الكتاب: فتح العزيز
المؤلف: عبد الكريم الرافعي
الجزء: ٦
الوفاة: ٦٢٣
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

فتح العزيز
شرح الوجيز
وهو الشرح الكبير للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 ه‍
..
الجزء السادس
دار الفكر
1

بسم الله الرحمن الرحيم قال (النوع الثالث زكاة النقدين والنظر في قدره وجنسه: اما القدر فنصاب الورق مائتا درهم
ونصاب الذهب عشرون دينارا وفيهما ربع العشر وما زاد فبحسابه ولا وقص (ح) فيه) *
الكلام في هذا النوع في قدر الواجب والواجب فيه ثم في جنسه أما الأول فنصاب الورق
مائتا درهم ونصاب الذهب عشرون دينارا وفيهما ربع العشر وهو خمسة دراهم ونصف دينار ولا شئ
2

فيما دون ذلك روى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس
فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) (1) والأوقية أربعون درهما لما روى أنه صلى الله عليه وسلم
(قال إذا بلغ مال أحدكم خمس أواق مائتي درهم ففيه خمسة دراهم) (2) ويجب فيما زاد على المأتين والعشرين
بالحساب قل أو كثر ولا وقص فيه خلافا لأبي حنيفة حيث قال لا يجب فيما زاد على المأتين شئ
حتى يبلغ أربعين درهما ولا فيما زاد على عشرين دينارا حتى يبلغ أربعة دنانير ففيها ربع العشر
ثم كذلك في كل أربعين درهما أربعة دنانير * لنا ما روى عن علي كرم الله وجهه ان النبي صلي الله
3

عليه وسلم قال (هاتوا ربع العشر من الورق ولا شئ فيه حتى يبلغ مائة درهم وما زاد فبحسابه) (1) وروى
4

مثله في الذهب وفى النقدين جميعا لا فرق بين التبر والمضروب والاعتبار بالوزن الذي كان بمكة
لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (الميزان ميزان أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة) (1) وذلك ظاهر
في الدنانير وقد ذكر الشيخ أبو حامد وغيره ان المثقال لم يختلف في جاهلية ولا اسلام واما الدراهم
فإنها كانت مختلفة الأوزان والذي استقر الامر عليه في الاسلام أن وزن الدرهم الواحد ستة دوانيق
كل عشرة منها سبعة مثاقيل من ذهب وذكروا في سبب تقديرها بهذا الوزن أمورا (أشهرها) ان
غالب ما كانوا يتعاملون به من أنواع الدراهم في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) والصدر الأول
5

بعده نوعان (البغلية والطبرية) والدرهم الواحد من البغلية ثمانية دوانيق ومن الطبرية أربعة دوانيق
فأخذوا واحدا من هذه وواحدا من هذه وقسموهما نصفين وجعلوا كل واحد درهما يقال فعل ذلك في
زمان بني أمية وأجمع أهل ذلك العصر على تقدير الدراهم الاسلامية بها ونسب أقضى القضاة الماوردي ذلك
إلى فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ومتي زدت على الدرهم الواحد ثلاثة أسباعه كان مثقالا ومتى
نقصت من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهما وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل وكل عشرة مثاقيل أربعة
عشر درهما وسبعان وحكي المسعودي أنه إنما جعل كل عشرة دراهم بوزن سبعة مثاقيل من الذهب
لان الذهب أوزن من الفضة وكأنهم جربوا قدرا من الفضة ومثله من الذهب فوزنوهما وكان وزن الذهب
زائدا على وزن الفضة بمثل ثلاثة أسباعها وروى الشيخ أبو محمد قريبا من هذا عن كلام القفال رحمه
الله وأما المواضع المستحقة للعلامات من الفصل فقوله (وما زاد فبحسابه) وقوله (ولا وقص فيه) معلمان
بالحاء لما حكيناه ويجوز أن يعلم قوله (عشرون مثقالا) وقوله (مائتا درهم) بالميم والألف لأنهما يحتملان
النقصان اليسير *
6

قال (وان نقص من النصاب حبة فلا زكاة فيه وإن كان يروج (ح) رواج التام ويعتبر (ح) النصاب في
جميع الحول ولا يكمل (ح) نصاب أحد النقدين بالآخر ولكن يكمل جيد النقرة برديئها ثم يخرج من
كل بقدره ولا زكاة في الدراهم المغشوشة ما لم يكن قدر نقرتها نصابا وتصح المعاملة مع الجهل بقدر
النقرة على أحد الوجهين كالغالية والمعجونات) * في الفصل صور (إحداهما) لو نقص عن النصاب
شئ فلا زكاة وان قل كالحبة والحبتين ولا فرق بين أن يروج رواج التام أو يفضل عليه وبين ألا
يكون كذلك وفضله على التام إنما يكون لجودة النوع ورواجه رواج التام قد يكون للجودة وقد
يكون لنزارة القدر الناقص ووقوعه في محل المسامحة * وعن مالك انه إذا كان الناقص قدر ما يسامح به
ويؤخذ بالتام وجبت الزكاة ويروى عنه أنه إذا نقص حبة أو حبات في جميع الموازين فلا زكاة وإن
نقص في ميزان دون ميزان وجبت * وعن أحمد انه لو نقص دانق أو دانقان تجب الزكاة * لنا قوله صلى
الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمس أواق صدقة) وسائر الأخبار وحكي في العدة وجهين فيما
7

لو نقص في بعض الموازين وتم في بعض (أصحهما) أنه لا يجب وهذا هو الذي أورده المحاملي وقطع
به إمام الحرمين بعد ما حكي عن الصيدلاني الوجوب (الثانية) يشترط ملك النصاب بتمامه في جميع
الحول خلافا لأبي حنيفة رحمه الله حيث قال يشترط في أول الحول وآخره ولا يضر نقصانه في خلال
الحول وطرد ذلك في المواشي وغيرها ولم يشترط الابقاء شئ من النصاب (لنا) الخبر المشهور (لا زكاة
8

في مال حتى يحول عليه الحول والحادث بعد نقصان النصاب لم يحل عليه الحول (الثالثة) لا يكمل نصاب
أحد النقدين بالآخر لأنهما جنسان مختلفان كما لا يكمل التمر بالزبيب وقال مالك وأبو حنيفة يكمل
نصاب أحدهما بالآخر وبه قال احمد في أصح الروايتين ثم عنده وعند مالك الضم بالاجزاء فيحسب
كم الذهب من نصابه وكم الفضة من نصابها فإذا بلغا نصابا وجبت الزكاة وعند أبي حنيفة الضم بالقيمة
9

وبأيهما كمل وجبت الزكاة ويكمل الجيد بالردئ من الجنس الواحد كأنواع الماشية وأما الذي يخرج قال
في الكتاب يخرج من كل واحد بقدره وهذا إذا لم تكثر الأنواع وهو الغالب في الذهب والفضة فان كثرت
والردئ الخالص والمغشوش وإنما الكلام في محض النقرة وجودته ترجع إلى النعومة والصبر على الضرب
10

ونحوهما والرداءة إلى الخشونة والتفتت عند الضرب ولو أخرج الجيد عن الردئ فهو أفضل وان أخرج
الردئ عن الجيد فالمشهور المنع وروى الامام عن الصيدلاني الاجزاء وخطأه فيه ويجوز اخراج الصحيح
عن المكسر ولا يجوز عكسه بل يجمع المستحقين ويصرف إليهم الدينار الصحيح أو يسلمه إلى واحد باذن
الباقين هذا هو المذهب المشهور في المذهب وحكى أبو العباس الروياني في المسائل الجرجانيات عن بعض
الأصحاب انه يجوز أن يصرف إلى كل واحد منهم ما يخصه مكسرا وعن بعضهم انه يجوز ذلك
ولكن مع الصرف بين المكسر والصحيح وعن بعضهم انه ان لم يكن في المعاملة فرق بين
الصحيح والمكسر جاز أداء المكسر عن الصحيح (الرابعة) إذا كانت له دراهم أو دنانير مغشوشة
11

فلا زكاة فيهما ما لم يبلغ قدر قيمتهما نصابا خلافا لأبي حنيفة رحمه الله حيث قال إن كان الغش أقل
وجبت فيها الزكاة (لنا) قوله صلى الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة)
فإذا بلغت نقرتها نصابا أخرج قدر الواجب نقرة خالصة أو أخرج من المغشوش ما يعلم أنه
مشتمل على قدر الواجب ولو أخرج عن ألف درهم مغشوشة خمسة وعشرين خالصة فقد
تطوع بالفضل ولو أخرج عن مائة درهم خالصة خمسة مغشوشة لم يجز خلافا لأبي حنيفة (لنا).
القياس على ما لو اخرج مريضة عن الصحاح وبل أولى لان الغش ليس بورق والمريضة إبل
وإذا لم يجزه فهل له الاسترجاع حكوا عن ابن سريج فيما فرع على الجامع الكبير لمحمد فيه
قولين (أحدهما) لا كما لو أعتق رقبة معيبة يكون متطوعا بها (وأصحهما) نعم كما لو عجل بالزكاة.
12

فتلف ماله قال بن الصباغ وهذا إذا كان قد بين عند الدفع أنه يخرج عن هذا المال ثم ذكر الشافعي
رضي الله عنه في هذا الموضع كراهة الدرهم المغشوش فقال الأصحاب في شروحهم يكره للامام
ضرب الدراهم المغشوشة لئلا يغش بها بعض الناس بعضا ويكره للرعية ضرب الدراهم وإن كانت
خالصة فإنه من شأن الامام ثم الدراهم المغشوشة إن كانت مضبوطة العيار صحت المعاملة بها
إشارة إلى عينها الحاضرة والتزاما لمقدار منها في الذمة وإن كان مقدار النقرة منها مجهولا ففي جواز
المعاملة بأعيانها وجهان (أصحهما) الجواز لان المقصود رواجها وهي رائجة بمكان السكة ولان بيع
13

الغالية والمعجونات جائز وإن كانت مختلفة المقدار فكذلك ههنا (والثاني) المنع وبه أجاب القفال
لأنها مقصودة باعتبار ما فيها من النقرة وهي مجهولة القدر والإشارة إليها لا تفيد الإحاطة بقدر النقرة فأشبه
بيع تراب المعدن وتراب الصاغة فان قلنا بالأول فلو باع بدراهم مطلقا ونقد البلد مغشوش صح
العقد ووجب من ذلك النقد وإن قلنا بالثاني لم يصح العقد ومواضع العلامات من الفصل بينة
قال (ولو كان له ذهب مخلوط بالفضة قدر أحدهما ستمائة درهم وقدر الآخر أربعمائة واشكل
عليه وعسر التمييز فعليه زكاة ستمائة ذهبا وستمائة نقرة ليخرج عما عليه بيقين) *
14

لو كان له ذهب مخلوط بفضة فان عرف قدر كل واحد منهما أخرج زكاته وإن لم يعرف كما لو كان
وزن المجموع ألفا وإحداهما ستمائة والآخر أربعمائة وأشكل عليه أن الأكثر الذهب أو الفضة فان
أخذ بالاحتياط فاخرج زكاة ستمائة من الذهب وستمائة من الفضة فقد خرج عن العهدة بيقين ولا يكفيه
في الاحتياط أن يقدر الأكثر ذهبا فان الذهب لا يجزئ عن الفضة وإن كان خيرا منها وان لم يطب
نفسا بالاحتياط فليميز بينهما بالنار (قال الأئمة) ويقوم مقامه الامتحان بالماء بان يوضع قدر المخلوط
من الذهب الخالص في ماء ويعلم على الموضع الذي يرتفع إليه الماء ثم يخرج ويوضع مثله من الفضة
15

الخالصة ويعلم على موضع الارتفاع أيضا وتكون هذه العلامة فوق الأولى لان اجزاء الذهب أشد
اكتنازا ثم يوضع فيه المخلوط وينظر إلى ارتفاع الماء به أهو إلى علامة الذهب أقرب أو إلى علامة
الفضة ولو غلب على ظنه أن الأكثر الذهب أو الفضة فهل له العمل بمقتضاه (قال) الشيخ أبو حامد
ومن تابعه إن كان يخرج الزكاة بنفسه فله ذلك وإن كان يسلم إلى الساعي فالساعي لا يعمل بظنه
بل يأخذ بالاحتياط أو يأمر بالتمييز (وقال) الامام الذي قطع به أئمتنا أنه لا يجوز اعتماد الظن فيه ويحتمل
أن يجوز له الاخذ بما شاء من التقديرين واخراج الواجب على ذلك التقدير لان اشتغال ذمته
بغير ذلك غير معلوم: وصاحب الكتاب حكى هذا الاحتمال وجها في الوسيط: إذا عرفت ذلك أعلمت
قوله في الكتاب (فعليه زكاة ستمائة ذهبا وستمائة نقرة بالواو) لهذا الوجه ولان على ما ذكره العراقيون
قد يجوز الاخذ بالظن فلا يلزم اخراج ستمائة من هذا أو ستمائة من ذلك ثم قوله (وعسر التمييز فعليه كذا)
ليس هذا على الاطلاق إذا قد يعسر التمييز ويمكن الامتحان بالماء ومعرفة المقدارين فلا يجب ستمائة
من هذا وستمائة من ذاك وعسر التمييز بان يفقد آلات السبك أو يحتاج فيه إلى زمان صالح فان
الزكاة واجبة على الفور ولا يجوز تأخيرها مع وجود المستحقين ذكر ذلك في النهاية ولا يبعد أن يجعل
السبك أو ما في معناه من شروط الامكان *
16

قال (ولو ملك مائة نقدا ومائة مؤجلا على ملئ ولم نوجب عليه تعجيل زكاة المؤجل وجب اخراج
حصة المال النقد على أصح الوجهين لان الميسور لا يتأخر بالمعسور) *
لو ملك مائة درهم نقدا في يده ومائة مؤجلة على ملئ فكيف يزكي: يبنى ذلك على أن الدين
المؤجل هل تجب فيه الزكاة أم لا والصحيح الوجوب وعلى هذا فهل يجب الاخراج في الحال أولا
يجب الا بعد الاستيفاء فيه وجهان (والصحيح الثاني) وقد شرحنا الخلافين من قبل فان قلنا
لا زكاة في الدين المؤجل فلا شئ عليه في المسألة وان أوجبنا إخراج زكاته في الحال فهو كما لو كان
في يده جميع المأتين وان أوجبنا فيه الزكاة ولم نوجب اخراجها في الحال وهو المراد من قوله في
الكتاب ولم نوجب تعجيل الزكاة عن المؤجل فهل يلزمه الاخراج عما في يده بالقسط فيه وجهان
(أحدهما) لا لان ما في يده ناقص عن النصاب فإذا لم يجب اخراج زكاة جميع النصاب لا يجب
اخراج شئ (وأصحهما) نعم لان الميسور لا يتأخر بالمعسور وبنوا الوجهين على أن الامكان شرط
الوجوب أو شرط الضمان: ان قلنا بالأول فلا يلزمه اخراج شئ في الحال لأنه ربما لا يصل إليه الباقي
وبهذا القول أجاب في المختصر في هذا الفرع وان قلنا بالثاني اخرج عن الحاضر بالقسط لان
هلاك الباقي لا يسقط زكاة الحاصل في يده ومتى كان في يده بعض النصاب وما يتم به النصاب
مغصوب أو دين على غيره ولم نوجب فيهما الزكاة فإنما يبتدئ الحول من يوم قبض ما يتم به النصاب *
قال (النظر الثاني في جنسه ولا زكاة في شئ من نفائس الأموال الا في النقدين وهو منوط
بجوهرهما على أحد القولين وفى الثاني منوط بالاستغناء عن الانتفاع بهما حتى لو اتخذ منه حلي
على قصد استعمال مباح سقطت الزكاة وإن كان على قصد استعمال محظور كما لو قصد الرجل بالسوار
أو الخلخال أن يلبسه أو قصدت المرأة ذلك في المنطقة والسيف لم تسقط الزكاة لان المحظور
شرعا كالمعدوم حسا بل لا يسقط إذا قصد ان يكنزهما حليا لان الاستعمال المحتاج إليه لم يقصده)
17

لا زكاة فيما سوى النقدين من الجواهر النفيسة كاللؤلؤ والياقوت ونحوهما ولا في المسك
والعنبر: روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال (لا شئ في العنبر) (1) وعن عائشة رضي الله عنهم
انه (لا زكاة في اللؤلؤ) (2) وبما تناط زكاة النقدين: أتناط بجوهرهما أم بالاستغناء عن الانتفاع بهما
فيه قولان في قول يناط بجوهرهما كاربا وفى قول بالاستغناء عن الانتفاع بهما إذ لا يتعلق بذاتهما
غرض وبقاؤهما في يده يدل على أنه غنى عن التوسل بهما ويبنى على العبارتين وجوب الزكاة في
18

الحلى المباح: فعلى الأولى تجب وبه قال (عمر وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم) (1) وهو مذهب أبي
19

حنيفة رحمه الله لما روى (أن امرأتين أتتا رسول الله صل الله عليه وسلم وفى أيديهما سواران من
ذهب فقال أتؤديان زكاته قالتا لا فقال صلى الله عليه وسلم أتحبان أن يسوركما الله بسوارين من نار
قلتا لا قال فأديا زكاته) (2) وعلى العبارة الثانية لا تجب الزكاة فيه وبه قال ابن عمر وجابر وعائشة
20

رضي الله عنهم وهو مذهب مالك واحمد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا زكاة في الحلي) (1) ولأنه
21

معد لاستعمال مباح كالعوامل من البقر والإبل وهذا أظهر القولين: ولك أن تعلم لما ذكرنا قوله
22

منوط بجوهرهما بالألف والميم وقوله منوط بالاستغناء عن الانتفاع بهما بالحاء والقولان في الحلي
المباح أما المحظور فتجب فيه الزكاة بالاجماع وهو على نوعين محظور لعينه كالأواني والقصاع والملاعق
والمجامر الذهبية والفضية ومحظور باعتبار القصد كما لو قصد الرجل بحلي النساء الذي اتخذه أو ورثه
أو اشتراه كالسوار والخلخال أن يلبسه أو يلبسه غلمانه أو قصدت المرأة بحلي الرجال كالسيف
والمنطقة ان تلبسه أو تلبسه جواريها أو غيرهن من النساء وكذا لو أعد الرجل حلي الرجال لنسائه
وجواريه أو أعدت المرأة حلي النساء لزوجها وغلمانها فكل ذلك محظور وعلل في الكتاب وجوب
الزكاة في الحلى المحظور بأن المحظور شرعا كالمعدوم حسا ولم يرد به الحاق المحظور بالمعدوم على
الاطلاق لكن المراد ان الحكم المخصوص بضرب من التخفيف واطلاق التصرف إذا شرطت
فيه منفعة فيشترط كونها مباحة والا فهي كالمعدومة وهذا كما أنه يشترط في البيع كون المبيع منتفعا
به فلو كانت فيه منفعة محظورة كما في آلات الملاهي كان كما لو لم يكن فيه منفعة ثم التعليل المذكور
في المحظور لعينه أظهر منه في المحظور باعتبار القصد لان الصنعة في المحظور لعينه لا حرمة لها إذا منعنا
اتخاذه فاما المحظور باعتبار القصد فالتحريم فيه يرجع إلى الفعل والاستعمال لا إلى نفس الحلي والصنعة
محترمة غير مكسرة وان فسد القصد فهلا كان ذلك بمثابة ما لو قصد بالعروض التي عنده استعمالها
في وجوه محترمة لا تجب الزكاة (قال الامام) قدس الله روحه في دفع هذا الاشكال الزكاة تجب في
23

عين النقد: وعينه لا تنقلب باتخاذ الحلى منه فلا يلتحق بالعروض الا بقصد ينضم إليه وهذا كما أن
العروض لما لم تكن مال الزكاة في أعيانها لا تصير مال الزكاة الا بقصد ينضم إلى الشرى وهو
قصد التجارة وإذا لم تسقط الزكاة بمحض الصنعة واحتيج إلى قصد الاستعمال فمتى قصد محرما لغى
ولم يؤثر في الاسقاط وان اتخذ حليا ولم يقصد به استعمالا مباحا ولا محذورا ولكن قصد جعله كنزا فالذي
24

ذكره في الكتاب وأورده الجمهور انه لا تسقط الزكاة قولا واحدا لأنه لم يصر محتاجا إليه بالاستعمال
بل المكنوز مستغني عنه كالدراهم المضروبة وحكى الامام فيه خلافا لقصد الامساك وابطال هيئة
الاخراج وهل يجوز اتخاذ حلي الذهب للذكور من الأطفال فيه وجهان ويجئ فيه الوجه الثالث
الذي ذكرناه في الباسهم الحرير *
قال (ولو لم يخطر بباله قصد أصلا ففي السقوط وجهان ينظر في أحدهما إلى حصول الصياغة
وفى الثاني إلى عدم قصد الاستعمال فان قصد إجارتهما ففيه وجهان والقصد الطارئ بعد الصياغة
في هذه الأمور كالمقارن) *
في الفصل ثلاث صور تتفرع على أن الزكاة لا تجب في الحلي (إحداها) لو اتخذ حليا مباحا في عينه
ولم يقصد أن يكنزه ولا قصد به استعمالا مباحا ولا محظورا فهل تسقط عنه الزكاة فيه وجهان (أحدهما)
لا لان وجوب الزكاة منوط باسم الذهب والفضة ولا ينصرف الا بقصد الاستعمال ولم يوجد: والثاني
نعم لان الزكاة تجب في مال نام والنقد غير نام في نفسه إنما يلتحق بالناميات لكونه متهيئا
للاخراج وبالصياغة بطل التهيؤ (قال) في العدة وهذا الثاني ظاهر المذهب (وقوله) في الكتاب
ينظر في أحدهما إلى حصول الصياغة يقتضى اثبات الخلاف فيما إذا قصد أن يكنزه وإن لم يذكره
لأنه جعل علة السقوط حصول الصياغة وهي موجودة في تلك الصورة ويجوز أن يكون افتراق
الصورتين في الأظهر باعتبار أن نية الكنز صارفة لهيأة الصياغة عن استعماله ولم يوجد ههنا نية
صارفة والظاهر كون الصياغة للاستعمال وافضاؤها إليه (الثانية) لو اتخذ الحلي ليؤاجره ممن له
استعماله ففيه وجهان (أحدهما) لا تسقط عنه الزكاة لأنه معد للنماء فأشبه ما لو اشترى حليا ليتجر
فيه (وأصحهما) أنه تسقط كما لو اتخذه ليعيره ولا اعتبار بالأجرة كأجرة العوامل من الماشية وذكر في
الشامل ان الوجه الأول قول احمد والثاني قول مالك (الثالثة) حكم القصد الطارئ في جميع ما ذكرنا
بعد الصياغة حكم المقارن بيانه لو اتخذه على قصد استعمال محظور ثم غير قصده إلى مباح بطل الحول
فلو عاد إلى القصد الفاسد ابتدأ حول الزكاة ولو اتخذه على قصد الاستعمال ثم قصد أن يكنزه
25

جرى في الحول وعلى هذا قس نظائره *
قال (ولو انكسر الحلي واحتاج إلى الاصلاح لم يجر في الحول لأنه حلى بعد وقيل يجرى
لتعذر الاستعمال وقيل ينظر إلى قصد المالك للاصلاح أو عدمه) *
مما يتفرع على نفى الزكاة في الحلى القول في انكساره وله ثلاث أحوال (إحداها)
أن ينكسر بحيث لا يمنع الاستعمال وهذا لا تأثير له (والثانية) أن ينكسر بحيث
يمنع الاستعمال ويحوج إلى سبك وصوغ جديد فتجب فيه الزكاة لخروجه عن صلاحية
الاستعمال ويبتدئ الحول من يوم الانكسار (والثالثة) وهي المذكورة في الكتاب
أن ينكسر بحيث يمنع الاستعمال لكن لا يحوج إلى صوغ جديد بل يقبل الاصلاح باللحام فان قصد
جعله تبرا أو دراهم أو قصد ان يكنزه انعقد الحول عليه من يوم لانكسار وان قصد اصلاحه فوجهان
(أظهرهما) انه لا زكاة وان تمادت عليه أحوال لدوام صورة الحلي وقصد الاصلاح (والثاني)
يجب لتعذر الاستعمال وان لم يقصد لا هذا ولا ذاك ففيه خلاف منهم من يجعله وجهين ويقول بترتيبهما
على الوجهين فيما إذا قصد الاصلاح وهذه الصورة أولى بأن تجرى في الحول ومنهم من يجعله قولين
أحدهما انه تجب الزكاة لأنه غير مستعمل في الحال ولا معدله (وأظهرهما) المنع لأن الظاهر استمراره
على ما سبق من قصد الاستعمال وذكر في البيان ان هذا هو الجديد والأول القديم فإذا جمعت بين
الصورتين قلت في المسألة ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب (ثالثها) وهو الأظهر الفرق بين ان يقصد
الاصلاح وبين ألا يقصد شيئا وموضع الخلاف عند الجمهور ما إذا لم يقصد جعله تبرا أو دراهم وإن كان
لفظ الكتاب مطلقا *
26

قال (فان قيل ما الانتفاع المحرم في عين الذهب والفضة قلنا أما الذهب فأصله على التحريم
في حق الرجال وعلى التحليل في حق النساء ولا يحل للرجال الا تمويه لا يحصل منه الذهب أو اتخاذ
أنف لمن جدع أنفه) *
جرت عادة الأصحاب بالبحث عن ما يحل ويحرم من التحلي بالتبرين ليعلم موضع القطع
بوجوب الزكاة وموضع القولين فاما الذهب فأصله على التحريم في حق الرجال وعلى التحليل في حق
النساء لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال في الذهب والحرير (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها) (1)
واستثنى في الكتاب عن التحريم نوعين (أحدهما) التمويه الذي لا يحصل منه شئ وفى جوازه
في الخاتم والسيف وغيرهما (وجهان) سبق في الأواني ذكرهما وبالتحريم أجاب العراقيون ههنا وقد
عرفت بما ذكرنا أن قوله الا تمويه ينبغي أن يعلم بالواو (والثاني) يجوز لمن جدع أنفه اتخاذ أنف
من ذهب وإن أمكن اتخاذه من الفضة لان الذهب لا يصدأ وقد روى أن رجلا قطع أنفه يوم الكلاب
فاتخذ أنفا من فضة فانتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم (أن يتخذ أنفا من ذهب) (2) وفى معنى
الانف السن والأنملة فيجوز اتخاذهما من الذهب وكل ما جاز من الذهب ولا يجوز لمن قطعت يده
أو أصبعه أن يتخذهما من ذهب أو فضة لأنها لا تعمل بخلاف الأنملة يمكن تحريكها وهل يجوز أن
يتخذ لخاتمه سنا أو أسنانا من الذهب قال الأكثرون لا وهو الذي أورده في التهذيب ونظم
الكتاب يوافقه فإنه لم يستثن من التحريم الا التمويه واتخاذ الانف وقال الامام لا يبعد تشبيه القليل
27

منه بالضبة الصغيرة في الأواني وبتطريف الثوب بالحرير: وللأكثرين أن يقولوا الخاتم الزم للشخص
من الاناء واستعماله أدوم فجاز الفرق بين أسنانه وبين الضبة وأما التطريف بالحرير فأمر الحرير أهون
لان الخيلاء فيه أدني: واعلم أن كل حلي يحرم لبسه على الرجال يحرم لبسه على الخنثى لجواز كونه
رجلا وهل عليه زكاته الأظهر أنها تجب لكونه حراما وبه أجاب أبو العباس الروياني في المسائل
الجرجانيات وقيل هو على القولين في الحلي المباح وأشار في التتمة إلى أن له لبس حلي الرجال والنساء
جميعا لأنه كان له لبسهما في الصغر فيستصحب إلى زوال الاشكال *
قال (وأما الفضة فحلال للنساء ولا يحل للرجل إلا التختم بها وتحلية آلات الحرب كالسيف
والمنطقة وفى السروج واللجم وجهان وتحرم على المرأة آلات الحرب لما فيه من التشبه بالرجال) *
يجوز للرجل التختم بالفضة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (اتخذ خاتما من فضة) (1) وهل له لبس
ما سوى الخاتم من حلي الفضة كالسوار والدملج والطوق لفظ الكتاب يقتضي المنع حيث قال
ولا يحل للرجال إلا التختم به وبه قال الجمهور وقال أبو سعيد المتولي إذا جاز التختم بالفضة فلا فرق
بين الأصابع وسائر الأعضاء كحلي الذهب في حق النساء فيجوز له لبس الدملج في العضد والطوق
في العنق والسوار في اليد وغيرها وبهذا أجاب المصنف في الفتاوى وقال لم يثبت في الفضة إلا تحريم
الأواني وتحريم التحلي على وجه يتضمن التشبه بالنساء فاعلم لهذا قوله ولا يحل للرجل إلا التختم
28

به ويجوز للرجل تحلية آلات الحرب بالفضة كالسيف والرمح وأطراف السهام والدرع والمنطقة والرأنين
والخف وغيرها لأنه يغيظ الكفار وقد ثبت ان قبيعة سيف رسول الله عليه وسلم (كانت
من فضة) (1) وفى تحلية السرج واللجام والثغر وجهان (أحدهما) وبه قال ابن سلمة يجوز كالسيف
والمنطقة (وأصحهما) المنع كالأواني بخلاف آلات الحرب الملبوسة ويروى هذا عن نصه في رواية
البويطي والربيع وموسى بن أبي الجارود وأجرى هذا الخلاف في الركاب وفي برة الناقة من
الفضة ورأيت كثيرا من الأئمة قطعوا في تصانيفهم بتحريم القلادة للدابة ولا يجوز تحلية شئ
مما ذكرنا بالذهب لعموم المنع فيه ويحرم على النساء تحلية آلات الحرب بالذهب والفضة جميعا لان
في استعمالهن لها تشبها بالرجال وليس لهن التشبه بالرجال هكذا ذكره الجمهور واعترض عليه صاحب
المعتمد بأن آلات الحرب من غير أن تكون محلاة إما ان يجوز للنساء لبسها واستعمالها أو لا يجوز
(والثاني) باطل لان كونه من ملابس الرجال لا يقتضى التحريم إنما يقتضي الكراهة: ألا ترى أنه قال
في الام ولا أكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا للأدب وانه من زي النساء لا للتحريم فلم يحرم زي النساء
على الرجال وإنما كرهه فكذلك حكم العكس وقد ذكرت نحوا من هذا في صلاة العيد وأيضا
الحراب جائز للنساء في الجملة كان في تجويز الحراب تجويز استعمال آلات الحروب وإذا فان ثبت جواز
استعمالها وهي غير محلاة فيجوز استعمالها وهي محلاة لان التحلي لهن أجوز منه للرجال وهذا هو الحق
إن شاء الله تعالى وبتقدير الا يجوز لهن استعمالها وهي غير محلاة فلا يكون التحريم ناشئا من التحلية
فلا يحسن تعليقه بها ويجوز للنساء لبس أنواع الحلي من الذهب والفضة كالقرط والطوق والخاتم
والخلخال والسوار والتعاويذ وفى اتخاذ النعال من الذهب والفضة وجهان أحدهما ويحكى عن الماوردي
29

انه لا يجوز لما فيه من الاسراف وأصحهما ويحكي عن القاضي الحسين أنه يجوز كسائر الملبوسات وأما
التاج فقد ذكروا أنه إن جرت عادة النساء بلبسه كان مباحا والا فهو مما يلبسه عظماء الفرس فيحرم وكأن
هذا إشارة إلى اختلاف الحكم بحسب اختلاف النواحي: فحيث جرت عادة النساء بلبسه جاز لبسه وحيث
لم تجر لا يجوز تحرزا عن التشبه بالرجال وفى الدراهم والدنانير التي تثقب وتجعل في القلادة وجهان حكاهما
القاضي الروياني (أظهرهما) المنع لأنها لم تخرج بالصوغ عن النقدية وفى لبس الثياب المنسوجة بالذهب والفضة
30

وجهان (أصحهما) الجواز وذكر ابن عبدان انه ليس لهن اتخاذ زر القميص والجبة والفرجية منهما ولعل
هذا جواب على الوجه الثاني وكل حلي أبيح للنساء فذلك إذا لم يكن فيه سرف فإن كان كخلخال
وزنه مائتا دينار ففيه وجهان الذي ذكره معظم العراقيين المنع وأوجبوا فيه الزكاة قولا واحدا
وفى معناه اسراف الرجل في تحلية آلات الحراب ولو اتخذ الرجل خواتيم كثيرة أو المرأة خلاخل كثيرة
لتلبس الواحد منها بعد الواحد فلا يمتنع وليس كالواحد الثقيل وطرد ابن عبدان فيه الوجهين وهذا
كله فيما يتحلى به لبسا *
31

قال (فأما في غير التحلي فقد حرم الشرع اتخاذ الأواني من الذهب والفضة على الرجال
والنساء وفى المكحلة لصغيرة تردد وفى تحلية لسكين للمهنة بالفضة الحاقا لها بآلات الحرب فيه خلاف) *
في الفصل مسألتان (أحداهما) استعمال أواني الذهب والفضة حرام على الرجال والنساء كما بينا في
كتاب الطهارة وفى اتخاذها خلاف وجواب الكتاب ههنا وفى الطهارة التحريم ويجوز اعلام قوله
32

(اتخاذ الأواني) بالواو للخلاف الذي شرحناه في الطهارة ومثله المكحلة قد ذكرها مرة هناك ونقل الامام
التردد فيها عن صاحب التقريب وقيد بما إذا كانت من فضة وفيه كلام ذكرناه في شرحها ثم (الثانية)
في تحلية سكاكين المهنة وسكاكين المقلمة بالفضة وجهان أحدها الجواز إلحاقا لها بآلات
الحرب (وأصحها) المنع لأنها لا تراد للحرب قال الامام وهذا الخلاف في استعمالها للرجال
ويثور منه اختلاف في حق النساء ان ألحقناها بآلات الحرب فليس للنسوة استعمالها والا
ففيه احتمال *
قال (وفي تحلية المصحف بالفضة وجهان للحمل على الاكرام وفى تحليته بالذهب ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين الرجال والنساء وتحلية غير المصحف من الكتب لا تجوز أصلا كتحلية
الدواة والسهم والسرير والمقلمة وقيل يجوز تحلية الدواة بالفضة ويلزم على قياسه المقلمة والكتب وتحلية
الكعبة والمساجد بالقناديل من الذهب والفضة قيل إنه ممنوع ولا يبعد تجويزه اكراما كما في
33

المصحف) * هل يجوز تحلية المصحف بالفضة فيه وجهان (أحدهما) لا كالأواني (وأظهرهما) نعم وبه قال
أبو حنيفة رحمه الله اكراما للمصحف وجعل أبو القاسم الكرخي في هذا الخلاف قولين وقال في
سير الواقدي ما يدل على حظرها وفى القديم والجديد وحرملة ما يدل على الجواز وفى تحليته بالذهب
ثلاثة أوجه (أحدها) وبه أجاب الشيخ أبو محمد في مختصر المختصر الجواز اكراما وبه قال أبو حنيفة
رحمه الله (والثاني) المنع إذ ورد في الخبر ذمها) (والثالث) الفرق بين أن يكون للمرأة فيجوز وبين ان
34

يكون للرجال فلا يجوز طردا للمنع من الذهب في حق الرجال وكلام الصيدلاني والأكثرين
إلى هذا أميل وذكر بعضهم انه يجوز تحلية نفس المصحف دون غلافه المنفصل عنه والأظهر التسوية
واما سائر الكتب فقال في الكتاب ان تحليتها لم تجز أصلا وذلك أن الأئمة لم يحكوا فيها خلافا بل قاسوا وجه
المنع في المصحف على سائر الكتب اشعارا بالاتفاق فيها وذكروا وجهين في تحلية الدواة والمرآة والمقلمة
والمقراض بالفضة (أصحهما) المنع كالأواني والثاني الجواز كالسيف والسكين وبه أجاب في مختصر
35

المختصر وأراد صاحب الكتاب بقوله (وقيل يجوز تحلية الدواة بالفضة) حكاية وجه وقاس عليه المقلمة
وسائر الكتب وفي تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة وتعليق قناديلها فيها وجهان مرويان
في الحاوي وغيره (أحدهما) الجواز تعظيما كما في المصحف وكما يجوز ستر الكعبة بالديباج (وأظهرهما)
المنع ويحكى ذلك عن أبي إسحاق إذ لم ينقل ذلك عن فعل السلف وحكم الزكاة مبنى على الوجهين نعم
لو جعل المتخذ وقفا فلا زكاة فيه بحال وقد تعرض في الكتاب للوجهين معا حيث قال (قيل إنه ممنوع) ولا يبعد
تجويزه اكراما لكن حكى المنع نقلا والتجويز احتمالا تأسيا بالامام رحمه الله فإنه هكذا فعل (خاتمة) إذا أوجبنا
الزكاة في الحلى المباح فلو اختلف وزن الحلي وقيمته كما لو كانت لها خلاخل وزنها مائتا درهم وقيمتها ثلاثمائة
أو فرض مثله في المناطق المحلاة للرجال فالاعتبار في الزكاة بوزنها أو قيمتها فيه وجهان (أحدهما)
وبه قال الماوردي ان الاعتبار بالوزن لا القيمة لأنها زكاة عين فلا ينظر فيها إلى القيمة كما في المواشي
ولهذا لو كان وزن الحلي مائة درهم وقيمته بسبب الصنعة مائتان لا تجب فيها الزكاة (وأصحهما) عند
ابن سريج وعامة العراقيين انه تعتبر الصنعة لأنها صفة في العين فيلزمه إخراج زكاة العين
على تلك الصفة كما يلزم اخراج المضروب عن المضروب فعلى هذا يتخير بين ان يخرج ربع عشر
الحلي مشاعا ثم يبيعه الساعي ويفرق الثمن على المساكين وبين ان يخرج خمسة دراهم مصنوعة
36

قيمتها سبعة ونصف ولا يجوز ان يكسره ويخرج خمسة مكسورة لان فيه ضررا عليه وعلى المساكين
ولو أخرج من الذهب ما قيمته سبعة دراهم ونصف فهو جائز عند ابن سريج للحاجة ممتنع عند
الأكثرين لامكان تسليم ربع العشر مشاعا وبيعه بالذهب بعد ذلك ولو كانت له آنية وزنها مائتان
ويرغب فيها بثلاثمائة فيبنى حكم زكاتها على الخلاف في جواز الاتخاذ ان جوزناه فالحكم على ما ذكرناه
في الحلي وان لم نجوز فلا قيمة للصنعة شرعا فله اخراج خمسة من غيره وله كسره واخراج خمسة منه
وله اخراج ربع عشره مشاعا ولا سبيل إلى اخراج الذهب بدلا وكل حلي لا يحل لاحد من الناس
فحكم صنعته حكم صنعة الاناء ففي ضمانها على كاسره وجهان وما يحل لبعض الناس فعلى كاسره
ضمانها وما يكره من التحلي ولا يحرم كالضبة الصغيرة على الاناء للزينة الحقوه بالمحظور في وجوب
الزكاة وقال صاحب التهذيب من عند نفسه الأولى أن يكون كالمباح *
37

قال (النوع الرابع زكاة التجارة ومال التجارة كل ما قصد الاتجار فيه عند اكتساب الملك
بالمعارضة المحضة ولا يكفي مجرد النية دون الشرى ولا عند الاتهاب أو الرجوع بالعيب وهل يكفي
عند الخلع أو النكاح فيه وجهان ولو اشترى عبدا على نية التجارة بثوب قنية فرد عليه بالعيب انقطع
حوله وكذا لو باع ثوب تجارة بعبد للقنية ثم رد) *
زكاة التجارة واجبة عند جمهور العلماء وفيهم الشافعي رضي الله عنه قطع به قوله في الجديد
وحكى عنه في القديم ترديد قول: فمنهم من قال له في القديم قولان ومنهم من لم يثبت خلاف الجديد
38

شيئا وذكر في النهاية أن نفى وجوبها يعزى إلى مالك ولا يكاد يثبت ذلك عنه إنما المشهور عنه
أنها لا تجب بعد النضوض حتى لو نض بعد ما اتجر سنين كثيرة لا تجب إلا زكاة سنة واحدة والأصل
في الباب ما روى عن أبي ذر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (في الإبل صدقتها وفى البقر صدقتها
وفى الغنم صدقتها وفى البز صدقته) (1) ومعلوم أنه ليس في البز زكاة العين فيكون الواجب زكاة التجارة
39

وعن سمرة بن جندب قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع) واعتمد
40

الشافعي رضي الله عنه فيما روى عن أبي عمرو بن حماس أن أباه حماسا قال (مررت على عمر بن
الخطاب رضي الله عنه وعلى عنقي أدم أحملها فقال ألا تؤدى زكاتك يا حماس فقلت مالي غير هذه
وأهب في القرظ قال ذلك مال فضع قال فوضعتها بين يديه فحسبها فوجدت قد وجب فيها الزكاة
فاخذ منها الزكاة) (1) إذا تقرر ذلك فأول ما بدا به في الكتاب بيان أن مال التجارة ماذا فقال ومال
التجارة كل ما قصد الاتجار فيه عند اكتساب الملك بالمعاوضة المحضة وفي هذا الضابط أمور قد
فصلها بصور (فمنها) أن مجرد نية التجارة لا تجعل المال مال التجارة حتى لو كان له عرض للقنية ملكه
بشراء وغيره ثم جعله للتجارة لم يصر للتجارة ولم ينعقد الحول عليه خلافا للكرابيسي من أصحابنا
41

حديث قال يصير مال تجارة بمجرد النية وبه قال أحمد في إحدى الروايتين لما روينا من خبر سمرة
وكما لو كان عنده عرض التجارة فنوى أنه للقنية يصير للقنية وينقطع حول للتجارة: لنا أن ما لا يثبت
له حكم الحول بدخوله في ملكه لا يثبت بمجرد النية كما لو نوى بالمعلوفة السوم ويخالف عرض التجارة
تصير للقنية بمجرد النية من وجهين (أحدهما) انه ليس للاقتناء معني إلا الحبس والامساك للانتفاع
فإذا أمسك ونوى الاقتناء فقد قرن النية بصورة الاقتناء لأنه جردها (والثاني) أن الأصل في العروض
الاقتناء والتجارة عارضة فبمجرد النية يعود حكم الأصل وإذا ثبت حكم الأصل فبمجرد النية يزول
وهذا كما أن المسافر يصير مقيما بمجرد النية والمقيم لا يصير مسافرا بمجرد النية ومنها لو اقترنت نية
التجارة بالشراء كان الشراء مال تجارة ودخل في الحول لانضمام قصد التجارة إلى فعلها كما لو نوي
المشترى وسار يصير مسافرا ولا فرق بين أن يكون الشراء بعرض أو نقد أو دين ولا بين أن يكون حالا
أو مؤجلا وإذا ثبت حكم التجارة لا يحتاج لكل معاملة إلى نية جديدة وفى معني الشرى ما لو صالح
42

عن دين له في ذمة إنسان على عرض بنية التجارة فيصير للتجارة سواء كان الدين قرضا أو ثمن مبيع
أو ضمان متلف وكذلك الاتهاب بشرط الثواب إذا نوى به التجارة وأما الهبة المحضة والاحتشاش
والاحتطاب والاصطياد والإرث فليست معدودة من أسباب التجارة فلا أثر لاقتران النية بها وكذا
الرد بالعيب والاسترداد حتى لو باع عرضا للقنية بعرض للقنية ثم وجد بما أخذ عيبا فرده واسترد
الأول على قصد التجارة أو وجد صاحبه بما أخذ عيبا فرده وقصد المردود عليه بأخذه التجارة لم
يصر مال تجارة ولو كان عنده ثوب للقنية فاشترى به عبدا للتجارة تم رد عليه الثوب بعيب انقطع
حول التجارة ولم يكن الثوب المردود مال تجارة لان الثوب لم يكن عنده على حكم التجارة حتى
يقال ينقطع البيع ويعود إلى ما كان قبله بخلاف ما لو كان الثوب للتجارة أيضا فإنه يبقى حكم التجارة
فيه بعد البيع وكذا لو تبايع التاجران ثم تقابلا يستمر حكم التجارة في المالين ولو كان عنده ثوب
تجارة فباعه بعبد للقنية فرد عليه الثوب بالعيب لم يعد على حكم التجارة لان قصد القنية قطع حول
التجارة والرد والاسترداد بعد ذلك ليسا من التجارة في شئ فصار كما لو قصد القنية بمال التجارة الذي
عنده ثم نوى جعله للتجارة ثانيا لا يؤثر حتى يقرن النية بتجارة جديدة ولو خالع الرجل امرأته وقصد
التجارة في عوض الخلع أو زوج السيد أمته أو نكحت الحرة أو نويا التجارة في الصداق ففيه وجهان
(أحدهما) أنه لا يكون مال تجارة لأن الخلع والنكاح ليسا من عقود التجارات والمعاوضات المحضة
ولأنه ليس المملوك بهما مملوكا بعين مال (وأظهرهما) ولم يذكر أكثر العراقيين سواه أنه يكون
مال تجارة لأنه مال ملكه بمعارضة ولهذا ثبتت الشفعة فيما ملك بهما وأجرى الوجهان في المال
المصالح عليه عن الدم والذي آجر به نفسه أو ماله إذا نوى بهما التجارة وفيما إذا كان تصرفه في المنافع
بأن كان يستأجر المستعملات ويؤاجرها على قصد التجارة *
43

قال (والنصاب معتبر في أول الحول وآخره دون الوسط على قول وفى جميع الحول على قول
وفى آخر الحول فقط على قول لان انخفاض السعر لا ينضبط ولو كان النقصان محسوسا بالتنضيض
ففي انقطاع الحول على هذا القول وجهان) *
لا خلاف في اعتبار الحول في زكاة التجارة ويدل عليه مطلق قوله صلى الله عليه وسلم (لا زكاة
في مال حتى يحول عليه الحول) (1) والنصاب معتبر أيضا لكن في وقت اعتباره ثلاثة أقوال على ما ذكر
صاحب الكتاب والامام (أحدها) أنه يعتبر في أول الحول وآخره اما في الأول فليجر في الحول
وأما في الآخر فلانه وقت الوجوب ولا يعتبر فيما بينهما لعسر مراعاة النصاب بالقيمة فان الأسعار
44

تضطرب انخفاضا وارتفاعا (وثانيها) أنها تعتبر في جميع الحول كما في المواشي فعلى هذا لو نقصت القيمة
عن النصاب في لحظة انقطع القول فان كمل بعد ذلك استأنف الحول (وأصحها) أنه لا يعتبر إلا في آخر
الحول اما انه لا يعتبر في أثنائه فلما سبق وأما أنه لا يعتبر في أوله فكالزيادة على النصاب لما لم يشترط
وجودها في أثناء الحول لوجوب زكاتها لم يشترط وجودها في أول الحول فعلى هذا لو اشترى
45

عرضا للتجارة بشئ يسير انعقد الحول عليه ووجبت الزكاة فيه إذا بلغت قيمته نصابا في آخر الحول
واحتج لهذا القول بحديث حماس فإنه لم ينظر إلى القيمة إلا في الحال ولم يبحث عما تقدم وليس هذا
الاحتجاج كما ينبغي وعبر الأكثرون عن الخلاف في المسألة بالوجوب دون الأقوال وسبب اختلاف
العبارة أنها جميعا ليست منصوصة وإنما المنصوص منها الثالث والأولان خرجهما شيوخ الأصحاب
هكذا حكي الشيخ أبو علي والمذاهب المخرجة يعبر عنها بالوجوه تارة وبالأقوال أخرى وبالقول
46

الثاني قال ابن سريج ونسب ابن حمدان إليه الأول والله أعلم. ويجوز أن يعلم الأول بالميم والألف
(والثاني) بالميم والحاء (والثالث) بالحاء والألف لان مذهب أبي حنيفة رحمه الله مثل القول الأول
47

ومذهب أحمد مثل (الثاني) ومذهب مالك مثل (الثالث) ثم إذا احتملنا نقصان النصاب في غير
الآخر فذلك في حق من تربص لسلعته حتى تم الحول وهي نصاب بالقيمة فاما لو باعها بسلعة أخرى
في أثناء الحول فقد حكي الامام وجهين فيه (أحدهما) أن الحول ينقطع ويبتدئ حول السلعة الأخرى
48

من يوم ملكها (وأصحهما) أن الحكم كما لو تربص بسلعته ولا أثر للمبادلة في أحوال التجارة ولو باعها
في أثناء الحول بالنقد وهو ناقص عن النصاب ثم اشترى به سلعة فتم الحول وهي تبلغ نصابا بالقيمة
ففيه وجهان لتحقق النقصان حسا قال الامام رحمه الله والخلاف في هذه الصورة أمثل منه في الأولى
ورأيت المتأخرين يميلون إلى انقطاع الحول والله أعلم وهذه الصورة الأخيرة هي المذكورة في الكتاب
49

وأعرف من اللفظ شيئين (أحدهما) أن قوله فلو صار النقصان محسوسا بالتنضضن ليس المراد منه مطلق
التنضيض فإنه لو باع بالدراهم والحال تقتضي التقويم بالدنانير على ما سيأتي فهو كبيع السلعة بالسلعة
(والثاني) أن قوله على هذا القول يوهم تخصيص الوجهين بالقول الثالث وهما جاريان على القول الأول
50

أيضا ولا فرق *
(فرع) لو تم الحول وقيمة سلعته دون النصاب فهل يبتدئ حول ثان فيه وجهان قال أبو إسحاق
نعم ويسقط حكم الحول الأول وقال ابن أبي هريرة الإبل متى بلغت القيمة نصابا تجب الزكاة ثم
يبدأ حول ثان والأول أصح عند صاحب التهذيب وغيره *
51

قال (وابتداء حول التجارة من وقت الشراء بنية التجارة إن كان المشترى به عرضا ماشية كانت أو لم
تكن: وإن كان المشترى به نقدا فمن وقت النقد نصابا كان أو لو يكن إن قلنا إن النصاب لا يعتبر
في ابتداء الحول وفى الجملة زكاة التجارة والنقدين يبني حول كل واحد منهما على حول صاحبه لاتحاد
المتعلق ومقدار الواجب) *
52

غرض الفصل الكلام في بيان ابتداء الحول وجملته أن مال التجارة لا يخلو اما أن يملكه
بأحد النقدين أو بغيرهما فان ملكه بأحد النقدين نظر إن كان نصابا كما لو اشترى بعشرين دينارا
أو بمائتي درهم فابتداء الحول من يوم ملك ذلك النقد ويبنى حول التجارة على حوله ووجهوا
53

ذلك بشيئين (أحدهما) ان قدر الواجب فيهما واحد وكذلك متعلقه فان الزكاة واجبه في عين النقد
وفى قيمة السلعة وهي من جنس النقد الذي كان رأس المال بل هي نفس تلك الدراهم الا أنها
صارت مبهمة بعد ما كانت معينة فصار كما لو ملك مائتي درهم ستة أشهر ثم اقرضها مليئا تلزمه الزكاة
بعد ستة أشهر من يوم القرض (والثاني) ان النقد أصل وغرض التجارة تبع له وفرع عليه الا ترى
ان التقويم به يقع فبنى حوله عليه وخرجوا على التوجيهين ما إذا بادل الدراهم بالدراهم حيث
ينقطع الحول ولا يبنى اما على الأول فلان زكاة النقد في العين ولكل واحد من عين الدراهم
الأولى وعين الثانية حكم نفسها واما على الثاني فلان الثانية لا تقوم بالأولى وليست إحداهما أصلا
والأخرى فرعا لها وهذا فيما إذا كان الشراء بعين النصاب أما إذا اشترى بنصاب من أحد النقدين
في الذمة وله مائتا درهم وعشرون دينارا فنقدها في ثمنه ينقطع حول النقد ويبتدئ حول التجارة من
يوم الشري هذا لفظ صاحب التهذيب وعلل بأن هذه الدراهم والدنانير لم تتعين للتصرف فيه
والله أعلم: وإن كان النقد الذي هو رأس المال دون النصاب فليس له حول حتى يبنى عليه فيكون
ابتداء الحول من يوم ملك عرض التجارة: هذا إذا ملك بأحد النقدين ولو ملك بغيرهما فله حالتان
(إحداهما) أن يكون ذلك الغير مما لا تجب الزكاة فيه كالثياب والعبيد فابتداء الحول من يوم الملك
لان ما ملكه قبله لم يكن مال زكاة (والثانية) أن يكون مما تجب فيه الزكاة كما لو ملكه بنصاب من السائمة
فظاهر المذهب ان حول السائمة ينقطع ويبتدئ حول التجارة من يوم الملك ولا يبنى لاختلاف
الزكاة قدرا ومتعلقا (قال) الإصطخري يبني حوله على حول السائمة كما لو ملك بنصاب من النقد واحتج
بقوله في المختصر ولو اشترى عرضا للتجارة بدراهم أو بدنانير أو بشئ تجب فيه. الصدقة من الماشية
54

وكان أفاد ما اشترى به ذلك العرض من يومه لم يقوم العرض حتى يحول الحول من يوم أفاد الثمن وحمل المزني
هذا النص على ما رآه الإصطخري ثم اعترض عليه وصار إلى عدم البناء وعامة الأصحاب نفوا ذهاب الشافعي
رضي الله عنه إلى البناء فتكلموا على هذا النص من وجوه (أحدها) قال ابن سريج وأبو إسحاق وغيرهما إن
مسألة المختصر مفروضة فيما إذا استفاد ثمن العرض يوم الشراء وحينئذ لا فرق بين أن يقال يعتبر الحول من
يوم الشراء وبين أن يقال يعتبر من ذلك الثمن (والثاني) أن الشافعي رضي الله عنه جمع بين ثلاث صور
الشراء بالدراهم والشراء بالدنانير والشراء بالماشية ثم أجاب في الصورتين الأوليين دون الآخرة
وقد يقع مثل ذلك في كلامه واحتجوا لهذا بأنه قال من يوم أفاد الثمن ولفظ الثمن يقع على النقدين
دون الماشية (واعلم) أن في حقيقة الثمن خلافا سنذكره في كتاب البيع إن شاء الله تعالى جده وهذا الوجه
55

يتفرع على أن الثمن هو الذهب والفضة لا غير ومن قال بالتأويل الأول أطلق لفظ الثمن على الماشية
أيضا (والثالث) تغليط المزني في النقل وإلى هذا مال امام الحرمين ورأي التأويل تكلفا: ولنتكلم
في ما يتعلق بلفظ الكتاب خاصة (قوله) من وقت الشراء بنية التجارة ليس لتخصيص الحكم بالشراء
بل هو مذكور تمثيلا وسائر الاكتسابات الملحقة في معناه ويجوز إعلامه بالواو لان اللفظ مطلق
لا يفرق بين أن يكون قيمة ما اشتراه للتجارة نصابا أو لا يكون وهو مجرى على اطلاقه إذا فرعنا على
أن النصاب لا يعتبر إلا في آخر الحول وهو الصحيح فإذا اعتبرناه في جميع الحول أو في طرفيه ولم يبلغ
قيمة المشترى نصابا فليس ابتداء الحول من يوم الشراء بل هو وقت بلوغ قيمته نصابا (وقوله) ماشية
كانت معلم بالواو لما حكينا عن الإصطخري (وقوله) وإن كان المشترى به نقدا فمن وقت القد أي من
56

وقت ملك النقد ثم قوله نصابا كان أو لم يكن ان قلنا النصاب لا يعتبر في ابتداء الحول هو موضع نظر
وتأمل لأنه إما أن يريد به نصابا كان المال المشترى أو لم يكن أو يريد به نصابا كان النقد أو لم يكن
وهو الأسبق إلى الفهم فان أراد الثاني فقد صرح باحتساب الحول من وقت ملك النقد مع نقصانه
عن النصاب وان أراد به الأول فقد حكم بالاحتساب من وقت ملك النقد مطلقا وليس كذلك بل
يشترط فيه كون ذلك النقد نصابا نص عليه الشافعي رضي الله عنه وقطع به الأصحاب من غير فرق
بين أن يعتبر النصاب في جميع الحول أولا يعتبر لان النقد الناقص ليس مال زكاة حتى يفرض
جريانه في الحول (وقوله) زكاة التجارة والنقدين ينبني حول كل واحد منهما على صاحبه ويبين أنه لو باع
مال تجارة بنقد بنية القنية يبني حول النقد على حول مال التجارة كما يبنى حول مال التجارة على حول النقد
(وقوله) لاتحاد المتعلق ومقدار الواجب إشارة إلى التوجيه الأول وقد بيناه *
قال (وكل زيادة حصلت بارتفاع القيمة وجبت الزكاة فيها بحول رأس المال كالنتاج فان
رد إلى أصل النضوض فقدر الربح من الناض لا يضم إلى حول الأصل على أحد القولين لأنه مستفاد من كيس المشترى لا من عين المال) *
ربح مال التجارة ينقسم إلى حاصل من غير نضوض المال والي حاصل مع نضوضه وأما القسم
الأول فهو مضموم إلى الأصل في الحول كالنتاج لان المحافظة على حول كل زيادة مع اضطراب الأسواق
وتدرجها انخفاضا وارتفاعا في غاية العسر قال في النهاية وقد حكى الأئمة القطع بذلك لكن من
يعتبر النصاب في جميع الحول كما في زكاة الأعيان قد لا يسلم وجوب الزكاة في الربح في آخر الحول
وقضية قياسه أن نقول ظهور الربح في أثناء الحول بمثابة نضوضة وسيأتي الخلاف فيه في القسم
57

الثاني قال وهذا لا بد منه والأئمة قد يذكرون القول الضعيف مع الصحيح ثم إذا توسطوا التفريع
تركوا الضعيف جانبا وهذا الكلام يقتضى أعلام قوله في الكتاب بحول رأس المال بالواو
فعلى المشهور الصحيح لو اشترى عرضا للتجارة بمائتي درهم فصارت قيمته في خلال الحول ثلاثمائة
زكي الثلثمائة عند تمام الحول وإن كان ارتفاع القيمة قبيل الحول بلحظة ولو ارتفعت بعد الحول
فالربح مضموم إلى الأصل في الحول الثاني كما في النتاج وأما القسم الثاني وهو الحاصل مع النضوض
فينظر فيه ان صار ناضا من غير جنس رأس المال فهو كما لو بدل عرضا بعرض لان التقويم لا يقع به
وحكي الشيخ أبو علي عن بعض الأصحاب انه على الخلاف الذي نذكره فيما إذا صار ناضا من جنس
رأس المال وان صار ناضا من جنسه فأما أن يفرض في خلال الحول أو بعده وعلى التقدير الأول
فأما أن يمسك الناض إلى أن يتم الحول أو يشترى به سلعة (الحالة الأولى) أن يمسك الناض إلى تمام
الحول كما إذا اشترى عرضا بمائتي درهم وباعه في خلال الحول بثلاثمائة ويتم الحول وهو في يده
فقد قال الشافعي رضي الله عنه في باب زكاة التجارة أنه يزكى المائتين ويفرد مائة الربح بحول وقال
58

في باب زكاة مال القراض إذا دفع ألف درهم إلى رجل قراضا على النصف فاشترى بها سلعة وحال
الحول عليها وهي تساوى الفين ففيها قولان (أحدهما) أنه يزكي الكل (والثاني) أن رب المال
يزكى ألفا وخمسمائة فأوجب زكاة جميع الربح أو نصفه عند تمام الحول ولم يفرده بحول واختلف
الأصحاب على طريقين (أظهرهما) وبه قال أبو إسحاق والأكثرون أن المسألة على قولين (أحدهما)
وهو اختيار المزني أنه يزكى الربح بحول الأصل لأنه فائدته ونماؤه فأشبه ما إذا لم يرد إلى النضوض
ونتاج الماشية (وأصحهما) أنه يفرد الربح بحول لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (لا زكاة في مال حتى
يحول عليه الحول) ويخالف ما إذا لم ينض لان الربح ثمة كامن وغير متميز عن الأصل ومتعلق
الزكاة واحد وهو القيمة ويخالف النتاج فإنه يتولد من أصل المال والربح هاهنا غير متولد من
غير المال بل هو مستفاد بالتصرف من كيس المشترى ولهذا لو غصب ماشية فتوالدت
وجب رد النتاج مع الأصل ولو غصب دراهم فتصرف فيها وربح كان الربح له في أظهر
59

القولين (والطريق الثاني) وبه قال ابن سريج القطع بافراد الربح بحول وحمل كلامه في القراض
على ما إذا اشترى السلعة بألف وهي تساوى الفين فليس فيها زيادة بعد الشراء فلذلك أوجب الزكاة
في الربح مع الأصل قال هؤلاء وهكذا صور المسألة في الام لكن المزني لم ينقلها على وجهها ومنهم
من قال قصده بما ذكر في مال القراض بيان أن زكاة جميع الربح قبل المقاسمة على رب المال أم يتقسط
عليه وعلى العامل فاما ان حول الربح هل هو حول الأصل أم لا فهذا مما لم يقع مقصدا ثم ولا يوجه
الكلام نحوه فلا احتجاج فيه على أنه ليس في اللفظ تصوير للرد إلى النضوض فيجوز حمله على ارتفاع
القيمة من غير نضوض وإذا فرعنا على أن الربح يفرد بحول فابتداؤه من يوم الظهور أم من يوم
نض وباع فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن سريج أنه من يوم الظهور لان الربح لم يحصل بالبيع
60

وإنما حصل بارتفاع قيمة السلعة (والثاني) أنه من يوم البيع والنضوض لان الزيادة به تستقر وقبله
قد يتوهم زيادة فيتبين خلافه لاضطراب السوق قال القاضي الروياني وغيره وهذا ظاهر المذهب
(الحالة الثانية) أن يشترى بها سلعة قبل تمام الحول فطريقان (أحدهما) القطع بأنه يزكى عن الجميع
لان ما في يده في آخر الحول عرض (وأصحهما) ان الحكم كما لو أمسك الناض إلى تمام الحول لان
الربح بالنضوض بمثابة فائدة استفادها فلا يختلف حكمها بين ان يشترى بها سلعة أو لا يشترى وهذا
كله فيما إذا باع ونص في خلال الحول فاما إذا باع ونض بعد تمامه فقد قال الشيخ أبو علي ينظر
إن ظهرت الزيادة قبل تمام الحول فلا خلاف في أنه يزكى الكل بحول الأصل
61

وإن ظهرت بعد تمامه فوجهان (أحدهما) هكذا (وأظهرهما) أنه يستأنف للربح حولا وجميع ما ذكرناه
فيما إذا اشترى العرض بنصاب من أحد النقدين أو اشتراه بغيرهما وهو يساوى نصابا: أما لو اشترى
بمائة درهم مثلا وباعه بعد ستة أشهر بمائتي درهم وبقيت عنده إلى آخر الحول من يوم الشراء فان
قلنا بظاهر المذهب وهو أن النصاب لا يشترط إلا في آخر الحول تفرعت المسألة على قولين في أن
الربح من الناض هل يضم إلى الأصل في الحول: إن قلنا نعم فعليه زكاة المائتين وإن قلنا لا: لم يزك
مائة الربح إلا بعد ستة أشهر أخرى وإن قلنا إن النصاب يشترط في جميع الحول أو في طرفيه
فابتداء حوله من يوم باع ونض فإذا تم زكى عن المائتين: واعلم أن مسألة الكتاب فيما إذا رد إلى
النضوض في خلال الحول ثم اللفظ من جهة اطلاقه يشمل ما إذا أمسك الناض حتى تم الحول
62

وما إذا اشترى به سلعة أخرى ويشمل أيضا ما إذا كان نصابا في أول الحول
أو ناقصا عنه واجراؤه على اطلاقه فيهما صحيح مستمر (وقوله) لا يضم معلم بالزاي
لما قدمناه (وقوله) على أحد القولين بالواو للطريقة القاطعة بعدم الضم ثم نوضح الفصل بفرعين
(أحدهما) من مولدات ابن الحداد وهو ما لو ملك الرجل عشرين دينارا فاشترى بها عرضا للتجارة
ثم باعه بعد ستة أشهر من ابتداء الحول بأربعين دينار أو اشترى بها سلعة أخرى ثم باعها بعد تمام الحول
بمائة كيف يزكي أما إذا قلنا إن الربح من الناض لا يفرد بحول فعليه زكاة جميع المائة وأما إذا قلنا
يفرد فعليه زكاة خمسين دينارا لأنه اشترى السلعة الثانية بأربعين عشرون منها رأس ماله الذي مضى
عليه ستة أشهر وعشرون ربح استفاده يوم باع الأول واشترى الثاني فإذا مضى ستة أشهر فقد تم
الحول على نصف السلعة فيزكيه بزيادته وزيادته ثلاثون دينارا لأنه ربح على العشرينين ستين وكان
ذلك كامنا وقت تمام الحول ثم إذا مضت ستة أشهر أخرى فعليه زكاة العشرين الثانية فان حولها
حينئذ يتم ولا يضم إليها ربحها لأنه صار ناضا قبل تمام حولها فإذا مضت ستة أشهر أخرى فعليه
زكاة ربحها وهو الثلاثون الباقية فإن كانت الخمسون التي أخرج زكاتها في الحول الأول باقية عنده
فعليه اخراج زكاتها ثانيا مع الثلاثين هذا جواب ابن الحداد تفريعا على أن الربح الناض لا يفرد
63

بحول وحكى الشيخ أبو علي فيه وجهين آخرين ضعيفين (أحدهما) انه عند البيع الثاني يخرج زكاة عشرين
فإذا مضت ستة أشهر اخرج زكاة عشرين أخرى وهي التي كانت ربحا في الحول الأول فإذا مضت
ستة أشهر أخرى اخرج زكاة الستين الباقية لأنها إنما استقرت عند البيع الثاني فمنه يبتدئ حولها
(والثاني) أنه عند البيع الثاني يخرج زكاة عشرين ثم إذا مضت ستة أشهر زكى عن الثمانين الباقية
لان الستين التي هي الربح حصلت في حول العشرين التي هي الربح الأول فيضم إليها في الحول ولو
كان الفرع بحاله لكنه لم يبع السلعة الباقية فيزكى وعند تمام الحول الأول خمسين كما ذكرنا عند تمام
الحول الثاني الخمسين الثانية لان الربح الآخر ما صار ناضا الفرع الثاني اشترى بمائتي درهم عرضا للتجارة
فباعه بعد ستة أشهر بثلثمائة واشترى بها عرضا وباعه بعد تمام الحول بستمائة فإن لم يفرد الربح بحول اخرج زكاة
الستمائة وان أفردناه أخرج زكاة أربعمائة فإذا مضت ستة أشهر أخرج زكاة مائة فإذا مضت ستة أشهر أخرى
اخرج زكاة المائة الباقية هذا على جواب ابن الحداد واما على الوجهين الآخرين فيخرج عند البيع الثاني زكاة مائتين
ثم على الوجه الأول إذا مضت ستة أشهر اخرج زكاة مائة وإذا مضت ستة أشهر أخرى اخرج زكاة ثلاثمائة وعلى
الوجه الثاني إذا مضت ستة أشهر من يوم البيع الثاني اخرج زكاة الأربعمائة الباقية ولو لم يبع العرض الثاني اخرج
زكاة أربعمائة عند تمام الحول وزكاة الباقي بعد ستة أشهر هذا هو الحكم فان أردت التوجيه فخرجه
على ما سبق *
64

قال (فان نتج مال التجارة كان النتاج مال تجارة أيضا على أحد الوجهين ويجبر به
نقصان الولادة في نصاب مال التجارة وجها واحدا ثم حوله حول الأصل على الأصح) *
مال التجارة إذا كان حيوانا فلا يخلو اما أن تجب فيه زكاة العين كنصاب السائمة من الغنم
فالكلام فيه وفى نتاجه سيأتي من بعد أو لا تجب كالخيل والجواري والمعلوفة من النعم فهل يكون
نتاجها مال تجارة فيه وجهان (أحدهما) لا لان النماء الذي تفيده العين لا يناسب الاستنماء بطريق
التجارة فلا يجعل مال تجارة ويروى عن ابن سريج (وأصحهما) نعم لان الولد جزء من الام فله
حكمها وزوائد مال التجارة من فوائد التجارة عند أهلها والوجهان فيما إذا لم تنقص قيمة الام بالولادة
فان نقصت كما إذا كانت قيمة الجارية ألفا فعادت بالولادة إلى ثمانمائة وقيمة الولد مائتان فيجبر
نقصان الام بقيمته وعليه زكاة الألف ولو عادت قيمتها إلى تسع مائة جبرنا نقصان المائة من الولد
لان سبب النقصان انفصال الولد وهو عتيد حاضر فيجعل كأنه لا نقصان كذا حكى عن ابن سريج
65

وغيره قال الامام وفيه احتمال ظاهر وقضية قولنا انه ليس مال تجارة أن لا يجبر به نقصان الجارية
كالمستفاد لسبب آخر (وقوله) في الكتاب في نصاب مال التجارة لفظ النصاب حشو في هذا
الموضع (وقوله) وجها واحدا أي من جهة النقد وما ذكره الامام إنما أبداه على سبيل الاحتمال وثمار
أشجار التجارة بمثابة أولاد حيوان التجارة ففي كونها مال تجارة ما ذكرنا من الوجهين ثم إن لم
نجعل الأولاد والثمار مال تجارة فكيف القول في زكاتها في السنة الثانية وما بعدها انخرجها من حساب
التجارة كما لو ورث عبدا أم كيف الوجه قال امام الحرمين الظاهر انا لا نوجب الزكاة فإنه فيما
نختاره الآن منفصلا عن تبعية الام وليس أصلا في التجارة وان فرعنا على أنها مال تجارة
وضممناها إلى الأصل ففي حولها وجهان (أحدهما) انها على القولين في ربح الناض لأنها زيادة مستقرة
من مال التجارة فعلى أحد القولين ابتداء الحول من انفصال الولد وظهور الثمار (وأصحهما) ان حولها
حول الأصل كالزيادات المنفصلة كالنتاج في الزكاة العينية *
66

قال (وأما المخرج فهو ربع عشر القيمة من النقد الذي كان رأس المال نصابا كان أو لم يكن
فإن كان اشتراه بعرض قنية قوم بالنقد الغالب فان غلب نقدان فلم يبلغ نصابا الا بأحدهما قوم
به وان بلغ بهما نصابا يخير المالك على وجه وروعي غبطة المساكين على وجه وتتعين الدراهم على
وجه لأنه أرفق ويعتبر بالنقد الغالب في أقرب البلاد إليه على وجه) *
لا خلاف في أن قدر زكاة التجارة ربع العشر كما في النقدين ومم تخرج قطع (في الجديد) بأنها
تخرج من القيمة ولا يجوز أن تخرج من عين ما في يده وبه قال مالك لان متعلق الزكاة هو القيمة
وحكى عن القديم قولان (أحدهما) مثل هذا (والثاني) أنه يخرج ربع عشر ما في يده لأنه الذي
67

يملكه والقيمة تقدير واختلفوا في هذا القول منهم من قال إنه ترخيص وتجويز لاخراج العين
باعتبار القيمة ولو أخرج ربع عشر القيمة جاز ومن قال بهذا قال في المسألة قولان (تعيين) القيمة
(والتخيير) بين العين والقيمة وبه قال أبو إسحاق ومنهم من قال ما ذكره (في القديم) أراد تعيين العين
للاخراج ومن قال بهذا قال في المسألة قولان (تعيين) العين (وتعيين) القيمة وحكى ابن عبدان هذا عن
ابن أبي هريرة ومن الأصحاب من استوعب وجعل المسألة على ثلاثة أقوال (أصحها) تعيين العين
(والثاني) تعيين القيمة (والثالث) التخيير بينهما وتحكي هذه الطريقة عن ابن سريج وعليها جرى
صاحب التقريب ثم الفتوى والتفريع على الجديد وهو الذي ذكره في الكتاب لكنا نورد صورة
لايضاح هذا الخلاف فنقول إذا ملك مائة درهم فاشترى بها مائتي قفيز من الحنطة فحال الحول وهي
تساوى مائتين فتجب عليه الزكاة تفريعا على أن النصاب لا يعتبر الا في آخر الحول فعلى الأصح
68

يخرج خمسة دراهم وعلى الثاني خمسة أقفزة وعلى الثالث يتخير بينهما ولو أخر إخراج الزكاة حتى
تراجع السوق ونقصت القيمة نظر إن كان ذلك قبل إمكان الأداء (فان قلنا) الامكان شرط الوجوب
سقطت الزكاة (وان قلنا) شرط الضمان وعادت القيمة إلى مائة فعلى الأصح يخرج درهمين ونصفا
وعلى الثاني يخرج خمسة أقفزة وعلى الثالث يتخير بينهما وإن كان بعد الامكان فعلى الأصح
يخرج خمسة دراهم لان النقصان من ضمانه وعلى الثاني يخرج خمسة أقفزة ولا يضمن نقصان القيمة
مع بقاء العين كالغاصب وعلى الثالث يتخير بينهما وان أخر فزادت القيمة وبلغت أربعمائة فإن كان
ذلك قبل الامكان وقلنا أنه شرط الوجوب فعلى الأصح يخرج عشرة دراهم وعلى الثاني
خمسة أقفزة قيمتها عشرة دراهم لأن هذه الزيادة في ماله ومال المساكين وعن ابن أبي هريرة أنه
يكفي على هذا القول خمسة أقفزة قيمتها خمسة دراهم لأن هذه الزيادة
69

وهي محتسبة في الحول الثاني وعلى الثالث يتخير بين الامرين ولو أتلف الحنطة بعد وجوب الزكاة
قيمتها ومائتا درهم ثم ارتفعت قيمتها فصارت أربعمائة فعلى الأصح يخرج خمسة دراهم
فإنها القيمة يوم الاتلاف وعلى الثاني يخرج خمسة أقفزة قيمتها عشرة دراهم وعلى الثالث يتخير بينهما
إذا عرفت ذلك: فالكلام بعده في ما يقوم به العرض ولا يخلو الحال أول ما ملك مال التجارة: إما أن
يملكه بالنقد أو بغير النقد أو بهما (القسم الأول) أن يملكه بالنقد (فأما) أن يملكه بأحد النقدين أو بهما
فان ملكه بأحد النقدين (فأما) أن يكون نصاب أو لا يكون فإن كان نصابا كما لو اشتراه بمائتي درهم
أو عشرين دينارا فيقوم في آخر الحول بذلك النقدين لان الحول مبني على حوله والزكاة واجبة فيه
فان بلغ نصابا بذاك النقد أخرج زكاته والا فلا: وإن كان الباقي غالب نقد البلد ولو قوم به لبلغ
نصابا بل لو اشترى بمائتي درهم عرضا وباعه بعشرين دينارا وقصد التجارة مستمرا فتم الحول
والدنانير في يده ولا تبلغ قيمتها مائتي درهم فلا زكاة فيها هذا ظاهر المذهب وعن صاحب التقريب
حكاية قول أن التقويم أبدا يقع بغالب نقد البلد ومنه يخرج الواجب سواء كان رأس المال نقدا
أو غيره لأنه أرفق بالمستحقين لسهولة التعامل به وحكى القاضي الروياني هذا عن ابن الحداد وقال
أبو حنيفة واحمد يعتبر الاحظ للمساكين فنقوم به ولا غيره بما ملك به وإن كان دون النصاب ففيه وجهان
(أحدهما) وبه قال أبو إسحاق أنه يقوم بغالب نقد البلد كما لو اشترى بعرض لأنه لا زكاة فيه كما لا زكاة في
العرض (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب وبه قال ابن أبي هريرة أنه يقوم بذلك النقد أيضا لأنه
70

أصل ما في يده وأقرب إليه من نقد البلد وموضع الوجهين ما إذا لم يملك من جنس النقد الذي ملك
به ما يتم به النصاب فان ملك كما لو اشترى بمائة درهم عرضا للتجارة وهو يملك مائة أخرى فلا خلاف
في أن التقويم بجنس ما ملك به لأنه اشترى ببعض ما انعقد عليه الحول وابتداء الحول من يوم
ملك دراهم وان ملك بالنقدين جميعا فله ثلاثة أحوال لأنه اما أن يكون كل واحد منهما نصابا أولا
يكون واحد منهما نضا يكون أحدهما أو نصابا دون الآخر * واما في الحالة الأولى فيقوم بهما على نسبة
التقسيط يوم الملك وطريقه تقويم أحد النقدين بالآخر يومئذ بأنه اشترى بمائتي درهم وعشرين دينارا
71

عروضا للتجارة فينظر إن كانت قيمة مائتي درهم عشرين دينارا فقد علمنا أن نصف العروض مشترى
بالدراهم ونصفها بالدنانير وإن كانت قيمتها عشرة دنانير فثلثها مشترى بالدراهم وثلثاها بالدنانير
فهكذا تقوم في آخر الحول ولا يضم أحدهما إلى الآخر حتى لا تجب الزكاة إذا لم يبلغ واحد منهما
نصابا وإن كان بحيث لو قوم الجميع بأحد النقدين لبلغ نصابا وحول كل واحد من المبلغين من يوم
ملك ذلك النقد * واما في الحالة الثانية (فان قلنا) ما دون النصاب كالعروض قوم الجميع بنقد
البلد (وان قلنا) انه كالنصاب قوم ما ملكه بالدراهم وما ملكه بالدنانير * واما في الحالة الثالثة فيقوم
72

ما ملكه بالنقد الذي هو نصاب بذلك النقد وما ملكه بالنقد الثاني فعلى الوجهين وكل واحد
من المبلغين يقوم به في آخر حوله وحول المملوك بقدر النصاب من يوم ملك ذلك النقد وحول
المملوك بالآخر من يوم ملك العروض وإذا اختلف جنس المقوم به فلا ضم كما سبق (القسم الثاني)
ان يملكه بغير النقد كما لو ملك بعرض للقنية فيقوم في آخر الحول بآخر نقد البلد من الدراهم
أو الدنانير ان بلغ به نصابا اخرج زكاته والا فلا شئ عليه وإن كان يبلغ بغيره نصابا فإن كان
73

يجرى في البلد النقدان وأحدهما أغلب فالتقويم به وان استويا نظر ان بلغ بأحدهما نصابا دون
الآخر قوم به وان بلغ بهما ففيه وجوه أربعة (أحدها) ان المالك يتميز فيقوم بأيهما شاء ويخرج
الزكاة ويحكي هذا عن أبي إسحاق (والثاني) انه يراعي الأغبط للمساكين (والثالث) انه يتعين
التقويم بالدراهم لأنها ارفق وأصلح لشراء المحقرات قال الروياني وهذا اختيار ابن أبي هريرة
(والرابع) انه يعتبر بالنقد الغالب في أقرب البلاد إليه لاستوائهما في ذلك البلد فصار كما لو لم يكن
74

فيه نقد فهذا هو الترتيب المذكور في الكتاب وكذا أورده العراقيون والقاضي الروياني وحكموا
بأن الوجه الأول أصح وايراد الامام وصاحب التهذيب يقتضى ترجيح الثاني لأنهما قالا
إذا استويا ولم يغلب أحدهما يقوم بالأنفع للمساكين فان استويا فيه فحينئذ فيه الوجوه الثلاثة
الباقية وما ذكراه يعتضد بان الأظهر في اجتماع الحقاق وبنات البون رعاية الأغبط وما ذكره غيرهما
يعتضد لان الأظهر في الجبران ان الخيار في تعيين الشاتين والدراهم إلى المعطى ويدخل في هذا
75

القسم المملوك بالخلع والنكاح على قصد التجارة إذا قلنا إنه مال تجارة (القسم الثالث) انه يملك بالنقد
وغيره معا كما لو اشترى بمائتي درهم وعرض قنية فما يقابل الدراهم يقوم بالدراهم وما يقابل
العرض بنقد البلد فإن كان النقد دون النصاب عاد الوجهان وكما يجزئ التقسيط عند اختلاف
الجنس يجزئ عند اختلاف الصفة كما لو اشترى بنصاب من الدنانير بعضها صحيح وبعضها مكسر
وبينهما تفاوت يقوم ما يخص الصحاح بالصحاح وما يخص المكسرة بالمكسرة ولا يخفى عليك
76

بعد هذا الشرح ان لفظ القيمة من قوله في الكتاب فهو ربع عشر القيمة فينبغي أن يكون معلما
بالواو وقوله من النقد الذي كان رأس المال بالحاء والألف وقوله أو لم يكن بالواو وقوله
فان غلب نقدان أي على التساوي *
قال (ولا يمتنع على التاجر التجارة لعدم اخراج الزكاة وأما الاعتاق والهبة فهو كبيع المواشي
بعد وجوب الزكاة فيها) *
77

هل ينفذ بيع التاجر مال التجارة بعد تمام الحول ووجوب الزكاة فيها ذكر بعض الأصحاب
أنه على الخلاف في بيع سائر الأموال بعد وجوب الزكاة فيها وروى في النهاية عن بعضهم انا ان
قلنا إن زكاة التجارة تؤدى من عين العروض فهو على ذلك الخلاف (وان قلنا) تؤدى من القيمة
فالحكم فيه كالحكم في ما لو وجبت شاة في خمس من الإبل فباعها لان القيمة ليست من جنس
78

العرض كالشاة ليست من جنس الإبل والذي قطع به الجمهور وأورده في الكتاب أنه يجوز البيع
ولا يخرج على ذلك الخلاف لان متعلق هذه الزكاة المالية والقيمة وهي لا تفوت بالبيع ولا فرق
بين أن يبيع على قصد التجارة وهو الذي يتناوله لفظ الكتاب أو على قصد اقتناء العرض فان
متعلق الزكاة الواجبة لا يبطل وان صار مال قنية فهو كما لو نوى الاقتناء من غير بيع ولو أعتق عبد
التجارة أو وهب مال التجارة فحكمه حكم ما لو باع المواشي بعد وجوب الزكاة فيها لان الاعتاق
والهبة يبطلان متعلق زكاة التجارة كما أن البيع يبطل متعلق زكاة العين ولو باع مال التجارة
79

بمحاباة فقدر المحاباة كالموهوب فإن لم نصحح الهبة وجب أن تبطل في ذلك القدر ويخرج في الباقي
على تفريق الصفقة والله أعلم *
قال (قاعدة يجب اخراج الفطرة (ح) عن عبد التجارة مع زكاة التجارة وإن كان مال التجارة
نصابا من السائمة غلب زكاة العين في قول لأنه مقطوع به وغلب زكاة التجارة في قول لأنه أرفق
بالمساكين لعمومه فان غلبنا الزكاة ولم يكن المال نصابا باعتباره عدلنا إلى الزكاة الأخرى في أظهر
80

في أظهر الوجهين ولو اشترى معلوفة للتجارة ثم أسامها وقلنا المغلب زكاة العين فالأظهر أنه يجب
في السنة الأولى زكاة التجارة كيلا يحبط بعض حول التجارة) *
غرض القاعدة الكلام فيما لو كان مال التجارة مما يجب في عينه الزكاة وافنتحها باجتماع الفطرة
وزكاة التجارة فعندنا تجب فطرة عبيد التجارة مع اخراج الزكاة عن قيمتهم وبه قال مالك خلافا
لأبي حنيفة رحمه الله حيث قال لا تجب الفطرة به * لنا انهما حقان يجبان لسببين مختلفين فلا يتداخلان
كالجزاء مع القيمة في الصيد المملوك ولو كان مال التجارة نصابا من السائمة فلا تجب فيه زكاة العين
والتجارة جميعا وفيما تقدم منهما قولان (الجديد) وبه قال مالك انه تقدم زكاة العين لأنها أقوى من
جهة انها متفق عليها وفى زكاة التجارة نزاع لبعض أهل الظاهر وقد حكينا فيها عن القديم شيئا ضعيفا
أيضا (والقديم) وبه قال أبو حنيفة واحمد رحمهما الله أنه تقدم زكاة التجارة لأنها أنفع للمساكين
من حيث أنها تعم وتشمل أصناف الأموال وتزيد بزيادة القيمة وذكر القفال في شرح التلخيص
أن له في القديم قولين (أحدهما) كالجديد (والثاني) تغليب زكاة التجارة ورأيت لابن الصباغ
من العراقيين رواية مثل ذلك (فان قلنا) بالأصح وهو تقديم زكاة العين أخرج السن الواجبة من السائمة
والسخال تضم إلى الأمهات وان قدمنا زكاة التجارة فقد قال في التهذيب تقوم مع درها ونسلها
وصوفها وما اتخذ من لبنها وهذا جواب في النتاج على أنه مال تجارة وقد أسلفنا فيه خلافا ولا عبرة
بنقصان النصاب في أثناء الحول تفريعا على الصحيح في وقت اعتبار نصاب التجارة ولو اشترى
نصابا من السائمة للتجارة ثم اشترى بها عرضا بعد ستة أشهر مثلا فعلى القول الثاني لا ينقطع الحول
وعلى الأول ينقطع ويبتدئ حول زكاة التجارة من يوم شراء العرض ثم القولان فيما إذا كمل
نصاب الزكاتين واتفق الحولان أما إذا لم يكمل نصاب أحداهما كما إذا كان مال تجارته أربعين من
الغنم السائمة ولم تبلغ قيمتها نصابا عند تمام الحول أو تسعا وثلاثين فما دونها وبلغت قيمتها نصابا
فعليه زكاة التي كمل نصابها دون الأخرى قولا واحدا هكذا ذكر العراقيون والقفال والجمهور
وما في الكتاب يقتضى اثبات الخلاف فيه فإنه قال فان غلبنا زكاة ولم يكن المال نصابا باعتباره عدلنا إلى
الزكاة الأخرى في أظهر الوجهين وكلام الامام يوافق ما ذكره فإنه روى وجهين في وجوب زكاة
81

العين إذا رأينا تقديم زكاة التجارة وكان مال تجارته أربعين من الغنم ولم يبلغ قيمتها نصابا في آخر الحول وعلى
عكسه كما لو رأينا تقديم زكاة العين وقد اشترى أربعين فنقص العدد وقيمة الباقي نصاب من النقد روى وجهين
في وجوب زكاة التجارة وساعدهما صاحب التهذيب في حكاية الخلاف في الصورة الأولى دون الثانية سواء
ثبت الخلاف أم لا فالجواب في المسألة العدول إلى الزكاة الأخرى لانقطاع زحمة الأولى وإذا غلبنا زكاة
العين في نصاب السائمة وانتقصت في خلال السنة عن النصاب ونقلتاه إلى زكاة التجارة فهل يبنى حول زكاة
التجارة على حول زكاة العين أم يستأنف لها حولا فيه وجهان حكاهما القفال في الشرح قال وهما
كالوجهين فيما لو ملك نصابا من السائمة لا للتجارة واشترى به سلعة للتجارة هل يبني حول السلعة على
حول الماشية وإذا أوجبنا زكاة التجارة لنقصان الماشية المشتراة للتجارة عن قدر النصاب ثم بلغت
بالنتاج في أثناء الحول نصابا ولم تبلغ بالقيمة نصابا في آخر الحول فقد حكي صاحب التهذيب عن بعض الأصحاب
أنه لا زكاة عليه لان الحول انعقد على زكاة التجارة فلا يتبدل وعن بعضهم انه ينتقل إلى زكاة العين فعلى
هذا يعتبر الحول من تمام النصاب بالنتاج أو من وقت نقصان القيمة عن النصاب فيه وجهان وأما إذا
كمل نصاب الزكاتين ولم يتفق الحولان وهذا في السوائم إنما يكون بسبق حول زكاة التجارة بأن يشترى
بمتاع تجارته بعد ستة أشهر نصابا من السائمة أو يشترى معلوفة للتجارة ثم يسيمها بعد ستة أشهر
ولا يتصور سبق حول زكاة العين فيها لان حولها ينقطع بالمبادلة فإذا تصور ذلك ففيه طريقان (أظهرهما)
وبه قال القاضي أبو حامد أنه على القولين في أنه يقدم هذه الزكاة أم هذه الزكاة (والثاني) وبه
قال أبو إسحاق واختاره القاضي أبو الطيب ان القولين مخصوصان بما إذا اتفق الحولان وذلك بأن
يشترى بعروض القنية نصابا من السائمة للتجارة فاما إذا لم يتفقا فلا جريان للقولين وعلى هذا فما الحكم
نقل الامام رضي الله عنه في طريقين (أحدهما) ان المتأخر يرفع المتقدم ويتجرد قولا واحدا (والثاني)
ان المتقدم يرفع المتأخر وعليه زكاة التجارة في الصورة المفروضة قولا واحدا لان التي تم حولها خالية
عن زحمة الغير فتجب وهذا هو الأشهر الذي نقله فقول المعظم تفريعا على طريقة أبي إسحاق وإذا طردنا القولين
فيما إذا تقدم حول التجارة فان غلبنا زكاة التجارة فلا كلام وان غلبنا زكاة العين فوجهان
(أحدهما) انها تجب عند تمام حولها وما سبق من حول التجارة على حول زكاة العين يتعطل (وأظهرهما) أنه
يجب عليه زكاة التجارة عند تمام حولها كيلا يحبط بعض حولها ثم يستفتح حول زكاة العين من منقرض
82

حولها وتجب هي في سائر الأحوال وقوله وقلنا المغلب زكاة العين جواب على طريقة طرد القولين
مع اختلاف الحولين ولك ان تعلمه بالواو وتشير به إلى الطريقة الثانية للخلاف هذا تمام القول فيما
إذا كان مال التجارة نصابا من السائمة *
قال (ولو اشترى حديقة للتجارة فأثمرت وقلنا الثمرة مال التجارة أو اشترى الثمار قبل
الصلاح فبدا الصلاح في يده وغلبنا زكاة العين فالعشر المخرج لا يمنع من انعقاد حول
التجارة على الثمار بعد القطاف وهل تسقط زكاة التجارة عن الأشجار والأراضي فيه ثلاثة أوجه
منشؤها التردد في التبعية (وفى الثالث) يتبع الشجرة دون الأرض ولو اشترى أرضا للتجارة وزرعها
ببذر القنية فحق الزرع العشر ولا تسقط زكاة التجارة عن الأرض لان التجارة لم توجد في متعلق
العشر حتى يستتبع غيره) *
الفصل ينظم صورتين (إحداها) لو اشترى حديقة أو نخيلا للتجارة فأثمرت أو أرضا مزروعة
للتجارة فأدرك الزرع وبلغ الحاصل نصابا فالقولان في أن الواجب زكاة العين أو زكاة التجارة
مطردان فإن لم يكمل أحد النصابين أو كملا ولم يتفق الحولان استمر التفصيل الذي سبق وههنا كما
يتصور سبق حول التجارة يتصور سبق زكاة العين بان يبدو الصلاح في الثمار قبل تمام حول
التجارة ثم هذا الذي ذكرناه فيما إذا كانت الثمرة حاصلة عند الشراء وبدو الصلاح في يده أما إذا
طلعت بعد الشراء فيزداد هذا النظر إلى شئ آخر وهو ان الثمرة الحادثة من أشجار
التجارة هل تكون مال التجارة وفيه وجهان أسلفنا ذكرهما (فان قلنا) نعم فهي كما لو كانت
حاصلة عند الشرى وتنزل منزلة زيادة متصلة أو أرباح متجددة في قيمة العروض ولا ينزل منزلة ربح
ينض حتى يكون حولها على الخلاف الذي سبق فيه (وان قلنا) انها ليست مال تجارة فقضيته وجوب زكاة
العين فيها بلا خلاف وتخصيص زكاة التجارة بالأرض والأشجار (التفريع) ان غلبنا زكاة العين
اخرج العشر أو نصف العشر من الثمار أو الزروع وهل تسقط به زكاة التجارة عن قيمة جذع
النخيل وتبن الزرع فيه وجهان (أحدهما) نعم الآن المقصود الثمار والزروع وقد أخذنا زكاتها
(وأظهرهما) لا لأنه ليس فيها زكاة العين فلا تسقط عنها زكاة التجارة ويحكى الوجه الثاني عن ابن سريج وأبي
اسحق وفى ارض الحديقة وارض الزرع طريقان (أحدهما) ان في زكاة التجارة في قيمتها وجهين
كما في الجذع والتبن (والثاني القطع بالوجوب والفرق بعد الأراضي عن التبعية فان الثمار والحبوب
83

خارجة عن عين الشجرة والتبن وهما خارجتان مما أودع في الأرض لا من نفس الأرض قال الامام
وينبغي ان يعتبر ذلك بما يدخل من الأراضي المتخللة بين النخيل في المساقاة وما لا يدخل فما لا يدخل
تجب فيه زكاة التجارة قطعا وما يدخل فهو على الخلاف والله أعلم فان أوجبنا زكاة التجارة في هذه الأشياء فلم
تبلغ قيمتها نصابا فهل تضم قيمة الثمرة والحب إليها لتكميل النصاب نقلوا فيه وجهين وعلى هذا القول لا يسقط
اعتبار التجارة في المستقبل بالكلية بل تجب زكاة التجارة في الأحول الآتية ويكون افتتاح حول التجارة من
وقت اخراج العشر لا من وقت بدو الصلاح وإن كان ذلك وقت الوجوب لان عليه بعد بدو الصلاح تربية
الثمار للمساكين فلا يجوز أن يكون زمان التربية محسوبا عليه ذكره في النهاية وان غلبنا زكاة
التجارة قومت الثمرة والجذع وفى الزرع الحب والتبن وتقوم الأرض أيضا في صورة الحديقة وفيما
إذا اشترى الأرض مزروعة للتجارة ولا فرق بين ان يشتريها مزروعة للتجارة وبين ان يشترى أرضا
للتجارة وبذارا للتجارة ويزرعها به في جميع ما ذكرنا ولو اشترى الثمار وحدها وبدا الصلاح في يده
جرى القولان في أنه يخرج العشر أم زكاة التجارة (والثانية) لو اشترى أرضا للتجارة وزرعها ببذر
للقنية فعليه العشر في الزرع وزكاة التجارة في الأرض بلا خلاف ولا تسقط زكاة التجارة عن
الأرض بأداء العشر قولا واحدا لان التجارة لم توجد في متعلق العشر حتى يستتبع غيره (وأما) لفظ
الكتاب (فقوله) في صورة شرى الحديقة وقلنا الثمرة مال تجارة أشار به إلى الوجهين في أن ثمار
أشجار التجارة هل تكون مال تجارة وإنما يقطع النظر إليهما إذا حدثت الثمار بعد الشرى على
ما بيناه (وقوله) أو اشترى الثمار هو صورة شرى الثمار وحدها وإنما يعتبر بدو الصلاح في يده لأنه
وقت وجوب العشر وبتقدير تقدمه على الشرى فالواجب زكاة التجارة قولا واحدا (وقوله) فالعشر
المخرج لا يمنع من انعقاد حول التجارة على الثمار بعد القطاف معناه ما ذكرناه انه لا يسقط على قول
تقديم زكاة العين اعتبار التجارة في الأحوال المستقبلة وقوله وهل تسقط زكاة التجارة عن الأشجار والأرض
يرجع إلى صورة الحديقة دون الصورة وهو شرى مجرد الثمار (وقوله) فيه ثلاثة أوجه يجوز أن يعلم
بالواو لان اثبات الوجوه الثلاثة إنما ينتظم على قول من أثبت الخلاف في الأراضي وقد نقلنا طريقة
قاطعة بأنها لا تتبع *
قال (فصل إذا قلنا إن العامل لا يملك الربح بالظهور وجب زكاة الجميع (و) على المالك وان قلنا
يملك وجب على العامل في حصته بحول الأصل على وجه لأنه ربح وبحول مستفتح من وقت
84

الظهور على وجه لأنه في حقه أصل وفيه وجه انه لا زكاة عليه لأنه لا يستقل بالتصرف فأشبه
المغصوب ثم إن قلنا يجب فهل تستبد باخراجه فيه خلاف يلتفت على أن الزكاة كالمؤن
أو كاسترداد طائفة من المال وعليه ينبني أن ما يخرجه المالك من الزكاة يحتسب من الربح أو من
رأس المال) *
بناء الفصل على أن عامل القراض هل يملك القدر المشروط له من الربح بمجرد الظهور أولا
يملك الا بالقسمة وفيه قولان (أصحهما) الثاني وسيأتي شرحهما في كتاب القراض إذا عرفت ذلك
فالرجل إذا دفع إلى غيره نقدا قراضا وحال الحول وفيه ربح فلا يخلوا ما أن لا يكون واحد منهما
من أهل وجوب الزكاة كالذمي والمكاتب أو يكونا جميعا من أهله أو يكون أحدهما من أهله دون
الثاني (اما) الحالة الأولى فلا يخفى حكمها (وأما) الثانية فكلام الكتاب مقصور عليها (فان قلنا) العامل
لا يملك الربح بالظهور فزكاة رأس المال والربح كله على المالك لان الكل ملكه هكذا قاله
الجمهور ورأي الامام تخريج الوجوب في نصيب العامل على الخلاف في المغصوب والمجحود
والاملاك الضعيفة لتأكد حق العامل في حصته وتعذر ابطاله على المالك وحول الربح مبنى على
حول الأصل الا إذا رد إلى النصوص ففيه الخلاف الذي تقدم ثم أن أخرج الزكاة من مال آخر
فذاك وان اخرج من هذا المال ففي حكم المخرج وجهان (أحدهما) أنه محسوب من الربح كالمؤن التي
تلزم المال من أجرة الدلال والكيال وكما أن فطرة عبيد التجارة تحسب من الربح وكذا أرش
جنايتهم وهذا أظهر عند الكثيرين ويحكى عن نصه في الام (والثاني) أنه كطائفة من المال يستردها
المالك لأنه مصروف إلى حق لزمه فعلى هذا يكون المخرج من رأس المال والربح جميعا على قضية
التقسط (مثاله) رأس المال مائة والربح خمسون يكون ثلثا المخرج من رأس المال وثلثه من الربح قال في
التهذيب والوجهان مبنيان على أن الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة ان قلنا بالأول فهو كالمؤن والا
فكاسترداد طائفة من المال وروى الامام هذا البناء عن بعضهم لكن مع ترتيب ان قلنا بتعلقها
بالعين فهو كالمؤن بلا خلاف والا ففيه الخلاف ثم إنه لم يرتض هذا البناء ولم يستبعد طرد الوجهين
تعلقت الزكاة بالعين أو بالذمة وفى المسألة وجه ثالث أن المخرج من رأس المال خاصة لان الواجب
لزمه خاصه وهذا أظهر عند القاضي الروياني وقوم رحمهم الله وان قلنا العامل يملك الربح بالظهور
فعلى المالك زكاة رأس المال ونصيبه من الربح وهل على العامل زكاة نصيبه فيه طرق (أحدها) ويحكى
85

عن صاحب التقريب انه على القولين في المغصوب ونظائره لأنه لا يتمكن من التصرف على حسب
مشيئته (والثاني) القطع بالوجوب لأنه متمكن من التوصل إليه متى شاء بالاستقسام
فأشبه الدين الحال على الملئ (والثالث) ويحكى عن القفال القطع بالمنع لان ملكه غير مستقر من حيث إنه
وقاية لرأس المال عن الخسران فصار كملك المكاتب فان أوجبنا وهو الظاهر سواء أثبتنا الخلاف
أم لا فالكلام في أمور (أحدها) حول حصته من الربح هل هو حول رأس المال فيه وجهان (أحدهما)
نعم كحصة المالك منه لأنهما جميعا مستفيدان للربح من رأس مال (وأصحهما) لا لأنه في حقه أصل واقع
في مقابلة عمله ولا عهد بضم ملك الغير إلى الغير في الحول وعلى هذا فمن متي يبتدأ الحول فيه
ثلاثة أوجه (أصحها) وهو نصه في المختصر انه من يوم الظهور لثبوت ملكه من يومئذ (والثاني) من يوم
يقوم المال على المالك لاخذ الزكاة (والثالث) من يوم القسمة لان ملكه حينئذ يستقر (الثاني) إذا
تم حوله ونصيبه لا يبلغ نصابا ومجموع المال نصاب فان أثبتنا الخلطة في النقدين فعليه الزكاة والا فلا
الا أن يكون له من جنسه ما يتم به النصاب وهذا إذا لم نجعل ابتداء الحول من يوم المقاسمة فان حسبناه من
المقاسمة سقط النظر إلى قولي الخلطة (الثالث) لا يلزمه اخراج الزكاة قبل القسمة لأنه لا يعلم سلامة نصيبه
له الا إذا تقاسمها وحينئذ يزكيه لما مضي كالدين إذا استوفاه هذا هو الأظهر ونفى ابن عبدان الخلاف
فيه وفيه وجه آخر انه يجب الاخراج في الحال لتمكنه من الاستقسام فأشبه الوديعة عند الغير ويحكى
هذا عن صاحب التقريب (والرابع) ان اخرج الزكاة من موضع آخر فذاك وان أراد اخراجها من
مال القراض فهل يستبد به أم للمالك منعه فيه وجهان (أظهرهما) أنه يستبد وذكر الروياني
أنه المنصوص (والثاني) ولم يرد الصيد لأني غيره انه لا يستبد وللمالك منعه لان الربح وقاية لرأس
المال عن الخسران فله أن يمنعه من التصرف فيه حتى يسلم إليه رأس المال قال الامام ويمكن تخريجها
على ما ذكرنا من أن الزكاة مؤنة أو استرداد طائفة (ان قلنا) بالأول فله اخراجها منه استبداد (وان قلنا) بالثاني
فلا ولك تقول إنما أن يحسن أخذ الوجهين من هذا المأخذ إذا أثبتنا الخلاف في كون الزكاة
مؤنة أو استرداد طائفة على الاطلاق لكن أومأ الصيدلاني إلى تخصيص ذلك الخلاف بزكاة
مؤنة أو استرداد طائفة على الاطلاق لكن أومأ الصيدلاني إلى تخصيص ذلك الخلاف بزكاة
جميع المال إذا أخرجها المالك تفريعا على القول الأول فاما ما يخرجه من المال لزكاة رأس المال من نصيبه
من الربح فهو كاسترداد طائفة ولا يتجه فيه الوجهان لان العامل قد اختص بالتزام ما يخصه فكيف
يحسب من الربح ما يخص المالك وقد صرح الامام بهذا الذي أومأ إليه الشيخ الصيدلاني فكان من
86

حقه أن يقول بأخذ الوجهين من المأخذ المذكور أولا يقول بتخصيص الوجهين بالقول
الأول والله أعلم (الحالة الثالثة) أن يكون أحدهما من أهل وجوب الزكاة دون الاخر فإن كان الذي هو من
أهل الوجوب منهما المالك وفرعنا على أن الكل له ما لم يقسم فعليه زكاة الكل وان فرعنا على القول
الآخر فعليه زكاة رأس المال ونصيبه من الربح ولا شئ على العامل ولا يكمل بمال المالك ان لم يبلغ
نصابا بنصيب العامل وإن كان العامل من أهل الوجوب دون المالك (فان قلنا) كل المال للمالك قبل القسمة
فلا زكاة وان قلنا للعامل حصته من الربح ففي الزكاة عليه الخلاف الذي سبق في الحالة الأولى فان
أوجبنا الزكاة فذلك إذا بلغت حصته نصابا أو كان له ما يتم به النصاب وتثبت الخلطة ههنا
بلا خلاف ولا تجئ في اعتبار ابتداء الحول ههنا الا الوجه الأول والثالث ويسقط الثاني لأنه
لا تقويم على من لا زكاة عليه وليس له اخراج الزكاة من عين المال ههنا بلا خلاف لان المالك لم
يدخل في العقد على أن يخرج من المال الزكاة هكذا ذكروه ولمانع أن يمنع ذلك لأنه عامل من عليه
الزكاة وعد بعد هذا إلى لفظ الكتاب واعلم قوله لا يملك الربح بالظهور بالحاء لان مذهب أبي
حنيفة رحمه الله مثل القول الثاني وقوله وجب زكاة الجميع على المالك بالواو لما حكيناه عن الامام
قدس الله روحه وقوله بعد ذلك يملك بالزاي لان مذهب المزني رحمه الله مثل القول الأول
ولا يخفى عليك ان قوله لا يملك الربح بالظهور أراد به حصته من الربح ففيه الخلاف ولك أن تعلم
قوله من وقت الظهور بالواو إشارة إلى وجهين ذكرناهما في ابتداء الحول فإنهما لا يعتبران وقت
الظهور وان ساعد هذا الوجه على اعتبار حول مستفتح وقوله وفيه وجه أنه لا زكاة عليه هو مقابل
لقوله أولا وجب على العامل في حصته ثم الحكم المذكور في هذا الوجه ليس له تعرض للخلاف
لكن التعليل والتشبيه بالمغصوب يبين انه قصد به حكاية طريقة القولين فكأنه قال وفيه وجه أنه لا زكاة
عليه على أحد القولين وقد تسمي طرق الأصحاب وجوها (وقوله) يلتفت إلى أن الزكاة كالمؤن إلى
آخره اتباع منه للمأخذ الذي ذكره الامام وقوله وعليه ينبنى إنما يخرجه المالك من الزكاة إلى آخره
يقتضى اطلاقه اثبات الخلاف فيما يخرجه المالك على القولين لكن ما نقلنا عن الصيدلاني والامام
ينازع فيه وتخصيص الخلاف بالقول الأول وقوله أو من رأس المال لم يعن به الاحتساب من رأس
المال فحسب وان نقلها من قبل وجها أنه كذلك يحتسب وإنما أراد من رأس المال والربح جميعا
لأنه بني هذا الخلاف في أنها كالمؤن أو كاسترداد طائفة من المال واسترداد طائفة من المال يتوزع
على رأس المال والربح ولا يختص برأس المال *
87

قال (النوع الخامس زكاة المعادن والركاز وفيه فصلان
(الأول) في المعادن فكل حر مسلم نال نصابا
من النقدين (ح و) من المعادن فعليه ربع العشر في قول والخمس في قول تشبيها بالركاز وفى قول ثالث
يلزمه الخمس إن كان ما ناله كثيرا بالإضافة إلى عمله وان لم يكثر فربع العشر وفيه قول ان النصاب
لا يعتبر (م) والصحيح ان الحول لا يعتبر) *
من أنواع الزكاة ما يخرج من الأموال الكامنة في الأرض إذا نالها الانسان وعده في أنواع الزكاة
يتفرع على المذهب في أن مصرفه مصرف سائر الزكوات وفيه وجه يأتي في موضعه ان مصرفه مصرف
الفئ فعلى ذلك الوجه لا يتضح عده من الزكوات ثم الأموال الكامنة في الأرض اما مخلوقة فيها
وهي المعدن والفصل الأول معقود له واما مدفونة فيها وهي الركاز والفصل الثاني معقود له والأصل
في زكاة المعدن بعد الاجماع قوله تعالى (وانفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض)
ومما أخرج لنا من الأرض المعادن وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم (أقطع بلال ابن الحرث المزني المعادن
القبلية وأخذ منها الزكاة) (1) وفقه الفصل الذي أخذنا في شرحه مسائل (إحداها) لا زكاة في المستخرج
من المعادن الا في الذهب والفضة خلافا لأبي حنيفة رحمه الله حيث أوجب في كل جوهر ينطبع
ويصبر على المطرقة كالحديد والنحاس دون ما لا ينطبع كالكحل والفيروزج والياقوت ولأحمد حيث
قال يجب في كل مستفاد من المعدن منطبعا كان أو غير منطبع وحكي الشيخ أبو علي في شرح التلخيص
وجها مثله عن بعض الأصحاب * لنا مع أبي حنيفة القياس على غير المنطبعات ومع احمد على الطين
88

الأحمر وأيضا فقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا زكاة في حجر) (1) (الثانية) في واجب النقدين
المستخرجين من المعدن ثلاثة أقوال (أصحها) ان الواجب فيها ربع العشر وبه قال احمد لمطلق قوله
صلى الله عليه وسلم (في الرقة ربع العشر) (2) وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (في الركاز الخمس وفي
المعدن الصدقة) (3) (والثاني) وبه قال أبو حنيفة ويحكى عن المزني أيضا أن الواجب الخمس لما روى أنه
صلى الله عليه وسلم قال (وفى الركاز الخمس قيل يا رسول الله وما الركاز قال هو الذهب والفضة
المخلوقان في الأرض يوم خلق الله السماوات والأرض) (4) (والثالث) أن ما ناله من غير تعب ومؤنة
فيه الخمس وما ناله بالتعب والمؤنة ففيه ربع العشر جمعا بين الاخبار وأيضا فان الواجب يزداد
بقلة المؤنة وينقص بكثرتها ألا ترى أن الامر كذلك في المسقى بماء السماء والمسقى بالنضح وعن
مالك روايتان (أحداهما) كالقول الأول (وأشهرهما) كالثالث ثم الذي اعتمده الأكثرون في ضبط

(1) كذا بالأصل فحرر
89

الفرق على هذا القول النظر إلى الحاجة إلى الطحن والمعالجة بالنار والاستغناء عنهما فما يحتاج
إلى الطحن والمعالجة ففيه ربع العشر وما يستغني عنهما ويؤخذ مجموعا خالصا ففيه الخمس ولم ينظروا
إلى قلة الموجود وكثرته وحكى الامام مع هذا طريقه أخرى وهي عد الاحتفار من جملة العمل
المعتبر والنظر إلى نسبة النيل إلى العمل أي عمل كان من الحفر والطحن وغيرهما فان عد كثيرا
بالإضافة إلى العمل أو مقتصدا ففيه ربع العشر وان عد كثيرا ففيه الخمس وأوضحهما بالتصوير
فقال: لو استفاد إلى قريب من آخر النهار دينارا وبعمل قليل في بقية النهار دينارا ففي الأول
ربع العشر وفى الثاني الخمس ولو عمل طول اليوم ولم يجد شيئا ثم وجد في آخر النهار دينارين وكان
المعتاد المقتصد في اليوم دينارا فينبغي ان يحط دينارا فنوجب فيه ربع العشر وفى الزيادة الخمس
ويحتمل أن يقال فيهما الخمس والزمان الأول قد حبط والاحتمال الأول هو الذي أورده المصنف
في الوسيط واستحسن القفال الا يطلق في المسألة ثلاثة أقوال بل يرتب فيقال ما استخرج بتعب
ومؤنة فواجبه الخمس أو ربع العشر فيه قولان (ان قلنا) بالثاني ففيما وجد من غير تعب أولى (وان
قلنا) بالأول ففيه قولان والفرق ما قد تبين (الثالثة) يتفرع على الخلاف في قدر الواجب اعتبار
90

النصاب والحول فان أوجبنا ربع العشر فلابد من النصاب كالنقدين من غير المعادن وفى الحول
قولان (أصحهما) أنه لا يشترط بل تجب الزكاة في الحال كالثمار والزروع وبهذا قال مالك وأبو حنيفة
وأحمد رحمهم الله وهو المنصوص عليه في أكثر كتب الشافعي رضي الله عنه قديمها وحديثها (والثاني)
أنه يشترط ولا يجب شئ حتى يتم عليه الحول كما في النقدين من غير المعادن وهذا القول ينقل عن مختصر
البويطي ايماء ورواه المزني في المختصر عمن يثق به عن الشافعي رضي الله عنه واختاره وذكر بعض
91

الشارحين أن أخته روت له ذلك عن الشافعي رضي الله عنه فلم يحب تسميتها وان أوجبنا الخمس
فلا يعتبر الحول وفى النصاب قولان (أحدهما) لا يعتبر وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لأنه مال يجب
تخميسه فلا يعتبر فيه نصاب كالفئ والغنيمة (والثاني) يعتبر لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (ليس
عليكم في الذهب شئ حتى يبلغ عشرين مثقالا) (1) وكيفما كان فالظاهر من المذهب اعتبار النصاب
وعدم اعتبار الحول والمعنى فيه ان النصاب إنما اعتبر ليبلغ المال مبلغا يحتمل المواساة والحول
إنما اعتبر ليتمكن من تنمية المال وتثميره والمستخرج من المعدن نماء في نفسه ولهذا اعتبرنا النصاب في الثمار
والزروع ولم نعتبر الحول والله أعلم (وقوله) في الكتاب كل حر مسلم التعرض للحرية والاسلام
كالمفروغ عنه ههنا لأنا عرفنا اعتبار الصفتين في المالك في جميع الزكوات والاكتفاء بهما للوجوب
92

بما ذكره في أركان الوجوب وإن كان في ترتيب الكتاب اضطراب على ما بينه في أول كتاب الزكاة ويجئ
مثل هذا الكلام في قوله في أول زكاة المعشرات إذا كان مالكه حرا مسلما ومن قوله النقدين قصد به
الاحتراز عن المستخرج من المعادن مما سوى النقدين فليكن معلما بالحاء والألف والواو لما سبق (وقوله) ربع
العشر معلم بالحاء والزاي (وقوله) الخمس بالألف والميم لما سبق (وقوله) وفيه قول أن النصاب لا يعتبر ينبغي أن
يعلم كلمة لا يعتبر بالميم والألف لأنهما يعتبران النصاب كما هو الأصح عندنا (وقوله) والصحيح أن الحول
لا يعتبر يجوز أن يعلم بالواو لأنه إثبات للخلاف فيه كما نقلناه لكن ابن عبدان حكى طريقة قاطعة
بعدم الاعتبار ولم يثبت ما رواه المزني لارساله ولو أعلمت قوله لا يعتبر بالزاي لما ذكرنا من اختيار
المزني جاز *
قال (ثم على اعتبار النصاب ما يجد شيئا فشيئا يضم بعضه إلى بعض كما يتلاحق من الثمار
ولكن الجامع ههنا اتصال العمل فان أعرض لاصلاح آلة لم ينقطع وإن كان للانتقال إلى حرفة
أخرى انقطع وإن كان لمرض أو سفر فوجهان وكذلك يكمل النيل (و) بما يملكه من النقدين لا من
جهة المعادن وبما يملكه من أموال التجارة حتى تجب الزكاة في قدر النيل بحسابه وان لم تجب فيما
كمل به لعدم الحول فيه فان زكاة المعدن والنقدين والتجارة متشابهة في اتحاد المتعلق فيكمل
بعضها بالبعض) *
مضمون الفصل مسألتان مفرعتان على اشتراط النصاب (إحداهما) ليس من الشرط أن ينال في الدفعة
الواحدة نصابا بل ما ناله بدفعات يضم بعضها إلى بعض في الجملة لان المستخرج من المعدن هكذا ينال
غالبا فأشبه تلاحق الثمار لكن الضابط في ضم الثمار بعضها إلى بعض كونها ثمار سنة واحدة وههنا ينظر إلى
العمل
93

والنيل وان تتابع العمل وتواصل النيل ثبت الضم قال في التهذيب ولا يشترط بقاء ما استخرج في ملكه
وان تتابع العمل ولكن لم يتواصل النيل بل حفد المعدن زمانا ثم عاد النيل فإن كان زمان الانقطاع
يسيرا لم يقدح في الضم وان طال فقد قال في النهاية في الضم وجهان وقال الجمهور فيه قولان
(الجديد) الضم لان المعدن كثيرا ما يعرض له ذلك فلو لم يضم بطل زكاة المعدن في كثير من الأحوال
(والقديم) وبه قال مالك انه لا يضم كما لو قطع العمل وكحملي سنتين وأن قطع العمل مع تواصل النيل ثم عاد إليه
94

نظر إن كان القطع بغير عذر عارض فلا ضم طال الزمن أو قصر لأنه أعرض عن هذا النوع من
الاكتساب واشتغل بحرفة أخرى فما يناله بعد العود شئ جديد وان قطع لعذر فالضم ثابت ان قصر الزمان
وان طال فكذلك عند الأكثرين لأنه عاكف على العمل متي ارتفع العذر وحكي الصيدلاني وغيره
وجها أنه لا ضم عند طول الزمان وفى حد الطول وجهان نقلهما القاضي الروياني (أحدهما) انه ثلاثة أيام
(والثاني) يوم كامل لان العادة العمل كل يوم وترك نوبة كاملة فصل طويل والأصح فيه وفى
نظائره تحكيم العرف ثم اصلاح الآلات وهرب العبيد والاجراء من الاعذار بلا خلاف وفى المرض
والسفر وجهان مرويان في النهاية (أحدهما) انهما يمنعان الضم بحصول صورة الانقطاع مع أنهما قد يمتدان
(وأصحهما) انهما لا يمنعان كسائر الاعذار وهذا ما نص عليه في المرض ولم يذكر الأكثرون غيره
وينبغي أن يكون السفر مرتبا على المرض ومتى حكمنا بعدم الضم فذلك على معنى أن الأول لا يضم إلى
الثاني في وجوب حق المعدن فاما الثاني فيكمل بالأول كما يكمل بما يملكه لا من جهة المعادن
على ما سيأتي بيانه (وقوله) في الكتاب ولكن الجامع ههنا اتصال العمل قصر للنظر على العمل
95

واعراض عن تواصل النيل وإنما يستمر ذلك جوابا على الجديد وهو ان انقطاع النيل لا أثر له مع اتصال العمل
فيجوز أن يعلم بالميم والواو إشارة إلى القديم ومذهب مالك (المسألة الثانية) إذا نال من المعدن ما دون
النصاب وهو يملك من جنسه نصابا أو زائدا عليه فاما أن يناله في آخر جزء من حول ما عنده أو بعد
تمام حوله أو قبله فاما في الحالتين الأوليين فيصير النيل مضموما إلى ما عنده وعليه في ذلك النقد حقه
وفيما ناله حقه على اختلاف الأحوال فيه لأنهما من جنس واحد والوجوب ثابت فيهما جميعا وأما إذا ناله قبل
تمام الحول فلا شئ فيما عنده حتى يتم حوله وفى وجوب حق المعدن فيما ناله وجهان (أصحهما)
وبه أجاب ابن الحداد واختاره القاضي أبو الطيب وهو ظاهر نصه في الام انه يجب لان زكاة
النقدين لا من جهة المعادن مع زكاتهما من جهة المعادن متشابهتان في اتحاد المتعلق على ما سبق ذكر
نظيره في زكاة التجارة (والثاني) وبه قال الشيخ أبو حامد أنه لا يجب لأنه لا زكاة فيما عنده حتى
يصلح لاستتباع غيره فعلى هذا فيما عنده ربع العشر عند تمام حوله وفيما ناله ربع العشر عند تمام
حوله وإن كان يملك من جنسه دون النصاب كما لو كان يملك مائة درهم فنال من المعدن مائة نظر إن
نال بعد تمام حول على ما عنده ففي وجوب حق المعدن فيما ناله الوجهان لأنه لا زكاة فيما عنده
96

لنقصانه عن النصاب فعلى الأول يجب فيما عنده ربع العشر إذا مضي حول من يوم كمل النصاب
بالنيل وعلى الثاني لا يجب شئ حتى يمضي حول من يوم النيل فيجب في الجميع ربع العشر وعن
صاحب الافصاح وجه أنه يجب فيما ناله حقه وفيما كان عنده ربع العشر في الحال لأنه كمل بالنيل
والحول قد مضى عليه والنيل بمثابة ما حال عليه الحول من الأموال وان ناله قبل إن يمضى حول على
97

المائة فلا مساغ لوجه صاحب الافصاح ويجرى الوجهان الأولان وهذا التفصيل مذكور في بعض طرق
العراقيين وقد نقل معظمه الشيخ أبو علي ورأيت الامام نسبه إلى السهو فيه وقال إذا
كان ما ملكه دون النصاب فلا ينعقد عليه حول حتى يفرض له وسط آخر أو يحكم
بوجوب الزكاة فيه يوم النيل ولا شك في بعد القول بوجوب الزكاة فيه يوم النيل
98

لان الشيخ لم يتفرد بهذا النقل ولا صار إليه حتى يعترض عليه وإنما نقله متعجبا منه منكرا
ولو كان ما عنده مال تجارة انتظمت فيه الأحوال الثلاث وإن كان دون النصاب فلا اشكال لان الحول
ينعقد عليه ولا يعتبر النصاب الا في آخر الحول على الصحيح فان نال من المعدن في آخر حول
التجارة ففيه حق المعدن وفى مال التجارة زكاة التجارة إن كان قدر النصاب وكذلك إن كان
دونه واكتفينا بالنصاب في آخر الحول وان نال قبل تمام الحول ففي وجوب حق المعدن الوجهان
السابقان وإن نال بعد تمام الحول نظر إن كان مال التجارة نصابا في آخر الحول ففي النيل حق
المعدن لانضمامه إلى ما وجب فيه الزكاة وان لم يكن نصابا ونال بعد ما مضى شهر من الحول الثاني
مثلا يبنى ذلك على الخلاف في أن سلعة التجارة إذا قومت في آخر الحول ولم تبلغ نصابا ثم ارتفعت
القيمة بعد شهر هل يجب فيها الزكاة أم ترتقب آخر الحول الثاني (ان قلنا) بالأول فتجب زكاة التجارة
في مال التجارة وحينئذ يجب حق المعدن في النيل بلا خلاف (وإن قلنا) بالثاني ففي وجوب حق
99

المعدن الوجهان (واعلم) أن جميع ما ذكرناه مفرع على الصحيح في أن الحول ليس بشرط في زكاة
المعدن فان شرطناه انعقد الحول عليه من يوم وجده وقوله في الكتاب حتى تجب الزكاة في قدر
النيل معلم بالواو للوجه المنسوب إلى الشيخ أبى حامد وشهره الامام برواية الشيخ أبي علي (وقوله)
لعدم الحول فيه تمثيل وفى معناه ما إذا كان الذي عنده دون النصاب فإنه لا تجب فيه الزكاة الا
على ما حكى عن صاحب الافصاح (وقوله) قبل ذلك بما يملكه من النقدين لا من جهة المعادن ثم الحكم
غير مخصوص بما إذا كان يملكه لا من جهة المعادن بل لو نال من المعدن ما دون النصاب وحدث
ما يمنع الضم ثم نال قدرا آخر يبلغ مع الأول نصابا كان حكمه حكم ما لو كان الأول لا من جهة
المعادن فيجب في الآخر حق المعدن على الأصح ولا يجب في الأول لكن ينعقد الحول عليه من
يوم تم النصاب للمستقبل إلا أن ينقص المبلغ عن النصاب باخراج حق المعدن والله أعلم *
قال (وللمسلم أن يزعج الذمي من معادن دار الاسلام ولكن ما ناله قبل الازعاج يملكه
ولا زكاة عليه الا إذا قلنا على وجه بعيدان مصرفه الفئ على قولنا واجبه الخمس فإذ ذاك
يؤخذ من الذمي) *
100

الذمي لا يمكن من احتفار معادن دار الاسلام والاخذ منها كما لا يمكن من الاحياء في دار
الاسلام لان الدار للمسلمين وهو دخيل فيها لكن ما أخذه قبل الازعاج يملكه كما لو استولى على
الحطب والحشيش وهل عليه حق المعدن ينبي على أن مصرف حق المعدن ماذا ولا شك أن مصرفه
مصرف الزكاة ان أوجبنا فيه ربع العشر وان أوجبنا فيه الخمس فطريقان حكاهما الشيخ أبو علي
وغيره (أحدهما) ان في مصرفه قولين (أحدهما) مصرفه مصرف خمس الفئ والغنيمة لأنه مال مخمس
مثلهما وبهذا قال أبو حنيفة (وأصحهما) ان مصرفه مصرف الزكوات لأنه حق وجب في مستفاد من الأرض
فأشبه حق الثمار والزروع (والثاني) وبه قال الأكثرون ان مصرفه مصرف الزكوات قولا واحدا
بخلاف الركاز لأنه مال جاهلي والظاهر أنه كان للكفار وكان شبيها بالفئ والمعادن بخلافه
وصاحب التلخيص قد ذكر الطريق الأول في باب زكاة المعدن في التلخيص والطريق الثاني في
باب بعده (فان قلنا) مصرفه مصرف الزكوات لم يؤخذ من الذمي شئ وان قلنا مصرف الفئ أخذ
الخمس وعلى هذا لا يشترط فيه النية وعلى الأول يشترط ولو كان المستخرج من المعدن المكاتب
101

فلا زكاة عليه فيما استخرجه كالذمي لكنه غير ممنوع عن الاخذ بخلاف الذمي ولو نال العبد من
المعدن شيئا فهو لسيده وعليه واجبه فان امره السيد بذلك ليكون النيل له فقد بناه صاحب الشامل
على القولين في أن العبد هل يملك ما ملكه السيد أم لا وحظ الزكاة من القولين وقد قدمناه ولو استخرج
اثنان من المعدن نصابا فوجوب الزكاة يبني على القولين في أن الخلطة هل تثبت في غير المواشي
(وقوله) في الكتاب وللمسلم ازعاج الذمي لك أن تبحث عنه وتقول أثبت الازعاج لكل مسلم أم
هو من اعمال الحاكم (والجواب) ان كلام الأئمة بالثاني أظهر اشعارا والأول منقدح أيضا فان
كل واحد منهم صاحب حق فيه فكان له ان يمنعه (وقوله) ولا زكاة عليه الا إذا قلنا الخ فيه استثناء
الخمس على قولنا ان مصرفه الفئ عن ففي الزكاة وذلك يستدعي كون الخمس زكاة لكن من
أوجب الخمس فلا يكاد يسميه زكاة ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر وذهب بعض أهل
ناحيتنا يعنى مالكا إلى أن في المعادن الزكاة وذهب غيرهم يعنى أبا حنيفة إلى أن فيها الخمس فلم يعد الخمس
زكاة (وقوله) على وجه بعيد عبر عن ذلك المذهب بالوجه والأكثرون سموه قولا وكأنه
مستخرج من مثله في الركاز فيجوز كل واحد من الاطلاقين (واعلم) أنا إذا فرعنا على ظاهر المذهب
وهو أن الحول لا يعتبر فوقت وجوب حق المعدن حصول النيل في يده ووقت الاخراج التخليص
102

والتنقية كما أن وجوب الزكاة في الزروع اشتداد الحب ووقت الاخراج التنقية فلو أخرج قبل
التمييز والتنقية عن التراب والحجر لم يجزه ويكون مضمونا على الساعي يلزمه رده فلو اختلفا في
قدره بعد التلف أو قبله فالقول قول الساعي مع يمينه ومؤنة التخليص والتنقية على المالك كمؤنة الحصاد
والدياس فلو تلف بعضه قبل التمييز فهو كتلف بعض المال قبل الامكان والله أعلم *
قال (الفصل الثاني في الركاز وفيه الخمس مصروفا إلى مصارف الصدقات (ح ز و) ولا يشترط الحول
ويشترط النصاب (م ح) وكونه من جوهر النقدين على الجديد) *
في الفصل مسائل (إحداها) قدر الواجب في الركاز الخمس لما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه
أنه صلى الله عليه وسلم قال (في الركاز الخمس) (1) (الثانية) في مصرفه قولان (أصحهما) وهو المذكور في
الكتاب أن مصرفه مصرف الزكوات لأنه حق واجب في المستفاد من الأرض فأشبه الواجب
في الزروع والثمار (والثاني) وبه قال المزني والوكيل البابشامي وأبو جعفر الترمذي رحمهم الله أنه
يصرف إلى أهل الخمس المذكورين في آية الفئ لأنه مال جاهلي حصل الظفر به من غير ايجاف
خيل ولا ركاب فكان كالفئ ومنهم من لا يطلق قولين بل يقطع للشافعي رضي الله عنه بالأول
وينقل الثاني وجها ضعيفا (الثالثة) لا يشترط الحول فيه لان الحول للاستنماء وهو نماء كله ولا يجئ
فيه الخلاف المذكور في المعدن لأنه يلحق مشقة في تحصيل التبر بل ثم يحتاج إلى الطبخ والمعالجة والركاز
بخلافه (الرابعة) هل يشترط فيه النصاب وهل يختص الوجوب بالذهب والفضة نص الشافعي رضي الله عنه
في مواضع على الاشتراط والاختصاص وقال في موضع: لو كنت انا الواجد لخمست
القليل والكثير والذهب والفضة وغيرهما واختلف الأصحاب رضي الله عنهم على طريقين (أظهرهما)
أن المسألتين على قولين (أظهرهما) وينسب إلى الجديد أنه يشترط النصاب ويختص بالنقدين (أما)
الأول فلظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (لا شئ في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا) (وأما) الثاني
فكما لو اكتسب لا من جهة الركاز (والثاني) وينسب إلى القديم أنه لا يشترط ولا اختصاص
103

لمطلق قوله صلى الله عليه وسلم (في الركاز الخمس) (1) ولأنه مال مخمس فأشبه الغنيمة (والطريق الثاني)
القطع بالقول الأول وحمل النص الثاني على الاحتياط للخروج من الخلاف كقوله في باب صلاة
المسافر أما أنا فلا أقصر في أقل من ثلاثة أيام وليس ذلك قولا آخر له في مسافة القصر (وقوله)
في الكتاب مصروفا إلى مصارف الصدقات معلم مع الواو بالزاي وبالحاء لان عنده أيضا يصرف
إلى مصارف الفئ وبالألف لان إحدى الروايتين عن أحمد مثله (وقوله) ويشترط النصاب معلم
بالحاء والألف والميم لان عند أبي حنيفة واحمد لا يشترط النصاب وهو أصح الروايتين عن مالك
وكذلك قوله وكونه من جوهر النقدين معلم بهذه العلامات لان قولهم فيه كقولهم في النصاب
ويجوز أن يعلم قوله على الجديد بالواو إشارة إلى الطريقة النافية للخلاف (وقوله) ويشترط النصاب
منقطع عما قبله لا مجال للخلاف المذكور في الحول وإنما قال من جوهر النقدين ليشمل الحلى والأواني *
(قال ويشترط كونه من ضرب الجاهلية فإن كان على ضرب الاسلام فلقطة وقيل مال
ضائع يحفظه الامام وان لم يكن عليه أثر كالأواني والحلي فهو ركاز على وجه ولقطة على وجه) *
104

فقه الفصل مسألتان (الأولى) لو كان الركاز الموجود على ضرب الاسلام بأن كان عليه شئ من القرآن
أو اسم ملك من ملوك الاسلام لم يملكه الواجد بالواجدان لان مال المسلم بالاستيلاء عليه
بل يجب رده إلى مالكه ان علم مالكه وان لم يعلم ففيه وجهان (قال) الجمهور هو لقطة كما لو وجده
على وجه الأرض وقضية ما ذكروه صريحا ودلالة أنه يعرف سنة ثم للواجد أن يملكه ان لم يظهر مالكه
على ما هو سبيل كل لقطة (وقال) الشيخ أبو علي هو مال ضائع يمسكه الآخذ للمالك ابدا أو يحفظه
الامام له في بيت المال ولا يملك بحال كما لو ألقت الربح ثوبا في حجره أو مات مورثه عن ودائع
وهو لا يعرف مالكها وإنما يملك بالتعريف ما ضاع عن المارة دون ما حصنه المالك بالدفن واتفق
العثور عليه بالاحتفار ونقل صاحب التهذيب قريبا من هذا الكلام عن القفال والمذهب الأول
قال الامام رحمه الله ولو انكشفت الأرض عن كنز بسيل جارف ونحوه فلا أدري ما قول الشيخ
فيه والمال البارز ضائع قال واللائق بقياسه الا يثبت حق التملك اعتبارا بأصل الوضع (الثانية) لو لم
يعرف أن الموجود من ضرب الجاهلية أو الاسلام بأن كان مما يضرب مثله في الجاهلية والاسلام
أو كان مما لا أثر عليه كالتبر والحلي والأواني فالمنقول عن نصه أنه ليس بركاز لأنه يحتمل أن
يكون مال مسلم فيغلب حكم الاسلام وفيه وجه أنه ركاز لان الموضع المدفون فيه يشهد له (فان
قلنا) بالأول فقضية كلام الجمهور في الصورة السابقة لا يخفي وأما الشيخ أبو علي فرأيت له في شرح
التلخيص مساعدة الجمهور في هذه الصورة فإنه قال يعرف سنة فإن لم يظهر مالكها فعل بها ما يفعل
بسائر اللقطات وذكر الامام أن الشيخ حكى في التملك في هذه الصورة وجهين لضعف أثر
الاسلام (وأعلم) أنا إذا قلنا أن الموجود في صورة التردد ركاز فلا يشترط كون الموجود على ضرب
الجاهلية بل الشرط الا يعلم كونه على ضرب الاسلام فاذن قوله في الكتاب ويشترط كونه
على ضرب الجاهلية إنما يكون مجرى على ظاهره إذا قلنا الموجود في صورة التردد ليس بركاز
(وقوله في المسألة الأولى وقيل مال ضائع يحفظه الامام يشعر بأنه لا يبقى في يد الواجد بل يأخذه
الامام ويحفظه وكلام الشيخ أبى على ما حكيته من قبل ينازع فيه ويقتضي تمكن الواجد من
105

الامساك له واطلاقه الوجهين في المسألة الثانية اتباع لما حكاه الامام فيها والأكثرون لم يطلقوا
الوجهين وإنما حكوا النص ووجها لبعض الأصحاب كما قدمناه وحكي صاحب الشامل عن نصه
أنه يخمس وهذا حكم بأنه ركاز فعلى هذا في المسألة قولان (وأعلم) انه يلزم من كون الركاز على
ضرب الاسلام كونه مدفونا في الاسلام ولا يلزم من كونه على ضرب الجاهلية كونه مدفونا في
الجاهلية لجواز أن يظفر بعض المسلمين بكنز جاهلي ويكنزه ثانيا على هيأته فيظفر به اليوم أحد
فالحكم مدار على كونه من دفن الجاهلية لا على كونه من ضرب الجاهلية *
قال (ويشترط ان يوجد في موضع مشترك كموات أو شارع وما يوجد في دار الحرب فغنيمة
أو فئ وما يجده في ملك نفسه الذي أحياه يملكه وعليه الخمس وهل يدخل في ملكه بمجرد
الاحياء فيه وجهان ولو اشتراه ثم وجد فيه ركازا يجب طلب المحيي فإنه أولى به) *
روى أن رجلا وجد كنزا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (ان وجدته في قرية مسكونة
أو طريق ميتاء فعرفه وان وجدته في خربة جاهلية أو قرية غير مسكونة ففيه وفى الركاز
الخمس) (1) الكنز بالصفة التي تقدم ذكرها اما أن يوجد في دار الاسلام أو في دار الحرب فان وجد
106

في دار الاسلام نظر ان وجد في موضع لم يعمره مسلم ولا ذو عهد فهو ركاز سواء كان مواتا أو كان
من القلاع العادية التي عمرت في الجاهلية لقوله في الحديث أو خربة جاهلية وان وجد في طريق
شارع فقد ذكر صاحب الكتاب أنه ركاز ولم يجزم الامام به هكذا ولكن أشار إلى خلاف فيه
والذي ذكره القفال والعراقيون أن ما يوجد فيه ليس بركاز وإنما هو لقطة والحديث الذي رويناه صريح فيه وما
يوجد في المسجد ذكر في التهذيب أنه لقطة كالموجود في الطريق وقياس المذكور في الكتاب أن يكون ركازا
وما عدا هذه المواضع ينقسم إلى مملوك وموقوف. والمملوك اما أن يكون له أو لغيره فإن كان لغيره ووجد فيه
كنز لم يملكه الواجد بل إن ادعاه مالكه فهو له بلا يمين كالأمتعة في الدار والا فهو لمن تلقى صاحب
الأرض منه وهكذا إلى أن ينتهي إلى الذي أحيا الأرض فيكون له وان لم يدعه لأنه بالاحياء
ملك ما في الأرض وبالبيع لم يزل ملكه عنه فإنه مدفون منقول فإن كان المحيى أو من تلقى الملك
عنه هالكا فورثته قائمون مقامه فان قال بعض ورثة من تلقى الملك عنه هو لمورثنا وأباه بعضهم سلم
نصيب المدعي ما إليه وسلك بالباقي ما ذكرنا هذا كله كلام الأئمة رحمهم الله صريحا وإشارة ومن
المصرحين بملك الركاز القفال ذكره في شرح التلخيص ورأي الامام تخريج ملك الكنز باحياء الأرض
على ما لو دخلت ظبية دارا بالاحياء فاغلق صاحبها الباب وفاقا لا على قصد ضبطها قال وفيه وجهان (أظهرهما) أنه
لا يملكها لعدم القصد ولكن يصير أولى بها كذلك المحيى يصير أولى بالكنز ثم قال إنه يملك الكنز
بالاحياء وزالت رقبة الأرض عن ملكه فلا بد من طلبه ورده إليه (وان قلنا) انه لا يملكه ولكن
يصير اولي به فلا يبعد ان يقال إذا زال ملكه عن رقبة الأرض بطل اختصاصه كما أن في مسألة
الظبية إذا قلنا أنه لا يملكها فلو فتح الباب وأفلتت يملكها من اصطادها إذا عرفت ذلك وأردت
التفريع فلك ان تقول (ان قلنا) المحيى لا يملكه بالاحياء فإذا دخل في ملكه أخرج الخمس (وان قلنا) يملكه
بالاحياء فإذا احتوت يده على الكنز نفسه وقد مضى سنون فلا بد من اخراج الخمس الذي لزمه
107

يوم ملكه وفيما مضي من السنين يبنى وجوب ربع العشر في الأخماس الأربعة على الخلاف في الضال
والمغصوب وفى الخمس كذلك ان قلنا لا تتعلق الزكاة بالعين (وان قلنا) تتعلق فعلى ما ذكرنا فيما إذا لم يملك
الا نصابا وتكرر الحول عليه والله أعلم * وأن كان الموضع للواجد نظر إن كان قد أحياه فالذي وجده
ركاز وعليه خمسه وفي وقت دخوله في ملكه ما سبق وقد حكي في الكتاب في هذه الحالة فيه وجهين
جريا على ما ذكره الامام وان انتقل إليه من غيره لم يحل له اخذه بل عليه عرضه على من يملكه
وهكذا حتى ينتهي الملك إلى المحي كما سبق وإن كان الموضع موقوفا فالكنز لمن في يده الأرض قاله
في التهذيب هذا إذا وجد في دار الاسلام وان وجد في دار الحرب فاما أن يوجد في موات أو غيره
فان وجد في موات نظر إن كانوا لا يذبون عنه فهو كموات دار الاسلام والموجود فيه ركاز وإن كان
وا يذبون عنه ذبهم عن العمران ففيه وجهان قال الشيخ أبو علي هو كما لو وجد في عمرانهم وقال
الأكثرون حكمه حكم مواتهم الذي لا يذبون عنه وعن أبي حنيفة أن ما يوجد في موات دار الحرب
فهو غنيمة لا ركاز حكاه في الشامل وان وجد في موضع مملوك لهم فينظران أخذ بقهر وقتال فهو
غنيمة كأخذ متاعهم من بيتهم ونقودهم من خزائنهم فيكون خمسه لأهل الخمس وأربعة أخماسه لمن
وجده وان أخذ من غير قهر وقتال فهو فئ ومستحقه أهل الفئ هكذا قاله في النهاية وهو محمول
على ما إذا دخل دار الحرب من غير أمان لأنه ان دخل بأمان لم يكن له أخذ كنزهم لا بقتال ولا بغير
قتال كما ليس له أن يخونهم في أمتعة بيوتهم وعليه الرد ان أخذه وقد نص على هذا الشيخ أبو علي
ثم في كونه فيئا اشكال لان لك أن تقول من دخل بغير أمان وأخذ مالهم من غير قتال فاما أن
يأخذه في خفية فيكون سارقا أو جهارا فيكون مختلسا وقد ذكر في الكتاب في السير أن ما يختلس
ويسرق منهم فهو خالص ملك المختلس والسارق ويشبه أن يكون الفئ هو أموالهم التي تحصل
في قبضة الامام من غير قتال كالجزية ونحوها دون ما يأخذه الآحاد وربما أيدت هذا الاشكال
بان كثيرا من الأئمة أطلقوا القول بكونه غنيمة منهم ابن الصباغ والصيدلاني وأعود بعد هذا إلى
نظم الكتاب فالقول (قوله) ويشترط ان يوجد في موضع مشترك كموات وشارع فيه كلامان (أحدهما)
انه قد يعنى بكون الموات مشتركا كونه بسبيل يتمكن كل واحد من احيائه وتملكه وبكون الشارع مشتركا
108

انه لكل أحد فيه حق الطروق ولا يحسن حمل الاشتراك في لفظ الكتاب عليهما لان كل واحد
من المعنيين يختص بأحد الموضعين وقد وصفهما جميعا بالاشتراك بلفظ واحد فالأحسن تفسيره بمعني
شامل كالانفكاك عن الملك ونحوه (والثاني) ان لمنازع ان ينازع في اشتراط الوجود في موضع
مشترك لأنه إذا أحيا أرضا وتملكها ثم وجد فيها كنزا كان ذلك ركازا وان لم يوجد في موضع مشترك
الا ان يقال المراد بالوجدان الدخول تحت اليد والتسلط عليه ثم قوله كموات يجوز أن يكون معلما
بالواو لأنه مطلق وقد حكينا وجها في موات دار الحرب الذي يذبون عنه وبالحاء أيضا لما سبق (وقوله)
وشارع بالواو لما ذكرنا من مصير الأكثرين إلى أنه لقطة (وقوله) وما يوجد في دار الحرب فغنيمة أو فئ
أي على اختلاف الحال في القهر وعدمه ثم هو محتاج إلى التأويل من وجهين (أحدهما) ان الموجود
في موات دار الحرب ليس كذلك فهو محمول على عمران دار الحرب (والثاني) انه لو دخل بأمان
فليس حكم المأخوذ ما ذكره فإذا هو محمول على ما إذا دخل بغير أمان (وقوله) ملكه وعليه الخمس
الأحسن ان يقرأ ملكه وعليه الخمس لا ملكه لان قولنا ملك يشعر بابتداء ثبوت الملك فيقتضى أن يكون ابتداؤه
عند الوجدان لكنه غير مجزوم به بل فيه الوجهان المذكور ان عقيب هذا الكلام (اما) الحكم بأنه ملكه
فهو مستمر على الوجهين جميعا (وقوله) يجب طلب المحيى معلم بالواو لما سبق (وقوله) فإنه أولى به يجوز
أن يكون جوابا على قولنا أنه لا يملكه بالاحياء المجرد ويجوز ان يحمل على غير ذلك والله أعلم *
قال (ولا خمس على الذمي لأنه ليس من أهل الزكاة) *
حكم الذمي في الركاز حكمه في المعدن فلا يمكن من اخذه في دار الاسلام وان وجده ملكه قال الامام
رحمه الله وفيه احتمال عندي في الركاز لأنه كالحاصل في قبضة المسلمين وهو في حكم مال ضل عنهم
وإذا حكمنا بالمشهور وهو انه يملكه ففي أخذ حق الركاز منه الخلاف السابق في المعدن وقد تعرض
له صاحب الكتاب هناك وقد اقتصر ههنا على ظاهر المذهب فاعلم قوله ولا خمس بالواو (واعلم) انه لو
قدم هذه المسألة على الفصل السابق على هذا أو أخرها عن الفصل التالي له لكان أليق لتنتظم المسائل
المتعلقة بمكان الركاز في سلك واحد ولا يدخل فيها ما ليس منها *
قال (وان تنازع البائع والمشترى والمعير والمستعير وقال كل واحد منهما أنا دفنت الركاز فالقول
قول صاحب اليد فلو قال المكرى بعد رجوع الدار إليه كنت دفنته قبل الإجارة فالقول قول
المستأجر على أحد الوجهين لأنهما توافقا على أنه كان في يده) *
109

إذا تنازع بائع الدار ومشتريها في الركاز الذي وجد فيها فقال المشترى هو لي وأنا دفنته
وقال البائع مثل ذلك أو قال ملكته بالاحياء أو تنازع المعير والمستعير أو المكترى
والمكري هكذا فالقول قول المشترى والمستعير والمكترى مع ايمانهم لان
اليد لهم فصار كما لو وقع النزاع في متاع الدار وهذا إذا احتمل أن يكون صاحب اليد صادقا فيما
يقوله ولو على بعد فاما إذا انتفى الاحتمال لان مثله لا يمكن دفنه في مدة يده فلا يصدق صاحب اليد
ولو فرض النزاع بين المكرى والمكترى أو المعير والمستعير بعد رجوع الدار إلى يد المالك
فان قال المكرى أو المعير أنا دفنته بعد ما رجعت الدار إلى يدي فالقول قوله بشرط الامكان
ولو قال دفنته قبل خروج الدار عن يدي ففيه وجهان للشيخ أبي محمد (أحدهما) ان القول
قوله أيضا لأنه صاحب الدار الآن (وأظهرهما) عند الامام أن القول قول المكترى
والمستعير لان المالك قد سلم له اليد وحصول الكنز في يده ويده تنسخ اليد السابقة
ولهذا لو تنازعا قبل الرجوع كان القول قوله (وقوله) في الكتاب فالقول قول صاحب اليد معلم
بالزاي لان الشيخ أبا على وآخرين نقلوا عن المزني أن القول قول المالك اتباعا لما في الأرض
(وقوله) فالقول قول المستأجر معلم به أيضا *
قال ((فرع) إذا وجد مائة درهم وفى ملكه نصاب من النقد تم عليه الحول وجب خمس
الركاز إذا كمل بغيره وإن كان ما في ملكه دون النصاب أو قبل تمام الحول ففي التكميل خلاف) *
هذا مفرع على اعتبار النصاب في الركاز والفرض انا وان اعتبرناه فلا نشترط أن يكون
الموجود نصابا بل يكمل ذلك بما يملكه من جنس النقد الموجود وفيه من التفصيل والخلاف ما سبق
في المعدن فلا حاجة إلى الإعادة وقد نص حجة الاسلام رحمه الله على حكاية الخلاف ههنا وجمع بين
ما إذا لم تجب الزكاة فيما عنده لعدم تمام الحول وما إذا لم تجب لعدم بلوغه نصابا وهناك اقتصر على
ظاهر المذهب والصورة الأولى *
110

قال (النوع السادس زكاة الفطر وتجب بغروب الشمس ليلة العيد في قول وبطلوع الفجر
يوم العيد في قول وبمجموع الوقتين في قول ثالث وعلى الثالث لو زال الملك في وسط الليل وعاد
في الليل ففي الفطرة وجهان وعلى الأول إذا ملك عبدا أو ولد له ولد بعد الغروب بلحظة أو مات قبل
الغروب بلحظة فلا زكاة) *
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان
على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر وعبد ذكر وأنثى من المسلمين) (1) وعن ابن
عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (فرض زكاه الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث
وطعمة للمساكين) (2) (واعلم) أن زكاة الفطر واجبه وقال بعض الناس انها غير واجبة وبه قال أبو الحسين بن
111

اللبان الفرضي من أصحابنا فيما رواه صاحب الشامل ولا فرق عندنا بين الواجب والفريضة * وقال
أبو حنيفة رحمه الله هي واجبة وليست بفريضة وفى وقت وجوبها ثلاثة أقوال (أصحها) وهو الجديد
وبه قال احمد أن وقته غروب الشمس ليلة العيد واحتجوا له بأنها مضافة إلى الفطر وقد قال ابن عمر رضي
الله عنهما زكاة الفطر من رمضان وحينئذ يكون الفطر من رمضان (والثاني) وهو القديم وبه قال أبو حنيفة رحمه
الله أن وقته طلوع الفجر يوم العيد لأنها قربة متعلقة بالعيد فلا يتقدم وقتها على العيد كالأضحية وعن مالك
روايتان كالقولين (والثالث) أنها تجب بمجموع الوقتين لتعلقها بالفطر والعيد جميعا قال الصيدلاني وهذا
القول خرجه صاحب التلخيص واستنكره الأصحاب (التفريع) لو نكح امرأة أو ملك عبدا أو أسلم عبده
الكافر أو ولد له ولد في ليلة العيد لم تجب فطرتهم على الجديد ولا على القول الثالث وتجب على القديم
ولو مات عبده أو ولده أو زوجته ليلة العيد أو بت طلاقها أو ارتد عبده لم تجب فطرتهم على القديم
ولا على القول الثالث وتجب على الجديد وكذا الحكم لو أسلم كافر قبل الغروب ومات بعده ولو
طرأت الأحوال المذكورة بعد الغروب وزالت قبل طلوع الفجر فلا فطرة على الأقوال كلها ولو زال
112

الملك عن العبد بعد الغروب وعاد قبل طلوع الفجر وجبت الفطرة على الجديد والقديم (وأما) على
القول الثالث ففيه وجهان حكاهما في النهاية وقال هما ملتفتان على أن الواهب هل يرجع فيما إذا زال
ملك المتهب عنه ثم عاد وله نظائر نذكرها في مواضعها ونشرح فيها الوجهان ولو باع بعد الغروب
عبده واستمر ملك المشتري فيه فالفطرة على الجديد على البائع وعلى القديم على المشترى وعلى الثالث
113

لا تجب على واحد منهما ولو مات مالك العبد ليلة العيد فالفطرة واجبة في تركته على الجديد وهي
على الوارث في القديم وعلى الثالث لا تجب أصلا وذكر في النهاية ان الشيخ أبا على حكي وجها في
وجوبها على الوارث تفريعا على القول الثالث بناء على القديم في أن حول الوارث يبنى على حول
المورث (وقوله) في الكتاب وعلى الأول إذا ملك إلى آخره ينبغي أن يعلم فيه أن نفى الزكاة في
114

صورة الموت ليس تفريعا على هذا القول خاصة بل هو لازم على الأقوال كلها ومواضع العلامات
عند ذكر الأقوال لا تخفى *
قال (والنظر في ثلاثة أطراف
الطرف الأول في المؤدى عنه وكل من وجبت نفقته تجب على
المنفق فطرته من الزوجة (ح) والمملوك والقريب) *
115

الكلام في زكاة الفطر في أنها متى تؤدى وعمن تؤدى ومن الذي يؤدى وما المؤدي وإلى
من تؤدى (أما) الأخير من هذه الأمور فموضعه كتاب قسم الصدقات (وأما الأول) فيحتاج فيه إلى معرفة
وقت الوجوب وقد فرغنا منه الآن ويجوز التقديم عليه على الضبط المذكور في مسائل التعجيل وأما
116

إذا لم يعجل فالمستحب الا يؤخر أداها عن صلاة العيد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (فرض
زكاة الفطر وأمر بها ان تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) (1) ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد لما
روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (اغنوهم عن الطلب في هذا اليوم) (2) فلو اخر عصى وقضى بقي ههنا النظر
117

في الأطراف الثلاثة الباقية (الأول) في المؤدى عنه (اعلم) أن الفطرة قد يؤديها الانسان عن نفسه وقد
يؤديها عنه غيره والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم (أدوا صدقه الفطر عمن تمونون) (1) والجهات التي
118

يصير بها الشخص في نفقة الغير ومؤنته ثلاث النكاح والملك والقرابة وكلها تقتضي لزوم الفطرة
أيضا في الجملة ثم القول في شرائط الوجوب ومواضع الاستثناء عن هذا الأصل سيظهر من بعد وليكن
قوله يجب على المنفق فطرته وكذا قوله من الزوجة معلمين بالحاء (اما) الثاني (فلان) عنده لا تجب فطرة
الزوجة على الزوج وإنما هي عليها وحكي ذلك عن اختيار ابن المنذر من أصحابنا (واما) (الأول) فلأمور
(منها) مسألة الزوجة (ومنها) ان عنده لا يجب على الولد فطرة الأب وان وجبت نفقته (ومنها) ان عنده لا تجب
119

على الجد فطرة ولد الولد * لنا ما روى عن ابن عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم امر (بصدقة
الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون) (1) *
120

قال (ولا تفارق الفطرة النفقة الا في سبع مسائل (إحداها) الابن تلزمه نفقة زوجة أبيه وفى
فطرتها وجهان (أصحهما) الوجوب (ح) *
يستثني عن قولنا من وجبت نفقته على المنفق فطرته مسائل (منها) ما هي مستثناة بلا
خلاف (ومنها) ما في استثنائها اختلاف قول أو وجه (فمنها) ان الابن تلزمه نفقة زوجة أبيه تفريعا على
121

الصحيح في وجوب الاعفاف وسيأتي شرح ذلك الخلاف وموضع الاعفاف في بابه إن شاء الله تعالى
وهل يلزمه فطرتها فيه وجهان (أصحهما) عند المصنف في طائفة أنها تلزم لأنها ممن يمونه الابن وصار
كالأب لما لزمته نفقته لزمه فطرته وعلى هذا فهذه الصورة غير مستثناة عن الأصل الممهد (والثاني)
وهو الأصح عند صاحبي التهذيب والعدة وغيرهما أنها لا تلزم لان الأصل في القيام بأمرها هو
122

الأب والابن متحمل عنه والفطرة غير لازمة على الأب بسبب الاعسار فلا يتحملها الابن
بخلاف النفقة فإنها لازمة مع الاعسار فيتحملها وأيضا فلان فقد النفقة يمكنها من الفسخ وإذا
فسخت احتاج الابن إلى تزويجه وفقد الفطرة بخلافه ويجرى الوجهان في فطرة مستولدته ولك
أن تعلم قوله يلزمه نفقة زوجه أبيه بالواو إذا قد عرفت أنه مبنى على وجوب الاعفاف وفيه خلاف
123

وبالحاء والزاي لان عندهما لا يجب الاعفاف ويجوز اعلام لفظ الوجوب من قوله الأصح الوجوب
بالحاء لان عنده لا تجب على الابن فطرة الوالد فما ظنك بفطرة زوجته *
قال (الثانية الابن الكبير الذي هو في نفقة أبيه إذا وجد قدر قوته ليلة العيد فلا فطرة
على أبيه لسقوط النفقة عنه ولا عليه لعجزه ولو كان صغيرا والمسألة بحالها ففيه خلاف (و) لان
حق الصغير آكد) *
124

غير الأصول والفروع من الأقارب كالاخوة والأعمام لا تجب فطرتهم كما لا تجب نفقتهم
(وأما) الأصول والفروع فإن كانوا موسرين فلا تجب نفقتهم وإن كانوا معسرين فكل من جمع منهم
إلى الاعسار الصغر أو الجنون أو الزمانة وجبت نفقته ومن تجرد في حقه الاعسار ففي نفقته قولان
ومنهم من قطع بالوجوب في حق الأصول وحكم الفطرة حكم النفقة وفاقا وخلافا إذا عرفت ذلك
فلو أن الولد الكبير كان في نفقة أبيه أما بمجرد الاعسار إن اكتفينا به أو مع الزمانة ان لم نكتف
125

به فوجد قدر قوته ليلة العيد ويومه فقد سقطت فطرته عن الأب لسقوط نفقته وكونها تابعة له
ولا تجب عليه لعجزه واعساره وإن كان الولد صغيرا والمسألة بحالها ففي سقوط الفطرة وجهان (قال)
الصيدلاني لا تسقط والفرق أن نفقة الكبير لا تثبت في الذمة بحال وإنما هي لكفاية الوقت ونفقة
الصغير قد ثبتت الا ترى أن للام أن تستقرض على الأب الغائب لنفقة الصغير فكانت نفقته آكد
فأشبهت نفقة الأب نفسه وفطرته فطرته (وقال) الشيخ أبو محمد تسقط كما تسقط النفقة وتردد فيما
126

ذكره من جواز الاستقراض وقال الأظهر منعه إلا إذا أذن السلطان ومثله يفرض في حق الكبير
أيضا وما ذكره الشيخ أظهر عند الامام وغيره (واعلم) أن مسألة الكبير جارية على الأصل الممهد وكذلك
مسألة الصغير على قول الشيخ أبى محمد وإنما الاستثناء على قول الصيدلاني *
قال (الثالثة الزوج إن كان معسرا لا تستقر فطرتها في ذمته وان استقرت النفقة ولا تجب
عليها فطرة نفسها وإن كانت موسرة نص عليه ونص في الأمة المزوجة من المعسر ان الفطرة تجب
على سيدها فقيل قولان بالنقل والتخريج وقيل الفرق أن سلطنة السيد آكد من سلطنة الحرة
127

ولو أخرجت الزوجة فطرة نفسها مع يسار الزوج دون إذنه لم يصح على أحد الوجهين لان
الزوج أصل لا متحمل) *
من أصول الباب الذي يحتاج إلى معرفته في هذه المسألة وغيرها أن الفطرة الواجبة على الغير
تلاقى المؤدى عنه ثم تتحمل عنه أم تجب على المؤدى ابتداء وفيه خلاف يعبر عنه تارة
بقولين مخرجين من معاني كلام الشافعي رضي الله عنه وتارة بوجهين (أحدهما) أن الوجوب يلاقى المؤدى
128

عنه ثم يتحمل عنه المؤدى لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي سبق (على كل حر وعبد
ذكر وأنثى من المسلمين) (والثاني) أنها تجب على المؤدى ابتداء لقوله صلى الله عليه وسلم (ليس على المسلم
في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر عنه) (1) قال القاضي الروياني وغيره ظاهر المذهب هو الأول
ثم الأكثرون منهم الشيخ أبو علي طردوا الخلاف في كل من يؤدى صدقة الفطر عن غيره من الزوج
والسيد والقريب قال الامام وذكر طوائف من المحققين أن هذا الخلاف في فطرة الزوج فأما فطرة
129

المملوك والقريب فتجب على المؤدى ابتداء بلا خلاف لان المملوك لا يقدر على شئ والقريب
المعسر لو لم يجد من يقوم بالانفاق عليه لا يلزمه شئ فكيف يقال بان الوجوب يلاقيه ثم حيث
فرض الخلاف وقلنا بالتحمل فهو كالضمان أو كالحوالة حكي أبو العباس الروياني في المسائل الجرجانيات
فيه قولين إذا تقرر ذلك ففي المسألة صورتان (إحداهما) الزوج المعسر لا تستقر الفطرة في ذمته وان
استقرت النفقة لان النفقة عوض والفطرة عبادة مشروطة باليسار ثم إن كانت موسرة فهل عليها فطرة
نفسها قال في المختصر لا أرخص له في تركها ولا يتبين لي أن أوجب عليها ونص فيه أيضا على أنه
130

لو زوج أمته من معسر تجب الفطرة على سيدها واختلف الأصحاب على طريقين (أصحهما) عند الشيخ
أبي علي وغيره أن المسألتين على قولين مبنيين على الأصل المذكور (ان قلنا) الوجوب يلاقى المؤدى
131

عنه أولا وجبت الفطرة على المرأة الحرة في الصورة الأولى وعلى سيد الأمة في الثانية (وان قلنا)
الوجوب على المؤدى ابتداء فلا يجب (والثاني) تقرير النصين وبه قال أبو إسحاق والفرق أن الحرة
132

بعقد النكاح تصير مسلمة إلى الزوج حتى لا يجوز لها المسافرة والامتناع من الزوج بعد أخذ المهر
والنفقة بحال والأمة بالتزويج غير مسلمة بالكلية بل هي في قبضة السيد الا ترى أن له أن يستخدمها
133

وأن يسافر بها وهذا معنى قوله في الكتاب سلطنة السيد آكد من سلطنة الحرة أي على نفسها
ثم التقريب من وجهين (أحدهما) أن الحرة لما كانت مسلمة بالكلية كانت كالأمة المسلمة إلى المشترى
134

بعقد الشراء فتنتقل الفطرة إليه والأمة لما كانت في قبضة السيد لم تكن الفطرة متحولة عنه وإنما
الزوج كالضامن لها فإذا لم يقدر على الأداء بقي الوجوب على السيد كما كان (والثاني) أن الأمة إذا
135

لم تكن واجبة التسليم كان السيد متبرعا بتسليمها فلا يسقط عنه بتبرعه ما كان يلزمه لولا التبرع ولو نشزت
المرأة وسقطت فطرتها عن الزوج لسقوط النفقة فقد قال الامام الوجه عندي القطع بايجاب الفطرة
136

عليها وان حكمنا بان الوجوب لا يلاقيها لأنها بالنشوز أخرجت نفسها عن امكان التحمل (فرعان)
(أحدهما) زوج الأمة إن كان موسرا فحكم فطرتها حكم نفقتها وسيظهر ذلك في موضعه إن شاء الله
تعالى (والثاني) ان خادمة الزوجة إن كانت مستأجرة لم يجب على الزوج فطرتها وإن كانت
من إمائه وجبت لأنها مملوكته وإن كانت من إماء الزوجة والزوج ينفق عليها ففطرتها واجبة عليه نظرا
137

إلى أنه يمونها نص عليه في المختصر وقال الامام الأصح عندي انها لا تجب لان نفقة الخادمة غير
مستقلة إذ يمكنه تحصيل الغرض بمتبرعة أو مستأجرة (الصورة الثانية) لو أخرجت الزوجة زكاة نفسها
مع يسار الزوج دون اذنه ففي اجزائه وجهان (ان قلنا) الزوج متحمل أجزأ والا فلا ويجرى الوجهان
فيما لو تكلف من فطرته على قريبه باستقراض وغيره وأخرج من غير اذنه والوجه الأول هو
138

المنصوص عليه في المختصر ولو أخرجت الزوجة أو القريب باذن من عليه جاز بلا خلاف بل
لو قال الرجل لغيره أد عنى فطرتي ففعل جاز كما لو قال أقض ديني ذكره في التهذيب (وقوله) في
الكتاب لان الزوج أصل لا متحمل ليس تعليلا لوجه المنع بشئ يساعد عليه بل الغرض منه
التنبيه على مبني الوجهين (واعلم) أن الصورة الثانية ليس لها كثير تعلق بالأصل المستثنى منه وإنما المتعلق
139

به الأولى فان الفطرة فارقت النفقة حيث لم تلزم الزوج المعسر والنفقة لازمة مستقرة *
قال (الرابعة البائنة الحامل تستحق الفطرة وقيل إذا قلنا إن النفقة للحمل فلا تستحق) *
تجب فطرة الرجعية كنفقتها (وأما) البائنة فإن كانت حائلا فلا نفقة ولا فطرة وإن كانت
حاملا ففي فطرتها طريقان (أحدهما) أنها تجب اتباعا للفطرة النفقة (الثاني) ان وجوبها مبنى على الخلاف
140

في أن النفقة للحمل أو للحامل (ان قلنا) بالثاني فيجب (وان قلنا) بالأول فلا لان فطرة الجنين لا تجب
وهذا الطريق الثاني هو الذي أورده الأكثرون وكلام صاحب الكتاب يشعر بترجيح الأول
وبه قال الامام والشيخ أبو علي قال الشيخ لأنها المستحقة سواء قلنا النفقة للحمل أو للحامل ولها
ان تأخذها وتنفقها على نفسها بلا خلاف وقولنا أنها للحمل على قول نعنى به انه سبب الوجوب
وذلك لا ينافي كونها المستحقة هذا إذا كانت الزوجة حرة فإن كانت أمة ففطرتها بالاتفاق ناظرة
إلى ذلك الخلاف (فان قلنا) النفقة للحمل فلا نفقة ولا فطرة لان الحمل لو كان ظاهرا لم يكن عليه ان
141

يمون ملك الغير (وان قلنا) للحامل وجبتا وسواء رجحنا الطريقة الأولى أو الثانية فالأصح استحقاق
الفطرة لان الأصح ان النفقة للحامل وعلى هذا فالمسألة غير مستثناة عن الأصل السابق (اما) إذا
قلنا النفقة واجبة للحمل فلا فطرة فالحمل شخص تجب نفقته ولا تجب فطرته فينتظم استثناؤه والله أعلم
قال (الخامسة لا فطرة على المسلم في عبده الكافر وتجب عليه في نصف العبد المشترك أو في
العبد الذي نصفه حر ولو جرت مهايأة فوقع الهلال في نوبة أحدهما ففي اختصاصه بالفطرة وجهان
لأنه خرج نادرا) *
142

في المسألة صورتان (إحداهما) لا يجب على المسلم فطرة عبده الكافر وبه قال مالك واحمد خلافا
لأبي حنيفة * لنا لتقييد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما حيث قال (من المسلمين) (1) وأيضا فان الفطرة
شرعت تطهير أو الكافر ليس أهلا للتطهير وحكم الزوجة الذمية والقريب الكافر حكم العبد الكافر فلا
تجب فطرتهم وان وجبت نفقتهم (الثانية) تجب فطرة لعبد المشترك على الشريكين وفطرة لعبد الذي
بعضه حر عليه وعلى السيد خلافا لأبي حنيفة رحمه الله حيث قال لا تجب ولمالك حيث قال في الصورة
143

الثانية في إحدى الروايتين تجب على السيد حصته ولا شئ على العبد والرواية الثانية مثل
مذهبنا * لنا ما سبق ان الفطرة تتبع النفقة وهي مشتركة فكذلك الفطرة ثم الوجوب عليهما إذا لم
تكن مهايأة فان جرت مهايأة بين الشريكين أو بين المالك والعبد فهل تختص الفطرة بمن وقع
زمان الوجوب في نوبته أم هي على الشركة يبنى ذلك على أن الفطرة من المؤن النادرة أو من المؤن
الدائرة وبتقدير أن تكون من النادرة فهل تدخل في المهايأة أم لا (أما) المقام الأول فقد حكى الامام
144

فيه وجهين (أحدهما) أنها من المؤن الدائرة لأنها معلومة القدر والوقت معدودة من وظائف السنة
(وأصحهما) ولم يذكر الجمهور غيره انها من المؤن النادرة لان يوم العيد لا يتعين في السنة لاختلاف
الأهلة وبتقدير التعين فالشئ الذي لا يتفق في السنة الا مرة نادر وأما الثاني ففيه وجهان مشهوران
(أظهرهما) أنها تدخل في المهايأة لان مقصود المهايأة التفاضل والتمايز فليختص كل واحد منهما بما
145

يتفق في نوبته من الغنم والغرم (والثاني) لا تدخل لان النوادر مجهولة ربما لا تخطر بالبال عند التهايؤ
فلا ضرورة إلى ادخالها فيه والوجهان جاريان في الأكساب النادرة كصيد يصطاده العبد الذي
ليس بصياد وكقبول هبة ووصية ونحوها (فان قلنا) بالأول فجميع الفطرة على من وقع الهلال في نوبته
(وان قلنا) بالثاني فهي مشتركة بحسب الملك أبدا ثم المعتبر في يساره أن يفضل الواجب سواء كان
146

تمام الصاع أو بعضه عن قوت يومه وليلته ان لم يكن بينهما مهايأة وإن كان بينهما مهايأة فعن القدر
الذي يلزمه من قوت نفسه لا من الكل * وليكن قوله في الكتاب وتجب عليه في نصف العبد المشترك
معلما بالحاء والميم لما ذكرناه ولو قال وتجب فطرة العبد المشترك بدل ما ذكرة لكان أحسن
ولا يستغنى عن التعرض للنصف (وقوله) فوقع الهلال جواب على أصح الأقوال وهو أن وقت الوجوب
147

الاستهلال (وقوله) لأنه خرج نادرا جواب على الأصح في عدها من النوادر وليكن معلما بالواو للوجه
السابق ولا يخفى حاجة الصورة الأولى إلى الاستثناء وأما الثانية فإنما يصح استثناؤها على قولنا ان
الفطرة لا تدخل في المهايأة لأنهما حينئذ يشتركان في الفطرة دون النفقة فتفارق الفطرة النفقة *
148

قال (السادسة العبد المرهون تجب فطرته على في المغضوب والضال والآبق طريقان (قيل)
تجب (وقيل) قولان كسائر الزكوات ولو انقطع خبر العبد الغائب نص على وجوب فطرته وعلى أن عتقه
لا يجزئ عن الكفارة وقيل قولان وقيل قولان في المسألتين لتقابل الأصلين وقيل بتقرير النصين ميلا
إلى الاحتياط فيهما) *
149

المدبر والمعلق عتقه بصفة وأم الولد كالقن في وجوب الفطرة وتجب فطرة العبد المرهون والجاني
والمستأجر لوجود الملك ووجوب النفقة قال الامام والمصنف في الوسيط هكذا أطلقوا القول في المرهون
ويحتمل أن يجرى فيه الخلاف المذكور في زكاة المال المرهون (واعلم) ان الخلاف في زكاة المال
المرهون لم نلفه الا في حكاية هذين الامامين والجمهور أطلقوا الوجوب ثم أيضا وأما المغصوب والضال ففي
150

فطرته طريقان (أحدهما) أنه على القولين في زكاة المال المغصوب وطرد ابن عبد ان على هذه
الطريقة الخلاف فيما إذا حيل بينه وبين زوجته عند الاستهلال (وأصحهما) القطع بالوجوب اتباعا
للفطرة النفقة ويخالف زكاة المال فان المالية معتبرة فيها وهي غير معتبرة ههنا ألا ترى انه تجب
فطرة الزوجة والقريب مع انتفاء المالية فلا تجب عند ضعفها كان أولى ولهذا وجبت في المستولدة (وأما)
151

العبد الغائب فان علم حياته وكان في طاعته وجبت فطرته وإن كان آبقا ففيه الطريقان في المغصوب
وللخلاف مأخذ آخر حكاه الامام وهو ان إباق العبد هل يسقط نفقته كنشوز الزوجة أم لا
وفيه خلاف فان أسقطها أسقط الفطرة أيضا وان لم يعلم حياته وانقطع خبره مع تواصل الرفاق
ففي فطرته طريقان (أحدهما) أنها تجب بلا خلاف وبه قال أبو إسحاق (والثاني) أنه على القولين وفى كيفيتهما
طريقان (أحدهما) أنهما قولان منصوصان وذلك أن المزني روى في المختصر أنه قال ويزكي عن عبيده
152

الحضور والغيب وان لم يرج رجعتهم إذا علم حياتهم قال وقال في موضع آخر وان لم يعلم حياتهم فشرط العلم
بالحياة في قول وأطلق الوجوب في قول علم أو لم يعلم (والثاني) وهو المذكور في الكتاب ان سبب خروج
القولين انه نص ههنا على لزوم الفطرة وفى الكفارة على أن اعتاق مثل هذا العبد لا يجزئ فنقل الجواب
من كل مسألة إلى الأخرى وجعلتا على قولين بالنقل والتخريج وجه وجوب الفطرة والاجزاء عن
الكفارة ان الأصل بقاؤه ووجه عدم وجوبها وعدم الاجزاء ان الأصل براءة ذمته عن واجب
153

الفطرة واستمرار شغلها بواجب الكفارة إلى يقين الاعتاق قال القاطعون بالوجوب (أما) منقول
المزني فلا اختلاف فيه الا انه أجاب في النص الأول في إحدى المسألتين دون الأخرى والاحتجاج
بالمفهوم ضعيف (وأما) فصل الكفارة فالنصان مقرران والفرق الاخذ بالاحتياط في الطرفين بتقديره
حيا بالإضافة إلى الفطرة وميتا بالإضافة إلى الكفارة ليأتي بيقين الاعتاق وكيفما قدر فالأظهر
154

وجوب الفطرة وعدم الاجزاء في الكفارة وإذا أوجبنا لفطرة في هذه الصورة فهل نوجب اخراجها
في الحال أم يجوز التأخير إلى عود العبد كما في زكاة المال في نظائرها المذهب الأول لان المهلة شرعت
ثم لمعني النماء وهو غير معتبر ههنا وروى ابن الصباغ عن الشيخ أبي حامد ان الشافعي رضي الله عنه نص في
الاملاء على قولين في ذلك قال وهذا بعيد لان امكان الأداء شرط الضمان في زكاة المال والمال الغائب
يتعذر الأداء منه وليس كذلك الفطرة هكذا ذكره لكن قال صاحب التهذيب لو دخل الوقت ومات
155

المودى عنه قبل امكان الأداء ففي سقوط الفطرة وجهان فألحقهما في أحد الوجهين بزكاة المال في
اعتبار الامكان وحكي الامام هذا الخلاف أيضا *
قال (السابعة نفقة زوجة العبد في كسبه وليس عليه فطرتها لأنه ليس أهلا لزكاة نفسه
فلا يتحمل عن غيره) *
156

العبد ينفق على زوجته من كسبه ولا يخرج الفطرة عنها حرة كانت أو أمة لأنه ليس أهلا لزكاة
نفسه فكيف يتحمل عن غيره (أما) النفقة فلابد منها وأقرب موضع يؤدى منه كسبه ثم إذا كانت
الزوجة حرة موسرة فهل عليها فطرة نفسها (منهم) من قال هو على القولين المذكورين فيما إذا كانت
تحت زوج معسر و (منهم) من قال عليها فطرتها بلا خلاف لان العبد ليس أهل للخطاب بالفطرة وإن
157

كانت أمة فهل على سيدها فطرتها فيه هذان الطريقان (والثاني) أظهر في الصورتين ولو ملك السيد
عبده شيئا وقلنا إنه بملكه لم يكن له إخراج فطرة زوجته عنه استقلالا لأنه ملك ضعيف ولو صرح
بالاذن في الصرف إلى هذه الجهة ففيه وجهان للشيخ أبى محمد (ان قلنا) له ذلك فليس للسيد الرجوع
عن الاذن بعد استهلال الهلال لان الاستحقاق إذا ثبت فلا مدفع له (خاتمة) قوله في أول المسائل
السبع ولا تفارق الفطرة النفقة الا في كذا لا شك أنه لم يعن به مطلق المفارقة لان مفارقتهما لا تنحصر
158

فيما استثناه بل هما مفترقان في القدر والوقت وأمور أخر لا تحصى كثرة وإنما عنى المفارقة في
ثبوت النفقة وانتفاء الفطرة لكن هذه المفارقة غير منحصرة أيضا فيما استثناه لمسائل (منها) إذا كان
للكافر عبد مسلم ففي فطرته وجهان سنذكرهما والنفقة واجبة (ومنها) إذا أوصى برقبة عبد لرجل
وبمنفعته لآخر قال ابن عبد ان فطرته على الموصى له بالرقبة بلا خلاف ونفقته عليه أو على الموصى له
بالمنفعة أو في بيت المال فيه ثلاثة أوجه فعلى غير الوجه الأول المسألة من مسائل المفارقة (ومنها) عبد
159

بيت المال والعبد الموفق غلي المسجد في فطرتهما وجهان حكيها عن البحر (الأظهر) وبه أجاب في التهذيب
أنها لا تجب والعبد الموقوف على رجل معين ذكر في العدة ان فطرته تبنى على الملك فيه (ان قلنا) ان الملك
للموقوف عليه فعليه فطرته (وان قلنا) لله تعالي فوجهان ونفى صاحب التهذيب في باب الوقف وجوب
فطرته على الأقوال كلها لأنه ليس فيه ملك محقق والأول أشهر ونفقة هؤلاء واجبة لا محالة *
160

قال (الطرف الثاني في صفات المؤدى وهي الاسلام والحرية واليسار فلا زكاة على كافر
الا في عبده (ح) المسلم على قولنا ان المؤدى عنه أصل والمؤدى متحمل عنه ولا زكاة على رقيق ولا مكاتب (و)
في نفسه وزوجته ولا يجب على السيد زكاة المكاتب لسقوط نفقته وقيل تجب عليه وقيل تجب في مال
المكاتب ومن نصفه حر وجب عليه نصف صاع) *
161

اعتبر في مؤدى الفطرة ثلاثة أمور (الأول) الاسلام فلا فطرة على كافر عن نفسه لأنه ليس
له أهلية التطهير ولا أهلية إقامة العبادات ولا عن غيره إلا إذا ملك الكافر عبدا مسلما أو كان
له قريب مسلم ففيه وجهان مبنيان على أن من يؤدى عنه الفطرة أصيل يتحمل عنه أو الوجوب على
المؤدى ابتداء (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله أنها لا تجب (والثاني) وبه قال احمد تجب ويتصور
162

ملك الكافر العبد المسلم بان يسلم العبد في يده أو يرثه أو يشتريه على قول صحة الشرى ويهل هلال شوال
قبل أن نزيل الملك عنه ومستولدته التي أسلمت فيها الوجهان (فان قلنا) بالوجوب فقد قال الامام لا صائر إلى
أن المتحمل عنه ينوى والكافر لا تصح منه النية وذلك يدل على استقلال الزكاة بمعنى المواساة
ولو أسلمت ذمية تحت ذمي واستهل الهلال في تخلف الزوج ثم أسلم قبل انقضاء العدة ففي وجوب
163

نفقتها مدة التخلف خلاف يأتي في موضعه فإن لم نوجبها لم نوجب الفطرة وان أوجبناها فالفطرة
على الخلاف المذكور في وجوب فطرة عبده المسلم (وقوله) في الكتاب الا في عبده المسلم ليكن معلما
بالحاء لما نقلناه عن مذهب أبي حنيفة ثم ظاهره يقتضي الجزم بنفي الوجوب في القريب المسلم وفى
مسألة اسلام الذمية لأنه حصر الاستثناء في العبد وكل ذلك على الخلاف نص عليه الشيخ أبو علي وغيره
164

(الثاني) الحرية وفيه صور (منها) لا يجب على الرقيق فطرة نفسه ولا فطرة زوجته لأنه لا يملك شيئا فان ملكه
السيد مالا فقد ذكرناه وان ملكه عبدا وقلنا أنه يملك سقطت فطرته عن السيد لزوال ملكه عنه
ولم تجب على المملك لضعف ملكه (ومنها) هل تجب على المكاتب فطرة نفسه (المشهور) أنها لا تجب
كمالا تجب عليه زكاة ماله لضعف ملكه (وقيل) إنها تجب عليه في كسبه كنفقته وبه قال احمد
وهذا الاختلاف على ما ذكره الامام قولان (الأول) منهما منصوص (والثاني) مخرج ذكره ابن سريج
165

وعلى ما رواه في التهذيب وجهان وأطلقهما الصيدلاني قولين من غير التعرض للنص والتخريج
والامر فيه سهل وإذا قلنا بالمشهور وهو أنه لا فطرة عليه فهل هي على سيده (الظاهر) أنها ليست
عليه لسقوط نفقته عنه ونزوله مع السيد منزلة الأجنبي الا ترى انه يبيع منه ويشترى (وروى) أبو ثور
عن القديم انها تجب على السيد لأنه عبد ما بقي عليه درهم وأنكر الشيخ أبو علي أن يكون هذا
قولا للشافعي رضي الله عنه وقال إنه مذهب أبي ثور نفسه والخلاف في أن المكاتب هل عليه
166

فطرة نفسه يجرى في أنه هل عليه فطرة زوجته وعبيده بلا فرق (واعلم) ان قوله في الكتاب ولا
زكاة على رقيق ولا مكاتب في نفسه وزوجته الكلام في الرقيق قد صار مذكورا مرة في المسألة
السابقة وإنما كرره لأنه احتاج إلى ادراجه في صور الاستثناء أولا والي التعرض له في صفات
المؤدى ثانيا (وقوله) وقيل تجب عليه أي على السيد وهو القول الذي حكاه أبو ثور (ومنها) حكم
167

المستولدة والمدبر حكم القن على ما سبق والكلام فيمن نصفه حر ذكره مرة وإنما اعاده
ههنا ليتبين ان الحرية التي اعتبرها ليست حرية الكل وإنما هي الحرية بحسب القدر المؤدى
من الفطرة *
168

قال (والمعسر لا زكاة عليه وهو الذي لا يفضل عن مسكنه وعبده الذي يحتاج إلى خدمته
ودست ثوب يلبسه صاع من الطعام فلو أيسر بعد الهلال لم يتجدد الوجوب بخلاف الكفارات) *
الأمر الثالث اليسار فالمعسر لا زكاة عليه وكل من لم يفضل عن قوته وقوت من في نفقته ليلة
169

العيد ويومه ما يخرجه في الفطرة فهو معسر ومن فضل عنه ما يخرجه في الفطرة من أي جنس
كان من المال فهو موسر ولم يصرح الشافعي رضي الله عنه وأكثر الأصحاب في ضبط
اليسار والاعسار الا بهذا القدر وزاد الامام فاعتبر في اليسار أن يكون قدر الصاع
فاضلا عن مسكنه وعبده الذي يحتاج إليه في خدمته وقال لا يحسب عليه في هذا الباب مالا
170

يحسب في الكفارة وتابعه المصنف فيما ذكره وأنت إذا فحصت عن كتب الأصحاب وجدت أكثرهم
ساكتين عن ذلك وقد يغلب على ظنك انه لا خلاف في المسألة والذي ذكره كالبيان والاستدراك
لما أهمله الأولون وربما استشهد عليه بأنهم لم يتعرضوا أيضا لدست ثوب يلبسه ولا شك في أنه مبقى
171

عليه فان الفطرة ليست بأشد من الدين وأنه مبقى عليه في الديون لكن الخلاف ثابت فان الشيخ
أبا على حكى وجها أن عبد الخدمة لا يباع في الفطرة كما لا يباع في الكفارة ثم أنكر عليه وقال لا يشترط
في صدقة الفطر أن يكون فاضلا عن كفايته بل المعتبر قوت يومه ويفارق الكفارة لان لها بدلا
172

ينتقل إليه فخفف الامر فيها ولا بدل للفطرة فمتى قدر عليه بوجه ما لزمه القضاء كقضاء الدين وذكر في
التهذيب أيضا ما يوجب اثبات وجهين في المسألة والأصح عنده الأول كما في الكتاب وقد احتج
له بقول الشافعي رضي الله عنه ان الابن الصغير إذا كان له عبد يحتاج إلى خدمته فعلى الأب ان
173

يخرج فطرته كما يخرج فطرة الابن ولولا أن العبد غير محسوب لسقط بسببه نفقة الابن أيضا ثم
ذكر الامام رحمه الله شيئين (أحدهما) ان كون المخرج فاضلا عن العبد والمسكن وان شرطناه
في ابتداء الثبوت فلا نشترطه في الدوام بل إذا ثبتت الفطرة في ذمة انسان بعنا عبده ومسكنه فيها لأنها
بعد الثبوت التحقت بالديون (والثاني) ان ديون الآدميين تمنع وجوب الفطرة وفاقا كما أن الحاجة إلى صرفه
174

إلى نفقة الأقارب تمنعه قال ولو ظن ظان ان دين الآدمي لا يمنعه على قول كما لا يمنع وجوب
الزكاة كان مبعدا هذا لفظه وفيه شئ آخر نذكره في أواخر صدقة الفطر إن شاء الله تعالى جده فعلى
هذا يشترط مع كون المخرج فاضلا عما سبق كونه فاضلا عن قدر ما عليه من الدين ولم يتعرض
175

له في الكتاب بل لم يتعرض لما اتفقت الكلمة على اعتباره وهو كونه فاضلا عن قوته وقوت من يمونه إلا أن
يقال إنه تعرض له على سبيل الإشارة فإنه إذا اعتبر كونه فاضلا عن العبد والمسكن فأولى أن يكون فاضلا عنه
(وقوله) صاع من الطعام لا يخفى انه غير معين وإنما المراد قدر صاع من أي جنس كان من المال * وقال أبو حنيفة
176

رحمه الله اليسار المعتبر في الباب أن يكون مالكا لنصاب زكوي ومالك واحمد وافقانا
على عدم اعتباره لان الحق المالي الذي لا يزيد بزيادة المال لا يعتبر فيه وجود النصاب كالكفارات
ثم اليسار إنما يعتبر وقت الوجوب فلو كان معسرا عنده ثم أيسر فلا شئ عليه لان وجود الشرط
177

بعد فوات الوقت لا يغنى ولو وجد بعض أسباب الكفارات من الشخص وهو عاجز عن جميع
خصالها ثم قدر فعليه أن يكفر لان الوجوب قد ثبت ثم والأداء موقوف على القدرة وفيه خلاف
يذكر في موضعه (وقوله) فلو أيسر بعد الهلال هذا التصوير مفرع على قولنا ان وقت الوجوب
الاستهلال وقد سبق له نظير (وقوله) لم يتجدد الوجوب فيه ضرب من التوسع إذ لم يكن في الابتداء
178

وجوب حتى يفرض تجدده أو عدم تجدده والمراد منه لم يثبت الوجوب وليكن معلما بالميم لان
القاضي الروياني وصاحب البيان رويا عن مالك انه إن أيسر يوم الفطر وجب عليه الفطرة (وقوله) بخلاف
الكفارات أي على ظاهر المذهب وهو ان الوجوب ثابت إذا قدر بعد العجز عن جميع الخصال وإلا فهما
متفقان في الحكم *
179

قال (ولو كان الفاضل نصف صاع وجب اخراجه على أحد الوجهين ولو كان الفاضل صاعا
ومعه زوجته وأقاربه أخرج عن نفسه على الأصح وقيل عن زوجته لان فطرتها دين والدين يمنع
وجوب الزكاة وقيل يتخير ان شاء أخرج عن واحد وان شاء وزع وقيل لا يجوز التوزيع ولكن
180

يخرج عمن شاء ولو كان الفاضل صاعا وله عبد اخرج عن نفسه وهل يلزمه بيع جزء من العبد في
زكاة نفس العبد فيه خلاف ولو فضل صاع عن زكاته ونفقته وله أقارب قدم من تقدم نفقته
فان استووا فيتخير أو يقسط فيه وجهان) *
181

في الفصل فروع (أحدها) لو فضل عمالا يحتسب عليه بعض صاع من نصف وثلث وغيرهما
فهل يلزمه اخراجه فيه وجهان مرويان عن أبي إسحاق (أحدهما) لا كما إذا لم يجد الا نصف رقبة لا يجب اعتاقه
في الكفارة وكذا لو لم يقدر الا على إطعام خمسة مساكين أو كسوتهم (وأصحهما) نعم محافظة على
182

الواجب بقدر الامكان ويخالف الكفارة من وجهين (أحدهما) ان الكفارة لا تتبعض والفطرة تتبعض
في الجملة ألا ترى انه لو ملك نصف عبد يلزمه نصف صاع (والثاني) ان الكفارة لها بدل والفطرة لا بدل
لها فصار كما لو جد ما يستر به بعض العورة يلزمه لتستر به حتى لو انتهي في الكفارة إلى المرتبة الأخيرة
183

وهي الاطعام ولم يجد الاطعام ثلاثين قال الامام يتعين عندي اطعامهم قطعا (الثاني) لو فضل صاع
وهو يحتاج إلى إخراج فطرة نفسه وله زوجة وأقارب ففيه وجوه (أصحها) انه يلزمه تقديم نفسه لقوله صلى الله
عليه وسلم " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " (والثاني) انه يلزمه تقديم زوجته لتأكد حقها وثبوته بالعوض
ولهذا تستقر نفقتها في الذمة بخلاف نفقة غيرها * واحتج في الكتاب لهذا الوجه بأن فطرتها دين والدين
184

يمنع وجوب هذا الزكاة (أما) كون الدين مانع لهذه الزكاة (فوجهه) ما سبق في الفصل الذي قبل هذا
(وأما) المقدمة الأولى فلصاحب الوجه الأول أن يقول إن ادعيت ان فطرتها دين والحالة هذه فهو
ممنوع بل عندي لا يلزم فطرتها إلا إذا فضل عن فطرة نفسه شئ وإن لم يتعرض لهذه الحالة فكما
ان فطرتها دين في الجملة ففطرة نفسه وأقاربه دين في الجملة فلم يمنع فطرتها وجوب فطرة غيرها
185

ولا ينعكس (والثالث) انه يتخير ان شاء اخرج عن نفسه وان شاء أخرج عن غيره لاستواء الكل
في الوجوب ويحتج لهذا الوجه بقوله في المختصر فإن لم يكن عنده بعد القوت لليوم إلا ما يؤدى عن بعضهم أدى
عن بعضهم أطلق الأداء عن البعض اطلاقا وهذا الوجه أرجح عند القاضي الروياني إذا قلنا به فلو أراد أن
يوزع الصاع هل له ذلك نقل في النهاية فيه وجهين (وجه) الجواز صيانة البعض عن الحرمان ووجه
186

المنع وهو الأصح نقصان المخرج عن قدر الواجب في حق الكل مع أنه لا ضرورة إليه والوجهان
على قولنا ان من لا يجد إلا بعض صاع يلزمه إخراجه فإن لم يلزمه لم يجز التوزيع جزما وأورد المسعودي
وجه التوزيع إيرادا يشعر بأنه يتعين ذلك محافظة على الجوانب والله أعلم (الثالث) لو فضل صاع
وله عبد صرفه إلى نفسه وينظر في العبد إن كان محتاجا إلى خدمته فهل عليه أن يبيع جزءا منه في فطرته
187

فيه وجهان موجهان بطريقين (أحدهما) توجيه الزام البيع بأنه مبيع في الدين فكذلك ههنا بخلاف
الكفارة فان لها بدلا وتوجيه الآخر بأن تكليفه إزالة الملك عته مع أنه محتاج إليه إضرار به وهذا
ما أورده في التهذيب (والثاني) توجيه الالزام بالقياس على سائر الأموال المبيعة في الفطرة وتوجيه
الآخر بأن الفاضل ينبغي أن يكون غير ما عنه يخرج وهذا ما أشار إليه الامام ويحسن أن يرتب فيقال
188

(ان قلنا) الفطرة يجب أن تفضل عن عبد الخدمة فلا يباع شئ منه (وإن قلنا) لا يجب ذلك فوجهان
للمأخذ الثاني وإن كان العبد مستغنى عنه جرى الخلاف بالنظر إلى المأخذ الثاني وإذا وقع السؤال
عن مطلق العبد حصل في الجواب ثلاثة أوجه وهكذا أورد الامام رحمه الله (ثالثها) الفرق بين
عبد الخدمة والعبد المستغني عنه وهو الأظهر وصور صاحب الكتاب المسألة في الوسيط فيما إذا
189

كان العبد مستغني عنه وربما أوهم ذلك تقييد الخلاف به ولا شك في أنه لا يتقيد إنما الكلام
في أنه هل يجزئ فيه الرابع لو فضل صاعان عن قدر الحاجة وفى نفقته جماعة فهل يقدم نفسه بواحد
أم يتخير فيه وجهان لا يخفى خروجهما مما سبق الأصح انه يقدم نفسه ثم في الصاع الثاني ينظر إن كان
من نفقته أقارب فيقدم منهم من يقدم في النفقة والقول في مراتبهم خلافا ووفاقا موضعه
190

كتاب النفقات فان استووا فيتخير أم يقسط فيه وجهان وتوجيههما ما سبق ويتأيد وجه التقسيط بالنفقة
فإنها توزع في مثل هذه الحالة ولم يتعرضوا للاقراع ههنا وله مجال في نظائره (وقوله) في الكتاب ولو
فضل صاع عن زكاته ونفقته أي ونفقة من في نفقته وأراد به ما إذا فضل صاعان على ما أوضحناه
لكن فرع في التصوير على الأصح وهو انه يقدم نفسه بصاع فان اجتمعت الزوجة مع الأقارب
191

ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) تقديم القريب لان علقته لا تنقطع وعلقة الزوجية؟ بعرض لها الانقطاع
ويحكى هذا عن ابن أبي هريرة رحمه الله (وأصحهما) تقديم الزوجة لان نفقتها آكد ألا ترى انها
لا تسقط بمضي الزمان (وثالثها) التخير وعلى الأصح فلو فضل صاع ثالث فاخراجه عن أقاربه على ما سبق
192

فيما إذا تمحضوا وظاهر المذهب من الخلاف الذي ذكرناه ومما أخرناه إلى النفقات انه يقدم نفسه ثم زوجته
ثم ولده الصغير ثم الأب ثم الام ثم ولده الكبير والله أعلم *
قال (الطرف الثالث في الواجب وهو صاع مما يقتات والصاع أربعة امداد والمد رطل
وثلث بالبغدادي) *
193

الواجب في الفطرة من كل جنس يخرجه صاع وبه قال مالك وأحمد خلافا لأبي حنيفة رحمهم
الله إذ قال يكفي من الحنطة نصف صاع وعنه في الزبيب روايتان * لنا ما روى عن أبي سعيد الخدري
رضي الله عنه قال " كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام
أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط فلا أزال أخرجه كما كنت
أخرجه ما عشت " 1 والصاع أربعة امداد والمد رطل وثلث فيكون الصاع بالأرطال خمسة وثلثا * وقال
194

أبو حنيفة رحمه الله الصاع ثمانية أرطال أربعة أمناء * لنا نقل أهل المدينة خلفا عن سلف ولمالك مع أبي
يوسف رحمهما الله فيه قصة مشهورة 1 وجملة الصاع بالوزن ستمائة درهم وثلاثة وتسعون درهما وثلث
درهم قال ابن الصباغ وغيره والأصل فيه الكيل وإنما قدره العلماء بالوزن استظهارا وقوله في الكتاب
195

مما يقتات غير مجرى على ظاهره لا في شمول الحكم لكل مقتات ولا في قصره عليه أما الأول
فلان الأقوات النادرة كالفث وحب الحنظل وغيرهما لا يجرى نص عليه وقد بين في الكتاب
ذلك بقوله من بعد والقوت ما يجب فيه العشر أي يعنى بالقوت ههنا ذلك وأما الثاني فلما سيأتي
في الاقط ويجوز اعلام قوله مما يقتات بالواو لما سيأتي *
196

قال (والقوت كل ما يجب فيه العشر وفى الاقط قولان للتردد في صحة حديث ورد فيه فان صح
فاللبن والجبن في معناه المخيض والسمن ثم لا يجزئ المسوس والمعيب ولا الدقيق فإنه بدل وقيل إنه
أصل) *
197

غرض الفصل الكلام في جنس المخرج والذي سبق كان في قدره وكل ما يجب فيه العشر فهو
صالح لاخراج الفطرة منه فمن أنواعه ما هو منصوص عليه في الخبر ومنها ما هو مقيس عليه وذكر
الموفق ابن طاهر ان صاحب الافصاح حكى عن القديم قولا انه لا يجزئ إخراج العدس والحمص في الفطرة
198

لأنهما ادامان والمذهب الأول وفى الاقط طريقان (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب انه على قولين
(أحدهما) انه لا يجوز اخراجه لأنه اما غير مقتات أو مقتات لا عشر فيه فأشبه الفث وما إذا
اقتاتوا ثمرة لا عشر فيها وبهذا قال أبو حنيفة إلا أن يخرجه بدلا بالقيمة (والثاني) وبه قال مالك
وأحمد رحمهما الله يجوز لحديث أبي سعيد وكلام الامام يقتضى ترجيح القول الأول وصغو
199

الأكثرين إلى ترجيح الثاني ويحكى ذلك عن القاضي أبى حامد وبه أجاب منصور التميمي في
المستعمل (والطريق الثاني) وبه قال أبو إسحاق القطع بالجواز وإنما علق القول فيه حين لم يصح الخبر
عنده فلما صح جزم به فان جوزنا فقد ذكر في الكتاب ان الجبن واللبن في معناه وهذا أظهر الوجهين
وفيه وجه ان الاخراج مهما لا يجزئ لان الخبر لم يرد بهما ويشبه أن يكون هذا الخلاف جاريا
200

في إخراج من قوته الاقط واللبن والجبن لما بينهما من التقارب كأنهما جنس واحد وفى اخراج من
قوته اللبن اللبن (أما) الأول فلان أصحابنا العراقيين حكوا عن القاضي أبى الطيب جواز اخراج اللبن مع
وجود الأقط لأنه يصلح للأقط وغيره وعن الشيخ أبى حامد انه لا يجزئ اللبن مع وجود الاقط
201

لأنه يصلح للادخار واللبن لا يصلح له ففرض الخلاف في حالة وجود الاقط يدل على ما ذكرناه: وأما الثاني
فلان صاحب التهذيب حكي في الذين قوتهم اللبن ان في اخراجهم اللبن وجهين على قولنا
يجوز اخراج الاقط واتفقوا على أن اخراج المخيض والمصل والسمن لا يجزئ لان الاقتيات إنما
يحصل عند اجتماع جزئي اللبن وهذه الأشياء لا تصلح للاقتيات حتى لو كان الجبن منزوع الزبد لم يكن
202

مجزئا أيضا ثم في الفصل مسألتان (إحداهما) لا يجزئ المسوس والمعيب من هذه الأجناس كما لا يجزئ
المعيب في سائر الزكوات وإذا جوزنا الاقط لم يجز إخراج المملح الذي أفسد كثرة الملح جوهره
لأنه معيب وإن لم يفسد جوهره لكن كان الملح ظاهرا عليه فالملح غير محسوب والشرط أن يخرج
قدر ما يكون محض الاقط منه صاعا ويجزئ الحب القديم وان قلت قيمته بسبب القدم إذا لم يتغير
203

طعمه ولونه (الثانية) لا يجزئ الدقيق ولا السويق ولا الخبز لان النص ورد بالحب (1) وانه يصلح
لما لا تصلح له هذه الأشياء فوجب اتباع مورد النص ولهذا منعنا إخراج القيمة وقال الأنماطي يجزئ
الدقيق قال ابن عبدان ويقتضي قوله إجزاء السويق وقياسه تجويز الخبز أيضا قال وهذا هو الصحيح
لان المقصود اشباع المساكين في هذا اليوم ولنتكلم فيما يتعلق بلفظ الكتاب خاصة (قوله) والقوت كل
204

ما يجب فيه العشر ليس المراد منه ان القوت هذا على الاطلاق فان لفظ القوت يقع على غيره
ألا ترى أن الشافعي رضي الله عنه سمي الفث قوتا وإن لم يجب فيه العشر وإنما المراد منه ان لفظ
القوت إذا استعملناه في هذا الباب عنينا به ما يجب فيه العشر ثم نظم الكتاب يقتضى حصر
الاجزاء فيما يجب فيه العشر لأنه قال الواجب صاع مما يقتات ثم قال والقوت ما يجب فيه العشر
205

وإنما يثبت الحصر إذا لم يحكم باجزاء الاقط وهو الأظهر عند الامام فلعل حجة الاسلام رحمه
الله نحى نحوه لكن صغو الأكثرين إلى أجزائه كما بيناه (وقوله) وفى الاقط قولان معلم بالواو للطريقة
المعزية إلى أبي إسحاق (وقوله) للتردد في صحة حديث ورد فيه أراد به ما ذكره الامام انه روى
206

في بعض الروايات " أو صاعا من أقط " وليست هذه الرواية على الحد المرتضى عند الشافعي رضي الله عنه
وليست على حد التزييف عنده فتردد لذلك قوله (وقوله) فان صح فاللبن والجبن في معناه (1) أي في ثبوت
حكم الاجزاء وإلا فمطلق كونه في معناه غير مشروطه بالصحة بل إن صح فيشتركان في الاجزاء وان
207

لم يصح ففي عدم الاجزاء ثم هو معلم بالواو لما سبق (وقوله) ولا الدقيق بالحاء والألف وكذا قوله بأنه بدل فان
عندهما هو مجزئ وهو أصل وأشار بقوله فإنه بدل إلى أن الابدال غير مجزئة في الزكاة على أصلنا وهذا من
جملتها لأنه غير المنصوص عليه (وقوله) وقيل إنه أصل هو الذي حكيناه عن الأنماطي ونقل الامام الخلاف
في الدقيق قولين عن رواية العراقيين وذكر انه مأخوذ من الاقط المضاف إلى اللبن *
208

قال (ثم يتعين من الأقوات القوت الغالب يوم الفطر في قول وجنس قوته على الخصوص في
قول وقيل يتخير في الأقوات وإذا تعين فلو أبدل بالأشرف جاز كابدال الشعير بالبر ولو كان
اللائق بحاله الشعير فأكل البر أو بالعكس جاز أخذ ما يليق بحاله ولو اختلف قوت مالكي عبد
209

واحد لم يكن باختلاف النوعين باس وقيل يجب على صاحب الأردأ موافقة صاحب الأشرف حذرا
من التنويع) *
هل يتخير مخرج الفطرة بين الأجناس المجزئة قال العراقيون والشيخ أبو علي فيه وجهان وقال
210

المسعودي وطائفة قولان (أحدهما) انه يتخير لظاهر قوله في الخبر " صاعا من تمر أو صاعا من شعير "
وبهذا قال أبو حنيفة رحمه الله وهو الأصح عند القاضي الطبري فيما حكى القاضي الروياني (وأصحهما)
عند الجمهور انه لا يتخير وكلمة أو محمولة على بيان الأنواع كما في قوله تعالي (ان يقتلوا أو يصلبوا
211

أو تقطع) فإنه ليس للتخير وإنما هو لبيان أنواع العقوبة المختلفة بحسب اختلاف الجريمة وعلى هذا
فوجهان (أصحهما) وبه قال ابن سريج وأبو إسحاق ان المعتبر غالب قوت البلد فإن كان بالحجاز
أخرج التمر وإن كان ببلاد العراق أو خراسان فالحنطة وإن كان بطبرستان أو جيلان فالارز
212

ووجهه قوله صلى الله عليه وسلم " اغنوهم عن الطلب في هذا اليوم " ولو صرف إليه غير القوت الغالب
لما كان مغنى عن الطلب فان الظاهر أنه يطلب القوت الغالب في البلد وبهذا قال مالك (والوجه الثاني)
وبه قال أبو عبيد بن حربويه ان المعتبر قوته على الخصوص كما أن في الزكاة يعتبر نوع ماله لا الغالب
213

قال ابن عبدان وهذا هو الصحيح عندي ويتعلق بهذا الاختلاف فروع (أحدها) إذا تعين جنس أما لكونه
غالب قوت البلد أو لكونه غالب قوته فليس المراد منه انه لا يجوز العدول عنه بحال بل المراد انه لا يجوز
العدول إلى ما هو أدني منه اما لو عدل إلى الاعلي فهو جائز بالاتفاق فان قيل إذا عينا جنسا فهلا امتنع
214

العدول إلى غيره وإن كان أعلا كما أن الفضة لما تعينت في الفضة امتنع العدول إلى الذهب وكذلك يمتنع العدول
من الغنم إلى الإبل فيجوز أن يقال في الجواب الزكوات المالية متعلقة بالمال فأمر بأن يواسي الفقير مما
واساه الله تعالى والفطرة زكاة البدن فوقع النظر فيها إلى ما هو غذاء البدن وبه قوامه والأقوات متشاركة
215

في هذا الغرض وتعيين شئ منها رفق وترفيه فإذا عدل إلى الاعلى كان في غرض هذه الزكاة كما
لو أخرج كرائم ماشيته وفيما يعتبر به الأدنى والأعلى وجهان (أحدهما) ان النظر إلى القيمة لأنه ما كان
216

أكثر قيمة كان أرفق بالمساكين وأشق على المالك وبهذا قال احمد فيما حكاه القاضي الروياني
(وأظهرهما) ان النظر إلى زيادة صلاحية الاقتيات فعلى الأول يختلف الحال باختلاف البلاد والأوقات
إلا أن يعتبر زيادة القيمة في الأكثر وعلى الثاني البر خير من التمر والأرز ورجح في التهذيب الشعير
أيضا على التمر وعن الشيخ أبي محمد رحمه الله أن التمر خير منه وله في الزبيب والشعير وفى التمر والزبيب
217

تردد قال الامام والأشبه تقديم التمر على الزبيب (الثاني) إذا قلنا المعتبر قوت كل شخص بنفسه
وكان يليق بحاله البر وهو يقتات الشعير بخلا لزمه البر ولو كان يليق بحاله الشعير لكنه كان يتنعم
باقيات البر فهل يجزئه الشعير فيه وجهان (أحدها) لا نظرا إلى اعادته (وأصحهما) نعم نظرا إلى اللائق
بأمثاله ويشبه أن يرجع هذا الخلاف إلى اختلاف عبارتين للأصحاب في حكاية وجه ابن حربوبه فحكي
218

بعضهم أن المعتبر قوت الشخص في نفسه وحكى آخرون أن المعتبر القوت اللائق بأمثاله
فعلى الثانية يجزئ الشعير وعلى الأول لا يجزئ (والثانية) هي التي أوردها الصيدلاني
وجمع صاحب التهذيب بينهما ورجح الثانية (الثالث) قد يخرج الواحد الفطرة عن شخصين
من جنسين فيجزئه كما إذا اخرج عن أحد عبديه أو قريبيه من غالب قوت البلد إن اعتبرناه أو من
219

غالب قوته ان اعتبرناه وعن الآخر من جنس أعلا منه وكذا لو ملك نصفين من عبدين فأخرج
نصف صاع عن أحد النصفين من الواجب ونصفا عن الثاني من جنس أعلى منه وإذا خيرنا بين
الأجناس فله اخراجها من جنس بكل حال ولا يجوز أن يخرج الواحد عن الواحد الفطرة من جنسين
220

وإن كان أحدهما أعلى من الواجب كما إذا وجب الشعير فأخرج نصف صاع منه ونصفا من الحنطة
ورأيت لبعض المتأخرين تجويزه وبه قال أبو حنيفة * لنا ظاهر الحديث " فرض النبي صلى الله عليه
221

وسلم صاعا من شعير أو صاعا من تمر " وإذا بعض لم يخرج صاعا من تمر ولا صاعا من شعير وأيضا فإنها واجب
واحد فلا يجوز تبعيضه كمالا يجوز في كفارة اليمين ان يطعم خمسة ويكسو خمسة ولو ملك رجلان عبدا فان
222

خيرنا بين الأجناس أخرجا ما شاء بشرط اتحاد الجنس وان أوجبنا غالب قوت البلد وكانا في بلد
واحد أخرجا بحسب الملك صاعا منه هكذا أطلقوه وهو محمول على ما إذا كان العبد عندهما أيضا
لأنه إذا كان غائبا وجب النظر في أن الفطرة تجب على السيد ابتداء أم هو متحمل لما سنرويه عن الشيخ
أبى على ولان صاحب التهذيب حكي انه لو كان له عبد غائب وقوت بلده يخالف قوت بلد العبد
223

فالواجب قوت بلده أو قوت بلد العبد يخرج على الأصل المذكور وإن كان السيدان في بلدين مختلفي
القوت واعتبرنا قوت الشخص بنفسه واختلف قوتهما ففيه وجهان (أظهرهما) وبه قال أبو إسحاق
وابن الحداد انه يجوز أن يخرج كل واحد منهما قدر ما يلزمه من قوته أو قوت بلده لأنهما إذا أخرجا
هكذا أخرج كل واحد منهما جميع ما لزمه من جنس واحد وشبه ذلك بما إذا قتل ثلاثة من المحرمين
224

ظبية فذبح أحدهم ثلاث شياه وأطعم الثاني بقيمة ثلاث شياه وصام الثالث عدل ذلك يجزئهم (والثاني) وبه
قال ابن سريج لا يجوز ذلك لان المخرج عنه واحد فلا يتبعض واجبه وعلى هذا فوجهان (أحدهما) وهو الذي
أورده الامام والمصنف ان على صاحب الأردأ موافقة صاحب الأشرف احترازا من التفريق ومحافظة
على جانب المساكين (والثاني) ان صاحب الأشرف ينزل ويوافق صاحب الأردأ دفعا للضرر عنه وهذا
225

حكاه القاضي الروياني وغيره عن ابن سريج قال الشيخ أبو علي الوجهان عندي في الأصل مخرجان
على أن فطرة العبد تجب على السيد ابتداء أو هو متحمل (ان قلنا) بالأول جاز التبعيض (وان قلنا) بالثاني
فلا لان العبد واحد لا يلزمه الفطرة من جنسين والشئ لا يتحمل ضمانا الا كما وجب * ذكر الشيخ هذا
فيما إذا اعتبرنا قوت الشخص في نفسه واختلف قوتهما ولقائس أن يخرج الوجهين إذا اعتبرنا
قوت البلد وكانا مختلفي القوت على هذا الأصل أيضا ثم إن كان العبد في بلد أحدهما
226

فعلى التقدير الثاني يلزمهما صاع من قوت ذلك البلد وإن كانا في بلد ثالث يلزمهما صاع من قوت
ذلك البلد الثالث وهذا وجه قد رواه صاحب الشامل وآخرون مرسلا قالوا يخرجان صاعا من قوت
بلد العبد ولو كان الأب في نفقة ولدين فالقول في إخراجهما الفطرة منه كالقول في السيدين وكذا من
نصفه حر ونصفه رقيق إذا أوجبنا عليه نصف الفطرة على التفصيل الذي سبق فيه فعند ابن الحداد
227

يجوز أن يخرجا من جنسين وعند ابن سريج لا يجوز (الرابع) ان أوجبنا غالب قوت البلد وكانوا
يقتاتون أصنافا مختلفة وليس بعضها أغلب من بعض فله أن يخرج ما شاء والأفضل أن يخرج من
الأشرف * ونعود بعد هذا إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (أما) قوله ثم يتعين من الأقوات القوت الغالب
معلم بالحاء (وقوله) وجنس قوته بالحاء والميم (وقوله) يتخير بالميم لما رويناه ويجوز اعلامها جميعا بالألف
228

وكذا اعلام قوله قبل هذا الفصل مما يقتات لان ابن الصباغ روى عن أحمد انه لا يجوز أن يخرج
الا من الأجناس الخمسة المنصوص عليها أي في حديث أبي سعيد (وقوله) القوت الغالب يوم الفطر
التقييد بيوم الفطر لم أظفر به في كلام غيره وبين لفظه ههنا ولفظه في الوسيط بعض المباينة لأنه
قال فيه المعتبر غالب قوت البلد في وقت وجوب الفطرة لا في جميع السنة (وقوله) وجنس قوته على
229

الخصوص ظاهره يشعر بالعبارة الأولى من العبارتين الحاكيتين لوجود ابن حربويه وتسمية الأول
والثاني قولين لا تكاد يوجد لغيره وإنما حكاهما الجمهور وجهين (وأما) قوله وقيل يتخير فمنهم من حكاه قولا
على ما سبق (وقوله) ولو كان اللائق بحالة الشعير يتفرع على اعتبار قوت الشخص دون اعتبار القوت الغالب
وإن كان معطوفا على ما يتفرع عليهما جميعا (وقوله) أخذ مما يليق بحاله يجوز إعلامه بالواو لاحد الوجهين
230

في الصورة الأولى انه يتعين إخراج البر (وقوله) ولو اختلف قوت مالكي عبد تفريع للمسألة على اعتبار قوت
الشخص وهو صحيح لكنها لا تختص بل تتفرع على أن المعتبر غالب قوت البلد أيضا على الوجه
الذي تقدم واطلاق النوع في المسألة توسع والمراد الجنس *
{خاتمة} في باب الفطرة مسائل ذات وقع منصوص عليها في المختصر أهملها المصنف ونحن
231

لم نؤثر الاعراض عنها (إحداها) إذا باع عبدا بشرط الخيار فوقع وقت الوجوب في زمان
الخيار (إن قلنا) الملك في زمان الخيار للبائع فعليه فطرته وان أمضى البيع (وان قلنا)
للمشترى فعليه فطرته وان فسخ البيع وان توقفنا فان تم البيع فعلى المشترى والا فعلى البائع
وان تبايعا ووقع وقت الوجوب في مجلس الخيار كان كما لو وقع في زمان الخيار المشروط
232

(الثانية) لو مات عن رقيق ثم أهل شوال فإن لم يكن عليه دين أخرج ورثته الفطرة عن الرقيق كل
بقدر حصته وإن كان عليه دين يستغرق التركة فالذي نقله المزني ان عليهم الفطرة من غير فرق
بين أن يباع في الدين أو لا يباع وعن الربيع عن الشافعي رضي الله عنه ان عليهم اخراج الفطرة ان
بقي الرقيق لهم فجعلوا المسألة على قولين إذا بيع في الدين * وجه الوجوب انه ملكهم الا انه غير مستقر
وذلك لا يمنع وجوب الفطرة فإنها تجب مع انتفاء الملك أصلا ورأسا فأولى أن تجب مع ضعف
233

الملك ووجه المنع ان ايجاب الفطرة مع نقصان الملك وكونه بعرض الزوال اجحاف بهم وبنى
الأكثرون المسألة أولا على أصل وهو أن الدين هل يمنع انتفاء الملك في التركة إلى الورثة فظاهر
المذهب. وهو نصه ههنا انه لا يمنع لأنه ليس فيه أكثر من تعلق الدين به وذلك لا يمنع الملك كما
234

في المرهون والعبد الجاني وقال الإصطخري يمنع وربما جعل هذا قولا ضعيفا للشافعي رضي الله عنه ووجهه
ان لله تعالى جده قدم الدين على الميراث حيث قال (من بعد وصية يوصي بها أو دين) فان قلنا بالأول فعليهم
فطرته بيع في الدين أو لم يبع وفهمت من كلام الامام أنه يجئ فيه الخلاف المذكور في المرهون والمغصوب
235

(وان قلنا) بالثاني فان بيع في الدين فلا شئ عليهم وإلا فعليهم الفطرة وفى الشامل حكاية وجه مطلق انه لا شئ
عليهم ويشبه أن يكون مأخذهما ما حكاه الامام ان أكثر المفرعين على المذهب المنسوب إلى الإصطخري
236

يقولون بالتوقف أن صرف العبد إلى الدين بان انهم لم يملكوها وان أبرأ أصحاب الديون أو قضاها
الورثة من غير التركة بان انهم ملكوها وان بعضهم قال بثبوت الملك للورثة عند زوال الديون ابتداء
من غير اسناد وتبين وعن القاضي أبى الطيب ان فطرته تجب في تركة السيد على أحد القولين كالعبد
237

الموصي بخدمته هذا إذا مات السيد قبل استهلال الهلال وإن مات بعده ففطرة العبد واجبة عليه
كفطرة نفسه وتقدم على الوصايا والميراث وفى تقديمها على الديون طريقان (أظهرهما) انه على ثلاثة أقوال
على ما قدمناها في زكاة المال (والثاني) القطع بتقديم الفطرة لأنها متعلقة بالعبد واجبة بسببه فصار كأرش جنايته
(وأما) فطرة نفسه فهي على الأقوال وحكى القاضي الروياني طريقة أخرى قاطعة بتقديم فطرة نفسه أيضا لقلتها
238

في الغالب وسواء أثبتنا الخلاف أم لا فالمنصوص عليه في المختصر تقديم الفطرة على الدين وذلك أنه قال ولو
مات بعد ما أهل شوال وله رقيق فزكاة الفطر عنه وعنهم في ماله مبداة على الديون ولك أن تحتج بهذا النص
على خلاف ما قاله الامام وتابعه المصنف لان سياقه يفهم أن المراد ما إذا طرأت الفطرة على الدين الواجب
وإذا كان كذلك لم يكن الدين مانعا منها وبتقدير الا يكون هو المراد لكن اللفظ مطلق يشمل
ما إذا طرأت الفطرة على الدين وبالعكس فاقتضى ذلك ألا يكون الدين مانعا (الثالثة) أوصى لانسان
239

بعبد ومات الموصي بعد مضى وقت الوجوب فالفطرة في تركته وان مات قبله وقبل الموصى له
الوصية قبل الهلال فالفطرة عليه وان لم يقبل حتى دخل وقت الوجوب فعلى من الفطرة يبني على
أن الموصى له متى يملك الوصية (ان قلنا) يملكها بموت الوصي فان قبل فعليه الفطرة بلا شك وان
رد ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو علي (أصحهما) الوجوب لأنه كان مالكا للعبد إلى أن رد (والثاني)
لا لعدم استقرار ملكه (وان قلنا) انها تملك بالقبول فيبنى على أن الملك قبل القبول لمن يكون
240

وفيه وجهان (أصحهما) انه للورثة فعلى هذا ففي الفطرة وجهان (أصحهما) انها عليهم
(والثاني) لا لأنا تبينا بالقبول ان ملكهم لم يستقر عليه (والوجه الثاني) انه باق على ملك الميت
241

فعلى هذا لا تجب فطرته على أحد لان إيجابها على الميت ابتداء بعيد وغيره غير مالك وفى التهذيب
حكاية وجه آخر انها تجب في تركته (وان قلنا) بالتوقف فان قبل فعليه الفطرة والا فعلى الورثة هذا
242

كله إذا قبل الموصى له ولو مات قبل القبول وبعد وقت الوجوب فقبول وارثه يقوم مقام قبوله
والملك يقع له فحيث أوجبنا عليه الفطرة لو قبلها بنفسه فهي في تركته إذا قبل وارثه فإن لم يكن له
243

سوى العبد تركة ففي بيع جزء منه للفطرة ما سبق ولو مات قبل وقت الوجوب أو معه فالصدقة
على الورثة إذا قبلوا لان وقت الوجوب كان في ملك الورثة والله أعلم (واعلم) أن حجة الاسلام رحمه
244

الله وان أهمل هذه المسألة الثالثة في هذا الموضع الا انه أشار إليها إشارة خفيفة في آخر الباب الأول
245

من كتاب الوصايا وفقهها على الاختصار ما أتيت به *
246

[كتاب الصيام]
قال {والنظر في الصوم والفطر (أما) الصوم فالنظر في سببه وركنه وشرطه وسننه (أما سببه) فرؤية
الهلال ويثبت بشهادة عدلين وإن كانت السماء مصحية ويثبت بشهادة واحد على قول احتياطا للعبادة
بخلاف هلال شوال ويثبت لمن تقبل روايته على قول سلوكا به مسلك الاخبار فان صمنا بقول واحد ولم نر
هلال شوال بعد ثلاثين لم نفطر بقوله السابق وقيل نفطر لان الأخير يثبت ضمنا لثبوت الأول
لا قصدا بالشهادة عليه}
247

قال الله تعالى (كتب عليكم الصيام) الآيات وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بني الاسلام
على خمس " الحديث (1) وذكر للاعرابي الذي سأله عن الاسلام " صوم شهر رمضان فقال هل على غيره
فقال لا إلا أن تتطوع (2) " (وقوله) في صدر الكتاب والنظر في الصوم والفطر لم يعن به مطلق الصوم والفطر
وإنما عنى به صوم رمضان والفطر الواقع فيه ألا ترى أنه قال في آخر الكتاب اما صوم التطوع
248

فكذا أشار إلى أن ما سبق كلام في الصوم المفروض وأيضا فإنه قال والنظر في سببه ومعلوم أن
المذكور سبب صوم رمضان لا سبب مطلق صوم الفرض وما هو أعم منه وهو الصوم وأيضا فان
القسم الثاني معقود في مبيحات الافطار وموجباته وهي مخصوصة بصوم رمضان إلا أن معظم الكلام
المذكور في نظري الركن والشرط لا اختصاص له بصوم رمضان وكان الأحسن في الترتيب ان
يبين صفة الصوم مطلقا بذكر ركنية وشروطه ثم يتكلم فيما يخص كل واحد من نوعي الفرض والنفل *
وفقه الفصل أن صوم رمضان يجب بأحد أمرين (إما) استكمال شعبان ثلاثين (أو) رؤية الهلال لما روى
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال " لا تصوموا حتى تروا
الهلال ولا تفطروا حتى تروه فان غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " (1) أما استكمال شعبان فظاهر (وأما)
249

رؤية الهلال فالناس ضربان (من) رأى الهلال فيلزمه الصوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صوموا
لرؤيته " (1) ومن لم يره فبم تثبت الرؤية في حقه إن شهد عدلان تثبت وإن شهد واحد
فقولان (أحدهما) وبه قال مالك وهو رواية البويطي أنها لا تثبت لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال
" صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فان غم عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوما ألا ان يشهد شاهدان " (2)
ولأنه لا يحكم في هلال شوال الا بقول عدلين فكذلك في هلال رمضان (وأصحهما) وهو الذي نص
عليه في أكثر كتبه وبه قال احمد في الرواية الصحيحة عنه انها تثبت لما روى عن ابن عباس رضى الله
250

عنهما " ان أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الهلال فقال أتشهد ان لا اله إلا
الله فقال نعم فقال أتشهد ان محمدا رسول الله قال نعم قال فأذن في الناس يا بلال فليصوموا غدا " (1) وعن
251

ابن عمر رضي الله عنهما قال " تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم انى
رأيته فصام وامر الناس بالصيام " (1) والمعنى فيه الاحتياط لأمر الصوم قال على رضى الله لان أصوم
يوما من شعبان أحب من أن أفطر يوما من رمضان (2) ونقل الشيخ أبو محمد عن أبي إسحاق طريقة
252

قاطعة بقبول قول الواحد والمشهور طريقة القولين (التفريع) ان قلنا لا بد من اثنين فلا مدخل لشهادة
النساء فيه ولا اعتبار بقول العبيد ولا بد من لفظ الشهادة وتختص بمجلس القضاء لكنها شهادة حسبة
لا ارتباط لها بالدعاوي كذلك حكاه الامام وان قبلنا قول واحد فهل هو على طريق الشهادة أم على
253

طريق الرواية فيه وجهان (أصحهما) انه شهادة الا ان العدد سومح به والبينات مختلفة المراتب (والثاني)
وبه قال أبو إسحاق انه رواية لان الشهادة ما يكون الشاهد فيها بريئا وهذا خبر عما يستوى فيه المخبر
وغير المخبر فأشبه رواية الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الأول لا يقبل فيه قول المرأة والعبد
254

ويحكي ذلك عن نصه في الام وعلى الثاني يقيل وهل يشترط لفظ الشهادة قال الشيخ أبو علي وغيره
هو على الوجهين ومنهم من قدر اشتراطه متفقا عليه * واحتج به للوجه الأول وهل يقبل قول
الصبي المميز الموثوق به على الوجه الثاني قال الامام فيه وجهان مبنيان على قبول رواية الصبيان
وجزم في التهذيب بعدم القبول مع حكاية الخلاف في روايته وهو المشهور وذكر الامام وابن الصباغ
255

تفريعا على الوجه الثاني أنه إذا أخبره موثوق به عن رؤية الهلال لزم اتباع قوله وان لم يذكر بين
يدي القاضي وقالت طائفة يجب الصوم بذلك إذا اعتقد المخبر صادقا ولم يفرعوه على شئ ومن هؤلاء
ابن عبدان وصاحب التهذيب وكذلك ذكر المصنف في الاحياء والله أعلم * وعلى القولين جميعا
لا يقبل قول الفاسق لكن ان اعتبرنا العدد اعتبرنا العدالة الباطنة وهي التي يرجع فيها إلى
256

أقوال المزكيين وان لم نعتبر العدد ففي اعتبار العدالة الباطنة وجهان جاريان في قبول رواية المستور
قال الامام وأطلق بعض المصنفين الاكتفاء بالعدالة الظاهرة وهو بعيد نعم قد نقول يأمر القاضي
بالصوم بظاهر العدالة كي لا يفوت الصوم ثم نبحث بعد ذلك ولا فرق على القولين بين أن تكون
257

السماء مصحية أو متغيمة * وعند أبي حنيفة يثبت هلال رمضان في الغيم بواحد وفى الصحو يعتبر
الاستفاضة والاشتهار ويختلف ذلك باختلاف صغر البلدة وكبرها قال الروياني وربما قالوا يعتبر
عدد القسامة خمسون رجلا وإذا صمنا بقول واحد تفريعا على أصح القولين ولم نر الهلال بعد ثلاثين
258

فهل نفطر فيه وجهان (أحدهما) لا لأنا لو أفطرنا لكنا مفطرين بقول واحد والافطار بقول واحد
لا يجوز ألا ترى أنه لو شهد على هلال شوال ابتداء لم نفطر بقوله (والثاني) نفطر لان الشهر يتم بمضي ثلاثين
وقد ثبت أوله بقول الواحد ويجوز أن يثبت الشئ ضمنا بما لا يثبت به أصلا ومقصودا الا ترى
259

ان النسب والميراث لا يثبتان بشهادة النساء ويثبتان ضمنا للولادة إذا شهدن عليها واعترض الامام
عليه بان النسب لا يثبت بقولهن لكن إذا ثبتت الولادة ثبت النسب بحكم الفراش القائم وههنا
بخلافه وللمحتج أن يقول لا معنى للثبوت الضمني الا هذا وخذ منى مثله ههنا عندي لا نفطر
بقوله لكن إذا ثبت أول الشهر انتهي بمضي ثلاثين يوما وجاء العيد ولا صوم يوم العيد وما موضع
260

الوجهين نقل في التهذيب فيه طريقين (أحدهما) أن الوجهين فيما إذا كانت السماء مصحية أما إذا كانت متغيمة
فنفطر بلا خلاف وهذا ما أورده صاحب العدة وأوفقهما لكلام صاحب الكتاب والأكثرين ان الوجهين
شاملان للحالتين ثم إيراد الكتاب يقتضي ترجيح الوجه الأول لكن المعظم رجحوا الثاني وحكوه عن نصه في الام
وبه قال أبو حنيفة رحمه الله ولو صمنا بقول عدلين ولم نر الهلال بعد ثلاثين فإن كانت السماء متغيمة أفطرنا
261

وعيدنا وإن كانت مصحية فكذلك عند عامة الأصحاب وحكاه في الشامل عن نصه في الام وحرمله
لان العدلين لو شهدا ابتداء على هلال شوال لقبلنا شهادتهما وأفطرنا فلان نفطر بناء على ما أثبتناه
بقولهما أولا أولى وقال ابن الحداد لا نفطر وينسب إلى ابن سريج أيضا وبه قال مالك لأنا إنما نتبع
قولهما بناء على الظن وقد تبقنا خلافه وقد عرفت بما ذكرنا أن في الصورتين وجهين الا أن الافطار
262

في الثانية أظهر منه في الأولى وفرع بعضهم على قول ابن الحداد فقال لو شهد اثنان على هلال شوال ثم لم ير الهلال
والسماء مصحية بعد ثلاثين قضينا صوم أول يوم أفطرنا فيه لأنه بان كونه من رمضان لكن لا كفارة على من
جامع لان الكفارة تسقط بالشبهة وعلى ظاهر المذهب لا قضاء ولا كفارة ويتعلق بالقولين في
اعتبار العدد مسألة أخرى وهي ان الهلال هل يثبت بالشهادة على الشهادة وقد حكى الشيخ أبو علي فيه طريقين
263

(أحدهما) أنه على القولين في أن حدود الله تعالى هل تثبت بالشهادة على الشهادة (وأصحهما) القطع بثبوته
كالزكاة واتلاف بوارى المسجد والخلاف في الحدود المبنية على الدفع والدرء وعلى هذا فعدد الفروع
مبنى على القول في الأصول ان اعتبرنا العدد في الأصول فحكم الفروع ههنا حكمهم في سائر الشهادات
ولا مدخل فيه لشهادة النساء والعبيد وان نعتبر العدد (فان قلنا) ان طريقه طريق الرواية
264

فوجهان (أحدهما) انه يكفي واحد كرواية الاخبار (والثاني) لابد من اثنين قال في
التهذيب وهو الأصح لأنه ليس بخبر من كل وجه بدليل انه لا يكفي أن يقول اخبرني فلان عن فلان
انه رأى الهلال وعلى هذا فهل يشترط اخبار حرين ذكرين أم يكفي امرأتان وعبدان
فيه وجهان (أظهرهما) الأول ونازع الامام في أنه لا يكفي قوله اخبرني فلان عن فلان
على قولنا أنه رواية (وان قلنا) ان طريقه طريق الشهادة فهل يكفي واحد أم لابد من اثنين
فيه وجهان المذكور في التهذيب منهما الثاني ولنعد إلى ما في لفظ الكتاب (قوله) أما السبب
265

فرؤية الهلال يشعر ظاهره بالحصر لكن الحصر غير مراد منه بل استكمال شعبان في معنى رؤية
الهلال على ما بيناه والتحقيق أن السبب شهود الشهر لا هذا ولا ذاك ولكنهما طريقان لمعرفة شهود
الشهر ولا يلحق بهما ما يقتضيه حساب المنجم فلا يلزم به شئ لا عليه وعلى غيره قال القاضي
الروياني وكذا من عرف منازل القمر لا يلزمه الصوم به في أصح الوجهين (1) (وأما) الجواز فقد قال
في التهذيب لا يجوز تقليد المنجم في حسابه لا في الصوم ولا في الافطار وهل يجوز له أن يعمل
بحساب نفسه فيه وجهان وفرض الروياني الوجهين فيما إذا عرف منازل القمر وعلم به أن الهلال
266

قد أهل وذكر أن الجواز اختيار ابن سريج والقفال والقاضي الطبري قال ولو عرفه بالنجوم لم يجز
ان يصوم به قولا واحدا ورأيت في بعض المسودات تعدية الخلاف في جواز العمل به إلى غير
المنجم والله أعلم * وسنذكر فائدة الجواز حيث حكمنا به من بعد (وقوله) وإن كانت السماء مصحية
معلم بالحاء (وقوله) يثبت بشهادة واحد بالميم وكذا قوله ويثبت بمن تقبل روايته لما سبق والأغلب
على الظن أنه قصد أن يورد الخلاف في المسألة كما أورده في الوسيط وهو حكاية ثلاثة أقوال في قبول
267

قول الواحد (أحدها) انه لا يقبل (والثاني) يقبل بشرط أن يكون من أهل الشهادة (والثالث) يقبل
إذا كان من أهل الرواية ثم أنه أغفل الأول وأورد الأخيرين وهما مفرعان على قبول قول الواحد
ولو أعلما بالواو لمكان الأول جاز ثم الجمهور أوردوهما وجهين لا قولين نعم ذكر الصيدلاني انهما
قولان من تخريج ابن سريج فيجوز تنزيلهما عليه (وقوله) بخلاف هلال شوال يجوز ان يعلم بالواو
لا لان أبا ثور قال بثبوته بقول واحد فان له مذهبا تفرد به ولكن لأنه حكى عن صاحب التقريب
أنه ميل القول فيه وقال بعد رواية مذهب أبي ثور وهذا لو قلت به لواكن مبعدا ووجهه انه اخبار
268

عن خروج وقت العبادة فيقبل فيه قول الواحد كالاخبار عن دخول وقتها (وقوله) لم نفطر معلم
بالحاء لما سبق ويجوز ان يعلم قوله يفطر في الوجه الثاني بالميم لان مالكا منع من الافطار إذا
إذا صمنا بقول عدلين ولم نر الهلال فأولى ان نمنع إذا صمنا بقول واحد ولم نره (واعلم) ان صاحب
التهذيب رحمه الله ذكر تفريعا على الحكم بقبول الواحد انا لا نوقع به العتق والطلاق المعلقين
بهلال رمضان ولا نحكم بحلول الدين المؤجل به ولو قال قائل هلا ثبت ذلك ضمنا كما سبق نظيره
لاحوج إلى الفرق والله أعلم *
269

قال {فإذا رؤي الهلال في موضع لم يلزم الصوم في موضع آخر بينهما مسافة القصر إذا لم
ير فيه وقيل يعم حكمه سائر البلاد فعلى الأول لو سافر الصائم إلى بلد آخر لم ير فيه الهلال
بعد ثلاثين صام معهم بحكم الحال ولو كان أصبح معيدا وسارت به السفينة إلى حيث لم ير الهلال
270

كان الأولى أن يمسك بقية النهار ويبعد ايجابه فان فيه تجزئة اليوم وإذا رأى هلال شوال قبل
الزوال لم يجز (ح) الافطار إلا بعد الغروب}
في الفصل مسألتان (إحداهما) إذا رؤي الهلال في بلدة ولم ير في أخرى نظر إن تقاربت البلدتان
فحكمهما حكم البلدة الواحدة وإن تباعدتا فوجهان (أظهرهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وهو اختيار
271

الشيخ أبي حامد انه لا يجب الصوم على أهل البلدة الأخرى لما روى عن كريب قال " رأينا الهلال
بالشام ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة فقال ابن عباس رضي الله عنهما متى رأيتم الهلال قلت ليلة
الجمعة فقال أنت رأيت قلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال لكنا رأيناه ليلة السبت
فلا نزال نصوم حتى نكمل العدد أو نراه قلت أولا تكتفي برؤية معاوية قال هكذا أمرنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم " (1) (والثاني) يجب وهو اختيار القاضي أبى الطيب ويروى عن أحمد لان الأرض
272

مسطحة فإذا رؤي في بعض البلاد عرفنا ان المانع في غيره شئ عارض لا أن الهلال ليس بمحل
الرؤية * وبم يضبط تباعد البلدتين اعتبر في الكتاب مسافة القصر وكذلك نقله الامام وصاحب
273

التهذيب قال الامام ولو اعتبروا مسافة يظهر في مثلها تفاوت في المناظر لكان متجها في المعنى
وقد يوجد التفاوت مع قصور المسافة عن مسافة القصر للارتفاع والانخفاض وقد لا يوجد مع
274

مجاوزتها لها لكن لا قائل به هكذا ذكره لكن العراقيون والصيدلاني وغيرهم اعتبروا ما تمناه وضبطوا
التباعد بأن يكون بحيث تختلف المطالع كالعراق والحجاز والعراق وخراسان والتقارب بان لا تختلف
275

كبغداد والكوفة والري وقزوين ومنهم من اعتبر اتحاد الإقليم واختلافه ويتفرع على الوجهين
فرعان (أحدهما) لو شرع في الصوم في بلد ثم سافر إلى بلد بعيد لم ير الهلال فيه في يومه الأول (فان قلنا)
276

لكل بلدة حكمها فهل يلزمه أن يصوم معهم أم يفطر فيه وجهان أظهرهما وبه قال القفال وهو
المذكور في الكتاب أنه يصوم معهم لأنه بالانتقال إلى بلدتهم أخذ حكمهم وصار من جملتهم وقد
277

روى أن ابن عباس رضي الله عنهما " امر كريبابان يقتدى بأهل المدينة " (1) (والثاني) أنه يفطر لأنه
التزم حكم البلدة الأولى فيستمر عليه وشبه ذلك بمن أكرى دابة يجب الكراء بنقد البلد المنتقل
عنه وأوهم في التهذيب ترجيح هذا الوجه وإن عممنا الحكم سائر البلاد فعلى أهل البلدة المنتقل إليها
278

موافقته إن ثبت عندهم حال البلدة المنتقل عنها إما بقوله لعدالته أو بطريق آخر وعليهم قضاء اليوم
الأول ولك ان تقول قياسا على هذا لو سافر من البلدة التي رؤي فيها الهلال ليلة الجمعة إلى التي رؤي
فيها الهلال ليلة السبت ورؤى هلال شوال ليلة السبت فعليهم التعييد معه وان لم يصوموا إلا ثمانية
279

وعشرين يوما ويقضون يوما وعلى قياس الوجه الأول لا يلتفتون إلى قوله رأيت الهلال وإن قبلنا
في الهلال قول عدل وعلى عكسه لو سافر من حيث لم ير فيه الهلال إلى حيث رؤي فعيدوا اليوم التاسع
والعشرين من صومه فان عممنا الحكم أو قلنا له حكم البلد المنتقل إليه عيد معهم وقضى يوما وان
280

لو نعمم الحكم أو قلنا له حكم البلد المنتقل عنه فليس له ان يفطر (الثاني) لو رؤي الهلال في بلد فأصبح
الشخص معيدا وسارت به السفينة وانتهى إلى بلدة على حد البعد فصادف أهلها صائمين فعن الشيخ
أبي محمد انه يلزمه امساك بقية اليوم إذا قلنا إن لكل بلدة حكمها. واستعبده الامام من حيث إنه
281

لم يرد فيه اثر ويجزئه اليوم الواحد وايجاب امساك بعضه بعيد وتابعه صاحب الكتاب فقال ويبعد
ايجابه إلى آخره وللشيخ أن يقول لم لا يجوز ان يجب امساك بعض اليوم الا ترى أن من أصبح
يوم الثلاثين من شعبان مفطرا ثم قامت البينة على رؤية الهلال يجب عليه امساك بقية النهار (وقوله)
282

الأولى امساك بقية النهار إنما حسن منه لأنه نفى الوجوب اما من يوجبه فلا يقول للمحتوم انه أولى
فيجوز ان يعلم بالواو لقوله (واعلم) ان هذه المسألة يمكن تصويرها على وجهين (أحدهما) أن يكون ذلك اليوم
الثلاثين من صوم أهل البلدتين لكن أهل البلدة المنتقل إليها لم يروا الهلال (والثاني) أن يكون
283

اليوم التاسع والعشرين لأهل البلدة المنتقل إليها لتأخر ابتداء صومهم بيوم وامساك بقية اليوم في
الصورتين ان لم نعمم الحكم على ما ذكرنا. وجواب الشيخ أبى محمد كما هو مبنى على أن لكل بلدة
حكمها فهو مبني أيضا على أن للمنتقل حكم المنتقل إليه وان عممنا الحكم فأهل البلد المنتقل إليه إذا كانوا
284

يعرفون في أثناء اليوم انه يوم عيد فهو شبيه بما إذا شهد الشهود على رؤية الهلال يوم الثلاثين وقد سبق
بيانه في صلاة العيد وان اتفق هذا السفر لعدلين وقد رأيا الهلال بنفسيهما وشهدا في البلدة المنتقل
إليها فهذا عين الشهادة بروية الهلال في يوم الثلاثين في التصوير الأول (وأما) في التصوير الثاني فان
عممنا الحكم جميع البلاد لم يبعد أن يكون الاصغاء إلى كلامهما على ذلك التفصيل أيضا فان قبلوا
قضوا يوما وان لم نعمم الحكم لم يلتفت إلى قولهما ولو كان الامر بالعكس فأصبح الرجل صائما وسارت به السفينة
285

إلى حيث عيدوا فان عممنا الحكم أو قلنا له حكم البلدة المنتقل إليها أفطر وإلا لم يفطر وإذا أفطر قضي
يوما ان لم يصم الا ثمانية وعشرين يوما (المسألة الثانية) إذا رؤي الهلال بالنهار يوم الثلاثين فهو لليلة
المستقبلة سواء رؤي قبل الزوال أو بعده فإن كان هلال رمضان لم يلزمهم امساك ذلك اليوم وإن كان
هلال شوال وهو المذكور في الكتاب لم يكن لهم الافطار حتى تغرب الشمس وعند أبي يوسف
286

ان رؤي قبل الزوال فهو لليلة الماضية وبه قال احمد فيما إذا كان المرئي هلال رمضان وإن كان المرئي
هلال شوال فعنه روايتان * لنا ما روى عن سفيان بن سلمة رضي الله عنه قال " جاءنا كتاب عمر
ين الخطاب رضي الله عنه ونحن بخانقين ان الأهلة بعضها أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال
نهارا فلا تفطروا حتى تمسوا " (1) وفى رواية " فإذا رأيتم الهلال من أول النهار فلا تفطروا حتى يشهد
شاهدان انهما رأياه بالأمس " إذا عرفت ذلك لم يخف عليك ان قوله قبل الزوال ليس لتخصيص الحكم
287

به لكنه موضع الشبهة والخلاف فلذلك خصه بالذكر فاما بعد الزوال فهو متفق عليه وقد أعلم في
النسخ قوله لم يجز الافطار بالحاء لان الامام والمصنف في الوسيط نسبا قول أبي يوسف إلى أبي حنيفة رحمهم الله
وهو غير ثابت نعم يجوز اعلامه بالألف لإحدى الروايتين عن أحمد والله أعلم *
288

قال {القول في ركن الصوم وهو النية والامساك (أما) النية فعليه أن ينوى لكل يوم (م) نية معينة (ح و)
مبيتة (ح) جازمة. والتعيين أن ينوى أداء فرض صوم رمضان غدا وقيل لا يتعرض للفرضية وقيل يتعرض
لرمضان هذه السنة} *
289

ذكرنا اختلاف الأصحاب في أن النية ركن في الصلاة أم شرط ولم يوردوا الخلاف ههنا والأليق
بمن اختار كونها هناك شرطا أن يقول بمثله ههنا ومنهم صاحب الكتاب وحينئذ يتمحض نفس
الصوم كفا * إذا عرفت ذلك فقوله ان ينوى لكل يوم نية معينة مبيتة جازمة ضابط ادرج فيه أمورا
(أحدها) قوله أن ينوى فالنية واجبة في الصوم إذا لا عمل الا بالنية ومحلها القلب ولا يشترط النطق
290

في الصوم بلا خلاف (والثاني) قوله لكل يوم فلا يكفي فيه صوم الشهر كله في أوله خلافا لمالك وبه
قال احمد في إحدى الروايتين * لنا ان صوم كل يوم عبادة برأسها الا تري انه يتخلل اليومين ما يناقض
الصوم وإذا كان كذلك وجب افراد كل واحد بنية كالصلوات وإذا نوى صوم جميع الشهر هل
يصح صوم اليوم الأول بهذه النية فيه تردد للشيخ أبي محمد ورأيت أبا الفضل بن عبدان أجاب بصحته وهو
291

الأظهر (الثالث) التعيين وهو واجب في صوم الفرض وبه قال مالك وأحمد في أصح الروايتين خلافا لأبي حنيفة
حيث قال لا يشترط التعيين في النذر المعين ولا في صوم رمضان بل لو نوى صوم الغد مطلقا في رمضان
أو نوى النفل أو النذر أو القضاء أو الكفارة وقع عن رمضان إن كان مقيما وإن كان مسافرا فكذلك
إن أطلق النفل وان نوى النذر أو القضاء أو الكفارة وقع عما نوى وان نوى النفل فروايتان * لنا القياس
292

على الكفارة والقضاء وتعينه شرعا لا يغنى عن تجديد المكلف قصده إلى ما كلف به وكمال التعيين في
رمضان أن ينوي صوم الغد عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى (اما) الصوم والتعرض لكونه
من رمضان فلا خلاف في اعتبارهما (وأما) الأداء والفرضية والإضافة إلى الله تعالى ففيها الخلاف
المذكور في الصلاة وقد أعاد ذكر الخلاف في الفرضية ههنا (وأما) رمضان هذه السنة فقد حكي الامام
293

وجها أنه لا بد من اعتباره وتابعه المصنف ويقرب منه حكاية صاحب التهذيب وجهين في أنه هل
يجب أن يقول من فرض هذا الشهر أم يكفي أن يقول من فرض رمضان وقال الأصح الأول
والامام زيفه بان معني الأداء هو القصد فإذا خطر الأداء بالبال فقد خطر التعرض للوقت المعين وقد
يزيف أيضا بان التعرض لليوم المعين لابد منه وأنه يغني عن كونه من هذا الشهر وهذه السنة فان
294

هذا اليوم لا يكون الا كذلك بل إذا وقع التعرض لليوم المعين لم يضر الخطأ في أوصافه قال
الروياني في التجربة لو نوى ليلة الثلاثاء صوم الغد وهو يعتقده يوم الاثنين أو نوى رمضان السنة
التي هو فيها وهو يعتقدها سنة ثلاث فكانت سنة اثنتين صح صومه بخلاف ما إذا نوى صوم يوم
الثلاثاء ليلة الاثنين أو رمضان سنة ثلاث في سنة اثنتين لا يصح لأنه لم يعين الوقت (واعلم) أن لفظ
295

الغد قد اشتهر في كلام الأصحاب في تفسير التعيين وكيفيته وهو في الحقيقة ليس من حد التعيين
وإنما وقع ذلك من نظرهم إلى التبيت ولا يخفى مما ذكرناه قياس التعيين في القضاء والنذر والكفارة
(وأما) صوم التطوع فيصح بنية مطلق الصوم كما في الصلاة *
296

{فرع} قال القاضي أبو المكارم في العدة لو قال أتسحر لأقوى على الصوم لم يكف هذا في
النية ونقل بعضهم عن نوادر الأحكام لأبي العباس الروياني انه لو تسحر للصوم أو شرب لدفع
297

العطش نهارا أو امتنع من الأكل والشرب والجماع مخافة الفجر كان ذلك نية للصوم وهذا هو
الحق ان خطر بباله الصوم بالصفات التي يشترط التعرض لها لأنه إذا تسحر ليصوم صوم كذا فقد قصده
298

والله أعلم (وقوله) في الكتاب معينة يجوز أن تقرأ بكسر الياء لأنها تعين الصوم ويجوز أن تقرأ بالفتح
كأن الناوي يعينها ويخرجها عن التعلق بمطلق الصوم ويجوز اعلام هذه اللفظة مع الحاء بالواو لان
299

صاحب التتمة حكي عن الحليمي أنه قال يصح صوم رمضان بنية مطلقة وبالألف لان عن أحمد
رواية مثله *
300

قال {ومعنى التبييت أن ينوى ليلا ولا يختص بالنصف الأخير (و) ولا يجب تجديدها (و) بعد الاكل
ولا بعد التنبه من النوم ويجوز نية التطوع قبل الزوال (م ز) وبعده قولان وهذا بشرط خلو أول اليوم
301

عن الاكل وفى اشتراط خلو الأول عن الكفر والجنون والحيض خلاف} *
الرابع التبييت وهو شرط في صوم الفرض وبه قال مالك وأحمد خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
302

حيث قال لا يجب التبييت في صوم رمضان والنذر المعين بل يصحان بنية قبل الزوال * لنا ما روى
303

عن حفصة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " ويروى من لم ينو
الصيام من الليل " (1) ولو نوى مع طلوع الفجر ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لاقتران النية بأول العبادة
304

وبهذا أجاب ابن عبدان (وأصحهما) المنع لظاهر الحديث وهذا هو قضية قوله في الكتاب أن ينوى
ليلا ويتبين به أيضا أن نية صوم الغد قبل طلوع الشمس لا تصح وهل تختص النية بالنصف الأخير
من الليل فيه وجهان (أحدهما) وبه قال أبو الطيب بن سلمة نعم كما يختص رمى جمرة العقبة ليلة النحر
305

بالنصف الأخير والمعني فيه تقريب النية من العبادة (وأصحهما) لا لاطلاق الخبر وهذا هو المذكور
في الكتاب صريحا ودلالة (أما) الصريح فظاهر (وأما) الدلالة فقوله أن ينوى ليلا وإذا نوى ثم اكل
306

أو جامع هل تبطل نيته حتى يحتاج إلى تجديدها فيه وجهان (أحدهما) نعم لان الأصل اقتران النية
بالعبادة فإذا تعذر اشتراطه فلا أقل من أن يحترز عن تخلل المناقض الذي لا ضرورة إليه بينهما
307

(وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه لا حاجة إلى التجديد لان الله تعالى أباح الأكل والشرب إلى طلوع الفجر ولو أبطل الاكل النية لامتنع الاكل إلى طلوع الفجر وينسب الوجه الأول إلى أبى إسحاق وفيه
308

كلامان (أحدهما) ان الامام حكى ان أبا إسحاق رجع عن هذا عام حج وأشهد على نفسه (والثاني) ان
ابن الصباغ قال هذه النسبة لا تثبت عنه ولم يذكر ذلك في الشرح فإن لم ينقل الوجه إلا عنه وثبت
أحد هذين الكلامين فلا خلاف في المسألة ولو نوى ونام وتنبه من نومه والليل باق هل عليه تجديد
309

النية فيه وجهان (أحدهما) نعم تقريبا للنية من العبادة بقدر الوسع ونسب ابن عبدان وغيره هذا إلى الشيخ
أبي إسحاق أيضا (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه لا حاجة إلى التجديد لما سبق قال الامام وفى كلام
العراقيين تردد في أن الغفلة هل هي كالنوم وكل ذلك مطرح هذا حكم صوم الفرض في التبييت (اما) التطوع
310

فتصح نيته من النهار وبه قال احمد خلافا لمالك والمزني وأبى يحيى البلخي * لنا انه صلى الله عليه وسلم " كان يدخل
على بعض أزواجه فيقول هل من غذاء فان قالت لا قال إني صائم ويروى إني إذا أصوم " (1) وهذا إذا
كانت النية قبل الزوال فإن كانت بعده ففيه قولان (أحدهما) وهو رواية حرملة انه يصح تسوية
بين اجزاء النهار كما أن اجزاء الليل مستوية في محلية نية الفرض (وأصحهما) وهو نصه في عامة كتبه انه
311

لا يصح وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لان النفل لا ينبغي أن يخالف الفرض كما في سائر العبادات
إلا أنا جوزنا التأخير بشرط ان يتقدم على الزوال للحديث فإنه ورد في النية قبل الزوال الا ترى انه
كان يطلب به الغداء وفرقوا بين ما قبل الزوال وما بعده بأن النية إذا نشئت بعد الزوال فقد
312

فات معظم النهار وإذا نشئت قبله فقد أدركت معظمه وللمعظم تأثير ادراكا وفواتا كما في
ادراك المسبوق الركعة وهذا الفرق إنما ينتظم ممن يجعله صائما من أول النهار اما من يجعله
313

صائما من وقت النية فالنية عنده موجودة في جميع العبادة فات معظم النهار أو لم يفت وفيه
شئ آخر ذكره الامام وهو أن النهار إذا حسب من شروق الشمس فالزوال منتصفه فتكون
النية المتقدمة عليه مدركة معظمه لكن النهار الشرعي محسوب من طلوع الفجر فيتقدم منتصفه على
314

الزوال ولا يلزم من مجرد التقدم على الزوال وجود النية في المعظم ثم إذا نوى قبل الزوال أو بعده وجوزناه
فهو صائم من أول النهار حتى ينال ثواب صوم الكل أو من وقت النية فيه وجهان (أظهرهما) عند
الأكثرين انه صائم من أول النهار فان صوم اليوم الواحد لا يتبعض وشبه ذلك بما إذا أدرك الامام
315

في الركوع يكون مدركا لثواب جميع الركعة (والثاني) وبه قال أبو إسحاق أنه صائم من وقت النية
لأن النية لا تنعطف على ما مضي ولا عمل إلا بالنية ويقال إن هذا هو اختيار القفال (فان قلنا) بالوجه
الأول فلا بد من الامساك واجتماع شرائط الصوم في أول النهار (وان قلنا) بالثاني ففي اشتراط خلو
316

الأول عن الاكل والجماع وجهان (أحدهما) لا يشترط لأن الصوم إذا كان محسوبا من وقت النية
كان بمثابة جزء من الليل وينسب هذا إلى ابن سريج وأبي زيد وزاد في العدة محمد بن جرير الطبري
317

(وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يشترط والا لبطل مقصود الصوم ويجوز ان يتقدم شرط
الشئ عليه ألا ترى انه يشترط تقدم الخطبة على صلاة الجمعة وهل يشترط خلو أوله عن الكفر والحيض
318

والجنون أم يجوز ان يصوم الكافر إذا أسلم اليوم الذي أسلم فيه ضحى والحائض في اليوم الذي طهرت
والمجنون في اليوم الذي افاق فيه وجهان (أصحهما) المنع أيضا لكون النية مسبوقة في اليوم بما
319

يناقض الصوم ويجوز ان يرتب الخلاف في اشتراط الخلو عن هذه المعاني على الخلاف في اشتراط
الخلو عن الاكل فإن لم نشترط ترك الأكل فهذا أولى وإن شرطناه فوجهان والفرق اخلال الاكل
بمقصود الصوم وهو كسر النفس بالتجويع *
320

قال {والمعني بالجازمة ان من نوى ليلة الشك صوم غد إن كان من رمضان لم يجز (ح ز) لأنها غير جازمة
نعم لا يضر التردد بعد حصول الظن بشهادة أو استصحاب كما في آخر رمضان أو اجتهاد في حق الحبوس
321

في المطمورة ثم إن غلظ المحبوس بالتأخير لم يلزمه القضاء وإن غلط بالتقديم وأدرك رمضان لزمه القضاء وإن لم
يتبين إلا بعد رمضان لم يلزمه القضاء على أحد القولين وكان الشهر بدلا في حقه للضرورة حتى لو كان
الشهر تسعا وعشرين كفاه وإن كان رمضان ثلاثين} *
322

الخامس كون النية جازمة ويتعلق بهذا القيد مسائل (منها) إذا نوى ليلة الثلاثين من شعبان أن
يصوم غدا عن رمضان لم يخل إما ان يعتقد كونه من رمضان أو لا يعتقده فإن لم يعتقده نظر ان ردد
323

نيته فقال أصوم عن رمضان إن كان منه والا فانا مفطر أو انا متطوع لم يقع صومه عن رمضان إذا
324

بان انه منه لأنه لم يصم على أنه فرض وإنما صام على الشك * وقال أبو حنيفة والمزني يقع عن رمضان
إذا بان اليوم منه كما لو قال هذا زكاة مالي الغائب إن كان سالما والا فهو تطوع فبان سالما يجزئه قال
325

الأصحاب الفرق ان الأصل هناك سلامة المال فله استصحاب ذلك الأصل وههنا الأصل بقاء شعبان
ونظير مسألة الزكاة مما نحن فيه أن ينوى ليلة الثلاثين من رمضان صوم الغد إن كان من رمضان
326

وإلا فهو مفطر فيجزئه لان الأصل بقاء رمضان ولو قال أصوم غدا من رمضان أو قال
أو أصوم أو أفطر لم يصح صومه لا في الأول ولا في الاخر كما إذا قال أصوم أو لا أصوم وان لم يردد
نيته وجزم بالصوم عن رمضان فإنه إذا لم يعتقد كونه من رمضان لم يتأت منه الجزم بالصوم عن
327

رمضان حقيقة وما يعرض حديث نفس لا اعتبار به وعن صاحب التقريب حكاية وجه انه يصح
صومه هذا إذا لم يعتقد كونه من رمضان وان اعتقد كونه من رمضان نظر إن لم يستند عقده إلى
ما يثير ظنا فلا عبرة به وإن استند إلى ما يثير ظنا كما إذا اعتمد على قول من يثق به من حر أو عبد
328

أو امرأة أو صبية ذوي رشد نوى صومه عن رمضان أجزأه إذا بان انه من رمضان لان غلبة
الظن في مثل هذا له حكم اليقين كما في أوقات الصلاة وكما إذا رأى الهلال بنفسه وإن قال في نيته
والحالة هذه أصوم عن رمضان فإن لم يكن من رمضان فهو تطوع قال الامام ظاهر النص انه لا يعتد
329

بصومه إذا بان اليوم من رمضان لمكان التردد قال وفيه وجه آخر وبه قال المزني انه يصح لاستناده
إلى أصل ثم رأى طرد الخلاف فيما إذا جزم أيضا ويدخل في قسم استناد الاعتقاد إلى ما يثير ظنا
بناء الامر على الحساب حيث جوزناه على التفصيل الذي سبق والله أعلم * ومنها إذا حكم القاضي
330

بشهادة عدلين أو واحد إذا جوزناه وجب الصوم ولم يقدح ما عساه يبقى من التردد والارتياب
(ومنها) المحبوس في المطمورة إذا اشتبه عليه شهر رمضان اجتهد وصام شهرا بالاجتهاد كما يجتهد للصلاة
في القبلة والوقت ولا يغنيه ان يصوم شهرا من غير اجتهاد وان وافق رمضان ثم إذا اجتهد وصام
331

شهرا نظر ان وافق رمضان فذاك وان غلط بالتأخير أجزأه ذلك ولم يلزم القضاء ولا يضر كونه مأتيا به على
نية الأداء كما إذا صلي الظهر بنية الأداء على ظن بقاء وقتها ثم تبين ان صلاته وقعت في وقت العصر لا قضاء عليه
وهل يكون صومه المأتى به قضاء أو أداء فيه وجهان (أظهرهما) انه قضاء لوقوعه بعد الوقت (والثاني) انه أداء
332

لمكان العذر والعذر قد يجعل غير الوقت وقتا كما في الجمع بين الصلاتين ويتفرع على الوجهين
ما لو كان ذلك الشهر ناقصا وكان رمضان تاما (ان قلنا) انه قضاء لزمه يوم آخر (وان قلنا) أداء
فلا كما لو كان رمضان ناقصا وإن كان الامر بالعكس (فان قلنا) انه قضاء فله افطار اليوم الأخير إذا
333

عرف الحال (وان قلنا) أداء فلا وان وافق صومه شوالا فالصحيح منه تسعة وعشرون إن كان
كاملا وثمانية وعشرون إن كان ناقصا فان جعلناه قضاء وكان رمضان ناقصا فلا شئ عليه على
التقدير الأول ويقضى يوما على التقدير الثاني وإن كان كاملا قضى يوما على التقدير الأول ويومين
334

على التقدير الثاني وان جعلناه أداء فعليه قضاء يوم بكل حال وان وافق ذا الحجة فالصحيح منه ستة
وعشرون يوما إن كان كاملا وخمسة وعشرون يوما إن كان ناقصا فان جعلناه قضاء وكان رمضان
335

ناقصا قضى ثلاثة أيام على التقدير الأول ويومين على التقدير الثاني وإن كان كاملا قضى أربعة أيام على
التقدير الأول وثلاثة على الثاني. وان جعلناه أداء قضى أربعة أيام بكل حال وهذا مبنى على ظاهر
المذهب في أن صوم أيام التشريق غير صحيح بحال فان صححناه بناء على أن للمتمتع ان يصومها وان من
336

له سبب في صومها بمثابة المتمتع فذو الحجة كشوال ذكر هذا المستدرك ابن عبدان رحمه الله
وان غلط بالتقديم على رمضان نظر ان أدرك رمضان عند تبين الحال له فعليه أن يصومه بلا خلاف
337

وان لم يتبين له الحال الا بعد مضى رمضان فقولان (القديم) أنه لا يقضى كالحجيج إذا أخطأوا
فوقفوا اليوم العاشر يجزئهم (والجديد) وبه قال أبو حنيفة ومالك واحمد رحمهم الله انه يقضى لأنه اتي
بالعبادة قبل وقتها فلا يجزئه كالصلاة وبنى القفال وآخرون القولين على أنه لو وافق شهرا بعد رمضان كان
338

قضاء أو أداء (ان قلنا) بالأول فعليه القضاء لان القضاء لا يسبق الوقت (وان قلنا) بالثاني فلا قضاء لان ما بعد
الوقت ان جاز ان يجعل وقتا للعذر فكذلك ما قبل الوقت يجوز أن يجعل وقتا للعذر كما في الجمع
بين الصلاتين وعن أبي إسحاق وغيره طريقة أخرى قاطعة بوجوب القضاء وان تبين الحال بعد
339

مضي بعض رمضان فقد حكي في النهاية طريقين (أحدهما) طرد القولين في إجزاء ما مضى
(والثاني) القطع بوجوب الاستدراك إذا أدرك شيئا من الشهر والأول أظهر والطريقتان
للقائلين بالقولين في الصورة الأولى فاما أبو إسحاق فلا يفرق بينهما إذا عرفت ما ذكرناه
340

فارجع إلى لفظ الكتاب (واعلم) ان قوله والمعنى بالجازمة الخ أراد به انه المقصد من التقييد بهذا القيد
لا انه تفسير اللفظ وان قوله لم يجز معلم بالحاء والزاء وان قوله نعم لا يضر التردد بعد حصول
الظن إشارة إلى أن القادح هو التردد الذي لا يستند احتمال الرمضانية فيه إلى دليل ولا يترجح في ظنه
341

فاما التجويز الذي يجامع الظن بكونه من رمضان فلا عبرة به وقوله لم يلزمه القضاء معلم بالحاء والميم
والألف وقوله على أحد القولين بالواو لطريقة أبي إسحاق وقوله وكان الشهر بدلا في حقه أراد به البناء
المنقول عن القفال معناه ان الشهر المأتي بصومه على هذا القول إذا أقيم مقام رمضان وليس المراد منه
342

انه قضاء يصير بدلا عن الفائت لأنا إذا فرعنا عليه لا نقول بأنه يكفيه شهره الناقص إذا كمل رمضان ومن
المسائل المتعلقة بقيد الجزم ما إذا نوت الحائض صوم الغد قبل أن ينقطع دمها ثم انقطع بالليل هل يصح صومها
343

إن كانت مبتدأة يتم لها بالليل أكثر الحيض أو معتادة عادتها دون الأكثر وكانت تتم بالليل فوجهان
(أظهرهما) انه يصح لأن الظاهر استمرار عادتها (والثاني) لا لأنها قد تختلف وان لم يكن لها عادة وكان
344

لا يتم أكثر الحيض بالليل أو كانت لها عادات مختلفة لم يصح الصوم * واعلم أن ركن النية وإن كان
لا يختص بصوم الفرض الا ان المذكور من مسائله في الكتاب مخصوص به لأنه قال اما النية فعليه أن
345

ينوى لكل يوم إلى آخره ومعلوم ان النية بالقيود المذكورة مخصوصة بالفرض * فرعان (أحدهما)
لو نوى الانتقال من صوم إلى صوم لم ينتقل إليه وهل يبطل ما هو فيه أم يبقى نفلا على وجهين وكذا
346

لو رفض نية الفرض عن الصوم الذي هو فيه (الثاني) لو قال إذا جاء فلان خرجت من صومي
فهل هو خارج عن الصوم عند مجيئه فيه وجهان (ان قلنا) نعم فهل يخرج في الحال فيه وجهان وكل ذلك
347

كما في الصلاة أورده في التهذيب وغيره *
348

قال {الركن الثاني الامساك عن المفطرات وهي الجماع والاستمناء والاستقاة} *
349

لا بد للصائم من الامساك عن المفطرات وهي أنواع (منها) الجماع وهو مبطل للصوم بالاجماع (ومنها)
الاستمناء وسيأتي الكلام فيه (ومنها) الاستقاءة فمن تقايأ عامدا أفطر ومن ذرعه القئ لم يفطر روى
350

انه صلى الله عليه وسلم قال " من ذرعه القئ وهو صائم فلا قضاء عليه ومن استقاء فليقض " (1) وربما
روى ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفا (2) وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى
351

الله عليه وسلم " قاء فأفطر أي استقاء قال ثوبان صدق أنا صببت له الوضوء " (1) واختلفوا في أنه لم أفطر
عند التقئ عمدا فقال بعض الأصحاب إنما أفطر لأنه إذا تقايأ رجع شئ مما خرج وإن قل فذلك
352

هو الذي أوجب الفطر والا لما أفطر لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن الفطر مما دخل والوضوء مما
خرج " (1) ومنهم من قال أن عينه مفطر كالانزال تعويلا على ظاهر الخبر قال في العدة وهذا أصح وعليه
353

يتفرع عد صاحب الكتاب الاستقاءة مفطرة برأسها وإلا فلو كانت مفطرة من جهة تضمنها رجوع
شئ لكانت من قبيل دخول الداخل وعلى الوجهين يبنى ما إذا تقايأ منكوسا أو تحفظ حتى استيقن
354

انه لم يرجع منه شئ إلى جوفه هل يفطر قال الامام ولو استقاء عمدا وتحفظ جهده فغلبه القئ ورجع
شئ (فان قلنا) الاستقاءة مفطرة وإن لم يرجع منه شئ فهاهنا اولي (وإن قلنا) لا يفطر إذا لم يرجع شئ فهو كما
355

في صورة المبالغة في المضمضة إذا سبق الماء إلى جوفه ويجوز ان يعلم قوله والاستقاءة بالحاء لان عنده
الاسقاءة باطلاقها لا تفطر بل يشترط أن يكون الخارج ملء الفم *
356

قال {ودخول داخل وحد الدخول ان كل عين وصل من الظاهر إلى الباطن في منفذ مفتوح
عن قصد مع ذكر الصوم فهو مفطر اما الباطن فهو كل جوف فيه قوة محيلة كباطن الدماغ والبطن
357

والأمعاء والمثانة فيفطر بالحقنة والسعوط ولا يفطر بالاكتحال (م) والتقطير (م ح و) في الاذنين وفيما
يصل إلى الإحليل وجهان ولا يفطر بالفصد والحجامة} *
358

من أسباب الفطر دخول الشئ جوفه وقد ضبطوا الداخل الذي يفطر بالعين الواصل من
الظاهر إلى الباطن في منفذ مفتوح عن قصد مع ذكر الصوم وفيه قيود (منها) الباطن الواصل إليه
359

وفيما يعتبر فيه وجهان مفهومان من كلام الأئمة رحمهم الله تعريضا وتصريحا (أحدهما) ان المعتبر
ما يقع عليه اسم الجوف (والثاني) يعتبر معه أن يكون فيه قوة تحيل الواصل إليه من غذاء أو دواء وهذا
360

هو الذي أورده في الكتاب ولكن الموافق لتفريع الأكثرين هو الأول على ما سيأتي ويدل عليه
أنهم جعلوا الحلق كالجوف في بطلان الصوم لوصول الواصل ذكره في التهذيب وحكاه الحناطي عن
ابن القاص وأورد الامام أيضا انه إذا جاوز الشئ الحلقوم أفطر ومن المعلوم انه ليس في الحلق قوة
361

الإحالة وعلى الوجهين معا باطن الدماغ والبطن والأمعاء والمثانة مما يفطر الواصل إليه حتى لو كان
على رأسه مأمومة أو على بطنه جائفة فوضع عليها دواء فوصل إلى جوفه أو إلى خريطة دماغه بطل صومه قال
الامام وصاحب التهذيب وان لم يصل إلى باطن الأمعاء والي باطن الخريطة ولا فرق بين أن يكون
362

الدواء رطبا أو يابسا وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يبطل باليابس ولم تجعل المثانة مما يفطر الواصل
إليه وفى المعتمد حكاية وجه في المثانة * لنا مطلق ما روى " أن الفطر مما دخل يوافقه " وقياس المثانة على سائر
الأجواف وفيها قوة إحالة الدواء ثم في الفصل صور (إحداها) الحقنة مبطلة للصوم لحصول الوصول
363

إلى الجوف المعتبر وعن القاضي الحسين انها لا تبطله وهو غريب وفيها اختلاف رواية عن مالك
(الثانية) السعوط مبطل للصوم أيضا إذا وصل إلى الدماغ وعند مالك لا يبطل الا إذا نزل إلى الحلق
منه شئ (واعلم) أن ما جاوز الخيشوم في الاستعاط فقد حصل في حد الباطن وداخل الفم والأنف
364

إلى منتهي الخيشوم والغلصمة له حكم الظاهر من بعض الوجوه حتى لو خرج إليه القئ أو ابتلع منه
نخامة بطل صومه ولو أمسك فيه شيئا لم يبطل ولو نجس وجب غسله وله حكم الباطن من حيث أنه
لو ابتلع منه الريق لا يبطل صومه ولا يحب غسله على الجنب (الثالثة) لا بأس للصائم بالاكتحال إذ
365

ليست العين من الأجواف وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " اكتحل في رمضان وهو صائم " (1)
ولا فرق بين أن يجد في الحلق منه طعما أو لا يجد فإنه لا منفذ من العين إلى الحلق وما يصل إليه يصل
366

من المسام وعن مالك واحمد أنه إذا وجد في الحلق طعما منه أفطر (الرابعة) في بطلان الصوم بالتقطير
في الاذن بحيث يصل إلى الباطن فيه وجهان (أحدهما) وبه قال الشيخ أبو محمد أنه يبطل كالسعوط
367

(والثاني) لا يبطل لأنه لا منفذ من الاذن إلى الدماغ وما يصل يصل من المسام فأشبه الاكتحال ويروى
هذا الوجه عن الشيخ أبي علي والفوراني والقاضي الحسين وهو الذي أورده صاحب الكتاب
368

لكن الأول أظهر عند أكثر الأصحاب ولهم أن يقولوا هب أن الاذن لا منفذ منها إلى داخل الدماغ
لكنه نافذ إلى داخل قحف الرأس لا محالة والوصول إليه كاف في البطلان وبنى الامام هذا
369

الخلاف على الوجهين السابقين فيما يعتبر في الباطن الذي يصل إليه الشئ فان داخل الاذن جوف
لكن ليس فيه قوة الإحالة وعلى الوجهين تتفرع الصورة الخامسة وهي ما إذا قطر في إحليله شيئا
ولم يصل إلى المثانة ففي وجه يبطل صومه وهو الأظهر كما لو وصل إلى حلقه ولم يصل إلى المعدة وفى
370

وجه لا يبطل كما لوضع في فمه شيئا وبهذا قال أبو حنيفة وهو اختيار القفال رحمهما الله وتوسط بعض
متأخري الأصحاب فقال إن وصل إلى ما وراء الحشفة أفطر والا لم يفطر تشبيها بالفم والحلق (السادسة)
371

لا يفسد الصوم بالفصد والحجامة لكن يكره خيفة الضعف وقال احمد يفسد بالحجامة وبه قال ابن المنذر
372

وابن خزيمة من أصحابنا * لنا ما روى " انه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم في حجة الوداع " (1)
373

وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " ثلاث لا يفطرن الصائم القئ والحجامة والاحتلام " (1) وأما لفظ
الكتاب (فقوله) وحد الداخل هو المستقيم وفى كثير من النسخ وحد الدخول وذلك يحوج إلى الحاق
375

واضمار (وقوله) فيه قوة محيلة يجوز اعلامه بالواو إشارة إلى الوجه المكتفى بكون الباطن
الواصل إليه جوفا حتى لو داوى خراجه على لحم الساق والفخذ فأوصل الدواء إلى داخل اللحم
أو غرز فيه حديدة لا يبطل صومه لأنه ليس بجوف وكذا لو انتهى طرف السكين إلى مكان المخ فإنه
376

لا يعد عضوا مجوفا (وقوله) والمثانة معلم بالحاء والواو والحقنة والسعوط بالميم والألف والتقطير
في الاذن وبالواو والحجامة بالألف والواو وقد بينا وجه ذلك كله والله تعالى اعلم *
377

قال {ويتشرب الدماغ الدهن بالمسام ويفطر إذا وجاء بطنه بالسكين وإن كان بعض
السكين خارجا} *
378

من القيود المذكورة في الضابط كون الواصل واصلا من منفذ مفتوح والقصد به الاحتراز
عما إذا طلى رأسه أو بطنه بالدهن فوصل إلى جوفه بتشرب المسام فان ذلك لا يبطل الصوم لأنه لم
379

يصل من منفذ مفتوح كما لا يبطله الاغتسال والانغماس في الماء وإن وجد له اثر في باطنه ولو وجاء نفسه
فوصل السكين إلى جوفه أو وجأه غيره باذنه أفطر سواء كان بعض السكين خارجا أو لم يكن وكذا لو ابتلع
طرف خيط وطرفه الآخر بارز يفطر بوصول الطرف الواصل ولا يعتبر الانفصال من الظاهر بالكلية
380

وخالف أبو حنيفة في المسألتين ونظائرهما ورأيت الحناطي حكى وجهين فيمن أدخل طرف خيط في
دبره أو في جوفه وبعضه خارج هل يفطر فيجوز أن يعلم لهذا قوله وإن كان بعض السكين خارجا
381

مع الحاء بالواو *
{فرع} لو ابتلع طرف خيط بالليل وطرفه الآخر خارج وأصبح كذلك فان تركه لم تصح صلاته
382

وان نزعه أو ابتلعه لم يصح صومه فينبغي ان يبادر فقيه إلى نزعه وهو غافل فإن لم يتفق فالمحافظة
على الصلاة بنزعه أو ابتلاعه أولى لأن الصوم يترك بالعذر ويقضي بخلاف الصلاة وذكر في
383

التتمة وجها آخر وهو ان الأولى ان يتركه كذلك ويصلي على حسب حاله لأنه شارع في الصوم
فلا ينبغي أن يفسده *
384

قال {أما القصد فنعني به أنه لو طارت ذبابة إلى جوفه أو وصل غبار الطريق إلى باطنه
أو أوجر بغير اختياره فلا يفطر الا أن يوجر المغمى عليه معالجة ففيه وجهان} *
385

ومن القيود كون الوصول عن قصد منه فلو طارت ذبابة أو بعوضة إلى حلقه أو وصل غبار الطريق
وغربلة الدقيق إلى جوفه وغير ذلك لم يكن مفطرا وإن كان اطباق الفم واجتناب المطروق ومفارقة موضع
الطريق ممكنا لكن تكليف الصائم الاحتراز عن الافعال المعتادة التي يحتاج إليها يجر عسرا شديدا بل
لو فتح فاه حتى وصل الغبار إلى جوفه فقد قال في التهذيب أصح الوجهين أنه يقع عفوا وشبهوا هذا
الخلاف بالخلاف فيما إذا قتل البراغيث عمدا وتلوثت يده انها هل يقع عفوا ولو ضبطت المرأة ووطئت
أو وجئ بالسكين أو وجئ بغير اختياره فلا افطار ونقل الحناطي وجهين فيما لو أوجر بغير اختياره وهو
غريب بمرة نعم لو كان مغمى عليه فأوجر معالجة واصلاحا ففيه وجهان وفى النهاية قولان (أحدهما)
386

أنه يفطر لان هذا الايجار لمصلحته فكأنه باذنه واختياره (وأصحهما) أنه لا يفطر كايجار غيره
بغير اختياره (واعلم) أن هذا الخلاف مفرع على أن الصوم لا يبطل بمطلق الاغماء وإلا فالايجار مسبوق
بالبطلان وهذا الخلاف كالخلاف في المغمى عليه المحرم إذا عولج بدواء فيه طيب هل تلزمه الفدية *
387

قال {ولو ابتلع دما خرج من سنه أو سنا أفطر بخلاف الريق الا أن يجتمع الريق بالعلك ففيه وجهان
ولو رد النخامة إلى أقصى الفم ثم ابتلع أفطر ولو قدر على قطعه من مجراه فترك حتى جرى بنفسه
ففيه وجهان ولو أخرج لسانه وعلى طرفه ريق ثم أعاد لم يفطر إذ لم ينفصل (أما) الخياط إذا بل الخيط
ثم رده إلى فمه أفطر على الصحيح ولو سبق الماء في المضمضة إلى بطنه ففيه قولان وان بالغ فقولان
مرتبان وأولى بالافطار وإن جرى الريق ببقية طعام في خلال الأسنان فان قصر في التخليل فهو
كصورة المبالغة وان لم يقصر فكغبار الطريق والمني ان خرج بالاستمناء أفطر وان خرج بمجرد
388

الفكر والنظر فلا وان خرج بالقبلة والمعانقة مع حائل فهو كالمضمضة والمضاجعة متجردا
كالمبالغة وتكره القبلة للشاب الذي لا يملك إربه وخروج القئ كالمني ولو اقتلع نخامة من
مخرج الحاء ففي الحاقه بالاستقاءة وجهان ومخرج الخاء من الظاهر وفي إفساد القصد شرعا
بالاكراه قولان (أصحهما) انه لا يفطر لأنه ليس بصائم} *
الفصل يجمع مسائل (إحداها) ابتلاع الريق لا يفطر لأنه لا يمكن الاحتراز عنه وبه يحيى الانسان
وعليه حمل بعض المفسرين قوله تعالى (وجعلنا من الماء كل شي حي) وإنما. لا يفطر بشروط (أحدها)
أن يكون الريق صرفا أما لو كان مخلوطا بغيره متغيرا به فإنه يفطر بابتلاعه سواء كان ذلك الغير
389

طاهرا كما لو كان يفتل خيطا مصبوغا فتغير ريقه أو نجسا كما لو دميت لثته وتغير ريقه فلو ابيض
ولم يبق تغيره فهل يفطر بابتلاعه فيه وجهان (أظهرهما) عند الحناطي والقاضي الروياني لا لان ابتلاع الريق
مباح وليس فيه عين آخر وإن كان نجسا حكما (والثاني) وهو الأظهر عند الأكثرين انه يفطر لأنه لا يجوز
له ابتلاعه وإنما يجوز له ابتلاع الطاهر منه وعلى هذا لو تناول بالليل شيئا نجسا ولم يغسل فمه حتى أصبح
فابتلع الريق بطل صومه (والثاني) ان يبتلعه من معدنه فلو خرج إلى ظاهر فمه ثم رده بلسانه أو غير لسانه
أو ابتلعه بطل صومه ولو اخرج لسانه وعليه الريق ثم رده وابتلع ما عليه ففيه وجهان (أظهرهما) وهو
المذكور في النهاية أنه لا يبطل صومه لان اللسان كيفما تقلب معدود من داخل الفم فلم يفارق ما عليه
390

معدنه ولو بل الخياط الخيط بالريق ثم رده إلى الفم على ما يعتاد عند الفتل فإن لم يكن عليه رطوبة
تنفصل فلا بأس وإن كانت وابتلعها ففيه وجهان عن الشيخ أبي محمد أنه لا يضر لان ذلك القدر
أقل مما يبقى من الماء في الفم بعد المضمضة وقال الأكثرون انه يبطل الصوم لأنه لا ضرورة إليه
وقد ابتلعه بعد مفارقة المعدن وخص في التتمة الوجهين بما إذا كان جاهلا بأن ذلك لا يجوز فاما إذا
كان عالما يبطل صومه بلا خلاف (الثالث) ان يبتلعه وهو على هيأته المعتادة أما لو جمعه ثم ابتلعه
ففيه وجهان (أحدهما) أنه يبطل صومه لان الاحتراز عنه هين (وأصحهما) انه لا يبطل وبه قال أبو حنيفة
رحمه الله لأنه مما يجوز ابتلاعه ولم يخرج من معدنه فأشبه ما لو ابتلعه متفرقا (فان قلت) هذان الوجهان
إن جريا في مطلق الجمع فلم قال إلا أن يجمع الريق بالعلك وان اختصا بالجمع بالعلك فلم أطلقتم نقلهما
391

(فالجواب) انهما جاريان في مطلق الجمع نقلا وتوجيها ولعله إنما تعرض للعلك لان الامام قد ذكر أن الوجهين
في صورة الجمع ناشئان من لفظ الشافعي رضي الله عنه حيث قال وأكره العلك لأنه يحلب الفم وكأنه حاذر اجتماع
الريق على خلاف العادة وهذا شئ قد قاله بعض الشارحين وقال آخرون أراد بقوله يحلب الفم أنه يطيب
النكهة ويزيل الخلوف فلذلك كرهه ولو كان العلك جديدا مفتتا فوصل منه شئ إلى الجوف بطل صومه كما لو وضع
سكرة في فيه وابتلع الريق بعد ما ذابت فيه وما قدمناه فيما إذا كان مغسولا مستعملا أو صلبا لا ينفصل منه
شئ (وقوله) ولو ابتلع دما خرج من سنه أو سنا أفطر ظاهر وفيه إشارة إلى أن داخل الفم له حكم
الظاهر في هذا وان احتمال ابتلاع الريق ليس لمجرد ابتلاعه من الفم بل لدعاء الضرورة إليه
(المسألة الثانية) النخامة ان لم تحصل في حد الظاهر من الفم فلا مبالاة بها وان حصلت فيه بانصبابها
من الدماغ في الثقبة النافذة منه إلى أقصى الفم فوق الحلقوم نظر ان لم يقدر على صرفه ومجه حتى نزل إلى
392

الجوف لم يضره وان رده إلى فضاء الفم أو ارتد إليه ثم ابتلعه أفطر وان قدر على قطعه من مجراه
ومجه فتركه حتى جرى بنفسه ففيه وجهان حكاهما لامام (أحدهما) انه لا مؤاخذة به لأنه لم يفعل شيئا
وإنما أمسك عن الفعل وأوفقهما لكلام الأئمة ان تركه في مجراه مع القدرة على مجه تقصير فيفطر
(ونقل) عن الحاوي وجها مطلقا في الافطار بالنخامة والوجه تنزيلهما على الحالة التي حكى
الامام الخلاف فيها (الثالثة) إذا تمضمض فسبق الماء إلى جوفه أو استنشق فوصل الماء
إلى دماغه فقد نقل المزني أنه يفطر وقال في اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلي رحمهما الله
انه لا يفطر الا ان يتعمد الازدراد وللأصحاب فيه طريقان (أصحهما) ان المسألة على قولين (أحدهما)
وبه قال مالك وأبو حنيفة والمزني رحمهم الله انه يفطر لأنه وصل الماء إلى جوفه بفعله فإنه الذي ادخل
الماء فمه وانفه (والثاني) وبه قال احمد وهو اختيار الربيع رحمهما الله أنه لا يفطر لأنه وصل بغير اختياره
فأشبه غبار الطريق (والثاني) القطع بأنه لا يفطر حكاه المسعودي وغيره ثم من القائلين به من حمل منقول
المزني على ما إذا تعمد لازدراد ومنهم من حمله على ما إذا بالغ وحمل النص الثاني على ما إذا لم يبالغ
ونفى الخلاف في الحالتين وإذا قلنا بطريقة القولين فما محلهما فيه ثلاثة طرق (أصحها) ان القولين فيما إذا لم يبالغ
في المضمضة والاستنشاق فاما إذا بالغ أفطر بلا خلاف (وثانيها) ان القولين فيما إذا بالغ أما إذا لم يبالغ
393

فلا يفطر بلا خلاف والفرق على الطريقين ان المبالغة منهى عنها وأصل المضمضة والاستنشاق محثوث
عليه فلا يحسن مؤاخذته بما يتولد منه بغير اختياره (والثالث) طرد القولين في الحالتين فإذا ميزنا
حالة المبالغة عن حالة الاقتصار على أصل المضمضة والاستنشاق حصل عند المبالغة قولان مرتبان كما
ذكر في الكتاب وظاهر المذهب مما ذكرنا عند المبالغة الافطار وعند عدم المبالغة الصحة ولا يخفى
ان محل الكلام فيما إذا كان ذاكرا للصوم أما إذا كان ناسيا فلا يفطر بحال وسبق الماء عند غسل
الفم لنجاسة كسبقه في المضمضة والمبالغة هاهنا للحاجة ينبغي أن تكون كالسبق في المضمضة بلا مبالغة
ولو سبق الماء من غسله تبردا أو من المضمضة في الكرة الرابعة فقد قال في التهذيب ان بالغ
بطل صومه والا فهو مرتب على المضمضة وأولي بالافطار لأنه غير مأمور به (الرابعة) لو بقي طعام
في خلل أسنانه فابتلعه عمدا أفطر خلافا لأبي حنيفة رحمه الله فيما إذا كان يسيرا وربما قدره بالحمصة
وان جرى به الريق من غير قصد منه فمنقول المزني انه لا يفطر ومنقول الربيع انه يفطر واختلف
394

الأصحاب فمنهم من قال فيه قولان كما في صورة المضمضة لان الطعام حصل في فمه بسبب غير
مكروه وهو الاكل بالليل فأشبه المضمضة ومنهم من نفى كون المسألة على وجهين وهو
الأصح ثم من هؤلاء من حمل النص على حالين حيث قال لا يفطر أراد به ما إذا لم يقدر على تمييزه
ومجه وحيث قال يفطر أراد ما إذا قدر عليه فابتلعه وتوسط الامام من وجه آخر وتابعه صاحب
الكتاب فقال إن لم يتعهد تنقية الأسنان ولم يخلل فهو كصورة المبالغة في المضمضة لان الغالب في مثله
الوصول إلى الجوف وان نقاها على الاعتياد في مثله فهو كغبار الطريق ولك أن تقول ترك التخليل
اما أن يكون مكروها أو لا يكون وان لم يكن مكروها فلا يتوجه الحاقه بصورة المبالغة لان الوصول
هناك تولد من أمر مكروه وإن كان مكروها فالفرق ثابت أيضا لان ما بين الأسنان أقرب إلى الظاهر
من الماء عند المبالغة وربما يثبت في خلالها فلا ينفصل وبتقدير أن ينفصل فالتمكن من أخذه ومجه
مما لا يبعد والماء سيال إذا وجد متحدرا أسرع في النفوذ فكان وصوله إلى الجوف أقرب وليكن
395

قوله فهو كصورة المبالغة معلما بالحاء لأنهما مفترقان عنده فيفطر في صورة المبالغة ولا يفطر ههنا (الخامسة)
المنى إن خرج بالاستمناء أفطر لان الايلاج من غير أنزال مبطل فالانزال بنوع شهوة اولي أن يكون مفطرا
وان خرج بمجرد الفكر والنظر لشهوة لم يكن مفطرا خلافا لمالك في النظر وعن أصحابه في الفكر اختلاف
ولأحمد حيث قال إن كرر انظر حتى انزل أفطر * لنا أنه انزال من غير مباشرة فأشبه الاحتلام وان خرج
بمباشرة فيما دون الفرج أو لمس أو قبلة أفطر لأنه انزل بمباشرة هذا ما ذكره الجمهور وذكر الامام ان شيخه حكى
وجهين فيما إذا ضم امرأة إلى نفسه وبينهما حائل قال وهو عندي كسبق الماء في صورة المضمضة وإن
ضاجعها متجردا فالتقت البشرتان فهي كصورة المبالغة في المضمضة واقتدى صاحب الكتاب به فأورد
هذا الترتيب وتكره القبلة للشاب الذي تحرك القبلة شهوته ولا يأمن على نفسه ولا تكره لغيره وان
396

كان الأولى الاحتراز " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم " (1) وعن عائشة ان النبي
صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض نسائه وهو صائم وكان أملككم لإربه (2) ومن كرهنا
له القبلة فهل ذلك على سبيل التحريم أو التنزيه حكي في التتمة فيه وجهين والأول هو المذكور في التهذيب
(وقوله) وخروج القئ كالمني إشارة إلى ما قدمنا أنه لو استقاء أفطر وإن خرج بغير اختياره فلا ولو اقتلع
397

نخامة من باطنه ولفظها فقد حكى الشيخ أبو محمد فيه وجهين (أحدهما) أنه يفطر به الحاقا له بالاستقاءة
(والثاني) لا لان الحاجة إليه مما تكثر فليرخص فيه وبهذا أجاب الحناطي وكثير من الأئمة ولم
يذكروا غيره ثم ذكر صاحب الكتاب ان مخرج الحاء من الباطن ومخرج الخاء من الظاهر ووجهه لائح
فان الحاء تخرج من الحلق والحلق من الباطن والخاء تخرج مما قبل الغلصمة الا أن المقصد في مثل
هذا المقام الضابط الفارق بين الحدين يشبه أن يكون قدر مما بعد مخرج الخاء من الظاهر أيضا
والله أعلم (السادسة) ذكرنا من قبل إنه لو أوجر مكرها لم يفطر فلو أكره حتى أكل بنفسه ففيه
قولان (أحدهما) وبه قال أحمد لا يفطر لان حكم اختياره ساقط وأكله ليس منهيا عنه فأشبه الناسي
(والثاني) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله أنه يفطر لأنه أتي بضد الصوم ذاكرا له غايته أنه أتى به لدفع
398

الضرر عن نفسه لكنه لا أثر له في دفع الفطر كما لو أكل أو شرب لدفع الجوع أو العطش وهذا
أصح عند صاحب الكتاب ويجرى القولان فيما لو أكرهت المرأة حتى مكنت وكذلك فيما إذا
أكره الرجل حتى وطئ (ان قلنا) بتصور الاكراه على الوطئ نعم لا تجب الكفارة وان حكما بالافطار
للشبهة (وان قلنا) لا يتصور الاكراه على الوطئ بطل صومه ولزمه الكفارة وعند احمد يحصل الافطار
بالوطئ مكرها بخلاف ما قال في الاكل (وقوله) وفى فساد القصد شرعا أشار به إلى أن قيد القصد لابد
منه على ما ذكرناه في الضابط والقصد من حيث الحس موجود في حق المكره ولكن في الحاقه
بالعدم شرعا وإفساده الخلاف المذكور (وقوله) لأنه ليس بمأثم معناه ان الاكراه إنما يؤثر في دفع الاثم
399

على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " (1) الخبر وحصول الفطر
لا يتعلق به اثم (واعلم) ان هذا التوجيه يتركب على مقدمتين (إحداهما) إن الاكراه إنما يؤثر في
دفع المأثم (والثانية) أن هذا ليس بماثم واقتصر ههنا على ذكر الثانية وفى الوسيط على ذكر الأولى
والله تعالى أعلم *
قال {فأما ذكر الصوم إحترزنا به عن الناسي للصوم فإنه لا يفطر بأكل ولا جماع (م و) والغالط الذي يظن
عدم طلوع الصبح أو غروب الشمس أفطر ويلزمه القضاء في الآخر} *
400

ومن القيود المدرجة في الضابط الذي سبق كون الوصول مع ذكر الصوم فأما إذا أكل ناسيا
نظر إن قل أكله لم يفطر خلافا لمالك * لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من نسي وهو صائم
فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " (1) وان كثر ففيه وجهان كالوجهين في بطلان
الصلاة بالكلام الكثير وان أكل جاهلا بكونه مفطرا وكان قريب العهد بالاسلام أو نشأ ببادية
وكان يجهل مثل ذلك لم يبطل صومه والا فيبطل ولو جامع ناسيا للصوم فقد نقل المزني أن صومه
لا يبطل وللأصحاب فيه طريقان (أصحهما) القطع بأنه لا يبطل كما نقله اعتبارا بالاكل (والثاني) أنه
يخرج على قولين كما في جماع المحرم ناسيا ومن قال بهذا أنكر ما نقله المزني وقال لا نص للشافعي
رضي الله عنه فيه ولو اكل على ظن أن الصبح لم يطلع بعد أو أن الشمس قد غربت وكان غالطا
فقد روى المزني انه لا يجوز صومه ووافقه الأصحاب على روايته في الصورة الثانية واما في الأولى
فمنهم من أنكر ما رواه وقال لا يوجد ذلك في كتب الشافعي رضي الله عنه ومذهبه انه لا يبطل الصوم
إذا ظن أن الصبح لم يطلع بعد لان الأصل بقاء الليل وهو معذور في بناء الامر عليه بخلاف ما في
آخر النهار فان الأصل بقاء النهار فالغالط فيه غير معذور ومنهم من صحح ما رواه وقال لعله نقله
سماعا ووجهه بأنه تحقق خلاف ما ظنه واليقين مقدم على الظن ولا يبعد استواء حكم الغلط في دخول
الوقت وخروجه كما في الجمعة هذا هو الأصح والأشهر في المذهب قال الامام (فان قيل) هلا خرج
ذلك على القولين في خطأ القبلة (قلنا) المخطئ آخرا لا يكاد يصادف امرأة ظاهرة في هجوم الليل
واستصحاب النهار في معارضة ما يعن له وهو مع ذلك متمكن من الصبر إلى درك اليقين فاقتضى ذلك
الفرق بين البابين إذا عرفت ذلك وعدت إلى لفظ الكتاب فاعلم قوله فإنه لا يفطر بالميم وقوله
ولا جماع بالألف لان عند احمد جماع الناسي يفسد الصوم وبالواو إشارة إلى طريقة القولين فقد
401

تعرض للخلاف فيه في الكتاب في فصل الكفارة وان لم يذكره في هذا الموضع ولو جعلت الواو
على قوله لا يفطر ليشمل الاكل أيضا لم يبعد لأنه أطلق القول بأنه لا يفطر الناسي به وفى الكثير
منه الخلاف الذي سبق (وقوله) في مسألة الغالط فمفطر يجوز ان يعلم بالزاي والواو (اما) الزاي فلان
أبا سعيد المتولي حكى ذهاب المزني إلى أنه لا يفطر في الصورة الأولى ومنهم من نقل ذهابه إليه في
الصورتين (واما) بالواو فلامرين (أحدهما) ما حكينا عن بعض الأصحاب في الصورة الأولى (والثاني)
ان الموفق ابن طاهر حكى عن محمد بن إسحاق بن خزيمة انه يجزئه الصوم في الطرفين (وقوله) فمفطر ويلزمه
القضاء الجمع بينهما ضرب تأكيد ولا ضرورة إليه ثم لا يخفى ان الحكم بلزوم القضاء في الصوم الواجب
اما في التطوع فيفطر ولا قضاء *
قال {ولا ينبغي ان يأكل في آخر النهار الا بيقين فأما بالاجتهاد ففيه خلاف وفى أول النهار يجوز
بالاجتهاد ولو هجم ولم يتبين الخطأ لزمه القضاء في الآخر ولم يلزمه في الأول} *
لما تكلم في الغالط الذي أكل ثم تبين خلاف ما ظنه أراد أن يبين أن الاكل ثم يجوز (أما) في
آخر النهار فالأحوط ألا يأكل إلا بتيقن غروب الشمس لان الأصل بقاء النهار فيستصحب إلى أن
يستيقن خلافه ولو اجتهد وغلب على ظنه دخول الليل بورد وغيره ففي جواز الأكل وجهان
(أحدهما) وبه قال الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني أنه لا يجوز لقدرته على درك اليقين بالصبر (وأصحهما)
الجواز لما روى " أن الناس أفطروا في زمان عمر رضي الله ثم انكشف السحاب وظهرت الشمس " (1)
(وأما) في أول النهار فيجوز الاكل بالظن والاجتهاد لان الأصل بقاء الليل ولو هجم واكل من غير
يقين ولا اجتهاد نظر ان تبين الخطأ فالحكم ما ذكرنا في الفصل السابق وإن تبين الصواب فقد
استمر الصوم على الصحة وليس لاحد أن يقول إذا اكل شاكا في الغروب وتبين الغروب وجب
ألا يصح صومه كما لو صلي شاكا في الوقت أو في القبلة من غير اجتهاد وتبين له الصواب لا تصح صلاته
لان هناك ابتداء العبادة وقع في حال الشك فمنع الانعقاد وههنا انعقدت العبادة على الصحة وشك
في أنه هل أتي بما يفسدها ثم تبين عدمه ذكر هذا الفرق صاحبا التتمة والمعتمد وان لم يتبين الخطأ
ولا الصواب واستمر الاشكال فينظر إن اتفق ذلك في آخر النهار وجب القضاء لان الأصل بقاؤه
ولم يبن الاكل على أمر يعارضه وإن اتفق في أوله فلا قضاء لان الأصل بقاء الليل وجواز الأكل
402

وروى بعض أصحابنا عن مالك وجوب القضاء في هذه الصورة وتردد ابن الصباغ في ثبوتها عنه
ولو اكل في آخر النهار بالاجتهاد وقلنا لا يجوز الاكل بالاجتهاد كان كما لو اكل من غير يقين ولا اجتهاد
قال {ولو طلع الصبح وهو مجامع فنزع انعقد (ز) صومه ولو استمر فسد}
إذا طلع الصبح وفى فيه طعام يأكله فليلفظه فان ابتلعه فسد صومه ولو لفظه في الحال لكن سبق منه شئ
إلى جوفه بغير اختياره فقد نقل عن الحاوي فيه وجهان مخرجان من سبق الماء في المضمضة ولو طلع الصبح وهو
مجامع فنزع في الحال صح صومه نص عليه في المختصر والمسألة تصور على ثلاثة أوجه (أحدها) ان يحس وهو مجامع
بتباشير الصبح فينزع بحيث يوافق آخر النزع ابتداء الطلوع (والثاني) أن يطلع الصبح وهو مجامع
ويعلم بالطلوع كما طلع وينزع كما علم (والثالث) أن يمضى زمان بعد الطلوع ثم يعلم به (أما) هذه
الصورة الثالثة فليست مرادة بالنص بل الصوم فيها باطل وإن نزع كما علم لان بعض النهار قد مضى
وهو مشغول بالجماع فأشبه الغالط بالاكل هذا ظاهر المذهب والخلاف الذي مر فيما إذا اكل على
ظن أن الصبح لم يطلع بعد فبان خلافه عائد ههنا بلا فرق وعلى الصحيح لو مكث في هذه الصورة
فلا كفارة عليه لان مكثه مسبوق ببطلان الصوم (وأما) الصورتان الأوليان فقد حكى الموفق ابن طاهر
أن أبا إسحاق قال النص محمول على الصورة الأولى أما إذا طلع واخرج فسد صومه ولا شك في
صحة الصوم في الصورة الأولى لكن حمل النص عليها والحكم بالفساد في الثانية مستبعد لا مبالاة به
بل قضية كلام الأئمة نقلا وتوجيها ان المراد من مسألة النص الصورة الثانية وحكوا فيها خلاف
403

مالك وأحمد والمزني رحمهم الله واحتجوا عليهم أن النزع ترك الجماع فلا يتعلق به ما يتعلق بالجماع
كما لو حلف ألا يلبث ثوبا هو لابسه فانتزعه في الحال لا يحنث (وقوله) في الكتاب انعقد صومه أعلم
بالميم والألف والزاي إشارة إلى مذاهبهم ويجوز أن يعلم بالواو أيضا للمنقول عن أبي إسحاق
وقد روى الحناطي أيضا وجها في المسألة ولو طلع الفجر وعلم به كما طلع ومكث ولم ينزع فسد صومه
وهل عليه الكفارة نص في المختصر على أنها تجب وأشار فيما إذا قال لامرأته إن وطأتك فأنت
طالق ثلاثا فغيب الحشفة وطلقت ومكث إلى أنه لا يجب المهر واختلف الأصحاب على طريقين (أحدهما) أن فيها
قولين نقلا وتخريجا (أحدهما) وجوب الكفارة ههنا والمهر ثم كما لو نزع وأولج ثانيا (والثاني) لا يجب
واحد منهما لان ابتداء الفعل كان مباحا (وأصحهما) القطع بوجوب الكفارة ونفى المهر والفرق أن
ابتداء الفعل لم تتعلق به الكفارة فتتعلق بانتهائه حتى لا يخلوا الجماع في نهار رمضان عمدا عن الكفارة
والوطئ ثم غير خال عن المقابلة بالمهر لان المهر في النكاح يقابل جميع الوطئات وعند أبي حنيفة لا تجب
الكفارة بالمكث واختاره المزني وساعدنا مالك وأحمد على الوجوب والخلاف جار فيما إذا جامع ناسيا ثم تذكر
الصوم واستدام * ثم تكلم الأئمة في هذه المسائل في أن أول الفجر كيف يدرك ويحس ومتي عرف
المترصد الطلوع كان الطلوع الحقيقي متقدما عليه فكيف يستمر فرض العلم به كما طلع وللشيخ أبى محمد
404

في الجواب عنه مسلكان حكاهما الامام عنه (أحدهما) أن المسألة موضوعة على التقدير كدأب الفقهاء
في أمثالها (والثاني) أنا تعبدنا بما نطلع عليه ولا معنى للصبح إلا ظهور الضوء للناظر وما قبله لا حكم له
فإذا كان الشخص عارفا بالأوقات ومنازل القمر وكان بحيث لا حائل بينه وبين المطلع وترصد فمتى
أدرك فهو أول الصبح المعتبر *
قال {القول في شرائط الصوم وهي أربعة ثلاثة في الصائم وهي (النقاء عن الحيض) (والاسلام) (والعقل)
في جميع النهار وزوال العقل بالجنون مفسد ولو في بعض النهار واستتاره بالنوم ليس بمفسد ولو في
كل النهار (و) وانغماره بالاغماء فيه أقوال (انه) كالنوم أو كالجنون (وأصح) الأقوال انه ان افاق في أول النهار
لم يضره بعده الاغماء} *
يشترط في الصائم ثلاثة أمور (أحدها) النقاء عن الحيض والنفاس فلا يصح صوم الحائض
والنفساء على ما قدمناه في الحيض (والثاني) الاسلام فلا يصح صوم الكافر أصليا كان أو مرتدا كما
لا يصح منه سائر العبادات وهذان الشرطان معتبران في جميع النهار حتى لو طرأ حيض أو ردة في
آخر النهار بطل الصوم (والثالث) العقل فلا يصح صوم المجنون ولو جن في أثناء النهار فظاهر المذهب
بطلان صومه كما لو جن في خلال صلاته تبطل صلاته وفيه وجه ان عروض الجنون كعروض
الاغماء وسيأتي حكمه وعبر الشيخ أبو إسحاق عن هذا الخلاف في المهذب بقولين (الأول) الجديد
(والثاني) القديم ولو نوى من الليل ونام جميع النهار صح صومه وعن أبي الطيب ابن سلمة والاصطخري
405

أنه لا يصح كما لو كان مغمى عليه جميع النهار واحتجا على ذلك بقوله في المختصر فان أفاق في بعض
النهار فهو صائم يعني المغمى عليه ثم قال وكذلك إن أصبح راقدا ثم استيقظ فاشعر. كلامه باشتراط
الاستيقاظ في بعض النهار والمذهب الأول والفرق بين النوم والاغماء ان سلمنا أن مستغرقه مبطل
أن الاغماء يخرجه عن أهلية الخطاب ويلحقه بالمجنون والنائم إذا نبه تنبه ولهذا لا يسقط قضاء
الصلوات بالنوم ويسقط بالاغماء ولو نوى من الليل ثم عرض له الاغماء فقد نص في المختصر في
باب الصوم أنه إذا كان مفيقا في جزء من النهار صح صومه وفى باب الظهار انه إن كان مفيقا في أول
النهار صح صومه ويحكى مثله عن البويطي وفى بعض كتبه أن المرأة إذا كانت صائمة فحاضت أو أغمي
عليها بطل صومها وذلك يقتضي اشتراط الإفاقة في جميع النهار وقال المزني إذا نوى من الليل صح
صومه وان استغرق الاغماء جميع النهار كالنوم وخرج ابن سريج من نصه في الظهار
انه يشترط الإفاقة في طرفي النهار وقت طلوع الفجر ووقت غروب الشمس وللأصحاب
في المسألة طريقان اثبات الخلاف ونفيه (أما) المثبتون للخلاف فلهم طرق (أظهرها) ان المسألة على
ثلاثة أقوال (أصحها) نصه في المختصر في باب الصوم وبه قال احمد ووجهه الامام بأن
الدليل يقتضى اشتراط النية مقرونة بجميع اجزاء العبادة الا ان الشرع لم يشترط
ذلك واكتفى بتقديم العزم دفعا للعسر فلا بد من أن يقع المعزوم عليه بحيث
406

يتصور القصد إليه وإمساك المغمى عليه لا يقع مقصودا فإذا استغرق الاغماء امتنع التصحيح وإذا وجدت
الإفاقة في لحظة أتبعنا زمان الاغماء زمان الإفاقة (والثاني) اشتراط الإفاقة في أول النهار وبه قال مالك
رحمه الله ووجهه انه حالة الشروع في الصوم فينبغي أن تجتمع فيه صفات الكمال ولهذا خص أول
الصلاة باشتراط النية فيه (والثالث) اشتراط الإفاقة في جميع النهار كالإفاقة عن الجنون والنقاء عن
الحيض (والطريق الثاني) إنه ليس في المسألة إلا قولان الأول والثاني (وأما) نصه الثالث فهو محمول على
ما إذا كان الاغماء مستغرقا أو على اغماء الجنون أو على أن جوابه رجع إلى الحيض دون الاغماء
وقد يقع مثل ذلك في كلام الشافعي رضي الله عنه حكى هذا الطريق والذي قبله الشيخ أبو حامد
وغيره (والثالث) ان المسألة على خمسة أقوال هذه الثلاثة المنصوصة وقولان آخران مخرجان (أحدهما)
ما ذكره المزني جعله بعض الأصحاب قولا مخرجا من النوم وبه قال أبو حنيفة (والثاني) ما ذكره
ابن سريج ووجهه بأن الصلاة لما اعتبرت النية فيها ولم تعتبر في جميعها اعتبرت في طرفيها كذلك
حكم الإفاقة في الصوم واستضعفت الأئمة هذا القول حتى غلط صاحب الحاوي ابن سريج في تخريجه
وقال لا يعرف للشافعي رضي الله عنه ما يدل عليه (وأما) النافون للخلاف فلهم طريقان (أحدهما) ان
المسألة على قول واحد وهو اشتراط الإفاقة في أول النهار وما ذكره في الصوم مطلق محمول على ما بينه
في الظهار (وأظهرهما) ان المسألة على قول واحد وهو اشتراط الإفاقة في جزء من النهار وتعيين أول النهار
407

في نصه في الظهار وقع على سبيل الاتفاق (وأما) النص الثالث فقد قدمنا تأويله ولو نوى بالليل ثم شرب
دواء فزال عقله نهارا فقد قال في التهذيب يرتب على ذلك الاغماء (إن قلنا) لا يصح الصوم في الاغماء
فههنا اولي (وان قلنا) يصح فوجهان (والأصح) ان عليه القضاء لأنه كان بصنعه ولو شرب المسكر
ليلا وبقى سكره في جميع النهار فعليه القضاء وان بقي بعض النهار ثم صحا فهو كالاغماء في بعض النهار
قاله في التتمة (وأما) لفظ الكتاب فمسألتا الجنون والنوم معلمتان بالواو لما حكينا من الوجهين (وقوله)
في الاغماء أقوال يجوز اعلامه بالواو للطريقة النافية للخلاف وما أطلقه من الأقوال محمول على طريقة
إثبات الأقوال الخمسة لكنه ذكر منها ثلاثة (أحدها) المخرج الذي اختاره المزني وهو قوله كالنوم
(والثاني) منصوصة في بعض كتبه وهو قوله كالجنون (والثالث) منصوصة في باب الظهار (وأما) القولان
الباقيان فلم يذكرهما ولو حملنا ما أطلقه على الأقوال الثلاثة التي ذكرها وقدرنا حصره خلاف المسألة
فيها لكان صاحب الكتاب منفردا بنقل هذه الطريقة (وقوله) كالنوم أو كالجنون التشبيه بهما
مبنى على ظاهر المذهب فيهما وجعله القول الثالث أصح الأقوال خلاف ما ذكره الجمهور وإنما الأصح
عندهم ما قدمنا ذكره وما أطلقه من عبارات الزوال والانغمار والاستتار فإنما اخذه من الامام حيث
جعل لاختلال العقل مراتب (أحدها) الجنون وهو يسلب خواص الانسان ويكاد يلحقه بالبهائم
408

(والثانية) الاغماء وهو يغشى العقل ويغلب عليه حتى لا يبقى في دفعه اختيار (والثالثة) النوم وهو
مزيل للتمييز لكنه سهل الإزالة والعقل معه كالشئ المستور الذي يسهل الكشف عنه قال
ودونها مرتبة رابعة وهي الغفلة ولا اثر لها في الصوم وفاقا *
قال {الرابع الوقت القابل للصوم وهو جميع الأيام إلا يوم العيدين (ح) وأيام التشريق (و) ولا يصح
صوم المتمتع في أيام التشريق على القول الجديد وصوم يوم الشك صحيح إن وافق نذرا أو قضاءا
أو وردا وإن لم يكن له سبب فهو منهي عنه (م ح) وفى صحته وجهان كالصلاة في الأوقات المكروهة ويوم
الشك ان يتحدث برؤية الهلال من لا يثبت الهلال بشهادته كالعبيد والفساق} *
أيام السنة تنقسم إلى يوم الشك وغيره وغيره ينقسم إلى يومى العيد وأيام التشريق وغيرها (فأما) غيرها
من الأيام فهو قابل للصوم بلا استثناء (وأما) يوما العيد فلا يقبلانه خلافا لأبي حنيفة رحمه الله لان عنده
409

لو نذر صومهما كان له أن يصوم فيهما * لنا انه روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم " نهى عن صوم يومين يوم الأضحى ويوم الفطر (1) (وأما) أيام التشريق فهل يجوز للمتمتع
العادم للهدى أن يصومها عن الثلاثة أيام اللازمة عليه في الحج فيه قولان (القديم) وبه قال مالك
انه يجوز لما روى عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم " ارخص للمتمتع إذا لم
يجد الهدى ولم يصم الثلاثة في العشر ان يصوم أيام التشريق " وإلى هذا ميل الشيخ أبي محمد (والجديد)
410

انه لا يجوز بل هما في عدم قبول الصوم كالعيدين لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " لا تصوموا في
هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وبعال " (1) فان فرعنا على القديم فهل يجوز لغير المتمتع صومها فيه
وجهان (قال) أبو إسحاق نعم لان تجويز صومها للمتمتع إنما كان لأنه صوم له سبب فيجوز مثل هذا
الصوم لكل أحد دون التطوعات المحضة وقال الأكثرون لا يجوز لان النهي عام والرخصة وردت في
411

في حق المتمتع خاصة وذكر الامام أن القاضي الحسين سلك مسلكا يفضي إلى تنزيل يوم العيد منزلة يوم
الشك قال وما تراه قاله عن عقد (وأما) يوم الشك فقد روى عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال " من
صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى (1) أبا القاسم " فلا يصح صومه عن رمضان خلافا لأحمد حيث قال في رواية
" إن كانت السماء مصحية كره صومه والا وجب صومه عن رمضان " وفى رواية ان صام الامام صاموا والا
412

أفطروا وعنه رواية أخرى مثل مذهبنا * لنا قوله صلى الله عليه وسلم " فان غم عليكم فأكملوا عدة شعبان
ثلاثين ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان " (1) ويجوز صومه عن قضاء ونذر وكفارة وكذا
413

إذا وافق ورده في التطوع بلا كراهية روى عن أبي هريرة " ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تستقبلوا
الشهر بيوم أو يومين الا ان يوافق ذلك صياما كان يصومه أحدكم " (1) وعن القاضي أبي الطيب انه يكره صومه
عما عليه من فرض قال ابن الصباغ وهذا خلاف القياس لأنه إذا لم يكره منه ماله سبب من التطوع فلان لا يكره
فيه الفرض كان أولى ولا يجوز ان يصوم فيه التطوع الذي لا سبب له خلافا لأبي حنيفة ومالك رحمهما الله
414

حيث قالا لا كراهية في ذلك) * لنا حديث عمار وأيضا فقد روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
" نهي عن صيام ستة أيام أحدها اليوم الذي يشك فيه " (1) وهل يصح هذا الصوم فيه وجهان كالوجهين
في الصلاة وفى الأوقات المكروهة (أصحهما) لا لأنه منهي عنه كيوم العيد (والثاني) (نعم) لأنه قابل للصوم
في الجملة ولو نذر صومه فهو على هذين الوجهين (فان قلنا) يصح فليصم يوما آخر ولو صامه خرج عن نذره قاله
في التهذيب ولا يخفى ان اليوم الموصوف بكونه يوم الشك هو الثلاثون من شعبان ومتي يتصف بهذه الصفة ان طبق
الغيم ليلته فهو من شعبان وليس بيوم شك لقوله صلى الله عليه وسلم " فان غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين "
(2) ولا اثر لظننا الرؤية لولا السحاب لبعد الهلال عن الشمس وإن كانت السماء مصحية وتراءى الناس الهلال
415

فلم يروه فليس بيوم شك بطريق الأولى إن لم يتحدث برؤية الهلال أحد وان وقع في السنة الناس انه
رؤي ولم يقل عدل أنا رأيته أو قاله عدل وفرعنا على أنه لا يثبت بقول واحد أو قاله عدد من النسوة
أو العبيد أو الفساق وظن صدقهم فهو يوم شك وحكي الموفق ابن طاهر عن أبي محمد البافي انه إذا
كانت السماء مصحية ولم ير الهلال فهو يوم شك وعن الأستاذ أبي طاهر ان يوم الشك ما تردد
بين الجائزين من غير ترجيح فإذا شهد امرأة أو عبد أو صبي فقد ترجح أحد الجانبين وخرج
اليوم عن كونه يوم شك والمشهور ما تقدم ولو كان في السماء قطع سحاب يمكن ان يرى الهلال
من خلالها وان يخفى تحتها فقد قال الشيخ أبو محمد انه يوم الشك وقال غيره إنما يكون كذلك بشرط
التحدث على ما سبق وتوسط الامام بينهما فقال إن كان في بلد يستقل أهلها بطلب الهلال فلم يتحدثوا برؤيته
فالوجه ان لا يجعل الغد يوم شك وإن كان في سفر ولم يبعد رؤية أهل القرى فيحتمل ان يجعل
الغد يوم شك والله أعلم * إذا عرفت ذلك فارجع إلى لفظ الكتاب واعلم قوله الا يوم العيدين
وأيام التشريق بالحاء والميم والألف (اما) بالحاء فلان عنده صومها صحيح عند النذر فتكون
قابلة للصوم (واما) بالميم فلان عنده يجوز للمتمتع صوم أيام التشريق وهو رواية عن أحمد (وقوله)
ولا يصح صوم المتمتع في أيام التشريق ان قرئ بالواو كان مقطوعا عما سبق وأحوج إلى اعلام ما سبق بالواو
للقول القديم فإنها قابلة للصوم على ذلك القول وإن قرئ فلا يصح بالفاء ترتيبا له على ما سبق كان أحسن وأغني
عن الاعلام بالواو ويجوز أن يعلم قوله على الجديد بالواو لأنه يقتضى اثبات خلاف في المسألة وقد ذكر
المزني ان القول القديم في المسألة مرجوع عنه فلم يثبت بعض الأصحاب فيها خلافا (وقوله) فهو منهى
معلم بالميم والحاء (وقوله) أن يتحدث برؤية الهلال يجوز اعلامه بالواو (اما) لما روينا عن الشيخ فإنه لا يعتبر
التحدث في تفسير يوم الشك أو عن الأستاذ فإنه يجعل خبر العبيد ونحوهم مخرجا له عن كونه
يوم شك *
416

قال {القول في السنن وهي ثمانية تعجيل الفطر بعد تيقن الغروب بتمر أو ماء والوصال منهى
عنه وتأخير السحور مستحب وكذا اكثار الصدقات وكثرة تلاوة القرآن والاعتكاف لا سيما
في العشر الأخير لطلب ليلة القدر وكف اللسان عن الهذيان وكذا كف النفس عن جميع الشهوات فهو
سر الصوم وترك السواك بعد الزوال وتقديم غسل الجنابة على الصبح} *
من سنن الصوم تعجيل الفطر قال صلى الله عليه وسلم " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " (1) وإنما
يستحب التعجيل بعد تيقن غروب الشمس والسنة أن يفطر على تمر فإن لم يجد فعلى ماء روى أنه
صلى الله عليه وسلم قال " من وجد التمر فليفطر عليه ومن لم يجد التمر فليفطر على الماء فإنه طهور " (2)
وذكر القاضي الروياني انه يفطر على التمر فإن لم يجد فعلى حلاوة أخرى فإن لم يجد فعلى
417

الماء وعن القاضي حسين ان الأولى في زماننا أن يفطر على ماء يأخذه بكفه من النهر ليكون أبعد عن
الشبهة (وقوله) في الكتاب على تمر أو ماء ليس للتخيير بل الامر فيه على الترتيب كما بيناه (ومنها) التسحر فهو
مندوب إليه قال صلى الله عليه وسلم " تسحروا فان في السحور بركة " (1) ويستحب تأخيره ما لم يقع في مظنه الشك روى
" أنه كان بين تسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زيد بن ثابت رضي الله عنه ودخوله في صلاة الصبح
قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية " (2) (ومنها) ترك الوصال فهو مكروه لغير النبي صلى الله عليه وسلم روى عن ابن عمر
418

رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن الوصال فقيل يا رسول الله انك تواصل فقال إني
لست مثلكم اني أطعم وأسقي " (1) قال المسعودي أصح ما قيل في معناه انى أعطى قوة الطاعم والشارب
والوصال أن يصوم يومين فصاعدا ولا يتناول بالليل شيئا وكراهية الوصال كراهية تحريم أو تنزيه (2)
حكى عن صاحب المهذب وغيره فيه وجهين (أحدهما) انها كراهية تحريم لظاهر النهي ومبالغة النبي صلى الله
عليه وسلم في منع من واصل (والثاني) انها كراهية تنزيه لان النهي إنما ورد مخافة الضعف وهو أمر
غير متحقق وظاهر كلام الشافعي رضي الله عنه هو الأول فإنه بعد ما روى خبر الوصال قال وفرق الله تعالى
بين رسوله وبين خلقه في أمور أباحها له وحظرها عليهم فاشعر ذلك بكونه محظورا وأطلق في
التهذيب ان المواصل يعصي وذلك يشعر بالحظر أيضا (ومنها) الجود والافضال فهو مندوب إليه في
419

جميع الأوقات وفى شهر رمضان آكد استحبابا اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان
" أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان " (1) والمعني في تخصيص رمضان بزيادة الجود واكثار
الصدقات تفريغ الصائمين والقائمين للعبادة بدفع حاجاتهم (ومنها) كثرة تلاوة القرآن والمدارسة به وهو
أن يقرأ على غيره ويقرأ عليه غيره " كان جبريل عليه السلام يلقى النبي صلى الله عليه وسلم في كل ليلة من رمضان فيتدارسان
القرآن (2) (ومنها) الاعتكاف لا سيما في العشر الأخير من رمضان لطلب ليلة القدر " كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يواظب عليه " (3) (ومنها) ان يصون الصائم لسانه عن الكذب والغيبة والمشاتمة ونحوها ويكف نفسه
420

عن الشهوات بكف الجوارح فهو سر الصوم والمقصود الأعظم منه روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه
وشرابه " (1) وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل فان
امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل ان صائم " (2) قال الأئمة معناه فليقل في نفسه ولينزجر (ومنها) ترك السواك بعد
421

الزوال لما ذكرنا في سنن الوضوء وأيضا فقد روى عن خباب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه الا كانتا نورا بين عينيه يوم
القيامة " (1) وإذا استاك فلا فرق بين الرطب واليابس بشرط أن يحترز عن ابتلاع شظية وتجرع رطوبة وقد
422

روى عن علي وابن عمر رضي الله عنهم " أنه لا بأس بالسواك الرطب " (1) وقوله في الكتاب ترك السواك معلم بالميم
والحاء لأنهما لا يكرهانه بعد الزوال وبالألف لان المسعودي في آخرين حكوا عن أحمد انه لا يكره بعد الزوال
في النفل ليكون أبعد عن الرياء في الفرض وبالواو لان صاحب المعتمد حكى عن القاضي حسين مثل
مذهب احمد (ومنها) يستحب تقديم غسل الجنابة عن الجماع والاحتلام على الصبح ولو أخره عن
423

الطلوع لم يفسد صومه " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من جماع أهله ثم يصوم " (1) وما روى
أنه صلى الله عليه وسلم قال " من أصبح جنبا فلا صوم له " (2) محمول عند الأئمة على ما إذا أصبح مجامعا
واستدامه ولو طهرت الحائض ليلا ونوت الصوم ثم اغتسلت بعد طلوع الفجر صح صومها أيضا
هذا شرح السنن الثمان التي ذكرها في الكتاب ولا يخفى أن منها ما يعم الصوم ومنها ما يخص
صوم رمضان وللصوم وراءها سنن (منها) أن يقول عند الفطر ما روى عن
424

معاذ رضي الله قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال اللهم لك صمت وعلى رزقك
أفطرت " (1) (ومنها) ان يفطر الصائمين معه فان عجز عن عشائهم أعطاهم ما يفطرون به من
شربة أو تمرة أو غيرهما (ومنها) الاحتراز عن الحجامة والقبلة والمعانقة والعلك وقد سبق ذكرها
وكذا الاحتراز عن ذوق الشئ ومضغ الطعام للطفل وإن كان لا يفسد الصوم بذلك *
قال {القسم الثاني في مبيحات الافطار وموجباته (أما) المبيح فهو المرض والسفر الطويل وطارئ
المرض في أثناء النهار مبيح وطارئ السفر لا يبيح وإذا زالا وهو غير مفطر لم يبح الافطار
والمسافر إذا أصبح على نية الصوم فله الافطار والصوم أحب من الفطر في السفر لتبرئة الذمة
الا إذا كان يتضرر به}
425

كلام هذا القسم في مبيحات الافطار ثم في أحكامه (أما) المبيح فالمرض والسفر مبيحان بالاجماع
والنص قال الله تعالى (فمن كان منكم مريضا أو على سفر) الآية وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال " إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة " (1) وشرط كون المرض مبيحا ان يجهده الصوم
معه ويلحقه ضرر يشق احتماله على ما عددتا وجوه المضار في التيمم ثم المرض إن كان مطبقا فله ترك
النية بالليل وإن كان يحم وتنقطع نظر إن كان محموما وقت الشروع فله ترك النية والا فعليه أن
ينوى من الليل ثم إن عاد واحتاج إلى الافطار أفطر وشرط كون السفر مبيحا أن يكون طويلا
مباحا كما سبق في القصر ثم في الفصل مسائل (إحداها) لو أصبح صائما وهو صحيح فمرض في أثناء
النهار كان له أن يفطر لوجود المعني المحوج إلى الافطار من غير اختياره ولو أصبح صائما مقيما ثم
سافر لم يجز له أن يفطر في ذلك اليوم خلافا لأحمد في رواية وللمزني * لنا أن الصوم عبادة تختلف
بالسفر والحضر فإذا أنشأها في الحضر ثم سافر غلب حكم الحضر كالصلاة * واحتج المزني بأن النبي
426

صلى الله عليه وسلم " صام في مخرجه إلى مكة في رمضان حتى بلغ كراع الغميم ثم أفطر " (1) وبنى هذا
الاحتجاج
على ظنه أن ذلك كان في يوم واحد قال الأصحاب وهو وهم فان بين المدينة وكراع الغميم مسيرة
ثمانية أيام والمراد من الحديث انه صام أياما في سفره ثم أفطر وقد قيل إن المزني تبين له ذلك ثم رجع عن
هذا الاحتجاج وان لم يرجع عن مذهبه (وقوله) في الكتاب وطارئ السفر لا يبيح يجوز ان يعلم مع
الألف والزاي بالواو لان الحناطي حكى طريقا ان المسألة على وجهين وأيضا فان الموفق ابن طاهر
زعم أن ابن خيران أشار إليه وعلى المذهب الصحيح لو أفطر بالجماع لزمه الكفارة خلافا لأبي حنيفة
ومالك ولأحمد في إحدى الروايتين ولو نوى المقيم بالليل ثم سافر قبل طلوع الفجر فان فارق العمران
قبل الطلوع فله ان يفطر وان فارقه بعد الطلوع فلا لان ابتداء صومه وقع في الحضر (الثانية) لو أصبح
المسافر صائما ثم أقام في خلال النهار فهل له أن يفطر ظاهر المذهب وبه قال أبو إسحاق انه ليس له
ذلك كما لو افتتح الصلاة في السفر ثم نوى الإقامة في أثنائها أو سارت به السفينة فدخل البلد وهذا
427

هو الذي ذكره في الكتاب وعن ابن أبي هريرة ان له الفطر لان الفطر مباح له في أول النهار مع العلم
بحال اليوم فكذلك في آخره كما لو استدام السفر ونقل عن الحاوي ان هذا هو المنصوص في حرمله
ولو أصبح المريض صائما ثم برأ في خلال النهار فقد قطع كثيرون بأنه لا يجوز له الافطار وطرد صاحب
المهذب حكاية الوجهين فيه و؟ له الأولى (الثالثة) المسافر إذا أصبح على نية الصوم ثم بدا له جاز له ان يفطر
لدوام العذر وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " أفطر بعد العصر بكراع الغميم بقدح ماء لما قيل
له ان الناس يشق عليهم الصيام " (1) وأبدى الشيخ أبو إسحاق والامام في المسألة احتمالا ووجهاه بأنه
شرع في فرض المقيمين فليلزمه كما لو شرع في الصلاة متما ثم أراد القصر وإذا قلنا بالمشهور فهل
يكره له الافطار فيه وجهان عن القاضي الحسين (الرابعة) للمسافر أن يصوم وله ان يفطر لما روى عن
428

أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال " غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لست عشرة مضت
من رمضان فمنا من صام ومنا من أفطر فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم " (1) وروى
" أنه صلى الله عليه وسلم قال لحمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه ان شئت فصم وان شئت فأفطر " (2)
وأيهما أفضل إن كان لا يتضرر بالصوم فالصوم أفضل وبه قال مالك وأبو حنيفة وقد ذكرنا وجهه
وما يحكي فيه من الخلاف في صلاة المسافرين وإن كان يتضرر بالصوم فالفطر أفضل له لما روى
429

عن جابر رضي الله عنه قال " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمان غزوة تبوك فمر برجل
في ظل شجرة يرش الماء عليه فقال ما بال هذا قالوا صائم فقال صلى الله عليه وسلم ليس من البر
الصيام في السفر " (1) وذكر في التتمة أنه لو لم يتضرر في الحال لكنه كان يخاف الضعف لو صام وكان
430

السفر سفر حج أو غزو فالأولى ان يفطر أيضا لما روى " أنه صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالفطر عام
الفتح وقال تقووا لعدوكم " (1) (وقوله) إلا إذا كان يتضرر ضبط الامام التضرر بخوف المرض ولا شك ان
خوف الهلاك في معناه (واعلم) ان أصل المسألة قد ذكره مرة في صلاة المسافرين لكن زاد ههنا شيئين
(أحدهما) بيان علة أفضلية الصوم (والثاني) استثناء حالة التضرر ولو لم يذكرها واقتصر على ما أورده في
هذا الموضع لكفى (وقوله) في أول الفصل (اما) المبيح فهو المرض والسفر يشعر ظاهره بحصر المبيح فيهما
لكن من غلبه العطش حتى خاف الهلاك فله الفطر وإن كان مقيما صحيح البدن *
قال {اما موجبات الافطار فأربعة (الأول) القضاء وهو واجب على كل تارك بردة (ح) أو سفر
أو مرض أو اغماء أو حيض ولا يجب على من ترك بجنون أو صبا أو كفر أصلي وما فات من
بعض الشهر في أيام الجنون لا يقضى (ح) ولو افاق في أثناء النهار ففي قضاء ذلك اليوم وجهان ولا يجب
التتابع في قضاء رمضان} *
431

مقصود الفصل الكلام فيمن يلزمه قضاء صوم رمضان ولا شك أن من ترك النية الواجبة عمدا
أو سهوا فعليه القضاء وكذلك كل من أفطر نعم لو كان افطاره بحيث يوجب الكفارة ففي القضاء
خلاف سيأتي ذكره من بعد وما فات بسبب الكفر لا يجب قضاؤه على الكافر الأصلي قال الله تعالى
(قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) الآية ويجب على المرتد خلافا لأبي حنيفة رحمه
الله على ما مر في الصلاة والمسافر والمريض إذا أفطرا قضيا قال الله تعالى (فعدة من أيام أخر) وما
فات بالاغماء يجب قضاؤه سواء استغرق جميع الشهر أو لم يستغرق لأنه نوع مرض يغشى العقل
بخلاف الجنون ولهذا يجوز الاغماء على الأنبياء عليهم السلام ولا يجوز الجنون عليهم ويخالف الصلاة
حيث يسقط الاغماء قضاءها لان الصلاة تتكرر والاغماء قد يمتد ويتكرر فوجوب القضاء يجر
عسرا وحرجا ونقل صاحب التهذيب والتتمة عن ابن سريج ان الاغماء إذا استغرق أسقط القضاء
ويجب على الحائض قضاء أيام الحيض كما مر في الحيض ولا يجب الصوم على الصبي والمجنون ولا قضاء
عليهما ولا فرق في اسقاط الجنون القضاء بين ان يستغرق النهار أو لا يستغرقه ولا بين أن يستغرق
432

الشهر أو لا يستغرقه وقال مالك الجنون لا يسقط القضاء كالاغماء وهو أحدي الروايتين عن أحمد
فليكن قوله بجنون معلما بالميم والألف وبالحاء أيضا لان اللفظ يشمل ما إذا ترك
بالجنون جميع أيام الشهر وما إذا ترك بعضها وعند أبي حنيفة رحمه الله إذا أفاق المجنون
في أثناء الشهر فعليه قضاء ما مضي من الشهر ويجوز ان يعلم بالواو أيضا لأمور ثلاثة (أحدها) ان فيما
علق عن الشيخ أبي محمد رحمه الله حكاية قول مثل مذهب مالك (والثاني) ان المحاملي ذكر أن
المزني نقل في المنثور عن الشافعي رضي الله عنه مثل قول أبي حنيفة (والثالث) ان المحاملي في آخرين
حكوا عن ابن سريج مثل مذهب مالك وهذا ينافي ما نقل عنه في الاغماء ويشبه أن يكون أحدهما
غلطا وهذا أقرب إليه لان كل من نقله ضعفه (وقوله) وما فات من بعض الشهر في أيام الجنون لا يقضي
جار مجرى التوكيد والايضاح والا فقوله على من ترك بجنون يتناوله باطلاقه ولو أعدت العلامات
على قوله لا يقضى لاصبت (اما) علامة أبي حنيفة فظاهرة (وأما) غيرها فلان من يأمر بالقضاء إذا استغرق
الجنون الشهر اولي ان يأمر به عند عدم الاستغراق وما ذكرنا كله في الجنون الذي لم يتصل بسبب يقتضي
القضاء فأما إذا ارتد ثم جن أو سكر ثم جن فقد روى الحناطي فيه وجهين في لزوم القضاء ولعل الظاهر
الفرق بين اتصاله بالردة واتصاله بالسكر كما مر في الصلاة (وقوله) ولو افاق في أثناء النهار ففي قضاء
ذلك اليوم وجهان هذه الصورة معادة في درج زوال سائر الاعذار في أثناء النهار حيث قال وفى
وجوب قضاء هذا اليوم تردد وسنشرحه ولا يجب التتابع في قضاء رمضان لما روى أن النبي صلي الله
433

عليه وسلم " سئل عن قضاء رمضان فقال إن شاء فرقه وإن شاء تابعه " (1) ويستحب ذلك لما روى أنه صلى الله عليه
وسلم قال " من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطعه " (2) واعلم قوله ولا يجب بالميم لان
الامام نقل عن مالك رحمهما الله إيجاب التتابع فيه وتابعه المصنف لكن الذي رواه الأكثرون
عن مالك انه لا يجب التتابع فيه وإنما حكوا هذا المذهب عن داود وبعض أهل الظاهر وذكروا انهم
وان أوجبوه لم يشرطوه للصحة *
قال {الثاني الامساك تشبيها بالصائمين وهو واجب على كل متعد بالافطار في شهر رمضان
غير واجب على من أبيح له الفطر إباحة حقيقية كالمسافر (ح) والمريض (ح) بعد القدوم والبرء في بقية النهار
ويجب على من أصبح يوم الشك مفطرا إذا بان انه من رمضان على الصحيح} *
434

الامساك تشبيها بالصائمين من خواص رمضان كالكفارة فلا إمساك على من تعدي بالافطار
في نذر أو قضاء قال الامام والامر بالامساك مشبه بالتغليظ وطرف من العقوبة ومضادة القصد ثم
الممسك متشبه وليس في عبادة بخلاف المحرم إذا أفسد احرامه ويظهر أثره في أن المحرم بعد فساد
احرامه لو ارتكب محظورا لزمته الفدية والممسك لو ارتكب محظورا لا يلزمه شئ سوى الاثم وفى
الفصل صور (إحداها) يجب الامساك على كل من تعدى بالافطار في رمضان وكذا لو ارتد أو نوى
الخروج من الصوم (ان قلنا) انه يبطل بنية الخروج ويجب أيضا على من نسي النية من الليل وكان نسيانه
يشعر بترك الاهتمام بأمر العبادة فهو ضرب تقصير ويجوز ان يوجه الامر بالامساك بأن الاكل في نهار
رمضان حرام على غير المعذور فان فاته الصوم بتقصير أو غير تقصير لم يرتفع التحريم (الثانية) لو أقام المسافر
أو برأ المريض اللذان يباح لهما الافطار في أثناء النهار فلهما ثلاث أحوال (إحداها) ان يصبحا
صائمين وداما عليه إلى زوال العذر فقد ذكرنا المذهب الظاهر وخلاف ابن أبي هريرة فيه (والثانية)
ان يزول عذرهما بعد ما أفطرا فيستحب لهما الامساك لحرمة الوقت ولا يجب وبه قال مالك خلافا لأبي
حنيفة رحمه الله حيث أوجبه وبه قال احمد في أصح الروايتين * لنا ان زوال العذر بعد الترخص لا يؤثر
كما لو قصر المسافر ثم أقام والوقت باق وإذا أكلا فليخفياه كيلا يتعرضا للتهمة وعقوبة السلطان ولهما
الجماع بعد زوال العذر إذا لم تكن المرأة صائمة بأن كانت صغيرة أو طهرت من الحيض ذلك اليوم
(والثالثة) ان يصبحا غير ناويين ويزول العذر قبل أن يأكلا فهل يلزمهما الامساك فيه وجهان (أحدهما)
435

نعم كما لو لم يصل المسافر حتى أقام لا يجوز له القصر (وأصحهما) انه لا يلزمه لان من أصبح تاركا للنية فقد
أصبح مفطرا وكان كما لو اكل والوجهان مفرعان على ظاهر المذهب في الحالة الأولى فاما من جوز له
الاكل ثم فههنا أولى ان يجوز (الصورة الثالثة) إذا أصبح يوم الشك مفطرا ثم ثبت انه من رمضان فلا يخفى
انه يلزمه قضاؤه وهل يجب عليه إمساك بقية النهار فيه قولان (أصحهما) نعم لأن الصوم واجب عليه الا انه
كان لا يعرفه فإذا بان لزمه الامساك قال الامام رحمه الله وتخريجه على القاعدة التي ذكرنا ان الامر بالامساك
تغليظ وعقوبة انا قد ننزل المخطئ منزلة العامد لانتسابه إلى ترك التحفظ الا ترى انا نحكم بحرمان القاتل
خطأ عن الميراث (والثاني) قاله في البويطي لا لأنه أفطر بعذر فلم يلزمه امساك بقية النهار كالمسافر
إذا قدم بعد الافطار وفرض أبو سعد المتولي هذين القولين فيما إذا بان انه من رمضان قبل أن يأكل
شيئا ثم رتب عليه ما إذا بان بعد الاكل فقال إن لم نوجب الامساك ثم فههنا أولى والا فوجهان
(أظهرهما) الوجوب أيضا ولنعد إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) في شهر رمضان ينبه على ما قدمنا
ان وجوب الامساك من خواص رمضان (وقوله) غير واجب على ما أبيح له الفطر معلم بالحاء والألف
ثم اللفظ متناول للحالة الثانية والثالثة من أحوال مسألة المسافر والمريض على ما فصلنا فيجوز أن يعلم
بالواو أيضا للخلاف في الحالة الثالثة وأيضا فإنه حكي عن الحاوي وجها في أن المريض إذا أفطر ثم
برأ هل يلزمه إمساك بقية النهار وذكر ان الوجوب طريقة أصحابنا البغداديين والمنع طريقة البصريين
والفرق بين المريض والمسافر ان المريض إنما يفطر للعجز فإذا قدر وجب أن يمسك والمسافر يفطر رخصة وان
أطاق الصوم (وقوله) إباحة حقيقية فيه إشارة إلى الفرق بين صورة المريض والمسافر وصورة
يوم الشك فان أصح القولين وجوب الامساك يوم الشك وذلك لان المسافر والمريض يباح لهما الاكل
مع العلم بحال اليوم وكونه من رمضان حقيقة وفى يوم الشك إنما أبيح الاكل لأنه لم يتحقق كونه من
رمضان فإذا تحققه لزمه الامساك (وقوله) بعد القدوم لا يخفى رجوعه إلى المسافر وان تخلل بينهما ذكر
المريض ثم هو في أكثر النسخ بعد القدوم وقبله وطرح بعضهم قبله لأنه أوضح من أن يحتاج إلى
436

ذكره والممكن فيه أن يقال إنما ذكره كي لا يتوهم ان المسافر إذا أكل وتقوى يلزمه الاقتصار عليه تقديرا
للاكل بقدر الحاجة وثبت ان بعض المعتنين بهذا الكتاب جعل مكانه والبرء وهو حسن *
قال {وأما الصبا والجنون والكفر إذا زال لم يجب الامساك على وجه ويجب في وجه وبحب على
الكافر دونهما في وجه ويجب على الصبي والكافر دون المجنون في وجه لأنهما مأموران على الجملة
وفى وجوب قضاء هذا اليوم أيضا تردد} *
إذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو أسلم الكافر في أثناء يوم من رمضان فهل يلزمهم امساك بقية
اليوم فيه أربعة أوجه (أصحهما) لا لأنهم لم يدركوا وقتا يسع الصوم ولا أمروا به والامساك تبع للصوم
ولأنهم أفطروا بعذر فاشبهوا المسافر والمريض (والثاني) نعم لأنهم أدركوا وقت الامساك وان لم
يدركوا وقت الصوم (والثالث) انه يجب على الكافر دون الصبي والمجنون فإنهما معذوران ليس
إليهما إزالة ما بهما والكافر مأمور بترك الكفر والآتيان بالصوم (والرابع) انه يجب على الصبي
والكافر دون المجنون (أما) الكافر فلما ذكر (وأما) الصبي فلانه متمكن من الاتيان بالصوم مأمور به أمر
تدريب على ما مر في الصلاة بخلاف المجنون وقوله في الكتاب لم يجب الامساك معلم بالحاء لان مذهب أبي
حنيفة رحمه الله مثل الوجه الثاني وبالألف لأنه أصح الروايتين عن أحمد (وقوله) ويجب بالميم لان مذهب
مالك كالوجه الأول وإذا فهمت هذه الوجوه عرفت ان الكافر أولاهم بالوجوب والمجنون أولاهم بالمنع والصبي
437

بينهما فلك أن ترتب فتقول في وجوب الامساك على الكافر وجهان (إن) أوجبنا ففي الصبي وجهان (ان) أوجبنا
ففي المجنون وجهان ولك أن تعكس فتقول في وجوبه على المجنون وجهان (إن) لم يجب ففي الصبي وجهان (وإن) لم
يجب ففي الكافر وجهان ولهذا الترتيب نقل صاحب المعتمد طريقة قاطعة بالوجوب على الكافر هذا بيان
الخلاف في وجوب الامساك وهل عليهم قضاء اليوم الذي زال العذر في خلاله (أما) الصبي إذا بلغ
في خلال النهار فينظر إن كان ناويا من الليل صائما فظاهر المذهب أنه لا قضاء عليه ويلزمه الاتمام
ولو جامع بعد البلوغ فيه فعليه الكفارة وفيه وجه أنه يستحب الاتمام ويلزمه القضاء لأنه لم ينو
الفرض ويحكي هذا عن ابن سريج وإن أصبح مفطرا ففيه وجهان وقال في التهذيب قولان
(أحدهما) أنه يلزمه القضاء كما إذا أدرك شيئا من الوقت يلزمه الصلاة (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة
رحمه الله لا يلزم وقد ذكرنا الفرق بين الصوم والصلاة في كتاب الصلاة مع طرف من فقه المسألة
438

وهذا الخلاف مفرع على ظاهر المذهب في أنه إذا بلغ صائما فلا قضاء عليه (فأما) من يوجب القضاء
ثم فههنا أولى بأن يوجب (وأما) إذا أفاق المجنون أو أسلم الكافر ففيهما طريقان (أحدهما) طرد
الخلاف وهذا أظهر عند الأكثرين والأظهر من الخلاف انه لا قضاء ويحكى ذلك في الكافر
عن نصه في القديم والام والبويطي (والثاني) القطع بالمنع في حق المجنون لأنه لم يكن مأمورا بالصوم
في أول النهار وبالايجاب في حق الكافر لأنه متعد بترك الصوم وهذا أصح عند صاحب التهذيب
ويجوز ان يعلم قوله فيما سبق ولو افاق في أثناء النهار ففي وجوب قضاء هذا اليوم وجهان بالواو إشارة
إلى الطريقة القاطعة بالمنع وكذلك قوله ههنا تردد لهذه الطريقة والطريقة الجازمة بالايجاب في الكافر فإنه
أجاب عن طريقة طرد الخلاف في الصور الا ان يفسر التردد الذي أبهمه يتردد الطريق في بعض الصور
والقول أو الوجه في بعضها وهل للخلاف في القضاء تعلق بالخلاف في الامساك تشبها نقل الامام عن الصيدلاني
439

ان من يوجب التشبه يكتفى به ولا يوجب القضاء ومن يوجب القضاء لا يوجب التشبه وعن غيره من الأصحاب
ان الامر بالقضاء فرع الامر بالامساك فمن التزم الامساك التزم القضاء ومن لا فلا وبنى صاحب التهذيب
وغيره الخلاف في وجوب الامساك على الخلاف في وجوب القضاء ان أوجبنا القضاء أوجبناه والا فلا فهذه
ثلاثة طرق وهي على اختلافها متفقة على تعلق أحد الخلافين بالآخر والطريق الثاني والثالث
يشكلان بالحائض والنفساء إذا طهرتا في خلال النهار فان القضاء واجب عليهما لا محالة لان مستغرق
الحيض لا يسقط القضاء فمتقطعه اولي والامساك غير واجب عليهما (اما) بلا خلاف على ما رواه الامام (واما)
على الأظهر لان صاحب المعتمد حكي طرد الخلاف فيهما وإذا كان كذلك لم يستمر قولنا بأن القضاء
فرع الامساك ولا بأن الامساك فرع القضاء والطريق الأول يشكل بصورة يوم الشك والمتعدي
بالافطار فان القضاء لازم مع التشبه والله أعلم *
440

قال {ومن نوى التطوع في رمضان لم ينعقد وإن كان مسافرا لتعين الوقت} *
أيام رمضان متعينة لصوم رمضان فإن كان الشخص معذورا بسفر أو مرض فاما ان يترخص
بالفطر أو يصوم عن رمضان وليس له ان يصوم عن فرض آخر أو تطوع وبه قال مالك واحمد وقال
أبو حنيفة للمسافر ان يصوم عن القضاء والكفارة ولو صام عن تطوع ففي رواية يقع تطوعا وفى
وراية ينصرف إلى الفرض وحكى الشيخ أبو محمد ترددا عن أصحابه في المريض الذي له الفطر
إذا تحمل المشقة وصام عن غير رمضان وأعلمت المسألة بالواو لان الامام حكى خلافا فيمن أصبح في
يوم رمضان غيرنا ونوى التطوع قبل الزوال فمذهب الجماهير أنه لا يصح تطوعه بالصوم وعن أبي إسحاق
أنه يصح قال فعلى قياسه يجوز للمسافر التطوع به *
قال {الثالث الكفارة وهي واجبة على كل من أفسد صوم يوم من رمضان بجماع تام أثم
به لأجل الصوم فلا تجب على الناسي إذا جامع لأنه لم يفطر على الصحيح ولا على من جامع
في غير رمضان} *
441

الأصل في كفارة الصوم ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه " أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت
وأهلكت قال ما شأنك قال واقعت امرأتي في رمضان قال تستطيع أن تعتق رقبة قال لا قال فهل تستطيع أن تصوم
شهرين متتابعين قال لا قال فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا قال اجلس فجلس فاتى النبي صلى الله عليه وسلم
بعرق فيه تمر - والعرق المكتل الضخم - فقال خذ هذا فتصدق به قال أعلي أفقر منا فضحك النبي صلى الله عليه وسلم
حتى بدت نواجذه وقال أطعمه عيالك " (1) والكلام في موجب الكفارة ثم في كيفيتها (أما) الأول فقد
قال وهي واجبة على من أفسد صوم يوم من رمضان بجماع تام اثم به لأجل الصوم وفى الضابط
قيود (منها) الافساد فمن جامع ناسيا لا يفسد صومه على الصحيح كما قدمناه فلا كفارة عليه وإن قلنا
442

يفسد صومه وبه قال مالك وأحمد فهل تلزمه الكفارة فيه وجهان (أحدهما) وبه قال احمد نعم لانتسابه
إلى التقصير (وأظهرهما) وبه قال مالك لا لأنها تتبع الاثم وإذا عرفت ذلك وسمت قوله فلا تجب
بالألف وقوله لم يفطر به وبالميم وقوله على الصحيح أي من الطريقين (ومنها) كون اليوم من رمضان
فلا كفارة بافساد التطوع والنذر والقضاء والكفارة لان النص ورد في رمضان وهو مخصوص
بفضائل لا يشركه غيره فيها *
قال {ولا على المرأة لأنها أفطرت بوصول أول جزء من الحشفة إلى باطنها وفيه قول قديم ثم الصحيح
ان الوجوب لا يلاقيها وقيل يلاقيها والزوج يتحمل ولا يتحمل الزاني ولا الزوج المجنون ولا المسافر
إذا لا كفارة عليهما ولا على المعسرة فان واجبها الصوم فلا يقبل التحمل ولا كفرة على من أفطر (ح م)
بغير جماع من الاكل ومقدمات الجماع ويجب بالزنا وجماع الأمة ووطئ البهيمة (ح و) والآتيان في
غير المأتي (و)} *
نوضح فقه الفصل ثم نبين أن مسائله بأي قيد تتعلق المسألة الأولى * المرأة الموطوءة إن كانت مفطرة
بحيض وغيره أو كانت صائمة ولم يبطل صومها لكونها نائمة مثلا فلا كفارة عليها وإن مكنت
طائعة حتى وطئها الزوج فقولان (أحدهما) انه يلزمها الكفارة كما يلزم الرجل لان الكفارة عقوبة
تتعلق بالوطئ فيستويان في لزومها كحد الزنا وهذا أصح الروايتين عن أحمد وبه قال أبو حنيفة
ويروى مثله عن مالك وابن المنذر وهو اختيار القاضي أبى الطيب (وأصحهما) انه يختص الزوج
443

بلزوم الكفارة واحتجوا له بأمور (أحدها) ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الاعرابي الذي واقع
إلا بكفارة واحدة مع مساس الحاجة إلى البيان (والثاني) حكى الكرابيسي أنه قال صوم المرأة ناقص
لأنه بعرض ان يبطل بعروض الحيض وإذا كان كذلك لم يكن كامل الحرمة فلم تتعلق به الكفارة
(والثالث) ما ذكره في الكتاب وسنتكلم فيه (التفريع) ان قلنا بالأول فلو لم تجب الكفارة على
الزوج لكونه مفطرا وجبت الكفارة عليها وكذا لو لم يبطل صومه بأن كان نائما فاستدخلت ذكره
أو كان ناسيا وهي ذاكرة ويعتبر في حق كل واحد منهما حاله في اليسار والاعسار (وإن قلنا) بالقول
الأصح فالكفارة التي يخرجها الزوج تختص به ولا يلاقيها أم تقع عنهما جميعا وهو يتحمل عنها
فيه قولان مستخرجان من كلام الشافعي رضي الله عنه وقد يعبر عنهما بوجهين (أحدهما) انها تختص
به ولا يلاقيها لأنه لو تعلق الواجب بها لأمرت باخراجه (والثاني) انها يلاقيها وهو متحمل ووجهه
صاحبا التهذيب والتتمة بالحاق الكفارة بثمن ماء الاغتسال كأنهما قدراه متفقا عليه لكن الحناطي حكى
طريقا آخر قاطعا بأن ثمن ماء الاغتسال عليها لا عليه وأشار إلى ترجيحه ثم الأصح من هذين القولين
عند صاحب الكتاب هو الأول وبه قال الحناطي وآخرون وذكر الامام أن ظاهر المذهب هو الثاني
وقد يحتج له بقوله في المختصر والكفارة عليه واحدة عنه وعنها لكن من قال بالأول حمله على أنها
تجزى عن الفعلين جميعا ولا يلزمها كفارة خاصة خلاف ما قاله أبو حنيفة ويتفرع على هذين القولين
صور (إحداها) إذا أفطرت بالزنا أو بالوطئ بالشبهة (فان قلنا) الوجوب لا يلاقيها فلا شئ عليها (وإن
قلنا) بالثاني فعليها الكفارة لان رابطة التحمل الزوجية ونقل عن الحاوي ان القاضي أبا حامد قال
تجب الكفارة عليها بكل حال (الثانية) لو كان الزوج مجنونا وقلنا بالأول فلا شئ عليها وان قلنا
بالثاني فوجهان (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب انه يلزمها الكفارة لان التحمل لا يليق بحاله
ولهذا لم تجب عليه الكفارة لنفسه (والثاني) انه يلزمه الكفارة لها لان ماله يصلح للتحمل وإن كان
مراهقا فهو كالمجنون لان المذهب ان فعله لا يوجب الكفارة وخرج بعض الأصحاب من قولنا ان
444

عمد الصبي عمد انه يلزمه الكفارة فعلى هذا هو كالبالغ ولو كان الزوج ناسيا أو نائما فاستدخلت
ذكره فالحكم كما ذكرنا في المجنون (الثالثة) لو كان الزوج مسافرا والمرأة حاضرة وأفطر بالجماع على
قصد الترخص فلا كفارة عليه وإن لم نقصد الترخص فوجهان في لزوم الكفارة (أصحهما) انها
لا تلزم لان الافطار مباح له فيصير شبهة في درء الكفارة وهذا حكم المريض الذي يباح له الفطر
إذا أصبح صائما ثم جامع والصحيح إذا مرض في أثناء النهار ثم جامع فحيث قلنا بوجوب الكفارة فهو
كغيره وحكم التحمل كما سبق وحيث قلنا لا كفارة فهو كالمجنون وذكر أصحابنا العراقيون فيما
إذا قدم المسافر مفطرا فأخبرته بأنها مفطرة وكانت صائمة ان الكفارة عليها إذا قلنا إن الوجوب
يلاقيها لأنها غرته وهو معذور ويشبه أن يكون هذا جوابا على قولنا ان المجنون لا يتحمل وإلا فليس
العذر ههنا أوضح من العذر في المجنون والله أعلم (الرابعة) إذا فرعنا على القول الثاني وهو ان الوجوب
يلاقيها وجب اعتبار حالهما ولا يخلو إما ان يتفق حال الزوج والمرأة أو يختلف فان اتفق حالهما نظر
إن كانا من أهل الاعتاق والاطعام أجزأ المخرج عنهما وإن كانا من أهل الصيام اما للاعسار بالعتق
أو لكونهما مملوكين فعلى كل واحد منهما صوم شهرين لأن الصوم عبادة بدنية ولا مدخل للتحمل
في عبادات الأبدان وان اختلف حالهما لم يخل اما أن يكون الزوج أعلي حالا منها أو تكون هي
أعلي حالا منه فإن كان الزوج أعلى حالا نظر إن كان هو من أهل الاعتاق وهي من أهل الصيام
والاطعام ففيه وجهان (أظهرهما) ولم يذكر العراقيون غيره انه يجزئ الاعتاق عنهما جميعا لان من
فرضه الصيام أو الاطعام يجزئه التكفير بالعتق بطريق الأولى نعم لو كانت أمة فعليها الصوم
445

لان الاعتاق لا يجزئ عنها قال في المهذب الا إذا قلنا إن العبد يملك بالتمليك فتكون الأمة كالحرة
المعسرة (والثاني) لا يجزئ عنها لاختلاف جنس الواجب وعلى هذا فعليها الصيام في الصورة
الأولى وعلى من الاطعام في الصورة الثانية فيه وجهان (أظهرهما) انه على الزوج فان عجز في الحال
ثبت في ذمته إلى أن يقدر وذلك لان الكفارة على القول الذي عليه نفرع معدودة من مؤنات
الزوجة الأزمة على الزوج (والثاني) ذكره في التهذيب انه عليها لان التحمل كالتداخل لا يجزئ
عند اختلاف الجنس وإن كان هو من أهل الصيام وهي من أهل الاطعام فالذي قاله الأئمة انه يصوم
عن نفسه ويطعم عنها لأن الصوم لا يتحمل به وقضية قول من قال باجزاء الاعتاق عن الصيام في الصورة
السابقة اجزاء الصيام عن الاطعام لان من فرضه الاطعام لو تحمل المشقة وصام أجزأه والصوم كما
لا يتحمل به لا يتحمل وإن كانت الزوجة أعلي حالا منه نظر إن كانت من أهل الاعتاق وهو من
أهل الصيام صام عن نفسه وأعتق عنها إذا قدر وإن كانت من أهل الصيام وهو من أهل الاطعام صامت
عن نفسها وأطعم الزوج عن نفسه (المسألة) الثانية إذا أفسد صومه بغير الجماع كالأكل والشرب
والاستمناء والمباشرات المفضية إلى الانزال فلا كفارة عليه لان النص ورد في الجماع وما عداه
446

ليس في معناه وهل يلزمه الفدية فيه خلاف سيأتي من بعد * وقال مالك تجب الكفارة بكل افساد
يعصي به الا الردة والاستمناء والاستقاءة * وقال أبو حنيفة تجب الكفارة بتناول ما يقصد تناوله
ولا تجب بابتلاع الحصاة والنواة ولا بمقدمات الجماع * وقال أحمد لا تجب بالأكل والشرب وتجب
بالمباشرات المفسدة للصوم (الثالثة) تجب الكفارة بالزنا وجماع الأمة وكذلك باتيان البهيمة والآتيان
في غير المأتي ولا فرق بين أن ينزل أولا ينزل وذهب بعض الأصحاب إلى بناء الكفارة فيها
على الحد إن أوجبنا الحد فيهما أو جبنا الكفارة والا فوجهان وعند أبي حنيفة رحمه الله اتيان
البهيمة إن كان بلا انزال لم يتعلق به الافطار فضلا عن الكفارة وإن كان مع الانزال أفطر ولا كفارة
وفى اللواط هل يتوقف الافطار على الانزال فيه روايتان وإذا حصل الافطار ففي الكفارة روايتان
والأظهر ان الافطار لا يتوقف على الانزال وان الكفارة تجب وعند احمد تجب الكفارة في اللواط وكذا
في اتيان البهيمة على أصح الروايتين (واعلم) ان المسائل الثلاث في الفصل متعلقة بالقيد الثالث في الضابط
وهو كون الافساد بجماع تام فيدخل فيه صور المسألة الثالثة ويخرج صور الثانية وأما الأولى فقد
قصد صاحب الكتاب بوصف الجماع بالتمام الاحتراز عنها لأن المرأة إذا جومعت حصل فساد
صومها قبل تمام حد الجماع بوصول أول الحشفة إلى باطنها فالجماع يطرأ على صوم فاسد وبهذا المعنى
447

علل أصح القولين وهو ان المرأة لا تؤمر باخراج الكفارة ويروى هذا التعليل عن الأستاذ أبى
طاهر وطائفة لكن الأكثرين زيفوه وقالوا يتصور فساد صومها بالجماع بأن يولج وهي نائمة أو ناسية
أو مكرهة ثم تستيقظ أو تتذكر أو تطاوع بعد الايلاج وتستديمه والحكم لا يختلف على القولين
فعلى هذا جماع المرأة إذا قلنا لا شئ عليها والوجوب لا يلاقيها مستثنى عن الظابط (وقوله) وفيه
قول قديم أراد به القول الثاني وهو انها تؤمر باخراج الكفارة كالرجل وهذا قد نقله الامام وصاحب
الكتاب في الوسيط عن الاملاء وليس تسميته قديما من هذا الوجه فان الاملاء محسوب من الكتب الجديدة
ولكن رأيت لبعض الأئمة روايته عن القديم والاملاء معا ويشبه أن يكون له في القديم قولان
(أحدهما) كالجديد لان المحاملي حكى القول الصحيح عن الكتب الجديدة والقديمة جميعا (وقوله)
ولا يتحمل الزاني أي على قولنا أن الوجوب يلاقيها والزوج يتحمل (وأما) مواضع العلامات (فقوله)
ولا على المرأة مرقوم بالحاء والميم (وقوله) ولا الزوج المجنون ولا المسافر كلاهما بالواو لما قدمنا وليس
قوله إذا لا كفارة عليهما خاليا في حق المسافر عن التفصيل والخلاف (وقوله) ولا عن المعسرة يشمل
ما إذا كانت معسرة وهو قادر على الاعتاق وفى هذه الصورة خلاف تقدم فلا يبعد اعلامه بالواو
(وقوله) ولا كفارة على من أفطر بغير جماع معلم بالميم والحاء والألف ويجوز أن يعلم بالواو أيضا لأمور
(أحدها) انه نقل عن الحاوي أن أبا على ابن أبي هريرة قال تجب بالأكل والشرب كفارة فوق
كفارة المرضع والحامل دون كفارة المجامع قال أقضى القضاة وهذا مذهب لا يستند إلى خبر
ولا أثر ولا قياس (والثاني) أن أبا خلف الطبري وهو من تلامذة القفال اختار وجوب
الكفارة بكل ما يأثم بالافطار به (والثالث) أن الحناطي ذكر أن عبد الحكم روى عنه
ايجاب الكفارة فيما إذا جامع فيما دون الفرج فأنزل ووطئ البهيمة والآتيان في غير المأتي
معلمان بالحاء والواو *
448

قال {ولا تجب على من ظن أن الصبح غير طالع فجامع} *
إذا ظن أن الصبح غير طالع فجامع ثم تبين خلافه فحكم الافطار قد مر ولكن لا كفارة عليه
لأنه غير مأثوم بما فعل فلا يستحق التغليظ قال الامام رحمه الله ومن قال بوجوب الكفارة على الناسي
بالجماع يقول بمثله ههنا لتقصيره بترك البحث ولو ظن أن الشمس قد غربت فجامع ثم بان خلافه
فقد ذكر صاحب التهذيب وغيره انه لا كفارة عليه أيضا لأنها تسقط بالشبهة وهذا ينبغي أن يكون مفرعا
على تجويز الافطار والحالة هذه والا فتجب الكفارة وفاء بالضابط المذكور لما يوجب الكفارة ولو اكل
الصائم ناسيا فظن بطلان صومه فجامع فهل يفطر فيه وجهان (أحدهما) لا كما لو سلم عن ركعتين من
الظهر ناسيا وتكلم عامدا لا تبطل صلاته (وأصحهما) ولم يذكر الأكثرون غيره انه يفطر كما لو جامع
على ظن أن الصبح لم يطلع فبان خلافه وعلى هذا فلا تجب الكفارة لأنه وطئ وهو يعتقد انه
غير صائم وعن القاضي أبي الطيب انه يحتمل ان تجب الكفارة لان هذا الظن لا يبيح الوطئ ولو أفطر
المسافر بالزنا مترخصا فلا كفارة عليه لأنه وان اثم بهذا الجماع لكن لم يأثم به بسبب الصوم فان
الافطار جائز له ولو زنا المقيم ناسيا للصوم وقلنا إن الصوم يفسد بالجماع ناسيا فلا كفارة عليه أيضا
على الوجه الأصح لأنه لم يأتم بسبب الصوم فإنه كان ناسيا له وإذا تأملت هذه الصور عرفت اشتراكها
في شئ واحد وهو ان المجامع فيها غير مأثوم بالجماع بسبب الصوم ثم منها مالا اثم فيه ومنها ما فيه اثم
ولكن لا بسبب الصوم وهي متعلقة بالقيد الذي ذكره آخرا وهو قوله اثم به لأجل الصوم
وهذا يجوز ان يقدر وصفا واحدا به يحصل الاحتراز عن الصور كلها فحيث لا اثم لا إثم بسبب الصوم
ويجوز ان يقدر وصفين (أحدهما) كونه مأثوما به (والثاني) كونه مأثوما به بسبب الصوم فبالأول
يحصل الاحتراز عن الصور التي لا اثم فيها وفيها جماع المراهق والمسافر والمريض على قصد الترخص كما سبق
وبالثاني يحصل الاحتراز عن الصور التي يأثم فيها لا بالصوم *
قال {وتجب على المنفرد (ح) برؤية الهلال وعلى من جامع مرارا كفارات (ح) وتجب على من جامع ثم
أنشأ السفر (ح) ولو طرأ بعد الجماع مرض أو جنون أو حيض سقط في قول ولم يسقط في قول وتسقط
بالجنون والحيض (م) دون المرض (ح) في قول} *
في الفصل ثلاث مسائل (إحداها) إذا رأى هلال رمضان وحده وجب عليه صومه وإذا صامه
449

وأفطر بالجماع فعليه الكفارة وبه قال مالك واحمد خلافا لأبي حنيفة رحمهم الله * لنا أنه هتك حرمة
يوم من رمضان بافساد صومه بالجماع فأشبه سائر الأيام ولو رأى هلال شوال وحده وجب عليه أن
يفطر ويخفى افطاره عن الناس كيلا يتهم * وعن أبي حنيفة واحمد أنه لا يفطر برؤيته وحده * لنا ما روى
أنه صلى الله عليه وسلم قال " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " (1) وإذا رؤي رجل يأكل يوم الثلاثين
من رمضان بلا عذر عزر عليه فلو شهد أنه رأى الهلال لم يقبل لأنه متهم يريد اسقاط التعزير عن
نفسه بخلاف ما إذا شهد أولا فردت شهادته نم اكل لا يعزر (الثانية) لو أفطر بالجماع ثم جامع في ذلك
اليوم ثانيا فلا كفارة عليه إذ الجماع الثاني لم يقع مفسدا ولو جامع في يومين أوفي رمضانين فعليه
كفارتان سواء كفر عن الأول أو لم يكفر وبه قال مالك * وقال أبو حنيفة إذا جامع في يومين ولم
يكفر عن الأول لم يلزمه الا كفارة واحدة وعنه فيما إذا كفر روايتان ولو جامع في رمضانين فالمشهور
أنه يلزمه كفارتان بكل حال وعنه رواية أخرى انه كاليومين * وقال احمد إذا وطئ في يومين فكفر
عن الأول فعليه كفارة أخرى وان لم يكفر فلأصحابه فيه اختلاف * لنا ان صوم كل يوم عبادة
برأسها فلا تتداخل كفارتاهما كالحجتين إذا جامع فيهما (الثالثة) إذا أفسد صومه بالجماع ثم أنشأ سفرا
450

طويلا في يومه لم تسقط عنه الكفارة لان السفر المنشأ في أثناء النهار لا يبيح الفطر فيه فعروضه لا يؤثر
فيما وجب من الكفارة وعن صاحب التقريب والحناطي ان سقوط الكفارة مخرج على خلاف سنذكره
في نظائره ويروى عن أبي حنيفة رحمه الله في المسألة روايتان (أصحهما) انها لا تسقط وصاحب
الكتاب لم يرو عنه في الوسيط الا السقوط ولذلك اعلم قوله في الكتاب وتجب على من جامع بالحاء مع
الواو ولو جامع ثم مرض ففيه طريقان (أحدهما) انه لا تسقط الكفارة أيضا كالسفر (وأظهرهما) أنه على قولين
(أظهرهما) وبه قال مالك واحمد انه لا تسقط لأنه هتك حرمة الصوم بما فعل (والثاني) تسقط لان المرض
الطارئ يبيح الفطر فيتبين به أن الصوم لم يقع مستحقا وبهذا قال أبو حنيفة ولو طرأ بعد الجماع جنون
أو حيض فقولان أشار إليهما في اختلاف العراقيين (أظهرهما) وبه قال أبو حنيفة انها تسقط لان الجنون
والحيض ينافيان الصوم فيتبين بعروضهما انه لم يكن صائما في ذلك اليوم (والثاني) لا تسقط لقصده
الهتك أولا والمسألة في الحيض مفرعة على أن المرأة إذا أفطرت بالجماع تلزمها الكفارة وعروض الموت
كعروض الحيض والجنون وإذا جمعت بين المرض والجنون والحيض انتظم فيها ثلاثة أقوال كما ذكر
في الكتاب فان ضممت السفر إليها وتعرضت للطريقة البعيدة حصلت أربعة أقوال رابعها انه
يسقط بها دون السفر والله أعلم *
قال {ثم هذه كفارة مرتبة ككفارة الظهار وفى وجوب القضاء وجواز العدول من
الصوم إلى الاطعام بعذر شدة الغلمة وجواز تفريق الكفارة على الزوجة والولد عند الفقر
451

واستقرار الكفارة في الذمة عند العجز عن جميع هذه الخصال وقت الجماع خلاف ففي
وجه نميل إلى القياس ونحمل هذه القضايا في حديث الاعرابي على خاصيتها وفى وجه نعمل
بطاهر الحديث} *
القول في كيفية الكفارة إنما يستقصي في باب الكفارات والكلام الجملي أن هذه الكفارة
مرتبة ككفارة الظهار فيلزم عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين فإن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا لما
ذكرنا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقال مالك يتخير بين الخصال الثلاثة وهو رواية عن أحمد
والأصح عنه مثل مذهبنا ثم في الفصل صور (إحداها) إذا أفسد صومه بالوقاع ولزمته الكفارة
هل يلزمه قضاء اليوم الذي أفسده معها فيه ثلاثة أوجه ومنهم من يقول قولان ووجه للأصحاب لأنه
حكى عن الامام أنه قال يحتمل أن يجب القضاء ويحتمل أن يدخل في الكفارة وكل وجه (أحدهما)
452

انه لا يجب القضاء لان الخلل الحاصل قد انجبر بالكفارة ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر الاعرابي
بالكفارة (وأصحهما) أنه يجب لأنه روى في بعض الرويات أنه صلى الله عليه وسلم قال للرجل
" واقض يوما مكانه " (1) (وثالثها) أنه إن كفر بالصوم دخل فيه القضاء وإلا فلا لاختلاف الجنس قال
ولا خلاف في أن المرأة يلزمها القضاء إذا لم تلزمها الكفارة ولا يتحمل الزوج فان الكفارة
إذا كانت صوما لم تتحمل فما ظنك بالقضاء (الثانية) شدة الغلمة هل يكون عذرا في العدول من
الصيام إلى الاطعام فيه وجهان (أحدهما) نعم لما روى " أنه صلى الله عليه وسلم قال للاعرابي الذي
جاءه وقد واقع صم شهرين قال هل أتيت الا من قبل الصوم فقال أطعم ستين مسكينا " (2) (والثاني)
453

لا لمكان القدرة على الصوم وسنذكر ما الأظهر منهما (الثالثة) لو كان من لزمته الكفارة فقيرا فهل له
صرف الكفارة إلى أهله وأولاده فيه وجهان (أحدهما) نعم لقوله صلى الله عليه وسلم للاعرابي " أطعمه أهلك
وعيالك " (وأصحهما) لا كالزكوات وسائر الكفارات (وأما) الحديث فلا نسلم أن الذي أمره بصرفه إلى
الأهل والعيال كان كفارة وهذا لأنه يحتمل أنه لم يملكه ذلك وإنما أراد أن يملكه ليكفر
فلما أخبره بحاجته صرفه إليه صدقة ويحتمل أنه ملكه وأمره بالتصدق به فلما اخبره بحاجته
أذن له في أكله واطعامه عياله ليبين أن الكفارة إنما تجب إذا فضل عن الكفاية وان سلمنا
أنه كان كفارة ولكن يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم تطوع بالتكفير عنه فسوغ له صرفه
إلى الأهل والعيال فيكون فائدة الخبر أنه يجوز للغير التطوع بالكفارة عن الغير بإذنه وانه يجوز
للمتطوع صرفه إلى أهل المكفر عنه وعياله (1) وهذه الاحتمالات بأسرها منقولة عن الام (الرابعة) إذا عجز عن
جميع الخصال فهل تستقر الكفارة في ذمته قال الأصحاب الحقوق المالية الواجبة لله تنقسم إلى ما تجب
لا بسبب يباشره العبد وإلى ما تجب بسبب يباشره فالأول كزكاة الفطر إن كان قادرا وقت
وجوبها وجبت والا لم تستقر في ذمته إلى أن يقدر (والثاني) على ضربين ما يجب على وجه البدل
كجزاء الصيد فإن كان قادرا عليه فذاك والا ثبت في ذمته إلى أن يقدر تغليبا لمعني الغرامة وما
يجب لا على وجه البدل ككفارة الوقاع واليمين والقتل والظهار ففيها قولان (أحدهما) انها تسقط
عند العجز كزكاة الفطر وبه قال أحمد (وأصحهما) انها لا تسقط كجزاء الصيد فعلى هذا متي قدر
454

على إحدى الخصال لزمته * واحتج للقول الأول بأن النبي صلى الله عليه وسلم " لما أمر الاعرابي بأن يطعمه
أهله وعياله لم يأمره بالاخراج في ثاني الحال " (1) ولو وجب ذلك لاشبه أن يبين له ولمن رجح الثاني
أن يقول لم قلت أن المصروف إلى الأهل والعيال لم يقع تكفيرا فانا روينا وجها مجوزا عند الفقر
ان سلمنا ذلك ولكن يحتمل أن يكون الغرض باقيا في ذمته ولم يبين له ذلك لان حاجته إلى
معرفة الوجوب إنما تمس عند القدرة وتأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز وهذا الذي ذكرناه يوقفك على أنه
لا يمكن الاستدلال بخبر الاعرابي في هذه الصورة والتي قبلها على الجمع وإنما يمكن الاستدلال به
في أحداهما لان المأمور بصرفه إلى الأهل والعيال إما أن يكون كفارة أو لا يكون إن كان لم يصح
الاستدلال به في هذه الصورة وان لم يكن لم يصح في الصورة السابقة وأعرف بعد هذا في لفظ الكتاب
شيئين (أحدهما) انه أطلق ذكر الخلاف في الصور الأربع وفسره بوجهين وهو مسلم في الصورة
الثانية والثالثة (وأما) الأولى فقد ذكرنا ان من الأصحاب من يجعل الخلاف فيها قولا وكذا ذكره القفال في
شرح التلخيص (وأما) الرابعة فالجمهور حكوا الخلاف فيها قولين وإنما أطلق صاحب الكتاب
فيها الوجهين تقليدا للامام (والثاني) انه بين ان أحد طرفي الخلاف في الصور جميعا يوجه بالقياس
والثاني بظاهر الخبر وإذا جرينا على القياس حملنا قصة الاعرابي على خاصيته وخاصية أهله قال
الامام وكثيرا ما كان يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الأضحية وإرضاع الكبير ونحوهما (2)
455

وهذا وإن كان على بعد فهو أهون من تشويش أصول الشريعة (واعلم) أن مثل هذا التأويل إنما يصار
إليه عند الاضطرار ولنا عنه مندوحه اما في غير الصورة الثانية فقد بيناه وأما في الثانية فإنما يحتاج
إلى تأويل الخبر فيها من يجعل الأظهر امتناع العدول إلى الاطعام بعذر شدة الغلمة ومنهم صاحب
الكتاب فإنه أعاد المسألة في آخر كتاب الكفارات ورجح وجه الامتناع وقضية كلام
الأكثرين التجويز ولم يورد صاحب التهذيب غيره فإذا صرنا إليه عملنا بظاهر الخبر واستغنينا
عن التأويل *
قال {الرابع الفدية وهي مد من الطعام مصرفها مصرف الصدقات} *
الأصل في الفدية الخبر والأثر على ما سيأتي ذكرهما وهي مد من الطعام لكل يوم من أيام
رمضان وجنسه جنس زكاه الفطر فيعتبر على الأصح غالب قوت البلد ولا يجزئ الدقيق والسويق
كما مر (وقوله) مصرفها مصرف الصدقات ليس المراد من الصدقات ههنا الزكوات فلا تصرف
الفدية إلى الأصناف الثمانية وإنما المراد التطوعات وهي في الغالب مصروفة إلى الفقراء والمساكين
وكل مد بمثابة كفارة تامة فيجوز صرف عدد منها إلى مسكين واحد بخلاف امداد الكفارة الواحدة يجب
صرف كل واحد منها إلى مسكين كما سيأتي في موضعه ويجوز أن يعلم قوله مد بالحاء والألف لأنه
روى عن أبي حنيفة رحمه الله انها مد من بر أو صاع من تمر وعن أحمد رحمه الله انها مد من بر أو نصف
صاع من تمر أو شعير *
قال {وتجب بثلاثة طرق (أحدها) فوات نفس الصوم فيمن تعدى بتركه ومات قبل القضاء
فيخرج من تركته مد وقال في القديم يصوم عنه وليه ولا يجب على من فاته بالمرض ويجب على الشيخ
الهرم على الصحيح} *
فقه الفصل مسألتان (إحداهما) إذا فاته صوم يوم أو أيام من رمضان قبل القضاء فله حالتان
(إحداهما) أن يكون موته بعد التمكن من القضاء فلا بد من تداركه بعد موته وما طريقه فيه قولان
(الجديد) وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله ان طريقه ان يطعم من تركته لكل يوم مد
456

لما روى مرفوعا وموقوفا على ابن عمر رضي الله عنهما ان من مات وعليه صوم فليطعم عنه مكان
كل يوم مسكين " (1) ولا سبيل إلى الصوم عنه لأن الصوم عبادة لا تدخلها النيابة في الحياة فكذلك
بعد الموت كالصلاة (والقديم) وبه قال احمد انه يجوز لوليه ان يصوم عنه لما روى عن عائشة رضي الله عنها
انه صلى الله عليه وسلم قال " من مات وعليه صوم صام عنه وليه " (2) وإذا فرعنا عي القديم فلو امر
الولي أجنبيا بأن يصوم عنه بأجرة أو بغير اجرة جاز كما في الحج ولو استقل به الأجنبي ففي اجزائه
وجهان (أظهرهما) المنع والمعتبر على هذا القول الولاية على ما ورد في لفظ الخبر أو مطلق القرابة
أو بشرط العصوبة أو الإرث توقف الامام رحمه الله فيه وقال لا نقل عندي في ذلك وأنت إذا فحصت
عن نظائره وجدت الأشبه اعتبار الإرث والله أعلم * ولو مات وعليه صلاة أو اعتكاف لم يقض
عنه وليه ولا يسقط عنه بالفدية وعن البويطي ان الشافعي رضي الله عنه قال في
457

الاعتكاف يعتكف عنه وليه وفى رواية يطعم عنه وليه قال صاحب التهذيب ولا يبعد
تخريج هذا في الصلاة فيطعم عن كل صلاة مد وإذا قلنا بالاطعام في الاعتكاف فالقدر
المقابل بالمد اعتكف يوم بليلته هكذا حكاه الامام عن رواية شيخه قال وهو مشكل فان اعتكاف
لحظة عبادة تامة وإن قيس على الصوم فالليل ثم خارج عن الاعتبار (والحالة الثانية) أن تكون موتته قبل
التمكن من القضاء بأن لا يزال مريضا من استهلال شوال إلى أن يموت فلا شئ في تركته ولا على
ورثته كما لو تلف ماله بعد الحول وقبل التمكن من الأداء لا شئ عليه (المسألة الثانية) الشيخ الهرم
الذي لا يطيق الصوم أو يلحقه مشقة شديدة فلا صوم عليه وفى الفدية قولان (أحدهما) ويحكى عن
رواية البويطي وحرملة انها لا تجب عليه وبه قال مالك كالمريض الذي يرجى زوال مرضه إذا اتصل
مرضه بالموت وأيضا فإنه سقط فرض الصوم عنه فأشبه الصبي والمجنون (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة
وأحمد انها تجب ويروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وأنس وأبي هريرة رضي الله عنهم وقرأ ابن
عباس (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) ومعناه يكلفون الصوم فلا يطيقونه والقولان
جاريان في المريض الذي لا يرجي برؤه وحكم صوم الكفارة والنذر حكم صوم رمضان ولو نذر في حال
العجز صوما ففي انعقاده وجهان وإذا أوجبنا الفدية على الشيخ فلو كان معسرا هل تلزمه إذا قدر
فيه قولان كما ذكرنا في الكفارة ولو كان رقيقا فعتق ترتب الخلاف على الخلاف في زوال الاعسار
وأولى بأن لا يجب لأنه لم يكن من أهل الفدية عند الافطار ولو قدر الشيخ بعد ما أفطر على الصوم
هل يلزمه الصوم قضاء نقل صاحب التهذيب انه لا يلزمه لأنه لم يكن مخاطبا بالصوم بل كان مخاطبا
بالفدية بخلاف المعضوب إذا أحج الغير عنه ثم قدر يلزمه الحج في قول لأنه كان مخاطبا بالحج ثم قال من
عند نفسه إذا قدر قبل أن يفدى عليه أن يصوم وان قد بعد الفدية فيحتمل أن يكون كالحج لأنه
كان مخاطبا بالفدية على توهم أن عذره غير زائل وقد بان خلافه (واعلم) ان في كون الشبخ مخاطبا بالفدية دون
458

الصوم كلاما فان صاحب التتمة في آخرين نقلوا خلافا في أن الشيخ هل يتوجه عليه الخطاب بالصوم
ثم ينتقل للعجز إلى الفدية أم يخاطب بالفداء ابتداء وبنوا عليه الوجهين في انعقاد نذره وإذا كان
كذلك فلصاحب التهذيب ان يمنع قول من قال إنه لم يكن مخاطبا بالصوم (وأما) لفظ الكتاب فقوله
فوات نفس الصوم إنما أطلق اللفظ هكذا ليشمل القضاء والأداء فان الفدية قد تجب مع
القضاء على ما سيأتي ثم ليس الفوات موجبا للفدية على الاطلاق بدليل الصبي والمجنون ومن لم يتمكن
من القضاء بل في بعض المواضع وهو ما إذا أخر القضاء مع الامكان وفى حق الشيخ الهرم فلذلك
قال فوات نفس الصوم فيمن تعدى بتركه ثم قوله فيمن تعدى بتركه ينبغي ان يحمل على ترك الصوم
نفسه لا على ترك الأداء والتعدي بترك نفس الصوم بعد ترك الأداء إنما يكون بالتعدي في ترك
القضاء وقد يسبق إلى الفهم من لفظ صاحب الكتاب ههنا وفى الوسيط ان المراد التعدي بترك الأداء
لكن القولين المذكورين في أنه يصام عنه أو يطعم غير مخصوص به بل الأكثرون من أصحابنا
العراقيين اما نقلوا القولين في المعذور بترك الأداء إذا تمكن من القضاء ولم يقض (وقوله) يصوم عنه
وليه في الحكاية عن القديم ليس المراد منه انه يلزمه ذلك وإنما القول القديم انه يجوز له ذلك أن
أراده هكذا أورده في التهذيب وحكاه الامام عن الشيخ أبى محمد وهو كالمتردد فيه ثم قوله يصوم
معلم بالحاء والميم لما سبق وبالألف أيضا لان عند أحمد لا يصوم عنه في قضاء رمضان وفيه كلام
الكتاب ولكن لو كان عليه صوم نذر صام عنه وليه وعندنا لا فرق على القولين (وقوله) ولا يجب
على من فاته بالمرض المراد منه الحالة الثانية وهي ان يستمر المرض ويمنعه من القضاء ولو أفطر بعذر
السفر ودام السفر إلى الموت فلا شئ عليه أيضا *
قال {الثاني ما يجب بفضيلة الوقت وهي في حق الحامل والمرضع فإذا أفطرتا خوفا على ولديهما
459

قضتا وافتدتا عن كل يوم مدا وفيه قول آخر انه لا يجب كالمريض وهل يلحق بهما الافطار بالعدوان
ومن أنقذ غيره من الهلاك وافتقر إلى الافطار فيه وجهان} *
الحامل والمرضع إن خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا ولا فدية عليهما كالمريض وإن لم يخفا من الصوم الا على الولد
فلهما الافطار وعليهما القضاء وفى الفدية ثلاثة أقوال (أصحها) وبه قال احمد أنها تجب لما روى عن ابن
عباس رضي الله عنهما في قوله تعالي (وعلى الذين يطيقونه فدية) انه منسوخ الحكم الا في حق
الحامل والمرضع وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " في الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما
أفطرتا وافتدتا " (1) (والثاني) انه تستحب لهما الفدية ولا تجب وبه قال أبو حنيفة والمزني واختاره
القاضي الروياني في الحلية ووجهه تشبيه الحامل بالمريض لان الضرر الذي يصيب الولد يتأدى إليها
وتشبيه المرضع بالمسافر لأنهما يفطران لئلا يمنعهما الصوم عما هما بصدده وهو الارضاع في حق هذه
والسفر في حق ذاك وقد يشبهان معا بالمريض والمسافر من حيث إن الافطار مانع لهما والقضاء يكفي تداركا
(والثالث) وبه قال مالك انها تحب على المرضع دون الحامل لان المرضع لا تخاف على نفسها والحامل
تخاف بتوسط الخوف على الولد فكانت كالمريض ويحكى القول الأول عن الام والقديم والثاني عن
رواية حرملة والثالث عن البويطي وإذا فرعنا على الأصح فلا تتعدد الفدية بتعدد الأولاد في أصح الوجهين
460

وهو الذي أورده في التهذيب وهل يفترق الحال بين أن ترضع ولدها أو غيره بإجارة أو غيرها نفى
صاحب التتمة الفرق وقال تفطر المستأجرة وتفدى كما أن السفر لما أفاد جواز الافطار لا يفترق الحال
فيه بين أن يكون لغرض نفسه أو غرض غيره وأجاب صاحب الكتاب في الفتاوى بان المستأجرة لا تفطر
بخلاف الام لأنها متعينة طبعا وإذا لم تفطر فلا خيار لأهل الصبي ولو كانت الحامل أو المرضع مسافرة
أو مريضة فأفطرت على قصد الترخص بالمرض والسفر فلا فدية عليها وان لم تقصد الترخص ففي لزوم
الفدية وجهان كالوجهين السابقين في المسافر إذا أفطر بالجماع ثم في الفصل مسألتان (إحداهما) إذا
أفطر بغير الجماع عمدا في نهار رمضان هل تلزمه الفدية مع القضاء فيه وجهان (أحدهما) نعم لأنها
واجبة على الحامل والمرضع مع قيام العذر والترخيص في الافطار فلان تجب عليه مع أنه غير معذور كان
أولى (وأظهرهما) لا لأنه لم يرد فيه توقيف وحيث وجبت الفدية إنما وجبت جابرة وهي لا تجبر ما تعدى
ولا يليق بعظم جريمته ويخالف الحامل والمرضع لان هناك ارتفق بالافطار شخصان فجاز أن يتعلق
به بدلان وهما القضاء والفدية كالجماع لما ارتفق به الرجل والمرأة تعين القضاء والكفارة العظمى
وههنا بخلافه وقرب الامام الوجهين في المسألة بالوجهين في أن من تعمد بترك الابعاض هل يسجد للسهو
(الثانية) لو رأى مشرفا على الهلاك بغرق وغيره وهو بسبيل من تخليصه ولكن افتقر في تخليصه
إلى الافطار فله ذلك ويقضي وهل تلزمه الفدية فيه وجهان (أظهرهما) وبه قال القفال نعم لأنه فطر
ارتفق به شخصان كما في حق المرضع والحامل (والثاني) لا لان ايجاب الفدية مع القضاء بعيد عن القياس
والتعويل في حق المرضع والحامل على التوقيف والوجهان فيما ذكر الشيخ أبو محمد مبنيان على الخلاف
في وجوب الفدية على الحامل والمرضع ان أوجبناها فكذلك ههنا والا فلا وأشار مشيرون إلى تخريج
الخلاف ههنا مع التفريع على وجوب الفدية ثم وفرقوا بان الافطار ثم لاحياء نفس عاجزة عن
الصوم خلقة فأشبه افطار الشيخ الهرم وههنا الغريق غير عاجز عن الصوم والله أعلم * وقوله في الكتاب ما تجب
461

لفضيلة الوقت معناه ان الفدية قد تجب جبرا لفوات فضيلة الوقت مع تدارك أصل الصوم بالقضاء
وليس ذلك موجبا على الاطلاق بدليل المسافر والمريض وإنما تجب في المواضع التي عدها فلذلك
قال وهو في حق الحامل إلى آخره (وقوله) وافتدتا معلم بالحاء والزاي ويجوز أن يعلم بالميم أيضا وكذا قوله
لا يجب عليهما لان مالكا يفصل فلا يقول بوجوبها عليهما ولا ينفيها عنهما *
قال {الثالث ما يجب لتأخير القضاء فلكل يوم أخر قضاؤه عن السنة الأولى مع الامكان مد وإن
تكررت السنون ففي تكررها وجهان} *
من عليه قضاء رمضان وأخره حتى دخل رمضان السنة القابلة نظر إن كان مسافرا أو مريضا
فلا شئ عليه بالتأخير فان تأخير الأداء بهذا العذر جائز فتأخير القضاء أولى بالجواز وان لم يكن وهو
المراد من قوله مع الامكان فعليه مع القضاء لكل يوم مد وبه قال مالك واحمد خلافا لأبي حنيفة والمزني
لنا الأثر عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم (1) وعن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال " من أدرك رمضان فأفطر لمرض ثم صح ولم يقضه حتى أدرك رمضان آخر صام الذي
أدرك ثم يقضى ما عليه ثم يطعم عن كل يوم مسكينا " (2) ولو أخر حتى مضى رمضانان فصاعدا ففي
462

تكرر الفدية وجهان (أحدهما) أنها لا تتكرر بل تتداخل كالحدود لان الفدية إنما وجبت في السنة
الأولى لأنه أخرج القضاء عن وقته وهو ما بين الرمضانين وهذا لا يتكرر (والثاني) أنها تتكرر قال
في النهاية وهو الأصح لأنه يجب عليه فدية لتأخير سنة فيجب فديتان لتأخير سنتين والحقوق المالية
لا تتداخل ولو كان قد أفطر عدوانا وعلقنا به الفدية فاخر القضاء فعليه لكل يوم فديتان واحدة
للافطار وأخرى للتأخير ولا تداخل لاختلاف الموجب ورأيت فيما علق عن إبراهيم المروروزي
ترتيبه على ما لو أخر القضاء حتى مضي رمضانان ان عددنا الفدية ثم فههنا أولى والا فوجهان لاختلاف
جنس الموجب وإذا أخر القضاء مع الامكان ومات قبل أن يقضى وقلنا الميت يطعم عنه فوجهان
(أصحهما) انه يخرج من تركته لكل يوم مدان أحدهما لتأخير القضاء والآخر لفوات أصل الصوم (والثاني)
ويحكى عن ابن سريج انه يكفي مد (وأما) إذا قلنا إن الميت يصام عنه فصوم الولي يحصل به
تدارك أصل الصوم ويفدى عنه للتأخير وإذا فرعنا على الأصح وهو اخراج مدين فلو كان عليه
قضاء عشرة أيام فمات قبل أن يقضى ولم يبق من شعبان الا خمسة أيام أخرج من تركته خمسة عشر
مدا عشرة لأصل الصوم وخمسة للتأخير لأنه لو عاش لم يمكنه الا قضاء خمسة ولو أفطر بغير عذر وأوجبنا
به الفدية وأخر حتى دخل رمضان السنة الثانية ومات قبل أن يقضى فالظاهر وجوب ثلاثة امداد لكل يوم
فان تكررت السنون زادت الامداد وإذا لم يبق بينه وبين رمضان السنة الثانية ما يتأتى فيه قضاء
الفائت فهل يلزمه في الحال الفدية عما لا يسع الوقت أم لا يلزم الا بعد مجئ رمضان فيه وجهان
مشبهان لما إذا حلف ليشربن ماء هذا الكوز غدا فانصب قبل الغد يحنث في الحال أو بعد مجئ
الغد ولو أراد تعجيل فدية التأخير قبل مجئ رمضان السنة القابلة ليؤخر القضاء مع الامكان ففي
جوازه وجهان كالوجهين في جواز تعجيل الكفارة عن الحنث المحظور فهذا شرح الطرق الثلاثة
الموجبة للفدية على ما فيها من الخلاف وإذا أردت حصرها فقل لا شك ان الفدية إنما تجب عند فوات الأداء
وإذا فات الأداء فاما أن نوجب القضاء أيضا وهو في حق من مات قبل القضاء وفى الشيخ الهرم أو لا يفوت
463

فاما ان يقع مؤخرا عن رمضان السنة القابلة وهو الطريق الثالث أو لا يقع فتجب لفضيلة الوقت
في المواضع المذكورة في الطريق الثاني *
قال {واما صوم التطوع فلا يلزم (م ح) بالشروع وكذا القضاء (م ح) إذا لم يكن على الفور} *
من شرع في صوم تطوع أو في صلاة تطوع لم يلزمه الاتمام ولا قضاء عليه لو خرج من صومه
وصلاته وبه قال احمد وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يجوز الافطار بغير عذر ويجب القضاء سواء
أفطر بعذر أو بغير عذر وقال مالك ان خرج بغير عذر لزمه القضاء والا فلا * لنا ما روى عن عائشة
رضي الله عنها قالت " دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت انا خبأنا لك حيسا قال أما
اني كنت أريد الصوم ولكن قريبه " (1) وعن أم هانئ رضي الله عنها قالت " دخل على رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأنا صائمة فناولني فضل شرابه فشربت فقلت يا رسول الله انى كنت صائمة
وانى كرهت ان أرد سؤرك فقال إن كان من قضاء رمضان فصومي يوما مكانه وإن كان تطوعا فان
شئت فاقضيه وان شئت فلا تقضيه " (2) وعندنا يستحب الاتمام وان لم يجب ولو أفطر فيستحب القضاء
464

ولا يكره الخروج منه بعذر وإن كان بغير عذر فوجهان (أظهرهما) انه يكره ومن الاعذار ان يعز على من
اضافه امتناعه من الاكل ولو شرع في صوم القضاء هل له الخروج منه نظرا إن كان على الفور فلا
وإن كان على التراخي ففيه وجهان (أحدهما) ويحكى عن القفال انه يجوز لأنه متبرع بالشروع
فيه فأشبه المسافر يشرع في الصوم ثم يريد الخروج منه (والثاني) لا يجوز لأنه صار متلبسا
بالفرض ولا عذر به فليزمه اتمامه كما لو شرع في الصلاة في أول الوقت والأول هو الذي أورده
المصنف وصاحب التهذيب وطائفة وقضية كلام الأكثرين ترجيح الثاني وبه أجاب الروياني
في الحلية وحكاه صاحب المعتمد عن نصه في الام وصوم الكفارة اللازمة بسبب حرام كالقضاء
الذي هو على الفور وما لزم بسب غير محرم كالقتل الخطأ فهو كالقضاء الذي هو على التراخي وكذا
النذر المطلق وهذا كله مبني على انقسام القضاء إلى ما هو على الفور والي ما هو على التراخي وهو الأشهر
فالأول ما تعدى فيه بالافطار لا يجوز تأخير قضائه لأن جواز التأخير ترفيه لا يليق بحاله قال في
التهذيب وليس له والحالة هذه التأخير بعذر السفر (والثاني) ما لم يتعد به كما في حق الحائض
والافطار بعذر السفر والمرض فقضاؤه على التراخي ما لم يدخل رمضان السنة القابلة وفى كلام بعض
465

أصحابنا العراقيين ما يرفع هذا الفرق المحاملي يقول في التجريد ومن أفطر في رمضان بعذر أو بغير
عذر فطرا لا تجب به كفارة فالقضاء يلزمه ووقته موسع إلى شهر رمضان الثاني ويمكن تأييد ما ذكروه
466

بأنه قال في المختصر ومن صام متفرقا أجزأه ومتتابعا أحب إلى والاستدلال أنه أطلق القول باستحباب
التتابع في القضاء ولو كان أحد نوعيه على الفور لكان التتابع فيه واجبا لا محبوبا (وقوله) في الكتاب وكذا
القضاء إذا لم يكن على الفور قد عرفت مما سبق انه يجب اعلامه بالواو ثم فيه شئ من جهة اللفظ
وهو ان هذا الكلام معطوف على قوله أما صوم التطوع فلا يلزم بالشروع فيكون أن القضاء إذا لم يكن على
الفور لا يلزم بالشروع أيضا وإنما كان يحسن هذا ان لو كان ما هو على الفور يلزم بالشروع وليس كذلك
بل هو لازم من ابتدائه إلى انتهائه *
467

قال {وصوم التطوع في السنة صوم عرفة وعاشوراء وتاسوعاء وستة أيام بعد عيد رمضان وفى
الشهر الأيام البيض وفى الأسبوع الاثنين والخميس وعلى الجملة صوم الدهر مسنون بشرط الافطار
يوم العيدين وأيام التشريق} *
الأيام التي يستحب التطوع بصومها تنقسم إلى ما يتكرر بتكرر السنين والي ما يتكرر بتكرر الشهور
والى ما يتكرر بتكرر الأسابيع (أما) القسم الأول فمنه يوم عرفة روى " ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال صيام يوم عرفة كفارة سنتين " (1) وهذا الاستحباب في حق غير الحجيج (فاما) الحجيج فينبغي لهم
ألا يصوموا كي لا يضعفوا عن الدعاء وأعمال الحج ولم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة (2) وأطلق
468

كثير من الأئمة كونه مكروها لهم لما روى " انه صلى الله عليه وسلم نهي عن صوم يوم عرفة بعرفة " (1) فإن كان
الشخص بحيث لا يضعف بسبب الصوم فقد قال أبو سعد المتولي الأولى ان يصوم حيازة للفضيلتين ونسب
غيره هذا إلى مذهب أبي حنيفة رحمه الله وقال الأولى عندنا ألا يصوم بحال ومنه يوم عاشوراء
روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " صيام يوم عاشوراء يكفر سنة " (2) ويوم عاشوراء هو العاشر من
المحرم ويستحب ان يصوم معه تاسوعاء وهو التاسع منه لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال " لان عشت إلى
قابل لأصومن اليوم التاسع " (3) وفيه معنيان منقولان عن ابن عباس رضي الله عنهما (أحدهما) الاحتياط
فإنه ربما يقع في الهلال غلط فيظن العاشر التاسع (والثاني) مخالفة اليهود فإنهم لا يصومون الا يوما
واحدا (4) فعلى هذا لو لم يصم التاسع معه استحب أن يصوم الحادي عشر ومنه ستة أيام من شوال يستحب
469

صومها وبه قال أبو حنيفة واحمد رحمهما الله لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من صام رمضان
وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله " (1) وعن مالك ان صومها مكروها والأفضل أن يصومها
متتابعة وعلى الاتصال ليوم العيد مبادرة إلى العبادة وإياه عني بقوله بعد عيد رمضان * وعن أبي حنيفة
رحمه الله ان الأفضل أن يفرقها في الشهر (وأما) القسم الثاني فمنه أيام البيض وهي الثالث عشر
والرابع عشر والخامس عشر لما روى أنه صلى الله عليه وسلم " أوصي أبا ذر رضي الله عنه بصيامها " (2)
وإنما يقال أيام البيض على الإضافة لان المعني أيام الليالي البيض (وأما) القسم الثالث فمنه يوم
470

الاثنين والخميس روي أنه صلى الله عليه وسلم " كان يتحرى صومهما " (1) وروى أنه قال تعرض
الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب ان يعرض عملي وانا صائم " (2) ويكره افراد يوم الجمعة بالصوم
لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " لا يصومن أحدكم يوم الجمعة الا ان يصوم قبله أو بعده " (3) وكذا افراد
471

يوم السبت فإنه يوم اليهود وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " لا تصوموا يوم السبت
الا فيما افترض عليكم " (1) (واما) قوله وعلى الجملة صوم الدهر مسنون (فاعلم) ان المسنون يطلق
لمعنيين (أحدهما) ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك ان صوم الدهر ليس مسنونا
بهذا المعنى (والثاني) الندوب وفى كون صوم الدهر بهذه الصفة كلام أيضا فان صاحب التهذيب
472

رحمه الله في آخرين أطلقوا القول بكونه مكروها واحتجوا بما روى " انه صلى الله عليه قال لعبد الله
ابن عمر رضي الله عنهما ولا صام من صام الدهر صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر " (1) وبما روي " انه
نهى عن صيام الدهر " (2) وفصل الأكثرون فقالوا إن كان يخاف منه ضررا أو يفوت به حقا فيكره والا فلا
وحملوا النهي على الحالة الأولى أو على ما إذا لم يفطر العيدين وأيام التشريق (وقوله) شرط الافطار يوم
العيدين وأيام التشريق ليس المراد منه حقيقة الاشتراط لان افطار هذه الأيام يخرج الموجود عن أن يكون
صوم الدهر وإذا كان كذلك لم يكن شرطا لاستثنائه فان استنان صوم الدهر يستدعي تحققه وإنما المراد منه
ان صوم سوى هذه الأيام مسنون والله أعلم * ولو نذر صوم الدهر لزم وكانت الأعياد وأيام
التشريق مستثناة عنه وكذلك شهر رمضان وقضاؤه إذا فرض فواته بعذر أو بغير عذر وهل تجب
الفدية لما أخل به من النذر بسبب القضاء حكي أبو القاسم الكرخي فيه وجهين والذي أجاب به
صاحب التهذيب انه لا فدية ولو نذر صوما آخر بعد هذا النذر لم ينعقد ولو لزمه صوم كفارة صام
473

عنها وفدى عن النذر ولو أفطر يوما من الدهر فلا سبيل إلى القضاء ولا فدية إن كان بعذر والا
فتجب الفدية ولو نذرت المرأة صوم الدهر فللزوج منعها ولا قضاء ولا فدية وان اذن أو مات فلم تصم
لزمها الفدية والله أعلم *
[باب الاعتكاف]
قال {الاعتكاف سنة مؤكدة لا سيما في العشر الأخير من رمضان لطلب ليلة القدر وهي في أوتار العشر
الأخير وميل الشافعي رضي الله عنه إلى الحادي والعشرين وقيل إنها في جميع الشهر وقيل في جميع السنة ولذا
قال أبو حنيفة لو قال لزوجته في منتصف شهر رمضان أنت طالق ليلة القدر لم تطلق الا إذا مضت
سنة لان الطلاق لا يقع بالشك ويحتمل أن تكون في النصف الأول} *
الأصل في الاعتكاف الاجماع والكتاب والاخبار (اما) الاجماع فظاهر (وأما) الكتاب فقوله تعالي (وطهر
بيتي للطائفين والعاكفين) وقال الله تعالى (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد (واما) الاخبار فسيأتي
طرف منها واستفتح الكتاب بذكر شيئين (أحدهما) بيان استحباب الاعتكاف وموضع تأكده (والثاني)
474

الكلام في ليلة القدر (أما) الأول فالاعتكاف من الشرائع القديمة وهو مستحب في جميع الأوقات
روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من اعتكف فواق ناقة فكأنما أعتق نسمة " (1) وهو في العشر الأواخر
من مضان آكد استحبابا اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبا لليلة القدر " كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأخير من رمضان حتى قبضه الله تعالى " (2) (واعلم) أن استحباب الاعتكاف
475

في العشر الأخير مكرر قد ذكره مرة في سنن الصوم ومن رغب في المحافظة على هذه السنة فينبغي أن
يدخل المسجد قبل غروب الشمس يوم العشرين حتى لا يفوته شئ من ليلة الحادي والعشرين
ويخرج بعد غروب الشمس ليلة العيد ولو مكث ليلة العيد فيه إلى أن يصلي فيه العيد أو يخرج منه إلى
المصلى كان أولى (وأما) الثاني (فاعلم) أن ليلة القدر أفضل ليالي السنة خص الله تعالى بها هذه الأمة وهي
باقية إلى يوم القيامة وجمهور العلماء وفيهم الشافعي رضي الله عنهم على أنها في العشر الأخير من رمضان
476

وهي في أوتارها أرجي لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " تحروا ليلة القدر في الوتر من
العشر الأواخر من رمضان " (1) وميل الشافعي رضي الله عنه إلى أنها ليلة الحادي والعشرين لما روى عن
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (2) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يعتكف العشر الوسطى من
رمضان فاعتكف عاما فلما كانت ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي كان يخرج في صبيحتها
عن اعتكافه قال من كان اعتكف معي فليعتكف في العشر الأواخر قال فأريت هذه الليلة ثم
أنسيتها ورأيتني أسجد في صبيحتها في ماء وطين فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل
وتر فأمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد قال أبو سعيد فأبصرت
عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف إلينا وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى
477

وعشرين " وأبدى في بعض المواضع الميل إلى ليلة الثالث والعشرين لما روى عن عبد الله بن أنيس
رضي الله عنه انه " قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم اني أكون بباديتي وانى أصلى بهم فمرنى بليلة من هذا الشهر
أنزلها المسجد فأصلي فيه فقال انزل في ليلة ثلاث وعشرين " (1) وجمع بين الليلتين في المختصر فقال ويشبه
أن يكون في ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين والمعني في اخفاء الله تعالى هذه الليلة حمل الناس على
احياء جميع ليالي العشر بالعبادة رجاء اصابتهما وعلامة هذه الليلة انها طلقة لا حارة ولا باردة
وان الشمس في صبيحتها تطلع بيضاء ليس لها كثير شعاع ويستحب أن يكثر فيها من قول " اللهم
انك عفو تحب العفو فاعف عنى " (2) وعند مالك هي في العشر ولا ترجيح لبعض الليالي على البعض
478

وعند أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله هي ليلة السابع والعشرين وهذا الذي ذكروه لا ينافي قوله في
الكتاب وهي في أوتار العشر الأخير فلا نعلمه بعلاماتهم ولكن يجوز أن نعلمه بالحاء لأنه روى
عنه انها محتملة في جميع السنة وروى في جميع الشهر والروايتان مستنبطتان مما نقل عنه انه لو قال لزوجته
أول يوم من رمضان أنت طالق ليلة القدر لا تطلق الا مثل ذلك اليوم من السنة الأخرى وعن ابن خزيمة
من أصحابنا ان ليلة القدر منقولة في ليالي العشر تنقل في كل سنة إلى ليلة جمعا بين الاخبار
وقوله وقيل إنها في جميع الشهر يشعر بأنه وجه للأصحاب وقوله ولذلك لو قال لزوجته في
منتصف شهر رمضان أنت طالق ليلة القدر لم تطلق إلا إذا مضت سنة يشعر بأن المسألة مجزوم بها
موجهة للوجه المنقول وقد حكى في الوسيط المسألة هكذا عن نص الشافعي رضي الله عنه وكل واحد
من نقل الوجه وتوجيهه محل التوقف (أما) النقل فلأنك لا تكاد تجد رواية احتمالها في جميع ليالي الشهر
عن الأصحاب في شئ من كتب المذهب (وأما) التوجيه فلان ما أجاب به في مسألة الطلاق يخالف
ما نقله الأئمة فإنهم قالوا إذا قال لامرأته أنت طالق ليلة القدر فان قاله قبل شهر رمضان أو في رمضان
قبل مضي شئ من ليالي العشر طلقت بانقضاء الليالي العشر وإن قاله بعد مضى بعض لياليها لم تطلق إلى
مضي سنة هكذا نقل الشيخ أبو إسحاق في المهذب والامام وغيرهما ولم نر اعتبار مضى سنة في المسألة
المذكورة الا في كتب صاحب الكتاب (وقوله) ان الطلاق لا يقع بالشك مسلم لكنه يقع بالظن الغالب
قال إمام الحرمين الشافعي رضي الله عنه متردد في ليالي العشر ويميل إلى بعضها ميلا ضعيفا وانحصارها
في العشر ثابت عنده بالظن القوى وإن لم يكن مقطوعا به والطلاق يناط وقوعه بالمذاهب المظنونة
والله أعلم *
479

قال {وفى الكتاب ثلاثة فصول (الفصل الأول) في أركانه وهي أربعة (الركن الأول) الاعتكاف وهو
عبارة عن اللبث في المسجد ساعة مع الكف عن الجماع وهل يشترط الكف عن مقدمات الجماع فيه قولان
ولا يشترط (ح وم) اللبث يوما ولا يكفي العبور} *
مقصود الفصل الأول الكلام في أركان الاعتكاف وهي فيما عدها أربعة الاعتكاف والنية
والمعتكف والمعتكف (الأول) الاعتكاف وهو عبارة عن المقام في اللغة يقال عكف واعتكف أي أقام
وأما في الشريعة فقد فسره في الكتاب باللبث في المسجد ساعة مع الكف عن الجماع وفيه اعتبار
أمور (أحدها) اللبث وقد حكى الامام رحمه الله في اعتباره وجهين (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب
أنه لابد منه لان لفظ العكوف مشعر به (والثاني) أنه يكفي مجرد الحضور كما يكفي الحضور بعرفة
في تحقيق ركن الحج ثم فرع على الوجهين فقال إن اكتفينا بالحضور حصل الاعتكاف بالعبور حتى
لو دخل من باب وخرج من باب ونوى فقد اعتكف وإن اعتبرنا اللبث لم يكف ما يكفي في الطمأنينة
في أركان الصلاة بل لابد وأن يزيد عليه بما يسمي إقامة وعكوفا ولا يعتبر السكون بل يصح اعتكافه
قاعدا وقائما ومترددا في ارجاء المسجد ولا يقدر اللبث بزمان حتى لو نذر اعتكاف ساعة انعقد
ولو نذر اعتكافا مطلقا خرج عن عهدة النذر بأن يعتكف لحظة واستحب الشافعي رضي الله عنه أن
480

يعتكف يوما وذلك للخروج من الخلاف فان مالكا وأبا حنيفة رحمهما الله لا يجوزان اعتكاف أقل
من يوم ونقل الصيدلاني وجها أنه لابد من مكث يوم أو ما يدنو من يوم لان ما دون ذلك معتاد
في الحاجات التي تعن في المساجد فلا تصلح للقربة وقد عرفت مما ذكرنا أن قوله ولا يشترط اللبث
يوما ينبغي أن يرقم بالميم والحاء والواو (وقوله) ولا يكفي العبور بالواو ويجوز أن يرقم به لفظ اللبث
أيضا في قوله وهو عبارة عن اللبث ولا يخفى أن قوله ساعة ليس المراد منه الواحدة من الساعات
التي يقسم اليوم والليلة عليها ولا سبيل إلى حمله عل اللحظة وان لطفت لما ذكر الأئمة انه لابد
وأن يزيد على زمان الطمأنينة ولأنه لو حمل على هذا المعني لضاع واغنى لفظ اللبث عنه فإذا هو
محمول على القدر الذي يثبت اسم العكوف والإقامة فيه (والثاني) كونه في المسجد وهذا سيأتي
شرحه في الركن الرابع (والثالث) الكف عن الجماع فلا يجوز للمعتكف الجماع ولا سائر المباشرات بالشهوة
لقوله تعالي (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) ولو جامع بطل اعتكافه سواء جامع في المسجد
أو جامع حين خرج لقضاء الحاجة إذا كان ذاكرا للاعتكاف عالما بتحريم الجماع وهذا هو المراد من لفظ
الكتاب وإن أطلق الكف عن الجماع فأما إذا جامع ناسيا للاعتكاف أو جاهلا بالتحريم فهو
كنظيره في الصوم * وقال مالك وأبو حنيفة واحمد رحمهم الله يفسد الاعتكاف بجماع الناسي ولا فرق
481

بين جماع وجماع وروى المزني عن نصه في بعض المواضع انه لا يفسد الاعتكاف من الوطئ الا ما يوجب
الحد فقال الامام قضية هذا أن لا يفسد باتيان البهيمة إذا لم نوجب به الحد وكذلك بالاتيان في غير
المأتى والمذهب الأول ولو لمس أو قبل بشهوة أو باشر فيما دون الفرج متعمدا فهل يفسد اعتكافه
فيه طريقان (أظهرهما) ان المسألة على قولين (أحدهما) ويروى عن الاملاء انها تفسده لأنها مباشرة محرمة
في الاعتكاف فأشبهت الجماع (والثاني) يروى عن الام انها لا تفسده لأنها مباشرة لا تبطل الحج
فلا تبطل الاعتكاف كالقبلة بغير شهوة (والثاني) القطع بأنها لا تفسد حكاه الشيخان أبو محمد والمسعودي
والمشهور طريقة القولين وما موضعهما فيه ثلاثة طرق (أحدها) ان القولين فيما إذا أنزل فأما إذا لم ينزل
لم يبطل الاعتكاف بلا خلاف كالصوم (وثانيها) ان القولين فيما إذا لم ينزل أما إذا أنزل بطل اعتكافه
بلا خلاف لخروجه عن أهلية الاعتكاف بالجنابة (وثالثها) وهو الأظهر طرد القولين وفى الحالين والفرق
على أحد القولين فيما إذا لم ينزل بين الاعتكاف والصوم ان هذه الاستمتاعات في الاعتكاف محرمة
لعينها وفى الصوم ليست محرمة لعينها بل لخوف الانزال ولهذا يرخص فيها لمن لا تحرك القبلة شهوته
وإذا اختصرت الخلاف في المسألة قلت فيها ثلاثة أقوال أو وجوه (أحدها) انها لا تفسد الاعتكاف
أنزل أو لم ينزل (والثاني) تفسده أنزل أو لم ينزل وبه قال مالك (والثالث) وبه قال أبو حنيفة
والمزني وأصحاب احمد ان ما انزل منها أفسد الاعتكاف ومالا فلا والمفهوم من كلام الأصحاب بعد
الفحص ان هذا القول أرجح واليه ميل أبى اسحق المروزي وان استبعده صاحب المهذب ومن تابعه
(أما) القول بالفساد عند الانزال فقد أطبق الجمهور على أنه أصح (وأما) المنع عند عدم الانزال فقد نص
على ترجيحه المحاملي والشيخ أبو محمد والقاضي الروياني وغيرهم رحمهم الله وإيانا والاستمناء باليد
مرتب على ما إذا لمس فأنزل (ان قلنا) انه لا يبطل الاعتكاف فهذا أولى (وان قلنا) يبطله ففيه وجهان والفرق
482

كمال الاستمتاع والالتذاذ ثم باصطكاك البشرتين ولا بأس للمعتكف بأن يقبل على سبيل الشفقة والاكرام
ولا بأن يلمس بغير شهوة " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني رأسه لترجله عائشة رضي الله عنها
وهو معتكف " (1) *
قال {ولا يشترط ترك التطيب وترك البيع والشراء (م و) وترك الأكل (م ح) بل يصح الاعتكاف
من غير صوم فان نذر أن يعتكف صائما لزمه كلاهما وفى لزوم الجمع قولان ولو نذر ان يعتكف مصليا
أو يصوم معتكفا لم يلزم الجمع} *
ترك التطيب ليس بشرط في الاعتكاف بل للمعتكف أن يتطيب كما له أن يرجل الرأس ويتزوج ويزوج
بخلاف المحرم وله ان يتزين بلبس الثياب إذ لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم غير ثوبه للاعتكاف (2)
وعن أحمد انه يستحب ترك التطيب والتزين برفيع الثياب ويجوز له أن يأمر باصلاح معاشه وتعهد
ضياعه وأن يبيع ويشترى ويخيط ويكتب وما أشبه ذلك ولا يكره شئ من هذه الأعمال إذا لم تكثر
سيما إذا وقع في محل الحاجة وان أكثر أو قعد يحترف بالخياطة ونحوها كره ولكن لا يبطل
483

اعتكافه وعن مالك انه إذا قعد فيه واشتغل بحرفته يبطل اعتكافه ونقل عن القديم قول مثله في
الاعتكاف المنذور ورواه بعضهم في مطلق الاعتكاف والمذهب ما سبق لان ما لا يبطل قليله
الاعتكاف لا يبطله كثيره كسائر الافعال ولو كان يشتغل بقراءة القرآن ودراسة العلم فهو زيادة
خير وعن أحمد انه لا يستحب له إلا ذكر الله تعالى والصلاة ويجوز له أن يأكل في المسجد والأولى
أن يبسط سفرة ونحوها لأنه أبلغ في تنظيف المسجد وله أن يغسل اليد والأولى غسلها في طست
ونحوها حتى لا يبتل المسجد فيمنع غيره من الصلاة والجلوس فيه ولأنه قد يستقذر فيصان المسجد
عنه ولهذا قال في التهذيب ويجوز نضح المسجد بالماء المطلق ولا يجوز نضحه بالماء المستعمل وإن كان
طاهرا لان النفس قد تعافه ويجوز الفصد والحجامة في المسجد بشرط أن يأمن التلويث والأولى
الاحتراز عنه وفى البول في الطست احتمالان ذكرهما ابن الصباغ والأظهر المنع وهو الذي أورده
صاحب التتمة لأنه قبيح واللائق بتعظيم المسجد تنزيهه عنه بخلاف الفصد والحجامة ولهذا لا يمنع
من استقبال القبلة واستدبارها عند الفصد ويمنع عند قضاء الحاجة وليس من شرط الاعتكاف
الصوم بل يصح الاعتكاف في الليل وحده وفى العيد وأيام التشريق خلافا لأبي حنيفة ومالك رحمهما
الله حيث قالا الصوم شرط فيه ولا يصح في العيد وأيام التشريق ولا في الليالي المجردة وعن أحمد روايتان
(أصحهما) مثل مذهبنا * لنا ما روى أن عمر رضي الله عنه " سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال كنت نذرت في
الجاهلية ان اعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك " (1) ولو لم يصح الاعتكاف
484

في الليلة المفردة لما أمره بالوفاء بنذره ويجوز أن يعلم قوله بل يصح الاعتكاف من غير صوم مع علامات
هؤلاء بالواو لان الشيخ أبا محمد وغيره نقلوا عن القديم قولا مثل مذهبهم إذا عرفت ذلك فلو نذر
أن يعتكف يوما هو فيه صائم أو أياما هو فيها صائم لزمه الاعتكاف في أيام الصوم لان الاعتكاف
بالصوم أفضل وان لم يكن مشروطا به فإذا التزمه بالنذر لزمه كما لو التزم التتابع فيه وليس له في هذه
الصورة افراد أحدهما عن الآخر بلا خلاف وليست هذه مسألة الكتاب ولو اعتكف في رمضان
أجزأه لأنه لم يلتزم بهذا النذر صوما وإنما نذر الاعتكاف على صفة وقد وجدت ولو نذر ان يعتكف
صائما أو يعتكف بصوم لزمه الاعتكاف والصوم جميعا بهذا النذر وهل يلزمه الجمع بينهما فيه وجهان
(أحدهما) وبه قال أبو علي الطبري لا لأنهما عبادتان مختلفتان فأشبه ما إذا نذر ان يصلي صائما (وأصحهما)
485

ويحكي عن نصه في الام نعم لما ذكرنا في المسألة السابقة فلو شرع في الاعتكاف صائما ثم أفطر لزمه
استئناف الصوم والاعتكاف على الوجه الثاني ويكفيه استئناف الصوم على الوجه الأول ولو نذر
اعتكاف أيام وليال متتابعة صائما وجامع ليلا ففيه هذان الوجهان ولو اعتكف عن نذره في رمضان
أجزأه عن الاعتكاف في الوجه الأول وعليه الصوم وعلى الثاني لا يجزئه عن الاعتكاف أيضا ولو نذر ان
486

يصوم معتكفا ففيه طريقان (أظهرهما) طرد الوجهين (والثاني) وبه قال الشيخ أبو محمد القطع بأنه
لا يجب الجمع والفرق أن الاعتكاف لا يصلح وصفا للصوم والصوم يصلح وصفا للاعتكاف فإنه
من مندوباته ولو نذر أن يعتكف مصليا أو يصلى معتكفا لزمه الصلاة والاعتكاف وفى لزوم
الجمع طريقان (أحدهما) طرد الوجهين (وأصحهما) القطع بأن لا يجب والفرق أن الصوم والاعتكاف
متقاربان فان كل واحد منهما كف وإمساك والصلاة أفعال مباشرة لا مناسبة بينها وبين الاعتكاف
ويخرج على هذين الطريقين ما لو نذر أن يعتكف محرما فإن لم نوجب الجمع بين الاعتكاف والصلاة
487

فالقدر الذي يلزمه من الصلاة هو القدر الذي يلزمه لو أفرد الصلاة بالنذر وان أوجبنا الجمع لزمه
ذلك القدر في يوم اعتكافه ولا يلزمه استيعاب اليوم بالصلاة فإن كان نذر اعتكاف أيام مصليا لزمه ذلك
القدر في كل يوم هكذا أورده صاحب التهذيب وغيره وأنت بسبيل من أن تقول ظاهر اللفظ يقتضى
الاستيعاب فإنه جعل كونه مصليا صفة لاعتكافه وإذا تركنا هذا الظاهر فلم نعتبر تكرير القدر الواجب
من الصلاة في كل يوم وهلا اكتفى به في جميع المدة ولو نذر أن يصلى صلاة يقرأ فيها سورة كذا
فعن القفال ان وجوب الجمع على الخلاف في وجوب الجمع بين الصوم والاعتكاف ووجه لائح
488

وقوله وفى لزوم الجمع قولان التعبير عن الخلاف في المسألة بالقولين خلاف ايراد الجمهور نعم
ردد الامام الرواية بين القولين والوجهين (وقوله) لم يلزمه الجمع لابد من وسمه بالواو لما ذكرنا من الخلاف
في الصورتين والذي أجاب به صاحب الكتاب موافق لما اختاره معظم الأئمة فيما إذا نذر أن
يعتكف مصليا ومخالفا له فيما إذا نذر أن يصوم معتكفا سواء قدرنا جريانه على طريقة نفى الخلاف
أو اختياره نفى اللزوم مع تسليم الخلاف فان الأكثرين طردوا فيها الوجهين وقالوا الأظهر
لزوم الجمع *
قال {الثاني النية ولا بد منها في الابتداء ويستمر حكمها وان دام اعتكافه سنة فان خرج لقضاء
حاجة أو لغيره فإذا عاد لزمه استئناف النية أما إذا قدر زمانا في نيته كما لو نوى أن يعتكف شهرا
لم يلزمه إذا خرج تجديد النية في قول ولزمه إن طالت مدة الخروج في قول ولزم بالخروج
لغير قضاء الحاجة قرب الزمان أو طال في قول ونية الخروج عن الاعتكاف كنية الخروج
عن الصوم} *
489

لا بد من النية في ابتداء الاعتكاف كما في الصلاة ويجب التعرض في المنذور منه للفرضية ليمتاز عن
عن التطوع ثم في الركن مسألتان (إحداها) إذا نوى الاعتكاف لم يخل اما ان يطلق أو يعين بنيته زمانا
فان أطلق كفاه ذلك وان طال عكوفه لكن لو خرج من المسجد ثم عاد لزمه استئناف النية سواء
خرج لقضاء الحاجة أو لغيره فان ما مضى عبادة تامة (والثاني) اعتكاف جديد وقال في التتمة فلو
انه عزم عند خروجه ان يقضي حاجته ويعود كانت هذه العزيمة قائمة مقام النية ولك ان تقول
اقتران النية بأول العبادة شرط فكيف يحصل الاكتفاء بالعزيمة السابقة على العود وان عين زمانا
كما إذا نوى اعتكاف يوم أو شهر فهل يحتاج إلى تجديد النية إذا خرج وعاد نقل في الكتاب فيه
ثلاثة أقوال وسماها في الوسيط وجوها وهو الموافق لا يراد الأئمة رحمهم الله وهي حاصل ما ذكروه
في الطرق (أحدها) انه لا حاجة إلى تجديد النية لأن النية شملت جميع المدة بالتعيين (والثاني) انه
ان لم تطل مدة الخروج فلا حاجة إلى التجديد وان طالت فلا بد منه لتعذر البناء ولا فرق على هذا
بين أن يكون الخروج لقضاء الحاجة أو لغيره (والثالث) انه ان اخرج لقضاء الحاجة لم يجب
التجديد لأنه لا بد منه فهو كالمستثنى عند النية وان خرج لغرض آخر فلا بد من التجديد لقطعه
الاعتكاف ولا فرق على هذا بين أن يطول الزمان أو لا يطول وهذا الثالث أظهر الوجوه وزاد
صاحب التهذيب في التفصيل فقال إن خرج لأمر يقطع التتابع في الاعتكاف المتتابع فلا بد من تجديد
490

النية وان خرج لأمر لا يقطعه نظر ان لم يكن منه بد كقضاء الحاجة والاغتسال عند الاحتلام
فلا حاجة إلى التجديد وإن كان منه بدأ وطال الزمان ففي التجديد وجهان وهذه الاختلافات
مضطردة فيما إذا نوى مدة لتطوع الاعتكاف وفيما إذا نذر أياما ولم يشترط فيها التتابع ثم دخل
المعتكف على قصد الوفاء بالنذر أما إذا شرط التتابع أو كانت المدة المنذورة متواصلة في نفسها فسيأتي
حكم التجديد فيها (الثانية) لو نوى الخروج من الاعتكاف ففي بطلان الاعتكاف الخلاف المذكور
في بطلان الصوم بنية الخروج والأظهر انه لا يبطل وأفتى بعض المتأخرين ببطلان الاعتكاف لان
مصلحته تعظيم الله تعالى كالصلاة وهي تختل بنقض النية ومصلحة الصوم قهر النفس وهي لا تفوت
بنية الخروج *
قال {الثالث المعتكف وهو كل مسلم عاقل ليس بجنب ولا حائض فيصح اعتكاف الصبي والرقيق
والسكر والردة إذا قارنا الابتداء منعا الصحة وان طرآ فالردة تفسد والسكر لا يفسد كالاغماء
(وقيل) إنهما يفسدان (وقيل) إنهما لا يفسدان والحيض مهما طرأ قطع والجنابة إن طرأت باحتلام فعليه
أن يبادر إلى الغسل ولا يلزمه الغسل في المسجد وإن أمكن} *
491

شرط في المعتكف أن يكون مسلما عاقلا نقيا عن الجنابة والحيض والكلام فيمن يدخل
في هذا الضبط ومن يخرج عنه فمن الداخلين فيه الصبي والرقيق والمرأة المزوجة فيصح اعتكافهم
كما يصح صومهم وصلاتهم لكن لا يجوز للعبد ان يعتكف بغير اذن سيده لان منفعته مستحقة
للسيد ولا المرأة المزوجة ان تعتكف بغير اذن زوجها لان الزوج يستحق الاستمتاع بها وان
اعتكفا بغير اذن كان للسيد اخراج العبد وللزوج اخراج الزوجة وكذلك لو اعتكفا باذنهما تطوعا
فإنه لا يلزم بالشروع وقال مالك ليس لهما الاخراج إذا أذنا وبه قال أبو حنيفة رحمه الله في الزوج
وساعدنا في السيد ولو نذرا اعتكافا نظر إن نذراه بغير اذن فلهما المنع من الشروع فيه فان اذنا في
492

الشروع وكان الزمان متعينا أو غير متعين ولكن شرطا التتابع لم يجز لهما الرجوع وان لم يشرطا التتابع فلهما
الرجوع في أظهر الوجهين وان نذرا بالاذن نظر ان تعلق بزمان معين فلهما الشروع فيه بغير اذن
والا لم يشرعا فيه الا باذن وإذا شرعا بالاذن لم يكن لهما المنع من الاتمام هكذا أورده أئمتنا
العراقيون وهو مبنى على أن النذر المعلق إذا شرع فيه لزم اتمامه وفيه خلاف قدمناه ويستوى في
جميع ما ذكرناه القن والمدبر وأم الولد (واما) المكاتب فله ان يعتكف بغير اذن السيد على أصح الوجهين
ومن نصفه حر ونصفه رقيق كالرقيق ان لم يكن بينه وبين السيد مهايأة وإن كانت فهو في نوبة نفسه
493

كالحر وفى نوبة السيد كالرقيق واما من يخرج عنه فباعتبار الاسلام والعقل يخرج الكافر والمجنون
والسكران والمغمى عليه فلا يصح منهم الاعتكاف إذ لا نية لهم ولو ارتد في أثناء اعتكافه فالمنقول
عن نصه في الام انه لا يبطل اعتكافه بل يبنى إذا عاد إلى الاسلام ونص انه لو سكر في اعتكافه
ثم افاق يستأنف وهذا حكم ببطلان الاعتكاف وللأصحاب فيهما طريقان (أحدهما) تقرير النصين
والفرق ان السكران ممنوع من المسجد قال الله تعالى (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) أي موضع
الصلاة فإذا شرب المسكر وسكر فقد أخرج نفسه عن أهلية اللبث في المسجد فنزل ذلك منزلة
494

خروجه منه والمرتد غير ممنوع من المسجد بل يجوز استتابته فيه وتمكينه من الدخول لاستماع القرآن
ونحوه فلم بجعل الارتداد متضمنا بطلان الاعتكاف واختار أصحاب الشيخ أبي حامد هذا الطريق وذكروا
انه المذهب وسلم غيرهم ذلك في السكران ونازعوهم في عدم تأثير الردة على ما سيأتي (وأصحهما) التسوية
بين الردة والسكر وفى كيفيتها طريقان (أحدهما) انهما على قولين (أحدهما) انهما لا يبطلان الاعتكاف
(أما) الردة فلما سبق (وأما) السكر فلانه ليس فيه الا تناول محرم وذلك لا ينافي الاعتكاف (والثاني)
أنهما يبطلان الاعتكاف (أما) السكر فلما سبق (وأما) الردة فلخروج المرتد عن أهليه العبادة (وأصحهما)
الجزم في الصورتين وفى كيفيته طرق (أحدها) انه لا يبطل الاعتكاف بواحد منهما وكلامه في السكران
495

محمول على ما إذا خرج من المسجد أو أخرج لإقامة الحد عليه (وثانيها) ان السكر يبطله لامتداد زمانه والردة
كذلك ان طال زمانها والا فيبني كلامه في الردة محمول على حالة طول الزمان (وثالثها) ولم يورده
الا الامام وصاحب الكتاب رحمها الله ان الردة تبطل لأنها تفوت شرط العبادة والسكر لا يبطل
كالنوم والاغماء وهو خلاف النصين (ورابعها) وهو الأصح ويحكي ذلك عن الربيع انهما جميعا
مبطلان فان كل واحد منها أشد من الخروج من المسجد فإذا كان ذلك مبطلا للاعتكاف فهما
اولي ونصه في الردة مفروض فيما إذا لم يكن اعتكافه متتابعا وإذا عاد إلى الاسلام يبني على ما مضي
496

لان الردة لا تحبط العبادات السابقة عندنا ونصه في السكر مفروض في الاعتكاف المتتابع والله أعلم
واعرف في لفظ الكتاب شيئين (أحدهما) أنه مشعر بان الخلاف في أن الردة والسكر هل يخلان
بالاعتكاف أم يستمر معهما بحالة فإنه جعلهما مانعين من الصحة ابتداء وفرض الخلاف في الفساد
بعروضهما وكلام الامام كالمصرح بمثل ذلك وليس هو بمساعد عليه بل الأصحاب جعلوا الخلاف
في أنه هل يبقي ما تقدم على لردة والسكر معتدا به حتى يبنى عليه أم يبطل حتى يحتاج إلى الاستئناف
إذا كان الاعتكاف متتابعا فاما زمان الردة والسكر فالمفهوم من نص الشافعي رضي الله عنه أنه
497

لا اعتكاف فيه فان الكلام في أنه يبني أو يستأنف إنما ينتظم عند حصول الاختلال في الحال
وقد نص أبو علي وغيره على أن أيام الردة غير محسوبة من الاعتكاف بلا شك إذ ليس للمرتد
أهلية العبادة ونقل صاحب التهذيب في احتساب زمان السكر وجهين وقال المذهب المنع (والثاني)
ان ايراد الكتاب يقتضي ترجيح الطريق الذي عزيناه إلى رواية الامام وصاحب الكتاب وقد صرح به في
الوسيط ولم ير لغيرهما نقله فضلا عن ترجيحه ولو جن أو أغمي عليه في خلال الاعتكاف فإن لم
يخرج من المسجد لم يبطل اعتكافه لأنه معذور فيما عرض وان أخرج نظر ان لم يكن حفظه في المسجد
فكذلك لأنه لم يحصل الخروج باختياره فأشبه ما لو حمل العاقل واخرج مكرها وأن أمكن ولكن شق ففيه
الخلاف الذي نذكره في المريض إذا خرج قال في التتمة ولا يحسب زمان الجنون عن الاعتكاف
498

لان العبادات البدنية لا تصح من المجنون وزمان الاغماء يحسب على المذهب وفيه خلاف تخرجا مما
لو أغمي على الصائم وأما اعتبار النقاء من الجنابة والحيض فيخرج منه الحائض والجنب فلا يصح منهما
الاعتكاف ومتى طرأ الحيض على المعتكفة فعليها الخروج من المسجد ولو مكثت لم يحسب عن
الاعتكاف وهل يبطل ما سبق أم يجوز البناء عليه في الاعتكاف المتتابع قد ذكره في الفصل الثالث
ولو طرأت الجنابة نظر ان طرأت بما يبطل الاعتكاف فلا يخفى الحكم وان طرأت بما لا يبطله
كالاحتلام وبالجماع ناسيا والانزال بالمباشرة فيما دون الفرج إذا قلنا إنها لا تبطل فعليه أن يبادر
499

إلى الغسل كيلا يبطل تتابع اعتكافه ثم إن لم يمكنه الغسل في المسجد فهو مضطر إلى الخروج
وان أمكنه فيعذر في الخروج أيضا ولا يكلف الغسل في المسجد فان الخروج أقرب إلى المروءة وصيانة
حرمة المسجد (وقوله) والحيض مهما طرأ قطع ليس المراد منه قطع التتابع فالكلام فيه سيأتي وإنما المراد انه يقطع
الاعتكاف في الحال وإذا كان كذلك فانقطاع الاعتكاف في الحال غير مخصوص بالحيض بل زمان
الجنابة أيضا لا يحسب من الاعتكاف على الصحيح وفيه وجه حكاه صاحب التهذيب وضعفه فلو
500

قال والحيض والجنابة إذا طرآ قطعا ثم ذكر حكم الاحتلام كان أحسن *
قال {الرابع المعتكف فيه وهو المسجد ويستوى فيه جميع المساجد والجامع أولى ولا يصح اعتكاف
المرأة في مسجد بيتها على الجديد} *
الاعتكاف يختص بالمساجد ويستوى في الجواز جميعها كاستوائها في تحريم المكث للجنب وسائر الأحكام
ويدل عليه إطلاق قوله تعالي (وأنتم عاكفون في المساجد) وعند أحمد لا يصح الاعتكاف
إلا في مسجد تام فيه الجماعة فاعلم قوله ويستوى فيه جميع المساجد بالألف ويجوز أن يعلمه بالواو
أيضا لان صاحب المعتمد ذكر أن الشيخ أبا حامد حكى ان الشافعي رضي الله عنه أومأ في القديم إلى مثل
501

مذهب الزهري وهو اختصاص الاعتكاف بالمسجد الجامع والمشهور الأول والجامع أولى بالاعتكاف
للخروج من الخلاف ولكثرة الجماعة فيه ولئلا يحتاج إلى الخروج لصلاة الجمعة وهذا أظهر المعاني عند الشافعي
رضي الله عنه أو لا بد منه في ثبوت الأولوية لأنه نص على أن المرأة والعبد والمسافر يعتكفون حيث
شاؤوا أي من المساجد لأنه لا جمعة عليهم ولو اعتكفت المرأة في مسجد بيتها وهو المعتزل المهيأ للصلاة هل يصح
فيه قولان (الجديد) وبه قال مالك وأحمد لا لان ذلك الموضع ليس بمسجد في الحقيقة فأشبه سائر
المواضع ويدل عليه ان نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يعتكفن في المسجد ولو جاز اعتكافهن في
502

البيوت لاشبه ان يلازمنها (والقديم) وبه قال أبو حنيفة نعم لأنه مكان صلاتها كما أن المسجد مكان
صلاة الرجل وعلى هذا ففي جواز الاعتكاف فيه للرجل وجهان وهو اولي بالمنع ووجه الجواز ان نفل
الرجل في البيت أفضل والاعتكاف ملحق بالنوافل وإذا قلنا بالجديد فكل امرأة يكره لها حضور
الجماعات يكره لها الخروج للاعتكاف والتي لا يكره لها ذاك لا يكره لها هذا *
قال {ولو عين مسجدا بنذره فالصحيح ان المسجد الحرام يتعين وسائر المساجد لا تتعين وفي
مسجد الأقصى ومسجد المدينة قولان وقيل إن الكل لا يتعين وقيل إن الكل يتعين (وأما) الزمان
503

(فالمذهب) انه يتعين (و) كما في الصوم ثم يقضي (و) عند الفوات} *
مقصود الفصل الكلام في تعيين مكان الاعتكاف وزمانه بالنذر (أما) المكان فان عين المسجد
الحزام تعين لمزيد فضله وتعلق النسك به وإن عين مسجد المدينة أو المسجد الأقصى فهل يتعين
فيه قولان (أظهرهما) وبه قال أحمد نعم لأنهما مسجدان ورد الشرع بشد الرحال إليهما فأشبها المسجد
الحرام (والثاني) لا لأنه لا يتعلق بهما نسك فأشبها سائر المساجد وذكر الامام أن من الأصحاب
من خرج تعيين المسجد الحرام على هذين القولين وان عين غير المساجد الثلاثة ففي التعيين وجهان وقال
504

الكرخي قولان عن ابن سريج (أظهرهما) انه لا يتعين كما لو عينه للصلاة (والثاني) انه يتعين لان الاعتكاف
يختص بالمسجد بخلاف الصلاة لا تختص بالمسجد فلا يتعين لها المسجد * واحتج لهذا الوجه بأن الشافعي
رضي الله عنه قال: لو أوجب على نفسه اعتكافا في مسجد فانهدم اعتكف في موضع منه فإن لم يقدر خرج فإذا
بنى المسجد رجع وبني على اعتكافه ومن قال بالأول حمله على ما إذا كان المعين أحد المساجد الثلاثة
أو ما إذا لم يكن في تلك القرية مسجد آخر ومنهم من قطع بأن غير المساجد الثلاثة لا يتعين ونفى
الخلاف فيه وإذا عرفت ما ذكرناه تبين لك ان في تعيين الجميع خلافا كما ذكره في الكتاب وليس
505

قوله وقيل الكل لا يتعين محمولا على طريقة قاطعة بنفي التعين في الكل فإنه لا صائر إليه في المسجد
الحرام ولا قوله وقيل الكل يتعين محمولا على طريقة قاطعة بالتعيين في الكل فإنه لم ينقلها أحد
في غير المساجد الثلاثة ولكن الطريقة المذكورة أولا قاطعة بالتعين في المسجد الحرام وبعدم التعين
فيما سوى المساجد الثلاثة فالغرض من قوله قيل وقيل بيان ان كل واحد من القطعين قد نازع فيه
بعض الأصحاب ومتي حكمنا بالتعيين فإذا عين المسجد الحرام لم يقم غيره مقامه وإن عين مسجد
المدينة لم يقم غيره مقامه إلا المسجد الحرام وإن عين المسجد الأقصى لم يقم غيره مقامه الا المسجد
506

الحرام ومسجد المدينة وان حكمنا بعدم التعين فليس له الخروج بعد الشروع لينتقل إلى مسجد
آخر لكن لو كان ينتقل في خروجه لقضاء الحاجة إلى مسجد آخر على مثل تلك المسافة أو أقرب
كان له ذلك في أصح الوجهين (وأما) الزمان في تعيينه بالتعيين وجهان (أحدهما) وهو المذهب انه يتعين
حتى لا يجوز التقديم عليه ولو تأخر كان ذلك قضاء الفائت (والثاني) لا يتعين كما لا يتعين كما لا يتعين في نذر
الصلاة والصدقة والوجهان جاريان بعينهما فيما إذا عين زمان الصوم وقد ذكرهما في الكتاب في
في النذور وسيأتي شرحه عليهما إن شاء الله وهذا الكلام يعرفك ان قوله فالمذهب انه يتعين كما في
507

الصوم ليس كقياس التعين في الوجه الذي هو المذهب على التعين في الصوم فان الخلاف فيهما واحد
وإنما الغرض تشبيه الخلاف بالخلاف *
قال {الفصل الثاني في حكم النذر والنظر في ثلاثة أمور (الأول) في التتابع فإذا قال لله تعالي على أن أعتكف
شهرا لم يلزمه (و) التتابع الا إذا شرط ولو قال يوما لم يجز تفريق الساعات على الأيام في أصح الوجهين
وإذا قال اعتكف هذا الشهر لم يفسد أوله بفساد آخره ولا يلزم التتابع في قضائه لان التتابع وقع
ضرورة لا بقصده بل لو صرح وقال اعتكف هذا الشهر متتابعا لم يلزم التتابع في القضاء على أحد الوجهين
إذا التتابع وقع ضرورة فلا اثر للفظه} *
الاعتكاف المنذور يمتاز عن غير المنذور منه بأمور راجعة إلى كيفية لفظ الناذر والتزامه
ومقصود الفصل الثاني الكلام في ثلاثة أمور منها (أحدها) في التتابع من نذر اعتكافا لم يخل
اما أن يطلق أو يقدر مدة فأن أطلق فقد ذكرنا ما يلزمه وما يستحب له وإن قدر مدة فأما أن يطلقها
أو يعينها. (الحالة الأولى) أن يطلقها فينظر إن اشترط التتابع لزمه كما لو اشترط التتابع في الصوم وإن
لم يشترطه بل قال على شهر أو عشرة أيام لم يلزمه التتابع كما في نظيره من الصوم وخرج ابن
سريج قولا أنه يلزم وبه قال مالك وأبو حنيفة واحمد رحمهم الله كما لو حلف الا يكلم زيدا شهرا
يكون متتابعا وظاهر المذهب الأول وهو المذكور في الكتاب ولكن يستحب رعاية التتابع وعلى
هذا فلو لم يتعرض له لفظا ولكن نواه بقلبه فهل يلزمه فيه وجهان قال صاحب التهذيب وغيره (أصحهما)
انه لا يلزمه كما لو نذر أصل الاعتكاف بقلبه ولو شرط التفرق فهل يخرج عن العهدة بالمتتابع فيه وجهان
(أصحهما) نعم لأنه أفضل كما لو عين غير المسجد الحرام ويخرج عن العهدة بالاعتكاف في المسجد الحرام
ولو نذر اعتكاف يوم فهل يجوز تفريق الساعات على الأيام فيه وجهان (أحدهما) نعم تنزيلا للساعات
من اليوم منزلة الأيام من الشهر (أصحهما) وبه قال أبو إسحاق والأكثرون لا لان المفهوم من لفظ
اليوم المتصل وقد حكي عن الخليل أن اليوم اسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس ولو دخل
المسجد في أثناء النهار خرج بعد الغروب ثم عاد قبيل طلوع الفجر ومكث إلى مثل ذلك الوقت
فهو على هذين الوجهين ولو لم يخرج بالليل فجواب الأكثرين أنه يجزئه سواء جوزنا التفريق
508

أو منعناه لحصول التواصل بالبيتوتة في المسجد وعن أبي إسحاق أنه لا يجزئه تفريعا على الوجه الثاني
لأنه لم يأت بيوم متواصل الساعات والليلة ليست من اليوم فلا فرق بين أن يخرج منها عن المسجد
أو لا يخرج وهذا هو الوجه ولو قال في أثناء النهار لله على أن اعتكف يوما من هذا الوقت فقد أطبق
حملة المذهب على أنه يلزمه دخول المعتكف من ذلك الوقت إلى مثله من اليوم الثاني ولا يجوز أن
يخرج بالليل ليتحقق التتابع وفيه توقف من جهة المعني لان الملتزم يوم والبعضان يوم وليلة والليلة المتخللة
ليست من اليوم فلا تمنع التتابع بينهما كما أنها لا تمنع وصف اليومين الكاملين بالتتابع والقياس أن
509

يجعل فائدة التقييد في هذه الصورة القطع بجواز التفريق لا غير ثم حكى الامام تفريعا على جواز
تفريق الساعات عن الأصحاب أنه يكفيه ساعات اقصر الأيام لأنه لو اعتكف اقصر
الأيام جاز ثم قال إن فرق على ساعات اقصر الأيام في سنين فالامر كذلك وان اعتكف في
أيام متباينة في الطول والقصر فينبغي أن ينسب اعتكافه في كل يوم بالجزئية إليه إن كان ثلثا فقد
خرج عن ثلث ما عليه وعلى هذا القياس نظرا إلى اليوم الذي يوقع فيه الاعتكاف ولهذا لو اعتكف
بقدر ساعات اقصر الأيام من يوم طويل لم يكفه وهذا الذي ذكره مستدرك حسن وقد أجاب
510

عنه بما لا يشفى والله أعلم (الحالة الثانية) أن يعين المدة المقدرة كما لو نذر ان يعتكف عشرة أيام من
الآن أو هذه العشرة أو شهر رمضان أو هذا الشهر فعليه الوفاء ولو أفسد آخره بالخروج بغير عذر
أو بسبب آخر لم يلزمه الاستئناف ولو فاته الجميع لم يلزمه التتابع في القضاء لان التتابع فيه كان من
حق الوقت وضروراته لا انه وقع مقصودا فأشبه التتابع في صوم رمضان هذا إذا لم يتعرض للتتابع
أما إذا صرح به فقال اعتكف هذه العشرة أو هذا الشهر متتابعا فهل يلزمه الاستئناف إذا أفسد
511

آخره وهل يجب التتابع في قضائه عند الفوات فيه وجهان (أحدهما) لا لان التتابع واقع ضرورة فلا اثر
للفظه وتصريحه (وأصحهما) نعم لان تصريح به يدل على قصده إياه ويجوز أن يكون ذلك مقصودا
من تعيين الزمان واعلم قوله في الكتاب لم يفسد أوله بفساد آخره بالألف لان في رواية عن أحمد
يفسد ويجب الاستئناف * قال {الثاني في استتباع الليالي فإذا نذر اعتكاف شهر دخلت الليالي فيه ويكفيه شهر بالأهلة
ولو نذر اعتكاف يوم لم تدخل الليلة ولو نذر عشرة أيام ففي الليالي المتخللة ثلاثة أوجه وفى الثالث
تدخل ان نذر التتابع والا فلا وإذا نذر العشر الأخير فنقص الهلال كفاه التسع} *
512

مقصود هذا النظر بيان ان الليالي متى تلزم إذا لم ينص عليها ويقاس به الأيام إذا لم ينص
عليها وفيه صور (إحداها) لو نذر اعتكاف شهر لزمه الأيام والليالي لان الشهر عبارة عن الجميع الا
أن يقول أيام شهر أو نهار هذا الشهر فلا تلزمه الليالي وكذا لو قال ليالي هذا الشهر لا تلزم الأيام
ولو لم يتلفظ بتقييد ولا استثناء ولكن نوى بقلبه ففيه وجهان (أصحهما) وبه قال أبو حنيفة انه لا يؤثر
ذكره في التهذيب ثم إذا أطلق الشهر فدخل المسجد قبل الاستهلال كفاه ذلك الشهر خرج ناقصا أو
513

كاملا وان دخل في أثناء الشهر استكمل بالعدد (الثانية) لو نذر اعتكاف يوم لم يلزمه ضم الليلة إليه
الا أن ينوى فحينئذ يلزمه لان اليوم قد يطلق ويراد به اليوم بليلته وحكي الحناطي قولا أنه يدخل
الليل في هذا النذر الا أن ينوى يوما بلا ليلة فيجوز أن يرقم قوله في الكتاب لم تدخل الليلة بالواو
لذلك ولو نذر اعتكاف يومين ففي لزوم الليلة معهما ثلاثة أوجه (أحدهما) لا تلزم الا إذا نواها لما سبق
ان اليوم عبارة عما بين طلوع الفجر وغروب الشمس (والثاني) تلزم الا ان يريد بياض النهار لأنها
ليلة تتخلل نهار الاعتكاف فأشبه ما لو نذر اعتكاف العشر (والثالث) ان نوى التتابع أو قيد به لفظا
لزمت ليحصل التواصل والا فلا وهذا أرجح عند الأكثرين بل لم يذكروا خلاف في لزومها إذا
قيد بالتتابع وذكر صاحب المهذب وآخرون ان الأول أظهر والوجه التوسط إن كان المراد من التتابع
514

توالي اليومين فالحق ما ذكره صاحب المهذب وإن كان المراد تواصل الاعتكاف فالحق ما ذكره
الأكثرون ولو نذر اعتكاف ليلتين ففي النهار بينها هذا الخلاف ولو نذر ثلاثة أيام أو
عشرة أو ثلاثين يوما ففي لزوم الليالي المتخللة الوجوه الثلاثة وأشار الشيخ أبو محمد وطائفة
إلى طريقة قاطعة بان نذر اليومين لا يستتبع شيئا من الليالي والخلاف في الثلاثة فصاعدا وحكى
515

عن القفال في توجيهه ان العرب إذا أطلقت اليومين عنت مجرد النهار وإذا أطلقت الأيام عنتها
بلياليها وهذا الفرق غير معلوم من أهل اللسان والله أعلم * وإنما قال ففي الليالي المتخللة بينها على أن
الخلاف مخصوص بما بين الأيام المنذورة من الليالي وهي تنتقص عن عدد الأيام بواحد أبدا ولا
خلاف في أن الليالي لا تلزم بعدد الأيام فإذا نذر يومين لم يلزم ليلتان بحال وبه قال مالك واحمد
وقال أبو حنيفة رحمهم الله يلزم ليلتان وقياس ما نقله الحناطي في اليوم الواحد مثله فاعرفه (الثالثة)
لو نذر العشر الأخير من بعض الشهور دخل فيه الأيام والليالي وتكون الليالي ههنا بعدد الأيام كما
في نذر الشهر وقد مر في اعتكاف العشر الأواخر من رمضان انه متى يدخل المسجد ويخرج عن
العهدة إذا استهل الهلال كان الشهر كاملا أو ناقصا لان الاسم يقع على ما بين العشرين إلى آخر
516

الشهر ولو نذر ان يعتكف عشرة أيام من آخر الشهر ودخل المسجد آخر اليوم العشرين أو قبيل
الحادي والعشرين فنقص الشهر لزمه قضاء يوم لأنه جرد القصد إلى العشرة وفى دخول الليالي
ما حكيناه من الخلاف *
{فرع} إذا نذر أن يعتكف اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم ليلا لم يلزمه شئ وان قدم نهارا
لزمه اعتكاف بقية النهار وهل عليه قضاء ما مضى منه فيه قولان (أصحهما) وهو ظاهر نصه في المختصر
لا لان الوجوب ثبت من حين القدوم (والثاني) نعم لأنا نتبين بقدومه ان ذلك اليوم من أوله يوم
517

القدوم وبهذا قال المزني وابن الحداد وعلى هذا فيعتكف بقية اليوم ويقضي بقدر ما مضى من يوم آخر
ولا يخلي الوقت عن العبادة بقدر الامكان وقال المزني الأولى أن يستأنف اعتكاف يوم ليكون
اعتكافه موصولا ولو كان الناذر وقت القدوم مريضا أو محبوسا قضي عند زوال العذر إما ما بقي من
النهار أو يوما كاملا على اختلاف القولين وعن القاضي أبي حامد وصاحب الافصاح انه لا شئ عليه لعجزه
وقت الوجوب كما لو نذرت المرأة صوم يوم بعينه فحاضت فيه *
518

قال {الثالث في الاستثناء فإذا قال أعتكف شهرا متتابعا لا أخرج الا لعيادة زيد لم يجز الخروج
لغيره ولو قال لا أخرج الا لشغل يعن لي جاز (م و) الخروج لكل شغل ديني أو دنيوي لا كالنظارة
والتنزه ولو قال أتصدق بهذه الدراهم الا ان احتاج إليها فالأظهر صحة الشرط ولو قال الا ان يبدو لي
فالأظهر فساد الشرط} *
519

إذا نذر اعتكافا بصفة التتابع وشرط الخروج منه ان عرض عارض صح شرطه لان الاعتكاف إنما
يلزمه بالتزامه فيجب بحسب الالتزام وعن صاحب التقريب والحناطي حكاية قول آخر انه لا يصح
لأنه شرط يخالف مقتضى الاعتكاف المتتابع فيلغو كما لو شرط المعتكف ان يخرج للجماع وفيما
علق عن الشيخ أبي محمد ان بالأول قال أبو حنيفة وبالثاني قال مالك وعن أحمد روايتان كالقولين
(فان قلنا) بالأول وهو الصحيح المشهور فينظر ان عين نوعا فقال لا اخرج الا لعيادة المرضى أو عين
ما هو أخص منه فقال لا اخرج الا لعيادة زيد أو لتشييع جنازته ان مات خرج لما عينه دون غيره من
520

الاشغال وإن كان أهم منه وان أطلق وقال لا أخرج الا لشغل يعن لي أو لعارض يعرض كان له
ان يخرج لكل شغل ديني كحضور الجمعة وعيادة المرضى وصلاة الجنازة أو دنيوي كلقاء السلطان
واقتضاء الغريم ولا يبطل التتابع بشئ من ذلك ويشترط في الشغل الدنيوي أن يكون مباحا ونقل
وجه عن الحاوي انه لا يشترط ولا عبرة بالنظارة والنزهة فان ذلك لا يعد من الاشغال ولا يعتني به
ولو قال إن عرض عارض قطعت الاعتكاف فالحكم كما لو شرط الخروج الا أن في شرط الخروج
يلزمه العود عند قضاء تلك الحاجة وفيما إذا قصد القطع لا يلزمه ذلك وكذا لو قال على أن اعتكف
رمضان الا أن أمرض أو أسافر فإذا مرض أو سافر فلا شئ عليه ولو نذر صلاة وشرط الخروج منها ان عرض
عارض أو صوما وشرط الخروج منه ان جاع أو أضيف ففيه وجهان (أحدهما) وبه أجاب الأكثرون انه
521

يصح هذا الشرط كما في الاعتكاف (والثاني) لا يصح ولا ينعقد النذر ويخالف الاعتكاف لان
ما يتقدم منه على الخروج عبادة وبعض الصلاة والصوم ليس بعبادة ولو فرض ذلك في الحج انعقد
النذر كما ينعقد الاحرام المشروط ولكن في جواز الخروج القولان المذكوران في كتاب الحج والصوم
والصلاة أولى بجواز الخروج منهما عند أئمتنا العراقيين لأنهما لا يلزمان بالشروع والالتزام مشروط
فإذا وجد العارض فلا يلزم والحج يلزم بالشروع وجعل الشيخ أبو محمد الحج أولى بجواز الخروج
منه لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة بالاهلال بشرط التحلل (1) ولو نذر التصدق بعشرة دراهم
522

أو بهذه الدراهم الا ان تعرض حاجة ونحوها فعلى الوجهين والأظهر صحة الشرط فإذا احتاج فلا شئ
عليه ولو قال في هذه القربات الا ان يبدو لي فوجهان (أحدهما) انه يصح الشرط فلا شئ عليه إذا
بدا له كشرط سائر العوارض (وأظهرهما) وبه قال الشيخ أبو محمد لا يصح لأنه تعليق الامر بمجرد الخيرة وذلك
يناقض معنى الالتزام (فان قلت) إذا لم يصح يبطل الالتزام من أصله أو يلغوا الشرط ويصح الالتزام
(فالجواب) ان صاحب التهذيب حكم بعدم انعقاد النذر على قولنا لا يصح شرط الخروج في الصوم
والصلاة وروي الامام وجهين في صورة تقارب هذه وهي ما إذا نذر اعتكافا متتابعا وشرط الخروج
523

مهما أراد قال هذا ضد التتابع فكأنه التزم التتابع ثم نفاه ففي وجه يبطل الالتزام التتابع وفى وجه
يلزم التتابع ويبطل الاستثناء وشبه ذلك بشرائط فاسدة تقرن بالوقوف فانا في مسلك يبطل الشرط وينفذ
الوقف من أصله وفى مسلك يبطل الوقف من أصله والله أعلم *
قال {ثم الزمان المصروف إلى غرض المستثني يجب قضاؤه الا أن يعين الشهر فيحمل
استثناؤه على نقصان الوقت لا على قطع التتابع فقط} *
إذا شرط الخروج لغرض وصححناه فخرج لذلك الغرض هل يجب تدارك
524

الزمان المصروف إليه ينظر ان نذر مدة غير معينة كشهر مطلق أو عشرة مطلقة
فيجب التدارك ليتم المدة المنذورة وتكون فائدة الشرط تنزيل ذلك الغرض منزلة قضاء الحاجة في أن
التتابع لا ينقطع به وان عين المدة فنذر اعتكاف هذه العشرة أو شهر رمضان فلا يجب التدارك لأنه لم
ينذر الا اعتكاف ما عدا ذلك الزمان من العشرة وقوله في الكتاب الا ان يعين الشهر لا يخفى ان
ذكر الشهر جرى على سبيل ضرب المثال للمدة المعينة وقوله فيحمل استثناؤه على نقصان الوقت
لا على قطع التتابع فقط معناه لا على نفى قطع التتابع فحذف المضاف وهو النفي هذا لابد منه وهو مبين في
525

الوسيط ثم الكلام بعد ذلك يحتمل من حيث اللفظ محملين (أحدهما) ان الاستثناء محمول فيما إذا
كانت المدة مطلقة على نفي قطع التتابع فقط إذ لا ضرورة إلى حمله على نقصان المدة كما سبق وهو يقول
إذا كانت المدة معينة يحمل الاستثناء على نقصان الوقت لا على ما حمل عليه عند الاطلاق وهو نفى قطع
التتابع فقط (والثاني) أن يقال أراد به أنه لا يحمل عند التعيين على نفى قطع التتابع فقط بل عليه وعلى
نقصان الوقت والوجه حمله على الأول لان الثاني يقتضى إفادته نفى قطع التتابع وإنما يفيده ان لو كان
526

التتابع مرعيا فيه ليقع الاستثناء صائنا له عن الانقطاع وقد قدمناه أن التتابع غير مرعى عند تعين الزمان
نعم لو فرض التعرض للتتابع مع تعيين الزمان وفرعنا على أن التتابع حينئذ يكون مرعيا فينتظم المحمل
الثاني أيضا والله أعلم *
قال {الفصل الثالث في قواطع التتابع وهي انقطاع شروط الاعتكاف والخروج بكل البدن عن كل
المسجد بغير عذر فلو أخرج رأسه أو رجله لم يضر ولو أذن على المنارة وبابها في المسجد لم يضر وإن كان
527

بابها خارج المسجد وهي ملتصقة بحريم المسجد فثلاثة أوجه يفرق في الثالث بعذر المؤذن الراتب
دون غيره} *
الفصل معقود لبيان ما يقطع التتابع في الاعتكاف المتتابع ويحوج إلى الاستئناف وهو فيما ذكره
حجة الاسلام رحمه الله أمران (أحدهما) انقطاع شروط الاعتكاف والمفهوم من شروط الاعتكاف
الأمور التي لا بد منها فيه ككف النفس عن الجماع وعن مقدماته في قول لكن فيه كلامان (أحدهما)
528

انه غير مجرى على اطلاقه لان من شروط الاعتكاف النقاء عن الحيض والجنابة ومعلوم ان انقطاع
هذا الشرط بعروض الحيض والاحتلام لا يقطع التتابع (والثاني) ان اللبث في المسجد من الأمور التي
لا بد منها في الاعتكاف وإذا خرج من المسجد انقطع هذا الشرط فإذا الخروج من المسجد
داخل في انقطاع شروط الاعتكاف وقضية العطف ألا يدخل أحدهما في الآخر (الأمر الثاني)
الخروج بكل البدن عن كل المسجد بغير عذر وفيه ثلاثة قيود (أحدها) كون الخروج بكل البدن
529

والقصد به الاحتراز عما إذا أخرج يده أو رأسه فلا يبطل اعتكافه * واحتجوا له بما روى أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم " كان يدنى رأسه إلى عائشة رضي الله عنها فترجله وهو معتكف وهو في المسجد " (1) ولو اخرج
إحدى رجليه أو كليهما وهو قاعد ماد لهما فكذلك وان اعتمد عليهما فهو خارج (الثاني) كون
الخروج عن كل المسجد والقصد به الاحتراز عما إذا صعد المنارة للاذان وللمنارة حالتان (إحداهما)
أن يكون بابها في المسجد أو في رحبته المتصلة به فلا بأس بصعودها للاذان وغيره كصعود سطح
المسجد ودخول بيت منه ولا فرق بين أن يكون في نفس المسجد أو الرحبة وبين أن تكون
خارجة عن سمت البناء وتربيعه وأبدى الامام رحمه الله احتمالا فيما إذا كانت خارجة عن
عن السمت قال لأنها حينئذ لا تعد من المسجد ولا يصح الاعتكاف فيها وكلام الأئمة ينازع فيما
وجه به الاحتمال (والثانية) أن لا يكون بابها في المسجد ولا في رحبته المتصلة به فهل يبطل اعتكاف
المؤذن الراتب بصعودها للاذان فيه وجهان (أحدهما) نعم لأنه لا ضرورة إليه لامكان الاذان
على سطح المسجد فصار كما لو صعدها لغير الاذان أو خرج إلى الأمير أو غيره ليعلمه بالصلاة (والثاني)
لا لمعنيين (أحدهما) انها مبنية للمسجد معدودة من توابعه (والثاني) انه قد اعتاد صعودها للاذان
والناس استأنسوا بصوته فيعذر فيه ويجعل زمان الاذان مستثنى عن اعتكافه وهذا أوضح المعنيين
530

لان المنارة وإن كانت معدودة من توابع المسجد فهو إلى أن يصل إليها منفصل عن المسجد ولو خرج
إليها غير المؤذن الراتب للاذان رتب حكمه على الراتب ان أبطلنا اعتكافه به فههنا أولى وإلا فيبنى
على المعنيين (ان قلنا) بالثاني بطل (وان قلنا) بالأول فلا وإذا تركت الترتيب أطلقت ثلاثة أوجه كما في
الكتاب (الثالث) الفرق بين الراتب وغيره قال صاحب التهذيب وغيره وهو الأصح (وقوله) ولو أذن
على المنارة التصوير في التأذين ينبه على أن الخروج إليها وهي خارجة عن المسجد لغير الاذان لا يجوز
بحال لكنها إذا كانت في المسجد فلا فرق بين أن يصعدها للاذان أو غيره (وقوله) وإن كان بابها
خارج المسجد وهي ملتصقة بحريم المسجد ففيه ثلاثة أوجه يشعر بتقييد الخلاف بما إذا كانت ملتصقة
بحريم المسجد وفنائه لكن الأكثرين لم يشترطوا في صورة الخلاف سوى أن يكون بابها خارج
المسجد كما قدمناه وأورد أبو القاسم الكرخي الخلاف فيما إذا كانت في رحبة منفصلة عن المسجد
بينها وبين المسجد طريق (واعلم) انه لو اقتصر في الضابط المذكور على الخروج عن المسجد وحذف
لفظتي الكل لكان الغرض حاصلا فان من اخرج بعض بدنه لا يسمي خارجا ألا ترى انه لو حلف
أن لا يخرج من الدار فأخرج رأسه أو رجليه غير معتمد عليهما لم يحنث وكذا لا يقال خرج من
المسجد الا إذا انفصل عن كله *
قال {وأما العذر فعلى مراتب (الأولى) الخروج لقضاء الحاجة وهو لا يضر
ولا يجب قضاء تلك الأوقات ولا تجديد النية عند العود ولا فرق بين قرب
الدار وبعدها (و) وبين أن يكثر الخروج (و) لقضاء الحاجة أو يقل ولا بأس بعيادة
المريض في الطريق من غير تعريج ولا بأس بصلاة الجنازة من غير ازورار عن الطريق وكذا
كل وقفة في حد صلاة الجنازة ولو جامع في وقت قضاء الحاجة انقطع التتابع (و)} *
القيد الثالث كون الخروج بغير عذر وقد رتب العذر على مراتب (إحداها) الخروج لقضاء الحاجة فهو
531

محتمل روى عن عائشة رضي الله عنها " ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف لا يدخل البيت
الا لحاجة الانسان (1) " وفى معناه الخروج للاغتسال عند الاحتلام وقد تقدم ذكره وهل يجوز الخروج
للاكل فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن سريج لا لان الاكل في المسجد ممكن (والثاني) وبه قال
أبو إسحاق نعم لأنه قد يستحيي منه ويشق عليه والأول أظهر عند الامام وصاحب التهذيب
(والثاني) أظهر عند الأكثرين وحكاه الروياني عن نصه في الاملاء وفى عبارة المختصر
ما يدل عليه ولو عطش ولم يجد الماء في المسجد فهو معذور في الخروج وان وجده فهل له
الخروج للشرب فيه وجهان (أصحهما) لا فإنه لا يستحى منه ولا يعد تركه من المروءة بخلاف
الاكل وقد أطلق في التنبيه القول بأن الخروج للاكل والشرب لا يضر والوجه تأويله ثم
في الفصل مسائل (إحداها) أوقات الخروج لقضاء الحاجة لا يجب تداركها وله مأخذان (أحدهما)
ان الاعتكاف مستمر في أوقات الخروج لقضاء الحاجة ولذلك لو جامع في ذلك الوقت بطل
اعتكافه على الصحيح (والثاني) ان زمان الخروج لقضاء الحاجة جعل كالمستثنى لفظا عن المدة المنذورة
لأنه لا بد منه وإذا فرغ وعاد لم يحتج إلى تجديد النية (اما) على المأخذ الأول فظاهر (واما) على الثاني
فلان اشتراط التتابع في الابتداء رابطة تجمع ما سوى تلك الأوقات ومنهم من قال إن طال الزمان
ففي لزوم التجديد وجهان كما لو أراد البناء على الوضوء بعد التفريق الكثير ويجوز أن يعلم لهذا
قوله ولا يجب تجديد النية بالواو فإنه أطلق الكلام اطلاقا (الثانية) لو كان في المسجد سقاية لم يكلف
قضاء الحاجة فيها لما فيه من المشقة وسقوط المروءة وكذا لو كان في جوار المسجد صديق له وأمكنه دخول
داره فان فيه مع ذلك قبول منة بل له الخروج إلى داره إن كانت قريبة أو بعيدة غير متفاحشة البعد فان تفاحش
بعدها ففيه وجهان (أحدهما) يجوز أيضا لما سبق ولفظ الكتاب يوافق هذا الوجه لاطلاقه القول بأنه لا فرق
بين قرب الدار وبعدها (والثاني) المنع لأنه قد يأتيه البول إلى أن يرجع فيبقي طول يومه في الذهاب والمجئ
الا أن لا يجد في الطريق موضعا للفراغ أو كان لا يليق بحاله ان يدخل لقضاء الحاجة غير داره ونقل
532

الامام فيما إذا كثر خروجه لعارض يقتضيه الوجهين أيضا وقال من أئمتنا من نظر إلى جنس قضاء الحاجة
ومنهم من خصص عدم تأثيره بما إذا قرب الزمان وقصر وبالأول أجاب صاحب الكتاب وهو قضية
اطلاق المعظم لكن فيما إذا تفاحش البعد وجه المنع أظهر عند أئمتنا العراقيين وذكر الروياني في التجربة
انه المذهب ولو كانت له داران كل واحدة منهما بحيث يجوز الخروج إليها لو انفردت وإحداهما أقرب
ففي جواز الخروج إلى الأخرى وجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبي هريرة يجوز كما لو انفردت (وأصحهما)
لا يجوز للاستغناء عنه ولا يشترط لجواز الخروج إرهاق الطبيعة وشدة الحاجة وإذا خرج لم يكلف
الاسراع بل يمشي على سجيته المعهودة (الثالثة) لا يجوز الخروج لعيادة المريض ولا لصلاة الجنازة
ولو خرج لقضاء الحاجة فعاد في الطريق مريضا نظر ان لم يقف ولا أزور عن الطريق بل اقتصر على
السلام والسؤال فلا بأس وان وقف وأطال بطل اعتكافه وان لم يطل ففيه وجهان منقولان في التتمة
والعدة والأصح انه لا بأس به وادعي الامام اجماع الأصحاب عليه ولو أزور عن الطريق قليلا
فعاده فقد جعلاه على هذين الوجهين والأصح المنع لما فيه من إنشاء سير لغير قضاء الحاجة وقد
روى " انه صلى الله عليه وسلم كان لا يسأل على المريض الا مارا في اعتكافه ولا يعرج عليه " (1) وإذا كان
المريض في بيت من الدار التي يدخلها لقضاء الحاجة فالعدول لعيادته قليل وإن كان في دار أخرى
فكثير ولو خرج لقضاء الحاجة فصلى في الطريق على جنازة فلا بأس إذا لم ينتظرها ولا أزور عن
الطريق وحكى صاحب التتمة فيه الوجهين لان في صلاة الجنازة يفتقر إلى الوقفة وقال في التهذيب إن كانت
متعينة فلا بأس والا فوجهان والأظهر (الأول) وجعل الامام قدر صلاة الجنازة حد الوقفة اليسيرة
وتابعه المصنف واحتملاه لجميع الاغراض (منها) ان يأكل لقما إذا فرعنا على أنه لا يجوز الخروج للاكل
لكن لو جامع في مروره بأن كان في هودج أو فرض ذلك في وقفة يسيرة ففي بطلان اعتكافه وجهان (أصحهما)
وهو المذكور في الكتاب انه يبطل أما إذا قلنا باستمرار الاعتكاف في أوقات الخروج لقضاء الحاجة
فظاهر وأما إذا لم نقل به فلان الجماع عظيم الوقع فالاشتغال به أشد اعراضا عن العبادة من إطالة الوقفة
533

في عيادة مريض (والثاني) انه لا يبطل لأنه غير معتكف في تلك الحالة ولم يصرف إليه زمانا وإذا فرغ
من قضاء الحاجة واستنجى لم يلزمه نقل الوضوء إلى المسجد بل يقع ذلك تابعا بخلاف ما إذا احتاج
إلى الوضوء من غير قضاء الحاجة كما لو قام من النوم لا يجوز له الخروج ليتوضأ في أظهر الوجهين إذا
أمكن الوضوء في المسجد وإذ وقفت على ما ذكرنا أعلمت قوله من غير تعريج بالواو والتعريج
هو الوقوف وكذا قوله ولا بأس بصلاة الجنازة وقوله وكذا كل وقفة وقوله في مسألة الجماع
انقطع التتابع *
قال {الرتبة الثانية الخروج بعذر الحيض غير قاطع للتتابع الا أن قصرت مدة الاعتكاف وأمكن
إيداعها في أيام الطهر ففيه وجهان} * إذا حاضت المعتكفة لزمها الخروج وهل ينقطع تتابع اعتكافها إن كانت المدة المنذورة طويلة
لا تخلو عن الحيض غالبا فلا ينقطع بل تبني إذا طهرت كما لو حاضت في صوم الشهرين عن الكفارة
وإن كانت بحيث تخلو عن الحيض فقد قال الامام وصاحب الكتاب فيه وجهان وقال آخرون قولان
(أحدهما) انه لا ينقطع به التتابع لان جنس الحيض متكرر بالجبلة فلا يؤثر في التتابع كقضاء الحاجة
(وأظهرهما) ينقطع لأنها بسبيل من أن تشرع كما طهرت وتودع الاعتكاف زمان الطهر واستبعد بعض
الشارحين عبارة الوجهين من صاحب الكتاب لأنه ذكر في صورة الرتبة الثالثة قولين مرتبين
على الحيض ولا ينتظم ترتيب القولين على الوجهين ولا شك انه لو أطلق عبارة القولين لكان أحسن
لكن ينبغي ان يعلم أن الامر فيه هين من جهة المعني من وجهين (أحدهما) أن الذي يستحق الاستبعاد
ترتيب القولين المنصوصين على وجهي الأصحاب والقولان في تلك الصورة ليسا منصوصين بل هما
حاصلان من تصرف الأصحاب كما ستعرفه والوجهان في الحيض ليسا على معنى افتراق الأصحاب واختلافهم
وإنما هما مأخوذان من القولين في أنه هل يبطل التتابع بالحيض في صوم كفارة اليمين إذا شرطنا
534

فيه التتابع ومثل هذا الخلاف قد يسمي قولا وقد يسمى وجها فالحاصل ترتيب قولين من تصرف الأصحاب
على قولين مثلهما (والثاني) ان الذي يستبعد هو بناء القولين على الوجهين فان المبنى عليه ينبغي أن
يكون أقدم من المبنى أما الترتيب فلا يعنى به الا أن أحد طرفي الخلاف في صورة اولي منه في صورة أخرى
ولابعد في أن يكون قول الانقطاع في تلك الصورة أولى من وجه الانقطاع في صورة الحيض والمذكور
في الكتاب هو الترتيب دون البناء *
قال {الرتبة الثالثة الخروج بالمرض أو بالنسيان أو بالاكراه أو لأداء شهادة متعينة أو تمكين
من حد أو عدة ففيه قولان مرتبان على الحيض وأولي بان ينقطع التتابع} *
في هذه الرتبة صور (إحداها) المرض العارض للمعتكف على ثلاثة أضرب (أحدها) المرض
الخفيف الذي لا يشق معه المقام في المسجد كالصداع والحمي الخفيفة فلا يجوز الخروج من المسجد
ولو خرج انقطع التتابع (الثاني) المرض الذي يشق معه المقام في المسجد لحاجته إلى الفراش والخادم
535

وتردد الطبيب يبيح الخروج وإذا خرج فهل ينقطع التتابع فيه قولان (أظهرهما) لا لدعاء الحاجة إليه
كالخروج لقضاء الحاجة (والثاني) نعم لان المرض لا يغلب عروضه بخلاف قضاء الحاجة والحيض فإنه
يتكرر غالبا فيجعل كالمستثنى لفظا والقول الأول منصوص عليه في المختصر والثاني مخرج خرجوه من
أحد القولين في أن المرض يقطع تتابع الصوم في الكفارة (الثالث) المرض الذي يخاف منه تلويث
المسجد كانطلاق البطن وادرار البول والجرح السائل فالمشهور ان الخروج له لا يقطع التتابع لاضطراره
إليه كالخروج للحيض وحكى الامام عن بعض الأصحاب طرد القولين فيه وإذا تأملت ذلك عرفت ان
لفظ الكتاب وإن كان مطلقا في حكاية الخلاف فالضرب الأول غير مراد منه والثاني مراد وفى
الثالث الطريقان فهو على المشهور غير مراد أيضا (الثانية) لو خرج ناسيا هل ينقطع تتابعه فيه وجهان
(أحدهما) نعم لان اللبس مأمور به والنسيان ليس بعذر في ترك المأمورات (وأصحهما) لا كما لا ينقطع
536

بالجماع ناسيا وكما لا يبطل الصوم بالاكل والجماع ناسيا واقتصر كثير من الأئمة على ايراد هذا الثاني
ومن أورد خلافا عبر عنه بالوجهين ولفظ القولين في هذه الصورة محمول على أن الخلاف
مخرج من الخلاف في المرض ومثل ذلك قد يسمي قولا على ما سبق وفى عبارة الامام ما يبين ذلك فان
قلنا بالوجه الثاني فذلك فيما إذا تذكر على القرب أما إذا طال الزمان فقد قال في التتمة فيه وجهان كالوجهين
في بطلان الصوم بالاكل الكثير ناسيا (الثالثة) لو أكره حتى خرج ففيه قولان كالقولين فيما لو أكره
وهو صائم والذي أجاب به الجمهور أنه لا ينقطع التتابع ولو أخرجه السلطان ظلما في مصادرة وغيرها أو
خاف من ظالم فخرج واستتر فعلى القولين لأنه لم يخرج بداعية نفسه ولو أخرج لحق توجه عليه وهو يماطل
به بطل اعتكافه لان التقصير منه ولو أخرج لإقامة حد عليه فسيأتي ولو حمل فأخرج لم يبطل
اعتكافه كما لو أوجر الصائم الطعام لا يبطل صومه ورأي الامام تخريجه على الخلاف لحصول المفارقة
537

عن المسجد بعارض غير غالب (الرابعة) إذا دعى لأداء شهادة فخرج لها نظر ان لم يكن متعينا لأدائها
انقطع تتابع اعتكافه سواء كان متعينا عند التحمل أو لم يكن لأنه ليس له الخروج والحالة هذه
لحصول الاستغناء عنه وإن كان متعينا لم يخل اما أن يكون متبرعا عند التحمل أو يكون متعينا
فإن كان متبرعا فقد نص في المختصر على أنه ينقطع اعتكافه وفى المرأة إذا خرجت للعدة أنه لا ينقطع
بل تبني واختلف الأصحاب على طريقين (أحدهما) وبه قال ابن سريج انهما على قولين بالنقل
والتخريج ولا يخفى توجيههما مما سبق في الصور وبعضهم يطلق في المسألة وجهين بدلا عن القولين
(والثاني) وبه قال أبو إسحاق تقرير النصين والفرق ان التحمل إنما يكون للأداء فإذا تحمل باختياره فقد ألجأ
نفسه إلى الأداء والنكاح لا يتأثر للعدة على أن المرأة إلى النكاح أحوج منه إلى التحمل لتعلق
مصالحها به وظاهر المذهب في كل واحدة من الصورتين ما نص عليه وإن كان متعينا عند التحمل أيضا
فهو مرتب على ما إذا لم يكن متعينا (ان قلنا) لا ينقطع ثم فههنا أولى وان قلنا ينقطع فههنا وجهان والفرق
أنه لم يتحمل بداعيته واختياره (الخامسة) لو أخرج لإقامة حد عليه نظر ان ثبت باقراره انقطع اعتكافه
وان ثبت ببينة فحاصل ما ذكره الأئمة فيه طريقان كالطريقين فيما لو خرج لأداء الشهادة الا أن المنقول
عن النص ههنا انه لا ينقطع واقتصر على الجواب عليه كثير من أئمتنا العراقيين والفرق بينه وبين
مسألة الشهادة أن الشهادة إنما تتحمل لتؤدى فاختياره للتحمل اختيار للأداء والجريمة الموجبة للحد لا يرتكبها
المجرم ليقام عليه الحد فلم يجعل اختياره للسبب اختيارا له (السادسة) لو لزم المعتكفة في خلال اعتكافها
538

عدة بطلاق أو وفاة فعليها الخروج لتعتد في مسكنها وإذا خرجت فيبطل اعتكافها أم تبنى بعد انقضاء
العدة فيه الطريقان المذكوران في مسألة الشهادة والأصح البناء وإن كان اعتكافها باذن الزوج وقد
عين مدة فهل يلزمها العود إلى المسكن عند الطلاق أو الوفاة قبل استكمالها فيه قولان يذكران في العدة (فان قلنا)
لا فخرجت بطل اعتكافها بلا خلاف هذا بيان الصور التي نظمها في سلك الواحد ويجوز أن يعلم قوله فقولان
بالواو لأنه أجاب فيهما جميعا على طريقة طرد الخلاف وفى الصور الثلاث الأخيرة طريقة نافية للخلاف على ما بيناها
(وأما) ما ذكر من ترتيب الخلاف في هذه الصورة على الخلاف في الحيض وأولوية الانقطاع فوجهه ان الحيض
متكرر بحكم الجبلة شبيه بقضاء الحاجة وهذه الأمور عارضة لا تنتظم ورتب الامام مع ذلك بعض هذه الصور
539

على بعض فجعل صورة الشهادة مرتبة على المرض وهي أولى بالانقطاع لسبق التحمل منه وصورة
الاخراج للحد مرتبة على الشهادة وهي أولى بالانقطاع لكون السبب الجالب للاخراج معصية والله
أعلم ويقرب من هذه المسائل صورتان (إحداهما) يجب الخروج لصلاة الجمعة وإذا خرج هل يبطل
اعتكافه فيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة لا لأنه لا بد من ذلك كقضاء الحاجة
(وأصحهما) وبه قال مالك نعم لسهولة الاحتزار عن هذا الخروج بأن يعتكف في الجامع وعلى هذا لو
كان اعتكافه المنذور أقل من أسبوع ابتدأ من أول الأسبوع أين شاء من المساجد أو في الجامع متي
شاء وإن كان أكثر من أسبوع فيجب أن يبتدئ به في الجامع حتى لا يحتاج إلى الخروج للجمعة
فإن كان قد عين غير الجامع وقلنا بالتعين فلا يخرج عن نذره الا ان يمرض فتسقط عنه الجمعة أو بأن
540

يتركها عاصيا ويدوم على اعتكافه (الثانية) إذا أحرم المعتكف نظر ان أمكنه اتمام الاعتكاف ثم
الخروج لزمه ذلك وان خاف فوت الحج خرج إلى الحج وبطل اعتكافه فإذا فرغ استأنف
ووجهه بين *
قال {ثم مهما لم ينقطع فعليه قضاء الأوقات المصروفة إلى هذه الاعذار وفي لزوم تجديد النية
عند العود خلاف} *
كل ما يقطع التتابع يحوج إلى الاستئناف بنية مجددة وكل عذر لم نجعله قاطعا فكما فرغ منه
يجب عليه أن يعود ويبني فلو أخر انقطع التتابع وتعذر البناء ولا بد من قضاء الأوقات المصروفة إلى
ما عدا قضاء الحاجة من الاعذار فإنه غير معتكف فيها وإنما لم يجب قضاء أوقات قضاء الحاجة
لما قدمناه وهل يجب تجديد النية عند العود (أما) إذا خرج لقضاء حاجة فقد مر وفى معناه مالا بد
541

منه كالخروج للاغتسال والحق به الاذان إذا جوزنا الخروج له واما مامنه بد ففيه وجهان (أحدهما) انه
يجب لأنه خرج عن العبادة بما عرض (وأظهرهما) لا لشمول النية جميع المدة وأجرى الشيخ أبو علي الخلاف
فيما إذا خرج لغرض استثناه ثم عاد ولو عين مدة ولم يتعرض للتتابع ثم جامع أو خرج من غير عذر
فاسد اعتكافه ثم عاد ليتم الباقي فقد اجرى الخلاف في وجوب التجديد قال الامام لكن المذهب
ههنا وجوب التجديد لأن هذه عبادة مستقلة منفصلة عما مضى فان خطر ببالك ان القول في تجديد
النية قد تعرض له ههنا وفى ركن النية وذكره في الرتبة الأولى أيضا وتوهمت في كلامه تكرارا فنذكر
ما بينا انه أراد بما ذكره في ركن النية الكلام في الاعتكاف المتطوع به واعرف أن المذكور ههنا
مخصوص بأعذار الرتبة الثالثة في الاعتكاف المنذور بشرط التتابع والمذكور في الرتبة الأولى مخصوص
بقضاء الحاجة في هذا النوع من الاعتكاف فإذا لا تكرار نعم لو ذكرها مجموعة في موضع واحد
لاستفاد به اختصارا وكان الذهن أضبط لها والله أعلم *
542