الكتاب: المجموع
المؤلف: محيى الدين النووي
الجزء: ٩
الوفاة: ٦٧٦
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

المجموع
شرح المهذب
للإمام أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 ه‍
الجزء التاسع
دار الفكر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
* قال المصنف رحمه الله
كتاب الأطعمة
(ما يؤكل شيئان حيوان وغير حيوان فاما الحيوان فضربان حيوان البر وحيوان البحر
فاما حيوان البر فضربان طاهر ونجس فاما النجس فلا يحل أكله وهو الكلب والخنزير والدليل
عليه قوله تعالى (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) وقوله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث)
والكلب من الخبائث والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم (الكلب خبيث خبيث ثمنه) وأما الطاهر
فضربان طائر ودواب فأما الدواب فضربان دواب الانس ودواب الوحش فاما دواب الانس فإنه يحل
منها الانعام وهي الإبل والبقر والغنم لقوله تعالى (أحلت لكم بهيمة الأنعام) وقوله تعالى (ويحل لهم
الطيبات) والانعام من الطيبات ولم يزل الناس يأكلونها ويبتغون لحومها في الجاهلية والاسلام *
وتحل الخيل لما روي جابر رضي الله عنه قال (ذبحنا يوم خيبر من الخيل والبغال والحمير فنهانا رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل) ولا تحل البغال والحمير لحديث جابر رضي الله عنه
ولا يحل السنور لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الهرة سبع) ولأنه يصطاد بالناب ويأكل الجيف
فهو كالأسد) *
(الشرح) حديث (الكلب خبيث خبيث ثمنه) رواه (1) وفى صحيح مسلم عن رافع

(1) بياض بالأصل.
2

ابن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ثمن الكلب خبيث) وينكر علي الحميدي كونه لم يذكر
هذا الحديث في الجمع بين الصحيحين في مسند رافع مع أن مسلما كرره في كتاب البيوع من صحيحه
وأما حديث جابر فصحيح رواه أبو داود وآخرون بلفظه بأسانيد صحيحة ورواه البخاري ومسلم في
صحيحيهما ولفظهما عن جابر قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في
لحوم الخيل) وأما حديث الهرة سبع: فرواه (1) وفى سنن البيهقي عن جابر قال (نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الهرة وأكل ثمنها) وأما قول المصنف ما يؤكل شيئان ففيه تساهل لان
مقتضي سياقه أن المأكول ينقسم إلى مأكول وغيره وكأنه أراد بالمأكول ما يمكن أكله لا ما يحل
أكله وكان الأجود أن يقول الأعيان شيئان حيوان وغيره إلى آخر كلامه وقوله طائر ودواب هكذا
في النسخ طائر وكان الأحسن طير ودواب لان الطير جمع كالدواب والطائر مفرد كالدابة (أما الأحكام)
فالأعيان شيئان حيوان وغيره والحيوان قسمان بري وبحري والبري ضربان طاهر ونجس (فأما) النجس
فلا يحل أكله وهو الكلب والخنزير وما تولد من أحدهما وغيره وهذا لا خلاف فيه ولو ارتضع جدي
من كلبة وربي على لبنها ففي حله وجهان حكاهما الشاشي وصاحب البيان وغيرهما (أصحهما) يحل (والثاني)
لا (وأما) الطاهر فصنفان طير ودواب والدواب نوعان دواب الانس ودواب الوحش (فاما) دواب الانس فيحل
منها الإبل والبقر والغنم ويقال لهذه الثلاثة الانعام ويحل منها الخيل سواء منها العتيق وهو الذي أبواه

(1) بياض بالأصل.
3

عربيان والبرذون وهو الذي أبواه عجميان والهجين وهو الذي أبوه عربي وأمه عجمية والمفرق وهو
عكسه وكل ذلك حلال لا كراهة فيه عندنا ويحرم البغل والحمار بلا خلاف عندنا ويحرم السنور
الأهلي على المذهب وبه قطع المصنف والجمهور وفيه وجه أنه حلال وحكاه الرافعي عن أبي عبد الله
البوسنجي من أصحابنا وأدلة الجميع في الكتاب والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في لحم الخيل. قد ذكرنا أن مذهبنا أنه حلال لا كراهة فيه
وبه قال أكثر العلماء ممن قال به عبد الله بن الزبير وفضالة بن عبيد وأنس بن مالك وأسماء بنت أبي
بكر وسويد بن غفلة وعلقمة والأسود وعطاء وشريح وسعيد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم
النخعي وحماد بن أبي سليمان وأحمد واسحق وأبو يوسف ومحمد وداود وغيرهم وكرهها طائفة منهم ابن
عباس والحكم ومالك وأبو حنيفة قال أبو حنيفة يأثم بأكله ولا يسمي حراما واحتج لهم بقوله تعالى
(والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة) ولم يذكر الاكل منها وذكر الاكل من الانعام في
الآية التي قبلها وبحديث صالح بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد قال (نهي
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الخيل والبغال والحمير وكل ذي ناب من السباع) رواه أبو داود والنسائي
وابن ماجة من رواية تقية بن الوليد عن صالح عن يحيى بن المقدام بن معد يكرب عن أبيه عن جده
عن خالد واتفق العلماء من أئمة الحديث وغيرهم على أنه حديث ضعيف وقال بعضهم هو منسوخ
روى الدارقطني والبيهقي باسنادهما عن موسى بن هارون الحمال الحافظ قال هذا حديث ضعيف قال
لا يعرف صالح بن يحيى ولا أبوه إلا بجده وقال البخاري هذا الحديث فيه نظر وقال البيهقي هذا اسناد
4

مضطرب ومع اضطرابه هو مخالف لأحاديث الثقاة يعنى في إباحة لحم الخيل وقال الخطابي في اسناده
نظر قال وصالح بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جده لا يعرف سماع بعضهم من بعض وقال أبو داود هذا
الحديث منسوخ وقال النسائي حديث الإباحة أصح قال ويشبه إن كان هذا صحيحا أن يكون منسوخا
لان قوله في الحديث الصحيح أذن في لحوم الخيل دليل على ذلك قال النسائي ولا أعلم رواة غير نفيه
واحتج أصحابنا بحديث جابر قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم
الخيل) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما وسبق بيان صحة الرواية التي رواها المصنف وعن جابر قال (سافرنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا نأكل لحوم الخيل ونشرب ألبانها) رواه الدارقطني والبيهقي بأسناد صحيح وفى
رواية عن جابر أنهم كانوا يأكلون لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أسماء بنت أبي بكر
رضي الله عنها (قالت أكلنا لحم فرس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) رواه البخاري ومسلم وفى رواية
قالت (نحرنا
فرسا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأكلناه) (وأما) الجواب عن الآية الكريمة التي احتج بها الآخرون فهو ما أجاب
الخطابي وأصحابنا وغيرهم ان ذكر الركوب والزينة لا يدل على أن منفعتهما مقصورة على ذلك وإنما
خص هذان بالذكر لأنهما معظم المقصود من الخيل كقوله تعالى (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير)
فذكر اللحم لأنه معظم المقصود وقد أجمع المسلمون على تحريم شحمه ودمه وسائر أجزائه قالوا ولهذا سكت
عن حمل الأثقال عن الخيل مع قوله تعالى في الانعام (وتحمل أثقالكم) ولم يلزم من هذا تحريم
حمل الأثقال على الخيل وينضم إلى ما ذكرناه في تأويل الآية ما قدمناه في الأحاديث الصحيحة في
إباحة لحم الخيل مع عدم المعارض الصحيح لها وأما الحديث الذي احتجوا به فسبق جوابه والله
تعالى أعلم *
5

(فرع) لحم الحمر الأهلية حرام عندنا وبه قال جماهير العلماء من السلف والخلف قال الخطابي
هو قول عامة العلماء قال وإنما رويت الرخصة فيه عن ابن عباس رواه عنه أبو داود في سننه قلت
ورواه عن ابن عباس البخاري في صحيحه كما سنوضحه إن شاء الله تعالى وعند مالك ثلاث روايات في لحمها أشهرها أنه مكروه كراهة تنزيه شديدة والثانية حرام والثالثة مباح واحتج لابن عباس بقوله تعالي
(قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة) الآية وبحديث غالب بن الحر
قال (أصابتنا سنة فلم يكن في مالي شئ أطعم إلا الحمر الأهلية وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الحمر
الأهلية فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أصابتنا السنة ولم يكن في مالي ما أطعم أهلي الا سمان
حمر وإنك حرمت الحمر الأهلية فقال (أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل حوال العربة)
رواه أبو داود واتفق الحفاظ على تضعيفه قال الخطابي والبيهقي وغيرهما هو حديث يختلف في إسناده
يعنون مضطربا قال البيهقي وغيره وهذا الحديث لا يعارض الأحاديث الصحيحة التي سنذكرها إن
شاء الله تعالى قالوا ولو بلغ ابن عباس أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة الصريحة في تحريمها لم يصر إلى
غيرها * ودليل الجمهور في تحريمها حديث علي رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن متعة النساء
يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية) رواه البخاري ومسلم وعن ابن عمر قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
أكل لحوم الحمر الأهلية) رواه البخاري ومسلم وعن جابر بن عبد الله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي يوم خيبر
عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل) رواه البخاري ومسلم * وعن البراء بن عازب قال (كنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبنا حمرا فطبخناها فأمر مناديا فنادى أن اكفئوا القدور) رواه البخاري ومسلم
من طرق وروياه من رواية عبد الله بن أبي أوفى * وعن سلمة بن الأكوع قال (لما قدمنا خيبر رأى رسول الله
6

الله صلى الله عليه وسلم نيرانا توقد فقال على ما توقد هذه النيران فقالوا على لحوم الحمر الأهلية قال كسروا القدور
وأهريقوا ما فيها فقال رجل من القوم يا رسول الله انهريقوا ما فيها ونغسلها فقال أو ذاك) رواه البخاري
ومسلم وعن عمر بن دينار قال " قلت لجابر بن زيد يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن الحمر الأهلية
فقال قد كأن يقول ذاك الحكم بن عمر والغفاري عندنا بالبصرة ولكن أبا ذلك ابن عباس وقرأ
(قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما) " رواه البخاري وقوله أبا ذلك ابن عباس محمول على أنه لم يبلغه حديث
الحكم بن عمرو وغيره * وعن ابن عباس قال (لا أدرى أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أنه
كان حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم أو حرم يوم خيبر لحم الحمر الأهلية) رواه البخاري ومسلم
وعن ابن أبي أوفى قال (أصابتنا مجاعة ليالي خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها فلما
غلت بها القدور نادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم اكفئوا القدور ولا تأكلوا من لحوم الحمر
شيئا فقال ناس إنما حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها لم تخمس وقال آخرون حرمها البتة) رواه
البخاري ومسلم * وعن ابن ثعلبة الخشني قال (حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم
لحم الحمر ولحم كل ذي
ناب من السباع) رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ البخاري ولفظ مسلم (حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية) وعن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جائي فقال أكلت الحمر ثم جاءه جائي
فقال أكلت الحمر ثم جاءه جائي فقال أفنيت الحمر فنادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس
إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس فأكفئت القدور وإنها لتفور باللحم)
7

رواه البخاري ومسلم وفى رواية لمسلم (رجس من عمل الشيطان) وفى رواية له (رجس أو نجس) وعن
المقدام بن معد يكرب قال (حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء يوم خيبر منها الحمار الأهلي) رواه
البيهقي وغيره والأحاديث في المسألة كثيرة والله أعلم * (وأما) الحديث المذكور في سنن أبي داود عن
غالب بن الحر قال (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أصابتنا السنة ولم يكن في مالي
ما أطعم أهلي إلا سمان حمر وإنك حرمت لحوم الحمر الأهلية فقال أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما
حرمتها من أجل حوال العربة) يعنى بالحوال التي يأكل الجلة وهي العذرة فهذا الحديث مضطرب
مختلف الاسناد كثير الاختلاف والاضطراب باتفاق الحفاظ وممن أوضح اضطرابه الحافظ أبو القاسم
ابن عساكر في الأطراف فهو حديث ضعيف ولو صح لحمل على الاكل منها حال الاضطرار ولأنها
قصة عين لا عموم لها فلا حجة فيها والله سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) لحم البغل حرام عندنا وبه قال جميع الأئمة إلا ما حكاه أصحابنا عن الحسن البصري
أنه إباحة دليلنا حديث جابر السابق وغيره *
(فرع) لحم الكلب حرام عندنا وبه قالت الأئمة بأسرها إلا رواية عن مالك في الجرد *
(فرع) السنور الأهلي حرام عندنا وبه قال جمهور العلماء وأباحه الليث بن ربيعة وقال مالك
يكره فقال بعض أصحابنا كراهة تنزيه وبعضهم كراهة تحريم والله أعلم *
8

(فرع) ذبح الحمار والبغل ونحوهما مما لا يؤكل ليدبغ جلده أو ليصطاد على لحمه السنور والعقبان ونحو ذلك
حرام عندنا وجوزه أبو حنيفة وشعب المسألة واضحة في باب الآنية *
* قال المصنف رحمه الله *
(وأما الوحش فإنه يحل منه الظباء والبقر لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) والظباء والبقر من
الطيبات يصطاد ويؤكل ويحل الحمار الوحشي للآية ولما روى (أن أبا قتادة كان مع قوم محرمين وهو حلال
فسنح لهم حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانا فأكلوا منها قالوا نأكل من لحم صيد
ونحن محرمون فحملوا ما بقي من لحمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا ما بقي من لحمها) ويحل أكل الضبع لقوله عز
وجل (ويحل لهم الطيبات) قال الشافعي رحمه الله ما زال الناس يأكلون الضبع ويبيعونه بين
الصفا والمروة * وروى جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (الضبع صيد يؤكل) وفيه كبش إذا
أصابه المحرم)
(الشرح) حديث أبي قتادة رواه البخاري ومسلم وحديث جابر صحيح رواه أبو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجة وغيرهم بأسانيد صحيحة قال الترمذي هو حديث حسن صحيح وقوله سنح هو - بسين
مهملة ونون مخففة مفتوحتين ثم حاء مهملة - أي عرض (قوله) يأكلون الضبع ويبيعونه الضمير في يبيعونه يعود
إلى لحم الضبع وإلا فالضبع مؤنثة وهو - بفتح الضاد وضم الباء - ويجوز اسكانها والتثنية ضبعان والجمع ضباع
والمذكر ضبعان - بكسر الضاد وإسكان الباء وتنوين النون - والجمع ضباعين كسرحان وسراحين (أما)
الأحكام فدواب الوحش يحل منها الظباء والبقر والحمر والضبع لما ذكره المصنف وهذا كله متفق عليه
ويحل الوعل بلا خلاف *
(فرع) الضبع والثعلب مباحان عندنا وعند احمد وداود وحرمهما أبو حنيفة وقال مالك يكرهان
وممن قال بإباحة الضبع علي بن أبي طالب وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وخلائق من الصحابة والتابعين
وممن أباح الثعلب طاوس وقتادة وأبو ثور *
9

قال المصنف رحمه الله *
(ويحل أكل الأرنب لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) والأرنب من الطيبات ولما روى
جابر ((أن غلاما من قومه أصاب أرنبا فذبحها بمروة فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكلها فأمره أن يأكلها)
ويحل اليربوع لقوله تعالي (ويحل لهم الطيبات) واليربوع من الطيبات تصطاده العرب وتأكله
وأوجب فيه عمر رضي الله عنه على المحرم إذا أصابه جفرة فدل على أنه صيد مأكول ويحل اكل
الثعلب لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) والثعلب من الطيبات مستطاب يصطاد ولأنه لا يتقوى بنابه
فأشبه الأرنب ويحل أكل ابن عرس والوز لما ذكرناه في الثعلب ويحل القنفذ لما روى أن ابن عمر رضى
رضي الله عنهما سئل عن القنفذ فتلا قوله تعالى (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه) الآية ولأنه
مستطاب لا يتقوى بنابه فحل أكله كالأرنب * ويحل الضب لما روى ابن عباس رضي الله عنهما (أنه
أخبره خالد بن الوليد أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة رضي الله عنها فوجد عندها ضبا محنوذا فقدمت
الضب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال خالد أحرام الضب يا رسول الله
قال لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال خالد فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم
ينظر فلم ينهه)
10

(الشرح) حديث جابر في الأرنب رواه البيهقي بلفظه باسناد حسن وجاءت أحاديث صحيحة
بمعناه (منها) حديث أنس قال (أفصحنا أرنبا عن الظهران فأدركتها فأخذتها فذهبت بها إلى أبى طلحة
فذبحها وبعث بكتفها فخذها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله) رواه البخاري ومسلم وفى رواية البخاري قبله وأكل منه *
(وأما) الأثر المذكور عن ابن عمر في القنفذ فهو بعض حديث طويل عن عيسى بن ثميلة عن أبيه قال كنت عند ابن عمر فسئل عن أكل القنفذ فتلا (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما) الآية قال شيخ
عنده سمعت أبي هريرة يقول ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (خبيثة من الخبائث فقال ابن عمر
إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا فهو كما قال) رواه أبو داود باسناد ضعيف قال البيهقي لم يرو إلا
بهذا الاسناد قال وهو إسناد فيه ضعف (وأما) حديث ابن عباس عن خالد فرواه البخاري ومسلم (قوله)
فذبحها بمروة - هي بفتح الميم - وهي الحجرة (قوله) القنفذ هو - بضم القاف والفاء - ويقال بفتح الفاء لغتان ذكرهما
الجوهري وجمعها قنافذ والوبر - باسكان الباء - جمعه وبار - بكسر الواو - والضب المخنوذ أي المسوى قوله فاحترر
به هكذا هو بالراء المكررة هذا هو الصواب المعروف في كتب الحديث والفقه وغيرهما وذكر بعض
من تكلم في ألفاظ المهذب أنه بالزاي بعد الراء أي وطعنه (أما) الأحكام فيحل الأرنب واليربوع والثعلب
والقنفذ والضب والوبر وابن عرس ولا خلاف في شئ من هذه إلا الوبر والقنفذ ففيهما وجه أنهما حرام
11

والصحيح المنصوص تحليلهما وبه قطع الجمهور ويحل الدلدك على الصحيح المنصوص وفيه وجه (وأما)
السمور والسنجاب والفنل بفتح الفاء والنون والقاقم بالقافين وضم الثانية والحواصل ففيها وجهان (الصحيح)
المنصوص أنها حلال (والثاني) أنها حرام والله تعالى أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في الضب * مذهبنا أنه حلال غير مكروه وبه قال مالك وأحمد
والجمهور وقال أصحاب أبي حنيفة يكره وأما اليربوع فحلال عندنا لا يكره * دليلنا حديث خالد وأحاديث
كثيرة في الصحيحين وأما القنفذ فحلال عندنا لا يكره وبه قال مالك والجمهور وقال أحمد يحرم وقال أصحاب أبي حنيفة
يكره وأما اليربوع فحلال عندنا لا يكره وبه قال مالك وأحمد والجمهور وقال أصحاب أبي حنيفة يكره
ونقل صاحب البيان عن أبي حنيفة تحريم الضب والوبر وابن عرس والقنفذ واليربوع *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ولا يحل ما يتقوى بنابه ويعدو على الناس وعلى البهائم كالأسد والفهد والذئب والنمر والدب
لقوله عز وجل (ويحرم عليهم الخبائث) وهذه السباع من الخبائث لأنها تأكل الجيف ولا يستطيبها
العرب ولما روى ابن عباس رضي الله عنهما (ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع
وكل ذي مخلب من الطير) وفى ابن آوى وجهان (أحدهما) يحل لأنه لا يتقوى بنابه فهو كالأرنب
12

(والثاني) لا يحل لأنه مستخبث كريه الرائحة ولأنه من جنس الكلاب فلم يحل أكله وفى سنور
الوحش وجهان (أحدهما) لا يحل لأنه يصطاد بنابه فلم يحل كالأسد والفهد (والثاني) يحل لأنه حيوان
يتنوع إلى حيوان وحشي وأهلي يحرم الأهلي منه ويحل الوحشي منه كالحمار الوحشي ولا يحل أكل حشرات الأرض
كالحيات والعقارب والفار والخنافس والعظاء والصراصير والعناكب والوزغ وسام أبرص والجعلان والديدان
وبنات وردان وحمار قبان لقوله تعالى (يحرم عليهم الخبائث) *
(الشرح) حديث ابن عباس رواه مسلم بلفظه ورواه البخاري ومسلم جميعا من رواية أبى ثعلبة
الحشي (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل ذي ناب من السباع) ورواه مسلم أيضا من رواية أبي هريرة
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كل ذي ناب من السباع فأكله حرام) قال أهل اللغة المخلب - بكسر الميم
وإسكان الخاء المعجمة - وهو للظئر والسباع كالظفر للانسان (وأما) الحشرات فبفتح الحاء والشين وهي
هوام الأرض وصغار دوابها والحية تطلق على الذكر والأنثى (1) والبطة (وأما) العقرب والعقربة والعقربا
فاسم للأنثى ويقال للذكر عقربان بضم العين والراء وأما الخنافس فجمع خنفساء بضم الخاء وبالمد والفاء مفتوحة

(1) بياض بالأصل.
13

ومضمومة - والفتح أفصح وأشهر قال الجوهري ويقال خنفس وخنفسة (وأما) العناكب فجمع عنكبوت وهي
هذه الناسجة المعرفة قال الجوهري الغالب عليها التأنيث (وأما) سام أبرص - فبتشديد الميم - قال أهل اللغة هو
كبار الوزغ قال النحويون واللغويون سام أبرص إسمان جعلا واحدا ويجوز فيه وجهان (أحدهما) البناء على الفتح
كخمسة عشر (والثاني) إعراب الأول وإضافته إلى الثاني ويكون الثاني مفتوحا لأنه لا ينصرف (وأما) الجعلان
فبكسر الجيم وإسكان العين - جمع جعل - بضم الجيم وفتح العين - وهي دويبة معروفة بدحرج القدر وأما
الديدان - فبكسر الدال الأولى وهي جمع دود كعود وعيدان وواحده دودة (وأما) حمارقان فدويبة معروفة
كثيرة الأرجل وهي فعلان لا ينصرف معرفة ولا نكرة والله تعالى أعلم (أما) الأحكام فقال الشافعي يحرم أكل
كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير للحديث قالوا والمراد بذي الناب ما يتقوى بنابه
ويعدو على الحيوان كما ذكره المصنف فمن ذلك الأسد والفهد والنمر والذئب والدب والقرد والفيل
والببر - ببائين موحدتين - الأولى مفتوحة والثانية ساكنة وهو حيوان معروف يعادي الأسد ويقال له
أيضا الفرائق - بضم الفاء وكسر النون - فكل هذه المذكورات حرام بلا خلاف عندنا إلا وجها
14

شاذا في الفيل خاصة أنه حلال حكاه الرافعي عن الامام أبى عبد الله البوسنجي من أصحابنا وزعم أنه
لا يعدو من الفيلة إلا العجل المغتلم كالإبل والصحيح المشهور تحريمه (وأما) ابن آوى وابن مفترص
ففيهما وجهان (أصحهما) تحريمهما وبه قطع المراوزة * وفى سنور البر وجهان (الأصح) تحريمه وقال الخضري
حلال (وأما) الحشرات فكلها مستخبثة وكلها محرمة سوى ما يدرج (منها) وما يطير فمنها ذوات السموم
والإبر كالحية والعقرب والذنبور (ومنها) الوزغ وأنواعه كحرباء الظهيرة والعطا وهي ملساء تشبه
سام أبرص وهي أخس منه واحدتها عطاء وعطانه فكل هذا حرام ويحرم النمل والذر والفار والذباب
والخنفساء والقراد والجعلان وبنات وردان وحمارقان والديدان إلا دودا لجبن والخل والباقلا
والفواكه ونحوها من المأكول الذي يتولد منه الدود ففي حل أكل هذا الدود ثلاثة أوجه سبقت
في باب المياه (أحدها) يحل (والثاني) لا (وأصحها) يحل أكله مع ما تولد منه لا منفردا ويحرم * اللحكا وهي
بضم اللام وفتح الحاء المهملة وبالمد - وهي دويبة تغوص في الرمل إذا رأت انسانا قال أصحابنا ويستثنى
من الحشرات اليربوع والضب فإنهما حلالان كما سبق مع دخولهما في اسم الحشرات وكذا أم حنين
15

فإنها حلال على أصح الوجهين قالوا ويستثني من ذوات الإبر الجراد فإنه حلال قطعا وكذا القنفذ على
الصحيح كما سبق وأما الصرارة فحرام على أصح الوجهين كالخنفساء والله سبحانه أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في حشرات الأرض كالحيات والعقارب والجعلان وبنات وردان
والفار ونحوها * مذهبنا انها حرام وبه قال أبو حنيفة وأحمد وداود وقال مالك حلال لقوله تعالى (قل
لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة) الآية وبحديث التلب - بتاء مثناة
فوق مفتوحة ثم لام مكسورة ثم باء موحدة - الصحابي رضي الله عنه قال (صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أسمع
لحشرة الأرض تحريما) رواه أبو داود * واحتج الشافعي والأصحاب بقوله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث)
وهذا مما يستخبثه العرب وبقوله صلى الله عليه وسلم (خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحرم الغراب
والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور) رواه البخاري ومسلم من رواية عائشة وحفصة وابن عمر *
وعن أم شريك (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ) رواه البخاري ومسلم وأما قوله تعالى (قل لا أجد
16

فيما أحي محرما) الآية فقال الشافعي وغيره من العلماء معناها مما كنتم تأكلون وتستطيبون قال
الشافعي وهذا أولى معاني الآية استدلالا بالسنة والله أعلم (وأما) حديث التلب فان ثبت لم يكن فيه
دليل لان قوله لم اسمع لا يدل على عدم سماع غيره والله أعلم *
(فرع) في مذاهبهم في أكل السباع التي تتقوى بالناب كالأسد والنمر والذئب وأشباهها * قد
ذكرنا أن مذهبنا انها حرام وبه قال أبو حنيفة وأحمد وداود والجمهور (وقال) مالك تكره ولا تحرم
(واحتج) بقوله تعالى (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا
أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به) واحتج أصحابنا بالأحاديث الصحيحة من رواية
ابن عباس وغيره في النهى عن كل ذي ناب من السباع وفى رواية مسلم التي قدمناها (كل ذي ناب
من السباع فأكله حرام) وأجابوا عن الآية الكريمة بأنه أمر ان يخبر بأنه لا يجد محرما في ذلك
الوقت إلا هذا ثم ورد وحي آخر بتحريم السباع فأخبر به والآية مكية والأحاديث مدنية ولان
الحديث مخصص للآية والله سبحانه أعلم *
(فرع) في أنواع اختلف السلف فيها (منها) القرد وهو حرام عندنا وبه قال عطاء وعكرمة
ومجاهد ومكحول والحسن وابن خبيب المالكي * وقال مالك وجمهور أصحابه ليس بحرام (ومنها) الفيل
وهو حرام عندنا وعند أبي حنيفة والكوفيين والحسن * وأباحه الشعبي وابن شهاب ومالك في رواية
حجة الأولين أنه ذو ناب (ومنها) الأرنب وهو حلال عندنا وعند العلماء كافة إلى ما حكى عن
17

ابن عمرو بن العاص وابن أبي ليلى انهما كرهاها * دلت لنا الأحاديث السابقة في إباحتها ولم يثبت
في النهى عنها شئ
* قال المصنف رحمه الله *
(وأما الطائر فإنه يحل منه النعامة لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) وقضت الصحابة رضي الله عنهم
فيها ببدنة فدل على أنه صيد مأكول ويحل الديك والدجاج والحمام والدراج والقبج
والقطا والبط والكراكي والعصفور والقنابر لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) وهذه كلها مستطابة وروى
أبو موسى الأشعري رضى الله تعالى عنه قال (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل لحم الدجاج) وروى سفينة
رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حبارى) ويحل أكل الجراد لما
روى عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قال (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات
يأكل الجراد ونأكله) ويحرم أكل الهدهد والخطاف (لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلهما) وما يؤكل
لا ينهى عن قتله ويحرم ما يصطاد ويتقوى بالمخلب كالصقر والبازي لحديث ابن عباس رضي الله عنهما
(أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وأكل كل ذي مخلب من الطير)
ويحرم أكل الحدأة والغراب الأبقع لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (خمس
يقتلن في الحل والحرم الحية والفأرة والغراب الأبقع والحدأة والكلب العقور) وما أمر بقتله لا يحل أكله
قالت عائشة رضي الله عنها (أنى لأعجب ممن يأكل الغراب وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله)
ويحرم الغراب الأسود الكبير لأنه مستخبث يأكل الجيف فهو كالأبقع وفى الغداف وغراب الزرع
وجهان (أحدهما) لا يحل للخبر (والثاني) يحل لأنه مستطاب يلقط الحب فهو كالحمام والدجاج وتحرم
18

حشرات الطير كالنحل والزنبور والذباب لقوله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) وهذه من الخبائث) *
(الشرح) حديث أبي موسى رواه البخاري ومسلم وحديث سفينة رواه أبو داود والترمذي
بأسناد ضعيف قال الترمذي هو غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه. وحديث عبد الله بن أبي أوفى
رواه البخاري ومسلم ولفظه (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل معه الجراد) (وأما)
حديث النهى عن قتل الهدهد فرواه عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى
عن قتل أربع من الدواب النملة والنحلة والهدهد والصرد) رواه أبو داود بأسناد صحيح على شرط
البخاري ومسلم ذكره في آخر كتابه ورواه ابن ماجة في كتاب الصيد بأسناد على شرط البخاري
(وأما) النهى عن قتل الخطاف فهو ضعيف ومرسل رواه البيهقي بأسناده عن أبي الحويرث
عبد الرحمن بن معاوية وهو من تابعي التابعين أو من التابعين عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن قتل
الخطاطيف وقال لا تقتلوا العوذ أنها تعوذ بكم من غيركم) قال البيهقي هذا منقطع قال وروى حمزة
النصيبي فيه حديثا مسندا إلا أنه كان يرمى بالوضع وصح عن عبد الله بن عمرو بن العاص موقوفا
عليه أنه قال (لا تقتلوا الضفادع فان نقيقها تسبيح ولا تقتلوا الخفاش فإنه لما خرب بيت المقدس قال
يا رب سلطني على البحر حتى أغرقهم) قال البيهقي أسناده صحيح (وأما) حديث ابن عباس فرواه
البخاري ومسلم وسبق بيان طرقه وشرحه في الفصل الذي قبل هذا (وأما) حديث عائشة (خمس يقتلن في الحل والحرم إلى آخره) فصحيح رواه البخاري ومسلم وسبق قريبا (وأما) حديث
عائشة (إني لأعجب ممن يأكل الغراب إلى آخره) فرواه البيهقي بأسناد صحيح إلا أن فيه عبد الله
19

ابن أبي أويس وقد ضعفه الأكثرون ووثقه بعضهم وروي له مسلم في صحيحه (أما) ألفاظ الفصل
فقوله (وأما) الطائر هكذا هو في النسخ والأجود أن يقول وأما الطير لان الطير جمع والطائر
مفرد وقد سبق بيانه أول الباب والنعامة بفتح النون - قال الجوهري يذكر ويؤنث والنعام اسم
جنس كحمامة وحمام (وأما) الديك فهو ذكر الدجاج جمعه ديوك وديكة والدجاج - بفتح الدال
وكسرها - لغتان والفتح أفصح باتفاقهم الواحد دجاجة يقع على الذكر والأنثى وجمع المصنف بين الديك
والدجاج هو من باب ذكر العام بعد الخاص وهو جائز ومنه قوله تعالى (رب اغفر لي ولوالدي ولمن
دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات) وقوله تعالى (إن صلاتي ونسكي) (وأما) القبج - فبفتح
القاف واسكان الباء الموحدة وبالجيم - والحجل المعروف قال الجوهري هو فارسي معرب لان
القاف والجيم لا يجتمعان في كلمة واحدة من كلام العرب قال والقبجة تقع على الذكر والأنثى حتى
تقول يعقوب فيختص بالذكر لان الهاء إنما دخلته على أنه الواحد من الجنس وكذلك النعامة حتى
تقول ظليم والنحلة حتى تقول يعسوب والدراجة حتى تقول حيقطان والبومة حتى تقول صدى أو فياد
والحبارى حتى تقول خرب ومثله كثير هذا آخر كلام الجوهري (وأما) القنابر - فبقاف
مفتوحة - ثم - نون ثم - ألف ثم - باء موحدة ثم - راء - جمع قبرة - بضم القاف وتشديد
الباء الموحدة - قال الجوهري وقد جاء في الشعر قنبرة كما تقوله العامة وهو ضرب من الطير (وأما)
الهدهد - فبضم الهاءين - وجمعه هداهد ويقال للمفرد هداهد أيضا (وأما) البازي ففيه ثلاث
لغات المشهورة الفصيحة البازي - بتخفيف الياء - والثانية باز والثالثة بازي - بتشديد الياء - حكاها
20

ابن مكي وهي غريبة أنكرها الأكثرون قال أبو زيد الأنصاري يقال للبزاة والشواهين وغيرهما
مما تصيد صقور واحدها صقر والأنثى صقرة وقد ينكر على المصنف كونه جعل الصقر قسيما للبازي
مع أنه يتناوله وغيره كما ذكره أبو زيد ويجاب عنه بأنه من باب ذكر الخاص بعد العام كقوله تعالى
(من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال) (وإذ أخدنا من النبيين ميثاقهم ومنك
ومن نوح) الآية (وأما) الحدأة - فبحاء مكسورة - ثم - دال مفتوحة - ثم همزة - على وزن عنبة
والجماعة حدأ كعنب (وأما) الفأرة - فبالهمزة - ويجوز تركه (وأما) الغداف - فبغين معجمة مضمومة
ثم - دال مهملة مخففة - وآخره فاء جمع غدفان قال ابن فارس هو الغراب الضخم قال الجوهري هو غراب
القيظ وقال العبدري وغيره من أصحابنا هو غراب صغير اسود لونه لون الرماد والله أعلم (أما) الأحكام
ففيها مسائل (إحداها) اتفق أصحابنا على أنه يحل أكل النعامة والدجاج والكركي والحباري والحجل
والبط والقطا والعصافير والقنابر والدراج والحمام قال أصحابنا وكل ذات طوق من الطير فهي داخلة في
الحمام وهي حلال فيدخل فيه القمري والدبس واليمام والفواخت ويحل الورسان وكل ما على شكل
العصفور وفى حده فهو حلال فيدخل في ذلك الصعوة والزرزور والنغز - بضم النون وفتح الغين المعجمة -
والبلبل ويحل العندليب والحمرة على المذهب الصحيح وفيهما وجه ضعيف انهما حرام وفى الببغاء
والطاووس (وجهان) قال البغوي وغيره (أصحهما) التحريم (وأما) السقراف فقطع البغوي بحله والصيمري
بتحريمه قال أبو عاصم العبادي يحرم ملاعب ظله وهو طائر يسبح في الجو مرارا كأنه ينصب على طائر
قال أبو عاصم والبوم حرام كالرخم قال والضوع - بضم الضاد المعجمة وفتح الواو وبالعين المهملة - حرام
على أصح القولين قال الرافعي هذا يقتضى ان الضوع غير البوم قال لكن في صحاح الجوهري أنه
21

الضوع طائر من طير الليل من جنس الهام وقال المفضل هو ذكر البوم قال الرافعي فعلى هذا إن كان
في الضوع قول لزم اجراؤه في البوم لان الذكر والأنثى من جنس الواحد لا يفترقان (قلت) الأشهر أن الضوع
من جنس الهام فلا يلزم اشتراكهما في الحكم قال أبو عاصم النهاش حرام كالسباع التي تنهش قال
واللقاط حلال الا ما استثناه النص يعني ذا المخلب وقال البوشنجي اللقاط حلال بلا استثناء قال
أبو عاصم وما تقوت بالطاهرات فحلال الا ما استثناه النص وما تقوت بالنجس فحرام *
(فرع) قال الشافعي والمصنف والأصحاب يحرم أكل كل ذي مخلب من الطير يتقوى به
ويصطاد كالصقر والنسر والبازي والعقاب وغيرها للحديث السابق (المسألة الثانية) قال الشافعي والأصحاب
ما نهى عن قتله حرم أكله لأنه لو حل أكله لم ينه عن قتله كما لو لم ينه عن قتل المأكول فمن ذلك النمل والنحل فهما
حرام وكذلك الخطاف والصرد والهدهد والثلاثة حرام على المذهب وفيها وجه ضعيف انها مباحه وحكاه
البندنيجي في كتاب الحج قولا وجزم به في الصرد والهدهد * والخفاش حرام قطعا قال الرافعي وقد يجئ فيه الخلاف
واللفاف حرام على أصح الوجهين (الثالثة) قال أصحابنا ما أمر بقتله من الحيوان فأكله حرام (لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر
بقتل الفواسق الخمس في الحرم والاحرام) فلو حل أكله لما أمر بقتله مع قول الله تعالى (لا تقتلوا الصيد
وأنتم حرم) فمن ذلك الحية والفأرة والحدأة وكل سبع ضار ويدخل في هذا الأسد والذئب وغيرهما
مما سبق قال أصحابنا وقد يكون للشئ سببا أو أسباب تقتضي تحريمه * وتحرم البغاثة - بفتح الباء الموحدة -
وبتخفيف الغين المعجمة وبالثاء المثلثة في آخرها - والرخمة كما تحرم الحدأة (وأما) الغراب فهو أنواع
(فمنها) الغراب الأبقع وهو حرام بلا خلاف للأحاديث الصحيحة (ومنها) الأسود الكبير وفيه طريقان
(أصحهما) وبه قطع المصنف وجماعة التحريم (والثاني) فيه وجهان (أصحهما) التحريم (الثالث) الحل
22

(وأما) غراب الزرع وهو أسود صغير يقال له الزاغ وقد يكون محمر المنقار والرجلين ففيه وجهان مشهوران
ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) انه حلال والأصح ان الغداف حرام قال الرافعي ومن الغربان غراب صغير
أسود أو رمادي اللون وقد يقال له الغداف الصغير وهو حرام على أصح الوجهين وكذلك العقعق والله تعالى أعلم
*
(الرابعة) يحرم حشرات الطير كالنحل والزنابير والذباب والبعوض وشبهها لما ذكره المصنف (الخامسة) يحل
أكل الجراد بلا خلاف للحديث السابق وسواء مات بنفسه أو بقتل مسلم أو مجوسي وسواء قطع
رأسه أم لا ولو قطع بعض جرادة وباقيها حي فوجهان (أصحهما) يحل المقطوع لان المقطوع كالميت
وميتته حلال (والثاني) حرام وإنما يباح منه الجملة لحرمتها والله أعلم *
(فرع) قد ذكرنا أن الجراد حلال سواء مات باصطياد مسلم أو مجوسي أو مات حتف أنفه
وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد ومحمد بن عبد الحكم والأبهري المالكيان وجماهير العلماء من السلف
والخلف (قال) العبدري وقال مالك لا يحل الا إذا مات بسبب بأن يقطع منه شئ أو يصلق أو يقلى حيا أو يشوى
وان لم يقطف رأسه قال فان مات حتف أنفه أو في وعاء لم يؤكل وعن أحمد رواية ضفيفة كمذهب
مالك * واحتج مالك بقوله تعالى (حرمت عليكم الميتة) واحتج أصحابنا بحديث ابن أبي أوفى السابق
(غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل معه الجراد) رواه البخاري ومسلم وروى الشافعي
عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحلت لنا ميتتان
ودمان أما الميتتان فالحوت والجراد والدمان الكبد والطحال) قال البيهقي ورواه سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال (أحلت لنا ميتتان الحديث) قال البيهقي هذا هو الصحيح
(قلت) معناه ان الصحيح أن القائل (أحلت لنا) ميتتان هو ابن عمر لان الرواية الأولى ضعيفة جدا لاتفاق
23

الحفاظ على تضعيف عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال أحمد بن حنبل روى حديثا منكرا (أحلت لنا
ميتتان) الحديث يعنى أحمد الرواية الأولى (وأما) الثانية فصحيحة كما ذكره البيهقي وهذه الثانية
هي أيضا مرفوعة لان قول الصحابي أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا أو أحل لنا كذا أو حرم علينا كذا
كله مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمنزلة قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه قاعدة معروفه وسبق
بيانها مرات والله تعالى اعلم * وهذا الحديث عام والآية الكريمة التي احتج بها مالك مخصوصة بما ذكرناه
والله أعلم * وأما حديث سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجراد فقال (أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه) فرواه أبو داود وغيره هكذا
باسناد صحيح قال أبو داود ورواه المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا قال
البيهقي وكذا رواه محمد بن عبد الله الأنصاري عن سليمان التيمي قلت ولا يضر كونه روى مرسلا
ومتصلا لان الذي وصله ثقة وزيادة الثقة مقبولة قال البيهقي وأصحابنا ان صح هذا الحديث كان دليلا
على إباحة الجراد أيضا لأنه إذا لم يحرمه فقد أحله وإنما لم يأكله تقذرا كما قال في الضب والله أعلم *
(فرع) قد ذكرنا أن مذهبنا تحريم كل ذي ناب من السباع مما يعدو على الحيوان
كالأسد والذئب والنمر والفهد والدب وكذا ماله مخلب من الطير كالبازي والشاهين والعقاب ونحوها
وبه قال أبو حنيفة وأحمد وداود * وقال مالك يكره ولا يحرم * دليلنا الأحاديث السابقة فان احتجوا
بقوله تعالى (قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه) الآية فقد سبق جوابها في مسألة
تحريم السباع *
(فرع) قد ذكرنا مذهبنا في غراب الزرع والغداف * وقال بإباحتهما مالك وأبو حنيفة وأحمد
رحمهم الله تعالى *
24

* قال المصنف رحمه الله *
(وما سوى ذلك من الدواب والطيور ينظر فيه فإن كان مما يستطيبه العرب حل أكه وإن كان
مما لا يستطيبه العرب لم يحل أكله لقوله عز وجل (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) ويرجع
في ذاك إلى العرب من أهل الريف والقرى وذوي اليسار والغني دون الاجلاف من أهل البادية
والفقراء وأهل الضرورة فان استطاب قوم شيئا واستخبثه قوم رجع إلى ما عليه الأكثر فان
اتفق في بلاد العجم ما لا يعرفه العرب نظر إلى ما يشبهه فإن كان حلالا حل وإن كان حراما
حرم وإن لم يكن له شبيه فيما يحل ولا فيما يحرم ففيه وجهان (قال) أبو إسحاق وأبو علي الطبري يحل
لقوله عز وجل (قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير) وهذا ليس بواحد منها (وقال) ابن عباس رضي الله عنه ما سكت عنه فهو
عفو (ومن) أصحابنا من قال لا يحل أكله لان الأصل في الحيوان التحريم فإذا أشكل بقي
على أصله) *
(الشرح) هذا المذكور عن ابن عباس رواه أبو داود عنه هكذا باسناد حسن ورواه
البيهقي مرفوعا عن سلمان الفارسي * وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الحلال ما أحل الله في
كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو من عفوه) قال أصحابنا من الأصول المعتبرة في
هذا الباب الاستطابة والاستخباث ورواه الشافعي رحمه الله الأصل الأعم (1) ولهذا أفسخ الباب والمعتمد
فيه قوله تعالى (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) وقوله تعالى (ويسألونك ماذا أحل لهم

(1) كذا بالأصل فحرر.
25

قل أحل لكم الطيبات) قال أصحابنا وغيرهم وليس المراد بالطيب هنا الحلال لأنه لو كان المراد
الحلال لكان تقديره أحل لكم الحلال وليس فيه بيان وإنما المراد بالطيبات ما يستطيبه العرب
وبالخبائث ما تستخبثه قال أصحابنا ولا يرجع في ذلك إلى طبقات الناس وينزل كل قوم على
ما يستطيبونه أو يستخبثونه لأنه يؤدى إلى اختلاف الأحكام في الحلال والحرام واضطرابها وذلك
يخالف قواعد الشرع قالوا فيجب اعتبار العرب فهم أولى الأمم بأن يؤخذ باستطيابهم واستخباثهم
لأنهم المخاطبون أولا وهم جيل معتدل لا يغلب فيهم الانهماك على المستقذرات ولا العفافة المتولدة من
التنعم فيضيقوا المطاعم على الناس قالوا وإنما يرجع إلى العرب الذين هم سكان القرى والريف دون
اجلاف البوادي الذين يأكلون ما دب ودرج من غير تمييز وتغيير عادة أهل اليسار والثروة دون
المحتاجين وتغيير حالة الخصب والرفاهية دون الجدب والشدة قال الرافعي وذكر جماعة أن الاعتبار
بعادة العرب الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لان الخطاب لهم قال ويشبه أن يقال يرجع في كل زمان
إلى العرب الموجودين فيه قال أصحابنا فان استطابته العرب أو سمته باسم حيوان حلال فهو حلال وان
استخبثته أو سمته باسم محرم فمحرم فان استطابته طائفة واستخبثته أخرى اتبعنا الأكثرين فان استويا قال
الماوردي وأبو الحسن العبادي يتبع قريش لأنهم قطب العرب فان اختلفت قريش ولا ترجيح
أوشكوا ولم يحكموا بشئ أو لم نجدهم ولا غيرهم من العرب اعتبرناه بأقرب الحيوان به شبها والشبه
تارة يكون في الصورة وتارة في طبع الحيوان من الصيالة والعدوان وتارة في طعم اللحم فان استوى
الشبهان أو لم نجد ما يشبهه فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) الحل قال
26

إمام الحرمين وإليه ميل الشافعي (والثاني) التحريم قال أصحابنا وإنما يراجع العرب في حيوان لم يرد
فيه نص بتحليل ولا تحريم ولا أمر بقتله ولا نهى عن قتله فان وجد شئ من هذه الأصول اعتمدناه
ولم نراجعهم قطعا فمن ذلك الحشرات وغيرها مما سبق والله تعالى أعلم *
(فرع) إذا وجدنا حيوانا لا معرفة لحكمه من كتاب الله تعالى ولا سنة رسوله ولا استطابة
ولا استخباث ولا غير ذلك من الأصول المعتمدة وثبت تحريمه في شرع من قبلنا فهل يستصحب تحريمه
فيه قولان (الأصح) لا يستصحب وهو مقتضى كلام جمهور الأصحاب وهو مقتضى المختار عند أصحابنا
في أصول الفقه فان استصحبناه فشرطه أن يثبت تحريمه في شرعهم بالكتاب أو السنة أو يشهد به
عدلان أسلما منهم بعرفان المبدل من غيره قال الماوردي فعلى هذا لو اختلفوا اعتبر حكمه في أقرب
الشرائع إلى الاسلام وهي النصرانية وإن اختلفوا عاد الوجهان عن تعارض الأشباه (أصحهما)
الحل والله سبحانه أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا يحل ما يولد بين مأكول وغير مأكول كالسمع المتولد بين الذئب والضبع والحمار
المتولد بين حمار الوحش وحمار الأهل لأنه مخلوق مما يؤكل ومما لا يؤكل فغلب فيه
الحظر كالبغل) *
(الشرح) السمع - بكسر السين واسكان الميم - قال الشافعي والأصحاب يحرم السمع والبغل
وسائر ما يولد من مأكول وغير مأكول سواء كان المأكول الذكر أو الأنثى لما ذكره المصنف
والزرافة - بفتح الزاي وضمها - حرام بلا خلاف وعدها بعضهم من المتولد بين مأكول وغير
27

مأكول. ولو تولد من فرس وأتان وحشية أو نحو ذلك من الجنسين المأكولين كان حلالا نص عليه
الشافعي والله سبحانه أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
(ويكره أكل الجلالة وهي التي أكثر أكلها العذرة من ناقة أو بقرة أو شاة أو ديك أو
دجاجة لما روى ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ألبان الجلالة) ولا يحرم أكلها لأنه
ليس فيه أكثر من تغير لحمها وهذا لا يوجب التحريم فان أطعم الجلالة طعاما طاهرا وطاب لحمها لم
يكره لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال تعلف الجلالة علفا طاهرا إن كانت ناقة أربعين يوما
وإن كانت شاة سبعة أيام وإن كانت دجاجة فثلاثة أيام) *
(الشرح) حديث ابن عباس صحيح رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة
قال الترمذي هو حديث حسن صحيح قال أصحابنا الجلالة هي التي تأكل العذرة والنجاسات وتكون
من الإبل والبقر والغنم والدجاج وقيل إن كان أكثر أكلها النجاسة فهي جلالة وإن كان الطاهر أكثر فلا
والصحيح الذي عليه الجمهور أنه لا اعتبار بالكثرة وإنما الاعتبار بالرائحة والنتن فان وجد في عرفها وغيره ريح
النجاسة فجلالة والا فلا وإذا تغير لحم الجلالة فهو مكروه بلا خلاف وهل هي كراهة تنزيه أو تحريم
فيه وجهان مشهوران في طريقة الخراسانيين (أصحهما) عند الجمهور وبه قطع المصنف وجمهور العراقيين
وصححه الروياني وغيره من المعتمدين أنه كراهة تنزيه قال الرافعي صححه الأكثرون (والثاني) كراهة
تحريم قاله أبو إسحاق المروزي والقفال وصححه الامام والغزالي والبغوي وقيل هذا الخلاف
فيما إذا وجدت رائحة النجاسة بتمامها أو قربت الرائحة من الرائحة فان قلت الرائحة الموجودة لم تضر قطعا
28

قال أصحابنا ولو حبست بعد ظهور النتن وعلفت شيئا طاهرا فزالت الرائحة ثم ذبحت فلا كراهة
فيها قطعا قال أصحابنا وليس للقدر الذي تعلفه من حد ولا لزمانه من ضبط وإنما الاعتبار بما يعلم في
العادة أو يظن أن رائحة النجاسة تزول به ولو لم تعلف لم يزل المنع بغسل اللحم بعد الذبح ولا بالطبخ
وان زالت الرائحة به ولو زالت بمرور الزمان قال البغوي لا يزول المنع وقال غيره يزول قال أصحابنا وكما
منع لحمها يمنع لبنها وبيضها للحديث الصحيح في لبنها قال أصحابنا ويكره الركوب عليها إذا لم يكن
بينها وبين الراكب حائل قال الصيدلاني وغيره إذا حرمنا لحمها فهو نجس ويطهر جلدها بالدباغ
وهذا يقتضى نجاسة الجلد أيضا قال الرافعي وهو نجس أن ظهرت الرائحة فيه وكذا ان لم تظهر على
على أصح الوجهين كاللحم قال أصحابنا وظهور النتن وان حرمنا اللحم ونجسناه فلا نجعله موجبا
لنجاسة الحيوان في حياته فانا لو نجسناه صار كالكلب لا يطهر جلده بالدباغ بل إذا حكمنا بتحريم
اللحم كان الحيوان كما لا يؤكل لحمه فلا يطهر جلده ويطهر بالدباغ والله أعلم *
(فرع) السخلة المرباة بلبن الكلبة لها حكم الجلالة المعتبرة ففيها وجهان (أصحهما)
يحل أكلها (والثاني) لا يحل وسبق بيانهما في أول هذا الباب قال أصحابنا ولا يحرم الزرع المزبل وان
كثر الزبل في أصله ولا ما يسقي من الثمار والزروع ماء نجسا وقد سبق في باب إزالة النجاسة بيان
هذا مع نظائره *
(فرع) لو عجن دقيق بماء نجس وخبزه فهو نجس يحرم أكله ويجوز أن يطعمه
لشاة أو بعير أو بقرة ونحوها نص عليه الشافعي رحمه الله ونقله عن نصه البيهقي في كتاب
29

السنن الكبير في باب نجاسة الماء الدائم واستدل البيهقي بالحديث المشهور وفى فتاوى صاحب الشامل
أنه يكره إطعام الحيوان المأكول نجاسة وهذا لا يخالف نص الشافعي في الطعام لأنه ليس بنجس
العين ومراد صاحب الشامل نجس العين ولا يجوز اطعام المعجون بماء نجس لصعلوك وسائل
وغيرهما من الآدميين بلا خلاف لأنه منهى عن أكل المتنجس بخلاف الشاة والبعير ونحوهما قال ابن
الصباغ في الفتاوي ولا يكره أكل البيض المصلوك بماء نجس كما لا يكره الوضوء بماء سخن بالنجاسة والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في الجلالة * قد ذكرنا أن مذهبنا أنه إذا تغير لحمها كرهت كراهة
تنزيه على الأصح ولا تحرم سواء لحمها ولبنها وبيضها وبه قال الحسن البصري ومالك وداود وكذا
لا يحرم ما سقي من الثمار والزروع ماء نجسا * وقال احمد يحرم لحم الجلالة ولبنها حتى تحبس وتعلف
أربعين يوما قال ويحرم الثمار والزروع والبقول المسقية ماء نجسا والله أعلم * واحتج أصحابنا لعدم التحريم
أن ما تأكله الدابة من الطاهرات يتنجس إذا حصل في كرشها ولا يكون غذاؤها إلا بالنجاسة ولا
يؤثر ذلك في إباحة لحمها ولبنها وبيضها ولان النحاسة التي تأكلها تنزل في مجاري الطعام ولا تخالط
اللحم وإنما ينتشى اللحم بها وذلك لا يوجب التحريم والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
(وأما حيوان البحر فإنه يحل منه السمك لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال (أحلت
لنا ميتتان ودمان فاما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال) ولا يحل أكل
الضفدع. لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الضفدع ولو حل أكله. لم ينه عن قتله وفيما سوى
30

ذلك وجهان (أحدهما) يحل لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (في
البحر اغتسلوا منه وتوضأوا به فإنه الطهور ماؤه الحل ميتته) ولأنه حيوان لا يعيش إلا في الماء
فحل أكله كالسمك (والثاني) ما أكل مثله في البر حل أكله وما لا يؤكل مثله في البر لم
يحل أكله اعتبارا بمثله) *
(الشرح) أما الأثر عن ابن عمر فصحيح سبق بيانه قريبا في فرع مذاهب العلماء في أكل الجراد (وأما)
حديث النهى عن قتل الضفدع فرواه أبو داود باسناد حسن والنسائي باسناد صحيح من رواية
عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التميمي الصحابي وهو ابن أخي طلحة بن عبيد الله * قال سأل
طبيب النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء فنهاه عن قتلها (وأما) حديث أبي هريرة
رضي الله عنه في البحر فصحيح ولفظه (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء بماء البحر فقال هو الطهور ماؤه
ماؤه الحل ميتته) وقد سبق بيانه واضحا في أول كتاب الطهارة والطحال - بكسر الطاء - والضفدع
- بكسر الضاد وبكسر الدال وفتحها - لغتان مشهورتان الكسر أفصح عند أهل اللغة وأنكر
جماعة منهم الفتح (قوله) حيوان لا يعيش الا في الماء احتراز من السباع ونحوها * (أما) الأحكام فقال أصحابنا
الحيوان الذي لا يهلكه الماء ضربان (أحدهما) ما يعيش في الماء وإذا خرج منه كان عيشه عيش
المذبوح كالسمك بأنواعه فهو حلال ولا حاجة إلى ذبحه بلا خلاف بل يحل مطلقا سواء مات بسبب
ظاهر كضغطة أو صدمة حجر أو انحسار ماء أو ضرب من الصياد أو غيره أو مات حتف أنفه سواء
طفا على وجه الماء أم لا وكله حلال بلا خلاف عندنا وأما ما ليس على صورة السموك المشهورة ففيه
31

ثلاثة أوجه مشهورة ذكرها المصنف في التنبيه وقال القاضي أبو الطيب وغيره فيه ثلاثة أقول (أصحها)
عند الأصحاب يحل الجميع وهو المنصوص للشافعي في الام ومختصر المزني واختلاف العراقيين لأن الصحيح أن اسم السمك يقع على جميعها وقد قال الله تعالى (أحل لكم صيد البحر وطعامه) قال
ابن عباس وغيره صيده ما صيد وطعامه ما قذف ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح " هو الطهور
ماؤه الحل ميتته " (والوجه الثاني) يحرم وهو مذهب أبي حنيفة (الثالث) ما يؤكل نظيره في البر كالبقر
والشاة وغيرهما فحلال وما لا يؤكل كخنزير الماء وكلبه فحرام فعلى هذا ما لا نظير له حلال لما ذكرناه
في دليل الأصح وعلى هذا الثالث لا يحل ما أشبه الحمار وإن كان في البر حمار الوحش المأكول صرح
بن ابن الصباغ والبغوي وغيرهما * وقال أصحابنا وإذا أبحنا الجميع فهل تشترط الزكاة أم تحل ميتته فيه
وجهان حكاهما البغوي وغيره ويقال قولان (أصحهما) يحل ميتته (الضرب) الثاني ما يعيش في الماء وفى البر
أيضا فمنه طير الماء كالبط والإوز ونحوهما وهو حلال كما سبق ولا يحل ميتته بلا خلاف بل تشترط
زكاته وعد الشيخ أبو حامد وامام الحرمين من هذا الضرب الضفدع والسرطان وهما محرمان على المذهب
الصحيح المنصوص وبه قطع الجمهور وفيهما قول ضعيف انهما حلال وحكاه البغوي في السرطان عن
الحليمي. وذوات السموم كالحية وغيرها حرام بلا خلاف (وأما) التمساح فحرام على الصحيح المشهور وبه قطع
المصنف في التنبيه والأكثرون وفيه وجه (وأما) السلحفاة فحرام على أصح الوجهين. قال الرافعي واستثنى
جماعة الضفدع من الحيوان الذي لا يعيش إلا في الماء تفريعا على الصحيح وهو حل الجميع وكذا
استثنوا الحيات والعقارب قال ومقتضى هذا الاستثناء أنها لا تعيش إلا في الماء قال ويمكن أن يكون
32

نوع منها كذا ونوع كذا قال واستثني القاضي أبو الطيب النسناس أيضا فجعله حراما
ووافقه الشيخ أبو حامد وخالفهما الروياني وغيره فأباحوه (قلت) الصحيح المعتمد أن جميع ما في البحر
تحل ميتته الا الضفدع ويحمل ما ذكره الأصحاب أو بعضهم من السلحفاة والحية والنسناس على ما يكون
في ماء غير البحر والله تعالى أعلم *
(فرع) قال الرافعي أطلق مطلوقون القول بحل طير الماء وكلها حلال الا اللقلق ففيه خلاف
سبق قال وقال الصيمري لا يؤكل طير الماء الأبيض لخبث لحمه والله أعلم *
(فرع) قد ذكرنا أن الصحيح من مذهبنا حل جميع ميتات البحر الا الضفدع وحكاه العبدري
عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وابن عباس رضي الله عنهم * قال وقال مالك يحل الجميع سواء
الضفدع وغيره * وقال أبو حنيفة لا يحل غير السمك *
(فرع) السمك الطافي حلال وهو الذي مات حتف أنفه فيحل عندنا كل ميتات البحر غير
الضفدع سواء ما مات بسبب وغيره وبه قال مالك واحمد وأبو داود وحكاه الخطابي عن أبي بكر الصديق
وأبى أيوب الأنصاري وعطاء بن أبي رياح ومكحول والنخعي وأبى ثور رضي الله عنهم * وقال أبو حنيفة
ان مات بسبب كضرب وانحسار الماء عنه حل وان مات بلا سبب حرم * وان مات بسبب حر الماء
أو برده ففيه روايتان عنه والمسألة مشهورة في كتب المذهب والخلاف بمسألة السمك الطافي وممن
قال بمنع السمك الطافي ابن عباس وجابر بن عبد الله وجابر بن زيد وطاووس * واحتج لهم بحديث
جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه وما مات فيه فطفا
33

فلا تأكلوه) رواه أبو داود * واحتج أصحابنا بقول الله تعالى (أحل لكم صيد البحر وطعامه) قال
ابن عباس وغيره صيده ما صدتموه وطعامه ما قدف وبعموم قوله صلى الله عليه وسلم (هو الطهور
ماؤه الحل ميتته) وهو حديث صحيح كما سبق بيانه وبحديث جابر ابن عبد الله قال بعثني النبي
صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة راكب وأميرنا أبو عبيدة ابن الجراح يطلب خبر قريش فأقمنا على
الساحل حتى فنى زادنا فأكلنا الخبط ثم أن البحر ألقى إلينا دابة يقال لها العنبر فأكلنا منه نصف
شهر حتى صلحت أجسامنا) رواه البخاري ومسلم وعن ابن عمر قال (غزونا فجعنا حتى أن الجيش
ليقسم التمرة والتمرتين فبينا نحن على شط البحر إذ رمى البحر بحوت ميت فاقتطع الناس منه ما شاءوا
من لحم وشحم وهو مثل الطرب فبلغني أن الناس لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه
فقال لهم أمعكم منه شئ) رواه البيهقي باسناد صحيح وعن ابن عباس قال (اشهد على أبى بكر رضي الله عنه
أنه قال السمكة الطافية فيه حلال لمن أراد أكلها) رواه البيهقي باسناد صحيح وروى البيهقي باسناده عن عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه عن علي بن أبي طالب قالا الحراد والنون زكي كله) وعن أبي أيوب
وأبى صرمنه الأنصاريين أنهما أكلا السمك الطافي) وعن ابن عباس قال (لا بأس بالسمك الطافي)
وعن أبي هريرة وزيد بن ثابت أنهما كانا لا يريان بأكل ما لفظ البحر بأسا) وعن عبد الله بن عمر
وعبد الله بن عمرو بن العاص مثله روى البيهقي هذا كله بأسانيده المتصلة (وأما) الجواب عن حديث
جابر الذي احتج به الأولون فهو انه حديث ضعيف باتفاق الحفاظ لا يجوز الاحتجاج به لو لم يعارضه
شئ فكيف وهو معارض بما ذكرناه من دلائل الكتاب والسنة وأقاويل الصحابة رضي الله عنهم
34

المنتشرة وهذا الحديث من رواية يحيى بن سليم الطائفي عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن
جابر قال البيهقي يحيى ابن سليم الطائفي كثير الوهم سئ الحفظ قال وقد رواه غيره عن إسماعيل
ابن أمية موقوفا على جابر قال وقال الترمذي سألت البخاري عن هذا الحديث فقال ليس هو
بمحفوظ قال ويروى عن جابر خلافه قال ولا أعرف لاثر ابن أمية عن أبي الزبير شيئا قال البيهقي
وقد رواه أيضا يحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير مرفوعا ويحيى بن أبي أنيسة متروك لا يحتج به قال
ورواه عبد العزيز بن عبيد الله عن وهب بن كيسان عن جابر مرفوعا وعبد العزيز ضعيف لا يحتج
به قال ورواه تقيه بن الوليد عن الأوزاعي عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا ولا يحتج بما ينفرد به تقية
فكيف بما يخالف قال وقول الجماعة من الصحابة على خلاف قول جابر مع ما رويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال في البحر (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(وأما غير الحيوان فضربان طاهر ونجس (فأما) النجس فلا يؤكل لقوله تعالى (ويحرم عليهم
الخبائث) والنجس خبيث وروى (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الفأرة تقع في السمن إن كان جامدا
فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فأريقوه) فلو حل أكله لم يأمر بإراقته (وأما) الطاهر فضربان
(ضرب) يضر (وضرب) لا يضر فما يضر لا يحل أكله كالسم والزجاج والتراب والحجر والدليل عليه قوله
تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) وقوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وأكل هذه الأشياء تهلكة
فوجب أن لا يحل وما لا يضر يحل أكله كالفواكه والحبوب والدليل عليه قوله تعالى (قل من حرم
زينة الله التي أخرج لعبادة والطيبات من الرزق) *
35

(الشرح) أما حديث فأرة السمن فبعضه في الصحيح وبعضه في غيره فعن ابن عباس عن
ميمونة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة سقطت في سمن فماتت فقال النبي صلى الله عليه
وسلم خذوها وما حولها وكلوا سمنكم " رواه) البخاري وفى رواية له (ألقوها وما حولها وكلوه) وعن
أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامدا فالقوها وما حولها
وإن كان مائعا فلا تقربوه) رواه أبو داود باسناد صحيح ولم يضعفه وذكره الترمذي باسناد أبى داود ثم
قال وهذا حديث غير محفوظ قال سمعت البخاري يقول هو خطأ قال والصحيح حديث ابن عباس
عن ميمونة وذكره البيهقي من رواية أبى داود ولم يضعفه فهو وأبو داود متفقان على السكوت عليه مع
صحة اسناده قال الخطابي وروى في بعض الأخبار (وإن كان مائعا فأريقوه) (واما) السم والزجاج
ففيهما ثلاث لغات - فتح السين والزاي وضمهما وكسرهما والفصيح فتح السين وضم الزاي - (أما)
الأحكام ففيها مسائل (إحداها) قال أصحابنا يحرم أكل نجس العين كالميتة ولبن الأتان والبول وغير
ذلك وكذا يحرم أكل المتنجس كاللبن والخل والدبس والطبيخ والدهن وغيرها إذا تنجست وهذا
لا خلاف فيه وقد سبق في باب إزالة النجاسة وجه ضعيف ان الدهن يطهر بالغسل فعلى هذا الوجه
إذا غسل طهر وحل أكله ودليل المسألة ما ذكره المصنف * واعلم أنه يستثني من قولهم لا يحل أكل
شئ نجس مسألة وهي الدود المتولد من الفواكه والجبن والخل والباقلا ونحوها فإنه إذا مات فيما تولد
منه نجس بالموت على المذهب وفي حل أكل هذا الدود ثلاثة أوجه (أصحهما) يحل أكله مع ما تولد
منه لا منفردا (والثاني) يحل مطلقا (والثالث) يحرم مطلقا فعلى الصحيح يكون نجسا لا ضرر
36

في أكله ويحل أكله معه فيحتاج إلى استثنائه والله سبحانه أعلم * ولو تنجس فمه حرم عليه
الأكل والشرب قبل غسله لان ما يصل إليه ينجس فيكون أكل نجاسة وينبغي أن يبالغ
في غسله وقد سبقت هذه المسألة في آخر باب إزالة النجاسة (الثانية) لا يحل أكل
ما فيه ضرر من الطاهرات كالسم القاتل والزجاج والتراب الذي يؤذى البدن وهو هذا الذي يأكله
بعض النساء وبعض السفهاء وكذلك الحجر الذي يضر أكله وما أشبه ذلك ودليله في الكتاب قال إبراهيم
المروذي وردت أخبار في النهى عن أكل الطين ولم يثبت شئ منها قال وينبغي أن نحكم بالتحريم
إن ظهرت المضرة فيه وقد جزم المصنف وآخرون بتحريم أكل التراب وجزم به القاضي حسين في
باب الربا قال أصحابنا ويجوز شرب دواء فيه قليل سم إذا كان الغالب منه السلامة واحتيج إليه قال
امام الحرمين ولو تصور شخص لا يضره أكل السموم الطاهرة لم يحرم عليه إذا لا ضرر قال الرياني
والنبات الذي يسكر وليس فيه شدة مطربة يحرم أكله ولا حد على أكله قال ويجوز استعماله في
الدواء وان أفضى إلى السكر ما لم يكن منه بد قال وما يسكر مع غيره ولا يسكر بنفسه ان لم ينتفع به
في دواء وغيره فهو حرام وإن كان ينتفع به في التداوي حل التداوي به والله أعلم (الثالثة) كل طاهر لا ضرر فيه
فهو حلال الا ثلاثة أنواع وذلك كالخبز والماء واللبن والفواكه والحبوب واللحوم الطاهرة وغير ذلك
لما ذكره المصنف والاجماع (وأما) الأنواع الثلاثة المستثناة (فأحدها) المستقذرات كالمخاط والمني ونحوهما
وهي محرمة على الصحيح المشهور وفيه وجه ضعيف حكاه امام الحرمين وغيره أنها حلال وممن قال
به في المنى أبو زيد المروزي وحكم العرق حكم المني والمخاط وقد جزم الشيخ أبو حامد في تعليقه
37

عقب كتاب السلم في مسألة بيع لبن الآدميات بأنه يحرم شرب العرق (الثاني) الحيوان الصغير كصغار
العصافير ونحوها يحرم ابتلاعه حيا بلا خلاف لأنه لا يحل الا بزكاة هذا في غير السمك والجراد
(أما) السمك والجراد فيحل ابتلاعهما في الحياة على أصح الوجهين (الثالث) جلد الميتة المدبوغ
في أكله ثلاثة أقوال أو أوجه سبقت في باب الآنية (أصحها) أنه حرام (والثاني) حلال (والثالث)
إن كان جلد حيوان مأكول فحلال والا فلا. وهذه الثلاثة ترد على المصنف حيث لم يستثنها
والله سبحانه أعلم *
(فرع) قال الخطابي اختلف العلماء في الزيت إذا وقعت فيه نجاسة فقال جماعة من
أصحابنا الحديث لا يجوز الانتفاع به بوجه من الوجوه لقوله (صلى الله عليه وسلم فلا تقربوه) وقال أبو حنيفة هو
نجس لا يجوز أكله ولا شربه ويجوز الاستصباح به وبيعه * وقال الشافعي لا يجوز أكله ولا بيعه ويجوز
الاستصباح به * وقال داود إن كان سمنا لم يجز بيعه ولا أكله وشربه وإن كان زيتا لم يحرم
أكله ولا بيعه وزعم أن الحديث مختص بالسمن وهو لا يقاس والله أعلم * هذا كلام الخطابي وقد
سبق في باب ما يكره لبسه وان المذهب الصحيح جواز الاستصباح بالدهن النجس والمتنجس سواء
ودك الميتة وغيره وسبقت هناك مذاهب العلماء في الانتفاع بالنجاسات والله أعلم *
(فرع) وقعت فأرة ميتة أو غيرها من النجاسات في سمن أو زيت أو دبس أو عجين
أو طبيخ أو غير ذلك قال أصحابنا حكمه ما في الحديث الذي ذكره المصنف أنه إن كان مائعا نجسته
وإن كان جامدا ألقيت النجاسة وما حولها وبقى الباقي طاهرا قالوا وضابط الجامد أنه إذا أخذت
38

منه قطعة لم يراد إلى موضعها منه على القرب ما يملؤها فان تراد فمائع وقد سبقت هذه المسألة في باب
إزالة النجاسة في مسألة ولوغ الكلب والله أعلم *
(فرع) قال العبدري لو نصب قدرا على النار وفيها لحم فوقع فيها طائر فمات فأخرج
الطائر صار ما في القدر نجسا فيراق المرق ولا يجوز أكل اللحم إلا بعد غسله * هذا مذهبنا وبه قال
ابن عباس. وعن مالك روايتان (أحدهما) كمذهبنا (وأصحهما) عنه أنه يراق المرق ويرمي اللحم
فلا يؤكل والله أعلم *
(فرع) قال الغزالي في أحياء علوم الدين في أول كتاب الحلال والحرام لو وقعت ذبابة
أو نحلة في قدر طبيخ وتهرأت أجزاؤها فيه لم يحرم أكل ذلك الطبيخ لان تحريم أكل الذباب
والنمل ونحوه إنما كان للاستقذار ولا يعد هذا مستقذرا قال ولو وقع فيه جزء من لحم آدمي ميت لم
يحل أكل شئ من ذلك الطبيخ حتى لو كان لحم الآدمي وزن دانق حرم الطبيخ لا لنجاسة فان
الآدمي الميت طاهر على الصحيح ولكن لان أكل الادمي حرام لحرمته لا لاستقذاره بخلاف الذباب
هذا كلام الغزالي والمختار الصحيح أنه لا يحرم الطبيخ في مسألة لحم الآدمي لأنه صار مستهلكا فهو
كالبول وغيره إذا وقع في قلتين من الماء فإنه يجوز استعمال جميعه ما لم يتغير لان البول صار باستهلاكه
كالمعدوم والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
(ومن اضطر إلى أكل الميتة أو لحم الخنزير فله أن يأكل منه ما يسد به الرمق لقوله تعالى
(فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) وهل يجب أكله فيه وجهان (أحدهما) يجب لقوله
39

تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) (والثاني) لا يجب وهو قول أبى اسحق لان له غرضا في تركه وهو أن
يجتنب ما حرم عليه وهل يجوز أن يشبع منه فيه قولان (أحدهما) لا يجوز وهو اختيار المزني لأنه
بعد سد الرمق غير مضطر فلا يجوز له أكل الميتة كما لو أراد أن يبتدئ بالاكل وهو غير مضطر
(والثاني) يحل لان كل طعام جاز أن يأكل منه قدر سد الرمق جاز له أن يشبع منه كالطعام الحلال
وان اضطر إلى طعام غيره وصاحبه غير مضطر إليه وجب عليه بذله لان الامتناع من بذله إعانة على
قتله وقد قال (النبي صلى الله عليه وسلم من أعان على قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم
القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله) وان طلب منه ثمن المثل لزمه أن يشتريه منه ولا يجوز
أن يأكل الميتة لأنه غير مضطر فان طلب أكثر من ثمن المثل أو امتنع من بذله فله أن يقاتله عليه
فإن لم يقدر على مقاتلته فاشترى منه بأكثر من ثمن المثل ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه لأنه ثمن في بيع
صحيح (والثاني) لا يلزمه الا ثمن المثل كالمكره على شرائه فلم يلزمه أكثر من ثمن المثل وان وجد
الميتة وطعام الغير وصاحبه غائب ففيه وجهان (أحدهما) أنه يأكل الطعام لأنه طاهر فكان أولى (والثاني) يأكل الميتة لان أكل الميتة ثبت بالنص وطعام الغير ثبت بالاجتهاد فقدم أكل الميتة عليه
ولان المنع من أكل الميتة لحق الله سبحانه وتعالى والمنع من طعام الغير لحق الآدمي وحقوق الله تعالى
مبنية على التسهيل وحقوق الآدمي مبنية على التشديد وان وجد ميتة وصيدا وهو محرم ففيه طريقان
(من) أصحابنا من قال إذا قلنا أنه إذا ذبح المحرم الصيد صار ميتة أكل الميتة وترك الصيد لأنه إذا ذكاه صار
ميتة ولزمه الجزاء (وان قلنا) أنه لا يصير ميتة أكل الصيد لأنه طاهر ولان تحريمه أخف لأنه يحرم عليه
40

وحده والميتة محرمة عليه وعلى غيره (ومن) أصحابنا من قال إن قلنا أنه يصير ميتة أكل الميتة وان قلنا أنه
لا يكون ميتة ففيه قولان (أحدهما) يذبح الصيد ويأكله لأنه طاهر ولان تحريمه أخف على
ما ذكرناه (والثاني) أنه يأكل الميتة لأنه منصوص عليها والصيد مجتهد فيه وان اضطر ووجد آدميا
ميتا جاز له أكله لان حرمة الحي آكد من حرمة الميت وان وجد مرتدا أو من وجب قتله في الزنا
جاز له أن يأكله لان قتله مستحق وان اضطر ولم يجد شيئا فهل يجوز له أن يقطع شيئا من بدنه
ويأكله فيه وجهان (قال) أبو إسحاق يجوز لأنه احياء نفس بعضو فجاز كما يجوز أن يقطع عضوا
إذا وقعت فيه الآكلة لاحياء نفسه ومن أصحابنا من قال لا يجوز لأنه إذا قطع عضوا منه كان المخافة
عليه أكثر وان اضطر إلى شرب الخمر أو البول شرب البول لان تحريم الخمر أغلظ ولهذا يتعلق به
الحد فكان البول أولى وان اضطر إلى شرب الخمر وحدها ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه لا يجوز
أن يشرب لما روت أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ان الله سبحانه وتعالى لم
يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) (والثاني) يجوز لأنه يدفع به الضرر عن نفسه فصار كما لو أكره
على شربها (والثالث) أنه ان اضطر إلى شربها للعطش لم يجز لأنها تزيد في الالهاب والعطش وان
اضطر إليها للتداوي جاز) *
(الشرح) حديث (من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة) رواه (1) وأما حديث أم سلمة
فرواه أبو يعلى الموصلي في مسنده باسناد صحيح الا رجلا واحدا فإنه مستور والأصح جواز الاحتجاج
برواية المستور ورواه البيهقي أيضا (أما) الأحكام ففيها مسائل (إحداها) أجمعت الأمة على أن المضطر

(1) بياض بالأصل فحرر
41

إذا لم يجد طاهرا يجوز له أكل النجاسات كالميتة والدم ولحم الخنزير وما في معناها ودليله في الكتاب
وفى وجوب هذا الاكل وجهان ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) يجب وبه قطع كثيرون أو
الأكثرون وصححه الباقون (والثاني) لا يجب بل هو مباح فان أوجبنا الاكل فإنما يجب سد الرمق
دون الشبع صرح به الدارمي وصاحب البيان وآخرون. واتفقوا على أن المضطر إذا وجد طاهرا يملكه
لزمه أكله (الثانية) في حد الضرورة قال أصحابنا لا خلاف أن الجوع القوى لا يكفي لتناول الميتة
ونحوها قالوا ولا خلاف أنه لا يجب الامتناع إلى الاشراف على الهلاك فان الاكل حينئذ لا ينفع ولو انتهى إلى تلك الحال لم يحل له أكلها لأنه غير مفيد واتفقوا على جواز الأكل إذا خاف على نفسه
لو لم يأكل من جوع أو ضعف عن المشي أو عن الركوب وينقطع عن رفقته ويضيع ونحو ذلك
فلو خالف حدوث مرض مخوف في جنسه فهو كخوف الموت وان خاف طول المرض فكذلك
في أصح الوجهين وقيل أنهما قولان ولو عيل صبره وأجهده الجوع فهل يحل له الميتة ونحوها
أم لا يحل حتى يصل إلى أدنى الرمق فيه قولان ذكرهما البغوي وغيره (أصحهما) الحل قال إمام
الحرمين وغيره ولا يشترط فيما يخافه تيقن وقوعه لو لم يأكل بل يكفي غلبة الظن قالوا كما أن المكره
على أكل الميتة يباح له أكلها إذا ظن وقوع ما خوف به ولا يشترط أن يعلم ذلك فإنه لا يطلع على
الغيب وجملة جهات الظن مستندها الظن والله تعالى أعلم. (الثالثة) قال أصحابنا يباح للمضطر أن
يأكل من الميتة ما يسد الرمق بلا خلاف ولا يباح له الزيادة على الشبع بلا خلاف وفى حل الشبع
قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما وذكر إمام الحرمين وغيره أن الأصحاب نقلوا في المسألة
ثلاثة أقوال (أحدها) لا يباح الشبع وإنما يباح سد الرمق وهو أن يصير إلى حالة لو كان عليها في
الابتداء لما جاز أكل الميتة لان الضرورة تزول بهذا والتمادي في أكل الميتة من غير ضرورة ممتنع
(والثاني) يباح الشبع قال إمام الحرمين وليس معني الشبع أن يمتلئ حتى لا يجد للطعام مساغا
ولكن إذا انكسرت سورة الجوع بحيث لا ينطق عليه اسم جائع أمسك (والثالث) إن كان بعيدا
42

من العمران حل الشبع والا فلا. هكذا أطلق الخلاف جماهير الأصحاب في الطريقين ونقله إمام الحرمين
هكذا عن الأصحاب ثم أنكره عليهم وقال الذي يجب القطع به التفصيل وذكر هو والغزالي تفصيلا
جاء نقله أنه إن كان في بادية وخاف ان ترك الشبع أن لا يقطعها ويهلك وجب القطع بأنه يشبع
وإن كان في بلد وتوقع طعاما طاهرا قبل عود الضرورة وجب القطع بالاقتصار على سد الرمق وإن كان
لا يظهر حصول طعام طاهر وأمكن الحاجة إلى العود إلى أكل الميتة مرة بعد أخرى ان لم
يجد الطاهر فهذا محل الخلاف وهذا التفصيل الذي ذكره الامام والغزالي تفصيل حسن وهو
الراجع واختلف الأصحاب في الراجح من الخلاف فرجح أبو علي الطبري في الافصاح والروياني وغيرهما
حل الشبع ورجح القفال وكثيرون وجوب الاقتصار على سد الرمق وتحريم الشبع وهذا هو الصحيح
والله سبحانه أعلم * (الرابعة) قال أصحابنا يجوز له التزود من الميتة ان لم يرج الوصول إلى طاهر
قان رجاه فوجهان (أحدهما) لا يجوز وبه قطع البغوي وغيره (وأصحهما) يجوز وبه قطع القفال
وغيره وزاد القفال فقال يجوز حمل الميتة من غير ضرورة ما لم يتلوث بها (الخامسة) إذا جوزنا
الشبع فأكل ما سد رمقه ثم وجد لقمة حلالا لم يجز أن يأكل من الميتة حتى يأكل تلك اللقمة
فإذا أكلها هل له إتمام الاكل من الميتة إلى الشبع فيه وجهان حكاهما البغوي عن شيخه
القاضي حسين (أصحهما) له ذلك لأنه كان مباحا (والثاني) لا لأنه بوجود اللقمة عاد إلى المنع فيحتاج
إلى عود الضرورة *
(فرع) لو لم يجد المضطر الا طعام غيره وهو غائب أو ممتنع من البذل فله الاكل منه
بلا خلاف وهل له الشبع أم يلزمه الاقتصار على سد الرمق فيه طرق (أصحها) طرد الخلاف كالميتة
(والثاني) يباح الشبع قطعا (والثالث) يحرم قطعا بل يقتصر على سد الرمق (السادسة) في بيان
جنس المباح * قال أصحابنا المحرم الذي يحتاج المضطر إلى تناوله ضربان مسكر وغيره (أما) المسكر
فسنذكره إن شاء الله تعالى بعد انقضاء هذه المسائل حيث ذكره المصنف بعد هذا (وأما) غير المسكر
43

فيباح جميعه ما لم يكن فيه اتلاف معصوم فيجوز للمضطر أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وشرب
البول وغير ذلك من النجاسات ويجوز له قتل الحربي والمرتد وأكلهما بلا خلاف (وأما) الزاني
المحصن والمحارب وتارك الصلاة ففيهم وجهان
(أصحهما) وبه قطع امام الحرمين والمصنف والجمهور
يجوز قال الامام لأنا إنما منعنا من قتل هؤلاء تفويضا إلى السلطان لئلا يفتات عليه وهذا العذر
لا يوجب التحريم عند تحقق ضرورة المضطر (وأما) إذا وجد المضطر من له عليه قصاص فله قتله
قصاصا وأكله سواء حضره السلطان أم لا لما ذكرناه في المسألة قبلها صرح به البغوي وآخرون
(وأما) نساء أهل الحرب وصبيانهم ففيهم وجهان (أحدهما) وبه قطع البغوي لا يجوز قتلهم للاكل
لان قتلهم حرام فأشبه الذمي (والثاني) وهو الأصح يجوز وبه قال امام الحرمين والغزالي لأنهم ليسوا
معصومين وليس المنع من قتلهم لحرمة نفوسهم بل لحق الغانمين ولهذا لا تجب الكفارة على قاتلهم
(وأما) الذمي والمعاهد والمستأمن فمعصومون فيحرم قتلهم للاكل بلا خلاف ولا خلاف أنه
لا يجوز لوالد قتل ولده ليأكله ولا للسيد قتل عبده ليأكله وإن كان لا قصاص عليه في قتله لأنه
معصوم (أما) إذا لم يجد المضطر الا آدميا ميتا معصوما ففيه طريقان (أصحهما وأشهرهما) يجوز
وبه قطع المصنف والجمهور (والثاني) فيه وجهان حكاهما البغوي (الصحيح) الجواز لان حرمة الحي
آكد (والثاني) لا لوجوب صيانته وليس بشئ وقال الدارمي إن كان الميت كافرا حل أكله وإن كان
مسلما فوجهان * ثم إن الجمهور أطلقوا المسألة قال الشيخ إبراهيم المروذي الا إذا كان الميت
نبيا فلا يجوز الاكل منه بلا خلاف لكمال حرمته ومزيته على غير الأنبياء قال الماوردي فان
جوزنا الاكل من الآدمي الميت فلا يجوز أن نأكل منه الا ما يسد الرمق بلا خلاف حفظا للحرمتين قال
وليس له طبخه وشيه بل يأكله نيئا لان الضرورة تندفع بذلك وفى طبخه هتك لحرمته فلا يجوز الاقدام
عليه بخلاف سائر الميتات فان للمضطر أكلها نية ومطبوخة ولو كان المضطر ذميا ووجد مسلما ميتا
ففي حل أكله له وجهان حكاهما البغوي ولم يرجح واحدا منهما والقياس تحريمه لكمال شرف
44

الاسلام ولو وجد ميتة ولحم آدمي أكل الميتة ولم يجز أكل الآدمي سواء كانت الميتة خنزيرا
أو غيره ولو وجد المحرم صيدا ولحم آدمي اكل الصيد لحرمة الآدمي *
(فرع) لو أراد المضطر أن يقطع قطعه من نفسه من فخذه أو غيرها ليأكلها فإن كان
الخوف منه كالخوف في ترك الأكل أو أشد حرم القطع بلا خلاف وصرح به امام الحرمين وغيره
والا ففيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) جوازه وهو قول ابن سريج وأبى اسحق المروزي
(والثاني) لا يجوز اختاره أبو علي الطبري وصححه الرافعي في المحرر والصحيح الأول وممن صححه الرافعي في
الشرح والنسخ وإذا جوزناه فشرطه أن لا يجد شيئا غيره فان وجد حرم القطع بلا خلاف ولا يجوز أن
يقطع لنفسه من معصوم غيره بلا خلاف وليس للغير أن يقطع من أعضائه شيئا ليدفعه إلى المضطر بلا خلاف
صرح به امام الحرمين والأصحاب (السابعة) إذا وجد المضطر طعاما حلالا طاهرا لغيره فله حالان (أحدهما) أن يكون
صاحبه حاضرا (الثاني) أن يكون غائبا فان حضر نظر إن كان المالك مضطرا إليه أيضا فهو أولى به
وليس للآخران يأخذه منه إذا لم يفضل عن حاجته الا أن يكون غير المالك نبيا فإنه يجب على
المالك بذله له هكذا قالوه والحكم صحيح لكن المسألة غير متصورة في هذه الأزمان وتتصور في زمن
نزول عيسى بن مريم عليكم وقد تكون مسألة علمية والله أعلم * قال أصحابنا فان آثر المالك غيره على
نفسه فقد أحسن قال الله تعالى (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) قالوا وإنما يجوز أن يؤثر
على نفسه مسلما فأما الكافر فلا يؤثره حربيا كان أو ذميا وكذا لا يؤثر على نفسه بهيمة والله أعلم *
(أما) إذا لم يكن المالك مضطرا فيلزمه اطعام المضطر مسلما كان أو ذميا أو مستأمنا وكذا لو كان
يحتاج إليه في ثاني الحال على أصح الوجهين وللمضطر أن يأخذه قهرا وله مقاتله المالك عليه فان أتى
القتال على نفس المالك فلا ضمان فيه وان قتل المالك المضطر في الدفع عن طعام لزمه القصاص وان
منعه الطعام فمات جوعا فلا ضمان قال الماوردي ولو قيل يضمن لكان مذهبا قال أصحابنا وفى القدر
الذي يلزم المالك بذله ويجوز للمضطر أخذه قهرا والقتال عليه قولان (أصحهما) ما يسد الرمق (والثاني)
45

قدر الشبع بناء على القولين فيما يحل له من الميتة وهل يجب على المضطر الاخذ قهرا والقتال فيه
خلاف مرتب على الخلاف في وجوب أكل الميتة وأولى بأن لا يجب (والأصح) هنا أنه يجب الاخذ قهرا
ولا يجب القتال لأنه إذا لم يجب دفع الصائل فهنا أولي وخص البغوي الخلاف بما إذا لم يكن عليه
خوف في الاخذ قهرا قال فان خاف لم يجب قطعا وحيث أوجبنا على المالك بذله للمضطر ففي الحاوي وجه ضعيف انه يلزمه بذله مجانا ولا يلزم المضطر شئ كما يأكل الميتة بلا شئ والمذهب انه لا يلزمه
البذل الا بعوض وبهذا قطع الجمهور * وفرقوا بينه وبين ما إذا خلص مشرفا على الهلاك بالوقوع في ماء
أو نار فإنه لا يثبت له أجرة المثل بلا خلاف بأن هناك يلزمه التخليص ولا يجوز تأخيره إلى تقدير
الأجرة وهنا بخلافه * وسوى القاضي أبو الطيب الطبري وغيره بينهما وقالوا ان احتمل الحال هناك
موافقة على أجرة يبذلها أو يلتزمها لم يلزم تخليصه حتى يلتزمها كما في المضطر وإن لم يحتمل الحال
التأخير في صورة المضطر فأطعمه لم يلزمه العوض فلا فرق بينهما ثم إن بذل المالك طعامه مجانا لزمه
قبوله ويأكل منه حتى يشبع وان بذله بالعوض نظر ان لم يقدر العوض لزم المضطر بذله وهو مثله إن كان
مثليا وإن كان متقوما لزمه قيمة ما أكل في ذلك الزمان والمكان وله أن يأكل حتى يشبع
وان قدر له العوض فإن لم يفرد ما يأكله فالحكم كذلك وان أفرده فإن كان المقدر ثمن المثل فالبيع
صحيح وللمضطر ما فضل عن الآخر وإن كان أكثر من ثمن المثل والتزمه ففيما يلزمه أوجه (أصحها)
عند القاضي أبى الطيب يلزمه المسمى لأنه التزمه بعقد لازم (وأصحها) عند الروياني لا يلزمه إلا ثمن
المثل في ذلك الزمان والمكان لأنه كالمكره (والثالث) وهو اختيار الماوردي إن كانت الزيادة لا تشق
على المضطر ليساره لزمته والا فلا قال أصحابنا وينبغي للمضطر أن يحتال في أخذه منه ببيع فاسد
ليكون الواجب القيمة بلا خلاف قال الرافعي وقد يفهم من كلامهم القطع بصحة البيع وان الخلاف
فيما يلزمه ثمنا لكن الوجه جعل الخلاف في صحة العقد لمعني وان المضطر هل هو مكره أم لا وفى
تعليق الشيخ أبي حامد ما يبين ذلك وقد صرح به امام الحرمين وقال الشراء بالثمن الغالي لضرورة
هل نجعله كرها حتى لا يصح الشراء فيه وجهان (أقيسهما) صحة البيع قال وكذا المصادر من جهة
46

السلطان الظالم إذا باع ماله للضرورة في المصادرة ودفع الأذى الذي يخافه فيه وجهان
(أصحهما) صحة البيع لأنه لا اكراه على نفس البيع ومقصود الظالم تحصيل المال
من أي جهة كان وبهذا قطع الشيخ إبراهيم المروذي واحتج به لوجه لزوم المسمى في
مسألة المضطر *
(فرع) متى باع المضطر بثمن المثل ومع المضطر مال لزمه شراؤه وصرف ما معه من المال
إلى الثمن حتى لو كان معه ساتر عورته لزمه صرفه إليه ان لم يخف الهلاك بالبرد ويصلى عاريا لان كشف
العورة أخف من أكل الميتة ولهذا يجوز أخذ الطعام قهرا ولا يجوز أخذ ساتر العورة قهرا فإن لم يكن
معه مال لزمه التزامه في ذمته سواء كان له في موضع آخر أم لا ويلزم المالك في هذا الحال البيع
نسيئة قال أصحابنا والشراء هنا واجب بلا خلاف ولا يجئ فيه الوجه السابق أنه لا يجب الاكل
من الميتة بل يجوز لان ذلك القائل يقول لا يجب لان فيه مباشرة النجاسة وهذا مقصود في مسألة
الطعام الطاهر *
(فرع) ليس للمضطر الاخذ قهرا إذا بذل المالك بثمن المثل فان طلب أكثر من ثمن
المثل فله أن لا يقبل ويأخذه قهرا ويقاتله فان اشتراه بالزيادة مع امكان أخذه قهرا فهو مختار في الزيادة فيلزمه
المسمى بلا خلاف والخلاف السابق إنما هو فيمن عجز عن الاخذ قهرا *
(فرع) لو أطعمه المالك ولم يصرح بالإباحة فوجهان (الأصح) انه لا عوض عليه ويحمل على
الإباحة والمسامحة المعتادة بالطعام (والثاني) يلزمه العوض وهو شبيه بالخلاف فيمن عرف بالعمل بأجرة
إذا استعمله انسان بغير شرط أجرة والأصح انها لا تجب ولو اختلفا فقال المالك أطعمتك بعوض فقال
المضطر بل مجانا فوجهان حكاهما صاحبا العدة والبيان قولين (أصحهما) يصدق المالك لأنه أعرف
بدفعه (والثاني) المضطر لان الأصل براءته ولو أوجر المالك المضطر قهرا أو أوجره وهو مغمى عليه
فهل يستحق القيمة عليه فيه وجهان (أصحهما) يستحق لأنه خلصه من الهلاك كمن عفا عن القصاص
ولما فيه من التحريض على مثل ذلك *
47

(فرع) كما يجب بذل المال لابقاء الآدمي المعصوم يجب بذله لابقاء البهيمة المحترمة وإن كانت
ملكا للغير ولا يجب البذل للحربي ولا للمرتد والكلب العقور ولو كان لرجل كلب مباح المنفعة
جائع وشاة لزمه ذبح الشاة لاطعام الكلب قال البغوي وله أن يأكل من لحمها لأنها ذبحت للاكل
قال القاضي حسين ولو كان معه كلب مضطر ومع غيره شاة ليس مضطرا إليها لزمه بذلها فان امتنع
فلصاحب الكلب قهره ومقاتلته لما سبق والله أعلم (الحال الثاني) أن يكون المالك غائبا فيجوز
للمضطر أكل طعامه ويغرم له بدله وفى وجوب الاكل والقدر المأكول ما سبق من الخلاف وإن كان
الطعام لصبي أو مجنون والولي غائب فكذلك الحكم وإن كان حاضرا فهو في مالهما ككامل
الحال في ماله * قال أصحابنا وهذه إحدى الصور التي يجوز فيها بيع مال الصبي نسيئة والله أعلم (المسألة
الثامنة) إذا وجد المضطر ميتة وطعام الغير وهو غائب فثلاثة أوجه وقيل ثلاثة أقوال (أصحها) يجب
أكل الميتة (والثاني) يجب أكل الطعام ودليلهما في الكتاب (والثالث) يتخير بينهما وأشار
إمام الحرمين إلى أن هذا الخلاف مأخوذ من الخلاف في اجتماع حق الله تعالى وحق الآدمي ولو كان
صاحب الطعام حاضرا فان بذله بلا عوض أو بثمن مثله أو بزيادة يتغابن الناس بمثلها ومعه ثمنه
أو رضى بذمته لزمه القبول ولم يجز أكل الميتة فإن لم يبعه إلا بزيادة كثيرة فالمذهب والذي قطع به
العراقيون والطبريون وغيرهم أنه لا يلزمه شراؤه لكن يستحب وإذا لم يلزمه الشراء فهو كما إذا لم يبذله
أصلا وإذا لم يبذله لم يقاتله عليه المضطر إن خاف من المقاتلة على نفسه أو خاف اهلاك المالك في المقاتلة
بل يعدل إلى الميتة وإن كان لا يخاف لضعف المالك وسهولة دفعه فهو على الخلاف المذكور فيما إذا
كان غائبا هذا كله تفريع على المذهب الصحيح وقال البغوي يشتريه بالثمن الغالي ولا يأكل الميتة
ثم يجئ الخلاف السابق في أنه يلزمه المسمى أم ثمن المثل قال وإذا لم يبذل أصلا وقلنا طعام الغير أولى
من الميتة يجوز أن يقاتله ويأخذه قهرا والله أعلم * (التاسعة) لو اضطر محرم ولم يجد إلا صيدا فله
ذبحه وأكله ويلزمه الفدية وقد سبقت المسألة في كتاب الحج وان وجد صيدا وميتة فله طريقان
48

ذكرهما المصنف والأصحاب (أحدهما) أنه مبني على القولين السابقين في كتاب الحج أن المحرم إذا
ذبح صيدا هل يصير ميتة فيحرم على جميع الناس أم لا يكون ميتة فلا يحرم على غيره (والأصح) أنه
يصير ميتة (فان قلنا) يصير ميتة أكل الميتة والا فالصيد (والطريق الثاني) ان قلنا يصير ميتة أكل
الميتة والا فأيهما يأكل فيه قولان ودليل الجميع في الكتاب ومن الأصحاب من حكى في المسألة
ثلاثة أقوال أو أوجه (أصحها) يلزمه أن يأكل الميتة (والثاني) يلزمه أكل الصيد (والثالث) يتخير وحكاه
الدارمي عن أبي على ابن أبي هريرة والصحيح على الجملة وجوب أكل الميتة * ولو وجد المحرم لحم
صيد مذبوح وميتة فإن كان ذابحه حلال ذبحه لنفسه فهذا مضطر وجد ميتة وطعام الغير وقد سبق
حكمه وان ذبح هذا المحرم قبل احرامه فهو واجد طعام حلال لنفسه فليس مضطرا فان ذبحه في
الاحرام أو ذبحه محرم آخر وقلنا هو حرام على كل أحد فثلاثة أوجه (أصحها) يتخير بينهما (والثاني)
يتعين لحم الصيد (والثالث) الميتة وقال الدارمي ان قلنا إنه ميتة أكل من أيهما شاء وغير الصيد أولى
وإن قلنا ليس بميتة فوجهان (أحدهما) يأكله (والثاني) يأكل الميتة ولو وجد المحرم صيدا وطعام
الغير فثلاثة أوجه أو أقوال سواء جعلناه ميتة أم لا (أحدها) يتعين الصيد (والثاني) الطعام (والثالث)
يتخير هذا إذا كان مالك الطعام غائبا فان حضر ومنعه تعين الصيد وان بذله تعين الطعام صرح
به الدارمي وغيره وان وجد ميتة وصيدا وطعام الغير فسبعة أوجه ذكرها إمام الحرمين وغيره (أصحها)
يتعين الميتة (والثاني) الصيد (والثالث) الطعام (والرابع) يتخير بين الثلاثة (والخامس) يتخير بين
الطعام والميتة (والسادس) يتخير بين الصيد والميتة (والسابع) بين الصيد والطعام *
(فرع) إذا لم نجعل ما يذبحه المحرم من الصيد ميتة فهل على المضطر قيمة ما أكله منه فيه
وجهان بناء على القولين في المحرم هل يستقر ملكه على الصيد (العاشرة) إذا وجد ميتتان
أحدهما من جنس المأكول دون الأخرى أو إحداهما طاهرة في الحياة دون الأخرى كشاة وحمار
أو كلب فهل يتخير بينهما أم تتعين الشاة فيه وجهان (أصحهما) ترك الكلب والتخيير في الباقي والله
49

أعلم (الحادية عشر) لا يجوز للعاصي بسفره أكل الميتة حتى يتوب هذا هو الصحيح المشهور لقول
الله تعالى (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه) وفيه وجه ضعيف انها تحل له وقد سبق بيان
المسألة واضحة في باب مسح الخف وباب صلاة المسافر (الثانية عشر) نص الشافعي رحمه الله أن المريض
إذا وجد مع غيره طعاما يضره ويزيد في مرضه جاز له تركه وأكل الميتة قال أصحابنا وكذا لو كان
الطعام له وعدوا هذا من أنواع الضرورة وكذا التداوي بالنجاسات كما سنوضحه إن شاء
الله تعالى قريبا *
(فرع) قال الشافعي رحمه الله: وإذا اضطر ووجد من يطعمه ويسقيه فليس له الامتناع الا في
حالة واحدة وهي إذا خاف أن يطعمه أو يسقيه مسموما فلو تركه وأكل الميتة فله تركه وأكل الميتة
والله أعلم * (الثالثة عشر) إذا اضطر إلى شرب الدم أو البول أو غيرهما من النجاسات المائعة
غير المسكر جاز له شربه بلا خلاف وان اضطر وهناك خمر وبول لزمه شرب البول ولم يجز شرب
الخمر بلا خلاف لما ذكره المصنف (وأما) التداوي بالنجاسات غير الخمر فهو جائز سواء فيه جميع
النجاسات غير المسكر هذا هو المذهب والمنصوص وبه قطع الجمهور وفيه وجه أنه لا يجوز لحديث
أم سلمة المذكور في الكتاب (ووجه ثالث) انه يجوز بأبوال الإبل خاصة لورود النص فيها
ولا يجوز بغيرها حكاهما الرافعي وهما شاذان والصواب الجواز مطلقا لحديث أنس رضي الله عنه (أن
نفرا من عرينة وهي قبيلة معروفة بضم العين المهملة وبالنون - أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه
على الاسلام فلستوخموا المدينة فسقمت أجسامهم فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
(ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من أبوالها وألبانها قالوا بلى فخرجوا فشربوا من ألبانها
وأبوالها فصحوا فقتلوا راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم واطردوا النعم) رواه البخاري ومسلم من روايات كثيرة
هذا لفظ إحدى روايات البخاري (وفى رواية فأمرهم أن يشربوا أبوالها وألبانها) قال أصحابنا وإنما
يجوز التداوي بالنجاسة إذا لم يجد طاهرا يقوم مقامها فان وجده حرمت النجاسات بلا خلاف وعليه
50

يحمل حديث (ان الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) فهو حرام عند وجود غيره وليس حراما إذا
لم يجد غيره * قال أصحابنا وإنما يجوز ذلك إذا كان المتداوي عارفا بالطب يعرف أنه لا يقوم غير
هذا مقامه أو أخبره بذلك طبيب مسلم عدل ويكفى طبيب واحد صرح به البغوي وغيره فلو قال
الطبيب يتعجل لك به الشفاء وان تركته تأخر ففي اباحته وجهان حكاهما البغوي ولم يرجح واحدا
منهما وقياس نظيره في التيمم أن يكون الأصح جوازه (أما) الخمر والنبيذ وغيرهما من المسكر فهل
يجوز شربها للتداوي أو العطش فيه أربعة أوجه مشهورة (الصحيح) عند جمهور الأصحاب لا يجوز فيهما
(والثاني) يجوز (والثالث) يجوز للتداوي دون العطش (والرابع) عكسه قال الرافعي الصحيح عند
الجمهور لا يجوز لواحد منهما ودليله حديث وائل بن حجر رضي الله عنه (أن طارق بن سويد الجعفي
سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه أو كره أن يصنعها فقال إنما أصنعها للدواء فقال إنه ليس
بدواء ولكنه داء) رواه مسلم في صحيحه واختار امام الحرمين والغزالي جوازها للعطش دون التداوي
والمذهب الأول وهو تحريمها لهما وممن صححه المحاملي وسأورد دليله قريبا إن شاء الله تعالى فان جوزنا
شربها للعطش وكان معه خمر وبول لزمه شرب البول وحرم الخمر لان تحريم الخمر أخف قال أصحابنا
فهذا كمن وجد بولا وماء نجسا فإنه يشرب الماء النجس لان نجاسته طارئة وفى جواز التبخر
بالند المعجون بالخمر وجهان بسبب دخانه (أصحهما) جوازه لأنه ليس دخان نفس
النجاسة والله أعلم *
(فرع) قد ذكرنا أن المذهب الصحيح تحريم الخمر للتداوي والعطش وان امام الحرمين والغزالي اختارا
جوازها للعطش قال امام الحرمين الخمر يسكن العطش فلا يكون استعمالها في حكم العلاج قال ومن قال إن الخمر
لا يسكن العطش فليس على بصيرة ولا يعد قوله مذهبا بل هو غلط ووهم بل معاقر الخمر يجتزى بها عن الماء هذا
كلامه وليس كما ادعى بل الصواب المشهور عن الشافعي وعن الأصحاب والأطباء انها لا تسكن العطش بل
تزيده والمشهور من عادة شربة الخمر أنهم يكثرون شرب الماء وقد نقل الروياني أن الشافعي رحمه الله نص
51

على المنع من شربها للعطش معللا بأنها تجيع وتعطش وقال القاضي أبو الطيب سألت من يعرف
ذلك فقال الامر كما قال الشافعي انها تروى في الحال ثم تثير عطشا عظيما وقال القاضي حسين في تعليقه
قالت الأطباء الخمر تزيد في العطش وأهل الشرب يحرصون على الماء البارد فحصل بما ذكرناه أنها
لا تنفع في دفع العطش وحصل بالحديث الصحيح السابق في هذه المسألة أنها لا تنفع في الدواء فثبت
تحريمها مطلقا والله تعالى أعلم *
(فرع) لو غص بلقمة ولم يجد شيئا يسيغها به الا الخمر فله اساغتها به بلا خلاف نص عليه
الشافعي واتفق عليه الأصحاب وغيرهم بل قالوا يجب عليه ذلك لان السلامة من الموت بهذه الإساغة
قطعية بخلاف التداوي وشربها للعطش قال أهل اللغة يقال غص - بفتح الغين - لا بضمها - يغص
- بفتحها - أيضا غصصا - بالفتح - أيضا فهو غاص وغصان وأغصصته والله أعلم *
(فرع) قال البيهقي قال الشافعي لا يجوز أكل الترياق المعمول بلحم الحيات الا أن يكون
في حال الضرورة حيث تجوز الميتة هذا لفظه واحتج * البيهقي في المسألة بحديث ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ما أبالي ما أتيت ان أنا شربت ترياقا أو تعلقت
تميمة أو قلت الشعر من قبل نفسي) رواه أبو داود باسناد فيه ضعف ومعناه ان هذه الثلاثة سواء
في كونها مذمومة *
(فرع) في مذاهب العلماء في مسائل من أحكام المضطر (إحداها) أجمعوا أنه يجوز له
الاكل من الميتة والدم ولحم الخنزير ونحوها للآية الكريمة وفى قدر المأكول قولان للشافعي سبقا
(أصحهما) سد الرمق وبه قال أبو حنيفة وداود (والثاني) قدر الشبع وعن مالك وأحمد روايتان
كالقولين (الثانية) إذا لم يكن مع المضطر مال وكان مع غيره طعام يستغن عنه لم يلزمه بذله له
بلا عوض وله الامتناع من البذل حتى يشتريه بثمن مثله في الذمة كما سبق هذا مذهبنا * قال العبدري
وهو قول العلماء كافة وقول داود قال ومن أصحاب داود من قال يجوز للمضطر أن يأكل منه قدر
52

ما تزول به الضرورة ولا ضمان عليه في ذلك كما لو رآه يغرق أو يحترق وأمكنه تخليصه لزم تخليصه من
غير الزام عوض * واحتج أصحابنا بأن الذمة كالمال ولو كان معه مال لم يلزم صاحب الطعام بذله مجانا
وكذا إذا أمكن الشراء في الذمة * قال أصحابنا وأما ما احتج به المخالف فجوابه أنه لا فرق بينهما بل كل
حالة أمكن فيها الموافقة على عوض لم يلزم إلا بالعوض والله أعلم * (الثالثة) إذا وجد ميتة وطعاما
لغائب فللشافعي قولان (أصحهما) يأكل الميتة وبه قال أبو حنيفة وأحمد لأنه منصوص عليها وطعام
غيره مجتهد فيه (والثاني) يأكل طعام غيره وبه قال مالك لأنه مجمع عليه مع طهارته ولو وجد
ميتة وصيدا وهو محرم فالأصح أنه يأكل الميتة وبه قال مالك وأبو حنيفة واحمد (الرابعة)
إذا وجد المضطر آدميا ميتا حل له أكله عندنا كما سبق تفصيله * وقال مالك وأحمد وأصحاب
الظاهر لا يجوز * واحتج أصحابنا بما ذكره المصنف ان حرمة الحي آكد من حرمة الميت
والله أعلم (الخامسة) ذكرنا أن مذهبنا جواز التداوي بجميع النجاسات سوى المسكر
وقال احمد لا يجوز لحديث (أن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) وحديث أبي الدرداء
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ان الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا
بحرام) رواه أبو داود وحديث أبي هريرة قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث)
رواه أبو داود ودليلنا حديث العرنيين وهو في الصحيحين كما سبق وهو محمول على شربهم الأبوال
للتداوي كما هو ظاهر الحديث. وحديث لم يجعل شفاءكم محمول على عدم الحاجة إليه بأن يكون هناك
ما يغني عنه ويقوم مقامه من الأدوية الطاهرة. وكذا الجواب عن الحديثين الآخرين وقال البيهقي هذان
الحديثان ان صحا حملا على النهي عن التداوي بالمسكر وعلى التداوي بالحرام من غير ضرورة للجمع بينهما
وبين حديث العرنيين والله تعالى أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
(وان مر ببستان لغيره وهو غير مضطر لم يجز أن يأخذ منه شيئا بغير إذن صاحبه لقوله صلى
الله عليه وسلم (لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه) *
53

(الشرح) هذا الحديث رواه البيهقي في كتاب الغصب من رواية علي بن زيد بن جدعان
عن أبي حرة الرقاشي عن أبيه عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل مال
امرئ مسلم الا بطيب نفس منه) اسناده ضعيف على ابن زيد ضعيف وعن ابن عباس (أن النبي
صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع فذكر الحديث وفيه (لا يحل لامرئ من مال أخيه
الا ما أعطاه من طيب نفس) رواه البيهقي في كتاب الغصب باسناد صحيح قال أصحابنا إذا مر الانسان
بثمر غيره أو زرعه لم يجز أن يأخذ منه ولا أن يأكل منه بغير اذن صاحبه الا أن يكون مضطرا
فيأكل حينئذ ويضمن كما سبق قال أصحابنا وحكم الثمار الساقطة من الأشجار حكم الثمار التي على
الشجر إن كانت الساقطة داخل الجدار وإن كانت خارجة فكذلك ان لم تجر عادتهم بإباحتها فان
جرت فوجهان أحدهما) لا يحل كالداخلة وكما إذا لم تجر عادتهم لاحتمال أن هذا المالك
لا يبيح (وأصحهما)
يحل لاطراد العادة المستمرة بذلك وحصول الظن بإباحته كما يحصل تحمل الصبي المميز الهدية ويحل أكلها
والله أعلم *
(فرع) هذا الذي ذكره الأصحاب حكم مال الأجنبي * أما القريب والصديق فان تشكك في رضاه
بالاكل من ثمره وزرعه وبيته لم يحل الا كل منه بلا خلاف وان غلب على ظنه رضاه به وأنه يكره اكله
منه جاز أن يأكل القدر الذي يظن رضاه به ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال والأموال
ولهذا تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وفعل سلف الأمة وخلفها قال الله تعالى (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من
بيوتكم أو بيوت آبائكم إلى قوله تعالى أو صديقكم) وبينت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه
وسلم بنحو من هذا والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في من مر ببستان غيره وفيه ثمار أو مر بزرع غيره فمذهبنا أنه لا يجوز أن يأكل
منه شيئا الا أن يكون في حال الضرورة التي يباح فيها الميتة * وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وداود والجمهور * وقال
54

أحمد إذا اجتاز به وفيه فاكهة رطبة وليس عليه حائط جاز له الاكل منه من غير ضرورة ولا ضمان عليه عنده
في أصح الروايتين وفى الرواية الأخرى يباح له ذلك عند الضرورة ولا ضمان * واحتج بما روى مجاهد عن أبي عياض
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال (من مر منكم بحائط فليأكل في بطنه ولا يتخذ خبنة) وعن زيد بن
وهب قال (قال عمر رضي الله عنه إذا كنتم ثلاثة فأمروا عليكم واحدا منكم فإذا مررتم براعي الإبل فنادوا يا راعي
الإبل فان أجابكم فاستسقوه وان لم يجبكم فاتوها فحلوها واشربوا ثم صروها) رواهما البيهقي وقال هذا صحيح
عن عمر باسناديه جميعا قال وهو محمول عندنا على حال الضرورة * واحتج أصحابنا بالحديث الذي
ذكره المصنف مع ما ذكرته مما سبق منه وبحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال (لا يحلبن أحدكم ماشية غيره الا باذنه أيحب أحدكم أن يؤتى مشربته فتكسر خزانته فينتقل
طعامه فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم فلا يحلبن أحد ماشية أحد الا باذنه) رواه البخاري
ومسلم وفى المسألة أحاديث كثيرة بمعنى ما ذكرته قال الشافعي رحمه الله ومن مر لرجل بزرع أو ثمر
أو ماشية أو غير ذلك من ماله لم يكن له أخذ شئ منه الا باذنه لان هذا مما لم يأت فيه
كتاب ولا سنة ثابتة بإباحته فهو ممنوع الا بإذن مالكه قال وقد قيل من مر
بحائط فاليأكل ولا يتخذ خبنة ورى فيه حديث لو كان ثبت عندنا لم نخالفه والكتاب
والحديث الثابت أنه لا يجوز أكل مال أحد إلا باذنه قال البيهقي فالحديث الذي أشار إليه الشافعي
هو حديث يحيى بن سليم الطائفي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
(من دخل حائطا فليأكل ولا يتخذ خبنة) قال البيهقي وقد أخبرنا أبو محمد السكري فذكر
اسناده إلى يحيى بن معين قال حديث يحيى بن سليم هذا عن عبيد الله في الرجل يمر بالحائط فيأكل
منه قال هذا غلط وقال أبو عيسى الترمذي سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال يحيى بن سليم
يروى أحاديث عن عبيد الله يهم فيها قال البيهقي وقد جاء من أوجه أخر وليست بقوية (منها) عن عمرو
ابن شعيب عن أبيه عن جده (سمعت رجلا من مزينة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا أسمع عن الضالة فذكر
55

الحديث قال ثم سأله عن الثمار يصيبها الرجل فقال (ما أخذ في أكمامه يعني رؤس النخل فاحتمله فثمنه
ومثله معه وضرب نكال وما كان في أجرانه فأخذه ففيه القطع إذا بلغ ذلك ثمن المجن وان أكل بفيه
ولم يأخذ فيتخذ خبنة فليس عليه شئ) قال البيهقي وهذا إن صح فمحمول على أنه ليس فيه قطع
حين لم يخرجه من الحرز (ومنها) ما رواه أبو داود في سننه عن الحسن عن سمرة بن جندب أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال (إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه فان أذن له فليحلب وليشرب
وان لم يكن فيها فليصوت ثلاثا فان أجابه فليستأذنه والا فليحلب وليشرب ولا يحمل) قال البيهقي
أحاديث الحسن عن سمرة لا يثبتها بعض الحفاظ ويزعم أنها من كتاب غير حديث العقيقة الذي ذكر
فيه السماع فان صح فهو محمول على حال الضرورة (ومنها) حديث يزيد بن هارون عن سعيد الجريري
عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أتى أحدكم على راع فليناد يا راع
الإبل ثلاثا فان أجابه والا فليحلب وليشرب ولا يحملن وإذا أتى أحدكم على حائط فليناد ثلاثا يا صاحب
الحائط فان أجابه فليأكل ولا يحملن) قال البيهقي تفرد به سعيد الجريري وهو ثقة إلا أنه أختلط
في آخر عمره وسماع يزيد بن هارون منه بعد اختلاطه فلا يصح قال وقد روى عن أبي سعيد عن
النبي صلى الله عليه وسلم خلافه ثم ذكره بأسناده عن شريك عن عبد الله بن عاصم قال سمعت أبا سعيد الخدري
يقول (لا يحل لاحد أن يحل صرار ناقة إلا باذن أهلها فان خاتم أهلها عليها فقيل لشريك ارفعه
قال نعم) قال البيهقي وهذا يوافق حديث ابن عمر الصحيح السابق ثم روى البيهقي باسناده عن أبي
عبيد القسيم بن سلام قال إنما هذا الحديث يعنى حديث عمر وحديث عمرو بن شعيب في الرخصة انه أرخص فيه للجائع المضطر الذي لا شئ معه يشترى به وهو معسر في حديث ابن جريج عن عطاء
قال (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للجائع المضطر إذا مر بالحائط أن يأكل منه ولا يتخذ خبنة) وعن الحجاج ابن أرطاة عن سليط بن عبد الله التميمي عن ذهيل بن عوف بن سماح عن
أبي هريرة قال (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ناس يا رسول الله ما يحل للرجل من مال أخيه
56

قال (أن يأكل ولا يحمل ويشرب ولا يحمل) قال البيهقي هذا اسناد مجهول لا يقوم به حجة
والحجاج ابن أرطاة لا يحتج به قال وقد روى من وجه آخر عن الحجاج ما دل على أنه في المضطر
والله تعالى أعلم *
(فرع) الضيافة سنة فإذا استضاف مسلم لا اضطرار به مسلما استحب له ضيافته ولا تجب
هذا مذهبنا ومذهب الجمهور وهو مذهب مالك وأبي حنيفة * وقال الليث بن سعد وأحمد بن حنبل
هي واجبة يوما وليلة * قال احمد هي واجبة يوما وليلة على أهل البادية وأهل القرى دون أهل المدن
واحتجوا بحديث أبي سريج الخزاعي رضي الله عنه قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته قال وما جائزته يا رسول الله قال يومه وليلته
والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقه عليه ولا يحل لرجل مسلم يقيم عند أخيه حتى يؤثمه
قالوا يا رسول الله وكيف يؤثمه قال يقيم عنده ولا شئ له يقريه به) رواه البخاري ومسلم وروى أبو داود
في سننه عن أشهب قال (سئل مالك رضي الله عنه عن قول النبي صلى الله عليه وسلم جائزته يوم وليلة
فقال يكرمه ويتحفه ويحفظه يوما وليلة وثلاثة أيام ضيافة) قال الخطابي معناه أنه يتكلف له في اليوم
الأول ما اتسع له من بر والطاف وأما في اليوم الثاني والثالث فيقدم له ما كان بحضرته ولا يزيد
على عادته وما كان بعد الثلاث فهو صدقة ومعروف إن شاء فعل وان شاء ترك قال وقوله
صلى الله عليه وسلم (ولا يحل أن يقيم عنده حتى يؤثمه معناه لا يحل للضيف أن يقيم عنده بعد الثلاث من غير استدعاء
منه حتى يوقعه في الاثم) وعن أبي كريمة المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه قال (قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليلة الضيف حق على كل مسلم فمن أصبح بفنائه فهو عليه دين ان شاء اقتص وان شاء
ترك) رواه أبو داود باسناد صحيح وعنه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل أضاف قوما
فأصبح الضيف محروما فان نصره حق على كل مسلم حتى يأخذ بقرى ليلة من زرعه وماله) رواه أبو داود باسناد
حسن وعن عقبة بن عامر قال (قلنا يا رسول الله انك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا فما ترى فقال لنا
57

رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا
فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم) رواه مسلم في صحيحه ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجة
بأسانيد صحيحة وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الضيافة ثلاثة أيام فما سوى ذلك
فهو صدقة) رواه أبو دواء باسناد جيد * واحتج أصحابنا والجمهور بالأحاديث السابقة في مسألة ثمار
الانسان وزرعه (وأجابوا) عن هذه الأحاديث الواردة في الضيافة بأنها محمولة على الاستحباب ومكارم الأخلاق
وتأكد حق الضيف كحديث (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) أي متأكد الاستحباب
وتأول بعض هذه الأحاديث الخطابي وغيره على المضطر والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا يحرم كسب الحجام لما روى أبو العالية أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن كسب
الحجام فقال (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه أجره ولو كان حراما ما أعطاه) ويكره للحر
أن يكتسب بالحجامة وغيرها من الصنائع الدنيئة كالكنس والذبح والدبغ لأنها مكاسب دنيئة
فينزه الحر منها ولا يكره للعبد لان العبد أدنى فلم يكره له وبالله التوفيق) *
(الشرح) حديث ابن عباس رواه البخاري ومسلم واسم أبي العالية رفيع - بضم الراء وفتح
الفاء - قال أصحابنا كسب الحجام حلال ليس بحرام * هذا هو المذهب والمعروف والمنصوص وبه
قطع الجمهور وفيه وجه شاذ قاله أبو بكر بن خزيمة من أصحابنا أنه حرام على الأحرار ويجوز اطعامه
للعبيد والإماء والدواب (والصواب) الأول قال أصحابنا ولا يكره للعبد أكل كسب الحجام سواء
كسبه حر أم عبد ويكره أكله للحر سواء كسبه حرام عبد ولكراهته معنيان (أحدهما) مخالطة
النجاسة (والثاني) دناءته فعلى الثاني يكره كسب الحلاق ونحوه وعلى الأول يكره كسب الكناس
والزبال والدباغ والقصاب والخاتن وهذا الوجه هو الصحيح الذي قطع به المصنف والجمهور وفى كسب
الفاصد وجهان (أصحهما) لا يكره وهو قول أبى علي بن أبي هريرة (والثاني) يكره كراهة تنزيه
وفى الحمامي والحاثل وجهان (أصحهما) لا يكره الحائل وكره جماعة من أصحابنا كسب الصواغين
58

قال صاحب البيان وفى كراهة هذه الأشياء للعبيد وجهان (أصحهما) لا يكره لأنه دنئ وهذا هو
الصحيح الذي قطع به المصنف والجمهور والله أعلم *
(فرع) قال الماوردي أصول المكاسب الزارعة والتجارة والصنعة وأيها أطيب فيه ثلاثة مذاهب للناس
(أشبهها) بمذهب الشافعي ان التجارة أطيب قال والأشبه عندي أن الزراعة أطيب لأنها أقرب إلى التوكل وذكر
الشاشي وصاحب البيان وآخرون نحو ما ذكره الماوردي وأخذوه عنه قلت في صحيح البخاري عن المقدام بن
معدي كرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده
وأن نبي الله داود صلى الله عليه وسلم كان يأكل من عمل يده) فالصواب ما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
عمل اليد فإن كان زراعا فهو أطيب المكاسب وأفضلها لأنه عمل يده ولان فيه توكلا كما ذكره
الماوردي وقال فيه نفعا عاما للمسلمين والدواب ولأنه لابد في العادة أن يؤكل منه بغير عوض فيحصل له أجره وان لم يكن ممن يعمل بيده بل يعمل له غلمانه واجراؤه فاكتسابه بالزراعة أفضل لما ذكرناه
وقد ثبت عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من مسلم يغرس غرسا
إلا كان ما أكل منه له صدقة وما سرق منه له صدقة ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة) رواه مسلم
في صحيحه ومعني يرزؤه ينقصه وفى رواية لمسلم أيضا (فلا يغرس المسلم غرسا فيأكل منه إنسان ولا دابة
ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة) وفى رواية لمسلم أيضا (لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع
زرعا فيأكل منه انسان ولا دابة ولا شئ إلا كانت له صدقة) رواه البخاري ومسلم جميعا من رواية
أنس والله أعلم *
(فرع) في جملة من الأحاديث الواردة في كسب الحجام والحجامة * عن عون بن أبي جحيفة
قال (اشترى أبى عبدا حجاما فأمر بمحاجمه فكسرت وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
59

عن ثمن الكلب ومهر البغي وثمن الدم ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا ومؤكله ولعن
المصور) رواه البخاري وعن رافع بن خديج رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(كسب الحجام خبيث ومهر البغي خبيث وثمن الكلب خبيث) رواه مسلم وفى رواية (شر الكسب
مهر البغي وثمن الكلب وكسب الحجام) وعن محيصة رضي الله عنه أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في إجازة الحجام فنهاه عنها فلم يزل يسأله حتى قال اعلفه نواضحك) رواه مالك وأبو داود
والترمذي وابن ماجة وغيرهم بأسانيدهم الصحيحة قال الترمذي هو حديث حسن وعن أنس رضي الله عنه
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاعين من طعام وكلم مواليه فخفف
عنه من ضريبته وقال خير ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري) رواه البخاري ومسلم وعنه كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم ولا يظلم أحدا أجره) رواه مسلم وعن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطي
الحجام أجره واستعط) رواه البخاري ومسلم ورويا حديثه السابق في كلام المصنف *
(فرع) في مذاهب العلماء في كسب الحجام * مذهبنا أنه ليس بحرام لا على العبد ولا على الحر
لكن يستحب للحر التنزه عنه وعن أكله وبهذا قال جماهير العلماء * وقال أحمد في رواية ضعيفة عنه وفقهاء المحدثين يحرم على الأحرار دون العبيد * واحتجوا بالأحاديث السابقة * واحتج الجمهور
بحديث ابن عباس وحملوا الأحاديث الباقية على التنزيه والارتفاع عن دنئ الاكتساب والحث على
مكارم الأخلاق *
(فرع) في فضل الحجامة مع ما سبق * عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال لمريض
60

عاده (لا أبرح حتى يحتجم فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن فيه شفاء) رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه (أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في يأفوخه من وجع كان به وقال إن كان في
شئ شفاء مما تداوون به فالحجامة) رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة اليأفوخ بهمزة - ساكنة بعد الياء -
ولا خلاف أنه مهموز واختلفوا في الياء منه هل هي أصلية أم زائدة فقال الجوهري هي زائدة ووزنه
يفعول وقال ابن فارس هي أصلية وهو رباعي قال الجوهري جمعه يآفيخ قال وهو الموضع الذي يتحرك
من رأس الصبي وهو الرأس وعن سلمى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها قالت (ما كان أحد
يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا من رأسه إلا قال احتجم ولا وجع في رجليه إلا قال اخضبهما) رواه أبو داود باسناد حسن *
(فرع) في موضع الحجامة * عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (احتجم رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو محرم في رأسه من صداع كان به أو وبى) رواه البخاري ورواه البخاري أيضا من
رواية عبد الله بن بحينة بمعناه وروي البيهقي باسناده عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم على ظهر قدمه
وهو محرم) قال البيهقي كذا قال على ظهر قدمه وفى رواية ابن عباس وابن بحينة في رأسه قال والعدد
أولى بالحفظ من الواحد إلا أن يكون فعل ذلك مرتين وهو محرم وعن جابر أن النبي صلى الله عليه
وسلم احتجم على وركه من وبى كان به) كذا قال على وركه وفى رواية (احتجم وهو محرم من وبى كان
بوركه أو قال بظهره) قال البيهقي فكأنه صلى الله عليه وسلم احتجم في رأسه وهو محرم من وبى كان به أو صدع)
وعن أنس رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم ثلاثا اثنتين في الأجدعين
وواحد في الكاهل) رواه أبو داود باسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم ورواه الترمذي وقال
حديث حسن قال أهل اللغة الأجدعان عرقان في جانبي العنق وعن أبي كبشة الأنماري الصحابي
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يحتجم على هامته وبين كتفيه ويقول من اهراق دما
من هذه الدماء فلا يضره أن لا يتداوى بشئ لشئ) رواه أبو داود وابن ماجة باسنادين حسنين *
61

(فرع) في وقت الحجامة * عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من
احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة واحدى وعشرين كان شفاء من كل داء) رواه أبو داود باسناد
حسن على شرط مسلم وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (خير ما تحتجمون فيه سبع عشرة
وتسع عشرة واحدى وعشرون) رواه البيهقي باسناد ضعيف وعن مغفل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (من احتجم يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر كان دواء لداء السنة) رواه البيهقي وضعفه
وعن أنس رفعه (من احتجم يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من الشهر أخرج الله منه داء سنته)
ضعفه البيهقي وعن كيسة بنت أبي بكرة أن أباها كان نهى أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء ويزعم
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ) رواه أبو داود باسناد ضعيف ورواه
البيهقي وقال اسناده ليس بالقوى قال والنهي الذي فيه موقوف وليس بمرفوع وعن سليم بن أرقم
عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من احتجم يوم الأربعاء
ويوم السبت فرأى وضحا فلا يلومن الا نفسه) هذا ضعيف رواه البيهقي وقال سليمان بن أرقم ضعيف
قال وروى عن ابن سمعان وسليمان بن يزيد عن الزهري كذلك موصولا وهو أيضا ضعيف والمحفوظ
عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطعا وعن عطاف بن خالد عن نافع عن ابن عمر قال (قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ان في الجمعة ساعة لا يحتجم فيها محتجم الا عرض له داء لا يشفى منه) هذا ضعيف جدا رواه البيهقي
وضعفه قال عطاف بن خالد ضعيف قال ورواه يحيى بن العلاء الداري وهو متروك باسناد له عن الحسين
ابن علي عنه حديثا مرفوعا وليس بشئ والحاصل انه لم يثبت شئ في النهى عن الحجامة في يوم
معين والله سبحانه وتعالى أعلم *
62

(فرع) في استحباب ترك الاكتواء للتداوي وليس بحرام * عن جابر رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال (إن كان في أدويتكم أو ما تداويتم به خير فشرطة حجام أو شربة عسل أو لدعة
بنار توافق داء وما أحب أن أكتوى) رواه البخاري ومسلم وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (الشفاء في ثلاثة في شرطة محجم أو شربة عسل أوكية بنار وانى أنهى أمتي عن الكي)
رواه البخاري وعن ابن عباس أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا
بغير حساب فقلت من هم قال هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يغتابون وعلى ربهم يتوكلون)
رواه البخاري ومسلم وفى روايات للبخاري (ولا يكتوون) وعن عمران بن حصين قال قال نبي الله صلى الله عليه وسلم
(يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب قالوا ومن هم يا رسول الله قال هم الذين لا يكتوون
ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون) رواه مسلم وعن المغيرة بن شعبة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول (من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل) رواه الترمذي باسناد صحيح وعن عمران
ابن الحصين رضي الله عنهما (قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي فاكتوينا فلا أفلحن ولا أنجحن)
رواه أبو داود باسناد صحيح وفى رواية البيهقي (فما أفلحنا ولا أنجحنا) واسنادها صحيح * وعن مطرف
قال قال لي عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (جمع بين حج وعمرة ثم لم ينه عنه حتى مات
ولم ينزل فيه قرآن يحرمه وقد كان يسلم على حتى اكتويت فتركت ثم تركت الكي فعاد) رواه مسلم
في صحيحه في كتاب الحج *
(فرع) في جواز الكي وقطع العروق للحاجة * عن جابر رضي الله عنه قال (بعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرفا ثم كواه عليه) رواه مسلم وفى رواية لمسلم أيضا أن أبيا
مرض فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليه طبيبا فكواه على أكحله) وعنه قال رمي سعد بن معاذ في اكحله فحسمه
النبي صلى الله عليه وسلم بيده ثم ورمت فحسمه الثانية) رواه مسلم وعن ابن مسعود قال (جاء نفر إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله ان صاحبا لنا اشتكى أفنكويه فسكت ساعة ثم قال إن شئتم فاكووه وان
63

شئتم فارمضوه يعني بالحجارة) رواه البيهقي باسناد صحيح وروى البيهقي عنه (أن أنسا اكتوى وابن
عمر وكوي ابن عمر ابنه) والله أعلم *
(فرع) في الدواء والاحتماء (أما) الدواء فسبقت فيه جملة صالحة في أول كتاب الجبائر (وأما)
الاحتماء ففيه حديث أم منذر بنت قيس الأنصارية قالت (دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه على
وعلى ناقة ولنا دو إلى معلقة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ منها وقام على ليأكل فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لعلى مه انك ناقة حتى كف علي رضي الله عنه قالت وصنعت شعيرا وسلقا فجئت به فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم يا علي أصب من هذا فهو أنفع) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما قال الترمذي
حديث حسن الناقة - بالنون والقاف - هو الذي برئ من المرض وهو قريب عهد به لم تتكامل صحته
يقال نقه ينقه فهو ناقة كعلم يعلم فهو عالم وعن صهيب رضي الله عنه قال (قدمت على النبي صلى الله عليه
وسلم مهاجرا وبين يديه تمر فقال تعال فكل فجعلت آكل فقال تأكل التمر وبك رمد قلت
انى أمضغه من ناحية أخرى فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه ابن ماجة والبيهقي
باسناد ضعيف *
(فرع) في جواز الرقية بكتاب الله تعالى وبما يعرف من ذكر الله * عن الأسود قال سألت عائشة
عن الرقية من الحمة فقالت (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من كل ذي حمة) رواه
البخاري ومسلم - الحمة بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم - وهي السم وقد تشدد الميم وأنكره الأزهري
وكثيرون وأصلها حموأ وحمى كصرد فألفها فيها عوض من الواو والياء المحذوفة وعن عائشة رضي
الله عنها قالت (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ان استتر من العين) رواه البخاري ومسلم وعن أم سلمة (ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة فقالوا استرقوا لها فان
بها نظرة) رواه البخاري ومسلم السفعة - بفتح السين واسكان الفاء - صفرة وتغيير والنظرة - بفتح
النون - هي العين. وعن أنس قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين والنملة
64

والحمة) رواه مسلم قال الأصمعي النملة هي قروح تخرج في الجنب وغيره وعن جابر قال (لدغت
رجلا منا عقرب ونحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل يا رسول الله أرقي قال من
استطاع أن ينفع أخاه فليفعل) رواه مسلم وفى رواية له (ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء
بنت عميس مالي أرى أجسام بنى أخي ضارعة تصيبهم الحاجة قالت لا ولكن العين تسرع إليهم قال
أرقيهم قالت فعرضت عليه فقال أرقيهم) وعن جابر أيضا قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
الرقا فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إنه كانت عندنا رقية يرقى بها من العقرب
وانك نهيت عن الرقي قال فعرضوها عليه فقال ما أرى بأسا من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه) رواه مسلم
وعن عوف بن مالك قال (كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يا رسول الله ما تقول في ذلك فقال أعرضوا على
رقاكم لا بأس بالرقا ما لم يكن فيه شرك) رواه مسلم وعن الشفاء بنت عبيد الله قالت (دخل على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة)
رواه أبو داود باسناد صحيح وعن أبي خزامة عن أبيه (أن أباه حدثه أنه قال يا رسول الله أرأيت دواء
نتداوى به ورقا نسترقى بها وتقى نتقيها هل يزد ذلك من قدر الله من شئ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
انه من قدر الله) رواه الترمذي وابن ماجة والبيهقي (وأما) حديث عمران بن الحصين عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال (لا رقية الا من عين أو حمة) فصحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد
صحيحة قال البيهقي معناه هما أولى بالرقا من غيرهما لما فيهما من زيادة الضرر والله تعالى أعلم * وروى
البيهقي باسناده الصحيح عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت (دخل أبو بكر رضي الله عنه
عليها وعندها يهودية ترقيها فقال ارقيها بكتاب الله عز وجل) وباسناده الصحيح عن الربيع بن سليمان
قال (سألت الشافعي عن الرقية فقال لا بأس ان يرقى الانسان بكتاب الله عز وجل وما
يعرف من ذكر الله قلت أيرقى أهل الكتاب المسلمين فقال نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله
65

أو ذكر الله فقلت وما الحجة في ذلك فقال فيه غير حجة فان مالكا أخبرنا عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد
الرحمن ان أبا بكر دخل على عائشة رضي الله عنهما وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال أبو بكر رضي الله عنه
أرقيها بكتاب الله) قال البيهقي والاخبار فيما رقى به النبي صلى الله عليه وسلم ورقى به وفيما تداوى به وأمر
بالتداوي به كثيرة والله أعلم
(فرع) في تعليق التمائم * عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود عن عبد الله بن مسعود قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ان الرقا والتمائم والبولة شرك قالت قلت لم تقول هذا
والله لقد كانت عيني تقذف وكنت اختلف إلى فلان اليهودي يرقيني فإذا رقاني سكنت فقال عبد الله
إنما كان عمل الشيطان ينخسها بيده فإذا رقاها كف عنها إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اذهب الباس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء الا شفاؤك
شفاء لا يغادر سقما) رواه أبو داود وابن ماجة قال أبو عبيد البولة - بكسر الباء - هو الذي يحبب
المرأة إلى زوجها وهو من السحر قال وذلك لا يجوز (وأما) الرقاء والتمائم قال فالمراد بالنهي ما كان بغير
لسان العربية بما لا يدرى ما هو * قال البيهقي ويقال إن التميمة خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع
عنهم الآفات ويقال قلادة يعلق فيها العود وعن عتبة بن عامر قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول من علق تميمة فلا أتم الله له ومن علق ودعة فلا ودع الله له) رواه البيهقي وقال هو أيضا
راجع إلى معنى ما قال أبو عبيدة قال ويحتمل أن يكون ذلك وما أشبه من النهى والكراهة فيمن
يعلقها وهو يرى تمام العافية وزوال العلة بها على ما كانت عليه الجاهلية وأما من يعلقها متبركا بذكر الله
تعالى فيها وهو يعلم أن لا كاشف له الا الله ولا دافع عنه سواه فلا بأس بها إن شاء الله تعالى * ثم روى
البيهقي باسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت (ليست التميمة ما يعلق قبل البلاء إنما التميمة ما يعلق
بعد البلاء لتدفع به المقادير) وفى رواية عنها قالت (التمائم ما علق قبل نزول البلاء وما علق بعد نزول
البلاء فليس بتميمة) قال البيهقي هذه الرواية أصح ثم روى باسناد صحيح عنها قالت (ليس بتميمة
66

علق بعد أن يقع البلاء) قال البيهقي وهذه الرواية تدل على صحة التي قبلها * وعن عمران بن الحصين
انه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وفى عنقه حلقة من شعر فقال ما هذه قال من الواهنة قال
أيسرك ان توكل إليها انبذها عنك) رواه ابن ماجة والبيهقي باسنادين في كل منهما من اختلف
فيه * وعن ابن مسعود من علق شيئا وكل إليه * وروي البيهقي باسناد صحيح عن سعيد بن المسيب انه
كان يأمر بتعليق القرآن وقال لا بأس به قال البيهقي هذا كله راجع إلى ما قلنا إنه ان رقى بما لا يعرف
أو على ما كانت عليه الجاهلية من إضافة العافية إلى الرقي لم يجز وان رقي بكتاب الله أو بما
يعرف من ذكر الله تعالى متبركا به وهو يرى نزول الشفاء من الله تعالى فلا بأس به
والله تعالى أعلم *
(فرع) في النشرة - بضم النون واسكان الشين المعجمة - قال الخطابي النشرة ضرب من
الرقية والعلاج يعالج من كان يظن به مس من الجن قيل سميت نشرة لأنه ينشرها عنه أي يحل عنه ما جاء مرة
من الداء وجاء في حديث جابر رضي الله عنه قال (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة
فقال هو من عمل الشيطان) رواه أبو داود باسناد صحيح قال البيهقي وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا قال وهو مع ارساله أصح قال والقول فيما يكره من النشرة وفيما لا يكره كالقول في الرقية وقد ذكرناه *
(فرع) في العين والاغتسال لها * عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
(العين حق) رواه البخاري ومسلم * وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية
في وجهها سفعة فقال (استرقوا لها فان بها النظرة) رواه البخاري ومسلم وقد سبق بيانه في فرع
الرقي والنظرة العين * وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (العين حق ولو كان شئ
سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا) رواه مسلم قال العلماء الاستغسال ان يقال للعائن وهو
الناظر بعينه بالاستحسان اغسل داخلة إزارك مما يلي الجلد بماء ثم يصب ذلك الماء على المعين وهو
67

المنظور إليه * وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت (كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين)
رواه أبو داود باسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم * وعن الزهري عن أبي أمامة سهل بن حنيف قال
مر عامر بن ربيعة على سهل بن حنيف وهو يغتسل فقال لم أر كاليوم ولا جلد محياه (1) فما لبث أن لبط به
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أدرك سهلا صريعا فقال من يتهمون به قالوا عامر بن ربيعة فقال
على ما يقتل أحدكم أخاه إذا رأى ما يعجبه فليدع بالبركة وأمره أن يتوضأ ويغسل وجهه ويديه ومرفقيه
وركبتيه وداخلة ازاره ويصب الماء عليه قال الزهري ويكفأ الاناء من حلقه) رواه النسائي في كتابه
عمل اليوم والليلة وابن ماجة والبيهقي في سننهما بأسانيد صحيحة قال الزهري الغسل الذي أدركنا
علماءنا يصفونه أن يؤتى الرجل العائن بقدح فيه ماء فيمسك له مرفوعا من الأرض فيدخل العائن يده اليمنى في
الماء فيصب على وجهه صبة واحدة في القدح ثم يدخل يديه جميعا في الماء صبة واحدة في القدح ثم يدخل
يده فيتمضمض ثم يمجه ثم يدخل يده اليسرى فيغترف من الماء فيصبه على ظهر كفه اليمني صبة واحدة في
القدح ثم يدخل يده اليسرى فيصب على مرفق يده اليمني صبه واحدة في القدح وهو ثاني يده إلى عنقه ثم
يفعل مثل ذلك في مرفق يده اليسرى ثم يفعل مثل ذلك في ظهر قدمه اليمنى من عند الأصابع واليسرى
كذلك ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ركبته اليمني ثم يفعل باليسرى مثل ذلك ثم يغمس داخلة ازاره اليمني
في الماء ثم يقوم الذي في يده القدح بالقدح فيصبه على رأس المعين من ورائه ثم يكفأ القدح على وجه
الأرض من ورائه * وذكر البيهقي عن الزهري من طرقه زاد في بعضها ثم يعطى ذلك الرجل الذي
أصابه القدح فيحسو منه ويتمضمض ويهريق على وجهه ثم يصب على رأسه ثم يكفأ
القدح على ظهره قال البيهقي قال أبو عبيد إنما أراد بداخلة الإزار طرف ازاره الداخل الذي يلي
جسده والله أعلم *
(فصل في الجبن) أجمعت الأمة على جواز أكل الجبن ما لم يخالطه نجاسة بأن يوضع فيه
إنفحة ذبحها من لا يحل ذكاته فهذا الذي ذكرناه من دلالة الاجماع هو المعتمد في اباحته وقد جمع

(1) كذا بالأصل فحرر.
68

البيهقي في أحاديث كثيرة (منها) حديث ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى
بجبن في تبوك فدعا بسكين فسمى وقطع) رواه أبو داود باسناد ضعيف وعن ابن عباس أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة رأى جبنة فقال ما هذا فقالوا هذا طعام يصنع بأرض العجم فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (ضعوا فيه السكين واذكروا اسم الله وكلوا) رواه البيهقي باسناد
فيه ضعف * وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال (الجبن من اللبن واللبأ فكلوا واذكروا اسم الله عليه
ولا يغرنكم أعداء الله) وعن علي رضي الله عنه (إذا أردت أن تأكل الجبن فضع الشفرة فيه واذكر
اسم الله عز وجل عليه وكل) وروى البيهقي نحوه عن عائشة وأم سلمة قال وروي عن سلمان الفارسي ثم
روى البيهقي في باب ما يحل من الجبن عن عمر رضي الله عنه قال (كلوا الجبن ما صنعه أهل الكتاب) وفى رواية
لا تأكلوا من الجبن الا ما صنعه أهل الكتاب) وعن ابن مسعود (كلوا من الجبن ما صنعه المسلمون وأهل
الكتاب)
وعن ابن عمر مثله قال البيهقي وهذا التقييد لان الجبن يعمل بأنفحة السخلة المذبوحة فإذا كانت
من ذبائح المجوس لم تحل * وعن ابن عمر أنه سئل عن السمن والجبن فقال (سم وكل فقيل له ان فيه ميتة فقال إن
علمت أن فيه ميتة فلا تأكله) قال البيهقي وقد كان بعض العلماء لا يسأل عنه تغليبا للطهارة وروينا ذلك عن
ابن عباس وابن عمر وغيرهما وكان بعضهم يسأل عنه احتياطا ورويناه عن أبي مسعود الأنصاري قال
لان أخر من هذا القصر أحب إلى من أن آكل جبنا لا أسأل عنه * وعن الحسن البصري قال كان أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن الجبن ولا يسألون عن السمن * وعن أبان بن أبي عباس عن أنس
ابن مالك قال (كنا نأكل الجبن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك لا نسأل عنه) حديث
ضعيف أبان بن أبي عباس ضعيف متروك *
(فصل) يحل أكل الكبد والطحال بلا خلاف للحديث الصحيح السابق (أحل لنا
ميتتان ودمان فاما الميتتان فالسمك والجراد والدمان الكبد والطحال) وقد سبق انه حديث صحيح من لفظ عمر هكذا وان هذه الصيغة تقتضي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وروى البيهقي
69

عن زيد بن ثابت قال (انى لآكل الطحال وما بي إليه حاجة الا ليعلم أهلي انه لا بأس به)
وعن عكرمة قال قال رجل لابن عباس آكل الطحال قال نعم قال إن عامتها دم قال إنما حرم
الدم المسفوح *
(فصل) عن مجاهد قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره من الشاة سبعا الدم
والمرار والذكر والأنثيين والحيا والغدة والمثانة وكان أعجب الشاة إليه مقدمها) رواه البيهقي هكذا
مرسلا وهو ضعيف قال وروى موصولا بذكر ابن عباس وهو حديث (1) قال ولا يصح وصله قال
الخطابي الدم حرام بالاجماع وعامة المذكورات معه مكروهة غير محرمة *
(فصل) فما حرم على بني إسرائيل ثم ورد شرعنا بنسخة * اعلم أن الشافعي رضي الله عنه
اعتنى بهذا الفصل وبسط الكلام فيه وهو مما يحتاج إلى بيانه قال الله تعالى (كل الطعام كان حلا
لبني إسرائيل الا ما حرم إسرائيل على نفسه) الآية وقال تعالى (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم
طيبات أحلت لهم) وقال تعالى (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم
شحومهما الا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم) قال الشافعي الحوايا ما حول الطعام والشراب في
البطن وقال ابن عباس كل ذي ظفر البعير والنعامة وما حملت ظهورهما يعني ما علق بالظهر من الشحم والحوايا
المبعر * وبينت الأحاديث الصحيحة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم
فجملوها فباعوها وأكلوا أثمانها) جملوها بالجيم أي أذابوها) قال الشافعي فلم يزل ما حرم الله تعالى على
بني إسرائيل من اليهود وغيرهم محرما من حين حرمه حتى بعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه
وسلم ففرض الايمان به واعلم خلقه ان دينه الاسلام الذي نسخ به كل دين قبله فقال تعالى (ان الدين
عند الله الاسلام) (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وقال
تعالى (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد الا الله) الآية وأمر بقتالهم
حتى يعطوا الجزية ان لم يسلموا وأنزل فيهم (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا

(1) بياض بالأصل فحرر.
70

عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم
الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) قال الشافعي فقيل معناه أوزارهم وما منعوا
مما أحدثوا قبل ما شرع من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال الشافعي فلم يبق خلق يعقل منذ بعث الله عز وجل
محمدا صلى الله عليه وسلم من جن ولا انس بلغته دعوته الا قامت عليه حجة الله تعالى باتباع دينه ولزم كل امرئ
منهم تحريم ما حرم الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم واحلال ما أحل الله على لسانه صلى الله عليه وسلم قال
الشافعي وأحل الله تعالى طعام أهل الكتاب فكان ذلك عند أهل التفسير ذبائحهم لم يستثن منها
شيئا لا شحما ولا غيره فدل على جواز أكل جميع الشحوم من ذبائحهم وذبائح المسلمين وفى
الصحيحين عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال دلى جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته
فقلت هذا لي لا أعطى أحدا منه شيئا فالتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يبتسم
فاستحييت منه) *
(فرع) مذهبنا أن الشحوم التي كانت محرمة على اليهود حلال لنا ليست مكروهة وبه قال
أبو حنيفة والثوري والأوزاعي وجماهير العلماء وبعض أصحاب احمد وهو قول الخرقي منهم قال العبدري
وقال مالك هي مكروهة ليست محرمة وقال ابن القاسم وابن اشهب وبعض أصحاب احمد هي محرمة
وقيل إنه مروى عن مالك أيضا قال القاضي عياض هذا قول كبراء أصحاب مالك دليلنا ما سبق في
الفصل قبله والله تعالى أعلم *
(فرع) في بيان ما حرم المشركون من الذبائح وبيان أنها ليست محرمة * قال الشافعي رحمه الله
حرم المشركون على أنفسهم من أموالهم أشياء بين الله عز وجل أنها ليست محرمة كالبحيرة والسائبة
والوصيلة والحامي كانوا ينزلونها في الإبل والغنم كالعتق فيحرمون ألبانها ولحومها وملكها وساق
الكلام في ذلك والله تعالى أعلم *
71

(باب الصيد والذبائح)
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا يحل شئ من الحيوان المأكول سوي السمك والجراد إلا بذكاة لقوله تعالى (حرمت
عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل
السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب) ويحل السمك والجراد من غير ذكاة لقوله صلى الله عليه وسلم
(أحلت لنا ميتتان السمك والجراد) ولان ذكاتهما لا تمكن في العادة فسقط اعتبارها)
(الشرح) هذا الحديث سبق بيانه واضحا في باب الأطعمة وذكرنا أنه من رواية ابن عمر
وان الصحيح أن ابن عمر هو القائل (أحلت لنا) وأنه يكون بهذه الصيغة مرفوعا والميتة ما فارقت الحياة بغير ذكاة
وقوله تعالى (وما أهل به لغير الله) أي ما ذبح لصنم ونحوه وقد سبق بيان هذا واضحا في باب الأضحية والموقوذة المضروبة بعصا ونحوها والمتردية التي تسقط من علو فتموت والنطيحة المنطوحة وقول المصنف لا يحل
شئ من الحيوان المأكول سوى السمك والجراد إلا بذكاة كلام صحيح ولا يرد الصيد الذي قتلته جارحة
أو سهم فان ذلك ذكاته وكذا الجنين في بطن أمه فان ذكاة أمه ذكاة له كما جاء به الحديث وقد
أوضحه المصنف في أواخر هذا الباب وكذا الحيوان الذي تردى في بئر أو بند فإنه يقتل حيث أمكن
وذلك ذكاة له كما ذكره المصنف بعد هذا والله أعلم * وقد أجمعت الأمة على تحريم الميتة غير السمك
والجراد وأجمعوا على إباحة السمك والجراد وأجمعوا أنه لا يحل من الحيوان غير السمك والجراد إلا بذكاة
أو ما في معنى الذكاة كما ذكرنا فلو ابتلع عصفورا حيا فهو حرام بلا خلاف وقد سبق بيانه في الأطعمة
* ولو ذكي الحيوان وله يد شلاء فهل تحل بالذكاة فيه وجهان (الصحيح) الحل (والثاني) أنها ميتة فلا
تحل والله أعلم * (أما) السمك والجراد فحلال وميتتهما حلال بالاجماع ولا حاجة إلى ذبحه ولا قطع
رأس الجراد قال أصحابنا ويكره ذبح السمك إلا أن يكون كبيرا يطول بقاؤه فوجهان (أصحهما) يستحب
ذبحه راحة له (والثاني) يستحب تركه ليموت بنفسه * ولو صاد مجوسي سمكة حلت بلا خلاف لان
72

ميتتها حلال ولو ابتلع سمكة حية أو قطع فلقة منها وأكلها أو ابتلع جرادة حية أو فلقة منها
فوجهان (أصحهما) يكره ولا يحرم (والثاني) يحرم وبه قطع الشيخ أبو حامد ولو وجدت سمكة في
جوف سمكة فهما حلال كما لو ماتت حتف أنفها بخلاف ما لوا ابتلعت عصفورا أو غيره فوجد في جوفها
ميتا فإنه حرام بلا خلاف ولو تقطعت سمكة في جوف سمكة وتغير لونها لم تحل على أصح الوجهين
لأنها كالروث والقئ ولو قلى السمك قبل موتها وطرحها في الزيت المغلى وهي تضطرب قال الشيخ
أبو حامد لا يحل فعله لأنه تعذيب وهذا تفريع على اختياره في ابتلاع السمكة حية انه حرام فان قلنا
بكراهة ذلك فلا يحرم فكذا هذا (وأما) السمك الصغار الذي يقلى ويشوى ولا يشق جوفه ولا يخرج
ما فيها ففيه وجهان (أحدهما) لا يحل أكله وبه قال الشيخ أبو حامد لان روثه نجس (والثاني) يحل وبه
قال القفال وصححه الفوراني وغيره قال الروياني وبه أفتى قال ورجيعه طاهر عندي واحتج له غيره
بأنه يعتد ببيعه وقد جرى الأولون على المسامحة *
(فرع) ذكرنا أن مذهبنا إباحة ما صاده المجوسي من السمك ومات في يده وهكذا الجراد (فاما)
السمك فمجمع عليه (وأما) الجراد فوافقنا عليه الأوزاعي وأبو حنيفة واحمد واسحق وجمهور العلماء قال الليث ومالك
لا يؤكل ما صاده من الجراد بخلاف السمك وفرقهما ضعيف دليلنا حديث (أحلت لنا ميتتان) *
(فرع) قد ذكرنا أن مذهبنا إباحة ميتات السمك سواء الذي مات بسبب والذي مات
حتف أنفه ويسمى الطافي وبه قال جمهور العلماء خلافا لأبي حنيفة وطائفة وقد
73

سبقت المسألة مبسوطة بادلتها في باب الأطعمة * (وأما) الجراد فتحل ميتة سواء مات بسبب أو حتف
انفه ولا يشترط قطع رأسه * هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة واحمد وجماهير العلماء * قال العبدري هو قول
محمد بن الحكم والأبهري المالكيين وعامة العلماء وقال مالك لا تحل الا إذا مات بسبب بأن يقطع
بعضه أو يسلق أو يشوى أو يقلى حيا وان لم يقطف رأسه قال فان مات حتف انفه أو في وعاء لم يؤكل وهذا رواية عن أحمد والصحيح عندنا ما قدمناه دليلنا ما ذكره المصنف *
* قال المصنف رحمه الله *
(والأفضل أن يكون المذكى مسلما فان ذبح مشرك نظرت فإن كان مرتدا أو وثنيا أو مجوسيا لم
يحل لقوله تعالى (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) وهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب
وإن كان يهوديا أو نصرانيا من العجم حل للآية الكريمة وإن كان من نصارى العرب وهم بهراء
وتنوخ وتغلب لم يحل لما روى عن عمر رضي الله عنه قال (ما نصارى العرب بأهل الكتاب لا تحل
لنا ذبائحهم) وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لا تحل ذبائح نصارى بني تغلب ولأنهم
دخلوا في النصرانية بعد التبديل ولا يعلم هل دخلوا في دين من بدل منهم أو في دين من لم يبدل
منهم فصاروا كالمجوس لما أشكل أمرهم في الكتاب لم تحل ذبائحهم والمستحب أيكون المذكي
رجلا لأنه أقوى على الذبح من المرأة فإن كانت امرأة جاز لما روى كعب بن مالك (ان جارية لهم
كسرت حجرا فذبحت به شاة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بأكلها) ويستحب أن يكون بالغا لأنه أقدر على
الذبح فان ذبح صبي حل لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال (من ذبح من ذكر أو أنثى أو صغير أو كبير
وذكر اسم الله عليه حل) * وتكره ذكاة الأعمى لأنه ربما أخطأ المذبح فان ذبح حل لأنه لم
يفقد فيه الا النظر وذلك لا يوجب التحريم ويكره ذكاة السكران والمجنون لأنه لا يؤمن أن يخطئ
المذبح ويقتل الحيوان فان ذبح حل لأنه لم يفقد في ذبحهما الا القصد والعلم وذلك لا يوجب التحريم
كما لو ذبح شاة وهو يظن أنه يقطع حشيشا) *
74

(الشرح) حديث كعب بن مالك رواه البخاري وصححه بلفظه (قوله) وهم بهراء هي
بفتح الباء الموحدة واسكان الهاء وبالمد - وتنوخ - بالتاء المثناة فوق ثم النون وخاء معجمة - وبنو
تغلب - بتاء مثناة من فوق مفتوحة وكسر اللام - وهي قبائل معروفات وفى الفصل مسائل
(إحداها) الأفضل أن يكون المذكي مسلما ويشترط كونه مسلما أو كتابيا فتحل ذبيحة
الكتابي بالاجماع للآية الكريمة سواء فيه ما يستحله الكتابي وما لا يستحله وحقيقة الكتابي
نبسطها في كتاب النكاح حيث ذكرها الأصحاب ومختصره ما أشار إليه المصنف انه إن كان
يهوديا أو نصرانيا من العجم أو ممن دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل حلت ذبيحته وإن كان
من نصارى العرب وهم تنوخ وبهراء وبنو تغلب أو غيرهم ممن شك في وقت دخولهم في دين أهل
الكتاب لم تحل ذبائحهم لما ذكره المصنف ولا تحل ذبيحة المرتد ولا الوثني ولا المجوسي لما ذكره
المصنف وهكذا حكم الزنديق وغيره من الكفار الذين ليس لهم كتاب (وأما) المتولد بين كتابي
وغيره فإن كان أبوه غير كتابي والام كتابية فذبيحته حرام كمناكحته وإن كان أبوه كتابيا والام
مجوسية فقولان (أصحهما) حرام (والثاني) حلال وهما كالقولين في مناكحته * قال أصحابنا والمناكحة
والذكاة متلازمتان لا يفترقان فمن حلت مناكحته حلت ذبيحته ومن لا فلا الا في مسألة وهي الأمة
الكتابية فإنه تحل ذبيحتها ولا تحل مناكحتها * قال أصحابنا وكما تحرم ذبيحة المرتد والوثني والمجوسي
وغيرهم ممن لا كتاب له يحرم صيده بكلب أو سهم ويحرم ما شارك فيه مسلما فلو أمرا سكينا على
حلق أو قطع هذا بعض الحلقوم وهذا بعضه أو قتلا صيدا بسهم أو كلب لم يحل ولو رميا سهمين
أو أرسلا كلبين فان سبق سهم المسلم أو كلبه فقتل الصيد أو أنهاه إلى حركة المذبوح حل كما لو
ذبح مسلم شاة ثم قدها المجوسي وان سبق ما أرسله المجوسي أو جرحاه معا أو مرتبا ولم يذفف واحد
منهما فهلل بهما أو لم يعلم أيهما كان فهو حرام لان الأصل في الحيوان التحريم حتى تتحقق ذكاة
مبيحة * وقال صاحب البحر متي اشتركا في إمساكه وعقره أو في أحدهما وانفرد واحد بالآخر
75

أو انفرد كل واحد بأحدهما فهو حرام ولو كان لمسلم كلبان معلم وغيره أو معلمان ذهب أحدهما
بلا ارسال فقتلا صيدا فهو كاشتراك كلبي المسلم والمجوسي ولو هرب الصيد من كلب المسلم فعارضه
كلب مجوسي فرده عليه فقتله كلب المسلم حل كما لو ذبح المسلم شاة أمسكها مجوسي ولو جرحه مسلم
أولا ثم قتله مجوسي أو جرحه جرحا غير مذفف ومات بالجرحين فحرام ولو كان المسلم قد أثخنه
بجراحته فقد ملكه ويلزم المجوسي له قيمته لأنه أتلفه بجعله ميتة ويحل ما اصطاده المسلم بكلب
المجوسي كما تحل ذبيحته بسكينته ولو أكره مجوسي مسلما على ذبح شاة أو محرم حلالا على ذبح
صيد فذبح حل بلا خلاف وممن صرح به إبراهيم المروذي في مسألة الاكراه على القتل والله أعلم *
(المسألة الثانية) تحل ذبيحة المرأة بلا خلاف لحديث كعب بن مالك المذكور في الكتاب
وذكاة الرجل أفضل من ذكاتها لما ذكره المصنف وسواء كانت المرأة حرة أو أمة طاهرا أو حائضا
أو نفساء مسلمة أو كتابية فذبيحتها في كل هذه الأحوال حلال نص عليه الشافعي واتفقوا عليه
(الثالثة) الأفضل أن يكون الذابح بالغا عاقلا فان ذبح صبي مميز حلت ذبيحته على المذهب وهو
المنصوص وبه قطع المصنف والجمهور * وحكى امام الحرمين والغزالي وغيرهما فيه وجهين (الصحيح) الحل
(والثاني) التحريم * وأما الصبي الذي لا يميز والمجنون والسكران ففيهم طريقان (أحدهما) القطع بحل ذبائحهم وبها
قطع الشيخ أبو حامد والمصنف وجمهور العراقيين (والثاني) فيه قولان (أصحهما) الحل (والثاني) التحريم واختاره
امام الحرمين والغزالي وغيرهما لأنه لا قصد له فأشبه من كان في يده سكين وهو نائم فمرت على حلقوم الشاة
فذبحها فإنها لا تحل وهذا الطريق مشهور في كتب العراقيين (والمذهب) الأول كمن قطع حلق شاة وهو
يظنه خشبة فإنها تحل بالاتفاق كما ذكره المصنف وحكى امام الحرمين في السكران طريقا آخر قاطعا بحل ذكاته
مع اجراء الخلاف في المجنون تفريعا على أن له حكم الصاحي قال البغوي فإن كان للمجنون أدنى تمييز
وللسكران قصد حلت ذبيحته قطعا وحيث حللنا ذبح المجنون والسكران فهو مكروه كراهة تنزيه
كما ذكره المصنف والله أعلم (الرابعة) تحل ذكاة الأعمى بلا خلاف ولكن تكره كراهة تنزيه
76

وفى حل صيده بالكلب والرمي وجهان مشهوران في كتب الخراسانيين (أصحهما) التحريم
لأنه لا يرى الصيد فلا يصح ارساله (والثاني) يحل كذكاته وقطع بكل واحد من الوجهين
طائفة وممن قطع بالتحريم صاحب الشامل وصححه الرافعي في كتابيه * قال امام الحرمين عندي
ان الوجهين مخصوصان بما إذا أدرك حس الصيد وبنى ارساله عليه وقال الرافعي الأشبه ان الخلاف
مخصوص بما إذا أخبره بصير بالصيد فأرسل الكلب أو السهم وكذا صورهما البغوي وأطلق
كثيرون الوجهين قال الرافعي ويجريان في اصطياد الصبي والمجنون بالكلب والسهم وقيل يختصان
بالكلب ويقطع بالحل في السهم كالذبح (قلت) المذهب حل صيدهما قال صاحب البيان هو المشهور
وقيل لا يحل لعدم القصد وليس بشئ والمراد صبي لا يميز (أما) المميز فيحل اصطياده بالكلب
والسهم قطعا كالذبح ويحتمل على الوجه الشاذ السابق في الذبح والله أعلم *
(فرع) الأخرس إن كانت له إشارة مفهومة حلت ذبيحته بالاتفاق ولا فطريقان (المذهب)
وبه قطع الأكثرون الحل أيضا (والثاني) انه كالمجنون وبه قطع البغوي والرافعي قال الرافعي ولتكن
سائر تصرفاته على هذا القياس *
(فرع) قال في المختصر ومن ذبح ممن أطاق الذبح من امرأة حائض أو صبي من المسلمين
أحب إلى من ذبح اليهودي والنصراني * قال أصحابنا أولى الناس بالذكاة وأفضلهم لها الرجل العاقل
المسلم ثم المرأة المسلمة أولى من الصبي ثم الصبي المسلم ثم اليهودي والنصراني والنصراني أولى من المجنون
والسكران لأنه يخاف منهما قتل الحيوان *
(فرع) ذكرنا ان الصحيح في مذهبنا حل ذبيحة الصبي والمجنون والسكران وبه
قال أبو حنيفة * وقال مالك واحمد وابن المنذر وداود لا تحل ذكاة المجنون والسكران
والصبي الذي لا يميز ونقل ابن المنذر الاجماع على حل ذكاة المرأة والصبي المميز *
(فرع) نقل ابن المنذر الاجماع على إباحة مذكاة الأخرس ولم يفرق بين فهمه الإشارة وعدمه *
(فرع) نقل ابن المنذر الاتفاق على ذبيحة الجنب قال وإذا دل القرآن على حل إباحة ذبيحة
الكتابي مع أنه نجس فالذي نفت السنة عنه النجاسة أولي قال والحائض كالجنب *
77

(فرع) في ذبيحة الأقلف وهو من لم يختن * مذهبنا انه حلال وبه قال جماهير العلماء قال
ابن المنذر وبه قال عوام أهل العلم من علماء الأمصار قال وبه نقول قال وقال ابن عباس
لا يؤكل وهو إحدى الروايتين عن الحسن البصري * واحتج ابن المنذر والأصحاب بعموم قول الله
تعالى (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) وبأن الله تعالى أباح ذبائح أهل الكتاب ومنهم الأقلف
فالمسلم أولى *
(فرع) مذهبنا إباحة أكل ذبيحة السارق والغاصب وسائر من تعدى بذبح مال غيره لصاحبها
ومن أذن له صاحبها وبه قال الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة ومالك وأبو حنيفة والجمهور
وقال طاوس وعكرمة وإسحاق بن راهويه يكره *
(فرع) ذبيحة أهل الكتاب حلال سواء ذكروا اسم الله تعالى عليها أم لا لظاهر القرآن العزيز
هذا مذهبنا ومذهب الجمهور وحكاه ابن المنذر عن علي والنخعي وحماد بن سليمان وأبي حنيفة وأحمد
واسحق وغيرهم فان ذبحوا على صنم أو غيره لم يحل قال ابن المنذر وقال عطاء إذا ذبح النصراني على
اسم عيسى فكل قد علم الله انه سيقول ذلك وبه قال مجاهد ومكحول وقال أبو ثور إذا سموا الله تعالى
فكل وان لم يسموه فلا تأكل * وحكي مثله عن علي وابن عمر وعائشة قال ابن المنذر واختلفوا
في ذبائحهم لكنائسهم فرخص فيه أبو الدرداء وأبو امامة الباهلي والعرباض بن سارية والقاسم بن مخيمرة
وحمزة بن حبيب وأبو مسلم الخولاني وعمر بن الأسود ومكحول وجبر بن نفيل والليث بن سعد وكرهه
ميمون بن مهران وحماد والنخعي ومالك والثوري والليث وأبو حنيفة واسحق وجمهور العلماء ومذهبنا
تحريمه وقد سبق ذلك في باب الأضحية وقالت عائشة لا نأكله *
(فرع) ذكرنا أن مذهبنا تحريم ذكاة نصارى العرب بني تغلب وتنوخ وبهراء وبه قال علي بن أبي
طالب وعطاء وسعيد بن جبير وأباحه ابن عباس والنخعي والشعبي وعطاء الخراساني والزهري والحكم
وحماد وأبو حنيفة وإسحاق بن راهويه وأبو ثور دليلنا ما ذكره المصنف *
78

(فرع) ذبائح أهل الكتاب في دار الحرب حلال كذبائحهم في دار الاسلام وهذا لا خلاف
فيه ونقل ابن المنذر الاجماع عليه *
(فرع) ذبائح المجوس حرام عندنا وقال به جمهور العلماء ونقله ابن المنذر عن أكثر العلماء
قال وممن قال به سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رياح وسعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن
ابن أبي ليلى والنخعي وعبيد الله بن يزيد ومرة الهمذاني والزهري ومالك والثوري وأبو حنيفة وأحمد
واسحق قال ابن المنذر روينا عن ابن المسيب أنه قال إذا كان المسلم مريضا وأمر مجوسيا أن يذبح
أجزأه وقد أساء قال ابن المنذر واختلفوا في المجوسي يسمى شيئا لناره فيذبحه مسلم فكرهه
الحسن وعكرمة ورخص فيه ابن سيرين قال ابن المنذر يأكلها المسلم إذا ذبحها مسلم وسمى الله
تعالى عليها *
(فرع) في ذبيحة من أحد أبويه كتابي والآخر مجوسي * قد ذكرنا أن مذهبنا انه إذا كان الأب
مجوسيا فذبيحة الولد حرام بلا خلاف وكذا إن كانت الام على الأصح * وقال أبو حنيفة يحل في الصورتين
وقال مالك وأبو ثور له حكم الأب *
(فرع) ذبيحة المرتد حرام عندنا وبه قال أكثر العلماء منهم أبو حنيفة وأحمد وأبو يوسف
ومحمد وأبو ثور وكرهها الثوري قال ابن المنذر وكان الأوزاعي يقول في هذه المسألة معني قول الفقهاء
ان من تولى قوما فهو منهم وقال اسحق ان ارتد إلى النصرانية حلت ذبيحته *
(فرع) قال ابن المنذر أجمع العلماء على حل ذبيحة الصبي والمرأة الكتابيين العاقلين *
(فرع) في ذبائح الصابئين والسامرة * قال الشافعي وجمهور الأصحاب ان وافقت الصابئون
النصارى والسامرة اليهود في أصول العقائد حلت ذبائحهم ومناكحتهم والا فلا قال ابن المنذر وأباح
عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذبائح السامرة وقال إسحاق بن راهويه لا بأس بذبائح أهل
الصابئين لأنهم أهل الكتاب وقال ابن عباس ومجاهد وأبو يوسف لا يحل قال ابن المنذر (أما)
79

السامرة فحكمهم ما ذكره الشافعي (وأما) الصابئون فلا تحل ذبائحهم لان الله تعالى عطفهم على
اليهود والنصارى بالواو *
(فرع) ذبائح اليهود والنصارى حلال بنص القرآن والاجماع وحكى العبدري وغيره عن الشيعة
انهم قالوا لا تحل والشيعة لا يعتد بهم في الاجماع والله أعلم *
(فرع) قال المتولي وغيره لو أخبر فاسق أو كتابي انه ذكى هذه الشاة قبلناه وحل أكلها لأنه
من أهل الزكاة *
(فرع) لو وجدنا شاة مذبوحة ولم ندر من ذبحها فإن كان في بلد فيه من لا يحل ذكاته كالمجوس
لم تحل سواء تمحضوا أو كانوا مختلطين بالمسلمين للشك في الذكاة المبيحة والأصل التحريم وان لم يكن
فيهم أحد منهم حلت والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
(والمستحب أن يذبح بسكين حاد لما روى شداد بن أوس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
(ان الله كتب الاحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد
أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) فان ذبح بحجر محدد أو ليطة حل لما ذكرناه من حديث كعب بن
مالك في المرأة التي كسرت حجرا فذبحت بها شاة ولما روى أن رافع بن خديج قال يا رسول الله انا نرجو أن نلقى
العدو غدا وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انهر الدم وذكر اسم الله عليه
فكلوا ليس السن والظفر وسأخبركم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة فان ذبح
بسن أو ظفر لم يحل لحديث رافع بن خديج) *
(الشرح) حديث شداد بن أوس رواه مسلم وحديث رافع رواه البخاري ومسلم وينكر على
المصنف روى بصيغة التمريض مع أنه حديث صحيح وقوله صلى الله عليه وسلم (فأحسنوا القتلة
والذبحة هو - بكسر القاف والذال - أي هيأة القتل والذبح وليحد - بضم الياء وكسر الحاء - يقال
أحد السكين وحددها واستحدها كله بمعني والمدى - بضم الميم وفتح الدال - وهو جمع مدية - بضم
80

الميم وكسرها وفتحها ساكنة الدال - وهي السكين سميت مدية لأنها تقطع مدى حياة الحيوان وسميت
السكين سكينا لأنها تسكن حركة الحيوان وفيها لغتان التذكير والتأنيث (قوله) ليطه - بكسر اللام
واسكان المثناة تحت وبطاء مهملة - وهي القشرة الرقيقة للقصبة وقيل مطلق قشرة القصبة والجماعة ليط
(وقوله) صلى الله عليه وسلم (ما أنهر الدم) أي أسأله (وقوله) صلى الله عليه وسلم (ليس السن والظفر)
هما منصوبان بليس (وقوله) صلى الله عليه وسلم (أما السن فعظم) معناه فلا يجوز به لأنه متنجس بالدم وقد
نهيتم عن تنجيس العظام في الاستنجاء لكونهما زاد اخوانكم من الجن (وأما) الظفر فمدى الحبشة
وهم كفار وقد نهيتم عن التشبه بالكفار والله أعلم * (أما) الأحكام ففيها مسائل (إحداهما) السنة تحديد
السكين لما ذكره المصنف ويستحب امرارها بقوة وتحامل ذهابا وعودا ليكون أو حي وأسهل فلو ذبح
بسكين كآلة كره وحلت الذبيحة ونقل ابن المنذر أنه يكره أن يحدد السكين والشاة تنظر السكين وأن
يذبح الشاة والأخرى تنظر وكذا قاله أصحابنا قالوا ويستحب أن تساق إلى المذبح برفق وتضجع برفق
ويعرض عليها الماء قبل الذبح (المسألة الثانية) قال الشافعي والأصحاب لا تحصل الذكاة بالظفر والسن ولا
بسائر العظام وتحصل بما سوى ذلك من جميع المحددات سواء كانت من الحديد كالسيف والسكين
والسهم والرمح أو من الرصاص أو النحاس أو الذهب أو الفضة أو الخشب المحدد أو القصب أو الزجاج
أو الحجز أو غيرها ولا خلاف في كل هذا عندنا ويحل الصيد المقتول بجميع هذه المذكورات سوى
الظفر والسن وسائر العظام (وأما) الظفر والسن وسائر العظام فلا تحل بها الذكاة ولا الصيد بلا خلاف
سواء كان الظفر والسن من آدمي أو غيره وسواء المتصل والمنفصل وسواء كان من حيوان مأكول أو
غيره هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وقال صاحب الحاوي قال الشافعي أكره بالعظم الذكاة ولا
يبين لي ان أحرم لأنه لا يقع عليه اسم سن ولا ظفر قال اعتبر الشافعي في التحريم الاسم فاجازه بالعظم
لخروجه عن الاسم وكرره لأنه في معناه قال وفيه عندي نظر لان النبي صلى الله عليه وسلم علل المنع من السن بأنه
81

عظم هذا نقله وهو شاذ ضعيف * وحكي الرافعي وجها شاذا باطلا ان عظم المأكول تحصل به الذكاة
وهذا غلط ولو ركب عظم على سهم وجعل نصلاله فقتل به صيدا لم يحل هذا هو المذهب وبه قطع
الجمهور وحكى الرافعي قولان قولا أنه يحل وهو شاذ مردود (الثالثة) لو أراد الذكاة بمثقل فاثر بثقله
دقا أو خنقا لم يحل وكذا لو كان مثقلا فقتله بثقله لم يحل بل لابد من الجرح ولو ذبحه بحديدة لا
تقطع وتحامل عليها حتى أزهقه لم يحل لان القطع هنا بقوة الذابح واعتماده الشديد لا بالآلة
والله أعلم *
(فرع) اعلم أنه ينكر على المصنف قوله في التنبيه يجوز الذبح بكل ماله حد يقطع إلا
السن والظفر وهذا اللفظ يقتضى جواز الذبح بالعظام المحددة سوى السن وهذا لا يجوز بلا خلاف كما
سبق وكان حقه أن يقول الا العظم والظفر أو الا الظفر والسن وسائر العظام وعبارته في المهذب أجود
ومع هذا فأهمل فيه بيان منع الذبح بالعظم (فان قيل) لعله اقتصر على موافقة الحديث (قلنا) (أما)
في المهذب فله في هذا بعض العذر (وأما) في التنبيه فلا عذر له ولا جواب عنه لأنه لم يذكر الحديث
حتى يستنبط منه (وأما) الحديث فليس فيه ايهام بأنه منصوص فيه على العلة في السن وهو كونه
عظما ففهمنا منه ان كل ما انطلق عليه اسم العظم لا تحل الذكاة به *
(فرع) لو ذبح بسكين مغصوب أو مسروق أو كال وقطع الحلقوم والمرئ كره ذلك
وحلت الذبيحة بلا خلاف عندنا قال العبدري وبه قال العلماء كافة الا داود فقال لا تحل وهو رواية
عن أحمد لقوله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم بهذا اللفظ من رواية
عائشة رضي الله عنها فيصير كأنه لم يوجد ذبح * واحتج أصحابنا بقوله تعالى (إلا ما ذكيتم) وبقوله
صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور قريبا (ما أنهرم الدم) والجواب عن حديث (من عمل عملا) أنه يقتضى
تحريم فعله ولا يلزم منه ابطال الذكاة ولهذا لو ذبح بسكين حلال في أرض مغصوب أو توضأ بماء
في أرض مغصوبة فإنه تحصل الذكاة والوضوء بالاجماع *
82

(فرع) في مذاهب العلماء بما تحصل به الذكاة * ذكرنا أن مذهبنا حصوله بكل محدد
إلا الظفر والسن وسائر العظام وبه قال النخعي والحسن بن صالح والليث وفقهاء الحديث وأحمد واسحق
وأبو داود وأبو ثور وداود والجماهير وهو رواية عن مالك * وقال أبو حنيفة وصاحباه لا يجوز الذبح
بالظفر والعظم المتصلين ويجوز بالمنفصلين وهو رواية عن مالك وحكى ابن المنذر عن مالك أنه قال
تحصل الذكاة بكل شئ حتى بالسن والظفر ونحوه عن ابن جريج وحكى العبدري عن ابن القصار
المالكي أن الظاهر من مذهب مالك إباحة الذكاة بالعظم ومنعته بالسن قال ابن القصار وعندي تحصل
الذكاة بهما وعن ابن جريج قال تذكى بعظم الحمار ولا تذكى بعظم القرد لان الحمار تصلى عليه وتسقيه
في خفك وهذا مذهب فاسد واستدلال باطل * دليلنا حديث رافع والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(والمستحب أن تنحر الإبل معقولة من قيام لما روى (أن ابن عمر رضي الله عنهما رأى رجلا
أضجع بدنة فقال قياما سنة أبى القاسم صلى الله عليه وسلم) وتذبح البقرة والغنم مضجعة لما روى أنس
رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أقرنين أملحين ذبحهما بيده ووضع
رجله على صفاحهما وسمى وكبر) والبقر كالغنم في الذبح فكان مثله في الاضطجاع والمستحب أن يوجه
الذبيحة إلى القبلة لأنه لابد لها من جهة فكانت جهة القبلة أولى والمستحب أن يسمى الله تعالى على
الذبح لما روى عدى بن حاتم قال (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيد فقال إذا رميت بسهمك فاذكر اسم
الله عليه وكل) فان ترك التسمية لم يحرم لما روت عائشة رضي الله عنها (ان قوما قالوا يا رسول الله ان
قوما من الاعراب يأتون باللحم لا ندري اذكروا اسم الله تعالى عليه أم لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أذكر
اسم الله تعالى عليه وكل) والمستحب أن يقطع الحلقوم والمرئ والودجين لأنه أوحى وأروح للذبيحة
فان اقتصر على قطع الحلقوم والمرئ أجزأه لان الحلقوم مجرى النفس والمرئ مجرى الطعام والروح
83

لا تبقي مع قطعهما والمستحب أن ينحر الإبل ويذبح البقر والشاة فان خالف ونحر البقر والشاة وذبح
الإبل أجزأه لان الجميع موت من غير تعذيب ويكره أن يبين الرأس وأن يبالغ في الذبح إلى أن يبلغ
النخاع وهو عرق يمتد من الدماغ ويستبطن الفقار إلى عجب الذنب لما روى عن عمر رضي الله عنه
أنه نهى عن النخع ولان فيه زيادة تعذيب فان فعل ذلك لم يحرم لان ذلك يوجد بعد حصول الذكاة
وان ذبحه من قفاه فان بلغ السكين الحلقوم والمرئ وقد بقيت فيه حياة مستقرة حل لان الذكاة
صادفته وهو حي وان لم يبق فيه حياة مستقرة الا حركة مذبوح لم يحل لأنه صار ميتا قبل الذكاة
فان جرح السبع شاة فذبحها صاحبها وفيها حياة مستقرة حلت وان لم يبق فيها حياة مستقره لم تحل
لما روى (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ثعلبة الخشني وان رد عليك كلبك غنمك وذكرت
اسم الله عليه وأدركت ذكاته فذكه وان لم تدرك ذكاته فلا تأكله) والمستحب إذا ذبح أن لا يكسر
عنقها ولا يسلخ جلدها قبل أن تبرد لما روى أن الفرافصه قالوا لعمر رضي الله عنه إنكم تأكلون
طعاما لا نأكله فقال وما ذاك يا أبا حسان فقال تعجلون الأنفس قبل أن تزهق فأمر عمر رضي الله عنه
مناديا ينادي إن الذكاة في الحلق واللبة لمن قدر ولا تعجلوا الأنفس حتى تزهق) *
(الشرح) أما حديث ابن عمر وحديث أنس وحديث عدى فرواهم البخاري ومسلم ولفظ
روايتي البخاري ومسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما ابعثها مقيدة سنة أبى القاسم صلى الله عليه وسلم
وحذف منه المصنف مقيدة (وأما) حديث عائشة فصحيح رواه البخاري وآخرون وسبق ايضاحه مع
غيره مما في معناه في فرع مذاهب العلماء في التسمية في باب الأضحية (وأما) حديث أبي ثعلبة فروى
البخاري ومسلم بعضه ولفظهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له (وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم
فأدركت ذكاته فكل) (وأما) الأثر عن عمر فصحيح صححه ابن المنذر وذكره البخاري في صحيحه عن
ابن عمر (وقوله) في حديث ابن عمر قياما مقيدة أي معقولة إحدى الرجلين (وقوله) سنة أبى القاسم صلى الله عليه وسلم
هو بنصب سنة أي الزم سنة أو افعلها ويجوز رفعه أي هذه سنة والاعراب - بفتح الهمزة - ساكن
84

البادية والمرئ - بفتح الميم وآخره همزة ممدودة - والروح يذكر ويؤنث لغتان والنخاع - بكسر النون
وفتحها وضمها - ثلاث لغات حكاهن صاحب المحكم وآخرون والنخع - بفتح النون وإسكان
الخاء - وقد فسره المصنف قال الأزهري النخع للذبيحة أن يعجل الذابح فيبلغ القطع إلى
النخاع قال ابن الاعرابي والنخاع خيط أبيض يكون داخل عظم الرقبة ويكون ممتدا إلى الصلب
قال قال ابن الاعرابي أيضا هو خيط الفقار المتصل بالدماغ هذا نقل الأزهري في تهذيب اللغة وقال
في شرح ألفاظ المختصر النخع قطع النخاع وهو الخيط الأبيض الذي مادته من الدماغ في جوف
الفقار كلها إلى عجب الذنب وإنما تنخع الذبيحة إذا أبين رأسها والفقار - بفاء مفتوحة ثم قاف - وأما
عجب الذنب - فبفتح العين واسكان الجيم - وهو أصل الذنب (وأما) أبو ثعلبة الخشني - فبضم
الخاء - وفتح الشين المعجمة وبالنون - وسبق بيانه في كتاب الطهارة (وأما) الفرافصة فبضم
الفاء الأولى - وكسر - الثانية (وقوله) لا تعجلون الأنفس هو - بضم التاء واسكان العين - (قوله)
الحلق واللبة هي - بفتح اللام وتشديد الباء الموحدة - وهي الثغرة التي في أسفل العنق
(أما) الأحكام ففيها مسائل (إحداها) السنة في الإبل النحر وهو قطع الحلق أسفل العنق وفى
البقر والغنم الذبح وهو قطع الحلق أعلى العنق والمعتبر في الموضعين قطع الحلقوم والمرئ وحكى
صاحب البيان وغيره وجها شاذا أنه يتخير في البقر بين الذبح والنحر والصواب الأول والخيل كالبقر
وكذا حمار الوحش وبقره ونحوها فلو خالف وذبح الإبل ونحر البقر والغنم حلت المذكاة وكان تاركا
للمستحب وهل هو مكروه فيه قولان (الصحيح) المشهور لا يكره لان المكروه هو ما ورد فيه نهى
(والثاني) يكره (الثانية) السنة أن ينحر البعير قائما على ثلاث قوائم معقول الركبة ويستحب أن تكون
المعقولة اليسرى فإن لم ينحره قائما فباركا والسنة أن تضجع البقرة والشاة على جنبها الأيسر وتترك
رجلها اليمني وتشد قوائمها الثلاث وقد صح عن جابر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها) رواه أبو داود باسناد صحيح
85

على شرط مسلم والخيل والصيود كالبقر والغنم (الثالثة) قال أصحابنا يستحب أن يتوجه الذابح إلى
القبلة ويوجه الذبيحة إليها وهذا مستحب في كل ذبيحة وهو في الأضحية والهدى أشد استحبابا
لان الاستقبال مستحب في القربات وفى كيفية توجيهها ثلاثة أوجه سبقت في باب الأضحية
(أصحها) يوجه مذبحها إلى القبلة ولا يوجه وجهها ليمكنه هو أيضا الاستقبال (والثاني) يوجهها بجميع
بدنها (والثالث) يوجه قوائمها (الرابعة) يستحب أن يسمى الله تعالى عند الذبح وعند ارسال الكلب
أو السهم إلى الصيد فلو ترك التسمية عمدا أو سهوا حلت الذبيحة والصيد لكن في تركها عمدا ثلاثة
أوجه (الصحيح) أنه مكروه (والثاني) لا يكره (والثالث) يأثم به وقد سبقت المسألة مبسوطة بفروعها
الكثيرة مع ما يتعلق بها مع بيان مذاهب العلماء بأدلتها في باب الأضحية * قال الشافعي في الام
والأصحاب وتستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الذبح وفيه وجه شاذ لأبي علي بن أبي هريرة
أنها لا تستحب ولا تكره والمذهب الأول (الخامسة) في حقيقة الذبح وقد لخصه الرافعي رحمه الله
وجمع فيه متفرقات كلام الأصحاب وهذبها وهو كما قال قال الذبح الذي يباح به الحيوان المقدور عليه
انسيا كان أو وحشيا أضحية كان أو غيرها هو التدقيق بقطع جميع الحلقوم والمرئ من حيوان فيه حياة
مستقرة بآلة ليست عظما ولا ظفرا فهذه قيود (أما) القطع فاحتراز مما لو اختطف رأس عصفور وغيره
بيد أو ببندقة ونحوها فإنه ميتة (وأما) الحلقوم فهو مجرى النفس خروجا ودخولا والمرئ مجرى
الطعام والشراب وهو تحت الحلقوم ووراءهما عرقان في صفحتي العنق يحيطان بالحلقوم وقيل
يحيطان بالمرئ يقال لهما الودجان ويقال للحلقوم والمرئ معهما الأوداج ويشترط لحصول الذكاة
قطع الحلقوم والمرئ هذا هو المذهب الصحيح المنصوص وبه قطع المصنف والجمهور وفيه وجه
لأبي سعيد الإصطخري أنه يكفي قطع أحدهما لان الحياة لا تبقى بعده قال الأصحاب هذا خلاف
نص الشافعي وخلاف مقصود الذكاة وهو الازهاق بما يوحى ولا يعذب ويستحب أن يقطع
الودجين مع الحلقوم والمرئ لأنه أوحى والغالب أنهما يقطعان بقطع الحلقوم والمرئ فلو تركهما
جاز لحصول المقصود بالحلقوم والمرئ قال أصحابنا ولو ترك من الحلقوم والمرئ شيئا ومات الحيوان
فهو ميته وكذا لو انتهى إلى حركة المذبوح فقطع بعد ذلك المتروك فهو ميتة وحكى الماوردي
86

والشاشي وغيرهما وجها أنه إذا بقي من الحلقوم أو المرئ شئ يسير لا يضر بل تحصل الذكاة واختاره
الروياني في الحلية والمذهب الأول قال أصحابنا ولو قطع من القفا حتى وصل الحلقوم من المرئ عصي
لزيادة الايلام ثم ينظران وصل إلى الحلقوم والمرئ وقد انتهي إلى حركة المذبوح لم يحل بقطع الحلقوم
والمرئ بعد ذلك فان وصلهما وفيه حياة مستقرة فقطعهما حل كما لو قطع يده ثم ذكاه قال إمام الحرمين
ولو كان فيه حياة مستقرة عند ابتداء قطع المرئ ولكن لما قطع بعض الحلقوم انتهى إلى حركة
المذبوح لما ناله من قبل بسبب قطع القفا فهو حلال لان أقصى ما وقع التعبد به أن يكون فيه
حياة مستقرة عند الابتداء بقطع المذبح قال أصحابنا والقطع من صفحة العنق كالقطع من القفا قالوا
ولو أدخل السكين في أذن الثعلب ليقطع الحلقوم والمرئ من داخل الجلد ففيه هذا التفصيل ولو
أمر السكين ملتصقا باللحيين فوق الحلقوم والمرئ وابان الرأس فليس هو بذبح لأنه لم يقطع الحلقوم
والمرئ وأما كون التدقيق حاصلا بقطع الحلقوم والمرئ ففيه مسألتان (إحداهما) لو أخذ الذابح في
قطع الحلقوم والمرئ وأخذ آخرون في نزع خيشومه أو نخس خاصرته لم يحل لان التدقيق لم يتمحض
للحلقوم والمرئ وسواء كان ما تحرى به قطع الحلقوم مما يدقق ولو انفرد أو كان يعين على التدقيق ولو
اقترن قطع الحلقوم بقطع رقبة الشاة من قفاها بأن كان يجرى سكينا من القفا وسكينا من الحلقوم
حتى التقتا فهي ميتة بخلاف ما إذا تقدم قطع القفا وبقيت الحياة مستقرة إلى وصول السكين المذبح
(المسألة الثانية) يجب أن يشرع الذابح في القطع ولا يتأنى بحيث يظهر انتهاء الشاة قبل استتمام
قطع المذبح إلى حركة المذبوح هكذا قاله امام الحرمين وغيره قال الرافعي وهذا قد يخالف ما سبق أن
المتعبد به كون الحياة مستقرة عند الابتداء قال فيشبه أن يكون المقصود هنا إذا تبين مصيره إلى حركة
المذبوح وهناك إذا لم يتحقق الحال هذا كلام الرافعي وهذا الذي قاله خلاف ما سبق
87

تصريح الامام به بل الجواب أن هذا مقصر في التأني لم تحل ذبيحته بخلاف الأول فإنه لا تقصير
في حقه ولو لم يحلله أدى إلى حرج والله أعلم * وأما كون الحيوان عند القطع فيه حياة مستقرة ففيه
صور (إحداها) لو جرح السبع شاة أو صيدا أو انهدم سقف على بهيمة أو جرحت هرة حمامة ثم
أدركت حية فذبحت فإن كان فيها حياة مستقرة حلت وان تيقن هلاكها بعد يوم ويومين لما
ذكره المصنف وان لم يكن فيها حياة مستقرة لم يحل هذا هو المذهب والمنصوص وبه قطع الجمهور
وحكى قول أنها تحل في الحالين وقول أنها لا تحل في الحالين والصواب الأول قال أصحابنا وهذا
بخلاف الشاة إذا مرضت وصارت إلى أدنى رمق فذبحت فإنها تحل بلا خلاف لأنه لم يوجد سبب
يحال الهلاك عليه وقد ذكر صاحب البيان المسألة وأوهم فيها خلاف الصواب قال إذا أشرفت المريضة
على الموت لم تحل بالذكاة قال وحكى صاحب الفروع عن أبي علي بن أبي هريرة أنها ما دامت
تضرب بذنبها وتفتح عينها حلت بالذكاة قال وهذا ليس بشئ لان الحياة فيها غير مستقرة وإنما
حركتها حركة مذبوح * هذا كلامه والمذهب ما سبق ولو أكلت الشاة نباتا مخضرا فصارت إلى
أدنى الرمق فذبحت قال القاضي حسين مرة في حلها وجهان وجزم مرة بالتحريم لأنه وجد سبب يحال
الهلاك عليه فصار كجرح السبع *
88

(فرع) كون الحيوان منتهيا إلى حركة المذبوح أو فيه حياة مستقرة تارة يستيقن وتارة يظن
بعلامات وقرائن لا تضبطها العبارة وشبه الأصحاب بعلامات الخجل والغضب ونحوهما قالوا ومن
أمارات الحياة المستقرة الحركة الشديدة بعد قطع الحلقوم والمرئ وانفجار الدم وتدفقه قال امام
الحرمين من الأصحاب من قال كل واحد منهما يكفي دليلا على بقاء الحياة المستقرة قال والأصح ان كلا
منهما لا يكفي لأنهما قد يحصلا بعد الانتهاء إلى حركة المذبوح لكن قد ينضم إلى أحدهما أو كليهما
قرائن وأمارات أخر تفيد الظن أو اليقين فيجب النظر والاجتهاد. هذا كلام الامام واختار المزني
وطوائف من الأصحاب الاكتفاء بالحركة الشديدة وهو الأصح المختار وحكي البخاري في صحيحه
معناه عن ابن عباس وقد وقعت المسألة مرات في الفتاوى فكان الجواب فيها أن الحياة المستقرة
تعرف بقرائن يدركها الناظر ومن علاماتها الحركة الشديدة بعد قطع الحلقوم والمرئ وجريان الدم
فإذا حصلت قرينة مع أحدهما حل الحيوان والمختار الحل بالحركة الشديدة وحدها فهذا هو الصحيح
الذي نعتمده وقد ذكر الشيخ أبو حامد وصاحبا الشامل والبيان وغيرهم أن الحياة المستقرة ما يجوز
أن يبقى معه الحيوان اليوم واليومين بأن يشق جوفها وظهرت الأمعاء ولم تنفصل فإذا ذكيت حلت
وهذا الذي ذكره منزل على ما قدمناه والله تعالى أعلم * وإذا شك في المذبوح هل كان فيه حياة
مستقرة حال ذبحه أم لا ففي حله وجهان (أحدهما) الحل لان الأصل بقاء الحياة (وأصحهما) التحريم
للشك في الذكاة المبيحة والله أعلم * (وأما) قولنا في الآلة ليست ظفرا ولا عظما فمعناه جواز الذبح بكل
ماله حد يقطع الا العظم أو الظفر وقد سبقت المسألة قريبا واضحه والله أعلم * (المسألة السادسة) قال
أصحابنا رحمهم الله إذا قطع الحلقوم أو المرئ والودجين استحب أن يقتصر على ذلك ويكره أن يبين
رأسه في الحال وأن يزيد في القطع وأن يكسر عنقها وأن يكسر الفقار وأن يقطع عضوا منها
وأن يحركها وأن ينقلها إلى مكان آخر وكل ذلك مكروه بل يتركه كله حتى تفارقها الروح
وتبرد ويستحب أن لا يمسكها بعد الذبح مانعا لها من الاضطراب وقد ذكر المصنف أدلة هذه
الأمور والله أعلم *
89

(فرع) في مذاهب العلماء في ذبح ما ينحر ونحر ما يذبح * قد ذكرنا أن السنة ذبح البقر
والغنم ونحر الإبل فلو خالف وذبح الإبل ونحر البقر والغنم جاز * هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة واحمد
وجمهور العلماء * قال ابن المنذر قال بهذا أكثر أهل العلم منهم عطاء وقتادة والزهري والثوري والليث ابن سعد
وأبو حنيفة واحمد واسحق وأبو ثور وقال مالك ان ذبح البعير من غير ضرورة أو نحر الشاة من غير
ضرورة كره أكلها وان نحر البقر فلا بأس قال ابن المنذر واجمع الناس على أن من نحر الإبل وذبح البقر والغنم
فهو مصيب قال ولا أعلم أحدا حرم أكل بعير مذبوح أو بقرة وشاة منحورين قال وإنما كره مالك ذلك
كراهة تنزيه وقد يكره الانسان الشئ ولا يحرمه وذكر القاضي عياض عن مالك رواية
بالكراهة ورواية بالتحريم ورواية بإباحة ذبح المنحور دون نحر المذبوح ونقل العبدري
عن داود أنه قال إذا ذبح الإبل ونحر البقر لم يؤكل وهو محجوج باجماع من قبله وبما
ذكره المنصف *
(فرع) في مذاهبهم فيما يشترط قطعه لحصول الذكاة * قد ذكرنا أن مذهبنا اشتراط قطع
الحلقوم والمرئ بكمالهما وان الودجين سنة وهو أصح الروايتين عن أحمد * قال ابن المنذر أجمع أهل العلم
على أنه إذا قطع بما يجوز الذبح به وسمى وقطع الحلقوم والمرئ والودجين وأسال الدم حصلت الذكاة
وحلت الذبيحة قال واختلفوا في قطع البعض وكان الشافعي يقول يشترط قطع الحلقوم والمرئ
ويستحب الودجين وقال الليث وداود يشترط قطع الجميع واختاره ابن المنذر * وقال أبو حنيفة إذا
قطع ثلاثة من الأربعة حل والأربعة هي الحلقوم والمرئ والودجين وقال أبو يوسف لا لروايات
(إحداها) كأبي حنيفة (والثانية) ان قطع الحلقوم واثنين من الثلاثة الباقية حل والا فلا (والثالثة)
يجب قطع الحلقوم والمرئ وأحد الودجين وقال محمد بن الحسن ان قطع من كل واحد من الأربعة
أكثره حل والا فلا وقال مالك يجب قطع الحلقوم والودجين ولا يشترط المرئ ونقله العبدري عنه
وعن الليث ابن سعد فيصير عن الليث روايتان وعن مالك رواية كاشتراط قطع الأربعة وهو قول
أبي ثور وعن مالك أيضا الاكتفاء بالودجين * دليلنا ما ذكره المصنف *
90

(فرع) إذا ذبح الشاة ونحوها من قفاها فقد ذكرنا أن مذهبنا أنه ان وصل السكين إلى
الحلقوم والمرئ وفيه حياة مستقرة حل والا فلا * قال العبدري وقال مالك وداود لا تحل بحال * وقال احمد
فيه روايتان (أحدهما) تحل (والثاني) لا تحل ان تعمد وقال الرازي الحنفي قال أصحابنا ان
مات بعد قطع الأوداج الأربعة حل والا فلا وحكى ابن المنذر عن الشعبي والثوري
والشافعي وأبي حنيفة وإسحاق وأبى ثور ومحمد حل المذبوح من قفاه وعن ابن المسيب
واحمد منعها *
(فرع) في مذاهبهم إذا قطع رأس الذبيحة * مذهبنا أنها إذا ذكيت الذكاة المعتبرة وقطع
رأسها في تمام الذبح حلت وحكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن عمر وعمران بن الحصين
وعطاء والحسن البصري والشعبي والنخعي والزهري وأبي حنيفة وإسحاق وأبى ثور ومحمد وكرهها ابن
سيرين ونافع * وقال مالك ان تعمد ذلك لم يأكلها وهي رواية عن عطاء *
(فرع) في مذاهبهم في الشاة المنخوعة * قد ذكرنا أن النخع أن يعجل الذابح فيبلغ بالذبح إلى
النخاع ومذهبنا أن هذا الفعل مكروه والذبيحة حلال قال ابن المنذر وقال ابن عمر لا تؤكل وبه قال
نافع وكرهه اسحق * وقال مالك لا أحب أن تعمد ذلك قال وكرهت طائفة الفعل وأباحت الاكل وبه
قال النخعي والزهري والشافعي وأبو حنيفة واحمد وأبو ثور قال ابن المنذر بقول هؤلاء أقول قال ولا حجة
لمن منع أكله بعد الذكاة *
(فرع) في مذاهبهم فيما يقطع من الشاة بعد الذكاة قبل أن تبرد * مذهبنا أن الفعل مكروه
والعضو المقطوع حلال وبه قال مالك وأبو حنيفة واحمد واسحق * قال ابن المنذر وكره ذلك عطاء قال
وقال عمرو بن دينار ذلك العضو ميتة * وقال عطاء ألق ذلك العضو *
(فرع) في مذاهبهم في المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع * إذا ذكيت
واحدة من هؤلاء قال العبدري من أصحابنا لها ثلاثة أحوال (أحدها) أن يدركها ولم يبق فيها الا
91

حركة مذبوح فهذه لا تحل عندنا وبه قال مالك وأبو يوسف والجمهور وعن أبي يوسف رواية أنها إن كان
ت بحيث تعيش أكثر من نصف يوم حلت (الثانية) أن يدركها وفيها حياة مستقرة ولكن
يعلم أنها تموت قطعا فتحل بالذكاة بلا خلاف عندنا والصحيح عن مالك أنها لا تحل (الثالثة) أن يدركها
وهي بحيث يحتمل أن تعيش ويحتمل أن لا تعيش والحياة مستقرة فتحل عندنا * وقال مالك لا تؤكل
وقال أبو حنيفة وداود إذا ذكاها قبل أن تموت حلت ولم يفصلا * وعن أبي حنيفة رواية أخرى
أنها لا تحل الا ان علم أنها تعيش يوما أو أكثر وقال محمد بن الحسن واحمد إن كانت تعيش معه اليوم
ونحوه حلت وإن كانت لا تبقى الا كبقاء المذبوح لم تحل هذا نقل العبدري وقال ابن المنذر روينا
عن علي رضي الله عنه ان أدركها وهي تحرك يدا أو رجلا فذكاها حلت قال وروي معني ذلك عن
أبي هريرة والشعبي والحسن البصري وقتادة ومالك وقال الثوري إذا خرق السبع بطنها وفيها الروح
فذبحها فهي ذكية وبه قال احمد واسحق قال الليث ان ركضت عند الذبح فلا بأس
بأكلها والله أعلم *
(فرع) في مذاهبهم في نحر الإبل قائمة * اجمعوا ان الأفضل ذبح البقر والغنم مضجعة (وأما)
الإبل فمذهبنا أنه يسن نحرها قائمة معقولة اليد اليسرى كما سبق وبه قال العلماء كافة الا الثوري
وأبا حنيفة فقالا سواء نحرها قائمة وباركة ولا فضيلة وحكى القاضي عياض عن عطاء ان نحرها باركة
معقولة أفضل من قائمة وهذان المذهبان مردودان بالأحاديث الصحيحة السابقة *
قال المصنف رحمه الله *
(ويجوز الصيد بالجوارح المعلمة كالكلب والفهد والبازي والصقر لقوله تعالى (أحل لكم
92

الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم) قال ابن
عباس رضي الله عنه هي الكلاب المعلمة والبازي وكل طائر يعلم الصيد والمعلم هو الذي إذا أرسله على الصيد
طلبه وإذا اشلاه استشلى فإذا أخذ الصيد أمسكه وخلى بينه وبينه فإذا تكرر منه ذلك كان
معلما وحل له ما قتله) *
(الشرح) هذا الأثر عن ابن عباس رواه البيهقي عنه باسناد ضعيف لأنه من رواية على ابن أبي طلحة عن
ابن عباس ولم يدرك ابن عباس وإنما روى التفسير عن مجاهد عن ابن عباس وقد ضعفه أيضا الأكثرون قال
الشافعي والأصحاب يجوز الاصطياد بجوارح السباع المعلمة كالكلب والفهد والنمر وغيرها وبجوارح الطير
كالنسر والبازي والعقاب والباشق والشاهين وسائر الصقور وسواء في الكلاب الأسود وغيره ولا خلاف في
شئ من هذا عندنا الا وجها لأبي بكر الفارسي من أصحابنا أن صيد الكلب الأسود حرام حكاه الروياني
والرافعي وغيرهما وهو ضعيف بل باطل (وأما) قول الغزالي في الوسيط فريسة الفهد والنمر حرام
فغلط مردود وليس وجها في المذهب بل لها حكم الكلب في الاصطياد بلا خلاف نص عليه
الشافعي في مختصر المزني وجميع الأصحاب في جميع الطرق وكلهم صرحوا بالفهد والنمر وانها
كالكلب وهذا نص الشافعي رحمه الله في المختصر قال: كل معلم من كلب وفهد ونمر. وهكذا
عبارة جميعهم (أما) استبعاد الغزالي تعلمها فلا يقبل لان الاصطياد بالفهود المعلمة كثير
مشهور مشاهد والنمر إذا أخذ صغيرا تيسر تعليمه فحصل انه لا خلاف في جوازه وان الكلب
والنمر في هذا سواء قال الرافعي ذكر امام الحرمين ان الفهد يبعد عنه التعليم لانفته وعدم
انقياده فان تصور تعلمه على ندور فهو كالكلب * قال الرافعي وهذا الذي قال الامام
93

لا يخالف ما قاله الشافعي والأصحاب قال وفى كلام الغزالي ما يوهم هذا خلاف قال وهو
مجهول على ما ذكره الإمام قال ولا خلاف فيه والله أعلم * قال أصحابنا والمراد بجواز الاصطياد
بهذه الجوارح ان ما أخذته وجرحته وأدركه صاحبها ميتا أو في حركة المذبوح أو لم يتمكن من
ذبحه حل أكله ويقوم ارسال الصائد وجرح الجارح في أي موضع كان مقام الذبح في غير
الصيد قالوا وأما الاصطياد بمعنى اثبات الملك فلا يختص بها بل يحصل بأي طريق تيسر سواء كان
بكلب معلم أو غير كلب ولكن لا يحل ما قتله غير المعلم وإنما يحل إذا ذكى وفيه حياة مستقرة قال
أصحابنا ويشترط لحل ما قتله الجارح كونه معلما وشرط تعليمه أربعة أمور (أحدها) ان ينزجر بزجر
صاحبه هكذا أطلقه المصنف والجمهور وهو المذهب وقال امام الحرمين يعتبر ذلك في ابتداء الارسال
(وأما) إذا انطلق واشتد عدوه ففي اشتراطه (1) (أصحهما) يشترط كما قاله الجمهور (الشرط الثاني)
ان يسترسل بارساله ومعناه أنه إذا أغرى بالصيد هاج (الثالث) أن يمسك الصيد فيحبسه على صاحبه
ولا يخيه (الرابع) أن لا يأكل منه هذا هو المذهب وبه قطع المصنف والجمهور وهو المعروف من
نصوص الشافعي وفيه قول شاذ انه لا يضر الاكل حكاه الرافعي وليس بشئ وذكر امام الحرمين ان ظاهر
المذهب أنه يشترط أن ينطلق أيضا بانطلاق صاحبه وانه لو انطلق بنفسه لم يكن معلما ورآه الامام
مشكلا من حيث أن الكلب على أي صفة كان إذا رأى صيدا بالقرب منه وهو على كلب الجوع
يبعد انكفافه * هذا حكم الكلب وما في معناه من جوارح السباع (وأما) جوارح الطير فيشترط فيها
أن تهيج عند الاغراء أيضا ويشترط ترك أكلها من الصيد على المذهب وبه قطع المصنف وكثيرون
وحكى امام الحرمين والخراسانيون فيه قولين (قال) الامام ولا نطمع في انزجارها بعد الطيران (قال)
ويبعد أيضا اشتراط انكفافها في أول الأمر والله أعلم *
(فرع) قال المصنف والأصحاب هذه الأمور المشترطة في التعليم يشترط تكررها
ليغلب على الظن تأدب الجارحة ومصيرها معلمة والرجوع في عدد ذلك إلى أهل الخبرة بالجوارح

(1) بياض بالأصل ولعله قولان أو وجهان.
94

هذا هو المذهب قال الرافعي وهو مقتضى كلام الجمهور وفيه وجه أنه يشترط تكرر ثلاث مرات
ووجه ثالث انه يكفي مرتان والصحيح الأول *
(فرع) في مذاهب العلماء * ذكرنا أن مذهبنا جواز الاصطياد بجميع الجوارح المعلمة من
السباع والطير كالكلب الأسود وغيره والفهد والنمر والبازي والعقاب والصقور كلها قال العبدري وبهذا
قال أكثر الفقهاء (قال) وعن ابن عمر ومجاهد أنهما كرها صيد البازي وغيره من الطيور وقال
الحسن البصري والنخعي وقتادة واحمد واسحق يجوز بذلك كله الا الكلب الأسود البهيم قال ابن المنذر قال
احمد ما أعلم أحد يرخص فيه إذا كان بهيما قال ابن المنذر وقال عوام أهل العلم من أهل المدينة وأهل الكوفة
بإباحة صيد الكلب الأسود كغيره وممن روي عنهم البيهقي جواز أكل صيد الطيور كالصقور سلمان
الفارسي وابن عباس وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير حكاه أبو الزناد عن فقهاء المدينة الذين ينتهى إلى
قولهم وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس وطاوس وعطاء ويحيى بن أبي كثير والحسن البصري ومالك
وأبي حنيفة وأبى ثور ومحمد * واحتج لابن عمر ومجاهد بقوله تعالى (وما علمتم من الجوارح مكلبين) فخصه
بالكلاب * واحتج أصحابنا للحسن وموافقيه بحديث جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب
ثم نهى عن قتلها وقال عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان) رواه مسلم في صحيحه * واحتج أصحابنا
بقوله تعالى (وما علمتم من الجوارح ملكبين) قالوا والجوارح تطلق على السباع والطيور والجارحة الكاسب
فكل كاسب منها جارحة قال الجوهري في الصحاح الجوارح من السباع والطير ذوات الصيد وبهذه
95

الحروف قاله ابن فارس في المجمل وجماهير أهل اللغة قال الواحدي في البسيط الجوارح هي
الكواسب من الطير والسباع ذوات الصيد واحدها جارحة والكلب الضاري جارحة سميت جوارح
لأنها كواسب أنفسها من جرح واجترح إذا اكتسب قال ابن عباس يريد الطير الصائدة والكلاب
والفهود وسباع الطير كالشواهين والبواشق والعقبان فما اصطادت هذه فهو حلال قال الواحدي قال
الليث سئل مجاهد عن الصقر والبازي والفهد وما يصطاد من السباع فقال هذه كلها جوارح قال الواحدي وهذا قول جميع المفسرين الا ما روى عن ابن عمر والضحاك انهما قالا الجوارح الكلاب
دون غيرها قالا وما صاد غير الكلاب ولم يدرك ذكاته لم يحل ومثله عن السدى قال الواحدي
وهذا قول غير معمول به قال وقوله تعالى (مكلبين) للكلب الذي يعلم الكلاب الصيد قال
الواحدي قال أهل المعاني وليس فيه دليل على أنه إنما أبيح صيد الكلاب خاصة لأنه بمنزلة قولك
مؤدبين * هذا آخر نقل الواحدي فهذا الذي ذكرناه من الاحتجاج بالآية الكريمة هو المعتمد في
الاستدلال مع القياس على الكلب (وأما) الحديث الذي احتج به جماعة من أصحابنا وهو حديث
مخالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما علمت من كلب أو باز
ثم أرسلته وذكرت اسم الله فكل مما أمسك عليك قلت وان قتل قال إذا قتله ولم يأكل منه
شيئا فإنما أمسكه عليك) فرواه أبو داود والبيهقي وغيرهما ولكنه ضعيف فان مخالد ضعيف باتفاقهم قال
البيهقي ذكر البازي في هذه الرواية لم يأت به الحفاظ عن الشعبي وإنما أتى به مخالد والله أعلم * وأما الجواب
عن احتجاجهم بالآية الكريمة فقد ذكرنا معناها وفى ضمنه الجواب عن احتجاجهم (وأما) الجواب عن حديث
الامر بقتل الكلب الأسود فهو أنه لا يلزم من قتله تحريم صيده مع أن القتل منسوخ كما سنوضحه
في باب ما يجوز بيعه إن شاء الله تعالى قال ابن المنذر وقد قال الله تعالى (وما علمتم من الجوارح
مكلبين) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي (إذا أرسلت كلبك فأخذ وقتله فكل) قال فالقول
بظاهر الكتاب والسنة وأحب ولا يجوز أن يستثنى منهما الا بكتاب أو سنة والله أعلم *
96

(فرع) في مذاهبهم في ضبط تعليم الجارحة * قد ذكرنا ان مذهبنا أنه يشترط في مصيره معلما أربعة
شروط وانه يشترط تكرره بحيث يقول أهل الخبرة انه صار معلما وأوضحنا ذلك ولم يعتبر أصحابنا
عدد المرات في ذلك بل اعتبروا العرف كما ذكرنا * قال العبدري وقال مالك المعلم الذي يفقه عن مرسله
فيأتمر إذا أمره وينزجر إذا زجره ولا يشترط ترك الأكل فيه سواء الكلب وغيره * وقال أبو حنيفة
يعتبر تكرر ذلك مرتين وفى رواية عنه لا تقدير في التعليم بل إذا وقع في نفس صاحبه مصيره معلما
حل صيده وقال احمد حده أن يصطاد ولا يأكل قال وليس له كتعلم الصناعات وبهذا قال
داود وقال أبو يوسف ومحمد هو أن يصطاد ثلاث مرات ولا يأكل وحكي ابن المنذر عن ربيعة أنه
قال إذا دعا الكلب فأجاب وزجره فأطاع فمعلم (وأما) الطيور فما أجاب منها إذا دعى
فمعلم ومثله عن أبي ثور الا أنه قال ما لم يأكل وحكى ابن المنذر عن بعض العلماء حصول
التعلم بمرة *
(فرع) في مذاهبهم في اصطياد المسلم بكلب أو طائر علمه مجوسي * مذهبنا أنه حلال
ويحل ما قتله قال العبدري وبه قال الفقهاء كافة قال ابن المنذر وبه قال سعيد بن المسيب والحكم
والزهري ومالك وأبو حنيفة وأبو ثور وهو أصح الروايتين عن عطاء قال وممن كرهه جابر
ابن عبد الله والحسن البصري وعطاء ومجاهد والنخعي والثوري وإسحاق بن راهويه وكره
الحسن الاصطياد بكلب اليهودي والنصراني وقال أحمد بن حنبل وإسحاق كلب اليهودي
والنصراني أهون *
(فرع) قال ابن المنذر روينا عن ابن عباس قال إذا قتل الكلب الصيد فأكل منه فأضربه
حتى يمسك عليه *
(فرع) المعروف في اللغة أن قولهم أشلى الكلب أي استدعاه وأما ارساله فيقال فيه أغراه
واستعمال المصنف له هنا وفى التنبيه على وفق هذا المشهور في اللغة * وقال الشافعي في المختصر كل
97

معلم من كلب أو فهد أو نمر فكان إذا أشلي استشلى وإذا أخذ حبس ولم يأكل فهو معلم * هذا لفظه قال
أصحابنا اعترض أبو بكر ابن داود والظاهري على قول الشافعي إذا أشلاه استشلى فقال يقال أشلاه
إذا دعاه وأغراه إذا أرسله ولهذا قال الشاعر * أشليت عيري ومسحت قعبى *
وأجاب أصحابنا عن هذا الاعتراض بأجوبة (أحدها) أن الشافعي من أهل اللغة ومن
فصحاء العرب الذين يحتج بلغتهم كالفرزدق وغيره لأنه عربي النسب والدار والعصر * قال الأصمعي
قرأت ديوان الهدلس على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس الشافعي قالوا فيكون أشلي من
الأضداد يطلق على الاستدعاء وعلى الاغراء ومما يؤيد هذا الجواب ويوضحه أكمل ايضاح أن
أبا الحسين احمد ابن فارس المجمع على توثيقه وأمانته في اللغة قال في كتاب المجمل يقال
أشليت الكلب إذا دعوته وأشليته أغريته قال قال الأعجم *
أتينا أبا عمرو فأشلى كلابه * علينا فكدنا بين بيتيه نؤكل
(الجواب الثاني) ان الأشلاء وإن كان هو الاستدعاء فاستعماله هنا صحيح وكأنه
يستدعيه ليرسله فعبر بالاشلاء عن الارسال لأنه يؤول إليه وهو من باب تسميته الشئ بما يصير إليه
ومنه (انى أراني أعصر خمرا) (والثالث) جواب الأزهري أن معني أشلى دعا أي أجاب كأنه يدعوه
للصيد فيجيبه ويقصد الصيد والله سبحانه أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
(وان أرسل من تحل ذكاته جارحة معلمة على الصيد فقتله بظفره أو نابه أو بمنقاره حل اكله
لما روي أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا كنت في ارض صيد
فأرسلت كلبك المعلم فاذكر اسم الله تعالى وكل) (وأما) إذا أرسله من لا تحل ذكاته فقتله لم يحل لان
الكلب آلة كالسكين والمذكى هو المرسل فإذا لم يكن من أهل الذكاة لم يحل صيده فان أرسل
جارحة غير معلمة فقتل الصيد لم يحل لما روى أبو ثعلبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أرسلت
كلبك الذي ليس بمعلم فما أدركت ذكاته فكل) وان استرسل المعلم بنفسه فقتل الصيد لم يحل
98

لما روى عدي ابن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا أرسلت كلابك المعلمة فأمسكن
عليك فكل قلت وان قتلن قال وان قتلن) فشرط أن يرسل وان أرسله فقتل الصيد بثقله ففيه
قولان (أحدهما) لا يحل لأنه آلة للصيد فإذا قتل بثقله لم يحل كالسلاح (والثاني) يحل لحديث
عدى ولأنه لا يمكن تعليم الكلب الجرح وانهار الدم فسقط اعتباره كالعقر في محل الذكاة وان
شارك كلبه في قتل الصيد كلب مجوسي أو كلب استرسل بنفسه لم يحل لأنه اجتمع
في ذبحه ما يقتضى الحظر والإباحة فغلب الحظر كالمتولد بين ما يؤكل وبين ما لا يؤكل وان
وجد مع كلبه كلبا آخر لا يعرف حاله ولا يعلم القاتل منهما لم يحل لما روى عدى بن حاتم قال
(سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أرسلت كلبي ووجدت مع كلبي كلبا آخر لا أدري
أيهما أخذه فقال لا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره) ولان الأصل فيه الحظر فإذا
أشكل بقي على أصله) *
(الشرح) حديث أبي ثعلبة الأول وحديثه الثاني رواهما البخاري ومسلم بمعناهما
وحديث عدي الأول وحديثه الثاني رواهما البخاري ومسلم وسبق بيان اسم أبى ثعلبة ونسبه
في باب الآنية ولغات الظفر في باب السواك وقوله منقاره - بكسر الميم - وقوله بثقله هو
- بكسر الثاء - وقوله كالعقر في محل الذكاة يعني كما يسقط اعتبار العقر في محل الذكاة الذي هو الحلق واللبة (أما الأحكام) ففيها مسائل (إحداها) إذا أرسل من تحل ذكاته جارحة معلمة على صيد
99

فقتلته بظفره أو منقاره أو نابه حل أكله بلا خلاف لما ذكره المصنف وإذا أرسل من لا تحل ذكاته
كمرتد أو وثني أو مجوسي جارحة معلمة فقتل الصيد بظفره أو نابه لم يحل سواء كان علمها مسلم أو مجوسي * هذا هو المذهب والمنصوص وبه قطع الأصحاب في جميع الطرق الا ما شذ به صاحبا العدة
والبيان فحكيا وجها أنه يحل ما قتله جارحة المجوسي وهذا غلط ظاهر الا أن بعض أصحابنا حكى
وجها في حل مناكحة المجوسي وذبيحته بناء على أن لهم كتابا فعلى هذا الوجه يحل صيده كذكاته
ولعل هذا القائل أراد هذا الوجه وكيف كان فالصواب أنه لا يحل صيده مطلقا ولو اشترك المسلم
والمجوسي في ارسال كلب أو سهم على الصيد واشترك كلباهما في قتله لم يحل لما ذكره المصنف
وان رميا سهمين أو أرسلا كلبين فسبق كلب المسلم أو سهمه فقتل الصيد أو أنهاه إلى حركة
المذبوح حل ولا أثر لوقوع سهم المجوسي أو كلبه بعد ذلك فيه كما لو ذبح مسلم شاة ثم قدها مجوسي
وان سبق ما أرسله المجوسي أو جرحا معا أو مرتبا ولم يذفف واحد منهما فهلك بهما أو لم يعلم أيهما قتله
لم يحل بلا خلاف قال الروياني متى اشتركا في امساكه وعقره أو في أحدهما وانفرد واحد بالآخر أو انفرد
كل واحد منهما بأحدهما فهو حرام ولو كان للمسلم كلبان معلم وغيره أو معلمان أرسل أحدهما وذهب
الآخر بلا ارسال فقتلا صيدا أو وجد مع كلبه كلبا آخر ولم يعلم أيهما القاتل فهو كاسترسال كلبي
المسلم والمجوسي ولو تقرب الصيد من كلب المسلم فعارضه كلب المجوسي فرده عليه فقتله كلب المسلم
حل كما لو ذبح مسلم شاة أمسكها مجوسي ولو جرحه مسلم أولا ثم قتله مجوسي أو جرحه جرحا غير مذفف
100

ومات بالجرحين فحرام وإن كان المسلم قد أثخنه بجراحته فقد ملكه ويلزم المجوسي قيمته له لأنه أتلفه
فجعله ميتة ولا خلاف عندنا أنه يحل ما اصطاده المسلم بكلب المجوسي كما لو ذبح بسكينته أو رمي
بسهمه أو قوسه والله أعلم * (المسألة الثالثة) أرسل المسلم جارحة غير معلمة فقتل الصيد لم يحل
بالاجماع وقد سبق بيانه قريبا وذكرنا هناك أنه لو جرحه وأدرك فيه حياة مستقرة فذكاه حل والا فلا
(الرابعة) لو استرسل المعلم بغير ارسال فقتل الصيد لم يحل لما ذكره المصنف قال أصحابنا فلو أكل
من هذا الصيد لم يقدح ذلك في كونه معلما بلا خلاف وإنما يقدح في الاكل على أصح القولين إذا
أرسله صاحبه (أما) إذا استرسل فزجره صاحبه فانزجر ووقف ثم أغراه فاسترسل وقتل الصيد
فيحل بلا خلاف وان لم ينزجر ومضى لوجهه لم يحل سواء زاد عدوه وحدته أم لا ولو لم يزجر
بل أغراه فإن لم يزد عدوه فحرام قطعا وكذا ان زاد على أصح الوجهين وبه قطع أبو حامد وابن
الصباغ فإن كان الاغراء وزيادة العدو بعد ما زجره فلم ينزجر فطريقان (قطع) العراقيون بالتحريم (وقال)
الخراسانيون فيه وجهان مرتبان على الوجهين السابقين وأولى بالتحريم ولو أرسل مسلم كلبا وأغراه مجوسي فازداد
عدوه (فان قلنا) في الصورة السابقة لا ينقطع حكم الاسترسال ولا يؤثر الاغراء حل هنا ولا أثر لاغراء المجوسي وان
قطعناه وأحلنا على الاغراء لم يحل هذا. هكذا قاله الجمهور وقطع البغوي بالتحريم واختاره القاضي أبو الطيب
لأنه قطع للأول أو مشاركة وكلاهما يحرمه ولو أرسل مجوسي كلبا فأغراه مسلم فازداد عدوه فوجهان بناء على عكس
ما سبق ومن الأصحاب من قطع هنا بالتحريم. ولو أرسل مسلم كلبا فزجره فضولي فانزجر ثم أغراه
فاسترسل وأخذ صيدا فلمن يكون الصيد فيه وجهان (أصحهما) للفضولي (والثاني) للمالك كالوجهين
101

فيمن غصب كلبا فاصطاد به ولو زجره فلم ينزجر فأغراه أو لم يزجره بل أغراه وزاد عدوه وقلنا
الصيد للغاصب خرج على الخلاف في أن الاغراء هل يقطع حكم الابتداء أم لا (ان قلنا)
لا وهو الأصح فالصيد لصاحب الكلب والا فللغاصب الفضولي قال امام الحرمين
ولا يمتنع
تخريج وجه باشتراكهما والله أعلم * (الخامسة) إذا لم يجرح الكلب الصيد بل قتله بثقله وصدمته
فقولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) عند الأصحاب أنه يحل (والثاني) لا يحل (وأما)
إذا كد الجارحة الصيد حتى أتعبه فوقع ميتا من التعب فلا يحل قولا واحد لأنه مات من غير فعل
فأشبه المتردية والله أعلم *
(فرع) تستحب التسمية عند ارسال الجارحة أو ارسال السهم على الصيد استحبابا متأكدا كما
ذكرنا في الذكاة فان ترك التسمية عمدا أو سهوا حل الصيد بلا خلاف عندنا وسبقت المسألة
بفروعها وأدلتها ومذاهب العلماء فيها في باب الأضحية *
(فرع) في مذاهب العلماء في صيد الكتابي * مذهبنا أنه يحل صيد الكتابي
كما تحل ذبيحته فإذا أرسل جارحة معلما أو سهما فقتل صيدا حل وبه قال عطاء وأبو حنيفة
والليث والأوزاعي واحمد وابن المنذر وداود وجمهور العلماء * وقال مالك لا يحل صيده وتحل
ذبيحته وهذا ضعيف *
(فرع) في صيد المجوسي بكلبه المعلم وسهمه * مذهبنا أنه حرام قال ابن المنذر وبه
قال جمهور العلماء منهم عطاء وسعيد بن جبير والنخعي ومالك والليث والثوري وأبو حنيفة
واحمد واسحق وغيرهم قال ابن المنذر وقال أبو ثور فيهم قولان (أحدهما) كقول الجمهور (والثاني)
تحل ذبائحهم ولهم كتاب *
102

(فرع) في مذاهبهم في الكلب المعلم يسترسل من غير ارسال فيقتل الصيد *
قد ذكرنا أن مذهبنا أنه حرام سواء كان صاحبه خرج به للاصطياد أم لا وبه قال ربيعة
ومالك وأبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر قال العبدري هو قول الفقهاء كافة قال وقال الأصم
يحل قال ابن المنذر وقال عطاء والأوزاعي يؤكل إن كان اخراجه للصيد والله أعلم *
(فرع) في مذاهبهم فيما إذا أرسل مسلم كلبه المعلم على صيد رده عليه كلب
أرسله مجوسي فقتله كلب المسلم * فمذهبنا أنه حلال وبه قال مالك واحمد وداود * وقال أبو حنيفة
حرام لاشتراكهما * دليلنا أن نفس القتل لا شركة فيه بل هو مضاف إلى كلب المسلم فأشبه ما أمسك
المجوسي حيوانا فذبحه مسلم أو رمى المسلم سهما ورمي المجوسي سهما فرده سهم المجوسي ولم يصبه
وأصابه سهم المسلم فقتله فإنه يحل بالاتفاق *
(فرع) في مذاهبهم فيما إذا استرسل الكلب بنفسه فأغراه صاحبه فزاد في
عدوه * قد ذكرنا أن الصحيح عندنا انه لا يحل ما قتله * قال أبو حنيفة واحمد يحل وعن أبي حنيفة
روايتان كالمذهبين *
(فرع) إذا قتل الكلب الصيد بثقله من غير جرح فهو حلال عندنا على الأصح كما
سبق * وقال مالك وأبو حنيفة واحمد والمزني حرام *
(فرع) في مذاهبهم فيما إذا أرسل كلبه المعلم على صيد فوجد معه كلبا آخر والصيد قتيل
ولا يعلم القاتل أو علم أنهما اشتركا في قتله * فمذهبنا ومذهب الجمهور أنه حرام وممن قال به عطاء
والقاسم به محمرة ومالك وأبو حنيفة واحمد وأبو ثور وحكى ابن المنذر عن الأوزاعي أنهما
103

إذا اشتركا في قتله وكان الآخر معلما حل * دليلنا الحديث المذكور في الكتاب
* قال المصنف رحمه الله *
(وان قتل الكلب الصيد أو أكل منه ففيه قولان (أحدهما) يحل لما روى أبو ثعلبة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله تعالى فكل ما أمسك عليك وان أكل
منه) (والثاني) لا يحل لما روى عدى بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أرسلت كلابك المعلمة
وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك وان قتلن الا ان يأكل الكلب منه فلا تأكل فاني
أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه) وان شرب من دمه لم يحرم قولا واحدا لان الدم لا منفعة
له فيه ولا يمنع الكلب من شربه فلم يحرم وإن كان الجارحة من الطير فأكل من الصيد فهو
كالكلب وفيه قولان وقال المزني أكل الطير لا يحرم وأكل الكلب يحرم لان الطير لا يضرب
على الاكل والكلب يضرب وهذا لا يصح لأنه يمكن أن تعلم الطير ترك الأكل كما يعلم الكلب
وان اختلفا في الضرب) *
(الشرح) حديث أبي ثعلبة رواه أبو داود واسناده حسن وحديث عدى بن حاتم رواه
البخاري ومسلم من طرق وروى أبو داود في سننه باسناد حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده أن أعرابيا يقال له أبو ثعلبة قال يا رسول الله ان لي كلابا مكلبة فأفتني في صيدها قال (فكل
مما أمسكن عليك قال وان أكل منه قال وان أكل منه) قال البيهقي حديث ابن ثعلبة مخرج
في الصحيحين من غير ذكر الاكل وحديث عدى في النهى عنه إذا أكل أصح من رواية
أبى داود في الاكل وأصح من حديث عمرو بن شعيب (أما) الأحكام فقال أصحابنا إذا ثبت
كون الكلب أو غيره من جوارح السباع معلما ثم اكل من صيد قبل قتله أو بعده في موضعه ففي حل
104

ذلك الصيد قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) عند الأصحاب تحريمه (والثاني)
اباحته قال امام الحرمين وددت لو فرق فارق بين أن ينكف زمانا ثم يأكل وبين ان يأكل بنفس
الاخذ قال لكن لم يتعرضوا له * هذا كلام الأصحاب وهذا الذي تمناه الامام قد ذكره الأصحاب
وهو مشهور صرح به جماعة من الأصحاب قال صاحب البيان إذا اكل من الصيد نظرت فان قتله
ثم مضى عن الصيد ثم رجع إليه فأكل منه لم يحرم قولا واحدا وان اكل منه عقب قتله ففيه
قولان هذا لفظه وقال صاحب الشامل إذا اكل منه عقب القتل ففيه قولان وقال الجرجاني
في التحرير ان اكل الكلب من الصيد غير متصل بالعقر حل وان اكله متصلا بالعقر فعلى
قولين وقال الدارمي ان اكل منه فقولان سواء اكل قبل قتله أو بعده قال وقيل بعد القتل يحل
قولا واحدا. قال فان تركه ثم اكل منه بعد وقت حل وقيل إن اكل منه في الحياة لم يحل قولا
واحدا وان اكل بعد قتله فقولان * هذا كلام الدارمي وهذا الذي قالوه متفق في المعني وحاصله
ان القولين مخصوصان بما اكل منه عقب العقر فان اكل منه بعد طول الفصل فهو حلال
بلا خلاف سواء اكل من غير مفارقة موضعه أم بعد مفارقته ورجوعه والله تعالى أعلم * واعلم
أن هذين القولين مشهوران كما ذكرنا قال أصحابنا نص في القديم على الإباحة وتردد قوله
في الجديد وقال الشيخ أبو حامد وجماعة نص في القديم على الإباحة وفى الجديد على التحريم
جزما والصحيح الذي قاله المحققون ويجمع به بين كلام الجميع انه نص في القديم على الإباحة وردد قوله
في الجديد ثم مال فيه إلى التحريم وقوله فأفتى به فحصل قولان ولا فرق بين أكله قبل القتل
أو عقبه هكذا صرح به الجمهور وذكرنا عن الدارمي طريقين آخرين كما سبق فحصل ثلاثة
طرق (المذهب) طرد قولين مطلقا (والثاني) ان اكل قبل القتل حرم وان أكل بعده فقولان
(والثالث) ان اكل بعد القتل حل وان اكل قبله فقولان ثم الصحيح من القولين عند جماهير
الأصحاب التحريم هكذا صرح بتصحيحهما المحاملي والقاضي أبو الطيب والبغوي والرافعي وخلائق
لا يحصون ونقل القاضي أبو الطيب في المجرد عن أصحابنا أجمعين انهم صححوه وقطع به سليم الرازي
105

وآخرون من أصحاب المختصرات وشذ عنهم الجرجاني في التحرير فقال الأصح انه حلال والصواب
تصحيح التحريم والله تعالى أعلم * واحتج من قال بالإباحة بحديث أبي ثعلبة وأجاب عن حديث
عدى بأنه محمول على كراهة التنزيه * واحتج من قال بالتحريم بقوله تعالى (فكلوا مما أمسكن عليكم)
فإذا أكل منه لم يتيقن أنه أمسك علينا ولم يحل لنا الا ما تيقنا أنه أمسك علينا بحديث عدى قالوا وهو أصح
لأنه مشهور في الصحيحين وغيرهما من طرق متكاثرات وحديث أبي ثعلبة لا يقارنه في الصحة وإن كان حسنا
وتأوله بعض أصحابنا على ما إذا قتل الصيد وفارقه ثم عاد فأكل منه فهذا لا يضر كما ذكرنا وتأوله الخطابي في
معالم السنن على أن المراد وإن أكل من الصيود الماضية قبل هذا. يعني إذا كان قد صار بعد ذلك معلما
وهذا تأويل ضعيف والله أعلم * هذا كله في جوارح السباع كالكلب والفهد والنمر وغيرها (فأما)
جوارح الطير فقد نص الشافعي رحمه الله أنها كالسباع على القولين وللأصحاب طريقان
(أصحهما) وبه قطع جمهورهم أنها على القولين كالسباع وهذا موافق للنص (والثاني) يحل ما أكلت
منه قولا واحدا قاله المزني وأبو علي الطبري في الافصاح وآخرون وحكاه جماعات من المصنفين
قال القاضي أبو الطيب هذا الطريق غلط مخالف لنص الشافعي وقد ذكر المصنف دليل الطريقين
في الكتاب والله سبحانه أعلم *
(فرع) قال أصحابنا وإذا قلنا بتحريم الصيد الذي أكل واشترط استئناف التعليم لفساد
التعليم الأول قال أصحابنا ولا ينعطف التحريم على ما اصطاده قبل الاكل وهذا لا خلاف فيه عندنا
واتفق أصحابنا على التصريح بأنه لا خلاف فيه عندنا قال أصحابنا الخراسانيون ولو تكرر أكله من
الصيود بعد ذلك وصار الاكل عادة له حرم الصيد الذي أكل منه آخرا بلا خلاف وفى تحريم
باقي الصيود الذي أكل منه قبل الأخير وجهان مشهوران عندهم (أصحهما) التحريم قال البغوي
إذا قلنا لا يحرم ما أكل منه فلو تكرر ذلك منه بأن أكل من الصيد الثاني حرم الثاني قطعا
وفى الأول الوجهان ولو لم يأكل من الثاني فأكل من الثالث حرم الثالث وفيما قبله الوجهان قال
الرافعي وهذا ذهاب من البغوي إلى أن الاكل مرتين يخرجه عن كونه معلما وقد ذكرنا
106

خلافا في تكرر الصفات التي يصير بها معلما قال ويجوز أن يفرق بينهما بأن أثر التعليم في
الحل وأثر الاكل في التحريم فعملنا بالاحتياط فيهما فلهذا لو عرفنا كونه معلما لم
ينعطف الحل على ما سبق من صيوده بلا خلاف وفى انعطاف التحريم الخلاف المذكور
والله أعلم *
(فرع) لو لعلق الكلب دم الصيد ولم يأكل من لحمه شيئا حل لحمه * هذا هو الصواب
نص عليه الشافعي وقطع به الأصحاب في جميع الطرق وشذ امام الحرمين والغزالي في البسيط
فحكيا وجها في تحريمه وهو غلط ولو أكل كلب حشوة الصيد فطريقان حكاهما البغوي
وغيره (أصحهما) على قولين كاللحم (والثاني) القطع بالحل لأنها غير مقصودة
فأشبهت الدم *
(فرع) قال الرافعي لو لم يسترسل الكلب عند الارسال أو لم ينزجر عند
الزجر فينبغي أن يكون في تحريم الصيد وخروجه عن كونه معلما الخلاف المذكور
فيما إذا أكل *
(فرع) قال القفال لو أراد الصائد أن يأخذ الصيد من الكلب فامتنع وصار يقاتل دونه
فهو كالأكل والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في الصيد الذي تقتله الجارحة من السباع كالكلب والفهد
والنمر ويأكل منه * قد ذكرنا أن الأصح في مذهبنا تحريمه وبه قال أكثر العلماء حكاه ابن المنذر
عن ابن عباس وأبي هريرة وعطاء وسعيد بن جبير والشعبي والنخعي وعكرمة وقتادة والشافعي
وأبي حنيفة وأصحابه واحمد واسحق وأبى ثور قال وبه أقول وهو مذهب الحسن البصري وداود
وقالت طائفة بإباحته حكاه ابن المنذر عن سعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وابن عمر ومالك (وأما)
إذا أكلت منه جارحة الطير كالصقور فالأصح عندنا تحريمه كما سبق ولا أعلم أحدا وافقنا عليه بل
107

جماهير (1) على اباحته حكاه ابن المنذر عن ابن عباس والنخعي وحماد بن أبي سليمان والثوري وأبي حنيفة
وأصحابه وهو مذهب الشعبي ومالك واحمد والمزني وغيرهم والله أعلم * (وأما) الصيود الماضية
قبل الاكل فلا تحرم عندنا بلا خلاف كما سبق وبه قال مالك واحمد وأبو يوسف ومحمد وداود والجمهور
وقال أبو حنيفة يحرم جميع ما صاده قبل ذلك وادعي أنه تبين عدم تعليمه (وأما) إذا شرب الكلب
من دم الصيد فلا يحرم عندنا وبه قال العلماء كافة الا ما حكاه ابن المنذر عن الشعبي والثوري انهما
كرها أكله وليس بشئ
* قال المصنف رحمه الله *
(إذا أدخل الكلب ظفره أو نابه في الصيد نجس وهل يجب غسله فيه وجهان (أحدهما)
يجب غسله سبعا إحداهن بالتراب قياسا على غير الصيد (والثاني) لا يجب لأنا لو أوجبنا
ذلك ألزمناه أن يغسل جميعه لان الناب إذا لاقى جزءا من الدم نجس ذلك الجزء ونجس
كل ما لاقاه إلى أن ينجس جميع بدنه وغسل جميعه يشق فسقط كدم البراغيث) *
(الشرح) قوله إذا أدخل الكلب ظفره أو نابه في الصيد نجس يعنى الموضع الذي أدخل فيه لاكل
الصيد. واعلم أن الشافعي رحمه الله قال إذا أدخل ظفره أو نابه نجس واقتصر على هذا ولم يذكر الغسل (فمن)
الأصحاب من قال أراد به نجس لا يجب غسله للمشقة بل يعفى عنه ولهذا لم يذكر الغسل (ومنهم) من قال أراد به نجس
يجب غسله فذكر النجاسة واستغنى بذلك عن ذكر الغسل لأنه متى ثبتت النجاسة وجب الغسل فحذف
ذكره للعلم به وللأصحاب في المسألة ثلاث طرق (أحدها) ان موضع الظفر والناب نجس قطعا وفى وجوب
غسله وتعفيره خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى وهذه طريقة المصنف وجمهور الأصحاب من العراقيين
والخراسانيين وهو المنصوص (والطريق الثاني) حكاه صاحب الإبانة وآخرون في نجاسته قولان
(أحدهما) نجس وفى وجوب الغسل والتعفير الخلاف (والثاني) انه طاهر لقول الله تعالى (فكلوا مما
أمسكن عليكم) ولم يأمر بغسله مع أنه لا ينفك عنه غالبا أو دائما ولهذا لم يذكره النبي صلى الله عليه
مع ذكره للأحاديث الواردة فيه مع تكرار سؤاله صلى الله عليه وسلم عن ذلك (والطريق الثالث)

(1) بياض بالأصل ولعله العلماء أو الأصحاب.
108

ان أصاب الكلب غير العروق فحكمه ما ذكرنا وان أصاب عرقا نضاحا بالدم سرى حكم النجاسة
إلى جميع الصيد وحرم أكله حكاه امام الحرمين قال وهذا غلط لأن النجاسة إذا اتصلت بالدم فالعرق
وعاء حاجز بينه وبين اللحم ثم الدم إذا كان يفور امتنع غوص النجاسة فيه كالماء المتصعد من فوارة
إذا وقعت نجاسة في أعلاه لم ينجس ما تحته إذا قلنا بالمذهب انه نجس ولا يحرم أكله ففيه أربعة
أوجه (أصحها) عند الأصحاب وهو ظاهر نص الشافعي أنه نجس يجب غسله سبع مرات إحداهن
بالتراب ويطهر حينئذ ويؤكل وإنما يجب غسل موضع الظفر والناب وغيرهما مما مسه الكلب دون
ما لم يمسه مع الرفق به (والوجه الثاني) أنه يعفى عنه فلا يجب غسله أصلا مع أنه نجس ويحل أكله
وقد ذكر المصنف هذين الوجهين وهما مشهور ان (والثالث) أنه يجب غسله مرة واحدة بالماء من غير
تراب لان ما زاد على ذلك فيه مشقة وحرج حكاه صاحبا الفروع والبيان (والرابع) أنه لا يطهر بالغسل
بل يجب تقوير ذلك الموضع وطرحه لأنه تشرب لعابه فلا يتخلله الماء وهذا الوجه مشهور في
كتب الخراسانيين ولم يذكره العراقيون بل صرحوا بأنه لا يشترط هذا بلا خلاف كما أشار إليه
المصنف وكيف كان فهو وجه باطل لا أصل له في الأحاديث ولا في القياس قال امام الحرمين والقائل
بهذا الوجه يطرد ما ذكره في كل لحم وما في معناه إذا عضه الكلب بخلاف ما يناله لعابه بغير عض
هذا مختصر متفرقات كلام الأصحاب في المسألة فإذا أردت ضبطه مختصرا (قلت) فيه ستة أوجه
(أصحها) يجب غسله سبعا إحداهن بالتراب (والثاني) يجب غسله مرة (والثالث) انه نجس يعفى
عنه لا يجب غسله (والرابع) أنه طاهر (والخامس) يجب قطع ذلك الموضع ولا يطهر بالغسل (والسادس)
أن أصاب عرقا نضاحا بالدم حرم جميعه ولا طريق إلى أكله والله أعلم *
(فرع) قد ذكرنا أن المشهور من مذهبنا أنه يجب غسل موضع ظفر الكلب ونابه سبع
مرات إحداهن بالتراب *
109

(فرع) لو غصب عبدا فاصطاد فالصيد لمالكه ولو غصب شبكة أو قوسا واصطاد
به فالصيد للغاصب وعليه أجرة مثلهما ولو غصب كلبا أو صقرا أو غيرهما من الجوارح
ففي صيده وجهان (أصحهما) للغاصب (والثاني) لصاحب الجارحة (فان قلنا) للغاصب
فعليه أجرته إن كان مما تجوز اجارته (وان قلنا) لصاحبه فعلى الغاصب ما نقص من الأجرة
وهكذا حكم العبد والله أعلم *
قال المصنف رحمه الله *
(ويجوز الصيد بالرمي لما روى أبو ثعلبة الخشني قال (قلت يا رسول الله انا نكون في ارض صيد
فيصيب أحدنا بقوسه الصيد ويبعث كلبه المعلم فمنه ما ندرك ذكاته ومنه ما لا ندرك ذكاته فقال صلى
الله عليه وسلم ما ردت عليك قوسك فكل وما أمسك كلبك المعلم فكل) وان رماه بمحدد كالسيف
والنشاب والمروة المحددة وأصابه بحده فقتله حل وان رمى بما لا حد له كالبندق والدبوس أو بماله
حد فأصابه بغير حده فقتله لم يحل لما روى عدي بن حاتم قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن الصيد المعراض قال (إذا أصبت بحده فكل وإذا أصبت بعرضه فلا تأكل فإنه) وقيذ وان رماه
بسهم لا يبلغ الصيد وأعانه الريح حتى بلغه فقتله حل أكله لأنه لا يمكن حفظ الرمي من الريح فعفي
عنه وان رمى بسهم فأصاب الأرض ثم ازدلف فأصاب الصيد فقتله ففيه وجهان بناء على القولين
فيمن رمى إلى الغرض في المسابقة فوقع السهم دون الغرض ثم ازدلف وبلغ الغرض وان رمى طائرا
فوقع على الأرض فمات حل أكله لأنه لا يمكن حفظه من الوقوع على الأرض وان وقع في ماء فمات
أو على حائط أو جبل فتردى منه ومات لم يحل لما روى عدى بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال " إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله فان وجدته ميتا فكل الا أن تجده قد وقع في الماء
فمات فإنك لا تدرى الماء قتله أو سهمك ")
(الشرح) حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه رواه البخاري ومسلم بمعناه قال " قلت يا رسول الله
110

أنا بأرض صيد أصيد بقوسي أو بكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم فما يصلح لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما صدت
بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك
غير المعلم فأدركت ذكاته فكل " (وأما) حديث عدى بن حاتم الأول فرواه البخاري ومسلم وحديثه الثاني رواه
مسلم وقوله المروة المحددة هي - بفتح الميم - وهي الحجر - والمعراض - بكسر الميم واسكان العين المهملة - وهو
سهم لا ريش له ولا نصل وقيل هو حديدة وقيل هو خشبة محددة الطرف والوقيذ - بالقاف والذال
المعجمة - الموقوذ وهو المضروب بالعصا حتى يموت (وقوله) كالبندق والدبوس هي بفتح الدال - جمعه
دبابيس وهو معروف وأنشد فيه الجوهري وقال أظنه معربا وقوله صلى الله عليه وسلم " وان أصبت بعرضه فلا
تأكل " هو بفتح العين - أي العرض الذي هو خلاف الطول (أما الأحكام) ففيها مسائل
(إحداها) يجوز الصيد بالرمي بالسهام المحددة بالاجماع والأحاديث الصحيحة فإذا رمى الصيد من
هو أهل من مسلم أو كتابي فقتله فان قتله بحد ما رماه به كالسهم الذي له نصل محدد والسيف
والسكين والسنان والحجر المحددة والخشبة المحددة وغير ذلك من المحددات سوى العظم والظفر حل
أكله فان أصابه بما لا حد له فقتله كالبندقة والدبوس وحجر لاحد له وخشبة لاحد
لها أو رماه بمحدود فقتله بعرضه لا بحده لم يحل لما ذكره المصنف وكذا لو أصابه بحد عظم
أو ظفر لم يحل لأنه ليس من آلة الذكاة فهو كغير المحدد قال أصحابنا وإذا قتله بما لا حد له لم يحل سواء
جرحه به أم لا حتى لو رمى طائرا ببندقة فقطعت حلقومه ومريئه لم يحل لقوله تعالى (والموقوذة) وهذه
منها قال أصحابنا فإذا رماه بغير محدد أو بمحدد فأصابه بعرضه فان أدركه وفيه حياة مستقرة فذكاه حل
وان أدركه ميتا أو فيه حياة غير مستقرة لم يحل والله أعلم *
(فرع) لو أرسل كلبا في عنقه قلادة محددة فجرح الصيد بها حل كما لو أرسل سهما * هكذا
ذكره البغوي قال الرافعي وقد يفرق بأنه قصد بالسهم الصيد ولم يقصده بالقلادة والله أعلم (قلت)
الصواب ما ذكره البغوي لان القصد لا يشترط في الذبح
(فرع) لو رشق في الحيوان العصا ونحوه قال الروياني انه إن كان محددا يمور مور السهم
111

حل وإن كان لا يمور إلا مستكرها نظر إن كان العود خفيفا قريبا من السهم حل وإن كان ثقيلا
لم يحل (المسألة الثانية) لو رمي الصيد بسهم لا يبلغه فاعانته الريح فبلغه باعانتها ولولاها لم يبلغه
فقتله حل لما ذكره المصنف هكذا قطع به الأصحاب في جميع الطرق وكذا نقله الرافعي عن جميع
الأصحاب وأبدى امام الحرمين فيه ترددا والمذهب الحل (الثالثة) إذا أصاب السهم الأرض أو
الحائط ثم ازدلف وأصاب الصيد أو أصاب حجرا فنبا عنه وأصاب الصيد أو نفذ فيه إلى الصيد
أو كان الرامي في نزع القوس فانقطع الوتر وصدم إلى فوق وارتمى السهم وأصاب الصيد ففي حله
في جميع هذه الصور وجهان بناء على القولين اللذين ذكرهما المصنف في المسابقة (أصحهما) الحل
(الرابعة) قال أصحابنا إذا مات الصيد بسببين محرم ومبيح بأن مات من سهم وبندقة أصاباه من
رام أو راميين أو أصابه طرف النصل فجرحه ثم أثر فيه عرض السهم في مروره ومات منهما أو رمى إلى
صيد سهما فوقع على طرف سطح ثم سقط منه أو على جبل فتدهور منه أو في ماء أو على شجرة
فتصدم بأغصانها أو وقع على محدد من سكين وغيره فهو حرام في كل هذه الصور بلا خلاف لما ذكره
المصنف ولو جرحه فوقع على جبل فتدحرج منه من جنب إلى جنب ومات حل بلا خلاف ولا يضر ذلك
التدحرج لأنه لا يؤثر في التلف بخلاف التدهور ولو أصاب السهم الطائر في الهواء فوقع على
الأرض ومات حل بلا خلاف سواء مات قبل وصوله الأرض أو بعده لأنه لابد من الوقوع فعفى
عنه كما لو كان الصيد قائما ووقع على جنبه وانصدم بالأرض فمات فإنه يحل ولو زحف قليلا بعد
إصابة السهم ومات فهو كالوقوع على الأرض فيحل قطعا ولو لم يجرحه السهم في الهواء بل كسر
جناحه فوقع ومات فهو حرام بلا خلاف لأنه لم يصبه بجرح يحال الهلاك عليه ولو جرح جرحا
لا يؤثر مثله لكن عطل جناحه فوقع ومات فهو حرام ولو جرحه السهم في الهواء جرحا ثقيلا فوقع
في بئر ومات نظر إن كان فيها ماء فهو حرام كما سبق والا فهو حلال وقعر البئر كالأرض والمراد
إذا لم يصدمه جدار البئر ولو كان الطائر على شجرة فأصابه السهم فوقع على الأرض فمات فهو
حلال وان وقع على غصن ثم سقط على الأرض فهو حلال قال أصحابنا وليس الانصدام
112

بالأغصان أو باحرف الجبل عند التدهور من أعلاه كالانصدام بالأرض لان الانصدام بالأغصان
والاحرف والتدهور ليس بلازم ولا غالب فلا تدعوا الحاجة إليه فلم يعف عنه والانصدام بالأرض لازم
لابد منه فعفى عنه ولإمام الحرمين احتمال في الصورتين لكثرة وقوع الطير على البحر والانصدام
بطرف الجبل إذا كان الصيد فيه والمذهب الأول والله أعلم (أما) إذا رمى طيرا فإن كان على وجه
الماء فأصابه ومات حل ويكون الماء له كالأرض لغيره وإن كان خارج الماء ووقع في الماء بعد إصابة
السهم ففي حله وجهان حكاهما صاحب الحلوى وغيره وقطع البغوي بالتحريم وفى شرح مختصر
الجويني بالحل فلو كان الطائر في هواء البحر قال البغوي إن كان الرامي في البر لم يحل وإن كان
في السفينة في البحر حل *
(فرع) جميع ما ذكرناه هو فيما إذا لم ينته الصيد بتلك الجراحة إلى حركة المذبوح فان
انتهى إليها بقطع الحلقوم والمرئ أو أصاب كبده أو أخرج حشوته أو غير ذلك فهو حلال وقد تجب
ذكاته ولا أثر لما يعرض بعد ذلك من وقوعه في الماء وتدهوره من الجبل وعلى أغصان الشجرة وجدران
البئر وغير ذلك مما سبق والله تعالى أعلم *
(فرع) لو أرسل سهمين على صيد فقتلاه فان أصاباه معا فهو حلال وان أصابه أحدهما بعد الآخر بطرف
فان أرمته الأول ولم تصب الثاني المذبح لم يحل وان أصاب المذبح حل فإن لم يرمه الأول وقتله الثاني حل وكذا
لو أرسل كلبين فارمته الأول وقتله الثاني لم يحل وسواء قطع المذبح أم لا ولو أرسل كلبا وسهما فان أرمته السهم ثم أصابه الكلب لم يحل وان أرمته الكلب ثم أصاب السهم المذبح حل والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء إذا رمى طائرا بسهم فأصابه فوقع على الأرض ميتا أو حيا ثم
مات في الحال فهو حلال عندنا وبه قال أبو حنيفة واحمد وأبو ثور وقال مالك يحل في الصورة الأولى
دون الثانية حكى ابن المنذر عنه رواية كمذهبنا وهي رواية ابن وهب واتفقوا هم وغيرهم على أنه إذا
سقط الصيد المجروح جراحة غير مذففة في الماء ومات لا يحل للحديث الصحيح السابق
113

قال المصنف رحمه الله *
(وان رمى صيدا أو أرسل عليه كلبا فعقره ولم يقتله نظرت فان أدركه ولم يبق فيه حياة مستقرة بأن
شق جوفه وخرجت الحشوة أو أصاب العقر مقتلا فالمستحب أن يمر السكين على الحلق ليريحه فإن لم
يفعل حتى مات حل لان العقر قد ذبحه وإنما بقيت فيه حركة المذبوح وإن كانت فيه حياة مستقرة
ولكن لم يبق من الزمان ما يتمكن فيه من ذبحه حل وان بقي من الزمان ما يتمكن فيه من ذبحه فلم يذبحه
أو لم يكن معه ما يذبحه به فمات لم يحل لما روى أبو ثعلبة الخشني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما رد عليك كلبك المكلب
وذكرت اسم الله عليه وأدركت ذكاته فذكه وان لم تدرك ذكاته فلا تأكل وما ردت عليك يدك
وذكرت اسم الله عليه وأدركت ذكاته فذكه وان لم تدرك ذكاته فكله) وان عقره الكلب أو السهم
وغاب عنه ثم وجده ميتا والعقر مما يجوز أن يموت منه ويجوز أن لا يموت منه فقد فقال الشافعي
رحمه الله لا يحل إلا أن يكون خبر فلا رأى (فمن) أصحابنا من قال فيه قولان (أحدهما) يحل لما روى
عدى ابن حاتم قال (قلت يا رسول الله إني أرم الصيد فأطلبه فلا أجده إلا بعد ليلة قال) إذا رأيت
سهمك فيه ولم يأكل منه سبع فكل) ولأن الظاهر أنه مات منه لأنه لم يعرف سبب سواه (والثاني)
أنه لا يحل لما روى زياد بن أبي مريم قال (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني رميت صيدا ثم تغيب
فوجدته ميتا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هوام الأرض كثير ولم يأمره بأكله) (ومنهم) من قال يؤكل قولا
واحدا لأنه قال لا يؤكل إذا لم يكن خبر وقد ثبت الخبر أنه أمر بأكله) *
(الشرح) حديث أبي ثعلبة رواه البخاري ومسلم مختصرا وسبق بيان لفظه قريبا وحديث
عدى رواه البخاري ومسلم ولفظه (فان وجدته بعد ليلة أو ليلتين فلم تجد فيه أثرا غير أثر سهمك
فشئت أن تأكل منه فكل) هكذا رواه البخاري ومسلم من رواية عدى بن حاتم وعن أبي ثعلبة
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا رميت سهمك فغاب ثلاث ليال فأدركته فكل ما لم ينتن) رواه مسلم قال أصحابنا النهى عن أكله إذا أنتن للتنزيه لا للتحريم وأما حديث زياد ابن أبي مريم فغريب
114

وزياد هذا تابعي والحديث مرسل وهو زياد ابن أبي مريم القرشي الأموي مولى عثمان ابن عفان
رضي الله عنهما (واعلم) أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهى عن أكل الصيد الذي جرحه ثم غاب
عنه ولم يجد أثر سبب آخر شئ وإنما جاء فيه أحاديث ضعيفة وفيه اثر عن ابن عباس فيه نظر (فمن)
الأحاديث حديث عطاء بن السائب عن عامر - يعني الشعبي أن أعرابيا أهدى لرسول صلى الله عليه وسلم ظبيا فقال
(من أين أصبت هذا فقال رميته أمس فطلبته فأعجزني حتى أدركني المساء فرجعت فلما أصبحت
اتبعت أثره فوجدته في غار أو في أحجار وهذا مشقصى فيه أعرفه قال بات عنك ليلة ولا آمن أن
تكون هامة اعانتك عليه لا حاجة لي فيه) رواه أبو داود في المراسل فهو مرسل ضعيف وعطاء بن
السائب ضعيف وعن أبي رزين قال (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصيد فقال إني رميته من
الليل فأعياني ووجدت سهمي فيه من الغد وقد عرفت سهمي فقال الليل خلق من خلق الله عز وجل
عظيم لعله أعانك عليه شئ انبذها عنك) رواه أبو داود في المراسل قال البيهقي أبو رزين هذا اسمه
مسعود مولى شقيق بن سلمة وهو تابعي والحديث مرسل قاله البخاري وأما الأثر عن ابن عباس
فرواه البيهقي باسناد فيه رجل مستور أو مجهول غير ميمون بن مهران قال (أتى إعرابي إلى ابن عباس
وأنا عنده فقال إني أرمي الصيد فأصمى وأنمى فكيف ترى فقال ابن عباس كل ما أصميت ودع
ما أنميته) قال الشافعي ما أصميت ما قتلته الكلاب وأنت تراه وما أنميت ما غاب عنك مقتله والله أعلم
(أما) الأحكام ففيها مسألتان (إحداهما) إذا أرسل سهما أو نحوه أو جارحة معلمة من كلب أو غيره على
صيد فأصابه ثم أدركه المرسل حيا نظر إن لم يبق فيه حياة مستقرة بأن كان قد قطع حلقومه ومريئه
أو أخافه أو خرق أمعاءه أو أخرج حشوته استحب أمرار السكين على حلقه ليريحه فإن لم يفعل
وتركه حتى مات حل بلا خلاف ونقلوا فيه إجماع المسلمين كما ذكره المصنف وكما لو ذبح شاة فاضطربت
أو غدت أما إذا بقيت فيه حياة مستقرة فله حالان (أحدهما) أن يتعذر ذبحه بغير تقصير من صائده
حتى يموت فيحل أيضا للعذر ويستدل له أيضا بما ثبت في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم
115

قال لعدي بن حاتم (ما أمسك عليك كلبك ولم يأكل منه فكل فان ذكاته اخذه) (والثاني)
أن لا يتعذر ذبحه فيتركه حتى يموت أو يتعذر بتقصيره فيموت فهو حرام كما لو تردى بئرا فلم يذبحه
حتى مات فإنه حرام (فمن) صور الحال الأول ان يشتغل بأخذ الآلة ونيل السكين فيموت قبل إمكان
ذبحه (ومنها) ان يمتنع بما فيه من بقية قوة ويموت قبل قدرته عليه (ومنها) أن لا يجد من الزمان ما يمكن
الذبح فيه (ومن) صور الحال الثاني أن لا يكون معه آلة الذبح أو تضيع آلته فلا يحل بلا خلاف
فلو نشبت السكين في الغمد فلم يتمكن من إخراجها حتى مات ففيه وجهان (أصحهما) وبه قال أكثر
الأصحاب أنه حرام لتقصيره في عدم تأمل السكين قبل هذا (والثاني) أنه حلال وهو قول أبى على أن
أبي هريرة والطبري لأنه معذور ولو غصب الآلة فوجهان
(أصحهما) أنه حرام لأنه عذر نادر
(والثاني) حلال لأنه معذور كمن حال بينه وبين الصيد سبع حتى مات فإنه يحل وجها واحدا
ولو اشتغل بتحديد السكين حتى مات فهو حرام لأنه يمكن تحديدها قبل ذلك قال الروياني ولو اشتغل
بطلب المذبح فلم يجده حتى مات فهو حلال لعدم تقصيره بخلاف تحديد السكين ولو كان يمر ظهر
السكين على حلقه غلطا فمات فحرام بتقصيره ولو رجع الصيد منكسا واحتاج إلى قبله ليقدر على المذبح
فمات أو اشتغل بتوجهه إلى القبلة فمات فحلال ولو شك بعد موت الصيد هل تمكن من ذكاته فيحرم
أم لم يتمكن فيحل ففيه قولان لتعارض الأصل (أصحهما) أنه حلال لان الأصل عدم الامكان وعدم
التقصير (والثاني) التحريم لان الأصل بقاء الحياة وهل يشترط العدو إلى الصيد إذا أصابه السهم
أو الكلب فيه وجهان حكاهما الخراسانيون (أحدهما) نعم لأنه المعتاد في هذه الحالة لكن لا يكلف
المبالغة بحيث يناله ضرر ظاهر (وأصحهما) لا يشترط بل يكفي المشي وعلى هذا الصحيح الذي قطع
به الصيد لأني والبغوي وغيرهما أنه لو مشى على هينته وأدركه ميتا وكان بحيث لو أسرع لأدركه حيا قال
أمام الحرمين عندي أنه لابد من الاسراع قلنا لا لان الماشي على هينته خارج عن عادة الطالبين
وإذا شرطنا العدو فتركه فصار الصيد ميتا ولم يدر أمات في الزمن الذي يسع العدو بحيث لو عدا
116

لم يدركه أم بعده قال الرافعي ينبغي أن يكون على القولين السابقين قريبا في الشك في التمكن
من الذكاة والله تعالى أعلم *
(فرع) لو رمى صيدا فقده قطعتين متساويتين أو متفاوتين فهما حلال ولو أبان منه
بسيف أو غيره عضوا كيد أو رجل نظر ان أبانه بجراحة مذففة ومات في الحال حل العضو وباقي
البدن وان لم تكن مذففة وأدركه وذبحه أو جرحه جرحا مذففا فالعضو حرام لأنه أبين من حي
وباقي البدن حلال وان أثبته بالجراحة الأولى فقد صار مقدورا عليه فيتعين ذبحه ولا تجزئ سائر
الجراحات ولو مات من تلك الجراحة بعد مضى زمن ولم يتمكن من ذبحه حل باقي البدن وفى العضو
وجهان (أصحهما) يحرم لأنه أبين من حي فهو كمن قطع الية شاة ثم ذبحها فإنه لا تحل الألية (والثاني)
تحل لان الجرح كالذبح للجملة فتبعها العضو وان جرحه جراحة أخرى والحالة هذه فإن كانت مذففة
فالصيد حلال والعضو حرام والا فالصيد حلال أيضا وفى العضو وجهان (الصحيح) أنه حرام لان
الإبانة لم تتجرد ذكاة للصيد والله أعلم * (المسألة الثانية) إذا غاب عنه الكلب والصيد ثم وجده
ميتا فوجهان (الصحيح) الذي قطع به الأكثرون لا يحل لاحتمال موته بسبب آخر ولا أثر لتضمخه
بدمه فربما جرحه الكلب وأصابته جراحة أخري (أما) إذا جرحه سهمه أو كلبه ثم غاب الصيد عنه
ثم وجده ميتا فان انتهى بذلك الجرح إلى حركة المذبوح حل ولا أثر لغيبته وان لم ينته نظر ان وجده
في ماء أو وجد عليه أثر صدمة أو جراحة أخرى ونحو ذلك لم يحل سواء وجد الكلب عليه أم لا لأنه
لا يعلم كيف هلك وان لم يكن فيه أثر آخر ففيه ثلاثة طرق (أحدها) يحل قطعا (والثاني) يحرم قطعا
(وأشهرها) على القولين (أصحهما) عند الجمهور من العراقيين وغيرهم التحريم (وأصحهما) عند البغوي
والغزالي في الاحياء الحل وهو الصحيح أو الصواب لصحة الأحاديث السابقة فيه وعدم المعارض
الصحيح لها وقد سبق في كلام المصنف وكلامنا إيضاح دليل الجميع (ومن) قال بالإباحة يتأول كلام
ابن عباس والأحاديث لو صحت في النهى على التنزيه (ومن) قال بالتحريم يتأول أحاديث الإباحة على
117

ما إذا ما انتهى بالجراحة إلى حركة المذبوح وهو تأويل ضعيف قال أصحابنا وتسمى هذه المسألة مسألة
الايماء والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن جرح الصيد بسهم أو كلب فغاب عنه ثم وجده ميتا * فقد
ذكرنا أن المشهور من مذهبنا تحريمه وبه قال داود * وقال أصحاب أبي حنيفة إذا توارى عنه الصيد
والكلب وهو في طلبه فوجده قد قتله حل أكله وان ترك الطلب واشتغل بعمل غيره كرهنا
أكله * وقال مالك ان أدركه من يومه أكله في الكلب والسهم إذا كان فيه أثر جارحة وان غابت
عنه لم يؤكل وعن أحمد ثلاث روايات (إحداها) يؤكل (والثاني) يؤكل ما لم يبت عنه (والثالث)
إن كانت الإصابة موجبة حل والا فلا *
(فرع) إذا رمى الصيد فقده قطعتين فمات فجميعه حلال سواء كانت القطعتان سواء
أو متفاوتتين وبه قال داود وهو الأصح عن أحمد * وقال أبو حنيفة إن كانتا سواء أو كانت التي مع
الرأس أقل حل جميعه وإن كانت التي مع الرأس أكبر حلت وحرمت الأخرى وقال مالك إذا
قطع وسطه أو ضرب عنقه حل جميعه وان قطع فخذه حرمت الفخذ وحل الباقي * دليلنا أن ما كان
ذكاة لبعضه كان ذكاة لكله كموضع الاتفاق *
قال المصنف رحمه الله * (وان نصب أحبولة وفيها حديدة فوقع فيها صيد فقتلته الحديدة لم يحل لأنه مات بغير فعل من
جهة أحد فلم يحل) *
(الشرح) قال الشافعي رحمه الله ولا يؤكل ما قتلته الأحبولة كان فيها سلاح أو لم يكن
قال أصحابنا الأحبولة - بفتح الهمزة - هو ما ينصب للصيد فيعلق به من حبل أو شبكة أو شرك ويقال لها أيضا حبالة - بكسر الحاء - جمعها حبائل فإذا وقع في الأحبولة صيد فمات لم يحل أكله
بلا خلاف لأنه لم يذكه أحد وإنما مات بفعل نفسه ولم يوجد من الصائد الا سبب فهو كمن نصب
118

سكينا فربضت عليها شاة فقطعت حلقها فإنها حرام قطعا ولو كان رأس الحبل
الذي في الأحبولة في يده فجره ومات به الصيد فحرام أيضا لأنه من جملة المنخنقة
والله أعلم *
(فرع) هذا الذي ذكرناه من تحريم صيد الأحبولة ونحوها إذا لم يدرك ذكاته
هو مذهبنا ومذهب العلماء كافة الا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري أنه يحل إن كان
سمى وقت نصبها
* قال المصنف رحمه الله *
(وان ارسل سهما على صيد فأصاب غيره فقتله حل اكله لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ثعلبة
(ما ردت عليك قوسك فكل) ولأنه مات بفعله ولم يفقد الا القصد وذلك لا يعتبر في الذكاة والدليل
عليه انه تصح ذكاة المجنون وان لم يكن له قصد فان ارسل كلبا على صيد فأصاب غيره فقتله نظرت
فان أصابه في الجهة التي أرسله فيها حل لقوله صلى الله عليه وسلم (ما رد عليك كلبك ولم تدرك
ذكاته فكل) وان عدل إلى جهة أخرى فأصاب صيدا غيره ففيه وجهان (أحدهما) لا يحل وهو قول
أبي إسحاق لان للكلب اختيارا فإذا عدل كان صيده باختياره فلم يحل كما لو استرسل بنفسه
فأخذ الصيد ومن أصحابنا من قال يحل لان الكلب لا يمكن منعه من العدول في طلب الصيد) *
(الشرح) حديث أبي ثعلبة والحديث الآخر سبق بيانهما قال أصحابنا إذا رمى صيدا يراه
أولا يراه لكن يحس به في ظلمة أو من وراء حجاب بأن كان بين أشجار ملتفة وقصده حل فإن لم
يعلم به بأن رمي وهو لا يرجوا صيدا فأصاب صيدا لم يحل على الصحيح المنصوص وفيه وجه وإن كان
يتوقع صيدا فبني الرمي بأن رمى في ظلمة الليل وقال ربما أصبت صيدا فأصاب صيدا فطريقان
(أحدهما) القطع بحله (والثاني) فيه ثلاثة أوجه (أصحها) التحريم مطلقا (والثاني) يحل (والثالث)
إن توقعه بظن غالب حل وإن كان مجرد تجويز حرم ولو رمى إلى سرب من الظباء أو أرسل عليها
كلبا فأصاب واحدة منها فقتلها فهي حلال بلا خلاف ولو قصد واحدة منها معينة بالرمي فأصاب غيرها
119

ففيه طريقان (أحدهما) القطع بحلها وبه قطع المصنف وكثيرون أو الأكثرون (والثاني) فيه أربعة أوجه
(الحل) مطلقا لما ذكره المصنف (والثاني) التحريم (والثالث) إن كان حالة الرمي يرى المصاد حل والا فلا
(والرابع) إن كان المصاب من السرب الذي رآه ورماه حل وإن كان من غيره لم يحل وسواء عدل
السهم عن الجهة التي قصدها إلى غيرها أم لم يعدل ولو رمي شاخصا يعتقده حجرا وكان حجرا فأصاب
ظبية ففي حلها وجهان (الأصح) لا تحل وبه قطع الصيد لأني وغيره فإن كان الشاخص صيدا ومال
السهم عنه وأصاب صيدا آخر ففيه الوجهان وأولى بالتحليل ولو رمى شاخصا ظنه خنزيرا وكان خنزيرا
أو كان صيدا فلم يصبه وأصاب ظبية لم تحل على الصحيح في الصورتين لأنه قصد محرما والخلاف
فيما إذا كان خنزيرا أضعف ولو رمى شاخصا ظنه صيدا فبان حجرا أو خنزيرا وأصاب السهم صيدا
قال البغوي ان اعتبرنا ظنه فيما إذا رمى ما ظنه حجرا فكان صيدا وأصاب السهم صيدا آخر وقلنا
بالتحريم فهنا يحل الصيد الذي أصابه وان اعتبرنا الحقيقة وقلنا بالحل هناك حرم هنا * هذا كله في
رمى السهم أما إذا أرسل كلبا على صيد فقتل صيدا آخر فينظر إن لم يعدل عن جهة الارسال بل
كان فيها صيود فأخذ غير ما أرسل عليه وقتله فطريقان (المذهب) أنه يحل وبه قطع المصنف والأكثرون
ودليله في الكتاب (والثاني) فيه وجهان (أصحهما) يحل (والثاني) يحرم كما لو استرسل بنفسه وان
عدل إلى جهة أخرى فثلاثة أوجه (أصحها) الحل لأنه بغير تكليفه ترك العدول ولان الصيد
لو عدل فتبعه الكلب وقتله حل قطعا (والثاني) يحرم كما ذكره المصنف (والثالث)
وهو اختيار الماوردي ان خرج عادلا عن الجهة حرم وان خرج إليها ففاته الصيد فعدل
إلى غيرها وصاد حل لأنه يدل على حذقة حيث لم يرجع خائبا وقطع امام الحرمين بالتحريم إذا
عدل وظهر من عدوله اختياره بأن امتد في جهة الارسال زمانا ثم ظهر صيد آخر فاستدبر المرسل إليه
وقصد الآخر والله أعلم *
120

قال المصنف رحمه الله *
(وان أرسل كلبا وهو لا يرى صيدا فأصاب صيدا لم يحل لأنه أرسله على غير صيد فلم يحل
ما اصطاده كما لو حل رباطه فاسترسل بنفسه واصطاد وان أرسل سهما في الهواء وهو لا يرى صيدا فأصاب
صيدا ففيه وجهان (قال) أبو إسحاق يحل لأنه قتله بفعله ولم يفقد الا القصد إلى الذبح وذلك لا يعتبر
كما لو قطع شيئا وهو يظن أنه خشبة فكان حلق شاة (ومن) أصحابنا من قال لا يحل وهو الصحيح
لأنه لم يقصد صيدا بعينه فأشبه إذا نصب أحبولة فيها حديدة فوقع فيها صيد فقتلته وإن كان في
يده سكين فوقعت على حلق شاة فقتلها حل في قول أبى اسحق لأنه حصل الذبح بفعله وعلى
قول الآخر لا تحل لأنه لم يقصد * وان رأى صيدا فظنه حجرا أو حيوانا غير الصيد
فرماه فقتله حل أكله لأنه قتله بفعل قصده وإنما جهل حقيقته والجهل بذلك لا يؤثر كما
لو قطع شيئا فظنه غير الحيوان فكان حلق شاة وان أرسل على ذلك كلبا فقتله ففيه وجهان
(أحدهما) يحل كما يحل إذا رماه بسهم (والثاني) لا يحل لأنه أرسله على غير صيد فأشبه إذا
أرسله على غير شئ)
(الشرح) قال أصحابنا إذا أرسل كلبا وهو لا يرى صيدا فاعترض صيدا فقتله لم يحل لما ذكره
المصنف * هذا هو المذهب وبه قطع المصنف والجمهور وحكى الروياني في كتابه الكافي وغيره من
أصحابنا فيه وجها أنه يحل وهو شاذ ضعيف ولو أرسل سهما في الهواء وهو لا يرى صيدا أو أرسله
في فضاء الأرض لاختبار قوته أو رمى إلى هدف فاعترض صيدا فأصابه وقتله وكان لا يخطر له الصيد
أو كان يراه ولكن رمى إلى هدف أو ذئب ولم يقصد الصيد فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف
بدليلهما (الصحيح) المنصوص لا يحل لعدم قصده (والثاني) يحل قاله أبو إسحاق ولو كان يحل سيفه فأصاب
عنق شاة وقطع الحلقوم والمرئ من غير علم بالحال فطريقان (المذهب) أنه ميتة محرمة وبه قطع امام الحرمين
وغيره (والثاني) فيه وجهان ولو رمى ما ظنه حجرا أو جرثومة أو آدميا معصوما أو غير معصوم أو خنزيرا أو
121

حيوانا آخر محرما فكان صيدا فقتله أو ظنه صيدا غير مأكول فكان مأكولا أو قطع في ظلمة
ما ظنه ثوبا فكان حلق شاة فانقطع الحلقوم والمرئ أو أرسل كلبا إلى شاخص يظنه حجرا فكان
صيدا أو لم يغلب على ظنه شئ من ذلك أو ذبح في ظلمة حيوانا فظنه محرما وكان شاة فالمذهب
انه حلال في جميع هذه الصور وفى الجميع وجه ضعيف انه حرام لعدم القصد ولو رمى إلى شاته
الربيطة سهما جارحا فأصاب الحلقوم والمرئ وفاقا وقطعهما ففي حل الشاة مع القدرة على ذبحها. احتمال لإمام الحرمين
قال ويجوز ان يفرق بين ان يقصد الذبح بسهمه وبين ان يقصد الشاة فيصيب المذبح والأصح
الحل والله تعالى اعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن رمى شيئا يظنه حجرا وكان صيدا فقتله * قد ذكرنا أن
الصحيح عندنا حله وبه قال أبو حنيفة * وقال مالك لا يحل * وقال محمد ابن الحسن ان ظنه حجرا لم
يحل وان ظنه حيوانا محرما كالكلب والخنزير حل الا أن يظنه آدميا فلا يحل وكذا قال احمد إذا
ظنه انسانا لم يحل وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا رأى خنزيرا بريا أو أسدا أو ذئبا وكان
ظبيا حل * وقال زفر لا يحل *
(فرع) في مذاهبهم فيمن أرسل كلبا على صيد وأخذ غيره في طريقه وسمته * مذهبنا أنه
حلال كما سبق وبه قال أبو حنيفة واحمد وقال مالك وداود لا يحل
* قال المصنف رحمه الله *
(وان توحش أهلي أو ند بعير أو تردى في بئر فلم يقدر على ذكاته في حلقه فذكاته حيث
يصاب من بدنه لما روي رافع بن خديج قال (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة وقد أصاب
القوم غنما وابلا فند منها بعير فرمى بسهم فحبسه الله به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ان هذه البهائم لها أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا) وقال ابن عباس رضي الله عنه
" ما أعجزك من البهائم فهو بمنزلة الصيد ولأنه يتعذر ذكاته في الحلق فصار كالصيد وان تأنس
122

الصيد فذكاته ذكاة الأهلي كما أن الأهلي إذا توحش فذكاته ذكاة الوحشي) *
(الشرح) حديث رافع رواه البخاري ومسلم والأثر المذكور عن ابن عباس صحيح رواه
البيهقي باسناده وذكره البخاري في صحيحه تعليقا بصيغة الجزم فهو صحيح عنده (وقوله) ندهو
- بفتح النون وتشديد الدال - أي هرب والأوابد - بفتح الهمزة وبالباء الموحدة - وهي النفور والتوحش
جمع آبدة - بالمد وكسر الباء - ويقال أبدت - بفتح الباء والتخفيف - يأبد ويأبد - بكسر الباء وضمها - وتأبدت
أي توحشت ونفرت من الانس * أما الأحكام فقال أصحابنا الحيوان المأكول الذي لا تحل ميتة ضربان
مقدور على ذبحه ومتوحش فالمقدور عليه لا يحل إلا بالذبح في الحلق واللبة كما سبق وهذا مجمع عليه
وسواء في هذا الانسي والوحشي إذا قدر على ذبحه بأن أمسك الصيد أو كان متوحشا فلا يحل
إلا بالذبح في الحلق واللبة لما ذكره المصنف * وأما المتوحش كالصيد فجيع أجزائه مذبح ما دام متوحشا
فإذا رماه بسهم أو أرسل عليه جارحة فأصاب شيئا من بدنه ومات به حل بالاجماع ولو توحش إنسي
بأن ند بعير أو بقرة أو فرس أو شردت شاة أو غيرها فهو كالصيد يحل بالرمي إلى غير مذبحه وبارسال
الكلب من الجوارح عليه وهذا بلا خلاف عندنا لما ذكره المصنف ولو تردى بعير أو غيره في بئر
ولم يمكن قطع حلقومه فهو كالبعير الناد في حله بالرمي بلا خلاف وفى حله بارسال الكلب وجهان حكاهما
الماوردي والروياني والشاشي وغيرهم (أصحهما) عندهم حتى البحر والمستظهري التحريم (واختار) البصريون
الحل والأول أرجح والله تعالى أعلم * قال أصحابنا وليس المراد بالتوحش مجرد الافلات بل متى تيسر
اللحوق بعدو أو استعانة بمن يمسكه فليس ذلك توحشا ولا يحل حينئذ إلا بالذبح في المذبح. قال
الرافعي ولو تحقق العجز في الحال فقد أطلق الأصحاب أن البعير ونحوه كالصيد لأنه قد يريد الذبح
في الحال فتكليفه الصبر إلى القدرة يشق عليه. قال امام الحرمين والظاهر عندي أنه لا يلحق
بالصيد بذلك لأنها حالة عارضة قربتها له قال لكن لو كان الصبر والطلب يؤدى إلى مهلكة
أو مسبعة فهو حينئذ كالصيد وإن كان يؤدى إلى موضع لصوص وعصبات مترصدين فوجهان
123

الفرق أن تصرفهم واتلافهم متدارك بالضمان * هذا كلام الإمام قال الرافعي والمذهب ما قدمناه عن
الأصحاب والله أعلم *
(فرع) في كيفية الجرح المفيد للحل في الناد والمتردي وجهان (أصحهما) وبه قطع
المصنف والجمهور أنه يكفي جرح يفضي إلى الزهوق كيف كان (والثاني) لابد من جرح مذفف
واختاره القفال وامام الحرمين *
(فرع) حيث جرح الناد والمتردي فقتله حل سواء كانت الجراحة في فخذه أو خاصرته
أو غيرهما من بدنه * هذا هو المذهب وهو المنصوص وبه قطع العراقيون وجمهور الخراسانيين وقال
الغزالي في الوسيط قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو طعنت خاصرته لحلت لك) قال فقال المراوزة خصص
الخاصرة ليكون الجرح مذففا فلا يجوز جرح آخر وإن كان يفضي إلى الموت قال ومنهم من قال
يكفي كل جراحة تفضى إلى الموت هذا لفظه في الوسيط وفيها منكرات (منها) تغيير الحديث (ومنها)
تغيير الحكم (أما) الحديث فقد سبق بانكاره الإمام أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله فقال هذا
اختصار من الغزالي لحديث استدل به في ذلك شيخه امام الحرمين قال روى أن رجلا يعرف بابي
العسراء تردى له بعير في بئر فهلك فرفعت القصة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (لأبي العسراء
وأبيك لو طعنت في خاصرتها لحلت لك) قال أبو عمرو وفيما ذكره امام الحرمين ثلاثة أغلاط
وذلك أن هذا الحديث تفرد بروايته حماد ابن أبي سلمة عن أبي العسراء الدارمي عن أبيه قال (قلت
يا رسول الله أما تكون الذكاة الا في الحلق واللبة قال (وأبيك لو طعنتها في فخذها لأجزأ عنك)
رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في كتبهم المعتمدة وأبى العسراء - بضم العين وبالمد
على وزن الشعراء - اسمه أسامة بن مالك وقيل غير ذلك فوقع فيما ذكره امام الحرمين الغلط من
أوجه (أحدها) جعله أبا العسراء هو الذي خاطبه النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو أبوه وأبو العسراء
تابعي مشهور (والثاني) في ذكره تردى البعير في بئر الحديث وليس ذلك من الحديث وإنما هو
124

تفسير من أهل العلم للحديث قالوا عند الضرورة في التردي في البئر وأشباهه وإن كان
الشيخ أبو حامد الأسفرايني قد قال بعد ذكره الحديث دون ذكر التردي وفى بعض الأخبار أنه
سئل عن بعير تردى في بئر فقال أما تصلح الذكاة الا في الحلق واللبة وذكر الحديث فان ذلك أيضا
باطل لا يعرف (والثالث) في قوله (لو طعنت في خاصرتها) وإنما قال (في فخذها) وذكر الخاصرة ورد في أثر
رويناه وذكره الشافعي رحمه الله قال (تردى بعير في بئر وطعن في شاكلته فسئل عبد الله بن عمر
فأمر بأكله) والشاكلة الخاصرة ولا يثبت والحالة هذه ما رامه المراوزة من تخصيص الخاصرة
وأشباهها فالصحيح اذن قول غيرهم انه يكفي في أي موضع كان لقوله صلى الله عليه وسلم (لو طعنت في فخذها)
هذا آخر كلام الشيخ أبى عمرو وهو كما قال وهذا الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي والنسائي
وغيرهم حديث ضعيف فقد اتفقوا على أن مداره على أبى العسراء قالوا وهو مجهول لا يعرف الا في هذا
الحديث ولم يرو عنه غير حماد بن أبي سلمة وقد اتفق أهل العلم بالحديث على أن من لم يرو عنه غير واحد
فهو مجهول الا أن يكون مشهورا بعلم أو صلاح أو شجاعة ونحو ذلك ولم يوجد شئ من هذا الاستثناء
في أبى العسراء فهو مجهول واتفقوا على أنه لم يرو عنه غير حماد بن أبي سلمة قال الترمذي هو حديث
غريب لا يعرف الا من حديث حماد قال ولا يعرف لأبي العسراء عن أبيه غير هذا الحديث وقال
البخاري في تاريخه في حديث أبي العسراء وسماعه من أبيه فيه نظر والله أعلم * فالصواب أنه في أي موضع جرحه فمات منه حل سواء الخاصرة والفخذ وغيرهما لحديث رافع بن خديج المذكور في الكتاب
وقوله صلى الله عليه وسلم (فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا) وهو ثابت في الصحيح كما سبق
ولا معارض له ولم يثبت له مخصص فيجب العمل بعمومه واطلاقه في كل معجوز عنه كما قاله الأصحاب
ونص عليه الشافعي ويتعين رد ما حكى عن المراوزة والله أعلم *
(فرع) لو وقع بعيران في بئر أحدهما فوق الآخر فطعن الاعلى فمات الأسفل بثقله
حرم الأسفل فلو تعدت الطعنة فاصابته أيضا حلا جميعا فان شك هل مات بالطعنة النافذة أم بالثقل
125

وقد علم أن الطعنة أصابته قبل مفارقة الروح حل وان شك هل أصابته قبل مفارقة الروح أم بعدها
قال البغوي في الفتاوي يحتمل وجهين بناء على القولين في العبد الغائب المنقطع خبره هل
يجزئ في الكفارة *
(فرع) لو رمى حيوانا غير مقدور عليه فصار مقدورا فأصاب غير المذبح لم يحل ولو رمى مقدورا
عليه فصار غير مقدور عليه فأصاب غير مذبحه حل *
(فرع) في مذاهب العلماء فيما إذا توحش الحيوان الانسي المأكول فلم يقدر عليه كالبعير
الناد أو الشاة أو البقرة أو تردى في بئر وعجز عن عقره في محل الذكاة * فمذهبنا أن كل موضع من
بدنه محل لذكاته فحيث جرحه فقتله حل أكله وبه قال جمهور العلماء منهم على ابن أبي طالب وابن
مسعود وابن عمر وابن عباس وطاووس وعطاء والشعبي والحسن البصري والأسود ابن يزيد والحكم
وحماد والنخعي والثوري وأبو حنيفة واحمد وإسحاق وأبو ثور والمزني وداود وقال سعيد بن المسيب
وربيعة والليث بن سعد ومالك لا يحل الا بذكاته في موضع الذبح وهو الحلق واللبة ولا يتغير موضع
الذكاة بتوحشه وترديه * دليلنا حديث رافع بن خديج السابق *
قال المصنف رحمه الله *
(وان ذكى ما يؤكل لحمه ووجد في جوفه جنينا ميتا حل اكله لما روى أبو سعيد قال
قلنا يا رسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة وفى بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله فقال
(كلوه ان شئتم فان ذكاته ذكاة أمه) ولان الجنين لا يمكن ذبحه فجعل ذكاة الام ذكاة
له وان خرج الجنين حيا وتمكن من ذبحه لم يحل من غير ذبح وان مات قبل إن يتمكن
من ذكاته حل) *
(الشرح) حديث أبي سعيد الخدري هذا رواه أبو داود بلفظه ورواه أبو داود أيضا
والترمذي وابن ماجة من رواية مجاهد عن أبي الوداك عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
(ذكاة الجنين ذكاة أمه) قال الترمذي حديث حسن قال وقد روى من غير هذا الوجه عن أبي سعيد
126

قال والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم قال وفى
الباب عن جابر وأبى أمامة وأبى الدرداء وأبي هريرة * هذا كلام الترمذي وهذه الرواية مع رواية
المصنف التي نقلها عن سنن أبي داود مدارها علي مخالد وهو ضعيف لا يحتج به وقد قال الترمذي
إنه حديث حسن فلعله روى من طريق آخر تقوى بعضها ببعض فيصير حسنا كما قال الترمذي
فإنه قد ذكر أنه روى من طريق آخر عن أبي سعيد ورواه البيهقي من طريق جابر مرفوعا (ذكاة
الجنين ذكاة أمه) باسناد جيد الا أن فيه رجلا جرحه الأكثرون * واحتج به البخاري في صحيحه ثم
قال البيهقي في الباب عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبي أيوب وأبي هريرة وأبى الدرداء
والبراء بن عازب رضي الله عنهم مرفوعا فقد تعاضدت طرقه كما ترى فلهذا صار حديثا حسنا يحتج به كما قاله الترمذي والله سبحانه وتعالى أعلم * وقوله (ذكاة الجنين ذكاة أمه) هو بالرفع في
ذكاة أمه تقديره ذكاة الجنين حاصلة بذكاة أمه * (أما الأحكام) فقال الشافعي والأصحاب
إذا ذبح المأكولة فوجد في جوفها جنينا ميتا فهو حلال بلا خلاف سواء أشعر أم لا قال الشيخ
أبو محمد الجويني في كتابه الفروق إنما يحل إذا سكن في البطن عقب ذبح الام أما إذا بقي زمنا
طويلا يضطرب ويتحرك ثم سكن فوجهان (الصحيح) أنه حرام قال أصحابنا ولو جرح الجنين
وبه حركة مذبوح ثم مات حل لأنه في معني الذي مات في البطن قبل الذبح وان جرح وفيه
حياة مستقرة وأمكن ذبحه فلم يذبحه حتى مات فهو حرام وان لم يتمكن من ذبحه حتى مات فهو
حلال كما قاله المصنف والأصحاب قياسا على الصيد ولو أخرج رأسه وفيه حياة مستقرة ثم ذبحت الام
فمات قبل انفصاله فوجهان (أصحهما) وبه قطع القفال يحل لان خروج بعض الولد
كعدم خروجه في العدة وسائر الأحكام (والثاني) وبه قطع القاضي حسين والبغوي لا يحل
إلا بذبحه لأنه مقدور عليه قال البغوي ولو أخرج رجله فقياس ما قاله القاضي حسين أنه
يجرحه بسكين ونحوه ليحل كما لو تردى بعير في بئر ولو وجد في جوف المذكاة مضغة لم
127

تبين فيها الصورة ولا تشكلت الأعضاء ففحلها وجهان بناء على وجوب الغرة فيها وثبوت حكم
الاستيلاد والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في المسألة * مذهبنا أن الحيوان المأكول إذا ذكى فخرج من
جوفه جنين ميت حل وبه قال العلماء كافة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار إلا
أبا حنيفة وزفر فقال لا يحل حتى يخرج حيا فيذكى * وقال مالك من خرج ميتا تام الخلق وتم شعره
فحلال بذكاة الام وان لم يتم ولم ينبت شعره فحرام قال ابن المنذر كان الناس على إباحته لا نعلم
أحدا خالف ما قالوه إلى أن جاء أبو حنيفة فحرمه وقال ذكاة نفس لا تكون ذكاة نفسين ونقل
الخطابي أن ابن المنذر قال في كتاب آخر له إنه لم يقل بقول أبا حنيفة أحد من العلماء غيره قال
ولا أحسب أصحابه وافقوه عليه قال الخطابي وقد ذهب أكثر العلماء إلى اباحته لكن اشترط بعضهم
فيه الاشعار * واحتج لأبي حنيفة بأن ذكاة حيوان لا تكون ذكاة حيوان آخر قال وتأولوا حديث
(ذكاة الجنين ذكاة أمه) أي ذكاته كذكاة أمة أي ذكوه كما تذكون أمه * واحتج أصحابنا بما
ذكره المصنف من الحديث والقياس على الصيد قال الخطابي والأصحاب وهذا المنقول عن رواية
أبي داود المذكورة في الكتاب صريح في الدلالة لمذهبنا ومبطل لتأويلهم المذكور ولان حقيقة
الجنين ما كان في البطن وذبحه في البطن لا يمكن فعلم أنه ليس المراد أنه يذكى كذكاة أمه بل
ذكاة أمه كافية في حله ومما يؤيد هذا أن في رواية البيهقي (ذكاة الجنين في ذكاة أمه) وفى رواية
له أيضا (ذكاة الجنين بذكاة أمه) ولأنه لو كان المراد ما قالوه لم يكن للجنين مزية ولأنه يتبعها في
العتق فيتبعها في الذكاة كالأعضاء والله أعلم *
قال المصنف رحمه الله *
(إذا أثبت صيدا بالرمي أو بالكلب فأزال امتناعه ملكه لأنه حبسه بفعله فملكه كما لو أمسكه
بيده فان رماه اثنان واحد بعد واحد فهو لمن أثبته منهما فان ادعى كل واحد منهما انه هو الذي
128

سبق وأزال امتناعه وان الآخر رماه فقتله فعليه الضمان لم يحل أكله لأنهما اتفقا على أنه قتل بعد
امكان ذبحه فلم يحل ويتحالفان فإذا حلف برئ كل واحد منهما مما يدعي الآخر وان اتفقا على أن
أحدهما هو السابق غيران السابق ادعى انه هو الذي أثبته بسهمه وادعى الآخر أنه بقي على
الامتناع إلى أن رماه هو فالقول قول الثاني لان الأصل بقاؤه على الامتناع وإن كان الصيد مما يمتنع
بالرجل والجناح كالقبح والقطا فرماه أحدهما فأصاب الرجل ثم رماه الآخر فأصاب الجناح ففيه
وجهان (أحدهما) أنه يكون بينهما لأنه زال الامتناع بفعلهما فتساويا (والثاني) انه للثاني وهو الصحيح
لان الامتناع لم يزل الا بفعل الثاني فوجب أنه يكون له) *
(الشرح) في الفصل مسألتان (إحداهما) فيما يملك به الصيد (والثانية) في الازدحام عليه
(فأما) الثانية فنؤخر شرحها ونذكره مع الفصلين بعدها إن شاء الله تعالى (وأما الأولى) فقال أصحابنا
يملك الصيد بطرق (منها) أن يضبطه بيده فيملكه ولا يشترط فيه قصد التملك في أخده بيده حتى
لو أخذ صيدا لينظر إليه ملكه بلا خلاف ولو سعى وراء صيد ليأخذه فوقف الصيد للاعياء لم
يملكه حتى يقبضه (ومنها) أن يجرحه جراحة مذففة أو رمية مثخنة أو يرميه فيملكه وكذا إن كان
طائرا فكسر جناحه فعجز عن العدو والطيران جميعا قالوا ويكفي المتملك إبطال شدة العدو
وصيرورته بحيث يسهل لحاقه ولو جرحه فعطش وثبت لم يملكه إن كان عطشه لعدم الماء وإن
كان لعجزه عن الوصول إلى الماء ملكه لان عجزه بالجراحة (ومنها) لو نصب شبكة ونحوها لصيد
فوقع فيها صيد ملكه فلو طرده طارد فوقع في الشبكة فهو لصاحب الشبكة لا للطارد وقال الماوردي
وغيره ولو وقع طائر في الشبكة ثم تقطعت الشبكة فأفلت وذهب فإن كان ذلك بقطع الصيد
الواقع فيها عاد مباحا فيملكه من صاده بعد ذلك لان الأول لم تثبته شبكته وإلا فيملكه صاحب
الشبكة وهو باق على ملكه فلا يملكه من أخذه وقال الغزالي في الوسيط في باب البئر لو وقع
في الشبكة فأفلت لم يزل ملكه على الصحيح هكذا أطلقه الغزالي والمذهب التفصيل الذي ذكره
129

الماوردي ولو تغفل الصيد بالشبكة ثم قلع الشبكة وذهب بها فأخذه إنسان نظر إن كان يعدو
ويمتنع مع الشبكة فله الاخذ فان أبطل ثقل الشبكة امتناعه بحيث تيسر أخذه فهو لصاحب
الشبكة ولا يملكه غيره (ومنها) إذا أرسل كلبا فأثبت صيدا " ملكه المرسل فلو أرسل سبعا " آخر فعقره وأثبته قال الماوردي إن كان له على السبع يد ملك الصيد والا فلا ولو أفلت الصيد بعد
ما أخذه الكلب قال الروياني قال بعض الأصحاب إن كان ذلك قبل أن يدركه صاحبه لم يملكه
وإن كان بعده فوجهان (أصحهما) لا يملكه لأنه لم يقبضه ولا زال امتناعه فعلى هذا يملكه من
صاحبه بعد ذلك (ومنها) إذا ألجأه إلى مضيق لا يقدر على الافلات منه ملكه وذلك بان يدخله
بيتا ونحوه ولو اضطر سمكة إلى بركة صغيرة أو حوض صغير على شط نهر ملكه كما لو اضطر الصيد
إلى بيت * والصغير هو ما يسهل أخذها منه ولو اضطرها إلى بركة واسعة يعسر أخذها منها أو دخلتها
السمكة فسد منافذها ففيها الخلاف الذي سنذكره إن شاء الله تعالى قريبا فيما إذا دخل الصيد
ملكه (فان قلنا) بالأصح أنه لا يملكه بالدخول فسد منازل البركة ملك السمكة لأنه تسبب
إلى ضبطها والله أعلم * قال الرافعي وقد ترجع جميع هذه الطرق إلى شئ واحد وهو أن يقال
سبب ملك الصيد إبطال زوال امتناعه وحصول الاستيلاء عليه وذلك يحصل بالطرق المذكورة
والله تعالى أعلم *
(فرع) لو توحل صيد بأرض إنسان وصار مقدورا عليه فوجهان (أحدهما) يملكه كما لو
وقع في شبكته (وأصحهما) لا يملكه لأنه لا يقصد بسقي الأرض الاصطياد قال إمام الحرمين الخلاف فيما
إذا لم يكن سقى الأرض مما يقصد به الاصطياد وتوحل الصيود فإن كان يقصد فهو كنصب الشبكة
ولم يتعرض الروياني لأرض الشخص بل قال لو توحل وهو في طلبه لم يملكه لان الطين ليس
من فعله فلو كان هو أرسل الماء في الأرض ملكه لان الوحل حصل بفعله فهو كالشبكة قال الرافعي
ويشبه أن يكون هذا عائدا إلى ما ذكره الامام من قصد الاصطياد بالسقي ولو وقع صيد في أرض
130

وصار مقدورا عليه أو عشش في أرضه طائر وباض وفرخ وحصلت القدرة على البيض والفرخ لم
يملكه على أصح الوجهين وبه قطع البغوي وغيره (والثاني) يملكه قال البغوي ولو حفر حفرة لا
للصيد فوقع فيها صيد لم يملكه وان حفر للصيد ملك ما وقع فيها ولو أغلق باب الدار لئلا يخرج
صار ملكا له قال امام الحرمين قال الأصحاب إذا قلنا لا يملكه صاحب الأرض والدار فهو أولى
بملكه وليس لغيره أن يدخل ملكه ويأخذه فان فعل فهل يملكه فيه وجهان كمن يحجز مواتا
وأحياه غيره هل يملكه وهذه الصور أولى بثبوت الملك لان الحجز للاحياء ولا يقصد ببناء الدار
وقوع الصيد فيها (والأصح) في الصورتين أن المحيى وآخذ الصيد يملكان وإن كانا غاصبين بتفويت
حق المتحجز وصاحب الأرض * ولو قصد ببناء الدار تعشيش الطير فعشش فيها طير أو وقعت الشبكة
من يده بغير قصد فتغفل فيها صيد فوجهان لأنه وجد في الأولى قصد لكنه ضعيف وفى الثانية
حصل الاستيلاء بملكه لكنه بلا قصد (والأصح) أنه يملكه في الصورة الأولى دون الثانية *
(فرع) لو دخل بستان غيره أو داره وصاد فيه طائرا أو غيره ملكه الصائد بلا خلاف
ولو دخل صيد دار انسان وقلنا بالأصح إنه لا يملكه فاغلق أجنبي عليه لم يملكه صاحب الدار ولا
الأجنبي لأنه متعد لم يحصل الصيد في يده بخلاف من غصب شبكة واصطاد بها *
(فرع) لو أخذ الكلب المعلم صيدا بغير ارسال ثم أخذه أجنبي من فمه يملكه الآخذ
هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وحكى الرافعي فيه وجها شاذا أنه لا يملكه * واحتجوا للأول بما
لو أخذ فرخ طائر من شجر غيره فان الآخذ يملكه وأما الكلب الذي ليس بمعلم إذا أرسله
صاحبه فاخذ صيدا فاخذه منه أجنبي وهو حي فقال الرافعي ينبغي أن يكون للمرسل ويكون ارساله
كنصب شبكة تغفل بها الصيد قال فاحتمل خلافه لان للكلب اختيارا *
قال المصنف رحمه الله *
(وان رمى الصيد اثنان أحدهما بعد الآخر ولم يعلم بإصابة من منهما صار غير ممتنع فقد قال في
131

المختصر انه يؤكل ويكون بينهما فحمل أبو إسحاق هذا على ظاهره فقال يحل أكله لان الأصل انه
بقي بعد عقر الأول على الامتناع إلى أن قتله الآخر فيحل ويكون بينهما لأن الظاهر أنهما مشتركان
فيه بحكم اليد ومن أصحابنا من قال إن بقي على الامتناع حتى رماه الآخر فقتله حل وكان للثاني
وان زال امتناعه بالأول فهو للأول ولا يحل بقتل الثاني لأنه صار مقدورا عليه فيجب أن يتأول
عليه إذا لم يمتنع الصيد حتى أدركه وذكاه فيحل واختلفا في السابق منهما فيكون بينهما فان رمي
رجل صيدا فأزال امتناعه ثم رماه الآخر نظرت فان أصاب الحلقوم والمرئ فقتله حل أكله لأنه
قد صار ذكاته في الحلق واللبة وقد ذكاة في الحلق واللبة ويلزمه للأول ما بين قيمته مجروحا
ومذبوحا كما لو ذبح له شاة مجروحة وان أصاب غير الحلق واللبة نظرت فان وحاه لم يحل أكله
لأنه قد صار ذكاته في الحلق واللبة فقتله بغير ذكاة فلم يحل ويجب عليه قيمته لصاحبه مجروحا
كما لو قتل له شاة مجروحة فإن لم يوحه وبقى مجروحا ثم مات نظرت فان مات قبل أن يدركه
صاحبه أو بعد ما أدركه وقبل أن يتمكن من ذبحه وجب عليه قيمته مجروحا لأنه مات من جنايته
وان أدركه وتمكن من ذبحه فلم يذبحه حتى مات لم يحل أكله لأنه ترك ذكاته في الحلق مع
القدرة واختلف أصحابنا في ضمانه فقال أبو سعيد الإصطخري تجب عليه قيمته مجروحا لأنه لم يوجد
من الأول أكثر من الرمي الذي ملك به وهو فعل مباح وترك ذبحه إلى أن مات وهذا لا يسقط
الضمان كما لو جرح رجل شاة لرجل فترك صاحبها ذبحها حتى ماتت (والمذهب) أنه لا يجب عليه كمال
القيمة لأنه مات بسببين محظورين جناية الثاني وسراية جرح الأول فالسراية كالجناية في ايجاب
الضمان فيصير كأنه مات من جناية اثنين وما هلك بجناية اثنين لا يجب على أحدهما كمال القيمة
وإذا قلنا بهذا قسم الضمان على الجانبين فما يخص الأول يسقط عن الثاني ويجب عليه الباقي ونبين
ذلك في جنايتين مضمونتين ليعرف ما يجب على كل واحد منهما فما وجب على الأول منهما من
قيمته أسقطناه عن الثاني فنقول إذا كان لرجل صيد قيمته عشرة فجرحه رجل جراحة نقص من
132

قيمته درهم ثم جرحه آخر فنقص درهم ثم مات ففيه لأصحابنا ستة طرق (أحدها) وهو قول المزني أنه يجب على كل
واحد منهما أرش جنايته ثم تجب قيمته بعد الجنايتين بينهما نصفان فيجب على الأول درهم وعلى الثاني درهم ثم
تجب قيمته بعد الجنايتين وهي ثمانية بينهما نصفان على كل واحد منهما أربعة فيحصل على كل واحد منهما
خمسه لان كل واحد منهما
انفرد بجنايته فوجب عليه أرشها ثم هلك الصيد بجنايتهما فوجب عليهما قيمته
(والثاني) وهو قول أبى اسحق أنه يجب على كل واحد منهما نصف قيمته يوم الجناية ونصف أرش جنايته فيجب
على الأول خمسة دراهم ونصف وسقط عنه النصف لان أرش الجناية يدخل في النفس وقد ضمن
نصف النفس والجناية كانت على النصف الذي ضمنه وعلى النصف الذي ضمنه الآخر فما حصل
على النصف الذي ضمنه يدخل في الضمان فيسقط وما حصل على النصف الذي ضمنه الآخر يلزم
فيحصل عليه خمسة دراهم ونصف والآخر جنى وقيمته تسعة فيلزمه نصف قيمته أربعة ونصف
وأرش جنايته درهم فيدخل نصفه في النصف الذي ضمنه ويبقى النصف لأجل النصف الذي
ضمنه الأول فيجب عليه خمسة دراهم ثم يرجع الأول على الثاني بنصف الأرش الذي ضمنه وهو
نصف درهم لان هذا الأرش وجب بالجناية على النصف الذي ضمنه الأول وقد ضمن الأول
كمال قيمة النصف فرجع بأرش الجناية عليه كرجل غصب من رجل ثوبا فخرقه رجل ثم هلك الثوب
وجاء صاحبه وضمن الغاصب كمال قيمة الثوب فإنه يرجع على الجاني بأرش الخرق فيحصل على
الأول خمسة دراهم وعلى الثاني خمسة دراهم فهذا يوافق قول المزني في الحكم وان خالفه في الطريق
(والثالث) وهو قول أبى الطيب بن سلمة أنه يجب على كل واحد منهما نصف قيمته حال الجناية
ونصف أرش جنايته ويدخل النصف فيما ضمنه صاحبه كما قال أبو إسحاق إلا أنه قال لا يعود من الثاني
إلى الأول شئ ثم ينظر لما حصل على كل واحد منهما ويضم بعضه إلى بعض وتقسم عليه العشرة
فيجب على الأول خمسة دراهم ونصف وعلى الثاني خمسة دراهم فذلك عشرة ونصف فتقسم العشرة على عشرة ونصف فما يخص خمسة ونصفا يجب على الأول وما يخص خمسا يجب على الثاني (والرابع)
133

ما قال بعض أصحابنا أنه يجب على الأول أرش جنايته ثم تجب قيمته بعد ذلك بينهما نصفين ولا يجب
على الثاني أرش جنايته فيجب على الأول درهم ثم تجب التسعة بينهما نصفان على كل واحد منهما
أربعة دراهم ونصف فيحصل على الأول خمسة دراهم ونصف وعلى الثاني أربعة دراهم ونصف لان الأول
انفرد بالجناية فلزمه أرشها ثم اجتمع جناية الثاني وسراية الأول فحصل الموت منهما فكانت القمية بينهما
(والخامس) ما قال بعض أصحابنا أن الأرش يدخل في قيمة الصيد فيجب على الأول نصف قيمته حال
الجناية وهو خمسة وعلى الثاني نصف قيمته حال الجناية وهو أربعة ونصف ويسقط نصف درهم قال
لأني لم أجد محلا أوجبه فيه (والسادس) وهو قول أبى علي بن خيران وهو أن أرش جناية كل واحد
منهما يدخل في القيمة فتضم قيمة الصيد عند جناية الأول إلى قيمة الصيد عند جناية الثاني فتكون
تسعة عشر ثم تقسم العشرة على ذلك فما يخص عشرة فهو على الأول وما يخص تسعة فهو على الثاني
وهذا أصح الطرق لان أصحاب الطرق الأربعة لا يدخلون الأرش في بدل النفس وهذا لا يجوز لان
الأرش يدخل في بدل النفس وصاحب الطريق الخامس يوجب في صيد قيمته عشرة تسعة ونصفا
ويسقط من قيمته نصف درهم وهذا لا يجوز *
(الشرح) هذا الفصل مع الفصل الذي قبله والفصل الذي بعده مرتبطة ومسائلها متداخلة
وهي متشعبة وقد لخصها الرافعي رحمه الله تعالى فأنا إن شاء الله أنقل ما ذكره وأضم إليه ما تركه مع
التنبيه على كلام المصنف رحمه الله * قال الرافعي الاشتراك في الصيد والازدحام عليه له أربعة أحوال
(الحال الأول) أن يتعاقب جرحان من اثنين فالأول منهما ان لم يكن مذففا ولا مزمنا بل بقي
على امتناعه وكان الثاني مذففا أو مزمنا فالصيد للثاني ولا شئ له على الأول بجراحته وإن كان
جرح الأول مذففا فالصيد للأول وعلى الثاني أرش ما نقص من لحمه وجلده برميه وإن كان جرح
الأول مزمنا ملك الصيد به ونفصل في الثاني فان ذفف فقطع الحلقوم والمرئ فهو حلال للأول
وعلى الثاني للأول ما بين قيمته مذبوحا ومزمنا قال الامام إنما يظهر التفاوت إذا كان فيه حياة
134

مستقرة وإن كان متألما بحيث لو لم يذبح لهلك فعندي انه لا ينقص منه بالذبح شئ فان ذفف
الثاني لا بقطع الحلقوم والمرئ أو لم يذفف ومات بالجرحين فهو صيد وكذا الحكم رمى إلى صيد فازمنه
ثم رمى إليه ثانيا وذفف لا بقطع المذبح ويجب على الثاني كمال قيمة الصيد مجروحا إن كان ذفف فإن كان
جرح لا يذفف ومات بالجرحين ففيما يجب عليه. كلام له مقدمة نذكرها أولا وهي: إذا جنى رجل على عبد
انسان أو بهيمته أو صيد مملوك قيمته عشرة دنانير جراحة أرشها دينار ثم جرحه آخر جراحة
أرشها دينار أيضا فمات بالجرحين ففيما يلزم الجارحين ستة أوجه مشهورة (أحدها) يجب على الأول
خمسة دنانير وعلى الثاني أربعة ونصف لان الجرحين سريا وصار قتلا فلزم كل واحد نصف قيمته
وهذا قول ابن سريج وضعفه الأصحاب لان فيه ضياع نصف دينار على المالك
(والثاني) قاله المزني
وأبو إسحاق المروزي والقفال يلزم كل واحد خمسة دنانير لان كل واحد كان أرش جنايته دينارا
فلزمه ثم مات بجرحيهما فلزمهما باقي قيمته وهي ثمانية بينهما نصفين فصار على كل واحد خمسة
وعلى هذا لو نقصت جناية الأول دينار أو جناية الثاني دينارين لزم الأول أربعة ونصف ولزم الثاني
خمسة ونصف ولو نقصت جناية الأول ديناران وجناية الثاني دينارا انعكس فيلزم الأول خمسة ونصف
ويلزم الثاني أربعة ونصف وضعف الأصحاب هذا الوجه أيضا لأنه سوى بينهما مع اختلاف قيمته
حال أخذهما (والوجه الثالث) حكاه امام الحرمين عن القفال أيضا انه يلزم الأول خمسة ونصف
والثاني خمسة لان جناية كل واحد نقصت دينارا ثم سريا والأرش يسقط إذا صارت الجناية
نفسا فيسقط عن كل واحد نصف الأرش لان الموجود منه نصف القتل (واعترضوا) على هذا
بأن فيه زيادة الواجب على المتلف وأجاب القفال بأن الجناية قد تنجر إلى إيجاب زيادة كمن قطع يدي
عبد ثم قتله آخر (وأجيب) عنه بأن قاطع اليدين لا شركة له في القتل بل القتل يقطع أثر القطع
ويقع موقع الاندمال وهنا بخلافه (والوجه الرابع) قاله أبو الطيب بن سلمة يلزم كل واحد نصف
قيمته يوم جنايته ونصف الأرش لكن لا يزيد الواجب على القيمة فيجمع ما لزمهما تقديرا وهو
135

عشرة ونصف وتقسم القيمة وهي عشرة على العشرة والنصف ليراعى التفاوت بينهما فيبسط أنصافا فيكون
إحدى وعشرين فيلزم الأول إحدى عشر جزءا من إحدى وعشرين جزءا من عشرة ويلزم الثاني عشرة من
إحدى وعشرين من عشرة وهو ضعيف لافراد أرش الجناية عن بدل النفس (والوجه الخامس) قاله صاحب
التقريب وغيره واختاره امام الحرمين يلزم الأول خمسة ونصف والثاني أربعة ونصف لان الأول
لو انفرد بالجرح والسراية لزمه العشرة فلا يسقط عنه الا ما لزم الثاني والثاني إنما جني على نصف
ما يساوى تسعة وفيه ضعف أيضا (والوجه السادس) قاله ابن خيران واختاره صاحب الافصاح وأطبق
العراقيون على ترجيحه أنه يجمع بين القيمتين فيكون تسعة عشر فيقسم عليه ما فوتا وهي عشرة
فيكون على الأول عشرة أجزاء من تسعة عشر جزء امن عشرة وعلى الثاني تسعة أجزاء من تسعة
عشر جزءا من عشرة والله سبحانه وتعالى أعلم * أما إذا كانت الجناة ثلاثة وأرش كل جناية دينار والقيمة
عشرة فعلى طريقة المزني يلزم كل واحد ثلاثة وثلث وعلى الوجه الثالث يلزم الأول أربعة منها ثلاثة
وثلث هي ثلث سهم القيمة وثلثان هما ثلثا الأرش (1) ويلزم الثالث ثلاثة منها ديناران وثلث هي
ثلث القيمة يوم جنايته وثلثان هما ثلثا الأرش فالجملة عشرة وثلثان وعلى الوجه الرابع توزع العشرة على
عشرة وثلثين وعلى الخامس يلزم الأول أربعة وثلث ويلزم الثاني ثلاثة والثالث ديناران وثلثان وعلى
السادس تجمع القيم فتكون سبعة وعشرين فتقسم العشرة عليها (أما) إذا جرح مالك العبد أو الصيد
جراحة وأجنبي أخرى فينظر في جناية المالك أهي الأولى أم الثانية ويخرج على الأوجه فتسقط حصته
وتجب حصة الأجنبي وعن القاضي أبى حامد المروذي أن المذكور في الجنايتين على العبد هو فيما
إذا لم يكن للجناية أرش مقدر فإن كان فليس العبد فيها كالبهيمة والصيد المملوك حتى لو جني على
عبد غيره جناية ليس لها أرش مقدر وقيمته مائة فنقصت الجناية عشرة ثم جنى آخر جناية لا أرش
لها فنقصت عشرة أيضا ومات العبد منهما فعلى الأول خمسة وخمسون وعلى الثاني خمسون يدفع منها خمسة
إلى الأول * قال فلو قطع رجل يد عبد قيمته مائة ثم قطع آخر يده الأخرى لزم الأول نصف أرش اليد

(1) كذا في الأصل وترك ما لزم الثاني وظاهر أنه كالثالث.
136

وهو خمسة وعشرون ونصف القيمة يوم جنايته وهو خمسون ولزم الثاني نصف أرش اليد خمسة
وعشرون ونصف القيمة يوم جنايته وهو أربعون فالجملة مائة وأربعون جميعها للسيد لان
الجناية التي لها أرش مقدر يجوز أن يزيد واجبها على قيمة العبد كما لو قطع يديه فقتله آخر هذا بيان
المقدمة ونعود إلى الصيد فنقول: إذا جرح الثاني جراحة غير مذففة ومات الصيد بالجرحين نظر ان
مات قبل أن يتمكن الأول من ذبحه لزم الثاني تمام قيمته مزمنا لأنه صار ميتا بفعله بخلاف ما لو جرح
شاة نفسه وجرحها آخر وماتت فإنه لا يجب على الثاني إلا نصف القيمة لان كل واحد من الجرحين
هناك حرام والهلاك حصل بهما وهنا فعل الأول اكتساب وذكاة ثم مقتضى كلام الأصحاب أن يقال
إذا كان الصيد يساوى عشرة غير مزمن وتسعة مزمنا لزم الثاني تسعة واستدرك صاحب التقريب فقال فعل
الأول وان لم يكن افسادا فيؤثر في الذبح وحصول الزهوق قطعا فينبغي أن يعتبر فيقال إذا كان غير
مزمن يساوى عشرة ومزمنا تسعة ومذبوحا ثمانية تلزمه ثمانية ونصف فان الدرهم أثر في فواته الفعلان
فوزع عليهما قال الامام وللنظر في هذا مجال ويجوز أن يقال المفسد يقطع أثر فعل الأول من كل وجه
والأصح ما ذكره صاحب التقريب وان تمكن من ذبحه فذبحه لزم الثاني أرش جراحته ان نقص بها
وان لم يذبحه وتركه حتى مات فوجهان (أحدهما) لا شئ على الثاني سوى أرش النقص لان الأول
مقصر بترك الذبح (وأصحهما) يضمن زيادة على الأرش ولا يكون تركه الذبح مسقطا للضمان كما لو
جرح رجل شاته فلم يذبحها مع التمكن لا يسقط الضمان فعلى هذا فيما يضمن (وجهان) قال الإصطخري
يضمن كمال قيمته مزمنا كما لو ذهب بخلاف ما إذا جرح عبده أو شاته وجرحه غيره أيضا لان كل واحد
من الفعل هناك إفساد والتحريم حصل بهما وهنا الأول إصلاح (والاصلاح) قول جمهور الأصحاب
لا يضمن جميع القيمة بل هو كمن جرح عبده وجرحه غيره لان الموت حصل بهما وكلاهما إفساد
أما الثاني فظاهر وأما الأول فلان ترك الذبح مع التمكن يجعل الجرح وسرايته افسادا ولهذا لو لم
يوجد الجرح الثاني فترك الذبح كان الصيد ميتة فعلى هذا تجئ الأوجه في كيفية التوزيع على
الجرحين فما هو في حصة الأول يسقط وتجب حصة الثاني والله أعلم * (الحال الثاني) أن يقع
137

الجرحان معا فينظران تساويا في سبب الملك فالصيد بينهما وذلك بأن يكون بكل واحد منهما مذففا
أو مزمنا أو انفردا وأحدهما مذففا والآخر مزمنا وسواء تفاوت الجرحان صغرا وكبرا أو تساويا أو كانا
في المذبح أو في غيره أو أحدهما فيه والآخر في غيره وإن كان أحدهما مزمنا أو مذففا لو انفرد والآخر
غير مؤثر فالصيد لمن ذفف أو أزمن ولا ضمان على الثاني لأنه لم يجرح ملك الغير ولو احتمل أن يكون الأزمان بهما
واحتمل أن يكون هذا دون ذاك وذاك دون هذا فالصيد بينهما في ظاهر الحكم ويستحب أن يستحيل كل واحد
منهما الآخر تورعا ولو علمنا أن أحدهما مذفف وشككنا هل الآخر أثر في الأزمان والتذفيف أم لا قال
القفال هو بينهما فقيل له لو جرح رجل جراحة مذففة وجرحه آخر جراحة لا يدرى أمذففة هي أم لا فمات
فقال يجب القصاص عليهما قال الامام هذا بعيد والوجه تخصيص القصاص بصاحب المذففة وفى الصيد
يسلم نصفه لمن جرحه مذففا ويوقف نصفه بينهما إلى المصالحة أو تبين الحال فإن لم يتوقع بيان
جعل النصف الآخر بينهما نصفين والله سبحانه أعلم * (الحال الثالث) إذا ترتب الجرحان وأحدهما
مزمن لو انفرد والآخر مذفف وارد على المذبح ولم يعرف السابق فالصيد حلال وان اختلفنا وادعى كل
واحد أنه جرحه أولا وأزمنه أو أنه له فلكل واحد تحليف الآخر فان حلفا فالصيد بينهما ولا شئ
لأحدهما على الآخر وان حلف أحدهما فقط فالصيد له وعلى الآخر أرش ما نقص بالذبح ولو ترتبا
وأحدهما مزمن والآخر مذفف في غير المذبح ولم يعرف السابق فالمذهب الذي قطع به الجمهور أن
الصيد حرام لاحتمال تقدم الأزمان فلا يحل بعده الا بقطع الحلقوم والمرئ وقيل قولان كمسألة الايماء
السابقة ووجه الشبه اجتماع المبيح والمحرم والفرق على المذهب أنه سبق هناك جرح يحال عليه فان
ادعى كل واحد أنه أزمنه أولا وأن الآخر أفسده فالصيد حرام ولكل واحد تحليف الآخر فان
حلفا فلا شئ لأحدهما على الآخر وان حلف أحدهما لزم الثاني كل قيمته مزمنا ولو قال الجارح أولا أزمنته
أنا ثم أفسدته أنت بقتلك فعليك القيمة وقال الثاني لم تزمنه أنت بل كان على امتناعه إلى أن رميته
فأزمنته أو ذففته فان اتفقا على غير جراحة الأول وعلمنا أنه لا يبقي امتناع معها ككسر (1)

(1) كذا بالأصل فحرر.
138

وكسر رجل الممتنع بالعدو فالقول قول الأول بلا يمين والا فالقول قول الثاني لان الأصل بقاء الامتناع فان
حلف فالصيد له ولا شئ على الأول وان نكل حلف الأول واستحق قيمته مجروحا الجراحة الأولى
ولا يحل الصيد لأنه ميتة برغمه وهل للثاني أكله فيه وجهان (قال) القاضي أبو الطيب لا لان إلزامه
القيمة حكم بكونه ميتة وقال غيره له أكله لان النكول في خصومة الآدمي لا تغير الحكم فيما بينه
وبين الله تعالى * ولو علمنا أن الجراحة المذففة سابقة على التي لو انفردت لكانت مزمنة فالصيد حلال
فان قال كل واحد أنا ذففته فلكل واحد تحليف الآخر فان حلفا كان بينهما وان حلف أحدهما
كان له وعلى الآخر ضمان ما نقص *
(فرع) قال الشافعي رحمه الله تعالى في المختصر لو رماه الأول والثاني ووجدناه ميتا ولم
يدر أجعله الأول ممتنعا أم لا جعلناه بينهما نصفين وقال في الام حل أكله وكان بينهما نصفين
واعترض عليه فقيل ينبغي أن يحرم هذا الصيد لاجتماع ما يقتضى الإباحة والتحريم والأصل التحريم
وعلى تقدير الحل ينبغي أن لا يكون بينهما بل يكون لمن أثبته منهما واختلف الأصحاب في الجواب
عن هذين الاعتراضين على ثلاثة أوجه (أحدها) ترك ظاهر كلام الشافعي وتسليم ما قاله المعترض
وتأويل كلام الشافعي (وأما) قوله إنه يحل أكله فأراد به إذا عقره أحدهما فأثبته ثم أصاب
الثاني محل الذكاة فقطع الحلقوم والمرئ أو أثبتاه ولم يصر في حكم الممتنع ثم أدركه أحدهما فذكاه
فيحل أكله (واما) قوله إنه بينهما فأراد إذا كانت يدهما عليه ولا يعلم مستحقه منهما فيقسم بينهما
(فأما) إذ وجداه ميتا من الجراحتين فلا يحل اكله فان اتفقا على أن الثاني هو القاتل كان عليه
القيمة وان اختلفا فيه حلف كل واحد منهما لصاحبه كما سبق قال أصحابنا. ولا يمتنع التصوير فيما
ذكرناه فقد يجعل الشئ لاثنين وإن كنا نعلمه في الباطن لأحدهما كمن مات عن اثنين مسلم ونصراني
ادعى كل واحد أن أباه مات على دينه (والوجه) الثاني ترك ظاهر كلام الشافعي أيضا وتأويله على أن
مراده صيد ممتنع برجله وجناحه كالحجل فأصاب أحدهما رجله فكسرها وأصاب الآخر جناحه
139

ففيه وجهان (أحدهما) أنه بينهما لان امتناعه حصل بفعلها (وأصحهما) أنه للثاني لأنه كان ممتنعا بعد
إصابة الأول وإنما زال امتناعه بإصابة الثاني فكان له * فان قلنا بينهما فالمسألة مفروضة فيه (وان قلنا)
هو للثاني لم يعلم الثاني منهما ويدهما عليه فكان بينهما * (والوجه الثالث) وهو قول أبى اسحق المروزي
أن النص على ظاهره فان أزمناه ومات الصيد ولم يدر هل أثبته الأول أم لا فالأصل بقاؤه على امتناعه
إلى أن عقره الثاني فيكون عقره ذكاة ويكون بينهما لاحتمال الاثبات من كليهما ولا مزية
لأحدهما قال صاحب البيان فان قيل قد قلتم الأصل بقاؤه على الامتناع إلى أن رماه الثاني فكيف
لم تزل يد الأول (قلنا) هذا لا يزال به حكم اليد ولهذا لو كان في يده شئ يدعيه حكم له بذلك
وإن كان الأصل عدم الملك فدل على أن اليد أقوى من حكم الأصل ومن أصحابنا من قال في حل
هذا الصيد قولان كمسألة الايماء السابقة والله سبحانه أعلم * (الحال الرابع) إذا تربت الجرحان
وحصل الأزمان بهما وكل واحد لو انفرد لم يزمن فوجهان (أصحهما) عند الجمهور أن الصيد للثاني
(والثاني) أنه بينهما ورجحه إمام الحرمين والغزالي (فان قلنا) إنه للثاني أو كان الجرح الثاني
مزمنا لو انفرد فلا شئ على الأول بسبب جرحه فلو عاد الأول بعد أزمان الثاني وجرحه جراحة أخرى
نظر ان أصاب المذبح فهو حلال وعليه للثاني ما نقص من قيمته بالذبح والا فالصيد حرام
وعليه إن ذفف قيمته مجروحا بجراحته الأولى وجراحة الثاني وكذا إن لم يذفف ولم يتمكن الثاني
من ذبحه فان تمكن وترك الذبح عاد الخلاف السابق فعلى أحد الوجهين ليس على الأول إلا أرش
الجراحة الثانية لتقصير المالك وعلى أصحهما لا يقصد بالضمان عليه وعلى هذا فوجهان (أحدهما) يلزمه
نصف القيمة وخرجه جماعه على الخلاف فيمن جرح عبدا مرتدا فأسلم ثم جرحه سيده ثم عاد الأول وجرحه ثانيا ومات منهما وفيما يلزمه وجهان (أحدهما) ثلث القيمة (والثاني) ربعها قاله القفال
فعلى هذا هنا ربع القيمة وعن صاحب التقريب أنه يعود في التوزيع الأوجه الستة السابقة واختار
الغزالي وجوب تمام القيمة والمذهب التوزيع كما سبق والله تعالى أعلم *
140

(فرع) الاعتبار في الترتيب والمفسد بالإصابة لا يبدأ الرمي والله أعلم *
(فرع) لو أقام رجلان كل واحد منهما بينة أنه اصطاد هذا الصيد ففيه القولان في تعارض
البينتين (أصحهما) سقوطها ويرجع إلى قول من هو في يده *
(فرع) لو كان في يده صيد فقال آخر أنا اصطدته فقال صاحب اليد لا علم لي بذلك قال
ابن كج لا نقنع منه بهذا الجواب بل يدعيه لنفسه أو ليسلمه إلى مدعيه *
(فرع) قال ابن المنذر لو أرسل جماعة كلابهم على صيد فأدركه المرسلون قتيلا وادعى كل
واحد أن كلبه القاتل قال أبو ثور ان مات الصيد بينهم فهو حلال فإذا اختلفوا فيه وكانت الكلاب
متعلقه به فهو بينها وإن كان مع أحد الكلاب فهو لصاحب هذا الكلب وإن كان قتيلا والكلاب
ناحبة أقرع بينهم وأعطى كل واحد حصته بالقرعة وقال غير أبي ثور لا تجئ القرعة بل يوقف بينهم
حتى يصطلحوا فان خيف فساده بيع ووقف الثمن بينهم حتى يصطلحوا هذا كلام ابن المنذر *
* قال المصنف رحمه الله *
(ومن ملك صيدا ثم خلاه ففيه وجهان (أحدهما) يزول ملكه كما لو ملك عبدا ثم أعتقه
(والثاني) لا يزول ملكه كما لو ملك بهيمة ثم سيبها وبالله التوفيق) *
(الشرح) قال أصحابنا إذا ملك صيدا ثم أفلت منه لم يزل ملكه عنه بلا خلاف ومن
أخذه لزمه رده إليه وسواء كان يدور في البلد وحوله أو التحق بالوحوش ولا خلاف في شئ من
هذا ولو أرسله مالكه وخلاه ليرجع صيدا كما كان فهل يزول ملكه عنه فيه وجهان مشهوران ذكرهما
المصنف بدليلهما (أصحهما) باتفاق الأصحاب لا يزول وهو المنصوص كما لو أرسل بهيمة إلا (1)
ونوى إزالة ملكه عنها فإنه لا يزول بلا خلاف ولأنه يشبه سوائب الجاهلية وقد قال الله تعالى
(ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) وفى المسألة وجه ثالث وهو قول أبى على الطبري
في الافصاح وحكاه الأصحاب عنه أنه ان قصد بارساله التقرب إلى الله تعالى زال ملكه والا فلا

(1) كذا بالأصل فحرر.
141

والمذهب المنصوص أنه لا يزول مطلقا * قال أصحابنا (فان قلنا) يزول عاد مباحا فمن صاده ملكه (وان قلنا)
لا يزول لم يغيره أن يصيده إذا عرفه فان قال عند إرساله أبحته لمن أخذه حصلت الإباحة ولا ضمان
على من أكله لكن لا ينفذ تصرف الآخذ فيه ببيع ونحوه وإذا قلنا بالوجه الثالث فأرسله تقربا إلى
الله تعالى فهل يحل اصطياده فيه وجهان (أحدهما) لا كالعبد المعتق (وأصحهما) نعم لأنه رجع للإباحة
ولئلا يصير في معنى سوائب الجاهلية والله تعالى أعلم *
(فرع) لو ألقى كسرة خبز معرضا عنها فهل يملكها من أخذها فيه وجهان حكاهما
إمام الحرمين وغيره قالوا وهما مرتبان على إرسال الصيد وأولى بان لا تملك بل تبقى على ملك الملقي
لان سبب الملك في الصيد اليد وقد أزالها ورده إلى الإباحة قال إمام الحرمين هذا الخلاف في زوال
الملك وأما الإباحة فحاصلها لمن أراد أكلها على ظاهر المذهب لان القرائن الظاهرة كافية في الإباحة
هذا لفظ الامام * قال الرافعي ويوضحه ما نقل عن الصالحي من التقاط السنابل هذا كلام الرافعي
(قلت) الأصح الذي قطع به المصنف في التفسير وغيره من الأصحاب أنه يملك ما تركه الوارث
إعراضا كالكسرة وغيرها من الطعام والسنابل وأما الذي يصيبه في شئ ونحو ذلك ويصح
تمرق الاخذ فيه بالتتبع وغيره هذا ظاهر قول السلف ولم ينقل أنهم منعوا لتصرف في شئ من
ذلك والله أعلم *
(فرع) قد سبق في باب آخريات الأطعمة أن الثمار الساقطة من الأشجار إن كانت داخل الجدار
لم تحل وإن كانت خارجه فكذلك إن لم تجر عاداتهم بإباحتها فان جرت بذلك فهل تجرى العادة
المطردة مجرى الإباحة فيه وجهان (أصحهما) تجرى وسبق هناك حكم الاكل من مال صديقه ومن
مال الأجنبي وثماره وزرعه والله أعلم * ولو أعرض عن جلد ميتة فأخذه غيره فدبغه ملكه على
المذهب لأنه لم يكن مملوكا للأول وإنما كان له اختصاص فضعف بالاعراض ولو أعرض عن خمر
فأخذها غيره فتخللت عنده ففيه تفصيل وخلاف سنذكره في آخر كتاب الغصب حيث ذكره
142

المصنف إن شاء الله تعالى *
(فرع) لو صاد صيدا عليه أثر مالك بأن كان مرسوما. أو مقرظا أو مخضوبا أو مقصوص
الجناح لم يملكه الصائد بل هو لقطة لأنه يدل على أنه كان مملوكا فأفلت ولا ينظر إلى احتمال أنه
صاده محرم ففعل به ذلك ثم أرسله لأنه تقدير بعيد وهذا كله لا خلاف فيه *
(فرع) لو صاد سمكة فوجد في جوفها درة مثقوبة لم تملك الدرة بل تكون لقطة وإن كانت غير مثقوبة
فهي له مع السمكة ولو اشترى سمكة فوجد في جوفها درة غير مثقوبة فهي للمشترى وإن كانت
مثقوبة فهي للبائع ان ادعاها كذا ذكر المسألة البغوي قال الرافعي يشبه أن يقال الدرة للصائد كالكنز
الموجود في الأرض يكون لمحييها *
(فصل) إذا تحول بعض حمام إلى برج غيره قال أصحابنا إن كان المتحول ملكا للأول
لم يزل ملكه عنه ويلزم الثاني رده فان حصل بينهما بيض أو فرخ فهو تبع للأنثى دون الذكر وان
ادعى تحول حمامه إلى برج غيره لم يصدق إلا ببينة والورع أن يصدقه الا أن يعلم كذبه فإن كان المتحول مباحا دخل برج الأول ثم تحول إلى الثاني فعلى الخلاف السابق في دخول الصيد ملكه
(فان قلنا) بالأصح أنه لا يملكه (والثاني) أن يملكه ومن دخل برج حمام وشك هل هو مباح
أو مملوك فهو أولى به وله التصرف فيه لأن الظاهر أنه مباح وان تحقق أنه اختلط بملكه ملك غيره
وعسر التمييز فقد قال البغوي لو اختلطت حمامة واحدة بحماماته فله ان يأكل بالاجتهاد واحدة
واحدة حتى تبقى واحدة كما لو اختلطت ثمرة الغير بثمره والذي حكاه الروياني أنه ليس له أن يأكل
واحدة منها حتى يصالح ذلك الغير أو يقاسمه قال ولهذا قال بعض مشايخنا ينبغي للورع أن يتجنب
طير البروج وأن يجتنب بناءها ونقل الامام وغيره أنه ليس لواحد منهما التصرف في شئ منها
ببيع أو هبة لثالث لأنه لا يتحقق الملك ولو باع أحدهما أو وهب للآخر صح على أصح الوجهين
وتحتمل الجهالة للضرورة ولو باع الحمام المختلط كله أو بعضه لثالث ولا يعلم واحد منهما عين ماله فان
143

كانت الاعداد معلومة كمائتين ومائة والقيمة متساوية ووزعا الثمن على أعدادها صح البيع باتفاق
الأصحاب وان جهلا العدد لم يصح البيع لأنه لا يعلم كل واحد حصته من الثمن فالطريق أن يقول
كل واحد بعتك الحمام الذي في هذا البرج بكذا فيكون الثمن معلوما ويحتمل الجهل في المبيع للضرورة
قال الغزالي في الوسيط لو تصالحا على شئ صح البيع واحتمل الجهل بقدر المبيع * ويقرب من هذا
ما أطلقه الأصحاب من مقاسمتهما قال أصحابنا وقد يجوز للضرورة المسامحة ببعض الشروط المعتبرة في
حال الاختيار كالكافر إذا أسلم على أكثر من أربعة نسوة ومات قبل الاختيار فإنه يصح اصطلاحهن
على القسمة بالتساوي وبالتفاوت مع الجهل بالاستحقاق فيجوز أن تصح القسمة أيضا بحسب تراضيهما
ويجوز أن يقال إذا قال كل واحد بعت مالي من حمام هذا البرج بكذا والاعداد مجهولة يصح أيضا
مع الجهل بما يستحقه كل واحد منهما والمقصود أن ينفصل الامر بحسب ما يتراضيان عليه ولو باع أحدهما
جميع حمام البرج باذن الآخر فيكون أصلا في البعض ووكيلا في البعض جاز ثم يقتسمان الثمن *
(فرع) لو اختلطت حمامة مملوكة أو حمامات بحمامات مباحة محصورة لم يجز الاصطياد منها ولو اختلطت بحمام
ناحية جاز الاصطياد في الناحية ولا يتغير حكم ما لا يحصر في العادة باختلاط ما ينحصر به ولو اختلطت حمام أبراج
مملوكة لا تكاد تحصر بحمام بلدة أخرى مباحة ففي جواز الاصطياد منها وجهان (أصحهما) الجواز واليه مال معظم
الأصحاب ومن أهم ما يجب معرفة ضبطه العدد المحصور فإنه يتكرر في أبواب الفقه وقل من ينبه
عليه * قال الغزالي في الاحياء في كتاب الحلال والحرام تحديد هذا غير ممكن فإنما يضبط بالتقريب قال
فكل عدد لو اجتمع في صعيد واحد يعسر على الناظر عدهم بمجرد النظر كالألف ونحوه فهو غير محصور
وما سهل كالعشرة والعشرين فهو محصور وبين الطرفين أوساط متشابهة تلحق بأحد الطرفين بالظن
وما وقع فيه الشك استفتى فيه القلب والله تعالى أعلم *
(فرع) إذا انصبت حنطته على حنطة غيره أو انصب مائعه في مائعه وجهلا قدرهما فحكمه
ما سبق في الحمام المختلط *
144

(فرع) ولو اختلط درهم حرام أو دراهم بدراهمه ولم يتميز أو دهن بدهن أو غيره من المائعات
ونحو ذلك قال الغزالي في الاحياء وغيره من أصحابنا طريقه أن يفصل قدر الحرام فيصرفه إلى الجهة
التي يجب صرفه فيها ويبقى الباقي له يتصرف فيه بما أراد والله تعالى أعلم * ومن هذا الباب ما إذا
اختلطت دراهم أو حنطة ونحوها لجماعة أو غصب منهم وخلطت ولم تتميز فطريقه أن يقسم الجميع
بينهم على قدر حقوقهم (وأما) ما يقوله العوام اختلاط الحلال بالحرام يحرمه فباطل لا أصل له وسيأتي بسط
المسألة بأدلتها في كتاب الغصب إن شاء الله تعالى والله سبحانه أعلم *
(كتاب البيوع)
* قال المصنف رحمه الله *
(البيع جائز والأصل فيه قوله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا) وقوله تعالى (يا أيها الذين
آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) *
(الشرح) قوله تعالي (إلا أن تكون تجارة) هو استثناء منقطع أي لكن لكم أكلها بتجارة
عن تراض منكم قال العلماء خص الله سبحانه وتعالى الاكل بالنهي تنبيها على غيره لكونه معظم المقصود
من المال كما قال تعالى (ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) وقوله تعالى (الذين يأكلون الربا) وأجمعت الأمة
على أن التصرف في المال بالباطل حرام سواء كان أكلا أو بيعا أو هبة أو غير ذلك وقوله تعالى (بالباطل) قال ابن
عباس وغيره (إلا بحقها) قال أهل المعاني الباطل اسم جامع لكل ما لا يحل في الشرع كالربا والغصب
والسرقة
والخيانة وكل محرم ورد الشرع به قال الواحدي أجمعوا على أن هذا الاستثناء منقطع وقوله تعالى
(إلا أن تكون تجارة) فيها قراء تأن الرفع والنصب فمن رفع جعل كان تامة الا أن تقع تجارة ومن
نصب قال تقديره الا أن يكون المأكول تجارة أو الا أن تكون الأموال أموال تجارة فحذف المضاف
قال الواحدي والأجود الرفع لأنه أدل على انقطاع الاستثناء ولأنه لا يحتاج إلى اضمار وأما صاحب الحاوي
فبسط تفسير الآية في الحاوي فقال قوله تعالى (أموالكم) فيه تأويلان (أحدهما) المراد مال كل
145

انسان في نفسه أي لا يصرفه في المحرمات (والثاني) معناه لا يأخذ بعضكم مال بعض كما قال تعالى
(لا تقتلوا أنفسكم) (وقوله) بالباطل قيل معناه الصرف في المحرمات وقيل النهب والغارات (والثالث)
التجارات الفاسدة ونحوها والمختار ما قدمنا عن ابن عباس وأهل المعاني والله تعالى أعلم * وأما قوله تعالى
(وأحل الله البيع وحرم الربا) فقد ذكر الشافعي رحمه الله في كتاب الام تفسيرها مستوفي مع اختصار
وشرحه صاحب الحاوي فقال قال الشافعي ومعنى الآية أربعة أقوال (أحدها) أنها عامة فان لفظها لفظ
عموم يتناول كل بيع ويقتضي إباحة جميعها الا ما خصه الدليل وهذا القول أصحها عند الشافعي
وأصحابنا قال في الام هذا أظهر معاني الآية قال صاحب الحاوي والدليل لهذا القول أن النبي صلى
الله عليه وسلم نهى عن بيوع كانوا يعتادونها ولم يبين الجائز فدل على أن الآية الكريمة تناولت إباحة
جميع البيوع الا ما خص منها وبين صلى الله عليه وسلم المخصوص قال فعلى هذا في العموم قولان (أحدهما)
أنه عموم أريد به العموم وان دخله التخصيص (والثاني) أنه عموم أريد به الخصوص قال والفرق
بينهما من وجهين (أحدهما) أن العموم المطلق الذي يراد به العموم وهو ما يجرى على عمومه وان دخله
تخصيص كان الخارج منه بالتخصيص أقل مما بقي على العموم (والوجه الثاني) أن البيان فيما أريد به
الخصوص مقدم على اللفظ وفيما أريد به العموم متأخر عن اللفظ أو مقترن به قال وعلى القولين جميعا
يجوز الاستدلال بهذه الآية الكريمة في المسائل المختلف فيها ما لم يقم دليل تخصيص واخراجها من
العموم (والقول الثاني) من الأقوال الأربعة أنها مجملة لا يعقل منها صحة بيع من فساده إلا ببيان النبي
صلى الله عليه وسلم ودليله أن في البياعات الجائز وغيره وبين في الآية ما يميز هذا من ذاك فاقتضت
كونها مجملة فعلى هذا هل هي مجملة بنفسها أم بعارض فيه وجهان لأصحابنا (أحدهما) أنها مجملة
بنفسها لان قوله تعالى (وأحل الله البيع) يقتضى جواز البيع متفاضلا وقوله تعالى (وحرم الربا)
يقتضى تحريم بيع الربوي متفاضلا فصار آخرها معارضا لأولها فحصل الاجمال فيها بنفسها (والثاني)
أنها مجملة بغيرها لأنها جواز كل بيع من غرر ومعدوم وغيرهما وقد وردت السنة بالنهي عن بيع الغرر
وبيع الملامسة وغيرهما فوقع الاجمال فيها بغيرها قال ثم اختلف أصحابنا في الاجمال على وجهين (أحدهما)
146

أن الاجمال وقع في المعني المراد به دون صيغة لفظها لان لفظ البيع اسم لغوي لم يرد من طريق الشرع
ومعناه معقول لكن لما قام بإزائه من الشبه ما يعارضه بدافع العمومان وحدهما ولم يتعين المراد منهما
إلا ببيان الشبه فصارا مجملين لهذا المعني لان هذا اللفظ مشكل المعنى * (والثاني) أن اللفظ محتمل
والمعنى المراد منه مشكل لأنه لما لم يكن المراد من اللفظ ما وقع عليه الاسم وتبينا أن له شرائط لم تكن
معقولة في اللغة خرج اللفظ بالشرائط عن موضوعه فاللغة إلى ما استقرت عليه شرائط الشرع وإن كان
له في اللغة معان معقولة كما قلنا في الصلاة إنها مجملة لأنها متضمنة شرائط لم تكن معقولة في
اللغة كالخضوع فكذلك البيع قال الماوردي وعلى الوجهين جميعا لا يجوز الاستدلال بها على صحة بيع ولا فساده
وان دلت على صحة البيع من أصله قال وهذا هو الفرق بين العموم والمجمل حيث جاز الاستدلال بظاهر العموم ولم
يجز الاستدلال بظاهر المجمل والله أعلم (والقول الثالث) من الأربعة يتناولهما جميعا فيكون عموما دخله
التخصيص ومجملا لحقه التفسير لقيام الدلالة عليها قال الماوردي واختلف أصحابنا في وجه دخول ذلك فيهما على
ثلاثة أوجه (أحدها) أن العموم في اللفظ والاجمال في المعني فيكون اللفظ عاما مخصوصا والمعنى مجملا
لحقه التفسير (والثاني) أن العموم في قوله تعالى (وأحل الله البيع) والاجمال في قوله (وحرم الربا)
(والثالث) أنه كان مجملا فلما بينه النبي صلى الله عليه وسلم صار عاما فيكون داخلا في المجمل قبل
البيان وفى العموم بعد البيان قال فعلى هذا الوجه يجوز الاستدلال بظاهرها في البيوع المختلف فيها
كالقول الثاني (والقول الرابع) أنها تناولت بيعا معهودا ونزلت بعد أن أحل النبي صلى الله عليه وسلم بيوعا
وحرم بيوعا فقوله تعالى (وأحل الله البيع) أي البيع الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم من قبل
وعرفه المسلمون منه فتناولت الآية بيعا معهودا ولهذا دخلت الألف واللام لأنهما للعهد أو للجنس
ولا يكون الجنس هنا مراد الخروج بعضه عن التحليل فعلم أن المراد العهد فعلى هذا لا يجوز الاستدلال
بظاهرها على صحة بيع ولا فساده بل يرجع فيما اختلف فيه إلى الاستدلال بما تقدمها من السنة التي
عرف بها البيوع الصحيحة فيحصل الفرق بينها وبين المجمل من وجه وبينها وبين العموم من
147

وجهين (فاما) الوجه الواحد فهو أن بيان النبي صلى الله عليه وسلم للبيوع كان قبل نزولها وبيان المجمل
يكون مقترنا للفظ أو متأخرا عنه على مذهب من يجوز تأخير البيان * وأما الوجهان (فأحدهما) ما سبق
من تقديم البيان في المعهود واقرار بيان التخصيص بالعموم (والثاني) جواز الاستدلال بظاهر العموم
دون الظاهر المعهود * هذا آخر كلام الماوردي وذكر أصحابنا نحوه واتفقوا على نقل هذه الأقوال الأربعة
عن الشافعي واتفقوا على أن أصحها عند الشافعي أن الآية عامة تتناول كل بيع الا ما نهى
الشرع عنه والله أعلم *
(فرع) أما الحكم الذي ذكره المصنف وهو جواز البيع فهو مما تظاهرت عليه دلائل
الكتاب والسنة وإجماع الأمة وأجمعت الأمة على أن المبيع بيعا صحيحا يصير بعد انقضاء الخيار
ملكا للمشترى قال الغزالي في أول بيوع الوسيط أجمعت الأمة على أن البيع سبب لإفادة
الملك والله سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) قال أصحابنا وإذا انعقد البيع لم يتطرق إليه الفسخ إلا بأحد سبعة أسباب وهي
خيار المجلس وخيار الشرط وخيار العيب وخيار الحلف بأن كان شرطه كاتبا فخرج غير كاتب والإقالة
والتحالف وتلف المبيع وأما خيار الرؤية ففي بيع الغائب إذا جوزناه فهو ملتحق في المعنى بخيار الشرط
والله تعالى أعلم *
(فرع) قال ابن قتيبة وغيره يقال بعت الشئ بمعنى بعته وبمعنى شريته ويقال شريت
الشئ بمعنى شريته وبعته وأكثر الاستعمال بعته إذا أزلت الملك فيه بالمعاوضة واشتريته إذا تملكته بها قال
الأزهري العرب تقول بعت بمعني بعت ما كنت ملكته وبعت بمعنى اشتريت قال وكذلك شريت
بالمعنيين قال وكل واحد مبيع وبائع لان الثمن والمثمن كل منهما مبيع ويقال بعته أبيعه فهو مبيع
ومبيوع مخيط ومخيوط قال الخليل المحذوف من مبيع واو مفعول لأنها زائدة فهي أولى بالحذف وقال
الأخفش المحذوف عين الكلمة قال المازني كلاهما حسن وقول الأخفش أقيس والابتياع الاشتراء
وبايعته وتبايعنا واستبعته سألته أن يبيعني وأبعت الشئ عرضته للبيع وبيع الشئ - بكسر
148

الباء وضمها - والكسر أفصح وبوع - بضم الباء وبالواو - لغة فيه وكذلك القول في كيل وقيل وأما الشراء
ففيه لغتان مشهورتان (أفصحهما) المد (والثانية) القصر فمن مد كتبه بالألف والا فبالياء وجمعه أشرية وهو
جمع نادر ويقال شريت الشئ أشريته شريا إذا بعته وإذا اشتريته كما سبق فهو من الأضداد على
اصطلاح اللغويين ومن المشترك على اصطلاح الأصوليين قال الله تعالى (ومن الناس من يشري
نفسه) وقال تعالى (وشروه بثمن بخس) وأما حقيقة البيع في اللغة فهو مقابلة المال بالمال وفى الشرع
مقابلة المال بمال أو نحوه تمليكا *
(فرع) أركان البيع ثلاثة العاقدان والصيغة والمعقود عليه وشروط العاقد أن يكون بالغا عاقلا
مختارا بصيرا غير محجور عليه ويشترط إسلام المشترى إن كان المبيع عبدا مسلما أو مصفحا وعصمته
إن كان المبيع سلاحا وشروط المبيع خمسة أن يكون طاهرا منتفعا به معلوما ومقدورا على تسليمه مملوكا
لمن يقع العقد له ويدخل في الضابط أم الولد والمرهون والموقوف والمكلف والجاني إذا منعنا بيعهما والمنذور
اعتاقه وهذا الحد ناقص لأنه يرد عليه المجهول والمعجوز عن تسليمه وغير المملوك فالصواب الحد الأول
وهذه الشروط ستأتي مفصلة إن شاء الله تعالى في مواضعها *
(فرع) سبق في آخر باب الأطعمة الخلاف في أن أطيب المكاسب التجارة أم الزراعة
أم الصنعة *
(فصل) في الورع في البيع وغيره واجتناب الشبهات * قال الله تعالى (وتحسبونه هينا وهو
عند الله عظيم) وقال تعالى (ان ربك لبالمرصاد) وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ان الحلال بين وان الحرام بين وبينهما شبهات لا يعلمهن كثير من الناس
فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى
يوشك أن يرتع فيه الا وأن لكل ملك حمى الا وأن حمى الله محارمه الا وإن في الجسد مضغة إذا
صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) رواه البخاري ومسلم من
149

طرق كثيرة وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الاسلام وقد اختلف في عددها وقد جمعتها
في كتاب الأربعين وعن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة في الطريق فقال لولا أنى أخاف أن تكون
من الصدقة لأكلتها) رواه البخاري ومسلم وعن النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (البر
حسن الخلق والاثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس) رواه مسلم حاك - بالحاء المهملة
والكاف - أي تردد فيه * وعن وابصة بن مصدر رضي الله عنه قال (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جئت
تسأل عن البر قلت نعم قال استفت قلبك البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والاثم ما حاك في النفس
وتردد في الصدور وان أفتاك الناس وأفتوك) حديث حسن رواه أحمد بن حنبل والدارمي في مسنديهما * وعن
عقبة بن الحارث رضي الله عنه (انه تزوج امرأة لأبي اهاب بن عرير فأتته امرأة فقالت انى قد أرضعت عقبة
والتي تزوج بها فقال لها ما أعلم أنك أرضعتيني ولا أخبرتيني فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف وقد قيل ففارقها عقبة ونكحت زوجا غيره) رواه البخاري اهاب
- بكسر الهمزة وعرير بفتح العين وبراء مكررة - وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال (حفظت
من رسول الله صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح
معناه اترك ما تشك فيه وخذ ما لا تشك فيه * وعن عطية بن عروة السعدي الصحابي رضي الله عنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا باس به حذرا لما به
البأس) رواه الترمذي وقال هو حديث حسن قال البخاري وقال حسان بن أبي سنان (ما رأيت
شيئا أهون من الورع دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) وحسان هذا من تابعي التابعين روي عن
الحسن البصري *
(فصل) عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اجملوا في طلب
الدنيا فان كلا ميسر لما كتب له منها) رواه البيهقي باسناد صحيح ورواه ابن ماجة باسناد ضعيف
150

وعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تستبطئوا الرزق فإنه لم يكن
عبد يموت حتى يبلغه بآخر رزق هو له فاتقوا الله وأجملوا في الطلب من الحلال وترك الحرام) رواه
ابن ماجة والبيهقي *
(فصل) في النهى عن اليمين في البيع * عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للربح: وفى رواية: للبر وفى رواية للكسب)
رواه البخاري ومسلم وعن أبي قتادة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله وسلم يقول
(إياكم وكثرة الحلف فإنه ينفق ثم يمحق) رواه مسلم وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم
فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قال أبو ذر خابوا وخسروا من هم يا رسول الله قال
المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) رواه مسلم *
(فصل) عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه قال (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال يا معشر التجار فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا الا من اتقى الله وبر وصدق)
رواه الترمذي وقال هو حديث حسن صحيح * وعن قيس بن أبي غررة بغين - معجمة ثم راء ثم راء مفتوحات
الصحابي رضي الله عنه قال " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نسمي السماسرة فقال
151

يا معشر التجار ان الشيطان والاثم يحضران البيع فثوبوا بيعكم بالصدقة) رواه الترمذي وقال
حديث حسن صحيح * وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (التاجر الصدوق الأمين
مع النبيين والصديقين والشهداء) رواه الترمذي وقال حديث حسن *
(فصل) في التبكير في طلب المعيشة * عن صخر الغامدي الصحابي رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم بارك لامتي في بكورها) وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم
أول النهار وكان صخر رجلا تاجرا وكان إذا بعث تجارة بعثهم أول النهار فأثرى وكثر ماله) رواه
أبو داود والترمذي وقال حديث حسن *
(فصل) في استحباب السماحة في البيع والشري والتقاضي والاقتضاء وارجاح المكيال والميزان *
قال الله تعالى (وما تفعلوا من خير فان الله به عليم) وقال تعالى (يا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط
ولا تبخسوا الناس أشياءهم) وقال تعالى (ويل للمطففين) الآية * وعن جابر رضي الله عنه أن رسول
152

الله صلى الله عليه وسلم قال (رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى) رواه البخاري
وعن جابر (قال اشترى منى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا فوزن لي وأرجح) رواه البخاري
ومسلم * وعن سويد بن قيس قال (جلبت أنا ومخرمة العبدي برا من هجر فجاءنا النبي صلى الله عليه
وسلم فسامنا بسراويل وعندي وزان يزن بالاجر فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان زن وأرجح)
رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح * وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اسمح
يسمح لك) رواه ابن أبي عاصم *
(فصل) عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم
يتفرقا فان صدقا وبينا بورك لها في بيعها وان كتما وكذبا محقت بركة بيعهما) رواه البخاري ومسلم
وعن جرير بن عبد الله قال (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل
مسلم) رواه البخاري ومسلم * وعن تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الدين النصيحة
قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم * وعن أنس رضي الله عنه قال
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) رواه البخاري ومسلم *
(فصل) عن أنس رضي الله عنه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصاب من شئ فليلزمه)
رواه ابن ماجة باسناد جيد * وعن نافع مولى ابن عمر قال (كنت أجهز إلى الشام والى مصر فجهزت
إلى العراق فاتيت عائشة رضي الله عنها فقلت يا أم المؤمنين كنت أجهز إلى الشام فجهزت إلى
العراق فقالت لا تفعل مالك منزل فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سبب الله لاحد رزقا من
وجه فلا يدعه حتى يتغير له أو يتنكر) رواه ابن ماجة باسناد فيه ضعف *
(فصل) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أحب البلاد إلى الله مساجدها
وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) رواه مسلم * وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه من قوله (لا تكونن ان
استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته)
153

رواه مسلم هكذا موقوفا على سلمان ورواه الزقاني في صحيحه عن سلمان قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فيها باض الشيطان وفرخ) قال الماوردي
وغيره الذم لمن أكثر ملازمة السوق وصرف أكثر الأوقات إليها والاشتغال بها عن العبادة وهذا
كما قالوه لثبوت الأحاديث في دخول النبي صلى الله عليه وسلم الأسواق مع نص القرآن قال الله
تعالى (وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) وقال تعالى (وما أرسلنا قبلك
من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال
(خرج النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة النهار لا يكلمني ولا أكلمه حتى جاء سوق بني قينقاع ثم
انصرف) رواه البخاري ومسلم قينقاع قبيلة من اليهود - بفتح القاف الأولى وضم النون وفتحها
وكسرها - وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في السوق فقال رجل يا أبا القاسم فالتفت إليه وذكر
تمام الحديث) رواه البخاري وعن بريدة قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل السوق
قال بسم الله اللهم إني أسألك خير هذه السوق وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها اللهم
إني أعوذ بك أن أصيب فيها يمينا فاجرة أو صفقة خاسرة) رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين *
(فصل) سبق في مقدمة هذا الشرح أن من أراد التجارة لزمه أن يتعلم أحكامها فيتعلم
شروطها وصحيح العقود من فاسدها وسائر أحكامها وبالله التوفيق *
(فصل) مذهبنا أن الاشهاد على عقد البيع والإجارة وسائر العقود غير النكاح والرجعة
مستحب وليس بواجب وقد صرح المصنف بهذا اللفظ بحروفه في أول كتاب الشهادات واستدل
المصنف وغيره للاستحباب بقوله تعالى (وأشهد وإذا تبايعتم) هذا مذهبنا قال ابن المنذر وبه قال
أبو أيوب الأنصاري وأبو سعيد الخدري والشعبي والحسن وأصحاب الرأي وأحمد واسحق وبهذا قال
جمهور الأمة من السلف والخلف قال ابن المنذر وقالت طائفة يجب الاشهاد على البيع وهو فرض
لازم يعصى بتركه قال روينا هذا عن ابن عباس قال وكان ابن عمر إذا باع بنقد أشهد ولم يكتب
154

قال وروينا عن مجاهد قال ثلاثة لا يستجاب لهم دعوة رجل باع بنقد (1) قال وروينا
نحو هذا عن أبي بردة بن أبي موسى وأبي سليمان المرعشي واحتجوا بقوله تعالى (واشهد وإذا تبايعتم)
واحتج الجمهور بالأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم باع واشترى ولم ينقل الاشهاد في
ذلك وكذلك الصحابة في زمنه وبعده وحملوا الآية الكريمة على الاستحباب لما ذكرناه والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
* (ويصح البيع من كل بالغ عاقل مختار فاما الصبي والمجنون فلا يصح بيعهما لقوله صلى الله
عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق)
ولأنه تصرف في المال فلم يفوض إلى الصبي والمجنون كحفظ المال) *
(الشرح) هذا الحديث صحيح من رواية على وعائشة رضي الله عنهما سبق بيانه في أول
كتاب الصلاة وأول كتابي الزكاة والصوم وقوله تصرف في المال احتراز من اختيار الصبي أحد الأبوين
وهو مميز ومن عباداته وحمله الهدية ومن وطئ الصبي والمجنون امرأتيهما وأما قياسه على حفظ المال فلانه مجمع
عليه ومنصوص عليه في قوله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغ النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا
إليهم أموالهم) وأما قول المصنف يصح البيع من كل عاقل بالغ مختار فمما ينكر عليه لأنه يدخل فيه
الأعمى وقد ذكر المصنف بعد هذا هو والأصحاب أن المذهب الصحيح أنه لا يصح بيعه ولا شراؤه
ويدخل أيضا المحجور عليه بالسفه وهو لا يصح بيعه فكان ينبغي أن يزيد بصيرا غير محجور عليه كما ذكرناه
في الفرع السابق قريبا وذكرنا هناك أنه يشترط أيضا إسلام المشترى إن اشترى عبدا مسلما أو مصحفا والله
أعلم * وأما المجنون فلا يصح بيعه بالاجماع وكذلك المغمى عليه (وأما) السكران فالمذهب صحة بيعه وشرائه وسائر
عقوده التي تضره والتي تنفعه (والثاني) لا يصح شئ منها (والثالث) يصح ما عليه دون ماله فعلى هذا يصح بيعه
وهبته دون ايهابه وتصح ردته دون إسلامه وقد ذكر المصنف هذه الأوجه في أول كتاب الطلاق وهناك نوضحها
بفروعها إن شاء الله تعالى (وأما) الصبي فلا يصح بيعه ولا شراؤه ولا إجارته وسائر عقوده لا لنفسه ولا لغيره سواء

(1) بياض بالأصل.
155

باع بغبن أو بغبطة وسواء كان مميزا أو غيره وسواء بإذن الولي أو بغير إذنه وسواء بيع الاختبار
وغيره وبيع الاختبار هو الذي يمتحن الولي به ليستبين رشده عند مناهزة الاحتلام ولكن طريق
الولي أن يفوض إليه الاستلام وتدبير العقد فإذا انتهى الامر إلى العقد أتى به الولي ولا خلاف في شئ
مما ذكرته عندنا الا في بيع الاختبار فان فيه وجها شاذا ضعيفا حكاه إمام الحرمين وآخرون من
الخراسانيين أنه يصح والمذهب بطلانه والله أعلم * واستدل المصنف وغيره بهذا الحديث ووجه الدلالة
منه أنه لو صح البيع لزم منه وجوب التسليم على الصبي وقد صرح الحديث بان الصبي لا يجب عليه
شئ وقيل وجه الدلالة منه أن مقتضى الحديث اسقاط أقواله وأفعاله والله تعالى أعلم *
(فرع) قال الفقهاء إذا اشترى الصبي شيئا وسلم إليه فتلف في يده أو أتلفه فلا ضمان
عليه لا في الحال ولا بعد البلوغ وكذا لو اقترض مالا لان المالك هو المضيع بالتسليم إليه وما دامت العين
باقية فللمالك الاسترداد وان قبضها الولي من الصبي دخلت في ضمان الولي ولو سلم الصبي إلى البائع ثمن
ما اشتراه لم يصح تسليمه ويلزم البائع رده إلى الولي ويلزم الولي طلبه واسترداده قال أصحابنا فان رده
إلى الصبي لم يبرأ من الضمان قال أصحابنا وهذا كما لو سلم الصبي درهما إلى صراف لينقده أو سلم
متاعا إلى مقوم ليقومه فإذا قبضه من الصبي دخل في ضمان القابض ولم يجزله رده إلى الصبي بل يلزمه
أن يرده إلى وليه إن كان المال للصبي وإن كان لكامل لزمه رده إلى مالكه أو وكيله فيه قال أصحابنا ولو
أمره ولى الصبي بدفعه إلى الصبي فدفعه إليه سقط عنه الضمان إن كان المال للولي فإن كان للصبي لم
يسقط كما لو أمره بالقاء مال الصبي في بحر فألقاه فإنه يلزمه ضمانه قطعا *
(فرع) * لو تبايعا صبيان وتقابضا وأتلف كل واحد منهما ما قبضة قال أصحابنا إن جرى
ذلك باذن الوليين فالضمان عليهما والا فلا ضمان على الوليين ويجب في مال الصبيين الضمان لان تسليمهما لا يعد تسليطا وتضييعا بخلاف تسليم البالغ الرشيد والله سبحانه أعلم *
(فرع) قال أصحابنا لا يصح نكاح الصبي بنفسه ولا سائر تصرفاته لكن في تدبيره
156

ووصيته خلاف مذكور في موضعه والأصح بطلانهما أيضا وسواء في هذا كله أذن الولي أم لا لان
عبارته ملغاة فلا اثر لاذن الولي كما لو اذن لمجنون أما إذا فتح الصبي بابا وأخبر باذن أهل الدار في
الدخول أو أوصل هدية وأخبر عن اهداء مهديها فقال أصحابنا ان انضمت إلى ذلك قرائن تحصل
العلم بذلك جاز الدخول وقبول الهدية وهو في الحقيقة عمل بالعلم لا بمجرد قوله وان لم ينضم نظر إن كان
غير مأمون القول لم يجر اعتماد قوله بلا خلاف والا فطريقان (أصحهما) القطع بجواز الاعتماد
وبهذا قطع المصنف في التنبيه في باب الوكالة وآخرون من الأصحاب لاطباق المسلمين على فعل ذلك
في جميع الأعصار من غير إنكار ولحصول الظن بصدقه في العادة (والطريق الثاني) حكاه الامام والغزالي
وآخرون فيه وجهان كالوجهين في قبول روايته كما سنذكره قريبا إن شاء الله تعالى *
(فرع) إذا سمع الصبي المميز حديثا فهل يصح تحمله وتقبل روايته فيه ثلاثة أوجه (أحدها)
لا تقبل مطلقا لا قبل بلوغه ولا بعده لضعف ضبطه كما لا يصح بيعه وغيره (والثاني) تصح روايته قبل
البلوغ وبعده كما حكاه إمام الحرمين والغزالي وسائر الخراسانيين وجماعات من غيرهم لان الرواية مبنية
على المسامحة واحتمل فيها أشياء لا تحتمل في غيرها كاعتماده على خطه وكونها لا ترد بالتهمة وغير ذلك
من المسامحة (والثالث) أنها تقبل بعد البلوغ ولا تقبل قبله وهذا هو الصحيح بل هو الصواب
وما سواه باطل ومما يرد الأول اجماع الصحابة فمن بعدهم على قبول روايات صغار الصحابة ما تحملوه قبل
البلوغ ورووه بعده كابن عباس والحسن والحسين وابن الزبير وابن جعفر والنعمان بن بشير وخلائق
لا يحصون رضي الله عنهم أجمعين *
(فرع) قال أصحابنا كما لا تصح من الصبي تصرفاته القولية لا يصح قبضه في تلك التصرفات
فلو اتهب له الولي شيئا وقبله ثم قبضه الصبي باذن الواهب لم يصح قبضه ولا يحصل له الملك فيه بهذا
القبض ولو وهب لأجنبي وأذن الموهوب له للصبي أن يقبضه له وأذن له الواهب في القبض فقبضه لم
يصح بلا خلاف ولو قال مستحق الدين لمن هو عليه سلم حقي إلى هذا الصبي فسلم قدر حقه إلى
157

الصبي لم يبرأ من الدين بلا خلاف بل يكون ما سلمه باقيا على ملكه حتى لو ضاع ضاع على الدافع
ولا ضمان على الصبي لان الدافع ضيعه بتسليمه ويبقى الدين على حاله قال أصحابنا لان ما في الذمة
لا يتعين إلا بقبض صحيح ولا يزول الدين عن الذمة كما لو قال صاحب الدين للمدين الق حقي في البحر
فالقى قدر حقه لا يبرأ بلا خلاف وما يتلف من ضمان الملقى قال أصحابنا ولو قال مالك الوديعة للمودع
سلم وديعتي إلى هذا الصبي فسلم إليه خرج من العهدة لأنه امتثل أمره في حقه المعين كما لو قال القها في
البحر فألقاها فإنه لا ضمان بلا خلاف لأنه أذن في اتلافها قال أصحابنا فلو كانت الوديعة لصبي فسلمها
إلى الصبي ضمن سواء كان بإذن الولي أو بغير اذنه لأنه ليس للمودع تضييعها وان أذن له الولي
فيه هذا لا خلاف فيه والله أعلم * ونقل إمام الحرمين في النهاية هذا الفرع عن الأصحاب *
(فرع) في مذاهب العلماء في بيع الصبي المميز * قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يصح سواء
إذن له الولي أم لا وبه قال أبو ثور * وقال الثوري وأبو حنيفة وأحمد واسحق يصح بيعه وشراؤه بإذن وليه
* وعن أبي حنيفة رواية أنه يجوز بغير اذنه ويقف على إجازة الولي قال ابن المنذر وأجاز أحمد
واسحق بيعه وشراءه في الشئ اليسير يعنى بلا اذن * دليلنا ما ذكره المصنف *
* قال المصنف رحمه الله *
(فأما المكره فإن كان بغير حق لم يصح بيعه لقوله تعالى (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل
إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) فدل على أنه إذا لم يكن عن تراض لم يحل الاكل
وروي أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما البيع عن تراض) فدل على أنه
لا بيع عن غير تراض ولأنه قول أكره عليه بغير حق فلم يصح ككلمة الكفر إذا أكره عليها
المسلم وإن كان بحق صح لأنه قول حمل عليه بحق فصح ككلمة الاسلام إذا أكره عليها الحربي) *
(الشرح) حديث أبي سعيد هذا رواه البيهقي وهو حديث طويل وروى أبو سعيد
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لألقين الله من قبل أن أعطى أحدا من مال أحد شيئا بغير
158

طيب نفسه إنما البيع عن تراض) وقوله لأنه قول أكره عليه بغير حق احترز بالقول عن الفعل
بأن أكرهت على الارضاع أو أكره على الحدث فإنه يثبت حكمهما وكذا الاكراه على القتل على
أصح القولين واحترز بقوله بغير حق عن الاكراه بحق كاكراه الحربي على الاسلام واكراه من عليه
دين متمكن في البيع في أدائه * أما الأحكام فقال أصحابنا المكره على البيع إن كان اكراهه
بغير حق لم يصح بيعه بلا خلاف لما ذكره المصنف فإن كان بحق صح وصورة الاكراه بحق أن يكون
عليه دين ومعه متاع يمكنه بيعه فيه فيمتنع من بيعه بعد امتناع المالك من الوفاء والبيع قال القاضي
أبو الطيب في كتاب التفليس والأصحاب القاضي بالخيار إن شاء باع ماله بغير إذنه لوفاء الدين
وان شاء أكرهه على بيعه وعزره بالحبس وغيره حتى يبيعه والله أعلم *
(فرع) قال أصحابنا التصرفات القولية التي يكره عليها بغير حق باطلة سواء الردة والبيع
والإجارة وسائر المعاملات والنكاح والخلع والطلاق والاعتاق وغيرها (وأما) ما أكره عليه بحق
فهو صحيح قالوا فتحصل من هذا أن المرتد والحربي إذا أكرها على الاسلام صح اسلامهما لأنه
اكراه بحق وكذا المكره على البيع بحق يصح بيعه كما سبق (وأما) الذمي إذا أكره على الاسلام فهو
اكراه بغير حق لأنا شرطنا في الذمة أن نقره على دينه فإذا أكره فهل يصح اسلامه فيه طريقان
(أحدهما) لا يصح وجها واحدا وهو مقتضى كلام المصنف هنا وآخرون (والطريق الثاني) فيه
وجهان حكاهما امام الحرمين في كتاب الطلاق وفى كتاب الكفارات وحكاهما الغزالي في هذين
الموضعين لكنه حكاهما في الكفارات قولين وهو شاذ والمشهور أنهما وجهان (أصحهما) باتفاق
الأصحاب لا يصح قال امام الحرمين المصير إلى صحته مع أن اكراهه غير سائغ وان صح ما ذكرناه في
اكراه الحربي لكونه اكراها بحق لم يمكن ذلك في الذمي لان اكراهه ممنوع قال امام الحرمين إذا أكره
الحربي على الاسلام فنطق بالشهادتين تحت السيف حكم باسلامه اتفقت الطرق على هذا مع ما فيه
من الغموض من جهة المعنى لان كلمتي الشهادتين نازلتان في الاعراب عن الضمير منزلة الاقرار
159

والظاهر ممن يقولها تحت السيف أنه كاذب في أخباره والله تعالى أعلم * وأما المولى بعد مضى المدة
فإذا طلق باكراه القاضي له نفذ طلاقه لأنه إكراه بحق أو لأنه ليس بحقيقة إكراه فإنه لا يتعين
الطلاق بل يلزمه بالفيئة أو الطلاق قال صاحب التتمة وغيره هذا إذا أكرهه على طلقة واحدة فان
أكرهه على ثلاث طلقات فهو ظالم له فإذا تلفظ بها (فان قلنا) لا ينعزل القاضي بالفسق وقعت طلقة
ولغت الزيادة (وإن قلنا) ينعزل لم يقع شئ كما لو أكرهه غيره *
(فرع) قال الغزالي في كتاب الطلاق الاكراه يسقط أثر التصرفات عندنا الا في خمسة
مواضع (إحداها) الاسلام فيصح اسلام الحربي المكره ولا يصح اكراه الذمي على الأصح (الثاني)
الارضاع فإذا أكرهت عليه ثبت حكمه لأنه منوط بوصول اللبن إلى الجوف لا بالقصد (الثالث)
القتل فإذا أكره عليه لزمه القصاص على أصح القولين (الرابع) الزنا فإذا أكره الرجل عليه لزمه الحد
في أحد الوجهين ومأخذ الوجهين التردد في تصور الاكراه (الخامس) إذا علق الطلاق على دخول
الدار فأكره عليه وقع طلاقه في أحد القولين والأصح لا يقع وانه لا يحد المكره على الزنا قال
والاستثناء في التحقيق يرجع إلى الاسلام فحسب والى القتل على قول (وأما) ما عداه فسببه عدم
تصور الاكراه وعدم اشتراط القصد هذا آخر كلام الغزالي (وقوله) أنه إنما يستثنى هذه الخمسة يرد
عليه مسائل (منها) إذا أكره على الاكل في الصوم ففي فطره قولان سبقا في موضعهما الأصح لا يفطر
(ومنها) إذا أكره المصلى على الكلام فتكلم فقولان مشهوران (أحدهما) لا تبطل صلاته (وأصحهما)
تبطل وبه قطع البغوي وغيره وسبق بيانه في موضعه (ومنها) إذا أكره المصلى حتى فعل أفعالا
كثيرة بطلت صلاته قطعا (ومنها) لو أكره على التحول عن القبلة أو على ترك القيام في الفريضة
مع القدرة فصلى قاعد ألزمه الإعادة لأنه عذر نادر *
(فرع) المصادر من جهة السلطان وغيره ممن يظلمه بطلب مال وقهره على احضاره إذا باع
ماله ليدفعه إليه للضرورة والأذى الذي يناله هل يصح بيعه فيه وجهان مشهوران حكاهما امام
الحرمين والغزالي وآخرون وقد سبقا في باب الأطعمة في مسائل أكل المضطر مال الأجنبي (أحدهما)
160

لا يصح كالمكره (وأصحهما) يصح وبه قطع الشيخ إبراهيم المروذي لأنه لا إكراه على نفس
البيع ومقصود الظالم تحصيل المال من أي جهة كان والله تعالى أعلم *
(فرع) ذكرنا أن المكره بغير حق لا يصح بيعه * هذا مذهبنا وبه قال مالك وأحمد
والجمهور * وقال أبو حنيفة يصح ويقف على إجازة المالك في حال اختياره واحتج أصحابنا بما ذكره
المصنف وبحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الله تجاوز لي عن
أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) حديث حسن رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما باسناد
حسن فهذا مع ما ذكره المصنف هو المعتمد في دليل المسألة * وقد احتج بعض أصحابنا بأشياء لا يحتج
بها (منها) ما رواه أبو داود باسناده عن شيخ من بنى تميم قال خطبنا علي رضي الله عنه قال (نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر وبيع الغرر وبيع الثمرة قبل أن تدرك) ورواه البيهقي عن
شيخ من بنى تميم عن علي قال (سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه ولم يؤمر
بذلك قال الله جل ثناؤه (ولا تنسوا الفضل بينكم) وشهد الاسرار ويستذل الأخيار وما يمنع
المضطرون وقد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر وعن بيع الغرر وعن بيع الثمرة
قبل أن تطعم) وهذا الاسناد ضعيف لان هذا الشيخ مجهول قال البيهقي وقد روى من أوجه عن علي وابن عمر وكلها غير قوية (ومنها) ما رواه البيهقي باسناد ضعيف عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال (قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يركبن رجلا بحرا الا غازيا أو معتمرا أو حاجا فان تحت البحر نارا وتحت
النار بحرا وتحت البحر نارا ولا يشترى مال امرئ مسلم في ضغطه). قال البخاري لا يصح هذا
الحديث والله تعالى أعلم *
(فرع) ذكر الخطابي في تفسير حديث علي رضي الله عنه أن بيع المضطر يكون على
وجهين (أحدهما) أن يضطر إلى العقد من طريق الاكراه عليه فلا ينعقد العقد (والثاني) أن يضطر
إلى البيع لدين أو مؤنة ترهقه فيبيع ما في يده فالوكس من أجل الضرورة فسبيله من حيث المروءة
أن لا يترك حتى يبيع ماله ولكن يعان ويقرض ويستمهل له إلى الميسرة حتى يكون له فيه بلاغ فان عقد
161

البيع على هذا الوجه صح ولم يفسخ ولكن كرهه عامة أهل العلم. هذا الفظ الخطابي رضي الله عنه والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا ينعقد البيع إلا بالايجاب والقبول فاما المعاطاة فلا ينعقد بها البيع لان اسم البيع لا يقع
عليه والايجاب أن يقول بعتك أو ملكتك أو ما أشبههما والقبول أن يقول قبلت أو ابتعت أو ما أشبههما
فان قال المشترى بعني فقال البائع بعتك انعقد البيع لان ذلك يتضمن الايجاب والقبول وان كتب
رجل إلى رجل ببيع سلعة ففيه وجهان (أحدهما) ينعقد البيع لأنه موضع ضرورة (والثاني) لا ينعقد
وهو الصحيح فإنه قادر على النطق فلا ينعقد البيع بغيره وقول القائل الأول أنه موضع ضرورة
لا يصح لأنه يمكنه أن يوكل من يبيعه بالقول) *
(الشرح) فيه مسائل (إحداها) المشهور من مذهبنا أنه لا يصح البيع إلا بالايجاب
والقبول ولا تصح المعاطاة في قليل ولا كثير وبهذا قطع المصنف والجمهور وفيه وجه مشهور عن ابن
سريج أنه يصح البيع بالمعاطاة خرجه من مسألة الهدي إذا قلده صاحبه فهل يصير بالتقليد هديا منذورا
فيه قولان مشهوران (الصحيح) الجديد لا يصير (والقديم) أنه يصير ويقام الفعل مقام القول فخرج
ابن سريج من ذلك القول وجها في صحة البيع بالمعاطاة * ثم إن الغزالي والمتولي وصاحب العدة
والرافعي والجمهور نقلوا عن ابن سريج أنه تجوز المعاطاة في المحقرات وهو مذهب أبي حنيفة فإنه
جوزها في المحقرات دون الأشياء النفيسة ونقل امام الحرمين هذا عن أبي حنيفة ونقل عن ابن سريج
أنه جوزها ولم يقيد الامام في نقله عن ابن سريج بالمحقرات كما قيد في نقله عن أبي حنيفة ولعله أراد ذلك واكتفى
بالتقييد عن أبي حنيفة وقد أنكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح على الغزالي كونه حكى عن ابن سريج تجويزها
في المحقرات وقال ليست مختصة عند ابن سريج بالمحقرات وهذا الانكار على الغزالي غير مقبول لان المشهور عن
ابن سريج التخصيص بالمحقرات كما ذكرناه والله أعلم * واختار جماعات من أصحابنا جواز البيع بالمعاطاة
فيما يعد بيعا وقال مالك كلما عده الناس بيعا فهو بيع وممن اختار من أصحابنا أن المعاطاة فيما يعد بيعا
صحيحة وان ما عده الناس بيعا فهو بيع صاحب الشامل والمتولي والبغوي والروياني وكان الروياني
162

يفتى به وقال المتولي وهذا هو المختار للفتوى وكذا قاله آخرون وهذا هو المختار لان الله تعالى أحل
البيع ولم يثبت في الشرع لفظ له فوجب الرجوع إلى العرف فكلما عده الناس بيعا كان بيعا كما
في القبض والحرز واحياء الموات وغير ذلك من الألفاظ المطلقة فإنها كلها تحمل على العرف ولفظة البيع
مشهورة وقد اشتهرت الأحاديث بالبيع من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في زمنه
وبعده ولم يثبت في شئ منها مع كثرتها اشتراط الايجاب والقبول والله أعلم * وأحسن من هذه
المسألة وأوضحها المتولي فقال المعاطاة التي جرت بها العادة بان يزن النقد ويأخذ المتاع من غير ايجاب
ولا قبول ليست بيعا على المشهور من مذهب الشافعي وقال ابن سريج كل ما جرت العادة فيه بالمعاطاة
وعده بيعا فهو بيع وما لم تجر فيه العادة بالمعاطاة كالجواري والدواب والعقار لا يكون بيعا قال وهذا
هو المختار للفتوى * وبه قال مالك وقال أبو حنيفة المعاطاة بيع في المحقرات فاما النفيس فلابد فيه
من الايجاب والقبول ووجه المشهور القياس على النكاح فإنه لا ينعقد الا باللفظ وقياسا على العقار
والنفائس ووجه طريقة ابن سريج ان البيع كان معهودا قبل ورود الشرع فورد ولم يغير
حقيقته بل علق به أحكاما فوجب الرجوع فيه إلى العرف وكل ما كان عدوه بيعا جعلناه بيعا كما يرجع
في إحياء الموات والحرز والقبض إلى العرف قال ولم ينقل عنهم لفظ التبايع والله أعلم *
(فرع) صورة المعاطاة التي فيها الخلاف السابق أن يعطيه درهما أو غيره ويأخذ منه
شيئا في مقابلته ولا يوجد لفظ أو يوجد لفظ من أحدهما دون الآخر فإذا ظهر والقرينة وجود الرضى
من الجانبين حصلت المعاطاة وجري فيها الخلاف وقد صرح بهذا التصوير المتولي كما قدمناه عنه
وكذا صرح به آخرون قال الشيخ أبو عمر وبن الصلاح رضي الله عنه وما وجد من بعض أئمتنا في
تصويرها من ذكر لفظ كقوله خذ وأعطى فهو داخل في عموم ما ذكرناه من القرينة فان ذلك
مفروض فيما إذا لم ينو البيع بهذا اللفظ الذي قرن بالعطية فان نواه به فهي مسألة البيع بالكناية وفى صحته بالكناية وجهان (أصحهما) الصحة مع قولنا لا ينعقد بالمعاطاة هذا كلام أبى عمرو * فاما إذا
أخذ منه شيئا ولم يعطه شيئا ولم يتلفظا ببيع بل نويا أخذه بثمنه المعتاد كما يفعله كثير من الناس
163

فهذا باطل بلا خلاف لأنه ليس ببيع لفظي ولا معاطاة ولا يعد بيعا فهو باطل ولنعلم هذا ولنحترز منه
ولا نغتر بكثرة من يفعله فان كثيرا من الناس يأخذ الحوائج من البياع مرة بعد مرة من غير مبايعة ولا معاطاة
ثم بعد مدة يحاسبه ويعطيه العوض وهذا باطل بلا خلاف لما ذكرناه والله أعلم *
(فرع) الرجوع في القليل والكثير والمحقر والنفيس إلى العرف فما عدوه من المحقرات
وعدوه بيعا فهو بيع والا فلا * هذا هو المشهور تفريعا على صحة المعاطاة * وحكى الرافعي
وجها أن المحقر دون نصاب السرقة وهذا شاذ ضعيف بل الصواب أنه لا يختص بذلك بل يتجاوزه إلى
ما يعده أهل العرف بيعا والله أعلم *
(فرع) إذا قلنا بالمشهور ان المعاطاة لا يصح بها البيع ففي حكم المأخوذ بها ثلاثة أوجه
حكاها المتولي وغيره مجموعة وحكاها متفرقة آخرون (أصحها) عندهم له حكم المقبوض ببيع فاسد
فيطالب كل واحد منهما صاحبه بما دفعه إليه إن كان باقيا أو بدله إن كان تالفا ويجب على كل
واحد رد ما قبضه إن كان باقيا والا فرد بدله فلو كان الثمن الذي قبضه البائع مثل القيمة فقد قال
الغزالي في الاحياء هذا مستحق ظفر بمثل حقه والمالك راض فله تملكه لا محالة وظاهر كلام المتولي
وغيره انه يجب ردها مطلقا (والوجه الثاني) ان هذا إباحة لازمة لا يجوز الرجوع فيها قاله القاضي
أبو الطيب وحكاه عنه صاحب الشامل قال وأوردت عليه وأجاب فأوردت على جوابه وذكر
ذلك كله وحاصله تضعيف هذا الوجه بما ضعفه به هو والمتولي وهو انه لو أتلف أحدهما ما أخذه
وبقى مع الآخر ما أخذه لم يكن لمن تلف في يده أن يسترد الباقي في يد صاحبه من غير أن يغرم
له بدل ما تلف عنده ولو كان هذا إباحة لكان له الرجوع كما لو أباح كل واحد منهما لصاحبه
طعامه وأكل أحدهما دون الآخر فان للآكل أن يرجع عن الإباحة ويسترد طعامه بلا خلاف
(والوجه الثالث) ان العوضين يستردان فان تلفا فلا مطالبة لأحدهما ويسقط عنهما الضمان ويتراد منهما
بالتراضي السابق وهذا قول الشيخ أبى حامد الأسفرايني وأنكروه عليه وأوردوا عليه سائر العقود
الفاسدة فإنه لا يراه فيها وان وجد الرضى قال المتولي ولان إسقاط الحقوق طريقه اللفظ كالعفو عن
164

القصاص والابراء عن الديون فان أقمنا التراضي مقام اللفظ في الاسقاط وجب أن نقيمه مقامه
في انعقاد العقد والله أعلم *
(فرع) ذكر أبو سعيد بن أبي عصرون تفريعا على المشهور أن البيع لا يصح بالمعاطاة
انه لا مطالبة بين الناس فيها في الدار الآخرة لوجود طيب النفس بها ووقوع الاختلاف فيها هذا
لفظه في كتابه الانتصار فيحتمل انه أراد ما قدمناه عن الشيخ أبى حامد والقاضي أبى الطيب في الوجه
الثالث والثاني والظاهر أنه أراد انه لا مطالبة على كل وجه بها في الدار الآخرة وإن كانت المطالبة
ثابة في الدنيا على الخلاف السابق والله أعلم *
(فرع) الخلاف المذكور في المعاطاة في البيع يجرى في الإجارة والرهن والهبة ونحوها
هكذا ذكره المتولي وآخرون (وأما) الهدية وصدقة التطوع ففيها خلاف مرتب على البيع ان صححناه
بالمعاطاة ولم نشترط فيهما لفظا فهما أولى بذلك وان شرطنا اللفظ في البيع ففيهما وجهان مشهوران
عند الخراسانيين وذكرهما جماعة من العراقيين (أحدهما) وبه قطع المصنف في باب اختلاف
الزوجين في الصداق وآخرون من العراقيين أو أكثرهم يشترط فيهما الايجاب والقبول كالبيع
و (أصحهما) عند الجمهور لا يشترط وهو الصواب قال الرافعي في أول كتاب الهبة هذا هو الصحيح
الذي عليه قرار المذهب ونقله الاثبات من متأخري الأصحاب وقطع به المتولي والبغوي واعتمده
الروياني وغيرهم * واحتجوا بأن الهدايا كانت تحمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذها
ولا لفظ هناك وعلى ذلك جرى الناس في جميع الأعصار ولهذا كانوا يبعثون بها على أيدي
الصبيان الذين لا عبارة لهم قال أصحابنا (فان قيل) كان هذا إباحة لا هدية وتمليكا (فالجواب) انه لو كان
إباحة ما تصرفوا فيه تصرف الملاك ومعلوم ان ما قبله النبي صلى الله عليه وسلم من الهدايا كان يتصرف فيه ويملكه
غيره قال الرافعي ويمكن أن يحمل كلام من اعتبر الايجاب والقبول على الامر المشعر بالرضا دون
اللفظ ويقال الاشعار بالرضا يكون لفظا ويكون فعلا والله أعلم *
(فرع) إذا اشترطنا الايجاب والقبول باللفظ فالايجاب كقول البائع بعتك هذا أو ملكتك
165

ونحوهما من الألفاظ وفى ملكتك وجه شاذ حكاه الماوردي وآخرون أنه ليس بصريح
لأنه مستعمل في الهبة وادعى الماوردي أنه الأصح وليس كما قال بل المذهب
الأول وبه قطع المصنف والجمهور * والقبول كقول المشترى قبلت أو ابتعت أو اشتريت أو تملكت
قال الرافعي ويجئ في تملكت ذلك الوجه قال أصحابنا وسواء تقدم قول البائع أو قول المشتري
اشتريت فقال البائع بعده بعت فيصح البيع في الحالين بلا خلاف لحصول المقصود. قال أصحابنا
ولا يشترط اتفاق اللفظين بل لو قال البائع بعتك أو اشتريت فقال المشترى تملكت أو قال البائع
ملكتك فقال المشتري اشتريت صح بلا خلاف لان المعنى واحد وكذا في النكاح لو قال زوجتك
بنتي فقال قبلت نكاحها أو قال أنكحتكها فقال قبلت تزويجها صح النكاح بلا خلاف (المسألة الثانية)
قال أصحابنا كل تصرف يستقل به الشخص كالطلاق والعتاق والابراء ينعقد بالكناية مع النية
بلا خلاف كما ينعقد بالصريح وأما ما لا يستقل به بل يفتقر إلى إيجاب وقبول فضربان (أحدهما) ما يشترط
فيه الاشهاد كالنكاح وبيع الوكيل إذا شرط الموكل الاشهاد فهذا لا ينعقد بالكناية مع النية بلا خلاف
لان الشاهد لا يعلم النية (والثاني) ما لا يشترط فيه الاشهاد وهو نوعان (أحدهما) ما يقبل مقصوده
التعليق بالغرر كالكتابة والخلع فينعقد بالكناية مع النية بلا خلاف لان مقصود الكتابة العتق
ومقصود الخلع الطلاق وهما يصحان بالكناية مع النية (والثاني) ما لا يقبله كالبيع والإجارة والمساقاة
وغيرها وفي انعقاد هذه العقود بالكناية مع النية وجهان مشهوران في كتب الخراسانيين (أصحهما)
الانعقاد كالخلع ولحصول التراضي مع جريان اللفظ وإرادة المعنى يدل عليه من حيث السنة حديث
جابر في قصة بيعه جمله للنبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث طويل مشهور في الصحيحين وغيرهما
قال فيه (قال لي النبي صلى الله عليه وسلم بعني جملك فقلت إن لرجل على أوقية ذهب فهو لك بها
قال قد أخذته به) هذا لفظ رواية مسلم قال أصحابنا ومثال الكناية في البيع أن يقول خذه مني بألف
أو تسلمه بألف أو أدخلته في ملكي بألف أو جعلته لك أو هو لك بألف وما أشبهها ولو قال أبحته لك
بألف فليس بكناية بلا خلاف لأنه صريح في الإباحة فلا يكون كناية في غيره ولو قال سلطتك عليه
بألف ففي كونه كناية وجهان كقوله أبحته لك بألف (وأصحهما) يكون لأنه محتمل وليس صريحا في
166

الإباحة بخلاف أبحته قال امام الحرمين وفى هذا الخلاف في انعقاد البيع ونحوه بالكناية مع النية هو
فيما إذا عدمت قرائن الأحوال فان توفرت وأفادت التفاهم وجب القطع بالصحة لكن النكاح لا يصح
بالكناية وان توفرت القرائن (وأما) البيع المقيد بالاشهاد فقال الغزالي في الوسيط الظاهر انعقاده عند
توفر القرائن والله أعلم *
(فرع) قال الغزالي في الفتاوى لو قال أحد المتبايعين بعني فقال قد باعك الله أو بارك الله
فيه أو قال في النكاح زوجك الله ابنتي أو قال في الإقالة قد أقالك الله أو قد رده الله عليك فهذا
كله كناية فلا يصح النكاح بكل حال وأما البيع والإقالة فان نواهما صحا والا فلا وإذا نواهما كان
التقدير قد أقالك الله لأني أقلتك والله أعلم * (المسألة الثالثة) إذا كتب إلى غائب بالبيع ونحوه قال
أصحابنا هو مرتب على أن الطلاق هل يقع بالكتب مع النية وفيه خلاف الأصح صحته ووقوعه (فان
قلنا) لا يصح الطلاق فهذه العقود أولى أن لا تنعقد (وان قلنا) بالصحة ففي البيع ونحوه الوجهان في انعقاده
بالكناية مع النية وهذان الوجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) عند المصنف لا يصح
(والثاني) وهو الأصح أنه يصح البيع ونحوه بالمكاتبة لحصول التراضي لا سيما وقد قدمنا أن الراجح
انعقاده بالمعاطاة وقد صرح الغزالي في الفتاوى والرافعي في كتاب الطلاق بترجيح صحة البيع ونحوه
بالمكاتبة قال أصحابنا (وان قلنا) يصح فشرطه أن يقبل المكتوب إليه بمجرد اطلاعه على الكتاب
هذا هو الأصح وفيه وجه ضعيف أنه لا يشترط القبول بل يكفي التواصل اللائق بين الكتابين
أما إذا تبايعا حاضران بالكتابة فقال أصحابنا ان منعناه في الغيبة فههنا أولى والا فوجهان وإذا صححنا
البيع بالمكاتبة جاز القبول بالكتب وباللفظ ذكره امام الحرمين وغيره قال أصحابنا وحكم الكتب
على القرطاس والرق اللوح والأرض والنقش على الحجر والخشب واحد ولا أثر لرسم الأحرف على
الماء والهواء قال بعض الأصحاب تفريعا على صحة البيع بالمكاتبة لو قال بعت داري لفلان وهو غائب
فلما بلغه الخبر قال قبلت انعقد البيع لان النطق أقوى من الكتب والله تعالى أعلم *
(فرع) أما النكاح ففي انعقاده بالمكاتبة خلاف مرتب على البيع ونحوه ذكره امام
167

الحرمين والبغوي وآخرون قالوا إن قلنا لا يصح البيع فالنكاح أولى والا فوجهان (والمذهب) أنه لا يصح
لان الشهادة شرط فيه ولا اطلاع للشهود على النية ولو قالا بعد المكاتبة نوينا كانت شهادة على
إقرارهما لا على نفس العقد فلا يصح ومن جوزه اعتمد الحاجة قال أصحابنا وحيث حكمنا بانعقاد
النكاح بالمكاتبة فليكتب زوجتك بنتي ويحضر الكتاب عدلان ولا يشترط أن يحضرهما ولا أن يقول
لهما اشهدا بل لو حضرا بأنفسهما كفى فإذا بلغ الكتاب الزوج فليقبل لفظا ويكتب القبول ويحضر
القبول شاهدا الايجاب فان شهده آخران فوجهان (أصحهما) لا يصح لأنه لم يحضره شاهد له (والثاني)
الصحة لأنه حضر الايجاب والقبول شاهدان ويحتمل تغايرهما كما احتمل الفصل بين الايجاب والقبول
ثم إذا قبل لفظا أو كتابة يشترط كونه على الفور هذا هو المذهب وفيه وجه ضعيف كما سبق في
البيع والله أعلم *
(فرع) لو كتب إليه وكلتك في بيع كذا من مالي أو اعتاق عبدي فان قلنا الوكالة لا تفتقر
إلى القبول فهو ككتب الطلاق والا فكالبيع ونحوه والمذهب الصحة والله أعلم *
(فرع) قال الغزالي في الفتاوى إذا صححنا البيع بالمكاتبة فكتب إليه فقبل
المكتوب إليه ثبت له خيار المجلس ما دام في مجلس القبول قال ويتمادى خيار الكاتب إلى
أن ينقطع خيار المكتوب إليه حتى لو علم أنه رجع عن الايجاب قبل مفارقة المكتوب إليه مجلسه
صح رجوعه ولم ينعقد البيع والله أعلم * (المسألة الرابعة) لو قال الطالب بعني فقال بعتك ان قال بعده
اشتريت أو قبلت انعقد البيع بلا خلاف وان لم يقبل بعده بل اقتصر على قوله أولا بعني فطريقان
حكاهما إمام الحرمين وآخرون (أحدهما) القطع بالصحة وبه قطع المصنف وجمهور العراقيين كما
ذكره المصنف (والثاني) فيه وجهان وقيل قولان (أحدهما) الصحة (والثاني) البطلان قال إمام
الحرمين وغيره نص الشافعي أن البيع لا ينعقد ونص مثله في النكاح أنه ينعقد فقيل قولان فيهما
بالنقل والتخريج (أصحهما) الصحة فيهما (والثاني) البطلان فيهما وهو مذهب أبي حنيفة وقيل
بالفرق على ظاهر النصين لان البيع قد يقع بغتة فيكون قوله بعني على سبيل الاستفهام بحذف الهمزة
168

بخلاف النكاح فإنه لا يقع في الغالب إلا بعد طلب ومراودة فلا يراد به الاستفهام والمذهب الصحة
فيهما والله أعلم * ولو قال اشتر منى فقال المشترى اشتريت فطريقان (أصحهما) وبه قطع البغوي
أنه كالصورة السابقة (والثاني) لا ينعقد قطعا أما إذا قال المشترى أتبيعني عبدك بكذا أو قال بعتني
بكذا فقال بعت لا ينعقد البيع بلا خلاف الا أن يقول بعده اشتريت وكذا لو قال البائع أتشتري
داري أو اشتريت منى فقال اشتريت لا ينعقد بلا خلاف حتى يقول بعده بعت والله أعلم *
(فرع) قال أصحابنا يشترط لصحة البيع ونحوه أن لا يطول الفصل بين الايجاب والقبول
وأن لا يتخللهما أجنبي عن العقد فان طال أو تخلل لم ينعقد سواء تفرقا من المجلس أم لا قال
أصحابنا ولا يضر الفصل اليسير ويضر الطويل وهو ما أشعر باعراضه عن القبول ولو تخللت
كلمة أجنبية بطل العقد * ولو مات المشترى بعد الايجاب وقبل القبول ووارثه حاضر فقبل
(فوجهان) الصحيح لا يصح البيع لعدم الايجاب والقبول من المتعاقدين (والثاني) الصحة
وبه قال الدارمي لان الوارث كالميت ولهذا يقوم مقامه في خيار المجلس على الصحيح المنصوص
والله أعلم *
(فرع) إذا وجد أحد شقي العقد من أحدهما اشترط اصراره عليه حتى يوجد الشق الآخر
واشترط أيضا بقاؤهما على أهلية العقد فلو رجع عنه قبل وجود الشق الآخر أو مات أو جن أو أغمي
عليه بطل الايجاب فلو قبل الآخر بعده لم يصح وكذا لو أذنت المرأة في عقد نكاحها حيث
يشترط اذنها ثم أغمي عليها قبل العقد بطل اذنها ولو قال المشترى بعتك فمات المشترى قبل
القبول بطل العقد فلو كان وارثه حاضرا فقبل أو جن فقبل وليه لم يصح البيع وهذا هو
المذهب وبه قطع الأصحاب في كل الطرق وحكى الروياني وجها انه يصح قبول الوارث وهذا شاذ باطل
وسنوضح الفرق بينه وبين انتقال خيار الشرط وخيار المجلس إلى الوراث في مسائل الخيار
إن شاء الله تعالى *
(فرع) قال أصحابنا يشترط موافقة القبول الايجاب فلو قال بعتك بألف صحاح فقال قبلت
169

بألف قراضة أو عكسه أو قال بألف حال فقبل بمؤجل أو عكسه أو قال بألف مؤجل إلى شهر فقبل
بمؤجل إلى شهرين أو نصف شهر أو قال بعتكه بألف درهم فقبل بألف دينار أو عكسه أو قال بعتكه
بألف فقال قبلت نصفه بخمسمائة لم يصح بلا خلاف لأنه لا يعد قبولا ولو قال بعتك هذا بألف فقال
قبلت نصفه بخمسمائة ونصفه بخمسمائة قال المتولي يصح العقد لأنه تصريح بمقتضى الاطلاق وقال
الرافعي فيه نظر وهو كما قال الرافعي لكن الظاهر الصحة وفى فتاوى القفال انه لو قال بعتكه
بألف درهم فقال اشتريت بألف وخمسمائة صح البيع قال الرافعي هذا غريب وهو كما قال والظاهر
هنا فساد العقد لعدم الموافقة *
(فرع) إذا قال السمسار المتوسط بينهما للبائع بعت بكذا فقال نعم أو بعت وقال للمشتري اشتريت
بكذا فقال نعم أو اشتريت فوجهان حكاهما الرافعي (أصحهما) عند الرافعي وغيره الانعقاد لوجود الصيغة
والتراضي (والثاني) لا ينعقد لعدم تخاطبهما وبهذا قطع المتولي *
(فرع) إذا قال بعتك بألف فقال قبلت فقط صح البيع بلا خلاف بخلاف النكاح
فان الصحيح انه يشترط أن يقول قبلت نكاحها أو تزويجها والفرق الاحتياط للابضاع *
(فرع) لو قال بعتك هذا بألف ان شئت فقال شئت لم يصح البيع بلا خلاف
وصرح به المتولي وغيره قالوا لان لفظ المشيئة ليس من ألفاظ التمليك وان قال قبلت فوجهان حكاهما
المتولي وغيره (أحدهما) لا يصح لان الصيغة صيغة تعليق ولا مدخل له في المعاوضات فصار كقوله
بعتك إن دخلت الدار (وأصحهما) الصحة لأنه تصريح بمقتضى الحال فان القبول إلى مشيئة القابل
وبهذا فارق سائر ألفاظ التعليق والله تعالى أعلم *
(فرع) إذا باع مال نفسه لولده أو مال ولده لنفسه فهل يفتقر إلى صيغتي الايجاب والقبول
أم يكفي أحدهما فيه وجهان مشهوران (الأصح) يفتقر فيقول بعت مال ولدى بكذا واشتريته له
أو قبلته له لتنتظم صورة البيع (والثاني) يكفي أحدهما لأنه لما قام الوالد في صحة العقد مقام
اثنين قام لفظه مقام لفظين والله أعلم *
170

(فرع) قال أصحابنا يصح بيع الأخرس وشراؤه بالإشارة المفهومة وبالكتابة بلا خلاف
للضرورة قال أصحابنا ويصح بهما جميع عقوده وفسوخه كالطلاق والعتاق والنكاح والظهار
والرجعة والابراء والهبة وسائر العقود والفسوخ ونحوها بل قالوا إشارته المفهومة كعبارة الناطق
إلا في صورتين فيهما خلاف وهما شهادته واشارته بالكلام في صلاته والأصح انه لا تصح شهادته
ولا تبطل صلاته لان الشهادة يحتاط لها والصلاة لا تبطل الا بكلام حقيقي وهذا مما يسأل عنه فيقال
إنسان باع وهو يصلى فيصح بيعه ولم تبطل صلاته وهذه صورته ويتصور أيضا فيمن باع فيها
بالكلام ناسيا للصلاة ولم يطل فإنه يصح بيعه ولا تبطل صلاته والله أعلم *
(فرع) قال المتولي والأصحاب تقديم المساومة على البيع ليس بشرط لصحته بل لو لقي
رجلا في طريقه فقال بعتك هذا بألف فقال قبلت أو اشتريت صح البيع بلا خلاف لان اللفظ صريح
في حكمه فلا يتوقف على قرينة ولا سابقة *
(فرع) قال أصحابنا جميع ما سبق من صيغتي الايجاب والقبول هو فيما ليس بضمني من
البيوع فأما البيع الضمني فيما إذا قال أعتق عبدك عنى على ألف فلا تشترط فيه الصيغ التي قدمناها
بل يكفي فيه الالتماس والاعتاق عنه بلا خلاف كما ذكره المصنف والأصحاب في كتاب كفارة
الظهار والله تعالى أعلم *
(فرع) قال أصحابنا ينعقد البيع والإجارة ونحوهما من عقود المعاملات بالعجمية وسائر
اللغات سواء أحسن العربية أم لا وهذا لا خلاف فيه وفرق المتولي والأصحاب بينه وبين النكاح
على قولنا لا ينعقد بالعجمية بأن في النكاح معني التعبد ولهذا اختص بلفظ التزويج والانكاح
فأشبه ألفاظ الأذكار في الصلاة والله تعالى أعلم *
(فرع) يشترط في صحة البيع ان يذكر الثمن في حال العقد فيقول بعتكه بكذا فان
قال بعتك هذا واقتصر على هذا فقال المخاطب اشتريت أو قبلت لم يكن هذا بيعا بلا خلاف ولا
يحصل به الملك للقابل على المذهب وبه قطع الجمهور وقيل فيه وجهان (أصحهما) هذا والثاني يكون هبة
171

وإذا قلنا بالمذهب أنه لا يكون تمليكا فقبضه القابل كان مضمونا عليه على المذهب وقيل فيه
وجهان كالهبة الفاسدة فان في المقبوض بها وجهين (أحدهما) انه مضمون (وأصحهما) لا والصحيح هنا
الضمان قطعا *
(فرع) قال المتولي لو قال وهبت لك هذا بألف أو هذا لك هبة بألف فقبل هل ينعقد هذا
العقد هذا فيه خلاف مبنى على قاعدة وهي ان الاعتبار في العقود بظواهرها أم بمعانيها وفيه وجهان
(أحدهما) الاعتبار بظواهرها لأن هذه الصيغ موضوعة لإفادة المعاني وتفهيم المراد منها عند
اطلاقها فلا تترك ظواهرها ولهذا لو استعمل لفظ الطلاق وأراد به الظهار أو عكسه تعلق باللفظ
دون المنوي ولان اعتبار المعني يؤدى إلى ترك اللفظ ولأنا أجمعنا على أن ألفاظ اللغة لا يعدل بها عما
وضعت له في اللغة فيطلق اللفظ لغة على ما وضع له فكذا ألفاظ العقود ولأن العقود تفسد باقتران شرط
مفسد ففسادها بتغير مقتضاها أولى (والوجه الثاني) ان الاعتبار بمعانيها لان الأصل في الامر الوجوب
فإذا تعذر حمله عليه حملناه على الاستحباب وأصل النهى التحريم فإذا تعذر حمله عليه
حملناه على كراهة التنزيه وكذا هنا إذا تعذر حمل اللفظ على مقتضاه يحمل على
معناه ولان لفظ العقد إذ أمكن حمله على وجه صحيح لا يجوز تعطيله ولهذا لو باعه بعشرة دراهم
وفى البلد نقود أحدها غالب حملناه على الغالب طلبا للصحة قال المتولي ويتفرع على هذه
القاعدة مسائل (منها) المسألة الأولى وهي إذا قال وهبته لك بألف فان اعتبرنا المعني انعقد بيعا
وان اعتبرنا اللفظ فسد العقد فإذا حصل المال في يده كان مقبوضا بحكم عقد فاسد (ومنها) لو قال
بعتكه ولم يذكر ثمنا فان اعتبرنا المعني انعقد هبة والا فبيع فاسد (ومنها) لو قال أسلمت هذا الدينار
أو دينارا في هذا الثوب فان اعتبرنا المعني انعقد بيع عين والا فهو سلم فاسد والله أعلم *
(فرع) إذا كان العقد بين بائع ووكيل المشتري فليقل البائع له بعتك ويقول الوكيل
اشتريت وينوى موكله فيقع العقد للموكل وان لم يسمه فلو قال البائع بعت موكلك فلانا فقال
الوكيل اشتريت له لم يصح العقد على المذهب وبه قطع الجمهور وفيه وجه ضعيف أنه يقع العقد
للوكيل والصواب الأول لأنه لم يجر بينهما تعاقد قال أصحابنا وهذا بخلاف النكاح فان
172

الولي يقول لوكيل الزوج زوجت بنتي فلانا يعنى الزوج ويقول الوكيل قبلت نكاحها له فلو لم
يقل له ففيه الخلاف المشهور فيما إذا قال الزوج قبلت ولم يقل نكاحها (الأصح) لا يصح فلو قال الولي للوكيل
زوجتك بنتي لك فقال قبلت نكاحها لفلان لم ينعقد وان قال قبلت نكاحها وقع العقد للوكيل ولم
ينصرف إلى الموكل ولو جرى النكاح بين وكيلين فقال وكيل الولي زوجت فلانة فلانا فقال وكيل
الزوج قبلت نكاحها لفلان صح وفرق الأصحاب بين البيع والنكاح بوجهين (أحدهما) أن
الزوجين كالثمن كالثمن والمثمن ولابد من تسميتهما (والثاني) أن البيع يرد على المال وهو قابل للنقل من
شخص إلى شخص والنكاح يرد على البضع وهو لا يقبل النقل ولهذا لو قبل النكاح لزيد بوكالته
فأنكرها زيد لم يصح العقد له ولو اشترى لزيد بوكالة فأنكرها صح الشراء للوكيل قال صاحب
البيان في باب الوكالة ولو وكله أن يزوج بنته زيدا فزوجها وكيل زيد لزيد صح ولو وكله في بيع
عبده لزيد فباعه وكيل زيد لزيد لم يصح والفرق بينهما أن النكاح لا يقبل نقل الملك والبيع يقبله
ولهذا يقول وكيل النكاح للولي زوج موكلي ولا يقول زوجني لموكلي ويقول في البيع بعني لموكلي
ولا يقول بع موكله والله أعلم * قال أصحابنا وفى الهبة يشترط في قبول وكيل المتهب أن يسمى موكلي
في القبول فيقول قبلت لفلان أو لموكلي فلان فإن لم يسمه وقع للمخاطب لجريان العقد معه ولا ينصرف
إلى الموكل بالنية لان الواهب قد يقصد بتبرعه المخاطب وليس كل أحد يسمح عليه بالتبرع بخلاف
البيع فان مقصوده حصول العوض والله أعلم *
(فرع) قال أصحابنا في بيع الهازل وشرائه وجهان (أصحهما) ينعقد كالطلاق وغيره
(والثاني) لا لان الطلاق يقبل الاعزار قال القاضي حسين وهما مبنيان على مسألة السر والعلانية في
الصداق وهي إذا تواطئا في السر على أن المهر الف ثم عقداه في العلانية بألفين فقولان هل المهر مهر
السر أو العلانية (فان قلنا) بالسر لم ينعقد بيع الهازل لأنه لم يقصد بيعا والا فينعقد عملا باللفظ ولا مبالاة
بالقصد والله أعلم * هكذا ذكر الجمهور الخلاف في بيع الهازل وجهين وقال الجرجاني هما قولان
قال وقيل وجهان والله سبحانه وتعالى أعلم *
173

قال المصنف رحمه الله *
(وإذا انعقد البيع ثبت لكل واحد من المتبايعين الخيار بين الفسخ والامضاء إلى أن يتفرقا
أو يتخايرا لما روى ابن عمر رضي الله عنه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم
يتفرقا أو يقول أحدهما للآخر اختر) والتفرق أن يتفرقا بأبدانهما بحيث إذا كلمه على العادة لم يسمع
كلامه لما روى نافع (ان ابن عمر رضي الله عنه كان إذا اشترى شيئا مشى أذرعا ليجب البيع ثم يرجع)
ولان التفرق في الشرع مطلق فوجب أن يحمل على التفرق المعهود وذلك يحصل بما ذكرناه وان لم
يتفرقا ولكن جعل بينهما حاجز من ستر أو غيره لم يسقط الخيار لان ذلك لا يسمى تفرقا * وأما التخاير
فهو أن يقول أحدهما للآخر اختر امضاء البيع أو فسخه فيقول الآخر اخترت امضاءه أو فسخه فينقطع
الخيار لقوله عليه السلام (أو يقول أحدهما للآخر اختر) فان خير أحدهما صاحبه فسكت لم ينقطع
خيار المسؤول وهل ينقطع خيار السائل فيه وجهان (أحدهما) لا ينقطع خياره كما لو قال لزوجته
اختاري فسكتت فان خيار الزوج في طلاقها لا يسقط (والثاني) أنه ينقطع لقوله عليه السلام أو يقول
أحدهما للآخر اختر) فدل على أنه إذا قال يسقط خياره ويخالف تخيير المرأة فان المرأة لم تكن
مالكة للخيار وإذا خيرها فقد ملكها ما لم تكن تملكه فإذا سكتت بقي على حقه وههنا المشترى يملك
الفسخ فلا يفيد تخييره اسقاط حقه من الخيار فان أكرها على التفرق ففيه وجهان (أحدهما) يبطل
الخيار لأنه كان يمكنه أن يفسخ بالتخاير فإذا لم يفعل فقد رضى باسقاط الخيار (والثاني) أنه لا يبطل لأنه
لم يوجد منه أكثر من السكوت والسكوت لا يسقط الخيار * فان باعه على أن لا خيار له ففيه وجهان
(من) أصحابنا من قال لا يصح لان الخيار جعل رفقا بهما فجاز لهما تركه ولان الخيار غرر فجاز اسقاطه
وقال أبو إسحاق لا يصح وهو الصحيح لأنه خيار يثبت بعد تمام البيع فلم يجز اسقاطه قبل تمامه
كخيار الشفيع (فان قلنا) بهذا فهل بطل العقد بهذا الشرط فيه وجهان (أحدهما) لا يبطل لان
هذا الشرط لا يؤدى إلى الجهل بالعوض والمعوض (والثاني) يبطل لأنه يسقط موجب العقد فأبطله
كما لو شرط أن لا يسلم المبيع) *
174

(الشرح) حديث ابن عمر رواه البخاري ومسلم بلفظه واما الآثر المذكور عن ابن عمر
انه كان يمشى أذرعا فهو في الصحيحين بغير هذا اللفظ لفظ البخاري فارق صاحبه ولفظ مسلم
قام فمشى هنيهة ثم رجع ولفظ الترمذي قال نافع فكان ابن عمر إذا ابتاع بيعا وهو قاعد قام ليجب
له * وقوله صلى الله عليه وسلم (أو يقول) هكذا هو في الصحيحين وفى المهذب أو يقول وهو منصوب
اللام وأوهنا ناصبة بتقدير الا أن يقول أو إلى أن يقول ولو كان معطوفا على مالكان مجزوما ولقال
أو ليقل (وقوله) ليجب البيع معناه ليلزم (قوله) وههنا المشترى يملك الفسخ كان الأجود للقابل بدل
المشتري لان القابل قد يكون البائع وقد يكون المشترى (وقوله) لأنه خيار ثبت بعد تمام البيع قال
القلعي قيل هو احتراز عن خيار القبول في البيع قال والظاهر أنه لا احتراز فيه وإنما ذكره لبيان
معنى العلة * اما الأحكام فقال أصحابنا الخيار ضربان خيار نقص وهو ما يتعلق بفوات شئ مظنون
الحصول وخيار شهوة وهو ما لا يتعلق بفوات شئ فالأول له باب مستقل وهو الذي سماه المصنف
بعد هذا باب بيع المصراة والرد بالعيب واما الثاني فله سببان المجلس والشرط فيقال خيار المجلس
وخيار الشرط وإذا صححنا بيع الغائب أثبتنا فيه خيار الرؤية فتصير الأسباب ثلاثة * ثم في الفصل مسائل
(إحداها) فيما ثبت فيه خيار المجلس من العقود وقد جمعها أصحابنا هنا وأعادوها في أبوابها مفرقة
واقتصر المصنف على ذكرها في أبوابها مفرقة والمختار طريقة الجمهور فنسلكها قال أصحابنا العقود
ضربان (أحدهما) العقود الجائزة إما من الطرفين كالشركة والوكالة والوديعة والعارية والدين
والقراض والجعالة وإما من أحدهما كالضمان والرهن والكتابة فلا خيار فيها كلها لأنه متمكن من
الفسخ متى شاء وفى وجه ضعيف يثبت الخيار في الكتابة والضمان وهو ضعيف وممن حكاه في خيار
المجلس وخيار الشرط الدارمي وهو شاذ قال أصحابنا وقد يتطرق الفسخ بسبب آخر إلى الرهن
إن كان مشروطا في بيع وأقبضه قبل التفرق فيمكن فسخ الرهن بأن يفسخ البيع فيفسخ الرهن تبعا (الضرب
الثاني) العقود اللازمة وهي نوعان واردة على العين وواردة على المنفعة والأول كالبيع والصرف وبيع
الطعام بالطعام والسلم والتولية والتشريك وصلح المعاوضة فيثبت فيها كلها خيار المجلس ويستثنى منها
175

صور (إحداها) إذا باع ماله لولده أو مال ولده لنفسه ففي ثبوت خيار المجلس وجهان (أصحهما)
ثبوته فعلى هذا يثبت خيار للولد وخيار للأب ويكون الأب نائب الولد فان ألزم البيع لنفسه
وللولد لزم وإن ألزم لنفسه بقي الخيار للولد فإذا فارق المجلس لزم العقد على الأصح من الوجهين (والثاني)
لا يلزم إلا بالالزام لأنه لا يفارق نفسه وان فارق المجلس وذكر الماوردي أن الوجه الأول قول أبى اسحق
المروزي قال والثاني قول جمهور أصحابنا قال فعلى الثاني لا ينقطع الخيار الا بأن يختار الأب لنفسه
وللولد فإن لم يختر ثبت الخيار للولد إذا ابلع والمذهب الأول * قال البغوي ولو كان العقد بينه وبين
ولده صرفا ففارق المجلس قبل القبض بطل العقد على الوجه الأول ولا يبطل على الثاني الا بالتخاير
(الثانية) لو اشترى من يعتق عليه كولده ووالده قال جمهور الأصحاب يبنى خيار المجلس على أقوال
الملك في زمن الخيار (فان قلنا) هو للبائع فلهما الخيار ولا يحكم بالعتق حتى يمضى زمن الخيار (وان قلنا)
موقوف فلهما الخيار فإذا أمضيا العقد تبينا أنه عتق بالشراء فان قلنا الملك للمشترى فلا خيار له
ويثبت للبائع وفى عتقه وجهان (أصحهما) لا يعتق حتى يمضى زمن الخيار ثم حكم بعتقه
من يوم الشراء (والثاني) يحكم بعتقه حين الشرى وعلى هذا هل ينقطع خيار البائع فيه وجهان
كالوجهين فيما إذا أعتق المشترى العبد الأجنبي في زمن الخيار وقلنا الملك له قال البغوي ويحتمل أن
يحكم بثبوت الخيار للمشترى أيضا تفريعا على أن الملك له وأن لا يعتق العبد في الحال لأنه لم يوجد
منه الرضا الا بأصل العقد هذه طريقة الجمهور وهي المذهب * وقال إمام الحرمين المذهب أنه لا خيار
وقال الأودني يثبت وتابع الغزالي إمامه على ما اختاره قال الرافعي واختيارهما شاذ والصحيح ما سبق
عن الأصحاب وحكي القاضي حسين في بيع الأعطية عن الأودني أنه يثبت الخيار قال وعليه حمل
قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (لن يجزى ولد والده الا أن يجده مملوكا فيشتريه
فيعتقه) قال وصورته إذا كان الخيار للمشترى وقلنا الملك للبائع وأعتقه صح قال ولو قلنا الملك
للمشترى صح العقد ولم يتصور إعتاقه لأنه صار بمجرد الشراء حرا (الثالثة) الصحيح المنصوص
176

إن شراء العبد نفسه من سيده جائز وفيه قول ضعيف أو وجه أنه لا يصح وقد ذكر المصنف
المسألة في أول كتاب الاقرار وذكر فيها طريقين المذهب والمنصوص صحته (والثاني) على قولين
فإذا قلنا بالصحة ففي ثبوت خيار المجلس وجهان حكاهما أبو الحسن العبادي والقاضي حسين ومالا
إلى ترجيح ثبوته وقطع الغزالي والمتولي بترجيح ثبوته وهو الأصح لان مقصوده العتق فأشبه
الكتابة (الرابعة) في ثبوت الخيار في شرى الجمد في شدة الحر وجهان حكاهما المتولي والروياني
وآخرون لأنه يتلف بمضي الزمان (والأصح) ثبوته (الخامسة) إن صححنا بيع الغائب ولم يثبت خيار
المجلس مع خيار الرؤية فهذا المبيع من صور الاستثناء (السادسة) إن باع بشرط نفى خيار
المجلس فثلاثة أوجه سنذكرها مبسوطة قريبا إن شاء الله تعالى (أحدها) يصح البيع والشرط
فعلى هذا تكون هذه الصورة مستثناة * هذا حكم البيع بأنواعه والله أعلم * ولا يثبت خيار المجلس
في صلح الحطيطة ولا في الابراء ولا في الإقالة (إن قلنا) انها فسخ (وإن قلنا) هي بيع ففيها الخيار
ولا يثبت في الحوالة (إن قلنا) إنها ليست معاوضة (وإن قلنا) معاوضة لم يثبت أيضا على أصح
الوجهين لأنها ليست على قاعدة المعاوضات ولا يثبت في الشفعة للمشترى وفى ثبوته للشفيع وجهان
مشهوران (أصحهما) لا يثبت وممن صححه المصنف في التنبيه والفارقي والرافعي في المحرر وقطع
به البغوي في كتابيه التهذيب وشرح مختصر المزني وهو الراجح في الدليل أيضا فان أثبتناه فقيل
معناه أنه بالخيار بين الاخذ والترك ما دام في المجلس مع تفريعنا على قولنا الشفعة على الفور (قال)
إمام الحرمين هذا الوجه غلط بل الصحيح أنه على الفور ثم له الخيار في نقض الملك ورده ما دام
في المجلس وهذا هو الصواب وهي حقيقة خيار المجلس (وأما) من اختار عين ماله لافلاس
المشترى فلا خيار له وفيه وجه أنه يثبت له الخيار ما دام في المجلس والصحيح الأول ولا خيار
في الوقف والعتق والتدبير والطلاق والرجعة وفسخ النكاح وغيره والوصية ولا في الهبة إن لم يكن
ثواب فإن كان ثواب مشروط أو قلنا نقيصته الاطلاق فلا خيار أيضا على أصح الوجهين لأنها
لا تسمى بيعا والحديث ورد في المتبايعين (قال) المتولي وغيره موضع الوجهين من الهبة بعد القبض
177

أما قبله فلا خيار قطعا (وأما) إذا رجع البائع في المبيع لفلس المشترى فالأصح أنه لا خيار له وحكي
الدارمي فيه قولين عن حكاية ابن القطان ويثبت الخيار في القسمة إن كان فيها رد وإلا فان جرت
بالاجبار فلا رد وإن جرت بالتراضي (فان قلنا) إنها إقرار فلا خيار (وإن قلنا) بيع فلا خيار
أيضا على أصح الوجهين هكذا ذكرهما الأصحاب (وقال) المتولي إن كانت قسمة اجبار وقلنا هي
بيع فلا خيار للمجبر وفى الطالب وجهان كالشفيع (النوع الثاني) العقد الوارد على المنفعة فمنه
النكاح ولا خيار فيه بلا خلاف ولا خيار في الصداق على أصح الوجهين فان أثبتناه ففسخت
وجب مهر المثل وعلى هذين الوجهين يكون ثبوت خيار المجلس في عوض الخلع والأصح أيضا
أنه لا يثبت فيه ولا تندفع الفرقة بحال * ومنه الإجارة وفى ثبوت خيار المجلس فيها وجهان
(أصحهما) عند المصنف وشيخه أبى القاسم الكرخي - بالخاء - يثبت وبه قال الإصطخري وابن القاص
(وأصحهما) عند إمام الحرمين والبغوي والجمهور لا يثبت وبه قال أبو علي بن خيران وأبو إسحاق
المروزي قال القفال وطائفة الخلاف في إجارة العين (أما) الإجارة على الذمة فيثبت فيها قطعا كالسلم فان
أثبتنا الخيار في إجارة العين ففي ابتداء مدتها وجهان (أحدهما) من وقت انقضاء الخيار بالتفرق
فعلى هذا لو أراد المؤجر أن يؤجره لغيره في مدة الخيار (قال) الامام لم يجوزه أحد فيما أظن وإن كان
محتملا في القياس (وأصحهما) أنه يحسب من وقت العقد فعلى هذا فعلى من تحسب مدة الخيار إن كان قبل
تسليم العين إلى المستأجر فهي محسوبة على المؤجر وإن كان بعده (فوجهان) بناء على أن المبيع إذا
هلك في يد المشترى في زمن الخيار على ضمان من يكون وفيه وجهان (الأصح) من ضمان المشترى فعلى
هذا تحسب على المستأجر وعليه تمام الأجرة (والثاني) من ضمان البائع فعلى هذا تحسب على المؤجر
ويحط من الأجرة قدر ما يقابل تلك المدة * (وأما) المساقاة ففي ثبوت خيار المجلس فيها طريقان
أصحهما في الخلاف السابق في الإجارة (والثاني) القطع بالمنع لعظم الغرر فيها فلا يضم إليه غرر
الخيار * (وأما المسابقة) فكالإجارة ان قلنا إنها لازمة وكالعقود الجائزة ان قلنا إنها جائزة والله تعالى
أعلم * (المسألة الثانية) لو تبايعا بشرط نفى خيار المجلس ففيه ثلاثة أوجه ذكرها المصنف بأدلتها
178

وهي مشهورة وذكرها القاضي حسين أقوالا (أصحها) أن البيع باطل وهو المنصوص في البويطي والقديم
(والثاني) أنه صحيح ولا خيار (والثالث) صحيح والخيار ثابت ولو شرطا نفى خيار الرؤية على
قولنا يصح بيع الغائب فالمذهب القطع ببطلان البيع وبه قطع الأكثرون وطرد الامام والغزالي
فيه الخلاف وهذا الخلاف يشبه الخلاف في شرط البراءة من العيوب ويتفرع على نفى خيار المجلس
ما إذا قال لعبده ان بعتك فأنت حر ثم باعه بشرط نفى الخيار (فان قلنا) البيع باطل أو صحيح ولا
خيار لم يعتق (وان قلنا) صحيح والخيار ثابت عتق لان عتق البائع في مدة الخيار نافذ والله أعلم *
(المسألة الثالثة) فيما ينقطع به خيار المجلس * قال أصحابنا كل عقد ثبت فيه هذا الخيار حصل
انقطاع الخيار فيه بالتخاير ويحصل أيضا بالتفرق بأبدانهما عن مجلس العقد (أما) التخاير فهو أن يقولا
تخايرنا أو اخترنا امضاء العقد أو أمضيناه أو أجزناه أو ألزمناه وما أشبهها ولو قال أحدهما اخترت امضاءه
انقطع خياره وبقى خيار الآخر كما إذا أسقط أحدهما خيار الشرط وفيه وجه شاذ أنه لا يبقى للآخر
خيار أيضا لان هذا الخيار لا يتبعض ثبوته ولا يتبعض سقوطه حكاه المتولي وغيره وهو فاسد وفيه
وجه ثالث حكاه القاضي حسين وإمام الحرمين أنه لا يبط خيار القائل ولا صاحبه لان شأن الخيار
أن يثبت بهما أو يسقط في حقهما ولا يمكن حق الساكت فينبغي أن لا يسقط حق القائل أيضا وهذا
الوجه شاذ فاسد فحصل ثلاثة أوجه (الصحيح) سقوط خيار القائل فقط (والثاني) يسقط خيارهما
(والثالث) يبقى خيارهما (أما) إذا قال أحدهما للآخر اختر أو خيرتك فقال الآخر اخترت فإنه ينقطع
خيارهما بلا خلاف لما ذكره المصنف وان سكت الآخر لم ينقطع خيار الساكت بلا خلاف لما ذكره المصنف
وفى خيار القائل وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أحدهما) لا يسقط خياره قال الروياني هو
قول القفال (وأصحهما) باتفاق الأصحاب يسقط وممن صرح بتصحيحه صاحب الشامل والبغوي
والمتولي والروياني والرافعي وآخرون * قال أصحابنا ولو اختار واحد وفسخ الآخر حكم بالفسخ لأنه مقصود
الخيار ولو قالا أبطلنا أو قالا أفسدنا (فوجهان) حكاهما إمام الحرمين عن حكاية والده أبى محمد
(أحدهما) لا يبطل الخيار لان الابطال يشعر بمناقضة الصحة ومنافاة الشرع وليس كالإجارة فإنها تصرف
179

في الخيار (والثاني) يبطل الخيار وهو الأصح (قال) الامام الوجه الأول ضعيف جدا ولكن رمز إليه
شيخي وذكره الصيدلاني (أما) إذا تقابضا في المجلس وتبايعا العوضين بيعا ثانيا فيصح البيع الثاني
أيضا على المذهب وبه قطع الجمهور لأنه رضاء بلزوم الأول وقيل فيه خلاف مبنى على أن الخيار هل
يمنع انتقال الملك إلى المشترى أم لا (فان قلنا) يمنع لم يصح والا فسخ والصواب * الأول ولو تقابضا في الصرف
ثم أجازا في المجلس لزم العقد فان اختاراه قبل التقابض فوجهان (أحدهما) تلغو الإجارة فيبقى
الخيار (وأصحهما) يلزم العقد وعليهما التقابض فان تفرقا قبل التقابض انفسخ العقد ولا يأثمان ان تفرقا
عن تراض وان انفرد أحدهما بالمفارقة أثم هو وحده وفيه وجه ثالث أنه يبطل العقد بالتخاير قبل
القبض لان التخاير كالتفرق ولو تفرقا قبل القبض في الصرف بطل العقد وسنوضح المسألة إن شاء الله
تعالى مبسوطة في باب الربا حيث ذكرها المصنف والله أعلم * وأما التفرق فهو أن يتفرقا بأبدانهما
فلو أقاما في ذلك المجلس مدة متطاولة كسنة أو أكثر أو قاما وتماشيا مراحل فهما على خيارهما هذا
هو الصحيح وبه قطع الجمهور وفيه وجه ضعيف حكاه القاضي حسين وإمام الحرمين والغزالي وآخرون
من الخراسانيين أنه لا يزيد على ثلاثة أيام لئلا يزيد على خيار الشرط وفيه وجه ثالث أنهما لو شرعا
في أمر آخر وأعرضا عما يتعلق بالعقد فطال الفصل انقطع الخيار حكاه الرافعي والمذهب الأول قال
أصحابنا والرجوع في التفرق إلى العادة فما عده الناس تفرقا فهو تفرق ملتزم للعقد ومالا فلا قال
أصحابنا فإذا كانا في دار صغيرة فالتفرق أن يخرج أحدهما منها أو يصعد السطح وكذا لو كانا في
مسجد صغير أو سفينة صغيرة فإن كانت الدار كبيرة حصل التفرق بان يخرج أحدهما من البيت إلى
الصحن أو من الصحن إلى بيت أو صفة وإن كانا في سوق أو صحراء أو ساحة أو بيعة فإذا ولى أحدهما
ظهره ومشى قليلا حصل التفرق على الصحيح من الوجهين والثاني قاله الإصطخري بشرط أن
يبعد عن صاحبه بحيث لو كلمه على العادة من غير رفع الصوت لم يسمع كلامه وبهذا قطع المصنف
وشيخه القاضي أبو الطيب في تعليقه وصححه أبو الطيب في المجرد والمذهب الأول وبه قطع الجمهور
ونقله المتولي والروياني عن جميع الأصحاب سوى الإصطخري * واحتجوا له بما رواه المصنف عن
180

ابن عمر وهو صحيح عن ابن عمر كما سبق ودلالته للجمهور ظاهرة وحكى القاضي أبو الطيب والروياني
وجها أنه يكفي أن يوليه ظهره ونقله الروياني عن ظاهر النص لكنه مؤول والمذهب الأول والله أعلم *
قال أصحابنا فلو لم يتفرقا ولكن جعل بينهما حائل من ستر أو نحوه أو شق بينهما نهر لم يحصل
التفرق بلا خلاف وان بني بينهما جدار فوجهان حكاهما القاضي حسين والبغوي والرافعي وآخرون
(أصحهما) لا يحصل التفرق كما لو جعل بينهما ستر ولأنهما لم يتفرقا وممن صححه البغوي والرافعي
وظاهر كلام المصنف القطع به لأنه قال لو جعل بينهما حاجز من ستر وغيره لم يسقط الخيار (والثاني)
يسقط وبه قطع المتولي وادعى أنه يسمى تفرقا وليس كما قال (وقال) الروياني ان جعل بينهما حائط
أو غيره لم يحصل التفرق لأنهما لم يفترقا ولأنهما لو غمضا أعينهما لم يحصل التفرق وقال والدي
ان جعل الحائط بينهما بأمرهما فوجهان (الصحيح) لا يحصل التفرق قال وقيل إن أرخى ستر لم يحصل
وان بنى حائط حصل وليس بشئ قال أصحابنا وصحن الدار والبيت الواحد إذا تفاحش اتساعهما
كالصحراء فيحصل التفرق فيه بما ذكرناه والله أعلم *
(فرع) لو تناديا وهما متباعدان وتبايعا صح البيع بلا خلاف (واما) الخيار فقال امام الحرمين
يحتمل ان يقال لا خيار لهما لان التفرق الطارئ يقطع الخيار فالمقارن يمنع ثبوته قال ويحتمل أن
يقال يثبت ما داما في موضعهما فإذا فارق أحدهما موضعه بطل خياره وهل يبطل خيار الآخر أم
يدوم إلى أن يفارق مكانه فيه احتمالان للامام وقطع المتولي بأن الخيار يثبت لهما ما داما في موضعهما فإذا
فارق أحدهما موضعه ووصل إلى موضع لو كان صاحبه معه في الموضع عد تفرقا حصل التفرق
وسقط الخيار هذا كلامه والأصح في الجملة ثبوت الخيار وأنه يحصل التفرق بمفارقة أحدهما موضعه
وينقطع بذلك خيارهما جميعا وسواء في صورة المسألة كانا متباعدين في صحراء أو ساحة أو كانا في
بيتين من دار أو في صحن وصفة صرح به المتولي والله أعلم *
(فرع) إذا أكره أحد العاقدين على مفارقة المجلس فحمل مكرها حتى اخرج منه أو أكره
حتى خرج بنفسه فان منع من الفسخ بان سد فمه لم ينقطع خياره على المذهب وبه قطع الشيخ
181

أبو حامد وجمهور الأصحاب وهو مقتضي كلام الأصحاب وقيل في انقطاعه وجهان قاله الفقال
وحكاه جماعات من الخراسانيين وصاحب البيان قالوا وهما مبنيان على الخلاف الذي سنذكره إن شاء الله
تعالى في انقطاع الخيار بالموت قالوا وهنا أولى ببقائه لان ابطال حقه قهرا بعيد ما إذا لم يمنع من الفسخ
فطريقان (أحدهما) ينقطع وجها واحدا قاله القفال وحكاه جماعات (والثاني) هو الصحيح وبه قطع المصنف
والجمهور فيه وجهان ذكر المصنف دليلهما (أحدهما) ينقطع قاله أبو إسحاق المروزي (والثاني)
لا ينقطع وهو الصحيح باتفاقهم وهو قول جمهور أصحابنا المتقدمين وغيرهم وهو داخل في القاعدة
السابقة قريبا إن الاكراه يسقط أثر ذلك المشي ويكون كأنه لم يوجد * فالحاصل أن المذهب
أنه لا ينقطع الخيار سواء منع من الفسخ أم لا قال أصحابنا (فان قلنا) ينقطع خياره انقطع أيضا خيار
الماكث في المجلس لحصول التفرق وإلا فله التصرف بالفسخ والإجازة إذا تمكن وهل خياره
بعد التمكن على الفور أم يمتد امتداد مجلس التمكن فيه وجهان كالوجهين اللذين سنذكرهما
إن شاء الله تعالى فيما إذا مات وقلنا يثبت الخيار لوارثه (فان قلنا) لا يقيد بالفور وكان مستقرا حين
زايله الاكراه في مجلس امتد الخيار امتداد ذلك المجلس وإن كان مارا فإذا فارق في مروره مكان
التمكن انقطع خياره وليس عليه الرجوع إلى مجلس العقد ليجتمع هو والعاقد الآخر ان طال
الزمان لان المجلس قد انقطع حسا فلا معني للعود إليه هكذا نقله الامام وجزم به قال فان قصر
الزمان ففي تكليفه الرجوع احتمال والله أعلم * و (إذا قلنا) لا يبطل خيار المكره على المفارقة لم يبطل
خيار الماكث أيضا إن منع الخروج معه فإن لم يمنع فوجهان (أصحهما) يبطل هكذا ذكر
الأصحاب المسألة ولم يفرقوا بين من حمل مكرها أو أكره على التفرق و (قال) المتولي والبغوي وطائفة
هذا التفصيل فيما إذا حمل مكرها فان أكرها حتى تفرقا بأنفسهما ففي انقطاع الخيار قولان كحنث
الناسي والله أعلم *
(فرع) لو هرب أحد العاقدين ولم يتبعه الآخر فقد أطلق الأكثرون أنه ينقطع
خيارهما ممن أطلق ذلك وجزم به الفوراني والمتولي وصاحبا العدة والبيان وغيرهم (وقال) البغوي
182

والرافعي إن لم يتبعه الآخر مع التمكن بطل خيارهما وإن لم يتمكن بطل خيار الهارب دون
الآخر والصحيح ما قدمناه عن الأكثرين لأنه متمكن من الفسخ بالقول ولأنه فارقه باختياره فأشبه
إذا مشى على العادة بخلاف ما قدمناه في المكره فإنه لا فعل له بسبب الاكراه فكأنه لم يفارق
والله أعلم * فلو هرب وتبعه الآخر قال المتولي يدوم الخيار ما داما متقاربين فان تباعدا بحيث يعد
فرقة بطل اختيارهما والله أعلم *
(فرع) قال أصحابنا لو جاء المتعاقدان معا فقال أحدهما تفرقنا بعد العقد فنلزمه وقال الثاني
لم نتفرق وأراد الفسخ فالقول قول الثاني مع يمينه لان الأصل عدم التفرق ولو اتفقا على التفرق
وقال الآخر فسخت قبله وأنكر الآخر (فوجهان) الصحيح أن القول قول المنكر عملا بالأصل وبه
قطع القاضي حسين وصححه الروياني والباقون (والثاني) قول مدعى الفسخ لأنه أعلم بتصرفه قال
المتولي والروياني وهذا محكى عن صاحب التقريب * ولو اتفقا على عدم التفرق وادعى أحدهما
الفسخ وأنكر الآخر فدعواه الفسخ فسخ ولو أراد الفسخ فقال الآخر أنت اخترت قبل هذا فأنكر
الإجازة فالقول قول المنكر لان الأصل عدمها والله أعلم *
ولو قال أحدهما فسخت قبل التفرق
وقال الآخر بعده قال الدارمي قال ابن القطان فيه خلاف مبني على الخلاف فيما إذا قال راجعتك
فقالت بعد العدة قال وحاصله أربعة أوجه (أحدها) يصدق البائع (والثاني) المشتري (والثالث)
السابق بالدعوي (والرابع) يقبل قول من يدع الفسخ في الوقت الذي فسخ فيه وقول الآخر في وقت التفرق والله أعلم *
(فرع) لو مات من له الخيار أو من لو أغمي عليه في المجلس لم يبطل خياره بل ينتقل
إلى وارثه والناظر في أمره هذا هو المذهب وفيه خلاف ذكره المصنف بعد خيار الشرط وسنوضحه
بفروعه إن شاء الله تعالى * وإن خرس قال أصحابنا إن كانت له إشارة مفهومة أو كتابة فهو
على خياره وإلا نصب الحاكم نائبا عنه يعمل ما فيه حظه من الفسخ والإجازة والله أعلم *
183

(أما) إذا ناما في المجلس فلا ينقطع خيارهما بلا خلاف صرح به المتولي وغيره لان النوم لا يسمى
تفرقا والله أعلم *
(فرع) يثبت خيار المجلس للوكيل دون الموكل باتفاق الأصحاب لأنه متعلق بالعاقد
فلو مات الوكيل هل ينتقل الخيار إلى الموكل قال المتولي فيه الخلاف الذي سنوضحه في المكاتب
إن شاء الله تعالى إذا مات هل ينتقل خياره إلى سيده (الأصح) الانتقال قال ووجه الشبه أن
الملك حصل بعقد الوكيل للموكل لا بطريق الإرث كما أنه حصل للسيد بحكم العقد لا بطريق الإرث
هذا كلام المتولي وهو الأصح وفيه خلاف آخر سنذكره هناك إن شاء الله تعالى *
(فرع) قال القاضي حسين في تعليقه لو باع الكافر عبده المسلم يثبت له خيار المجلس
والشرط فلو فسخ البيع في مدة الخيار صح فسخه وأجبرناه على بيعه ثانيا ويثبت له الخيار والفسخ
وهكذا أبدا *
(فرع) في مذاهب العلماء في خيار المجلس * مذهبنا ثبوته للمتعاقدين وبه قال جمهور العلماء
من الصحابة والتابعين ومن بعدهم حكاه ابن المنذر عن ابن عمر وأبى برزة الأسلمي الصحابي وسعيد
ابن المسيب وطاووس وعطاء وسريج والحسن البصري والشعبي والزهري والأوزاعي واحمد واسحق
وأبى ثور وأبي عبيد وبه قال سفيان بن عيينة وابن المبارك وعلي ان المدايني وسائر المحدثين وحكاه القاضي
أبو الطيب عن علي بن أبي طالب وابن عباس وأبي هريرة وابن أبي ذؤيب وقال مالك وأبو حنيفة
لا يثبت بل يلزم البيع بنفس الايجاب والقبول وحكي هذا عن سريج والنخعي وربيعة
واحتج لهم بقول الله تعالى (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض
منكم) فظاهر الآية جوازه في المجلس وبحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من
ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه) فدل على أنه إذا جاز له بيعه في المجلس قبل التفرق وعن عمرو
ابن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن
تكون صفقة خيار فلا يحل له ان يفارق صاحبه خشية ان يستقيله) رواه أبو داود والترمذي وغيره
184

بأسانيد صحيحة وحسنه قال الترمذي هو حديث حسن قالوا وهذا دليل على أن صاحبه لا يملك الفسخ
الا من من جهة الاستقالة * وقياسا على النكاح والخلع وغيرهما ولأنه خيار بمجهول فان مدة المجلس
مجهولة فأشبه لو شرطا خيارا مجهولا * واحتج أصحابنا والجمهور بحديث ابن عمر قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا الا بيع الخيار) رواه البخاري ومسلم وعن
نافع قال سمعت ابن عمر يقول (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تبايعا المتبايعان وكل واحد منهما بالخيار
من بيعه ما لم يتفرقا أو يكون بيعهما عن خيار قال وكان ابن عمر إذا تبايع البيع وأراد أن يجب مشي
قليلا ثم رجع) رواه مسلم وعن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن المتبايعين بالخيار في
بيعهما ما لم يتفرقا الا أن يكون البيع خيارا قال نافع وكان ابن عمر إذا اشترى الشئ يعجبه فارق
صاحبه) رواه البخاري ومسلم وعن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا تبايع الرجلان
فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا أو يخير أحدهما صاحبه فتبايعا على ذلك فقد وجب
البيع وان تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع) رواه البخاري ومسلم
وفي رواية (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر) رواه البخاري ومسلم وعن ابن
عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا الا بيع الخيار)
وعن حكيم بن حزام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (البائعان بالخيار ما لم يتفرقا فان صدقا وبينا بورك لهما في
بيعهما وان كذبا وكتما محقت بركت بيعهما) رواه البخاري ومسلم وعن أبي الوضئ - بكسر الضاد
المعجمة وبالهمز - واسمه عباد ابن نسيب بضم النون وفتح السين المهملة واسكان الياء قال (غزونا
غزوة فنزلنا منزلا فباع صاحب لنا فرسا لغلام ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما فلما أصبحا من الغد حضر
الرحيل فقام إلى فرسه يسرجه وندم وأتى الرجل وأخذه بالبيع فأبى الرجل أن يدفعه إليه فقال بيني
وبينك أبو برزة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم فاتيا أبا برزة في ناحية العسكر فقالوا له القصة فقال أترضيان أن
أقضى بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) وفى رواية
قال (ما أراكما افترقتما) رواه أبو داود باسناد صحيح وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (خير
185

أعرابيا بعد البيع) رواه الترمذي وقال حديث صحيح * وعن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم
بايع رجلا فلما بايعه قال اختر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا البيع) رواه أبو داود
الطيالسي والبيهقي ورواه البيهقي وفى المسألة أحاديث كثيرة من رواية أبي هريرة وجابر وسمرة وعمرو
ابن شعيب عن أبيه عن جده وغيرهم وذكر البخاري في صحيحه تعليقا بصيغة الجزم عن ابن عمر
قال (بعث أمير المؤمنين عثمان مالا بالوادي بمال له تخيير فلما تبايعا رجعت على عقبى حتى خرجت من
بينه خشية أن يرد في البيع وكانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا قال ابن عمر فلما وجب
بيعي وبيعه رأيت انى قد غبنته فأتى سعيه إلى ارض ثمود بثلاث ليال وساقني إلى المدينة بثلاث ليال) روى البيهقي
هذا متصلا باسناده وروى البيهقي عن ابن المبارك قال الحديث (في البيعين بالخيار ما لم يتفرقا) أثبت من هذه
الأساطير وروى البيهقي باسناده عن علي بن المدائني عن ابن عيينة انه حدث الكوفيين بحديث
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في البيعين بالخيار ما لم يتفرقا قال فحدثوا به
أبا حنيفة فقال أبو حنيفة ليس هذا بشئ أرأيت إن كانا في سفينة قال ابن المدائني ان الله سائله عما
قال * قال القاضي أبو الطيب والأصحاب اعترض مالك وأبو حنيفة على هذه الأحاديث فإنها بلغتهما
(فأما) مالك فهو راوي حديث ابن عمر (وأما) أبو حنيفة فقال ما قدمناه عنه الآن من قوله أرأيت لو كانا
في سفينة فإنه لا يمكن تفرقهما (وأما) مالك فقال العمل عندنا بالمدينة خلاف ذلك فان فقهاء المدينة
لا يثبتون خيار المجلس ومذهبه أن الحديث إذا خالف عمل أهل المدينة تركه * قال أصحابنا هذه
الأحاديث صحيحة والاعتراضان باطلان مردودان لمنابذتهما السنة الصحيحة الصريحة المستفيضة
(وأما) قول أبي حنيفة لو كانا في سفينة فنحن نقول به فان خيارهما يدوم ما داما مجتمعين في السفينة
ولو بقيا سنة وأكثر وقد سبقت المسألة مبينة ودليلها إطلاق الحديث (وأما) قول مالك فهو اصطلاح
له وحده منفرد به عن العلماء فلا يقبل قوله في رد السنن لترك فقهاء المدينة العمل بها وكيف يصح
هذا المذهب مع العلم بأن الفقهاء ورواة الاخبار لم يكونوا في عصره ولا في العصر الذي قبله
منحصرين في المدينة ولا في الحجاز بل كانوا متفرقين في أقطار الأرض مع كل واحد قطعة من
186

الاخبار لا يشاركه فيها أحد فنقلها ووجب على كل مسلم قبولها ومع هذا فالمسألة متصورة في أصول
الفقه غنية عن الإطالة فيها هنا هذا كله لو سلم أن فقهاء المدينة متفقون على عدم خيار المجلس
ولكن ليس هم متفقين فهذا ابن أبي ذئب أحد أئمة فقهاء المدينة في زمن مالك قد أنكر على
مالك في هذه المسألة وأغلظ في القول بعبارات مشهورة حتى قال يستتاب مالك من ذلك وكيف
يصح دعوى اتفاقهم (فان قيل) قوله صلى الله عليه وسلم بالخيار أراد ما داما في المساومة وتقرير الثمن قبل تمام العقد لأنهما بعد تمام العقد لا يسميان متبايعين حقيقة وإنما يقال كانا متبايعين (قال أصحابنا)
فالجواب من أوجه * (أحدها) جواب الشافعي رحمه الله وهو أنهما ما داما في المقاولة يسميان
متساومين ولا يسميان متبايعين ولهذا لو حلف بطلاق أو غيره انه ما بايع وكان مساوما وتقاولا
في المساومة وتقرير الثمن ولم يعقدا لم يحنث بالاتفاق (والثاني) أن المتبايعان اسم مشتق من البيع
فما لم يوجد البيع لم يجز أن يشتق منه لان كل اسم من معنى لا يصح اشتقاقه حتى يوجد *
(المعنى الثالث) ان حمل الخيار على ما قلنا يحصل به فائدة لم تكن معروفة قبل الحديث وحمله على
المساومة يخرجه عن الفائدة فان كل أحد يعلم أن المتساومين بالخيار إن شاءا عقدا وإن شاءا تركا
(الرابع) انه صلى الله عليه وسلم مد الخيار إلى التفرق وهذا تصريح بثبوته بعد انقضاء العقد (الخامس) ان راوي الحديث ابن عمر كان إذا أراد الزام البيع مشى قليلا لينقطع الخيار كما ثبت عنه في الصحيحين
على ما قدمناه عنه وهو أعلم بمراد الحديث * (فان قيل) المراد بالتفرق التفرق بالقول كقوله عز وجل
(وما تفرق الذين أوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءتهم البينة) فالمراد التفرق بالقول (قلنا) الايجاب
والقبول ليس تفرقا منهما في القول لان من أوجب القول فغرضه أن يقبله صاحبه فإذا قبله فقد
وافقه ولا يسمى مفارقة وذكر أصحابنا أقيسة كثيرة وقياسات لا حاجة إليها مع الأحاديث السابقة
(وأما) الجواب عن احتجاجهم بقوله تعالى (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) فهو انه عام
مخصوص بما ذكرنا وهكذا الجواب عن حديث (فلا يبيعه حتى يستوفيه) فإنه عام مخصوص بما ذكرنا
(وأما) الجواب عن حديث (لا يحل له ان يفارقه خشية أن يستقيله) فهو انه دليل لنا كما جعله
187

الترمذي في جامعه دليلا لاثبات خيار المجلس واحتج به على المخالفين لان معناه مخافة أن يختار
الفسخ فعبر بالإقالة عن الفسخ والدليل على هذا أشياء (أحدها) انه صلى الله عليه وسلم أثبت لكل واحد منهما
الخيار ما لم يتفرقا ثم ذكر الإقالة في المجلس ومعلوم أن من له الخيار لا يحتاج إلى الإقالة فدل أن
المراد بالإقالة الفسخ (والثاني) أنه لو كان المراد حقيقة الإقالة لا يمنعه من المفارقة مخافة أن يقيله لان
الإقالة لا تختص بالمجلس والله تعالى أعلم * (وأما) الجواب عن قياسهم على النكاح والخلع انه
ليس المقصود منهما المال ولهذا لا يفسدان بفساد العوض بخلاف البيع والجواب عن قولهم خيار
مجهول أن الخيار الثابت شرعا لا يضر جهالة زمنه كخيار الرد بالعيب والاخذ بالشفعة بخلاف خيار
الشرط فإنه يتعلق بشرطهما فاشترط بيانه والله أعلم *
(فرع) ذكرنا انهما إذا قاما من مجلس وتماشيا جميعا دام خيارهما ما داما معا وإن بقيا
شهرا أو سنة هذا مذهبنا وحكى الروياني عن عبيد الله بن الحسن العنبري أنه قال ينقطع به مفارقة
مجلسهما وإن كانا (1) ودليلنا عموم الحديث ما لم يتفرقا *
(فرع) لو حكم حاكم بابطال خيار المجلس هل ينقض حكمه حكى الدارمي فيه وجهين
(أحدهما) لا ينقض للاختلاف (والثاني) ينقض قاله الإصطخري *
* قال المصنف رحمه الله *
(ويجوز شرط خيار ثلاثة أيام في البيوع التي لا ربا فيها لما روى محمد بن يحيى بن حبان
قال كان جدي قد بلغ ثلاثين ومائة سنة لا يترك البيع والشراء ولا يزال يخدع فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم من بايعته فقل لا خلابة وأنت بالخيار ثلاثا. (فأما) في البيوع التي فيها
الربا وهي الصرف وبيع الطعام بالطعام فلا يجوز فيها شرط الخيار لأنه لا يجوز أن يتفرقا قبل تمام
البيع ولهذا لا يجوز أن يتفرقا إلا عن قبض العوضين فلو جوزنا شرط الخيار لتفرقا ولم يتم
البيع بينهما وجاز شرط الخيار في ثلاثة أيام وفيما دونها لأنه إذا جاز شرط الثلاث فما دونها أولى

(1) بياض بالأصل.
188

بذلك ولا يجوز أكثر من ثلاثة أيام لأنه غرر وإنما جوز في الثلاث لأنه رخصة فلا يجوز فيما
زاد ويجوز أن يشترط لهما ولأحدهما دون الآخر ويجوز أن يشترط لأحدهما ثلاثة أيام وللآخر
يوم أو يومان لان ذلك جعل إلى شرطهما فكان على حسب الشرط فان شرط ثلاثة أيام ثم
تخايرا سقط قياسا على خيار المجلس *
(الشرح) هذا الحديث أتى به المصنف مرسلا لان محمد بن يحيى بن حبان لم يدرك النبي
صلى الله عليه وسلم وهذه القصة لم يذكر في هذه الرواية أنه سمعها من غيره وهو تابعي فثبت أنه وقع هنا مرسلا
وحبان بفتح الحاء بلا خلاف بين أهل العلم من المحدثين وغيرهم وقد تصحفه المتفقهون ونحوهم وهو
بالباء الموحدة وهي الغبن والخديعة وهذا الحديث قد روى بألفاظ منها حديث ابن عمر قال (ذكر
رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (من بايعت فقل لا خلابة)
رواه البخاري ومسلم وعن يونس بن بكير قال حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثني نافع عن ابن عمر
قال سمعت رجلا من الأنصار يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انه لا يزال يغبن في البيع فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم (إذا بايعت فقل لا خلابة ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال فان رضيت فامسك
وان سخطت فاردد) قال ابن عمر فكأني الآن أسمعه إذا ابتاع يقول لا خلابة قال ابن إسحاق
فحدثت بهذا الحديث محمد بن يحيى بن حبان قال كان جدي منقد بن عمرو وكان رجلا قد أصيب
في رأس أمه وكسرت لسانه ونقصت عقله وكان يغبن في البيع وكان لا يدع التجارة
فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إذا ابتعت فقل لا خلابة ثم أنت في كل بيع تبتاعه بالخيار
ثلاث ليال ان رضيت فامسك وان سخطت فاردد) فبقي حتى أدرك زمن عثمان وهو ابن مائة
وثلاثين سنة فكبر في زمان عثمان فكان إذا اشترى شيئا فرجع به فقالوا له لم تشترى أنت فيقول
قد جعلني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ابتعت بالخيار ثلاثا فيقولون اردده فإنك قد غبنت أو قال غششت
فيرجع إلى بيعه فيقول خذ سلعتك واردد دراهمي فيقول لا أفعل قد رضيت فذهبت حتى يمر به الرجل من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعلني بالخيار فيما
189

تبتاع ثلاثا فيرد عليه دراهمه ويأخذ سلعته) هذا الحديث حسن رواه البيهقي بهذا اللفظ باسناد حسن
وكذلك رواه ابن ماجة باسناد حسن وكذا رواه البخاري في تاريخه في ترجمة منقد بن عمرو باسناد
صحيح إلى محمد بن إسحاق ومحمد بن إسحاق المذكور في اسناده هو صاحب المغازي والأكثرون وثقوه
وإنما عابوا عليه التدليس وقد قال في روايته حدثني نافع والمدلس إذا قال حدثني أو اخبرني أو سمعت
ونحوها من الألفاظ المصرحة بالسماع احتج به عند الجماهير وهو مذهب البخاري ومسلم وسائر المحدثين
وجمهور من يعتد به وإنما يتركون من حديث المدلس ما قال فيه عنه وقد سبقت هذه المسألة مقررة
مرات لكن القطعة التي ذكرها محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان مرسلة لان محمد بن يحيى
لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر من سمعها منه ولكن مثل هذا المرسل يحتج به الشافعي
لأنه يقول إن المرسل إذا اعتضد بمرسل آخر أو بمسند أو بقول بعض الصحابة أو بفتيا عوام أهل
العلم احتج به وهذا المرسل قد وجد فيه ذلك لان الأمة مجمعة على جواز شرط الخيار ثلاثة أيام والله أعلم *
(وأما) ما وقع في الوسيط وبعض كتب الفقه في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (له واشترط الخيار
ثلاثة) أيام فمنكر لا يعرف بهذا اللفظ في كتب الحديث * واعلم أن أقوى ما يحتج به في ثبوت خيار
الشرط الاجماع وقد نقلوا فيه الاجماع وهو كاف والحديث المذكور يحتج به لكن في دلالته باللفظ
الذي ذكرناه نظر والله أعلم * (اما) الأحكام ففيها مسائل (إحداها) يصح شرط الخيار في البيع بالاجماع
إذا كانت مدته معلومة (الثانية) لا يجوز عندنا أكثر من ثلاثة أيام للحديث المذكور ولان الحاجة
لا تدعو إلى أكثر من ذلك غالبا وكان مقتضى الدليل منع شرط الخيار لما فيه من العذر وإنما جوز
للحاجة فيقتصر فيه على ما تدعوا إليه الحاجة غالبا وهو ثلاثة أيام هذا هو المشهور في المذهب وتظاهرت
عليه نصوص الشافعي رحمه الله وقطع به الأصحاب في جميع الطرق وفيه وجه انه يجوز أكثر من
ثلاثة أيام إذا كانت مدة معلومة وهو قول ابن المنذر قاله في الاشراف واحتج بقول النبي صلى الله
عليه وسلم (المؤمنون على شروطهم) والله أعلم * قال أصحابنا فان زاد على ثلاثة أيام ولو لحظة بطل
البيع (الثالثة) يجوز شرط الخيار ثلاثة أيام ويجوز دونها إذا كان معلوما كما ذكره المصنف ويجوز أن
190

يشرط الخيار لأحدهما ويجوز لهما ويجوز لأحدهما ثلاثة وللآخر يومان أو يوم ونحو ذلك بحيث
يكون معلوما وهذا كله لا خلاف فيه لكن لو كان المبيع مما يتسارع إليه الفساد فباعه بشرط الخيار
ثلاثة أيام فوجهان حكاهما صاحب البيان (أصحهما) يبطل البيع (والثاني) يصح ويباع عند الأشرف
على الفساد ويقام ثمنه مقامه وهذا غلط ظاهر قال أصحابنا ويشترط أن تكون المدة متصلة بالعقد
فلو شرطا خيار ثلاثة أيام أو دونها من آخر الشهر أو من الغد أو متى شاءا أو شرطا خيار الغد دون اليوم
بطل العقد لمنافاته لمقتضاه (قال أصحابنا) ويشترط كون المدة معلومة فان شرطا الخيار مطلقا ولم يقدراه
بشئ أو قدراه بمدة مجهولة كقوله بعض يوم أو إلى أن يجئ. زيد أو غير ذلك بطل البيع بلا خلاف
عندنا ولو شرطاه إلى وقت طلوع الشمس من الغد جاز بلا خلاف ولو شرطاه إلى طلوعها فقد قال
القاضي أبو الطيب في كتابيه التعليق والمجرد قال أبو عبد الله الزبيري في كتاب الفصول لا يصح البيع
لان طلوع الشمس قد لا يحصل لحصول غيم في السماء قال فلو قال إلى غروب الشمس أو إلى وقت
الغروب صح لان الغروب لا يستعمل الا في سقوط قرص الشمس هذا كلام الزبيري وسكت عليه
القاضي أبو الطيب وحكاه أيضا عنه المتولي وسكت عليه (فأما) شرطهما إلى وقت الطلوع والى الغروب
أو وقت الغروب فيصح باتفاق الأصحاب كما قاله الزبيري وأما إذا شرطاه إلى الطلوع فقد خالفه غيره
وقال بالصحة لان الغيم إنما يمنع من إشراق الشمس واتصال الشعاع لا من نفس الطلوع وهذا هو الصحيح
والله أعلم * (أما) إذا تبايعا نهارا بشرط الخيار إلى الليل أو ليلا بشرط الخيار إلى النهار فيصح البيع
بلا خلاف ولا يدخل الزمن الآخر في الشرط بلا خلاف عندنا وحكى القاضي أبو الطيب في تعليقه
عن أبي حنيفة أنه قال يدخل لان لفظة إلى قد تستعمل بمعنى مع كقوله تعالى (لا تأكلوا أموالهم
إلى أموالكم) دليلنا أن أصل إلى الغاية فهذا حقيقتها فلا تحمل على غيره عند الاطلاق وأما استعمالها
بمعنى مع في بعض المواطن ففيه جوابان (أحدهما) أنها مؤولة ففي الآية المذكورة تقديره. مضافة إلى
أموالكم (والثاني) أنها استعملت بمعنى مع مجازا فلا يصير إلى المجاز في غيرها بغير قرينة ولأنهم
وافقونا على أنه لو باع بثمن مؤجل إلى رمضان لا يدخل رمضان في الأجل والله أعلم * (الرابعة)
191

ذا شرطا الخيار ثلاثة أيام أو غيرها ثم أسقطاه قبل انقضاء المدة سقط لما ذكره المصنف وكذا لو أسقط
أحدهما خياره سقط وبقى خيار الآخر ولو أسقطا اليوم الأول سقط الجميع ولو أسقطا الثالث لم يسقط
ما قبله قال القاضي حسين والبغوي والمتولي فلو قال أسقطت الخيار في اليوم الثاني بشرط انه يبقى في
الثالث سقط خياره في اليومين جميعا لأنه كما لا يجوز ان يشرط خيارا متراخيا عن العقد لا يجوز ان
يستبقى خيارا متراخيا وإنما يجوز ان يستبقى اليومين تغليبا للاسقاط لان الأصل لزوم العقد
وإنما جوزنا الشرط لأنه رخصة فإذا عرض له ذلك حكم بلزوم العقد والله أعلم * (الخامسة) فيما يثبت
فيه خيار الشرط من العقود قال أصحابنا جملة القول فيه انه مع خيار المجلس متلازمان غالبا لكن
خيار المجلس أسرع وأولى ثبوتا من خيار الشرط فقد ينفكان لهذا فإذا أردت التفصيل فراجع
ما سبق في خيار المجلس وهما متفقان في صور الوفاق والخلاف الا في أشياء (أحدها) أن البيوع
التي يشترط فيها التقابض في المجلس كالصرف وبيع الطعام بالطعام أو القبض في أحد العوضين كالسلم
لا يجوز شرط الخيار فيها بلا خلاف مع أن خيار المجلس يثبت فيها ودليل المسألة مذكور في
الكتاب وقد أهمل المصنف ذكر السلم هنا ولكنه ذكره في كتاب السلم (الثاني) أن خيار الشرط
لا يثبت في الشفعة بلا خلاف وكذا لا يثبت في الحوالة وفى خيار المجلس فيهما خلاف سبق
(الثالث) أنه إذا كان رجع في سلعة باعها ثم حجر على المشترى بالفلس لا يثبت فيها خيار الشرط
بلا خلاف وفى خيار المجلس خلاف ضعيف سبق (الرابع) في الهبة بشرط الثواب وفى الإجارة طريق
قاطع بأنه لا يثبت خيار الشرط مع جريان الخلاف في ثبوته في خيار المجلس (وأما) شرط الخيار في
الصداق فسيأتي في كتاب الصداق إن شاء الله تعالى إيضاحه وتفصيله ومختصره أن الأصح صحة
النكاح وفساد المسمى ووجوب مهر المثل وانه لا يثبت الخيار والله تعالى أعلم *
(فرع) قال جماعة من أصحابنا قد اشتهر في الشرع أن قوله لا خلابة عبارة عن اشتراط
الخيار ثلاثة أيام فإذا أطلق المتعاقدان هذه اللفظة وهما عالمان بمعناها كان كالتصريح بالاشتراط وإن كانا
جاهلين لم يثبت الخيار قطعا فان علمه البائع دون المشترى فوجهان مشهوران حكاهما المتولي
192

وابن القطان وآخرون (أصحهما) لا يثبت (والوجه الثاني) يثبت وهذا شاذ ضعيف بل غلط لان
معظم الناس لا يعرفون ذلك والمشتري غير عارف به
(فرع) لو اشترى شيئا بشرط أنه ان لم ينقده الثمن في ثلاثة أيام فلا بيع بينهما
أو باع بشرط انه ان رد الثمن في ثلاثة أيام فلا بيع بينهما فوجهان حكاهما المتولي وغيره
(أحدهما) يصح العقد ويكون تقدير الصورة الأولى أن المشترى شرط الخيار لنفسه فقط
وفى الثانية أن البائع شرطه لنفسه فقط وهذا قول أبى اسحق قال لان عمر بن الخطاب
رضي الله عنه أجاز ذلك (والثاني) وهو الصحيح باتفاقهم وبه قطع الروياني وغيره أن البيع باطل
في الصورتين لان هذا ليس بشرط خيار بل هو شرط فاسد مفسد للبيع لأنه شرط في العقد شرطا
مطلقا فأشبه ما لو باع بشرط أنه ان قدم زيد القوم فلا بيع بينهما *
(فرع) قال أصحابنا لو باع عبدين بشرط الخيار في أحدهما لا بعينه بطل البيع بلا خلاف
كما لو باع أحدهما لا بعينه ولو باع بشرط الخيار في أحدهما بعينه ففيه القولان المشهوران في الجمع بين
مختلفي الحكم وكذا لو شرط الخيار في أحدهما يوما وفى الآخر يومين (والأصح) صحة البيع فان صححنا
البيع ثبت الخيار فيما شرط على ما شرط * ولو شرطا الخيار فيهما ثم أرادا الفسخ في أحدهما فعلى قولي
تفريق الصفقة في الرد بالعيب (الأصح) لا يجوز ولو اشترى اثنان شيئا من واحد صفقة واحدة بشرط
الخيار فلأحدهما الفسخ في نصيبه كما في الرد بالعيب ولو شرطا الخيار لأحدهما دون الآخر ففي صحة
البيع قولان (الأصح) الصحة والله أعلم *
(فرع) قال المتولي وغيره إذا قال بعتك بشرط خيار يوم اقتضى اطلاقه اليوم الذي وقع
فيه العقد كما لو حلف لا يكلمه شهرا فإن كان العقد نصف النهار مثلا ثبت له الخيار إلى أن
ينتصف النهار في اليوم الثاني ويدخل الليل في حكم الخيار للضرورة وإن كان العقد في أول
وقت العصر ثبت إلى مثله من اليوم الثاني وإن كان العقد في الليل ثبت الخيار إلى غروب الشمس
من اليوم المتصل بذلك الليل *
193

(فرع) إذا شرطا في البيع خيارا أكثر من ثلاثة أيام فقد ذكرنا أن البيع باطل فلو
أسقطا الزيادة بعد مفارقة المجلس وقبل انقضاء الثلاثة لا ينقلب العقد صحيحا عندنا بلا خلاف وكذا
لو باع بثمن إلى أجل مجهول ثم قدر الأجل قبل أن يتوهم دخول وقت المطالبة لا ينقلب العقد صحيحا
ولا خلاف في الصورتين * عندنا وقال أبو حنيفة يصح العقد في الصورتين قال المتولي واختلف أصحاب
أبي حنيفة في أصل العقد فمنهم من يقول وقع العقد فاسدا وباسقاط الزيادة والجهالة يعود صحيحا
ومنهم من قال وقع صحيحا وإذا لم تسقط الزيادة فسد ومنهم من قال هو موقوف * دليلنا أن ما وقع
على وجه لا يثبت دائما لم يعد صحيحا كما لو نكح امرأة وعنده أربع ثم طلق إحداهن لا يحكم
بصحة نكاح الخامسة (أما) إذا أسقطا الزيادة على ثلاثة أيام في مجلس العقد فوجهان حكاهما المتولي
وآخرون هنا وهما مشهوران جاريان في كل شرط فاسد قارن العقد ثم حذف في المجلس (أحدهما) وبه قال
صاحب
التقريب يصح العقد لان حكم المجلس حكم حالة العقد ولان الشافعي رحمه الله قال لو لم يذكروا في السلم أجلا ثم
ذكراه قبل التفرق جاز (والثاني) وهو الصحيح باتفاق الأصحاب أن العقد باطل ولا يعود صحيحا
بذلك لان المجلس إنما ثبت لعقد صحيح لا لفاسد (وأما) السلم ففرعه الشافعي على الصحيح من
القولين وهو صحة السلم مطلقا ويكون حالا والله أعلم *
(فرع) لو تبايعا بغير إثبات خيار الشرط ثم شرطا في المجلس خيارا أو أجلا ففيه الخلاف
المشهور (الأصح) ثبوته ويكون كالشرط في العقد وسنوضح المسألة مبسوطة في باب ما يفسد البيع من
الشروط إن شاء الله تعالى *
(فرع) اتفق أصحابنا على أن الوكيل بالبيع لا يجوز أن يشرط الخيار للمشترى وأن الوكيل
في الشراء لا يجوز أن يشترط الخيار للبائع من غير إذن الموكل كما لو باع بثمن مؤجل من غير إذن
وقد ذكر المصنف المسألة في كتاب الوكالة قال المصنف والأصحاب وهل يجوز أن يشترط الخيار
لنفسه أو لموكله فيه وجهان مشهوران (أحدهما) لا يجوز لأن اطلاق البيع يقتضى البيع بلا شرط
فلا يجوز الشرط من غير إذن فعلى هذا لو شرطه كان العقد باطلا (وأصحهما) يصح وبه قطع جماعة
194

منهم القاضي حسين والفوراني هنا والمتولي في كتاب الوكالة لأنه لا ضرر على الموكل في هذا
ولأنه مأمور بالمصلحة وهذا منها * قال أصحابنا وإذا شرط الخيار لنفسه وجوزناه على الأصح أو أذن
فيه الموكل ثبت له الخيار ولا يفعل إلا ما فيه المصلحة من الفسخ والإجازة لأنه مؤتمن بخلاف ما سنذكره
إن شاء الله تعالى قريبا إذا شرط الخيار لأجنبي وصححناه فإنه لا يلزمه رعاية الحط لأنه ليس
بمؤتمن هكذا ذكره الأصحاب قال الرافعي ولقائل أن يقول جعل الخيار له استئمان قال وهذا المعني
أظهر إذا جعلناه نائبا عن العاقد ثم هل يثبت للموكل الخيار مع الوكيل في هذه الصورة فيه الخلاف
الذي سنذكره إن شاء الله تعالى فيما إذا شرط الخيار لأجنبي وقلنا يثبت له هل يثبت للشارط فيه
وجهان أو قولان (أصحهما) لا يثبت وهو ظاهر النص لان ثبوته بالشرط فكان لمن شرطه خاصة
أما إذا أذن له الموكل في شرط الخيار وأطلق فشرط الوكيل الخيار مطلقا ولم يقل لي ولا لموكلي
فقد ذكر امام الحرمين والغزالي فيه ثلاثة أوجه (أحدها) يثبت الخيار للوكيل لأنه العاقد
(والثاني) للموكل لأنه المالك (والثالث) لهما والأصح للوكيل لان معظم أحكام العقد متعلقة
به وحده والله أعلم *
(فرع) إذا مضت مدة الخيار من غير فسخ ولا إجازة تم البيع ولزم بلا خلاف عندنا *
وقال مالك لا يلزم بمضي المدة كما لا يلزم المولى حكم الايلاء بمجرد مضى المدة دليلنا أن الخيار
يمنع لزوم العقد فإذا انقضت مدته لزم بخلاف الايلاء
* قال المصنف رحمه الله
(وان شرط الخيار لأجنبي ففيه قولان (أحدهما) لا يصح لأنه حكم من أحكام العقد فلا يثبت
لغير المتعاقدين كسائر الأحكام (والثاني) يصح لأنه جعل إلى شرطهما للحاجة وربما دعت الحاجة
إلى شرطه للأجنبي بأن يكون أعرف بالمبتاع منهما * فان شرطه للأجنبي (وقلنا) إنه يصح فهل
يثبت له فيه وجهان (أحدهما) يثبت له لأنه إذا ثبت للأجنبي من جهة فلان يثبت له أولى
(والثاني) لا يثبت لان ثبوته بالشرط فلا يثبت الا لمن شرطه له * قال الشافعي رحمه الله في الصرف
195

إذا اشتري بشرط الخيار على أن لا يفسخ حتى يستأمر فلانا لم يكن له ان يفسخ حتى يقول استأمرته
فأمرني بالفسخ فمن أصحابنا من قال له أن يفسخ من غير اذنه لان له أن يفسخ من غير شرط
الاستئمار فلا يسقط حقه بذكر الاستئمار وتأول ما قاله على أنه أراد أنه لا يقول استأمرته الا
بعد أن يستأمره لئلا يكون كاذبا (ومنهم) من حمله على ظاهره أنه لا يجوز أن يفسخ لأنه ثبت
بالشرط فكان على ما شرط) *
(الشرح) قال أصحابنا يجوز شرط الخيار للعاقدين ولأحدهما بالاجماع فان شرطه لأجنبي
فقولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) باتفاق الأصحاب يصح البيع والشرط وهو
الأشهر من نصوص الشافعي رحمه الله نص عليه في الاملاء وفى الجامع الكبير وبه قطع الغزالي
وغيره ونقل إمام الحرمين في النهاية اتفاق الأصحاب عليه ولم يذكر فيه خلافا وليس كما ادعى
(والقول الثاني) أن البيع باطل وحكى الماوردي عن ابن سريج وجها أن البيع صحيح والشرط
باطل قال وعلى هذا وجهان (أحدهما) يكون البيع لازما لا خيار فيه (والثاني) ان بطلان الخيار
يختص بالأجنبي فيصح البيع ويثبت الخيار للعاقد وكل هذا ضعيف والمذهب الأول * قال أصحابنا
ولو باع عبدا بشرط الخيار للعبد ففيه القولان (أصحهما) يصح البيع والشرط لأنه أجنبي من
العقد فأشبه غيره وأطلق ابن القاص انه لا يصح في صورة العبد قال القاضي أبو الطيب وغيره وهو
تفريع منه على قولنا لا يصح شرطه لأجنبي فأما إذا صححناه للأجنبي فيصح للعبد والله أعلم *
قال أصحابنا ولا فرق على القولين بين أن يشرطا جميعا أو أحدهما الخيار لشخص واحد أو يشرط
أحدهما لواحد والآخر لآخر فلو شرطه أحدهما لزيد من جهته وشرطه الآخر لزيد أيضا من جهته
صح على قولنا بصحته للأجنبي قال المتولي والفرق بينه وبين الوكيل الواحد في طرفي البيع
والشراء أن عقد البيع لا يجوز أن ينفرد به أحدهما فلا ينفرد وكيلهما (وأما) الفسخ والإجازة فينفرد
به أحدهما فانفرد به وكيلهما * قال المتولي وغيره وإذا شرطه لأجنبي وصححناه لا يشترط فيه قبول
الأجنبي باللفظ بل يكون امتثاله كما لو قال بع مالي فإنه يكفي في قبول الوكالة اقدامه
196

على البيع قالوا ويشترط أن لا يصرح بالرد * قال أصحابنا (فإذا قلنا) بالأصح انه يثبت الخيار
للأجنبي المشروط له فهل يثبت للشارط أيضا فيه خلاف مشهور ذكره المصنف بدليله ثم إن
المصنف وجماعة حكوه وجهين وحكاه المتولي وآخرون قولين (أحدهما) يثبت له أيضا وصححه
الروياني (وأصحهما) عند الجمهور لا يثبت وهذا ظاهر نصه في الصرف وفى الاملاء لأنه قال في
الاملاء من باع سلعة على رضاء غيره كان للذي شرط له الرضا الرد ولم يكن للبائع قال أصحابنا
فإن لم نثبته للشارط مع الأجنبي بل خصصنا به الأجنبي فمات الأجنبي في زمن الخيار فهل يثبت
الآن للشارط فيه وجهان حكاهما البغوي وآخرون (أصحهما) عند البغوي والرافعي وغيرهما
يثبت كما يثبت للوارث (والثاني) لا لأنه ليس بوارث وبهذا جزم صاحب البحر والمذهب
الأول * قال أصحابنا وإذا أثبتنا الخيار للأجنبي والشارط جميعا فلكل واحد منهما الاستقلال بالفسخ
فلو فسخ أحدهما واختار الآخر قدم الفسخ والله أعلم * (اما) إذا اشترى شيئا على أن يؤامر فلانا
فيأتي به من الفسخ والإجازة فقد نص الشافعي رحمه الله في كتاب الصرف على أن البيع صحيح
وانه ليس له أن يفسخ حتى يقول استأمرته فأمرني بالفسخ * وتكلم الأصحاب في النص من وجهين
(أحدهما) انه له إذا شرط أن يقول استأمرته وأي مدخل لو أمر به مع أنه لا خيار له واختلفوا في
جواب هذا وقال القائلون بالأصح في الصورة السابقة ان الخيار المشروط للأجنبي يختص بالأجنبي
هذا جواب على المذهب الذي بيناه ومؤيد به وقال الآخرون هو مذكور احتياطا ولا يشترط
استئماره وإنما أراد الشافعي انه لا يقول استأمرته إلا بعد الاستئمار لئلا يكون كاذبا ونقل الماوردي
هذا عن أبي إسحاق المروزي والبصريين كافة والجواب الأول أصح وأقرب إلى ظاهر النص لأنه
قال لم يكن له أن يفسخ ولم يقل لم يجز له إن يكذب (الاعتراض الثاني) انه أطلق في التصوير
شرط المؤامرة ولم يقيده بثلاثة أيام فما دونها واختلفوا في جوابه على وجهين حكاهما البغوي والروياني
وآخرون (الصحيح) منهما باتفاقهم وبه قطع الجمهور أنه محمول على ما إذا قيد ذلك بالثلاثة فان
أطلق لم يصح البيع (والثاني) يحتمل الاطلاق والزيادة على الثلاثة كخيار الرؤية في بيع الغائب
197

إذا جوزناه فإنه تجوز الزيادة فيه على الثلاثة والمذهب الأول (قال) البغوي وإذا شرط المؤامرة ثلاثة
أيام فمضت الثلاثة ولم يؤامره وأمره ولم يشر بشئ لزم العقد ولا ينفرد هو بالفسخ والامضاء في
مدة الثلاثة حتى يؤامر والله أعلم *
(فرع) إذا شرط الخيار لأجنبي وقلنا يصح شرطه له وثبت له ولهما فتبايعا بشرط الخيار
لأجنبي وصرحا بنفيه عن أنفسهما ففي صحة هذا الشرط والنفي وجهان حكاهما امام الحرمين (أحدها)
يصح اتباعا للشرط (والثاني) لا يصح والأول أصح
* قال المصنف رحمه الله *
(وإذا شرط الخيار في البيع ففي ابتداء مدته وجهان (أحدهما) من حين العقد لأنه مدة ملحقة
بالعقد فاعتبر ابتداؤها من حين العقد كالأجل ولأنه لو اعتبر من حين التفرق صار أول مدة
الخيار مجهولا لأنه لا يعلم متى يفترقان (والثاني) انه يعتبر من حين التفرق لان ما قبل التفرق
الخيار ثابت فيه بالشرع فلا يثبت فيه بشرط الخيار (فان قلنا) ان ابتداءه من حين العقد فشرط
أن يكون من حين التفرق بطل لان وقت الخيار مجهول ولأنه يزيد الخيار على ثلاثة أيام (وإن
قلنا) ان ابتداءه من حين التفرق فشرط أن يكون من حين العقد ففيه وجهان (أحدهما) يصح لان ابتداء
الوقت معلوم (والثاني) لا يصح لأنه شرط ينافي موجب العقد فأبطله) *
(الشرح) قوله مدة ملحقة بالعقد قال القلعي هو احتراز من الاستبراء إذا قلنا لا يحسب
إلا بعد القبض أو بعد انقضاء الخيار * قال أصحابنا إذا تبايعا بشرط الخيار ثلاثة أيام فما دونها ففي
ابتداء مدته وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) باتفاق الأصحاب من حين العقد
(والثاني) من حين انقطاع خيار المجلس اما بالتخاير واما بالتفرق قال الروياني هذا اختيار
ابن القطان وابن المرزبان والأول قول ابن الحداد وقول ابن الحداد هو الصحيح عند جميع
المصنفين حتى قال الروياني قول ابن القطان ليس بشئ * قال المصنف والأصحاب (فان قلنا)
انه من حين العقد فشرطاه من حين التفرق بطل البيع هذا هو المذهب وبه قطع المصنف
والأصحاب في جميع الطرق * وحكى إمام الحرمين عن حكاية صاحب التقريب وجها انه يصح البيع
198

والشرط وهذا شاذ مردود (فان قلنا) من حين التفرق فشرطاه من حين العقد فوجهان مشهوران
ذكرهما المصنف بدليلهما (أحدهما) يبطل البيع (وأصحهما) باتفاق الأصحاب لا يبطل ممن صححه
صاحب الشامل والروياني وصاحب البيان والرافعي وآخرون * قال أصحابنا (فان قلنا) ابتداء
المدة من حين العقد فانقضت وهما مصطحبان فقد انقطع خيار الشرط وبقى خيار المجلس وان
تفرقا والمدة باقية فالحكم بالعكس ولو أسقطا أحد الخيارين سقط ولم يسقط الآخر ولو قالا ألزمنا
العقد أو أسقطنا الخيار سقطا جميعا ولزم البيع هذا تفريع كونه من العقد (فأما) إذا قلنا من التفرق
فإذا تفرقا انقطع خيار المجلس وابتدئ خيار الشرط وان أسقطا الخيار قبل التفرق انقطع خيار
المجلس وفى خيار الشرط وجهان حكاهما امام الحرمين والبغوي وغيرهما (أحدهما) ينقطع لان
مقتضاهما واحد (وأصحهما) لا ينقطع لأنه غير ثابت في الحال فكيف يسقط والله تعالى أعلم *
(فرع) لو شرطا الخيار بعد العقد وقبل التفرق وقلنا بصحته على الخلاف السابق
(فان قلنا) ابتداء المدة من التفرق لم يختلف الحكم (وان قلنا) من العقد حسبت المدة هنا من
حين الشرط لا من العقد ولا من التفرق والله أعلم *
(فرع) إذا باع بثمن مؤجل ففي ابتداء وقت الأجل طريقان (أصحهما) وبه قطع
المصنف والعراقيون وجماعة من غيرهم أنه من حين العقد وجها واحدا (والثاني) أنه مرتب على ابتداء
مدة الخيار ان جعلناها من العقد فالأجل أولى بذلك (وان قلنا) من التفرق ففي الأجل وجهان وهذا
الطريق مشهور في كتب الخراسانيين وممن ذكره منهم القاضي حسين وأبو علي السنجي وامام
الحرمين والغزالي وغيرهم وجمع القاضي حسين وغيره المسألتين فقالوا في ابتداء مدة الخيار والأجل
ثلاثة أوجه (أصحها) من حين العقد فيهما (والثاني) من حين التفرق (والثالث) الأجل من
العقد والخيار من التفرق وفرقوا بينهما بأن الأجل ليس من جنس خيار المجلس فكان اجتماعهما
أقرب بخلاف خيار الشرط قال أمام الحرمين (فان قيل) لا وجه لقول من قال يحسب الأجل من
التفرق وقلنا الخيار يمنع المطالبة بالثمن كالأجل فكان قريبا والخيار في التحقيق تأجيل لالزام
199

الملك أو نقله والأجل تأخير المطالبة قال الامام ومن قال بتأخير الأجل عن العقد عن خيار
المجلس فقياسه أنه إذا باع بشرط خيار ثلاثة أيام وبشرط الأجل أن يفسخ أول الأجل بعد انقضاء
خيار الثلاث لأنه عنده في معناه ولا سبيل إلى الجمع بين المثلين هذا كلام الامام * والمذهب أن
الأجل من العقد سواء شرط خيار الثلاث أم لا والله أعلم * قال الغزالي في الوسيط (وأما) مدة
الإجازة إذا قلنا يثبت فيها خيار الشرط ففي ابتدائها هذا الخلاف المذكور في الأجل قال والأصح
أنها من العقد والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
(ومن ثبت له الخيار فله أن يفسخ في محضر من صاحبه وفى غيبته لأنه رفع عقد جعل إلى
اختياره فجاز في حضوره وغيبته كالطلاق) *
(الشرح) قوله جعل إلى اختياره قال القلعي هو احتراز من الإقالة والخلع فإنهما لم يجعلا إلى
اختياره وحده بل إلى اختيارهما قال أصحابنا من ثبت له خيار الشرط كان له الفسخ في حضرة
صاحبه وفى غيبته لما ذكره المصنف وهذا مذهبنا لا خلاف فيه عندنا وبه قال مالك واحمد وزفر
وأبو يوسف * وقال أبو حنيفة ومحمد لا يصح الا في حضرة صاحبه ولهذا قاسه المصنف على الطلاق
لأنه مجمع على نفوذه بغير حضورها والله أعلم *
(فرع) الإقالة فسخ للعقد على القول الصحيح الجديد كما سنوضحه في موضعه إن شاء الله
تعالى قال أصحابنا ولا تصح الا بحضور المتعاقدين هذا هو المذهب وبه قطع الجماهير وذكر الروياني
فيها وجهين (الصحيح) منهما هذا (والثاني) انه إذا قال أقلني ثم غاب في الحال ثم قال الآخر أقلتك
بحيث يصلح أن يكون جوابا لكلامه صحت الإقالة وان لم يسمعه لبعد منه وهذا شاذ ضعيف *
(فرع) إذا فسخ المستودع الوديعة من غير حضور مالكها ففي صحة الفسخ وجهان حكاهما
الروياني هنا (أحدهما) لا يصح لان الأمانة لا تنفسخ بالقول ولهذا لو قال فسخت الأمانة كان على الأمانة ما لم يردها
حتى لو هلكت قبل امكان الرد لا ضمان (والثاني) يصح ويرتفع حكم عقد الوديعة ويبقى حكم الأمانة
كالثوب إذا ألقته الريح في دار انسان يكون أمانة والا يكون وديعة فيلزمه ان يعلم صاحبه بذلك فان
200

أخر الاعلام مع القدرة ضمن هذا كلام الروياني * وجزم القاضي أبو الطيب في تعليقه وصاحب
الشامل وغيرهما في هذا الموضع بصحة فسخ الوديعة في غيبة المالك قال القاضي أبو الطيب تنفسخ
ويلزمه ردها إلى مالكها فإن لم يجده دفعها إلى الحاكم فإن لم يفعل وهلكت ضمن (فان قيل)
لو انفسخت الوديعة لوجب أن يضمنها إذا تلفت في يده قبل العلم بالفسخ لأنه لا يجوز أن تنفسخ
ولا تكون مضمونة (قلنا) لا يمتنع أن تنفسخ وتبقي في يده أمانة ولهذا لو حضر المالك وقال فسخت وديعتي
انفسخت وتكون أمانة في يد إلى أن يسلمها فان ذهب ليحضرها فتلفت قبل التمكن لم يضمنها والله أعلم *
قال المصنف رحمه الله *
فان تصرف في المبيع تصرفا يفتقر إلى الملك كالعتق والوطئ والهبة والبيع وما أشبهها نظرت فإن كان
ذلك من البائع كان ذلك اختيارا للفسخ لأنه تصرف يفتقر إلى الملك فجعل اختيارا للفسخ
والرد إلى الملك وإن كان ذلك من المشترى ففيه وجهان (قال) أبو إسحاق إن كان ذلك عتقا كان
اختيارا للامضاء وإن كان غيره لم يكن ذلك اختيارا لان العتق لو وجد قبل العلم بالعيب منع الرد فاسقط خيار المجلس وخيار الشرط وما سواه لو وجد قبل العلم بالعيب لم يمنع الرد بالعيب فلم يسقط
خيار المجلس وخيار الشرط (وقال) أبو سعيد الإصطخري الجميع اختيار للامضاء وهو الصحيح
لان الجميع يفتقر إلى الملك فكان الجميع اختيارا للملك ولان في حق البائع الجميع واحد فكذلك
في حق المشترى فان وطئها المشترى بحضرة البائع وهو ساكت فهل ينقطع خيار البائع بذلك فيه
وجهان (أحدهما) ينقطع لأنه أمكنه أن يمنعه فإذا سكت كان ذلك رضاء بالبيع (والثاني) لا ينقطع
لأنه سكوت عن التصرف في ملكه فلا يسقط عليه حكم التصرف كما لو رأى رجلا يخرق ثوبه
فسكت عنه والله أعلم *
(الشرح) قوله لان الجميع يفتقر إلى الملك احتراز من الاستخدام (وقوله) لأنه سكوت عن
التصرف في ملكه قال القلعي فيه احتراز من المودع إذا رأى من يسرق الوديعة فسكت عنه (أما)
الأحكام ففيها مسائل (إحداها) قال أصحابنا يحصل الفسخ والإجازة في خيار المجلس وخيار الشرط
201

بكل لفظ يفهم منه ذلك كقول البائع فسخت البيع أو استرجعت المبيع أو رددته أو رددت الثمن ونحو
ذلك فكل هذا فسخ والإجازة أجزت البيع وأمضيته وأسقطت الخيار وأبطلت الخيار ونحو ذلك قال
الصيمري وقول البائع في زمن الخيار لا أبتع حتى يزيد في الثمن مع قول المشترى لا أفعل يكون
فسخا وكذا قول المشتري لا أشتري حتى ينقص عني من الثمن مع قول البائع لا أفعل وكذا طلب
البائع حلول الثمن المؤجل وطلب المشترى تأجيل الثمن الحال كل هذا فسخ * هذا كلام الصيمري
وحكاه عنه صاحب البيان والرافعي وغيرهما وسكتوا عليه موافقين له (الثانية) إعتاق البائع إذا
كان الخيار لهما أوله وحده ينفذ ويكون فسخا بلا خلاف وفى بيعه وجهان مشهوران
(أحدهما) ليس بفسخ (والثاني) وهو الصحيح انه فسخ وبه قطع المصنف والجمهور فعلى هذا في
صحة البيع وجهان (أصحهما) الصحة كالعتق (والثاني) لا يصح بل يحصل الفسخ دون البيع
قال أصحابنا ويجرى الوجهان في التزويج والإجازة وكذا الرهن والهبة ان اتصل بهما القبض سواء
وهب لولده أو لغيره فان تجرد الرهن والهبة عن القبض فهو كالعرض على البيع كما سنوضحه متصلا
به إن شاء الله تعالى *
(فرع) العرض على البيع والاذن في البيع والتوكيل فيه والرهن والهبة إذا لم يتصل
بهما قبض في جميع هذا وجهان (أحدهما) أنها كلها فسخ ان صدرت من البائع وإجازة ان
صدرت من المشترى (وأصحهما) انها ليست فسخا ولا إجازة * ولو باع المبيع في مدة الخيار بشرط
الخيار قال امام الحرمين ان قلنا لا يزول ملك البائع فهو قريب من الهبة الخالية عن القبض وان
قلنا يزول ففيه احتمال لأنه أبقى لنفسه مستدركا والله أعلم * (الثالثة) لو وطئ البائع الجارية المبيعة
في زمان الخيار والخيار له أو لهما ففيه ثلاثة أوجه (الصحيح المشهور) الذي قطع به المصنف والجمهور
انه فسخ لاشعاره باختيار الامساك (والثاني) لا يكون فسخا ولو وطئ الرجعية لا تكون رجعة
(والثالث) إن نوى به الفسخ كان فسخا والا فلا وهذان الوجهان شاذان حكاهما الرافعي وحكى الثالث
منهما الدارمي والصواب الأول وبه قطع الأصحاب ونقل المتولي وغيره الاتفاق عليه قالوا والفرق
202

بينه وبين الرجعة ان الرجعة جعلت لتدارك ملك النكاح وابتداء ملك النكاح لا يحصل بالفعل وإنما يحصل
بالقول فكذا تداركه وأما فسخ البيع فلتدارك ملك اليمين وابتداء ملك اليمين يحصل بالفعل كالاحتطاب
والاحتشاش والاصطياد وسبى الجارية واحياء الموات ونحو ذلك فعلى الصحيح لو باشر فيما دون الفرج بشهوة
أو قبل أو لمس بشهوة أو استخدم الجارية أو العبد أو الدابة أو ركبها هل يكون فسخا فيه وجهان
حكاهما القاضي حسين وغيره (أحدهما) يكون وبه القطع البغوي كالوطئ والعتق (وأصحهما) لا يكون
فسخا وزيف امام الحرمين قول من قال الركوب والاستخدام فسخ وقال هو هفوة والله أعلم * ولو
طلق إحدى زوجتيه لا بعينها ثم وطئ إحداهما لم يكن تعيينا للطلاق في الأخرى على الأصح
في القولين وهذا مما أورده الغزالي على الشافعي في مسألة وطئ البائع وفرق الأصحاب نحو ما سبق
في فرق الرجعة وحاصله الاحتياط للنكاح بخلاف الملك (الرابعة) وطئ المشترى هل هو إجازة منه
فيه ثلاثة أوجه حكاها المتولي وغيره (أصحها) باتفاق الأصحاب يكون إجازة لأنه متضمن للرضا
وكما جعلنا وطئ البائع فسخا لتضمنه الرضا كذا وطئ المشتري إجازة لتضمنه الرضا (والثاني) لا لان
وطئ المشترى لا يمنع الرد بالعيب فلا يمنع الفسخ كخيار الشرط قال المتولي وهذا على قولنا ان الملك
للمشتري في زمن الخيار وان الفسخ يرفع العقد من حينه لا من أصله (والثالث) إن كان عالما بثبوت
الخيار له حالة الوطئ بطل خياره وإن كان جاهلا فلا وصور جهله بأن يرث الجارية من مورثه
ولا يعلم أن مورثه اشتراها بشرط الخيار وقاسه هذا القائل على الرد بالعيب فإنه إذا وطئ وهو عالم
بالعيب بطل حقه من الرد وإن كان جاهلا فلا ولم يفرق الأصحاب بين خيار المجلس وخيار الشرط
وقال القاضي حسين ان وطئ في خيار الشرط بطل خياره وان وطئ في خيار المجلس
فوجهان فحصل وجه رابع في المسألة أنه يبطل خيار الشرط دون خيار المجلس والله أعلم *
(وأما) اعتاقه فإن كان باذن البائع نفذ وحصلت الإجازة من الطرفين ولزم البيع بلا خلاف
وإن كان بغير اذنه ففي نفوذه خلاف سنذكره واضحا إن شاء الله تعالى في تفريع الأقوال الثلاثة
في الملك في زمن الخيار لمن هو ومختصره ان المذهب انه لا ينفذ اعتاقه إن كان الخيار لهما أو للبائع فان
203

كان للمشترى وحده نفذ (فان قلنا) ينفذ حصلت الإجازة قطعا والا فوجهان (أصحهما) الحصول أيضا
لدلالته على الرضا واختيار التملك وبهذا قطع المصنف وآخرون قال امام الحرمين ويتجه ان يقال إن
أعتق وهو يعلم عدم نفوذه لم يكن إجازة قطعا والمذهب أنه لا فرق (أما) إذا باع المشترى أو وقف
أو وهب واقبض بغير اذن البائع فلا ينفذ شئ من ذلك بلا خلاف وهل يكون إجازة فيه وجهان
مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) يكون إجازة وبه قال الإصطخري وصححه المصنف
والأصحاب (والثاني) لا يكون قاله أبو إسحاق المروزي قال أصحابنا ولو باشر المشترى هذه
التصرفات باذن البائع أو باع المبيع للبائع نفسه فوجهان (أصحهما) صحة التصرف لتضمنه الإجازة
(والثاني) لا لضعف الملك وعدم تقدم الإجازة (قال) ابن الصباغ وغيره وعلى الوجهين جميعا يصير
البيع لازما ويسقط الخيار (قال) الرافعي وقياس ما سبق انا إذا لم ننفذها كان سقوط الخيار
على وجهين والمذهب ما قاله ابن الصباغ وموافقوه والله تعالى أعلم * أما إذا أذن له البائع في طحن
الحنطة المبيعة فطحنها فإنه إجازة منهما (قال) الصيدلاني وغيره ومجرد الاذن في هذه التصرفات لا يكون إجازة من البائع ما لم يتصرف حتى لو رجع البائع قبل التصرف كان على خياره وفى هذا
الذي قالوه نظر لأن الاعتبار بالدلالة على الرضا وذلك حاصل بمجرد الاذن وسيأتي في المسألة الخامسة
إن شاء الله تعالى عن القاضي حسين خلاف في هذا والله أعلم * (الخامسة) إذا وطئ المشترى
المبيعة فقد سبق الخلاف في كونه إجازة منه وأما خيار البائع فإن كان جاهلا بوطئ المشترى لم
يسقط قطعا وان أدركه حصلت الإجازة منه قطعا ولا يجب على المشترى مهر ولا قيمة الوطئ قطعا
وتصير الجارية أم ولد فإن لم يأذن له ولكن علم أنه يطأ أو رآه يطأ وسكت عليه فهل يسقط
خيار البائع ويكون مخيرا فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) لا يكون مجيزا
قطعا وكما لو سكت على وطئ أمته لا يسقط به المهر قطعا أو على تخريق ثوبه لا يسقط القيمة قطعا
هكذا ذكر الأصحاب المسألة ولم يفرقوا بين خيار الشرط وخيار المجلس وقال المتولي إذا أبطلنا
204

خيار المشترى بالوطئ وكان البائع جاهلا بوطئ المشترى فإن كان خيار الشرط لم يبطل حق البائع
منه وإن كان خيار المجلس فوجهان بناء على الوجهين السابقين فيما إذا أسقط المشترى خياره هل
يسقط خيار البائع أم لا وهذا الذي قاله شاذ مردود والمذهب انه لا يسقط خيار المجلس والحالة هذه
كالشرط قال القاضي حسين ولو أذن له البائع في الوطئ ولم يطأها هل يبطل خيار البائع بمجرد الاذن
فيه خلاف مرتب (ان قلنا) إذا رآه يطاء فسكت يبطل فهنا أولى والا فوجهان والفرق انه وجد
هنا صريح الاذن والله أعلم *
(فرع) إذا تصرف المشتري في المبيع ببيع أو رهن أو هبة أو تزويج ونحوها وصححناه
يبطل خيار البائع إذا لم يكن اذن في ذلك بلا خلاف * واحتج له المتولي بأن هذه التصرفات
لا تبطل مالية الممتنع وهي قابلة للرفع والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
(وان جن من له الخيار أو أغمي عليه انتقل الخيار إلى الناظر في ماله وإن مات فإن كان
في خيار الشرط انتقل الخيار إلى من ينتقل إليه المال لأنه حق ثابت لاصلاح المال فلم يسقط بالموت
كالرهن وحبس المبيع على الثمن فإن لم يعلم الوارث حتى مضت المدة ففيه وجهان (أحدهما) يثبت
له الخيار في القدر الذي بقي من المدة لأنه لما انتقل الخيار إلى غير من شرط له بالموت وجب أن
ينتقل إلى غير الزمان الذي شرط فيه (والثاني) انه تسقط المدة ويثبت الخيار للوارث على الفور لان المدة
فاتت وبقى الخيار فكان على الفور كخيار الرد بالعيب وإن كان في خيار المجلس فقد روى
المزني أن الخيار للوارث وقال في المكاتب إذا مات وجب البيع فمن أصحابنا من قال لا يسقط الخيار
بالموت في المكاتب وغيره (وقوله) في المكاتب وجب البيع أراد به انه لا ينفسخ بالموت كما
تنفسخ الكتابة ومنهم من قال يسقط الخيار في بيع المكاتب ولا يسقط في بيع غيره لان السيد
يملك بحق الملك فإذا لم يملك في حياة المكاتب لم يملك بعد موته والوارث يملك بحق الإرث
فانتقل إليه بموته ومنهم من نقل جواب كل واحدة من المسألتين إلى الأخرى وخرجهما على قولين
205

(أحدهما) انه يسقط الخيار لأنه إذا سقط الخيار بالتفرق فلان يسقط بالموت - والتفرق فيه أعظم -
أولى (والثاني) لا يسقط وهو الصحيح لأنه خيار ثابت لفسخ البيع فلم يبطل بالموت كخيار
الشرط فعلى هذا إن كان الذي انتقل إليه الخيار حاضرا ثبت له الخيار الا أن يتفارقا أو يتخايرا
وإن كان غائبا ثبت له الخيار إلى أن يفارق الموضع الذي بلغه فيه) *
(الشرح) قوله حق ثابت لاصلاح المال احتراز ممن أسلم على أكثر من أربع زوجات
وأسلمن ومات قبل الاختيار فان الخيار لا ينتقل إلى الوارث (وقوله) خيار ثابت لفسخ البيع احترز
بالفسخ عن خيار القبول في ايجاب البيع وهو إذا قال البائع بعتك فمات المشترى قبل القبول لم
يقبل الوارث عنه واحترز بالبيع عن فسخ النكاح بالعيب وبعتق الأمة تحت عبده (أما) الأحكام
فاتفقت نصوص الشافعي وطرق الأصحاب على أن خيار الشرط وخيار الرد بالعيب ينتقل إلى الوارث
بموت المورث والى السيد بموت المكاتب في مدته ولا خلاف في هذا الا ان الرافعي حكي أن في
خيار الشرط قولا شاذا أنه يسقط بالموت مخرجا من خيار المجلس وهذا ضعيف جدا ومردود فإذا
قلنا بالمذهب فإن كانت المدة باقية عند بلوع الخبر ثبت للوارث الخيار إلى انقضائها وإن كانت
قد انقضت فأربعة أوجه الوجهان الأولان منها مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما)
يكون على الفور قال الروياني وغيره هذا ظاهر نصه في الام (والوجه الثاني) يثبت في القدر الذي
كان بقي عند الموت (والثالث) يبقى الخيار ما دام المجلس الذي بلغه فيه الخبر حكاه القفال والروياني
206

وآخرون من الخراسانيين (والوجه الرابع) يسقط الخيار ويلزم البيع بمجرد مضى المدة حكاه الروياني
وبه جزم الماوردي لفوات المدة وهذا شاذ مردود والله أعلم * وأما خيار المجلس فإذا مات أحد المتعاقدين
في المجلس نص الشافعي أن الخيار لوارثه وقال في المكاتب إذا باع ومات في المجلس وجب
البيع وللأصحاب في المسألتين ثلاث طرق مشهورة ذكرها المصنف بدلائلها واضحة (أحدها) وهو
قول أبى اسحق المروزي وأكثر أصحابنا المتقدمين وهو أصحها عند الأصحاب في المسألتين
قولان (أصحهما) يثبت الخيار للوارث ولسيد المكاتب كخيار الشرط والرد بالعيب (والثاني)
لا يثبت بل يلزم البيع بمجرد الموت لأنه أبلغ في المفارقة من مفارقته بالبدن (والطريق الثاني) يثبت لهما قطعا
وتأويل نص المكاتب بما ذكره المصنف وبهذا الطريق قال أبو علي بن أبي هريرة (والثالث) تقرير
النصين وهو ثبوت الخيار للوارث دون السيد والفرق أن الوارث خليفة الميت بخلاف السيد * ولو مات
العاقدان في المجلس ففي انتقال الخيار إلى وارثهما وسيد المكاتب الخلاف المذكور في موت
أحدهما صرح به الدارمي والأصحاب والله أعلم * أما إذا باع العبد المأذون له أو اشترى ومات في المجلس
فكالمكاتب وكذا الوكيل بالشراء إذا مات في المجلس هل للموكل الخيار فيه الخلاف كالمكاتب
هذا إذا فرعنا على الصحيح أن الاعتبار بمجلس الوكيل وفى وجه شاذ ضعيف يعتبر مجلس الموكل
وهو شاذ ليس بشئ * قال أصحابنا فإن لم يثبت الخيار للوارث فقد انقطع خيار الميت (وأما)
العاقد الآخر الحي فذكر البغوي أن خياره لا ينقطع حتى يفارق ذلك المجلس وقال امام الحرمين
يلزم العقد من الجانبين قال الرافعي ويجوز تقرير خلاف لما سبق أن هذا الخيار لا يتبعض سقوطه
كموته وذكر القاضي حسين فيه وجهين (أحدهما) يمتد إلى أن يفارق مجلسه ثم ينقطع (والثاني)
يبقى إلى أن يجتمع هو والوارث الآخر (والثالث) يمتد إلى مفارقته مجلس العقد وهذا هو الصحيح
207

وهو الذي جزم به البغوي وحكي الروياني وجها رابعا انه ينقطع خياره بموت صاحبه فإذا بلغ الخبر
إلى وارثه حدث لهذا الحي الخيار معه وهذا شاذ ضعيف (فان قلنا) يثبت الخيار للوارث
فإن كان حاضرا في المجلس امتد الخيار بينه وبين العاقد الآخر حتى يتفرقا أو يتخايرا وإن كان
غائبا فله الخيار إذا وصله الخبر وهل هو على الفور أم يمتد امتداد مجلس بلوغ الخبر إليه فيه وجهان
كالوجهين في خيار الشرط إذا ورثه الوارث وبلغه الخبر بعد مضى مدة الخيار ففي وجه هو
على الفور وفى وجه يمتد كما كان يمتد للميت لو بقي. ومنهم من بناهما على الوجهين في كيفية ثبوته للعاقد
الباقي (أحدهما) له الخيار ما دام في مجلس العقد فعلى هذا يكون خيار الوارث ثابتا في المجلس
الذي يشاهد فيه المبيع (والثاني) يتأخر خياره إلى أن يجتمع هو والوارث في مجلس فحينئذ يثبت
الخيار للوارث وجمع القاضي حسين في تعليقه هذا الخلاف فحكى في المسألة ثلاثة أوجه (أحدها)
يثبت له على الفور (والثاني) ما لم يفارق مجلس بلوغ الخبر (والثالث) ما لم يجتمع هو والعاقد
الآخر وحكى الروياني وجها رابعا انه يثبت له الخيار إذا أبصر السلعة ولا يتأخر عن ذلك
(والأصح) أن خيار الوارث يثبت ما دام في مجلس بلوغ الخبر إليه وبه قطع المصنف وشيخه
القاضي أبو الطيب والماوردي وآخرون وهو قول أبى اسحق المروزي *
(فرع) إذا ورث خيار المجلس اثنان فصاعدا وكانوا حضورا في مجلس العقد فلهم الخيار
إلى أن يفارقوا العاقد الآخر ولا ينقطع بمفارقة بعضهم على الأصح المشهور وبه جزم الأكثرون فإن كان
وا غائبين عن المجلس قال المتولي ان قلنا في الوارث الواحد يثبت الخيار في مجلس مشاهدة المبيع
فلهم الخيار إذا اجتمعوا في مجلس (وان قلنا) له الخيار إذا اجتمع هو والعاقد وكذا لهم الخيار إذا
اجتمعوا هم وهو ومتى فسخ بعضهم وأجاز بعضهم فوجهان مشهوران حكاهما ابن القطان والقاضي حسين
والمتولي والروياني وغيرهم (أحدهما) لا ينفسخ في شئ (وأصحهما) ينفسخ في الجميع كالمورث لو فسخ
في حياته في بعضه وأجاز في بعض قال المتولي ولا خلاف انه لا يبعض الفسخ لان فيه اضرار بالعاقد
الآخر قال ولو حضر بعضهم وغاب البعض فللحاضر الخيار فان فسخ وقلنا يغلب الفسخ نفذ الفسخ
208

في الجميع وان أجاز توقفنا حتى يبلغ الخبر إلى الغائب هذا ما نقله المتولي * وقال الماوردي والروياني
ان مات البائع فلكل واحد من ورثته ان ينفرد بالفسخ في حصته بلا خلاف وان مات المشترى
فوجهان (أحدهما) يثبت الفسخ لكل من ورثته كعكسه (وأصحهما) ليس لأحدهم الفسخ والفرق
ان المشترى يثبت له الخيار بتبعيض الصفقة عليه فيزول عنه الضرر بخلاف البائع والمذهب
ما ذكره المتولي *
(فرع) لو جن العاقدين أو أغمي عليه لم ينقطع الخيار بل يقوم وليه أو الحاكم مقامه
فيفعل ما فيه الحظ من الفسخ والإجازة * هذا هو المذهب وبه قطع المصنف والأصحاب وفيه وجه
مخرج من الموت انه ينقطع حكاه جماعة من الخراسانيين منهم المتولي والروياني قال وليس هو بشئ
ولو خرس أحدهما في المجلس قال أصحابنا إن كانت له إشارة مفهومة أو كتابة فهو على خياره
والا نصب الحاكم نائبا عنه وهذا متفق عليه عند أصحابنا *
(فرع) إذا جن أحد العاقدين أو أغمي عليه في مدة الخيار وأقام القاضي فيما يقوم مقامه
في الخيار ففسخ القيم أو أجاز فأفاق العاقد وادعى ان الغبطة خلاف ما فعله القيم قال القاضي حسين
وغيره ينظر الحاكم في ذلك فان وجد الامر كما يقول المفيق مكنه من الفسخ والإجازة ونقض فعل
القيم وان لم يكن ما ادعاه المفيق ظاهرا فالقول قول القيم مع يمينه لأنه أمين فيما فعله الا ان يقيم
المفيق بينة بما ادعاه *
(فرع) قال القاضي حسين حيث أثبتنا خيار المجلس أو الشرط للوارث وكان واحدا فان
قال أجزت انبرم العقد وان قال فسخت انفسخ وان قال أجزت وفسخت أو فسخت وأجزت فالحكم
باللفظ المتقدم منهما وان قال أجزت في النصف وفسخت في النصف غلب الفسخ كما لو فسخ أحد
العاقدين وأجاز الآخر فإنه يقدم الفسخ كما سبق *
(فرع) لو حضر الموكل مجلس العقد فحجر على الوكيل في خيار المجلس فمنعه الفسخ والإجازة
فقد ذكر الغزالي في البسيط والوسيط كلاما معناه ان فيه احتمالين (أحدهما) يجب الامتثال
209

فينقطع خيار الوكيل قال وهو مشكل لأنه يلزم منه رجوع الخيار إلى الموكل وهو مشكل (والثاني)
لا يمتثل لأنه من لوازم السبب السابق وهو المنع لكنه مشكل لأنه مخالف بيان (1) الوكالة التي مقتضاها
امتثال قول الموكل وهذا الثاني أرجح هذا معنى كلام الغزالي وليس في المسألة خلاف وإن كانت
عبارته موهمة اثبات خلاف والله أعلم *
(فرع) إذا كان الخيار لأحدهما دون الآخر فمات من لا خيار له بقي الخيار للآخر بلا خلاف
قال المتولي وهذا كما أن الدين المؤجل لا يحل بموت من له الدين وإنما يحل بموت من عليه وتتصور
المسألة في الشرط وتتصور في خيار المجلس إذا أجاز أحدهما دون الآخر ثم مات المخير
في المجلس *
(فرع) إذا شرط الخيار لأجنبي وصححناه وخصصناه به دون الشارط فمات ففي انتقاله إلى
الشارط الخلاف المذكور في المكاتب ذكره المتولي وغيره وسبق بيانه في مسألة شرط الخيار
للأجنبي قال المتولي ولا خلاف انه ينتقل إلى وارث الأجنبي قال وكذا لو شرط الوكيل الخيار لنفسه
حيث يصح وخصصناه به فمات لا ينتقل إلى وارثه بلا خلاف وفى انتقاله إلى الموكل الخلاف
كالمكاتب وحكى الفوراني وجها أنه ينتقل إلى وارث الوكيل وهذا ضعيف أو غلط وحكى أيضا طريقا
آخر أنه ينتقل إلى الموكل قطعا وادعي أنه المذهب لأنه نائبه وطريقا ثالثا أنه يبطل الخيار قطعا
وحكى القاضي حسين هذا الطريق والمذهب المشهور أنه كالمكاتب والصحيح على الجملة أنه ينتقل
إلى الموكل قال وكذا المكاتب إذا شرط الخيار ثم عجز نفسه هل ينتقل الخيار إلى سيده فيه
الخلاف والله أعلم *
(فرع) قد ذكرنا أن خيار الرد بالعيب يثبت للوارث بلا خلاف إذا مات الوارث قبل
التقصير المسقط * وهذا حكم خيار الخلف فيما إذا شرط أن العبد كاتب فاخلف ونحوه قال المتولي
وهكذا الخيار الثابت للبائع عند عجز المشترى عن تسليم الرهن المشروط في البيع ينتقل إلى الوارث

(1) كذا بالأصل فحرر.
210

فأما خيار القبول فلا يورث بلا خلاف وصورته إذا قال البائع بعتكه فمات المشترى ووارثه حاضر
فقبل في الحال لا يصح * هذا هو المذهب وبه قطع الأصحاب * وحكى الروياني وجها أنه
إذا قبل وارثه في الحال صح البيع وهو شاذ باطل وقد سبقت المسألة بفروعها في مسائل الايجاب
والقبول قال المتولي والفرق بينهما أن خيار القبول ليس بلازم لان من عليه وهو البائع لو قال
رجعت أو أبطلت الايجاب بطل خيار المشترى بخلاف الخيار في هذه المسألة فإنه لازم حتى لو قال
من عليه الخيار لصاحبه أبطلت عليك خيارك لم يبطل حقه يبطل فما كان جائزا سقط بالموت وما كان
لازما لم يسقط بالموت كالعقود فإنه يبطل بالموت الجائز منها دون اللازم *
(فرع) قال المتولي لو وهب لولده شيئا فمات الواهب لا ينتقل حق الرجوع فيه إلى الورثة
لأنهم لا يرثون العين فلا يرثون الخيار منها وكما لا يورث حق النكاح * قال المتولي وحد ما يورث
وما لا يورث من الحقوق ان كل حق لازم متعلق بالمال يورث بوراثة المال هذا كلامه وليس
هذا الذي قاله حدا صحيحا فإنه ترك أشياء كثيرة لم تدخل في حده: (منها) حد القذف
(ومنها) القصاص (ومنها) النجاسات المنتفع بها كالكلب والسرجين وجلد الميتة وغير ذلك
والله أعلم *
(فرع) إذا مات صاحب الخيار وقلنا ينتقل إلى الورثة فكانوا أطفالا أو مجانين قال
الروياني وغيره ينصب القاضي (1) فيما يفعل ما هو المصلحة من الفسخ والإجازة كما لو جن صاحب الخيار والله أعلم *
قال المصنف رحمه الله:
(وفى الوقت الذي ينتقل الملك في البيع الذي فيه خيار المجلس أو خيار الشرط ثلاثة أقوال
(أحدها) ينتقل بنفس العقد لأنه عقد معاوضة يوجب الملك فانتقل الملك فيه بنفس العقد كالنكاح
(والثاني) أنه يملك بالعقد وانقضاء الخيار لأنه لا يملك التصرف إلا بالعقد وانقضاء الخيار فدل على أنه
لا يملك إلا بهما (والثالث) أنه موقوف مراعى فإن لم يفسخ العقد تبينا أنه ملك بالعقد وان فسخ تبينا

(1) كذا بالأصل ولعله من.
211

أنه لم يملك لأنه لا يجوز أن يملك بالعقد لأنه لو ملك بالعقد لملك التصرف ولا يجوز أن يملك بانقضاء
الخيار لان انقضاء الخيار لا يوجب الملك فثبت أنه موقوف مراعى فإن كان المبيع عبدا فأعتقه
البائع نفذ عتقه لأنه إن كان باقيا على ملكه فقد صادف العتق ملكه وإن كان قد زال ملكه
عنه الا انه يملك الفسخ فجعل العتق فسخا وان أعتقه المشترى لم يخل إما أن يفسخ البائع البيع
أو لا يفسخ فإن لم يفسخ وقلنا إنه يملكه بنفس العقد أو قلنا إنه موقوف نفذ عتقه لأنه صادف ملكه
(وإن قلنا) إنه لا يملك بالعقد يعتق لأنه لم يصادف ملكه وان فسخ البائع وقلنا إنه لا يملك
بالعقد أو موقوف لم يعتق لأنه لم يصادف ملكه (وان قلنا) إنه يملك بالعقد ففيه وجهان (قال)
أبو العباس إن كان موسرا عتق وإن كان معسرا لم يعتق لان العتق صادف ملكه وقد تعلق
به حق الغير فأشبه عتق المرهون (ومن) أصحابنا من قال لا يعتق وهو المنصوص لان البائع اختار
الفسخ والمشترى اختار الإجازة بالعتق والفسخ والإجازة إذا اجتمعا قدم الفسخ ولهذا لو قال المشترى
أجزت وقال البائع بعده فسخت قدم الفسخ وبطلت الإجازة وإن كانت سابقة للفسخ (فان قلنا) لا يعتق عاد العبد إلى ملك البائع (وان قلنا) يعتق فهل يرجع البائع بالثمن أو القيمة قال أبو العباس
يحتمل وجهين (أحدهما) يرجع بالثمن ويكون العتق مقررا للعقد ومبطلا للفسخ (والثاني)
أنه يرجع بالقيمة لان البيع انفسخ وتعذر الرجوع إلى العين فرجع إلى قيمته كما لو اشترى عبدا
بثوب وأعتق العبد ووجد البائع بالثوب عيبا فرده فإنه يرجع بقيمة العبد فان باع
البائع المبيع أو رهنه صح لأنه اما أن يكون على ملكه فيملك العقد عليه وإما أن يكون
للمشترى الا أنه يملك الفسخ فجعل البيع والهبة فسخا وان باع المشترى المبيع أو وهبه نظرت فإن كان
بغير رضا البائع (فان قلنا) انه في ملك البائع لم يصح تصرفه (وان قلنا) انه في ملكه ففيه وجهان (قال)
أبو سعيد الإصطخري يصح وللبائع ان يختار الفسخ فإذا فسخ بطل تصرف المشترى ووجهه ان
التصرف صادف ملكه الذي ثبت للغير فيه حق الانتزاع فأشبه إذا اشترى شقصا فيه شفعة فباعه
(ومن) أصحابنا من قال لا يصح لأنه باع عينا تعلق بها حق الغير من غير رضاه فلم يصح كما لو باع
212

الراهن المرهون فأما إذا تصرف فيه برضا البائع نظرت فإن كان عتقا نفذ لأنهما رضيا بامضاء البيع وإن كان
بيعا أو هبة ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح لأنه ابتدأ بالتصرف قبل أن يتم ملكه (والثاني)
يصح لان المنع من التصرف لحق البائع وقد رضى البائع) *
(الشرح) قوله لأنه عقد معاوضة يوجب الملك احترز بالمعاوضة عن الهبة فإنها لا تملك
بالعقد بل بالقبض وعن الوصية (وبقوله) يوجب الملك عن الكتابة فإنها عقد معاوضة لكن لا توجب
الملك فان العبد لا يملك نفسه ابدا وإنما فائدة عتقه تقدم ملك فيه (وقوله) فأشبه عتق المرهون يعني على
أصح الأقوال الثلاثة المشهورة فيه (وقوله) ثبت للغير فيه حق هذا مما أنكره بعض أهل العربية
على الفقهاء وغيرهم فقال لفظة غير لا تدخل عليها الألف وكذا كل وبعض وجوزه آخرون وقد
أوضحته في تهذيب الأسماء واللغات (أما) الأحكام فقال أصحابنا في ملك المبيع في زمن خيار المجلس
وخيار الشرط ثلاثة أقوال مشهورة ذكرها المصنف بدليلها (أحدها) أنه ملك المشتري ينتقل
إليه بنفس العقد ويكون الثمن ملكا للبائع قال الماوردي وهذا نصه في باب زكاة الفطر (والثاني)
انه باق على ملك البائع ولا يملكه المشترى الا بعد انقضاء الخيار من غير فسخ ويكون الثمن باقيا على ملك
المشتري قال الماوردي وهذا نصه في الام (والثالث) موقوف فان تم البيع حكمنا
بأنه كان ملكا للمشتري بنفس العقد وإلا بان ان ملك البائع لم يزل وهكذا يكون الثمن موقوفا
على هذا القول وفى موضع الأقوال ثلاث طرق حكاها المتولي وغيره (أحدها) أنه إذا كان الخيار
لهما اما بالشرط وإما بالمجلس (أما) إذا كان لأحدهما فالمبيع على ملكه لأنه ملك التصرف
(والطريق الثاني) أنه لا خلاف في المسألة بل إن كان الخيار للبائع فالملك له وإن كان للمشترى فله
وإن كان لهما فموقوف وتنزل الأقوال على هذه الأحوال (والثالث) طرد الأقوال في جميع الأحوال
وهو الأصح عند عامة الأصحاب منهم العراقيون والحليمي هذا نقل الرافعي * وقال امام الحرمين
طرد الأئمة الأحوال الثلاثة فيه إذا كان لهما أو لأحدهما قال وقال بعض المحققين إن كان الخيار
لهما ففيه الأقوال وإن كان الخيار للمشترى فالأصح أن الملك له وإن كان الخيار للبائع (فالأصح)
213

أن المبيع باق على ملكه قال الامام وكان شيخي يقول يتجه أن يجعل ذلك قولا رابعا * واختلف
أصحابنا في الأصح من هذه الأقوال فصححت طائفة القول بأن المشترى يملك بنفس العقد منهم
الشيخ أبو حامد والماوردي والقاضي أبو الطيب وامام الحرمين وغيرهم وبه قطع المحاملي في المقنع
وسليم الرازي في الكفاية والجرجاني في التحرير وهو مذهب احمد وصححت طائفة قول الوقف ممن
صححه البغوي وصححت طائفة التفصيل فقالوا إن كان الخيار للبائع فالأصح ان الملك له وإن كان
الخيار للمشترى وحده فالأصح أن الملك له وإن كان لهما فالأصح أنه موقوف وممن صحح هذا التفصيل
القفال حكاه عنه الروياني في البحر وأشار إلى موافقته وصححه أيضا صاحب (1) والرافعي
في كتابيه الشرح والمحرر وقطع به الروياني في الحلية والله أعلم *
(التفريع) قال أصحابنا رحمهم الله لهذه الأقوال فروع كثيرة منها ما يذكر في أبوابه ومنها
ما يذكر هنا (فمنها) كسب العبد والأمة المبيعين في زمن الخيار فان تم البيع فهو للمشترى (ان قلنا)
الملك له أو موقوف (وان قلنا) الملك للبائع فوجهان (أصحهما) وبه قال الجمهور الكسب للبائع
لان الملك له عند حصوله وقال أبو علي الطبري هو للمشترى واستدل له المتولي وغيره بان سبب
زوال ملك البائع موجود حال وجود الزيادة فلم يجعل لها حكم وجعلت تابعة للعين وكانت لمن استقر
ملك العين له وان فسخ البائع فهو للبائع (ان قلنا) الملك له أو موقوف (وان قلنا) للمشترى
فوجهان مشهوران (أصحهما) للمشترى (والثاني) للبائع وبه قال أبو إسحاق المروزي
قال المتولي هما مبنيان على أن الفسخ يرفع العقد من حينه أو من أصله وفيه وجهان
مشهوران في كتب الخراسانيين (أصحهما) من حينه (والثاني) من أصله (فان قلنا) من حينه
فهو للمشترى والا فللبائع قال أصحابنا وفى معنى الكسب اللبن والشعر والثمرة ومهر الجارية إذا
وطئت بشبهة أو أكرهت على الزنا وكون الجميع حكم كسب العبد على التفصيل والخلاف (ومنها)
النتاج فان وجد حدوث الولد وانفصاله في مدة الخيار لامتداد المجلس فهو كالكسب وإن كانت
الجارية أو البهيمة حاملا عند البيع وولدت في زمن الخيار بني على أن الحمل هل له حكم وهل يأخذ قسطا
214

من الثمن وفيه قولان مشهوران ذكرهما المصنف بعد هذا بدليلهما (أحدهما) لا كالأعضاء فعلى
هذا هو كالكسب كما سبق بلا فرق (وأصحهما) له قسط كما لو بيع بعد الانفصال مع الام فعلى
هذا يكون الحمل مع الام كعينين بيعتا معا فان فسخ البيع فهما للبائع والا فللمشتري (ومنها) العتق
فإذا أعتق البائع العبد المبيع في زمن الخيار المشروط لهما أو للبائع وحده نفذ اعتاقه على كل قول
وهذا لا خلاف فيه ودليله ما ذكره المصنف وان أعتقه المشترى (فان قلنا) الملك للبائع لم ينفذ
ان فسخ البيع قطعا وكذا ان تم على أصح الوجهين وهو المنصوص لما ذكره المصنف (وان قلنا)
موقوف فالعتق أيضا موقوف فان تم البيع بان نفوذ والا فلا (وان قلنا) الملك للمشترى ففي نفوذه
العتق وجهان (أصحهما) وهو ظاهر النص لا ينفذ صيانة لحق البائع على الاتصال (والثاني)
ينفذ وبه قال ابن سريج وعلى هذا وجهان (أصحهما) وبه قطع المصنف أنه إنما ينفذ إذا كان موسرا
بقيمته فإن كان معسرا فلا كالموهوب على أصح الأقوال (والثاني) ينفذ موسرا كان أو معسرا
(فان قلنا) لا ينفذ فاختار البائع الإجازة ففي الحكم بنفوذه الآن وجهان (أصحهما) لا ينفذ (فان
قلنا) ينفذ فهل ينفذ من وقت الإجازة أم من وقت الاعتاق فيه وجهان (أصحهما من وقت
الإجازة (وان قلنا) بقول ابن سريج ففي بطلان خيار البائع وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما
(أحدهما) يبطل وليس له الا الثمن (وأصحهما) لا يبطل لكن لا يرد العتق بل إذا فسخ أخذ
قيمة العبد كنظيره في الرد بالعيب فعلى هذا ان اختلفا في قيمة العبد وتعذرت معرفتها لموته أو غيبته
ونحو ذلك فالقول قول المشترى لأنه غارم هذا كله إذا كان الخيار لهما أو للبائع (أما) إذا كان للمشترى
وحده فينفذ اعتاقه على جميع الأقوال بلا خلاف لأنه إما مصادف ملكه وإما إجازة وليس فيه
ابطال حق لغيره وان أعتقه البائع وكان الخيار للمشترى وحده (فان قلنا) الملك للمشترى لم ينفذ
سواء تم البيع أو فسخ وفيما إذا فسخ الوجه الشاذ السابق الناظر إلى المال (وان قلنا) موقوف لم
ينفذ ان تم البيع والا فينفذ (وان قلنا) الملك للبائع فان انفسخ العقد بطل العتق والا فقد أعتق
215

تبينا ثبوت الاستيلاد وإلا فلا فلو ملكها بعد ذلك عاد القولان وعلى قولنا الملك للمشترى في ثبوت
الاستيلاد الخلاف السابق في العتق فإن لم يثبته في الحال وتم البيع تبينا ثبوته ورتب الخراسانيون
الخلاف في الاستيلاد على الخلاف في العتق ثم اختلفوا فقيل الاستيلاد أولى بالثوت وقيل عكسه
قال إمام الحرمين ولا تبعد التسوية قال أصحابنا والقول في وجوب قيمة الولد على المشترى كالقول
ملكه الذي تعلق به حق لازم فهو كاعتاق المرهون والله أعلم * (ومنها) الوطئ فإن كان الخيار
لهما أو للبائع ففي حله للبائع طرق (أحدها) ان قلنا الملك له فحلال والا فوجهان وجه الحل أنه
يتضمن الفسخ وفى ذلك عود الملك إليه معه أو قبيله (والطريق الثاني) ان قلنا لا ملك له
فحرام والا فوجهان وجه التحريم ضعف الملك (والثالث) القطع بالحل مطلقا قال الرافعي والمذهب
من هذا كله الحل ان جعلنا الملك له والتحريم ان لم نجعله له ولا مهر عليه بحال بلا خلاف (وأما)
وطئ المشترى فحرام قطعا والصورة فيما إذا كان الخيار لهما أو للبائع وحده لأنه وان ملك على قول
فملك ضعيف ولكن لو وطئ فلا حد على الأقوال كلها بلا خلاف لوجود الملك أو شبهته (وأما)
المهر فان تم البيع لم يلزمه (ان قلنا) الملك له أو موقوف (وان قلنا) للبائع فوجهان (الصحيح) وقول
الجمهور وجوب المهر له (وقال) أبو إسحاق لا يجب نظرا إلى المال فان فسخ البيع وجب المهر للبائع
(ان قلنا) الملك له أو موقوف (وان قلنا) للمشترى فوجهان (أصحهما) لا مهر (والثاني)
يجب لضعف ملكه وزواله * فان أولدها المشترى فالولد نسيب بلا خلاف على الأقوال كلها لأنه
وطئ في ملك أو شبهة وأما الاستيلاد (فان قلنا) الملك للبائع لم يثبت ثم إن تم البيع أو ملكها
بعد ذلك ففي ثبوته حينئذ القولان المشهوران فيمن وطئ جارية غيره بشهبة ثم ملكها (أصحهما)
لا يثبت وعلى الوجه الضعيف الناظر إلى المال يثبت إذا تم البيع بعد الاستيلاد بلا خلاف وعلى
قول الوقف ان تم البيع تبينا ثبوت الاستيلاد والا فلا فلو ملكها بعد ذلك عاد القولان وعلى قولنا
الملك للمشترى في ثبوت الاستيلاد الخلاف السابق في العتق فإن لم نثبته في الحال وتم البيع
216

في المهر وإذا وجبت قيمة الولد اعتبرت يوم الولادة فان وضعته ميتا لم تجب قيمته لأنه لم يخل
بينه وبينه هذا كله إذ ا كان لهما أو للبائع (فاما) إذا كان للمشترى وحده فحكمه حل الوطئ
له كما سبق في حله في طرف البائع إذا كان الخيار لهما أو للبائع وأما البائع فيحرم عليه الوطئ هنا
فلو وطئ فالقول في وجوب المهر وفى ثبوت الاستيلاد ووجوب القيمة كما ذكرنا في طرف المشترى
إذا كان الخيار لهما أو للبائع والله تعالى أعلم * قال القاضي حسين (إذا قلنا) الملك للمشترى وأحبلها
ثبت الاستيلاد وبطل خياره وفى بطلان خيار البائع وجهان فان أبطلناه انبرم العقد واستقر الثمن
وان لم نبطله فاختار البائع الإجازة فكذلك فان فسخ البيع فهل يبطل الاستيلاد (ان قلنا) لا يبطل العتق فالاستيلاد أولى والا فوجهان والفرق ان الاستيلاد فعل وهو أقوى من العتق ولهذا
ينفذ استيلاد المجنون والسفيه والمريض والأب في جارية ابنه دون اعتاقهم (فان قلنا) لا يفسخ الاستيلاد
رجع بقيمتها (وان قلنا) له فسخه استرد الجارية والله أعلم * (ومنها) بيع البائع والمشترى وهبتهما وسائر
عقودهما وسبق بيانها قبل هذا الفصل والله أعلم *
(فرع) إذا اشتري عبد الجارية ثم اعتقهما معا فإن كان الخيار لهما عتقت الجارية بناء على
ما سبق ان اعتاق البائع نافذ متضمن للفسخ ولا يعتق العبد المشترى وان قلنا الملك فيه لمشتريه
لما فيه من إبطال حق صاحبه هذا هو الأصح وعلى الوجه القائل بنفاذ اعتاق المشترى تفريعا على أن
الملك للمشترى يعتق العبد ولا تعتق الجارية أما إذا كان الخيار لمشتري العبد فثلاثة أوجه (أصحها)
يعتق العبد لأنه اجازه والأصل استمرار العقد (والثاني) تعتق الجارية لان عتقها فسخ فقدم على
الإجازة ولهذا لو فسخ أحد المتبايعين وأجاز الآخر قدم الفسخ (والثالث) لا يعتق واحد منهما أما إذا
كان الخيار لبائع العبد وحده فالمعتق بالإضافة إلى العبد مشتر والخيار لصاحبه وبالإضافة إلى الجارية
بائع والخيار لصاحبه وقد سبق الخلاف في اعتاقهما قال الرافعي والذي يفتى به أنه لا ينفذ العتق في
واحد منهما في الحال فان فسخ صاحبه نفذ في الجارية وإلا ففي العبد * ولو كانت المسألة بحالها وأعتقهما
مشترى الجارية فليقس الحكم بما سبق وإن كان الخيار لهما عتق العبد دون الجارية على الأصح
217

وإن كان للمعتق وحده فعلى الأوجه الثلاثة ففي الأول يعتق العبد وفى الثاني الجارية ولا يخفى
حكم الثالث والله أعلم * أما إذا أعتق المتعاقدين أحد المبيعين فقال القاضي حسين (ان قلنا)
الخيار يمنع نفذ عتقه فيما باع وإن قلنا لا يمنع قلنا له عين أحدهما للعتق فان عين ما اشتراه
كان كاعتاق المشترى في مدة الخيار وان عين فيما باع نفذ قطعا *
قال المصنف رحمه الله *
(وإن كان المبيع جارية لم يمنع البائع من وطئها لأنها باقية على ملكه في بعض الأقوال ويملك
ردها إلى ملكه في بعض الأقوال فإذا وطئها انفسخ البيع ولا يجوز للمشترى وطؤها لان في أحد
الأقوال لا يملكها وفى الثاني مراعى فلا يعلم هل يملكها أم لا وفي الثالث يملكها ملكا
غير مستقر فان وطئها لم يجب الحد وان أحبلها ثبت نسب الولد وانعقد الولد حرا لأنه إما أن يكون
في ملك أو شبهة ملك * وأما المهر وقيمة الولد وكون الجارية أم ولد فإنه يبنى على الأقوال فان أجاز
البائع البيع بعد وطئ المشترى وقلنا إن الملك للمشترى أو موقوف لم يلزمه المهر ولا قيمة الولد
وتصير الجارية أم لولد لأنها مملوكة (وان قلنا) ان الملك للبائع فعليه المهر وقال أبو إسحاق لا يلزمه
كما لا تلزمه أجرة الخدمة والمذهب الأول لأنه وطئ في ملك البائع ويخالف الخدمة فان الخدمة
تستباح بالإباحة والوطئ لا يستباح وفى قيمة الولد وجهان (أحدهما) لا تلزمه لأنها وضعته في ملكه
والاعتبار بحال الوضع الا ترى أن قيمة الولد تعتبر حال الوضع (والثاني) تلزمه لان العلوق حصل
في غير ملكه والاعتبار بحال العلوق لأنها حالة الاتلاف وإنما تأخر التقويم إلى حالة الوضع
لأنه لا يمكن تقويمه في حل العلوق وهل تصير الجارية أم ولد فيه قولان كما قلنا فيمن أحبل جارية
غيره بشبهة فأما إذا فسخ البيع وعادت إلى ملكه (فان قلنا) ان الملك للبائع أو موقوف وجب
عليه المهر وقيمة الولد ولا تصير الجارية في الحال أم ولد وهل تصير أم ولد إذا ملكها فيه قولان
(وان قلنا) ان الملك للمشترى لم يجب عليه المهر لان الوطئ صادف ملك ومن أصحابنا من قال
يجب لأنه لم يتم ملكه عليها وهذا يبطل به إذا أجاز البائع البيع وعلى قول أبي العباس تصير
218

أم ولد كما تعتق إذا أعتقها عنده وهي ترجع البائع بقيمتها أو بالثمن فيه وجهان وقد بينا ذلك في العتق
وعلى المنصوص أنها لا تصير أم ولد له لان حق البائع سابق فلا يسقط بإحبال المشتري فان ملكها
المشترى بعد ذلك صارت أم ولد لأنها إنما لم تصر أم ولد له في الحال لحق البائع فإذا ملكها
صارت أم ولد * وان اشترى جارية فولدت في مدة الخيار بنينا على أن الحمل هل له حكم في البيع
وفيه قولان (أحدهما) له حكم ويقابله قسط من الثمن وهو الصحيح لان ما أخذ قسطا من الثمن
بعد الانفصال أخذ قسطا من الثمن قبل الانفصال كاللبن (الثاني) لا حكم ولا قسط له من الثمن
لأنه يتبعها في العتق فلم يأخذ قسطا من الثمن كالأعضاء (فان قلنا) إن له حكما فهو مع الام بمنزلة
العينين المبيعتين فان أمضى العقد كانا للمشتري وان فسخ العقد كانا للبائع كالعينين المبيعتين (وان قلنا)
لا حكم له نظرت فان أمضي العقد (وقلنا) ان الملك ينتقل بالعقد أو موقوف فهما للمشترى
(وان قلنا) إنه يملك بالعقد وانقضاء الخيار فالولد للبائع فان فسخ العقد (وقلنا) إنه يملك بالعقد
وانقضاء الخيار أو قلنا إنه موقوف فالولد للبائع (وإن قلنا) يملك بالعقد فهو للمشترى وقال أبو إسحاق
الولد للبائع لان على هذا القول لا ينفذ عتق المشترى وهذا خطأ لان العتق يفتقر إلى ملك تام
والنماء لا يفتقر إلى ملك تام *
(الشرح) هذه المسائل كلها واضحة وسبق شرحها في الفصل السابق والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(وإن تلف البيع في يد المشترى في مدة الخيار فلمن له الخيار الفسخ والامضاء لان الحاجة
التي دعت إلى الخيار باقية بعد تلف المبيع فان فسخ وجبت القيمة على المشترى لأنه تعذر رد
العين فوجب رد القيمة وإن أمضينا العقد (فان قلنا) إنه يملك بنفس العقد أو موقوف فقد هلك من ملكه
(وان قلنا) يملك بالعقد وانقضاء الخيار وجب على يشترى قيمته والله أعلم) *
(الشرح) قوله وجبت قيمته لو قال وجب بدله كان أحسن وأعم ليدخل فيه المثل فيما له
219

مثل قال أصحابنا إذا تلف المبيع في مدة الخيار في يد المشترى لم ينقطع الخيار بل يبقي الخيار في
الفسخ والامضاء لمن كان له لما ذكره المصنف وقال الخراسانيون إذا تلف في يد المشترى (فان قلنا)
الملك للبائع انفسخ البيع كالتلف (وان قلنا) للمشترى أو موقوف نظر ان أتلفه أجنبي بنى على
ما لو تلف بآفة سماوية وفيه خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى (فان قلنا) ينفسخ العقد هناك فهو كاتلاف
الأجنبي المبيع قبل القبض وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى (وان قلنا) لا ينفسخ وهو الأصح فكذا
هنا وعلى الأجنبي البدل وهو المثل إن كان مثليا والا فالقيمة ويبقى الخيار بحاله فان تم البيع
فالبدل للمشتري والا فللبائع وان أتلفه المشترى استقر عليه الثمن فان أتلفه في يد البائع وجعلنا
اتلافه قبضا فهو كما لو تلف في يده وان أتلفه البائع في يد المشترى قال المتولي يبني على أن اتلافه
كاتلاف الأجنبي أم كالتلف بآفة سماوية وفيه خلاف مشهور (فقال) القاضي حسين إن أتلفه البائع في
يد نفسه وقلنا الملك له انفسخ العقد له (وان قلنا) للمشترى ففي انفساخه قولان (ان قلنا) لا ينفسخ
بطل خيار البائع وفى خيار المشترى وجهان (إن قلنا) لا يبطل فذاك فان أجاز أخذ من البائع
القيمة ورجع إليه الثمن *
(فرع) قال أصحابنا إذا تلف المبيع بآفة سماوية في زمن الخيار فإن كان قبل القبض
انفسخ البيع وإن كان بعده (وقلنا) الملك للبائع انفسخ أيضا فيسترد الثمن ويغرم المشترى للبائع
البدل وهو المثل أو القيمة وفى كيفية القيمة الخلاف المشهور في كيفية غرامة المقبوض بالسوم
(وان قلنا) الملك للمشترى أو موقوف فوجهان أو قولان (أحدهما) ينفسخ أيضا لحصول الهلاك
قبل استقرار العقد (وأصحهما) لا ينفسخ لدخوله في ضمان المشترى بالقبض ولا أثر لولاية الفسخ
كما في خيار العيب فان قلنا بالانفساخ فعلى المشترى القيمة. قال إمام الحرمين وهنا نقطع باعتبار
قيمة يوم التلف لان الملك قبل ذلك للمشترى (فان قلنا) بعدم الانفساخ ففي انقطاع الخيار
وجهان (أحدهما) ينقطع كما ينقطع خيار الرد بالعيب بتلف المبيع (وأصحهما) لا كما لا يمتنع
التحالف بثمن المبيع ويخالف الرد بالعيب لان الضرر هناك يندفع بالأرش (فان قلنا) بالأول
220

استقر العقد ولزم الثمن (وإن قلنا) بالثاني فان تم العقد وجب الثمن وإلا وجبت القيمة على المشترى
ويرد الثمن وان تنازعا في قدر القيمة فالقول قول المشترى بيمينه وقطعت طائفة من الأصحاب بعدم
الانفساخ (وان قلنا) الملك للبائع وهو ظاهر كلام المصنف قال الامام وذكروا تفريعا أنه لو لم
ينفسخ حتى انقضى زمن الخيار فعلى البائع رد الثمن وعلى المشترى القيمة قال الامام وهذا تخليط
ظاهر والله أعلم *
(فرع) لو تلف بعض المبيع في زمن الخيار بعد أن قبض المشترى بأن اشترى عبدين فقبضهما
فتلف أحدهما ففي الانفساخ في التالف الخلاف السابق فان انفسخ جاء في الآخر قولا تفريق الصفقة
وان لم ينفسخ بقي خياره في الباقي إن قلنا يجوز رد أحد العبدين إذا اشتراهما بشرط الخيار وإلا ففي
بقاء الخيار في الباقي الوجهان وإذا بقي الخيار فيه ففسخ رده مع قيمة التالف *
(فرع) لو قبض المبيع في زمن الخيار ثم أودعه عند البائع فتلف في يده فهو كما لو تلف في يد
المشترى حتى إذا فرعنا على أن الملك للبائع ينفسخ البيع ويسترد الثمن ويغرم القيمة هكذا جزم به
الدارمي وآخرون وحكاه إمام الحرمين عن الصيدلاني ثم أبدى احتمالا لنفسه في سقوط القيمة لحصول
التلف بعد العود إلى يد المالك * ونقل القاضي حسين عن نص الشافعي أن المشترى يلزمه القيمة. قال
القاضي وهذا تفريع على أن الملك للمشترى وقد تلف في يده لان يد المستودع يد المودع حكما (قال)
وفيه قول آخر أنه لا ينفسخ العقد والله أعلم *
(فرع) قال أصحابنا لا يجب على البائع تسليم المبيع ولا على المشترى تسليمه الثمن في مدة الخيار فلو
تبرع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره ولا يجبر الآخر على تسليم ما عنده وله استرداد المدفوع هذا هو المذهب
وفيه وجه ضعيف أنه ليس له استرداده وله أخذ ما عند صاحبه بغير رضاه وممن حكى هذا
الوجه الرافعي *
(فرع) قال (1) لو اشترى زوجته بشرط الخيار ثم خاطبها بالطلاق في زمن الخيار فان تم القد

(1) كذا بالأصل.
221

وقلنا الملك للمشترى أو موقوف لم يقع الطلاق (وإن قلنا) للبائع وقع على أصح الوجهين وإن فسخ
(وقلنا) هو للبائع أو موقوف وقع (وان قلنا) للمشترى فوجهان وليس له الوطئ في زمن الخيار
لأنه لا يدرى أيطأ بالملك أو بالزوجية هذا هو الصحيح المنصوص وفيه وجه ضعيف ان له الوطئ * قال
الروياني فان تم البيع فهل يلزمه استبراؤها فيه وجهان بناء على جواز الوطئ (ان حرمناه) وجب
الاستبراء والا فلا * قال وان انفسخ البيع (فان قلنا) الملك للبائع أو موقوف فالنكاح بحاله (وان
قلنا) الملك للمشترى فوجهان أحدهما ينفسخ لحصوله في ملكه (والثاني) قال وهو ظاهر مذهب
الشافعي رحمه الله ان النكاح بحاله لان ملكه غير مستقر * قال الروياني ولو طلقها ثم استبرأها ثم راجعها في
مدة الخيار فان تم البيع فالرجعة باطلة وان فسخ فان قلنا لا يملك بالعقد أو قلنا موقوف صحت الرجعة
(وإن قلنا) يملك بنفس العقد ففي صحة الرجعة وجهان *
(فصل) في مسائل وفروع تتعلق بباب الخيار في البيع (منها) ثبت في الصحيحين عن ابن
عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع
الخيار) وفى رواية (الا أن يكون البيع خيارا) وفى رواية (أو يخير أحدهما صاحبه) وفى رواية (أو يقول لصاحبه
اختر) واختلف العلماء من أصحابنا وغيرهم في معنى قوله صلى الله عليه وسلم (الا بيع الخيار) على ثلاثة أقوال جمعها القاضي
حسين في تعليقه والروياني وآخرون من أصحابنا (أصحها) المراد التخيير بعد تمام العقد
وقبل مفارقة المجلس وتقديره لهما الخيار ما لم يتفرقا الا ان يتخايرا في المجلس فيلزم البيع بنفس التخاير
ولا يدوم إلى المفارقة (والثاني) معناه إلا بيعا شرط فيه خيار الشرط ثلاثة أيام أو دونها فلا ينقضي
الخيار فيه بالمفارقة بل يبقى حتى تنقضي المدة المشروطة (والثالث) معناه الا بيعا شرط فيه ان
لا خيار لهما في المجلس فيلزم البيع بمجرد العقد ولا يكون فيه خيار وهذا على الوجه الضعيف السابق
لأصحابنا فيما إذا تبايعا على أن لا خيار وقلنا يصح البيع ولا خيار فهذا ينفسخ على الأقوال المذكورة
في تفسيره واتفق أصحابنا على ترجيح القول الأول وهو المنصوص للشافعي ونقلوه عنه وأبطل كثير
من أصحابنا ما سواه وغلطوا قائله وممن رجحه من المحدثين البيهقي فقال الروايتان الأخيرتان من
222

الروايات التي ذكرتها تدل على أن المراد بالقول الأول الأولى ثم بسط دلائله وضعف ما يعارضها
ثم قال وذهب كثيرون من أهل العلم إلى تضعيف الأثر المنقول عن عمر رضي الله عنه (البيع صفقة
أو الخيار وان البيع لا يجوز فيه شرط قطع الخيار وان المراد ببيع الخيار التخيير بعد البيع أو بيع
شرط فيه خيار ثلاثة أيام فلا ينقطع خيارهما بالتفرق) ثم قال والصحيح ان المراد التخيير بعد البيع
لان نافعا ربما عبر عنه ببيع الخيار وربما فسره قال والذي يبين هذا رواية أبى داود عن نافع عن
ابن عمر قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار حتى يتفرقا أو يكون بيع خيار قال وربما قال
نافع أو يقول أحدهما للآخر اختر رواه مسلم في صحيحه) هذا كلام البيهقي ومن قال بالقول
الأول أيضا من المحدثين الترمذي فقال في جامعه المشهور معناه الا ان يخير البائع المشترى بعد
ايجاب البيع فإذا أحضره فاختار البيع ليس لهما خيار بعد ذلك في فسخ البيع وان لم يتفرقا قال
هكذا فسره الشافعي وغيره وهكذا نقل الشيخ أبو حامد والأصحاب هذا التفسير عن الشافعي
وجزم به كثيرون ومن ذكر منهم خلافا صححه ونقل ابن المنذر في الأشرف هذا التفسير عن سفيان الثوري والأوزاعي وسفيان بن عيينة وعبيد الله بن الحسن العنبري والشافعي واسحق ابن راهويه والله أعلم *
(فرع) قال المزني في المختصر قال الشافعي وكل متبايعين في سلعة وعين وصرف وغيره
فلكل واحد منهما الخيار حتى يتفرقا تفرق الأبدان إلى آخره * قال القاضي حسين والروياني وغيرهما
غلط المزني في قوله سلعة وعين فإنهما شئ واحد وإنما قال الشافعي في سلف بالفاء أو عين وأراد
بالسلف السلم وأما قوله تفرق الأبدان فاحتراز من تأويل أبي حنيفة فإنه يقول المراد بالحديث حتى
يتفرقا بالقول وهو تمام عقد البيع والله سبحانه أعلم *
(فرع) قال الشافعي في مختصر المزني ولا بأس بنقد الثمن في بيع الخيار قال أصحابنا أراد بنقد الثمن
تسليمه إلى البائع قال أصحابنا فلا يكره تسليم الثمن في مدة الخيار إلى البائع وتسليم المبيع إلى المشترى في مدة
الخيار * هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة وقال مالك يكره تسليم الثمن في مدة الخيار * وإنما يسلم
223

بعدها قال لان قبضه تصرف ولا يجوز التصرف فيه قبل انقضاء الخيار ولأنه يصير بيعا
وسلفا فإنه إذا سلم إليه الثمن ثم فسخا البيع استرجع الثمن منه فيصير كأنه أقرضه
الثمن واسترجعه منه قبل التصرف وقد نهى عن بيع وسلف * واحتج أصحابنا بأن القبض حكم من
أحكام العقد فكان في مدة الخيار كالفسخ والامضاء ولأنه لا ضرر في قبضه في مدة الخيار وما لا ضرر
فيه لا يمنع منه لان امتناع التسليم قبل انقضاء الخيار لحق المتعاقدين فإذا تراضيا عليه جاز كالإقالة
وغيره (وأما) قوله القبض تصرف فلا يسلمه أصحابنا وكذا لا يسلمون أن هذا بيع وسلف ولا يؤدى
إليه ولا ما في معناه والله أعلم * قال أصحابنا وإذا سلم المشترى الثمن إلى البائع في مدة الخيار أو سلم
البائع المبيع إلى المشترى لا يسقط خيارهما بلا خلاف عندنا * ونقل القاضي حسين عن مالك اسقاط
الخيار لأنه يتضمن الرضا * واحتج أصحابنا بأن مقصوده بالتسليم الخلاص من عهدة ضمانه قال القاضي
حسين وهل له بعد ذلك أن ينزعه من يد صاحبه عند استيفاء العوض الآخر فيه وجهان (أحدهما)
له لان هذا التسليم لا يسقط الخيار فلا يسقط حق الحبس (والثاني) ليس له لتضمنه اسقاط
حق الحبس *
(فرع) إذا ألحقنا بالحبس في مدة خيار المجلس أو خيار الشرط زيادة في الثمن أو نقصا
أو زيادة خيار أو أجالا وشرطا نقدا أو نحو ذلك فهل يلحق فيه ثلاثة أوجه سنذكرها بفروعها
مبسوطة إن شاء الله تعالى في باب ما يفسد البيع من الشروط (أصحها) انه كالمقارن للعقد
(والثاني) انه لغو (والثالث) إن كان في خيار المجلس فكالمقارن وإن كان في خيار الشرط
فلغو والله أعلم *
(فرع) قال صاحب البحر إذا تقابضا الثمن والمثمن في مدة الخيار ثم تفاسخا لزمهما ترداد
العوضين وليس لواحد منهما حبس ما في يده بعد طلب صاحبه فليس له إذا طلب صاحبه أن يقول
لا أرد حتى ترد أنت بل إذا بدأ أحدهما بالمطالبة لزم الآخر الدفع إليه ثم يرد ما كان في يده قال
بخلاف ما لو قال البائع لا أسلم المبيع حتى يسلم الثمن وقال المشترى لا أسلم الثمن حتى يسلم المبيع فان
224

كل واحد حبس ما في يده حتى يدفع صاحبه على الخلاف المشهور فيه والفرق أن الفسخ هنا رفع
حكم العقد وبقى التسليم بحكم اليد دون العقد واليد توجب الرد وهناك التسليم بالعقد والعقد يوجب
التسليم من الجانبين *
(فرع) في مذاهب العلماء في شرط الخيار وهو جائز بالاجماع واختلفوا في ضبطه فمذهبنا
أنه يجوز ثلاثة أيام فما دونها ولا يجوز أكثر وبه قال أبو حنيفة وعبد الله بن شبرمة وزفر
والأوزاعي في رواية عنه وقال ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وعبيد الله بن الحسن العنبري وأحمد
ابن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد وابن المنذر وداود وفقهاء المحدثين يجوز
في كل شئ بقدر الحاجة فيه فيجوز في الثوب ونحوه اليوم واليومان وفى الجارية ونحوها ستة أيام وسبعة وفى الدار نحو الشهر *
(فرع) في مذاهبهم إذا تبايعا بشرط الخيار غير مؤقت مذهبنا بطلان البيع لان فيه
غرر وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وقال أحمد واسحق البيع صحيح وأن الخيار باطل وقال
الأوزاعي وابن أبي ليلى البيع صحيح والشرط باطل لقوله صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو
باطل) قالا وهذا ظاهر في أبطال الشرط وصحة البيع وقال مالك البيع صحيح ويثبت لهما الخيار
مدة تليق بذلك البيع والله أعلم *
(باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز)
قال المصنف رحمه الله *
(الأعيان ضربان نجس وطاهر فأما النجس فعلى ضربين في نفسه ونجس بملاقاة
النجاسة فأما النجس في نفسه فلا يجوز بيعه وذلك مثل الكلب والخنزير والخمر والسرجين
وما أشبه ذلك من النجاسات والأصل فيه ما روى جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ان الله تعالى حرم
بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) وروى أبو مسعود البدري وأبو هريرة رضي الله عنهما ان
225

رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب فنص على الكلب والخنزير والخمر والميتة وقسنا عليها
سائر الأعيان النجسة) *
(الشرح) أما حديث جابر رضي الله عنه فرواه البخاري ومسلم في صحيحهما طويلا ولفظه
فيهما عن جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة (إن الله ورسوله حرما بيع
الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها
الجلود ويستصبح بها الناس فقال لا هو حرام ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك قاتل الله اليهود
إن الله لما حرم شحومها حملوه ثم باعوه فأكلوا الميتة) فقال حمله - بالحاء وتخفيف الميم - أحمله أي
أدامه (وأما) حديث أبي مسعود البدري الأنصاري فرواه البخاري ومسلم أيضا ولفظه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن (وأما) حديث أبي هريرة
فرواه أبو داود باسناد حسن بلفظ حديث أبي مسعود واسم أبى مسعود عمرو بن عمرو الأنصاري
البدري قال أكثر العلماء لم يشهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزوة المشهورة وإنما قيل له البدري
لأنه سكن بدرا ولم يشهدها وقال محمد بن إسحاق إما المغازي ومحمد بن شهاب الزهري إمام المغازي
وغيرهما ومحمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح في صحيحه أنه شهدها واتفقوا على أنه شهد العقبة
مع السبعين وكان أصغرهم روى له عن النبي صلى الله عليه وسلم مائة حديث وحديثان اتفق البخاري ومسلم على تسعة أحاديث
منها وانفرد البخاري بحديث ومسلم بسبعة سكن الكوفة وتوفى بها وقيل توفى بالمدينة رضي الله عنه
(وأما السرجين - فبكسر السين وفتحها وبالجيم - ويقال بالقاف - بدلها وسبق إيضاحه في أول كتاب الطهارة
والله أعلم * (أما) حكم المسألة فقد سبق في أول كتاب البيوع أن شروط البيع خمسة أن يكون طاهرا
منتفعا به مقدورا على تسليمه معلوما مملوكا لمن وقع العقد له فبدأ المصنف بالشرط الأول وهو
الطهارة فقال النجس ضربان نجس في نفسه كالكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما
والخمر والنبيذ والسرجين والعذرة ودهن الميتة وعصبها وشعرها إذا قلنا بالمذهب إنه نجس وكذا
226

ريشها ولبن ما لا يؤكل إذا قلنا بالمذهب إنه نجس وسائر الأعيان النجسة ولا يجوز بيعها بلا خلاف
عندنا وسواء الكلب المعلم وغيره وسواء الخمر المحترمة وغيرها * ودليل المسألة ما ذكره
المصنف والله أعلم *
(فرع) الفيلج - بالفاء والجيم - هو القز قال القاضي حسين في فتاويه وآخرون يجوز بيعه
في باطن الدود الميت لان بقاءه من مصالحه كالنجاسة التي في جوف الحيوان قالوا وسواء باعه
وزنا أو جزافا وسواء كان الدود حيا أو ميتا فبيعه جائز بلا خلاف والله أعلم *
(فرع) قال أصحابنا في بيع فأرة المسك أو بيض ما لا يؤكل لحمه ودودة القز وجهان بناء
على طهارتها ونجاستها (أصحهما) الطهارة وجواز البيع (وأما) دود القز فيجوز بيعه في حياته بلا خلاف
لأنه حيوان ينتفع به كسائر الحيوان وقد ذكر المصنف المسألة في آخر هذا الباب وسبق إيضاحها
في باب إزالة النجاسة هذا مذهبنا * وقال أبو حنيفة لا يجوز بيع بزر القز ولا دوده دليلنا أنه طاهر
منتفع به فجاز بيعه كسائر الطاهر المنتفع به *
(فرع) في حكم لبن ما لا يؤكل لحمه ذكرنا في باب إزالة النجاسة ثلاثة أوجه (أصحها)
وأشهرها أنه نجس (والثاني) طاهر يحل شربه قال أصحابنا (إن قلنا) إنه نجس لا يجوز بيعه
قال المتولي وآخرون (وإن قلنا) طاهر يحل شربه جاز بيعه (وإن قلنا) طاهر لا يحل شربه فإن كان
فيه منفعة مقصودة جاز بيعه وإلا فلا *
(فرع) ذكرنا أن بيع الخمر باطل سواء باعها مسلم أو ذمي أو تبايعها ذميان أو وكل المسلم ذميا في شرائها
له فكله باطل بلا خلاف عندنا وقال أبو حنيفة يجوز أن يوكل المسلم ذميا في بيعها وشرائها وهذا
فاسد منابذ للأحاديث الصحيحة في النهى عن بيع الخمر *
(فرع) بيع الخمر وسائر أنواع التصرف فيها حرام على أهل الذمة كما هو حرام على المسلم هذا مذهبنا
وقال أبو حنيفة لا يحرم ذلك عليهم قال المتولي المسألة مبينة على أصل معروف في الأصول وهو أن
الكافر عندنا مخاطب بفروع الشرع وعندهم ليس بمخاطب وقد سبقت هذه المسألة في باب إزالة النجاسة *
227

(فرع) لو أتلف لغيره كلبا أو خنزيرا أو سرجينا أو ذرق حمام أو جلد ميتة قبل دباغه
أو غير ذلك من الأعيان النجسة لم تلزمه قيمته بلا خلاف عندنا قال الماوردي قال أصحابنا لم يكن
يعرف خلاف في أنه لا قيمة على من أتلف كلبا معلما حتى قال به عظائم تابعة مالك *
(فرع) ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يجوز بيع الكلب سواء كان معلما أو غيره وسواء كان
جروا أو كبيرا ولا قيمة على من أتلفه وبهذا قال جماهير العلماء وهو مذهب أبي هريرة وحسن
البصري والأوزاعي وربيعة والحكم وحماد وأحمد وداود وابن المنذر وغيرهم وقال أبو حنيفة
يصح بيع جميع الكلاب التي فيها نفع وتجب القيمة على متلفه وحكى ابن المنذر عن جابر وعطاء
والنخعي جواز بيع الكلب للصيد دون غيره وقال مالك لا يجوز بيع الكلب وتجب القيمة
على متلفه وإن كان كلب صيد أو ماشية وعنه رواية كمذهبنا ورواية كمذهب أبي حنيفة
واحتج لمن جوز بيعه بالحديث المروى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن
ثمن الكلب الا كلب صيد) وفى رواية (ثلاث كلهن سحت فذكر كسب الحجام ومهر البغي
وثمن الكلب إلا كلب صيد) وعن عمر رضي الله عنه (أنه غرم رجلا عن كلب قتله عشرين بعيرا)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قضى في كلب صيد قتله رجل بأربعين درهما وقضى في كلب
ماشية بكبش * ولأنه حيوان يجوز الانتفاع به فأشبه الفهد ولأنه تجوز الوصية به والانتفاع به فأشبه
الحمار * واحتج أصحابنا بالأحاديث الصحيحة في النهي عن بيعه والنهى يقتضى الفساد فإنه لا قيمة على
متلفه فمن الأحاديث حديث أبي مسعود البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهي عن ثمن الكلب ومهر
البغي وحلوان الكاهن) رواه البخاري ومسلم * وعن أبي حنيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(نهى عن ثمن الدم وعن ثمن الكلب ومهر البغي ولعن آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة
ولعن المصور) رواه البخاري * وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كسب
الحجام خبيث ومهر البغي خبيث وثمن الكلب خبيث) رواه مسلم * وعن ابن الزبير قال (سألت
جابرا رضي الله عنه عن ثمن الكلب والسنور فقال زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك) رواه مسلم وعن
228

ابن عباس رضي الله عنهما قال (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وقال إن جاء يطلب ثمن الكلب
فأملا كفه ترابا) رواه أبو داود باسناد صحيح وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال (قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا يحل ثمن الكلب ولا حلوان الكاهن ولا مهر البغي) رواه أبو داود باسناد صحيح حسن *
وعن ابن عباس قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خاليا عند الركن فرفع بصره إلى السماء فقال لعن
الله
اليهود ثلاثا إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم على قوم أكل
شئ حرم عليهم ثمنه) رواه أبو داود باسناد صحيح ولأنه حيوان نجس فلم يجز بيعه كالخنزير
(وأما) الجواب عما احتجوا به من الأحاديث والآثار فكلها ضعيفه باتفاق المحدثين وهكذا وضح الترمذي
والدارقطني والبيهقي ضعفها ولأنهم لا يفرقون بين المعلم وغيره بل يجوزون بيع الجميع وهذه الأحاديث
الضعيفة فارقة بينهما * والجواب عن قياسهم على الفهد ونحوه أنه طاهر بخلاف الكلب * والجواب عن
قياسهم على الوصية أنها محتمل فيها ما لا يحتمل في غيرها ولهذا تجوز الوصية بالمجهول والمعدوم والآبق والله أعلم *
قال ابن المنذر لا معنى لمن جوز بيع الكلب لأنه مخالف لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ونهيه
صلى الله عليه وسلم عام يدخل فيه جميع الكلاب قال ولا يعلم خبر عارض الأخبار الناهية يعني خبرا
صحيحا وقال البيهقي الاسناد المذكور في كلب الصيد ليس ثابتا في الأحاديث الصحيحة والله
سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) بيع الهرة الأهلية جائز بلا خلاف عندنا إلا ما حكاه البغوي في كتابه في شرح
مختصر المزني عن ابن العاص أنه قال لا يجوز وهذا شاذ باطل مردود والمشهور جوازه وبه قال جماهير
العلماء نقله القاضي عياض عن الجمهور وقال ابن المنذر أجمعت الأمة على أن اتخاذه جائز ورخص
في بيعه ابن عباس وابن سيرين والحكم وحماد ومالك والثوري والشافعي وأحمد واسحق وأبو حنيفة
وسائر أصحاب الرأي قال وكرهت طائفة بيعه منهم أبو هريرة ومجاهد وطاووس وجابر بن زيد قال
ابن المنذر إن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهى عن بيعه فبيعه باطل وإلا فجائز هذا كلام ابن المنذر
واحتج من منعه بحديث أبي الزبير قال سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور فقال زجر النبي صلى الله عليه وسلم
229

عن ذلك) رواه مسلم * واحتج أصحابنا بأنه طاهر منتفع به ووجد فيه جميع شروط البيع بالخيار
فجاز بيعه كالحمار والبغل والجواب عن الحديث من وجهين (أحدهما) جواب أبى العباس بن
العاص وأبي سليمان الخطابي والقفال وغيرهم أن المراد الهرة الوحشية فلا يصح بيعها لعدم الانتفاع بها
الا على الوجه الضعيف القائل بجواز أكلها (والثاني) أن المراد نهى تنزيه والمراد النهى على العادة
بتسامح الناس فيه ويتعاوزونه في العادة فهذان الجوابان هما المعتمدان (وأما) ما ذكره الخطابي وابن
عبد الله أن الحديث ضعيف فغلط منهما لان الحديث في صحيح مسلم باسناد صحيح وقول ابن عبد الله
إنه لم يروه غير أبى الزبير عن حماد بن سلمة فغلط أيضا فقد رواه مسلم في صحيحه من رواية معقل
ابن عبيد الله عن أبي الزبير فهذان ثقتان رواياه عن أبي الزبير هو ثقة والله أعلم *
(فرع) قال ابن المنذر أجمع العلماء عل تحريم بيع الميتة والخمر والخنزير وشرائها قال واختلفوا
في الانتفاع بسعر الخمر فمنعه ابن سيرين والحكم وحماد والشافعي واحمد واسحق ورخص فيه الحسن
البصري والأوزاعي ومالك وأبو حنيفة وأبو يوسف *
(فرع) مذهبنا المشهور أن عظم الفيل نجس سواء أخذ منه بعد ذكاته أو بعد موته ولنا
وجه شاذ أن عظام الميتة طاهرة وسبق بيانه في باب الآنية وسبق في باب الأطعمة وجه شاذ أن الفيل
يؤكل لحمه فعلى هذا إذا ذكى كان عظمه طاهرا والمذهب نجاسته مطلقا ولا يجوز بيعه ولا يحل ثمنه
وبهذا قال طاووس وعطاء بن أبي رباح وعمر بن عبد العزيز ومالك وأحمد وقال ابن المنذر ورخص
فيه عروة بن الزبير وابن سريج قال ابن المنذر مذهب من حرم هو الأصح *
(فرع) بيع سرجين البهائم المأكولة وغيرها وذرق الحمام باطل وثمنه حرام هذا مذهبنا
وقال أبو حنيفة يجوز بيع السرجين لاتفاق أهل الأمصار في جميع الأعصار على بيعه
من غير انكار ولأنه يجوز الانتفاع به فجاز بيعه كسائر الأشياء) واحتج أصحابنا بحديث
230

ابن عباس السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ان لله إذا حرم على قوم شيئا حرم عليهم ثمنه) وهو حديث
صحيح كما سبق بيانه قريبا وهذا عام إلا ما خرج بدليل كالحمار والعبد وغيرهما ولأنه نجس العين
فلم يجز بيعه كالعذرة فإنهم وافقوا على بطلان بيعها مع أنه ينتفع بها (وأما) الجواب عما احتجوا
به فهو ما أجاب به الماوردي أن بيعه إنما يفعله الجهلة والارزال فلا يكون ذلك حجة في دين الاسلام
(وأما) قولهم إنه منتفع به فأشبه غيره فالفرق أن هذا نجس بخلاف غيره *
(فرع) جلد الميتة لا يجوز بيعه عندنا وعند الجمهور قبل الدباغ وجوزه أبو حنيفة ودليل
المذهبين نحو ما سبق في الفرع قبله وممن حكى بطلان بيعه عن الجمهور العبدري في أول
كتاب الطهارة *
(فرع) اتفق أصحابنا وغيرهم على أنه لو كان له كلاب فيها منفعة مباحة ككلب
الصيد والزرع فمات قسمت بين ورثته كما يقسم السرجين وجلود الميتة وغير ذلك من النجاسات
المنتفع بها *
(فرع) الوصية بالكلب المنتفع به * والسرجين ونحوها من النجاسات جائزة بالاتفاق وفي إجازة الكلب
وهبته وجهان مشهوران (أصحهما) البطلان وسنوضح كل ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى * ويورث
الكلب بلا خلاف وممن نقل الاتفاق عليه الدارمي *
(فرع) قال الدارمي يجوز قسمة الكلاب وليست بيعا وقال البغوي في كتابه شرح
مختصر المزني إذا مات وخلف كلابا ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يقسم بالقيمة قال وهذا ضعيف
لأنه لا قيمة (والثاني) يقسم على طريق الانتفاع وقيل على طريق نقل اليد (والثالث) لا يقسم
بل يترك بين الورثة كما لو خلف ورثة وجوهرة لا تقسم بل تترك بينهم هذا ما حكاه البغوي (والأصح) أنها
تقسم باعتبار قيمتها عندما يرى لها قيمة كما في نظائره والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
(فأما اقتناؤها فينظر فيه فإن لم يكن فيها منفعة مباحة كالخمر والخنزير والميتة والعذرة لم يجز
اقتناؤها لما روى أنس رضي الله عنه قال (سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر تصنع خلا
فكرهه وقال أهرقها) ولان اقتناء ما لا منفعة فيه سفه فلم يجز فإن كان فيه منفعة مباحة كالكلب
231

جاز اقتناؤه للصيد والماشية والزرع لما روى سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية نقص من أجره يوم قيراطان) وفى حديث
أبي هريرة (إلا كلب صيد أو ماشية أو زرع) ولان الحاجة تدعو إلى الكلب في هذه المواضع فجاز
اقتناؤه وهل يجوز اقتناؤه لحفظ الدروب فيه وجهان (أحدهما) لا يجوز للخبر (والثاني) يجوز لأنه
حفظ مال فأشبه الزرع والماشية وهل يجوز لمن لا يصطاد أن يقتنيه ليصطاد به إذا أراد فيه وجهان
(أحدهما) يجوز للخبر (والثاني) لا يجوز لأنه لا حاجة به إليه وهل يجوز اقتناء الجرو للصيد
والماشية والزرع فيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لأنه ليس فيه منفعة يحتاج إليها (والثاني) يجوز
لأنه إذا جاز اقتناؤه للصيد جاز اقتناؤه لتعليم ذلك (وأما) السرجين فإنه يكره اقتناؤه وتربية
الزرع به لما فيه من مباشرة النجاسة) *
(الشرح) أما حديث أنس فرواه مسلم في صحيحه بمعناه عن أنس أن النبي صلى الله عليه
وسلم سئل عن الخمر يتخذ خلا فقال لا وفى الصحيح أحاديث كثيرة صريحة في إراقة الخمر (منها) حديث
لأبي سعيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يا أيها الناس ان الله يعرض بالخمر ولعل الله سينزل فيها فمن كان
عنده منها شئ فليبعه ولينتفع به قال فما لبثنا الا يسيرا حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله حرم الخمر
فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شئ فلا
يشربه ولا يبيعه فاستقبل الناس بما كان عندهم منها
232

في طرق المدينة فسفكوها) رواه مسلم وعن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رجلا أهدى لرسول
الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل علمت أن الله قد حرمها قال لا فسارر انسانا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
بم ساررته قال امرته ببيعها فقال إن الذي حرم شربها حرم بيعها ففتح المزاد حتى ذهب ما فيها)
رواه مسلم * وفى الصحيحين عن أنس (أنه لما نزل تحريم الخمر أمره أبو طلحة أن يريق الخمر التي كانت
عندهم فأراقها) وعن أنس (أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا قال
أهرقها قال أفلا أجعلها خلا قال لا) رواه أبو داود باسناد صحيح أو حسن (وأما) حديث ابن عمر
وأبي هريرة فرواه البخاري ومسلم من طرق في بعضها نقص من أجره كل يوم قيراطان وفى بعضها
قيراط قال صاحب البحر والقيراط عبارة عن جزء من عمله قال واختلفوا في المراد به فقيل ينقص
من ماضي عمله وقيل من مستقبله قال واختلفوا في محل نقص القراطين فقال قيراط من عمل النهار
وقيراط من عمل الليل وقيل قيراط من عمل الفرض وقيراط من عمل النفل هذا كلامه (وأما)
اختلاف الرواية في قيراط وقيراطين فقيل يحتمل أنه لنوعين من الكلاب أحدهما أشد ضررا
أو لمعنى فيهما أو يكون ذلك مختلفا باختلاف المواضع فيكون القيراطان في المدينة خاصة لزيادة
فضلها والقيراط في غيرها أو القيراطان في القرى والقيراط في البراري أو أنه في زمنين فذكر القيراط
ثم زاد التغليظ فذكر قيراطان وقد أوضحت هذا مع سبب النقص وما يتعلق به في شرح صحيح
مسلم رضي الله عنه والله سبحانه أعلم * وسالم المذكور هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
م * والجرو - بكسر الجيم وفتحها - والكسر أفصح وحكى الجوهري ضمها (أما) الأحكام ففيها
مسائل (إحداها) لا يجوز اقتناء الخنزير سواء كان فيه عدوى تعدو الناس أم لم يكن لكن
إن كان فيه عدوى وجب قتله قطعا والا فوجهان (أحدهما) يجب قتله (والثاني) يجوز قتله ويجوز ارساله
233

وهو ظاهر نص الشافعي وقد ذكر المصنف المسألة في آخر كتاب السير وهناك نبسطها إن شاء الله
تعالى وهذا الخلاف في وجوب قتله كما ذكرنا (وأما) اقتناؤه فلا يجوز بحال كذا صرح به المصنف
والروياني وآخرون (الثانية) يكره اقتناء العذرة والميتة وقال المصنف ومن بايعه لا يجوز وظاهره
التحريم وليس هو على ظاهره بل هو محمول على كراهة التنزيه وقد سبق بيان مثل هذه العبارة
في باب الاستطابة في قوله لا يجوز أن يستنجى بيمينه (الثالثة) الخمر ضربان محترمة وغيرها وسبق
بيانها في باب إزالة النجاسة والمحترمة يجوز امساكها وغير المحترمة يحرم امساكها وسبق بيان هذا كله
ودليله في باب إزالة النجاسة (الرابعة) يكره اقتناء السرجين والوقود به وتربية الزرع والبقول
لما ذكره المصنف وهي كراهة تنزيه وأشار الروياني إلى وجه أنه مباح لا مكروه وسبق في إزالة النجاسة
بيان حكم الزرع والبقل النابت منه (الخامسة) قال الشافعي والأصحاب لا يجوز اقتناء الكلب
الذي لا منفعة فيه وحكي الروياني عن أبي حنيفة جوازه دليلنا الأحاديث السابقة قال الشافعي
والأصحاب ويجوز اقتناء الكلب للصيد أو الزرع أو الماشية بلا خلاف لما ذكره المصنف وفى جواز
ايجاده لحفظ الدور والدروب وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) الجواز
وهو المنصوص في المختصر قال الشافعي لا يجوز اقتناء الكلب الا للصيد أو ماشية أو زرع وما في
معناها هذا نصه في المختصر قال القاضي حسين في تعليقه وفى جواز ايجاده في السفر للحراسة الوجهان
(أصحهما) الجواز وفى جواز تربية الجرو للصيد أو الزرع أو غيرهما مما يباح اقتناء الكبير له
فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) الجواز * ولو أراد إيجاد الكلب ليصطاد
به إذا أراد ولا يصطاد به في الحال أو ليحفظ الزرع أو الماشية إذا صارا له فوجهان (أصحهما) الجواز
واتفق الأصحاب على أنه يجوز اقتناء الكلب الكبير لتعلم الصيد وغيره وإنما الوجهان في الجر و
(أما) إذا اقتني كلب صيد ولا يريد أن يصطاد به في الحال ولا فيما بعد فظاهر كلام الجمهور القطع
بتحريمه وذكر صاحب الشامل أن الشيخ أبا حامد حكى عن القاضي أبى حامد فيه وجهين
(أحدهما) يجوز لأنه كلب صيد وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الا كلب صيد) (وأصحهما)
234

لا يجوز لأنه اقتناء لغير حاجة فأشبه غيره من الكلاب ومعنى الحديث الا كلبا يصطاد به وممن
حكى الوجهين صاحب البيان أيضا *
(فرع) أما اقتناء ولد الفهد فالمشهور جوازه كالقرد والفيل وغيرهما وحكي صاحب
البحر فيه طريقين (المذهب) القطع بجوازه (والثاني) فيه وجهان حكاهما القاضي أبو علي
البندنيجي والله أعلم *
(فرع) قال أصحابنا الكلب العقور والكلب يقتلان للحديث الصحيح أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (خمس يقتلن في الحل والحرم منها الكلب العقور) قال أصحابنا وإن لم يكن
الكلب عقورا ولا كلبا لم يجر قتله سواء كان فيه منفعة أم لا وسواء كان أسود أم لا وهذا
كله لا خلاف فيه بين أصحابنا وممن صرح به القاضي حسين وإمام الحرمين قال إمام الحرمين الامر
بقتل الكلب الأسود وغيره كله منسوخ فلا يحل قتل شئ منها اليوم لا الأسود ولا غيره
إلا الكلب والعقور
* قال المصنف رحمه الله *
(وأما النجس بملاقاة النجاسة فهو الأعيان الطاهرة إذا إصابتها نجاسة فينظر فيها فإن كان
جامدا كالثوب وغيره جاز بيعه لان البيع يتناول الثوب وهو طاهر وإنما جاورته النجاسة
وإن كان مائعا نظرت فإن كان مما لا يطهر كالخل والدبس لم يجز بيعه لأنه نجس لا يمكن تطهيره
من النجاسة فلم يجز بيعه كالأعيان النجسة وإن كان ماء ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز بيعه
لأنه نجس لا يطهر بالغسل فلم يجز بيعه كالخمر (والثاني) يجوز بيعه لأنه يطهر بالماء فأشبه الثوب *
فإن كان دهنا فهل يطهر بالغسل فيه وجهان (أحدهما) لا يطهر لأنه لا يمكن عصره من النجاسة
فلم يطهر كالخل (والثاني) يطهر لأنه يمكن غسله بالماء فهو كالثوب (فان قلنا) لا يطهر لم يجز بيعه
كالخل (وإن قلنا) يطهر ففي بيعه وجهان كالماء النجس ويجوز استعماله في السراج والأولى أن لا يفعل
لما فيه من مباشرة النجاسة) *
(الشرح) قوله لأنه لا يمكن عصره من النجاسة فلم يطهر كالخل هذا تعليل فاسد لأنه
235

يقتضى أن المنع من طهارة الخل ونحوه والدهن إنما هو لتعذر العصر وقد علم أن الصحيح أنه
لا يشترط العصر في طهارة المغسول من النجاسة بل التعليل الصحيح أنه لا يدخل الماء جميع أجزائه
بخلاف الثوب ونحوه (أما) الأحكام ففيها مسائل (إحداها) إذا كانت العين متنجسة بعارض
وهي جامدة كالثوب والبساط والسلاح والجلود والأواني والأرض وغير ذلك جاز بيعها بلا خلاف
لما ذكره المصنف ونقلوا فيه إجماع المسلمين * قال أصحابنا فان تستر شئ من ذلك بالنجاسة الواردة
ففيه القولان في بيع الغائب (الثانية) إذا كانت العين الطاهرة المتنجسة بملاقاة النجاسة مائعة
فينظر إن كانت لا يمكن تطهيرها كالخل واللبن والدبس والعسل والمرق ونحو ذلك لم يجز بيعها بلا خلاف
لما ذكره المصنف ونقلوا فيه إجماع المسلمين (وأما) الصبغ النجس فالمشهور الذي قطع به الجمهور أنه
لا يجوز بيعه كالخل ونحوه وشذ المتولي فحكي فيه طريقين (أحدهما) هذا (والثاني) أن في جواز
بيعه طريقين كالزيت النجس (أصحهما) لا يجوز لأنه لا يمكن تطهيره بخلاف الزيت على الوجه
القائل بجواز بيعه وإنما يصبغ الناس به ثم يغسلون الثوب وممن حكى الوجه الشاذ في جواز بيع
الصبغ النجس القاضي حسين والروياني وطرده القاضي حسين في الخل المتنجس قال لأنه يصبغ به *
(الثالثة) هل يجوز بيع الماء النجس فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما)
لا يجوز وبه قطع الغزالي في البسيط قال الروياني وفيه طريق آخر وهو الجزم ببطلان بيعه لأنه
لا يطهر بل يستحيل ببلوغه قلتين من صفة النجاسة إلى الطهارة كالخمر يتخلل (الرابعة) الدهن
النجس ضربان ضرب نجس العين كودك الميتة فلا يجوز بيعه بلا خلاف ولا يطهر بالغسل
(والضرب الثاني) متنجس بالمجاورة كالزيت والسيرج والسمن ودهن الحيوان وغيره فهذا
كله هل يطهر بالغسل فيه وجهان مشهوران (أحدهما) يطهر كله (والثاني) لا يطهر ودليلهما
في الكتاب وفى المسألة وجه ثالث أنه يطهر الزيت ونحوه ولا يطهر السمن وممن ذكر هذا
الوجه القاضي أبو الطيب والروياني وهو شاذ والصحيح عند الأصحاب أنه لا يطهر شئ من
الادهان بالغسل وهو ظاهر نص الشافعي وبه قال أبو علي الطبري قال صاحب الحاوي وهو
236

مذهب الشافعي وجمهور أصحابه (والوجه الثاني) يطهر الجميع بالغسل وهو قول ابن سريج وأبي إسحاق
المروزي واختاره الروياني * قال أصحابنا (فان قلنا) لا يطهر بالغسل لم يجز بيعه وجها واحدا
(وان قلنا) يطهر بالغسل ففي صحة بيعه وجهان (أصحهما) باتفاق الأصحاب لا يجوز بيعه وبه قال
أبو إسحاق المروزي وممن صححه القاضي أبو الطيب في تعليقه والماوردي والمتولي وقطع به البغوي
وهو المنصوص في مختصر المزني في أول الباب الثالث من كتاب الأطعمة (والوجه الثاني) يجوز
بيعه وهذا الوجه خرجه ابن سريج من بيع الثوب النجس * قال القاضي أبو الطيب في تعليقه هذا
تخريج باطل ومخالف لنص الشافعي وامام الحرمين في النهاية (إن قلنا) يطهر الدهن بالغسل جاز
بيعه قبل الغسل وجها واحدا كالثوب (وان قلنا) لا يطهر فوجهان وهذا الترتيب غلط عند الأصحاب
ومخالف للدليل ولنص الشافعي ولم اتفق عليه الأصحاب وامام الحرمين والغزالي منفردان به فلا يعتد
به ولا يغترن بالله والله تعالى أعلم *
(فرع) إذا قلنا بالضعيف أن الدهن يطهر بالغسل وقد قال الماوردي طريقه أن يراق
الدهن في قلتين من الماء ويحرك أشد تحريك حتى يصل الماء إلى جميع أجزائه ولم يتعرض الجمهور
لاشتراط القلتين (والصواب) أنه ان أورد الدهن على الماء اشترط كون الماء قلتين وأن أورد الماء
لم يشترط كونه قلتين بل يشترط فيه الغلبة للدهن كما في غسل سائر النجاسات *
(فرع) مما استدلوا به للمذهب من أن الدهن المتنجس لا يطهر بالغسل الحديث في الفأرة تقع
في السمن فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل مع نهيه عن إضاعة المال *
(فرع) نص الشافعي رحمه الله تعالى في مختصر المزني في أول الباب الثالث من كتاب
الأطعمة على جواز الاستصباح بالزيت النجس وبهذا قطع المصنف وسائر العراقيين وكثير من
الخراسانيين وهو المذهب وذكر أكثر الخراسانيين في جوازه قولين (أصحهما) جوازه (والثاني)
تحريمه لأنه يؤدى إلى ملابسته وملابسة دخانه ودخانه نجس على الأصح والخلاف في جواز
الاستصباح جار في الزيت النجس والسمن والشيرج وسائر الادهان المتنجسة بعارض وفى ودك
237

الميتة أيضا (والصحيح) في الجميع جواز الاستصباح وقد سبقت المسألة واضحة في آخر باب
ما يجوز لبسه قال إمام الحرمين أطلق الأئمة الخلاف في جواز الاستصباح وفيه تفصيل عندي
فأن كان السراج الذي فيه الدهن النجس بعيدا بحيث لا يلقى دخانه المتنجس به فلست أرى لتحريم هذا
وجها فان الانتفاع بالنجاسات لا يمنع وكيف يمنع مع تجويز تزبيل الأرض وتدميلها بالعذرة (قال)
ولعل الخلاف في جواز الاستصباح ناشئ من لحوق الدخان وفيه تفصيل نذكره (أما) رماد الأعيان النجسة
فنجس على المذهب وفيه وجه ضعيف (وأما) دخان الأعيان النجسة إذا أحرقت وقلنا رمادها نجس
ففي دخانها وجهان (أصحهما) نجس وبه كان يقطع شيخي (وأما) الدهن النجس في عينه
كودك الميتة ففي دخانه الخلاف الذي ذكرناه (وأما) الدهن المتنجس بعارض فدخانه أجزاء الدهن
وما وقع فيه ونجسه لا يختلط بالدخان فيظهر في هذا الدخان الحكم بالطهارة فان الذي خالط الدهن
يتخلف قطعا والدخان محض أجزاء الدهن قال ولا يمنع على بعد أن يطرد الخلاف في جواز
الاستصباح وان بعد السراج لان هذا ممارس نجاسة مع الاستغناء عنها بخلاف التزبيل فإنه لا يسد
مسده شئ فكان في حكم الضرورة هذا آخر كلام الامام *
(فرع) في مذاهب العلماء في بيع الزيت النجس والسمن النجس * ذكرنا أن المشهور من
مذهبنا أنه لا يمكن غسله ولا يصح بيعه وبه قال مالك وأحمد وجماهير العلماء * وقال أبو حنيفة وأصحابه
والليث بن سعد يمكن غسله ويجوز بيعه قبل غسله كالثوب النجس وكما يجوز الاستصباح به والوصية
به والصدقة والهبة وقال داود يجوز بيع الزيت دون السمن وسبقت المسألة في آخر كتاب
الأطعمة * واحتج أصحابنا بحديث ابن عباس السابق قريبا في مسألة بيع الكلب أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال (ان الله إذا حرم على قوم أكل شئ حرم عليهم ثمنه) وهو حديث صحيح كما
سبق وبحديث الفأرة تقع في السمن وقد سبق بيانه وإيضاح طرقه في آخر باب الأطعمة وبالقياس
على اللبن والخل ونحوهما إذا وقعت فيها نجاسة (والجواب) عن قياسهم على الثوب أنه يمكن غسله
بالاجماع بخلاف الدهن ولان المنفعة المقصودة بالثوب هي اللبس وهو حاصل مع أنه نجس والمنفعة
238

المقصودة بالزيت الاكل وهو حرام (وأما) جواز الاستصباح به فلا يلزم منه جواز البيع كما أنه يجوز
اطعام الميتة للجوارح ولا يجوز بيعها (وأما) الوصية به فمبناها على الرفق والمساهلة ولهذا احتملت
أنواعا من الغرر (وأما) الصدقة فكالوصية وكذلك الهبة ان صححناها وفيها خلاف سنوضحه
قريبا متصلا بهذا إن شاء الله تعالى *
(فرع) قال الروياني قال أصحابنا لا تجوز هبة الزيت النجس والا التصدق به قال وأرادوا
بذلك على سبيل التمليك (فأما) على سبيل نقل اليد فيجوز كما قلنا في الكلب هذا كلام الروياني
(وأما) قوله بجواز نقل اليد فهو كما قال ولا يجئ فيه خلاف وأما تملكه بالهبة والصدقة فينبغي أن
يكون على الوجهين في الكلب وأولى بالجواز
* قال المصنف رحمه الله *
(وأما الأعيان الطاهرة فضربان ضرب لا منفعة فيه وضرب فيه منفعة (فأما) ما لا منفعة فيه
فهو كالحشرات والسباع التي لا تصلح للاصطياد والطيور التي لا تؤكل ولا تصطاد كالرخمة والحدأة
وما لا يؤكل من الغراب فلا يجوز بيعه لان مالا منفعة فيه لا قيمة له فأخذ العوض عنه من أكل
المال بالباطل وبذل العوض فيه من السفه) *
(الشرح) قد قدمنا أن شروط المبيع خمسة (أحدهما) أن يكون منتفعا به وهذا شرط لصحة
البيع بلا خلاف قال أصحابنا ولعدم المنفعة سببان (أحدهما) القلة كالحبة والحبتين من الحنطة
والزبيب ونحوهما فان هذا القدر لا يعد ما لا قالوا ولا ينظر إلى حصول النفع به إذا ضم إليه غيره
ولا إلى ما قد يفرض من وضع الحبة في فخ يصطاد به لأن هذه منفعة لا تقصد قال أصحابنا
ولا فرق في هذا كله بين زمن الرخص والغلاء قال أصحابنا ولا خلاف أنه لا يجوز أخذ هذه الحبة
من صبرة الغير فان أخذها كان عاصيا ولزمه ردها فان تلفت فوجهان (الصحيح) أنه لا ضمان فيها
إذ لا مالية لها (والثاني) وهو قول القفال يلزمه ضمان مثلها لأنها مثلية وهذا الذي ذكرناه من بطلان
بيع الحبة مما لا منفعة فيه لقلته هو المذهب وبه قطع الأصحاب في كل الطرق وشذ المتولي
239

فحكي وجها " ضعيفا " أنه يصح بيعه وليس بشئ (السبب الثاني) الحية كالحشرات فلا يجوز بيعها
قال أصحابنا الحيوان الطاهر المملوك من غير الآدمي قسمان (قسم) ينتفع به فيجوز بيعه كالإبل
والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير والظباء والغزلان والصقور والبراة والفهود والحمام والعصافير
والعقاب وما ينتفع بلونه كالطاووس أو صوته كالزرزور والببغاء والعندليب وكذلك القرد والفيل
والهرة ودود القز والنحل فكل هذا وشبهه يصح بيعه بلا خلاف لأنه منتفع به وهذا الذي ذكرناه
من صحة بيع النحل هو إذا شاهده المتعاقدان فإن لم يشاهدا جميعه ففيه تفصيل وخلاف وسنوضحه
في الباب الذي بعد هذا إن شاء الله تعالى حيث ذكره المصنف * قال أصحابنا ويجوز بيع الجحش
الصغير بلا خلاف لأنه يؤول إلى المنفعة والله تعالى أعلم *
(القسم الثاني) من الحيوان ما لا ينتفع به
فلا يصح بيعه وذلك كالخنافس والعقارب والحيات والديدان والفأر والنمل وسائر الحشرات ونحوها *
قال أصحابنا ولا نظر إلى منافعها المعدودة من خواصها لأنها منافع تافهة * قال أصحابنا وفى معناها
السباع التي لا تصلح للاصطياد ولا القتال عليها ولا تؤكل كالأسد والذئب والنمر والدب وأشباهها
فلا يصح بيعها لأنه لا منفعة فيها * قال أصحابنا ولا ينظر إلى اقتناء الملوك لها للهيبة والسياسة هذا
هو المذهب والمنصوص وبه قطع المصنف وسائر العراقيين وجمهور الخراسانيين * وحكى القاضي
حسين وامام الحرمين والغزالي وجماعة آخرون من الخراسانيين وجها شاذا ضعيفا أنه يجوز بيع
السباع لأنها طاهرة والانتفاع بجلودها بالدباغ متوقع وضعفوا هذا الوجه بان المبيع في الحال غير منتفع
به ومنفعة الجلد غير مقصودة ولهذا لا يجوز بيع الجلد النجس بالاتفاق وإن كان الانتفاع به بعد الدباغ
ممكنا والله أعلم * قال الرافعي ونقل أبو الحسن العبادي رحمه الله وجها أنه يجوز بيع النمل في عسكر
مكرم وهي المدينة المشهورة بالمشرق قال لأنه يعالج به السكر وبنصيبين لأنه يعالج به العقارب الطيارة
وهذا الوجه شاذ ضعيف (وأما) الحدأة والرخمة والنعامة والغراب الذي لا يؤكل فلا يجوز بيعها
هكذا قطع به جماهير الأصحاب قال امام الحرمين إن كان في أجنحة بعضها فائدة جاء فيها الوجه
السابق في بيع السباع لجلودها قال الرافعي انكارا على الامام بينهما فرق فان الجلود تدبغ ولا سبيل
240

إلى تطهير الأجنحة (قلت) وجه الجواز على ضعفه الانتفاع بريشها في النبل فإنه وإن قلنا
بنجاسته يجوز الانتفاع به في النبل وغيره من اليابسات والله تعالى أعلم *
(فرع) العلق وهو هذا الدود الأسود والأحمر الذي يخرج من الماء وعادته أن يلقى
على العضو الذي ظهر فيه غلبة الدم فيمص دمه هل يجوز بيعه فيه طريقان (أصحهما) وبه قطع إمام الحرمين
والغزالي والبغوي في شرح المختصر وآخرون يجوز لان فيه غرضا مقصودا وهو امتصاصه الدم
من العضو المتألم (والطريق الثاني) فيه وجهان وممن حكاه المتولي (أصحهما) يجوز (والثاني) لا
لأنه حيوان مؤذ كالحية والعقرب *
(فرع) اتفق أصحابنا على جواز بيع العبد الزمن لأنه ينتفع به للاعتاق فإنه يثاب على
عتقه بلا خلاف (وأما) الحمار الزمن والبغل الزمن فلا يجوز بيعهما على المذهب وبه قطع
كثيرون وحكى القاضي حسين وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم وجها أنه يجوز بيعه للانتفاع
بجلده بعد الدباغ وهو الوجه السابق في بيع السباع التي لا تصطاد *
* قال المصنف رحمه الله *
(واختلف أصحابنا في بيع دار لا طريق لها أو بيع بيت من دار لا طريق إليه فمنهم من
قال لا يصح لأنه لا يمكن الانتفاع به فلم يصح بيعه ومنهم من قال يصح لأنه يمكن أن يحصل له
طريق فينتفع به فيصح بيعه) *
(الشرح) هذان الوجهان مشهوران (أصحهما) صحة البيع * قال أصحابنا الخراسانيون
لو باع أرضا معينة محفوفة بملك البائع من جميع الجوانب فان شرط للمشترى حق الممر من جانب
واحد ولم يعينه لم يصح البيع لاختلاف الغرض بالممر وإن شرط الممر من جانب معين صح البيع
فان قال بعتها بحقوقها صح البيع وثبت للمشترى حق الممر من كل جانب كما كان للبائع قبل
البيع وإن أطلق بيعها ولم يتعرض للممر فوجهان (أصحهما) يصح ويكون كما لو قال بعتكها
بحقوقها (والثاني) أنه لا يقتضى الممر فعلى هذا هو كما لو صرح بنفي الممر وفيه وجهان (أصحهما)
241

بطلان البيع لعدم الانتفاع في الحال (والثاني) الصحة لامكان تحصيل الممر وقال البغوي إن
أمكن تحصيل ممر صح البيع وإلا فلا قالوا ولو كانت الأرض المبيعة ملاصقة للشارع صح البيع
ومر البائع إليها من الشارع وليس له سلوك ملك البائع لان العادة في مثلها الدخول من الشارع
فحمل الاطلاق عليه وإن كانت ملاصقة ملك المشتري لم يكن المرور فيما بقي للبائع بل يدخل
المشترى من ملكه القديم الملاصق وذكر إمام الحرمين فيه احتمالا قال والصورة فيما إذا أطلق البيع
(أما) إذا قال بحقوقها فله الممر في ملك البائع (أما) إذا باع دارا واستثني لنفسه بيتا فله الممر
لان الممر كان ثابتا فبقي فان شرط نفى الممر نظر ان أمكن إيجاد ممر صح البيع وإلا فوجهان
(أصحهما) بطلان البيع وبه قطع بعضهم كمن ذراعا من ثوب تنقص قيمته بقطعه *
قال المصنف رحمه الله *
(وأما ما فيه منفعة فلا يجوز بيع الحر منه لما روي أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (قال ربكم ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطابي
ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره *
(الشرح) حديث أبي هريرة رواه البخاري الا قوله ومن كنت خصمه خصمته وهذه
الزيادة رواها أبو يعلى الموصلي في مسنده باسناد ضعيف ومعنى أعطابي عاهد إنسانا بي وبيع الحر
باطل بالاجماع
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز بيع أم الولد لما روي ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع أمهات
الأولاد ولأنه استقر لها حق الحرية وفى بيعها إبطال ذلك فلم يجز) *
(الشرح) حديث ابن عمر (1) أما حكم المسألة فقال الشافعي والأصحاب لا يجوز بيع أم الولد ولا هبتها ولا
رهنها ولا الوصية بها هكذا قطع به الأصحاب وتظاهرت عليه نصوص الشافعي ونقل الخراسانيون أن الشافعي
مثل القول في بيعها في القديم فقال جمهورهم ليس للشافعي فيه اختلاف قول وإنما مثل القول إشارة إلى مذهب

(1) بياض بالأصل.
242

غيره وقال كثيرون من الخراسانيون للشافعي قول قديم أنه يجوز بيع أم الولد وممن حكاه صاحب
التقريب والشيخ أبو علي السنجي والصيدلاني والشيخ أبو محمد وولده إمام الحرمين والغزالي
وغيرهم فعلى هذا القديم هل يعتق بموت السيد فيه وجهان (أحدهما) لا وبه قال صاحب التقريب
وأبو علي السنجي (وأصحهما) نعم قاله الشيخ أبو محمد والصيدلاني وغيرهما كالمدبر قال إمام
الحرمين وعلى هذا يحتمل أن تعتق من رأس المال ويحتمل أن تعتق من الثلث قلت الأقوى
من رأس المال لتأكد حقها والله أعلم * وإذا قلنا بالمذهب أنه لا يجوز بيعها فقضى قاض بجوازه
فطريقان (أحدهما) وهو الذي نقله أبو علي السنجي في شرح التلخيص وإمام الحرمين وصاحب
البيان وغيرهم أن في نقض قضائه وجهين (والثاني) أنه ينقض وجها واحدا وهو الذي نقله الروياني
عن الأصحاب كلهم ولم يحك غيره قالوا لأنه مجمع عليه الآن وما كان فيه من خلاف في القرن
الأول فقد ارتفع وصار الآن مجمعا على بطلان بيعها والله أعلم * وقد حكى أصحابنا عن داود جواز
بيعها مع قولهم إنه مجمع على بطلانه الآن فكأنهم لم يعتدوا بخلاف داود وقد سبق أن الأصح أنه
لا يعتد بخلافه ولا خلاف غيره من أهل الظاهر لأنهم نفوا القياس وشرط المجتهد أن يكون عارفا
بالقياس وقالت الشيعة أيضا بجواز بيعها ولكن الشيعة لا يعتد بخلافهم والله سبحانه أعلم * والمعتمد
في تحريم بيع أم الولد ما رواه مالك والبيهقي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(أنه نهى عن بيع أمهات الأولاد) واجماع التابعين فمن بعدهم على تحريم بيعها وهذا على
قول من يقول من أصحابنا إن الاجماع بعد الخلاف يرفع الخلاف وحينئذ يستدل بهذا الثابت
عن عمر بالاجماع على نسخ الأحاديث الثابتة في جواز بيع أم الولد (منها) حديث جابر قال (بعنا أمهات الأولاد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا) رواه أبو
داود باسناد صحيح وفى رواية (قال كنا نبيع سرارينا أمهات أولاد والنبي صلى الله عليه وسلم حي
لا يرى بذلك بأسا) رواه الدارقطني والبيهقي باسناد صحيح قال الخطابي وغيره يحتمل أن بيعها كان
مباحا في أول الاسلام ثم نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته ولم يشتهر ذلك النهى
243

إلى زمن عمر فلما بلغ عمر النهي نهاهم والله سبحانه وتعالى أعلم
* قال المصنف رحمه الله
(ويجوز بيع المدبر لما روى جابر رضي الله عنه (ان رجلا دبر غلاما له ليس له مال غيره فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من يشتريه منى فاشتراه نعيم) *
(الشرح) حديث جابر صحيح رواه البخاري ومسلم ولفظه (عن جابر أن رجلا من
الأنصار أعتق غلاما له عن دين لم يكن له غلام غيره فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال من يشتريه منى فاشتراه
نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم فدفعها إليه فقال جابر بن عبد الله كان عبدا قبطيا مات عام أول وفى
رواية لمسلم مات عام أول في ولاية ابن الزبير وفى رواية للبخاري عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم باع المدبر (قوله)
نعيم هو - بضم النون - (وقوله) النحام - هو بنون مفتوحة ثم حاء مهملة مشددة ووقع في بعض
نسخ المهذب نعيم فقط وفى بعضها نعيم بن النحام وكذا وقع في بعض روايات مسلم قالوا وهو غلط
وصوابه نعيم النحام فالنحام هو نعيم ومعنى النحام السعال وهو الذي يسعل وسمى بذلك لان النبي
صلى الله عليه وسلم قال له سمعت نحمتك في الجنة أي سعلتك وقيل هي النحنحة وكل هذا صفة لنعيم لا لأبيه
عبد الله وأسلم نعيم قديما بعد عشرة أنفس وقيل ثمانية وثلاثين وكان جواد أو استشهد يوم
إجنادين في خلافة أبى بكر رضي الله عنه سنة ثلاث عشرة واسم هذا الغلام المدبر يعقوب
واسم سيده مدبره أبو مدكور والله أعلم * (أما) حكم المسألة فمذهبنا جواز بيع المدبر سواء كان محتاجا
إلى ثمنه أم لا وسواء كان على سيده دين أم لا وسواء كان التدبير مطلقا أو مقيدا هذا مذهبنا
وبه قالت عائشة أم المؤمنين ومجاهد وطاووس وعمر بن عبد العزيز وأحمد وإسحق وأبو ثور وداود
وغيرهم وقال الحسن وعطاء يجوز إذا احتاج إلى ثمنه سيده وقال أبو حنيفة إن كان تدبيرا مطلقا
لم يجز وإن كان مقيدا بأن يقول إن مت من مرضي هذا فأنت حر جاز وقال مالك لا يجوز
مطلقا وهو رواية عن أبي حنيفة وبه قال سعيد بن المسيب والشعبي والنخعي والزهري والأوزاعي
والثوري ونقله القاضي عياض عن جمهور العلماء من السلف وغيرهم من أهل الحجاز والشام
244

والكوفة * واحتجوا بالقياس على أم الولد * واحتج أصحابنا بحديث جابر المذكور في الكتاب وقد
بيناه وبالقياس على الموصى بعتقه فإنه يجوز بيعه بالاجماع والله سبحانه وتعالى أعلم *
قال المصنف رحمه الله *
(ويجوز بيع المعتق بصفة لأنه ثبت له العتق بقول السيد وحده فجاز بيعه كالمدبر وفى
المكاتب قولان (قال) في القديم يجوز بيعه لان عتقه غير مستقر فلا يمنع من البيع وقال في الجديد
لا يجوز لأنه كالخارج من ملكه ولهذا لا يرجع أرش الجناية عليه إليه فلم يملك بيعه كما لو باعه *
ولا يجوز بيع الوقف لما روى ابن عمر رضي الله عنه قال أصاب عمر رضي الله عنه أرضا بخيبر فأتى
النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها قال فتصدق بها عمر صدقة لا يباع
أصلها ولا يوهب ولا يورث) *
(الشرح) حديث ابن عمر رواه البخاري ومسلم (وقوله) ثبت له العتق بقول السيد
احتراز من فعله وهو الاستيلاد (وقوله) وحده احتراز من المكاتب وفى الفصل ثلاث مسائل
(إحداها) بيع المعلق عتقه على صفة صحيح لا خلاف فيه لما ذكره المصنف وإنما قاسه على المدبر لان
النص ثبت في المدبر وإلا لم يقل أحد ببطلان بيع المعلق عتقه على صفة وسواء كانت الصفة
محققة الوجود كطلوع الشمس أو محتملة كدخول الدار والله سبحانه وتعالى أعلم (الثانية) بيع العين
الموقوفة باطل بلا خلاف عندنا سواء قلنا إن الملك فيه لله تعالى أو للموقوف عليه أو باق على ملك
الواقف (الثالثة) في بيع السيد رقبة المكاتب قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (الصحيح)
باتفاق الأصحاب وهو نص الشافعي في الجديد بطلانه وقطع به جماعة (والقديم) صحته قال أصحابنا
والقولان جاريان في الهبة (فان قلنا) بالجديد فأدى المكاتب النجوم إلى المشترى فهل يعتق قال
أصحابنا فيه الخلاف فيما لو باع السيد النجوم التي على الكاتب وقلنا بالمذهب إنه لا يصح بيعه
فأداها المكاتب إلى المشترى وللشافعي فيه نصان (نص) في المختصر أنه يعتق بدفعها إلى المشترى
(ونص) في الام أنه لا يعتق وللأصحاب فيه طريقان (المذهب) وبه قال الجمهور ان المسألة على قولين
245

(أحدهما) يعتق لان السيد سلطه على القبض فأشبه الوكيل (وأصحهما) لا يعتق لأنه يقبض
زاعما أنه يقبض لنفسه حتى لو تلف في يده ضمنه بخلاف الوكيل وقال أبو إسحاق المروزي النصان
على حالين فان قال بعد البيع خذها منه أو قال للمكاتب ادفعها إليه صار وكيلا وعتق بقبضه وإن
اقتصر على البيع فلا وقيل إن أبا إسحاق عرض هذا الفرق على شيخه أبى العباس بن سريج فلم
يرتضه ولم يعبأ به وقال هو وان صرح بالاذن فإنما يأذن بحكم المعاوضة لا الوكالة (فان قلنا) لا يعتق
فما يأخذه المشترى يسلمه إلى السيد لأنا جعلناه كوكيله (فان قلنا) لا يعتق طالب السيد المكاتب
بالنجوم واستردها المكاتب من المشترى قال أصحابنا (وإذا قلنا) بالجديد إن بيع رقبة المكاتب
باطل فاستخدمه المشترى مدة لزمه أجرة المثل للمكاتب وهل على السيد أن يمهله قدر المدة التي
كان في يد المشترى فيه القولان المشهوران فيما إذا استخدمه السيد أو حبسه والله سبحانه وتعالى
أعلم * (أما إذا قلنا) بالقديم وان بيع رقبة المكاتب صحيح ففي حكم الكتابة ثلاثة أوجه (الصحيح)
الذي قطع به كثيرون أن الكتابة تبقى وينتقل إلى المشترى مكانها فإذا أدى إليه النجوم عتق
وكان الولاء للمشترى جمعا بين الحقوق (والثاني) يعتق بالأداء إلى المشترى ويكون الولاء للبائع
ويكون انتقاله بالشرى كانتقاله بالإرث (والثالث) تبطل الكتابة بمجرد البيع فينتقل غير
مكاتب وهذا ضعيف جدا والله سبحانه أعلم *
(فرع) لو قال أجنبي لسيد المكاتب أعتق مكاتبك على ألف أو أعتقه عني على ألف
أو مجانا فأعتقه نفذ العتق ولزمه الألف ويكون ذلك افتداء منه كاخلاع الأجنبي وكذا لو قال
أعتق مستولدتك وستأتي المسألة مبسوطة مع نظائرها في كتاب الكفارات عقيب كتاب الظهار
حيث ذكرها المصنف إن شاء الله تعالى *
(فرع) لا خلاف أنه لا يجوز للسيد بيع ما في يد المكاتب من الأموال كما لا يعتق عبيده
ولا يزوج اماءه والله سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في بيع العين الموقوفة * ذكرنا ان مذهبنا بطلان بيعها سواء
246

حكم بصحته حاكم أولا وبه قال مالك واحمد والعلماء كافة الا أبا حنيفة فقال يجوز بيعه ما لم
يحكم بصحته حاكم *
(فرع) في مذاهبهم في بيع رقبة المكاتب * قد ذكرنا ان الأصح في مذهبنا بطلانه
وبه قال ربيعة وأبو حنيفة ومالك وهو قول ابن مسعود وقال عطاء والنخعي واحمد يجوز بيعه
وهو رواية عن مالك واحتج من جوز بيع رقبة المكاتب بحديث عائشة رضي الله عنها في قصة
بريرة (أنها كانت مكاتبة فاشترتها عائشة رضي الله عنها باذن النبي صلى الله عليه وسلم) رواه البخاري
مسلم من طرق واحتج أصحابنا للمنع بما ذكره المصنف والشافعي وغيره عن حديث بريرة بأنها
رضيت هي وأهلها بفسخ الكتابة ثم باعوها *
(فرع) ضبطوا ما به يجوز بيعه من الحيوان فكل حيوان طاهر منتفع به في الحال أو المآل
ليس بحر ولم يتعلق به حق لازم يجوز بيعه واحترزوا بالطاهر عن النجس وبالمنفعة عن الحشرات ونحوها
والحمار الزمن والسباع وبالمال عن الجحش الصغير وقولهم لم يتعلق به حق احتراز من المرهون والموقوف
وأم الولد والمكاتب والجاني وقولهم لازم احتراز من المدبر والمعلق عتقه والموصى به *
قال المصنف رحمه الله *
(ويجوز بيع ما سوى ذلك من الأعيان المنتفع بها من المأكول والمشروب والملبوس
والمشموم وما ينتفع به من الحيوان بالركوب والاكل والدر والنسل والصيد والصوف وما يقتنيه
الناس من العبيد والجواري والأراضي والعقار لاتفاق أهل الأمصار في جميع الأعصار على بيعها من
غير انكار ولا فرق فيها بين ما كان في الحرم من الدور وغيره لما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر نافع بن عبد الحرث أن يشتري دارا بمكة للسجن من صفوان بن أمية فاشتراها بأربعة
آلاف درهم ولأنه أرض حية لم يرد عليها صدقة مؤبدة فجاز بيعها كغير الحرم) *
(الشرح) هذا الأثر عن عمر مشهور رواه البيهقي وغيره ونافع هذا صحابي هكذا قاله
الجمهور وأنكر الواقدي صحبته والصواب المشهور صحبته وهو خزاعي أسلم يوم فتح مكة وأقام بمكة
247

وكان من فضلاء الصحابة واستعمله عمر بن الخطاب على مكة والطائف وفيها سادات قريش وثقيف
والله تعالى أعلم * وصفوان بن أمية صحابي مشهور وهو أبو وهب وقيل أبو أمية صفوان بن أمية بن
خلف بن وهب بن خزامة بن جمح القرشي الجمحي المكي أسلم بعد شهوده حنينا كافرا وكان من
المؤلفة وشهد اليرموك توفى بمكة سنة اثنتين وأربعين وقيل توفى في خلافة عمر وقيل عام الجمل
سنة ست وثلاثين (وقوله) لأنه أرض حية هكذا هو في النسخ والضمير عائد إلى البيع (وقوله) أرض
حية احتراز من الموات (وقوله) لم يرد عليها صدقة مؤبدة احتراز من العين الموقوفة (أما)
الأحكام
ففيها مسألتان (إحداهما) أن الأعيان الطاهرة المنتفع بها التي ليست حرا ولا موقوفا ولا أم ولد ولا
مكاتبة ولا مرهونا ولا غائبا ولا مستأجرة يجوز بيعها بالاجماع لما ذكره المصنف سواء المأكول
والمشروب والملبوس والمشموم والحيوان المنتفع به بركوبه أو دره ونسله أو صوفه كالعندليب
والببغاء أو بحراسته كالقرد أو بركوبه كالفيل أو بامتصاصه الدم وهو العلق وفى معناه دود القز وغير
ذلك مما سبق بيانه فكل هذا يصح بيعه (الثانية) يجوز بيع دور مكة وغيرها من أرض الحرم
ويجوز اجارتها وهي مملوكة لأصحابها يتوارثونها ويصح تصرفهم فيها بالبيع وغيره من التصرفات
المفتقرة إلى الملك والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في بيع دور مكة وغيرها من أرض الحرم وإجارتها ورهنها
مذهبنا جوازه وبه قال عمر بن الخطاب وجماعات من الصحابة ومن بعدهم وهو مذهب أبي يوسف
وقال الأوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة لا يجوز شئ من ذلك والخلاف في المسألة مبني
على أن مكة فتحت صلحا أم عنوة فمذهبنا انها فتحت صلحا فتبقى على ملك أصحابها فتورث
وتباع وتكرى وترهن ومذهبهم انها فتحت عنوة فلا يجوز شئ من ذلك * واحتج هؤلاء بقوله تعالى
(والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد) قالوا والمراد بالمسجد جميع الحرم
لقوله سبحانه وتعالى (سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام) أي من بيت خديجة بقوله
تعالى (إنما أمرت ان أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها) قالوا أو المحرم لا يجوز بيعه وبحديث إسماعيل
248

ابن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه عبد الله بن يابان عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال (قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم مكة مباح لا تباع ولا تؤجر بيوتها) رواه البيهقي * وبحديث عائشة رضى عنها
قالت (قلت يا رسول الله ألا نبني لك بيتا أو بناء يظلك من الشمس قال لا إنما هو مباح لمن سبق
إليه) رواه أبو داود * وعن أبي حنيفة عن عبد الله بن أبي زياد عن أبي نجيح عن عبد الله بن عمرو قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة حرام وحرام بيع رباعها وحرام أجر بيوتها) وعن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة بن نضلة الكناني قال (كانت بيوت مكة تدعى السوائب لم تبع رباعها
في زمان رسول الله صلى الله عليه سلم ولا أبى بكر ولا عمر من احتاج سكن ومن استغنى أسكن) رواه
البيهقي وبالحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال منى مباح لمن سبق) وهو حديث
صحيح سبق بيانه في كتاب الجنائز في باب الدفن قالوا ولأنها بقعة من الحرم فلا يجوز بيعها واجارتها
كنفس المسجد الحرام * واحتج الشافعي والأصحاب لمذهبنا بقوله تعالى (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا
من ديارهم) والإضافة تقتضي الملك (فان قيل) قد تكون الإضافة لليد والسكنى لقوله تعالى (وقرن في
بيوتكن) (فالجواب) أن حقيقة الإضافة تقتضي الملك ولهذا لو قال هذا الدار لزيد حكم بملكها لزيد ولو
قال أردت به السكنى واليد لم يقبل * واحتجوا أيضا بحديث أسامة بن زيد أنه قال (أين ننزل من
دارك في مكة فقال وهل ترك لنا عقيل من دار وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم
يرثه جعفر ولا على لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين) رواه البخاري ومسلم في صحيحهما
قال أصحابنا فهذا يدل على ارث دورها والتصرف فيها * وعن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة
فتح مكة قال (فجاء أبو سفيان فقال يا رسول الله أبيدت حضراء قريش لا قريش بعد اليوم فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن
أغلق بابه فهو آمن) رواه مسلم وبالاثر المشهور في سنن البيهقي وغيره (أن نافع
ابن عبد الحرث اشترى من صفوان بن أمية دار السجن لعمر بن الخطاب رضي الله عنه
بأربع مائة وفى رواية بأربعة آلاف) وروى الزبير بن بكار وغيره (أن حكيم بن حرام باع دار الندوة بمكة

(1) كذا بالأصل.
249

من معاوية بن أبي سفيان بمائة ألف فقال له عبد الله بن الزبير يا أبا خالد بعت مأثرة قريش وكريمتها
فقال هيهات ذهبت المكارم فلا مكرمة اليوم الا الاسلام فقال اشهدوا أنها في سبيل الله تعالى يعني
الدراهم) ومن القياس أنها أرض حية ليست موقوفة فجاز بيعها كغيرها * وروى البيهقي بأسناد عن
إبراهيم بن محمد الكوفي قال (رأيت الشافعي بمكة يفتى الناس ورأيت إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل
حاضرين فقال أحمد لإسحاق تعال حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله فقال اسحق لم تر عيناي مثله فقال
نعم فجاء به فوقفه على الشافعي فذكر القصة إلى أن قال ثم تقدم اسحق إلى مجلس الشافعي فسأله عن
كراء بيوت مكة فقال الشافعي هو عندنا جائز قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل ترك لنا عقيل من
دار فقال اسحق حدثنا يزيد بن هارون عن هشام عن الحسن أنه لم يكن يرى ذلك وعطاء وطاووس
لم يكونا يريان ذلك فقال الشافعي لبعض من عرفه من هذا قال هذا إسحاق بن راهويه الحنظلي الخراساني
فقال له الشافعي أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم قال اسحق هكذا يزعمون قال الشافعي
ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك فكنت آمر بفراك أذنيه أنا أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأنت تقول قال طاووس والحسن وإبراهيم هؤلاء يرون ذلك وهل لاحد مع النبي صلى الله عليه وسلم
حجة وذكر كلاما طويلا ثم قال الشافعي قال الله تعالى للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم
أفتنسب الديار إلى مالكين أو غير مالكين فقال اسحق إلى مالكين قال الشافعي قول الله أصدق الأقاويل
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن وقد اشترى عمر بن الخطاب
رضي الله عنه دار الحجامين وذكر الشافعي له جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له
اسحق سواء العاكف فيه والباد فقال الشافعي قال الله تعالى والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس
سواء العاكف فيه والباد والمراد المسجد خاصة وهو الذي حول الكعبة ولو كان كما تزعم لكان لا يجوز
لاحد أن ينشد في دور مكة وفجاج ضالة ولا ينحر فيها البدن ولا يلقى فيها الأرواث ولكن هذا
في المسجد خاصة فسكت اسحق ولم يتكلم فسكت عنه الشافعي) (وأما) الجواب عن أدلتهم فالجواب
عن قوله سواء العاكف فيه والباد سبق الآن في كلام الشافعي (وأما) قوله تعالى (هذه البلدة الذي
250

حرمها فمعناه حرم صيدها وشجرها وخلاها والقتال فيها كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث
الصحيحة ولم يذكر شئ منها مع كثرتها في النهى عن بيع دورها (وأما) حديث إسماعيل بن إبراهيم
ابن مهاجر عن أبيه فضعيف باتفاق المحدثين واتفقوا على تضعيف إسماعيل وأبيه إبراهيم (وأما) حديث عائشة
رضي الله عنها فأن صح كان محمولا على الموات من الحرم وهو ظاهر الحديث (وأما) حديث أبي حنيفة
فضعيف من وجهين (أحدهما) ضعف إسناده فان ابن أبي زياد هذا ضعيف (والثاني) أن الصواب
فيه عند الحفاظ أنه موقوف على عبد الله بن عمر وقالوا رفعه وهم هكذا قاله الدارقطني وأبو
عبد الرحمن السلمي والبيهقي (وأما) حديث عثمان بن أبي سليمان فجوابه من وجهين (أحدهما) جواب
البيهقي أنه منقطع (والثاني) جواب البيهقي أيضا والأصحاب أنه أخبار عن عادتهم في إسكانهم
ما استغنوا عنه من بيوتهم بالإعارة تبرعا وجود أو قد أخبر من كان أعلم بشأن مكة منه بأنه جرى
الإرث والبيع فيها (وأما) حديث (منا مباح من سبق) فمحمول على مواتها ومواضع نزول الحجيج
منها (وأما) الجواب عن قياسهم على نفس المسجد فمردود لان المساجد محرمة محررة لا تلحق بها
المنازل المسكونة في تحريم بيعها ولهذا في سائر البلاد يجوز بيع الدور دون المساجد والله
سبحانه أعلم *
(فرع) قال الروياني في البحر في باب بيع الكلاب لا يكره بيع شئ من الملك الطلق
الا أرض مكة فإنه يكره بيعها وإجارتها للخلاف وهذا الذي ادعاه من الكراهة غريب في
كتب أصحابنا والأحسن أن يقال هو خلاف الأولى لان المكروه ما ثبت فيه نهي مقصود ولم
يثبت في هذا نهى *
(فرع) قال الروياني والأصحاب هذا الذي ذكرناه من اختلاف العلماء في بيع
دور مكة وغيرها من الحرم هو في بيع الأرض (فأما) البناء فهو مملوك يجوز بيعه
بلا خلاف
* قال المصنف رحمه الله *
(ويجوز بيع المصاحف وكتب الأدب لما روى عن عباس رضي الله عنه (أنه سئل
251

عن بيع المصاحف فقال لا بأس يأخذون أجور أيديهم ولأنه طاهر منتفع به فهو كسائر
الأموال) *
(الشرح) اتفق أصحابنا على صحة بيع المصحف وشرائه واجارته ونسخه بالأجرة ثم إن
عبارة المصنف والدارمي وغيرهما أنه يجوز بيعه وظاهر هذه العبارة أنه ليس بمكروه وقد صرح بعدم
الكراهة الروياني والصحيح من المذهب أن بيعه مكروه وهو نص الشافعي في كتاب اختلاف
على وابن مسعود وبه قطع البيهقي في كتابه السنن الكبير ومعرفة السنن والآثار والصيمري
في كتابه الايضاح وصاحب البيان فقال يكره بيعه قال وقيل يكره البيع دون الشراء هذا تفصيل مذهبنا
وروى الشافعي والبيهقي باسناده الصحيح عن ابن مسعود أنه كره شرى المصحف وبيعه قال الشافعي
ولا يقول أبو حنيفة وأصحابه بهذا بل لا يرون بأسا ببيعه وشرائه قال ومن الناس من لا يرى
بأسا بالشراء قال الشافعي ونحن نكره بيعها وقال ابن المنذر في الأشرف اختلفوا في شراء المصحف وبيعه
فروى عن ابن عمر أنه شدد في بيعه وقال وددت أن الأيدي تقطع في بيع المصاحف قال وروينا
عن أبي موسى الأشعري كراهة ذلك قال وكره بيعها وشراءها علقمة وابن سيرين والنخعي
وسريج ومسروق وعبد الله بن يزيد ورخص جماعة في شرائها وكرهوا بيعها روينا هذا عن ابن
عباس وسعيد بن جبير وإسحق * وقال أحمد الشرى أهون وما أعلم في البيع رخصة قال ورخصت
طائفة في بيعه وشرائه منهم الحسن وعكرمة والحكم * وروي البيهقي باسناده عن ابن عباس ومروان
ابن الحكم أنهما سئلا عن بيع المصاحف للتجارة فقالا لا نرى ان تجعله متجرا ولكن ما علمت
بيديك فلا بأس به * وعن مالك بن أنس أنه قال لا بأس ببيع المصحف وشرائه * وعن ابن عباس
باسناد ضعيف (اشتر المصحف ولا تبعه) وباسناد صحيح عن سعيد بن جبير (اشتره ولا تبعه) وعن عمر
أنه قال (كان يمر بأصحاب المصاحف فيقول بئس التجارة) وباسناد صحيح عن عبد الله بن شقيق
التابعي المجمع على جلالته وتوثيقه قال (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون بيع المصاحف) قال
البيهقي وهذه الكراهة على وجه التنزيه تعظيما للمصحف عن أن يبتذل بالبيع أو يجعل متجرا قال
252

وروى عن ابن مسعود الترخيص فيه واسناده ضعيف قال وقول ابن عباس اشتر المصحف ولا تبعه
ان صح عنه يدل على جواز بيعه مع الكراهة والله سبحانه وتعالى أعلم
* (فرع) قال أصحابنا يجوز بيع كتب الحديث والفقه واللغة والأدب والشعر المباح المنتفع
به وكتب الطب والحساب وغيرهما مما فيه منفعة مباحة * قال أصحابنا ولا يجوز بيع كتب الكفر
لأنه ليس فيها منفعة مباحة بل يجب إتلافها وقد ذكر المصنف المسألة في أواخر كتاب السير وهكذا
كتب التنجيم والشعبذة والفلسفة وغيرها من العلوم الباطلة المحرمة فبيعها باطل لأنه ليس فيها منفعة
مباحة والله تعالى أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(واختلف أصحابنا في بيع بيض دود القز وبيض ما لا يؤكل لحمه من الطيور التي يجوز بيعها كالصقر
والبازي فمنهم من قال هو طاهر ومنهم من قال هو نجس بناء على الوجهين في طهارة مني ما لا يؤكل
لحمه ونجاسته (فان قلنا) ان ذلك طاهر جاز بيعه لأنه طاهر منتفع به فهو كبيض الدجاج (وان قلنا) انه
نجس لم يجز بيعه لأنه عين نجسة فلم يجز بيعه كالكلب والخنزير) *
(الشرح) اتفق أصحابنا على جواز بيع دود القز لأنه حيوان طاهر منتفع به فهو كالعصفور
والنحل وغيرهما (وأما) بيض دود القز وبيض ما لا يؤكل لحمه من الطيور ففيه وجهان مشهوران
(أصحهما) صحة البيع (والثاني) بطلانه وهما مبنيان على طهارته ونجاسته وفيها وجهان كمني ما لا
يؤكل فيه وقد سبق بيان الخلاف في باب إزالة النجاسة وان الأصح طهارته (وأما) قول المصنف
من الطيور التي يجوز بيعها فزيادة لا تعرف للأصحاب بل الصواب المعروف أنه لا فرق بين ما لا يؤكل لحمه كالرخمة وغيرها وفى الجميع الوجهان (أصحهما) جواز بيعه لان الخلاف مبنى كما
ذكر المصنف والأصحاب على طهارة هذا البيض ونجاسته والخلاف فيه شامل لما يجوز بيعه وغيره
والله تعالى أعلم * وحكي المتولي عن أبي حنيفة انه لا يجوز بيع دود القز ولا بيضه *
(فروع في مسائل مهمة تتعلق بالباب)
253

(فرع) بيع لبن الآدميات جائز عندنا لا كراهة فيه هذا المذهب وقطع به الأصحاب الا الماوردي
والساشي والروياني فحكوا وجها شاذا عن أبي القاسم الأنماطي من أصحابنا أنه نجس لا يجوز بيعه وإنما يربى به
الصغير للحاجة وهذا الوجه غلط من قائله وقد سبق بيانه في باب إزالة النجاسة فالصواب جواز بيعه قال الشيخ
أبو حامد هكذا قاله الأصحاب قال ولا نص للشافعي في المسألة هذا مذهبنا * وقال أبو حنيفة ومالك لا يجوز
بيعه وعن أحمد روايتان كالمذهبين * واحتج المانعون بأنه لا يباع في العادة وبأنه فضلة آدمي فلم
يجز بيعه كالدمع والعرق والمخاط وبأن ما لا يجوز بيعه متصلا لا يجوز بيعه منفصلا كشعر الآدمي
ولأنه لا يؤكل لحمها فلا يجوز بيع لبنها كالأتان * واحتج أصحابنا بأنه لبن طاهر منتفع به فجار
بيعه كلبن الشاة ولأنه غذاء للآدمي فجاز بيعه كالخبز (فان قيل) هذا منتقض بدم الحيض فإنه غذاء
للجنين ولا يجوز بيعه قال القاضي أبو الطيب في تعليقه (فالجواب) ان هذا ليس بصحيح ولا يتغذى
الجنين بدم الحيض بل يولد وفمه مسدود لا طريق فيه لجريان الدم وعلى وجه المشيمة ولهذا
أجنة البهائم تعيش في البطون ولا حيض لها ولأنه مائع يحل شربه فجاز بيعه كلبن الشاة قال
الشيخ أبو حامد (فان قيل) ينتقض بالعرق (قلنا) لا نسلم بل يحل شربه (وأما) الجواب عن قولهم
لا يباع في العادة فإنه لا يلزم من عدم بيعه في العادة ان لا يصح بيعه ولهذا يجوز بيع بيض العصافير
وبيع الطحال ونحو ذلك مما لا يباع في العادة (والجواب) عن القياس على الدمع والعرق والمخاط انه
لا منفعة فيها بخلاف اللبن وعن البيض بأنه لا يجوز الانتفاع به بخلاف اللبن وعن لبن الأتان بأنه
نجس بخلاف لبن الآدمية والله تعالى اعلم *
(فرع) في بيع القينة بفتح القاف وهي الجارية المغنية فإذا كانت تساوى ألفا بغير غناء
وألفين مع الغناء فان باعها بألف صح البيع بلا خلاف وإن باعها بألفين ففيها ثلاثة أوجه ذكرها
إمام الحرمين وغيره (أصحها) يصح بيعها وبه قال أبو بكر الأزدي لأنها عين طاهرة منتفع بها
فجاز بيعها بأكثر من قيمتها كسائر الأعيان (والثاني) لا يصح قاله أبو بكر المحمودي من أصحابنا
لان الألف تصير في معنى المقابل للغناء (والثالث) ان قصد الغناء بطل البيع والا فلا قال الشيخ
254

أبو زيد المروزي * قال امام الحرمين القياس السديد هو الجزم بالصحة ذكره في فروع مبتورة عند
كتاب الصداق (وأما) الحديث الذي يروى عن علي بن زيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي
أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن
ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام) وفى مثل هذا أنزلت هذه الآية (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) رواه بهذا الاسناد الترمذي وابن ماجة والبيهقي وغيرهم واتفق الحفاظ على أنه ضعيف
لان مداره على علي بن يزيد وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أحمد بن حنبل وسائر الحفاظ
قال البخاري هو منكر الحديث وقال النسائي ليس هو ثقة وقال أبو حاتم ضعيف الحديث أحاديثه منكرة وقال يعقوب بن شيبة هو واهي الحديث قال الترمذي في تعليقه هذا الحديث
لا نعرفه الا من هذا الوجه وعلي بن يزيد تكلم فيه بعض أهل العلم في علي بن يزيد وضعفه ونقل البيهقي
عن الترمذي يعنى من كتاب العلل له قال سألت البخاري عن هذا الحديث فقال علي بن يزيد
ذاهب الحديث قال البيهقي وروى عن ليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن سابط عن عائشة وليس
بمحفوظ وخلط فيه ليث *
(فرع) الكبش المتخذ للنطاح والديك المتخذ للهراس بينه وبين أم حكمه في البيع
حكم الجارية المغنية فان باعه بقيمته ساذجا جاز وان زاد بسبب النطاح والهراس ففيه الأوجه
الثلاثة (أصحها) صحة بيعه وممن ذكر المسألة القاضي حسين وآخرون (وأما) قول الغزالي في
الوسيط في أول كتاب البيع في بيع القينة والكبش الذي يصلح للنطاح كلام سنذكره فلم
يذكره في الوسيط وكأنه نوى أن يذكره حيث ذكره شيخه إمام الحرمين عند كتاب الصداق
ثم نسبه حين وصله *
(فرع) بيع اناء الذهب أو الفضة صحيح قطعا لان المقصود عين الذهب والفضة وقد
سبقت المسألة في باب الآنية *
(فرع) بيع الماء المملوك صحيح على المذهب وبه قطع الجمهور وستأتي تعاريفه ان شاء
255

الله تعالى في احياء الموات فإذا أصححنا بيع الماء ففي بيعه على شط النهر مع التمكن من الاخذ من
النهر وبيع التراب في الصحراء وبيع النجارة بين الشعاب الكبيرة الأحجار وجهان مشهوران في
كتب الخراسانيين (أصحهما) جوازه وبه قطع العراقيون وجماعة من الخراسانيين لأنه وجد فيه
جميع شرائط المبيع وإنما الاستغناء عنه لكثرته وذلك لا يمنع صحة البيع (الثاني) بطلانه لان بذل
المال فيه والحالة هذه سفه والله تعالى أعلم *
(فرع) قال أصحابنا السم إن كان يقتل كثيره وينفع قليله كالسقمونيا والأفيون جاز
بيعه بلا خلاف وإن قتل قليله وكثيره فالمذهب بطلان بيعه وبه قطع الجمهور ومال إمام الحرمين
ووالده إلى الجواز ليدس في طعام الكافر *
(فرع) آلات الملاهي كالمزمار والطنبور وغيرهما إن كانت بحيث لا تعد بعد الرض والحل مالا
لم يصح بيعها لأنه ليس فيها منفعة شرعا هكذا قطع به الأصحاب في جميع الطرق إلا المتولي
والروياني فحكيا فيه وجها أنه يصح البيع وهو شاذ باطل وإن كان رضاضها يعد مالا ففي صحة بيعها
وبيع الأصنام والصور المتخذة من الذهب والفضة وغيرها ثلاثة أوجه (أصحها) البطلان وبه
قطع كثيرون (والثاني) الصحة (والثالث) وهو اختيار القاضي حسين في تعليقه والمتولي وامام
الحرمين والغزالي انه ان اتخذ من جوهر نفيس صح بيعها وان اتخذ من خشب ونحوه فلا * قال الرافعي
والمذهب البطلان مطلقا قال وبه قطع عامة الأصحاب والله تعالى أعلم *
(فرع) قال القاضي حسين والمتولي والروياني وغيرهم يكره بيع الشطرنج قال المتولي وأما
الغرر فان صلح لبنادق الشطرنج فكالشطرنج والا فكالمزمار *
(فرع) قال المتولي لبن الأضحية المعينة يتصدق به على الفقراء في الحال ويجوز لهم بيعه قال
وكذا لبن صيد الحرم إذا أبحنا للفقراء شربه ويجوز لهم بيعه لأنه طاهر منتفع *
(فرع) يجوز بيع المشاع كنصف من عبد أو بهيمة أو ثوب أو خشبة أو أرض أو شجرة
أو غير ذلك بلا خلاف سواء كان مما ينقسم أم لا كالعبد والبهيمة للاجماع فلو باع بعضا شائعا من شئ
256

بمثله من ذلك الشئ كدار بينهما نصفين فباع النصف الذي له بالنصف الذي لصاحبه ففي صحة
البيع وجهان حكاهما إمام الحرمين وغيره (أحدهما) لا يصح لعدم الحاجة إليه (وأصحهما) يصح
وبه قطع المتولي لوجود شرائطه كما لو باع درهما بدرهم من سكة واحدة أو صاعا بصاع من صبرة
واحدة فعلى هذا يملك كل واحد النصف الذي كان لصاحبه وتظهر فائدته في مسائل (منها) لو كانا
جميعا أو أحدهما قد ملك نصيبه بالهبة من والده انقطعت سلطة الرجوع في الهبة لزوال ملكه
عن العين الموهوبة (ومنها) لو ملكه بالشراء ثم اطلع على عيب بعد هذا التصرف لم يملك الرد على
بائعه (ومنها) لو ملكه بالصداق ثم طلقها قبل الدخول لم يكن له الرجوع فيه (ومنها) لو اشترى النصف
ولم يؤد ثمنه ثم حجر عليه بالافلاس لم يكن للبائع الرجوع فيه بعد هذا التصرف * ولو باع النصف
الذي له بالثلث من نصيب صاحبه ففي الصحة الوجهان (أصحهما) الصحة ويصير بينهما أثلاثا وبهذا
قطع صاحب التقريب والمتولي واستبعده إمام الحرمين والله سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) قال أصحابنا لا يصح بيع العبد المنذور اعتاقه كما لا يصح بيع أم الولد وممن صرح
به المتولي والروياني وقد سبقت الإشارة إليه عند ذكر شروط المبيع والله سبحانه وتعالى أعلم *
(باب ما نهى عنه من بيع الغرر وغيره)
قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز بيع المعدوم كالثمرة التي لم تخلق لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى عن بيع الغرر والغرر وما انطوى عنه أمره وخفي عليه عاقبته ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها في وصف أبي بكر رضي الله عنه (فرد نشر الاسلام على غره) أي على طيه والمعدوم قد انطوى
عنه امره وخفي عليه عاقبته فلم يجز بيعه * وروى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى
عن المعاومة وفى بعضها عن بيع السنين) *
(الشرح) حديث أبي هريرة رواه مسلم وحديث جابر رواه مسلم أيضا ولفظه (أن النبي
صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين) وفي رواية أبى داود ذكر السنين والمعاومة كما ذكره
257

المصنف واسناده اسناد الصحيح ولفظ المعاومة في الترمذي أيضا وقال هو حديث حسن صحيح وفى
رواية لمسلم بيع تمر سنتين وهو مفسر لبيع السنين وبيع المعاومة (وأما) الأثر المذكور عن عائشة فمشهور
من جملة خطبتها المشهورة التي ذكرت فيها أحوال أبيها وفضائله (وقولها) نشر الاسلام هو بفتح
النون والشين والاسلام مجرور بالإضافة أي رد ما انتشر من الاسلام ودخله من الاختلافات وتفرق
الكلمة إلى ما كان عليه في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وهو المراد بقولها على غره والله تعالى أعلم * (أما)
حكم المسألة فبيع المعدوم باطل بالاجماع ونقل ابن المنذر وغيره اجماع المسلمين على بطلان بيع الثمرة
سنتين ونحو ذلك *
(فرع) الأصل أن بيع الغرر باطل لهذا الحديث والمراد ما كان فيه غرر ظاهر يمكن الاحتراز
عنه (فأما) ما تدعو إليه الحاجة ولا يمكن الاحتراز عنه كأساس الدار وشراء الحامل مع احتمال أن
الحمل واحد أو أكثر وذكر أو أنثى وكامل الأعضاء أو ناقصها وكشراء الشاة في ضرعها لبن ونحو
ذلك فهذا يصح بيعه بالاجماع ونقل العلماء الاجماع أيضا في أشياء غررها حقير (منها) أن الأمة أجمعت
على صحة بيع الجبة المحشوة وإن لم ير حشوها ولو باع حشوها منفردا لم يصح * وأجمعوا على جواز
إجازة الدار وغيرها شهرا مع أنه قد يكون ثلاثين يوما وقد يكون تسعة وعشرين * وأجمعوا على جواز
دخول الحمام بأجرة وعلى جواز الشرب من ماء السقاء بعوض مع اختلاف أحوال الناس في استعمال
الماء أو مكثهم في الحمام * قال العلماء مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه
وهو أنه إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة أو كان الغرر حقيرا
جاز البيع وإلا فلا وقد تختلف العلماء في بعض المسائل كبيع العين الغائبة وبيع الحنطة في سنبلها
ويكون اختلافهم مبنيا على هذه القاعدة فبعضهم يرى الغرر يسيرا لا يؤثر وبعضهم يراه مؤثرا
والله سبحانه وتعالى أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز بيع ما لا يملكه من غير إذن مالكه لما روى حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم
258

قال (لا تبع ما ليس عندك) ولان ما لا يملكه لا يقدر على تسليمه فهو كالطير في الهواء أو
السمك في الماء) *
(الشرح) حديث حكيم صحيح رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم
بأسانيد صحيحة * قال الترمذي هو حديث حسن وقول المصنف من غير اذن يريد من غير اذن
شرعي فيدخل فيه الوكيل والولي والوصي وقيم القاضي في بيع مال المحجوز عليه والقاضي ونائبه في بيع مال من
توجه عليه أداء دين وامتنع من بيع ماله في وفائه فكل هذه الصور يصح فيها البيع لوجود الإذن الشرعي ويخرج منه
اذن المحجور عليه لصغر أو فلس أو سفه أو رهن فإنه لو أذن لأجنبي في البيع لم يصح مع أنه مالك وجملة القول في هذا
الفصل أنه سبق أن شروط المبيع خمسة منها أن يكون مملوكا لمن يقع العقد له فان باشر العقد لنفسه
فشرطه كونه مالكا للعين وان باشره لغيره بولاية أو وكالة فشرطه أن يكون لذلك الغير فلو باع
مال غيره بغير إذن ولا ولاية فقولان (الصحيح) أن العقد باطل وهذا نصه في الجديد وبه قطع
المصنف وجماهير العراقيين وكثيرون أو الأكثرون من الخراسانيين لما ذكره المصنف
وسنزيده دلالة في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى (والقول الثاني) وهو القديم أنه
ينعقد موقوفا على إجازة المالك ان أجاز صح البيع والا لغا وهذا القول حكاه الخراسانيون وجماعة من
العراقيين منهم المحاملي في اللباب والشاشي وصاحب البيان وسيأتي دليله إن شاء الله تعالى في فرع
مذاهب العلماء * (وأما) قول امام الحرمين إن العراقيين لم يعرفوا هذا القول وقطعوا بالبطلان فمراده
متقدموهم الجديد قال الشافعي في آخر باب الغصب من البويطي ان صح حديث عروة البارقي فكل من
باع أو أعتق ملك غيره بغير اذنه ثم رضي فالبيع والعتق جائزان هذا نصه وقد صح حديث عروة
البارقي كما سنوضحه قريبا إن شاء الله تعالى في فرع مذاهب العلماء فصار للشافعي قولان في الجديد
أحدهما موافق للقديم والله تعالى أعلم * قال الخراسانيون ويجرى القولان فيما لو زوج أمة غيره أو
ابنته أو طلق منكوحته أو أعتق مملوكه أو أجر داره أو وهبها بغير اذنه قال امام الحرمين يطرد هذا
259

القول في كل عقد يقبل الاستنابة كالبيوع والإجارات والهبات والعتق والنكاح والطلاق وغيرها
ويسمى هذا بيع الفضولي * قال امام الحرمين والغزالي في البسيط والمحاملي وخلائق لا يحصون
القولان في بيع الفضولي جاريان في شرائه لغيره بغير اذن * قال أصحابنا فإذا اشترى الفضولي
لغيره نظران اشترى بعين مال ذلك الغير ففيه هذان القولان (الجديد) بطلانه (والقديم) وقفه على
الإجازة وان اشترى في الذمة نظر ان أطلق لفظ العقد ونوى كونه للغير فعلى الجديد يقع للمباشر
وعلى القديم يقف على الإجازة فان أجاز نفذ للمجيز والا نفذ للمباشر وان قال اشتريت لفلان بألف
في ذمته فهو كاشترائه بعين مال الغير ففيه القولان (الجديد) بطلانه (والقديم) وقفه على الإجازة وان
اقتصر على قوله اشتريت لفلان بألف ولم يضف الثمن إلى ذمته فعلى الجديد فيه وجهان حكاهما
امام الحرمين والغزالي وغيرهما (أحدهما) يلغو العقد (والثاني) يقع على المباشر وعلى القديم يقف
على الإجازة فان أجاز نفذ للمجير والا ففيه الوجهان في وقوعه للمباشر (أما) إذا اشترى شيئا لغيره
بمال نفسه فإن لم يسمه في العقد وقع العقد للمباشر بلا خلاف سواء كان ذلك الغير
أذن له أم لا وان سماه نظر إن لم يأذن له لغت التسمية وهل يقع للمباشر أم يبطل فيه الوجهان
فان أذن له فهل تلغو التسمية فيه وجهان (فان قلنا) تلغو فهل يبطل العقد من أصله أم يقع عن
المباشر فيه الوجهان (وإن قلنا) لا تلغو وقع عن الآذن وهل يكون الثمن المدفوع قرضا أم هبة
وجهان * قال الشيخ أبو محمد الجويني وحيث قلنا بالقديم فشرطه أن يكون للعقد مجيز في الحال
مالكا كان أو غيره حتى لو أعتق عبد الصبي أو طلق امرأته لا يتوقف على اجازته بعد البلوغ
بلا خلاف والمعتبر إجازة من يملك التصرف عند العقد حتى لو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ينفذ
وكذا لو باع ملك الغير ثم ملكه البائع وأجاز لم ينفذ قطعا والله تعالى أعلم *
(فرع) لو غصب أموالا وباعها وتصرف في أثمانها مرة بعد أخرى بحيث يعسر أو يتعذر
تتبع ملك التصرفات بالنقض وقلنا بالجديد فقولان حكاهما إمام الحرمين والغزالي وغيرهما (أصحهما)
بطلان التصرفات كلها كما لو كان تصرفا واحدا لأنه ممنوع من كل تصرف منها (والثاني) للمالك
260

أن يجيزها ويأخذ الحاصل من أثمانها لعسر تتبعها بالنقض والله تعالى أعلم *
(فرع) لو باع مال مورثه على ظن أنه حي وأنه فضولي فبان ميتا حينئذ وأنه ملك
العاقد فقولان وقيل وجهان مشهوران (أصحهما) أن القعد صحيح لصدوره من مالك (والثاني)
البطلان لأنه في معنى المعلق بموته ولأنه كالغائب) قال الرافعي ولا يبعد تشبيه هذا الخلاف ببيع
الهازل هل ينفذ أم لا وفيه وجهان والخلاف في بيع التحلية وصورته أن يخاف غصب ماله أو
الاكراه على بيعه فيبيعه لانسان بيعا مطلقا وقد توافقا قبله على أنه لدفع الشر لا على صفة البيع
والصحيح صحته لأن الاعتبار عندنا بظاهر العقود ولا بما ينويه العاقدان ولهذا يصح بيع المعينة
ونكاح من قصد التحليل ونظائره * قال أصحابنا ويجرى الخلاف في بيع العبد على ظن أنه آبق
أو مكاتب فبان أنه رفع وأنه فسخ الكتابة قالوا ويجرى فيمن زوج أمة أبيه على ظن حياته فبان
ميتا هل يصح النكاح والأصح صحته * قال الرافعي فان صح فقد نقلوا فيه وجهين فيمن قال إن مات أبى
فقد زوجتك هذه الجارية (قلت) الأصح هنا البطلان ويجرى القولان فيمن باع واشترى لغيره على
ظن أنه فضولي فبان أنه قد وكله في ذلك والأصح صحة تصرفه والله سبحانه وتعالى أعلم * هذان
القولان في بيع الفضولي وفى الفرعين بعده يعبر عنهما بقولي وقف العقود وحيث قال أصحابنا
الخراسانيون فيه قولا وقف العقود أرادوا هذين وسميا بذلك لان الخلاف راجع إلى أن العقد هل
ينعقد على التوقف أم لا ينعقد بل يكون باطلا من أصله * قال إمام الحرمين والصحة على قول
الوقف وهو القديم ناجز لكن الملك لا يحصل الا عند الإجازة والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في تصرف الفضولي بالبيع وغيره في مال غيره بغير إذنه قد * ذكرنا
أن مذهبنا المشهور بطلانه ولا تقف على الإجازة وكذا الوقف والنكاح وسائر العقود وبهذا قال
أبو ثور وابن المنذر وأحمد في أصح الروايتين عنه وقال مالك يقف البيع والشراء والنكاح
على الإجازة فان أجازه من عقد له صح والا بطل وقال أبو حنيفة إيجاب النكاح وقبوله يقفان على
الإجازة ويقف البيع على الإجازة ولا يقف الشراء وأوقفه إسحاق بن راهويه في البيع واحتج لهم
261

بقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) وفى هذا إعانة لأخيه المسلم لأنه يكفيه نعت البيع إذا
كان مختارا له وبحديث حكيم بن حزام (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشترى
له به أضحية فاشترى به أضحية وباعها بدينارين واشترى أضحية بدينار وجاءه بأضحية ودينار
فتصدق النبي صلى الله عليه وسلم بالدينار ودعا له بالبركة) رواه أبو داود والترمذي * (بحديث عروة
البارقي قال (دفع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا لأشتري له شاة فاشتريت له شاتين فبعت
إحداهما بدينار وجئت بالشاة والدينار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ما كان من
أمره فقال بارك الله لك في صفقة يمينك فكان يخرج بعد ذلك إلى كناسة الكوفة فيربح الربح العظيم فكان
من أكثر أهل الكوفة مالا) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وهذا لفظ الترمذي واسناد
الترمذي صحيح واسناد الآخرين حسن فهو حديث صحيح * وبحديث ابن عمر في قصة الثلاثة أصحاب الغار
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قال الثالث اللهم استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد
ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال يا عبد الله أد إلى
أجرى فقلت كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق فقال يا عبد الله لا تستهزئ بي
فقلت لا أستهزئ فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا) وفى رواية استأجرت أجيرا بفرق أرز وذكر
ما سبق رواه البخاري ومسلم * قالوا ولأنه عقد له مجيز حال وقوعه فجاز أن يقف على الإجازة كالوصية
بأكثر من الثلث ولان البيع بشرط خيار ثلاثة أيام يجوز بالاتفاق وهو بيع موقوف على الإجازة
قالوا ولان اذن المالك لو كان شرطا في انعقاد البيع لم يجز أن يتقدم على البيع لان ما كان شرطا
للبيع لا يجوز تقدمه عليه ولهذا لما كانت الشهادة شرطا في النكاح اشترط مقارنتها لعقده فلما
أجمعنا على أن الاذن في البيع يجوز تقدمه دل على أنه ليس بشرطه في صحة انعقاده * واحتج أصحابنا
بحديث حكيم بن حزام قال (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يأتيني الرجل يسألني من البيع ما ليس
عندي أأبتاع له من السوق ثم أبيعه منه قال لا تبع ما ليس عندك) وهو حديث صحيح سبق بيانه
أو هذا الفصل * وعن عمر وبن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا طلاق إلا فيما يملك
262

ولا عتق إلا فيما تملك ولا بيع إلا فيما تملك ولا وفاء نذر إلا فيما تملك) حديث حسن أو صحيح رواه
أبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم من طرق كثيرة بأسانيد حسنة ومجموعها يرتفع عن كونه حسنا
ويقتضي أنه صحيح وقال الترمذي هو حديث حسن * وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل عتاب بن أسيد إلى أهل مكة أن أبلغهم عني أربع خصال أنه لا يصلح
شرطان في بيع ولا بيع وسلف ولا تبع ما لم تملك ولا ربح ما لم تضمن) رواه الترمذي والنسائي
وابن ماجة بأسانيد صحيحة ولأنه أحد طرفي البيع فلم يقف على الإجازة كالقبول ولأنه باع مالا
يقدر على تسليمه فلم يصح كبيع الآبق والسمك في الماء والطير في الهواء (وأما) احتجاجهم بالآية
الكريمة فقال أصحابنا ليس هذا من البر والتقوى بل هو من الاثم والعدوان (وأما) حديث حكيم
فأجاب أصحابنا عنه بجوابين (أحدهما) أنه حديث ضعيف (أما) اسناد أبى داود فيه ففيه نسخ
مجهول وأما اسناد الترمذي ففيه انقطاع بين حديث ابن أبي ثابت وحكيم بن حزام (والجواب الثاني)
أنه محمول على أنه كان وكيلا للنبي صلى الله عليه وسلم وكالة مطلقة يدل عليه أنه باع الشاة وسلمها واشترى وعند
المخالف لا يجوز التسليم إلا بإذن مالكها ولا يجوز عند أبي حنيفة شراء الثانية موقوفا على الإجازة
وهذا الجواب الثاني هو الجواب عن حديث عروة البارقي (وأما) حديث ابن عمر حديث الغار
فجوابه أن هذا شرع لمن قبلنا وفى كونه شرع لنا خلاف مشهور (فان قلنا) ليس بشرع لنا
لم يكن فيه حجة والا فهو محمول على أنه استأجره بارز في الذمة ولم يسلمه إليه بل عينه له فلم يتعين
من غير قبض فبقي على ملك المستأجر لان ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح ثم إن المستأجر
تصرف فيه وهو ملكه فيصح تصرفه سواء اعتقده له أو للأجير ثم تبرع بما اجتمع منه على الاجر
بتراضيهما (والجواب) عن قياسهم على الوصية أنها تحتمل الغرر وتصح بالمجهول والمعدوم بخلاف البيع
(والجواب) عن شرط الخيار أن البيع مجزوم به منعقد في الحال وإنما المنتظر فسخه ولهذا إذا مضت
المدة ولم يفسخ لزم البيع (والجواب) عن القياس الأخير أنه ينتقض بالصوم فان النية شرط لصحته
وتتقدم عليه ولان الاذن متقدما على العقد وإنما الشرط كونه مأذونا له حلة العقد والله
263

سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) إذا باع إنسان سلعة وصاحبها حاضر لم يأذن ولم يتكلم ولم ينكر لم يصح
البيع عندنا وبه قال ابن المنذر وحكاه عن أبي حنيفة وأبى يوسف وقال ابن أبي ليلى يصح البيع *
قال المصنف رحمه الله *
* (ولا يجوز بيع ما لم يستقر ملكه عليه كبيع الأعيان * ثم إن كل من حكاه إنما حكاه عن القديم خاصة وهو نص للشافعي في البويطي وهو من
المملوكة بالبيع والإجازة والصداق وما
أشبهها من المعاوضات قبل القبض لما روى أن حكيم بن حزام قال يا رسول الله إني أبيع بيوعا كثيرة
فما يحل لي منها مما يحرم قال لا بيع ما لم تقبضه ولان ملكه عليه غير مستقر لأنه ربما هلك فانفسخ
العقد وذلك غرر من غير حاجة فلم يجز وهل يجوز عتقه فيه وجهان (أحدهما) أنه لا يجوز لما ذكرناه
(والثاني) يجوز لان العتق له سراية فصح لقوته (فاما) ما ملكه بغير معاوضة كالميراث والوصية أو
عاد إليه بفسخ عقد فإنه يجوز بيعه وعتقه قبل القبض لان ملكه عليه مستقر فجاز التصرف فيه
كالمبيع بعد القبض) *
(الشرح) حديث حكيم رواه البيهقي بلفظه هذا وقال اسناده حسن متصل وفى الصحيحين أحاديث بمعناه
سنذكرها إن شاء الله تعالى في فرع مذاهب العلماء (أما) الأحكام فمذهبنا أنه لا يجوز بيع المبيع قبل قبضه عقارا
كان أو منقولا لا باذن البائع ولا بغير اذنه لا قبل أداء الثمن ولا بعده وفى اعتاقه ثلاثة أوجه (أصحها)
وهو قول جمهور أصحابنا المتقدمين يصح ويصير قبضا سواء كان للبائع حق الحبس أم لا (والثاني)
لا يصح وهو قول أبى علي بن خيران ودليلهما في الكتاب (والثالث) قاله ابن سريج حكاه عنه
القاضي أبو الطيب في تعليقه ان لم يكن للبائع حق الحبس بأن كان الثمن مؤجلا أو حالا أداه
المشترى صح والا فلا وفى الكتابة وجهان (أصحهما) وبه قطع صاحب البيان وغيره لا يصح
لأنها تقتضي تخليته للتصرف ولأنه ليس لها قوة الصرف وسرايته والاستيلاد كالاعتاق * ولو وقف
المبيع قبل قبضه قال المتولي (ان قلنا) الوقف يفتقر إلى القبول فهو كالبيع والا فكالاعتاق وهذا هو
الأصح وبه قطع الماوردي وغيره قال الماوردي ويصير قابضا حتى ولو لم يرفع البائع يده عنه صار
264

مضمونا عليه بالقيمة قال وهكذا لو كان طعاما اشتراه جزافا وأباحه للمساكين (وأما) الرهن والهبة ففيهما
وجهان وقيل قولان (أصحهما) عند جمهور الأصحاب وبه قطع كثيرون لا يصحان وإذا صححناهما فنفس
العقد ليس قبضا بل يقبضه المشترى من البائع ثم يسلمه إلى المرتهن والمتهب فلو اذن المشترى لهما في قبضه قال البغوي
يكفي ويتم به البيع والرهن والهبة بعده وقال الماوردي لا يكفي ذلك المبيع وما بعده ولكن ينظران قصد قبضه
للمشترى صح قبض المبيع ولابد من استئناف قبض للهبة ولا يجوز أن يأذن له في قبضه من نفسه لنفسه وإن قصد
قبضه لنفسه لم يحصل القبض للبيع ولا للهبة لان قبضها يجب ان يتأخر عن تمام البيع والاقراض
والتصدق كالهبة والرهن ففيهما الخلاف (وأما) الإجارة ففيها وجهان مشهوران (أصحهما) عند
الأكثرين لا يصح لأنها بيع وحكى المتولي طريقا آخر وصححه وهو القطع بالبطلان (واما)
تزويج المبيعة قبل قبضها ففيه ثلاثة أوجه (أصحها) صحته وبه قطع صاحب البيان لأنه يقتضى
ضمانا بخلاف البيع قال المتولي وغيره ولهذا يصح تزويج المغصوبة والآبقة (والثاني) البطلان
(والثالث) ان لم يكن للبائع حق الحبس صح والا فلا وحكى هذا الوجه في الإجارة أيضا وإذا
صححنا التزويج فوطئ الزوج لم يكن قبضا والله سبحانه اعلم *
(فرع) قال أصحابنا كما لا يجوز بيع المبيع قبل القبض لا يجوز جعله أجرة ولا عوضا في
صلح ولا اسلامه في شئ ولا التولية فيه ولا الاشتراك وفى التولية والاشتراك وجه ضعيف *
(فرع) قال أصحابنا المال المستحق للانسان عند غيره قسمان دين وعين (اما) الدين
فقد ذكره المصنف في هذا الفصل بعد هذا وسنوضحه إن شاء الله تعالى (واما) العين فضربان
أمانة ومضمون (الضرب الأول) الأمانة فيجوز للمالك بيع جميع الأمانات قبل قبضها لان الملك فيها
تام وهي كالوديعة في يد المودع ومال الشركة والقراض في يد الشريك والعامل فالمال في يد الوكيل
في البيع بعد فكاك الرهن وفى يد المستأجر بعد فراغ المدة والمال في يد الولي بعد بلوغ الصبي ورشده
ورشد السفيه وإفاقة المجنون وما كسبه العبد باصطياد واحتطاب واحتشاش ونحوها أو قبله بالوصية
قبل أن يأخذه السيد من يده وما أشبه هذا كله يجوز بيعه قبل قبضه * ولو ورث مالا فله بيعه قبل
قبضه الا إذا كان المورث لا يملك بيعه أيضا بأن اشتراه ولم يقبضه ولو اشترى من مورثه شيئا ومات
المورث قبل التسليم فله بيعه قبل قبضه سواء كان على المورث دين أم لا فإن كان عليه دين تعلق
265

الغريم بالثمن فإن كان له وارث آخر لم ينفذ بيعه في قدر نصيب الآخر حتى يقبضه
ولو أوصى له انسان بمال فقبل الوصية بعد موت الموصى فله بيعه قبل قبضه وإن باعه بعد الموت
وقبل القبول جاز (إن قلنا) تملك الوصية بالموت (وإن قلنا) بالقبول أو موقوف فلا *
(الضرب الثاني) المضمونات وهي نوعان الأول المضمون بالقيمة ويسمى ضمان اليد فيصح بيعه
قبل قبضه لتمام الملك فيه ويدخل فيه ما صار مضمونا بالقيمة بعقد مفسوخ وغيره حتى
لو باع عبدا فوجد المشترى به عيبا وفسخ البيع كان للبائع بيع العبد قبل أن يسترده
ويقبضه قال المتولي الا إذا لم يؤد الثمن فان للمشترى حبسه إلى استرجاع الثمن
فلا يصح بيعه قبله قال وقد نص الشافعي على هذا * ولو فسخ السلم لانقطاع المسلم فيه كان للمسلم بيع
رأس المال قبل استرداده * ولو باع سلعة فأفلس المشترى بالثمن وفسخ به البائع فله بيعها قبل قبضها
ويجوز بيع المال في يد المستعير والمستأجر وفى يد المشترى شراء فاسدا والمثبت هبة فاسدة ويجوز
بيع المغصوب للغاصب (النوع الثاني) المضمون بعوض في عقد معاوضة لا يصح بيعه قبل قبضه
وذلك كالمبيع والأجرة والعوض المصالح عليه عن المال والعوضين في الهبة بشرط ثواب حيث صححناها
ودليله الحديث وعللوه بعلتين (إحداهما) ضعف الملك لتعرضه للانفساخ بتلفه (والثاني) توالى
الضمان ومعناه أن يكون مضمونا في حالة واحدة لاثنين وهذا مستحيل فإنه لو صححنا بيعه كان
مضمونا للمشترى الأول على البائع الأول والثاني على الثاني وسواء باعه المشترى للبائع أو لغيره لا يصح
هكذا قطع به قطع العراقيون وكثيرون أو الأكثرون من الخراسانيين وحكى جماعة من الخراسانيين
وجها شاذا ضعيفا أنه يجوز بيعه للبائع تفريعا على العلة الثانية وهي توالى الضمان فإنه لا يتوالى إذا
كان المشتري هو البائع لأنه لا يصير في الحال مقبوضا له أو بعد لحظة بخلاف الأجنبي والمذهب بطلانه
كالأجنبي قال المتولي والوجهان فيما إذا باعه بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقص أو تفاوت صفة والا فهو إقالة بصيغة
البيع * ولو رهنه عند البائع أو وهبة له فطريقان (أحدهما) القطع بالبطلان (وأصحهما) أنه على الخلاف كغيره
فان جوزناه فاذن له في القبض فقبض ملك في صورة الهبة وتم الرهن ولا يزول ضمان البيع في صورة الرهن بل إن تلف
266

انفسخ البيع * هذا إذا رهنه بغير الثمن فان رهنه به صح إن كان بعد قبضه فإن كان قبله فلا
إن كان الثمن حالا لان الحبس ثابت له وإن كان مؤجلا فهو كرهنه بدين آخر قبل القبض والله
سبحانه أعلم * (وأما) بيع الصداق قبل القبض من يد الزوج ففيه قولان حكاهما الخراسانيون بناء
على القولين المشهورين في أنه مضمون على الزوج ضمان العقد كالمبيع أم ضمان اليد كالعارية
والأصح ضمان العقد (فان قلنا) ضمان اليد جاز كالعارية (وإن قلنا) ضمان العقد فهو كالمبيع فلا
يجوز بيعه قبل قبضه لأجنبي وفى بيعه للزوج الخلاف والمذهب أنه لا يجوز * وقطع المصنف وأكثر
العراقيين بأنه لا يجوز بيع الصداق قبل قبضه قال الخراسانيون ويجرى القولان في بيع الزوج بدل
الخلع قبل أن يقبضه وفى بيع العافي عن القصاص المال المعفو عليه قبل القبض لمثل هذا المأخذ والله
سبحانه أعلم *
(فرع) قال الرافعي رحمه الله ووراء ما ذكرناه صور إذا تأملتها عرفت من أي ضرب
هي (فمنها) ما حكى صاحب التلخيص عن نص الشافعي رحمه الله أن الأرزاق التي يخرجها السلطان
للناس يجوز بيعها قبل القبض فمن الأصحاب من قال هذا إذا أفرزه السلطان فتكون يد السلطان
في الحفظ يد المقر له ويكفى ذلك لصحة البيع ومن الأصحاب من لم يكتف بذلك وحمل النص
على ما إذا وكل وكيلا في قبضه فقبضه الوكيل ثم باعه الموكل والا فهو بيع شئ غير مملوك وبهذا
قطع القفال (قلت) الأول أصح وأقرب إلى النص وقول الرافعي وبه قطع القفال يعني بعدم الاكتفاء
لا بالتأويل المذكور فاني رأيت في شرح التلخيص للقفال المنع المذكور وقال ومراد الشافعي بالرزق
الغنيمة ولم يذكر غيره ودليل ما قاله الأول وهو الأصح أن هذا القدر من المخالقة للقاعدة احتمل
للمصلحة والرفق بالجند لمسيس الحاجة وممن قطع بصحة بيع الأرزاق التي أخرجها السلطان قبل قبضها
المتولي وآخرون * وروى البيهقي فيه آثار الصحابة مصرحة بالجواز * قال المتولي وهكذا غلة الوقف
إذا حصلت لأقوام وعرف كل قوم قدر حقه فباعه قبل قبضه صح بيعه كرزق الأجناد * قال الرافعي
(ومنها) بيع أحد الغانمين نصيبه من الغنيمة على الإشاعة قبل القبض وهو صحيح إذا كان معلوما
267

وحكمنا بثبوت الملك في الغنيمة وفيما يملكها به خلاف مذكور في بابه قال (ومنها) لو رجع فيما وهب
لولده فله بيعه قبل قبضه على الصحيح من الوجهين (ومنها) الشفيع إذا تملك الشقص قال البغوي له
بيعه قبل القبض وقال المتولي ليس له ذلك لان الاخذ بها معاوضة وهذا أصح وأقوى كذا قال
الرافعي هنا ثم قال في كتاب الشفعة في نفوذ تصرف الشفيع قبل القبض إذا كان قد سلم الثمن وجهان
(أصحهما) المنع كالمشتري (والثاني) الجواز لأنه قهري كالإرث قال ولو ملك بالاشهاد أو بقضاء
القاضي لم ينفذ تصرفه قطعا وكذا لو ملك برضاء المشترى بكون الثمن يبقى في ذمة الشفيع وفى جواز
أخذ الشفيع الشقص من يد البائع قبل قبض المشترى وجهان ذكرهما المصنف في كتاب الشفعة
وسنوضحهما هناك إن شاء الله تعالى (ومنها) للموقوف عليه بيع الثمرة الخارجة من الشجرة الموقوفة
قبل أن يأخذها (ومنها) إذا استأجر صباغا ليصبغ ثوبا وسلمه إليه فليس للمالك بيعه قبل صبغه لان له
حبسه بعمل ما يستحق به الأجرة وإذا صبغه فله بيعه قبل استرداده ان دفع الأجرة وإلا فلا لأنه
يستحق حبسه إلى استيفاء الأجرة وإذا استأجر قصارا لقصر ثوب وسلمه إليه لم يجز بيعه قبل قصره
فإذا قصره بنى على أن القصارة هل هي عين فتكون كمسألة الصبغ أم أثر فله البيع إذ ليس للقصار
الحبس على هذا (والأصح) أنها عين * قال المتولي وغيره وعلى هذا قياس صوغ الذهب ورياضة
الدابة ونسج الغزل * قال المتولي ولو استأجره ليرعى غنمه شهرا وليحفظ متاعه المعين ثم أراد المستأجر
التصرف في ذلك المال قبل انقضاء الشهر صح تصرفه وبيعه لان حق الأجير لم يتعلق بعين ذلك
المال فان للمستأجر أن يستعمله في مثل ذلك العمل (ومنها) إذا قاسم شريكه فبيع ما صار له قبل قبضه يبنى
على أن القسمة بيع أو إفراز * قال المتولي (فان قلنا) القسمة افراز جاز بيعه قبل قبضه من يد شريكه
(وان قلنا) بيع فنصف نصيبه حصل له بالبيع ونصفه حصل بملكه القديم لان حقيقة القسمة على
هذا القول بيع كل واحد نصف ما صار لصاحبه بنصف ما صار له فله التصرف في نصف ما صار له
دون نصفه قال فإن كان فيها رد فحكمها في القدر المملوك بالعوض حكم البيع (ومنها) إذا أثبت صيدا
بالرمي أو وقع في شبكته فله بيعه وإن لم يأخذه ذكره صاحب التلخيص هنا وقال القفال ليس
268

هو مما نحن فيه لأنه باثباته قبضه حكما والله سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) تصرف المشترى في زوائد المبيع قبل القبض كالولد والثمرة وكسب العبد وغيره يبني على
أنها تعود إلى البائع لو عرض انفساخ أم لا تعود فان أعدناها لم يتصرف فيها قبل قبضها كالأصل
والا فيصح تصرفه * ولو كانت الجارية حاملا عند البيع وولدت قبل القبض (إن قلنا) الحمل
يقابله قسط من الثمن لم يتصرف فيه والا فهو كالولد الحادث بعد البيع والله تعالى أعلم
(فرع) إذا باع متاعا بدراهم أو بدنانير معينة فله حكم البيع فلا يجوز تصرف البائع فيها
قبل قبضها لأنها تتعين بالتعيين عندنا ولا يجوز للمشترى إبدالها بمثلها ولو تلفت قبل القبض انفسخ
البيع ولو وجد البائع بها عينا لم يستبدل بها إن رضيها والا فسخ العقد فلو أبدلها بمثلها أو بغير
جنسها برضاء البائع فهو كبيع المبيع للبائع والأصح بطلانه كما سبق والله تعالى أعلم *
(فرع) قال أصحابنا لو اشترى شيثا بثمن في الذمة وقبض المبيع ولم يدفع الثمن فله بيع
المبيع بلا خلاف سواء باعه للبائع أو لغيره *
(فرع) لو باع سلعة وتقابضا ثم تقايلا وأراد البائع بيعها قبل قبضها من المشترى فالمذهب
صحته قال صاحب البيان قال أصحابنا البغداديون يصح بيعه قطعا لأنه ملكها بغير عقد وقال
صاحب الإبانة هل يصح بيعها فيه قولان بناء على أن الإقالة بيع أو فسخ وفيها قولان (الصحيح)
الجديد أنها بيع (والقديم) أنها فسخ (فان قلنا) فسخ جاز والا فلا وكذا قال المتولي (ان قلنا) الإقالة
بيع لم يجز والا فكالمفسوخ بعيب وغيره فنفرق بين أن يكون قبض الثمن أم لا كما ذكرناه عنه
في أول الضرب الثاني *
(فرع) نقله الأصحاب عن ابن سريج إذا باع عبدا بعبد ثم قبض أحد العاقدين ما اشتراه
قبضا شرعيا ثم باعه قبل أن يقبض صاحبه ما اشتراه منه صح بيعه لأنه قبضه فان تلف عبده الذي
باعه صاحبه قبل قبضه بطل البيع الأول لتلف المبيع قبل القبض ولا يبطل الثاني لتعلق حق
المشترى الثاني به ولكن يجب على البائع الثاني قيمة الذي باعه ثانيا لأنه تعذر رده فوجبت
269

قيمته هكذا قطع الأصحاب بهذا كله في الطريقتين الا المتولي فقال في بطلان العقد الثاني وجهان
(أصحهما) لا يبطل كما قطع به الجمهور قال وهما مبنيان على أن الفسخ هل يرفع العقد من أصله
أو من حينه (ان قلنا) من أصله بطل والا فلا قال أصحابنا فان اشترى من رجل شقصا من دار
بعبد وقبض المشتري الشقص فأخذه الشفيع بالشفعة ثم تلف العبد في يد المشترى قبل أن يقبضه
بائع الشقص انفسخ البيع في العبد ولم يبطل الاخذ بالشفعة فلا يؤخذ الشقص من يد الشفيع
بل يلزم المشترى قيمة الشقص لبائعه ويجب على الشفيع للمشترى قيمة العبد لأن العقد وقع به والله
سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) قال أصحابنا للمشترى الاستقلال بقبض المبيع بغير إذن البائع إن كان دفع الثمن
إليه أو كان مؤجلا كما للمرأة قبض صداقها بغير إذن الزوج إذا سلمت نفسها فإن كان حالا ولم يدفعه
إلى البائع لم يجز له قبضه بغير إذنه فان قبضه لزمه رده لان البائع يستحق حبسه لاستيفاء الثمن فان
تصرف المشترى فيه لم ينفذ تصرفه ولكن يكون في ضمانه بلا خلاف * قال المتولي وغيره حتى
لو تلف في يده استقر عليه الثمن * ولو تعيب لم يكن له رده بالعيب ولو رده على البائع بعد ذلك
وتلف في يد البائع لم يسقط الثمن عن المشترى *
(فرع) في مذاهب العلماء في بيع المبيع قبل القبض * قد ذكرنا أن مذهبنا بطلانه مطلقا
سواء كان طعاما أو غيره وبه قال ابن عباس ثبت ذلك عنه ومحمد بن الحسن * قال ابن المنذر
أجمع العلماء على أن من اشترى طعاما فليس له بيعه حتى أن يقبضه قال واختلفوا في غير الطعام على
أربعة مذاهب (أحدها) لا يجوز بيع شئ قبل قبضه سواء جميع المبيعات كما في الطعام قاله
الشافعي ومحمد بن الحسن (والثاني) يجوز بيع كل مبيع قبل قبضه إلا المكيل والموزون قاله
عثمان بن عفان وسعيد بن المسيب والحسن والحكم وحماد والأوزاعي واحمد واسحق
(والثالث) لا يجوز بيع مبيع قبل قبضه إلا الدور والأرض قاله أبو حنيفة وأبو يوسف (والرابع)
يجوز بيع كل مبيع قبل قبضه الا المأكول والمشروب قاله مالك وأبو ثور قال ابن المنذر وهو أصح
270

المذاهب لحديث النهى عن بيع الطعام قبل أن يستوفى * واحتج لمالك وموافقيه بحديث ابن عمر أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه) رواه البخاري ومسلم وعنه * قال (لقد رأيت الناس في
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبايعون جزافا يعني الطعام فضربوا أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤوه إلى
رحالهم) رواه البخاري ومسلم * وعن ابن عباس قال أما الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فهو الطعام ان يباع حتى يقبض
قال ابن عباس وأحسب كل شئ مثله) رواه البخاري ومسلم * وفى رواية لمسلم عن ابن عباس قال (قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه قال ابن عباس وأحسب كل شئ بمنزلة الطعام) وعن أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يكيله) رواه مسلم وفى رواية قال (نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يستوفى) وعن جابر قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ابتعت طعاما فلا تبعه
حتى تستوفيه) رواه مسلم قالوا فالتنصيص في هذه الأحاديث يدل على أن غيره بخلافه قالوا وقياسا
على ما ملكه بإرث أو وصية وعلى اعتاقه واجارته قبل قبضه وعلى بيع الثمر قبل قبضه * واحتج أصحابنا
بحديث حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم (قال لا تبع ما لم تقبضه) وهو حديث حسن كما سبق بيانه
في أول هذا الفصل وبحديث زيد بن ثابت (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع
حتى يجوزها التجار إلى رحالهم) رواه أبو داود باسناد صحيح إلا أنه من رواية محمد بن إسحاق بن يسار عن أبي الزناد وابن
اسحق مختلف في الاحتجاج به وهو مدلس وقد قال عن أبي الزناد والمدلس إذا قال عن لا يحتج به لكن لم يضعف
أبو داود هذا الحديث وقد سبق أن ما لم يضعفه فهو حجة عنده فلعله اعتضد عنده أو ثبت عنده بسماع ابن إسحاق
له من أبى الزناد وبالقياس على الطعام (والجواب) عن احتجاجهم بأحاديث النهى عن بيع الطعام
من وجهين (أحدهما) أن هذا استدلال بداخل الخطاب والتنبيه مقدم عليه فإنه إذا نهى عن بيع
الطعام مع كثرة الحاجة إليه فغيره أولى (والثاني) أن النطق الخاص مقدم عليه وهو حديث حكيم
وحديث زيد (وأما) قياسهم على العتق ففيه خلاف سبق فان سلمناه فالفرق أن العتق له قوة
وسراية ولان العتق اتلاف للمالية والاتلاف قبض (والجواب) عن قياسهم على الثمن أن فيه
قولين فان سلمناه فالفرق أنه في الذمة مستقر لا يتصور تلفه ونظير المبيع إنما هو الثمن المعين ولا يجوز
بيعه قبل القبض وأما بيع الميراث والموصى به فجوابه أن الملك فيهما مستقر بخلاف المبيع والله أعلم *
271

واحتج لأبي حنيفة باطلاق النصوص ولأنه لا يتصور تلف العقار بخلاف غيره * واحتج أصحابنا بما سبق في
الاحتجاج على مالك وأجابوا عن النصوص بأنها مخصوصة بما ذكرناه (وأما) قولهم لا يتصور تلفه
فينتقض بالجديد الكثير والله سبحانه وتعالى أعلم *
قال المصنف رحمه الله *
(وأما الديون فينظر فيها فإن كان الملك عليها مستقرا كغرامة المتلف وبدل القرض جاز
بيعه ممن عليه قبل القبض لان ملكه مستقر عليه فجاز بيعه كالمبيع بعد القبض وهل يجوز من غيره
فيه وجهان (أحدهما) يجوز لان ما جاز بيعه ممن عليه جاز بيعه من غيره كالوديعة (والثاني) لا يجوز لأنه لا يقدر على
تسليمه إليه لأنه ربما منعه أو جحده وذلك غرر لا حاجة به إليه فلم يجز والأول أظهر لأن الظاهر أنه
يقدر على تسليمه إليه من غير منع ولا جحود * وإن كان الدين غير مستقر نظرت فإن كان مسلما
فيه لم يجز بيعه لما روى أن ابن عباس رضي الله عنهما (سئل عن رجل أسلف في حلل دقاق فلم
يجد تلك الحلل فقال آخذ منك مقام كل حلة من الدقاق حلتين من الجل فكرهه ابن عباس وقال
خذ برأس المال علفا أو غنما) ولان الملك في المسلم فيه غير مستقر لأنه ربما تعذر فانفسخ البيع فيه فلم
يجز بيعه كالمبيع قبل القبض * وإن كان ثمنا في بيع ففيه قولان قال في الصرف يجوز بيعه قبل
القبض لما روى ابن عمر قال (كنت أبيع الإبل بالبقيع بالدنانير فآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم فآخذ
الدنانير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بأس ما لم تتفرقا وبينكما شئ) ولأنه لا يخشي انفساخ
العقد فيه بالهلاك فصار كالمبيع بعد القبض * وروى المزني في جامعه الكبير أنه لا يجوز لان ملكه
غير مستقر عليه لأنه قد ينفسخ البيع فيه بتلف المبيع أو بالرد بالعيب فلم يجز بيعه كالمبيع قبل القبض
وفى بيع نجوم المكاتب قبل القبض طريقان (أحدهما) أنه على قولين بناء على القولين في
بيع رقبته (والثاني) انه لا يصح ذلك قولا واحدا وهو المنصوص في المختصر لأنه لا يملكه ملكا
مستقرا فلم يصح بيعه كالمسلم فيه
272

(الشرح) حديث ابن عمر صحيح رواه أبو داود والترمذي والنسائي وآخرون بأسانيد
صحيحة عن سماك بن حرب عن سعيد عن ابن عمر بلفظه هنا قال الترمذي وغيره لم يرفعه غير سماك
وذكر البيهقي في معرفة السنن والآثار أن أكثر الرواة وقفوه على ابن عمر (قلت) وهذا لا يقدح
في رفعه وقد قدمنا مرات أن الحديث إذا رواه بعضهم مرسلا وبعضهم متصلا وبعضهم موقوفا
مرفوعا كان محكوما بوصله ورفعه على المذهب الصحيح لذي قاله الفقهاء والأصوليون ومحققوا
المحدثين من المتقدمين والمتأخرين (وقوله) بالبقيع هو بالباء الموحدة وإنما قيدته لأني رأيت من يصحفه
(وقوله) السلم في حلل هو جمع حلة بضم الحاء وهي ثوبان ولا يكون إلا ثوبان كذا قاله أهل اللغة
والدق بكسر - الدال - والجل بكسر - الجيم - وهو الغليظ (وقوله) من غير حاجة إليه يحترز من
أساس الدار فإنه يصح بيعه وهو غرر للحاجة وهذا الاحتراز يكرره المصنف في كتاب البيوع كثيرا (أما)
الأحكام فقد لخصها الرافعي أحسن تلخيص وهذا مختصر كلامه قال الدين في الذمة ثلاثة أضرب
مثمن وثمن وغيرهما وفى حقيقة الثمن ثلاثة أوجه (أحدها) أنه ما ألصق به الباء كقولك بعت كذا
بكذا والأول مثمن والثاني ثمن وهذا قول القفال (والثاني) أنه النقد مطلقا والمثمن ما يقابله على الوجهين
(وأصحهما) أن الثمن النقد والمثمن ما يقابله فإن لم يكن في العقد نقد أو كان العوضان نقدين فالثمن
ما ألصقت به الباء والمثمن ما يقابله فلو باع أحد النقدين بالآخر فلا مثمن فيه على الوجه الثاني ولو
باع عرضا بعرض فعلى الوجه الثاني لا ثمن فيه وإنما هو مبادلة ولو قال بعتك هذه الدراهم بهذا العبد
فعلى الوجه الأول العبد ثمن والدراهم مثمن وعلى الوجه الثاني والثالث في صحة هذا العقد وجهان
كالسلم في الدراهم والدنانير (الأصح) الصحة في الموضعين فان صححناه فالعبد مثمن * ولو قال بعتك هذا
الثوب بهذا العبد ووصفه صح العقد (فان قلنا) الثمن ما ألصق به الباء فالعبد ثمن ولا يجب تسليم
الثوب في المجلس والا ففي وجوب تسليم الثوب وجهان لأنه ليس فيه لفظ السلم لكن فيه معناه *
فإذا عرف عدنا إلى بيان الأضرب الثلاثة (الضرب الأول) المثمن وهو المسلم فيه فلا يجوز بيعه ولا
الاستبدال عنه وهل تجوز الحوالة به بان يحيل المسلم إليه المسلم بحقه على من له عليه دين قرض أو
273

إتلاف أو الحوالة عليه بان يحيل المسلم من له عليه دين قرض أو إتلاف على المسلم إليه فيه ثلاثة أوجه
(أصحهما) لا (والثاني) نعم (والثالث) لا يجوز عليه ويجوز به هكذا حكوا الثالث وعكسه الغزالي
في الوسيط فقال يجوز عليه لا به ولا أظن نقله ثابتا (الضرب الثاني) المثن فإذا باع بدراهم أو
دنانير في الذمة ففي الاستبدال عنها طريقان (أحدهما) القطع بالجواز قاله القاضي أبو حامد وابن
القطان (وأشهرهما) على قولين (أصحهما) وهو الجديد جوازه (والقديم) منعه * ولو باع في الذمة بغير الدراهم
والدنانير (فان قلنا) الثمن ما ألصقت به الباء صح الاستبدال عنه كالنقدين وادعى البغوي أنه المذهب
والا فلا لان ما ثبت في الذمة مثمنا لم يجز الاستبدال عنه (وأما) الأجرة فكالثمن (وأما)
الصداق وبدل الخلع فكذلك إن قلنا إنهما مضمونان ضمان العقد والا فهما كبدل الاتلاف
(التفريع) إن منعنا الاستبدال عن الدراهم فذلك إذا استبدل عنها عرضا فلو استبدل نوعا منها بنوع أو استبدل
الدراهم عن الدنانير فوجهان لاستوائهما في الرواج وان جوزنا الاستبدال فلا فرق بين بدل وبدل
ثم ينظر ان استبدل ما يوافقهما في علة الربا كدنانير عن دراهم اشترط قبض البدل في المجلس
وكذا إن استبدل عن الحنطة المبيعة شعيرا ان جوزنا ذلك وفى اشتراط تعيين البدل عند العقد
وجهان (أحدهما) يشترط وإلا فهو بيع دين بدين (وأصحهما) لا يشترط كما لو تصارفا في الذمة ثم عينا
وتقابضا في المجلس * وان استبدل ما ليس موافقا لها في علة الربا كالطعام والثياب عن الدراهم نظر
إن عين البدل في الاستبدال جاز وفى اشتراط قبضه في المجلس وجهان (صحح) الغزالي وجماعة
الاشتراط وهو ظاهر نصه في المختصر (وصحح) الامام والبغوي عدمه (قلت) هذا الثاني أصح
وصحح الرافعي في المحرر * وان لم يعين بل وصف في الذمة فعلى الوجهين السابقين وان جوزناه
اشترط التعيين في المجلس وفى اشتراط القبض الوجهان (الضرب الثالث) ما ليس ثمنا ولا مثمنا
كدين القرض والاتلاف فيجوز الاستبدال عنه بلا خلاف كما لو كان له في يد غيره مال بغصب
أو عارية فإنه يجوز بيعه له ثم الكلام في اعتبار التعيين والقبض على ما سبق وذكر صاحب
الشامل أن القرض إنما يستبدل عنه إذا تلف فان بقي في يده فلا ولم يفرق الجمهور بينهما * ولا يجوز
274

استبدال المؤجل عن الحال ويجوز عكسه وهذا الذي ذكرناه كله في الاستبدال وهو بيع الدين
ممن هو عليه فاما بيعه لغيره كمن له على رجل مائة فاشترى من آخر عبدا بتلك المائة ففي صحته
قولان مشهوران (أصحهما) لا يصح لعدم القدرة على التسليم (والثاني) يصح بشرط أن يقبض
مشترى الدين الدين ممن هو عليه وأن يقبض بائع الدين العوض في المجلس فان تفرقا قبل قبض أحدهما
بطل العقد * ولو كان له دين على إنسان ولآخر مثله على ذلك الانسان فباع أحدهما ماله عليه بما
لصاحبه لم يصح سواء اتفق الجنس لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ هذا آخر كلام الرافعي
(قلت) قد صحح المصنف هنا وفى التنبيه جواز بيع الدين بغير من هو عليه وصحح الرافعي في الشرح
والمحرر أنه لا يجوز *
(فرع) قال الشيخ أبو حامد في تعليقه في آخر باب بيع الطعام قبل أن يستوفى إذا باع طعاما بثمن مؤجل فحل
الأجل فأخذ بالثمن طعاما جاز عندنا قال الشافعي وقال مالك لا يجوز لأنه يصير في معنى بيع طعام بطعام موجل *
دليلنا أنه إنما يأخذ منه الطعام بالثمن الذي له عليه لا بالطعام وهذا الذي جزم به أبو حامد تفريعا على الصحيح
وهو الاستبدال عن الثمن وقد صرح بهذا جماعة منهم القاضي أبو الطيب في تعليقه قال صاحب
البيان قال الصيمري والصيدلاني فلو أراد أن يأخذ ثمن الدين المؤجل عوضا من نقد أو عرض قبل
حلوله لم يصح (أما) تقديم الدين نفسه فيجوز لأنه لا يملك المطالبة به قبل الحلول فكأنه أخذ العوض
عما لا يستحقه والله سبحانه وتعالى أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(والقبض فيما ينقل النقل لما روى زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى أن تباع السلع
حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم وفيما لا ينقل كالعقار والثمر قبل أوان الجذاذ التخلية لان
القبض ورد به الشرع وأطلقه فحمل على العرف والعرف فيما ينقل النقل وفيما لا ينقل التخلية) *
(الشرح) أما حديث زيد فسبق بيانه قريبا في فرع مذاهب العلماء في بيع المبيع
قبل القبض وفى التجار لغتان - كسر التاء مع تخفيف الجيم - وضمها مع التشديد - والجذاذ - بفتح
الجيم وكسرها - (أما) الأحكام فقال أصحابنا الرجوع في القبض إلى العرف وهو ثلاثة أقسام
275

(أحدها) العقار والثمر على الشجرة فقبضه بالتخلية (والثاني) ما ينقل في العادة كالأخشاب
والحبوب والحيتان ونحوها فقبضه بالنقل إلى مكان لا اختصاص للبائع به سواء نقل إلى
ملك المشتري أو موات أو شارع أو مسجد أو غيره وفيه قول حكاه الخراسانيون أنه يكفي فيه
التخلية وهو مذهب أبي حنيفة (والثالث) ما يتناول باليد كالدراهم والدنانير والمنديل والثوب والاناء
الخفيف والكتاب ونحوها فقبضه بالتناول بلا خلاف صرح بذلك الشيخ أبو حامد في تعليقه والقاضي أبو الطيب
والمحاملي والماوردي والمصنف في التنبيه والبغوي وخلائق لا يحصون وينكر على المصنف كونه أهمله هنا مع
شهرته ومع ذكره له في التنبيه والله تعالى أعلم * وقد لخص الرافعي رحمه الله كلام الأصحاب وجمع متصرفه
مختصرا وأنا أنقل مختصره وأضم إليه ما أهمله أن شاء الله تعالى قال رحمه الله القول الجملي فيه أن الرجوع فيما
يكون قبضا إلى العادة وتختلف بحسب اختلاف المال (وأما) تفصيله فنقول المال إما أن يباع من غير اعتبار
تقدير فيه وإما مع اعتبار فيه فهما نوعان (الأول) ما لا يعتبر فيه تقدير إما لعدم إمكانه وإما مع
إمكانه فينظر إن كان المبيع مما لا ينقل كالأرض والدار فقبضه بالتخلية بينه وبين المشترى ويمكنه من
اليد والتصرف بتسليم المفتاح إليه ولا يعتبر دخوله وتصرفه فيه ويشترط كونه فارغا من أمتعة
البائع فلو باع دارا فيها أمتعة للبائع توقف التسليم على تفريغها وكذا لو باع سفينة مشحونة بالقماش * وحكى
الرافعي بعد هذا وجها شاذا ضعيفا عند ذكر بيع الدار المذروعة أنه لا يصح بيع الدار المشحونة بالأقمشة
وادعى إمام الحرمين أنه ظاهر المذهب * ولو جمع البائع متاعه في بيت من الدار وخلى بين المشتري وبين الدار
حصل القبض فيما عدا ذلك البيت كذا قاله الأصحاب وكذا نقله المتولي عن الأصحاب * وفى اشتراط
حضور البائع عند المبيع في حال الاقباض ثلاثة أوجه (أحدها) يشترط فأن حضرا عنده فقال البائع للمشترى
دونك هذا ولا مانع حصل القبض والا فلا (والثاني) يشترط حضور المشترى دون البائع (وأصحهما)
لا يشترط حضور واحد منهما لان ذلك يشق فعلى هذا هل يشترط زمان إمكان المضي فيه وجهان
(أصحهما) نعم وبه قطع المتولي وغيره وفى معنى الأرض الشجر الثابت والثمرة المبيعة على الشجر
قبل أوان الجذاذ والله سبحانه أعلم * (أما) إذا كان المبيع من المنقولات فالمذهب والمشهور أنه
276

لا تكفي التخلية بل يشترط النقل والتحويل وفى قول رواه حرملة تكفى التخلية لنقل الضمان إلى
المشترى ولا تكفى لجواز تصرفه فعلى المذهب إن كان المبيع عبدا بأمره بالانتقال من موضعه وإن كان
دابة ساقها أو قادها (قلت) قال صاحب البيان لو أمر العبد بعمل لم ينتقل فيه عن موضعه أو ركب
البهيمة ولم تنتقل عن موضعها فالذي يقتضيه المذهب أنه لا يكون قبضا كما لا يكون غصبا * قال ولو
وطئ الجارية فليس قبضا على الصحيح من الوجهين وبهذا قطع الجمهور وهذا الذي ذكره في الغصب
فيه خلاف نذكره في الغصب إن شاء الله تعالى * قال الرافعي إذا كان المبيع في موضع لا يختص
بالبائع كموات ومسجد وشارع أو في موضع يختص بالمشترى فالتحويل إلى مكان منه كاف في
حصول القبض وإن كان في بقعة مخصوصة بالبائع فالنقل من زاوية منه إلى زاوية أو من بيت
من داره إلى بيت بغير اذن البائع لا يكفي لجواز التصرف ويكفى لدخوله في ضمانه وان نقل باذنه
حصل القبض وكأنه استعار ما نقل إليه * ولو اشترى الدار مع أمتعة فيها صفقة واحدة فخلى البائع بينهما
وبينه حصل القبض في الدار وفى الأمتعة وجهان (أصحهما) يشترط نقلها لأنها منقولة كما لو أفردت
(والثاني) يحصل فيها القبض تبعا وبه قطع الماوردي وزاد فقال لو اشترى صبرة لم ينقلها حتى
اشترى الأرض التي عليها الصبرة وخلى البائع بينه وبينها حصل القبض في الصبرة (قلت) قال
الماوردي ولو استأجر الأرض من البائع فوجهان (الصحيح) أنه ليس قبضا للأمتعة والله سبحانه أعلم *
قال الرافعي ولو لم يتفقا على القبض فجاء البائع بالمبيع فامتنع المشترى من قبضه أجبره الحاكم عليه
فان أصر أمر الحاكم من يقبضه كما لو كان غائبا قال ولو جاء البائع بالمبيع فقال المشترى ضعه فوضعه بين يديه حصل
القبض فان وضعه بين يديه ولم يقل المشتري شيئا أو قال لا أريده فوجهان (أحدهما) لا يحصل القبض كما لا يحصل
الايداع (وأصحهما) يحصل لوجوب التسليم كما لو وضع المغصوب بين يدي المالك فإنه يبرأ من الضمان فعلى
هذا
للمشترى التصرف فيه ولو تلف فمن ضمانه لكن لو خرج مستحقا ولم يجز إلا وضعه فليس للمستحق مطالبة
المشترى بالضمان لان هذا القدر لا يكفي لضمان الغصب (قلت) قال المتولي ولو قال البائع للمشترى
277

أحمله إلى واتركه عندي ففعل صار قابضا بلا خلاف لأنه بأمره قال وإذا وضعه عنده وقلنا يصير قابضا
فباعه قبل أن ينقله ونقله المشترى الثاني وتلف في يده ثم خرج مستحقا فللمستحق تغريم
البائع الأول لأن العين كانت في يده وله تغريم المشترى الثاني لأنها تلفت في يده وليس له تغريم
المشتري الأول لان ضمان الاستحقاق ضمان عدوان وضمان العدوان لا يتعلق إلا بحقيقة الاستيلاء
ولهذا لو خلا بمال غيره لا يضمنه بمجرد ذلك وإنما جعلناه هنا قابضا ليصح بيعه وتصرفه والله سبحانه
وتعالى أعلم * ولو وضع المديون الدين بين يدي مستحقه ففي حصول التسليم خلاف مرتب على
المبيع وأولى بعدم الحصول لعدم تعين الدين فيه *
(فرع) للمشترى الاستقلال بنقل المبيع إن كان دفع الثمن أو كان مؤجلا وقد سبقت المسألة
مبسوطه قريبا *
(فرع) لو دفع ظرفا إلى البائع فقال اجعل المبيع فيه ففعل لا يحصل التسليم إذ لم يوجد
من المشتري قبض والظرف غير مضمون على البائع لأنه استعمله في ملك المشتري بأذنه وفي مثله في
السلم يكون الظرف مضمونا على المسلم إليه لأنه استعمله في ملك نفسه * ولو قال للبائع أعرني ظرفك واجعل المبيع فيه ففعل لا يصير المشترى قابضا (النوع الثاني) أن يعتبر فيه تقدير بأن اشترى
ثوبا أو أرضا مذارعة أو متاعا موارثه أو صبرة مكايلة أو معدودا بالعدد فلا يكفي للقبض ما سبق في
النوع الأول بل لابد مع ذلك من الذرع أو الوزن أو الكيل أو العد * وكذا لو أسلم في آصع طعام
أو أرطال منه يشترط في قبضه القبض أو الكيل أو الوزن فلو قبض جزافا ما اشتراه مكايلة وقع
المقبوض في ضمانه (وأما) تصرفه فيه بالبيع ونحوه فان باع الجميع لم يصح لأنه قد يزيد على المستحق
فان باع ما تيقن أنه له لم يصح أيضا على الصحيح الذي قال الجمهور وفيه وجه ضعيف أنه يصح قال
المتولي هذا الوجه لأبي إسحاق المروزي * قال أصحابنا وقبض ما اشتراه كيلا بالوزن أو وزنا بالكيل
كقبضه جزافا * ولو قال البائع خذه فإنه كذا فأخذه مصدقا له فالقبض فاسد أيضا حتى يقع اكتيال
صحيح فان زاد رد الزيادة فان نقص أخذ التمام فلو تلف المقبوض فزعم الدافع أنه كان قدر حقه أو أكثر
278

وزعم القابض أنه كان دون حقه أو قدره فالقول قول القابض فلو أقر بجريان الكيل لم يسمع منه
خلافه * واعلم أن للمبيع مكايلة صورا (منها) قوله بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم (ومنها) بعتكها
على أنها عشرة آصع (ومنها) بعتك عشرة آصع منها وهما يعلمان صيعانها أو لا يعلمان إذا
جوزنا ذلك *
(فرع) ليس على البائع الرضا بكيل المشترى ولا على المشتري الرضا بكيل البائع بل
يتفقان على كيال وان لم يتراضيا نصب الحاكم أمينا يتولاه قاله الماوردي *
(فرع) مؤنة الكيل الذي يفتقر إليه القبض تكون على البائع كمؤنة إحضار المبيع الغائب
فإنها على البائع (وأما) مؤنة وزن الثمن فعلى المشترى لتوقف التسليم ومؤنة نقد الثمن هل هي على
البائع أو المشترى فيه وجهان قلت (أصحهما) على البائع (وأما) مؤنة نقل المبيع بعد القبض إلى دار
المشترى فعلى المشترى *
(فرع) لو كان لزيد على عمرو طعام سلما ولآخر مثله على زيد فأراد زيد أن يؤدى ما عليه مما له على
عمرو فقال لغريمه اذهب إلى عمرو فاقبض لنفسك مالي عليه فقبضه فهو قبض فاسد وكذا لو قال
أحضره معي لاكتاله منه لك ففعل * وإذا فسد القبض فالمقبوض مضمون على القابض وهل تبرأ
ذمة عمرو من حق زيد فيه وجهان (أصحهما) نعم (فان قلنا) لا تبرأ فعلى القابض رد المقبوض إلى
عمرو على عمرو * ولو قال زيد اذهب فاقبضه له ثم اقبضه مني لنفسك بذلك الكيل أو قال أحضر معي لأقبضه
لنفسي ثم تأخذه لنفسك بذلك الكيل ففعل فقبضه لزيد في الصورة الأولى وقبض زيد لنفسه في
الثانية صحيحان وتبرأ ذمة عمرو من حق زيد والقبض الآخر فاسد والمقبوض مضمون عليه وفى وجه
ضعيف يصح قبضه لنفسه في الصورة الأولى ولو اكتال زيد وقبضه لنفسه ثم كاله على مشتريه
واقبضه فقد جرى الصاعان وصح القبضان فان زاد حين قبضه ثانيا أو نقص فالزيادة لزيد والنقص
عليه إن كان قدرا يقع بين الكيلين فإن كان أكثر علمنا أن الكيل الأول غلط فيرد زيد الزيادة
ويأخذ النقصان ولو أن زيدا لما اكتاله لنفسه لم يخرجه من المكيال وسلمه كذلك إلى مشتريه
279

فوجهان (أحدهما) لا يصح القبض الثاني حتى يخرجه ويبتدئ كيلا (وأصحهما) عند الأكثرين
أن استدامته في المكيال كابتداء الكيل وهذه الصورة كما تجرى في ديني السلم تجرى فيما لو كان
(أحدهما) مستحقا في السلم والآخر بقرض أو اتلاف *
(فرع) قال أصحابنا للمشترى أن يوكل في القبض وللبائع أن يوكل في الاقباض ويشترط
في ذلك أمران (أحدهما) ان لا يوكل المشترى من يده يد البائع كعبده ومستولدته ولا بأس بتوكيل
أبيه وابنه ومكاتبه وفى توكيل عبده المأذون له وجهان (أصحهما) لا يجوز * ولو قال للبائع وكل من
يقبض لي منك جاز ويكون وكيلا للمشترى في التوكيل وكذا لو وكل البائع بان يأمر من يشترى
منه للموكل (الأمر الثاني) أن لا يكون القابض والمقبض واحدا فلا يجوز أن يوكل البائع رجلا
في الاقباض ويوكله المشترى في القبض كما لا يجوز أن يوكله هذا في البيع وذاك في الشراء * ولو
كان عليه طعام وغيره من سلم أو غيره فدفع إلى المستحق دراهم وقال اشتريها مثل ما تستحقه لي
واقبضه ثم اقبضه لنفسك ففعل صح الشراء والقبض للموكل ولا يصح قبضه لنفسه لاتحاد القابض
والمقبوض ولامتناع كونه وكيلا لغيره في حق نفسه وفى وجه ضعيف يصح قبضه لنفسه وإنما يمتنع
قبضه من نفسه لغيره * ولو قال اشتر بهذه الدراهم لي واقبضه لنفسك ففعل صح الشراء ولم يصح قبضه
لنفسه ويكون المقبوض مضمونا عليه وهل تبرأ ذمة الدافع من حق الموكل فيه الوجهان السابقان *
ولو قال اشتر لنفسك فالتوكيل فاسد وتكون الدراهم أمانة في يده لأنه لم يقبضها ليتملكها
فان اشترى نظر إن اشترى في الذمة وقع الشراء له وأدى ثمنه من ماله وإن اشترى
بعينها فوجهان (الصحيح) بطلان الشراء (والثاني) صحته * ولو قال لمستحق الحنطة اكتل حقك
من هذه الصبرة ففعل لم يصح قبضه على أصح الوجهين لان الكيل أحد ركني القبض وقد صار نائبا
من جهة البائع ومتأصلا لنفسه ويستثني عن الشرط الثاني ما إذا اشتري الأب لابنه الصغير من
مال نفسه أو لنفسه من مال الصغير فإنه يتولى طرفي القبض كما يتولى طرفي البيع وفى احتياجه إلى النقل في المنقول وجهان (أصحهما) يحتاج كما يحتاج إلى الكيل إذا باع كيلا *
280

(فرع) يستثنى عن صورة القبض المذكور اتلاف المشترى المبيع فإنه قبض كما سبق *
(فرع) قبض الجزء المشاع المبيع من دابة وثوب وغير ذلك إنما يحصل بتسليم الجميع ويكون
ما عد المبيع أمانة في يده فلو طلب المشترى القسمة قبل القبض قال صاحب التتمة يجاب إليها
لأنا ان قلنا القسمة افراز فظاهر وان قلنا بيع فالرضا غير معتبر فيه فان الشريك يجبر عليه وإذا لم
نعتبر الرضا جاز ألا نعتبر القبض كالشفعة والله سبحانه وتعالى أعلم * هذا آخر ما نقله
الرافعي رحمه الله *
(فرع) قال المتولي لو باع شيئا هو في يد المشترى قبل الشراء فإن كان في يده بجهة
ضمان كغصب أو عارية أو سوم صار بمجرد الشراء مقبوضا له لان البيع جهة ضمان أيضا فيسقط
ضمان القيمة ويحصل ضمان المشترى وإن كان في يده بجهة أمانة كوديعة أو وكالة أو شركة أو قراض
صار بمجرد البيع مقبوضا له ولا يحتاج إلى اذن في القبض وهل يشترط مضى زمان يتأنى فيه النقص
إذا كان المبيع غائبا عن مجلس العقد فيه وجهان قال ولنا وجه ضعيف أن من اشترى شيئا في
يده لا يصح قبضه إياه قبل أداء الثمن الا باذن البائع * قال ولو باع الرهن للمرتهن بالدين لم يشترط
الاذن في القبض بلا خلاف وفى اشتراط مضى الزمان والنقل ما سبق من الخلاف *
(فرع) قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله قول الأصحاب إنه إذا نقله من زاوية من
دار البائع إلى زاوية لا يحصل القبض لان الدار وما فيها في يد البائع فيه إشكال لأنه إذا أخذه
وأثبتنا له لنقله فمجرد هذا قبض ولا يتوقف كونه قبضا على وضعه فوضعه بعد احتواء يده عليه في
دار البائع لا يخرج ما سبق عن أن يكون قبضا بل كأنه قبضه ثم أعاده إلى يد البائع * وقد احتج
امام الحرمين لما ذكره الأصحاب بأنه لو دخل دار انسان ثم تنازعا في متاع قريب من الداخل فان
اليد فيه لرب الدار لا للداخل بخلاف ما لو كانت يده محتوية عليه قال الشيخ أبو عمرو وهذا
حجة على الامام فانا لا نجعله قبضا بسبب نقله إلى ملك البائع بل لاحتواء يده عليه حالة النقل (فان قيل)
281

فهذا مبنى على ما ذكره الأصحاب أن القبض فيما يتناول باليد التناول وأن الثقيل لابد فيه من
النقل لان أهل العرف لا يعدون احتواء اليد على هذا قبضا من غير تحويل لان التزاحم لا يصلح
قرارا لهذا الثقيل فاحتواء اليد عليه حالة الاشالة كعدم الاحتواء لاضطراره إلى ازالته على قرب (قلنا)
هذا جواب حسن ويتأيد بقوله صلى الله عليه وسلم في الطعام (حتى يحوزه التجار إلى رحالهم) ولكن
الاشكال باق فان احتواء اليد عليه حالة الحمل قبض حسي ولا يخفى أنه لو نازعه غيره وكانت اليد
فيه لمن هو في يده حسا وصدق في قوله له بيمينه فإن كان النزاع بينه وبين مالك موضع النزاع (1)
هذا آخر كلام أبى عمرو رحمه الله والجواب المذكور صحيح ولا يبقي بعده إشكال يلتفت إليه لان
أهل العرف لا يعدون مجرد دفعه قبضا والله سبحانه أعلم *
(فرع) إذا انقضى الخيار ولزم البيع حصل الملك في المبيع للمشترى وفى الثمن للبائع من
غير توقف على القبض بلا خلاف ونقل المتولي وغيره فيه اجماع المسلمين واحتج له بحديث ابن
عمر السابق (كنت أبيع الإبل بالبقيع) إلى آخره *
(فرع) إذا باع بنقد معين أو بنقد مطلق وحملناه على نقد الملك فأبطل السلطان المعاملة به
قبل القبض قال أصحابنا لا ينفسخ العقد ولا خيار للبائع وليس له الا ذلك النقد المعقود عليه كما لو اشترى
حنطة فرخصت قبل القبض أو أسلم فيها فرخصت قبل المحل فليس له غيرها هكذا قطع به الجمهور
وحكى البغوي والرافعي وجها أن البائع مخير ان شاء أجاز البيع بذلك النقد وان شاء فسخه كما لو
تغيب قبل القبض والمذهب الأول * قال المتولي وغيره ولو جاء المشترى بالنقد الذي أحدثه السلطان
لم يلزم البائع قبوله فان تراضيا به فهو اعتياض وحكمه حكم الاعتياض عن الثمن وعن أبي حنيفة رواية
أنه يجب قبوله وعنه رواية أنه ينفسخ البيع * دليلنا عليه في الأول أنه غير الذي التزمه المشترى فلم يجب
قبوله كما لو اشترى بدراهم وأحضر دنانير ودليلنا في الثاني أن المقصود عليه باق مقدور
على تسليمه فلم يفسخ العقد فيه كما لو اشترى شيئا في حال الغلاء فرخصت الأسعار *

(1) كذا بالأصل فحرر.
282

(فرع) في مذاهب العلماء في حقيقة القبض * قد ذكرنا أن مذهبنا أن القبض في العقار
ونحوه بالتخلية وفى المنقول بالنقل وفى المتناول باليد التناول وبه قال أحمد * وقال مالك وأبو حنيفة
القبض في جميع الأشياء بالتخلية قياسا على العقار * دليلنا حديث زيد بن ثابت الذي ذكره المصنف
والمعنى الذي ذكره المصنف (فان قيل) فحوزه إلى الرحال ليس بشرط الاجماع (قلنا) دل الحديث على
أصل النقل وأما التخصيص بالرحال فخرج على الغالب ودل الاجماع أنه ليس بشرط في أصل
النقل (والجواب) عن القياس على العقار أنه لا يمكن فيه إلا التخلية ولأنها قبض له في العرف بخلاف
المنقول والله سبحانه أعلم * واحتج البيهقي للمذهب بحديث ابن عمر قال (كنا في زمان رسول الله
صلى الله عليه وسلم نبتاع الطعام فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه إلى مكان
سواه قبل أن نبيعه) رواه مسلم رحمه الله * وفى رواية (كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه) رواه البخاري ومسلم * وفى رواية عنه (قال رأيت
الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ابتاعوا الطعام جزافا يضربون في أن يبيعوه مكانهم حتى يؤوه
إلى رحالهم) رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى *
قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز بيع ما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء أو السمك في الماء والجمل الشارد
والفرس العائر والعبد الآبق والمال المغصوب في يد الغاصب لحديث أبي هريرة رضي الله عنه (أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر) وهذا غرر ولهذا قال ابن مسعود (لا تشتر والسمك في الماء فإنه
غرر) ولان القصد بالبيع تمليك التصرف وذلك لا يمكن فيما لا يقدر على تسليمه * فان باع طيرا في برج
مغلق الباب أو السمك في بركة لا تتصل بنهر نظرت فان قدر على تناوله إذا أراد من غير تعب
جاز بيعه وإن كان في برج عظيم أو بركة عظيمة لا يقدر على أخذه إلا بتعب لم يجز بيعه لأنه
غير مقدور عليه في الحال وان باع العبد الآبق ممن يقدر عليه أو المغصوب من الغاصب أو ممن
يقدر على أخذه منه جاز لأنه لا غرر في بيعه منه) *
283

(الشرح) حديث أبي هريرة صحيح سبق بيانه والأثر المذكور عن ابن مسعود صحيح
رواه البيهقي مرفوعا منقطعا ثم قال الصحيح أنه موقوف (وقوله) في بركة - بكسر الباء - والنهر - بفتح
الهاء - ويجوز اسكانها (أما) الأحكام فقد سبق أن أحد شروط المبيع القدرة على تسليمه قال
أصحابنا وفوات القدرة قد يكون حسيا وقد يكون شرعيا فمن الشرعي بيع المرهون والوقف وأم الولد
وكذا الجاني في قول وغير ذلك (وأما) الحسبى ففيه مسائل (إحداها) لا يجوز بيع الطير في الهواء
ولا السمك في الماء المملوكين له لما ذكره المصنف فلو باع السمك المملوك له وهو في بركة لا يمكنه
الخروج منها أو طير في برج مغلق فان أمكن أخذه بلا تعب كبركة صغيرة وبرج صغير جاز
بيعه بلا خلاف وان لم يمكن أخذه الا بتعب فوجهان مشهوران في كتب الخراسانيين (أصحهما)
وبه قطع المصنف وآخرون وهو ظاهر النص في المختصر ونقله صاحب البيان عن النص لا يصح (والثاني)
يصح كما يصح بيع ما يحتاج في نقله إلى مؤنة كبيرة وهذا الوجه لابن سريج قال الشيخ أبو حامد
هذا لا وجه له (أما) إذا كان باب البرج مفتوحا فلا يصح على الصحيح وبه قطع صاحب البيان
لأنه لا يقدر على تسليمه لتمكنه من الطير ان قال أصحابنا وحيث صححناه فشرطه ان لا يمنع
الماء رؤيته فان منعها فيه قولا بيع الغائب ان عرف المتعاقد ان قدره وصفته صح والا فلا يصح بلا
خلاف * ولو باع الطير في حال ذهابها إلى الرعى أو غيره اعتمادا على عادة عودها في الليل فوجهان
مشهوران للخراسانيين (أصحهما) عند جمهورهم لا يصح وهو ظاهر كلام المصنف وغيره (وأصحهما)
عند امام الحرمين الصحة كالعبد المبعوث في شغل والمذهب الأول لأنه لا وثوق بعودها لعدم
عقلها بخلاف العبد (الثانية) لا يجوز بيع العبد الآبق والجمل الشارد والفرس العائر والمال الضال ونحوها
لما ذكره المصنف وسواء عرف موضع الآبق والضال ونحوه أم لا لأنه غير مقدور على تسليمه في الحال هكذا قاله الأصحاب وكذا قال الرافعي انه المذهب المعروف * قال الأصحاب لا يشترط في
الحكم بالبطلان اليأس من التسليم بل يكفي ظهور التعذر قال وأحسن بعض الأصحاب فقال
إذا عرف موضعه وعلم أنه يصله إذا رام وصوله فليس له حكم الآبق (قلت) والمذهب ما سبق
284

(وأما) المغصوب فإذا باعه مالكه نظر ان قدر البائع على استرداده وتسليمه صح البيع بلا خلاف
كما يصح بيع الوديعة والعارية وان عجز نظر ان باعه لمن لا يقدر على انتزاعه من الغاصب لم يصح
قطعا وان باعه من قادر على انتزاعه فوجهان مشهوران في كتب الخراسانيين (أصحهما) وبه قطع
المصنف وغيره يصح لما ذكره المصنف (والثاني) لا لان البيع لا يقتضى تكليف المشترى تعب
الانتزاع * وان صححناه وعلم المشترى الحال فلا خيار له ولكن لو عجز من انتزاعه لضعف عرض
له أو قوة عرضت للغاصب فله الخيار على المذهب وبه قطع الأكثرون وفيه وجه أنه لا خيار حكاه
الرافعي وإن كان جاهلا حال العقد كونه مغصوبا فله الخيار بلا خلاف * ولو باع الآبق ممن يسهل
عليه رده ففيه الوجهان كالمغصوب (الصحيح) الصحة *
(فرع) قال أصحابنا يجوز تزويج الآبقة والمغصوبة وإعتاقهما بلا خلاف قال في
البيان ولا يجوز كتابة المغصوب لأنها تقضى التمكين من التصرف (الثالثة) لو باع ملحا أو
حمذا وزنا وكان بحيث ينماع إلى أن يوزن ففي صحة بيعه وجهان (الأصح) لا يصح لامكان
بيعه جزافا *
(فرع) قال الشافعي والأصحاب لا يجوز أن يستأجر البركة لاخذ السمك منها لان
الأعيان لا تملك بالإجارة فلو استأجر البركة ليحبس فيها الماء ليجتمع فيها السمك ويصطاده فوجهان
(أحدهما) لا يجوز قاله الشيخ أبو حامد (وأصحهما) عند الأصحاب جوازه وبه قطع صاحب الشامل
وآخرون لان البركة يمكن الاصطياد بها فجازت اجارتها كالشبكة قالوا وقول الشافعي لا تجوز
إجارة البركة للحيتان أراد به إذا حصل فيها سمك وأجرها لاخذ ما حصل فيها وهذه الإجارة باطلة
لأنها إجارة لاخذ الغير فأما البركة الفارغة (1) والله أعلم *
(فرع) قد ذكرنا أن بيع الآبق باطل فلو عاد الآبق بعد البيع لم ينقلب البيع صحيحا
عندنا * وقال أبو حنيفة ينقلب صحيحا واستدل أصحابنا بما لو باع طائرا في الهواء ثم وقع في يده فإنه لا ينقلب
العقد صحيحا وحكى صاحب البيان عن ابن عمر أنه باع آبقا *

(1) بياض بالأصل.
285

(فرع) قال الروياني لو باع سفينة في لجة البحر لا يقدر على تسليمها حال العقد لم يصح سواء
كان فيها أم لا فان قدر جاز *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز بيع عين مجهولة كبيع عبد من عبيد وثوب من أثواب لان ذلك غرر من غير
حاجة ويجوز أن يبيع قفيزا من صبرة لأنه إذا عرف الصبرة عرف القفيز منها فزال الغرر) *
(الشرح) القفيز مكيال معروف ومراد الفقهاء به التمثيل وأصل القفيز مكيل يسع اثني
عشر صاعا والصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي هكذا ذكره أهل اللغة وانتخاب الغريب وغيرهم
قال الأزهري الأردب أربعة وعشرون صاعا وهو أربعة وسبعون منا والمن رطلان والعنقل نصف
أردب قال والكرستون قفيزا والقفيز ثمانية مكاكيل والمكول صاع ونصف وهو ثلث حجليات
والعرق ثلاثة آصع (وقول) المصنف لان ذلك غرر من غير حاجة احتراز من السلم ومن أساس الدار
(أما) الأحكام فقد سبق أن من شروط المبيع كونه معلوما قال أصحابنا وليس معناه أنه يشترط
العلم به من كل وجه بل المشترط علم عينه وقدره وصفته وقد ذكر المصنف ذلك كله في فصول
متراسلة فبدأ باشتراط عين المبيع قال أصحابنا لا يجوز بيع عين مجهولة فلو قال بعتك أحد عبيدي
أو أحد عبدي هذين أو شاة من هذا القطيع أو هاتين الشاتين أو ثوبا من هؤلاء أو من هذين
286

أو ما أشبه ذلك فالبيع باطل وكذا لو قال بعتكهم إلا واحدا منها وسواء تساوت قيمهم وقيم
الشياه والأثواب أم لا وسواء قال ولك الخيار في التعيين أم لا فالبيع باطل في كل هذا عندنا بلا
خلاف إلا قولا قديما حكاه المتولي أنه إذا قال بعتك أحد عبيدي أو عبيدي الثلاثة على أن تختار
من بينهم في ثلاثة أيام أو أقل صح العقد وهذا شاذ مردود لأنه غرر * ولو كان له عبد فاختلط
بعبيد لغيره ولم يعرفه فقال بعتك عبدي من هؤلاء والمشترى يراهم كلهم ولا يعرف عينه فوجهان
قطع المتولي بأنه كبيع الغائب ففيه الخلاف وقال البغوي عندي أن هذا باطل وهذا أصح * ولو فرقت
صيعان الصبرة المتماثلة فباع صاعا منها فالمشهور في المذهب بطلان البيع وبه قطع الجمهور كما ذكرنا
في نظائره وحكى المصنف في تعليقه عن شيخه القاضي أبو الطيب الطبري في صحة بيعه لعدم الغرر
وكما لو باع بدرهم فإنه يحمل على درهم من نقد البلد ولا يضر عدم تعينه والمذهب البطلان لأنه
قد يختلف به غرض بخلاف الدراهم ولأنه يمكنه أن يبيع أحد الصيعان بعينه ولا يجوز ابهامه وأما
الدارهم فنحتاج إلى إثباته في الذمة والله سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) قال أصحابنا يجوز بيع الجزء الشائع من كل جملة معلومة من دار أو ارض أو عبد أو صبرة أو ثمرة وغيرها لعدم الغرر لكن لو باع جزءا شائعا من شئ بمثله من ذلك الشئ
بأن كانت دار بين اثنين نصفين فباع أحدهما نصيبه لشريكه بنصيبه ففي صحة البيع وجهان
(الصحيح) الصحة وسبقت المسألة بفروعها وفوائدها في آخر باب ما يجوز بيعه * ولو باع الجملة واستبقى
منها جزءا شائعا جاز مثاله بعتك هذه الثمار إلا ربعها وقدر الزكاة منها ولو قال بعتك ثمرة هذا
البستان بثلاثة آلاف درهم إلا ما يخص ألفا فان أراد ما يخصه إذا وزعت الثمرة على المبلغ المذكور
صح وكان استثناء للثلث وإن أراد ما يساوى ألفا عند التقويم فلا لأنه مجهول والله سبحانه اعلم *
(فرع) إذا باع قفيزا من صبرة فقد قطع المصنف بالصحة ومراده إذا كانت الصبرة
287

أكثر من قفيز وهي متساوية وكانت مجهولة الصيعان فباع صاعا منها فيصح على المذهب وبه قطع
الأكثرون وهو المنصوص وفيه وجه انه لا يصح وهو اختيار القفال وسنعيد المسألة واضحة إن شاء الله
تعالى حيث بسطها المصنف بعد هذا في فصل بيع مجهول القدر *
(فرع) قد ذكرنا ان مذهبنا انه لا يجوز بيع عبد من عبيد ولا من عبدين ولا ثوب
من ثياب ولا من ثوبين سواء شرط الخيار أم لا وقال أبو حنيفة إذا باع عبدا من عبدين أو ثلاثة
بشرط خيار ثلاثة أيام صح وان باعه عبدا من أربعة فأكثر لم يصح وقال مالك إذا باع عبدا من
عبيد أو ثوبا من ثياب وكلها متقاربة في الصفة وشرط الخيار للمشترى صح البيع *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز بيع العين الغائبة إذا جهل جنسها أو نوعها لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى عن بيع الغرر وفى بيع ما لا يعرف جنسه أو نوعه غرر كبير فان علم الجنس والنوع بأن
قال بعتك الثوب المروى الذي في كمي أو العبد الزنجي الذي في داري أو الفرس الأدهم الذي في
إصطبلي ففيه قولان (قال) القديم والصرف يصح ويثبت له الخيار إذا رآه لما روى ابن أبي مليكة
(أن عثمان رضي الله عنه ابتاع من طلحة أرضا بالمدينة نافله بأرض له بالكوفة فقال عثمان بعتك ما لم أره فقال طلحة
إنما النظر لي لأني ابتعت مغيبا وأنت قد رأيت ما ابتعت فتحاكما إلى جبير بن مطعم فقضى على عثمان أن البيع
جائز وان النظر لطلحة لأنه ابتاع مغيبا ولأنه عقد على عين فجاز مع الجهل بصفته كالنكاح (وقال)
في الجديد لا يصح لحديث أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر) وفى
هذا البيع غرر ولأنه نوع بيع فلم يصح مع الجهل بصفة المبيع كالمسلم (فإذا قلنا) بقوله القديم فهل
تفتقر صحة البيع إلى ذكر الصفات أم لا فيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه لا يصح حتى تذكر جميع
الصفات كالمسلم فيه (والثاني) لا يصح حتى تذكر الصفات المقصودة (والثالث) أنه لا يفتقر
إلى ذكر شئ من الصفات وهو المنصوص في الصرف لان الاعتماد على الرؤية ويثبت له الخيار إذا رآه فلا يحتاج
إلى ذكر الصفات * فان وصفه ثم وجده على خلاف ما وصف ثبت له الخيار وإن وجده على ما وصف أو أعلي ففيه
288

وجهان (أحدهما) لا خيار له لأنه وجده على ما وصف فلم يكن له خيار كالمسلم فيه (والثاني) ان له الخيار
لأنه يعرف ببيع خيار الرؤية فلا يجوز ان يخلو من الخيار * وهل يكون له الخيار على الفور أم لا
فيه وجهان (قال) ابن أبي هريرة هو على الفور لأنه خيار تعلق بالرؤية فكان على الفور كخيار الرد
بالعيب (وقال) أبو إسحاق يتقدر الخيار بالمجلس لأن العقد إنما يتم بالرؤية فيصير كأنه عقد عند
الرؤية فيثبت له خيار كخيار المجلس (وأما) إذا رأى المبيع قبل العقد ثم غاب عنه ثم اشتراه
فإن كان مما لا يتغير كالعقار وغيره جاز بيعه وقال أبو القاسم الأنماطي لا يجوز في قوله الجديد لان
الرؤية شرط في العقد فاعتبر وجودها في حال العقد كالشهادة في النكاح والمذهب الأول لان
الرؤية تراد للعلم بالمبيع وقد حصل العلم بالرؤية المتقدمة فعلى هذا إذا اشتراه ثم وجده على الصفة
الأولى أخذه وإن وجده ناقصا فله الرد لأنه ما التزام العقد فيه الا على تلك الصفة وان اختلفا فقال
البائع لم يتغير وقال المشترى تغير فالقول قول المشترى لأنه يؤخذ منه الثمن فلا يجوز من غير رضاه
وإن كان مما يجوز أن يتغير ويجوز أن لا يتغير أو يجوز أن يبقى ويجوز أن لا يبقى ففيه وجهان
(أحدهما) أنه لا يصح لأنه مشكوك في بقائه على صفته (والثاني) يصح وهو المذهب لان الأصل
بقاؤه على صفته فصح بيعه قياسا على ما لا يتغير) *
(الشرح) حديث أبي هريرة صحيح سبق بيانه أول الباب والأثر المذكور عن عثمان وطلحة
رواه البيهقي باسناد حسن لكن فيه رجل مجهول مختلف في الاحتجاج به وقد روى مسلم له في صحيحه
(قوله) الثوب المروى باسكان الراء بلا خلاف ولا يجوز فتحها منسوب إلى مرو المدينة المشهورة
بخراسان والزنجي - بفتح الزاي وكسرها - والاصطبل بهمزة قطع (قوله) قال في القديم والصرف أي في بيان
الصرف من الكتب الجديدة وهو أحد كتب الام * وابن أبي ملكية اسمه عبد الله بن عبد الله
ابن أبي مليكة واسم أبى مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان - بضم الجيم واسكان الدال المهملة -
ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي المكي كنيته أبو بكر كان قاضي مكة لعبد الله
ابن الزبير ومؤزنا له توفى سنة سبع عشرة (وقوله) ناقله بأرض له بالكوفة هو - بالنون والقاف - أي
289

بادله بها ونقل كل واحد ملكه إلى موضع آخر (وقوله) ابتعت مغيبا هو - بضم الميم وفتح الغين
المعجمة وفتح الياء المشددة - (وقوله) عقد على عين هو احتراز من السلم (وقوله) نوع بيع احتراز من
الوصية والنكاح (وقوله) خيار تعلق بالرؤية احتراز من خيار الفسخ كالاعسار بالنفقة (أما)
الأحكام فقد سبق أنه يشترط العلم بقدر المبيع وعينه وصفته وهذا الفصل مع الفصول التي بعده
متعلقة بصفة المبيع وفى الفصل مسائل (إحداها) في بيع الأعيان الحاضرة التي لم تر قولان مشهوران
(قال) في القديم والاملاء والصرف من الجديد يصح (وقال) في الام والبويطي وعامة الكتب الجديدة
لا يصح * قال الماوردي في الحاوي نص الشافعي في ستة كتب على صحته في القديم والاملاء والصلح
والصداق والصرف والمزارعة ونص في ستة كتب أنه لا يصح في الرسالة والسير والإجارة والغصب
والاستبراء والتصرف في العروض واختلف الأصحاب في الأصح من القولين فصحح البغوي
والروياني صحته وصحح الأكثرون بطلانه ممن صححه المزني والبويطي والربيع وحكاه عنهم
الماوردي وصححه أيضا الماوردي والمصنف في التنبيه والرافعي في المحرر وهو الأصح وعليه فتوى
الجمهور من الأصحاب وعليه يفرعون فيما عدا هذا الموضع ويتعين هذا القول لأنه الآخر من نص
الشافعي فهو ناسخ لما قبله * قال البيهقي في كتابه معرفة السنن والآثار في أول كتاب البيوع جوز
الشافعي بيع الغائب في القديم وكتاب الصلح والصرف وغيرهما ثم رجع فقال لا يجوز لما فيه من
الغرر والله أعلم *
وفى محل القولين ثلاث طرق (أصحها) طردهما فيما ما لم يره المتعاقدان أو أحدهما
ولا فرق بينهما (والثاني) أنهما فيما رآه البائع دون المشترى فإن لم يره البائع فباطل قطعا لأنه
يقتضى الخيار والخيار في جانب البائع تعبد (والثالث) إن رآه المشتري صح قطعا سواء رآه البائع
أم لا فإن لم يره ففيه القولان لان المشترى محصل والبائع معرض والاحتياط للمحصل أولى وهذا
الطريق هو اختيار العراقيين قال أصحابنا ويجرى القولان في بيع الغائب وشرائه في اجارته
وكونه رأس مال سلم إذا سلمه في المجلس وفى المصالحة عليه وفى وقفه (وأما) إذا أصدقها عينا غائبة أو
خالعها عليها أو عفى عن القصاص صح النكاح وحصلت البينونة في الخلع وسقط القصاص ولا خلاف
290

في هذه الثلاثة وفى صحة المسمى فيها القولان فإن لم نصحح وجب مهر المثل لها في مسألة الصداق
وله في مسألة الخلع ووجبت الدية على المعفو عنه * وفى رهن الغائب وهبته القولان وقيل هما أولى
بالصحة لعدم الغرر ولهذا إذا صححناهما فلا خيار عند الرؤية (الثانية) إذا لم نجوز بيع الغائب وشراءه
فعليه فروع (أحدها) استقصاء الأوصاف على الحد المعتبر في السلم هل يقوم مقام الرؤية وكذا سماع
وصفه بطريق التواتر فيه وجهان (أصحهما) لا يقوم وبه قطع العراقيون (الثاني) إذا كان الشئ
مما لا يستدل برؤية بعضه على الباقي فإن كان المرئ صوانا له - بكسر الصاد وضمها - كقشر الرمان
والبيض والقشر الأسفل من الجوز واللوز وقشر البندق ونحوه كالخشكنان كفى رؤيته وصح
البيع بلا خلاف ولا يصح بيع لب الجوز واللوز ونحوهما بانفراده ما دام في قشره بلا خلاف لان
تسليمه لا يمكن إلا بتغيير عين المبيع (أما) إذا رأي المبيع من وراء قارورة هو فيها لم يكف بل هو بيع
غائب لان المعرفة التامة لا تحصل به وليس فيه صلاح له بخلاف السمك يراه في الماء الصافي مع سهولة
أخذه فإنه يصح بيعه كما سبق وكذا الأرض يعلوها ماء صاف لأن الماء من صلاحها (وأما) إذا لم
يكن كذلك فلا يكفي رؤية البعض على قولنا ببطلان بيع الغائب (وأما) التفريع على القول الآخر
فسيأتي إن شاء الله تعالى (الثالث) قال أصحابنا الرؤية في كل شئ بحسب ما يليق به ففي شراء
الدار يشترط رؤية البيوت والسقوف والسطوح والجدران داخلا وخارجا والمستحم والبالوعة وفى
البستان يشترط رؤية الجدران والأشجار والأرض ومسايل الماء ولا يشترط رؤية أساس البنيان
والبستان والدار ولا عروق الأشجار ونحو ذلك وفي اشتراط رؤية طريق الدار والماء الذي يدور به
الرحى وجهان (أصحهما) الاشتراط لاختلاف الغرض به قال أصحابنا ويشترط في العبد رؤية
الوجه والأطراف ولا تجوز روية العورة وفي باقي البدن وجهان (أصحهما) الاشتراط وبه قطع البغوي
وأبو الحسن العبادي في كتاب الرقم * وفى الجارية أوجه (أصحها) كالعبد (والثاني) يشترط رؤية
ما يبدو عند الخدمة والتصرف (والثالث) يكفي رؤية الوجه والكفين وفى الأسنان واللسان وجهان
(الأصح) لا يشترط وفى رؤية الشعر وجهان (أصحهما) الاشتراط * ويشترط في الدواب رؤية مقدمها ومؤخرها
291

وقوائمها ورفع السرج أو الاكاف والجل وهل يشترط أن تجرى الفرس بين يديه ليعرف سيره فيه وجهان
حكاهما الروياني والرافعي (الأصح) لا يشترط ويشترط في الثوب المطوى نشره هكذا أطلقه
الأصحاب وقطعوا به (قال) امام الحرمين يحتمل عندي أن لا يشترط النشر في بيع الثوب التي
لا تنشر أصلا الا عند العقد لما في نشرها من النقص والضرر * ثم إذا نشرت الثياب فما كان
منها صفيقا كالديباج المنقوش اشترط رؤية وجهيه وكذا يشترط رؤية وجهي البسط والرلالى
وأما ما كان رفيعا كالكرباس فيكفي رؤية أحد وجهيه على أصح الوجهين (قال) أصحابنا ولا
يصح بيع الثياب التوزية في المنسوج على هذا القول وهي التوزية - بتاء مثناة فوق مفتوحة ثم واو
مفتوحة مشددة ثم زاي - ويشترط في شراء المصحف وكتب الحديث والفقه وغيرها تقليب
الأوراق ورؤية جميعها وفى الورق البياض يشترط رؤية جميع الطاقات وممن صرح به القاضي
والرافعي والبغوي وغيرهم *
(فرع) أما القفاع فقال أبو الحسن العبادي يفتح رأسه فينظر فيه بقدر الامكان ليصح
بيعه * وأطلق الغزالي في الاحياء أنه يصح بيعه من غير اشتراط رؤية وهذا هو الأصح لان
بقاءه في الكوز من مصالحه ولأنه تشق رؤيته ولأنه قدر يسير يتسامح به في العادة وليس فيه
غرر يفوت به مقصود معتبر (المسألة الثالثة) إذا جوزنا بيع الغائب فعليه فروع (أحدها) إذا لم
تشترط الرؤية اشترط ذكر الجنس والنوع فيقول بعتك عبدي التركي وفرسي العربي أو الأدهم
أو ثوبي المروى أو الحنطة الجبلية أو السهلية ونحو ذلك فلو أخل بالجنس والنوع فقال بعتك ما في
كفي أو كمي أو خزانتي أو ميراثي من فلان ولم يكن المشترى والبائع يعرف ذلك لم يصح البيع هذا
هو المذهب وبه قطع المصنف والجمهور * وفيه وجه أنهما لا يشترطان فيصح بيع ما في الكم ونحوه
ووجه ثالث أنه يشترط ذكر الجنس دون النوع فيقول عبدي وهذان الوجهان حكاهما الخراسانيون
وهما شاذان ضعيفان * وإذا ذكر الجنس والنوع ففي افتقاره مع ذلك إلى ذكر الصفات ثلاثة أوجه
مشهورة ذكرها المصنف بأدلتها (أصحها) عند الأصحاب لا يفتقر وهو المنصوص في القديم والاملاء
292

والصرف (والثاني) يفتقر إلى ذكر معظم الصفات وضبط الأصحاب ذلك بما يصف به المدعى عند
القاضي (والثالث) يفتقر إلى ذكر صفات السلم وهذان الوجهان ضعيفان الثالث أضعف من الثاني
والثاني قول القاضي أبو حامد المروذي والثالث قول أبى على الطبري * فعلى المنصوص لو كان
له عبدان من نوع فباع أحدهما اشترط تمييزه بسن أو غيره قال الماوردي واتفق أصحابنا على أنه لا يشترط
ذكر جميع الصفات فان وصفها بجميعها فوجهان (أحدهما) وهو قول أصحابنا البغداديين يصح لأنه
أبلغ في نفى الغرر (والثاني) وهو قول البصريين لا يصح لأنه يصير في السلم والسلم في الأعيان لا يجوز
وهذا شاذ ضعيف *
(فرع) قال الماوردي إن كان المبيع مما لا ينقل كالدار والأرض اشترط ذكر البلد الذي
هو فيه فيقول بعتك دارا ببغداد وفى اشتراط ذكر البقعة من البلد وجهان وإن كان مما ينقل كالعبد
والثوب اشترط ذكر البلد الذي هو فيه لان القبض يتعجل إن كان قريبا أو يؤجل إن كان بعيدا أو لا يشترط
ذكر البقعة من البلد * وإذا ذكر البلد الذي فيه المبيع لزمه تسليمه فيه لا في غيره فان شرط المشترى
على البائع أن يسلمه في بلد البيع وكان المبيع في غيره فالبيع باطل بخلاف السلم لأنه في الذمة
هذا كلام الماوردي وحكاه الرافعي عن بعض الأصحاب وسكت عليه (الثاني) إذا شرطنا
الوصف فوصفه فان وجده دون ما وصف فللمشتري الخيار بلا خلاف وإن وجده كما وصف فطريقان
(أحدهما) القطع بثبوت الخيار وبه قطع المصنف في التنبيه وجماعة وهو المنصوص (وأشهرهما) أنه على
وجهين ذكرهما المصنف بدليلهما هنا (أصحهما) ثبوته (أما) إذا قلنا لا يشترط فللمشتري الخيار
عند الرؤية سواء كان شرط الخيار أم لا هذا هو المذهب وفيه وجه أنه لا يثبت إلا أن يكون شرطه
والصحيح الأول * وهل له الخيار قبل الرؤية حتى ينفذ فسخه وإجازته فيه ثلاثة أوجه (أحدها) ينفذان
(والثاني) لا ينفذ واحد منهما (والثالث) وهو الصحيح ينفذ فسخه قبل الرؤية دون إجازته هذا
كله في المشترى (وأما) البائع ففيه ثلاثة أوجه (أصحها) لا خيار له سواء كان رأى المبيع أم لا لان
الخيار في جانبه تعبد (والثاني) له الخيار في الحالين كالمشتري (والثالث) له الخيار ان لم يكن رآه
293

وبه قطع الشيخ أبو حامد ومتابعوه * وحيث قلنا يثبت خيار الرؤية هل يكون على الفور فيه
وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) يمتد ما دام مجلس الرؤية وهو قول أبي إسحاق
المروزي (والثاني) أنه على الفور وبه قال أبو علي بن أبي هريرة قال الشيخ
أبو حامد الجويني في كتابه السلسلة هذان الوجهان مبنيان على وجهين في ثبوت خيار المجلس في
بيع الغائب (أحدهما) يثبت كما يثبت في بيع العين الحاضرة (والثاني) لا يثبت للاستغناء عنه بخيار
الرؤية فعلى الأول خيار الرؤية على الفور لئلا يثبت خيار مجلسين في وقت واحد وعلى الثاني
يمتد إلى انقضاء المجلس قال والفرع مبنى على أصل آخر وهو أنه إذا مات أحد العاقدين في المجلس
وقلنا بالمذهب والمنصوص أنه ينتقل الخيار إلى الوارث فإلى متى يمتد فيه وجهان (أحدهما) على
الفور (والثاني) ما دام الوارث في مجلس خبر الموت وقد سبقت المسألة واضحة (والثالث) هل
يجوز أن يوكل في الرؤية من يفعل ما يستصوبه من فسخ أو إجازة فيه وجهان مشهوران
للخراسانيين (أصحهما) يجوز كما يجوز التوكيل في خيار الخلف والرد بالعيب (والثاني) لا لأنه
خيار شهوة ولا يتوقف على نقص ولا غرض فلا يجوز التوكيل فيه كمن أسلم على أكثر من أربع
نسوة فإنه لا يصح توكيله في الاختيار (الرابع) إذا لم تشترط الرؤية فاختلفا فقال البائع للمشترى أنت
رأيت المبيع فلا خيار لك فأنكر المشترى فوجهان (أصحهما) يصدق المشترى بيمينه (والثاني)
البائع فان شرطنا الرؤية فاختلفا فقال الغزالي في الفتاوى القول قول البائع لان اقدام المشتري
على العقد اعتراف بصحته قال الرافعي فلا ينفك هذا عن خلاف قلت هذه المسألة هي مسألة
اختلاف المتبايعين في شرط يفسد العقد وفيها القولان المشهوران الأصح قول مدعى الصحة (والثاني)
قول مدعى الفساد فيتعين جريان القولين في مسألتنا ولعل الغزالي فرعها على الأصح *
(فرع) لو رأى ثوبين فسرق أحدهما فاشترى الثاني ولا يعلم أيهما المسروق قال الغزالي
في الوسيط إن تساوت قيمتهما وصفتهما وقدرهما كنصفي كرباس واحد صح البيع بلا خلاف وان
اختلفا في شئ من ذلك ففيه القولان في بيع الغائب وهذا الذي قاله حسن ولا يقال هذا بيع ثوب من
294

ثوبين لأن المبيع هنا واحد بعينه ولكن ليس مرئيا حالة العقد وقد سبقت رؤيته فاكتفى بها *
واعلم أن الشيخ أبا عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى اعترض على الغزالي في هذا الفرع فقال جزم
بالصحة فيما إذا تساوت صفتهما وقدرهما وقيمتهما مع اجرائه الخلاف في الصورة الثانية قال والتحقيق
يوجب اجراء الخلاف السابق في استقصاء الأوصاف في صورة التساوي كما أجراه في مسألة الأنموذج
التي سنذكرها إن شاء الله تعالى لأنه اعتمد مساواة غير المبيع في الصفة المعلق به بالمشاهدة فهو
كالأنموذج الذي ليس بمبيع المساوي في الصفة للمبيع ولا فرق فان ذكره التساوي في القيمة اعتبار
للقيمة مع الوصف ولا وجود لمناله في هذا الباب هذا كلام أبى عمرو وهذان الاعتراضان اللذان
ذكرهما فاسدان (أما الأول) فليس هذا كمسألة الأنموذج لأن المبيع غير الأنموذج ليس مرئيا
ولا سبقت رؤيته وهنا سبقت رؤية الثوبين (وأما) قوله يجب اجراء الخلاف المذكور في الثانية
في الأولى فالفرق أن الثوبين في الثانية مختلفين فيحصل الغرر بخلاف الأولى (وأما) الاعتراض
الثاني فجوابه أنه قد تختلف القيمة مع اتحاد القدر والصفة في نحو العبيد والجواري فيحصل الغرر
والله سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) هل يشترط الذوق في الخل ونحوه على قولنا باشتراط الرؤية وكذلك الشم في
المسك ونحوه واللبس في الثياب ونحوها فيه طريقان (أصحهما) وبه قطع الأكثرون واقتضاه
كلام الجمهور أنه لا يشترط قال الرافعي هو الصحيح المعروف (والثاني) حكاه المتولي فيه وجهان
(أصحهما) هذا لان معظم المقصود يتعلق بالرؤية فلا يشترط غيرها (والثاني) يشترط لأنه يقع
في هذا النوع اختلاف *
(فرع) لو تلف المبيع في يد المشترى قبل الرؤية على قولنا بجواز بيع الغائب ففي انفساخ
البيع وجهان كنظيره في خيار الشرط وقد سبقت المسألة بفروعها في مسائل خيار الشرط * ولو باعه
قبل الرؤية لم يصح بلا خلاف بخلاف ما لو باعه في زمن خيار الشرط فإنه يصح على أصح الوجهين
295

كما سبق في موضعه لأنه يصير مجيزا للعقد وهنا لا تصح الإجازة قبل الرؤية على الصحيح كما سبق
والله سبحانه وتعالى اعلم *
(فرع) لو رأى بعض الثوب وبعضه الآخر في صندوق فطريقان (المذهب) وبه قطع
الجمهور انه على القولين في بيع الغائب (والثاني) باطل قطعا لان ما رآه لا خيار فيه وما لم يره فيه الخيار
والجمع بين الخيار وعدمه في عين واحدة ممتنع والطريق الأول قول أبى اسحق والثاني حكاه الماوردي
عن كثير من البصريين وغيرهم * ولو كان المبيع شيئين رأى أحدهما فقط فان أبطلنا بيع الغائب
بطل فيما لم يره وفى المرئي قولا تفريق الصفقة (وان) صححنا بيع الغائب ففي صحة العقد فيهما القولان
فيمن جمع في صفقة واحدة مختلفي الحكم كالبيع والإجارة لان ما رآه لا خيار فيه وما لم يره فيه الخيار
(فان صححناه) وهو الأصح فله الرد فيما لم يره وامساك ما رآه (المسألة الرابعة) إذا لم نجوز بيع الغائب
فاشترى ما رآه قبل العقد ولم يره حال العقد فله ثلاثة أحوال (أحدها) أن يكون مما لا يتغير غالبا
كالأرض والأواني والحديد والنحاس ونحوها أو كان لا يتغير في المدة المتخللة بين العقد والرؤية
صح البيع على المذهب ولا يجئ فيه الخلاف في بيع الغائب هكذا قطع جماهير الأصحاب وشذ
الأنماطي فأبطل البيع وهذا فاسد ودليل الجيع في الكتاب قال الروياني في البحر وقد ذكر أبو بكر البيهقي
عن عبد العزيز بن مقلاص من تلامذة الشافعي أنه نقل عن الشافعي مثل قول الأنماطي (فإذا قلنا) بالمذهب
فوجده كما رآه أولا فلا خيار له بلا خلاف لأنه ليس ببيع غائب وان وجده متغيرا فالمذهب الذي
قطع به الأصحاب ان البيع صحيح وله الخيار وحكى الغزالي في الوسيط انه يتبين بطلان البيع ليتبين
ابتداء المعرفة حالة العقد والصواب الأول * قال إمام الحرمين وليس المراد بتغييره حدوث عيب فان
خيار العيب لا يختص بهذه الصورة بل الرؤية بمنزلة الشرط في الصفات الكائنة عند الرؤية
فكل ما فات منها فهو كتبين الخلف في الشرط فيثبت الخيار (الحال الثاني) أن يكون المبيع مما
يتغير في تلك المدة غالبا فان رأي ما يسرع فساده من الأطعمة ثم اشتراه بعد مدة يتغير فيها في العادة فالبيع
296

باطل لأنه بيع مجهول (الثالث) ان يمضى على المبيع بعد الرؤية زمان يحتمل ان يبقى فيه ويحتمل
أن لا يبقى ويحتمل أن يتغير فيه ويحتمل أن لا يتغير أو كان حيوانا فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف
بدليلهما (أصحهما) عنده وعند الأصحاب صحة العقد فعلى هذا إن وجده متغيرا فله الخيار والا
فلا (والثاني) لا يصح قال المتولي هو قول المزني وأبى علي بن أبي هريرة وذكر الماوردي هذا
الخلاف قولين قال الأول نصه في كتاب البيوع وبه قال أكثر الأصحاب والثاني أشار إليه
في كتاب الغصب واختاره المزني والله سبحانه أعلم *
(فرع) إذا اختلفا في هذه الأحوال في التغير فادعاه المشترى وأنكره البائع فوجهان
(الصحيح) المنصوص وبه قطع المصنف وكثيرون أن القول قول المشترى بيمينه لان البائع يدعى
عليه علمه بهذه الصفة فلم يقبل كادعائه اطلاعه على العيب (والثاني) حكاه الخراسانيون عن صاحب
التقريب القول قول البائع بيمينه لان الأصل عدم التغير والله سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) قد ذكرنا أنه إذا سبقت رؤيته فله ثلاثة أحوال قال الماوردي صورة المسألة
أن يكون حال البيع متذكر الأوصاف فان نسيها لطول المدة ونحوه فهو بيع غائب وهذا الذي
قاله غريب لم يتعرض له الجمهور *
(فرع) لو رأى بعض المبيع دون البعض وهو مما يستدل برؤية بعضه على الباقي صح
البيع بلا خلاف قال أصحابنا وذلك كصبرة الحنطة تكفي رؤية ظاهرها ولا خيار له إذا رأى بعد ذلك
باطنها إلا إذا خالف ظاهرها قال المتولي وحكى أبو سهل الصعلوكي قولا شاذا أنه لا يكفي رؤية ظاهر
الصبرة بل يشترط أن يقبلها ليعرف باطنها والمذهب الأول وبه قطع الأصحاب وتظاهرت عليه
نصوص الشافعي * قال أصحابنا وفى معنى الحنطة والشعير صبرة الجوز واللوز والدقيق ونحوها فلو رأى
شيئا منها في وعائه فرأى أعلاه أو رأى أعلى السمن والزيت والخل وسائر المائعات في ظروفها كفي
ذلك وصح البيع ولا يكون بيع غائب * ولو كانت الحنطة في بيت مملوء منها فرأى بعضها من الكوة
أو الباب كفى إن عرف سعة البيت وعمقه والا فلا وكذا حكم الحمد في المحمدة إن رأى أعلاه
297

وعرف سعتها وعمقها صح البيع والا فلا * قال أصحابنا ولا يكفي رؤية صبرة السفرجل والرمان والبطيخ
نحو ذلك بل يشترط رؤية كل واحد منها قالوا ولا يكفي في سلة العنب والتين والخوخ ونحو
ذلك رؤية أعلاه لكثرة الاختلاف فيها بخلاف الحبوب (وأما) الثمر فإن لم يلتزق بعض حباته
ببعض فصبرته كصبرة الجوز واللوز فيصح بيعها وان التزقت كقوصرة التمر فوجهان حكاهما المتولي
وآخرون (الصحيح) الاكتفاء برؤية أعلاها (والثاني) لا يكفي بل يكون بيع غائب وذكر
الماوردي فيه طريقين من غير تفصيل اللازق وغيره (أحدهما) على قول بيع الغائب (وأصحهما) و
هو قول جمهور الأصحاب يصح قولا واحدا (واما) القطن في الاعدال فهل يكفي رؤية أعلاه فيه خلاف
حكاه الصميري قال والأشبه عندي انه كقوصرة التمر وهذا هو الصحيح *
(فرع) إذا رأى أنموذجا من المبيع منفصلا عنه وبنى أمر المبيع عليه نظر إن قال بعتك
من هذا النوع كذا وكذا فالبيع باطل لأنه لم يعين مالا ولم يراع شروط السلم ولا يقوم ذلك مقام
الوصف في السلم على الصحيح من الوجهين لان الوصف يرجع إليه عند النزاع بخلاف هذا * وإن
قال بعتك الحنطة التي في هذا البيت وهذا الأنموذج منها فإن لم يدخل الأنموذج في البيع فوجهان
(أصحهما) لا يصح البيع لأن المبيع غير مرئي وإن أدخله صح على أصح الوجهين كما لو رآه متصلا
بالباقي وان شئت جمعت الصورتين فقلت فيه ثلاثة أوجه (أحدها) الصحة (والثاني) البطلان
(وأصحها) ان أدخل الأنموذج في البيع صح والا فلا ثم صورة المسألة مفروضة في المتماثلات والله
سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) إذا اشترى الثوب المطوى وصححناه فنشره واختار الفسخ ولم يحسن طيه وكان لطيه
مؤنة قال القفال في شرح التلخيص وجبت مؤنة طيه على المشترى كما لو اشترى شيئا ونقله إلى
بيته فوجد به عيبا فان مؤنة رده على المشترى *
(فرع) قال أصحابنا لا يصح بيع الشاة المذبوحة قبل الفسخ بلا خلاف سواء جوزنا بيع
الغائب أم لا سواء باع الجلد واللحم معا أو أحدهما ولا يجوز بيع الأكارع والروس قبل الإبانة وفى
298

الأكارع وجه شاذ أنه يصح بيعها * ويجوز بيعهما بعد الإبانة نية ومشوية وكذا المسموط نيا ومشويا
وفى النئ احتمال لإمام الحرمين من حيث إنه مستور بالجلد والمذهب الصحة لأنه جلد مأكول
فأشبه المشوي *
(فرع) إذا رأى فصا لم يعلم أنه جوهر أو زجاج فاشتراه فوجهان حكاهما المتولي (أحدهما)
لا يصح البيع لان مقصود الرؤية انتفاء الغرر ولم يحصل (وأصحهما) يصح لوجود العلم بعينه *
(فرع) قال الروياني لو رأى أرضا وآجرا وطينا ثم بني حماما في تلك الأرض بذلك الآجر
والطين فاشتري الحمام ولم يره وهو حمام فيحتمل أن يصح البيع لان أكثر ما تغير الصفات وذلك
لا يبطل البيع ويحتمل أن لا يصح لان الرؤية لم تحصل على العادة قال وهذا أصح قال وعلى هذا لو
رأي رطبا ثم اشتراه تمرا لم يصح قلت هذا الاحتمال الثاني هو الصواب لان هذا غرر كبير تختلف
به الاغراض هذا إذا لم يصح بيع الغائب *
(فرع) قال الروياني قال القفال يصح لو رأي سخلة فصارت شاة أو صبيا فصار رجلا ولم
يره غير الرؤية الأولى ثم اشتراه ففيه قولا بيع الغائب وقال أبو حنيفة يصح ولا خيار *
(فرع) قال الماوردي إذا جوزنا بيع الغائب فتبايعاه بشرطه فهل العقد تام قبل الرؤية
فيه وجهان (أحدهما) قاله أبو إسحاق المروزي ليس تاما لان تمامه بالرضا به وقبل الرؤية لا يحصل الرضا
فعلى هذا ان مات أحدهما بطل العقد ولم يقم وارثه مقامه لأن العقد الذي ليس بلازم يبطل بالموت وكذا
لو جن أحدهما أو حجر عليه بسفه بطل العقد ولكل واحد منهما الفسخ قبل الرؤية (والثاني)
وهو قول أبى علي بن أبي هريرة أن العقد تام ولهما خيار المجلس ما لم يتفرقا فان مات أحدهما لم يبطل
العقد بل يقوم وارثه مقامه وان جن أو حجر عليه قام وليه مقامه وليس لأحدهما الفسخ قبل الرؤية
قال الماوردي وثبوت الخيار عند الرؤية ينبني على هذا الخلاف فعند أبي إسحاق ان خيار المجلس
عند الرؤية ويدوم ما لم يفارق المجلس قال وله أن يشترط في المجلس خيار الثلاث وتأجيل الثمن
والزيادة فيه والنقصان منه وعند أبي على لا خيار له الا بعيب وليس له شرط خيار الثلاث ولا تأجيل
299

الثمن ولا الزيادة فيه ولا النقص منه *
(فرع) قال الماوردي بيع العين الغائبة بشرط نفى خيار الرؤية باطل بلا خلاف (قال) فأما بيع
الحاضر بشرط خيار الرؤية كثوب في سفط أو مطوي ففيه وجهان (أحدهما) أنه على القولين في
بيع الغائب لأنه أبعد من الغرر (والثاني) لا يصح قولا واحدا قل وهو قول أكثر أصحابنا
واليه أشار أبو إسحاق وأبو علي بن أبي هريرة لان الحاضر تمكن رؤيته فلا ضرورة إلى بيعه بشرط
خيار الرؤية بخلاف الغائب هذا كلام الماوردي * وذكر الروياني مثله بحروفه الا أنه ذكر في بيع
الغائب بشرط نفى خيار الرؤية وجها شاذا أنه يصح البيع ويلغو الشرط تخريجا من الخلاف في البيع
بشرط البراءة من العيوب *
(فرع) قال الماوردي بيع الجزر والسلجم وهو الذي يقال له في دمشق اللفت والبصل ونحوها
في الأرض قبل قلعه بشرط خيار الرؤية فيه طريقان (أحدهما) على القولين في بيع الغائب (والثاني)
لا يصح قولا واحدا قال وهو قول سائر أصحابنا والفرق بينه وبين بيع الغائب من وجهين (أحدهما) ان الغائب يمكن وصفه بخلاف هذا (والثاني) أن الغائب إذا فسخ العقد فيه يرده المشترى كما كان
بخلاف هذا *
(فرع) إذا جوزنا بيع الغائب فاشترى ثوبا غائبا فحضر ونشر بعضه ونظر إليه قال الروياني
لا يبطل خياره حتى يرى جميعه *
(فرع) قال الروياني لو كان المبيع مضبوطا بخبر ففي بيعه طريقان (أحدهما) يصح
(والثاني) فيه القولان في بيع الغائب *
(فرع) قال أصحابنا الاعتبار في رؤية المبيع وعدمها بالعاقد فإذا وكل من يشترى له عينا
فان رآها الوكيل حال العقد أو قبله واكتفينا بالرؤية السابقة صح أنبيع قولا واحدا سواء كان
الموكل رآها أم لا ولا خيار إذا رآها بعد العقد وان لم يرها الوكيل ولكن رآها الموكل فهو بيع غائب ففيه القولان
300

(فرع) قال أصحابنا لو كان الثوب على منسج قد نسج بعضه فباعه على أن ينسج البائع
باقيه لم يصح البيع بلا خلاف ونص عليه الشافعي في كتاب الصرف لعلتين
(فرع) إذا اشترى جبة محشوة ورأي الجبة دون الحشو صح البيع كما يصح بيع الدار وإن
لم ير أساسها وقد نقل المازري المالكي وغيره الاجماع على صحة بيع الجبة وقد ذكرناه في
أول هذا الباب
(فرع) في مذاهب العلماء في بيع العين الغائبة * قد ذكرنا أن أصح القولين في مذهبنا
بطلانه وبه قال الحكم وحماد * وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد وابن المنذر وجمهور العلماء من الصحابة
والتابعين ومن بعدهم يصح نقله البغوي وغيره عن أكثر العلماء * قال ابن المنذر فيه ثلاثة مذاهب
(مذهب) الشافعي أنه لا يصح (والثاني) يصح البيع إذا وصفه وللمشتري الخيار إذا رآه سواء كان على
تلك الصفة أم لا وهو قول الشعبي والحسن والنخعي والثوري وأبي حنيفة وغيره من أهل الرأي (والثالث)
يصح البيع وللمشتري الخيار إن كان على غير ما وصف والا فلا خيار قاله ابن سيرين وأيوب السختياني
ومالك وعبيد الله بن الحسن وأحمد وأبو ثور وابن نصر قال ابن المنذر وبه أقول * واحتج لمن صححه بقوله
تعالى (وأحل الله البيع) وهذا على عمومه الا بيعا منعه كتاب أو سنة أو اجماع وبحديث أبي بكر بن عبد الله بن أبي
مريم عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه ان شاء أخذه وان شاء تركه)
وبحديث عمر بن إبراهيم بن خالد عن وهب البكري عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم (قال من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه) وبحديث عثمان وطلحة المذكور
في الكتاب وقد سبق بيانه قالوا وقياسا على النكاح فإنه لا يشترط رؤية الزوجين بالاجماع وقياسا
على بيع الرمان والجوز واللوز في قشره الأسفل وقياسا على ما لو رآه قبل العقد * واحتج الأصحاب
بحديثي أبي هريرة وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الغرر) رواهما مسلم وهذا غرر ظاهر فأشبه بيع
المعدوم الموصوف كحبل الحبلة وغيره وبحديث (لا تبع ما ليس عندك) وسبق بيانه * وقياسا على من
باع النوى في التمر (وأما) الجواب عن احتجاجهم بالآية الكريمة فهي عامة مخصوصة بحديث
النهى عن بيع الغرر (والجواب) عن حديث مكحول فهو أنه حديث ضعيف باتفاق المحدثين
301

وضعفه من وجهين (أحدهما) أنه مرسل لان مكحولا تابعي (والثاني) أن أحد رواته ضعيف فان
أبا بكر ابن أبي مريم المذكور ضعيف باتفاق المحدثين وكذا الجواب عن حديث أبي هريرة فإنه أيضا
ضعيف باتفاقهم وعمر بن إبراهيم بن خالد مشهور بالضعف ووضع الحديث * وممن روي هذين الحديثين
وضعفهما الدارقطني والبيهقي قال الدارقطني أبو بكر بن أبي مريم ضعيف وعمر بن إبراهيم يضع الحديث
قال وهذا حديث باطل لم يروه غيره وإنما يروي هذا عن ابن سيرين من قوله (والجواب) عن
قصة عثمان وطلحة وجبير بن مطعم أنه لم ينتشر ذلك في الصحابة رضي الله عنهم (والصحيح) عندنا
أن قول الصحابة ليس بحجة الا أن ينتشر من غير مخالفة (والجواب) عن قياسهم على النكاح أن
المعقود عليه هناك استباحة الاستمتاع ولا يمكن رؤيتها ولان الحاجة تدعو إلى ترك الرؤية هناك
لمشقتها غالبا (والجواب) عن قياسهم على الرمان والجوز أن ظاهرهما يقوم مقام باطنهما في الرؤية
كصبرة الحنطة ولان في استتار باطنها مصلحة لها كأساس الدار بخلاف بيع الغائب (والجواب)
عن قياسهم على ما لو رآه قبل العقد أن المبيع هناك يكون معلوما للمشترى حال العقد بخلاف
مسألتنا والله سبحانه وتعالى أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(وإن باع الأعمى أو اشترى شيئا لم يره (فان قلنا) ان بيع ما لم يره البصير لا يصح لم
يصح بيع الأعمى وشراؤه (وإن قلنا) يصح ففي بيع الأعمى وشرائه وجهان (أحدهما) يصح كما يصح
من البصير فيما لم يره ويستنيب في القبض والخيار كما يستنيب في شرط الخيار (والثاني) لا يصح
لان بيع ما لم يره يتم بالرؤية وذلك لا يوجد في حق الأعمى ولا يمكنه أن يوكل في الخيار لأنه
خيار ثبت بالشرع فلا تجوز الاستنابة فيه كخيار المجلس بخلاف خيار الشرط) *
(الشرح) قال أصحابنا المذهب بطلان بيع الأعمى وشرائه وهذا مختصره وتفصيله أنه إن
لم نجوز بيع الغائب وشراءه لم يصح بيع الأعمى ولا شراؤه وإن جوزناه فوجهان (أصحهما) لا يجوز
أيضا لأنه لا طريق له إلى رؤيته فيكون كبيع الغائب على أن لا خيار (والثاني) يجوز فيقام وصف
302

غيره له مقام رؤيته وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد فان صححناه قال المتولي وغيره يثبت له الخيار
عند وصف السلعة له ويكون الوصف بعد العقد كرؤية البصير (فان قلنا) لا يصح بيعه وشراؤه لم
تصح أيضا اجازته ورهنه وهبته وفى مكاتبته عبده وجهان حكاهما المتولي وآخرون (أصحهما) جوازه
صححه المتولي تغليبا للعتق (والثاني) لا يجوز وبه قطع البغوي * ويجوز أن يؤجر نفسه وللعبد الأعمى
أن يشترى نفسه وأن يقبل الكتابة على نفسه لعلمه بنفسه ويجوز أن يتزوج بلا خلاف وفى
ثبوت ولايته في النكاح وجهان مشهوران (أحدهما) لا يصح تزويجه (وأصحهما) يصح فعلى
هذا إذا زوج وكان الصداق مالا معيبا لم يثبت المسمى بل يجب مهر المثل وكذا لو جامع على مال
معين (أما) إذا أسلم في شئ أو أسلم إليه فإن كان عمى بعد بلوغه سن التمييز صح السلم بلا خلاف
لأنه يعرف الأوصاف ثم يوكل من يقبض عنه ولا يصح قبضه بنفسه على أصح الوجهين لأنه
لا تمييز بين المستحق وغيره فان خلق أعمي قبل التمييز فوجهان (أحدهما) لا يصح وهو
الأصح عند المتولي (وأصحهما) عند العراقيين والجمهور من غيرهم الصحة وهو المنصوص أو ظاهر النص
لأنه يعرف بالسماع فعلى هذا إنما يصح إذا كان رأس المال موصوفا وعين في المجلس فإن كان معينا
في العقد فهو كبيعه العين والمذهب بطلانه * قال أصحابنا وكل ما لا يصح من الأعمى من التصرفات
فطريقه ان يوكل وتحتمل صحة وكالته للضرورة وهذه المسألة مما ينكر على المصنف في باب الوكالة
من المهذب والتنبيه حيث قال من لا يجوز تصرفه فيما يوكل فيه لا يجوز توكيله فالأعمى لا يصح
بيعه وشراؤه ونحوهما على المذهب ويجوز توكيله في ذلك بلا خلاف كما ذكرناه والله سبحانه
وتعالى أعلم *
(فرع) لو كان الأعمى رأى شيئا لا يتغير صح بيعه وشراؤه إياه إذا صححنا ذلك من البصير
وهو المذهب كما سبق والله سبحانه أعلم *
(فرع) إذا ملك الأعمى شيئا بالسلم أو الشراء حيث صححناه لم يصح قبضه ذلك بنفسه بل
يوكل بصيرا يقبضه له بتلك الأوصاف فلو قبضه الأعمى لم يعتد به قال المتولي ولو اشترى البصير
303

شيئا ثم عمى قبل قبضه وقلنا لا يصح شراء الأعمى فهل ينفسخ هذا البيع فيه وجهان كما إذا اشترى
الكافر كافرا فأسلم العبد قبل القبض قلت الأصح لا يبطل *
(فرع) الأعمى يخالف البصير في مسائل كثيرة (إحداها) لا يجتهد في الأواني والثياب في
قول (الثانية) يكره أن يكون مؤذنا راتبا الا مع بصير كابن أم مكتوم مع بلال (الثالثة)
لا يجتهد في القبلة (الرابعة) لا جمعة عليه إذا لم يجد قائدا (الخامسة) البصير أولى منه بغسل الميت
(السادسة) لا حج عليه إذا لم يجد قائدا (السابعة) تكره ذكاته كراهة تنزيه بلا خلاف ولا يحل
صيده بارساله كلبا أو سهما في أصح الوجهين (الثامنة) لا يصح بيعه وشراؤه واجارته ورهنه
وهبته ومساقاته ونحوها من المعاملات على المذهب الصحيح (العاشرة) لا يجوز كونه وصيا في وجه
(الحادية عشرة) لا تجوز مكاتبته عبده في أحد الوجهين (الثانية عشرة) لا يكون وليا في النكاح
في وجه (الثالثة عشرة) لا يجزئ في الكفارة (الرابعة عشرة) لا تؤخذ عين البصير بعينه (الخامسة
عشرة) لا يكون سلطانا (السادسة عشرة) لا جهاد عليه (السابعة عشرة) لا يكون قاضيا (الثامنة
عشرة) لا تقبل شهادته الا فيما تحمله قبل العمى أن بالاستفاضة أو على من تعلق به *
* قال المصنف رحمه الله *
(إذا رأى بعض المبيع دون بعض نظرت فإن كان مما لا تختلف اجزاؤه كالصبرة من الطعام
والجرة من الدبس جاز بيعه لان برؤية البعض يزول غرر الجهالة لأن الظاهر أن الباطن كالظاهر
وإن كان مما يختلف نظرت فإن كان مما يشق رؤية باقيه كالجوز في القشر الأسفل جاز بيعه لان
رؤية الباطن تشق فسقط اعتبارها كرؤية أساس الحيطان وان لم تشق رؤية الباقي كالثوب
المطوى ففيه طريقان (من) أصحابنا من قال فيه قولان كبيع ما لم ير شيئا منه (ومنهم) من قال يبطل البيع
قولا واحدا لان ما رآه لا خيار فيه وما لم يره فيه الخيار وذلك لا يجوز في عين واحدة) *
(الشرح) هذا الفصل سبق بيانه قريبا في الفروع السابقة والله سبحانه أعلم *
304

قال المصنف رحمه الله *
(واختلف أصحابنا في بيع الباقلاء في قشريه فقال أبو سعيد الإصطخري يجوز لأنه يباع في
جميع البلدان من غير انكار (ومنهم) من قال لا يجوز وهو المنصوص في الام لان الحب قد يكون
صغارا وقد يكون كبارا وقد يكون في بيوته م الا شئ فيه وقد يكون فيه حب متغير وذلك غرر
من غير حاجة فلم يجز *
واختلفوا أيضا في بيع نافجة المسك فقال أبو العباس يجوز بيعها لان النافجة
فيها صلاح للمسك لان بقاءه فيها أكثر فجاز بيعه فيها كالجوز في القشر الأسفل ومن أصحابنا من
قال لا يجوز وهو ظاهر النص لأنه مجهول القدر مجهول الصفة وذلك غرر من غير حاجة فلم يجز *
واختلفوا
في بيع الطلع في قشره فقال أبو إسحاق لا يجوز بيعه لان المقصود مستور بما لا يدخر فيه فلم يصح
بيعه كالتمر الجراب وقال أبو علي بن أبي هريرة رضي الله عنه يجوز لأنه مستور بما يؤكل معه من
القشر فجاز بيعه فيه كالقثاء والخيار * واختلف قوله في بيع الحنطة في سنبلها (فقال) في القديم يجوز
لما روى أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد) (وقال) في
الجديد لا يجوز لأنه لا يعلم قدر ما فيها من الحب ولا صفة الحب وذلك غرر لا تدعوا الحاجة
إليه فلم يجز) *
(الشرح) حديث أنس رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وآخرون بأسانيد صحيحة
قال الترمذي هو حديث حسن وفى الباقلي لغتان سبقتا في أول كتاب الطهارة التخفيف مع المد
والتشديد مع القصر (وقوله) غرر من غير حاجة احتراز من أساس الدار ومن السلم * ونافجة المسك
- بالنون والفاء والجيم - وهي ظرفه الذي يكون فيه من أصله والجراب - بكسر الجيم وفتحها - الكسر أفصح
والقثاء - بكسر القاف وضمها - الكسر أفصح وهو ممدود (أما الأحكام) ففيها مسائل (إحداها) يجوز
بيع الباقلي في القشر الأسفل بلا خلاف وسواء كان أخضر أو يابسا وأما بيعه في قشره الاعلى والأسفل فإن كان
يابسا لم يجز على قولنا بمنع بيع الغائب فان جوزناه جاز هكذا صرح به إمام الحرمين والبغوي والجمهور *
وحكى
المتولي وجها أنه يصح ان منعنا بيع الغائب وهذا شاذ ضعيف لأنه مستور بما لا يحتاج إلى بقائه فيه ولا حاجة إلى
305

شرائه كذلك * وإن كان رطبا ففيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أحدهما) وهو قول
الإصطخري يجوز وادعى امام الحرمين والغزالي أن الأصح صحته لان الشافعي رضي الله عنه أمر أن
يشترى له الباقلي الرطب (والثاني) لا يجوز وهو المنصوص في الام كما ذكره المصنف والأصحاب
وهذا هو الأصح عند البغوي وآخرين وقطع به المصنف في التنبيه (الثانية) في بيع طلع النخل
مع قشره وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) جوازه وهو قول أبى علي بن أبي هريرة
(الثالثة) المسك طاهر ويجوز بيعه بلا خلاف وهو اجماع المسلمين نقل جماعة فيه الاجماع ونقل صاحب
الشامل وآخرون عن بعض الناس أنه نجس لا يجوز بيعه قال الماوردي هو قول الشيعة قالوا لأنه
دم ولأنه منفصل من حيوان حي وما أبين من حي فهو ميت وهذا المذهب خلط صريح وجهالة
فاحشة ولولا خوف الاغترار به لما تجاسرت على حكايته وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة عن
عائشة وغيرها من الصحابة أنهم رأوا وبيض المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وانعقد اجماع المسلمين
على طهارته وجواز بيعه (وأما) قوله إنه دم فلا يسلم ولو سلم لم يلزم منه نجاسته فإنه دم غير مسفوح كالكبد
والطحال (وأما) قوله منفصل من حيوان حي فأجاب الأصحاب عنه بجوابين (أحدهما) أن الظبية
تلقيه كما تلقى الولد وكما يلقى الطائر البيضة فيكون طاهرا كولد الحيوان المأكول وبيضه ولأنه لو كان
من حيوان لا يؤكل لم يلزم من ذلك نجاسته فان العسل من حيوان لا يؤكل وهو طاهر حلال بلا شك
(والجواب الثاني) أن هذا قياس منابذ للسنة فلا يلتفت إليه والله سبحانه وتعالى أعلم *
(وأما) بيع المسك
في فأرته وهي نافجته ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يجوز مطلقا قاله ابن سيريج لما ذكره المصنف
(والثاني) إن كانت مفتوحة وشاهد المسك فيها ولم يتفاوت ثمنها صح البيع والا فلا وبه قطع
المتولي وصاحب البيان (والثالث) وهو الصحيح لا يصح بيعه فيها مطلقا سواء بيع معها أو دونها
مفتوحة وغير مفتوحة كما لا يصح بيع اللحم في الجلد وهذا هو المنصوص * ولو رأى المسك خارج الفأرة
ثم رده إليه وباعه فيها وهي مفتوحة الرأس صح البيع قطعا وإن كانت غير مفتوحة فقد قالوا فيه
القولان في بيع الغائب وهذا محمول على أنه مضى عليه زمن يتغير فيه غالبا والا فيصح قولا واحدا
306

لأنه قد رآه * قال أصحابنا ولو باع المسك المخلوط بغيره لم يصح قولا واحد الآن المقصود مجهول كما لا يصح
بيع اللبن المخلوط بالماء والله سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) قال الماوردي وأما الزباد فهو لبن سنور يكون في البحر قال ولأصحابنا في
جواز بيعه وجهان إذا قلنا بنجاسة ما لا يؤكل لحمه (أحدهما) نجس لا يجوز بيعه (والثاني) طاهر
ويجوز بيعه كالمسك هذا كلام الماوردي والصواب طهارته وصحة بيعه لأن الصحيح حل لحم كل
حيوان البحر وحل لبنه كما سبق في بابه وقد سبقت هذه المسألة في باب إزالة النجاسة *
(فرع) قال أصحابنا لا يجوز بيع اللبن والخل ونحوهما إذا كان مخلوطا بالماء لان
المقصود مجهول *
(فرع) اتفق أصحابنا على أنه لو باع المسك المختلط بغيره لم يصح لان المقصود مجهول كما لا يصح
بيع اللبن المختلط بالماء والمراد إذا خالط المسك غيره لا على وجه التركيب فإن كان معجونا مع غيره
كالغالية والند جاز بيعه ولم يجز السلم فيه *
(فرع) اتفق أصحابنا على أنه لا يجوز بيع تراب المعدن قبل تصفيته وتمييز الذهب والفضة
منه وكذا تراب الصاغة سواء باعه بذهب أم بفضة أم بغيرهما هذا مذهبنا * وقال الحسن والنخعي
وربيعة والليث يجوز بيع تراب الفضة بالذهب وبيع تراب الذهب بالفضة وقال مالك يجوز بيع
تراب المعدن بما يخالفه بالوزن إن كان ذهبا ووافقنا أنه لا يجوز بيع تراب الصاغة بحال * دليلنا أن
المقصود مستور بما لا مصلحة له فيه في العادة فلم يصح بيعه فيه كبيع اللحم في الجلد بعد الذبح وقبل
السلخ (المسألة الرابعة) قال أصحابنا يشترط ظهور المقصود في بيع الثمرة والزرع ونحو ذلك فإذا باع
ثمرة لا كمام لها كالتين والعنب والكمثرى والمشمش والخوخ والأجاص ونحو ذلك صح البيع
بالاجماع سواء باعها على الأرض أو على الشجر لكن يشترط في بيعها على الشجر كونه بعد بدو الصلاح
أو يشترط القطع * قال أصحابنا ولو باع الشعير أو الذرة أو السلت مه سنبله جاز قبل الحصاد وبعده
بلا خلاف لان حباته ظاهرة * ولو كان للثمر والحب كمام لا يزال الا عند الاكل كالرمان ونحوه
307

والعلس جاز بيعه في كمامه أيضا بلا خلاف (وأما) ماله كمامان يزال أحدهما ويبقى الآخر إلى وقت الاكل كالجوز
واللوز والرانح فيجوز بيعه في القشر الأسفل بلا خلاف ولا يجوز في القشر الا على لا على الأرض ولا على الشجر
لا رطبا ولا يابسا وفى قول ضعيف حكاه الخراسانيون يجوز ما دام رطبا والمذهب البطلان مطلقا (أما) ما لا يرى
حبه في سنبله كالحنطة والعدس والحمص والسمسم والحبة السوداء فما دام في سنبله لا يجوز بيعه منفردا عن
سنبله بلا خلاف كما لا يجوز بيع تراب الصاغة والمعدن * قال أصحابنا ولو باع الحنطة لم يصح بلا خلاف
لما ذكرناه (أما) إذا باع هذا النوع مع سنبله فقولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (الأصح)
الجديد لا يصح بيعه (والقديم) صحته وفى الأرز طريقان (المذهب) صحة بيعه في سنبله كالشعير ولأنه
يدخر في قشره فأشبه العلس وبهذا الطريق قال ابن القاص وأبو علي الطبري والأكثرون وصححه
القاضي أبو الطيب وصاحب الشامل والرافعي (والثاني) فيه القولان كالحنطة قاله الشيخ أبو حامد
والله تعالى أعلم *
(فرع) لا يجوز بيع الجزر والثوم والبصل والفجل والسلق في الأرض لان المقصود مستور
ويجوز بيع أوراقها الظاهرة بشرط القطع ويجوز بيع القنبيط في الأرض لظهوره وكذا نوع من
الشلجم يكون ظاهرا وهو بالشين المعجمة والجيم - والقنبيط - بضم القاف وفتح النون المشددة - كذا هو
في صحاح الجوهري وغيره وقد سبقت هذه المسألة قريبا *
(فرع) قال أصحابنا يجوز بيع اللوز في الأعلى قبل انعقاد الأسفل لأنه مأكول كله كالتفاح *
(فرع) حيث قلنا ببطلان البيع في هذه الصور السابقة فهل هو تفريع على بطلان
بيع الغائب فيه طريقان سبقا عن حكاية الماوردي (أحدهما) وبه قطع امام الحرمين هو مفرع
عليه فان جوزنا بيع الغائب صح البيع في كل هذه الصور (والطريق الثاني) وبه قطع البغوي في
بيع الجزر ونحوه ليس هو مفرعا عليه بل هو باطل على القولين لان في بيع الغائب يمكن رد المبيع
بعد العقد بصفته وهنا لا يمكن وهذا الطريق هو الأصح وقد سبق عن الماوردي أنه نقله عن جمهور
أصحابنا وسبق ايضاح الفرق
308

(فرع) إذا قلنا بالبطلان في هذه الصور فباع الجوز مثلا في قشره الا على مع الشجر
أو باع الحنطة في سنبلها مع الأرض فطريقان (أحدهما) يبطل البيع في الجوز والحنطة وفى بطلانه
في الشجر والأرض قولا تفريق الصفقة (وأصحهما) القطع بالبطلان في الجميع للجهل بأحد
المقصودين وتعذر التوزيع * ولو باع أرضا مبذورة مع البذر فوجهان مشهوران وقد ذكرهما المصنف في باب بيع الأصول والثمار (أحدهما) يصح في الأرض وفى البذر تبعا لها (والثاني) وهو الصحيح باتفاق
الأصحاب بطلان البيع في البذر ثم في الأرض الطريقان قال الرافعي ومن قال بالصحة لا يقول
بالتوزيع بل يوجب جميع الثمن بناء على قولنا بالضعيف في تفريق الصفقة أنه يأخذ بجميع الثمن
والله سبحانه أعلم *
(فرع) ثبتت الأحاديث الصحيحة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة)
قال العلماء المحاقلة بيع الحنطة في سنبلها بكيل معلوم من الحنطة واتفق العلماء على بطلانها وله
علتان مع الحديث (إحداهما) أنه بيع حنطة وتبن بحنطة وذلك ربا (والثانية) أنه بيع حنطة في
سنبلها * فلو باع شعيرا في سنبله بحنطة خالصة صافية وتقابضا في المجلس جاز بلا خلاف ولو باع زرعا
قبل ظهور حبه بحب من جنسه صح البيع بلا خلاف لان الحشيش ليس ربويا *
(فرع) في مذاهب العلماء في بيع الحنطة في سنبلها * ذكرنا أن الصحيح في مذهبنا
بطلانه وقال مالك وأبو حنيفة واحمد يصح * دليلنا ما ذكره المصنف *
(فرع) في مذاهبهم في بيع الجزر والبصل والثوم والشلجم والفجل وهو غائب في
منبته * قد ذكرنا أن مذهبنا المشهور بطلان بيعه وحكاه ابن المنذر عن الشافعي وأحمد قال وأجازه
مالك والأوزاعي واسحق قال ابن المنذر وببطلانه أقول لأنه غرر *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز بيع مجهول القدر فان قال بعتك بعض هذه الصبرة لم يصح البيع لحديث أبي هريرة
رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر وفى بيع البعض غرر لأنه يقع على
309

القليل والكثير ولأنه نوع بيع فلم يصح مع الجهل بقدر المبيع كالسلم * وان قال بعتك هذه الصبرة
جاز وان لم يعرف قفزانها وان قال بعتك هذه الدار أو هذا الثوب جاز وان لم يعرف ذرعانهما
لان غرر الجهالة ينتفي عنهما بالمشاهدة قال الشافعي وأكره بيع الصبرة جزافا لأنه يجهل قدرها على
الحقيقة * وان قال بعتك ثلثها أو ربعها أو بعتك الا ثلثها أو ربعها جاز لان من عرف الشئ عرف
ثلثه أو ربعه وما يبقى بعدهما * وان قال بعتك هذه الصبرة الا قفيزا منها أو هذه الدار أو هذا الثوب
الا ذراعا منه نظرت فان علما مبلغ قفزان الصبرة وذرعان الدار والثوب جاز لأن المبيع معلوم وان
لم يعلما ذلك لم يجز لما روى جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا) ولأن المبيع هو الباقي
بعد القفيز والذراع وذلك مجهول * وإن قال بعتك عشرة أقفزة من هذه الصبرة جاز لأنها معلومة
القدر والصفة فان اختلفا فقال البائع أعطيك من أسفلها وقال المشترى من أعلاها فالخيار إلى البائع
فمن أي موضع أعطاه جاز لأنه أعطاه من الصبرة وإن قال بعتك عشرة أذرع من هذه الدار
أو عشرة أذرع من هذا الثوب فإن كانا يعلمان مبلغ ذرعان الدار والثوب وانها مائة ذراع صح
البيع في عشرها لان العشرة من المائة عشرها فلا فرق بين أن يقول بعتك عشرها وبين أن يقول
بعتك عشرة من مائة ذراع منها وان لم يعلما مبلغ ذرعان الدار والثوب لم يصح لأنه ان جعل البيع
عشرة أذرع مشاعة لم يعرف قدر المبيع أنه عشرها أو ثلثها أو سدسها وان جعل البيع في عشرة أذرع
من موضع بعينه لم يعرف صفة المبيع فان أجزاء الثوب والدار تختلف وقد يكون بعضها أجود من
بعض وان قال بعتك عشرة أذرع ابتداؤها من هذا المكان ولم يبين المنتهى ففيه وجهان (أحدهما)
لا يصح لان أجزاء المبيع مختلفة وقد ينتهى إلى موضع يخالف موضع الابتداء (والثاني) أنه يصح
لأنه يشاهد السمت وان بين الابتداء والانتهاء صح في الدار (وأما) في الثوب فإنه إن كان مما
لا ينقص قيمته بالقطع فهو كالدار وإن كان مما ينقص لم يصح لأنه شرط إدخال نقص عليه فيما لم
يبع من الثوب ومن أصحابنا من قال يصح لأنه رضى بما يدخل عليه من الضرر) *
(الشرح) حديث أبي هريرة رضي الله عنه في النهى عن بيع الغرر صحيح رواه مسلم
310

وسبق بيانه * وحديث جابر المذكور في الكتاب أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الثنيا) رواه مسلم
في صحيحه هكذا من رواية الترمذي والنسائي وزاد (نهى عن بيع الثنيا الا أن يعلم) قال الترمذي وهو
حديث حسن صحيح وهذه الزيادة التي ذكرها الترمذي والنسائي حسنة فإنها مبينة لرواية مسلم
المذكورة في الكتاب * وقد سبق بيان القفيز وأن الذراع تؤنث وتذكر والتأنيث أفصح (وقوله) لان
نوع بيع فلم يصح مع الجهل بقدره احتراز من شرط الثواب في الهبة على أحد القولين والله سبحانه
وتعالى أعلم * (أما) الأحكام فقال الشافعي والأصحاب رحمهم الله يشترط العلم بمقدار المبيع وهذا لا خلاف
فيه للحديث الصحيح (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر) فلو قال بعتك بعض هذه الصبرة أو بعض العبد أو
الثوب ونحوه لم يصح بلا خلاف لأنه يقع على القليل والكثير (أما) إذا قال بعتك صاعا من هذه
الصبرة فله حالان (أحدهما) أن يعلما مبلغ صيعانها فيصح البيع بلا خلاف وينزل على الإشاعة فإذا
كانت الصبرة مائة صاع فالمبيع عشر عشرها فلو تلف بعضها تلف بقدرة من المبيع هذا هو المذهب
وبه قطع الجمهور * وحكي امام الحرمين في تنزيله وجهين (أحدهما) هذا (والثاني) المبيع صاع من
الجملة غير مشاع أي صاع كان وعلى هذا قالوا يبقى المبيع ما بقي صاع ولو تلف بعضها لم يقسط على
المبيع وغيره (الحال الثاني) إن كان لا يعلما أو أحدهما مبلغ صيعانها فوجهان (أحدهما) وهو اختيار القفال لا يصح
البيع كما لو فرق صيعانها وقال بعتك صاعا منها فإنه لا يصح على المذهب وبه قط الأصحاب الا القاضي
أبا الطيب فصححه وسبق نقله عنه (والوجه الثاني) يصح وهو المذهب المنصوص وبه قطع المصنف وسائر
العراقيين وطوائف من غيرهم لأن المبيع معلوم القدر فصار كالبيع بدرهم مطلق فإنه يصح وينزل على النقد الغالب
ولا يشترط أن يبين صفة الدرهم ولا وزنه لكونه معروفا وكذا الصاع وفى فتاوى القفال أنه كان
إذا سئل عن هذه المسألة يفتى بالصحة مع أنه يعتقد البطلان فيقال له فيقول المستفتى يستفتيني عن مذهب
الشافعي رضي الله عنه لا عن اعتقادي (فإذا قلنا) بالمذهب وهو الصحة فالمبيع صاع منها أي صاع كان
فلو تلف جميعها الا صاعا تعين العقد فيه والبائع بالخيار ان شاء سلم صاعا من أعلاها وان شاء من
أسفلها وان شاء من جوانبها ولا يضر كون باطن الصبرة غير مرئي لان رؤية ظاهر الصبرة كرؤية
311

وكلها وهذا الذي ذكرناه من أنه إذا تلفت الا صاعا واحدا تعين العقد هو المذهب وبه قطع الجمهور
منهم إمام الحرمين والروياني والرافعي * وقال صاحبا العدة والبيان لا يتعين خلافا لأبي حنيفة بل
يكون مشتركا وهذا شاذ باطل والصواب الأول * قال الروياني فلو تلفت كلها الا بعض صاع يسلمه إلى
المشترى ان رضيه وسقط من الثمن بقدر ما فات من الصاع والله سبحانه أعلم *
(فرع) قال الشافعي والأصحاب لو قال بعتك هذه الصبرة الا صاعا منها فإن كانت مجهولة
الصيعان لم يصح البيع لأن المبيع مجهول القدر وليس متميزا حتى تكفى في المشاهدة وإن كانت معلومة
الصيعان صح البيع ونزل على الإشاعة كما سبق فإن كانت عشرة آصع كان المبيع تسعة أعشارها
واحتج القفال فيما إذا كانت مجهولة بأنه لا يصح بيع صاع من صبرة كما حكينا عن اختياره قال الغزالي
في الوسيط في توجيه قول القفال أي فرق بين استثناء المعلوم من المجهول والمجهول من المعلوم والابهام
يعمهما قال وفى الفرق غموض واعترض على الغزالي في هذا بأنه ليس فيه غموض لأن المبيع معلوم
المقدار في مسألة بيع صاع من الصبرة بخلاف الصبرة الا صاعا والله سبحانه أعلم *
(فرع) إذا باع الصبرة من الحنطة أو الشعير أو الجوز أو غير ذلك جزافا ولم يعلم واحد
منهما قدرها كيلا ولا وزنا ولكن شاهداها فالبيع صحيح بلا خلاف عندنا ويكفي رؤية ظاهرها لأن الظاهر
أن أجزاءها متساوية ويشق تقليبها والنظر إلى جميع أجزائها بخلاف الثوب المطوى * قال الشافعي والأصحاب
وكذا لو باع بصبرة من الدراهم جزافا لا يعلم واحد منهما قدرها لكنها مشاهدة لهما صح البيع بلا
خلاف عندنا لكن هل يكره بيع الصبرة جزافا والبيع بصبرة الدراهم جزافا فيه قولان حكاهما
الخراسانيون (أصحهما) يكره وبه قطع المصنف وآخرون لما فيه من الغرر (والثاني) لا يكره لأنها
مشاهدة وممن حكي القولين من العراقيين صاحب البيان ونقل أصحابنا عن مالك أنه قال إذا علم
البائع كيل الصبرة ولم يبينه بطل البيع *
(فرع) إذا باعه نصف هذه الصبرة أو ثلثها أو ربعها أو عشرها أو غير ذلك من اجزائها
المعلومة أو باعها الا نصفها أو ربعها أو غير ذلك من اجزائها المعلومة صح البيع بلا خلاف (أما) إذا
312

قال بعتك بعض هذه الصبرة أو نصيبا منها أو جزءا أو هما أو ما شئت ونحو هذا من العبارات
التي ليس فيها قدر معلوم فالبيع باطل بلا خلاف لأنه غرر * ولو قال بعتك هذه الصبرة وهي عشرة
أقفزة على أن أنقصك قفيزا منها جاز لأنه باعه تسعة أعشارها * ولو قال بعتك هذه الصبرة كل قفيز
بدرهم أو هذا الثوب كل ذراع بدرهم أو هذه الأغنام كل شاة بدرهم صح البيع في الجميع كما ذكرنا
ولا تضر جهالة جملة الثمن لان الثمن معلوم التفصيل والمبيع معلوم بالمشاهدة فانتفى الغرر هذا هو المذهب
وبه قطع الأصحاب في طرقهم * وحكي الدارمي والرافعي وجها لأبي الحسين بن القطان أنه لا يصح
البيع في شئ من ذلك وهذا شاذ ضعيف * ولو قال بعتك من هذه الصبرة كل قفيز بدرهم لم يصح لان من
للتبعيض ولفظ كل للعدد فيصير كأنه قال بعتك أقفزة من هذه الصبرة هذا هو المذهب وبه قطع
الجمهور * وفيه وجه ضعيف لابن سريج أنه يصح في صاع واحد بدرهم حكاه عنه الروياني وآخرون
وحكاه الدارمي كما قال في نظيره في الإجارة إذا قال أجرتك من هذه الصبرة كل شهر بدرهم أنه
يصح في الشهر الأول بدرهم * ونقل إمام الحرمين في كتاب الإجارة عن الأصحاب أنهم قالوا إذا قال
بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم لم يصح البيع لأنه لم يضف إلى جميع الصبرة بخلاف
ما لو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم قال وكان ينبغي أن يفرق فيقال إن قال بعتك كل صاع
من هذه الصبرة بدرهم بطل على المذهب ويصح قول ابن سريج في صاع واحد قال وكذلك
يفرق في الإجارة وقد قال بهذا الشيخ أبو محمد الجويني فسوى بين قوله بعتك كل صاع من هذه
الصبرة بدرهم وبين قوله بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم فصحح البيع في الصورتين في جميع
الصبرة والمذهب الذي قطع به الجمهور الفرق وهو صحته في بعتك الصبرة كل صاع بدرهم وبطلانه
في بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم والله سبحانه أعلم * (أما) إذا قال بعتك عشرة من هذه
الأغنام بمائة درهم وعلم عدد الشياه فلا يصح البيع بلا خلاف بخلاف مثله في الصبرة والثوب والأرض
فإنه يصح وينزل على الإشاعة لان قيمة الشياه تختلف * ولو قال بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم كل
صاع بدرهم أو قال مثله في الأرض أو الثوب نظر إن خرج المبيع كما ذكر صح البيع وان زائدا أو ناقصا
313

فقولان مشهوران (أصحهما) لا يصح البيع لتعذر الجمع بين الامرين (والثاني) يصح لوجود
الإشارة إلى الصبرة ويلغو الوصف فعلى هذا إن خرج ناقصا فللمشتري الخيار فان أجاز فوجهان (أصحهما)
يخير بقسط الموجود لأنه قابل كل صاع بدرهم (والثاني) يخير بجميع الثمن لأنه قابل الجملة به وان
خرج زائد فلمن تكون الزيادة فيه وجهان (أصحهما) للمشترى فعلى هذا لا خيار له قطعا ولا للبائع
على أصح الوجهين (والثاني) يكون للبائع فعلى هذا لا خيار له وفى ثبوته للمشترى وجهان
(أصحهما) ثبوته والله سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) لو كانت الصبرة على موضع من الأرض فيه ارتفاع وانخفاض فباعها وهي كذلك
أو باع السمن أو نحوه في ظرف مختلف الاجزاء رقة وغلظا ففيه ثلاثة طرق (أصحها) أن في صحة البيع
قولي بيع الغائب لأنه لم يحصل رؤية تفيد المعرفة (والثاني) القطع بالصحة (والثالث) القطع بالبطلان
وهذا ضعيف قال الرافعي وهو ضعيف وإن كان منسوبا إلى المحققين (فان قلنا) بالصحة فوقت
الخيار هنا معرفة مقدار الصبرة أو التمكن من تخمينه برؤية ما تحتها (وإن قلنا) بالبطلان
فلو باع الصبرة والمشتري يظنها على أرض مستوية فبان تحتها دكة فهل يتبين بطلان البيع
فيه وجهان (أصحهما) لا بل هو صحيح وللمشتري الخيار كالعيب والتدليس وبهذا قطع صاحب
الشامل وغيره (والثاني) يبطل وهو اختيار الشيخ أبو محمد لان معرفة المقدار تخمينا أو تحقيقا
شرط وقد تبينا فواتها *
(فرع) قال أصحابنا إذا قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن أزيدك صاعا فان
أراد بذلك هبة فباع لم يصح لأنه شرط عقد في عقد وان أراد بيعه فباع آخر من غير الصبرة لم
يصح لأنه إن كان الصاع مجهولا فهو بيع مجهول وإن كان معلوما لم يصح إذا كانت الصبرة مجهولة
الصيعان لأنا نجهل تفصيل الثمن وجملته وان أراد أنه يزيده صاعا من هذه الصبرة وأنها إن خرجت
عشرة آصع كان الثمن تسعة دراهم فينظر إن كانت الصبرة مجهولة الصيعان لم يصح البيع بلا خلاف
لأنه لا يعلم حصة كل صاع وإن كانت معلومة الصيعان فوجهان مشهوران في كتب العراقيين
314

حكاهما الشيخ أبو حامد ومتابعوه وغيرهم (أصحهما) يصح وبهذا قطع إمام الحرمين والغزالي والبغوي
والرافعي ومعظم الخراسانيين وإذا كانت عشرة آصع فقد باعه كل صاع وتسع صاع بدرهم (والثاني)
لا يصح رجحه الشيخ أبو حامد والروياني وادعى الروياني أن العراقيين كلهم جزموا به سوى
القاضي أبى الطيب وغلط في هذه الدعوى فالخلاف مشهور في ذلك في كتب العراقيين كالشيخ
أبى حامد والماوردي والمحاملي وغيرهم والمذهب الصحة * وان قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم
على أن أنقصك صاعا فان أراد رد صاع إليه فالبيع باطل وان أراد انها ان خرجت تسعة آصع
أخذت منك عشرة دراهم فإن كانت الصيعان مجهولة لم يصح البيع بلا خلاف وإن كانت
معلومة فوجهان (الصحيح) الذي قطع به العراقيون والجمهور وغيرهم صحة البيع فإذا كانت تسعة آصع
فقد باع كل صاع بدرهم وتسع (والثاني) لا يصح لقصور العبارة عن الحمل المذكور حكاه الرافعي *
ولو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن أزيدك صاعا أو أنقصك صاعا ولم يبين انه
ينقصه أو يزيده لا يصح البيع بلا خلاف قال الروياني ولو قال بعتكها كل صاع بدرهم على أن
تهب لي منها صاعا لم يصح لأنه شرط هبة البائع وان أراد ان الثمن بجملته يقابل جميع الصبرة الا
صاعا منها وهي معلومة الصيعان صح البيع ويصير كأنه باع كل صاع بدرهم وتسع دراهم أعني إذا
كانت عشرة آصع فان أراد أنه يأخذ جميع الصيعان العشرة ويعطيه أحد عشر درهما جاز أيضا
إذا كانت معلومة وان قال أزيدك من غيرها لم يصح بكل حال للجهالة * قال فلو قال بعتك هذا
الثوب أو الأرض كل ذراع بدرهم على أن أزيدك ذراعا أو قال على أن أنقصك ذراعا فحكمه حكم
نظيره من الصبرة *
(فرع) لو كانت له صبرة بعضها حنطة وبعضها شعير مختلط وباع جميعها جزافا جاز لأن المبيع
مشاهد وان باع منها فإن كانت الحنطة والشعير سواء جاز قطعا والا فوجهان حكاهما
الروياني (أصحهما) الجواز *
(فرع) لو كان له صبرة ولآخر صبرة فقال بعتك من صبرتي بقدر صبرتك بدينار لم
315

يصح البيع نص عليه الشافعي في كتاب الصرف واتفقوا عليه *
(فرع) فيما إذا كان البيع فيما لا تتساوى أجزاؤه كالأرض والدار والثوب ففيه مسائل
(إحداها) إذا قال بعتك هذه الدار كل ذراع بدرهم جاز سواء علما ذرعانها أم لا كما قلنا في بيع
الصبرة كل صاع بدرهم هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور * وقال الماوردي في الحاوي ان علما
ذرعانها صح والا فوجهان (أحدهما) وهو قول أصحابنا البصريين يجوز كالصبرة (والثاني) وهو
قول أصحابنا البغداديين لا يجوز للجهل بجملة الثمن قال الروياني لعله أراد بالبغداديين بعضهم (أما)
إذا قال بعتك ربع هذه الدار أو ثلثها فيصح قطعا سواء علما ذرعانها أم لا وان قال بعتك من هذه
الدار كل ذراع بدرهم لم صح قطعا ولا يجئ فيه الوجه السابق في نظيره من الصبرة عن ابن سريج
أنه يصح في صاع واحد لان أجزاء الدار تختلف بخلاف الصبرة * ولو قال بعتك من هذه الدار عشرة
أذرع كل ذراع بدرهم فإن كانت ذرعانها مجهولة لهما أو لأحدهما لم يصح البيع بلا خلاف بخلاف
نظيره من الصبرة فإنه يصح على الأصح والفرق ما ذكرناه الآن من اختلاف أجزاء الدار دون الصبرة
وإن كانت ذرعانها معلومة لهما صح البيع عندنا وحمل على الإشاعة فإذا كانت مائة ذراع كان المبيع
عشرها مشاعا وبه قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا يصح وهو وجه لبعض أصحابنا حكاه
الرافعي (والصحيح) المشهور الصحة وبه قطع الأصحاب قال إمام الحرمين الا أن يقصد أذرعا
معينة فيبطل البيع كشاة من القطيع * ولو اختلفا فقال المشترى أردت الإشاعة فالعقد صحيح
فقال البائع بل أردت معينا ففيمن يصدق احتمالان (أرجحهما) يصدق البائع لأنه أعلم بنيته
وهذا بخلاف ما لو اختلفا في شرط مفسد للعقد فان الأصح تصديق مدعى الصحة لأنه ليس هناك
مرجح والظاهر جريان عقود المسلمين صحيحة (وأما) هنا فيترجح جانب الناوي لأنه أعلم
بنيته والله سبحانه أعلم (الثانية) إذا قال في الدار أو الأرض بعتك من هنا إلى هنا صح البيع
بلا خلاف وان وقف في وسطها فقال بعتك أذرعا ابتداؤها من هنا ولم يبين إلى أي جهة تذرع لم
يصح بلا خلاف لأنه يختلف ويتفاوت به الغرض وان قال ابتداؤها من هنا إلى هذه الجهة في جميع
316

العرض ولم يبين إلى أين ينتهى فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف والأصحاب (أصحهما)
الصحة
وهو قول أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة وصححه الأكثرون منهم والرافعي
وغيرهم لانتفاء الغرر (والثاني) لا يصح لأنه قد ينتهى الذرع إلى موضع يخالف الابتداء وصحح
الروياني في البحر هذا (الثالثة) إذا باع ذراعا أو أذرعا من ثوب فإن كانت ذرعانه معلومة لهما صح
البيع ونزل على الإشاعة فإن كان باعه ذراعا والجملة عشرة كان المبيع العشر شائعا كما سبق في الصبرة
وفى الأرض والدار هذا هو المذهب وفيه الوجه الشاذ السابق في الدار والأرض والصبرة أنه لا يصح
البيع والصواب الأول * وإن كانت ذرعا مجهولة لهما أو لأحدهما نظر إن كان الثوب مما لا تنقص قيمته بالقطع
كالكرباس الغليظ ونحوه فوجهان حكاهما الشيخ أبو محمد الجويني وامام الحرمين والغزالي ومن
تابعهم (أصحهما) وبه قطع المصنف والجمهور يصح البيع كبيع أذرع من أرض وصيعان من
صبرة (والثاني) لا يصح لأنه لا يلزم منه تغيير عين المبيع وإن كان تنقص قيمته بالقطع فوجهان
مشهوران ذكرهما المصنف والأصحاب (الصحيح) المنصوص أنه لا يصح لأنه شرط ادخال نقص في
عين المبيع (والثاني) يصح لأنه رضى بالضرر وهذا الوجه قول ابن سريج واختاره صاحب التقريب
القاسم بن القفال الساسي وقاسوه على بيع ذراع من الدار وعلى بيع أحد زوجي الخف فإنه يصح وان
نقصت قيمتهما بتقدير التفريق والفرق أن ذلك النقص ليس في نفس الخف بخلاف مسألتنا * وإذا
جمعت صورتي الثوب قلت إذا باع ذراعا من ثوب مجهول الذرعان فثلاثة أوجه (أحدها)
الصحة (والثاني) البطلان (وأصحها) ان لم تنقص قيمته بالقطع صح والا فلا وطريق من
أراد شراء ذراع من ثوب حيث قلنا لا يصح أن يواطئ صاحبه على شرائه ثم يقطعه قبل الشراء
ثم يشتريه بعد قطعه فيصح بلا خلاف والله تعالى أعلم *
(فرع) إذا باع جزءا شائعا من سيف أو سكين أو اناء أو نحوها صح بلا خلاف وصار
مشتركا ولو عين بعضه وباعه لم يصح هكذا قطع به الأصحاب قال الرافعي القياس أن يجئ فيه الوجهان
السابقان في ذراع من ثوب ينقص بالقطع (أما) إذا باع جزءا معينا من جدار أو أسطوانة ونحوها فان
317

كان فوقه شئ لم يصح لأنه لا يمكن تسليمه إلا بهدم ما فوقه وان لم يمكن نظر إن كان قطعة واحدة
من طين أو خشب أو غيرهما لم يصح وإن كان من لبن أو آجر جاز هكذا أطلقه صاحب التلخيص
قال الرافعي وهو محمول عند الأصحاب على ما إذا جعلت النهاية صنفا من الآجر أو اللبن دون
ما إذا جعل المقطع نصف سمكها قال الرافعي وفى تجويزه إذا كان من آجر أو لبن إشكال وان جعلت
النهاية ما ذكروه لان موضع الشق قطعة واحدة ولان رفع بعض الجدار ينقص قيمة الباقي فليفسد
البيع ولهذا قالوا لو باع جذعا في بناء لم يصح البيع لان النقص يحصل بالهدم قال ولا فرق بين الجذع
والآجر وكذا الحكم لو باع فصا في خاتم *
(فرع) قال أصحابنا إذا قال بعتك ثمرة هذا البستان بثلاثة آلاف درهم الا ما يخص ألفا
إذا وزعت الثمرة على ثلاثة آلاف صح البيع ويكون قد استثنى ثلثها فيحصل البيع في ثلثيها بثلاثة
آلاف ولو قال بعتكها بأربعة آلاف الا ما يخص ألفا صح البيع في ثلاثة أرباعها بأربعة آلاف ولو قال
الا ما يساوي ألفا لم يصح البيع لان ما يساوى الألف مجهول *
(فرع) لو قال بعتك ملء هذا الكوز من هذه الصبرة ففي صحة البيع وجها (أحدهما)
لا يصح كما لو أسلم في ملئه (وأصحهما) الصحة لأنه لا غرر فيه في صورة البيع * ولو عين في البيع أو
السلم مكيالا معتادا فوجهان (أحدهما) يفسد البيع والسلم لاحتمال تلفه (وأصحهما) الصحة في البيع
والسلم ويلغوا تعيينه كسائر الشروط التي لا غرض فيها والله سبحانه وتعالى أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(وان قال بعتك هذا السمن مع الظرف كل منا بدرهم نظرت فإن لم يعلما مقدار السمن
والظرف لم يجز لان ذلك غرر لان الظرف قد يكون خفيفا وقد يكون ثقيلا وان علما وزنهما جاز
لأنه لا غرر فيه) *
(الشرح) المنا على وزن العصا هو رطلان بالبغدادي وفيه لغة ضعيفة من بتشديد النون
قال أصحابنا في بيع السمن في الظرف مسائل (إحداها)
إذا كان السمن أو الزيت أو غيرهما من الادهان
318

ونحوها مما لا يختلف في ظرف فرآه ثم اشترى منه رطلا أو أرطالا صح البيع كما سبق بيانه في
مسائل الصبرة هكذا قطعوا به ويجئ فيه الوجه السابق عن القفال في بيع صاع من الصبرة وقد
أشار إليه صاحب التتمة (الثانية) إذا رآه ثم اشتراه مع ظرفه بعشره دراهم مثلا صح البيع سواء كان
ظرفه من فخار أو خشب أو حديد أو نحاس أو كان زقا وسواء عرفا وزنهما أم لا هذا هو المذهب
وبه قطع الجمهور قال الروياني وحكى بعض أصحابنا الخراسانيين قولين فيما إذا لم يعلما الوزن
قال وليس هذا بشئ * ولو اشترى نصفه أو ربعه صح (الثالثة) إذا قال بعتك جميع هذا السمن كل
رطل بدرهم صح البيع ويوزن السمن في شئ آخر ويوزن في ظرفه ثم يسقط وزن الظرف بعد
تفريغه هكذا قطع به الأصحاب وينبغي أن يجئ فيه الوجه السابق عن أبي الحسين ابن القطان
في مثله في الصبرة (الرابعة) إذا قال بعتكه كل رطل بدرهم على أن يوزن معه الظرف ثم يحط
وزن الظرف صح البيع بالاتفاق كالصورة التي قبلها لأنها هكذا تباع في العادة ولأنه لا غرر (الخامسة) إذا
قال بعتك هذا السمن كل رطل بدرهم على أن يوزن الظرف معه ويحسب على المشتري وزنه ولا يكون الظرف
مبيعا فالبيع باطل باتفاق الأصحاب لأنه شرط في بيع السمن أن يزن معه غيره وليس ذلك الوزن
معه مبيعا فلم يصح كما لو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن أكيل معها شعيرا هكذا
أطلقه الأصحاب ولم يفرقوا بين أن يعلما وزن الظرف أم لا قال ابن الصباغ وينبغي أن يجوز إذا
علما وزن الظرف والسمن ويكون كقوله بعتك الصبرة على أن أنقصك صاعا وأحسب ثمنه عليك
وهي معلومة الصيعان لأنه لا غرر حينئذ وحكى المتولي هذا وجها لبعض الأصحاب وحكى الروياني
كلام الأصحاب ثم حكى كلام ابن الصباغ عن بعض الأصحاب ولم يسمه ومراده ما نقله المتولي
أو ما قاله ابن الصباغ فهو كثير النقل عنهما (السادسة) إذا قال بعتك هذا السمن بظرفه كل رطل من
المجموع بدرهم فثلاثة أوجه (أصحها) عند الجمهور وأشهرها وبه قطع المصنف والشيخ أبو حامد
والماوردي والقاضي أبو الطيب في المجرد وجمهور سائر العراقيين وصححه المتولي وآخرون انهما
إن علما وزن كل واحد صح البيع والا فلا لما ذكره المصنف (والثاني) يصح مطلقا وهو الأصح
319

عند البغوي وبه قال الدارمي واختاره ابن الصباغ لان جملة المبيع مرئية ولا يضر اختلاف قيمتها
كما لو اشترى فواكه من أجناس وهي مختلطة وزنا أو حنطة مختلطة بالشعير كيلا فإنه يصح (والثالث)
أنه لا يصح مطلقا حكاه البغوي وغيره لان المقصود السمن وهو مجهول بخلاف الفواكه فإنها كلها
مقصودة قال أصحابنا وصورة المسألة أن يكون للظرف قيمة فإن لم يكن له قيمة لم يصح البيع بلا
خلاف لأنه شرط عليه ما لا قيمة له وأخذ الثمن في مقابلة وزنه (السابعة) إذا قال بعتك هذا السمن
بعشرة على أن أزنه بظرفه ثم أسقط الثمن بقسط وزن الظرف قال الروياني والأصحاب إن كانا
عند العقد عالمين قدر وزن الظرف وقدر قسطه صح البيع وان جهلاه أو أحدهما لم يصح لأنهما
لا يعلمان هل يكون المسقط درهمين فيكون الثمن عشرة أو أقل أو أكثر فصار الثمن مجهولا قالوا
وهذا بخلاف ما لو قال بعتك هذا السمن كل رطل ثم أظرف كذا وزن الظرف فإنه يصح كما سبق
لان حاصله بيع السمن جميعه كل رطل بدرهم فلا يضر جهالة وزن الظرف *
(فرع) ذكرنا أنه إذا اشترى السمن ونحوه مع ظرفه جزافا صح البيع هكذا أطلقه
الجمهور قال القاضي حسين والمتولي هذا إذا كانا قد شاهدا الظرف فارغا وعرفا قدر ثخانته أو كانت
ثخانته معلومة بالعادة وإن كان الظرف مما تختلف ثخانته وتتفاوت لم يصح البيع لأنه لو باع السمن
وحده والحالة هذه لم يصح البيع للجهل بقدره فإذا باعهما فأولى بالبطلان قال القاضي حسين ولو
كان الظرف يستوفه (1) ورأي أعلاها فإن كانت جوانبها مستترة لم يصح البيع وإن كانت مكشوفة
ولكن أسفلها مستتر قال الأصحاب لا يصح قال القاضي وعندي أنه يصح لأنه يستدل بالجوانب
على الأسفل لان الغالب استواؤهما فان خرج أغلظ من الجوانب ثبت الخيار كما لو اشترى صبرة
فخرج تحتها دكة *
(فرع) قال البغوي والأصحاب لو قال بعتك المسك مع فأرته كل مثقال بدينار فهو

(1) كذا بالأصل فحرر.
320

كبيع السمن بظرفه كل رطل بدرهم ويجئ فيه باقي المسائل *
(فرع) قد ذكرنا أنه إذا باع السمن مع ظرفه جزافا صح البيع قال أصحابنا ولو باع لبنا
مخلوطا بالماء لم يصح بلا خلاف والفرق أن المقصود وهو اللبن غير متميز ولا معلوم (وأما) هنا
فالمقصود السمن وهو متميز فصار كما لو باع عبدا وعليه ثوب مع الثوب فإنه يصح بالاجماع *
(فرع) إذا اشترى جامدا في ظرفه كالدقيق والحنطة والتمر والزبيب وغير ذلك موازنة
كل رطل بدرهم بشرط أن يوزن مع ظرفه ثم يسقط قدر وزن الظرف فوجهان حكاهما الماوردي
والروياني (أحدهما) لا يصح البيع لان الجامد لا يحتاج إلى وزنه مع ظرفه لامكان وزنه بدونه قالا
وإلى هذا ميل أبى اسحق المروزي (والثاني) يصح وهذا مقتضى كلام جمهور الأصحاب وهو
الصواب إذ لا مفسدة فيه ولا غرر ولا جهالة *
(فرع) إذا اشترى سمنا أو غيره من المائعات أو غيرها في ظرفه كل رطل بدرهم مثلا على
أن يوزن بظرفه ويسقط أرطال معينة بسبب الظرف ولا يوزن الظرف فالبيع باطل بلا خلاف
لأنه غرر ظاهر وهذا من المنكرات المحرمة التي تقع في كثير من الأسواق *
* قال المصنف رحمه الله *
(واختلف أصحابنا في بيع النحل في الكندوج فقال أبو العباس يجوز بيعه لأنه يعرف
مقداره حال دخوله وخروجه *
ومن أصحابنا من قال لا يجوز وهو قول أبى حامد الأسفرايني لأنه قد
يكون في الكندوج ما لا يخرج وان اجتمع فرخه في موضع وشوهد جميعه جاز بيعه لأنه معلوم
مقدور على تسليمه فجاز بيعه) *
(الشرح) الكندوج - بكاف مضمومة ثم نون ساكنة ثم دال مهملة مضمومة ثم واو ثم جيم -
وهو الخلية وهو عجمي معرب والخلية عربية ويقال لها الكوارة أيضا قال أصحابنا بيع النحل في الجملة
جائز لأنه حيوان طاهر منتفع به فأشبه الحمام فإن كان فرخه مجتمعا على غصن أو غيره وشاهده كله
صح بيعه بلا خلاف عندنا فإن كان في الخلية ولم يره في دخوله وخروجه فهو من بيع الغائب وقد
321

سبق بيانه فيفرق بين أن يصفه أو لا يصفه فان رآه في دخوله وخروجه ولم يعرف أنه خرج جميعه
وقلنا لا يجوز بيع الغائب ففي بيعه والحالة هذه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (الأصح)
الصحة لأنه يعرف غالبا ولان الحاجة تدعو إليه ولا تمكن رؤيته مجتمعا الا في لحظة لطيفة في نادر
من الأحوال فلو اشترطت رؤيته مجتمعا لامتنع بيعه غالبا وفى ذلك حرج (والثاني) لا يصح وصححه الروياني
وصاحب الانتصار * فلو طار ليرعي فباعه وهو طائر وعادته أن يعود في آخر النهار كما هو الغالب وقد
رآه قبل طيرانه ففي صحة بيعه وجهان حكاهما الماوردي والروياني وآخرون (أحدهما) لا يجوز
بيعه وبه قطع البغوي لأنه غير مقدور عليه في الحال فلم يصح بيعه كالحمام وغيره من الطير الألوف
إذا باعه في حال طيرانه (وأصحهما) يصح وبه قال ابن سريج قطع به المتولي لان الغالب عوده إلى
موضعه فجاز بيعه كعبد خرج لقضاء شغل ويخالف سائر الطيور لأنه يمكن امساكها وحبسها عن
الطيران بالعلف في برجها (وأما) النحل فلابد من الطيران ليرعي ولو حبس عنه تلف ولا يمكن
الانتفاع به الا إذا طار واجتني ما يحصل به العسل والطير يمكن الانتفاع به محبوسا والله
سبحانه أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في أصل بيع النحل * ذكرنا أن مذهبنا جوازه وبه قال أحمد
ومحمد والحسن * وقال أبو حنيفة لا يجوز كالزنبور والحشرات * واحتج أصحابنا بأنه حيوان طاهر منتفع
به فجاز بيعه كالشاة بخلاف الزنبور والحشرات فإنه لا منفعة فيها والله سبحانه أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز بيع الحمل في البطن لما روي ابن عمر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى عن المجر) والمجر اشتراء ما في الأرحام ولأنه قد يكون حملا وقد يكون ريحا وذلك غرر من
غير حاجة فلم يجز ولأنه إن كان حملا فهو مجهول القدر ومجهول الصفة وذلك غرر من غير حاجة
فلم يجز * وإن باع حيوانا وشرط أنه حامل ففيه قولان (أحدهما) ان البيع باطل لأنه مجهول الوجود
مجهول الصفة (والثاني) انه يجوز لأن الظاهر أنه موجود والجهل وبه لا يؤثر لأنه لا تمكن رؤيته
322

فعفي عن الجهل به كأساس الدار) *
(الشرح) حديث ابن عمر رواه البيهقي وأشار إلى تضعيفه وضعفه يحيى بن معين والمجر
- بميم مفتوحة ثم جيم ساكنة ثم راء - وهو بيع الجنين كما فسره المصنف وأجمع العلماء على
بطلان بيع الجنين وعلى بطلان بيع ما في أصلاب الفحول نقل الاجماع فيهما ابن المنذر والماوردي
وغيرهما لأنه غرر وللأحاديث ولما ذكره المصنف (أما) إذا باع حيوانا من شاة أو بقرة أو ناقة
أو فرس أو جارية أو غيرها وشرط أنها حامل ففي صحة البيع خلاف مشهور حكاه المصنف والجمهور
قولين وحكاه جماعة وجهين ودليلهما في الكتاب (أصحهما) عند الأصحاب الصحة (والثاني) البطلان
وقيل يصح في الجارية قولا واحدا حكاه الروياني وآخرون قالوا لان الحمل في الجارية عيب فيكون
اعلاما بالعيب والمشهور أنها على القولين قال أصحابنا هما مبينان على القولين المشهورين في أن الحمل
هل يعرف أم لا (أصحهما) يعرف وله حكم وله قسط من الثمن (والثاني) لا يعرف ولا حكم له ولا
قسط من الثمن وقد ذكر المصنف القولين في آخر الباب الأول من كتاب البيوع وسبق شرحهما
هناك (وان قلنا) يعرف صح هنا وإلا فلا * (أما) إذا قال بعتك هذه الجارية وحملها أو هذه
الشاة وحملها أو مع حملها أو بعتك هذه الشاة وما في ضرعها من اللبن فوجهان مشهوران (أصحهما)
لا يصح البيع وبه قال ابن الحداد والشيخ أبو علي السنجي لأنه جعل المجهول مبيعا مع المعلوم بخلاف
البيع بشرط انها حامل فإنه وصف بائع فاحتمل (والثاني) يصح وبه قال الشيخ أبو زيد ونقله في
البيان عن الأكثرين لأنه يدخل عند الاطلاق في البيع فلا يضر ذكره بل يكون توكيدا
وبيانا لمقتضاه قال هؤلاء وهذا كما لو قال بعتك هذه الرمانة وجها أو هذا الجوز ولبه فإنه يصح قطعا
مع أنه لو أفرد اللب بالبيع لم يصح قال القاضي أبو الطيب وينبغي ان يطرد الخلاف في مسألتي
الرمانة والجوز أيضا (والمذهب) الجزم بالصحة فيهما (اما) إذا قال بعتك هذه الجبة وحشوها أو
بحشوها فطريقان (أحدهما) انه على الوجهين في قوله بعتك الشاة وحملها (والثاني) يصح قولا
واحدا (وأصحهما) الصحة قطعا لان الحشو داخل في مسمي الجبة فيكون ذكره توكيدا للفظ الجبة
323

بخلاف الحمل ولان الحشو متيقن بخلاف الحمل (فإذا قلنا) بالبطلان في هذه الصور قال أبو علي
السنجي يكون في مسألة الجبة في صحة البيع في الظهارة والبطانة قولا تفريق الصفقة وفى صورة
الجارية والشاة يبطل البيع في الجميع لان الحشو يمكن معرفة قيمته قال إمام الحرمين هذا التفصيل
حسن * قال أصحابنا ولو باع حاملا وشرط وضعها لرأس البيع لم يصح بلا خلاف واستدل له صاحب
الشامل والأصحاب بأنه شرط لا يقدر على الوفاء به قال أصحابنا وبيض الطير كحمل الجارية والدابة
في كل ما ذكرناه *
(فرع) قال أصحابنا لو باع بشرط انها لبون فطريقان مشهوران (أصحهما) انه على
القولين في البيع بشرط الحمل لكن الصحة هنا أقوى (والطريق الثاني) يصح قطعا لان هذا
شرط صفة فيها لا يقتضى وجود اللبن حالة العقد فهو كشرط الكتابة في العبد فان شرط كون اللبن
في الضرع في الحال كان فيه القولان في شرط الحمل (أصحهما) الصحة ولو شرط كونها تدر كل
يوم قدرا معلوما من اللبن بطل البيع بلا خلاف لان ذلك لا يمكن معرفته ولا ضبطه فلم يصح كما
لو شرط في العبد ان يكتب كل يوم عشر ورقات *
(فرع) إذا شرط كونها حاملا أو لبونا وصححنا البيع فلم يجدها كذلك ثبت الخيار
بلا خلاف كما لو شرط ان العبد كاتب فاختلف *
(فرع) قد ذكرنا ان بيع الحمل باطل بالاجماع قال أصحابنا سواء باعه لمالك الام أو
لغيره بخلاف ما إذا باع الثمرة قبل بدو الصلاح لمالك الشجرة فإنه يصح البيع على أحد الوجهين لان
الثمرة متيقنة الوجود معلومة الصفات بالمشاهدة بخلاف الحمل *
(فرع) إذا باع حاملا بيعا مطلقا دخل الحمل في البيع بالاجماع ولو باعها الا حملها لم يصح
البيع على الصحيح وبه قطع المصنف في الفصل الأخير من هذا الباب وجمهور الأصحاب كما لو
باعها الا عضوا منها فإنه لا يصح بالاتفاق وحكى إمام الحرمين وغيره فيه وجهين والمذهب (1)
ولو كانت الام لانسان والحمل لآخر بالوصية ونحوها فباع الام لمالك الحمل أو لغيره أو باع جارية
324

حاملا بحر فطريقان (أصحهما) وبه قطع الجمهور لا يصح البيع لأنه لا يدخل في البيع فيصير كأنه
استثناه (والثاني) فيه وجهان حكاهما إمام الحرمين والغزالي واختارا الصحة وصرح الغزالي في
مواضع كثيرة من الوسيط ان الأصح صحة بيع الجارية الحامل بحر وليس كما قال بل الصحيح
الذي قطع به الجماهير بطلان بيعها * ولو باع سمسما واستثنى لنفسه منه الكسب أو باع قطنا واستثنى
لنفسه منه الخشب فالبيع باطل بلا خلاف * ولو باع شاة لبونا واستثنى لبنها لم يصح البيع على المذهب
وبه قطع الجمهور وفيه وجه شاذ ضعيف جدا انه يصح حكاه الرافعي وجعله صاحب الشامل احتمالا
لنفسه قال لأنه يمكن تسليم الأصل دونه بأن يخليه في الحال بخلاف الحمل *
(فرع) إذا قلنا بالمذهب أنه لا يجوز بيع الجارية دون حملها إذا كانت الام لواحد والولد
لآخر فوكلا رجلا ليبيعهما معا بصفقة واحدة أو وكل أحدهما الآخر في بيع ملكه فباعها لم يصح
البيع ذكره الروياني وغيره قالوا لأنه لا يملك العقد بنفسه فلا يصح توكيله فيه *
(فرع) قال الشافعي في كتاب الصرف لا خير في أن يبيع الدابة ويشترط عقاقها قال
أصحابنا وغيرهم العقاق - بكسر العين - الحمل وهو أحد القولين وهو منع بيعها بشرط الحمل هكذا
أطبق أصحابنا على تفسيره ويجوز أن يفسر بأنه شرط استثناء حملها للبائع *
(فرع) ذكر أصحابنا هنا النهى المشهور عن بيع الملاقيح والمضامين قالوا والملاقيح بيع
ما في بطون الحوامل من الأجنة والمضامين ما في أصلاب الفحول من الماء هكذا فسره أصحابنا وجماهير
العلماء وأهل اللغة وممن قاله من أهل اللغة أبو عبيدة وأبو عبيد والأزهري والهروي والجوهري
وخلائق لا يحصون قال مالك بن انس وصاحبا المحمل والمحكم المضامين ما في بطون الإناث وهذا
ضعيف لأنه يكون مكررا مع الملاقيح قال العلماء وواحدة الملاقيح ملقوحة (وأما) المضامين فواحدها
يجوز أن يكون مضمانا ومضمونا الأول كمقدام ومقاديم والآخر كمجنون ومجانين وقد أشار إلى
الأول صاحب المحكم والى الثاني الأزهري قال الأزهري سميت بذلك لان الله تعالى أودعها ظهورها
فكأنها ضمنتها *
325

قال المصنف رحمه الله *
* (ولا يجوز بيع اللبن في الضرع لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال (لا تبيعوا الصوف
على ظهر الغنم ولا تبيعوا اللبن في الضرع) ولأنه مجهول القدر لأنه قد يرى امتلاء الضرع من السمن
فيظن أنه من اللبن ولأنه مجهول الصفة لأنه قد يكون اللبن صافيا وقد يكون كدرا وذلك غرر
من غير حاجة فلم يجز) *
(الشرح) هذا الأثر عن ابن عباس صحيح رواه الدارقطني والبيهقي وروياه عنه مرفوعا
باسناد ضعيف قال البيهقي تفرد برفعه عمر بن فروح وليس بقوي قال والمحفوظ أنه موقوف
واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على بطلان بيع اللبن في الضرع لما ذكره المصنف ولان لا يمكن
تسليمه حتى يختلط بغيره مما يحدث وهذه العلة هي المرضية عند إمام الحرمين * فلو قال بعتك من اللبن
الذي في ضرع هذه الشاة أو البقرة رطلا فطريقان (المذهب) بطلانه وبه قطع الأكثرون لأنه
مجهول ولأنه لا يتيقن وجود ذلك القدر (والطريق الثاني) فيه قولا بيع الغائب حكاه المتولي وغيره *
ولو حلب شيئا من اللبن فأراه ثم قال بعتك رطلا مما في الضرع فوجهان مشهوران في كتب الخراسانيين
ذكرهما القاضي حسين وامام الحرمين والفوراني والروياني وآخرون (أحدهما) يصح كما لو رأى
أنموذجا من خل أو لبن في إناء (وأصحهما) لا يصح لأنه يختلط بغيره مما يدر في الضرع لحظة بلحظة صححه
القاضي حسين والروياني وآخرون * ولو قبض قدرا من الضرع وأحكم شده ثم باع ما فيه فقد ذكر
الغزالي في الوسيط في صحته وجهين وهذا نقل غريب لا يكاد يوجد لغيره (والصحيح)
بطلان هذا البيع *
(فرع) أجمع المسلمون على جواز بيع حيوان في ضرعه لبن وإن كان اللبن مجهولا لأنه
تابع للحيوان ودليله من السنة حديث المصراة *
(فرع) في مذاهب العلماء في بيع اللبن في الضرع * قد ذكرنا أن مذهبنا بطلانه وبه قال جمهور العلماء
326

منهم ابن عباس وأبو هريرة ومجاهد والشعبي وأحمد واسحق وأبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر * وقال طاووس
يجوز بيعه كيلا وقال سعيد بن جبير يجوز بيعه وقال الحسن البصري يجوز شراء لبن الشاة شهرا ومثله
عن مالك ومحمد بن مسلمة المالكي قالوا لأنه معلوم القدر والصفة في العادة وقاسوه على ما إذا استأجر
امرأة للارضاع شهرا فإنه يصح ويستحق اللبن * واحتج أصحابنا بما ذكره المصنف وذكرناه من الأثر
عن ابن عباس وكونه مجهولا مختلفا مع الحديث الصحيح في النهى عن بيع الغرر (واما) قولهم معلوم
القدر والصفة في العادة فغير مسلم والفرق بينه وبين استئجار المرأة للارضاع ان الحاجة تدعو إلى
استئجارها بخلاف مسألتنا والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم لقول ابن عباس ولأنه قد يموت الحيوان قبل الجز
فيتنجس شعره وذلك غرر من غير حاجة فلم يجز ولأنه لا يمكن تسليمه الا باستئصاله من أصله ولا
يمكن ذلك الا بايلام الحيوان وهذا لا يجوز) *
(الشرح) قوله لقول ابن عباس يعني المذكور في الفصل قبله قال الشافعي والأصحاب
لا يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم لما ذكره المصنف سواء شرط جزه في الحال أم لا هذا هو المذهب
والمنصوص وبه قطع الجماهير * وفيه وجه أنه يجوز بشرط الجز في الحال حكاه الرافعي وهو شاذ
ضعيف * ولو قبض على كفلة من الصوف وهي قطعة جمعها وقال بعتك هذه صح بلا خلاف كذا
قاله امام الحرمين والغزالي كما لو باع شجرة في ارض قال الغزالي وفيه احتمال لأنه يتغير به عين المبيع
بخلاف الأرض فإنها لا تتغير بقطع الشجر وغيره *
(فرع) اتفق أصحابنا على جواز بيع الصوف على ظهر الحيوان المذبوح لان استبقاءه
بكماله ممكن من غير ضرر بخلاف بيعه في حياة الحيوان وممن صرح بالمسألة البغوي في التهذيب ولم
يذكر غير هذا وقال في كتابه شرح مختصر المزني قال أصحابنا يجوز قال وعندي أنه لا يجوز بيع
الرأس قبل السلخ والمذهب ما نقله الأصحاب *
327

(فرع) اتفق أصحابنا على أنه يجوز ان يوصى باللبن في الضرع والصوف على ظهر الغنم لان
الوصية تقبل الغرر والجهالة وممن صرح به البغوي في كتابه التهذيب وشرح مختصر المزني وآخرون
قال البغوي في شرح المختصر ويجز الصوف على العادة قال وما كان موجودا حال الوصية يكون
للموصى له على العادة وما حدث يكون للوارث * قال ولو اختلفا في قدره فالقول قول
الوارث بيمينه *
(فرع) في مذاهب العلماء في بيع الصوف على ظهر الغنم * ذكرنا أن مذهبنا بطلانه وبه
قال جماهير العلماء نقله الروياني في البحر عن الجمهور وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس وأبي حنيفة
واحمد واسحق وأبى ثور قال وبه أقول * وقال سعيد بن جبير وربيعة ومالك والليث بن سعد وأبو يوسف
يجوز بيعه بشرط ان يجز قريبا من وقت البيع كما يجوز بيع الرطب والفصيل والبقل * واحتج
أصحابنا بما ذكره المصنف وأجابوا عن قياسهم بأنه يمكن استثناء جميع ذلك من أصله بغير اضرار
بخلاف الصوف *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز البيع الا بثمن معلوم الصفة فان باب ثمن مطلق في موضع ليس فيه نقد متعارف
لم يصح البيع لأنه عوض في البيع فلم يجز مع الجهل بصفته كالمسلم فيه فأن باع بثمن معين تعين
لأنه عوض فتعين بالتعيين كالمبيع فإن لم يره المتعاقدان أو أحدهما فعلى ما ذكرناه من القولين
في بيع العين التي لم يرها المتبايعان أو أحدهما) *
(الشرح) قوله عوض في البيع احتراز من الثواب في الهبة على أحد القولين قال
أصحابنا يشترط كون الثمن معلوم الصفة فان قال بعتك هذه الدار أو قال بهذه الدنانير أو قال بهذه
الدراهم وهي مشاهدة لهما صح البيع سواء علما قدرها أم لا وقد سبقت المسألة عند مسألة بيع الصبرة
جزافا * وان قال بعتك بالدينار الذي في بيتي أو في همياني أو الدراهم التي في بيتي فإن كان قد
رأياها قبل ذلك صح البيع وإلا ففيه الخلاف في بيع العين الغائبة (أما) إذا قال بعتك بدينار في
328

ذمتك أو قال بعشرة دراهم في ذمتك أو أطلق الدراهم فلا خلاف انه يشترط العلم بنوعها فإن كان
في البلد نقد واحد أو نقود لكن الغالب واحد منها انصرف العقد إلى ذلك النقد الواحد أو
الغالب وإن كان فلوسا انصرف إليها عند الاطلاق صرح به البغوي والرافعي وغيرهما فان عين غير
ذلك في العقد تعين *
(فرع) قد ذكرنا في باب زكاة الذهب والفضة في جواز المعاملة بالدراهم المغشوشة أنها إن كان
الغش معلوم القدر صحت المعاملة بها قطعا فإن كان مجهولا فأربعة أوجه (أصحها) تصح المعاملة
بها معينة وفى الذمة (والثاني) لا تصح (والثالث) تصح معينة ولا تثبت في الذمة بالبيع ولا بغيره
(والرابع) إن كان الغش غالبا لم تصح والا فتصح وذكر هناك توجيه الأوجه وتفريعها وفوائدها
قال أصحابنا فان قلنا بالصحيح وهو الصحة مطلقا انصرف إليها العقد عند الاطلاق * ولو باع بمغشوش
ثم بان ان فضته ضئيلة جدا فله الرد على المذهب وبه قطع الجمهور وحكى الصيمري عن شيخه
أبى العباس البصري انه كأن يقول فيه وجهان (أحدهما) هذا (والثاني) لا خيار لان غشها معلوم
في الأصل وحكى هذا الوجه أيضا صاحب البيان والرافعي وغيرهما) *
(فرع) إذا كان في البلد نقدان أو نقود لا غالب فيها لم يصح البيع هناك حتى يعين
نقدا منها وهذا لا خلاف فيه لأنه ليس بعضها أولى من بعض *
(فرع) قال أصحابنا وتقويم المتلف يكون بغالب نقد البلد فإن كان فيه نقدان فصاعدا
ولا غالب فيها عين القاضي واحدا للتقويم بلا خلاف *
(فرع) لو غلب من جنس العروض نوع فهل ينصرف الذكر إليه عند الاطلاق فيه
وجهان مشهوران في طريقة الخراسانيين (أصحهما) ينصرف كالنقد (والثاني) لا لان النقد لا يختلف
الغرض فيه بخلاف العرض وصورة المسألة أن يبيع صاعا من الحنطة بصاع منها أو شعير في
الذمة وتكون الحنطة والشعير الموجودان في البلد صنفا معروفا أو غالبا لا يختلف ثم يحضره بعد العقد
ويسلمه في المجلس *
329

(فرع) قال أصحابنا كما ينصرف العقد عند الاطلاق إلى النقد الغالب من حيث النوع
ينصرف إليه أيضا من حيث الصفة فإذا باع بدينار أو دنانير والمعهود في البلد الدنانير الصحاح
انصرف إليها وإن كان المعهود المكسرة انصرف إليها كذا نقله الصيمري وصاحب البيان عن
الأصحاب قالا إلا أن تتفاوت قيمة المكسر فلا يصح قال الرافعي وعلى هذا القياس لو كان المعهود
أن يؤخذ نصف الثمن من هذا ونصفه من ذاك أو أن يؤخذ على نسبة أخرى فالبيع صحيح محمول على
ذلك المعهود * وإن كان المعهود التعامل بهذا مرة وبهذا مرة ولم يكن بينهما تفاوت صح البيع وسلم
ما شاء منهما وإن كان بينهما تفاوت لم يصح البيع كما لو كان في البلد نقدان غالبان وأطلق * ولو قال
بعتك بألف صحاح ومكسرة فوجهان (أصحهما) بطلان البيع لعدم بيان قدر الصحيح والمكسرة
(والثاني) صحته ويحمل على النصف قال الرافعي ويشبه ان يجئ هذا الوجه فيما إذا قال بعتك
بألف مثقال ذهب وفضة (قلت) لا جريان له هناك والفرق كثرة التفاوت بين الذهب والفضة
فيعظم الغرر * وان قال بعتك بألف درهم مسلمة أو منقية لم يصح لأنه ليس لها عادة مضبوطة ذكره
الصيمري وصاحب البيان *
(فرع) قال أصحابنا لو قال بعتك بدينار صحيح فأحضر صحيحين وزنهما مثقال لزمه
قبولهما لان الغرض لا يختلف بذلك وان أحضر صحيحا وزنه مثقال ونصف قال صاحب التتمة لزمه
قبوله وتبقى الزيادة أمانة في يده والصواب الذي عليه المحققون أنه لا يلزمه قبوله لما في الشركة من
الغرر وقد جزم صاحب البيان وآخرون بأنه لا يلزمه قبوله فلو تراضيا جاز ثم إن أراد أحدهما كسره
وامتنع الآخر لم يجز البيع لما في هذه القسمة من الضرر * قال أصحابنا ولو باع بنصف دينار صحيح
بشرط كونه مدورا جاز إن كان يعم وجوده هناك فإن لم يشترط كونه مدورا وكان وزنه نصف
مثقال فان سلم إليه صحيحا أكثر من نصف مثقال وتراضيا بالشركة فيه جاز فان امتنع أحدهما لم يجز لما
ذكرناه * ولو باعه شيئا بنصف دينار صحيح ثم باعه شيئا آخر بنصف دينار صحيح فان سلم صحيحا عنهما
فقد زاده خيرا وان سلم قطعتين وزن كل واحدة نصف دينار جاز فلو شرط في العقد الثاني تسليم
330

صحيح عنهما فالعقد الثاني باطل (وأما الأول) فإن كان الشرط بعد لزومه فهو ماض على
الصحة ويلزمه نصف هو شق وإن كان قبل لزومه فهو الحاق شرط فاسد بالعقد في زمن الخيار
والأصح أنه يلحق فيبطل العقد الأول أيضا والله سبحانه أعلم * قال الصيمري وصاحب البيان
وان قال بعتك هذا الثوب بنصفي دينار لزمه تسليم دينار مضروب لان ذلك عبارة عن دينار
وان قال بعتكه بنصف دينار وثلث دينار وسدس دينار لم يلزمه دينار صحيح بل له دفع شق
من كل وزن *
(فرع) لو باع بنقد قد انقطع من أيدي الناس فالعقد باطل لعدم القدرة على التسليم فإن كان
لا يوجد في ذلك البلد ويوجد في غيره فإن كان الثمن حالا أو مؤجلا إلى أجل لا يمكن نقله
فيه فالعقد باطل أيضا وإن كان مؤجلا إلى مدة يمكن نقله فيها صح البيع ثم إن حل الأجل وقد
أحضره فذاك والا فينبني على أن الاستبدال على الثمن هل يجوز (ان قلنا) لا فهو كانقطاع المسلم فيه (وان قلنا)
نعم استبدل ولا ينفسخ العقد على المذهب وفيه وجه ضعيف أنه ينفسخ (أما) إذا كان يوجد في
البلد ولكنه عزيز فان جوزنا الاستبدال صح العقد فان وجد فذاك والا فيستبدل وان لم نجوزه
لم يصح (أما) إذا كان النقد الذي جرى به التعامل موجودا ثم انقطع فان جوزنا الاستبدال
استبدل والا فهو كانقطاع المسلم فيه والله سبحانه أعلم *
(فرع) لو باع بنقد معين أو مطلق وحملناه على نقد البلد فأبطل السلطان المعاملة بذلك
النقد لم يكن للبائع الا ذلك النقد هذا هو المذهب وقد سبقت المسألة في هذا الباب في فرع من
مسائل كيفية القبض وذكرنا فيها أوجها وتفاريعها *
(فرع) قال صاحب البيان قال الصيمري إذا باعه بنقد في بلد ثم لقيه ببلد آخر لا يتعامل
الناس فيه بذلك النقد فدفع إليه النقد المعقود عليه فامتنع من قبضه فهل له الامتناع فيه ثلاثة
أوجه (الصحيح) ليس له الامتناع بل يجبر على أخذه لأنه المعقود عليه كما لو باعه بحنطة فلم يقبضها
حتى رخصت (والثاني) لا يجبر على أخذها وله الامتناع منه كما لو سلم إليه في موضع مخوف (والثالث)
331

إن كان البلد الذي يدفعه فيه لا يتعامل الناس فيه بذلك النقد أيضا لم يجبر عليه وإن كانوا
يتعاملون به بوكس لزمه أخذه وأجبر عليه *
(فرع) إذا باعه بثمن معين تعين الثمن وقال أبو حنيفة لا يتعين وكذا لو عينا في الإجارة
أو الصداق أو الخلع أو غيرها من العقود دراهم أو دنانير تعينت بالتعيين عندنا وقال أبو حنيفة لا تتعين
الدراهم والدنانير في العقود كلها وتظهر فائدة الخلاف في مسائل (منها) لو تلفت تلك الدراهم قبل القبض
انفسخ العقد ولا ينفسخ عنده (ومنها) لو أراد أن يمسك تلك ويدفع بدلها لم يكن له ذلك عندنا
ويجوز عنده (ومنها) لو وجد بتلك الدراهم عيبا وردها انفسخ العقد وليس له طلب البدل وعنده له
ذلك (ومنها) لو أراد أن يأخذ عنها عوضا من القبض لا يجوز عندنا كالقبض وعنده يجوز * واحتج
أبو حنيفة بأن المقصود من الدراهم والدنانير رواجها لا عينها وغير المعين يعمل عمل المعين * واحتج
أصحابنا بالقياس على السلعة فإنها تتعين بالاجماع وبالقياس على الغصب فان الدراهم والدنانير تتعين
فيه بالاجماع وبالقياس على ما لو أخذ صاعا من صبرة فباعه بعينه فإنه يتعين بالاجماع ولا يجوز أن
يعطى صاعا آخر بدله من تلك الصبرة مع أنه يعمل عمله ولأنه قصد بالتعيين أن لا يتعلق الثمن بذمته
فلا يجوز تعليقه بها
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز الا بثمن معلوم القدر فان باع بثمن مجهول كبيع السلعة برقمها وبيع السلعة بما باع به فلان
سلعته وهما لا يعلمان ذلك فالبيع باطل لأنه عوض في البيع فلم يجز مع الجهل بقدره كالمسلم فيه * فان باعه بثمن
معين جزافا جاز لأنه معلوم بالمشاهدة ويكره ذلك كما قلنا في بيع الصبرة جزافا * وان قال بعتك هذا
القطيع كل شاة بدرهم أو هذه الصبرة كل قفيز بدرهم وهما لا يعلمان مبلغ قفزان الصبرة وعدد
القطيع صح البيع لان غرر الجهالة ينتفى بالعلم بالتفصيل كما ينتفى بالعلم بالجملة فإذا جاز بالعلم بالجملة
جاز بالعلم والتفصيل
(الشرح) أما مسألة القطيع والصبرة والبيع بدراهم جزاف فسبق شرحه واضحا قريبا في
مسائل البيع بثمن معلوم القدر وذكرنا هناك أن الجزاف يقال - بكسر الجيم وفتحها وضمها -
332

واتفق الأصحاب على إنه يشترط كون الثمن معلوم القدر لحديث النهى عن بيع الغرر فلو قال بعتك
هذا بدراهم أو بما شئت أو نحو هذه العبارات لم يصح البيع بلا خلاف * ولو قال بعتك هذه السلعة
برقمها أي بالثمن الذي هو مرقوم به عليها أو بما باع به فلان فرسه أو ثوبه فإن كانا عالمين بقدره صح
البيع بلا خلاف وان جهلاه أو أحدهما فطريقان (أصحهما) وبه قطع المصنف وسائر العراقيين وجماعات
من الخراسانيين لا يصح البيع لما ذكره المصنف مع أنه غرر (والثاني) حكاه الفوراني وصاحب
البيان وغيرهما فيه وجهان (أصحهما) هذا (والثاني) ان علما ذلك القدر قبل تفرقهما من المجلس
صح البيع * وحكى الرافعي وجها ثالثا أنه يصح مطلقا للتمكن من معرفته كما لو قال بعت هذه
الصبرة كل صاع بدرهم يصح البيع وإن كانت جملة الثمن في الحال مجهولة وهذا ضعيف شاذ *
(فرع) لو قال بعتك هذا بمائة دينار الا عشرة دراهم أو بمائة درهم الا دينارا قال المتولي
والرافعي ان علما قيمة الدينار بالدراهم صح والا فلا بخلاف ما لو أقر بمائة دينار الا عشرة دراهم فإنه
يصح وان لم يعلما قدر القيمة لان الاقرار بالمجهول صحيح هذا كلامهما * وينبغي أن لا يكفي علمهما
بل يشترط علمهما بالقيمة قصدهما استثناء القيمة * وقد ذكر صاحب المستظهري فيما إذا لم يعلما حالة
العقد قيمة الدينار بالدراهم ثم علما ذلك في الحال طريقين (أصحهما) لا يصح كما ذكرناه (والثاني)
فيه وجهان * وقال صاحب البيان إذا باعه بدينار الا درهم لم يصح على المشهور قال وحكى الصيمري
وجها أنهما إذا كانا يعلمان قيمة الدينار من الدارهم صح البيع وهذا الذي ادعى انه المشهور غريب (والأصح)
انهما إذا علما قيمته وقصدا استثناء القيمة صح والا فلا * قال في البيان ولو قال بعتك بألف درهم
من صرف عشرين بدينار لم يصح لان المسمى هي الدراهم وهي مجهولة ولا تصير معلومة بذكر قيمتها
قال وإن كان نقد البلد صرف عشرين بدينار لم يصح أيضا لان السعر يختلف ولا يختص ذلك بنقد
البلد قال ابن الصباغ وهكذا يفعل الناس اليوم يسمون الدراهم ويبتاعون بالدنانير ويكون كل قدر
من الدارهم معلوم عندهم دينارا قال وهذا البيع باطل لان الدراهم لا يعبر بها عن الدنانير حقيقة ولا
مجازا ولا يصح البيع بالكناية * هذا ما نقله صاحب البيان وهو ضعيف بل الأصح صحة البيع بالكناية
كما سبق أول كتاب البيوع وعلى هذا إذا عبر بالدنانير عن الدراهم صح والله أعلم
333

(فرع) في بيع التلحية وصورته أن يتفقا على أن يظهرا العقد إما للخوف من ظالم ونحوه
واما لغير ذلك ويتفقا على أنهما إذا أظهراه لا يكون بيعا ثم يعقد البيع فإذا عقداه انعقد عندنا ولا
أثر للاتفاق السابق وكذا لو اتفقا على أن البيع بألف ويظهرا الفين فعقدا بألفين صح البيع بألفين
ولا أثر للاتفاق السابق * هذا مذهبنا وكذا رواه أبو يوسف عن أبي حنيفة وروى عنه محمد أنه لا يصح
الا أن يتفقا على أن الثمن ألف درهم فتبايعا بمائة دينار فيكون الثمن مائة دينار استحسانا وبه قال أبو
يوسف ومحمد قالوا لأنه إذا تقدم الاتفاق صارا كالهازلين * دليلنا أن الاتفاق السابق ملغي بدليل أنهما
لو اتفقا على شرط فاسد ثم عقدا بلا شرط صح العقد (وأما) قولهم كالهازلين فالأصح عندنا
انعقاد بيع الهازل *
(فرع) روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغربان)
رواه مالك في الموطأ قال أخبرني الثقة عن عمرو بن شعيب فذكره ومثل هذا لا يحتج به عند أصحابنا
ولا عند جماهير العلماء ورواه أبو داود في سننه عن العقبى عن مالك أنه بلغه عن عمرو بن شعيب
وهذا أيضا منقطع لا يحتج به ورواه ابن ماجة عن الفضل بن يعقوب الرخامي عن حبيب بن أبي ثابت كاتب
مالك عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن عمرو بن شعيب وحبيب بن أبي ثابت هذا وعبد الله بن
عامر الأسلمي هذا ضعيفان باتفاق المحدثين وذكر البيهقي رواية مالك وهي قوله بلغني عن عمرو بن
شعيب ثم قال البيهقي هكذا روى مالك هذا الحديث في الموطأ فلم يسم رواية الذي رواه عنه قال
ورواه حبيب بن أبي ثابت عن مالك عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن عمرو بن شعيب وقيل إنما
رواه مالك عن ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب كذا قاله أبو أحمد بن عدي الحافظ قال ابن عدي
والحديث عن ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب مشهور قال البيهقي وقد روى هذا الحديث عن الحارث
ابن عبد الرحمن بن أبي دياب عن عمرو بن شعيب ثم رواه البيهقي باسناده عن عاصم بن عبد العزيز
عن الحارث عن عمرو ثم قال البيهقي عاصم هذا فيه نظر وحبيب بن أبي ثابت هذا ضعيف
334

أبو عبد الله بن عامر وابن لهيعة لا يحتج بهما والأصل في هذا الحديث أنه مرسل مالك * وقال البيهقي
في كتابه معرفة السنن والآثار بلغني أن مالكا أخذه عن عبد الله بن عامر وقيل عن ابن لهيعة
وقيل عن الحارث بن عبد الرحمن عن عمرو بن شعيب قال وفى الجميع ضعف فالحاصل ان هذا
الحديث ضعيف قال وإنما بسطت الكلام فيه لشهرته والحاجة إلى معرفته * قال أهل اللغة في العربان
ست لغات عربان وعربون - بضم العين واسكان الراء - فيهما وعربون - بفتحهما وأربان واربون
وأربون - بالهمزة بدل الغين - والوزن كالوزن وقد أوضحتهن في تهذيب الأسماء واللغات وفى ألفاظ
التنبيه أفصحهن عربون - بفتحهما - وهو عجمي معرب ويقال منه عربت في الشئ وأعربت وهو أن
يشتري شيئا ويعطى البائع درهما أو دراهم ويقول إن تم البيع بيننا فهو من الثمن والا فهو هبة لك
قال أصحابنا ان قال هذا الشرط في نفس العقد فالبيع باطل وان قاله قبله ولم يتلفظا به حالة العقد
فهو بيع صحيح هذا مذهبنا وقد ذكر المصنف المسألة في التنبيه ولم يذكرها في المهذب *
(فرع) في مذاهب العلماء في بيع العربون * قد ذكرنا أن مذهبنا بطلانه إن كان الشرط
في نفس العقد وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس والحسن ومالك وأبي حنيفة قال وهو يشبه قول
الشافعي قال وروينا عن ابن عمر وابن سيرين جوازه قال وقد روينا عن نافع بن عبد الحرث
أنه اشترى دارا بمكة من صفوان بن أمية بأربعة آلاف فان رضى عمر فالبيع له وان لم يرض
فلصفوان أربع مائة قال ابن المنذر وذكر لأحمد بن حنبل حديث عمر فقال أي شئ أقدر أقول *
هذا ما ذكره ابن المنذر وقال الخطابي اختلف الناس في جواز هذا البيع فابطله مالك والشافعي
للحديث ولما فيه من الشرط الفاسد والغرر وأكل المال بالباطل وأبطله أيضا أصحاب الرأي * وعن
عمر وابن عمر جوازه ومال إليه أحمد بن حنبل والله سبحانه وتعالى أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(وإن كان لرجل عبدان فباع أحدهما من رجل والآخر من رجل آخر في صفقة واحدة بثمن
واحد فان الشافعي رحمه الله قال فيمن كاتب عبدين بمال واحد أنه على قولين (أحدهما) يبطل
335

العقد لأن العقد الواحد مع اثنين عقدان فإذا لم يعلم قدر العوض في كل واحد منهما بطل كما لو
باع كل واحد منهما في صفقة بثمن مجهول (والثاني) يصح ويقسم العوض عليهما على قدر قيمتهما
فمن أصحابنا من قال في البيع أيضا قولان وهو قول أبي العباس وقال أبو سعيد الإصطخري وأبو إسحاق
يبطل البيع قولا واحدا لان البيع يفسد بفساد العوض (والصحيح) قول أبى العباس لان الكتابة
أيضا تفسد بفساد العوض وقد نص فيها على قولين) *
(الشرح) نص الشافعي رحمه الله على أنه إذا كانت عبيدا بعوض واحد على قولين
(أحدهما) صحة الكتابة ويوزع العوض عليهم بالقيمة (والثاني) فسادها ونص على أنه لو اشترى
عبيدا من مالكيهم أو وكيلهم ولكل واحد عبد معين فاشتراهم بثمن واحد أن البيع باطل ونص
انه لو باع عبديه لرجلين لكل واحد عبد معين بثمن واحد أن البيع باطل وصورته أن يقول بعتك
يا زيد هذا العبد وبعتك يا عمرو * هذا العبد كليهما بألف درهم فقالا قبلنا * قال الأصحاب ويتصور
أن يخلع نسوة بعوض واحد وأن يتزوج نسوة بعوض واحد في عقد واحد بأن يكون الولي واحدا
مثل أن يكون له بنات بنين أو بنات اخوة أو بنات أعمام أو معتقات ويتصور مع تعدد الولي
بأن يوكل الأولياء رجلا واحدا قال أصحابنا فيصح النكاح في مسألة النكاح ويقع الطلاق في
مسألة الخلع (وأما) المسمي في الصداق والخلع ففيه طريقان (أحدهما) يفسد ويجب مهر المثل
لكل واحدة في مسألة النكاح وعلى كل واحدة في مسألة الخلع (والطريق الثاني) وهو الأصح
أن المسألة على قولين في النكاح والخلع (أصحهما) فساد المسمى ووجوب مهر المثل (والثاني)
صحته ويوزع عليهن على قدر مهور أمثالهن (وأما) البيع والكتابة ففيهما أربع طرق
(أصحها) طرد القولين فيهما (أصحهما) الفساد فيهما (والثاني) الصحة والتوزيع عليهم بالقيمة
(والطريق الثاني) القطع بفساد البيع وصحة الكتابة (والثالث) يفسد البيع وفي الكتابة قولان
(والرابع) تصح الكتابة وفى البيع قولان وان أفردت قلت في البيع طريقان (أصحهما) قولان
(أصحهما) البطلان (والطريق الثاني) القطع بالبطلان وفى الكتابة طريقان (أصحهما) قولان
336

(أصحهما) الفساد (والطريق الثاني) القطع بالصحة والأصح في الجميع الفساد (فإذا قلنا) بصحة الصداق
وزع المسمى على نسبة مهر أمثالهن على المذهب وفيه قول ضعيف وبعضهم يحكيه وجها أنه يوزع
على عدد رؤوسهن (وإذا قلنا) بفساد الصداق ففيما يجب لكل واحدة القولان فيما لو أصدقهما
خمرا ونحوها (أصحهما) مهر المثل (والثاني) يوزع المسمى على مهور أمثالهن ويجب لكل
واحدة ما يقتضيه التوزيع ويكون الحاصل لهن على هذا القول بقدر المسمى إذا قلنا بالصحة
لكن يدفع الزوج من حيث شاء ولا يجب من نفس المسمي (أما) إذا زوج أمتيه بعبد على
صداق واحد فيصح المسمى بلا خلاف فان المستح لصداقهما واحد كما لو باع عبديه بثمن * ولو
كان له أربع بنات ولآخر أربعة بنين فروجهن بهم صفقة بمهر واحد بأن قال زوجت بنتي فلانة
ابنك فلانا وفلانة فلانا بألف فطريقان حكاهما المتولي (أحدهما) في صحة الصداق القولان (والثاني)
القطع ببطلانه لتعدد المعقود له من الجانبين والله سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) لو كان لرجل عبد فقال لرجلين بعتكما هذا العبد بألف فقالا قبلنا صح البيع لان
الثمن ينقسم على أجزائه ويكون لكل واحد منهما نصفه بخمسمائة وهذا لا خلاف فيه فان قال
أحدهما قبلت ولم يقبل الآخر كان للقابل نصفه بخمسمائة لان ايجابه لهما بمنزلة عقدين لكل
واحد عقد فصح قبول أحدهما دون الآخر * ولو كان له عبدان فقال لرجلين بعتكما هذين العبدين
بألف فقالا قبلنا صح البيع بلا خلاف ويكون لكل واحد نصف العبدين بخمسمائة كما لو باعهما
لواحد فلو قال أحدهما قبلت نصفهما وسكت الآخر صح البيع في نصفيهما للقابل بخمسمائة لما ذكرناه
337

في العبد الواحد وهكذا لو قال أحدهما قبلت ولم يقل نصفهما وسكت الآخر صخ في نصفهما للقابل
بخمسمائة لان إطلاق القبول يرجع إلى ما يقتضيه الايجاب وهو نصفهما له بخمسمائة وإن قال
أحدهما قبلت أحد العبدين أو قبلت هذا بخمسمائة لم يصح البيع بلا خلاف لأنه ليس مطابقا
للايجاب وان قال أحدهما قبلت نصف أحد العبدين أو نصف هذا العبد بحصته لم يصح بلا خلاف
لما ذكرناه والله سبحانه وتعالى أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(فان قال بعتك بألف مثقال ذهبا وفضة فالبيع باطل لأنه لم يبين القدر من كل واحد
منهما فكان باطلا * وان قال بعتك بألف نقد أو بألفين نسيئة فالبيع باطل لأنه لم يعقد على ثمن بعينه
فهو كما لو قال بعتك أحد هذين العبدين) *
(الشرح) هاتان المسألتان كما قالهما باتفاق الأصحاب وهما داخلتان في النهى عن بيع الغرر
وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة) رواه الترمذي وقال
حديث حسن صحيح قال وفى الباب عن ابن عمر وابن عباس وأبى سعيد وأنس وفسر الشافعي وغيره
من العلماء البيعتين في بيعة تفسيرين (أحدهما) أن يقول بعتك هذا بعشرة نقدا أو بعشرين
نسيئة (والثاني) أن يقول بعتكه بمائة مثلا على أن تبيعني دارك بكذا وكذا وقد ذكر المصنف
التفسيرين في الفصل الذي بعد هذا وذكرهما أيضا في التنبيه وذكرهما الأصحاب وغيرهم (والأول)
أشهر وعلى التقديرين البيع باطل بالاجماع (وأما) الحديث الذي في سنن أبي داود عن أبي هريرة
قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من باع بيعتين في بيعة له أوكسهما أو الربا) فقال الخطابي وغيره يحتمل أن يكون
ذلك في قصة بعينها كأنه اسلف دينارا في قفيز حنطة إلى شهر فحل الأجل فطالبه فقال بعني
القفيز الذي لك على إلى شهرين بقفيزين فهذا بيع ثان قد دخل على البيع الأول فصار بيعتين في بيعة
فيرد إلى أوكسهما وهو الأصل فان تبايعا البيع الثاني قبل فسخ الأول كانا قد دخلا في الربا والله
سبحانه وتعالى أعلم *
338

(فرع) في مذاهب العلماء فيمن باع بألف مثقال ذهب وفضة * مذهبنا انه بيع باطل
وقال أبو حنيفة يصح ويكون الثمن نصفين واحتج أصحابنا بالقياس على ما لو باعه بألف بعضه ذهب
وبعضه فضة فإنه لا يصح
* قال المصنف رحمه الله *
(وإن باع بثمن مؤجل لم يجز إلى أجل مجهول كالبيع إلى العطاء لأنه عوض في بيع فلم يجز
إلى أجل مجهول كالمسلم فيه) *
(الشرح) اتفقوا على أنه لا يجوز البيع بثمن إلى أجل مجهول لما ذكره المصنف (وقوله)
عوض في بيع احتراز من الجعل في الجعالة فإنه يستحقه عند فراغ العمل وهو وقت مجهول * قال أصحابنا
فإذا باع بمؤجل إلى الحصاد أو إلى العطاء لم يصح وإن كان إلى وقت استحقاق العطاء وهو معلوم لهما
صح وابتدأ الأجل من العقد على المذهب وقيل فيه وجهان كابتداء مدة خيار الثلاث (أحدهما)
من العقد (والثاني) من التفرق وسبقت المسألة واضحة في مسائل خيار الشرط وفى الأجل مسائل
وفروع كثيرة ذكرها المصنف والأصحاب في كتاب السلم وهناك نوضحها إن شاء الله تعالى *
(فرع) قال الروياني لو باع بثمن مؤجل إلى الف سنة بطل العقد للعلم بأنه لا يعيش الف
سنة قال الرافعي فعلى هذا الشرط في صحة الأجل احتمال بقائه إليه (قلت) الصواب أنه لا يشترط
احتمال بقائه إليه بل ينتقل إلى وارثه ثم وارثه وهلم جرا لكن لا يصح التأجيل بألف سنة وغيرها
مما يعتقد بقاء الدنيا إليه *
(فرع) قال أصحابنا إنما يجوز الأجل إذا كان العوض في الذمة (فاما) إذا أجل تسليم
المبيع أو الثمن المعين بان قال اشتريت بهذه الدراهم على أن أسلمها في وقت كذا فالعقد باطل *
(فرع) قال أصحابنا ولو حل الأجل وأجل المشترى البائع مدة أخرى أو زاد في الأجل
قبل حلول الأجل المضروب فهو وعد لا يلزم عندنا خلافا لأبي حنيفة ووافقنا على أن بدل الاتلاف
لا يتأجل بالتأجيل * ولو أوصى من له دين حال على إنسان بامهاله مدة لزم ورثته امهاله تلك المدة لان
التبرعات بعد الموت تلزم وممن ذكره المتولي * ولو أسقط من عليه دين مؤجل الأجل فهل يسقط
339

حتى يتمكن المستحق من مطالبته في الحال فيه وجهان (أصحهما) لا يسقط لان الأجل صفة
تابعة والصفة لا تفرد بالاسقاط ألا ترى ان مستحق الحنطة الجيدة أو الدنانير الصحاح لو أسقط صفة
الجودة والصحة لم يسقط *
(فرع) في مذاهب العلماء في البيع إلى العطا والحصاد ونحوهما من الآجال المجهولة * قد
ذكرنا أنه لا يصح عندنا قال ابن المنذر وبه قال ابن عباس وأبو حنيفة * وقال مالك وأحمد وأبو ثور
يجوز بثمن إلى الحصاد والدياس والعطاء ونحو ذلك لأنه معروف قال ابن المنذر وروينا ذلك عن
ابن عمر قال وقال ابن أبي ليلى إذا باع إلى العطاء صح وكان الثمن حالا قال وقول ابن عباس أصح *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز تعليق البيع على شرط مستقبل كمجئ الشهر وقدوم الحاج لأنه بيع غرر من غير
حاجة فلم يجز * ولا يجوز بيع المنابذة وهو أن يقول إذا نبذت هذا الثوب فقد وجب البيع ولا بيع
الملامسة وهو أن يمس الثوب بيده ولا ينشره وإذا مسه فقد وجب البيع لما روى أبو سعيد الخدري
قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين المنابذة والملامسة) والمنابذة أن يقول إذا نبذت هذا الثوب فقد
وجب البيع والملامسة أن يمسه بيده ولا ينشره فإذا مسه فقد وجب البيع * ولأنه إذا علق وجوب البيع
على نبذ الثوب فقد علق البيع على شرط وذلك لا يجوز وإذا لم ينشر الثوب فقد باع مجهولا وذلك
غرر من غير حاجة فلم يجز * ولا يجوز بيع الحصى وهو أن يقول بعتك ما وقع عليه الحصى من ثوب أو
أرض لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الحصى) ولأنه بيع مجهول من غير حاجة فلم يجز * ولا يجوز بيع حبل الحبلة لما روي ابن عمر رضي الله عنه قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة)
واختلف في تأويله فقال الشافعي رضي الله عنه هو بيع السلعة بثمن إلى أن تلد الناقة ويلد حملها
وقال أبو عبيد هو بيع ما يلد حمل الناقة فإن كان على ما قال الشافعي رحمه الله فهو بيع بثمن إلى
أجل مجهول وقد بينا أن ذلك لا يجوز * وإن كان على ما قال أبو عبيد فهو بيع معدوم ومجهول وذلك
لا يجوز * ولا يجوز بيعتان في بيعة لما روي أبو هريرة رضي الله عنه قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
340

عين بيعتين في بيعة) فيحتمل أن يكون المراد به أن يقول بعتك هذا بألف نقدا أو بألفين نسيئة
فلا يجوز للخبر ولأنه لم يعقد على ثمن معلوم ويحتمل أن يكون المراد به أن يقول بعتك هذا بألف
على إن تبيعني دارك بألف فلا يصح للخبر ولأنه شرط في عقد وذلك لا يصح فإذا سقط وجب
أن يضاف إلى ثمن السلعة بإزاء ما سقط من الشرط وذلك مجهول فإذا أضيف إلى الثمن صار
مجهولا فبطل) *
(الشرح) أما حديث أبي سعيد فرواه البخاري ومسلم مع تفسيره (واما) حديث النهى عن
بيع الحصاة فرواه مسلم في صحيحه من رواية أبي هريرة (واما) حديث ابن عمر في حبل الحبلة فرواه
البخاري ومسلم (وأما) حديث أبي هريرة في النهى عن بيعتين في بيعة فهو صحيح سبق بيانه قريبا
في الفصل الذي قبل هذا وبسطنا القول فيه (وقوله) وهو أن يمس هو - بفتح الياء والميم - ويجوز ضم
الميم في لغة قليلة وننكر على المصنف قوله وروى في حديث النهى عن بيع الحصاة فأتى به بصيغة
التمريض الموضوعة للضعيف مع أنه حديث صحيح كما أوضحناه (وقوله) حبل الحبلة هو - بفتح الباء - فيهما
قال أهل اللغة الحبلة هنا جمع حابل كظالم وظلمة وفاجر وفجرة وكاتب وكتبة وقال الأخفش يقال
حبلت المرأة فهي حابل ونسوة حبلة وقال ابن الأنباري وغيره الهاء في الحبلة للمبالغة واتفق أهل
اللغة على أن الحبل مختص بالآدميات وإنما يقال في غيرهن الحمل يقال حملت المرأة ولدا وحبلت
بولد وحملت الشاة - بالميم - وكذا البقرة والناقة ونحوها قال أبو عبيد لا يقال لشئ من الحيوان حبل
غير الآدمي الا ما جاء في هذا الحديث * واختلف العلماء في تفسيره على قولين ذكرهما المصنف
فالذي حكاه عن الشافعي وهو تفسير ابن عمر راوي الحديث ثبت ذلك عنه في الصحيحين
وبه قال مالك وآخرون * والذي حكاه عن أبي عبيد قاله أيضا أبو عبيدة معمر بن المثنى شيخ أبى
عبيد وقاله أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وهو أقرب إلى اللغة ولكن المذكور عن الشافعي
وموافقيه أقوى لأنه تفسير الراوي وهو أعرف * وعلى التقديرين البيع باطل بالاجماع لما ذكره
المصنف * واعلم أن أبا عبيد الذي ذكره المصنف هنا وفى التنبيه هو باسقاط الهاء في آخره وهو القاسم
341

ابن سلام الامام المشهور في علوم كثيرة والله سبحانه وتعالى أعلم * (وأما) بيع المنابذة ففيه تأويلات
(أحدها) أن يجعل نفس النبذ بيعا قاله الشافعي وغيره وهو بيع باطل قال الرافعي قال الأصحاب
ويجئ فيه الخلاف في المعاطاة فان المنابذة مع قرينة البيع في نفس المعاطاة (والثاني) أن يقول
بعتك على أنى إذا نبذته إليك انقطع الخيار ولزم البيع هو بيع باطل (والثالث) أن المراد بنبذ الحصاة
الذي سنذكره إن شاء الله تعالى (وأما) بيع الملامسة ففيه تأويلات (أحدها) تأويل الشافعي وجمهور
الأصحاب وهوان يأتي بثوب مطوى أو في ظلمة فيلمسه المستلم فيقول صاحبه بعتكه بكذا بشرط
أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا خيار لك إذا رأيته (والثاني) أن يجعلا نفس اللمس بيعا فيقول إذا لمسته
فهو بيع لك (والثالث) أن يبيعه شيئا على أنه متى لمسه انقطع خيار المجلس وغيره ولزم البيع وهذا البيع
باطل على التأويلات كلها وفى الأول احتمال لإمام الحرمين وقال صاحب التقريب تفريعا على صحة نفى
خيار الرؤية قال وعلى التأويل الثاني له حكم المعاطاة (والمذهب) الجزم ببطلانه على التأويلات كلها
(وأما) بيع الحصاة ففيه تأويلات (أحدها) أن يقول بعتك من هذه الأثواب ما تقع عليه الحصاة
التي أرميها أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى حيث تنتهي إليه هذه الحصاة (والثاني) أن
يقول بعتكه على أنك بالخيار إلى أن أرمى الحصاة (والثالث) ان يجعلا نفس الرمي بيعا
وهو إذا رميت هذه الحصاة فهذا الثوب مبيع لك بكذا والبيع باطل على جميع التأويلات (وأما)
البيعتان في بيعة ففيه هذان التأويلان اللذان ذكرهما المصنف وقد نص الشافعي عليهما في
مختصر المزني وقد قدمناهما مع كلام الأئمة فيه وظاهر كلام المصنف يقتضى ان التأويلين لنفسه
وليس كذلك والله سبحانه أعلم *
(فرع) مختصر ما ذكره المصنف في هذا الفصل أن لا يجوز بيعتان في بيعة ولا بيع حبل
الحبلة ولا بيع الحصاة والمنابذة والملامسة ولا تعليق البيع على شرط مستقبل بأن يقول إذا جاء المطر
أو قدم الحاج أو إذا جاء زيد أو إذا غربت الشمس أوما أشبه هذا فقد بعتكه وهذا عقد باطل بلا
خلاف للحديث الصحيح في النهى عن بيع الغرر (1) *
342

قال المصنف رحمه الله
(ولا يجوز مبايعة من يعلم أن جميع ماله حرام لما روى أبو مسعود البدري أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى عن حلوان الكاهن ومهر البغي * وعن الزهري (في امرأة زنت بمال عظيم قال لا يصلح
لمولاها أكله لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مهر البغي) فإن كان معه حلال وحرام كره
مبايعته والاخذ منه لما روى النعمان بن بشير قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول الحلال بين والحرام
بين وبين ذلك أمور مشتبهات وسأضرب لكم في ذلك مثلا ان الله تعالى حمى حمى وان حمى الله
حرام وان من يرعى حو الحمى يوشك ان يخالط الحمي) وان بايعه وأخذ منه جاز لأن الظاهر مما في
يده انه له فلا يحرم الاخذ منه)
(شرح) الخلط في البلد حرام لا ينحصر بحلال لا ينحصر لم يحرم الشراء منه بل يجوز الاخذ منه إلا أن يقترن بتلك العين
علامة تدل على أنها من الحرام فإن لم يقترن فليس بحرام ولكن تركه ورع محبوب وكلما كثر الحرام تأكد الورع *
ولو اعتلفت الشاة علفا حراما أو رعت في حشيش حرام لم يحرم لبنها ولحمها ولكن تركه ورع لان اللحم واللبن ليس
هو عين العلف * ولو امتنع من أكل طعام حلال لكونه حمله كافر أو فاسق بالزنا أو بالقتل ونحوه لم
يكن هذا ورعا بل هو وسواس وتنطع مذموم * ولو اشترى طعاما في الذمة وقضى ثمنه من حرام
نظر ان سلم البائع إليه الطعام قبل قبض الثمن بطيب قلبه فاكله قبل قضاء الثمن فهو حلال بالاجماع
ولا يكون تركه ورعا مؤكدا ثم إن قضى الثمن بعد الاكل فأداه من الحرام فكأنه لم يقضه فيبقى
الثمن في ذمته ولا ينقلب ذلك الطعام المأكول حراما فان أبرأه البائع من الثمن مع علمه بأنه حرام
برئ المشترى وان أبرأه ظانا حل الثمن لم تحصل البراءة لأنه إنما أبرأه براءة استيفاء ولا تحصل بذلك
الاستيفاء * وان لم يسلم إليه بطيب قلبه بل أخذه المشترى قهرا فأكله فالاكل حرام سواء أكله قبل
توفية الثمن أو بعد توفيته من الحرام لان للبائع حق حبس المبيع حتى يقبض الثمن على الصحيح
فيكون عاصيا بأكله كعصيان الراهن إذا أكل الطعام المرهون بغير اذن المرتهن وهو أخف تحريما
343

من أكل المغصوب (أما) إذا أوفى الثمن الحرام ثم قبض المبيع فان علم البائع بان الثمن حرام وأقبض
المبيع برضاه سقط حقه من الحبس وبقى الثمن له في الذمة ويكون أكل المشترى المبيع حلالا * وان
لم يعلم البائع كون الثمن حراما وكان بحيث لو علم لما رضى به ولما اقبض المبيع لم يسقط حق الحبس
بهذا التدليس فالاكل حينئذ حرام كتحريم أكل طعامه المرهون والامتناع من الاكل في كل
هذا ورع منهم * ولو اشترى سلطان أو غيره شيئا بثمن في الذمة شراء صحيحا وقبضه برضا البائع قبل
توفية الثمن ثم وهبه لانسان وكان في مال المشترى حلال وحرام ولم يعلم من أين يوفيه الثمن لم يحرم
على الانسان الموهوب له ولكن الورع تركه ويتأكد الورع أو يخف بحسب كثرة الحرام في يد
المشترى وقلته * ولو اشتري انسان شيئا في الذمة وفى ثمنه عنبا لمن عرف باتخاذ الخمر أو سيفا لمن عرف
بقطع الطريق ونحو ذلك كره أكل ذلك المشتري ولم يحرم * ولو حلف لا يلبس غزل زوجته فباعت
غزلها ووهبته الثمن لم يكره أكله فان تركه فليس بورع بل وسواس * ومن الورع المحبوب ترك
ما اختلف العلماء في اباحته اختلافا محتملا ويكون الانسان معتقدا مذهب إمام يبيحه ومن أمثلته
الصيد والذبيحة إذا لم يسم عليه فهو حلال عند الشافعي حرام عند الأكثرين والورع لمعتقد
مذهب الشافعي ترك أكله (وأما) المختلف فيه الذي يكون في اباحته حديث صحيح بلا معارض
وتأويله ممتنع أو بعيد فلا أثر لخلاف من منعه فلا يكون تركه ورعا محبوبا فان الخلاف في هذه
الحالة لا يورث شبهة وكذلك إذا كان الشئ متفقا عليه ولكن دليله خبر آحاد فتركه انسان
لكون بعض الناس منع الاحتجاج بخبر الواحد فهذا الترك ليس بورع بل وسواس لان المانع
للعمل بخبر الواحد لا يعتد به وما زالت الصحابة فمن بعدهم على العمل بخبر الواحد * قال ولو أوصى بمال
للفقهاء فالفاضل في الفقه مدخل في الوصية والمبتدي من شهر ونحوه لا يدخل فيه والمتوسط بينهما
درجات يجتهد المفتي فيهما والورع لهذا المتوسط ترك الاخذ منها وان أفتاه المفتى بأنه داخل في الوصية
قال وكذا الصدقات المصروفة إلى المحتاجين قد يتردد في حقيقة الحاجة وكذا ما يجب من نفقة
الأقارب وكسوة الزوجات وكفاية العلماء في بيت المال *
(فرع) قال الغزالي في الاحياء إذا قدم لك إنسان طعاما ضيافة أو أهداه لك أو أردت شراءه
منه ونحو ذلك لم يطلق الورع فإنك تسأل عن حله ولا يترك السؤال قد يجب وقد يحرم وقد
يندب وقد يكره وضابطه مظنة السؤال هي موضع الريبة ولها حالان (أحدهما) يتعلق بالمالك (والثاني) بالملك
344

(أما) الأول فالمالك ثلاثة اضرب (الضرب الأول) أن يكون مجهولا وهو من ليس فيه علامة تدل على طيب ماله
ولا فساده فإذا دخلت قرية فرأيت رجلا لا تعرف من حاله شيئا ولا عليه علامة فساد ماله وشبهه كهيئة
الأجناد ولا علامة طيبه كهيئة المتعبدين والتجار فهو مجهول ولا يقال مشكوك فيه لأن الشك عبارة عن
اعتقادين متقابلين لهما سببان مختلفان قال وأكثر الفقهاء لا يدركون الفرق بين ما لا يدرى وبين ما يشك
فيه فالورع ترك ما لا يدرى ويجور الشراء من هذا المجهول وقبول هديته وضيافته ولا يجب السؤال
بل لا يجوز والحالة هذه لأنه ايذاء لصاحب الطعام فان أراد الورع فليتركه وإن كان لابد من أكله
فليأكل ولا يسأل فان الاقدام على ترك السؤال أهون من كسر قلب مسلم وايذائه (الضرب
الثاني) أن يكون مشكوكا فيه بأن يكون عليه دلالة تدل على عدم تقواه كلباس أهل الظلم وهيئاتهم
أو ترى منه فعلا محرما تستدل به على تساهله في المال فيحتمل أن يقال يجوز الاخذ منه من غير
سؤال ولا يحرم الهجوم بل السؤال ورع ويحتمل أن يقال لا يجوز الهجوم ويجب السؤال قال وهو
الذي نختاره ونفتى به إذا كانت تلك العلامة تدل على أن أكثر ماله حرام فان دلت على أن فيه
حراما يسيرا كان السؤال ورعا (الضرب الثالث) أن يعلم حاله بممارسة ونحوها بحيث يحصل له
ظن في حل ماله أو تحريمه بان يعرف صلاح الرجل وديانته فهنا لا يجب السؤال ولا يجوز أو يعرف
أنه مراب أو مغن ونحوه فيجب السؤال (الحال الثاني) أن يتعلق الشك بالمال بأن يختلط حلال
بحرام كما إذا حصل في السوق أحمال طعام مغصوب واشتراها أهل السوق فلا يجب السؤال على من
يشترى من تلك السوق إلا أن يظهر أن أكثر ما في أيديهم حرام فيجب السؤال وما لم يكن الأكثر
حراما يكون التفتيش ورعا لان الصحابة رضي الله عنهم لم يمتنعوا من الشراء من الأسواق وكانوا لا
يسألون في كل عقد وإنما نقل السؤال عن بعضهم في بعض الأحوال لريبة كانت *
(فرع) قال الغزالي في الاحياء لو كان في يد ناظر الأوقاف أو الوصايا مالان أحدهما
لموصوفين بصفة والآخر لموصوفين بصفة أخري فأراد إنسان فيه صفة أحدهما دون الآخر أن يأخذ من
الناظر شيئا فإن كانت تلك الصفة ظاهرة يعرفها المتولي وهو ظاهر العدالة جاز الاخذ من غير سؤال
وإن كانت الصفة خفية أو عرف من حال المتولي التساهل وأنه لا يبالي بخلط المالين وجب السؤال
لأنه ليس هنا علامة ولا استصحاب يعتمد *
(فرع) قال ويجوز أن يشترى دارا من دور البلد وان علم أن فيه دورا مغصوبة لان
345

ذلك اختلاط بغير محصور والسؤال هنا ورع واحتياط * ولو كان في البلد عشر دور فيها واحدة
مغصوبة أو وقف ولا يعرفها وجب السؤال لأنه محصور * ولو كان في البلد مدارس أو رباطات
خصص بعضها بالمنسوبين إلى مذهب معين لم يجز أن يسكن في شئ منها ولا يأكل من وقفها
حتى يسأل ويتبين الصواب *
(فرع) قال حيث قلنا السؤال ورع فليس له أن يسأل صاحب الطعام والمال لان ذلك
يغيظه فلا يرتكب ايذاء مسلم لتحصيل أمر مندوب قال وإنما أوجبنا السؤال إذا كان الأكثر حراما
وعند ذلك لا نبالي بغيظه فان الظالم يؤذى بأكثر من هذا قال الحرث المحاسبي لو كان له أخ أو
صديق يأمن غيظه لو سأله فينبغي أن لا يسأله أيضا للورع لأنه ربما ظهر منه شئ كان مستورا
يؤدى إلى البغضاء قال الغزالي وهذا حسن * قال (فان قيل) لا فائدة في سؤال من بعض ماله حرام
(فالجواب) انه متى كان في مال الانسان حرام مختلط فأردت مبايعته أو الاكل من ضيافته أو هديته
أو نحو ذلك لم يكف سؤاله ولا فائدة فيه وإنما يسأل غيره وإنما ينفع سؤال صاحب اليد إذا كان
ثقة غير متهم كمتولي الأوقاف من أي جهة هذا المال (1) وكما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الذي أتى به هل هو
هدية أم صدقة فان ذلك لا يؤذي المسؤول ولا يتهم فيه * وله سؤال خادمه وعبده الثقة ومتى سأل فأخبره
ثقة اعتمده فان اخبره فاسق وعلم بقرينة الحال أنه لا يكذب من حيث إنه لا غرض له جاز له قبوله

(1) كذا بالأصل.
346

لان المطلوب من السؤال ثقة النفس وقد تحصل بقول الفاسق فان أخبره صبي مميز معروف بالتثبت
جاز قبوله ومتى وجب السؤال فتعارض قول عدلين أو فاسقين سقطا ويجوزان يرجح بقلبه
أحدهما وبكثرة المخبرين وبمعرفتهم
(فرع قال الغزالي لو نهب متاع مخصوص فصادف من ذلك النوع شيئا يباع واحتمل أن لا يكون من المنهوب فإن كان ذلك في يد من عرف بالصلاح جاز شراؤه وكان تركه ورعا وإن كان
رجلا مجهولا فإن كان ذلك النوع كثيرا في البلد من غير المنهوب جاز الشراء منه وإن كان
لا يوجد هناك غير المنهوب إلا نادرا فليس هنا دليل للحل سوى اليد وقد عارضها علامة خاصة وهي
شكل المتاع المنهوب فالامتناع من شرائه ورع منهم وفى تحريمه نظر *
(فرع) قال الغزالي خادم الصوفية إذا خرج إلى السوق والبيوت وجمع طعاما وغيره ثم
قدمه للصوفية حل لهم أكله ويحل لغيرهم الاكل منه برضاء الخادم ولا يحل بغير رضاه وهكذا لو
كان للرجل عيال وأعطى له الناس شيئا بسبب عياله يكون ذلك ملكا للرجل لا للعيال وله أن
يطعم منه غير العيال وكذا ما يعطاه الخادم يقع ملكا له وإنما يطعم الصوفية وفاء بالمروءة *
(فرع) قال الغزالي الوقف على الصوفية لغيرهم أن يأكل معهم منه برضاهم وإنما يأكل
مرة أو مرتين ونحوهما لان معنى الوقف على الصوفية الصرف إلى مصالحهم ومبني الأطعمة على المسامحة
ولا يجوز لمن لم يكن صوفيا الاكل معهم من الوقف على الدوام وان رضوا لأنه ليس لهم تغيير
شرط الواقف بمشاركة غير جنسهم (وأما) الفقيه إذا كان على زيهم وأخلاقهم فله النزول
عليهم أو كونه صوفيا وليس الجهل شرطا للتصوف قال ولا يلتفت إلى حركات بعض الحملي وقولهم
347

العلم حجاب بل الجهل هو الحجاب وكذا العلم المذموم *
(فرع) قال الغزالي قد يعطى الانسان غيره المال تبرعا لكونه محتاجا وقد يعطيه لنسبه
أو صلاحه أو نحو ذلك فان علم الآخذ أن يعطيه لحاجته لم يحل له اخذه ان لم يكن محتاجا وان
علم أنه يعطيه لشرف نسبه لم يحل له أخذه إن كان حادثا في النسب وان أعطاه لعلمه لم يحل له
أخذه الا أن يكون في العلم كما يعتقده المعطى وان أعطاه لدينه وصلاحه لم يحل له الاخذ إن كان
فاسقا في الباطن فسقا لو علمه المعطى لما أعطاه *
(فرع) قال الغزالي الأرض المغصوبة إذا جعلت شارعا لم يجز المرور فيها فإن لم
يكن لها مالك معين جاز والورع اجتنابه ان أمكن العدول عنها فإن كانت الأرض وعليها ساباط
مغصوب الأخشاب ونحوها جاز المرور تحته فان قعد تحته لدفع حر أو برد أو مطر ونحوه فهو حرام
لان السقف لا يراد الا لهذا قال وكذا لو كانت أرض المسجد مباحة وسقف بحرام جاز المرور
فيه ولا يجوز الجلوس لدفع حر أو برد ونحو ذلك لأنه انتفاع بالحرام هذا كلام الغزالي وفى قوله نظر
والمختار انه لا يحرم القعود في هاتين الصورتين وهو من باب الانتفاع بضوء سراج غيره والنظر في
مرآته من غير أن يستولي عليهما وهما جائزان بلا خلاف *
(فرع) قال الغزالي المواضع التي بناها الظلمة كالقناطر والربط والمساجد والسقايات ينبغي
أن يحتاط فيها (اما) القناطر فيجوز العبور عليها للحاجة والورع اجتنابه وإنما جوزنا العبور وان
وجد عنها معدلا لان تلك الآلات إذا لم يعرف لها مالك كان حكمها أن ترصد للمصالح وهذا منها
وإذا عرف ان الأحجار واللبن مغصوبة من انسان أو من مسجد أو مقبرة ونحوها فإنه يحرم العبور
عليها الا لضرورة يحل بها ذلك من مال الغير ثم يجب الاستحلال من المالك الذي يعرفه (واما)
المسجد فان بنى من أرض مغصوبة أو خشب مغصوب من مسجد آخر أو ملك إنسان معين فيحرم
دخوله لصلاة الجمعة وغيرها وإن كان من مال لا يعرف مالكه فالورع العدول إلى مسجد آخر فإن لم
يجد لم يترك الجمعة والجماعة لأنه يحتمل انه بناه بماله ويحتمل أنه ليس له مالك معروف فيكون
للمصالح (وأما) السقايات فحكمها ما ذكرناه فالورع ترك الوضوء والشرب منها وترك دخولها الا
أن يخاف فوات وقت الصلاة (وأما) الرباط والمدرسة فإن كانت أرضها مغصوبة أو الأكتاف كاللبن
والحجارة وأمكن ردها إلى مالكها لم يجز دخولها وان اشتبه فله دخولها والمكث فيها والورع تركه
348

قال الغزالي إذا امر السلطان بدفع شئ من خزانته لانسان يستحق في بيت المال شيئا وعلم أن الخزانة
فيها الحلال والحرام كما هو الغالب في هذه الأزمان والحلال في أيدي سلاطين هذه الأزمان عزيز
أو معدوم (1) وإذا كان محتملا كونه من الحلال أو كونه من الحرام فقد قال قوم يجوز أخذه ما لم
يتيقن أنه حرام وقال آخرون لا يجوز حتى يتحقق أنه حلال قال وكلاهما اسراف والأعدل أنه إن
كان الأكثر حراما حرم وإن كان حلالا ففيه توقف هذا كلام الغزالي وهو جار على اختياره أنه
إذا كان المختلط أكثره حراما حرم الاخذ منه وقد قدمنا ان المشهور أنه مكروه وليس بحرام وهكذا
مثال خزانة السلطان يكون مكروها قال الغزالي واحتج من جوزه بأن جماعة من الصحابة والتابعين
ومن بعدهم أخذوا من السلاطين الظلمة ونوابهم الظلمة منهم أبو هريرة وأبو سعيد الخدري وأبو أيوب
وزيد بن ثابت وجرير بن عبد الله وابن عمر وابن عباس وانس والمسور ابن مخرمة والحسن
البصري والشعبي وإبراهيم النخعي وابن أبي ليلى والشافعي وأخذ ابن عمر من الحجاج والشافعي من
هارون الرشيد وأخذ مالك من الخلفاء أموالا كثيرة وإنما ترك من ترك منهم الاخذ تورعا *
وعن ابن عمر أنه قبل هدية المختار ابن عبيد وزعمت هذه الفرقتان ما نقل من امتناع جماعة
لا يدل على التحريم كما أن الخلفاء الراشدين وابازر وآخرين من الزهاد تركوا الحلال المطلق الذي
لا شبهة فيه زهدا * قال الغزالي والجواب عن هذا أنه قليل محصور بالإضافة إلى ما نقل من ردهم
وانكارهم أو يحمل على أنهم تحققوا أن ذلك القدر المصروف إليهم من جهة حلال فحينئذ يكون
المدفوع إليهم حلال ولا يضرهم كون يد السلطان مشتملة على حرام منفصل عن هذا أو يحمل على
أنهم أخذوه وصرفوه في مصارف بيت المال وقد قال جماعة منهم أخذناه كله وصرفنا إياه في المحتاجين
خير من تركه في يد السلطان ولهذا قال ابن المبارك ان الذين يأخذون اليوم الجوائز ويحتجون بان
عمر وعائشة لا يقتدون بهما لان ابن عمر فرق ما أخذ حتى استقرض في مجلسه بعد أن فرق ستين
ألفا وكذا فعلت عائشة رضي الله عنهما وكذا فعل الشافعي أخذ من هارون الرشيد وفرقه في
الحال فلم يدخر منه حبة ومع هذا فان الأموال في زمن الخلفاء الأوائل بعد الراشدين كان ما عند
السلطان منها غالبه حلال بخلاف الأموال التي في أيدي السلاطين في هذه الأزمان فان معظمها
حرام والحلال فيها قليل جدا *
(فرع) قال الغزالي مال المصالح لا يجوز صرفه الا لمن فيه مصلحة عامة أو هو محتاج عاجز

(1) كذا بالأصل.
349

عن الكسب مثل من يتولى أمرا تتعدى مصلحته إلى المسلمين ولو اشتغل بالكسب لتعطل
عليه ما هو فيه فله في بيت المال كفايته فيدخل فيه جميع أنواع علماء الدين كعلم التفسير
والحديث والفقه والقراءة ونحوها ويدخل فيه طلبة هذه العلوم والقضاة والمؤذنون والأجناد
ويجوز أن يعطى هؤلاء مع الغني ويكون قدر العطاء إلى رأى السلطان وما تقتضيه المصلحة
ويختلف بضيق المال وسعته *
(فرع) قال الغزالي لو لم يدفع السلطان إلى كل المستحقين حقوقهم من بيت المال فهل
يجوز لآحادهم أخذ شئ من بيت المال قال فيه أربعة مذاهب (أحدها) لا يجوز أخذ شئ أصلا
ولا حبة لأنه مشترك ولا يدرى حصته منه حبة أو دانق أو غيرهما فهذا غلو (والثاني) يأخذ كل
يوم قوت يومه فقط (والثالث) يأخذ كفايته سنة (والرابع) يأخذ ما يعطى وهو حصته والباقون
يظلمون قال الغزالي وهذا هو القياس لان المال ليس مشتركا بين المسلمين كالغنيمة بين الغانمين
والميراث بين الورثة لان ذلك ملك لهم حتى لو ماتوا قسم بين ورثتهم وهنا لو مات لم يستحق وارثه
إرث شئ وهذا إذا صرف إليه ما يليق صرفه إليه *
(فرع) قال الغزالي إذا بعث السلطان إلى إنسان مالا ليفرقه على المساكين فان عرف
ان ذلك المال مغصوب لانسان بعينه لم يجز له أخذه وتفرقته لكن يكره ذلك أن قارنته مفسدة
بحيث يغتر به جهال ويعتقدون طيب أموال السلطان أو يجب بقاء ذلك السلطان مع ظلمه قال وينبغي
أن يتجنب معاملة السلطان وعلمائه وأعوانه وعمالهم *
(فرع) قال الغزالي الأسواق التي بناها السلاطين بالأموال الحرام تحرم التجارة فيها
وسكناها فان سكنها بأجرة وكسب شيئا بطريق شرعي كان عاصيا بسكناه ولا يحرم كسبه
وللناس أن يشتروا منه ولكن ان وجدوا سوقا أخرى فالشراء منها أولى لأن الشراء من الأولى
إعانة لسكانها وترغيب في سكناها وكثرة أجرتها والله سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) قال الغزالي لو كان في يده مال مغصوب من الناس معين فاختلط بماله ولم
يتميز وأراد التوبة فطريقه أن يترضى هو وصاحب المغصوب بالقسمة فان امتنع المغصوب منه من
ذلك رفع التائب الامر إلى القاضي ليقبض عنه فإن لم يجد قاضيا حكم رجلا متدينا لقبض ذلك
فان عجز تولى هو بنفسه ذلك ويعزل قدر ذلك فيه الصرف إلى المغصوب منه سواء كان دراهم
350

أو حبا أو ذهبا أو غيره من نحو ذلك فإذا فعل ذلك حل له الباقي فلو أراد أن يأكل من ذلك المختلط
وينفق منه قبل تمييز قدر المغصوب فقد قال قائلون يجوز ذلك ما دام قدر المغصوب باقيا ولا يجوز
أخذ الجميع وقال آخرون لا يجوز له أخذ شئ منه حتى يميز قدر المغصوب بنية الابذال والتوبة *
(فرع) من ورث مالا ولم يعلم من أين كسبه مورثه أمن حلال أم حرام ولم تكن علامة
فهو حلال باجماع العلماء فان علم أن فيه حراما وشك في قدره اخرج قدر الحرام بالاجتهاد *
(فرع) قال الغزالي إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه فإن كان له
مالك معين وجب صرفه إليه أو إلى وكيله فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس
من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة كالقناطر والربط والمساجد ومصالح طريق
مكة ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه والا فيتصدق به على فقير أو فقراء وينبغي أن يتولى ذلك
القاضي إن كان عفيفا فإن لم يكن عفيفا لم يجز التسليم إليه فان سلمه إليه صار المسلم ضامنا بل ينبغي
أن يحكم رجلا من أهل البلد دينا عالما فان التحكم أولى من الانفراد فان عجز عن ذلك تولاه
بنفسه فان المقصود هو الصرف إلى هذه الجهة وإذا دفعه إلى الفقير لا يكون حراما على الفقير بل
يكون حلالا طيبا وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيرا لان عياله إذا كانوا فقراء
فالوصف موجود فيهم بل هم أولى من يتصدق عليه وله هو ان يأخذ منه قدر حاجته لأنه أيضا فقير
وهذا الذي قاله الغزالي في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب وهو كما قالوه ونقله الغزالي أيضا
عن معاوية بن أبي سفيان وغيره من السلف عن أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وغيرهما من أهل
الورع لأنه لا يجوز اتلاف هذا المال ورميه في البحر فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين والله
سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) قال الغزالي إذا وقع في يده مال حرام من يد السلطان قال قوم يرده إلى السلطان
فهو أعلم بما يملك ولا يتصدق به واختار الحارث المحاسبي هذا وقال آخرون يتصدق به إذا علم أن
السلطان لا يرده إلى المالك لان رده إلى السلطان تكثير للظلم قال الغزالي والمختار أنه ان علم أنه
لا يرده على مالكه فيتصدق به عن مالكه (قلت) المختار أنه إن علم أن السلطان يصرفه في مصرف
باطل أو ظن ذلك ظنا ظاهرا لزمه هو أن يصرفه في مصالح المسلمين مثل القناطر وغيرها فان عجز
عن ذلك أو شق عليه لخوف أو غيره تصدق به على الأحوج فالأحوج وأهم المحتاجين ضعاف
351

أجناد المسلمين وان لم يظن صرف السلطان إياه في باطل فليعطه إليه أو إلى نائبه ان أمكنه ذلك من غير
ضرر لان السلطان اعرف بالمصالح العامة وأقدر عليها فان خاف من الصرف إليه ضررا صرفه هو
في المصارف التي ذكرناها فيما إذا ظن أنه يصرفه في باطل *
(فرع) قال الغزالي إذا كان في يده مال بعضه حلال وبعضه فيه شبهة وله عيال ولا يفضل
عن حاجته فليخص نفسه بالحلال ثم بمن يعول وإذا ترددت حاجة نفسه بين القوت واللباس وبين
غيرهما كأجرة الحجام والصباغ والقصار والحمال ودهن السراج وعمارة المنزل وتعهد الدابة
وثمن الحطب ونحو ذلك فليخص بالحلال قوته ولباسه فان تعارضا فيحتمل أن يخص القوت بالحلال
لأنه يمتزج بلحمه ودمه ولأكل الحرام والشبهة أثر في قساوة القلب (وأما) الكسوة ففائدتها دفع
الحر والبرد والستر عن الأعين وذلك يحصل وقال الحاسبي يخص الكسوة بالحلال لأنها تبقى مدة
وهذا يحتمل أيضا ولكن الأول أظهر *
(فرع) قال الغزالي الحرام الذي في يده حيث قلنا يتصدق به كما سبق فيتصدق به على الفقراء
أو يوسع عليهم وإذا أنفق على نفسه جوزناه فليضيق ما أمكنه وما أنفق على عياله فليقتصد
ولكن بين التوسعة والتضييق فان ضافه انسان فإن كان فقيرا وسع عليه وإن كان غنيا لم
يطعمه شيئا أصلا منه الا أن يكون في برية أو نحوها بحيث لا يجد شيئا فيطعمه فإنه حينئذ في معني
الفقير فان عرف من حال الفقير أنه لو علم ذلك المال لتورع عنه أحضر الطعام وأخبره بالحال
ليكون قد جمع بين حق الضيافة وترك الخداع ولا يكتفي بأن ذلك الفقير لا يدرى لان الحرام إذا
حصل في المعدة أثر في قساوة القلب وان لم يعرف آكله *
(فرع) قال الغزالي إذا كان الحرام أو الشبهة في يد أبيه أو أمه فليمتنع من مؤاكلتهما فان
كرها امتناعه لم يوافقهما على الحرام فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق بل ينهاهما وإن كان ذلك
شبهة يريد تركه للورع فقد عارضه طلب رضاهما وهو واجب فليتلطف في الامتناع فان عجز
فليأكل وليقلل من ذلك وليصغر اللقمة ويطيل المضغة ولا يتوسع منه قال والأخت والأخ قريب
من الأب والام فان حقهما مؤكد قال وكذلك إذا ألبسته أمه ثوبا من شبهة وكانت تسخط
لو رده فليقبله وليلبسه بين يديها وينزعه إذا غاب عنها ويجتهد أن لا يصلى فيه الا بحضرتها *
(فرع) قال الغزالي إذا لم يكن في يده إلا مال حرام محض فلا حج عليه ولا زكاة ولا
352

* تلزمه كفارة مالية فإن كان مال شبهة فليس بحرام محض لزمه الحج ان أبقاه في يده لأنه محكوم بأنه
ملكه وكذا الباقي *
(فرع) قال الغزالي إذا كان في يده مال حرام لا يعرف له صاحب وجوزنا انفاقه على
نفسه للحاجة كما سبق تفصيله فأراد أن يتطوع بالحج فإن كان ماشيا جاز وإن كان يحتاج إلى
مركوب لم يجز لأنا جوزنا له الاكل للحاجة ولا نجوز ما لا ضرورة إليه كما لا يجوز له شراء
المركوب في البلد من هذا المال *
(فرع) قال الغزالي من خرج إلى الحج بمال فيه شبهة فليجتهد أن يكون قوته في جميع
طريقه من حلال فان عجز فليكن من حين الاحرام إلى التحلل وليجتهد في الحلال في يوم
عرفة والله سبحانه أعلم * هذا آخر الفروع التي انتخبتها من إحياء علوم الدين وبالله التوفيق *
(فرع) قال ابن المنذر اختلفوا في مبايعة من يخالط ماله حرام وقبول هديته وجائزته
فرخص فيه الحسن ومكحول والزهري والشافعي قال الشافعي ولا أحب ذلك وكره ذلك طائفة
قال وكان ممن لا يقبل ذلك ابن المسيب والقاسم بن محمد وبشر بن سعيد والثوري ومحمد بن
واسع وابن المبارك وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين
* قال المصنف رحمه الله *
(ويكره بيع العنب ممن يعصر الخمر والتمر ممن يعمل النبيذ وبيع السلاح ممن يعصى الله تعالى
به لأنه لا يأمن أن يكون ذلك معونة على المعصية فان باع منه صح البيع لأنه قد لا يتخذ الخمر
ولا يعصى الله تعالى بالسلاح) *
(الشرح) قال الشافعي رحمه الله في المختصر أكره بيع العصير ممن يعصر الخمر والسيف
بمن يعصى الله تعالى به ولا أنقض هذا البيع هذا نصه * قال أصحابنا يكره بيع العصير لمن عرف باتخاذ الخمر
والتمر لمن عرف باتخاذ النبيذ والسلاح لمن عرف بالعصيان بالسلاح فان تحقق اتخاذه لذلك خمرا ونبيذا وانه يعصى
بهذا السلاح ففي تحريمه وجهان حكاهما ابن الصباغ والمتولي والبغوي في شرح المختصر والروياني وغيرهم (أحدهما)
نقله الروياني والمتولي عن أكثر الأصحاب يكره كراهة شديدة ولا يحرم (وأصحهما) يحرم وبه قطع
الشيخ أبو حامد والغزالي في الاحياء وغيرهما من الأصحاب فلو باعه صح على الوجهين وإن كان
مرتكبا للكراهة أو التحريم قال الغزالي في الاحياء وبيع الغلمان المرد الحسان لمن عرف بالفجور بالغلمان
كبيع العنب للخمار قال وكذا كل تصرف يفضي إلى معصية *
353

(فرع) ذكرنا أن بيع السلاح لمن عرف عصيانه بالسلاح مكروه قال أصحابنا يدخل في
ذلك قاطع الطريق والبغاة (وأما) بيع السلاح لأهل الحرب فحرام بالاجماع ولو باعهم إياه لم
ينعقد البيع على المذهب الصحيح وبه قطع جماهير الأصحاب في الطريقتين ونقله امام الحرمين والغزالي
عن الأصحاب وحكينا وجها لهما والماوردي والشاسي والروياني شاذا أنه يصح مع أنه حرام قال الغزالي
هذا الوجه منقاس ولكنه غير مشهور *
واحتجوا للمذهب بأنهم يعدون السلاح لقتالنا فالتسليم
إليهم معصية فيصير بائعا ما يعجز عن تسليمه شرعا فلا ينعقد قال الماوردي والروياني هذان الوجهان مخرجان
من قول الشافعي في صحة بيع العبد المسلم الكافر قال الروياني فان صححناه امر بإزالة الملك فيه كما
في شرائه العبد المسلم والله سبحانه وتعالى أعلم * (وأما) بيع السلاح لأهل الذمة في دار الاسلام ففيه
طريقان (أحدهما) وبه قطع امام الحرمين والجمهور صحته لأنهم في أيدينا فهو كبيعه لمسلم (والثاني)
في صحته وجهان حكاهما المتولي والبغوي في كتابيه التهذيب وشرح المختصر والروياني وغيرهم (وأما)
بيع الحديد لأهل الحرب فاتفق الأصحاب على صحته لأنه لا يتعين لاستعماله في السلاح وقد يستعملونه
في آلات المهنة كالمساحي وغيرها وممن صحح المسألة وجزم بها امام الحرمين والبغوي في كتابيه
وآخرون والله سبحانه وتعالى أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز بيع المصحف ولا العبد المسلم من الكافر لأنه يعرض العبد للصغار والمصحف
للابتذال فان باعه منه ففيه قولان (أحدهما) أن البيع باطل لأنه عقد منع منه لحرمة الاسلام فلم يصح كتزويج
المسلمة من الكافر (والثاني) يصح لأنه سبب يملك به العبد الكافر فجاز أن يملك به العبد المسلم كالإرث (فإذا
قلنا) بهذا أمرناه بإزالة ملكه لان في تركه في ملكه صغارا على الاسلام * فان باعه أو أعتقه
جاز وان كاتبه ففيه قولان (أحدهما) يقبل منه لان بالكتابة يصير كالخارج من ملكه في
التصرفات (والثاني) لا يقبل لأنه عقدة لا يزيل الملك فلا يقبل منه كالتزويج والإجارة * فان ابتاع
الكافر أباه المسلم ففيه طريقان (أحدهما) أنه على القولين (والثاني) أنه يصح قولا واحد ا لأنه
يحصل له من الكمال بالحرية أكثر مما يلحقه من الصغار بالرق) *
(الشرح) قال أصحابنا رحمهم الله يتصور ملك الكافر عبدا مسلما وجارية مسلمة في صور
(منها) أن يسلم عبده أو أمته فلا يزول ملكه بنفس الاسلام بلا خلاف لكن يؤمر بإزالة الملك
354

(ومنها) لو أسلم عبده فمات السيد قبل أن يزيل ملكه عنه وورثه أقاربه الكفار فدخل في ملكهم
هذا العبد المسلم بلا خلاف ويؤمرون بإزالة الملك كما ذكرنا (وأما) إذا اشترى الكافر عبدا مسلما
من مسلم أو غيره فهذا البيع حرام بلا خلاف وفي صحته قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما
وقد صرح المصنف بان القولين إنما هما في صحة البيع وإنما التحريم بلا خلاف وكذا صرح به
الدارمي والأصحاب ونقل الروياني في البحر اتفاق الأصحاب عليه وإنما الخلاف في صحة البيع قال أصحابنا
القول ببطلان البيع هو نصه في الاملاء والقول بصحته هو نصه في الام وغيره قال الشيخ أبو حامد
في تعليقه والروياني في البحر القول بالصحة هو نصه في عامة كتبه واختلفوا في الأصح من القولين
فصحح الشيخ أبو حامد في تعليقه وصاحب البيان القول بالصحة وصحح الجمهور قول البطلان وهو
الصحيح ممن صححه المصنف في التنبيه والجرجاني في التحرير والبغوي والغزالي وصاحب الانتصار
والرافعي وآخرون قال أصحابنا ويجرى القولان في تملكه العبد المسلم بالسلم والهبة والوصية ونحوها
والأصح أنه لا يملك في الجميع قال المتولي والروياني القولان في الوصية إنما هما إذا قلنا يملك بالقبول
(وان قلنا) بالموت ملك بلا خلاف كالإرث (أما) إذا اشترى الكافر مصحفا ففيه طريقان
مشهوران (أحدهما) وبه قطع المصنف وجماعة انه على القولين كالعبد (أصحهما) أنه لا يصح البيع
(والثاني) يصح (والطريق الثاني) القطع بأنه لا يصح البيع وقطع به جماعة وصححه آخرون والخلاف
إنما هو في صحة البيع ولا خلاف انه حرام * وفرق الأصحاب بين المصحف والعبد على الطريق
السابق بان المصحف لا يدفع عن نفسه الامتهان والابتذال بخلاف العبد * واتفق الأصحاب على أن
بيع كتب حديث النبي صلى الله عليه وسلم حكم بيع المصحف في هذا فيحرم بيعها لكافر وفى صحته الطريقان *
قال أصحابنا وحكم كتب الفقه التي فيها آثار السلف حكم المصحف في هذا هو الصحيح المشهور
وشذ الماوردي عن الأصحاب فقال بيع كتب الحديث والفقه للكافر صحيح وفى أمره بإزالة ملكه
عنه وجهان (والمذهب الأول) قال أصحابنا ويملك الكافر المصحف وكتب الحديث والفقه بالإرث
بلا خلاف إلا على الوجه الشاذ الذي حكيناه عن الماوردي في الحديث والفقه وهو وجه باطل *
(فرع) إذا اشترى الكافر من يعتق عليه كأبيه وابنه وأمه وجدته فطريقان مشهوران
ذكرهما المصنف والأصحاب بدليلهما (أحدهما) على القولين (وأصحهما) الصحة قطعا قال أصحابنا
ويجرى هذا الخلاف في كل شراء يستعقب عتقا كقول الكافر لمسلم أعتق عبدك المسلم عني
355

بعوض أو بغير عوض فيجيبه إلى ذلك وكذا لو أقر الكافر بحرية عبد مسلم في يد غيره ثم اشتراه
(والمذهب) الصحة في الجميع ورتب إمام الحرمين الخلاف في هاتين الصورتين على الخلاف في شراء
القريب وقال الصورة الأولى أولى بالصحة من مسلم القريب لان الملك فيها ضمني والثانية أولى
بالمنع لان العتق فيها وان حكم به فهو ظاهر غير محقق بخلاف القريب (أما) إذا اشترى الكافر
عبدا مسلما بشرط الاعتاق وصححنا الشراء بهذا الشرط وهو المذهب فطريقان حكاهما المتولي
والروياني وآخرون (المذهب) أنه كما لو اشتراه مطلقا لان العتق لا يحصل بنفس الشراء (والثاني)
أنه كشراء القريب والله سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) لو اشترى الكافر كافرا فاسلم قبل قبضه فهل يبطل بيعه فيه وجهان (أحدهما)
نعم كمن اشترى عصيرا فتخمر قبل قبضه (وأصحهما) لا كمن اشترى عبدا فابق قبل قبضه وممن
ذكر المسألة بدليلها إمام الحرمين والغزالي والمتولي والروياني والرافعي وغيرهم قالوا (فان قلنا)
لا يبطل فهل يقبضه المشترى أم ينصب القاضي من يقبضه عنه بأمره بإزالة الملك فيه وجهان وقطع
القفال في فتاويه بأنه لا يبطل ويقبضه القاضي عنه وهذا هو الأصح وصححه الرافعي ورجحه إمام
الحرمين وغيره قال الامام فعلى هذا يثبت للمشترى الخيار في فسخ البيع لان تعذر استمرار الملك
فيه ودوام اليد عليه ليس بأقل من إباق العبد قال الامام ولا وجه للانفساخ إذا كان البائع كافرا
أيضا لأنه ينقلب من كافر إلى كافر والله سبحانه أعلم *
(فرع) لو وكل الكافر مسلما ليشتري له عبدا مسلما لم يصح التوكيل ولا الشراء له بلا
خلاف إذا قلنا لا يصح شراء الكافر بنفسه ولو وكل مسلم كافرا ليشترى له عبدا مسلما فان
سمى الموكل في الشراء صح قطعا والا فوجهان مبنيان على الوجهين في أن العقد يقع أولا للموكل أم
للوكيل ثم ينتقل إلى الموكل (أصحهما) للموكل فيصح هنا (والثاني) للوكيل فلا يصح وممن ذكر
الفرع امام الحرمين وآخرون *
(فرع) لو اشترى الكافر مرتدا وقلنا لا يصح شراؤه مسلما ففي صحة شرائه المرتد وجهان
حكاهما امام الحرمين وآخرون (الأصح) لا يصح له لبقاء علقة الاسلام قال الامام هما مبنيان على الخلاف
فيما إذا قتل المرتد ذميا هل يقتل به *
(فرع) لو كان للكافر عبد مسلم ورثه أو أسلم عنده فباعه بثوب ثم وجد بالثوب عيبا
356

فهل له رد الثوب بالعيب واسترداد العبد فيه ثلاثة أوجه (أصحها) له ذلك ثم يؤمر بإزالة الملك في
العبد (والثاني) ليس له ذلك كيلا يدخل المسلم في ملكه باختياره (والثالث) يرد الثوب ولا
يرجع في العبد بل يسترد قيمته ويصير كالتالف وممن ذكر الخلاف في رد الثوب امام الحرمين والغزالي
فالصواب القطع بجواز رد الثوب وبه جزم البغوي والمتولي وآخرون ونقل المتولي اتفاق الأصحاب
عليه (أما) إذا وجد مشترى العبد عيبا ففي رده واسترداده الثوب طريقان حكاهما امام الحرمين
وغيره (أحدهما) ونسبه امام الحرمين إلى بعض المحققين القطع بالجواز لان ملك الكافر له هنا يقع
بغير اختياره (والثاني) أنه على الوجهين وبه قال الشيخ أبو محمد لأنه كما يمنع الكافر من تملكه
يمنع المسلم من تمليكه إياه ويرجع بأرش العيب *
(فرع) إذا صححنا شراء الكافر عبدا مسلما أو مصحفا فان علم الحاكم به قبل القبض
فهل يمكنه من القبض أم ينصب من يقبض فيه ثلاثة أوجه حكاها الروياني وغيره (أصحها)
عنده يمكن (والثاني) لا يمكن بل يؤمر بأن يوكل مسلما يقبضه (والثالث) ينصب القاضي من
يقبضه وإذا حصل القبض أو علم به بعد القبض ألزمه إزالة الملك كما سنذكره في الفرع بعده إن
شاء الله تعالى *
(فرع) إذا كان في يد الكافر عبد كافر فأسلم لم يزل ملكه عنه بلا خلاف ولكن
لا يقر في يده بل يؤمر بإزالة ملكه عنه ببيع أو هبة أو عتق أو غيرهما ولا يكفي الرهن والتزويج
والإجارة والحيلولة وفى الكتابة قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما وحكاهما إمام الحرمين
والغزالي وجماعة وجهين (أصحهما) باتفاقهم الاكتفاء بها وتكون كتابة صحيحة (وان قلنا)
لا تكفى فوجهان (أحدهما) أنها كتابة فاسدة فيباع العبد (والثاني) أنها صحيحة ثم إن جوزنا
بيع المكاتب بيع مكاتبا والا فسخت الكتابة وبيع * قال أصحابنا ولو امتنع من إزالة ملكه
باعه الحاكم عليه بثمن مثله كما يبيع مال من امتنع من أداء الحق قال إمام الحرمين والأصحاب
فإن لم يجد مشتريا بثمن مثله صبر إلى أن يوجد وحال بينه وبينه ويتكسب لمالكه وتؤخذ نفقته
منه (واما) إذا أسلمت مستولدة كافر فلا سبيل إلى نقلها إلى غيره ببيع ولا هبة ولا نحوهما هذا
هو المذهب وبه قطع الجمهور وفيه وجه حكاه الرافعي وهو شاذ مردود * وهل يجبر على اعتاقها
فيه وجهان (الصحيح) المنصوص الذي قطع به كثيرون أو الأكثرون لا يجبر بل يحال بينهما وينفق
357

عليها وتتكسب له في يد مسلم (والثاني) حكاه إمام الحرمين والغزالي وغيرهما أنه يجبر على اعتاقها
وذكره المصنف في التنبيه احتمالا وهو ضعيف شاذ * ولو مات كافر قد أسلم عبده في يده صار لوارثه
وأمر بما كان يؤمر به مورثه فان امتثل والا بيع عليه والله سبحانه أعلم *
(فرع) قال المحاملي في اللباب لا يدخل عبد مسلم في مال كافر أبدا الا في ست مسائل
(إحداها) بالإرث (والثانية) يسترجعه بافلاس المشترى (الثالثة) يرجع في هبته لولده (الرابعة)
إذا رد عليه بعيب (الخامسة) إذا قال لمسلم أعتق عبدك عني فأعتقه وصححناه (السادسة) إذا
كاتب عبده الكافر فأسلم العبد ثم عجز عن النجوم فله تعجيزه وهذه السادسة غلط فان
المكاتب لا يزول الملك فيه ليتجدد بالتعجيز وترك سابعة وهي إذا اشترى من يعتق عليه وصححناه
والله سبحانه أعلم *
(فرع) قال المتولي والروياني إذا صححنا هبة العبد المسلم لكافر فعلم القاضي به قبل
القبض منعه لأنها لا تلزم قبل القبض هذا كلامهما وفيه نظر وينبغي أن يكون قبضه كقبضه من
اشتراه ثم يؤمر بإزالة الملك *
(فرع) قال المتولي والروياني إذا باع الكافر عبده المسلم ثم تقايلا (فان قلنا)
الإقالة بيع لم يصح والا فوجهان كما سبق في مسألة بيعه بثوب معيب *
(فرع) قال المتولي والبغوي والروياني إذا باع الكافر عبده المسلم بشرط الخيار فالبيع صحيح
لان ملكه يزول بنفس البيع في قول وفى قول هو معرض للزوال فان أراد فسخ البيع (فان قلنا)
الملك في زمان الخيار للبائع صح الفسخ لكن ان كثر ذلك منه ألزمه القاضي أن يبيعه بيعا ماضيا
لان هذا ليس بابتداء تملك وإنما هو منع من الزوال (وان قلنا) بزوال الملك في المبيع بنفس العقد
ففي تمكينه من الفسخ وجهان كالوجهين في مسألة العبد بالثوب المعيب *
(فرع) قال الروياني لو اشترى الكافر عبدا كافرا بشرط الخيار فأسلم في مدة الخيار قال والذي
يحتمل قولين (أحدهما) يبطل البيع (والثاني) لا بل لهما الفسخ والإجارة فان أجازا ألزم المشتري
بإزالة ملكه *
(فرع) قال الروياني قال أصحابنا لا يكره للمسلم بيع عبده الكافر لكافر سواء كان العبد
358

صغيرا أو كبيرا قال بغض أصحابنا لكن الأولى ألا يبيعه الصغير وقال أبو حنيفة يكره بيعه الصغير وقال
أحمد لا يجوز لأنه ينشأ على دين مالكه *
(فرع) قال أصحابنا يجوز أن يستأجر الكافر مسلما على عمل في الذمة بلا خلاف كما يجوز للمسلم أن يشترى منه
شيئا بثمن في الذمة وهل يجوز للمسلم أن يؤجر نفسه لكافر إجارة على عينه فيه طريقان مشهوران ذكرهما
المصنف في أول كتاب الإجارة (أصحهما) الجواز (والثاني) على قولين وبعضهم يحكيهما وجهين واتفقوا على
أن الأصح الجواز سواء كان المسلم حرا أو عبدا الا الجرجاني فصحح البيع والمذهب الجواز لكن
نص الشافعي والأصحاب على أنه يكره ذلك * فإذا صححناها فهل يؤمر بإزالة ملكه عن المنافع
بأن يؤجره مسلما فيه وجهان حكاهما امام الحرمين وآخرون (أصحهما)
يؤمر وبه قطع
الشيخ أبو حامد *
(فرع) اتفق الأصحاب على جواز ايداع العبد المسلم عند كافر وأما إعارته إياه فقد جزم
امام الحرمين والغزالي والرافعي وغيرهم بجوازه وهو الصحيح * وقطع المصنف في باب العارية من
المهذب والتنبيه والجرجاني في التحرير وصاحب البيان بأنه لا يجوز وهذا ضعيف * (والمذهب)
الأول لأنهم ذكروا أن الأصح في الإجارة على عينه الجواز فالإعارة أولى لأنها عقد جائز
يرجع فيها متي شاء ولا يملك المستعير المنافع بل يستنتجها شيئا فشيئا بخلاف الإجارة والله
سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) لو رهن المسلم عبده المسلم أو المصحف عند كافر ففي صحته طريقان ذكرهما المصنف
في كتاب الرهن بدليلهما (أحدهما) القطع بصحته (والثاني) على قولين كبيعه واتفق
الأصحاب على أن الأصح صحة رهنه فعلى هذا يوضع في يد عدل مسلم والله سبحانه أعلم *
(فرع) قال البغوي في التهذيب في آخر كتاب الهدية وهناك ذكر مسألة بيع المسلم
لكافر قال لو كان بين مسلم وكافر عبد مسلم مشترك بينهما فاعتق الكافر نصيبه وهو موسر
سرى إلى نصيب المسلم وعتق على الكافر سواء قلنا تحصل السراية بنفس الاعتاق أم بدفع القيمة
لأنه يقوم عليه شرعا لا باختياره فهو كالإرث *
(فرع) في مذاهب العلماء في بيع العبد المسلم لكافر * قد ذكرنا أن الأصح من مذهبنا
359

بطلانه وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة يصح ونقله الروياني عن جمهور العلماء * وعن مالك روايتان
كالمذهبين * احتج أبو حنيفة بالقياس على الإرث * واحتج أصحابنا باجماع المسلمين أنه لا يقر ملكه
على مسلم وسبب ذلك ما فيه من اثبات السلطنة والسبيل لكافر على مسلم وقد قال الله تعالى (ولن
يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) ويخالف الإرث فإنه ملك قهري والله سبحانه وتعالى أعلم *
* قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز بيع الجارية الا حملها لأنه يتبعها في البيع والعتق فلا يجوز بيعها دونه كاليد والرجل
ولا يجوز أن يفرق بين الجارية وولدها في البيع قبل سبع سنين لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا توله والدة بولدها) وقال عليه السلام (من فرق بين والدة وولدها
فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة (وإن فرق بينهما بالبيع بطل البيع لأنه تفريق محرم في البيع
فأفسد البيع كالتفريق بين الجارية وحملها * وهل يجوز بعد سبع سنين إلى البلوغ فيه قولان (أحدهما)
لا يجوز لعموم الاخبار ولأنه غير بالغ فلا يجوز التفريق بينه وبين أمه في البيع كما لو كان دون
سبع سنين (والثاني) يجوز لأنه مستغن عن حضانتها فجاز التفريق بينهما كالبالغ) *
(الشرح) حديث أبي سعيد الخدري والحديث الآخر سنوضحهما مع غيرهما من الأحاديث
الواردة في هذا في فرع بعد بيان الأحكام إن شاء الله تعالى (أما) الأحكام ففي الفصل
مسألتان (إحداهما) لا يجوز بيع الجارية والبقرة وغيرهما من الحيوان دون حملها وقد سبقت المسألة
واضحة بفروعها في مسألة بيع الحيوان بشرط أنه حامل (المسألة الثانية) قال الشافعي والأصحاب
رحمهم الله تعالى يحرم التفريق بين الجارية وولدها الصغير بالبيع والقسمة والهبة ونحوها بلا خلاف
ولا يحرم التفريق بينهما في العتق بلا خلاف وتجوز الوصية على المذهب وقال المتولي والروياني
فيه قولان وطرداهما في الوصية بالحمل هل يصح أم لا (والمذهب) الصحة والجواز في صورتي الحمل
والولد * وفى التفريق بينهما في الرد بالعيب وجهان وقال الشيخ أبو إسحاق المصنف في كتابه في
الخلاف لو اشترى جارية وولدها الصغير ثم تفاسخا البيع في أحدهما جاز وأما التفريق بينهما في
الرهن ففيه تفصيل يذكر في كتاب الرهن إن شاء الله تعالى حيث ذكره المصنف والأصحاب
وإذا فرق بين الجارية وولدها الصغير في البيع والهبة ونحوهما ففي صحة العقد طريقان (أحدهما)
القطع ببطلانه لأنه تفريق محرم فهو معجوز عن تسليمه شرعا وبهذا الطريق قطع المصنف وجماهير
360

العراقيين (والثاني) حكاه الخراسانيون فيه قولان وبعضهم يقول وجهان (أصحهما) وهو الجديد
بطلان العقد وبه قال أبو يوسف (والقديم) صحته وقال أبو حنيفة قال الإمام أبو الفرج الرار - براءين
معجمتين - الخلاف إنما هو في التفريق بعد أن يسقيه اللباء أما قبله فلا يصح بلا خلاف هذا حكم
التفريق في الصغر وهو ما قبل سن التمييز وهو نحو سبع سنين أو ثمان تقريبا * وفيما بعد التمييز إلى
البلوغ قولان (أصحهما) يكره ولا يحرم وهو الذي نص عليه في رواية المزني وفى سير الواقدي
(والثاني) يحرم حتى يبلغ فعلى هذا في صحته الطريقان (وأما) التفريق بعد البلوغ فلا يحرم بلا
خلاف ولكن يكره باتفاق الأصحاب *
(فرع) لو كانت الام رقيقة والولد حرا أو بالعكس لم يحرم بيع الرقيق منهما بلا
خلاف للضرورة *
(فرع) إذا قلنا بالضعيف إنه يصح بيع الام دون ولدها قال الماوردي لا يقر المتبايعان
على التفريق بينهما بل يقال لهما تراضيتما ببيع ملك أحدكما للآخر فذاك وإلا فسخ البيع وقال
ابن كج يقال للبائع تتطوع بتسليم الآخر أو تفسخ البيع فان تطوع فامتنع المشترى من القبول
فسخ البيع *
(فرع) لو رضيت الام بالتفريق لم يزل التحريم على المذهب الصحيح رعاية لحق الولد
وحكى الرافعي وجها شاذا أنه يزول *
(فرع) اتفق أصحابنا على أن أم الام عند عدم الام كالأم في التفريق بينها وبين ولد
بنتها فلو كان له أم وجدة فان بيع مع الام فلا يحرم وان بيع مع الجدة وقطع عن الام ففي تحريمه
قولان (الصحيح) المشهور تحريمه لأنه تفريق بينه وبين أمه * ولو كان له أب وأم حرم التفريق
بينه وبين الام ولا يحرم بينه وبين الأب لان حق الام آكد ولهذا قدمت عليه في الحضانة * ولو
كان له أب ولا أم له حرم التفريق بينه وبين الأب على الصحيح من القولين وقيل من الوجهين
(والثاني) لا يحرم لما ذكرناه من ضعف مرتبة عن مرتبة الام وفى التفريق بينه وبين الأجداد
والجدات من جهة الأب ومن جهة الام إذا لم يكن أب ولا أم ثلاثة أوجه (أحدها) يحرم (والثاني)
يجوز (والثالث) يجوز بينه وبين الأجداد دون الجدات لأنهن أصلح للتربية وأشد حزنا لفراقه
(واما) التفريق بينه وبين سائر المحارم كالأخ والعم وبنيهما والخال وغيرهم (فالمذهب) أنه يكره
361

ولا يحرم وبه قطع الجمهور (والثاني) فيهم وجهان كالأب حكاه الرافعي *
(فرع) قال أصحابنا التفريق بين البهيمة وولدها بعد استغنائه عن اللبن إن كان لغرض
مقصود كالذبح جاز والا فهو مكروه ولا يحرم على المذهب وبه قطع جماهير الأصحاب وحكى
الصيمري وصاحب البيان والرافعي فيه وجها شاذا أنه حرام والله سبحانه أعلم *
(فرع) في بيان الأحاديث الواردة في المسألة (منها) عن أبي أيوب رضي الله عنه قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة)
رواه الترمذي وقال حديث حسن * وعن الحجاج بن أرطأة عن الحكم عن ميمون بن أبي شبيب
عن علي رضي الله عنه قال (وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامين أخوين فبعت أحدهما
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي ما فعل غلامك فأخبرته فقال رده) رواه الترمذي
وابن ماجة وآخرون قال الترمذي حديث حسن وليس بمقبول منه لان مداره على الحجاج بن
أرطاة وهو ضعيف ولأنه مرسل فان ميمون بن أبي شبيب لم يدرك عليا رضي الله عنه وقد ضعف
البيهقي هذا الحديث * وعن أبي موسى رضي الله عنه قال (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من
فرق بين الوالد وولده وبين الأخ وأخيه) وراه ابن ماجة والدار قطني باسناد ضعيف * وعن ميمون بن أبي
شبيب عن علي رضي الله عنه (أنه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم
ورد البيع) رواه أبو داود وقال ميمون لم يدرك عليا * وعن حسين بن عبد الله بن ضمرة عن أبيه عن جده
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يفرق بين والدة وولدها) رواه البيهقي وهو حديث ضعيف
وحسين بن عبد الله هذا مجمع على ضعفه * وعن جابر الجعفي عن عبد الرحمن بن الأسود عن ابن
مسعود (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى بالشئ أعطى أهل البيت جميعا وكره أن يفرق
بينهم) رواه البيهقي وقال تفرد به جابر هذا وهو ضعيف مشهور بالضعف * وعن عبادة بن الصامت
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن التفريق بين الام وولدها حتى يبلغ الغلام وتحيض
الجارية) رواه الدارقطني وضعفه فان أحد رواته عبد الله بن عمرو بن حسان وهو كذاب وقد انفرد به
وعن سلمة بن الأكوع قال (غزونا فزارة وعلينا أبو بكر أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم
علينا فلما كان بيننا وبين الماء ساعة أمرنا أبو بكر فعرسنا ثم شن الغارة فورد الماء فقتل من
قتل عليه وانظر إلى عنق من الناس فيهم الدراري فخشيت أن يسبقوني إلى الخيل فرميت
362

بسهم بينهم وبين الخيل فلما رأوا السهم وقفوا فجئت بسهم أسوقهم وفيهم امرأة من بنى فزارة معها
بنت لها من أحسن العرب فسقتهم حتى أتيت بهم أبا بكر فنفلني ابنتها فقدمنا المدينة وما كشفت لها ثوبا
فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق فقال يا سلمة هب لي المرأة فقلت يا رسول الله أعجبتني
وما كشفت لها ثوبا ثم لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا سلمة هب لي المرأة فقلت هي
لك يا رسول الله فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ففدا بها ناسا من المسلمين
كانوا أسروا بمكة) رواه مسلم وفيه دلالة للتفريق بين المرأة وولدها بعد البلوغ والله سبحانه
وتعالى أعلم *
(باب ما يفسد البيع من الشروط وما لا يفسده)
* قال المصنف رحمه الله *
(إذا شرط في البيع شرطا نظرت فإن كان شرطا يقتضيه البيع كالتسليم والرد بالعيب وما
أشبههما لم يبطل العقد لان شرط ذلك بيان لما يقتضيه العقد فلم يبطله فان شرط ما لا يقتضيه العقد
ولكن فيه مصلحة كالخيار والأجل والرهن والضمين لم يبطل العقد لان الشرع ورد بذلك على
ما نبينه في مواضعه إن شاء الله وبه الثقة ولان الحاجة تدعو إليه فلم يفسد العقد * فان شرط عتق العبد
المبيع لم يفسد العقد لان عائشة رضي الله عنها اشترت بريرة لتعتقها فأراد أهلها ان يشترطوا ولاءها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق) وان اشتراه بشرط العتق فامتنع من
اعتاقه ففيه وجهان (أحدهما) يجبر عليه لأنه عتق مستحق عليه فإذا امتنع أجبر عليه كما لو نذر عتق
عبد ثم امتنع من إعتاقه (والثاني) لا يجبر بل يثبت للبائع الخيار في فسخ البيع لأنه ملكه بالعوض
وإنما شرط للبائع حقا فإذا لم يف ثبت للبائع الخيار كما لو اشترى شيئا بشرط أن يرهن بالثمن رهنا
فامتنع من الرهن فان رضى البائع باسقاط حقه من العتق ففيه وجهان (أحدهما) لا يسقط لأنه عتق
مستحق فلا يسقط باسقاط الآدمي كالمنذور (والثاني) أنه يسقط لأنه حق شرطه البائع لنفسه فسقط
باسقاطه كالرهن والضمين وان تلف العبد قبل العتق ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه ليس للبائع
الا الثمن لأنه لم يفقد أكثر من العتق (والثاني) يأخذ الثمن وما نقص من الثمن بشرط العتق
فيقوم من غير شرط العتق ثم يقوم مع شرط العتق ويجب ما بينهما من الثمن (والثالث) أنه
363

يفسخ العقد لان البائع لم يرض بهذا الثمن وحده والمشترى لم يلتزم أكثر من هذا الثمن فوجب
أن يفسخ العقد) *
(الشرح) حديث عائشة رواه البخاري ومسلم وبريرة - بفتح الباء الموحدة - وهي بريرة
بنت صفوان مولاة عائشة رضي الله عنها روت حديثا واحدا (قوله) عتق مستحق عليه احتراز
ممن نذر عتقا على وجه اللجاج ثم اختار كفارة اليمين بالاطعام وممن وعد العبد أنه يعتقه (أما)
الأحكام فقال أصحابنا الشروط خمسة أضرب (أحدها) ما هو من مقتضى العقد بان باعه بشرط
خيار المجلس أو تسليم المبيع أو الرد بالعيب أو الرجوع بالعهدة أو انتفاع المشترى به كيف شاء وشبه
ذلك فهذا لا يفسد العقد بلا خلاف لما ذكره المصنف ويكون شرطه توكيدا وبيانا لمقتضاه (الضرب
الثاني) أن يشترط ما لا يقتضيه اطلاق العقد لكن فيه مصلحة للعاقد كخيار الثلاث والأجل والرهن
والضمين والشهادة ونحوها وكشرط كون العبد المبيع خياطا أو كاتبا ونحوه فلا يبطل العقد أيضا
بلا خلاف بل يصح ويثبت المشروط (الضرب الثالث) ان يشترط ما لا يتعلق به غرض يورث
تنازعا كشرط ألا يأكل الا الهريسة أو لا يلبس الا الخز أو الكتان قال امام الحرمين وكذا لو شرط
الاشهاد بالثمن وعين شهودا وقلنا لا يتعينون فهذا الشرط لا يفسد العقد بل يلغو ويصح البيع هذا
هو المذهب وبه قطع إمام الحرمين والغزالي ومن تابعهما وقال المتولي لو شرط التزام ما ليس بلازم
بأن باع بشرط أن يصلى النوافل أو يصوم غير رمضان أو يصلى الفرائض في أول أوقاتها بطل
البيع لأنه ألزم ما ليس بلازم قال الرافعي مقتضى هذا فساد العقد في مسألة الهريسة ونحوها والله
سبحانه وتعالى أعلم (الضرب الرابع) أن يبيعه عبدا أو أمة بشرط أن يعتقه المشترى ففيه ثلاثة أقوال
(الصحيح) المشهور الذي نص عليه الشافعي في معظم كتبه وقطع به المصنف وأكثر الأصحاب أن
البيع صحيح والشرط لازم يلزم الوفاء به (والثاني) يصح البيع ويبطل الشرط فلا يلزمه عتقه
(والثالث) يبطل الشرط والبيع جميعا كغيره من الشروط والمذهب صحتهما وعليه التفريع
قال أصحابنا وإذا صححناه فصورته إذا شرط أن يعتقه المشترى عن نفسه أو أطلق اشتراط عتقه
(أما) إذا باعه بشرط ان يعتقه المشترى عن البائع فالبيع باطل قطعا قال أصحابنا وإذا شرط العتق
للمشترى أو أطلق ففي العتق المشروط وجهان (أصحهما) انه حق لله تعالى كالعتق الملتزم بالنذر
(والثاني) أنه حق للبائع وقد أشار المصنف إلى دليلهما (فان قلنا) إنه حق للبائع فله مطالبة المشترى
364

به بلا خلاف (وان قلنا) حق لله تعالى فللبائع مطالبته أيضا على أصح الوجهين وان امتنع
من الاعتاق (فان قلنا) الحق لله تعالى أجبر عليه المشترى قطعا (وان قلنا) للبائع لم يجبر بل يجبر
البائع في فسخ البيع (وإذا قلنا) بالاجبار قال المتولي يخرج على الخلاف في المولى إذا امتنع من
الطلاق ومن الفيئة ففي قول يعتقه القاضي وفى قول يحبسه حتى يعتقه وذكر إمام الحرمين احتمالين
(أحدهما) تخريجه على القولين كما قال المتولي (والثاني) يتعين الحبس (قلت) ويحتمل أن يجزم
بان يعتقه القاضي كما إذا توجه عليه بيع ماله في دين فامتنع فان القاضي يبيعه في وفاء الدين (أما)
إذا أسقط البائع حق الاعتاق (فان قلنا) الحق لله تعالى لم يصح اسقاطه (وان قلنا) للبائع صح
إسقاطه كما لو شرط رهنا أو كفيلا ثم عفا عنه فإنه يسقط على المذهب وبه قطع الجمهور وفيه وجه
ضعيف للشيخ أبى محمد الجويني أن شرط الرهن والكفيل لا يصح إفراده بالاسقاط كالأجل * قال
أصحابنا ومتى أعتقه المشترى فالولاء له قطعا سواء قلنا الحق فيه لله تعالى أم للبائع لأنه أعتق ملكه
هذا إذا أعتقه المشترى مجانا فلو أعتقه عن كفارة عليه (فان قلنا) الحق فيه لله تعالى أو للبائع ولم
يأذن لم يجزئه (وإن قلنا) له واذن فوجهان (أصحهما) يجزئه عن الكفارة وعن أداء حق العتق
(والثاني) لا يجزئه والله سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) قال أصحابنا يجوز استخدام العبد والأمة اللذين اشتراهما بشرط العتق قبل
حصول العتق ويجوز الوطئ وتكون أكسابهما للمشترى لأنهما على ملكه قبل العتق ولو قتلا
كانت القيمة للمشترى ولا يكلف صرفها إلى عتق غيرهما * ولو أجره قال الدارمي يحتمل وجهين
(أصحهما) بطلان الإجارة *
(فرع) لو باعه لآخر بشرط أن يعتقه الثاني فوجهان (الصحيح) المشهور لا يصح البيع
(والثاني) يصح البيع والشرط * ولو أولد الجارية لم تجزئه عن الاعتاق على الصحيح وبه قطع الجمهور
وفيه وجه شاذ *
(فرع) لو مات هذا العبد قبل اعتاقه ففيه أربعة أوجه منها ثلاثة مشهورة ذكرها
المصنف بأدلتها (أصحها) ليس على المشترى إلا الثمن المسمي لأنه لم يلتزم غيره (والثاني) يلزمه
مع المسمى قدر التفاوت بمثل نسبته من المثل بان يقال قيمته من غير شرط العتق مائة وبشرطه تسعون فيجب قدر
عشر المسمى مضافا إلى المسمي (والثالث) ينفسخ البيع ويلزم المشترى قيمة العبد لفواته في يده
365

ويرجع بالثمن (والرابع) للبائع الخيار إن شاء أجاز العقد ولا شئ له غير المسمى وان شاء فسخه ورد
الثمن ورجع بقيمة العبد * ثم هذه الأوجه هل هي مفرعة على أن العتق للبائع أم مطردة سواء قلنا له
أو لله تعالى فيه احتمالان لإمام الحرمين (أصحهما) الثاني وهو مقتضى كلام الأصحاب وإطلاقهم
(فرع) لو اشتراه بشرط أن يدبره أو يكاتبه أو يعتقه بعد شهر أو سنة أو يعلق عتقه أو
اشترى دارا بشرط أن يقفها فطريقان (أصحهما) القطع ببطلان البيع (والثاني) أنه على الخلاف
في شرط الاعتاق *
(فرع) جميع ما سبق هو فيما إذا شرط العتق ولم يتعرض للولاء أو شرطا كونه للمشتري
(فأما) إذا شرطاه للبائع فالمذهب بطلان البيع وبه قطع الجمهور لأنه منابذ لقوله صلى الله عليه وسلم (إنما الولاء
لمن أعتق) وحكى جماعة قولا شاذا أنه يصح البيع ويلغو شرط الولاء وحكاه الدارمي وجها للإصطخري
وحكى إمام الحرمين وجها باطلا أنه يصح البيع ويصح أيضا شرط الولاء للبائع قال الرافعي لا يعرف
هذا الوجه لغير الامام ولو اشتراه بشرط الولاء للبائع دون اشتراط الاعتاق بان قال بعتكه
بشرط أن يكون الولاء لي ان أعتقته فالبيع باطل بلا خلاف ذكره المتولي والرافعي *
(فرع) لو اشترى أباه أو ابنه بشرط أن يعتقه قال القاضي حسين البيع باطل بلا خلاف
لتعذر الوفاء بالشرط فإنه يعتق عليه بمجرد الملك فلا يتصور اعتاقه وحكى الرافعي هذا عن القاضي
وسكت عليه موافقة وفيه نظر ويحتمل أن يصح البيع ويكون شرط الاعتاق توكيدا للمعنى فان
مقصود الشرط تحصيل الاعتاق وهو حاصل هنا *
(فرع) لو اشترى جارية حاملا بشرط العتق فولدت ثم أعتقها فهل يتبعها الولد فيه
وجهان حكاهما ابن كج (الأصح) لا يتبعها قال الدارمي هما مبنيان على أن الحمل هل له حكم أم لا
والأصح ان له حكم فلا يتبعها *
(فرع) لو باع عبدا بشرط أن يبيعه المشترى بشرط العتق فالمذهب بطلان هذا البيع وبه
قطع الجمهور وحكى ابن كج عن ابن القطان ان في صحته وجهين وهذا شاذ ضعيف *
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن باع عبدا بشرط العتق * قد ذكرنا ان الصحيح المشهور من
مذهبنا صحة البيع والشرط وبه قال النخعي وأحمد وغيرهما وقال ابن أبي ليلى وأبو ثور البيع
صحيح والشرط باطل وقال أبو حنيفة وصاحباه البيع فاسد لكن لو أعتقه بعد عتقه لزمه الثمن عند
366

أبي حنيفة والقيمة عند صاحبيه وهو عندهم مملوك للمشترى ملكا ضعيفا كما قالوا في غيره من البيوع
الفاسدة واحتجوا بحديث النهى عن بيع وشرط وبحديث (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)
وسنوضحهما قريبا إن شاء الله تعالى * واحتج أصحابنا بحديث عائشة في قصة بريرة رضي الله عنهما فان
النبي صلى الله عليه وسلم أذن لها في شرائها بشرط العتق (فان قيل) إنما كان بشرط الولاء (قلت)
الولاء يتضمن اشتراط العتق (فان قيل) فبريرة كانت مكاتبة والمكاتب لا يصح بيعه على الصحيح
(قلنا) هو محمول على أنها عجزت نفسها وفسخ أهلها الكتابة ولان للعتق قوة سراية فاحتمل اشتراطه
في البيع بخلاف غيره (واما) الحديثان اللذان احتجوا بهما فعامان مخصوصان بما ذكرناه *
* قال المصنف رحمه الله *
(فان شرط ما سوى ذلك من الشروط التي تنافى مقتضى البيع بان عبدا بشرط أن لا يبيعه
أو لا يعتقه أو باع دارا بشرط أن يسكنها مدة أو ثوبا بشرط أن يخيطه له أو فلعة بشرط أن يحذوها
له بطل البيع لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن بيع وشرط) وروى (أن عبد الله
ابن مسعود اشترى جارية من امرأته زينب الثقفية وشرطت عليه أنك ان بعتها فهي لي بالثمن
فاستفتى عبد الله عمر رضي الله عنهما فقال لا تقربها وفيها شرط لاحد) وروى أن عبد الله اشترى
جارية واشترط خدمتها فقال له عمر رضي الله عنه لا تقربها وفيها مثنوية ولأنه شرط لم يبن على
التغليب ولا هو من مقتضى العقد ولا من مصلحته فأفسد العقد كما لو شرط أن لا يسلم إليه المبيع
فان قبض المبيع لم يملكه لأنه قبض في عقد فاسد فلا يوجب الملك كالوطئ في النكاح الفاسد فإن كان
باقيا وجب رده وان هلك ضمنه بقيمته أكثر ما كانت من حين القبض إلى حين التلف ومن
أصحابنا من قال يضمن قيمته يوم التلف لأنه مأذون في امساكه فضمن قيمته يوم التلف كالعارية
وليس بشئ لأنه قبض مضمون في عين يجب ردها فإذا هلكت ضمنها بأكثر ما كانت من حين
القبض إلى حين التلف كقبض الغاصب ويخالف العارية فان العارية مأذون في اتلاف منافعها ولان في العارية
لو رد العين ناقصة بالاستعمال لم يضمن ولو رد المبيع ناقصا ضمن النقصان وان حدثت في عينها زيادة بأن سمنت
ثم هزلت ضمن ما نقص لان ما ضمن عينه ضمن نقصانه كالمغصوب ومن أصحابنا من قال لا يضمن لان البائع
دخل في العقد ليأخذ بدل العين دون الزيادة والمنصوص هو الأول وما قاله هذا القائل يبطل بالمنافع فإنه
لم يدخل في العقد ليأخذ بدلها ثم تستحق * فإن كان لمثله أجرة لزمه الأجرة للمدة التي أقام في يده لأنه
367

مضمون عليه غير مأذون في الانتفاع به فضمن اجرته كالمغصوب * فإن كانت جارية فوطئها لم يلزمه
الحد لأنه وطئ بشبهة لأنه اعتقد أنها ملكه ويجب عليه المهر لأنه وطئ بشبهة فوجب به المهر كالوطئ
في النكاح الفاسد وإن كانت بكرا وجب عليه أرش البكارة لان البكارة جزء من اجزائها واجزاؤها
مضمونة عليه فكذلك البكارة وان أتت منه بولد فهو حر لأنه اعتقد انها جاريته ويلزمه قيمة
الولد لأنه أتلف عليه رقه باعتقاده ويقوم بعد الانفصال لأنه لا يمكن تقويمه قبل الانفصال ولأنه يضمن
قيمة الولد للحيلولة وذلك لا يحصل إلا بعد الانفصال فان ألقت الولد ميتا لم يضمنه لأنه لا قيمة له قبل
الانفصال ولا توجد الحيلولة إلا بعد الانفصال فان ماتت الجارية من الولادة لزمه قيمتها لأنها هلكت بسبب من جهته ولا تصير الجارية أم ولد في الحال لأنها علقت منه في غير ملكه وهل تصير أم
ولد إذا ملكها فيه قولان) *
(الشرح) أما الحديث فغريب وأما الأثران عن عمر رضي الله عنه صحيحان روي
الأول مالك في الموطأ ورواهما جميعا البيهقي * وعبد الله في الموضعين هو ابن مسعود والذي أفتاه في
الصورتين هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد يقع في بعض نسخ المهذب مصحفا بابن عمر
وهو غلط فاحش * والفلعة - بكسر الفاء واسكان اللام - جمعها فلع وهي جلدة النعل ومعنى يحذوها
يجعلها حذاء (وقوله) لأنه شرط لم يبن على التغليب اجتراز من العتق (وقوله) ولا هو مقتضى العقد احتراز
من شرط سقي الثمرة ونحوه (وقوله) ولا من مصلحته احتراز من شرط الرهن والضمين ونحوهما
(وقوله) لأنه قبض مضمون في عين يجب ردها احتراز بالمضمون عن الوديعة وبقوله في عين عن
المنفعة فإنه تجب قيمتها يوم الاستيفاء لا أكثر الامرين وبقوله يجب ردها عن المقبوضة ببيع
صحيح (قوله) سمنت ثم هزلت هو - بضم الهاء - (وقوله) لأنه مضمون عليه غير مأذون في الانتفاع به
احتراز من العارية (اما) الأحكام فقد ذكرنا الشروط في البيع خمسة أضرب ومرت أربعة
وهذا الخامس وهو أن يشترط ما سوى الأربعة من الشروط التي تنافى مقتضى البيع بأن باعه
شيئا بشرط أن لا يبيعه ولا ينتفع به أولا يعتقه أولا يقبضه أولا لا يؤجره أو لا يطأها أو لا يسافر
به أو لا يسلمه إليه أو بشرط ان يبيعه غيره أو يشترى منه أو يقرضه أو يؤجره أو خسارة عليه ان
باعه بأقل أو انه إذا باعه لا يبيعه الا له أو ما أشبه ذلك فالبيع باطل في جميع هذه الصور وأشباهها
368

لمنافاة مقتضاه ولا فرق عندنا بأن يشرط شرطا واحدا أو شرطين * وحكى إمام الحرمين والرافعي
وغيرهما قولا غريبا حكاه أبو ثور عن الشافعي أن البيع لا يفسد بالشروط الفاسدة بحال بل يلغو
الشرط ويصح البيع لقصة بريرة رضي الله عنها وهذا ضعيف وحينئذ البيع عكس النكاح فان
المشهور أنه لا يفسد بالشروط الفاسدة وفيه قول شاذ ضعيف أنه يفسد بها فإذا جمع البيع والنكاح
حصل فيهما ثلاثة أقوال (أحدها) يفسدان بالشروط الفاسدة (والثاني) لا (والثالث) وهو المذهب
والمشهور يفسد البيع دون النكاح والتفريع على هذا القول وبالله التوفيق * ولو باع بشرط خيار
المجلس أو خيار الرؤية ففيه خلاف سبق في بابه * هذا كله فيما إذا شرط شرطا فاسدا وكان الشرط
مما لا يفرد بالعقد فإن كان مما يفرد كالرهن والضمين فهل يفسد البيع لفسادهما فيه قولان مشهوران
ذكرهما المصنف في بابهما (أصحهما) يفسد كسائر الشروط الفاسدة (والثاني) لا كالصداق
الفاسد لا يفسد به النكاح *
(فرع) إذا باع دارا واشترط البائع لنفسه سكناها أو دابة واستثني ظهرها فإن لم يبين
المدة المستثناة ويعلما قدرها فالبيع باطل بلا خلاف وان بيناها فطريقان (أصحهما) وبه قطع المصنف
والعراقيون فساد البيع (والثاني) فيه وجهان حكاهما الخراسانيون (أصحهما) هذا (والثاني) يصح البيع
والشرط لحديث جابر وقصة جملة التي سنذكرها في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى وحكى
القاضي أبو الطيب هذا الوجه عن ابن خزيمة من أصحابنا وبه قال ابن المنذر *
(فرع) لو باع بشرط أن لا يسلم المبيع حتى يستوفى الثمن فإن كان الثمن مؤجلا بطل العقد
لأنه يجب تسليم المبيع في الحال فهو شرط مناف لمقتضاه وإن كان حالا بنى على أن البداءة في التسليم
بمن (فان قلنا) بالبائع لم يفسد والا فيفسد للمنافاة *
(فصل) متى اشترى شيئا شراء فاسدا لشرط مفسد أو لسبب آخر لم يجز له قبضه فأن قبضه
لم يملكه بالقبض سواء علم فساد البيع أم لا ولا يصح تصرفه فيه ببيع ولا اعتاق ولا هبة ولا غيرها
ويلزمه رده إلى البائع وعليه مؤنة الرد كالمغصوب وكالمقبوض بالسوم ولا يجوز له حبسه لاسترداد
الثمن ولأنه يقدم به على الغرماء هذا هو المذهب وبه قطع (1) وفيه قول غريب ووجه للإصطخري أن له
حبسه ويقدم به على الغرماء وهو شاذ ضعيف ويلزمه أجرته للمدة التي كان في يده سواء استوفى
المنفعة أم تلفت تحت يده لأنه مضمون عليه غير مأذون في الانتفاع به فضمن أجرته كالمغصوب

(1) كذا بالأصل.
369

وإن كان تعيب في يده لزمه أرش نقصه لما ذكرناه وان تلف لزمه ضمانه بلا خلاف لما ذكرناه
وفى القيمة المعتبرة ثلاثة أوجه (أصحها) باتفاق الأصحاب تجب القيمة أكثر مما كانت من حين
القبض إلى حين التلف كالمغصوب لأنه مخاطب في كل لحظة من جهة الشرع برده (والثاني) تجب
قيمته يوم التلف كالعارية لأنه مأذون في امساكه (والثالث) يوم القبض حكاه المصنف في التنبيه
وآخرون وهو غريب (والمذهب الأول) وهو المنصوص ونقل بعض الأصحاب هذه الأوجه أقوالا
والمشهور أنها أوجه قال الشافعي رحمه الله في كتاب الغصب يضمن المغصوب بقيمته أكثر ما كانت
يوم الغصب إلى التلف قال وكذلك في البيع الفاسد قال القاضي أبو الطيب حمل أكثر أصحابنا
نص الشافعي على ظاهره فأوجبوا قيمته أكثر ما كانت كالمغصوب وقال بعضهم تجب قيمته يوم
التلف وحملوا نصه على أن المراد أنه كالمغصوب في أصل الضمان دون كيفيته وفرق المصنف والأصحاب
بينه وبين العارية بفرقين (أحدهما) أن العارية مأذون في اتلاف منافعها مجانا بخلاف هذا
(والثاني) أنه لورد العارية ناقصة بالاستعمال لم يضمن بخلاف هذا والله سبحانه وتعالى أعلم * (أما)
الزوائد الحادثة منه فيلزمه ضمانها إذا تلفت عنده سواء كانت منفصلة كاللبن والثمرة والولد والصوف
وغيرها أم متصله بأن سمنت عنده ثم هزلت أو تعلم صنعة ثم نسيها وسواء تلفت العين أوردها
فيلزمه ضمان الزيادة الفائتة عنده هذا هو المذهب والمنصوص وفيه وجه ضعيف حكاه المصنف
والأصحاب أنه لا يضمن الزيادة إذا تلفت العين وإنما يضمنها إذا رد العين وقد ذهبت الزيادة (والصواب)
الأول لأنه كالمغصوب فلو زادت عنده ثم نقصت ثم زادت فردها كذلك فإن كانت الزيادة
الثانية من غير جنس الأولى ضمنها قطعا وإن كانت من جنسها وعلى قدرها فوجهان حكاهما
الدارمي (أصحهما) يلزمه ضمانها أيضا (والثاني) لا كالوجهين في نظيره من الغصب *
(فرع) إذا أنفق على العبد أو البهيمة المقبوضين ببيع فاسد لم يرجع على البائع بالنفقة
إن كان المشترى عالما بفساد البيع فإن كان جاهلا فوجهان (أصحهما) لا يرجع أيضا لأنه متبرع *
(فرع) لو كان المقبوض ببيع فاسد جارية فوطئها المشترى فإن كان الواطئ والموطوءة جاهلين
فلا حد للشبهة ويلزمه المهر للبائع لأنه وطئ شبهة فلو تكرر الوطئ بهذه الشبهة لم يجب الا مهر
واحد سواء تكرر في مجلس أو مجالس وإن كانا عالمين لزمهما الحد إن كان اشتراها بميتة أو دم
لأنه لا يملكها ولا يباح وطؤها له بالاجماع فان اشتراها بخمر أو شرط فاسد فلا حد لاختلاف
370

العلماء في حصول الملك له فان أبا حنيفة رحمه الله يقول في هذه الحال إنه يملكها ملكا حقيقيا
فصار كالوطئ في النكاح بالأولى ونحوه قال إمام الحرمين ويجوز أن يقال يجب الحد لان أبا حنيفة
لا يبيح الوطئ فإن كان يثبت الملك بخلاف الوطئ في النكاح بالأولى فحيث قلنا لاحد ويجب
المهر فإن كانت ثيبا وجب مهرها وإن كانت بكرا وجب مهر بكر وأرش البكارة أيضا (أما)
أرش البكارة فلانه أتلفها بغير حق (وأما) مهر البكر فلانه وطئ بكرا بشبهة هكذا صرح بوجوب
مهر بكر مع أرش البكارة في هذا الموضع الشيخ أبو حامد والماوردي والقاضي أبو الطيب والمحاملي
وسائر المتقدمين وصاحب البيان والرافعي وغيرهما من المتأخرين ونقله القاضي أبو الطيب وغيره
عن نص الشافعي * قال القاضي والأصحاب (فان قيل) هذا يؤدى إلى ضمان البكارة مرتين (قلت) الا
أنه أتلف جزء من بدنها بغير اذن من له الاذن فلزمه أرشه ووطئها بكرا فحصل له كمال اللذة
فلزمه مهر بكر ولا يتداخلان لأنهما وجبا بشيئين مختلفين لان الأرش يجب باتلاف الجزء وهو
سابق لتغييب الحشفة الموجب للمهر (فان قيل) إذا فصلتم اتلاف البكارة عن الوطئ فيجب أرش
بكارة ومهر ثيب لان تغييب كمال الحشفة صادفها ثيبا فصار كما لو أزال بكارتها بإصبعه ثم وطئها
فإنه يلزمه أرش البكارة ومهر ثيب قال أصحابنا (فالجواب) أنه حصل له لذة جماع بكر ويسمى
واطئ بكر بخلاف مسألة الإصبع (فان قيل) فقد نص الشافعي والأصحاب على أنه لو تزوج امرأة
نكاحا فاسدا ووطئها وهي بكر لزمه مهر مثلها بكرا ولا يلزمه مع أرش البكارة مع أنه لا يستحق
اتلاف بكارتها بخلاف المنكوحة نكاحا صحيحا (فالجواب) أن اتلاف البكارة مأذون فيه في النكاح
الفاسد كما أنه مأذون فيه في النكاح الصحيح بخلاف البيع الفاسد فإنه لا يلزم منه الوطئ فهي في
النكاح الفاسد كمن قالت لانسان اذهب بكارتي بإصبعك وكمن قال لغيره اقطع يدي أو أتلف
سوأتي فلا ضمان والله سبحانه أعلم * فان أحبلها فالولد حر للشبهة وهل عليه ولاء فيه وجهان
حكاهما الدارمي (الصحيح) لا ولاء لأنه انعقد حرا وبهذا قطع القاضي أبو الطيب والجمهور فان
خرج الولد حيا لزمه قيمته يوم الولادة لأنه صار حرا بظنه فأتلف رقه على مالك الأمة وتستقر
عليه القيمة فلا يرجع بها على البائع بخلاف ما لو اشترى جارية فاستولدها فخرجت مستحقة فإنه
يغرم قيمة الولد ويرجع بها على البائع لأنه غره بخلاف مسألتنا قال المصنف والأصحاب ولا تصير
الجارية أم ولد للواطئ في الحال لأنه لا يملكها فان ملكها بعد ذلك ففي مصيرها أم ولد القولان
371

المشهوران فيمن أولد جارية غيره بشبهة ثم ملكها (أصحهما) لا تصير * فان نقصت بالحمل أو
الولادة لزمه أرشه * وان خرج الولد ميتا فلا قيمة لكن ان سقط بجناية وجبت الغرة
على عاقلة الجاني ويجب حينئذ للبائع أقل الأمرين من قيمة الولد يوم الولادة والغرة يطالب
به من شاء من الجاني والمشترى لان ضمان الجاني له قام مقام خروجه حيا فإن كانت الغرة
أقل أخذها البائع ولا شئ له غيرها وإن كانت أكثر أخذ قدر القيمة وكانت البقية
لورثة الجنين * ولو رد المشترى الجارية إلى البائع فولدت عنده وماتت في الطلق وجبت قيمتها
بلا خلاف وهل تكون في مال الجاني أم على عاقلته فيه القولان المشهوران في أن العاقلة هل تحمل
قيمة العبد (أصحهما) تحملها * ولو وطئ أمة الغير بشبهة فماتت في الطلق لزمه قيمتها في ماله على قول
وعلى عاقلته في الأصح وفيه وجه ضعيف أنه لا ضمان في الأمة الموطوءة بشبهة وهو شاذ مردود * ولو
وطئ حرة بشبهة أو في نكاح فاسد فماتت بالولادة ففي وجوب ديتها وجهان وحكاهما الشيخ أبو
حامد قولين (أحدهما) تجب كالأمة (وأصحهما) لا تجب لان الوطئ سبب ضعيف وإنما أوجبنا الضمان
في الأمة لان الوطئ استيلاء عليها والعلوق من آثاره فادمنا الاستيلاء كالمحرم إذا نفر صيدا وبقى
نفاره إلى الهلاك بالبعير وغيره فإنه يضمنه (وأما) الحرة فلا تدخل تحت الاستيلاء * ولو زنى بامرأة
مكرهة فماتت بالولادة حرة كانت أو أمة ففيها قولان مشهوران (أصحهما) لا ضمان لان الولادة غير
مضافة شرعا لعدم النسب (والثاني) يجب لأنه مولد من فعله * ولو ماتت زوجته في الطلق من حملها
منه لم يجب الضمان بلا خلاف لتولده من مستحق * وحيث أوجبنا ضمان الحرة فهو الدية على عاقلة
الواطئ وحيث أوجبنا ضمان قيمة الأمة فهو على عاقلته في أصح القولين وفى ماله في الآخر
ومتى تعتبر قيمتها فيه ثلاثة أوجه (أصحها) يوم الاحبال لأنه سبب التلف كما لو جرح عبدا قيمته
مائة فبقي متألما إلى أن مات منه وقيمته عشرة يلزمه مائة (والثاني) يوم الموت لأنه وقت التلف
(والثالث يجب أكثرهما كالغصب والله أعلم *
(فرع) إذا اشتري شيئا شراء فاسدا فباعه لآخر فهو كالغاصب يبيع المغصوب فإذا حصل
في يد الثاني وعلم الحال لزمه رده إلى المالك ولا يجوز رده إلى المشترى الأول فان تلف في يد
الثاني نظر إن كانت قيمته في يدهما سواء أو كانت في يد الثاني أكثر رجع المالك بالجميع على من
شاء منهما والقرار على الثاني لحصول التلف في يده وإن كانت القيمة في يد الأول أكثر فضمان النقص
372

على الأول خاصة والثاني يرجع به على من شاء منهما والقرار على الثاني وكل نقص حدث في
يد الأول يطالب به الأول دون الثاني وكل نقص حدث في يد الثاني يطالب به من شاء منهما
والقرار على الثاني وكذا حكم أجرة المثل * ولو رد الثاني العين إلى الأول فتلفت عنده فللمالك مطالبة
من شاء منهما والقرار على الأول
(فرع) إذا باعه شيئا بشرط أن يبيعه داره أو يشترى منه عبده فالعقد الأول باطل كما
سبق فإذا عقد العقد الثاني المشروط في الأول فإن كانا يعلمان بطلان الشرط صح العقد الثاني والا
فلا لأنهما بانيان به على حكم الشرط الفاسد هكذا قطع به البغوي وغيره وقطع إمام الحرمين
بالصحة وحكاه عن والده في كتاب الرهن لان المواطأة قبل العقد لا أثر لها عندنا والأول أصح لان
المواطأة ألا يعتقدا لزوم الوفاء بخلاف مسألتنا فنظيرها من مسألتنا أن يعلما فساد الشرط *
(فرع) لو اشترى زرعا وشرط على بائعه ان يحصده فالمذهب بطلان البيع وبه قطع
جمهور المصنفين ونقله الماوردي وغيره عن جمهور أصحابنا المتقدمين وقال أبو علي بن أبي هريرة فيه
القولان فيمن جمع في عقد بين بيع وإجارة وقيل شرط الحصاد باطل وفى البيع قولا تفريق الصفقة
وسواء قال بعتكه بألف على أن تحصده وقال الشيخ أبو حامد لا يصح الأول قطعا وفى الثاني
الطريقان * ولو قال اشتريت منك هذا الزرع واستأجرتك على حصاده بعشرة فقال بعتك وأجرتك
فطريقان (أحدهما) أنه على القولين في الجمع بين مختلفي الحكم (وأصحهما) بطلان الإجارة وفى البيع
قولا تفريق الصفقة * ولو قال اشتريت هذا الزرع بعشرة واستأجرتك على حصده بدرهم فقال بعت
وأجرت قال البغوي وغيره صح الشراء لأنه لا شرط فيه ولم تصح الإجارة لأنه استئجار على العمل
فيما لم يتم ملكه فيه لان أحد شقي الإجارة وجد قبل تمام البيع فصار كما لو قال استأجرتك لتخيط
373

لي هذا الثوب والثوب غير مملوك له في الحال فلو أفرد الشراء بعوض والاستئجار بعوض بعقد فقال
اشتريته بعشرة على أن تحصده بدرهم أو اشتري ثوبا وشرط عليه خياطته وصبغه أو لبنا وشرط عليه
جعله آجرا أو نعلا وشرط عليه أن ينعل به دابته أو جلدة وشرط عليه خرزها خفا أو عبدا رضيعا
وشرط عليه إتمام رضاعته أو متاعا على أن يحمله إلى بيته وهما يعلمان البيت فالمذهب بطلان العقد
في كل هذه الصور ونظائرها فلو لم يعرف أحدهما البيت في مسألة المتاع بطل العقد بلا خلاف
وممن صرح بهذه المسائل مجموعة البغوي وتابعه الرافعي * ولو اشترى حطبا على ظهر بهيمة وشرط
عليه حمله إلى بيته بطل على المذهب كما ذكرناه فلو شرط وضعه موضعه صح قطعا فلو أطلق فوجهان
(أصحهما) يصح ويسلمه إليه موضعه لأنه مقتضى الاطلاق (والثاني) لا يصح العقد حتى يصرح
باشتراط تسليعه في موضعه لان العادة تقتضي حمله إلى داره فيصير ذلك كالمشروط وهذا الخلاف له
تعلق بمسألة السر والعلانية في الصداق ونظائرها *
(فرع) الشرط المقارن للعقد يلحقه فإن كان شرطا صحيحا لزم الوفاء به وإن كان فاسدا
أفسد العقد (وأما) الشرط السابق فلا يلحق العقد ولا يؤثر فيه فلا يلزم الوفاء به ولا يفسد العقد
به إن كان شرطا فاسدا لان ما قبل العقد لغو هكذا نص عليه وقطع به الأصحاب (وأما)
الشرط الذي يشترط بعد تمام العقد فإن كان بعد لزوم العقد بانقضاء الخيار فهو لغو قطعا وإن كان
قبله في مدة خيار المجلس أو الشرط فثلاثة أوجه (أحدها) لا يلحق وصححه المتولي (والثاني)
يلحق في خيار المجلس دون خيار الشرط قاله الشيخ أبو زيد والقفال (والثالث) وهو الصحيح
عند الجمهور وبه قطع أكثر العراقيين يلحق في مدة الخيارين جميعا وهو ظاهر نص الشافعي
فعلى هذا في محل صحة الالحاق وجهان (أحدهما) قاله أبو علي الطبري وصححه الشيخ أبو علي السنجي والبغوي
وغيرهما انه مفرع على قولنا الملك في زمن الخيار للبائع أو موقوف وفسخ العقد فاما (ان قلنا)
للمشترى أو موقوف وأمضى العقد فلا يلحق كما يلحق بعد انقضاء الخيار والوجه (الثاني) ان جواز
374

الالحاق مطرد على الأقوال كلها وهذا هو الصحيح صححه العراقيون * ولو ألحقا بالعقد زيادة في
الثمن أو المثمن أو ازدادا بباب (1) الخيار أو الأجل أو قدرهما أو فعلا ذلك في المسلم فيه أو في رأس مال السلم
أو في الصداق أو الإجارة أو غيرهما من العقود فحكمه حكم الحاق الصحيح الفاسد كما سبق فإن كان
بعد لزوم العقد فهو لغو وإن كان قبله ففيه الخلاف (فإذا قلنا) يلحق فالزيادة تلحق الشفيع
كما تلزم المشتري ولو حط من الثمن شئ فحكمه كذلك فأن كان بعد لزوم العقد فلغو فلا يسقط
شئ من الثمن ويأخذ الشفيع بجميع ما سمى في العقد ويختص المشترى بفائدة الحط وإن كان قبل
لزوم العقد ففيه الخلاف فان ألحقناه بالعقد انحط عن الشفيع ولو حط جميع الثمن فهو كالبيع بلا
ثمن وسبق حكمه في أول البيوع وحيث فسد العقد لشرط فاسد ثم أسقطا الشرط لم ينقلب
العقد صحيحا سواء كان الاسقاط في المجلس أو بعده وحكى الرافعي وجها انه ينقلب صحيحا
بالاسقاط في المجلس وهو شاذ ضعيف والله سبحانه أعلم *
(فرع) لو قال بع عبدك لزيد بألف على أن على خمسمائة فباعه على هذا الشرط فوجهان
(أصحهما) فساد البيع لأنه ينافي مقتضى البيع فان مقتضاه ان جميع الثمن على المشترى ولا يلزم
غيره شئ (والثاني) يصح ويجب على زيد الف وعلى الآمر خمسمائة بالتزامه وقد يكون له غرض
صحيح في ذلك فهو كما لو قال ألق متاعك في البحر وعلى كذا عند اشراف السفينة على الغرق
بسبب ذلك المتاع وكما لو خالع الأجنبي بمال في ذمته (اما) إذا قال بع عبدك لزيد بألف في ذمتي
فباعه كذلك فالبيع باطل قطعا *
(فرع) قد ذكرنا انه يصح البيع بشرط الرهن والكفيل والاشهاد فيصح البيع بشرط
أن يرهن المشترى بالثمن أو يقيم كفيلا به أو يشهد عليه سواء كان الثمن حالا أو مؤجلا ويجوز
أيضا ان يشرط المشترى على البائع كفيلا بالعهدة ويشترط تعيين الرهن والكفيل والمعتبر في
الرهن المشاهدة أو الوصف بصفة المسلم فيه وفى الكفيل المشاهدة أو المعرفة بالاسم والنسب
ولا يكفي الوصف كقوله رجل موسر ثقة هكذا ذكره الأصحاب ونص عليه ونقله الرافعي عنهم
ثم قال ولو قال قائل الاكتفاء بالوصف أولى من الاكتفاء بمشاهدة من لا يعرف لم
يكن مبعدا وقال ابن كج لا يشترط تعيين الكفيل فإذا أطلق أقام من شاء كفيلا وهذا شاذ مردود
لان الغرض يختلف به اختلافا ظاهرا ولا يشترط تعيين الشهود على أصح الوجهين وادعى إمام

(1) كذا بالأصل.
375

الحرمين أنه لا يشترط قطعا وجعل الخلاف في أنه لو عين شهودا هل يتعينون * ولا يشترط كون
المرهون عند المرتهن أو عند عدل على أصح الوجهين بل إن اتفقا على يد المرتهن أو عدل والا
جعله الحاكم في يد عدل (والثاني) يشترط ليقطع النزاع فلو لم يرهن المشترى ما شرطه أو لم يشهد
أو لم يقم كفيلا أو لم يتكفل الذي عينه لم يجبر على شئ من ذلك بل للبائع الخيار في فسخ البيع
ولا يقوم رهن آخر ولا كفيل آخر مقام المعين فان فسخ فذاك وان أجاز لزم البيع ولا خيار للمشتري
ولو عين شاهدين فامتنعا من التحمل فان قلنا يشترط تعيينهما فللبائع الخيار وإلا فلا *
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن باع شيئا بشرط ينافي مقتضاه بان شرط أن لا يبيعه أولا
يبيعه لغيره أولا يطأها أولا يزوجها أولا يخرجها من البلد * قد ذكرنا أن مذهبنا المشهور بطلان هذا
البيع وسواء شرط واحد أم شرطين وبه قال ابن عمر وعكرمة والأوزاعي ومالك وأبو حنيفة وجماهير
العلماء قال الماوردي هو مذهب جميع الفقهاء وقال ابن سيرين وعبد الله بن شبرمة التابعان
وحماد بن أبي سليمان البيع صحيح والشرط * وقال الحسن البصري والنخعي وابن أبي ليلى وأبو ثور
وابن المنذر البيع صحيح والشرط باطل لاغ * وقال أحمد واسحق ان شرطا شرطا واحدا من هذه
الشرائط ونحوها صح البيع ولزم الشرط وان شرط شرطين فأكثر بطل البيع والا فإذا باع ثوبا
بشرط أن يخيطه البائع ويقصره فهما شرطان فيبطل العقد فان شرط أحدهما فقط صح ولزم * واحتج
من صحح البيع وأبطل الشرط بقصة بريرة في قوله صلى الله عليه وسلم (واشترطي لهم الولاء) رواه
البخاري ومسلم قالوا فصحح النبي صلى الله عليه وسلم البيع وأبطل الشرط * واحتج من صححهما بحديث جابر رضي الله عنه أنه قال (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فاشترى منى جملا واستثنيت حملانه يعني ركوبه إلى
أهلي) رواه البخاري ومسلم * وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (المسلمون على
شروطهم) رواه أبو داود باسناد حسن أو صحيح * واحتج أحمد بحديث عمر وبن شعيب عن أبيه عن
جده عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم
يضمن ولا بيع ما ليس عندك) حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بأسانيد
صحيحة قال الترمذي حديث حسن صحيح * واحتج أصحابنا بحديث عائشة في قصة بريرة رضي الله عنهم
ا ان النبي صلى الله عليه وسلم (خطب فقال ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان
376

من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط فهو باطل قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما
الولاء لمن أعتق) رواه البخاري ومسلم وبحديث النهى عن بيع وشرط وبالأثرين المذكورين في
الكتاب عن عمر رضي الله عنه وهما صحيحان كما سبق لأنه شرط يمنع كمال التصرف فأبطل البيع
كما لو شرط أن يسلم بعض المبيع دون بعض (والجواب) عن قصة بريرة بجوابين (أحدهما) أن
الشرط لم يكن في نفس العقد بل كان سابقا أو متأخرا (والثاني) أن معنى اشترطي لهم أي عليهم
وهذا منقول عن الشافعي رضي الله عنه والمزني وغيرهما (والجواب) عن قصة جابر من وجهين
(أحدهما) أنه لم يكن بيعا مقصودا وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم بره والاحسان إليه بالثمن على وجه لا يستحى
من أخذه وفى طرق الحديث دلالة على هذا (والثاني) أن الشرط لم يكن في نفس العقد ولأنها
قضية عين يتطرق إليها احتمالات ولا عموم لها فلا دلالة فيها مع أن الحديث فيه اضطراب (والجواب)
عن حديث (المسلمون على شروطهم أنه عام مخصوص والمراد به الشروط الجائزة وليس هذا منها
(والجواب) عن حديث عمرو بن شعيب أن هذا مفهوم اللقب والصحيح الذي عليه الأكثرون
أنه لا يدل على نفى الحكم عما عداه فلا يلزم النهى عن بيع وشرطين جواز شرط واحد فهذا هو
الجواب المعتمد (وأما) الخطابي وغيره فمعناه أن يقول بعتك هذا بدينار نقدا وبدينارين نسيئة
فيكون بمعني بيعتين في بيعة وحملهم على هذا التأويل أن العلة في النهى عن شرطين موجودة في
شرط وهي الغرر *
(فرع) في مذاهبهم فيمن اشترى شيئا شراءا فاسدا * قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يملكه
ولا يصح تصرفه فيه ويلزمه رده فان تلف لزمه بدله وبه قال أكثر العلماء وقال أبو حنيفة يملكه
بالقبض ملكا ضعيفا خبيثا ويصح تصرفه ويلزم كل واحد منهما فسخ الملك ورد العوض على
صاحبه وحقيقة مذهبه أنه لا يملكه بالعقد ولا يجب الاقباض فان اقبضه ملكه ملكا ضعيفا ومعناه أن
للبائع انتزاعه عن المشترى لكن لو تصرف فيه المشترى قبل ذلك ببيع أو عتق أو غيرهما نفذ تصرفه
فان تلف عنده ضمنه بالقيمة هذا إذا اشتراه بشرط فاسد أو بخمر أو خنزير قال فان اشتراه
بميتة أو دم أو عذرة أو نحو ذلك مما ليس هو مالا عند أحد من الناس لم يملكه أصلا ولم يصح
تصرفه فوافقنا في الدم ونحوه وشبهه واحتج له بقصة بريرة فان عائشة رضي الله عنها شرطت لهم
الولاء وهو شرط فاسد بالاتفاق ثم أعتقتها ونفذ عتقها وأقر النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك
377

وقياسا على النكاح فان الوطئ في فاسدة يترتب عليه أحكام الوطئ في صحيحه وقياسا على الكتابة
فان فاسدها كصحيحها في حصول العتق إذا وجدت الصفة * واحتج أصحابنا بقوله تعالى (الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) فلو كان المقبوض بعقد
فاسد يملكه لما توعده وقياسا على ما إذا اشتراه بميتة أو دم ولان كل قبض أوجب ضمان القيمة
لم يحصل به شرط الخيار عند تمنع حصول الملك في الصحيح والفاسد (والجواب) عن قصة بريرة من
أوجه (أحدها) أن الشرط لم يكن في نفس العقد (والثاني) أن لهم بمعنى عليهم (والثالث) هو اختيار
الشيخ أبى حامد والمحققين أن هذا الشرط والعقد كانا خاصة في قصة عائشة لمصلحة قطع عادتهم كما جعل
فسخ الحج إلى العمرة خاصا بالصحابة في حجة الوداع لمصلحة بيان جواز العمرة في أشهر الحج
(والجواب) عن قياسهم على النكاح انا لا نسلم ما ادعوه وأن الأحكام في النكاح تتعلق بمجرد
العقد لا بالوطئ ولهذا يملك به الطلاق والظهار والخلع بخلاف الفاسد وقد أجمعنا على أنه لا يملك
البضع بالوطئ في النكاح الفاسد (وأما) ما تعلق به من وجوب المهر ولحوق النسب والعدة وسقوط
الحد فلم يمكن ذلك بسبب العقد بل لكونه وطئ شبهة ولهذا تترتب هذه الأحكام على وطئ
الشبهة من غير عقد (والجواب) عن قياسهم على الكتابة أن العتق حصل بوجود الصفة لا بالعقد
ولهذا لو مات السيد بطلت الصفة ولم يعتق بالأداء إلى الوارث *
(فرع) في مذاهبهم فيمن باع دارا أو عبدا أو بهيمة واستثني منفعة مدة معلومة * قد ذكرنا
أن الصحيح المشهور في مذهبنا بطلان البيع وبه قال أبو حنيفة وفقهاء العراق وقال الأوازعي
واحمد واسحق يصح البيع ويثبت الشرط وبه قال أربعة من أئمة أصحابنا الفقهاء المحدثين أبو ثور
ومحمد بن نصر وأبو بكر بن خزيمة وابن المنذر ونقله ابن المنذر عن أصحاب الحديث وروي نحوه عن عثمان
وصهيب رضي الله عنهما * وقال مالك إن شرط مدة قريبة كالشهر والشهرين أو ركوب الدابة إلى
مكان قريب جاز وإن كانت مدة طويلة أو مكانا بعيدا فمكروه * واحتج المجوزون بحديث جابر
السابق وبالقياس على من باع نخلا عليها ثمرة غير مؤبرة واستثني البائع الثمرة له فإنه يصح البيع
وتبقى الثمرة على النخل إلى أوان الجذاذ وهذا استثناء لمنفعة البيع * واحتج أصحابنا بما سبق وأجابوا
عن حديث جابر بما سبق وعن الإجارة بأنه ليس باستثناء بل المنافع كانت مستحقة قبل البيع * وعن
النخل انها ليس باستثناء منفعة بل هو استثناء جزء معلوم من عين المبيع *
378

(فرع) في مذاهبهم فيمن باع سلعة وقال في العقد للمشترى ان لم تأت بالثمن في الوقت
الفلاني فلا بيع بيننا فمذهبنا بطلان هذا البيع وحكى ابن المنذر عن الثوى واحمد واسحق انه
يصح البيع والشرط قال وبه قال أبو ثور إذا كان الشرط ثلاثة أيام وروى مثله عن ابن عمر وقال
أبو حنيفة إن كان الوقت ثلاثة أيام صح البيع وبطل الشرط وإن كان أكثر فسد البيع فأن
نقده في ثلاثة أيام صح البيع ولزم وقال محمد يجوز نحو عشرة أيام قال وقال مالك إن كان الوقت نحو
يومين وثلاثة جاز * دليلنا انه في معنى تعليق البيع فلم يصح *
(باب تفريق الصفقة)
(هي عقد البيع لأنه كان عادتهم ان يضرب كل واحد من
المتعاقدين يده على يد صاحبه عند تمام العقد)
* قال المصنف رحمه الله *
(إذا جمع في البيع بين ما يجوز بيعه وبين ما لا يجوز بيعه كالحر والعبد وعبده وعبد غيره ففيه
قولان (أحدهما) تفرق الصفقة فيبطل البيع فيما لا يجوز ويصح فيما يجوز لأنه ليس ابطاله فيهما لبطلانه في
أحدهما
بأولى من تصحيحه فيهما لصحته في أحدهما فبطل حمل أحدهما على الآخر وبقيا على حكمهما فصح فيما
يجوز وبطل فيما لا يجوز (والقول الثاني) أن الصفقة لا تفرق فيبطل العقد فيهما واختلف أصحابنا
في علته فمنهم من قال يبطل لأن العقد جمع حلالا وحراما فغلب التحريم كما لو جمع بين أختين في
النكاح أو باع درهما بدرهمين ومنهم من قال يبطل لجهالة الثمن وذلك أنه إذا باع حرا وعبدا بألف
سقط ما يخص الحر من الثمن فيصير العبد مبيعا بما بقي وذلك مجهول في حال العقد فبطل كما لو قال
بعتك هذا العبد بحصته من ألف درهم (فان قلنا) بالتعليل الأول بطل البيع فيما ينقسم الثمن فيه على
القيمة كالعبدين وفيما ينقسم الثمن فيه على الاجزاء كالعدد الواحد نصفه له ونصفه لغيره أو كرين من
طعام أحدهما له والآخر لغيره وكذلك لو جمع بين ما يجوز وبين ما لا يجوز في الرهن أو الهبة أو
النكاح بطل في الجميع لأنه جمع بين الحلال والحرام (وان قلنا) إن العلة جهالة العوض لم يبطل
البيع فما ينقسم الثمن فيه على الاجزاء لان العوض غير مجهول ولا يبطل الرهن والهبة لان لا عوض
فيه ولا يبطل النكاح لان الجهل بالعوض لا يبطله (فان قلنا) ان العقد يبطل فيهما رد المبيع
379

واسترجع الثمن (وان قلنا) إنه يصح في أحدهما فله الخيار بين فسخ البيع وبين امضائه لأنه لا يلحقه
ضرر بتفريق الصفقة فثبت له الخيار فان اختار الامساك فبكم يمسك فيه قولان (أحدهما) يمسك
بجميع الثمن أو يرد لان ما لا يقابل العقد لا ثمن له فيصير الثمن كله في مقابلة الآخر (والثاني) أنه
يمسكه بقسطه لأنه لم يبذل جميع العوض إلا في مقابلتهما فلا يؤخذ منه جميعه في مقابلة أحدهما
واختلف أصحابنا في موضع القولين (فمنهم) من قال القولان فيما يتقسط العوض عليه بالقيمة فأما يتقسط
العوض عليه بالاجزاء فإنه يمسك الباقي بقسطه من الثمن قولا واحدا لان فيما يتقسط الثمن عليه بالقيمة
ما يخص الجائز مجهول فدعت الضرورة إلى أن يجعل جميع الثمن في مقابلته ليصير معلوما وفيما يتقسط
الثمن عليه بالاجزاء ما يخص الجائز معلوم فلا حاجة بنا إلى أن نجعل جميع الثمن في مقابلته (ومنهم) من
قال القولان في الجميع وهو الصحيح لأنه نص على القولين في بيع الثمرة قبل أن تخرج الزكاة والثمار
مما يتقسط الثمن عليها بالاجزاء (فان قلنا) يمسك بجميع الثمن لم يكن للبائع الخيار لأنه لا ضرر عليه (وان قلنا) يمسك بحصته فهل للبائع الخيار فيه وجهان (أحدهما) أن له الخيار لأنه تبعضت عليه
الصفقة فيثبت له الخيار كما يثبت للمشترى (والثاني) لا خيار له لأنه دخل على بصيرة لان الحر
لا يؤخذ منه بثمن * وإن باع مجهولا ومعلوما (فان قلنا) لا تفرق الصفقة بطل العقد فيهما (وان قلنا)
تفرق وقلنا إنه يمسك الجائز بحصته بطل البيع فيه لان الذي يخصه مجهول (وإن قلنا) يمسكه بجميع
الثمن صح العقد فيه * وان جمع بين حلالين ثم تلف أحدهما قبل القبض بطل البيع فيه وهل يبطل في
الباقي فيه طريقان (أحدهما) أنه على القولين في تفريق الصفقة لان ما يحدث من الهلاك قبل القبض
كالموجود في حال العقد في ابطال العقد فوجب أن يكون كالموجود في حال العقد فيما ذكرناه
(والثاني) لا يبطل إلا فيما تلف لان في الجمع بين الحلال والحرام إنما بطل للجهل بالعوض أو للجمع
بين الحلال والحرام في العقد ولا يوجد ههنا واحد منهما فعلى هذا يصح العقد في الباقي وللمشتري
الخيار في فسخ العقد لأنه تفرقت عليه الصفقة فان امضاء أخذ الباقي بقسطه من الثمن قولا واحدا
لان العوض ههنا قابل المبيعين فانقسم عليهما فلا يتغير بالهلاك) *
(الشرح) تفريق الصفقة باب مهم يكثر تكرره والحاجة إليه والفتاوى فيه فانا الخص
مقاصده وأوضحه إن شاء الله تعالى * فإذا جمعت الصفقة شيئين فهو ضربان (أحدهما) ان تجمعهما في عقدين
مختلفي الحكم وهذا هو الذي ذكره المصنف في الفصل الذي بعد هذا (والثاني) ان تجمعهما في
380

عقد واحد وهذا الضرب له حالان (أحدهما) يقع التفريق في الابتداء (والثاني) في الانتهاء
فالحال الأول ينظر فيه ان جمع فيه شيئين يمتنع الجمع بينهما من حيث هو جمع كجمع أختين أو
خمس نسوة في عقد نكاح فالعقد باطل في الجميع بلا خلاف * وان جمع بين ما لا يمتنع جمعها فإن كان
كل واحد منهما قابلا للعقد بأن جمع عينين له كعبد وثوب أو من جنس لكنهما مختلفا
القيمة كعبدين وزع الثمن عليهما باعتبار القيمة وإن كانا من جنس متفقي القيمة كقفيزي حنطة
واحدة وزع الثمن عليهما باعتبار الاجزاء * وإن كان أحدهما قابلا للبيع دون الآخر فهذه مسألة الكتاب
فالذي ليس قابلا للبيع قسمان (أحدهما) أن يكون متقوما كمن باع عبده وعبد غيره صفقة واحدة
فلا يصح البيع في عبد غيره وفى صحته في عبده قولان مشهوران (أحدهما) لا يصح (وأصحهما)
يصح (فان قلنا) لا يصح ففي علته وجهان وقيل قولان (أصحهما) الجمع بين حلال وحرام فصار
كمن باع درهما بدرهمين أو جمع في عقد النكاح بين أختين أو خمس نسوة (والثانية) جهالة
العوض القابل للحلال فيصير كما لو قال بعتك هذا العبد بما يخصه من الألف إذا وزع عليه
وعلى عبد فلان فإنه لا يصح قطعا قال امام الحرمين لا يصح بالاجماع (وان قلنا) يصح فوجهه أنه
يصح العقد عليه لو أفرده فلا يتغير حكمه بضم غير ماله كما لو باع شقصا وسيفا فإنه تثبت الشفعة في
الشقص بلا خلاف كما لو أفرده ولأنه ليس له الحاق ما يقبل البيع بالآخر بأولى من عكسه
(والجواب) عن العلة الأولى بأنها منكرة بمن باع شقصا وسيفا ولأنه ليس أحد الدرهمين
وإحدى الأختين أو الخمس بأولى من مشاركه فبطل في الجميع بخلاف مسألتنا (والجواب)
عن الثانية أن المسمى وقع في العقد معلوما وسقط بعضه لمعني في العقد فلم يفسد العقد كما إذا رجع
بأرش العيب (القسم الثاني) أن لا يكون متقوما وهو نوعان (أحدهما) يتأتى تقدير التقويم
فيه من غير تقدير تغير الخلقة كمن باع حرا وعبدا فالحر غير متقوم لكن يمكن تقويمه رقيقا وفى هذا
النوع طريقان (أصحهما) وبه قطع المصنف وسائر العراقيين وجماعة من غيرهم أنه على القولين
(أصحهما) الصحة (والطريق الثاني) القطع بالفساد لان الحر ونحوه غير قابل للبيع بحال * ولو باع
عبده ومكاتبه أو أم ولده وقلنا لا يصح بيعهما فهو كما لو باع عبده وعبد غيره فيكون على قولين
لان المكاتب وأم الولد متقوما بدليل وجوب قيمتهما على متلفهما (النوع الثاني) أن لا يتأتى
تقدير تقويمه من غير تقدير تغير الخلقة كمن باع خلا وخمرا أو مذكاة وميتة أو شاة وخنزيرا ففي صحة
البيع في الخل والمذكاة والشاة طريقان (اصهما) طرد الطريقين السابقين فيما إذا جمع حرا وعبدا
381

(والثاني) القطع بالفساد لأنه لابد في التقويم من التقدير بغيره فلا يكون المقوم هو المذكور
في العقد والمذهب الصحة * ولو باع شيئا يتوزع الثمن على أجزائه بعضه له وبعضه لغيره كعبد
أو صاع حنطة له نصفهما أو صاعي حنطة له أحدهما صفقة واحدة ففيه خلاف مرتب على ما إذا باع
عبدين له أحدهما (فان قلنا) يصح هناك في ملكه فهنا أولى والا فقولان ان عللنا بالجمع بين
حلال وحرام لم يصح وان عللنا بالجهالة صح لان حصة المملوك معلومة لا تتوقف على التقويم الذي
لا يفيد الا ظنا * ولو باع الثمار التي وجبت فيها الزكاة ففي صحة البيع في قدر الزكاة خلاف سبق في
كتاب الزكاة (الأصح) لا يصح فعلى هذا الترتيب في الباقي كما ذكرنا فيمن باع عبدا له بصفة * ولو باع
أربعين شاة وجبت فيها الزكاة وقلنا بالأصح انه لا يصح البيع في قدر الزكاة والترتيب في الثاني كما
سبق فيمن باع عبده وعبد غيره *
(فرع) المذهب في صحة البيع فيما نقلناه من جميع هذه الصور السابقة هكذا صححه الجمهور
سواء كان ذلك مما يتوزع الثمن على أجزائه كعبد له نصفه وكذا صاع حنطة وثوب وصاعي حنطة
من صبرة مستوية له أحدهما أو كان مما يتوزع عليه بالقيمة كعبده وعبد غيره أو وحر أو كخل
وخمر وميتة ومذكاة وخنزير وشاة وغير ذلك (فالصحيح) صحة البيع في جميع هذه الصور عند
الجمهور قال الرافعي توسطت طائفة من الأصحاب بين قولي تفريق الصفقة فقالوا (الأصح) الصحة
في المملوك إذا كان المبيع مما يتوزع الثمن على أجزائه والفساد فيما يتوزع على قيمته قال وقال الأكثرون
الأصح الصحة في القسمين *
(فرع) لا فرق في جريان الخلاف في المسائل السابقة بين أن يكون العاقدان عالمين
بالحال أو جاهلين * هذا هو المذهب الذي صرح به كثيرون واقتضاه كلام الباقين وقال الشيخ
أبو محمد في مسألة الجمع بين حر وعبد الخلاف مخصوص بما إذا كان المشترى جاهلا بحقيقة الحال
(فأما) إذا كان عالما فالوجه القطع بالبطلان كما لو قال بعتك عبدي هذا بما يخصه من الألف لو
وزع عليه وعلى عبد فلان قال إمام الحرمين هذا الذي قاله شيخي أبو محمد غير سديد بل الوجه طرد
القولين واختار الغزالي قول أبى محمد وهو شاذ *
(فرع) لو رهن عبده وعبد غيره أو عبده وحرا أو وهبهما أو زوج موليته وغيرها أو
مسلمة ومجوسية أو حرة وأمة لمن لا تحل له الأمة فان صححنا البيع في الذي يملكه فهنا أولى والا فقولان
بناء على العلتين إن عللنا بجهالة العوض صح إذ لا عوض هنا وان عللنا بالجمع بين حلال وغيره فلا
382

وان شئت قلت فيه طريقان (المذهب) الصحة (والثاني) فيه قولان ولو جمع في شهادته بين مقبول
وغيره كشهادته لابنه وأجنبي ففي قبولها في حق الأجنبي هذا الخلاف (المذهب) القبول *
(فرع) إذا باع ماله وغيره وصححنا العقد في ماله فإن كان المشترى جاهلا بالحال فله الخيار
في فسخ البيع فان فسخ فذاك وان أجاز فكم يلزمه من الثمن فيه قولان مشهوران (أصحهما) صحة
حصة المملوك فقط إذا وزع على القيمتين لأنه لم يبذل جميع العوض الا مقابلتهما فلا يؤخذ منه جميعه
في مقابلة أحدهما (والثاني) يلزمه جميع الثمن لان ما لا يقبل العقد لا ثمن له فيصير العوض في مقابلة
الآخر * ثم في موضع القولين طريقان مشهوران ذكرهما المصنف والأصحاب (أصحهما) أنهما مخصوصان
بما إذا كان المبيع مما يتقسط الثمن عليه بالقيمة فإن كان مما يتقسط على أجزائه فالواجب القسط قطعا
لان حصته معلومة من غير تقويم (وأصحهما) طرد القولين في الحال ورجح المصنف والأصحاب هذا
الطريق لان الشافعي نص في كتاب الام وغيره على القولين في بيع الثمرة قبل اخراج الزكاة والثمرة
يتقسط الثمن عليها بالاجزاء قال المصنف والأصحاب (فان قلنا) الواجب جميع الثمن فلا خيار للبائع
لأنه لا ضرر عليه (فان قلنا) بالقسط فوجهان قال الشيخ أبو حامد في تعليقه وقيل هما قولان (أحدهما)
له الخيار لتبعيض الثمن (وأصحهما) لا خيار له لأنه لم يلحقه نقص فيما يخص ملكه * هذا كله إذا كان
المشترى جاهلا فإن كان عالما بالحال فلا خيار له قطعا كما لو اشترى معيبا عالما بعيبه وفيما يلزمه من
الثمن طريقان (المذهب) أنه على القولين (أصحهما) القسط (والثاني) جميعه (والطريق الثاني)
القطع بجميع الثمن لأنه التزمه عالما وهذا فاسد فإنه إنما التزمه في مقابلة العبدين فلم يلتزم في مقابلة
الحلال الا حصته * ولو اشترى عبدا وحرا أو خلا وخمرا أو مذكاة وميتة أو شاة وخنزيرا وصححنا
العقد فيما يقبله وكان المشترى جاهلا بالحال فأجاز أو عالما ففيما يلزمه الطريقان (المذهب) طرد القولين
(أصحهما) القسط (والثاني) الجميع (والطريق الثاني) الجميع وهذا الطريق وإن كان فيه احتمال في
صورة العلم فهو غلط في صورة الجهل وهذا الطريق قول صاحب التلخيص وابن أبي هريرة
والماوردي وممن حكاه الدارمي وأبو علي الطبري في الافصاح والبغوي وان أوجبنا القسط في هذه
الصورة ففي كيفية توزيع الثمن على هذه الأشياء أوجه (أشهرها) وبه قطع الدارمي والبغوي وآخرون
ونقله إمام الحرمين عن طوائف من أصحاب القفال أنه يقدر الحر عبدا والميتة مذكاة والخنزير شاة
ويوزع الثمن عليهما باعتبار الاجزاء (والثاني) يقدر الخمر خلا والخنزير بقره (والثالث) ينظر إلى
383

قيمتها عند من يرى لها قيمة وصحح الغزالي هذا الوجه وهو احتمال لإمام الحرمين وضعفه الامام
فقال وكل هذا خبط والله سبحانه أعلم * ولو نكح مسلمة ومجوسية حرة وأمة في عقد وصححنا
نكاح المسلمة الحرة فطريقان المذهب وبه قطع الجماهير انه لا يلزمه جميع المسمى وله الخيار في رد
المسمى والرجوع إلى مهر المثل حكاه امام الحرمين عن الشيخ أبي على السنجي وضعفه جدا وقال
هذا لم أره لغيره وهو ضعيف جدا لان فيه إجحافا بالزوج لأنه لا خيار له في النكاح (وأما)
تخييره في رد المسمى والرجوع إلى مهر المثل فلا يزول به الاجحاف لان مهر المثل قد يكون بقدر
المسمى أو أكثر (فإذا قلنا) بالمذهب إنه لا يلزمه جميع المسمى ففيما يلزمه قولان
(أصحهما) مهر
المثل (والثاني) قسطها من المسمى إذا وزع على مهر مثلها ومهر مثل المجوسية أو الأمة
وإذا اختصرت الخلاف جاء ثلاثة أقوال كما حكاه الشيخ أبو علي وامام الحرمين (أصحها) الواجب مهر
المثل (والثاني) قسطها من المسمى (والثالث) جميع المسمى وهو شاذ ضعيف
(فرع) لو باع ربويا بجنسه فخرج بعض أحد العوضين مستحقا وصححنا العقد في الباقي
فأجاز المشترى فالواجب قسطه من الثمن بلا خلاف لان المفاضلة بينهما حرام كذا نقله البغوي وغيره *
(فرع) لو باع معلوما ومجهولا بثمن واحد كقوله بعتك هذا العبد وعبدا آخر والجميع
له لم يصح في المجهول قطعا (وأما) المعلوم فقال المصنف والأصحاب يبني على ما لو كانا معلومين
وأحدهما ليس له (فان قلنا) هناك لا يصح فيما هو له لم يصح هنا في المعلوم (وان قلنا) هناك يصح
فهنا قولان بناء على أنه كم يلزمه من الثمن (ان قلنا) جميعه صح ولزمه هنا أيضا جميع الثمن (وان قلنا)
القسط وهو الأصح لم يصح هنا في المعلوم لتعذر التقسيط وحكى البغوي والرافعي وغيرهما هنا
قولا شاذا أنه يصح في المعلوم ويثبت للمشترى الخيار فان أجاز لزمه جميع الثمن قطعا والمذهب فساد البيع في المعلوم *
384

(فرع) (1) محل الفرعين في مسائل الكتاب إذا اتحدت الصفقة دون ما إذا تعددت حتى
لو باع ماله في صفقة ومال غيره في صفقة أخرى فيصح في ماله بلا خلاف وطريق بيان تعددها
واتحادها أن يقول إذا سمى لكل واحد من الشيئين ثمنا مفصلا فقال بعتك هذا بألف وهذا بمائة
فقبلهما المشتري كذلك على التفصيل فان قال قبلت هذا بالألف وهذا بالمائة فهما عقدان متعددان
فيصح في ماله بلا خلاف ويجب ما سمى له بلا خلاف فلو جمع المشترى في القبول فقال قبلتهما أو قبلت
فطريقان حكاهما البغوي وغيره (أحدهما) الصفقة متحدة فيكون فيه القولان (وأصحهما) وبه قطع
الأكثرون أنها متعددة فيصح في ماله بما سمى له لان القبول يترتب على الايجاب فإذا وقع مفرقا
وكذلك القبول * وتتعدد الصفقة أيضا بتعدد البائع فان اتحد المشترى والمعقود عليه كما إذا باع رجلان
عبدا لرجل صفقة واحدة وهل تتعدد بتعدد المشترى مثل أن يشترى رجلان من رجل عبدا فيه
قولان (أصحهما) تتعدد كالبائع (والثاني) لا لان المشترى يبني على الايجاب السابق بالنظر إلى
ما وجب وهو واحد * وللتعدد والاتحاد فوائد غير ما ذكرنا (منها) إذا حكمنا بالتعدد فوزن أحد
المشتريين نصيبه من الثمن لزم البائع تسليم نصيبه إليه من المبيع تسليم المشاع (وان قلنا) بالاتحاد
لم يجب تسليم شئ إلى أحدهما وان وزن جميع ما عليه حتى يزن الآخر لثبوت حق الحبس كما
لو اتحد المشترى وسلم بعض الثمن لا يجب تسليم قسطه من المبيع وفيه وجه ضعيف حكاه امام
الحرمين والغزالي أنه يجب أن يسلم إليه القسط في المقيس والمقيس عليه إذا كان قابلا للقسمة وهذا شاذ
(ومنها) إذا قلنا بالتعدد فخاطب رجل رجلين فقال بعتكما هذا العبد بألف فقبل أحدهما نصفه
بخمسمائة أو قال مالكا عبد لرجل بعناك هذا العبد بألف فقبل نصيب أحدهما بعينه بخمسمائة
فوجهان (حكاهما) البغوي وغيره (أصحهما) بطلان العقد لعدم مطابقة القبول للايجاب
(والثاني) صحته كما يجوز لاحد المشتريين رد نصيبه من المعيب * ولو قال لرجلين بعتكما هذين العبدين بألف
فقال أحدهما قبلت هذا بخمسمائة لم يصح قطعا كما لو قال بعتك هذا بألف فقبل نصفه بخمسمائة
أو بعتك هذين العبدين فقبل أحدهما بخمسمائة أو بما يخصه من الألف لم يصح قال الشيخ أبو علي
وامام الحرمين والغزالي والبغوي وهذا بخلاف ما لو قال ولى المرأتين زوجتكهما بألف فقبل إحداهما
بعينها فإنه يصح النكاح فيهما * ولو وكل رجلان رجلا في البيع أو الشراء وقلنا الصفقة تتعدد بتعدد
المشترى أو وكل الرجل رجلين في البيع أو الشراء فهل الاعتبار في تعدد العقد واتحاده بالعاقد أم المعقود له فيه

(1) (تنبيه) هذا الفرع عبارته هكذا في الأصل فانظر وحرر.
385

أربعة أوجه (أصحها) وبه قال ابن الحداد ونقل الرافعي تصحيحه عن الأكثرين أن الاعتبار بالعاقد
لان أحكام العقد تتعلق به الا ترى أن المعتبر رؤيته دون رؤية الموكل وكذا خيار المجلس يتعلق
به دون الموكل (والثاني) الاعتبار بالمعقود له قاله الشيخ أبو زيد وأبو عبد الله الخضري وصححه
الغزالي في الوجيز لان الملك له (والثالث) الاعتبار في طرف البيع بالمعقود له وفى الشراء
بالعاقد وهو قول أبى اسحق المروزي والفرق أن العقد يتم في الشراء بالمباشر دون المعقود له ولهذا
لو أنكر المعقود له الاذن في المباشرة وقع العقد للمباشر بخلاف طرف البيع قال إمام الحرمين رحمه
الله وهذا الفرق هو فيما إذا كان التوكيل بالشراء في الذمة فان وكله في شراء عبد بثوب معين فهو
كالتوكيل بالبيع (والرابع) الاعتبار في جانب الشراء بالموكل وفى البيع بهما جميعا فإنهما ان تعددا تعدد العقد
اعتبارا بالشقص المشفوع فان العقد يتعدد بتعدد الموكل في حق الشفيع لا بتعدد الوكيل ويتفرع
على هذه الأوجه مسائل (منها) لو اشترى شيئا بوكالة رجلين فخرج معيبا فان اعتبرنا العاقد فليس لأحد
الموكلين افراد نصيبه بالرد وهل لاحد الموكلين وأحد الابنين طلب الأرش ينظر (ان وقع الناس
بمن رد الآخر بان رضى به أو تلف) (1) فله والا فوجهان (أصحهما) له أيضا (ومنها) لو وكل رجلان رجلا
ليبيع عبدا لهما أو وكل أحد الشريكين صاحبه فباع الجميع فخرج معيبا فعلى الوجه الأول لا يجوز
للمشترى رد نصيب أحدهما فقط وعلى الأوجه الأخرى يجوز ولو وكل رجل رجلين في بيع عبده
فباعاه لرجل فعلى الوجه الأول يجوز للمشترى رد نصيب أحدهما وعلى الأوجه الأخرى لا يجوز ولو وكل
رجلان رجلا في شراء عبد له ولنفسه ففعل وخرج العبد معيبا فعلى الوجه الأول والثالث ليس لأحد
الموكلين افراد نصيبه بالرد وعلى الثاني والرابع يجوز وقال القفال إن علم البائع أنه يشترى لها
فلاحدهما رد نصيبه لرضا البائع بالتشقيص وان جهله فلا (ومنها) لو وكل رجلان رجلا في بيع عبد
ورجلان رجلا في شرائه فتبايعه الوكيلان فخرج معيبا فعلى الوجه الأول لا يجوز التفريق وعلى
الوجه الآخر يجوز ولو وكل رجل رجلين في بيع عبد ووكل آخر آخرين في شرائه فتبايعه الوكلاء فعلى
الوجه الأول يجوز التفريق وعلى الوجه الآخر لا يجوز والله تعالى أعلم * (الحال الثاني) أن يقع التفريق
في الانتهاء وهو صنفان اختياري وغيره فالاختياري هو فيما إذا اشترى شيئين صفقة فوجد بأحدهما
عيبا وقد ذكره المصنف في باب المصراة والرد بالعيب وسنشرحه بفروعه هناك إن شاء الله تعالى
(وأما) غير الاختياري فمن صوره إذا اشترى عبدين أو ثوبين ونحوهما أو ثوبا وعبدا فتلف أحدهما

(1) هذه العبارة هكذا بالأصل فحرر.
386

قبل القبض دون الآخر فيفسخ العقد في التالف بلا خلاف وفى الباقي طريقان مشهوران ذكرهما
المصنف والأصحاب (أحدهما) أنه على القولين فيمن باع عبده وعبد غيره لان ما يحدث قبل القبض
كالموجود في حال العقد في ابطال العقد (وأصحهما) القطع بأنه لا ينفسخ لعدم علتي الفساد المذكورتين
هناك (فإذا قلنا) لا ينفسخ فللمشتري الخيار في الفسخ فيه لتبعض الصفقة عليه فان أجاز فبكم يجيز
فيه طريقان (أصحهما) وبه قطع المصنف والجمهور لا يلزمه إلا قسط الباقي قولا واحدا لان العوض
هنا قابل المبيعين مقابلة صحيحة حال العقد وانقسم العوض عليهما فلا يتغير بهلاك بعضه (والثاني)
فيه القولان فيمن جمع بين عبده وعبد غيره (أصحهما) التقسيط (والثاني) يلزمه جميع الثمن وهذا
الطريق مشهور في كتب الخراسانيين وذكره جماعات من العراقيين منهم القاضي أبو حامد والقاضي
أبو الطيب والدارمي والماوردي وابن الصباغ وآخرون منهم وهو قول أبى اسحق المروزي الحاقا
للطارئ بالمقارن قال القاضي أبو الطيب وصاحب البيان وآخرون (فان قلنا) يلزمه جميع الثمن فلا
خيار للبائع (وان قلنا) بالقسط ففي ثبوت الخيار له الوجهان السابقان (أصحهما) لا خيار له * ولو اشترى
عصيرا فصار بعضه خمرا قبل القبض فهو كتلف أحد العبدين والحكم ما سبق * ولو تفرقا في السلم وقد
قبض بعض رأس المال دون بعض أو في الصرف وقد قبض البعض فهل ينفسخ في الباقي فيه الطريقان
(المذهب) لا ينفسخ * ولو قبض أحد العبدين ثم تلف الآخر في يد البائع ففي الانفساخ في المقبوض خلاف
مرتب على الصور السابقة وهي إذا تلف أحدهما قبل قبض الآخر وهذا أولى بعدم الانفساخ لتأكد
العقد فيه بانتقال ضمانه إلى المشترى * هذا إذا كان المقبوض باقيا في يد المشترى فان تلف في يده ثم
تلف الآخر في يد البائع ففي الانفساخ في المقبوض خلاف مرتب على الصورة التي قبلها وأولى بعدم
الانفساخ لتلفه من ضمان المشتري (وإذا قلنا) في هذه الصورة بعدم الانفساخ فهل له الفسخ فيه
وجهان (أحدهما) نعم ويرد قيمته ويسترد الثمن إن كان سلمه (وأصحهما) لابل عليه حصته من
الثمن ولو اكترى دارا وسكنها بعض المدة ثم انهدمت انفسخ العقد في المستقبل وفى الماضي الخلاف الذي
ذكرناه في المقبوض التالف (المذهب) أنه لا ينفسخ فعلى هذا هل له الفسخ فيه الوجهان (فان قلنا)
لا فسخ وهو الأصح فعليه من المسمى حصة الماضي من المدة (وان قلنا) بالانفساخ أو قلنا له الفسخ
ففسخ فعليه أجرة المثل للماضي ويسترد المسمى إن كان دفعه * ولو انقطع بعض المسلم فيه عند المحل وكان
الباقي مقبوضا أو غير مقبوض وقلنا لو انقطع الجميع انفسخ العقد فينفسخ هنا في المنقطع وفى الباقي
387

الخلاف فيما إذا تلف أحد الشيئين قبل قبضهما (فإذا قلنا) لا ينفسخ فله الفسخ فان أجاز فيلزمه
حصته من رأس المال فقط (وان قلنا) لو انقطع الجميع لم ينفسخ العقد كان المسلم بالخيار ان شاء
فسخ العقد في الجميع وان شاء أجازه في الجميع وهل له الفسخ في القدر المنقطع والإجازة في الباقي
فيه قولان (أصحهما) ليس له بناء على القولين فيمن اشتري عبدين فوجد بأحدهما عيبا هل له
افراده بالرد (الأصح) ليس له *
(فرع) لو اشترى عبدين فأبق أحدهما قبل القبض لم يبطل البيع في الثاني لان البيع في الآبق (1) *
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن باع ما يملكه وغيره صفقة واحدة * ذكرنا مذهبنا وممن
قال ببطلان العقد فيهما مالك وأبو ثور وداود وابن المنذر وقال أبو حنيفة ان جمعت الصفقة مالا
وغيره كخل وخمر وعبد وحر وشاة وخنزير ومذكاة وميتة بطل العقد في الجميع وان جمعت مالا
وماله حكم المال كعبده وأم ولده بطل في أم الولد وصح في عبده لان أم الولد في حكم المال
فإنها لو تلفت وجبت قيمتها لسيدها وقد يحكم حاكم بصحة بيعها قال وان جمعت ماله ومال غيره
صح البيع في ماله ووقف في مال غيره على اجازته ان أجاز نفذ وان رد بطل العقد فيه بناء على
قاعدته وفي مذهب أحمد ثلاث روايات البطلان مطلقا والصحة مطلقا والأصح عندهم صحته فيما
ينقسم الثمن على أجزائه وبطلانه في غيره *
* قال المصنف رحمه الله *
(وان جمع بين بيع وإجارة أو بين بيع وصرف أو بين عبدين بشرط الخيار في أحدهما دون الآخر
بعوض واحد ففيه قولان (أحدهما) أنه يبطل العقدان لان أحكام العقدين متضادة وليس أحدهما
بأولي من الآخر فبطل الجميع (والثاني) أنه يصح العقدان وينقسم العوض عليهما على قدر قيمتهما
لأنه ليس فيه أكثر من اختلاف حكم العقدين وهذا لا يمنع صحة العقد كما لو جمع في البيع بين ما فيه
شفعة وبين ما لا شفعة فيه وان جمع بين البيع والنكاح بعوض واحد فالنكاح لا يبطل لأنه لا يبطل
بفساد العوض وفى البيع قولان ووجههما ما ذكرناه * وان جمع بين البيع والكتابة (فان قلنا) في
البيع والإجارة إنهما يبطلان بطل البيع والكتابة (وان قلنا) إن البيع والإجارة يصحان بطل
البيع ههنا لأنه لا يجوز أن يبيع السيد من عبده وهل تبطل الكتابة يبنى على تفريق الصفقة
(فان قلنا)) لا تفرق بطل (وان قلنا) تفرق بطل البيع وصحت الكتابة) *
(الشرح) فيه ثلاث مسائل (إحداها) إذا جمع في العقد مبيعين مختلفي الحكم كثوبين

(1) كذا بالأصل فحرر.
388

شرط الخيار في أحدهما دون الآخر أو بين بيع وإجارة أو بيع وسلم أو إجارة وسلم أو صرف وغيره
فقولان مشهوران (أصحهما) صحة العقد فيهما ويقسط العوض عليهما بالقيمة (والثاني) يبطل فيهما
وصورة البيع والإجارة بعتك عبدي وأجرتك داري سنة بألف وصورة البيع والسلم بعتك ثوبي
ومائة صاع حنطة سلما بدينار وصورة الإجارة والسلم أجرتك داري سنة وبعتك مائة صاع سلما بمائة
درهم * ولو باع حنطة وثوبا بشعير ففي صحة البيع القولان لان التقابض في الحنطة وما يقابلها من
الشعير واجب ولا يجب في الباقي فهو كبيع وصرف (والثانية) إذا جمع بيعا ونكاحا وقال زوجتك
جاريتي هذه وبعتك عبدي هذا بمائة وهو ممن تحل له الأمة أو قال زوجتك بنتي وبعتك عبدها
وهي في حجره أو رشيدة وكلته في بيعه صح النكاح بلا خلاف وفى البيع والصداق القولان السابقان
في البيع والإجارة (أصحهما) الصحة فان صححناهما وزع المسمى على قيمة المبيع ومهر المثل والا وجب
في النكاح مهر المثل (وإذا قلنا) بالتوزيع فهو إذا كانت حصة النكاح في صورة تزويج ابنته مهر
المثل فأكثر فإن كانت أقل وجب مهر المثل بلا خلاف فهذه صورة الجمع بين البيع والنكاح
وهي أن يكون العوضان لشخص كما ذكرنا فلو كانا لاثنين بأن قال بعتك عبدي وزوجتك (1)
بنتي بألف فقد قطع الشيخ أبو حامد ببطلان البيع ولعله فرعه على الصحيح والا فتحقيقه أن يبني
على أنهما لو كانا لشخص (فان قلنا) لا يصح البيع فهنا أولى والا ففيه القولان فيما لو كان لرجلين
عبدان لكل واحد عبد فباعهما بثمن واحد والأصح البطلان (الثالثة) لو جمع بيعا وكتابة فقال
لعبده كاتبتك على نجمين إلى كذا وكذا وبعتك ثوبي هذا جميعا بألف (فان قلنا) في المسألتين
السابقتين بالبطلان فيهما فهنا أولى والا فالبيع باطل وفى الكتابة القولان (أصحهما) الصحة وهذا الذي
ذكروه من القطع ببطلان البيع تفريع على المذهب المشهور أن البيع يفسد بالشرط الفاسد وفيه
القول شاذ السابق *
(فرع) في شئ من مسائل الدور يتعلق بتفريق الصفقة * فإذا باع مريض عبدا لا مال
له غيره بعشرة وهو يساوى ثلاثين بطل البيع في بعض المبيع وفى الباقي طريقان (أصحهما) عند
الجمهور أنه على قولي تفريق الصفقة (والثاني) القطع بالصحة وصححه البغوي لان المحاباة هنا وصية
وهي تقبل من الغرر ما لا يقبل غيرها فان صححنا بيع الباقي ففي كيفيته قولان وقيل وجهان (أحدهما)
يصح البيع في القدر الذي يحتمله الثلث والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن ويبطل في الباقي

(1) كذا بالأصل فحرر.
389

فيصح في ثلثي العبد بالعشرة ويبقى مع الورثة ثلث العبد وقيمته عشرة والثمن وهو عشرة وذلك
مثلا المحاباة وهي عشرة ولا تدور المسألة على هذا القول (والثاني) أنه إذا أزيد البيع في بعض المبيع
وجب ان يزيد إلى الشراء ما يقابله من الثمن فتدور المسألة لان ما ينفذ فيه البيع يخرج وما يقابله من الثمن
يدخل فيها ومعلوم أن ما ينفذ فيه البيع يزيد بزيادة التركة وينقص بنقصها ويتوصل إلى معرفة المقصود بطرق
(منها) أن ينسب ثلث المال إلى قدر المحاباة ويصح البيع في المبيع بمثل نسبة الثلث من المحاباة فنقول في هذه
الصورة ثلث المال عشرة والمحاباة عشرون والعشرة نصف العشرين فيصح البيع في نصف العبد وقيمته خمسة عشر
بنصف الثمن وهو خمسة كأنه اشترى سدسه بخمسة ووصى له بثلثه ويبقى مع الورثة نصف العبد وهو
خمسة عشر والثمن وهو خمسة فالمبلغ عشرون وذلك مثل المحاباة واختلفوا في الأصح من هذين
القولين أو الوجهين في الكيفية فرجح كثيرون الأول وبه قال ابن الحداد قال القفال والأستاذ
أبو منصور وغيرهما هو المنصوص للشافعي رحمه الله قالوا والثاني خرجه ابن سريج ورجح آخرون
الثاني واختاره أكثر الحساب وبه قال ابن القاص وابن اللبان وإمام الحرمين قال الرافعي وهو
في المعني والله سبحانه أعلم *
(باب الربا) الربا مقصور وهو من ربا يربو فيكتب بالألف وتثنيته ربوان واختار الكوفيون كتبه
وتثنيته بالياء بسبب الكسرة في أوله وغلطهم البصريون قال الثعلبي كتبوه في المصحف بالواو وقال
الفراء إنما كتبوه بالواو لان أهل الحجاز تعلموا الخط من أهل الحيرة ولغتهم الربوا فعلموهم صورة
الخط على لغتهم قال وكذلك قرأها أبو سماك العدوي بالواو وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة بسبب
كسرة الراء وأقر الباقون بالتفخيم لفتحة الباء قال وأنت بالخيار في كتبه - بالألف والواو والياء - والرماء
بالميم والمد - والربية بالضم والتخفيف لغة في الربا وأصله الزيادة وأربى الرجل وأرمى عامل بالربا *
* قال المصنف رحمه الله *
(الربا محرم والأصل فيه قوله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا) وقوله تعالى (الذين يأكلون الربا لا
يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) روى في التفسير حين يقوم من قبره وروى ابن
مسعود رضي الله عنه قال (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه) *
390

(الشرح) المس الجنون قال العلماء من المفسرين وغيرهم قوله تعالى (الذين يأكلون
الربا) معناه يتعاملون به بيعا أو شراء وإنما خص الاكل بالذكر لأنه معظم المقصود كما قال تعالى (إن
الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) وقوله تعالى (لا يقومون) أي يوم القيامة من قبورهم (إلا كما
يقوم الذي يتخبطه الشيطان) قال أهل التفسير واللغة التخبط هو الضرب على غير الاستواء ويقال
خبط البعير إذا ضرب باخفافه ويقال للرجل الذي يتصرف تصرفا رديئا ولا يهتدي فيه هو يخبط خبط
عشواء وهي الناقة الضعيفة البصر قالوا فمعنى الآية أن الشيطان يصيبه بالجنون حين يقوم من قبره
فيبعث مجنونا فيعرف أهل الموقف أنه من أكلة الربا (وأما) حديث ابن مسعود المذكور في
الكتاب فصحيح رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وآخرون بأسانيد صحيحة قال الترمذي هو
حديث حسن صحيح وهو من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه وقد قال
يحيي بن معين أنه لم يسمع أباه ولكن قال علي بن المديني والأكثرون المحققون سمعه وهي زيادة
علم ورواه مسلم في صحيحه من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ووقع في المهذب وسنن أبي
داود وشاهده بالافراد وفي الترمذي وشاهديه بالتثنية (وأما) الأحكام فقد أجمع المسلمون على
تحريم الربا وعلى أنه من الكبائر وقيل إنه كان محرما في جميع الشرائع وممن حكاه الماوردي والله
سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) قال الماوردي اختلف أصحابنا فيما جاء به القرآن من تحريم الربا على وجهين
(أحدهما) أنه مجمل فسرته السنة وكل ما جاءت به السنة من أحكام الربا فهو بيان لمجمل القرآن
نقدا كان أو نسيئة (والثاني) أن التحريم الذي في القرآن إنما تناول ما كان معهودا للجاهلية من
ربا النساء وطلب الزيادة في المال بزيادة الأجل وكان أحدهم إذا حل أجل دينه ولم يوفه الغريم
أضعف له المال وأضعف الأجل ثم يفعل كذلك عند الأجل الآخر وهو معنى قوله تعالى (لا تأكلوا
الربا أضعافا مضاعفة) قال ثم وردت السنة بزيادة الربا في النقد مضافا إلى ما جاء به القرآن قال وهذا
قول أبى حامد المروذي *
(فرع) يستوي في تحريم الربا الرجل والمرأة والعبد والمكاتب بالاجماع ولا فرق في تحريمه بين دار الاسلام
ودار الحرب فما كان حراما في دار الاسلام كان حراما في دار الحرب سواء
جرى بين مسلمين أو مسلم وحربي سواء دخلها المسلم بأمان أم بغيره هذا مذهبنا وبه قال مالك
391

وأحمد وأبو يوسف والجمهور * وقال أبو حنيفة لا يحرم الربا في دار الحرب بين المسلم وأهل الحرب
ولا بين مسلمين لم يهاجرا منها وإذا باع مسلم لحربي في دار الحرب درهما بدرهمين أو أسلم رجلان فيها
ولم يهاجرا فتبايعا درهما بدرهمين جاز واحتج له بما روى عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
(لا ربا بين مسلم وحربي في دار الحرب) ولان أموال أهل الحرب مباحة بغير عقد فالعقد الفاسد
أولى * واحتج أصحابنا بعموم القرآن والسنة في تحريم الربا من غير فرق ولان ما كان ربا في دار الاسلام كان ربا محرما في دار الحرب كما لو تبايعه مسلمان مهاجران وكما لو تبايعه مسلم وحربي في
دار الاسلام ولان ما حرم في دار الاسلام حرم هناك كالخمر وسائر المعاصي ولأنه عقد على ما لا يجوز
في دار الاسلام فلم يصح كالنكاح الفاسد هناك (والجواب) عن حديث مكحول انه مرسل ضعيف
فلا حجة فيه ولو صح لتأولناه على أن معناه لا يباح الربا في دار الحرب جمعا بين الأدلة (واما) قولهم إن
أموال الحربي مباحة بلا عقد فلا نسلم هذه الدعوى ان دخلها المسلم بأمان فان دخلها بغير أمان
فالعلة منتقضة كما إذا دخل الحربي دار الاسلام فبايعه المسلم فيها درهما بدرهمين وانه لا يلزم من كون
أموالهم تباح بالاغتنام استباحتها بالعقد الفاسد ولهذا تباح ابضاع نسائهم بالسبي دون العقد الفاسد *
* قال المصنف رحمه الله *
(والأعيان التي نص على تحريم الربا فيها الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح والدليل
عليه ما روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن
بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والتمر بالتمر والبر والبر والشعير بالشعير والملح بالملح الا سواء بسواء عينا
بعين فمن زاد أو استزاد فقد أربى (فأما) الذهب والفضة فإنه يحرم فيهما الربا لعلة واحدة وهو أنهما من
جنس الأثمان فيحرم الربا فيهما ولا يحرم فيما سواهما من الموزونات والدليل عليه انه لا يجوز أن
يكون تحريم الربا لمعني يتعداهما إلى غيرهما من الأموال لأنه لو كان لمعني يتعداهما إلى غيرهما لم
يجز اسلامهما فيما سواهما من الأموال لان كل شيئين جمعتهما علة واحدة في الربا لا يجوز اسلام
أحدهما في الآخر كالذهب والفضة والحنطة والشعير فلما جاز اسلام الذهب والفضة في الموزونات
والمكيلات وغيرهما من الأموال دل على أن العلة فيهما لمعنى لا يتعداهما وهو أنه من جنس الأثمان) *
(الشرح) حديث عبادة رضي الله عنه رواه مسلم وأجمع المسلمون على تحريم الربا في
هذه الأعيان الستة المنصوص عليها واختلفوا فيما سواها فقال داود الظاهري وسائر أهل الظاهر والشيعة
392

والغاساني وسائر ثقات الناس لا تحريم في الربا في غيرها وحكاه صاحب الحاوي عن طاوس ومسروق
والشعبي وقتادة وعثمان البتي وقال سائر العلماء لا يتوقف تحريم الربا عليها بل يتعدى إلى ما في معناها
وهو ما وجدت فيه العلة التي هي سبب تحريم الربا في السنة واختلفوا فيها (فأما) الذهب والفضة
فالعلة عند الشافعي فيهما كونهما جنس الأثمان غالبا وهذه عنده علة قاصرة عليهما لا تتعداهما إذ لا
توجد في غيرهما وقال أبو حنيفة العلة فيهما الوزن في جنس واحد فالحق بهما كل موزون كالحديد
والنحاس والرصاص والقطن والكتان والصوف وكل ما يوزن في العادة ووافق أنه لا يحرم
الربا في معمول الحديد والنحاس ونحوهما وإنما يحرم في التبر وممن قال بمعنى قول أبي حنيفة الزهري
والحكم وحماد والثوري والأوزاعي واحتج لهم بحديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وأبى
سعيد الخدري رضي الله عنهم أنهما حدثاه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدى
الأنصاري فاستعمله على خيبر فقدم بثمر حبيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر
خيبر هكذا قال لا والله يا رسول الله انا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لا تفعلوا ولكن مثلا بمثل أو بيعوا هذا واشتروا قيمته من هذا وكذلك الميزان) رواه البخاري
ومسلم قالوا نعنى وكذلك الموزون فيدل على أن كل موزون لا يجوز التفاضل فيه قالوا ولان
علتكم قاصرة فإنها لا تتعدى الذهب والفضة وهما الأصل الذي استنبطتم منه العلة وعندكم في العلة
القاصرة وجهان لأصحاب الشافعي (أحدهما) أنها فاسدة لا يجوز التعليل بها لعدم الفائدة فيها فان
حكم الأصل قد عرفناه وإنما مقصود العلة أن يلحق بالأصل غيره (والوجه الثاني) أن القاصرة صحيحة
ولكن المتعدية أولى قالوا فعلتكم مردودة على الوجهين لان حكم الذهب والفضة عرفناه بالنص
قالوا ولان علتكم قد توجد ولا حكم وقد يوجد الحكم ولا علة كالفلوس بخراسان وغيرهما فإنها
أثمان ولا ربا فيها عندكم والثاني كأواني الذهب والفضة يحرم الربا فيها مع أنها ليست أثمانا * واحتج
أصحابنا بما ذكره المصنف * وهو أنه يجوز اسلام الذهب والفضة في غيرهما من الموزونات بالاجماع
كالحديد وغيره فلو كان الوزن علة لم يجز كما لا يجوز اسلام الحنطة في الشعير والدراهم في الدنانير
ولان أبا حنيفة جوز بيع المضروب من النحاس والحديد والرصاص بعضه ببعض متفاضلا ولو
كانت العلة الوزن لم يجز (فان قالوا) خرجت بالضرب عن كونها موزونة (قلنا) لا نسلم * وأجاب أصحابنا
عن حديثهم بثلاثة أجوبة (أحدها) جواب البيهقي قال قد قيل إن قوله وكذلك الميزان من كلام
393

أبي سعيد الخدري موقوف عليه (الثاني) جواب القاضي أبو الطيب وآخرين أن ظاهر الحديث غير مراد
فان الميزان نفسه لا ربا فيه وأضمرتم فيه الموزون ودعوى العموم في المضمرات لا يصح (الثالث)
أنه يحمل الموزون على الذهب والفضة جمعا بين الأدلة وأجابوا عن قولهم لا فائدة في العلة القاصرة
بأن مذهبنا جواز التعليل بها فان العلل اعلام نصبها الله تعالى للأحكام منها متعدية ومنها غير
متعدية إنما يراد منها بيان حكمة النص لا الاستنباط وإلحاق فرع بالأصل كما أن المتعدية عامة
التعدي وخاصته * ثم لغير المتعدية فائدتان (إحداهما) أن تعرف أن الحكم مقصور عليها فلا تطمع
في القياس (والثانية) أنه ربما حدث ما يشارك الأصل في العلة فيلحق به وأجابوا عن الفلوس
بأن العلة عندنا كون الذهب والفضة جنس الأثمان غالبا وليست الفلوس كذلك فإنها وإن كانت ثمنا
في بعض البلاد فليست من جنس الأثمان غالبا وان لم تكن أثمانا والله سبحانه أعلم *
(فرع) (وأما) داود وموافقوه فاحتجوا بعموم قوله تعالى (وأحل الله البيع) وبقوله (إلا أن تكون
تجارة عن تراض منكم) وبأن أصل الاستثناء الإباحة * واحتج أصحابنا بحديث معمر بن عبد الله
رضي الله عنه قال (كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الطعام بالطعام مثلا بمثل) رواه
مسلم وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة ان يبيع الرجل
تمر حائطه إن كان نخلا بتمر كيلا وإن كان كرما أن بيعه بزبيب كيلا وإن كان زرعا أن يبيعه
بكيل طعام نهى عن ذلك كله) رواه البخاري ومسلم قال أصحابنا الطعام المذكور في الحديث الأول
عام يتناول جميع ما يسمى طعاما (فان قيل) فقد خصه بالأشياء الستة (قلنا) ذكر بعض ما يتناوله العموم ليس
تخصيصا على الصحيح (فان قيل) الطعام مخصوص بالحنطة (قلنا) هذا غلط بل هو عام لكل ما يؤكل
قال الله تعالى (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل الا ما حرم إسرائيل على نفسه) وقال تعالى (فلينظر
الانسان إلى طعامه) إلى قوله تعالى (فأنبتنا فيها حبا وعنبا) الآية وقال تعالى (فمن شرب منه فليس
مني ومن لم يطعمه فإنه منى) وعن أبي ذر رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة اسلامه قال (قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن كان يطعمك قلت ما كان لي طعام الا ماء زمزم فسمنت حتى
تكسرت عكن بطني قال إنها مباركة انها طعام طعم) رواه البخاري ومسلم * وعن عائشة رضي الله عنه
ا قالت (مكثنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمانا مالنا طعام الا الا سودان الماء والتمر رواه) (1) والجواب
عن الآيتين أنهما عام مخصوص بما ذكرنا (وقولهم) أصل الأشياء الإباحة ليس كذلك بل مذهب داود

(1) بياض بالأصل.
394

أنها على الوقف والصحيح عندنا أنه لا حكم قبل ورود الشرع والله سبحانه أعلم *
(فرع) ذكرنا أن علة الربا في الذهب والفضة عندنا كونهما جنس الأثمان غالبا قال
أصحابنا وقولنا غالبا احتراز من الفلوس إذا راجت رواج النقود كما قدمناه ويدخل فيه الأواني
والتبر وغير ذلك فهذه العبارة هي الصحيحة عند الأصحاب وهي التي نقلها الماوردي وغيره عن
نص الشافعي قال الماوردي ومن أصحابنا من يقول العلة كونهما قيم المتلفات قال ومن أصحابنا من
جمعهما قال وكله قريب * وجزم المصنف في التنبيه بأنهما قيم الأشياء وأنكره القاضي أبو الطيب
وغيره على من قاله من أصحابنا قالوا لان الأواني والتبر والحلي يجري فيها الربا وليس مما يقوم بها ولنا
وجه ضعيف غريب أن تحريم الربا فيهما بعينهما لا لعلة حكاه المتولي وغيره *
(فرع) إذا راجت الفلوس رواج النقود لم يحرم الربا فيها هذا هو الصحيح المنصوص
وبه قطع المصنف والجمهور وفيه وجه شاذ أنه يحرم حكاه الخراسانيون (وأما) ما سواها من الموزونات
كالحديد والنحاس والرصاص والقطن والكتان والصوف والغزل وغيرها فلا ربا فيها عندنا فيجوز
بيع بعضها ببعض متفاضلا ومؤجلا ولا خلاف في شئ من هذا عندنا إلا وجها حكاه المتولي والرافعي
عن أبي بكر الأولى من أصحابنا المتقدمين أنه قال لا يجوز بيع مال بجنسه متفاضلا سواء كان مطعوما
أو نقدا أو غيرهما وهذا شاذ ضعيف *
* قال المصنف رحمه الله *
(فاما الأعيان الأربعة ففيها قولان (قال) في الجديد العلة فيها أنها مطعومة والدليل عليه ما روى
معمر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الطعام بالطعام مثلا بمثل) والطعام اسم
لكل ما يتطعم والدليل عليه قوله تعالى (وطعام الذين أتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم)
وأراد به الذبائح وقالت عائشة رضي الله عنها (مكثنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم سنة مالنا طعام الا
الا سودان الماء والتمر وقال لبيد
لمعفر قهد ينازع شلوه * غبس كواسب ما يمن طعامها *
وأراد به الفريسة والحكم إذا علق على اسم مشتق كان ذلك علة فيه كانقطع في السرقة والحد في
الزنا ولان الحب ما دام مطعوما يحرم فيه الربا فإذا زرع وخرج عن أن يكون مطعوما لم يحرم فيه
الربا فإذا انعقد الحب وصار مطعوما حرم فيه الربا فدل على أن العلة فيه كونه مطعوما فعلى هذا
يحرم الربا في كل ما يطعم من الأقوات والإدام والحلاوات والفواكه والأدوية وفى الماء وجهان
395

(أحدهما) يحرم فيه الربا لأنه مطعوم فهو كغيره (والثاني) لا يحرم فيه الربا لأنه مباح في الأصل
غير متمول في العادة فلا يحرم فيه الربا * وفي الادهان المطيبة وجهان (أحدهما) لا ربا فيها لأنها تعد
للانتفاع برائحتها دون الاكل (والثاني) أنه يحرم فيها الربا وهو الصحيح لأنه مأكول وإنما لا يؤكل
لأنه ينتفع به فيما هو أكثر من الاكل * وفى البزر ودهن السمك وجهان (أحدهما) لا ربا فيه لأنه
يعد للاستصباح (والثاني) أنه يحرم الربا فيه لأنه مأكول فأشبه الشيرج (وقال) في القديم العلة فيها
أنها مطعومة مكيلة أو مطعومة موزونة والدليل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الطعام بالطعام مثلا بمثل)
والمماثلة لا تكون الا بالكيل أو الوزن فدل على أنه لا يحرم الا في مطعوم يكال أو يوزن فعلى هذا
لا يحرم الربا فيما لا يكال ولا يوزن من الأطعمة كالرمان والسفرجل والقثاء والبطيخ وما أشبهها) *
(الشرح) أما حديث معمر فرواه مسلم وسبق بيانه وحديث عائشة (1) (وقوله) وأما
الأعيان الأربعة هكذا هو في المهذب الأربعة وكان الأصل أن يقول الأربع ولكنه أراد بالأعيان
الأجناس فأثبت الهاء (وقولها) الأسودان هو من باب التغليب وتسمية الشيئين باسم أحدهما كالأبوين
والقمرين والعمرين ونظائره فان الماء لبس بأسود (قوله) في بيت لبيد لمعفر هو - بفتح العين المهملة
والفاء المشددة - وهو ولد الظبية إذا أرادت فطامه عن الرضاع فإنها تقطعه عن الرضاع أياما ثم تعود إلى
ارضاعه أياما ثم تقطعه عن الرضاع أياما ثم ترضعه تفعل ذلك حتى لا يضره القطع جملة فإذا فعلت هذا
قيل عفرت الظبية ولدها ومعفر هو هكذا فسره صاحب البيان وفسره غيره بأنه الذي سحب في التراب وعفر به
والقهد - بفتح القاف واسكان الهاء - قيل هو الأبيض وقيل أبيض فيه كدورة وفيه حمرة أو
صفرة وجمعه قهاد (وقوله) تنازع شلوه أي تحادف أعضاءه (وقوله) غبس بغين معجمة ثم
موحدة ساكنة ثم سين مهملة - أي ذئاب جمع أغبس وهو الذي لونه كلون الرماد (وقوله)
كواسب أي تكسب قوتها (وقوله) ما يمن طعامها فيه تأويلان (أصحهما) وأشهرهما أنه لا منة
عليها فيه بل تأخذه بالقهر والغلبة لا بالسؤال والمسكنة بخلاف السنور وشبهه (والثاني) معناه لا ينقص
ولا ينقطع لقوله تعالى (أجر غير ممنون) وقبل هذا البيت بيت آخر يظهر معني هذا وهو
خنساء ضيعت الفرير فلم يرم * عرض الشائق طوفها وبعامها الخنساء بقرة وحشية والفرير - بفتح الفاء - ولدها (وقوله) يرم - بفتح الياء وكسر الراء معناه
يفارق وعرض - بضم العين - وهو الناحية والشقائق جمع شقيقة وهي رملة فيها نبات وقيل أرض

(1) كذا بالأصل فحرر.
396

غليظة بين رملين (وقوله) طوفها - بفتح الطاء ورفع الفاء - وهو ذهابها ومجيئها وهو فاعل يرم
وبعامها - بضم الباء الموحدة وبالعين المعجمة وبرفع الميم - معطوف على طوفها والبعام الصوت
واللام في قوله لمعفر مكسورة وهي لام التعليل ومعنى البيتين أنها ضيعت ولدها فلا تزال تطوف في
ناحية الرمال لطلبه ظانة أنه هناك ولا تعلم أن الذئاب تجاذبت أعضاءه وأكلته (وأما) لبيد صاحب
هذا فهو أبو عقيل بفتح العين لبيد بن ربيعة بن مالك العامري الصحابي الشاعر المشهور كان
من فحول شعراء الجاهلية ثم وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسلم وحسن اسلامه وكان من المعمرين عاش
مائة وأربعا وخمسين سنة وقيل غير ذلك توفى في خلافة عثمان وقيل في أول خلافة معاوية رضي الله عنه
م (قوله) في الماء لأنه مباح في الأصل احتراز مما يتأثر من الزروع والثمار وما يلقى من الأطعمة
رغبة عنه فإنه إذا أخذ انسان شيئا من ذلك جرى فيه الربا لأنه ليس بمباح في الأصل (وقوله) غير
متمول في العادة احتراز من الصيد والبزر - بفتح الباء وكسرها - لغتان والقثاء - بكسر القاف
وضمها - والكسر أفصح وأشهر (أما) الأحكام ففي علة تحريم الربا في الأجناس الأربعة قولان
(أصحهما) وهو الجديد أنها الطعم فيحرم الربا في كل مطعوم سواء كان مما يكال أو يوزن أو غيرهما
ولا يحرم في غير المطعوم فيجرى الربا في السفرجل والبطيخ والرمان والبقول وغيرها من المطعوم
(والثاني) وهو القديم لا يحرم الا في مطعوم يكال أو يوزن فعلى هذا لا ربا في السفرجل والرمان
والبيض والجوز والبقول والخضراوات وغيرها مما لا يكال ولا يوزن فيجوز بيع بعضه ببعض
متفاضلا وهذا القول ضعيف جدا والتفريع إنما هو على الجديد فعلى هذا قال الشافعي والأصحاب
المراد بالمطعوم ما يعد للطعم غالبا تقوتا وتأدما أو تفكها أو تداويا أو غيرها فيدخل فيه الحبوب والإدام
والحلاوات والفواكه والبقول والتوابل والأدوية وغيرها فيحرم الربا في جميع ذلك قال أصحابنا وسواء
ما أكل غالبا أو نادرا كالبلوط والطرثوث وهو نبت معروف وسواء ما أكل وحده أو مع غيره
وفى الزعفران وجهان حكاهما القاضي حسين والمتولي والرافعي (أحدهما) لا ربا فيه لأنه لا يقصد
بالاكل (والثاني) وهو الصحيح المنصوص وبه قطع الجمهور يحرم فيه الربا لأنه مأكول في
الجملة وفى المصطكي والزنجبيل وجهان (الصحيح) المشهور ويحرم فيهما الربا (والثاني) لا
ربا فيهما حكاه (1) والرافعي وقطع صاحب البيان بأنه لا ربا في المصطكي ويجرى تحريم
الربا في جميع الأدوية كالإهليلج والإبليلج والسقمونيا وغيرها نص عليه الشافعي واتفق

(1) بياض بالأصل.
397

عليه الأصحاب إلا وجها حكاه القاضي حسين والمتولي وغيرهما أن ما يقتل كثيره ويستعمل
قليله في الأدوية كالسقمونيا لا ربا فيه وهو شاذ ضعيف (وأما) الماء (إذا قلنا) بالمذهب
انه مملوك يصح بيعه فهل يحرم فيه الربا فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما)
يحرم هكذا صححه إمام الحرمين والرافعي والجمهور وهو الصواب ولا يغتر بتصحيح صاحب
الانتصار الإباحة فإنه شاذ ضعيف (فان قيل) لو كان مطعوما لم يجز الاستنجاء به (قلنا) ثبتت
الأحاديث في جواز الاستنجاء به فصار مستثنى (وأما) الادهان فأربعة أضرب (أحدها) ما يعد
للاكل كالزبد والسمن والزيت والشيرج ودهن الجوز واللوز والبطم ودهن الفجل والخردل
والصنوبر وأشباهها فيحرم فيه الربا أيضا لأنه يؤكل للتداوي فأشبه الإهليلج (1) (الثالث) ما يراد
للطيب كدهن البنفسج والورد والياسمين والزئبق والبان وسائر الادهان المطيبة فيها وجهان مشهوران
ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) عنده وعند الأصحاب أنها ربوية وذكر أمام الحرمين أن
العراقيين نقلوا في المسألة قولين المنصوص أنها ربوية وفى قول مخرج ليست ربوية قال وقال
صاحب التقريب دهن البنفسج ربوي وفى دهن الورد وجهان قال الامام ولا أفهم الفرق بينهما
(فإذا قلنا) انها ربوية لم يجز بيع شئ من هذه الادهان بعضه ببعض متفاضلا ولا بيع بعضها متفاضلا ولا بيع بعضها
بالشيرج متفاضلا بلا خلاف هكذا صرح به الأصحاب ونقله الامام عن العراقيين ولم يذكر خلافه
قالوا لأنها كلها شيرج اختلفت رائحته بحسب ما جاورها من هذه الادهان (الرابع) ما يراد للاستصباح
كدهن السمك وبزر الكتان ودهنه وفيه وجهان مشهوران في الطريقين ذكرهما المصنف بدليلهما
(أصحهما) أنه ليس بربوي (وأما) قول إمام الحرمين والغزالي أن العراقيين قطعوا بأنه لا ربا فيه
فليس بمقبول بل الخلاف فيه مشهور في كتب العراقيين والله أعلم *
(فرع) الطين الأرموي ربوي على الصحيح من الوجهين ونقله امام الحرمين عن الغزالي
قال ولا خلاف فيه وممن ذكر الوجهين فيه القاضي حسين والمتولي والرافعي (وأما) الطين الذي
يؤكل سفها ويقال له الخراساني ففيه الوجهان (الصحيح) أنه ليس ربويا وبه قطع القاضي حسين
وأبو الطيب والمتولي وصاحب البيان ونقله امام الحرمين عن العراقين قال وتردد فيه الشيخ أبو محمد ومال
إلى أنه ربوي وصححه الغزالي في الوسيط أنه ربوي والمذهب الأول *
(فرع) في دهن الورد وجهان حكاهما الصيمري وصاحب البيان وغيرهما (أصحهما)

(1) كذا بالأصل وانظر أين الضرب الثاني.
398

ليس بربوي صححه الرافعي وهو كلام الجمهور وحكى الرافعي الوجهين في العود المطيب
أيضا وقطع الأكثرون بأنه ليس ربويا *
(فرع) لا ربا في الحيوان عندنا فيجوز بيع شاة بشاتين وبعير ببعيرين ودجاجة بدجاجتين
وكذا سائر الحيوان ولا خلاف في هذا عندنا الا الوجه الذي قدمناه عن الأودني وهو شاذ ضعيف
والا وجها حكاه امام الحرمين ومتابعوه في السمك الصغار التي يمكن ابتلاعها في حياتها أنه يجرى
فيه الربا بناء على جواز أكلها حية وفيه وجهان سبقا في الأطعمة والصيد والذبائح (ان قلنا) لا يجوز
أكلها حية ليست ربوية فيجوز بيع سمكة بسمكات كسائر الحيوان والا فوجهان (أصحهما)
الجواز وهو مقتضى كلام الجمهور (والثاني) لا وبه قطع المتولي تفريعا على جواز أكله
(فرع) قال ابن الصباغ والأصحاب لا ربا في النوى لأنه ليس بطعام للآدمي وإن كان
طعاما للبهائم فأشبه الحشيش *
(فرع) لا ربا في الجلود والعظام إن كان يجوز أكلها وهذا لا خلاف فيه وممن صرح به
الماوردي لأنها لا تؤكل في العادة *
(فرع) قال المتولي وغيره أنواع الحشيش التي تنبت في الصحارى وتؤكل في حال رطوبتها
وأطراف قضبان العنب لا ربا فيها لأنها لا تقصد للاكل عادة *
* قال المصنف رحمه الله *
(وما سوى الذهب والفضة والمأكول والمشروب لا يحرم فيها الربا فيجوز بيع بعضها ببعض
متفاضلا ونسيئة ويجوز فيها التفرق قبل التقابض لما روي عبد الله بن عمرو بن العاص قال (أمرني
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجهز جيشا فنفدت الإبل فأمرني أن آخذ على قلاص الصدقة
فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة) وعن علي كرم الله وجهه (أنه باع جملا إلى أجل بعشرين
بعيرا) وباع ابن عباس رضي الله عنه بعيرا بأربعة أبعره واشترى ابن عمر رضي الله عنه راحلة بأربع
رواحل ورواحله بالربذة واشترى رافع بن خديج رضي الله عنه بعيرا ببعيرين فأعطاه أحدهما وقال
آتيك بالآخر غدا * ولا يجوز بيع نسيئة بنسيئة لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
بيع الكالئ بالكالئ قال أبو عبيدة هو النسيئة بالنسيئة) *
(الشرح) حديث ابن عمر وبن العاصي رواه أبو داود وسكت عليه فيقتضى أنه عنده
399

حسن كما سبق تقريره وإن كان في اسناده نظر لكن قال البيهقي له شاهد صحيح فذكره باسناده الصحيح عن
عبد الله بن عمرو بن العاصي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ان يجهز جيشا قال عبد الله وليس عندنا ظهر قال فأمره
النبي صلى الله عليه وسلم أن يبتاع ظهرا إلى خروج التصدق فابتاع عبد الله البعير بالبعيرين وبالأبعرة إلى خروج التصدق
بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الرواية رواها أيضا الدارقطني باسناد صحيح (وأما) الأثر المذكور عن علي رضي الله عنه
فرواه مالك في الموطأ والشافعي في مسنده وفى الام باسناد صحيح عن حسين بن محمد بن علي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه باع جملا له عصيفير بعشرين بعيرا إلى أجل لكن في اسناده انقطاع من طريق حسين
ابن محمد بن علي فلم يدركه (وأما) الأثر عن ابن عمر فصحيح رواه مالك في الموطأ والشافعي عن مالك
عن نافع وذكره البخاري في صحيحه تعليقا (وأما الأثر) عن رافع بن خديج فصحيح ذكره البخاري
في صحيحه تعليقا (وأما) حديث النهى عن بيع الكالئ بالكالئ فرواه الدارقطني والبيهقي باسناد
ضعيف مداره على موسى بن عبيدة الزيدي وهو ضعيف (أما) ألفاظ الفصل القلاص - بكسر
القاف - جمع قلص والقلص جمع قلوص وهي الناقة الشابة ذكره الجوهري وغيره (وقوله) أخذ
من قلاص الصدقة هكذا هو في المهذب من والذي في سير أبى داود والبيهقي وغيرهما في ومعناهما
السلف على إبل الصدقة إلى أجل معلوم (واما) الراحلة فالبعير النجيب والربذة - بفتح الراء والباء الموحدة
والذال معجمة موضع على ثلاث مراحل من المدينة والكالئ بالهمز (أما) الأحكام ففي الفصل مسألتان
(إحداهما) أن ما سوى الذهب والفضة والمطعوم لا يحرم فيه الربا فيجوز بيع بعير بأبعرة وشاة بشياه
وثوب بثياب وصاع نورة أو جص أو اشنان بصيعان ورطل غزل بأرطال من جنسه وأشباهه
وكل هذا مما سبق بيانه (المسألة الثانية) لا يجوز بيع نسيئة بنسيئة بأن يقول بعني ثوبا في ذمتي
بصفته كذا إلى شهر كذا بدينار مؤجل إلى وقت كذا فيقول قبلت وهذا فاسد بلا خلاف *
(فرع) في مذاهب العلماء في بيان علة الربا في الأجناس الأربعة وهي البر والشعير والتمر
والملح ولهم فيها عشرة مذاهب (أحدها) مذهب أهل الظاهر ومن موافقهم انه لا ربا في غير
الأجناس الستة كما سبق (الثاني) مذهب أبي بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم ان العلة فيها كونها
منتفعا به حكاه عنه القاضي حسين (والثالث) مذهب ابن سيرين وأبي بكر الأودني من أصحابنا
ان العلة الجنسية تحرم الربا في كل شئ بيع بجنسه كالتراب بالتراب متفاضلا والثوب بالثوبين
والشاة بالشاتين (الرابع) مذهب الحسن البصري ان العلة المنفعة في الجنس فيجوز عنده بيع ثوب
400

قيمته دينار بثوبين قيمتهما دينار ويحرم بيع ثوب قيمته دينار بثوب قيمته ديناران (الخامس) مذهب
سعيد بن جبير أن العلة تقارب المنفعة في الجنس فحرم التفاضل في الحنطة بالشعير أن العلة تقارب
المنفعة في الجنس فحرم التفاضل في منافعها وكذلك الباقلي بالحمص والدخن بالذرة (السادس)
مذهب ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن العلة كونه جنسا تجب فيه الزكاة فحرم الربا في جنس تجب
فيه الزكاة من المواشي والزروع وغيرها ونفاه عمالا زكاة فيه (السابع) مذهب مالك كونه مقتاتا مدخر
جنس فحرم الربا في كل ما كان قوتا مدخرا ونفاه عما ليس بقوت كالفواكه وعما هو قوت لا يدخر
كاللحم (الثامن) مذهب أبي حنيفة أن العلة كونه مكيل جنس فحرم الربا في كل مكيل وان لم
يؤكل كالجص والنورة والأشنان ونفاه عما لا يكال ولا يوزن وإن كان مأكولا كالسفرجل
والرمان (التاسع) مذهب سعيد بن المسيب وقول الشافعي في القديم أن العلة كونه مطعوما
يكال أو يوزن فحرمه في كل مطعوم يكال أو يوزن ونفاه عما سواه وهو كل ما لا يؤكل ولا يشرب
أو يؤكل ولا يكال ولا يوزن كالسفرجل والبطيخ (العاشر) ان العلة كونه مطعوما فقط سواء كان
مكيلا أو موزونا أم لا ولا ربا فيما سوى المطعوم غير الذهب والفضة وهذا مذهب الشافعي الجديد
الصحيح وهو مذهب احمد وابن المنذر وغيرهما (فأما) أهل الظاهر فسبق دليلهم والدليل عليهم (وأما)
الباقون فدليلنا على جميعهم قوله صلى الله عليه وسلم (الطعام بالطعام مثلا بمثل) وهو صحيح سبق
بيانه ووجه الدلالة فيه ما ذكره المصنف وأيضا هذه الآثار مع الحديث المذكور في الكتاب *
وعن جابرا (ان النبي صلى الله عليه وسلم اشترى عبدا بعبدين أسودين) رواه مسلم * وعن انس (أن
النبي صلى الله عليه وسلم اشترى صفية من دحية الكلبي بسبعة أرؤس) رواه مسلم وغيره * واحتج
لابن كيسان بأن المقصود بتحريم الربا الرفق بالناس وهذا المعنى موجود في الجميع واحتج أصحابنا
عليه بما ذكره المصنف من الآثار والمعنى وبحديث العبد بالعبدين والبعير بالبعيرين وغير ذلك
وأفسدوا علته بأنها تؤدى إلى تحريم التجارات والأرباح * واحتج لابن سيرين بحديث عبادة بن
الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبربر بالبر والشعير
بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا
كيف شئتم إذا كان يدا بيد) رواه مسلم وموضع الدلالة أنه شرط في جواز التفاضل اختلاف
الأصناف وهي الأجناس * واحتج أصحابنا بالأحاديث والآثار السابقة في بيع عبدين بعبد
401

وأبعرة ببعير فدل على أن الجنس ليس بعلة (والجواب) عن حديث فإذا اختلفت هذه الأصناف
فالمراد جواز التفاضل في هذه الأصناف إذا اختلفت ومنعه فيها إذا اتفقت لأمنعه في غيرها * واحتج
للحسن بأن المقصود بتحريم الربا في القدر موجود في القيمة فيمتنع التفاضل في القيمة كما امتنع
في القدر واحتج الأصحاب بما سبق ولا نسلم الحاق القيمة بالقدر * واحتج لابن جبير بأن المنفعة
كالقدر قال الأصحاب هذا مردود بالمنصوص على جواز التفاضل في الحنطة بالشعير لقوله
صلى الله عليه وسلم (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم) واحتج لربيعة بأن تحريم
الربا في هذه الأجناس إنما كان حثا على المواساة بالتماثل وأموال المواساة هي أموال الزكاة قال
أصحابنا هذا فاسد منابذ للأحاديث والآثار السابقة في جواز التفاضل في الحيوان وفاسد أيضا بالملح
فإنه ربوي بالنص وعلى مقتضى مذهبه لا ربا فيه لأنه ليس ربويا * واحتج لمالك بأن علته أكثر
شبها بالأصل فهي أولى واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم (فإذا اختلفت هذه الأصناف
فبيعوا كيف شئتم) وما قاله مالك منتقض بالرطب فإنه ربوي بالنص وليس مدخرا
(فان قيل) الرطب يؤول إلى الادخار (قلنا) الربا جاز في الرطب الذي لا يصير تمرا أو
العنب الذي لا يصير زبيبا * واحتج لأبي حنيفة بأن الكيل هو المعتبر في التساوي فكان
علته واحتج أصحابنا بما سبق ولا يلزم من كون الكيل معيارا كونه علة والله سبحانه أعلم *
(فرع) مذهبنا جواز بيع ثوب بثوبين وثياب من جنسه حالا ومؤجلا وبه قال أبو ثور
وابن المنذر ومنعه مالك وأبو حنيفة (1) لا ربا في القليل من الحنطة والشعير ونحوهما كالحفنة والحفنتين
ونحوهما مما لا يكال في العادة قال وكذا لا ربا في البطيخ والباذنجان والبيض والسفرجل والرمان
وسائر الفواكه التي تباع عددا بناء على قاعدته السابقة أنه لا ربا في غير المكيل والموزون ومذهبنا
ومذهب الجمهور ثبوت الربا في كل ذلك لعموم النصوص في تحريم الربا *
(فرع) يجوز بيع الحيوان بالحيوان من جنسه متفاضلا كبعير ببعيرين وشاة بشاتين حالا
ومؤجلا سواء كان يصلح للحمل والركوب والاكل والنتاج أم للاكل خاصة * هذا مذهبنا وبه
قال جماهير العلماء وقال مالك لا يجوز بيع بعير ببعيرين ولا ببعير إذا كانا جميعا أو أحدهما لا يصلح الا
للذبح كالكسير والحطيم ونحوهما لأنه لا يقصد به إلا اللحم فهو كبيع لحم بلحم جزافا أو لحم بحيوان * دليلنا
الأحاديث والآثار السابقة في بيع بعير ببعيرين وأبعرة *

(1) كذا بالأصل.
402

(فرع) قد ذكرنا أن مذهبنا جواز بيع كل ما ليس مطعوما ولا ذهبا ولا فضة بعضه
ببعض متفاضلا ومؤجلا وبه قال جمهور العلماء وقال أبو حنيفة يحرم التأجيل في بيع الجنس بعضه
ببعض من أي مال كان لحديث الحسن عن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع
الحيوان بالحيوان نسيئة) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة قال الترمذي حديث حسن
صحيح * وعن ابن عباس قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة) واحتج أصحابنا
بالأحاديث والآثار السابقة في بيع الإبل بالإبل مؤجلة ولأنهما عوضان لا تجمعهما علة واحدة فلا
يحرم فيهما النساء كما لو باع ثوب قطن بثوب حرير إلى أجل ولأنه لا ربا فيه نقدا فكذا النسيئة
(والجواب) عن حديث سمرة من وجهين (أحدهما) جواب الشافعي أنه حديث ضعيف قال
البيهقي أكثر الحفاظ لا يثبتون سماع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة (والثاني) أنه محمول على
أن الأجل في العوضين فيكون بيع دين بدين وذلك فاسد كما سبق (والجواب) عن حديث ابن عباس
من الوجهين فقد اتفق الحفاظ على ضعفه وأن الصحيح أنه مرسل عن عكرمة عن النبي صلى الله
عليه وسلم وممن قال ذلك البخاري وابن خزيمة والبيهقي وغيرهم قال ابن خزيمة الصحيح عند أهل العلم
بالحديث أنه مرسل *
* قال المصنف رحمه الله *
(فاما يحرم فيه الربا فينظر فيه فان باعه بجنسه حرم فيه التفاضل والنساء والتفرق قبل
التقابض لما روى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم (قال الذهب بالذهب والفضة
بالفضة والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف
فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) فان باعه بغير جنسه نظرت فإن كان مما يحرم الربا فيهما لعلة
واحدة كالذهب والفضة والشعير والحنطة جاز فيه التفاضل وحرم فيه النساء والتفرق قبل التقابض
لقوله صلى الله عليه وسلم (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) فان
تبايعا وتخايرا في المجلس قبل التقابض بطل البيع لان التخاير كالتفرق ولو تفرقا قبل التقابض بطل العقد
فكذلك إذا تخاير * وان تبايعا دراهم بدنانير في الذمة وتقابضا ثم وجد أحدهما بما قبض عيبا نظرت فإن لم يتفرقا
جاز أن يرد ويطالب بالبدل لان المعقود عليه ما في الذمة وقد قبض قبل التفرق وان تفرقا ففيه قولان (أحدهما) يجوز
ابداله لان ما جاز ابداله قبل التفرق جاز بعده كالمسلم فيه (والثاني) لا يجوز وهو قول المزني لأنه إذا أبدله صار
القبض بعد التفرق وذلك لا يجوز * وإن كان مما يحرم بهما الربا بعلتين كبيع الحنطة بالذهب والشعير بالفضة
حل فيه التفاضل والنساء والتفرق قبل التقابض لاجماع الأمة على جواز اسلام الذهب والفضة
403

في المكيلات المطعومة) *
(الشرح) حديث عبادة رواه مسلم والنساء - بالمد - والتأجيل قال الشافعي والأصحاب إذا
باع مالا ربويا فله ثلاثة أحوال (أحدها) أن يبيعه بجنسه فيحرم فيه ثلاثة أشياء التفاضل والنساء
والتفرق قبل التقابض (الثاني) أن يبيعه بغير جنسه لكنهما مما يحرم فيهما الربا بعلة واحدة
كالذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر بالملح والزيت بالعسل فيجوز فيهما التفاضل والنساء والتفرق
قبل التقابض (1) ودليل الجميع في الكتاب وحيث شرطنا التقابض فمعناه التقابض قبل التفرق
الذي ينقطع به خيار المجلس كما سبق تفصيله قال الشافعي في كتاب الصرف من الام والأصحاب
لا بأس أن يطول مقامهما في مجلسهما ولا بأس أيضا بطوله متماشيين وان طال مشيهما وتباعدا عن مجلس
العقد ثم تقابضا قبل افتراقهما فيصح البيع لعدم افتراقهما * ولو باعه دينارا في الذمة بعشرة دراهم في الذمة
ووصفا الجميع أو كان في موضع فيه نقد غالب ولم يكن العوضان حاضرين ثم ارسلا من أحضرهما
أو ذهبا مجتمعين إليهما وتقابضا قبل التفرق صح البيع وسلما من الربا * ولو وكلا أو أحدهما في القبض
وحصل القبض قبل مفارقة العاقدين جاز والا فلا ومتى تفرقا قبل القبض وحصل القبض
بطل العقد ويأثمان بذلك قال ابن الصباغ والأصحاب يكون هذا ربا جاريا مجرى بيع الربوي نسيئة
ولا يكفيهما تفرقهما في منع الاثم وإن كان يبطل كما أن العقد مع التفاضل باطل ويأثمان به قال أصحابنا قال
تعذر عليهما التقابض في المجلس وأرادا أن يتفرقا لزمهما أن يتفاسخا العقد قبل التفرق لئلا يأثما وان قبض كل
واحد منهما نصف المعقود عليه وتفرقا قبل قبض الباقي بطل العقد في الذي لم يقبض وفى بطلانه في المقبوض الطريقان
السابقان فيمن اشترى عبدين فتلف أحدهما قبل القبض (المذهب) أنه لا يبطل بل يصح والله سبحانه وتعالى أعلم *
قال المصنف والأصحاب وإذا تخايرا في المجلس قبل التقابض فهو كالتفريق فيبطل العقد لما ذكره المصنف
هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وقال ابن سريج لا يبطل لظاهر الحديث فإنه يسمى يدا بيد *
آخر المجلد والى هنا انتهى كلام الشيخ مصنفه أبو زكريا يحيى بن شرف النواوي فأدركته المنية
رحمه الله ونفعنا به في الدنيا والآخرة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما
وحسبنا الله ونعم الوكيل.
404