الكتاب: الأحكام
المؤلف: الإمام يحيى بن الحسين
الجزء: ٢
الوفاة: ٢٩٨
المجموعة: فقه المذهب الزيدي
تحقيق: تجميع : أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي حريصة
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

كتاب الأحكام
في الحلال والحرام
1

بسم الله الرحمن الرحيم
3

كتاب الأحكام
في الحلال والحرام
للإمام الهادي إلى الحق
يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم
ابن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام
جمعه ورتبه
أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي حريصة
رحمه الله
الجزء الثاني
5

الطبعة الأولى
1410 ه‍ - 1990 م‍
6

مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين والصلاة والسلام على منقذ الأمم
من الجهالات والظلم محمد الأمين، وعلى آله المطهرين وعلى الراشدين
من الصحابة والتابعين.
وبعد:
فإن كل أمة تسعى جاهدة لتحقيق رفعتها وعزتها ورقيها مهما حاولت لن
تفلح إذا لم تربط حاضرها بماضيها، وتستفيد من تراثها بقدر استفادتها مما
يعاصرها، وأهم شئ يربطنا في هذه الأرض المباركة هو تراثنا الفكري الذي
خلفه لنا سلف صالح مضوا على نهج ومبادئ تلك الرسالة السماوية
السمحة، التي جاء بها رسول رب العزة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله والتي
جعلت العلم الركيزة الأساسية لكل مقومات الحياة، لقد دفعهم إيمانهم بالله
ورسوله إلى الاغتراف من معين العلم الصافي وحاولوا بكل الوسائل المتاحة
لهم تحصيل شتى المعارف، فكانت حصيلة جهدهم هو ما تركوه لنا من
مؤلفات علمية وافرة نحسد عليها فحاول المستعمرون والغزاة سلبها من بين
أيدينا، وقد نجحوا بعض الشئ، فها هي مكتبات العالم تزخر بكتب التراث
العلمي اليمني، ولكن أبناء هذه الأمة حكاما ومحكومين لديهم القناعة الكاملة
بوجوب المحافظة على هذه الثروة العلمية، فأنشئت المكتبات العامة
والخاصة، وكل ضنين بما عنده وهذا مصدر فخر لكل فرد فهم لم يحفظوا ما
7

يخصهم فقط، بل حفظوا للعالم ثقافاته وتاريخه وحضارته بشهادة الكثير من
المؤرخين.
واليمن بحمد الله تعالى قد نجا من كثير من الويلات والكوارث التي
ألمت بالشعوب الاسلامية فهدمت دور الكتب فيها، وأحرقت مقتنياتها،
وأغرق بعضها حتى اسودت مياه الأنهار، وصودر ما تبقى منها سليما.
وكل ذلك نعمة من الله سبحانه على أهل هذه الأرض المباركة استجابة
منه تعالى لدعوة رسوله صلى الله عليه وآله: (اللهم بارك في يمننا)، وتصديقا لقوله صلى الله عليه وآله
(الايمان يمان والحكمة يمانية).
وهذا الكتاب الذي نقدمه إلى كل طالب للعلم والمعرفة والذي كان ولا
يزال مرجعا للعلماء والفقهاء وقد شرحه الكثير من الأئمة والعلماء شروحا وافية
واستخرجوا من نصوصه التخريجات الوافية، وفرعوا عليها التفريعات الكافية
كيف ولا ومؤلفه الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، المؤسس الأول
لهذه الثروة الفكرية التي تصغر عندها جميع ثروات الشعوب المادية ونرجو أن
نكون بعملنا هذا قد أدينا بعضا مما يجب علينا.
والحمد لله رب العالمين.
الناشر
30 ربيع الأول 1408 ه‍
8

نبذة يسيرة عن المؤلف
نسبه:
هو الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن
إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم
السلام.
قال الأديب العلامة الشهيد أحمد بن محمد المطاع في كتابه تاريخ
اليمن الاسلامي تحقيق عبد الله محمد الحبشي عند ذكره لسنة 298 ه‍: فيها
مات الإمام الهادي بصعدة يوم الأحد لعشر بقين في ذي الحجة من السنة
المذكورة ودفن يوم الاثنين قبل الزوال بمسجده المشهور بصعدة ومولده
بالمدينة المنورة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام سنة 245 ه‍ وهو بلا
شك أكبر مصلح ارتفع اسمه في أفق التاريخ اليمني ونال من الاحترام والحب
في قلوب اليمنيين مكانة لم يتبوأها أحد بحيث أصبحت آثاره وأعماله وصفاته
العالية قبلة الابصار ومهوى الأفئدة، وقد مربك آثاره العلمية فإنه بمكانة عليا
من العلم والفضل والورع، ومكارم الأخلاق، الحلم والتواضع كثير الصفح
والتجاوز عن سيئات الناس وهفواتهم.
إلى أن قال: وكان شجاعا مقداما ثابت الجأش، ماضي العزيمة.
يباشر في الحرب المنايا ولا يرى * لمن لم يباشرها من الموت مهربا
9

أخو غمرات ما يوزع جأشه * إذا الموت بالموت ارتدى وتأزرا
دائم الحركة جم النشاط قوي الشكيمة شديد الشعور بواجب الزعامة.
على خير ما كان الرجال خلاله * وما الخير إلا قسمة ونصيب
حريصا على مصالح الناس الدينية والدنيوية، كثير العناية بشؤونهم
الاجتماعية والأخلاقية كان يصلي بالناس الجماعة ثم يقعد للارشاد وفصل
الخصومات ثم ينهض فيدور في الأسواق والسكك فإن رأى جدارا مائلا أمر
أهله بإصلاحه أو طريقا فاسدا أو خلفا مظلما أمر أهله أن يضيئوا فيه للمارة،
وإن رأى امرأة أمرها بالحجاب، وإن كانت من القواعد أمرها بالتستر، ومن
آثاره الاصلاحية إحداث البراقع للنساء باليمن وإلزامهن بذلك وكان يقف على
أهل كل بضاعة ويحذرهم من الغش ويسعر لهم بضاعتهم وينهاهم عن
التظالم، وكأن يقول: إنما ورد النهي عن التسعير على أهل الوفاء وأهل
التقوى، فإذا ظهرت الظلامات وجب على أولياء الله أن ينهوا عن الفساد
كله، ويردوا الحق إلى مواضعه، ويزيحوا الباطل من مكانه ويأخذوا على
يدي الظالم فيه.
كان يتفقد السجون بنفسه ويسأل عن ذنوب المسجونين فمن كان في
دين نظر في جدته وإفلاسه، ومن كان في ذنب تفقد جرمه وأمره، وفحص
عن أحواله، وكان رحيما بالفقراء والأيتام.
مؤلفاته:
في الحدائق الوردية روى السيد أبو طالب باسناده عن المرتضى
محمد بن الهادي عليهما السلام قال: إن يحيى بن الحسين بلغ من العلم
مبلغا يختار عنده ويصنف وله سبع عشرة سنة، وهذه من عجائب الروايات
التي تضمنت خرق العادات ولقد تناوله الدعاء النبوي الشريف الموثوق بإجابته
فارتوى من سلسال العلم المعين وتفيأ ظلال العرفان حتى تفجر العلم من
جوانبه ونطق من الحكم بغرائبه، وصنف التصانيف الفائقة، والكتب البديعة
الرائقة، نحو كتاب الأحكام وهو مجلدان في الفقه متضمنا تفصيل الأدلة من
الآثار والسنن النبوية، والأقيسة القوية ما يشهد له بالنظر الصائب والفكر
10

الثاقب، ومنها كتب المنتخب، في الفقه وهو من جلائل الكتب وفيه فقه
واسع وعلم رائع ومنها كتاب الفنون في الفقه مهذب ملخص، وكتاب
المسائل، ومسائل محمد بن سعيد، وكتاب الرضاع، وكتاب الزراعة،
وكتاب أمهات الأولاد، وكتاب الولاء، وكتاب القياس.
ومنها في التوحيد كتب جليلة القدر نحو كتاب التوحيد، وكتاب
المسترشد، وكتاب الرد على أهل الزيغ، وكتاب الإرادة والمشيئة، ومنها
كتاب الرد على ابن الحنفية، من الجبرية، وفيه من الأدلة القاطعة والالزامات
النافعة ما يقضي بأنه السابق في الميدان المبرز على الاقران، وكتاب بوار
القرامطة، وكتاب أصول الدين، وكتاب الإمامة وإثبات النبوءة والوصية،
وكتاب الرد على الإمامية، وكتاب البالغ المدرك، وهو قطعة لطيفة فيها كلام
كأنه الروض ملاحة ونظارة والسحر لطافة ودقة، وكتاب المنزلة بين
المنزلتين.
ومنها كتاب الديانة، وكتاب الخشية، وكتاب تفسير خطايا الأنبياء،
وكتاب الرد على ابن جرير، وكتاب التفسير ستة أجزاء، ومعاني القرآن تسعة
أجزاء، وكتاب الفوائد جزءان، وكتب سوى ذلك كثيرة ما يقرب من عشرين
كتابا تركناها وهي ظاهرة مشهورة، قد شحنت من مسائل العلم ودرر الفهم ما
يشهد بأنه عليه السلام في العلم القمر الزاهر والبحر الزاخر. انتهى.
ولقد كان الإمام كما قال العلامة المؤرخ عبد الله الشماحي: لقد كان
الهادي يحيى بن الحسين مثلا لصفات القائد، والقدوة الحسنة لاتباعه،
مترفعا عن سفاسف الأمور، وعن المتع، شجاعا في المعارك والأهوال،
وفي تطبيق ما يؤمن به ويدعو إليه معتدلا حتى مع أعدائه...
وقال أيضا في وصف المذهب الزيدي الهادوي الذي أرسى قواعده هذا
الإمام المجاهد الصابر وهو وصف صادر من رجل عرف هذا المذهب كل
المعرفة وعرف علاقته وارتباطه الكامل بما أنزله الله سبحانه وما جاء به رسول
هذه الأمة وأن هذه الصلة لن يزعزها المتفيهقون الذين يحاولون الدس
والتفرقة للصف الاسلامي الموحد وهو قول خبير منصف وذي معرفة واسعة
11

بشتى المذاهب الاسلامية وشتى الملل والنحل فقال موجزا وملخصا لما ورد
في سيرة الهادي ورسائله ومؤلفاته المؤلفات العلماء السائرين على نهجه:
إن المذاهب الهادوي أو الزيدي كما يشاع أقوى المذاهب الاسلامية
فيما أرى، وأكملها بقوانين المعاملات، العلاقات والحياة، وأوضحها تمشيا
ولصوقا بالروح الاسلامية التي أعطت الحياة متطلبات نموها وانسجامها.
إنه مذهب واقع وحقائق لا خيالات وأوهام، ولا تصورات شاطحة
وأحلام، ولا مذهب ألغاز ومعميات، ولا مذهب كرامات وأولياء، ومعجزات
وعصمة أئمة، ولا مذهب واسطة بين العبد وربه إلا عمل العبد وإيمانه، إنه
مذهب عبادات ومعاملات بلغت قوانينها من الدقة الفقهية والتشريعية ما لم
تبلغه أدق القوانين المعاصرة، شمولا وقبولا للتطور وتقبل كل جديد صالح إنه
مذهب دين ودنيا، وإيمان وعمل وجد ونشاط، وعدل وإيثار، وجهاد
واجتهاد، فيه الانسان مخير لا مجبر، مكلف لما فيه الطاعة لله والمصلحة
لعباده، مذهب يدعو إلى التحرر الفكري وإلى التعمق في العلوم النافعة،
ويحرم التقليد في العقائد والقواعد العلمية الدينية، ويوجب الاجتهاد على
ضوء القرآن والسنة في العبادات والمعاملات، ويدعو إلى القوة والتضحية،
ويفرض الطاعة والنظام والتعاون كما يفرض الخروج على أئمة الجور،
والثورة على الظلم والاجتماعي، والطغيان الفردي، ولا يرضى لاتباعه بالمذلة
والكسل، ولا بالخضوع والاستسلام لغير الله وما شرعه، مذهب يحترم
السلف في حدود أنهم من البشر عرضة للنقد بما فيهم الصحابة وأبناء فاطمة
الخ.
على أننا لو تتبعنا كلام العلماء والمؤرخين لاستغرق الكثير من هذه
العجالة ويكفي أن نذكر أسماء بعض منهم مع ذكر محال وجودها ليتسنى لمن
أراد المزيد الاطلاع على ذلك فمنهم:
1 - علي بن محمد بن عبيد الله العلوي العباسي - سيرة الإمام الهادي
2 - القاضي العلامة أحمد بن يحيى حابس - المقصد الحسن
3 - يحيى بن المحسن بن محفوظ - المقصد الحسن
4 - الإمام عبد الله بن حمزة - الشافي
12

5 - ابن حزم الأندلسي - جمهرة أنساب العرب ص 44
6 - يحيى بن أبي بكر العامري غربال الزمان في وفيات الأعيان ص 264 265
7 - محمد بن سليمان الكوفي - المنتخب
8 - خير الدين الزركلي - الاعلام ص 141
9 - الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني - الإفادة
10 - أبو العباس الحسني - المصابيح
11 - الشهيد حميد بن محمد المحلي - الحدائق الوردية
12 - صارم الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله الوزير البسامة وشرحها الزحيف
13 - الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى - الملل والنحل
14 - ابن مظفر - الترجمان
15 - أحمد بن محمد الشرفي - اللآلي المضيئة
16 - أحمد بن عبد الله الجنداري - مقدمة شرح الأزهار
17 - أحمد بن صالح بن أبي الرجال - مطلع البدور
18 - أبو بكر بن يعقوب عالم الحنفية - التحف
19 - أحمد بن محمد المطاع - تاريخ اليمن الاسلامي
20 - حسن الأمين - دائرة المعارف الاسلامية الشيعية
21 - عبد الواسع بن يحيى الواسعي - تاريخ اليمن ص 178
22 - القاضي حسين بن أحمد العرشي - بلوغ المرام ص 32
23 - القاضي عبد الله بن عبد الكريم الجرافي - المقتطف ص 117
24 - محمد بن محمد بن يحيى زبارة - الأنباء ص 261
25 - مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي - التحف شرح الزلف 62 70
26 - أحمد محمود صبحي - الزيدية ص 151 152
27 - محمد أبو زهرة - الإمام زيد ص 509
28 - أحمد بن أحمد بن محمد المطاع - تاريخ اليمن الاسلامي
29 - عبد الله محمد الحبشي - حكام اليمن المجتهدون
30 - حسين بن عبد الله العمري - مصادر التراث اليمني ص 133
31 - أحمد بن محمد الشامي - تاريخ اليمن الفكري
13

ومن تركنا ذكرهم ممن قد ترجم له أكثر ممن ذكرنا والمتتبع لكلام
العلماء فيه وفي شأنه وعلمه وسجاعته وزهده ومكارم أخلاقه واقتفائه لأثر جده
رسول الله صلى الله عليه وآله يجد الثناء الحسن والإشادة بفضائله التي لا تحصر.
لقد وقف الأئمة العلماء من أقواله موقف الاجلال والاحترام فها هو
المؤيد بالله يقول: (كنا نهاب نصوص يحيى كما نهاب نصوص القرآن).
وقال المنصور بالله: (وقول يحيى بن الحسين ينقض بقوله لا بقول غيره
إذ لا سلطان للغير عليه ولا سبيل له إليه) وهم لم يقولوا هذا إلا أنهم عرفوا
منزلته العلمية التي لم تدركها الأوائل ولن تلحقه فيها الأواخر.
من الكلام المأثور عنه قوله: (يا أهل اليمن لكم علي ثلاث أن أحكم
فيكم بكتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وآله وأن أقدمكم عند العطاء وأتقدمكم عند
اللقاء، ولي عليكم النصح والطاعة ما أطعت الله).
(والله لان أطعتموني لا فقدتم من رسول الله إلا شخصه إن شاء الله).
(والله لوددت أن الله أصلح الاسلام بي وأن يدي معلقة بالثريا ثم أهوي
إلى الأرض فلا أصل إلا قطعا).
هذه هي كلمات المصلحين الذين أخذوا على عاتقهم إصلاح أمر الأمة
الاسلامية والعمل على رفعتها وعزتها والسير بها قدما على نهج الاسلام
الصحيح لا تثنيهم الصعاب ولا تزعزعهم الأهوال حتى يتم لهم تحقيق ما
جندوا أنفسهم له.
والإمام الهادي أعظم مصلح عرفه التاريخ اليمني فلقد بذل نفسه ودمه
وماله في سبيل الدعاء إلى الله ورسوله وتطبيق الشريعة المطهرة ليعم الخير
والصلاح حتى قضى نحبه شهيدا بالسم وهو في ثلاث وخمسين سنة ليلة
الأحد لعشر بقين من ذي الحجة سنة ثمان وتسعين ومائتين ودفن يوم الاثنين
في قبره الشريف المقابل لمحراب جامعه الذي أسسه بصعدة ولقد قبضه الله
إليه وفي رجله أثر جراحة فانبعثت منها الرائحة التي خص الله بها الشهداء ولا
تزال تلك الرائحة الزكية يفوح عبيرها إلى وقتنا الحاضر إكراما منه سبحانه
وتعالى لهذا الإمام المجاهد الصابر.
14

نسأل الله الكريم الإعانة والتوفيق ونرجو أن نكون قد وفقنا في إلقاء
الضوء على البعض اليسير من جوانب شخصية الإمام التي تعجز الألسن عن
حصرها وعدها والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين.
محمد قاسم الهاشمي
10 محرم سنة 1410 هجرية.
15

ترجمة جامع الكتاب:
علي بن أحمد بن أبي حريصة
كان من أصحاب الإمام الهادي ويعد من أهل الزهد والورع ومن
المتصوفين ولعله عاش إلى أيام الناصر [ت 325 ه‍] وقد ترجمه ابن أبي
الرجال في السفر الثالث من مطلع البدور وقال: إنه روى كتاب الأحكام الذي
وضعه الهادي في أصول الدين وأصول الفقه ورتبه ترتيبا حسنا) ثم قال: وكان
أديبا فقيها شاعرا سلك في شعره طريقة أبي العتاهية في نظم منثور الحكم
والآداب والأحاديث مثال ذلك قوله في نظم الحديث (من حسن إسلام المرء
تركة ما لا يعنيه):
من حسن إسلام الفتى تركه * ما ليس يعنيه إذا ما نطق
وخائض في الامر لم يعنه * كخائض لجة بحر الغرق
وله في نظم الحديث الشريف (ما ضاع امرؤ عرف قدره) وقول
الأحنف: (عجبا لمن جرى في مجرى البول مرتين وهو يتكبر):
قال رسول الله نور الهدى * وخاتم الرسل وخير البشر
ما ضاع مرء عارف قدره * فاقنع بما أوتيته واقتصر
لا يلبس الكبر كريم ولا * يطاوع التيه فتى ذو خطر
مجرى الفتى في مبول مرة * من بعد أخرى ثم لم يعتبر
16

وله في نظم ما روي عن بعض الصحابة (عجبا لمن يضحك بملء فيه
والمنايا ترصده):
يبسم المرء ضاحكا ملء فيه * والمنايا وراءه تقتفيه
عجبا إننا لنخشى من الموت * وإنا نلهو ولا نتقيه
وله في نظم قول كسرى (من لم يكن العقل أكثر ما فيه قتله أكثر ما
فيه):
إذا لم يكن عقل الفتى أكثر الفتى * فأكثر ما فيه ولا شك قاتله
هل العقل إلا حجة مستنيرة * ونور هدى ما إن تضل دلائله
بحسبك إن العقل زين لأهله * وأن ليس في الخيرات شئ يعادله
وله في نظم الحديث الشريف: (كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا
يؤبه له لو أقسم على الله لأبره):
ألا رب ذي طمرين أشعث أغبرا * خفي عن النظار لم يبغ منظرا
ولو أقسم الحافي الضئيل رداءه * على الله ذي النعماء أعطى فأكثرا
ولكن زوى الدنيا الدنية دونه * ليوفيه الحظ الجزيل الموفرا
. من شعره السائر قوله:
ليس بحر ولا كريم * من غيرت وده الدهور
الحر حر وإن جفاه * دهر وحالت به الأمور
ليس الفتى من إذا ألمت * أزمة دهر به يخور
ولا الذي أن به تراخت * حال رأى أنه الخطير
وإنما الحر عند هذا * مصطبر أو فتى شكور
17

وله قصيدة:
ومن رأى ما لا يراه طغى * وصار يمشي كالمجانين
كأنه قارون في سكره * يخبطه مس الشياطين
فهو على ما نال من أمره كبعض أعوان الفراعين
يديره الدهر بتصريفه * فليس ذا دنيا ولا دين
ولم يذكر ابن أبي الرجال سنة وفاته ولكنه قال أنه صحب الهادي
وابنيه.
وقد ترجمه أيضا يحيى بن الحسين في المستطاب فقال: من علماء
الهدوية الأخيار وهو الذي رتب جامع الا حكام للهادي (1) عليه السلام.

(1) تاريخ اليمن الفكري في العصر العباسي ص 282 - 283.
18

كتاب البيوع
29

قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى:
* (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة
عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) * (1) يريد
سبحانه لا تأكلوها بالربا والسحت والظلم والارتشاء في الحق ليعدا عنه
إلى الباطل واما قوله إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم فالتراضي هو
الرضى من البائع لتأخير المشتري بثمن سلعته بلا ازدياد منه لتأخير
الثمن عليه في بيعه. من التراضي أن يبيعه من نفسه لا يكرهه على
البيع اكراها ولا يضطره إليه اضطرارا وقال جل ثناؤه: * (يا أيها الذين آمنوا
إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل،
ولا يأب كاتب ان يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه
الحق وليتق الله رب ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها
أو ضعيفا أولا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا
شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من
الشهداء أن تضل أحدهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا

* في نسخة مبتدأ القول في أبواب البيوع.
(1) النساء 29.
30

ما دعوا ولا تساموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله
وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم
فليس عليكم جناح أن لا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا
شهيد وأن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ
عليم) * (2) قال: وأما قوله سبحانه * (وليملل الذي عليه الحق وليتق الله
ربه) * (3) فإنما معناها فليتكلم الذي عليه بما عليه لصاحبه حتى
يشهد الشهود على ما يسمعون من إقراره على نفسه، وأما قوله عز وجل:
* (ولا يبخس منه شيئا) * (4) فهو لا ينقص مما عليه لغريمه شقصا ولينطق
بما عليه من ذلك طرا، وأما قوله: * (فأن كان الذي عليه الحق سفيها أو
ضعيفا أولا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل) * (5)، فأن السفيه
هاهنا هو سفه العقل وقلته، أما بصغر السن وإما بضعف العقل، وأما قوله
سبحانه وتعالى (ضعيفا) فأن الضعيف قد يكون ضعف العقل، أو ضعف
المرض، أو ضعف العمل، عن الكلام للعلة النازلة، وكذلك قوله عز
وجل: * (أولا يستطيع أن يمل هو) * (6) فقد يكون عليه عن حجته أو لصغر
سن أيضا أو لعلة تمنعه من ذلك فإذا كان ذلك كذلك وجب على الولي
أن يمل ما يجب على صاحبه وأن يبينه ويشرحه بخضرة من صاحب الدين،
واقرار منه به عند الشاهدين، وأما قوله عز وجل: * (واستشهدوا شهيدين
من رجالكم) * (7) فإنما يريد أهل دينكم وأهل الثقة من أهل ملتكم ممن

(2) البقرة 282
(3) البقرة 282
(4) البقرة 282
(5) البقرة 282
(6) البقرة 282
(7) البقرة 282
31

ترضون عدالته وأما قوله: * (فأن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن
ترضون من الشهداء) * (8) فان الله سبحانه أقام المرأتين مقام شاهد ثان
لضعفهما وقلة معرفتهما بالواجب عليهما ألا تسمع كيف يقول: * (أن
تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) * (9)، يريد بالضلال النسيان أو
غير ذلك من الشأن ممن لا يؤمن على ضعقه النسوان، فأراد أن تذكرها
الأخرى وتخوفها بربها فيه إن أرادت تعمد الجحدان لشهادتها ثم قال
سبحانه، * (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) * (10) قال: لا يأبوا أن يشهدوا
بما قد علموا مما له دعوى حين استشهدوا فأوجب عليهم الشهادة عند
الإمام بما يعلمون لكي يستخرج بشهادتهم حقوق من له يشهدون، وأما
قوله عز وجل: * (ولا تسأموا أن تكتبوه) * (11)، فإنه يقول: لا تملوا أن
تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ومدى تأخيره، وأما قوله عز وجل: * (ذلك
أدنى ألا ترتابوا) * (12) فمعناه أن لا تشكوا فيه ولا في عدده ولا في وزنه ولا
في أجله إذا كان مكتوبا بخطوط الشهود ذلك أدنى أن يعلم الشهود
ويعرفوا إذا رأوا خطوطهم فيذكروا ويقفوا على ذلك ويعلموا جميع ما عليه
شهدوا وأما قوله عز وجل: * (ألا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم
فليس عليكم جناح ألا تكتبوها) * (13) والحاضرة هاهنا فهي حاضرة معكم
في بلدكم حاضر نقدها عندكم فليس عليكم جناح إذا كانت كذا ألا
تكتبوها ولا تشهدوا فيها وعليها، ثم قال عز وجل: * (وأشهدوا إذا
تبايعتم) * (14) يريد سبحانه وأشهدوا على الرضا من البائع والمبتاع لكيلا

(8) البقرة 282
(9) البقرة 282
(10) البقرة 282
(11) البقرة 282
(12) البقرة 282
(13) البقرة 282
(14) البقرة 282
32

يكون في ذلك رجوع من أحدهما، ولا نزاع وأما قوله سبحانه: * (ولا
يضار كاتب ولا شهيد) * (15) فهو نهي من الله عز وجل للكتاب أن يمتنعوا
من الكتاب كما علمهم الله، وللشهود أن يمتنعوا من أداء الشهادة على الحق إذا دعوا كما
أمرهم الله، ثم أخبرهم أنه من فعل ذلك فإنه اثم قلبه، وأما قوله
سبحانه: * (وأقوم للشهادة) * (16) فإنه أعدل وأثبت إذا كان في الكتاب
وكانت على الغريم الشهود به والبينة، فحينئذ لا يستطيع الغريم أن يدفع
غريمه ولا أن ينتقص حقه، وأما قوله عز وجل: * (وأن كنتم على سفر
ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) * (17) فإنه يقول: إن كنتم على سفر ولم
تجدوا كاتبا، أو ما يكون به الكتاب من الدواة والقرطاس فليكن رهان
مقبوضة بدلا من الشهود والكتاب، والرهان المقبوضة فهو الرهن المسلم
إلى صاحب السلعة، وأما قوله عز وجل: * (ولا تكتموا الشهادة ومن
يكتمها فإنه آثم قلبه) * (18) فهو نهي منه للشهود أن يكتموا ما يعلمون من
شهادتهم والكتمان فقد يكون بمعان وأسباب فمنها الجحدان للشهادة
ومنها التعلل من الشاهد على المستشهد له بعلة ليست له عند الله بعلة،
أو بالتشاغل عن إقامة شهادته بأمر لا يكون له فيه عند خالقه حجة، وأما
قوله عز وجل: * (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق
الله ربه) * (19) فهذه آية منسوخة نسخها قول الله سبحانه: * (يا أيا الذين
آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب
بالعدل) * (20).

(15) البقرة 282.
(16) البقرة 282.
(17) البقرة 283.
(18) البقرة 283.
(19) البقرة 283.
(20) البقرة 282.
33

قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وليس نسخها تحريما لما
ذكر فيها، كغيرها من المنسوخات اللواتي نسخ ما أمر به فيهن بما أثبت
من الحكم وبدل في غيرهن، لان الائتمان من بعض المسلمين لبعض
على مالهم وعليهم أنظار وإحسان، والاحسان فغير مسخوط عند الواحد
الرحمن ولكنه سبحانه نسخ ذلك بالدلالة لهم على الأفضل والأحوط
بينهم ولهم، والأبعد من كل فساد، فدلهم على المكاتبة والاشهاد نظرا منه
سبحانه لجميع العباد، ومن أنظر وأتبع المعروف كان عند الله إن شاء الله
مأجورا غير معاقب ولا مأزور.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ينبغي لمن أراد التجارة أن
يتفقه في الدين، وينظر في الحلال والحرام من كتاب الله [رب العالمين]
حتى يأمن على نفسه الزلل والخطأ في المضاربة والبيع والشراء وفي ذلك
ما بلغنا عن أمير المؤمنين [علي بن أبي طالب] رحمة الله عليه: أن
رجلا أتاه فقال: يا أمير المؤمنين إني أريد التجارة فادع الله لي فقال له
أمير المؤمنين: أوفقهت في دين الله؟ قال أويكون بعض ذلك؟ فقال:
ويحك الفقه ثم المتجر، إن من باع واشترى ثم لم يسأل عن حلال ولا
حرام ارتطم في الربا ثم ارتطم، ثم ارتطم، قال وبلغنا عن أمير المؤمنين
عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن
الله سبحانه يحب العبد يكون سهل البيع سهل الشراء سهل القضا سهل
الاقتضاء) وبلغنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إني لعنت الإمام يتجر في رعيته).
34

باب القول في المكاسب والتجارات
والتشديد في الربا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يتجر المسلم
ليغني أهله وعياله عن ذل المسألة واستكانة الحاجة وتكون تجارته في
أقل الأشياء لمنافع الظالمين الجورة الفاسقين، وفي أقلها ضررا عن
المسلمين، ولا يجوز ولا يحل له أن يتجر في دهره هذا في شئ من
السلاح ولا الكراع ولا العبيد ولا الإماء فان ذلك أكثر منافع للظالمين
وأقوى قوة للفاسقين وليتجر في غير ذلك من الأشياء أقلها منفعة لهم
وأبعدها من مرافقهم، ويستحب له إن أتجر في شي فاحتاج مما سمينا
محتاج إلى شئ مما عنده أن يدفعه بعلة يتعلل بها عليه من إغلاء ثمن
عليه أو غيره مما يدفعه به عن المبايعة له ولا يفعل ما يفعله فجرة التجار
والخونة الأشرار من العمل لمنافعهم والايثار بذلك لهم دون غيرهم
والتعمد لشراء ما يصلح لهم يطلبون بذلك ازديادا في الربح يسيرا
ويستوجبون به من الله عذابا كبيرا.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إني لأعرف تجارة لله درها
من تجارة يربح تاجرها ويسر طالبها، ويوفق مشتريها، وينعم صاحبها،
ويتملك من دخل فيها ويؤسر من آثرها، تجارة تنجي من عذاب أليم
ولكن لا طالب لها فأذكرها، ولا راغب فيها فأشرحها، ولا مؤثر لها
فأفسرها، وبلى وعسى فإن مع العسر يسرا أن مع العسر يسرا عسى الله
أن يرتاح لدينه فيعز أولياؤه ويذل أعداؤه فإنه يقول عز وجل: * (عسى الله
أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم
نادمين) * (21) وفي ذلك ما يقول رسول رب العالمين صلى الله عليه وعلى

(21) المائدة 52.
35

آله وسلم: (اشتدي أزمة تنفرجي) وفي ذلك ما يقول جدي القاسم بن
إبراهيم عليه السلام.
عسى بالجنوب العاريات ستكسى * وبالمستذل المستظام سينصر
عسى مشرب يصفو فتروي ظميه * أطال صداها المنهل المتكدر
عسى جابر العظم الكسير بلطفه * سير تاح للعظم الكسير فيجبر
عسى الله لا تيأس من الله أنه * يسير عليه ما يعز ويكبر
عسى صور أمس لها الجور دافنا * سينعشها عدل ينير فيظهر
عسى بالأسارى سوف ينفك عنهم * وثايق أدناها الحديد المسمر
عسى فرج يأتي به الله عاجلا * بدولة مهدي يقوم فيظهر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وأما الربا فلا يعالجه
ولا يعانيه إلا الفسقة الفاجرون البراة من الله المحاربون والكفرة
المعتدون، لأنه أمر من الله عظم شأنه وجل أمره وآذن الله عز وجل في يسيره
بالمحاربة دون كثيره فقال: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي
من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله
وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) * (22) فلم يصح
لهم اسم الايمان والتقوى إن هم تشبثوا بيسير إن بقي من الرباء، دون
الخروج منه بأجمعه طرا، ثم آذنهم بالحرب من الله ورسوله إن أقاموا
على لزوم بقيته وتركوا الخروج منه بكليته، والحرب فهو المحاربة
والمحاربة فهي الملاقاة والمضاربة، وعند الضراب ما يذهب الشك

(22) آل عمران 278.
36

والارتياب، ويقع القتل والتنكيل والإبادة والأسر لأهل المحاربة حتى
يفيئوا إلى الطاعة والحق، وينتقلوا عن العصيان والفسق. وفي الربا
ما يقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (مانع الزكاة وآكل الربا
حرباي في الدنيا والآخرة) وفي ذلك ما بلغنا عن أمير المؤمنين [علي بن
أبي طالب] عليه السلام أنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم الربا وآكله وموكله وبايعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه).
وفيه ما حدثني أبي عن أبيه: عن بعض مشايخه وسلفه عن آبائه
عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم: (لدرهم ربا أشد عند الله من أربع وثلاثين زنية
أهونها إتيان الرجل أمه).
باب القول فيما يوزن
أو يكال إذا بيع بعضه ببعض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الذهب بالذهب مثلا
بمثل تبره ودنانيره، والفضة بالفضة ورقها ودراهمها فمن زاد فقد أربى،
وكذلك التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والذرة بالذرة، والشعير بالشعير،
وكل صنف بصنفه، المثل الواحد بمثله، فمن ازداد فقد أربا سواء
تفاضل اللونان، والطعمان والمقداران، أولم يتفاضلا، إذا كان صنفا
واحدا لا يجوز مد حنطة بمدي حنطة دونها، ولا مد تمر بمدي تمر دونه،
ولا مد ذرة بمد ونصف ذرة، ولا مد شعير بمد وربع شعير، ولكن مثلا
بمثل يدا بيد، ولا درهم ودانق تبر بدرهم، ولا درهم ودانق مكسور
بدرهم صحيح، ولا مثقال وسدس بدينار مضروب وفي ذلك ما بلغنا عن
37

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (أهدي لرسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تمر فلم يرد منه شيئا، وقال لبلال
دونك هذا التمر حتى أسألك عنه فانطلق بلال فأعطى التمر مثلين
بواحد، فلما كان من الغد قال له يا بلال إئتنا بخبيئتنا التي استخبيناك
فلما جاء بلال بالتمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما هذا
الذي استخبيناك فأخبره بالذي صنع، فقال رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم: هذا الحرام الذي لا يصلح أكله، انطلق فاردده على
صاحبه وأمره أن لا يبيع هكذا ولا يبتاع، ثم قال رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم: (الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل،
والتمر بالتمر مثلا بمثل، والشعير بالشعير مثلا بمثل، والبر بالبر مثلا
بمثل، والذرة بالذرة مثلا بمثل، فمن زاد أو ازداد فقد أربا، والملح
بالملح مثلا بمثل).
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الصرف فقال حدثنا الثقات
يرفعونه إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا تبيعوا
الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل لا تشفوا (23) بعضه على بعض ولا تبيعوا
غائبا منه بحاضر).
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن دراهم ردية الفضة بدراهم
جيدة الفضة فقال: إذا لم يدخل في ذلك ما لا يحل من التفاضل فلا
بأس بذلك، وإنما هو كما جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
سواء سواء يدا بيد.

(23) الشف: الزيادة والفضل.
38

باب القول فيما يكره من البيع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز شرطان في بيع
ولا بيع ما ليس عندك، ولا يجوز سلف وبيع ولا ربح ما لم يضمن، قال
وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه نهى
عن ذلك، وعن بيع الملامسة وعن طرح الحصاة، وعن بيع الشجر حتى
يعقد وعن بيع العذرة وقال (هي ميتة) ونهى صلى الله عليه وعلى آله وسلم
عن أكل كل ذي ناب من السباع، أو مخلب من الطير، ونهى صلى الله
عليه وعلى آله وسلم عن أكل لحم الحمر الأهلية، وعن وطئ الحبالى
حتى يضعن، أصبن شراء أو خمسا، إذا كان الحمل من غيره، وقال
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الماء يسقي الماء ويشد
العظم وينبت اللحم) وعن مهر البغي يعني أجرة الزانية، وعن أكل أجر
عسب الفحل وهي الفحول التي تقرع الإناث، وعن ثمن الميتة وثمن
الخمر، وعن بيع الصدقة حتى تحاز وعن بيع الخمس حتى يحاز،
وبلغنا عن أمير المؤمنين رضي الله عنه أنه قال: محتكر الطعام آثم
عاص، وكان يطوف على القصابين فينهاهم عن النفخ، ويقول إنما
النفخ من الشيطان فلا تنفخوا في طعام ولا شراب ولا هذا يعني الغنم
عند السلخ.
وحدثني أبي عن أبيه: في احتكار الطعام، والطعام موجود في
أيدي الناس لم يعز قال: إذا لم يكن مشتر من ضعفة أهل الاسلام ولم
يكن فيه مضرة لاحد من المسلمين فلا بأس به، وإنما معنى الاحتكار أن
يكون في حبسه شئ من الضرر.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز احتكاره لتاجر
يطلب به الغلاء، ولا لموسر يحتكر منه أكثر من حاجته وحاجة عياله عند
39

وقت تحرك السعر واضطراب الامر، ووقوع المجاعة أو حدوث هيزعة أو
مخافة لان في ذلك اضرار بضعفة المسلمين وإحفافا لأعينهم، إذا لم
يروا الطعام في أسواقهم، وفزعا على أنفسهم إذا لم يعاينوه بارزا في
أيدي تجارهم، وكل ضرر أو أضرار فقد نهى الله عنه ومنع منه الواحد
الجبار.
باب القول في الشك وما يعارض أهله منه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الشك وعوارضه
وما يدخل منه على الانسان فوساوس من الشيطان يدخلها على المربوبين
يباعدهم بها من رب العالمين، وذلك أن في الشك من معاصي الله
وخلافه ممن أخذ به وألزمه نفسه من ذلك أمورا تكثر، من ذلك ما يدخل
الشيطان على الرجل في امرأته وعبده فيتوهم أنه قد طلق ولم يطلق حتى
ربما خلى كثير من الجهال عن نسائهم، وقالوا قد طلقنا هن ولم يطلقوهن
لما يدخل الشيطان عليهم فيهن من الشك في فراقهن فربما كان ذلك
ونزل بأهل الشك والجهل فتخلى عن امرأته صراحا لما داخله فيها من
الشك كفاحا فيتزوجها غيره من الرجال، وهي له امرأة بأبين الامر
والمقال، فيكون عند الله عز وجل من الهالكين لامكانه من امرأته غيره
من الرجال بوساوس الشيطان وخطرات الشك على قلب الانسان،
وكذلك يدخل عليه في عبيده وفي إمائه حتى يجعل بالشك من لم يحرره
ولم يعتقه حرا، ويحكم عليه بذلك حكما، ويرى أنه قد خرج من ملكه:
فيعتزل استخدامه ويقول: إنه قد عتق عليه وخرج من ملكه ويديه كذبا
على نفسه ومخالفة لحكم ربه، وهو عند الله له مملوك مسترق، وعند
غيره معتق فيحله بذلك الشك محل الأحرار المالكين لأنفسهم وهو
بحكم الله من العبيد المملوكين بالقول المبين الصادق وبالحكم الذي
40

هو أحق الحقائق، فيجريه في القصاص والنكاح والمواريث والأحكام
مجرى غيره من أحرار أهل الملة والاسلام فيخالف في ذلك حكم
الرحمن ويواجه فيما أخرجه الله منه في كل شأن ويورثه أموال أحرار
المسلمين وهو عند الله فعبد مسترق من المملوكين غير وارث في حكم
الله لاحد من الموروثين ويجعله إن عهر فزنى من المقتولين وهو بحكم
الله ليس من المرجومين فيشرك في دمه بل يتولى جميع ما كان من أمره
ويبوء في ذل بوزره وإثمه، فلذلك قلنا إن من ألزم نفسه الشك وعمل
به وبما يعارضه الشيطان منه آثم، والذي يدخل عليه من قبول الشك
أعظم مما يخافه في دفعه عنه، ولقد أبان الله من الفرق بين الشك
واليقين فيما فرق بينهما من الاسمين، وحكم به عليهما في المعنيين وإذا
اختلف في التميز الحكمان اختلف عليهما في كل شئ بأبين البيان عند
كل من كان ذا عقل وعرفان، وفي تمييز بين كل أمرين كانا في المعنى
والقياس مختلفين، ولو لزم بالشك ما يلزم باليقين لكان الشك واليقين
مثلين، ولما كانا في الاسم والمعنى مختلفين، ولكان من شك في فعله
في الحكم كمن أيقن بأمره والشك فهو التحير والظن من الانسان،
واليقين فهو الثبات والحق والصدق والبيان وفي التمييز بين الشك
والأظانين، وبين الحق والصدق والتبيين واليقين ما يقول جل جلاله رب
العالمين * (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما
بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) * (24). ويقول سبحانه * (يا أيها
الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) * (25) فأمر بالتثبت
وهو طلب اليقين، عندما يكون من أقوال الفاسقين وأمر باجتناب الظن

(24) الحجرات 6.
(25) الحجرات 12.
41

وأخبر أن بعض الظن إثم، والظن فهو الشك، وإذا كان الظن والشك
مذمومين فالحق واليقين ممدوحان لأن الشك واليقين ضدان لم يزالا
متاضدين وفي ذلك ما يقول الرحمن فيما نزل من النور والبرهان: * (إن
الظن لا يغني من الحق شيئا) * (26) ولو كان حكم الظن والشك واليقين
والحق سواء في المعنى لما اختلفا في شئ من الأشياء ولو لم يختلفا
لكان أحدهما مغنيا فيما أغنى عنه صاحبه ولكان ذلك كذلك لكان ذلك
خلافا لقول الله لأنه يقول: * (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) * (27) فلما
اختلف فعل الحق والظن اختلف حكم الشك واليقين، عند جميع
العالمين فلذلك قلنا إن الواجب على من داخله من الشك شئ أن ينفيه
ويطرحه ويبعده عن نفسه ولا يعمل به في شئ من أمره، واطراح الشك
والمضي عنه، وترك العمل به أحوط وأسلم، لمن ابتلي بوساوسه وأمكن
الشيطان من قلبه ونفسه، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم أنه قال: (ان الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسهما وهمت
به ما لم تعمل به أو تكلم به).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: معنى قوله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم أو تكلم به يريد الشئ الذي يتكلم به في جميع
الكلام.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل كثير الشك والامتراء في
الصلاة وغيرها من الأشياء فهو يظن أنه قد حلف ويظن أنه لم يحلف،
ويظن أنه لم يصل بعض صلاته وإن كان قد صلى ويظن أنه قد قال
فأكثر، وان لم يكن قال قولا، فقال: هذه كلها شكوك وظنون لا يحكم

(26) النجم 28.
(27) النجم 28.
42

بها ولا عليها ولا يلتفت في حكم الحق البرئ من الظن إليها وليس يحل
لاحد أن يحكم بعتق ولا غيره في الدين الا بما لا مرية فيه ولا شك من
التثبت واليقين، وليس يسوي ذووا العلم والألباب في حكم أمر بين
اليقين والشك والارتياب ومن أجهل الجهل في الحكم وأبعد القول في
كل علم أن يحكم على أحد بشك في عتق أو امتراء بما يحكم به عليه
في يقين لا يشك فيه ولا يمتري، وكيف تحكم فيما شككت فيه وامتريت
بمثل الحكم فيما أيقنت ودريت، لا كيف عند من يعلم ويعقل بل عند
كثير ممن يجهل، واختلاف الشك واليقين يدلك على اختلاف حكمهما
في الدين، ولو كان يلزم أحدا العتق بالشك فيما ملكه الله من ملك، لما
كان بين اليقين والشك إذا من فرق وقد فرق الله بين الشك والظن واليقين
في حكم الحق فقال سبحانه: * (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) * (28)
ولو كان يحكم به لكان إذا مغنيا، فمن ملكه الله عبدا أو غيره فلا يزول
ملكه عنه بيمين ولا غير يمين الا بما يزيل به ما ملكه الله إياه من حقائق
اليقين، وهذا من الشيطان ووسواسه، وفي هذا الباب وفي الصلاة وغيرها
فإنما هو تشكيك وارتياب حتى يخرجهم فيما كان من ذلك إلى غير
مخرج ويوهمهم إنما هم عليه من الخطأ فيه من الاحتفاظ والتحرج وفي
هذا من الاثم والزور ما لا يعلم علمه إلا الله.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (ان الشيطان ليأتي أحدكم
فيقول له من خلق السماء فيقول الله فيقول من خلق الأرض فيقول الله
فيقول من خلق الله، فإذا وجد أحدكم ذلك فيقول آمنت بالله ورسوله).
وبلغنا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن رجلا أتاه فقال يا رسول الله

(28) النجم 28.
43

اني لأجد في نفسي شيئا لان تضرب عنقي أحب إلي من أن أتكلم به
فقال: (ذلك صريح الايمان). (قال أبو الحسن ولما كان هذا الباب
يشتمل على أمور ابن آدم من صلاة وعتق وطلاق وتجارة وغير ذلك
أقررناه في مكانه وبالله التوفيق).
باب القول في بيع الخيار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: البيعان بالخيار ما لم
يفترقا كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: والافتراق
عندي فهو افتراق التراضي من البائع والمشتري ووقوع الصفقة بينهما
وشهادة الشهود بذلك عليهما، فإذا كان ذلك كذلك فقد لزمت السلعة
المشتري، ولزم البيع البائع وصار المشتري أولى بها منه، إلا أن يستقيله
فيقيله بالاحسان منه إليه والتفضل بذلك عليه، وقد قال قوم ان الافتراق
هو فرقة الأبدان ولو كان كما يقولون ثم باع محبوس محبوسا معه في
الحبس في بيت واحد شيئا لم يلزمه البيع ولم يجب الشراء عليه
للمشتري، وكذلك لو كان اثنان في جلبة صغيرة (29) مجتمعين فيها ثم
تبايعا لم يصح بينهما البيع، ولم ينقطع بينهما الامر وكان البائع بالخيار
على المشتري والمشتري بالخيار على البائع أبدا إلى أن يخرجا من
الحبس أو من الجلبة بأبدانهما وفي ذلك ما لا يخفى على عاقل من تلف
السلعة وهلاكها إن كانت حيوانا أو غيره، فإن مات أو تلف أو هلك هذا
الشئ الذي قد تبايعاه بينهما من قبل افتراق أبدانهما فعلى من
الضمان، وعلى من يجب غرم ثمن تلك السلعة، فلا بد أن يلزمهم في
قياسهم ويلزم من قال مقالتهم أن المشتري برئ من ذلك، وإن كان قد

(29) الجلبة: البقعة.
44

اشترى وانقطع الامر بينهما وانقضى وهذا فما لا يقبله عقل عاقل ولا يقول
به من الناس إلا كهام (30) الذهن غافل بطئ الفطنة مختلف القياس
وأهل. (31)
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن معنى حديث رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم في قوله البيعان بالخيار ما لم يفترقا فقال هما
بالخيار ما لم يفترقا عن رضى ومقاطعة في السلعة، فإذا تقاطعا فالسلعة
لمشتريها إلا أن يستقيل هو، أو البائع فيقيله الآخر.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه عليه فأما يما يجلب من الإبل
والغنم إذا اشتري على لبنه فصاحبه بالخيار إلى أن يثور لبنها في يومه
وليلته فإن رضي لزمها، وإن لم يرض ردها ورد معها عوضا من لبنها، وقد
روى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: من اشترى
مصراة فهو فيها بالخيار، فإن رضيها جاز فيها عليه البيع وإن لم يرضها
ردها ورد معها صاعا من تمر، والمصراة فهي التي قد صريت وحبس لبنها
في ضرعها ولم تحلب فيما كانت تحلب فيه من أوقاتها فحقن في ضرعها
واجتمع فيه درها فاغتر إلى ذلك مبصرها وطمع أن تكون غير مصراة
طالبها ومن الخيار أيضا ما اشترط فيه الخيار من كل ما بيع واشتري، إذا
اشترط ذلك المشتري فقال: أنا بالخيار فيما اشترى يوما أو يومين أو ثلاثة
أيام على قدر شرطه فإذا تشارطا على ذلك فهما على شرطهما إلى أن
ينتهي آخر مداهما.

(30) قال في الصحاح السيف الكهام: الكليل الحد واللسان الكهام: البطئ.
(31) الواهل: الواهم.
45

باب القول في بيع المدبر وأم الولد
وفيمن اشترى شيئا فوجد به أو ببعضه عيبا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه لاتباع أمهات الأولاد
ولا يجوز ذلك بين العباد لأنهن قد عتقن على مواليهن من البيع، وإن كان
قد بقي لهم ملك أعناقهن يوطأن بذلك ولو عتقن من الملك كله لم يجز
لمواليهن أن يطئوهن إلا بنكاح وتزويج، وإنما معنى عتقهن فهو حكم
يمنع مواليهن من بيعهن إذا ولدن من مواليهن، وفي ذلك ما روي عن
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال في أم إبراهيم ابنه حين
ولدته وكانت جارية من القبط أهديت له فقال: أعتقها ولدها، فحكم
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن الولد قد حظر على أبيه بيع
أمه، وإن كان باقيا عليها بعد ملكه ولولا أن الملك بعد باق له عليها لما
جاز أن يجعل سيدها عتقها مهرها إذا أراد عتقها وتزويجها لان الفرج
لا يحل إلا بمهر ولولا أن له عليها ملكا لم يجز أن يجعل عتقها مهرها،
فقام عتقها مقام ثمنها ألا ترى أنه لو قال لها أعتقك فاجعل عتقك مهرك
فتراضيا بذلك فغلط فأعتقها ثم أراد تزويجها بعد ذلك فأبت لحكم له
عليها بالسعي في قيمتها، لان الغدر والاخلاف ونقض العهد جاء من
قبلها، ف أما ما يرويه همج الناس عن أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب)
عليه السلام من اطلاق بيعهن فذلك ما لا يصدق به عليه ولا يقول به من
يعرفه فيه وفي ذلك ما حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن بيع أمهات الأولاد
فقال لا يجوز ذلك فيهن ولا يحكم به عليهن، وأما ما يرويه أهل الجهل
عن أمير المؤمنين عليه السلام فلا يقبل ذلك منهم ولا يصدق به عليه.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه لو كان ذلك كذلك لكان أهل
بيته أعلم بذلك. وأما المدبر فإذا اضطر صاحبه واحتاج إلى ثمنه ولم
46

يكن له متعدا عن بيعه فلا بأس أن يبيعه في وقت ضرورته إليه فيقضي
به ما لزمه من دينه ويفرج به عن نفسه، فإن وجد عن بيعه متعدا أجبنا له
أن يفي لها بما أعطاه وكان مدبره خارجا بعد وفاته من ثلثه الذي جعله الله
له يقوم مقام وصيته، وأما من اشترى سلعة فوجد فيها عيبا لم يكن علم
به فهو فيها بالخيار إن شاء ردها بما دلس عليه من عيبها وان شاء لزمها
وأخذ مقدار ما ينقصها من ثمنها عيبها. وكذلك لو اشترى جارية فوطيها
ثم ظهر له بعد وطيها عيب كان له أن يأخذ مقدار ما ينقصها ذلك العيب
من البائع وإن كان رأى العيب بها قبل وطيها فوطيها من بعد أن علم أمرها
فوطيه رضا منه بها ولا يلحق بعد ذلك شيئا على بائعها لأنه ساعة رأى
عيبها كان له الخيار فيها ولم يجز له أن يطأها حتى يحاكم صاحبها فيها،
فاما ردها ولم يدن منها واما أخذ وكسا من ثمنها، واما صفح عن صاحبه
وعفى ورضي بما أخذ واشترى، فلما ان وطيها من بعد ما رأى عيبها لزمه
ذلك العيب لأنه لا يجب أن يطأ ما لم يرتضه وما هو مجمع على رده على
بيعه، وكذلك لو اشترى سلعة بها عيب لم يره ثم حدث عنده عيب آخر
قبل أن يرى العيب الأول كان بالخيار إن شاء رد السلعة ورد مقدار
ما نقصها العيب الحادث عنده، وإن شاء لزمها وأخذ قيمة العيب الذي
لم يكن علم به وإنما جعلنا لم الخيار على بيعه لان البائع دلس عليه ولم
يخبره بما في السلعة من العيوب، فلزمه بذلك عندنا أن يكون لصاحبه
عليه الخيار. قال: ولو أن رجلا اشترى سلعا كثيرة في صفقة واحدة من
عبيد وإماء وغير ذلك من الأشياء إلا أنه اشتراه في صفقة واحدة وبسومة واحدة
ثم وجد بعد الشراء ببعضها عيبا كان له أن يأخذه كله، أو يرد الاشرية كلها.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن بيع أمها الأولاد فقال: لا
أرى ذلك ولسنا نصحح ما روي وقيل به عن أمير المؤمنين عليه السلام
من بيعهن.
47

حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن بيع المدبر فقال لا بأس ببيع
المدبر إذا اضطر صاحبه إلى بيعه، وقد ذكر أن رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم أمر رجلا ببيع مدبر له وكأن يقول: إذا مات سيد المدبر
خرج من ثلثه، وإنما هو وصية.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل اشترى سلعة فوجد بها
عيبا فعرضها على البيع هل له أن يردها على صاحبها بعد عرضها؟
فقال: قد قالوا ليس له أن يردها وأنها قد لزمته والقول عندنا أن له أن يردها
إن أراد.
حدثني أبي عن أبيه: في رجل اشترى سلعة بها عيب لم يعلم به
ثم حدث عنده عيب آخر هل له أن يردها أو تلزمه؟ فقال: قد قال
بعضهم إن حدث عند المبتاع عيب آخر أخذ من البائع قيمة العيب الذي
كان بها أو لا وهو عندنا بالخيار، إذا كان لم يعلم بالعيب الأول حتى
حدث العيب الثاني.
حدثني أبي عن أبيه: أن سئل عن العنين هل يرد به صاحبه وهل
يكون عيبا؟ فقال العنين عيب يرد به إذا كان صاحب العبد البائع له لم
يعلم بعيبه.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل اشترى غلامين أو دابتين
أو متاعا ببعضه عيب فقال: إذا كانت العقدة عليه كله رده كله أو أخذه
كله، وإن كان لكل واحد عقدة على حدة رد الذي به العيب بحصته وجاز
عليه سائر ذلك.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا باع سلعة
من رجل وقال قد برئت إليك من كل عيب وكانت فيها عيوب لم يطلع
عليها المشتري ولم يذكرها له ولم يقف عليها المشتري عند شرائها منه
ثم بدت للمشتري بعد ذلك تلك العيوب لم يكن قول البائع قد برئت
48

إليك من كل عيب يبرئه فيما قد علم من عيوب سلعته إذا أخفاها عن
مبايعه ولم يقف عليها المشتري، وكان للمشتري في ذلك الخيار إن شاء
أخذ قدر ما نقضها العيب، وإن شاء ردها، فإن أبى البائع أن يضع من
ثمنا شيئا حكم عليه بأخذها ورد ما أخذ من الثمن حكما.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل باع سلعة وقال قد برئت
إليك من كل عيب ولم يسم العيوب فقال: إذا لم يسم العيوب فلا يبريه
في بيعه من عيب علمه من قبل مبايعته له وما كان من ذلك أخذ به إذا
كان قد علمه قبل مبايعته حتى يخبره بالعيب، وإن كان العيب عنده ولم
يعلمه فقد قال بعض الناس لا يلزمه، وقال بعضهم يلزمه وأنا أرى أنه
يلزمه ويرد عليه، لأنه باع عيبا كان عنده قبل أن يبيعه.
باب القول في ذكر التعليم.
وبيع المصاحف
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا بأس عندنا ببيع
المصاحف وكتابتها بالأجرة والتجارة فيها لأنه إنما يأخذ الأجرة على تعبه
وكتابته وعمل يده، وأما أخذ المعلم الأجرة على تحفيظ القرآن لمن
يحفظه إياه فلا خير في ذلك وقد جاء عن أمير المؤمنين (علي بن أبي
طالب) عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم: (من أخذ على تعليم القرآن أجرا كان حظه يوم القيامة).
وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن شراء المصاحف وبيعها فقال
لا بأس ببيع المصاحف وشرائها وكتابة القرآن بالأجرة.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: يجب على من علم مشاهرة
أو غير ذلك أن لا يختص بالقرآن نفسه بالمجاعلة ولكن يكون مجاعلته
49

على غيره من الآداب والخط والهجاء وقراءة الكتب وغير ذلك ويكون
القرآن داخلا في تعليمه بلا مشارطة عليه، وما كان من بر من المتعلم
ومكافأة على ذلك قبله المعلم وجاز له قبوله وأخذه.
حدثني أبي عن أبيه: في تعليم القرآن والكتاب بأجر قال: لا بأس
بذلك إذا لم تكن المشارطة على القرآن خصوصية، وقد ذكره أن سرية
خرجت لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمرت بحي من العرب
وقد لدغ سيدهم فسألوهم هل فيهم من يرقي فرقاه بعضهم بفاتحة
الكتاب فعوفي فأعطوهم ثلاثين شاة فلما قدموا على النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم أخبروه بالخبر فقال أضربوا لي معكم بسهم.
باب القول في الازدياد في بيع التأخير
وفي بيع المجازفة والقول في اليمين عند البيع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا خير في الازدياد في
بيع التأخير وهو الربا والعينة عندنا، وتفسير ذلك أن يشترى الرجل طعاما
بالنقد على عشرة مكاكي بدينار، ويشتري منه على تسعة بتأخير، وهذا
الازدياد في البيع، فقد ازداد عليه في البيع والازدياد عندنا ربا، وكذلك
في جميع السلع لا يجوز بيعها إذا افترق سعراها، وصار فيها بشرط نقد
وشرط نظرة فهو حرام على المزداد والزايد.
حدثني أبي عن أبيه: في الرجل يبيع الطعام إلى أجل معلوم بأقل
من سعر يومه الذي باعه فيه فقال يكره هذا عندنا وعند من رأى رأينا من
علمائنا وهو العينة، وهو الازدياد والربا إنما هو الازدياد، وقد ذكر عن عبد
الله بن الحسن عن خاله علي بن الحسين رضي الله عنه أنه كأن يقول
إنما الربا الازدياد.
50

قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ليس الربا أن يقول الغريم
لغريمه عجلني قضاء حقي قبل محل أجله وأطرح عنك بعضه إنما الربا
أن يقول الغريم لغريمه أخرني بحقك وأزيدك عليه لتأخيرك إياي فهذا
الربا عين الربا الذي لاشك فيه عندنا.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا بأس ببيع الجزاف
مما يكال أو يوزن إذا لم يكن أحد المتبايعين علم بوزن ذلك الشئ ولا
كيله فان علم به أحدهما كانت خديعة منه لصاحبه وفسد البيع بينهما.
قال ولا خير في اليمين في البيع والشراء نكرهها للصادق ليس عليه فيها
إثم، إذا كان صادقا، فأما الآثم الكاذب فيها فذلك كافر لنعم الله فاجر
وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال:
(ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل بايع
اماما عادلا فإن أعطاه شيئا من الدنيا وفي له، وإن لم يعطه لم يف له
ورجل له ماء على ظهر الطريق يمنعه سابلة الطريق، ورجل حلف لقد
أعطي بسلعته كذا وكذا فأخذها الآخر بقوله مصدقا له وهو كاذب)
باب القول في بيع خدمة العبد ومبايعة
أهل الشرك وبيع العبد بغير إذن سيده
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يبيع السيد
خدمة عبده ما شاء من دهره، إذا كان إلى وقت معلوم، وما ذلك عندي إلا
كالمواجرة، وقال لا بيع ولا شراء للعبد إلا بإذن سيده، فإن باع شيئا بغير
اذنه أو اشترى شيئا بغير أمره كان ذلك مردودا فاسدا إلا أن يكون العبد
عبدا مأذونا له في التجارة مطلقة يده في البيع والشراء فإذا كان ذلك
كذلك لزم مولاه ما باعه عبده واشتراه وقال: لا بأس بالاشتراء من أهل الشرك
51

وبيعهم إذا لم يباعوا سلاحا ولا كراعا، لان الله سبحانه أحل البيع
وأجازه، ولم يذكر شركا ولا غيره، وقد بعث رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم ببعض ما كان يغنم فباعه من المشركين، واشترى به
سلاحا وغيره مما في أيديهم. قال: ولا بأس أن يشتري المشتري من
المشرك ولده وأخاه وغيره من المشركين، وأن يشتري سبي بعضهم من
بعض لان الله سبحانه قد أحل لهم سبيهم وقتلهم ومن حل سبيه حل
شراؤه من مثله.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن شراء الرقيق من أهل الشرك
يسبيه بعضهم من بعض وعن الرجل منهم يبيع ولده هل يحل للمسلم
اشتراؤه منه فلم ير به بأسا. وقال ما أحل الله من دمه وسبائه هو أكبر من
شرائه، وكأن يقول في مبايعة المشركين لا بأس بذلك إذا لم يباعوا
سلاحا ولا كراعا، وكأن يقول قد كان يغنم على عهد رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم المغنم فيبعث به رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم فيهم فيشتري به السلاح وغيره مما في أيديهم، وقد قال
الله سبحانه: * (أحل الله البيع وحرم الربى) * (32) ولم يذكر البائع ولا المبتاع
بشرك ولا باسلام.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه ويفرق بين السبي إلا بين
الأم وولدها، وفي ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم أنه كان إذا قدم عليه بالسبي صفهم ثم قام ينظر إلى وجوههم فإذا
رأى امرأة تبكي قال لها: ما يبكيك؟ فتقول بيع ابني فيأمر به فيرد إليها.
وقدم إليه أبو أسيد بسبي فصفوا بين يديه فقام ينظر إليهم فإذا بامرأة تبكي
فقال لها ما يبكيك؟ فقالت: بيع ابني في بني عبس فقال: النبي صلى الله

(32) البقرة 275.
52

عليه وعلى آله وسلم (لتركبن فلتجيئني به كما بعته بالثمن) فركب أبو
أسيد فجاء به.
باب القول في شراء الرطاب والبقول
والقثاء والبطيخ
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يشترى من الرطاب
والبقول والقثاء والبطيخ والباذنجان وكل شئ كان يأتي شيئا بعد شئ
إلا عددا، أو شيئا قد ظهر وخرج وعرف، فأما ما كان في الشجر لم يخرج
أو في الأرض فلا يشترى ذلك لأنه مجهول غير معروف، يقل ويكثر
ويزكو ولا يزكو وما دخله الاختلاف كان غررا، وبيع الغرر لا يجوز بين
المسلمين وبذلك حكم رب العالمين.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن بيع الرطاب والبقول، فقال:
لسنا نجيز من الرطاب والبقول وغيرهما أن يشترى من ذلك شئ مجهول
متفاوت ولا يشترى ما يشترى منه الا بوزن أو عدد أو جزاف ولا يشترى
جزافا ما يخرج شهرا بعد شهر، أو سنة بعد سنة لان كل ذلك (33) متفاوت
ويقل ويكثر وهذا كله غرر، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم عن بيع الغرر.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وكذلك لا يجوز بيع
اللبن في ضروع الانعام ولا بيع ما في بطونها ولا ما على ظهورها من
الصوف والوبر والشعر ولا بيع حيتان الآجام والأنهار وهذا كله غرر، ولا
يجوز بيع الغرر لأنه يقل ويكثر ويسلم ولا يسلم، وكذلك بيع العبد
الآبق، وبيع الضالة من الانعام وما أشبه ذلك من بيع الغرر.

(33) في نسخة: لان كل ذلك يتفاوت الخ..
53

باب القول فيمن اشترى سلعة
ثم ردها ورد معها فضلا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تفسير ذلك أن يشتري
الرجل عبدا أو سلعة ثم لم ينتفع منها بلبن ولا غيره ثم يكرهها فيستقيل
صاحبها فيأبى أن يقيله إلا أن يطرح عنه بعض ما أخذ منه من الثمن
فيطرح عنه المشتري بعض الثمن، فهذا إذا كان على هذه الحال فلا
يجوز عندنا إنما هي قيلولة وإحسان أو ترك لما في يد الانسان إلا أن
يكون شيئا يتبرع به المستقيل، لم يطلبه المقيل، ولم يشرطه فذلك إذا
كان كذلك بر وخير، ولا بأس بالبر والخير، فاما على طريق الاضطرار له
فلا يجوز ذلك لمبايعه.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل اشترى سلعة فاستغلاها
فردها ورد معها زيادة دراهم على ما اشتراها منه به فقال هذا كله مكروه
إنما هي الإقالة أو المبايعة، وهذا إذا أخذها فإنما يأخذها منه بضرورة،
وإنما يفتدى بها فدية.
باب القول فيمن باع جارية
ثم أعلم أنها أم ولد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا باع جارية
من رجل فأقامت عنده، أو من امرأة مدة، ثم علم وتيقن أنها كانت ولدت
منه كان البيع مفسوخا، ووجب عليه أن يرد الثمن ويرتد الأمة، ولو أنه
باعها من رجل فوطأها ذلك الرجل فأولدت له أبنا ثم ذكر السيد الأول
أنه قد وطئها وأقر بولد له معها كانت الجارية للأول الذي استولدها
ووجب عليه رد الثمن إلى الذي باعها به منه، وأخذ أم ولده منه، وكان
54

الابن الآخر لاحقا بأبيه وابن الأول للأول لاحقا بأبيه إذا أقر به وكان الصبيان
يتوارثان أخوين لام. ولام يقربها سيدها الأول حتى تستبري من ماء
الآخر.
باب القول فيمن اكترى عبدا أو دابة
ثم أكراه من غيره بأكثر مما اكتراه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يكتري
الرجل العبد أو الدابة يوما أو يومين أو شهرا وشهرين فيكريهما غيره إذا
لم يجاوز فيهما ولا بهما ما اكتراهما له من العمل والسير وكان ذلك شيئا
قد علم به صاحبهما ولم يناكره فيه، فإن جاوز بهما هذا المكتري ما شرط
عليه صاحبهما، أو تعدى في شئ من أمرهما فعطبا كان المكتري له
المعامل له ضامنا وكان لصاحب الدابة على الذي اكتراها منه قيمة
الدابة.
باب القول فيما يكره من بيع الغرر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا اشترى
فرسا أو عبدا ثم قال لرجل آخر خذه فبعه فما زاد على كذا وكذا دينارا
فالزيادة بيني وبينك كان هذا أمرا فاسدا لان أجرة البائع صارت غررا
لأنها مجهولة.
باب القول في بيع المرابحة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى
سلعة بثمن ثم باعها ثم أدركته الرغبة فيها فزاد في ثمنها المشتري لها منه
فأرغبه فيها حتى باعه إياها وردها عليه ثم أراد بيعها فإنا لا نرى له أن
55

يبيعها مرابحة على الثمن الذي اشتراها به آخرا وزاد صاحبها فيها على
قيمتها لرغبته فيها، ولكن يبيعه مساومة ولا يذكر له مرابحة لان الزيادة
كانت للرغبة منه فيها ولم يكن مبلغ ثمنها وقيمتها.
باب القول في السلعة يترابح فيها
الشريكان وكيف يعمل في بيعها مرابحة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلين اشتريا
سلعة بخمسين دينارا فاسترخصاها فتقاوماها بينهما بستين دينارا فدفع
أحدهما إلى صاحبه ربح خمسة دنانير وأخذها فإن الواجب عليه إذا أراد
بيعها مرابحة أن يحسب ربحه على من يشتريها زيادة على الخمسة
وخمسين ولا يرابحه على الستين لأنه إنما أخرج في السلعة خمسة
وخمسين فإذا أعلمه بذلك جاز له أن يربح ما شاء من قليل أو كثير إذا
تراضيا على ذلك وعرفاه.
باب القول في السلعة يأخذها رجل يريها
فإذا أعجبت الذي يراها اشتراها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أخذ الرجل السلعة
من صاحبها ليريها من يشتريها ولم يشرط عليه صاحبها ردها إليه فضاعت
في الطريق، فلا ضمان على الحامل لها، وإن اشترط عليه ردها فعليه
ضمانها وأداء قيمتها لان اشتراط صاحبها عليه كان تضمينا له منه إياها.
باب القول في بيع الثياب على الرقوم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بيع الثياب على الرقوم
باطل لا يجوز الا أن يكون صاحبه قد رقمه رقما صحيحا من بعد ما عرف
56

ما غرم فيه من الثمن والقصارة والكراء وغير ذلك من الأشياء فرقمه على
ذلك وأخبر صاحبه بذلك كله فصدقه ورضي بقوله وأربحه فيه ما تراضيا
عليه من ربحه، فإذا كان كذلك فلا بأس بالتبايع على ذلك.
باب القول في بيع ما لم يقبض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من باع شيئا لم
يقبضه ولم يحزه ويضمنه فبيعه باطل قال: ولو أن رجلا اشترى من رجل
فرسا بمائة دينار ثم باعه من رجل آخر بمائة وعشرين دينارا قبل أن يحوزه
ويقبضه كان البيع مفسوخا فاسدا فإذا حازه وقبضه جاز له من بعد أن يبيعه
ولو أنه اشترى جارية من رجل بخمسين دينارا ثم باعها من رجل آخر من
قبل أن يسلمها إليه البائع ويقبضها فأعتقها المشتري الآخر كان العتق
باطلا مردودا لأن الشراء منه لها كان فاسدا. قال: ولو أن رجلا اشترى
من رجل عبدا فأخرجه البائع إليه. وسلمه في يده فقال له المشتري دعه
لي عندك إلى غد فتركه له عنده من بعد أن قبضه صاحبه وتسلمه ثم باعه
المشتري قبل أن يرجع فيأخذه من عند الذي استودعه إياه جاز بيعه له
لأنه قد قبضه واستوفاه ثم وضعه عنده بعد وخبأه.
باب القول في خيار من اشترى شيئا
وقبضه ولم ينظر إليه ولم يقلبه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن انسانا اشترى من
انسان ثيابا أو سلاحا أو غير ذلك من السلع اشتراه بثمن معروف ثم
استوفى ذلك من البائع عددا ولم يقلبه ولم ينظر إليه ولم يتبرأ إليه البائع
من شئ من العيوب، ولم يوقفه عليها كان للمشتري إذا قلبه وأبصره
وفتشه وخبره الخيار على البائع خيار العيان والتقليب فإن شاء أمسكه بما
57

فيه، وإن شاء رده لم يرتضه، وكذلك لو اشترى منه برا أو شعيرا أو
تمرا أو زبيبا وأمر به فكيل ورفع إلى منزله ولم يكن نظر إليه كان له الخيار
فيه إذا رآه إن شاء أخذه وإن شاء رده على صاحبه وتركه. قال: وكذلك
كلما اشتري ولم يقلب ولم يوقف عليه بالعيان اشتري ليلا أو نهارا
فللمشتري فيه الخيار عند معاينته وتقليبه إياه.
باب القول في بيع الشريك من شركائه
أو غيرهم ما لم يقاسمهم إياها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا اشترى هو
وشركاؤه حمل أدم أو حمل نعال أو بيت طعام ثم باع حصته من رجل
آخر ليس من شركائه قبل القسمة وهو مجتمع على حاله لم يقتسموه
بينهم كان ذلك باطلا لا يجوز له بيعه لأنه غرر على المشتري إذا لم
يقلبه ولم يفهمه قال: فإن كان هو وشركاؤه قد قلبوا ذلك الشئ وعاينوه
فلا بأس أن يبيع حصته قبل القسمة من بعض شركائه لأنهم قد عاينوا
ذلك وعرفوه، وأكره أن يبيعه من شركائه إن كانوا لم يقلبوا ذلك الشئ
ويعاينوه مخافة ان يقلبوه فلا يعجبهم فيردوه وقد باع بعضهم حصته فكأنه
باع غررا أو شيئا لم يعلمه، ويكون الشريك الذي اشترى منه حصته يرد
الحصة (34) دون من اشتراها منه أو يرجع على شريكه بما أخذ منه وهذا
بيع فاسد فإن كان الشركاء قد قلبوه فإنما اشترى الشريك ما قد رأى من
حصة شريكه فلا بأس أن يبيعه من الشريك قبل أن يقاسمه، ولا يجوز
ذلك لغير الشريك.

(34) فر نسخة: يرد الحصة على من اشتراها منه الخ.
58

باب القول فيمن باع سلعته وانظر بها
ثم اشتراها من صاحبها بأقل من ثمنها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز ذلك لهما ولا
يسعهما في دينهما، وتفسير ذلك: رجل اشترى من رجل جارية بمائة
دينار فأنظره بالمائة كلها أو بعضها وأقامت الجارية عند مشتريها مدة من
دهرها ثم أخرجها فعرضها فبلغت سبعين أو ثمانين دينارا فقال البائع
الأول أنا اشتريها بما بلغت فيكره ذلك له مخافة المحاباة للانظار فإن
كانت الجارية، قد حدث بها حدث نقص ثمنها أو زادت قيمتها ولم
يكن بينهما في ذلك مداهنة رجونا أن لا يكون عليهما في ذلك بأس إذا
كان الامر صحيحا.
باب القول فيمن اشترى شيئا
فتلف قبل قبضه له
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى من
رجل متاعا ونقده بعض ثمنه فقال صاحب المتاع لا أتركك تخرج بمتاعي
حتى توفيني باقي الثمن ولزمه عنده ثم تلف كان ضمانه على البائع، لأنه
أبي أن يسلمه إليه، وإذا لم يتسلمه المشتري فلم يقبضه وإذا لم يقبضه
فضمانه على البائع، لأنه أبي أن يسلمه إلى مبتاعه فإن كان حين اشتراه
قبضه ثم رهن عنده بعض أو كله، حتى يوفيه ثمنه فتلف ذلك ترادا
الفضل فيه كما يفعل الراهن والمرتهن. قال: ولو اشترى رجل من رجل شيئا
فوضعاه على يدي رجل عدل حتى يوفيه ثمنه فتلف كان ذلك الشئ من
مال البائع، ولم يلزم المشتري لأنه لم يسلمه إليه ولم يقبضه إياه.
59

باب القول في الخيار إذا اشترط
ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا شرط المشترى أنه
بالخيار ثلاثة أيام فهلك المشترى إن كانت أمة فماتت أو عبدا فمات في
الثلاثة أيام لزم المشتري الثمن لان البيع قد لزمه وهلكت السلعة في يده
ولم يسخط ولم يرد. قال: ولو كان الخيار للبايع فهلكت في يد المشتري
ولم ينقطع خياره فهي في مال البايع لأنه لم يسلم للمشتري بيعا صحيحا
لأنه جعل لنفسه فيها الخيار إلى أمد معروف إن شاء أنفذ بيعها له وإن
شاء ارتجعها قال: وكذلك لو كان الخيار لهما جميعا فماتا أو مات
أحدهما فقد لزم البيع المبتاع وبطل الخيار، وكذلك لو جاز الوقت الذي
جعلا الخيار إليه وهما ساكتان لم يختارا أو لم يتكلما بطل الخيار وتمت
البيعة للمشتري، وكذلك لو كان الخيار للمشتري فمات في الثلاثة
الأيام قبل أن يختار ثبت البيع للورثة بالثمن وبطل الخيار لأنه الخيار لا
يورث. وكذلك لو نقصت السلعة في يد المشتري لزمته بالنقصان وبطل
الخيار إذا كان البيع قد انقطع على خيار بعد أيام، وإن لم يكن الثمن
والبيع قد قطع فلا تلزمه السلعة. قال: ولو أن الخيار كان من البائع إلى
ثلاثة أيام فزدادت (35) فالخيار له، وإن نقصت فالخيار للمشتري دون
البائع.
باب القول في عمل الشئ بثلثه أو ربعه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا دفع رجل إلى رجل
حديدا فقال أعمله لي سكاكين ولك ربعها فضاع ذلك الحديد فانا نرى
أنه ضامن له لأنه أجير استأجره صاحب الشئ بربعه وليس بشريك.

(35) في نسخة: فزادت.
60

باب القول فيما أفسد الصانع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل صانع مستأجر أفسد
ما استؤجر على اصلاحه فهو ضامن له، وتفسير ذلك: إنسان دفع إلى
نجار بابا ليسويه له فأفسده عليه فإنه يلزم النجار قيمة الباب إن كان قد
بطل، وإن كان لم يبطل لزمه قيمة مقدار ما أفسد منه. وكذلك الخياط،
والحايك، والقصار، وكل صانع أفسد ما استؤجر على إصلاحه كان
ضامنا لما أفسد، فإن كان إفساده أقل من قيمة نصف الشئ المفسد
أدى قيمة ما أفسد إلى صاحب الشئ وإن كان إفساده اذهب منه أكثر من
قيمة نصفه كان صاحبه بالخيار إن شاء أخذ قيمة ما أفسد وإن شاء أخذ
قيمته صحيحا وسلمه إلى الصانع، فإن كان فسد عنده وقد عمله
فصاحبه بالخيار إن شاء أخذه معمولا وحسب عليه نقصان ما أفسد،
وحسب له أجرته التي عمل بها، وان شاء سلمه إليه وأخذ منه قيمته يوم
دفعه إليه، فإن اختلفا في القيمة كانت البينة على صاحب الشئ
واليمين على الصانع.
باب القول فين خالف أمرا
أمره به رجل في ماله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا دفع إلى
رجل مالا وأمره أن يشتري له به طعاما ليربح صاحب المال فيه فخالفه
فاشترى له إبلا [أو بقرا] أو رقيقا كان المخالف لمال الرجل ضامنا،
وكيلا كان أو مستأجرا أو مضاربا، كلهم في ذلك سواء يضمنون إذا
خالفوا إلا أنم يشاء صاحب المال أن يأخذ ما اشتروا له فيكون ذلك له،
فإن لم يأخذه ضمنه المخالف فباعه فلا نرى أن الربح له إن ربح فيه
ربحا، ونرى له أن يصيره إلى بيت مال المسلمين.
61

باب القول في معنى قول رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا يبيعن حاضر لباد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: هذا خبر قد روي ولسنا
ندري كيف صحته، وقد يكون فيمن يأتي بالسلعة، ويقدم بها إلى
المصر المرأة التي لا تحب أن تبدو للشراء والبيع، والانسان الضعيف
الذي لا يحسن البيع والشراء، وليس هذا مما يصح فيه الخبر لان رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان رحيما وهذا فقد ينفع فيه الناس
بعضهم بعضا، الا أن يدخل في ذلك ضرر على المسلمين، أو مضارة
بين المتبايعين فينظر إمام المسلمين في ذلك.
باب القول فيما نهى عنه رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم من استقبال الجلوبة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا ينبغي للحاضرين أن
يستقبلوا البادين خارجا من المصر فيشتروا منهم جلبهم ثم يدخلوه هم
فيبيعونه لا نفسهم لان في ذلك خديعة لأهل الجلب، ولكن يترك حتى
يدخلوا به في سوقهم ويبيعوه من تجارهم.
باب القول في الشئ
يفرق بعضه عن بعض بالأسماء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا جمع الشئ اسم
واحد وكان في المعنى مؤتلفا فهو صنف واحد، وإن افترقت أسماؤه فلا
يجوز التفضيل بينه لمن يبيعه ويشتريه، وتفسير ذلك: أن التمر كله واحد
وإن اختلفت ألوانه وأسماؤه فلا يجوز منه الجزء بجزئين وإن اختلفت
أسماؤه، مثل مكوك برنى لا يجوز بمكوك ونصف صيحاني ولا مكوكي
62

جمع بمكوك عذاق التمر كله في الحكم واحد مثلا بمثل، فمن زاد فقد
أربى، وكذلك الحنطة والذرة والزبيب صنوف ذلك كله واحد، لا يجوز
مكوك طيساني بمكوك ونصف حنطة بيضاء، ولا يجوز مكوك ذرة بيضاء
بمكوك ونصف ذرة سوداء، ولا يجوز مكوك زبيب ضروع بمكوك ونصف
زبيبا أسود، وكذلك في كل شئ من الأشياء من الفواكه وغيرها، يدا بيد
فمن زاد في شئ من ذلك كله فقد أربى، وأفسد ما باع واشترى كان
ذلك مما يكال أو يوزن أو غير ذلك.
باب القول في اختلاف النوعين
وما يجوز فيه من البيع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بالواحد
بالاثنين، والاثنين بالواحد من الشيئين المختلفين مثل مكوك حنطة
بمكوكي شعير، ومكوك زبيب بمكوكي ذرة، ومكوك تمر بمكوكي شعير،
ولا بأس ببيع ذلك كله وشرائه كذلك إذا اختلف نوعاه وافترق صنفاه، وكان
ذلك يدا بيد، فإن وقع فيه الانساء بطل البيع فيه والاشتراء.
باب القول في بيع الحيوان بعضه ببعض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس ببيع الحيوان
واحدا باثنين، واثنين بواحد من جنس واحد كان أو من أجناس مختلفة
إذا كان يدا بيد، ولم يكن فيه إنساء، ولا بأس أن يشترى بعير ببعيرين،
وبقرة ببقرتين، وشاة بشاتين، وطير بطيرين، وفرس بفرسين، وحمار
بحمارين، وبغل ببغلين ولا بأس أن يشترى فرس بجملين وجمل ببقرتين
وعبد بعبدين، وأمة بعبدين، يدا بيد فمن أنسأ في شئ من ذلك فقد
أفسد وأربى.
63

باب القول في زيادة النقد بين الحيوان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يزيد الرجل
الدراهم والدنانير مع الرأس ويشتري رأسا آخر، وتفسير ذلك: رجل
اشترى فرسا بفرس وخمسة دنانير، أو شاة بشاتين ودرهم كل ذلك في الحيوان جائز يدا بيد،
ولا بأس أن يشتري جارية بعشرة دنانير وجارية، وغلاما بغلام ومائة
درهم.
باب القول في بيع اللحم بالحيوان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز بيع شاة
بعشرين رطلا لحما أو أقل أو أكثر ولا يجوز بيع عشرة أرطال لحما بشاة
من أي اللحوم كان، ولا يجوز أن يشتري به حيوانا مما يؤكل لحمه لان
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان.
باب القول في شراء اللحم بعضه ببعض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يشتري
المشتري رطل لحم غنم برطلي لحم بقر أو رطلي لحم بقر بثلاثة أرطال
لحم من الإبل لان الإبل خلاف الغنم والبقر خلاف الإبل وكذلك كل أزواج
مختلفة، ولاختلافها أجزنا التفاضل بين لحومها، ولان المعنى الواحد
لا يجمعهما، فاما الغنم كلها فلا يجوز لحمها إلا مثلا بمثل يدا بيد،
وكذلك ألبانها وسمونها، ولا بأس بثلاثة أرطال سمن بقر، برطلي سمن
غنم، ولا بأس بجزأي لبن إبل بجزء لبن غنم يدا بيد فمن أنسأ فقد
أفسد.
64

باب القول في شراء التمر بظرفه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ومن اشترى تمرا على
أرطال معروفة بدينار فليس يجب عليه أن يوزن له بظروفه من جلل أو
جرب الا أن يدخل ذلك في الشرط ويكون قد رأى الظروف وفهمها
ووضفت له بصفة فعرفها، فاما ان لم يكن اشترطت عليه لم يلزم
المشتري لأنه إنما اشترى تمرا ولم يشتر ظرفا. قال: ومن اشترى تمرا
محشوا جربا فنظر منها إلى عين ظاهرة فرضيها ثم فتح ساير ذلك فوجدها
مخالفة لما رأى كان بالخيار إن شاء لزمها وأخذ قدر وكسها، وان شاء
ردها وأخذ ما دفع من ثمنها، وان قال المشتري للتمر للبائع وقال البائع
للمشتري أطرح عنك في ظروفها كذا وكذا رطلا لم يجز ذلك بينهما لأنه
شئ مجهول وغرر عليهما، ولا يجوز طرح ما كان غررا بينهما كما
لا يجوز بيعه وشراؤه لهما الا أن يساهله المشتري ويرضى أن تتزن
الظروف في وزن التمر.
باب القول في شراء العبد وبيعه
المأذون له في التجارة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أذن سيد العبد لعبده
في التجارة لزم سيده ما اشترى وباع من غال ورخيص كذلك بلغنا عن
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أن رجلين ارتفعا إليه
يختصمان فقال أحدهما يا أمير المؤمنين إن عبدي هذا ابتاع من هذا
شيئا، وإني رددته عليه فأبى أن يقبله، فقال له أمير المؤمنين عليه
السلام: هل كنت تبعث غلامك بالدرهم يشتري لم به اللحم؟ فقال:
نعم، قال: قد أجزت عليك شرائه.
65

باب القول فيمن باع نفسه أو أمر غيره ببيعه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أيما حر باع نفسه أو أمر
غيره ببيعه وجب أن يؤدبا جميعا أدبا وجيعا إن كان فهما بالغا أحسن أدبه
وأدب من اشتراه أدبا وجيعا، إن كان اشتراه بعلم، ولم يجب عليه الرق،
واستسعي فيما أخذ منه حتى يرده عليه، وأن كان غيره الذي باعه منه
رجع بالثمن عليه وإن كان البائع لنفسه أو الآذن في بيع نفسه صبيا أو
أعجميا أفزع على قدره، ولم يستسغ في شئ من ثمنه للذي اشتراه إن كان
اشتراه وهو عالم بأمره لان المشتري اشتراه وهو على بصيرة متعمدا
لما لا يجوز له من ذلك، وكذلك بلغنا أن رجلا باع نفسه في ولاية عمر
فلما اشتد عليه البلاء أتى عمر فقال له أني رجل حر فقال له عمر أبعدك
الله أنت الذي وضعت نفسك، فقال له له أمير المؤمنين وسيد المسلمين
علي بن أبي طالب عليه السلام أنه ليس على حر ملكة فاضربه ضربا
شديدا والبائع له، ومر المشتري أن يتبع البائع بالثمن، فإن كان بأفق من
الآفاق فاستسعه أما أني أقول لك ذلك لأنه قد حنكته السن ولو كان صبيا
صغيرا أو أعجميا مستبهما مستسفها لم أضر به ولم أستسعه.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إنما ترك ضرب
المشتري له لأنه لم يعلم أنه حر عندما اشتراه.
باب القول فيما لا يجوز من البيع الشراء
وما يجوز بيعه وشراؤه بعضه ببعض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل صنف من الأصناف
التي تكال وتوزن وغير ذلك مما لا يكال ولا يوزن مما ليس بحيوان من
الثياب فلا تباع مثلان بمثل من صنف واحد، ولا يجوز ذلك إلا مثلا بمثل
66

يدا بيد إ لا أن يختلف الصنفان، فإن اختلف الصنفان فلا بأس باثنين
بواحد يدا بيد ولا يجوز نسأ إذا كانا جميعا مما يكال، أو كانا جميعا مما
يوزن، وإن كان أحدهما مما يكال والآخر مما يوزن فلا بأس بالانساء
فيه إذا لم يكن فيه حيلة للربا ولا تزيد في البيع على سعر يومه للانساء.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا بأس أن يشتري
رطلي رصاص قلعي برطل رصاص أسود يدا بيد ولا يجوز نسا، ولا بأس
برطلي نحاس برطلي رصاص يدا بيد، ولا بأس برطل حديد برطلي شبه
يدا بيد، ولا يجوز نسيه لأنه كله مما يوزن، وإن كان أحد الصنفين يوزن
والآخر يكال فلا بأس به اثنان بواحد وواحد بواحد نسأ لأنه يخرج مخرج
السلم، ولا بأس بخمسة أرطال حديد بثلاثة مكاكي حنطة نسأ، فكأنه
أسلم حديدا في حنطة، ونحب لمن فعل ذلك أن يضرب لذلك أجلا
ويصف وصفا من البر معروفا بكيل معروف.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا يجوز أن يشتري
الرجل زرعا من بر محصود في سنبله متروكا على حاله بكيل معروف من
الحنطة عشرة أفراق أو أقل أو أكثر لان هذا شئ لا يعرف كم فيه من البر
لأنه في سنبله فإذا زاد أو نقص عما بيع به من البر المكال كان ربى، لان
البر لا يجوز أن يباع الا مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد فقد أربى.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: واستحب لمن باع شيئا
ما يكال بثمن أن لا يشتري بذلك الثمن شيئا مما يكال حتى يقبض ذلك
الثمن ثم يشتري به لأنه إذا اشترى بثمن ما يكال كيلا مثلا دخله النساء
لأنهما جميعا كيل ولا بأس أن يشتري بثمن ما يكال ما يوزن قبل أن يقبض
له ثمنا، أو بثمن ما يوزن ما يكال قبل أن يقبض له ثمنا. قال: ولا يجوز
أن يشتري اللحم بالحيوان، ولا يجوز أن يشتري الانسان ثلاثين رطلا
67

لحما بشاة لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيع
اللحم بالحيوان.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا يجوز بيع اللبن
الرائب بالزبد إلا أن يكون في اللبن من الزبد أقل من ذلك الزبد الذي
اشتراه به المشتري فيكون ذلك الزبد الذي في البن بمثله من هذا
الزبد، ويكون فضلة هذا الزبد ثمنا لفاضل ذلك اللبن إذا اختلط به.
قال: ولا يجوز ثلاثة أرطال زبدا برطلي سمن، لان ذلك يختلف بزيادة
الزبد ونقصانه عند السل ء على كيل ذلك السمن فلذلك فسد البيع، ولا
أحب أن يكون الزبد بالسمن مثلا بمثل لأنه أيضا يختلف وينقص.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عليه: ولا يجوز المزابنة لان
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد نهى عنها لأنها تختلف وهي
أن يبيع الرجل رطبا بتمر مثلا بمثل، وأن يبيع تمرا في رؤوس النخل
بخرصه تمرا لان ذلك ينقص عند يبسه ويقع فيه التفاضل، وكذلك
لا يجوز أن يبيع مكوكي رطب بمكوك تمر، ولا مكوكا بمكوك، ولا أكثر
من ذلك ولا أقل، وكذلك لا يباع زهو بتمر ولا تمر بزهو ويباع كل صنف
بمثله يدا بيد مثلا بمثل، والتمران كلها واحد برنيها وصيحانها وألوانها،
ولا يجوز مكوكا لن بمكوك برني، ولا أربعة أصواع صيحاني بخمسة
أصواع جمع، وكذلك العنب كله واحد، وليس لبعضه على بعض زيادة
عند التبايع به ولا يجوز رطلا عنب بثلاثة أرطال عنب لونا سواه، وكذلك
لا يجوز رطلا عنب برطلي زبيب لأنه ينقص وحاله في ذلك حال الرطب
بالتمر ويكره مكوك حنطة بمكوك دقيق، لأنه يختلف عند الطحن في
الزيادة والنقصان، والدقيق والحنطة كلاهما يكال، ولا بأس أن يباع
عجين معجون بأكثر من كل ذلك المعجون دقيقا أو حنطة، وكذلك
68

لا بأس أن يباع مكوك خبز مخبوز بمكوكي دقيق لان العجين والخبز قد
خرجا من حد الكيل وصارا إلى حد الوزن، ولا يجوز مكوك حنطة مبلولة
بمكوك حنطة مقلوة، ولا غير مقلوة لأنها تتفاوت واليابس أكثر من
المبلول.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا بأس أن يشترى الرمان
والسفرجل وجميع الفواكه التي لا توزن ولا تكال وتباع عددا، واحدا
باثنين، واثنين بواحد يدا بيد.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا يجوز أن يشتري
المشتري من البائع السلعة فيقول قد اشتريت هذا منك على ما تبيعه من
غيري من الناس لان هذا غرر وخطأ لا يوقف عليه لان البائع ربما
استقصى عليه بعض المشترين فيبيع رخيصا، وربما يسامح فيبيع غاليا،
ومن اشترى على ذلك أو باع فالقيمة لا زمة للمشتري يعطيه قيمته عند
الناس ولا ينظر إلى ما شرط له لان ذلك الشرط فاسد لا يوقف عليه.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا خير في ثوب بثوبين من
جنس واحد إلى أجل، فإن اختلفت الأجناس فلا بأس بثوبين بثوب إلى
أجل وتفسير ذلك: ثوب قوهي (36) بثوبي قوهي لا يجوز إلى أجل، وثوب
ديبقي (37) بثوبي ديبقي لا يجوز إلى أجل، وثوب شظوي بثوبي شظوي
لا يجوز إلى أجل، وثوب قصب بثوبي قصب لا يجوز إلى أجل وثوب خز
بثوبي خز لا يجوز إلى أجل، وكذلك كل جنس لا يجوز ثوباه بثوبه إلى
أجل، ويجوز يدا بيد، فإن اختلفت الأجناس فلا بأس بواحد باثنين إلى

(36) قال في الصحاح: والقوهي ضرب من الثياب بيض.
(37) دابق: اسم بلد والأغلب عليه الصرف والتذكير لأنه في الأصل اسم نهر، ذكره في
الصحاح.
69

أجل، ويشترط طولا وعرضا مفهوما ورفعة مفهومة إلى أجل معلوم،
ولا بأس أن يشترى ثوب ديبقي بثوبي مروى يدا بيد وإلى أجل، وكذلك
لا بأس أن يشترى ثوب وشى بثوبي خز يدا بيد، ولا إلى أجل لان الجنسين
مختلفان، ولا يجوز أن يشترى ثوب وشي بثوبي وشي إلى أجل ولا بأس
أن يشترى واحد باثنين يدا بيد، وكذلك كل ما كان من مثل هذا فقسه
على ما ذكرت لك إن شاء الله تعالى.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا يجوز بيع اللبن
الرائب باللبن المخيض ولا اللبن الحليب بالمخيض، لان في المخيض
ماء وإذا بيع ما فيه ماء بما ليس فيه ماء فلم يبيع مثلا بمثل لان اللبن الذي
فيه ماء نفسه أقل من اللبن الذي ليس فيه ماء، ولا يجوز اللبن باللبن إلا
مثلا بمثل. قال: ولو أن رجلا اشترى من رجل جملا فاستحق ذلك
الجمل فليس للمشتري أن يسلمه إلى المستحق له إلا بأمر الذي اشتراه
منه فإن أسلمه إليه بغير أمره ولا بقضية حاكم فالبائع بالخيار إن شاء أجاز
له ذلك وإن شاء لم يجزه وألزمه البيع ولم يكن عليه رد الثمن لأنه سلم
سلعته بغير أمره ولا قضاء حاكم قضى عليه به. قال: ولو أن رجلا قال
لرجل أبيعك ما في بيتي هذا من الثياب صغيرها وكبيرها على ثوبين
بدينار، فرضي المشتري كان ذلك البيع فاسدا، وكان للمشتري أن
يرجع على البائع إذا رآه ونظر إليه ولم يعجبه لأنه باعه شيئا لا يدري ما هو
أجيد أم ردئ رخيص أم غال؟ وكذلك لو وقف على مكتل فيه رمان أو
أترج فقال أبيعك من هذا الأترج خمسا بدرهم لم يكن ذلك بيعا حتى
يميز الخمس ويعزلها ويريه ما يشتري فيبصره المشتري ويشتري منه ما قد
رأى وأبصر، وكذلك العمل فيما كان كذلك من البطيخ وغيره وكل ما كان
متفاوتا، وكذلك لو اشترى مشتر من بائع شيئا من الفواكه أو غيرها على
أنه جيد فكسره فوجد فيه عيبا لم يكن علم به، فإذا كان العيب مما
70

لا يعلم الا من بعد الكسر فإنه ينظر إلى تلك السلعة فإن كانت تشترى
بعيبها بعد الكسر أو كان لها بعد الكسر ثمن لزمت المشتري، ورجع
على البائع بفضل ما بين القيمتين قيمتها معيبة به وقيمتها غير معيبة، وإن
كان مما لا قيمة له من بعد كسره وبيان عيبه، رده مثل البيض الفاسد وغيره
مما يشبهه فإنه يرده ويرجع بقيمته من الثمن على صاحبه. قال: ومن
اشترى معيبا وهو يعلمه فلا خيار له بعد شرائه. قال: ولا يجوز للرجل أن
يبيع شيئا قد اشتراه مما يكال أو يوزن إذا لم يقبضه ولم يستوفه بكيله،
وكذلك لو استوفى كيله ثم أراد بيعه أو توليته فلا ينبغي له أن يبيعه ولا يوليه
حتى يوفيه الذي يبيعه من أو يوليه إياه بكيل جديد، وكذلك روي عن
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (مع كل صفقة كيلة)
والإقالة والتولية والبيع عندنا في ذلك سواء لابد من إعادة الكيل فيه.
قال: فان اشترى مشتر شيئا من ذلك جزافا فله أن يبيعه ويقيل فيه ويوليه
جزافا بغير كيل كما اشتراه، وكذلك إن شاء أن يبيع بعضه بكيل وبعضه
جزافا فليفعل.
باب القول في الصرف واشتراء الفضة بالفضة
والذهب بالذهب، والذهب بالفضة والفضة بالذهب
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا يجوز صرف بدين
والصرف يدا بيد، وتفسير ذلك أن يشتري الرجل بدينار دراهم فيقاطع
المصرف على عشرين بدينار فلا تكون كلها مع المصرف ويبقى عليه
من العشرين درهم أو درهمان فيقول له عد إلي حتى أهيأه لك فيأخذها
ويترك صاحب الدينار الباقي عنده حتى يرجع بعد وقت فيأخذه فهذا
حرام لا يجوز فيجب على من صرف دينارا بدراهم أو دراهم بدنانير أن
لا يفترق هو وصاحبه وبينه وبينه طلبة ولا له عليه من ذلك قليل ولا كثير،
71

قال: فان ابتلى أحد بشئ من ذلك فليحسب ما قبض من الدراهم ثم
ويحسب كم ثمنها من قراريط الدينار فيدفعه إلى صاحب الدراهم
ويكون شريكا في الدينار بما بقي له من القراريط أو الحبات، فإما قطع
من الدينار قطعة واما كان له ذلك عند صاحبه وديعة حتى يعود إليه
فيصارفه بما بقي له، أو يقطع منه قطعة بحقه، أي ذلك شاء ان يفعله
كان له، فإذا كان ذلك كذلك جاز له تخليف ما بقي له من القراريط عند
صاحبه. قال: ولا يجوز أن يشتري شيئا من الذهب بالذهب جزافا
ولا شيئا من الفضة بالفضة جزافا لان ذلك يتفاضل بزيادة أحدهما على
صاحبه ولا يجوز الذهب بالذهب ولا الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل يدا
بيد، وكذلك لا يجوز أن يشتري بعشرة مثاقيل وزنا شيئا من الذهب جزافا
غير موزون، وكذلك لا يجوز أن يشتري بعشرين درهما موزونة شيئا من
الفضة غير موزون جزافا لان ذلك الذي هو غير موزون ربما زاد أو نقص
فيدخله الربا بزيادته ونقصانه ولا بأس أن يشتري الرجل بعشرة مثاقيل
ذهبا شيئا من الفضة غير موزون جزافا، وكذلك لو اشترى بألف درهم موزونة شيئا
من ذهب غير موزون جزافا جاز ذلك، وكذلك لو اشترى بذهب جزافا
لا يعرف وزنه فضة جزافا لا يعرف وزنها جاز ذلك لان الصنفين قد اختلفا.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا يجوز أن يدخل الفضة
في الذهب بالذهب ليزداد فيما بينهما كما قد يفعل كثير من الجهال ولا
الحديد مع الفضة بالفضة ليزداد في الفضة على الفضة كما قد يفعل كثير
من أهل هذا الدهر لان الله عز وجل لا يخادع وهو يعلم السر وأخفى،
وهذا فإنما هو حيل من المحتالين لا يجوز على مثلهم من المربوبين
فكيف على رب العالمين وخالق كل المخلوقين قال: ولو اشترى رجل من
رجل دراهم بدنانير فلم يكن عنده الدراهم كلها فاستقرض له تمامها
فأوفاه جميع حقه قبل أن يفترقا فالصرف تام صحيح، وإن لم يجد له
72

تمامها انتقض الصرف بينهما، واشترى منه ما عنده من الدراهم بدنانير
على صرفها صرفا مبتدأ، وأخذ باقي دنانيره، وهذا العمل عندنا الذي
لا يجوز غيره، وقال في سيف محلي أو في مصحف محلى بفضة يشترى
بدراهم إن ذلك لا يجوز عندنا حتى يعلم كم وزن الحلي من درهم
فيشتري الحلي بوزنه سواء سواء ثم يشتري السيف بفضلة يتراضيان
عليها أو المصحف وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم (أنه أمر رجلا اشترى قلادة يوم خيبر مرصعة بالذهب فيها خرز
مركب بالذهب فأمره أنو يميز بين خرزها وبين الذهب ويقلعه منه حتى
يعرف ما فيها فيشتريه بوزنه من الذهب فقال إنما اشتريت الحجارة
بالفضلة بين الوزنين فقال لا حتى تميز ما بينهما فلم يتركه حتى ميز
بينهما).
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ومن اشترى شيئا من ذلك
فلا يفترق هو صاحبه وبينه وبينه عمل يدا بيد. قال: ولا يجوز أن
يشتري قلادة ذهب بعشرة دنانير إلى أجل، وكذلك لا يشتري حلي فضة
بوزنه إلى أجل. قال: وإن اشترى سيفا محليا بمائة درهم وكان وزن
حليه خمسين درهما فلا بأس بذلك إذا كانت حديدة السيف تسوى
خمسين درهما، فإن كانت تسوى أقل من خمسين فلا يجوز ذلك، لان
الفضلة إنما وقعت في زيادة الحلي ليزدادها صاحبها من أجل صياغتها،
وهذا لا يجوز، وإن لم يعلم أن وزن الفضة خمسون درهما بوزن منه لها
لم يجز ذلك. قال ولو أن رجلا اشترى دنانير بدراهم لم يجز له أن
يشتري بالدنانير دراهم حتى يقبض الدنانير ثم يقلبها في الدراهم، ولا
يجوز له قلبها قبل قبضها وكذلك الدراهم أيضا إذا اشتراها بالدنانير لم
يجز له قلبها في دراهم أخرى حتى يقبضها. قال: وكذلك لو اشترى
رجل من رجل دراهم بدنانير فأعطاه فيها مكحلة ومزيقة فإن استبدلها قبل
73

أن يفترقا فأبد له إياها قبل أن يفترقا صح صرفهما وتمت مبايعتهما وإن
افترقا قبل أن يبدله إياها انتفض من الصرف بقدر ما كان منه في الدراهم
من الزيبق والكحل قال: ولو أن رجلا اشترى من رجل دراهم واشترط
عليه أن يستبدل مارد عليه منها كان ذلك جائزا له وكان له أن يستبدل مارد
عليه منها، فإن اشترى منه دراهم فأعطاه فيها مكحلة، أو كان له عليه
دين فاقتضى منه دراهم أو دنانير مكحلة فقبضها المقتضي كان على
الذي اشتراها منه أو اقتضاها أن يوفيه ما نقص من كحلها، نقدا جيدا ولا
يستحلق عليه في نقصه لنقده شيئا، لأنه نقص عنها غشاء لا يجوز له
أخذه ولا يسع البائع له بيعه. قال: ولا يجوز شراء تراب معادن الذهب
بالذهب ولا تراب معادن الفضة بالفضة، ولا يجوز شراء تراب الصاغة
الذين يصوغون الفضة والذهب بالفضة ولا بالذهب، لان ذلك يتفاوت
ويزيد وينقص وفيه غرر، والذهب فلا يجوز ألا بالذهب مثلا بمثل يدا
بيد، والفضة فلا تجوز إلا بالفضة مثلا بمثل يدا بيد، ومن اشترى من
ذلك شيئا كان البيع فيه فاسدا لا يجوز. قال: ومن اشترى تراب معدن
الذهب بفضة أو تراب معدن الفضة بذهب كان له وللمشتري عند بيان
ما يخرج منه الخيار إن شاء أمضى وإن شاء لزم لان هذا بيع غرر فاسد
في الأصل، ومن اشترى أو باع غررا كان بيعه فاسدا.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: كانت الدراهم في زمان
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كدراهمنا اليوم ولم يكن في
زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا في الجاهلية للعرب ضرب
دنانير، ولا دراهم تعرف، وإنما كانوا يتبايعون ويتشارون بالتبر دراهم
معروفة وأواقي مفهومة، وكان الرطل الأول الذي كان على عهد رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمدينة اثنتي عشر أوقية، وكانت كل
أوقية أربعين درهما فكان رطلهم أربع مائة درهم وثمانين درهما بهذا
74

الدرهم الذي في أيدي الناس اليوم فأقر رطلهم على ذلك صلى الله عليه
وعلى آله وسلم، والدليل على ما قلنا به في ذلك قوله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم ليس فيما دون خمس أواق من الفضة زكاة ثم قال صلى
الله عليه وعلى آله وسلم بإجماع الأمة عنه ليس فيما دون مائتي درهم
زكاة، فعلمنا حين قال ليس فيما دون مائتي درهم زكاة وليس فيما دون
خمس أواق زكاة، أن الأوقية كانت إذ ذاك أربعين درهما بهذا الدرهم
الذي لا اختلاف عند الأمة فيه أن الزكاة تجب في مائتي درهم منه قال
ويقال إن أول من ضرب الدراهم في الاسلام عبد الملك بن مروان،
وهذا الدرهم الذي تخرج به الزكاة فهو الدرهم الذي تسميه أهل العراق
وزن سبعة وإنما يسموه وزن سبعة لأنه سبعة أعشار المثقال، والدليل
على ذلك أنك إذا زدت على هذا الدرهم ثلاثة أسباعه صار ذلك مثقالا
ولذلك صارت العشرة الدراهم سبعة مثاقيل وقد كانت دنانير قيصر ملك
الروم ودراهم الأكاسرة البغلية ترد على العرب بمكة في الجاهلية فلم
يكونوا يتبايعون بها، وكانوا يردونها إلى ما يعرفون من التبر على وزن
المثقال والدراهم على تجزيتها في الأواقي والأرطال وكان رطلهم كرطل
المدينة أربع مائة وثمانين درهما ووقيتهم أربعين درهما.
[تم كتاب البيوع]
75

كتاب السلم
77

بسم الله الرحمن الرحيم
مبتدأ أبواب القول في السلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: السلم الصحيح الجائز
أن يسلم الرجل إلى رجل مالا في شئ معروف، بوزن أو كيل معروف،
بصفة معروفة، أي أجل معروف محدود مسمى بينهما يدفعه إليه ويسلمه ببلد
معروف، فإذا أسلم إليه ذلك المال وقبضه على هذه الشروط فهذا سلم
صحيح ولا أعرف (1) بين علماء آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم ولا غيرهم في هذا اختلافا، وقد صح لنا أن رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم أخذ سلما من يهودي دنانير في تمر موصوف معروف
بجنسه إلى أجل معروف بكيل معروف، وكذلك روي لنا عن أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه لم يكن يرى في السلم
بأسا، وكذلك كأن يقول جدي القاسم بن إبراهيم رحمة الله عليه أن
السلم جائز على صحته وكذلك كأن يقول جميع علماء آل رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ولد الحسن والحسين عليهما السلام
وغيرهما (2) لا نعلم في جواز السلم إذا كان صحيحا بين أحد منهم
اختلافا.

(1) في نسخة: لا أعلم بين علماء الخ..
(2) فر نسخة ك وغيرهم.
78

قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وصحة السلم فهو خمسة أشياء
إذا ذكرت وشرطت صح السلم وجاز بين أهل الاسلام، وهو أن يدفع
الرجل إلى رجل مالا في كيل أو وزن معروف كذا وكذا رطلا بدنانير أو
كذا وكذا مكيالا بدنانير أو دراهم واشترط عليه صنفا معروفا ولونا معروفا
إن كان ذلك مما يتفاضل ألوانه إلى أجل معروف يوفيه ذلك ويسلمه إليه
ببلد معروف ولا يشترط عليه حايطا معروفا بعينه، ولا أرضا بعينها
محدودة بحدودها، إن كان ما أسلم فيه شيئا مما ينبت ويخرج في الشجر
من النخل والحنطة والشعير والأرز أو غير ذلك مما يكال. وكذلك إن كان
المسلم فيه شيئا مما يوزن لم يجز أن يسلم في تمر حائط معروف محدود
من عنب أو غير ذلك مما يوزن، وكذلك لا يجوز في قز من تربية انسان
بعينه ولا حوك إنسان بعينه إن كان السلم في ثياب أو قز، والقز فهو
الإبريسم، وإنما كره ذلك ولم يجز لأنه غرر لأنه ربما فسد ثمر ذلك
البستان بعينه فيبطل سلم المسلم فيه، وكذلك إبريسم الانسان بعينه
وحوكه بعينه ربما يبطل وربما مات الانسان قبل أن يعمل ذلك الشئ الذي
أسلم فيه من عمله، فيبطل السلم فلذلك لم يجز أن يسلم في تمر حائط
بعينه، ولا في عمل عامل بعينه، فمن أثبت في سلمه الكيل المعلوم
والأجل المعلوم والصفة المعلومة المعروفة، ولم يشرط حايط بعينه ولا
عمل إنسان بعينه وشرط على المسلم إليه أن يدفع إليه سلمه ببلد
معروف، فإذا فعل ذلك فقد صح المسلم بينهما إذا دفع إليه المال قبل أن
يفترقا وتقابضا نقدا جيدا.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وكيف يبطل السلم
ولا يجوز، والمسلم إليه والمسلم فيه سواء، وكلاهما يرجو ويخاف،
وليس فيه حظ لأحدهما بين مأمون البطلان بل هما فيه كلاهما سيان وكل
واحد منهما يرجو أن يكون قد أخذ من صاحبه غبطة، وأن يكون الرابح
79

لا الخاسر في بيعه وشرائه وذلك أن السعر ربما زاد ونقص عند وقت
ما يقبض المسلم من المسلم إليه سلمه ولا يكون في ذلك ربح معروف
مأمون بعينه لواحد دون الآخر، وربما كان المسلم إليه أكثر حظا من
المسلم عند تغير السعر وذلك أنه ربما أسلم الرجل إلى الرجل عشرة
دنانير في عشرين قفيزا برا أو أرزا أو تمرا ليؤديها إليه في وقت الحصاد
لشهر معروف، ويوم معروف فإذا كان ذلك كذلك وحل الأجل وتغير
السعر، فصار قفيزين ونصفا بدينار، وذلك الطعام بعينه يبتاعه الناس
ويشترونه في ذلك الوقت على هذا السعر فيدخل الخسران على المسلم
ويدخل الربح على المسلم إليه، وربما كان السعر في ذلك الوقت على
مثال ما أسلم هذا المسلم فيه، وربما زاد ونقص فلما وجدنا سبيله
كذلك، ولم نجد في السلم شيئا على غير ذلك ولم يكن فيه ربح مأمون
الخسران للمسلم لما له فيه، ووجدناه يربح مرة ويخسر مرة، كان ذلك
عندنا بيعا حسنا، وكان استواء حاله إذا كان مرة يكون المغتبط به المسلم،
ومرة يكون المسلم إليه، أن يكون كبيع الجزاف الذي لا اختلاف عند
الأمة في جوازه، وبيع الجزاف أن يشتري الرجل من الرجل بيتا مملوءا
تمرا أو حنطة أو شعيرا يقف عليه ثم ينظر إليه، ثم يشتريه منه مجازفة بلا
كيل ولا وزن، فيتراضيان بينهما فيه على ثمن يقبضه صاحب البيت،
ويسلمه إلى صاحبه المشتري له منه، ومثل ذلك أن يأتي الرجل إلى
نخل رجل فيشتري منه تمرها رطبا أو زهورا بثمن يتراضيان عليه، فيدفع إليه
الثمن ويجوز التمر في رؤوس النخل، فيتمره المشتري ثم يجده تمرا،
ثم لعله أن يغبط ويربح، ويكون في كيله فضل على سعر ما يباع من
التمر في ذلك الوقت ولعله أن يخسر فيه عند جذاذه وتتميره، ويأتي على
أكثر من سعر التمر في ذلك الوقت فيخسر المشتري له ويربح البايع،
فليس في جواز هذا البيع والشراء كله واستقامته اختلاف بين أمة محمد
80

صلى الله عليه وعلى آله وسلم والسلم فهو أعدل وأبين استقامة من هذا لان
السلم لا يكون في نخلة بعينها ولا زرع بعينه والشراء فقد يقع في ثمرة
بعينها، فإن قال قائل إنما جاز بيع هذه الثمرة بعينها حين بان صلاحها
وأمن فسادها، قيل له وكذلك أيضا السلم إنما يؤخذ من المسلم إليه
طعام جيد سليم من الفساد على الصفة التي وصفت له والشرط الذي
شرط عليه.
قال يحيى به الحسين عليه السلام: ومن شبه السلم ببيع التأخير
الذي يدخله الزيادة والربح للبايع على كل حال من الأحوال، وفي كل
وقت من الأوقات أو شبهه أو توهم أنه كالسلف الذي يجر منفعة، الذي
قال فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كل سلف جر منفعة فهو
حرام، فقد غلط في ذلك ووهل في قياسه، لان السلف الذي يجر
المنفعة فهو السلف الذي يأمن المسلف فيه الخسران، ويوقن على كل
حال بالربح، ولا يمكن أن يكون أبدا بحيلة، ولا بمعنى في سلفه
خاسرا، ولا يكون أبدا إلا رابحا على رأس ماله مزدادا عليه لانظاره، مثل
أن يسلف رجل رجلا عشرة دنانير، ويشترط عليه اثني عشر دينارا أو أكثر،
فتكون هذه الاثني عشر دينارا عليه يوفيه إياها فهذا على كل حال رابح
في سلفه لا يخاف خسرانا فهذا الذي لا يجوز، وهو الربى الذي نهي عنه
أو أن يشتري الرجل من الرجل طعاما يستنظر (3) بثمنه وينقصه من سعر
يومه مثل أن تكون الحنطة على اثني عشر مكوكا بدينار تباع اليوم، فيقول
له بعني هذه الحنطة وأنظرني بثمنها على عشرة مكاكي بدينار، أو يقول
البايع أبيعك هذه وأنقصك من السعر مكوكين فتصير على عشرة بدينار، أو
يقول أبيعك هذا على عشرة بدينار، وهو والمشتري يعلمان أن هذا
السعر سعر ناقص عن سعر يومه وأنه إنما نقصه ذلك لمكان الانظار، فإذا فعل

(3) في نسخة: يستنظر في ثمنه الخ...
81

ذلك وأنظره بالثمن فهذا هو الربا عندنا وفي قولنا، والبيع الخبيث الذي
لا يحل ولا يجوز، وهو السلف الذي يجر المنفعة لان صاحبه وصاحب
الدنانير الأولى العشرة التي دفعها وربح فيها دينارين أمن من أن يتغير ربحه
برخص سعر ولا غلائه، لأنه إنما أخذ دنانير والدنانير لا يتغير ما فيها من
الربح، وصاحبها مطمئن لا يخشى خسرانا، والآخذ لها منه موقن
بالخسران وغير راج للتخلص، بسبب ولا معنى، والسلم فليس المسلم
بأرجأ للربح والتخلص من المسلم إليه، وكذلك المسلم إليه ليس هو
بأرجأ للتخلص والربح من المسلم، لان المسلم دفع دنانير يأخذ بها
طعاما مسمى بكيل معروف إلى أجل مؤجل وهو لا يدري كيف يكون
سعر ذلك الطعام، في ذلك الوقت الذي يحل أجله فيه ويؤدي طعامه
إليه، فهو خائف وجل القلب يخاف ويرجو غلاء في ذلك الوقت فيربح،
ويخاف (4) من الطعام رخصا فحينئذ يخسر، وعلى هذا المنهاج صاحبه
المسلم إليه وليس حال من رجاه وخشي كحال الآمن الذي لا يخشى،
وقياس السلم قياس الشراء (5) جزافا عن تراض من المشتري والبائع، وإذا
لم يعرفا كلاهما كيل ذلك الذي يباع ولا وزنه، إن كان مما يكال أو
يوزن، فلا اختلاف عند الأمة أنما إذا تبايعا جزافا شيئا لم يقف أحدهما
على وزنه ولا كيله، إذا كان مما يكال أو يوزن أن تبايعهما صحيح
حلال، ربح من ربح وخسر من خسر، إذا كان المشتري قد رأى عينه
وأبصره، وقياس السلف الذي يجر المنفعة الحرام الذي لا يجوز عندنا
مما ذكرنا وقلنا فهو مثل انسان باع انسانا شيئا جزافا وقد عرف وزنه وكيله
فيحتال (6) على صاحبه فيه، ويوهمه أن يعرف ما هو عليه من الكيل

(4) في نسخة: ويخاف من الطعام حينئذ رخصا فيخسر.
(5) في نسخة: قياس البيع جزافا.
(6) في نسخة متحيلا على صاحبه فيه.
82

والوزن فهذا بيع فاسد لا يحل ولا يجوز للبائع أن يبيعه كذلك لأنه موقن
بالربح عارف بما أخرج فكما أن بين هذين فرقا في التحليل والتحريم
كذلك أيضا يجب أن يكون بين السلم الذي ليس أحد المتبايعين فيه
بواثق بالربح فيه ولا آمن للخسران، وبين البيع الذي يجر السلف فيه
منفعة بينة مأمونة مفهومة معلومة فرق بين، فلعمري لو لم يكن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا علماء أهل بيته أجمعون (7) صلوات
الله عليهم ولا غيرهم من المسلمين أجمعوا على أن السلم جائز حلال
وأنه ليس كغيره ولا مشابها لما يفسد من البيوع الفاسدة ثم كان العقل
يصحح لنا ما قد صحح من الفرق بينهما والتباعد في معانيهما لكان في
ذلك كفاية كافية واستغناء لذوي الحجا وحجة شافية فكيف وقد جاء
التفريق بين ذلك من الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يختلف
أحد من علماء أهل بيته ولا غيرهم فيه، فكلهم يقول إن السلم جائز إذا
صحت صفاته وأقيمت حدوده وشروطه، فان ترك من حدوده وشروطه
شئ بطل السلم ولم يجز إلا على ما جعل عليه وركب فيه.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: فمن أسلم في شئ وترك
شيئا مما ذكرنا من شروط السلم ثم ذكر قبل أن يفترق هو وصاحبه
فليذكرها وليؤكد حدود السلم وشروطه، فإن لم يذكر ما ترك من شروطه
حتى افترقا فالسلم بينهما باطل فاسد، وليس له الا رأس ماله الذي
دفعه، إلا أن يحب تجديد السلم فيقبض رأس ماله من صاحبه، ثم
يدفعه إليه ويشترط شروط السلم كلها صحيحة ثابتة ويكون سلما مبتدأ.
قال وأن وجد المسلم إليه فيما أسلم إليه المسلم من النقد دراهم ردية
ردها إليه واستبدلها منه وكانا على سلمهما، وقد قال غيرنا إن السلم

(7) في نسخة: ولا علماء أهل بيته أجمعين.
83

بذلك فاسد بينهما، ولسنا نرى أن ذلك يفسد سلمهما. قال: فإذا أسلم
الرجل في تمر فليصف صفة جنس ذلك التمر فيقول تمرا برنيا وسطا طيبا
قليل الحشف والنقا، وكذلك إن أسلم في صيحاني فقال آخذ منك
صيحانيا وسطا طيبا لا حشف فيه، أو أن يقول آخذ صيحانيا على وجهه
وكذلك في الحنطة يقول حنطة بيضاء أو حنطة سمراء مسرودة يابسة،
وكذلك كل ما أسلم فيه اشترط فيه صفته وجنسه ولم يقل خير ما يكون لان
هذا شئ لا يحاط به وإذا اشترط ما لا يحاط به بطل السلم، وكل من
أسلم في شئ فأعطي دونه لم يلزمه أن يأخذ إلا ما أسلم فيه.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: والسلم يجوز في كل شئ
مما يكال أو يوزن أو غير ذلك من العروض التي تحيط بها الصفات وتأتي
على النعت ولا تتفاوت تفاوتا فاحشا، فاما الحيوان فلا أرى السلم فيه ولا
أجزه لأنه يتفاوت في الأجسام تفاوتا كثير، من ذلك أن يسلم الرجل في
بعير ثني أو فرس ثني، أو بقرة أو شاة، فيثبت السن والجنس والصفة ولا
يقدر أن يثبت القدر لأنه رب ثني يكون خيرا من ثنيين ورب ثنيين
لا يساويان جذعين في الجسم والفراهة وجودة النفس في البعير والفرس
وهذا شئ لا يحاط به، وكذلك القول في العبيد والإماء لأنهم يتفاوتون
في الأجسام والقدر والحسن (8) والعقل والجزارة (9) فلتفاوت الحيوان لم
يجز السلم فيه، وكان عندنا فاسدا مكروها باطلا.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا يجوز أن يسلم المسلم
ما يكال فيما يكال ولا ما يوزن فيما يوزن إلا أن يكون ذهبا، ويجوز له أن
يسلم ما يكال فيما يوزن وما يوزن فيما يكال، وان اختلف أجناس

(8) في نسخة: والجنس والعقل الخ..
(9) الجزارة بضم الجيم وفتح الزاي ثم ألف فراء ثم هاء: اليدان والرجلان والعنق وهو
الرأس، وسميت بذلك لان الجزار يأخذه فهو جزارته، كما يقال العامل يأخذ
عمالته، والحزارة بالحاء المهملة والزاي قوة الأعضاء.
84

ما يكال، ولا يجوز أن يسلم الشعير في الأرز والذرة في الباقلاء لان
الأصل كله كيل، وكذلك لا يجوز أن يسلم السكر في القباط لان الأصل
كله وزن، وإنما كرهنا ذلك لان السلم نسأ إلى أجل فلا يجوز أن يشترى
بما يكال ما يكال، وان اختلفت أصنافه واحدا بواحد ولا اثنين بواحد إلا
يدا بيد فلما لم يجز أن يكون مكوكا شعير بمكوك حنطة إلا يدا بيد، لم
يجز نسبيا لأنه كيل، وكل كيل لا يجوز أن يسلم بعضه في بعض لان
السلم نسأ؟، وكذلك الحجة في الوزن. قال: ولا بأس ان يسلم ما لا
يكال ولا يوزن إذا اختلفت أجناسه بعضه ببعض ولا بأس أن يسلم ثياب
الوشي في ثياب الخز وثياب الخز في ثياب الوشي، وثياب القوهي في
ثياب الديبقي، وثياب الديبقي في ثياب القوهي، وإنما أجزنا أن يسلم
ما لا يوزن ولا يكال بعضه في بعض إذا اختلفت أجناس المسلم،
والمسلم فيه، لأنه يجوز أن يشترى بالثوب ثوبان من جنس آخر سوى
جنسه نسيا، وإنما جاز أن يشترى واحد من جنس باثنين من جنس آخر
نسيا، مما لا يكال ولا يوزن، ولم يجز أن يشترى بواحد من جنس مما
يكال أو يوزن اثنان من جنس سوى جنس الواحد، مما يكال أيضا أو
يوزن نسيا، لان ما لا يكال ولا يوزن لا يدخل فيه الاختلاط والالتباس
حتى لا يعرف هذا من هذا فجاز الانساء فيه لأنه مستدرك بعينه، يستدركه
صاحبه من مال غريمه إن أفلس وكان هذا اما بعينه أو دخل بينهما
داخل يفسد مبايعتهما، استدرك صاحب ذلك الثوب ثوبه، وإن كان قد خلطه
في ثياب فقد يمكن أن يعرف برقعته أو بعلامة تجعل في جانبه، ولم يجز
الانساء فيما يكال أو يوزن لأنه لو دخل عليهما في مبايعتهما فساد وقد
خلطه بمثله مما يكال أو يوزن لم يستدركه بعينه ولم يعرفه وكان مستهلكا
يجب له عليه فيه القيمة والقيمة دراهم والدراهم خلاف ما أسلم فيه من شيه
وما أسلم فيه من شئ غيره فلهذا المعنى وقع الفرق بينهما.
85

باب القول فيمن أسلم سلما فاسدا
واستهلك المسلم إليه ما أسلم إليه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن أسلم رجل إلى رجل
لأجل دراهم أو دنانير سلما فاسدا ثم علما بفساده فأراد المسلم أن يرتد
سلمه، فوجد صاحبه قد استهلكه أخذ منه مثل نقده ووزنه، وكذلك إن
كان أسلم شيئا مما يكال أو يوزن أخذ مثل كيله ووزنه من صنف الذي
أسلم إليه، وإن كان المسلم عرضا من العروض أخذ قيمته ولم يأخذ
مثله لان المثل في العروض يتفاوت، ولا يكاد يأتلف ولا يستوي والقيمة
فيه أقرب إلى الحق وأوثق، فإن كان المسلم حيوانا، فاستهلك كانت فيه
القيمة أيضا، ولم يجز أن يأخذ به مثلا لان المثل من ذلك لا يوجد، ولابد
أن يتفاوت في بعض الصفات المحمودات أو المذمومات من جسم أو
غيره، فإن اختلفا في القيمة فادعى صاحب السلم أن عرضه كان يسوى
شيئا وزعم المسلم إليه أنه يسوي دون ذلك فالبينة على صاحب السلم،
لأنه يدعي الفضل فإن لم يأت ببينة استحلف له المسلم إليه، وكان
القول قوله مع يمينه فإن نكل عن اليمين لزمه ما ادعى عليه صاحبه.
قال: ولا يحل للمسلم إليه أن يستهلك السلم، إن علم أن سلمهما كان
فاسدا، قال فإن قال رب السلم لا أدري ما كان يسوى عرضي، وقال:
المسلم إليه لا أدري ما كان يسوى نعم نعته ووصفت صفته لمن يبصر
قيمته ويعرف ثمن مثله، ثم قومه قيمة يجتهد فيها لطلب الحق، ثم
يحكم بذلك بينهما، ولا ينظر إلى قيمة ما أسلم فيه كائنا ما كان، لان
القيمة إنما تكون قيمة ما دفع صاحب السلم إلى المسلم إليه لأنه يجب
على المسلم إليه رد ذلك الذي دفع إليه، ويجب على صاحبه أخذه من
يديه فإذا كان ذلك قد استهلك وجب على مستهلكه رد قيمته دون قيمة
86

غيره لان غيره لم يملكه صاحب السلم لفساد سلمه، ولو ملكه أيضا
بصحة من السلم ثم لم يقدر المسلم إليه عليه لعلة مانعة، أو لسبب لم
يكن للمسلم إلا ما أسلم فيه، أو رأس ماله الذي دفع إليه أو قيمة ما دفع
إن كان عرضا دون قيمة ذلك الذي أسلم فيه، لأنه لو أخذ قيمة ما أسلم
فيه كان ذلك فاسدا بزيادة قيمة ذلك، أو نقصانها عما دفع إليه، وإذا
وقعت الزيادة في مثل ذلك حرم، لأنه ربما أسلم عشرة دنانير في عشرة
أقفزة حنطة فيأتي الأجل فيعوق المسلم إليه عائق عن دفع ما أسلم إليه
فيه، ولا يطبق ذلك مع ذلك العايق، فيقول رب السلم رد إلى سلمي
فيجب عليه أن يرد إليه عشرة دنانير مثل دنانيره، ولا يدفع إليه قيمة تلك
العشرة أقفزة في ذلك الوقت لان قيمتها في ذلك الوقت إن كانت تزيد
على العشرة دنانير فلا تحل له وقد ارتجع الدنانير فلا يحل له أن يأخذ معها الزيادة
لأنه لا يجوز له أن يسلف عشرة دنانير نقدا ويأخذ أحد عشر أو اثني عشر
نقدا لان هذا لأبي، لان الذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد والفضة
بالفضة مثلا بمثل يدا بيد، وكذلك لو كانت قيمة ذلك الشئ في ذلك
الوقت ثمانية دنانير، لم يجز له أن يرد إليه ثمانية دنانير، وقد أخذ منه
عشرة فلذلك قلنا إنه لا ينظر إلى قيمة ذلك الشئ الذي أسلم فيه، وأنه
ليس للمسلم الا ما أسلم فيه بعينه أو ارتجاع رأس ماله، وحال العروض
إذا أسلمت في شئ كحال النقد في هذا الموضع، وهذا المعنى ليس
له الا هي إن كانت قائمة بأعيانها أو قيمتها يوم دفعت إلى المسلم إليه.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا بأس أن يسلم الرجل
في الصوف والقطن والكتان والعشر والوبر بصفة معروفة بوزن معروف
إلى أجل معروف ولا يشرط صوف ضان بأعيانها، ولا شعر غنم بأعيانها
ولا وبر إبل بأعيانها، ولا كتان أرض بعينها ولا كرسف مزرعة بعينها، فإن
اشترط في ذلك كله شيئا من شئ بعينه بطل السلم فيه وارتد سلمه.
87

باب القول في السلم فيما يتفاوت قدره في ذاته ومقداره في
نفسه مثل الرمان والأترج والسفرجل والناهمروذ والكمثرى
والبطيخ والقثاء والموز والبيض بيض النعام وبيض الدجاج
والرانج وما أشبه ذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أحسن ما أرى في مثل
هذا لمن أراد أن يسلم في شئ منه أن يجرب هو والمسلم إليه من ذلك
شيئا بالميزان حتى يستدلا على مقدار ما يتبايعان منه، فإذا جربا ذلك
بالميزان وفهماه ووقفا على ما يريدان التبايع فيه منه، أسلم المسلم إلى
صاحبه من بعد التجربة ما أراد أن يسلمه فيما أراد من ذلك بوزن معروف
إلى أجل معروف وبصفة معروفة وجنس معروف، ولا يسلم في فاكهة
مزرعة واحدة محدودة معروفة ولا في بيض دجاج معروف، فإذا أسلم في
وزن معروف من بعد تجربتهما جميعا لوزن ذلك الصنف الذي تبايعا
به، فالسلم صحيح، وهذا أحسن ما أرى وأقول به في السلم فيما يتفاوت
أن يرد إلى الوزن من بعد التجربة لما يجري من تجربة المسلم والمسلم
إليه، ولا أرى ان سلم فيما كان كذلك عددا لان موزة تقوم مقام موزتين،
وأترجة تقوم مقام أترجتين، ورمانة تقوم مقام رمانتين، وبطيخة تقوم مقام
بطيختين، ومن أسلم فيه عددا كان قد باع واشترى غررا (10)، ولا يجوز
بيع الغرر بين المسلمين، وإذا رد ذلك كله إلى الوزن من بعد التجربة
من المتبايعين له لم يدخله غرر ولا فساد وثبت فيه العدل والحق
والسداد. قال: فاما ما يوزن أو يكال من الفواكه مثل الرطب والعنب
والتفاح والا جاص والتين واللوز، والمشمش فلا بأس بالسلم فيه كيلا أو

(10) في نسخة: وبيع الغرر لا يجوز عند المسلمين.
88

وزنا ولا سلم في ذلك الا قبل ظهوره في شجرة أو قبل بلوغه وقت بيعه،
والتقدم في ذلك أحب إلي، فاما الحطب والقصب فلا يجوز السلم فيه
احمالا ولا حزما معدودة لان ذلك يتفاوت، فإذا أراد مسلم أن يسلم في
شئ من ذلك، أو ما أشبهه، وخرج في المخرج مخرجه فليسلم فيه وزنا
معروفا في صفة معروفة إلى أجل معروف، ولا يسلم في حطب شجر
معدود ولا قصب أجمة معروفة محدودة.
باب القول في السلم في اللحم
والرؤوس والشواء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا أرى السلم يجوز في
شئ من ذلك الا أن يسلم المسلم في لحم منقى، فإن أعطاه البائع
لحما أسمن مما ذكر له فذلك فضل من المسلم إليه، وان أعطاه البائع
لحما فيه النقي كان حقه، وان أعطاه دون ذلك فله أن يرده عليه ولا يأخذ
الا ما شرط عليه، وكذلك يكون شرطه في الشواء يقول لحما مشويا من
شاة منقية، وإنما أجزناه لمن شرط لحما منقيا لان النقاء حد معروف ليس
دونه الا الهزيل، والهزيل فلا يعبأ به ولم يجز السلم في اللحم مرسلا
لأنه إذا أرسله فقال في لحم ولم يصف اللحم فقد نقص بترك الصفة
بعض شروط السلم لأنه يحتاج إلى أن يقول في لحم غنم من صفته كذا
وكذا كما يقول إذا أسلم في تمر برني من صفته كذا وكذا أو في حنطة
من صفتها كذا وكذا، وقال في ثوب خز من صفته كذا وكذا فيأتي بصفة
ما أسلم فيه بعينه ومتى لم يصفه بصفة تبينه من غيره مما هو دونه أو فوقه
نقصت شروط السلم، وكان السلم ينقصان شروطه فاسدا، ولا يجوز أن
يوصف صفة الا صفة تدرك بحد محدود ومعنى ثابت موجود فلذلك كرهنا
89

السلم في اللحم الا أن يوصف بالنقاء فقط، لأنه لا يخلو من لم يسلم
في المنقي من اللحم ويشترطه من أن يسلم في لحم مرسل غير موصوف
فينقص (11) شروط السلم فيكون فاسدا.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا يجوز عندي أن
يسلم في شئ من الحيوان ولا بأس أن يسلم الحيوان في غيره من
الأشياء التي يستدرك تفاوتها من الكيل والوزن فيسلم جملا أو فرسا أو
عبدا أو غير ذلك من الحيوان في طعام أو ثياب أو غير ذلك مما أراد
السلم فيه. (حجة في صحة السلم عن رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يهوديا أتاه فقال له يا محمد إن شئت
أسلمت إليك وزنا معلوما في كيل معلوم إلى أجل معلوم في تمر معلوم
من حائط معلوم فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا
يا يهودي ولكن إن شئت فأسلم وزنا معلوما إلى أجل معلوم في تمر معلوم
وكيل معلوم، ولا أسمي لك حائطا، فقال اليهودي نعم فأسلم إليه، فلما
كان آخر الأجل جاء اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم يتقاضاه فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
يا يهودي إن لنا بقية يومنا هذا، فقال: إنكم معشر بني عبد المطلب قوم
مطل، فأغلظ له عمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم: انطلق معه إلى موضع كذا وكذا فأوفه حقه، وزده كذا وكذا للذي
قلت له قال: ومن أراد أن يسلم في لبن فليسلم في لبن معروف بجنسه
منسوب إلى ما يحلب منه، وإن أسلم في لبن إبل ذكر ذلك ووصفه فقال

(11) في نسخة: فتنقص شروط السلم.
90

لبن إبل حليبا أو لبنا قارصا بكيل معروف إلى أجل معروف يدفعه إليه
ببلد معروف كل يوم كذا وكذا، إن كان سلمه فيه لأيام متتابعات، وإن
كان أسلم فيه جملة شرط كيله وصفته وضرب له أجله، ولا يسلم في لبن
نوق معروفة فيسميها بأعيانها ولكن يسلم إليه في لبن إبل موصوف، ولا
يذكر إبلا بعينها يأتيه به صاحبه المسلم إليه فيه من حيث شاء ويسقيه
إياه من حيث يتهيأ من إبله أو إبل غيره، وكذلك إن أسلم في لبن بقر
وجب عليه أن يفعل فيه كما فعل في الإبل، وكذلك إن أسلم في لبن
غنم فليصف اللبن على أي حالة يريده، مخيضا أم رائبا أم حليبا،
ويثبت شروط السلم كلها عندما يسلم إلى صاحبه قبل أن يفترقا، فإن
ترك شيئا من شروط السلم أو صفته م صفات اللبن حتى يفترقا فالسلم
فاسد بينهما، وإن ذكرا ما نسيا من ذلك قبل افتراقهما فليذكراه وسلمهما
تام، وكذلك يجب على من أسلم في زيت أو خل أو سمن أن يصف
الزيت فيقول زيتا سوريا أو زيتا فلسطينيا، أو زيتا مغربيا، أو زيتا شرقيا،
مغسولا أو غير مغسول وكذلك يقول في الخل خل حمر أو خل تمر حاذقا
جيدا و يثبتان له صفة يعرفانها ويتفقان عليها، وكذلك في السمن يصفان
له صفة يعرفانها سمن بقر أو سمن غنم نضيجا جيدا وسمون الأغنام كلها
ضأنها ومعزها واحد أي ذلك أدى السلم إليه إلى السلم أجزاه ذلك
الا أن يشترط عليه سمن معز، أو سمن ضان، فيكون له ما اشترط، وإن
لم يبينا في وقت سلمهما أي سمون الغنم لا يفسد ذلك سلمهما لان
الضان والمعز كلها غنم، وأحب الينا أن يبين أي الأغنام يسلم في
سمنه، وكذلك القول عندنا في اللبن وان أسلم إليه في شئ بعينه، ثم
اصطلحا على غيره عند بلوغ الأجل لم يجز ذلك لهما ولم يكن بد أن
يأتيا بما افترقا عليه من سلمهما، ولا تجيز لمن أسلم شيئا في شئ أن
يأخذ من جنس ذلك الشئ ما هو دون ما وصف منه، ويرتجع معه نقدا،
91

وإن قل، فإما (12) ان يسلم في صفة من جنس مثل التمر يسلم فر صفة
منه فيعطيه المسلم إليه تمرا أردا من صفته فهو في ذلك بالخيار ان شاء
أخذه، وان شاء لم يأخذ الا صفته.
باب القول فيما لا يجوز إليه السلم
من الأوقات والأيام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز أن يسلم رجل إلى رجل
إلى قدوم غائب، ولا إلى خروج حاضر، ولا إلى برء مريض، ولا إلى
مشئ صغير أو كلامه ولا إلى احتلام صبي وبلوغه، ولا إلى موت حي،
لان هذا كله أوقات متفاوتة لا يعرف إبانها ولا يوقف على يومها، وكل سلم
لا يوقف على وقته بعينه ويعرف بيوم من الأيام أو شهر من الشهور أو سنة
من السنين فهو باطل لا يجوز، وكذا لو أسلم مسلم إلى سنن معروفة
لوجب عليه أن يسمي شهرا منها يقتضي فيه سلمه، وأحب الينا ان يسمي
في ذلك الشهر يوما معروفا يوم عاشر أو يوم خمسة عشر أو يوم عشرين
أو يوما معروفا، ولا يجوز أن يسلم إلى مجاز الحاج ولا إلى مجاز أولهم،
ولا إلى مجاز آخرهم وكذلك، لا يجوز أن يسلم إلى رجوعهم ولا إلى
خروجهم، لان هذا وقت لا يوقف عليه ربما تأخر وربما تعجل فإن أسلم
إلى وقت من هذه الأوقات التي ذكرنا، أو إلى غيرهما مما لا يوقف على
يومه بعينه فسلمه فاسد باطل مردود على صاحبه، فإن أسلم إلى وقت
معروف، ويوم مفهوم فسلمه جائز صحيح ثابت.

(12) في نسخة: فأما أن أسلم في صفة.
92

باب القول فيما يجوز السلم إليه
من الأوقات والأيام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أراد المسلم أن
يسلم فليسلم إلى أجل مفهوم ان أراد أن يسلم إلى سنة من السنين قال
يعطيني سلمي هذا في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا، فإذا فعل ذلك
فسلمه واجب في ذلك الشهر، ويستحب له أن يقول قد أسلمت إليك
كذا وكذا في كذا وكذا، إلى يوم كذا وكذا من شهر كذا
وكذا، من سنة كذا وكذا، فهو أوثق السلم وأحسنه لمن أسلم إلى سنة
معروفة من السنين، ومن أسلم إلى شهر من السنة، قال إلى يوم كذا
وكذا من شهر كذا وكذا يحتاط في ذل لمحل المسلم إليه، ولا يجوز
له إن أسلم في تمر أن يقول إلى الجذاذ، وان أسلم في زرع أن يقول
إلى الحصاد، لأن هذه الأوقات قد تقدم أو تتأخر، ولها أول ووسط وآخر
وكل ذلك متفاوت، ولكن إذا أراد المسلم أن يسلم في ذلك سلما
صحيحا فليتحر هو وصاحبه وقتا فيه فسحة للمسلم إليه يعلمان أن ذلك
الوقت وقت يمكن المسلم إليه أداء سلمه فيه، فيضر باله أجلا يحتاطان
لأنفسهما، فيه فيقول المسلم إلى يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا لشهر يعلم أن يستوي يبس
التمر فيه، أو يبس الزرع، ولا بأس أن يسلم المسلم إلى الفطر أو إلى
الأضحى، أو إلى يوم عرفة أو إلى يوم التروية أو إلى يوم النفر الكبير، أو
إلى يوم النفر الصغير، أو إلى رأس الشهر، أو إلى رأس السنة ومن أسلم
إلى رأس الهلال وجب سلمه في تلك الليلة إلى طلوع الشمس، ومن
أسلم إلى رأس السنة وجب سلمه من رؤية هلال المحرم، إلى طلوع
الشمس من أول يوم من المحرم، ولا يضيق عليهما أن يتقابضا السلم في
نهار أول يوم من المحرم، وكذلك في أول يوم من الشهر الداخل لمن
93

أسلم إلى رأس الشهر، فاما يوم عرفة ويوم التروية، ويوم النفر، ويوم
الفطر، ويوم الأضحى فان اليوم كله من أجلهما، وسواء تقابضا في أوله
أو في آخره، إلا أن يكونا جعلا أجلهما في أول وقت من ذلك اليوم، أو في
وسطه، أو في آخره، فيكون لهما ما وقتا من ذلك الوقت أجلا مؤقتا. وإن
أسلم في لحم موصوف بالسمن، فلا يقل لحما سمينا فيتفاوت السمن
أو تختلف الصفة، ولا يكون في السلم صفة متفاوتة، وإذا تفاوتت صفة
السلم بطل، وإنما تفاوتت الصفة في السمن، لان لا يوقف من السمن
على حد بعينه، لان كل سمين دونه من السمن ما هو أقل سمنا منه، وفوقه
في السمن ما هو أسمن منه، فلذلك قلنا: إن السمن لا يؤتى منه على
صفة محدودة، ألا ترى أن صاحب اللحم لو دفع إلى صاحب السلم
لحما قليل السمن وهو مما يدعى سمينا فقال صاحب السلم أنا لم أسلم
في هذا وإنما أسلمت في لحم أسمن من هذا لم يكن لسلمهما ولا
لصفتهما حد يحكم به عليهما، وكذلك لو قال المسلم إليه لصاحب
السلم، وعنده لحمان لحم سمين فاخر ولحم سمين متوسط أنا
لا أعطيك الا من هذا المتوسط، وقال الآخر أنا لا آخذ الا من هذا اللحم
الفاضل فقال المسلم إليه أنت إنما أسلمت إلي في لحم سمين وهذا
لحم سمين فخذ منه فأبى المسلم وترافعا إلى الحاكم فقصا عليه
قصتهما لم يكن لسلمهما حد شرطا يحملهما عليه الحاكم، فلذلك
أبطلنا السلم في اللحم إلا فيما له حد يعرف به، إن زيد عليه أو نقص
عرفت زيادته ونقصانه مثل ما ذكرنا من اشتراط النقاء والشواء كذلك،
والقول فيه عندنا فعلى ذلك، وكذلك الرؤوس فلا يجوز السلم فيها الا
أن يشترط رؤوسا منقية، ويكون السلم فيها بالميزان من بعد التعيين لها،
كما يفعل في الفواكه المتفاوتة لأنها تتفاوت تفاوتا كبيرا في الصغر
والكبر، ويزيد وينقص لحمها فلتفاوتها وشدة اختلافها كرهنا السلم فيها
94

إلا على وزن معروف لان الوزن لا يدخله التفاوت ولا الاختلاف، فإن
قال قائل إذا كبر الرأس ثقل عظمه، قيل له وكذلك أيضا إذا كبر كثر
لحمه كما أنمه إذا صغر عظمه قل بصغره لحمه، فصاحبه يستدرك مع كبر
عظمه كثرة لحمه لان اللحم على قدر العظم إذا كبر العظم كثر اللحم
وإذا صغر العظم قل اللحم، والوزن يخرج ذلك على أعدل المخارج،
ولا يقع فيه اختلاف ولا تفاوت، فيوزن كما يوزن اللحم المشوي.
باب القول في السلم في الثياب والأكسية والفرش
وغير ذلك مما كان من هذا الصنف
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس في السلم في
ذلك كله، وينبغي للمسلم في ذلك أن يصف ما أسلم فيه من ذلك
بجنسه وصفته ولونه ورقعته وذرع طوله وعرضه إلى أجل معلوم مسلما إلى
صاحبه في بلد مفهوم، وكذلك أن أسلم في ثوب قطن، قال اشتري
منك ثوبا بغداديا أو كوفيا، أو مرويا، أو بلخيا، أو طبريا أو قوهيا، أو غير
ذلك من أصناف ثياب القطن، رفعته كذا وكذا، ويصف دقة خيطه
وغلظه وطول ذرعه كذا وكذا وعرضه هكذا وكذا، وكذلك إن أسلم في
ثياب كتان فذكر ثوبا شظويا أو ثوبا دبيقيا، أو ثوبا قصبيا، أو ثوبا
معافريا، أو أي أصناف الكتان كان فليصفه بصفته، وليذكره بجنسه،
وليوقف صاحبه على طوله وعرضه، وكذلك في الأكسية يصف أجناسها
وألوانها وطولها وعرضها، وكذلك في الفرش يصف جنسه ورقمه ورقاعه،
وألوانه وطول كل قطعة منه وعرضها طبريا كان أو أرمينيا، أو ميسانيا أو
سوسيا أو سنجرديا أو برنويا أو غير ذلك من الفرش وكذلك ان أسلم في
ثياب خز فليصف الخز وليصف ما يريد منه، وملا أسلم فيه بصفة يفهمها
هو وصاحبه ويصف طوله وعرضه ورقمه، وكذلك إن أسلم في ثياب وشي ء
95

فليصفها بصفات يفهمها هو وصاحبه ويقفان على حدودها ويحيطان
بها ثم ليصف طول كل ثوب منها وعرضه ورقعته ونقشه بصفات
مفهومات وعلامات محدودات معلومات ويصف جنسها فيقول من وشي
الكوفة أو من وشي صنعاء أو خز الكوفة إن كان خزا، أو خز السوس ولا
يشرط من وشي ذلك البلد عمل عامل بعينه ولا عاملين بأعيانهما ولا بأس
بأسمائهم، وكذلك في الخز لا يشترط عمل عامل بعنيه ولا عاملين
بأعيانهما ولا بأس بأسمائهم، وله أن يذكر البلد بعينه إذا لم يذكر عمل
عامل بعينه من عماله باسمه وكذلك يجوز له في كل ما أسلم فيه من الطعام أو
غيره فله ان يشرط تمر بلد بعينه، ولا يشترط تمر حائط من حوائط ذلك
البلد بعينه، وله أن يسلم في تمر صيحاني مدني وفي تمر برني فرعي ولا
يخصص من هذه البلاد حائطا فيسلم في تمره خصوصية دون غيره من
حوائط ذلك البلد.
باب القول فيمن أسلم سلما في شئ
إلى أجل ثم سأله المسلم إليه أن يأخذ بعض
سلمه طعاما ويرتد باقيه نقدا.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا أسلم إلى
رجل خمسين دينارا في مائة قفيز طعاما سلما صحيحا، فلما أن حل
الأجل قال له المسلم إليه خذ مني نصف سلمك خمسين قفيزا، وارتجع
مني خمسة وعشرين دينارا، فأجابه صاحب السلم إلى ذلك كان ذلك
جائزا لهما في قولنا، لأنه قد يجوز له أن يهب له بعض ما عليه من سلمه،
وما جاز لصاحبه أن يهبه جاز له أن يقيله، وقد كره ذلك غيرنا ولسنا نكرهه
بل نراه حسنا جايزا.
96

باب القول فيمن أسلم سلما صحيحا إلى أجل فقال له
المسلم إليه أو السلم عجلني أو تعجل مني أو انقضني أو
أخرني وأزيدك أو قال له المسلم أؤخرك وتزيدني
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أسلم رجل إلى رجل
سلما صحيحا إلى أجل معروف فقال المسلم للمسلم إليه عجلني مالي
قلبك، على صفتي التي وصفت لك وأضح عنك من مالي قبلك شيئا
مسمى، فأجابه المسلم إليه إلى ما سأله فعجله حقه على صفته التي
وصفت له ونقصه شيئا مما كان عليه له كان ذلك جائزا لهما لا نرى بذلك
بأسا، وكذلك لو قال المسلم إليه للمسلم أنقصني من مالك قبلي
وأجلك حقك الذي لك على الصفة التي وصفت لك فأجابه إلى ذلك
المسلم فوضع عنه وقبض حقه فلا بأس بذلك لهما إذا أعطاه ذلك السلم
على الصفة التي وصفها له طعاما عاميا أو حصادا، أي الصنفين كان وقع
عليهما السلام فلا يجوز أن يعطيه من غيرهما، فإن أعطاه منها ووضع عنه
من سلمه وعجله حقه قبل أجله فلا بأس بذلك لان الربى إنما هو في
قول الغريم أخرني وأزيدك، وليس الربى في قوله أنقصني وأعجلك.
كذلك بلغنا عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه كأن يقول: الربا في
النساء، وكأن يقول: ليس الربا عجلني وأنقصك، وإنما الربى أخرني
وأزيدك.
وقال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو قال المسلم إليه
للمسلم عند حلول الأجل أخرني سلمك وأزيدك فيه لم يجز ذلك لهما
وكان حراما عليهما، وكذلك لو قال المسلم للمسلم إليه عند حلول الأجل
أؤخرك من بعد الأجل وتزيدني كان ذلك أيضا حراما لا يجوز لهما
ولا يسعهما في دينهما لان هذا الربى عين الربى.
97

باب القول في طرح السلم والمسلم
إليه كل واحد منهما عن صاحبه بعض ماله قبله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا أسلم إلى
رجل عشرين دينارا في مائة فرق تمرا أو حنطة سلما صحيحا ثم طرح
المسلم إليه عن صاحب السلم من العشرين دينارا شيئا قبل أن يقبضها
أو بعد أن قبضها كان ذلك جائزا لا بأس به، وكذلك لو طرح رب السلم
عن المسلم إليه من المائة فرق التي له قبله شيئا بعد أن قبضها منه أو
قبل أن يقبضها كان ذلك جائزا لهما غى فاسد عليهما، لأنه بر من
أحدهما لصاحبه وإحسان إليه ومسامحة فر البيع والشراء، والقضاء
والاقتضاء وقد أمر الله عز وجل بالاحسان والفضل فقال: * (وأحسن كما
أحسن الله إليك) * (13) وقال: * (ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما
تعملون بصير) * (14) وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن
الله سبحانه يحب العبد سهل البيع سهل الشراء سهل القضاء سهل
الاقتضاء. وقد قال غيرنا إن ذلك لا يجوز لهما من بعد أن يتقابضا، وهو
جايز لهما قبل أن يتقابضا، وليس بين ذلك عندنا فرق وهو واحد عندنا
في المعنى بل نحن نرى أنه من بعد التقابض أجوز، وأسوغ للطارح
والمطروح عنه، لأنه حينئذ قد صار في ملكه وحازه وجاز له بيعه وهبته
ممن شاء ولمن شاء، ولا بأس بذلك عندنا إن لم يكن ذلك منهما على
معنى يدخل عليهما به الربى من التدليس والتحيل في ذلك.

(13) القصص 77.
(14) البقرة 235.
98

باب (15) القول في رجل أسلم
إلى رجل صنفين في صنف واحد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يسلم الرجل
دنانير وثيابا في كيل معروف من طعام، ولا بأس أن يسلم إبلا وبقرا وغنما
ورقيقا في كيل معروف من طعام معروف إلى أجل معروف سلما صحيحا، ولا
بأس أن يسلم الرجل الحنطة والشعير في الثياب، إذا أسلم من ذلك كيلا
معروفا في جنس معروف من الثياب، ورقعة معروفة وذرع معلوم وعرض
مفهوم. قال: ولا بأس أن يسلم الرجل فرسا في كيل من طعام معروف أو
صنف من ثياب معلوم أو وزن مما يوزن من زيت أو سمن أو سكر أو قند
مفهوم. قال: ولا بأس أن يسلم القند والسكر في الحنطة والشعير،
ولا بأس أن يسلم اللوز في السكر ولا يسلم اللوز في البر ولا الأرز ولا في
شئ مما يكال، لان أصل اللوز الكيل، ولا يسلم شئ مما يكال فيما
يكال لما قد احتججنا به أولا في ذلك، وكذلك لا يسلم العنب في القند
ولا في السكر ولا يسلمان فيه لان أصل ذلك كله الوزن.
باب القول في من أسلم إلى رجل
دينا له عليه، أو وديعة له عنده
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا كان له على
رجل دين عشرون دينارا، وأراد أن يسلمها إليه في طعام لم يجز ذلك
لهما لان هذا من الكالي بالكالي، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم عن ذلك وهو الدين بالدين. قال: ولا أجيز لمن كانت له

(15) في نسخة: باب القول في الرجل يسلم صنفين في صنف واحد.
99

عشرون دينارا عند انسان وديعة أن يسلمها إليه في طعام قبل أن يقبضها
منه، وإنما كرهنا ذلك لان صاحب الوديعة لو جحدها لم يكن لها ضامنا
وما لم يضمن من الودايع لا يجوز سلمه حتى يقبض، فإذا قبضها صاحبها
وصارت إليه جاز له أن يسلمها وقد قال غيرنا إن اسلامه إياها قبل قبضها
منه جايز له، ولسنا نرى ذلك ولا نقول به لما قد ذكرنا فيه من الحجة.
قال وكذلك لو أن لرجل على رجل عشرة دنانير ودفع إليه عشرة أخرى
وزنا وقال له هذه العشرة مع تلك العشرة التي لي عليك سلم في طعام
صح له من سلمه نصفه بحصة العشرة التي نقده إياها وبطل منه بحصته
من الدين، وكذلك لو كانت له عنده وديعة عشرون دينارا ونقده عشرين
أخرى، وقال هذه العشرون مع العشرين التي عندك سلم في طعام
لرأيت أنه يصح له من السلم بالعشرين التي نقدها ويبطل من لمه ما كان
بحصة العشرين من الوديعة لما قد احتججنا به فيه أولا.
باب القول فيمن أشرك رجلا في سلم قد أوقف
صاحبه على سعره وقاطعه على مبلغه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا أسلم إلى
رجل عشرين دينارا في أربعين قفيزا فأتاه رجل فقال له أشركني في
سلمك الذي أسلمت إلى فلان واتزن مني نصف ما أسلمت إليه فأجابه
إلى ذلك وقال قد أشركتك فيه كان ذلك باطلا فاسدا لا يجوز له لأنه
أشركه في شئ لم يجزه، ولم يصر إليه ولم يقبضه، والشركة فإنما تكون
فيما قد حيز من البيوع وعوين فاما فيما لم يجز فإنما المشرك لغيره فيه
بايع، ولا يجوز بيع ما لم يحز ويقبض وإذا أسلم رجل إلى رجل ثم أشرك
في السلم غيره كان هو مسلما إلى الذي أسلم إليه وكان بايعا من هذا
الذي زعم أنه مشركه، ولا يجوز أن يبيع ما لم يقبضه ويستوفه وكذلك لو
100

كان المسلم قاول المسلم إليه في ذلك السلم من الطعام وقاطعه عليه
ولم يدفع إليه النقد بعد، ثم قال له يا هذا أشركني فأشركه كان ذلك أيضا
باطلا، والامر فيه واحد نقد أو لم ينقد، إذا قاطعه عليه وأوقفه على سعر
معروف، وكذلك لو قال رجل للمسلم إليه أشركني فيما أسلم إليك فيه
فلان، واتزن مني نصف ما وزن لك نقدا أنقدك إياه الساعة، وأردد
عليه نصف ما نقده فقال قد أشركتك كان ذلك باطلا أيضا، لأنه أشركه
في بيع ما قد باعه غيره، وما باعه فالمشتري أولى به منه قال وأن قبض
رب السلم سلمه واستوفاه من صاحبه، ثم قال له رجل أشركني فيما
أسلمت من سلمك فأشركه من بعد ما قبضه جاز ذلك، وعليه نصف
ما أسلمه المسلم في ذلك الطعام وكذلك لو قال رجل للمسلم إليه
أدخلني في سلمك وخذ مني نصف ما يلزمك من الطعام وأعطني نصف
ما أخذت من أسلم، فأجابه إلى ذلك كان ذلك جائزا بينهما ولهما.
باب القول في المسلم والمسلم إليه
إذا اختلفا في القول والدعوى
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا اختلف المسلم
والمسلم إليه فقال المسلم إليه أسلمت إلي في تمر، وقال المسلم
أسلمت إليك في حنطة أو قال أحدهما أسلمت إليك في عشرة أقفزة
وقال الآخر أسلمت إلي في خمسة أقفزة، أو اختلفا في الموضع الذي
يقبض المسلم فيه استحلفا، فإن حلف كل واحد منهما على دعوه بطل
السلم بينهما، وكذلك إلا لم يكن للمعدي بينة وهو رب السلم، فإن كانت
له بينة على دعواه قضي له بها، وإن هما حلفا أو أقاما كلاهما بينة بما
حلفا عليه كان القول قول المدعي وهو صاحب السلم مع بينته لان
المدعي أولى بالبينة لان البينة على المدعي، فإذا أقامها قضي له بها.
101

قال: فإن قال رب السلم أسلمت إليك سلما فاسدا على غير شريطة ولا
أجل، وقال المسلم إليه أسلمت إلي سلما صحيحا إلى أجل معلوم
وصفة معلومة، فالقول قول المسلم إليه مع بينته فإن لم تكن له بينه،
وأتي صاحب السلم ببينة على ما يدعي كان القول قوله مع بينته، وأن أتيا
كلاهما ببينة كانت البينة بينة المدعي المثبت للسلم المصحح له، وان
لم يكن لهما بينة فالقول قول من حلف منهما، فان حلفا كلاهما كان
القول قول المثبت للسلم وان حلف أحدهما ونكل الآخر قضي للحالف
على الناكل، وإن نكلا كلاهما بطل السلم بينهما، وارتجع المسلم
سلمه من المسلم إليه.
باب القول في الكفيل وأخذ الرهن في السلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يأخذ المسلم
من المسلم إليه كفيلا، أو رهنا فيما يسلمه إليه حتى يؤديه إليه على شروطه
وصفته وأجله ان لم يشهد عليه بذلك ولم يكتب فإن كتب عليه وأشهد
بذلك فلا يأخذ منه به كفيلا ولا رهنا، وما السلم الصحيح عندي إلا
كالسلف الصحيح المؤتمن عليه صاحبه وقد أمر الله عز وجل في ذلك
بأخذ الرهان المقبوضة ان لم يثق ولم يوجد الكاتب ولا الشهود لان
الكتاب بلا شهود لا ينفع والشهود بلا كتاب لا ينفع، فلا يكون الكتاب
إلا بالشهود، ولا يكون الشهود إلا بالكتاب، وذلك قول الله عز وجل:
* (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم
بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق الله ربه) * (16).

(16) البقرة 283.
102

باب القول فيمن استسلف شيئا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من استسلف دنانير أو
دراهم أو طعاما أو غير ذلك مما يكال أو يوزن فعليه أن يرد مثلما أخذ
سواء سواء الا أن يكون وقع بينهما في ذلك سهولة فيما بين أعيان النقود،
وأجناس الطعام، ومن استقرض شيئا ورد أكثر منه فلا بأس بذلك ما لم
يكن وقع في ذلك شرط، ولم يكن المسلف أسلف ما أسلف لطلب
الزيادة وقد استسلف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تمرا ثم
رد أكثر منه، ولا بأس بذلك على طريق التفضل إذا لم يكن بينهما في
ذلك دلسة ولا سبب ولا معنى، فاما استسلاف الحيوان فإنا نكرهه
لتفاضله، لأنهما لو اختلفا عند القضاء لم يحط بالحكم عليهما فيه إذ
لم يعلم قدر ما كان استسلف المستسلف في شحمه وزيادته ونقصانه.
103

كتاب الشفعة
105

بسم الله الرحمن الرحيم
[مبتدأ أبواب الشفعة]
باب القول في الشفعة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال جار الدار أحق بالدار، وبلغنا عن
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إذا بيعت الدار
فالجار أحق بها، إذا أقامت على ثمن ان شاء الا أن يطيب عنها نفسا.
باب القول فيما تجب به الشفعة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الشفعة تجب بأربعة
أشياء: بالشركة في الشئ الذي يباع، والشركة في المشرب، والشركة في
الطريق، والجوار اللاصق. قال: وللشفيع الذي تجب له الشفعة أن
يأخذ شفعته من المشتري الداخل عليه كان البيع حاضرا أو غائبا وينبغي
له أن يحضر البائع عند أخذه بالشفعة من المشتري احتياطا عليه،
ومخافة أن يدعي أن لم يبع الدار بعد اليوم. قال: والشفعة للكبير
والصغير والشاهد والغائب، وللرجل والمرأة، وكل ذي شفعة يطالب
شفعته كائنا من كان، وله أن يأخذ الشئ الذي يباع بشفعته كان في يد
البايع أو في يد المشتري، ويكتب الشراء والعهدة على من قبض الدار
منه، ويدفع إليه الثمن من صاحبها الأول، أو المشتري لها منه إن كان
106

قبضها منه قال: وإذا قبض صاحب الدار الثمن وقبض المشتري الدار
ثم أتاه صاحب الشفعة يطالب بشفعته أخذها من يد المشتري لها ودفع
إليه ما وزن من ثمنها وكتب العهدة عليه فيها دون صاحبها الذي باعها
أولا.
باب القول في تمييز ذوي الشفعة
الأولى بها فالأولى
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا بيعت أرض أو حائط
نخل أو دار فكان فيها شريك في أصلها، وشريك في طريقها، فالشفعة
للشريك في أصلها دون الشريك في طريقها وإذا بيعت أرض ولصاحبها
في الطريق شريك وفي المشرب شريك فان الشفعة للشريك في
المشرب دون الشريك في الطريق، وإذا كان في الطريق شريك
لصاحب هذه الأرض وكان لها جار فالشريك في الطريق أولى بالشفعة
من الجار، قال: والشريك في الأصل الأولى بالشفعة من الشريك في
المشرب ثم الشريك في الشرب أولى من الشريك في الطريق ثم
الشريك في الطريق ثم الجار. قال: والشريك في الطريق لا يكون إلا
جارا فهو أولى من الجار الذي ليس بشريك في الطريق.
باب القول في خيار صاحب الشفعة
وما يجوز له ومالا يجوز
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجوز للشفيع أن يأخذ
بشفعته الضيعة كلها إذا بيعت كلها، وكذلك يجوز له ان اشتراها رجلان
أو ثلاثة من صاحبها أن يستشفع عليهم كلهم إن شاء، أو يستشفع
نصيب اثنين ويترك الثالث له شريكا، وكذلك يجوز له أن يستشفع
107

نصيب واحد أيهما شاء، ويترك الاثنين له شريكين، ويجوز له أن يطلق
الشراء لمن شاء دون من لم يشأ، ويطلق له الشراء دون غيره، ويجوز له
أن يطالب بالشفعة إذا كبر أن كان صغيرا، ويجوز له أن يطالب بالشفعة
ويلحقها إذا كان غائبا، ولم يعلم ببيع تلك الأرض، حتى قدم أو أعلم
في سفره وأشهد على مطالبته بشفعته، ولا يجوز له إذا باع شريكه حقه
أن يقول للشريك أنا استشفع نصف هذا الحق وبع نصفه، أو بعضه
وبع بعضه لان في ذلك ضررا على البيع، لان بيعه جملة أثمن له،
وأوفر بحقه، فإن أراد شريكه أخذ الحق أخذه جملة، وان أراد سلم لمن
اشترى الشراء، ولا يجوز له الضرار لصاحبه ولا لغيره، لان رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار) ولا يجوز له أن
يبيع شفعته ولا أن ينتزعها من يد المشتري فيهبها لرجل آخر إذا لم يكن
هو المشتري لها ولا الطالب لها لنفسه.
باب القول فيمن اشترى حائطا أو دارا فاستهلك
بعضه أو زاد فيه ثم طالبه صاحب الشفعة بشفعته
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى دارا
بمائة دينار أو حائطا ثم استهلك منه أبوابا وخشبا وحديدا فباع منه
بخمسين دينارا ثم طالبه الشفيع بعد ذلك بالشفعة فقضي له بها، كان
الواجب عليه أن يدفع إلى الذي هي في يده خمسين دينارا ويحاسبه
بالخمسين التي باع بها منها، وكذلك لو اشترى نخلا مثمرا فباع ثمره
ببعض ثمنه ثم طالبه بالشفعة الشفيع كان الواجب عليه أن يحاصه بما
باع من ثمرها، ويسلم إليه باقي ثمنها. قال: ولو أنه اشتراها ولا ثمر فيها
فعمرها وسقاها ثم جاء وقت الثمرة فأثمرت فأستهلك ثمرها، ثم أتى من
بعد ذلك الشفيع فطالبه بالشفعة كان الواجب على الشفيع أن يسلم إليه
108

جميع ما أخرج فيها، ولا يحاصه بما استهلك من الثمرة، لأن الشراء وقع
عليها، ولا ثمرة فيها ثم أتى الله عز وجل بالثمرة، وهو مالك لها ضامن
لها، فكان ما حدث فيها من بعد بيعها منه، وقبل مطالبة الشفيع له بها
سايغا له بضمانه إياها، لأنه مشتر من مالك فهو على ملكه حتى يخرجه
منه مستحق له غيره، ألا ترى أنه لو حدث بالنخل حدث بتلفه لتلف من
مال المشتري ولم يرجع به على شفيع مستحق ولا بيع فلذلك أجزنا له
ما حدث فيها في ملكه لها، وضمانة لرقابها، فإن لحق الثمرة فيها الشفيع
فهو أولى بما في نخله إذا كان قائما بعينه، وعليه ما غرم الذي هي في يده
عليها قال: ولو أن رجلا اشترى من رجل دارا وهو لا يعلم أن لاحد فيها
شفعة فبنى فيها بناءا، وأحدث فيها عمرانا، ثم طولب بالشفعة لقدوم
الشفيع من غيبته أو خروجه من حال صغره إلى حال كبره لكان الحكم
في ذلك عندنا أن يقضى للشفيع بالدار، ويقضى للباني فيها بقيمة بنائه
يوم استحقت الدار بالشفعة من يده. قال: ولو أن رجلا اشترى دارا أو
شجرا فانهدمت الدار بمطر أو ريح، أو سبب لم يجنه الذي هي في يده
أو انقلع الشجر بريح أو سيل ثم طالب الشفيع كان مخيرا إن شاء أخذها
على ما هي عليه من الخراب ودفع إلى الذي هي في يده ما أخرج فيها
كاملا، وإن شاء تركها في يده وأعرض عن شفعته ليس له غير ذلك عندنا
لان المشتري لها لم يكن جنى شيئا من ذلك عليها.
باب القول فيمن باع ثم استقال وما يلزم للشفيع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا باع أرضا أو
نخلا أو غير ذلك من العقارات بيعا صحيحا فاشتراها منه المشتري
وملكها عليه فصارت له وفي يده ثم طالب المشتري صاحب الشفعة فيما
اشترى فاستقال صاحب الدار المشتري فأقاله وردها إليه، لم يكن ذلك
109

بجايز لهما، وكان الشفيع أولى بها بأخذها من يد المشتري، ولم يكن
له أن يقيل فيها صاحبها، لان الشفيع قد استحقها ساعة وقع عليها اسم
البيع وقبضها المشتري من البائع وصار أحق بها من الأول البائع لها
فليس للمشتري أن يقيل فيها ولا يبيعها لان القيلولة كالبيع سواء سواء في
الأصل والمعنى، وان جاز له أن يقيل فيها والشفيع قايم عليه فيها جاز له
أن يبيعها من صاحبها، أو غير صاحبها، وهذا لا يجوز وكذلك لو أن
صاحبه الأول باعها من رجل بثمن راضاه عليه، وأنفذ له البيع وافترق
البيعان على ذلك، ولم يكن المشتري وزن الثمن في ذلك الوقت، ثم
استقال فيها وقد قام عليه الشفيع فيها لم يكن له أن يقيله وكانت للشفيع
دونه. قال: وكل مصر مصرة المسلمون وابتدعوه وبنوه وأحدثوه وعملوه
فلا شفعة فيه لذمي وإن كان جارا أو شريكا، المسلمون أولى بمصرهم
منه، وكل مصر كانوا هم الممصرين له فهم على شفعتهم فيه يستشفع
بعضهم على بعض، ولا يستشفعون على المسلمين، المسلمون
بعضهم أولى بما في يد بعضهم من بعض من غيرهم من أهل الكفر
المخالفين لدينهم.
باب القول في الرجل يبيع الدار أو الضيعة بثمن فتكاثره
الشفيع ثم يرد ثمنها إلى دون ذلك ولا يعلم الشفيع بما وضع
من ثمنها إلا بعد البيع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا باع دارا أو
ضيعة بمائة وثلاثين دينارا فاستغلاها الشفيع وقال لا أريدها بهذا الثمن،
فاستوضع المشتري لها البائع الثلاثين فوضعها عنه وباعه إياها بمائة ثم
علم بذلك الشفيع من بعد ذلك كان له أن يأخذها بالمائة من يد
110

المشتري، لأنه إنما تركها أولا استغلاء لها بالمائة والثلاثين، ثم رد ثمنها
إلى مائة فكان بالثمن الأخير مخيرا كما كان في الثمن الأول مخيرا، فإن
إستغلاها ترك، وان استرخص أخذ، وكذلك لو باع بائع حائطا بألف
دينار، واستثنى منه جانبا فقال الشفيع لا أريده بالألف، وقد استثنى منه
شيئا فباعه من غيره، وزاد فيه واتبعه ذلك الشئ الذي كان استثنى من
الحائط، ثم علم الشفيع بذلك كان له أن يأخذه من يد المشتري،
ويسلم إليه الألف دينار لأنه إنما تركه من طريق ما استثنى صاحبه فيه فلما
ان أسلمه كان الشفيع فيه بالخيار مثلما كان له فيه الخيار أولا وكذلك لو
كان استثنى منه ما استثنى، وباع باقيه بالألف، فقال الشفيع لا يوافقني
شراؤه إلا أن يكون كله معا خالصا، فأما إن كان لي فيه شريك فلا أريده
فباعه صاحبه من رجل آخر بألف ومائة واتبعه ما كان استثنى وسلمه إليه
جميعا، ثم طالب الشفيع بالشفعة من بعد ذلك فإنه يقضى له بالشفعة
لأنه إنما كان أعرض وتركه لمكان ما كان استثني فيه.
باب القول في الضيعة والدار يشتري بثمن
ويباع بأكثر منه قبل أن يقدم مستشفعها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى من
رجل أرضا بألف دينار، ثم باعها بألف وخمس مائة دينار ثم قدم
المستشفع لها لقضي له بها، وقضي عليه أن يدفع إلى الذي أخذها من
يده الثمن الأول وهو ألف دينار ويرجع هذا الذي أخذت من يده.
على الذي باعه إياها بخمس مائة دينار الفاضلة الذي كان أزيدت على
الثمن الأول. قال وكذلك لو تنوسخت فبيعت أولا بألف دينار، ثم بيعت
بألف ومائتين، ثم بيعت بألف وخمس مائه، ثم أتى الشفيع لقضي
له بها، وقضى عليه الثمن الأول فيها، يدفعه إلى هذا الذي يأخذها من
111

يده، ويرجع الذي أخذت من يده على الذي باعه إياها بالخمس مائة
الفاضلة، ويرجع الذي رجع عليه بالخمس المائة على الذي باعه إياها
بالمائتين قال: ولو أن رجلا باع رجلا نخلا بمائة دينار وفيها تمر، فأخذ
التمر صاحبها المشتري لها ثم باعها ولا تمر فيها بمائة دينار، فأقامت
عند المشتري الثاني حتى أثمرت في ملكه فأكل تمرها ثم باعها واشتراها
منه مشتر ثالث بمائة دينار فأقامت عنده حتى خرج التمر فيها فأكله ثم
أتى الشفيع فطالب بها، فإنه يحكم له بها ويدفع إلى الذي هي في يده
المائة الدينار التي أخرج فيها إلا قيمة الثمرة الأولى، وما أكل من ثمرها
فهو بضمانه إياها، وكذلك ما أكل الأوسط من التمر فهو له لا يطالب به
لأنه كان ضامنا لرقاب النخل وكانت الثمرة حادثة في ملكه، ويرجع
الذي أخذت من يده بقيمة الثمرة الأولى على الذي باعه إياها بالمائة،
ويرجع الأوسط على الذي باعها إياه بمائة بقيمة ما أكل من الثمرة التي
اشترى النخل بها من صاحبها الأول، لأنه اشتراها وما في رؤوسها بمائة
فكان ضامنا لما كان وقع عليه الشراء من الثمرة مع الأصل لان الشفيع
كان واجبا له أن يأخذ النخل والأرض بما فيها من الثمرة من يده كما
اشتراها بها. قال: ولو كان هذا المشتري الأول لم يبعها حتى أثمرت
عنده وفي ملكه ثمرة أخرى سوى الثمرة التي اشتراها بها فأكل هذه الثمرة
أيضا ثم باعها لم يطالب بالثمرة الثانية التي حدثت في ملحه وضمانه،
وطولب بالثمرة التي وقع عليها الشراء مع النخل أيام اشتراها من الذي
باعها.
112

باب القول في الرجل يشتري الأرض فيشترط أنه بالخيار
ثلاثة أيام أو يشترط ذلك عليه البائع أو يشترطان جميعا أنهما
بالخيار ثلاثة أيام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى من
رجل نخلا أو أرضا أو دارا، واشترط على البائع أنه بالخيار فيها ثلاثة
أيام، فأتى الشفيع في تلك الأيام الثلاثة، فإنه يقضى للشفيع بها،
ويدفع إلى من أخذها من يده الثمن، ويكتب عليه العهدة والشراء،
وكذلك لو مضت الثلاثة الأيام ولم يكن للمشتري عزم كان القول فيها
كالقول الأول. قال: ولو كان المشترط للثلاثة الأيام هو البائع ثم جاء
الشفيع في الثلاثة الأيام فصاحب الدار على خياره أن أحب لزم، ولم
يكن للشفيع فيها شفعة، وأن أحب أمضى البيع وكان الشفيع أولى بالبيع
من غيره. قال: ولو أن المشتري اشترط خيار ثلاثة أيام، واشترط البائع
خيار ثلاثة أيام أيضا ثم أتى الشفيع في تلك الأيام انتظر بالحكم في
ذلك مضي الثلاثة الأيام، فان سلم البايع للمشتري المبيع كان ذو الشفقة
أولى بذلك من غيره وان لم يسلم البيع فهو أولى بما في يده، وإن مضت
الثلاثة الأيام ولم يتبين البائع أمره، ولم يذكر أنه قد بدا له في بيع ما باع
فقد وجب عليه البيع ولزمه بخروج ماحل من أجله، والشفيع أولى بالدار
في ذلك من غيره.
باب القول فيما بيع فأخذه شفيع بالثمن
ثم أتى شفيع آخر أحق من ذلك الشفيع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا باع دارا أو
113

أرضا فاستشفعها شريك في المشرب ثم قدم شريك في الأصل فطالب
بالشفعة لكان الحكم أن يقضى له بها ويدفع إلى من هي في يده ما أخرج
فيها، لأنه أولاهما بالشفعة. قال: وكذلك لو بيعت فاستشفعها شفيع
بالشركة في الطريق فاشتراها بعرض من العروض، ثم أتى شريك في
المشرب فطالب بالشفعة حكم له بها، ودفع إلى من هي في يده قيمة
ما أخرج من عرضه فيها، يوم وقع شراؤه عليها، وكذلك لو اشترى رجل
من رجل دارا فاستشفعها جار لها ثم طالبه بالشفعة شريك في طريقها،
كان الشريك في الطريق أولى بها من الجار، والجار من بعد ذلك أولى
بها من غيره.
باب القول فيمن اشترى دارا بدار أو أرضا بأرض أو وهب
شيئا من ذلك طلب عوض بعينه والقول في الهبة والصدقة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى من
رجل نخلا بنخل أو دارا بدار أو أرضا بأرض فقام في أحد الأرضين شفيع
لحكم له بتلك الأرض وحكم عليه بقيمة الأرض التي كان عاوض بها
إليها، وكتب العهدة على من قبضها من يده.
قال: وإن قام في كل أرض شفيع يحكم لكل شفيع بما قام فيه
وحكم عليه بقيمة الأرض التي عورض بها إلى أرضه ويدفع كل واحد
منهما قيمة ذلك إلى من أخذ الأرض من يده.
قال: وكذلك لو وهب رجل لرجل أرضا على أن يعوضه دارا معروفة
بعينها أو وهبه دارا على أن يعوضه أرضا بعينها، فقام في ذلك الشفيع
حكم له بما قام فيه وحكم عليه لمن أخذها من يده بقيمة ذلك العوض
114

الذي رغب صاحبها فيه، قلت قيمته أو كثرت صغرت أو كبرت، ألا أن
يتركها عنوة (1) ويسلمها لصاحبها ويسلم لصاحب العوض ما رغب فيه
منها. قال والمناقلة عندي كالمبائعة بالأرض إلى الأرض واشتراء النخل
بالنخل والدار بالدار لا فرق بينهما عندي ولا اختلاف بينها في رأيي.
قال: فأما من وهب هبة لا يريد بها عوضا أو تصدق بصدقة يريد بها وجه
الله فلا يلحق بها من تصدق بها عليه، ووهب له شفعة مستشفع لان
الشفعة إنما يلحقها صاحبها وتجب له بتسليم ما أخرج فيها بشفعته،
والموهوب له ذلك، والمتصدق به عليه لم يخرج شيئا يرده عليه ذو
الشفعة، وكذلك الواهب والمتصدق فلم يأخذ شيئا من أموال الدنيا فيرده
عليه ذو الشفعة مثل ما أخذ، أو يكون أولى بما أخرجا، والهبة والصدقة
فإنما هي بر وإحسان من الواهب إلى الموهوب له، والشفعة فإنما تصح
للشفيع بالحكم من الله وأمام المسلمين، وليس يجب لمن كان شريكا
لرجل في شي ء فوهب ذلك الرجل نصيبه، أو تصدق به على من يجب
الاحسان إليه أن يحكم لشريكه بهبته أو بصدقته، وكل إحسان فعله
محسن لمن أراد الاحسان إليه فلا يجبر على تسليم ذلك كما يجبر على
تسليم البيع له بالشفعة لان الناس أولى بأموالهم يهبونها لمن شاؤوا،
ويتصدقون بها على من أرادوا، ولا يدخل عليهم في ذلك شريك معهم،
ولا يستشفع هبتهم غيرهم.

(1) العنوة: المودة والقهر من أسماء الأضداد، وهي هنا بمعنى المودة.
(قاموس)
115

باب القول فيمن تجب مطالبته بالشفعة
بين البائع والمشتري
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا اشترى رجل من
رجل دارا أو نخلا أو أرضا ثم جاء الشفيع فطالب بالشفعة فليطالب
المشتري، ولا يطالب البائع لأنه ليس بينه وبينه مطالبة، وإنما خصمه
المشتري، لأنه الداخل عليه في شفعته، فيطالبه بما اشترى مما كان هو
أولى به، ويكتب الكتاب عليه ويدفع الثمن إليه، قال: فإن ترك مطالبة
المشتري عنوة وطالب البائع دونه بالشفعة، فلا شفعة له على أحد
منهما، لأنه قد ترك خصمه بترك مطالبته بما يطالبه به فيبرأ المشتري
بإعراضه عنه عنوة وتركه له، وكان ذلك تسليما منه لما يطالبه به من
شفعته، وسقطت مطالبته للبيع، لأنه ليس له بخصم، ولا له عليه سبيل
وإنما له أن يأخذ حقه ممن وجده في يده، فإذا طالب غيره وصفح عنه
فقد برئ الخصم بصفحه عنه، وبرئ غير الخصم بطلبه له، إذ
لا يجوز له عليه مطالبة إذ ليس له عنده بغية، إلا أن تكون مطالبته للبائع
كانت عن جهل منه بالحكم، فإذا كان ذلك كذلك لم يسقط جهله حقه،
وله أن يطالب المشتري من بعد ذلك، ويكتب الكتاب بحضرة البائع،
ويذكر في كتابه أنه قد استشفع هذه الدار من يد فلان بن فلان لأنه
اشتراها من فلان بن فلان وكانت لي فيها الشفعة، فلحقتها بشفعتي
فأخذتها بحكم الله تعالى، وسلمت إليه ما كان نقد فلانا من ثمنها وهو
كذا وكذا دينارا عيونا نقدا جيادا بحضرة فلان بن فلان الذي باعه إياها،
وإنما أحببنا له أن يحضره وقت المشاهدة، والكتاب ودفع الثمن مخافة
من أن يقول صاحب الدار الأول، إن كان لم يكتب عليه المشتري منه
بذلك كتابا الدار داري وهي في يدي، على حالها لم أبعها من غيري،
116

ولم أخرجها بسبب من الأسباب من ملكي، فيبطل بذلك على
المستشفع شفعته، فإما إن كان الذي اشتراها منه قد كتب عليه بشرائه
وعهدته كتابا، وأشهد عليه بذلك شهودا فليأخذ الكتاب المستشفع منه،
وليكتب عليه كتابا آخر بما لحق من شفعته عليه، وبما سلم من الثمن
إليه ولا عليه إن كان ذلك كذلك، ان لا يحضر البائع الأول.
باب القول في الشفعة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الشفعة لكل شريك أو
جار الأقرب فالأقرب، فان حضر الشفيع الشراء والبيع وقبض البائع
الثمن من المشتري، ولم يتكلم ولم يطلب شفعته ولم ينكر على
المشتري، ولا على البائع فلا شفعة له بعد افتراقهم، الا أن يكون منعه
من التكلم والطلب بشفعته في ذلك الوقت سبب يخافه على نفسه من
غشم غاشم، أو ظلم ظالم من المشتري أو البائع أو غيرهما، فإن كانت
المخافة منعته من الطلب بحقه فهو على شفعته، فإن لم يكن ذلك
كذلك فلا حق له في شئ من ذلك. قال: فإن باع شريكه، أو جاره
ما باع من سلعته وصاحب الشفعة غير حاضر، فله الشفعة إذا علم،
يلحقها على المشتري ويكون أولى بها منه، وإن كان ببلد بعيد فالشفعة
له إذا بلغه خبرها إن طلبها وأنكر على المشتري والبائع ما فعلا، وأشهد
على أنه مطالب بشفعته، وعليه أن يبعث يعلم ذلك إلى البائع والمشتري
بأعجل ما يمكنه، فان أعرض عن ذلك ولم يذكره وتركه ولم يطلبه ولم
ينافر فيه ولم ينكره فلا شفعة له، فإن كان جاهلا بما يجب عليه في ذلك
من الاشهاد والبعثة إلى صاحبه بعلم خبره، وكان مجمعا على مطالبته
بحقه فطالبه عند قدومه من سفره فله ذلك، فإن اتهموه بأن يكون قد
رضي وأعرض عن المطالبة بذلك إذ جهل ما يجب عليه من الاشهاد فلم
117

يشهد، وادعى هو أنه لم يزل مجمعا على المطالبة بحقه كانت عليه
اليمين بالله أنه ما أعرض عن ذلك وأنه لم يزل مجمعا على المطالبة به،
فان أحدث المشتري فيما اشترى بناء، أو غير ذلك من غرس نخل أو
غيره ثم قضى لصاحب الشفعة بشفعته كان على المشتري أن ينقل
ما أحدث في تلك الأرض التي استشفعها من هو أحق بها منه، ويسلمها
إليه كما اشتراها إلا أن يدخل بينهما في ذلك مصلح فيشتري منه
صاحب الشفعة ما أحدث في أرضه، فإن كان ذلك عن تراض منهما
جاز. قال: وإن كانت أرض بين رجلين فباع أحدهما حصته من رجل
آخر ولم يعلم شريكه، ثم باع الشريك الآخر حصته من رجل آخر ولم
يعلم ببيع شريكه الذي باع قبله فليس للبائع الآخر، ولا لمن اشترى منه
على من اشترى من البائع الأول شفعة لأنه باع بلا علم شريكه، ولم
يكن ذلك له، ثم علم بما فعل شريكه وقد خرج ملكه من يده الذي كان
يستشفع به، وصار للمشتري الذي اشتراه بغير إذن من كانت له شفعة
من الشريك الآخر، فلذلك بطلت عندنا شفعتهما جميعا. قال: ولو
اجتعل ذو شفعة على تسليم شفعته أو باع شفعته لم يكن ذلك له وكان
الثمن مردودا. قال: وكل صغير فشفعته ثابتة، لم أن يطالب بها عند كبره،
ولو أجازها عليه جميع عصبته إلا أن يكون شيئا وهبه له أبوه أو غيره من
العصبة، فيجوز إجازة الواهب بعينه إذا كان وصيه، وكان الصبي تحت
يده وفي حجره، فإن كان ميراثا ورثه من أمه أو من غيرها من قرابته فليس لأحد
من عصبته أن يحدث عليه في ذلك شيئا. قال: والشفعة واجبة في
كل شئ من الضياع، والثياب والعبيد، وغير ذلك. قال: والشفعة تجب
لمن ورث مالك الأصل في الوراثة.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الشفعة عندي تكون
على عدد الرؤوس لا على قدر الأنصبة، وإنما قلت ذلك وأجزته لأني قد
118

وجدت صاحب صاحب النصب الكثير عند الاستشفاع كصاحب السهم
الصغير، ووجدت صاحب السهم الصغير يلحق بشفعته الأرض كلها
كما يلحق صاحب السهم الكبير استشفاعها بسهمه الكبير، فلما لم أجد
بينهما في معين الشفعة فرقا لم نجعل بينهما في الشفعة بتفاضل الملك
فرقا. قال: وتفسير ذلك: ثلاثة رجال بينهما أرض، لواحد نصفها،
ولآخر ثمنها، ولآخر ثلاثة أثمانها، باع صاحب النصف، فقال صاحب
الثمن أنا استشفعها، وقال صاحب الثلاثة أثمان أنا استشفعها، فنظرنا
في الحكم بينهما، فإذا لكل واحد منهما في يده ما يلحق به الشفعة
كلها، وان تفاضل ما يملكون، لان صاحب الثمن يجوز له أن يستشفعها
كلها من شريكه لو باعها، ويكون أولى بها من غيره بما يملك من هذا
الشقص فيها، وكذل عندنا صاحب الثلاثة الأثمان يستحق ويملك من
استشفاعها ما يملك هذا سواء سواء، فلا نجد بين الذي يملك منها كثيرا،
وبين الذي يملك منها قليلا فرقا، في معنى اقدارهما على الاستشفاع،
لان هذا ينال بيسير ملكه من استشفاع الأرض كلها ما ينال ذلك لعظيم
حقه فيها، فلذلك قلنا في ذلك بما قلنا، وتكلمنا فيه بما تكلمنا، والله
المعين على كل خير. قال: ولو سلم ذو شفعة لمشتر شفعته واذن له في
الشراء فاشترى ثم رجع عليه من بعد الاشتراء، وكان ذلك له، لأنه قد
اذن له فيما لم يقع له فيه شفعة، إذ هو في يد مالكه، وإنما تقع له
الشفعة من بعد خروجه من يد مالكه فيستحقه بشفعته، فأما من قبل وقوع
البيع فلم تقع له شفعة يهبها.
باب القول في الشفعة أيضا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الشفعة للقسيم،
والجار، والقسيم هو الشريك، وهو أولى من الجار إذا كان، والجار أولى
119

من غيره، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أنه قال: (جار الدار أولى بالدار).
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ويؤجل (2) لصاحب الشفعة
بالثمن ثلاثا، فان أتى به، والا فباع السلعة ربها. ولا يجوز الضرر ولا
المضارة بين المسلمين لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
قال: (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام) وفي تأخير الثمن على البائع
الضرر، إذا كان أكثر من ثلاث، الا أن يرى ذلك الحاكم لعدم صاحب
الشفعة وقلة ذات يده. قال: ولو أن رجلا وهب أرضه لرجل لم يكن في
الهبة شفعة لشريك ولا غيره، وكذلك لو تزوج امرأة على أرض فدفعها
إليها، فطلب الشريك أو الجار الشفعة لم يكن له فيها شفعة لان الشفعة
إنما هي في البيع، والصداق فإنما هو هبة ونحله كما قال الله عز وجل:
* (واتوا النساء صدقاتهن نحلة) * (3) والنحلة فهي الهبة والعطية فلذلك
قلنا إن الشفعة لا تلحق المهر.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الجار هل له من الشفعة شئ؟
فقال: قد اختلف ذلك، والقول عندنا أن له شفعة، والقسيم أولى
منه إذا كان قسيما، والجار أولى من غيره إذ لم يكن قسيما.

(2) في نسخة: ويؤجل طالب الشفعة الخ..
(3) النساء 4.
120

كتاب الشركة
121

بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول في الشركة شركة المفاوضة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أراد الرجلان أن
يشتركا شركة مفاوضة فليخرج كل واحد منهما جميع ما يملكه من النقد
ثم ليزن كل واحد منهما ماله، ويعرف كم هو من دينار، ثم ليخلطاه من
بعد أن قد فهم كل واحد منهما ماله ولا يترك كل واحد منهما في ملكه
نقدا الا أخرجه فان شركة المفاوضة لا تكون ولا تصح الا بالأموال كلها،
وإنما كان ذلك كذلك مخافة من اللبسة والتهمة من أحدهما لصاحبه،
فإذا خلطا ذلك فيعملا فيه وليبيعا وليشتريا، مجتمعين ومفترقين، يعمل
كل واحد منهما في المال كله برأيه، فيبيع ويشتري بالنقد والدين، وكلما
أدانه أحدهما فهو لازم لصاحبه، ومن غاب منهما طولب بما عليه من
الدين في تجارتهما بشركته، ويكون كلما وجب على أحدهما واجبا على
صاحبه الا أن يكون جناية جناها أو امرأة نكحها، وينفقان من مالهما
على أنفسهما وعيالهما إذا تساوت نفقتهما، فإن كانت نفقة أحدهما أكثر
من نفقة الآخر فطيب ذلك له شريكه فلا بأس به، وإن لم تطب به نفسه
كان فضل ذلك دينا عليه لصاحبه، ولكن لا ينبغي له أن يقبضه منه ولا
لشريكه أن يقبضه إياه، حتى إذا فرغت شركتهما، وانقضت خلطتهما
قضاه إياه لأنه متى قضاه ذلك كان له نقد خلاف ما لصاحبه، وهذا يبطل
122

شركة المفاوضة فاما ما كان لهما من العروض فليس يفسد عليهما
شركتهما، الا أن يبيع أحدهما من ذلك شيئا فيصير معه مال ناض خلاف
مال المفاوضة فتبطل حينئذ شركة المفاوضة، فأما ما داما على صحة
شركتهما فهما في الشركة سواء، وإن أحبا أن يكتبا بينهما كتابا يسميان
فيه مالهما ويشهدان فيه على شركتهما فليكتبا: بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما اشترك عليه فلان بن فلان الفلاني، وفلان بن فلان الفلاني،
اشتركا على تقوى الله تعالى وطاعته واخلاص العبادة له، وأداء الأمانة
فيما بينهما وحسن العمل في تجارتهما اشتركا شركة مفاوضة في قليل
ناضهما وكثيره، ودقيقه وجليله وذهبه وفضته في شهر كذا وكذا، من سنة
كذا وكذا، على أنهما يشتريان ويبيعان بأموالهما ووجوههما بالنقد
والدين ما بدا لهما، مجتمعين كانا أو مفترقين، وان لكل واحد منهما أن
يعمل في ذلك برأيه نافذا أمره في كل ما في أيديهما من شئ أو غير ذلك
من دين أخذاه بوجوههما، أو أخذه أحدهما دون صاحبه بوجهه فما
رزقهما الله في ذلك كله من ربع فهو بينهما نصفان، وما دخل عليهما
من وضيعة من هذا المال فهو بينهما قال: وان أحبا أن يذكرا المال،
ويسميان مال كل واحد منهما سمياه فقالا في آخر كتابهما، وجملة هذا
المال ألفا دينار، فلكل واحد منهما ألف دينار، فما ربحا في ذلك فهو
بينهما نصفان، وما خسرا فيه فهو عليهما نصفان، شهد على ما في هذا
الكتاب فلان وفلان، فإذا وقعا في تجارتهما، فكل واحد منهما مأخوذ
بما لزم صاحبه من دين وله أن يطالب بما كان له على الناس من دين،
ولو أن أحدهما اشترى متاعا إلى أجل فغاب كان لصاحب المال أن يأخذ
شريكه بماله عليه، عند حلول الأجل، وكذلك لو كان لأحدهما على
انسان دين من تجارتهما إلى أجل فغاب صاحب الدين فحل الأجل كان
لشريكه أن يطالب بما كان لصاحبه، وكذلك لو باع أحدهما سلعة ثم
123

غاب فوجد فيها مشتريها عيبا، كان له أن يردها على الشريك الحاضر،
وكذلك كل ما لزم كل واحد منهما في تجارتهما فهو لازم لصاحبه.
باب القول في الشركة على غير المفاوضة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أراد الرجلان أن
يشتركا شركة على غير المفاوضة فلهما أن يشتركا بما شاءا من نقودهما
قليلا شاءا أو كثيرا، ولا يشتركا إلا بمال ناض ويكون الربح بينهما على
قدر ما يصطلحان عليه، والوضيعة على قدر رؤوس الأموال فإن اشتركا
بمائة دينار فاصطلحا على أن لأحدهما ثلثي الربح وللآخر الثلث
يعملان في ذلك جميعا يشتريان ويبيعان فصلحهما في ربح ذلك جائز،
والوضيعة على قدر رؤوس الأموال، وهي في هذه المسألة عليهما
نصفان. قال: وإن كان رأس مال أحدهما مائتي دينار، ورأس مال الآخر
مائة دينار، فاصطلحا على أن الربح بينهما نصفان والوضيعة على قدر
رؤوس أموالهما جاز ذلك لهما، وكان شرطهما صحيحا، وان اشترطا
على أن الربح بينهما نصفان، والوضيعة عليهما نصفان كان ذلك شرطا
فاسدا، وثبت شرطهما في الربح وبطل شرطهما في الوضيعة، وكانت
الوضيعة بينهما على قدر رؤوس أموالهما. قال: وإن اشترطا على أن
لأحدهما ثلثي الربح وللآخر ثلث الربح، ويكون صاحب الثلثين هو
العامل بها، والمتقلب فيها فلا بأس بذلك، فان اشترطا أن للذي لا يلي
العمل ثلثي الربح، وللذي يلي العمل ثلث الربح لم يجز ذلك، وكان
الربح بينهما على قدر رؤوس أموالهما، وذلك أن يكون رؤوس أموالهما
مستوية، فيصطلحان على أن للذي يتقلب في المال ويعمل فيه ثلث
الربح، وللذي لا يتقلب ولا يعمل ثلثي الربح فهذا باطل لا يجوز، لان
الفضل هاهنا إنما وقع للشريك بما لم يعمله، ومال الشريك لا يجر
124

منفعة لشريكه بشرطه، إلا أن يكون فيه فضل لصاحبه على مال شريكه،
فإما إذا استويا ولم يعمل أحدهما ففضل القاعد على العامل حينئذ مشابه
للربى. قال: ولو استوى رأس مالهما ثم اشترطا أن للعامل الثلثين،
وللقاعد الثلث من الربح كان ذلك جائز، لان الثلث بالثلث، والثلث
الآخر كراء لبدنه وعوض من عمله. قال: وان أحبا أن يكتبا بينهما
شركتهما وشروطهما كتابا فليكتبا: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب
ما اشترك عليه فلان بن فلان الفلاني، وفلان بن فلان الفلاني، اشتركا
على تقوى الله وايثار طاعته، واتباع مرضاته، وعلى أداء الأمانة، ورفض
الخيانة، والاجتهاد والنصيحة في كل عملهما مما فيه اشتركا بمال جملته
كذا وكذا، لفلان بن فلان منه كذا ولفلان ابن فلان منه كذا، اشتركا فيه
وخلطاه، يبيعان فيه برأيهما بالنقد والدين مجتمعين كلاهما ومفترقين،
ويعمل في ذلك كل واحد منهما برأيه، فما رزقهما الله في ذلك من الربح
فلفلان منه كذا وكذا، ولفلان منه كذا وكذا، وما كان في ذلك من وضيعة
أو تباعة فهي عليهما على قدر رؤوس أموالهما شهد على ما في هذا
الكتاب فلان وفلان.
باب القول في الرجلين يشتركان، وليس معهما
مال على أن يشتريا بوجهيهما ويبيعا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يشترك
الرجلان على أن يأخذا بوجهيهما عروضا وغير ذلك، فيبيعان فيه
ويشتريان، ويكتبان إن شاءا بينهما كتابا، فإذا أرادا أن يكتبا كتابا كتبا:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترك عليه فلان بن فلان الفلاني وفلان
بن فلان الفلاني، اشتركا على تقوى الله وايثار طاعته، وأداء الأمانة،
وعلى أن يأخذا بوجهيهما عروضا ونقدا ويشتريا معا واشتاتا، بالنقد
125

والدين ويبيع كل واحد منهما ويشتري برأيه، بالنقد والدين [يبيعان
ويشتريان معا وأشتاتا] وما رزقهما الله في ذلك من ربح فهو بينهما
نصفان، وما دخل عليهما من وضيعة فهو عليهما نصفان، اشتركا
على ذلك في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا شهد على ذلك فلان
وفلان. قال: وان اشتركا على ذلك، وكان أحدهما أبصر من الآخر
بالشراء والبيع فأرادا أن يجعلا لأبصرهما فضلا في الربح لم يجز ذلك
لهما، لأنه لا يجوز أن يضمن رجل شيئا، ويأكل غيره ربح ما ضمنه هو،
وذلك أنهما مستويان في ضمان ما أخذا من دين، فكذلك ينبغي أن
يكون الربح بينهما سواء الا أن يثبتا ذلك في أصل الشركة، فما أخذا من
دين بينا لصاحبه أن على أحدهما ثلثيه وعلى الآخر ثلثه فحينئذ يجوز
الفضل والتفضيل في الريح لأحدهما وهو الضامن للثلثين من الدين
فيكون له ثلثا الربح، ويكون للآخر ثلثه، فيستويان في الريح كما
يستويان في الضمان، فإذا كان ذلك كذلك جاز، وكان الخسران عليهما
على قدر ضمانهما، على ضامن الثلثين ثلثاه وعلى ضمان الثلث ثلثه.
باب القول في النجارين والخياطين والزارعين والحجامين
والحايكين وغير ذلك من أهل الصناعات يشتركان فيما
يصنعان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يشترك
الصانعان في صناعتهما، ويقتسما ما رزقهما من كسبهما، إذا نصحا في
ذلك وأديا أمانتهما، ويكون ما ربحا وكسبا في ذلك مقسوما بينهما نصفين
وما دخل عليهما ولزمهما من فساد أو وضيعة كان عليهما نصفين، فإن
شرطا أن يتقبلا الاعمال كلاهما ويكون لأحدهما الثلث وللآخر الثلثان
126

من الربح كان ذلك شرطا باطلا بينهما لا يجوز لهما، وما ربحا فهو بينهما
نصفان، لأن الضمان عليهما سواء، فإن أرادا أن يفضلا أحدهما فليثبتا
ذلك في أصل الشركة ويبيناه لكل من تقبلا منه عملا، ويخبراه الضامن
للثلث المتقبل له، والضامن للثلثين المتقبل لهما، فإذا فعلا ذلك مان
الربح بينهما على قدر ضمانهما، لأن الضمان كرؤوس الأموال. قال:
وإذا أرادا أن يكتبا بالشركة كتابا يكون بينهما فليكتبا: بسم الله
الرحمن الرحيم هذا ما اشترك عليه فلان بن فلان النجار، وفلان بن فلان
النجار، اشتركا على تقوى الله وطاعته واخلاص العبادة له وأداء الأمانة،
اشتركا على أن يتقبلا الاعمال من الناس فما رزقهما الله فيها من كسب
فهو بينهما نصفان، وما كان عليهما من خسران أو تباعة فهو عليهما
نصفان يتقبلانها ويعملانها مجتمعين ومفترقين، شهد على ذلك فلان،
وفلان.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وكذلك إن اختلفت
صناعتهما فلا بأس باشتراكهما على ما ذكرنا من الشركة وفسرنا من
حدودها، ووصفنا من أمورها، فإن اختلف المشتركان في ذلك بطلت
شركتهما.
127

كتاب المضاربة
129

بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول في المضاربة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: المضاربة أن يدفع رجل
إلى رجل مالا عينا نقدا، إما ذهبا وإما فضة، ولا يدفع إليه عرضا بقيمته
لا رقيقا ولا متاعا ولا ثيابا، ولا شيئا، سوى النقد فإذا أراد رجل مضاربة
رجل فليدفع إليه ما أحب من النقد، وليشترطا بينهما في الربح شرطا
يسميانه، يتراضيان عليه، اما أن يكون الربح بينهما نصفين، واما أن
يكون لصاحب المال ثلثا الربح، وللمضارب ثلثه، أو ما أحبا وتراضيا
عليه، فان أحبا كتبا بينهما بذلك كتابا، وان أحبا تركا الكتاب، وكل ذلك
واسع لهما، والكتاب أوكد فإن كتبا بينهما كتابا، كتبا: بسم الله الرحمن
الرحيم هذا كتاب من فلان بن فلان الفلاني لفلان بن فلان الفلاني،
إنك دفعت إلي كذا وكذا دينارا عيونا، نقدا جيادا مضاربة بيني وبينك
على أن أتقلب فيها، وأتجر بها في البر والبحر، وأبيه فيها بالدين والعين
فما رزق الله فيها من ربح فلي فيه نصفه ولك نصفه، وقبضت منك هذا
المال المسمى في كتابنا هذا، وصار إلي على أن أنصح في ذلك،
وأؤدي الأمانة فيه، في شهر كذا وكذا ر من سنة كذا وكذا، وليشهد على
ذلك، فإن كان صاحب المال لم يجعل للمضارب أن يبيع في ماله بدين
130

أثبت ذلك في كتابه، وكذلك إن كان لم يطلق له أن يسافر به أثبت ذلك أيضا في الكتاب.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ثم يكون الربح بينهما على
ما اصطلحا عليه، وتكون الوضيعة على رأس المال خاصا، ولا يكون
للمضارب أن يخلط مال المضاربة في ماله، ولا أن يدفعه إلى غيره
مضاربة، ولا يسلف من عين هذا المال أحدا شيئا، فإن كان صاحب
المال قال له افعل فيه برأيك، وأفعل فيه كلما أحببت جاز له فيه كل فعل
إلا الأسلاف له، أو أن يأخذ به سفتجة (*)، إلا أن يأذن له في هذين
المعنيين، بأعيانهما رب المال فيجوز ذلك له، فإذا اتجر بالمال
المضارب في المصر، فما أنفق من نفقة على نفسه فهي من ماله، وما
أنفق على التجارة فهي من الربح، ان ربح ربحا، فإن لم يربح فما أنفق
على المال فهو من رأس المال. قال: فان اشترط أحدهما أن له من
الربح كذا وكذا درهما وللآخر ما بقي كان هذا شرطا فاسدا لا يجوز، لأنه
غرر على صاحب الفضلة، لان المال ربما لم يخرج فيه من الربح، إلا
تلك الدارهم بعينها، فيأخذها الذي شرطها له ويبقى الآخر لا فضلة له
ولا ربح وهذا غرر فاسد، لا يجوز لأنه قد سمى لأحدهما دراهم موزونة
معدودة، ولم يسم للآخر شيئا محدودا أو معدودا. قال: وإن قالا وشرطا
بينهما إن لأحدهما من الربح ربعه، أو عشره، أو نصف عشره، أو ثمن
عشره، أو أقل أو أكثر بعد أن يكون جزءا من الربح مسمى منه، ويكون
بعضه، فإن ذلك جايز لهما لأنهما لا محالة (1) كلاهما يأخذان من الربح
شيئا ولو كان الربح درهما واحدا، لأنه إنما اشترط للمشروط له جزءا من

(1) في نسخة: لأنهما كلاهما يأخذان.
(*) السفتجة: هي أن تعطي لرجل مالا فيعطيك خطا إلى عميل له آخر خوفا من غائلة الطريق يمكنك
استرداد ذلك المال منه. تمت.
131

الربح، ولم يشترط له دراهم مسماة، فالضرر والمنفعة داخلان عليهما
وليس أحدهما في ذلك بأسعد من الآخر، ولا بأشقى.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا يجوز أن يدفع
المضارب إلى مضاربة بزا بقيمته، يضاربه به لان هذا عرض، والعرض
فلا يجوز في المضاربة. قال: ولو دفع رجل إلى رجل مالا نقدا موزونا
مفهوما ضاربه فيه، ولم يشترطا بينهما في الربح شرطا يقتسمانه عليه ولا
يعملان به فيه، فان المضاربة باطلة، وما كان من ربح فهو لصاحب
المال، وما (2) كان فيه من خسران فعليه، وللذي اتجر بالمال أجرة مثله،
لشرائه وبيعه، وكذلك لو دفع إليه مالا واشترط أن الربح بينهما، وأنه
يؤثره من الربح بخمسة دنانير، أو بدينارين، أو أقل من ذلك أو أكثر
كانت المضاربة فاسدة، لان المال ربما لم يخرج إلا ذلك الذي اشترط
أنه يؤثره به، فيكون في هذا على المضارب ضرر، وكذا لو اشترط
المضارب أثرة بدينار أو دينارين كانت المضاربة فاسدة أيضا، وكان
للمضارب أجرة مثله في شرائه وبيعه، وما كان من خسران فعلى صاحب
المال.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وكلما اشترى المضارب
قبل أن يأخذ مال المضاربة فليس هو بمضاربة، ولا يكون مضاربة إلا
ما اشتري بمال المضاربة من بعد قبضه، وتفسير ذلك رجل اشترى سلعة
بمائة دينار، ثم أتى إلى رجل فقال إني قد اشتريت كذا وكذا بمائة دينار،
فأعطنيها حتى أزنها فيها، فأعطاه المائة فوزنها في السلعة فليس هذا
عندنا بمضاربة، وهو سلف أسلفه إياه، فما كان من ربح أو خسران فهو
على الذي اشترى السلعة له، والمائة الدينار دين عليه يؤديها إلى الذي

(2) في نسخة: وما دخل فيه خسران الخ...
132

دفعها إليه والصحيح الذي تصح مضاربته أن يأخذ الدنانير قبل أن
يشتري شيئا، ويشترطا بينهما في الربح شرطا معروفا، ويأمره صاحبها
أن يتجر بها في شئ معروف بعينه، في مصر بعينه، أو يطلق له رأيه
فيها، وفعله بها فيتجر بها فيما شاء ويقلبها فيما أحب فحينئذ تكون هذه
مضاربة صحيحة، ويكون الربح بينهما على ما اصطلحا عليه، وكذلك
إن ضاربه بمائة دينار، وقال له استدن على المائة مائة أخرى، أقبضه
الدنانير واذن له في استدانة شئ محدود، فاستدان المضارب ما أمره به،
واتجر في المائة الدينار وفي الدين، وربح فيهما ربحا، فاربح بينهما
على ما اصطلحا عليه في ذلك كله، والوضيعة عليهما والربح نصفان،
وإن دفع إليه مائة دينار، وقال له استدن على المائة ما أحببت ولم يسم
له شيئا معروفا فما ربح في المائة فهو بينهما على ما اصطلحا عليه، وما
كان من وضيعة فهو على المائة، وما كان من ربح فيما استدان فهو
للمضارب، وما كان من خسران فعليه، لان المضاربة في هذا الدين
كانت فاسدة، لأنه لم يحد له في ذلك حدا محدودا، والمضاربة فلا تكون
إلا بمال محدود. قال: ولو أن رجلا مضاربا اشترى بمال معه للمضاربة
سلعة بخمسين دينارا، ووقعت عقده البيع على السلعة بالخمسين وتبايعا
على ذلك وتراضيا به، ثم استزاد صاحب السلعة المشتري لها منه شيئا
فزاده إياه كان ما زاده من بعد قطع الثمن عليه في ماله دون صاحبه. قال:
ولو أن رجلا دفع إلى رجل مالا مضاربة صحيحة، فاشترى المضارب
بالمال سلعة فأربحه فيها صاحب المال ربحا رضيه، فلا بأس بشرائه
إياها، وبيع المضاربة له، وان اشتراها المضارب من نفسه فالشراء فاسد
لا يجوز له، وهي على حالها تباع في حال المضاربة، فما كان من ربح
فهو على ما اشترطا عليه، وما كان من وضيعة فهي على رأس المال.
قال: ولا بأس بأن يعين صاحب المال المضارب إن استعانه على الشراء
133

والبيع، فيبيع ويشتري، وتكون المضاربة بينهما على ما كانت،
لا ينقضها استعانة المضارب لصاحب المال، وقد قال غيرنا لا يجوز له
أن يبيع، وله أن يشتري، ولسنا نقول بذلك بل البيع والشراء واحد
ولا بأس أن يعين أخاه إذا استعانه فيشتري بذلك معه ويبيع، ولكن لسنا
نرى أن يوكل رب المال فيه وكيلا، والتوكيل والأمر والنهي إلى المضارب
الذي أخذ المال من ربه على المضاربة به.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو أن رجلا دفع إلى رجل
مائة دينار أو أكثر أو أقل مضاربة صحيحة فقلبها المضارب فربح فيها مائة
دينار، ثم قلبها ثانية فخسر فيها خمسين دينارا، لم يجز له من الربح
شئ حتى يدفع المائة الدينار ويعزل رأس المال وهو المائة الدينار ثم
يقسم باقي الربح بينهما على ما اصطلحا عليه، وذلك إذا لم يكونا
اقتسما الربح الأول حتى خسر ما خسر في الشرية الثانية. قال: وإن كان
قد اقتسما الربح رأس المال من بعد، فخسر فيه خمسين دينارا، فلا
سبيل لصاحب رأس المال على ما في يد المضارب من الربح،
والخسران داخل عليه في رأس ماله، لان صاحب المال قد قاسمه
الربح، ثم تعرك رأس المال في يده من بعد ذلك، فابتدأ فيه المضاربة
ابتداء ولو كان المضارب حين دفع إليه رب المال ماله، اشترى به شيئا
فخسر فيه، ثم قلبه في سلعة أخرى فربح فيها، لم يكن له من الربح
شئ حتى يعزل رأس المال الأول الذي أخذه من صاحبه تاما على
ما أخذه، ثم يقتسمان ما فضل على رأس المال من الربح، وليست هذه
هذه المسألة كالأولى، لأنهما كليهما في الأولة كانا قد اقتسما الربح
أولا، ثم ابتدءا المضاربة فلم يلحق المضارب. ما يدخل في المضاربة
134

الثانية من الخسران، وهما في هذه المسألة على مضاربتهما الأولى لم
يقتسما فيبتدءان، فرأس المال لازم للمضارب، ولو قلبه عشرين مرة
يربح في كل ذلك ويخسر. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ولو أن رجلا دفع إلى رجل
ألف دينار مضاربة صحيحة، واشترطا في الربح شرطا يفهمانه واصطلحا
فيه على أمر يرتضيانه، فاشترى بها المضارب حائطا يسوى بعد شرائه
ألفا ومائة ثم بيع إلى جنبه حائط آخر، فأراد المضارب أن يشتريه لنفسه
فإن أخذه بالشفعة كان ذلك له بما له من الربح في المائة التي زادت في
ثمن الحائط الذي اشتراه بالألف لأنه قد صار فيه شريكا لصاحب المال
بحصته من الربح، فإن لم يسو الحائط في وقت ما بيع الحائط الذي إلى
جنبه إلا الألف سواء سواء، أو أقل، أو كان فيه خسران فليس للمضارب
فيما بيع من ذلك الحائط شفعة جوار، لأنه لا يملك فيه شيئا، لأنه لا ربح
فيه، والشفعة واجبة لصاحب المال إن أراد أن يطلب بها لان رأس المال
قد صار في هذا الحائط.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو كان لرجل عند رجل
مال مضاربة فحضرته الوفاة فمات فان الحكم في ذلك أنه إن كان سمى
ذلك المال عند موته وبينه وذكر أنه لصاحبه، وكان معزولا بعينه، أو
معروفا بوزنه كان لصاحبه، وإلا كان صاحبه أسوة الغرماء، يضرب
بسهمه مع سهامهم، وان لم يكن عليه دين فأبان مال صاحبه وذكره حكم
له به، وإلا فكان على صاحبه أن يقيم عليه البينة حتى يستحقه من أيدي
الورثة وإن لم يكن له بينة بذلك وجحده الورثة استحلفوا له، ما علموا له
قبل صاحبهم مال مضاربة ولا غيره. قال: ولا يحل للورثة أن علموا
بشئ من ذلك أن يدفعوا عنه صاحبه بسبب من الأسباب، ولا معنى من
135

المعاني كانت له بينه أو لم تكن له. وبلغنا عن أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب عليه السلام أنه قال في رجل يموت وعنده مال مضاربة إن
سماه بعينه قبل أن يموت، فقال هذا لفلان فهو له، وإن مات ولم يذكره
فهو أسوة الغرماء.
باب القول في المضاربة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: العبد المأذون له في
التجارة بمنزلة الحر، يضارب بالمال إذا دفع إليه على ما شرط عليه، غير
أنه ان تلف المال في يده أخذ سيده ببيعه وبيع ما كان يقلبه العبد من مال
سيده، حتى يستوفي رب المال حقه. قال: وإن دفع رجل إلى عبد رجل
ليس بمأذون له في التجارة مالا يضاربه فيه فذلك لا يجوز، فان اتجر
العبد في ذلك المال فربح فيه ربحا كان الربح كله لصاحب المال ولم
يكن لسيده من الربح شئ ولا للعبد، وكان على صاحب المال أجرة
العبد فيما فيما اتجر له فيه على قدر أجرة مثله. فإن تلف المال في يد العبد لم
يكن على سيده ضمان شئ مما تلف عنده، لان صاحب المال دفع ماله
إلى عبد غير مأذون له في التجارة، بغير اذن سيده، فإن عتق العبد يوما
كان لصاحب المال عليه ما أتلف من ماله. قال: وكذلك الصبي الذي
لم يحتلم إن أذن له أبوه، أو وليه أو وصي أبيه في التجارة كانت حاله
كحال العبد المأذون له في التجارة، له من الربح ما اصطلح عليه هو،
ومضاربه، وان أتلف المال لزمه ذلك المال الذي أتلف في ماله إن كان
له مال، وإلا كانت جنايته على عاقلته، وان دفع إليه المضارب ماله،
فضاربه بغير اذن وليه كان له أجرة مثله ولم يلحقه ضمان شئ من المال
إن تلف في يده، لان صاحبه دفعه إليه بغير اذن وليه.
136

باب القول فيما لا يضمن المضارب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو دفع رجل إلى رجل
مالا يتجر فيه، وشرط عليه نصف ربحه فليس عليه في المال ضمان إن
تلف فإن اشترط عليه الضمان فليس له من ربح ذلك المال شئ، ولا
يجتمع على مضارب ضمان مال وإخراج ربح، وإن رضي بذلك
المضارب وضمن لصاحب المال كان ضمانه ورضاه باطلا.
137

كتاب الرهن
139

بسم الله الرحمن
باب القول في الرهن والراهن والمرتهن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يملك المرتهن من
الرهن إلا لزومه واحتصاره بحقه ويلزمه الحفظ لما في يده، فإن كان
حيوانا فعلفه على مالكه وهو الراهن له. قال: والرهن إذا ضاع أو تلف
في يد المرتهن تراد هو والراهن الفضل، وتفسير ذلك: رجل رهن عند
رجل ما قيمته عشرون دينارا بخمسة عشر دينارا فتلف عند المرتهن الرهن
فللراهن أن يطالب المرتهن بالفضل وهو خمسة دنانير، وكذلك ان رهن
ما يسوي خمسة عشر بعشرين فتلف في يد المرتهن كان للمرتهن ان
يطالب الراهن بالخمسة الباقية من ماله عن قيمة الرهن، وليس للمرتهن
أن يطالبه بالفضل حتى يحل الأجل وليس للراهن أن يحدث في الرهن
شيئا من مكاتبة أو بيع إن كان عبدا، أو غيره ولا صدقة ولا هبة، ولا تدبيرا
ولا نكاحا، ولا مؤاجرة.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن راهنا رهن رهنا
إلى أجل وقال للمرتهن إن جئتك بحقك إلى هذا الأجل والا فالرهن لك
بحقك، كان هذا القول باطلا، وكان عليهما أن يترادا الفضل بينهما
وشرط من شرط ذلك منهما باطل. قال: وان رهن راهن أمة أو ناقة
فولدت الأمة أو نتجت الناقة فالولد رهن مع الأم حتى يفتديهما بما على
140

الأم، وليس للمرتهن أن يغير شيئا من ذلك، ولا يرهنه إلا بأمر الراهن،
فإن استعاره الراهن من المرتهن خرج المرتهن من ضمانه، وصار حق
المرتهن على الراهن. قال وان هلك الراهن وكانت عليه ديون،
فالمرتهن أولى بما في يده كله من الرهن، فإن كان فيه فضل عما عليه
رد الفضل إلى الغرماء، وإن كان للمرتهن فضل على الراهن أخذ
المرتهن الرهن بما فيه وضرب مع الغرماء بباقي ماله، وكذلك ان أفلس
الراهن وجاء أجل المرتهن الذي ارتهن إليه، أخذ الرهن إليه، وإنما
جعلنا ذلك للمرتهن لأنه ضامن للرهن وإنه لو تلف في يده لبطل ما عند
الراهن من حق المرتهن. قال: ولو اختلف الراهن والمرتهن في الرهن
فقال المرتهن: رهنت عندي ثوب وشي وقال الراهن: رهنت عندك ثوب خز
فالقول (1) قول الراهن مع يمينه، إلا أن يكون للمرتهن بينة يشهدون على
ما ارتهن. قال: ولا يكون الرهن مشاعا، ولا يكون إلا مقبوضا معروفا
مفهوما بعينه وتحديده.
باب القول في الرهن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا رهن الراهن نخلا أو
شجرا من الفواكه أو أمة مملوكة لها زوج فأغلت النخل والأشجار،
وولدت الأمة لغلة النخل رهن مع أصولها بما أخذه صاحبه فيها، وكذلك
كلما ولدت الأمة فهو رهن معها، بما كان عليها، فان حدث بالغلة
حدث، أو بولد المرهونة، أو حدث بالنخل نفسها، أو بالمرهونة نفسها
في يد المرتهن سقط مما على الراهن بمقدار قيمة الذي هلك، وكان
الباقي مرهونا بما بقي من بعد قيمة الهالك.

(1) قلت: أراد أن المرتهن يدعي براءته باحضار الوشي، والأصل الضمان، لا أنه يلزم
المرتهن ثوب الخز إلا ببينة لتوافق الأصول. (بحر).
141

قال: وكلما لزم النخل من مؤنة في سقي أو غيره فهو على الراهن
في ماله، وكذلك نفقة الأمة المرهونة أو العبد على الراهن، إن زاد ذلك
الرهن فهو لصاحبه، ولا يجوز للمرتهن أن يبيع ثمر النخل ولا ثمر
الشجر، ولا أن يزوج الأمة إلا بإذن مالك ذلك كله وهو الراهن، إلا أن
يخشى على الثمرة فسادا ويكون صاحبها غائبا فيكون للمرتهن بيع ذلك.
بالأمانة والاجتهاد فيه.
باب القول في الرهن أيضا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا رهن أكليلا
من ذهب عند رجل فانشدخ الإكليل عند المرتهن بغير جناية من يد
المرتهن، ولا جناية من أحد عليه، ولكن تهدم عليه بيت، أو سقط عليه
جدار لم يكن المرتهن بغارم في ذلك شيئا، لان نفس الإكليل قائمة
وذهبه قائم بعينه، ولم ينقص منه شئ، فإن نقص منه شئ من الوزن
أو كان فيه جوهر فتكسر، كان المرتهن ضامنا لما نقص منه، فإن لم
ينقص منه شئ وكانت الجناية في شدخه من المرتهن كان عليه غرم
ما نقص من قيمته في هشمه، وإن كان ذلك بجناية من غيره كان صاحب
الرهن مطالبا للمرتهن، وكان المرتهن مطالبا للجاني بقيمة جنايته،
ويكون الراهن بالخيار، إن شاء أخذ رهنه وقيمة ما نقصه هشمه، وإن شاء
ضمن المرتهن قيمة الإكليل صحيحا مصنوعا، وترك له ذلك الإكليل
المنشدخ، وللمرتهن على الراهن ما كان له عليه من دينه.
باب القول في اختلاف الرهن والمرتهن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا اختلف الراهن
والمرتهن فقال المرتهن رهنت رهنك عندي بعشرين دينارا، وقال الران
142

رهنته بخمسة عشر دينارا، سئل المرتهن البينة على ما يدعي، فان أتى
ببينة حكم له بدعواه، وان لم يأت ببينة كان القول قول الراهن مع بينة
لان المرتهن مدع، والراهن منكر.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن المرتهن والراهن يختلفان،
فيقول الراهن الرهن بعشرة، ويقول المرتهن بعشرين، فقال القول قول
الراهن، والمرتهن لا يثبت دعواه إلا ببينة، أكثر ماله على الراهن ان
يحلفه لان البينة على المدعي، وعلى المدعي عليه اليمين.
143

كتاب
الكفالة والضمان
والحوالة والوكالة
145

بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول في الكفالة والضمان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من ضمان لرجل
حقا كان على رجل فهو ضامن لذلك الحق مطالب به، ولا يجوز الضمان
في الحدود، وضمان العبيد المأذون لهم في التجارة جائز ولهم لازم.
قال: وان ضمن ضامن على مضمون عنه مالا، بإذن المضمون
عنه كان المال على الضامن، وكان للضامن أن يأخذ المضمون عنه
باخراجه لما قبله، فإن أبرأ صاحب الدين الضامن من ضمانه لم يبرأ
الذي عليه المال المضمون عليه ورجع صاحبه على الذي له عليه، فإن
وهبه المضمون له للضامن فهو له حق واجب على الذي كان عليه أولا،
يدفعه إلى الضامن الموهوب له، ولو أبرأ صاحب المال غريمه المضمون
عنه، برئ بابرائه الضامن، أو وهبه له برئ أيضا الضامن منه.
قال: وان ضمن رجل عن رجل مالا بغير اذنه كان الضامن مأخوذا
بما ضمن، فان أداه الضامن عن المضمون عنه بغير اذنه كان المضمون
عليه بالخيار إن شاء أداه إليه، وان شاء لم يؤده إليه، لأنه لا يلزمه. قال:
والواجب عليه فيما بينه وبين الله إذا علم أنه لم يهبه له، وأنه إنما أداه
عنه ليقتضيه منه أن يرده إليه لان الله يقول: * (هل جزاء الاحسان إلا
146

الاحسان) * (1) ولا يحل له حبسه، وينبغي لكل غريم إذا ضمن له ضامن
ماله، أن يشترط هو والضامن أن المضمون عنه برئ.
قال: ولو كان لرجل على رجل عشرة دنانير، أو أقل أو أكثر فأحاله
على آخر بذلك المال فرضي واحتال، إن ذلك جائز، وأنه لا سبيل له
على الغريم الأول، وإن ماله قد صار علي من رضي بالاحتيال عليه،
فإن مات الذي احتال عليه فهو أسوة الغرماء في ماله. وكذلك إن أفلس
فلا سبيل له على غريمه الأول لان دينه قد انتقل عن ذلك وصار على
هذا بانتقال ما كان للغريم الأول على هذا المفلس أو الميت ألا ترى أن
هذا الذي أحال غريمه على المفلس لو طالب المفلس بما كان له أولا
عليه من بعد أن أحال به غريمه وجعله له على هذا الغريم الذي أفلس
دونه لم يكن ذلك له، ولم تجز مطالبته له بما قد أحال به عليه غيره،
فلما لم يجز للغريم الأول أن يطالب غريمه، بما قد نقل من ملكه وصار
عنه إلى غريمه وصيره له لم يجز أيضا للغريم من بعد أن رضي بانتقال
دينه عن غريمه الأول إلى هذا الغريم الآخر، وأبرأ الأول منه أن يرجع
عليه بما قد صرفه عنه وصار على غيره لا عليه له.
باب القول في الوكالة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا وكل رجل وكيلا في
أمر من أموره أو خصومة من خصوماته فكل ما لزم وكيله من حق لزمه،
ووجب عليه لوجوبه على وكيله الذي وكله وأقامه من دونه. قال: ولو أراد
الوكيل أن يوكل وكيلا لم يكن له ذلك إلا أن يكون الذي وكله أذن له في
ذلك فيكون له أن يفعل ما أذن له فيه.

(1) الرحمن 60.
147

كتاب
الغصب والاقرار
149

بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول فيما يغصب من الحيوان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو اغتصب رجل
حيوانا، من إبل أو بقر أو غنم أو إماء فنتجت الإبل عنده، أو البقر،
وولدت الغنم أو الإماء كان للمغصوب أن يأخذ ذلك كله، وكل ما أضنى
عنده والاضناء فهو النسل فإن كان الغاصب باع الأولاد أو الأمهات أخذه
المغتصب بقيمة ما باع من الأمهات والأولاد، وكذلك له أن يأخذ ما باع
من ذلك حيث ما وجده، ويرجع المبتاع على البائع بما دفع إليه من
الثمن، فان ماتت الأمهات وبقيت الأولاد أخذ الأولاد وطالبه بقيمة
الأمهات، وإن ماتت الأولاد وبقيت الأمهات أخذ الأمهات ولم يطالبه
بالبنات، لأنه لم يجن عليهن في هلاكهن فإن كان هلاك البنات بجناية
منه طالبه بقيمتهن، وإنما أوجبنا عليه إذا ماتت الأمهات أن يأخذ البنات
منه، ويطالبه بقيمة الأمهات لأنه اغتصب منه الأمهات بأعيانهن فأوجبنا
عليه قيمة ما اغتصب منهن، ولم نوجب عليه قيمة البنات لأنهن حدثن
عنده وفي ضمانه لأمهاتهن، فإذا لم يجن عليهن جناية تذهبهن فلا يأخذ
منه لهن قيمة من بعد موتهن، لأنه لم يغتصبهن، وإنما هي زيادة حدثت
عنده وفي ضمانه لأمهاتهن وكذلك لو سرقن من عنده هن وأمهاتهن أو
شئ منهن كان للمغتصب أن يأخذ المغتصب بما سرق منهن.
150

باب القول فيمن اغتصب دابة فذبحها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اغتصب ناقة
فنحرها أو بقرة فذبحها أو شيئا من الدواب أو من الطير أو من غيره،
فصاحبه فيه بالخيار إن شاء أخذه بحاله مذبوحا، وإن شاء أخذ قيمته
حيا.
باب القول فيمن اغتصب تمرا أو نوى
أو نوعا من الفواكه أو بيضا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا اغتصب غاصب
شيئا مما ذكرنا من النوى فزرعه فخرج وكبر واستوى فليس لصاحب النوى
إلا قيمة ما استهلك من نواه. وكذلك صاحب البيض إذا حضنه فخرجت
له فراخ لم يكن له الا يمة ما اغتصبه من بيضه فقط.
باب القول فيمن اغتصب وديا (1)
أو نخلا كبارا، أو شجرا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من اغتصب شجرا
كبارا أو صغارا، وديا كان أو غيره فغرسه وسقاه حتى كبر فقد اختلف في
ذلك، فقال قوم هو مستهلك له بما فيه من الزيادة وله قيمته، وليس له
قلعه، وقال قوم هو قائم بعينه لم يحدث بعد، ولم يكن حدث كما
يحدث الشجر من النوى إذا زرع فهو لصاحبه لأنه قائم بعينه، وليس
زيادته باستهلاك له، وهذا عندي القول الأخير أحسن القولين وأقربهما
من الحق، لأنه شئ قائم بعينه، وزيادته لا تزيل ملك صاحبه عنه، ولا

(1) الودي: صغار النخل.
151

يملكه المغتصب له، وكما أنه لو نقص له يتبع المغتصب شيئا بنقصانه ما دام
حيا قائما بعينه، فيأخذه بنقصانه، وكذلك إذا زاد أخذه بزيادته إذا كان
قائما بعينه، وما هذا عندي الا كالجدي والفصيل والمهر يزيد في يد من
اغتصبه وسواء عندي كانت الزيادة من الحيوان أو من غيره إذا كان قائما
بعينه في نفسه وصغار ذلك وكباره سواء يأخذه صاحبه متى شاء إلا أن
يتراضيا فيه بينهما تراضيا صحيحا.
باب القول فيمن اغتصب مملوكا صبيا
أو بهيما أو صغارا من الحيوان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من اغتصب شيئا
من ذلك صغيرا، أخذه صاحبه منه كبيرا، وان اغتصب منه هزيلا أخذه
سمينا، وان نتج في يده أخذ ما كان من نتاجه، وإن تلفت أخذ قيمتها.
باب القول فيمن اغتصب ثوبا
أو كرسفا أو صوفا، أو شعرا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من اغتصب ثوبا فقطعه
قميصا، أو قباء (2)، أو سراويل أو دراعة، أو غير ذلك فصاحبه فيه
بالخيار، إن شاء أخذه مخيطا أو غير مخيط وان شاء أخذ قيمته قبل أن
يقطعه، وقد قال غيرنا أنه إذا خيطه فقد استهلكه وليس له الا القيمة،
ولسنا نرى ذلك ولا نقول به، لان تخييطه له لم يزيد فيه بل نقص من قيمته

(2) قال ولا أرش لان التغير لعرض فإن أحدث تمزيقا لا غرض فيه، فإن كان أرشه يسيرا
فليس إلا الأرش وهو النصف فما دون، وإن كان كثيرا فإن شاء أخذه مع الأرش وإن
شاء قيمته صحيحا لنص يحيى عليه السلام في مثل هذا فيما تقدم من الإجارات
ذكر معنى ذلك في شرح التحرير.
152

فلصاحبه الخيار على كل حال إن شاء أخذه، وان شاء أخذ قيمته، وليس
ذلك عندنا من فعله باستهلاك له، وأما الكرسف والشعر فإذا عمل فقد
استهلك، لأنه إذا عمل القطن ثوبا، وعمل الشعر غرارة أو حبلا فقد زالا
عما كانا عليه، واستهلكهما عاملهما، ولصاحبهما قيمتهما يوم أخذا منه
لا غير ذلك.
باب القول في المغضوب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اغتصب
أرضا فبنى فيها كان له نقض بنائه إذا بنى فيها بغير أمره. وإذا بنى فيها
بأمره كانت له نفقته التي أنفق في بنائه، قال: ولو أن رجلا اغتصب أمة
مدبرة فأولدها كان ولدها بمنزلتها يعتقون بعتقها إذا أعتقت، ولا يلحق
نسبهم بالواطئ لأمهم المغتصب لها، وكذلك القول في أم الولد لو
اغتصبت.
باب القول فيمن اشترى شيئا فاستغله
ثم استحق من بعد ذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى عبدا
صانعا فاستغله ثم استحق العبد حكم لمستحقه به، وحكم للذي كان
في يده بالرجوع على من باعه إياه بما دفع إليه من ثمنه، ويكون
ما استغله له، بما شغله فيه من ماله وضمانه إياه.
باب القول فيمن أخذ حيوانا بغير إذن صاحبه
فاستهلك أو غير ذلك من العروض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا استهلك رجل حيوانا
أو عروضا لرجل بغير اذنه رأينا له عليه قيمة ذلك يحكم به عدلان بينهما.
153

فإن تشاجرا أو اختلفا في القيمة استحلف صاحب الشئ على
قيمته التي اشتراه بها، وعلى زيادته ونقصانه، وثباته على حاله التي
اشتراه فيها وعليها، وكانت له قيمته على المستهلك له، ولا يجوز ان يرد
عليه حيوانا مثله ولا عرضا لان ذلك لا يسلم من التفاوت والاختلاف،
وإذا وقع الاختلاف في مثل ذلك فسد ووقع فيه التظالم، والقيمة أسلم
في ذلك للجميع وتكون القيمة قيمته يوم استهلكه.
باب القول فيمن أقر بحق يجب
عليه لاحد من الناس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من أقر بحق لمسلم
عليه لزمه ما أقر به من ذلك الحق صغيرا كان أو كبيرا، وكذلك يلزم كل
حق أقر به لله تعالى أو للعباد مما يجب فيه الحد أو غيره، فمن أقر بالزنا
أربع مرات وجب عليه الحد من بعد أنى فعل في أمره الإمام بما شرحنا
في كتاب الحدود، وكذلك في السرقة ويضمن ما سرق، وكل من أقر
بشئ لزمه الحد فيه، الا أن يكون الزنا، فمن رجع عن اقراره به لم يلزمه
حد فيه قال: ومن أقرب بولد من أمة له لحق به الولد وكان ثابت النسب.
قال: ومن أقر بدين لوارث أو لغير وارث وهو صحيح جاز اقراره
ولزمه، وكذلك ان أقر بدين وهو مريض ثم برئ من مرضه لزمه ما أقر به
إن طالبه الذي أقر له به.
قال ولو أن رجلا أقر بأخ وأنكره سائر أهل بيته كان له أن يشرك
المقر به في الميراث الذي أخذه في حصته، ولم يلحق نسبه بشهادة
المقر وحده، ويلزم المقر والمقر به أن يتوارثا يرثه ويرثه بمنزلة الأخ
154

كاملا، واما اقرار السبي بعضهم ببعض فلا نراه يثبت، وهو الحميل (3)
ومثله.
باب القول في القرار العبد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أقر العبد المملوك
على نفسه بشئ يلزمه به القصاص في بدنه جاز اقراره فيما يلزمه في
بدنه من قصاص جراح أو مثله، وإن أقر بشئ يلزم مولاه فيه بسبب من
غرم أو غيره لم يلزمه اقراره عليه وكذلك ان أقر العبد بشئ فيه تلف نفسه
لم يجز اقراره لأنه على سيده دونه، ويلزم العبيد ما أقروا به من حقوق
وغيرها إذا عتقوا طولبوا بها حين يكون اقرارهم لهم وعليهم.
ذال: وكذلك المحجور عليه في ماله ما ادعى عليه من سبب، أو
أقر به من حق واجب من مال أو جناية وجب عليه اقراره ولزمه ولم يدفع
عنه ذلك الحجر الا أن يكون مجنونا ذاهب العقل، أو صبيا لا عقل له،
فاما إذا كان في غير هاتين الحالتين لزمه ما أقربه حجر عليه أولم يحجر،
لان الحجر ليس له أصل صحيح، ولان المرء أولى بما له إذا كان بالغا
صحيح العقل ثابت اللب.

(3) الحميل: الذي يجاء به من بلد غريبا.
155

باب القول فيما يجوز إقرار الرجل به
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: خمسة أشياء يؤخذ
باقراره فيهن الرجل: وهي أن يقول هذا ابني، أو يقول هذه امرأتي، أو
يقول هذا أبي، أو يقول هذا مولاي، أو يقول لفلان علي دين كذا وكذا.
قال: فإذا أقر بهذه الخمس الخصال أخذ في ذلك بقوله وورثوه
بعد موته إلا أن يأتي الورثة ببينة أنه أراد توليجا في شئ من ذلك وكذلك
المرأة يجوز لها في ذلك ما يجوز له، وقد قال غيرنا أنه لا يقبل قولها في
الولد، وقولها في الولد ألزم منه في غير الولد، لان الولد منها أوكد وبها
ألحق منه بالرجل، وكذلك أن الرجل لو عهر فأولد امرأة ولدا لم يلحق ذلك
الولد الذي من السفاح به، ولم يوارثه، والمرأة لو عهرت فولدت ولدا
ألحق بها ووارثته فلذلك قلنا إن اقرارها به واجب أوجب من اقرار الرجل.
156

كتاب التفليس
157

بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول فيمن أفلس وعنده سلعة غريمة بعينها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه إذا أفلس الرجل وعنده
سلعة غريمة بعينه فصاحب السلعة أولى بها من سائر الغرماء وبذلك
حكم محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي ذلك ما بلغنا
عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أدرك ماله بعيه عند رجل قد
أفلس فهو أحق به من غيره) وبلغنا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أنه قال: (أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أولى بالمتاع إذا وجده
بعينه).
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إذا وجده بعينه أخذه بزيادته
ونقصانه إن أحب ذلك، وان شاء أن يكون أسوة الغرماء فذلك إليه،
وليس للغرماء أن يدخلوا معه في سلعته ولا أن يضربوا معه فيها بسهم لان
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد قضى له بها دونهم. وتفسير
ذلك رجل اشترى من رجل أرضا فيها زرع حين خرج، واستثنى ذلك
الزرع، ثم أفلس المشتري وقد استحصد فقام عليه غرماؤه فلصاحب
الأرض أن يأخذ أرضه بما فيها من الزرع.
قال: فإن كان قد حصدها قبل افلاسه وأكل ثمرها، ثم أفلس
158

فصاحب الأرض أولى برقبتها، ويضرب مع الغرماء في سائر مال المفلس
بيمة الزرع أيام اشتراء الأرض وهو صغير.
قال: فان اشترى منه الأرض ولا زرع فيها ثم زرعها هو ثم أفلس
فصاحب الأرض أولى برقية أرضه ويقال له اصبر حتى يحصد الزرع فإذا
حصد أخذه الغرماء وأخذت أنت أرضك، فإن أبى أن يصبر جبر على
ذلك لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا ضرر ولا
ضرار في الاسلام) وهذا يريد أن يضار الغرماء والمفلس فلا يترك وذلك
قال: وكذلك لو أن رجلا اشترى من رجل نخلا فيه تمر طلع قد أبره
واستثناه على المشتري فأكله واستهلكه، ثم أفلس كان صاحب النخل
أولى بنخله، وكان أسوة الغرماء في قيمة التمر يوم اشتريت النخل في
باقي مال المفلس يضرب معهم بذلك كما يضربون ويحاصهم به فيما
يأخذون، وكذلك القول لو إنه اشترى منه نخلا لا تمر فيها ثم اطلعت
عنده فأبرها وقام عليها، ثم أفلس قبل بلوغها كان صاحب النخل أحق
بنخله وعليه أن يصبر حتى يجد التمر ويأخذ هو أصله الذي اشتري منه،
قال: وكذلك لو اشترى أرضا أو شجرا من أشجار الفواكه مثل
الرمان وغيره فاشترى ذلك الشجر وقد خرجت فيه الثمرة وعقدت واستثنى
تلك الثمرة، ثم أفلس وقد باعها واستهلكها كان الشجر لصاحبه إن اراده
وطلبه، وكان يطالب مع الغرماء بقيمة الثمرة يوم اشترى الشجر وإنما
تكون قيمتها من أصل البيع، فيقسم الثمن على الحائط والثمر فينظر
كم قيمة الثمر من أصل البيع يوم اشترى الشجر، وكذلك كل ما ذكرنا من
النخل والشجر والزرع إذا اشتراه واستثنى فيه ثمرا لم يبن صلاحه، فإن كان
قيمة تلك الثمرة تكون قيمة سدس ثمن الحائط، أدخل الشجر
والحائط بخمسة أسداس الثمن، وطالب مع الغرماء بسدس الثمن،
وكذلك لو كان ثمن الثمرة الثمن، أو أقل أو أكثر كان كذلك.
159

قال: ولو باعه وديا أو شجرا صغرا ثم أفلس فلصاحب الأرض أن
يأخذ الأرض بما فيها من ذلك الشجر صغرا، أو كبارا بالغا منتهاه، أو
غير بالغ لأنه عين ماله. قال: وكذلك لو أفلس وقد تلف ذلك الشجر أو
بعضه كان له أن يأخذ الأرض بما فيها ويطالب مع الغرماء بالذي تلف
مما باعه إياه، ويقضى له بقيمته يوم باعه إياه. قال: وكذلك لو باعه
جارية صغيرة وكبرت عنده وفرهت ثم أفلس، كان لصاحب الجارية أن
يأخذ الجارية في حال زيادتها لأنها ماله بعينه، وكذلك لو اشتراها حسنة
الحال موصوفة بالفراهة والكمال، ثم أفلس وقد ساء حالها، ة أو عورت
عنده أو زمنت لم يكن له غير أخذها بنقصانها، كما يأخذها بكمالها
وزيادتها.
باب القول فيمن اشترى جارية من رجل
فولدت عنده ثم أفلس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى من
رجل جارية إلى أجل فولدت تلك الجارية عند المشتري أولادا من
غيره، ثم أفلس المشتري فليس لصاحب الجارية غيرها بنفسها يأخذها
ويخلي أولادها، لان هذا شئ حدث في ملك المشتري وضمانه،
وليس لصاحب الجارية من ذلك شئ الا الجارية.
قال: وإنما يأخذها صاحبها إذا أفلس المشتري ويترك أولادها إذا
كان الأولاد من غير المفلس من زوج كان زوجه إياها، ف اما إن كان الأولاد
منه هو المفلس فلا سبيل لسيدها الأول الذي باعها إلى أخذها من يد
المفلس، لأنه قد استهلكها، فحالها حال ما استهلك من الأشياء والبائع
فلم يجدها كما دفعها، لأنه دفعها إليه مملوكة ووجدها أم ولد.
160

باب القول في المفلس وعنده عبد قائم بعينه
لم يدفع ثمنه وقد وهب له مالا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا باع من رجل
عبدا فوهب له المشتري مالا وكساه ثيابا ثم أفلس فإن صاحب العبد
يأخذ عبده بعينه ولا شئ له مما وهب له المفلس ويأخذ ما في يده
الغرماء يقتسمونه بينهم.
ذال: وكذلك لو أن رجلا اشترى من رجل عبدا له مال أو ثياب،
فاستثنى المشتري ذلك المال الذي للعبد ثم استهلكه من بعد الشراء أو
أهلكه العبد كل ذلك سواء ثم أفلس فإن صاحب العبد يأخذه ثم يضرب
مع الغرماء في سائر مال المفلس بمقدار ما كان مع العبد من المال أيام
اشتراه. قال: وان اشترى منه أمة ثم أفلس والأمة حبلى من غيره، كانت
الأمة وما في بطنها مردودة على الذي اشتراها منه أولا، وهذا الفرق بين
الزيادة المتصلة والمنفصلة. وكذلك لو اشترى منه إبلا أو غنما فتلف
بعضها ثم أفلس فلصاحبها ما لقح منها ويضرب بالباقي مع الغرماء في
فضل مال المفلس.
باب القول فيمن اشترى أرضا بيضاء
فغرس فيها نخلا أو أحدث فيها بناءا ثم أفلس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى من
رجل أرضا فغرس فيها نخلا أو أحدث فيها بناءا ثم أفلس كان الغريم
بالخيار، إن أحب أخذ أرضه وأعطاه قيمة الغرس الذي فيها، وإن أحب
أسلمها للغرماء وأعطوه ما كان بعها به، فإن أبى أن يأخذ أرضه ويدفع
قيمة ما فيها من الغرس، وأحب الغرماء أن يقلعوا ما فيها من الغرس
161

ويدفعوا إليه أرضه قلعوا، وليس ذلك مما يحكم به عليهم، فإن أبى أن
يعطيهم القيمة، وأبوا أن يقلعوا الغرس حكم له بما كان باع به الأرض،
وسلمت الأرض وما فيها إلى سائر الغرماء ويحكم بذلك عليه أن أبى
حكما يلزمه.
باب القول فيمن باع شيئا وقبض بعض ثمنه
ثم أفلس المشتري وعليه باقي ثمن ذلك الشئ
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا باع من رجل
عبدا فقبض نصف الثمن وأنظره بنصف الثمن ثم أفلس كان العبد بينه
وبين الغرماء، ولم يحكم له بأخذه، ورد ما أخذ من ثمنه لأنه قد قبض
بعض الثمن، وزال العبد من يده بما قبض من ثمنه، وللغرماء أن يبيعوا
الصنف الآخر بقيمته في ذلك اليوم قليلة كانت أو كثيرة فإن أراده الذي
له فيه نصفه أخذه بقيمة ذلك اليوم.
باب القول فيمن رهن رهنا بأكثر من قيمته
أو دون قيمته ثم أفلس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا رهن عند
رجل رهنا يسوى مائة دينار بخمسين دينارا ثم أفلس كان باقي قيمة الرهن
عن ما للمرتهن على الرهن مردودا إلى الغرماء وذلك أن المرتهن يستوفي
حقه ويرد الفضل إلى الغرماء، فإن رهن رجل رهنا يسوى خمسين دينارا
بمائة دينار ثم أفلس الراهن فالرهن للمرتهن بقيمته ويرجع مع الغرماء في
باقي حقه في سائر مال المفلس يحاصهم به ويضرب معهم بسهمه.
قال: فإن رهن عنده عبدين أو أمتين فتلف في يد المرتهن أحدهما، ثم
أفلس الراهن كان الحكم في ذلك أن ينظر إلى قيمته كم هي؟ وكم
162

كانت؟ فإن كانت قيمتها أكثر مما كان عليه رد المرتهن على الغرماء تلك
الفضلة وكانت قيمة الهالكة لازمة له داخله عليه في ماله، وإن كانت
قيمتها أقل مما كان له على المفلس أخذهما بقيمتها من ماله، وضرب
مع الغرماء بباقي حقه في سائر مال المفلس، فان رهن عنده نخلا فأثمر
النخل سنتين أو ثلاثا ثم أفلس الراهن نظر إلى ما كان له على صاحب
تلك النخل وإلى قيمة ثمره تلك السنين فإن كانت قيمة الثمر بما كان له
عليه سلم إليه ذلك وأخذ منه أصل النخل، وإن كان الذي له في النخل
أكثر من قيمة الثمر استوفى ذلك إذا باع هو والغرماء الأصل وسلم إليهم
الباقي كله، وإن كان ما كان له عليه يستغرق الثمر وأصل النخل فهو له
وإن كان ذلك كله لا يودي ماله فيه، أخذ ذلك بحسابه، وضرب بفضلة
ماله في مال المفلس مع الغرماء.
باب القول في الرجل يشتري دارا فيهدمها
ويبنيها بناءا جديدا يفلس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى من
رجل دارا فهدمها ثم بناها بناءا جديدا مبتدأ ثم أفلس كان الحكم في
ذلك أن يقال لصاحبها إن أحببت أن تأخذها وترد باقي قيمتها اليوم من
الفضل عن قيمتها أولا، فذلك لك إن أبيت فأنت أسوة الغرماء. قال: وإنما
جعلنا له الخيار في ذلك لان عرصة الدار قائمة بعينها، وغير ذلك مما
قد أعيد فيها من نقضها وخشبها وسائر ذلك من آلتها، وإن كانت قد
غيرت عن حالها الأولى فهي هي لم تتغير عرصتها ولا كثير من حجارتها
وخشبها وإذا كان ما ذكرنا من ذلك قائما بعينه فهي الدار التي كان قد باع
غير أن بناءها أولا وبناءها آخرا قد اختلفا وتفاوتت صفتهما، فدخل في
ذلك التفاضل بين الحالة الأولى والحالة الأخرى، فألزمنا صاحبها إن
163

أرادها إخراج الفضل الذي صار فيها إلى وقت اعادتها بناءا ثانيا جديدا،
فإن بناها بنيانا دون البناء الأول فاستفضل من خشبها وحجارتها فضلة
أخذها صاحبها وضرب بما نقص من داره مع الغرماء في باقي مال
المفلس.
باب القول في الدين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا ترك مائة
دينار دينا عليه للناس وترك خمسين دينارا وأوصى في هذه الخمسين
التي تركها بوصايا لم تجر وصاياه لأنه عليه دينا، والذين أولى،
والعمل في ذلك أنى ضرب لأصحاب الديون في الخمسين دينارا
بسهامهم، على قدر ديونهم، يضرب لكل انسان بنصف دينه لأنه ترك
خمسين دينارا وعليه مائة دينار دينا. قال: ولو أن رجلا هلك وترك ورثة
ومالا فأدعي مدع دينا فشهد له بما ادعى من الدين بعض الورثة رجلان
أو رجل وامرأتان لحكم لصاحب الدين بما ادعى من دينه الذي شهد له
به الورثة وكان ذلك خارجا من رأس المال.
قال: ولو شهد لصاحب الدين رجل واحد من الورثة لجازت
شهادته في حقه ولزمه أن يؤدي إليه من دينه بمقدار ما كان يلزمه من حقه منه،
وكذلك لو شهدت امرأتان لزمهما ما لزم الرجل في حقوقهما، وتفسير ذلك
رجل مات وترك ستة بنين وترك ستمائة درهم فادعى عليه رجل مائة
درهم وشهد له بذلك أحد البنين وجحده الآخرون فالواجب على هذا
الشاهد أن يدفع إلى الذي شهد له بالدين من المائة التي في يده سبعة
عشر درهما الا ثلثا، لأنه يقول على أبينا من هذه الست مائة درهم مائة
درهم لهذا الرجل ويبقى خمس مائة، ونصيبنا ثلاثة وثمانون درهما وثلث
لكل واحد، فقلنا له أنت قد أقررت بهذه المائة، وإنما لك بقولك من
164

ميراث أبيك ثلاثة وثمانون وثلث فاقبضها وادفع باقي هذه المائة التي
معك إلى غريم أبيك الذي شهدت له بالدين.
قال: وكذلك لو كان خمسة بنين وترك أبوهم ستمائة درهم فشهد
واحد منهم لرجل على أبيه بمائة درهم قيل لهذا الشاهد أنت تزعم أن
لهذا الرجل مائة درهم على أبيك، وان ميراثه خمس مائة الفاضلة من
بعد المائة، وان لكل واحد منكم من بعد ذلك مائة فخذ مائتك وادفع
إلى صاحب الدين ما بقي في يدك من بعد مائك.
باب القول في الحبس في الدين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يحبس الملي من
الغرماء المماطل لغريمه بعد الجدة وحلول الأجل فاما المعسر الفقير فلا
يحبس إذا بان عسره وإعدامه وينظر إلى ميسوره كما قال الله عز وجل:
* (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة (1)) * وأكثر ما يجب على المعسر
أن ينجم عليه دينه تنجيما صالحا له ولصاحب الدين.

(1) البقرة 280.
165

كتاب الصلح (1)

(1) هكذا في بعض النسخ كتاب الصلح.
167

بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول فيما يصطلح المسلمون عليه بينهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل صلح اصطلح
المسلمون بينهم عليه فهو جائز الا أربعة أشياء: صلح حرم ما أحل الله
جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله، أو صلح أحل ما حرم الله، أو
صلح في حد من الحدود التي أوجب الله اقامتها بعد رفع ذلك إلى إمام
المسلمين، أو صلح في نقد بدين، والصلح بدين الذي لا يجوز أن
يكون لرجل على رجل، عشرة دنانير فيطالبه بها فيجحده ويمتنع من
قضائه فيصالح بينهما على أن يطرح عنه خمسة ويأخذ خمسة فيصالحه
صابح الدين ويرضى منه بذلك فيستنظره بالخمسة إلى مدة فهذا
الصلح لا يجوز. ومن ادعى شيئا فصولح على أكثر منه لم يجز، ومن
ادعى شيئا فصولح على ما دونه جاز الصلح على ما ذكرنا من تعجيل
ما صولح عليه، وان وقع الصلح بين الغريمين على شئ مبهم جزافا
لا يعرفانه جميعا كيله ولا زومه ولا عدده، وكذلك الصلح فجائز بين الناس
في الدماء والديات والخراج والديون، وكل سبب يتعاملون عليه وادعاه
بعضهم على بعض إلا ما كان على ما ذكرنا من الأربعة الأشياء، والصلح
جائز من الرجل والنساء من المسلمين جميعا، وأهل الذمة، ولا يكون
168

الصلح إلا بين الذين جرت عليهم الأحكام بالبلوغ من السنين خمسة
عشر سنة، أو الادراك بالبلوغ.
باب القول في الصلح عن الذهب بالفضة
وعن الفضة بالذهب عند القضاء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بذلك يدا بيد،
وتفسير ذلك: رجل كان له على رجل مائة درهم من دراهم صرف مثلها
عشرون دينارا فأتاه بخمسة دنانير فقال هذا الذي لك علي خذه بصرفها
فذلك جايز لهما يدا بيد، وكذلك لو كان له عليه خمسة دنانير فأتاه بمائة
درهم جاز له أن يقبضها منه بصرفها يدا بيد.
169

كتاب
الايمان والنذور والكفارات
171

بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول في الحكم في كفارة اليمين
والقول فيمن يحلف باطلا وهل يعلم ذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من حلف باطلا ليقطع
على مسلم حقا، أو أراد في ذلك بهتانا وإثما كان فاجرا فاسقا غادرا
ظالما وفي أولئك ومن كان كذلك ما يقول الرحمن فيما نزل من القرآن:
* (إن الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم
في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم
عذاب أليم) * (1) وقوله تبارك وتعالى: * (لا خلاق لهم في الآخرة) * فهو
لا نصيب لهم في ثواب الله في الآخرة واما قوله * (لا يكلمهم الله) *
فمعناها لا يبشرهم الله برحمته ولا يخصهم بمغفرته ولا ينظر إليهم بنعمته
وأما قوله: * (ولا يزكيهم) * فهو لا يحكم لهم بتزكية ولا يختم لهم برحمة
ولا بركة، ولا يجعلهم في حكمه من الزاكين ولا عنده من الفائزين.
قال: وهذه الآية نزلت في رجل حلف لرجل عند رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم يمينا فاجرة باطلة فقال رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم: من حلف على مال أخيه فاقتطعه ظالما لقي الله يوم
القيامة وهو معرض عنه. وقال الله سبحانه: * (ولا تجعلوا الله عرضة
لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم) * (2)

(1) آل عمران 77.
(2) البقرة 224.
172

وذلك فمعناه أن يحلف الرجل أن لا يبر له رحما، وأن لا يصلح بين اثنين
من المسلمين لان الله تبارك وتعالى قد أمر بالاصلاح بين المسلمين
بقوله: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت
إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن
فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) * (3) ولا
ينبغي للرجل إذا أمر بخير فعصي، أو أصلح بين اثنين فلم يطع، أن
يحلف أن لا يصلح بينهما، ولا يعود في الدخول في شئ من أمرهما،
فإذا قيل له أصلح بينهما قال قد حلفت أن لا أفعل فلست أقدر لمكان
يميني ولست أستطيع أن أحنث في قسمي فنهاه الله عز وجل عن ذلك
وقال: * (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين
الناس والله سميع عليم) * (4) يقول سبحانه ولا تجعلوا ايمانكم علة
تعرض، وتقطع بينكم وبين طاعة الله في صلة أرحامكم، والاصلاح بين
إخوانكم بل بروا واتقوا وتحروا الخير وأصلحوا وعن إيمانكم كفروا، وقد
يدخل في تفسير هذه الآية أن يكون الله سبحانه نهى عباده عن القسم به
في كل حق وباطل، وأن يجعله عرضة ليمينه في النازل وغير النازل،
قال الله سبحانه: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم
بما عقدتم الايمان فكفارته إطعام عشرة مساكين الآية) * (5) ثم قال
سبحانه: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما
كسبت قلوبكم) * (6).

(3) الحجرات 9.
(4) البقرة 224.
(5) المائدة 89.
(6) البقرة 225.
173

قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الايمان ثلاث فمنهن
اللغو، وكسب القلب، وما عقدت عليه الايمان. فاما اللغو فاليمين
يحلف بها الحالف وهو يظن أنه صادق فيها ولا يكون الذي حلف عليه
كما حلف فهاتيك لغو، وليس عليه فيها كفارة، ولا ينبغي له أن يعود لمثل
ذلك وينبغي له أن يتحرز من اليمين بالله الا في اليقين فهو غير آثم فيها.
وكسب القلوب هو ما حلف عليه كاذبا وهو يعلم أنه كاذب يتعمد
ذلك تمهدا في بيع أو شراء أو غير ذلك من المحاورة في الأشياء فليس
في ذلك كفارة، وفيها التوبة إلى الله والإنابة والرجعة عن الخطية إلى الله
عز وجل والاستقالة، واما المعقدة من الايمان فهو ما حلف الرجل أن
لا يفعله أو أقسم فيه أن يفعله وهو عازم على التمام على يمينه والوفاء،
ثم يرى غير ذلك خيرا منه فيفعله، فعليه في ذلك كفارة اليمين يطعم
عشرة مساكين غداءهم وعشاءهم من أوسط ما يطعم أهله من الطعام
ويؤدمهم بأوسط الادام، يطعم كل واحد منهم نصف صاع من دقيق (7)،
أو صاعا من تمر أن شعير أو صاعا مما يأكله هو وأهله من الذرة أو غيرها
من الطعام أو يكسوهم كسوة تعم جسد كل مسكين منهم، إما قميصا
سابغا وإما ملحفة سابغة يلتحف بها، وإما كساءا، ولا تكون الكسوة إلا
كسوة جامعة للبدن لا يجوز أن يكسى أحدهما عمامة وحدها ولا سراويل
وحدها، أو يعتق رقبة مسلمة صغيرة أو كبيرة، وهو في هذه الكفارات
الثلاث بالخيار يصنع أيها شاء والكسوة أفضل من الاطعام والعتق أفضل
من الكسوة، فمن لم يجد من ذلك شيئا ولم يستطع إليه سبيلا فصيام
ثلاثة أيام متتابعات ثم قال سبحانه: * (واحفظوا أيمانكم) * (8) يقول
احفظوها اي كفروها، وقوموا بما أوجبنا عليكم فيها، ثم قال سبحانه في

(7) والدقيق عنده عليه السلام فهو البر.
(8) المائدة 89.
174

الاستثناء * (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر
ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا) * (9) فأمره
بالاستثناء عندما يتكلم في كلامه أو يؤمل فعله غدا من أفعاله، ثم قال:
* (واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا
رشدا) * (10) يقول لتستثن إذا ذكرت أن نسيت في أول أمرك فلا تدع
الاستثناء عند آخر كلامك وعندما تكون فيه من ذكرك.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا بد من إطعام عشرة
مساكين في كفارة اليمين، ومن اطعام ستين مسكينا في الظهار، لمن لم
يجد عتق رقبة ومن لم يستطع صياما، ولا يجوز ان لم يجد كلهم أن يردد
على بعضهم، ولابد من اطعام ما ذكر الله من عددهم إن كان لم يوجد
بعضهم صبر حتى يوجدوا، وان أطعم بعضهم كان عليه أن ينتظر حتى
يجد تمامهم.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن كفارة اليمين كم يعطى كل
مسكين فقال يعطى مدين مدين من حنطة أو دقيق لكل مسكين، بإدامه
من أي أدام كان أو قيمته لغذائهم وعشائهم وكذلك يروى عن أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن اطعام المسكين في الكفارة إذا
لم يوجد ستون مسكينا أو عشرة، هل يجوز أن يردده عليهم؟ فقال لا يردد
عليهم ولكن ينتظر حتى يجد ما قال الله ستين مسكينا أو عشرة مساكين.

(9) الكهف 23.
(10) الكهف 24.
175

باب القول في ترديد اليمين
في الشئ الواحد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا ردد الرجل ايمانا
مرددة في شئ واحد يحلف عليه في نفسه ولا يجوزه إلى غيره فليس
عليه فيه إلا كفارة واحدة، وإن تعداه إلى غيره فحلف في شئ سواه
فحنث فعليه كفارتان.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الرجل يردد اليمين في الشئ
الواحد فقال: إذا كانت في شئ واحد أيمان مكررة الا يفعله ففعله
فعليه كفارة واحدة.
باب القول فيما يقع به القسم على المقسم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من قال والله لا فعلت
كذا وكذا أو بالله أو تالله لا أفعل كذا وكذا، أو وحق الله، أو قال وربي،
أو قال وحق ربي، أو قال ورب شئ مما خلق الرحمن كائنا من الأشياء
ما كان، أو قال عليه عهد الله وميثاقه، أو قال أيم الله، أو هيم الله أو قال
أقسم بالله، فكل ذلك يمين يلزم فيها الكفارة من حلف بها.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل قال علي عهد الله وميثاقه
فقال: ما رأيتهم يختلفون في قول الرجل علي عهد الله وميثاقه، وأيم
الله، وهيم الله أنها يمين.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا قال أقسم
إن لم أفعل كذا وكذا سئل عن نيته فإن كان أراد القسم بالله كان ذلك
قسما وكانت عليه فيه كفارة، وإن كان أراد القسم بغير الله فلا كفارة
عليه، لان الناس قد يقسمون بغير الله في أشياء كثيرة.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الكسوة في الكفارة ما يكسى
176

كل مسكين؟ فقال: يكسى ثوبا رداءا أو قميصا أو قيمته إذا لم توجد
الثياب وليس فيه ثمن معلوم.
باب القول فيما يجزى من الرقاب في الكفارات
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجزى في الظهار وكفارة
اليمين الصبي والمكفوف، والأعور، والأعرج، والأشل، والأخرس،
والمجنون، لمن لم يجد غير ذلك فإن وجد مسلمة سالمة فهو أفضل له،
فاما في القتل فلا يجوز فيه الا صحيح بالغ في سنه، قد عرف الاسلام
وعمل به، لان الله يقول فيه: * (فتحرير رقبة مؤمنة) * (11) والمؤمنة فهي
التي تعرف الايمان وتعمل بحدوده، وتجري عليها الأحكام فيه ويجري
فيه عليها، فأما في النذور فما أوجب على نفسه لزمه إن كان نوى سليمة
فعليه سليمة وإن كان نوى كبيرة فعليه كبيرة حتى يؤدي ما نذره لربه كما
جعله لله سبحانه على نفسه، والمدبر فقد يجوز في كفارة اليمين وفي
الظهار، وأكرهه في القتل.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن قول الله عز وجل * (فتحرير رقبة
مؤمنة (12)) * أيجوز في ذلك المولود، والمكفوف، والأعور، والأعرج،
والأشل، والأخرس، والمجنون، فقال: قد اختلف في ذلك كله،
ويجوز ذلك كله عندي، والرقبة المسلمة السليمة أفضل، إلا أن يكون
في القتل والرقبة المؤمنة من قد عرف الاسلام وصلى وفيما سوى القتل
فأرجو أن يجزى المولود في مثل الظهار وغيره، إلا أن يكون نوى أو
أضمر أن تكون سليمة فلا تجزيه الا سليمة لان القيمة تكون في ذلك
أكثر، فعليه ما جعل لله على نفسه من نذر إن كان نذر.

(11) النساء 92.
(12) النساء 92.
177

باب القول في الرجل يحلف
ويستثني بعد انقطاع كلامه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا حلف الحالف في
شي ء فاستثنى في مجلسه وقبل انقضاء كلامه وكينونة قيامه فله ما استثنى
من استثنائه، وان استثنى بعد فناء كلامه وانقطاع قاله وقيله، فيما حلف
عليه بيمينه فلا استثناء له في ذلك، وعليه الكفارة ان حنث بيمينه.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن رجل يحلف ويستثنى بعد اغن
انقطع كلامه أو لقاه (13) انسان استثناء، فقال: إن استثنى وهو في مجلسه
وقبل انقضاء كلامه فله استثناؤه، وان لم يستثن حتى انقضى كلامه وقام
من مقامه لزمته اليمين ولم يكن له استثناء.
باب القول فيمن حلف بغير الله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من حلف ببيت الله،
أو بسورة من كتاب الله أو بقبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أو بحق نبي من أنبياء الله، ان لا يفعل شيئا ثم رأى أن فعله خير وأقرب
إلى الله فليفعله، ولا كفارة عليه لان الكفارة إنما تجب في الله وحده
سبحانه، وليس له أن يجعل شيئا مما ذكرنا عرضة ليمينه، وعليه أن يفي
بما حلف به فيه، الا أن يكون غيره خيرا منه، وأقرب إلى الله فيأتي
ما حلف عليه ولا يلزمه كفارة، وقد قال غيرنا يلزمه في ذلك كفارة ولسنا
نرى ذلك كذلك ولا نقول إن الكفارة تلزمه في ذلك.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الرجل يحلف بالقرآن كله، أو
بالسورة أو بالآية، أو بالبيت الحرام، فقال: ليس الحلف بالبيت والقرآن
بيمين تلزمه فيه الكفارة والكفارة لا تلزم الا من حلف بالله.

(13) معنى لقاه: لقنه.
178

قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا بأس بعتق ولد الزنا إذا
كان من أمة مملوكة في كل الكفارات من ظهار، أو قتل، أو يمين، ولا
يجوز عتق المكاتبة ولا ولدها الذي كاتبت عليه معها، أو ولدته في
مكاتبتها في شئ مما ذكرنا، وولدها بمنزلته، وقال في رجل قال:
حلفت بالله في كذا وكذا ولم يكن حلف، أو قال: على يمين في ذلك،
وليس عليه يمين ان تلك كذبة منه ولا يلزمه ما كذب به على نفسه حتى
يكون باليمين لا فظا، وبها متكلما قايلا، ولا يلزمه ما لم يكن، ولا يجب
عليه ما لم يلزم به نفسه.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن رجل يقول حلفت بالله، أو يقول
علي يمين، قال ك إنما تلك كذبة كذبها وليس يلزمه من ذلك ما لم يكن
منه.
باب القول فيمن لزمته كفارة ولم يجد
مساكين من مساكين المسلمين، هل يجوز له
أن يطعم أو يكسي مساكين أهل الذمة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز أن تصرف
كفارات المسلمين إلى غيرهم من الذميين ولكن ينتظر بها أهلها من فقراء
المسلمين حتى تصرف فيهم، ويؤثروا به على غيرهم وقد قال غيرنا إنها
تجوز في فقراء أهل الذمة، ولسنا نقول إنها تكون، إلا في فقراء أهل الملة
الذين تجوز فيهم زكوات أغنيائهم وبها حكم الله لهم في أموالهم فحيث
جازت زكوات المسلمين وأعشارهم جازت كفارتهم وصدقاتهم.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عهن رجل أراد أن يطعم المساكين
في كفارة يمين فلم يجد مساكين المسلمين هل يجوز له أن يطعم
مساكين أهل الذمة اليهود والنصارى؟ فقال: لا يطعم في كفارات اليمين
المشركون ولا يطعم الا مساكين المسلمين.
179

باب القول فيمن أكره على أن يحلف يمينا
ومن أقر بولد ثم نفاه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من أكره على يمين
فحلف لمكرهه لم يكن حانثا الا أن يكون في يمينه ظالما للمسلمين أو
عاصيا لرب العالمين فإنه إذا كان كذلك حنث في يمينه وتفسير ذلك أن
يأخذ مالا لمسلم أن يقتل قتيلا فيؤخذ به فيجبر على اليمين ما أخذ المال
ولا قتل القتيل فهو في هذا ان حلف حانث لأنه ظالم لأنه يحلف على
ظلم لا يجوز له أن يحلف عليه بل الواجب عليه تسليمه ورده أو الاقرار
به. قال ومن أقر بولد ساعة ثم نفاه لم يقبل ذلك منه وألحق به وجلد الحد
إن كانت أم ولده ذلك زوجة له حرة.
باب القول فيمن يحلف يمينا
إلى وقت من الأوقات
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا حلف بالله
لآتين فلانا في وقت العشاء وسئل عن نيته فإن كان نوى أن يأتيه في أول
وقت العشاء وحين وجوبها فأتاه بعد ذلك الوقت في ربع الليل أو ثلثه كان
حانثا، وإن كان لم ينو أول الوقت فأتاه قبل طلوع الفجر، فليس بحانث
لان ذلك الوقت وقت لصلاتها لمن كانت به علة قاطعة عن تعجيل
صلاتها مثل المغمى عليه والحايض تطهر في آخر الليل.
وكذلك لو حلف لآتينك بعد أن أصلي العشاء سئل أيضا عن نيته
فإن كان نوى أنه ساعة يصلي ينصرف إليه كان حانثا إن أبطأ، وإن لم
ينو شيئا كان الليل كله له وقتا.
وكذلك لو حلف على دين لغريم له ليقضينه في وقت من الليل أو
النهار كان الامر فيه على ما شرحت لك، وكذلك لو حلف رجل باطلاق
180

لرجل ليكلمنه أو ليأتينه على رأس السنة أو رأس الشهر كان له أن يأتيه
في أول السنة المقبلة وخروج السنة الأولى فيكلمه في أول ليلة دخلت
من السنة الداخلة ما بينه وبين طلوع الفجر، فإن طلع الفجر قبل أن
يكلمه أو يأتيه فقد حنث، لأنه قد مضى من السنة الداخلة ليلة ومضى
رأس السنة الخارجة، وكذلك القول في الشهر فافهم هذه المعاني،
وقس عليها ما أتاك إن شاء الله بقياس حسن ولب حاضر.
باب القول فيمن يحلف باليمين في صغره
ثم يحنث في كبره أو في حال صغره والمملوك يحنث
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا حلف الصبي يمينا
ثم حنث فلا كفارة عليه لان اليمين لم تلزمه عقدتها في صغره عندما
حلف بها، وكذلك لو حلف في صغره ان لا يكلم فلانا فكلمه بعد بلوغه
لم تلزمه كفارة يمينه في بلوغه لأنه عقد اليمين والعقد لا يلزمه لأنه عقدها
في حال صغره فلما لم يلزمه حفظها عند تعقيده إياها لم يلزمه عند
الحنث كفارة فيها وكذلك عندي القول (14) فيه لو حلف بالطلاق والعتاق
في حال صغره ثم فعل ما حلف عليه ألا يفعله لم نر أنه يلزمه حنث في
طلاق ولا عتاق، وكذلك إن كان فعله لذلك في صغره أو بعد كبره إذا
كان إنما حلف عليه ألا يفعله وهو ابن العشر وما قاربها إلا أن يكون في
ذلك الوقت بالغا فأما المملوك إذا أقسم ثم حنث وجبت عليه الكفارة إذا
كان كبيرا وكفارة يمينه صيام ثلاثة أيام لا يجزيه غيرها فإن أطعم عنه سيده
أو أعتق لم يجزه ذلك.
وكذلك في كفارة الظهار وكفارة قتل الخطأ لا يجزيه إلا صيام
شهرين متتابعين، ولو أطعم عنه سيده أو أعتق لم يجزه ذلك لان الله

(14) في نسخة: وكذلك القول عندي فيه.
181

تبارك وتعالى إنما جعل هذه الكفارات على المذنبين في أموالهم وما
يملكون ويظنون به مما يعز اخراجه عليهم تأديبا منه لهم وتنكيلا بما
يدخل عليهم من الغرم لهم عن العودة فيما تقدم منهم، والعبد فليس
ماله له ولا مال سيده وليس يؤدبه وينكله الا ما ناله في نفسه، والصيام فهو
داخل عليه في نفسه فلذلك أوجبنا عليه الصيام ولم يجزه غير ذلك من
فعل سيد الغلام من عتق أو كسوة أو إطعام.
باب القول فيمن حلف بيمين ألا
يشتري شيئا ولا يبيعه ولا يتزوج
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا حلف بيمين
كائنة ما كانت الا يبيع ولا يشتري شيئا فباع بيعا فاسدا أو اشترى شراءا
فاسدا يجوز له فيه الهبة والصدقة أو العتق لزمه فيه الحنث مثل بيع مسكة
ذهب فيها ستة مثاقيل بخمسة دنانير فأخذ الدنانير فوهبها أو تصدق بها
جازت هبته وصدقته، وكذلك لو اشترى بها عبدا فأعتقه لجاز عتقه له فإن
كان البيع بينه وبين من أخذ منه الدنانير بمسكة الذهب مفسوخا لأنه أخذ
أقل من وزن مسكته فيجب أن يرد عليه الذي اشترى منه المسكة مثقالا
منها أو ذهبا من غيرها حتى يكون قد أخذ مثل وزن مسكته لان الذهب
مثلا بمثل لا يجوز الفضل بينهما ويحكم على البيع أن يرد عليه خمسة
دنانير مثل دنانيره، ولا يجب عليه أن يرتجع تلك الدنانير بعينها ممن
تصدق بها عليه أو من اشترى بها منه العبد فأعتقه.
وكذلك لو اشترى عبدا من رجل بعبدين إلى سنة فأخذه من ساعته
فأعتقه كان أعتق لازما له لأنه قد باعه ويحكم له عليه بقيمته في يوم باعه
إياه، ولا يحكم له بالعبدين لأنه قد وقع التأخير والدين منذ اشتراه إلى
أن حكم له عليه، ولا يجوز بيع الحيوان واحدا باثنين إلى أجل، وإنما
182

يجوز ذلك يدا بيد ويوم ويومان في ذلك كشهر وشهرين، ولا يرد عليه
عبده لان المشتري قد استهلكه بعتقه له فلما لم يحكم عليه في هذا كله
برد الشئ بعينه وكان فعله في ذلك الشئ الذي أخذه جائزا أن لا يرد
عليه، وإنما يطالب بمثله إن كان نقدا أو بقيمته إن كان عرضا، كان
الحالف في يمينه حانثا لأنه قد استهلك ثمن الشئ ولم يحكم عليه برده
بعينه دون غيره فيلزمه باستهلاك الثمن اسم البيع فلما لزمه البيع لزمه
الحنث.
قال: وإن حلف الا يتزوج فتزوج تزويجا فاسدا لم يحنث لان هذا
التزويج ليس بتزويج لأنه تزويج لا يقع فيه على المرأة طلاق وإنما هو
فسخ فكل تزويج ثابت فالطلاق يقع فيه، ومن لا يقع عليها الطلاق من
النساء فليست بزوجة والتزويج الفاسد الذي لا حنث فيه أن يتزوج الرجل
أخته م الرضاعة أو يتزوج امرأة قد أرضعته ولم تعلم أو أم امرأته ولم
يعلم كأنها كانت ببلد ناء لا يعرفها فهذا ليس بتزويج يحنث فيه لأنه
لا يجب فيه الطلاق ولا يجب لها المتعة عليه.
باب القول فيمن وجب عليه كفارات
عدة ولم يجد من المساكين إلا عشرة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا أحب له أن يدفع
كفارات ايمان عدة إلى عشرة مساكين الا أن لا يجد غيرهم بحيلة ولا
سبب، وأكثر ما يعطي العشرة كفارتان كفارة طعاما، وكفارة كسوة،
ويطلب بالفضل غيرهم فان يجد غيرهم دفعها إليهم في أوقات
مختلفة يطعمهم في كل يوم كفارة وان وجد سبيلا إلى البعثة بها إلى بلد
أخرى للفقراء والمساكين أجزنا له ذلك، وإنما أحببنا أن يدفعها إليهم
إذا لم يجد غيرهم يوما بعد يوم ولا يدفعها جملة مخافة أن يأكلوا طعام
183

ثلاث كفارات لثلاثة أيام في يوم ونصف أو يومين لان الواجب على كل
مكفر حانث أن يطعم عشرة مساكين عن كل كفارة اطعامهم يوما فإذا
أطعم كفارة ثلاث ايمان في يومين صارت كفارتين، وكما لا يجوز له أن
يطعمهم عن ثلاث كفارات في يومين يطعم كل مسكين في كل يوم ثلاثة
أمداد عنده وفي منزله يغدي كل واحد منهم ويعشيه مدا ونصفا حتى
تذهب الكفارات الثلاث في يومين لعشرة مساكين لم يجز له أيضا أن
يؤكلهم إياه في منازلهم فهو إذا دفعه إليهم جملة لم يدر في كم يأكلونه
ولا في ماذا يصرفونه مع أني استحب واختار لنفسي ولمن يعنيني فيمن
كفر يمينا أن يدعو المساكين إليه فيطعمهم في منزله يغديهم ويعشيهم
وإن كان المساكين نساءا لا يمكنهن الخروج، والمصير إليه بعث به
إليهن مفتوتا في جفنة مأدوما، وإنما رأيت أن يطعمهم عنده وأن يفته
ويأدمه من قبل التوجيه به إليهن لان الله سبحانه يقول: * (فإطعام عشرة
مساكين) * (15) فأوجب الاطعام أو العتق أو الكسوة وإذا دعاهم إلى منزله،
أو بعث به إليهم مفتونا لم يكن لهم بد من أكله ولم يصرفوه في غير رسمه
وهو إذا وجه به إليهم حبا لم يأمن أن يصرفوه في غير الطعام والاكل له،
وإذا فعلوا ذلك فلم يطعموه وإذا لم يطعموه فلم يكن ليطعموا لان الطعام
لا يكون إلا ما أطعم ولا يصح لنا أنه أطعمهم حتى يطعموا طعامه وكما
لا يصح له أنه سقاهم حتى يشربوا شرابه وكما لا يصح أنه ضربهم حتى
يجدوا مس ضربه وكما لا يصح له مخاطبتهم حتى يسمعوا قوله ويفهمهم
أمره، وكما لا يصح أنه طيبهم حتى يباشروا طيبه ويجدوا رائحته والا فلم
يكن لهم مطيبا، وكذلك لا يصح له أن يكون لهم مطعما حتى يكونوا
لطعامه طاعمين وبه لكلب جوعهم دافعين وإلا فلم يؤد ما قال الله من

(15) المائدة 89.
184

إطعام عشرة مساكين، وكيف يكون لهم مطعما من لم يدفع عنهم بأكل
الطعام جوعا، وإنما أوجب الله سبحانه عتق رقبة كاملة، أو كسوة سابغة
ساترة، أو اطعاما، والاطعام فلا يكون إلا لطاعم يطعمه والطاعم فلا
يكون إلا آكلا وهو لو سلم الكفارات إليهم فاشتروا بها ثوبا واحدا بينهم
أو اشتركوا بها في حمار، أو اتخذوا بها آنية، أو شعارا لم يكن ذلك أدى
ما أمر به الله من عتق ولا كسوة ولا إطعام مساكين، فلذلك كان الامر
عندنا كذلك وقلنا فيه بما قلنا وتكلمنا في شرحه بما تكلمنا، ولو جاز أن
يطعمهم طعام يومين في يوم فيطعمهم صاعا صاعا ويحتسب بها كفارتين
في يوم لجاز أن يطعمهم كفارة واحدة في يومين فيطعم العشرة في كل
يوم مدا مدا لان الزيادة والنقصان سواء إذا أزيلت الكفارة عما جعلت
عليه من المعنى.
باب القول فيما لا يحلف فيه أحد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ثلاثة أشياء لا يحلف
فيها أحد وهي الزنا، والسرقة وشرب الخمر، فمن ادعي عليه شئ من
هذا ولم يكن للمدعي على دعواه بينة لم يلزمه الحد إذا لم يقم عليه
بذلك البينة، ومن ذكر عن رجل أو امرأة زنا، فقال: هو زان أو زانية سئل
عما قال وقذف به صاحبه البينة فإن أتى على ذلك بثلاثة حتى كونوا معه
أربعة أقيم على المقذوف الحد، وان لم يأت بتمام الأربعة الشهود جلد
الحد لأنه قاذف.
185

كتاب الدعوى
187

[بسم الله الرحمن الرحيم]
باب القول في اليمين والبينة على من تجبان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: البينة على من ادعى
واليمين على من أنكر قال: ولو ادعى رجل شيئا في يد رجل فالبينة على
المدعي ولا تقبل بينة الذي في يده الشئ فإذا أقام المدعي على ذلك
الشئ البينة العدول استحقه، وإن كان الشئ في يد رجلين فادعاه كل
واحد منهما لنفسه كله وأقام عليه البينة كان ذلك الشئ بينهما فإن لم
يكن لهما بينة حلفا كلاهما وكان الشئ بينهما أيضا.
قال: ومن ادعي عليه شئ يجب فيه حد لله لم يحكم فيه بيمين
ولم يوجب على صاحبه الحد، فاما إذا ادعى قتل رجل جرحا ولم يكن
للمدعي بينة فانا نرى أن يستحلف المدعى عليه وليس ما كان لله مثل
ما كان للعباد لان العباد يطالبون بحقوقهم والله تبارك وتعالى فإنما أوجب
الحدود التي تجب له بالبينات والشهود العدول، وأبى أن يقام له تبارك
وتعالى حد على أحد من عيده رحمة منه لهم إلا بالشهود العدول.
188

باب القول في المرأة تدعي رحما على رجل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أي امرأة ادعت أن رجلا
خالها، أو أخوها لأبيها وأمها وأنكر ذلك الرجل ما ادعت المرأة من القرابة
بينهما سئلت المرأة البينة على دعواها فان جاءت ببينة ثبت النسب
ووجبت عليه النفقة، وان لم تأت ببينة استحلف لها فان حلف لم يلزمه
من أمرها شئ، وان نكل عن اليمين لزمته نفقتها ولم يثبت بينهما نسب
لان النسب لا يثبت بالشبهة، وإنما تثبت الأنساب بالبينات الثابتات
الواضحات.
189

كتاب المزارعة
191

بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول في المزارعة وما جانسها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يدفع الرجل
إلى الرجل نخلا أو شجرا من شجر الفواكه فيعملها ويقوم عليها ويسقيها
ويعمرها ويكون له شقص منها مسما في أصلها قليل أو كثير.
وكذلك ان دفع إليه أرضا يحرثها ويزرعها ويسقيها ويحصدها
ويكون له في ذلك شقص منها مسما من ربع أو ثلث أو أقل أو أكثر، فإذا
أعطاه بعضها واستأجره به عليها فاما أن يعطيه بعض الثمر على العمل
فلا نجيز ذلك بينهما لما فيه من الغرر على المستأجر والظلم له، وكذلك
إن كانت النفقة من صاحب الأرض أو بينهما وأحب الأشياء إلي أن تكون
من صاحب الأرض وأن يكون البذر من صاحب الأرض ومن العامل
بينهما على قدر ما يشرط للعامل يخرج من البذر بقدر ماله من الشرط في
الغلة ويكون الامر بينهما في الشركة على ما وصفنا في كتاب المزارعة.
باب القول في سحسح الآبار (1) والعيون وحريمها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أحسن ما رأينا وما سمعنا
في ذلك من القول والمعنى أن يكون حكم حريم رأس العين الفقير

(1) قال في الصحاح: السحسح والسحسحة: ساحة الدار.
192

الذي يفور منه ماؤها خمس مائة ذراع من كل جانب منها كلها من شرقيها
وغربيها ويمانيها وشاميها لا يدخل على صاحبها في سحسحه ولا يحتفر
في شئ من حريمه، وحريم البير الجاهلية خمسون ذراعا من كل
جانب، وحريم البير الاسلامية الحادثة أربعون ذراعا فهذا أحسن ما رأينا
وسمعنا في ذلك.
باب القول فيمن أحدث بناءا في أرض
بغير إذن صاحبها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو بنى رجل في أرض
قوم بلا أذنهم فقاموا عليه في ذلك يطلبون أرضهم حكم عليه لهم بهدم
ما بنى في أرضهم وابعاد نقضه من ساحتهم وان بنى باذنهم وشرط عليهم
ألا يبرح هو وعقبه من ذلك المكان أبدا رأينا لهم أن لا يخرجوه إلا بحدث
يحدثه في الاسلام، فإذا كان ذلك منه وكانوا قد شرطوا له ما شرطوا دفعوا
إليه ما غرم في داره وصيروا إليه ما أخرج في بنائه، وإن كان لم يشرط
عليهم المقام في أرضهم والسكنى إلى أي وقت من الأوقات شاء، وإنما
استأذنهم في البناء استيذانا مرسلا فأذنوا له فبنى ثم احتاجوا إلى أرضهم
فليدفعوا إليه قيمة بنائه يوم حاجتهم إلى ما بنا فيه داره من أرضهم.
باب القول في الشريكين في السفل والعلو
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا كان لرجل سفل بيت
ولآخر علو فوقه فانهدم، فأبي صاحب السفل أن يبني سفله، وأراد
صاحب العلو رد مسكنه قضي له على صاحب السفل ببناء سفله ليستقيم
لصاحب العلو بناء علوه لأنه لا علو إلا بسفل، فان ذكر إعسارا أطلق
لصاحب العلو أن يبني السفل ولا يترك صاحب السفل يسكنه حتى يؤدي
193

إليه ما أخرج في غرمه، وكذلك أصحاب العيون إذا أحياها بعضهم لم
يكن للآخرين أن يزرعوا بها حتى يؤدوا من المؤنة بقدر الذي أخرجه فيها
شركاؤهم.
باب القول في الشوارع والطرق
التي تؤتى من كل جانب والأزقة
إذا تشاجر أهلها في سعتها وضيقها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا تشاجر أهل الطرق
وأهل الشوارع وأهل الأزقة في أزقتهم التي لا منفذ لها رأينا أن يجعل
عرض الطريق التي لها منافذ ومسالك سبع أذرع وعرض الأزقة التي
لا منفذ لها على عرض أوسع باب فيها، وبذلك حكم رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم في الطرق ذوات المنافذ، والطرق التي لا منافذ
لها، فاما الطرق الكبار التي تجتاز فيها المحامل والأثقال فأرى أن أقل
ما يجعل عرضها رمحا، وهو اثنا عشر ذراعا، ولم يأت عن الرسول صلى
الله عليه وعلى آله وسلم في شوارع المحامل تفسير ولا تقدير لأنها لم
تكن على عهده صلوات الله عليه، وإنما قلنا نحن بهذا المقدار فيها
بالاجتهاد منا لرأينا وما رأيناه أوسط الأشياء في تقديرنا واتبعنا في ذلك
قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) فجعلنا من ذلك
مقدارا حسنا لم نجعل سعة الشارع إذا تشاكس فيه أهله أوسع من الاثني
عشر ذراعا فنضيق بذلك على أهل المنازل المتشاكسين ولم نجعلها أقل من
ذلك فيضيق على أبناء السبيل المجتازين ولا غيرهم من المتسوقين.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وينبغي للامام أن يتفقد
طرق المسلمين، وسبلهم وأسواقهم ومدنهم، فيصلح نيار الطرق
للحجاج وأبناء السبيل ويحيي مياهها، وينقي مجاولها، ويسهل ما أمكنه
194

من صعبها ويقطع ما يضر بالمار من شجر، ويهدم الصوامع الطوال التي
في المدن التي تشرف على منازل المسلمين وتبدو لمن ارتقى فيها حرمهم
فان ذلك من أصلح أمورهم لان في طولها واشراف من فها هتكا لحريم
المسلمين وسوأة إلى جيران المساجد من المسلمين.
قال: وكذلك ينبغي له أن يوسع قوارع طرقهم ويحوز الناس يمينا
وشمالا عن الاضرار بالمجتازين والتضييق على المقبلين والمدبرين وأن
يأمرهم بتفقد السكك ويأخذ أصحابها بتنظيفها وابعاد ما يضيقها عنها لان
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أمر بتنظيف العذرات وهي
الأفنية والساحات، وان يأمر بقطع الكنف البارزة إلى الطرق والشوارع
وتحويلها إلى داخل المنازل.
باب القول في شريكين اقتسما أرضا
فوقعت لأحدهما بير في أرض صاحبه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا اقتسم الشريكان
أرضا بينهما فوقعت لأحدهما بير في نصيب صاحبه فليس له أن يمنعه
من الدخول إليها والشرب والاستسقاء منها، فإن كان ذلك يضر به لزرع
قد زرعه أو لسبب قد أحدثه انتقضت القسمة بينهما واقتسما قسمة
جديدة، وللبير حريمها لا يحدث على صاحبها فيه حدث.
195

كتاب
الهبة والصدقة والعمري
والرقبى والعارية والوديعة
197

بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول فيما يجوز من الهبة وما لا يجوز
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من وهب هبة وأشهد
عليها أنها للموهوب له وقبلها الموهوب له وكانت معروفة بعينها جازت
الهبة ولم يكن للواهب أن يرجع فيها، فإن كان الموهوب له لم يقبضها
ولكن قد قبلها لان الشهادة مع القبول أكثر من الحوز والقبض.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا يجوز أن يهب انسان
لانسان هبة غير معروفة فإن وهبه شيئا غير معروف ولا مفهوم كان ذلك
فاسدا وكان للواهب أن يرجع فيه متى شاء، ولا يجوز لمسلم أن يهب
لبعض ولده شيئا دون سائر أولاده إلا أن يكون الموهوب له أبذل ولد
الواهب لماله لوالده، وأكثرهم منافع له وبرا به فتكون هبته لم دونهم مكافأة
له على فعله وبذلك لوالده ماله لان الله يقول: * (هل جزاء الاحسان إلا
الاحسان) * (1) فأما إذا استووا في الطاعة والبذل فلا يجوز الأثرة لبعضهم
على بعض، وعلى ذلك يخرج الحديث الذي روي عن رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم في النعمان (*) بن بشير في ابن له أتى به إلى رسول
اله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما

(1) الرحمن 60.
(*) الروايات أنه أبو النعمان بن بشير. تمت.
198

كان لي فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أكل ولدك
نحلته مثل هذا فقال لا قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا وهب رجلا
شيئا لا يريد به منه ثوابا ثم مات الموهوب له كان ورثته في الهبة بمنزلته،
ولم يجز للواهب أن يرجع فيها.
قال: ولو وهب رجل رجلا شيئا لا يريد منه ثوابا يصل به رحما، أو
ثلاثة أيام متتابعات ثم قال سبحانه: * (واحفظوا أيمانكم) * (8) يقول
يقترب به إلى الله عز وجل وكان ذلك الشئ قائما بعينه معروفا بنفسه
وبحدوده فقبل ذلك منه الموهوب له وأشهد له الواهب عليه ثم مات الواهب
قبل أن يقبضه الموهوب له كان ذلك الشئ له ولم يكن لورثة الواهب
منعه إياه لان الشهادة قد وقعت منه فيه، والقبول من الموهوب له قد جرى
عليه، وهو أكثر من القبض عندنا.
قال: ومن وهب هبة لذي رحم أو قرابة لم يحل له الرجوع فيها
من بعد الهبة لمن وهبها.
باب القول في الهبة للمملوك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا وهب
لمملوك رجل جارية أو دادا أو عبدا، أو دابة فقال العبد: قد قبلت كان
ذلك له، وكان سيده مالكا للعبد وما ملك، وان قال سيده: لا تقبل فقال العبد:
قبلت، فالقول قول العبد وان قال العبد لا أقبل وقال السيد قد قبلت فالقول
قول العبد ولا شئ له، وإنما يملك السيد الشئ من بعد قبول عبده له،
ولذلك لو أوصي للعبد بوصية كان الامر فيها كذلك ان قبلها كانت له وان
لم يقبلها لم تكن له.
199

باب القول في الهبة والصدقة
إذا علمت وعرفت وحددت
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس عندنا أن يقول
الرجل للرجل قد وهبت لك داري في موضع كذا وكذا. قال: والهبة
عندنا جائزة، وكذلك الصدقة، وان لم تقبض إذا حددت وفهمت وعرفت
وأشهد عليها لا اختلاف عند علماء آل رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم في ذلك وذلك قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام. قال: وتحديدها أن يقول قد وهبت لك داري التي في موضع
كذا وكذا وحدودها كذا وكذا، وكذلك القول في الصدقة قال: وكذلك
لو قال له قد وهبت لك جاريتي أو عبدي أو فرسي أو جملي جاز ذلك
إذا كان ذلك الموهوب له بالحضرة.
باب القول فيمن تصدق قدار أو بأرض
أو مال على رجل ولم يكن قبضها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من تصدق بصدقة
على صغير أو كبير وكانت الصدقة في يده لم يخرجها، إلا أنه قد بين
وأخبر بها وأشهد على نفسه للموهب له بها فهي جائزة لمن وهبها من بعد
الاشهاد له بها والقبول من الموهوب له بها لا يختلف في ذلك علماء آل
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان جدي القاسم بن إبراهيم
رحمة الله عليه يقول: الذي أرى في ذلك أن الشهادة إذا قامت فهي أوكد
من القبض ومن الحوز إلا أن يكون المتصدق عليه والموهوب له لم يقبلا
فإن كانا كذلك في ترك القبول لم تكن الهبة ولا الصدقة مستحقة ولا
البينة في ذلك نافعة لان المتصدق عليه ربما قبله وربما لم يقبله، فان
قبل مع البينة كانت له، وان لم يقبل لم تكن له، وأما الصغير فما تصدق
200

عليه به منذ لك فموقوف له حتى يقبله عند الكبر أو لا يقبله.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا وقفت عليه أو قفت
غلتها وعملها أيضا، وإن كان له ولي مثل الأب والجد فقبل له جاز قبوله.
باب القول فيمن وهب شيئا بطلب به عوضا
وفي المكاتب يشتري رقبة بالذي بقي عليه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا وهب واهب شيئا
يطلب به عوضا بعينه فلم يعط ذلك العوض فله أن يرجع في هبته، فإن لم
يرجع في هبته حتى كان بعد تلف ذلك الذي طلبه عوضا من هبته فله
أن يرجع ساعة علم بتلف ذلك الشئ، فان تمدا بعد علمه وقتا أو وقتين
أو يوما أو يومين ثم رجع بعد ذلك في هبته فليس يجوز ذلك له لأنه قد
ترك الهبة في يد الموهوب له بعد ذهاب العوض فكان تركه لها بعد علمه
تسليما منه لها.
وكذلك لو وهب رجل لرجل دراهم فاستهلكها أو خلطها بدراهم
مثلها فاختلطت فلم يعرفها بأعيانها من غيرها لم يكن له إلى الرجوع فيها
سبيل لأنها غير قائمة بأعيانها.
وكذلك لو وهب رجل لرجل دينا له عليه لم يكن له إلى الرجوع
فيه سبيل لأنه مال مستهلك غير قائم بعنيه، وكل ما وهب لله أو لصلة
رحم فلا سبيل لصاحبه إليه بسبب ولا معنى.
قال: ولا بأس بأن يشتري الرجل مكاتبا بما بقي من مكاتبته فيه إذا
أجاز ذلك المكاتب ورضي به وإن اشترط الولاء كان ذلك له.
باب القول في الرجوع عن الصدقة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من تصدق بصدقة على
201

قريب أن بعيد أو ولد له صغير لم يجز له أن يرجع فيها لان الصدقة إنما
تصدق بها لله فليس حالها كحال الهبة.
قال: ومن وهب لابنه هبة وكان صغيرا كان له أن يرجع فيها،
ولا يجوز له أن يرجع في الصدقة.
باب القول في المعمري والرقبى
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الرقبى والعمرى يجريان
مجرى الهبة إذا دفعها الدافع إلى المدفوع إليه وقال هي لك ولعقبك،
أو ولدك، فإذا قال له ذلك كان هو وولده أولى بها من المرقب أو المعمر،
وجرت مواريث للمعطى والعقبة أبدا، وان قال قد أعمرتك هذه الدار
حياتك فاسكنها ما عشت، أو هذه النخل فكلها ما عشت كانت له حياته،
فإذا مات رجعت إلى ورثة المعمر لان المؤمنين على شروطهم وعلى هذا
يخرج معنى الحديث الذي رواه جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (أيما رجل أعمر عمري له ولعقبه فإنها
للذي بعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاءا وقعت فيه
المواريث).
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: يريد بقوله وقعت فيه المواريث
أن المواريث وقعت بقول المعطي لك ولعقبك وهذا فهو الذي لا يرجع
إلى المعطي من الرقبى والعمري فاما ما لم يذكر فيه المعطي للمعطى عقبا
فالناس فيه على شروطهم.
باب القول في ضمان العارية
وفي الرجل يموت وللمرأة عليه مهر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: العارية إذا أخذت
بضمان مضمونة وإن لم تؤخذ بضمان لم يكن مستعيرها ضامنا لها، وقد
202

استعار رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من صفوان بن أمية
الجمحي دروعا فقال له عارية مضمونة أم غصبا فقال بل عارية مضمونة
فضمنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلو تلفت لغرمها له. فاما
المرأة فهي أسوة الغرماء في مهرها تضرب سهمها مع سهامهم في مال
زوجها.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: حدثني أبي عن أبيه،
أنه سئل عن العارية تضمن أو لا تضمن؟ فقال: العارية مضمونة إذا
اخذها مستعيرها بضمان، وما كان من غير ذلك مما يستعيره الناس بينهم
فلا ضمان عليه إلا أن يخالف في الدابة ما استعارها له وفيه فيضمن
ما حدث بها عند تعديه فيها، وكأن يقول رحمة الله عليه إن المرأة أسوة
الغرماء في مهرها.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من استعار عارية بلا
ضمان فخالف فيها مثل ان يستعير حمارا إلى بلد فركبه إلى بلد أبعد منه
أو يعيره غيره فيتلف تحته فيلزمه في ذلك كله غرامته، وكذلك كلما كان
من الثياب والحلي إذا استعير لان يلبس في البلد فسوفر به إلى بلد
أخرى، أو أعاره المستعير انسانا غيره فتلف في شئ من ذلك كان على
المستعير غرمة لخلافه فيه.
باب القول في الوديعة وما أمر
الله تعالى به فيها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله سبحانه: * (فإن
أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا
الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليهم) * (2)

(2) البقرة 283.
203

قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا استودع رجل رجلا
وديعة فتلفت عنده فليس عليه فيها ضمان الا أن يكون تلفها بجناية من
المستودع فيكون ضامنا لها، والجناية أن يكون أعارها، أو رهنها أو
أستودعها انسانا غيره أو ما أشبه ذلك بغير اذن المستودع فحينئذ يكون
ضامنا لها.
قال: فان ادعى المستودع أنها ضاعت فلا ضمان عليه والقول
قولا الا أن يتهمه المستودع فيستحلفه.
قال ولو أن رجلين استودعا رجلا وداعة فلم يدر أيهما استودعه
إياها وادعاها كل واحد منهما لنفسه فقد اختلف في هذه المسألة وأحسن
ما أرى أنا في ذلك أن تحبس الوديعة حتى يقيم صاحبها عليها البينة،
فان أقاما كلاهما البينة واستوى شهودهما في وصف الوديعة وتحليتها
قسمت بينهما الوديعة فإن لم يكن لهما بينة استحلفا، فإن نكل أحدهما
وحلف الآخر دفعت إلى الحالف، وإن حلفا جميعا قسمت أيضا
بينهما.
قال: فإن أستودع رجل رجلا وديعة نقدا فمات المستودع بعد ذلك
فلم يعرف الورثة الوديعة فإنه لا حق له قبلهم إلا أن يتهمهم فيستحلفهم
ولا يجب له شئ سوى ذلك عليهم لان صاحبهم كان غير ضامن لما
استودع من هذه الوديعة فلذلك لم يلزمهم إذا لم يعرفوها ولم يقفوا على
أنه استودع صاحبهم ما ذكر وادعى.
204

كتاب
الضالة واللقطة واللقيط
205

باب القول في الضالة واللقطة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أرى للامام أن يجعل
مربدا لضوال المسلمين فكل من التقط ضالة صيرها إلى ذلك المربد
وعلفت من بيت مال المسلمين فكلما ادعى مسلم ضالة فأقام عليها
البينة دفعت إليه، فإن كان في وقت ليس فيه إمام يفعل هذا فأخذ آخذ
ضالة رأيت أن عليه حفظها لأنه قد تقلد ذلك بأخذها ويعرفه ويشيد
بذكرها فإذا أتى صاحبها ضمن لمن هي معه ما أنفق عليها ويتسلمها
منه، فإن بقيت في يده فهي أمانة عنده أن أتلفها ضمنها لصاحبها إذا
طلبها، فإن تلفت بجناية غيره ضمنه إياها وكان غرمها عنده بمنزلتها
لصاحبها متى جاء يطلبها، وإن تلفت بغير جناية منه ولا من غيره عليها
فلا ضمان عليه فيها.
وكذلك سبيل اللقطة عندنا أنها لازمة لمن التقطها لا يجوز له أكلها
ولا استهلاكها وعليه تعريفها طال مكثها عنده أم لم طل لأنه لو شاء تركها
ولم يكن أحد يجبره على أخذها، فإن استهلكها كان ضامنا لها.
باب القول في اللقيط واللقيطة يلتقطان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: اللقيط واللقيطة إذا
التقطهما انسان فكبرا عنده لم يبعهما ولم يهبهما وهما حران وما أنفق
206

عليهما من نفقة لم يرجع بها عليهما وكان تطوعا له، وإن التقط رجل
جارية فكبرت عنده فليس له أن يطأها الا بتزويج، فإن جهل فوطئها فرق
بينهما وكان لها عليه مهر مثلها، فإن أراد تزويجها تزوجها تزويجا
صحيحا بمهر جديد، وكذلك لو باعها الملتقط لها فاشتراها رجل فوطئها
فرفع أمرها إلى الحاكم حكم للمشتري على البائع برد الثمن الذي أخذ
منه، وحكم على الذي وطئها بمهر مثلها وفرق بينهما وأحسن أدب البائع
والمشتري إلا أن يدعيا جهلا بما كان يجب عليهما في ذلك. فان أراد
أن يتزوجها تزوجها تزويجا صحيحا بمهر جديد كذلك.
وبلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: أنه أتته
امرأة تستدعي علي رجل قد باعته جارية لها وقد بقي عليه بعض الثمن
فقالت: يا أمير المؤمنين حقي على هذا الرجل، فقال الرجل: ابتعت
منها لقيطة، فقالت: المرأة أجل خرجت يا أمير المؤمنين إلى مسجد
قومي أصلي الفجر فإذا جارية على الطريق فأخذتها واستأجرت لها
ظئرا، وأنفقت عليها حتى أدركت وتم نفعها فقال علي عليه السلام:
للمرأة آجرك الله فيما وليت، وقال للرجل: أوطئتها، قال: نعم. قال:
للمرأة لا حق لك فيها، وأطلبها بمالك قبلها، واجعل للمرأة صداق
مثلها، ثم قال: لا يكون فرج بغير مهر.
207

كتاب الحدود
209

بسم الله الرحمن الرحيم باب القول في حد الزاني في الكتاب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى
في الزانيين: * (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا
تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد
عذابهما طائفة من المؤمنين) * (1) فأوجب على الزانيين مائة جلدة إذا كان
حرين بالغين وشهد عليهما بذلك أربعة عدول من المسلمين وأثبتوا
الشهادة عند الإمام بالاخراج والايلاج، وثبت عند الحاكم معرفة صحة
عقولهما فحينئذ يجلد كل واحد منهما مائة جلدة كما أمر الله سبحانه.
وأما قوله: * (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) * والرأفة هي
الرحمة والرقة والتوهين في أمرهما والرفق بجلدهما إذا كانا مطيقين
للايجاع، وأما الطائفة التي أمر الله [عز وجل] بشهودها فهي الجماعة
من المؤمنين تكثر حينا وتقل حينا، وقد قيل أن أقل الطائفة ستة: الإمام،
والشهود الأربعة والجلاد. فأما البكران فلا يزادان على مائة جلدة كل
واحد. وأما الثيبان فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أنه أمر برجمهما فلم يختلف الرواة في الرجم أنه رجم ما عز بن مالك
الأسلمي، وأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام رجم

(1) النور 2.
210

شراحة الهمذانية ولم يزل الرجم ثابتا بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم لا يختلف فيه اثنان ولا يتناظر فيه متناظران، ورجم عمر بن
الخطاب في وفارة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
وكثرتهم، وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إذ ذاك
فيهم فما أنكر أحد عليه وكان أمير المؤمنين عليه السلام يضرب ثم يرجم
ويقول الضرب في كتاب الله والرجم جاء به رسول الله صلى الله عليه
وعلى أهل بيته عن الله ومن أعظم الحجج في ايجاب الرجم أن رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجم وأمر بالرجم وهو القدوة عليه
السلام والأسوة، وقد قال الله عز وجل: * (لقد كان لكم في رسول الله
أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) * (2) وقال: * (أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول) * (3) وقال سبحانه: * (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم
عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) * (4).
فإن عارض معارض معاند أو سأل سائل متعنت أو مسترشد فقال:
انا لا نجد الرجم في كتاب الله مذكورا موجبا على الزاني وإنما نجد على
الزاني في الحكم مائة جلدة فأوجدونا لما أوجبتم من الرجم حجة، قيل
له: يا سبحان الله وهل ترك الله شيئا لم يجعل له أصلا في الكتاب،
وأصل الرجم فموجود في القرآن عند ذوي الألباب وبه اقتدى رسول رب
الأرباب مع أمر جبريل له بذلك عن الله، ولولا أن ذلك أمر أمره الله به
على لسان جبريل له كما أمره بغير ذلك من الفروع التي أصل أصولها
في الكتاب، وفرع فروعها وبين فروضها على لسان جبريل عليه
السلام، ومن ذلك الصلاة وعدد مفروض ركعاتها، ومن ذلك الزكاة وشرح

(2) الأحزاب 21.
(3) النساء 59.
(4) الحشر 7.
211

ما أراد الله من أخذها، وما جعل في أقل الأموال وأكثرها، فأصل أصل
الامر بالصلاة والزكاة فقال سبحانه: * (وأقيموا الصلاة واتوا الزكاة) * (5)
فلم يعلم المؤمنون ما يجب عليهم في أموالهم ولا متى تجب الزكاة على
ما في أيديهم حتى ميزة الله وفرع من بعد التأصيل لذكره وفرضه في
الكتاب وبينه لنبيه صلى الله عليه وعلى أهل بيته على لسان جبريل عليه
السلام فأمر به جبريل الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فافترضه
الرسول عليه السلام على الأمة كما أمر الله بذلك فجعل الظهر أربعا،
وجعل العصر أربعا وجعل المغرب ثلاثا وجعل العتمة أربعا، والصبح
ركعتين، ولم يأت عدد ذلك ولا تفصيله في الكتاب.
وكذلك الزكاة أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن
يجعل في مائتي درهم من الفضة خمسة دراهم، وفي عشرين مثقالا من
الذهب نصف مثقال، وفي خمس من الإبل شاة، وفي ثلاثين من البقر
تبيعا أو تبيعة، وفي أربعين من الغنم شاة، وفيما أخرجت الأرض مما
يسقى منها سيحا العشر، وفيما يسقى بالدوالي والسواني نصف العشر
إذا بلغ كيل ذلك خمسة أوسق والوسق فهو ستون صاعا بصاع النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعفا تبارك وتعالى عما دون الخمسة
الأوسق وكل ذلك فلم يأت شرح شئ منه في الكتاب وإنما جاء به
الرسول الأمين عن الواحد الحق المبين، ولولا ما فرعه وذكره وشرحه
وفسره على لسان الرسول لكان يحتمل أن يؤخذ من الشاة والبعير والبقرة
الواحدة والدينار والدرهم والمكوك الواحد.
وكذلك في الصلاة لولا ما فسره الله على لسان نبيه من أمرها وأوقفه
عليه من حدودها وعدد ركعاتها وقيم فروضها لكان من صلى ركعة أو

(5) المزمل 20.
212

ركعتين مؤديا، وكذلك من صلى مائة ركعة، ولما وقف الناس على حدود
الصلاة ولا حدود الزكاة، وكذلك فعل الله في الرجم كما فعل في الصلاة
والزكاة فذكر فعله بمن زنى في الادبار من قوم لوط وما فعل بهم على
زنائهم من الرجم لهم. وما فعله سبحانه فقد حكم به ولن نفعل غير ما به
حكم ولن نحكم بغير ما يفعل، وما فعله فقد ثبت أنه حكم به، وما حكم
به فلا معقب لحكمه.
وكذلك قال سبحانه: * (سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد
لسنة الله تبديلا) * (6). والقبل والدبر فهما فرجان. وحكمهما على من
أتاهما فهو واحد عند من عرف الأحكام ووقف على ما يجب من الحلال
والحرام، لان من فجر بامرأة في دبرها كمن فجر بها في قبلها سواء ذلك
عند جميع أهل الاسلام، وحكمه عندهم جميعا فواحد في الأحكام،
فإذا قد صح أن حكم القبل والدبر واحد فقد صح الرجم عند من عقل
وأنصف بحكم الله تعالى على قوم لوط بالرجم على فعلهم فرجمهم
وذلك قوله سبحانه: * (قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا
إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك
للمسرفين) * (7) فلما أن حكم سبحانه بالرجم على هؤلاء الزناة من قوم
لوط كان ذكر الرجم موصلا بحكم الله في القرآن، وما فعله الله رجل
جلاله عن أن يحويه قول أو يناله فواجب على الرسل أن تفعله إذا حكم
به وجعله، ويقتدي بفعل الله فيه، وما فعله الرسل فواجب على الأئمة
فعله والاقتداء به.
فإن عارض معارض فقال: قد نجد الله أوجب على الزاني مائة
جلدة قيل له: ذلك واجب على البكر فردا وهو واجب على المحصن

(6) الأحزاب 62.
(7) الحجر 57.
213

والرجم معا، فالبكر يجلد مائة جلدة والمحصن أيضا مائة جلدة كما أمر
الله في كتابه، ثم يرجم كما أمر الله على لسان نبيه صلى الله عليه وعلى
أهل بيته وسلم، ولولا أن ذلك شئ من الله أمر به نبيه أمرا لما كان رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليفتات (8) في دماء المسلمين فيتلف
أرواحهم بغير أمر من الله سبحانه ولا حكم منه عليهم في الزنى بذلك،
فميز الله سبحانه بذلك بين من أنعم عليه بالنعم فزوجه وملكه وأعف
فرجه وملا عينيه وأغناه عما حرمه عليه فلم يرض بذلك حتى صار إلى
الحرام وترك ما امتن الله به عليه من الحلال ثم عدا على حرم المسلمين
من بعد أن أغناه عن ذلك رب العالمين ففجر بهن وتعدى من بعد
الاعفاف له والاغناء فأفسد الحرث والنسل وقد ملا الله عينه وشغل
بالحلال فرجه، وبين من عثر ضرورة والجاءا لتحرم الشهوة والطباع
المركب فيه المجعول لديه الذي لم يتزوج فيعف بزوجته فرجه ولم يرزق
غنى كما رزق غيره فهو يتحرك حاجة إلى ما يحتاج إليه مثله ممن ركب
فيه مثل ما ركب فيه من الشهوة فأوجب الله على من عثر (9) فزنى ضرورة
والجاءا وغلبة وبلاء جلد مائة جلدة، وأوجب على من عثر فزنى أشرا
وبطرا وفسادا وظلما وكفرا لنعم الله وغشما وطلبا لافساد حروث
المسلمين وتقليدهم من أولادهم من ليس لهم بأولاد بل هم أولاد الزناة
الفاسقين، فأفسد الأنساب أشرا، وأدخل على المسلمين الفساد في
حروثهم وأولادهم، وأنسابهم بطرا، فواخى بين من ليسوا بأخوة وجعل
المسلمات عمات لمن لسن له بعمات وجدات لمن لسن له بجدات
وأخوات لمن لسن له بأخوات وورث أموال المسلمين والمسلمات من
ليس لهم ببنين ولا بنات تعديا وظلما وعماية وغشما من بعد اغناء الله له

(8) افتاته: إذا سبقه واستبد برأيه.
(9) في نسخة: عهر.
214

واعفافه لفرجه عما كان من زناه الجلد والرجم تنكيلا لمن فجر وتعدى
وأفسد الحرث والنسل وأساء، وفرق بين الفاجر من بعد الحاجة وشدة
البلاء، والصائر الذي ليس بمحتاج ولا مضطر ولا بذي بلاء ولا الجاء
إلى مطاوعة نفسه إلى ما تدعوه إليه، كما فرق بين من كان مضطرا أو غير
مضطر في جميع الأشياء فلعمر الجهلة العمين أن بين هذين الزانيين
لفرقا عند أحكم الحاكمين، وكيف لا يكون عنده فيهما فرق والفرق
بينهما عند جهال عبيده وغلمانهم بين منير واضح ساطع يقين.
فإن عارض معارض متعنت فقال: قد صح أن رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم رجم ما عز بن مالك الأسلمي بتواتر الروايات
واجتماع المقالات فهذا إذ قد كان كذلك فما لا يستطاع دفعه ولا ابطاله
فلعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجم ما عز بن مالك برأي
ارتئاه فيه فكان ذلك رأيا منه هو وفعلا فعله لم يلزمه الأمة، ولم يلزم غيره
أن يفعله كما لم يلزم الناس أن يفعلوا غير ذلك مما كان يراه لنفسه ولا
يوجبه على أمته ولا يفرض فعله على أهل ملته. قيل له: ليس هذا مما
يقع فيه الرأي ولا يجوز فيه الفعل لنبي مرسل معتد ولا لامام بعده
مقتد لان في هذا سفك دماء المسلمين واستيصالهم، وقد قال الله
سبحانه فيمن قتل نفسا مؤمنة ما قال من قوله: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا
فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) * (10)
وقال: * (أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل
الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) * (11) فلم يطلق الله
سفك الدماء لاحد من الأنبياء إلا بحق يجب على المقتول بحكم الله
عليه وفي حظر الله لسفك الدماء إلا من بعد الاعذار والانذار

(10) النساء 78.
(11) المائدة 32.
215

والاستيجاب لذلك بحكمه ما يقول سبحانه لنبيه صلى الله عليه وعلى آله
وسلم: * (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا
يحب الخائنين) * (12) فلم يجز لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قتال
المشركين ولا قتال المحاربين إلا من بعد الاعذار والانذار إليهم فكيف
يطلق قتل المسلمين ويستجيزه رسول رب العالمين بغير أمر من الله له
بذلك، كلا إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الافتيات (13)
في دماء المسلمين لبري صلوات الله عليه وحاشا لله أن يكون رسوله
كذلك، وأن يفعل من غير أمر من الله شيئا من ذلك. ومن قال إن رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى (14) من نفسه رأيا يتلف به أرواح
المسلمين ويقتل به عن غير أمر من الله أحدا من العالمين فقد أبطل في
قوله، وقذف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بكبيرة من أكبر
كبائر أفعال الفاعلين يجب عليه في ذلك التوبة إلى الله من فاحش قوله
والرجعة إليه عن جرأته على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم،
والا فكان من الهالكين المجترين، القاذفين بأعظم الكبائر لرسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرامين له بالبهتان، وهذا لو قيل في عربي
أو عجمي من المسلمين لكان قولا عظيما وظلما وتعديا عليه فيه وغشما
لا يجوز لقائله القول به في أحد من المسلمين، فكيف يجوز له القول به
في رسول رب العالمين أما تسمع من يقول بهذا القول الفاحش ما حكى
الرحمن عن رسوله في القرآن من قوله: * (إن أتبع إلا ما يوحى
إلي) * (15).

(12) الأنفال 58.
(13) الافتيات بالفاء يعني الاختلاف، ويقال افتات برأيه استبد، وكلا المعنيين هنا
صالح. (القاموس)
(14) ارتأى من نفسه رأيا الخ..
(15) يونس 15.
216

فإن عاد المتعنت في تعنته فقال: قد بان لي أن رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم لا يستجيز ذلك ولا يفعله الا بأمر من الله سبحانه
وقد جاءت الروايات وصحت بأنه قد رجم ماعز بن مالك الأسلمي فلعله
أن يكون رجمه في سبب من غير الزنا قيل له: هذه مكابرة وإحالة منك
للكلام لان الرواية قد صحت باقرار ما عز على نفسه عند رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم بالزنا كما صحبت برجمه سواء سواء فلا يشك
أحد أنصف عقله أنه لم ير جمع إلا على ما أقر به على نفسه من الزنا،
فإن كان عندك شئ تأتينا به يجمع عليه معك الناس أنه رجم له وعليه
وفيه دون ما أقر به من الزنا على نفسه عنده كما أجمعوا على رجمه باقراره
بالزنا عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على نفسه فأت به
وألا فارجع إلى الحق ودع المكابرة والتمادي في الضلال والتعلق
بالترهات والمحال الفاسد الفاحش من المقال. ولم يزل الرجم منذ زمان
موسى عليه السلام وقبله حتى ابتعث الله نبيه فأمره جبريل به كما أمره
بغيره مما جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ربه من الفروع
التي ذكر أصولها في الكتاب المبين، ومن الدليل على أن الرجم حكم
من الله قديم على المحصنين ما أخبر الله نبيه عن اليهود وتبديلها له
وطرحها إياه من التوراة وتحريفها لحكم الله وذلك قول الله سبحانه:
* (ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك
يحرفون الكلم من بعد مواضعه) * (16) يريد يحرفون ما في التوراة من حكم
الرجم. وهذه الآية نزلت فيما كان من أمر بشرة اليهودية وذلك أن الله عز
وجل أنزل على موسى بن عمران الرجم في الزاني المحصن فغيرت ذلك
اليهود فجعلوه الجلد أن يجلد أربعين جلدة بحبل مقير ويسودون وجهه
ويحملونه على حمار ويجعلون وجهه إلى ذنب الحمار فلم يزالوا على

(16) المائدة 41.
217

ذلك حتى هاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة فزنت
امرأة من اليهود يقال لها بشرة برجل من اليهود فأراد اليهود جلدها ثم
خافوا من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يفضحهم لما غيروا
من التوراة فقال: الأحبار للسفلة منهم انطلقوا إلى محمد فاسألوه عن حد
الزاني فإن قال أجلدوه فاقبلوا ذلك منه وأن أمركم بالرجم فأنكروا ذلك
ولا تقروا به ولا تقبلوه فأتوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسألوه
فقال: الرجم إن كان محصنا، فقالوا: إن موسى أمر أن يجلد إن كان
محصنا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: كذبتم بل
أمركم بالرجم ورجم فقالوا كلا، فقال: فاجعلوا بيني وبينكم حكما فقالوا
اختر من أحببت فجاءه جبريل فقال له: اجعل فيما بينك وبينهم رجلا
من أهل خيبر أعور شابا طويلا يقال له عبد الله بن صوريا فدعاهم النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: هل تعرفون رجلا من أهل فدك
فنعت لهم نعته، فقالوا: نعم فقال: كيف علمه فيكم بالتوراة؟ فقالوا:
ذلك أعلمنا بالتوراة فقال: ذاك بيننا وبينكم فرضوا بذلك فأرسلوا عليه
فقدم فدخل على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع اليهود فقال له
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أنت ابن صوريا؟ فقال: نعم
فقال: أنت أعلم اليهود بالتوراة؟ فقال: نعم كذلك يقولون، فقال النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنشدك بالله الرحمن الذي أنزل التوراة
على موسى، الذي أغرق آل فرعون وأنتم تنظرون ما أنزل الله على موسى
في الزاني، فقال: فارتعدت فرائصه، وقال: الرجم، فوقعت به اليهود
وقالوا: لم أخبرته؟ فقال: لقد استحلفني بيمين لو لم أخبره عما سألني
لأحرقتني التوراة، فقالت اليهود: ان ابن صوريا كاذب ليس ذلك في
التوراة، فقال عبد الله بن سلام للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
اجعل بينك وبينهم التوراة فإنه فيها مكتوب، فقال لهم النبي صلى الله
218

عليه وعلى آله وسلم: بيني وبينكم التوراة فقالوا: نعم فركب النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم إلى بيت المدارس على حمار ومضى معه
أصحابه فقال لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا تبدأوا اليهود
بالسلام فإذا سلموا فقولوا وعليكم مثله فأتى النبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم إلى بيت المدارس فدخل وقال: إئتوا بالتوراة فجاءوا بها، وكان
الذي يقوم عليها جدي بن أخطب وليس بحيي بن أخطب، وجلس معه
عبد الله بن سلام فقال له: إقرأ في سفر الحدود فلما بلغ الرجم وضع
ابهامه على ذلك الحرف، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفعها
فقال اقرأه فقرأ الرجم في التوراة مبينا من الله جل جلاله.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: أما قول الله عز وجل:
* (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) * (17) فإنها آية منسوخة
نسخها قول الله عز وجل: * (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع
أهواءهم) * (18) فوجب الحكم بين أهل الكتاب وعليهم بما أنزل الله في
الكتاب من الأحكام، فأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما
أنزلت عليه هذه الآية باليهوديين الزانيين فرجما. وكذلك قول الله عز
وجل: حين يقول: * (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا
عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن
الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) * (19) فكان هذا أول ما أنزل الله عليه نبيه
صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أمر الزانين، حتى أنزل عليه ما أنزل
من الحدود، فكان ذلك السبيل الذي ذكر الله أنه يجعله.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا ينبغي للامام أن يزجر

(17) المائدة 42.
(18) المائدة 49.
(19) النساء 15.
219

ولا ينهر المتهم ليقر لأنه قد يروى أنه لاحد على معترف بعد بلاء،
وينبغي للامام ألا يضرب ولا يرجم حتى يصح عنده أنها غير حامل
بالاستبراء لها بما جعل الله من حيضها فإن الله إنما جعل السبيل له عليها
في نفسها لا على ما في بطنها من ولدها، لأنه لا يؤمن عليها إن ضربت
وهي حامل أن تطرح ما في بطنها من ولدها، وكذلك إن رجمت قتلت
وقتل ما في بطنها، وليس من حكم رب العالمين ان يقتل الإمام بنفس
نفسين ولكن الواجب على إمام المسلمين أن يستبري رحمها، فإن كانت
سليمة من الجنين أقام عليها حكم رب العالمين، وإن كانت مشتملة
على جنينها انتظر بها أن تضع ولدها ثم انتظر بولدها الفصال والاستغناء
عنها، فإذا استغنى عنها ولدها أقيم عليها حدها، إلا أن يوجد من يكفل
ولدها فإن وجد له كافل ثقة عليه، أقيم عليها الحد وضمن الكافل جميع
أمر الولد. وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام أنه لما كان في ولاية عمر أتي إليه. بامرأة فسألها فأقرت بالفجور
فأمر بها أن ترجم فلقيها علي عليه السلام فقال: ما بال هذه؟ قيل له:
أمر بها عمر أن ترجم فردها علي رضي الله عنه فقال: أمرت بهذه أن
ترجم؟ فقال: نعم اعترفت عندي بالفجور. فقال: هذا سلطانك عليها
فما سلطانك على ما في بطنها، قال: ما علمت أنها حبلى، قال: فإن لم
تعلم فاستبر رحمها، ثم قال علي عليه السلام: فلعلك انتهرتها أو
أخفتها قال: قد كان ذلك، قال: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم يقول: (لاحد على معترف بعد بلاء) فلعلها إنما اعترفت
لوعيدك إياها، فسألها علي عليه السلام عن ذلك فقالت ما اعترفت الا
خوفا فأمر بها فخلي سبيلها، ثم قال عمر: عجزت النساء أن تلدن مثل
علي لولا علي لهلك عمر ويروى عن عمر أنه كأن يقول: لا أبقاني الله
لمعضلة لا أرى فيها ابن أبي طالب.
220

قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ما كان أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب بغبي المقام ولا بصغير الحال ولا بخفي الامر، ولا بقليل
الصبر، ولا ببعيد من الرحمن، ولا بجاهل بما نطق به القرآن، ولا بقليل
الرحمة للرعية، ولا بملتبس الامر على البرية، أخو الرسول المصطفى،
وولي من آمن واهتدى، الناصر للدين، والقائم بحجة رب العالمين،
والحاكم بالكتاب المبين، الباذل نفسه لله ولرسوله، الشاهر سيفه في
الحق من دونه، قتال الاقران ومستنزل الفرسان من كل طامح العنان، إذا
التقت صثلب المران، كاسر العساكر، واصل الاياصر، مروي البواتر من
نجيع البوادر، أبو السبطين الحسن والحسين ابني رسول الله الطاهرين
المجاهد السابق إلى الله غير مسبوق وأسبق السابقين، وأول المسلمين
وأشرف التابعين والمهاجرين، المسمى في القرآن بالايمان، والمحكوم
له بالولاية والاحسان، وذلك قول الواحد الرحمن: * (أفمن كان مؤمنا
كمن كان فاسقا لا يستوون) * (20) ويقول * (السابقون السابقون أولئك
المقربون) * 21) ويقول: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * (22) فهذا قليل من كثير مما
ذكره به في القرآن اللطيف الخبير مما لا يجهله الا المتجاهلون ولا يحار
عنه الا الخونة الظالمون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
باب القول في الحد متى يجب على
المحصن والبكر بالشهادة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجب الحد على

(20) السجدة 18.
(21) الواقعة 10 11.
(22) المائدة 55.
221

الزاني حتى يشهد عليه أربعة عدول بالزنا والايلاج والاخراج، فإذا
شهد عليه أربعة وجب على الإمام أن يسأل عن عدالة الشهود وعن
عقولهم وعن إسلامهم وعن أبصارهم فإنه ربما كان فيهم الذمي الذي
لا تجوز شهادته عل الملي، وربما كان فيهم الأعمى الذي لا يتبين عماه
إلا لمن عرفه وذلك الذي ينزل الماء في بصره فلا يستبين ذلك للامام
منه الا بالسؤال عن ناظريه فإذا صح عنده أمر ذلك سأل هل بين الشهود
وبين المشهود عليه عداوة، حتى يبرأوا من ذلك كله، فإنه لا ينبغي للامام
أن يقبل شهادة العدو على عدوه لفساد الدهر واختلاط الامر وعوز
المحقين وقلعة الصادقين فينبغي للامام أن يتحرز من ذلك كله فيكون
حذرا فطنا قائما على أخمصيه ذهنا جادا في أمر الله، حاكما بأحكام الله
غير متقدم على شبهة ولا متأخر عن صحة، وفي ذلك ما يقول الله عز
وجل: * (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما
بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) * (23) وقد قال رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم: ادرؤا الحدود بالشبهات. وقد قال أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام: (لان أخطئ في العفو أحب إلى من
أن أخطئ في العقوبة) فلما ذكرنا من قول الله ورسوله وأمير المؤمنين
ما قلنا ثبت أنه يجب على إمام المسلمين التثبت في أمور العالمين، وقلنا
إن الوقوف عند الشبهة خير من التقدم في الزلة، فإذا صح للامام أمر
الشهود وجب عليه أن يسأل عن المشهود عليه حتى يثبت له عقله،
ويصح له لبه، ثم يسأله عنه أحر هو أم مملوك؟ ثم يسأل عنه أمحصن
هو أم غير محصن فإذا شهد شاهدان عدلان على إحصانه، سألهما
الإمام ما الاحصان نفسه؟ فإذا أثبتا له الاحصان بعينه وأخبراه أنه قد
جمع زوجته وضم إليه أهله أقام عليه حد المحصن فضربه مائة ضربة ثم

(23) الحجرات 6.
222

رجمه فكان أول من يرجمه الشهود الأربعة ثم الإمام بعدهم، ثم
المسلمون كلهم أو من حضر رجمه منهم، فإن سأل عنه فذكر له أنه
بكر، أو ثبت له أنه لم يكن نكح بامرأة هي في حباله اليوم أو مفارقة، جلد
عند ذلك مائة جلده، ولم تأخذه ولا المؤمنين به رأفة ولا رحمة كما حكم
وأمرهم به فيه ربهم، وكذلك يجب على الإمام من التثبت في أمر المرأة
ما وجب عليه من التثبت في أمر الرجل لان أمرهما عند الله سواء في
جرمهما في الحد والحكومة منه سبحانه في ذلك سواء عليهما.
باب القول متى يجب الحد على المعترف بالزنى
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الواجب على الإمام
فيمن اعترف عنده بالزنى ان يتشاغل عنه ويزجره، ولا يعمل بقوله، فإن
مضى ولم يعد إليه لم يسأل عنه، وان هو أبى الا تكرار القول عليه والزامه
نفسه زجره مع كل إقرار زجرة سهلة غير فظيعة حتى إذ أقر على نفسه
أربع مرات ودام على اقراره والشهادة بالزنى على نفسه وجب على الإمام
أن يسأله عن الزنى ما هو وما معناه وكيف هو، فإذا هو أثبت له فيه المعنى
ووقفه على حدود الزنى وأخبره أنه أتاها حراما كما يأتي أهله حلالا، سأل
عن عقله وبحث عن جودة لبه، فإذا صح له عقله سأل عنه أحر هو أم
مملوك؟ ثم أمر بجلده فجلد مائة جلده إن كان حرا أو خمسين إن كان
مملوكا ولم يأخذه ولا المسلمين به رأفة، إن كان بكرا اكتفى بجلده، وإن كان
محصنا حرا رجمه من بعد جلده وكان أول من يرجمه من بعد اعترافه
الإمام، ثم المسلمون، فإن كان المعترف امرأة وجب عليه أن يفعل في
أمرها وزجرها والتشاغل عنها كما فعل في أمر الرجل، فإن ذهبت لم
يسأل عنها، وان ثبتت وأثبتت أربع شهادات على نفسها أخبرها الإمام
أنه إن كانت محصنة رجمها وإن كانت بكرا جلدها. وينبغي له أن يقول
223

لها: لعلك ترهبت، لعلك اغتصبت، لعلك أكرهت إكراها، فإن ذكرت شيئا
من ذلك أطلقها ولم يقم الحد عليها ولم يسألها من اغتصبها لأنه لا يجب
على أحد حد بشهادتها، وإن لم تدع شيئا من ذلك وأبت إلا المضي
على ما هي عليه سأل عن عقلها كما يسأل عن عقل غيرها، فان صح له
عقلها وثبت له لبها أقام عليها حد مثلها بكرا كانت أو محصنة، يجلدها
إن كانت بكرا، ويرجمها من بعد الجلد إن كانت محصنة، وكذلك روى
لنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه جلد ثم رجم.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ويحفر للمرجوم إلى سرته،
وللمرجومة إلى ثدييها ويترك لهما أيديهما يتوقيان بهما.
حدثني أبي عن أبيه أن سئل عن المقر بالزنا كم يردد فقال: ذكر
عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ردد ما عز أربع مرات، فلما
كان في الرابعة أمر برجمه، والمرجوم إذا رجم بالبينة كان أول من يرجمه
الشهود وإذا أقر واعترف كان أول من يرجمه الإمام ثم الناس. وقد ذكر
مثل ذلك عن علي عليه السلام، وكان علي يقول إذا أمر بالضرب أن
تضرب الأعضاء كلها إلا الوجه وكأن يقول اتركوا للمحدود يديه يتوقى
بهما عن وجهه وعينيه، وأما المرجوم فيحفر له حفرة يقوم فيها إلى سرته،
وأما المرأة فيحفر لها إلى ثدييها ويرجمها جماعة ويمضون الأول فالأول
حتى يفرغوا، والسوط الذي يجلد به المجلود (24) يكون سوطا بين الغليظ
والدقيق.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: بلغنا عن أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام أنه رجم امرأة بالكوفة فحفر لها حتى
وارى ثدييها ثم قام والناس صفا واحدا ثم أخذ حجرين فرمى بيده اليمنى
ثم رمى بيده اليسرى ثم رمى الناس. وروي عن رسول الله صلى الله

(24) في نسخة: يجلد به المحدود.
224

عليه وعلى آله وسلم أنه لما جاءه ماعز بن مالك الأسلمي فقال يا رسول
الله إني زنيت، فأعرض عنه، فقال: إني زنيت، فأعرض عنه، فقال:
إني زنيت فأعرض عنه، فقال: إني زنيت، فأقبل عليه، فقال: أتيتها
فقال: نعم، قال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها كما يغيب الميل
في المكحلة والرشا في البير، فقال: نعم فقال: وهل تدري ما الزنى:
فقال: نعم، أتيتها، حراما كما يأتي الرجل أهله حلالا، قال: فما تريد
بقولك؟ قال: أريد أن تطهرني يا رسول الله، فأمر به فرجم فمر برجلين
فقال أحدهما للآخر: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه
حتى رجم مرجم الكلب، قال: فسكت عنهما رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم حتى مر بجيفة حمار، فقال لهما رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم: انزلا فأصيبا من هذه الجيفة فقالا: غفر الله لك
يا رسول الله أنأكل من هذه الجيفة؟ فقال: ما أصبتما من أخيكما آنفا
أعظم من اصابتكما من هذه الجيفة، إنه الآن لفي أنهار الجنة يتقمص
فيها.
باب القول في المملوك يقيم عليه سيده الحد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا زنى المملوك كان
الإمام المتولي لا قامة الحد عليه دون سيده لأنه أولى بذلك منه لان الله
أمره به، ولم يأمر سيده، ف ان لم يكن امام فلا بأس أن يقيم السيد الحد
على عبده.
وقد روي عن الني صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك
حديث، وحديث عن علي بن أبي طالب عليه السلام ولسنا ندري
ما صحة ذلك، فأما الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم فإنه قال: (أقيموا الحدود على ما ملكت ايمانكم) وأما الحديث
225

الذي روي عن أمير المؤمنين عليه السلام فذكر أن رجلا أتاه فقال يا أمير
المؤمنين إن أمتي زنت، فقال: اجلدها نصف الحد خمسين، فإن
عادت فعد فقال: ادفعها إلى السلطان؟ فقال: أنت سلطانها.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن المملوك والمملوكة يزنيان من
يقيم عليهما الحد؟ فقال: إمام المسلمين دون سيدهما.
باب القول فيما يكون به الرجل
محصنا والمرأة محصنة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يحصن الرجل بالحرة
والأمة، إلا أن يكونا مجنونتين أو تكون أيتهما كانت زوجته صبية لا يجامع
مثلها في الفرج، فأما إذا جامعها وهي تطيق ذلك في موضع الحرث، أو
كانت ابنة خمس عشرة سنة فهي تحصنه والأحكام تجري عليه بها، فاما
أهل الكتاب من اليهوديات والنصرانيات فلسن عندنا مما يحصن به
الرجال، لأنه نكاح عندنا فاسد لا نجيزه، ولا نرى أنه يحل لمسلم نكاح
مشركة، والذميات فهن المشركات بأعيانهن لكفرهن بربهن وجحدانهن
لنبيهن، وانكارهن لكتاب رب العالمين، ورفضهن لفرائض أرحم
الراحمين.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن رجل حر تزوج أمة ثم فجر هل
هو بها محصن؟ فقال: الأمة تحصن الرجل في قولنا إحصان الحرة له
وحده إذا زنى حد المحصن، وقد اختلف في الاحصان فمنهم من قال:
هو العقدة، ومنهم من قال: هو المسيس والمجامعة.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه لا يكون محصنا عندنا
حتى يجامعها أو يرخي سترا عليها، ويخلو بها، ويجب عليه مهرها فما
أوجب المهر كله أوجب اسم الاحصان ووجب به الحد على كل انسان.
226

باب القول في الشهود يرجع بعضهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا شهد أربعة على
رجل بالزنى وأثبتوا شهادتهم كلهم ثم رجع بعضهم بعد أن قد شهدوا
وقبل مضي الحد جلد الراجع من الشهود لأنه قد قذف ثم رجع عن قذفه
فلزمه حد القاذف ولا سبيل على الباقين لان الشهادة قد تمت أربعة أولا
قبل رجوع الراجعين.
قال: وإن شهد أول الشهود على إنسان بالزنى ثم نكل آخر
الشهود لم يشهدوا جلد الذين شهدوا أولا ولا سبيل على المشهود عليه
ولا على الناكل لان الشهادة لم تتم أربعة شهود كما قال الله فصار الأولون
قاذفين عليهم أن يأتوا على دعواهم وقذفهم بأربعة شهود أو بشاهدين
يشهدان على ذلك الموقف الذي شهد هذان الشاهدان على الزاني بالزنا
فيه إن كان الذين شهدوا أولا اثنين، وإن كان الذين مضوا على الشهادة
ثلاثة كان عليهم أن يأتوا برابع يشهد على ما شهدوا عليه بعينه، وإن كان
الذي مضي على الشهادة واحدا كان عليه أن يأتي بثلاثة يشهدون على
ما شهد عليه بعنيه في ذلك الوقت، وفي ذلك المكان حتى يشهدوا كلهم
أنهم رأوه معا في حال ما شهدوا عليه به من ذلك الزنى، فإن لم يأت
الشاهدون بشهود معهم تمام الأربعة الذين ذكرهم الله فهم قاذفون،
وذلك قوله سبحانه: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة
شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) * (25) وفي ذلك ما يقول أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام: (ما أحب أن أكون في أول الشهود
الأربعة) فدل بذلك على أنه إذا رجع بعضهم جلد الأولون.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن أربعة شهدوا

(25) النور 4.
227

على رجل بالزنى فرجم ثم رجع بعد الرجم منهم واحد سئل الراجع هل
تهمدت قتله بشهادتك؟ فإن قال نعم، وأقر على نفسه بأنه متعمد لقتله
بطلت شهادته وقتل به وأن جحد أن يكون تعمد قتله وقال: لم أدر ما ينزل
به، وادعى خطأ غير ذلك كان عليه أرش ربع الضرب وربع الدية،
ويكون ذلك على عاقلته، وإن كان تعمد قتله وأقر بذلك على نفسه
فصالحه أولياء القتيل على دية يدفعها إليهم صلحا قليلا أو كثير كان
ذلك في ماله خصوصية ولم يكن على عاقلته منه شئ، ويضرب الحد
لقذفه، ولا سبيل على الثلاثة الذين شهدوا ولم يرجعوا لان الحد قد
مضى بالشهادة التامة بحكم الإمام عليه بها.
باب القول في رجوع أحد الشاهدين
بالاحصان على المحدود
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا شهد عليه
أربعة عند الإمام بالزنى فسأل عن إحصانه فشهد عليه شاهدان
بالاحصان، ثم رجع أحدهما قبل إمضاء الحد لم يكن عليه حد في
ذلك. وينبغي للامام أن يؤدبه حتى يتثبت في أمره وشهادته، وليس على
الشاهد الآخر شئ لأنه لم يقذف في شهادته فيكون قاذفا، إنما شهد
على الاحصان ولم يرجع عن شهادته فيؤدب على خطأه.
باب القول فيمن استأجر أمة
أو استعارها، أو استرهنها فوطئها
ثم قال كنت أظن أنها تحل لي بذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا أرى أن من وطئ
مستأجرة أو مستعارة إلا زانيا يجب عليه في فعله الحد، فإما صاحب
228

المرتهنة فإذا ارتهنها وحازها ثم وطئها فادعى في ذلك أنه توهم أنها تحل
له بارتهانه لها درئ عنه لا اختلاف عند الناس في ذلك، وإنما ميزنا بينه
وبين غيره لأنها لو تلفت عنده كان ضامنا لها، لان الرهن بما فيه، إلا أن
يكون فيه فضل فيترادانه بينهما.
قال: وإن لم يدرع جهلا بفعله أقيم عليه الحد كما يقام على
غيره. قال: وكذلك لو اغتصب مغتصب جارية فوطئها وأولدها كان الحد
عليه وكانت الجارية وولدها لصاحبها، فإن ماتت الجارية في يد
المغتصب طالبه بقيمتها يوم اغتصبها وأخذ منه ولدها مملوكا لسيدها فإن
مات بعض ولدها لم يكن المغتصب لهم ضامنا لقيمته لأنه حادث سوى
المغتصب بعينه.
باب القول في رجل شهد عليه بالزنا
فوجد مجنونا بعد مضي الحد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجل شهد عليه
أربعة بالزنا وكان محصنا فرجم ثم وجد بعد رجمه مجنونا كان على الإمام
أن يؤدي ديته من بيت مال المسلمين لان هذا الخطأ من خطأ الإمام،
لان الواجب على الإمام أن يسأل عن صحة عقل المشهود عليه كما يسأل
عن غير ذلك من أمره، فإن لم يكن محصنا فضرب بشهادتهم، فعلى
الإمام أرش الضرب من بيت مال المسلمين.
وكذلك ان شهدوا على رجل فرجم، ثم وجد مملوكا كانت قيمته
لمولاه عليهم في أموالهم إذا شهدوا أنه حر، وإن هم لم يشهدوا أنه حر
ورجمه الإمام ثم وجده مملوكا فهذا خطأ من خطأ الإمام فديته من بيت
مال المسلمين لان الواجب على الإمام أن يسأل عنه أحر هو أم مملوك؟
229

باب القول في المرأة يشهد عليها بالزنا
ثم توجد رتقاء أو عذراء بعد مضي الحد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن أربعة شهدوا على
امرأة بالزنى فأقيم عليها بأحد ثم نظر إليها النساء بعد ذلك فوجدنها
عذراء أو رتقاء لم يكن على الإمام ولا على الشهود من ذلك شئ لان
هذا حد من الحدود والحد، لا تقبل فيه شهادات النساء، فان نظرن إليها
قبل إمضاء الحد عليها فذكرن ذلك عنها لم يكن على الشهود حد فيما
رموها به لان الشهود على إبطال ما قال النساء ولا يقال الحد على الرجال
بشهادة النساء ويدرأ الحد عن المرأة المشهود عليها بالشبهة التي وقعت
فيها.
باب القول فيمن شهد عليه بالزنا من الرجال
والنساء وكان الزوج والزوجة لا يحصن مثلهما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو شهد على رجل أو
امرأة بالزنى والاحصان ثم نظر الإمام في أمر زوج المشهود عليها فإذا به
صبي صغير لا يجامع مثله، أو صبية لا يجامع مثلها أو مجنون أو مجنونة
لا يفيقان، أو كانت زوجة الرجل ذمية لم يرجم واحد منهما إذا كانا على
ذلك، ويضرب حد البكر مائة جلدة.
قال وإنما قلنا إن المجنونة والمجنون لا يحصنان لأنهما لا يحدان
وكل من لا يحد فلا يحد به، وكذلك من لا يحد لا يحد له وكل من
لا يجري عليه حد المحصن لا يحصن به.
230

هل كنتم حضورا لامرهما ولمبتدأ خلوتهما حتى سمعتم كلامهما وكيف
كان أمرهما فإن قالوا نعم قد شهدنا أول أمرهما وعلمنا كيف كان فعلهما
وسمعنا مبتدأ كلامهما لم يلتفت إلى كلامهما وأقيم عليها الحد، وإن
قالوا لم نحضر أول أمرهما ولكن قد هجمنا عليهما وهما في زناهما
وفسقهما وليس عندنا من مبتدأ أمرهما علم لم يكن شهادتهم على
المطاوعة مما يعمل عليها، ويدرأ الحد عنها بالشبهة التي أدلت بها وأقيم
الحد على الزاني.
باب القول فيمن نكح نكاحا فاسدا
هل يكون به محصنا أم لا؟ والقول في زنى الصبي
والمجنون
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قامت الشهادة على
رجل بالزنى فنظر في إحصانه فإذا تزويجه تزويجا فاسدا، وفساده أن
يكون نكح من لا يجوز له أن ينكحها من النساء مثل الأخت من الرضاعة
أو غيرها من الرضاع أو ذات رحم محرم أو أخت امرأته أو أم امرأته، أو
امرأة كان نكحها أبوه، أو ابنه فنكحها وهو لا يعلم فإن ذلك النكاح
لا يكون به محصنا، ولا يجب فيه رجم ولكن يقام عليه فيه الحد مائة ضربة،
وأما الصبي والمجنون الذي لا فيق فلا حد عليهما، ويقام على من زنيا
به الحد إلا أن يكون في حدهما (26) من الصبا والجنون.
باب القول فيمن زنى بنساء ثلاث أو أربع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: في ذلك كله حد واحد،

(26) إلا أن يكون في حدهما مانع من الصب والجنون ظ.
231

فإن عاد بعد ذلك الحد عيد له، إن كان محصنا رجم، وإن كان بكرا
ضرب، كذلك النساء أيضا يقام عليهن حد مثلهن.
باب القول في المرضى تقوم عليهم
الشهادة بالزنا والعبد يعترف على نفسه بالزنا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قامت الشهادة وشهد
بالزنا على مريض أربعة فإن كان ذلك المريض محصنا رجم، ولو كان
مريضا مذنقا، لان الذي يراد به من قتله أكثر من مرضه، وإن كان بكرا
فإن كان مرضه مرضا مبالغا رأيت أن يتأنى به برؤه خشية من تلفه، لان
حده من الضرب دون تلفه، وكذلك لو شهد أربعة على مقعدين بالزنا أو
أعميين رجما، إن كانا محصنين أو جلدا إن كانا غير محصنين، وإن
شهدوا على مريض سقيم أو مسلول مستسقى البطن ممن لا يطيق الحد
فإن كان محصنا رجم، وإن كان بكرا نظر الإمام في إقامة الحد عليه نظرا
شافيا إن رأى أنه يحتمل أن يجمع له عشرة أسواط ثم يضرب بها عشر
ضربات فعل، وإن رأى غير ذلك نظر واجتهد رأيه في النظر.
فقد ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أتي
برجل مريض أصيفر أحيين (27) قد خرجت عروق بطنه يكاد يموت في
بعض الحديث قد زنا فدعا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعثكول
فيه مائة شمروخ فضربه به ضربة واحدة.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإذا اعترفت العبيد على
أنفسها بالزنى أربع مرات جاز اعترافها وجلدت خمسين جلدة محصنين
كانوا أو غير محصنين.

(27) الاحبن بالباء والنون: الذي به المرض الشقي.
(صحاح)
232

باب القول في الشهود يوجد أحدهما ذميا
أو أعمى أو مجنونا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا شهد أربعة على
رجل بالزنا فوجد بعض الشهود ذميا، أو أعمى، أو مجنونا لا يعقل درئ
الحد عن المشهود عليه، ولم يكن على الشهود حد القاذف إذا كانوا لم
يعلموا بحال هذا الرابع، ولم يفهموا أن شهادة مثله لا تقبل ولأنهم شهود
قد شهدوا، فإن أمضى الحد عليه بشهادتهم كانت الدية من بيت مال
المسلمين، لان هذا من خطأ الإمام، لان عليه النظر في مثل هذا
والاستقصاء فيه والبحث عن أمر الشهود.
باب القول في أم الولد، والمكاتبة
والمدبرة إذا زنين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا زنت المكاتبة، أو
المدبرة، أو أم الولد فان القول عندي في ذلك أنه لا رجم على واحدة
منهن، وعلى أم الولد والمدبرة خمسون جلدة خمسون جلدة، وعلى
المكاتبة من الضرب بحساب ما عتق منها. وكذلك بلغنا عن أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فيها، فإن كانت قد أدت نصف
مكاتبتها ضربت خمسة وسبعين سوطا، وإن كان أقل من ذلك أو أكثر
فبحسابه.
باب القول في التعزير وكم يجوز منه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجاوز في التعزيز حد
صاحبه، إن كان حرا عزر إلى دون المائة بسوط أو سوطين، وإن كان
عبدا عزر إلى دون الخمسين بسوط أو سوطين.
233

وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:
أنه قال: (أبي الله أن يبلغ حد إلا بالشهود وذكر عنه عليه السلام أنه
ضرب رجلا تسعة وتسعين سوطا في جارية غلبها على نفسها، فشهد
الشهود أنهم رأوه قام عنها وقد أدماها فقال علي عليه السلام: (إذا لم
تشهدوا على الايلاج والاخراج أبى الله أن يقوم حد إلا بشهادة أربعة)
يعني على الايلاج والاخراج.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وللامام أن ينظر في مثل
هذا نظرا يوفقه الله فيه ويسدده، ولعل هذا الذي ضربه أمير المؤمنين
عليه السلام كان بكرا، وأرى أنه لو كان ثيبا ثم أتيت به أنا أو تشاورني
فيه إمام لرأيت أن يعاقبه بحبس مع التعزير حبسا طويلا، وكذلك كان
رأيي فميا كان شبيها لذلك.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن زانيا زنا بذمية أو
مشركة كان عليه حد مثله، إن كان محصنا رجم، وإن كان بكرا جلد،
وكذلك يقام عليها حد مثلها.
باب القول في الزنا بذات رحم محرم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا زنى الرجل بذات
رحم محرم أقيم عليه حد مثله وأقيم عليها حدها أيضا محصنين كانا أو
بكرين، ويرى الإمام في ذلك رأيا من تنكيل أو نفي فأما في حكم
فحكمهما سواء هما عنده زانيان فاجران.
باب القول في دعوى المرأة إن الرجل استكرهها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا شهد أربعة على
رجل، وامرأة بالزنى فقالت المرأة استكرهني على نفسي درئ عنها
الحد بما أدلت من الحجة، فإن شهد الشهود أنها طاوعته سئل الشهود
234

باب القول في حدود أهل الذمة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: حد الذمي كحد الملي
سواء سواء المحصين يرجم والبكر يجلد، وكذلك حد مماليكهم كحد
مماليك أهل الاسلام سواء سواء.
باب القول في حد من زنى بالمرأة في دبرها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من زنى بامرأة في دبرها
فهو كمن زنى بها في قبلها لأنهما فرجان والآتي فيهما زان عليه حد مثله
محصنا فمحصن أو بكرا فبكر.
باب القول في حد اللوطي
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: اللوطي زان حده كحد
الزاني إذا أتى في المقعدة وهو أعظم الزانين جرما.
كذلك روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه
قال: (حد اللوطي كحد الزاني).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن كان محصنا فأتى
رجلا في دبره فحده حد الزاني فإن كان محصنا رجم، وإن كان بركا
جلد، وكذلك من أمكن الرجال من نفسه، وفي ذلك ما يروى عن رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الأخبار المتواترة والروايات
المتواطية أنه قال: (اقتلوا الفاعل والمفعول به).
حدثني أبي عنه أبيه: أنه سئل عن الذي يعمل عمل قوم لوط
فقال: حده في ذلك حد الزاني يرجم إن كان محصنا، ويجلد إن كان
بكرا. وكذلك روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أتي به قد
فعل ذلك، وقد رجم الله قوم لوط من سمائه.
235

باب القول في حد القاذف
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى
فيما نهى عنه عباده من القذف بما لا يعلمون والقول في ذلك بما
لا يوقنون، فقال: * (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر
والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) * (28) فمعنى قوله ولا تقف ما ليس لك
به علم هو لا تقل ولا تقف من قذف المحصنات ما ليس لك به علم،
وقوله كل أولئك كان عنه مسؤولا هو أخبار منه بأنه سيسأل يوم القيامة
سمعه وبصره وفؤاده هل كان من ذلك الذي لفظ به بلسانه شئ أم لم
يعلموا منه شيئا.
وقال سبحانه: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة
شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) * (29) ومعنى ذلك أنه حكم على من
قذف مسلمة حرة أو حرا مسلما بالزنا ثم لم يأت على ذلك أربعة شهداء
ضرب ثمانين جلدة كما أمر الله عز وجل وكان كاذبا عند الله من الفاسقين
ولم تقبل له شهادة أبدا إلا أن يتوب من فسقه وينيب ويرجع إلى الله
فيكون عنده من المقبولين إذا كان عنده في التوبة من المخلصين كما
قال جل جلالة عن أن يحويه قول أو يناله: * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا
وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور
رحيم) * (30).
وقال سبحانه فيما كان يفعله أهل الجاهلية من اكراههم إماءهم
على الزنا ليستنجبوا أولادهن: * (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن

(28) الاسراء 36.
(29) النور 4.
(30) النور 4.
236

تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن
غفور رحيم) * (31) فنهاهم عن حملهن على الزنا لما يطلبون من اجعالهن
واستنجاب أولادهن، ثم أخبر أنه من بعد اكراههن لمن أكره منهن
وأخيفت على نفسها إن لم تفعل ما أمرها به سيدها، غفور رحيم، فأخبر
الله عز وجل أنه غير معاقب لها على ما لم تفعله بطوعها وأتته بالكره منها
والخوف على نفسها ثم وعدها أنه يغفر ذلك لها ومن العقوبة فيه يرحمها
إذا كانت مكرهة في فعلها فقال: * (ومن يكرههن فإن الله من بعد
إكراههن غفور رحيم) * (32) فوجبت المغفرة للمكرهات من الفتيات
المؤمنات وهذه الآية يقال إنها نزلت في أمة مسلمة كانت لعبد الله بن
أبي بن سلول فأمرها أن تأتي رجلا ليفسق بها فيستنجب به ولدها، فأبت
وأتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخبرته فأعتقها عليه وزوجها.
باب القول في تفسير القذف ومتى يجب الحد فيه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قال الرجل للرجل
المسلم يا زاني، أو يا بن الزانية أو يا ابن الزاني فإن صفح عنه المقذوف
وتركه ولم يرفعه إلى الإمام فذلك له وإن رفعه إلى الإمام سأله الإمام
البينة على أنه قذفه فإن أتى بالبينة على سأل الإمام القاذف عن بينته على
ما ادعى فإن أقام على قذفه أربعة يشهدون بزنا المقذوف أخلى سبيله
وأقام على المقذوف حده وان لم يأت بأربعة شهداء أبرزه فضر بن ثمانين
جلدة كما قال الله سبحانه: * (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم
ثمانين جلدة) * (33) ويكون المقذوف حاضرا لضرب الإمام القاذف.

(31) النور 33.
(32) النور 33.
(33) النور 4.
237

باب القول في الولد يقذف والده
والوالد يقذف ولده
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا قذف ولده
بالزنا في نفسه فقال له: يا زاني حد له لان الله سبحانه يقول: * (والذين
يرمون المحصنات) * (34) ولم يستثن والدا ولا غيره وقد قال غيرنا: لا يجلد
له ولسنا نأخذ به، ولو قتله لم يقتل به الا أن يقتله تمردا وجراءة على الله
وفسدا فيرى الإمام رأيه فيه.
وكذلك لو أخذ من ماله شيئا من حرزه لم يقطع له لان رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (أنت ومالك لأبيك) وتجب على
الأب التوبة إلى الله من قوله في ابنه بما لا يعلم.
قال: ولو قذف الابن أباه جلد له ثمانين جلدة حدا وافيا. ولو أن
الأب قال لابنه يا بن الزانية لسئل أن يأتي بأربعة شهداء على زنا امرأته أم
ابنه فإن أتى بهم ضربت مائة ثم رجمت، وإن لم يأت بهم دعي إلى
ملاعنتها فإن نكل حد لها وكانت امرأته على حالها، وإن لا عنها فرق
الإمام بينهما ولم يجتمعا بعدها أبدا.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الرجل يقذف ابنه فقال: يحد
له لان الله قد أمر بحد القاذف المحصن، والأب القاذف لابنه فهو من
الذين أمر الله بحدهم لأنه قد اجترم جرمهم.
باب القول فيمن قذف جماعة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قذف الرجل جماعة
فقال: يا بني الزواني فرفعوه إلى الإمام فإنه يجلده لكل واحد منهم حده،

(34) النور 4.
238

ويكون الطالب بالحدود الأمهات المقذوفات أمهات المشتومين، فإن كان
بعضهن ميتا كان أوليائها الطالبين بما يجب لها من ذلك.
قال: ولو أن رجلا قال لرجلين أو ثلاثة يا بني الزانية فإن كانت أمهم
واحدة أقيم لها الحد على القاذف، وإن كن أمهات متفرقات لم يجب
على القاذف حد لأنه قذفهم كلهم بأم واحدة وأمهاتهم متفرقات فلا
تكون الثلاث واحدة كما لا تكون الواحدة ثلاثا.
ولو أن رجل قال لرجل يا بن الزواني لوجب عليه الحد يطالبه به
أمهاته المقذوفات أمه وجدته أم أبيه وغيرها من جداته لأنهن قد ولدنه
فهن أمهاته.
باب القول في المسلم يقذف الذمي أو العبد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو قذف مسلم ذميا لم
يلزمه في قذفه حد لان الله تبارك وتعالى إنما أوجب الحد في المحصنات
المؤمنات وليس الذمي بمؤمن، وكذلك إذا قذف العبد لم يحد له.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المسلم يقذف الذمي، والعبد
يقذفه الحر فقال: أما الذمي فلا حد له على المسلم لان الله تبارك
وتعالى قول: * (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات) * (35)
وليس الذمي بمؤمن ولا نرى أن يحد الحر للعبد إذا قذفه.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا مسلما
قذف ذميا فقال له يا بن الزانية وكانت أم الذمي قد أسلمت سئل البينة
على ما قال؟ فإن أتى ببينة حدت أم الذمي المسلمة وإن لم يأت ببينة
أقيم عليه لها الحد إذا طالبته حد القاذف لأنه قذفها من بعد إسلامها.

(35) النور 23.
239

باب القول فيمن قال لرجل يا فاعلا
بأمه أو يا فاجرا أو يا فاسقا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قال رجل لرجل
يا فاعلا بأمه فهو من أكبر القذف يحد له وأما قوله يا فاجرا أو يا فاسقا فإنه
يسأل (36) معنى قوله عن إرادته في ذلك فإن ذكر أنه أراد القذف بالزنا حد
له، وإن كان أراد فجورا في الدين، أو فسقا في أمر من أمور المسلمين
غير الفجور، زجر عن ذلك ولم يجب عليه فيه حد، وان رأى الإمام أن
يؤدبه ببعض الأدب أدبه. قال: ولو أن قاذفا قذف فسئل البينة فادعى بينة
غيبا لكان الواجب أن يؤجل أجلا يمكنه فيه المجئ ببينته فإن جاء بها
وإلا حد.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل يقول لرجل يا فاعلا بأمه،
أو يا فاجرا، أو يا فاسقا قال: أما من قال: يا فاعلا بأمه فعليه ما على
القاذف، وأما من قال يا فرجا يا فاسقا فيسأل عما أراد بمقالته، فإن أراد
الزنا كان قاذفا، وإن أراد الفسق والفجور والخبث في الدين والتقصير فيه
لم يكن قاذفا، وعليه تعزير وفي أكثر التعزير وأدناه قال قد قيل إن التعزير
لا يكون إلا أقل من كل حد. وقال بعضهم: التعزير على قدر ما يرى
الإمام من كل حر أو عبد، كثر ذلك أو قل.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الرجل يقذف ويدعي بينة له غيبا
قال: يؤجل أجل مثله في دعواه.
باب القول فيمن جلد على القذف
فثنى بقذف قبل أن يفرغ من جلده
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن كان قذف الذي هو

(36) في نسخة: فإنه يسأل عن ارادته وعن معنى قوله الخ..
240

يضرب له وكان قد بقي من هذا الحد الذي يضربه شئ أتم ما بقي من
الحد، وكان مجزيا عما ثنى به من القذف وهو بين العقابين (37) وإن قذف
غيره ضرب لمن قذف حدا مبتدءا من بعد الفراغ من الأول وكذلك روي
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه ضرب حدين في موقف واحد.
باب القول في الذمي يقذف المسلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قذف الذمي
مسلما، أو مسلمة حد لهما لان الله يقول: * (والذين يرمون المحصنات
ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) * (38) والمحصنات فهن
المؤمنات، لان الايمان هو أحصن الاحصان وفي ذلك إن شاء الله من
الحجة أبين البرهان.
باب القول في الذمي يقذفه المسلم
ثم يسلم بعد، وفي العبد يقذفه الحر
ثم يعتق أو يقذف حرا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن مسلما قذف ذميا
ثم أسلم الذمي بعد أن قذفه المسلم فطالبه بقذفه له لم يكن عليه حد،
لان قذفه له كان في حد كفره لا في حد ايمانه قال: وكذلك لو أن حرا
قذف عبدا ثم أعتق العبد فطالبه بقذفه لم يجب عليه له حد لان قذفه له
في حال عبوديته لا في حال حريته. قال: ولو أن عبدا قذف حرا ثم أعتق
من ساعته بعد قذفه ثم طالبه الحر المقذوف لاقيم له عليه الحد، حد
عبد أربعين سوطا، لأنه قذفه وهو عبد، والحد إنما وجب عليه ساعة نطق
بالقذف.

(37) العقابين: آلة يوضع فيها المحدود تسمى بذلك.
(38) النور 4.
241

قال: ولو أن رجلا حرا قذف صبيا أو عبدا، أو أمة أو مدبرا، أو
ابن أم ولد من غير سيدها أو من مدبرة، أو مكاتبة فلا حد عليه في شئ
من ذلك كله، ويجب على الإمام أدبه في ذلك كله.
باب القول في الرجل والمرأة يترادان اللفظ
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قال الرجل للمرأة
يا زانية، وقالت المرأة للرجل يا زاني فقال: زنيت بك فلا حد على واحد
منهما، لأنها حين قذفته صدقها بقوله زنيت بك فسقط عنها الحد
بتصديقه إياها، ويسقط عنه الحد لأنه شهد على نفسه مرة واحدة دون
أن يشهد أربع شهادات عند الإمام. وكذلك إن قال لها هو يا زانية فقالت
زنيت بك. قال: وإن قال لها يا زانية فقالت زنيت بي وجب على كل
واحد منهما حد، لأنهما كليهما قاذفان وكذلك ان قال يا بنت الزانية
فقالت له زنيت بها وجب عليهما الحد فإن قال لها يا بنت الزانية فقالت
له زنت بك، فان كليهما قاذفان لام المرأة ووجب عليهما حدان.
قال: ولو قالت له يا بن الزانية فقال لها صدقت كانت قاذفة، فان
قال لها صدقت انها زانية كانا قاذفين كلاهما، قال: ولو قال لها يا بنت
الزانيين فقالت له أن كانا زانيين فأبواك زانيان وجب عليه الحد لأبويها
ولم يجب عليها هي شئ لأنها لم تطلق على أبويه بالقذف.
قال: ولو قال رجل لعبد من اشتراك أو من باعك أو أم من اشتراك،
أو أم من باعك زانية فإنه يجب أن ينظر إلى أم الذي اشتراه أو باعه فإن كان
ت أمة لم يجب عليه حد، وإن كانت حرة وجب عليه الحد لأنه قد
قذفها، فإن قال أم من يبيعك، أو أم من يشتريك ولم يقصد بلفظه ونيته
إنسانا بعينه فلا حد عليه لأنه لم يقذف أحدا يفهم، وإنما يجب الحد
إذا طولب القاذف، وهذا فلا يطالبه أحد لأنه لم يقصد بفريته أحدا.
242

باب القول في الرجل والصبي يتقاذفان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا قال لصبية
يا زانية لم يجب عليه حد لأنها لو قذفته لم تحد له، ويجب على الإمام
أن يحسن أدبه.
قال: فإن قالت امرأة لصبي يا زاني لم تحد له لأنه لو قذفها لم يحد
لها ولو قال صبي لرجل يا بن الزانية لم يحد له، ولو قال رجل لصبي يا بن
الزانية لحد لام الصبي إذا طالبته بذلك، ولو قال رجل لا مرأة بنت أم ولد
يا بنت الزانية لم يحد لها لأنه أمها أمة، فإن كانت أمها قد عتقت قبل
القذف ووقع عليها القذف وهي حرة مسلمة وجب عليه الحد لها إذا
طالبته، وإن كانت عتقت بعد القذف فطالبته لم يجب لها عليه حد لأنه
قذفها وهي مملوكة.
قال: ولو قال رجل لرجل أبن أم ولد من غير سيدها يا زاني يا بن
الزانية لم يجب لهما عليه حد لأنهما مملوكان، فإن قذفه وقد أعتقت أمه
وجب لامه الحد عليه ولم يجب له هو لأنها حرة وابنها مملوك، فإن قذفها
من بعد ان أعتق هو وأمه وجب لها وله الحد عليه إذا طالباه.
باب القول فيمن قذف ابن أم ولد
من سيدها أو قذفهما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا قال لابن أم
ولد من سيدها يا زاني وجب له عليه الحد إذا كان بن أم الولد رجلا بالغا،
وان قال له يا زاني يا بن الزانية وجب له هو عليه الحد وينظر الإمام في أمر
أمه فإن كان أبوه قد أعتقها قبل القذف وجب لها أيضا الحد وإن كان لم
يعتقها فلا حد لها عليه.
243

قال: وان قال له رجل يا زاني يا بن الزانيين وجب له ولأبيه على
القاذف حدان، وإن كانت الأم قد أعتقت قبل ذلك وجب لها عليه حد
ثالث، ولا نقول في ذلك بقول من رد حدود الجماعة المقذوفين إلى حد
واحد بل نقول إنه يجب عليه لمن قذفه مجتمعا أو مفترقا حد حد لان كل
مقذوف منهم ليس بصاحبه، وقد أوجب الله لكل مقذوف على قاذفه
حدا ولم يذكر في كتابه أنه أشرك بين اثنين، ولا ثلاثة مقذوفين في ثمانين
جلدة، فنقول إنه إذا قذف جماعة في كلمة واحدة وجب لهم عليه حد
واحد. وإنما قال تبارك وتعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا
بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) * (39) فأوجب لكل مقذوف أو
مقذوفة على كل قاذف أو قاذفة أن تجلد ثمانين جلدة فاحتذينا في ذلك
بحكم الرحمن ونطقنا فيه بما نطقت آيات القرآن، ولو جاز أن يشرك بين
المقذوفين في الحد الواحد لما كان حد القاذف الواحد ليكون أبدا
ثمانين جلدة، ولو كان ذلك كذلك لم يجز أن يجلد القاذف الواحد
ثمانين جلدة لمقذوف واحد.
باب القول في شهادة النساء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا تجوز شهادة النساء
في شئ من الحدود التي أوجبها الله على العبيد كثرن أو قللن، وتجوز
شهادتهن فيما سوى ذلك وحدهن في حال ما لا يمكن أن يشهد على
ما شهدن عليه الرجال، وفي حال تجوز شهادتهن إذا كان معهن رجل،
فأما الحال الذي تجوز شهادتهن فيها وحدهن فهو مثل شهادة القابلة
على استهلاك الصبي إذا كانت ثقة مأمونة، ومثل شهادتهن على الحرة
والأمة على ما لا يشهد عليه غير النساء مثل العلة تكون في فروجهن مما

(39) النور 4.
244

ترد به الإماء على بيعهن مثل القرن والرتق والفلك وغير ذلك من
أدوائهن، فإذا شهد على ذلك من النساء ذوات العدالة والعفاف
والصدق والطهارة والأمانة قضي بشهادتهن لأنه شئ لا يناله غيرهن واما
الحالة التي تجوز شهادتهن فيها إذا كان معهن رجل فهو فيما يتعامل به
الناس ويشهدون عليه وفيه من الوصايا والهبات، والشراء والبيع
والصدقات وغير ذلك مما كان سوى الحدود في الحالات.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن شهادة النساء، فقال: لا تجوز
شهادة النساء في حد من حدود الله، وتجوز شهادة المرأة الواحدة فيما
لا يشهد فيه الا النساء من الأمور مثل القابلة إذا كانت صدوقة عدلة.
باب القول في الذمي يفجر بمسلمة
والقول في المستكرهة على نفسها.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ان استكره الذمي
المسلمة على نفسها كان عليه من الحد ما على غيره من المسلمين
فيها، ثم أرى بعد ذلك للامام أن يعاقبه بعقوبة تبينه من المسلمين من
حبس طويل، أو نفي بعيد، وقد قال غيرنا إن القتل يجب عليه في ذلك
وليس قولنا كذلك لأنها وهم مجمعون على أن الذمي لو فجر بمسلمة وهي
مطاوعة له لم يكن عليه في ذلك أكثر من الحد حد مثله فلنا لهم وكذلك
أيضا يجب على المسلم في ذلك حد مثله محصنا فمحصن أو بكرا
فبكر، والذمي فلم يعط عهدا على أن لا يفجر بمطاوعة ولا مستكرهة فان
أوجبتم عليه القتل في الاستكراه فأوجبوا عليه القتل في المطاوعة لان الله
حرم الفجور على المسلمين كما حرمه على الذميين، وحرمه على
الذميين كما حرمه على المسلمين، ولو كان للفاجر من الذميين
بالمسلمة حد عند الله سوى حد الفاجر بها من المسلمين لكان أيضا
245

للمسلمة الفاجرة بالفاجر من الذميين حد غير حدها في الفجور بالفاجر
من المسلمين فإن وجب عليه القتل في ذلك وجب عليها، وان اندفع
عنه اندفع عنها إذا لم يلزمها، وهذا فقد يلزم من قال بقتل الذمي إذا فجر
بالمسلمة فقد يلزمه في القياس أن يقتلها إذا فجرت بالفاجر من أهل
الذمة، وإنما يكون الذمي ناقضا لعهده بفعل من الافعال يجاهر به
المسلمين مجاهرة باينة وينابذهم فيه منابذة ظاهرة من محاربة أو غير ذلك مما
لو فعله مسلم استحل دمه من بعد استتابته من ذنبه، أو ما أشبهها مما
يجاهر فيه المسلمين مجاهرة قال: واما المستكرهة فلا حد عليها لأنها
غلبت على نفسها ولم تأت فجورا بطوعها.
حدثني أبي عن أبيه أن سئل عن المستكرهة على نفسها فقال: كل
مستكرهة مغلوبة على نفسها فلا حد عليها.
وقد ذكر مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعن
علي عليه السلام.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الذمي يستكره أمة مسلمة حتى
أصابها، فقال عليه السلام: عليه في ذلك ما على المستكره من
المسلمين لان الله أوجب حدا واحدا على جميع الفاجرين.
باب القول في الساحر والديوث
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (اقتلوا الديوث حيث وجدتموه)
والمعنى عندنا في ذلك أنه من بعد الاستتابة.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: يستتاب فان تاب والا قتل
246

من بعد الاستتابة ان لم يتب وان تاب لم يقتل. وقد قيل يقتل ولا يستتاب
ولسنا نرى ذلك ولا نقول به.
حدثني أبي عن أبيه أبيه أن سئل عن الساحر ما حده؟ قال: حده أن
يقتل من بعد الاستتابة ان لم يتب، وإن تاب لم يقتل.
وقد قال مالك بن أنس وأهل المدينة يقتل ولا يستتاب، وليس
ذلك عندنا بقول.
باب القول في حد الزنادقة والمرتدين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يقتل زنديق ولا مرتد
إلا من بعد الاستتابة، فان تابوا خلي سبيلهم، وان لم يتوبوا من كفرهم
ضربت رقابهم، ولا أحب أن يقتلوا هم ولا غيرهم من المستتابين حتى
يستتابوا ثلاث مرات في ثلاثة أيام كل يوم مرة ثم يقتلوا في اليوم الثالث
إذا أبوا التوبة والايمان وأقاموا على الفكر والعصيان.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المرتد كيف يصنع به فقال:
المرتد يقتل ان أقام على ردته ولا يخرجه من القتل غير توبته.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الزنادقة ما حدهم؟ فقال:
الزنادقة إذا لم يتوبوا قتلوا، وإن تابوا لم يقتلوا.
باب القول في حد المرأة تقع على المرأة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا وقعت المرأة على
المرأة كان حدهما كحد الرجل يقع على الرجل فيما دون دبره، وحد
الرجل يقع على المرأة ولا يولج ولا يخرج في ذلك كله التعزير على قدر
ما يرى الإمام لان الحد أبى الله أن يقيمه إلا على الايلاج والاخراج
247

والمرأة لا تولج ولا تخرج ولكن يعزرهما الإمام تعزيرا مثخنا يضربهما
ثمانية وتسعين سوطا إن كانتا حرتين وإن كانتا أمتين ضربهما ثمانية
وأربعين سوطا وينلهما مع ذلك من الحبس على قدر ما يرى أن رأى
ذلك.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المرأة تقع على المرأة، فقال:
يعزرهما الإمام على قدر ما يرى من التعزير.
باب القول في حد السارق وما
أوجب الله عليه في القرآن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى * (السارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم) * (40).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإذا سرق السارق عشرة دراهم
أو قيمتها من حرز، والحرز فهو بيت الرجل ومراحه ومربده المحصن عليه وكذلك
روي لنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قطع في مجن
كانت قيمته عشرة دراهم.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ومن قطع فمات من غير توبة كان
من أهل النار لان القطع ليس بتوبة وإنما هو له في الدنيا عقوبة وعليه التوبة إلى
الله من سوء فعله. فإن تاب رجونا المغفرة له من الله ألا ترى كيف يقول الله عز
وجل: * (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه) * (41) يقول: من
تاب من بعد سرقته وأصلح في عمله ولم يعد لجرمه فإن الله يتوب عليه.
وفي ذلك ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه أتي
برجل قد سرق فقال له: سرقت؟ فقال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم اقطعوه فلما قطعوه قال له الني صلى الله عليه وعلى آله وسلم: تب

(40) المائدة 38.
(41) المائدة 39.
248

إلى الله، قال: فإني تائب إلى الله تعالى. فقال النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم: اللهم تب عليه).
باب القول في السارق يقطع ثم يعود
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا سرق السارق عشرة دراهم
أو قيمتها قطعت يده اليمنى من الكوع فإن عاد فسرق ثانية قطعت رجله اليسرى
من مفصل القدم والساق وهو من الكعب فإن عاد ثالثة فسرق رأينا أن يحبس عن
المسلمين ويلزم الحبس، ولا تقطع يده الباقية ولا رجله، لان في قطعهما اهلاك
نفسه وذهاب فرائضه من طهوره وصلواته لأنه لا صلاة إلا بطهور مع ما في ذلك
من المثل.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المثل بالبهايم
فكيف بالناس لأنه إذا قطعت قوائمه ويداه بقي مطروحا لا يتنظف من قذره ولا
يستطيع الحركة لحاجته، والحبس فقد يكف من كلبه ويجري مجرى تهلكته،
والله سبحانه رحيم ببريته.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل من أين تقطع يد السارق فقال: من الكوع
وقال يقطع في عشرة دراهم أو ما كانت قيمته من المتاع إذا سرق من حرزه.
باب القول فيمن أقر بالسرقة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أقر السارق عند الإمام مرتين
بالسرقة وجب على الإمام أن يسأله عن السرقة ما هي؟ وكم هي؟ وكيف هي؟ ومن
أين سرقها؟ فإذا أثبت له السرقة ومعناها وكيف هي وأعلمه أنه سرقها من حرز،
سأل عن عقله، فإذا صح له عقله مع ما قد صح عنده من إقراره بسرقته قطع يده
من كوعه، فإن كان في كلامه وشرحه وإقراره شئ يدرأ، به الحد درأه عنه وضمنه
ما أقربه سرقته، ورد ذلك على من سرقة من منزله.
قال: وإن أقر فل ا قربت السكين من يده جحد وأكذب نفسه فيما كان أقر
249

به أطلق ولم يقطع ولم يضمن (42)، وهو بمنزلة الشهود لو رجعوا، وكذلك القول في
المقر بالزنا لو رجع عند وقت الرجم أو الحد أطلق ولم يقم عليه حد وكان ذلك
بمنزلة الشهود لو رجعوا، وفي ذلك ما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
في ما عز بن مالك الأسلمي حين رجمه فأحرقه الرجم فخرج من الحفرة هاربا
فرماه بعض الناس بلحي جمل فقتله فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم فقال: ألا تركتموه يمضي، ولم يقل ذلك الا وقد علم أنه إذا رجع عن
الشهادة على نفسه دري عنه الحد فكأنه أقام هربه عن الرجم مقام رجوعه.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإذا رجع المعترفون عن اعترافهم
وجب على الإمام احسان آدابهم حتى لا يعودوا إلى ذلك ولا غيرهم.
باب القول في شهادة الشاهدين
بالسرقة على السارق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا شهد الشاهدان على رجل
بالسرقة وجب على الإمام أن يسألهما ما سرق؟ وما الذي وجدا معه حتى شهدا
عليه بالسرقة؟ فإن ذكرا له شيئا يكون عشرة دراهم أو قيمتها عرضا، سألهما من
أين سرقها؟ وكيف أخذها؟ ومن أي موضع قدر عليها؟ فإن قالا: أخذه من حرز
من موضع كذا وكذا، ورأيناه حين خرج به من ذلك الحرز سأل الإمام عن
عدالتهما، فإن عدلا له ووثقا، سأل عن عقل السارق، فإن صح له قطعه، وإن
ذكر له الشاهدان أنه لم يخرج بها من حرز وأنه أخذها من غيره، رد السرقة إلى
صاحبها وأدب السارق على سرقته، وكذلك إن ذكر له أن السارق زائل العقل
وأنه مجنون لا يفيق درأ عنه الحد، سرق من حرز أو من غيره.

(42) في نسخة ويضمن.
250

باب القول فيمن تسور على دار
أو فتح بابها وأخذ من متاعها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن سارقا دخل دارا من بابها،
أو تسور عليها، أو نقب جدارها ثم أخذ من متاعها شيئا يسوى عشرة دراهم
فأخرجه من الباب أو رمى به من فوق الدار ثم لحق فوجد معه وشهد عليه بذلك
من فعله وأنه أخرجه من حرزه قطع الإمام يد سارقه، فإن لحق معه في جوف
المنزل لم يخرج به ولم يفصل لم يكن عليه قطع، ورأى الإمام في تعزيره وتأديبه
رأيا حسنا لان السارق إنما تقطع يده في سرقته إذا فصل بها من منزلها، فأما ما لم
يخرجها من منزلها فلا قطع عليه فيها.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن السارق يؤخذ قبل أن يخرج بالسرقة من
حرزها هل عليه قطع؟ فقال: لا قطع عليه إلا أن يخرج بسرقته من حرزها، فإن
أخذ قبل خروجه بها من حرزها فلا قطع عليه فيها.
باب القول في السراق يدخل بعضهم وينقل
بعضهم ويحفظ بعضهم السرقة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن سراقا فتحوا بابا أو نقبوا
جدارا، أو تسوروا منزلا فكان بعضهم يجمع السرقة في الدار ويحزمها وبعضهم
ينقلها من جوف الدار إلى خارجها وبعضهم خارجا يحفظها فإن القطع يجب
على الذين كانوا ينقلون من داخل إلى خارج ويؤدب الذين كانوا يجمعونها في
المنزل، والذين كانوا خارجا يحفظونها.
قال: ولو أن سارقين وقف أحدهما على الباب من خارج وناوله الآخر
السرقة من داخل فإنه ينظر فيما تقوم به الشهادة عليهما.
فان قال الشهود إن الداخل كان يقرب السرقة فيضعها عند عتبة الباب من
251

داخل ويمد الآخر يده فيخرجها إلى خارج قطعت يد المخرج لها من الباب إلى
خارج وأدب الآخر أدبا حسنا.
وان شهدوا أن الداخل كان يضعها له من وراء الباب أو يرمي بها إليه من
فوق الجدار قطع الداخل المخرج لها وأدب الخارج الضام لها. قال: ولو أن
الداخل رزم رزمة كبيرة ثم أخرجها حتى بلغ بها باب الدار فأدخل الواقف على
باب الدار يده فأخذ بجانب الرزمة وأخذ الداخل بجانبها الآخر فتحاملاها حتى
أبرزاها ثم لحقا وأخذ وشهد بذلك الفعل عليهما لكان القطع واجبا عليهما
لأنهما كليهما أبرزاها من حرزها وأخذاها.
باب القول فيمن لا يجب عليه القطع إذا
أخرج إلى من لا يجب عليه القطع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن سراقا دخلوا منزل رجل
فكان بعضهم يجمع السرقة في جوف المنزل ثم يخرجها إلى خارج مجنون أو
صبي حتى إذا برز منها ما برز خرج السارق والمجنون فاحتملها هو والمجنون أو
الصبي فلحق وأخذ وشهد على ذلك من فعلهما لم يكن عليهما قطع ووجب
على الرجل الذي كان داخلا أن يعزز تعزيزا شديدا ويحبس حبسا طويلا ولا قطع عليه
لأنه لم يخرج السرقة من حرزها ووجب على الصبي أن يؤدب على قدر ما يرى
الإمام من الأدب ولا قطع عليه لأنه ليس في حد تجري عليه به الأحكام لا هو
ولا المجنون.
باب القول في المقر بالسرقة
بعد كم من مرة يقطع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يقطع السارق حتى
يقر مرتين عند الإمام فيقوم اقراره مرتين مقام شاهدين كما أنه لا يحد
الزاني المقر حتى يقر أربع مرات ويكون ذلك مقام أربعة شهود وان رجع
مقر على نفسه عن شئ من اقراره قبل انكاره منه ولم يقم عليه حد.
252

حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن السارق يقر بالسرقة كم من مرة
يرد؟ فقال: ذكر عن علي عليه السلام أنه رد السارق مرتين، والسارق إذا
أقر كذلك قطع إلا أن يرجع عن ذلك، وينكر فيدرأ عنه الحد برجوعه
عن اقراره الأول.
باب القول فيمن سرق سرقة من حرز
ثم ردها قبل أن يبلغ به إلى الإمام قال
يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا سرق السارق
ما يجب في مثله القطع من حرز وشهد عليه بذلك عند الحاكم وقد رد
السرقة قبل أن يوصل به إلى الحاكم قطعه الحاكم، ولم يلتفت إلى رده
إياها إذا شهد عليه أنه قد أخرجها من حرزها لان القطع قد وجب عليه
بحكم الله ساعة أبرزها من حرزها وباين الله بأخذها، فليس للامام إذا
شهد على السارق بذلك عنده إلا أن يقطع يده. فإن عفى الشهود
وصاحب السرقة فلم يرفعوا علمه إلى الحاكم، كان لهم ولم يكن للحاكم
أن يتبعه بشئ قد عفى عنه صاحبه إذا لم يكن رفعه إليه ولا شهد الشهود
بالسرقة عنده عليه. وقد قال غيرنا إن السارق إذا رد السرقة على صاحبها
قبل أن يبلغ به إلى الحاكم سقط عنه القطع فيها، وزعموا أنه غير سارق
في ذلك الوقت لها مكابرة لعقولهم وافسادا لثابت البابهم كأن لم يسمعوا
الله سبحانه يقول: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * (43) وقد
يعلمون أن هذا قد سرق ووجب عليه حكم الله بفعله إذ أخرج السرقة من
حرزها، وكأن لم يسمعوا دعاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
بأن لا يعفو الله عن حاكم رفع إليه ذو حد فعفا عنه.

(43) المائدة 38.
253

باب القول في العبد المملوك
يسرق من مال سيده.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا سرق العبد المملوك
من مال سيده شيئا يجب عليه في مثله القطع لم يقطع، لأنه ماله سرق
بعضه بعضا، وان سرق مملوك من مال غير سيده ما يجب فيه القطع
قطع.
وفي ذلك ما بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام: أنه أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين عبدي سرق من مالي فقال:
مالك سرق بعضه بعضا لا قطع عليه.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو سرق من مال بين سيده
وبين آخر أقل من مال سيده أو مثله لم يجب فيه القطع إذا كان مشاعا
لا يعرف بعضه من بعض، فان سرق أكثر مما لسيده فيه بما يجب فيه
القطع قطع.
باب القول فيمن سرق من أهل الذمة خمرا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن سرق مسلم من ذمي
خمرا من حرز في بلد يجوز لأهل الذمة سكناه والمقام فيه وتبنى فيه الكنائس قطع
إذا سرق ما يساوي عشرة دراهم، فإن سرق ذلك من الذمي في مصر من
أمصار المسلمين الذي لا يجوز لهم تسكنه ولا احداث الكنائس فيه لهم
لم يكن ذلك يحرز له، لأنه ليس له بمنزله، ولا يجوز له فيه المقام لان
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم آل بيته أمرنا باخراج أهل
الذمة من جزائر المسلمين، وجزائر المسلمين فهي مدنهم التي مدنوها
وابتدعوها، فينبغي أن يكون لهم قرى على حدة يأوون إليها ويسكنون
فيها مثل الحيرة، أو مثل غيرها.
254

فإذا سرق المسلم الخمر منه في الحيرة أو في غيرها من قراهم
المعتزلين فيها التي يجوز اظهار أديانهما فيها قطع، وان سرقه في مدينة
من مدن الاسلام لم يقطع لأنه ليس للذمي أن يدخل مدن الاسلام
الخمر ولا يقره فيها.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: والواجب على الإمام
أن يمنع أهل الذمة من اظهار شئ من أمرهم في مدن الاسلام من بيع
خمر، أو شرائه أو عمله، أو اظهار عيد من أعيادهم لأنهم لم يعطوا الذمة
على اظهار أمرهم ولا على التعزز في دينهم، وإنما أعطوا الذمة على
التذلل والصغار وإخفاء ما خالف دين المسلمين مما كانوا عليه مقيمين.
قال: وينبغي للامام أن يخرجهم ويأمرهم إن بنوا لا نفسهم قرية
ناحية من مدن المسلمين بحيث لا يسمع الصياح ولا الطرب ولا المنكر
على مقدار ميلين أو أرجح يكون أهلهم بها ويأوون في الليل إليها. ولا
بأس أن تكون تجارتهم في مدن المسلمين، ويجب على الإمام عن
يمنعهم من ذبح شئ مما يباع لحمه في الأسواق لان ذبائحهم لا يحل
أكلها للمسلمين وهي حرام عليهم.
باب القول فيمن سرق مملوكا
صغيرا أو حرا صغيرا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من سرق مملوكا صغيرا
من حرز وجب عليه القطع، وإن سرق حرا صغيرا فلا قطع عليه وعليه
التعزير على قدر ما يرى الإمام لان الحر ليس بمال والمملوك مال
لمالكه، وإنما يجب القطع على من سرق مالا.
وكذلك لو أنه اغتصب مملوكا كبيرا من حرز، فأوثقه أسرا وحمله
255

حملا حتى أخرجه من الحرز ومضى به وجب عليه فيه القطع عندنا، وإن
هو ساقه وتبعه المملوك الكبير فلا قطع عليه في ذلك إذا كان المملوك تبعه
طوعا وإن اكراهه اكراها بالا خافة له على نفسه حتى خرج معه قسرا مخافة
على نفسه من قتله إياه فحالة هذا عندنا في هذه الحال كحال البهيمة
من البعير وغيره الذي لا يخرج إلا قسرا قودا أو سوقا فإنه يجب على سارقه
القطع في إخراجه.
فإذا لحق السارق ومعه العبد وأخذ فرفع إلى الإمام فينبغي له أن
يسأل الشهود هل يشهدون على مطاوعة العبد له وهل رأيتموه عند وقت
أخده له، فإن شهدوا أنهم قد عاينوه حين أخذه وأن العبد طاوعه ولم يكن
منه له إخافة على نفسه لم تقطع يده إذا خرج هو به من حرز لأنه تبعه
ولم يكرهه، وإن شهدوا أنه أكرهه اكراها وأخافه على نفسه قطع الإمام
يده، فإن لم يكن عندهم في لك علم درأ الإمام عن السارق القطع
للشبهة في ذلك، وان ادعى العبد أن السارق أكرهه لم يعمل بقوله فإن
أقر السارق على نفسه أنه أكره العبد إكراها قطع إلا أن يرجع عن إقراره.
وينبغي للامام ألا يقطعه حتى يقرره مرتين ويعلمه أنه إن ثبت على اقراره
قطع يده، فإذا ثبت على ذلك قطع يده من بعد اقراره مرتين.
باب القول فيمن سرق حيوانا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا قطع على من سرق
شيئا من الحيوان في مسرحه ومرتعه. وإنما القطع عليه فيه إذا سرقه من
مراحه وحرزه، فإن سرقه من مراح أو دار أو حظيرة محظورة قطع فيما
سرق منه إذا ساوى من الدراهم عشرة.
256

باب القول فيمن سرق زرعا أو تمرا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن سارقا سرق ثمرا
أو زرعا من بر أو شعير، أو تمر، أو فواكه فقطعه من أشجاره وأخذه من
قبل حصاده وجذاذه لم يجب عليه قطع، وإنما يجب فيه القطع إذا كان
صاحبه قد جذه وحصده وأدخله وقطعه وصيره في جرنه أو أدخله في غير
ذلك من حرزه فإنه إذا سرقه في هذه الحال قطع فاما إذا كان معلقا في
رؤوس أشجاره فلا قطع فيه، وفي ذلك ما يقول رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم: (لا قطع في ثمر ولا كثر).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الثمر الذي الذي لا يقطع فيه
فهو ما كان في أشجاره معلقا، والكثر فهو الجمار الذي يؤخذ من رأس
النخلة، فأما إذا كان جمار في حرز فسرق منه ما يساوي عشرة دراهم
وجب عليه فيه القطع.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل سرق دابة، أو بقرة أو ثمرة
أو زرعا فقال: لا قطع في شئ من ذلك إلا أن يسرقه من جرين محظور
عليه أو مراح أو حرز فقد ذكر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
ورواه رافع بن خديج أنه قال: (لا قطع في ثمر ولا كثر) والكثر فهو
الجمار.
باب القول فيمن عرفت عنده السرقة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من عرفت عنده السرقة
قضي عليه بردها، وإن كان قد استهلكها قضي عليه بغرمها إذا أقام عليها
صاحبها البينة أنها له لم يبع ولم يهب إلا أن يأتي الذي هي عنده
257

ببينة على شرائه إياها فيقضي له بالرجوع على من باعه إياها ويكون
صاحبها الذي أقام البينة عليها أولى بها.
وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
أنه قضى فيه مثلها.
باب القول في حد النباش
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: النباش إذا نبش القبور
وأخذ أكفان من فيها من الموتى قطعت يده إذا أخذ ما يجب في مثله
القطع من كفن تساوي عشرة دراهم لان النباش هو في الحكم كالسارق
وهو أعظمهما فسقا وأجلهما جرما.
وكذلك روي لنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
أنه قال: (النباش بمنزلة السارق وهو أعظمهما جرما).
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن النباش يوجد معه كفن الميت
قال: تقطع يده إذا خرج به من القبر، والقبر فهو حرز الميت.
باب القول في الخلسة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن مختلسا اختلس
ثوب رجل من منكبه أو غير ذلك من بدنه لم يكن عليه في ذلك قطع
ووجب على الإمام إحسان أدبه والتنكيل له عن العودة إلى ما كان فيه من فعله
وكذلك من سرق سرجا على ظهر دابة في الطريق أو قطع ركابا أو سل
سيفا من صاحبه وهو مجيز به في طريقه لم يكن عليه في ذلك قطع،
وكان عليه في أدب وتعزير.
258

باب القول فيمن خان أمانة أوقف (44)
في بيع أو شعراء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا قطع في الخيانة لان
الخائن مؤتمن وكل من خان أمانته فلا قطع عليه فيها، وإن ظهر على
خيانته لها حكم عليه بردها وأدب على ما كان أقدم عليه منه فيها.
وكذلك القفاف الذي يقف على المسلمين لا يقطع في قفافه
ما قف عليه وان صح ذلك أدبه الإمام فيه.
وكذلك الحكم في الطرار إذا طر من ثوب الرجل شيئا يجب في
مثله القطع.
باب القول فيمن وجب عليه القطع
فقطعت يساره غلطا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أمر الإمام بقطع يد
السارق فغلط القاطع فقطع يساره، أو أمره بمد يده فمد اليسرى جهلا أو
تعمدا فقطعت فقد مضى الحد بما فيه ولا يلحق في ذلك شئ عليه لان
الله تبارك وتعالى لم يسم يمينا ولا يسارا وليس لاحد أن يتعمد لذلك ولا
أن يقطع اليسار دون اليمين متعمدا.
وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:
أنه أمر بسارق تقطع يده فمد يساره فقطعت فأعلم بذلك فقال: قد مضى
الحد بما فيه.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن سارق أمر بقطع يمينه فمد يساره
فقطعت، فقال: يكتفي بذلك في قطعة لان الله لم يسم يمينا ولا يسارا.

(44) القف: أن يسرق الرجل بين أصابعه. ذكره في الصحاح.
259

قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا تقطع يدا السارق
كلاهما ولو سرق مرتين أو ثلاثا أو أربعا، ولكن تقطع يده اليمنى في
الأولى، ثم رجله اليسرى في الثانية ثم يحبس إن عاد لسرقته في الحبس
أبدا حتى تظهر للامام توبته وتظهر أمانته وتبدو ندامته وتؤمن جنايته
وتحسن رجعته.
وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:
أنه أتي بسارق أقطع قد قطعت يده ورجله فاستشار الناس فقالوا: تقطع
يده الأخرى، فقال: فبماذا يأكل؟ قالوا: فاقطع رجله الأخرى، فقال:
بماذا يمشي؟ ثم أمر به فحبس وأنفق عليه من بيت مال المسلمين.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: والنساء والمماليك في
القطع سواء.
باب القول في المحاربين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى
في المحاربين ورسوله وهم الذين يقطعون الطريق ويسعون في
الأرض فسادا: * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في
الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف
أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب
عظيم) * (45).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: هذه الآية نزلت في ناس
من بحيلة كانوا من آخر العرب اسلاما فأسلموا وهاجروا وأقاموا بالمدينة
فسقموا لمقامهم بها، وعظمت بطونهم، واصفرت ألوانهم وساءت أحوالهم
فسألوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يخرجهم إلى إبل

(45) المائدة 33.
260

الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فاذن لهم في ذلك فخرجوا إليها
فشربوا من ألبانها وأبوالها وتصححوا فيها، فلما أن برءوا مما كان بهم
وصحوا من سقمهم وعادوا إلى أحسن أحوالهم عدوا على رعاة الإبل
فقتلوهم واستاقوا الإبل وذهبوا بها فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم فبعث في آثارهم فأخذهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل
أعينهم ثم طرحهم في الشمس حتى ماتوا فعوتب النبي صلى الله عليه
في شأنهم.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: الله أعلم بصدق هذا
الخبر، فأنزل الله عليه الحكم فيمن فعل كفعلهم فقال: * (إنما جزاء
الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا
أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) * (46).
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: يجب بحكم الله ورسوله
على من حمل السلاح وأخاف به المسلمين أن ينفى من الأرض، فإن
أخذ أدب وعزر إن لم يكن أحدث حدثنا يلزمه فيه بعض أحكام الله تعالى
فإن لم يؤخذ اتبع بالخيل والرجال حتى يبعد ويذهب. وعلى من أخاف
الطريق وأخذ المال: قطع اليد والرجل من خلاف تقطع اليد اليمنى
والرجل اليسرى ثم يخلى ليذهب حيث شاء، وعلى من أخاف الطريق
وأخذ المال وقتل: القتل والصلب من بعد القتل، ولا يجوز أن يصلب
حيا، وإنما معنى قول الله عز وجل * (أن يقتلوا أو يصلبوا) * (47) فهو
ويصلبوا، فأدخل الألف صلة للكلام لغير سبب يوجب معنى ولا تخييرا
في ذلك، وكذلك تفعل العرب في كلامها، وفي ذلك ما يقول الله تبارك
وتعالى: * (فأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) * (48) أراد سبحانه

(46) المائدة 33.
(47) المائدة 33.
(48) الصافات 147.
261

ويزيدون، فأدخل الألف هاهنا كما أدخلها في قوله أو يصلبوا، ولو كانت
الألف ثابتة في قوله أو يزيدون لكان هذا موضع شك والله تبارك وتعالى
من ذلك برئ وعنه سبحانه متعال علي بل هو العالم الذي لا يخفى عليه
خافية سرا كانت الخافية أو علانية كما قال الله سبحانه: * (يعلم خائنة
الأعين وما تخفي الصدور) * (49) وكما قال سبحانه * (يعلم السر
وأخفى) * (50) وهذا الذي ذكر الله أنه يعلمه مما هو أخفى من السر، فهو
ما لم يسره بعد المسرون، ولم تخفه في قلوبهم المخفون، ولم يجل في
فكرهم، ولم يخطر على قلوبهم ولم يستجن في صدورهم ولم يعلموا
أنهم سيسرونه، وأنهم سوف يريدونه، وقد علم الله سبحانه ذلك منهم
وعلم أنه سيخطر على قلوبهم من جميع أقوالهم وأفعالهم، لأنه محيط
بالأشياء كلها، عالم بكل ما يكون منها من قبل تكوينها وايجادها وفطرتها
وابتداعها فسبحان من ليس له حد ينال ولا شبيه تضرب له فيه الأمثال
وهو الواحد ذو السلطان والجلال، والمتعالي عن اتخاذ الصواحب والأولاد
المتقدس عن القضاء بالظلم والفساد، البعيد من المشاركة في أفعال
العباد، ففعله خلاف فعل خلقه، وفعل خلقه خلاف فعله، لان فعله
سبحانه موجود أبدا وفعل عباده فعرض كائن عدما، ولن يشبه أبدا عدم
موجودا كما لا يشاكل حي أبدا مفقودا، فسبحان ذي الوعد والوعيد
الصادق ذي العز والمجد السابق، وتعالى عما يقول المبطلون وينسب إليه
في ذلك الضالون.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: فان أتى هذا المحارب إلى
الإمام تائبا، وعن فعله راجعا، من قبل أن يقدر عليه امام المسلمين، أو

(49) المؤمن 19.
(50) طه 7.
262

تظفر به سرايا المؤمنين، فدخل عليه تائبا وله مطيعا مسالما، وعلى ما مضى
من فعله نادما، وجب على الإمام إذا أتاه بالأمان باذن من الإمام له، أو
هجم عليه فأدلى بالتوبة إليه، أن يقبل توبته ويؤمنه على ما استأمنه عليه
من نفسه وماله.
وكذلك ان كتب المحارب إلى الإمام يسأله أن يؤمنه ممن يتبعه
بشئ مما صنع أو اجترم أو أصاب من مال أو دم فينبغي للامام ان يؤمنه
على ذلك إذا كان ذلك أصلح للمسلمين، فان أمه عليه، ودخل عليه فلا
يسأله الإمام عن شئ مما أمنه عليه، فإن عرض له أحد في شئ مما
أمنه الإمام على لم يعده الإمام عليه ومنعه من مطالبته وان قتله أحد بما
قتل من الناس في حال محاربته، قتل الإمام قاتله لأنه قد حقن دمه بذمة
الله وذمة رسوله وذمة الإمام.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وان أخذه الإمام في
بعض البلاد من قبل أن يكتب إليه يطلب منه الأمان أو يرمي بنفسه عليه
ويسأله الإمام له ويخبره بالتوبة منه، وأنه لم يأته إلا من بعد توبته، خارجا
إليه من خطيئته، راجعا إلى الله من سيئته، لم يقبل قوله إن ادعى توبة وحكم
فيه بحكم الله عليه، لان التوبة لمثل هذا لا تكون إلا بالخروج إلى الإمام
وهو ممتنع من الإمام فحينئذ تقبل توبته، فاما إذا أخذ أو حيل بينه وبين
المهرب فادعى توبة فلا تقبل منه على هذا الحال.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المحارب كيف ينفى؟ قال:
ينفى من بلد إلى بلد.
باب القول في الخمر وتحريمها من كتاب الله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى
في تحريم الخمر: * (يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب
263

والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) * (51) قال
يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الخمر كل ما خامر العقل فأفسده
فإذا أفسد كثيره كان حراما قليلة، ولذلك سميت خمرا لمخامرتها للعقل
وابطالها له سواء كانت من عنب أو تمر أو عسل أو ذرة أو شعير أو حنطة،
أو زهو، أو غير ذلك من الأشياء، والميسر فهو النرد والشطرنج والقمار
كله، وكلما كان من ذلك مما يلهي عن ذكر الرحمن، ويشغل عن كل
طاعة وإيمان.
والأنصاب فهي أنصاب الجاهلية التي كانوا ينصبونها من الحجارة
لعبادتهم يعبدونها من دون الله، وهي اليوم فموجودة في شعاب الأرض
وفي آثارهم منصوبة على حالها قائمة منذ عهدهم. والأزلام فهي القداح
التي كانت الجاهلية تضرب بها وتستقسم بها وتجعلها حكما في كل
أمرها، عليها كتب وعلامات لهم، فما خرج من تلك الكتب والعلامات
يجعلوه لهم هداية ودلالات فأخبر الله تبارك وتعالى أن ذلك كله من فعلهم
أمر عن الله يصدهم ومن طاعة الله يمنعهم وعن التعاهد لأوقات فرائض
الصلوات يشغلهم وذلك قوله سبحانه: * (إنما يريد الشيطان أن يوقع
بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن
الصلاة فهل أنتم منتهون) * (52).
باب القول في حد الخمر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: حد الخمر ثمانون على
من شرب منها قليلا أو كثيرا فإذا شهد على شاربها رجلان أنهما

(51) المائدة 90.
(52) المائدة 91.
264

رأياه يشربها أو شما منه في نكهته رائحتها وجب عليه الحد ثمانون
سوطا.
وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
أنه قال لعمر بن الخطاب حين كان من أمره وأمر قدامة بن مظعون
الجمحي ما كان، حين كان قدامة يشرب الخمر فحده أبو هريرة بالبحرين
وهو إذا ذاك وآل لعمر عليها، فقدم قدامة على عمر فشكا إليه أبا هريرة
فبعث إليه عمر فأشخصه فقدم أبو هريرة معه بالشهود الذين شهدوا على
شرب قدامة الخمر، وكان ممن قدم معه الجارود العبدي، فلما قدم عليه
أبو هريرة سأله عن أمر قدامة فأخبره أنه جلده في الخمر فسأله عمر البينة
فجاء بشهوده فالتقى عبد الله بن عمر والجارود العبدي، فقال له عبد الله
بن عمر بن الخطاب: أنت الذي شهدت على خالي أنه شرب الخمر؟
قال: نعم، قال إذا لا تجوز شهادتك عليه، فغضب الجارود وقال: أما
والله لأجلدن خالك أو لأكفرن أباك، فدخلوا على عمر فشهدوا أنه ضربه
في الخمر، فقال قدامة إني أنا ليس علي في الخمر حرج إنما أنا من اللذين
قال الله: * (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا
إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وأمنوا وأحسنوا والله يحب
المحسنين) * (53) قال وكان بدريا ففزع عمر مما قاله قدامة، فبعث إلى
علي بن ألي طالب عليه السلام فقال له: الا تسمع إلى ما يقول قدامة
فأخبره بما قرأ من القرآن، فقال علي عليه السلام: فإن الله لما حرم الخمر
شكا المؤمنون إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: كيف
بآبائنا وإخواننا الذين ماتوا وقتلوا وهم يشربون الخمر، وكيف بصلاتنا
التي صلينا ونحن نشربها هل قبل الله منا ومنهم أم لا؟ فأنزل الله فيهم:

(53) المائدة 93.
265

* (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا
وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا اتقوا وأحسنوا والله يحب
المحسنين) * (54) فكان ذلك معذرة للماضين وحجة على الباقين، يا عمر
أن شارب الخمر إذا شربها انتشى، وإذا انتشى هذى وإذا هذى افترى فأقم
حدها حد فرية وحد الفرية ثمانون وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين
عليه السلام: أنه كان يضرب في شرب المسكر ثمانين. وكأن يقول كل
مسكر: خمر. وبلغنا عنه عليه السلام أنه كان يجلد في قليل ما أسكر
كثيره كما يجلد في الكثير.
حدثني أبي عن أبيه أنه قال: حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن
حسين بن عبد الله بن ضميره، عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب
عليه السلام أنه كان يجلد فيما أسكر قليله كما يجلد فيما أسكر كثيره.
وحدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن المسكر فقال: كلما أسكر كثيره
فقليله حرام. وكذلك روي عن الني صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: كلما أسكر كثيره فالذوق منه حرام.
وحدثني أبي عن أبيه أنه قال بلغنا عن أمير المؤمنين رضي الله عنه
أنه كأن يقول: (لا أجد أحدا يشرب خمرا، ولا نبيذا مسكرا إلا جلدته
الحد ثمانين).

(54) المائدة 93.
266

باب القول فيما ينبغي للامام
أن يفعل بالمحدود (*)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي للامام أن يترك
على المحدود ثوبا واحد ولا يجرده من كل ثيابه ولا ينبغي أن يغل أحدا
من المسلمين والغل أن يشد يده إلى عنقه فأما ما يروى عن أمير
المؤمنين عليه السلام فيما يقولون قال: يترك للمحدود يداه يتوقى
بهما فهذا عندي لا يصح، لأنه لو تركت يداه لما وصل إليه من الثمانين
سوطا شئ ينكله عن فسقه ولا يزدجر به عن ذنبه ومد يديه أو نفع له وأطرد
للسفه عنه لان ذلك أنكا، وإذا أنكاه الأدب انتهى، وكل حد لا يؤلم، ولا
يوجع ويبالغ في صاحبه لا يرتدع عما لا يحل، ولا أرى في الحدود إلا
المبالغة في الأدب. قال: وبلغنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه رفع
إليه شارب مسكر فضربه ثمانين سوطا.
باب القول في قنون الحدود
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يقام الحد على فاعله
إذا شهد عند الإمام به قدم عهده أم لم يقدم، فأما ما يقولون به من أن
الحد إذا قدم درئ، فلا يؤخذ بذلك من قولهم ولا يلتفت إليه من
أمورهم، لأنه أمر واجب لله، وإذا قامت به الشهود العدول عند الإمام
وجب عليه أن يحده، وهم يقولون: بأنه يدرأ إذا تقادم في السرق والزنا
والخمر، ويقولون بقولنا في حد القاذف إنه متى ما أقام عليه المقذوف
البينة أخذه به، تقادم أو لم يتقادم يقولون لأنها حقوق الناس، ولعمري
أن حق الرحمن عند من عقل أوجب من حق الانسان.
وقد أقام علي بن أبي طالب عليه السلام حد الخمر على الوليد

(*) في نسخة (في أمر الحدود).
267

بن عقبة في ولاية عثمان بن عفان لم ير طرحه، وولي ذلك بيده، وذلك
أنهم رووا أن عثمان قال من أحب أن يقيم عليه الحد فليقم فاما أنا فلا
آمر به، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: والله لا يعطل لله حد وأنا في
الاسلام ثم قام فضربه بيده ثمانين، وكان ذلك الحد متقادما وذلك أنه
شرب بالكوفة ويقال إنه صلى بالناس الصبح أربعا، فقاء الخمر في
المسجد، ثم رفع رأسه إلى الناس فقال أزيدكم، فشهدوا عليه بالشرب،
ورفع خبره إلى عثمان، فأمر برفعه إليه فكان من أمره ما قد شرحناه في أول
القصة.
قال: وبلغنا عن أمير المؤمنين عليه السلام؟ أنه قال: (ثلاث
ما فعلتهن قط ولا أفعلهن أبدا ما عبدت وثنا قط، وذلك لأني لم أكن لأعبد
ما لا يضرني ولا ينفعني، ولا زنيت قط وذلك لأني أكره في حرمة غيري
ما أكره في حرمتي، ولا شربت خمرا قط، وذلك أني إلى ما يزيد في عقلي
أحوج مني إلى ما ينقص منه).
باب القول فيمن قذف امرأة له صبية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من قذف امرأة له صبية
صغيرة لم يجب عليه أن يلاعنها، لأنه لو أكذب نفسه لم يكن عليه الحد
وذلك أنها لو قذفته لم تحد له، وكذلك لو قذفها غيره لم يحد لها،
ويجب على زوجها وعلى غيره ممن قذفها الأدب والافزاع.
باب القول في الرجل يقذف امرأته بعبد
أو يهودي أو نصراني أو مجوسي
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قذفها بأحد هؤلاء لا
عنها فان أكذب نفسه قبل أن تنقضي ملاعنتها حد لها وكانت امرأته على
268

حالها، ولا يحد ان طالبه العبد أو اليهودي أو النصراني أو المجوسي بما
قذفهم به، لان الله عز وجل إنما أوجب الحد على من قذف المحصن
المؤمن، والمحصنات (*) المؤمنات، ولا حد على من قذف عبدا، فان قذفها
ثم طلقها فاستعدت عليه في عدتها لاعنها، وإن كانت العدة قد انقضت
حد لها ولم يكن بينهما لعان.
باب القول فيمن قذف امرأته ثم مات
قبل أن يلاعنها أو ماتت
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ان قذفها ثم مات قبل
أن يلاعنها أو ماتت، ورثها وورثته لأنهما لم ينفذ لعانهما وهما على
نكاحهما، وذلك أنه لو نكل زوجها حد لها ولم يفرق بينهما ولم يستأنفا
نكاحا جديدا.
باب القول في العبد يقذف الحرة أو الأمة
إذا كانت زوجته، والحر يقذف زوجته المملوكة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا تزوج العبد حرة
فقذفها لا عنها، وإن كانت زوجته أمة فقذفها لم يكن بينهما لعان وجلد
الحد أربعين والحق به ولده. قال: وإذا قذف الحر زوجته وهي مملوكة
لم يكن بينهما لعان.
قال يحيى بن الحسين رحمة الله عليه: وإنما سقط اللعان بينهما
لأنه لو أكذب نفسه لم يحد لها لأنها مملوكة وهو حر.

(*) المراد بالمحصنات الحرائر.
269

باب القول فيمن قال لابن الملاعنة لست
بابن فلان يعني الملاعن لامه
وفيمن قذف امرأته برجل بعينه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من قال لابن ملاعنه
لست بابن فلان، يعني الملاعن لامه وجب عليه الحد للملاعنة أن طالبته
به، لأنه حين نفى أن يكون الملاعن أباه، فقد رمى أمه بالفجور برجل سوى
ذلك الملاعن، لأنه لا يكون ولد إلا من رجل، ولم يكن قط إلا عيسى بن
مريم صلى الله عليه، وكل من قذف فلا بد في قذفه من ملاعنة أو حد،
فالملاعنة تكون بين الأزواج، والحدود تكون على غير الأزواج الا أن يأتوا
بأربعة شهداء يشهدون على ما قالوا، وأما الذي قذف امرأته برجل مسمى
بعينه فإنهما يتلاعنان فإن نكل قبل اللعان فهي امرأته على حالها ويحد
لها، وإن طالبه الرجل الذي قذفها به حد لها أيضا وكذلك لو مضى اللعان
بين الزوجين، ثم طالبه الرجل بقذفه إياه حد له إلا أن يأتي بأربعة شهود
يشهدون عليه بالزنا.
باب القول فيمن قال لا مرأته
لم أجدك عذراء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من قال لامرأته لم أجدك
عذراء لم يجب عليه في ذلك حد، لان العذرة قد تذهب بألوان كثيرة سوى
الوطئ، منهن الوضوء، ومنهن إمساك الخرق في الحيض إذا أسرفت في
استخدامها، ومنهن ركوب الدابة عربا وغير ذلك من الأشياء، فلذلك لم
يجعل فيه حدا، فإن ذكر لها في ذلك فجورا، وذكر لها في ذلك زنا فهو
قاذف وحده حد القاذف.
270

باب القول في الاحتجاج على من زعم
أنه لا حد في الخمر والرد على من زعم
أن أمير المؤمنين عليه السلام رجع عن الحد فيها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يقال لمن قال: لا حد
في الخمر، وروى الحديث الكاذب، الذي لا يصح عن أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب عليه السلام في أنه جلد انسانا في الخمر فمات فوداه من
بيت مال المسلمين، فأتاه ابن الكوا فقال له: يا أمير المؤمنين لم وديته؟
فقال: لأنا جلدناه في الخمر فمات، وليس ذلك الحد بأمر من الله ولكنه
رأى ارتآه عشرة من الصحابة فمن مات في رأي ارتأيناه وديناه من بيت مال
المسلمين، فقال له: فما الذي دعاكم إلى أن تروا رأيا ليس في كتاب
الله تجنون به على أموال المسلمين الجنايات.
ثم زعم أهل الحديث أن أمير المؤمنين عليه السلام ترك الحد في
الخمر من بعد ذلك اليوم اجتراء على الله وكذبا عليه وعلى رسوله وعلى
أمير المؤمنين، وهذا الحديث كله باطل محال كذب فاحش من المقال
لا يقبله عاقلان، ولا يصدق به مؤمنان، والذي أوجب الأدب في الخمر
وأثبت الحد فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو الذي
جعل ثمانين جلدة أدبا فيها واجبا، وحكم به على شاربها حكما لازما.
فأما ما يروى عن أمير المؤمنين عليه السلام: في ذلك أنه قال:
أوجبنا على شاربها جلد ثمانين لأنا وجدناه إذا شرب انتشى، وإذا انتشى
هذى، وإذا هذى افترى، فقد يمكن أن يكون ذلك القول قولا نقله عن
الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لان أمير المؤمنين عليه السلام لم
يذكر ذلك عن نفسه، والدليل على أن ذلك من رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم، ما قد روي عنه مما لا اختلاف فيه عند أهل العلم
271

والروايات من أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتي بشارب خمر فجلده
ثمانين ثم قال: إن عاد فاقتلوه قال: فعاد فانتظرنا أن يأمر بقتله فأمر بجلده
ثانية فجلده، فكيف تقولون أو تروون عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه
قال: حد الشارب رأي ارتآه هو وغيره من الصحابة وقد فعله رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأوجبه وحكم به وهو صلى الله عليه وعلى وسلم
الأسوة والقدوة.
ومن الحجة في ايجاب الأدب في شرب الخمر أن الخمر
محرمة من الله باجماع الأمة أن صح أن فلما أن لم يشك
إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان
فاجتنبوه فعلكم تفلحون) * (55) فحرمها على العباد بنهيه إياهم عن شربها
وأمره إياهم بتركها، ثم أخبرهم أنها رجس، والرجس فمحرم كله على
المؤمنين ومن ذلك قول رب العالمين: * (قل لا أجد فيما أوحى إلي
محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير
فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به) * (56) فذكر سبحانه أن كل محرم
رجس، فلما إن صح أن كل محرم رجس صح أن كل رجس محرم على
المؤمنين بتحريم الله رب العالمين.
فلما إن لم يشك أحد أنها محرمة من الله كان الحكم في شاربها
كالحكم في أكل غيرها من المآكل المحرمات بالنهي عن أكلها، مثل
لحم الخنزير والدم والميتة، ولو أن إنسانا أكل ميتة أو دما وهو محرم لها
مقر بتحريم الله إياها لوجب على الإمام أن يؤدبه الأدب المبرح وينكله
عن ذلك ويستتيبه، فإن عاد عاد له بالأدب والتنكيل، فإن عاد عاد له بذلك

(55) المائدة 90.
(56) الانعام 145.
272

وكل ما عاد إلى شئ من ذلك عاد له بالأدب المبرح، ولا يجوز له أن يقتله
لأنه محرم لها مقر بتحريم الله ما يأكل منها. ولم يأمر الله بقتل من أكل
من ذلك شيئا، وإنما على الإمام عن يستقصي على من فعل من ذلك
شيئا، وليس له أن يقتله قتلا، لان الله لم يأمر بقتله أمرا، ولم يحكم به
عليه حكما، إذا كان غير مستبيح لها ولا مستحل لما حرم الله تعالى منها
وكأن يقول بتحريم الله، مقرا على نفسه بالعصيات لله فيها.
وكذلك يجب على شارب الخمر الأدب المبرح في شربها إذا كان
مقرا بتحريمها، وكذلك الحكم في استحلالها والاستباحة لما حظر الله
فيها، وتحليل ما حرم الله سبحانه من شربها، وانكار ما نهى الله جل جلاله
عنه من تناولها كالحكم في استحلال غيرها من الميتة والدم وتحليل
ما حرم الله من أكلها، وانكار ما نهى الله عنه من التشديد فيها.
فلو أن رجلا قال: إن الميتة والدم حلال غير حرام، واعتقد ذلك،
وقال به لوجب على الإمام أن يستتيبه فإن تاب خلى سبيله وإن لم يتب
ضربت عنقه. وكذلك لو قال: إن الخمر حلال غير حرام واعتقد ذلك وقال
به لوجب على الإمام أن يستتيبه، فإن تاب وإلا قتله، لأنه مبارز معاند لله
سبحانه بتحليله لما حرم الله وتحريم ما أحل الله، ومن أحل ما حرم الله
فهو كمن حرم ما أحل الله، ومن حرم ما أحل الله وأحل ما حرم الله فقد
جهل الله وأنكره، لان من أنكر فعل الله في تحريمه، أو تحليله فقال لما
حرمه لم يحرمه كمن أنكر فعله في ارسال رسله، فقال لمن أرسل لم يرسله،
ومن أنكر فعله في ارسال رسله، كمن أنكر فعله في خلق سماواته وأرضه.
ومن قال إن الله لم يخلق السماء أو غيرها من الأشياء، فلم يعرفه
ولم يعبده لأنه يعبد الذي لم يخلق السماء، والله جل جلاله فهو خالقها
ومصورها، وكذلك من قال لم يحرم الله الدم ولا الخمر فهو منكر لله غير
273

عابد ولا عارف به ولا مقر به، لأنه يقول إن الذي حرم الخمر ليس
بالله، وأن الله لم يحرمها فهو يعبد في أصل قوله من لم يحرم الخمر
والميتة والدم، والله فقد حرم ذلك كله، ومن لم يعبد من حرم الميتة
والخمر، والدم ولحم الخنزير فقد عبد غير الله، ومن عبد غير الله كمن
كفر بالله وأشرك به، فحال من كان كذلك في الحكم كحال المشركين،
وسبيله في ذلك كسبيل المرتدين. فان تابوا، وأنابوا، ورجعوا واستقاموا
خلوا، وأن لم يرجعوا ويتوبوا قتلوا، فلما أن كان معنى الخمر، والميتة، والدم
ولحم الخنزير في الحكم من الله على من أباحها وحلل ما حرم الله منها
سواء بالقتل ان لم يتب، كان الحكم منه سبحانه بالعقوبة والأدب على
من نال من ذلك شيئا وهو مقر بالتحريم له من الله سبحانه سواء سواء
لا خلاف فيه.
فلما إن صح ذلك عندنا وثبت في عقولنا علمنا أنه لابد أن يكون
على من أتى شيئا من ذلك أدب منكل، ثم وجدنا أدب شارب الخمر قد
تقدم تحديده من الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك أنها
شربت على عهده فاحتذينا في ذلك بفعله، وألزمنا شارب الخمر ما ألزمه
الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يأت عنه أدب محدود على
أكل الميتة والدم ولحم الخنزير، لأنه لم يؤكل من ذلك شئ على عهده
ولا من بعده إلى اليوم فيما علمنا، وان حدث من ذلك شئ اجتهد
الإمام رأيه في الأدب فيه، ومن لم يلزم في الخمر شاربها أدبا مبرحا لزمه
ألا يلزم في أكل الميتة والدم، ولحم الخنزير أدبا لان ذلك كله سواء في
حكم الله العلي الاعلى.
ومن أوجب الأدب في ذلك كله وغيره ورأى أن إقامة ذلك على
فاعله لازمة للامام، لم يلزمه معرة إن حدثت من أدبه له لأنه إنما اجتهد
274

رأيه وأراد صلاحه ورده عن معاصي ربه إلى طاعته والإمام فإنما هو في
الرعية مثل المتطبب المداوي البصير المعروف بالمداواة والبصر
بالتطبب، فإذا رأى المتطبب العليل يحتاج إلى دواء فسقاه إياه بالاجتهاد
منه لرأيه والاستيذان لعصبته فعنت العليل أو هلك لم يكن على المعالج
من بعد الاجتهاد والاستيذان لعصبته معرة ولادية.
وكذلك الإمام على الاجتهاد فيما يصلح الرعية، ويردها عن الفسق
والافعال الردية، وبذلك أمره الله فيها، وأمر الله له بأدائها على ما يكون من
خطأ فعلها واطلاق يده في ذلك وبه عليها، أعظم من إذن عصبة
المريض المتطبب في معالجته، فإذا اجتهد الإمام في اصلاح الأمة
وردها بالأدب والتنكيل لها عن فسقها والاجتراء على خالقها، فعنت منهم
أحد في ذلك أو هلك فلا ضمان عليه في شئ من ذلك، وعليه
الاستقامة والاستقصاء في الأدب، والاجتهاد لله فميا يصلح العباد والبلاد،
وان تلف في ذلك خلق عظيم لا يسعه غيره ولا يجوز له عند الله سواه.
وإنما تجب الدية وتلزم المعرة في فعل ما لم يكن يجوز له فعله
فيخطئ في ذلك فيفعله من غير تعمد منه لفعله، مثل شاهدين شهدا
على رجل بسرقة وبإخراجها من الحرز فقطعه الإمام ثم وجد أحدهما
أعمى أو وجده مجنونا، أو أربعة شهدوا على رجل بالزنا فرجمه ثم وجد
أحدهما أعمى فهذا خطأ منه تجب فيه الدية عليه، فاما ما لا بد له من
فعله وما لا يسعه تركه من تأديب الأمة فلا معرة عليه فاما ما لا بد له من
فعله وما لا يسعه تركه من تأديب الأمة فلا معرة عليه فيه لان المعرة إنما
جعلت تنكيلا للمخطئ عن العودة فيما منه أتى، ولو لزمت الداية الإمام
فيما أحدث على المؤدب إذا لم يجزله ما ينبغي من الأدب لكان ذلك
تنكيلا له على تأديب الأمة، ولو تنكل عن تأديبها لهلك في النار بعذاب
ذي الجلال والاكرام من الأمة أكثر مما يهلك بتأديب الإمام، ولو لم يكن
275

للامام أن يؤدب الأمة تأديبا حسنا على قدر جرم مجرمها لهلكت في
جميع أسبابها، ولا كل بعضها بعضا، ولكن الله أحسن تقديرا وأرحم بخلقه
وأرأد بعباده، وفيما ذكرنا من ذلك ما أعني أهل العلم والفهم وكفى
والحمد لله العلي الاعلى وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته وسلم
تسليما.
حدثني عمي الحسن بن القاسم عليه السلام قال: حدثني من
أثق به بإسناد يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه أتاه ديلم
الحميري من أهل اليمن فقال: يا رسول الله إنا بأرض باردة نعالج بها
عملا شديدا وإنا نتخذ شرابا من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى
برد بلادنا، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هل يسكر؟ فقال:
نعم فقال: اجتنبوه، فقال الحميري: ثم أتيه من بين يديه فقلت له مثل
ذلك فقال: هل يسكر؟ فقلت نعم فقال: صلى الله عليه وعلى آله وسلم
فاجتنبوه، فقلت: إن الناس غير تاركيه فقال: إن لم يتركوه فاقتلوهم).
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: هذا الحديث موافق
للحديث الذي يروى عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أنه قال:
(كل مسكر حرام) والحديث الذي يروى عنه صلى الله عليه وعلى آله
وسلم أنه قال: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) وفي حديث آخر: (فالذوق
منه حرام) ويوافق الحديث الذي يروى عنه في رجل شرب خمرا فجلده
ثم قال: إن عاد فاقتلوه قال: فعاد فأمر به فضرب ثمانين ضربة، فدل
اختلاف أمره أولا وفعله فيه آخرا على أن الله أحدث له فيه أمرا وحكم
عليه بالجلد حكما فلم يتعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
ذلك إلى ما كان أمر به فيه أولا من القتل.
حدثني عمي الحسن بن القاسم قال حدثني بعض من أثق به
276

باسناد يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: لقد
حرمت الخمر علينا وما خمرنا الا من التمر.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: الخمر التي حرمت فإنما
هي الخمر التي كانت تعمل بالمدينة يعملها أهل يثرب، وأهل يثرب
فإنما هم أهل نخل وتمر لا عنب عندهم الا اليسير وأظن أنه حادث بها
أحدث فيها بعد أن لم يكن تم جزء أبواب الحدود والحمد لله الواحد
المعبود وصلى الله عليه وعلى آله وسلم.
277

كتاب
الديات، والجراحة، والجنايات
279

بسم الله الرحمن الرحيم
مبتدأ حكم الديات وما حكم الله به على قاتل النفس متعمدا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى:
* (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه
ولعنه وأعد له عذابا عظيما) * (1) والتعمد هاهنا فهو التعمد بالظلم
والاجتراء على ما نهى الله عنه من سفك الدماء، وإنما يجب ما أو عد الله
به من ناره وعذابه وغضبه ولعنته على من تعمد قتل مؤمن ظالما له في
تعمده مجتريا على الله في قتله، فاما من تعمد قتله بحق يجب عليه
فليس بمعاقب فيه.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وأنا أرى أن من قتل بحق
فليس بمؤمن لان الحق لا يوجب قتل المؤمن، الا أن يكون مرجوما تاب
قبل رجمه، أو قاتل نفس تاب وأخلص التوبة قبل قتله لربه وأقاد من نفسه
لان القتل إنما يجب بحكم الله على عشرة أصناف.
فأولها: قتل أهل الشرك من بعد الدعاء لهم إلى الله إذا أبوا أن
يجيبوا إلى الاسلام أو إلى المعاهدة.
(والثاني) قتل المرتد عن الاسلام إذا أبى التوبة.
(والثالث) قتل سحرة المسلمين إذا أبوا التوبة.

(1) النساء 93.
280

(والرابع) قتل الزنادقة إذا أبوا التوبة.
(والخامس) ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من
قتل الديوث إذا صحت دياثته من بعد الاستتابة.
(والسادس) قتل الفئة الباغية من المسلمين إذا بغت وتعدت على
المؤمنين كما أمر الله سبحانه بقتلها، وذلك قوله تعالى: * (وإن طائفتان
من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى
فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) * (2) ومنهم الذين يدعون ما ليس
لهم، ويتأولون بزعمهم أنهم أئمة، ويعطلون الأحكام، ويهتكون الاسلام
ويخالفون الرحمن، ويجاهرونه بالفسق والعصيان وهم الذين قال الله
فيهم: * (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن
الله مع المتقين) * (3). ثم بين أنهم هم بأعيانهم فقال: * (ومن لم يحكم
بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * (4) وأما قوله يلونكم من الكفار فإنما
معناها بينكم الذين هم أضرب من غيرهم عليكم، ثم كذلك فرض عليكم
أن تقاتلوا الأدنى فالأدنى من العاصين حتى لا تبقوا على الأرض لي
مخالفين. كذلك حروف الصفات يعاقب بعضها بعضا فقامت يلي مقام
بين فكان المعنى بينكم فقال يلونكم، وكل ذلك في العربية سواء، من
ذلك قول رب العالمين فيما حكى من قول فرعون اللعين حين يقول:
* (ولأصلبنكم في جذوع النخل) * (5) فقال في جذوع النخل وإنما
معناها على جذوع النخل فقامت في مقام على. وقال الله سبحانه:

(2) الحجرات. 9
(3) التوبة 123.
(4) المائدة 144.
(5) طه 71.
281

* (وما ذبح على النصب) * (6) وإنما أراد للنصب، ومن أجلها، فقال على
فقامت مقام اللام وكذلك حروف الصفات كلها يعاقب بعضها بعضا وفي
ذلك ما يقول الشاعر:
شربن بماء البحر ثم ترفعت * لدى لجج خضر لهن نئيج (7)
فقال: ترفعت لدى لجج، وإنما أراد ترفعت على لجج خضر،
وإنما يصف السحاب ويذكر أنها ترتفع فوق لجج البحر.
(السابع) فما حكم الله به من قتل قطاع طريق المسلمين المحاربين
في ذلك لله وللرسول وللمؤمنين إذا أخذوا أموالهم وقتلوا فيهم، وذلك
قول الله عز وجل: * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في
الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من
خلاف) * (8).
(والثامن): فهو قتل من قتل مؤمنا متعمدا ففي حكم الله أن يقتل
به وذلك قول الله عز وجل: * (النفس بالنفس) * (9) وقوله سبحانه * (ولا
تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه
سلطانا) * (10) والسلطان الذي جعله الله لوليه هو قتل قاتله به.
(والتاسع): قتل من سب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم وشتمه واستخف بحقه واطرحه، وذلك قول رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم: (من سبني فاقتلوه).
(والعاشر): فقتل من زنا بعد احصان كذلك كان يفعل رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم به يرجمه حتى يموت.

(6) المائدة 3.
(7) النئيج: الاحتراك والتصويت أيضا. ذكر معناه في الصحاح.
(8) المائدة 33.
(9) المائدة 45.
(10) المائدة 151.
282

قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ثمانية أصناف من هذه
العشرة إذا تابوا خلي سبيلهم ولم يقتلوا، وصنف لابد من قتله تاب أولم
يتب وهو المحصن الزاني، وصنف الامر فيه إلى أولياء أمره وهو قاتل
النفس فإن أحبوا قتلوه، وإن أحبوا تركوه.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من سب رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم استتيب فإن تاب ورجع إلى ما أوجب الله
عليه له فأخلص التوبة من ذلك لربه رأيت أن يطلق، ومن أقام على ذلك
قتل وليس سب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأعظم من سب
الله والجحدان له والكفر به، ومن استحل ذلك في الله سبحانه لم يقتل
حتى يستتاب فان تاب خلي وإن أبى قتل فهذه الوجوه العشرة التي يجوز
بها سفك دم الانسان ومن كان في شئ من هذه العشرة الأصناف وجب
عليه من الله حكمها وانتظمه بفعله لها اسمها.
وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه
قال: (لا يزني الزاني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق وهو مؤمن) ومن
الدليل على أن ذلك كذلك حكم الله عليه بالنار والعذاب، ومن كان
مؤمنا فليس من أهل العقاب، ولا يجوز أن ينسب إلى العذاب لان من صح
له اسم الايمان فمستوجب من الله الثواب، فلذلك قلنا إن أهل الاجتراء
على كباير العصيان ليسوا عند الله ولا في حكمه من أهل الايمان.
ثم نقول من بعد ذلك إن الكفر على معنيين فأحدهما: كفر شرك
وجحدان لله سبحانه وللنبي وللفرقان فسواء من أنكر الله في ذاته أو أنكر
خلقه لسماواته أو جحد أنبيائه ورسالاته، لان من أنكر شيئا من فعله فقد
أنكره بانكار صنعه، لان من قال لما فعله الله لم يفعله فقد زعم وأوجب ان
غير الله فعله، ومن قال إن غير الله فعل فعل الله فهو منكر في قوله لله لأنه
283

يعبد من لم يفعل ذلك الشئ الذي أنكره والله سبحانه هو الذي صنعه
فقد صح أن من أنكر فعل الله فقد أنكر الله ومن لم يقر بصنعه فقد كفر
به.
والوجه الثاني فهو كفر النعم بالعصيان للواحد ذي الكرم والاحسان، ومن كفر نعم الله فهو فاسق في دين الله بكفرانه لنعم الله ومن
كانت حاله كذلك كان بعيدا من اسم الايمان قريبا داخلا مستحقا لاسم
الفجور والفسوق والعصيان إلا تسمع كيف ميز الله سبحانه بين المؤمنين
والفاسقين فلم يجمع بينهم بالفعل ولا في الاسم أحكم
الحاكمين بل أخبر أنهما شيئان مختلفان واسمان متضادان متباينان في
المعنى والجزاء فنسب المؤمن إلى ما حكم به من الثواب ونسب الفاسق
إلى ما أعد له من أليم العقاب فقال فيما نزل من الكتاب: * (أفمن كان
مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم
جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما
أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم
به تكذبون) * (11) وفي ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى: * (وإذ تأذن ربكم
لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) * (12) يقول سبحانه
تأذن ربكم يريد حكم ربكم لئن شكرتموني فعملتم بطاعتي واتبعتم
مرضاتي لأزيدنكم من فضلي ولأضاعفن لكم ثوابي، ولئن كفرتم نعمتي
وعصيتم أمري وعندتم عن طاعتي لأعذبكم عذابا شديدا.

(11) السجدة 18.
(12) إبراهيم 7.
284

باب القول فيما ذكر الله سبحانه من القصاص
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: حكم الله تبارك وتعالى
علي بني إسرائيل بالقصاص ولم يكن أطلق لهم الدية فقال سبحانه:
* (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف
والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة
له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) * (13) فبين سبحانه
بقوله في آخر الآية فمن تصدق به فهو كفارة له على ما قنا من أنه لم تكن
بينهم دية ولم يكن الا القصاص أو الهبة، وحكم سبحانه عليهم بأن تكون
نفس الرجل بنفس المرأة وعين الرجل بعين المرأة وأنف الرجل بأنف
المرأة وجعل كل شئ من جراح الرجال كجراح النساء ولم يجعل بينهم
تفاضلا في شئ من الأشياء كما قال سبحانه: * (وكتبنا عليهم فيها أن
النفس بالنفس) * (14) ثم قال في آخرها والجروح قصاص، ومعنى قوله
كتبنا عليهم فيها يريد التوراة وجعل أحكام عبيدهم في ذلك كله
كأحكامهم.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ثم خفف الله وعفى
تباركت أسماؤه وجل ثناؤه عن أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم
فميز (*) أحكامهم، وفرق بين دياتهم على قدر مراتبهم رحمة منه لهم وعايدة
بالفضل عليهم فقال فيما نزل من الأحكام في القصاص بين أهل
الاسلام على نبيهم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: * (كتب
عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى
فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك

(13) المائدة 45.
(*) في نسخة فغير. تمت.
(14) المائدة 45.
285

تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) * (15)
فحكم الله تعالى أن الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فحظر بما
حكم به من ذلك أن يقتل ذكر بأنثى، أو حر بعبد فرقا منه سبحانه بين
المسلمين وبين الإسرائيليين
إلا أن يكون القاتل من الرجال قتل من قتل
من النساء والعبيد فسادا في الأرض وطغيانا وميلا وكفرانا، فينظر في ذلك
إمام المسلمين فإن شاء قتله على عظيم جرمه وإن شاء فعل به غير ذلك
من الفعل بتوفيق الله له فعله. ثم قال عز وجل: * (ولكم في القصاص
حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) * (16).
والحياة التي في ذكرت القصاص فهي ما يداخل الظالمين من الخوف من
القصاص في قتل المظلومين فيرتدعوا عن ذلك إذا علموا أنهم بمن
يقتلون مقتولون فتطول حياتهم إذا ارتدعوا عن فسادهم وينكلون عن قتل
من به يقتلون وبإبادته بحكم الله يبادون فحكم الله سبحانه بالقود بين
عباده، والقصاص على ما ذكر في كتابه فيما يقتل من القتلى أو يستأصل
من الأعضاء، وكذلك حكم بالقصاص بين الجرحى ثم قال تبارك
وتعالى: * (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ
فتحرير رقبة مؤمنة على قاتل النفس ودية مسلمة إلى أهله إلا أن
يصدقوا) * (17) فجعل سبحانه في قتل الخطأ تحرير رقبة مؤمنة على قاتل النفس
ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا، والصدقة هاهنا فهي الهبة له والصفح عن
خطيئته والاعراض عن أخذ الدية من عاقلته. ثم قال رجل جلاله عن أن يحويه
قوله أو يناله: * (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة
مؤمنة) * (18) فلم يجعل في المؤمن الساكن بين المشركين دية، وهو أن

(15) البقرة 178.
(16) البقرة 179.
(17) النساء 92.
(18) النساء 92.
286

يكون الرجل يسلم وهو في قومه لا يعلم باسلامه وهو يكتمه فيلقاه
المسلمون بناحية من الأرض فيقتلونه وهم يظنون أنه على ما كان عليه من
شركه، ثم يعلمون بعد ذلك باسلامه، فهذا الذي جعل الله فيه الكفارة
ولم يجعل فيه الدية لان المسلمين ورثته دون مناسبيه من المشركين وهم
الذين يعقلون عنه لو كان جنى جناية فجعلهم الله أولى بديته، إذا كانوا
العاقلين عنه دون قرابته من غير أهل دينه. ثم قال سبحانه: * (وإن كان
من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن
لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما) * (19).
فجعل فيمن كان بينهم وبينه ميثاق من المشركين دية وذلك لما بينهم من
العهد والميثاق فسلمت إليهم دية لما بينهم من عهد الله وميثاقه وجعل
فيه سبحانه الكفارة لأنه مؤمن ثم جعل على من لم يجد رقبة مؤمنة صيام
شهرين متتابعين لا يفصل بينهما إلا من علة عظيمة فيفصل بينهما ثم
يبني على ما كان من صيامه عند خروجه من علته وطاقته لصيام كفارته.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: فلم يزل المسلمون على ذلك
حتى أنزل الله تبارك وتعالى براءة فنقضت العهد الذي كان بينهم وبين
المشركين ونبذ إليهم رسول الله عهدهم وآذنهم بما أمره الله به من
محاربتهم، وكان أول نبذ العهود إلى المشركين من قريش خاصة لأنهم
كانوا أصحاب العهد والهدنة، ثم استثنى تبارك وتعالى فقال: * (إلا
الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق) * (20) فنزلت هذه الآية في
هلال بن عويمر كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عهد
فلم يكن نقض هلال ما بينه وبين الني صلى الله عليه وعلى آله وسلم
فكان مشركوا قريش يخرجون من مكة فيأتون هلالا وكان أصحاب رسول

(19) النساء 92.
(20) النساء 90.
287

الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يريدون قتل من يأتي هلالا من
المشركين فمنعهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما ذكر من
قوله * (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق) * فلما أكمل الله سبحانه
نعمته على المسلمين وأعز بنصره خاتم النبيين نسخ هاتين الآيتين ونسخ
كل عهد كان بينه وبين المشركين فقال: * (واقتلوا المشركين حيث
وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا
الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم) * (21) فأمر المسلمين
بقتل المشركين حيث وجدوهم، وأن يقعدوا لهم كل مرصد، وأن
لا يستبقوا من المشركين أحدا الا من تاب من خطيئته، ورجع إلى الله
عن سيئته، ثم قال عز وجل تحذيرا للمؤمنين وتأكيدا منه عليهم في
التحفظ إذا ضربوا في الأرض من قتل المؤمنين فقال: * (يا أيها الذين
آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم
لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة) * (22) فيقال
إن هذه الآية نزلت في أسامة بن زيد حين بعثه رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم إلى أرض غطفان، ولم يكن بالمؤمر على السرية فبلغ
غطفان خبرهم فهربوا وتخلف رجل من غطفان يقال له مر داس بن نهيك
فلما رآهم خافهم وألجأ غنمه إلى كهف في الجبل ثم استقبلهم فسلم
عليهم وشهد بشهادة الحق فحمل عليه أسامة فطعنه وأخذ ماله فنزل
جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خبره، فلما قدموا على
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جعل صاحب السرية يثني على
أسامة ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم معرض حتى إذا فرغ
الرجل قال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يا أسامة قال

(21) التوبة 5.
(22) النساء 94.
288

الرجل لا إله إلا الله فقتلته كيف لك بلا إله إلا الله فقال: يا رسول الله إنما
قالها تعوذا منا قالها بلسانه ولم يكن لها حقيقة في قلبه، فقال له الني
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفلا شققت عن قلبه فنظرت ما فيه فقال
إنما قلبه بضعة من جسده فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها حرمت
علي دماؤهم وأموالهم وحسابهم إلى الله).
باب القول في الديات والجراحات
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قتل الرجل المسلم
ففيه الدية كاملة، والدية فمائة من الإبل في أصحاب الإبل، وألفا شاة
في أهل الشاء، ومائتا بقرة في أهل البقر، وألف دينار في أصحاب
الدنانير، وعشرة آلاف درهم في أصحاب الدراهم.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: كان الصرف في ذلك
الدرهم فيما بلغنا عشرة دراهم بدينار، وفي العين الواحدة نصف الدية وفي
العينين الدية كاملة، وفي الاذن إذا استؤصلت نصف الدية، وفي الاذنين
كلتيهما الدية كاملة، وفي الرجل الواحدة نصف الدية، وفي الرجلين
كلتيهما الدية كاملة، وفي اليد نصف الدية، وفي اليدين الدية كاملة، وفي كل
أصبع عشر من الإبل، وفي اللسان الدية كاملة، وفي الذكر إذا قطع من
أصله الدية كاملة، وفي الظهر الدية كاملة، وفي الانف إذا استوعب من
أصله الدية كاملة، وفي الأنثيين الدية كاملة، وفي كل سن خمس من
الإبل.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وفي الموضحة خمس
من الإبل، وفي الهاشمة عشر من الإبل، وهي التي تهشم العظم، وفي
المنقلة خمس عشرة من الإبل.
289

قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: المنقلة هي التي تهشم
الرأس فيخرج منه بعض، وفي الجايفة ثلث الدية، والجايفة فهي
التي تصل إلى الجوف، وفي الأمة ثلث الدية وهي التي تصل إلى
الدماغ.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وبذلك كله صح عندنا
الأثر والحكم فيه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه على
ما قلناه، وقد ذكر عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه جعل في مارن
الانف الدية.
باب القول في الدية كيف تؤخذ
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تؤخذ الدية أرباعا في
النفس وما دونها من الديات الموضحة فصاعدا ربع جداع وربع حقاق
وربع بنات لبون وربع بنات مخاض، وكذلك دية المرأة تؤخذ أرباعا
مسننة على ما ذكرنا ودية المرأة نصف دية الرجل.
باب القول في تحديد الدية
وتسميتها من الأموال
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: دية الرجل من الذهب
في أصحاب الذهب ألف مثقال، وأصحاب الذهب فهم أهل الشام ومصر
والمغرب والعراق والحجاز والبحرين واليمن، والدية في أهل الدراهم
عشرة آلاف درهم وهم أهل خراسان وما والاها من البلدان التي لا يتعامل
فيها إلا بالدراهم، وفي أهل البوادي من العرب وغيرهم مائة من الإبل،
وفي أهل البقر وهم أهل تهامة اليمن وغيرها من سواد الكوفة وغيره مائتا
بقرة، وفي أصحاب الشاء حيث كانوا وهم أهل الجبال من الشرق
290

والغرب واليمن والشام ألفا شاة. قال يحيى بن الحسين عليه السلام فمن
كان من جميع هؤلاء صاحب صنف مما ذكرنا لم تؤخذ الدية إلا من ماله
ولم يكلف أهل الدية في الدية سوى أموالهم، وتؤخذ الدية من كل من
وجبت على في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها.
باب القول فيما لا قود فيه من الجراح
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا قود في الأمة وهي
التي تصل إلى الدماغ ولا في المنقلة وهي التي تهشم الرأس فتخرج
منه العظام وهلا في الحايفة وهي التي تصل إلى الجوف ولا في
العظم يقطع من وسطه مثل العضد تقطع من وسطها أو الساق أو الفخذ،
أو الذراع. وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أنه قال: (لا قود في ذلك).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وإنما أبطل صلى الله
عليه وعلى آله وسلم القود في كل ذلك، لأنه شئ لا يكاد صاحبه يسلم،
فإذا سلم منه الواحد بعد الواحد لم يعتبر به ولم يقتص من فاعله وذلك
أن مثل هذا لا يعمل في قصاص ولا دية حتى يبرأ صاحبه فإذا برئ
واستقام طلب حقه، فإن مات كان سبيله سبيل القتيل فيه قود، وإن عاش
وسلم من هذه الجراح هذا المجروح ثم أقيد من الآخر لم يؤمن أن
يتلف فيه فيقتل نفس بجرح، فلذلك يبطل القود فيه لهوله وعظم أمره.
باب القول في الدية على من تجب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من قتل قتيلا، أو قطع
عضوا، أو جرح جرحا، متعمدا في شئ من ذلك كله، كان عليه في
ذلك القود يفعل به ما قعل بغيره، إلا أن يرضى أهل الجراح من الجارح
291

لهم بالدية فيكون أمر ذلك إليهم، وتكون كل دية أو صلح كانت في
العمد واجبة على المتعمد في ماله دون مال عاقلته. قال: وكل شئ
كان من الخطأ في النفس وما دونها فهو في أموال العاقلة وعليها والعاقلة
فهي العشيرة ولا ينبغي أن تحمل الدية على البطن الأدنى إلى الجانب
إذا لم يكن هذا البطن يحتمل الدية، فإذا لم يكن يحتملها ضم إليه
أقرب البطون إليه، على قدر ما يحتملون يكون غرمهم في ذلك، وإن
كانت العاقلة أصحاب دواوين وكانوا يقبضون الأرزاق من الإمام مع من
يقبض من المسلمين أخرجت الدية في ثلاث سنين في أعطياتهم يلزم
كل رجل في سنته كسر كسر أو أقل أو أكثر على قدر كثرتهم وقلتهم وعلى
قدر ما يحتملون في أعطياتهم.
باب القول في عدد ما في الانسان من الدية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: في النفس الدية، وفي
البصر الدية، وفي السمع الدية إذا صم فلم يسمع، وفي الخرس الدية
إذا ضرب الرجل ضربة فخرس منها، وفي الصوت الدية إذا انقطع صوت
الرجل، وفي اللسان الدية، وفي العقل الدية، وفي الانف الدية، وفي
الظهر إذا دق فلم يتجبر الدية، وفي الذكر الدية، وفي الغايط الدية، وفي
البول إذا ضرب صاحبه فسلس فلم يقف الدية، وفي الرجلين الدية،
وفي اليدين الدية، وفي الاذنين إذا استؤصلتا الدية، وفي الشفتين الدية،
وفي الأنثيين الدية وفي الأسنان الدية، قال: وأما شعر اللحية وشعر
الرأس إذا لم يخرجا لسبب عمل بصاحبهما أو معنى فقد قال غيرنا ان
فيهما دية، ولسنا نرى ذلك ولكن يكون فيهما حكومة غليظة تقارب
الدية، وكذلك قال غيرنا في أشفار العينين وشعر الحاجبين دية دية،
292

ولسنا نرى ذلك ولا نقول به، ولكن فيه حكومة دون نصف الدية فيما نرى
وهو أقرب إلى الحق عندنا.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: في الهاشمة وهي التي
تهشم العظم ولا يخرج منه شئ من العظام وهي دون المنقلة عشر
الدية، وفي السمحاق وهي التي تسحق اللحم وتقارب الموضحة
أربع من الإبل، وقد قيل فيما دون ذلك وفوقه من الشجاج ولسنا نقول
فيها بشئ معلوم بل في ذلك كله حكومات ينظر فيها الناظر وذلك بعون
الله وتوفيقه.
باب القول في الحر يقتل عبدا
والرجل يقتل المرأة سفها وتمردا
وطغيانا وفسادا في الأرض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قتل الحر العبد على
ذلك من الحال، كان الإمام الناظر في أمره، فان رأى أن يقتله كان له أن
يقتله، وكذلك الرجل إذا قتل المرأة على تلك الحال كان له أن يقتله
بها. وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
فيمن قتلهما على هذه الحال.
وحدثني أبي عن أبيه أنه قال: أي حر قتل عبدا أو رجل قتل امرأة
تمردا وعتوا وظلما وفسادا في الأرض كان للامام أن يقتله به.
باب القول في معنى القتل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: القتل عندي على
معنيين عمد وخطأ لا ثالث لهما، وقد قيل في ذلك بمعنى ثالث شبه
العمد، ورويت فيه آثار عن أمير المؤمنين علي عليه السلام وليست
293

تصح عندنا ولا نرى إلا أنه يكون عمدا أو خطأ فما كان عمدا ففيه القود
إلا أن يشاء أولياء القتل الدية فيكون الامر في ذلك أمرهم والقول
قولهم، وما كان من خطأ ففيه الدية والكفارة.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن دية الخطأ وشبه العمد فقال
ليس بين الخطأ والعمد منزلة، وإنما القتل كله خطأ أو عمد وفي ذلك
ما جعل الله فيه من قود أو دية، وقد قال غيرنا إن شبه العمد منزلة ليست
بالعمد ولا الخطأ الدية فهي مغلظة وذكر عن علي عليه السلام أنه قال:
شبه العمد ما كان بالعصا والقذفة بالحجر العظيم وليس ذلك يصح عنه
عندنا.
باب القول في أعور فقأ عين صحيح
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قد روي في ذلك عن
أمير المؤمنين عليه السلام روايات ولسنا نصححها والذي يجب عليه
عندنا أن يقاد لان الله يقول: * (والعين بالعين) * (23) إلا أن يريد الدية
فيكون محسنا في ذلك ويدفع نصف الدية.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن أعور فقأ عين صحيح، فقال:
يقاد منه إنما العين وإن أراد الدية فله نصف الدية.
باب ا لقول في الظفر والسن إذا أسودا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذ اسودت السن فهي
كالساقطة وحكمها كحكمها فيها خمس من الإبل، فإن انكسرت ففيها
حكومة على قدر ما ينقص منها، واما الظفر ففي اسوداده حكومة، وقد
روي في ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

(23) المائدة 45.
294

حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن السن إذا اسودت فقال: إذا
اسودت السن ففيها خمس من الإبل، وإذا انقصفت فبحساب ما نقص
منها من نصف أو ربع أو أقل أو أكثر.
باب القول في البيضتين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قد قيل إن في اليسرى
ثلثي الدية، وفي اليمنى ثلث الدية وزعم من قال بهذا ان الولد من
اليسرى، ولم يأتنا ذلك في كتاب ولا سنة وهما عندي في الدية سواء.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن البيضتين فقال: فيهما جميعا
الدية وفي كل واحدة منهما نصف الدية وفي كل زوج من الانسان من
عينين أو يدين أو رجلين ففيهما الدية وفي كل فرد من ذلك نصف الدية.
باب القول في العين القايمة والرجل
واليد الشلاوين واللسان الأخرس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: في ذلك حكومة على
قدر ما أحدث فيها، وعلى قدر ما كان عليه ذلك العضو من الهيئة والمنفعة
لصاحبه يحكم فيها الإمام بما يوفقه الله له.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن العين القائمة وعن اليد الشلا
واللسان الأخرس فقال: في ذلك كله حكومة وليس فيه دية معلومة.
باب القول في جناية الصبي والعبد
والقول في فتق المثانة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: جناية العبد لازمة له في
عنقه، وليس على سيده في ذلك أكثر من دفعه برمته، وسيده مخير في
295

الخطأ إن شاء دفعه برمته، وإن شاء فداه بدية جنايته، فاما في العمد فلا
بد من تسليمه إلا أن يشاء أولياء الجناية أن يجيبوا مولاه إلى قبول قيمته
منه أو ما صالحهم من غير ذلك به عنه. وأما جناية الصبي فهي على
عاقلته كما تكون على عاقلة غيره، غير أن الصبي لا عمد له ففعله كله
خطأ. وأما فتق المثانة فإن كان وصل إلى جوف صاحبها فهي جايفة وفيها
ما في الجايفة من ثلث الدية، وإن لم يصل ففيها نظر وحكومة.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن جناية الصبي والعبد فقال: اما
جناية الصبي فعلى عاقلته، وجناية العبد في رقبته.
باب القول في رجل وصبي اشتركا
في قتل أو جراحة عمدا معا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا اشتركا في قتل مسلم عمدا قتل الرجل بتعمده لقتله الرجل، وكانت على عاقلة الصبي
دية جنايته لان الجناية الصبي في حال صغره أبدا خطأ حتى يعقل فتجري
عليه الأحكام.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن رجل وصبي اشتركا في قتل رجل،
فقال: يقتل الكبير وتكون الدية على عاقلة الصغير.
باب القول في جراحات الرجال والنساء
وجنين الحرة والأمة وجنين البهيمة والعبيد والصبيان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: جراحات النساء كلها
قليلها وكثيرها على النصف من جراحات الرجال، لا تعاقل النساء الرجال
في شئ من الجراحات على حال من الحال وفي جنين الحرة ما روى
من الغرة والغرة عبد أو أمة وإنما ذلك إذا طرحته ميتا، فاما إن طرحته
296

حيا فمات من ساعته ففيه الدية كاملة سواء، وكذلك لو طرحت جنينين
أو أكثر حيا كان في كل واحد الدية كاملة سواء، وتكون الديات كغيرهن
من الديات يؤخذن في ثلاث سنين في كل سنة ثلث ذلك. وان طرحت
جنينا حيا، وجنينا ميتا فمات من ساعته كان في الميت غرة عبد أو أمة
وكان عليه في الحي دية كاملة وعتق رقبة، وأما جنين الأمة ففيه نصف
عشر قيمته لو كان حيا وذلك على العاقلة في الحرة والأمة. وأما البهيمة
ففي جنينها إذا ضرب بطنها فألقت جنينا حيا فمات من ساعته ففيه قيمة
مثله، وان طرحته ميتا ففيه نصف عشر قيمة مثله.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإن كان الضارب لبطن
الأمة أو الحرة عبدا أو امرأة أو صبيا فان جناية الصبي والمرأة على
عاقلتهما، وجناية العبد في رقبته إن كان بأكثر من قيمته فليس على مولاه
أكثر من تسليمه، وإن كانت بأقل من قيمته فهو مخير في أن يدفعه أو
يؤدي جنايته.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن جراحات النساء فقال: هي
على الصنف من جراحات الرجال كما أن دية المرأة نصف دية الرجل
وذلك مذكور عن علي بن أبي طالب عليه السلام وسئل عن جنين الحرة
فقال: في جنين الحرة إذا أسقطته ميتا غرة عبد أو أمة وذلك مذكور عن
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعن علي عليه السلام، وسئل عن
جنين الأمة فقال فيه على مقدار قيمته كما في جنين الحرة على مقدار
ديته وسئل عن جنين البهيمة فقال: وكذلك أيضا على مقدار ثمنه وسئل
عن الجراحات من أيها يقاد؟ فقال: ما أحيط به وأتى على مقداره، ولم
يخش فيه تلف على النفس.
297

باب القول في جناية أم الولد
والمدبر والمكاتب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: جناية أم الولد والمدبر
على سيدهما ما بينه وبين قيمتهما وليس عليه أكثر من قيمتهما في خطأ
جنايتهما، وليس على أن يسلمهما بجنايتهما إن كانت أكثر من قيمتهما
لان فعلهما وجنايتهما خطأ وليس في خطأ العبد أكثر من قيمته وليس على
المخطئ قتل في قتله خطأ، والعبد فإنما يسلم برمته وليس لأولياء
المقتول أن يقتلوه بخطأ فعله، والمدبر وأم أم الولد فلا يملكان فلذلك
قلنا إنهما لا يسلمان، ولكن تؤدى قيمتهما يؤديها عنهما المستهلك لهما
بالاستيلاد والتدبير، فإن كان سيدهم معسرا سلم المدبر في جنايته
وسعت أم الولد في قمتها. وأما المكاتب فجنايته في رقبته يسعى فيها مع
كتابته، فإن كانت جناية أم الولد والمدبر عمدا يجب فيه القتل سلموا
للقتل ولم يسلموا للاستعباد، لان استعباد أم الولد لا تجوز لان في
استعبادها الوطئ ممن يستعبدها لها، ولا يجوز أن يطأها غير سيدها، إلا
من بعد عتق سيدها لها والتزويج ممن يطأها لها.
باب القول في الحر يصيب العبد
وفي جناية العبيد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: في عين العبد إذا
أصابها الحر نصف قيمته وجميع جراح العبد فبحساب قيمته، وله في
جايفته ثلث قيمته.
298

باب القول فيما لا تعقله العاقلة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا تعقل العاقلة عمدا ولا
عبدا ولا اعترافا ولا صلحا، ويعقل ما سوى ذلك.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وكذلك جاء الأثر عن الني
صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد قال كثير من الناس إن معنى قوله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تعقل العاقلة عبدا) هو أن العاقلة لا تعقل
عن أخيها العبد لو قتله أخوها، ولا تعقل جناية فعل عبد من عبيدها،
وليس هو عندي كذلك ولكن هو عندي أنها لا تعقل جناية عبد من عبيد
بعضها إذا جنى على أحد لان العبد مسلم بما جنى فعلى سيده أن
يسلمه بجنايته، فاما ان يجني بعضهم جناية بخطأ منه فيقتل عبدا لبعض
المسلمين فلا بد أن يدوه كما يدون غيره، لان في هذه الحال غارم ولا بد
بد من قيامهم في غرمه إذا كان ذلك خطأ من فعله فعلى معنى ما قلنا
يخرج معنى قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تدري
العاقلة عبدا) وذلك أقرب إلى الحق والنصفة.
باب القول في عبد ضرب بطن امرأة
سيده فألقت جنينا حيا أو ميتا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن عبدا ضرب بطن
امرأة سيده فألقت جنينا ميتا كان على السيد أن يدفع إلى المرأة إن كان
لهما ولد سدس قيمة الغرة فإن لم يكن لهما ولد دفع إليها قيمة ثلث غرة
وهي الغرة التي تجب في الجنين إذا كان ميتا، فان طرحته حيا ومات من
ساعته وجب عليه أن يدفع إلى المرأة من جناية عبده ثلث العبد الا أن
يشاء ان يفديه فيفديه بثلث دية جناية الجنين الحي ان ظن بثلثه وهذا ان
299

لم يكن لهما ولد، فإن كان لهما ولدان فصاعدا فإنما يجب لها سدس
الدية لان الولد يحجبون الأم عن الثلث، لان الدية لو كانت تجب على
غير الأب بجناية غير عبده لكان لها منها الثلث ان لم يكن لهما ولد
والسدس إن كان لهما ولد، وعلى العبد صيام شهرين متتابعين إن كانت
المرأة طرحت جنينا حيا.
باب القول في ديات العبيد ذوي الصناعات
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا اشترى عبدا
بعشرين دينارا فعلمه صناعة يسوى لمعرفتها تسعين دينارا فقتله انسان كان
على القاتل قيمته يوم قتله. وكذلك في الإماء ذوات الصناعات إلا
ما لا يحل من الصناعات عمله ولا تعليمه مثل الغناء والطرب بالمعازف
والطنابير والنوح وكلما نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن
عمله.
باب القول فيمن خصى عبدا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من خصى صبيا مملوكا
فعليه إذا قطع مذاكيره كلها قيمته مرتين في ذكره قيمة وفي أنثييه قيمة،
ولا ينظر في ذلك إلى زيادة ثمن ولا نقصانه ولا يلتفت إلى قول من قال
لا دية على الجاني لصاحب العبد لأنه قد زاد في ثمنه بخصائه لعبده
إن شاء أخذ قيمته قبل إخصائه منه، وإن شاء تركه وهذا القول فاسد
عندنا لا يعمل عليه لان الدية لازمة واجبة في كل أرب قطع من الانسان،
ولا بد من دية ما قطع من هذا الصبي زاد ثمنه أو نقص لان الله ورسوله
حكما بالدية ولا بد من إنفاد ما حكم الله به ورسوله.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإذا غصب حر عبدا فأقام
300

عنده حتى يصير العبد إلى حالة لا ينتفع به فيها كان لسيد العبد ان يأخذ
قيمته ويدفعه إلى الجاني.
باب القول في الرجل يقتل امرأة عمدا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يخير أولياء المرأة فإن
أحبوا دفعوا إلى أولياء القاتل نصف الدية وقتلوا القاتل بمرأتهم، وإن أحبوا
قبلوا خمس مائة دينار وهي نصف الدية وخلوا عن الرجل وهذا قول علي
بن أبي طالب عليه السلام.
باب القول في الذمي يقتل مسلما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قتل الذمي مسلما
عمدا قتل به، وان قتله خطأ كانت عليه الدية كاملة تؤخذ منه في ثلاث
سنين وان قتل حر عبدا كانت عليه قيمة العبد بالغة ما بلغت من قليل أو
كثير وذلك قول أمير المؤمنين [علي بن أبي طالب عليه السلام].
باب القول في المسلم يقتل ذميا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يقتل مسلم بكافر
ولكن على المسلم الدية كاملة في كل ذي عهد قتله لقول الله عز وجل:
* (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله) * (24)
وعليه الكفارة في قتله وما أوجب الله على قاتله. وقد قال غيرنا إن دية
اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية المجوسي ثمان مائة درهم،
ولسنا نرى ذلك لان الله حكم في ذوي العهد والميثاق بالدية كاملة إلى
أهله مسلمة والكفارة من بعد ذلك على قاتله.

(24) النساء 92.
301

حدثني أبي عن أبيه أنه قال: لا يقتل مسلم بكافر قتله قتل عداوة
أو غيلة لان الله إنما جعل فيه الدية والكفارة وهكذا ذكر عن النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم وعن علي عليه السلام. وقد قال قوم انه يقتل
به وليس ذلك بشئ. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن دية اليهودي
والنصراني والمجوسي فقال: دية اليهودي والنصراني وكل ذي عهد
وميثاق ما كان في عهده وميثاقه فدية كاملة، وقد قيل إن ديتهما نصف دية
المسلم، وقيل أربعة آلاف درهم وإن دية المجوسي ثمان مائة درهم،
والامر في ذلك عندنا أن دية كل ذي عهد وميثاق دية مسلم، وعلى القاتل
ما أمر الله به من الكفارة من تحرير رقبة، أو صيام شهرين متتابعين إن لم
يجد رقبة مؤمنة.
باب القول فيمن أخرج من حده شيئا
فأصاب إنسانا والقول في الدية تنفع برجلها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أخرج الرجل من
حده شيئا إلى طريق المسلمين وشارعهم فحفر فيه بئرا أو أحدث فيه
حدثا لم يكن له إحداثه في طريق المسلمين وشارعهم كان ضامنا لما
تلف فيه وبه من المارين، وإنما الجبار الذي روي عن رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (البئر جبار، والدابة جبار) إذا كانا في
منزل صاحبهما وحده ولم يكونا في شارع المسلمين أو على طريقهم
موقوفين فاما إذا كانت الدابة في طريق من طرق المسلمين موقوفة
فصاحبها ضامن لما أحدثت في طريقهم وسوقهم بيدها أو رجلها.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل أخرج من حده شيئا فتلف
فيه إنسان فقال: إن كان أخرجه في طرق للعامة لزمه غرم ما أصاب به من
الضرر في نفس كان أو مال.
302

حدثني أبي عن أبيه أنه قال: يذكر عن علي بن أبي طالب عليه
السلام أنه قال: (من أوقف دابته في طريق من طرق المسلمين أو سوق
من أسواقهم فهو ضامن لما أصابت بيدها أو رجلها).
باب القول في الرجل يقتل ابنه
أو الابن يقتل أباه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يرث قاتل عمد قتيله
لا من ديته ولا من ماله ولا يرث قاتل الخطأ من الدية شيئا، ويرث من
المال. وقد قال غيرنا إنه لا يرث من المال ولا من الدية وهذا عندنا ظلم
ولا يصح في الظلم لمن رواه رواية، ولا تثبت له مقالة، لأنه لا بد إن يكون
بين العمد والخطأ فرق، وقد يقتل في الخطأ القاتل من لو خير على قتله
أو إتلاف ماله ونفسه لا ختار إتلاف نفسه وماله قبل أن يبسط بالقتل إليه
يده من والده أو ولده أو أخيه أو قرابته، والمتعمد فلا يقتل بتهمة إلا من
هو مجمع على قتله مريد لاتلافه وتهلكته، وعلى هذا يخرج قول أمير
المؤمنين علي عليه السلام ولا يرث القاتل من المقتول يريد في العمد
لا في الخطأ، وقد يحتمل ذلك أيضا أن يكون يريد الدية أنه لا يرثها ولا
يدخل فيها قاتل عمد ولا خطأ.
باب القول في الدية لم لا يرث
منها قاتل الخطأ
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وإنما منع قاتل الخطأ
من أن يرث مع غيره من الورثة من الدية شيئا لان الدية غرم وتأديب لمن
أخطأ وحث له من الله على الحذر والارتقاء فلذلك لم يرث منها إذا كانت
تنبيها على التوقي وتعويضا منه لتركة الميت في الخطأ، فلما أن كان
303

ذلك كذلك لم يجز أن يشرك مع من عوض ممن سواه من الأولياء ولا أن
يدخل مع من سواه من الأقرباء، لأنه لو دخل معهم في الدية كما دخل
معهم في المال لكان هو وهم سواء في كل حال. ولا بد من الفرق بين
المخطئ والمحسن بحال تبينه فيه وتنقله عنه.
ومن الحجة في ذلك أن دية الخطأ على عاقلة المخطي دونه،
وأنهم هم الذين يغرمون ذلك ويخرجونه، ولو أخذ معهم من الدية ولم
يخرج فيها لكان أفضل حظا ممن أخرجها ووليها، ولو كان ذلك جائزا لقاتلين
لكانوا أوفر حظا وأعظم أمرا من السالمين المتوقين ولكان ذلك له فضيلة
على من لم يقتل، إذ من لم يقتل يخرج الدية ويغرم والقاتل يأخذ ويغنم.
باب القول في القاتل يعفو عنه بعض
الأولياء إذا كان قتله عمدا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قتل رجل رجلا عمدا
فعفى عن القاتل بعض الأولياء، فقد زال عنه القتل بعفو العافين ولا قتل
عليه، وإن طلب قتله من طلبه من الباقين وعليه الدية كاملة للكل إلا أن
يكون العافون عفوا عن الدية مع القتل، فإن كان ذلك كذلك سقط عنه
من الدية نصيب من عفى عنه، وكان عليه باقيها يسلمه إلى باقي الأولياء
وعليه الكفارة على جرمه، والتوبة إلى الله من فاحش خطيئته.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الرجل يقتل قتيلا ويعفو عنه
بعض الأولياء عن القتل. فقال: إذا عفى بعض الأولياء عن القاتل زال
القتل عنه، فإن قبل الباقون من الأولياء الدية، وكان الآخرون قد عفوا
عن القتل والدية جميعا زال عنه من الدية قدر ما للعافين من النصيب
فيها، ولا يقتل القاتل إذا عفى عنه بعض الأولياء، وقد قال بعض الناس
304

بغير هذا وهو قول شاذ، فزعموا أن الدم لمن طلب من الأولياء وإن عفى
بعض الأولياء، قال ولى ذلك عندنا بصحيح.
باب القول في المقر بالقتل خطأ أو عمدا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من أقر بخطأ أو
عمد لزمته في ماله الدية لان العاقلة لا تعقل عبدا ولا عمدا ولا صلحا
ولا اعترافا والاعتراف فهو الاقرار على النفس بالقتل.
باب القول في جماعة قتلوا انسانا خطأ أو عمدا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن جماعة قتلوا رجلا
عمدا واشتركوا كلهم في قتله قتلوا كلهم به، وان قتلوه خطأ كانت الدية
عليهم حصصا تلزم عواقلهم إذا قامت به البينة من أهل الاسلام وحكم
بذلك عليهم الإمام.
باب القول في العفو عن العبد القاتل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن عبدا قتل حرا
فسلمه سيده إلى أوليائه فلم أن يقتلوه إذا كان القتل عمدا ولهم أن
يسترقوا، ولهم أن يعتقوا ولهم أن يبيعوا، ولهم أن يهبوا، ولهم أن يعفوا.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإن عفوا للسيد عن
عبده وصفحوا له عن ذنبه كان مملوكا لسيده وعاد كما كان أولا على حاله
في رقه، وان هم عفوا عن العبد وأعتقوه فهو حر لا سبيل لسيده عليه لأنه
قد صار بتسليم سيده له إليهم مملوكا لهم تجري فيه أحكامهم. وقد قال
غيرنا بغير ذلك ولسنا نراه ولا نعمل به.
باب القول في أخذ ديات الجراح
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الدية الكاملة تؤخذ في
305

ثلاث سنين في كل سنة ثلث الدية وما كان نصف دية مثل دية العين واليد
أخذ في سنتين، وكذلك ثلثا الدية تؤخذ في سنتين وثلاثة أرباعها في
سنتين، فإن كان ثلث دية أخذ في سنة، وكذلك ما كان أقل من ثلث
الدية.
باب القول في القسامة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: القسامة تجب في
القتيل يوجد في القرية أو المدينة لا يدعي أولياؤه على رجل بعينه قتل
قتيلهم، فإذا كان ذلك كذلك جمع من رجال تلك القرية خمسون رجلا
يختارهم أولياء المقتول، فيقسمون بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا، فإذا حلفوا
كلهم خلي سبيلهم وكانت الدية على عواقل أهل تلك القرية، أو القبيلة
التي وجد فيها القتيل، فإن نكل بعض الخمسين عن اليمين حبس حتى
يحلف أو يقر فإن أقر أخذ المقر بجرمه، وان حلفوا كانت الدية على
عواقل أهل تلك القبيلة كلهم من حلف منهم ومن لم يحلف، ومن كان
غائبا من أهل تلك الدور والمنازل فلا قسامة عليه ولا دية إذا كان غائبا
في وقت ما وجد القتيل فيها، والقسامة فإنما تجب على الرجال
الحاضرين لوقت القتل دون النساء والصبيان والعبيد، وسواء كان في
تلك القبيلة غريب أو غير غريب ساكن في دار بكراء أو ساكن فيها بشراء
لا بد من الدية والقسامة عليهم إذا كانوا قد حضروا وقت القتل.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه، لو كان القتل في قرية لا يتم
فيها خمسون رجلا نظر إلى من فيها من الرجال وكررت عليهم اليمين
حتى تتم خمسين يمينا، فإن كانوا خمسة وعشرين استحلفوا يمينين
يمينين، وإن كانوا ثلاثين استحلفوا ثلاثين يمينا، واختار أولياء المقتول من الثلاثين
عشرين فكررت عليهم الايمان حتى تتم خمسين يمينا، وفي القسامة ما بلغنا عن
306

رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن رجلا أتاه فقال يا رسول الله
إني وجدت أخي قتيلا في بني فلان. فقال صلى الله عليه وعلى آله
وسلم: اجمع منهم خمسين رجلا حتى يحلفوا بالله ما قتلوا ولا يعلمون
قاتلا. فقال: ومالي من أخي غير هذا يا رسول الله، قال: بلى مائة من
الإبل).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا وجد مقتولا
بين قريتين ولا يدري من أيهما قاتله قيس بين القريتين إلى القتيل
وأوجبت القسامة على أقربهما إليه في المسافة فيقسم من أهلها خمسون
رجلا ما قتلوا ولا يعلمون قاتلا، ثم تكون الدية لأولياء المقتول على عواقل
أهل تلك القرية. قال: ولو أن رجلا مات في ازدحام من الناس في
مسجد أو طريق لا يدري من قتله كانت ديته من بيت مال المسلمين قال:
وبلغنا أن قتيلا وجد بين قريتين فأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أن يقاس بينهما فأيهما كان أقرب لزمهم دية القتيل فقيستا فوجدت
إحداهما أقرب من الأخرى فضمنهم الدية وكذلك روي لنا عن أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: وروي لنا عنه أنه كان إذا
أتي بقتيل في القرية حمل ديته على تلك القبيلة التي وجد فيها وإذا وجد
القتيل على باب القرية أو في ساحة القرية حمل الدية على أهل تلك
القرية كلهم.
باب القول في المرأة تقتل حاملا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قتلت المرأة ولم
يفصل ولدها من بطنها فلا شئ فيها غير ديتها، فإذا طرحته ميتا كانت
فيه غرة على قاتلها، وإن طرحته حيا فمات بعدما طرحته كانت فيه دية
مع ديتها على قاتلها.
307

باب القول في القتل يوجد بين قوم
فيبريهم أولياء المقتول ويدعونه على غيرهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن قتيلا وجد في
محلة قوم فأبرأ أولئك القوم أولياء القتيل وادعوا قتله على غيرهم لبطل عن
الذين أبروهم ما كان يجب عليهم من القسامة والدية وبطلت القسامة عن
الذين ادعي عليهم، لان القتيل وجد في غيرهم وليس عليهم أكثر من
اليمين ما قتلنا قتيلكم يحلف على ذلك من اتهم منهم، وإن لم يتهم
انسان بعينه لم تجب على أحد يمين.
باب القول فيمن قلع أسنان رجل كلها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من قلع أسنان رجل
كلها ففيها دية ونصف دية وعشر دية لان في الفم اثنين وثلاثين سنا تجب
في كل واحد خمس من الإبل فذلك مائة وستون من الإبل فذلك مائة وستون من الإبل لان في الفم
أربع ثنايا وأربع رباعيات وأربعة أنياب وأربعة نواجذ وأربعة طواحن واثني
عشر ضرسا فتلك اثنان وثلاثون سنا. قال: ولو أن رجلا قطع من رجل
يدا ورجلا وأنفا لكان عليه في الانف دية كاملة، وفي اليد نصف دية،
وفي الرجل نصف دية يؤخذ منه ذلك في ثلاث سنين، وهذا أحسن
ما نرى في تأجيله فيها.
باب القول في الرجل يجني جنايات عدة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجل فقأ عين
رجل وقطع يد آخر، وقطع رجل آخر وأنف آخر لكان الواجب أن يقتص
منه لكلهم أن تقلع عينه وتقطع يده ورجله ويجدع أنفه، وكذلك أن قتل
أحدا أقيد به من بعد الاقتصاص.
308

باب القول فيما تغرم فيه العاقلة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تعقل العاقلة ما كان من
الجراح خمسا من الإبل فصاعدا مثل السن والموضحة فما فوقها فاما
ما كان دون الخمس من الإبل فهو من مال الرجل إذا كان مؤسرا أخرجه
من ماله، وإن كان معسرا طلبه وسعى فيه في البعيد والقريب من شاء
أعطاه ومن شاء حرمه.
باب القول في المتطبب والخاتن
والمداوي يفسد ما يعالج
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا تبرأ واجتهد ونصح
فلا ضمان عليه، فان اتهم بغش استحلف إلا أن يكون غير بصير بالطلب
فيقحم في مداواة فأعنت فإنه يضمن كل ذلك، وروي عن النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: من لم يعرف بالطب قبل ذلك فأعنت
ضمن. وذكر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال:
من كان متطببا فعالج أحدا فليتبرأ مما أتى فيه على يده، ويشهد شهودا
على براءته ثم ليعالج وليجتهد ولينصح وليتق الله ربه فيمن يعالجه.
باب القول في الجدار المائل يسقط على إنسان
والقول فيمن يقتص منه فيموت
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا كان الجدار قد علم
منه الميلان والفساد والمخافة فتركه صاحبه بعد ذلك ضمن ما تلف
تحته، وإن كان لا يعلم ميلانه فلا ضمان عليه. قال: ولا ضمان على من
اقتص من جارحه فمات لأنه لم يمت بفعله وإنما مات بحكم ربه فبجرمه
309

أخذ، وبحكم ربه سبحانه تلف. قال: ومن ركض فرسا فر شارع
للمسلمين يمرون فيه ويسلكونه فصدم أحدا بفرسه فهو ضامن لما تلف
في صدمه، وإن ركضه في خلاء من الأرض في غير شارع ولا ممر
للخلق ولا طريق فقتل أحدا أو صدمه فلا ضمان على راكبه.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الجدار المائل، فقال: إذا تركه
صاحبه بعد ما تبين له الخوف منه ضمن ما أصاب حائطه.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الرجل يقتص منه فيموت فقال:
لا شئ فيه، إنما قتله حكم الله عليه، وهذا مذكور عن أمير المؤمنين
عليه السلام.
باب القول فيمن قتل وله أولاد صغار والمرأة
يرادوها الفاسق عن نفسها فتقتله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قتل الرجل وله أولاد
صغار حبس القاتل لهم وانتظر به كبرهم، فإن كبروا سلم إليهم فإن عفوا
جاز عفوهم وإن قتلوا كان ذلك لهم، وأن عفى عنه بعضهم زال عنه
القتل وكانت عليه الدية.
قال: وأيما فاسق أو عاهر مارق رواد امرأة على نفسها فلم تجد
إلى دفعه سبيلا إلا بقتله فقتلته دفعا له عما أراد منها فلا قود ولا دية فيه
عليها لأنه أراد منها ما حرم الله وما أمرها بالامتناع منه فيه والترك للمصير
إليه فلم يندفع لها إلا بقتله.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الرجل يقتل وله أولاد صغار
فقال: ينتظر بقاتله عفو ولده واستقادتهم عند كبرهم.
وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل في الرجل يراود المرأة على نفسها
310

فتقتله فقال: إذا صح ذلك فلا قود ولا دية عليها، إذا كانت إنما قتلته
امتناعا مما أراد بها، ومدافعة له عن نفسها.
باب القول في القسامة، وعقر الكلب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: القسامة تجب على
المدعى عليهم، والبينة تجب على المدعين فإذا لم تكن بينة استحلف
من المدعى عليهم خمسون رجلا، لا ما يقول به أهل المدينة من أن
اليمين تجب على المدعي، وكيف يستحق المدعي بدعواه بغير بينة دما
وهو لا يستحق على المسلم بغير بينة درهما فهذا ما لا يصح في الحق ولا
يقول به عاقل من الخلق قال: وأما الكلب فإن كان أهله قد أعلموا بعقره
وكان العقر معروفا به من فعله ثم تركه أهله من بعد معرفتهم به كانوا
ضامنين لما أصاب من جراحته، وإن لم يكونوا علموا بذلك من كلبهم
لم يلزمهم ما أحدث كلبهم الا أن يكونوا خرجوا به وجعلوه في شارع من
شوارع المسلمين، أو طريق مسلوك من طرقهم فيكونون ضامنين لما
أحدث عليهم، ويكون سبيله في ذلك سبيل العجماء.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن القسامة كيف هي وكيف
يستحلفون؟ فقال: القسامة في الدم على المدعى عليهم فان أقسموا
برأوا أنفسهم مما ادعى من الدم قبلهم ولا يقتل أحد بالقسامة كما تقول
أهل المدينة، وهذا فلا اختلاف فيه عند آل رسول الله عليه
وعلى آله وسلم ولا يستحق المدعي بالقسم درهما فكيف يستحق به دما
ويستحلف المدعى عليهم خمسين يمينا بالله ما قتلوه ولا يعلمون له
قاتلا.
وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الكلب يعقر على من عقره؟
311

فقال: إن كان الكلب عقارا كان عقل فعله على مالكه، وان لم يكن
عقارا فليس عليه شئ مما أصاب.
باب القول في فنون الديات
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا قطع زائدة
إصبعا سادسة في كف رجل أو رجله كان عليه في ذلك حكم يحكم به
وليس عليه في ذلك دية معروفة، وكذلك لو قلع سنا زائدة كان عليها فيها
حكومة. وقال في القصاص: إنه يقتص من الجارح على قدر ما جرح في
طول الجرح وعرضه. وقال فيمن استعان صبيا حرا أو مملوكا بغير اذن
أوليائه فعنت إنه ضامن لقيمته إن كان مملوكا أو ديته إن كان حرا.
باب القول فيمن يرث من الدية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الدية كالميراث يرث
منها كل من يرث من مال الميت وحكمها كحكمه، ومن ورث من المال
ورث من الدية، وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم: أنه قضى بأن الدية من الميراث والعقل من العصبة.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن ذميا كان له ولد
مسلم فمات المسلم وترك ورثة مسلمين ثم أسلم والده بعد موت ولده
رضخ له في الميراث ولم يكن له فريضة مسماة، لان الميراث قد وجب
لأهله ساعة مات الميت فسواء عليهم إذا وجب لهم قسموه من يومه أو
تركوه عشر سنين هو لمن وجل له عند موت الميت لا يشاركهم فيه من
لا يجب له. وكذلك روي لنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام أنه قضى في رجل مات وله أم نصرانية فأسلمت من بعد موته من
312

قبل أن يقسم الميراث فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام: لا حق لها في الميراث ولكن ارضخوا لها من مال ولدها
فرضخوا لها من ماله ولم يقسم لها من ميراثه.
باب القول فيمن عض يد إنسان فانتزع المعضوض يده
من فيه فجاء معها من فيه سن أو أسنان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من عض أخاه المسلم
ظالما له متعديا فانتزع يده من فيه فقلع من أسنانه سنا فلا دية له فيها ولا
قود له بها، وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
أنه قضى بذلك فيها، وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام.
باب القول فيمن وسم عبده بالنار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا أن أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام أعتق على رجل عبدا له وسمه في
وجهه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وهذا الواجب عندي مع
عقوبة تمسه في بدنه لان لا يمثل أحد بأحد ولكن إمام من أئمة
المسلمين نظر في أمور رعيته بما يوفقه الله ويسدده * (إن الله مع الذين اتقوا
والذين هم محسنون) * والمحسن من جميع الأمة معان كما قال رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين يقول (كل محسن معان) وإذا كان
ذلك للمحسنين فإمامهم المحسن في ذلك أكثر.
313

باب القول فيمن فعل فعلا فتلف فيه
تالف من غير تعمد من الفاعل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا رش باب
داره، وباب داره في شارع من شوارع المسلمين فأجاز بذلك الرش رجل
فزلق فيه فاندقت يده أو رجله، لكان على الراش في شارع المسلمين
عقله. وكذلك لو أن رجلا رمى في دار رجل بحجر فنفذ الحجر إلى دار
آخر لم يردها الرامي فأحدث ذلك الحجر حدثا كان عقل ذلك الحدث
على الرامي. وكذلك لو رمى بسهم طائرا على جدار فمضي السهم فوقع
من وراء ذلك على إنسان فعقره أو قتله كان الرامي ضامنا ما أحدث من
رميته. وكذلك لو دفع رجل رجلا على ثوب فانخرق ذلك الثوب كان
الضمان على الدافع وكان المدفوع بمنزلة الحجر إلا أن يكون من
المدفوع في ذلك فعل أو جناية. قال: ولو أن رجلا استحفر رجلا بئرا
في حوز يملكه فحفر له ذلك فعنت فيه رجل لم يكن على صاحب البئر
ولا على الحافر لها من ذلك معرة، لأنه إنما استحفر في ملكه وحيث
لا ممر لغيره ولا مسلك لاحد من المسلمين فيه، فإن استحفر في شئ
من طرق المسلمين ومسالكهم فعنت فيما استحفر عانت فمعرة ذلك
على الحافر إذا علم دون المستحفر، إن كان حرا كان ذلك على عاقلته،
وإن كان مملوكا كانت جنايته في رقبته وإن كان سيد المملوك إذن
للمملوك يؤاجر نفسه في الحفر وغيره فجناية العبد في رقبته ولا تلحق
لمولاه على الذي أمره بالحفر شئ وإن كان المملوك لم يؤذن له في أن
يؤاجر نفسه فاستأجره المستحفر بغير إذن سيده أو استعانه فحفر تلك
الحفرة في شارع المسلمين فعنت فيه عانت كان معرة ذلك العنت في
314

رقبة العبد يسلمه مولاه بها ويطالب مولى العبد الذي أمره بالحفر بقيمة
عبده لأنه استحفره بغير اذنه. قال: ولو أن رجلا أعار رجلا جدارا فبنى
عليه المستعير ووضع عليه خشب بنائه ثم طلبه منه وسأله تفريغه كان
الحكم في ذلك أن يسأل المستعير المعير، فإن كان أعاره الجدار إلى
وقت مسمى وأجل معلوم وكان استعاره ليبني عليه إلى ذلك الأجل فبني
ثم حل ذلك الأجل فطالبه صاحبه به وسأله رد عاريته كان ذلك له وحكم
على الباني بنقض بنائه إذ قد جاز اجله ووقع شرطه، وإن كان استعاره
منه ليبني عليه ولم يسم وقتا فأعاره إياه صاحبه على ذلك، ولم يضرب
له أجلا فبنى عليه المستعير، ثم طالبه صاحب الجدار، فإن الحكم في
ذلك أن يقضى لصاحب الجدار بجداره، ويقضى على صاحب الجدار
للمستعير بما أنفق في بنائه، ويكون البناء لصاحب الجدار بما غرم فيه.
قال: وكذلك الحكم فيمن أعار أرضا إلى أجل، أو إلى غير أجل فبنى
المستعير فيها وأحدث أحداثا أو غرم فيها غرما.
باب القول في السفينتين يتصادمان في البحر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا تصادمتا
بجواحيهما (25) أو بجوانبهما أو بصدورهما ضمن أصحاب كل واحدة
ما تلف في الأخرى، وإن كانت إحداهما الصادمة للأخرى أو أن تسوقها
الريح ولم تقبل الأخرى نحوها ولم تسقها الريح إليها حتى صدمتها في
جنبها أو بعضها ضمنت الصادمة ما تلف في المصدومة.
* تم باب الديات بمن الله وتوفيقه *

(25) في نسخة بخارجيها.
315

كتاب الفرائض
317

بسم الله الرحمن الرحيم
مبتدأ أبواب الفرائض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: في كتاب الله عز وجل
سبع عشرة فريضة منهن ثلاث عشرة فريضة مسميات، وأربع غير
مسميات، أما الفرائض المسميات فمنها فريضة الابنة النصف وذلك
قوله الله سبحانه وتعالى: * (وإن كانت واحدة فلها النصف) * (1) وفريضة
البنتين الثلثان وذلك قول الله سبحانه: * (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن
ثلثا ما ترك) * (2) وفريضة الوالدين السدسان وذلك قوله تعالى: * (ولأبويه
لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) * (3) وفريضة الأم الثلث
وذلك قول الله سبحانه: * (وورثه أبواه فلأمه الثلث) * (4) وفريضة الأخت
النصف وذلك قوله تعالى: * (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها
نصف ما ترك) * (5) وفريضة الأختين الثلثان وذلك قوله تعالى: * (فإن كانتا
اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) * (6) وفريضة الأخ أو الأخت من الأم له
السدس وذلك قوله تعالى: * (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ
أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء

(1) النساء 11.
(2) النساء 11.
(3) النساء 11.
(4) النساء 11.
(5) النساء 176.
(6) النساء 176.
318

في الثلث) * (7) وفريضة الزوج مع الولد الربع، وفريضته إذا لم يكن ولد
النصف وذلك قوله تعالى: * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن
لهن ولد، فإن كان لهن ولد فلكم الربع) * (8) وفريضة الزوجة الربع إذا لم
يكن ولد، والثمن مع الولد، وذلك قوله تعالى: * (ولهن الربع مما تركتم
إن لم يكن لكم ولد، فإن كان لكم ولد فلهن الثمن) * (9) فهذه الفرائض
المسميات في القرآن وهي ثلاث عشرة فريضة.
وأما الأربع اللواتي هن غير مسميات، وهن في الكتاب ففريضة
الأولاد وذلك قوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ
الأنثيين) * (10) وفريضة الأب إذا لم يكن ولد وذلك قوله تعالى: * (وورثة
أبواه فلامة الثلث) * (11 أ) فلم يسم في هذا الموضع وميراث الأب وميراث
الأخ من أخته وذلك قوله: * (وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) * (12) وفريضة
الاخوة والأخوات وذلك قوله تعالى: * (وإن كانوا اخوة رجالا ونساء
فللذكر مثل حظ الأنثيين) * (13).

(7) النساء 12.
(8) النساء 12.
(9) النساء 12.
(10) النساء 11.
(11) النساء 1 1.
(12) النساء 176.
(13) النساء 176.
319

باب القول في فرائض السنة وما أجمع عليه منها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فرائض السنة سبع
فرائض ليست في القرآن، ولكن جاءت السنة بها، وهي ما أجمع عليه:
فريضة بنت الابن الصنف إذا لم يكن ولد، وفريضة بنات الابن الثلثان
إذا لم يكن ولد، وفريضة بنت الابن مع الابنة للصلب السدس وهي من
الفرائض التي رووها عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قضى
فيها بذلك، وفريضة بنات الابن مع الابنة للصلب السدس، تكملة
الثلثين، وذلك مما أجمعوا عليه وفريضة الأخت لأب النصف، وفريضة
الأخوات لان الثلثان، وفريضة الأخوات لأب مع الأخت لأب وأم
السدس تكملة الثلثين لا ينظر في ذلك إلى عددهن، واحدة كانت أم أكثر
وفريضة الجد مع الولد السدس، لا اختلاف فيه عندنا، وفريضة الأم مع
الزوج والأب الثلث، وفريضة الأم أيضا مع المرأة والأب ثلث ما بقي من
بعد النصف للزوج والربع للمرأة.
باب القول فيمن فرض له من الرجال
ومن يرث من العصبة وغيرهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الذين فرض الله لهم من
الرجال أربعة: فرض للأب السدس مع الولد، وذلك قوله: * (ولأبويه
لكل واحد منهما السدس) * (14) وفرض للزوج النصف إذا لم يكن معه
ولد، والربع مع الولد، وفرض للأخ من الأم السدس إذا كان وحده، وإذا
كان معه أخوة أو أخوات فهم شركاء في الثلث، وفرض للأخ من أخته
فريضة لم يسمها فقال: * (وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) * (15) وأما الوارث

(14) النساء 11.
(15) النساء 176.
320

من الرجال فهم خمسة عشر رجلا منهم ثلاثة عشر عصبة، واثنان ليسا
بعصبة، فأما العصبة فالابن، وابن الابن، وإن سفل والأب، والجد،
والأخ لأب وأم، والأخ لأب، وابن العم لأب وأم، وابن العم لأب، وولي
النعمة وهو المعتق فهؤلاء العصبة وهم ثلاثة عشر رجلا. وأما
الرجلان اللذان يرثان وليسا بعصبة فالأخ لام، والزوج.
باب القول فيمن فرض له من
النساء، وكم يرث منهن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: اللواتي فرض الله لهن
من النساء سبع نسوة ولم يفرض لغيرهن فرض للابنة النصف، والبنات
الثلثين، وللأم السدس، إذا كان ولد أو اخوة أو أخوات، وللأخت
النصف، وللأختين الثلثين، وللأخت من الأم السدس، وللمرأة مع
الولد الثمن وإذا لم يكن ولد فالربع. ويرث من النساء تسع نسوة ثلاث
منهن يرثن في كل حال وست يسقطن في بعض الحالات، لاما الثلاث
اللواتي يرثن في كل حال فهن البنت، والأم والزوجة. وأما الست اللواتي
يسقطن في بعض الحالات: فالجدة، والأخت لأب وأم والأخت لأب،
وبنت الابن، والأخت للأم والمولاة.
باب تسمية من لا يرث من الرجال والنساء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أما الذين لا يرثون من
الرجال فهم عشرة: ابن الابنة وابن الأخت، وابن الأخ لام، والعم لام
وابن العم لام وابن العمة، وابن الخالة، والخال وابن الخال، والجد أب
الأم. ولا يرث من النساء عشر: بنت الابنة، وبنت الأخت وبنت الأخ،
321

وبنت العم، وابنة الخال، والعمة، وبنت العمة، والخالة، وبنت الخالة
والجدة أم أب الأم.
باب تسمية فرائض الصلب وما جاء
من الترغيب في تعليم الفرائض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (تعلموا القرآن وعلموه الناس،
وتعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض
وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل
بينهما).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن بعض الرواة
أنه قال: من تعلم القرآن فليتعلم الفرائض ولا تكن كرجل لقيه اعرابي
فقال له يا مهاجر تقرأ القرآن؟ فقال له: نعم، فقال له: فإن إنسانا من أهلي
مات وقص عليه فريضته، فإن حدثه فهو علم علمه الله وزيادة زاده الله
وإن لم يحسن، قال: فبماذا تفضلونا يا معشر المهاجرين.
باب القول في فرائض الأبوين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: اعلم وفقك الله أن الأب
يرث جميع ما ترك الولد إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ولد وإن سفل، ولا
زوج ولا زوجة، ولا جدة أم الأم، ولا أم، فإن كان غير هؤلاء الستة فإن
الأب يحجبه، ولا يرث مع الأب الاخوة، ولا الأخوات، ولا جد ولا
جدات ولا أحد من العصبة ولا القرابات، فإن مات رجل وترك أبا وابنا
فللأب السدس وما بقي فللابن، وإن ترك أبا وابنين وابنتين فللأب السدس
وما بقي فللذكر مثل حظ الأنثيين، فإن ترك أبا وأخوة أو أخوات فالمال
322

للأب. وكذلك إن ترك ولد ولد فهو كالولد، الذكر كالذكر في كل شئ،
والأنثى كالأنثى، ويحجبون الأب إذا كانوا ذكورا إلا من السدس الذي
فرض الله له، فإن كان للميت ابنة فلما النصف، وما بقي فللأب من بعد
سدسه، وإن ترك أبا وابنتين فللابنتين الثلثان والسدس للأب وما بقي فرد
على الأب.
باب القول فيمن تحجبه الأم
ومن يحجبها عن الثلث
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تحجب الأم الجدات
وحدهن ويحجبها عن الثلث أربعة الولد، وولد الولد، والاخوة
والأخوات، إذا مات رجل وترك أبويه فلأمه الثلث، وما بقي فللأب، فإن
ترك أبويه وابنته، فللبنت الصنف، وللأم السدس، وللأب السدس
وما بقي فرد على الأب، وولد الولد يحجب الأم عن الثلث كما قال الله
تعالى: * (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) * (16
والاخوان والأختان فصاعدا لأب وأم، أو لأب، أو لام، يحجبون الأم عن
الثلث كما قال الله عز وجل: * (فإن كان له أخوة فلأمه السدس) * (17) فإن
ترك ابن ابن وأبوين، فللأبوين السدسان وما بقي فلابن الابن، فان ترك
أبويه وابنة ابن فلبنت الابن النصف، وللأبوين السدسان، وما بقي فرد
على الأب، فان ترك ابنتي ابن وأبويه، فلابنتي الابن الثلثان، وللأبوين
السدسان، فان ترك أبوين وابنه وابنته، فللأبوين السدسان، وما بقي
فللذكر مثل حظ الأنثيين. والأم فليس تحجب أحدا إلا الجدات. فان
ترك ابنته وأمه وجدتين فللبنت النصف، وللأم السدس وما بقي

(16) النساء 11.
(17) النساء 11.
323

فللعصبة، وتسقط الجدتان أم الأم وأم الأب حجبتهما الأم عن
سدسهما، فإن ترك جدا وأما فللأم الثلث، وما بقي فللجد.
باب القول في مواريث الولد
ومن يرث معهم ومن لا يرث ومن يحجب العصبة
من الولد ومن لا يحجبهم من الولد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن هلك رجل وترك ابنه
فالمال للابن، فان ترك ابنته فلها النصف وما بقي فللعصبة، فإن ترك
ابنتين فلهما الثلثان وما بقي فللعصبة، فان ترك بنين وبنات فالمال بينهم
للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإن ترك ابنته وأخاه لأبيه وأمه فللبنت النصف وما بقي فللأخ لأب
وأم، فإن ترك بنتين وثلاثة أخوة متفرقين فللبنتين الثلثان وما بقي فللأخ
لأب وأم، ويسقط الأخ من الأم لان الولد يحجب ولد الأم، نساء كانوا
أو رجالا، ويسقط الأخ من الأب وهو عصبة لان الأخ من الأب والأم
عصبة أقرب منه.
فإن ترك بنات وأخا لأم، وأخا لأب، فللبنات الثلثان، وما بقي
فللأخ لأب.
فإن ترك ابنتين وست أخوات متفرقات فللابنتين الثلثان، وما بقي
فللعصبة وهما الأختان لأب وأم.
فان ترك ابنتين وأما وأخا لأب وأم فللابنتين الثلثان، وللأم السدس
، وما بقي فللأخ لأب وأم، فإن ترك ابنا وأخوة لأب وأم، أو أخوة
لأب أو لام أو أخوات فالمال للابن ويسقط الاخوة، لان الذكر من الولد
يحجب الإخوة والأخوات، فإن ترك ابنين وأما وستة أخوة فللأم السدس
324

وما بقي فللابنين، فإن ترك ابنين وابنتين وأبوين وجدا فللأبوين
السدسان، وما بقي فللولد للذكر مثل حظ الأنثيين. وحجب الأب
الجد.
فإن ترك اما وجدا وابنا فللجد السدس وللأم السدس وما بقي فهو
للابن والبنت بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن ترك ابنة وجدين أب
الأب وأب الأم فللبنت النصف وما بقي فللجد أب الأب، ويسقط الجد
أب الأم لأنه ليس من العصبة ولا من ذوي السهام وهو من العشرة الذين
لا يرثون. فإن مات وترك ابنته وأربع جدات أم الأم، وأم الأب وأم أب
الأب، وأم أب الأم فللبنت النصف وللجدتين السدس أم الأم وأم
الأب، ولا شئ لام أب الأم لأنها من العشر اللواتي لا يرثن شيئا، وأما
أم أب الأب، فإن أم الأب أقرب منها فلا شئ لها هي.
باب القول في الاخوة، والأخوات لأب وأم
ومن يحجبون، ومن يحجبهم، والجد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يحجب ولد الأب والأم
أربعة: الابن وابن الابن وإن سفل، والأب، والجد في قول من جعل
الجد في منزلة الأب وليس ذلك بشئ عندنا والجد فقول أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام: إنه لا يحجب الجد إلا ولد الأم
ويحجب ولد الأب والأم إذا كن إناثا واستكملن الثلثين ولد الأب، إلا
أن يكون مع ولد الأب ذكر فيكون له ما بقي، ولمن معه من أخواته
وأخوته، فإن كان ولدا لأب والأم ذكرا، أو ذكورا حجبوا ولد الأب ذكورا
وإناثا، وليس يحجبون من كانت له فريضة في الكتاب أو في السنة.
325

قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إن مات رجل وترك أخوين
لأب وأم، وأخوين لأب فالمال للأخوين لأب وأم، وإن ترك اما وأخا لأب
وأم وأخا لأب فللأم السدس وما بقي فللأخ لأب وأم، فإن ترك أخوين
لام، وأخوين لأب وأم وأما فللأم السدس وللأخوين لام الثلث، وما بقي
فللأخوين، لأب وأم، ولا يحجب ولد الأم ولد الأب والأم لأنهم من
ذوي السهام.
فإن ترك أربع جدات، وأخوين لام وأخا لأب وأم فإن للجدتين
اللتين شرحت لك السدس بينهما، وللأخوين لام الثلث، وما بقي
فللأخ لأب وأم.
فإن ترك أختين لأب وأم وأختين لأب، فللأختين لأب وأم الثلثان
وما بقي فللعصبة، ويسقط ولد الأب لأنهما إنما يرثان إذا لم يستكمل ولد
الأب والأم الثلثين (18) فلما أن استكملن الثلثين سقطتا، فإن كان مع ولد
الأب ذكر فالمسألة على حالها فالثلثان للأختين لأب وأم، وما بقي
فللأخ لأب وأختيه للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإن ترك أختا لأب وأم وأختين لأب فللأخت لأب وأم النصف،
وللأختين لأب السدس بينهما تكملة الثلثين، وما بقي فللعصبة.
فإن ترك ست أخوات متفرقات فللأختين لام الثلث وللأختين
للأب والأم الثلثان.
فإن ترك أما، وأختا لأم، وأختين لأب وأم، وأختين لأب فللأم السدس
وللأختين لأب وأم الثلثان، وللأخت لام السدس.
فإن ترك أما وأختا لأم، وأختا لأب وأم، وأختين لأب، فللأم السدس
، وللأخت لأب وأم النصف، وللأختين لأب السدس تكملة

(18) في نسخة فكما إن استكملا الثلثان. الخ.
326

الثلثين، وللأخت للأم السدس، وإن امرأة هلكت وتركت ستة أخوة
متفرقين وزوجا وأما، فللزوج النصف، وللأم السدس وللأخوين لام
الثلث، ويسقط الاخوان لأب وأم، والاخوان لأب في قول علي بن أبي
طالب عليه السلام وحجته في ذلك أنه قال لم أجد للأخوين لأب وأم
فريضة في الكتاب، ووجدت للأخوين للأم فريضة، فذو الفريضة،
أحق ممن لا فرض له في كتاب الله سبحانه، ويقول أيضا كما لا أزيد ولد
الأم أبدا على ثلثهم لا أنقصهم منه أبدا.
فإن تركت ثلاثة أخوة متفرقين، فللأخ لام السدس وما بقي فللأخ
لأب وأم، ويسقط الأخ لأب.
فإن تركت ثلاث أخوات متفرقات مع كل واحدة أخوها فللأخت
لام وأخيها الثلث، وما بقي فللأخ والأخت لأب وأم، ويسقط الأخ
والأخت لأب.
فإن تركت ثلاث أخوات متفرقات، وأما، فللأخت لأب وأم
النصف، وللأخت لأب السدس تكملة الثلثين، وللأم السدس،
وللأخت لام السدس.
باب القول في تفسير ميراث الإخوة والأخوات
من الأب ومع من يرثون ومن يحجبهم عن الميراث
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يحجبهم خمسة:
الابن، وابن الابن، وإن سفل، والأب، والأخ لأب وأم، وقد قيل أيضا
الجد يحجبهم في قول من جعل الجد كالأب، وليس ذلك عندي
بشئ، والقول فيه قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
لا يحجب الجد أحدا إلا ولد الأم.
327

إن هلك رجل وترك أخاه لأبيه فالمال له، فإن ترك أختين لأب
فلهما الثلثان وما بقي فللعصبة وإن كانت واحدة فلها النصف وما بقي
فللعصبة.
فإن هلك رجل وترك أخوة وأخوات لأب فالمال بينهم للذكر مثل
حظ الأنثيين، فإن ترك أختين لام وأختا لأب وترك أمه فللأم السدس،
ولأختيه لامه الثلث، ولأخته لأبيه النصف.
فإن ترك أمه وأختيه لامه وأخا وأختا لأب، فإن للأم السدس
وللأختين لام الثلث، وما بقي فبين الأخ والأخت لأب للذكر مثل حظ
الأنثيين.
فإن ترك أخوين وأختين لام، وأخوين وأختين لأب فللأخوين
والأختين لام الثلث، وما بقي فللأخوين والأختين لأب، فإن ترك جدتين
وأخوين لأب، وأخوين لام فللجدتين السدس، وللأخوين لام الثلث وما
بقي فللأخوين لأب فإن ترك ابنتين وأخوين لأب فللابنتين الثلثان وما
بقي فللأخوين لأب.
فإن ترك أختين لام وأختين لأب فللأختين لأب الثلثان وللأختين
لام الثلث.
فإن ترك ثلاث أخوات متفرقات فللأخت لام السدس وللأخت
للأب والأم النصف وللأخت للأب السدس تكملة الثلثين، وما بقي
فللعصبة.
فإن ترك أختا لأم وثلاثة أخوة لأب معهم أختهم فللأخت من الأم
السدس، وما بقي فللاخوة للأب للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإن ترك زوجة وأخوة وأخوات لأب فللزوجة الربع وما بقي فبين ولد
الأب للذكر مثل حظ الأنثيين.
328

وإن امرأة هلكت وتركت زوجها وأخاها وأختها لأبيها، فللزوج
النصف وما بقي فللأخ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين.
باب القول في تفسير ميراث ولد الأم
وكم يحجبهم عن الميراث، وكم ميراثهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يحجب ولد الأم عن
الميراث أربعة: الولد، وولد الابن، وإن سفل، والأب، والجد، لا
اختلاف عندهم كلهم في أن الجد يحجب ولد الأم.
إن هلك رجل وترك أخاه لأمه فله السدس وما بقي فللعصبة، وإن
ترك أخوين لام فلهما الثلث، وما بقي فللعصبة، فإن ترك أكثر من ذلك
فهم شركاء في الثلث كما قال الله سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه:
* (فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) * (19) فإن ترك أختا لأم
فلها السدس، فإن ترك أختين فلهما الثلث، وما بقي فللعصبة.
فإن ترك أمه زوجته وأخوين وأختين لام، وخمسة أخوة لأب وأم،
فللزوجة الربع وللأم السدس وللأخوين والأختين لام الثلث وما بقي
فللاخوة لأب وأم.
فإن ترك أختين لأب وأختين لام فللأختين لام الثلث وللأختين
لأب الثلثان.
فإن ترك ست أخوات متفرقات فللأختين لام الثلث وللأختين لأب
الثلثان، وتسقط الأختان لأب لما أن استكمل ولد الأب والأم الثلثين.
فإن ترك زوجة وأخوين لأب وأم وأخوين لام وأخوين لأب
فللأخوين للأم الثلث، وللزوجة الربع، وما بقي فللأخوين لأب وأم.

(19) النساء 12.
329

فإن ترك أمه وستة أخوة لأب وثلاثة أخوة وثلاث أخوات لأم
فللاخوة والأخوات لام الثلث، وللأم السدس، وما بقي فللاخوة لأب،
وإن هلكت امرأة وتركت زوجها وثلاثة أخوة لامها. وأربع جدات
مستويات، فللاخوة للأم الثلث، وللزوج النصف وللجدات السدس
بينهن، وإن هلكت امرأة وتركت أمها وأربع جدات وثلاثة أخوة وأختا
لأب فللأم السدس، وما بقي فبين الاخوة والأخت لأب، ويسقطن
الجدات لا يرثن مع أم أبدا.
وإن هلكت امرأة وترك أمها وبنتها زوجها، وأخوين، وثلاث
أخوات لأب وأم، وأختا لأب، فللبنت النصف، والزوج الربع، وللأم السدس
وما بقي فللأخوين والأخوات لأب وأم.
باب القول في جميع الاخوة والأخوات
وولد الاخوة، وتفسير مواريثهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن هلك رجل وترك أخاه
لأبيه وأمه، وأخاه لأبيه وأخاه لأمه فلأخيه لأمه السدس، وما بقي فلأخيه
لأبيه وأمه، ويسقط الأخ لأب، لان الأخ لأب وأم أقرب منه.
فإن ترك أخاه لأبيه وأمه وأخاه لأبيه، فالمال لأخيه لأبيه وأمه دون
أخيه لأبيه لأنه أقرب منه.
فإن ترك أخاه لأبيه وأمه وأخاه لأمه، فللأخ لام السدس، وما بقي
فللأخ لأب وأم.
فإن ترك ستة أخوة متفرقين فلأخويه لامه الثلث، وما بقي
فللأخوين لأب وأم.
فإن ترك أخوين لام وأخوين لأب، فللأخوين لام الثلث، وما بقي
فللأخوين لأب.
330

فإن ترك ست أخوات متفرقات فللأختين للأم الثلث، وللأختين
لأب وأم الثلثان، وتسقط الأختان لأب.
فإن ترك أختا لأب وأم، وأختا لأم، وثلاث أخوات لأب، فللأخت
لام السدس، وللأخت لأب وأم النصف، وللأخوات لأب السدس
بينهن، وما بقي فللعصبة.
فإن ترك أختا لأم، معها أخوها وأختا لأب وأم، وأختا لأب معها
أخوها، فللأخت والأخ لام الثلث، وللأخت للأب والأم النصف، وما
بقي فللأخ والأخت لأب للذكر مثل حظ الأنثيين.
فان ترك ثلاث أخوات متفرقات مع الأخت لأب أخوها، فللأخت
للأم السدس، وللأخت لأب وأم النصف، وما بقي فللأخت والأخ لأب
بينهما للذكر مثل حظ الاثنين.
فإن ترك ثلاث أخوات متفرقات مع كل واحدة ابن أخيها،
فللأخت لام السدس، وللأخت للأب والأم النصف، وللأخت للأب
السدس، وما بقي فرد على ابن أخي الأخت لأب وأم.
فإن ترك مع الأخت لأب ابن أخيه، وليس مع الأخت لأب وأم
ابن أخيها، فما بقي من الفريضة فله، فإن ترك ثلاث أخوات متفرقات،
ومع الأخت لام ابن أخيها فللأخت لام السدس، وللأخت لأب وأم
النصف، وللأخت لأب السدس وما بقي فللعصبة ويسقط ابن أخ
الأخت لام لأنه من العشرة الذين لا يرثون شيئا مع ذوي سهم أو عصبة.
فإن ترك ثلاث أخوات متفرقات مع كل واحدة أخوها، فللأخت
والأخ لام الثلث، وما بقي فللأخ والأخت لأب وأم للذكر مثل حظ
الأنثيين، ويسقط الأخ والأخت لأب.
331

فإن ترك ابن أخ لأب وأم وأخا لأب، فالمال للأخ لأب، لان الأخ
لأب أقرب من ابن الأخ لأب وأم.
فإن ترك ابن أخ لأب وأم وابن أخ لأب فالمال لابن الأخ لأب وأم
دون ابن الأخ لأب لأنه أقرب منه.
وإن ترك ثلاثة بني أخوة متفرقين ابن الأخ لأب وأم، وابن الأخ
لأب، وابن الأخ لام، فالمال لابن الأخ لأب وأم.
فإن ترك ثلاثة بني أخ لام، وثلاثة بني أخ لأب، فالمال لبني الأخ
لأب، ولا شئ لبني الأخ للأم، لان بني الأخ لام لا يرثون شيئا.
فإن ترك ثلاثة بني أخوة متفرقين مع كل ابن أخ ثلاث أخوات له،
فالمال لابن الأخ لأب وأم، وأما بنات الأخ اللواتي هن بنات الأخ للأب
والأم، فلا شئ لهن من المال، والمال لأخيهن دونهن، ويسقط ولد
الأب وولد الأم.
فإن ترك ابني أخ ومعهما أختان لهما لأب وأم فإن المال للرجال
دون أخواتهم.
فإن ترك ابن أخ لأب ومعه أخته فإن المال للرجل، وتسقط الأخت
أخت الغلام، فإن ترك ابن أخ لام ومعه أخته، فإن المال للعصبة ولا
شئ لهما يسقطان جميعا فإن ترك ثلاثة بني أخ لأب وأم وأختهم،
فالمال للذكور دون الإناث.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: فإن ترك ثلاثة أخوة متفرقين
وخمس جدات مستويات، وأربع زوجات، فللأخ لام السدس،
وللزوجات الربع، والجدات السدس بينهن، وما بقي فللأخ لأب وأم
ويسقط الأخ لأب.
332

فإن ترك ثلاثة أخوة متفرقين، وأما وزوجة فللأم السدس، والزوجة
الربع وللأخ لام السدس، وما بقي فللأخ لأب وأم.
فإن ترك ثلاث أخوات متفرقات مع كل واحدة منهن ثلاث أخوات
لها متفرقات فللأخت لام وأختيها من أمها مع أخت الأخت لأب وأم من
أمها الثلث بينهن فصرن الأخوات للأم أربعا، ولا شئ لأختها لأبيها
معهن وللأخت للأب والأم وأختها لأبيها وأمها الثلثان، وتسقط أختها
لأبيها، ويسقط ولد الأب كلهن، لان الأخوات لأب وأم إذا استكملن
الثلثين لم يكن لولد الأب شئ إذا لم يكن معهن ذكر.
فإن كان معهن ذكر وبقي شئ فهو بينهم، للذكر مثل حظ
الأنثيين.
فإن ترك ثلاث أخوات متفرقات مع كل واحدة ابن أخيها مع كل
ابن أخ ثلاث عمات له متفرقات فللأخت لأب وأم وعمة ابن أخيها لأب
وأم وهي أختها لأبيها وأمها الثلثان، والثلث الباقي بين الأربع الأخوات
لام.
فإن ترك أخا وأختا لأب وأم، فللأخت لأب وأم النصف وللأخت
وأخيها للأب ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإن ترك أخا وأختا لأب وأم وأخوين لأب وأما فللأم السدس، وما
بقي فللأخ والأخت لأب وأم، ولا شئ للأخوين لأب.
فإن ترك أختا لأب وأم، وأخت لام وخمس أخوات لأب، فللأخت
لأب وأم النصف، وللأخت لام السدس، وللأخوات لأب السدس
تكملة الثلثين، وما بقي فللعصبة، فإن كان معهن أخوهن فما بقي فهو
له ولهن للذكر مثل حظ الأنثيين.
333

باب القول في التشريك بين الاخوة
لأب وأم والاخوة لام في الثلث
ومن لم يشرك بينهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ان امرأة هلكت وتركت
أمها وزوجها وستة أخوة متفرقين فللأم السدس وللزوج النصف،
وللأخوين لام الثلث، ويسقط الاخوة لأب وأم، والاخوة لأب في قول
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهذا مما أجمع عليه عن
علي بن أبي طالب عليه السلام ويحتج فيقول كما لا أزيدهم لا أنقصهم
عن الثلث الذي لهم في القرآن. ألا ترى أنهم لو كانوا مائة لم يزدادوا
على الثلث فكيف ينتقصون منه، فيشرك معهم ولد الأب والأم في
ثلثهم، وليس للاخوة لأب وأم فريضة في الكتاب إنما هم كالغانم يأخذ
مرة ومرة لا يأخذ، فإن فضل عن ذوي السهام شئ أخذه، والا فلا شئ
لهم كما لم يجعل الله لم، واختلفوا في ذلك عن عبد الله وزيد، فروى
بعضهم عنهما أنهما أشركا بين الاخوة لأب وأم، وبين الاخوة لام في
الثلث، وقالا لم يزدهم الأب الا قربا. وروى آخرون عنهما أنهما لم
يشركا واحتجا في ذلك بأن قالا تكاملت السهام المسماة في القرآن،
وذلك قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهذه المسألة
يقال لها المشركة.
وبلغنا عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان لا يشرك أصلا.
وروي عن حكيم بن جابر أنه قال: توفيت منا امرأة، وتركت زوجها،
وأمها، وأخويها لأبيها وأمها وأخويها لامها فأتى في ذلك علي بن أبي
طالب عليه السلام فقال: لامها السدس، ولزوجها النصف، ولأخويها
334

من أمها الثلث تكاملت السهام والإخوة للأب والأم كالغانم مرة يأخذ ومرة
لا يأخذ.
واحتج الذين لم يشركوا على الذين شركوا بمسألة سألوهم عنها
في هذا الباب، وهي ان امرأة هلكت وتركت زوجها وأمها وأخاها لامها،
وأربعة أخوة لأب وأم، فقالوا جميعا في هذه المسألة أن للزوج النصف،
وللأم السدس، وللأخ للأم السدس، وما بقي فللاخوة لأب وأم، فقالوا
لهم فحظ الاخوة لام أوفر من حظ الاخوة لأب وأم، ولا نرى النقصان
دخل عليهم الا من قبل الأب إذ صار الأخ لام وحده بمنزلتهم جميعا،
ولو بلغوا أكثر ما يكون الاخوة لأب وأم، ولولا الأب لكانوا هم والاخوة لام
في الميراث شرعا واحدا، واحتجوا عليهم أيضا بأن الاخوة لام إنما ورثوا
في هذه المسألة بفريضة لهم مسماة في القرآن ينطق بها الكتاب وذلك
قول الله سبحانه: * (فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) * (20)
وأما الاخوة لأب وأم فلا فريضة لهم في الكتاب إنما لهم ما أبقت
السهام، فلا يشرك الذين ليس لهم فريضة مع من له فريضة لان أهل
الفريضة أحق ممن لا فريضة له، وهذا الاحتجاج كله فهو احتجاج أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
باب القول في ميراث العمومة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ان هلك رجل وترك عمه
لأبيه وأمه وعمه لأبيه فالمال للعم للأب والأم، ولا شئ للعم للأب،
فإن ترك عمه لأبيه وابن عمه لأبيه وأمه فالمال للعم لأنه أرفع وأقرب، فإن
ترك ثلاثة عمومة أحدهم لأب وأم، والآخر لأب، والآخر لام، فإن المال

(20) النساء 12.
335

للعم للأب والأم، ويسقط العم للأب لان العم لأب وأم أقرب منه، وأما
العم لام فإنه من العشرة الذين لا يرثون من الرجال وليس هو من العصبة،
فإن ترك ثلاثة عمومة مع كل واحد ثلاث أخوات له متفرقات، فإن المال
للعم لأب وأم، وتسقط أخواته وكل ما سواه من الورثة، فإن ترك أربعة
عمومة وأربع عمات لأب وأم فإن المال للرجال دون النساء لان العمات
من العشر اللواتي لا يرثن شيئا.
باب القول في ميراث بني العم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن هلك رجل وترك ابني
عم أحدهما ابن العم لأب وأم والآخر ابن العم لأب، فإن الميراث لابن
العم لأب وأم، فإن ترك ابني عم لأب وأم أحدهما أخ لام، فإن للأخ لام
السدس، وما بقي فبينهما نصفان، وهذا قول أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام وأما قول عبد الله فإن المال لابن العم الذي هو أخ
لام، وليس هذا عندنا بشئ، والصواب ما قاله أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام قال: فإن ترك ابن أخ لأب وعما لأب وأم، فإن
الميراث لابن الأخ لأب، ولا شئ للعم لأب، لان ابن الأخ أقرب منه.
فإن ترك ابن عم لأب وأم وعما لأب، وأم وعما لام، وجدا، فإن
المال للجد.
فإن ترك ابن عم لأب وأم ابن ابن عم لأب، فإن الميراث لابن
ابن العم لأب وأم.
فإن ترك عما لأب وأم وثلاث جدات وجدا، فإن للجدتين أم الأم،
وأم الأب السدس، وما بقي فللجد.
فإن تركت امرأة أربعة بني عم لأب وأم أحدهم زوج، والآخر أخ
لام فإن للأخ لام السدس، وللزوج النصف، وما بقي فبينهم على أربعة،
336

وإن امرأة هلكت وتركت ابني عم أحدهما زوج والآخر لام مع كل
واحد أخ له بمنزلته، فإن للأخوين للأم الثلث، وللزوج النصف، وما
بقي فبينهم على أربعة.
فإن ترك ابني عم لأب وأم وأختيهما فإن المال للرجلين دون
المرأتين، فإذا جاوز الورثة من ولد الأخ والعم الميت بطنا بانخفاض
بطن لم ترث النساء مع الرجال شيئا، فافهم وقس ما شرحت لك إن شاء الله
تعالى.
باب القول في ميراث بني الابن، وبنات الابن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم: إذا كانت ابنة الا بن ليس معها ابنة للصلب فلابنة الابن
النصف، فإن كانت معها ابنة للصلب فلها السدس، فإن كان مع ابنة
الابن ابنة ابن أسفل منها، أو أكثر من ذلك بعد أن تكون قرابتهن واحدة
فلابنة الابن العليا النصف وللتي تليها السدس تكملة الثلثين، واحدة
كانت أو أكثر من ذلك فلهن السدس، ومنزلة ميراث بنات الابن كمنزلة
بنات الصلب إذا لم يكن بنات للصلب يرثن ما يرثن ويحجبن ما يحجبن.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: واعلم أن ابن الابن
لا يحجبه عن الميراث الا الابن، ولا يرث معه الا سبعة: الولد الإناث،
والزوجة، والزوج، والأب، والأم، والجد والجدات إذا لم يكن أم، ولا
يرث معه من كان أسفل منه من ولد الولد، هو بمنزلة الابن وبنات الابن
بمنزلة البنات في فرائضهن، إذا كانت واحدة فلها النصف، وإن كانتا
اثنتين فلهما الثلثان، فإن ترك ابن ابن، وابن ابن ابن أسفل منه، فالمال
337

للأقرب إلى الميت، فإن ترك ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض
فللعليا النصف، وللتي تليها السدس، وما بقي فللعصبة.
فإن ترك ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض وأسفل من
البنات كلهن غلام فللعليا النصف، وللتي تليها السدس، والغلام فله
ما بقي يرد على عمته للذكر مثل حظ الأنثيين في قول أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب عليه السلام، واما قول عبد الله فما بقي فللذكر وحده.
فإن ترك ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض مع كل واحدة
أختها، وأسفل من السفلى غلام، فللعلياوين (21) الثلثان، والتي يليها
وأختها والسفلى وأختها لا فرض لهن سقطن لما أن استكمل العليا وأن
الثلثين، وما بقي فللغلام يرد على السفلى وأختها والوسطى وأختها بينهم
للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإن ترك ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض مع كل واحدة
ثلاث أخوات لها متفرقات، وأسفل منهن غلام، فللعليان وأختها لأبيها
وأمها والتي من أبيها الثلثان، وما بقي فللغلام يرد على السفلى، وأختها
لأبيها وأمها وأختها لأبيها، وعلى الوسطى وأختها لأبيها وأمها، وأختها
لأبيها بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإن ترك بنت ابن وابنة ابن ابن أسفل منها وثلاث جدات فلبنت
الابن النصف، وللتي يليها السدس تكملة الثلثين، وللجدات
المستويات السدس بينهن، وما بقي فللعصبة.
فإن ترك زوجة وجدا وثلاث جدات، فإن أم أب الأب تسقط
لا ترث مع الجد لأنه ابنها في قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام. وأما أم الأب، وأم الأم فإنهما يرثان السدس، وللزوج الربع،
وما بقي فللجد.

(21) في نسخة فللعلياء وأختها الثلثان. الخ.
338

باب القول في ميراث الكلالة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله سبحانه:
* (يستفتونك قل الله يفتيك في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله
أخت فلها نصف ما ترك، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) *. 22) فقال بعض
العلماء الكلالة ما خلا من الولد، واحتجوا بهذه الآية وهي قوله سبحانه
* (قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد) * (23) وقال آخرون
الكلالة ما خلا من الولد والأبوين لقول الله عز وجل في أول السورة:
* (وورثه أبواه فلامة الثلث) * (24) وذكر الاخوة فلم يجعل لهم مع الأب
شيئا سبحانه فلا نرى أنه قد ورثهم عز وجل في الكلالة فقال تبارك
وتعالى في السورة: * (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو
أخت) * (25) فبين في هذه الآية أن الأب ليس يدخل في الكلالة واحتجوا
في الولد بالآية التي في أخر السورة وهي قوله سبحانه: * (قل الله يفتيكم
في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو
يرثها إن لم يكن لها ولد) * (26) وروي في ذلك عن رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم أن رجلا سأله عن الكلالة فقال: اما سمعت الآية
التي نزلت في الصيف: * (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) * (27)
من لم يترك ولدا ولا والدا فورثته الكلالة.

(22) النساء 176.
(23) النساء 176.
(24) النساء 11.
(25) النساء 12.
(26) النساء 176.
(27) النساء 176.
339

وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال:
الكلالة ما خلا من الولد والوالد، وذلك الصواب عندنا والحمد لله رب
العالمين وسلام على المرسلين وصلى الله عليه محمد وعلى أهل بيته
وسلم.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا أن رجلا قال
يا رسول الله * (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) * (28) فما الكلالة؟
فقال: أما سمعت الآية التي أنزلت في الصيف * (يستفتونك قل الله
يفتيكم في الكلالة) * (29) من لم يترك والدا ولا ولدا.
باب القول في المناسخة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: المناسخة أن يموت
الرجل فيرثه الورثة فلا يقتسمون ميراثه حتى يموت بعضهم ويرثه ورثته
أيضا، فهذا أقرب المناسخة وهو أولها، وذلك أن الورثة ربما لم يقتسموا
ميراث الميت حتى يموت منهم ميت قان، وثالث، ورابع، وأنا مفسر
ذلك كيف مبتدأ المناسخة، ومخارجها وضربها وحسابها، ومصحح
حساب سهام الورثة إن شاء الله تعالى.
وتفسير ذلك: رجل هلك وترك امرأته وابنيه، فلم يقتسموا حتى
مات أحد الابنين، فأقم فريضة الأول فهي تصح من ستة عشر، للزوجة
الثمن سهمان، وما بقي فهو بين الابنين وهو أربعة عشر لكل واحد
سبعة، فقد مات أحد الأخوين وترك أمه وأخاه، فللأم الثلث وما بقي
فللأخ، والذي في يد الميت سبعة أسهم، فسبعة لا ثلث لها، ففريضته
من ثلاثة، للأم الثلث واحد، وللأخ ما بقي وهو اثنان، وفريضة الثاني

(28) النساء 176.
(29) النساء 176.
340

لا توافق ما في يده من فريضة الأولى بشئ، ولو وافقت لضربته في أصل
الفريضة الأولى، فإذا لم توافق فاضرب أحد الفريضتين في الثانية،
فثلاثة في ستة عشر ثمانية وأربعون سهما، ثم عد فاقسم الثمانية
والأربعين على مبتدأ الفريضة فكان الأول ترك ثمانية وأربعين سهما،
وترك زوجته وابنيه فللزوجة الثمن ستة، وما بقي فللابنين وهو اثنان
وأربعون لكل واحد أحد وعشرون سهما ثم أمت أحد الابنين فقد ترك
واحدا وعشرين سهما فلأمه الثلث من ذلك سبعة وما بقي فلأخيه وهو
أربعة عشر سهما فصار في يد الأم ثلاثة عشر سهما ستة
من قبل زوجها، وسبعة من قبل ابنها، وصار في يد الأخ الحي خمسة
وثلاثون سهما، أحد وعشرون من قبل أبيه، وأربعة عشر من قبل أخيه
وما أتاك من هذا الباب فقسه على ما ذكرت لك، طالبت المناسخة أم
قصرت.
باب القول في العول في الفرائض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: العول في الفرائض
صحيح عندنا لا يجوز إلا أن تعال الفرائض وإلا طرح بعض من فرض
الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكذلك صح لنا عن أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان يعيل الفرائض.
وتفسير ذلك: رجل مات وترك أبوين زوجة وبنتين فللبنتين
الثلثان، وللأبوين السدسان، وللزوجة الثمن فهذه قد عالت بثمنها كان
أصلها من أربعة وعشرين، وعالت إلى سبعة وعشرين، فللبنتين ستة
عشر وللأبوين ثمانية، وللزوجة ثلاثة، فكانت أولا من أربعة وعشرين،
وصارت آخرا سبعة وعشرين.
341

ومن ذلك امرأة ماتت وتركت زوجها وأمها وأختيها لامها، وأختيها
لأبيها وأمها، فللزوج النصف، وللأم السدس، وللأختين لام الثلث،
وللأختين لأب وأم الثلثان، فهذه عالت بثلثيها كانت من ستة فصارت من
عشرة فهي تسمى أم الفروخ وهي أكثر ما تعول به الفرائض.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: كيف يريد أن يعمل من
لا يرى العول بهذه الفريضة أيطرح الأختين لأب وأم، ولهما فريضة في
الكتاب في مال أختهما أم يطرح الأختين لام فلهما فريضة في الكتاب؟
أم يطرح الأم ولها فريضة في الكتاب أم يطرح الزوج وله فريضة في
الكتاب أم كيف يعمل في أمرهم وكيف يقول فيما فرض الله لهم سبحانه
فقد فرض سبحانه للأختين لأب وأم الثلثين، وفرض للأختين لام
الثلث، وفرض للأم السدس، وفرض للزوج النصف، فمال قد خرج
ثلثاه وثلثه من أين يؤتى بسدسه ونصفه إذا لم يضرب في أصله حتى
يخرج لكل واحد منهم ما حكم الله له به في سهمه فهذا دليل على اثبات
العول لا يدفعه من أنصف وعقل وترك المكابرة ولم يجهل.
باب القول في الرد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: القول عندنا في الرد
قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وذلك أني وجدت الله
سبحانه يقول: * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب
الله) * (30) فكان عندي ذووا الأرحام أولى بأن نرد عليه ما فضل من بعد
سهمه المسمى له لأنه وغيره من المسلمين قد استويا في الاسلام،
وزادت هذا رحمه قربة ووسيلة فكان لذلك هو أولى بالفضل من بيت مال
المسلمين، وتفسير ذلك: رجل هلك وترك بنته وأمه فللبنت النصف،

(30) الأحزاب 6.
342

وللأم السدس، وما بقي فرد عليهما على قدر سهامهما، وكانت الفريضة
أولا ستة، لام سهم، وللبنت ثلاثة، فلما رد عليهما الفضل رجعت إلى
أربعة فصار للأم سهم من أربعة وهو ربع المال وللبنت ثلاثة أسهم من
أربعة وهو ثلاثة أرباع المال.
وكذلك لو أنه ترك ابنته وحدها لكان لها النصف لقول الله
سبحانه: * (وإن كانت واحدة فلها النصف) * (31) وكان لها أيضا النصف
الباقي لقول الله عز وجل: * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في
كتاب الله) * (32) فرددناه عليها لأنها أولى بأبيها من غيرها وكذلك لو ترك
أمه وحدها، أو أخته أو غير ذلك مما له سهم في الكتاب أو السنة كان
له أن يأخذ سهمه ثم يرد عليه الباقي لقرابته من الهالك ورحمه إذا لم
يكن معه من عصبته غيره.
باب القول في فرايض الجد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الجد لا يزاد على
السدس مع الولد، ولا مع ولد الولد إلا أن يكن إناثا فيفضل شئ ولا
يكون معه غيره فيكون له.
وتفسير ذلك: رجل ترك ابنا وجدا فللجد السدس وما بقي
فللابن، وكذلك لو كان ابن ابن وجد، وان ترك ابنته وجدا فللجد
السدس، وللبنت النصف، وما بقي فللجد رد عليه لأنه عصبة الميت،
والعصبة لها ما بقي من بعد السهام، وكذلك لو كانت بنت ابن وجدها.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: والجد يقاسم الاخوة

(31) النساء 11.
(32) الأحزاب 6.
343

والأخوات إذا لم يكن ولد ما كانت المقاسمة خير له من السدس، فإن
كان السدس خيرا له من المقاسمة أخذ السدس.
وتفسير ذلك: رجل هل وترك جده وأربعة أخوة لأب وأم أو لأب
فإن المال بين الجد والاخوة أخماسا فإن ترك ستة إخوة لأب وأم وجدا
فللجد السدس، وما بقي فللاخوة لان السدس خير من المقاسمة، وهذا
قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وبلغنا عن النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم أنه أتاه رجل فقال: يا رسول الله إن ابن ابني مات
فمالي من ميراثه؟ فقال: لك السدس، فلما أدبر دعاه قال لك سدس آخر
فلما أدبر دعاه فقال إن السدس الآخر طعمة مني لك، فإلى هذا المعنى
ذهب من أعطى الجد الثلث ونسوا ما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم من أنه طعمة، ولذلك كأن يقول أمير المؤمنين [علي بن أبي
طالب] عليه السلام كأن يقول: حفظت ونسيتم أن السدس الثاني
طعمة من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أطعمه إياه، وليس
بفرض فرضه له.
وبلغنا عنه أنه قال من أراد أن يتقحم جراثم جهنم فليفت في
الجد، ثم رأيناه يفتي فيه فعلمنا أنه لم يفت الا بشئ سمعه من رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الجد يقاسم الاخوة
والأخوات إذا كانوا معا، ولا يقاسم الجد الأخوات إذا كن وحدهن ولا
ذكر معهن لان لهن فرضا في الكتاب لابد من تسليمه إليهن،
وتفسير ذلك: رجل هلك وترك ثلاث أخوات وجدا فللأخوات
الثلثان، وللجد ما بقي.
فان ترك أختين وأخا وجدا فالمال بين الجد والأخ والأختين للذكر
344

مثل حظ الاثنين مخرجها من ستة لكل أخت سهم وللأخ سهمان وللجد
سهمان.
باب القول في مواريث الغرقى والحرقى والهدمى
والمفقودين معا، وما كان من الفرائض كذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا غرق القرابة معا، أو
انهدم عليهم بيت، أو احترقوا بالنار، أو فقدوا معا فلم يدر أيهم مات
قبل، ورث بعضهم من بعض يمات أحدهم ويحيا الباقون فيرثون
مع ورثته إن كانوا ممن يرث معهم، ثم يحي هذا الممات، ويمات أحد
الذين أحيوا أولا، فيرث هذا مع ورثته كما يورث هو أولا من ماله، كذلك يفعل
بهم كلهم كثروا أو قلوا حتى يورث بعضهم من بعض ثم يماتون جملة
ثم يورث ورثتهم الاحياء ما في أيديهم مما ورثه بعضهم من بعض، وما
كان لهم خالصا من أموالهم هكذا قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه السلام، وهذا هو الحق عندي لان من لم يورث بعضهم من بعض
لأيدي لعله قد جار عليهم، وذلك أنه لا يدري لعله قد مات بعضهم
قبل بعض فورث المتأخر من مال المتعجل، فالواجب على من لم يعلم
ذلك منهم ولم يقف على موتهم، فينبغي له أن يحتاط فيورث بعضهم
من بعض فيكون قد ورث الكل من الكل إذ قد وقعت اللبسة وكانت
الشبهة.
وتفسير ذلك أخوان غرقا معا لا يدري أيهم مات أولا، وترك كل
واحد منهما ابنتين، العمل في ذلك أن يمات أحدهم ويحيا الآخر،
فكأن الذي أميت ترك ابنتيه وأخاه، فللبنتين الثلثان وللأخ ما بقي، ثم
أمت الحي وأحيي الميت فقد ترك ابنتين وأخا فللابنتين الثلثان وللأخ
345

ما بقي، ثم أمتهما جميعا وورث ورثة كل واحد منهما ما في يده من ماله
في نفسه وميراثه من أخيه.
باب القول في حساب الفرائض واختصارها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا وردت عليك فريضة
فأردت أن تعرف من كم تصح فأقم أصلها فإن كان فيها نصف وما بقي
فهي من اثنين، وإن كان فيها ثلث وما بقي فهي من ثلاثة، وإن كان فيها
ربع وما بقي فهي من أربعة، وإن كان فيها سدس وما بقي فهي من ستة.
وتفسير النصف وما بقي: أن يكون الميت ترك بنتا وأخا، فللبنت
النصف وما بقي فللأخ، وتفسير الثلث وما بقي: فهو رجل هلك وترك
أمه وأباه، فللأم الثلث وما بقي فللأب ومخرجها من ثلاثة فللأم الثلث
واحد، وللأب ما بقي وهو اثنان، وتفسير الربع وما بقي: فهو رجل هلك
وترك زوجة وأخا، فللزوجة الربع، وما بقي فللأخ، ومخرجها من أربعة
للزوجة الربع واحد، وما بقي فللأخ وهو ثلاثة، وتفسير السدس وما بقي
فهو أم وابن فللأم السدس وما بقي فللابن ومخرجها من ستة للأم واحد،
وللابن خمسة.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وكل مسألة فيها ثلث ونصف
فأصلها من ستة، وكذلك ثلث وسدس من ستة، وكل مسألة فيها ثمن
ونصف فأصلها من ثمانية، وكل مسألة فيها ثمن وسدس، أو ثلث
فأصلها من أربعة وعشرين، فإذا وردت عليك مسألة فأردت أن يصح
حسابها فأقم أصلها، ثم انظر كم يقع لكل قوم، فإذا عرفت كم يقع لكل
قوم فاقسمه بينهم فمن لم ينكسر عليه ما في يده فأقره، ومن انكسر عليه
ما في يده فانظركم في أيديهم فاعرف عدده، واعرف عدد رؤوسهم ثم
انظر هل يوافق عدد ما في أيديهم عدد رؤوسهم بشئ فإن وافق عدد
346

ما في أيديهم عدد رؤوسهم، ثم انظر هل يوافق عدد ما في أيديهم عدد
رؤوسهم بالعشر، فاضرب عشرة في أصل الفريضة، أو في صنف آخر
من الورثة إن كان انكسر عليهم ثم اضرب ذلك كله في أصل الفريضة،
وكذلك ان وافق بتسع فاضرب تسع أو بثمن فاضرب ثمنه أو بسبع فاضرب
سبعة أو بسدس فاضرب سدسه، أو بخمس فاضرب خمسه، أو بربع
فاضرب ربعه، أو بثلث فاضرب ثلثه، أو بنصف فاضرب نصفه وكذلك إن
جاوز العشرة فوافق بالاجزاء فاضرب الاجزاء التي توافق بها، وأنا مفسر لك
كيف ذلك إن شاء الله تعالى فقس على ما أذكر (*) لك كل ما يأتيك.
إن هلك رجل وترك ثماني بنات وجدتين وأختا فللبنات الثلثان،
وللجدتين السدس، وللأخت ما بقي فأصلها من ستة، فللبنات أربعة،
وللجدتين السدس واحد، وللأخت واحد، وأربعة بين ثماني بنات
منكسر وواحد بين جدتين ينكسر، وفي يد البنات أربعة يوافق عدد
رؤوسهن بالربع لان ربع أربعة واحد، وربع ثمانية اثنان، فاضرب اثنين
وهو الذي وافق به من عدد رؤوسهن ما في أيديهن في أصل الفريضة وهو
ستة فصارت اثني عشر، واجتزيت عن ضرب الجدتين لأنهما ثنتان،
وهو الذي وافق من عدد البنات اثنين، واثنان عن اثنين يجزي، فللبنات
من اثني عشر ثمانية، وهو الثلثان واحد واحد، وللجدتين السدس وهو
اثنان لكل واحدة واحد، ويبقى سهمان للأخت.
فإن ترك اثنتي عشر بنتا وأربع جدات وثلاث أخوات فأصلها من
ستة، للبنات الثلثان أربعة، وللجدات السدس واحد، وللأخوات ما بقي
وهو سهم، فأربعة أسهم على اثني عشر ينكسر، وواحد على أربع
جدات ينكسر وواحد على ثلاث أخوات ينكسر، ففي أيدي البنات
أربعة أسهم، وعدد رؤوسهن اثنا عشر، فلما كان في أيديهن ربع ولعدد

(*) في نسخة ما ذكرت لك. تمت.
347

رؤوسهن ربع فقد وافق عدد رؤوسهن ما في أيديهن بالأرباع، فخذ ربع
عددهن وهو ثلاثة، فاضربه في عدد رؤوس الجدات وهن أربع فثلاثة
في أربعة اثنا عشر، وعدد الأخوات ثلاث، والثلاث داخلات في
الاثني عشر فاضرب اثني عشر في أصل الفريضة وهي ستة، فتصير
اثنين وسبعين يصح منها إن شاء الله تعالى للبنات الثلثان ثمانية
وأربعون، لكل واحدة منهن أربعة أسهم، وللجدات السدس اثنا عشر
سهما، بينهن ثلاثة ثلاثة، وللأخوات السدس اثنا عشر بينهن أربعة
أربعة وا كانت المسألة على حالها والأخوات أربع خرجت مما خرجت
منه أولا، وكان حسابها كحساب الأولة، وكذلك لو كن ستا.
وكذلك لو كن اثنتي عشرة خرجت مما خرجت منه أولا فإن ترك
ثماني بنات، وأربع جدات، وأربع زوجات، وسبع أخوات، فأصلها من
أربعة وعشرين للبنات الثلثان ستة عشر، وللزوجات الثمن ثلاثة أسهم،
وللجدات السدس أربعة وللأخوات ما بقي وهو واحد، فستة عشر بين
البنات لا ينكسر يصح اثنان اثنان والثمن ثلاثة بين أربع زوجات ينكسر،
والسدس بين أربع جدات يصح بينهن سهم سهم، والباقي واحد بين
سبع أخوات ينكسر، فدع البنات والجدات لان سهامهن قد صحت
عليهن فلا حاجة لك إلى ضربهن، واضرب اللواتي انكسر عليهن
سهامهن بعضهن في بعض اضرب أربعة في سبعة فذلك ثمانية وعشرون
ثم اضرب هذه الثمانية والعشرين في أصل الفريضة وهي أربعة وعشرون
فذلك ستمائة واثنان وسبعون للبنات الثلثان أربع مائة وثمانية وأربعون
سهما لكل واحد ستة وخمسون سهما وللجدات مائة واثني عشر لكل
واحدة ثمانية وعشرون سهما، وللزوجات الثمن أربعة وثمانون بينهن
لكل واحدة واحد وعشرون سهما وللأخوات ما بقي وهو ثمانية وعشرون
سهما بينهن لكل واحدة أربعة أربعة.
348

فإن كانت المسألة على حالها وكانت الأخوات ثمانيا (33) فإن
الزوجات يدخلن في الثمان الأخوات فاضرب ثمانية في الأصل الأربعة
والعشرين فذلك مائة واثنان وتسعون للبنات الثلثان مائة وثمانية وعشرون
لكل واحدة ستة عشر، وللزوجات الثمن أربعة وعشرون لكل واحدة ستة
ستة، وللجدات السدس اثنان وثلاثون لكل واحدة ثمانية أسهم والباقي
للأخوات ثمانية أسهم لكل واحدة واحد واحد، وما أتاك من هذا فاطلب
له الموافقة فما وافق فاجتز بموافقته، وما لم يوافق فاضربه فيما ينبغي أن
تضربه من عدد الرؤوس وأصل الفريضة إن شاء الله تعالى.
باب القول في ميراث الخناثى
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الحكم في الخناثى أن
يتبع بالقضاء فيه المبال، فإن سبق بوله من ذكره فهو ذكر، وان سبق من
فرجه فهو أنثى، والعمل في ذلك أن يقرب إلى الجدار ثم يؤمر ان يبول،
ويفتقد في ذلك فمن أيهما وقع البول منه على الجدار أولا حكم عليه
به، فإن وقعت لبسة واللبسة الا يسبق أحدهما الآخر، وأن يأتيا جميعا
معا لا يسبق واحد واحد فإذا كان كذلك كان له نصف حق الذكر ونصف
حق الأنثى إذا كان ممن يرث في الحالين.
وتفسير ذلك رجل هلك وترك ابنين أحدهما خنثى، فإن كان البول
سبق من الفرج فهو بنت وفريضته من ثلاثة لها واحد وللذكر اثنان، وان
سبق البول من الذكر فهو ذكر، وان وقعت اللبسة فله نصف نصيب الذكر
ونصف نصيب الأنثى، وفريضتهما من اثني عشر للخنثى خمسة،
وللذكر سبعة، فإن هلك رجل وترك بنته وأخاه لأبيه وأمه، والأخ لأب وأم

(33) وفي نسخة أخرى ثمانيا ظ.
349

خنثى لبسة فللبنت النصف وللخنثى نصف نصيب الذكر، ونصف
نصيب الأنثى، وما بقي فهو للخنثى لان أسوأ حاله أن يكون أنثى
فالأخت مع البنت عصبة.
فإن ترك أختا لأب وأم، وأختا لأب، وأختا لأم خنثى، فللأخت
لأب وأم النصف، وللأخت لأب السدس تكملة الثلثين، وللأخت لام
الخنثى السدس على كل حال، لان نصيب الذكر والأنثى من ولد الأم
سواء وما بقي فللعصبة، فإن لم يكن عصبة رد ذلك الفضل عليهن على
قدر سهامهم فيصير للأخت لأب وأم ثلاثة أخماس المال، وللأخت
لأب خمس المال، وللأخت لام خمس المال ومخرجها من خمسة على
الرد.
فان ترك عما خنثى وأختا فللأخت النصف وللعم إن كان ذكرا
ما بقي، وإن كان أنثى فلا شي ء له، وإن كان لبسة فله نصف نصيب
الذكر فقط لأنه لا يرث في الحالين، في حال ما يكون عمة لا يرث فلذلك
لم نعطه نصيب الأنثى ومخرجها إن كان ذكرا من اثنين، للأخت سهم،
وله سهم، ومخرجها إن كان أنثى من اثنين أيضا للأخت سهم وللعصبة
سهم. فإن لم يكن عصبة رد على الأخت ذلك السهم ومخرجها إن كان
لبسة من أربعة أسهم، للأخت اثنان وله نصف نصيب الذكر وهو نصف
الاثنين الباقين، والسهم الباقي للعصبة، فإن لم يكن عصبة رد على
الأخت وعليه على قدر سهامهما.
وان تركت امرأة ثلاثة بني عمومة لأب وأم كلهم أحدهم زوج
والآخر أخ لام، والآخر خنثى، فللزوج النصف وللأخ لام السدس، وما
بقي فهو بينهم على ثلاثة (*) أسهم بالسواء إن كان الخنثى ذكرا، وإن كان
أنثى فالباقي بين ابني عم الذكرين دونه، لان بنت العم لا ترث مع ابن

(*) في نسخة: (وما بقي فهو بينهم ثلاثتهم بالسواء). الخ
350

العم شيئا، وإن كان خنثى لبسة فله نصف نصيب الذكر فقط، وما بقي
فبين ابني عمه الذكرين سوا وكلما أتاك من هذه فقسه على ما ذكرت لك
إن شاء الله.
باب القول فيمن مات وترك حملا وورثة
وعجلوا للقسمة قبل أن يدروا ما الحمل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو مات رجل وخلف
حملا وورثة فعجل الورثة للقسمة فإنه ينبغي أن يتركوا نصيب أكثر
ما يكون من الحمل وهو أربعة ذكور، فان جاء كذلك كانوا قد احتاطوا
ولم يكونوا فرطوا وإن كان دون ذلك رجعوا إلى الفضلة فاقتسموها وتفسير
ذلك: رجل هلك وترك ثلاثة بنين وحملا من زوجته فالواجب في ذلك
فيعزلون منها أربعة أسهم نصيب أربعة ذكورا ويأخذون هم ثلاثة
أسهم، فإن جاء الحمل كذلك كانوا قد احتاطوا وأخذ كل واحد منهم
حقه، وإن جاء دون ذلك اقتسموا الفضلة، وكذلك لو كان الحمل إناثا
أو أنثى دفعوا إلى الحمل كائنا ما كان نصيبه من جميع المال ثم اقتسموا
الفضل من بعد ذلك.
باب القول في ميراث المفقود
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يقسم مال المفقود ولا
يورث حتى يعلم خبره، وكذلك فلا تتزوج امرأته فإن عجل الورثة (*) أو
أتاهم خبر فكان كذبا فاقتسموا ماله وتزوجت امرأته ثم أتى يوما من الدهر كان
أولى بامرأته ولم يقربها حتى تستبري من ماء الذي هي معه، ويتبع كل

* في نسخة: (فإن جهل الورثة..).
351

من أخذ من ماله شيئا ويرتده منه وإن كان بعض الورثة ورث مملوكا فاعتقه
رده في الرق.
باب القول في الوصايا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من أوصى بأكثر من
ثلث ماله فالامر في ذلك إلى ورثته ان شاءوا أجازوا للموصى له ما أوصى
له به الميت، وان شاءوا ردوه إلى الثلث وتفسير ذلك: رجل أوصى لرجل
بثلث ماله، وأوصى لآخر بنصف ماله، فإن أجازه الورثة جاز، وإن ردوه
كان الثلث بين هذين الموصى لهما على خمسة أجزاء لصاحب الثلث
خمسا الثلث، ثلث مال الميت، ولصاحب النصف ثلاثة أخماس ثلثه
الذي ليس لورثته أن ينقصوا منه شيئا، وكذلك كلما أتاك من هذا الباب
فقسه على ما ذكرت لك إن شاء الله.
وكذلك لو أنه ترك بنين وبنات فأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم
أو بمثل نصيب إحداهن وزيادة شئ، أو بمثل نصيب أحدهم إلا شيئا
كان المعنى فيه على ما ذكرت لك أولا، إن كانت الوصية أكثر من الثلث
كان الامر فيها إلى الورثة إن أجازوها جازت، وان ردوها ردت إلى
الثلث وتقسم على الموصى لهم على قدر ما أوصى به لهم، وإن كانت
الوصية فيما دون الثلث كانت الوصية لمن أوصى له الميت بما أوصى.
باب القول في الاقرار والانكار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أصل الاقرار والانكار
عندنا ان كل من أقر بشئ لزمه كل ما أقر به فيما في يده، فإن كان شريكا
352

شاركه، وإن كان من يحجبه سلم إليه كلما في يده، وان أقر على غيره
لم يلزم غيره اقراره عليه.
وتفسير ذلك: رجل مات وترك ابنين أقر أحدهما بابن آخر فيقال
للمقر أنت تزعم أنكم ثلاثة وتقول إنما لي لي ثلث المال فخذ ما زعمت أنه
لك وادفع ما بقي في يدك إلى هذا الذي أقررت به وهو سدس المال
فكان أصل فريضتهم الأولى من اثنين على الانكار، وفريضتهم الثانية
من ثلاثة على الاقرار، فاضرب ثلاثة في اثنين لأنه ليس بين الفريضتين
موافقة فضربت اثنين في ثلاثة فصارت ستة، فقال هذا المنكر هي بيني
وبينك لي ثلاثة ولك ثلاثة، وقال هذا المقر هي بيننا أثلاثا لك اثنان لي
اثنان ولهذا اثنان فأبى المنكر أن يصدقه فيقال لهذا الذي أقر أنت زعمت
أن لك اثنين وأقررت فأخيك هذا بسهم فادفع إليه سهمه وخذ السهمين
اللذين لك. ولو أقر مقر لمن يحجبه لوجب عليه أن يسلم إليه ما في يده.
وتفسير ذلك: أخوان أقر أحدهما بابن للميت وجحده الآخر
فالواجب أن يقال لهذا المقر ادفع ما في يدك وهو نصف المال إلى هذا
الذي أقررت له به لأنه يحجبك.
باب القول في ذوي الأرحام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ذووا الأرحام هم الذين
لا فرض لهم في الكتاب ولا في السنة وهم العشرة من الرجال، والعشر
من النساء الذين سميناهم في صدر كتابنا هذا، ومن كان مثلهم أو منهم
والعمل فيهم أن يرفعوا إلى آبائهم حتى ينتهي بهم إلى من يرث من
أجدادهم فيعطونه على قدر ميراثه.
وتفسير ذلك: رجل هلك وترك عمته وخالته فللخالة الثلث،
وللعمة الثلثان، وذلك أنا رفعنا هما إلى الوارث، فرفعنا الخالة إلى الأم،
353

ورفعنا العمة إلى الأب فكأنه ترك أمه وأباه، فللأم الثلث وما بقي فللأب،
وأنزلنا العمة منزلة الأب، وان شئت منزلة العم كلاهما هاهنا سواء، وإنما
رفعنا العمة في هذه المسألة إلى الأب دون العم لان العم والأب في هذه
المسألة ميراثهما سواء لان الأم ترث معهما جميعا الثلث فلما كانت وارثة
مع الرجلين استوى الأب والعم في ذلك، وأنزلنا الخالة منزلة الأم. فإن
ترك ابنة عم لأب وبنت عم لام فإن المال لبنت العم لأب دون بنت العم
لام، وذلك أنا رفعنا بنت العم لأب إلى العم لأب ورفعنا ابنة العم لام
إلى العم لام والعم لام لا يرث، والعم لأب يرث، فورثنا بنت الوارث وتركنا
بنت الذي لا يرث، وكذلك أبدا العمل في باب ذوي الأرحام يرفعون إلى
آبائهم ومن سبق منهم إلى وارث ورث دون صاحبه.
وكذلك لو أن رجلا ترك بنت أخيه وبنت عمه لكان المال لبنت
أخيه، لأنك رفعت بنت العم إلى العم، وبنت الأخ إلى الأخ فكأنه ترك
عمه وأخاه فالمال للأخ دون العم.
فإن ترك بنت عم وابن بنت أخ المال لابنة العم دون ابن بنت الأخ
لأنك رفعت بنت العم إلى العم وابن بنت الأخ إلى بنت الأخ فكأنه ترك
عمه وبنت أخيه، فالمال لعمه، ولذلك أعطينا ابنته دون ابن بنت الأخ
لأنها سبقته إلى الوارث بالقرابة والنسب.
فإن ترك بنت بنت وبنت عم فلبنت البنت النصف، ولبنت العم
ما بقي، لأنك رفعت بنت النبت إلى البنت، وبنت العم إلى العم، فكأنه
ترك بنته وعمه، فللبنت النصف وللعم ما بقي، فأعطينا ميراثهما بنتيهما،
ولو أخفضت إحداهما ببطن لورثنا الأخرى دونها لأنها سبقتها إلى
الوارث. وكذلك ان ترك بنت بنت بنته، وبنت عمه فيكون الميراث لبنت
354

عمه لأنها أقرب إلى الوارث إذا رفعناهما. وان ترك بنت بنت عم، وبنت
بنت كان الميراث لنبت البنت لأنها أقرب إلى الوارث إذا رفعتهما وكذلك
تفعل بجميع ذوي الأرحام فافهم ذلك إن شاء الله تعالى وقس قياس فهم
فطن يبن لك الحق والقوة لله وبه.
باب القول في مواريث المجوس (*)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الأصل في مواريث
المجوس أنهم يرثون من وجهين بالأنساب، ولا يرثون بالنكاح، لأنه
نكاح لا يحل، وذلك رأي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:
وقوله ولا أعلم أحدا خالفه في ذلك ممن له فهم.
وتفسير توريثهم من وجهين مجوسي وثب على ابنته فأولدها ثلاث
بنات ثم مات لعنه الله فورثه بنات الأربع الثلثين وما بقي فللعصبة، ثم
ماتت احدى البنات الثلث وتركت أختيها لأبيها وأمها وأختها لأبيها وهي
أمها فللأم السدس ولأختيها لأبيها وأمها الثلثان، فإن ماتت احدى
الا بنيت الباقيتين فلأختها لأبيها وأمها النصف، ولأختها لأبيها التي هي
أمها السدس تكملة الثلثين ولها أيضا السدس لأنها أم قد صار لها الثلث،
السدس، لأنها أمها، وسدس لأنها أختها لأبيها، فقد ورثت من وجهين،
وحجبت نفسها بنفسها عن ميراث الأم الثلث لأنها أخت ثانية للميتة مع الأخت
الباقية فكأنها تركت أختا لأب وأم وأختا لأب، وكذلك لو وثب مجوسي
على ابنته فأولدها ابنا ثم مات الابن من بعد موت أبيه كانت ترث من
ابنها الثلث لأنها أمه، والنصف لأنها أخته من أبيه فقد ورثت من وجهين
فإن كان له ورثة غيرها ورثوا السدس الباقي، وإن لم يكن له ورثة غيرها
رجع السدس الباقي عليها بالرد.

(*) في نسخة: (باب القول في ميراث المجوس).
355

باب القول في ميراث ابن الملاعنة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ابن الملاعنة لا يوارث
الملاعن لامه، ولا ينسب إليه وعصبته عصبة أمه يرثونه ويعقلون عنه وهو
كواحد من أولادهم.
باب القول في ميراث أهل الكتاب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الأصل عندنا فيهم أنه
لا يوارث يهودي نصرانيا، ولا نصراني يهوديا، لأنهم وإن كانوا عندنا أهل
كفر كلهم فهم مختلفون في مللهم ودياناتهم وبعضهم يكفر بعضا، ولا
يراه على ديانة، وينتفي من ديانته، وإذا كان أهل الملل كذلك لم يتوارثوا
عندنا، وكانوا مختلفين في دياناتهم في قولنا فلو أن نصرانيا مات وترك
ابنا يهوديا لم نر أنه يرثه وكان ماله لورثته الذين هم من أهل ديانته.
وكذلك لو مات الابن اليهودي لم يرثه الأب النصراني لأنهما عندنا
أهل ملتين مختلفتين متباينتين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم: (لا يتوارث أهل ملتين).
باب القول في توارث المسلمين والذميين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يرث مسلم ذميا، ولا
ذمي مسلما، ولو أن رجلا يهوديا أو نصرانيا كان له اثنان فأسلم أحدهما
ولم يسلم الآخر ثم مات أبوهم اليهودي كان ميراثه لابنه اليهودي ولم
يكن لابنه المسلم شئ، وكذلك لو مات ابنه المسلم كان ميراثه
للمسلمين دون أبيه وأخيه لان المسلمين أولى به لأنهم على ملته وهم
يدون عنه ويعقلون ويرثونه لأنه لا يتوارث أهل ملتين.
356

باب القول في ميراث المرتد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا ارتد المرتد عن
الاسلام ثم مات في ردته ورثته المسلمون دون غيرهم من ورثته إن كان
وا معه على دينه وفي ردته، لان حكم المرتد حكم المسلمين إذ ليس
له في ردته رخصة وليس له إلا السيف أو التوبة فلذلك ورثه ورثته من
المسلمين، وكانت أحكامه في ذلك أحكام المؤمنين.
باب القول في مواريث الأحرار والمماليك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يرث حر مملوكا، ولا
مملوك حرا، لان مال المملوك مال سيده فلذلك لم يرثه الأحرار ولم يرثهم
لأنهم إذا ورثوه فقد أخذوا مال سيده، وإذا ورثهم فقد أخذ سيده مالهم،
لان العبد لا ملك له وماله كله لمن ملكه.
وتفسير ذلك: عبد مات وله ابن حر فلا ميراث لابنه منه وماله
لسيده حيا وميتا، وكذلك لو مات الابن الحر وترك أباه المملوك فلا
ميراث لأبيه منه لأنه لا مال له وكل ما ورثه فهو ليسده وإذا كان ذلك كذلك
لم يجز له أن يرث سيده من ليس بينه وبينه قرابة ومال الحر هذا الميت
لبيت مال المسلمين دون أبيه الا أن يكون له ورثة أحرار فيرثونه إن كان
ممن يرثه مع الأب مثل الولد، وولد الولد، والأم، والزوجة، والجدة أم
الأم، فان مات حر وترك ابنا مملوكا ولم يترك غره فالمال لبيت المال،
فإن عتق الابن قبل أن يحاز المال كان الميراث له.
وكذلك روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في مثل هذا
يشترى ويعتق ويرث مال أبيه ويحتسب بثمنه في المال عليه. وقضى أمير
المؤمنين عليه السلام في رجل مات وترك مالا وأما مملوكة ولم يترك
357

عصبة إن تشترى أمه من ذلك المال وتعتق وتعطى أمه ميراثها من ماله
ويرد عليها الباقي بالرحم.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو أن مملوكا أعتق نصفه
ثم مات لكان ماله يقسم قسمين قسما لورثته من قبل النصف الحر،
والنصف الباقي لمولاه بما فيه له من الملك، وكذلك بلغنا عن أمير
المؤمنين عليه السلام أنه قضى في مثل هذا.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: الدين يبدأ به على كل
شئ، ثم الوصية من بعد ذلك ثم الميراث فيما بقي، فإذا مات رجل
وعليه دين وأوصى بوصايا وترك ورثة فليبدأ بالدين فليخرج من جملة
المال ثم يخرج الثلث مما بقي من المال من بعد الدين في وصيته، ثم
تضرب سهامهم فيما بقي من بعد ذلك.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا أوصى
لرجل غائب بوصية فمات الموصي، ثم مات الموصى له كانت الوصية
لورثة الموصى له.
قال: وكذلك وصية المكاتب إذا أدى بعض مكاتبته أجاز من وصيته بقدر
ما أدى من مكاتبته.
وقال: في مكاتب كاتب عن نفسه وعن أبيه ثم أصابا مالا ثم مات
الأب قبل أن يؤدي شيئا ان المكاتبة لازمة للابن فيؤدي عن نفسه وعن
أبيه ما عليهما من المكاتبة ثم هو وارث أبيه، وكذلك إن كانت المكاتبة
عن المكاتب وجماعة من ولده فهم يؤدون عنه ويرثونه ويجرون الولاء إلى
مكاتبهم، لأنهم كانوا داخلين في المكاتبة مع أبيهم دون غيرهم من
أولاد أبيهم من غير أمهم أو منها.
358

باب القول في الولاء، والعتاق وتفسير
ميراث المولى ومن يرثه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذ مات المولى وترك
عصبة مولاه فإن الميراث للأكبر، والأكبر فهم الأقربون إلى الميت،
وتفسير ذلك مولى ترك ابن ابن عم مولاه لأبيه وترك ابن ابن ابن ابن
عم مولاه لأبيه وأمه فإن الميراث لا بن ابن ابن العم للأب لأنه أقرب بأب
فهو أكبر فان ترك ثلاثة بني عمومة لمولاه متفرقين متساوين في الكبر فان
الميراث لابن العم لأب وأم.
فإن ترك ثلاث بنات ابن مولاهم بعضهن أسفل من بعض مع كل
واحدة ابن أخ أبيها فإن المال لابن أخ أب العليا وهو ابن ابن مولاه وهو
بمنزلة العليا من الثلاث غير أن الولاء للرجال دون النساء، فإن ترك ثلاث
بنات ابن مولاه بعضهن أسفل من بعض مع كل واحدة ابن أخي جدها،
فإن المال لابن أخي جدا الوسطى، وذلك أنه ابن ابن المعتق وهو بمنزلة
العليا من البنات أيضا فان ترك ثلاث بنات ابن مولاه بعضهن أسفل من
بعض مع كل واحدة جدها فإن الميراث لجد العليا وهو مولى الميت
الذي أعتقه فإن ترك ثلاث بنات ابن لمولاه بعضهن أسفل من بعض مع
كل واحدة جد أبيها فإن الميراث لجد أب الوسطى وهو أيضا الذي أعتق
الميت، فإن ترك ثلاث بنات ابن لمولاه بعضهن أسفل من بعض مع كل
واحدة ابن خال بنت عمتها فان المال لابن خال بنت عمة العليا لأنه ابن
ابن المعتق وهو أخو العليا من البنات فله الميراث دونها لان الولاء
للرجال دون النساء.
359

باب القول في الولاء والعتاق في الصلب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: في رجل أعتق رجلا ثم
مات المولى المعتق بعد موت مولاه المعتق، وترك ابني سيده الذي أعتقه
وأختيهما فكأنه ترك ابنين وابنتين لمولاه فإن الميراث للابنين دون
أختيهما، وذلك أن النساء لا يرثن من الولاء الا ما أعتقنه، أو ما أعتق من
أعتقنه، أو ما أمرن بعتقه فأعتق عنهن، فإن كان هذا المعتق ترك ابنتيه
وابنتي مولاه فإن لابنتيه الثلثين وما بقي فهو لعصبة مولاه دون ابنتيه، فإن لم
يكن لمولاه عصبة فهو رد على ابنتيه هو دون ابنتي مولاه. فان ترك ابنا
وابنة له وابنا لمولاه فان المال لابنه وبنته للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شئ
لابن مولاه.
فإن كان المعتق امرأة أعتقت عبدا ثم ماتت ثم مات المعتق بعدها
وترك ابن مولاته وبنتها فإن الميراث لابن مولاته دون أخنه. فإن ترك بنت
مولاته وابن عم مولاته فإن الميراث لعصبتها دون ابنته وهو ابن عمها،
فإن مات وترك ابن ابن مولاته فإن الميراث له، وكذلك لو ترك ابن ابن
مولاته كان الميراث له وذلك لان ولد الولد الذكور يرثون الولاء وإن سفلوا
ببطون كثيرة وولد البنات لا يرثون ذكورا كانوا أو إناثا وذلك لان أمهم
لا ترث فكيف يرثون هم، فافهم ذلك هديت وقس عليه ما فسرت لك إن شاء الله
تعالى.
باب القول في تفسير من أعتق
من أعتقته المرأة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإن أعتقت المرأة عبدا
فأعتق العبد عبدا ثم مات مولاها ومات بعده مولاه وترك ابنته وابنة مولاه
360

وابنة مولاة مولاه فإن لبنته النصف وما بقي فرد على عصبة مولاة مولاه ان
لم يكن لمولاه هو عصبة فإن لم يكن لها عصبة والعصبة الرجال فهو رد
على ابنته دون ابنة مولاه وابنة مولاة مولاه. فان ترك ابنته وابن عم مولاه
وابن عم مولاة مولاه فان لابنته النصف وما بقي فلابن عم مولاه دون ابن
عم مولاة مولاه. وذلك أن عصبة مولاه أقرب من عصبة مولاة مولاه. فان
ترك ابنته وابنة مولاة مولاه وابن عمها فلابنته النصف وما بقي، فلا بن عم
مولاة مولاه دون بنتها وابنة مولاه، فان ترك ابنة مولاه وجد مولاة مولاه أبا
أمها وابن عمها لأب فان الميراث لابن عم مولاة مولاه دون بنت مولاه
وجد مولاة مولاه، وذلك أن الجد أبا الأم ليس بعصبة فلذلك لم يرث،
فإن كانت المسألة على حالها وكان بد جد المعتقة أبي أمها جدها أبو
أبيها فإن الميراث لجدها أبي أبيها دون ابن عمها.
فإن هلك رجل وترك ابنته وابنة مولاه وأخته فإن لابنته النصف وما
بقي فلأخته وتسقط ابنة مولاه. فإن ترك ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل
من بعض وابن مولاه فإن للعليا النصف وللتي تليها السدس وما بقي
فلابن مولاه. فإن ترك ابن مولاه وابن أخيه هو لأبيه وأخاه لأمه فإن لأخيه
لامه السدس وما بقي فلابن أخيه لأبيه دون ابن مولاه. فإن أعتق رجلان
عبدا ثم مات بعدهما وترك لأحدهما ابنا وللآخر ابنة فان نصف ميراثه
لابن مولاه والنصف الآخر لعصبة الآخر أبي الابنة ولا شئ للبنت فإن
لم تكن عصبة رجع على ابنته في حساب ذوي الأرحام.
باب القول في الخناثى مع الولاء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا أعتق عبدا
ثم مات المعتق من بعده وترك ابنتين لمولاه وابنا خنثى قال يتبع في ذلك
بالقضاء في المبال فإن سبق من الذكر كان ذكرا، وإن سبق من الفرج
361

كان أنثى، وإن وقعت لبسة وذلك إلا يسبق أحدهما الآخر فإذا كان ذلك
كذلك إن شاء الله تعالى أعطي نصف نصيب الذكر ولم يعط نصف
نصيب الأنثى لأنه إنما يعطى من الخناثى نصف نصيب الذكر، ونصف
نصيب الأنثى من كان يرث في الحالين كليهما فإما من كان لا يرث في
حال ما يكون أنثى فإنه لا يعطى نصف نصيب الأنثى وهذا فإن كان أنثى
فلا شئ له لأنه أنثى ولا لأختيه، وإن كان ذكرا ورث
مولى أبيه دون ابنتيه، فإن وقعت اللبسة فله نصف نصيب الذكر وهو
نصف المال، والباقي لعصبة أبيه وهم عصبة الميت إذا كانوا عصبة
مولاه، وان لم يكن لمولاه عصبة أعطي هذا الخنثى نصف المال ورد
عليه ما بقي من المال بلبسة الذكر بلبسة الأنثى فافهم ذلك وقس عليه
ما أتاك من هذا إن شاء الله تعالى.
فإن ترك ابنا لمولاه خنثى وابن عم مولاه خنثى وكلاهما لبسة فإن
لابن مولاه نصف نصيب الذكر وهو نصف المال ولابن عم مولاه نصف
الباقي وهو الربع من المال وذلك أنه لو كان ابن عم مولاه ذكرا لكان له
الباقي من بعد النصف الذي للابن فلما وقع الالتباس أعطي نصف ذلك
النصف الباقي وهو الربع وما بقي فللعصبة ومخرجها من أربعة أسهم
لابن العم سهم وللابن سهمان وما بقي فللعصبة وهو سهم وأصل ذلك
أن تقيم فريضة الأول ثم نقيم فريضة الآخر ثم تضرب إحداهما في
الأخرى الا ان توافق منها شئ فتضربه فإن انكسرت بنصف ضربت
اثنين في الفريضة وان انكسرت بثلث ضربت ثلاثة في الفريضة، وان
انكسرت بربع ضربت أربعة في الفريضة الا أن تكون الرؤوس أقل عددا
من ذلك، فأقمنا فريضة الأول فإذا بها من اثنين وذلك أنا نظرنا إلى أقل
مال له نصف فإذا به اثنين ثم نظرنا إلى الفريضة الأخرى فإذا بها أيضا
362

من اثنين وذلك أنا نظرنا إلى نصف الباقي فأقل مال له نصف اثنان ثم
ضربنا إحداهما في الأخرى فصارت أربعة وذلك أن اثنين في اثنين أربعة
فدفعنا إلى الابن النصف اثنين وبقي اثنان فدفعنا إلى ابن العم نصف
الباقي واحدا، وإنما أعطينا ابن العم بلبسته لان الابن لبسة فأعطيناه لأنه
يقول لعل الابن امرأة.
فإن ترك ثلاثة بني عم لمولاه أحدهم خنثى لبسة فإن لهذا الخنثى
نصف نصيب الذكر وهو السدس وما بقي فهو بين أخويه نصفان
ومخرجها من اثني عشر سهما للخنثى اثنان وللذكرين عشرة خمسة،
خمسة استخرجناها من ذلك لأنا نظرنا فإذا بها إن كان الخنثى أنثى فهي
من اثنين وإن كان ذكرا فهي من ثلاثة فضربنا ثلاثة في اثنين فإذا هي
ستة، وأخرجنا للخنثى واحدا فانكسرت الخمسة على الاثنين الذكرين
بنصف وذلك أن لكل واحد منهما اثنين ونصفا فضربنا اثنين في الفريضة
وهي ستة فصارت اثني عشر، فأعطينا الخنثى نصف نصيب الذكر وهو
اثنان وذلك أنه لو كان ذكرا لكان بينهم أربعة أربعة فأخذ (*) من ذلك اثنين
باللبسة ولم يأخذ نصف نصيب الأنثى لأنه لو كان أنثى لم يرث شيئا لأنه لا يرث
النساء من الولاء الا ما شرحناه فافهم إن شاء الله تعالى، وبقي عشرة لكل
واحد من ابني العم خمسة خمسة.
فإن ترك ابنا خنثى وابنا لمولاه خنثى وابنة مولاه، وابن بن عم مولاه
فان سبق الماء من فرج ابنه فهو أنثى لها النصف وان سبق ماء ابن مولاه
أيضا من الفرج فلا شئ له والباقي لابن ابن عم مولاه، فإن سبق من ابنه
هو من الذكر فالمال له ولا شئ لابن مولاه، وان سبق ماؤه من ذكره أيضا
وان وقعت لبسة فيها جميعا فان لابنه نصف نصيب الذكر ونصف نصيب
الأنثى وان سبق ماء ابن مولاه من فرجه فلا شئ له وان سبق من ذكره

(*) في نسخة: (فأخذنا.).
363

فله ما بقي وان وقعت لبسة في ابن مولاه أيضا فلابن مولاه نصف نصيب
الذكر فقط وما بقي فلابن ابن عم مولاه، ومخرجها من ثمانية لابنه ستة
ولابن مولاه واحد، وواحد لابن ابن عم مولاه وذلك أن لابنه نصف
النصيبين وهو ستة ويبقى اثنان فلابن مولاه من بعد ذلك نصف نصيب
الذكر فقط وهو واحد ويبقى واحد فهو رد على ابن ابن عم مولاه.
باب القول في ذوي الأرحام في الولاء وتفسيره
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: عصبة المعتق أولى
بميراثه من عصبة المعتق له، وعصبة المعتق له أولى من ذوي أرحام
المعتق بميراث المعتق، وذووا أرحام المعتق أولى بميراثه من ذوي
أرحام المعتق. ولو أن رجلا أعتق عبدا ثم مات ومات العبد بعده وترك
بنت مولاه وابنة ابنته هو كان الميراث لابنة ابنته، وذلك أن لها النصف
بنصيب أمها، واما ما بقي فهو رد عليها كما يرد على أمها ولا شئ لبنت
مولاه فاعلم ذلك، وذلك أن النساء لا يرثن من الولاء شيئا، فان كن في
ذو ي الأرحام ولم يكن معهن عصبة ورثن بحساب ذوي الأرحام بقرابتهن
من مولاه إذا لم يكن له ذووا أرحام، وإذا اجتمع ذووا أرحام مولاه وذووا
أرحامه كان ذووا أرحامه هو أولى من ذوي أرحام مولاه لان الله سبحانه
يقول: * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * (34) يريد
في حكم الله فافهم وقس على ما شرحت لك كل ما أتاك من هذا الباب
إن شاء الله.
فإن ترك ابنة ابن مولاه وابنة ابنة مولاه فكأنه ترك ابن مولاه وابنة
مولاه فالمال لابنة ابن مولاه دون ابنة ابنة مولاه. فان ترك ابنة خال مولاه،
وابنة أخت مولاه، فإن الميراث (*) لابنة أخت مولاه لأنها أقرب وارث إلى

(34) الأحزاب 6.
(*) في نسخة: (فإن المال..).
364

مولاه، فان ترك ابنة ابن أخت مولاه، وابنة خال مولاه، فإن لابنة ابن
أخت مولاه النصف، ولابنة خال مولاه الثلث، وما بقي فهو رد عليهما
على قدر حقوقهما، فصار في يد ابنة ابن الأخت ثلاثة أخماس المال
وفي يد ابنة الخال خمسا المال ومخرجها من خمسة، فان ترك ابنة ابنة
مولاه وأخاها، وابنة أخت مولاه وأخاها فان لابنة ابنة مولاه وأخيها النصف
بينهما سواء لا نفضل الذكر على الأنثى، وما بقي لابنة أخت مولاه وأخيها
بينهما بالسواء لا يفضل الذكر على الأنثى، ومخرجها من أربعة، لولد
البنت النصف اثنان واحد واحد والباقي لولد الأخت اثنان لكل واحد
واحد وإنما جعلنا الذكر من ذوي الأرحام والأنثى وساء لان مواريثهم
سواء.
وتفسير ذلك: رجل ترك ابنة بنته وابنة أخته فلابنة ابنته النصف،
ولابنة أخته النصف. وكذلك لو ترك ابن أخته وابن ابنته كان لا بن ابنته
النصف ولابن أخته النصف. وكذلك لو ترك ابن أخته وابن ابنته كان
لابن ابنته النصف وما بقي فلا بن أخته وهو النصف ومخرجها من اثنين
فلما رأينا نصيب الأنثى من ذوي الأرحام كنصيب الذكر في كل حال لم
يجعل له عليها إذا كانا معا في ذوي الأرحام فضلا وأجرينا مواريثهم على
مواريثهم كولد الأم لا فضل لذكر هم على أنثاهم وإنما استوى ولد الأم في
الميراث لان الله لم يفضل ذكرهم على أنثاهم وإنما استوى ولد الأم في
الميراث لان الله لم يفضل ذكرهم على أنثاهم إذ كانوا منفردين فجعل
ميراث الواحد السدس وميراث الواحدة السدس، فإن كانا اثنين فلهما
الثلث، وإن كانتا اثنتين فلهما الثلث، وكذلك لو كان رجل وامرأة لكان
لهما الثلث لكل واحد منهما السدس لا فضل له عليها فافهم إن شاء الله
تعالى وقس عليه ما أتاك من هذا الباب إن شاء الله.
365

باب القول في المفقود وفي الحمل في الولاء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: اعلم أنه لا يقسم مال
المفقود حتى يتبين أمره ولا تتزوج امرأته حتى تعمل خبره، فإن بان أنه
مات وقد ترك حملا له وحملا لمولاه وترك ابنة له وابنا لمولاه فعجلوا إلى
القسمة فطلبوها فإنه يدفع إلى بنته تسع المال ويقر ثمانية اتساعه لأكثر
الحمل وهو أربعة ذكور، فإن كان كذلك فجاءت امرأته بأربعة ذكور فقد
أخذت نصيبها وإن جاءت أقل أخذت ما بقي لها، ولا يدفع إلى ابن
مولاه شئ حتى ينظر ما تلد امرأته فان ولدت ذكرا أو ذكورا فلا شئ له،
وان ولدت أنثى أو إناثا فلهن ما كن مع أختهن الثلثان، ثم ينتظر بباقي
المال حمل امرأة مولاه، فإن عجل ابن مولاه فأراد أن يقسم الثلث الذي
أخذه من فضل ميراث مولى أبيه دفع إليه خمس الثلث وترك نصيب أكثر
ما يكون من الحمل وهو أربعة أخماس الثلث، فإن جاء الحمل كذلك
كان قد أخذ حقه، وإن جاءت بذكور أقل من أربعة رجع بباقي حقه
معهم وإن جاء الحمل أنثى أو إناثا أخذ ما كان عزل كله وهو أربعة
أخماس الثلث ولا شئ للبنات من ميراث المولى فافهم هديت هذا الباب
فإنه من جيد الأبواب وخيارها إن شاء الله تعالى وقس كلما جاءك من هذه
الأبواب على ما شرحت لك.
باب القول في الولاء في الغرقى والهدمى
والحرقى ومن اشتبه موته فلم يعلم
من مات كبل صاحبه من الأقارب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن مولى مات هو
ومولاه غرقا وترك كل واحد منهما ابنتين لا يدري أيهما مات قبل صاحبه،
366

وترك العبد مالا فإنك تميت المعتق أولا فلبنتيه الثلثان وما بقي فللعصبة،
ثم أمت العبد وأحي المعتق فلبنتي العبد المعتق الثلثان من ميراث
أبيهما، ولمولاهما ما بقي وهو الثلث فلبنتيه من الثلث ثلثاه، وما بقي
فللعصبة إن كانت عصبة، وإلا رجع إليهما ولا بنتي العبد على كل حال
الثلثان من ميراث أبيهما ولا بنتي السيد المعتق ثلثا الثلث في حال ما
يكون لأبيهما عصبة، وفي حال ما لا يكون لأبيهما عصبة يرد عليهما ليكون
ثلث مال العبد كله لهما مع ميراثهما من مال أبيهما فإن كانت المسألة
على حالها وكان مع ابنتي المولى المعتق ابن لسيده وليس لواحد منهما
عصبة، ولا من الورثة غير ما ذكرنا، فان لا بنتي العبد الثلثين على كل
حال من مال أبيهما في حال ما يكون السيد مات أولا يكون الثلث الباقي
لابن السيد دون ابنتيه وفي حال ما يكون العبد مات أولا لبنتيه الثلثان
ولسيد الباقي وهو الثلث، ثم يكون الثلث لابنه وابنتيه على أربعة أسهم
للابن اثنان ولكل واحدة من البنتين واحد فافهم هديت ما شرحت لك من
هذا الأصل وقس عليه كل ما أتاك من هذا الباب على هذا القياس إن شاء
الله تعالى وكذلك في مواريث الهدمى والذين يحرقون بالنار وما أشبه هذا
فإن الامر فيه والقياس واحد.
باب القول في ردة المعتق والمعتق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أعتق الرجل عبدا
فارتد المعتق ولحق بدار الحر وترك في دار الاسلام بنين وبنات ثم
مات المعتق والمعتق حي في حال ردته فإن ميراث المولى لبني المعتق
دون بناته ولا شئ له هو من مولاه لان الميراث لولده دونه. فان ارتد
العبد ولحق بدار الحرب ومات على ردته وترك مولاه وابنته فلا بنته النصف
367

وما بقي فهو للمولى، وان ارتد معه ابن (35) له ثم مات الأب على ردته فإن
الميراث على ثلاثة أسهم للابن سهمان وللبنت سهم، وهذا في المرتدين
خاص لا يتوارث أهل ملتين مختلفتين كما قال رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم. إلا المرتدون (*) وذلك أن حكمهم حكم المسلمين ولو أن
الإمام ظهر عليهم لحملهم على التوبة والرجوع إلى الاسلام والا قتلهم
قتلا، فلما ان لم يكن لهم بد من السيف أو الاسلام وكان حكم
المسلمين عليهم كذلك ورثهم المسلمون ولم يرثوا هم المسلمين،
فافهم هذا الفرق إن شاء الله والقوة بالله وله.
فإن ارتد المولى المعتق وترك ابنا له وسيده الذي أعتقه ثم مات
ابنه وترك أباه على ردته وترك مولى أبيه فان الميراث كله لمولى أبيه دون
أبيه فإن كان قد ارتد هو ابن له والمسألة على حالها فأسلم ابن المرتد
أخو الميت من قبل موته بساعة، فان الميراث كله لأخيه دون أبيه ومولاه،
فان ارتد العبد وترك ابنة مولاه وابنا له فمات الابن وأوه على ردته ولم يترك
الابن وارثا فان لابنة مولاه المال ترثه في ذوي الأرحام لان من كان له
رحم أولى ممن لا رحم له. فإن ترك بنت مولاه وابنة بنته فإن لابنة بنته المال
لان ذوي أرحام المعتق أولى بميراثه من ذوي أرحام سيده ولا شئ لأبيه
المرتد ما كان مقيما على ردته فافهم ذلك وقس عليه كلما أتاك من هذا
الباب على هذا الأصل الذي وضعت لك إن شاء الله تعالى.

(35) أراد الإمام عليه السلام ان له ابنا وارثا له مع النبت وليس المقصود أنه ارتد معه لان
المرتد لا يرث المرتد فقوله معه ابن له حملة حالية اسميه لم تربط بالواو بل بالضمير وحده
كقوله تعالى * (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) * وذلك كثير وكفى بالكتاب العزيز وفي
بعض النسخ بالواو تمت مولانا مجد الدين محمد المؤيدي أبقاه الله.
(*) في نسخة: (إلا المرتدين).
368

باب القول في ولاء أهل الكتاب والمجوس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قد قيل إن ذلك كله ملة
واحدة، وقد قيل إن أهل كل دين ملة على حدة وبه نأخذ وهو رأينا وكيف
يكون من كفرك من أهل ملتك ألا ترى ان اليهود يكفرون النصارى،
والنصارى يكفرون اليهود، قال الله سبحانه: * (وقالت اليهود ليست
النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ وهم يتلون
الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة
فيما كانوا فيه يختلفون) * (36) أفلا ترى أن الله قد أخبر بتكفير بعضهم
لبعض ثم شهد سبحانه عليهم بالافتراق الاختلاف في تمييزه إياهم في
قوله سبحانه: * (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين
أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم
قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون) * (37) فبين سبحانه أنهم مختلفون
وأنهم في المذاهب غير مؤتلفين وهذا من قول الله سبحانه فتصديق لما
به قلنا وما إليه من الحق في ذلك إن شاء الله ملنا وتكذيب لقول من
جعلهم في الشريعة مؤتلفين وفي الضلالة والمذاهب غير مختلفين
والحمد لله رب العالمين.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو أن يهوديا أعتق عبدا
فتنصر العبد هو وابن عم لسيده ثم مات العبد على النصرانية لكان ميراثه
لابن عم سيده دون سيده لأنه على ملته، وسيده على غير ملته،
ولا يتوارث أهل ملتين مختلفتين وليس هؤلاء مثل المرتدين لان هؤلاء
لا يجبرون على الاسلام وإذا أدوا الجزية فافهم الفرق بين هؤلاء
والمرتدين عن الاسلام، وكذلك من كان نصرانيا فتهود أو مجوسيا فتنصر

(36) البقرة 113.
(37) المائدة 82.
369

أو يهوديا فتمجس فكل ملل هؤلاء مختلفة غير مؤتلفة متبرى بعضهم من
بعض لا عن بعضهم بعضا، وكذلك المسلمون لا يرثون اليهود ولا
النصارى ولا المجوس ولا عبدة النجوم ولا أحدا من هؤلاء ولا يرثونهم
أيضا.
باب القول في الولاء في الاقرار والانكار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا أعتق عبدا
ثم مات الرجل ثم مات المولى بعده وترك ابنة له، وابنة لمولاه وأقرت كل
واحدة منهما بأخ قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تصدق ابنة
العبد ويكون المال بينهما على ثلاثة أسهم لها سهم واحد وله سهمان
وإنما تصدق لأنها أقرت على نفسها دون غيرها وذلك أن المال كان نصفه
لها بالكتاب والنصف الثاني راجع عليها بالرد. واما ابنة المعتق فلا
تصدق لأنها أقرت على غيرها ولم تقر بضرر على نفسها، فإن أقرت ابنة
السيد بأخ ولم تقر ابنة العبد فان لابنة العبد النصف وما بقي فرد عليها،
فإن أقرت ابنة العبد بابن لمولى أبيها ولم تقر ابنة المولى فإن اقرارها جائز
عليها لأنها أقرت على نفسها فلها من الميراث النصف وما بقي ردته على الذي
أقرت به أنه ابن لمولى أبيها، فإن ترك ابنة له هو وابنا لمولاه فان لابنته
النصف ولابن مولاه وما بقي وهو النصف فإن أقرت الابنة بأخ وأقر ابن
المولى بأخت فإن للبنت النصف وما بقي فهو لابن المولى، ولا يجوز
اقرارها على ابن المولى في نصفه لأنها أقرت بما يذهب حقه من يده
وتدفع هي إلى الذي أقرت به ثلث ما في يدها وهو سدس جميع المال
لأنها حين أقرت به جعلت له الثلثين من جميع المال ولنفسها الثلث فقلنا
لها خذي ما زعمت أنه لك وادفعي إليه ما بقي عن حقك باقرارك واقراره
هو بالأخت لازم له في ميراثه ان مات هو وورثته، هي بمنزلة الأخت،
وأما ما بفي يده من ميراث المعتق فلا حق لها فيه، فان ترك هذا المعتق
370

أمه وابنته فأقرت الأم بابن لمولى ابنها فان اقرارها لا يقبل ولا يجوز الا
على نفسها لأنها أقرت على غيرها لتصرف عن البنت ما يجب لها في
الرد، وترد هي على هذا الذي أقرت به ما يرد عليها من بعد السدس وهو
نصف السدس، ومخرجها من أربعة وعشرين فيقال لها خذي ربعها وهو
ستة فخذي من ذلك سدس جميعها وهو أربعة فادفعي إلى الذي أقررت
به اثنين ويدفع إلى البنت ثمانية عشر سهما وهو الذي لها من ميراث أبيها
من بعد أن يرد عليها ثلاثة أرباع الثلث الباقي فافهم هذا الأصل وقس
عليه ما أتاك من هذا الباب إن شاء الله تعالى.
باب القول في ولاء المجوس للمجوسي
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: في مجوسي أعتق
مجوسيا ثم مات المجوسي السيد وترك ابنا له من أمه وابنته ثم مات العبد
من بعد سيده وترك أيضا ابنة له من أمه فإن لابنته النصف وما بقي فلا بن
سيده وحجبت ابنته نفسها بنفسها عن سدس الأخت لام، فان ترك العبد
المعتق ثلاث بنات ابن مولاه بعضهن أسفل من بعض مع كل واحدة ابن
أخي عمة أبيها ومعه أخته فإن المال لابن أخي عمه أبي الوسطى لأنه
ابن ابن المولى المعتق وهو بمنزلة العليا من البنات، ولكن لا ميراث لها
معه لأنه لا يرث الولاء من النساء أحد إلا من سمينا في صدر كتابنا هذا،
فان مات العبد المعتق وترك ثلاث بنات ابن لمولاه بعضهن أسفل من
بعض ومع العليا ابن أخي عم أبيها من جدته فإن مال العبد لابن أخي
عم أبي العليا لأنه ابن أخ الميت وهو عمه لامه فورث الميراث من قبل
ابن الأخ لأنه عصبة ولم يرث من قبل أنه عم لام ولا يرث العم لام شيئا
مع ابن الأخ.
371

باب القول في الولاء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الولاء لمن أعتق لا يباع
ولا يوهب، فإن بيع أو وهب كان ذلك باطلا، وهو لحمة كالنسب بذلك
حكم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال: والعبد إذا أتق
جر ولاء ولده. قال: والولاء للرجال دون النساء من أولاد المعتق وأولاد
أولاده.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إنما جعل الولاء للرجال
دون النساء لان الرجلا ينسب أولادهم أبدا إلى المعتق، فالولاء راجع
أبدا إليه، ولو شرك فيه النساء لشرك فيه أولادهن، وأولاد أولادهن فقد
يكونون من بطن سوى بطن المعتق.
قال: ولن كان الولاء يجوز أن يكون في غير عصبة المعتق لكان
الولاء يجوز لمن لم يعتقه ولو جاز أن يملكه غير عصبة المعتق بالميراث لجاز
أن يباع ويوهب وينتقل ممن أعتقه إلى غيره قال: والنساء فلا يكون لهن من
الولاء إلا ما أعتقه إن كاتبنه أو أعتق من أعتقنه، أو جر ولاء من أعتقن.
قال: والولاء للكبر من العصبة والكبر فهم الأدنون إلى المعتق
الأقربون منه، والولاء كالمال فمن أحرز مال الميت من العصبة الذكور
أحرز مال الولاء.
تم كتاب الفرائض
372

كتاب الصيد
373

بسم الله الرحمن الرحيم
مبتدأ أبواب الصيد وتفسيره في الكتاب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى:
* (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح
مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم
الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب) * (1)
قال: هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم: في أمر زيد الخر الطائي، وعدي بن حاتم وذلك أنهما أتيا
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالا: يا رسول الله إن الله قد
حرم الميتة على من أكلها وإن لنا كلابا نصيد بها فمنها ما ندرك ذكاة
صيده، ومنها ما لا ندركه فأنزل الله هذه الآية على نبيه صلى الله عليه وآله
وسلم فتلاها عليهم ثم قال: صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سميت
قبل أن ترسل كلابك فأخذت الكلاب الصيد فمات في أفواهما فكله.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إذا أرسل الكلب المعلم
على الصيد وسمى مرسله فأخذ الكلب الصيد فقتله فهو ذكي جائز أكله،
وان أكل الكلب بعضه وأدرك صاحبه بعضه فلا بأس بأكل ما فضل منه.

(1) المائدة 4.
375

وكذلك روي في الأثر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فأما الصقر والبازي والشاهين وجميع الجوارح فما قتلت فليس بذكي
لأنها لا تأتمر إذا أمرت، ولا تأتي إذا دعيت لغير طعم ولا تذهب إذا
أمرت، والكلاب تأتي إذا دعيت، وتذهب إذا زجرت، وذلك فهو
التكليب بعينه، لان التكليب فهو الائتمار، وما سمينا من جوارح الطير
فلا تأتمر وإنما يأتي إلى الطعم إذا رآه ويطير إلى صيد إذا أبصره في وقت
جوعه وحاجته إلى طعمه طلبا منه لقوته، فإذا شبع لم يطرد إن طرد، ولم
يرجع إلى صاحبه إن دعاه وما كان هكذا فهو بعيد ن الائتمار، وما بعد
من الائتمار بعد من التكليب.
وأما الفهد فإن كان في الحالة كالكلب في ائتماره في إقباله وإدباره
وإغرائه وتكليبه في حال شعبه وجوعه فحال صيده كحال صيد الكلب،
وإن كان مخالفا للكلب في معاني الائتمار والتكليب فالاكل لما قتل غير
مصيب.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عما قتل الكلب والصقر، فقال:
ما قتل الكلب المعلم فحلال عندي أكله وذكاة ما قتل الكلب المعلم فهو
قتله له ويؤكل ما قتل وإن كان أكله إلا أقله، ولا أعلم فيما أجبتك به في
هذا اختلافا بين أحد من النساء إلا شيئا ذكر فيه من خلاف عن ابن
عباس فإنه ذكر عنه أنه كأن يقول: لا يؤكل ما أكل الكلب المعلم من
صيده فإنه إنما أمسك الصيد إذا أكله على نفسه لا على مرسله، وظننت
أن ابن عباس تأول في ذلك قول الله جل ثناؤه: * (فكلوا مما أمسكن
عليكم) * (2) فكأنه عند ابن عباس أكله له غير امساك منه على مرسله وهو
عندي قد يمسك بالقتل أكبر الامساك، والمذكور المشهور أن عدي بن

(2) المائدة 4.
376

حاتم وأبا ثعلبة الخشني سألا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
عن أكل الكلب المعلم يأكل من صيده فأمرهما بأكل فضلة الكلب.
وقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إلا ابن
عباس وحده من بينهم يؤكل فضل الكلب المعلم وإن لم يبق من الصيد
إلا بضعة من اللحم.
فأما ما قتل الصقر أو البازي فأعجب ما قيل فيه من القول إلي أنه
ليس بذكي لان الله سبحانه يقول (مكلبين) ولم يقل ما علمتم مصقرين،
والكلب فهو المغرى وإكلاب الكلب فهو الاغراء، ولا يكون ذلك من
المغري للكلاب الا أشلا وأمرا، والصقر لا يؤمر ولا يشلى ولا يغرى فإن
كانت حالة الفهود كحالها لا تشلى ولا تؤمر فلا يحل أكل فضول أكلها،
وإن كانت تؤمر وتشلى وتأتمر فهي كالكلب يؤكل ما أفضلت، وذكي ما قتلت
وبهذا فيما بلغنا كأن يقول علي عليه السلام وابن عباس، وابن عمر،
وذكر ان طاووسا كأن يقول: ليس الصقور ولا الفهود ولا النمور من
الجوارح اللاتي أحل الله جل ثناؤه أكل ما أكلت من صيدها، وقال غيرهم
إن هذه كلها كالكلاب في صيدها وأكلها.
باب القول في صيد كلاب المجوس
اليهود والنصارى
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أرسل اليهودي
والنصراني والمجوسي كلبه على صيد فقتله فلا نرى أكله، وكذلك لا
نرى أكل ذبيحة أحد من هذه الانصاف.
قال: فإن كان المرسل لكلب الذمي مسلما فسمى حين أرسله فلا
بأس بأكل صيده لان الكلب ليس من صاحبه في شئ إذا كان مرسله
غيره.
377

حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن صيد كلب المجوسي المعلم
فقال: لا بأس بأكل صيده إذا كان مرسله مسلما وسمى الله وكان الكلب
معلما.
باب القول في الصيد بالليل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بالصيد ليلا أو
نهارا لان الله سبحانه أطلقه إطلاقا وأحله إحلالا ولم يستثن على عباده
في ذلك ليلا ولا نهارا، وإنما يكره من صيد الليل ما طرق في وكره، وأخذ
من مأمنه فذلك الذي لا يجوز له أخذه ولا نرى تصيده وفي ذلك ما يروى
عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (الطير آمنة بأمان
الله في وكورها).
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الصيد بالليل فقال: إنما يكره
من ذلك أن تطرق في وكورها، فأما إن خرج وطار مصحرا فلا بأس بما
صيد بالليل والنهار لان الله عز وجل أحل الصيد ولم يوقت له من الليل
والنهار وقتا.
باب القول في صيد المجوس والمشركين للسمك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بأكل ما صادوا
من السمك إذا غسل من أوساخهم، ونظف من مس أيديهم، ونجس
لمسهم، لان السمك لا يقع عليه زكاة بذبح ولا في أو داج، وإنما
جعله الله حلالا بأخذه لا بذبحه، فلذلك جاز وحل صيدها وما قلنا به من
أكلها، وقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه
كرهه وليس ذلك بصحيح عندنا.
378

حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن صيد المجوسي والمشرك
للحيتان فقال: يغسل ما أصابه من مس أيديهم ولا بأس به لأنه ذكي في
نفسه.
باب القول فيمن رمى بسهم أو خلى
عليه كلبا ثم يغيب عن عينيه ثم وجده
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن إنسانا رمى صيدا
بسهم فأثبته فيه أو أرسل عليه كلبا معلما فأغراه عليه فتوارى عن عينيه ساعة
أو ساعتين أو أكثر ثم وجده فوجد فيه سهمه ثابتا ولم ير فيه غير سهمه
ووجده قد أصاب له مقتلا يعلم أنه يموت إذا أصابه ولم ير فيه أثرا غير
أثر سهمه، وكذلك إذا لم ير فيه غير أثر كلبه وأيقن أن كلبه قتله فلا بأس
بأكله إذا فهمه أنه هو قاتله لان الله سبحانه أحل ذلك ولم يقل يغيب ولا
لم يغب ولا نزيح اليقين إلا بيقين، فإذا تيقن بأن سهمه أو كلبه قتله حين
أرسله عليه فليأكل ذلك الصيد الذي رماه حلالا.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن رجل رمى صيدا فأصابه ثم غاب
عنه ليلة أو وراء جبل ثم أصابه ميتا وسهمه فيه، قال: إذا لم ير فيه أثرا
سوى أثر سهمه أو أرسل عليه كلبا ولم ير فيه أثرا غير أثر كلبه وعرف ذلك
معرفة يقين أكله وكان حلالا أكله نهارا أصابه أو ليلا في سهل كان ذلك
أو جبل.
باب القول في ميت الحيتان وما صيد منهما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ذكاة الحيتان أخذها حية
فاما ما كان منها طافيا أو قذف به البحر ميتا فلا خير فيه، وقد جاء النهي
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والتحريم له.
379

قال: ولو أن رجلا حظر حظيرة في جانب الماء فدخلتها الحيتان
فسد عليها صاحب الحظيرة فما طفا ميتا فوق ذلك الماء الذي في
الحظيرة فهو ميت لا خير فيه لأنه طاف فوق الماء وميت فيه، وما بقي فيها
حتى ينضب الماء عنه ويبقى في الحظيرة على وجه الأرض فلا بأس
بأكله، ميتا أخذ أو حيا لأنه قد حبسه حتى خرج منه الماء وبقي في حبسه
وموضعه الذي يحل به صيده.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الطافي من الحيتان عما قذف
به البحر وعما قتل الحيتان بعضه بعضا فقال: هذا كله ميتة فلسنا نحب
أكله وقد جاء عن علي عليه السلام النهي عن الطافي وهو الميت من
السمك، وكذلك كل ميت من كل ما أحل الله من بهيمة الأنعام وصيد
البر والبحر.
باب القول في صيد الكلاب ليست بمعلمة
واشتراك المعلم وغير المعلم في الصيد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أرسل المرسل على
الصيد كلبا غير معلم فلزم الصيد فلحقه صاحبه ولم يقتله فزكاة فلا بأس
بأكله وهو حلال لصاحبه وان لحقه وقد قتله فلا نرى أكله له لأنه صيد
كلب لم يحل الله أكل ما قتل لأنه ليس بمعلم ولا بمكلب.
فان أرسل مرسل كلبا معلما على صيد فعارضه كلب غير معلم
فاعانه عليه حتى قتله بحبسه له عليه أو أخذه معه فلا يجوز أكله وقد
أفسد زكاته معاونة الكلب الذي ليس بمكلب للمكلب عليه، ولو أرسل
رجلان كلبين معلمين على صيد فقتله كلبا هما كان اصيد ذكيا إذا سميا
وكان الصيد حلالا مهما قتله الكلبان أو أكلا بعضه.
380

باب القول فيمن رمى صيدا بقوس
والقول في صيد المعراض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا رميت بسهمك عن
قوس فأصبت وأدميت فكل ما قتلت برميتك من بعد الادماء والخرق،
فإن لم يدم صيدك ومات من وقعة سهمك فلا تأكله فإن ذلك وقيذ،
وكذلك المعراض لا يؤكل ما قتل به الا أن تلحق زكاته لأنه ليس يخرق
بجديده ولا يزكى. وقد بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم أن عدي بن حاتم قال له يا رسول الله إنا قوم نرمي الصيد فقال:
ما سميت عليه مما رميت فخرقت فكل فقال يا رسول الله فالمعراض
فقال: لا تأكل مما قتل المعراض إلا ما زكيت.
باب القول في صيد البندق وهو الجلاهق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ما صرعت البندق
فلحقت زكاته فلا بأس بأكله وما قتلت فلا يؤكل لأنه غير ذكي، وكذلك
بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: لا تأكل من
صيد البندقة إلا ما لحقت زكاته.
باب القول في الصيد يرمي فيتردى
أو يقع في الماء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا رمي الصيد في
الجبل فتردى حين يقع به السهم فلا أرى أكله لأني أخاف أن يكون
التردي قتله، وكذلك إن رمي فهوى في الماء فلا أجب له أكلا لأني
أخشى أن يكون مات غرقا، والحيطة في مثل هذا أصلح في الدين
وأعف للمسلمين.
381

باب القول في زكاة الصيد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أدرك الرجل الصيد
وهو يركض برجله أو يطرف بعينه أو يحرك له ذنبا فذكي فهو ذكي،
وكذلك ان لم يتحرك منه شئ الا من بعد ذبحه فهو ذكي فسواء تحركه
بعد ذبحه أو قبل ذبحه، فإن لم يتحرك منه شئ بعد ذبحه فليس يزكى
وهو ميتة لا يجوز أكلها.
تم كتاب الصيد، والحمد لله رب العالمين، ويتبعه كتاب الذبائح
382

كتاب الذبائح
383

بسم الله الرحمن الرحيم
متبدأ أبواب الذبايح وتفسيرها في الكتاب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله سبحانه: * (ولا
تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى
أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعمتموهم إنكم لمشركون) * (1) قال: هذه الآية
نزلت في مشركي قريش وذلك أنهم كانوا يقولون للمؤمنين تزعمون أنكم
تتبعون أمر الله وأنتم تتركون ما ذبح الله فلا تأكلونه، وما ذبحتم أنتم
آكلتموه، والميتة فإنما هي ذبيحة الله فأنزل الله سبحانه: * (ولا تأكلوا
مما لم يذكر اسم الله عليه) * (2) فحرم بذلك الميتة، وما ذبحت الجاهلية
لغير الله. ثم قال: * (وإنه لفسق) * (3) يريد أن كل ما لم يذكر اسم الله
عليه لمعصية. ثم قال: * (حرمت عليكم الميتة والدم، ولحم الخنزير
وما أهل لغير الله به، والمنخنقة والموقوذة، والمتردية، والنطيحة وما أكل
السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب، وأن تستقيموا بالأزلام ذلكم
فسبق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم

(1) الانعام 121.
(2) الانعام 121.
(3) الانعام 121.
385

أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا
فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فإن الله غفور رحيم) * (4) فأما
ما أهل لغير الله به فهو ما ذكر عليه غير اسم الله. وأما المنخنقة فهوي الدابة
ينشب حلقها بين عودين أو في حبل أو غير ذلك مما تنخنق به فتموت.
وأما الموقوذة فهي التي ترمى على موقذتها أو تضرب فتموت. وأما
المتردية فهي التي تتردى من رأس جبل أو من المطارة أو في بئر، أو في
غير ذلك مما تسقط فيه الدابة فتموت فلا تلحق ذكاتها. وأما النطيحة
فهي ما تنطحه البقرة أو الشاة منهن فتموت. وأما ما أكله السبع فهي الدابة
يقتلها السبع ولا يلحق ذكاتها فحرم الله ذلك كله إلا أن تلحق منه ذكاة
فيذبح وفيه شئ من حياة فيكون حينئذ ذكيا حلالا للآكلين غير محرم
على العالمين. وكانت الجاهلية يعدون ذلك كله ذكيا بميتة ثم قال
الله سبحانه: * (وما ذبح على النصب) * (5) والنصب فهي آلهتهم المنصبة
التي كانوا يذكون لها وعلى اسمها. ثم قال جل جلاله عن أن يحويه قول
أو يناله: * (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن
الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون) * (6) وذلك أن
قصي بن كلاب كان أول من بحر وسيب ووصل وحمى ثم اتبعته على
ذلك قريش ومن كان على دينها من العرب وكانوا يجعلون ذلك نذرا
ويزعمون أن الله حكم به حكما فأكذب الله في ذلك قولهم وقول إخوانهم
المجبرة الذين نسبوا إلى الله كل عظيمة وقالوا إنه قضى عليهم بكل
معصية وأدخلهم في كل فاحشة فقال: * (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة

(4) المائدة 3.
(5) المائدة 3.
(6) المائدة 103.
386

ولا وصيلة ولا حام) * (7) فنفى أن يكون جعل ذلك فيهم أو قضى به
سبحانه عليهم إكذابا منه لمن رماه بفعله ونسب إليه سيئات صنعه،
فانتفى سبحانه من ذلك ونسبه إلى أهله ثم ذكر أنهم يفترون عليه الكذب
فقال: * (ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا
يعقلون) * (8) فصدق الله سبحانه إنه لبرئ من أفعالهم متعال عن ظلمهم
وفسادهم بعيد من القضاء عليهم بغير ما أمرهم ناء عن إدخالهم فيما عنه
نهاهم.
والبحيرة التي كانوا جعلوها فهي الناقة من الإبل كانت إذا ولدت
خمسة أبطن فنتجت الخامس سقبا وهو الذكر ذبحوه فأهدوه للذين
يقومون على آلهتهم وإن كانت أنثى استبقوها وغذوها وشرموا أذنها
وسموها بحيرة ثم لا يجوز لهم بعد ذلك أن يدفعوها في دية ولا يجلبوا
لها لبنا ولا يجزوا لها وبرا إلا أن يحلبوا لبنها إن خافوا على ضرعها في
البطحاء، وإن جزوها جزوها في يوم ريح عاصف ويذرون وبرها في
الرياح ولا يحملون على ظهرها ويخلون سبيلها تذهب حيث شاءت.
وان ماتت اشترك في لحمها النساء والرجال فأكلوه.
وأما السائبة فهي من الإبل كان الرجل منهم إذا مرض فشفي أو
سافر فأدى أو سأل شيئا فأعطى سيب من أبله ما أراد أن يسببه شكرا لله
ويسميها سابية ويخليها تذهب حيث شاءت مثل البحيرة ولا تمنع من
كلاء ولا حوض ماء ولا مرعى.
وأما الوصيلة فهي من الغنم كانوا إذا ولدت الشاة خمسة أبطن
عندهم وكان الخامس جديا ذبحوه أو جديين ذبحوهما، وان ولدت

(7) المائدة 103.
(8) المائدة 103.
387

عناقين استحيوهما فان ولدت عناقا وجديا تركوا الجدي ولم يذبحوه من
أجل أخته وقالوا قد وصلته فلا يجوز ذبحه من أجلها. وأما الأم فمن
عرض الغنم يكون لبنها ولحمها بين الرجال دون النساء، فإن ماتت أكل
الرجال والنساء منها واشتركوا فيها.
وأما الحام فهو الفحل من الإبل كان إذا ضرب عشر سنين وضرب
ولد ولده في الإبل قالوا هذا قد حما ظهره فيتركونه لما نتج لهم ويسمونه
حاما ويخلون سبيله فلا يمنع أينما ذهب ويكون مثل البحيرة والسايبة
فلا يجوز في دية ولا يحمل عليه حمل فهذه الثلاثة من الانعام التي
حرمت ظهورها. ثم قال سبحانه: * (ثمانية أزواج من الضان اثنين ومن
المعز اثنين قل الذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين
نبؤني بعلم إن كنتم صادقين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل
الذكرين حرم أم الأنثيين أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم
شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل
الناس بغى علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * (9) فذكر سبحانه ذلك
لم حرموا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وغيره فجعل الذكر زوجا
والأنثى زوجا فقال الذكرين من الثمانية حرمت عليكم أم الأنثيين ثم
قال: * (هلم شهداء كم الذين يشهدون أن الله حرم هذا) * (10) فقالوا:
نحن نشهد، فقال سبحانه: * (فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء
الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون (11) ثم
قال سبحانه أخبارا منه لهم بما حرم عليهم فقال: * (قل لا أجد فيما أوحي

(9) الانعام 143.
(10) الانعام 150.
(11) الانعام 150.
388

إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم
خنزيري فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن
ربك غفور رحيم) * (*) والمسفوح فهو السايل وهو القاطر. وأما قوله فإنه رجس
فإنه يقول إنه رجس محرم. وإما فسق أهل لغير الله به فالفسق هو المعصية
والجرأة على الله بالذبح لغير الله والخطية. واما قوله فمن اضطر غير باغ
ولا عاد يريد غير باغ في فعله ولا مقدم على المعصية في أكله ولا مقعد
في ذلك لأمر ربه ولكن من اضطر إلى ذلك فجائز له أن يأكل منه إذا
خشي على نفسه التلف من الجوع فيأكل منه ما يقيم نفسه ويثبت في
بدنه روحه إلى أن يجد في أمره فسحة.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل ما أحل الله سبحانه
في كتابه للمسلمين فبين في كتاب الله رب العالمين، وما حرمه عليهم
فقد بينه في كتابه لهم * (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن
بينة وإن الله لسميع عليم) *. (12)
باب القول في ذبيحة المرأة
والصبي، والجنب، والحائض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بذبيحة المرأة
إذا كانت برة مسلمة وعرفت الذبح وأقامت حدوده وفرت الأوداج
واستقبلت به القبلة والمنهاج، وكذلك الصبي فلا بأس بذبيحته إذا فهم
الذبح وأطاقه وفرى الأوداج وأنهرها وعرف ما حدها وقطعها، ولا بأس
بذبيحة الجنب والحايض في حال نجاستهما لأنهما مليان مسلمان وليس
يضيق عليهما في حال نجاستهما إلا الصلاة وقراءة القرآن، فأما ذكر الله
سبحانه من تسبيحة وإعظامه وتمجيده فهو واجب عليهما وعلى غيرهما في

(12) الأنفال 42.
389

تلك الحال وغير تلك الحال من حالهما، والذبيحة فإنما يطيبها الملة
والتسمية، ولو ضاق عليهما ذكر الله في حال ذبحهما لصاق عليهما في
غيره من أوقاتهما وذكر الله فلا يضيق على عبادة والملة فلا زمة لهما في
حال طهرهما وجنايتهما فلذلك طابت ذبيحتهما.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن ذبيحة المرأة؟ فقال: لا بأس
بذبيحتها إذا كانت من أهل الملة وكانت عارفة بمكان الذبح والتذكية
وسئل عن ذبيحة الصبي فقال: لا بأس بها إذا عرف الذبح وكان مسلما،
وسئل عن ذبيحة الجنب والحائض فقال: لا بأس بذلك.
باب القول في الذبح بالشظاظ
من الظفر والحجر والعظم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز الذبح بالشظاظ
ولا بالظفر ولا بالعظم ولا بأس بالمروة والحجر الحاد إذا فرى الأوداج
وانهر الدم وأبان العروق كما تفعل المدية ولا ينبغي له أن يذبح به إلا أن
لا يجد حديدة.
وكقولك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن
راعيا أتي الهى فقال يا رسول الله أذبح بعظم؟ فقال: لا، فقال اذبح
بشظاظ؟ فقال: لا فقال اذبح ان خشيت أن تسبقني بنفسها بظفري؟
فقال: لا ولكن عليك بالمروة فاذبح بها فإن فرت فكل، وإلا فلا تأكل.
باب القول في ذبيحة الأخرس
والعبد الآبق، والأغلف
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بكلما ذبح هؤلاء
المسمون إذا كانوا من أهل الملة، وكانوا بالذبح عارفين وكان الأغلف
390

تاركا للختان لعلة تقوم له بها عند الله حجة، ومن جازت مناكحته جازت
ذبيحته.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن ذبيحة الأغلف والعبد الآبق
والأخرس؟ فقال: لا بأس بذبيحتهم إذ صحت الملة لهم وكانوا من
أهلها.
باب القول في ذكاة الجنين
وما جاء فيه من أن ذكاته ذكاة أمه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قد ذكر في الخبر أن
ذكاة الجنين ذكاة أمه وليس يصح ذلك عندنا ولا نقف عليه في قياسنا
لان الذكاة لا تجب ولا تصح إلا لما ذكى وقدر على تذكيته خارجا من
بطن أمه لأنه لا يكون ذكاة واحد ذكاة اثنين كما لا يكون نفس واحد نفس
اثنين، وقد يمكن أن يموت في بطنها قبل ذبحها كما يموت عند ذبحها،
وقد يحيا في بطنها ويستخرج حيا بعد موتها موجودا ذلك في الانعام وفي
غير ذلك من نساء الأنام ولا تعمل التذكية بما في بطون الانعام إلا من
بعد خروجه حيا وتذكيته كما كانت تذكية أمه فيخرجوه حيا وبذبحه
ينتظمه اسم ذكاته كما بخروج ولد المرأة حيا وباستهلاله تنظم الأحكام
في المواريث والصلاة، وليس كلما روي كان حقا ولا ما روى فيه عن
الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صدقا.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الحديث الذي روي أن ذكاة
الجنين ذكاة أمه فقال: الجنين يذكى إذا كان حيا مع أمه لأنه حياتها غير
حياته وموتها غير موته، وقد يمكن أن يموت في بطنها وقد حرم الله الميتة
صغيرها وكبيرها.
391

قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ومن ذبح ذبيحة فأبان
رأسها فلا بأس بأكلها وقد كان يقال تلك الذكاة الواجبة، كذلك كأن يقول
جدي رحمة الله عليه.
قال: ولو أن بعيرا أو بقرة سقطا في بئر قلم يقدر على إخراجهما
حيين لوجب على أصحابهما أن يطالبوا منحر البعير أو مذبح البقرة حتى
ينحروه أو يذبحوها، فإن لم يقدروا على ذلك منهما طعنوهما حيث
ما أمكن الطعن وسموا وأخرجوهما آرابا فأكلوا.
باب القول فيما يجزى من الأضاحي
وما لا يجوز منها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا تجزى من الأضحية
عوراء ولا عمياء ولا جدعاء ولا مستأصلة القرن كسرا، ولا يجزي من
الإبل ولا من البقر ولا من المعز الا الثني، ويجزي من الضان الجذع
وخير الأضحية أسمنها، والخصيان منها فقد يجوز وهي سمانها
وخيارها. وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه
ضحى بخصي موجوء.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن المشقوقة الاذن والمثقوبة
والمكسورة القرن في الأضحية فقال: كل منقوصة بعور أو جدع فلا
يضحى بها إلا أن لا يوجد في البلد غيرها ولا بأس بالخصي لأنه أسمن
له. وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ضحى
بخصي موجوء.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن زيد ابن علي
عن آبائه عليهم السلام عن علي ابن أبي طالب عليه السلام أنه قال:
392

(صعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم المنبر يوم الأضحى
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس من كانت عنده سعة فليعظم
شعائر الله ومن لم يكن عنده فان الله لا يكلف نفسا الا وسعها ثم نزل
فتلقاه رجل من الأنصار فقال يا رسول الله اني ذبحت أضحيتي قبل أن
أخرج وأمرتهم أن يصنعوه لعلك أن تكرمني بنفسك اليوم، فقال له صلى
الله عليه وعلى آله وسلم: شاتك شاة لحم فإن كان عندك غيرها فضح
بها فقال: ما عندي الا عناق لي جذعة فقال ضح بها اما انها لا تحل لاحد
بعدك ثم قال: ما كان من الضان جذعا سمينا فلا بأس أن يضحى به
وما كان من المعز فلا يصلح.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: يريد بقوله لا يصلح أنه
لا يصلح أن يضحى بالجذع من المعز وأما قوله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم (من كانت عنده سعة فليعظم شعائر الله) فإنه يريد فليستفرهها أن
قدر على جزور فذلك أفضل، وان قدر على بقرة فهي أفضل من الشاة،
وان لم يقدر إلا على الشاة فليتخيرها ذات سمن ونقاء وسلامة من العيوب
والنقصان. وأما قوله للأنصاري (شاتك شاة لحم) فإن الأنصاري كان
قد ذبح بالمدينة قبل ان ينصر الإمام ومن ذبح قبل أن ينصرف الإمام لم
تجز أضحيته لان أهل المدن لا يضحون إلا من بعد انصراف إمامهم
لم بذل جرت السنة وقامت على الناس به الحجة، ولا بأس بأن يخرج
صاحبها من لحمها ما شاء ويحبس كما شاء.
وكذلك يروى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه
كان نهى أن تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاث)، ثم قال بعد ذلك:
(إني كنت نهيتكم عن حبس لحوم الأضاحي فوق ثلاث فاحبسوها ما بدا
لكم). فوسع لهم ما كان ضيق عليهم فليس فيه حد محدود والجزور
393

تجزى عن عشرة من أهل البيت الواحد، والبقرة عن سبعة والشاة عن
ثلاثة، وأن تكون عن واحد أحب إلي.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن لحم الأضاحي كم يجوز أن
تحبس فقال: ما شاء صاحبها ليس في ذلك حد محدود وسئل عن البدنة
والبقرة والشاة عن كم تجزى فقال تجزى البدنة عن عشرة، والبقرة عن سبعة
والشاة عن ثلاثة. وكأن يقول في الرجل المسلم ينسى التسمية عند
الذبح فقال: تؤكل ذبيحته، النية والملة تكفيه من التسمية.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إنه إذا تركها ناسيا أكلت
وان تركها متعمدا فلا تؤكل ذبيحته ولا كرامة.
باب القول فيمن سرق شاة فذبحها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من سرق شاة من ربها
فذبحها بغير إذن سيدها فلا تحل له أن يأكلها، ولا يجوز له أن يطعمها
لأنها حرام من الله عليه، فان اذن له بعد ذبحها صاحبها في أكلها أو
صالحه على قيمة رضيها من ثمنها فلا بأس من بعد ذلك بأكلها.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن رجل سرق شاة وأخذها فذبحها
من غير علم صاحبها فقال: لا يجوز له أن يأكلها إذا سرقها ولا غيره
ولا يحل له ما حرم الله منها بذبحه لها.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ومن ذبح إلى غير قبلة
جاهلا أكلت ذبيحته، ومن ذبح إلى غيرها منحرفا عنها متعمدا لم تؤكل
ذبيحته.
وقال: تنحر البدنة قائمة حيال القبلة، ويعقل يدها ويقوم الذي
يريد أن ينحرها تجاهها ثم يضرب بالحديدة في لبتها حتى يفري أوداجها
394

فإذا وجبت جنوبها، كما قال الله سبحانه سلخت وأكلت، والوجوب فهو
الوقوع والسقوط.
قال: ومن ذبح شيئا من قفاه جاهلا أكلت ذبيحته، ومن ذبحه
متعمدا لم تؤكل ذبيحته وأحسن في ذلك أدبه.
وقال: كل دابة مريضة أو متردية، أو نطيحة ذبحت فتحرك منها
ذنب أو رأس أو يد أو رجل أو عضو أو طرفت بعين، فأكلها حلال وهي
ذكية كما قال الله عز وجل في ذلك كله: * (إلا ما ذكيتم) * (13) وتأويل
ما ذكيتم فهو ما ذبحتم والذبح فلا يقع إلا على ما كان حيا من الذبائح
كلها طرا.
باب القول في العقيقة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: العقيقة سنة عن الرسول
صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي شاة تذبح عن الصبي يوم سابعة ثم
تطبخ فيأكل منها أهلها ويطعمون من شاؤوا ويتصدقون منها، ويستحب
لهم أن يحلقوا رأسه ويتصدقوا بوزن شعره عقيانا أو ورقا، وقد ذكر عن
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه عق عن الحسن والحسين
عليهم السلام وتصدق وأكل وأطعم من عقايقهما) وهذه سنة للمسلمين
لا ينبغي أن يتركها منهم إلا من لا يجدها.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل في العقيقة عن الغلام والجارية،
فقال: يعق عن المولود بعقيقة ما كان غلاما أو جارية، وكذلك جاء عن
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويستحب أن يتصدق بوزن
شعر المولود فضة أو ذهبا، وكذلك ذكر عن فاطمة ابنة رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم أنها كانت تفعل ذلك، والغلام والجارية ففيهما

(13) المائدة 5.
395

شاة شاة، ويعق يوم السابع، وإنما سميت عقيقة، بحلق رأس المولود
يوم السابع فسميت الذبيحة عن المولود كذلك وإنما هو حلق الرأس.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو أن رجلا أراد نحر جزور
أو غيرها من بهيمة الأنعام فندت منه فلم يقدر على أخذها وذبحها أو
نحرها فرماها بسيفه أو بسهمه أو طعنها برمحه فأدمى وعقر فقتل وكان قد
سمى حين رمى أو طعن فلا بأس بأكلها إن كان لم يقدر على نحرها أو
ذبحها، وان فعل ذلك متمردا ماثلا بها لم تؤكل وكان عليه في ذلك أدب
وتنكيل على المثل بالبهائم والتعدي للسنة في ذبحها إلى ما فعل من
المثل بها.
396

كتاب
الأطعمة والأشربة واللباس
397

بسم الله الرحمن الرحيم
مبتدأ أبواب الأطعمة وتفسير ما يحرم منها
في الكتاب وفي السنة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله جل جلاله فيما
حرم على عبادة: * (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم
يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا
أهل لغير الله به فمن اضطر غير باع ولا عاد فإن ربك غفور رحيم) * (1)
وقال سبحانه: * (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير
الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم
وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق، اليوم يئس
الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم
وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فمن اضطر في
مخمصة غير متجانف لاثم فإن الله غفور رحيم) *

(1) الانعام 145.
(2) المائدة 3.
399

ما حرم الله من ذلك ولا ينبغي أن يؤكل منه الا دون الشبع قدر ما تعلق
النفس إلى أن يفسح الله تبارك وتعالى فإنه يقول: * (فإن مع العسر يسرا
إن مع العسر يسرا) * (3) ويقول سبحانه: * (وما من دابة في الأرض إلا
على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) * (4) وحرم
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكلم لحوم كل ذي ناب من السباع،
أو مخلب من الطير فينبغي للمسلمين أن يتركوا كل ما نهى عنه رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن الله عز وجل يقول: * (ما آتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) * (5) إلا من
ضرورة إليه أو حاجة تحمله عليه.
ثم قال سبحانه تعريفا لعباده بمنته عليهم وتوفيقا لهم على احسانه
إليهم * (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل
هلي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل
الآيات لقوم يعلمون) * (6) وقال سبحانه: * (يا أيها الرسل كلوا من
الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعلمون عليم) * (7) فأطلق سبحانه لعباده
المؤمنين وأنبيائه المرسلين أكل طيبات أرزاقه ولم يحظر عليهم شيئا من
هباته وجعل كلما خلق على وجه الأرض لهم رزقا فأطلق لهم أن يأكلوه
من حله ولم يجز لهم أن يأكلوه غصبا من أحد من خلقه، وقال سبحانه
في ذلك: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * (8)

(3) الشرح 4 و 5.
(4) هود 6.
(5) الحشر.
(6) الأعراف 32.
(7) المؤمنون 51.
(8) البقرة 188.
400

باب القول في غسل اليد قبل الاكل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي أن توضأ الأيدي
وتنقى قبل أن يهوى بها في الطعام فإن ذلك أهنأ وأمرأ وأقرب إلى البر
والتقوى، فإذا وضع الطعام قال الآكلون: بسم الله وبالله والحمد لله على
ما هيأ لنا من رزقنا وأنعم به علينا من طعامنا، فإذا فرغوا من الطعام قالوا:
الحمد لله على ما رزقنا والحمد لله الذي أطعمنا وأشبعنا وهيأ لنا من قوتنا
وأكرمنا والحمد لله على ذلك شكرا لا شريك له.
قال: ولا يأكل أحد بشماله إلا من علة مانعة له من الاكل بيمينه
وأن يأكل ن الطعام إذا قرب إليه مما بين يديه إلا أن يكون من التمر
فيأكل من حيث أحب وأراد.
قال: وبذلك جاءت السنة من الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم أنه كان إذا قرب الطعام أكل مما بين يديه ولم يتعده إلى غيره وإذا
وضع التمر جالت يده في الاناء.
باب القول في فضل مائدة آل محمد
صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفضل من أكل معهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لموائد آل محمد صلى
الله عليه وعلى آله وسلم فضل على سائر الموائد ولمن أكل معهم فضل
على من أكل مع غيرهم تفضيلا من الله سبحانه لهم بولادة نبيه صلى الله
عليه وعلى آله وسلم إياهم ولما أراد سبحانه من إبانة فضلهم وإتمام
النعمة عليهم وتظاهر نعمائه عندهم وفي ذلك ما حدثني أبي عن أبيه
يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إذا وضعت
401

موائد آل محمد حفت بهم الملائكة يقدسون الله ويستغفرون لهم ولمن
أكل معهم من طعامهم).
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وذلك احتجاج من الله
عليهم بما أسبغ من كرامته لديهم فإن شكروا زادهم، وإن كفروا عاقبهم
فنسأل الله أن يجعلنا لأنعمه من الشاكرين ولا آلائه من الذاكرين، وله
سبحانه من الخائفين، وأن يمن علينا بشكر ما أولانا وأعطانا من أفضل
العطايا من ولادة سيد المرسلين والاصطفاء على العالمين قال: فإذا فرغ
الطاعمون من طعامهم فليغسلوا أيديهم فلينقوها ولا يفعلوا فعل الجفاة
الطغاة من تركها فإن غسلها من أفعال الصالحين وتطهرة لعباد الله
المصلين.
باب القول في الذباب والخنفساء
والفأرة، وما أشبه ذلك يقع في الطعام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا وقع الخنفساء
والذباب في الطعام فليخرج وليرم به وليؤكل فإن ذلك لا يحرم طعاما ولا
يفسده. وفي ذلك ما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أنه أتى بجفنة مأدومة فوجد فيها خنفساء فأمر بها فطرحت وقال: سموا
عليها وكلوا فإن هذا لا يحرم شيئا، وأتي بطعام فوجد فيه ذبابا فطرحه ثم
قال: كلوا فليس هذا الذي أخرجت منه يحرم شيئا.
قال: وإن وقعت فيه فأرة فأخرجت حية فلا بأس بأكل الطعام
الذي أخرجت منه وإن كانت ميتة طرحت وألقي ما كان حولها من ذلك
الطعام وأكل سائره إذا كان لم يصبه من قذرها شئ، فإن وقعت في إناء
فيه سمن أو زيت فماتت فيه وكان جامدا ألقيت وألقي ما حولها وإن كان
غير جامد فتغير بموتها فيه ريحه أو لونه أو طعمه دفق كله بأسره.
402

باب القول في أكل الضب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: نكره أكل الضب ولا
نحرمه وفي ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
(أنه دخل على زوجته ميمونة ابنة الحارث ومعه عبد الله بن عباس وخالد
بن الوليد فإذا عندها ضباب فيهن بيض قال من أين لكم هذا؟ فقالت:
أهدته لي أختي هرينة ابنة الحرث، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم لعبد الله ابن عباس وخالد بن الوليد: كلا فقالا لا نأكل ولم يأكل
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: إني ليحضرني من الله
حاضرة، فقالت ميمونة: أسقيك يا رسول الله من لبن عندنا؟ قال: نعم،
فلما شرب قال: من أين لكم هذا؟ قالت: أهدته لي أختي، فقال رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرأيت جاريتك التي كنت استأمرتيني
في عتقها أعطيها أختك وصليها بها ترعى عليها فإنه خير لك.
وبلغنا أن رجلا نادى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
فقال يا رسول ما ترى في الضب، فقال: لست بآكله ولا بمحرمه.
باب القول فيما يكره أكله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يكره أكل الطافي على
الماء من الحوت وما نضب عنه الماء الا أن يدرك حيا، أو يموت في
حظيرة حظرت لصيده وجعلت لاخذه، ويكره أكل الحري والمار ما هي
وكذلك روي عن أمير المؤمنين عليه السلام ويكره أكل كثير من حرشات
الأرض مثل القنفذ والضب نكرهه ونعافه وليس بمحرم في كتاب ولا
سنة، وكذلك الأرنب نعاف أكلها وليست بمحرمة، وقد ذكر عن رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه عافها ولم يأكلها حين أهديت له
403

وأمر أصحابه بأكلها وهي في ذلك من صيد البر الذي أحله الله لصائده.
قال: ويكره أكل الهر الانسي والوحشي ككراهتنا لغيره من
السباع.
قال: ويكره أكل الطحال، وقد روينا فيه عن علي ابن أبي طالب
عليه السلام أنه قال: لقمة الشيطان، ويكره ما عمل أهل الكتاب
والمجوس من الجبن لأنهم يجعلون فيه إنفحة الميتة.
ويكره سمن المجوس واليهود والنصارى كما تكره ذبائحهم
لقذرهم ونجاستهم.
ويكره أن يأكل الرجل مستلقيا على قفاه أو منبطحا على بطنه، وأن
يأكل بشماله. وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم أنه نهى أن يأكل الرجل بشماله، أو مستلقيا أو منبطحا، وكذلك
يكره أكل السلحفاة لأنه ليس مما خصه الله بتحليل معلوم كما خص غيره
من صيد البر والبحر وقد رخص فيه قوم ولسنا نحبه ونكره أكل ما لا نعرف
من حرشة الأرض.
قال: وأما أكل لحوم الجلالة من البقر والغنم والطير فلا بأس به
إذا كانت تعتلف من الاعلاف والمراعي أكثر مما تجل. ويستحب لمن
أراد أكلها أن يحبسها أياما حتى تطيب أجوافها.
قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن أكل لحوم الجلالة من
الغنم والبغر والطير فقال: لا بأس به وقد جاءت الكراهية فيها وأرجو إذا
كان أكثر علفها غير ذلك إلا يكون بأكلها بأس.
404

باب القول في بركة ما أكل منه
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو شرب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا أن رجلا من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقال له جابر وقيل إنه
أبو طلحة وقد قيل إنهما صنعا كل واحد منهما على حدة طعاما يكون
الصاع ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنهض فأتاه
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجميع من معه، فدخل وأمر
بذلك الطعام فوضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
فتكلم عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بكلام ثم قال أئذن
لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم قال: أئذن لعشرة حتى أكل القوم
كلهم وشبعوا والقوم سبعون رجلا أو ثمانون رجلا.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كان كلامه صلى الله
عليه وعلى آله وسلم على الطعام دعاء فيه بالبركة.
باب القول فيمن اضطر إلى أكل الميتة
كم يأكل منها وهل يتزود
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من اضطر إلى أكل
الميتة أكل منها ما يقيم نفسه ويلزم روحه وله أن يتزود منها إذا خاف ألا
يجد غيرها، ولا يجوز له أن يشبع منها ولكن يأكل دون شبعه ثم لا يأكل
منها شيئا حتى يعود من الجوع والحاجة إليها إلى حالته الأولى.
قال وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن أكل الميتة لم يأكل منها
من اضطر إليها فقال: يأكل من الميتة ما يكفيه، ويتزود منها إن خاف ألا
405

يجد ما يغنيه، فإذا أكل فليس له أن يأكل إلا دون الشبع وليس له أن يفرط
في أكله.
باب القول في أكل الطين وخل الخمر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز لاحد ولا ينبغي
له أن يأكل ما يضره من الطين لأنه يقال ربما قتل، وقد نهى الله عن
الالقاء باليد إلى التهلكة، فقال سبحانه: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى
التهلكة) * (9) وقال سبحانه: * (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم
رحيما) * (10) وكلما أعان على التلف فلا يجوز أكله لمسلم.
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أنه نهى
عن أكل الطين وقال إنه يعظم البطن ويعين على القتل.
وبلغنا (11) عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال:
من أكل من الطين حتى يبلغ فيه ثم مات لم أصل عليه.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا بأس بأكل الخل
الذي يعمل من العنب الذي يسمى خل خمر لان الله سبحانه إنما حرم
الخمر ولم يحرم الخل، والخل فلا يخامر العقل فيكون خمرا محرما.
قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن أكل خل الخمر فقال:
لا بأس به لأنه خل ليس بخمر، وإنما حرم الله الخمر لا الخل.
باب القول في إجابة الدعوة
وما يستحب من الوليمة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: المؤمن يجيب المؤمن

(9) البقرة 195.
(10) النساء 29.
(11) في نسخة وبلغنا عن علي عليه السلام.
406

ولو إلى لقمة، والوليمة في العرس والختان سنة من الرسول صلى الله
عليه وعلى آله وسلم حسنة لا ينبغي تركها لمن قدر عليها، وفي ذلك
ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إذا دعي
أحدكم إلى الوليمة فليأتها) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم لرجل
من الأنصار تزوج (أو لم ولو بشاة).
باب القول في الاكل بالشمال
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز ولا ينبغي
لمسلم أن يأكل بشماله ولا يشرب بشماله إلا من علقة وفي ذلك ما بلغنا
عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إذا أكل أحدكم
فليأكل بيمينه ويشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب
بشماله).
باب القول في معاء الكافر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (المؤمن يأكل في معاء واحد،
والكافر يأكل في سبعة أمعاء) وكذلك بلغنا أن كافرا أضافه رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأمر له رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم بشاة فحلبت فشرب الكافر لبنها ثم أمر بأخرى فحلبت فشربه
حتى شرب ألبان سبع شياة ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم بشاة فحلبت فشرب لبنها ثم أمر له بأخرى فلم
يستتم لبنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (المسلم
يشرب في معاء واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء).
407

باب القول في الأشربة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم: (مدمن الخمر كعابد وثن) ومدمنه هو الذي كلما
وجده شربه ولو على رأس كل حول إذا كان مصرا على شربه غير مجمع
على تركه ولا تائب منه إلى ربه.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: الخمر هو كل ما خامر
العقل فأفسده من عنب كان أو من زبيب أو من عسل أو تمر أو زهو، أو
حنطة، أو شعير، أو ذرة أو غير ذلك من الأشياء.
قال: وبلغنا عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال. قال
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تحرم الجنة على ثلاثة:
مدمن الخمر، والمنان، والقتات) وهو النمام.
وبلغنا عن علي عليه السلام أنه قال: لعن رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم الخمر وعاصرها ومعتصرها، وبائعها، ومشتريها،
وساقيها، وشاربها، وأكل ثمنها، وحاملها، والمحمولة إليه.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا ينبغي أن ينتفع من الخمر
بسبب ولا معنى ولا يجوز ان تعمل من بعد تخميرها خلا، لان الله
سبحانه حرم ثمنها والانتفاع بها، وإذا حرم الثمن وإنما هو دراهم فهي
في نفسها وإن صرفت خلا أشد تحريما.
وأما قول الله عز وجل: * (فيهما إثم كبير للناس وإثمهما أكبر من
نفعهما) * (12) فإن المنافع هو ما كان ينتفعون به في الجاهلية قبل الاسلام
من بيعها والانتفاع بثمنها والربح فيها فحرمها الله تبارك وتعالى عليهم
وأعلمهم أن اثمها أكبر من الانتفاع بثمنها وربحها.

(12) البقرة 219.
408

قال: وحدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الخمر تصنع خلا؟ فقال
آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون الانتفاع بها في خل
ولا غيره لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرهم بإهراقها
وحرم ملكها يوم حرمت الخمر.
باب القول في المسكر والسكر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن أمير المؤمنين
علي ابن أبي طالب عليه السلام: أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم: (كل مسكر حرام).
وبلغنا عن زيد بن علي عليه السلام عن آبائه أن أمير المؤمنين
عليه السلام أتي برجل قد شرب مسكرا فجلده الحد ثمانين. قال وبلغنا
عن زيد ابن علي عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قال: (المسكر
بمنزلة الخمر).
قال: وحدثني أبي عن أبيه: قال حدثني أبو بكر بن أبي أويس
عن حسين ابن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي
طالب عليه السلام أنه كان يجلد في قليل ما أسكر كثيره كما يجلد في الكثير.
قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن المسكر أخمر هو؟
فقال: وقد جاءت في ذلك آثار وأخبار إن كل مسكر خمر وحدهما واحد
واسمهما واحد وإن افترقا في المعنى، وكلما أسكر كثيره فقليله حرام.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إنما سمي الانسان إنسانا
لما فيه من طبع النسيان، وسميت السماء سماء لسموها وعلوها
واستقلالها وارتفاعها، وسميت الريح ريحا لما فيها من الروح، وسميت
الجن جنا لاستجنانها عن الابصار، وكذلك كثير من الأشياء لم تسم إلا
لمعنى، من ذلك ما تسمى الطلعة طلعة لطلوعها عن جذعها وكذلك
409

سمي الرطب رطبا لرطوبته ولينه، وكذلك الخمر سميت خمرا لمخامرتها
العقل وإفسادها له فكلما خامره حتى يفسده ويبطله فهو خمر لمخامرته
إياه كائنا ما كان عنبا أو تمرا أو زبيبا أو برا أو غير ذلك من الأشياء.
قال: وبلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:
أنه قال ما أسكر كثيره فقليله حرام، وبلغنا عن جعفر ابن محمد رضي الله
عنه عن أبيه أنه قال: لا تقيه في ثلاث: شرب النبيذ، والمسح على
الخفين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
وبلغنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: نهينا أن نسلم على
سكران في حال سكره.
وبلغنا عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام اللهم إني
لا أحل مسكرا).
قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الطلا وغير الطلا (13) من
الزبيب والعسل وغير ذلك فقال: ما لم يسكر كثيره فحلال قليله وكثيره،
وما أسكر كثيرة فقليلة حرام على كل حال، وسئل عن المثلث الذي يطبخ
حتى يذهب نصفه فلا يسكر فقال: وهذا أيضا ما أسكر منه كثيره فقليله
حرام وما لم يسكره كثيره فطيب حلال.
قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه قال: بلغنا عن أمير المؤمنين عليه
السلام: أنه قال (لا أجد أحدا يشرب خمرا ولا نبيذا مسكرا إلا جلدته
الحد ثمانين).

(13) الطلا ما طبخ حتى يذهب ثلثاه.
410

باب القول في الشرب في آنية
الذهب والفضة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز عندنا الشرب
في آنية الذهب والفضة ولا في الآنية المذهبة ولا المفضضة ولا بأس بالأكل
والشرب والانتفاع مما كان من الآنية سوى ذلك من النحاس والرصاص
وغيرهما من الآنية.
قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الشرب في النحاس
والرصاص والصفر والشبه والاناء المفضض فقال: لا بأس بالشرب في
ذلك ويكره الشرب في الاناء المفضض.
باب القول فيمن شرب وأراد
أن يسقي أصحابه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا شرب الرجل ماء أو
لبنا، أو جلابا، أو غير ذلك مما يسع أصحابه أن يشرب ثم يدفع
المشروب إلى من على يمينه فيدور الاناء حتى يرجع إلى من هو عن
المشروب إلى الأول، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم (أنه أتى بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام (14) وعن يساره
مشايخ فقال للغلام أتأذن لي أن عطي هؤلاء فقال الغلام لا والله يا رسول
الله ما أؤثر بنصيبي منك أحدا فقبله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم في يده).

(14) الغلام هو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
411

باب القول فيما جاء من النهي عن
الشرب في آنية الذهب والفضة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز الشرب في آنية
الذهب والفضة ولا الاكل فيها ولا أرى أن يؤكل ولا أن يشرب فيما كان
من الآنية مرصعا بهما، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم أنه قال: (الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما
يجر في بطنه نار جهنم) قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم عن النفخ في الشراب.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا رأى الشارب شيئا
يحتاج إلى نفخه فليأخذه بيده فليلقه من شرابه أو ليهرقه منه.
باب القول في أبواب اللباس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لبس الحرير لا يجوز
للرجال إلا في الحروب، إلا أن يكون الثوب ليس بحرير كله ويكون فيه
مع الحرير غيره، ولا يجوز لهم التختم بالذهب، وكذلك بلغنا عن أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: (أهديت لرسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أثواب حرر فأمرني فقسمتها بين النساء).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا أحب الصلاة في
شئ من الخز لأني لا آمن أن يكون فيه شئ من الميت لفساد الدهر
وفسالة عماله، فأما الحرير فلا بأس أن يلبس الرجل الثوب الذي بعضه
حرير وبعضه غير حرير إذا كان غير الحرير الغالب على الحرير وكان
أكثر من نصفه.
قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن لبس الحرير للرجال
412

فقال: لا بأس به إذا لم يكن الثوب خالصا كله منه وكان ما فيه من غير
الحرير هو الأكثر الأغلب وكان دون ما فيه من غيره، فإن ترك ذلك تارك
تحرزا وكان عنه مستغنيا كان ترك لباسه أفضل لما جاء فيه عن النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
باب القول في التستر في
أنهار الماء والحمامات
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا ينبغي لاحد أن
يكشف عورته لدخول الماء أو دخول الحمام لان الله قد أمر بستر
العورات، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عورة
المؤمن على المؤمن حرام) ويستحب لمن دخلها وحده أن يستتر أيضا،
ونوجب على من دخلهما مع غيره الاستتار ايجابا.
باب القول في لباس جلود الثعالب
والنمور، وغيرها من الدواب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كلما حرم الله أكله من
ذلك فلا يجوز لباس جلودها ولا الانتفاع بها ولا بشئ من أمورها.
قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن جلود النمور فقال:
لا تلبس جلود ما حرم الله أكله ولا جلد ميتة دبغ أو لم يدبغ ولا يحل من
الميتة جلد ولا قرن ولا عظم ولا عصب.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا بأس بلباس فراء
الغنم إلا ما كان من جلد ميتة فإنه لا يجوز ولا يحل الانتفاع بشئ منها.
413

باب القول في المرأة تصل شعرها
بغيره من الشعر وتغيير الشيب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن تصل الامرأة
في شعرها شعرا أو صوفا من شعر الغنم فأما شعر الناس فلا يحل لها أن
تصله بشئ من شعرها وفي الواصلة شعرها بشعر الناس ما يروى عن
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أنه لعن الواصلة والموتصلة.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا بأس بتغيير الشيب إن
غيره مغير وتركه على خلق ربه أفضل وقد روي عن أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب صلوات الله عليه أنه قيل له حين كثر شيبه لو غيرت
لحيتك، فقال إني لأكره أن أغير لباسا ألبسنيه الله عز وجل.
باب القول فيما ينبغي ان يتجنب لبسه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا نحب أن يلبس
الرجال من الثياب المصبوغ المشبع ولا ذا الشهرة بالتلوين إلا في
الحروب، ولا نحب أن يلبس من الميتة شئ لا نعل ولا خف ولا بأس
بشعرها وصوفها ووبرها إذا غسل فأنقي لأنه ليس مما يلزمه ذكاة وهو فقد
يؤخذ من الدواب الحية.
قال ولا ينبغي أن يخز شعر الخنزير لأنه محرم على كل حال حيا
وميتا، وما حرم الله على كل حال حرم الانتفاع بشئ منه.
قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الخزز بعشر الخنزير،
فقال: الترغيب عنه والترك له أفضل. وسئل عن صوف الميتة وشعرها
ووبرها فقال: لا بأس به كله إذا غسل فأنقي لأنه ليس مما يلزمه ذكاة،
وقد يؤخذ من الدابة وهي حية.
414

قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن لباس الأكسية المصبوغة
التي يجعل في صبغها البول فقال: إذا غسل حتى ينقى ولم يتبين فيه أثر
فلا بأس بذلك ولا يلبس في الصلاة إلا بعد غسله وإنقائه مما كان فيه.
قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الجلود إذا دبغت جلود الميتة فقال:
الحديث فيها مختلف، وقد جاء فيها من النهي عن رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم في كتابه إلى مزيتة (15) ولا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا
عصب، ولا يحل الانتفاع بأهلها ولا عصبها كما لا يحل الانتفاع بلحمها
ولا شئ منها.
قال: وحدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن لبس الأصفر والمعصفر
من الثياب فقال: لا يلبس الرجال من الثياب المقرم (16) وهو المشبع
ولا نحب لاحد أن يلبس شيئا من المشهر وليس يرخص في لبس شئ
من ذلك إلا في الحرب.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا يجوز لبس كلما وصف
البدن برقته من الثياب في الصلاة لمرأة ولا لرجل إلا أن يكون تحته
ما يستر لابسه من الثياب غيره.
قال: وحدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن لبس السابري والشظوي
والقصب للنساء فقال: لا بأس به إذا استترت ولم يظهر منها شئ مما
يكره أن ينكشف وما وصف من ذلك وسخف حتى يرى منه ما لا تحل
رؤيته لم يحل لبسه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: أراد أنه

(15) في نسخة جهينة.
(16) القرام ككتاب الستر الأحمر أو ثوب ملون من صوف فيه دقم ونقوش أو ستر رقيق
كالمقرمة كمكنسة تمت قاموس. وفي نسخة المقدم قال مجمل اللغة ضيع مقدم أي خائر
مشبع ومنه الرجل الفدم. تمت.
415

لا يجوز لهن ولا يحل أن يلبس ذلك قدام الناس فأما في الخلوة ومع
أزواجهن فلا بأس بذلك لهن.
قال: وحدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن لباس الخاتم للرجال
فقال: لا بأس بذلك ما لم يكن ذهبا، والذي عليه أهل بيت النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم لبس الخواتيم في الايمان.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: بذلك جاء الأثر عن النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه تختم في يمينه، وعن علي عليه
السلام وعن الحسن والحسين، وعن خيار آل رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم وذلك الواجب عندي لان الخاتم يكون فيه اسم الله وذكره
فينبغي أن يبعد عن اليسار لاستعمالها في إماطة ما يماط بها من الأقذار من
الغائط وغيره.
قال: وحدثني أبي عن أبيه عن لباس الصبيان الخلاخيل فقال
لا بأس بها للجواري والنساء، ويكره ذلك للصبيان الذاكران كما يكره
للكبار.
باب القول في إسبال الإزار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي للمرأة أن ترخي
درعها وتجر إزارها حتى تستتر قدماها وغيرهما منها وفي ذلك ما بلغنا عن
أم سلمة زوج الني صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها قالت للنبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم لما ذكر الإزار فالمرأة يا رسول الله، فقال: ترخي
شبرا قالت إذا ينكشف عنها، قال فذراعا لا تزيد عليه.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ينبغي للمرأة أن تجر من ذيولها
وملاحفها حتى تستتر جوانبها وقدماها، وليس للرجال ذلك أكثر ما يرخي
الرجل ثوبه إلى ظهر قدميه.
416

باب القول في التجمل بالجيد من الثياب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي لمن رزقة الله
لباسا وكساه رياشا أن يرتاش به ولا يبدي خلة وقد ستره الله منها، وفي
ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى: * (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد
وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يجب المسرفين) * (17).
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: المسرف هاهنا هو المسرف
على نفسه بالانفاق في معاصي الله والتبذير فيما لا يرضى الله من الامر
الذي يكون فيه المنفق معاقبا عند الله فنها سبحانه عباده عن صرف رزقه
في معاصيه واجتراء بالانفاق فيما يعاقب عليه، فأما إنفاق المرء على
إخوانه وإطعامه لهم إنفاقه وعلى أضيافه وعلى غشيه، يطلب رفده
منهم فلا يكون ذلك إسرافا وإن كان على نفسه آثرهم، وكيف يكون
الاسراف كذلك، أو يكون على غير ما قلنا من الانفاق في معاصي الله
ذلك، أو يجوز إلا يحب الله من عباده من فعل ما قد حضه عليه وحمده
الله وحده فيه وذلك قول الله سبحانه في الأنصار حين آثروا على أنفسهم
وآثروا بقوتهم غيرهم وأنزلوا الخصاصة بعيالهم وأولادهم وأنفقوا أموالهم
على من هاجر إليهم فقال عز وجل: * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان
بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) * (18) فحمدهم
بالانفاق في طاعته وشكرهم على ادخال الخصاية عليهم وعلى عيالهم
والايثار بقوتهم لغيرهم ولم يذم ذلك من فعلهم.

(17) الأعراف 31.
(18) الحشر 9.
417

وفي ذلك ما يقول ويثني وبذكر آل محمد صلى الله عليه وعلى آله
وسلم بالايثار بقوتهم غيرهم، والصبر على الجوع واطعام المسكين،
واليتيم والأسير لوجه الله تعالى، فقال سبحانه وتعالى في ذلك:
* (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه
الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا
فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا، وجزاهم بما صبروا جنة
وحريرا) * (19) ثم نسق سبحانه فضائلهم في ذلك وما أعطاهم به، وعليه
في السورة إلى قوله: * (إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا) * (20) ففي هذا
ومثله ما تبين والحمد الله عليه رب العالمين وكان في إنفاقه من المتفضلين
وبإخراجه من المحسنين في حكم أحكم الحاكمين.
فان قال بخيل شقي، أو مفتر غوى أنه قد يخرج وينفق من ذلك
على من لا يستأهله قيل له إن لم يستأهل المعطى فالمعطي يستأهل أن
يفعل المعروف إلى أهله وإلى غيره أهله فيؤدي ما يجب عليه من ذلك إلى
أهله ويدفع بما يخرج لغيرهم عن عرضه ويتألفهم به لدينه، وقد فعل
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك وأمر به وفي ذلك ما يقول
صلى الله عليه وعلى آله وسلم (اصطنع المعروف في أهله ومن ليس
بأهله. فإن أصب أهله فهو أهله وإن لم تصب أهله فأنت أهله).
وقد كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يطعم اليهود ويهب لهم وهم به
كافرون ولما جاء به من الحق جاحدون وفيه صلى الله عليه وعلى آله
وسلم الأسوة لجميع المؤمنين كما قال الله عز وجل: * (لقد كان لكم في
رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله

(19) الدهر 8.
(20) الدهر 23.
418

كثيرا) * (21) فهذا كله حجج تبين أن الاسراف لا يكون إلا فيما يعاقب عليه
الانسان من الانفاق في السرف والعصيان لا فيما يشكر الله عليه مما أمر
به من الاحسان وإنما يتأول الآية على غير ما به قلنا من لم يوق شح نفسه
وكان بما هو فيه من اللوم مسخوطا عند ربه فهو يحرف التأويل والمقال
ويتحيل في ذلك لضبط الأموال والاكل وحده والمنع لرفده وحرمان ضيفه
وجاره ثم يرى أنه في ذلك مصيب وأن من خالفه جاهل غير أديب فهو
ومن كان مثله كما قال ربه: * (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين
ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) * (22)
باب القول في اللباس وما يجوز
أن يلبس من الثياب وغير ذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: نهي رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم أن يشتمل الرجل بالثوب الواحد على أحد
شقيه، وأن يحتبي بالثوب الواحد ليس على فرجه منه شئ وعن المشي
في فرد نعل وعن القراءة في الركوع، وعن لبس الذهب وتختمه، وعن
لبس المعصفر للرجال وغيره من المصبوغ إلا في منازلهم بين أهلهم.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إنما نهى رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم عن الاشتمال بالثوب الواحد على أحد الشقين
لأنه إذا فعل ذلك بدا فرجاه وفخذاه وإنما تلك لبسة جفاة الاعراب
الاردياء وأهل الدعارة من سكان القرية السفهاء.

(21) الأحزاب 21.
(22) الكهف 103.
419

كتاب الوصايا
420

بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول فيما يفعله الحي عن
الميت من حج أو عتق أو صدقة
أو غير ذلك من أبواب البر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قد جاءت في هذا
روايات واختلفت فيه المقالات وروى أنه ينفعه ويجزي عنه والله أعلم
بصدق ما روي فيه وما أحسب أن ذلك بصحيح، والذي أرى أنا أن كل
شئ أخرجه حي عن ميت فهو للحي دون الميت لان البر لمن بر،
والعتق لمن أعتق، والحج لمن حج، وكل من فعل خيرا جزي عليه به،
إلا أن يكون الميت أوصى بذلك أو أمر به أو طلبه من أقاربه فإن كان
ذلك كذلك أجرى عليه الله أجر ذلك.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: استحب للمسلمين أن
يثبتوا في وصاياهم ما استحببت لنفسي وأثبته في وصيتي وأمرت به أهل
بيتي ومن أحب أن ينيله الله كل خير وهو أن يكتب وصيته فيقول:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي وعلى أهل
بيته الطاهرين، شهادة من الله يشهد بها يحيى بن الحسين بن القاسم
يشهد على ما شهد عليه الله سبحانه لنفسه، يشهد أنه لا إليه إلا هو
والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إليه إلا هو العزيز الحكيم، اللهم
من عندك وإليك وفي قبضتك وقدرتك عبدك وابن عبديك هذا ما أوصى
421

به يحيى بن الحسين أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الذين كله ولو كره المشركون، أرسله لينذر من كان حيا ويحق القول على
الكافرين، ويشهد أن علي بن أبي طالب عليه السلام أخو
رسولك ووليك والقائم بحجتك بعد رسولك، والداعي إلى إطاعتك
والمجاهد لمن عند عن إجابتك واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وعلى
آله وسلم الباذل نفسه وماله لك، الشاهر سيفه دون حقك وفي أمرك وأمام
رسولك الصابر لك، المصطبر في طاعتك في السراء والضراء والشدة
والرخاء والولي أولى الناس بك وبرسولك، وأعظمهم عناء في أمرك وسبيلك،
ونتقرب إليك بولايته وبودته وبولاية من تولاه، وبمعاداة من عاداه ونشهد
أنه أحق خلقك بمقام رسولك صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنه خليفته
من بعده في عبادك اخترته لهم وافترضت طاعته من بعد رسولك عليهم
ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة وأن الله لسميع عليم.
اللهم إني أشهدك يا رب، وكفى بك شهيدا، وأشهد حملة
عرشك، وأهل سماواتك وأرضك ومن ذرأت وبرأت وخلقت وفطرت
وركبت وجعلت وصورت ودبرت بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت،
وحدك لا شريك لك، وأن محمد عبدك ورسولك، وأن الساعة آتية
لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وإنك واحد أحد صمد فرد،
لم تلد ولم تولد، ولم يكن لك كفوا أحد لا شبيه لك ولا نظير، ولا ند ولا
عديل، ولا يشبهك شئ وليس كمثلك شئ، وأنت السميع البصير،
لا تحيط بك الأقطار، ولا تجنك البحار ولا تواري عنك الأستار، ولا تحدق
بك السماوات والأرضون، ولا يتوهمك بتحديد المتوهمون، ولا يستدل
عليك المستدلون إلا بما دللت به على نفسك من أنك أنت سبحانك الواحد
422

الجليل، والخلق عليك دليل، وأنك لا تقضي بالفساد، ولا تجبر على
العصيان العباد، برئ من أفعالهم تقضي بالخير وتأمر به وتنهي عن
الفجور والبغي، وتعذب عليه،. صادق الواعد والوعيد، الرحمن الرحيم
بالعبيد، أقول فيك بما ذكرت من العدل والتوحيد، وتصديق الوعد
والوعيد، قولا مني مع من يقول به، وأكفيه من أبا القبول له، ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
اللهم من شهد على مثل ما شهدت عليه وبه فاكتب شهادته مع
شهادتي، ومن أبي فاكتب شهادتي مكان شهادته واجعل لي به عهدا يوم
ألقاك فردا أنك لا تخلف الميعاد.
ثم يوصي يحيى بن الحسين من بعد ما شهد به لله من شهادة الحق
كل من اتصل به وعرفه أو لم يعرفه من والد وولد قريب وبعيد بتقوى
الله وحده لا شريك له، وبطاعته والاجتهاد له في السراء والضراء،
والخوف منه والمراقبة له فإنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خاينة الأعين
وما تخفي الصدور، وبالأمر بالمعروف الأكبر، والنهي عن التظالم
والمنكر، والأرصاد لأمر الله، فمن علم أنه مستحق للقيام بأمر الله
مستأهل له، فيه الشروط التي تجب له بها القيام والإمامة من الدين والورع
والعلم بما أحل الكتاب، وما حرم من الأسباب والحلم والشجاعة
والسخاء والرأفة بالرعية والرحمة لهم، والتحنن عليهم، والتفقد
لأمورهم، وترك الاستئثار عليهم، وأداء ما جعل الله لهم إليهم وأخذ ما أمر
الله بأخذه من أيديهم على حقه وصرفه في وجوهه وإقامة أحكامه
وحدوده، والثقة بنفسه على عبادة ربه فليقم لله بفرضه وليدع الناس إلى
نفسه، وجهاد أعداءه والامر بالمعروف والنهي عن المنكر لايني، ولا يفتر،
ولا يكل ولا يقصر، فإن ذلك فرض من الله عليه لا يسعه تركه، ولا يجوز له
423

رفضه واجب عليه في الخوف والأمن، والرخاء والشدة والمحنة والبلاء، ومن
لم يثق بنفسه ولم يكن كاملا في كل أمره فليتق الله ربه ولا يدخل في
شئ من هذا فإنه ليس له ذلك وليرصد لأعداء الله وليعد سلاحه وما قدر
على إعداده ولينتظر أن يقوم لله حجة من أهل بيت نبيه من فيه هذه
الشروط، فينهض معه ويبذل نفسه وماله فإن ذلك أقرب ما يتقرب به إلى
الرحمن ويطلب به الفرار من النيران، ومن مات من المؤمنين منتظرا
لذلك مات شهيدا مقربا فائزا عند الله مكرما.
ثم يسأل يحيى بن الحسين ويطلب من والده وولده وولد ولده إلى
يوم القيامة وأخوته وإخوانه وعمومته وبني أعمامه وكل أقر بائه ومواليه
وشيعته وأهل مودته، وكل من أحب أن يبره ببر، أو يتقرب إلى الله له
بصلة في حياته وبعد وفاته أن يهبوا له هبة مبتوتة يقبلها منهم في حياته
وبعد وفاته ما أمكنهم من بر أو هبة أو صلة من عتق رقاب مؤمنة عفيفة زكية
مسلمة لا يعلم عليها إلا الخير ولا ترمي بشئ من الصير أو كفارات عما
أمكنهم من الايمان أو صدقة بما أمكن من ثياب أو إطعام أو نقد، أو
سقي ماء في المواطن المحمودة، ويسألهم ان لا يحقروا له شيئا من
الأشياء ما بين حبة إلى أكثر بأن الله يقبل اليسير ويعطي عليه الكثير، فن
أمكنه ما سأله يحيى بن الحسين شئ قل أو كثر فليقل عند إخراجه له
هذا ما استوهبنيه يحيى بن الحسين رحمة الله عليه وقد وهبته له وصرفته
حيث أمرني به وسألني أن أصرفه فيه من الوجوه التي يتقرب بها إلى الله عز
وجل اللهم أنفعه بذلك وأعطه فيه أمنيته وبلغه به أمله في دار آخرته إنك
عزيز حكيم، ولا يختار، ليحيى بن الحسين من أحب بره ممن سمى من
والديه وولده وولد ولده إلى يوم القيامة إن بقي له عقب أو أنمى الله له
نسلا، وأخوته، وإخوانه، وأمامه وبني أعمامه وجميع أقاربه ومواليه
وشيعته وأهل مودته إلا أزكا ما يقدر عليه وأطيبه وأحله، ويسأل يحيى بن
424

الحسين من سماه وسأله البر له أن بلغه الله ظهور إمام عدل عادل فقام
معه أحد ممن فرض الله عليه نصرته والقيام معه إن شاء الله تعالى أن
يسأله الدعاء له بالرحمة والمغفرة والرض والرضوان والتجاوز
والاحسان.
ويسأل يحيى بن الحسين من حضر ذلك وبلغه ممن سأله من
الرجال أن يشركه في قيامه مع الإمام وجهاده معه وقيامه بين يديه وقعوده
وحملاته بين يديه وإخافته للظالمين وإحسانه إلى المؤمنين.
ثم يحيى بن الحسين يسأل الله أن يسحن جزاء من فعل شيئا مما
سأله وبره بذلك ووصله، ويسأل الله أنى صله ويعطيه على ذلك أفضل العطاء
إنه قريب مجيب ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخر حسنة وقنا عذاب
النار، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم
الوكيل ونعم المولى ونعم النصير.
ثم يوصي الموصي من بعد ذلك كله بما كان له وعليه وبما أحب
في ماله وولده وجميع أسبابه ولا ينسى حظه من ماله أن يقدم منه ما ينبغي
له ويجوز له تقديمه بين يديه وادخاره ليوم يحتاج فيه إليه ولا يسرف في
وصيته وليذكر من يدع وراءه من عولته، ولا يجوز في ذلك إلا الثلث مما
ترك فإن ذلك أكثر ما يكون له، ويجوز له القول والامر فيه.
باب القول في وصية المريض
والحامل، والملاقي للقتال
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: للمريض في أول مرضه
أن يعتق ويهب في ماله ما شاء، وليس له إذا ثقل واشتدت علته أن يجوز
في شئ من أموره الثلث، فإن جاوز الثلث كان الامر فيما جاز به الثلث
425

إلى الورثة إن شاء وا أجازوه، وإن شاءوا ردوه إلى الثلث. وكذلك الحامل
يجوز فعلها في أول حملها فإذا أتى عليها أول تمام الحمل من الوقت
الذي تضع الحمل في مثله وهو ستة أشهر وذلك قوله الله سبحانه:
* (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) * (1) والفصال حولان، وذلك قول الله
سبحانه: * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم
الرضاعة) * (2) وما فضل على الحولين أقل تمام الحمل الذي يمكن أن
تضع المرأة ولدها فيه تاما وهو ستة أشهر، لان الحولين أربعة وعشرون
شهرا، والباقي ستة أشهر من الذي ذكر الله تبارك، فإذا جاوزت
المرأة ستة أشهر لم يجز لها أن تحدث في مالها شيئا أكثر من الثلث إلا
أن يجزيه الورثة بعد وفاتها، وهم في ذلك مخيرون إذا هلكت إن شاءوا
أجازوا ما كان فوق الثلث من وصيتها، وإن شاءوا ردوه إلى الثلث.
وكذلك صاحب اللقاء في الزحف له أن يفعل في ماله ما شاء ما لم
يصاف عدوا، أو يزحف لقتال، فإن زحف للقتال ودنا من مصافة
الرجال، وتخولست الأرواح بين الابطال وحمي الطعان وتناوش الاقران
فليس له أن يوصي بأكثر من الثلث في ماله، فإن أوصى بأكثر من ذلك
فالورثة بالخيار إن شاءوا أجازوا ذلك وإن شاءوا وردوه إلى الثلث.
باب القول في الوصية للوارث
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: حم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: بأن لا وصية لوارث وهذا عندي فصحيح من
قوله لأنه أقرب إلى الرشد والحق، وأبعد من الظلم والباطل لأنه صلى
الله عليه وعلى آله وسلم قد نهى أن ينحل الرجل ابنه نحلا دون سائر

(1) الأحقاف 15.
(2) البقرة 233.
426

ولده، ولم يختلف في هذه الرواية والوصية إذا لم تكن أوكد من النحل
فليست تكون بدونه.
قال: وإنما أراد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله:
(لا وصية لوارث) التسوية بين الورثة، وأن يصير إلى كل وارث ما حكم
الله له من ميراثه، فأما الثلث فله أن يوصي به لمن شاء من قريب أو
بعيد، فإذا جازت الوصية للبعيد فالقريب أجدر أن تجوز له، وإنما حظر
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الموصي أن يوصي لبعض
الورثة بما لا يملكه دون سايرهم وذلك فهو ما زاد على الثلث فاما الثلث
الذي هو أملك به منهم ففعله جائز فيه وحكمه ماض عليه يوصي به لمن
شاء من قريب أو بعيد لان الله قد أطلق له أن يوصي به لمن شاء، وصلة
الرحم القريبة أقرب إلى الله من صلة الأجنبي، ورسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم إلى أن يأمر بصلة الرحم ويؤكدها وبحث على
التزيد أقرب منه إلى أن ينهى عن ذلك وليس يخرج قوله لا وصية الوارث
ولا يجوز عليه عندنا إلا على ما قلنا من أنه لم يجزها فيما لا يملك مما
زاد على الثلث.
فإن قال قائل وكذلك أيضا لا يجوز أن يوصي لغير الوارث في غير
الثلث فما معنى قوله لا وصية الوارث قيل له إن القريب خلاف البعيد،
والبعيد إذا لم يجز الورثة له وصيته فيها سوى الثلث فيما بينه وبينهم
قطيعة رحم والقريب منه إذا أوصى له بشئ فيما زاد على الثلث فلم يجز
ذلك له الورثة وهم أقرباؤه خشيت بينهم في ذلك القطيعة والتباعد بل
لا أشك في ذلك منهم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
عن ذلك في القريب خاصة لان يعتزله المسلمون ولا يرضونه مخالفة
منه لما ذكرنا من دخول القطيعة فيما بينهم فأكد عليهم في ذلك تأكيدا،
427

والغريب الأجنبي لا يخشى فيه مثل ذلك فلم يذكره، والثلث فهو للميت
وليس لاحد فيه متكلم قريب ولا بعيد فهذا الفرق بين ما عناه سؤال
السائل والجواب فيه والله الموفق لكل خير.
قال فإن استأذن الميت الورثة عند وصيته في أن يوصي لوارثه أو
لغير وارثه بأكثر من ثلثه فأذنوا له في ذلك جاز له أن يوصي بمقدار ما أذنوا
له فيه ولم يكن لهم أن يردوا ذلك بعد وفاته عليه، وقد قال غيرنا إن ذلك
لا يجوز، ولسنا نلتفت إلى ذلك من قوله من قاله، وإن أطلق له بعضهم
وأبى بعضهم جاز له بمقدار حصة المطلق في وصيته.
باب القول في الوصية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن أوصى رجل إلى
رجل بوصية فقبلها ثم أراد أن يخرج منها في حياته وقبل وفاته فذلك له،
وإن قبلها في حياته وأراد الخروج منها بعد ذلك لم يكن له ذلك.
وكذلك إن أوصى الميت إلى غائب فبلغته الوصية فردها فلم
يقبلها كان ذلك له، وإن قبلها حين بلغته وأراد الخروج منها بعد ذلك لم
يكن له ذلك.
قال: ومن أوصى بوصية فله أن ينقضها ويثبتها، ويبطلها ويزيد
فيها وينقص منها كل ذلك جائز له أن يفعله في وصيته.
قال: وأيما رجل أوصى لرجل بوصية فمات الموصى له قبل
الموصي فليس لورثة الموصى له شئ وهي راجعة على ورثة الموصي.
قال: ووصايا أهل الذمة للمسلمين جائزة، ووصايا المسلمين لأهل
الذمة جائزة.
428

باب القول في إشارة الميت
برأسه في الوصية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا حضرته
الوفاة فأصمت فقال له بعض الورثة يا فلان تعتق عبدك فلانا فأشار برأسه
أي نعم، فقال له تصدق بكذا وكذا من مالك؟ فقال نعم، وقد روي عن
الحسن والحسين عليهما السلام أنهما فعلا ذلك بإمامة ابنه أبي العاص
بن الربيع الأموي وأمها زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم وكان علي بن أبي طالب عليه السلام قد تزوجها من بعد وفاة
فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك أن فاطمة ابنة
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سألته أن يتزوجها وهي ابنة
أختها فأشارت برأسها نعم فأجازا ذلك وأنفذاه، وما أرى أنهما صلوات
الله عليهما فعلا ذلك حين خاطباها في ذلك الوقت إلا وقد أيقنا أن معها
طرفا من عقلها.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وإذا كان ذلك كذلك
صح وجازت إشارتها.
باب القول في الوصايا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا أوصى إلى
رجل أو إلى ثلاثة رجال غيبا فلما أن بلغتهم الوصية قبل واحد وأبي اثنان
أن يقبلا لكان القابل وصيا على جميع المال قائما به يقوم في جميع
الوصية مقامهم كلهم.
قال: ولو أن وصيا لموصي أنكح امرأة ممن أوصى بها الموصي
إليه جاز ذلك إذا لم يكن لها ولي عصبة.
429

فإن كان لها ولي لم يجز إنكاح الوصي لها إلا بأمر الولي، وبعد رضائه
واجازته لذلك فيها.
قال: ولو أن رجلا أوصى إلى رجلين بولد له صغار وكان له دين
على الناس وودائع وكان عليه دين وعنده ودائع فلا بأس أن يقوم بذلك
أحد الوصيين إذا كان شاهدا وغاب صاحبه وما فعل من ذلك من قبض
شئ من تحت يده أو دفع شئ إلى صاحبه فذلك جائز له إذا كان لم
يتعد فيه الحق ولم يجز ما ينبغي. وقد قال غيرنا إنه ضامن لما أخرج بغير
أمر صاحبه، ولسنا نرى ذلك ولا نقول به.
قال: وإن كان الورثة صغارا أو كبارا كان للوصيين أن يبيعا ما كان
للميت وينفذا وصيته إلا أن يكون ما ترك عرضا من العروض مثل العقار
والضياع، والعبيد فإنه لا يحدث في مثل هذا حدث، إلا أن بأمر الورثة
الكبار.
قال: فإن كان للورثة الصغار عقار ورثوه من أمهم ثم مات أبوهم
وأوصى بهم إلى وصي لم يكن للوصي بيع شئ من ذلك ولا إخراجه
من ملكهم لان أباهم لم يكن له أن يبيع ذلك فكيف لوصي أبيهم وعليه
أن يحرص في عمارته ويجتهد في إصلاحه لترجع عليهم غلته فتغنيهم
عن بيعه، وإن اختلفت ضياعهم وانقطع عنهم الرافد من ثمارهم وخشي
الوصي عليهم الهلكة فلا بأس أن يحييهم من مالهم بشئ، بالمعروف
عند الضرورة والحاجة.
430

باب القول في الرجل يوصي له
الرجل ببعض ماله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا أوصى لرجل بثلث
ماله كله يريد به كلما يملك من ناض أو عرض، أو غير ذلك كان ذلك
الموصى له شريكا لهم في تلك الأموال ناضها وعرضها يضرب معهم
بالثلث يقاسمهم ما أمكن قسمته، وما لم يمكن قسمته بيع فقسم بينهم أو
يقاوموه فأخذه بالقيمة بعضهم، والموصى له في ذلك على حقه يأخذه
ويطالب به من قليل ما ترك الميت وكثيره ودقيقة وجليله ليس للورثة أن
يعطوا الموصى له ناضا عن العروض ولا عرضا عن النقود إلا أن يشاء
ذلك هو ويريده فيبيعهم حقه بيعا بثمن يرضاه يأخذه نقدا، أو يشتري
منهم بنصيبه من النقود عرضا فإن أراد ذلك جاز له ولهم الشراء منه
والبيع.
قال: وإن أوصى له بمال معروف وزن أو عدد فهو شريكهم فيما
يوزن ويعد من القدر وليس شريكا في العروض، وعليهم أن يبيعوا منها
حتى يوفوا الموصى له ما أوصى له به الميت من النقد.
باب القول في وصية الصبي
والمعتوه والمجنون والضعيف
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل موصي أوصى
بشئ من ماله فوصيته جائزة إلا أن يكون لا يعقل شيئا مثل الصبي
الصغير ابن الخمس والست والسبع وما دون العشر، ومثل المجنون الذي
لا يفيق أصلا، وكذلك المعتوه الذي لا يفيق، فأما إن كان المجنون
والمعتوه يفيقان في وقت فوصيتهما في وقت إفاقتهما جائزة.
431

قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا ينبغي للمسلمين أن
يوصوا في أموالهم بأكثر من الثلث، وفي ذلك ما يروى عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن رجلا استشاره أن يوصي بثلثي ماله
فقال: لا، فقال: بالنصف، فقال: لا، فقال: بالثلث فقال: (الثلث،
والثلث كثير إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء عالة
يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت فيها).
باب القول في المكاتب وذكره في الكتاب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله عز وجل:
* (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم
خيرا وأتوهم من مال الله الذي آتاكم) * (3).
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: فأمر الله بمكاتبة من علم
فيه خير ممن يطلب المكاتبة من المماليك والخير فهو البر والتقوى
والاحسان والدين والاسلام والمعرفة بالله واليقين، والايفاء لمن يكاتبه.
والاعفاء والمكاتبة فهو أن يتراضى السيد والعبد على شئ
معروف يدفعه إليه في أوقات معروفة أو أشهر أو سنين أو أيام نجوما
منجمة في كل نجم كذا وكذا دينارا على قدر ما يتفقان عليه ويكتبان في
ذلك بينهما كتابا يشترط المولى فيه على مكاتبه أنه إن عجز فلا حق له قبله
وهو مردود في الرق ويشترط عليه إن ولاه ولا. عقبة له بشروط معروفة
سوف نبيها في كتاب الشروط إن شاء الله تعالى. فإذا اصطلحا على
ذلك وكتبا كتابهما كذلك فقد صار العبد مكاتبا يعمل في أي الاعمال
شاء ويصنع ما أحب ويؤدي ما قبله على ما اشترط عليه من النجوم فإذا أدى
ذلك فقد صار حرا وأولاده لمولاه. إن كان شرط ذلك وعجز عن شئ من

(3) النور 33.
432

كتابته كان مردودا في الرق وكان ما أخذ منه سيده لسيده لا يرد إليه منه شيئا
إلا أن يشاء ذلك.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وكذلك الأمة أيضا فإن كان
المكاتب أو المكاتبة كاتب عن نفسه وولده كانوا بالمكاتبة كحاله، فإذا
أدى عتق وعتقوا، وإن عجز استرق واسترقوا، وما ولدت المكاتبة في
مكاتبتها من الأولاد فليس عليهم أداء شئ عن أنفسهم ولا على أمهم
أداء ذلك عنهم، وهم موقوفون أداء فلك عنهم، وهم موقوفون حتى تعتق
أمهم فيعتقوا أو تسترق فيسترقوا إن عجزت عن أداء ما عليها.
قال: فإن قتل مكابت أو قطع منه عضو ودي على حساب م أدى
من مكاتبته وما بقي فعلى حساب قيمته. وكذلك في جميع الحدود إن
لزمته حدود وذلك قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
فإن مات سيد المكاتب له فليس لورثته أن يبطلوا كتابته وهو على ما كان
عليه مع سيده حتى يعجز أو يؤدي.
باب القول في المكاتب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا طلب المكاتب
الإقالة والرجوع في الرق من غير أضرار من سيده ولا سبب أدخله عليه
جاز ذلك، وإن رده في الرق جعل كل شئ أخذه منه مما أعانه عليه به
في مكاتبه أمام المسلمين وساير المسلمين عونا في الرقاب، ولا يحل
له أخذه ولا الانتفاع بشئ منه، فإن كان العبد اكتسب شيئا بيده ولم يعن
به في فكاك رقبته فذلك الشئ جائز أخذه لمواليه والانتفاع به لأنه وما
ملك من شئ لمولاه.
433

باب القول في المكاتبة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا أرى لمن كاتب أمته
أن يقع عليها بعد مكاتبه إياها، فإن دنا منها كان لها مهر مثلها، وكانت
على مكاتبتها ويدرأ الحد عنه بجهله والشبهة التي وقعت في فعله، وإن
عجزت ردت في الرق وكان له ما معها مما اكتسبت هي بنفسها وما كان
معها مما أعينت به من أموال الله في فكاك رقبتها فليس له منه شئ ولا
يجوز له أخذه.
قال: فإن أراد تزويجها تزوجها من بعد أدائها تزويجا صحيحا
بأمرها ورضى منها بمهر وشاهدين وهو وليها من بعد إذنها له في نكاحها.
قال: وإذا وطئ الرجل مكاتبه بأمرها أو بغير أمرها وجهل ما يلزمه
في ذلك فهي بالخيار ان شاءت أقامت على مكاتبتها، وان شاءت
أبطلت المكاتبة، وكذلك لو ولدت منه في مكاتبتها كانت بالخيار إن
شاءت أقامت عليها، وإن شاءت أبطلتها، وإن أقامت على المكاتبة كان
لها مهر مثلها لما كان من وطئه لها.
قال: وإن أبطلت المكاتبة لم يلزم سيدها لها مهر وكانت أمته.
قال: ولو أن مكاتبا اشترى أم ولده فأولدها أولادا ثم مات وقد بقي عليه
بعض مكاتبته فإن الأمة وولدها بمنزلة واحدة إن أدت ما بقي لسيدها أو
أداه بعض ولدها عنها عتقت وعتق ولدها، وإن لم تؤد ولم يؤدوا ردت في
الرق وردوا قال: وليس لمولى أبيهم أن يردهم في أفرق ولا يرد أمهم في
الرق، إن لا يؤدوا ولا تؤدي ما كان بقي على الميت. قال: ولو أن
بعضهم قال نحن نحب الرق ولا نؤدي، وقال بعضهم نحن نؤدي ولا نرد
في الرق، فأدى الكاره للرق ما كان فضل على أبيهم عتق وعتق جميع
أخوتهم وأمه بأدائه ما كان فضل على أبيه.
434

قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو قال رجل لعبده
إن دفعت إلي مائة دينار فأنت حر فدفع إليه خمسين أو ستين ثم مات
السيد فإن العبد مملوك لورثته ولا يلزمهم أن يأخذوا ما بقي من المائة
ويعتقوه لان سيده إنما شرط له إذا دفعها إليه هو دون غيره فلم يدفعها إليه
كلها في حياته فبطل ذلك الشرط وليس حكم هذا كحكم المكاتب
ولا يشتبهان عند من عقل وفهم.
باب القول في التدبير والعتق
في الصحة والمرض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا دبر الرجل في مرضه
مدبرا عبدا أو أمة فهو حر بعد موت سيده، فإن احتاج إلى بيعه قبل موته
فله أن يبيعه إذا اضطر إلى ذلك، وإن كانت أمة فله أن يطأها، فإذا مات
المدبر خرج المدبر من الثلث، وله أن يكاتبه أو يعتقه في كفارة اليمين
وفي الظهار. قال: ولو أن رجلا أعتق عبدا أو عبيدا في مرضه وكان له
مال يخرجون من ثلثه جاز العتق، وإن لم يكن له، مال غيرهم فأجاز
عتقهم الورثة عتقوا، وإن أبوا عتق ثلث كل واحد منهم واستسعى كل
واحد منهم في ثلثي قيمته، وان برأ من مرضه فلا سبيل له على من أعتق
من رقيقه وهم أحرار كلهم بعتقه.
باب القول في العتق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا قال أول ولد
تلده أمتي من عبدي فهو حر فولدت اثنين في بطن عتقا جميعا، لأنه إنما
أراد أول بطن، وعلى ذلك وقعت نيته ولم يكن عنده إنها تلد اثنين وإنما
كان عنده أنها تلد واحدا على ما يرى في الكثير من الناس إلا أن يكون
سمى ذلك واستثنى الأول من الاثنين إن ولدتهما في بطن.
435

باب القول في العبد يكون بين اثنين
فيعتق أحدهما نصيبه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا كان العبد بين اثنين
فأعتق أحدهما نصيبه فإذن شريكه فلا سبيل له عليه، ولا يضمن المعتق
للشريك ماله فيه لأنه أعتقه بأمره، ولا يجوز للذي له فيه ملك أن يقبضه
بماله فيه لأنه لا شريك لله، ولكن يسعى له العبد في نصف قيمته، فإن
كان المعتق أعتق بغير أمر شريكه ضمن المعتق لشريكه قيمة نصف
العبد إن كان موسرا، وإن كان معسرا استسعي له العبد في نصف قيمته
غير مشطوط عليه. قال: ولو كان عبدا صغيرا بين رجلين فأعتق أحدهما
نصفه ولم يعتق الآخر فأقاما على ذلك حتى كبر الغلام فالحكم في ذلك
أن يسعى للذي له فيه النصف في نصف قيمته صغيرا أيام أعتق نصفه،
وإن كان الشريك المعتق موسرا ضمن لشريكه نصف قيمة العبد صغيرا
أيام أعتقه.
قال: ولو أن رجلا قال لعبده وأمته وهما زوجان إن ولدت امرأتك
هذه صبية فهي حرة، وإن ولدت غلاما فأنت حر، فإن ولدت غلاما عتق
أبوه، وإن ولدت جارية عتقت أمها، وإن ولدت توأمين فولدت غلاما
وجارية معا في بطن فإن كانت ولده الغلام قبل ثم ولدتا الجارية بعد
عتق العبد أبو الصبي ساعة ولدت، وإن ولدت الجارية عتقت هي أيضا
ساعة تلدها فيكون العبد والأمة حرين والصبيان عبدين مملوكين وان
ولدت الجارية أولا ثم ولدت الغلام فقد عتق العبد والأمة والغلام المولود
وبقيت الجارة المولودة مملوكة وحدها، وإنما كان ذلك كذلك لأنها
ساعة ولدت الجارية عتقت فصارت حرة ثم ولدت الصبي وهي حرة
والحرة ما ولدت في حال حريتها بعد عتقها فهو حر فيعتق الأبوان بعتق
436

سيدهما لهما فيما سمى من أولادهما، وعتق الغلام لان أمه ولدته بعد
إن عتقت فصار حرا بحريتها لأنه الحرة لا تلد إلا حرا وكلما ولدت الأمة
فهو مملوك وما ولدت الحرة فهو حر.
قال: ولو إن رجلا قال لعبده أخدم ولدي في ضيعتهم هذه عشر
سنين فإذا مضت عشر سنين فأنت حر فباع أولاده الضيعة بعد سنة أو
سنتين فعليه ان يخدمهم في غيرها من ضياعهم تمام العشر السنين فإذا
أوفى العشر السنين فقد عتق. فإن قال بعض ولده قد طرحت عنك
الخدمة التي أوجب لي عليك أبي، وقال بعضهم لا أطرحها لكان واجبا
عليه أن يخدم الذين لم يطرحوا عنه الخدمة في كل سنة، بقدر حصتهم
ويسقط عنه منها قدر حصة الذين طرحوا عنه خدمتهم ولا ينبغي له أن
يحاصهم بالسنين فيطرح من العشر السنين بحساب الذين وهبوا له لأنه
مشروط عليه خدمة عشر سنين وأن مولاه إنما جعل عتقه من بعد العشر
سنين وجعلها أمدا لعتقه يعتق إذا بلغها وليس له أن يعتق دونها ومن قبل
مجئ الوقت الذي جعل له مولاه عتقه فيه، وهذا مثل إنسان قال لعبده
إذا كان رأس الحول فأنت حر أو رأس حولين أو أكثر فالعبد مملوك أبدا
حتى يأتي ذلك الوقت ويبلغ ذلك المدى ثم يعتق إذا استكمل شرطه
فلذلك رأينا للعبد المؤجل عشر سنين أن يخدم ولد مولاه في كل سنة
بحصتهم منها فيما أحبوا من ضياعهم. إن كان البنون ستة فوهب له ثلاثة
خدمتهم خدم الثلاثة الباقين نصف سنة في كل سنة حتى يوفي عشرا ثم
يعتق إذا وفت السنون التي جعل مولاه عند استيفائهن عتقه وضرب له
بهن أجله.
437

باب القول في العبد يعتق ثم
يلحق بالكفار مرتدا فيغنمه المسلمون
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أعتق العبد الرومي
أو غيره فلحق بالكفار مرتدا ثم غنمه المسلمون من بعد ذلك فيما
يغنمون من المشركين نظر في أمره قال فإن كان في وقت ما أعتق كان
مسلما قد أسلم أو أسلم من بعد ما أتق ثم رجع مرتدا إلى دار الحرب
فغنم استتيب فإن تاب خليت سبيله، وإن أبى قتل، وإن كان في وقت
ما أعتق وحين ما خرج من دار الاسلام كافرا كان على حاله لم يسلم فهو
عبد مملوك يقسم في الغنايم ولا ينظر إلى ما كان من عتقه، وكذلك بلغنا
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قضى في مثل ذلك
بمثل هذا القضاء.
باب القول في العبد يباع وعليه دين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا باع الرجل عبدا
وعليه دين فالدين في ثمنه على بائعه قضاؤه لأنه أدانه في ملكه فلزمه أن
يرده على صاحبه.
باب القول في عهدة العبد في الإباق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: ليس في إباق العبد عهدة إلا
أن يشرط المبتاع.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: معنى قوله ليس في إباق
العبد عهدة قال لا يكون الإباق عهدة أيام مسماة كغيره من الأشياء إلا أن
يشرط المشتري فيقول لي في إباقه ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر، فان أبق
438

فمالي عليك وإن لم يأبق حتى تمضي هذه الأيام فأنت من بعد ذلك منه
برئ، فأما إذا لم يشرط واشترى وقد علم أنه أبق فأبق منه في يومه أو
بعد يومه، وقد وقع الشراء وقبض البائع الثمن وقبض هو العبد وافترقا فلا
ضمان على البائع.
باب القول في المدبر والمعتق إذا
لم يترك مولاه مالا غيرهما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا مات رجل وترك
مدبرا، أو عبدا قد، أعتقه في مرضه ولم يترك دينا فالمعتق حر والمدبر
يسعى لورثته في ثلثي قيمته، إن لم يجيزوا عتقه فإن كان أعتق العبد
المعتق في ثقل منه وغمرات العلة فهو كالوصية ان أجازه الورثة جاز وإن
ردوه سعى في ثلثي قيمته لهم.
قال: وإذا أعتق الرجل مملوكه بعد وفاته فهلك وعليه دين ولم
يترك مالا غير العبد وكانت قيمة العبد أقل من الدين سعى في قيمته وإن كان
ت قيمته مثل الدين سعى في الدين كله حتى يؤديه ثم يعتق، وإن كانت
قيمته أكثر من الدين سعى في الدين كله وسعى في ثلثي الفضلة من
قيمته للورثة إن لم يجيزوا عتقه وتفسير ذلك: أن يكون ترك عبدا يساوي
ثلاثين دينارا وعليه دين خمسة عشر دينارا فأعتقه بعد وفاته ولم يترك غيره
من المال فأبى الورثة أن يجيزوا عتقه فعليه أن يسعى في الدين وهو
خمسة عشر دينارا وقد بقي خمسة عشر أخرى فكأنه مات وترك خمسة
عشر دينارا ولم يترك دينا وأوصى بها لرجل ولم يجز ذلك الورثة فعليه أن
يسلم ثلثيها لهم ويأخذ ثلثها بوصية صاحبه له.
439

باب القول فيمن استثنى في عتق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا قال لعبده
أنت حر إن شاء الله كان حرا إن كان ذكر عتقه بعد الممات عتق بعد
موته، وإن كان لم يذكر الموت عتق ساعة قال أنت حر إن شاء الله وذلك
إن كان العبد عفيفا مسلما طاهرا لان الله تبارك وتعالى يحب الاحسان
ويشاء عتق مثل هذا، وذلك أنه يثيب على عتقه المعتق له، ولولا أنه
يشاء عتقه لم يثب عليه، فأما إن كان فاسقا ظالما جريئا على الله فلا
يعتق بقوله أنت حر إن شاء الله ولا أنت حر بعد وفاتي إن شاء الله لأنه الله
لا يشاء عتق هذا.
والدليل على أن الله لا يشاء عتقه أن الله لا يؤجر على عتقه من
أعتقه بل يعاقبه على فك أسره من رقه وبتقويته بتمليكه لنفسه على فسقه
إذ قد علم بفجوره وعصيانه وقلة دينه وإيمانه وأطلق حبايله وأرخى له في
حاله ومكنه بذلك من سئ أعماله وقواه على فجوره وإدغاله فليس من
كان كذلك بأهل أن يعتق لان في العتق تفريغا وتقوية له على المعاصي،
والواجب لله على كل إنسان حبس من يطبق حبسه من العاصي ومنع من
يطبق منعه من الجرأة (4) على رب العالمين.
قال: ومن قال لأعبد له عدة في مرضه، وإدنافه أثلاثكم أحرار ولا
مال له غيرهم سعى للورثة كل واحد منهم في ثلثي قيمته، فإن قال لهم
ذلك في صحة من بدنه وجواز من أمره عتقوا عليه كلهم إن كان له مال
غيرهم، وإن لم يكن له مال غيرهم سعى كل واحد منهم في ثلثي قيمته،
وحاله في ذلك كحال شريكين في عبيد وأعتق أحدهما نصيبه منهم
فالحكم عليه في ذلك إن كان موسرا أن يدفع إلى شريكه قيمة ماله فيهم

(4) في نسخة: ومنع من يطيق منعه من الجورة. الخ.
440

لأنه قد أعتق لله بعضهم فأفسد ذلك ملك شريكه فيهم إذ جعل الله
سبحانه فيهم شركاء والله تبارك وتعالى فلا يشارك في شئ من الأشياء،
وإن كان معسرا كان الحكم عليهم أن يسعوا للذي لم يعتق في قيمة ماله
فيهم.
باب القول في أم ولد الذمي يسلم أو أمته
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أسلمت أم ولد
الذمي سعت له في قيمتها ولم ترد إليه، وإن أسلمت أمته حكم عليه
ببيعها من المسلمين.
باب القول فيمن أعتق شقصا من مملوكه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من أعتق من عبده جزءا
أو عضوا أو بعضا فالعبد كله حر يعتق سائره بعتق بعضه، وكذلك بلغنا
عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام: أنه قال: إذا أعتق
الرجل من عبده عضوا فهو حر كله عتيق.
قال: ولو أن رجلا قال لعبده رجلك حرة، أو يدك حرة، أو فخذك
حرة، أو صدرك حر، كان العبد كله حرا، وكذلك لو قال رجل لامته ما في
بطنك حر كان حرا، وكانت الأمة مملوكة، ولو قال: أنت حر وما في
بطنك مملوك كانت وما في بطنها حرين لان كلما ولدت الحرة في حريتها
فهو حر قال: ولو أن رجلا أعتق مملوكه عند موته وعليه دين استسعى
المملوك في قيمته إذا لم يكن ترك غيره، قال: ولو أن رجلا اشترى
شقصا في مملوك فوجده من بعد شرائه له ذا رحم محرم، فإنه يعتق العبد
ساعة اشتراه ذو رحمه ويضمن المشتري قيمة ما لشريكه منه إن كان
441

موسرا، وإن كان معسرا استسعى المملوك في قيمة ما لشريك ذي رحمة
فيه غير مشقوق (5) عليه ولا متعب فيه.
قال: ولو أن رجلين كان بينهما مملوك فأعتق أحدهما حصته ودبر
الآخر حصته فإن تدبير المدبر باطل والعتق لمن أعتق أولا ويضمن
المعتق أولا قيمة نصيب المدبر إن كان موسرا، وإن كان معسرا استسعي
العبد في حصة المدبر، وكذلك لو كان عبد بين اثنين فدبر أحداهما
حصته، وأعتق الآخر حصته من بعد تدبير الأول لكان عتق الآخر باطلا
وكان العبد مدبرا لمن دبر حصته أولا ويضمن المدبر لشريكه قيمة ماله
في العبد.
قال: ولو أن رجلا كان له عبد فدبر شقصا منه كان العبد كله مدبرا
يستخدمه حياته ويعتق بعد وفاته من الثلث.
قال: ولو أن بعدا كان بين رجلين فشهد أحدهما على صاحبه أنه
قد أعتق نصيبه وأنكر ذلك المشهود على لكان الحكم في ذلك أن يقال
لهذا الشاهد أنت قد شهدت على شريكك أنه قد أعتق حصته فلا سبيل
لك على العبد لأنك قد زعمت أن بعضه حر والله فلا يشارك فلا سبيل
لك على العبد وليس لك إلا قيمة حقك فيه إن كنت معسرا سعى لك
العبد فيه فإذا حكم على الشاهد بذلك قيل للمشهود عليه قد عتق ما كان
لشريكك في هذا العبد لأنه قد شهد عليك بالعتق لهذا العبد فأزاح
بشهادته عليك ملكه هو عنه فلك عليه قيمة حقك إن كان موسرا، وإن
كان معسرا سعى لك العبد في قيمة حقك كما سعى له في قيمة حقه في
حال إعساره.
قال: ولو شهد رجلان على رجل بعتق مملوك له فقال: العبد لم

(5) في نسخة: غى مشطوط عليه.
442

يعتقني وهذان الشاهدان مبطلان في شهادتهما فإن الحكم في ذلك أن
يكون العبد مملوكا باقراره بالملك وإبطاله شهادة الشاهدين ولا يجوز
لسيده فيما بينه وبين الله تعالى إن كان أعتقه استرقاقه ولا أن يملكه من
بعد عتقه.
قال: ولو كانت الشهادة من الشاهدين في أمة أنه قد أعتقها وكانا
عدلين جازت شهادتهما وعتقت الأمة ولن أنكرت ولم يترك يطؤها وليس
هذا مثل العبد لان العبد لا يوطأ والأمة والأمة وليس حد الفروج كحد
غيرها.
باب القول فيمن أعتق عبده إلى وقت
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا قال لعبده
إذا جاء فلان من سفره، أو كان كذا وكذا أو قال له إذا خرجنا من البحر
وسلمنا الله من وله، أو قال له إذا كان رأس السنة أو كان يوم عرفة فأنت
حر لوجه الله فإنه إذ كان ذلك، أو جاء ذلك الوقت وكان ما ذكر والعبد
في ملكه عتق عليه العبد، وإن كان ذلك أو جاء ذلك الوقت وقد باعه
قبله لم يلزمه عتقه سواء عليه باعه قبل ذلك بيسير أو كثير إن كان باعه
لضرورة وحاجة، ولا نجيز له بيعه لغير حاجة ولا ضرورة، فان باعه فرارا
مما جعل لله عز وجل ونطق به لسنانه من عتق عبده لم نجز له ذلك ولزمه،
وحاله في ذلك كله كحال المدبر عندنا ولا يجوز له بيعه الا لضرورة تنزل
بصاحبه.
443

باب القول في الرجل يقول لعبد
غيره أنت حر من مالي
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ليس ذلك بشئ ولا
قوله فيه بقول ولا يعتق إلا ما ملك ولا يطلق إلا ما تزوج.
باب القول في العتق على البشارة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا أو امرأة فالا
لعبيد لهما من بشرنا بكذا وكذا فهو حر من موت إنسان أو ولادة مولود وما
أشبه ذلك فبشره بذلك الشئ عبد من عبيده ثم أتاه آخر بعد ذلك فبشره
كان الأول حرا لأنه الذي بشره ولم يعتق الثاني لان البشارة إنما تكون
بالشئ أو ما يبشر به الانسان فأما بعد علمه به فلا بشارة له.
444

كتاب
القاضي والقضاء والشهادات
445

بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول فيما يجب على القاضي أن يفعله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي للقاضي إذا
تقاضى إليه خصمان ألا يقضي لأحدهما حتى يسمع كلام الآخر ويفهم
معناهما ويتثبت في حججهما، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم أنه قال لعلي: (إذا تقاضى إليك خصمان فلا
تقض للأول حتى تسمع كلام الآخر).
قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ولا ينبغي للقاضي أن يقضي
بين المسلمين وهو غضبان، ولا أن يقضي بينهم وهو جائع شديد
الجوع، ولا ينبغي له أن يسلم على أحد الخصمين سلاما لا يسلمه على
صاحبه وإن كان له صديقا لأنه إذا فعل ذلك أفز خصم صديقه وأخافه،
وينبغي له أن يساوي بين مجالس الخصمين ويبدأ بالضعيف على القوى
فيسمع كلامه وحجته إلا أن يكون القوي هو المستعدى على الضعيف،
فإن استويا بالخصومة بدأ بالضعيف، كذلك يفعل في النساء والرجال،
ولا ينبغي له ان يقضي وقلبه مشتغل في شئ آخر ولا ينبغي لاحد أن
يطلب القضاء أو يسأله ويحرص عليه لان خطره عظيم وفي ذلك
ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من ولي
447

القضاء فقد ذبح بغير سكين) وبلغنا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أنه قال: (من سأل القضاء وكل إلى نفسه).
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ينبغي للقاضي أن
لا يخوض مع الخصم في شئ من أمره ولا يشير عليه برأي إلا أن يأمره
بتقوى الله ومحاذرته وترك الظلم في جميع أمره وإنصاف خصمه فقط.
قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال
علي أعلم القوم وأقضاهم.
قال: وبلغنا عن علي عليه السلام أنه كأن يقول: (والله لو
أطعتموني لقضيت بينكم بالتوراة حتى تقول التوراة اللهم قد قضى بي
ولقضيت بينكم بالإنجيل حتى قول الإنجيل اللهم قد قضى بي،
ولقضيت بينكم بالقرآن حتى يقول القرآن اللهم قد قضى بي ولكن والله
لا تفعلون والله لا تفعلون).
وروي عنه عليه السلام أنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم إلى اليمن فوجدت حيا من أحياء العرب قد حفروا زبية
للأسد فصادوه فيها فبينا هم كذلك يتطلعون إليه إذ سقط رجل فتعلق
بآخر فتعلق الآخر بآخر ثم الآخر بآخر حتى صاروا فيها أربعة فجرحهم
الأسد كلهم فتناوله واحد منهم فقتله وماتوا كلهم من جراحتهم فقام أولياء
الآخر فأخذوا السلاح وجاءوا إلى أولياء الأول ليقتتلوا فأتاهم علي عليه
السلام وهم في ذلك فقال: تريدون أن تقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم حي وأنا إلى جنبكم ولو اقتتلتم وقتلتم أكثر مما يختلفون
فيه فأنا أقضي بينكم بضاء فإن رضيتم القضاء وإلا حجرت بعضكم من
بعض حتى تأتوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيكون هو
الذي يقضي بينكم فمن تعدى بعد ذلك فلا حق له، أجمعوا لي من
448

القبائل الذين حفروا البئر ربع الدية وثلث الدية ونصف الدية ودية كاملة
فيكون للأول ربع الدية لأنه هلك من فوقه ثلاثة وللذي هلك ثانيا ثلث
الدية لأنه هلك من فوقه اثنان وللثالث نصف الدية لأنه هلك من فوقه
واحد، وللرابع الدية كاملة، فأبوا أن يرضوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم فلقوه عند مقام إبراهيم صلى الله عليه وعلى آله وسلم
في المسجد الحرام فقصوا عليه القصة فقال: أنا أقضي بينكم واحتبى
ببرده، فقال: رجل من القوم إن عليا قد قضى بيننا فلما قصوا عليه القصة
التي قضى بها علي عليه السلام أجاز ذلك وأمضاهم عليه.
وبلغنا عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه وجد درعا له عند
نصراني فأقبل به إلى شريح قاضيه على المسلمين فخاصمه عليه
قال فلما رآه شريح رحل له عن مجلسه فقال له: مكانك فجلس إلى
جنبه فقال يا شريح أما أنه لو كان خصمي مسلما ما جلست معه إلا في
مجلس الخصوم ولكنه نصراني، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم: إذا كنتم وإياهم في طريق فألجئوهم إلى مضائقه وصغروا بهم
كما صغر لله بهم من غير أن تظلموهم. ثم قال عليه السلام يا شريح إن
هذا درعي لم أبع ولم أهب، فقال شريح للنصراني ما تقول فيما قال أمير
المؤمنين فقال النصراني ما الدرع إلا درعي وما أمير المؤمنين عندي
بكاذب، قال فالتفت شريح إلى علي فقال يا أمير المؤمنين هل من بينة
قال فضحك علي وقال أصاب شريح مالي من بينة فقضى بالدرع
للنصراني، قال: فقام النصراني فمشي هنيهة ثم رجع ثم قال أما أنا
فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء، أمير المؤمنين يمشي إلى قاضيه يقضي
عليه أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله
الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين اتبعت الجيش وأنت منطلق إلى صفين
449

فجررتها من بعيرك الأورق، قال أمير المؤمنين أما إذا أسلمت فهي لك
وحمله على فرس وقاتل مع أمير المؤمنين يوم النهروان.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: رحم الله عليا أمير المؤمنين فقد
جهل الحق من جهل فضله، وحار عن القصد من حار عن قصد حقه
فكيف بمن حار عن حقه وهو يسمع قول الله سبحانه حين يقول فيه
رضوان الله عليه: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون
الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * (1) فجعل الولاية لله سبحانه ولرسوله
وللمؤتي من المؤمنين الزكاة وهو راكع فكان ذلك أمير المؤمنين دون غيره
من سائر المسلمين لا ينازعه فيه منازع ولا يدفعه عنه دافع بحكم الله له
بذلك وقوله فيه ما قال من ذلك وغيره من قوله: * (والسابقون السابقون
أولئك المقربون) * (2) فكان السابق إلى ربه غير مسبوق.
ويقول تبارك وتعالى فيه وفي العباس بن عبد المطلب عندما كان
من تشاجرهما في الفضيلة، فقال العباس أنا ساقي الحجيج وقال علي
عليه السلام أنا السابق إلى الله ورسوله، فأنزل الله عز وجل في ذلك
* (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم
الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم
الظالمين الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم
أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة ورضوان
وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم) * (3) وكان
سبب ما أنزل الله من ذلك أن العباس بن عبد المطلب رحمه الله
ذكر فضل ما في يده وما يظهر من عمله من سقاية الحاج وعمارة المسجد

(1) المائدة 55.
(2) الواقعة 10.
(3) التوبة. 19
450

الحرام وذكر أمير المؤمنين قديم اسلامه وهجرته واجتهاده في جهاد أعداء
ربه وبذله مهجته لله ورسوله فقضى الرحمن بينهما، وبين الفصل بين
فضيلتهما بما ذكر وقال في كتابه.
ولو ذهب أحد يصف ما لأمير المؤمنين عليه السلام في واضح
التنزيل من الذكر الجميل لعسر عليه ذكره وطال عليه شرحه، والحمد لله
رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله عليه محمد الأمين وعلى آله
البررة الطيبين الطاهرين.
باب القول في القضاء والقول
فيمن ادعى ذهاب سمعه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أدعى إنسان على
إنسان ذهاب سمعه فينبغي أن يحتال عليه فيفزع من ورائه في أغفل
غفلاته بشئ يضرب به وراءه فإن فزع لذلك الصوت فهو كاذب وان لم
يفزع فهو صادق، وإن اتهم استحلف على دعواه، قال والافزاع على
الغفلة يستخرج ضميره بلا شك.
باب القول في القضاء في السيل
وقسمة مائة بين الضياع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لصاحب الزرع
أن يمسك من الماء إلى الشراكين، ولصاحب النخل إلى الكعبين ثم
يرسلون الماء إلى من هو أسفل منهم، وكذلك يفعل الأسفلون حتى
ينتهي السيل إلى آخر الضياع إن كان كثيرا أو يقصر عن الأسفلين إن كان
قليلا، والأعلى فالأعلى أولى بقليل الماء، وكذلك بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قضى بين أهل المدينة في سيل مهروز
451

وكان يصب فيها حتى حول فقال أهل أسفل الوادي، أهل أعلى الوادي
يمسكون عنا الماء فقضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
لصاحب الزرع إلى الشراكين، ولصاحب النخل إلى الكعبين ثم
يرسلون إلى من هو أسفل منهم.
باب القول في القضاء بين أهل
الأسواق وفي المجالس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن أمير المؤمنين
عليه السلام أنه خرج إلى السوق ذات يوم فإذا دكاكين قد بنيت ورفعت
فقال: ما هذا السوق إلا للأسود والأبيض فمن سبق إلى مكان غدوة فهو
مكانه إلى الليل قال فكنا نأتي الرجل في المكان قد كنا نبايعه فيه ثم نأتيه
من الغد فيوجد في مكان آخر قد جلس فيه.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: هذا في الذين يقعدون
على قارعة الطريق، وليسوا بأهل بيوت، ولا حوانيت، وإنما يجلسون
أمام أصحاب البيوت والحوانيت في الطريق فهم الذين حكم بذلك فيهم
أمير المؤمنين عليه السلام: فأما أصحاب البيوت والحوانيت أولى
ببيوتهم وحوانيتهم لا يزاحمهم فيها أحد ولا يكون أحد أحق منهم بها.
باب القول فيما ينبغي أن يكون
في القاضي من الخلال
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يحتاج القاضي أن
يكون عالما بما يقضي فهما بما ورد عليه، ورعا في دينه عفيفا من أموال
المسلمين حليما إذا استجهل وثيق العقل جيد التمييز صليبا في أمر الله،
فإن نقص من هذه الخصال شئ كان ناقصا.
452

صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويجب على القاضي أن
يتعاهد من يقدم عليه من أهل البلاد يتقاضون إليه فإنه إذا طال
حبسهم تركوا حوائجهم وانصرفوا إلى أهليهم فيكون الذي أبطل حقوقهم
القاضي الذي لم يتعاهدهم ولم يرفع بهم رأسا، وينبغي للقاضي أن
يحرص على الصلح بين الناس ما لم يبن له الحق، فأما إذا بان له الحق
فلا صلح.
قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه
قال: (القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة، فأما الذي في الجنة
فقاض علم الحق فقضى به فهو في الجنة، وأما القاضيان اللذان في
النار فقاض علم الحق فجار متعمدا، وقاض قضى بغير علم فاستحيا أن
يقول لا أعلم فهما في النار).
قال: وينبغي للقاضي أن يساوي ين الخصمين في الاقبال
عليهما والمكالمة لهما.
باب القول في إعطاء القاضي رزقا على قضائه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بد للقاضي من العطاء
والتوسعة وإلا هلك وعياله واشتغل عن القضاء قلبه، وكذلك بلغنا عن
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان يرزق شريحا
خمسمائة درهم.
باب القول في القضاء باليمين مع الشاهد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا اختلاف عندنا في
القضاء باليمين مع الشاهد وبذلك جاءت السنة عن النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم، فإن أنكر ذلك قيل له ما تقول في رجل أدعى على رجل
453

مالا ولم يكن له عليه بينة وقد كانت بينهما خلطة ومعاملة أليس الاجماع
في ذلك عندنا وعندكم أن المدعى عليه يحلف أن المدعي مبطل في
إدعائه وأنه لاحق له قبله فإذا نكل عن اليمين ولم يحلف حلف المدعي
ووجب له الحق على المدعى عليه، فإذا قال نعم قيل له فقد ترى هذا
الحق حقه بيمينه فقط فكيف لا يلحقه إذا كان مع اليمين شاهد.
قال: وتفسير ذلك: أن يدعي رجل على رجل حقا ويأتي معه على
دعواه بشاهد ثقة معدل فإذا فعل ذلك أستحلف مع شاهده وقضي له
بحقه.
قال: وإنما يقضي باليمين مع الشاهد في الحقوق والأموال فقط،
وعما في غيرها من سائر الأشياء فلا، والقضاء بالشاهد مع اليمين بإجماع
من آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
باب القول في شهادة الصبيان
فيما يكون بينهم من الشجاج والجراح
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: شهادة الصبيان بعضهم
على بعض فيما يكون بينهم من الجراح والشجاج جائزة ما لم يفترقوا،
فإن افترقوا لم تكن لهم شهادة، إلا أن يكون شهد علي شهادتهم قبل أن
يفترقوا من يوق بشهادته، وإنما قلنا أنهم إن افترقوا لم تقبل شهادتهم لان
الصبيان لا معرفة لهم بما يحل لهم ويحرم عليهم، ومن كان كذلك لم
يؤمن أن يؤمر بإزاغة الشهادة فيزيغها، أو يؤمر بزيادة فيها أو نقصان بقلة
علمه بما يجب عليه لربه.
454

باب القول فيمن لا تقبل شهادته
ومن تجوز شهادته
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا تقبل شهادة الذميين
ولا الفاسقين ولا الصبي، ولا الجار إلى نفسه إذا كان هو الخصم
المخاصم، وتقبل شهادة العبد إذا كان عفيفا مسلما طاهرا وتقبل شهادة
الابن لأبيه والأب لابنه والأخ لأخيه والزوج لزوجته إذا كانوا عدولا
مسلمين مؤمنين، ولا تقبل شهادة النساء حدهن إلا فيم لا يشهد عليه
غيرهن من الاستهلال وأمراض الفروج.
قال: وإن أطلع الحاكم على فساد من أهل الدهر وشرارة وخبث
من الشهود فرأى أن يستحلف الشهود للاحتياط في الدين كان ذلك له
لأنه مؤتمن على المسلمين وأموالهم فعليه الاحتياط في ذلك
للمسلمين.
قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه
قال: من اقتطع حق مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار قيل
له يا رسول الله وإن كان شيئا يسيرا قال: وإن كان قضيبا من أراك حتى
قال ذلك ثلاث مرات.
وبلغنا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: من حلف على
منبري هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار.
باب القول في بعض الشهادة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يشهد
الرجلان على شهادة الرجل الواحد في الحقوق، فأما في الحدود فأكره
ذلك في الحد والقطع لان الإمام لو أمر الشهود بجلده وقطعه وجب
عليهم طاعته، ولا أحب لهم أن يقيموا حدا لم يعاينوا صاحبه يفعله،
455

وإنما يقيمونه بشهادة غيرهم فأما في الرجم فلا أجيزه بتة أصلا لان الشهود
أول من يرجم ولا يجوز أن يرجموا في أول الناس بشئ لم يعاينوه، وإنما
كرهت ذلك في الحدود والقطع والجلد لان صاحب ذلك ربما تلف فيه
ومن أتلف بشهادته نفسها كان الضامن لدمه وديته إن كانت الشهادة باطلة
أو أكذب الشهود أنفسهم.
باب القول في الرشوة في الحكم
ومهر البغي وأجرة الكاهن، والغازي بجعل وثمن الكلب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من ارتشى في حكمه
فهو سحت محرم وهو ملعون عند الله فاسق مجرم. ومهر البغي سحت، وثمن
الكلب وأجرة الكاهن سحت، ونكره أجرة الغازي في سبيل الله بجعل،
وهو الذي لا يخرج إلا أن يعطى على خروجه فتلك التي لا تجوز عندنا
إنفاقها وكذلك روي لنا عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه
السلام.
باب القول في تفريق الشهود
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بتفريق الشهود إذا
اتهموا بل أقول إن الواجب على الإمام إذا أتهمهم أن يسألهم واحدا
واحدا ويفرقهم حتى يعلم بعضهم ما قال بعض، فإن استوت شهادتهم
حكم بها، وإن اختلفت أقاويلهم أبطل شهادتهم.
باب القول في شهادة الصبي إذا كبر
والكافر إذا أسلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا شهد الصبي عند
بلوغه والكافر عند إسلامه على شئ قد علماه جازت شهادتهما عليه.
456

كتاب السير
457

بسم الله الرحمن الرحيم
مبتدأ القول في السير
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أول ما ينبغي أن نتكلم
فيه، ونذكره صفة الإمام الذي تجوز طاعته وتجب على الأمة نصرته،
ويحرم عليهم تركه وخذ لأنه.
باب القول في صفة الإمام والقول في ذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الإمام الذي تجب
طاعته هو أن يكون من ولد الحسن أو الحسين عليهما السلام، ويكون
ورعا تقيا صحيحا نقيا وفي أمر الله عز وجل جاهدا وفي حطام الدنيا
زاهدا فهما بما يحتاج إليه، عالما بملتبس ما يرد عليه، شجاعا كميا بذولا
سخيا رؤوفا بالرعية رحيما متعطفا متحننا حليما مواسيا لهم بنفسه مشاركا
لهم في أمره غير مستأثر عليهم، ولا حاكم بغير حكم الله فيهم رصين
العقل بعيد الجهل آخذا لأموال الله من مواضعها رادا لها في سبلها مفرقا
لها في وجوهها التي جعلها الله لها مقيما لأحكام الله وحدوده آخذا لها
ممن وجبت عليه ووقعت بحكم الله فيه من قريب أو بعيد شريف أو دني
لا تأخذه في الله لومة لائم قائما بحقه شاهرا لسيفه داعيا إلى ربه مجتهدا
في دعوته رافعا لرايته مفرقا للدعاة في البلاد غير مقصر في تأليف العباد
459

مخيفا للظالمين مؤمنا للمؤمنين لا يأمن الفاسقين ولا يأمنونه بل يطلبهم
ويطلبونه قد باينهم وباينوه وناصبهم وناصبوه فهم له خائفون وعلى هلاكه
جاهدون يبغيهم الغوايل ويدعو إلى جهادهم القبائل متشردا عنهم خائفا
منهم لا تردعه ولا تهوله الأخواف ولا يمنعه عن الاجتهاد عليهم كثرة
الارجاف شمري مشمر، مجتهد غير مقصر فمن كان كذلك من ذرية
السبطين الحسن والحسين عليهما السلام فهو الإمام المفترضة طاعته
الواجبة على الأمة نصرته ومن قصر عن ذلك ولم ينصب نفسه ويشهر
سيفه ويباين الظالمين ويباينوه ويبين أمره ويرفع رايته لتكمل الحجة لربه
على جميع خلقه بما يظهر لهم من حسن سيرته وظاهر ما يبدو لهم من
سريرته فيجب بذلك على الأمة المهاجرة إليه والمصابرة معه ولديه فمن
فعل ذلك من الأمة من بعدما أبان لهم صاحبهم نفسه وقصد ربه وشهر
سيفه وكشف بالمباينة للظالمين رأسه فقد أدى إلى الله فرضه ومن قصر
في ذلك كانت الحجة لله عليه قائمة ساطعة منيرة بينة قاطعة ليهلك من
هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم.
باب القول فيما ثبتت به الإمامة للامام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تثبت الإمامة للامام
وتجب له على جميع الأنام بتثبيت الله لها فيه وجعله إياها له وذلك فإنما
يكون من الله إليه إذا كانت الشروط المتقدمة التي ذكرناها فيه فمن كان
من أولئك كذلك فقد حكم اله له بذلك رضي بذلك الخلق أم سخطوا
قال: وليس تثبت الإمامة بالناس للامام كما يقول أهل الجهل من الأنام
إن الإمامة بزعمهم إنما تثبت للامام برضى بعضهم وهذا فأحول المحال
وأسمج ما يقال به من المقال بل الإمامة تثبت بتثبيت الرحمن لمن ثبتها
فيه وحكم بها له من الانسان رضي المخلوقون أم سخطوا شاءوا ذلك
460

وأرادوه أم كرهوا، فمن ثبت الله له الإمامة وجبت له على الأمة الطاعة،
ومن لم يثبت الله له ولاية على المسلمين كان مأثوما معاقبا ومن اتبعه
على ذلك من العالمين لأنه اتبع من لم يجعل الله له حقا وعقد لمن لم
يعقد الله له عقدا، والامر والاختيار فمردود في ذلك إلى الرحمن وليس
من الاختيار في ذلك شئ إلى الانسان كما قال الله سبحانه: * (وربك
يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما
يشركون) * (1) ويقول سبحانه: * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله
ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد
ضل ضلالا مبينا) * (2) صدق الله سبحانه لقد ضل من اختار سوى خيرته
وقضى بخلاف قضائه وحكم بضد حكمه فالحكم لله سبحانه فمن رضي
رضيناه ومن ولى علينا سبحانه أطعناه، ومن نحا عنا جل جلاله نحيناه
وقد بين لنا سبحانه من حكم له بالتولية على الأمة ومن صرفه عن الأمر والنهي
عن الرعية فجعل خلفاءه الراشدين وأمناءه المؤمنين من كان من
أهل صفوته وخيرته (3) المؤتمنين على ما ذكرنا ووصفنا من الصفة التي بينا
ووصفنا بها الإمام وشرحنا وأخبرنا أن من كان على خلاف ذلك منهم فإنه
لا يكون بحكم الله إماما عليهم. وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: * (أفمن
يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف
تحكمون) * (4) فنهاهم عن الحكم لمن قصر عن الهداية إلى الحق
بالولاية العظمى وحكم بها سبحانه لمن كان من عباده هاديا إلى الحق
والتقى من صفوته وموضع خيرته الذين أختارهم بعلمه وفضلهم على

(1) القصص 68.
(2) الأحزاب 36.
(3) في نسخة وخيرته أجمعين.
(4) يونس 35.
461

جميع خلقه وجعلهم الورثة للكتاب المبين الحكام فيه بحكم رب
العالمين ختم بهم الرسل وجعل ملتهم خير الملل فهم آل الرسول صلى
الله عليه وعلى آله وسلم وأبناؤه وثمرة قلبه وأحباؤه وخلفاء الله وأولياؤه وفي
ذلك ما يقول جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: * (ثم أورثنا الكتاب
للذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق
بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير) * (5) فجعل سابقهم هو الآمر
فيهم والحاكم عليهم وعلى غيرهم من جميع المسلمين وغيرهم من
جميع عباد رب العالمين.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل هل تثبت الإمامة للامام بغير رضى
من المسلمين وبغير عقد متقدم باثنين ولا أكثر، فقال: أعلم هداك الله
أن الإمامة إنما تثبت لمن ثبتت له بالله وحده بما جعلها تجب به من كمال
الكامل المطيق لها بالعلم غير الجاهل فمن كان في العلم كاملا ولم
يكن بما يحتاج فيه إليه من الدين جاهلا فإن على المسلمين العقد له
والرضى به لا يجوز لهم غير ذلك ولا يسعهم إلا أن يكونوا كذلك.
باب القول في الرجلين من آل رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم يشتبهان في حال
أو حالين أو في كل حال
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن اشتبه رجلان في
العلم واختلفا في الورع فالإمامة لأورعهما وإن اشتبها في الورع والعلم
فالإمامة لأزهدهما في الدنيا، وإن اشتبها في ذلك كله فالإمامة

(5) فاطر 32.
462

لأسخاهما، فان اشتبها في ذلك كله فالإمامة لأشجعهما، فإن اشتبها
في ذلك كله فالإمامة لأرحمهما وأرأفهما بالرعية، فإن اشتبها في ذلك كله
فالإمامة لأشدهما تواضعا، فإن اشتبها في ذلك كله فالإمامة لأحلمهما
وأحسنهما خلقا، فإن اشتبها في ذلك كله وفي غيره مما ذكرنا من شروط
الإمامة ولن يشتبه في ذلك اثنان طول الأبد، ولو جهد في ذلك كل أحد
ولا يكونان في شئ من ذلك متفقين ولا بد أن يكونا في بعض شروط
الإمام مختلفين ولكن لابد أن نقول في ذلك ونتكلم فيه للاحتياط لكي
يتبين ذلك ويبعد منه الريب والاختلاط فنقول أنهما إن اشتبها في ذلك
كله كانت الإمامة لأسنهما، فإن استويا في السن فالإمامة لأحسنهما
وجها، فإن استويا في حسن الوجه فالإمامة لأفطنهما، فإن استويا في
الفطنة فالإمامة لأحسنهما تعبيرا وأجودهما تبيينا، فإن استويا في جميع
ذلك كله فالإمامة لمن عقدت له أولا، وليس لاحد إذا كانا مستويين في
جميع الأمور التي ذكرنا وشرحنا وكان قد عقد لأحدهما أولا أن يتخير من
بعد العقد لأحدهما ولا أن يتقدم عليه من بعد العقد له المتأخر منهما.
حدثني أبي عن أبيه أنه قال: إذا اشتبه رجلان في الكمال وكانا
سواء في كل حال من الأحوال فالعقد لمن بدئ بالعقد له منهما وليس بأحد إذا كملا
جميعا أن يتخير فيهما من بعد العقد لأحدهما إلا أن يتفاوت بهما حال
في الكمال أو يتفاضلا في الكفاءة، فأما إذا استوت حالاتهما وكانت
واحدة فليس لأحد فيهما اختيار ولا نظر وأيهما قدم في العقد وجبت له
الإمامة ولو لم يكن العاقد له إلا واحد لأن العقد إنما يجب له بسبقه
وكماله وما وصفنا من حاله فإذا تمت حاله ورضيت أفعاله فعلى كل أحد
التسليم له والرضى به. فإن قال قائل لم أوجبت للمبتدئ بعقده من
الإمامة ما لم توجبه للآخر وحالهما مستوية؟ قلنا له: للتقدم في العقد
463

والابتداء، ولأنه ليس لصاحبه نقض إمامة المعقود له بعد استحقاقه
للعقد بكماله أولا.
باب القول فيما يزيل إمامة الإمام قال
يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تزول إمامة الإمامة أن
يأتي بكبيرة من الكباير والعصيان فيقيم عليهم ولا ينتقل بالتوبة عنها، فإذا
كان كذلك وأقام على ذلك زالت إمامته وبطلت عدالته ولم تلزم الأمة
بيعته، وكان عند الله من المخذولين الملعونين المسخوط عليهم
الفاسقين الذين تجب عداوتهم وتحرم موالاتهم.
حدثني أبي عن أبيه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله
وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يقول الله
لجبريل عليه السلام يا جبريل ارفع النصر عنه وعنهم فإني لا أرضى هذا
الفعل في زرع هذا النبي).
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: هذا القول والحديث إنما
هو فيمن قام من ولد الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعمل بغير
الحق فأما من عمل منهم بالحق فهو عند الله رضي مرضي هاد معتد
مقبول منصور.
باب القول فيما يجوز للامام العمل
به في رعيته ومتى يجوز له الخروج
من أمرهم والتنحي عن قربهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجوز للامام ما جوز الله
له من الفعل ويحرم عليه ما حرم الله في كتابه من العمل.
464

قال: وليس له إذا عقدت له البيعة أن يخرج مما دخل فيه ولا أن
يرفض ما عقد له ما وجد على أمر الله معينين وفي مرضاة الله ساعين
ينهضون معه أن نهض ويجاهدون معه إن جاهد ويرحلون معه إن رحل
وينزلون معه إن نزل ويبذلون أنفسهم وأموالهم ويقتدون به في كل أحواله
فإذا وجد أعوانا كذلك ينال بهم ما يريد ويجري بهم على الظلمة الأحكام
ويظهر فيهم دين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم شيئا شيئا يتزيد
بهم في كل يوم في البلاد ويناصحون معه في قتال من خالفه من العباد
فلا يجوز له الخروج عنهم ولا يحل له التنحي والانفراد منهم ما أقاموا
على ذلك وكانوا له كذلك، فة أما إن هو خولف في أمره وعوند في حكمه،
ولم يطع على جهاد أعداء الله ودعاهم إلى الجهاد ودعوه إلى الاخلاد
ودعاهم إلى النهوض فدعوه إلى القعود وسألهم المواساة لإخوانهم
المسلمين وأن يبذلوا بعض أموالهم في المجاهدة في سبيل رب العالمين
فبخلوا بها عن الانفاق ولم يضربوا معه في سبيل الله إلى الآفاق وقصرت
هممهم وصغرت أنفهسم وساءت طاعتهم ولم يجد من يردهم به إلى
الحق ويضربهم به على كلمة الصدق لم يحل له المقام بينهم ولم يجز
له عند الله التشاغل عن غيرهم بهم ووجب عليه ما أمر الله به رسوله
حين دعا فلم يطع وأمره فلم يتبع أيام مقامه بمكة ومن قبل ما كان منه من
الهجرة فأمر الله تبارك وتعالى بالتنحي عن الظالمين والبعد منق رب
المخالفين فقال سبحانه: * (فتول عنهم فما أنت بملوم وذكر فإن
الذكرى تنفع المؤمنين) * (6) فأمره بالتولي عن من عصاه والتنحي عمن
أباه وأخبر أنه من بعد الاجتهاد غير ملوم في تركهم ولا بمعاقب في
رفضهم ثم أمره بالتذكرة للعالمين والدعاء لجميع المربوبين وأخبره أن

(6) الذاريات 54.
465

ذلك ينفع المؤمنين وكلما ينفع المؤمنين من العظة والتذكرة فهي حجة
الله على العصاة الكفرة، فإذا ابتلي بذلك من أتباعه وخافهم على دين
ربه فليتنح عنهم إلى غيرهم وليجتهد في الطلب لماله قصد ولله فيه
انتدب ولا يفتر ولا يني ولا يهن في أمر الله ولا يضعف فان الله يقول
سبحانه: * (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) * (7) ويقول
سبحانه: * (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) * (8)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كذلك فعل الحسن ابن
علي عليه السلام حين خولف وعصي ولم يجد على الحق متابعا ولا وليا
فخرج لما أن أخرج وترك لما أن ترك ثم كان من بعد ذلك متربصا راجيا
طامعا بالأعوان المحقين ليقوم بما ألزمه الله من جهاد الظالمين فإذا صار
الإمام من خذلان الرعية له والرفض لامره وقلة الأنصار على حقه إلى
ذلك فعل كما فعل الحسن عليه السلام من قبله.
باب القول فيما روى عن النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أنه قال من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا كان في عصر هذا
الانسان إمام قائم زكي تقي علم نقي فلم يعرفه ولم ينصره وتركه وخذله ومات على
ذلك مات ميتة جاهلية، فإذا لم يكن إمام ظاهر معروف باسمه مفهوم
بقيامه فالإمام الرسول والقرآن وأمير المؤمنين، وممن كان على سيرته وفي
صفته من ولده فتجب معرفة ما ذكرنا على جميع الأنام إذا لم يعلم في
الأرض في ذلك العصر إمام ويجب عليهم أن يعلموا أن هذا الامر في

(7) محمد 7.
(8) الحج 40.
466

ولد الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاصا دون غيرهم وأنه لا يعدم
في كل عصر حجة لله يظهر منهم أمام يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
فإذا علم كلما ذكرنا وكان الامر عنده على ما شرحنا ثم مات فقد نجا من
الميتة الجاهلية ومات على الميتة الملية، ومن جهل ذلك ولم يقل به ولم
يعتقده فقد خرج من الميتة الملية ومات على الميتة الجاهلية هذا تفسير
الحديث ومعناه.
باب القول فيما يجب على الإمام لله
من الغضب في أمره والقيام بحجته والاجتهاد في طاعته
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب لله على الإمام أن
يقوم بأمره ويأمر به وينهى عن نهيه ويقيم حدوده على كل من وجبت عليه
من شريف أو دني قريب الرحم أو بعيدها وأن يأخذ أموال الله من كل من
وجبت عليه ويسلمها إلى من أمر بتسليمها إليه ويشتد غضبه على كل
من عصى الرحمن ولو كان أباه أو أخاه أو عمه أو ابنه لا يحيف ولا يحابي
ولا يقصر في أمر الله ولا ينثني مبعدا للعاصين شديدا عليهم، مقربا
للمؤمنين سهلا لديهم شديدا على المنافق قريبا من الموافق كما قال الله
عز وجل في محمل صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه حين يقول: * (محمد
رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا
يبتغون فضلا من الله ورضوانا) * (9) إلى آخر السورة.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ويجب على الإمام أن
يكون غصبه لله من فوق غضبه لنفسه.

(9) الفتح 29.
467

باب القول فيما ذكر عن المهدي عليه السلام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: نرجو أن يكون الله قد
قرب ذلك وأدناه، وذلك أنا نرى المنكر قد ظهر والحق قد درس وغير وقد
قال الله سبحانه: * (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) * (10) وقال:
* (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فننجي من
نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) * (11) وقال رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم (اشتدي أزمة تنفرجي، وقال صلى الله عليه وعلى
آله وسلم: (لان أكون في شدة انتظر رخاء أحب إلى من أن أكون في
رخاء أنتظر شدة).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الفرق ما بين الآخرة
والدنيا زوال ما في الدنيا وتنقله وفناؤه ودوام ما في الآخرة وثباته وبقاؤه فكل
ما في الدنيا فزائل وما في الآخرة فدائم، وكأني بالفرج قد أقبل وبالنعيم قد
أطل وبالنصر قد نزل فقد تراكمت الفتن وجل ما نحن فيه من تعطيل
الكتاب والسنن وظهور السفاح وخمول النكاح وظهور الروبيضة من
الناس وشرب الخمور وارتكاب الشرور، وأكل الربا وقبول الرشى
والجري في ميادين الهوى، وجور السلطان ونهج الشيطان، وترك الامر
بالمعروف والنهي عن المنكر كما قد نرى وننظر ذلك كله في دهرنا هذا
الذي قد أخرنا له وأبقينا إليه، فكأني بيعسوب الدين قد ضرب بدينه وجأر
إلى ربه فأجاب الله دعوته ورحم فاقته وكشف غمته أنزل نصرته وأظهر
حكمه وانتعشه بعد هلاكه وأحياه بعد وفاته وقواه بعد ضعفه برجل من

(10) الشرح 5.
(11) يوسف 110.
468

أهل بيت نبيه فيظهره في بعض أرضه ويقيم به عمود الدين ويعز به
المؤمنين ويقل الكافرين ويذل الفاسقين ويحكم بكتاب رب العالمين
يمكن الله له في أرضه وطأته ويظهر كلمته ويعز دعوته ويشبع به البطون
الجائعة، ويكسو به الظهور العارية، ويقوى به ضعف المستضعفين
ويزيل به ظلم الظالمين ويرد به الظلامات وينفي به الفاحشات ويطفي ء
به نار الفسق ويعلي به نور الحق، ويؤيده بالنصر وينصره بالرعب، ويعز
أولياءه ويذل أعدائه، فكل ما ملك من الأرض بلدا دعاه الغضب لربه
إلى طلب غيره حتى يملك البلاد كلها ويطأ الأمم بأسرها بعون الله
وتوفيقه ونصره وتأييده فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما
لا تأخذه في الله لومة لائم يجتمع إليه أعوانه ويلتئم إليه أنصاره من مناكب
الأرض كلها كما يجتمع قزع الخريف في السماء، هاه هاه كأني به يقدم
الألوف ويجدع من أعدائه الأنوف ويخوض الحتوف يفض الصفوف
بعساكر كبيرة الغوايل فيها حماة الليوث القواتل تطير بالضرب ذوات
الأنامل ويفري بالبيض شهب المحافل حتى إذا تنازل الفرسن وظهرت
دعوة الرحمن ودعي إلى الحق كل إنسان وتناوش الأقران واختضب
المران وحمي الطعان وطاح الهام واختلط الأقوام وقهر الاسلام وظهرت
دعوة محمد عليه السلام ونصر هنالك المؤمنون وخذل الكافرون ومن
بغي عليه لينصرنه الله إن الله لقوي عزيز فحينئذ يتم نصر الله لمحقين
ويصح خذلانه وهلاكه للفاسقين، ويجتث الله أصل أئمة الجور
الضالين، ويحيى الله ببركة الطاهر المهدي دعو الحق ويعلن كلمة
الصدق ويمن بذلك ويتفضل به عليه ويحسن تأييده وتوفيقه فيه.
469

كريم هاشمي فاطمي جامع القلب * رؤوف أحمدي لا يهاب الموت في الحرب
ترى أعداؤه منه حذار الحتف في الكرب * شجاع يتلف الأرواح في الهيجاء بالضرب
رحيم بأخي التقوى شديد بأخي الذنب * حكيم أوتي التقوى وفصل الحكم والخطب
بعدل القائم المهدي غوث الشرق والغرب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن زيد بن علي
عليهما السلام أنه قال: (نحن الموتورون ونحن طلبة الدم والنفس الزكية
من ولد الحسن والمنصور من ولد الحسن كأني بشيبة النفس الزكية وهو
خارج من المدينة يريد مكة فإذا قتله القوم لم يبق لهم في الأرض ناصر ولا
في السماء عاذر وعند ذلك يقوم قائم آل محمد صلى الله عليه وعلى آله
وسلم ملجئا ظهره إلى الكعبة بين عينيه نور ساطع لا يعمى عنه إلا أعمى
القلب في الدنيا والآخرة، قال فقال أبو هاشم بياع الرمان يا أبا الحسين
وما ذلك النور؟ فقال: عدله فيكم وحجته على الخلايق).
قال: وبلغنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه
قال: (تكردس الفتن في جراثيم العرب حتى لا يقال الله ثم يبعث الله
قوما يجتمعون كما يجتمع قزع الخريف فهنالك يحيي الله الحق ويميت
الباطل).
470

باب القول في الاستعانة بالمخالفين
على الظلمة الفاسقين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بأن يستعان
بالمخالفين الفاسقين على الفجرة الكافرين إذا جرت عليهم أحكام
المحقين، وأقيمت عليهم حدود رب العالمين وكانوا في ذلك غير
ممتنعين وكان مع الإمام طايفة من المحقين الذين يأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر ويخيفون من خالف ذلك ممن كان في العسكر، ولو
لم يجز ذلك لما كان نصر الحق والمحقين فرضا من رب العالمين على
جميع الفسقة المخالفين والجهاد فهو أفضل فروض رب العالمين ولو
سقط فرض الجهاد عن الفاسقين مع الأئمة الهادين لسقط عنهم ما هو
دونه من أعمال العاملين من الصلاة والصيام وغير ذلك من أفعال الأنام
بل فرائض الرحمن واجبة على كل انسان في حال الفسوق والاحسان،
وأحكام الله قائمة جارية في ذلك كله عليهم، وعلى الإمام حثهم وأمرهم
بجميع طاعة ربهم، والجهاد فأفضل فرائضه سبحانه فعليه أن يأمرهم
به، ويحضهم عليه، وإن كانوا للحق مخالفين وعن طريق الرشد حائدين
إذا جرت عليهم الأحكام وعلى علا باطلهم نور الاسلام.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدعو إلى
الجهاد ويأمر به جميع العباد ويستعين على الكافرين بكثير من الفسقة
المنافقين الظلمة المخالفين.
وكذلك كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقاتل
من قاتل بمن معه من الناس وفيهم كثير من الفسقة المخالفين الظلمة
المنافقين الخونة الظالمين.
471

وفي ذلك ما روي عنه عليه السلام من قوله بعد رجوعه من صفين
وهو يخطب على المنبر بالكوفة فتلكم بعض الخوارج فقال لا حكم إلا
لله ولا طاعة لمن عصى الله، فقال رحمة الله عليه: حكم الله ننتظر
فيكم، أما إن لكم علينا ثلاثا ما كانت لنا عليكم ثلاث لا نمنعكم الصلاة
في مسجدنا ما كنتم على ديننا، ولا نبدؤكم بمحاربة حتى تبدؤونا، ولا
نمنعكم نصيبكم من الفئ ما كانت أيديكم مع أيدينا، فقال أيديكم مع
أيدينا، يريد في المحاربة لعدونا فدل بذلك على الاستعانة بالمخالفين
ما جرت عليهم أحكام رب العالمين.
حدثني أبي عن أبيه: انه كأن يقول في الاستعانة في محاربة
الباغين بمن فسق من أهل الملة والموحدين فقال: يستعان بهم عليهم
إذا أعانوا ثم لا سيما إذا ما خضعوا لحكم الحق واستكانوا لان الله سبحانه
فرض عليهم معاونة المحقين وإن كانوا ظلمة فجرة فاسقين كما فرض
عليهم وإن فسقوا غير ذلك من الصلاة وغيرها من فرائض الدين، وفيما
فرض الله عليهم سبحانه من فرائضه وإن فسقوا أدل دليل على ذلك من
أمرهم وأبيه تبيين وكيف لا يستعان بالفاسقين عليهم والمعاونة واجبة من
الله عز وجل على الفاسقين فيهم ولا يحل لها في دين الله من مؤمن ولا
فاسق تعطيل ولا ترك، وتركها وتعطيلها عند الله لعنة وهلك.
فإن قال قائل كيف بما لا يؤمنون عليه مما حرم الله من الفجور
والظلم، قيل له: إن صاروا في ذلك إلى شئ حكم عليهم فيه بما
يلزمهم فيه من الحكم، ولو حرمت الاستعانة بهم من أجل ما يخافون
عليه من ذلك في الباغين لحرمت الاستعانة بهم على قتال المشركين
لأنه قد يخاف في ذلك من فجورهم وغشهم ما يخاف على الباغين مثله
سواء من ظلمهم، وقد استنفر الله تبارك وتعالى المنافقين في سبيله
472

وذمهم في كتاب على التخلف عن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم
وعن المؤمنين وقاتل بهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
المشركين والمنافق أحق وأولى بأن يخاف ويتقي من موحد وإن فسق
وتعدى وكان فاجرا مفسدا، ولو حرمت على المؤمنين معاونتهم للزم
المؤمنين طردهم فيها ومحاربتهم ولو كان في معاونتهم لهم اجتياح جميع
الظالمين وفي تركهم الاستعانة بهم هلاك جميع المسلمين، لما حلت
للمؤمنين منهم ما كانوا فاسقين معاونة ولا مناصرة، ولا يحق على
الفاسقين أن يكون منهم للمؤمنين إجابة ولا مظاهرة وكيف يرونه يقول من
قال بهذا القول أو ذهب إليه في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نفسه
لو كان اليوم حيا سويا في أهل ملته وفي من بقي اليوم من الأمم المختلفة
أيدعوهم وهم على ما هم عليه اليوم من الحال، بل إن دعاهم فاستجاب
له طائفة منهم من الضلال إلى أن يقيم حق الله فيهم وفي العوام فهل
يلزمه ذلك أن يحكم بينهم بما أمره الله به من الأحكام، أو لا يحكم
بأحكام الله عليهم لما بأن له من الفسق والضلال فيهم أم يلبث فيهم
ومعهم وبين أظهرهم ما أقاموا على ضلالهم وفسقهم أباد مقيما فكيف
يكون ذلك وقد قال الله سبحانه: * (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم
بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما) * (12) وإذا ترك
الظالمين وهو يجد السبيل بهم وبالمسلمين إلى تغيير ظلمهم وجنايتهم
وما أسخط الله منهم فذلك من أكبر سخط الله في المخاصمة والمجادلة
عنهم، وقد قال الله سبحانه في مثل ذلك أيضا وفيما أوجبه على رسوله
فرضا: * (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان
خوانا أثيما) * (13) فنهاه تبارك وتعالى أن يجادل عن الخائنين أو يكون لهم

(12) النساء 105.
(13) النساء 107.
473

خصيما، والمجادلة عنهم والمخاصمة دونهم أقل لهم في أنفسهم نفعا
وأضعف في نفعهم موقعا من تركهم هملا للخيانة وعليها ومن تعطيل
حكم الله عليهم فيها فكفى بهذا على ما قلنا به شاهدا ودليلا وبما بأن به
من سبيل الهداية وفيه لمن أنصف سبيلا وما به تبين هذا الباب وينير فأكثر
والله محمود من أن يحصى له تفسير.
باب القول فيمن أمتنع من بيعة
إمام عادل أو ثبط عنه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أقل ما يجب على من
أمتنع من بيعة إمام عادل أن تطرح شهادته وتزاح عدالته، ويحرم ما يعطى
غيره من الفئ ويستخف به في مجالسته، فأما المثبطون فالواجب فيهم
أن يحسن أدبهم إفن انتهوا وإلا حبسوا في الحبوس وشغلوا بها عن تثبيط
المسلمين أن أكبر فرض رب العالمين أو ينفوا من مدن المسلمين فهذا
أهون ما يصنع بهم وهم المثبطون المرجفون في المدينة، وهم الذين قال
الله فيهم: * (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون
في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورنك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا
أخذوا وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله
تبديلا) * (14) فأخبر الله سبحانه أه هذه سنة في الأولين والآخرين وفي
جميع من كان على ذلك من المثبطين، وهذا القول من الله عز وجل
خاص للنبي المصطفى وعام لجميع أئمة الهدى.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن من امتنع عن بيعة إمام عادل
فقال: أهون ما يصنع به أن يحرم نصيبه من الفئ ولا تقبل شهادته

(14) الأحزاب 60.
474

باب القول فيما يجب للامام العادل
على الرعية وما يجب عليه لها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب للامام على رعيته
أن يسمعوا له، وأن يطيعوا وأن ينفذوا ما أمرهم بإنفاذه، وأن يتركوا
ما أمرهم بتركه، وأن ينهضوا إذا استنهضهم، وأن يقعدوا إذا أقعدهم،
وأن يقاتلوا إذا أمرهم، وأن يسالموا من سالم ويعادوا من عادى، وأن
ينصحوا له في السر والعلانية، وأن يتوالوا ويتوادوا على مودته ويتحابوا
على محبته ويبغضوا من أبغضه ولا يكتموه شيئا يحتاج إلى علمه ولا
يمالوا عدوا في شئ من مكروهه وأن يؤدوا إليه ما يجب لله عليهم، وأن
يكونوا له من ورائه في حفظ الغيب كهم في وجهه وأن يعينوه على
أنفسهم وعلى غيرهم ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم،
وأن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم وأولادهم وأموالهم، وأن
ينصروه في السر والعلانية والشدة والرخاء والاواء وأن يوفوا له بما
عاهدوه فيه وبايعوه عليه فإذا فعلوا ذلك وكانوا له كذلك فقد أدوا ما أوجب
الله عليهم وحكم به من ذلك فيهم وكانوا عند الله من المؤمنين الأتقياء
الطاهرين النجباء الذين لا خوف عليهم في يوم الدين ولا سوء يلقونه يوم
حشر العالمين بل يكونون في ذلك كما قال أكرم الأكرمين: * (إخوانا على
سرر متقابلين لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي
كنتم توعدون إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون كلوا
واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون إن المتقين في مقام أمين في جنات
وعيون يلبسون من سندس إستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم يحور عين
يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى
ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفور العظيم) * (15)

(15) الحجر 47.
475

قال: ويجب للرعية على الإمام أن يهديهم إلى الحق، وينهاهم
عن الفسق، ويأمرهم بالمعروف الأكبر، وينهاهم عن التظالم والمنكر،
ويحكم بحكم الله فيهم ويمضي أحكام الله عليهم، ويعدل بينهم في
حكمه، ويساوي بينهم في قسم فيئهم، ويحملهم على كتاب ربهم،
ويفقههم في الدين، ويقربهم من رب العالمين، ويوفر أموال الأغنياء،
ويغني في أموال ربهم الفقراء ويشبع منهم البطون الجائعة، ويكسو
منهم الظهور العارية، ويقضي ديونهم، وينكح من لا يجد إلى النكاح
طولا منهم، على قدر السعة والوجود، ويقربهم ولا يبعدهم، ويكرمهم
ولا يهينهم، ويظهر لهم ولا يحتجب عنهم، ويعني بهم ولا يرفض
أمرهم، ويتفقد منهم الخلة، ويسبغ عليهم النعمة ويكون بهم رؤوفا
رحيما وعنهم ذا صفح حليما شديدا على من خالف منهم الرحمن حتى
يرده إلى الخير والاحسان ويردعه عن الظلم والعصيان لا يستأثر عليهم
بأموال ربهم ولا يصرفها في غير شأنهم، بل يرد أموال الله حيث أمره
بردها إليه ويصرفها فيما جعلها الله تصرف فيه من أحوج وجوه أمور
المسلمين إليها وأردها نفعا وخيرا وصلاحا على الأمة وفيها، وأن لا يتجبر
عليهم ولا يرفع نفسه فوق ما يجب له عليهم وأن يكون للأبناء خيرا من
الآباء وللآباء خيرا من الأبناء متحننا شفيقا متفقدا رفيقا متأنيا حليما فإذا
فعل ذلك فقد أدى إلى الله أمانته ونصح رعيته وأظهر عدله وفك من
الاغلال رقبته ووكد لله حجته وشابه بفعله جده الذي كان كما ذكر الله
عنه حين يقول: * (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم
حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) * (16) ووجبت على الأمة طاعته
ونصرته ومكاتفته ومعاوته وموادته، وحرم عليها خذلانه وتركه ولم يجز لها

(16) التوبة 128.
476

عند الله سبحانه رفضه ولا التخلف عن جماعته ولا الامتناع من بيعته
وكان من اجترأ على الله بشئ من ذلك فيه من الفاسقين المستوجبين
للعذاب المهين الذين قال الله سبحانه فيهم: * (ستدعون إلى قوم أولى
بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن
تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما) * (17).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه لله علينا إن هم صاروا لنا
إلى ذلك أن نكون لهم بجهدنا كذلك.
باب القول فيمن نكث بيعة محق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من نكث بيعة محق فهو
عند الله من الفاجرين وفي حكم الله من المعذبين وفي ذلك ما يقول رب
العالمين: * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن
نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنؤتيه أجرا
عظيما) * (18).
وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه
قال: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم:
رجل بايع إماما عادلا فإن أعطاه شيئا من الدنيا وفي له وإن لم يعطه لم
يف له. ورجل له ماء على ظهر الطريق يمنعه سابلة الطريق. ورجل
حلف بعد العصر لقد أعطى سلعته كذا وكذا فيأخذها الآخر مصدقا لقوله
وهو كاذب).
وبلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يا معشر الرجال من

(17) الفتح 16.
(18) الفتح 10.
477

بايعني منكم على ما بايعت عليه النساء فوفى فله الجنة، ومن أصاب شيئا
منهي عنه فأقيم عليه فيه الحد فهو كفارته، ومن أصاب شيئا مما نهي
عنه فستر عليه فذلك إلى الله إن شاء أخذه، وإن شاء عفا عنه).
قال يحيى بن الحسين عليه السلام: معنى قوله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم فأقيم عليه فيه الحد فهو كفارته يريد أنه كفارة له من بعد
التوبة والاقلاع عن المعصية والرجوع إلى الطاعة.
باب القول في مكاتبة الظالمين
وإخافة الجبارين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا تحل مكاتبة الظالمين
ولا تحل مؤانستهم بكتاب ولا غيره للمؤمنين لان في المكاتبة لهم تطمينا
وتحننا إليهم وما تدعو المودة بينهم وقد قال الله سبحانه: * (لا تجد قوما
يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) * (19) إلى آخر
السورة.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ألا أن يضطر مؤمن إلى
مكاتبة ظالم لضرورة يخاف فيها أن ترك مكاتبته تلف نفسه فيكاتبه عند
وقت الضرورة ويقطع مكاتبته عند الفسخة ويعتذر إلى الله عز وجل في
ذلك بما قد علمه له سبحانه من العلة ويتحرز في مكاتبته إليه مما
لا يجوز له من اللفظ أن يلفظ به لمثله ولا يركن إليه بمكاتبته في شئ
من أمره فإن الله يقول: * (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار
ومالك من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) * (20).

(19) المجادلة 22.
(20) هود 133.
478

وحدثني أبي عن أبيه أنه قال: سأل المأمون رجلا من بعض آل
أبي طالب ممن كان كبيرا عند المأمون أن يواصل بينه وبين القاسم بن
إبراهيم رحمة الله عليه بكتاب ويجعل له من المال كذا وكذا أمرا جسيما
غليظا عظيما، قال: فأتاه ذلك الرجل فكلمه في أن يكتب إلى المأمون
كتابا أو يضمن له أن كتب إليه المأمون كتابا أن يرد على جوابا فقال القاسم
ابن إبراهيم رضي الله عنه للرجل: لا والله لا يراني الله أفعل ذلك أبدا.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: من أخاف ظالما جائرا
غاشما في دنياه أمنه الله يوم الروع في آخرته قال: والذي نفس يحيى بن
الحسين بيده ما يسرني أني أمنت الظالمين وأمنوني ليلة واحدة وأن لي
ما طلعت عليه الشمس، لان ذلك لو كان مني كان ركونا إليهم وموالاة
لهم وقد حرم الله ذلك على المؤمنين قال: وبلغنا عن بعض السلف أنه
قال: من بات منهم خائفا وباتوا منه خايفين وجبت له الجنة.
باب القول فيما يجب على المؤمنين الذين
لا يستطيعون التغيير لما يرون من أفعال الظالمين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب على المؤمنين
إنكار المنكر على الظالمين بأيديهم إن استطاعوا ذلك فإن لم يستطيعوه
وجب عليهم إنكاره بألسنتهم، فإن لم يمكنهم ذلك وجبت عليهم
الهجرة عنهم والانكار والمعاداة للظالمين بقلوبهم وترك المقام بينهم
والمجاورة لهم فمن لم يستطع ذلك من المؤمنين لكثرة عياله وحاجتهم
إليه ولم يكن يستطيع أن يشخص بهم معه فليقم عندهم فينة من دهره
حتى يكتب لهم ما يجزيهم فينة من دهرهم ثم يشخص مهاجرا في أرض
الله عن قرب الظالمين حتى إذا خاف الضيعة على عياله عاد عند
479

حاجتهم إليه ثم يوشك ما يشخص عنهم، كذلك ينبغي أن لا يكون مقيما
مع الظالمين ولا مضيعا لمن معه حتى يجعل الله له من أمره مخرجا.
باب القول فيما ينبغي أن
يفعل الإمام قبل محاربة العدو
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب على الإمام أن
يكتب إلى الباغين كتابا قبل مسيره إليهم ويدعوهم فيه إلى كتاب الله
وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والامر بالمعروف والنهي عن
المنكر وإحياء الحق، وإماتة الباطل، ويعلمهم أنهم إن دخلوا في ذلك
وأجابوا إليه كان لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، لهم مالهم من
المكان في كل فضيلة وإحسان وعليهم ما عليهم من حكم محكوم، أو
عزم من الله في الأمور معزوم، فإن هم قبلوا ذلك وفى لهم بما أعطاهم،
وإن هم لم يقبلوا ذلك ولم يجيبوا إلين آذنهم بالحرب ونبذ إليهم على
سواء إن الله لا يهدي جهادهم فقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين
والحكم والامر لله كما قال سبحانه: * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون
الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين) * (21).
باب القول فيما يفعل إمام الحق إذا زحف
إلى جهاد المخالفين وملاقاة الفاسقين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه:: أحب للامام إذا سار
إلى لقاء عدوه أن يكتب كتاب دعوة ثانية فيسير رسولا به إمامه حتى يسبق
به إلى عدوه يدعوه فيه إلى ما دعاه إليه أولا فإذا نزل الإمام في المعسكر

(21) الأنفال 39.
480

الذي يلقى فيه عدوه مواجها له بعث إليه رجلا أو رجلين أو ثلاثة من ذوي
العلم والفهم والعقل والرأي والدين والرجلة والدهاء والفطنة والتقى إن
هو أمنه عليهم، فيصيرون إليه فيدعونه إلى الرحمن، ويزجرونه عن طاعة
الشيطان، ويخوفونه بالله وعذابه وعقابه ويذكرونه بالله والدار الآخرة
ويسألونه حقن الدماء والدخول فيما دخل فيه المسلمون من الخير
والهدى، فإن أجابهم فهو منهم، وإن أبى ذلك عليهم رجعوا بخبره إلى
صاحبهم، فإذا أراد الإمام تعبئة عسكره وصف أصحابه، فليصفهم صفا
من وراء صف كما يصطف الناس للصلاة ويسوى بين مناكبهم ويحكم
رصهم فإن الله سبحانه يقول: * (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله
صفا كأنهم بنيان مرصوص) * (22) فإذا صفهم صفوفا صفا بعد صف يكون
طول صفوفهم على قدر سعة معسكرهم ويجعل في الصف الأول
خيارهم وحماتهم ويكون على ميمنته رجل ناصح شجاع وعلى ميسرته
رجل كذلك، ويكون هو في القلب أو بين الصفين في حرجة من الخيل
والرجال موثوق بهم متكل على دينهم ورجالتهم، وإن أراد أن يكون في
غير ذلك المكان كان ويوقف من وراء الصفوف كلها جماعة من الفرسان
ترد كل من شذ من العسكر أو انثنى عن العدو ويجعل في الصف الأول
جناحين كثيفين على قدر قلة من معه وكثرتهم، ويولي على كل جناح رجلا
شجاعا دينا ناصحا يختار له حماة الرجال وأبطالها وفرهة الخيل وعرابها
ويأمرهم إذا رأوا فرصة أو غرة من عدوهم أن ينتهزوها ويفترصوها ويأتوا
من ورائهم إن أمكنهم فإن أمكنتهم تلك فليأتوا من ورائهم وليحمل
الصف الأول عليهم من إمامهم ويتبعه الصفوف شيئا شيئا زحفا زحفا من غير
افتراق ولا اختلاط، وإن لم ير الجناحان الحال حال فرصة ولا نهزة ثبتا

(22) الصف 40.
481

على حالهما ولم يبرحا من موقفهما، فإن دهمت الميمنة وغشيت أمدها
الجناح الأيمن بأدناه إليها وكذلك إن دهمت الميسرة وغشيت أمدها
الجناح الأيسر بأقربه إليها ولا يتضعضع وكذلك إن غشي القلب وكثر
أمدته الميمنة والميسرة ببعض رجالها، ويوصي الإمام أصحابه بقلة
الكلام والصياح والهرج، فإذا أقام صفوفه ونشر جناحيه وأوقف من يرد
شذاذ العسكر من ورائهم وأوقف الناس على راياتهم وولى على الخيل
كلها وعلى الرجالة الولاة وأحكم أمر عسكره فليأمر بالمصاحف فلتنشر
أو تعلق على الرماح وليبرز بها نفر بين الصفين فينادون يا معشر الناس
ندعوكم إلى ما في هذه المصاحف من كتاب الله، فأجيبوا إليه وأطيعوا
الله وادخلوا فيما دخل فيه المسلمون من الحق ولا تشقوا عصا المؤمنين
وأحقنوا دماءكم ودماءنا وارجعوا إلى الحق الذي أظهره الله لكم ولنا ولا
يستهوينكم الشيطان ولا يخد عنكم هذا الانسان الذي يدعوكم إلى حربنا
ويريد التلف بينكم وبيننا.
أيها الناس ندعوكم إلى ما دعاكم إليه الله ندعوكم إلى أن نحرم
نحن وأنتم ما حرم الله ونحل ما أحل الله ونأخذ الحق ونعطيه، وننفي
الظلم والجور، ونشبع الجائع ونكسوا العراة ونصلح البلاد وننصف العباد
ونجعل الكتاب أمامنا وأمامكم ونتبع حكمه نحن وأنتم فالله الله فينا وفي
أنفسكم، فإن أجابوا أو أجاب بعضهم قرب وأكرم وأحسن إليه وعظم،
وإن أبوا إلا التمادي في الضلال واتباع الفسقة الجهال فليقل الجماعة
التي تحمل المصاحف بأعلى أصواتهم اللهم إنا نشهدك عليهم ثلاث
مرات، ثم لينصرفوا إلى معسكرهم، وإن أمكم الإمام أن ينصرف عن
حربهم ذلك اليوم ورأى لذلك وجها ولم يخشى على نفسه ولا على
أصحابه من أعدائه مكروها ولا مكرا فعل فإذا كان من الغد عبأ عسكره
482

كما كان بالأمس ثم أخرج الدعاة بين الصفين معهم المصاحف وأمر
بالكتاب الذي قرئ بالأمس عليهم أن يقرأ اليوم فإن أجابوا وإلا أشهد
الله عليهم وملائكته ورسله ثم انصرفوا إلى معسكرهم، فإن أمكن الإمام
ورأى لذلك وجها أن يدفع ذلك اليوم دفعه فإن ذلك أكمل للحجة فيهم
وأقرب إلى نصر الله عليهم، فإذا انصرف فليجعل عليهم الطلائع
والجواسيس وليتحصن في نهاره وليلته بخندق إن أمكنه محيط بكل
عسكره ويطرح حسيكا إن كان معه، فإن لم يمكنه شئ من ذلك أمر
القواد بتعبئة أصحابهم والحذر في ليلهم ونهارهم والمحارس وقلة
الغفلة، واستعمال التوقع والمخافة لكيد عدوهم، وأمرهم إن هجم على
طائفة منهم إلا يتكلم ولا يصيح خلق من العسكر إلا من كان في تلك
الناحية، فإن كان من ذلك شئ أمد موضع الصياح والتكثير بالرجال
وأوقد لهم ناحية من رحله على ساحة نارا كثيرة عظيمة يأنسون إليها
ويعلمون بتدبير صاحبهم لها، فإذ كان اليوم الثالث برز إلى عدوه وصف
عساكره وعبأ جيوشه وخطبهم ووعظهم وأخبرهم بما أعد الله للصابرين،
ثم أمر الدعاة فخرجوا فوقفوا بين الصفين كما كانوا يفعلون معهم
المصاحف منشورة وعلى الرماح مرفوعة ويأمر بالكتاب الذي فيه الدعوة
فيقرأ على العدو ويدعون إلى ما فيه، فان أجابوا قبلوا وان أبوا أشهد
الدعاة الله عليهم ثلاثا ثم يرجعون إلى معسكرهم ثم قد بان إن شاء الله
خذلانهم ووجب النصر للمؤمنين عليهم، فليزحف عسكر الإمام إليهم
زحفا زحفا معا معا بالنية والبصيرة والمعرفة والحجة الكريمة بوقار
وخشوع وذكر لله، وخضوع يكبرون التكبيرة بعد التكبيرة، فإن خرجت
لهم خيل خرجت إليها خيل، وإن برزت رجالة برزت إليها رجالة، وإن
لم يخرج من ذلك شئ زحف القوم معا حتى يقعوا في عدوهم ويظهروا
483

شعارهم ويضعوا في أعداء الله سيوفهم ويسألوا الله النصر والعون
عليهم، فإذا نصرهم الله وأيدهم وخذل عدوهم، وأذل مناصبهم
فليتحفظوا من أن يدخلهم عجب أو يخامرهم بغي، وليكثروا من ذكر الله
وشكره والثناء عليه وحمده، فإن كان لمن حاربهم فئة يرجعون إليها وإمام
يحامون عليه ولم يكن معهم وكان ببلد غير معسكرهم يرجعون إليه
ويردون عليه اتبع المسلمون مدبرهم، وأجازوا على جريحهم حتى
يستقصوا في الطلب عليهم ويقتلوا من لحقوا ويستأسروا من أحبوا حتى
يفرقوا بينهم ويشتتوا جماعتهم ويأمنوا رجعتهم، وأن لم يكن لهم فئة
يرجعون إليها وهو الرئيس الذي يأوون إليه ويردون بعد هزيمتهم عليه لم
يتبع لهم مدبر ولم نجز لهم على جريح ولكن يطردون ويفرقون ويشتتون
ولا يجوز في ذلك أن يقتلوا إذا ولوا وانهزموا فإذا هزمهم الله وأخزاهم
وعذبهم وأرداهم أمر الإمام بجمع غنايمهم وضم كل ما كان في عسكرهم
وحض الناس على أداء الأمانة فيه وأخبرهم بما أوجب الله عز وجل على
من غل شيئا من ذلك، فإذا جمعه واستقصاه أمر بقسمته على أهل
العسكر وتفريقه بينهم وضرب السهام فيه لهم.
باب القول في قسمة الغنيمة بين أهل العسكر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تجمع الغنائم قليلها
وكثيرها دقيقها وجليلها فإذا جمعت كلها وضمت بأسرها اصطفى الإمام
إن أحب منها شيئا واحدا إما فرسا وإما سيفا وإما درعا كذلك فعل رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما كان يغنم وكان يسمى ذلك
الصفي، وفي ذلك ما حدثني أبي عن أبيه أنه كأن يقول للامام أن ينتقل
ويصطفي من الغنائم لنفسه جزءا أو شيئا معروفا كما كان يفعل رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم في النفل فليتنفل من ذلك لنفسه ما أراد
484

أن يتنفل، ويجوز له مع اجتهاد الرأي فيه ما يفعل لأنه إنما يأخذ ويعطي
ويحكم بما يرى من الغنائم قبل قسمها وما حكم الله به من ذلك في
حكمها فيما هو لله ولرسوله خالصا وما جاء به حكم آية الأنفال خاصا وقد
ذكر أنما كان يأخذه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لنفسه كان
يدعى الصفي وهذا الاسم دليل على أنه إنما كان يصطفى ويؤخذ من
جميع الغنائم، والبرهان فيه بين لأنه لو كان الصفي إنما هو عن مقاسمة
معتدلة متساوية لكانت أقسامها إذا عدل فيها مشتبهة متكافئة ولم يجز أن
يقال صفي ولا مصطفى وهي كلها مشتبهة أكفاء.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه وللامام أن ينفل من جميع
الغنائم قبل قسمتها من أحب أن ينفله لان الله تبارك وتعالى قد جعل أمر
الأنفال إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وما كان من الحق والحكم
في ذلك لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو للأئمة المحقين
من أهل بيته التابعين الذين هم به مقتدون وبسيرته صلى الله عليه وعلى
آله وسلم سائرون وبحكمه وسنته حاكمون.
حدثني أبي عن أبيه أنه قال: إذ جمعت الغنائم جاز للامام أن
ينفل من رأى تنفيله، وأن يفعل في ذلك بما كان يفعله رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم فينفل من جملته إن رأى في ذلك على قدر
ما يرى ويفرق منه شيئا على من أبلى وأعنى في عدو الله ونكا، فإذا فعل
ذلك فقد قام عندي حينئذ بما يجب عليه لأهل الاجتهاد في القتال وبما
ذكر الله سبحانه في حكمه في سورة الأنفال إذ يقول سبحانه:
* (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا
ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) * (23) فلو لم يكن الأنفال

(23) الأنفال 1.
485

في جميع المغنم لما كان عنها ولا فيها من مسألة ولا متكلم فلما سأل
المؤمنون عنها وتكلموا فيما فعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم فيها أخبر الله لا شريك له أنها له ولرسوله معه، فله تعالى ولرسوله من
الامر فيها والحكم والقضاء في أمرها وعليها ما ليس لمؤمن بعده فيه
عليه كلام ولا لاحد مع خلاف الله فيه دين ولا إسلام وما جعل الله لرسوله
من ذلك فهو للامام العادل المحق من بعده.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إذا اجتمعت الغنائم ثم
اصطفى الإمام لنفسه ما شاء ونفل من أحب من أهل الاجتهاد والعنا إن
رأى لذلك وجها فليأمر بالغنائم من بعد ذلك فليقسم على خمسة أسهم
فيعزل من الخمسة الأسهم سهما وهو خمس الغنائم لمن سماه الله
وجعله له. ثم يأمر الإمام بقسم الأربعة الأخماس الباقية من الغنائم
فليقسم بين أهل العسكر الذين قاتلوا وحضروا فيقسم للفارس سهمان
وللراجل سهم ولا سهم إلا لفرس واحدة وقد قال غيرنا انه يسهم لاثنين
ولسنا نرى ذلك في الغنائم ويسهم للبراذين مثل سهام الخيل العراب،
ولا يسهم للبغال ولا للحمير ولا للإبل فإذا قسمت أربعة أخماس الغنيمة
على من حضرها من المقاتلة الأحرار البالغين المسلمين، أمر الإمام
بالخمس الذي كان عزله فيقسم على ستة أجزاء ثم فرق على من جعله
الله له من أهله الذين حكم به لهم.
باب القول في قسم خمس الغنيمة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يؤمر بالخمس فيقسم
على ستة أجزاء فجزء لله تعالى، وجزء لرسوله، وجزء لقربي رسوله،
وجزء لليتامى، وجزء لابن السبيل، وجزء للمساكين، وفي ذلك ما يقول
الله سبحانه: * (واعلموا إنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول
486

ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) * (24) فأما السهم الذي
لله فيصرفه الإمام في أمور الله وما يقرب إليه مما يصلح عباده من اصلاح
طرقهم وحفر بيارهم ومؤونة قبلتهم وما خرب من مساجدهم وإحياء
ما مات من مصالحهم وغير ذلك مما يجتهد فيه برأيه مما يوفقه الله فيه
لما لا يوفق له غيره وأما السهم الذي لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم فهو لامام الحق ينفق منه على عياله وعلى خيله وعلى غلمانه
ويصرفه فيما ينفع المسلمين ويوفر أموالهم.
وأما سهم قربى آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو لمن
جعله الله فيهم وهم الذين حرم الله عليهم الصدقات وعوضهم إياه بدلا
منها، وهم أربعة بطون: وهم آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل
العباس، ويقسم بينهم ذلك قسما سواءا الذكر فيه والأنثى لا يزول عنهم
أبدا لان الله سبحانه إنما أعطاهم ذلك لقرباهم من رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم ومجاهدتهم معه واجتهادهم له، ولا يزول عنهم
حتى تزول القرابة، والقرابة فلا تزول عنهم أبدا ولا تخرج إلى غيرهم
منهم، وهذه الأربعة البطون فهم الذين قسم عليهم رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم الخمس، وقد روي لنا أنه أعطى في الخمس بني
المطلب، فبلغنا عن جبير ابن مطعم قال: لما قسم رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب أتيته
أنا وعثمان فقلنا: يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك
الذي وضعك الله به منهم، أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم
ومنعتنا وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام إنما بنو هاشم وبنو

(24) الأنفال 41.
487

المطلب كهاتين ثم شبك بين أصابعه، فلذلك قلنا إنه لا يجوز أن يقسم
على غير هؤلاء الأربعة البطون، لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم لم يذكر أنه قسم لغيرهم إلا أن يكون بني المطلب فقد يمكن أن
يكون قسم لبني المطلب عطاء منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهم
وهبة وشكرا على ما كان من قديم فعلهم وصبرهم معه واجتهادهم لا على
أنه سهم لهم فيه، والإمام في ذلك موفق ينظر فيه بنور الله وتسديده.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإنما يجب ما ذكر الله من
سدس خمس الغنيمة لمن سماه الله من قربى آل رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم وهم هؤلاء الأربعة البطون الذين سمينا إذا كانوا
كلهم للحق تابعين ولإمام المسلمين ناصرين سامعين مطيعين مواسين
صابرين موالين للحق والمحقين معادين للباطل والمبطلين، فاما من
كان من هؤلاء كلهم غير متبع ولا مجتهد وكان عاندا عن الصدق منحرفا
عن إمام الحق فلا حق له في ذلك ولا نصيب له مع أولئك إلا أن يتوب
إلى الله من خطيئة ويظهر للامام ما أحث من توبته فيكون له إن كان منه
ذلك أسوة غيره من الرجال في حكم الله سبحانه، وفي المال.
وأما سهم اليتامى وسهم المساكين وسهم ابن السبيل فإن يتامى
آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومساكينهم وابن سبيلهم
أولى بذلك من غيرهم، فإذا لم يكن في آل رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم يتيم ولا مسكين ولا ابن سبيل رد ذلك على أقرب أبناء
المهاجرين إلى رسول رب العالمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكلما استغنى قوم
أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من قوم رد في قوم سواهم ممن
هو أقرب إلى الرسول، فإذا استغنى أبناء المهاجرين من الأقرب فالأقرب
من رسول رب العالمين رد ذلك في الأنصار على قدر ما كان من منازل
488

أوليهم واجتهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبدأ منهم
بأكثرهم اجتهادا في الجهاد والنصيحة لله وللاسلام، فإذا استغنى من
ذلك الأنصار رجع في سائر المسلمين من العرب وغيرهم، فكان
ليتاماهم ومساكينهم وابن سبيلهم. ومن عند من أبناء المهاجرين
والأنصار وسائر المسلمين عن الحق والمحقين فناصب أو خالف أو
خذل امام المؤمنين لم يكن له في شئ من ذلك حق كما لم يكن
لمخالفي آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك حق ولا
في غيره حق.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وإنما قلنا إن يتامى آل
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومساكينهم وأبناء سبيلهم أولى
بما جعل الله لليتامى والمساكين وابن السبيل في الخمس من غيرهم لان
يتامى غيرهم ومساكينهم وابن سبيلهم يأخذون ما يجبى من الأعشار
والصدقات وهم لا يأخذون وينالون من ذلك مالا ينالون فلذلك جعلناهم
بسهام الخمس أولى من غيرهم ما كانوا إليه محتاجين وكان فيهم من ذكر
الله من اليتامى والمساكين وابن السبيل، وفي ذلك ما بلغنا عن علي بن
الحسين بن علي عليهم السلام أنه كأن يقول في قول الله تبارك وتعالى:
* (واعلموا أنما غنمتم نم شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى
واليتامى والمساكين وابن السبيل) * (25) هم يتامانا ومساكيننا وابن سبيلنا
وقلنا إنهم إذا استغنوا عن ذلك رجع إلى الأقرب فالأقرب من أبناء
المهاجرين تفضيلا لمن فضل الله من قربى رسوله المجاهدين، وكذلك
جعلنا ذلك من بعد أولئك للأنصار لقدر اجتهادهم وصبرهم، وكذلك
يجب على إمام المسلمين أن يعرف لذوي العناء في الاسلام موضع
عنائهم، فإن ذلك أنفع للدين وأرجع على المسلمين.

(25) الأنفال 41.
489

قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وإن احتاج الإمام إلى
صرف الخمس كله في مصالح المسلمين فله أن يصرفه في ذلك ولا
يقسمه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم حنين،
وكما فعل أمير المؤمنين عليه السلام في حرب صفين أخذ الخمس
واستحل منه أهله، وإنما يكون للامام ذلك عند حاجته إليه وضرورته لا
في وقت مقدرته وسعته، وإن كان المساكين أولى بذلك كله صرف
إليهم، وكذلك أبناء السبيل. ومن الحجة فيما قلنا به في سهم اليتامى
والمساكين من الغنيمة التي أفاءها الله على المؤمنين المجاهدين من قولنا إنها من
بعد آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبناء المهاجرين ثم
الأنصار من بعد استغناء المهاجرين ثم هو من بعد استغناء الأنصار عنها
لمن جاء بعدهم من المؤمنين والمسلمين عامة قول الله تبارك وتعالى:
* (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى
واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا تكون دولة بين الأغنياء منكم وما
آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهو واتقوا الله إن الله شديد
العقاب، للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون
فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون، والذين
تبوؤا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في
صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة
ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاءوا من بعدهم يقولون
ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا
للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) * (26).

(27) الانسان 28.
490

باب القول فيمن حضر الحرب والغنيمة
من النساء والصبيان والمماليك وأهل الذمة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل من حضر من هؤلاء
القتال لم يضرب بسهم كغيره من الرجال ولكن ينبغي للامام أن يرضخ
لهم على قدر عنائهم ومنفعتهم وما كان من دفاعهم عن المسلمين
واجتهادهم في طاعة رب العالمين.
باب القول في الأسير الذي لا ينبغي أن يقتل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أسر الأسير وأوثق
بوثاق يمنعه من البراح والانفلات بنفسه لم يجز بعد ذلك قتله ووجب
حبسه والاستيثاق منه إذا خشي منه أمر أو سبب مما يضر بالمسلمين،
فإن بدت من الأسير أمور يباين فيها بعد أسره رب العالمين وكانت
الحرب بعد قائمة ولم يكن الأسير صار إلى حبس المسلمين فالإمام
مخير في قتله كما فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله عليه
في الأسير الذي أسره عمار حين بدت منه المكيدة لأمير المؤمنين
والحرب قائمة بين المحاربين.
حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الذين لا يجوز قتلهم من
الأسرى، قال: هم الذين أثخنهم المحقون بالوثائق والانقياد لهم
أسارى، فقلنا له وما الأسر؟ فقال: هو الوثاق والأطر كما قال رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لتأخذن على يدي الظالم فلنأطرنه على
الحق أطرا) فقيل وما الأطر فقال هو الرباط والعقد كما قال الله سبحانه:
* (وشددنا أسرهم) * (27) تأويله أوثقنا عقدهم وأطرهم فجعل سبحانه

(27) الانسان 28.
491

أسرهم توثيق حلقهم وكان ذلك هو المعروف في كلام العرب ولغتهم
ومنطقهم فمن أوثق رباطا وانقاد مذعنا لذلة فهو الأسير الذي نهى أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عن قتله ولا ينبغي لمؤمن يقدر
لأسير كافر أو فاجر ظالم على إيثاق الإجابة صاغرا في أسره من حبل أو غيره
في رباط أو وثاق حتى ينتهى به إلى ولي أمر المؤمنين فيمن عليه بعد أو
يحبسه ولا يحل للامام ان خاف منه خيانة في الكف عن قتال المحقين
أن يخرجه من الحبس ولو ذهبت فيه نفسه، وكيف يصح في حكم
الحكيم إرسال من لا يؤمن على قتال أبر المؤمنين وأعظمهم عند الله في
العناء عن دين الله منزلة وقدرا وكيف يرسل من يخاف أن يذهب من
ساعته وفي فوره فيكون أعون ما كان للظالم في ظلمه وفجوره وهم قد
يرون حبس الماجن وإن كان غير محارب على مجونه ويقولون إنه قد
يلزم إمام الحق إن يخلده ما كان ماجنا في بعض مجونه ومن يقول إن عليا
رحمة الله تعالى عليه أوجب إرساله وهو يخاف على المؤمنين قتله أو
قتاله، وأنه أرسله أو خلاه فأطلقه حين حسن به في الكف عن قتال
المؤمنين ظنه وفي ترك العودة إليه أمنه. والله عز وجل يقول لرسوله:
* (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب
الخائنين) * (28) وقوله سبحانه على سواء فإنما هو على بيان وكيف يرسل
أسير الكفرة الظالمين مع الخوف له على مشاقة رب العالمين،
ولا يحبس إن ساءت به الظنون وظهرت منه في مشاقة، الله المجون، والله
يقول جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: * (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب
الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى
تضع الحرب أوزارها) * (29) ولا يكون من أبدا ولا فداء إلا من بعد الحبس

(28) الأنفال 58.
(29) محمد 4.
492

والوثاق غير ما شك، وبذلك جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم فيهم إذ بيتوا ليلة بدر في الرباط والوثاق فكان لرسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعمه في تلك الليلة من القلق والأرق
ما قال له عمر فيما يقال ويذكر مالي أراك يا رسول الله منذ الليلة أرقا وفي
ليلتك هذه كلها ساهرا قلقا؟ فقال ه صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
ومالي لا أقلق وأنا أسمع منذ الليلة أنين عمي في الأسرى فلو كان الحق
عنده غير حبس الأسير بعد الأسر لأمر بتخلية عمه أمرا فلو لم يجز حبس
الأسير إذا لم يؤمن سنة تامه لما جاز حبسه ليلة كلها بل ساعة واحدة،
وليس ينبغي للمؤمنين أن يأسروهم حتى يخزوهم ويثخنوهم بالقتل منهم
وفيهم بالظهور البين عليهم، فإذا قتلوا وطروا وغلبوا وقهروا ارتبطوا حينئذ
وأسروا، فإن استسلم الظالمون للحكم ودخلوا بعد المصافة في السلم
باقبال منهم إلى الحق وإقرار وتولي بغير غلبة عن المحقين أو فرار
لا يتحيزون فيه إلى فئة أو رجال ولا ينحرفون به لمنازلة أو قتال كف في
هذه الحال وازدجر عن مدبرهم.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وأيما أسير قامت عليه
البينة بأنه قتل من المسلمين قتيلا قتل به، وإن جرح أقيد منه. قال: وإن
لم يكن قتل ولا جرح وتاب وظهرت توبته وجب على الإمام إن يخليه إلا
أن يخافه فيحبسه، وكذلك لو خاف غيره من جميع الناس وجب له
حبسه.
باب القول في قتال أهل القبلة في مدنهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا ينبغي أن يبيت أهل
القبلة في مدنهم ولا يوضع عليهم المنجنيقات يرمى بها في داخل الحصن
ولا يمنعوا من ميرة ولا شراب ولا يفتح عليهم بحر ليغرق مدنهم ولا
493

يضرب مدينتهم بنار خشية أن يصاب من ذلك من لا تحب إصابته من
النساء والولدان وغيرهم من المؤمنين الذين لا يعلمون، وأبناء السبيل
المستخفين في بدلهم وغيره ممن ليس على دينهم ممن تؤديه المدن
والقرى وفي ذلك ما يقول الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم
في غزوة الحديبية حين يقول: * (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم
تعلموهم أن تطأوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في
رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) * (30).
باب القول في البيات
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز أن تبيت
العساكر الكبار التي لا يؤمن أن يكون فيها بعض المتوصلين بها من أبناء
السبيل أو التجار أو النساء أو الصبيان، كذلك لا يجوز بيات القرى ولا
المدن. فأما ما كان من السرايا والعساكر التي قد أمن أن يكون فيها أو معها
أحد ممن لا يجوز قتله فلا بأس أن يبيتوا ويقتلوا كثروا أم قلوا إذا كانت
الدعوة قبل ذلك قد شملتهم وصارت إليهم وبلغتهم فأبوا قبولها
ورفضوها، فإن بيت من ذلك شئ فغنيمة ذلك لمن بيته وفيه الخمس.
باب القول في الفئ وتفسيره
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الفئ كل أرض فتحت
بالسيف أو صلحا أو أخذت وتركت على حالها كسواد العراق وغيره، ومن
ذلك ما يؤخذ من أهل الذمة من الجزية فذلك فئ يقسم على صغير
المسلمين من الأحرار وكبيرهم الشريف فيه وغيره سواء إلا أن يحتاج الإمام
أن يصرف ذلك أو بعضه في مصالح المسلمين وأمورهم فيكون ذلك له
لأنه الناظر لهم وعليه فرض من الله الاجتهاد في جميع أمورهم، ويرزق

(30) الفتح 25.
494

فيه وفي غيره من أموال الله مقاتلتهم غير أن آل رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم لا يرزقون من الصدقات والأعشار وغيرهم يرزق منها.
باب القول فيما ينبغي أن يوصي به الإمام
سريته إذا أخرجها أو عسكره إذا وجهه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا وجه الإمام واليه في
محاربة عدوه وجب عليه أن يوصيه بكل ما يقدر على من طاعة الله والرق
وحسن السياسة وجودة السيرة والتثبت في أمره ثم يقول: بسم الله وبالله
وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا تقاتلوا القوم حتى تحتجوا
عليهم فإن أجابوكم إلى الدخول في الحق والخروج من الباطل والفسق،
ودخلوا في أمركم فهو إخوانكم لهم مالك وعليهم ما عليكم، وإن أبوا
ذلك وقاتلوكم فاستعينوا بالله عليهم ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا شيخا
كبيرا لا يطيق قتالكم ولا تعوروا عينا ولا تعقروا شجرا إلا شجرا يضركم،
ولا تمثلوا بآدمي ولا بهيمة، ولا تغلوا ولا تعتدوا، وأيما رجل من أقصاكم
أو أدناكم أشار إلى رجل بيده فأقبل إليه بإشارته فله الإمام حتى يسمع
كلام الله وهو كتاب الله وحجته فإن قبل فأخوكم في الدين، وإن أبى
فردوه إلى مأمنه واستعينوا بالله لا تعطوا القوم ذمة الله ولا ذمة رسوله
ولا ذمتي، أعطوا القوم ذمتكم وأوفوا بما تعطونهم من عهدكم.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وكثير من هذا القول كان
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوصي به عساكره.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإن كانت السرية تقاتل
قوما من أهل دار الحرب أمرت بأن تدعوهم إلى شهادة أن لا إليه إلا الله
وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأخبرت أنهم إن أجابوا إلى ذلك
فقد حقنوا دماءهم ومنعوا أموالهم، وأوصى فيهم بما أوصى في أهل البغي.
495

باب القول فيمن غزى بأجرة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من خرج في سبيل الله
مستأجرا بأجرة لولا هي لم يخرج قال فله أجر غزوه وكلما أصاب في
ذلك العزو لمن استأجره بماله على أن يغزو.
باب القول فيما في أيدي الظلمة وأعوانهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا ظهر إمام الحق على
أئمة الظلم أخذ كلما في أيديهم ولهم من قليل وكثير دقيق وجليل عرض
أو غيره إلا أن يكون جارية استولدوها فإنها لا تؤخذ باستيلادها لأنهم قد
استهلكوها، فأما ما كان سوى ذلك من الضياع والأموال وغير ذلك مما
استحدثوه في سلطانهم فيؤخذ ذلك كله ما استحدثوه من أموال الله وما
استحدثوه في السلطنة من غير ذلك من غلات إن كانت لهم قبل
سلطنتهم لان ما استهلكوه من أموال الله أكثر مما يؤخذ منهم، وكذلك
الحكم في اتباعهم وأهل معاونتهم على ظلمهم، فإن أقام أحد من
المسلمين بينة على شئ بعينه قائم لم يتغير ولم يستهلك فأقام عليه
البينة أنه غصبة غصبا وأخذ منه ظلما وجورا سلم إليه ورد بعد الغصب
في يديه.
حدثني أبي عنه أبيه: أنه سئل عما في أيدي الظلمة من الأموال
والضياع والجواري إذا ظهر إمام العدل عليهم، فقال: يؤخذ جميع ما في
أيديهم من ذلك، فقيل له: أرأيت إن اتخذوا من ذلك جواري فأولدوهن
فقال: هذا استهلاك منهم لهن فقيل له أرأيت إن كانوا قد ورثوا شيئا من
غير هذا أو وهب لهم شئ من غير هذا فقال: ما استهلكوا من أموال الله
أكثر من ذلك.
496

باب القول فيما حكم به أهل البغي
في جوايزهم وقطايعهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يقر من حكمهم ويثبت
ما كان حقا ويدفع ما كان باطلا، وإنما أثبتنا ما كان من حكمهم موافقا
للحق لأنه حق وما كان حقا فهو حكم الله لا حكم الحاكم به. قال: وأما
قطايعهم وجوايزهم فإنه يثبت من ذلك ما لم يكن سرفا، وكانوا أعطوا من
أعطوه إياه على غير معاونة لهم عل إطفاء نور الحق واخمال كلمة
الصدق، وكان إعطاؤهم له إياه في صلاح المسلمين، أو بحق واجب من
رب العالمين، وأما ما أعطوه للهو والطرب والأشر والكذب ومضادة الحق
والمحقين ومصانعه على قتل المؤمنين وإهلاك المسلمين فإن ذلك غير مردود
عليهم مأخوذ من أيديهم.
حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن ما حكم به الظالمون من
الأحكام فقال: يقر من ذلك ما وافق حكم الله، ويسخط من ذلك
ما أسخط الله عز وجل.
(باب القول في أموال تجار عسكر أهل البغي)
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كلما كان من أموال
التجار في عساكر أهل البغي مما لم يجلبوا به على المحقين من سلاح
ولا كراع فلا يجوز للمحقين تغنمه ولا يحل لهم أخذه وما أجلبوا به من
خيل أو سلاح جاز أخذه وتغنمه للمسلمين إن ظفروا به، وأما غير ذلك
فيسلم إليهم وليس في فسقهم من معونتهم للمبطلين لما يجلبون إليهم
من منافعهم مما يحل ما لم يجلبوا به من أموالهم.
497

حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن أموال التجار التي في عساكر
الفجار هل يكون غنيمة للمسلمين وفيا أم لا يحل ذلك للمؤمنين عند
ظهورهم عليهم؟ فقال: كلما كان للتجار في عساكرهم أو لغيرهم وسلم
أهله من أن يجلبوا به على المسلمين أو ينصبوا بما في أيديهم لمحاربة
المؤمنين فلا يحل للمؤمنين أخذه ولا اغتنامه وعلى المؤمنين تسليمه إلى
أهله وإسلامه لان متاجرتهم لهم في تلك الحال ورفقهم عليهم بمرافق
تجارتهم وإن كانت فسقا فلم يجعل الله تغنم أموالهم بفسقهم في تلك
الحال للمؤمنين حلالا ولا حقا والمؤمنون وإن قالوا بعداوتهم في ذلك
ونكالهم، فليس يستخلون مع ذلك، وإن قالوا به فيهم تغنم شئ من
أموالهم.
باب القول في أموال النساء والصبيان
التي تكون في عساكر أهل الظلم والطغيان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كلما كان من ذلك في
عساكرهم لم يجلب به على المحقين فلا يجوز نغنمه للمؤمنين، وكلما
أجلب به صبي أو امرأة أو تجار فهو غنيمة للمسلمين.
حدثني أبي عن أبيه: أنه كأن يقول: في تغنم ما كان معهم من
الأشياء لمن معهم من الحرم والأطفال والنساء إن كلما لم يجلب به
مالكه لقتال المحقين فهو لكل من ملكه إياه من المالكين وكلما أجلب
به رجل أو امرأة على المحقين فهو غنيمة للمحقين وفئ للمسلمين.
498

باب القول في الإمام يقول للرجل
إن قتلت فلانا فلك سلبه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو قال إلمام لرجل من
أصحابه إن قتلت فلانا فلك سلبه لرجل ممن يحاربه فقتله كان له سلبه
الظاهر المعروف من الثياب والمنطقة والدرع والسيف والفرس والسرج
والحلية وغير ذلك م الأدوات الظاهرة، وإن كان معه جوهر أو مال من
تحت ثيابه أو بعض رحاله فليس ذلك من سلبه ولا يجوز له أخذه، لان
السلب إنما هو ما لبسه أو ركبه المتسلح من آلة الحرب.
قال: ولو أنه قال: إن قتلت فلانا فلك سلبه فقتله هو وغيره معه لم
يكن السلب له ولا للذي معه، لأنه إنما جعل له على قتله فقتله معه غيره
ولم يجعل له على ذلك سلبه.
فإن كان الإمام قال قولا مرسلا: من قتل فلانا فله سلبه، فقتله هو
وغيره كان السلب له ولمن قتله معه.
قال: حدثني أبي عن أبيه: أنه سئل عن الإمام يقول لرجل
محارب للاسلام إن قتلته يا فلان فلك سلبه، أي شئ للقاتل من سلب
المقتول؟ فقال: كل معلوم من سلبه غير مجهول. قلت فإن كان معه
جوهر من در وياقوت أو مال من فضة أو ذهب عظيم القدر. فقال: ليس
له من ذلك إلا ما يعلم ويرى من كل ظاهر من سلبه لا يخفى، مثل ما عليه
من لباسه وسلاحه وآلايه وفرسه لان ذلك من الإمام كله عطيه مجعولة،
وليس للامام أن ينقصه شيئا مما جعل له ولا لاحد أن يدفعه عنه. قيل إفن
أعانه على قتله غيره هل لغيره شئ واجب مما جعل له؟ فقال: لا إلا
أن يكون الإمام قال قولا مرسلا لم يخص بالقول فيه رجلا من قتل فلانا
فله سلبه فيكون لمن أعانه على قتله مثل الذي له من سلبه لأنه قد يقتله
499

الواحد والاثنان والجماعة فيكون حالهم كلهم في قتله واحدة، وإن قال
إن قتلته يا فلان يريد رجلا بعينه فلم يقتله إلا مع غيره لم يكن السلب له
ولا لمن يقتله معه، قيل له لم لا يجوز بينهما وهو لو كان قودا أقيد به
جميعهم فلم لا يأخذون سلبه بينهم كلهم؟ فقال: لأنه لم يجعل لهم إنما
جعل له دونهم على أن يقتله هو وحده لا معهم فلما قتلوه جميعا كلهم،
بطل ما كانت عليه المجاعلة إذا كانوا كلهم قد ولوا معه قتله، ولو كان قودا
كان كلهم به مقتولا ولزمهم جميعا من القود ما لزمه، وكان حكمهم جميعا
في ذلك حكمه.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو أن الإمام قال لرجل
احتل في قتل فلان فإن قتلته فلك سلبه فتحيل عليه بأن يستعين معه
غيره، أو يستأجر معه من يحاوشه ويعينه عليه فقتله ببعض ما احتال عليه
من ذلك كان ما جعل له الإمام واجبا له دون غيره.
باب القول فيما يجعل الإمام لمن قتل قتيلا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن الإمام قال لرجل
إن قتلت فلانا فلك ألف درهم أو أقل أكثر فقتله أعطاه الإمام ما جعل
له في غنيمة إن كانت وإن لم تكن غنيمة أعطاه من الفئ، فإن لم يكن
الفئ حاضرا أعطاه من صدقات المسلمين وأعشارهم لان الله جل
جلاله عن أن يحويه قول أو يناله إنما جعل الصدقات للاسلام وأهله
منافعا ومعونات.
500

باب القول في أموال السواد وغيره
مما افتتح من البلاد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كلما جبى من جباية
أرض افتتحت أو بلد صولح عليه فهو يخمس ويخرج خمسه لمن سماه
الله عز وجل.
باب القول فيما يجب من أداء الأمانة إلى الإمام قال
يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فرض من أكبر فروض الله
أداء الأمانة إلى الإمام، ومن أداء الأمانة النصيحة له والصدق في كل خبر
يخبره به، والغيب الحسن له من خلفه والاستقصاء له في جميع أسبابه.
ومن ذلك أداء الأمانة في الأموال التي تجبيها الجباة ومن ذلك ما يهدى
للعامل في عمله فعليه أن يؤدي الأمانة فيه ويرفعه إلى الإمام فان أجازه له حل
له، وأن منعه منه حرم عليه، وأن أجاز له بعضه جاز له ما أجاز منه.
وفي ذلك ما بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إنه
استعمل رجلا على بعض الاعمال فلما كان رأس السنة عزله، فأتى بسليف
من دراهم يحمله حتى طرحه بين يدي علي، فقال: يا أمير المؤمنين هذا
أهداه لي أهل عملي ولهم يهدوه لي قبل أن تستعملني ولا بعدما نزعتني فإن
كان لي أخذته وإلا فشأنك، فقال أمير المؤمنين رحمة الله عليه: أحسنت لو
أمسكته كان غلولا، وأمر به لبيت المال.
باب القول في التحيز إلى فئة عند الزحف للقاء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يحل للمسلمين
التحرف والتحيز عن عدوهم إذا التقوا إلا أن يكون تحرفا لقتال أو تحيزا
إلى فئة يستعين بها أو يلجأ إليها، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه:
501

* (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار ومن
يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب
الله ومأواه جهنم وبئس المصير) * (31).
وفي ذلك ما بلغني عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم أنهم قالوا كنا في مسلحة من مسالح العدو فلقينا
المشركين فحصا الناس حيصة فكنا فيمن حاص فلما رجعنا إلى أنفسنا
قلنا وكيف ننظر في وجوه المسلمين وقد بؤنا بغضب من الله قال فدخلنا
المدينة ليلا فقلنا نخرج من المدينة وفيها رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم لم نلقه فغدونا إليه وهو غاد إلى صلاة الفجر فلقيناه فقلنا
يا رسول الله نحن الفرارون فقال: (بل أنتم الكرارون أنا فئة لكل مسلم
قال فقبلنا يده).
باب القول في انتظار إمام حق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: المنتظر للحق
والمحقين كالمجاهد في سبيل رب العالمين وفي ذلك ما بلغنا عن رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من حبس نفسه لداعينا أهل
البيت أو كان منتظرا لقائمنا كان كالمتشحط بين سيفه وترسه في سبيل الله
بدمه).
باب القول في السلب هل يخمس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قال الإمام في
الحرب من قتل رجلا فله سلبه فسلب كل قتيل لمن قتله وعليه فيه
خمسه لأنه تغنيم من الله له، وكذلك ما خرج من البحر والمعادن والركاز
في ذلك كله الخمس.

(31) الأنفال 25.
502

باب القول في الامر بالمعروف والنهي
عن المنكر وفيمن ولي شيئا من أمور المسلمين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الامر بالمعروف والنهي
عن المنكر فرض من الله لا يسع تركه ولا يحل رفضه وهو أكبر فروضة
التي أوجبها على عباده وأعظمها وفي ذلك ما يقول الله عز وجل * (الذين
إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة واتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا
عن المنكر ولله عاقبة الأمور) * (32) وفيه ما بلغنا عن رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو
ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب ثم يدعوا خياركم فلا
يستجاب لهم حتى إذا بلغ الكتاب أجله كان الله المنتصر لنفسه ثم يقول
ما منعكم إذا رأيتموني أعصى إلا تغضبوا لي) وفيه ما بلغنا عنه صلى الله
عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إن الله بعثني بالرحمة والملحمة وجعل
رزقي في ضلال رمحي ولم يجعلني حرثا ولا تاجرا الا إن من شرار عباد
الله الحراثين والتجار إلا من أخذ الحق وأعطى الحق، ثم تلا قول الله
سبحانه * (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ومأواهم
جهنم وبئس المصير) * (33) وفي ذلك ما بلغنا عنه صلى الله عليه وعلى آله
وسلم أنه قال: (ما أغبرت قدما أحد في سبيل الله فطعمته النار) وبلغنا
عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لنومة في سبيل الله أفضل
من عبادة ستين سنة في أهلك تقوم ليلتك لا تفتر وتصوم نهارك لا تفطر)
وبلغنا عن حسان بن ثابت الأنصاري أنه قال يا رسول الله ان عندي عشرة
آلاف فإن أنفقتها يكون لي أجر مجاهد فقال صلى الله عليه وعلى آله
وسلم فكيف بالحط والارتحال.

(32) الحج 48.
(33) التوبة 73.
503

قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ويح من ولي شيئا من أمور
المسلمين أي مركب ركب فمن ولي شيئا من أمور المسلمين فليعلم أنه
بين العذاب الأليم والثواب الكريم ثم ليعدل بجهده وليحرض لربه فإنه
يجد كلما قدم من خير وشر فليؤثر الآخرة الباقية على الدنيا الفانية
وليعامل الله فإنه غدا يلقاه فلعله يكون كذلك فليحسن النظر لنفسه في
ذلك فإنه بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال:
(من ولي شيئا من أمور المسلمين أتى يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى
عنقه حتى يكون عدله الذي فكه، أو جوره الذي يوثقه. قال يحيى بن
الحسين رضي الله عنه والله لولا كرامة الله ومحبة ما أحب الله والايثار لما أراد
ووجوب الحجة وأداء واجب الفريضة والمعرفة من نفسي ما لا يعرفه مني
غيري والرغبة فيما بذل الله من الثمن الربيح حين يقول تبارك وتعالى:
* (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون
في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل
والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك
هو الفوز العظيم) * (34) ومع ذلك طلب الدرجات اللواتي فضل الله بهن
المجاهدين على القاعدين حين يقول: * (لا يستوي القاعدون من
المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم
فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى
وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة
ورحمة وكان الله غفورا رحيما) * (35) والرجاء أن يصلح الله أمور
المسلمين ويلم بنا شعث المؤمنين ويهدي بنا العباد ويؤمن بنا البلاد

(34) التوبة 111.
(35) النساء 95.
504

ويشبع بنا البطون الجائعة، ويكسون بنا الظهور العارية ونرد المظالم على
المظلومين ويقوى في الحق جميع العالمين ونذل المبطلين ونعز
المحقين ونسير بسيرة ملائكة رب العالمين وأنبيائه المرسلين صلوات الله
عليهم أجمعين ونذكر بسيرتنا أفاضل من مضى من آبائنا ونكبت أعداء
الحق، ونظر كلمه الصدق ونرضي الرحمن ونسخط الشيطان، لسقيت
أخرها في أثر أولها ولرددت وجوه أولها على آخرها وخليت قليلها الباقي
يلحق بأوله الماضي حتى يعلم الجهال وأهل الشك من الضلال إن
دنياهم عندي أمرها أيسير وأهون على يحيى بن الحسين من انقير، ولكن
يحجب عن ذلك ويمنعنا عن أن يكون كذلك ما وصفنا وقلنا وذكرنا مما
فيه رغبتنا من كرامة ذي الجلال والسلطان والرغبة في مرافقة الصالحين
في الجنان ورحمة المسلمين ونصر الحق والدين والاقتداء بأولى العزم
من النبيين فنسأل الله الخيرة في كل الأمور والدفع لكل مخوف على
الدين أو محذور وان يبلغنا في ذلك ما أملنا به من طاعة ربنا وسيدنا
والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الحق
المبين وحسبنا الله العلي الكريم عليه توكلنا وهو رب العرش العظيم
وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى أهل بيته الطيبين.
باب القول في فضل الإمام العادل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من حكم بحكم الله
وعدل في العباد وأصلح البلاد من أهل بيت النبي المصطفى فهو خليفة
الله العلي الاعلى إذا كانت فيه شروط الإمامة وعلاماتها وحدودها
وصفاتها، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أنه قال: (من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر من ذريتي فهو خليفة الله
في أرضه وخليفة كتابه وخليفة رسوله [صلى الله عليه وعلى آله وسلم]
505

وبلغنا عنه عليه السلام أنه قال: (الوالي العادل المتواضع في ظل الله
ورحمته فمن نصحه في نفسه وفي عباد الله حشره الله في وفده يوم لا ظل
إلا ظله، ومن غشه في نفسه وفي عباد الله خذله الله يوم القيامة) قال:
(ويرفع للوالي العادل المتواضع في كل يوم وليلة كعمل ستين صديقا
كلهم عامل مجتهد في نفسه) قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم أنه قال: (يقال للامام العادل يوم القيامة في قبره أبشر
فإنك رفيق محمد).
قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه
قال: (من أحيا سنة من سنتي قد أميتت من بعدي فله أجر من عمل بها
من الناس لا ينقص ذلك من أجور الناس شيئا، ومن ابتدع بدعة لا
يرضاها الله ورسوله كان عليه أثم من عمل بها لا ينقص ذلك من إثم
الناس شيئا، وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ثلاث من
كن فيه استكمل خصال الايمان: الذي إذا قدر لم يتعاط ما ليس له وإذا
رضي لم يدخله رضاه في باطل، وإذا غضب لم يخرجه غصبه من
الحق).
باب القول في السيرة في أهل البغي
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب قتال من بغى من
المؤمنين على طائفة من المؤمنين أو على إمام حق من المحقين فيجب
جهادهم إذا امتنعوا من الحكم ولم يرضوا بالحق كما قال الله سبحانه:
* (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما
على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفي إلى أمر الله فإن فاءت
فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) * (36) فأوجب

(36) الحجرات 9.
506

قتال من بغى من المسلمين على طائفة من المؤمنين فكيف بقتال من
بغى على رب العالمين وخالف حكم المحقين، ولم يطع من أمره الله
بطاعته من الأئمة الهادين، فمن امتنع من ذلك وخالف الرحمان وأبدى
المجاهرة لله والعصيان وجب على المسلمين قتاله أبدا حتى يفئ إلى
أمر الله ويحكم بحكم الله ويسلم الامر لأولياء الله حتى يكون الدين لله
خالصا كما قال عز وجل فيما نزل من كتابه وفرقانه: * (وقاتلوهم حتى
لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على
الظالمين) * (37) فيجب على من قاتل الظالمين الباغين أن يحتج عليهم
من قبل قتالهم ويدعوهم إلى كتاب ربهم فإن أجابوا حرم عليهم قتلهم
وقتالهم وأموالهم وإن امتنعوا من الحق حل للمسلمين قتلهم وقتالهم
ويغنم ما أجلبوا به في عساكرهم ولم يجز سبيهم ولم يحل ذلك فيهم.
كذلك فعل أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام
بالبصرة يوم الجمل قتل من قاتله وأخذ ما في العسكر ولم يتبع من
المنهزمين مدبرا ولم يجز على جريح ولم يجز لاحد سبيا فتكلم بعض
أصحابه في ذلك وقالوا أحللت لنا دماءهم وأموالهم وحرمت علينا
سبيهم، فقال: ذلك حكم الله فيهم وعليهم وفي غيرهم من سواهم ممن
يفعل كفعلهم، فلما إن أكثروا عليه في ذلك قام خطيبا فحمد الله وأثنى
عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم قال: أيها
الناس إنكم قد أكثرتهم من القيل والقال والكلام في ما لا يجوز منا
المحال فأيكم يأخذ عايشة في سهمة، فقالوا كلهم لا أينا، فقال فكيف
ذلك وهي أعظم الناس جرما. فلما أن قال ذلك لهم استفاقوا من جهلهم

(37) الأنفال 39.
507

وأبصروا من عماهم واستيقظوا من نومتهم وصوبره في قوله واتبعوه في أمره
وعلموا أن قد أصاب وجانب الشك والارتياب.
قال يحيى بن الحسين عليه السلام: فكل من شاق الحق وعانده
وجب قتاله وحل دمه، ومن حل بالمحاربة دمه كان غنيمة للمسلمين
عسكره، وحرم سباؤه ملم يجز ذلك فيه.
باب القول في الجاسوس والسيرة في
محاربة أهل دار الحرب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن صح على الجاسوس
أنه قتل بجساسته أحد من المسلمين قتل وإلا حبس.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا يجوز عندنا قتال أهل دار
الحرب إلا مع إمام حق عادل يجوز معه سفك دمائهم وأخذ أموالهم
وسبي ذراريهم فأما بغير إمام مستحق لذلك فلا. قال: وينبغي أن يدعو
إلى الاسلام والى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا
عبده ورسوله فإن أجابوا إلى ذلك فهم مسلمون لهم ما للمسلمين وعليهم
ما عليهم لا يجوز بعد ذلك قتلهم ولا أخذ أموالهم ولا سبيهم، فإن أبوا
ذلك عرض عليهم أن يكونوا أهل ذمة ويؤدوا إلى المسلمين الجزية
وتجري عليهم أحكام المسلمين ويولا ولاة المسلمين على بلادهم
ويتركوا على دينهم كما يترك أهل الذمة، فإن أجابوا إلى ذلك وضعت
عليهم الجزية كما وضعت على غيرهم فتؤخذ من مياسيرهم وملوكهم
ثمانية وأربعون درهما، قله ومن أوساطهم وتجارهم أربعة وعشرون درهما
ومن سفلتهم وفقرائهم اثنا عشر درهما فان أبوا ذلك حوربوا وأستعين بالله
عليهم.
508

فإذا انهزموا وضع السيف فيهم وقتلوا مقبلين ومدبرين وأسروا
وسبوا واستبيحت بلادهم من بعد أن يثخن بالقتل رجالهم، ثم تجمع
غنايمهم فتقسم على خمسة أجزاء فيخرج منها خمس لمن سمى الله عز
وجل من أهل الخمس وتقسم الأربعة الأخماس الباقية بين الذين
حضروا الوقعة على مقاسم الخيل والرجالة للفارس سهمان، وللراجل
سهم ثم يقسم الخمس على من جعله الله له على ما شرحنا وذكرنا في
أول كتابنا هذا، وللمشركين من الوفاء والأمان بالعهد ما للباغين غير أنه
ينبغي للامام إن لا يترك منهم أحدا ممن يدخل إليه بأمان إلا أعلمه وأخبره
أنه لا يجوز له أن يقيم في بلاد المسلمين أكثر من سنة وإنه إن وجده في
دار الاسلام من بعد السنة لم يتركه أن يخرج منها فجعل عليه الجزية
وكان ذميا فإن وجده حكم فيه بذلك.
باب القول في وضع الخراج على ما افتتح من الأرضين فترك
ولم يقسم كما فعل بالسواد وغيرها من أرض السام ومصر
وغير ذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا افتتحت الأرض
فرأى الإمام أن يتركها ولا يقسمها ويعامل عليها أهلها الذين كانت لهم
أولا أو غيرهم بالنصف أو أقل أو أكثر فله أن يراضيهم من ذلك على شئ
يكون معروفا.
فأما أرض السواد فقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه السلام أنه لما أن ولي بعث رجلا من الأنصار على أربعة رساتيق
من رساتيق (38) المداين وعلى البهقنات ونهر شير ونهر الملك ونهر

(38) الرساتيق هي النواحي.
509

جوين، وأمره أن يضع على كل جريب زرع غليظ درهما ونصفا وعلى
كل جريب زرع وسط درهما، وعلى كل جريب زرع رقيق ثلثي درهم
وأمره أن يضع على كل جريب من النخل عشرة دراهم وعلى كل جريب
الرطبة وهو القصب عشرة دراهم، وعلى جريب الكرم وجريب البساتين
التي تجمع النخل والشجر على كل جريب عشرة دراهم، وأمره أن يلقي
كل نخل شاذ عن القرى لمارة الطريق، وأمره أن يضع على الدهاقين
الذي يركبون البراذين ويتختمون الذهب على كل رجل منهم ثمانية
وأربعين درهما وأمره أن يضع على أوساطهم التجار منهم أربعة وعشرين
درهما، على سفلتهم وفقرائهم اثني عشر درهما ففعل ذلك وجبى
من تلك الأربعة الرساتيق ثمانية عشر ألف درهم وستين ألفا ونيفا.
باب القول في أمان أهل الاسلام لأهل الشرك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أهل الاسلام يجوز أمان
الواحد منهم على كلهم، لو أن رجلا أمن عسكرا من عساكر أهل
الشرك، أو قرية من قراهم ثم علم بذلك الإمام لم يجز له استباحتهم
حتى يخرجوا من ذمة الأمان الذي أمنهم المسلم.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لو أن رجلا أو رجلين من المسلمين
أو ثلاثة أمن ء وا مائة من المشركين معروفين على أنفسهم وأموالهم ثم
افتتحت قريتهم لم يجز للامام أن يحدث حدثنا في الذين أمنهم النفر
المسلمون ولا في أموالهم وكان ما سوى ذلك غنيمة.
قال: ولو افتتحت قرية من قرى الشرك وغنم كلما كان فيها من مال
أو رجال أو جوار وسيق ذلك وحيز كله ثم أتت بعد ذلك جماعة من
المسلمين فقالوا للامام إنا كنا قد أمنا أهل هذه القرية على أنفسهم
510

وأموالهم لم يكن ذلك بشئ ولم يقبله الإمام إذا كانت الجماعة التي
ادعت هذا ممن حضر الفتح والقتال والأسر، وأخذ المال ولم يتكلموا في
وقت افتتاحها بشئ من ذلك ثم تكلموا من بعد ذلك فلا يلتفت إلى
قولهم لأنهم لو كانوا من أهل الصدق والوفاء والدين ما استجازوا السكوت
من بعد أمانهم لهم ولا محاربتهم ولا قتلهم وسوق أموالهم وسفك
دمائهم وليس من استجاز ذلك في دينه بأهل أن يصدق على غيره.
قال: فإن كانوا غيبا من العسكر في ذلك الوقت ثم أتوا فتكلموا
بذلك فأقاموا البينة عليه صدقوا وأطلق لهم كل ا في أيدي المسلمين.
قال: ولا يجوز أن يؤمن أحد أحدا من المشركين إلى غير مدة، ولا يجوز
ضمانة لهم بذلك أبدا لان أمان المشركين إلى مدة ثم يقام فرض الله
عليهم بالمجاهدة لهم والدعاء إلى دين الاسلام.
قال: ولو وجه الإمام عسكرا فافتض بلدا فأتى بسبيه وماله فقال
الإمام لم آمركم بهذا البلد وهذا البلد قد كنت أمنت أهله إلى مدة كان
في قوله مصدقا ووجب ردهم إلى بلدهم ومأمنهم وليس حاله إذا ادعا
ذلك كحال غيره.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لو أن قوما من أهل دار
الحرب دخلوا دار الاسلام بأمان لم يجز للامام أن يتركهم يشترون
سلاحا يخرجون به معهم ولا كراعا ولا يخرجون من دار الاسلام إلى دار
الحرب بشئ من السلاح والكراع إلا أن يكونوا دخلوا بشئ فيخرجوا به
بعينه فإن دخلوا بسلاح ليستبدلوا به فلا بأس أن يستبدلوا بالجيد رديئا من
المسلمين ويأخذوا فضل ما بينهما.
511

باب القول في الأسير المسلم يؤمن في دار الحرب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا استؤسر المسلم
ودخل أهل الشرك دارهم أسيا معهم فسأله بعضهم أن يؤمنه أو ابتدأه
هو بالأمان فأمنه لم يكون أمانه بجائز على المسلمين لأنه أسير في أيدي
المحاربين وفي دارهم تجري عليه أحكامهم.
باب القول في المسلم يدخل قرية من قرى
الشرك بأمان منهم فيستغار عليهم وهو بينهم
فيسبوا هل يجوز له شراؤهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا دخل المسلم قرية
من قرى الشرك بأمان منهم فاستغير عليهم وهو بينهم فسبوا فإن كان شرط
لهم حين دخل عليهم إلا يحدث فيهم حدثا لم أحب له شراؤهم، وإن
لم يكن شرط لهم ذلك فلا بأس أن يشتريهم خارجا من الدار التي دخلها
بأمانهم.
قال: ولا بأس ان يشتري من أهل الدار التي دخلها بأمان شيئا إن
سبوه من غيرهم ولا بأس أن يشتري المشركين بعضهم من بعض، وأن
يشتري الولد من الوالد، والأخ من الأخ، لأنه يجوز له أخذه وغصبه على
نفسه فالثمن كله أجرة استأجر بها الآخذ له.
باب القول في الرجل من أهل دار الحرب
وفي الذمي يسلمان على يد الرجل المسلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أسلم الحربي على
يد مسلم فهو مولاه وهو يرثه إن لم يكن للحربي ورثة مسلمون إن مات
512

الحربي، وإن أسلم ذمي على يد مسلم فمات الذي أسلم على يد
المسلم ولا وارث له ورثه المسلمون كلهم، وكان ميراثه في بيت مال
المسلمين لأنه عهدي ذمي ليس بحربي.
باب القول في المملوك يسلم في دار الحرب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أسلم المملوك في
دار الحرب ثم هاجر إلى دار الاسلام كان حرا، فإن أسلم مولاه بعد ذلك
ودخل في دار الاسلام فلا سبيل له عليه لان الاسلام قد أعتقه قبل إسلام
سيده.
قال: ولو أسلم سيده في دار الحرب ثم استغار المسلمون على
تلك الدار فسبوها واستباحوها لم يكن العبد المسلم بداخل في غنائم
المسلمين لما سبق من إسلامه، وكذلك لو أسلم العبد ثم أسلم سيده
في دار الحرب لم يكن على السيد ولا على العبد سبيل ولا على أموالهم
إلا أن يكون ما لا يحمل كالعقار، والضياع والعبد مملوك لسيده لأنهما
أسلما جميعا في دار الحرب فهما على حالهما.
باب القول في الحربي يسلم ويهاجر إلى
دار الاسلام وله في دار الحرب أولاد ثم يظهر
المسلمون على تلك الدار ما سبيل ولده
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن رجلا من أهل دار
الحرب أسلم وهاجر إلى دار الاسلام في ظهر المسلمون على تلك الدار التي فيها
ولده كان كلما ولد له لم يكن بلغ في وقت إسلام أبيه مسلما تابعا لأبيه
لا غنيمة للمسلمين فيه، ومن كان منهم بالغا في وقت إسلام أبيهم كان
غنيمة للمسلمين، وإنما جعلنا أولاده الصغار تبعا له لان رسول الله صلى
513

الله عليه وعلى آله وسلم قال: الاسلام أولى بالولد، وإذا أسلم أحد
أبوي الولد الصغار جر إسلامهم إسلامه فصاروا مسلمين وانتزعوا من يد
الكافر وصيروا في يد المسلم.
قال: وكذلك لو أن حربيا تزوج صبية في دار الحرب ثم أسلم
زوجها وقد كان دخل بها ثم أسلم أحد أبوي المرأة من قبل أن تقضي
المرأة عدتها ثلاثة أشهر ولو بيوم واحد ثم خرج بها أبوها إلى دار الاسلام
بعد ثلاث سنين أو أكثر كانت في ملك زوجها وبيده لان أباها أسلم قبل
انقضاء عدتها فجر إسلامها فصارت مسلمة بإسلام أبيها فثبتت عقدة
نكاحها ولم يحرم على زوجها الامساك بعصمتها، ولو كان إسلام أبيها
بعد انقضاء عدتها لم يكن لزوجها عليها سبيل إلا بنكاح جديد.
باب القول في أهل دار الحرب يسلمون وفي
أيديهم رقيق مسلمون من رقيق المسلمين مما كانوا أخذوه
وغنموه من المسلمين قبل إسلامهم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أسلم أهل دار
الحرب على رقيق مسلمين لمسلمين في أيديهم فهم له أرقاء على
حالهم لأنهم أسلموا وهم في أديهم، ومن أسلم على شئ في يده قد
كان أخذه في دار شركه فهو له.
باب القول في المكاتب وأم الولد
يسبيهما أهل دار الشرك ثم يسلمون عليهما
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أسلم الحربي وفي يده
أم ولد لمسلم أو مكاتب فدى الإمام أم الولد من بيت مال المسلمين لسيدها
إن كان معسرا، وإن كان مؤسرا أجبره الإمام على افتدائهما بقيمتها. ولا يجوز
514

للمسلم الذي أسلم وهي في يده أن يطأها لأنها أم ولد المسلم، فإن كان
الذي أسلم وهي في يده قد وطئها في دار الحرب ثم دخل به وهي حامل منه
كان الولد لاحقا بنسبه لأنه وطئها في حال يستحيل فيه وطئها فترجع إلى من
كانت له أم ولد بقيمتها، ولا يدنو منها حتى تضع ما في بطنها وتطهر من دمها
وأما المكاتب فينبغي لمن هو في يده في قيمته فإذا أدى إلى الذي أسلم عليه
قيمته كان الولاء للذي عقد له المكاتبة أولا، فان أبى العبد أن يسعى للذي
أسلم عليه في قيمته كان مملوكا في يده وحاله في تركه السعي للذي أسلم
عليه في قيمته كحاله لو ترك السعي للذي كاتبه في قيمته يكون مملوكا إذا
كان ذلك، وكذلك ما أتاك من هذا الباب فقسه على هذا القول إن شاء الله
تعالى.
باب القول في العبد المسلم يسبيه أهل دار
الحرب فيرتد عن الاسلام في دار الحرب ثم يسلم
عليه بعضهم ويخرج به إلى دار الاسلام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا سبي المملوك
المسلم فارتد عن الاسلام ثم خرج به بعضهم مسلما عليه عرض
عليه الرجوع إلى الاسلام فإن أسلم فهو مملوك لمن أسلم عليه
ودخل به دار الاسلام، وإن أبى أن يسلم ضربت عنقه، وكذلك
المكاتب يعرض عليه الاسلام فإن أسلم أدى كتابته إلى من أسلم عليه
كالقول الأول، وإن لم يسلم ضربت عنقه. وكذلك أم الولد إذا ارتدت
في دار الحرب ثم أسلم عليها بعضهم ودخل بها مرتدة عرض عليها
الاسلام فإن أسلمت افتداها أبو ولده إن كان موسرا، وإن كان معسرا
افتداها له الإمام، فإن أبت أن تسلم ضرب عنقها، فإن كانت حاملا
استوني بها فإذا وضعت استرضع ولدها يسترضعه أبوه، فإن كان معسرا
515

استرضعه له الإمام ثم يعرض عليها الاسلام فإن أسلمت وإلا قتلت،
فإن لم يوجد لولدها من يكفله ويرضعه استوني لها فطامه لان لا يقتل
نفسان بنفس، فإذا فطم فإن أسلمت وإلا قتلت.
باب القول فيمن قبل الذمة وأدى
الجزية من أهل دار الحرب قصار ذميا
وفي يده مماليك مسلمون من مماليك المسلمين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا قبل أهل دار الحرب
أن يكونوا ذمة وأدوا الجزية ودخلوا دار الاسلام ومعهم مماليك مسلمون
من مماليك المسلمين قيل لسادتهم إن أحببتم أن تفتدوهم بقيمتهم
فافتدوهم فإن افتدوهم وإلا أمر الذين هم في أيديهم ببيعهم من ساعتهم
لأنه لا يجوز أن يملك ذمي مسلما، وكذلك إن كانوا دخلوا بمكاتب قيل
له: اد إليه مكاتبتك وولاءك للذي عقد لك المكاتبة أولا فان أبى أن
يؤدي إلى الذي دخل به المكاتبة أمر ببيعه لأنه لا يجوز له أن يملكه إذا
كان مسلما ذمي.
قال: وكذلك لو دخل أحدهم في الذمة ومعه أمة مسلمة قد
حملت منه في دار الحرب قيل له اعتزلها لا يجوز لك الدنو منها وما في
بطنها مسلم بإسلامها، فان أسلم الذمي الذي كان دخل بها وهي في
عدتها فهي أم ولده، فإن خرجت من عدتها فلا سبيل له عليها إلا بنكاح
جديد ومهر وشهود ورضى منها بذلك، وهو وليه لأنها أم ولده إذ قد
أسلم، وهي معه على ثلاث تطليقات تامات، وليست الفرقة الأولى
بطلاق.
تم بحمد الله جزء أبواب السير وهو الرابع جزء
516

كتاب
الزهد والآداب وغيره من محاسن الأخلاق
517

بسم الله الرحمن الرحيم
باب القول في اختلاف آل محمد
صلى الله عليه وعلى آله وسلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن آل محمد صلى الله
عليه وعلى آله وسلم لا يختلفون إلا من جهة التفريط فمن فرط منهم في
علم آبائه ولم يتبع علم أهل بيته أبا فأبا حتى ينتهي إلى علي بن أبي
طالب صلوات الله عليه والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشارك
العامة في أقاويلها واتبعها في شئ من تأويلها لزمه الاختلاف ولا سيما
إذا لم يكن ذا نظر وتمييز ورد ما ورد عليه إلى الكتاب ورد كل متشابه إلى
المحكم.
فأما من كان منهم مقتبسا من آبائه أبا فأبا حتى ينتهي إلى الأصل
غير ناظر في قول غيرهم ولا ملفت إلى رأي سواهم وكان مع ذلك فهما
مميزا حاملا لما يأتيه على الكتاب والسنة المجمع عليها والعقل الذي
ركبه الله حجة فيه، وكان راجعا في جميع أمره إلى الكتاب ورد المتشابه
منه إلى المحكم فذلك لا يضل أبدا ولا يخالف الحق أصلا.
باب القول في فضل زيارة قبر
الني صلى الله عليه وعلى آله وسلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: حدثني أبي عن أبيه أن
519

قال: حدثني رجل من بني هاشم كان صواما قواما عن أبيه يسنده إلى
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم: (من زارني في حياتي أو زار قبري بعد وفاتي صلت
عليه ملائكة الله اثنتي عشرة ألف سنة) قال: وبلغنا عن الحسين بن علي
عليه السلام أنه قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يا رسول الله
ما لمن زارنا فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من زارني
حيا أو ميتا أو زار أباك حيا أو ميتا أو زار أخاك حيا أو ميتا، أو زارك حيا أو
ميتا كان حقيقا على الله أن يستنقذه يوم القيامة)، قال: وبلغنا عنه صلى
الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من زار قبري وجبت له شفاعتي).
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإنما يجب هذا كله على
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويفعله لمن كان محبا له ولأهل
بيته غير معاد لهم ولا موال لعدوهم ولا حاملا لذنب مسيئهم على
محسنهم، فأما من كان عدوا لهم غير قائم بفرض الله عليه فيهم فلا
تجب له شفاعته ولا تناله كرامته، ولو وجبت لأعدائهم بزيارتهم الشافعة
والكرامة لوجب الثواب لمن صلى وصام ولم يقر بمحمد صلى الله عليه وعلى آله
وسلم، لان العمل لا ينفع إلا بإقرار كما أن الاقرار لا ينفع إلا بالعمل.
باب القول في الترغيب في طاعة الله عز وجل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن زيد ابن علي
عليه السلام عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا
ظله: شاب نشأ في عبادة الله ورجل دعته امرأة ذات حسب ونسب إلى
نفسها فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل خرج من بيته فأسبغ
520

الطهور ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله
فهلك فيما بينه وبين ذلك ورجل خرج حاجا أو معتمرا إلى بيت الله،
ورجل خرج مجاهدا في سبيل الله).
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: هذا أعظمهم حظرا عند
الله ورجل ضارب في الأرض يطلب من فضل الله ما يكفي به نفسه أو
يعود به على عياله، ورجل قام في جوف الليل بعدما هدأت كل عين
فأسبغ الطهور ثم قام إلى بيت من بيوت الله فهلك فيما بينه وبين ذلك.
باب القول في الاستغفار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أن رجلا أتاه فشكا إليه بعض ما يكون
منه فقال له: أين أنت عن الاستغفار؟ ثم قال رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم من ختم يومه يقول عشر مرات أستغفر الله الذي لا إله
إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه اللهم اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب
الرحيم إلا غفر الله له ما كان من يومه أن قالها في ليل إلا غفر الله له ما كان
من ليله.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ذلك لمن كان تائبا منيبا
مخلصا له توبته، فأما من كان عاصيا مقيما على المعاصي غير مقلع
عنها ولا تائب إلى الله مخلصا منها فلو استغفر الله سبحانه في كل يوم
وليلة مائة ألف ألف مرة لم يغفر الله له وكيف يغفر له ذنبا وهو مقيم عليه،
أو يكون راجعا إلى الله منه وهو داخل فيه، ألم يسمع إلى قول الله عز
وجل حين يقول: * (إنما يتقبل الله من المتقين) * (1) فحكم بالتوبة
والمغفرة لمن خرج إلى الله بالتوبة من المعصية، فاما من أقام على كبائر

(1) المائدة 27.
521

العصيان واستغفر الله مما هو مقيم عليه من مخالفة الواحد الرحمان فإنما
ذلك عند الله مخادع لنفسه معرض عن رشده يقول ما لا يفعل ويستغفر
الله مما يعمل * (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم
ما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم) * (*) أما
سمعوا الله سبحانه يقول في أولئك ومن كان دونهم من أهل الخطايا
مثلهم: * (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من
قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما، وليست التوبة
للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن
ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما) * (2) فكفى بهذا
القول من الله ومثله بيانا ونورا وهدى وضياء لمن أراد الحق والاهتداء.
باب القول في الاستئذان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا استأذن المسلم على
المسلمين في دارهم فليستأذن وهو متنحي عن الباب ولا ينظر إلى ما وراء
الباب ولا ما وراء الدار ولا ما في البيت فإن الاستيذان إنما جعل خوفا من
نظر العينين إلى ما لا يحب صاحب البيت أن يراه غيره، والاستئذان
ثلاث مرات إما بالتسليم على أهل الدار، وإما بأن يقول المستأذن ندخل
عليكم فالأولة تنبيه لمن في الدار وانذار واعذار، وأما الثانية يتأهب فيها
الناس ويأخذون لباسهم، والثالثة يجيبون فيها بأدخل أو لا تدخل، فإن
أذن له دخل وإن قيل له ارجع رجع وفي ذلك ما يقول الله سبحانه:
* (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا

(2) النساء 17.
(*) البقرة 8.
522

الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من
الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم
جناح بعدهن طوافون عليكم) * (3) الآية وإنما جعل الله الاستئذان في هذه
الثلاثة الأوقات وحضهم عليها لأنها أوقات كان المسلمون في ذلك الزمان
يختارون إتيان نسائهم فيها ليتطهروا للصلاة ومن الجناية طهرا واحدا،
وينبغي للرجل ألا يدخل على أمه ولا علي بنته ولا على أخته ولا على
عمته ولا على خالته ولا على جدته حتى يستأذن.
باب القول فيمن بكى من خشية الله
وفي زيارة الاخوان في الله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم آله أنه قال: (من خرج من عينيه مقياس ذباب دموع
من خشية الله أمنه الله يوم الفزع الأكبر.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: أراد رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله المؤتمرين بأمر الله تعالى المنتهين عن نهي الله المؤمنين
المتقين الصالحين المهتدين.
قال وبلغنا عن سلمان الفارسي رحمة الله عليه أنه قال: (خرجت
مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم زائرا لا ناسية من أهل اليمن
كانوا بايعوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الاسلام فدخل
عليهم فجعل يصافحهم واحدا واحدا فلما خرجنا قال يا سلمان ألا أبشرك
فقلت بلى يا رسول الله قال: ما من مسلم يخرج من بيته زائرا لإخوة له مسلمين إلا
خاض في رحمة الله وشيعة سبعون ألف ملك حتى إذا التقوا وتصافحوا

(3) النور 58.
523

كانوا كاليدين التي تغسل إحداهما الأخرى وغفر لهم ما سلف وأعطوا
ما سألوا).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أولئك المهتدون من
المؤمنين ألا تسمع كيف يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما من مسلم
والمسلم لا يكون مسلما حتى يخرج من معاصي الله إلى طاعته.
باب القول في وصية أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن علي بن أبي
طالب عليه السلام أنه دعا بنيه وهم أحد عشر رجلا أولهم الحسن
بن علي عليه السلام والحسين، ومحمد الأكبر، وعمر، ومحمد الأصغر
وعباس، وعبد الله، وجعفر، وعثمان، وعبيد الله، وأبو بكر، بنوا علي
بن أبي طالب عليه وعليهم السلام، فلما اجتمعوا عنده قال: يا بني ليبر
صغاركم كباركم، وليرأف كباركم بصغاركم، ولا تكونوا كالأشباه الغواة
الجفاة الذين لم يتفقهوا في الدين ولم يعطوا من الله اليقين كقيض بيض
في أدحي، ويح الفراخ فراخ آل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم
من خليفة مستخلف وعفريت مترف يقتل خلفي وخلف الخلف.
ثم قال: والله لقد علمت بتبليغ الرسالات وتمام الكلمات
وتصديق العدات واليتمن الله نعمته عليكم أهل البيت. ثم قال للحسن
والحسين عليهما السلام: أوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا ولا تلويا
علي شئ منها، قولا الحق وارحما اليتيم وكونا للظالم خصما وللمظلوم
عونا واعملا بالكتاب ولا تأخذكما في الله لومة لائم. ثم نظر إلى محمد
بن علي ابن الحنفية فقال هل فهمت ما أوصيت به أخويك قال نعم قال:
524

أوصيك بمثله وأوصيك بتوقير أخويك وتعظيم حقهما وتزيين أمرهما ولا
تقطعن أمرا دونهما. ثم قال أوصيكما به فإنه شقيقكما وابن أبيكما وقد
علمتما منزلته كانت من أبيكما وأنه كان يحبه فأحباه. وكان آخر ما تكلم
به بعد أو أوصى الحسن بما أراد لا إليه إلا الله يرددها حتى قبض صلى
الله عليه فقبض ليلة الاثنين لإحدى وعشرين من شهر رمضان من سنة
أربعين من مهاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله إلى المدينة، فكبر عليه
الحسن بن علي رحمة الله عليه خمسا.
باب القول في الاغراء بين البهائم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (ملعون من أغرى بين البهائم).
باب القول فيما نهى عنه رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أفعال قوم لوط
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن زيد بن علي
رحمة الله عليه عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عشر من أفعال قوم لوط
فاحذروهن إسبال الشارب، وتصفيف الشعر، ومضغ العلك وتحليل
الإزار، وإسبال الإزار وإطاره الحمام، والرمي بالجلاهق، والصفير،
واجتماعهم على الشراب، ولعب بعضهم ببعض) وبلغنا عن زيد بن
علي رحمة الله عليه عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (ثلاثة لا تنالهم شفاعتي يوم
القيامة ناكح البهيمة، ولاوي الصدقة، والمنكوح من الذكور كما تنكح
النساء).
525

باب القول في حامل القرآن وفضل قراءة القرآن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن زيد بن علي
عليه السلام عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قال قال رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم: (يأتي القرآن يوم القيامة وله لسان طلق ذلق
قائلا مصدقا وشفيعا مشفعا، فيقول يا رب جمعني فلان عبدك في جوفه
فكان لا يعمل في بطاعتك ولا يجتنب في معصية ولا يقيم في حدودك،
فيقول صدقت فيكون ظلمة بين عينيه وأخرى عن يمينه، وأخرى عن
شماله، وأخرى من خلفه تنتره هذه وتدفعه هذه حتى يذهب به إلى أسفل
درك من النار. قال: ويأتي فيقول يا رب جمعني فلان عبدك في جوفه
فكان يعمل في بطاعتك ويجتنب في معصيتك ويقيم في حدودك،
فيقول صدقت فيكون له نورا يسطع ما بين السماء والأرض حتى يدخل
الجنة، ثم يقال له اقرأ وارق فلك في كل حرف درجة حتى تساوي
النبيين والشهداء هكذا وجمع بين المسبحة والسوطا).
قال: وبلغنا عن زيد ابن علي عليه السلام عن آبائه عليهم السلام
عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: كان رجل من الأنصار يعلم
القرآن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأتاه رجل
من كان يعلمه بفرس فقال هذا لك أحملك عليه في سبيل الله فأتى
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسأله عن ذلك فقال له رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: تحب أن يكون حظك غدا. فقال: لا والله قال
فاردده.
526

باب القول في بي الوالدين وصلة الرحم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن زيد ابن علي
عن آبائه عن علي عليه السلام قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وآله
المنبر فقال: (يا أيها الناس إن جبريل أتاني فقال يا محمد من أدرك أبويه
أو أحدهما فمات فدخل النار بأبعده الله قل آمين فقلت آمين) وبلغنا عن
علي عليه السلام أنه قال: (إن الرجل ليكون بارا بوالديه في حياتهما
فيموتان فلا يستغفر لهما فيكتبه الله عاقا، وإن الرجل ليكون عاقا لهما
في حياتهما فيموتان فيستغفر لهما فيكتبه الله بارا).
وبلغنا عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: (من أحب أن يملى له في عمرة ويبسط
له في رزقه ويستجاب له الدعاء ويدفع عنه ميتة السوء فليطع أبويه في
طاعة الله وليصل رحمه وليعلم أن الرحم معلقة بالعرش تأتي يوم القيامة
لها لسان طلق ذلق تقول اللهم صل من وصلني، اللهم اقطع من
قطعني، قال: فيجيبها الله تبارك وتعالى أني قد استجبت دعوتك فإن
العبد لقائم يرى أنه بسبيل خير حتى يأتيه الرحم فتأخذ بهامته فتذهب به
إلى أسفل درك من النار بقطيعته إياها كان في دار الدنيا).
وبلغنا عن زيد ابن علي عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان من تعظيم إجلال الله أن تجل
الأبوين في طاعة الله.
وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال:
(النظر في كتاب الله عبادة والنظر إلى البيت الحرام عبادة والنظر في وجوه
الوالدين إعظاما لهما وإجلالا لهما عبادة) وبلغنا عن الحسين ابن علي
عليهما السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
527

(إن الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاثا فيجعلها الله ثلاثا
وثلاثين، وإن الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاث وثلاثون
فيجعلها الله ثلاثا).
قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه
قال: (من يضمن لي واحدة أضمن له أربعا من يصل رحمه فيحبه أهله
ويكثر ماله ويطول عمره ويدخل جنة ربه).
باب القول في حق المؤمن
على المؤمن وحق الجار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن عبد الله بن
الحسن عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم: (أن من أوجب المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم).
وبلغنا عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: من
قضى لمؤمن حاجة قضى الله له حوائج كثيرة إحداهن الجنة، ومن نفس
عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربا يوم القيامة، ومن أطعمه من جوع
أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقاه من عطش سقاه الله يوم القيامة من
الرحيق المختوم، ومن كساه ثوبا كان في ضمان الله ما بقي عليه من ذلك
الثوب سلك، والله لقضاء حاجة المؤمن أفضل من صوم شهر واعتكافه.
وبلغنا أن رجلا أتى الحسين ابن علي عليه السلام في حاجة
فسأله أن يقوم معه فيها، فقال: يا أخي ما منعك أن تقوم مع أخيك في حاجته، فقال إني
528

معتكف، فقال الحسن عليه السلام لان أقوم مع أخي المسلم في حاجته
أحب إلي من اعتكاف شهر.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه بلغنا عن الحسين بن علي
عليهما السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
(ما آمن بالله فقالوا من يا رسول الله، فقال من بات شبعان وجاره جائع وهو
يشعر). وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أنه قال:
(البر وحسن الخلق والجوار زيادة في الرزق وعمارة للديار).
حدثني أبي عن أبيه قال: حدثنا أبو سهل سعد ابن سعيد عن
الفضل عن الحسن عن أخيه عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
(ما يؤمن قيل من يا رسول الله؟ قال رجل لا يأمن جاره بوائقه وحدثني أبي
عن أبيه قال حدثنا المقبري عن المفضل عن الحسن قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أمن قيل من يا رسول الله؟ قال من
لم يأمن جاره غشمه وظلمه).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه وبلغنا (أن رجلا أتى
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يشكو جاره فقال له رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم اطرح متاعك على الطريق فطرحه فجعل الناس
يمرون فيلعنونه إذ ألجأه جاره إلى ذلك قال فجاء إلى النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله ما لقيت من الناس فقال وما ذا لقيت
منهم قال يلعنونني، قال لقد لعنك الله قبل الناس، قال فإني لا أعود
يا رسول الله قال فجاء الذي شكا إلى النبي فقال له النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم ارفع متاعك فقد أمنت وكفيت).
529

باب القول في التوكل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن الله تبارك وتعالى
يرزق عبيده أرزاقه ويوسع عليهم ارفاقه ويخص بذلك المتوكلين عليه
الواثقين بما لديه، فيكون ذلك منه سبحانه نعمة وأجرا لهم وحجة
على الفاسقين وتفضلا عليهم فهو رازق الخلق من حيث يعلمون ومن
حيث لا يعلمون قال: وأكثر رزق الله لمن توكل عليه واتقاه من حيث لم
يحتسبه قط، ولم يرجوه، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه * (ومن يتق الله
يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو
حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا) * (4).
باب القول في المتحابين في الله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (أنا شفيع لكل أخوين تحابا في
الله من مبعثي إلى يوم القيامة) قال: وبلغنا عن زيد بن علي عليه السلام
عن آبائه رضوان الله عليهم عن علي عليه السلام أنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال الله تبارك وتعالى وعزتي وعظمتي
وكبريائي وجودي لأدخلن داري ولأرافقن بين أوليائي ولأزوجن حور عيني
المتحابين في المتواخين في المتحبيين إلى خلقي.

(4) الطلاق 4.
530

باب القول فيمن تشبه بالرجال من النساء
ومن تشبه بالنساء من الرجال
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ملعون من تشبه بالرجال
من النساء في حال من الحال، ومن تشبه بالنساء من الرجال، وفي ذلك
ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه لعن الراكبة
والمركوبة وقال لا يدخل الجنة فحلة من النساء، ولعن الله وملائكته من
أتى رجلا أو بهيمة أو رجلا تشبه بالنساء أو امرأة تشبهت بالرجال، ولعن
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الواصلة والموتصلة،
والواشمة، والموتشمة من غير داء، والنامصة والمنتمصة، وقال صلى الله
عليه وعلى آله وسلم إني لأكره أن أرى المرأة لا خضاب عليها.
وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يمنع إحداكن أن تغير
أظفارها، ويروي عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يأمرهن
بالخضاب ويأمرهن بالقلائد في أعناقهن وأن يلبسن الحلي أو غيره ما
يقدرون عليه في أيديهن وأرجلهن، وكره لهن أن يتعطلن تعطل الرجال
وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكره للمرأة أن تصلي وليس عليها
قلادة ولا شئ. وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: لو أن
أحدكم إذا أتى أهله قال اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا
فإن كان له ولد لم يسلط عليه الشيطان.
باب القول في الاستخارة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي للمسلمين أن
لا يفعلوا شيئا من أمورهم من أسفارهم ولا من جميع أسبابهم إلا من
531

بعد استخارة الله عز وجل في ذلك الشئ، فيقول اللهم أنك تعلم ولا
نعلم وتقدر ولا نقدر وانا نريد كذا وكذا، اللهم فإن يكن لنا في ذلك خيرة
فيسره وسهلة وقونا عليه وأنا فيه، وإن لم يكن لنا فيه خيرة فاصرفنا عنه
يا ربنا في عافية أنك ولي كل خير ودافع كل ضير، وفي ذلك ما بلغنا عن
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يعلم أصحابه
الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن، وكانت يقول إذا أراد أحدكم
أمرا فليسمه وليقل اللهم إني أستخيرك فيه بعلمك وأستقدرك فيه بقدرتك
فإنك تعلم ولا أعلم وتقدر ولا أقدر وأنت علام الغيوب اللهم ما كان خيرا
لي من أمري هذا فارزقنيه ويسره لي وأنى عليه وجبه إلي ورضني به
وبارك لي فيه، وما كان شرا لي فاصرفه عني ويسر لي الخير حيث كان.
وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال من
سعادة المرء كثرة استخارته، ومن شقائه تركه الاستخارة. وبلغنا عن أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: (ما أبالي إذا استخرت
الله علي أي جنبي وقعت).
باب القول في فضل الاعمال بالسحر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إن الله جل جلاله في آخر ساعة
تبقى من ساعات الليل يأمر ملكا ينادي فيسمع ما بين الخافقين ما خلا
الإنس والجن ألا هل من مستغفر يعفر له هل من تائب يتب عليه هل من
داع بخير يستجب له هل من سائل يعط سؤله هل من راغب يعط رغبته
يا صاحب الخير أقبل يا صاحب الشر أقصر اللهم أعط كل منفق مال
خلفا، وأعط ممسك مال تلفا. وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه
532

وعلى آله وسلم أنه قال: من فتح له باب دعاء فتح له باب إجابة ورحمة
وذلك قوله الله سبحانه: * (ادعوني أستجب لكم) * (5).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من فتح له باب الدعاء
فليكن أكثر ما يدعو الله به ان يسأله الرضا والرضوان وأن يرزقه الجهاد في
سبيله والشهادة فإن ذلك أفضل ما أعطي العاملون.
باب القول في حسن الخلق وفضل الصلاة
على النبي صلى الله عليه وعلى آله وفضل صلاة يوم الجمعة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الحسن الخلق قريب
من الله قريب من الناس، والحسن الخلق يدرك بحسن خلقه ولين جانبه
من مودة الناس ما لا يدركه المعطي للمال الذي لا خلق له من الرجال،
فمن حسن خلقه فليشكر الله وليعلم أنها أكبر نعم الله عليه.
وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله أنه قال: (إن
الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم نهاره القائم ليله المجاهد في
سبيل الله، وأن سئ الخلق ليكتب جبارا وان لم يملك إلا أهله).
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: من أكثر من الصلاة على
رسول الله صلى الله عليه وآله كثرت رحمة الله له ورفع درجته ومحا
سيئته، وأن أفضل أوقات الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله ليوم
الجمعة، وأن أفضل ساعات الجمعة لوقت الزوال، وأن يوم الجمعة لأفضل
الأيام وأعظمها عند ذي الجلال والاكرام، وأن ليلة الجمعة لأفضل
الليالي، وأن الاعمال لتضاعف في يوم الجمعة وليلتها، وإنما سمي يوم
الجمعة لاجتماع الناس فيه لأداء فرض الصلاة كما أمرهم الله حين يقول:

(5) المؤمن 60.
533

* (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر
الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) * (6) قال يحيى بن
الحسين صلوات الله عليه ومن تعظيم الله لذلك اليوم أن جعله للمسلمين
عيدا، وفيه ما بلغنا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن جبريل أنه
قال (أن يوم الجمعة يوم القيامة وفيه تقوم الساعة).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ما زلت مذ رويت هذا
الحديث يدخلني في كل يوم جمعة وجل وخوف وما ذلك من سوء ظني
بربي ولا قلة معرفة مني برحمة خالقي، ولكن مخافة من لقائه ولم أقم
بما أمرني بالقيام به، وأنهض بما حضني على النهوض فيه وجعله أكبر
فرائضه علي وأعظمها عندي ولدي في مباينة الفاسقين ومجاهدة
الظالمين والنصرة لدين رب العالمين، وأني لأرجو أن يكون الله سبحانه
لا يعلم مني تقصيرا في طلب ذلك ولا في الحرص على أن أكون
كذلك، ولكن لا راغب في الحق ولا طالب له من الخلق ولا معين لي
عليه ولا مؤازر لي فيه، ولقد دعوت إلى ذلك فعصيت، ونهضت فيه
فخذلت وخليت، ودعوت إلى الرحمن وجهدت في إحياء ما أميت من
الايمان فصمت أذان هذا الخلق عن دعوتي وزهدوا فيما خبروا من
حقائق سيرتي، وخولفت في أمر الله فلم أتبع وعصيت حين دعوت إلى
الله فلم أطع فقلت رب إني لا أملك إلا نفسي فبعتها منه، ومالي في
جوف الكعبة البيت الحرام بما بذل لي من الثمن الربيح ذو الجلال
والاكرام حين يقول: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن
لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في
التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم

(6) الجمعة 9.
534

الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) * (7) ثم انتظرت أمر الله وأرصدت
لذلك حتى يفتح الله ويأذن فيما طلبت من إحياء حقه إذن بعونه وتسديد
وتوفيق لذلك وتأليف بين قلوب العباد الذين يرجى بهم إصلاح البلاد،
أو نلقاه سبحانه على ذلك عازمين وبه متمسكين.
باب القول في التواضع والصبر والشكر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: التواضع زين المؤمن
ومن تواضع لله وللمسلمين رفعه الله وما أرض رويت فاهتزت وربت
وأنبتت من كل زوج بهيج فعلا نبتها واخضر جنابها وأينع ثمرها وكثر ماؤها
وعظم خيرها بأحسن عند المحتاج إليها من التواضع في الإمام العادل
عند الله إذا كان تواضعه لله وفي الله، ومن تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر
وتجبر في أرض الله وضعه، ومن رفعه الله لم يتضع ومن وضعه الله لم
يرتفه. قال: وأفضل القيام بنعم الله شكر الله، وأفضل الشكر الله الحمد
لله والانتهاء إلى أمره والاجتهاد في طاعته، وليس الشكر باللسان دون
الفعل. الشكر بالفعل واللسان، فمن شكر الله أطاعه ومن أطاعه فقد
شكره.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: الصبر شعار المؤمنين وهو
باب يغلب الفاسقين، وأكرم الصبر الصبر على طاعة الله والمداومة على
مرضاته والصبر عن معاصيه والحمل للنفس على ما يرضيه، وأزين الصبر
الصبر على مخالفة الهوى. والمثابرة على الزهد في الدنيا، وفي ذلك
ما يقول العلي الاعلى: * (فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم
هي المأوى، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة
هي المأوى) * (8).

(7) التوبة 111.
(8) النازعات 37 / 38.
535

قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ليس من أهل الصبر من لم
يصبر نفسه عن معاصي الله ويصيرها على طاعة الله، وفي ذلك ما بلغنا عن
رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (أن الله تبارك وتعالى إذا أحب
عبدا ابتلاه وإذا ابتلاه فصبر كافأه) وفي ذلك ما بلغنا عن أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله (ثلاث من كن حرم الله لحمه على النار وأولجه الجنة من إذا أصابته
مصيبة استرجع وإذا أنعم عليه بنعمة حمد الله عليها عند ذكره إياها، وإذا
أذنب استغفر الله).
وبلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال:
(أوحى الله إلى موسى بن عمران أتدري لما اصطفيتك على الخلائق
وكلمتك تكليما قال لم يا رب؟ فقال لأني أطلعت على قلوب عبادي فلم
أجد فيهم أشد تواضعا لي منك.
باب القول في السخاء والعمل لله والبخل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: السخي قريب من
الناس قريب من الله حبيب إلى الله حبيب إلى الناس إذا كان مؤمنا، وفي
ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إن الله
يحب السخي فأحبوه، ويبغض البخيل فابغضوه) وبلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وآله أنه قال: (السخاء شجرة أصلها في الجنة وأغصانها
في الدنيا فمن أخذ بغض منها قاده ذلك الغصن إلى الجنة، والبخل
شجرة ثابتة في النار وأغصانها في الدنيا فمن أخذ بغصن منها قاده ذلك
الغصن إلى النار).
وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (من
536

صلى ثماني ركعات في جوف الليل والوتر يداوم عليهن حتى يلقى بهن
الله فتح الله له اثني عشر بابا من الجنة يدخل من أيها شاء). وبلغنا عن
رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (صلاة السر تضعف على صلاة
العلانية سبعين ضعفا).
باب القول في الرفق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من استعمل الرفق في
إخوانه دامت له مؤدتهم، ومن استعمله في أهل بيته استمال قلوبهم،
ومن استعمله في أعداءه قل عنه عداوتهم، ومن استعمله في خدمه
استدام نصيحتهم، ومن استعمله في رزقه من غير تقصير بحسبه ولا
تصغير بمروءته استدام نعمة ربه، وإن لمنفق خلقا ولممسك تلفا كما قال
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا ينبغي أن ينفق المرء في
معاصي الله رزقه الذي رزقه الله، ولا يحبسه عن طاعة الله، والسخاء من
الله بمكان.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: حدثني أبي عن أبيه عن
جده عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الرفق يمن
والخرق شؤم) وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه
قال: (إذا أراد الله بأهل بيت خيرا دلهم على الرفق).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: رفق المرء بنفسه أقرب
إلى الله من رفقه بماله ولم يرفق بنفسه، من لم يقها شحها ويصرف عنها
وقوع اللؤم عليها ويخرج شقى البخل منها وينفي عار اللؤم فإنه متى
لم يفعل ذلك بها فلم يقها شحها ومن لم يق النفس الشح من العالمين
537

لم يكن عند الله من المفلحين ومن لم يكن عند الله من المفلحين فهو عند الله
من الهالكين وفي ذلك ما يقول أصدق الصادقين: * (ومن يوق شح نفسه
فأولئك هم المفلحون) * (9).
باب القول في معاونة الظالمين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من أعان ظالما ولو بخط
حرف أو برفع دواة أو وضعها ثم لقي الله عز وجل على ذلك وبه ولم يكن
اضطرته إلى ذلك مخافة على نفسه لقي الله يوم القيامة وهو معرض عنه
غضبان عليه ومن غصب الله عليه فالنار مأواه والجحيم مثواه أما أني
لا أقول إن ذلك في أحد من الظالمين دون أحد بل أقول إنه لا يجوز
معاونة الظالم ولا معاضدته ولا منفعته ولا خدمته كائنا من كان من آل
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو من غيرهم كل ظالم ملعون وكل
معين ظالم ملعون.
وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه
قال: (من جبا درهما لامام جائر كبه الله في النار على منخريه) وفي ذلك
ما يقال إن المعين للظالم كالمعين لفرعون على موسى.
وفي ذلك ما بلغنا عن أبي جعفر محمد بن علي رحمة الله عليه أنه
كان يروي ويقول: إذا كان يوم القيامة جعل سرادق من نار وجعل
فيها أعوان الظالمين ويجعل لهم أظافير من حديد يحكون بها أبدانهم
حتى تبدوا أفئدتهم فيقولون ربنا ألم نكن نعبدك فيقال بلى ولكنكم كنتم
أعوانا للظالمين.
وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من سود
علينا فقد شرك في دمائنا).

(9) الحشر 9.
538

قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: التسويد هاهنا هو
التكثير فمن كثر بنفسه أو بقوله أو أعان بماله على محق من آل رسول الله
صلى الله عليه وآله جميعا فقد شرك في دمه ووتر رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم في ابنه، وأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا سخط
بالسخط في ولده، وأرضى بالرضا فيهم من سائر الناس في أولادهم،
وأن لهذه الأمة الضالة الحاملة ذنب المذنبين من آل رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم على المحسن المطهر منهم الذي هو أسخط وأكره لفعل
ذلك المسئ من سائر الناس لموقفا بين يدي الله يخاصمه فيه محمد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويحكم بالحق بينهم الله * (ووجدوا
ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) * (*) ويح من فعل ذلك من هذه الأمة
أما يسمع قول الله سبحانه حين يقول في ذلك ومن كان من الخلق
كذلك * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * (10) ويقول سبحانه: * (وكل إنسان
ألزمناه طائرة في عنقه ويخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا إقرأ كتابك
كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) * (11) بلى قد سمعوه ووعوه ولكن عاندوا
في ذلك الحق وجنبوا عن الصدق ظلما وغشما وعداوة لله سبحانه
ولرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وولده وتمردا وظلما كأن لم
يسمعوا الله سبحانه كيف أمر نبيه أمرا بأن يفترض على الأمة مودتهم
فرضا فقال: * (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) * (12) بلى
قد سمعوا ذلك بآذانهم وفهموا فرض الله فيهم بقلوبهم ثم رفضوه من بعد
ذلك رفضا وتركوه عداوة لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وحسدا
وكانوا كما قال الرحمن فيما نزل من آي القرآن فيمن كان قبلهم ممن
عرف مثل ما عرفوا ثم جحد كما جحدوا فقال الله عز وجل: * (فلما جاءتهم

(10) فاطر 18.
(11) الاسراء 13.
(12) الشورى 23.
(*) سورة الكهف 49.
539

آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما
وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) * (13).
باب القول في الامر بالمعروف والنهي
عن المنكر والدعاء إلى الله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من دعى إلى الله
فأجيب كان له مثل أجر كل من أجابه غير منتقص من أجر المحسنين،
والدعاء إلى الله فأكبر الاعمال. وفي ذلك ما يقول ذو الجلال والاكرام:
* (أتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهي عن
الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون) * (14) والذكر لله
هاهنا هو الدعاء إلى الله، وفي ذلك ما حدثني أبي عن أبيه أنه كأن يقول
في قول الله سبحانه ولذكر الله أكبر قال: ذكر الله هاهنا هو الدعاء إلى
الله.
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ويدخل مع ذلك من ذكر
الله شغل القلب في التفكر في جلال الله وقدرته وعظمته وسلطانه،
والذكر له بما ذكر به نفسه من توحيده وعدله وصدق وعده ووعيده. قال:
وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا يحل لعين
ترى الله يعصى فتطرف حتى تغيره أو تنتقل).
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: يجب هذا الفرض على من
أطاق التغيير، ومن لم يطق التغيير وجب عليه الهجرة لذلك الموضع
الذي يعصى فيه الرحمان ويطاع فيه الشيطان إلى منكب من مناكب

(13) النمل 13.
(14) العنكبوت 45.
540

أرض الله لا يرى فيه الفاسقين ولا تجري عليه فيه أحكام الظالمين من
سهلها أو جبالها فإن الله سبحانه يقول: * (إن الذين توفاهم الملائكة
ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم
تكن أرض الله واسعة فتهاجرون فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت
مصيرا) * (15).
باب القول في أداء الأمانة والوفاء
بالعهد والصدق في الحديث
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: هذه من صفات
المؤمنين وفي ذلك ما بلغنا عن رسول رب العالمين صلى الله عليه وآله
وسلم أنه قال: (اضمنوا لي ستا أضمن لكم على الله الجنة أوفوا إذا
وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم، وأصغوا إذا حدثتم، واحفظوا فروجكم وغضوا
أبصاركم، وصلوا أرحامكم) وتصديق ذلك في كتاب الله * (وأوفوا بعد
الله إذا عاهدتم) * (16) وقال: * (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين
في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم
المتقون) * (17) وقال الله سبحانه في أداء الأمانة: * (فليؤد الذي أؤتمن
أمانته وليتق الله ربه) * (18) وقال: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى
أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم
به إن الله كان سميعا بصيرا) * (19) وقال في الصدق: * (إن المسلمين

(15) النساء 97.
(16) النحل 91.
(17) البقرة 177
(18) البقرة 282.
(19) النساء 58.
541

والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين
والصادقات) * ثم قال في آخر الآية * (أعد الله لهم مغفرة وأجرا
عظيما) * (20) فأخبر أنه أعد لمن كان كذلك ما ذكر الله سبحانه من ذلك.
وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال:
(الأمانة تجلب الرزق والخيانة تجلب الفقر).
باب القول في الغيبة والكبر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الغيبة والكبر من أفعال
الكافرين وليست من أخلاق المؤمنين وفي الغيبة ما يقول الله سبحانه:
* (ولا تغتب بعضكم بعضا أيجب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا
فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم) * (21).
وفي ذلك ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله للزبير ولصاحبه
حين تناولا من ما عز بن مالك من بعد أن رجمه رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم فقالا انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فهتك نفسه حتى رجم
كما يرجم الكلب فسكت عنهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
حتى جاز بجيفة حمار شاغر برجله فقال لهما أنزلا فأصيبا من هذا الحمار
فقالا: يا رسول الله أنأكل الميتة فقال: لما أصبتما من صاحبكما آنفا أعظم
من أصابتكما من هذه الجيفة إنه الآن ليتقمص في أنهار الجنة.
وفي الكبر ما يقول الله سبحانه: * (كذلك يطبع الله على كل قلب
متكبر جبار) * (22) وفي ذلك ما بلغنا عن أمير المؤمنين عليه السلام وأبي ذر

(20) الأحزاب 35.
(21) الحجرات 12.
(22) المؤمن 35.
542

رحمة الله عليهما أنهما سألا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالا:
ما أعظم ذنب بعد الشرك عند الله؟ فقال: الكبر الكبر.
باب القول في الكباير وتفسيرها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الكبائر هي كل ما أوجب الله
على فاعله النار إن لقيه عليه لم يتب منه ولم يخرج إليه منه مثل الشرك
به والتشبيه له بخلقه، والتجوير له في فعله، وقتل المؤمن متعمدا والفرار
من الزحف إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة، وأكل الربا بعد التنبيه
وأكل مال اليتيم، واللواط، والزنا، وقذف المؤمنات المحصنات
الغلافلات المؤمنات وشهادة الزور، والكذب على الله ورسوله والإمام العادل
متعمدا، وأكل أموال الناس ظلما والتعرب بعد الهجرة، وكل
ما كان من ذلك مما وعد الله عليه فاعله النار.
باب القول في الصدقة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: صدقة السر تطفئ
غضب الرب، وان أفضل الصدقات لما كان في السنين المسنات
وذلك الحال ما جعله الله عقبة لا ينالها إلا الصابرون، وفي ذلك ما يقول
الله تبارك وتعالى: * (فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو
إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة) * (24) وفي ذلك ما يقول الله:

(23) البلد 11 / 12.
(24) الدهر 8.
543

* (والمتصدقين والمتصدقات) * (25) وإن الصدقة لتجلب الرزق وتدفع ميتة
السوء.
وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال:
(استنزلوا الرزق بالصدقة).
باب القول في اصطناع المعروف
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: اصطناع المعروف فائدة
من أكبر فوائد المسلمين وفيه الاجر العظيم من رب العالمين، ولا يعدم
صاحبه نافلته في الدنيا ولا في الآخرة، وفي ذلك ما يقول حكيم من
الشعراء:
من يصنع العرف لا يعدم جوايزه * لا يذهب العرف بين الله والناس
وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال:
(اصطنع المعروف إلى من هو أهله، وإلى من ليس بأهله فإن أصبت أهله
فهو أهله وان لم تصب أهله فأنت أهله).
وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعائشة:
(تروين شعر ابن عريض اليهودي)؟ قالت لا، فقالت أم سلمة ولكني
أرويه، فقال لها وكيف قال؟ فقالت قال:
أجزيك إن أثنى عليك وإن من * أثنى عليك بما فعلت فقد جزى
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال جبريل يا محمد
من أولاك يدا فكافه فإن لم تقدر فأثن عليه.

(25) الأحزاب 35.
544

باب القول في العذر والترغيب في قبوله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الواجب على من أعتذر
إليه أن يقبل العذر ويظهر القبول للمعتذر كان المعتذر محقا أو مبطلا،
لان ذلك أشبه بأفعال أهل الايمان وأقرب لمن فعله إلى الرحمن.
وفي ذلك ما بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من لم
يقبل العذر من محق أو مبطل لا ورد علي الحوض.
وفي ذلك ما بلغنا عن الحسن بن علي رحمة الله عليه أنه قال: (لو
شتمني إنسان في أذني هذه واعتذر إلي في أذني هذه لقبلت منه).
باب القول فيمن أكره أو نسي
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من أكره على شئ
أكرهه عليه من لا قوة له به، ومن يخاف على نفسه تلفا في عصيانه لم
يكن بمعاقب على ما أكره عليه، وأدخل قسرا فيه، إلا أن يرضى بعد ذلك
بما دخل فيه، فأما إذا كان قلبه غير راض به فلا شئ عليه في ذلك، وفي ذلك
ما يقول الله سبحانه في قصة عمار بن ياسر رحمه الله وما كان من فعل قريش به
وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: * (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره
وقلبه مطمئن بالايمان، ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من
الله ولهم عذاب عظيم) * (26).
وفي ذلك ما بلغنا عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أعطيت ثلاثا:
رحمة من ربي، وتوسعة لأمتي في المكره حتى يرضى يقول الرجل

(26) النحل 106.
545

يكرهه السلطان الجائر حتى يرضى الذي هو عليه من الجور وفي الخطأ
حتى يتعمده، وفي النسيان حتى يذكره).
باب القول في حريم المدينة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لما أن اطلع له أحد هذا جبل
يحبنا ونحبه اللهم إن إبراهيم حرم مكة وأنا أحرم ما بين لا بتيها).
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: لا يجوز أن يصاد الصيد ولا
أن يعضد الشجر بشئ من لابتي المدينة وهما حرتاها المحتوشتان لها
المحدقتان بها وهما المحرم صيدهما.
باب القول في فضل المدينة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا أن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: حين خرج من مكة اللهم ان قريشا
أخرجتني من أحب البلاد إلي فاسكني أحب البلاد إليك فأسكنه الله
المدينة.
وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (ما بين
بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي).
باب القول في الحياء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه، خير ما تخلق به المؤمنون
الحياء، وخير الحياء حياء المستحين من الله، ومن لم يستح من الله
جاهره بالعصيان، ومن لم يستح من الله له ينتظمه اسم الحياء، ومن
استحى من الله لم يعصه متعمدا.
546

وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه
قال: (الحياء ن الايمان ولا إيمان لمن لا حياء له) وبلغنا عنه صلى الله
عليه وآله أنه قال: (لكل شئ خلق وخلق الانسان الحياء).
باب القول في الغضب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ضبط النفس عند
الغضب يستدعي رضا الرب، والكظم للغيظ محمود عند الله لأنه من
الاحسان، وفي ذلك ما يقول الرحمن: * (والكاظمين الغيظ والعافين
عن الناس والله يحب المحسنين) * (27) قال: ومن دواء الغضب إذا اشتد
بصاحبه أن يصلي على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإن كان
الغضبان قائما قعد، وإن كان قاعدا قام.
وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن
رجلا أتاه فقال يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن، ولا تكثر علي،
فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تغضب) وبلغنا عنه
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (ليس الشديد بالشديد الصرعة
إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
باب القول في العراف والقائف
والمنجم والكاهن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يقبل قول واحد من
هؤلاء ولا يعمل به ولا يتكل عليه، فمن قبل من ذلك شيئا فقد ظلم نفسه
وأساء في فعله.

(27) آل عمران 134.
547

قال: وكذلك بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام.
باب القول فيما يستحب من الكلام ويكره
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب على المسلمين
أن يتحفظوا من الكلام كما يتحفظون من غيره من الافعال وقلة الكلام
بغير الصواب خير من كثير الخطاب، ولو كان في كثير الكلام بغير
ما يرضي ذي الجلال والاكرام خير واحد لكان في قلته من الخير أصناف
شتى.
وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه
قال: (من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة، قال رجل يا رسول الله ألا تخبرنا؟
فسكت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم عاد رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم فقال مثل مقالته الأولى فقال الرجل ألا تخبرنا
يا رسول الله فسكت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم عاد
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتكلم بمثل مقالته الأولى
فذهب الرجل يتكلم فأسكته رجل إلى جنبه، فقال رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة شر ما بين لحييه وشر
ما بين رجليه).
قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال
أن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أنها تبلغ ما بلغت
فيكتب الله لها بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من
سخط الله ما كان يظن أنها تبلغ ما بلغت فيكتب الله لها بها سخطه إلى يوم
القيامة.
548

قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه بلغنا عن المسيح عيسى
بن مريم صلوات الله عليه أنه كأن يقول لبني إسرائيل: (لا تكثروا الكلام
بغير ذلك الله فتقسوا قلوبكم فإن القلب القاشي بعيد من الله ولكن
لا تعلمون).
باب القول في هجرة المسلم أخاه المسلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ليس من أخلاق
المسلمين التهاجر إنما التهاجر من أخلاق الفاسقين. والمؤمنون كما قال
الله تعالى: * (إخوانا على سرر متقابلين) * (28) وفي ذلك ما بلغنا عن
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا يحل لمسلم إن
يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام فيلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما
الذي يبدأ بالسلام).
قال: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه
قال: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل
لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام).
باب القول في معرفة المسكين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وآله أنه قال: (ليس المسكين بهذا الطواف عليكم ترده
التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان، قالوا فمن المسكين يا رسول الله؟
قال: الذي لا يجد غنا بغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل
الناس).

(28) الحجر 47.
549

باب القول في التعوذ والرقية في المرض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يرقي نفسه إذا مرض بالمعوذات،
وينفث. وقال لبعض أصحابه وكان وجعا إلمس بيمينك على موضع
وجعك سبع مرات وقل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد فذهب عنه
ما كان يجد، ويقال إنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كأن يقول أنزل
الدواء الذي أنزل الداء، وكان يأمر المحموم أن يبرد حماه بالماء وكان
يقول الحما من فيح جهنم فأبردوها بلا ماء، وكأن يقول صلى الله عليه
وعلى آله وسلم من نزل منزلا فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من شر
ما خلق، فإنه لن يضره شئ حتى يرتحل.
باب القول في الرؤيا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (الرؤيا الحسنة من الرجل
الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) وكأن يقول صلى الله عليه
وعلى آله وسلم: (لم يبق بعدي إلا المبشرات قالوا وما المبشرات
يا رسول الله؟ قال: الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له جزء
من ستة وأربعين جزءا من النبوة) وكأن يقول صلى الله عليه وعلى آله
وسلم: (الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم شيئا
يكرهه فلينفث (29) عن يساره ثلاث نفثات إذا استيقظ ثم ليتعوذ بالله من
شرها فإنها لن تضره إن شاء الله تعالى).

(29) النفث: نفح خفيف معه ريق.
550

باب القول في السلام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله أنه قال: (يسلم الراكب على الماشي، وإذا سلم
واحد من القوم أجزأ عنهم).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: رد السلام فريضة لان
الله عز وجل يقول: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * (30).
قال: يحيى بن الحسين رضي الله عنه: بلغنا عن رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: إن اليهود إذا سلموا عليكم فإنما يقولون
السام عليكم فقولوا وعليكم.
باب القول في التصاوير
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا تدخل الملائكة بيتا فيه
تماثيل أو صور إلا ما كان رقما في ثوب).
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: أنا أكره قربها كائنة فيما
كانت إلا أن لا يجد عنها صاحبها مندفعا، وإنما استثنى رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم التصاوير المرقومة رحمة لا صحابها وترخيصا
لهم فمن وجد عنها مندفعا فهو أفضل.
باب القول في اقتناء الكلب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الكلب نجس وأنجس
منه من تنجس به، ولا يجوز اقتناء الكلب إلا لزرع أو ضرع أو صيد.

(30) النساء 86.
551

وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه
قال: (من اقتنى كلبا لغير زرع أو ضرع أو صيد أو كلب ضار نقص كل
يوم من عمله قيراطان).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قوله ضار يريد أن يتخذه
صاحبه لينتفع به في الصيد.
باب القول فيما يتقى فيه الشؤم
والبركة والمشؤوم مشؤوم، والمبارك مبارك.
باب القول في اللعب بالشطرنج
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز اللعب بها لأنها
ملعونة تلهي عن ذكر الله وإقامة الصلاة، والخير، وتدعو إلى الاثم
والكذب والحلف والضير والمراء، وهي أخت النرد واسم الميسر
يجمعها ويجب على من لعب بها الأدب، وأن لا يسلم عليه وكفاه بهذا
إخزاء وقلة وفسالة ورداءا.
552

وقد بلغنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه أجاز بقوم يلعبون فلم
يسلم عليهم ثم أمر رجلا من فرسانه فنزل فكسرها وحرق رقعتها وعقل
من كل من لعب بها رجلا وأقامه قائما فقالوا يا أمير المؤمنين لا نعود،
فقال: إن عدتم عدنا.
باب القول فيما يكره من الأسماء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أصلح الأسماء خيرها
وأطيبها وأعظمها بركة، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم أنه قال: (من يحلب لنا هذه اللقحة فقام رجل فقال له
صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما أسمك فقال الرجل مرة، فقال اجلس
ثم قال من يحلب هذه اللقحة فقام رجل فقال له صلى الله عليه وعلى
آله وسلم ما اسمك، فقال: حرب، فقال اجلس ثم قال النبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم من يحلب هذه اللقحة فقام رجل فقال النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم ما أسمك: فقال يعيش فقال احلب احلب فحلب).
باب القول فيما روي عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم في الحجامة وأخذ الشارب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن حجاما يقال له أبو طيبة حجمة فأمر له
بصاح من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه، وبلغنا عنه صلى الله
عليه وعلى آله وسلم أنه كأن يقول: إن كان دواء يبلغ الدار فان الحجامة
تبلغه، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم لو كان في شئ شفاء من
الموت لكان في شرطة حجام.
553

وروي (31) عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (احفوا
الشارب وأعفوا اللحى).
باب القول فيما يستحب من الكلام
والعمل في السفر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان إذا وضع رجله في الغرز وهو يريد
السفر قال: (بسم الله اللهم أنت الصاحب في السفر،
والخليفة في الأهل والمال اللهم أطولنا الأرض وهون علينا السفر، اللهم
إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل
والمال). وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان
يقول: إن الله رفيق يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على
العنف فإذا ركبتم هذه الدواب العجم فأنزلوها منازلها، وإن كانت الأرض
حدبة فانجوا عليها بنفسها وعليكم بسير الليل فإن الأرض تطوى بالليل
ما لا تطوى بالنهار، وإياكم والتعريس على الطريق فإنه طريق الدواب
ومأوى الحياء.
باب القول في الوحدة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (الواحد شيطان والاثنان شيطانان
والثلاثة جماعة) وبلغنا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال:
(الشيطان يهم بالواحد وبالاثنين فإذا كانوا ثلاثة لهم يهم بهم).

(31) لم يذكر هذا الذي بين قوسين الزيادة في النسخ المقصوص عليها فينظر.
554

باب القول في فضل من يوالي آل محمد
صلى الله عليه وعلى آله وسلم
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم (يا علي من أحب ولدك فقد أحبك ومن أحبك فقد
أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ومن أحب الله أدخله الجنة، ومن
أبغضهم فقد أبغضك ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني فقد
أبغض الله ومن أبغض الله كان حقيقا على الله أن يدخله النار).
قال وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أحبنا أهل
البيت أحد فزلت به قدم إلا ثبتته قدم حتى ينجيه الله يوم القيامة) وقال
صلى الله عليه وآله وسلم: (مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من
ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى) وقال صلى الله عليه وآله:
(أهل بيتي أمان لأهل الأرض والنجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهب أهل
بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يوعدون وإذا ذهبت النجوم من
المساء أتى أهل المساء ما يوعدون).
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: خيار هذه الأمة من تولى
الله ورسوله وأهل بيته أمير المؤمنين عليه السلام وذريته لان الله قد أمر
بتوليتهم.
وأشر هذه الأمة وأظلمها من أبغض الله ورسوله وأهل بيته أمير
المؤمنين وذريته لان الله قد حرم ذلك عليه في كتابه وعلى لسان نبيه
محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجعلهم خلفاء أرضه وأئمة خلقه
ورعاة بريته وخزته وحيه وحفظة كتابه استأمنهم عليه وجعلهم الهداة إليه
وأمر بسؤالهم والالتجاء في كل علم فرائضه إليهم وجعل عندهم علم
الكتاب وفصل الخطاب وتمييز ما التبس من الأسباب يهدون إلى
555

الرحمن ويدعون إلى البر والاحسان * (نور على نور يهدي الله لنوره من
يشاء) * (32) ويؤتى التوقي من عباده من اهتدى والحمد لله العلي الاعلى
والصلاة على محمد المصطفى وأهل بيته الأخيار النجبا وأتباعهم
الأولياء.
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وإنما أخرنا ذكر ما ذكرنا
من بعض فضل آل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم لنختم بذكرهم
الكتاب كما ابتدأناه بهم لان الله سبحانه بهم ابتدأ لاظهار الحق
والهدى، وبهم يختم سبحانه الدنيا.

(32) النور 35.
556

تم كتاب الأحكام بمن الله ذي العزة والانعام، وصلى الله عليه
محمد خير الأنام وعلى أهل بيته السلام ما دام الدوام واختلف النور
والظلام، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وحسبنا الله
وكفى ونعم المولى ونعم النصير ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت
خير الفاتحين.
557