والا فهو طائف في البيت إذا تقرر ذلك ففي الفصل صور (أحداهما) لو مشى
على شاذروان البيت لم يصح طوافه لما ذكرنا أنه من البيت * وعن المزني انه سماه تازير البيت أي هو
كالإزار له وقد يقال التازيز - بزاءين وهو التأسيس (الثانية) ينبغي أن يدور في طوافه حول الحجر
الذي ذكرنا انه بين الركنين الشاميين وهو موضع حوط عليه بجدار قصير بينه وبين كل واحد من
الركنين فتحة وكلام جماعة من الأصحاب يقتضى كون جميعه من البيت وهو ظاهر لفظه في المختصر
295

لكن الصحيح انه ليس كذلك بل الذي هو من البيت منه قدر سنة أذرع تتصل بالبيت روى أن
عائشة رضي الله عنها قالت " نذرت أن أصلى ركعتين في البيت فقال صلى الله عليه
وسلم صلى في الحجر فان ستة أذرع منه من البيت " (1) (ومنهم) من يقول ستة أذرع أو سبعة كان
الامر فيه على التقريب ولفظ المختصر محمول على هذا القدر فلو دخل إحدى الفتحتين وخرج
296

من الأخرى فهو ماش في البيت لا يحسب له ذلك ولا طوفه بعده حتى ينتهي إلى الفتحة التي دخل
منها ولو خلف القدر الذي هو من البيت ثم اقتحم الجدار وتخطي الحجر على السمت صح طوافه
(الثالثة) لو كان يطوف ويمس الجدار بيده في موازاة الشاذروان أو أدخل يده في موازاة ما هو
297

من البيت من الحجر ففي صحة طوافه وجهان (أحدهما) وبه أجاب في الكتاب انه يصح لان معظم
بدنه خارج وحينئذ يصدق أن يقال إنه طائف بالبيت (وأصحهما) باتفاق فرق الأصحاب وفيهم
الامام انه لا يصح لان بعض بدنه في البيت كما لو كان يضع أحدي رجليه أحيانا على الشاذروان
298

ويقفذ بالأخرى (وقوله) في الكتاب أن يكون بجميع بدنه خارج البيت لفظ الجميع كالمستغنى
عنه فإنه لو اقتصر على قوله أن يكون ببدنه كان المفهوم منه الجميع وإذا تعرض له فلا شك أن مثل
هذا إنما يذكر تأكيدا ومبالغة في أنه لا يحتمل خروج البعض وهذا لا يليق به الجواب بالصحة فيما
299

إذا كان يمس الجدار بيده في موازاة الشاذروان (وقوله) ولا في داخل محوط الحجر مطلق ولكن
تعقيبه بقوله فان ستة أذرع منه من البيت يبين الحد الممنوع عن المشي فيه *
قال (الرابع) أن يطوف داخل المسجد ولو في أخرياتها وعلى سطوحها وأروقتها فلو طاف
بالمسجد لم يجز) *
300

يجب أن لا يوقع الطواف خارج المسجد كما يجب أن لا يوقعه خارج مكة والحرم ولا باس بالحائل
بين الطائف والبيت كالسقاية والسواري ولا بكونه في أخريات المسجد وتحت السقف وعلى
الأروقة والسطوح إذا كان البيت أرفع بناء على ما هو اليوم فان جعل سقف المسجد أعلي فقد
301

ذكر في العدة انه لا يجوز الطواف على سطحه ولو صح هذا لزم أن يقال إذا انهدمت الكعبة
والعياذ بالله لم يصح الطواف حول عرصتها وهو بعيد ولو اتسعت خطة المسجد اتسع المطاف وقد
جعلته العباسية أوسع مما كان في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم *
302

قال (الخامس) رعاية العدد فلو اقتصر على ستة أشواط لم يصح (ح)) *
تجب رعاية العدد في الطواف وهو أن يطوف سبعا فلوا اقتصر على ستة أشواط لم يجزه وبه
قال مالك وأحمد رحمهما الله لان النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعا وقد قال " خذوا عنى مناسككم " (1) وعند
303

أبي حنيفة رحمه الله لو اقتصر على أكثر الطواف وأراق عن الباقي دما أجزأه وبني على ذلك أنه
لو كان يدخل في الأشواط كلها من إحدى فتحتي الحجر ويخرج من الأخرى كفاه أن يمشى
وراء الحجر سبع مرات أو يريق دما وتداوره بما وراء الحجر يكون معتمدا به في الأشواط كلها *
304

قال (السادس ركعتان عقيب الطواف مشروعتان وليستا من الأركان وفى وجوبهما قولان
وليس لتركها جبران لأنه لا يفوت إذ الموالاة ليست بشرط في اجزاء الطواف على الصحيح) *
إذا فرغ من الطوافات السبع صلى ركعتين روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " فعل ذلك " (1) وهما واجبتان
305

أو مسنونتان فيه قولان (أحدهما) واجبتان وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لان النبي صلى الله عليه وسلم لما صلاهما تلا
قوله تعالى (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلي) (1) * فافهم أن الآية أمر بهذه الصلاة والامر للوجوب
306

(وأصحهما) مسنونتان وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله لقوله " صلى الله عليه وسلم في حديث الاعرابي لا إلا
أن
تطوع " (1) واحتج الشيخ أبو علي لهذا القول بشيئين (أحدهما) أنها لو وجبت للزم شئ بتركها كالرمي ولا
يلزم (والثاني) انها لو وجبت لاختص فعلها بمكة ولا يختص بل يجوز في بلده وأي موضع شاء ولك
307

ان تقول (أما) الأول فيشكل بالأركان فإنها واجبة ولا تجبر بشئ وقد تعد هذه الصلاة منها على
ما سيأتي ثم الجبر بالدم إنما يكون عند فوات المجبور وهذه الصلاة لا تفوت إلا بان يموت وحينئذ
لا يمتنع جبرها بالدم قاله الامام وغيره (وأما) الثاني فلم لا يجوز أن تكون واجبات الحج وأعماله
منقسمة إلى ما يختص بمكة والى ما لا يختص ألا ترى أن الاحرام أحد الواجبات ولا اختصاص له
308

بمكة * والمستحب أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون وفى الثانية قل هو الله أحد
كذلك روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (1) وأن يصليهما خلف المقام فإن لم يفعل ففي الحجر فإن لم
يفعل ففي المسجد فإن لم يفعل ففي أي موضع شاء من الحرم وغيره ويجهر بالقراءة فيهما ليلا ويسر
309

نهارا * وإذا لم تحكم بوجوبهما فلو صلى فريضة بعد الطواف حسبت عن ركعتي الطواف اعتبارا
بتحية المسجد * حكي ذلك عن نصه في القديم والامام حكاه عن الصيدلاني نفسه واستبعدوه وتختص
هذه الصلاة من بين سائر الصلوات بشئ وهو جريان النيابة فيها إذ يؤديها عنه المستأجر (وقوله)
في الكتاب ركعتان عقيب الطواف مشروعتان أراد به التعرض لما يشترك فيه القولان وهو أصل
الشرعية ثم بين الاختلاف في الوجوب (وقوله) وليستا من الأركان أراد به أن الاعتداد بالطواف
310

لا يتوقف عليهما أو شيئا هذا شأنه * وقد ذكره الامام أيضا لكن في طرق الأئمة ما ينازع فيه لأنهم
ذكروا القولين في طواف الفرض ثم قالوا إن كان الطواف تطوعا ففيه طريقان (أحدهما) القطع بعدم
الوجوب وبه قال أبو زيد لان أصل الطواف ليس بواجب فكيف يكون تابعه واجبا (والثاني)
وبه قال ابن الحداد طرد القولين ولا يبعد اشتراك الفرض والنفل في الشرائط كاشتراط صلاة
الفرض والتطوع في الطهارة وستر العورة وغيرهما وكذا اشتراكهما في الأركان كالركوع والسجود
وغيرهما ومعلوم ان هذا التوجيه ذهاب إلى كونهما ركنا أو شرطا في الصلاة وعلى التقديرين
311

فالاعتداد يتوقف عليهما (وقوله) وفى وجوبهما قولان يجوز اعلامه بالواو لأنه ان أراد مطلق الطواف
ففي النفل منه طريقة قاطعة بنفي الوجوب كما عرفتها وان أراد الفرض منه ففيه طريقة قاطعة
بالوجوب حكاها الشيخ أبو علي (وقوله) وليس لتركهما جبران لأنه لا يفوت معناه ما مر من أنه يحتمل
تأخيرهما ويجوز فعلهما في أي موضع شاء ولكن حكي صاحب التتمة عن نص الشافعي رضي الله عنه
أنه إذا أخر يستحب له إراقة دم (وقوله) إذ الموالاة ليست بشرط في إجزاء الطواف فيه
312

أو لا تعرض لمسألة مقصودة وهي أن الطائف ينبغي أن يوالي بين أشواط الطواف وأبعاضه فلو
خالف وفرق هل يجوز البناء على ما أتى به فيه قولان (أصحهما) الجواز وهما كالقولين في جواز
تفريق الوضوء لان كل واحد منها عبادة يجوز أن يتخللها ما ليس منها بخلاف الصلاة والقولان
في التفريق الكثير بلا عذر فاما إذا فرق يسيرا أو كثيرا بالعذر فالحكم على ما بينا في الوضوء *
قال الامام والتفريق الكثير هو الذي يغلب على الظن تركه الطواف (اما) بالاضراب عنه أو لظنه
أنه أنهاه نهايته * ولو أقيمت المكتوبة في أثناء الطواف فتخليلها بينها تفريق بالعذر * وقع الطواف
المفروض بصلاة الجنازة والرواتب مكروه إذ لا يحسن ترك فرض العين بالتطوع أو فرض الكفاية * *
313

إذا وقفت على المسألة (فقوله) انه لا يفوت إذا الموالاة ليست بشرط في أجزاء الطواف ليس تسليما
لكون الركعتين من أجزاء الطواف فان ذلك يناقض قوله من قبل انهما ليستا من الأركان ولكن
المعنى ان الموالاة إذا لم تشترط في أجزائه فأولى أن لا تشترط بينه وبين ما هو من توابعه وهذا شرح
واجبات الطواف وفى وجوب النية فيه خلاف نذكره من بعد *
قال (أما سنن الطواف فهي خمس (الأولي) أن يطوف ماشيا لا راكبا وإنما ركب رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليظهر فيستفتي) *
314

القسم الثاني من وظائف الطواف السنن (فمنها) أن يطوف ماشيا ولا يركب الا بعذر مرض ونحوه
كيلا يؤذى الناس ولا يلوث المسجد " وقد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأكثر ماشيا وإنما ركب في
حجة الوداع ليراه الناس فيستفتي المفتون " (1) فإن كان الطائف مترشحا للفتوى فله أن يتأسى بالنبي
صلى الله عليه وسلم فيركب ولو ركب من غير عذر أجزأه ولا كراهة هكذا قاله الأصحاب * وقال
الامام وفي القلب من ادخال البهيمة المسجد ولا يؤمن تلويثها بشئ فان أمكن الاستيثاق فذاك وإلا
315

فادخال البهائم المسجد مكروه * ويجوز أن يعلم قوله أن يطوف ماشيا بالميم والحاء لان عندهما
ليس ذلك من السنن بل يجب ان يطوف ماشيا إن لم يكن له عذر فان ركب فعليه دم وبالألف
لأنه يروى عن أحمد مثله *
قال (الثانية تقبيل الحجر الأسود ومس الركن اليماني باليد فان منعت الزحمة من التقبيل
اقتصر على المس والإشارة ويستحب ذلك في آخر كل شوط وفى الأوتار آكد) *
316

ومن السنن أن يستلم الحجر بيده في ابتداء الطواف لما روى عن جابر رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم " بدأ بالحجر فاستلمه وفاضت عيناه من البكاء " (1) ويقبله لما روى عن عمر رضي
317

الله عنه أنه قال وهو يطوف بالركن " إنما أنت حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقبلك لما قبلتك ثم تقدم فقبله " (1) ويضع جبهته عليه لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما " انه كان
يقبل الحجر الأسود ويسجد عليه بجبهته " (2) فان منعته الزحمة من التقبيل اقتصر على الاستسلام فإن لم يمكن
318

اقتصر على الإشارة باليد ولا يشير بالفم إلى التقبيل ولا يقبل الركنين الشاميين ولا يستلمهما ولا
يقبل الركن اليماني ولكن يستلمه باليد وروى عن أحمد انه يقبله وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يستلمه
ولا يقبله * لنا ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يستلم الركن
اليماني والأسود في كل طوفة ولا يستلم الركنين اللذين يليان الحجر " (1) قال الأئمة ولعل الفرق ما تقدم
أن اليمانيين على قواعد إبراهيم عليه السلام دون الشاميين (2) * ثم حكى الامام انه يتخير حين يستلم
319

الركن اليماني بين أن يقبل يده ثم يمس الركن كالذي ينقل خدمة إليه وبين أن يمسه ثم يقبل اليد
كالذي ينقل يمنا إلى نفسه قال وهكذا يتخير بين الوجهين إذا منعته الزحمة من تقبيل الحجر ولم يورد
المعظم في الصورتين سوى الوجه الثاني * وقال مالك رحمه الله لا يقبل يده فيهما ولكنه بعد الاستلام
يضع يده على فيه * ولو لم يستلم الركن باليد ولكنه وضع خشبة عليه ثم قبل طرفها جاز أيضا روى
عن أبي الطفيل قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على بعير ويستلم الركن
بمحجن ويقبل المحجن " (1) ويستحب تقبيل الحجر واستلامه واستلام الركن اليماني عند محاذاتهما في كل
طوفة وهو في الأوتار آكد لأنها أفضل (وقوله) في الكتاب اقتصر على المس أو الإشارة ليس
تخييرا بينهما ولكنه يمسه وان لم يمكنه اقتصر على الإشارة كما مر *
320

قال (الثالثة الدعاء وهو أن يقول عند ابتداء الطواف (بسم الله وبالله والله أكبر اللهم
ايمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد عليه وعلى آله السلام) *
يستحب للطائف أن يقول في ابتداء طوافه بسم الله وبالله والله أكبر اللهم ايمانا بك وتصديقا
بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم روى ذلك عن عبد الله بن
السائب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (1) ويقول بين الركنين اليمانيين (ربنا آتنا في الدنيا
حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) * وأورد الشيخ أبو محمد انه يستحب له إذا انتهى إلى
321

محاذاة الباب وعلى يمينه مقام إبراهيم عليه السلام أن يقول (اللهم ان هذا البيت بيتك والحرم حرمك
والامن أمنك وهذا مقام العائذ بك من النار) ويشير إلى مقام إبراهيم عليه السلام وإذا انتهي إلى
الركن العراقي أن يقول اللهم إني أعوذ بك من الشك والشرك والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق
وسوء المنظر في الأهل والمال والولد (1) * وإذا انتهي إلى ما تحت الميزاب من الحجر أن يقول اللهم
أظللني في ظلك يوم لا ظل الا ظلك واسقني بكأس محمد شرابا هنيا لا أظمأ بعده أبدا يا ذا الجلال
322

والاكرام * وإذا صار بين الركن الشامي واليماني أن يقول اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا
وعملا مقبولا وتجارة لن تبور يا عزيز يا غفور * وإذا صار بين الركنين اليمانيين أن يقول ما سبق وذكر
غيره أنه يقول عند الفراغ من ركعتي الطواف خلف المقام اللهم هذا بلدك ومسجدك الحرام وبيتك الحرام أنا
عبدك وابن عبدك وابن أمتك اتيتك بذنوب كثيرة وخطايا جمة وأعمال سيئة وهذا مقام العائذ بك من
النار فاغفر إلى أنك أنت الغفور الرحيم اللهم انك دعوت عبادك إلى بيتك الحرام وقد جئت إليك
طالبا رحمتك مبتغيا مرضاتك وأنت مننت على بذلك فاغفر لي وارحمني انك على كل شئ قدير *
323

وعند محاذاة الميزاب اللهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب * ويدعو في طوافه بما
شاء ولا بأس بقراءة القرآن في الطواف بل هي أفضل من الدعاء الذي لم يؤثر والدعاء المسنون أفضل
منها تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم (1) * ونقل في العدة وجها آخر انها أفضل منه أيضا *
قال (الرابعة الرمل في الأشواط الثلاثة الأول والهينة في الأربعة الأخيرة وذلك في طواف
القدوم فقط على قول وفى طواف بعده سعي فقط على قول وان ترك الرمل أولا لم يقضه آخرا إذا تفوت به السكينة
ولو تعذر الرمل مع القرب للزحمة فالبعد أولى ولو تعذر لزحمة النساء فالسكينة أولى وليقل في الرمل اللهم
324

اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا) *
الأصل في الرمل الاضطباع وما روى عن ابن عباس رض الله عنهما قال " لما قدم رسول
الله صلى الله عليه وسلم مكة لعمرة الزيارة قالت قريش ان أصحاب محمد قد أوهنتهم حمى يثرب
فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالرمل والاضطباع ليرى المشركين قوتهم ففعلوا) (1) ثم
325

ان ذلك بقي سنة متبعة وان زال السبب روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال " فيم الرمل وقد
نفى الله الشرك وأهله وأعز الاسلام الا انى لا أحب أن أدع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم " (1) والرمل هو الاسراع في المشي مع تقارب الخطى دون الوثوب والعد ويقال
انه الخبب وغلط الأئمة من ظن كونه دون الخبب * إذا تمهد ذلك فنورد مسائل الفصل وما
ينضم إليها في صور (إحداها) حيث يسن الرمل فإنما يسن في الأشواط الثلاثة الأولى (فاما) الأربعة
326

الأخيرة فالسنة فيها الهينة روى عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتي الحجر فاستلمه
ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ومشي أربعا " (1) أو هل يستوعب الثلاثة الأولى بالرمل فيه قولان حكاهما الامام
327

(أصحهما) وهو المشهور نعم لما روى " أنه صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى
أربعا " (1) (والثاني) لا بل يترك الرمل في كل طوفة بين الركنين اليمانيين لما روى " أن أصحاب رسول الله
328

صلى الله عليه وسلم كانوا يتئدون بينهما وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان قد شرط عليهم عام الصد
أن ينجلوا عن بطحاء مكة إذا عاد لقضاء العمرة " (1) فلما عاد وفوا ورقوا قعيقعان وهو جبل في مقابلة
الحجر والميزاب وكانوا يظهرون القوة والجلادة حيث تقع أبصارهم عليهم وإذا صاروا بين الركنين
اليمانيين كان البيت حائلا بينهم وبين أبصار الكفار (الثانية) لا خلاف في أن الرمل لا يسن في كل طواف
وفيم يسن فيه قولان (أحدهما) قال في التهذيب وهو الأصح الجديد يسن في طواف القدوم والابتداء
329

لأنه أول العهد بالبيت فيليق به النشاط والاهتزاز (والثاني) إنما يسن في طواف يستعقب السعي
لانتهائه إلى تواصل الحركات بين الجبلين وهذا أظهر عند الأكثرين ولم يتعرضوا لتاريخ القولين
330

ويشهد للأول ما روي " انه صلى الله عليه وسلم لم يرمل في طوافه بعد ما أفاض " وللثاني " انه صلى الله عليه وسلم رمل
في طواف عمره * كلها وفى بعض أنواع الطواف في الحج " والذي يشتركان فيه استعقاب السعي فعلى
القولين لا رمل في طواف الوداع لأنه ليس للقدوم ولا يستعقب السعي ويرمل من قدم مكة معتمرا
لوقوع طوافه عن القدوم واستعقابه السعي ويرمل أيضا الآفاقي الحاج ان دخل مكة بعد الوقوف
وان دخلها قبل الوقوف فهل يرمل في طواف القدوم ينظر إن كان لا يسعى عقبيه ويؤخره إلى إثر
331

طواف الإفاضة فعلى القول الأول يرمل وعلى الثاني لا وإنما يرمل في طواف الإفاضة وإن كان يسعى
عقيبه فيرمل فيه على القولين وإذا رمل فيه وسعي بعده فلا يرمل في طواف الإفاضة ان لم يرد السعي
عقيبه وان أراده فكذلك في أصح القولين * وإذا طاف للقدوم وسعي بعده ولم يرمل فهل يقضيه
في طواف الإفاضة فيه وجهان ويقال قولان (أظهرهما) لا كما لو ترك الرمل في الثلاثة الأولى لا يقضيه
332

في الأربعة الأخيرة * وان طاف ورمل ولم يسع فجواب الأكثرين انه يرمل في طواف الإفاضة
ههنا لبقاء السعي عليه وكون هيئة الرمل مع الاضطباع مرعية فيه والسعي تبع للطواف فلا يزيد
في الهيئة على الأصل * وهذا الجواب في غالب الظن منهم مبني على القول الثاني والا فلا اعتبار
باستعقاب السعي وهل يرمل المكي المنشئ حجه من مكة في طوافه (ان قلنا) بالقول الأول فلا
333

إذ ليس له طواف قدوم ودخول (وان قلنا) بالثاني فنعم لاستعقابه السعي * (الثالثة) لو ترك الرمل
في الأشواط الأول لم يقضه في الأخيرة لان الهينة والسكينة مسنونة فيها استنان الرمل في الأول
فلو قضاه لفوت سنة حاضرة وهذا كما لو ترك الجهر في الركعتين الأولتين لا يقضيه في الاخرتين
ويخالف ما لو ترك سورة الجمعة في الركعة الأولى يقرأها مع المنافقين في الثانية لان الجمع ممكن هناك *
334

(الرابعة القرب من البيت مستحب للطائف تبركا به ولا نظر إلى كثرة الخطي لو تباعد فلو
تعذر الرمل مع القرب لزحمة الناس فينظر إن كان يجد فرجة لو توقف توقف ليجدها فيرمل فيها
وإن كان لا يرجو ذلك وهو المراد مما أطلقه في الكتاب فالبعد عن البيت والمحافظة على الرمل
أولي لان القرب فضيلة تتعلق بموضع العبادة والرمل فضيلة تتعلق بنفس العبادة والفضيلة المتعلقة بنفس
335

العبادة أولى بالرعاية. ألا ترى أن الصلاة بالجماعة في البيت أفضل من الانفراد بها في المسجد وإن كان في حاشية
المطاف نساء ولم يأمن مصادمتهن لو تباعد فالقرب من البيت والسكينة أولى من البعد والرمل تحرزا عن
مصادمتهن وملامستهن (وقوله) في الكتاب ولو تعذر لزحمة النساء إلى آخره المراد منه هذه الصورة على ما دل
عليه عبارة الوسيط والمعنى فان تعذر البعد لزحمة النساء ويجوز أن يحمل على ما إذا كان بالقرب أيضا
336

نساء وتعذر الرمل في جميع المطاف لخوف مصادمتهن فان الأولى والحالة هذه ترك الرمل
(الخامسة) ليكن من دعائه في الرمل اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا
روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (1) ومتي تعذر الرمل على الطائف فينبغي أن يتحرك في مشيه ويرى من
نفسه انه لو أمكنه الرمل لرمل * وان طاف راكبا أو محمولا ففيه قولان (أصحهما) أنه يرمل به الحامل
ويحرك هو الدابة (ومنهم) من خص القولين بالبالغ المحمول وقطع في الصبي المحمول بأنه يرمل به
حامله والله أعلم *
قال (الخامسة الاضطباع في كل طواف فيه رمل وهو أن يجعل وسط ازاره في إبطه اليمنى
ويجعل طرفيه على عاتقه الأيسر ثم يديمه إلى آخر الطواف في قول وإلى آخر السعي في قول)
337

الاضطباع في كل طواف فيه رمل وهو افتعال من الضبع وهو العضد ومعناه أن يجعل وسط
ردائه تحت منكبه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر ويبقى منكبه الأيمن مكشوفا كدأب أهل الشطارة
وكل طواف لا يسن فيه الرمل لا يسن فيه الاضطباع وما يسن فيه الرمل يسن فيه الاضطباع لكن
الرمل مخصوص بالأشواط الثلاثة الأول والاضطباع يعم جميعها ويسن في السعي بين الجبلين بعدها
أيضا على المشهور ويخرج من منقول المسعودي وغيره وجه انه لا يسن ويروى ذلك عن أحمد رحمه
الله * وهل يسن في ركعتي الطواف فيه وجهان (أحدهما) نعم كما في سائر أعمال الطواف (وأصحهما)
لا لكراهية الاضطباع في الصلاة والخلاف فيها متولد من اختلاف الأصحاب في لفظ الشافعي
رضي الله عنه في المختصر وهو أنه قال ويضطبع حتى يكمل سعيه (فمنهم) من نقله هكذا (ومنهم) من
نقل حتى يكمل سبعة وهذا الاختلاف عند بعض الشارحين متولد من اختلاف النسخ وعند بعضهم
من اختلاف القراءة لتقاربهما في الخط فمن نقل سعيه حكم بإدامة الاضطباع في الصلاة والسعي
ومن قال سبعة قال لا يضطبع بعد الأشواط السبعة وظاهر المذهب ويحكى عن نصه انه إذا فرغ من
338

الأشواط ترك الاضطباع حتى يصلى الركعتين فإذا فرغ منها أعاد الاضطباع وخرج للسعي وهذا
يحوج إلى تأويل لفظ المختصر على التقديرين فتأويله على التقدير الأول انه يضطبع مرة بعد أخرى
وعلى التقدير الثاني انه يديم اضطباعه الأول إلى تمام الأشواط ثم اللفظ ساكت عن انه يعيده أولا
يعيده * وليس في حق النساء رمل ولا اضطباع حتى لا ينكشفن ولا تبدو عضاهن وحكي القاضي
ابن كج رحمة الله عليه وجهين في أن الصبي هل يضطبع لأنه ليس فيه نصرة ولا جلادة كالنسوة والظاهر أنه
يضطبع (وقوله) في الكتاب أن يجعل وسط ازاره ذكر الرداء في هذا الموضع أليق وكذلك
قاله الشافعي رضي الله عنه وعامة الأصحاب رحمهم الله (وقوله) إلى آخر الطواف في قول والى آخر
السعي في قول اطلاق القولين فيه غريب والذين رووا الخلاف فيه رووهما وجهين إلا أن حجة الاسلام
رحمه الله نظر إلى استناد الخلاف إلى ما قدمنا من قول الشافعي رضي الله عنه * ثم عبارة الكتاب
في القول الثاني تقتضي استحباب الاضطباع في ركعتي الطواف أيضا وفيه ما ذكرناه *
قال (فرع لو طاف المحرم بالصبي الذي أحرم عنه أجزأه عن الصبي الا إذا لم يكن قد طاف
عن نفسه فان الحامل أولى به فينصرف إليه ولا يكفيهما طواف واحد بخلاف ما إذا حمل صبيين
وطاف بهما فإنه يكفي للصبيين طواف واحد كراكبين على دابة) *
339

هذا الفرع لا اختصاص له بالصبي وان صوره فيه ولو اختص به لكان موضعه الفصل الأخير
من الباب المعقود في حكم الصبي ثم هو ناظر إلى مسالة نذكرها أولا وهي ان الطواف هل يجب فيه
النية وفيه وجهان (أحدهما) تجب لأنه عبادة برأسه (وأصحهما) لا تجب لأنه في الحج والعمرة أحد
العمال فيكفي فيه نية النسك في الابتداء وعلى هذا فهل يشترط ان لا يصرفه إلى غرض آخر من
طلب غريم ونحوه فيه وجهان (أظهرهما) نعم وهما كالوجهين فيما إذا قصد في أثناء وضوءه لغسل باقي
الأعضاء تبردا ونحوه * إذا عرفت ذلك فلو ان الرجل حمل محرما من صبي أو مريض أو غيرهما
وطاف به نظر إن كان الحامل حلالا أو كان قد طاف عن نفسه حسب الطواف للمحمول بشرطه
وإن كان محرما ولم يطف عن نفسه نظر ان قصد الطواف عن المحمول ففيه ثلاثة أوجه (أظهرها) انه
يقع للمحمول دون الحامل وينزل الحامل منزلة الدابة وهذا يخرج على قولنا انه يشترط ان لا يصرف
340

طوافه إلى غرض آخر (والثاني) انه يقع عن الحامل دون المحمول وهذا يخرج على قولنا انه لا يشترط
ذلك فان الطواف حينئذ يكون محسوبا له وإذا حسب له لم ينصرف إلى غيره بخلاف ماذا حمل
محرمين وطاف بهما وهو حلال أو محرم وقد طاف حيث يجزيهما جميعا فان الطواف ثم غير محسوب
للحامل والمحمولان كراكبي دابة واحدة وربما يوجه هذا الوجه بالتشبيه بما إذا أحرم عن غيره وعليه
فرضه (والثالث) انه يحسب لهما جميعا لان أحدهما قد دار والآخر دير به * وان قصد الطواف عن
نفسه وقع عنه وهل يحسب عن المحمول قال الامام لا وحكى وفاق الأصحاب فيه وبمثله أجاب
فيما إذا قصد الطواف لنفسه وللمحمول وصاحب التهذيب حكي في حصوله للمحمول مع الحصول
للحامل وجهين لأنه دار به ولو طاف به ولم يقصد واحدا من الأقسام الثلاثة فهو كما لو قصد نفسه
أو كليهما (وقوله) في الكتاب لو طاف المحرم بالصبي الذي أحرم عنه قد ذكرنا ان المسألة غير
مخصوصة بما إذا كان المحمول صبيا والأولى أن يقرأ قوله أحرم به على المجهول إذ لا فرق بين أن
341

يكون الحامل وليه الذي أحرم به أو غيره ثم لفظ الكتاب يقتضى عدم اجزائه للصبي فيما إذا
لم يطف الحامل مطلقا لأنه أطلق الاستثناء لكن فيه التفصيل والخلاف الذي كتبته والظاهر فيما
إذا قصد كون الطواف للمحمول إجزاؤه للمحمول على ما تقرر فإذا لفظ الكتاب محمول على ما إذا
لم يقصد ذلك وفى الوسيط ما يشير إليه (وقوله) ولا يكفيهما طواف واحد معلم بالواو لما مر من الوجه
الثالث وبالحاء لان صاحب التتمة حكي عن أبي حنيفة رحمه الله مثله *
قال (الفصل الخامس في السعي)
(ومن فرغ من الطواف استلم الحجر وخرج من باب الصفا ورقى على الصفا مقدار
قامة حتى يقع بصره على الكعبة ويدعو ثم يمشي إلى المروة ويرقى فيها ويدعو ويسرع في
المشي إذا بقي بينه وبين الميل الأخضر المعلق بفناء المسجد نحو ستة أذرع إلى أن يحاذي الميلين
الأخضرين ثم يعود إلى الهينة) *
إذا فرغ من الطواف وركعتيه فينبغي أن يعود إلى الحجر الأسود ويستلمه ليكون آخر عهده
بالاستلام كما افتتح طوافه به ثم يخرج من باب الصفا وهو في محاذاة الضلع بين الركنين اليمانيين
ليسعى بين الصفا والمروة ويبدأ بالصفا لان النبي صلى الله عليه وسلم " بدأ به وقال ابدأوا بما بدأ الله
به " (1) ويرقى على الصفا بقدر قامة رجل حتى يتراءى له البيت ويقع بصره عليه فإذا رقي عليه استقبل
342

البيت وهلل وكبر وقال الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على
ما أولانا لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل قدير
لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله ولا
نعبد الا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون * ثم يدعو بما أحب من أمر الدين والدنيا ثم
يعود إلى الذكر المذكور ثانيا ثم يدعو ثم يعود إليه ثالثا ولا يدعو وينزل من الصفا ويمشي إلى
المروة ويرقى عليها أيضا بقدر قامة رجل ويأتي بالذكر والدعاء كما فعل على الصفا * ثم إن المسافة بين الجبلين
يقطع بعضها مشيا وبعضها عدوا * وبين الشافعي رضي الله عنه ذلك فقال ينزل من الصفا ويمشي
على سجية مشيه حتى يبقى بينه وبين الميل الأخضر المعلق بفناء المسجد وركنه قدر ستة أذرع فحينئذ
343

يسرع في المشي ويسعي سعيا شديدا وكان ذلك الميل موضوعا على متن الطريق في الموضع الذي
منه يبتدأ السعي اعلاما وكان السيل يهدمه فرفعوه إلى أعلا ركن المسجد ولذلك سمي معلقا فوقع
متأخرا عن مبتدأ السعي بستة أذرع لأنه لم يكن موضع أليق منه على الاعلى ويديم السعي حتى يتوسط
بين الميلين الأخضرين اللذين أحدهما يتصل بفناء المسجد عن يسار الساعي والثاني متصل بدار
العباس فإذا حاذاهما عاد إلى سجية المشي حتى ينتهي إلى المروة * قال القاضي الروياني وغيره هذه
الأسامي كانت في زمان الشافعي رضي الله عنه وليس هناك اليوم دار تعرف بدار العباس ولا ميل
أخضر وتغيرت الأسامي * وإذا عاد من المروة إلى الصفا سعي في موضع سعيه أولا ومشى في موضع
مشيه وليقل في سعيه (رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم انك أنت الأعز الأكرم) (1) وليكن من دعائه
على الجبلين ما يؤثر عن ابن عمر رضي الله عنهما (اللهم اعصمني بدينك وطاعتك وطواعية رسولك اللهم
اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك ورسلك وعبادك الصالحين اللهم آتني من خير ما تؤتى عبادك
الصالحين اللهم اجعلني من الأئمة المتقين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لي خطيئتي يوم الدين (2)
وجميع ما ذكرناه من وظائف السعي قولا وفعلا مشهور في الاخبار *
344

قال (والترقي والدعاء وسرعة المشي سنن ولكن وقوع السعي بعد طواف ما شرط فلا يصح
الابتداء به فان سعى بعد طواف القدوم لا يستحب الإعادة بعده ولا يشترط الطهارة وشروط الصلاة
بخلاف الطواف) *
لما تكلم في وظائف السعي مخلوطة واجباتها بسننها أراد الآن أن يميز بينهما فمن السنن الرقي
على الصفا والمروة والواجب هو السعي بينهما وقد يتأتي ذلك من غير رقى بان يلصق العقب بأصل
ما يسير منه ويلصق رؤوس أصابع رجليه بما يسير إليه من الجبلين * وعن أبي حفص بن الوكيل انه يجب
الرقي عليهما بقدر قامة رجل * لنا اشتهار السعي من غير رقي عن عثمان وغيره من الصحابة رضي الله عنه
م من غير إنكار (ومنها) الذكر والدعاء فليس في تركهما الا ترك فضيلة وثواب (ومنها)
سرعة المشي في الموضع المذكور والهينة في الباقي كالرمل والهينة في الطواف بالبيت (ومنها) الموالاة
345

في مرات السعي وبين الطواف والسعي ولا يشترط الموالاة بين الطواف والسعي بل لو تخلل بينهما فصل
طويل لم يقدح قاله القفال وغيره نعم لا يجوز أن يتخلل بينهما ركن بان يطوف للقدوم ثم يقف بعرفة ثم يسعى بل
عليه إعادة السعي بعد طواف الإفاضة وذكر في التتمة انه إذا طال الفصل بين مرات السعي أو بين الطواف
والسعي ففي أجزاء السعي قولان وان لم يتخلل بينهما ركن والظاهر ما سبق (وأما) الواجبات فمنها وقوع
السعي بعد الطواف فلو سعى قبل أن يطوف لم يحسب إذ لم ينقل عن فعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم فمن بعده السعي الا مرتبا على الطواف ترتيب السجود على الركوع ولا يشترط وقوعه بعد
طواف الركن بل لو سعى عقيب طواف القدوم أجزأه ولا يستحب ان يعيده بعد طواف الإفاضة
لان السعي ليس قربة في نفسه كالوقوف بخلاف الطواف فإنه عبادة يتقرب بها وحدها * وعن الشيخ
346

أبى محمد انه يكره اعادته فضلا عن عدم الاستحباب (ومنها) الترتيب وهو لابتداء بالصفا لقوله صلى الله عليه وسلم
" ابدأوا بما بدأ الله به " فان بدأ بالمروة لم يحسب مروره منها إلى الصفا * وعن أبي حنيفة أنه لا يجب الترتيب
فيجوز الابتداء بالمروة (ومنها) العدد فلا بد من أن يسعى بين الجبلين سبعا ويحسب الذهاب من الصفا
إلى المروة مرة والعود منها إلى الصفا أخرى فيكون الابتداء بالصفا والختم بالمروة * وذهب أبو بكر
الصيرفي إلى أن الذهاب والعود يحسب مرة واحدة لينتهي إلى ما منه بدأ كالطواف بالبيت وكما أن
في مسح الرأس يذهب باليدين إلى القفا ويردهما ويكون ذلك مرة واحدة ويروى هذا عن أبي
عبد الرحمن ابن بنت الشافعي رضي الله عنه وابن الوكيل * لنا اطباق الحجيج على ما ذكرنا من
عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا * ولو شك في العدد أخذ بالأقل وكذلك يفعل بالطواف ولو
347

طاف أو سعي وعنده انه أتم العدد وأخبره غيره عن بقاء شئ فالأحب أن يرجع إلى قوله لان الزيادة
لا تبطلها ولو جرى على ما هو جازم به جاز ولا يشترط فيه الطهارة وستر العورة وسائر شروط
الصلاة كما في الوقوف وغيره من أعمال الحج بخلاف الطواف فإنه صلاة بالخبر * ويجوز أن يسعى
راكبا كما يجوز أن يطوف راكبا والأحب الترجل والنساء لا يسعين السعي الشديد كما لا يرملن *
(وقوله) في الكتاب ولكن وقوع السعي بعد طواف ما شرط لفظ شامل لأنواع الطواف غير أنه
لا يتصور وقوع السعي بعد طواف الوداع فان طواف الوداع هو الواقع بعد أعمال المناسك فإذا
بقي السعي عليه لم يكن الماتى به طواف الوداع (واعلم) أن السعي ركن في الحج والعمرة لا يحصل
التحلل دونه ولا يجبر بالدم وبه قال مالك * وعند أبي حنيفة رحمه الله ينجبر * وعن أحمد روايتان
(أصحهما) مثل مذهبنا
348

قال (الفصل السادس في الوقوف بعرفة)
(والمستحب أن يخطب الامام في اليوم السابع من ذي الحجة بمكة بعد الظهر خطبة
واحدة ويأمرهم بالغدو إلى منى ويخبرهم بمناسكهم ويخرج اليوم الثامن ويبيت ليلة عرفة
بمنى وإذا طلعت الشمس سار إلى الموقف ووقف ثم يخطب بعد الزوال بعرفة خطبة خفيفة
ويجلس ثم يقوم إلى الثانية ويبدأ المؤذن بالآذان حتى يكون فراغ الامام مع فراغ المؤذن ثم يصلي
الظهر والعصر جميعا) *
349

نفتتح الفصل بذكر شيئين (أحدهما) أن الامام ان لم يحضر بنفسه فالمستحب أن لا يخلى
الحجيج عن منصوب يكون أميرا عليهم ليقفوا دون رأيه ويطيعوه فيما ينوبهم وقد بعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه أميرا على الحجيج في السنة التاسعة من الهجرة (1) (والثاني) أن الحجيج ان
ساروا من الميقات إلى الموقف قبل ان يدخلوا مكة كما يفعلونه اليوم فاتتهم خطبة اليوم السابع والترتيب
350

الذي ذكره في الفصل مصور في حق من يدخل مكة قبل الوقوف * إذا عرفت ذلك فنقول من
كان من الداخلين قبل الوقوف مفردا بالحج أو قارنا بين النسكين أقام بعد طواف القدوم إلى أن
يخرج إلى عرفة ومن كان متمتعا طاف وسعى وحلق وتحلل من عمرته ثم يحرم بالحج من مكة ويخرج
على ما مر في صورة التمتع وكذلك يفعل المقيمون بمكة ويستحب للامام أو لمنصوبه أن يخطب بمكة
في اليوم السابع من ذي الحجة بعد صلاة الظهر خطبة واحدة يأمر الامام الناس فيها بالغدو إلى
351

منى ويخيرهم بما بين أيديهم من المناسك * وعن أحمد انه لا يخطب اليوم السابع * لنا ما روى أن
النبي صلى الله عليه وسلم " خطب الناس قبل يوم التروية بيوم واحد وأخبرهم بمناسكهم " (1) وينبغي أن
يأمر في خطبته المتمتعين بان يطوفوا قبل الخروج للوداع فلو وافق اليوم السابع يوم الجمعة خطب للجمعة
وصلاها ثم خطب هذه الخطبة فان السنة فيها التأخير عن الصلاة ثم يخرج بهم اليوم الثامن وهو يوم
التروية إلى مني ومتى يخرج المشهور انه يخرج بهم بعد صلاة الصبح بحيث يوافون الظهر بمني * وحكى
352

القاضي ابن كج أن أبا إسحاق ذكر قولا انهم يصلون الظهر بمكة ثم يخرجون وإذا خرجوا إلى منى
باتوا بها ليلة عرفة وصلوا مع الامام بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح يوم عرفة على المشهور
وعلى ما ذكره أبو إسحاق يصلون بها ما سوى الظهر والمبيت ليلة عرفة بمنى هيئة وليس بنسك يجبر
بالدم والغرض منه الاستراحة للسير من الغد إلى عرفة من غير تعب وما ذكرناه من الخروج بعد
صلاة الصبح أو التروية فذلك في غير يوم الجمعة فاما إذا كان يوم التروية يوم الجمعة فالمستحب الخروج
قبل طلوع الفجر لان الخروج إلى السفر يوم الجمعة إلى حيت لا تصلى الجمعة حرام أو مكروه على ما مر في موضعه
وهم لا يصلون الجمعة بمني وكذا لا يصلونها بعرفة لو كان يوم عرفة يوم الجمعة لان الجمعة إنما تقام في دار الإقامة *
قال الشافعي رضي الله عنه فان بنى بها قرية واستوطنها أربعون من أهل الكمال أقاموا الجمعة والناس معهم ثم
إذا طلعت الشمس يوم عرفة على شبر ساروا إلى عرفات فإذا انتهوا إلى نمرة ضربت قبة للامام بها
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " مكث حتى طلعت الشمس ثم ركب وأمر بقبة من شعر أن تضرب
له بنمرة فنزل بها " (1) فإذا زالت الشمس خطب الامام خطبتين يبين لهم في الأولى ما بين أيديهم من
353

المناسك ويحرضهم على اكثار الدعاء والتهليل بالموقف فإذا فرغ منها جلس بقدر سورة الاخلاص
ثم يقوم إلى الخطبة الثانية والمؤذن يأخذ في الاذان ويخفف الخطبة بحيث يفرغ منها مع فراغ المؤذن
من الإقامة على ما رواه الامام وغيره ومن الاذان على ما رواه صاحب التهذيب وغيره قال هؤلاء
ثم ينزل فيقيم المؤذن ويصلى بالناس الظهر ثم يقيمون فيصلى بهم العصر على سبيل الجمع هكذا
فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع (1) * وعند أبي حنيفة رحمه الله لا إقامة للعصر
ويجعل الاذان قبل الخطبة الأولى كما في الجمعة وإذا كان الامام مسافرا فالسنة له القصر والمكيون
354

والمقيمون حواليها لا يقصرون خلافا للمالك * وليقل الامام إذا سلم أتموا يا أهل مكة فانا قوم سفر كما
قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) والقول في أن الجمع يختص بالمسافرين من الحجيج أو لا يختص
قدمناه في كتاب الصلاة (فان قلت) نمرة التي ذكرتم النزول بها هل هي من حد عرفة أم لا وهل
الخطبتان والصلاتان بها أم بموضع اخر (قلنا) أما الأول فان صاحب الشامل وطائفة قالوا بان
نمرة موضع من عرفات لكن الأكثرين نفوا كونها من عرفات (ومنهم) أبو القاسم الكرخي
والقاضي الروياني وصاحب التهذيب وقالوا إنها موضع قريب من عرفة (وأما) الثاني فايراد
355

موردين يشعر بان الخطبتين والصلاتين بها لكن رواية الجمهور انهم ينزلون بها حتى تزول الشمس
فإذا زالت ذهب الامام بهم إلى مسجد إبراهيم عليه السلام وخطب وصلي فيه ثم بعد الفراغ من
الصلاة يتوجهون إلى الموقف وهل المسجد من عرفة سنذكره من بعد وإذا لم تعد البقعة من عرفة
فحيث أطلقنا انهم يجمعون بين الصلاتين بعرفة عنينا به الموضع القريب منها (واعلم) (1) انه يسن في الحج
أربع خطب (إحداها) بمكة في المسجد الحرام اليوم السابع من ذي الحجة (والثانية) بعرفة وقد ذكرناهما
والثالثة) يوم النحر (والرابعة) يوم النفر الأول ويخبرهم في كل خطبة عما بين أيديهم من المناسك
356

وأحكامها إلى الخطبة الأخرى وكلها أفراد وبعد الصلاة إلا يوم عرفة فإنه يخطب خطبتين قبل
الصلاة (وقوله) في الكتاب ويبيت ليلة عرفة بمنى ثم يخطب بعد الزوال بعرفة معناه انه يغدو
منها إلى عرفات ويخطب ولفظ الكتاب يقتضى كون الموضع الذي يخطب فيه من عرفة وفيه ما قد
عرفته (وقوله) خطبة خفيفة إنما ذكر ذلك لا المستحب فيها الخفة أيضا وان لم تبلغ خفتها خفة
الثانية لما روى أن سالم بن عبد الله قال للحجاج " وان كنت تريد أن تصيب السنة فاقتصر الخطبة
وعجل الوقوف فقال ابن عمر رضي الله عنهما صدق " (1) وقوله ويجلس أي بعدها (وقوله) ثم يقوم إلى
الثانية ويبدأ المؤذن بالاذان (واعلم) قوله ويبدأ بالحاء لما ذكرنا أن عنده يقدم الاذان *
قال (ثم يقبلون على الدعاء إلى وقت الغروب ويفيضون بعد الغروب إلى مزدلفة يصلون بها
المغرب والعشاء) *
357

السنة للحجيج بعد الصلاتين أن يقفوا عند الصخرات ويستقبلوا القبلة لان النبي صلى الله عليه وسلم " وقف
واستقبل القبلة وجعل بطن ناقته إلى الصخرات " (1) وهل الوقوف راكبا أفضل فيه قولان (أحدهما)
لا بل سواء قاله في الام (وأظهرهما) وبه قال أحمد ان الوقوف راكبا أفضل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم " (2)
وليكون أقوى على الدعاء قاله في الاملاء والقديم ويذكرون الله تعالى ويدعونه إلى غروب الشمس
358

ويكثرون من التهليل روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلته أنا والنبيون من
قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له " * وأضيف إليه له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير اللهم اجعل
في قلبي نورا وفى سمعي نورا وفي بصرى نورا اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري فإذا غربت الشمس
دفعوا من عرفات منصرفين إلى مزدلفة ويؤخرون المغرب إلى أن يصلوها مع العشاء بمزدلفة وليكن
عليهم في الدفع السكينة والوقار لكيلا يتأذى البعض بمصادمة البعض فان وجد بعضهم فرجة أسرع
359

روى أنه صلى الله عليه وسلم " كان يسير حين دفع في حجة الوداع العنق " (1) فإذا وجد فرجة نص فإذا
حصلوا بمزدلفة جمع الامام بهم بين المغرب والعشاء وحكم الاذان الإقامة لهما قد مر في موضعه *
ولو أنفرد بعضهم بالجمع بعرفة أو بمزدلفة أو صلى أحدي الصلاتين مع الامام والأخرى وحدة جاز
ويجوز أن يصلى المغرب بعرفة أو في الطريق * وقال أبو حنيفة لا يجوز ويجب الجمع بمزدلفة وذكر الشافعي
رضي الله عنه انهم لا يتنفلون بين الصلاتين إذا جمعوا ولا على أثرها أما بينهما فلرعاية الموالاة وأما على
إثرهما فقد قال القاضي ابن كج في الشرح لا يتنفل الامام لأنه متبوع فلو اشتغل بالنوافل لاقتدى به الناس
وانقطعوا عن المناسك فليشتغل بجمع الحصا وغيره من المناسك. (وأما) المأموم ففيه وجهان (أحدهما) لا يتنفل
أيضا كالامام (والثاني) ان الامر واسع له لأنه ليس بمتبوع وهذا في النوافل المطلقة دون الرواتب والله
أعلم * ثم أكثر الأصحاب أطلقوا القول بأنه يؤخرها إلى أن يأتي المزدلفة ومنهم من قال ذلك ما لم
يخش فوات وقت اختيار العشاء فان خاف لمكثهم في الطريق بصد أو غيره لم يؤخر وجمع بالناس
في الطريق والمستحب أن ينصرفوا من عرفة إلى المزدلفة في طريق المازمين وهو الطريق بين الجبلين
اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم (2) (واعلم) أن من مكة إلى مني فرسخان
360

ومن منى إلى عرفات فرسخان ومزدلفة متوسطة بين منى وعرفات منها إلى كل واحدة منهما فرسخ
ولا يقفون بها في مسيرهم من مني إلى عرفات (وقوله) في الكتاب ثم يقبلون على الدعاء إلى وقت
الغروب ليس لاخراج وقت الغروب عن الحد بل يدعون عنده أيضا *
قال (والواجب من ذلك ما ينطلق عليه اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة ولو في النوم (و) وإن
سارت به دابته * ولا يكفي حضور المغمى عليه * ووقت الوقوف من زوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر
من يوم العبد ولو أنشأ الاحرام ليلة العيد جاز (و) لان الحج عرفة ووقته باق وقيل لا يجوز إلا بالنهار
ولو فارق عرفة نهارا ولم يكن حاضرا عند الغروب ولا عاد بالليل تداركا ففي وجوب الدم
قولان. حاصلهما أن الجمع بين الليل والنهار هل هو واجب ولو وقفوا اليوم العاشر غلطا في
الهلال فلا قضاء ولو وقفوا اليوم الثامن فوجهان لان هذا الغلط نادر) *
الغرض الآن الكلام في كيفية الوقوف ومكانه وزمانه (أما) الكيفية فالمعتبر الحضور بشرط
أن يكون أهلا للعبادة وفيه صور (الأولى) لا فرق بين أن يحضرها ويقف وبين أن يمر بها لقوله
صلى الله عليه وسلم " الحج عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج " (1) وذكر القاضي ابن كج رحمه الله
أن ابن القطان رحمه الله جعل الاكتفاء بالمرور المجرد على وجهين (الثانية) لا فرق بين أن يحضر
وهو يعلم أنها عرفة وبين أن لا يعلم وعن ابن الوكيل انه إذا لم يعلم لم يجزه (الثالثة) لو أحضرها نائما
أو دخلها قبل وقت الوقوف ونام حتى خرج الوقت أجزأه كما لو بقي نائما طول نهاره أجزأه الصوم على المذهب
وفيه وجه انه لا يجزئه كما لو وقف مغمى عليه قال في التتمة والخلاف في هذه الصورة والتي قبلها مبنى
على أن كل ركن من أركان الحج هل يجب افراده بنيته لانفصال بعضها عن بعض أم يكفيها النية السابقة
ولو فرض في أشواط الطواف أو بعضها النوم على هيئة لا تنقض الوضوء فقد قال الامام هذا يقرب
361

من الخلاف في صرف الطواف إلى غير جهة النسك ويجوز أن يقطع بوقوعه موقعه (الرابعة) لو حضر
وهو مغمى عليه لم يجزه لفوات أهلية العبادة ولهذا لا يجزئه الصوم إذا كان مغمى عليه طول نهاره
وفيه وجه انه يجزئه اكتفاء بالحضور والسكران كالمغمى عليه ولو حضر وهو مجنون لم يجزه قاله في
التتمة لكن يقع نفلا كحج الصبي الذي لا تمييز له ومنهم من طرد في الجنون الوجه المنقول في الاغماء
(الخامسة) لو حضر بعرفة في طلب غريم أو دابة نادة كفاه قال الامام ولم يذكروا ههنا الخلاف الذي
سبق في صرف الطواف عن النسك إلى جهة أخرى ولعل الفرق ان الطواف قربة برأسها بخلاف
الوقوف قال ولا يمتنع طرد الخلاف فيه (وأما) المكان ففي أي موضع وقف من عرفة أجزأه روى أنه
صلى الله عليه وسلم قال " كل عرفة موقف " (1) وبين الشافعي رضي الله عنه حد عرفة فقال هي ما جاوز وادى عرنة إلى
الجبال القابلة مما يلي بساتين بني عامر وليس وادى عرنة من عرفة وهو على منقطع عرفة مما يلي مني وصوب مكة
روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " عرفة كلها موقف " (2) وارتفعوا عن وادى عرنة ومسجد إبراهيم عليه
362

السلام صدره من عرنة وآخره من عرفات ويميز بينهما بصخرات كبار فرشت هناك فمن وقف
في صدره فليس واقفا بعرفة * قال في التهذيب وثم يقف الامام للخطبة والصلاة وجبل الرحمة في وسط
عرصة عرفات وموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده معروف (وأما) الزمان ففيه مسألتان
(إحداهما) وقت الوقوف يدخل بزوال الشمس يوم عرفة ويمتد إلى طلوع الفجر يوم النحر وقال
أحمد يدخل وقته بطلوع الفجر يوم عرفة لما روى ن عروة بن مضرس الطائي رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من صلى معنا هذه الصلاة يعني الصبح يوم النحر وأتى عرفات
قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه " (1) لنا اتفاق المسلمين من عصر رسول الله عليه
وسلم على الوقوف بعد الزوال ولو جاز قبله لما اتفقوا على تركه وبهذا يستدل على أن المراد من
الخبر ما بعد الزوال * إذا تقرر ذلك فلو اقتصر على الوقوف ليلا كان مدركا للحج على المذهب
المشهور * ونقل الامام رحمه الله عن بعض التصانيف فيه قولين واستبعده * وعن شيخه أن الخلاف
فيه مخصوص بما إذا أنشأ الاحرام ليلة النحر فإذا لخص ذلك خرج منه ثلاثة أوجه كما ذكر في
الوسيط (أصحها) أن المقتصر على الوقوف ليلا مدرك سواء أنشأ الاحرام قبل ليلة العيد أو فيها
وكلاهما جائز (والثاني) انه ليس بمدرك على التقديرين (والثالث) أنه مدرك بشرط تقديم الاحرام
عليها ولو اقتصر على الوقوف نهارا وأفاض قبل الغروب كان مدركا وان لم يجمع بين الليل والنهار
363

في الوقوف وقال مالك لا يكون مدركا * لنا خبر عروة الطائي وأيضا فإنه لو اقتصر على الوقوف
ليلا كان مدركا فكذلك ههنا وهل يؤمر بإراقة دم نظر ان عاد قبل الغروب وكان حاضرا بها
حين غربت الشمس فلا وان لم يعد حتى طلع الفجر فنعم وهل هو واجب أو مستحب أشار
في المختصر والام إلى وجوبه ونص في الاملاء على الاستحباب * وللأصحاب ثلاثة طرق رواها
القاضي ابن كج (أصحها) أن المسألة على قولين (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة وأحمد رحمهما
الله وجوب الدم لأنه ترك نسكا وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من ترك نسكا فعليه دم " (1)
(والثاني) أنه مستحب لقوله صلى الله عليه وسلم في خبر عروة " فقد تم حجه " ولأنه أدرك من الوقوف ما أجزأه فلم
يجب الدم كما لو وقف ليلا وهذا أصح القولين قاله المحاملي والروياني رحمهما الله وغيرهما وفى التهذيب انه
القول القديم فان ثبتت المقدمتان فالمسألة مما يفتى فيها على القول القديم لكن أبو القاسم الكرخي رحمه
الله ذكر ان الوجوب هو القديم والله أعلم (والطريق الثاني) عن أبي إسحاق انه إن أفاض مع
الامام فهو معذور لأنه تابع وان انفرد بالإفاضة ففيه قولان (والثالث) نفى الوجوب والجزم
بالاستحباب مطلقا وإذا قلنا بالوجوب فلو عاد ليلا فوجهان (أظهرهما) انه لا شئ عليه كما لو عاد قبل
الغروب وصبر حتى غربت الشمس (والثاني) يجب ويحكى هذا عن أبي حنيفة وأحمد رحمهما
الله لان النسك هو الجمع بين آخر النهار وأول الليل بعرفة (المسألة الثانية) إذا غلط الحجيج فوقفوا
غير يوم عرفة فاما أن يغلطوا بالتأخير أو بالتقديم (الحالة الأولي) أن يغلطوا بالتأخير بان وقفوا
اليوم التاسع بعد كمال ذي القعدة ثلاثين ثم بان لهم أن الهلال كان قد أهل ليلة الثلاثين وان وقوفهم
364

وقع في اليوم العاشر فيصح الحج ولا يلزمهم القضاء لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " حجكم يوم
تحجون " (1) وروى أيضا أنه قال " يوم عرفة اليوم الذي تعرف فيه الناس " (2) ولأنهم لو تكلفوا القضاء لم
يأمنوا مثله في القضاء ولان في الزام القضاء مشقة عظيمة لما فيه من احباط قطع المسافات الطويلة
وانفاق الأموال الكثيرة وهذا إذا كان في الحجيج كثرة على المعتاد فان قلوا على خلاف العادة
أو لحقت شرذمة يوم النحر فظنت أنه يوم عرفة وان الناس قد أفاضوا فوجهان (أحدهما) أنه
لا قضاء عليهم أيضا لأنهم لا يأمنون مثله في القضاء (وأصحهما) يجب إذ ليس فيه مشقة
عامة وإذا لم يجب القضاء فلا فرق بين أن يتبين الحال بعد يوم الوقوف أو في ذلك اليوم وهم
وقوف بعد الزوال وإن تبين قبل الزوال فوقفوا بعده فقد قال في التهذيب (المذهب) أنه لا يجزئهم لأنهم
وقفوا على يقين الفوات وهذا غير مسلم لان عامة الأصحاب ذكروا أنه لو قامت البينة على رؤية الهلال
ليلة العاشر وهم بمكة لا يتمكنون من حضور الموقف بالليل يقفون من الغد ويحتسب لهم كما لو قامت البينة
365

بعد الغروب اليوم الثلاثين من رمضان على رؤية الهلال ليلة الثلاثين نص على أنهم يصلون من الغد للعيد فإذا
لم تحكم بالفوات لقيام الشهادة ليلة العاشر لزم مثله في اليوم العاشر ولو شهد واحد أو عدد برؤية
هلال ذي الحجة وردت شهادتهم لزمهم الوقوف اليوم التاسع عندهم وإن كان الناس يقفون في اليوم
بعده كمن شهد برؤية هلال رمضان فردت شهادته يلزمه الصوم * ولو وقفوا اليوم الحادي عشر لم يصح
حجهم بحال (الحالة الثانية) أن يغلطوا بالتقديم ويقفوا اليوم الثامن فينظر إن تبين لهم الحال قبل فوات وقت
الوقوف لزمهم الوقوف في وقته وان تبين بعده فوجهان (أحدهما) أنه لا قضاء كما في الغلط في التأخير (وأصحهما)
عند الأكثرين وجوب القضاء وفرقوا من وجهين (أحدهما) أن تأخير العبادة عن الوقت أقرب إلى
الاحتساب من تقديمها على الوقت (والثاني) أن الغلط بالتقديم يمكن الاحتراز عنه فإنه إنما يقع الغلط
في الحساب أو الخلل في الشهود الذين شهدوا بتقديم الهلال والغلط بالتأخير قد يكون للتغيم
المانع من رؤية الهلال ومثل ذلك لا يمكن الاحتراز عنه ولو غلطوا في المكان فوقفوا بغير عرفة
لم يصح حجهم بحال * ونتكلم بعد هذا في لفظ الكتاب خاصة (قوله) والواجب من ذلك
ما ينطلق عليه اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة فيه تعرض للفعلين الأولين كبقية الوقوف ومكانه
(وقوله) ولو في النوم معلم بالواو وكذا قوله وان سارت به دابته (وقوله) ولا يكفي حضور المغمى عليه لما مر
(وقوله) من الزوال معلم بالألف لما حكيناه عن أحمد وبالواو لان القاضي ابن كج روى عن أبي الحسين وجها
أنه لو وقف في أول الزوال وانصرف لم يجزه بل يجب أن يكون الوقوف بعد مضي زمان إمكان صلاة الظهر
من أول الزوال (وقوله) ولو أنشأ إحرامه ليلة العيد جاز * المسألة مكررة قد ذكرها مرة في
فصل الميقات الزماني واقتصر ههنا على ذكر الوجه الأصح وهو الجواز (وقوله) وقيل لا يجوز الا بالنهار
يعنى الوقوف وكأنه فرع جواز انشاء الاحرام ليلة العيد على امتداد وقت الوقوف إلى طلوع الفجر
ثم ذكر الوجه البعيد وهو أنه لا يمتد وليست الليلة وقتا له ولو حمل قوله وقيل لا يجوز على أنه لا يجوز انشاء
الاحرام فيها لكان تعسفا لأنه قال الا بالنهار والاحرام لا تعلق له بالنهار وأيضا فان ذلك الوجه قد صار
مذكورا في فصل المواقيت فالحمل على فائدة جديدة أولى (وقوله) ولا عاد بالليل تداركا فيه تقييد للقولين بما إذا
لم يعد بالليل إشارة إلى أنه لو عاد لم يجب الدم جزما وهو الوجه الأصح ويجوز أن يعلم بالواو للوجه الثاني وبالحاء
والألف أيضا لما سبق ويجوز اعلام قوله قولان بالواو للطريقين المانعين من اطلاق الخلاف (وقوله)
366

حاصلهما أن الجمع بين الليل والنهار هل هو واجب أراد به ما ذكره الامام أن القولين في وجوب الدم
يلزم منهما حصول قولين في وجوب الجمع بين الليل والنهار في الوقوف لان ما يجب جبره من أعمال
الحج لا بد وأن يكون واجبا لكن في كلام الأصحاب ما ينازع فيه لان منهم من وجه قول عدم
وجوب الدم بأن الجمع ليس بواجب فلا يجب بتركه الدم فقدر عدم وجوب الجمع متفق عليه *
قال (الفصل السابع في أسباب التحلل)
(فإذا جمع الحجيج بين المغرب والعشاء بمزدلفة باتوا بها ثم ارتحلوا عند الفجر فإذا انتهوا إلى
المشعر الحرام وقفوا ودعوا وهذه سنة ثم يتجاوزونه إلى وادى محسر فيسرعون بالمشي فإذا وافوا
منى بعد طلوع الشمس رموا سبع حصيات إلى الجمرة الثالثة وكبروا مع كل حصاة بدلا عن
التلبية ثم يحلقون وينحرون ويعودون إلى مكة لطواف الركن ثم يعود إلى منى للرمي في أيام التشريق) *
الحجيج يفيضون بعد غروب الشمس يوم عرفة إلى مزدلفة فإذا انتهوا إليها جمعوا بين
الصلاتين وباتوا بها وليس هذا المبيت بركن خلافا لأبي عبد الرحمن ابن بنت الشافعي رضي الله
عنه وأبى بكر بن خزيمة من أصحابنا رحمهم الله لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال " من ترك
المبيت بمزدلفة فلا حج له " (1) لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " الحج عرفة فمن أدركها فقد أدرك
الحج " (2) ثم هو نسك مجبور بالدم في الجملة وتفصيله أنه ان دفع منها ليلا نظر إن كان بعد انتصاف
367

الليل فلا شي عليه معذورا كان أو غير معذور " لان سودة وأم سلمة أفاضتا في النصف الأخير باذن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأمرهما بدم ولا النفر الذين نفروا معهما " وعن أبي حنيفة ان غير
المعذور يلزمه الدم ان لم يعد ولم يقف بعد طلوع الفجر وان دفع قبل انتصاف الليل وعاد قبل طلوع
الفجر فلا شئ عليه أيضا كما لو دفع من عرفة قبل الغروب وعاد وان لم يعد أو ترك المبيت أصلا
أراق دما وهل هو واجب أو مستحب فيه طرق (أظهرها) انه على قولين كما ذكرنا في الإفاضة من عرفة قبل
غروب الشمس * وعن أحمد روايتان كالقولين وعن مالك هو واجب * وقال أبو حنيفة رحمه الله لا اعتبار
368

بالمبيت وإنما الاعتبار بالوقوف بمزدلفة بعد طلوع الفجر فإذا تركه لزمه دم (والطريق الثاني) القطع
بالاستحباب (والثالث) القطع بالايجاب وحمل نصه على الاستحباب على ما إذا وقع بعد انتصاف الليل *
يحكى هذا عن القاضي أبى حامد * والأولى تقديم النساء والضعفة بعد انتصاف الليل إلى مني روى عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال " كنت فيمن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضعفة أهله إلى منى من المزدلفة " (1) وغير الضعفة
يلبثون حتى يصلوا الصبح بها ويغسلون بالصلاة والتغليس ههنا أشد استحبابا وينبغي ان يأخذوا من المزدلفة
الحصى للرمي لان بها جيلا في أحجاره رخاوة وليكونوا متأهبين للرمي فان السنة ان لا يشتغلوا عنه
بشئ إذا انتهوا إلى منى ولو أخذوا من موضع اخر جاز لكن يكره أخذه من المسجد لأنه فرشه
ومن الحش لنجاسته ومن المرمى لما قيل " ان من يقبل حجه يرفع حجره وما يبقى فهو مردود " (2) وكم
يأخذون منها قال في المفتاح سبعين حصاة ليرمي يوم النحر وأيام التشريق على ما سنفصله وهذا
ظاهر لفظ المختصر ومقال الأكثرون سبع حصيات ليرمي يوم النحر وحكوه عن نصه في موضع آخر
وجعلوه بيانا لما أطلقه في المختصر وعلى هذا فيأخذ لرمي أيام التشريق من وادى محسر أو غيره
وجمع بعضهم بينهما فقالوا يستحب الاخذ من المزدلفة لجميع الرمي لكنه لرمي أيام النحر أحب *
ثم الجمهور قالوا يتزود الحصا ليلا قبل ان يصلى الصبح وفى التهذيب أخر اخذها عن الصلاة ثم
369

يدفعون إلى مني فإذا انتهوا إلى المشعر الحرام وقفوا على قزح وهو جبل من المشعر الحرام ويقال
هو المشعر والمشعر من المزدلفة فان المزدلفة ما بين ما زمى عرفة ووادي محسر ويذكرون الله تعالى ويدعون
إلى الاسفار قال الله تعالى " فاذكروا الله عند المشعر الحرام " والأحب أن يكونوا مستقبلي القبلة
ولو وقفوا في موضع آخر من المزدلفة تأدى أصل السنة لكنه عند المشعر أفضل ولا يجبر فوات
هذه السنة بالدم كسائر الهيئات فإذا أسفروا ساروا وعليهم السكينة ومن وجد فرجة أسرع كما في
الدفع من عرفة فإذا انتهوا إلى وادى محسر فالمستحب للراكبين ان يحركوا دوابهم وللماشين ان
يسرعوا قدر رمية بحجر " (1) يروى ذلك عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم * وقد
قيل إن النصارى كانت تقف ثم فأمرنا بمخالفتهم (2) ثم يسيرون على السكينة فيوافون منى بعد طلوع
الشمس فيرمون سبع حصيات إلى جمرة العقبة وهي في حضيض الجبل مترقبة عن الجادة على يمين
السائر إلى مكة ولا ينزل الراكبون حتى يرموا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) والسنة ان
يكبروا مع كل حصاة (4) ويقطعوا التلبية إذا ابتدأوا بالرمي * روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " قطع
التلبية عند أول حصاة رماها " (5) والمعني فيه ان التلبية شعار الاحرام والرمي أخذ في التحلل وعن
370

القفال انهم إذا رحلوا من مزدلفة مزجوا التلبية بالتكبير في ممرهم فإذا انتهوا إلى الجمرة وافتتحوا
الرمي محضو التكبير * قال الامام ولم أر هذا لغيره ثم إذا رموا جمرة العقيبة نحروا إن كان معهم
هدى فذلك سنة ثم بعد ذبح الهدى يحلقون أو يقصرون وإذا فرغوا منه عادوا إلى مكة وطافوا
طواف الركن ويسعون بعده ان لم يطوفوا للقدوم أو لم يسعوا بعده ثم يعودون إلى منى للمبيت بها
والرمي أيام التشريق وليعودوا إليها قبل ان يصلوا الظهر وهذه ترجمة جميلة لهذه الوظائف ومسائلها
على التفصيل بين يديك * (وقوله) في الكتاب وهذه سنة معلم بالميم ان ثبت ما رواه بعض أصحابنا
عن مالك ان الوقوف بالمشعر الحرام واجب * (وقوله) فيسرعون بالمشي يجوز ان يعلم بالواو لأني
رأيت في بعض الشروح ان الراكب يحرك دابته أما الماشي فلا يعدو ولا يرمل * (وقوله) إلى
371

الجمرة الثالثة المراد منها جمرة العقبة وإنما تسمي الثالثة لان السائرين من منى إلى مكة يتعدون جمرتين
قبلها ثم ينتهون إليها فهي الثالثة بالإضافة إلى منى وقد ذكرنا انها منحرفة عن متن الطريق والجمرتان
قبلها عل متنه (وقوله) ثم يحلقون وينحرون قدم ذكر الحلق لكن المستحب أن يكون النحر مقدما
على الحلق كما سيأتي إن شاء الله تعالى *
قال (وللحج تحللان يحصل أحدهما بطواف الزيارة والآخر بالرمي وأيهما قدم أو
أخر فلا بأس ويحل بين التحللين اللبس والقلم ولا يحل الجماع وفى التطيب والنكاح واللمس
372

وقتل الصيد قولان وان جعلنا الحلق نسكا صارت الأسباب ثلاثة فلا يحصل أحد التحللين
الا باثنين أي اثنين كانا ويدخل وقت التحلل بانتصاف (ح م) ليلة النحر ووقت فضيلته طلوع
الفجر يوم النحر وفى كون الحلق نسكا قولان ولا خلاف انه مستحب ويلزمه بالنذر فان جعل نسكا
جازت (م ح) البداءة في أسباب التحلل وفسدت العمرة بالجماع قبل الحلق لان التحلل لم يتم دونه وإذا تركه
لم ينجبر بالدم لان تداركه ممكن وان لم يكن على رأسه شعر فيستحب (ح) امرار الموسى على الرأس
ولا يتم هذا النسك بأقل من حلق ثلاث (م ح) شعرات من الرأس ويقوم التقصير والنتف والاحراق مقام
الحلق الا إذا نذر الحلق ولا حلق على المرأة ويستحب لها التقصير) *
373

لو ذهبت أراعي في الفصل ترتيب الكتاب لم نظفر بالكشف الذي ننعته فاحتمل التقديم
والتأخير واعرف ثلاثة أصول (أحدها) أن قول الشافعي رضي الله عنه اختلف في أن الحلق في وقته
هل هو نسك أم لا فأحد القولين أنه ليس بنسك وإنما هو استباحة محظور لان كل ما لو فعله قبل
وقته لزمته الفدية فإذا فعله في وقته كان استباحة كالطيب واللبس وهذا لأنه يريد أن يتحلل فيتناول
بعض ما حظر عليه كما يتطيب (وأصحهما) وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله انه نسك مثاب
عليه لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " إذا رميتم وحلقتم حل لكم كل شئ إلا النساء " (1)
374

علق الحل بالحلق كما علقه بالرمي وأيضا فان الحلق أفضل من التقصير لما سيأتي والتفصيل إنما يقع
في العبادات دون المباحات والقولان جاريان في العمرة ووقته في العمرة يدخل بالفراغ من السعي
فعلى القول الأصح هو من أعمال النسكين وليس هو بمثابة الرمي والمبيت بل هو معدود من الأركان
ولهذا لا يجبر بالدم ولا تقام الفدية مقامه حتى لو كانت برأسه علة لا يتأتي معها التعرض للشعر
375

فإنه يصبر إلى الامكان ولا يفتدي ويخالف ما إذا لم يكن على رأسه شعر لا يؤمر بالحلق بعد النبات لان
النسك حلق شعر يشتمل الاحرام عليه فإذا لم يكن شعر لم يؤمر بهذا النسك * ولو جامع المعتمر بعد
السعي وقبل الحلق فسدت عمرته لوقوع جماعه قبل التحلل والنساء لا يؤمرن بالحلق لما روى أنه
صلى الله عليه وسلم قال " ليس على النساء حلق وإنما يقصرن " (1) * والمستحب لهن في التقصير أن يأخذن من طرف
شعورهن بقدر أنملة من جميع الجوانب وللرجال أيضا إقامة التقصير مقام الحلق لما روى عن جابر رضي الله
376

عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يحلقوا أو يقصروا " (1) والأفضل لهم الحلق
لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال " رحم الله المحلقين قيل والمقصرين يا رسول الله قال رحم الله المحلقين قيل
والمقصرين قال رحم الله المحلقين قيل والمقصرين قال والمقصرين " (2) وكل واحد من الحلق والتقصير
يختص بشعر الرأس ولا يحصل النسك بحلق شعر آخر أو تقصيره وان استوى الكل في وجوب الفدية إذا
أخذ قبل الوقت لان الامر ورد في شعر الرأس وإذا حلق فالمستحب أن يبدأ بالشق الأيمن ثم بالأيسر وأن
377

يكون مستقبل القبلة وأن يكبر بعد الفراغ وأن يدفن شعره والأفضل ان حلق أن يحلق جميع رأسه وان قصر
فان يقصر الجميع (1) وأقل ما يجزئ حلق ثلاث شعرات أو تقصيرها وفيها تكمل الفدية في الحلق
المحظور * ولنا في تكميل الفدية في الشعرة الواحدة رأى بعيد وهو عائد في حصول النسك بحلقها
ولو حلق ثلاث شعرات في دفعات أو أخذ من شعره شيئا وعاد ثانيا فاخذ منها شيئا وعاد ثالثا وأخذ فان كملنا
الفدية لو كان محظورا قلنا بحصول النسك به * ولا فرق إذا قصر بين أن يكون المأخوذ مما يحاذي الرأس أو من
المسترسل وفي وجه لا يغني الاخذ من المسترسل اعتبارا بالمسح * وقال أبو حنيفة رحمه الله لا أقل من
حلق ربع الرأس * وقال مالك لا بد من حلق الأكثر ولا يتعين للحلق والتقصير آلة بل حكم النتف والاحراق
والإزالة بالموسي والنورة والقص واحد * ومن لا شعر على رأسه يستحب له امرار الموسى على الرأس
تشبها بالحالقين * قال الشافعي رضي الله عنه ولو أخذ من شاربه أو شعر لحيته شيئا كان أحب إلى
378

لئلا يخلو من أخذ الشعر * وعند أبي حنيفة رحمه الله يجب امرار الموسي على الرأس * لنا أن العبادة إذا تعلقت
يجزء من البدن سقطت بفواته كغسل الأعضاء في الوضوء * وجميع ما ذكرنا فيما إذا لم يلتزم الحلق
أما إذا التزمه فنذر الحلق في وقته تعين ولم يقم التقصير مقامه ولا النتف ولا الاحراق وفى استئصال
الشعر بالمقص وامرار الموسي من غير استئصال تردد للامام والظاهر المنع لفوات اسم الحلق * ولو نذر
استيعاب الرأس بالحلق ففيه تردد عن القفال ولها أخوات تذكر في النذور ولو لبد رأسه في الاحرام فهل
هو كالنذر لان ذلك لا يفعله الا العازم على الحلق فيه قولان (الجديد) لا وهما كالقولين في أن التقليد
والاشعار هل ينزل منزلة قوله جعلتها ضحية والله أعلم * (والأصل الثاني) ان أعمال الحج يوم النحر
إلى أن يعود إلى مني أربعة على ما أسلفنا ذكرها رمى جمرة العقبة والذبح والحلق والتقصير والطواف
وهذا الطواف يسمى طواف الركن لأنه لابد منه في حصول الحج ويسمى طواف الإفاضة للاتيان
به عقيب الإفاضة من مني وطواف الزيارة لأنهم يأتون من منى زائرين للبيت ويعودون في الحال
وربما سمي طواف الصدر أيضا (والأشهر) أن طواف الصدر هو طواف الوداع والترتيب في الأعمال
379

الأربعة على النسق المذكور مسنون وليس بواجب (أما) انه مسنون فلان النبي صلى الله عليه وسلم
كذلك فعلها " (وأما) انه ليس بواجب فلما روى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال " وقف
رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاء رجل فقال يا رسول الله انى
حلقت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج وأتاه آخر فقال إني أفضت إلى البيت قبل ان أرمى فقال
ارم ولا حرج وأتاه آخر وقال إني ذبحت قبل أن ارمي فقال ارم ولا حرج فما سئل عن شئ قدم أو
أخر إلا قال افعل ولا حرج (1) فلو ترك المبيت بمزدلفة وأفاض إلى مكة وطاف قبل ان يرمى ويحلق أو
ذبح قبل أن يرمي ويحلق أو ذبح قبل ان يرمي فلا بأس ولا فدية ولو حلق قبل ان يرمى وقبل ان
380

يطوف فان جعلنا الحلق نسكا فلا بأس وان جعلناه استباحة محظور فعليه الفدية لوقوع الحلق قبل
التحلل * وروى القاضي ابن كج ان أبا إسحاق وابن القطان رحمهم الله ألزماه الفدية وان جعلنا
الحلق نسكا والحديث حجة عليهما ومؤيد للقول الأصح وهو ان الحلق نسك * وعن مالك وأبي حنيفة
واحمد رحمهم الله ان الترتيب بينهما واجب ولو تركه فعليه دم على تفصيل يذكرونه (واعلم) أن ما قدمناه
من قطع الحاج التلبية إذا اخذ في الرمي مصور فيما إذا جرى على الترتيب المسنون فان بدأ بالطواف
أو بالحلق ان جوزناه فيقطع التلبية حينئذ نظرا إلى أنه اخذ في أسباب التحللى وكذلك نقول المعتمر
يقطع التلبية إذا افتتح الطواف (والأصل الثالث) ان المستحب ان يرمى بعد طلوع الشمس ثم يأتي
بباقي الأعمال فيقع الطواف في ضحوة النهار ويدخل وقتها جميعا بانتصاف ليلة النحر وبه قال احمد *
وعن أبي حنيفة ومالك ان شيئا منها لا يجوز قبل طلوع الفجر * لنا ما روى أن النبي صلى الله عليه
وسلم " امر أم سلمة ليلة النحر فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ثم مضت ثم فاضت وكان ذلك يومها من
رسول الله صلى الله عليه وسلم " (1) ومتى يخرج وقتها؟ (اما) الرمي فيمتد وقته إلى غروب الشمس يوم
النحر وهل يمتد تلك الليلة فيه وجهان (أصحهما) لا (واما) الذبح فالهدى لا يختص بزمان ولكن يختص
بالحرم بخلاف الضحايا تختص بالعيد وأيام التشريق ولا تختص بالحرم (واما) الحلق والطواف فلا
يتأقت آخرهما لكن لا ينبغي ان يخرج من مكة حتى يطوف فان طاف للوداع وخرج وقع عن الزيارة
381

وان خرج ولم يطف أصلا لم تحل له النساء وان طال الزمان * وقضية قولهم لا ينأفت الطواف من الطرف
الآخر ان لا يصير قضاء لكن في التتمة انه إذا تأخر عن أيام التشريق صار قضاء * وعن أبي حنيفة رحمه الله
آخر وقت الطواف آخر اليوم الثاني من أيام التشريق * إذا عرفت هذه الأصول فنقول للحج تحللان وللعمرة
تحلل واحد قال الأئمة رضي الله عنهم وذلك لان الحج يطول زمانه وتكثر أعماله بخلاف العمرة فأبيح بعض
محظوراته دفعة واحده وبعضها أخرى وهذا كالحيض والجنابة لما طال زمان الحيض جعل لارتفاع محظوراته
محلان انقطاع الدم والاغتسال والجنابة لما قصر زمانها جعل لارتفاع محظوراتها محل واحد * ثم الكلام في
فصلين (أحدهما) فيما يحصل به التحلل (أما) الحج فأسباب تحلله غير خارجة عن الأعمال الأربعة والذبح غير
معدود منها لأنه لا يتوقف التحلل عليه * بقي الرمي والحلق والطواف فإن لم تجعل الحلق نسكا فللتحلل
382

سببان الرمي والطواف فإذا أتى بأحدهما يحصل التحلل الأول وإذا أتى بالثاني حصل التأني ولابد
من السعي بين الطواف ان لم يسع من قبل لكنهم لم يفردوه وعدوه مع الطواف سببا واحدا وان
جعلنا الحلق نسكا فالثلاثة أسباب التحلل فإذا أتى باثنين منها إما الرمي والحلق أو الرمي والطواف
أو الحلق والطواف حصل التحلل الأول وإذا أتى بالثالث حصل الثاني قال الامام وشيخه وكأنا
نبغي التنصيف لكن ليس للثلاثة نصف صحيح فنزلنا الامر على اثنين كما صنعنا في تمليك العبد
طلقتين ونظائره * هذا ما أورده عامة الأصحاب واتفقوا عليه ووراءه وجوه مهجورة (أحدها) عن
أبي سعيد الإصطخري ان دخول وقت الرمي بمثابة نفس الرمي في إفادة التحلل (والثاني) عن أبي
قاسم الداركي انا إن جعلنا الحلق نسكا حصل التحللان معا بالحلق والطواف وبالرمي والطواف
ولا يحصل بالحلق والرمي الا أحدهما والفرق ان الطواف ركن فما انضم إليه يقوى به بخلاف الرمي
والحلق وهذا نزاع فيما سبق ان الحلق ركن على هذا القول (والثالث) عن أبي إسحاق عن بعض
الأصحاب انا وان جعلنا الحلق نسكا فان أحد التحللين يحصل بالرمي وحده وبالطواف وحده * ومن
فاته الرمي ولزمه بدله فهل يتوقف التحلل على الاتيان ببدله فيه أوجه (أشبهها) نعم تنزيلا للبدل
منزلة المبدل (والثالث) ان افتدي بالدم توقف وان افتدى بالصوم فلا لطول زمانه * (واما) العمرة
فتحللها بالطواف والسعي لا غير أن لم نجعل الحلق نسكا وبهما مع الحلق ان جعلناه نسكا ولست أدرى لم
عدوا السعي من أسباب التحلل في العمرة دون الحج ولم لم يعدوا أفعل الحج كلها أسباب
التحلل كما فعلوا في العمرة ولو اصطلحوا عليه لقالوا التحلل الأول يحصل بها سوى الواحد
الأخير والثاني بذلك الأخير * ويمكن تفسير أسباب التحلل في العمرة
بأركانها الفعلية وأيضا بالافعال التي يتوقف عليها تحللها ولا يمكن التفسير في الحج
383

بواحد منهما (أما) الأول فلاخراجهم الوقوف عنها. (وأما) الثاني فلادخالهم الرمي فيها مع أن التحلل
لا يتوقف عليه ولا على بدله على رأى وعلى كل حال فاطلاق اسم السبب على كل واحد من أسباب
التحلل ليس على معنى استقلاله بل هو كقولنا اليمين والحنث سببا الكفارة والنصاب والحول
سببا الزكاة * (والفصل الثاني) فيما يحل بالتحلل الأول ولا خلاف في أن الوطئ لا يحل ما لم يوجد
التحللان لكن المستحب لا يطأ حتى يرمي في أيام التشريق ويحل اللبس والقلم وستر الرأس والحلق إذا لم
384

نجعله نسكا بالتحلل الأول روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم
الطيب واللباس وكل شئ الا النساء " (1) وفى عقد النكاح والمباشرة فيما دون الفرج كالقبلة والملامة وقتل
الصيد قولان (أحدها) أنها تحل (أما) في غير الصيد فلأنهما محظوران للاحرام لا يفسدانه فأشبها الحلق
والقلم (وأما) في الصيد فلانه لم يستنن في الخبر المذكور الا النساء. (والثاني) لا يحل (اما) في غير الصيد فلتعلقها
بالنساء وقد روينا أنه صلى الله عليه وسلم قال " الا النساء " * (وأما) في الصيد فلقوله تعالى. (لا تقتلوا الصيد وأنتم
حرم). والاحرام باق ثم اتفقوا في مسألة الصيد على أن قول الحل أصح واختلفوا في النكاح والمباشرة
فذكر صاحب التهذيب وطائفة أن الأصح فيها الحل وقال آخرون بل الأصح المنع ومنهم المسعودي وصاحب
التهذيب وهؤلاء أكثر عددا وقولهم أوفق لظاهر النص في المختصر * وفى التطيب طريقان (أشهرهما) أنه
على القولين وهذا ما أورده في الكتاب (والثاني) القطع بالحل وسواء أثبتنا الخلاف أو لم ثبته فالمذهب أنه
يحل بل يستحب أنه يتطيب لحله بين التحللين قالت عائشة رضي الله عنها " طيبت رسول الله
صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت " (2) هذا شرح مسائل الفصل على الاختصار *
(وأما) لفظ الكتاب فقوله يحصل أحدهما بطواف الزيارة والآخر بالرمي جواب على قولنا ان
385

الحلق ليس بنسك * ثم فرع من بعد على القول الآخر حيث قال وان جعلنا الحلق نسكا صارت
الأسباب ثلاثة غير أنه أدخل بينهما القول فيما يحل بين التحللين ولو لم يخلل بينهما شيئا لكان أحسن *
ثم لا يخفى ان المراد من قوله بالرمي رمى جمرة العقبة يوم العيد ويجوز اعلامه بالواو للوجه المنسوب
إلى الإصطخري (وقوله) فلا بأس مرقوم بالميم والحاء والألف (وقوله) الا باثنين للوجه المروى عن أبي إسحاق
(وقوله) ويدخل وقت التحلل بانتصاف ليلة النحر شبيه ما مر أن أسباب التحلل إنما يدخل وقتها
عند انتصاف ليلة النحر لكن اللفظ يفتقر إلى تأويل لان وقت التحلل لا يدخل بمجرد انتصافها بل
لا يد مع ذلك من زمان يسع الاتيان بأسباب التحلل ليترتب عليها * ثم قوله بانتصاف ليلة النحر معلم بالحاء
والميم لما تقدم (وقوله) ولا خلاف في أنه مستحب ويلزم بالنذر ليس صافيا عن الاشكال لان التوجيه
الذي مر يقتضي كونه من المباحات على قولنا انه ليس بنسك وقد ذكر غيره انه إنما يلزم بالنذر
على قولنا انه نسك (وقوله) فيستحب أمرار الموسى معلم بالحاء (وقوله) ولا يتم هذا النسك إلى آخره
بالواو ولا نعلمه بالحاء والميم لأنهما لا يخالفان في عدم الاكتفاء بأقل من ثلاث بل لا يكتفيان بالثلاث
أيضا والله أعلم *
386

قال (الفصل الثامن في المبيت)
(والمبيت بمزدلفة ليلة العيد وبمنى ثلاث ليال بعده نسك وفى وجوبه قولان (فان قلنا)
انه واجب فيجبر بالدم (ح) وفى قدر الدم قولان (أحدهما) دم واحد للجميع (والثاني) دم المزدلفة
ودم لليالي منى) *
مبيت أربع ليال نسك في الحج ليلة النحر بمزدلفة وليالي أيام التشريق بمنى لكن مبيت الليلة
الثالثة منها ليس نسكا على الاطلاق بل في حق من لم ينفر اليوم الثاني من أيام التشريق على ما
سيأتي في الفصل التاسع ولفظ الكتاب محمول عليه وإن كان مطلقا * وفى الحد المعتبر للمبيت قولان
حكاهما الامام عن نقل شيخه وصاحب التقريب (أظهرهما) ان المعتبر كونه بموضع المبيت في معظم
387

الليل (والثاني) ان الاعتبار بحال طلوع الفجر قال الامام وطردهما على هذا النسق في مزدلفة محال
لأنا جوزنا الخروج منها بعد انتصاف الليل ولا ينتهون إليها الا بعد غيبوبة الشفق غالبا ومن انتهي
إليها والحالة هذه وخرج بعد انتصاف الليل لم يكن بها حال طلوع الفجر ولا في معظم الليل فلا
يتجه فيها إذا الاعتبار حالة الانتصاف ولك ان تقول هذه الاستحالة واضحة ان قيل بوجوب المبيت
لكنه مستحب على قول وليس بواجب فعلى ذلك القول لا يستحيل الندب إلى الكون بها في معظم
الليل أو حالة الطلوع وتجويز خلافه * ثم هذا النسك مجبور بالدم وهل هو واجب أو مستحب (أما)
في ليلة مزدلفة فقد مر (وأما) غيرها ففيه قولان (أحدهما) واجب لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال
" من ترك نسكا فعليه دم " (1) (والثاني) مستحب لأنه غير لازم على المعذور كما سيأتي ولو وجب الدم لما
سقط بالعذر كالحلق واللبس * وروى القاضي ابن كج طريقة أخرى قاطعة بالاستحباب والمشهور
طريقة القولين * ثم منهم من بناهما على قولين في أن المبيت هل هو واجب أم لا (في قول) نوجبه لان
النبي صلى الله عليه وسلم " قد أتي به وقد قال خذوا عني مناسككم " (2) وفي قول لا كالمبيت ليلة
388

عرفة وأشار الامام إلى أن القولين في وجوب المبيت متولدان من القولين في وجوب الدم * وما
الأظهر منهما اتفقوا على تشبيههما بالقولين في أن الدم على المفيض من عرفة قبل الغروب واجب
أو مستحب وقد أريناك ترجيح قول الاستحباب ثم فيشبه أن يكون ههنا مثله * وقد صرح بذلك
القاضي ابن كج وغيره وكلام كثيرين يميل إلى ترجيح الايجاب والله أعلم * (وقوله) في الكتاب
وفى وجوبه قولان فان قلنا إنه واجب فيجبر بالدم أراد فيجبر بالدم وجوبا والا فاصل الجبر لا يتفرع
على قولنا بوجوب المبيت خاصة * ثم هو بناء للخلاف في وجوب الدم على الخلاف في وجوب المبيت
على ما نقلناه عن جماعة من الأصحاب بقي الكلام في أن الدم متي يكمل وهل يزيد على الواحد أم لا
ان ترك مبيت ليلة النحر وحدها أراق دما وان ترك مبيت الليالي الثلاث فكذلك على المشهور لان
مبيتهما جنس واحد متوزع عليهما توزع الرمي على الجمرات الثلاث * وعن صاحب التقريب رواية
389

قول ان في كل ليلة دما كما أن في رمى كل يوم دما وان ترك ليلة منها فبم يجبر فيه ثلاثة أقوال
(أظهرها) بمد (والثاني) بدرهم (والثالث) بثلث دم وهي كالأقوال في حلق شعرة واحدة وسنذكرها بتوجيهها *
وإن ترك ليلتين فعلى هذا القياس وان ترك مبيت الليالي الأربع فقولان أحدهما ان الجبر بدم واحد
لان المبيت جنس واحد (وأظهرهما) بدمين أحدهما لليلة مزدلفة والآخر ليالي منى لاختلافهما في الموضع
وتفاوتهما في الأحكام * قال الامام وهذا في حق من يقيد الليلة الثالثة بأن كان بمني وقت الغروب فإن لم
يكن بها حينئذ ولم يبت وأفردنا ليلة مزدلفة بدم فوجهان لأنه لم يترك مبيت النسك الا ليلتين
(أحدهما) عليه مدان أو درهمان أو ثلثا دم (والثاني) عليه دم كامل لتركه جنس المبيت بمنى قال وهذا
أفقه ولا بد من عوده فيما إذا ترك ليلتين من الثلاث دون ليلة مزدلفة إذا لم تقيد الثالثة *
390

وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يجب الدم بترك المبيت بمنى وهو رواية عن أحمد رحمه الله (واعلم) أن
جميع ما ذكرناه في حلق غير المعذور (أما) إذا ترك المبيت لعذر فهو مذكور في آخر الفصل *
قال (والرمي ومجاوزة الميقات مجبوران بالدم قولا واحدا والطواف والسعي والوقوف والحلق لا تجبر
بالدم قولا واحدا فإنها أركان والمبيت وطواف الوداع والجمع بين الليل والنهار بعرفة فيها قولان) *
لما ذكر الخلاف في أن المبيت إذا ترك هل يجب جبره بالدم وقدم نظيره في الجمع بين الليل والنهار
بعرفة أراد أن يجمع قولا فيما يجبر من المناسك بالدم وما لا يجبر وفاقا وما هو على الخلاف ويتضح
ذلك بتقسيم أعمال الحج وهي ثلاثة أقسام - أركان - وابعاض - وهيئات - وسبيل الحصر ان كل عمل
يعرض فاما ان يتوقف التحلل عليه فهو ركن أو لا يتوقف فاما ان يجبر بالدم فهو بعض أو لا يجبر
391

فهو هيئة * والأركان خمسة - الاحرام - والوقوف - والطواف والسعي - والحلق - أو التقصير - تفريعا على
قولنا انه نسك فإن لم نقل به عادت إلى أربعة وما سوى الوقوف أركان في العمرة أيضا ولا مدخل
للجبران فيها بحال (واعلم) ان الترتيب معتبر في أركان الحج لان ما عدا الاحرام لا بد وأن يكون مؤخرا
عنه وان الحلق والطواف لا بد وأن يكونا مؤخرين عن الوقوف والسعي لابد وأن يكون مؤخرا عن
طواف وإذا كان كذلك جاز ان نعده من الأركان كما عدوا الترتيب من أركان الوضوء والصلاة *
ولا يقدح في ذلك عدم الترتيب بين الحلق والطواف كما لا يقدح عدم اعتبار الترتيب بين القيام
والقراءة في الصلاة (واما) الابعاض فمجاوزة الميقات والرمي مجبوران بالدم وفاقا (اما) الأول فقد مر
(وأما) الثاني فسيأتي واختلف القول في خبر الجمع بين الليل والنهار بعرفة وفي المبيت وقد ذكرناهما
في طواف الوداع وسنذكره فما جبر فهو من الابعاض ومالا فمن الهيئات وفى طواف القدوم أيضا
وجه بعيد سنذكره إن شاء الله تعالى *
قال (ولا دم على من ترك المبيت بعذر كرعاة الإبل وأهل سقاية العباس ومن لم يدرك عرفة الا ليلة
النحر وفى الحاق غير هذه الاعذار بها وجهان) *
392

التاركون للمبيت بمني أو مزدلفة بالعذر لا دم عليهم وهم أصناف فمنهم رعاة الإبل ومنهم أهل
سقاية العباس فلهؤلاء إذا رموا جمرة العقبة يوم النحر أن ينفروا ويدعوا المبيت بمنى ليالي التشريق
لما روى عن ابن عمر ان العباس رضي الله عنه " استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي
مني من أجل السقاية فاذن له " (1) وعن عاصم بن عدي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " رخص
للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى ويرموا يوم النحر جمرة العقبة ثم يرموا يوم النفر الأول " (2) وللصنفين جميعا
أن يدعوا رمي يوم ويقضوه في اليوم الذي يليه قبل رمي ذلك اليوم وليس لهم أن يدعوا رمى يومين
على التوالي فان تركوا رمى اليوم الثاني بان نفروا اليوم الأول بعد الرمي عادوا في اليوم الثالث وان
تركوا رمي اليوم الأول بأن نفروا يوم النحر بعد الرمي عادوا في اليوم الثاني ثم لهم ان ينفروا مع
393

الناس وعن أبي الحسين وجه آخر انه ليس لهم ذلك * وإذا غربت الشمس والرعاة بمنى فعليهم ان
يبيتوا تلك الليلة ويرموا من الغد ولأهل السقاية ان ينفروا بعد غروب الشمس والفرق ان الإبل
لا ترعي بالليل والماء يجمع وتتعهد السقاية بالليل * واغرب أبو عبد الله الحناطي فحكي وجها ان أهل
السقاية أيضا لا ينفرون بعد الغروب ثم رخصة أهل السقاية لا تختص بالعباسية لان المعني يعمهم
وغيرهم * وعن مالك وأبي حنيفة أنها تختص بأولاد العباس رضي الله عنهم وهو وجه لأصحابنا ومنهم
من ينقل الاختصاص ببني هاشم * ولو استحدثت سقاية للحاج فللمقيم بشأنها ترك المبيت أيضا قاله في
التهذيب وذكر القاضي ابن كج وغيره أنه ليس له ذلك ومن المعذورين للذين ينتهون إلى عرفة
ليلة النحر ويشغلهم الوقوف عن المبيت بمزدلفة فلا شئ عليهم وإنما يؤمر بالمبيت المتفرغون له * ولو
أفاض الحاج من عرفة إلى مكة وطاف للإفاضة بعد نصف الليل ففاته المبيت لذلك فعن القفال
أنه لا يلزمه شئ تنزيلا لاشتغاله بالطواف منزلة اشتغاله بالوقوف * قال إمام الحرمين وفيه احتمال لان
من ينتهي إلى عرفة ليلا مضطر إلى ترك المبيت بخلاف المفيض إلى مكة * ومن المهذورين من له مال
يخاف ضياعه لو اشتغل بالمبيت أو مريض يحتاج إلى تعهده أو كان يطلب عبدا أبقا أو يشتغل
بأمر آخر يخاف فوته ففي هؤلاء وجهان (أصحهما) ويحكى عن نصه أنه لا شئ عليهم بترك المبيت كالرعاة
وأهل السقاية وعلى هذا فلهم أن ينفروا بعد الغروب (والثاني) أنهم لا يلحقون بالرعاة وأهل
السقاية لان شغلهم ينفع الحجيج عامة وأعذار هؤلاء تخصهم والله أعلم *
394

قال (الفصل التاسع في الرمي)
وهو من الابعاض المجبورة بالدم وهو رمى سبعين حصاة سبعة يوم النحر إلى جمرة
العقبة وإحدى وعشرين حصاة في كل يوم من أيام التشريق إلى ثلاث جمرات ومن نفر في
النفر الأول سقط عنه رمي اليوم الأخير ومبيت تلك الليلة فان غربت الشمس عليه بمني
لزمه المبيت والرمي ووقت الرمي في أيام التشريق بين الزوال والغروب وهل يتمادى إلى
الفجر وجهان) *
إذا فرغ الحجيج من طواف الإفاضة عادوا إلى مني وصلوا بها الظهر ويخطب الامام بهم بعد
الظهر ويعلمهم فيها سنة الرمي والنحر والإفاضة ليتدارك من أخل بشئ منها ويعلمهم رمي أيام
التشريق وحكم المبيت والرخصة للمعذورين * ونقل الحناطي وجها ان موضع هذه الخطبة مكة
ويستحب أن يخطب بهم اليوم الثاني من أيام التشريق ويعلمهم جواز النفر فيه ويودعهم ويأمرهم
بختم الحج بطاعة الله تعالى * وعند أبي حنيفة لا تسن هذه الخطبة ولا خطبة يوم النحر ولكن يخطب
بهم في اليوم الأول من أيام التشريق ثم في الفصل مسائل (إحداها) أن الرمي معدود من
الابعاض مجبور بالدم وفاقا (والثانية) جملة ما يرمى في الحج سبعون حصاة ترمى إلى جمرة العقبة
يوم النحر سبع حصيات واحدى وعشرون في كل يوم من أيام التشريق إلى الجمرات الثلاث إلى
كل واحدة سبع تواتر النقل به قولا وفعلا (والثالثة) الحجيج يبيتون بمني الليلتين الأولتين من
ليالي التشريق فإذا رموا اليوم الثاني فمن أراد منهم أن ينفر قبل غروب الشمس فله ذلك ويسقط
عنه مبيت الليلة الثالثة والرمي من الغد ولا دم عليه والأصل فيه قوله تعالى (فمن تعجل في يومين
395

فلا إثم عليه). ومن لم ينفر حتى غربت الشمس فعليه أن يبيت الليلة الثالثة ويرمي يومها وبه قال مالك
وأحمد * وعند أبي حنيفة رحمه الله يسوغ النفر ما لم يطلع الفجر * لنا ما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال
" من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس " (1) وإذا ارتحل فغربت الشمس قبل
ان ينفصل عن منى كان له ان ينفر كيلا يحتاج إلى الحط بعد الترحال ولو غربت الشمس وهو في شغل
الارتحال فهل له ان ينفر فيه وجهان (أصحهما) لا * ولو نفر قبل الغروب وعاد لشغل إما بعد الغروب
أو قبله هل له ان ينفر فيه وجهان (أصحهما) نعم ومن نفر وكان قد تزود الحصيات للأيام
الثلاثة طرح ما بقي عنده أو دفعهن إلى غيره. قال الأئمة ولم يؤثر شئ فيما يعتاده الناس من دفنها *
(واعلم) ان اليوم الثاني من أيام التشريق يسمي يوم النفر الأول والثالث منها النفر الثاني للسبب الذي قد
عرفته (واما) الأول فيسمي يوم القر لان الناس فيه قارون بمني (وقوله) في الكتاب لزمه المبيت والرمي
معلم بالحاء وقد أكثروا اطلاق لفظ اللزوم ونحوه في المبيت على ما ذكرناه في وجوبه من الخلاف *
(والرابعة) وقت رمى يوم النحر قد أسلفنا ذكره ورمي أيام التشريق يدخل وقته بالزوال ويبقى إلى
غروب الشمس * روى عن جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " رمى الجمرة يوم النحر ضحي
ثم لم يرم في سائر الأيام حتى زالت الشمس " (2) وبهذا قال مالك واحمد رحمهما الله * وعند أبي حنيفة رحمه
396

الله يجوز الرمي في اليوم الثالث قبل الزوال وهل يمتد وقتها إلى طلوع الفجر اما في اليوم الثالث فلا
لانقضاء أيام المناسك واما في اليومين الأولين فوجهان كما في رمى يوم النحر (أصحهما) انه لا يمتد
ووجه الثاني التشبيه بالوقوف بعرفة وفى المسألة بقايا سنوردها إن شاء الله تعالى *
قال (ولا يجزى الا رمى الحجر فاما الزرنيخ والإثمد والجواهر المنطبعة فلا وفى الفيروزج
والياقوت خلاف) *
غرض الفصل بيان ما يرمى ولا بدأن يكون حجرا وبه قال مالك واحمد لما روى أنه صلى الله عليه
وسلم " رمى بالأحجار وقال بمثل هذا فارموا " (1) وأيضا روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " عليكم بحصا
الخذف " فيجزئ المرمر والبرام والكذان وسائر أنواع الحجر ومنها حجر النورة قبل ان يطبخ ويصير
397

نورة وعن الشيخ أبى محمد تردد في حجر الحديد والظاهر إجزاؤه فإنه حجر في الحال الا ان فيه حديدا
كامنا يستخرج بالعلاج وفيما يتخذ من الفصوص كالفيروزج والياقوت والعقيق والزمرد والبلور
والزبرجد وجهان (أصحهما) الاجزاء لأنها أحجار (والثاني) المنع لان السابق إلى الفهم من لفظ
الحصا غيرها ولا تجزئ اللآلي وما ليس بحجر من طبقات الأرض كالزرنيخ والنورة والإثمد والمدر
والجص والجواهر المنطبعة كالبنزين وغيرها * وقال أبو حنيفة رحمه الله يجزئ الرمي بما لا ينطبع
من طبقات الأرض كالزرنيخ والنورة ونحوهما * والسنة ان يرمى بمثل حصا الخذف وهو دون الأنملة
طولا وعرضا في قدر الباقلا يضعه على بطن الابهام ويرميه برأس السبابة ولو رمى بأصغر من ذلك أو
أكثر كره وأجزأه ويستحب أن يكون ظاهرا *
قال (ويتبع اسم الرمي فلا يكفي الوضع ولو انصدم بمحل في الطريق فلا بأس ولو وقع في المحمل
فنقضه صاحبه فلا يجزئ ولو رمي حجرين معا فرمية واحدة وان تلاحقا في الوقوع * ولو اتبع الحجر
الحجر فرميتان وان تساويتا * (وفى الوقوع) والعاجز يستنيب في الرمي إذا كان لا يزول عجزه وقت
الرمي فلو أغمي عليه لم ينعزل نائبه لأنه زيادة في العجز)
في الفصل مسائل (إحداها) الذي ورد في الفصل من قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله إنما هو
الرمي فيتبع هذا الاسم حتى لو وضع الحجر في المرمى لم يعتد به وفى شرح القاضي ابن كج ونهاية
الامام حكاية وجه انه يعتد به اكتفاء بالحصول في المرمي ولا بد مع الرمي من القصد إلى المرمى حتى
لو رمى في الهواء ووقع في المرمي لم يعتد به ولا يشترط بقاء الحجر في المرمي فلا يضر تدحرجه
وخروجه بعد الوقوع لكن ينبغي ان يحصل فيه فان تردد في حصوله فيه فقد نقلوا فيه قولين (الجديد)
عدم الاجزاء ولا يشترط كون الرامي خارج الجمرة بل لو وقف في طرف منها ورمى إلى طرف
398

جاز * ولو انصدمت الحصاة المرمية بالأرض خارج الجمرة أو بمحل في الطريق أو عنق بعير أو ثوب
إنسان ثم ارتدت ووقعت في المرمي اعتد بها لحصولها في المرمي بفعله من غير معاونة أحد. ويفارق
ما لو انصدم السهم بالأرض ثم أصاب الغرض لا يحسب به في المسابقة على أحد القولين لان المقصود
ههنا إصابة المرمى بفعله وليس المقصود ثم مجرد إصابة الغرض بل على وجه يعرف منه حذق الرامي
وجودة رميه ولو حرك صاحب المحمل المحمل فنقضها أو صاحب الثوب الثوب أو تحرك البعبر فدفعها
ووقعت في المرمى لم يعتد بها لأنها ما حصلت في المرمى بفعله * وعن أحمد انه يعتد بها * ولو وقعت
الحصاة على المحمل أو عنق البعير ثم تدحرجت إلى المرمي ففي الاعتداد بها وجهان ولعل الأشبه المنع
لجواز تأثرها بتحرك البعير أو صاحب المحمل ولو وقعت في غير المرمى ثم تدحرجت إلى المرمى
وردتها الريح إليه فوجهان * قال في التهذيب (الأصح) الاجزاء لأنها حصلت فيه لا بفعل الغير ولا
يجزئ الرمي عن القوس والدفع بالرجل قاله في العدة * (الثانية) يشترط ان يرمي الحصيات في سبع
دفعات لان النبي صلى الله عليه وسلم " كذلك رماها وقال خذوا عني مناسككم " (1) ولو رمي حصاتين معا نظر ان
وقعتا معا فالمحسوب رمية واحدة وكذا لو رمي سبعا دفعة واحدة ووقعت دفعة واحدة أو مرتبا
في الوقوع فرمية لاتحاد الرمي أو رميتان لتعدد الوقوع فيه وجهان (أصحهما) أولهما وهو المذكور في
الكتاب ويروى الثاني عن أبي حنيفة رحمه الله ولو اتبع الحجر الحجر ووقعت الأولي قبل الثانية
فهما رميتان وان تساويتا في الوقوع ففيه الوجهان (والأصح) وهو المذكور في الكتاب انهما رميتان
وأجروا الوجهين فيما لو وقعت الثانية قبل الأولى * ولو رمي حجرا قد رمي مرة نظر ان رماه غيره
أو رماه هو إلى جمرة أخرى أو إلى تلك الجمرة في يوم آخر جاز ويمكن ان يتأدى جميع الرميات
399

بسبع حصيات وان رماه هو إلى تلك الجمرة في ذلك اليوم فوجهان قال في التهذيب (أظهرهما) الجواز
كما لو دفع إلى مسكين مدا في كفارة ثم اشتراه ودفعه إلى آخر وعلى هذا قد يتادى جميع الرميات
بحصاة واحدة * (الثالثة) العاجز عن الرمي بنفسه لمر ض أو حبس ينيب غيره ليرمي عنه لان الإنابة
جائزة في أصل الحج فكذلك في ابعاضه ويستحب ان يناول النائب الحصي ان قدر عليه ويكبر هو
400

وكما أن الإنابة في أصل الحج إنما تجوز عنة العلة التي لا يرجى زوالها فكذلك الإنابة في الرمي لكن
النظر ههنا إلى دوامها إلى آخر وقت الرمي ولا ينفع الزوال بعده وكما أن النائب في أصل الحج لا يحج
عن المنيب إلا بعد حجه عن نفسه فالنائب في الرمي لا يرمى عن المنيب الا بعد أن يرمى عن نفسه ولو
فعل وقع عن نفسه ولو أغمي عليه ولم يأذن لغيره في الرمي عنه لم يجز الرمي عنه وان أذن فللمأذون
401

الرمي عنه في أصح الوجهين ولا يبطل هذا الاذن بالاغماء لأنه واجب كما لا تبطل الاستنابة في الحج
بالموت بخلاف سائر الوكالات * وإذا رمى النائب ثم زال عذر المنيب والوقت باق هل عليه إعادة
الرمي قال الأكثرون لا وقد سقط الرمي عنه يرمي النائب وفى التهذيب أنه على القولين فيما
إذا أحج المريض عن نفسه ثم برأ (وقوله) في الكتاب لم ينعزل نائبه معلم بالواو (وقوله) لأنه زيادة
في العجز معناه أن الداعي إلى هذه الإنابة عجز الحاج عن القيام بهذا النسك فإذا طرأ الاغماء على المرض
ازداد العجز وتأكد الداعي فكيف نقول بانقطاع النيابة والله أعلم *
قال (ولو ترك رمي يوم ففي تداركها في بقية أيام التشريق قولان (فان قلنا) يتدارك ففي كونه
أداء قولان (فان قلنا) أداء تأقت بما بعد الزوال وكان التوزيع على الأيام مستحبا ولا بد في
التدارك من رعاية الترتيب في المكان فلوا ابتدأ بالجمرة الأخيرة لم يجيزه بل يبدأ بالجمرة الأولي ويختم
بجمرة العقبة وفى وجوب تقديم القضاء على الأداء قولان ومهما ترك الجميع يكفيه دم واحد في
قول ويلزمه أربعة دماء في قول لوظيفة كل يوم دم وفي قول دمان دم لجمرة العقبة ودم لأيام منى
وفى أقل ما يكمل به الدم ثلاثة أوجه (أحدها) وظيفة يوم (والثاني) وظيفة جمرة (والثالث) ثلاثة حصيات) *
هذه البقية تنظم مسائل (إحداها) إذا ترك رمى يوم القر عمدا أو سهوا هل يتداركه في اليوم الثاني
402

أو الثالث أو ترك رمى اليوم الثاني أو رمي اليومين الأولين هل يتداركه في الثالث فيه قولان (أصحهما)
نعم قاله في المختصر وغيره وبه قال أبو حنيفة كالرعاة وأهل السقاية (والثاني) لا كما لا يتدارك بعد أيام
التشريق (التفريع) * إن قلنا بأنه لا يتدارك في بقية الأيام فهل يتدارك رمى اليوم في الليلة التي تقع بعده من
ليالي التشريف فيه وجهان وهما مفرعان على الصحيح في أن وقته لا يمتد الليلة على ما سبق وان قلنا بالتدارك
فتدارك فهو قضاء أو أداء فيه قولان (أحدهما) أنه قضاء لمجاوزته لوقت المضروب له (وأظهرهما) أنه أداء
ولولاه لما كان للتدارك فيه مدخل كما لا يتدارك الوقوف بعد فواته * (التفريع) ان قلنا أداء فجملة
أيام مني في حكم الوقت الواحد وكل يوم للقدر المأمور به فيه وقت اختيار كأوقات الاختيار للصلوات
ويجوز تقديم رمي يوم التدارك على الزوال * ونقل الامام رحمه الله أن على هذا القول لا يمتنع تقديم
رمى يوم إلى يوم لكن يجوز أن يقال إن وقته يتسع من جهة الآخر دون الأول فلا يجوز التقديم
(وإن قلنا) انه قضاء فتوزيع الاقدار المعينة على الأيام مستحق ولا سبيل إلى تقديم رمى يوم
إلى يوم ولا إلى تقديمه على الزوال وهل يجوز بالليل فيه وجهان (أصحهما) نعم لان القضاء لا يتاقت
(والثاني) لا لان الرمي عبادة النهار كالصوم وهل يجب الترتيب بين الرمي المتروك ورمي يوم التدارك
فيه قولان ويقال وجهان (أصحهما) نعم كما يجب الترتيب في المكان على ما سيأتي (والثاني) لا لان
الترتيب لحق الوقت فيسقط بخروج الوقت والوجهان عند الأئمة رحمهم الله مبنيان على أن المفعول
تداركا قضاء أم أداء إن قلنا أداء اعتبرنا الترتيب وان قلنا قضاء فلا ترتيب كترتيب قضاء
الصلوات الفائتة * (التفريع): ان لم نوجب الترتيب فهل يجب على أصحاب الاعذار كالرعاة فيه وجهان
403

قال في التتمة ونظيره ان من فاته الظهر لا يجب عليه الترتيب بينه وبين العصر ولو أخر الظهر بسبب يجوز
الجمع ففي الترتيب وجهان ولو رمى إلى الجمرات كلها عن اليوم قبل أن يرمى إليها عن أمسه أجزأه ان
لم نوجب الترتيب وان أوجبناه فوجهان (أصحهما) أنه يجزئه ويقع عن القضاء لان مبنى الحج
على تقديم الأولى فالأولى (والثاني) لا يجزئه أصلا وزاد الامام رحمه الله فقال لو صرف الرمي
في قصده إلى غير النسك كما لو رمي إلى شخص أو دابة في الجمرة وفى انصرافه عن النسك الخلاف
المذكور في الطواف فإن لم ينصرف وقع عن أمسه ولغا قصده وان انصرف فان شرطنا الترتيب
لم يجزه أصلا وإن لم نشترطه أجزأه عن يومه * ولو رمى إلى كل جمرة أربعة عشر حصاة سبعا عن
أمسه وسبعا عن يومه جاز ان لم نعتبر الترتيب وإن اعتبرناه فلا يجوز وهو نصه في المختصر هذا
كله في رمى اليوم الأول والثاني من أيام التشريق (أما) إذا ترك رمي يوم النحر ففي تداركه في
أيام التشريق طريقان (أصحهما) أنه على القولين (والثاني) القطع بأنه لا تدارك لمغايرة ذلك الرمي
رمي أيام التشريق في العدد والوقت والحكم فان ذلك الرمي يؤثر في التحلل دون هذا الرمي
(الثانية) يشترط في رمي أيام التشريق الترتيب في المكان وهو أن يرمي أولا إلى الجمرة التي
404

تلي مسجدا لخيف وهي أقرب الجمرات من مني وأبعدها من مكة ثم إلى الجمرة الوسطى ثم إلى القصوى
وهي جمرة العقبة فلا يعتد يرمى الثانية قبل تمام الأولي ولا بالثالثة قبل تمام الأولتين * وعن أبي
حنيفة رحمه الله لو نكسها أعاد فإن لم يفعل أجزأه * لنا أنه صلى الله عليه وسلم " رتبها وقد قال خذوا
عنى مناسككم " (1) ولأنه نسك متكرر فيشترط فيه الترتيب كما في السعي فلو ترك حصاة ولم يدر من أين
تركها أخد بأنه تركها من الجمرة الأولي ويرمى إليها واحدة ويعيد رمى الاخرتين وفى اشتراط الموالاة
405

بين رمي الجمرات ورميات الجمرة الواحدة الخلاف المذكور في الطواف * والسنة أن يرفع اليد
عند الرمي فهو أهون عليه وأن يرمي أيام التشريق مستقبل القبلة وفي يوم النحر مستدبرها هكذا
ورد الخبر (1) وأن يكون نازلا في رمي اليومين الأولين وراكبا في اليوم الأخير يرمي ويسعي عقيبه كما أنه
يوم النحر يرمي ثم ينزل هكذا أورده الجمهور ونقلوه عن نصه في الاملاء وفى التتمة أن الصحيح
ترك الركوب في الأيام الثلاثة * والسنة إذا رمي الجمرة الأولى أن يتقدم قليلا قدر ما لا يبلغه حصيات
الرامين ويقف مستقبل القبلة ويدعو ويذكر الله تعالى طويلا بقدر قراءة سورة البقرة (2) * وإذا رمي
إلى الثانية فعل مثل ذلك ولا يقف إذا رمي إلى الثالثة (وقوله) في الكتاب ولا بد في التدارك من
رعاية الترتيب في المكان قد يوهم اختصاص هذا الترتيب بالتدارك لكنه لا يختص والترتيب
شرط في الابتداء والتدارك على نسق واحد * (الثالثة) إذا ترك رمي بعض الأيام وقلنا بأنه يتدارك في
بقية الأيام فتدارك فلا دم عليه وقد حصل الانجبار وفيه قول أنه يلزمه الدم مع التدارك كما لو أخر
قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر يقضي ويفدى ويعزى هذا إلى تخريج ابن سريج رحمه الله *
ولو نفر يوم النحر أو يوم القر قبل أن يرمي ثم عاد ورمي قبل الغروب وقع الموقع ولا دم عليه ولو
406

فرض ذلك في النفر الأول فكمثله في أصح الوجهين (والثاني) أنه يلزمه الدم لان النفر في هذا اليوم
سائغ في الجملة فإذا نفر فيه خرج عن الحج فلا يسقط الدم بعوده * ولو لم يتدارك ما تركه أو قلنا لا يمكن
التدارك لزم الدم لا محالة وكم يجب يختلف ذلك بحسب قدر المتروك وفيه صور (إحداها) إذا ترك
رمي أيام التشريق والتصوير فيما إذا توجه عليه رمى اليوم الثالث أيضا ففيه قولان (أحدهما) يلزمه
ثلاثة دماء لان رمي كل يوم عبادة برأسها (والثاني) لا يجب أكثر من دم كما لا يجب لترك الجمرات
الثلاث أكثر من دم ولو ترك معها رمي يوم النحر أيضا فان قلنا بالأول فعليه أربعة دماء وان قلنا
بالثاني فوجهان (أحدهما) أنه لا يلزمه أكثر من دم لاتحاد جنس الرمي (وأصحهما) أنه يلزمه دمان
أحدهما ليوم النحر والثاني لأيام التشريق لاختلاف الرميين في الحكم وإذا ضممت هذا الخلاف
بعضه إلى بعض والسؤال عن ترك رمي الأيام الأربعة فقل فيه ثلاثة أقوال كما في الكتاب - دم - دمان
أربعة دماء - والأصح منها على ما ذكره في التهذيب إيجاب أربعة دماء لكن الجمهور بنوا الأقوال
الثلاثة على الأصل السابق فيما يتدارك من رمي هذه الأيام فان قلنا يتدارك رمى بعضها في الباقي
اكتفينا بدم لأنا جعلنا الرمي كالشئ الواحد وان قلنا رمي يوم النحر لا يتدارك ورمي غيره
يتدارك فقد جعلناها نوعين مختلفين فيلزمه دمان وان قلنا إن شيئا منها لا يتدارك فعليه أربعة دماء
407

لان رمي كل يوم على هذا يفوت بغروب شمسه ويستقر في الذمة بدله فإن لم نر ترجيح القول
الموجب لأربعة دماء لأمر من خارج فقضية هذا البناء ترجيح القول المكتفى بدم واحد لاتفاقهم
على أن الأصح التدارك كما مر * (الثانية) لو ترك رمي يوم النحر أو رمي واحد من أيام التشريق بأسره
يلزمه دم وان ترك رمي بعض اليوم نظر إن كان من واحد من أيام التشريق فقد جمع الامام فيه طرقا
(أحدها) ان الجمرات الثلاث كالشعرات الثلاث فلا يكمل الدم في بعضها فان ترك جمرة ففيما يلزمه
الأقوال التي يأتي ذكرها في حلق شعرة (أصحهما) مد من طعام (والثاني) درهم (والثالث) دم وان
ترك جمرتين فعلى هذا القياس وعلى هذا لو ترك حصاة من جمرة فعن صاحب القريب ان على قولنا في
الجمرة الواحدة ثلث دم يجب في حصاة واحدة جزء من أحد وعشرين جزءا من دم رعاية للتبعيض
وعلى قولنا ان فيها مدا أو درهما يحتمل أن نوجب سبع مد أو سبع درهم ويحتمل إن لا نبعضهما
(والطريق الثاني) ان الدم يكمل في وظيفة الجمرة الواحدة كما يكمل في وظيفة جمرة يوم النحر وفى الحصاة
والحصاتين الأقوال الثلاثة (والثالث) وهو الأظهر أن الدم يكمل بترك ثلاث حصيات كما يكمل
408

بحلق ثلاث شعرات وفى الحصاة والحصاتين الأقوال الثلاث (واعلم) أن الخلاف المذكور ليس في
ترك الحصاة والحصاتين مطلقا ولكن ان ترك حصاة الجمرة الأخيرة من آخر أيام التشريق
ففيه الخلاف وان تركها من الجمرة الأخيرة من يوم القر أو النفر الأول ولم ينفر فان قلنا الترتيب
غير واجب بين التدارك ورمي الوقت صح رميه لكنه ترك رمي حصاة واحدة ففيه الخلاف
وان أوجبنا الترتيب فهو على الخلاف السابق في أن الرمي بنية اليوم هل يقع عن الماضي إن قلنا
نعم تم المتروك بما أتي به في اليوم الذي بعده لكنه يكون تاركا لرمي الجمرة الأولي والثانية في ذلك
اليوم فعليه دم وان قلنا لا كان تاركا رمى حصاة ووظيفة يوم فعليه دم ان لم نفرد كل يوم بدم
وان أفردنا فعليه دم لوظيفة اليوم وفيما يجب لترك الحصاة الخلاف المذكور * وان تركها من إحدى
الجمرتين الأولتين في أي يوم كان فعليه دم لان ما بعدها غير صحيح لوجوب الترتيب في المكان
409

فهذا إذا ترك بعض رمى من أيام التشريق وان ترك بعض رمي من يوم النحر فقد الحقه في التهذيب
بما إذا ترك من الجمرة الأخيرة في اليوم الأخير * وقال في التتمة يلزمه دم وان ترك حصاة لأنها
من أسباب التحلل فإذا ترك شيئا منها لم يتحلل الا ببدل كامل والله أعلم * وعن أبي حنيفة رحمه الله
أنه ان ترك من يوم النحر أربع حصيات فعليه دم وان ترك ثلاثا فلا وفى سائر الأيام ان ترك
إحدى عشرة حصياة فعليه دم وان ترك عشر أو أقل فلا اكتفاء بالأكثر وهذا يخالف الوجوه الثلاثة
المذكورة في الكتاب فيما يكمل به الدم كلها فلذلك أعلمت بالحاء وحكى في النهاية وجها آخر غريبا
وهو أن الدم يكمل في حصاة واحدة *
(فرع) قال أبو سعيد المتولي لو ترك ثلاث حصيات من جملة الأيام ولم يدر موضعها أخذ
بالأسوأ وهو أنه ترك واحدة من يوم النحر وأخرى من الجمرة الأولى يوم القر وأخرى من الجمرة الثانية
يوم النفر الأول * ثم طول الكلام فيما يحصل له من ذلك واختصاره أنا ان لم نحسب ما يرميه بنية
وظيفة اليوم عن الغائب فالحاصل ست حصيات من رمي يوم النحر لا غير سواء شرطنا الترتيب
بين التدارك ورمى الوقت أم لا فان حسبناه فالحاصل رمي يوم النحر واحد أيام التشريق لا غير
سواء شرطنا الترتيب أم لا وسببه لا يخفى على من أنعم النظر في الأصول السابقة * (واعلم) أن الحاج
إذا فرغ من رمي اليوم الثالث من أيام التشريق فيستحب له أن يأتي المحصب وينزل به ليلة الرابع
عشر ويصلى به الظهر والعصر المغرب والعشاء روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " صلى الظهر والعصر
والمغرب والعشاء بالبطحاء ثم هجع بهما هجعة ثم دخل مكة " (1) ولو ترك النزول به لم يلزمه شئ روى
410

عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت " نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب وليس بسنة فمن شاء نزله ومن
شاء لم ينزله " (1) وحد المحصب من الأبطح ما بين الجبلين إلى المقبرة سمي به لاجتماع الحصباء فيه يحمل
السيل فإنه موضع منهبط *
قال (الفصل العاشر في طواف الوداع وهو مشروع إذا لم يبق شغل وتم التحلل فلو
عرج بعده شغل بطل الا في شد الرحال ففيه تردد وفى كونه مجبورا بالدم قولان ولا يجب على غير
411

الخارج ومهما انصرف قبل مجاوزة مسافة القصر وطاف جاز والحائض لا يلزمها الدم بترك طواف الوداع
طهرت قبل مسافة القصر لا يلزمها العود بخلاف المقصر بالترك وقيل في المسافة قولان بالنقل والتخريج:
حاصلهما أن الوداع يفوت بمجاوزة الحرم أو بمجاوزة مسافة القصر) *
طواف الوداع ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلا وقولا (أما) لفعل فظاهر (وأما) القول
فنحو ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يتفرق أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت
الا انه رخص للحائض " (1) ومضمون الفصل صور نشرحها ونضيف إليها ما لا غنى عنه (إحداها) ذكر
الامام في النهاية أن طواف الوداع من مناسك الحج وليس على الخارج من مكة وداع لخروجه منها وتابعه
صاحب الكتاب لأنه قال وهو مشروع إذا لم يبق شغل وتم التحلل فخصه بحال تمام التحلل وذلك إنما
يكون في حق الخارج وأيضا فقد صرح من بعد وقال ولا يجب على غير الخارج لكن صاحبا التهذيب
والتتمة وغيرهما أوردوا أن طواف الوداع ليس من جملة المناسك حتى يؤمر به من أراد مفارقة
مكة إلى مسافة القصر سواء كان مكيا يريد سفرا أو آفاقيا يريد الرجوع إلى أهله وهذا أقرب
تعظيما للحرم وتشبيها لاقتضاء خروجه للوداع باقتضاء دخوله الاحرام ولأنهم اتفقوا
على أن المكي إذا حج وهو عازم على على أن يقيم بوطنه لا يؤمر بطواف الوداع وكذا
الآفاقي إذا حج وأراد المقام بها ولو كان من جملة المناسك لاشبه ان يعم الحجيج *
وعن أبي حنيفة رحمه الله ان الآفاقي ان نوى الإقامة بعد أن حل له النفر لم يسقط عنه الوداع
(الثانية) طواف الوداع ينبغي ان يقع بعد جميع الاشغال ويعقبه الخروج من غير مكث فان مكث نظر إن كان
412

لغير عذرا واشتغل بغير أسباب الخروج من شراء متاع أو قضاء دين أو زيارة صديق أو عيادة مريض فعليه
إعادة الطواف خلافا لأبي حنيفة رحمه الله حيث قال لا حاجة إلى الإعادة وان أقام بها شهرا أو أكثر وان
اشتغل بأسباب الخروج من شرى الزاد وشد الرحل ونحوهما فقد نقل الامام فيه وجهين (أحدهما)
انه يحتاج إلى الإعادة ليكون آخر عهده بالبيت (وأصحهما) وبه أجاب المعظم انه لا يحتاج لان المشغول
بأسباب الخروج مشغول بالخروج غير مقيم (الثالثة) طواف الوداع واجب مجبور بالدم أو مستحب غير
مجبور فيه قولان كالقولين في الجمع بين الليل والنهار بعرفة وأخوات تلك المسألة وجه الوجوب وبه قال أبو
حنيفة وأحمد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " لا ينصرفن أحد حتى يكون آخر عهده الطواف
بالبيت " (1) وهذا أصح على ما قاله صاحب التهذيب والعدة * ووجه المنع وبه قال مالك أنه لو كان واجبا
413

لوجب على الحائض جبره بالدم لان المعذور يفتدى عن الواجبات واحتج لهذا القول أيضا بان
طواف القدوم لا يجب جبره بالدم فكذلك طواف الوداع لكن عن صاحب التقريب الحاق
طواف القدوم بطواف الوداع في وجوب الجبر وعلى التسليم بالفرق أن طواف القدوم تحية البقعة
وليس مقصودا في نفسه * ألا ترى أنه يدخل في طواف العمرة وطواف الوداع مقصود في نفسه
ولذلك لا يدخل تحت طواف آخر (وقوله) في الكتاب وفى كونه مجبورا بالدم قولان أي على
سبيل الوجوب إذ لا خلاف في أصل الجبر فإنه مستحب ان لم يكن واجبا ويجوز إعلامه بالواو لان
القاضي ابن كج روى طريقة قاطعة بنفي الوجوب (الرابعة) إذا خرج من غير وداع وقلنا
414

بوجوب الدم ثم عاد وطاف فلا يخلو اما أن يعود قبل الانتهاء إلى مسافة القصر أو بعده
فأما في الحالة الأولى فيسقط عنه الدم كما لو جاوز الميقات غير محرم ثم عاد إليه وفى الحالة الثانية
وجهان (أصحهما) أنه لا يسقط استقراره بالسفر الطويل ووقوع الطواف بعد العود جقا للخروج
الثاني (والثاني) يسقط كما لو عاد قبل الانتهاء إليها ولا يجب العود في الحالة الثانية وأما في الأولى
فسيأتي * (الخامسة) ليس على الحائض طواف الوداع لان صفية رضي الله عنها حاضت فاذن
لها رسول الله صلى الله وسلم في أن تنصرف بلا وداع (1) ثم إذا طهرت قبل مفارقة خطة مكة لزمها
العود والطواف وان جاوزته وانتهت إلى مسافة القصر لم يلزمها وان لم تنته إلى مسافة القصر فالنص
أنه لا يلزمها العود ونص في المقصر بالترك أنه يلزمه العود فمنهم من قرر النصين وهو الأصح
والفرق أن الحائض مأذونه في الانصراف من غير وداع والمقصر غير مأذون فيه * ومنهم
415

من قال في الصورتين قولان بالنقل والتخريج (أحدهما) انه يلزمه العود فيهما لأنه يعد في حد حاضري
المسجد الحرام (والثاني) لا يلزمه لان الوداع يتعلق بمكة فإذا فارقها لم يفترق الحال بين ان يبعد عنها
أو لا يبعد فان قلنا بالثاني فالنظر إلى نفس مكة أو إلى الحرم فيه وجهان أولهما أظهرهما وقد تقدم نظيرهما
في المواقيت (وقوله) حاصلهما أن الوداع يفوت بمجاوزة الحرم أو بمجاوزة مسافة القصر معناه انا إذا
أوجبنا العدد قبل مسافة القصر فإنما يحصل الفوات بالانتهاء إلى مسافة القصر وإذا لم نوجبه فإنه
يحصل الفوات بمجاوزة الحرم وفيه كلامان (أحدهما) ان الفوات إنما يظهر على تقدير عدم تأدي
الواجب بالطواف بعد العود لكنا قد بينا تأدي الواجب به وسقوط الدم (اما) إذا فرض قبل الانتهاء إلى
مسافة القصر فلا خلاف (واما) إذا فرض بعده فعلى أحد الوجهين (والثاني) ان تعليق الفوات بمجاوزة الحرم
على القول الثاني تفريع على أن المعتبر مجاوزة الحرم لكنا ذكرنا وجها آخران الاعتبار بنفس مكة فعلى ذلك
الوجه الفوات لو كان ربما كان بمجاوزة مكة وان لم يجاوز الحرم ثم إذا أوجبنا العود فعاد وطاف سقط
الدم وان لم يعد لم يسقط وان لم نوجبه ولم يعد فلا دم على الحائض ويجب على المقصر بالترك (واعلم) ان طواف الوداع
حكمه حكم سائر أنواع الطواف في الأركان والشرائط وعن أبي يعقوب الأبيوردي انه يصح طواف الوداع
416

من غير طهارة وتجبر الطهارة بالدم واستحب الشافعي رضي الله عنه للحاج إذا طاف للوداع ان
يقف بحد الملتزم بين الركن والباب ويقول. اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وابن أمتك حملتني
على ما سخرت لي من خلقك حتى سيرتني في بلادك وبلغتني بنعيمك حتى أعنتني على قضاء مناسكك
فان كنت رضيت عنى فازدد عنى رضا والا فالآن قبل أن ننآى عن بيتك داري هذا أوان
انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا بنبيك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم أصحبني العافية
في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتني. قال وما زاد فحسن وزيد فيه واجمع لي خير
الدنيا والآخرة إنك قادر على ذلك ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وينصرف وينبغي أن
يتبع نظره البيت ما أمكنه ويستحب أن يشرب من ماء زمزم وأن يزور بعد الفراغ من الحج قبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقد روى عنه أنه قال " من زارني بعد موتى فكأنما زارني في حياتي ومن
زار قبري فله الجنة " (1) *
417

قال (الفصل الحادي عشر في حكم الصبي * وللولي أن يحرم عن الصبي الذي لم يميز (ح) ويحضره الموقف
فيحصل الحج للصبي نفلا وللأم ذلك أيضا وفى القيم وجهان وهل للولي أن يحرم عن المميز فيه وجهان
418

والمميز يحرم بإذن الولي ولو استقل لم ينعقد على أحد الوجهين أما المميز فيتعاطى الأعمال بنفسه) *
419

حج الصبي صحيح لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما " ان النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة وهي في محفتها
فأخذت بعضد صبي كان معها فقالت ألهذا حج فقال صلى الله عليه وسلم نعم ولك أجر " (1) وعن جابر
رضي الله عنه قال " حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا
عنهم " (2) والمنقول عن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا ينعقد إحرام الصبي لنفسه ولا احرام الولي له وربما يقولون
إنه ينعقد ليتدرب ولا يعتد به ولا يؤاخذ بمقتضيات الاحرام * إذا عرفت ذلك فان حجة يختص
بأحكام يرجع بعضها إلى الاحرام وبعضها إلى الافعال وبعضها إلى المؤنات ولوازم المحظورات فأراد أن يبين
420

في هذا الفصل تلك الأحكام (أما) الاحرام فينظر إن كان الصبي مميزا أحرم بإذن الولي وفى استقلاله وجهان
(أحدهما) وبه قال أبو إسحاق يستقل لأنه عبادة كما يستقل بالصوم والصلاة (وأظهرهما) لا يستقل
لأنه يفتقر إلى المال وهو محجور عليه في المال فان قلنا بالأول فللولي تحليله كما سيأتي وليس له ان يحرم
عنه وان قلنا بالثاني فهل للولي أن يحرم عنه فيه وجهان (أحدهما) لا للاستغناء بعبارته (والثاني) نعم
لأنه مولي عليه بدليل عدم الاستقلال قال الامام رحمه الله وهذا ظاهر المذهب * وان لم يكن مميزا
أحرم عنه وليه سواء كان محلا أو محرما وسواء حج عن نفسه أم لا ولا يشترط حضور الصبي
ومواجهته في أصح الوجهين والمجنون كالصبي الذي لا يميز يحرم عنه وليه وذكر القاضي ابن
كج والحناطي رحمهما الله انه لا يجوز الاحرام عنه إذ ليس له أهلية العبادات والمغمى عليه لا يحرم
عنه غيره لأنه ليس بزائل العقل وبرؤه مرجو على القرب وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا أغمي عليه في
الطريق أحرم عنه رفقاؤه (فان قلت) ومن الولي الذي يحرم عن الصبي أو يأذن له (قلنا) الأب يتولي ذلك
وكذا الجد وان علا عند عدم الأب ولا يتولاه عند وجوده وفيه وجه تخريجا مما إذا أسلم الجد والأب
كافر يتبعه الطفل على رأى وفى الوصي والقيم وجهان أحدهما انهما لا يتوليانه لأنه تصرف في نفسه كما
لا يليان النكاح (والثاني) انهما يتوليانه كالأب والجد لأنهم جميعا يتصرفون في المال ويراعون
مصالحه والأول أرجح عند الامام لكن العراقيين من أصحابنا أجابوا بالثاني وذكروا وجهين في
الأخ والعم إذا لم يكن لهما وصاية واذن من الحاكم (أظهرهما) المنع وفى الام طريقان (أحدهما) ان
احرامها عن الصبي مبنى على ولايتها التصرف في ماله وفيه اختلاف قال الإصطخري تليه وقال عامة
الأصحاب لا تليه (والطريق الثاني) القطع بأنها تحرم واحتجوا له بخبر ابن عباس رضي الله عنهما الذي
421

رويناه في أول الفصل وقالوا الظاهر أنها كانت تحرم عن الذي رفعته من المحفة وبهذا الطريق أجاب
صاحب الكتاب والأول أشبه بكلام الأكثرين (واما) الافعال فمتى صار محرما باحرامه
أو باحرام الولي اتى بما يقدر عليه بنفسه ويفعل به الولي ما يعجز عنه فان قدر على الطواف علم
حتى يطوف والا طيف به على ما سبق والسعي كالطواف ويصلى عنه الولي ركعتي الطواف
إذا لم يكن مميزا وإن كان مميزا صلاهما بنفسه وحكى القاضي ابن كج وجها انه لا بد
وأن يفعلها الولي بكل حال واشترط احضاره بعرفة ولا يكفي حضور غيره عنه وكذا يحضر
بالمزدلفة والمواقف ويناول الأحجار حتى يرميها إن قدر عليه والا رمي عنه من لا رمى عليه ويستحب
أن يضعها في يده أولا ثم يأخذ ويرمي (وقوله) في الكتاب للولي أن يحرم عن الصبي (وقوله)
والمميز يحرم معلمان بالحاء لما سبق (وقوله) فيحصل الحج للصبي نفلا كلكرر في هذا الموضع لما سبق
أن التكليف شرط في الوقوع عن حجة الاسلام (وقوله) وفى القيم وجهان يجوز اعلامه بالواو
لان عن الداركي طريقة قاطعة بنفي الجواز للقيم ونحوه (وقوله) وأما المميز فيتعاطى الافعال إنما
تحسن هذه اللفظة لو كان الكلام قبلها في غير المميز لكن الكلام في المميز من قوله وهل للولي
أن يحرم عن الصبي المميز
422

قال (وما يزيد من نفقة السفر على الولي أو الصبي فيه وجهان * ولوازم المحظورات لم تجب
على أحد الوجهين نظرا له فان أوجب فعلى الولي أو الصبي فيه وجهان ويفسد حجه بالجماع وفى
لزوم القضاء خلاف مرتب على الفدية وأولى بان لا يجب لأنها بدنية فان أوجب لم يصح من الصبي
على أحد الوجهين لكونه فرضا فإذا بلغ لزمه القضاء بعد الفراغ من فرض الاسلام) *
الغرض الآن الكلام في المؤنات وفدية المحظورات وفيه صور (إحداها) القدر الزائد في النفقة بسبب
السفر في مال الصبي أو على الولي فيه وجهان ويقال قولان (أحدهما) أنه في مال الصبي لان الحج
يحصل له كما لو قبل له نكاحا يكون المهر عليه لان النكاح يحصل له (وأصحهما) أنه على الولي
وبه قال مالك وأحمد لأنه الذي أدخله وورطه فيه ويخالف النكاح فان المنكوحة قد تفوت والحج
يمكن تأخيره إلى أن يبلغ فعلى هذا لو أحرم الصبي بغير ادنه وجوزناه حلله فإن لم يفعل اتفق عليه
(الثانية) يمنع الصبي المحرم من محظورات الاحرام فلو تطيب أو لبس ناسيا فلا فدية كالبالغ
423

الناسي وان تعمد فقد بنوه على أصل يذكر في الجنايات وهو أن عمد الصبي عمد أو خطأ ان قلنا
إنه خطأ فلا فدية (وان قلنا) عمد وجبت وهو الأصح * قال الامام والمحققون قطعوا به لان عمده
في العبادات كعمد البالغ الا تري أنه إذا تعمد الكلام بطلت صلاته أو الاكل بطل صومه * وعن
الداركي نقل قول فارق بين أن يكون الصبي ممن يلتذ بالطيب واللباس أو ممن لا يلتذ بذلك ولو
حلق أو قلم أو قتل صيدا وقلنا عمد هذه الأفعال وسهوها سواء على ما سيأتي وجبت الفدية (وان قلنا)
424

يختلف حكم عمدها وسهوها فهي كالطيب واللباس ومتي وجبت الفدية فهي على الولي أو في في مال
الصبي فيه قولان (أحدهما) في مال الصبي لان الوجوب بسبب ما ارتكبه (وأصحهما) في مال
الولي وبه قال مالك لأنه الذي أوقعه فيه وغرر بماله وهذا إذا أحرم باذنه فان أحرم بغير إذن
الولي وجوزناه فالفدية في مال الصبي بلا خلاف ذكره في التتمة ومتى وجبت الفدية في مال الصبي
فإن كانت مرتبة فحكمها حكم كفارة القتل والا فهل يجزى أن يفتدى بالصوم في الصغر فيه وجهان
425

مبنيان على خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى في أنه إذا أفسد الحج هل يجزئه قضاؤه في الصغر وليس
للولي والحالة هذه أن يفدى عنه بالمال لأنه غير متعين وعن أبي الحسين حكاية وجه أنه ان أحرم
به الأب أو الجد فالفدية في مال الصبي وان أحرم به غيره فهي عليه (الثالثة) إذا جامع ناسيا أو
عامدا وقلنا إن عمده خطأ ففي فساد حجه قولان كالبالغ إذا جامع ناسيا (والأظهر) أنه لا يفسد وان
قلنا إن عمده عمد فسد حجه وإذا فسد فهل عليه القضاء فيه قولان (أحدهما) لا لأنه ليس أهلا
لوجوب العبادات البدنية (وأصحهما) نعم لأنه احرام صحيح فيوجب افساده القضاء كحج التطوع
وعلى هذا فهل يجزئه القضاء في الصبي فيه قولان ويقال وجهان (أصحهما) نعم اعتبارا بالأداء
(والثاني) لا وبه قال مالك وأحمد لأنه فرض وهو ليس أهلا لأداء فرض الحج بدليل حجة الاسلام
(وإذا قلنا) بهذا ولم يقض حتى بلغ نظر فيما أفسدها إن كانت بحيث لو سلمت عن الفساد لأجزأته
426

عن حجة الاسلام بان بلغ قبل فوات الوقوف تأدى حجة الاسلام بالقضاء وإن كانت لا تجزئه وان سلمت
عن الفساد لم تتأد وعليه أن يبدأ بحجة الاسلام ثم يقضى فان نوى القضاء أو لا انصرف إلى حجة الاسلام
وان جوزنا القضاء في الصغر فشرع في القضاء وبلغ قبل الوقوف انصرف إلى حجة الاسلام وعليه
القضاء * ومهما فسد حجه وأوجبنا القضاء وجبت الكفارة أيضا وان لم نوجب القضاء ففي الكفارة
وجهان (والأصح) الوجوب وقد بعكس هذا الترتيب فيقال إن لم تلزمه الفدية ففي القضاء خلاف والفرق أن
القضاء عبادة بدنية وحال الصبي أبعد عنها وهذا الترتيب هو الذي ذكره في الكتاب فقال وفى لزوم القضاء
خلاف مرتب على الفدية وإذا وجبت الكفارة فهي على الولي أو في مال الصبي فيه الخلاف السابق (وقوله)
ولوازم المحظورات لا تجب على أحد الوجهين هذا الوجه الذي يتخرج على قولنا عمد
427

الصبي خطأ وإنما نجعل عمده خطأ لان حاله يناسب التخفيف واليه أشار بقوله نظرا له (وقوله)
يفسد حجه بالجماع جواب على الأصح من الخلاف المذكور فيه (وقوله) وإذا بلغ لزمه القضاء بعد
الفراغ عن فرض الاسلام متعلق بقوله لم يصح في الصبي على أحد الوجهين ومفرع عليه (واعلم) ان حكم
المجنون حكم الصبي الذي لا يميز في جميع ذلك * ولو خرج الولي بالمجنون بعد ما استقر فرض الحج عليه وأنفق
عليه من ماله نظر ان لم يفق حتى فات الوقوف غرم له الولي زيادة نفقة السفر وان افاق وأحرم وحج فلا
غرم عليه لأنه قضي ما وجب عليه ويشترط افاقته عند الاحرام والوقوف والطواف والسعي ولم
يتعرضوا لحالة الطواف وقياس كونه نسكا اشتراط الإفاقة فيه كسائر الأركان *
428

قال (وان بلغ الصبي في حجه قبل الوقوف (ح) وقع عن حجة الاسلام فإن كان قد سعى قبله لزمه
الإعادة في أصح الوجهين وهل يلزمه دم بنقصان احرامه إذا وقع في الصبا فيه قولان * وعتق العبد
في الحج كبلوغ الصبي ولو طيب الولي الصبي فالفدية على الولي الا إذا قصد المداواة فيكون كاستعمال الصبي
على أحد الوجهين)
الفصل يشتمل على مسألتين (الأولي) لو بلغ الصبي في أثناء الحج نظر ان بلغ بعد الوقوف بعرفة لم يجزه
عن حجة الاسلام ولا فرق بين أن يكون وقت الوقوف باقيا أو فائتا لكنه لم يعد إلى الموقف لمضى
معظم العبادة في حال النقصان ويخالف الصلاة حيث تجزئه إذا بلغ في أثنائها أو بعدها لان الصلاة
عبادة تتكرر والحج عبادة العمر فيعتبر وقوعها أو وقوع معظمها في حال الكمال * وعن ابن سريج
رحمه الله انه إذا بلغ ووقت الوقوف باق يجزئه عن حجة الاسلام وان لم يعد إلى الموقف وان بلغ قبل
الوقوف أو بلغ وهو واقف وقعت حجته عن حجة الاسلام خلافا لمالك حيث شرط فيه وقوع
جميع الحج في حالة التكليف ولأبي حنيفة فإنه لا يعتد باحرام الصبي على ما سبق * وهل يجب إعادة
السعي لو كان قد سعى عقيب طواف القدوم قبل البلوغ فيه وجهان (أحدهما) لا ولا بأس بتقدم
السعي كتقدم الاحرام (وأصحهما) نعم لوقوعه في حالة النقص ويخالف الاحرام فإنه مستدام بعد
البلوغ والسعي لا استدامة له وقد بنوا الوجهين على أنه إذا وقع عن حجة الاسلام كيف تقدير
احرامه أنقول بأنه يتعين انعقاده في الأصل فرضا أو نقول بأنه انعقد نفلا ثم انقلب فرضا فان قلنا
بالأول فلا حاجة إلى الإعادة وان قلنا بالثاني فلا بد منها وإذا وقع حجه عن حجة الاسلام فهل يلزمه
دم فيه طريقان (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب أنه على قولين (أحدهما) نعم لان احرامه من الميقات
ناقص لأنه ليس بفرض (وأصحهما) لا لأنه أتي بما في وسعه ولم تصدر منه إساءة * وبنى الشيخ أبو محمد
429

وغيره القولين على الأصل المذكور ان قلنا بالتعيين فلا دم عليه وإن قلنا بانعقاده نفلا لزم * (والطريق
الثاني) القطع بأنه لا دم عليه وبه قال الإصطخري وابن سلمة وهذا الخلاف فيما إذا لم يعد بعد البلوغ
إلى الميقات فان عاد إليه لم يلزمه الدم بحال لأنه أتي بالممكن أولا وآخرا وبذل ما في وسعه وفيه وجه
بعيد * والطواف في العمرة كالوقوف في الحج فلو بلغ قبله أجزأته عمرته عن عمرة الاسلام * وعتق
العبد في أثناء الحج والعمرة كبلوغ الصبي في أثنائهما * ولو أن ذميا أتى الميقات مريدا للنسك فأحرم
منه لم ينعقد احرامه لأنه ليس أهلا للعبادات البدنية فان أسلم قبل فوات الوقوف ولزمه الحج فله
أن يحج من سنته وأن يؤخر فان الحج على التراخي فان حج من سنته فعاد إلى الميقات فاحرم منه
أو أحرم من موضعه وعاد إليه محرما فلا شئ عليه وان لم يعد لزمه الدم كالمسلم إذا جاوزه على قصد
النسك ولا يجئ فيه الخلاف المذكور في الصبي إذا وقعت حجته عن حجة الاسلام لأنه حين مر
بالميقات كان بسبيل من أن يسلم ويحرم بخلاف الصبي وقال أبو حنيفة رحمه الله والمزني لا دم عليه
وعن أحمد روايتان (المسألة الأخرى) ذكرنا الخلاف في وجوب الفدية إذا باشر الصبي محظورا وأنها
إذا وجبت على من تجب * فاما إذا باشره الولي بأن طيبه أو ألبسه أو حلق رأسه فينظر ان فعل ذلك
لحاجة الصبي كما لو طيبه تداويا فهل هو كمباشرة الصبي فيه وجهان (أحدهما) لا بل الفدية على الولي بلا
خلاف تقديما للمباشرة (وأصحهما) انه كمباشرة الصبي لأنه وليه وإنما فعل ما فعل لمصلحته وقد
قيل إن مأخذ الوجهين أن الشافعي رضي الله عنه قال وتجب الفدية على المداوي فقرأه
بعضهم بكسر الواو حملا على الولي وبعضهم بفتحها حملا على الصبي والوجهان شبيهان
بالوجهين فيما إذا أوجر المغمى عليه معالجة له في باب الصوم * ولو طيب لا لحاجة فالفدية
430

عليه وكذا لو طيبه أجنبي وهل يكون الصبي طريقا فيه وجهان *
قال (الباب الثالث في محظورات الحج والعمرة وهي سبعة أنواع)
(النوع الأول في اللبس ويحرم على المحرم أن يستر رأسه بما يعد ساترا من خرقة أو إزار أو عمامة *
ولو توسد بوسادة أو استظل بالمحمل أو انغمس في الماء فلا بأس * ولو وضع زنبيلا على رأسه أو حملا
ففيه قولان * ولو طين رأسه ففيه احتمال ولو شد خيطا على رأسه لم يضر بخلاف العصابة وأقل ما يلزم به
الفدية ان يستر مقدارا يقصد ستره لغرض شجة أو غيرها) *
431

مقصود الباب بيان ما يحرم بسبب الاحرام بالحج أو العمرة وهي في تعديد صاحب الكتاب
سبعة أنواع (أحدها) اللبس والكلام في حق غير المعذور ثم في المعذور (اما) في حق غير
المعذور فالنظر في الرجل ثم في المرأة ومن الرجل في الرأس ثم في سائر البدن (أما) الرأس ففيه
432

فصلان (أحدهما) في الساتر ولا يجوز للرجل أن يستر رأسه قال صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي خر من
بعيره " لا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " (1) ولا فرق بين ان ستر بمخيط كالقلنسوة أو
بغير مخيط كالعمامة والإزار والخرقة وكل ما يعد ساترا وإذا ستر لزمه الفدية لأنه باشر محظورا كما لو حلق *
ولو توسد بوسادة فلا بأس وكذا لو توسد بعمامة مكورة لان المتوسد يعد في العرف حاسر الرأس * ولو
استظل بمحمل أو هودج فلا فدية عليه أيضا لأنه لا يعد ذلك سترا للرأس كما لو استظل ببناء
وكذلك لو انغمس في ماء فاستوى الماء على رأسه وخصص صاحب التتمة نفي الفدية في صورة
الاستظلال بما إذا لم تمس المظلة رأسه وحكم بوجوبها إذا كانت تمسه وهذا التفصيل لم أره لغيره
وان لم يكن بد منه فالوجه الحاقة بوضع الزنبيل على الرأس (والأصح) فيه أن لا فدية كما سيأتي إن شاء الله
تعالى * وعن مالك وأحمد رحمهما الله انه إذا استظل بالمحمل راكبا افتدى وان استظل
433

به نازلا راجلا فلا * وروى الامام عن مالك الخلاف في صورة الانغماس أيضا * لنا في الاستظلال ما روى
عن أم الحصين قالت " حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا أحدهما آخذ بخطام ناقته
والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمي جمرة العقبة " (1) ولو وضع زنبيلا على رأسه أو حملا فقد
434

ذكر ان الشافعي رضي الله عنه حكي عن عطاء انه لا باس به ولم يعترض عليه وذلك يشعر بأنه ارتضاه فان
من عادته الرد على المذهب الذي لا يرتضيه (1) وعن ابن المنذر والشيخ أبى حامد انه نص في بعض
كتبه على وجوب الفدية فمن الأصحاب من قطع بالأول ولم يثبت الثاني ومنهم من أطلق قولين وهو
ما أورده في الكتاب ووجه الوجوب ما يروى عن أبي حنيفة ان غطى رأسه فأشبه ما لو غطاه بشئ
435

آخر ووجه عدم الوجوب ان مقصوده نقل المتاع لا تغطية الرأس على أن المحرم غير ممنوع من التغطية بما
لا يقصد الستر به الا ترى إلى ما روي أنه صلى الله عليه وسلم " احتجم على رأسه وهو محرم " (1) وأيضا فلو وضع يده
على رأسه لم يضر وسواء ثبت الخلاف أم لا فظاهر المذهب انه لا فدية * ولو طين رأسه ففي وجوب الفدية
وجهان كالوجهين فيما إذا طلى بالطين عورته وصلى هل يجزئه * والمذهب ههنا وجوب الفدية وفى تلك
436

الصورة صحة الصلاة لوجود الستر والتغطية وهذا إذا كان ثخينا ساترا (أما) المائع الذي لا يستر
فلا عبرة به وعلى هذا التفصيل حكم الحناء والمراهم وتحوها * (الفصل الثاني) في القدر الذي يقتضي
ستره الفدية ولا يشترط لوجوب الفدية استيعاب الرأس بالستر كما لا يشترط في فدية الحلق
الاستيعاب بل تجب الفدية بستر بعض الرأس وضبطه أن يكون المستور قدرا يقصد ستره
لغرض من الاغراض كشد عصابة والصاق لصوق لشجة ونحوها هكذا ضبطه المصنف
437

والامام فقد نقلا وغيرهما انه لو شد خيطا على رأسه لم يضر ولم تجب الفدية لان ذلك
لا يمنع من تسميته حاصر الرأس وهذا ينقض الضابط المذكور لان ستر المقدار الذي يحويه شد هذا
الخيط قد يقصد أيضا لغرض منع الشعر من الانتشار وغيره فالوجه النظر إلى تسميته حاسر الرأس ومستور
جميع الرأس أو بعضه والله أعلم * (وقوله) في الكتاب أن يستر مقدارا يقصد ستره إلى آخره
معلم بالحاء لان عند أبي حنيفة رحمه الله لا تكمل الفدية الا إذا ستر ربع الرأس فصاعدا
فان ستر أقل من ذلك فعليه صدقة والله أعلم *
438

قال (أما سائر البدن فله ستره ولكن لا يلبس المخيط الذي أحاطه بالخياطة كالقميص أو النسيج
كالدرع أو العقد كجبة اللبد ولو ارتدى بقميص أو جبة فلا بأس وكذا إذا التحف نائما * ولو لبس القباء
لزمه الفدية وان لم يدخل اليد في الكم ولا بأس بعقد الإزار بتكة تدخل في حجزة ولا بالهميان
والمنطقة * ولا بلف الإزار على الساق) *
439

ما سوى الرأس من البدن يجوز للمحرم ستره ولكن لا يجوز له لبس القميص والسراويل
والتبان والخف روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عما يلبس
المحرم من الثياب فقال " لا يلبس القميص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس ولا الخفاف إلا
أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين " (1) ولو لبس شيئا من ذلك مختارا لزمه
440

الفدية سواء طال زمان اللبس أو قصر * وقال أبو حنيفة إنما تلزم الفدية التامة إذا استدم اللبس يوما كاملا
فإن كان أقل فعليه صدقة * لنا انه باشر محظور الاحرام فتلزمه الفدية كما لو حلق * ولو لبس القباء تلزمه الفدية
سواء ادخل يديه في الكمين وأخرجهما منهما أم لا وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله خلافا لأبي
حنيفة رحمه الله في الحالة الثانية * لنا انه لبس مخيطا على وجه معتاد فتلزمه الفدية كما لو لبس القميص
وهذا لان لابس القباء قد يدخل كتفه فيه ويتركه كذلك * ولو القى على نفسه قباء أو فرجيا وهو
مضطجع قال الامام ان أخذ من بدنه حتى ما إذا أقام عد لابسا فعليه الفدية وإن كان بحيث لو قام أو قعد
441

لم يستمسك عليه الا بمزيد أمر فلا (وقوله) في الكتاب وان لم يدخل اليد في الكم يجوز ان يعلم
مع الحاء بالواو لأنه نقل عن الحاوي انه إن كان من أقبية خراسان قصير الذيل ضيق الأكمام
لزمت الفدية وان لم يدخل اليد في الكم وإن كان من أقبية العراق طويل الذيل واسع الأكمام فلا
فدية حتى يدخل يديه في كميه * (واعلم) ان قولنا لا يلبس المخيط ترجمة لها جزآن لبس ومخيط م (فاما)
اللبس فهو مرعى في وجوب الفدية على ما يعتاد في كل ملبوس إذ به يحصل الترفه والتنعم فلو ارتدى
بقميص أو قباء أو التحف فيهما أو اتزر بسراويل فلا فدية عليه كما لو اتزر بإزار خيط عليه
442

رقاع واما المخيط فخصوص الخياطة غير معتبر بل لا فرق بين المخيط وبين المنسوج كالدرع
والمعقود كجبة اللبد والمدرق بعضه ببعض قياسا لغير المخيط على المخيط وقد جمعها في الكتاب
بقوله لا يلبس المخيط الذي احاطته بالخياطة إلى آخره * والمتخذ من القطن والجلد وغيرهما سواء
ويجوز ان يعقد الإزار ويشد عليه خيطا ليثبت وان يجعل له مثل الحجزة ويدخل فيها التكة
إحكاما وان يشد طرف ازاره في طرف ردائه وله ان يغرزه في طرف ازاره ولو
اتخذ لردائه شرجا وعرى وربط الشرج بالعرى فاصح الوجهين انه تجب الفدية لأن هذه الإحاطة
443

قريبة من الخياطة * ولو شق الإزار نصفين ولف كل نصف على ساق وعقده فالذي نقله الأصحاب
وجوب الفدية لأنه حينئذ كالسراويل ورأي الامام انها لا تجب بمجرد اللف والعقد وإنما تجب إذا
فرضت خياطة أو شرج وعرى (وقوله) في الكتاب ولا يلف الإزار على الساق ان أراد به هذه
الصورة فهو اتباع لرأى الامام فليكن معلما بالواو وليعلم ان الظاهر خلافه ويجوز ان يحمل على اللف
من غير أن يشق ويجعل له ذيلان وعلى هذا فلا إعلام إذ لا خلاف في أن للمحرم ان يشتمل
444

بالرداء والإزار طاقتين وثلاثا ولا باس بتقلد المصحف والسيف * " قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم مكة متقلدين سيوفهم عام عمرة القضاء " (1) ولا باس أيضا بشد الهميان والمنطقة على الوسط
445

لحاجة النفقة ونحوها وقد روى الترخيص فيه عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما وروى عن مالك
المنع من شد الهميان والمنطقة لكن لم يثبت المنقنون في النقل الرواية عنه (وقوله) في أول الفصل
اما سائر البدن فله ستره يجوز ان يعلم بالحاء لان عند أبي حنيفة رحمه الله يجب عليه كشف الوجه
مع الرأس وأيهما ستره فعليه الفدية * لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي خر عن
بعيره ومات " خمروا وجهه ولا تخمروا رأسه " (1) الخبر *
446

قال (أما المرأة فاحرامها على وجهها وكفيها فقط ولها ان تستر بثوب متجاف عن الوجه واقع بإزائه
هذا في غير المعذور) *
447

ذكرنا حكم الستر واللبس في حق الرجل المحرم اما المرأة فالوجه في حقها كالرأس في حق
الرجل ويعبر عن ذلك بأن إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها والأصل فيه ما روي أنه
صلى الله عليه وسلم قال " لا تتنقب المرأة ولا تلبس القفازين " (1) وروى أنه صلى الله عليه وسلم " نهى النساء
في إحرامهن عن النقاب " (2) وتستر الرأس وسائر البدن والقدر اليسير من الوجه الذي يلي الرأس لها
448

لها ستره إذ لا يمكن استيعاب الرأس بالستر الا بستره (فان قيل) هلا قلتم تكشف جميع الوجه
ويعفى عن كشف الجزء الذي يليه من الرأس (قيل) الستر أحوط من الكشف وأيضا فالمقصود
إظهار شعار الاحرام بالاحتراز عن التنقب وستر الجزء المذكور لا يقدح فيه والرأس عورة كله
فيستر * ويجوز لها أن تستبدل ثوبا على وجهها متجافيا عنه بخشبة وغيرها كما يجوز للرجل الاستظلال
بالمحمل والمظلة ولا فرق بين أن يفعل ذلك لحاجة من دفع حر أو برد أو فتنة أو لغير حاجة فان وقعت
449

الخشبة فأصاب الثوب وجهها من غير اختيارها ورفعته في الحال فلا فدية وإن كان عمدا أو استدامته وجبت
الفدية * ويجوز للمرأة لبس المخيط من القميص والسراويل والخف وغيرها روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " وليلبس
بعد ذلك ما أحبين من ألوان الثياب معصفرا أو خزا أو جليا أو سراويل أو قميصا أو خفا " وإذا
ستر الخنثى المشكل رأسه أو وجهه فلا فدية لاحتمال أنه امرأة في الصورة الأولي ورجل في الثانية
450

وإن سترهما جميعا وجبت (وقوله) في الكتاب (أما) المرأة فاحرامها في وجهها فقط اعلم بالواو
لان منهم من ضم الكفين كما ستعرفه في مسألة القفازين *
ل قال ((أما) المعذور بحر أو برد فله اللبس ولكن تلزمه الفدية وان لم يجد إلا سراويل
ولو فتقه لم يتاب منه إزار فليلبس ولا فدية عليه للخبر وكذا إذا قطع أسفل الكعبين واستتار
ظهر القدم كاستتاره بشرك النعل) *
451

قد عرفت حكم غير المعذور (وأما) المعذور ففيه صور (إحداها) لو احتاج الرجل
إلى ستر الرأس أو لبس المخيط بعذر حر أو برد أو مداواة جاز له ذلك وكذا المرأة
لو احتاجت إلى ستر الوجه ولكن تجب الفدية كما إذا احتاج إلى الحلق بسبب الأذى جاز
الحلق ولزمت الفدية على ما نص عليه القرآن (الثانية) لباس المحرم الرداء والإزار والنعلان على
ما مر فلو لم يجد الرداء لم يجز له لبس القميص بل يرتدى ويتوشح به ولو لم يجد الإزار ووجد
452

السراويل نظر إن لم يتأت اتخاذ ازار منه إما لصغره أو لفقد آلات الخياطة أو لخوف التخلف
عن القافلة لبسه لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من لم يجد الإزار فليلبس السراويل " (1) وإذا
لبسه فلا فدية عليه * وقال أبو حنيفة ومالك تجب الفدية * وان تأتي اتخاذ ازار منه فلبسه على هيئته
فهل تلزمه الفدية فيه وجهان (أحدهما) نعم كما لو لبس الخف قبل ان يقطعه (والثاني) لا لاطلاق
الخبر وفى الخف أمر بالقطع على ما روينا في خبر ابن عمر رضي الله عنهما وبالوجه الأول أجاب
الامام وتابعه المصنف حيث قيد فقال ولو فتقه لم يتأت منه ازار فلا فدية ولكن الأصح عند
الأكثرين إنما هو الوجه الثاني وإذا لبس السراويل لفقد الإزار ثم وجده فعليه النزع ولو لم يفعل
فعليه الفدية (وقوله) في الكتاب فلا فدية للخبر المراد من الخبر ما رويناه ومن الاستدلال به على
نفى الفدية من جهة أنه يقتضى تجويز اللبس عند فقد الإزار والأصل في مباشرة الجائزات نفي
المؤاخذة (الثالثة) إذا لم يجد النعلين لبس المكعب أو قطع الخف أسفل من الكعب ولبسه وهل
يجوز لبس الخف المقطوع والمكعب مع وجود النعلين فيه وجهان (أحدهما) نعم لشبهه بالنعل الا
ترى انه لا يجوز المسح عليه (وأصحهما) لا لان الاذن في الخبر يقيد شرطان لا يجد النعلين وعلى هذا لو
453

لبس الخف المقطوع لفقد النعلين ثم وجد النعلين نزع الخف فلو لم يفعل افتدى وإذا جاز لبس
الخف المقطوع لم يضر استتار ظهر القدم مما بقي منه لحاجة الاستمساك كما لا يضر استتاره بشراك
النعل (فان قلت) ما معنى عدم وجدان الإزار والنعل (قلنا) المراد منه ان لا يقدر على تحصيله
إما لفقده في ذلك الموضع أو لعدم بذل المالك إياه أو لعجزه عن الثمن إن باعه أو للأجرة ان
اجره ولو بيع بغبن أو نسيئة لم يلزمه شراؤه ولو أعير منه وجب قبوله ولو وهب لم يجب ذكر
هذه الصورة القاضي ابن كج وقد كتبنا نظائرها في املاء للطهارة والثوب لستر العورة وبالله التوفيق *
قال (وليس للرجل لبس القفازين في اليدين * وللمرأة ذلك في أصح القولين وان اتخذ للحيته
خريطة ففي إلحاقه بالقفازين تردد) *
ليس للرجل لبس القفازين كما ليس له لبس الخفين وهل للمرأة ذلك فيه قولان (أحدهما) قال في
الام والاملاء لا وبه قال مالك وأحمد رضي الله عنهما لما روي أنه صلى الله عليه وسلم " نهي النساء في
إحرامهن عن لبس القفازين " وأيضا فان اليد عضو لا يجب على المرأة ستره في الصلاة فلا يجوز لها
ستره في الاحرام كالوجه (والثاني) وهو منقول المزني نعم وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لما روى أنه صلى الله عليه وسلم
قال " حرم المرأة في وجهها " (1) فخص الوجه بالحكم وذكر في الكتاب أن هذا أصح القولين لكن
454

أكثر النقلة على ترجيح الأول منهم صاحب التهذيب والقاضي الروياني فان جوزنا لها لبسهما فلا فدية
إذا لبست والا وجبت الفدية ولو اختضبت بالحناء وألقت على يدها خرقة فوقه أو ألقتها على اليد من
غير حناء فعن الشيخ أبى محمد أنها ان لم تشد الخرقة فلا فدية عليها وان شدته فعلى قولي القفازين ورتب
الأكثرون فقالوا إن قلنا لها لبس القفازين فلا فدية عليها وان منعنا ففي وجوب الفدية ههنا قولان
(أحدهما) تجب ويروى عن الام (والثاني) لا نجب ويروى عن الاملاء والقولان على ما ذكر القاضي
أبو الطيب وغيره مبنيان على المعني المحرم للبس القفازين وفيه قولان مستخرجان (أحدهما) أن المحرم تعلق
الاحرام بيدها تعلقه بوجهها لان واحدا منهما ليس بعورة وإنما جاز الستر بالكمين للضرورة فعلى
هذا تجب الفدية في صورة الخرقة (والثاني) أن المحرم كون القفازين ملبوسين معمولين لما ليس بعورة من
الأعضاء فألحقا بالخفين في حق الرجل فعلى هذا الا فدية في الخرقة وهذا أصح القولين وإذا أوجبنا الفدية تعليلا
بالمعنى الأول فهل تجب الفدية بمجرد الحنا فيه ما سبق في الرجل إذا خضب رأسه بالحناء ولو اتخذ الرجل
لساعده أو لعضو آخر شيئا مخيطا أو للحيته خريطة يعلقها إذا اختضب فهل تلتحق بالقفازين فيه تردد
عن الشيخ أبى محمد (الأصح) الالتحاق وبه أجاب كثيرون * ووجه المنع أن المقصود الاجتناب عن
الملابس المعتادة وهذا ليس بمعتاد *
455

قال (النوع الثاني التطيب وتجب الفدية باستعمال الطيب قصد أو الطيب كل ما تقصد رائحته كالزعفران
والورس والورد والبنفسج والنرجس والريحان الفارسي دون الفواكه كالأترج والسفرجل
والأدوية كالقرنفل والدارصيني وأزهار البوادي كالقيصوم وفي ذهن الورد والبنفسج وجهان
والبان ودهنه ليس بطيب وإذا تناول الخبيص المزعفر فانصبغ لسانه لزمت الفدية لدلالة اللون
على بقاء الرائحة وإذا بطل رائحة الطيب فلا يحرم استعمال جرمه على الصحيح كماء ورد إذا وقع
في ماء وانمحق)
استعمال الطيب من جملة محظورات الاحرام لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال في المحرم " لا يلبس من الثياب شيئا فيه زعفران ولا ورس " (1) ويتعلق به الفدية كسائر المحظورات وقد
ضبط في الكتاب مناط الفدية فقال وتجب الفدية باستعمال الطيب قصدا وهذا الضابط يتركب
عن ثلاثة أمور الطيب والاستعمال والقصد (أما) الطيب فالمعتبر فيه أن يكون معظم الغرض منه التطيب
واتخاذ الطيب منه أو يظهر فيه هذا الغرض فالمسك والعود والعنبر والكافور والصندل طيب
لا محالة ثم ما له رائحة طيبة من نبات الأرض أنواع (منها) ما يطلب للتطيب واتخاذ الطيب منه كالورد
والياسمين والخيري وكذا الزعفران وإن كان يطلب للصبغ والتداوي أيضا والورس وهو فيما
يقال أشهر طيب في بلاد اليمن (ومنها) ما يطلب للاكل والتداوي غالبا فلا تتعلق بالفدية كالقرنفل
والدارصيني والسنبل وسائر الأبازير الطيبة وكذا السفرجل والتفاح والبطيخ والأترج والنارنج
قال الامام وفى النفس من الأترج والنارنج شئ فان قصد الاكل والتداوي فيهما ليس بأغلب من
قصد التطيب لكن ما وجدته في الطرق الحاقهما بالفواكه وقد يتجه معني تزيين المجالس فيهما والله أعلم *
(ومنها) ما يتطيب به ولا يتخذ منه الطيب كالنرجس والريحان الفارسي وهو الضميران والمرزنجوشي
456

ونحوهما ففيه قولان (القديم) أنه لا تتعلق بها الفدية لأن هذه الأشياء لا تبقى لها رائحة إذا جفت وقد روى أن
عثمان رضي الله " عنه سئل عن المحرم هل يدخل البستان قال نعم ويشم الريحان " (1) (والجديد) التعلق
لظهور قصد التطيب منها كالورد والزعفران وهذا ما أورده في الكتاب * (وأما) البنفسج فالمنقول عن نصه
أنه ليس بطيب واختلف الأصحاب فيه فمن ذاهب إلى ظاهر النص يزعم أن الغرض منه التداوي
دون التطيب ومن طارد فيه قولي الريحان يدعى أن المنقول عنه جواب على أحد القولين ومن قاطع
بأنه طيب كالورد والياسمين وهذا أصح الطرق * واختلف الصائرون إليه في تأويل النص فقيل أراد
به البنفسج الجاف فإنه بعد الجفاف لا يصلح إلا للتداوي وقيل أراد به بنفسج الشام والعراق فإنه لا يتطيب به
وقيل أراد به المربي بالسكر المستهلك فيه وفى اللينوفر قولا النرجس والريحان ومنهم من قطع بأنه طيب (ومنها)
ما ينبت بنفسه ولا يستنبت كالشيخ والقيصوم والشقائق فلا تتعلق بها الفدية لأنها لا تعد طيبا ولو عدت طيبا
لاستنبتت وتعهدت كالورد وأنوار الأشجار المثمرة كالتفاح والكمثرى وغيرها لا تتعلق بها الفدية أيضا
وكذا العصفر وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة رحمه الله تتعلق بها الفدية * لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم (ذكر فيما روى عنه
المعصفر في جملة الثياب التي يلبسها المحرم " (2) والحناء ليس بطيب فان أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم " كن يختضبن
به وهن محرمات " (3) وقال أبو حنيفة هو طيب (واعرف) وراء ما ذكرناه شيئين غريبين (أحدهما) نقل الحناطي
عن بعض الأصحاب وجهين في الورد والياسمين والخيري ولك أن تعلم قوله في الكتاب والورد
بالواو لذلك * (والثاني) ذكر الامام عن بعض المصنفين أن من أصحابنا من يعتبر عادة كل ناحية فيما يتخذ
طيبا قال وهذا فاسد يشوش القواعد * ثم في الفصل مسائل (إحداها) الادهان ضربان دهن ليس بطيب
كالزيت والشيرج وسيأتي القول فيه في النوع الثالث ودهن هو طيب فمنه دهن الورد وقد حكى الامام
وصاحب الكتاب فيه وجهين (أحدهما) أنه لا تتعلق به الفدية لأنه لا يقصد للتطيب (وأصحهما) ولم يورد
الأكثرون سواه أنه تتعلق به الفدية كما تتعلق بالورد نفسه ومنه دهن البنفسج والوجه ترتيبه على
457

البنفسج ان لم تتعلق الفدية بنفس البنفسج فبدهنه أولى وان علقناها بنفس البنفسج ففي دهنه الخلاف
المذكور في دهن الورد ويجوز إعلام قوله في الكتاب وجهان بالواو (وأما) في دهن الورد فلان
الامام رحمه الله نقل عن شيخه طريقة قاطعة بأنه طيب * ورد التردد إلى دهن البنفسج (وأما) في دهن
البنفسج فلانا قدمنا طريقة قاطعة في البنفسج بأنه ليس بطيب وهي عائدة في الدهن بطريق الأولى
ثم لم يختلفوا في أن ما طرح فيه الورد والبنفسج دهن الورد والبنفسج فاما إذ طرحا على السمسم حتى أخذ
رائحة ثم استخرج من الدهن فجواب المعظم أنه لا تتعلق به الفدية لأنه ريح مجاورة * وعن الشيخ أبي محمد أنه
أشرف والطف مما يغلى فيه الورد والبنفسج لتشرب السمسم ما بينهما وهي الطيبة المقصودة منهما
(ومنه) دهن البان نقل الامام عن نص الشافعي رضي الله عنه انه ليس بطيب وكذا البان نفسه وهذا
ما أورده المنصف وأطلق الأكثرون القول بأن كل واحد منهما طيب ويشبه أن لا يكون هذا خلافا محققا
بل الكلامان محمولان على توسط حكاه صاحب المهذب والتهذيب وهو أن دهن البان المنشوش وهو
المغلى في الطيب طيب وغير المنشوش ليس بطيب (الثانية) لو أكل طعاما فيه زعفران أو طيب آخر واستعمل
مخلوطا بالطيب لا بجهة الاكل نظر ان استهلك الطيب فيه فلم يبق له ريح ولا طعم ولا لون لم تجب
الفدية وان ظهرت هذه الأوصاف فيه وجبت الفدية وان بقيت الرائحة وحدها فكذلك لأنها الغرض
الأعظم من الطيب وان بقي اللون وحده فطريقان (أظهرهما) وبه قال ابن سريج وابن سلمة ان
المسألة على قولين (أحدهما) وهو ظاهر ما نقله المزني أن الفدية تجب لبقاء بعض الأوصاف كما لو بقي
الريح (وأصحهما) عند المعظم انها لا تجب لان اللون ليس بالمقصود الأصلي منه بل هو زينة وأيضا
فان مجرد اللون لو اقتضي الفدية لوجبت الفدية في المعصفر * (والطريق الثاني) وبه قال أبو إسحاق
القطع بالقول الثاني والصائرون إليه انقسموا إلى مغلط للمزني والى حامل لما نقله على ما إذا بقي
الريح مع اللون * ولو بقي الطعم وحده فطريقان (أظهرهما) وبه قال القفال انه كالريح (والثاني) وبه
458

قال الشيخ أبو محمد انه كاللون فيجئ فيه الطريقان * ولو أكل الجلنجبين فينظر في استهلاك الورد
فيه وعدمه ويخرج على هذا التفصيل (فان قلت) قد عرفت ما حكيته لكني إذا نظرت في حكم
المصنف بلزوم الفدية في تناول الخبيص المزعفر سبق إلى فهمي انه اكتفى ببقاء اللون المجرد للزوم
الفدية على خلاف ما ذكرت انه الأصح فهل هو كذلك أم لا (فأقول) ليس في لفظ الكتاب ما يقتضي
التصوير في بقاء اللون وحده بل يتنال الخبيص المزعفر وانصباغ اللسان به يشتمل ما إذا بقيت
الرائحة مع اللون وما إذا لم يبق فيحمل اللفظ على الحالة الأولى لئلا يخالف جوابه الأصح عند
الجمهور وفيهم الامام ويؤيده أنه قال عقيبه لدلالة اللون على بقاء الرائحة ولو كان التصوير في بقاء
اللون وحده لما انتظم دعوى دلالته على بقاء الرائحة وعلى كل حال فقوله لزمته الفدية معلم بالحاء
لان أبا حنيفة رحمه الله لا يوجب الفدية بأكل الطيب أصلا (الثالثة) لو خفيت رائحة الطيب
أو الثوب المطيب بمرور الزمان عليها أو بغبار وغيره نظر إن كان بحيث لو أصابه الماء فاحت
الرائحة منه لم يجز استعماله فان بقي اللون فقد قال الامام رحمه الله فيه وجهان مبنيان على الخلاف
المذكور في أن مجرد اللون هل يعتبر والصحيح انه لا يعتبر وحكى أيضا ترددا للأصحاب فيما إذا
انغمر قدر من الطيب في الكثير مما ليس بطيب كماء ورد انمحق في ماء كثير (منهم) من قال تجب
الفدية باستعماله لاستيقان اتصال الطيب به وكون الرائحة مغمورة لا زائلة (ومنهم) من قال وهو
الأصح لا تجب الفدية لفقد الرائحة وفوات مقصود التطيب فلو انغمرت الرائحة ولكن بقي الطعم
أو اللون ففيه الخلاف السابق *
459

قال (ومعنى الاستعمال الصاق الطيب بالبدن أو الثوب فان عبق به الريح دون العين بجلوسه
في حانوت عطار أو في بيت يجمر ساكنوه فلا فدية ولو احتوى على مجمرة لزمت الفدية ولو مس
جرم العود فلم يعبق به رائحته فقولان ولو حمل مسكا في قارورة مصممة الرأس فلا فدية فان حمله
في فارة غير مشقوقة فوجهان ولو طيب فراشه ونام عليه حرم *
الأمر الثاني الاستعمال وهو أن يلصق الطيب ببدنه أو ملبوسه على الوجه المعتاد في ذلك الطيب
فلو طيب جزءا من بدنه بغالية أو مسك مسحوق أو ماء ورد لزمته الفدية * وعن أبي حنيفة رحمه الله
أن الفدية التامة إنما تلزم إذا طيب عضوا أو ربع عضو فان طيب أقل منه لم يلزمه ولا فرق بين أن يتفق الالصاق
بظاهر البدن أو باطنه كما لو أكله أو احتقن به أو استعط وقيل لا تجب الفدية في الحقنة والسعوط
ثم في الفصل صور (إحداها) لو عبق به الريح دون العين بأن جلس في حانوت عطار أو عند الكعبة
وهي تجمرأ وفى بيت يجمر ساكنوه فلا فدية لان ذلك لا يسمى تطيبا ثم إن قصد الموضع لا لاشتمام
الرائحة لم يكره وان قصده لاشتمامها كره على أصح القولين * وعن القاضي الحسين رحمه الله أن
الكراهة ثابتة لا محالة والخلاف في وجوب الفدية ولو احتوى على مجمرة فتبخر بالعود بدنه أو ثيابه
لزمته الفدية لان هذا طريق التطيب منه وعن أبي حنيفة أنه لا فدية فيه * ولو مس طيبا فلم يعلق بيده
شئ من عينه ولكن عبقت به الرائحة فهل تلزمه الفدية فيه قولان (أحدهما) لا وهو منقول
المزني لان الرائحة قد تحصل بالمجاورة من غير مماسة فلا اعتبار بها (والثاني) ويروى عن الاملاء
نعم لان المقصود الرائحة وقد عبقت به * وذكر صاحب العدة وغيره أن هذا أصح القولين وكلام
الأكثرين يميل إلى الأول (الثانية) لو شد المسك أو العنبر أو الكافور في طرف ثوبه أو وضعته
المرأة في جيبها أو لبست الحلي المحشو بشئ منها وجبت الفدية فان ذلك طريق استعمالها ولو شم الورد
فقد تطيب به ولو شم ماء الورد فلا بل الطريق فيه أن يصبه على بدنه أو ثيابه ولو حمل مسكا أو
طيبا آخر في كيس أو خرقة مشدودة أو قاورة مصممة الرأس أو حمل الورد في ظرف فلا فدية لأنه
لم يستعمل الطيب حكى ذلك عن نصه في الام وحكى الروياني وغيره في وجها انه إن كان يشتم قصدا
460

لزمه الفدية وإن حمل مسكا في فارة غير مشقوقة فوجهان (أحدهما) وبه قال القفال تجب الفدية وحمل الفأرة
تطيب (وأصحهما) وبه قال الشيخ أبو حامد لا تجب لان نفس الفأرة ليس بطيب وإنما الطيب المسك وبينه
وبينه حائل فأشبه صورة القارورة أي المصممة * ولو كانت الفارة مشقوقة أو القارورة مفتوحة الرأس فقد قالوا
بوجوب الفدية وليس ذلك واضحا من جهة المعنى فإنه لا يعد ذلك تطيبا (الثالثة) لو جلس على فراش مطيب
أو ارض مطيبة ونام عليهما مفضيا ببدنه أو ملبوسه إليهما لزمته الفدية وجعل ملاقاته بمثابة لبس الثوب
المطيب كما تجعل ملاقاة الشئ النجس بمثابة لبس الثوب النجس فلو فرش فوقه ثوبا ثم جلس أو نام لم
تجب الفدية لكن لو كان الثوب رقيقا كره ولو داس بنعله طيبا لزمه الفدية لأنها ملبوسة له *
قال (وأما القصد فالاحتراز به عن الناسي إذ لا فدية عليه وكذا إذا جهل كون الطيب
محرما ولو علم أنه طيب ولم يعلم أنه يعبق به لزمته الفدية ولو ألقى عليه الريح طيبا فليبادر إلى غسله فان
توانى لزمته الفدية) *
الأمر الثالث كون الاستعمال عن قصد فلو تطييب ناسيا لاحرامه أو جاهلا
بتحريم الطيب لم تلزمه الفدية وعذر كما لو تكلم ناسيا في الصلاة أو أكل ناسيا في الصوم وقد روي
(أن رجلا أتي النبي صلى الله عليه وسلم وعليه جبة وهو متضمخ بالخلوق فقال إني أحرمت بالعمرة وهذه على فقال
صلى الله عليه وسلم ما كنت تصنع في حجتك قال كنت انزع هذه وأغسل هذا الخلوق فقال صلى الله عليه
وسلم ما كنت صانعا في حجك فاصنع في عمرتك " 1) ولم يوجب عليه الفدية لجهله وعند مالك وأبي حنيفة
والمزني رحمهم الله تجب الفدية على الناسي والجاهل * وعن أحمد رحمه الله روايتان * وإن علم
تحريم الاستعمال وجهل وجوب الفدية لزمته الفدية فإنه إذا علم التحريم فحقه الامتناع * ولو علم تحريم
الطيب وجهل كون الممسوس طيبا فجواب الأكثرين انه لا فدية لأنه إذا جهل كون ذلك الشئ طيبا
فقد جهل تحريم استعماله وحكى الامام مع ذلك وجها آخر انها تجب * ولو مس طيبا رطبا وهو يظن
461

انه يابس لا يعلق به شئ منه ففي وجوب الفدية قولان (أحدهما) تجب لأنه قصد التطيب مع العلم
بكونه طيبا (والثاني) لا تجب لجهله بكونه طبا كما لو جهل كونه طيبا وبالقول الأول أجاب صاحب الكتاب
ورجحه الامام رحمه الله وغيره لكن طائفة من الأصحاب رجحوا الثاني * وذكر صاحب التهذيب
انه القول الجديد والله أعلم * ومتى لصق الطيب ببدنه أو ثوبه على وجه لا يوجب الفدية بأن كان
ناسيا أو ألقته الريح عليه فعليه أن يبادر إلى غسله وتنحيته أو معالجته بما يقطع رائحته والأولى
أن يأمر غيره به وإن باشره بنفسه لم يضر لان قصده الإزالة فان تواني فيه ولم يزله مع الامكان فعليه
الفدية فإن كان زمنا لا يقدر على لإزالة فلا فدية عليه كما لو أكره على التطيب قاله في التهذيب
والله أعلم *
قال (النوع الثالث ترجيل شعر الرأس واللحية بالدهن موجب للفدية ولو دهن الأصلع رأسه
فلا شئ عليه وإن كان الشعر محلوقا فوجهان) *
حكم الدهن المطيب قد مر (وأما) غير المطيب كالشيرج ودهن الجوز واللوز وفى معناها السمن
والزبد فلا يجوز استعماله في الرأس وللحية لما فيه من ترجيل الشعر وتزيينه والمحرم منعوت بالشعث
الذي يضاد ذلك * ولو كان أقرع أو أصلع فدهن رأسه أو أمرد فدهن ذقنه فلا فدية عليه إذ ليس
فيه تزيين شعر * وإن كان محلوق الرأس فوجهان (أحدهما) ويروى عن المزني انه لا فدية إذ لا شعر
(وأصحهما) الوجوب لتأثيره في تحسين الشعر الذي ينبت بعده * ويجوز تدهين سائر البدن شعره
وبشرته فإنه لا يقصد تحسينه وتزيينه ولا فرق بين ان يستعمل الدهن في ظاهر البدن أو باطنه *
ولو كان على رأسه شجة فجعل الدهن في داخلها فلا شئ عليه وعن مالك انه إذا استعمل الدهن
في ظاهر بدنه فعليه الفدية * وعند أبي حنيفة إذا استعمل الزيت والشيرج وجبت الفدية سواء استعمل في
رأسه أو في لحيته أو في سائر بدنه إلا أن يداوى به جرحه أو شقوق رجليه وهذه إحدى الروايتين عن أحمد
(والثانية) وهي الأصح ان استعمالها لا يوجب الفدية وإن كان في شعر الرأس واللحية فيجوز ان يعلم قوله
462

في الكتاب يوجب الفدية بالألف لهذه الرواية (وقوله) ترجيل شعر الرأس وللحية يشعر
بتخصيص المنع بتدهين الشعر حتى لا يمنع من تدهين المواضع التي لا شعر عليها من الرأس وقد
صرح المزني في المختصر بهذا المفهوم لكن قال المسعودي في الشرح ليس الامر على ما قاله المزني بل
هو منهي عن استعمال الدهن في الرأس والوجه كله وإن لم يكن عليه شعر لأنه موضع الشعر لكن يشكل
هذا بما سبق في الأقرع والأمرد *
قال (ولا يكره في الجديد الغسل ولا غسل الشعر بالسدر والحظمي ولا بأس بالاكتحال إذا لم يكن
فيه طيب وفى الحاق خضاب الشعر بالترجيل تردد) *
في الفصل صور (إحداها) يجوز للمحرم أن يغتسل ويدخل الحمام ويزيل الدرن عن نفسه لما روى
عن أبي أيوب رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل وهو محرم " (1) " ودخل ابن عباس
رضي الله عنهما حمام الجحفة محرما وقال إن الله تعالى لا يعبأ بأوساخكم شيئا " (2) وهل يكره ذلك (المشهور)
انه لا يكره * وحكي الحناطي والامام قولا عن القديم انه يكره (الثانية) يستحب أن لا يغسل رأسه بالسدر
والحظمي لما فيه من التزيين لكنه جائز لا فدية فيه بخلاف التدهين فإنه يؤثر في التنمية مع التزيين * وإذا غسل
رأسه فينبغي ان يرفق في الدلك حتى لا ينتف شعره ولم يذكر الامام ولا المصنف في الوسيط خلافا في كراهة
غسله بالسدر والحظمي لكن الحناطي حكي القول القديم فيه أيضا فيجوز ان يعلق قوله ولا يكره
في الجديد بالمسألتين اتيانا للخلاف فيهما (الثالثة) لا يجوز ان يكتحل بكحل فيه طيب * وعن أبي حنيفة
رحمه الله جوازه وما لا طيب فيه يجوز الاكتحال به ثم منقول المزني أنه لا بأس به وعن الاملاء أنه يكره
وتوسط
المتوسطون فقالوا إن لم يكن فيه زينة كالتوتيا الأبيض لم يكره الاكتحال به وإن كان فيه زينة كالإثمد فيكره إلا
لحاجة الرمد ونحوه (الرابعة) روى الامام عن الشافعي رضي الله عنه اختلاف قول في وجوب الفدية إذا خضب
الرجل لحيته * وعن الأصحاب طرقا في مأخذه (أحدها) التردد في أن الحناء هل هو طيب وهذا غريب والأصحاب
463

قاطعون بأنه ليس بطيب على ما مر (والثاني) أن من يختضب قد يتخذ لموضع الخضاب غلافا يحيط به فهل يلحق
ذلك بالملبوس المعتاد وقد سبق الخلاف فيه (والثالث) وهو الأظهر ان الخضاب تزيين للشعر فتردد القول في
التحاقه بالترجيل بالدهن والظاهر أنه لا يلتحق به ولا تجب الفدية في خضاب اللحية ثم قال الامام على المأخذ
الأول لا شئ على المرأة إذا خضبت يدها بعد الاحرام وعلى الثاني والثالث يجرى التردد (أما)
على الثاني فظاهر (واما) على الثالث فلشبه الغلاف بالقفازين وقد عرفت من قبل خضابها يديها وخضاب
الرجل شعر الرأس * ويجوز للمحرم أن يفتصد ويحتجم ما لم يقطع شعرا ولا بأس بنظره في المرآة * وعن
الشافعي رضي الله عنه أنه كرهه في بعض كتبه *
قال (النوع الرابع التنظيف بالحلق وفى معناه القلم وتجب الفدية سواء أبان الشعر باحراق أو نتف أو بغيره
من رأسه أو من البدن * ولو قطع يد نفسه وعليها شعرات فلا فدية * ولو امتشط فانتتفت شعيرات
لزمه الفدية وان شك في أنه كان منسلا فانفصل أو انتتف بالمشط ففي الفدية قولان لمعارضة السبب الظاهر
أصل البراءة) *
حلق الشعر قبل أوان التحلل محظور قال الله تعالى (ولا تحلقوا رؤوسكم) الآية وتتعلق به الفدية
464

فان الله تعالى أوجب الفدية على المعذور في الحلق حيث قال تعالى (فمن كان منكم مريضا أو به أذى
من رأسه) الآية وإذا وجبت الفدية على المعذور فعلى غير المعذور أولي ولا فرق بين شعر الرأس والبدن
(أما) شعر الرأس فمنصوص عليه (وأما) غيره فالتنظيف والترفه في ازالته أكثر * وذكر المحاملي ان في
رواية عن مالك لا تتعلق الفدية بشعر البدن * والتقصير كالحلق كما أنه في معناه عند التحلل وقلم الأظفار
كحلق الشعر فإنها تزال للتنظيف والترفه وليس الحكم في الشعر منوطا بخصوص الحلق بل بالإزالة والإبانة
فيلحق به النتف والاحراق وغيرهما وكذلك يلحق بالقلم الكسر والقلع * ولو قطع يده أو بعض أصابعه وعليها
الشعر والظفر فلا فدية عليه لان الشعر والظفر تابعان ههنا غير مقصودين بالإبانة وعلى هذا القياس لو كشط
جلدة الرأس فلا فدية عليه والشعر تابع وشبه ذلك بما لو كانت تحته امرأتان صغيرة كبيرة فأرضعت الكبيرة
الصغيرة يبطل النكاح ويجب المهر ولو قتلتها لا يجب المهر لان البضع تابع عند القتل غير مقصود
ولو امتشط لحيته فانتتفت شعيرات فعليه الفدية وان شك في أنه كان منسلا فانفصل أو انتتفت بالمشط
فقد حكى الامام وصاحب الكتاب في وجوب الفدية قولان وقال الأكثرون فيه وجهان (أحدهما)
انها تجب لان الأصل بقاؤه ثابتا إلى وقت الامتشاط ولأنه سبب ظاهر في حصول الإبانة فيضاف
إليه كما أن الاجهاض يضاف إلى الضرب (وأصحهما) انها لا تجب لان النتف لم يتحقق والأصل براءة
الذمة عن الفدية *
465

قال (ويكمل الدم في ثلاث شعرات وفى الواحدة مد قول ودرهم في قول وثلث دم في قول
ودم كامل في قول) *
ستعرف في باب الدماء فدية الحلق وان إراقة الدماء إحدى خصالها ولا يعتبر في وجوبها تامة
حلق جميع الرأس ولا قلم جميع الأظفار بالاجماع ولكن يكمل الدم في حلق ثلاث شعرات وقلم ثلاثة أظفار
من أظفار اليد والرجل سواء كانت من طرف واحد أو من طرفين خلافا لأبي حنيفة رحمه الله حيث
قال لا يكمل الدم حتى يحلق ربع الرأس أو يقلم خمسة أظفار من طرف واحد ولمالك رضي الله عنه حيث
قال يكمل بحلق ثلاث شعرات وإنما يكمل إذا حلق من رأسه القدر الذي يحصل به إماطة الأذى ولأحمد
رحمه الله حيث قدر في رواية بأربع شعرات والرواية الثانية عنه مثل مذهبنا * لنا ان المفسرين ذكروا في قوله
تعالى (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية) ان المعني فحلق ففدية * ومن حلق ثلاث شعرات
فقد حلق وهذا إذا حلقها دفعة واحدة في مكان واحد فان فرق زمانا أو مكانا فسيأتي في النوع السادس حكمه
466

وان اقتصر على حلق شعرة واحدة أو شعرتين ففيه أقوال (أظهرها) وهو الذي ذكره في أكثر
كتبه ان في شعرة مدا من طعام وفى شعرتين مدين لان تبعيض الدم عسر والشرع قد عدل الحيوان
بالطعام في جزاء الصيد وغيره والشعرة الواحدة هي النهاية في القلة والمد أقل ما وجب في الكفارات
فقوبلت به (والثاني) في شعرة درهم وفى شعرتين درهمين لان تبعيض الدم عسير وكانت الشاة تقوم
في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة دراهم تقريبا فاعتبرت تلك القيمة عند الحاجة إلى التوزيع (1)
(والثالث) رواه الحميدي عن الشافعي في شعرة ثلث دم وفى شعرتين ثلثا دم تقسيما للواجب في
الشعرات الثلاث على الآحاد وقد ذكر ان هذا القول منقول في ترك الحصاة والحصاتين فخرج ههنا
وذكر في القول الثاني مثله (والرابع) حكاه صاحب التقريب وغيره ان الشعرة الواحدة تقابل بدم
كامل وهو اختيار الأستاذ أبي طاهر ووجهه بان محظورات الاحرام لا تختلف بالقلة والكثرة كما
في الطيب واللباس فإذا عرفت ما ذكرناه أعلمت قوله في ثلاث شعرات - بالحاء والميم والألف -
ولك أن تعلم الحكم في الأحوال الأربعة بالحاء لأنه لا يوجب فيما دون الربع شيئا مقدرا وإنما
يوجب صدقة وان تعلم قوله ودرهم في قول بالواو لان من الأصحاب من لم يثبته قولا للشافعي وادعي
انه ذكره حكاية عن مذهب عطاء والخلاف في الشعرة والشعرتين جار في الظفر والظفرين * ولو قلم
دون القدر المعتاد كان كما لو قصر الشعر ولو أخذ من بعض جوانبه ولم يأت على رأس الظفر فقد
قال الامام ان قلنا يجب في الظفر الواحد ثلث دم أو درهم فالواجب فيه ما يقتضيه الحساب وان
قلنا يجب فيه مد فلا سبيل إلى تبعيضه والله أعلم *
467

قال (وان حلق بسبب الأذى جاز ولزم الفدية * وان نبتت شعرة في داخل الجفن فلا فدية
في نتفها لأنه مؤذ بنفسه كالصيد الصائل والنسيان لا يكون عذرا في الحلق والاتلافات على
أظهر القولين) *
مقصود الفصل بيان حكم المعذور في الحلق والذي سبق كان مع غير المعذور ونعم صور العذر
انه لا يأثم بالحلق وفى الفدية صور (إحداها) لو كثرت الهوام في رأسه أو كانت به جراحة واحوجه
إذا هام إلى الحلق فله ذلك وعليه الفدية * كان كعب بن عجرة يوقد تحت قدره والهوام تنتئر من رأسه
فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أيؤذيك هوام رأسك قال نعم قال فاحلق وانسك
بدم أو صم ثلاثة أيام أو تصدق بعرق من الطعام على ستة مساكين " (1) والعرق ثلاثة آصع وكذا الحكم
لو كان كثير الشعر وكان يتأذى بالحر (الثانية) لو نبتت شعرة أو شعرات في داخل الجفن وكان
يتأذى بها فله قلعها ولا فدية عليه لان التأذي ههنا من نفس الشعر فهي كالصيد الصائل على المحرم
بخلاف الصورة الأولي * وعن الشيخ أبي علي طريقة أخرى في المسألة وهي تخريج الضمان على
وجهين بناء على القولين فيما إذا عمت الجراد المسالك واضطر إلى وطئها واتلافها * ولو طال شعر
حاجبه ورأسه وغطى عينه قطع القدر المغطي ولا فدية عليه * وكذا لو انكسر ظفره وتأذى به قطعه
ولا يقطع معه من الصحيح شيئا (الثالثة) ذكرنا ان النسيان يسقط الفدية في الطيب واللباس وكذلك
الحكم فيما عدا الوطئ من الاستمتاعات كالقبلة واللمس بالشهوة ولو وطئ ناسيا ففيه خلاف
سيأتي وهل يسقط الفدية في الحلق والقلم فيه وجهان (أحدهما) نعم كما في الاستمتاعات (وأصحهما)
لا لان الاتلافات لا فرق فيها بين العمد والخطأ كما في ضمان الأموال * وهذا منصوص
والأول مخرج من أحد قوليه فيما إذا حلق المغمى عليه فإنه نص ثم على قوله ومنهم من قطع بما نص
468

عليه وامتنع من التخريج وفرق بان الناسي يعقل ما يتعاطاه بخلاف المغمى عليه والمجنون والصبي
الذي لا يميز كالمغمي عليه * ويجوز أعلام قوله على أظهر القولين بالوا ولأنه أجاب بالطريقة المبينة
للخلاف (وقوله) في الحلق والاتلافات يدخل فيه قتل الصيد ويقتضي كونه على الخلاف وهكذا
قاله الأكثرون وأشار مشيرون إلى تخصيص الخلاف بالحلق والقلم والقطع بأنه لا أثر له في قتل الصيد
(وقوله) والنسيان لا يكون عذرا أراد في إسقاط الفدية فاما الاثم فالنسيان يسقطه كما في سائر المحظورات *
قال (ولو حلق الحلال شعر الحرام باذنه فالفدية على الحرام فإن كان مكرها فعلى الحلال
وإن كان ساكتا فقولان) * إذا حلق شعر غيره فاما أن يكون الحالق حراما والمحلوق حلالا أو بالعكس أو يكونا
حرامين أو حلالين (أما) الحالة الأخيرة فلا يخفى حكمها (وأما) الأولى فلا منع منها ولا
يجب على الحالق شئ وبه قال مالك وأحمد خلافا لأبي حنيفة رحمه الله حيث قال ليس
للمحرم أن يحلق شعر غيره ولو فعل فعليه صدقة * لنا أن هذا الشعر ليس له حرمة الاحرام فجاز
له حلقه كشعر البهيمة (وأما) إذا حلق الحلال أو الحرام شعر الحرام فقد أساء ثم ينظر ان حلق
بأمره فالفدية على المحلوق لان فعل الحالق بأمره مضاف إليه ألا ترى أنه لو حلف أن لا يحلق رأسه
فامر غيره فخلق حنث في يمينه ولان يده ثابتة على الشعر وهو مأمور بحفظه اما على سبيل الوديعة
أو العارية كما سيأتي وكلاهما إذا تلف في يده بأمره يضمن * وان حلق لا بأمره فينظر إن كان نائما
أو مكرها أو مغمى عليه ففيه قولان (أصحهما) أن الفدية على الحالق وبه قال مالك واحمد رحمهما
الله لأنه المقصر ولا تقصير من المحلوق وهذا ما أورده في الكتاب (والثاني) وبه قال أبو حنيفة رحمه
الله واختاره المزني رحمه الله أنها على المحلوق لأنه المرتفق به وقد ذكر المزني أن الشافعي رضي الله عنه
قد خط على هذا القول لكن الأصحاب نقلوه عن البويطي ووجدوه غير مخطوط عليه وبنوا
القولين على أن استحفاظ الشعر في يد المحرم جار مجرى الوديعة أو مجرى العارية وفيه جوابان
469

(إن قلنا) بالأول فالفدية على الحالق كما أن ضمان الوديعة على المتلف دون المودع (وان قلنا) بالثاني
وجبت على المحلوق وجوب الضمان على المستعير قالوا والأول أظهر لان العارية هي التي يمسكها
لمنفعة نفسه وقد يريد المحرم الإزالة دون الامساك وأيضا فإنه لو احترق شعره بتطاير الشرر ولم
يقدر على التطفية لا فدية عليه ولو كان كالمستعير لوجبت عليه الفدية * (التفريع) ان قلنا الفدية
على الحالق نظر ان فدي فذاك وان امتنع مع القدرة فهل للمحلوق مطالبته باخراجها فيه وجهان
وجواب الأكثرين ان له ذلك بناء على أن المحرم كالمودع والمودع خصم فيما يؤخذ منه ويتلف
في يديه * ولو اخرج المحلوق الفدية باذن الحالق جاز أو بغير إذنه لا يجوز في أصح الوجهين وبه قال
ابن القطان وأبو علي الطبري كما لو أخرجها أجنبي بغير اذنه وإن قلنا أن الفدية على المحلوق فينظر
إن فدي بالهدى أو الاطعام رجع بأقل الامرين من الطعام أو قيمة الشاة على الحالق ولا يرجع بما
زاد لان الفدية على التخيير وهو متطوع بالزيارة وان فدي بالصوم فهل يرجع فيه وجهان (أظهرهما) لا
وعلى الثاني بم يرجع فيه وجهان (أظهرهما) بثلاثة أمدد من طعام لان صوم كل يوم مقابل بمد (والثاني)
بما يرجع به لو فدى بالهدى أو الاطعام * ثم إذا رجع فإنما يرجع بعد الاخراج في أصح الوجهين
(والثاني) له ان يأخذ منه ثم يخرج وهل للحالق ان يفدى على هذا القول (اما) بالصوم فلا لأنه
متحمل والصوم لا يتحمل (واما) بغيره فنعم ولكن باذن المحلوق لان في الفدية معنى القربة فلا بد
من نية لاقاه الوجوب * وان لم يكن نائما ولا مغمى عليه ولا مكرها لكنه سكت عن الحلق ولم يمنع
منه فقد قال في الكتاب فيه قولان وقال المعظم وجهان (أحدهما) ان الحكم كما لو كان نائما لان
السكوت ليس بأمر ألا ترى ان السكوت على اتلاف المال لا يكون أمرا بالاتلاف (وأصحهما) انه كما
لو حلق بأمره لان الشعر عنده اما كالوديعة أو كالعارية وعلى التقديرين يجب الدفع عنه * ولو امر حلال
حلالا بحلق شعر حرام وهو نائم فالفدية على الآمر ان لم يعرف الحالق الحال وان عرف فعليه
في أصح الوجهين *
470

قال (النوع الخامس الجماع ونتيجته الفساد والقضاء والكفارة وإنما يفسد بالجماع قبل التحللين
(ح) وفيما بينهما فلا وفى العمرة قبل السقي الا إذا قلنا الحلق نسك فيفسد قبل الحلق وليس
للعمرة الا تحلل واحد) *
قال الله تعالى (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) أي لا ترفثوا ولا تفسقوا والرفث
مفسر بالجاع وللجاع في الحج والعمرة نتائج فمنها فساد النسك يروى ذلك عن عمر وعلى وابن عباس
وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين * واتفق الفقهاء عليه بعدهم وإنما يفسد الحج
بالجماع إذا وقع قبل التحللين لقوة الاحرام ولا فرق بين أن يقع فبل الوقوف بعرفة أو بعده خلافا
لأبي حنيفة رحمه الله حيث قال لا يفسد بالجماع بعد الوقوف ولكن تلزم به الفدية (وأما) الجماع
بين التحللين فلا أثر له في الفساد * وعن مالك واحمد رحمهما الله انه يفسد ما بقي من احرامه ويقرب
منه ما ذكره القاضي ابن كج أن أبا القاسم الداركي وأبا على الطبري حكيا قولا عن القديم انه يخرج
إلى أدنى الحل ويجدد منه احراما ويأتي بعمل عمرة * وأطلق الامام نقل وجه انه مفسد كما قبل التحلل
وتفسد العمرة أيضا بالجماع قبل حصول التحلل ووقت التحلل منها مبنى على الخلاف السابق في الحلق
فإن لم نجعله نسكا فإنما يفسد بالجماع قبل السعي وان جعلناه نسكا فيفسد أيضا بالجماع قبل
الحلق * وقال أبو حنيفة رحمه الله إنما يفسد إذا جامع قبل أن يطوف أربعة أشواط واما بعد ذلك
فلا * ويجوز أن يعلم لذلك قوله في الكتاب قبل السعي وقوله قبل الحلق كلاهما - بالحاء - (واعلم) ان التفصيل
الذي ذكره في أن الجماع يفسدها قبل الحلق أو لا يفسدها إلا إذا وقع قبل السعي مبنيا على الحلق
هل هو نسك ضرب من البسط والايضاح وإلا فإذا عرفنا في هذا الموضع ان الجماع قبل التحلل
مفسد وعرفنا من قبل الخلاف في أن الحلق هل هو نسك أم لا لا يشتبه علينا التفصيل المذكور * واللواط
واتيان البهيمة في الافساد كالوطئ في الفرج وبه قال أحمد خلافا لأبي حنيفة رحمه الله فيهما ولمالك رحمه الله
في اتيان البهيمة وروى ابن كج وجها كمذهب مالك *
471

قال (ثم يجب المضي في فاسدها باتمام ما كان يتمه لولا الافساد * ثم عليه بدنة إن أفسد وإن كان
بين التحللين فشاة وقيل بدنة وقيل لا يجب شئ والجماع الثاني بعد الافساد فيه شاة وقيل بدنة وقيل
لا شئ بل يتداخل) *
سائر العبادات لا حرمة لها بعد الفساد ويصير الشخص خارجا منها لكن الحج والعمرة وان
فسدا يجب المضي فيهما وذلك باتمام ما كان يفعله لولا عروض الفساد * روى عن عمر وعلي وابن عباس
وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهم قالوا " من فسد حجه مضى في فاسده وقضي من قابل " ومن نتائج
الفساد الكفارة وهي بدنة والقول في كيفة وجوبها وما يقوم مقامها مذكور في باب الدماء * وعند أبي حنيفة
رحمه الله ان جامع قبل الوقوف لا تجب الفدية وإنما يجب فيه دم شاة وهذا مع تسليمة حصول الفساد
والحالة هذه ولذلك اعلم قوله وعليه بدنة ان أفسد بالحاء * والعمرة كالحج في وجوب البدنة * وعن أبي إسحاق
أن بعض أصحابنا ذهب إلى أنه لا يجب في افسادها إلا شاة لانخفاض رتبتها عن رتبة الحج ثم
في الفصل مسألتان (إحداهما) لو جامع بين التحللين وفرعنا على الصحيح وهو انه لا يفسد ففيما يجب فيه قولان
(أظهرهما) شاة لأنه لا يتعلق فساد الحج به فأشبه المباشرة فيما دون الفرج * واختار المزني هذا
القول وأشار في المختصر إلى تخريجه للشافعي رضي الله عنه وقيل إنه حكاه في غير المختصر عن
نصه (والثاني) ان الواجب بدنة لأنه وطئ محظور في الحج فأشبه الوطئ قبل التحلل وبهذا قال مالك
وأحمد ونقل الامام بدل القولين وجهين ووجها ثالثا وهو أنه لا يجب فيه شئ أصلا وهو
ضعيف لان الوطئ لا ينقص عن سائر محظورات الاحرام وهي بين التحللين موجبة
للفدية على ظاهر المذهب وإذا عرفت ذلك علمت قوله فشاة وقوله لا يجب شئ
بالميم والألف وقوله بدنة وقوله لا يجب شئ بالزاي * (الثانية) إذا فسد حجه بالجماع ثم جامع ثانيا
فينظر ان لم يفد عن الأول ففي وجوب شئ للثاني قولان (أحدهما) لا يجب بل يتداخلان كما لو جامع
في الصوم مرتين لا تجب إلا كفارة واحدة (وأصحهما) أنه لا تداخل لبقاء الاحرام ووجوب الفدية
بارتكاب سائر المحظورات بخلاف الصوم فإنه بالجماع الأول قد خرج عنه * وان فدي عن الأول
فلا تداخل على المشهور ومنهم من طرد القولين وبعضهم خصص القولين في الحالين بما إذا طال الزمان بين
الجماعين أو اختلف المجلس وقطع بالتداخل فيما إذا لم يكن كذلك وحيث قلنا بعدم التداخل ففيما يجب بالجماع
472

الثاني قولان (أحدهما) بدنة كما في الجماع الأول (وأظهرهما) شاة لأنه محظور لا يتعلق به فساد النسك
فأشبه سائر المحظورات وإذا اختصرت هذه الاختلافات قلت في المسألة ثلاثة أقوال على ما ذكره
في الكتاب (أظهرها) أن الجماع الثاني يوجب شاة وبه قال أبو حنيفة رحمه الله (والثاني) انه يوجب بدنة
(والثالث) أنه لا يوجب شيئا وبه قال مالك * وعند أحمد رحمه الله ان كفر عن الأول وجب للثاني بدنة
ويجوز ان يعلم لهذه المذاهب قوله فيه شاة بالميم والألف وقوله بدنة بالميم والحاء وقوله لا شئ
بالحاء والألف *
قال (ثم إذا أتم الفاسد لزمه القضاء ويتأدى بالقضاء ما كان يتأدى بالأداء من فرض اسلام
أو غيره فإن كان تطوعا فيجب القضاء ولا يتأدى به غير التطوع وفى وجوب القضاء على الفور وجهان
وكذا في الكفارة وقضاء الصوم إذا وجبا بعدوان * وإن كان بسبب مباح فلا يضيق وقضاء الصلاة
المتروكة عمدا على الفور لتعلق القتل به * وإذا أحرم من مكان لزمه في القضاء ان يحرم من ذلك المكان
ولا يلزمه ان يحرم في ذلك الزمان بل له التأخير) *
إفساد الحج يقتضي القضاء بالاتفاق وقد روينا عن كبار الصحابة رضي الله عنهم انهم قالوا وقضي
من قابل ولا فرق في وجوب القضاء بين حج الفرض وحج التطوع فان التطوع يصير بالشروع
فرضا أيضا وقضاء كل حجة يجزئ عما كان يجزئ أداؤها لولا الفساد فلا يتأدى بالفرض غيره ولا
بالتطوع غيره * ولو أفسد القضاء بالجماع لزمته الكفارة ولم يلزمه إلا قضاء واحد لان المقضي واحد
ويتصور القضاء في عام الافساد بان يحصر بعد الافساد ويتعذر عليه المضي في الفاسد فيتحلل
ثم يتفق زوال الحصر والوقت باق فيشتغل بالقضاء * هذا أصل الفصل ويتعلق به صور (إحداها) في
كيفية وجوب القضاء وجهان (أحدهما) انه على التراخي كما كان الأداء على التراخي (وأصحهما) انه
على الفور لأنه لزم وتضيق بالشروع ويدل عليه ظاهر قول الصحابة رضي الله عنهم انه يقضى من
473

قابل وعن القفال اجراء هذا الخلاف في كل كفارة وجبت بعدوان لان الكفارة في وضع الشرع
على التراخي كالحج (وأما) الكفارة الواجبة من غير عدوان فهي على التراخي لا محالة وأجرى
الامام رحمه الخلاف في المتعدى بترك الصوم أيضا والكلام في انقسام قضاء الصوم إلى الفور
والتراخي والخلاف فيه قد مر في كتاب الصوم * قال الامام والمتعدي بترك الصلاة يلزمه قضاؤها
على الفور بلا خلاف على المذهب لان المصمم على ترك القضاء مقتول عندنا ولا يتحقق هذا إلا مع توجه
الخطاب بمبادرة القضاء وهذا ما أورده المصنف حكما وتوجيها وفى التوجيه وقفة لان أكثر الأصحاب
لم يعتبروا فيما يناط به القتل ترك القضاء على ما عرفت في باب تارك الصلاة (وأما) الحكم فاعلم أن في
وجوب الفور وجهين في حق المتعدى (أحدهما) وبه أجاب في الكتاب انه يجب لأن جواز التأخير
توع ترفيه وتخفيف والمتعدي لا يستحق ذلك ويحكي هذا عن أبي إسحاق وهو الأشبه على ما ذكرنا
في ترك الصوم (والثاني) انه لا يجب إذ الوقت قد فات واستوت بعده الأوقات وربما رجح العراقيون
هذا الوجه (وأما) غير المتعدى فالمشهور انه لا يلزمه الفور في القضاء روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " فاتته صلاة
الصبح فلم يصلها حتى خرج من الوادي " (1) ونقل في التهذيب وجها انه يلزمه لقوله صلى الله عليه وسلم
" فليصلها إذا ذكرها " (2) الثانية إن كان قد أحرم في الأداء قبل الميقات مثل ان أحرم من الكوفة أو من دويرة
أهله لزمه أن يخرج في القضاء من ذلك الموضع لان ما بين ذلك الموضع مسافة لزمه قطعها محرما في
الأداء فيلزمه في القضاء كما بين الميقات ومكة ولو جاوزه أراق دما كما لو جاوز الميقات الشرعي * وإن كان
قد أحرم بعد مجاوزة الميقات نظر ان جاوزه مسيئا لزمه في القضاء ان يحرم الميقات الشرعي وليس
له ان يسئ ثانيا وهذا معني قول الأصحاب يحرم في القضاء من أغلظ الموضعين عليه من الميقات
أو من حيث أحرم في الأداء وان جاوزه غير مسئ بأن لم يرد النسك ثم بدا له فأحرم ثم أفسد فقد
حكى الشيخ أبو علي فيه وجهين (أحدهما) وهو الذي أوره صاحب التهذيب ان عليه ان يحرم في القضاء من
الميقات الشرعي لأنه الواجب في الأصل (وأصحهما) عند الشيخ أبي علي أنه لا يلزم ذلك بل له أن يحرم
474

من ذلك الموضع سلوكا بالقضاء مسلك الأداء ولهذا لو اعتمرا المتمتع من الميقات ثم أحرم بالحج
من مكة وأفسده لا يلزمه في القضاء أن يحرم من الميقات بل يكفي أن يحرم من جوف مكة * ولو أفرد الحج ثم
أحرم بالعمرة من أدنى الحل ثم أفسدها يكفيه ان يحرم في قضائها من أدنى الحل والوجهان مفروضان فيما إذا
لم يرجع إلى الميقات فما فوقه (اما) إذا رجع ثم عاد فلا بد من الاحرام من الميقات * واعلم قوله في الكتاب لزمه في
القضاء ان يحرم من ذلك المكان بالميم والحاء لان مالكا وأبا حنيفة رحمهما الله قالا يحرم في قضاء
الحج من الميقات وفى قضاء العمرة من التنعيم * ولا يجب ان يحرم بالقضاء في الزمان الذي أحرم فيه
بالأداء بل له التأخير عنه مثل ان يحرم بالأداء في شوال له ان يحرم بالقضاء في ذي القعدة وفرقوا
بين الزمان والمكان بأن اعتناء الشرع بالميقات المكاني أكمل الا ترى ان مكان الاحرام يتعين
بالنذر وزمانه لا يتعين حتى لو نذر الاحرام بالحج في شوال له أن يؤخره وظني ان هذا الاستشهاد
لا يسلم عن النزاع (الثالثة) ولم يذكرها في الكتاب لو كانت المرأة محرمة أيضا نظر ان جامعها وهي نائمة
أو مكرهة لم يفسد حجها وإلا فسد وحينئذ يجب على كل واحد منهما بدنة أو لا يجب إلا بدنة
واحدة فيه قولان والأصح الثاني * ثم تلك البدنة تختص بالرجل أو يلاقيها وهو متحمل عنها فيه
قولان كما سبق في الصوم وقطع قاطعون بلزوم البدنة عليها بخلاف الصوم لان هناك يحصل الفطر
475

قبل تمام حقيقة الجماع وغير الجماع لا يوجب الكفارة * وإذا خرجت الزوجة للقضاء فهل يجب على
الزوج ما زاد من النفقة بسبب السفر فيه وجهان قال في العدة ظاهر المذهب منهما الوجوب * وإذا
خرجا معا للقضاء فليفترقا في الموضع الذي اتفقت الإصابة فيه كيلا تدعوه الشهوة إلى المعاودة
فان معهد الوصال مشوق وهل يجب فيه قولان (القديم) نعم وبه قال أحمد لما روى عن ابن عباس
رضي الله عنهما أنه قال " فإذا أتيا المكان الذي أصابا فيه ما أصابا تفرقا " (والجديد) لا وبه
قال أبو حنيفة كما لا يجب في سائر المنازل ويستحب أن يتفرقا من حين الاحرام وذهب مالك
إلى وجوبه *
قال (ولو أفسد القارن ففي لزوم دم القران وجهان وتفوت العمرة بفساد القران وهل تفوت بفوات
الحج في القران فيه وجهان وجه الفرق أن التحلل عن الفائت بأعمال العمرة) *
يجوز للمفرد بأحد النسكين إذا فسده أن يقضيه مع الآخر قارنا وان يتمتع بالعمرة إلى الحج
ويجوز للمتمتع والقارن القضاء على سبيل الافراد ولا يسقط دم القران بالقضاء على سبيل الافراد
خلافا لأحمد رحمه الله * إذا عرفت ذلك ففي الفصل مسألتان (إحداهما) إذا جامع القارن لم يخل
اما أن يجامع قبل التحلل الأول أو بعده (الحالة الأولى) أن يجامع قبله فيفسد نسكاه ويجب عليه بدنة
واحدة لاتحاد الاحرام وهل يلزم دم القران مع البدنة فيه وجهان (أحدهما) لا لأنه لم يتمتع بقرانه
476

وقد ذاق وبال الافساد فيكتفي به (وأظهرهما) ولم يورد المعظم سواه نعم لأنه لزم بالشروع فلا
يسقط بالافساد * وعن أبي حنيفة رحمه الله لا بدنة الا مع الا فساد كما سبق ويلزمه شاتان لأنهما نسكان
ثم إذا اشتغل بقضائهما فان قرن أو تمتع فعليه دم آخر وإلا فقد أشار الشيخ أبو علي رحمه الله تعالى
إلى خلاف فيه ومال مالك إلى أنه لا يجب شئ آخر * (الثانية) أن يجامع بعد التحلل الأول فلا يفسد
واحد من نسكيه واحتج له بأن عروض المفسد بعد التحلل من العبادة لا يؤثر ألا ترى انه إذا
سلم التسليمة الأولى من الصلاة ثم اتي بمفسد لم تفسد صلاته ولا فرق بين أن يكون قد أتى بأعمال
العمرة أو لم يأت بها وعن الأودني انه إذا لم يأت بشئ من أعمال العمرة تفسد العمرة والمذهب الأول
لأن العمرة في القران تتبع الحج في الحكم ولهذا يحل للقارن معظم محظورات الاحرام بعد التحلل
الأول وان لم يأت بأعمال العمرة * ولو قدم القارن مكة وطاف وسعى ثم جامع بطل نسكاه جميعا
وإن كان ذلك بعد أعمال العمرة * ثم الواجب في هذه الحالة بدنة أو شاة فيه قولان قد سبقا (المسألة
الثانية) القارن إذا فاته الحج لفوات الوقوف هل يقضى بفوات عمرته فيه قولان وقال الامام وصاحب
الكتاب وجهان (أظهرهما) نعم اتباعا للعمرة للحج كما تفسد بفساده وتصح بصحته (والثاني) لا
لان وقتها موسع ويخالف الفساد لان من فاته الحج يتحلل بعمل عمرة فلا معنى لتفويت
عمرته مع اتيانه بها واتساع وقتها وإذا قلنا بفواتهما فعليه دم واحد للفوات ولا يسقط عنه
دم القران وإذا قضاهما فالحكم على ما ذكرنا في قضائهما عند الافساد وان قرن أو تمتع فعليه دم ثالث
وإلا فعلى الخلاف *
477

قال (والجماع دائر بين الاستمتاعات والاستهلاكات فان الحق بالاستمتاعات كان النسيان
عذرا فيه) *
جميع ما ذكرنا في جماع العامد العالم بالتحريم فأما إذا جامع ناسيا أو جاهلا بالتحريم ففي فساد حجه
قولان (القديم) وبه قال أبو حنيفة ومالك والمزني رحمه الله أنه يفسد لأنه سبب معلق به وجوب
القضاء فأشبه الفوات في استواء عمده وسهوه (والجديد) انه لا يفسد إلا أن يعلم فيدوم عليه
ووجهه ان الحج عبادة تتعلق الكفارة بافسادها فيختلف حكمها بالعمد والسهو كالصوم ويفارق
الفوات لان الفوات يتعلق بارتكاب محظور ولا يخفى افتراق الطرفين في الأصول (وقوله) والجماع
دائر بين الاستمتاعات والاستهلاكات إلى آخره أشار به إلى ما ذكره الأئمة ان معنى الاستمتاع
بين في الجماع وفيه مشابهة الاستهلاك ولهذا يضمن به المهر بالقولان مبنيان على أن أي المعتبين يرجح
ان رجحنا معني الاستمتاع فرقنا بينهما كما في الطيب واللباس وهو الأصح (وقوله) كان النسيان عذرا
فيه معلم - بالحاء والميم والزاي - لما عرفته من مذهبهم ولو أكره على الوطئ فمنهم من جعل الفساد
على وجهين بناء على القولين في الناسي وعن أبي علي بن أبي هريرة رحمه الله القطع بالفساد
ذهابا إلى أن اكراه الرجل على الوطئ ممتنع * ولو أحرم عاقلا ثم جن فجامع ففيه القولان في جماع
الناسي والله أعلم *
478

قال (ويفسد الحج بالردة طالت أو قصرت فلو عاد إلى الاسلام لم يلزم المضي في الفاسد على
أحد الوجهين لان الردة محبطة) *
لما تكلم فيما يفسد الحج وهو الجماع أراد أن يبين أن المفسد هل هو منحصر فيه أم لا وفقه الفصل
أن الأصحاب اختلفوا في أن عروض الردة في خلال الحج والعمرة هل يفسدهما على وجهين (أحدهما)
أنها لا تفسدهما لكن لا يعتد بالمأتى به في زمان الردة على ما مر نظيره في الوضوء والاذان (وأصحهما)
وهو المذكور في الكتاب أنها تفسدهما كما تفسد الصوم والصلاة ولا فرق على الوجهين بين أن يطول
زمانها أو يقصر وإذا قلنا بالفساد فوجهان (أظهرهما) أنه يبطل النسك بالكلية حتى لا يمضى
فيه لا في الردة ولا إذا عاد إلى الاسلام لان الردة محبطة للعبادة (والثاني) أن سبيل الفساد ها هنا كسبيله
عند الجماع فيمضي فيه لو عاد إلى الاسلام لكن لا تجب الكفارة كما أن افساد الصوم بالردة
لا تتعلق به الكفارة ومن قال بالأول فرق بينها وبين الجماع بمعنى الاحباط وأيضا فان ابتداء
الاحرام لا ينعقد مع الردة بحال وفى انعقاده مع الجماع ثلاثة أوجه (أحدها) أنه ينعقد على الصحة
فان نزع في الحال فذاك والا فسد نسكه وعليه البدنة والقضاء والمضي في الفاسد (والثاني) أنه ينعقد
فاسدا وعليه القضاء والمضي فيه مكث أو نزع ولا تجب الفدية ان نزع في الحال وان مكث وجبت
وهل هي بدنة أو شاة يخرج على القولين في نظائر هذه الصورة (الثالث) أنه لا ينعقد أصلا كما لا تنعقد
الصلاة مع الحدث *
479

قال (النوع السادس مقدمات الجماع كالقبلة والمماسة فكل ما ينقض الطهارة منها يوجب الفدية أنزل
أو لم ينزل (م) ولا نجب البدنة الا بالجماع وأما النكاح والانكاح لا ينعقدان من المحرم (ح)
ولا فدية فيه) *
مقصود الفصل مسألتان (إحداهما) ليس للمحرم التقبيل بالشهوة ولا المباشرة فيما دون
الفرج كالمفاخذة واللمس بالشهوة قبل التحلل الأول فان الاعتكاف يحرم جميع ذلك ومعلوم
أن الاحرام أولي بتحريمه فيه وفى حلها بعد التحلل الأول ما مر من الخلاف وحيث ثبت التحريم
وباشر شيئا منها عمدا وجبت عليه الفدية روى عن علي وابن عباس رضي الله عنهما " أنهما أوجبا بالقبلة
شاة " (1) وإن كان ناسيا لم يلزمه شئ بلا خلاف لأنه استمتاع محض ولا يفسد شئ منها الحج ولا
يوجب البدنة بحال سواء أنزل أو لم ينزل وبه قال أبو حنيفة * وعند مالك يفسد الحج إذا أنزل وهو أظهر
الروايتين عن أحمد * لنا أنه استمتاع لا يتعلق به الحد فلا يفسد الحج كما لو لم ينزل وليكن قوله ولا تلزم البدنة
الا بالجماع معلما بالميم والألف لما روينا عنهما وأيضا فلان عن أحمد روايتين في أنه تجب بدنة أو شاة
تفريعا على عدم الفساد في صورة الانزال وأيضا فلانه روى عنه هذا الخلاف في صورة عدم الانزال
وقد نجد في النسخ اعلام قوله أو لم ينزل بالميم لان صاحب الكتاب حكى في الوسيط عن مذهب
480

مالك انه لا يجب الدم عند الانزال والأغلب على الظن انه وهم فيه (فرعان) (الأول) الاستمناء باليد
يوجب الفدية في أصح الوجهين (الثاني) لو باشر دون الفرج ثم جامع هل تدخل الشاة في البدنة أو
يجبان جميعا فيه وجهان (المسألة الثانية) لا ينعقد نكاح المحرم ولا إنكاحه ولا نكاح المحرمة ولا
يستحب خطبة المحرم وخطبة المحرمة والقول في هذه المسألة والخلاف فيها وتفاريعها يأتي في كتاب
النكاح إن شاء الله تعالى *
قال (فان قيل فلو باشر جميع هذه المحظورات فهل يتداخل الواجب قلنا إن اختلف الجنس
كالاستهلاك والاستمتاع لم يتداخل وإن اختلف النوع في الاستهلاك كالقلم والحلق لم يتداخل
أيضا * وجزاء الصيود لا يتداخل * وان اتحد النوع والزمان في الاستمتاع تداخل كما إذ البس العمامة
والسراويل والخف على التواتر المعتاد فيكفيه دم واحد وإن تخلله زمان فاصل فقولان في
الاتحاد ومعهما تخلل التكفير تعدد * وإن اختلف النوع في الاستمتاع كالتطيب واللبس فالأصح
التعدد وإن كان العذر شاملا كما لو حلق أو تطيب أو تستر بسبب شجة مرة واحدة أو تطيب مرارا بسبب
مرض واحد ففي التداخل وجهان ولو حلق ثلاث شعرات في ثلاثة أوقات وقلنا لا اثر لتفريق
الزمان فالواجب دم والا فثلاثة دراهم على قول وثلاثة امداد على قول)
481

الغرض الآن الكلام فيما إذا وجد من المحرم من محظورات الاحرام شيئان فصاعدا وبيان
انه متى تتعدد الفدية ومتى تتداخل ولو اخر هذا الفصل إلى أن يذكر النوع السابع أيضا لكان
أحسن في الترتيب * وجملة القول فيه ان المحظورات تنقسم إلى استهلاك كالحلق واستمتاع كالتطيب
وإذا باشر محظورين فاما أن يكون أحدهما من قسم الاستهلاك والآخر من الاستمتاع أو يكونا
معا من قسم الاستهلاك أو من قسم الاستمتاع (الحالة الأولى) أن يكون أحدهما من هذا
والآخر من ذاك فينظر ان لم يستند إلى سبب واحد كحلق الرأس ولبس القميص تعددت
الفدية ولا تداخل لان السبب مختلف ولا تداخل عند اختلاف السبب كما في الحدود
وإن استند إلى سبب واحد كما إذا أصاب رأسه شجة واحتاج إلى حلق جوانبها وسترها بضماد
فيه طيب فوجهان (أصحهما) أنه لا تداخل أيضا لاختلاف أسباب الفدية (والثاني) أنها تتداخل لان
الداعي إلى جميعها شئ واحد * (الحالة الثانية) أن يكون كلاهما من قسم الاستهلاك فلا يخلو إما
أن يكونا مما لا يقابل بالمثل أو بما يقابل به أو أحدهما من هذا والآخر من ذاك فاما الضرب الأول
فينظر إن اختلف نوعه كالحلق والقلم فلا تداخل ويجب لكل واحدا فدية سواء وجد على سبيل
التفرق أو التوالي في مكان واحد أو مكانين كالحدود لا تتداخل إذا اختلفت أسبابها ولا فرق بين
أن يوجد النوعان بفعلين أو في ضمن فعل واحد كما لو لبس ثوبا مطيبا يلزمه فديتان وفيه وجه أنه لا يجب
إلا فدية واحدة * وان اختلف النوع كما إذا كان الموجود منه الحلق لا غير فقد سبق أن حكم ثلاث
482

شعرات يقابل بدم واحد ولو حلق جميع الرأس دفعة واحدة في مكان واحد لم يلزمه الا فدية
واحدة لأنه يعد فعلا واحدا وكذا لو حلق شعر رأسه وبدنه على التواصل * وعن الأنماطي أنه
يلزمه فدية لشعر الرأس وفدية لشعر البدن * ولو حلق شعر رأسه في مكانين أو في مكان واحد
ولكن في زمانين متفرقين ففي التداخل طريقان (أحدهما) وبه قال القاضي أبو الطيب انه كما لو
اتحد نوع الاستمتاع واختلف المكان والزمان وستعرفه (وأصحهما) وبه قال الشيخ أبو حامد
القطع بعدم التداخل لأنه اتلاف فيضمن كل واحد ببدله كما في قتل الصيود ويخالف ما إذا حلق
شعره أو قلم أظفاره دفعة واحدة فان وجوب الفدية الواحدة ليس على سبيل التداخل بل لان
الموجود فعل واحد * ولو حلق ثلاث شعرات في ثلاثة أمكنة أو ثلاثة أوقات متفرقة (فان قلنا) ان
كل شعرة تقابل بثلث دم فلا فرق بين أخذهما دفعة واحدة أو في دفعات (وان) قلنا إن الشعرة
الواحدة تقابل بمد أو درهم والشعرتين بمدين أو درهمين فينبني على الخلاف الذي ذكرناه الآن
وان لم نعدد الفدية فيما إذا حلق الرأس في دفعتين أو دفعات ولم نجعل لتفريق الزمان اثرا فالواجب
فيها دم كما لو اخذها دفعة واحدة وان عددناها وجعلنا التفريق مؤثر اقطعنا حكم كل شعرة عن
الأخريين وأوجبنا فيها ثلاثة دراهم على قول وثلاثة امداد على قول * (والضرب الثاني) ما يقابل
بمثله وهو اتلاف الصيود فتتعدد فديتها سواء فدى عن الأول أو لم يفد اتحد المكان أو اختلف
483

والى أو فرق لان سبيلها سبيل ضمان المتلفات وحكم الضرب الثالث حكم الضرب الثاني بلا فرق
(الحالة الثالثة) أن يكون كلاهما من قسم الاستمتاع فلا يخلو اما ان يتحد النوع أو يختلف (القسم
الأول) ان يتحد كما لو تطيب بأنواع من الطيب أو لبس أنواعا من المخيط كالعمامة والقميص والسراويل
والخف أو نوعا واحدا مرة بعد أخرى فينظر ان فعل ذلك في مكان واحد على التوالي فلا تعدد
لان جميعه يعد خطة واحدة * قال الامام ولا يقدح في التوالي طول الزمان في مضاعفة القميص
وتكوير العمامة ويشبه هذا بالرضعة الواحدة في الرضاع والأكلة الواحدة في اليمين وهذا ما أشار إليه
صاحب الكتاب بقوله على التتابع المعتاد * وإن فعل ذلك في مكانين أو مكان واحد ولكن
تخلل زمان فاصل فينظر ان لم يتخلل التكفير بينهما فقولان (الجديد) وبه قال أبو حنيفة انه
يجب للثاني فدية أخرى كما في الاتلاف (والقديم) انه لا يجب وتتداخل لان الفدية تجب لحق
الله تعالى ويفرق فيها بين العامد والناسي فأشبهت الجنايات الموجبة للحدود (فان قلنا) بالأول
فذلك إذا لم يجمعها سبب واحد (اما) إذا تطيب أو لبس مرارا لمرض واحد فوجهان كما ذكرنا
في الحالة الأولى (وأصحهما) التعدد أيضا * وإن تخلل بينهما تكفير فلا خلاف في وجوب فدية أخرى
كما في باب الحدود * وإن كان قد نوى بما أخرجه الماضي والمستقبل جميعا فيبنى على أن تقديم الكفارة على
الجنب المحظور هل يجوز أم لا (ان قلنا) لا فلا أثر لهذه النية (وان قلنا) نعم فوجهان (أحدهما) ان الفدية ملحقة
بالكفارة في جواز التقديم فلا يلزمه للثاني شئ (والثاني) المنع كما لا يجوز للصائم ان يكفر قبل الافطار
484

(والقسم الثاني) أن يختلف النوع كما إذا لبس وتطيب فوجهان في تعدد الفدية وان اتحد المكان
وتواصل الزمان (أحدهما) أنها لا تتعدد لان المقصد واحد وهو الاستمتاع ويحكي هذا عن ابن أبي
هريرة (وأصحهما) التعدد لتباين السبب ومنهم من نظر إلى اتحاد السبب وتعدده كما قدمنا نظيره
وما ذكرنا كله في غير الجماع (أما) إذا تكرر منه الجماع فقد ذكرنا حكمه من قبل * هذا شرح
الفصل ولا تلمني على ما لحق مسائله من التقديم والتأخير فالذي أوردته أحسن ما حضرني من طرق
الشرح وفوق كل ذي علم عليم * ويجوز أن يعلم قوله وجزاء الصيود لا يتداخل أيضا بالحاء لان عند
أبي حنيفة رحمه الله انها لا تتداخل إذا قتلها الا على قصد رفض الاحرام (فاما) إذا قتلها قاصدا رفض
الاحرام لم يجب إلا جزاء واحد *
قال (النوع السابع اتلاف الصيد ويحرم بالحرم والا حرام كل صيد مأكول ليس مائيا من
غير فرق بين أن يكون مستأنسا (م) أو وحشيا مملوكا أو مباحا (م) ويحرم التعرض لأجزائه ولبيضه وما
ليس مأكولا فلا جزاء فيه (ح) الا إذا تولد من مأكول وغير مأكول وصيد البحر حلال) *
من محظورات الاحرام الاصطياد قال الله تعالى: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) وقال الله
تعالى (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما). ولا يختص تحريمه بالاحرام بل له سبب آخر وهو
كونه في الحرم ولما اشترك السببان فيما يقتضيانه من التحريم والجزاء ومعظم المسائل جرت العادة
بخلط أحدهما بالآخر وذكر ما يشتركان فيه وما يختص به كل واحد منهما في هذا الموضع فقد جعل
صاحب الكتاب الكلام في السبب الأول في نظرين (أحدهما) في الصيد المحرم وفيما يجب به ضمانه (والثاني)
في أن الضمان ماذا (أما) الأول فالصيد المحرم كل مأكول متوحش ليس مائيا هذه عبارة صاحب الكتاب في
الوسيط واستغني ههنا بلفظ الصيد عن المتوحش فإنه لا يقع عن الحيوانات الإنسية وبين ما يدخل
في الضابط المذكور ويخرج عنه بصور (إحداها) لا فرق بين المستأنس والوحشي لأنه وان استأنس
لا يبطل حكم توحشه الأصلي كما أنه لو توحش انسى لا يحرم التعرض له ابقاء لحكمه الأصلي *
485

وقال مالك لا جزاء في المستأنس ولا فرق في وجوب الجزائين بين أن يكون الصيد مملوكا كالانسان أو
مباحا نعم يجب في المملوك مع الجزاء ما بين قيمته حيا ومذبوحا لحق المالك وعن المزني أنه لا جزاء
في الصيد المملوك * لنا ظاهر القرآن (الثانية) كما يحرم التعرض للصيد يحرم التعرض لأجزائه بالجرح
والقطع لان النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحرم " لا ينفر صيدها " (1) ومعلوم أن القطع والجرح
أعظم من التنفير وإذا جرحه ونقصت الجراحة من قيمته فيأتي القول فيما يجب عليه في النظر
الثاني وإن برئ ولم يبق نقصان ولا اثر فهل يلزمه شئ فيه وجهان * هذا كالخلاف فيما إذا
جرحه فاندملت الجراحة ولم يبق نقص ولا شين هل يجب شئ ويجرى الخلاف فيما نتف ريشه
فعاد كما كان * (الثالثة) بيض الطائر المأكول مضمون بقيمته خلافا لمالك حيث قال فيه عشر قيمة
البائض وللمزني حيث قال لا يضمن أصلا * لنا ما روى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه ان النبي صلى
الله عليه وسلم " قضى في بيض نعام أصابه المحرم بقيمته " (2) فإن كانت مذرة فلا شئ عليه بكسرها كما
486

لو قد صيدا ميتا الا في بيض النعامة ففيها قيمتها لان قشرها منتفع به * قاله في الشامل ولو نفر
طائرا عن بيضته التي استحضنها ففسدت فعليه القيمة ولو أخذ بيض دجاجة فاحصنها صيدا ففسد
بيضه أو لم يحضنه ضمنه لأن الظاهر أن الفساد نشأ من ضم بيض الدجاجة إلى بيضه * ولو أخذ
بيضة صيد واحضنها دجاجة فهو في ضمانها إلى أن يخرج الفرخ ويصير ممتنعا حتى لو خرج ومات
قبل الامتناع لزمه مثله من النعم ولو كسر بيضة وفيها فرخ ذو روح فطار وسلم فلا شئ عليه وان
مات فعليه مثله من النعم ولو حلب لبن صيد فقد قال كثير من أئمتنا من العراقيين وغيرهم أنه
يضمن وحكوا عن أبي حنيفة رحمه الله انه ان نقص الصيد به ضمنه والا فلا واحتجوا عليه بأنه
مأكول انفصل من الصيد فأشبه البيض وذكر القاضي الروياني في التجربة أنه لا ضمان في اللبن بخلاف
البيض فإنه بعرض ان يخلق منه مثله (الرابعة) ما ليس بمأكول من الدواب والطيور صنفان
ما ليس له أصل مأكول وما أحد أصليه مأكولا (أما) الصنف الأول فلا يحرم التعرض
487

له بالاحرام ولو قتله المحرم لم يلزمه الجزاء وبه قال أحمد روى أنه صلى الله عليه وسلم
قال " يقتل المحرم السبع العادي " (1) ومعلوم أن الأسد والنمر والفهد سباع عادية وقال أبو حنيفة رحمة الله
يجب الجزاء بقتل غير المملوك من الصيد الا الذئب والفواسق الخمس وقال مالك رحمة الله مالا يبتدى
بالايذاء يجب الجزاء فيه كالصقر والبازي * ثم الحيوانات الداخلة في هذا الصنف على أضرب (منها)
ما يستحب قتلها للمحرم وغيره وهي المؤذيات بطبعها نحو الفواسق الخمس روى أنه صلى الله عليه وسلم
قال " خمس فواسق يقتلن في الحرم الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور " (2) وروى
أنه قال " خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح فذكرهن " (3) وفى معناها الحية والذئب
488

والنسر والعقاب والبق والبرغوث والزنبور ولو ظهر القمل على بدن المحرم أو ثيابه لم يكره تنحيته
ولو قتله لم يلزمه شئ ويكره له أن يفلي رأسه ولحيته وان فعل فاخرج منها قملة وقتلها تصدق ولو بلقمة
نص عليه وهو عند الأكثرين محمول على الاستحباب ومنهم من قال إنه يجب ذلك لما فيه من إزالة
الأذى عن الرأس (ومنها) الحيوانات التي فيها منفعة ومضرة كالفهد والصقر والبازي فلا يستحب
قتلها لما يتوقع من المنفعة ولا يكره لما يخاف من المضرة (ومنها) التي لا تظهر فيها منفعة ولا مضرة
كالخنافس والحلان والسرطان والرحمة والكلب الذي ليس بعقور فيكره قتلها * ولا يجوز قتل
النحل والنمل والخطاف والضفدع لورود النهى عن قتلها (1) وفى وجوب الجزاء بقتل الهدهد والصرد
خلاف مبني على الخلاف في جواز أكلها * (والصنف) الثاني ما أحد أصليه مأكول كالمتولد بين
الذئب والضبع وبين حمار الوحش وحمار الأهل فيحرم التعرض له ويجب الجزاء فيه احتياطا كما يحرم
489

أكله احتياطا واعلم أن الصنف الأول يخرج عن الضابط المذكور بقيد المأكول لكن الصنف الثاني
يدخل فيه ويحرم الضبط والوجه أن يزاد فيه فيقال كل صيد هو مأكول أو في أصله مأكول *
(الخامسة) الحيوانات الإنسية كالنعم والخيل والدجاج يجوز للمحرم ذبحها ولا جزاء عليه وأما
ما يتولد من الوحشي والإنسي كالمتولد من اليعقوب والدجاجة أو الظبي والشاة فيجب في ذبحه
الجزاء احتياطا كما في المتولد من المأكول وغير المأكول وطريق ادراجه في الضابط يقاس بما ذكرناه
فيه (السادسة) إنما يحرم صيد البر على المحرم دون صيد البحر قال الله تعالى (أحل لكم صيد البحر)
الآية قال الأصحاب وصيد البحر الذي لا يعيش الا في البحر أما ما يعيش في البر والبحر فهو كالبر
والطيور المائية التي تغوص في الماء وتخرج من صيود البر لأنها لو تركت في الماء لهلكت والجراد من
صيد البر يجب الجزاء بقتله وبه قال عمر وابن عباس رضي الله عنهما وحكى الموفق ابن طاهر وغيره
قولا غريبا أنه من صيود البحر لأنه يتولد من روث السمك والله أعلم *
قال (ويضمن هذا الصيد بالمباشرة والسبب واليد والسبب كنصب الشبكة أو ارسال
كلب أو انحلال رباطه بنوع تقصير في ربطه أو تنفير صيد حتى يتعثر قبل سكون نفاره فكل ذلك
يوجب الضمان إذا أفضي إلى التلف * ولو حفر المحرم بئرا في ملكه لم يضمن ما تردى فيه ولو حفر في
الحرم فوجهان ولو أرسل كلبا حيث لا صيد فعرض صيد ففي الضمان وجهان) *
قد عرفت ان الصيد المحرم أي صيد هو والغرض الآن بيان الجهات التي يضمن بها ذلك الصيد
وهي ثلاث (الأولى) مباشرة الاتلاف وهي ثلاثة (والثانية) التسبب إليه وموضع تفسيره
وضبطه كتاب الجنايات وتكلم ههنا في صور (إحداها) لو نصب شبكة في الحرم أو نصب المحرم
شبكة فتعقل بها صيد وهلك فعليه الضمان سواء نصبها في ملك نفسه أو ملك غيره لان نصب
الشبكة يقصد بها الاصطياد فهو بمثابة الاخذ باليد (الثانية) لو ارسل كلبا فأتلف صيد أوجب
عليه الضمان لان ارسال الكلب يسبب إلى الهلاك ولو كان الكلب مربوطا فحل رباطه فكذلك لان السبع
شديد الضراوة بالصيد فيكفي في قصد الصيد حل الرباط وإن كان الاصطياد لا يتم الا بالاغراء * ولو أنحل
الرباط لتقصيره في الربط نزل ذلك منزلة الحل وحكى الامام رحمه الله في هذه الصورة تردد الأئمة فليكن قوله
490

أو انحلال رباطه معلما بالواو لذلك وحيث أوجبنا الضمان في هذه المسائل فذلك إذا كان ثم صيد
فإن لم يكن فأرسل الكلب أو حل رباطه فظهر صيد فوجهان (أحدهما) انه لا يضمن إذا لم يوجد
منه قصد الصيد (وأرجحهما) على ما رواه الامام انه يضمن لحصول التلف بسبب فعله وجهله لا يقدح
فيه كما سنذكره في حفر البئر (الثالثة) لو نفر المحرم صيدا فتعثر فهلك أو اخذه سبع أو انصدم بشجر
أو جبل وجب عليه الضمان سواء قصد تنفيره أو لم يقصد ويكون في عهدة المنفر إلى أن يعود
الصيد إلى طبيعة السكون والاستقرار فلو هلك بعد ذلك فلا شئ عليه ولو هلك قبل سكون النفار
ولكن بآفة سماوية ففي الضمان وجهان (أحدهما) يجب ويكون دوام أثر النفار كاليد المضمنة (وأشبههما)
انه لا يجب لأنه لم يهلك بسبب من جهة المحرم ولا تحت يده (الرابعة) لو حفر المحرم أو حفر في
الحرم بئرا في محل عدوان فتردى فيها صيد وهلك فعليه الضمان ولو حفره في ملكه أو في موات
فأما في حق المحرم فظاهر المذهب انه لا ضمان كما لو تردت فيها بهيمة أو آدمي ونقل صاحب التتمة
وجها غريبا أنه يجب الضمان (وأما) في الحرم فوجهان مشهوران (أحدهما) انه لا ضمان كما لو حفر
المحرم في ملكه (والثاني) يجب لان حرمة الحرم لا تختلف وصار كما لو نصب شبكة في الحرم في
ملكه وأومأ صاحب التهذيب رحمه الله إلى ترجيح الوجه الأول لكن الثاني أشبه ويحكى ذلك
عن الربيع وصاحب التلخيص ولم يورد في التتمة غيره *
قال (ولو دل حلالا على صيد عصى ولا جزاء عليه وفى تحريم الاكل عليه منه قولان وما ذبحه
لنفسه فأكله حرام عليه وهل هو ميتة في حق غيره فيه قولان وكذا صيد الحرم) *
في الفصل مسألتان (إحداهما) لو دل الحلال محرما على صيد فقتله وجب الجزاء على المحرم ولا شئ
على الحلال سواء كان الصيد في يده أو لم يكن نعم هو مسئ بالإعانة على المعصية ولو دل المحرم حلالا
على صيد فقتله نظر إن كان الصيد في يد المحرم وجب عليه الجزاء لان حفظه واجب عليه ومن يلزمه
الحفظ يلزمه الضمان إذا ترك الحفظ كما لو المودع السارق على الوديعة وإن لم يكن في يده وهو
مسألة الكتاب فلا جزاء على الدال ولا على القاتل أما القاتل فلانه حلال وأما الدال فكما لو دل
491

رجلا على قتل انسان لا كفارة على الدال وساعدنا مالك رحمه الله على ذلك وقال أبو حنيفة رحمه
الله إن كانت الدلالة ظاهرة فلا جزاء عليه وإن كانت خفية ولولاها لما رأى الحلال الصيد يجب الجزاء
وسلم في صيد الحرم انه لا جزاء على الدال * وعن أحمد ان الجزاء يلزم الدال والقاتل بينهما * وقوله
في الكتاب وفي تحريم الاكل منه عليه قولان صريح في اثبات الخلاف في أن المحرم هل يجوز
له أن يأكل من الصيد الذي دل عليه الحلال حتى قتله لكن الوجه ان تغير هذه اللفظة ويجوز
أن يجعل مكانها وفي وجوب الجزاء عليه عند الاكل منه قولان أما التغيير فلأنك إذا بحثت
لم تر نقل الخلاف في جواز الأكل للمحرم والصورة هذه لا لغير صاحب الكتاب وله له في الوسيط
وغيره بل وجدتهم جازمين بحرمة الاكل على المحرم مما صيد له أو باعانته بسلاح وغيره أو بإشارته ودلالته
محتجين عليه بما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " لحم الصيد حلال لكم في الاحرام ما لم تصطادوه أو لم يصطد لكم " (1)
492

وبما روى أن أبا قتادة رضي الله عنه " خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم فتخلف عن بعض
أصحابه وهو حلال وهم محرمون فرأوا احمر وحش فاستوى على فرسه ثم سال أصحابه أن يناولوه
سوطا فأبوا فسألهم رمحه فأبوا فأخذه وحمل على الحمر فعقر منها اتانا فأكل منها بعضهم وأبي بعضهم
فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه فقال هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار
إليها قالوا لا قال فكلوا ما بقي من لحمها " (1) أشعر ذلك بالتحريم إذا كان الاصطياد باعانته أو دلالته
493

أو له وعجيب أن يكون نقل القولين صوابا ثم يغفل عنه كل من عداه من الأصحاب وهو أيضا في غير هذا
الكتاب (وأما) جواز التبديل بما ذكرت فلان القولين في أن ما صيد للمحرم أو بدلالته أو باعانته لو أكل
منه هل يلزمه جزاؤه مشهوران (أحد) القولين وهو القديم وبه قال مالك واحمد رحمهما الله انه يلزمه
القيمة بقدر ما أكل لان الاكل فعل محرم في الصيد فيتعلق به الجزاء كالقتل ويخالف ما لو ذبحه
وأكله حيث لا يلزم بالاكل جزاء لان وجوبه بالذبح اغنى عن جزاء آخر (والجديد) انه لا يلزم
لأنه ليس بنام بعد الذبح ولا يؤول إلى النماء فلا يتعلق باتلافه الجزاء كما لو أتلف بيضة مذرة * (واعلم)
أن هذه المسألة مذكورة في الكتاب من بعد وتبديل اللفظ يفضى إلى التكرار لكني لا أدرى
على ماذا يحمل ان لم يحتمل التكرار * ولو أمسك محرم صيدا حتى قتله غيره نظر إن كان حلالا فيجب الجزاء
على المحرم لتعدية بالامساك والتعريض للقتل وهل يرجع به على الخلاف * قال الشيخ أبو حامد لا
لأنه غير ممنوع من التعرض للصيد و قال القاضي أبو الطيب نعم * هذا ما أورده في التهذيب وشبهه
بما إذا غصب شيئا فأتلفه متلف في يده يضمن الغاصب ويرجع على المتلف وإن كان محرما أيضا
فوجهان (أظهرهما) أن الجزاء كله على القاتل لأنه مباشر ولا أثر للامساك مع المباشرة (والثاني)
أن لكل واحد من الفعلين مدخلا في الهلاك فيكون الجزاء بينهما نصفين وقال في العدة الصحيح
أن الممسك يضمنه باليد والقاتل يضمنه بالاتلاف فان أخرج الممسك الضمان رجع به على المتلف
وان أخرج المتلف لم يرجع على الممسك (المسألة الثانية) إذا ذبح المحرم صيدا لم يحل له الاكل منه
وهل يحل الاكل منه لغيره فيه قولان (الجديد) وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله أنه
ميتة لأنه ممنوع من الذبح لمعنى فيه فصار كذبيحة المجوسي فعلى هذا لو كان مملوكا وجب مع
الجزاء القيمة للمالك (والقديم) أنه لا يكون ميتة ويحل لغيره الاكل منه لان من يحل بذبحه الحيوان
الانسي يحل بذبحه الصيد كالحلال فعلى هذا لو كان الصيد مملوكا فعليه مع الجزاء ما بين قيمته حيا
ومذبوحا للمالك وهل يحل له بعد زوال الاحرام فيه وجهان (أظهرهما) لا وفى صيد الحرم إذا ذبح
طريقان (أظهرهما) طرد القولين والآخر القطع بالمنع والفرق أن صيد الحرم منع منه جميع الناس في جميع
الأحوال فكان آكد تحريما وليكن قوله وكذا صيد الحرم معلما بالواو لمكان الطريقة الأخرى *
قال (واثبات اليد عليه سبب الضمان الا إذا كان في يده فاحرم ففي لزوم رفع اليد قولان
فان قلنا يلزم ففي زوال ملكه قولان وإن قلنا لا يلزم فلو قتله ضمن لأنه ابتداء اتلاف * ولو
494

اشترى صيدا وقلنا إن الاحرام لا يقطع دوام الملك ففيه قولان كما في شراء الكافر العبد المسلم
والصحيح أنه يرث ثم يزول ملكه) *
الثالثة من جهات الضمان اثبات اليد ويد المحرم على الصيد إما أن يقع ابتداؤها في حال الاحرام أو يكون
ابتداؤها سابقا على الاحرام (أما) اثبات اليد عليه ابتداء في حال الاحرام فهو حرام غير مفيد للملك فإذا أخذ
صيدا ضمنه كما يضمن الغاصب ما يتلف في يده بل لو تولد تلف الصيد بما في يده لزمه الضمان كما لو كان راكب
دابة فأتلفت صيدا بعضها أو رفسها وكذا لو بالت في الطريق فزلق به صيد وهلك كما لو زلق به آدمي أو بهيمة
(أما) لو انفلت بعيره فأصاب الصيد فلا شئ عليه نص على ذلك كله (واما) إذا تقدم ابتداء اليد على
الاحرام فإن كان في يده صيد مملوك ثم أحرم فهل يلزمه رفع اليد عنه فيه قولان (أحدهما) لا كما لا يلزمه
تسريح زوجته وان حرم ابتداء النكاح عليه (والثاني) نعم لان الصيد لا يراد للدوام فتحرم
استدامته كالطيب واللباس ويحرم عليه النكاح فإنه يقصد للدوام وهذا أصح القولين على ما ذكره
المحاملي والكرخي وغيرهما من العراقيين (واعلم) أنا نعنى برفع اليد الارسال والاطلاق الكلي وقال مالك
وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله يجب رفع اليد المتأبدة عنه ولا يجب رفع اليد الحكمية والارسال المطلق (التفريع)
ان لم نوجب الارسال فهو على ملكه له بيعه وهبته لكن لا يجوز له قتله ولو قتله يجب الجزاء كما لو قتل عبده يلزمه
الكفارة ولو أرسله غيره لزمه القيمة للمالك وإن قتله فكذلك فإن كان محرما لزمه الجزاء أيضا ولا شئ على
المالك كما لو مات * وان أوجبنا الارسال فهل يزول ملكه عنه فيه قولان (أحدهما) وبه قال مالك وأبو حنيفة
وأحمد رحمهم الله لا كما لا يبين زوجته (والثاني) نعم كما يزول حل الطيب واللباس وهذا أصح عند
العراقيين وعكس بعض الأصحاب الترتيب فوضع القولين في زوال الملك أولا ثم قال إن قلنا لا يزول
الملك ففي وجوب الارسال قولان والامر فيه قريب (التفريع) ان قلنا يزول ملكه فأرسله غيره أو
قتله فلا شئ عليه ولو أرسله المحرم فاخذ غيره ملكه ولو لم يرسله حتى تحلل فهل عليه ارساله فيه
وجهان (أحدهما) وهو المنصوص نعم لأنه كان مستحق الارسال فلا يرتفع هذا الاستحقاق بتعدية
بالامساك (والثاني) ويحكى عن أبي إسحاق انه لا يجب ويعود ملكا له كالعصير إذا تخمر ثم تخلل
وحكى الامام رحمه الله على هذا القول وجهين في أنه يزول بنفس الاحرام أو الاحرام يوجب عليه
الارسال فإذا أرسل حينئذ يزول والأول أشبه بكلام الجمهور (وإن قلنا) لا يزول ملكه عنه
فليس لغيره أخذه ولو أخذه لم يملكه ولو قتله ضمنه وهو بمثابة المنفلت من يده وعلى القولين جميعا
495

لو مات الصيد في يده بعد إمكان الارسال لزمه الجزاء لأنها مفرعان على وجوب الارسال وهو
مقصر بالامساك * ولو مات الصيد قبل إمكان الارسال فقد حكم الامام رحمه الله وجهين في وجوب
الضمان وقال المذهب وجوبه ولا خلاف في أنه لا يجب تقديم الارسال على الاحرام (وقوله) في
الكتاب ففي لزوم رفع اليد قولان يجوز أن يعلم لفظ القولين بالواو لان القاضي ابن كج روى
عن أبي إسحاق طريقة قاطعة بأنه لا يلزم وحيث قال بالارسال أراد به الاستحباب (وقوله) لأنه ابتداء
اتلاف أراد به أنا على هذا القول وإن جوزنا استدامة اليد والملك فلا يجوز الاتلاف لان الاتلاف
ليس باستدامة وإنما هو ابتداء فعل وكان الأحسن في التعبير عن هذا الغرض أن يقول لان
الاتلاف ابتداء ثم في الفصل مسألتان (إحداهما) لو اشترى المحرم صيدا أو اتهب أو أوصى له فقبل
يفرع ذلك على الخلاف الذي سبق (ان قلنا) ان الملك يزول عن الصيد بالاحرام لا يملكه بهذه
الأسباب لان من منع من إدامة الملك فهو أولي بالمنع من ابتدائه وان قلنا لا يزول ففي صحة الشراء
والهبة قولان بناء على القولين فيما إذا اشترى الكافر عبدا مسلما ويدل على المنع ما روى أن الصعب
ابن جثامة " أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا فرده عليه فلما رأى ما في وجهه قال إنا لم نرد عليك
إلا أنا حرم " (1) فان صححنا هذه العقود فذاك وإلا فليس له القبض فان قبض فهلك في يده فعليه الجزاء
لله تعالي والقيمة للبائع وان رده عليه سقطت القيمة ولا يسقط ضمان الجزاء الا بالارسال وإذا
أرسل كان كما إذا اشترى عبدا مرتدا فقتل في يده وفى أنه من ضمان من يتلف خلاف سنذكره في
موضعه إن شاء الله تعالى * (الثانية) إذا مات له قريب وفى ملكه صيد هل يرثه ان جوزنا الشراء
وغيره من الأسباب الاختيارية نعم والا فوجهان والأظهر ثبوته لأنه لا اختيار فيه وعلى هذا فقد
ذكر الامام وصاحب الكتاب انه يزول ملكه عقيب ثبوته بناء على أن الملك يزول عن الصيد
بالاحرام وفى التهذيب وغيره ما ينازع في زواله عقيب ثبوته لأنهم قالوا إذا ورثه فعليه ارساله فان
باعه صح ولا يسقط عنه ضمان الجزاء حتى لو مات في يد المشترى يجب الجزاء على البائع وإنما يسقط
عنه إذا أرسله المشترى (وان قلنا) بأنه لا يرث فالملك في الصيد لسائر الورثة واحرامه بالإضافة إلى
الصيد مانع من موانع الميراث * كذا أورده أبو سعيد المتولي وذكر أبو القاسم الكرخي على هذا
الوجه انه أحق به فيوقف حتى يتحلل فيتملكه * ولو اشترى صيدا من انسان ووجد به عيبا
496

وقد أحرم البائع فان قلنا يملك الصيد بالإرث يرد عليه والا فوجهان لان منع الرد اضرار بالمشترى
ولو باع صيدا وهو حلال وأحرم ثم أفلس المشترى بالثمن لم يكن له الرجوع على الأصح كالشراء
والاتهاب بخلاف الإرث فإنه قهري ولو استعار المحرم صيدا أو أودع عنده كان مضمونا بالجزاء
عليه وليس له التعرض له فان أرسله سقط عنه الجزاء وضمن القيمة للمالك وان رده إلى المالك
لم يسقط عنه ضمان الجزاء ما لم يرسله المالك وحيث صار الصيد مضمونا على المحرم بالجزاء فان قتله
حلال في يده فالجزاء على المحرم وان قتله محرم آخر فالجزاء عليهما أو على القاتل ومن في يده طريق
فيه وجهان *
قال (وإن أخذ صيد اليداوية كان وديعة (ح) والناسي كالعامد في الجزاء لا في الاثم ولو صال عليه
صيد فلا ضمان في دفعه ولو أكله في مخمصة ضمن * ولو عم الجراد المسالك فتخطاه المحرم
ففيه وجهان) *
في هذه البقية صور (إحداها) لو خلص المحرم صيدا من فم هرة أو سبع أو من شق جدار أو اخذه
ليداويه ويتعهده فمات في يده هل يضمن فيه قولان كما لو أخذ المغصوب من الغاصب ليرده على
الملك فهلك في يده (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة رحمة الله عليه يضمن لان المستحق لم يرض بيده
فتكون يده يد ضمان (والثاني) لا يضمن لأنه قصد المصلحة فتجعل يده وديعة والقولان معا منصوصان
في عيون المسائل وايراده يقتضى ترجيح الثاني منهما وهو المذكور في الكتاب (الثانية) الناسي
كالعامد في وجوب الجزاء لا في الاثم أما افتراقهما في الاثم فلما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " رفع عن أمتي
الخطأ والنسيان " (1) الخبر (وأما) استواؤهما في وجوب الجزاء فلان الاتلاف يوجب الضمان على
العامد والخاطئ على نسق واحد بدليل الضمانات الواجبة للآدميين وخرج بعض الأصحاب في
وجوب الضمان على الناسي قولين لأنه حكي عن نصه قولان فيما إذا أحرم ثم جن وقتل صيدا
(أحدهما) وجوب الضمان لما ذكرنا (والثاني) المنع لان الصيد على الإباحة وإنما يخاطب بترك التعرض
497

له من هو أهل للتكليف والخطاب * وقد ذكرنا هذا الخلاف مرة في النوع الرابع من المحظورات
(وقوله) في الكتاب والناسي كالعامد يجوز اعلامه بالواو لذلك وبالألف أيضا لان أبا نصر بن
الصباغ ذكر أن في رواية عن أحمد لا جزاء على المخطئ بحال (الثالثة) لو صال الصيد على محرم أو
في الحرم فقتله دفعا فلا ضمان عليه لأنه بالصيال التحق بالمؤذيات * وعن أبي حنيفة رحمه الله انه
يجب ولو ركب إنسان صيدا وصال على محرم ولم يمكن دفعه إلا بقتل الصيد فقتله فالذي أورده
الأكثرون انه يجب عليه الضمان لان الأذى ههنا ليس من الصيد * وحكى الامام أن القفال رحمه
الله ذكر فيه قولين (أحدهما) ان الضمان على الراكب ولا يطالب به المحرم (والثاني) انه يطالب
المحرم ويرجع بما غرم على الراكب * وان ذبح صيدا في مخمصة وأكله ضمن لأنه أهلكه لمنفعة نفسه من
غير ايذاء من الصيد * ولو أكره محرم أو محل في الحرم على قتل صيد فقتله فوجهان (أحدهما) ان الجزاء على
المكره (والثاني) على المكره ثم يرجع على المكره وعن أبي حنيفة أن الجزاء في صيد الحرم على المكره
وفى الاحرام على المكره (الرابعة) ذكرنا ان الجراد مما يضمن بالقيمومة بيضه مضمون بالقيمة كأصله فلو
وطئها عامدا أو جاهلا ضمن ولو عمت المسالك ولم يجد بدا من وطئها فوطئها ففي الجزاء قولان وقال الامام
وصاحب الكتاب وجهان (أحدهما) يجب لأنه قتلها لمنفعة نفسه فصار كما لو قتل صيدا في المخمصة (وأظهرهما)
لا يجب لأنها ألجأته إليه فأشبه صورة الصيال * وحكي الشيخ أبو محمد رحمه الله طريقة أخرى قاطعة بأنه
لا جزاء فيجوز أن يعلم قوله وجهان بالواو لذلك * ولو باض صيد في فراشه ولم يمكنه رفعه ألا بالتعرض
للبيض وفسد بذلك ففيه هذا الخلاف *
498

قال (النظر الثاني في الجزاء فالواجب في الصيد مثله من النعم أو طعام بمثل قيمة النعم أو صيام يعدل
(ج) الطعام لك يوم مد فان انكسر مد كمل وهو على التخيير فإن لم يكن مثليا كالعصافير وغيرها فقدر قيمته
طعاما أو عدل ذلك صياما والعبرة في قيمة الصيد بمحل الاتلاف وفي قيمة النعم بمكة لأنه محل ذبحه) *
الصيد ينقسم إلى مثلي ونعني به ماله مثل من النعم والى ما ليس بمثلي (أما) الأول فجزاؤه على
التخيير والتعديل فيتخير بين أن يذبح مثله فيتصدق به على مساكين الحرم إما بأن يفرق اللحم
أو يملك جملته إياهم مذبوحا ولا يجوز أن يخرجه حيا وبين أن يقوم المثل دراهم ثم لا يجوز أن يتصدق
بالدراهم ولكن ان شاء اشترى بها طعاما وتصدق به على مساكين الحرم وإن شاء صام عن كل
مد من الطعام يوما حيث كان قال الله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم)
إلى قوله صياما (وأما) الثاني وهو ما ليس بمثلي كالعصافير وغيرها من الطيور على ما ستعرف ضروبها
ففيه قيمته ولا يتصدق بها بل يجعلها طعاما ثم إن شاء تصدق بها وان شاء صام عن كل مد يوما فان
انكسر مد في القسمين صام يوما لأن الصوم لا يتبعض * وإذا تأملت هذا التفصيل عرفت ان للجزاء
499

ثلاثة أركان في القسم الأول الحيوان والطعام والصيام وركنين في الثاني وهما الطعام والصيام وهي أو
هما على التخيير في ظاهر المذهب * وعن رواية أبي ثور قول انها على الترتيب وهو أضعف الروايتين
عن أحمد وقال مالك رحمه الله ان لم يخرج المثل عن المثلى يقوم الصيد لا المثل * وقال أبو حنيفة
رحمه الله لا يجب المثل بل عليه قيمة الصيد فان شاء تصدق بها وان شاء اشترى بها شيئا من النعم
التي تجزى في الأضحية فذبح وان شاء صرفها إلى الطعام فأعطى كل مسكين نصف صاع من بر
أو صاعا من غيره أو صام عن كل نصف صاع من بر أو صاع من غيره يوما * وعن أحمد انه لا يخرج الطعام
وإنما التقويم بالطعام لمعرفة قدر الصيام وحكاية هذه المذاهب تنبئك ان قوله في الكتاب مثله
من النعم ينبغي أن يكون معلما بالحاء (وقوله) أو طعام بالألف (وقوله) مثل قيمة النعم بالميم
(وقوله) لكل مد يوم بالحاء (وقوله) على التخيير بالألف والواو * وإذا لم يكن الصيد مثليا
فالعبرة في قيمته بمحل الاتلاف وإن كان مثليا وأراد تقويم مثله من النعم ليرجع إلى الاطعام أو
500

الصيام فالعبرة في قيمته بمكة يومئذ * هذا نصه ونقل بعض الشارحين فيه طريقين (أصحهما) الجريان
على ظاهر النصين (أما) اعتبار قيمة محل الاتلاف في الحالة الأولى فقياسا على كل متلف متقوم
(وأما) اعتبار قيمة مكة في الأخرى فلان محل ذبح المثل مكة لو كان يذبح فإذا عدل عنه عدل
بقيمته في محل الذبح (والطريق الثاني) انهما على قولين وحيث اعتبرنا قيمة مكان الاتلاف فقد ذكر
الامام احتمالين في أن المعتبر في الصرف إلى الطعام سعر الطعام في ذلك المكان أيضا أو سعر
الطعام بمكة والظاهر منهما الثاني *
قال (والمثلي كالنعامة ففيه بدنة وفي حمار الوحش بقرة وفي الضبع كبش وفي الأرنب عناق
وفي الظبي عنز وفي اليربوع جفرة وفي الصغير صغير وفي الكبير كبير ويحكم بالمماثلة عدلان
فإن كان القاتل أحدهما وهو مخطئ غير فاسق ففي جوازه وجهان * وفي الحمام شاة وفي معناه
القمري والفواخت وكل ما عب وهدر * وما دونه فيه القيمة وما فوقه فيه قولان (أحدهما) القيمة
قياسا والثاني الحاقه بالحمام) *
501

من المهم في الباب معرفة أن المثل ليس معتبرا على التحقيق وإنما هو معتبر على التقريب وليس
معتبرا في القيمة بل في الصورة والخلقة لان الصحابة رضي الله عنهم حكموا في النوع الواحد من الصيد
بالنوع الواحد من النعم مع اختلاف البلاد وتفاوت الأزمان واختلاف القيم بحسب اختلافها فعلم
أنهم اعتبروا الخلقة والصورة * إذا تقرر ذلك فالكلام في الدواب ثم في الطيور (أما) الدواب فما ورد
فيه نص فهو متبع وكذلك كل ما حكم فيه عدلان من الصحابة أو التابعين أو من أهل عصر آخر من
النعم أنه مثل للصيد المقتول يتبع حكمهم ولا حاجة إلى تحكيم غيرهم قال الله تعالى (يحكم به ذوا عدل
منكم) وقد حكما * وعن مالك أنه لا بد من تحكيم عدلين من أهل العصر وقد روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم " انه قضى في الضبع بكبش " (1) وعن الصحابة رضي الله عنهم أنه قضوا في النعامة ببدنة وفي حمار
الوحش وبقر الوحش ببقرة وفي الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة وعن عثمان رضى الله
أنه حكم في أم حبين بحلان وعن عطاء ومجاهد أنهما حكما في الوبر بشاة * قال الشافعي رضي الله عنه
إن كانت العرب تأكله ففيه جفرة لأنه ليس بأكبر بدلا منها وعن عطاء ان في الثعلب شاة وعن عمر رضى الله
502

عنه أن في الضب جديا وعن بعضهم أن في الإبل بقرة * واعف ههنا شيئين (أحدهما) تفسير ما يشكل من
هذه الألفاظ. أما العناق فهو اسم الأنثى من ولد المعز قال أهل اللغة وهي عناق من حين تولد إلى أن ترعى
والجفرة هي الأنثى من ولد المعز تفطم وتفصل عن أمها وتأخذ في الرعي وذلك بعد أربعة أشهر والذكر
جفر هذا معناهما في اللغة ويجب أن يكون المراد من الجفرة ههنا ما دون العناق فان الأرنب خير من
اليربوع وأم حبين دابة على خلقة الحرباء عظيمة البطن ومنه ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال
ممازحا لبلال رضي الله عنه وقد تدحرج بطنه " أم حبين " قال الشيخ أبو محمد وأرى هذا الحيوان من
صغار الضب حتى يفرض مأكولا * واعلم أن في حل أم حبين ترددا نذكره في كتاب الأطعمة إن شاء الله
تعالى والقول بوجوب الجزاء مفرع على الحل (وأما) الحلان فمنهم من فسره بالحمل ومنهم من فسره
بالجدي والحلام كالحلان والوبر دابة كالجراد الا أنها أنبل وأكرم منها وهي كحلاء من جنس بنات عرس
تكون في الفلوات وربما أكلها البدويون والأنثى وبرة (الثاني) قد نجد في كتب بعض الأصحاب أن
في الظبي كبشا وفي الغزال عنزا وهكذا أورد أبو القاسم الكرخي وزعم أن الظبي ذكر الغزال وأن
الغزال الأنثى قال الامام والذي ذكره هؤلاء وهم بل الصحيح أن في الظبي عنزا وهو شديد الشبه به
فإنه أجرد الشعر متقلص الذنب وأما الغزال فهو ولد الظبي فيجب فيه ما يجب في الصغار فهذا هو
القول فبما ورد فيه نقل وأما ما لم ينقل فيه عن السلف شئ فيرجع فيه إلى قول عدلين قال الله تعالى (يحكم
به ذوا عدل منكم) وليكونا فقيهين كيسين وهل يجوز أن يكون قاتل الصيد أحد الحكمين أو يكونا قاتلا الصيد
الحكمين إن كان القتل عمدا وعدوانا فلا لأنه يورث الفسق والحكم لا بد وأن يكون عدلا وإن كان خطأ أو كان
مضطرا إليه فوجهان (أحدهما) وبه قال مالك انه لا يجوز كما لا يجوز أن يكون المتلف أحد المقومين (وأصحهما)
503

انه يجوز لما روى " ان رجلا قتل ضبا فسأل عمر رضي الله عنه فقال احكم فيه فقال أنت خير مني وأعلم
يا أمير المؤمنين فقال إنا أمرتك ان تحكم فيه ولم آمرك ان تزكيني فقال الرجل أرى فيه جديا فقال عمر
رضي الله عنه فذلك فيه " وأيضا فإنه حق الله تعالى فيجوز أن يكون المؤمن عليه أمينا فيه كما أن رب المال امين في الزكاة * ولو حكم عدلان بان له مثلا وآخر عن بأنه لا مثل له فلا خذ بقول الأولين إلى قاله في العدة. (واما)
الطيور فتقسم إلى حمام وغيره أما الحمام ففيه شاة روى ذلك عن عمر وعثمان وعلى وابن عمر وابن
عباس وعاصم بن عمر وعطاء وابن المسيب وغيرهم رضي الله عنهم وعلام بني ذلك فيه وجهان
(أحدهما) أن ايجابها لما بينهما من الشبه فان كل واحد منهما يألف البيوت ويأنس بالناس (وأصحهما)
أن مستنده توقيف بلغهم فيه (وأما) غيره فإن كان أصغر من الحمام في الجثة كالزرزور والعصفورة والبلبل
والقنبرة والوطواط فالواجب فيه القيمة قياسا وقد روى عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم حكموا في
الجراد بالقيمة ولم يقدروا * وإن كان أكبر من الحمام أو مثلا له ففيهما قولان (أحدهما) أن الواجب شاة
لأنها لما وجبت في الحمام فلان تجب فيما هو أكبر منه كان أولى (والثاني) وهو الجديد وأحد قوليه في
القديم أن الواجب القيمة قياسا كما لو كان أصغر * وعن الشيخ أبي محمد ان بناء القولين على المأخذين
السابقين ان قلنا وجوب الشاة توقيف صرف ففي الأكبر أيضا شاة استدلالا وان قلنا إنه مأخوذ من
المشابهة بينهما فلا وقوله في الكتاب ففيها بدنة وفي حمار الوحش بقرة إلى آخرها يجوز إعلامها بالحاء
لان أبا حنيفة رحمه الله لا يوجب المثل في شئ من الصيود (وقوله) وفي الصغير صغير أراد به أن كل
جنس من الصيود المثلية يعتبر فيما يجب فيه من النعم المماثلة في الصغر والكبر ففي الصغير صغير وفي
الكبير كبير لظاهر قوله تعالى (مثل ما قتل من النعم) والكلمة معلمة بالميم لان عند مالك الواجب
الكبير وإن كان الصيد صغيرا وقوله وهو مخطئ غير فاسق قد عرفت مما مر أنه لم يذكره (وقوله)
وفي الحمام شاة معلم بالميم لان مالكا إنما يوجب الشاة في حمامة الحرم وأما حمامة الحل إذا قتلها المحرم
فالواجب عنده فيها القيمة (وقوله) وفي معناه القمري والفواخت وكل ما عب وهدر ظاهره يقتضى
خروج هذه الطيور عن تفسير الحمام والحاقها به في الحكم لكن المشهور أن اسم الحمام يقع على كل
ما عب وهدر فمنه صغار وكبار ويدخل فيه اليمام وهي التي تالف البيوت والقمري والفاختة والداس
والفاس والقطا * والعب هو شرب الماء جرعا وغير الحمام من الطيور تشربه قطرة قطرة والهدير هو
504

ترجيعه صوته وتغريده والا شبه أن ماله عب فله هدير ولو اقتصروا في تفسير الحمام على العب لكفاهم
ذلك * يدل عليه نص الشافعي رضي الله عنه في عيون المسائل قال وما عب في الماء عبا فهو حمام وما شرب
قطرة قطرة كالدجاج فليس بحمام *
قال (فروع يجوز مقابلة المريض بالمريض وفي مقابلة الذكر بالأنثى مع التساوي في اللحم
والقيمة ثلاثة أقوال في الثالث تؤخذ الأنثى عن الذكر كما في الزكاة بخلاف عكسه) *
رسم المسائل المذكورة في هذا الموضع إلى رأس السبب الثاني فروعا ونحن نشرحها واحدا واحدا
(أحدها) المريض من الصيود يقابل بالمريض من مثله من النعم وكذلك المعيب بالمعيب إذا اتحد جنس
العيب كالعوراء بالعوراء وان اختلف الجنس فلا كالعوراء بالحوراء وإن كان عور أحدهما باليمين
وعور الأخرى باليسار ففي الاجزاء وجهان (أصحهما) ولم يورد العراقيون غيره الاجزاء لتقارب الامر
فيه ولو قابل المريض بالصحيح أو المعيب بالسليم فقد زاد خيرا وقال مالك إن ذلك واجب ويفدى
الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى وهل يفدى الذكر بالأنثى وبالعكس أما فداء الذكر بالأنثى فقد ذكروا أن
إشارة النص مختلفة فيه وللأصحاب فيه طريقان (أظهرهما) ان المسألة على قولين (أحدهما) المنع لأنهما مختلفان
في الخلقة وذلك مما يقدح في المثلية (وأصحهما) الجواز كما في الزكاة ولان هذا اختلاف لا يقدح في المقصود
الأصلي فأشبه الاختلاف في اللون (والطريق الثاني) تنزيل النصين على حالين ان أراد الذبح لم يجز
لان لحم الذكر أطيب وإن أراد التقويم جاز لان قيمة الأنثى أكثر (وقيل) ان لم تلد الأنثى جاز
وان ولدت فلا لان الولادة تفسد اللحم وإذا جوزنا ذبح الأنثى عن الذكر فهل هو أولى قال بعضهم
نعم لان لحم الأنثى أرطب وقال القاضي أبو حامد لا لان لحم الذكر أطيب (وأما) فداء الأنثى بالذكر
ففي جوازه وجهان ويقال قولان كما سبق وحكي الامام طريقة أخرى أن فداء الذكر بالأنثى جائز
لا محالة كما في الزكاة وإنما التردد في عكسه وإذا اختصرت هذه الاختلافات خرج منها ثلاثة أقوال
كما ذكر في الكتاب وإذا تأملت ما حكيناه من كلام الأصحاب وجدتهم طاردين للخلاف مع نقصان
اللحم * وقال الامام رحمه الله إن كان ما يخرجه ناقصا في طيب اللحم أو في القيمة لم يجزه بلا خلاف
والخلاف مخصوص بما إذا لم يكن فيه واحد من النقصانين والى هذا أشار صاحب الكتاب بقوله مع
تساوي اللحم والقيمة *
505

قال (ولو قتل ظبية حاملا أخرج طعاما بقيمة شاة حامل حتى لا تفوت فضيلة الحمل بالذبح وقيل
يذبح شاة حائلا بقيمه الحال ولو ألقت الظبية جنينا ميتا فليس فيه الا ما ينقص من الام وان انفصل
حيا ثم مات فعليه جزاؤه) *
الفرع الثاني إذا قتل صيدا حاملا من ظبية وغيرها قابلناه بمثله من النعم حاملا لان الحمل
فضيلة مقصودة فلا سبيل إلى اهمالها لكن لا تذبح الحامل لان فضيلة الحامل بالقيمة لتوقع الولد
والا فلحم الحائل خير من لحمه فإذا ذبح فاتت فضيلته من غير فائدة تحصل للمساكين
فيقوم المثل حاملا ويتصدق بقيمته طعاما وفي وجه يجوز ان يذبح حائلا نفيسا بقيمة حامل
وسط ويجعل التفاوت بينهما كالتفاوت بين الذكر والأنثى * ولو ضرب بطن صيد حامل فالقى
جنينا ميتا نظر ان ماتت الام أيضا فهو كما لو قتل حاملا وان عاشت ضمن النقص الذي دخل على
الام ولا يضمن الجنين بخلاف جنين الأمة يضمن بقيمة عشر الام لان الحمل يزيد في البهائم فيمكن
ايجاب ما بين قيمتها حائلا وحاملا وينقص في قيمة الآدميات فلا يمكن اعتبار ذلك وان ألقت
جنينا حيا ثم مات ضمن كل واحد منهما بانفراده وان مات الولد وعاشت الام ضمن الولد بانفراده
وضمن النقص الذي دخل على الام *
قال (وان جرح ظبيا فنقص من قيمته العشر فعليه الطعام بعشر ثمن شاة كيلا يحتاج إلى
التجزئة وقيل عشر شاة) *
الفرع الثالث قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر ان جرح ظبيا فنقص من قيمته العشر فعليه
عشر من ثمن شاة وقال المزني تخريجا عليه عشر شاة واختلف الأصحاب في ذلك فقال الأكثرون الامر
على ما قاله المزني لان كل الظبية مقابل بالشاة فيقابل بعضها ببعضها تحقيقا للمماثلة وهؤلاء رفعوا الخلاف
وقالوا إنما ذكر الشافعي رضي الله عنه القيمة لأنه قد لا يجد شريكا في ذبح شاة ويتعذر عليه
إخراج العشر بقسطه من الحيوان فارشد إلى ما هو الأسهل فان جزاء الصيد على التخيير فعلى هذا هو مخير
بين اخراج العشر وبين ان يصرف قيمته إلى الطعام ويتصدق به وبين أن يصوم عن كل مد
يوما ومنهم من جرى على ظاهر النص وقال الواجب عشر القيمة وأثبت في المسألة قولين (المنصوص)
وما أخرجه المزني رحمه الله وهذا ما أورده في الكتاب (أما) وجه التخريج فقد عرفته (وأما)
506

وجه المنصوص فهو أنا لو أوجبنا العشر لاحتاج إلى التجزئة والتقسيط وفيه حرج وعسر فوجب
أن نعدل إلى غيره كما عدلنا عن ايجاب جزء من بعير في خمس من الإبل إلى شاة ولا يلزم من مقابلة الجملة
بالمثل مقابلة الجزء بجزء من المثل الا ترى أنه لو أتلف حنطة على إنسان لزمه مثلها ولو بلها ونقص
قيمتها لا يجب عليه الا ما نقص فعلى هذا لو لم يرد الاطعام ولا الصيام مالذي يخرج حكى القاضي
ابن كج أن عن بعضهم أنه ان وجد شريكا أخرجه ولم يخرج الدراهم والا فعليه اخراجها * وعن أبي
هريرة ان له اخراجها وان وجد شريكا * وعن أبي إسحاق أنه مخير بين اخراج العشر وبين
اخراج الدراهم فهذه ثلاثة أوجه * ونقل أبو القاسم الكرخي وغيره أنه لا يجزئه اخراج عشر المثل
وقال في التهذيب لا يتصدق بالدراهم ولكن يصرفها إلى الطعام ويتصدق به أو يصوم
عن كل مد يوما * وهذا ما أشار إليه في الكتاب حيث قال فعليه الطعام بعشر ثمن المثل
والأشبه من هذا كله تفريعا على المنصوص ان أثبتنا الخلاف تعين الدراهم والله أعلم
وقوله بعشر ثمن شاة أراد بالثمن القيمة كما في لفظ الشافعي رضي الله عنه (واعلم) أن جميع ما ذكرناه
فيما إذا كان الصيد مثليا فأما إذا جنى على صيد غير مثلي فلا كلام في أن الواجب ما نقص من
القيمة والله أعلم *
قال (ولو أزمن صيدا فكمال جزائه فان قتله غيره فعليه جزاؤه معيبا ولو أبطل قوة المشي
والطيران من النعامة ففي تعدد الجزاء وجهان) *
ما ذكرنا في الفرع الثالث مصور فيما إذا اندمل الجرح وبقى الصيد ممتنعا اما بعدوه كالغزال
أو بطيرانه كالحمام فأما إذا اندمل الجرح وصار الصيد زمنا فهذا هو الفرع الرابع وفيما يلزم به
وجهان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب وبه قال أبو حنيفة رحمه الله انه يلزم به جزاء كامل
لأنه بالأزمان صار كالمتلف ولهذا لو أزمن عبدا يلزمه تمام قيمته (والثاني) ويحكى عن ابن سريج
انه يجب عليه قد النقصان لأنه لم يهلك بالكلية ألا ترى أن الباقي مضمون لو قتله محرم آخر
فعلى هذا يجب قسط من المثل أو من قيمة المثل فيه الكلام السابق * ولو جاء محرم آخر وقتله إما
بعد الاندمال أو قبله فعليه جزاؤه مزمنا لما ذكرنا ان المعيب يقابل بمثله ويبقى الجزاء على الأول
بحاله ومنهم من قال إن أوجبنا جزاءا كاملا عاد ههنا إلى قدر النقصان لأنه يبعد ايجاب جزاءين
لمتلف واحد ولو عاد المزمن وقتله نظر ان قتله قبل الاندمال فليس عليه الا جزاء واحد كما لو قطع
507

يدي رجل ثم حز رقبته قبل الاندمال لا يلزمه الا دية واحدة وخرج ابن سريج رحمه الله ثم إن
أرش الطرف ينفرد عن دية النفس فيجئ مثله ههنا * وان قتله بعد الاندمال أفرد كل واحد منهما
بحكمه ففي القتل جزاؤه مزمنا وفيما يجب بالأزمان الخلاف السابق وإذا أوجبنا بالأزمان جزاءا كاملا فلو كان
للصيد امتناعان كالنعامة لها امتناع بشدة العدو وامتناع في الجناح فأبطل أحد امتناعيه ففيما يلزمه وجهان
(أحدهما) انه يتعدد الجزاء لتعدد الامتناع (وأصحهما) انه لا يتعدد لاتحاد المنع وعلى هذا فما الذي يجب قال
الامام الغالب على الظن أنه يعتبر ما نقص لان امتناع النعامة في الحقيقة واحد الا انه يتعلق بالرجل
والجناح فالزائل بعض الامتناع * ولو جرح صيدا فغاب ثم وجده ميتا ولم يدر انه مات بجراحته
أو بسبب حادث فالواجب جزاء كامل أو ضمان الجرح فقط كما لو علم أنه مات بسبب آخر فيه
قولان والله أعلم *
قال (وإذا أكل من لحم صيد ذبحه غيره حل له إلا إذا صيد له (ح) أو صيد بدلالته فلا يحل الاكل
منه فان أكل ففي وجوب الجزاء قولان ولو أكل من صيد ذبحه لم يتكرر الجزاء (ح) بالاكل) *
الفرع الخامس قد مر ان المحرم يحرم عليه الاصطياد والاكل من صيد ذبحه وانه يحرم عليه الاكل أيضا مما
اصطاد له حلال أو باعانته أو بدلالته فأما ما ذبحه حلال من غير اعانته ودلالته فلا يحرم الاكل منه لما روينا من
حديث أبي قتادة وغيره وقوله في الكتاب إذا صيد له معلم بالحاء لان عند أبي حنيفة إذا لم يعن ولم يأمر به لم
يحرم عليه ولا عبرة بالاصطياد له من غير أمره ولم يحك حجة الاسلام رحمه الله ههنا خلافا في حل ما صيد
بدلالته وحكى قبل في هذا قولين والحق ما فعله ههنا وتكلمنا على المذكور من قبل وشرحنا في
أثناء الكلام المسألة التي أوردها ههنا وهي قوله فان أكل أي مما صيد له أو بدلالته ففي وجوب
الجزاء قولان ولو أكل المحرم من صيد ذبحه بنفسه لم يلزمه بالاكل شئ آخر وقال أبو حنيفة رحمه
الله يلزمه القيمة بقدر ما أكل وسلم في صيد الحرم انه لا يلزم في أكله بعد الذبح شئ آخر * لنا قياس
الأول على الثاني *
قال (ولو اشترك المحرمون في قتل صيد واحد أو قتل القارن صيدا أو قتل المحرم صيدا حرميا
اتحد الجزاء لاتحاد (ح) المتلف) *
الفرع السادس إذا اشترك محرمان أو محرمون في قتل صيد لم يلزمهم الا جزاء واحد وبه قال
أحمد خلافا لأبي حنيفة ومالك رحمهما الله حيث قالا يجب على كل واحد جزاء كامل * لنا ان المقتول
واحد فيتحد جزاؤه كما لو اشتركوا في قتل صيد حرمي ويفارق ما إذا اشترك جماعة في قتل آدمي
508

حيث يجب على كل أحد منهم كفارة كاملة على الصحيح لان كفارة الصيد تتجزأ ألا ترى انها
تختلف بصغر المقتول وكبره ويجب إذا جرح الصيد بقدر النقصان وكفارة الآدمي لا
تختلف بصغر المقتول وكبره ولا تجب في الأطراف * ولو اشترك محل ومحرم في قتل صيد فعلى المحرم نصف
الجزاء ولا شئ على المحل * ولو قتل المحرم القارن صيد لم يلزمه الا جزاء واحد وكذا لو باشر غيره من
محظورات الاحرام وبه قال مالك وكذا أحمد في أظهر الروايتين خلافا لأبي حنيفة حيث قال يلزمه جزاءان *
لنا ما سبق في الصورة الأولى * ولو قتل الحرم صيدا حرميا لم يلزمه الا جزاء واحد لاتحاد المتلف وهذا
كما أن الدية لا تتغلظ مرارا باجتماع أسباب التغليظ *
قال (السبب الثاني للتحريم الحرم وجزاؤه كجزاء الاحرام (ح) ويجب على من رمى من الحل
إلى الحرم أو بالعكس ولو قطع السهم في مروره هواء طرف الحرم فوجهان ولو تخطي الكلب
طرف الحرم فلا جزاء الا إذا لم يكن له طريق سواه * ولو أخذ حمامة في الحل فهلك فرخها في
الحرم أو بالعكس ضمن الفرخ) *
صيد حرم مكة حرام على المحل والمحرم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ان الله تعالى حرم مكة لا يختلى
خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها قال العباس الا الإذخر يا رسول الله فإنه لبيوتنا وقبورنا
فقال الا الإذخر " والقول في الصيد المحرم وفيما يجب به الجزاء وفى أن الجزاء ماذا يقاس
بما سبق في الاحرام الا أن المحرم ليس له ذبح الصيد الذي يملكه وفى وجوب ارساله إذا أحرم
الخلاف الذي مر ولو أدخل الحرم صيدا مملوكا له كان له أن يمسكه ويذبحه كيف شاء كالنعم لأنه
صيد الحل دون الحرم وقال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله ليس له ذبحه ولو ذبح فعليه الجزاء * واعلم قوله
في الكتاب وجزاؤه كجزاء الاحرام بالحاء لان عند أبي حنيفة لا مدخل للصيام في جزاء
صيد الحرم * لنا انه صيد مضمون بالجزاء فكان جزاؤه كجزاء الصيد في حق المحرم * ثم في الفصل
مسألتان (إحداهما) لو رمى من الحل إلى صيد في الحرم فقتله فعليه الضمان لأنه أصاب الصيد
في موضع آمن ولو رمى من الحرم إلى صيد في الحل فقتله فعليه الضمان أيضا لان الصيد محرم على
من في الحرم وكذا الحكم في ارسال الكلب * وكذا لو رمى حلال إلى صيد فاحر قبل أن
يصيبه أو رمى محرم إلى صيد فتحلل قبل أن يصيبه وجب الضمان في الحالتين * ولو رمي إلى صيد
بعضه في الحل وبعضه في الحرم وجب الضمان أيضا تغليبا للحرمة والاعتبار بالقوائم ولا نظر إلى
الرأس ولو رمي من الحل إلى صيد في الحل ولكن قطع السهم في مروره هواء الحرم ففي وجوب
509

الضمان وجهان (أحدهما) لا يجب لوقوع الطرفين في الحل فصار كما لو أرسل كلبا في الحل إلى صيد
في الحل فتخطى طرف الحرم (والثاني) يجب لأنه أوصل السهم إليه في الحرم ويخالف مسألة الكلب
لان للكلب فعلا واختيارا والسهم لا اختيار له ولهذا قالوا لو رمى إلى صيد في الحل فعدا الصيد
ودخل الحرم فأصابه السهم وجب الضمان وبمثله لو أرسل كلبا لا يجب ولو رمى إلى صيد الحل فلم
يصبه وأصاب صيدا في الحرم وجب الضمان وبمثله لو أرسل كلبا لا يجب فدل على الفرق ويشبه أن
يكون هذا أظهر الوجهين ولم يورد صاحب العدة غيره * ثم في مسألة ارسال الكلب وتخطيه طرف
الحرم إنما لا يجب الضمان إذا كان للصيد مفر آخر فاما إذا تعين دخوله الحرم عند الهرب فالضمان
واجب لا محالة سواء كان المرسل عالما بالحال أو جاهلا غير أنه لا يأثم إذا كان جاهلا (الثانية)
لو أخذ حمامة في الحل أو قتلها فهلك فرخها في الحرم ضمن الفرخ لأنه أهلكه بقطع من يتعهده
عنه فأشبه ما لو رمى من الحل إلى الحرم ولا يضمن الحمامة لأنها مأخوذة من الحل وعلى عكسه لو
أخذ الحمامة من الحرم أو قتلها فهلك فرخها في الحل ضمن الحمامة والفرخ جميعا أما الحمامة فلأنها
مأخوذة من الحرم وأما الفرخ فكما لو رمى من الحرم إلى الحل ولما جمع صاحب الكتاب بين
الطرفين اقتصر في الحكم على ما يشتركان فيه وهو ضمان الفرخ وسكت عن ضمان الحمامة * ولو نفر *
صيدا حرميا قاصدا أو غير قاصد تعرض للضمان حتى لو مات بسبب التنفير بصدمة أو أخذ سبع
لزمه الضمان ولو دخل الحل فقتله حلال فعلى المنفر الضمان أيضا قاله في التهذيب بخلاف ما لو قتله
محرم يكون الجزاء عليه تقديما للمباشرة *
(فرع) لو دخل الكافر الحرم وقتل صيدا وجب عليه الضمان لان هذا ضمان يتعلق بالاتلاف
فأشبه ضمان الأموال * وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي يحتمل عندي أن لا يجب لأنه غير ملتزم
حرمة الحرم *
قال (ونبات الحرم أيضا يحرم قطعه أعني ما نبت بنفسه دون ما يستنبت ويستثنى عنه الإذخر لحاجة
السقوف ولو اختلا الحشيش للبهائم جاز (ح) على أحد الوجهين كما لو سرحها فيه ولو استنبت ما ينبت
أو نبت ما يستنبت كان النظر إلى الجنس (و) لا ألي الحال حتى لو نقل اراكا حرميا وغرسه في الحل
لم ينقطع حكم الحرم ثم في قطع الشجرة الكبيرة بقرة (م ح) وفى الصغيرة شاة (م ح) وفيما دونهما القيمة كما في
الصيد وفى القديم لا يجب (ح) في النبات ضمان) *
510

قطع نبات الحرم حرام كاصطياد صيده للخبر الذي قدمناه وهل يتعلق به الضمان فيه قولان
(أصحهما) وبه قال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله نعم لان ممنوع من اتلافه لحرمة الحرم فيجب به الضمان
كالصيد (والثاني) ويحكى عن القديم لا وبه قال مالك لان الاحرام لا يوجب ضمان الشجرة فكذلك
الحرم * إذا عرفت ذلك فنفصل ونقول النبات شجر وغيره أما الشجر فيحرم التعرض بالقطع
والقلع لكل شجر رطب غير مؤذ حرمي فيخرج بقيد الرطب الشجر اليابس فلا شئ في قطعه كما
لو قد صيدا ميتا نصفين وبقيد غير المؤذى العوسج وكل شجرة ذات شوك فإنها بمثابة الفواسق
وسائر المؤذيات فلا يتعلق بقطعها ضمان * هذا هو المشهور ونقل صاحب التتمة وجها آخر انها
مضمونة وزعم أنه الصحيح لاطلاق الخبر ويفارق الحيوانات فإنها تقصد بالأذية ويخرج بقيد
الحرمي أشجار الحل ولا يجوز أن يقطع شجرة من أشجار الحرم وينقلها إلى الحل محافظة على
حرمتها ولو نقل فعليه الرد بخلاف ما لو نقل من بقعة من الحرم إلى أخرى لا يؤمر بالرد وسواء
نقل أشجار الحرم وأغصانها إلى الحل أو الحرم فينظر ان لم ينبت فعليه الجزاء وان نبت في الموضع
المنقول إليه فلا جزاء عليه ولو قلعها قالع لزمه الجزاء استبقاء لحرمة لحرم وعلى عكسه لو قلع شجرة
من الحل وغرسها في الحرم فنبتت فلا يثبت لها حكم الحرم بخلاف الصيد يدخل الحرم فيجب
الجزاء بالتعرض له لان الصيد ليس بأصل ثابت فالوجه اعتبار مكانه والشجر أصل ثابت فله حكم
منبته حتى لو كان أصل الشجرة في الحرم وأغصانها في الحل فقطع من أغصانها شيئا فعليه ضمان
الغصن ولو كان عليه صيدا فاخذه فلا جزاء عليه وعلى عكسه لو كان أصلها في الحل وأغصانه في الحرم وقطع
غصنا منها فلا شئ ولو كان عليه صيد فاخذه فعليه الجزاء * وإذا قطع غصنا من شجرة حرمية ولم يخلف
فعليه ضمان النقصان وسبيله سبيل جرح الصيد وان اخلف في تلك السنة لكون الغصن لطيفا كالسواك
وغيره فلا ضمان وإذا وجب الضمان فلو نبت مكان المقطوع مثله ففي سقوط الضمان قولان كالقولين
في السن إذا نبت بعد القلع * ويجوز أخذ أوراق الأشجار لكنها لا تهش حذرا من أن يصيب
لحاها (وأما) الشجرة التامة فتضمن ببقرة إن كانت كبيرة وبشاة إن كانت دونها يروى ذلك عن
ابن الزبير وابن عباس رضي الله عنهم وغيرهما ومثل هذا لا يطلق الا عن توقيف * قال الامام
ولا شك أن البدنة في معنى البقرة وأقرب قول في ضبط الشجرة المضمونة بالشاة أن تقع قريبة
من سبع الكبيرة فان الشاة من البقرة سبعا فان صغرت جدا فالواجب القيمة * والامر في ذلك
كله على التعديل والتخيير كما في الصيد وهل يعم التحريم والضمان ما ينبت بنفسه من الأشجار
511

وما يستنبت أم يختص بالضرب الأول ذكروا فيه قولين (أحدهما) التعميم لان لفظ الخبر مطلق
(والثاني) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله التخصيص بالضرب الأول تشبيها للمستنبتات بالحيوانات الانسية
وبالزرع والأول أصح عند أئمتنا العراقيين وتابعهم الأكثرون ومنهم من قطع به لكن الامام
وصاحب الكتاب أجابا بالثاني وإذا قلنا به زاد في الضابط قيدا آخر وهو كون الشجر مما ينبت
بنفسه وعلى هذا يحرم قطع الطرفا والأراك والعضاة وغيرها من أشجار البوادي وادرج في
النهاية العوسج فيها لكنه ذو شوك وفيه ما كتبناه ولا تحرم المستنبتات مثمرة كانت كالنخل
والكرم أو غير مثمرة كالصنوبر والخلاف ومما يتفرع على هذا القول انه لو استنبت بعض ما ينبت بنفسه
على خلاف الغالب أو نبت بعض ما يستنبت الام ننظر حكى الامام عن الجمهور أن النظر إلى الجنس
والأصل فيجب الضمان في الصورة الأولي ولا يجب في الثانية وعن صاحب التلخيص أن النظر إلى
القصد والحال فيعكس الحكم فيهما والأول هو الذي أورده في الكتاب * (وأما) غير الأشجار فان
حشيش الحرم لا يجوز قطعه للخبر ولو قطعه فعليه قيمته ان لم يخلف وان اخلف فلا ولا يخرج على
الخلاف المذكور في الشجرة فان الغالب ههنا الا خلاف فأشبه سن الصبي * ولو كان يابسا فلا شئ في
قطعه كما ذكرنا في الشجر لكن لو قطعه فعليه الضمان لأنه لو لم يقطع لنبت ثانيا ذكره في التهذيب
ويجوز تسريح البهائم في حشيشة لترعى خلافا لأبي حنيفة وأحمد رحمهما الله * لنا ان الهدايا كانت
تساق في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وما كانت تشد أفواهها في
الحرم * ولو اختلى الحشيش ليعلفه البهائم ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم
" لا يختلى خلاها " (وأظهرهما) الجواز كما لو سرحها فيه ويستثني عن المنع الإذخر لحاجة السقوف
كما ورد في الخبر ولو احتيج إلى شئ من نبات الحرم للدواء فهل يجوز قطعه وجهان (أحدهما) لا
لأنه ليس في الخبر الا استثناء الإذخر (وأصحهما) الجواز لأن هذه الحاجة أهم من الحاجة إلى
الإذخر والله أعلم * وليهن عليك ما لحق مسائل الكتاب من تغيير الترتيب فقد أعلمتك مرارا أن
الشرح قد يحوج إليه وقوله دون ما يستنبت معلم بالواو للقول الأصح عند الأكثرين وبالألف لان
مذهب أحمد على ما رواه أصحابنا مثل ذلك القول (وقوله) كما لو سرحها فيها بالحاء والألف وقوله
كان النظر إلى الجنس بالواو وقوله حتى لو نقل أراكا حرميا وغرسه في الحل لم ينقطع حكم الحرم
ليس مذكورا على سبيل الاحتجاج للوجه الناظر إلى اعتبار الجنس والأصل فان هذه الصورة لا تسلم
عن نزاع من ينازع في اعتباره وقال الامام رحمه الله إذا كان صاحب التلخيص يعتبر القصد فلا *
512

تثبت الحرمة لهذه الشجرة إذا غرست في الحرم فما ظنك إذا غرست في الحل فلعله ذكره تفريعا
على ذلك الوجه (وقوله) ثم في قطع الشجرة الكبيرة بقرة لفظ البقرة والشاة معلمان بالحاء لان عنده الواجب
القيمة دون الحيوان كما ذكر في الصيد وبالميم لان عنده لا جزاء في الشجر وكذلك
لفظ القيمة وقوله وفيما دونها القيمة يبين انه أراد بالصغيرة المتوسطة وإلا فاسم الصغيرة يتناول
ما ليست بكبيرة كيف كانت *
(فرع) يكره نقل تراب الحرم وأحجاره إلى سائر البقاع والبرام يجلب من حد الحل ولا يكره
نقل ماء زمزم كانت عائشة رضي الله عنها تنقله وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " استهداه من سهل بن عمرو عام الحديبية " (1) قال الشيخ أبو الفضل بن عبدان لا يجوز قطع شئ من ستر الكعبة
ونقله وبيعه وشراؤه خلاف ما يفعله العامة يشترونه من بنى شيبة وربما وضعوه في أوراق المصاحف
ومن حمل منه شيئا فعليه رده *
قال (ويلحق حرم المدينة بحرم مكة في التحريم وفى الضمان وجهان (أحدهما) لا إذ ورد
فيه سلب ثياب الصائد فهو جزاؤه ثم السلب للسالب وقيل إنه للبيت المال وقيل إنه يفرق
على محاويج المدينة وإنما يستحق السلب إذا اصطاد أو أتلف (و) والشجرة والصيد في السلب سواء) *
لا يباح التعرض لصيد الحرم المدينة وأشجاره وهو مكروه أو محرم نقل في التتمة تردد قول وحكى بعضهم
فيه وجهين والصحيح وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله انه محرم لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال
(2) " ان إبراهيم حرم مكة وانى حرمت المدينة مثل ما حرم إبراهيم مكة لا ينفر صيدها ولا يعضد
513

شجرها ولا يختلى خلاها " وروى أنه قال " انى أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل
صيدها " (1) ويجوز اعلام قوله في الكتاب التحريم بالواو لمكان الوجه الآخر وبالحاء أيضا لان عند
أبي حنيفة انه لا يحرم (وإذا قلنا) بالتحريم ففي ضمان صيدها ونباتها قولان الجديد وبه قال مالك
لا يضمن لأنه ليس بمحل النسك فأشبه مواضع الحمي وإنما أثبتنا التحريم للنصوص (والقديم) وبه قال
أحمد انه يضمن وعلى هذا فما جزاؤه فيه وجهان (أحدهما) ان جزاءه كجزاء حرم مكة لاستوائهما
في التحريم (وأظهرهما) وبه قال أحمد ان جزاءه أخذ سلب الصائد وقاطع الشجر لما روى أن سعد
ابن أبي وقاص رضي الله عنه " أخذ سلب رجل قتل صيدا في المدينة وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول " من رأى رجلا يصطاد بالمدينة فليلبسه " (2) وعلى هذا ففيما يسلب وجهان الذي أورده الأكثرون
انه يسلب منه ما يسلبه القاتل من قتيل الكفار (والثاني) انه لا ينحي بهذا نحو سلب القتيل في
الجهاد وإنما المراد من السلب ههنا الثياب فحسب وهذا ما أورده الامام وتابعه المصنف فقال إذ
ورد فيه سلب ثياب الصائد فقيد بالثياب وعلى الوجهين ففي مصرفه وجهان مشهوران (أظهرهما)
انه للسالب كسلب القتيل وقد روى أنهم كلموا سعدا في هذا السلب فقال " ما كنت لأرد طعمة
أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم " (3) (والثاني) انه لمحاويج المدينة وفقرائها كما أن جزاء صيد مكة لفقرائها ووجه
ثالث حكاه الشيخ أبو محمد عن الأستاذ أبي إسحاق والقفال انه يوضع في بيت المال وسبيله سبيل
السهم المترصد للمصالح (وقوله) في الكتاب ففي الضمان وجهان اقتدى فيه بالامام والمشهور في المسألة
514

قولان وقوله إذ ورد فيه سلب ثياب الصائد في الصيد معناه ان واجب هذه الجناية هو السلب
الذي ورد في الجزاء إذ لو وجب الجزاء لوقع الاكتفاء به كما في صيد مكة وعني بالضمان الجزاء
515

دون المشترك بينه وبين السلب فاعرف ذلك (وقوله) وإنما يستحق السلب إذا اصطاد أو أتلف قصد
به التعرض لما ذكره الامام حيث قال غالب ظني ان الذي يهم بالصيد لا يسلب حتى يصطاد
ولست أدرى أيسلب إذا أرسل الصيد أم ذلك إذا أتلف الصيد ولفظ الوسيط لا يسلب إلا إذا
516

اصطاد أو أرسل الكلب ويحتمل التأخير إلى الاتلاف (واعلم) أن السابق إلى الفهم من الخبر وكلام
الأئمة انه يسلب إذا اصطاد ولا يشترط الاتلاف (وأما) قوله والشجرة والصيد وفى السلب سواء
فهو بين والله أعلم *
517

قال (وورد النهى عن صيد و ج الطائف ونباتها وهو نهى كراهية يوجب تأديبا لا ضمانا) *
و ج الطائف واد بصحراء الطائف وليس المراد منه نفس البلدة قال الشافعي رضي الله عنه أكره صيده
518

وعن الشيخ أبى على حكاية تردد في أنه يحريم أو مجرد كراهية ولفظ الكتاب كالصريح في الثاني
519

لكن الصحيح عند عامة الأصحاب الأول لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " صيدوج الطائف محرم الله " (1)
وعلى هذا فهل يتعلق به ضمانه منهم من قال نعم وحكمه حكم حرم المدينة وقال صاحب التلخيص
والأكثرون لا إذ لم يرد في الضمان نقل لكن يؤدب) *
520

(فرع) البقيع ليس يحرم لكن حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بل الصدقة ونعم الجزية (1) فلا تملك
أشجاره وحشيشه وفى وحو كل الضمان على من أتلفها وجهان (أحدهما) لا يجب كما لا يجب في صيده
521

شئ وأظهرهما يجب لأنه ممنوع منها وكانت مضمونة على بخلاف الصيد فان الاصطياد فيه جائز
وعلى هذا فضمانها القيمة ومصرفها مصرف نعم الصدقة والجزية *
قال مصححه عفي عنه..
522