الكتاب: كتاب الأم
المؤلف: الإمام الشافعي
الجزء: ٦
الوفاة: ٢٠٤
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤٠٣ - ١٩٨٣ م
المطبعة:
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
ردمك:
ملاحظات: الطبعة الأولى - ١٤٠٠ - ١٩٨٠ م

الأم
تأليف
الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس
الشافعي
150 - 204
الجزء السادس
دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع
1

الطبعة الأولى - 1400 ه‍ 1980 م
الطبعة الثانية: 1403 ه‍ 1983 م
2

كتاب جراح العمد
أصل تحريم القتل من القرآن
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق
ذلكم وصاكم به) الآية وقال الله عز وجل (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما)
الآية وقال الله تبارك وتعالى (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا
بالحق) وقال (أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض) الآية، وقال الله عز وجل (واتل عليهم
نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر) إلى (فأصبح من النادمين)
وقال عز وجل (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) الآية.
قتل الولدان
(قال الشافعي) رحمه الله قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم
عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا
تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما يظن) الآية وقال جل ثناؤه (وإذا الموؤودة سئلت * بأي ذنب قتلت)
وقال (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) (قال الشافعي) كان بعض العرب
تقتل الإناث من ولدها صغارا خوف العيلة عليهم والعار بهم فلما نهى الله عز ذكره عن ذلك من أولاد
المشركين دل على تثبيت النهي عن قتل أطفال المشركين في دار الحرب وكذلك دلت عليه السنة مع ما
دل عليه الكتاب من تحريم القتل بغير حق قال الله عز وجل (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير
علم) الآية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي معاوية عمر والنخعي قال سمعت أبا عمرو
الشيباني. يقول سمعت ابن مسعود يقول سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الكبائر أكبر؟ فقال: أن
تجعل لله ندا وهو خلقك) قلت ثم أي؟ قال (أن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك).
تحريم القتل من السنة
أخبرنا الثقة عن حماد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عثمان أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل قتل امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد
إحصان، أو قتل نفس بغير نفس) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى والذي يحل أن يعمد مسلم بالقتل
3

ثلاث كفر ثبت عليه بعد إيمانه أو زنا بعد إحصانه أو قتل نفس عمدا بغير حق وهذا موضوع في
مواضعه (قال الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد
عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبد الله بن عدي بن
الخيار عن المقداد أنه أخبره أنه قال يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب
إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تقتله) فقلت يا رسول الله إنه قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن
قطعها أفأقتله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك
بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال) (قال الربيع) معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (فإنك إن قتله
فإنه بمنزلتك) يريد أنه حرام الدم قبل أن تقتله وإنك بمنزلته مباح الدم يريد بقتله قبل أن يقول كلمته
التي قال إذ كان مباح الدم قبل أن يقولها لا أن يكون كافرا مثله أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب عن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال (من قتل نفسه بشئ من الدنيا عذب به يوم القيامة) أخبرنا مسلم بن خالد بإسناد لا يحضرني
ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقتيل فقال (من به) فلم يذكر له أحد فغضب ثم قال
(والذي نفسي بيده لو اشترك فيه أهل السماء وأهل الأرض (1) لأكبهم الله في النار) وأخبرنا مسلم أيضا
بإسناد لا أحفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (قتل المؤمن يعدل عند الله زوال الدنيا) أخبرنا
الثقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أعان على قتل امرئ مسلم بشطر كلمة لقي الله مكتوبا
بين عينيه أيس من رحمه الله مع التشديد في القتل).
جماع إيجاب القصاص في العمد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا
يسرف في القتل) (قال الشافعي) في قول الله عز وجل (فلا يسرف في القتل) لا يقتل غير قاتله وهذا
يشبه ما قيل والله أعلم قال الله عز وجل (كتب عليكم القصاص في القتلى) فالقصاص إنما يكون ممن
فعل ما فيه القصاص لا ممن لم يفعله فأحكم الله عز وجل فرض القصاص في كتابه وأبانت السنة لمن هو
وعلى من هو (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال وجد في
قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب (إن أعدى الناس على الله القاتل غير قاتله والضارب
غير ضاربه ومن تولى غير مواليه فقد كفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم) أخبرنا الربيع قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن إسحاق قال قلت لأبي جعفر محمد ابن علي
رضي الله عنه ما كان في الصحيفة التي كانت في قراب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال كان فيها

(1) قوله: لأكبهم هكذا في النسخ التي بيدنا ومثله في صحيح الترمذي وهو مخالف لما اشتهر وذكره أهل اللغة
والصرف من أن " كب " الثلاثي متعد. و " أكب " الرباعي لازم، وأنه من النوادر. كتبه مصححه.
4

(لعن الله القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه ومن تولى غير ولى نعمته فقد كفر أنزل الله جل ذكره
على محمد صلى الله عليه وسلم) أخبرنا الربيع أقل أخبرنا الشافعي سفيان عن ابن أبي ليلى
عن الحكم أو عن عيسى بن أبي ليلى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من اعتبط مؤمنا بقتل فهو
قود به إلا أن يرضى ولي المقتول فمن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه لا يقبل منه صرف ولا عدل)
أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن سعيد بن أبجر عن أياد بن لقيط عن أبي رمثة قال دخلت مع
أبي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أبى الذي بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعني
أعالج هذا الذي بظهرك فإني طبيب فقال أنت رفيق وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من هذا
معك)) فقال ابني أشهد به فقال (أما إنه لا يجنى عليك ولا تجنى عليه).
من عليه القصاص في القتل وما دونه
(قال الشافعي) لا قصاص على من لم تجب عليه الحدود وذلك من لم يحتلم من الرجال أو تحض
من النساء أو يستكمل خمس عشرة سنة وكل مغلوب على عقله بأي وجه ما كانت الغلبة إلا بالسكر فإن
القصاص والحدود على السكران كهي على الصحيح وكل من قلنا عليه القصاص فهو بالغ غير مغلوب
على عقله والمغلوب على عقله من السكر دون غيره (قال الشافعي) وإذا أقر الرجل بالغ وهو غير
محجور عليه بالغ يجوز إقراره أنه جنى جناية عمدا ووصف الجناية فأثبتها ثم جن أو غلب على عقله فعليه
القصاص في العمد منها وأرش الخطأ في ماله ولا يحول ذهاب عقله دون أخذ الحق منه (قال الشافعي)
ولو أقر بحق لله من زنا أو ارتد ثم ذهب عقله لم أقم عليه حد الزنا ولم أقتله بالردة لأني أحتاج إلى ثبوته
على الاقرار بالزنا وهو يعقل وكذلك أحتاج إلى أن أقول له وهو يعقل إن لم ترجع إلى الاسلام قتلتك
(قال الشافعي) ولو أقر وهو بالغ أنه جنى على رجل جناية عمدا وقال كنت يوم جنيت عليه صغيرا كان
القول قوله في أن لا قود عليه وعليه أرشها في ماله خطأ فإن أقر بها خطأ لم يضمن العاقلة ما أقربه وضمنه
هو في ماله ولو قال كنت يوم جنيتها عليه ذاهب العقل بالغا فإن كان يعلم أنه ذهب عقله قبل من وإن لم
يعلم أقيد المجني عليه منه (قال الشافعي) وحيث قبلت منه فعليه اليمين إن طلبها المدعى (قال الشافعي)
ولو شهد الشهود على رجل أنه جنى على رجل جناية عمدا سألتهم أكان بالغا أو صغيرا؟ فإن لم يثبتوه
بالغا والمشهود عليه ينكر الجناية أو يقول كانت وأنا صغير جعلتها جناية صغير وجعلت أرشها في ماله ولم
أقد منه (قال) ولو أن رجلا يجن ويفيق جنى على رجل فقال جنيت عليه في حال جنونه كان القول
قوله ولو شهد الشهود عليه بالجناية ولم يثبتوا كان ذلك في حال جنونه أو إفاقته كان هكذا وإن أثبتوا أنه
كان في حال إفاقته فعليه القصاص وهكذا من غلب على عقله بمرض اي مرض كان أو وجه من
الوجوه ما كان غير السكر ولو أثبتوا أن مجنونا جنى وهو سكران وقالوا لا ندري ذهاب عقله من السكر أو
من العارض الذي به؟ جعلت القول قوله ولو أثبتوا أنه كان مفيقا من الجنون وأن السكر كان أذهب
عقله جعلت عليه القود ولو شهد شهود على أنه جنى مغلوبا على عقله وآخرون أنه جنى هذه الجناية غير
مغلوب على عقله ألغيت البينتين لتكافئهما وجعلت القول قوله مع يمينه ولو كان يجن ويفيق فشهد له
شهود بأنه جنى مغلوبا على عقله وقال هو بل جنيت وأنا أعقل قبلت قوله وجعلت عليه القود.
5

باب العمد الذي يكون فيه القصاص
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: جماع القتل ثلاثة وجوه عمد فيه قصاص فلولي المجني عليه
عمد القصاص إن شاء وعمد بما ليس فيه قصاص وخطأ فليس في واحد من هذين الوجهين قصاص
(قال) فالعمد في النفس بما فيه القصاص أن يعمد الرجل فيصيبه بالسلاح الذي يتخذ لينهر
الدم ويذهب في اللحم وذلك الذي يعقل كل أحد أنه السلاح المتخذ للقتل والجراح وهو الحديد المحدد
كالسيف والسكين والخنجر وسنان الرمح والمخيط وما أشبهه مما يشق بحده إذا ضرب أو رمى به الجلد
واللحم دون ثقله فيجرح (قال الشافعي) وهو السلاح والله أعلم الذي أمر الله عز ذكره أن يؤخذ في
صلاة الخوف وكذلك كل ما كان في معناه من شئ له صلابة فحدد حتى صار إذا وجئ به أو رمى
به يخرق حده قبل ثقله مثل العود يحدد والنحاس والفضة والذهب وغيره فكل من أصاب أحدا بشئ
من هذا جرحه فمات من الجرح ففيه القصاص (قال الشافعي) وإن ضربه بعرض سيف أو عرض
خنجر أو مخيط فلم يجرحه فمات فلا قود فيه حتى يكون الحديد جارحا أو شادخا مثل الحجر الثقيل
يفضخ به رأسه وعمود الحديد وما أشبه (قال الشافعي) وكذلك لو ضربه بعمود حديد خفيف لا
يشدخ مثله أو بشئ من الحديد لا يشدخ وما كان لا يجرح أو كان خفيفا لا يشدخ وكذلك لو ضربه
بحد السيف أو غيره فلم يجرحه ومات ففيه العقل ولا وقود فيه (قال الشافعي) وما كان من شئ من
الحديد أو غيره على عصا خفيفة شبيهة (1) بالنصيب فضرب به الضربة الواحدة فميت منه فلا قود عليه
لأن هذا لا يتخذ لينهر دما ولا يتخذ يمات به وإن قتل قتل بالثقل لا بالحد (قال) وكذلك المعراض
يرمي به فلا يجرح ويصيب بعرضه فيموت أو يصيب بنصله فلا يجرح فيموت (قال) وهكذا لو ضربه
بحجر لا حد له خفيف فرضخه فمات فلا قود ولو شجه وكذلك لو ضربه بسوط فبضع فيه أو ضربه
أسواطا يرى أن مثله لا يموت من مثلها فلا قود ولو كان نضوا فضربه عشرة أسواط ومثله يموت فيما يرى
من مثلها فمات ففيه القود ولو كان محتملا فضربه مائة والأغلب أن مثله لا يموت من مثلها فمات فلا قود
وكل حديد له حد بجرح فجرح به جرحا صغيرا أو كبيرا فمات منه ففيه القود لأنه يجرح بحده والحجر
يجرح بثقله ولو كان من المرو أو من الحجارة شئ يحدد حتى يمور مور الحديد فجرح به ففيه القود إن
مات المجروح وإن ما جاوز هذا فكان الأغلب منه أن من ضرب به أو ألقى فيه أو ألقى عليه فلم يعش
فضرب به رجل رجلا أو ألقاه فيه وكان لا يستطيع الخروج منه أو ألقاه عليه فمات الرجل ففيه
القصاص وذلك مثل أن يضرب الرجل بالخشبة العظيمة التي تشدخ رأسه أو صدره فيشدخه أو
خاصرته فيقتله مكانه أوما أشبه هذا مما الأغلب أنه لا يعاش من مثله أو بالعصا الخفيفة فيتابع
عليه الضرب حتى يبلغ من عدد الضرب ما يكون الأغلب أنه لا يعاش من مثله وكذلك السياط
وما في هذا المعنى وذلك أن يضربه على خاصرته أو في بطنه أو على ثدييه ضربا متتابعا أو على ظهره
المائتين أو الثلثمائة أو على أليتيه فإذا فعل هذا فلم يقلع عنه إلا ميتا أو مغمى عليه ثم مات ففيه القود وفي
أن يسعر الحفرة حتى إذا انجحمت ألقاه فيها أو يسعر النار على وجه الأرض ثم يلقيه فيها مربوطا أو

(1) قوله: بالنصب كذا في النسخ ولعله محرف عن " النصب " بضمتين جمع نصاب وهو مقبض السكين،
وحرر.
6

يربطه ليغرقه في الماء فإن فعل هذا فمات في مكانه أو مات بعد من ألم ما أصابه ففيه القود (قال
الشافعي) فإذا سعر النار على وجه الأرض فألقاه فيها وهو زمن أو صغير فكذلك وإن ألقاه فيها صحيحا
فكان يحيط العلم أنه يستطيع أن يتخلص منها فترك التخلص فمات فلا قود وإن عالج فغلبه كثرتها أو
التهابها ففيه القود وكذلك إن ألقي فيها فلم يزل يتحرك يعالج الخروج فلم يخرج حتى مات أو
أخرج وبه منها حرق الأغلب أنه لا يعاش منه فمات منه ففيه القود وإن كان بعض هذا وهو يقدر على
التخلص بأن يكون إلى جنب أرض لا نار عليها فإنما يكفيه أن ينقلب فيصير عليها أو يقول أقمت وأنا
على التخلص قادر أو ما أشبه هذا مما عليه الدلالة بأنه يقدر على التخلص لم يكن فيه عقل ولا قود وقد
قيل يكون فيه العقل وإن ألقاه في ماء قريب من ساحل وهو يحسن العوم ولم تغلبه جرية الماء فمات فلا
قود (1) وإن كان لا يحسن العوم وألقاه قريبا من نجوة أرض أو جبل أو سفينة مقيمة وهو يحسن العوم
فترك التخلص فلا قود وإن ألقاه في ماء لا يتخلص في الأغلب منه فمات فعليه القود، ولو كان الأغلب
أنه يتخلص منه فأخذه حوت فلا قود وعليه العقل (قال أبو محمد) وقد قيل يتخلص أو لا يتخلص
سواء أن لا قود عليه وعليه العقل (قال الربيع) وأصح القولين أن لا عقل في النفس ولا قود لأنه هو
الذي قتل نفسه إذا كان يقدر أن يتخلص فيسلم من الموت فترك التخلص وعلى الطارح أرش ما أحرقت
النار منه أول ما طرح قبل أن يمكنه التخلص (قال الشافعي) وإن خنقه فتابع عليه الخنق حتى يقتله
ففيه القود، وكذلك إن غمه بثوب أو غيره فتابع عليه الغم حتى يموت ففيه القود، وإن تركه حيا ثم
مات بعد فلا قود إلا أن يكون الخنق أو الغم قد أورثه ما لا يجري معه نفسه فيموت من ذلك ففيه
القود (1) (قال الربيع) وقد قيل يتخلص أو لا يتخلص أن لا قود عليه وعليه العقل لأنه لم يمت من
اليد (قال الشافعي) وجماع هذا أن ينظر إلى من قتل بشئ مما وصفت غير السلاح المحدد فإن كان
الأغلب أن من نيل منه يقتله ويقتل مثله في مثل سنه وصحته وقوته أو حاله إن كانت مخالفة لذلك قتلا
وحيا كقتل السلاح أو أوحى ففيه القود. وإن كان الأغلب أن من نيل منه بمثل ما نيل منه يسلم ولا
يأتي ذلك على نفسه فلا قود فيه (قال الشافعي) وضرب القليل على الخاصرة يقتل في الأغلب ولا
يقتل مثله لو كان في ظهر أو أليتين أو فخذين أو رجلين والضرب القليل يقتل النضو الخلق الضعيفة في
الأغلب والأغلب أن لا يقتل قويه، ويقتل في الأغلب في البرد الشديد والحر الشديد ولا يقتل في
الأغلب في غيرهما (قال الشافعي) فمن نال من امرئ شيئا فأنظر إليه في الوقت الذي ناله فيه فإن كان
الأغلب أن ما ناله به يقتله ففيه القود، وإن كان الأغلب أن ما ناله به لا يقتله فلا قود فيه (قال
الشافعي) وإن طين رجل على رجل بيتا ولم يدعه يصل إليه طعام ولا شراب أياما حتى مات أو حبسه
في موضع وإن لم يطين عليه ومنعه الطعام أو الشراب مدة الأغلب من مثلها أنه يقتله فمات قتل به وإن
مات في مدة الأغلب أنه يعيش من مثلها ففيها العقل ولا قود فيه (قال الشافعي) فإن حبسه فجاءه
بطعام أو شراب ومنعه الطعام فلم يشربه حتى مات ولم تأت عليه مدة يموت أحد منع الطعام في مثلها

(1) قوله: وإن كان لا يحسن العوم، إلى قوله " وهو يحسن العوم " هكذا وقع في النسخ. وهو غير مستقيم، فانظر. كتبه مصححه.
(1) قوله: قال الربيع وقد قيل يتخلص أو لا يتخلص الخ هكذا وقع في النسخ ولا يناسب ما قبله وقوله " لأنه لم
يمت من اليد " في بعض النسخ " الا من اليد " فانظر.
7

فلا عقل ولا قود لأنه ترك أن يشرب فأعان على نفسه ولم يمنعه الطعام مدة الأغلب أن يموت أحد
منعها الطعام، ولو كانت المدة التي منعه فيها الطعام مدة الأغلب أنه يموت أحد من مثلها قتل به وإن
كان الأغلب أنه لا يمات من مثلها ضمن العقل (قال الشافعي) وإذا أقدته بما صنع به حبسه ومنع كما
حبسه ومنعه فإن مات في تلك المدة وإلا قتل بالسيف.
باب العمد فيما دون النفس
(قال الشافعي) رحمه الله: وما دون النفس مخالف للنفس في بعض أمره في العمد فلو عمد رجل
عين رجل بأصبعه ففقأها كان فيها القصاص لأن الإصبع تأتي فيها على ما يأتي عليه السلاح في النفس
وربما جاءت على أكثر وهكذا لو أدخل الرجل أصبعه في عينه فاعتلت فلم تبرأ حتى ذهب بصرها أو
انتجفت كان فيها القصاص (قال الشافعي) ولو لطمه لطمة في رأسه فورمت (2) ثم اتسعت حتى
أوضحت لم يكن فيها قصاص لأن الأغلب من اللطمة أنها قلما يكون منها هكذا فتكون في حكم الخطأ
(قال الشافعي) ولو ضرب رأسه بحجر محدد أو حجر له ثقل غير محدد فأوضحه أو أدماه ثم صارت
موضحة كان فيها القود لأن الأغلب مما وصفت من الحجارة أنها تصنع هذا، ولو كانت حصاة فرماه
بها فورمت ثم أوضحت لم يكن فيها قصاص وكان فيها عقلها تاما لأن الأغلب أنها لا تصنع هذا فعلى
هذا ما دون النفس مما فيه القصاص كله ينظر إذا أصابه بالشئ فإن كان الأغلب أنه يصنع به مثل ما
يصنع بشئ من الحديد في النفس فأصابه فيه ففيه القود، وإن كان الأغلب أنه لا يصنع ذلك إلا
قليلا إن كان فلا قود فيه وفيه العقل وهذا على مثال ما يصنع في النفس في إثبات القصاص وتركه
وأخذ العقل فيه (قال الشافعي) وجماع معرفة قتل العمد من الخطأ أن يعمد الرجل إلى الرجل بالعصا
الخفيفة، أو قال عصا في أليتيه أو بالسياط في ظهره الضرب الذي الأغلب أنه لا يمات من مثله أو ما
دون ذلك من اللطم والوجء والصك والضربة بالشراك وما أشبهها وكل هذا من العمد الخطأ الذي لا
قود فيه وفيه العقل (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن
ربيعة عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ألا إن في قتيل العمد الخطأ بالسوط أو
العصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها) أخبرنا عبد الوهاب عن خالد الحذاء
عن القسام بن ربيعة بن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال
الشافعي) فالدية في هذا على العاقلة من قبل أنه خطأ في القتل وإن كان عمدا في الفعل يستطاع فيه
القصاص ولا يكون فيه القصاص. والدية في مضى ثلاث سنين (قال الشافعي) وهذا معنى ما وصفت
من الضرب الذي الأغلب فيه أنه يعاش من مثله، ولم ألق أحدا من أهل الفقه والنظر يخالف في أن
هذا معناه، فأما أن يشدخ الرجل رأس الرجل بالحجر أو يتابع عليه ضرب العصا أو السياط متابعة
الأغلب أن مثله لا يعيش من مثلها فهذا أكبر من القتل بالضربة بالسكين والحديدة الخفيفة في الرأس
واليد والرجل وأعجل قتلا وأحرى أن لا يعيش أحد منه في الظاهر.

(1) قوله: ثم اتسعت كذا في نسخة، وفي أخرى ثم " لعب " بون نقط، فانظر كتبه مصححه.
8

الحكم في قتل العمد
(قال الشافعي) رحمه الله: من العلم العام الذي لا اختلاف فيه بين أحد لقيته فحدثنيه وبلغني
عنه من علماء العرب أنها كانت قبل نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم تباين في الفضل
ويكون بينها ما يكون بين الجيران من قتل العمد والخطأ فكان بعضها يعرف لبعض الفضل في الديات
حتى تكون دية الرجل الشريف أضعاف دية الرجل دونه، فأخذ بذلك بعض من بين أظهرها بأقصد
مما كانت تأخذ به فكانت دية النضير ضعف دية القرظي، وكان الشريف من العرب إذا قتل يجاوز
قاتله إلى من لم يقتله من أشراف القبيلة التي قتله أحدها وربما لم يرضوا إلا بعدد يقتلونهم فقتل بعضهم
غنى شأس بن زهير فجمع عليهم أبوه زهير بن جذيمة فقالوا له أو بعض من ندب عنهم سل في قتل
شأس فقال: إحدى ثلاث لا يغنيني غيرها، قالوا وما هي قال: تحيون لي شأسا أو تملئون ردائي من
نجوم السماء أو تدفعون إلي غنيا بأسرها فأقتلها ثم لا أرى أنى اخذت منه عوضا. وقتل كليب وائل
فاقتتلوا دهرا طويلا واعتزلهم بعضهم فأصابوا ابنا له يقال له بجير فأتاهم فقال قد عرفتم عزلتي فبجير
بكليب وكفوا عن الحرب فقالوا بجير بشسع نعل كليب فقتالهم وكان معتزلا (قال الشافعي) وقال إنه
نزل في ذلك وغيره مما كانوا يحكمون به في الجاهلية هذا الحكم الذي أحكيه كله بعد هذا وحكم الله
تبارك وتعالى بالعدل فسوى في الحكم بين عباده الشريف منهم والوضيع (أفحكم الجاهلية يبغون ومن
أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) فقال: إن الاسلام نزل وبعض العرب يطلب بعضا بدماء وجراح
فنزل فيهم (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) إلى قوله (ذلك تخفيف من ربكم
ورحمة) الآية والآية التي بعدها: أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا معاذ بن موسى عن
بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قال معاذ قال مقاتل أخذت هذا التفسير عن نفر حفظ معاذ منهم
مجاهدا والحسن والضحاك بن مزاحم قال في قوله (فمن عفى له من أخيه شئ فأتباع بالمعروف وأداء إليه
بإحسان) الآية (قال) كان كتب على أهل التوراة أنه من قتل نفسا بغير نفس حق له أن يقاد بها ولا
يعفى عنه ولا تقبل منه الدية وفرض على أهل الإنجيل أن يعفى عنه ولا يقتل ورخص لامة محمد صلى
الله عليه وسلم إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا فذلك قوله عز وجل (ذلك تخفيف من
ربكم ورحمة) يقول الدية تخفيف من الله إذ جعل الدية ولا يقتل: ثم قال (فمن اعتدى بعد ذلك فله
عذاب أليم) يقول: من قتل بعد أخذه الدية فله عذاب أليم. وقال في قوله (ولكم في القصاص حياة
يا أولى الألباب لعلكم تتقون) يقول: لكم في القصاص حياة ينتهي بعضكم عن بعض أن يصيب
مخافة أن يقتل أخبرنا سفيان ابن عيينة قال حدثنا عمرو بن دينار قال سمعت مجاهدا يقول سمعت ابن
عباس يقول كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية فقال الله عز وجل لهذه الأمة (كتب
عليكم القصاص في القتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شئ) قال
العفو أن تقبل الدية في العمد (فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) مما
كتب على من كان قبلكم (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) (قال الشافعي) وما قال ابن عباس
في هذا كما قال والله سبحانه أعلم. وكذلك ما قال مقاتل (1) لأن الله عز وجل إذ ذكر القصاص. ثم

(1) هنا زيادة في بعض النسخ ونصها " وتقصي مقاتل فيه أكثر من تقصي ابن عباس والتنزيل يدل على ما قال
مقاتل لأن الله عز وجل الخ " اه‍. كتبه مصححه.
9

قال (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) لم يجز والله أعلم أن يقال إن عفى
بأن صولح على أخذ الدية لأن العفو ترك حق بلا عوض. فلم يجز إلا أن يكون إن عفى عن القتل فإذا
عفا لم يكن إليه سبيل وصار للعافي القتل مال في مال القاتل وهو دية قتيله فيتبعه بمعروف ويؤدي إليه
القاتل بإحسان، فلو كان إذا عفا عن القاتل لم يكن له شئ لم يكن للعافي يتبعه ولا على القاتل شئ
يؤديه بإحسان (وقال) وقد جاءت السنة مع بيان القرآن في مثل معنى القرآن أخبرنا الربيع قال: أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح
الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الله عز وجل حرم مكة ولم يحرمها الناس فلا يحل لمن
كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرا فإن ارتخص أحد فقال أحلت لرسول
الله صلى الله عليه وسلم فإن الله أحلها لي ولم يحلها للناس، وإنما أحلت لي ساعة من النهار ثم هي حرام
كحرمتها بالأمس ثم إنكم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل. من هذيل وأنا والله عاقله فمن قتل بعده قتيلا
فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل) (قال الشافعي) وأنزل الله جل ثناؤه (ومن
قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) فيقال والله أعلم في قوله (فلا يسرف في
القتل) لا يقتل غيره قاتله (قال الشافعي) في قوله تبارك وتعالى (كتب عليكم القصاص في القتلى) إنها
خاصة في الحيين اللذين وصف مقاتل بن حيان وغيره ممن حكيت قوله في غير هذا الموضع. ثم أدبها أن
يقتل الحر بالحر إذا قتله والأنثى بالأنثى إذا قتلها ولا يقتل غير قاتلها إبطالا لأن يجاوز القاتل إلى غيره
إذا كان المقتول أفضل من القاتل كما وصفت ليس أنه لا يقتل ذكر بالأنثى إذا كانا حرين مسلمين ولا
أنه لا يقتل حر بعبد من هذه الجهة إنما يترك قتله من جهة غيرها، وإذا كانت هكذا أشبه أن تكون لا
تدل على أن لا يكون يقتل اثنان بواحد إذا كانا قاتلين (قال الشافعي) وهي عامة في أن الله عز ذكره
أوجب بها القصاص إذا تكافأ دمان وإنما يتكافئان بالحرية والاسلام وعلى كل ما وصفت من عموم
الآية وخصوصها دلالة من كتاب أو سنة أو إجماع (قال الشافعي) فأيما رجل قتل قتيلا فولى المقتول
بالخيار إن شاء قتل القاتل وإن شاء أخذ منه الدية وإن شاء عفا عنه بلا دية. (قال الشافعي) وإذا
كان لولى المقتول اخذ المال وترك القصاص كره ذلك القاتل أو أحبه لأن الله عز وجل إنما جعل السلطان
للولي والسلطان على القاتل فكل وارث من زوجة أو غيرها سواء وليس لاحد من الأولياء أن يقتل حتى
يجتمع جميع الورثة على القتل وينتظر غائبهم حتى يحضر أو يوكل وصغيرهم حتى يبلغ ويحبس القاتل
إلى اجتماع غائبهم وبلوغ صغيرهم: فإن مات غائبهم أو صغيرهم أو بالغهم قبل اجتماعهم على القتل
فلوارث الميت منهم في الدم والمال مثل ما كان للميت من أن يعفو أو يقتل (قال الشافعي) فإذا أخذ
حقه من الدية فذلك له ولا سبيل له إلى الدم إذا أخذ الدية أو عفا بلا دية (قال الشافعي) ولو كان على
المقتول دين وكانت له وصايا لم يكن لأهل الدين ولا الوصايا العوض في القتل إن أراد الورثة، فإن
عفا الورثة وأخذوا الدية أو عفا أحدهم كانت الدية حينئذ مالا من ماله يكون أهل الدين أحق بها
ولأهل الوصايا حقهم منها (قال الشافعي) ولو لم تختر الورثة القتل ولا المال حتى مات القاتل كانت لهم
الدية في ماله يحاصون بها غرماءه كدين من دينه (قال الشافعي) ولو اختاروا القتل فمات القاتل قبل
يقتل كانت لهم الدية في ماله لأن المال إنما يبطل عنهم بأن يختاروا القتل ويقتلون فيكونون مستوفين
لحقهم من أحد الوجهين، وكذلك لو قضى لهم بالقصاص بعد اختياره فمات المقضى عليه بالقصاص
قبل يقتل كانت لهم الدية في ماله (قال الشافعي) ولو لم يمت القاتل ولكن رجل قتله خطأ فأخذت له
10

دية كانت الدية مالا من ماله لا يكون أهل القتيل الأول أحق بها من غرمائه كما لا يكونون أحق بما
سواها من ماله ولهم الدية في ماله يكونون بها أسوة الغرماء (قال الشافعي) ولو جرحه رجل عمدا ثم عفا
المجروح عن الجرح وما حدث منه ثم مات من ذلك الجرح لم يكن إلى قتل الجارح سبيل بأن المجروح قد
عفا القتل فإن كان عفا عنه ليأخذ عقل الجرح أخذت منه الدية تامة لأن الجرح قد صار نفسا وإن كان
عفا عن العقل والقصاص في الجرح ثم مات من الجرح فمن لم يجز الوصية للقاتل أبطل العفو وجعل
الدية تامة للورثة لأن هذه وصية للقاتل ومن أجاز الوصية للقاتل جعل عفوه عن الجرح وصية يضرب بها
القاتل في الثلث مع أهل الوصايا وقال فيما زاد من الدية على عقل الجرح قولين أحدهما له مثل عقل
الجرح لأنه مال من ماله ملك عنه والاخر لا يجوز لأنه لا يملك إلا بعد موته عنه (قال الشافعي) ولو
قتل نفر رجلا عمدا كان لولى القتل أن يقتل في قول من قتل أكثر من واحد بواحد أيهم أراد ويأخذ ممن
أراد منهم الدية بقدر ما يلزمه منها كأنهم كانوا ثلاثة فعفا عن واحد فيأخذ من الاثنين ثلثي الدية أو يقتلهما
إن شاء (قال الشافعي) وإذا كانوا نفرا فضربوه معا فمات من ضربهم وأحدهم ضارب بحديدة والآخر
بعصا خفيفة والآخر بحجر أو سوط فمات من ذلك كله وكلهم عامد للضرب فلا قصاص فيه من قبل
أنى لا أعلم بأي الضرب كان الموت وفي بعض الضرب مالا قود فيه بحال وعلى العامد بالحديد حصته
من الدية في ماله وعلى الآخرين حصتهما على عاقلتهما (قال الشافعي) وكذلك لو كان فيهم واحد رمى
شيئا فأخطأ به فأصابه معهم كانت على جميع العامدين بالحديد الدية في حصصهم في أموالهم حالة
وعلى عاقلة المخطئ بالحديدة حصته من الدية كما تكون دية الخطأ (قال الشافعي) ولو عفا المقتول عن
هؤلاء كلهم كان القول فيمن لا يجيز للقاتل وصية أو من يجيزها كما وصفت، وقال في الذي مشركهم
بخطأ قولين أحدهما أن الوصية للعاقلة لا للقاتل فجميع ما أصاب العاقلة من حصة صاحبهم من الدية
وصية لهم جائزة من الثلث والآخر ان لا تجوز له وصية لأنها لا تسقط عن العاقلة إلا بسقوطها عنه فهي
وصية للقاتل (قال الربيع) القول الثاني أصح عندي (قال الشافعي) والقول في الرجل يجرح الرجل
جرحا يكون في مثله قصاص فيبرأ المجروح في جرحه مثل ما كان لأوليائه في قتله من
الخيار فإن شاء استفاد من جرحه، وإن شاء أخذ عقل الجرح من مال الجارح حالا يكون غريما من
الغرماء يحاص أهل الدين (قال الشافعي) وما أصابه من جرح عمدا لا قصاص فيه فعقله في مال
الجارح حال (قال الشافعي) ولو جنى رجل على رجل جنايات كان له أن يستقيد مما أراد ويأخذ العقل
مما أراد منها وكذلك لو جنى عليه نفر كان له أن يستقيد من بعضهم ويأخذ من بعض العقل (قال
الشافعي) ولو كان القاتل أو الجارح عبدا أو ذميا أو حرا مسلما كان لولى المقتول وللمجروح في نفسه على
الجاني (1) أو اختيار العقل من العبد والذمي فإن اختاره فاقتصوا أو اقتص فلا شئ لهم غير
القصاص فإن اختاروا أو اختار العقل فذلك في مال الذمي حال يكونون في ماله غرماء له وفي عتق
العبد كاملا يباع فيه فإن بلغ العقل كاملا فذلك لولى الدم أو المجروح وإن لم يبلغ لم يلزم سيده منه شئ
وإن زاد ثمن العبد على العقل رد إلى سيد العبد وإن شاء سيد العبد قبل هذا كله أن يؤدي عقل النفس
أو الجرح متطوعا غير مجبور عليه لم يبع عليه عبده وقد أدى جميع ما في عنقه (قال الشافعي) ولو كان

(1) قوله: أو اختيار العقل كذا وقع في النسخ ولعله سقط من قلم الناسخ قبل هذا ما يصح العطف عليه ووجه
الكلام والله أعلم " كان الولي المقتول وللمجروح على الجاني القصاص أو اختيار العقل الخ " فانظر. كتبه مصححه.
11

الجاني عبدا على عبد كان لسيد العبد الخيار في القصاص أو العقل وليس للعبد في ذلك خيار أن كانت
الجناية جرحا برئ منه سواء كان العبد مرهونا أو غير مرهون أنه إذا أخذ عقلا وهو مرهون خير
بين أن يدفع ما أخذ له من العقل رهنا إلى المرتهن أو يجعله قصاصا من دينه ولا يمنع القصاص قول
المرتهن إنما جعلت عليه إذا اخذ العقل أن يجعله رهنا أو قصاصا لأنه يوم مقام بدن العبد إن مات أو
نقص بدنه لنقص الجراح له وإن لم يمت وسواء هذا في المدبر وأم الولد لمالك المملوك في هذا كله فأما
المكاتب فذلك إليه دون سيده يقتص إن شاء أو يأخذ الدية فإن اخذ الدية خلى بينه وبينها كما
يخلى بينه وبين ماله (قال أبو محمد الربيع) وفي المكاتب يجنى عليه جناية فيها قصاص أنه ليس له أن
يقتص من قبل أنه قد يعجز فيصير رقيقا فيكون قد أتلف على سيده المال الذي هو بدل من القصاص
وله أن يأخذ العقل ويكون أولى به من السيد يستعين به في كتابته (قال الشافعي) وإذا ختار العقل في
قتل العمد الذي فيه القصاص فهو حال في النفس وما دونها وكل عمد وإن كان ديات في مال الجاني
موسرا كان أو معسرا لا تحمل العاقلة من قتل العمد شيئا (قال الشافعي) وإن أحب الولاة أو المجروح
العفو في القتل بلا مال ولا قود فذلك لهم فإن قال قائل فمن أين أخذت العفو في القتل بلا مال ولا
قود؟ قيل من قول الله جل ثناؤه (فمن تصدق به فهو كفارة له) ومن الرواية عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم في أن في العفو عن القصاص كفارة أو قال شيئا يرغب به في العفو عنه، فإن قال قائل فإنما
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا فالقود وإن أحبوا
فالعقل) قيل له نعم هو فيما يأخذون من القاتل من القتل والعفو بالدية والعفو بلا واحد منهما ليس بأخذ
من القاتل إنما هو ترك له كما قال (ومن وجد عين ماله عند معدم فهو أحق به) ليس أن ليس له تركه
ولا ترك شئ يوجب له إنما يقال هو له وكل ما قيل له أخذه فله تركه (قال الشافعي) وإذا قتل الرجل
الرجل عمدا ثم مات القاتل فالدية في مال القاتل لأنه يكون لأولياء المقتول أن يأخذوا أيهما شاءوا إلا
أن حقهم في واحد دون واحد فإذا فات واحد فحقهم ثابت في الذي كان حقهم فيه إن شاءوا وهو
حي (قال الشافعي) وكذلك للرجل إذا جرحه الرجل الخيار في القصاص في الجرح فإن مات الجارح
فله عقل الجرح إن شاء حالا كما وصفت في مال الجارح (قال الشافعي) وسواء أي ميتة مات القاتل
والجارح بقتل أو غيره فدية المقتول الأول، وجرحه في ماله فإن جرح رجل جراحات في كلها قصاص
فللمجروح الخيار في كل جرح منها كما يكون في جرح واحد لو جرحه إياه وإن شاء اقتص من بعضها
وأخذ الدية من بعضها وإن شاء ذلك في كلها فهو له (قال الشافعي) كأنه قطع يديه ورجليه وأوضحه
فإن شاء قطع له يدا ورجلا وأخذ عقل يد ورجل وإن شاء وضحه وإن شاء أخذ أرش الموضحة إذا
كان له الخيار في كل كان له الخيار في بعض (قال الشافعي) وكذلك ورثة المقتول والمجروح بعد موته إن
أحبوا اقتصوا للميت من النفس أو الجرح إن لم يكن نفسه وإن أحبوا أخذوا العقل وإن أحبوا إذا كانت
جراح ولم يكن نفس أن يأخذوا أرش بعض الجراح ويقتصوا من بعض كان لهم (قال الشافعي) ومن
قتل اثنين بواحد أو أكثر بواحد فقتل عشرة رجلا عمدا فلأولياء المقتول أن يقتلوا من شاءوا منهم وأن
يأخذوا الدية ممن شاءوا فإذا أخذوا الدية لم يكن لهم أن يأخذوا من واحد إلا عشر الدية وإذا كانت
الدية فإنما يغرمها الرجل على قدر من شركه فيها وهي خلاف القصاص (قال الشافعي) وإن قطع رجل
يدي رجل ورجليه ثم مات المقطوعة يداه ورجلاه من تلك الجراح فأراد ورثته القصاص كان لهم أن
يصنعوا ما صنع بصاحبه وإن أرادوا أن يقتلوه يأخذوا أرشا فيما صنع به لم يكن لهم وإذا كانت
12

النفس فلا أرش للجراح لدخول الجراح في النفس ولهم أن يأخذوا دية النفس كلها ويدعوا القصاص
(قال الشافعي) ولو أرادوا أن يقطعوا يديه ورجليه أو يديه دون رجليه أو بعض أطرافه التي قطع منه
ويدعوا قتله كان ذلك لهم إذا قضيت لهم بأن يفعلوا ذلك ويقتلوه قضيت لهم بأن يفعلوا ذلك به
ويدعوا قتله فإن قالوا نقطع يديه ثم نأخذ منه دية أو بضعها لم يكن ذلك لهم وقيل إذا قطعتم يديه فقد
أخذتم منه ما فيه الدية فلا يكون لكم عليه زيادة إلا القطع أو القتل فأما مال فلا ولو قطعوا له يدا أو
رجلا ثم قالوا نأخذ نصف الدية كان لهم ذلك لأنه لو قطع يديه فأرادوا أخذ القود من يد والأرش من
أخرى كان لهم ذلك ولا يكون لهم ذلك حتى يبرأ (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها فجرحه جائفة
مع قطع يديه ورجليه فمات فقال ورثته نجرحه جائفة ونقتله لم يمنعوا ذلك، وإن أرادوا تركه بعدها
تركوه ولو قالوا على الابتداء نجرحه جائفة ولا نقتله لم يتركوا وذلك أنهم إنما يتركون إذا قالوا نقتله بما يقاد
منه في الجناية وأما ما لا يقاد منه فلا يتركون وإياه.
ولاة القصاص
(قال الشافعي) رحمه الله قال الله تعالى (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في
القتل) (قال الشافعي) فكان معلوما عند أهل العلم ممن خوطب بهذه الآية أن ولى المقتول من جعل الله
تعالى له ميراثا منه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ومن قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا
فالقود وإن أحبوا فالعقل) ولم يختلف المسلمون علمته في أن العقل موروث كما يورث المال، وإذا كان
هكذا فكل وارث ولى الدم كما كان لكل وارث ما جعل الله له من ميراث الميت زوجة كانت له أو ابنة
أو أما أو ولدا لا يخرج أحد منهم من ولاية الدم (1) إذا كان لهم أن يكونوا بالدم مالا كما لا
يخرجون من سواه من ماله (قال الشافعي) فإذا قتل رجل رجلا فلا سبيل إلى القصاص إلا بأن يجمع
جميع ورثة الميت من كانوا وحيث كانوا على القصاص فإذا فعلوا فلهم القصاص وإذا كان على الميت
دين ولا مال له أو كانت له وصايا كان للورثة القتل وإن كره أهل الدين والوصايا لأنهم ليسوا من
أوليائه وأن الورثة إن شاءوا ملكوا المال بسببه وإن شاءوا ملكوا القود وكذلك إن شاءوا عفوا على غير
مال ولا قود لأن المال لا يملك بالعمد إلا بمشيئة الورثة أو بمشيئة المجني عليه إن كان حيا وإذا كان في
ورثة المقتول صغار أو غيب لم يكن إلى القصاص سبيل حتى يحضر الغيب ويبلغ الصغار فإذا اجتمعوا
على القصاص فذلك لهم وإذا كان في الورثة معتوه فلا سبيل إلى القصاص حتى يفيق أو يموت فتقوم
ورثته مقامه وأي الورثة كان بالغا فعفا بمال أو بلا مال سقط القصاص وكان لمن بقي من الورثة حصته
من الدية، وإذا سقط القصاص صارت لهم الدية (قال الشافعي) وإذا كان للدم وليان فحكم لهما
بالقصاص أو لم يحكم حتى قال أحدهما قد عفوت القتل لله أو قد عفوت عنه أو قد تركت الاقتصاص
منه أو قال القاتل اعف عنى فقال قد عفوت عنك فقد بطل القصاص عنه وهو على حقه من الدية وإن
أحب أن يأخذه به أخذه لأن عفوه عن المال إنما هو عفو أحد الامرين دون
الآخر قال الله تعالى (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) يعنى من عفى له

(1) قوله: إذا كان لهم ان يكونوا بالدم مالا. كذا في النسخ، وانظر.
13

عن القصاص (قال الشافعي) ولو قال قد عفوت عنك القصاص والدية لم يكن له قصاص ولم يكن له
نصيب من الدية ولو قال قد عفوت ما لزمك لي لم يكن هذا عفوا للدية وكان عفوا للقصاص وإنما كان
عفوا للقصاص دون المال ولم يكن عفوا للمال دون القصاص ولا لهما لأن الله عز وجل حكم بالقصاص
ثم قال (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف) فأعلم أن العفو مطلقا إنما هو ترك القصاص لأنه
أعظم الامرين وحكم بأن يتبع بالمعروف بأن يؤدى إليه المعفو له بإحسان وقوله ما يلزمك لي على
القصاص اللازم كان له وهو محكوم عليه إذا عفى له عن القصاص بأن يؤدى إليه الدية حتى يعفوها
صاحبها ولو قال قد عفوت عنك الدية لم يكن هذا عفوا له عن القصاص لأنه ما كان مقيما على
القصاص فالقصاص له دون الدية وهو لا يأخذ القصاص والدية وكذلك لو قال قد عفوت عن الدية،
ثم مات القاتل فإن له أخذ الدية لأنه عفا عنها وليست له إنما تكون له بعد عفوه عن القصاص، وإن
عفا الولي عن الدية والقصاص وعليه دين جاز عفوه، ولو عفاهما في مرضه الذي مات فيه كان عفوه
جائزا وكان عفوه حصته من الدية وصية (قال الشافعي) ولو كان للمقتول وليان فعفا أحدهما القصاص
لم يكن للباقي إلا الدية، وإن كان محجورا فعفاها فعفوه باطل وليس لوليه إلا أخذها من القاتل، ولو
عفاها وليه كان عفوه باطلا، وكذلك لو صالح وليه منها على شئ ليس بنظر له يجز له من ذلك إلا
ما يجوز له من البيع والشراء عليه على وجه النظر (قال الشافعي) وإذا عفا المحجور عن القصاص جاز
عفوه عنه وكانت له ولورثته معه الدية لأن في عفوه عن القصاص زيادة في ماله وعفوه المال نقص فلا
يجوز عفوه المال (قال الشافعي) ومن جاز له عفو ماله سوى الدية جاز ذلك له في الدية ومن لم يجز عفو
ماله سوى الدية لم يجز له عفو الدية (قال الشافعي) ولو قال أحد الورثة قد عفوت عن القاتل أو قد
عفوت حقي عن القاتل ثم مات قبل يبين كان لورثته أخذ حقه من الدية ولم يكن لهم القصاص فإن
ادعى القاتل أنه قد عفا الدية والقود فعليه البينة وإن أراد إحلاف الورثة ما يعلمونه عفاهما (1)
أحلفوهم وأخذوا بحقهم من الدية (قال الشافعي) ولو كان العافي حيا فادعى عليه القاتل أنه قد عفا
عنه الدم والمال أحلف له كما يحلف في دعواه عليه فيما سوى ذلك (قال الشافعي) وكل جناية على أحد
فيها القصاص دون النفس كالنفس للمجني عليه القصاص إذا أراد أو أخذ المال أو العفو بلا مال فإن
مات من غير الجراح قبل أن يقتص أو يعفو فوليه يقوم في الاقتصاص والعفو مقامه والقول فيه كالقول
في النفس لا يختلفان.
باب الشهادة في العفو
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا مات المجني عليه في النفس أو غيرها فشهد أحد ورثته أن
أحدهم عفا القصاص أو عفا المال والقصاص فلا سبيل إلى القصاص كان الشاهد ممن تجوز شهادته أو
لا تجوز شهادته إذا كان بالغا وارثا للمقتول لأن في شهادته إقرارا أن دم القاتل ممنوع وإن لم تكن تجوز
شهادته أحلف الشهود عليه ما عفا المال وكانت له حصته من الدية ولا يحلف ما عفا القصاص لأنه لا
سبيل إلى القصاص ولا أحلفه على ما إذا حلف عليه لم أطرح عنه بيمينه ما شهد به عليه (قال

(1) قوله: أحلفوهم، كذا في النسخ بضمير الفاعل جميعا، وانظر. كتبه مصححه.
14

الشافعي) ولو كان ممن تجوز شهادته حلف القاتل مع شهادته له أنه عفا عنه المشهود عليه القصاص
بالمال وبرئ من حصة المشهود عليه من الدية وأخذ من بقي من الورثة (1) منهم حصصهم من الدية
ولو شهد شاهدان على الوارث أنه قال قد عفوت عن دم أبى أو عفوت عن فلان دم أبى أو عفوت عن
فلان تباعتي في دم أبى أو عفوت عن فلان ما يلزمه لأبي أو ما يلزمه لي من قبل أبى كان هذا كله عفوا
للدم ولم يكن عفوا لحصته من الدية حتى يبين فيقول قد عفوت عنه الدم والدية أو الدم وما يلزمه من
المال ولو شهدوا أنه وصل كلامه فقال قد عفوت عن القصاص والعقوبة في الذمة لم يكن هذا عفوا
للمال حتى يقول قد عفوت عنه الدم والمال الذي يلزمه لأبي وكذلك لو قال قد عفوت عنه دم وما يلزمه
لأنه قد يرى العقوبة تلزمه وليس هذا عفوا للمال حتى يسميه (قال الشافعي) ولو وصل فقال قد عفوت
عنه الذي يلزمه في دم أبى من قصاص وعقوبة في مال لم يكن عفوا عن الدية حتى يقول ما يلزمه لي
من المال أو ما يلزمه من المال لأنه قد يجهل فيرى أن عليه أن يحرق له مال أو يقطع أو يعاقب فيه فالدية
ليست عقوبة وعليه في هذا كله اليمين ما عفا الدية ولو شهد اثنان من الورثة على الاثنين وشهد الاثنان
المشهود عليهما على الشاهدين عليهما أنهم عفوا الدية والقصاص كانت شهادتهم جائزة وليس في شئ
من شهادتهم ما يجرون به إلى أنفسهم ولا يدفعون به عنها لأنه قد كان لكل واحد منهم عفو الدم وإن لم
يرضه صاحبه وليست تصير حصة واحد منهم عفوا إلى صاحبه فيكون جارا بها إلى نفسه شيئا (قال
الشافعي) وإذا كان للدم وليان أحدهما غائب أو صغير أو حاضر لم يأمره بالقتل ولم يخيره فعدا أحد
الوليين فقتل قاتل أبيه ففيها قولان أحدهما لا قصاص بحال (قال الشافعي) وإنما يسقط من قال هذا
القود عنه إذا لم يجمع ورثة المقتول عليه للشبهة وإن قول الله عز وجل (فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا
يسرف في القتل) يحتمل أي ولى قتل كان أحق بالقتل وقد كان يذهب إلى هذا أكثر مفتى أهل المدينة
فيقولون لو قتل رجل له مائة ولى فعفا تسعة وتسعون كان للباقي الذي لم يعف القود وينزل منزلة الحد
يكون للرجل فيموت فيعفو أحد بنيه أن للآخر القيام به فبهذا أسقط من قال هذا القصاص عن القاتل
والتعزير إن كان ممن يجهل وإن كان ممن لا يجهل عزر بالتعدي بالقتل دون غيره من ولاة الدم ثم قيل
لولاة الدم معه لكم حصة من الدية فإن عفوتموها تركتم حقكم وإن أردتم أخذها فهي لكم والقول ممن
يأخذونها واحد من قولين أحدهما أنها لهم في مال القاتل ويرجع بها ورثة القاتل في مال قاتله ومن قال
هذا قال إن عفوا عن القاتل الدية رجع ورثة قاتل المقتول على قاتل صاحبهم بحصة الورثة معه من الدية
(قال الشافعي) القول الثاني أنها للورثة في مال أخيهم لأنه قاتل أبيهم لأن الدية إنما كانت تلزمه لو
كان لم يقتله ولى فإذا قتله ولى يدرأ عنه القصاص فلا يجتمع عليه القتل ويوجب الدية في ماله (قال
الشافعي) والقول الثاني أن على من قتل من الأولياء قاتل أبيه القصاص حتى يجتمعوا على القتل وإذا
قتل الرجل الرجل فقال قتل ابني أو رجلا أنا وليه طلب بالبينة فإن أقامها بأنه قتله عمدا عزر ولم يكن
عليه عقل ولا قود ولا كفارة وإن لم يقمها اقتص منه ولو قتل رجل له وليان فقتل أحدهما قاتل أبيه
وادعى أن الولي معه أذن له أحلف الولي المدعى عليه فإن حلف كان له نصيبه من الدية على ما وصفت
وإن نكل (1) حلف المدعى عليه وبرئ من نصيبه من الدية ولو أن رجلا له وليان أو أولياء فعفا أحد

(1) قوله: منهم كذا في النسخ ولعله مكرر مع ما قبله. كتبه مصححه.
(1) قوله حلف المدعي عليه هكذا في الأصل ولعل لفظة " عليه " من زيادة الناسخ الا ان يقرأ لفظ المدعي
بصيغة اسم الفاعل فتأمل. كتبه مصححه.
15

أوليائه القصاص ثم عدا عليه أحد الأولياء فقتله وقال لم أعلم عفو من معي ففيها قولان أحدهما أن عليه
القصاص فإذا اقتص ثم عدا عليه أخذ الأولياء فقتله وقال لم أعلم عفو من معي ففيها قولان أحدهما أن
عليه القصاص فإذا اقتص منه فنصيبه من الدية في مال القاتل المقتول الذي اقتص منه والآخر أن
يحلف ما علم عفوه ثم عوقب ولم يقتص منه وأغرم ديته حالة في ماله يرفع عنه منها بقدر نصيبه من دية
المقتول الذي هو وارثه وإن لم يحلف حلف أولياء المقتول الآخر لقد علم ثم في القصاص منه قولان
أحدهما أن يقتص منه والآخر لا قصاص منه ومن قال يقتص منه جعل لورثة المقتول الأول في مال
القاتل نصيبهم من الدية وللذي قتل به حصته من الدية لما أخذ منه القصاص (قال الشافعي) فإذا عفا
أحد الورثة القصاص فحكم الحاكم لهم بالدية فأيهم قتل القاتل قتل به إلا أن يدع ذلك ورثته.
باب عفو المجني عليه الجناية
(قال الشافعي) رحمه الله وإذا جنى الرجل على الرجل الجناية فيها قصاص فقال المجني عليه قد
عفوت عن الجاني جنايته على وبرأ المجني عليه من الجناية سقط القصاص عن الجاني وسئل المجني عليه
فإن قال قد عفوت له القصاص والمال جاز عفوه للمال إن كان يلي ماله وإن كان لا يلي ماله جاز عفوه
للقصاص وأخذ له المال لأنه ليس له أن يهب من ماله شيئا وهكذا إن مات من جناية الجاني وهو يلي
ماله سئل ورثته فإن قالوا لا نعلمه عفا المال أحلفوا ما علموه عفا المال وأخذوا المال من مال الجاني إلا
أن يأتي الجاني ببينة على عفوه المال والقصاص معا فيجوز له العفو ولو جاء الجاني ببينة أنه قال قد
عفوت عنه ما يلزمه في جنايته الجاني بعد قوله قد عفوت عن الجاني جنايته على سقط القصاص وكان
عليه في ماله دية النفس وكذلك لو قال قد عفوت عنه ما لزمه في جنايته على من عقل وقود وما يحدث
منها كان هكذا ولو قال قد عفوت عنه ما لزمه في جنايته على من عقل وقود فلم يمت من الجناية وصح
قبل أن يموت ومات من غيرها جاز العفو فيما لزمه بالجناية نفسها ولم يجز فيما لزمه بزيادتها لأن الزيادة لم
تكن وجبت له يوم عفا ولم تكن وصية بحال وكانت كهبة وهبها مريضا ثم صح فتجوز جواز هبة
الصحيح ولو كانت المسألة بحالها فلم يصح حتى جرحه رجل آخر فخرج الأول من أن يكون قاتلا كان
أرش الجرح كله وصية جائزة يضرب بها مع أهل الوصايا لأنه ليس بقاتل (قال أبو محمد) والقول الثاني
أنه قاتل مع غيره فلا تجوز له وصية إلا أن يكون الجارح الثاني قد ذبحه أو قطعه باثنين فيكون هو القاتل
وتجوز الوصية للأول لأن الثاني هو القاتل (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها فقال قد عفوت عنه
الجناية وما يحدث فيها وما يلزمه منها من عقل وقود ثم مات من الجناية فلا سبيل إلى القود بحال العفو
عنه والنظر إلى أرش الجناية نفسها فكان فيها قولان. أحدهما: أنه جائز العفو عنه من ثلث مال العافي
عنه كأن كان شجه موضحة فعفا عقلها وقودها فيرفع عنه من الدية نصف عشرها لأنه وجب للمجني
عليه في الجناية ويأخذ الباقي لأنه عفا عما لم يجب له فلا يجوز عفوه فيه. والقول الثاني: أن يؤخذ
بجميع الجناية لأنها صارت نفسا وهذا قاتل لا تجوز له وصية بحال (قال الربيع) وهذا أصح القولين
عندي (قال الشافعي) ولو كانت الجناية يدين ورجلين ثم مات منها وعفا جاز له العفو في القول الأول
من الثلث لأن الدية وجبت له أكثر إلا أن ذلك نقص بالموت ولم يجز له في القول الثاني لأنها صارت
نفسا وهذا قاتل (قال الشافعي) وإذا قال الرجل للرجل قد عفوت عنك العقل والقود في كل ما
16

جنيت على فجنى عليه بعد القول لم يكن هذا عفوا وكان له العقل والقود لأنه عفا عنه ما لم يجب له
(قال الشافعي) وإذا جنى الرجل على أبى الرجل جرحا فقال ابنه وهو وارثه قد عفوت عن جنايتك
على أبى في العقل والقود معا لم يكن هذا عفوا لأن الجناية لأبيه ولا يكون له القيام بها إلا أن يموت أبوه
وله إذا مات أبوه أن يأخذ العقل أو القود لأنه لم يعف بعد ما وجب له ولو عفاه بعد موت أبيه لم يكن
له عقل ولا قود إذا عفاهما معا.
جناية العبد على الحر فيبتاعه الحر والعفو عنه
(قال الشافعي) وإذا جنى عبد على حر جناية فيها قصاص فعليه القصاص أو الأرش والجناية
والدية كلها في رقبة العبد فإن عفا القصاص والأرش جاز العفو إن صح منها من رأس المال، وإن
مات منها أو من غيرها قبل يصح جاز العفو لأنه من الثلث يضرب به سيد العبد في ثلث مال الميت مع
أهل الوصايا بالأقل من الدية والأرش ما كان أو قيمة رقبة عبده ليس عليه غيره وإنما أجزناها هنا أنها
وصية لسيد وسيده ليس بقاتل، ولو كانت جناية العبد على الحر موضحة فقال قد عفوت عنه
القصاص والعقل وما يحدث في الجناية جاز له العفو عن الموضحة ولم يجز له ما بقي لأنه عفا عما لم يجب
له ولم يوص إن وجب له أن يعفو عنه، ولو أنه قال إن مت من الموضحة أو ازدادت فزيادتها بالموت
وغيره وصية له جاز العفو من الثلث ألا ترى أن رجلا لو كان له في يدي رجل مال فقال ما ربح فيه
فلان فهو هبة لفلان لم يجز ولو قال وصية لفلان جاز (قال الشافعي) ولو كان العبد جنى على الحر جناية
أقربها العبد ولم تقم بها بينة فقال الحر قد عفوت الجناية وعقلها أو ما يحدث فيها لم يكن له قصاص
بحال العفو وكان العقل إنما يجب على العبد إذا عتق فكان عفوه عنه العقل كعفوه عن الحد يجوز للعبد
منه إذا عتق ما يجوز للجاني الحر المعفو عنه ويرد عنه ما يرد عن الحر، ولو جنى عبد على حر موضحة
عمدا فابتاع الحر العبد من سيده بالموضحة كان هذا عفوا للقصاص فيها ولم يجز البيع إلا أن يعلما معا
أرش الموضحة فيبتاع المجني عليه العبد فيكون البيع جائزا، وهكذا لو كانت أكثر من موضحة أو أقل
لأن الأثمان لا تجوز إلا معلومة عند البائع والمشترى (قال الشافعي) ولو وجد المشترى بالعبد عيبا كان له
رده وكان له رده وكان له في عنقه أرش الجناية بالغا ما بلغ، ولو أخذه بشراء فاسد فمات في يدي
المشترى كانت على المشترى قيمته يحاص بها من أرش الجناية التي وجبت له في عنقه، ولو أن عبدا
جنى على حر عمدا فأعتق سيد العبد العبد وهو يعلم بالجناية أو لا يعلم فسواء وللحر القود إلا أن يشاء
العقل فإن شاء فعلى السيد المعتق الأقل من أرش العقل أو قيمة رقبة العبد وجناية العبد على الحر عمدا
وخطأ سواء.
جناية المرأة على الرجل فينكحها بالجناية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا جنت المرأة على الرجل موضحة عمدا أو خطأ فنكحها على
الموضحة فالنكاح عليها عفو للجناية ولا سبيل إلى القود والنكاح ثابت وإن كانا قد علما أرش الجناية
كان مهرها أرش الجناية في العمد خاصة فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف أرش الموضحة،
17

وإن نكحها على أرش موضحة خطأ كان النكاح جائزا وكان لها مهر مثلها وله على عاقلتها أرش موضحة
لأنه إنما نكحها بدين له على غيرها ولا يجوز صداق دين على غير المصدق وهذا كله إذا عاش من
الجناية فإن كانت الجناية خطأ أو عمدا فمات منها فكان الصداق جائزا وزادها فيه على صداق مثلها
ردت إلى صداق مثلها ورجع عليها بالفضل لأنها تصير وصية لوارث فلا تجوز، ولو جنت على عبد له
جناية فنكحها عليها جاز كنكاحه إياها على جناية نفسه في المسائل كلها (1) إلا في أن الصداق إذا
كان جائزا وكان أكثر من مهر مثلها ومات العبد جائز لأنها لم تجن على السيد فيكون قابلا ولم يكن
صداقها في معنى الوصايا بحال فلا يجوز منه ما جاوز صداق مثلها.
الشهادة في الجناية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويقبل في القتل والحدود سوى الزنا شاهدان وإذا كان الجرح
والقتل عمدا لم يقبل فيه إلا شاهدان ولا يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين ولا يمين وشاهد إلا أن يكون
الجرح عمدا مما لا قصاص فيه بحال مثل الجائفة ومثل جناية من لا قود عليه من معتوه أو صبي أو مسلم
على كافر أو حر على عبد أو أب على ابنه فإذا كان هذا قبل فيه شهادة رجل وامرأتين ويمين وشاهد لأنه
مال بكل حال فإن كان الجرح هاشمة أو مأمومة لم يقبل فيه أقل من شاهدين لأن الذي شج هاشمة أو
مأمومة إن أراد أن آخذ له القصاص من موضحة فعلت لأنها موضحة وزيادة فإذا كانت الجناية
الأدنى إن أراد أن آخذ له فيها قودا أخذتها لم أقبل فيها شهادة شاهد ويمين ولا شاهد وامرأتين وإذا
كانت لا قصاص في أدنى شئ منها ولا أعلاه قبلت فيها شاهدا وامرأتين وشاهدا ويمينا وإذا ادعى
رجل على رجل قتل عمد وقال قد عفوت القود أو قال لي القود أو المال وأنا آخذ المال وسأل أن يقبل
له شاهد وامرأتان أو يمين وشاهد لم يكن ذلك له لأنه لا يجب له مال حتى يجب له قود وإذا ادعى
رجل على رجل جرحا عمدا أو خطأ لم أقبل له شهادة وارث له بحال لأنه قد يكون نفسا فيستوجب
بشهادته الدية ولو أن رجلا له ابن وابن عم فادعى جرحا فشهد له ابن عمه قبلت شهادته لأنه ليس
بوارث له فإن لم يحكم بها حتى مات ابنه طرحت شهادة ابن عمه لأنه قد صار وارثا للمشهود له لأنه
لو مات ورثه وإن حكم بها ثم مات ابنه فصار ابن عمه الوارث لم ترد لأن الحكم قد مضى بها في حين
لا يجر إلى نفسه بها شيئا.
الشهادة في الأقضية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقام الرجل على الرجل شاهدين بقتل عمدا وهو ممن يستقاد
منه للمقتول فأتى المشهود عليه برجلين من عاقلته غير ولده أو والده يشهدان له على جرح الشاهدين
اللذين شهدا عليه قبلت شهادتهما لأنهما لا يعقلان عنه في العمد فيدفعان عن أنفسهما بشهادتهما عقلا
ولو ادعى عليه قتل خطأ وأقام به عليه شاهدين فجاء المشهود عليه برجلين من عاقلته يجر حان الشاهدين

(1) قوله: إلا في أن الصداق الخ كذا في النسخ وانظر. كتبه مصححه.
18

لم تجز شهادتهما لأنهما يدفعان عن أنفسهما ما يلزمهما من العقل وكذلك لو كانا من عاقلته
فقيرين لا يلزمهما لذلك عقل لم تقبل شهادتهما لأنه قد يكون لهما مال في وقت العقل فيؤخذ منهما العقل
فيكونا دافعين بشهادتهما عن أنفسهما ولو شهد شاهدان على رجل بقتل أو جرح خطأ فجاء المشهود عليه
برجال من عصبته يجرجونهما انبغى للحاكم أن ينظر فإن كان الذين جرحوهما ممن يلزمه أن يعقل عن
الشهود عليه حين شهدوا إن حكم بشهادتهما لم تقبل شهادتهما وذلك أن لا يكون من هو أقرب إليه
نسبا منهما يحمل العقل عنه وإن كان من هو أقرب إليه نسبا منهما يحمل العقل عنه حتى لا يخلص إلى
أن يعقل الشاهدان عنه إلا بعد موت الذين يحملون العقل عنه من العاقلة أو حاجتهم قبلت شهادتهما
لأنهما حين شهدا من غير عاقلته.
ما تقبل عليه الشهادة في الجناية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا أقبل في الشهادة على الجناية إلا ما أقبل في الشهادة على
الحقوق إلا في القسامة فلو أن رجلا جاء بشاهدين يشهدان أن رجلا ضربه بسيف وقفتهما فإن قالا أنهر
دمه ومات مكانه من ضربه قبلت شهادتهما وإن قالا ما ندري أنهر دمه أو لم ينهر لم أجعله بها جارحا ولو
قالا ضربه في رأسه فرأينا دما سائلا لم أجعله جارحا إلا بأن يقولا سال من ضربته ثم لم أجعلها دامية
حتى يقولا وأوضحها وهذه هي نفسها أو هي في موضع كذا وكذا فإن برأ منها فأراد القصاص لم أقضه
إلا بأن يقولا هي هذه بعينها أو يصفاها طولها وعرضها فإن قالا أوضحه ولا ندري كم طول الموضحة لم
أقصه منه وإن قالا أوضحه في رأسه ولا نثبت أين موضع الموضحة لم أقضه لأني لا أدرى أين آخذ منه
القصاص من رأسه وجعلت عليه الدية لأنهما قد أثبتا على أنه أوضحه في رأسه ولو قالا ضربه فقطع
إحدى يديه والمقطوع إحدى يديه مقطوع اليد الأخرى قصاص إذا لم يثبتا اليد التي قطع وعلى الجاني
الأرش في ماله لأنهما أثبتا قطع يده ولو قالا قطع إحدى يديه (1) ولم يثبتا أي اليدين هي أيده
المقطوعة هي أم يده الأخرى قيل أنتم ضعفاء ليست له إلا يدان بينوا فإن فعلوا قبلت وإن لم يفعلوا
قبلت وقضى عليه وكان هؤلاء ضعفاء (قال الشافعي) وهكذا في رجلي أذنيه وكل ما ليس فيه منه إلا
اثنان فقطع أحدهما ولو شهدا أن هذا قطع يد هذا وقال هذا يوم الخميس وقال هذا يوم الجمعة لم
تقبل شهادتهما إن كان عمدا لاختلافهما فإن كل واحد منهما يبرئ الجاني أن يكون فعل في اليوم الذي
زعم الآخر أنه فعل فيه وكذلك لو شهد عليه شاهدان أنه قتل بمكة يوم كذا وشهد آخران أنه قتل بمصر
ذلك اليوم أو أنه قتل إنسانا بمصر في ذلك اليوم أو جرحه أو أصاب حدا سقط كل هذا عنه لأن كل
واحدة من البينتين تبرئه مما شهدت به عليه الأخرى وهذا في العمد والخطأ سواء إذا لم يكن إلا أن
يكون أحدهما قد كان والآخر لم يكن وبطلتا معا عنه لأن الحكم عليه بإحداهما ليس بأوجب عليه من
الحكم عليه بالأخرى وأحلف كما يحلف المدعى عليه بلا بينة وليس كالذي يظاهر عليه من الاخبار التي
تقر في نفس الحاكم أنه كما قالوا لا يبرأ من تلك الشهادة وإن لم تكن قاطعة بمعنى غيرهم فيكون في

(1) قوله: ولم يثبتا الخ، كذا في النسخ، وفي الكلام ما يحتاج إلى تأمل وتحرير، فإن تحريف النسخ في هذا
الوضع كثير. كتبه مصححه.
19

هذا القسامة ولا يكون ذلك في المسألة الأولى ولا يكون ذلك إلا بدلالة ولو شهد شاهد أنه قتله يوم
الخمسين وآخر أنه قتله يوم الجمعة كان باطلا لأن كل واحد يكذب الآخر ولا يكون قاتلا له يوم
الخميس ويوم الجمعة وهكذا لو شهد رجل أنه قتله بكرة والآخر انه عشية والآخر أنه خنقه حتى مات
والآخر أنه ضربه بسيف حتى مات كانت هذه شهادة متضادة لا تلزمه ولو أن رجلين شهدا على رجلين
أنهما قتلا رجلا وشهد الشهود عليهما أن الشاهدين قتلاه وكانت شهادتهما في مقام واحد فإن صدقهما
أولياء الدم معا فالشهادة باطلة وكذلك إن كذبوهما وإن ادعوا شهادتهما فشهدا قبل أن يشهد الآخر إن
قبلت شهادتهما وجعلت المشهود عليهما اللذين شهدا بعد ما شهد عليهما بالقتل دافعين عن أنفسهما
بشهادتهما وأبطلت شهادتهما وإن ادعوا شهادة اللذين شهدا آخرا أبطلت الشهادة لأن الأولين قد شهدا
عليهما فدفعا عن أنفسهما ما شهد به عليهما قبل أن يشهدا وإن لم يدعوا شيئا تركتهم حتى يدعوا كما
وصفت لك (قال الشافعي) رحمه الله فإن جاءوا جميعا معا لم أقبل شهادتهم لأنه ليس في شهادة
أحد منهم شئ إلا في شهادة الآخر مثلها فليس واحد منهم أولى بالرد ولا القبول من الآخر ولو شهد
شاهد على رجل أنه أقر أنه قتل رجلا خطأ في يوم غير اليوم الذي شهد به صاحبه كان قول العامة إن
هذا جائز لأنه شهادة على قول وهكذا إقرار الناس في يوم بعد يوم ومجلس بعد مجلس وهو مخالف للفعل
ولو شهد أحدهما أنه أقر أنه قتله عمدا وشهد الآخر انه أقر أنه قتله ولم يقل عدما ولا خطأ جعلته قاتلا
وجعلت القول قول القاتل فإن قال عمدا ففيه القصاص وإن قال خطأ حلف ما قتله عمدا وكانت
الدية في ماله في مضى ثلاث سنين ولو شهد أحدهما أنه أقر أنه قتله عمدا والآخر أنه أقر أنه قتله خطأ
سألته وجعلت القول قوله فإن قال خطأ أحلفته على العمد وجعلته عليه في ثلاث سنين لأن كليهما
يشهد بالاقرار بالقتل أحدهما عمدا والآخر خطأ وقد يكونان صادقين لأنهما يشهدان على قول بلا فعل
(قال الشافعي) ولو كانا شهدا على قتل فقال أحدهما قتله بحديدة وقال الآخر بعصا كانت شهادتهما
باطلة لأنهما متضادان ولا يكون قاتله بحديدة حتى يأتي على نفسه وبعضا حتى يأتي عليها ولو شهد
أحدهما على أنه قتله وشهد الآخر على أنه أقر بقتله لم تجز شهادتهما ولم تكن هذه شهادة متضادة يكذب
بعضها بعضا ولكني لم أجزها لأنها ليست بمجتمعة على شئ وإن كان القتل المشهود عليه أو المقر به
خطأ أحلف أولياء الدم مع شاهدهم واستحقوا الدية بما تستحق به الحقوق وإن كان عمدا أحلفوا أيضا
قسامة لأن مثل هذا يوجب القسامة في الدم واستحقوا الدية بالقسامة ولو شهد شاهدان أن هذا قتل
فلانا أو هذا قد أثبتا أحدهما بغير عينه لم تكن هذه شهادة قاطعة وكانت في هذا قسامة على أحدهما كما
تكون على أهل القرية قتله بعضهم ولو شهدا أن هذا الرجل بعينه قتل عبد الله بن محمد أو سالم بن عبد
الله لا يدري أيهما قتل لم تكن هذه شهادة ولا في هذا قسامة لأن أولياء كل واحد منهما إذا طلبوا لم يكونوا
بأحق من غيرهم (قال الشافعي) ولا أقبل الشهادة حتى يثبتوها فإن قالوا نشهد أنه ضربه في رأسه
ضربة بسيف أو حديدة أو عصا فرأيناه مشجوجا هذه الشجة لم أقص منه حتى يقولوا فشجه بها هذه
الشجة (قال الشافعي) وهكذا لو قالوا نشهد أنه ضربه وهو ملفف فقطعه باثنين أو جرحه هذا لجرح ولم
يبينوا أنه كان حيا حين ضربه لم أجعله قاتلا ولا جارحا حتى يقولوا ضربه وهو حي أو تثبت بينة أنه حين
ضربه كان حيا أو كانت فيه الحياة بعد ضربه إياه فيعلم أن الضربة كانت وهو حي وأقبل قول الجاني مع
يمينه إذا لم تقم بينة بأن هذه الشجة لم تكن من فعله وأنه ضربه ميتا وهكذا لو شهدوا أن قوما دخلوا بيتا
فغابوا ثم هدمه هذا عليهم فقال هدمته بعدما ماتوا جعلت القول قوله حتى تثبت البينة أن الحياة كانت
20

فيهم حين هدم هذا البيت (قال الربيع) وللشافعي فيه قول ثان يشبه هذا أن الملفوف بالثوب والقوم
الذين كانوا في البيت فهدمه عليهم على الحياة حتى يعلم أو تقوم بينة أنهم ماتوا قبل أن يهدم البيت
عليهم (قال الشافعي) وهكذا لو أقر فقال ضربته فقطعته وهدمت البيت على هؤلاء وهم موتى أو
ضربت فم هذا الرجل وأسنانه ساقطة كان القول قوله مع يمينه حتى تقوم بينة بخلاف ما قال وإذا
شهد شاهدان أن هذا الرجل ضرب هذا الرجل ضربة أثبتناها فلم يبرأ جرحها حتى مات المضروب فلا
قصاص عليه إلا بأن يقر بأنه مات أو يثبت الشهود أنه مات منها أو من غيرهم ممن رأى الضربة وإن لم
يره حين ضربه أو يثبت الشهود الذي رأوا الضربة أو الذين شهدوا على أصل الضربة أنه لم يزل لازما
للفراش منها حتى مات فإذا كان هكذا فالظاهر أنه مات منها وعليه القود وإذا لم يكن من هذا واحد
حلف الجاني ما مات منها وضمن أرش الجرح فإن نكل حلفوا وكان لهم الدية أو القصاص فيه إن كان
ممن يقتص منه.
تشاح الأولياء على القصاص
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قتل الرجل الرجل عمدا بسيف وله ولاة رجال ونساء
تشاح الأولياء على القصاص فطلب كلهم تولى قتله قيل لا يقتله إلا واحد فإن سلمتموه لرجل منكم
ولى قتله وإن اجتمعتم على أجنبي يقتله خلى وقتله وإن تشاححتم أقرعنا بينكم فأيكم خرجت قرعته
خليناه وقتله ولا يقرع لامرأة ولا يدعها وقتله لأن الأغلب أنها لا تقدر على قتله إلا بتعذيبه وكذلك لو
كان فيهم أشل اليمنى أو ضعيف أو مريض لا يقدر على قتله إلا بتعذيبه أقرع بين من يقدر على قتله ولا
يدع يعذبه بالقتل (قال الشافعي) وإذا لم يكن إلا ولى واحد مريض لا يقدر على قتله إلا بتعذيبه قيل
له وكل من يقتله ولا يترك وقتله يعذبه وكذلك إن كان ولاته نساء لم تقتله امرأة بقرعة (قال) وينظر إلى
السيف الذي يقتله به فإن كان صارما وإلا أعطى صارما (قال الشافعي) وإذا كان الولي صحيحا
فخرجت قرعته وكان لا يحسن يضرب أعطيه ولى غيره حتى يقتله قتلا وحيا (قال) فإن لم يحسن ولاته
الضرب أمر الوالي ضاربا بضرب عنقه (قال الشافعي) وإن ضرب القاتل ضربة فلم يمت في ضربة
أعيد عليه الضرب حتى يموت بأصرم سيف وأشد ضرب قدر عليه وإذا كان للقتيل ولاة فاجتمعوا على
القتل فلم يقتل القاتل حتى يموت أحدهم كف عن قتله حتى يجمع ورثة الميت على القتل ولو لم يمت
ولكن ذهب عقله لم يقتل حتى يفيق أو يموت فتقوم ورثته مقامه وسواء أذن في قتله أو لم يأذن لأنه قد
يأذن ثم يكون له أن يعفو بعد الاذن فإن تفوت أحد من الورثة فقتله كان كما وصفت في الرجلين يقتل
أبوهما فيفوت أحدهما بالقتل وغرم نصيب الميت والمعتوه من الدية والولي المحجور عليه وغير المجور عليه
في ولاية الدم والقيام بالقصاص وعفو الدم على المال سواء، وإن عفا المحجور عليه القصاص على غير
مال فالعفو عن الدم جائز لا سبيل معه إلى القود وله نصيبه من الدية لأنه لا يجوز له إتلاف المال ويجوز
له ترك القود (قال الشافعي) فإذا اقترع الولاة فخرجت قرعة أحدهم وهو يضعف عنه قتله أعيدت
القرعة على الباقين وهكذا تعاد أبدا حتى تخرج على من يقوى على قتله.
تعدى الوكيل والولي في القتل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ضرب الرجل الرجل ضربة فمات منها فخلى الولي وقتله فقطع
21

يده أو رجله أو ضرب وسطه أو مثل به لم يكن عليه عقل ولا قود ولا كفارة وأوجع عقوبة بالعدوان في
المثلة (قال الشافعي) ولو جاء يضرب عنقه فضرب رأسه مما يلي العنق أو كتفيه وقال أخطأت أحلف ما
عمد ما صنع ولم يعاقب وقيل اضرب عنقه ولو ضرب مفرق رأسه أو وسطه أو ضربه ضربة الأغلب أنه
لا يخطئ من أراد ضرب العنق عوقب ولم يحلف إنما يحلف من يمكن أن يصدق على ما حلف عليه
ويقال اضرب عنقه وإن قال لا أحسن إلا هذا قبل منه وكل من يحسن فإن لم يجد من يتوكل له وكل
الإمام له من يقتله ولا يقتله حتى يستأمر الولي فإن أذن له أن يقتله قتله، فلو أن الوالي أذن لرجل أو
امرأة بقتل رجل قضى له عليه بالقصاص فذهب ليقتله ثم قال الولي قد عفوت عنه قبل أن يقتله فقتله
قبل ان يعلم العفو عنه ففيها قولان أحدهما أن ليس على القاتل شئ إلا أن يحلف بالله ما علمه عفا عنه
ولا على الذي قال قد عفوت عنه (قال الشافعي) والقول الثاني أنه يغرم الدية ويكفر إن حلف وأقل
حالاته أن يكون قد أخطأ بقتله ومن قال هذا قال ولو وكل الولاة رجلا بقتل رجل لهم عليه قود فتنحى
به وكيلهم ليقتله فعفا كلهم أو أحدهم وأشهد على العفو قبل أن يقتل الذي عليه القود لم يصل العفو إلى
الوكيل حتى قتل الذي عليه القود لم يكن على الوكيل الذي قتل قصاص لأنه قتله على أنه مباح له
خاصة وعليه الدية والكفارة ولا يرجع بها على الولي الذي أمره لأنه متطوع له بالقتل ويحلف الوكيل ما
علم العفو فإن حلف لم يقتل ووداه وإلا حلف الولي لقد علمه وقتله (قال الشافعي) هذا القول أحسنهما
لأن المقتول صار ممنوعا بعفو الولي عنه القتل وهذا أشبه بمعنى العبد يعتق ولا يعلم الرجل بعتقه فيقتله
فيغرم دية حر والكافر يسلم ولا يعلم الرجل بإسلامه فيقتله فتكون ديته دية مسلم قال فهو مخالف لهما في
قتل العمد (قال الربيع) يريد به قتل العبد وهو يعرف حرا مسلما.
الوكالة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وتجوز الوكالة بتثبيت البينة على القتل عمدا أو خطأ فإذا كان القود
لم يدفع إليه حتى يحضره ولى القتيل أو يوكله بقتله (قال) وإن وكله بقتله كان له قتله (قال الشافعي)
وإذا قتل الرجل من لا ولى له عمدا فللسلطان أن يقتل به قاتله وله أن يأخذ له الدية ويدفعها إلى جماعة
المسلمين ويدع القاتل من القتل وليس له عفو القتل والدية لأنه لا يملكها دون المسلمين فيعفو ما يملك
(قال الشافعي) ولو قتل رجل له أولياء صغار فقراء لم يكن للوالي عفو دمه على الدية وكان عليه حبسه
حتى يبلغ الولاة فيختاروا القتل أو الدية أو يختار الدية بالغ منهم فإن اختارها لم يكن إلى النفس سبيل
وكان على أولياء الصغار أن يأخذوا لهم الدية لأن النفس قد صارت ممنوعة وللمولى عليه عفو الدم وليس
له عفو المال لأنه يتلف بعفو المال ماله ولا يتلف بعفو الدم ملكا له.
قتل الرجل بالمرأة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولم أعلم ممن لقيت مخالفا من أهل العلم في أن الدمين متكافئان
بالحرية والاسلام فإذا قتل الرجل المرأة عمدا قتل بها وإذا قتلته قتلت به ولا يؤخذ من المرأة ولا من
أوليائها شئ للرجل إذا قتلت به ولا إذا قتل بها وهي كالرجل يقتل الرجل في جميع أحكامها إذا
22

اقتص لها أو اقتص منها وكذلك النفر يقتلون المرأة والنسوة يقتلن الرجل (قال الشافعي) وكذلك جراحه
التي فيها القصاص كلها بجراحها إذا أقدتها في النفس أقدتها في الجراح التي هي أقل من النفس ولا
يختلفان في شئ إلا في لا دية فإذا أراد أولياؤها الدية فديتها نصف دية الرجل وإن أراد أولياء الرجل
ديته من مالها فديته مائة من الإبل لا تنقص لقتل المرأة له وحكم القصاص مخالف حكم العقل (قال
الشافعي) وولاة المرأة وورثتها كولاة الرجل وورثته لا يختلفان في شئ إلا في الدية وإذا قتلت المرأة
حاملا يتحرك ولدها أو لا يتحرك ففيها القود ولا شئ في جنينها حتى يزايلها، فإذا زايلها ميتا قبل موتها
أو معه أو بعده فسواء وفيه غرة قيمتها خمس من الإبل (قال الشافعي) وإن زايلها حيا قبل موتها أو
بعده فسواء ولا قصاص فيه إن مات وفيه ديته إن كان ذكرا فمائة من الإبل، وإن كان أنثى فخمسون
من الإبل وسواء قتلها رجل أو امرأة (قال الشافعي) وإذا قتلت المرأة من عليها في قتله القود فذكرت
حملا حبست حتى تضع حملها، ثم أقيد منها حين تضع حملها، وإن لم يكن لولدها مرضع فأحب
إلى لو تركت بطيب نفس ولى الدم يوما أو أياما حتى يوجد له مرضع، فإن لم يفعل قتلت له، وإن
ولدت ثم وجدت تحركا انتظرت حتى تضع المتحرك أو يعلم أن ليس بها حمل، وكذلك إذا لم يعلم بها
حمل فادعته انتظر بالقود منها حتى تستبرأ أو يعلم أن لا حمل بها، ولو عجل الإمام فاقتص منها حاملا
فلا شئ عليه إلا المأثم حتى تلقى جنينا، فإن ألقته ضمنه الإمام دون المقتص له. وكان على عاقلته لا بيت
المال، وكذلك لو قضى بأن يقتص منها ثم رجع فلم يبلغ ولى الدم حتى يقتص منها ضمن الإمام جنينها.
قتل الرجل النفر
(قال الشافعي) رحمه الله: إذا قتل رجل نفرا فأتى أولياؤهم جميعا يطلبون القود وتصادقوا على
أنه قتل بعضهم قبل بعض أو قامت بذلك بينة اقتص للذي قتله أولا وكانت الدية في ماله لمن بقي ممن
قتل آخر (قال الشافعي) ولو جاءوا متفرقين أحببت للإمام إذا علم أنه قتل غير الذي جاءه أن يبعث
إلى وليه، فإن طلب القود قتله بمن قتل أولا وإن لم يفعل واقتص منه في قتل آخر أو أوسط أو أول
كرهته له ولا شئ عليه فيه لأن لكلهم عليه القود، وأيهم جاء فأثبت عليه البينة بقتل ولى له فدفعه إليه
فلم يقتله حتى جاء آخر فأثبت عليه البينة بقتل ولى له قتله دفعه إلى ولى المقتول أولا (قال الشافعي) ولو
أثبتوا عليه معا البينة أيهم قتل أولا: فالقول قول القاتل، فإن لم يقر بشئ أحببت للإمام أن يقرع
بينهم أيهم قتل وليه أولا فأيهم خرج سهمه قتله له وأعطى الباقين الديات من ماله. وكذلك لو قتلهم
معا أحببت له أن يقرع بينهم (قال الشافعي) وإذا قتل رجل عمدا وورثته كبار وفيهم صغير أو غائب
وقتل آخر عمدا وورثته بالغون فسألوا القود لم يعطوه وحبس على صغيرهم حتى يبلغ وغائبهم حتى يحضر
فلعل الصغير والغائب يدعان القود فيبطل القود ويعطون ديته في ماله (قال الشافعي) ولو دفعه الإمام
إلى ولى الذي قتل آخرا وترك الذي قتله أولا فقتله كان عندي مسيئا ولا شئ عليهم لأن كلهم استوجب
دمه على الكمال (قال الشافعي) ولو كان قطع يد رجل ورجل آخر وقتل آخر ثم جاءوا يطلبون
القصاص معا اقتص منه اليد والرجل ثم قتل بعده (قال الشافعي) ولو قطع أصبع رجل اليمنى وكف
آخر اليمنى ثم جاءوا معا يطلبون القود أقصصت من الإصبع وخيرت صاحب الكف بين أن أقصه وآخذ
له أرش الإصبع أو آخذ له أرش الكف (قال الشافعي) ولو بدأ فأقصه من الكف أعطى صاحب
23

الإصبع أرشها ولو قطع كفى رجلين اليمنى كان كقتله النفسين يقتص لأيهما جاء أولا وإن جاءا معا
اقتص للمقطوع بديا. وإن اقتص للاخر أخذ الأول دية يده. وهكذا كل ما أصاب مما عليه فيه
القصاص فمات منه بقود أو مرض أو غيره فعليه أرشه في ماله.
الثلاثة يقتلون الرجل يصيبونه بجرح
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر
بن الخطاب رضي الله عنه قتل نفرا خمسة أو سبعة برجل قتلوه قتل غيلة، وقال عمر لو تمالا عليه
أهل صنعاء لقتلتهم جميعا (قال الشافعي) وقد سمعت عددا من المفتين وبلغني عنهم أنهم يقولون إذا
قتل الرجلان أو الثلاثة أو أكثر الرجل عمدا فلوليه قتلهم معا (قال الشافعي) وقد بنيت جميع هذه
المسائل على هذا القول فينبغي - عندي - لمن قال: يقتل الاثنان أو أكثر بالرجل أن يقول فإذا قطع
الاثنان يد رجل معا قطعت أيديهما معا وكذلك أثر من الاثنين وما جاز في الاثنين جاز في المائة
وأكثر. وإنما تقطع أيديهما معا إذا حملا شيئا فضرباه معا ضربه واحدة أو حزاه معا حزا واحدا فأما إن
قطع هذا يده من أعلاها إلى نصفها وهذا يده من أسفلها حتى أبانها فلا تقطع أيديهما ويجز من هذا
بقدر ما حز من يده ومن هذا بقدر ما حز من يده إن كان هذا يستطاع (قال الشافعي) وهذا هكذا في
الجرح والشجة التي يستطاع فيها القصاص وغيرها لا يختلف. ولا يخالف النفس إلا في أنه يكون
الجرح يتبعض والنفس لا تتبعض. فإذا لم يتبعض بأن يكونا جانيين عليه معا جرحا كما وصفت لا
ينفرد أحدهما بشئ منه دون الآخر فهو كالنفس في القياس وإذا تبعض خالف النفس. وإذا ضرب
رجلان أو أكثر رجلا بما يكون في مثله القود فلم يبرح مكانه حتى مات. وذلك أن يجرحوه معا بسيوف
أو زجاج رماح أو نصال نبل أو بشئ صلب محدد يخرق مثله فلم يزل ضمنا من الجراح حتى مات
فلأولياء الدم إن شاءوا أن يقتلوهم معا قتلوهم وإن شاءوا أن يأخذوا منهم الدية فليس عليهم معا إلا دية
واحدة على كل واحد منهم حصته إن كانوا اثنين فعلا كل واحد منهما نصفها وان كانوا ثلاثة فعلى كل
واحد منهم الثلث. وهكذا ان كانوا أكثر وإن أرادوا قتل بعضهم وأخذ الدية من بعض كان ذلك
لهم. وإن أرادوا أخذ الدية أخذوا منه بحساب من قتل معه كأن قتله ثلاثة فقتلوا اثنين وأرادوا أخذ
الدية من واحد فلهم أن يأخذوا منه ثلثها لأن ثلثه بثلثه (3) وإن كانوا عشرة أخذوا منه عشرة وإن كانوا
مائة أخذوا منه جزءا من مائة جزء من ديته ولو قتله ثلاثة فمات واحد منهم كان لهم أن يقتلوا الاثنين
ويأخذوا من مال الميت ثلث دية المقتول. ولو قتل رجل رجلا عمدا وقتله معه صبي أو
رجل معتوه كان لهم أن يقتلوا الرجل ويأخذوا من الصبي والمعتوه أيهما كان القاتل نصف الدية (قال
الشافعي) وهكذا لو أن حرا وعبدا قتلا عبدا عمدا كان على الحر نصف قيمة العبد المقتول وعلى العبد
القتل. وهكذا لو قتل مسلم ونصراني نصرانيا كان على المسلم نصف دية النصراني وعلى النصراني القود
وهكذا لو قتل رجل ابنه وقتله معه أجنبي كان على أبيه نصف ديته والعقوبة وعلى الأجنبي القصاص
إذا كان الضرب في هذه الحالات كلها عمدا (قال الشافعي) وإذا جنى اثنان على رجل عمدا وآخر
خطأ أو بما يكون حكمه حكم الخطأ من أن يضربه بعصا خفيفة أو بحجر خفيف فمات فلا قود فيه
لشرك الخطأ الذي لا قود فيه وفيه الدية على صاحب الخطأ في مال عاقلته وعلى صاحب العمد في
24

أموالهما ولو شهد شهود أن رجلين ضربا رجلا فراغا عنه وتركاه مضطجعا من ضربتهما ثم مر به آخر
فقطعه باثنين، فإن أثبتوا أنه قطعه باثنين وفيه الحياة ولم يدر لعل الضرب قد بلغ به الذبح أو نزع حشوته
لم يكن على واحد منهما قصاص. وكان لأوليائه أن يقسموا على أيهما شاءوا ويلزمه ديته ويعزران معا (قال
الشافعي) وإن لم يثبتوا انه كانت فيه حياة. وقالوا لا ندري لعله كان حيا لم يكن فيه شئ ولا يغرمهما حتى
يقسم أولياؤه فيأخذون ديته من الذين اقسموا عليه فإن قال أولياؤه نقسم عليهما معا قيل إن أقسمتم على جراح
الأولين وقطع الآخر فذلك لكم وان أقسمتم على أنه مات من الضربتين معا لم يكن لكم إذا قطعه الآخر باثنين
أو ذبحه الآخر (قال الشافعي) وإنما أبطلت القصاص أولا أن الضاربين الأولين إذا كانوا بلغوا منه مالا حياة معه
إلا بقية حياة الذكي لم يكن على الآخر عقل ولا قود. وإن كانوا لم يبلغوا ذلك منه فالقود على الآخر وعلى
الأولين الجراح فجعلتها قسامة بدية لأن كلا يجب ذلك عليه ولا أجعل فيها قصاصا لهذا المعنى. ولو
شهد شهود على رجل أنه ضربه بعصا في طرفها حديدة محددة ولم يثبتوا بالحديدة قتله أم بالعصا قتله
فلا قود إذا كانت العصا لو انفردت مما لا قود فيه وفيه الدية بكل حال. وإن حلف أولياؤه أنه مات
بالحديدة فهي حالة في ماله وإن لم يحلفوا فهي في ماله في ثلاث سنين لأنهم أثبتوا القتل فأقله الخطأ
ولا تغرمه العاقلة ولم تقم البينة على أنه خطأ، وإذا قطع الرجل إصبع الرجل ثم جاء آخر فقطع كفه أو
قطع الرجل يد الرجل من مفصل الكوع ثم قطعها آخر من المرفق ثم مات فعليهما معا القود يقطع أصبع
هذا وكف قاطع الكف ويد الرجل من المرفق ثم يقتلان، وسواء قطعا من يد واحدة أو قطعاها من
يدين مفترقتين سواء وسواء كان ذلك بحضرة قطع الأول أو بعده بساعة أو أكثر ما لم تذهب الجناية
الأولى بالبرء لأن باقي ألمها واصل إلى الجسد كله ولو جاز أن يقال ذهبت الجناية الأولى حين كانت
الجناية الآخرة قاطعة باقي المفصل الذي يتصل به وأعظم منها جاز إذا قطع رجل يدي رجل ورجليه
وشجه آخر موضحة فمات أن يقال لا يقاد من صاحب الموضحة بالنفس لأن ألم الجراح الكثيرة قد عم
البدن قبل الموضحة أو بعدها (1) ومن أجاز أن يقتل اثنان بواحد لكان الألم يأتي على بعض البدن دون
بعض حتى يكون رجلان لو قطع كل واحد منهما يد رجل معا فمات لم يقد منهما في النفس لأن ألم كل
واحدة منها في شق يده الذي قطع ولكن الألم يخلص من القليل والكثير ويخلص إلى البدن كله
فيكون من قتل اثنين بواحد يحكم في كل واحد منهما في القود حكمه على قاتل النفس منفردا فإذا أخذ
العقل حكم على كل من جنى عليه جناية صغيرة أو كبيرة على العدد من عقل النفس كأنهم عشرة جنوا
على رجل فمات فعلى كل واحد منهم عشر الدية. فإن قال قائل: أرأيت قول الله عز وجل (كتب
عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر) هل فيه دلالة على أن لا يقتل حران بحر ولا رجل بامرأة؟ قيل
له لم نعلم مخالفا في أن الرجل يقتل بالمرأة فإذا لم يختلف أحد في هذا ففيه دلالة على أن الآية خاصة.
فإن قال قائل: فيم نزلت؟ قيل: أخبرنا معاذ بن موسى عن بكير بن معروف عن مقاتل ابن حيان
قال: قال مقاتل أخذت هذا التفسير من نفر حفظ منهم مجاهد والضحاك والحسن قالوا قوله تعالى
(كتب عليكم القصاص في القتلى) الآية قال كان بدء ذلك في حيين من العرب اقتتلوا قبل الاسلام
بقليل وكان لاحد الحيين فضل على الآخر فأقسموا بالله ليقتلن بالأنثى الذكر وبالعبد منهم الحر فلما
نزلت هذه الآية رضوا وسلموا (قال الشافعي) وما أشبه ما قالوا من هذا بما قالوا لأن الله عز وجل إنما

(1) قوله ومن أجاز الخ، كذا في الأصل ولا تخلو العبارة من تحريف، فحرر. كتبه مصححه.
25

ألزم كل مذنب ولم يجعل جرم أحد على غيره فقال (الحر بالحر)) إذا كان والله أعلم قاتلا له (والعبد
بالعبد) إذا كان قاتلا له (والأنثى بالأنثى) إذا كانت قاتلة لها لا أن يقتل بأحد ممن لم يقتله لفضل
المقتول على القاتل وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (أعتى الناس على الله من قتل غير قاتله)
(قال الشافعي) وما وصفت من أنى لم أعلم مخالفا في أن يقتل الرجل بالمرأة دليل على أن لو كانت هذه
الآية غير خاصة كما قال من وصفت قوله من أهل التفسير لم يقتل ذكر بأنثى ولم يجعل عوام من حفظت
عنه من أهل العلم لا نعلم لهم مخالفا لهذا معناها ولم يقتل الذكر بالأنثى.
قتل الحر بالعبد
(قال الشافعي) رحمه الله: قال الله عز وجل في أهل التوراة (وكتبنا عليهم فيها أن النفس
بالنفس) الآية (قال) ولا يجوز والله أعلم في حكم الله تبارك وتعالى بين أهل التوراة أن كان حكما بينا
إلا ما جاز في قوله (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) ولا يجوز فيها إلا أن
تكون كل نفس محرمة القتل فعلى من قتلها القود فيلزم في هذا أن يقتل المؤمن بالكافر المعاهد والمستأمن
والصبي والمرأة من أهل الحرب والرجل بعبده وعبد غيره مسلما كان أو كافرا والرجل بولده إذا قتله (قال
الشافعي) أو يكون قول الله تبارك وتعالى (ومن قتل مظلوما) ممن دمه مكافئ دم من قتله وكل نفس
كانت تقاد بنفس بدلالة كتاب الله عز وجل أو سنة أو إجماع كما كان قول الله عز وجل (والأنثى
بالأنثى) إذا كانت قاتلة خاصة لا أن ذكرا لا يقتل بأنثى. (قال الشافعي) وهذا أولى معانيه به والله
أعلم. لأن عليه دلائل: منها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقتل مؤمن بكافر) والاجماع على
أن لا يقتل المرء بابنه إذا قتله والاجماع على أن لا يقتل الرجل بعبده ولا بمستأمن من أهل دار الحرب
ولا بامرأة من أهل دار الحرب ولا صبي (قال الشافعي) وكذلك لا يقتل الرجل الحر بالعبد بحال، ولو
قتل حر ذمي عبدا مؤمنا لم يقتل به (قال الشافعي) وعلى الحر إذا قتل العبد قيمته كاملا بالغة ما بلغت
وإن كانت مائة ألف درهم أو ألف دينار كما يكون عليه قيمة متاع له لو استهلكه وبعير له لو قتله وعليه
في العبد إذا قتله عمدا ما وصفت في ماله، وإذا قتله خطأ ما وصفت على عاقلته، وعليه مع قيمتهما معا عتق
رقبة، وكذلك الأمة يقتلها الحر ويقتل الرجل بالمرأة كما تقتل بالرجل وسواء صغيرة كانت أو كبيرة.
قتل الخنثى
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا قتل الرحل الخنثى المشكل عمدا فلأولياء الخنثى القصاص لأنه
لا يعدو أن يكون رجلا أو امرأة فيكون لهم القصاص إذا كان خنثى ولو سألوا الدية قضى لهم بديته على
دية امرأة لأنه ألقين ولم يقض لهم بدية رجل ولا زيادة على دية امرأة لأنه شك (قال الشافعي) ولو
كان الخنثى بينا أنه ذكر قضى لهم بدية رجل (قال الشافعي) للخنثى المشكل من الرجال القصاص
في النفس وفيما دون النفس وإذا طلب الدية فله دية امرأة فإن بان بعد أنه رجل ألحقته بدية رجل
(قال الشافعي) ولو كان أولا يبول من حيث يبول الرجل وكانت علامات الرجل فيه أغلب قضيت له
بدية رجل ثم أشكل فحاض أو جاء منه ما يشكل غرمته الفضل من دية امرأة (قال الربيع) الخنثى
26

المشكل الذي له فرج وذكر إذا بال منهما لم يسبق أحدهما الآخر وانقطاعهما معا، وإذا كان يسبق
أحدهما الآخر فالحكم للذي يسبق، وإن كانا يستبقان معا فكان أحدهما ينقطع قبل الآخر فالحكم
للذي يبقى.
العبد يقتل بالعبد
(قال الشافعي) رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى (والعبد بالعبد) (قال الشافعي) فحكم الله عز
وجل بين العبيد بالقصاص في الآية التي حكم فيها بين الأحرار بالقصاص ولم أعلم في ذلك مخالفا من
أهل العلم في النفس (قال الشافعي) وإذا قتل العبد العبد أو الأمة الأمة أو العبد الأمة أو الأمة العبد
عمدا فهم كالأحرار تقتل الحرة بالحرة والحر بالحرة والحرة بالحر فعليهم القصاص معا (قال الشافعي)
وتقتل الأعبد بالعبد يقتلونه عمدا وكذلك الإماء بالعبد يقتلونه عمدا والقول فيهم كالقول في الأحرار
وأولياء العبيد مالكوهم فيخير مالك العبد المقتول أو الأمة المقتولة بين قتل من قتل عبده من العبيد أو
أخذ قيمة عبده المقتول بالغة ما بلغت من رقبة من قتل عبده فأيهما اختار فهو له، وإذا قتل العبد عمدا
خير سيد العبد المقتول بين القصاص وبين أخذ قيمة عبده وهو ولى دمه دون قرابة لو كانت لعبده لأنه
مالكه فإن شاء القصاص فهو له وإن شاء قيمة عبده بيع العبد القاتل فأعطى المقتول عبده قيمة عبده
ورد فضل إن كان فيها على مالك العبد القاتل وإذا لم يكن به فضل لم يكن ثم شئ يرد عليه فإن نقص
ثمنه عن قيمة العبد المقتول فحق ذهب لسيد العبد المقتول ولا تباعة فيه على رب العبد القاتل (قال
الشافعي) وإن اختار ولى العبد المقتول قتل بعض العبيد وأخذ قيمة عبده من الباقين لم يكن له على
واحد من الباقين من قيمة عبده إلا بقدر عددهم إن كانوا عشرة فله في رقبة كل واحد منهم عشر قيمة
عبده (قال) وإن قتل عبيد عشرة عبدا عمدا خير سيد المقتول بين قتلهم أو أخذ قيمة عبده من رقابهم
فإن اختار قتلهم فذلك له وإن اختار أخذ ثمن عبده فله في رقبة كل منهم عشر قيمة عبده فإن كانوا
ثلاثة فله في رقبة كل واحد منهم ثلث قيمة عبده، وأي العبيد مات قبل ان يقتص منه أو يباع له فلا
سبيل له على سيده وله في الباقين القتل أو أخذ الأرش منهم بقدر عددهم كما وصفت (قال الشافعي)
وإن قتل حر وعبد عبدا فعلى الحر العقوبة ونصف قيمة العبد وللسيد في العبد القصاص أو اتباعه
بنصف قيمة عبده في عنقه كما وصفت، وإذا قتل العبد الحر قتل به ويقاد منه في الجراح إن شاء الحر
وإن شاء ورثته في القتل وهو في الجراح يجرحها عمدا كهو في القتل في أن ذلك في عنق العبد كما
وصفت، وإذا كان العبد بين اثنين فقتله عبد عمده فلا قود حتى يجتمع مالكاه معا على القود وأيهما
شاء أخذ حقه من ثمنه كان للاخر مثله ولا قود له إذا لم يجمع معه شريكه على القود (قال الشافعي)
ولو كان عبد بين رجلين فقتل فأعتقاه أو أحدهما بعد القتل كان على ملكهما قبل يعتقانه لأن العتق لا
يقع على ميت (قال الشافعي) ولو أعتقاه معا في كلمة واحدة أو وكلا من أعتقه وفيه حياة فهو حر
وولاة دمه مواليه إن كان له ورثة أحرار كانوا أولى بميراثه من مواليه (قال
الشافعي) وإذا كان العبد مرهونا فقتله عبد عمدا فلسيده أخذ القود وليس المرتهن بسبيل من دمه لو
عفاه أو أخذه وذلك أن سيده إن أراد القود فهو له وإن أراد أخذ ثمنه أخذه وثمنه رهن مكانه وإن أراد
أن يترك القود وثمنه لم يكن له ذلك ولا أن يدع من ثمنه شيئا إن كان رهنا إلا بأن يقضى المرتهن حقه أو
27

يعطيه مثل ثمنه رهنا مكانه أو يرضى ذلك المرتهن. وإن قتل العبد المرهون أو قتل فسيده ولى دمه وله
أن يقتص له إذا كان مقتولا وإن كره ذلك المرتهن ولا يأخذ بأن يعطيه رهنا مكانه وكذلك إن جنى
العبد المرهون فسيده الخصم ويباع منه في الجناية بقدر أرشها إلا أن يفديه سيده متطوعا فإن فعل فهو
على الرهن، وإن فداه المرتهن فهو متطوع لا يرجع بما فداه به على سيده إلا أن يكون أمره أن يفديه
(قال الشافعي) وإذا قتل العبد المرهون عمدا فلسيده القتل والعفو بلا مال لأنه لا يملك المال بقتل
العمد إلا أن رهنا مكانه (قال الربيع) وللشافعي قول آخر إذا كان العبد مرهونا فقتل عمدا فلسيده
القصاص إن عفا القصاص وجب له مال فليس له أن يعفوه لأن قيمته ثمن لبدنه وليس له أن يتلف
على المرتهن ما كان ثمنا لبدن المرهون (قال الشافعي) فأما المدبر والأمة قد ولدت من سيدها فمماليك
حالهم في جنايتهم والجناية عليهم حال مماليك (قال الشافعي) وإذا جنى على المكاتب فأتى على نفسه
فقد مات رقيقا وهو كعبد الرجل غير مكاتب جنى عليه وإذا جنى عليه فيما دون النفس عمدا فله
القصاص إن جنى عليه عبد وإن أراد ترك القصاص وأخذ المال كان له وإن أراد ترك المال لم يكن له
لأنه ليس بمسلط على ماله تسليط الحر عليه وقد قيل له عفو المال في العمد لأنه لا يملكه إلا أن يشاء
وإذا لم يملك بالجناية قصاصا مثل أن يجنى عليه حر أو عبد مغلوب على عقله أو صغير فليس له عفو
الجناية بحال لأنه مال يملكه وليس له إتلاف ماله (قال الربيع) ولو جنى على العبد المكاتب فيما دون
النفس فلا قصاص.
الحر يقتل العبد
(قال الشافعي) رحمه الله وإذا جنى الحر على العبد عمدا فلا قصاص بينهما فإن أتت الجناية على
نفسه ففيه قيمته في الساعة التي جنى فيها عليه مع وقوع الجناية بالغة ما بلغت وإن كانت ديات أحرار
وقيمته في مال الجاني دون عاقلته وإن جنى عليه خطأ فقيمته على عاقلة الجاني وإذا كانت الجناية على
أمة أو عبد فكذلك والقول في قيمتهم قول الجاني لأنه يغرم ثمنه وعلى السيد البينة بفضل إن ادعاه وإذا
كانت خطأ فالقول في قيمة العبد قول عاقلة الجاني لأنهم يضمنون قيمته فإن قالوا قيمته ألف وقال
القاتل قيمته ألفان ضمنت العاقلة ألفا والقاتل في ماله ألفا لا يسقط عنه ضمان ما أقر أنه جنايته ولا
يلزمهم إقراره إذا أكذبوه ولو جنى عبد على عبد عمدا أو خطأ كان القصاص بين العبدين في العمد ولا
أنظر إلى فضل قيمة أحدهما على الآخر ويخير سيد العبد المجني عليه بالغة ما بلغت والقول في قيمة
العبد المجني عليه قول سيد العبد الجاني ولا أنظر إلى قول العبد الجاني لأن ذلك مأخوذ من رقبته ورقبته
مال من مال سيده وكذلك لو كانت الجناية خطأ كان القول قول سيد الجاني وإذا أقر العبد بأن قيمته
الأكثر لم يلزمه الأكثر في عبوديته وإن عتق لزمه الفضل عما أقر به سيده مما أقر به العبد وهكذا لو كان
الجاني على العبد مدبرا أو أم ولد لا يختلفان هما، والعبد وإن كان الجاني على العبد مكاتبا فبينه وبين
العبد القود فإن اختار سيد العبد ترك القود للمال أو كانت الجناية خطأ فسواء فإن أقر المكاتب بأن قيمة
العبد المجني عليه ألفان وقيمة المكاتب ألفان أو أكثر وقال سيده ألف ففيها قولان أحدهما أن إقراره
موقوف فإن أدى المكاتب ما أقربه من قبل أن يعجز لم يكن للسيد إبطال شئ منه وإن عجز المكاتب
قبل يوفيه فالقول قول السيد في قيمة العبد المجني عليه فإن كان المكاتب أدى من الجناية ما أقر به السيد
28

لم يكن العبد المجني عليه لم يتبع العبد في شئ من جنايته وإذا أعتق اتبع بالفضل وإن أدى فضلا عما
أقربه السيد لم يكن للسيد أن يرجع به على سيد العبد المجني عليه (قال الشافعي) ولو أدى أقل مما أقر
به السيد خير السيد بين أن يفديه بالفضل متطوعا أو يباع من العبد بقدر ما بقي مما أقربه السيد (قال
الربيع) وإذا أدى المكاتب أكثر مما أقر به السيد ثم عجز المكاتب رجع السيد على الذي دفعت إليه
الزيادة على ما أقر به فيأخذه منه ويدفعه إلى المكاتب فيكون في يده كسائر ماله فإذا عتق رجع عليه
فأخذ منه ما أقر به وإن عجز كان المال كله لسيده (قال الشافعي) والقول الثاني أن ذلك لازم
للمكاتب لأنه أقر به وهو يجوز له ما أقربه في ماله ويلزمه لسيده وإن عجز المكاتب بيع المكاتب فيه إن
لم يتطوع بأدائه عنه (قال الشافعي) وإذا قتل المكاتب عبيدا عمدا واحدا بعد واحد فاشتجروا فسيد
العبد الذي قتل أولا أولى بالقصاص ولو دفعه إلى ولى الذي قتل أولا فعفا عنه على مال أو غير مال كان
عليه أن يدفعه إلى ولى الذي قتل عبده بعده فإن عفا عنه دفعه إلى ولى المقتول بعده وهكذا حتى لا
يبقى منهم أحد إلا عفا عنه أو يقتله أحد المدفوع إليهم (قال الشافعي) ولا يكون قضاؤه به للذي قتل
أولا وعفوه عنه مزيلا للقود عنه ممن قتل بعده لأن كلهم يستوجب عليه قتله بمن قتل من أوليائه كما
يكون للقوم على رجل حدود فيعفو بعضهم فيكون للباقين أخذ حدودهم ولكل واحد منهم أخذ حده
لأن حقه غير حق صاحبه وهكذا لو قطع أيمان رجال أو مالهم فيه القصاص في موضع واحد (قال
الشافعي) وإذا قتل الرجل النفر عمدا أو الواحد ثم مات فديات من قتل حالة في ماله بكمالها وإذا قتل
الرجل النفر عمدا ثم ارتد عن الاسلام فقتل أو زنى فرجم فدياتهم في ماله كما وصفت في موته، وإذا
قتل الرجل النفر عمدا فعدا رجل أجنبي على القاتل فقتله عمدا فلأوليائه القود إلا أن يشاءوا أن يعفوا
القود على مال وإن عفوه على مال فالدية مال من مال المقتول يأخذها أولياء الذين قتلوا كما يأخذون
سائر ماله وهم فيه أسوة (قال الشافعي) وإن عفا أولياؤه الدم والمال نظر فإن كان للقاتل مال يخرج
ديات من قتل منهم فعفوهم جائز وإلا لم يجز عفوهم لأنهم حين عفوا الدم صار له بالقتل مال ولا يكون
لهم عفو ماله حتى يؤدوا دينه كله وإذا قتل الرجل النفر ثم ارتد عن الاسلام فجاء أولياء المقتولين يطلبون
النقود استتيب فإن تاب قتل لهم وإن لم يتب قيل لهم إن شئتم أخذتم الديات وتركتم الدم وقتلناه بالردة
وغنمنا ما بقي من ماله فإن فعلوا فذلك لهم وإن تاب بعد ما يأخذون الديات أو يقولون قد عفونا القود
على المال أو لم يتب فسألوا القود لم يكن ذلك لهم إذا تركوه مرة لم يكن لهم أن يرجعوا في تركه (قال
الشافعي) وإذا سألوا القود وامتنعوا من العفو أعطيناهم القود بالذي قتل أولا وجعلنا للباقين الدية وما
فضل من ماله غنم عليه عنه وذلك أن واجبا علينا إعطاء الآدميين القود والقود يأتي على قتله بالقود
والردة، ولو مات مرتدا قاتلا أو قاتلا غير مرتد أعطينا من ماله الدية وبذلك قدمنا في هذا حق الله
تبارك وتعالى في قتل الآدميين على القتل في الردة (قال الشافعي) وهكذا لو زنى وهو محصن وقتل قبل
الزنا أو بعده بدأنا بالقتل، فإن ترك أولياؤه رجم.
جراح النفر الرجل الواحد فيموت
(قال الشافعي) إذا قطع الرجل يد الرجل وقطع آخر رجله وشجه الآخر موضحة وأصابه الآخر
بجائفة وكل ذلك تحديد أو بشئ يحدد فيعمل عمل الحديد فلم يبرأ شئ من جراحته حتى مات فكلهم
29

قاتل وعلى كلهم القود. وكذلك لو جرحه رجل مائة جرح وآخر جرحا واحدا كان عليهما معا القود وكان
لأولياء القتيل أن يجرحوا كل واحد منهما عدد ما جرحه فإن مات وإلا ضربوا عنقه (قال الشافعي) وإن
كان أحدهما جرحه جرحا جائفة غير نافذة أو جائفة نافذة كان فيها قولان: أحدهما أن لولى القتيل أن
يجرحه جائفة غير نافذة أو جائفة نافذة. وإذا كان القصاص بالقتل لم أمنعه أن يصنع هذا ولا آمر في
شئ من هذا ولى القتيل أن يليه بنفسه إنما آمر به من يبصر كيف جرحه فأقول أجرحه كما جرحه فإذا
بقي ضرب العنق خليت بينه بين ولى القتيل وكذلك لو كان أحدهم قطع يده بنصف الذراع لم أمنعه
من ذلك لأنه يقتل مكانه وإنما أمنعه إذا كان جرحا لا يقتل به ولا يكون فيه قصاص. والثاني أن له
أن يصنع به كل ما كان لو جرحه اقتص به منه فيما دون النفس ولا يصنع به ما لو كان جرحه به دون
النفس لم يقتص منه لأنه لعله يدع قتله فيكون قد عذبه وأنه لا يقدر على أن يأتي بمثل ما صنع به في
المواضع التي لا يقتص منها ويقال له القتل يأتي على ذلك. وإذا جرح الثلاثة رجلا جراح عمد
بسلاح وكان ضمنا حتى مات وقد برأت جراح أحدهم ولم تبرأ جراح الباقين فعلى الباقين القصاص ولا
قصاص في النفس على الذي برأت جراحه فعليه القصاص في الجراح إن كان مما يقتص منه أو العقل
وإن كان مما لا يقتص منه فعليه عقل ذلك الجرح بالغا ما بلغ قل ذلك أو كثر وكذلك لو كانت جراحه
تبلغ دية أو أكثر لأنه جاني جراح لم يكن فيها نفس. وإن أدعى أحدهم أنه جرحه مرات وصدقه ورثة
المقتول فهكذا، ولو كذبه القتلة معه لم يقبل تكذيبهم لأنه لو كان قاتلا معهم لم يدرأ عنهم القتل فلا
معنى لتكذيبهموه إذا أراد أولياؤه قتلهم (قال الشافعي) رحمه الله: ولو صدقه أولياء القتيل وكذبه
القتلة معه وقال أولياء القتيل نحن نأخذ الدية كاملة من القاتلين الذين جرحت معهم لم يكن ذلك لهم
إلا أن يقروا أن جراحه قد برأت أو تقوم بينة لأنه إنما يلزمهما ثلثا الدية إذا كان معهما ثالث فإذا برأت
جراحه لزمهما دية كاملة ولا يلزمهما إلا بإقرارهما الدية تامة لأنهما قاتلان دونه أو بينة تقوم على ذلك
فيخرج الثالث من القتل معهما فتكون عليهما (1) ولو جرحه ثلاثة فأقر اثنان أن جراح أحد الثلاثة برأت
ومات من جراحهما وادعى ذلك الجاني الذي أقرا له به وصدقهم أولياء القتل، وأرادوا أخذ الدية من
الاثنين المقرين أن جراح الجارح معهما برأت لم يكن ذلك لهم لأنهم يزعمون أن ليس عليها إلا ثلثا
الدية فبرؤهما مما سواه إذا سأل ذلك القاتلان ولو قتله ثلاثة أحدهم عبدا وأرادوا أخذ الدية كان ثلثها في
رقبة العبد وثلثاها على الحرين وإذا أفلس أحدهما أو كلاهما اتبعوه ولم يكن على عاقلة الأحرار وسيد
العبد من دية العمد شئ يحال. وقد قيل هكذا لو كانت القتلة عمدا وفيهم مجنون أو صبيان أو فيهم
صبي أو قتل رجل ابنه فالدية كلها في أموالهم ليس على عاقلتهم منها شئ. وقد قيل نحمل عاقلة
الصبي والمغلوب على عقله عمده كما يحملون خطأه والله تعالى أعلم، وإذا جرح الرجل الرجل جراحا
كثيرة والآخر جرحا واحدا فأراد أولياؤه القود فهو لهم وإن أرادوا العقل فعلى كل واحد منهما نصف الدية
إذا كانت نفسا فسواء في الغرامة الذي جرح الجراح القليلة والذي جرح الجراح الكثيرة (قال الربيع)
وللشافعي قول آخر لا تحمل العاقلة عمد الصبي وهو في ماله إن كان له مال وإلا فدين عليه.

(1) قوله: ولو جرحه الخ، كذا في الأصل، ولعل في العبارة تحريفا أو سقطا، فانظر. كتبه مصححه.
30

ما يسقط فيه القصاص من العمد
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم عن ابن جريج (قال الربيع) أظنه عن عطاء عن
صفوان بن يعلي بن أمية عن يعلي بن أمية قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة قال وكان يعلى
يقول وكانت تلك الغزوة أوثق عمل في نفسي قال عطاء قال صفوان قال يعلى كان لي أجير فقاتل إنسانا
فعض أحدهما يد الآخر فانتزع المعضوض يده من في العاض فذهبت يعنى إحدى ثنيته فأتى النبي صلى
الله عليه وسلم فأهدر ثنيته قال عطاء وحسبت أنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم (أيدع يده في فيك
فتقضمها كأنها في في فحل يقضمها؟) أخبر ما مسلم بن خالد عن ابن جريج أن ابن أبي مليكة أخبره أن
أباه أخبره أن إنسانا جاء إلى أبي بكر الصديق وعضه إنسان فانتزع يده منه فذهبت ثنيته فقال أبو بكر
بعدت ثنيته (قال الشافعي) وبهذا كله نقول فإذا عض الرجل الرجل فانتزع المعضوض العضو الذي
عض منه يدا أو رجلا أو رأسا من في العاض فأذهبت ثنايا العاض ومات منها أو لم يمت فلا عقل ولا
قود ولا كفارة على المنتزع لأنه لم يكن له العض بحال ولو كان العاض بدأ في جماعة الناس فضرب وظلم
أو بدئ فضرب وظلم كان سواء لأن نفس العض ليس له وإن للمعضوض منع العض فإذا كان له منعه
فلا قود عليه فيما أحدث ما يمنع إذا لم يكن في المنع عدوان (قال الشافعي) ولا عدوان في اخراج
العضو من في العاض ولو رام إخراج العضو من في العاض فامتنع عليه وغلبه إخراجها كان له فك لحييه
بيده الأخرى إن كان عض إحدى يديه وبيديه معا إن كان عض رجله فإن كان عض قفاه فلم تنله
يداه كان له تزع رأسه من فيه فإن لم يقدر على إخراجه فله التحامل عليه برأسه إلى وراء مصعدا أو
منحدرا وإن قدر بيديه فغلبه ضبطا بفيه كان له ضرب فيه بيديه أو بدنه أبدا حتى يرسله فإن ترك شيئا
مما وصفنا له وبعج بطنه بسكين أو فقأ عينه بيديه أو ضربه في بعض جسده ضمن في هذا كله الجناية
لأن هذا ليس له ولا يضمن فيما له أن يفعله وإن أتى ذلك على هدم فيه كله وكانت منه منيته (قال
الشافعي) وما أصاب به العاض المعضوض من جرح فصار نفسا أو صار جرحا عظيما ضمنه كله لأنه
متعد.
الرجل يجد مع امرأته رجلا فيقتله أو يدخل عليه بيته فيقتله
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي
هريرة أن سعدا قال يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أ أمهله حتى آتي بأربعة شهداء
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى
بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن رجلا من أهل الشام يقال له ابن خيبري وجد مع امرأته رجلا
فقتله، أو قتلهما فأشكل على معاوية القضاء فيه فكتب معاوية إلى أبى موسى الأشعري يسأل له علي بن أبي
طالب عن ذلك فسأل أبو موسى عن ذلك علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقال له على إن هذا
الشئ ما هو بأرضنا عزمت عليك لتخبرني فقال له أبو موسى كتب إلى في ذلك معاوية فقال على أنا أبو
حسن إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته (قال الشافعي) رحمه الله: وبهذا نقول فإذا وجد الرجل
مع امرأته رجلا فادعى أنه ينال منها ما يوجب الحد وهما ثيبان معا فقتلهما أو أحدهما لم يصدق وكان
31

عليه القود أيهما قتل إلا أن يشاء أولياؤه أخذ الدية أو العفو (قال الشافعي) ولو ادعى على أولياء المقتول
منهما أنهم علموه قد نال منها ما يوجب عليه القتل إن كان الرجل أو نيل من المرأة إن كانت المرأة
المقتولة كان على أيهما ادعى ذلك عليه أن يحلف ما علم فإن حلف فله القود وإن لم يحلف حلف القاتل
وبرئ من القود والعقل (قال الشافعي) ولو كان للرجل وليان فادعى عليهما العلم فحلف أحدهما ما علم
ونكل الآخر عن اليمين وحلف القاتل أنه زنى بامرأته ووصف الزنا الذي يوجب الحد فكان بينا فلا قود
عليه، وعليه نصف الدية حالة في ماله للذي حلف ما علم (قال الشافعي) ولو كان له وليان صغير
وكبير فحلف الكبير ما علم لم يقتل حتى يبلغ الصغير فيحلف أو يموت فتقوم ورثته مقامه إن شاء الكبير
أخذ نصف الدية فإن أخذها أخذ للصغير نصف الدية ثم ينتظر به أن يحلف فإذا كبر حلف فإن لم يحلف
وحلف القاتل رد ما أخذ له، ولو أقر أولياء المقتول منهما أنه كان معها في الثوب وتحرك تحرك المجامع
وأنزل ولم يقروا بما يوجب الحد لم يسقط عنه القود (قال الشافعي) ولو أقروا بما يوجب الحد وكان
المقتول بكرا بدعوى أوليائه إخوته أو ابنه فادعى القاتل أنه ثيب فالقول قول أوليائه وعلى القاتل القود
لأنه ليس عليه البكر قتل في الزنا فإن جاء ببينة أنه كان ثيبا سقط عنه العقل والقود (قال الشافعي)
رحمه الله: ويسعه فيما بينه وبين الله عز وجل قتل الرجل وامرأته إذا كانا ثيبين وعلم أنه قد نال منها ما
يوجب القتل ولا يصدق بقوله فيما يسقط عنه القود وهكذا لو وجده يتلوط بابنه أو يزنى بجاريته لا
يختلف، ولا يسقط عنه القود والعقل (والقود في القتل) إلا بأن يفعل ما يحل دمه. ولا يحل دمه وأن
يعمد قتله إلا بكفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس. ولو أن رجلا وجد مع امرأته
رجلا ينال منها ما يحد به الزاني فقتلهما والرجل ثيب والمرأة غير ثيب فلا شئ في الرجل و عليه القود في
المرأة، ولو كان الرجل غير ثيب والمرأة ثيبا كان عليه في الرجل القود ولا شئ عليه في المرأة.
الرجل يحبس للرجل حتى يقتله
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا حبس الرجل للرجل رجلا أي حبس ما كان بكتاف أو ربط
اليدين أو إمساكهما أو اضجاعه له ورفع لحيته عن حلقه فقتله الاخر قتل به القاتل ولا قتل على الذي
حبسه ولا عقل ويعزر ويحبس لأن هذا لم يقتل وإنما يحكم بالقتل على القاتلين وهذا غير قاتل.
منع الرجل نفسه وحريمه
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن
عوف عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من قتل دون ماله
فهو شهيد) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن بعض أهله عن
عبد الله بن عمرو بن العاص أن معاوية أو بعض الولاة بعث إلى الوهط (1) ليقبضه فلبس عبد الله بن

(1) الوهط: بفتح فسكون، مال كان لعبد الله بن عمرو بن العاص بالطائف، كذا في اللسان. كتبه مصححه.
32

عمرو السلاح وجمع من أطاعه وجلس على بابه فقيل له أتقاتل؟ فقال وما يمنعني أن أقاتل وقد سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من قتل دون ماله فهو شهيد؟) (قال الشافعي) فمن أريد ماله في
مصرفيه غوث أو صحراء لا غوث فيها أو أريد وحريمه في واحد منهما فالاختيار له أن يكلم من يريده
ويستغيث فإن منع أو امتنع لم يكن له قتاله وإن أبى أن يمتنع من أراد ماله أو قتله أو قتل بعض أهله أو
دخولا على حريمه أو قتل الحامية حتى يدخل الحريم أو يأخذ من المال أو يريده الإرادة التي يخاف المرء
أن يناله أو بعض أهله فيها بجناية فله أن يدفعه عن نفسه وعن كل ماله دفعه عن نفسه فإن لم يندفع عنه
ولم يقدر على الامتناع منه إلا بضربه بيد أو عصا أو سلاح حديد أو غيره فله ضربه وليس له عمد
قتله، وإذا كان له ضربه فإن أتى الضرب على نفسه فلا عقل فيه ولا قود ولا كفارة (قال الشافعي)
وإن ضربه ضربة أو لم يضربه حتى رجع عنه تاركا لقتاله لم يكن له أن يعود عليه بضرب (قال
الشافعي) وإن قاتله وهو مول مثل أن يكون يرميه أو يطعنه أو يوهقه كان له عند توهيقه إياه أو انحرافه
لرميه ضربة ورميه ولم يكن له بعد تركه ذلك ضربه ولا رميه (قال الشافعي) وإن أراده وهو
في الطريق وبينهما نهر أو خندق أو جدار أو ما لا يصل معه إليه لم يكن له
ضربه ولا يكون له ضربه حتى يكون بارزا له مريدا له. فإذا كان بارزا له مريدا له كان له ضربه حينئذ
إذا لم ير أنه يدفعه عنه إلا بالضرب (قال الشافعي) وإن كان له مريدا فانكسرت يد المريد أو رجله
حتى يصير ممن لا يقدر عليه لم يكن له ضربه لأن الإرادة لا تحل ضربه إلا بأن يكون مثله يطيق
الضرب فأما إذا صار إلى حال لا يقوى على ضرب المراد فيها لم يكن للمراد ضربه (قال الشافعي) وإذا
كان المراد في جبل أو حصن أو خندق فأراده رجل لا يصل إليه بضرب لم يكن له ضربه فإن رماه
الرجل. ومثل الرمي يصل إليه لقربه منه كان له رميه وضربه، وإن برز الرجل من الحصن حتى يصير
الرجل يقدر على ضربه بحال فأراده فله ضربه في هذه الحال (قال الشافعي) وسواء فيما يحل بالإرادة
وأن يكون يبلغ الضرب والرمي معها ويحرم من المسلم والذمي والمعتوه والمرأة والصبي والجمل الصؤل
والدابة الصؤلة وغيرها لأنه إنما يحل ضربه لأن يقتل المراد أو يجرحه فكل هؤلاء سواء فيما يحل منه
بالإرادة إذا كان المريد يقدر على القتل وللمراد أن يبدر المريد بالضرب (قال الشافعي) إذا أقبل الرجل
بالسيف أو غيره من السلاح إلى الرجل فإنما له ضربه على ما يقع في نفسه فإن وقع في نفسه أنه يضربه
وإن لم يبدأه المقبل إليه بالضرب فليضربه. وإن لم يقع في نفسه ذلك لم يكن له ضربه وكان له القود
فيما نال منه بالضرب أو الأرش، وإذا أبحت للرجل دم رجل أو ضربه فمات مما أبحت له فلا عقل ولا
قود ولا كفارة، وإذا قلت ليس له رميه ولا ضربه فعليه القود والعقل والكفارة فيما نال منه (قال
الشافعي) رحمه الله: ولو عرض له فضربه وله الضرب ضربة ثم ولى أو جرح فسقط ثم عاد فضربه
أخرى فمات منهما ضمن نصف الدية في ماله والكفارة لأنه مات من ضرب مباح وضرب ممنوع (قال
الشافعي) ولو ضربه مقبلا فقطع يده اليمنى ثم ضربه موليا فقطع يده اليسرى ثم برأ منهما فله القود في
اليسرى واليمنى هدر ولو مات منهما فأراد ورثته الدية فلهم نصف الدية (قال الشافعي) ولو أقبل بعد
التولية فقطع رجله ثم مات ضمن ثلث الدية لأنه مات من جراحة متقدمة مباحة. وثانية غير مباحة.
وثالثة مباحة فلما تفرق حكم جنايته فرقت بينه وجعلته كجناية ثلاثة، ولو جرحه أولا وهو مباح
جراحات ثم ولى فجرحه جراحات كانت جنايتين مات منهما فسواء قليل الجراح في الحال الواحدة
وكثيرها فعليه نصف الدية. فإن عاد فأقبل فجرحه جراحة قليلة أو كثيرة فمات فعليه ثلث الدية كما قلت
33

أولا (قال الشافعي) رحمه الله: وما أصاب المريد لنفس الرجل أو ماله أو حريمه من الرجل في إقباله
أو ناله به في توليته عنه سواء لأنه ظالم لذلك كله فعليه القود فيما فيه القود والعقل فيما فيه العقل من ذلك
كله. فإن كان المريد معتوها أو ممن لا قود عليه فلا قود عليه وفما أصاب العقل وإن كان المريد بهيمة في
نهار فلا شئ على مالكها كانت مما يصول ويعقر أو مما لا يصول ولا يعقر بحال إذا لم يكن معها قائد أو سائق أو
راكب.
التعدي في الاطلاع ودخول المنزل
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لو أن امرءا أطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت
عينه ما كان عليك من جناح) أخبرنا سفيان قال حدثنا الزهري قال سمعت سهل بن سعد يقول اطلع
رجل من جحر في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي عليه الصلاة والسلام مدرى يحك به رأسه
فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينيك إنما جعل الاستئذان من أجل
البصر) أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان في بيته رأى رجلا اطلع عليه فأهوى إليه بمشقص كان في يده كأنه لو لم يتأخر لم يبال أن
يطعنه (قال الشافعي) رحمه الله: فلو أن رجلا عمد أن يأتي نقبا أو كوة أو جوبة في منزل رجل يطلع
على حرمه من النساء كان ذلك المطلع من منزل المطلع أو من منزل لغيره أو طريق أو رحبة فكل ذلك
سواء وهو آثم يعمد الاطلاع. ولو أن الرجل المطلع عليه خذفه بحصاة أو وخزة بعود صغير أو. مدري أو
ما يعمل عمله في أن لا يكون له جرح يخاف قتله وإن كان قد يذهب البصر لم يكن عليه عقل ولا قود فيما
ينال من هذا وما أشبهه ولو مات المطلع من ذلك لم يكن عليه كفارة ولا إثم إن شاء الله تعالى ما كان
المطلع مقيما على الاطلاع غير ممتنع من النزوع فإذا نزع عن الاطلاع لم يكن له أن يناله بشئ وما ناله
به فعليه فيه قود أو عقل إذا كان فيه عقل ولو طعنه عند أول اطلاعه بحديدة تجرح الجرح الذي يقتل أو
رماه بحجر يقتل مثله كان عليه القود فيما فيه القود لأنه إنما أذن له الذي يناله بالشئ الخفيف الذي
يردع بصره لا يقتل نفسه (قال الشافعي) ولو ثبت مطلعا لا يمتنع من الرجوع بعد مسألته أن يرجع أو
بعد رميه بالشئ الخفيف استغاث عليه، فإن لم يكن في موضع غوث أحببت أن ينشده فإن لم يمتنع
في موضع الغوث وغيره من النزوع عن الاطلاع فله أن يضربه بالسلاح وأن يناله بما يردعه. فإن جاء
ذلك على نفسه أو جرحه فلا عقل ولا قود ولا يجاوز بما يرميه به ما أمرته به أولا حتى يمتنع فإذا لم يمتنع
ناله بالحديد وغيره لأن هذا مكان يرى ما لا يحل له (قال الشافعي) ولو لم ينل هذا منه كان للسلطان
أن يعاقبه ولو أنه أخطأ في الاطلاع لم يكن للرجل أن يناله بشئ إذا اطلع فنزع من الاطلاع أو رآه
مطلعا فقال ما عمدت ولا رأيت وإن ناله قبل أن ينزع بشئ فقال ما عمدت ولا رأيت لم يكن عليه
شئ لأن الاطلاع ظاهر ولا يعلم ما في قلبه ولو كان أعمى فناله بشئ ضمنه لأن الأعمى لا يبصر
بالاطلاع شيئا ولو كان المطلع ذا محرم من نساء المطلع عليه لم يكن له أن يناله بشئ بحال ولم يكن له
أن يطلع لأنه لا يدري لعله يرى منهم عورة ليست له رؤيتها. وان ناله بشئ في الاطلاع ضمنه عقلا
وقودا إلا أن يطلع على امرأة منهم متجردة فيقال له فلا ينزع فيكون له حينئذ فيه ما يكون له في
الأجنبيين إذا اطلعوا (قال الشافعي) رحمه الله وإنما فرقت بين المطلع أول ما يطلع وبين المريد مال
34

الرجل أو نفسه بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن البصر قد يمتنع منه بالتواري عنه بالستر
وليس كذلك الرجل يصحر للرجل فيخاف قتله وأبحت ردع البصر بالحصاة وما أشبهها بما حكيت من
الخبر وبأن المبصر للعورة متعد وعليه الرجوع من التعدي ألا ترى أن الرجل يلقي الرجل فيقدر المراد على
أن يهرب على قدميه من المريد فأجعل له أن يثبت ولا يهرب وأن يدفع إرادته عن نفسه بالضرب
بالسلاح وغيره وإن أتى ذلك على نفس المدفوع (قال الشافعي) وإذا دخل الرجل منزل الرجل ليلا أو
نهارا بسلاح فأمره بالخروج فلم يخرج فله أن يضربه وان أتى الضرب على نفسه، فإذا ولى راجعا لم
يكن له ضربه (قال الشافعي) وكذلك إذا دخل فسطاطه في بادية وفيه حرمه أو لا حرم له فيه أو
خزانته وإن لم يكن له فيها حرمة إذا رأى أنه يريد ماله أو نفسه أو الفسق، وهكذا إن أراد دخول منزله
أو كابره عليه (قال الشافعي) وسواء كان الداخل يعرف بسرقة أو فسق أو لا يعرف به (قال) ولا
يصدق على ذلك القاتل إن قتل ولا الجارح إن جرح إلا ببينة يقيمها فإن لم يقم بينة أعطى منه القود
ولو جاء ببينة فشهدوا أنهم رأوا هذا مقبلا إلى هذا بسلاح شاهره ولم يزيدوا على ذلك فضربه هذا فقتله
أهدرته ولو أنهم رأوه داخلا داره ولم يذكروا معه سلاحا أو ذكروا سلاحا غير شاهره فقتله أقدت منه لا
أطرح القود إلا بمكابرته على دخول الدار وأن يشهر عليه سلاح وتقوم بذلك بينة (قال الشافعي) ولو
شهدوا أنهم رأوا هذا مقبلا إلى هذا في صحراء لا سلاح معه فقتله الرجل أقدته به لأنه قد يقبل
الاقبال غير المخوف مريدا له ولا دلالة على أنه أقبل إليه الاقبال المخوف فأي سلاح شهدوا أنه أقبل به
إليه العصا أو وهق أو قوس أو سيف أو غيره ثم قتله وهو مقبل إليه شاهره أهدرته (قال الشافعي) ولو
شهدوا أنه أقبل إليه صحراء بسلاح فضربه فقطع يدي الذي أريد ثم ولى عنه فأدركه فذبحه أقدته منه
وضمنت المقتول دية يدي القاتل ولو ضربه ضربة في إقباله وضربة أخرى في إدباره فمات لم يكن فيه
قود وجعلت عليه نصف الدية لأني جعلته ميتا من الضربة التي كانت مباحة والضربة التي كانت ممنوعة
فلا قود عليه وعليه نصف الدية (قال الشافعي) وإذا لقي القوم القوم ليأخذوا أموالهم أو غشوهم في
حريمهم فتصافوا فقتل المظلومون فمن قتلوا هدر ومن قتل الظالمون لزمهم فيه القود والعقل وما ذهبوا به لهم
لا يسقط عن الظالمين شئ نالوه حتى يحكم عليه فيه حكمه (قال الشافعي) ولو كان مع الظالمين قوم
مستكرهون أو أسرى فاقتتلوا فقتل المستكرهون بضرب أو رمى لم يعمدوا به أو عمدوا وهم لا يعرفون
مكرهين فلا عقل ولا قود على المظلومين الذين نالوهم وعليهم فيهم الكفارة لأنهم في معنى المسلمين
ببلاد العدو ينالون (قال الشافعي) ومن عمدهم وهو يعرف أنهم مستكرهون أو أسرى فعليه فيهم القود
إن نال منهم ما فيه القود والعقل إن نال منهم ما فيه العقل لا يبطل ذلك عنه إلا بأن يجهل حالهم أو
يعرفهم فيصيبهم منه في القتال ما لا يعمدهم به خاصة أو يعمد الجمع الذين هم فيه أو يشهر عليه
سلاحا فيضربه فيقتله (قال الشافعي) وإذا كان الزحفان ظالمين مثل أن يقتتلوا على نهب أو عصبية
ويغشى بعضهم بعضا في حريمه فلا يسقط عن واحد من الفريقين فيما أصاب من صاحبه عقل ولا قود
إلا أن يقف رجل فيعمده رجل بضرب فيدفعه عن نفسه فإن له دفعه عنها وما قلت إن للرجل فيه أن
يضرب المريد على ما يقع في نفسه إذا كان المريد مقبلا إليه فالقول قول المراد مع يمينه كان المراد شجاعا
أو جبانا أو المريد مأمونا أو مخوفا (قال الشافعي) وإذا غشى القوم القوم في حريمهم أو غير حريمهم
ليقاتلوهم فدفع المغشيون عن أنفسهم فما أصابوا منهم ما كانوا مقبلين فهو هدر وما أصاب منهم الغاشون
لزمهم حكمه عقلا وقودا.
35

ما جاء في الرجل يقتل ابنه
(أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب
أن رجلا من بنى مدلج يقال له قتادة حذف ابنه بسيف فأصاب ساقه فنزى في جرحه فمات فقدم به
سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر ذلك له فقال أعدد على ماء قديد عشرين
ومائة بعير حتى أقدم عليك فلما قدم عمر أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة
ثم قال أين أخو المقتول؟ فقال ها أنا ذا قال خذها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ليس لقاتل
شئ) (قال الشافعي) وقد حفظت عن عدد من أهل العلم لقيتهم أن لا يقتل الوالد بالولد وبذلك
أقول (قال الشافعي) وإذا قالوا هكذا فكذلك الجد أبو الأب والجد أبعد منه لأن كلهم والده (قال
الشافعي) وكذلك الجد أبو الأم والذي أبعد منه لأن كلهم والده (قال) وكذلك لا نقص منهم في
جرح نالوه به وهكذا (1) إذا قتل الولد الوالد قتل به، وكذلك إذا قتل أمه، وكذلك إذا قتل اي
أجداده أو جداته كان من قبل أبيه أو أمه قتل بها إلا أن يشاء أولياء المقتول منهم أن يعفوا، وإذا كان
الابن قاتلا خرج من الولاية ولورثة أبيه غيره أن يقتلوه، وكذلك لا أقيد الولد من الوالد في جراح دون
النفس (قال الشافعي) وعلى أبى الرجل إذا قتل ابنه ديته مغلظة في ماله والعقوبة وديته مائة من الإبل
ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة إن جاء ثنياتها كلها أو بزل أو
ما بين ذلك قبل منه ولا يقبل منه دون ثنية ولا فوق خلفة إلا أن يشاء ذلك ورثة المقتول ولا يقبل منه
فيها بازل أكثر من سنة (قال الشافعي) ولا يرث القاتل من دية المقتول ولا من ماله شيئا قتله عمدا أو
خطأ (قال الشافعي) وإذا كان الأب عبدا والابن حرا فقتله الأب لم يقتل به وكانت ديته في عنقه،
وكذلك لو كان الابن عبدا (قال الشافعي) وإذا قتل الولد الوالد أقيد منه، وكذلك إذا جرحه أقيد منه
إذا كان دماهما متكافئين. فإن كان الولد القاتل حرا والأب عبدا فديته في ماله ويعاقب أكثر من عقوبة
الذي قتل الأجنبي (قال) ويقاد الرجل من عمه وخاله لأنهما ليسا في معاني الوالدين فإنما يقال لهما
والدان بمعنى قرابتهما من الوالدين (قال الشافعي) ويقاد الرجل من ابنه من الرضاعة وليس كابنه من
النسب (قال) وإذا تداعى الرجلان ولدا فقتله أحدهما قبل يبلغ فينتسب إلى أحدهما أو يراه القافة
درأت عنه القود للشبهة جعلت الدية في ماله، وكذلك لو قتلاه جميعا (قال) وإذا أكذبا أنفسهما إذا
كانا قاتلين بالدعوة لم أقتلهما لأني ألزمه أحدهما وإن أكذب أحدهما نفسه بالدعوة قتلته به لأن ثم أبا
أنسبه إليه إذا كان قبل يختاره أو يلحقه القافة بأحدهما وإذا قتل الرجل امرأة له منها ولد لم يقتل بها
وليس لابنه أن يقتله قودا ولا لاحد مع ابنه ذلك فيه فإذا لم يقتل بابنه قودا لم يقتل بقود يقع لابنه
بعضه، وكذلك لو كان ابنه حيا يوم قتلها ثم مات ثم طلب ورثة ابنها القود لم يقد منه لشرك ابنه كان
في الدم، ولو قتل رجل عمه أو مولاه وهو وارثه كان عليه القود.
قتل المسلم ببلاد الحرب
(قال الشافعي) رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل

(1) قوله: وهكذا إذا قتل الخ، هكذا في الأصل، ولعل " وهكذا " من تتمة ما قبله وأول الكلام إذا الخ
كتبه مصححه.
36

مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) الآية (قال الشافعي) قوله من قوم يعني في قوم عدو لكم (قال
الشافعي) وأخبرنا مروان بن معاوية الفزاري عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال لجأ
قوم إلى خثعم فلما غشيهم المسلمون استعصموا بالسجود فقتلوا بعضهم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم
فقال (أعطوهم نصف العقل لصلاتهم) ثم قال عند ذلك (ألا إني برئ من كل مسلم مع مشرك)
قالوا يا رسول الله لم؟ قال (لا تتراءى ناراهما) (قال الشافعي) إن كان هذا يثبت فأحسب النبي صلى
الله عليه وسلم أعطى من أعطى منهم متطوعا وأعلمهم أنه برئ من كل مسلم مع مشرك والله أعلم في
دار الشرك ليعلمهم أن لا ديات لهم ولا قود وقد يكون هذا قبل نزول الآية فنزلت الآية بعد ويكون إنما
قال إني برئ كل من كل مسلم مع مشرك بنزول الآية (قال الشافعي) وفي التنزيل كفاية عن التأويل
لأن الله عز وجل إذ حكم في الآية الأولى في المؤمن يقتل خطأ بالدية والكفارة وحكم بمثل ذلك في
الآية بعدها في الذي بيننا وبينه ميثاق وقال بين هذين الحكمين (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن
فتحرير رقبة مؤمنة) ولم يذكر دية ولم تحتمل الآية معنى إلا أن يكون قوله (من قوم) يعني في قوم عدو
لنا دارهم دار حرب مباحة فلما كانت مباحة وكان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن إذا بلغت
الناس الدعوة أن يغير عليهم غارين كان في ذلك دليل على أنه لا يبيح الغارة على دار وفيها من له إن
قتل عقل أو قود فكان هذا حكم الله عز ذكره (قال الشافعي) ولا يجوز أن يقال لرجل من قوم عدو
لكم إلا في قوم عدونا. وذلك أن عامة المهاجرين كانوا من قريش وقريش عامة أهل مكة وقريش
عدو لنا وكذلك كانوا من طوائف العرب والعجم وقبائلهم أعداء للمسلمين (قال الشافعي) وإذا دخل
مسلم في دار حرب ثم قتله مسلم فعليه تحرير رقبة مؤمنة ولا عقل له إذا قتله وهو لا يعرفه بعينه مسلما،
وكذلك أن يغير فيقتل من لقي أو يلقى منفردا بهيئة المشركين في دارهم فيقتله وكذلك إن قتله في سرية
منهم أو طريق من طرقهم التي يلقون بها فكل هذا عمد خطأ يلزمه اسم الخطأ لأنه خطأ بأنه لم يعمد
قتله وهو مسلم وإن كان عمدا بالقتل (قال الشافعي) وهكذا لو قتله أسيرا أو محبوسا أو نائما أو بهيئة لا
تشبه هيئة أهل الشرك وتشبه هيئة أهل الاسلام لأن المشرك قد يتهيأ بهيئة المسلم والمسلم بهيئة المشرك
ببلاد الشرك وكان القول فيه قوله فإن كان للمسلم المقتول ولاة فادعوا أنه قتله وهو يعلمه مسلما أحلف
فإن حلف برئ وان نكل حلفوا خمسين يمينا لقد قتله وهو يعلمه مسلما وكان لهم القود إن كان قتله
عامدا لقتله وإن كان أراد غيره وأصابه فعلى عاقلته الدية وعليه الكفارة (قال الشافعي) وهكذا كل من
قتله وهو يعلمه مسلما منهم أو أسيرا فيهم أو مستأمنا عندهم لتجارة أو رسالة أو غير ذلك فعليه في العمد
القود وفي الخطأ الكفارة وعلى عاقلته الدية، وكذلك في الاسرى يقتل بعضهم بعضا ويجرح بعضهم
بعضا يقتل بعضهم لبعض ويقتص لبعضهم من بعض من الجراح، وكذلك تقام الحدود عليهم فيما
أتوا إذا كانوا أسلموا وهم يعرفون ما عليهم ولهم من حلال وحرام أو كانوا مستأمنين يؤخذ لبعضهم من
بعض الحقوق في الأموال إذا أسلموا وإن لم يعلموا ما عليهم ولهم (قال الشافعي) وإذا أسلم القوم ببلاد
الحرب فأصابوا حد الله تبارك وتعالى فادعوا الجهالة لم يقم عليهم وإذا علموا فعادوا أقيم عليهم و إذا
وصف الحربي الايمان ولم يبلغ أو وصفه وهو مغلوب على عقله فلقيه بعد إيمانه مسلم فقتله وهو يعلم
صفته للايمان لم يقد منه لأنه لا يكون بهذا ممن له كمال الايمان وحكم الايمان حتى يصفه بالغا غير
مغلوب على عقله (قال الشافعي) وإذا أسلم الحربي وله ولد صغار وأمهم كافرة أو أسلمت أمهم وهو
كافر فللولد حكم الايمان بأي الأبوين أسلم فيقاد قاتله ويكون له دية مسلم ولا يعذر أحد إن قال لم
37

أعلمه يكون له حكم الاسلام إلا بإسلام أبويه معا (قال الشافعي) ولو أغار المسلمون على المشركين أو
لقوهم بلا غارة أو أغار عليهم المشركون فاختلطوا في القتال فقتل بعض المسلمين بعضا أو جرحه فادعى
القاتل أنه لم يعرف المقتول أو المجروح فالقول قوله مع يمينه فلا قود عليه وعليه الكفارة ويدفع إلى أولياء
المقتول ديته (قال الشافعي) ولو كان المسلمون صفا والمشركون صفا لم يتحاملوا فقتل مسلم مسلما في
صف المسلمين فقال ظننته مشركا لم يقبل منه إنما يقبل منه إذا كان الأغلب أن ما ادعى كما ادعى (قال
الشافعي) ولو قيل لمسلم قد حمل المشركون علينا أو حمل منهم واحد أو رأوا أو أحدا قد حمل فقتل
مسلما في صف المسلمين وقال ظننته الذي حمل أو بعض من حمل قبل قوله مع يمينه وكانت عليه الدية
(قال الشافعي) ولو قتله في صف المشركين فقال قد علمت أنه مؤمن فعمدته قتل به (قال) ولو حمل
مسلم على مشرك فاستتر منه بالمسلم فعمد المسلم قتل المسلم كان عليه القود، ولو قال عمدت قتل المشرك
فأخطأت بالمسلم كانت عليه الدية (قال) ولو قال لم أعرفه مسلما لم يكن عليه عقل ولا قود وكانت عليه
الكفارة (قال الشافعي) ولو كان الكافر الحامل على مسلم أو كان المسلم ملتحما فضربه وهو متترس بمسلم
وقال عمدت الكافر كان هكذا، ولو قال عمدت المؤمن كان عليه القود لأنه ليس له عمد المؤمن في
حال (قال الشافعي) ولو كان لا يمكنه ضرب الكافر إلا بضربه المسلم بحال فضرب المسلم فقتله وهو
يعرفه وقال أردت الكافر أقيد بالمسلم ولم يقبل قوله أردت الكافر إذا لم يمكنه الإرادة إلا بأن يقع
الضرب بالمسلم (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مطرف عن معمر بن راشد عن
الزهري عن عروة بن الزبير. قال: كان اليمان أبو حذيفة بن اليمان شيخا كبيرا فوقع في الآطام مع
النساء يوم أحد فخرج يتعرض الشهادة فجاء من ناحية المشركين فابتدره المسلمون فتوشقوه بأسيافهم
وحذيفة يقول أبى أبى فلا يسمعونه من شغل الحرب حتى قتلوه فقال حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم
الراحمين فقضى النبي صلى الله عليه وسلم فيه بديته.
ما قتل أهل دار الحرب من المسلمين فأصابوا من أموالهم
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله: وما نال أهل دار الحرب من المشركين من قتل
مسلم أو معاهد أو مستأمن أو جرح أو مال لم يضمنوا منه شيئا إلا أن يوجد مال لمسلم أو مستأمن في
أيديهم فيؤخذ منهم أسلموا عليه أو لم يسلموا، وكذلك إن قتلوا وحدانا أو جماعة أو دخل رجل منهم
داخل بلاد الاسلام مستترا أو مكابرا لم يتبع إذا أسلم بما أصاب ولم يكن لولى القتيل عليه قصاص ولا
أرش ولا يتبع أهل دار الحرب من المشركين بغرم مال ولا غيره إلا ما وصفت من أن يوجد عند أحد
منهم مال رجل بعينه فيؤخذ منه. فإن قال قائل: ما دل على ما وصفت؟ قيل: قال الله عز وجل
(قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) وما قد سلف تقضي وذهب ودلت السنة عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم على أنه يطرح عنهم ما بينهم وبين الله عز ذكره والعباد وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم (الايمان يجب ما كان قبله) وقال الله تبارك وتعالى (وذروا ما بقي من الربا) ولم يأمرهم برد ما
مضى منه وقتل وحشى حمزة فأسلم فلم يقد منه ولم يتبع له بعقل ولم يؤمر له بكفارة لطرح الاسلام ما
فات في الشرك وكذلك إن أصابه بجرح لأن الله عز وجل قد أمر بقتال المشركين الذين كفروا من أهل
الأوثان (حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) وقال عز وجل (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) إلى قوله
38

(وهم صاغرون) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله
فإذا قالوها فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) يعنى بما أحدثوا بعد
الاسلام لأنهم يلزمهم لو كفروا بعد الاسلام القتل والحدود ولا يلزمهم ما مضى قبله (قال الشافعي)
وهكذا كل ما أصاب لهم مسلم أو معاهد من دم أو مال قبل الاسلام والعهد فهو هدر ولو وجدوا مالا
لهم في يدي رجل لم يكن لهم أخذه ولو تحول رجل منهم أحدا قبل الاسلام لم يكن له الخروج من
يديه لأن دماءهم وأموالهم مباحة قبل الاسلام أو العهد لهم وهم مخالفون أهل الاسلام فيما وجد في
أيديهم لمسلم بعد إسلامهم لأن ذلك يؤخذ منهم بعد إسلامهم لأن الله عز وجل قضى في رد الربا برد
ما بقي منه ولم يقض برد ما قبض فهلك في الشرك (قال الشافعي) وما أصاب الحربي المستأمن أو الذمي
لمسلم أو معاهد من دم أو مال اتبع به لأنه كان ممنوعا أن ينال أو ينال منه.
ما أصاب المسلمون في يد أهل الردة من متاع المسلمين
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا أسلم القوم ثم ارتدوا عن الاسلام في دار الاسلام وهم مقهورون
أو قاهرون في موضعهم الذي الذي ارتدوا فيه وادعوا نبوة رجل تبعوه عليها أو رجعوا إلى يهودية أو
نصرانية أو مجوسية أو تعطيل أو غير ذلك من أصناف الكفر فسواء ذلك كله وعلى المسلمين أن يبدءوا
بجهادهم قبل جهاد أهل الحرب الذين لم يسلموا قط فإذا ظفروا بهم استتابوهم فمن تاب حقنوا دمعه
بالتوبة وإظهار الرجوع إلى الاسلام ومن لم يتب قتلوه بالردة وسواء ذلك في الرجل والمرأة (قال
الشافعي) وما أصاب أهل الردة للمسلمين في حال الردة أو بعد إظهار التوبة في قتال وهم ممتنعون أو
غير قتال أو على نائرة أو غيرها فسواء والحكم عليهم كالحكم على المسلمين لا يختلف في العقل والقود
وضمان ما يصيبون وسواء ذلك قبل يقهرون أو بعد ما قهروا فتابوا أو لم يتوبوا لا يختلف ذلك (قال
الشافعي) فإن قيل فما صنع أبو بكر في أهل الردة؟ قيل: قال لقوم جاءوه تائبين تدون قتلانا ولا ندى
قتلاكم فقال عمر لا نأخذ لقتلانا دية (قال الشافعي) فإن قيل: فما قوله تدون قتلانا؟ قيل إذا أصابوا
غير متعمدين ودوا وإذا ضمنوا الدية في قتل غير متعمدين كان عليهم القصاص في قتلهم متعمدين
وهذا خلاف حكم أهل الحرب عند أبي بكر. فإن قيل فما نعلم أحدا منهم قتل بأحد؟ قيل ولا يثبت
عليه قتل أحد بشهادة ولو ثبت لم نعلم حاكما أبطل لولى دم قتيل أن يقتل له لو طلبه والردة لا تدفع
عنهم عقلا ولا قودا ولا تزيدهم خيرا إن لم تزدهم شرا (قال الشافعي) فإذا قامت لمرتد بينة أنه أظهر
القول بالايمان ثم قتله رجل يعلم توبته أو لا يعلمها فعليه القود كما عليه القود في كافر أظهر الايمان فلا
يعلم ايمانه وعبد عتق ولا يعلم عتقه ثم قتلهما فيقتل بهما في الحالين في بلاد الاسلام (قال الشافعي) ولو
كان كافرا فأسلم في بلاد الحرب فأغار قوم فقتلوه لم تكن له دية وكانت فيه كفارة (قال الشافعي) ولو
عمد رجل قتله في غير غارة وقد أظهر الاسلام قبل القتل وعلمه القاتل قتل له وإن لم يعلمه وداه لأنه
عمده وهو مؤمن بالقتل وإنما يسقط عنه العقل والقود إذا قتله غير عامد لقتله بعينه كأنه قتله في غارة
لقول الله عز وجل (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) (قال الشافعي) يعني
والله أعلم في قوم عدو لكم.
39

من لا قصاص بينه لاختلاف الدينين
(قال الشافعي) رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في
القتلى) الآية (قال الشافعي) فكان ظاهر الآية والله أعلم. أن القصاص إنما كتب على البالغين المكتوب
عليهم القصاص لأنه المخاطبون بالفرائض إذا قتلوا المؤمنين بابتداء الآية. وقوله (فمن عفى له من أخيه
شئ) لأنه جعل الاخوة بين المؤمنين فقال (إنما المؤمنون إخوة) وقطع ذلك بين المؤمنين والكافرين.
ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل ظاهر الآية (قال الشافعي) وسمعت عددا من أهل
المغازي وبلغني عن عدد منهم أنه كان في خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح (لا يقتل مؤمن
بكافر) وبلغني عن عمران بن حصين رضى الله تعالى عنه أنه روى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم * أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن أبي حسين عن مجاهد وعطاء وأحسب طاوسا والحسن أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته عام الفتح (لا يقتل مؤمن بكافر) أخبرنا سفيان بن عيينة عن
مطرف عن الشعبي عن أبي جحيفة قال سألت عليا رضي الله عنه (هل عندكم من النبي صلى الله عليه
وسلم شئ سوى القرآن؟) فقال (لا والذي فلق الحبة وبرأ أن النسمة، إلا أن يؤتى الله عبدا فهما في
القرآن وما في الصحيفة) قلت وما في الصحيفة؟ فقال (العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مؤمن بكافر)
(قال الشافعي) ولا يقتل مؤمن عبد ولا حر ولا امرأة بكافر في حال أبدا، وكل من وصف الايمان من
أعجمي وأبكم يعقل ويشير بالايمان ويصلى فقتل كافرا فلا قود عليه وعليه ديته في ماله حالة وسواء
أكثر القتل في الكفار أو لم يكثر، وسواء قتل كافرا على مال يأخذه منه أو على غير مال، لا يحل
والله أعلم قتل مؤمن بكافر بحال في قطع طريق ولا غيره (قال الشافعي) وإذا قتل المؤمن الكافر عزر
وحبس ولا يبلغ بتعزيره في قتل ولا غيره حد ولا يبلغ بحبسه سنة ولكن حبس يبتلى به وهو ضرب من
التعزير (قال الشافعي) وإذا قتل الكافر المؤمن قتل به ذميا كان القاتل أو حربيا أو مستأمنا. وإذا أباح
الله عز وجل دم المؤمن بقتل المؤمن كان دم الكافر بقتل المؤمن أولى أن يباح وفيما روى عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم دلالة على ما ذكرت قوله (من اعتبط مسلما بقتل فهو به قود) فهذه جامعة لكل من
قتل (قال الشافعي) وإذا قتل الرجل الرجل فقال القاتل المقتول كافر أو عبد فعلى أولياء المقتول البينة
بأنه مسلم حر والقول قول القاتل لأنه المأخوذ منه الحق (قال الشافعي) وإنما الايمان فعل يحدثه المؤمن
البالغ أو يكون غير بالغ فيكون مؤمنا بإيمان أحد أبويه (قال الشافعي) وإذا كان أبوا المولود مسلمين وكان
صغيرا لم يبلغ الاسلام ولم يصفه فقتله رجل قتل به لأن له حكم الاسلام يرث به ويحجب مع ما سوى
هذا مما له من حكم الايمان، وكذلك لو كان أبو المولود كافرين فأسلم أحدهما والمولود صغير كان حكم
المولود حكم مسلم بإسلام أحد أبويه ومن قتله بعد إسلام أحد أبويه كان عليه قود. ومن قتله قبل
إسلام واحد منهما من مسلم فلا قود عليه لأن حكمه حكم الكفار (قال الشافعي) وإذا ولد المولود على
الشرك فأسلم أبواه ولم يصف الايمان فقتله قبل البلوغ قتل به وإن قتله بعد البلوغ مؤمن لم يقتل به لأنه
إنما يكون حكمه حكم مسلم بإسلام أحد أبويه ما لم يكن عليه الفرض فإذا لزمه الفرض فدينه دين
نفسه كما يكون مؤمنا وأبواه كافران فلا يضره كفرهما أو كافرا وأبواه مؤمنان فلا ينفعه ايمانهما، وإن
ادعى أبواه بعدما يقتل أنه وصف الايمان وأنكر ذلك القاتل فالقول قوله مع يمينه وعليهما البينة أنه
وصف الاسلام (قال الشافعي) ولو كان أبواه مؤمنين فادعى القاتل بأنه قتله مرتدا عن الاسلام وقال
40

ورثته بل قتله وهو على دين الاسلام فإن كان صغيرا قتل به وإن كان بالغا فحلف أبوه أنه ما علمه ارتد
بعدما وصف الاسلام بعد البلوغ أو جاء على ذلك ببينة يشهدون أنه كان مسلما قبلت ذلك منهم و كان
على قاتله القود (قال الشافعي) والفرق بين هذه المسألة والمسألة الأولى ان القاتل حين قال في هذه ارتد كان قد أقر باسلامه بعد البلوغ وادعى الردة وفي المسألة التي فوقها لم يقر له بالايمان بعد البلوغ ولصف
الايمان بعد البلوغ ولا يكون له حكم الايمان بإيمان أبويه إذا لم يعلم صفة الايمان بعد البلوغ (قال
الشافعي) ولو أن مسلما قتل نصرانيا ثم ارتد المسلم فسأل ورثة النصراني أن يقادوا منه، وقالوا هذا كافر لم
يقتل به لأنه قتله وهو مؤمن فلا قود عليه، وعليه الدية في ماله والتعزير فإن تاب قبل منه وإلا قتل على
الردة. وهكذا لو ضرب مسلم نصرانيا فجرحه ثم ارتد المسلم ثم مات النصراني والقاتل مرتد لم يقد منه
لأن الموت كان بالضربة والضربة كانت وهو مسلم، ولو أن مسلما ارتد عن الاسلام فقتل ذميا
فسأل أهله القود قبل أن يرجع إلى الاسلام أو رجع إلى الاسلام فسواء، وفيها قولان: أحدهما أن
عليه القود وهذا أولاهما والله أعلم، لأنه قتل وليس بمسلم، والثاني لا قود عليه من قبل أنه لا يقر على
دينه حتى يرجع أو يقتل، ولو أن رجلا أرسل سهما على نصراني فلم يقع به السهم حتى أسلم أو على
عبد فلم يقع عليه به حتى عتق فقتله لم يكن عليه قصاص لأن غلبة السهم كانت بالارسال الذي لا قود
فيه بينهما، ولو كان وقوعه به وهو بحاله حين أرسل السهم ثم أسلم لم يقص منه وعليه دية مسلم حر في
الحالتين والكفارة ولا يكون هذا في أقل من حال من أرسل سهما على غرض فأصاب إنسانا لأنه إنما
يضمن ما جنت رميته وكلا هذين ممنوع من أن يقصد قصده برمي (قال) ولو أرسل سهمه على مرتد
فلم يقع به السهم حتى أسلم أو على حربي فلم يقع به السهم حتى أسلم كان خلافا للمسائل قبلها لأنه
أرسل عليهما وهما مباحا الدم وليس عليه قود بحال لما أصابهما من رميته وعليه الكفارة ودية حرين
مسلمين بتحويل حالهما قبل وقوع الرمية (قال الشافعي) وإذا ضرب الرجل الرجل المسلم ثم ارتد
المضروب عن الاسلام ثم مات من الضربة ضمن الضارب الأقل من أرش الضربة أو الدية (قال
الربيع) أظنه قال دية مسلم (قال الشافعي) من قبل أن الضربة كانت وفيها قود أو عقل فإذا مات مرتدا
سقط القود لأنها لم تبرأ وجعلت فيها العقل في ماله لأنها كانت غير مباحة ولو برأت وسأل أولياؤه
القصاص من الجرح كان لهم أن يقتصوا منه لأنه كان وهو مسلم (قال الشافعي) ولو ضربه وهو مسلم ثم
ارتد عن الاسلام ثم عاد إليه ثم مات مسلما ضمن القاتل الدية كلها في ماله لأن الضرب كان وهو ممنوع
والموت كان وهو ممنوع ولا تسقط الدية بحال حدثت بينهما لم يحدث فيها الضارب شيئا ولا قود عليه
للحال الحادثة بينهما وعليه الكفارة.
شرك من لا قصاص عليه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أن رجلا قتل رجلا وقتله معه صبي أو مجنون أو حربي أو من لا
قود عليه بحال فمات من ضربهما معا فإن كان ضربهما معا بما يكون فيه القود قتل البالغ وكان على الصبي
نصف الدية في ماله وكذلك المجنون (قال) ولو قتل رجل ابنه وقتله معه أجنبي (1) ولم يقتل الأب

(1) قوله: ولم يقتل الأب، هكذا في الأصل، ولعل قبل هذا شيئا سقط من قلم الناسخ ليصح العطف عليه
وهو " قتل الأجنبي ولم يقتل الخ ".
41

وأخذت نصف الدية من ماله حالة، ولو قتل حر وعبد عبدا قتل به العبد وكانت على الحر نصف قيمة
العبد بالغة ما بلغت وإن كانت ديات ولو قتل مسلم وكافر كافرا قتل الكافر وكانت على المسلم نصف
ديته ولو ضرب رجلان رجلا أحدهما بعصا خفيفة والآخر بسيف فمات لم يكن على واحد منهما قصاص
لأن إحدى الجنايتين كانت مما لا قصاص فيه وإنما يكون القود إذا كانت الجناية كلها بشئ يقتص منه
إذا ميت منه، ولو ضرب رجل رجلا بسيف ونهشته حية فمات فلا قصاص وعلى الضارب نصف ديته
حالة في ماله (قال الشافعي) ولو ضربه رجل بسيف وضربه أسد أو نمر أو خنزير أو سبع ما كان ضربة
فإن كانت ضربة السبع تقع موقع الجرح في أن يشق جرحها فيكون الأغلب أن الجرح قتل دون الثقل
فعلى القاتل القود إلا أن يشاء ورثته الدية فيكون لهم نصفها وإن كانت ضربة لا تلهد ولا تقتل ثقلا كما
يقتل الشدخ أو الخشبة الثقيلة أو الحجر الثقيل فلا يجرح فلا قود عليه لأن إنسانا إن ضربه معه تلك
الضربة لم يكن عليهما قود وإنما أجعله مات من الجنايتين فلما كانت إحدى الضربتين (1) إنما تقتل لا
ثقلا ولا جرحا وكان الأغلب أن مثلها لا يقتل مفردا سقط القود فلما لم يمحضا بما يقتل مثله فلا قود
(قال الشافعي) وهكذا لو جرحت جرحا خفيفا كالخدش والأغلب أن القتل منها لا يقتل باللهد ولا
الثقل لم يكن فيهما قصاص (قال الشافعي) ولو أن السبع قطع حلقومه وودجه أو قصف عنقه أو شق
بطنه فألقى حشوته كان هو القاتل وعلى الأول القصاص في الجراح إن كان فيها القصاص إلا أن تشاء
ورثته العقل، والعقل إن كانت جراحه مما لا قصاص فيها.
الزحفان يلتقيان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا التقى زحفان وأحدهما ظالم، فقتل رجل من الصف
المظلوم فسأل أولياؤه العقل، أو القود قيل ادعوه على من شئتم فإن ادعوه على واحد منهم أو نفر
بأعيانهم كلفوا البينة فإن جاءوا بها فلهم القود إن كان فيه قود أو العقل إن لم يكن فيه قود، وإن لم يأتوا
ببينة قيل إن شئتم فأقسموا خمسين يمينا على رجل أو نفر بأعيانهم ولكم الدية ولا قود إن كان القتل
عمدا، وإن أقسم الذين ادعيتم عليهم خمسين يمينا برئوا من الدية والقود إذا حلفوا إن امتنعتم من
الايمان وإن تحلفوهم فلا عقل ولا قود وإن قلتم قتلوه جميعا فكان يمكن لمثلهم أن يشتركوا فيه أقسمتم
وإن لم يمكن ذلك وكانوا مائة ألف أو نحوها فقد قيل إن اقتصرتم بالدعوى على من يمكن أن يكون شرك
فيه وأقسمتم جعلنا ذلك وكانوا. وإلا لم ندعكم تقسموا على ما نعلمكم فيه كاذبين وإذا جاءوا ببينة على
أن رجلا قتله لا يثبتون الرجل القاتل فليست بشهادة وقيل أقسموا على واحد إن شئتم ثم عليه الدية فإن
أقسموا على واحد فأثبتت البينة أنه ليس به سقطت القسامة فلم يعطوا بها ولا بالبينة، وإن سألوا بعد أن
يقسموا على غيره لم يكن ذلك لهم لأنهم قد أبرءوا غيره بالدعوى عليه دونه، وبأن كذبوا في القسامة
ولست أقتل بالقسامة بحال أبدا ولو قالوا بعد ذلك نقسم على كلهم لم أقبل ذلك منهم لأني إن أغرمت
كلهم فقد علمت أنى أغرمت منهم قوما برآء، وإن أردت أن أغرم بعضهم لم أعرف من أغرم فلا

(1) قوله: إنما، تقتل هكذا في النسخ، ولعل فيها تحريفا والوجه " مما لا يقتل الخ " فانظر وراجع إلى أصل
سليم، فإن الأصل الذي بيدنا سقيم. كتبه مصححه.
42

تكون القسامة إلا على معروف بعينه ومعروفين بأعيانهم كما لا تكون الحقوق إلا على معروف بعينة، فإذا
التقى الرجلان فأضربا بأي سلاح فاضطربا فيه فيكون فيمن أصيب به القود فشهد الشهود أنهم رأوا كل
واحد منهما مسرعا إلى صاحبه ولم يثبتوا أيهما بدأ فكل واحد منهما ضامن لما أصاب به صاحبه إن كان
فيه عقل أو كان فيه قود ولو ادعى كل واحد منهما أن صاحبه بدأه وأنه إنما ضربه ليدفعه عن نفسه لم
يقبل قوله، وعلى كل واحد منهما اليمين لصاحبه ما بدأ فإذا حلفا فكل واحد منهما ضامن لما أصاب به
صاحبه فإن كان فيه عقل تقاصا وأخذ أحدها من الآخر الفضل وإن كان فيه قصاص اقتص لكل
واحد منهما من صاحبه مما فيه القصاص وإن قتل كل واحد منهما صاحبه عمدا فكل واحد منهما
بصاحبه قصاص ولا تباعة لواحد منهما على الآخر ولا قود لأنه لم يبق شئ يقاد منه (قال الشافعي) ولو
مات أحدهما وبقي الآخر وبه جراحات كانت جراحاته في مال الميت، فإن كانت دية قيل لأهل الميت
إن أردتم القود فلكم القود وعلى صاحبكم دية جراح المجروح وإن أردتم الدية فلكم الدية وللمجروح
دية فإحداهما قصاص بالأخرى إن كان ضربهما عمدا كله وإن كانت أكثر من دية رجع المجروح
بالفضل عن الدية في مال الميت وإن أردتم القود فللمقاد منه ما لزم الميت من جراحة الحي ولكم القود
(قال الشافعي) وإذا كان القوم في الحرب فلقي رجل من المسلمين رجلا من المسلمين مقبلا من ناحية
المشركين فقتله فإن قال قد عرفته مسلما قتل به وإن قال ظننته كافرا أحلف ما قتله وهو يعلمه مؤمنا ثم فيه
الدية والكفارة ولا قود فيه (قال الشافعي) ولو لقيه في مصر من الأمصار بغير حرب فقال ظننته كافرا لم
يعذر وقتل به وإنما يعذر في الموضع الذي الأغلب منه أنه كما قال (قال الشافعي) ولو كان المسلمين في
صف والمشركون بإزائهم لم يلتقوا ولم يتحاملوا فقتل رجل رجلا في صف المسلمين فقال ظننته كافرا
والمقتول مؤمن أقيد منه وإن تحاملوا وكان في صف المشركين وقتله قبل قوله مع يمينه أخبرنا الربيع قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري عن عروة أن اليمان أبا حذيفة جاء يوم
أحد من أطم من الآطام من ناحية المشركين فظنه المسلمون مشركا فالتفوا عليه بأسيافهم حتى قتلوه
وحذيفة يقول أبى أبى ولا يسمعونه لشغل الحرب فقضى النبي صلى الله عليه وسلم فيه بدية. وقال فيما
أحسب عفاها حذيفة، وقال فيما أحسب يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فزاده عند المسلمين خيرا
(قال الشافعي) ولو أن رجلا من المشركين اقبل إلى ناحية المسلمين فقتله رجل من المسلمين عامدا فقال
ورثة المشرك إنه كان أسلم، فإن أقاموا على ذلك بينة وإلا لم يقبل قولهم وإن أقاموا البينة فلهم لعقل
ولا قود إذا قال المسلم قتلته وأنا أظنه على الشرك إذا جعلت له هذا في المسلم يعرف إسلامه جعلته له
فيمن لم يشهر إسلامه (قال الشافعي) ولو أن رجلا من المشركين أقبل كما وصفت فقتله مسلم لم يود حتى
يقيم ورثته البينة على أنه أسلم قبل أن يقتل ولو أن رجلا ضرب حربيا فأسلم الحربي فمات لم يكن فيه
عقل ولا قود، ولو ضرب فأسلم ثم ضرب فمات ففيه نصف الدية، ولو أن رجلا من المشركين ضرب
مسلما فجرحه ثم أسلم فقتله المسلم المضروب بعد إسلامه وعلمه به قتل به وإن قتله بعد إسلامه. وقال لم
أعلم بإسلامه فعليه ديته والكفارة.
قتل الإمام
(قال الشافعي) رحمه الله: وبلغنا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ولى رجلا على اليمن فأتاه
43

رجل أقطع اليد والرجل فذكر أن والى اليمن ظلمه فقال إن كان ظلمك لأقيدنك منه (قال الشافعي)
وبهذا نأخذ أن قتل الإمام هكذا (قال) وإذا أمر الإمام الرجل بقتل الرجل فقتله المأمور فعلى الإمام
القود إلا أن يشاء ورثة المقتول أن يأخذوا الدية وليس على المأمور عقل ولا قود وأحب إلى أن يكفر
لأنه ولى القتل، وإنما أزلت عنه القود أن الوالي يحكم بالقتل في الحق في الردة وقطع الطريق والقتل
(قال الشافعي) ولو أن المأمور بالقتل كان يعلم أنه أمره بقتله ظلما كان عليه وعلى الإمام القود وكانا
كقاتلين معا، وإنما أزيل القود عنه إذا ادعى أنه أمره بقتله وهو يرى أنه يقتل بحق، ولو علم أنه أمره
بقتله ظلما ولكن الوالي أكرهه عليه لم يزل عن الإمام القود بكل حال وفي المأمور المكره قولان أحدهما أن
عليه القود لأنه ليس له أن يقتل أحدا ظلما إنما يبطل الكره عنه فيما لا يضر غيره والآخر لا قود عليه
للشبهة وعليه نصف الدية والكفارة (قال الشافعي) والوالي المتغلب والمستعمل إذا قهر في الوضع الذي
يحكم فيه عليه هذا سواء طال قهره له أو قصر، وإذا كان الرجل المتغلب على اللصوصية أو العصبية
فأمر رجلا بقتل الرجل فعلى المأمور القود و على الامر إذا كان قاهرا للمأمور لا يستطيع الامتناع منه
بحال (قال الشافعي) و لو أن رجلا في مصر أو في قرية لم يقهر أهلها كلهم فأمر رجلا بقتل رجل فقتله
و المأمور مقهور فعلى المأمور القود في هذا دون الآمر وعلى الآمر العقوبة إذا كان المأمور يقدر على الامتناع
بجماعة يمنعونه منه أو بنفسه أو أن يهرب فعليه القود في هذا دون الامر وإذا لم يقدر على الامتناع منه بحال
فعليهما القود معا.
أمر السيد عبده
(قال الشافعي) وإذا أمر السيد عبده أن يقتل رجلا والعبد أعجمي أو صبي فقتله فعلى السيد القود
دون الأعجمي الذي لا يعقل والصبي وإذا أمر بذلك عبدا له رجلا بالغا يعقل فعلى عبده القود وعلى
السيد العقوبة (قال الشافعي) ولو أمر عبد غيره أو صبي غيره بقتل رجل فقتله فإن كان العبد أو الصبي
يميزان بينه وبين سيده وأبيه ويريان لسيده وأبيه طاعة ولا يريانها لهذا عوقب الآمر وكان الصغير والعبد
قاتلين دون الآمر وإن كانا لا يميزان ذلك فالقاتل الآمر وعليه القود إن كان القتل عمدا (قال الشافعي)
وإذا أمر الرجل ابنه الصغير أو عبد غيره الأعجمي أن يقتله فقتله فدمه هدر لأني لا أجعل جنايتهما
بأمره كجنايته ولو أمرهما أن يفعلا بأنفسهما فعلا لا يعقلانه ففعلاه فقتلهما ذلك الفعل ضمنهما معا كما
يضمنهما لو فعله بهما فقتلهما كان أمرهما أن يقطعا عرقا أو يفجرا قرحة على مقتل أو ما أشبهه ولو أمرهما أن
يذبحا أنفسهما فإن كان الصبي لم يعقل والعبد مغلوب على عقله ففعلا ضمنهما كما يضمنهما لو ذبحهما وإن
كان العبد يعقل أن ذلك يقتله ففعل فمات فهو مسئ آثم وعليه العقوبة ولا يكون كالقاتل وإذا أمر
الرجل ابنه البالغ أو عبده الذي يعقل أن يقتل رجلا فقتله عوقب السيد الآمر وعلى العبد والابن
القاتلين القود دونه، وإذا أمر سيد العشيرة رجلا من العشيرة أن يقتل رجلا وليس ببلد له فيها سلطان
فالقتل على القاتل دون الامر.
44

الرجل يسقي الرجل السم أو يضطره إلى سبع
(قال الشافعي) وإذا استكره الرجل الرجل فسقاه سما ووصف الساقي السم سئل الساقي فإن قال
سقيته إياه وأنا أعلم أن الأغلب منه أنه يقتله وأنه قل ما يسلم منه أن يقتله أو يضره ضررا شديدا وإن لم
يبلغ القتل والأغلب أنه يقتل فمات المسقي فعلى الساقي القود يسقى مثل ذلك فإن مات في مثل هذه
الميتة فذلك وإلا ضربت عنقه فإن قال سقيته والأغلب أنه لا يموت وقد يمات من مثله قليلا قيل لورثة
الميت إن كانت لكم بينة عادلة بأن مثل ذلك السم إذا سقى فالأغلب أنه يقتل أقيد منه وان جهلوا
ذلك فالقول قول الساقي مع يمينه وعلى الساقي الدية والكفارة ولا قود عليه وديته دية خطا العمد
وكذلك إن قال أهل العلم به الأغلب أنه لا يقتل وقد يقتل مثله وسواء علم السم الساقي في هذه
الأحوال أو لم يعلمه كلما يسأل أهل العلم به عنه وتقبل شهادة شاهدين ممن يعلمه على رؤيته، وإن كانا
رأياه يسقيه السم بدواء معه ولم يعرفه فإنه يقاد منه إذا كان الأغلب أنه لا يعاش من مثله ويترك القود
ويضمن الدية إذا كان الأغلب أنه يعاش منه وإن قال أهل العلم به أن الأغلب أن مثل هذا المسقى
لضعف بدنه أو خلقه أو سقمه لا يعيش من مثل هذا السم والأغلب أن القوى يعيش من مثله لم يقد
في القوى الذي الأغلب أنه يعيش من مثله وأقيد في الضعيف الذي الأغلب أنه لا يعيش من مثله كما لو
ضرب رجلا نضو الخلق أو سقيما أو ضعيفا ضربا ليس بالكثير بالسوط أو عصا خفيفة فقيل إن الأغلب
أن هذا لا يعيش من مثل هذا أقيد منه ولو ضرب مثلهن رجلا الأغلب أنه يعيش من مثلهن لم يقد منه
(قال) ولو كان الساقي للسم الذي أقيد من ساقيه لم يكره المسقى ولكنه جعله له في طعام أو خاص له
عسلا أو شرابا غيره فأطعمه إياه أو سقاه إياه غير مكره عليه ففيها قولان أحدهما أن عليه القود إذا لم
يعلمه أن فيه سما وكذلك لو قال هذا دواء فأشربه وهذا أشبهما والثاني أن لا قود عليه وهو آثم لأن الآخر
شربه وإنما فرق من فرق بين السم يعطيه الرجل الرجل فيأكله في التمرة والحريرة يصنعها له فيموت فلا
أقيد منه لأنه قد يبصر السم في الحريرة ويبصرها غيره له فيتوقاها وقد يعرف السم أنه مخلوط بغيره ولا
يعرف غير مخلوط بغيره وأنه الذي ولى شربه بنفسه غير مكره عليه (قال الشافعي) ولو كان قال له في
هذا سم وقد بين له (1) ولا يلتفت صاحبه قلما يخطئه أن يتلف به فشرب الرجل فمات لم يكن على
الذي خلطه له ولا الذي أعطاه إياه له عقل ولا قود ولو سقاه معتوها أو أعجميا لا يعقل عنه أو صبيا
فبين له أو لم يبين له فسواء وكذلك لو أكرهه عليه أو أعطاه إياه فشربه لأن كل هؤلاء لا يعقل عنه
وعليه القود حيث أقدت منه في الأغلب من السم القاتل (قال الشافعي) ولو خلطه فوضعه ولم يقل
للرجل كله فأكله الرجل أو شربه فلا عقل ولا قود ولا كفارة عليه وسواء جعله في طعام لنفسه أو شراب
أو لرجل فأكله إلا أنه يأثم وأرى أن يكفر إذا خلطه في طعام رجل ويضمن مثل الطعام الذي خلطه به
وفيها قول آخر أنه إذا خلطه بطعام فأكله الرجل فمات ضمن كما يضمن لو أطعمه إياه (قال الشافعي)
ولو سقاه سما وقال لم أعلمه سما فشهد بعد على أنه سم ضمن الدية لأنه مات بفعله ولا يبين لي أن
أجعل عليه القود كما جعلته عليه لو علمه فسقاه إياه وعليه اليمين ما علمه (قال الشافعي) وإنما درأت
)

(1) قوله: ولا يلتفت صاحبه الخ، كذا في نسخة، وفي أخرى " ولا يلتفت صاحبه قلما يخطئه
الخ " وعلى كل حال فهي عبارة غير مستقيمة، فارجع إلى الأصول السليمة وحررها. كتبه مصححه.
45

عنه القود لأنه قد يجهل السم فيكون سما قاتلا ولا قاتلا وفيه قول آخر أن عليه القود ولا يقبل قوله لم
أعلمه سما (قال الشافعي) ولو أخذ رجل لرجل حية فأنهشه إياها أو عقربا فمات ففيها قولان أحدهما أن
الذي أنهشه إن كان الأغلب منه أنه يقتله بالبلد الذي أنهشه به لا يكاد يسلم منه مثل الحيات بالسراة أو
حياة الأصحر بناحية الطائف والأفاعي بمكة ودونها والقرة فعليه القود وإن كان الأغلب أنها لا تقتل
مثل الثعبان بالحجاز والعقرب الصغيرة فقد قيل لا قود وعليه العقل به مثل خطأ شبه العمد ثم يصنع
هذا بكل بلاد فإن ألدغه بنصيبين عقربا أو أنهشه بمصر ثعبانا فعليه القود لأن الأغلب أن هذا يقتل
بهذين الموضعين والقول الثاني أنه إذا ألدغه حية أو عقربا فمات أن عليه القود وسواء قيل هذه حية لا
يقتل مثلها أو يقتل لأن الأغلب أن هذا كله يقتل (قال الشافعي) ولو أرسل عليه عقربا أو حية فنهشته
الحية أو ضربته العقرب لكان آثما عليه العقوبة ولا قود ولا عقل لو قتلته لأنه لافعل له في فعل الحية
والعقرب وأنهما يحدثان فعلا بعد الارسال ليس هو الارسال ولا هو كأخذه إياهما وادنائهما حتى يمكنهما
وينهشا فهذا فعل نفسه لأنهما نهشا بضغطه إياها، وكذلك بأخذه وإن لم يضغطا لأن معقولا أن من
طباعهما أنهما يعبثان إذا أخذتا فتنهش هذه وتضرب هذه فتكونان كالمضطرين إلى أن تضرب هذه
وتنهش هذه منه وكذا الأسد والذئب والنمر والعوادي كلها بأسرها من يضغطها فتضرب أو تعقر فتقتل
يكون عليه فيما صنعه بما الأغلب منه أنه لا يعاش من مثله ففيه القود وإن ناله بما الأغلب أنه بعاش من
مثله فليس عليه فيه قود وفيه الدية (قال الشافعي) وإذا أرسل الكلب والحية والأسد والنمر والذئب على
رجل فأخذه منها شئ فقتله فهو آثم ولا عقل ولا قود عليه (قال) وذلك أنه قد يهرب فيعجز ويهرب
عنه بعضها أو يقوم معه فلا يناله بشئ (قال الشافعي) ولو حبس بعض القواتل في مجلس ثم ألقى عليه
رجلا والأغلب ممن يلقي عليكم هذا أنه إذا ألقى عليه قتله مثل الأسد والذئب والنمر فقتله بفرس لم يقلع
عنه حتى قتله أو شق لبطنه أو غم لا يعاش من مثله قتل به فأما الحية فليست هكذا فإن أصابته الحية لم
يضمن وإن كان من السباع ما يكون الأغلب أنه لا يفرس من ألقى عليه لم يكن فيه قود ولا عقل وإن
كان الأغلب أنه يفرس كان عليه القود إذا حبس السبع ثم ألقاه أو حبسه ثم ألقى عليه السبع في مجلس
لا يخرج منه السبع ولو قيده أو أوثقه ثم ألقاه عليه في صحراء كان مسيئا ولم يكن عليه عقل ولا قود إن
أصابه لأن السبع غير مضطر بمحبسه إلى أن يقتله وإذا أصابه السبع بالشئ الخفيف الذي لو أصابه
إنسان في الحين الذي أجعل على الملقى جناية السبع فمات فعلى ملقيه الدية والعقوبة ولا قود.
المرأة تقتل حبلى وتقتل
(قال الشافعي) رحمه الله وإذا قتلت المرأة حاملا يتحرك ولدها أو لا يتحرك ففيها القود ولا
شئ في جنينها حتى يزول منها فإذا زايلها قبل موتها أو معه أو بعده فسواء فيه غرة قيمتها خمس من
الإبل فإذا زايلها حيا قبل موتها أو معه أو بعده فسواء ولا قصاص فيه إذا مات وفيه ديته إن كان ذكرا
فمائة من الإبل وإن كان أنثى فخمسون من الإبل قتلها رجل أو امرأة وإذا قتلت المرأة من عليها في قتله

(1) الفروع التي ذكرت في هذه الترجمة كلها قد تقدمت قريبا في ترجمة قتل الرجل بالمرأة، فليعلم.
46

القود فذكرت حملا أو ريبة من حمل حبست حتى تضع حملها ثم أقيد منها حين تضعه وإن لم يكن
لولدها مرضع فأحب إلى أن لو تركت بطيب نفس ولى الدم يوما أو أياما حتى يوجد له مرضع فإن لم
يفعل قتلت له وإن ولدت وجدت تحركا انتظرت حتى تضع التحرك أو يعلم أن ليس بها حمل
وكذلك إذا لم يعلم أن بها حملا فادعته انتظر بالقود منها حتى تستبرأ ويعلم أن لا حبل بها ولو عجل
الإمام فأقص منها حاملا فقد أثم ولا عقل عليه حتى تلقى جنينها فإن ألقته ضمنه الإمام دون المقتص
وكان على عاقلته لا بيت المال، وكذلك لو قضى بأن يقتص منها، ثم رجع فلم يبلغ المأمور حتى
اقتص منها ضمن الإمام جنينها وأحب إلى للإمام أن يكفر.
تحول حال المشرك يجرح حتى إذا جنى عليه وحال الجاني
(قال الشافعي) رحمه الله ولو أن نصرانيا جرح نصرانيا ثم أسلم الجارح ومات المجروح من جراحه
بعد إسلام الجارح كان لورثة النصراني عليه القود وليس هذا قتل مؤمن بكافر منهيا عنه إنما هذا قتل
كافر بكافر إلا أن الموت استأخر حتى تحولت حال القاتل وإنما يحكم للمجني عليه على الجاني وإن
تحولت حال المجني عليه ولا ينظر إلى تحول حال الجاني بحال وهكذا لو أسلم المجروح دون الجارح أو
المجروح والجارح معا كان عليه القود في الأحوال كلها ولو أن نصرانيا جرح حربيا مستأمنا ثم تحول
الحربي إلى دار الحرب وترك الأمان فمات فجاء ورثته يطلبون الحكم خيروا بين القصاص من الجارح أو
أرشه إذا كان الجرح أقل من الدية ولم يكن لهم القتل لأنه مات من جرح في حال لو ابتدئ فيها قتله
لم يكن (1) على عاقلته فيها قود فأبطلنا زيادة الموت لتحول حال المجني عليه إلى أن يكون مباح الدم
وهو خلاف للمسألة قبلها لأن المجني عليه تحولت حاله دون الجاني ولو كانت المسألة بحالها والجراح أكثر
من النفس كأن فقأ عينه وقطع يديه ورجليه ثم لحق بدار الرحب فسألوا القصاص من الجاني فذلك لهم
لأن ذلك كان للمجني عليه يوم الجناية أو ذلك وزيادة الموت فلا أبطل القصاص بسقوط زيادة الموت
على الجاني وإن سألوا الأرش جعلت لهم على الجاني في كل حال من هذه الأحوال الأقل من دية
جراحه أو دية النفس لأن دية جراحه قد نقصت بذهاب النفس لو مات منها في دار الاسلام على أمانه
فإذا أرادوا الدية لم أزدهم على دية النفس فلا يكون تركه عهده زائدا له في أرشه، ولو لحق بدار
الحرب في أمانه كما هو حتى يقدم وتأتى له مدة فمات بها كان كموته في دار الاسلام لأن جراحه عمد
ولم يكن كمن مات تاركا للعهد لأن رجلا لو قتله عامدا ببلاد الحرب وله أمان يعرفه ضمنه (قال
الشافعي) ولو جرحه ذمي في بلاد الاسلام ثم لحق بدار الحرب ثم رجع إلينا بأمان فمات من الجراح
ففيها قولان أحدهما أن على الذمي القود إن شاء ورثته أو الدية تامة من قبل أن الجناية الموت كانا معا
وله القود ولا ينظر إلى ما بين الحالين من تركه الأمان، والقول الثاني أن له الدية في النفس ولا قود لأنه
قد صار في حال لو مات فيها أو قتل لم تكن له دية ولا قود (قال الشافعي) وله الدية تامة في الحالين لا
ينقص منها شيئا، ولو جرح ذمي حربيا مستأمنا فترك الأمان ولحق بدار الحرب فأغار المسلمون عليه

(1) قوله: عاقلته كذا في النسخ، وهو محرف فاتله، لأن العاقلة ليس محلا للقود، فارجع إلى النسخ
السليمة، فإن النسخ التي بيدنا سقيمة والله المستعان، كتبه مصححه.
47

فسبوه ثم مات بعدما صار في أيدي المسلمين سبيا فلا قود فيه لأنه مات مملوكا فلا يقتل حر بمملوك وعلى
الذمي الأقل من قيمته عبدا أو قيمة الجراح حرا كأنه قطع يده فكانت فيه إن كان نصرانيا ستة عشر
من الإبل وثلثا بعير وهي نصف ديته أو كان مجوسيا أو وثنيا ففي يده نصف ديته ثم مات وقيمته مثل
نصف ديته فسقط الموت لأنه لم يحدث به زيادة، وجميع الأرش لورثة المستأمن لأنه استوجبه بالجرح
وهو حر فكان مالا له أمان أو كأنه قطعت يده وديته ثلاث وثلاثون وثلث ثم مات مملوكا وقيمته خمس
من الإبل فعلى جارحه خمس من الإبل لأن اليد صارت تبعا للنفس كما يجرح المسلم فيكون فيه ديات
لو عاش ولو مات كانت ديته واحدة ويجرح موضحة فيموت فيكون فيها دية كما تكون الزيادة على
الجارح بزيادة النفس، فكذلك يكون النقص بذهابها (قال الشافعي) وإذا لم تكن بالنفس زيادة
فجميع الأرش المستأمن لما وصفت أنه استوجبه وهو حر لما له أمان يعطاه ورثته في دار الحرب وهكذا
لو قطعت يداه ورجلاه وفقئت عيناه ثم لحق بدار الحرب ثم مات وقيمته أقل مما وجب له بالجراح لو
عاش كان على جارحه الأقل من الجراح والنفس وكان ذلك لورثته ببلاد الحرب (قال الشافعي) ولو
جرح ذمي مستأمنا فأوضحه ثم لحق المجروح بدار الحرب ثم سبى فصار رقيقا ثم مات وقيمته عشرون من
الإبل وإنما وجب له بالموضحة التي أوضح منها ثلث موضحة مسلم كان أرش موضحته لورثته، وأما
الزيادة من قيمته ففيه قولان أحدهما أنه يسقط عن الجاني بلحوق المجني عليه ببلاد الحرب، والآخر
أن الزيادة لمالكه، لأن الجناية والموت كانا وهو ممنوع ولأنه ملكه بالموت وذلك ملك للسيد (قال
الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها فأسلم في يدي سيده ثم مات كانت هكذا لأن الاسلام يزيد في
قيمته فتحسب الزيادة في قول من ألزمه إياها وتسقط في قول من أسقطها بلحوقه ببلاد الحرب (قال
الشافعي) ولو أعتقه سيده ثم مات حرا كان على جارحه الافل من أرش الجناية وديته لأنه جنى عليه
حرا ومات حرا في قول من يسقط الزيادة عن الجاني بلحوق المجني عليه ببلاد الحرب ويلزمه الزيادة
إن كان في الموت في قول من يبطل الزيادة بلحوقه بدار الحرب (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها
فأسلم وأعتقه سيده فمات مسلما حرا ضمن قاتله الأقل من أرش الجناية ودية حر لأن أصل الجناية كان
ممنوعا في قول من يسقط الزيادة بلحوقه بدار الحرب، وضمنه زيادة الموت في قول من لا يسقطها
عنه بلحوقه بدار الحرب، ومن قال هذا قال في نصراني جرح ثم أسلم فمات ففيه دية مسلم (قال
الشافعي) وإذا ضرب الرجل رجلا فقطع يده، ثم برأ ثم ارتد فمات فلوليه القصاص في اليد لأن
الجراحة قد وجبت للضرب والبرء وهو مسلم.
الحكم بين أهل الذمة في القتل
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا قتل الذمي الذمية أو الذمي أو المستأمن أو المستأمنة أو جرح
بعضهم بعضا فذلك كله سواء فإذا طلب المجروح أو ورثة المقتول حكمنا عليه بحكمنا على أهل الاسلام
فيما بينهم لا يختلف فنجعل القود بينهم كما نجعله بين المسلمين في النفس وما دونها ونجعل ما كان عمدا
لاقود فيه في مال الجاني وما كان خطأ على عاقلة الجاني إذا كان له عاقلة فإن لم تكن له عاقلة كان
ذلك في ماله ولم يعقل عنه أهل دينه لأنهم لا يرثونه ولا المسلمون لأنه ليس بمسلم وإنما يأخذون ماله
إذا لم يكن له وارث فيئا (قال الشافعي) ويقتص الوثني والمجوسي والصابئي والسامري من اليهود
48

والنصارى، وكذلك يقتص نساؤهم منهم ونجعل الكفر كله ملة وكذلك نورث بعضهم من بعض
للقرابة ويقتص المستأمن من هؤلاء من المعاهدين لأن لكل ذمة ولا تفاوت بين المشركين فنمنع به
بعضهم من بعض بالقصاص كفوت المسلمين لهم (قال الشافعي) وهكذا يحكم على الحربي المستأمن
إذا جنى يقتص منه ويحكم في ماله بأرش العمد الذي لا يقتص منه وإن لم يكن له عاقلة إلا عاقلة
حربية لا ينفذ حكمنا عليهم جعلنا الخطأ في ماله كما نجعله في مال من لا عاقلة له من أهل الذمة،
وهكذا نحكم عليهم إذا أصابوا مسلما بقتل أو جرح لا يختلف ذلك (قال الشافعي) وإن أصاب أهل
الذمة حربيا لا أمان له لم يحكم عليهم فيه بشئ ولو طلبت ورثته لأن دمه مباح (قال الشافعي) وهكذا
لو كان القاتل حربيا مستأمنا إلا أنا إذا لم تود عاقلة الحربي عنه أرش الخطأ كما حكمنا به في ماله (قال
الشافعي) ولو لحق الرحبي الجاني بعد الجناية بدار الحرب ثم رجع مستأمنا حكمنا عليه لأن الحكم لزمه
أولا ولا يسقط عنه بلحوقه بدار الحرب (قال الشافعي) ولو مات ببلاد الحرب بعد الجناية وعندنا له
مال كان له أمان أو ورد علينا وهو حي مال له أمان أخذنا من ماله أرش الجناية كما لزمته، وهكذا لو
أمنا مالا لرجل فورثه الحربي عنه أخذنا منه أرش الجناية كما لزمته، وهكذا لو أمنا مالا لرجل فورثه
الحربي عنه أخذنا منه أرش الجناية لوليها لأنه وجب في ماله فمتى أمكننا أعطينا ما وجب عليه في ماله
من ماله ولو أمنا له ماله على أن لا نأخذ منه ما لزمه لم يكن ذلك له إذا كان عليه أن يأخذ منه ما لزمه
(قال الشافعي) وكذلك لو جنى وهو عندنا جنايات ثم لحق بدار الحرب ثم أمناه على أن لا نحكم عليه
حكمنا عليه وكان ما أعطيناه من الأمان على ما وصفنا باطلا لا يحل وهكذا لو سبى وأخذ ماله وقد كان
له عندنا في الأمان دين لأن ماله لم يغنم إلا وللمجنى عليه فيه حق كالدين وسواء إن أخذ ماله قبل أن
يسبى أو مع السبي أو بعده ألا ترى أنه لو كان عليه دين ثم لحق بدار الحرب فغنم ماله وسبى أو لم يسب
أخذنا الدين من ماله ولم يكن هذا بأكثر من الرجل يدان الدين ثم يموت فنأخذ الدين من ماله بوجوبه
فليس الغنيمة لماله بأكثر من الميراث لو ورثه المسلم أو ذمي عليه دين لأن الله عز وجل جعل للورثة ملك
الموتى بعد الدين وكذلك الغنائم لأنهم خولوها بأن أهلها أهل دار حرب وكذلك لو جنى وهو مستأمن
ثم لحق ببلاد الحرب ناقضا للأمان ثم أسلم بدار الحرب فأحرز ماله ونفسه حكم عليه بالجناية والدين
الذي لزمه في دار الاسلام (قال الشافعي) وكل هذا لا يخالف الأمان يملك وهو رقيق لأن الرقيق لا
يملك إلا لسيده، وهو في هذه الأحوال كلها مالك لنفسه ويخالف لأن يجنى عليه وهو محارب غير
مستأمن ببلاد الحرب وجنايته كلها في هذه الأحوال هدر (قال الشافعي) ولو جنى مسلم جناية فلزمته
في ماله ثم ارتد ولحق بدار الحرب فكان حيا أو ميتا أو قتل على الردة كانت الجناية في ماله ولم يغنم من
ماله شئ حتى تؤدى جنايته وما لزمه في ماله (قال الشافعي) وإذا جنى الذمي على نصراني فتمجس
النصراني بعدما يجنى عليه ثم مات مجوسيا فقد قيل فعلى الجاني الأقل من أرش جراح النصراني ومن
دية المجوسي وقيل عليه دية مجوسي أو القود من الذمي الذي جنى عليه لأنه كافر، و إن تمجس فهو
ممنوع الدم بالعقد المتقدم وليس كالمسلم يرتد لأن رجلا لو قتل المسلم مرتدا لم يكن عليه شئ وهذا لو
قتل مرتدا عن كفر إلى كفر كان على قاتله الدية إن كان مسلما والقود إن كان كافرا (قال الشافعي)
وهكذا (1) إن جنى نصراني فتزندق أو دان دينا لا تؤكل ذبيحة أهله وقد قيل على الجاني عليه إذا غرم

(1) قوله: جنى نصراني، هكذا في النسخ، ولعل الناسخ أسقط " على " قبل نصراني، فانظر. كتبه
مصححه.
49

الدية الأقل من أرش ما أصابه نصرانيا ودية مجوسي وقيل عليه دية مجوسي (قال الشافعي) ولو جنى
عليه نصرانيا فتهود أو يهوديا فتمجس فقد قيل عليه الأقل من قيمة جرحه نصرانيا أو ديته مجوسيا وقيل
عليه دية مجوسي وكان كرجوعه إلى المجوسية لأنه يرتد عن دينه الذي كان يقر عليه إلى دين لا يقر عليه
(قال الشافعي) وإذا جنى النصراني على النصراني أو المشرك الممنوع الدم خطأ فعلى عاقلته أرش
جنايته، وإن ارتد النصراني الجاني عن النصرانية إلى مجوسية أو غيرها فمات المجني عليه غرمت عاقلة
الجاني الأقل من أرش الجناية وهو نصراني أو دية مجوسي لأنهم كانوا ضمنوا أرش الجرح وهو على دينهم
فإن كان الجرح موضحة فمات منها المجني عليه بعد أن يرتد الجاني إلى غير النصرانية ضمنت عاقلته أرش
موضحة وضمن في ماله زيادة النفس على أرش الموضحة فإن لم تزد النفس على الموضحة بشئ حتى
تحول حال المجني عليه إلى غير دينه ضمنت العاقلة كما هي أرش الموضحة للزومها لها يوم جنى صاحبها
(قال الشافعي) ولو جنى نصراني على مسلم أو ذمي موضحة ثم أسلم الجاني ومات المجني عليه ضمنت
عاقلته من النصارى أرش الموضحة وضمن الجاني في ماله الزيادة على أرش الموضحة لا يعقل عاقلة
النصراني ما زادت جنايته وهو مسلم لقطع الولاية بين المسلمين والمشركين وتغرم ما لزمها من جراحه وهو
على دينها ولا يعقل المسلمون عنه زيادة جنايته لأن الجناية كانت وهو مشرك والموت بالجناية كان وهو
مسلم، وهكذا لو أسلم هو وعاقلته لم يعقلوا إلا ما لزمهم وهو على دينهم (قال الشافعي) ولو جنى
نصراني على رجل خطأ ثم أسلم النصراني الجاني فلم يطلب الرجل جنايته إلا والجاني مسلم فإن قالت له
عاقلته من النصارى جنى عليك مسلما وقال المسلمون جنى عليك مشركا كان القول قولهم معا في أن لا
يضمنوا عنه مع إيمانهم وكانت الدية في مال الجاني إلا أن تقوم بينة بحاله يوم جنى فتعقل عنه عاقلته من
النصارى إن كان نصرانيا ما لزمه في النصرانية ويكون ما بقي في ماله أو بينة بأنه جنى مسلما فيعقل عنه
المسلمون إن كان له فيهم عاقلة، وإذا رمى النصراني إنسانا فلم تقع رميته حتى أسلم فمات المرمى لم تعقل عنه
عاقلته من النصارى لأنه لم يجن جناية لها أرش حتى أسلم ولا المسلمون لأن الرمية كانت وهو غير مسلم
وكانت الجناية في ماله (قال الشافعي) ولو أن نصرانيا تهود أو تمجس ثم جنى لم تعقل عنه عاقلته من
النصارى لأنه على دين لا يقر عليه ولا اليهود ولا المجوس لأنه لا يقر على اليهودية ولا المجوسية معهم وكان
العقل في ماله، وهكذا لو رجع إلى دين غير دين النصرانية من مجوسية أو غيرها ولا تعقل عنه إذا بدل
دينه عاقلة واحد من النصفين إلا أن يسلم ثانية ثم يجنى فيعقل عنه المسلمون بالولاية بينه وبينهم (قال
الشافعي) وإذا جنى الرجل مجوسيا فقتل ثم أسلم الجاني بعد القتل ومات المجني عليه ضمن عنه المجوس
الجناية لأنها عاقلته من المجوس كانت وهو مجوسي إذا كانت الجناية خطأ فإن كانت الجناية عمدا فهي
في مال الجاني ولا تضمن عاقلة مجوسي ولا مسلم إلا ما جنى خطأ تقوم به بينة (قال الربيع) وفيها قول
آخر: أنه إذا قتل وهو نصراني فقتل نصرانيا ثم أسلم أن عليه القود لأن النفس المقتولة كانت مكافئة
بنفس القاتل حين قتل وليس إسلامه الذي يزيل عنه ما قد وجب عليه قبل أن يسلم (قال الشافعي)
والقود بين كل كافرين لهما عهد سواء كانا ممن يؤدى الجزية أو أحدهما مستأمن أو كلاهما لأن كلا له
عهد ويقاد المجوسي من النصراني واليهودي، وكذلك كل واحد من المشركين ممنوع الدم يقاد من غيره
وإن كان أكثر دية منه كما يقاد الرجل من المرأة والمرأة من الرجل والرجل أكثر دية منها والعبد من العبد
وهو أكثر ثمنا منه.
50

ردة المسلم قبل يجنى وبعدما يجنى (1) وردة المجني عليه بعدما يجنى عليه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا جنى المسلم على رجل مسلم عمدا فقطع يده ثم ارتد الجاني ومات
المجني عليه أو قتله ثم ارتد القاتل بعد قتله لم تسقط الردة عنه شيئا ويقال لأولياء القتيل أنتم مخيرون بين
القصاص أو الدية فإن اختاروا الدية أخذت من ماله حالة وإن اختاروا القصاص استتيب المرتد فإن
تاب قتل بالقصاص وإن لم يتب قيل لورثة المقتول إن اخترتم الدية فهي لكم وهو يقتل بالردة وإن أبوا
إلا القتل قتل بالقصاص وغنم ماله لأنه لم يتب قبل موته (قال الشافعي) ولو كان قتله الرجل قبل يرتد
الجاني خطأ كان على عاقلته من المسلمين فإن جرحه مسلما ثم ارتد الجاني فمات المجني عليه بعد ردة
الجاني ضمنت العاقلة نصف الدية ولم تضمن الزيادة التي كانت بالموت بعد ردة الجاني فكان ما بقي
من الدية في ماله، وكذلك لو كانت جنايته موضحة ضمنت العاقلة نصف عشر الدية وضمن المرتد ما
بقي من الدية في ماله، وكذلك لو كانت جنايته الدية فأكثر ثم ارتد فمات المجني عليه ضمنت العاقلة
الدية كلها لأنها كانت ضمنتها والجاني مسلم ولم يزد الموت بعد ردة صاحبها عليها شيئا إنما يغرم بالموت ما
كان يغرم بالحياة أو أقل (قال الشافعي) ولو جنى وهو مسلم فقطع يدا ثم ارتد ثم أسلم ثم مات ومات
المجني عليه ضمنت العاقلة نصف الدية ولم يضمنوا الموت لأن الجاني ارتد فسقط عنهم أن يعقلوا عنه كما
لو كان مرتدا فجنى لم يعقلوا عنه ما جنى. فأما ما تولد من جنايته وهو مرتد ففي ماله (قال الشافعي)
وفيها قول آخر أن يعقلوا عنه لأن الجناية والموت كان وهو المسلم (قال الربيع) والقول الثاني أصحهما
عندي (قال الشافعي) وإذا جنى الرجل الذي قد عرف إسلامه (جناية فادعى عاقلته أنه جنى مرتدا
فعليهم البينة فإن أقاموها سقط عنهم العقل وكان في ماله وإن لم يقيموها لزمهم العقل (قال الشافعي)
ولو كان حين رفع الجناية إلى الحاكم مرتدا فمات فقالت العاقلة جنى وهو مرتد كان القول قولهم مع
أيمانهم حتى تقوم البينة بأن الجناية كانت وهو مسلم، ولو جنى جناية ثم قام بينة أنه ارتد ثم عاد إلى
الاسلام ولم يوقت وقتا كان القول قول العاقلة إلا أن تقوم بينة أنه جنى وهو مسلم. وإذا ارتد الرجل عن
الاسلام ثم رمى بسهم فأصاب به رجلا خطأ ولم يقع به السهم حتى رجع المرتد إلى الاسلام لم تعقل
العاقلة عنه شيئا وكانت الجناية عليه في ماله لأن مخرج الرمية كان وهو ممن لا يعقل عنه وإنما يقضى
بالجناية على العاقلة إذا كان مخرجها وموقعها والرجل يعقل.
ردة المجني عليه وتحول حاله
(قال الشافعي) وإذا ارتد الرجل عن الاسلام فرماه رجل ولم تقع الرمية به حتى أسلم فمات منها
أو جرحه بالرمية فلا قصاص على الرامي لأن الرمية كانت وهو ممن لا عقل ولا قود وعليه الدية في ماله
حالة إن مات وأرش الجرح إن لم يمت حالا لأنه عمد ولا تسقط الدية لأن مخرج الرمية كانت وهو
مرتد كما لو أن رجلا رمى رجلا ثم أحرم فأصابت الرمية بعد الاحرام صيدا ضمنه ولم يكن في أقل من

(1) قوله: وردة المجني عليه، ترجم لهذا ولم يتعرض له في المترجم، وسيأتي له إفرادة بترجمة، فلعل ما هنا
من زيادة الناسخ. كتبه مصححه.
51

معنى أن يرمى غرضا فيصيب رجلا وهكذا لو رمى نصرانيا أو مجوسيا فأسلم المرمى قبل أن تقع الرمية لم
يقد لخروج الرمية وهو غير مسلم وكانت عليه دية مسلم إن مات من الرمية أو أرش مسلم إن جرحت ولم
يمت منها (قال الشافعي) ولو رماه مرتدا أو ضربه ثم أسلم المرتد بعد وقوع الرمية أو الضربة ثم مات
مسلما لم يكن فيه عقل ولا قود من قبل أن وقوع الجناية كانت وهي مباحة ولم يحدث الجاني عليه شيئا
بعد الجناية غير الممنوعة فيضمن وكذلك أن يأمر الرجل الرجل فيختنه أو يشق جرحه أو يقطع عضوا له
لدواء فيموت فلا يضمن شيئا وكما يقام الحد على الرجل فيموت فلا يضمن الحاكم شيئا (قال
الشافعي) ولو قطع يد مرتد فأسلم المرتد ثم عدا عليه فجرحه جرحا فمات من الجرحين لم يكن فيه قود إلا
أن تشاء ورثته إبطال حقهم من الدية وطلب القود من الجرح الذي كان بعد إسلامه فيكون لهم وكان
عليه إن أرادوا الأرش نصف الدية في ماله إذا كان الجرح عمدا وأبطلنا النصف لأنه كان وهو مرتد
فجعلنا الموت من جناية غير ممنوعة وجناية ممنوعة فضمناه النصف (قال الشافعي) وهكذا لو كان الجاني
عليه بعد الاسلام غير الجاني عليه قبله ضمنه نصف ديته (قال الشافعي) ولو جنى رجل على نصراني
فقطع يده عمدا ثم أسلم النصراني ثم مات بعد إسلامه لم يكن عليه قود لأن الجناية كانت وهو ممن لا
قود له وكانت عليه دية مسلم تامة حالة في ماله وإن كانت جنايته خطأ كانت على عاقلته في ثلاث سنين
دية مسلم تامة (قال الشافعي) فإن قيل: فلم فرقت بين هذا وبين المرتد يجنى عليه مرتدا ثم أسلم ثم
يموت؟ فقلت: الموت كان من الجناية الأولى لم يحدث الجاني بعدها شيئا فيغرم به ولم تقل في هذا
الموت من الجناية الأولى فتغرمه دية نصراني قيل له إن جنايته على المرتد كانت غير ممنوعة بحال فكانت
كما وصفت من حد لزم فأقيم عليه فمات أو رجل أمر طبيبا فداواه بحديد فمات فلا شئ عليه لأنه كان
غير ممنوع بكل حال من أن يجنى عليه فخالف النصراني ولما كانت الجناية على النصراني محرمة ممنوعة
بالذمة ودار الاسلام وحكم بالقود من مثله وترك القود من المسلم ويلزمه بها عقل معلوم لم يجز في الجاني
إلا أن يضمن الجناية وما تسبب منها وكانت في أكثر من معنى الرجل يعزر في غير حد فيموت فيضمن
الحاكم ديته ويموت بأن يضرب في الخمر ثمانين فيغرم الحاكم ديته في بيت المال أو على عاقلته.
تحول حال المجني عليه بالعتق والجاني يعتق بعد رق
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا جنى الرجل على العبد جناية عمدا ثم أعتق العبد بعد
الجناية ثم مات فلا قود على الجاني إذا كان حرا مسلما أو ذميا أو مستأمنا، وعلى القاتل دية حر حالة في
ماله دون عاقلته (قال الشافعي) فإن كانت الجناية قطع يد فمات منها غرم القاطع دية العبد تاما فكان
لسيد العبد منها نصف قيمة العبد يوم جنى عليه بالغة ما بلغت والبقية من الدية لورثة العبد الأحرار لأن
العبد أعتق قبل الموت (قال الشافعي) وهكذا لو كانت موضحة أو غيرها جعلت له ما ملك بالجناية وهو
مملوك ولم أجعل له ما ملك بالجناية بالموت وهو خارج من ملكه (قال الشافعي) ولو كانت الجناية فق ء
عيني العبد أو إحداهما وكانت قيمة العبد مائتين من الإبل أو ألفي دينار تسوى مائتين من الإبل لم يكن
فيه إلا دية حر لأن الجناية تتم بموته منها إذا مات حرا لا مملوكا وكانت الدية كلها لسيده دون ورثته لأن
السيد ملك الدية كلها أو أكثر منها بالجناية دون الموت إلا أن الأكثر سقط بموت العبد المجني عليه حرا
(قال الشافعي) وإنما ضمنت الجاني دية حر لأن العبد كان ممنوعا بكل حال من أن يجنى عليه فضمنته
52

ما حدث في الجناية الممنوعة كما وصفت في الباب قبله (قال الشافعي) ولو جنى رجل على عبد فقطع
يده وقيمة العبد مائة من الإبل ثم عتق فجنى عليه وهو حر أو غيره فقطع رجله ثم مات من الجنايتين
ضمنا معا إن كانا اثنين دية حر، وكذلك إن كان الجاني واحدا ضمن دية حر فنصف قيمة العبد منها
لسيده الذي أعتقه وما بقي لورثة المقتول المعتق ما كانت نصف قيمته مملوكا ما بينه وبين نصف دية حر
أو أقل فإن زادت على نصف ديته لم يجز والله أعلم إلا أن يرد إلى نصف دية حر من قبل أنا لو
أعطيناه أكثر من نصف ديته حرا أبطلنا الجناية الثانية على العبد بعد أن صار حرا أو بعضها وهو إنما مات
منهما معا فلا يجوز أن يكون للسيد منها إلا نصف دية حر أو أقل إذا كانت جنايتين (قال الشافعي) ولو
جنى عليه واحد قبل الحرية فقطع يده وثان بعد الحرية فقطع رجله وثالث بعد الحرية فقطع رجله كان
على الجاني الأول ثلث ديته حرا لأني أضمنه دية حر ولو كان من جنى عليه عبدا ثم أعتق فمات وهو
قاتل مع اثنين فعليه ثلث الدية وفيما لسيده من الدية قولان أحدهما أن له عليه الأقل من نصف قيمته عبدا
أو ثلث الدية لا أجعل له أكثر من نصف قيمته عبدا ولو كانت لا تبلغ بعيرا من قبل أنه لم يكن في
ملكه جناية غيرها ولا أجاوز به ثلث ديته حرا لو كانت نصف قيمته عبدا تبلغ مائة بعير من أجل أنها
قد تنقص بالموت وأن حظ الجاني عليه عبدا من ديته ثلثها، والقول الثاني أن لسيده الأقل من ثلث
قيمته عبدا أو ثلث ديته حرا لأنه مات من جناية ثلاثة وإنما قلت ثلث ديته حرا على قاطع يده لأن
الدية صارت دية حر وكان الجانون ثلاثة على كل واحد ثلث ديته ولا يختلف، ولو كان مات مملوكا
كان الجواب فيها مخالفا (قال الشافعي) وهكذا لو جنى عليه أربعة أو عشرة أو أكثر جعلت على الجاني
عليه عبدا إذا مات حرا حصته من دية حر ولسيده الأقل مما لزم الجاني عليه عبدا من الدية أو أرش جرحه
عبدا إذا مات كأن جرحه جرحا فيه حكومة بعير وهو عبد ولزمه عشر من الإبل أو أكثر بالحرية والموت
من الجرح ومن جرح غيره فلا يأخذ سيده إلا البعير الذي لزم بالجرح وهو عبده (قال) ولو جرحه اثنان
أو أكثر عبدا ومن بقي حرا كان هكذا (قال الشافعي) ولو قطع رجل يد عبد ثم أعتقه سيده ثم ارتد
العبد المقطوع عن الاسلام ثم مات ضمن الجاني عليه نصف قيمته عبدا إلا أن يجاوز نصف قيمته عبدا
ديته حرا مسلما فيرد إلى دية حر مسلم ويعطى ذلك كله سيده (قال الشافعي) وإنما أعطيت ذلك سيده
لأن أرش الجناية كانت لسيده تامة وهو مملوك مسلم ممنوع بالاسلام فلما عتق كانت زيادة لو كانت على
الأرش لورثة الميت لو كان الموت يوم كان مسلما لم يكن له إلا دية حر فكانت دية حر تنقص من أرش
اليد مملوكا نقص سيده فلما مات مرتدا أبطل حقه في الموت بالردة فلم يجز إلا أن نبطل الجناية الثانية
بالردة ولا نجاوز بها دية حر وهو لو مات مسلما لم يكن له أكثر منه.
جماع القصاص فيما دون النفس
(قال الشافعي) رحمه الله ذكر الله ما فرض على أهل التوراة فقال عز وجل (وكتبنا عليهم فيها أن
النفس بالنفس) إلى قوله (فهو كفارة له) وروى في حديث عن عمر أنه قال رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يعطى القود من نفسه وأبا بكر يعطى القود من نفسه وأنا أعطى القود من نفسي (قال
الشافعي) ولم أعلم مخالفا في أن القصاص في هذه الأمة كما حكم الله عز وجل أنه حكم به بين أهل
التوراة ولم أعلم مخالفا في أن القصاص بين الحرين المسلمين في النفس وما دونها من الجراح التي يستطاع
فيها القصاص بلا تلف يخاف على المستقاد منه من موضع القود (قال) والقصاص مما دون النفس
53

شيئان جرح يشق بجرح وطرف يقطع بطرف (قال الشافعي) فإذا شج رجل رجلا موضحة أخذت ما
بين قرني المشجوج والمشجوج أوسع ما بين قرنين من الشاج (1) فكانت أخذت ما بين أذني الشاج
فيكون بقياس طولها أخذ للمشجوج ما بين منابت شعر الرأس إلى منتهى الاذنين والرأس عضو كله ولا
يخرج عن منابت الشعر شيئا لأنه عضو واحد لا يخرج القود إلى غيره (قال الشافعي) و كذلك كل
عضو يؤخذ بطول السير فيه ولا يخرج إلى غيره (قال) وإن كان الشج أوسع ما بين قرنين من المشجوج
وقد أخذت الشجة قرني المشجوج خير المشجوج بين أن يوضع له السكين من قبل أي قرنيه شاء ثم يشق
له ما بين قرنيه حتى ينتهى إلى قدر طولها (2) بالغا ذلك ما بين قرنيه ما بلغ نصفها أو ثلثها أو أكثر أو أقل
لا يزاد على طول شجته (قال الشافعي) وإن شج رجل رجلا موضحة أخذت ما بين منتهى منابت
رأس المشجوج من قبل وجهه إلى منتهى منابت رأسه من قفاه وهي نصف ذلك من الشاج أخذ له
نصف رأسه وخير المشجوج فبدئ له إن شاء من قبل وجهه وإن شاء فمن قبل قفاه وإن كان الشاج
أصغر رأسا من المشجوج أخذ له ما بين وجهه إلى قفاه وأخذ له بفضل أرش الشجة وكان كرجل شج
اثنين فأخذ أحدهما القصاص والآخر الأرش حين لم يجد موضعا للقصاص وإن سأل المشجوج أن يعاد
له الشق في رأسه حتى يستوظف له طول شجته لم يكن له لأنا قد استوظفنا له طول العضو الذي شج
منه وجهة واحدة فلا يفرقها على الشاج في موضعين ولا يزيلها عن موضع نظيرها وهذا هكذا في الوجه
ولا يدخل الرأس مع الوجه ولا يدخل العضد ولا الكف مع الذراع ويستوظف الذراع حتى يستوفى
للمجروح قد جرحه منها فإن فضل له فضل أخذ له أرش الجناية وهكذا الساق لا يدخل معها قدم ولا
فخذ لأن كل عضو منه غير الآخر (قال الشافعي) وإن برأ جرح المجني عليه أولا غير حسن البرء أو غيره
ملتئم الجلد وبرأ المستقاد منه حسنا ملتئما فلا شئ للمجني عليه إذا أخذ له القصاص غير القصاص
(قال) وإن شجه شجة متشعبة شج مثلها كما لو شجه شجة مستوية شج مثلها (قال الشافعي) ولكل
قصاص غاية بما وصفت وإن شج رجل رجلا موضحة فقياسها أن يشق ما بين الجلد والعظم فإن
هشمت العظم أو كسرته حتى ينتقل أو أدمته فسأل المشجوج أن يقص له لم يقص له من هاشمة ولا
منقلة ولا مأمومة لأنه لا يقدر على أن يؤتى بالقطع منه بكر العظم ولا هشمه كما يؤتى بالشق في جلد
ولحم (قال الشافعي) وكذلك لا يقاد من كسر أصبع ولا يد ولا رجل لما دونه من جلد ولحم وأنه لا
يقدر على أن يؤتى بالكسر كالكسر بحال وأن المستقاد منه ينال من لحمه وجلده خلاف ما ينال من لحم
المجني عليه وجلده وكذلك لا قصاص ممن نتف شعرا من لحية ولا رأس ولا حاجب وإن لم ينبت وإن
قطع من هذا شيئا بجلده قيل لأهل العلم بالقصاص إن كنتم تقدرون على أن تقطعوا له مثله بجلدته
فاقطعوه وإلا فلا قصاص فيه وفيه الأرش (قال الشافعي) وإذا شج رجل رجلا موضحة وهاشمة (3)
أو مأمومة فسأل المشجوج القصاص من الموضحة وأرش ما بين الموضحة والهاشمة إن كان شجها أو
المنقلة أو المأمومة إن كان شجها فذلك له لأنه شجه موضحة أو أكثر (قال الشافعي) وإذا شج رجل
رجلا ما دون موضحة فلا قصاص فيه من قبل أنها ليست بمحدودة لو أخذ بها بعمق شجة

(1) قوله: فكانت اخذت الخ كذا في الأصل ولا نأمن عليه من التحريف.
(2) قوله: بالغا ذلك ما بين الخ كذا في النسخ وينتظر التركيب. كتبه مصححه.
(3) قوله: أو مأمومة لعله سقط قبل من قلم الناسخ " أو منقلة " كما يؤخذ من التفصيل بعد.
54

المشجوج (1) وكانت توضح من الشاج لاختلاف غلظ اللحم والجلد أو رقتهما من الشاج والمشجوج مرة
مثل نصف عمق الرأس من الشاج أقل أو أكثر وقد أخذت من الآخر قريبا من موضحة وعليه في ذلك
الأرش وإذا أصاب الرجل الرجل بجرح دون النفس فيه قود أو قطع له طرفا فسواء بأي شئ أصابه
من حديدة أو حجر وقطع بيده وغيره ولو لوى أذنه حتى يقطعها أو جبذها بيده حتى يقطعها أو لطم
عينه ففقأها أو وخزه فيها بعود ففقأها أو ضربه بحجر خفيف أو عصا خفيفة فأوضحه فعليه في هذا كله
القصاص ولا يشبه هذا النفس (قال الشافعي) ولو أن رجلا لطم عين رجل فذهب بصرها لطمت
عين الجاني فإن ذهب بصرها وإلا دعى له أهل العلم بما يذهب البصر فعالجوه بأخف ما عليه في ذهاب
البصر حتى يذهب بصره (قال) ولو لطم رجل عين رجل فأذهب بصرها أو ابيضت أو ذهب بصرها
وندرت حتى كانت أخرج من عينه قيل لأهل العلم إن استطعتم أن تذهبوا بصر عين الجاني وتبيض أو
تذهبوا بصرها وتصير خارجة كعين هذا فافعلوا وإلا فابلغوا ذهاب البصر وما استطعتم من هذا ولا يجعل
عليه للشين شئ لأنه قد استوفى بذهاب البصر كل ما في العين مما يستطاع (قال الشافعي) وهكذا لو
قطع يده أو أصبعا فشان موضع القطع أو قبح بعد البرء أقيد منه ولم يكن له فيما قبح شئ وهكذا لو
كان هذا في أذن أو غيرها (قال الشافعي) ولو ضرب رجل رجلا ضربة واحدة فأخذت فترا من رأسه
فأوضح طرفاها ولم يوضح ما بينهما ولكنه شق اللحم أو الجلد أو أوضح وسطها ولم يوضح طرفها اقتد مما
أوضح بقدره وجعلت له الحكومة فيما لم يوضح والله أعلم.
تفريع القصاص فيما دون النفس من الأطراف
(قال الشافعي) رحمه الله القصاص وجهان طرف يقطع وجرح يبط ولا قصاص في طرف من
الأطراف (2) يقطع من مفصل لأنه لا يقدر على القطع من غير المفاصل حتى يكون قطع كقطع بلا
تلف يقضى به القاطع إلى غير موضعه (قال الشافعي) وكل نفس قتلتها بنفس، لو كانت قاتلتها
أقصصت بينهما ما دون النفس (قال الشافعي) وأقص للرجل من المرأة وللمرأة من الرجل بلا فضل
مال بينهما، والعبيد بعض وإن تفاوتت أثمانهم، ولو أن عبدا أو حرا أو كافرا جرح مسلما
أقصصت المجروح منه إن شاء لأني أقتله لو قتله، ولو كان الحر المسلم قتل كافرا أو جرحه أو عبدا أو
جرحه لم أقصه منه (قال الشافعي) والقصاص من الأطراف باسم لا بقياس من الأطراف فتقطع اليد
باليد والرجل بالرجل والاذن بالاذن والأنف بالأنف وتفقأ العين بالعين وتقلع السن بالسن لأنها
أطراف، وسواء في ذلك كله كان القاطع أفضل طرفا من المقطوع أو المقطوع أفضل طرفا من القاطع
لأنها إفاتة شئ كإفاتة النفس التي تساوى النفس بالحياة والاسم وهذه تستوى بالأسماء والعدد لا
بقياس بينهما ولا بفضل لبعضها على بعض، وإذا قطع الرجل أنف رجل أو أذنه أو قلع سنه فأبانه،
ثم إن المقطوع ذلك منه ألصقه بدمه أو خاط الانف أو الاذن أو ربط السن يذهب أو غيره فثبت وسأل
القود فله ذلك لأنه وجب له القصاص بإبانته (قال الشافعي) وإن لم يثبته المجني عليه، أو أراد إثباته

(1) قوله: وكانت توضح الخ لا نجزم بصحة العبارة لكون النسخ هنا مضطربة والغالب عليها التحريف فعليك
بالتثبيت.
(2) لعل الصواب: يقطع من غير مفصل، فانظر وحرر. كتبه مصححه.
55

فلم يثبت وأقص من الجاني عليه فأثبته فثبت لم يكن على الجاني أكثر من أن يبان منه مرة، وإن سأل
المجني عليه الوالي أن يقطعه من الجاني ثانية لم يقطعه الوالي للقود لأنه قد أتى بالقود مرة إلا أن يقطعه
لأنه ألصق به ميتة (قال الشافعي) وإن شق شيئا من هذا فألصقه بدمه لم أكره ذلك له ويشق من
الشاق وإن قدر على أن يأتي بمثله ويقول يلصقه فإن لصق من الشاج ولم يلصق من المشجوج أو من
المشجوج، ولم يلصق من الشاج، فلا تباعة لواحد منهما على صاحبه (قال الشافعي) والوجه الثاني من
القصاص الجراح بالشق فإذا كان الشق فهو كالجراح يؤخذ بالطول لا باستيظاف طرف فإن قطع رجل
من رجل طرفا فيه شئ ميت بشلل أو غيره أو شئ مقطوع كأن قطع يده وفيها إصبعان شلاوان لم تقطع
يد الجاني بها وفيها إصبعان شلاوان ولو رضى ذلك القاطع وإن سأل المقتص له أن يقطع له أصابع
القاطع الثلاث ويؤخذ له حكومة الكف والإصبعين الباقيتين كان ذلك له (قال الشافعي) ولو كان
القاطع هو أشل الإصبعين والمقطوع تام اليد خير المقتص له بين أن يقطع يده بيده ولا شئ له غير ذلك
أو تقطع له أصابعه الثلاث ويأخذ أرش إصبعين وإنما لم أجعل له إذا قطع كفه غير ذلك لأنه قد كان
بقي جمال الإصبعين الشلاوين وسدهما موضعهما (قال الشافعي) ولو كان القاطع مقطوع الإصبعين
قطعت كفه وأخذت للمقطوعة يده أرش إصبعين تامين (قال الشافعي) ولو أن رجلا أقطع أصابع اليد
إلا إصبعا واحدة قطع إصبع رجل أقيد منه، ولو قطع كف رجل كان له القود في الكف وأرش أربعة
أصابع، ولو كان المجني عليه أقطع أصابع الكف إلا إصبعا فقطع يده رجل صحيح اليد فسأل القود
اقص منه من الإصبع وأعطى حكومة في الكف، ولو كان أقطع أصبع واحدة فقطعت كفه أقص من
أربع أصابع وأخذت له حكومة في كفه (قال الشافعي) ولا أبلغ بحكومة كفه دية أصبع لأنها تبع في
الأصابع كلها وكلها مستوية فلا يكون أرشها كأرش واحدة منها (قال الشافعي) وإذا كانت لرجل
خمس أصابع في يده فقطع تلك اليد رجل له ست أصابع فسأل المقطوعة يده القود، لم يكن ذلك
له لزيادة أصبع القاطع على أصبع المقطوع (قال الشافعي) ولو كان الذي له ستة أصابع هو المقطوع،
والذي له الخمس هو القاطع اقتص له منه وأخذت له في الإصبع الزائدة حكومة لا أبلغ بها دية أصبع
لأنها زيادة في الخلق (قال الشافعي) ولو أن رجلا له خمس أصابع أربعة منها إبهام ومسبحة ووسطى
والتي تليها وكانت خنصره عدما وكانت له أصبع زائدة في غير موضع الخنصر فقطع رجل تام اليد يده
فسأل القود لم يقد منه لأن عدد أصابعهما وإن كان واحدا فإن للمقطوعة يده أصبعا زائدة وهو عدم
أصبعا من نفس كمال الخلق (1) هو القاطع وسأل المقطوعة يده القود كان له القود لأن الذي يؤخذ له
أقل من الذي أخذ منه وإن سأل الأرش مع القود لم يكن له لأنه قد أخذ له عدد وإن كان فيه أقل مما
أخذ منه، ولو أن رجلا مقطوع أنملة أصبع وأنامل أصابع قطع يد رجل تام الأصابع فسأل المقطوعة
يده القود مع الأرش أو الأرش كان ذلك له ونقص الأنملة والأنامل كنقص الإصبع والأصابع وإن
كان المقطوع الأنملة والأنامل هو المقطوعة يده وسأل القود لم يكن ذلك له لنقص أصابعه عن أصابع
القاطع ولو لم يكن واحد منهما مقطوع أنملة ولا الأنامل ولكن كان أسود أظفار الأصابع ومستحشفها أو
كان بيده قرح جذام أو قرح أكلة أو غيره إلا أنه لم يذهب من الأطراف شئ ولم يشلل كان بينهما

(1) قوله: هو القاطع كذا في النسخ، ولا ارتباط بينه وبين ما قبله، فلعله سقط من الناسخ أول الفرع
وهو " ولو كان هو القاطع الخ " كتبه مصححه.
56

القصاص في كل شئ ما لم يكن الطرف مقطوعا أو أشل ميتا فأما العيب سواه إذا كانت الأطراف حية
غير مقطوعة فلا يمنع القصاص ولا ينقص العقل (قال الشافعي) رحمه الله وهكذا الفتح في الأصابع
وضعف خلقتها أو أصولها وتكرشها وقصرها وطولها واضطرابها وكل عيب منها مما ليس بموت بها ولا قطع
فلا فضل في بعضها على بعض في الدية والقود إذا كانت نسبتها كنسبة أيدي الناس فإذا ضرب الحر
المسلم يد الحر المسلم فقطعها من الكوع فطلب المضروبة يده القصاص أحببت أن لا أقص منه حتى تبرأ
جراحه لأنها لعلها أن تكون نفسا. فإن سأل ذلك قبل البرء أعطيته ذلك ولم أقص منه بضربة ودعوت
له من يحذق القطع فأمرته أن يقطعها له بأيسر ما يكون به القطع ثم تحسم يد المقطوع إن شاء وهكذا إن
قطعها من المرفق أو المكب لا يختلف، وهكذا إن قطع له أصبعا أو أنملة أصبع لا يختلف ذلك (قال
الشافعي) ولا أقيد يمنى من يسرى ولا خنصرا من غير خنصر يدها أو رجلها، وهكذا في هذا أن يقطع
رجله من مفصل الكعب أو مفصل الركبة. فإن قطعها من مفصل الورك سألت أهل العلم بالقطع هل
يقدرون على أن يأتوا بقطعها من مفصل الورك بلا أن يكون جائفة؟ فإن قالوا نعم أقصصت منه وهكذا
إن نزع يده بكتفه أقدته منه إن قدروا على نزع الكتف بلا أن يحيفه، فإن قطع يده من فوق المفصل أو
رجله أو أصبعا من أصابعه فسأل المقطوعة يده القود قيل له إن سألت من الموضع الذي قطعك منه فلا
قود لأنه ليس من مفصل وذلك أن ذلك لا يقطع إلا بضربة جامعة يرفع بها الضارب يده. وإذا فعل
ذلك لم يكن على إحاطة من أن يقع موقع ضربته لك ولو قلت ينخفض حتى يرجع إلى في أقل من
حقي قيل قد لا تقطع الضربة في مرة ولا مرار لأن العظم ينكسر فيصير إلى أكثر مما نالك به أو يحز والحز
إنما يكون في جلد ولحم. ولو حز في العظم كان عذابا غير مقارب لما أصابك به وزيادة انكسار العظم
كما وصفت، ويقال له إن سألت أن تقطع يده لك من المفصل أو رجله وتعطى حكومة بقدر ما زاد
على اليد والرجل فعلنا. فإن قيل فأنت تضع له السكين في غير موضعه الذي وضعها به قلت نعم هي
أيسر على المقتص منه من الموضع الذي وضعها به من المقتص له وفي غير موضع تلف ولم أتلف بها إلا
ما أتلف الجاني عليه بمثله وأكثر منه. وهكذا في الرجل والإصبع إذا قطعها من فوق الأنملة فإن قطع
إصبعا من دون الأنملة فلا قود بحال وفيها حساب ما ذهب من الأنملة، وإن قطع يدا من نصف الكف
أو رجلا، كذلك فقطع معها الأصابع فإن سأل القصاص من الأصابع أقصصت به، وإن سألها من
العظم الذي أصاب فوق الأصابع لم أعطه كما وصفت قبل هذا (قال الشافعي) وإن شق الكف حتى
ينتهى إلى المفصل فسأل القصاص سألنا أهل العلم فإن قالوا نقدر على شقها، وكذلك أقصصناه وجعلنا
ذلك كشق في رأسه وغيره وكذلك إن شقها حتى المفصل، ثم قطعها من المفصل فبقي بعضها وقطع
بعضها شق قودا إن قدر وقطع من حيث قطع، وإن قطع له أصبعا فائتكلت الكف حتى سقطت كلها
فسأل القصاص قيل إن القصاص من أن يقطع من حيث قطع أو أقل منه فأما أكثر فلا فإن شئت
أقدناك من الإصبع وأعطيناك أرش الكف يرفع منها عشر من الإبل وهي حصة الإصبع وإلا فلك دية
الكف (قال الشافعي) ولو قطع له أصبعا كما وصفت فسأل القود منها وقد ذهبت كفه أو لم تذهب
وسأل القود من ساعته أقدته فإن ذهبت كف المجني عليه جعلت على الجاني أربعة أخماس ديتها لأني
رفعت الخمس للإصبع التي أقصصتها بها، فإن ذهبت كف المستقاد منه ونفسه لم أرفع عنه من أرش
المجني عليه شيئا لأن الجاني ضامن ما جنى وحدث منه والمستقاد منه غير مضمون له ما حدث من القود
لأنه تلف بسبب الحق في القصاص (قال الشافعي) وإن قطع رجل نصف كف رجل من المفصل
57

فائتكلت حتى سقطت الكف كلها فسأل القود قيل لأهل العلم بالقود هل تقدرون على قطع نصف كف
من مفصل كفه لا تزيدون عليه؟ فإن قالوا نعم قلنا: اقطعوها من الشق الذي قطعها منه ثم دعوها
وأخذنا للمجني عليه خمسة وعشرين بعيرا نصف أرش الكف مع قطع نصفها، وهكذا إن قطعها
حتى تبقى معلقة بجلدة أقيد منه وتركت له معلقة بجلدة فإن قال المستقاد منه اقطعوها لم يمنع المتطبب
قطعها على النظر له: وإذا قطع رجل يد رجل فأقدتاه منه ثم مات المستقيد منه قبل أن يبرأ من ذلك
الجرح وشهد أنه مات من تلك الجراح وسأل ورثته القود أقدناه بالنفس لأنه قاتل قاطع ألا ترى أنه لو
قطع يديه ورجليه فمات مكانه أو ذبحه خلينا بين الورثة وبين أن يأتوا بمن يقطع يديه ورجليه وخليناهم
وذبحه لأن الذبح إتلاف وحى (قال) وإن قطع رجل ذكر رجل من أصله فسأل القود قطع له ذكره
من أصله (قال الشافعي) ويقاد من ذكر الرجل إذا قطع ذكر الصبي أو الشيخ الكبير الذي لا يأتي
النساء أو ذكر الخصي ويقطع أنثى الفحل إذا قطع أنثى الخصي الذي لا عسيب له لأن كل ذلك
طرف لصاحبه كامل ويقطع ذكر الأغلف بذكر المختتن وذكر المختتن بذكر الأغلف فإن قطع
رجل إحدى أنثييه وبقيت الأخرى وسأل القود سألنا أهل العلم فإن قدروا على قطعها بلا ذهاب
الأخرى أقيد منه فإن قطعها بجلدها قطعت بجلدها وإن سلها سلت منه. وإن قطع رجل نصف ذكر
رجل ولذلك (1) فشبر ذكر القاطع فوجد أقل شبرا من نصف ذكر المقطوع أو ضعف ذكر المقطوع
فسواء وأقطع له نصف ذكره كان أقل شبرا من نصف ذكره أو أكثر إن كان يستطاع قطعه بلا تلف ولا
شئ له غير ذلك وهذا طرف ليس هذا كشق الجراح التي تؤخذ بشبر واحد لأنها لا تقطع طرفا وإن
قطع رجل أحد شقي ذكر رجل قطع منه مثل ذلك إن قدر عليه (قال الشافعي) رحمه الله: وأقيد من
ذكر الذي ينتشر بذكر الذي لا ينتشر ما لم يكن بذكر المقطوع ذكره نقص من شلل يوبسه ولا يكون
ينقبض ولا ينبسط أو يكون الذكر مكسورا إن كان كسر الذكر يمنعه من الانتشار فإذا كان ذلك لم يقد
به ذكر صحيح وإذا قطع الرجل أنف الرجل من المارن قطع أنفه من المارن وسواء كان أنف القاطع
أكبر أو أصغر من أنف المقطوع لأنه طرف، وإن قطعه من دون المارن قدر ما ذهب من أنف المقطوع ثم
أخذ له من أنف القاطع بقدره من الكل إن كان قدر مارن المقطوع قطع قدر نصف مارنه ولا يقدر
بالشبر كما وصفت في الأطراف الذكر وغيره، وإن قطع من أحد شقى الانف قطع من إحدى شقيه كما
وصفت، وان قطع رجل انف رجل من العظم فلا قود في العظم وان أراد قطعنا له المارن وأعطيناه
زيادة حكومة فيما قطع من العظم (قال الشافعي) ويقطع أنف الصحيح بأنف الأجذم وإن ظهر بأنفه
قرح الجذام ما يسقط أنفه أو شئ منه وكذلك يده بيده وإن ظهر فيها قرح الجذام ما لم تسقط
أصابعها وتقطع الاذن بالاذن وأذن الصحيح بأذن الأصم لا فضل بينهما على الآخر لأنهما طرفان ليس
فيهما سمع وإن قطع بعض الاذن قطعت منه بعض أذنه كما وصفت إن قطع نصفا أو ثلثا قطع منه نصفا
أو ثلثا وسواء كانت أذنه أكبر أو أصغر من أذن المقطوعة أذنه لأنها طرف وتقطع الاذن الصحيحة التي
لا ثقب فيها بالاذن المثقوبة ثقبا لقرط وشنف وخربة ما لم تكن الخربة قد خرمتها فإن كانت الخربة قد
خرمتها لم تقطع بها الاذن. وقيل للأخرم إن شئت قطعنا لك أذنه إلى موضع خربتك من قدر أذنه

(1) قوله: ولذلك لعل هذه اللفظة من زيادة الناسخ.
58

وأعطيناك فيما بقي العقل وإن شئت فلك العقل وإن كان إنما قطعها وهي مخرمة لأن ذلك زين عندهم
كالثقب لا عيب فيه ولا جناية وإذا قلع رجل سن رجل قد ثغر قلعت سنه فإن كان المقلوعة سنه لم يثغر
فلا قود حتى يثغر فيتتام طرح أسنانه ونباتها فإذا تتام ولم تنبت سنه سئل أهل العلم عن الأجل الذي إذا
بلغه ولم تنبت سنه لم تنبت (1) فبلغه فإذا بلغناه ولم تنبت أقدناه منه، فإذا بلغناه وقد نبت بعضها أو لم
ينبت فلا قود، وله من العقل بقدر ما قصر نباتها يقدر إن كانت ثنية بالثنية التي تليها، فإن كانت
بلغت نصفها أخذ له بعيران ونصف، وإن بلغت ثلثها أخذ له ثلث عقل سن وإن قلع رجل لرجل سنا
زائدة أو قطع له أصبعا زائدة أو كانت له زنمة تحت أذنه زائدة فقطعها رجل فسأل القود فلا قود وفيها
حكومة، وإن كان للقاطع في موضع من هذا مثله ففيه القود سنا كان أو غير سن أو أصبع أو زنمة
وهكذا لو خلقت له أصبع لها طرفان فقطع أحد الطرفين فلا قود وفيها حكومة إلا أن يكون له أصبع
مثلها فيقاد منه: وإن قطع رجل أصبع رجل ولها طرفان أو أنملة ولها طرفان ولم يخلق للقاطع تلك
الخلقة فسأل المقطوع القود فهو له وزيادة حكومة إلا أن يكون طرفاها أشلاها فأذهبا منفعتها فلا قود.
وإن كان للقاطع مثلها وليست شلاء أقيد ولا حكومة، ولو كانت لإصبع القاطع طرفان وليس ذلك
لإصبع المقطوع فلا قود لأن أصبع القاطع كانت أكبر من أصبع المقطوع.
أمر الحاكم بالقود
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وينبغي للحاكم أن يعرف موضع رجل مأمون على القود وإذا
أمره به أحضر عدلين عاقلين فأمرهما أن يتعاهدا حديده ولا يستقيد إلا وحديده حديد مسقى لئلا
يعذب المستقاد منه وينبغي للحاكم أن يأمر المستقيد أن يختم على حديده لئلا يحتال فيسم فيقتل
المستقاد منه أو يزمنه. وكذلك لا ينبغي أن يكون بحديده علة من ثلم ولا وهن فيبطئ في رأس ولا وجه
حتى يكون عليه عذابا، وينبغي له أن يأمر العدلين إذا أقاد تحت شعر في وجه أو رأس أن يأمر بحلاق
الرأس أو موضع القود منه ثم يأخذ قياس شجة المستقاد له ويقدر رأسه ثم يضع مقياسها في موضعه من
رأس الشاج ثم يعلمه بسواد أو غيره ثم يأخذ المستقيد بشق ما شرط في العلامتين حتى يستوظف الشجة
ويأخذانه بذلك في عرضها وعمقها وينظر فإن كان شقا واحدا أيشر عليه فعل وإن كان شقه شيئا بعد
شئ أيسر عليه فعل، وإن قيل شقة واحدة أيسر عليه أجرى يده مرة واحدة فإذا خيفت زيادته أمر أن
يحرفها من الطرف الذي يأخذ منه إلى موضع لا يخاف فعله فإذا قارب منتهاها أبطأ بيده لئلا يزيد
شيئا. فإن أقاد وعلى المستقاد منه شعر فقد أساء ولا شئ عليه، وإنما أعني بذلك شعر الرأس واللحية
فأما إن كان القود في جسد وكان شعر الجسد خفيفا لا يحول دون النظر فأحب إلى أن يحلقه ون لم
يفعل فلا بأس إن شاء الله تعالى وإن كان كثيرا حلقه (قال الشافعي) ويؤمر بالمقتص منه فيضبط لئلا
يضطرب فتذهب الحديدة حيث لا يريد المقتص فإن أغفل ضبطه أو ضبطه أو ضبطه من لا يقوى منه على
الاضطراب في يديه فاضطرب والحديدة موضوعة في رأسه في موضع القود فذهبت الحديدة موضعا
آخر فهو هدر لأن المقتص له لم يعتد موضع القصاص، وإن ذهابها في غير موضعه بفعل المقتص منه

(1) قوله: فبلغه الخ في العبارة خفاء لا نأمن معه من تحريفها.
59

بنفسه (قال الشافعي) ويعاد للمقتص فيشق في موضع القود أو يقطع في موضعه إن كان القود قطعا
حتى يأتي على موضع القصاص فإذا كان القصاص جراحا أقص منه في مجلس واحد جرح بعد جرح
(قال الشافعي) ولو كان جرحها هو متفرقة أو جرحها من نفر بأعيانهم، وكذلك لو كان القصاص قطعا
أو جراحا وقطعا ليس فيه نفس إلا أن يكون في القصاص منه شئ إذا نيل منه كثير خيف عليه التلف
فيؤخذ منه مالا يخاف عليه ويحبس حتى يبرأ ثم يؤخذ منه الباقي فإن مات قبل أن يؤخذ فعقل الباقي
في ماله (قال الشافعي) وإن أصاب جراحا ونفسا من رجل أقيد منه في الجراح الأول فالأول في مقام
ما كانت وإن كانت مما يتخوف به التلف أخذت ثم أقيد فإن مات قبل القود فقد أتى على نفسه
ولا حق لورثة المستقاد له في ماله لأنه أتى على نفسه ولو كانت الجراح لرجل والنفس لآخر بدئ
بالجراح فأقص منها كما وصفت من الجراح إذا كانت لا نفس معها يؤخذ في مقام واحد ما ليس فيه
تلف حاضر ويحبس حتى يبرأ ثم يؤخذ الباقي إذا كان الباقي ليس فيه تلف فإن مات فقد قيل يضمن
أرش ما بقي من الجراح والنفس (قال الشافعي) وإن لم يكن في الجراح تلف أخذت كلها ثم دفع إلى
أولياء المقتول فقتلوه إن شاءوا (قال) ولو دفع إلى أولياء المقتول فقتلوه ضمن الجراح في ماله ولا يبطل
عنه القتل جراح من يقتل له (قال الشافعي) ولو كان جراحا لا نفس فيها لرجل فاقتص من جرح منها
فمات ضمن الجارح الميت ما بقي من أرش الجراح التي لم يقتص منه فيها وإن اجتمعت على رجل
حدود حد بكر في الزنا وحد في القذف وحد في سرقة يقطع فيها وقطع طريق يقطع فيه أو يقتل وقتل
رجل بدئ بحق الآدميين فيما ليس فيه قتل ثم حق الله تبارك وتعالى فيما لا نفس فيه ثم كان القتل من
ورائها يحد أولا في القذف ثم حبس فإذا برأ حد في الزنا ثم حبس حتى يبرأ ثم قطعت يده اليمنى
ورجله اليسرى من خلاف وكانت يده اليمنى للسرقة وقطع الطريق معا ورجله لقطع الطريق مع يده ثم
قتل قودا أو بردة فإن مات في الحد الأول أو الذي بعده أو قتل بحد سقطت عنه الحدود التي لله عز
وجل كلها وإن كان قاتلا لرجل فمات قبل يقتل قودا كان عليه دية النفس وكذلك إن كان جرحا لم
يسقط أرش الجرح لأنه يملك بالجرح والنفس مال ولا يملك بحد القذف ولا حد السرقة مال بحال
(قال الشافعي) وإن قتله الإمام لولى الدم أو ردة فقد أساء وتبطل عنه الحدود التي لله عز وجل لأنه
ميت ولا مال فيها (قال الشافعي) وإنما حددته بالحدود كلها لأنه ليس منها واحد إلا واجب عليه
مأمور بأخذه فلا يجوز والله أعلم أن أعطل مأمورا به لمأمور به أعظم ولا أصغر منه وأنا أجد السبيل
إلى أخذه كما تكون عليه الحقوق للآدميين فلا يجوز إلا أن تؤخذ منه كلها إذا قدر على أخذها. وإذا
كان المستقاد منه مريضا ولا نفس عليه لم يقتص منه فيما دون النفس حتى يبرأ فإذا برأ اقتص منه.
وكذلك كل حد وجب عليه لله عز وجل أو أوجبه الله للآدميين فإن كانت على المريض نفس قتل
مريضا أو صحيحا. وإن كان جرح فمات المجروح من الجرح أقيد منه من الجرح والنفس معا في مقام
واحد لأني إنما أؤخره فيما دون النفس لئلا يتلف بالقود مع المرض وإذا كنت أقيد بالقتل لم أؤخره
بالمرض وهكذا إذا كان القود في بلاد باردة وساعة باردة أو بلاد حارة وساعة حارة فإذا كان ما دون
النفس اخر حتى يذهب حد البرد وحد الحر ويقتص منه في الحال التي ليست بحال تلف ولا شديدة
المباينة لما سواها من الأحوال وكان حكم الحر والبرد حكم مرضه يقتص منه في النفس ولا يقتص منه
فيما دونها. والمرأة والرجل في هذا سواء إلا أن تكون المرأة حاملا فلا يقتص منها ولا تحد حتى تضع
حملها (قال الشافعي) وإن كان القصاص في رجل في جميع أصابع كفه أو بعضها فقال اقطعوا يدي
60

ورضى بذلك المقتص له قيل لا يقطع إلا من حيث قطع ولا أقبل من هذا اجتماعهما عليه لأنه عدوان
وإذا قطع الرجل يد الرجل الشلاء ويد القاطع صحيحة فتراضيا بأن يقتص من القاطع فيقطع يده
الصحيحة لم أقطع يده الصحيحة برضاه ورضا صاحبه وجعلت عليه حكومة. وإذا كانت يد المقطوع
الأول صحيحة ويد القاطع هي الشلاء ففي يد المقطوع الأرش لنقص يد القاطع عنها فإن رضى
المقتص له بأن يقطع ولم يرض ذلك القاطع سألت أهل العلم بالقطع، فإن قالوا إن اليد الشلاء إذا
قطعت كانت أقرب من التلف على من قطعت منه من يد الصحيح لو قطعته لم أقطعها بحال وإن قالوا
ليس فيها من التلف إلا ما في يد الصحيح قطعتها ولم ألتفت إلى مشقة القطع على المستقاد منه ولا
المستقاد له إذا كان يقدر على أن يؤتى بالقطع لا يزاد عليه (قال الشافعي) ولو رضى الأشل أن يقطع لم
ألتفت إلى رضاه وكان رضاه وسخطه في ذلك سواء وهذا هكذا في الأصابع والرجل وغيرهما مما يشل
وإذا قطع الأشل يد الصحيح فسأل الصحيح القود وأرش فضل ما بين اليدين قيل إن شئت أقتص
لك وإذا اخترت القصاص فلا أرش وإن شئت فلك الأرش ولا قصاص. وإنما يكون له أرش
وقصاص إذا كان القطع على أطراف تعدد فقطع بعضها وبقى بعض كأن يقطع ثلاثة أصابع فوجد له
إصبعين ولا يجد له ثالثة فنقطع إصبعين ونجعل في الثالثة الأرش وإن كانت الثلاثة شلا فسأل أن يقطع
ويأخذ له فضل ما بينهما لم يكن ذلك له وقعت له إن شاء أو آخذ له الأرش (قال الشافعي) ولا
يصلب المقتص منه في القتل ولا المقتول في الزنا ولا الردة بحال لا يصلب أحد أحدا إلا قاطع الطريق
الذي أخذ المال وقتل فإنه يقتل ثم يصلب ثلاثا ثم ينزل ويصلى عليهم كلهم إلا المرتد فإنه لا يصلى على
كافر، وإذا وجب على رجل قصاص في نفس اقتص منه مريضا وفي الحر الشديد والبرد الشديد.
وكذلك كل ما وجب عليه يأتي على نفسه وإذا كان الذي يجب عليه جراحا لا يأتي على النفس لم
يؤخذ ذلك منه مريضا ولا في حر شديد وبرد شديد وحبس حتى تذهب تلك الحال ثم يؤخذ منه. ولا
يؤخذ من الحبلى حتى تضع حملها في حال. وإذا وجب عليه رجم ببينة أخذ في الحر والبرد وأخذ
وهو مريض، وإذا وجب عليه باعتراف لم يؤخذ مريضا ولا في حر ولا برد لأنه متى رجع قبل الرجم
وبعده تركته.
زيادة الجناية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شج الرجل الرجل موضحة عمدا فتأكلت الموضحة حتى
صارت منقلة أو قطع أصبعه فتأكلت الكف حتى ذهبت الكف فسأل القود قيل إن شئت أقدناك من
الموضحة وأعطيناك ما بين المنقلة والموضحة من أرش. فأما المنقلة فلا قود فيها بحال. وقيل إن شئت
أقدناك من الإصبع وأعطيناك أربعة أخماس اليد وإن شئت فلك أرش اليد ولا قود لك في شئ لأن
الضارب لم يجن بقطع الكف وإن كانت ذهبت بجنايته وإنما يقطع له أو يشق له ما شق وقطع وأرش
هذا كله في مال الجاني حالا دون عاقلته لأنه كان بسبب جنايته، وإذا أنكر الشاج وقاطع الإصبع
والكف أن يكون تأكلها من جنايته فالقول قول الجاني حتى يأتي المجني عليه بمن يشهد أن الشجة
والكف لم تزل مريضة من جناية الجاني لم تبرأ حتى ذهبت فإذا جاء بها قبلت بينته وحكمت أن تأكلها
61

من جنايته ما لم تبرأ الجناية. ولو أن البينة قالت برأت الجراحة وأجلبت (1) ثم انتقضت فذهبت الكف
أو زادت الشجة فقال الجاني انتقضت أن المجني عليه نكأها أو أن غيره أحدث عليها جناية كان أقول
قول الجاني في أن تسقط الزيادة إلا أن نثبت البينة أنها انتقضت من غير أن ينكاها المجني عليه أو
يحدث عليها غيره جناية من قبل أن البينة شهدت أن الجناية قد ذهبت وإن قالوا انتقضت وقد يكن
منها ومن غيرها يحدث عليها (قال الربيع) قلت أنا وأبو يعقوب وإذا قطعت البينة أنها انتقضت من
جنايته الأولى كان على الجاني تأكلها حتى يأتي بالبينة أن ذلك الانتقاص من غير جنايته.
دواء الجرح
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا جرح الرجل الرجل بشق لا يقطع طرفا انبغى للوالي أن
يقيس الجرح نفسه وللمجروح أن يداويه بما يرى أن ينفعه بإذن الله تعالى فإذا داواه بما يزعم أهل العلم
بالدواء الذي يداوى به أنه لا يأكل اللحم الحي فتأكل الجرح فالجارح ضامن لأرش تأكله لأنه بسبب
جنايته. ولو قال الجارح دواه بما يأكل اللحم الحي وأنكر المجروح ذلك كان القول قول المجروح وعلى
الجارح البينة بما ادعاه ولو دواه بما يأكل اللحم لم يضمن الجاني إلا أرش الجرح الذي أصابه منه.
وجعلت الزيادة مما داواه.
جناية المجروح على نفسه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو قطع من لحمه شيئا فإن كان قطع لحما ميتا فذلك دواء
والجارح ضامن بعد لما زادت الجراح، وإن كان قطع ميتا وحيا لم يضمن الجارح إلا الجرح نفسه وإذا
قلت الجارح ضامن للزيادة في الجراح فإن مات منها المجروح فعلى الجارح القود عمدا إلا أن تشاء ورثته
الدية فتكون في ماله، وعلى عاقلته الدية إن كانت خطأ، وإذا قلت ليس الجارح بضامن للزيادة
فمات المجروح جعلت على الجارح نصف ديته ولم أجعل له في النفس قودا، وإن كانت عمدا وجعلته
شيئا من جناية الجاني وجناية المجني على نفسه أبطلت جنايته على نفسه وضمنت الجاني جنايته عليه،
وهكذا لو كان في طرف فإن كان الكف فتأكلت فسقطت أصابعها أو الكف كلها فالجاني ضامن
لزيادتها في ماله إن كانت عمدا وإن قطع المجني عليه الكف أو الأصابع لم يضمن الجاني مما قطع
المجني عليه شيئا إلا أن تقوم البينة بأن المقطوع كان ميتا فيضمن أرشها فإن لم تثبت البينة أنه كان ميتا أو
قالت كان حيا وكان خيرا له أن يقطع فقطعه لم يضمنه الجاني، وكذلك لو أصاب المجني عليه منه
أكلة وكان خيرا له أن يقطع الكف لئلا تمشى الاكلة في جسده فقطعها والأطراف حية لم يضمن
الجاني شيئا من قطع المجني عليه فإن مات جعلت على الجاني نصف ديته لأن ظاهره أنه مات من
جناية الجاني وجناية المجني عليه على نفسه وإذا داوى المجني عليه جراحه بسم فمات فعلى الجاني نصف

(1) قوله وأجلبت في اللسان أن الجلبة بالضم القشرة التي تعلو الجرح هند البرء يقال جلب الجرح واجلب أي
علته تلك القشرة. كتبه مصححه.
62

أرش المجني عليه لأنه مات من السم والجناية فإن كان السم يوحى مكانه كما يوحى الذبح فالسم قاتل
وعلى الجاني أرش الجرح فقط، وإن كان السم مما يقتل ولا يقتل فالجناية من السم والجراح وعليه
نصف الدية، وإن كان داوى جرحه بشئ لا يعرف فالقول قول المجني عليه أنه شئ لا يضر مع يمينه
وقول ورثته بعده والجاني ضامن لما حدث في الجناية ولو أن رجلا جرح رجلا جرحا فخاط المجروح
عليه الجرح ليلتئم فإن كانت الخياطة في جلد حي فالجارح ضامن للجرح وإن مات المجروح بعد
الخياطة فعلى الجارح نصف الدية وأجعل الجناية من جرح الجاني وخياطة المجروح لأن الخياطة ثقب في
جلد حي وإن كانت الخياطة في جلد ميت فالدية كلها على الجارح ولا يعلم موت الجلد ولا اللحم إلا
بإقرار الجاني أو بينة تقوم للمجني عليه من أهل العلم لأن الظاهر أن ذلك حي يعلم موته ولو لم يزد
المجروح على أن ربط الجرح رباطا بلا خياطة ولاحم بينه بدمه أو بدواء لا يأكل اللحم الحي وليس بسم
فمات المجني عليه كان الجاني ضامنا لجميع النفس لأن المجني عليه لم يحدث فيها جناية إنما أحدث فيها
منفعة وغير ضرر (قال الشافعي) ولو أن المجني عليه كوى الجرح كان كيه إياه تكميدا بصوف أو ما أشبهه
مما يقول أهل العلم أن هذا ينفع ولا يضر من بلغ هذا أو أكثر منه ضمن الجارح الجناية وما زاد فيها وإن
كان بلغ كيها أن أحرق معها صحيحا أو قيل قد كواها كيا ينفع مرة ويضر أخرى (1) أو يدخل بدخله
حال فهو جان على نفسه كما وصفت في الباب قبله يسقط نصف النفس بجنايته على نفسه ويلزم الجاني
نصفها إن صارت الجناية نفسا.
من يلي القصاص
(قال الشافعي) وإذا قطع الرجل أو جرح فسأل أن يخلى بينه وبين أن يقتص لنفسه لم يخل
وذلك، وكذلك لا يخلى وذلك ولى له ولا عدو للمقتص منه ولا يقتص الا عالم بالقصاص عدل فيه
ويكفى فيه الواحد لأنه لا يقتص الاثنان ويأمر الواحد من يعينه ولا يستعين بظنين على المقتص منه
بحال. وعلى السلطان أن يرزق من يأخذ القصاص ويقيم الحدود في السرقة وغيرها من سهم النبي صلى
الله عليه وسلم من الخمس كما يرزق الحكم ولا يكلف ذلك الناس فإن لم يفعل الحاكم فأجر المقتص
على المقتص منه لأن عليه أن يعطى كل حق وجب عليه ولا يكلم إعطاؤه إياه إلا بأن يسقط المؤنة عن
آخذه كما يكون عليه أن يعطى أجر الكيال للحنطة والوزان للدنانير وهكذا كل قصاص دون النفس يليه
غير المقتص له ووليه. وإن قتل رجل رجلا فسأل أولياؤه أن يمكن من القاتل يضرب عنقه أمكن
منه وينبغي للإمام ان يتحفظ فيأمر من ينظر إلى سيفه فإن كان صارما وإلا أمره أن يأخذ سيفا صارما لئلا
يعذبه ثم يدعه وضربه فإن ضربه ضربة فقتله فقد أتى على القود وإن ضربه على كتفه أو في رأسه منعه
العودة وأحلفه ما عمد ذلك فإن لم يحلف على ذلك عاقبه وإن حلف تركه ولا أرش فيها وأمر هو بضرب
عنقه بأمر الوالي وجبر الولي على ذلك إلا أن يعفو، وإن كان القاتل ضرب المقتول ضربات في عنقه
تركه يضربه حتى يبلغ عدد الضربات فإن مات وإلا يأمر غيره بقتله، وإذا أمر الإمام الرجل غير الظنين

(1) قوله: أو يدخل بدخله، كذا في النسخ، وانظر وحرر. كتبه مصححه.
63

على المستقاد منه أن يقتله فضربه ضربات فلم يقتله أعاد الضرب حتى يأتي على نفسه. وينبغي أن يأمر
بسيف أصرم من سيفه ويأمر رجلا أضرب منه ليوحيه فإن كان القاتل قطع يدي المقتول أو رجليه أو
شجه أو أجافه ثم قتله أو نال منه ما يشبه ذلك فسأل الولي أن يضع ذلك به ولينا من يحسن تلك الجراح
كلها كما تولى الجارح دون النفس فإن مات وإلا ولينا الولي ضرب عنقه لا يلي الولي إلا قتلة وحية من
ضرب عنق أو ذبح إن كان القاتل ذبحه أو خنقه أو ما أشبهه من الميتات الوحية. فإذا بلغ من خنقه
بقدر ما مات الأول ولم يمت منعناه الخنق وأمرناه بضرب عنقه، ولو كان القاتل ضرب وسط المقتول
ضربة فأبانه خلينا بين وليه وبين أن يضربه حيث ضربه فإن أبانه وإلا أمرناه أن يضرب عنقه، ولو كان
لم يبنه إلا بضربات خلينا بينه وبين عدد ضربات فإن لم يبنه قتلناه بأيسر القتلتين ضربة تبين ما بقي منه
أو ضربة عنق.
خطأ المقتص
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا أمر المقتص أن يقتص فوضع الحديدة في موضع القصاص ثم
جرها جرا فزاد على قدر القصاص سئل أهل العلم فإن قالوا قد يخطأ بمثل هذا سئل فإن قال أخطأت
أحلف ولا قصاص عليه وعقل ذلك عنه عاقلته، وإن قالوا لا يخطأ بمثل هذا فللمستقاد منه القصاص
بقدر الزيادة إلا أن يشاء منه الأرش فيأخذه من ماله، وكذلك إن قالوا قد يخطأ بمثله وقيل للمقتص
احلف لقد أخطأت به فإن أقر أقص منه أو أخذ من ماله الأرش وإن لم يقر ونكل قيل للمجني عليه
احلف لقد عمد فإن حلف فله القود وإن نكل فلا شئ له حتى يحلف فيستقيد أو يأخذ المال، وهكذا
إذا وضع الحديدة في موضع غير موضع القود لا يختلف فيه الجواب فيما أمكن أن يكون خطأ وما لم
يمكن، وإذا وضع الحديدة في غير موضعها أعدته حتى يضعها في موضعها حتى يستقيد للمجني عليه
الأول ولا يتخذ إلا أمينا لخطئه وعمده فإذا كان القصاص على يمين فأخطأ المقتص فقطع يسارا أو كان
على أصبع فأخطأ فقطع غيرها فإن كان يخطأ بمثل هذا درئ عنه الحد وكان العقل على عاقلته (قال
الربيع) وفيه قول آخر: أن ذلك عليه في ماله ولا تحمله العاقلة لأنه عمد أن يقطع يده ولكنا درأنا
عنه القود لظنه أنها اليد التي وجب فيها القصاص فأما قطعه إياها فعمد (قال الشافعي) وإذا كان لا
يخطأ به اقتص منه، وإذا برأت جراحته التي أخطأ بها المقتص اقتص الأول، ولو قال المقتص للمقتص منه
أخرج يسارك فقلعها وأقر أنه عمد إخراج يساره وقد علم أن القصاص على يمنه وأن المقتص أمر
بإخراج يمينه فلا عقل ولا قود على المقتص، وإذا برأ اقتص منه لليمنى، وإن قال أخرجتها له ولم أعلم
أنه قال أخرج يمينك ولا أن القصاص على اليمنى. أو رأيت أنى إذا أخرجتها فاقتص منها سقط
القصاص عنى أحلف على على ذلك ولزمت دية يده المقتص ولا قود ولا عقوبة عليه وإنما يسقط العقل
والقود إذا أقر المقتص منه أنه دلسها وهو يعلم أن القود على غيرها، ولو كان المقتص منه في هذه
الأحوال كلها مغلوبا على عقله فأخطأ المقتص فإن كان مما يخطأ بمثله فعلى عاقلته، وإن كان مما لا
يخطأ بمثله فعليه القود إلا إذا أفاق الذي نال ذلك منه وسواء إذا كان المقتص منه مغلوبا على عقله أذن
له أو دلس له أو لم يدلس لأنه لا أمر له في نفسه، وإذا أمر أبو الصبي أو سيد المملوك الختان بختنهما
ففعل فماتا فلا عقل ولا قود ولا كفارة على الختان وإن ختنهما بغير أمر أبى الصبي أو أمر الحاكم ولا
64

سيد المملوك وماتا فعليه الكفارة وعلى عاقلته دية الصبي وقيمة العبد ولو كان حين أمره أن يختنهما أخطأ
فقطع طرف الحشفة وذلك مما يخطئ مثله بمثله فلا قصاص وعليه من دية الصبي وقيمة العبد بحساب
ما بقي ويضمن ذلك العاقلة، ولو قطع الذكر من أصله وذلك لا يخطأ بمثله حبس حتى يبلغ الصبي
فيكون له القود أو أخذ الدية أو يموت فيكون لوارثه القصاص أو الدية تامة، ولو كانت بواحد منهما
أكلة في طرف من أطرافه فأمره أبو الصبي وسيد العبد بقطع الطرف وليس مثلها يتلف فتلف فلا عقل
ولا قود ولا كفارة وإن أمره بقطع رأس الصبي فقطعه أو وسط الصبي فقطعه أو بقطع حلقومه فقطعه
عوقب الأب على ذلك وعلى القاطع القود إذا مات منه الصبي، وإذا أمره بذلك في مملوكه ففعله
فمات المملوك فعلى القاطع عتق رقبة ولا قود عليه (قال الربيع) ليس على قاطع مملوك قيمة لأن سيده
الذي أمره وإذا أمره بذلك في دابة له ففعله فلا قيمة عليه لأنه أتلفها بأمر مالكها (قال الربيع) والعبد
عندي في هذا مثل الدابة هو مال (قال الشافعي) ولو جاء رجل بصبي ليس بابنه ولا مملوكه وليس له
بولي إلى ختان أو طبيب فقال اختن هذا أو بط هذا الجرح له أو اقطع هذا الطرف له من قرحة به فتلف
كان على عاقلة الطبيب والختان ديته وعليه رقبة ولا يرجع عاقلته على الآمر بشئ وهو كمن أمر رجلا
بقتل (قال الشافعي) وكل قصاص وجب لصبي أو مغلوب على عقله فليس لأبي واحد منهما ولا وليه
من كان أخذ القصاص ولا عفوه ويحبس الجاني حتى يبلغ الصبي أو يفيق المعتوه فيقتصا أو يدعا أو
يموتا فتقوم ورثتهما مقامهما (قال الربيع) قال أبو يعقوب: ولو أمر رجل رجلا أن يفعل برجل حر بالغ
مغلوب على عقله فعلا الأغلب منه أنه لا يتلف به ففعله فتلف ضمنت عاقلة الفاعل دون الآمر ولا
يرجع عليه بشئ لأنه كان له أن يمتنع منه (قال الشافعي) ولو كان قال له هذا ابني أو غلامي فافعل
به كذا وكذا ففعل به فتلف ضمنت عاقلة الفاعل دية الحر وقيمة العبد وعليه كفارة في ماله (قال
الربيع) قال أبو يعقوب: وإن كان ابنه أو غلامه فليس له عليه في غلامه شئ إلا الكفارة إذا فعل به
مالا يجوز للسيد فعله به وأما ابنه فإن كان صغيرا أو كبيرا معتوها ففعل به بأمر أبيه ما فيه منفعة لهما فلا
شئ عليه وإن كان فعل بهما ما ليس فيه منفعة فعليه الكفارة وعلى عاقلته الدية، وإن كان الابن
الكبير يعقل الامتناع فلا عقل ولا قود ولا كفارة إلا أن يفعل به ما لا يجوز للابن أن يفعله بنفسه فتكون
عليه الكفارة (قال الشافعي) وإن جاءه بدابة فقال له شق ودجها أو شق بطنها أو عالجها ففعل فتلفت
ضمن قيمتها إن لم تكن للامر ولا يضمن إن كانت للامر شيئا (قال الشافعي) وإذا أمر الحاكم ولى
الدم أن يقتص من رجل في قتل فقطع يده أو يديه ورجليه وفقأ عينه وجرحه ثم قتله أو لم يقتله عاقبة
الحاكم ولا عقل ولا قود ولا كفارة لأن النفس كلها كانت مباحة له، ولا ينبغي للإمام أن يمكنه من
القصاص إلا وبحضرته عدلان أو أكثر يمنعانه من أن يتعدى في القصاص، وإذا أمكنه أن يقتص فيما
دون النفس فقد أخطأ الحاكم وإن اقتص فقد مضى القصاص ولا شئ على المقتص وإن أمكنه أن
يقتص من يسرى يديه فقطع يمناها أو أمكنه من أن يشجه في رأسه موضحة فشجه منقلة أو شجه في
غير الموضع الذي شجه فيه فادعى الخطأ فما كان من ذلك مما يخطأ بمثله أحلف عليه وغرم أرشه وإن
مات منه ضمن ديته وإن برأ منه غرم أرش ما نال منه وكان عليه القصاص فيما نال من المجني عليه ولم
يبطل قصاص المجني عليه بأن يتعدى في الاقتصاص على الجاني وإن كان ذلك لا يخطأ بمثله أو أقر فيما
يخطأ بمثله أنه عمد فيها ما ليس له اقتص منه مما فيه القصاص إلا أن يشاء الذي نال ذلك منه أن
يأخذ منه العقل، وإذا عدا الرجل على الرجل فقتله ثم أقام عليه البينة أنه قتل ابنه وهو ولى ابنه لا
65

وارث له غيره أو قطع يده اليمنى فأقام عليه البينة أنه قطع يده اليمنى فلا عقل ولا قود عليه ويعزز بأخذه
حقه لنفسه.
ما يكون به القصاص
(قال الشافعي) رحمه الله وما قلت إني أقتص به من القاتل إذا صنعه بالمقتول فلولاه المقتول أن
يفعلوا بالقاتل مثله وذلك مثل أن يشدخ رأسه بصخرة فيخلى بين ولى المقتول وبين صخرة مثلها ويصير
له القاتل حتى يضربه بها عدد من اضربه القاتل إن كانت ضربة فلا يزيد عليها وإن كانت اثنتين فاثنتين
وكذلك إن كان أكثر فإذا بلغ ولى المقتول عدد الضرب الذي ناله القاتل من المقتول فلم يمت خلى بينه
وبين أن يضرب عنقه بالسيف ولم يترك وضربه بمثل ما ضربه به إن لم يكن له سيف وذلك أن القصاص
بغير السيف إنما يكون بمثل العدد فإذا جاوز العدد كان تعديا من جهة أنه ليس من سنة القتل وإنما
أمكنته من قتله بالسيف لأنه كانت له إفاتة نفسه مع ما ناله به من ضرب فإذا لم تفت نفسه بعدد
الضرب أفتها بالسيف الذي أوحى القتل، وهكذا إذا كان قتله بخشبة ثقيلة أو ضربة شديدة على رأسه
وما أشبه هذا من الدامغ أو الشادخ أمكنت منه ولى القتيل فإن كان الضرب بعصا خفيفة أو سياط
رددها حتى تأتى على نفسه لم أمكن منه ولى القتيل لأن الضربة بالخفيف تكون أشد من الضربة
بالثقيل وليس هذه ميتة وحية في الظاهر وقلت لولى القتيل إن شئت أن تأمر من يرفق به فيقال له تحر
مثل ضربه حتى تعلم أن قد جئت بمثل ضربه وأخف حتى تبلغ العدد فإن مات وإلا خليت وضرب
عنقه بالسيف، وإن كان ربطه ثم ألقاه في نار أحميت له نار كتلك النار لا أكثر منها وخلى ولى القتيل
بين ربطه بذلك الرباط وإلقائه في النار قدر المدة التي مات فيها الملقى فإن مات وإلا أخرج منها وخلى
ولى القتيل فضرب عنقه وهكذا إذا ربطه وألقاه في ماء فغرقه أو ربطه برجله رحا فغرقه خلى بين ولى
القتيل وبينه فألقاه في ماء قدر ذلك الوقت فإن مات وإلا أخرج فضربت عنقه، وإن ألقاه في مهواة
خلى بينه وبين ولى القتيل فألقاه في المهواة بعينها أو في مثلها في العبد وشدة الأرض لا في أرض أشد
منها فإن مات وإلا ضربت عنقه (قال الشافعي) فإن كان خنقه بحبل حتى قتله خلى بين ولى القتيل
وخنقه بمثل ذلك الحبل حتى يقتله إذا كان ما صنع به من القتل الموحى خليت بين ولى القتيل وبينه،
وإذا كان مما يتطاول به التلف لم أخل بينه وبينه وقتلته بأوحى الميتة عليه وإذا كان قطع يديه ورجليه من
المفصل أو جرحه جائفة أو موضحه أو غير ذلك من الجراح لم يقتص منه ولي القتيل لأن هذا مما لا
يكون تلفا وحيا وخلي بين من يقطع الأيدي والأرجل ان أراد ذلك ولي القتيل فقطع يديه ورجليه ومن
يقتص من الجراح فاقتص منه في الجراح فإن مات مكانه وإلا خلى بين ولى القتيل وضرب عنقه، وإن
كان القاتل ضرب وسط المقتول بسيف ضربة فأبانه باثنين خلى بين ولى المقتول وبين أن يضربه ضربة
بسيف فإن كان القاتل بدأها من قبل البطن خلى ولى القتيل فبدأها من قبل البطن فإن أبانه وإلا أمر
بضرب عنقه (قال الشافعي) وما خلى بين ولى المقتول وبينه من هذا الضرب فضرب في موضع غيره
منع الضرب فيما يستقبل وأمر غيره ممن يؤمن عليه به وسواء كان ذلك في ضرب عنقه أو وسطه أو غيره
كأن أمر بأن يضرب عنقه فضرب كتفيه أو ضرب رأسه فوق عنقه ليطول الموت عليه، فإذا قطع الرجل
يدي الرجل ورجليه وجنى عليه جناية فمات من تلك الجنايات أو بعضها فلأوليائه الخيار بين
66

القصاص أو الدية فإن اختاروا الدية وسألوا أن يعطوا أرش الجراحات كلها والنفس أو أرش الجراحات
دون النفس يكن ذلك لهم وكانت لهم دية واحدة تكون الجراحات ساقطة بالنفس إذا كانت النفس
من الجراحات أو بعضها وهكذا لو جنى عليه رجلان أو ثلاثة فلم تلتئم الجراحة حتى مات فاختاروا
الدية كانت لهم دية واحدة ولو برأ في المسألتين معا أو كان غير ضمن من الجراح ثم مات قبل أن تلتئم
الجراح أو بعد التئامها فسأل ورثته القصاص من الجراح أو أرشها كلها أخذ الجاني بالقصاص أو أرشها
كلها وإن كانت ديات كثيرة لأنها لم تصر نفسا وإنما هي جراح ولو اختلف الجاني وورثة المجني عليه
فقال الجاني مات منها وقال ورثة المجني عليه لم يمت منها كان القول قول ورثة المجني عليه مع أيمانهم
وعلى الجاني البينة بأنه لم يزل منها ضمنا حتى مات أو ما أشبه ذلك مما يثبت موته منها ولو قطع رجل
يده وآخر رجله وجرحه آخر ثم مات فقال ورثته برأ من جراح أحدهم ومات من جراح الآخر فإن
صدقهم الجانون فالقول ما قالوا وعلى الذي مات من جراحه القصاص في النفس أو الأرش وعلى الذي
برأت جراحته القصاص من الجارح أو دية الجارح وإن صدقهم الذي قال إن جراحه برأت وكذبهم
الذي قال إن جراحه لم تبرأ فقال بل مات، من جراح الذي زعمت أن جراحه برأت وبرأت جراحي
فالقول قوله مع يمينه ولا يلزمه القتل أبدا ولا النفس حتى يشهد الشهود أن المجروح لم يزل مريضا من
جراح الجارح حتى مات ولو قال مات من جراحنا معا فمن قتل اثنين بواحد جعل على الذي أقر القتل
فإن أرادوا أن يأخذوا منه الدية لم يجعل عليه إلا نصفها لأنه يقول إنه مات من جراحنا معا.
العلل في القود
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كسر الرجل سن الرجل من نصفها سألت أهل العلم فإن
قالوا نقدر على كسرها من نصفها بلا إتلاف لبقيتها ولا صدع أقدته وإن قالوا لا نقدر على ذلك لم نقده
لتفتتها وإذا قلع رجل ظفر رجل فسأل القود قيل لأهل العلم تقدرون على قدع ظفره تلف على غيره؟
فإن قالوا نعم أقيد وإن قالوا لا ففي الظفر حكومة وإن قطع الرجل أنملة رجل ولا ظفر للمقطوعة أنملته
فسأل القصاص لم يكن له وكذلك إن كان ظفرها مقطوعا قطعا لا يثبت لا قليلا ولا كثيرا لنقصها عن
أنملة المقتص منه وما كان في سن أو ظفر من عوار لا يفسد الظفر وإن كان يعيبه وكان لا يفسد السن
بقطع ولا سواد ينقص المنفعة أو كان أثر قرحة خفيفا كان له القصاص، وإن كان رجل مقطوع أنملة
فقطع رجل أنملته الوسطى والقاطع وافر تلك الإصبع فسأل المقطوعة أنملته الوسطى القصاص لم يكن
له ولا يجوز أن يقطع له الأنملة التي من طرف بوسطى ولا الوسطى فتقطع بأنملته التي قطع من طرف ولم
يقطعها (قال الشافعي) ولو قطع أنملة خنصر من طرف من رجل وأنملة خنصر الوسطى من آخر من
أصبع واحدة فإن جاءا معا اقتص منه لأنملة الطرف ثم اقتص منه أنملة الخنصر الوسطى وإن جاء
صاحب الوسطى قبل صاحب الطرف قيل لا قصاص لك وقضى له بالدية وإن جاء صاحب الطرف
فقطع له الطرف فسأل المقضى له بالدية ردها إن كان أخذها أو إبطالها إن كان لم يأخذها ويقطع له
أنملة الوسطى قصاصا لم يجب إلى ذلك لأنه قد أبطل القصاص وجعل أرشا وكذلك لو قطع وسط أنملة
رجل الوسطى فقضى له بالأرش ثم انقطع طرف أنملته، فسأل القصاص لم يقص له به ولو لم يأت
صاحب الوسطى حتى انقطع أنملته أو قطع بقصاص كان له القصاص. وإذا قطع الرجل يد الرجل
67

والمقطوعة يده نضو الخلق ضعيف الأصابع قصيرها أو قبيحها أو معيب بعضها عيبا ليس بشلل
والقاطع تام اليد والأصابع حسنها قطعت بها. وكذلك لو كان المقطوع هو التام اليد والقاطع هو
الناقصها كانت له لافضل بينهما في القصاص (قال الشافعي) وإذا قطع الرجل يد الرجل وفيها أصبع
شلاء أو مقطوعة أنملة والقاطع تام الأصابع لم يقد منه للمقطوع لنقص يده عن يده ولو قال اقطعوا لي
من أصابعه بقدر أصابعي وأبطل حقي في الكف قطع له ذلك لأنه أهون من قطع الكف كلها. وإذا
كانت في الرجل الحياة وإن كان أعمى أصم فقتله صحيح قتل به ليس في النفس نقص حكم عن
النفس وفيما سوى النفس نقص عن مثله من يد أو رجل إذا كان النقص عدما أو شللا أو في موضع
شجة وغيرها. فلو أن رجلا شج رجلا في قرنه والشاج أسلخ القرن فللمشجوج الخيار في القصاص أو
اخذ الأرش. ولو كان المشجوج أسلخ القرن لم يكن للمشجوج القصاص لأنه أنقص الشعر عن
الشاج. ولو كان خفيف الشعر أو فيه قرع قليل يكتسى بالشعر إن طال شئ كان له القصاص (قال
الربيع) قال أبو يعقوب لا تقطع أصبع صحيحة بشلاء ولا ناقصة أنملة وله حكومة في الشلاء وأرش
المقطوعة الأنملة.
ذهاب البصر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا جنى الرجل على عين الرجل ففقأها فالجناية عليه وإن
سأل أن يمتحن فيعلم أنه لا يبصر بها فليس في هذا مثلة وفي هذه القود إن كان عمدا إلا أن يشاء المجني
عليه العقل فإذا شاء العقل ففيها خمسون من الإبل حالة في مال الجاني دون عاقلته. وإن كانت
الجناية خطأ ففيها خمسون من الإبل على عاقلته ثلثا الخمسين في مضى سنة وثلث الخمسين في مضى
السنة الثانية: فإن جرحت عين رجل أو ضربت وابيضت فقال المجني عليه قد ذهب بصرها سئل أهل
العلم بها فإن قالوا قد نحيط بذهاب البصر علما لم يقبل منهم على ذهاب البصر إذا كانت الجناية عمدا
ففيها القود إلا شاهدان حرام مسلمان عدلان. وقبل إن كانت خطأ لا قود فيها شاهد وامرأتان وشاهد
ويمين المجني عليه ويسأل من يقبل من أهل العلم بالبصر فإن قالوا إذا ذهب البصر لم يعد وقالوا نحن نعلم
ذهابه ومكانه قضى للمجني عليه بالقصاص في العمد إلا أن يشاء الأرش أو الأرش في الخطأ (قال
الشافعي) وإذا اختلف أهل البصر فقالوا ما يكون علمنا بذهاب البصر علما حتى يأتي على المجني عليه
مدة ثم ننظر إلى بصره فإن كان بعد انقضاء المدة على ما نراه فقد ذهب بصره لم يقض له حتى تأتى
تلك المدة ما لم يحدث عليه حادث. وكذلك إن قال هكذا عدد من أهل البصر وخالفهم غيرهم لم
أقض له حتى تأتى تلك المدة التي يجمعون على أنها إذا كانت ولم يبصر فقد ذهب البصر وإن لم يختلف
أهل البصر في أنها لا تعود ليبصر بها أحلفت المجني عليه مع شاهده في الخطأ وقضيت بذهاب بصره
فإذا شهد من أقبل شهادته أن بصره قد ذهب وأخرته إلى المدة التي وصفوا أنه إذا بلغها قال أهل البصر
الذين يجتمعون لا يعود بصره فمات قيلها أو أصاب عينه شئ بخقها فذهابها من الجاني الأول حتى
يستيقن أن ذهاب بصرها من وجع أو جناية وليس على الجاني الآخر إلا حكومة: وكان على الجاني
الأول القود إن كان عمدا والعقل إن كانت الجناية خطأ. وإن قال الجاني الأول أحلفوا لي المجني عليه
ما عاد بصره منذ جنيت عليه إلى أن جنى هذا عليه فعلناه، وكذلك إن قال أحلفوا ورثته أحلفناهم
68

على علمهم. وكذلك إن قال لم يكن بصره ذهب أحلفوا لقد ذهب بصره ولو لم يحلف عليه وأقر أن قد
أبصر أو جاء قوم فقالوا قد ذكر أن بصره عاد عليه أو رأيناه يبصر بعينه أبطلنا جناية الأول وجعلنا
الجناية على الآخر وإن لم نجد من يعلم ذلك ولم يقله إلا بعد جناية الآخر بطلت جناية الأول عليه
بإقراره ولم يصدق على الآخر لأنه جنى على بصره وهو ذاهب ولا يعلم ذكره رجوع بصره قبل الجناية.
أو أحلف الجاني الآخر لقد جنى عليه وما يبصر من جناية الأول عليه وغير جنايته. وهكذا ورثته لو
قالوا قوله وإنما أقبل قول أهل البصر إذا ادعى المجني عليه ما قالوا. فإن قال هو: أنا أبصر أو قد عاد
إلى بصرى أو قال ذلك ورثته فإن الجناية ساقطة عن الجاني، وإن قال أهل البصر بالعيون قد يذهب
البصر لعلة فيه ثم يعالج فيعود أو يعود بلا علاج ولا يؤيس من عودته أبدا إلا بأن تبخق العين أو تقلع
وقالوا قد ذهب بصر هذا والطمع به الساعة وبعد مائة سنة واليأس منه سواء فإني أقضى له مكانه
بالأرش إن كانت الجناية خطأ والقود إن كانت عمدا. وكذلك أقضى للرجل الذي قد ثغر بقلع سنه
وإن قيل قد يعود ولا يعود، وإن قال أهل البصر بالعيون ما عندنا من هذا علم صحيح بحال إذا كانت
العين قائمة أحلفت المجني عليه لقد ذهب بصره ثم قضيت له بالقود في العمد إلا أن يشاء العقل فيه
وقضيت له بالعقل في الخطأ فإذا قضيت له بقود أو عقل ثم عاد بصر المستقاد له فإن شهد أهل العدل
من أهل البصر أن البصر قد يعود بعد ذهابه بعلاج أو غير علاج لم أجعل للمستقاد منه شيئا ولم أرده
بشئ أخذه منه وكذلك لو عاد بصر المستقاد منه لم أعد عليه بفقء بصره ولا سمله ولا بعقل. وإن قال
أهل البصر لا يكون أن يذهب البصر بحال ثم يعود بعلاج ولا غيره ولكن قد تعرض له العلة تمنعه البصر
ثم تذهب العلة فيعود المستقاد منه أرش عينه من عاقلة الحاكم، وقد قيل يعطاه مما يرزق السلطان
ويصلح أمر رعاية المسلمين من سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس ولكن لو كان المجني عليه
أخذ من الجاني أو عاقلته أرش العقل ثم عاد بصره رجع الجاني أو عاقلته عليه بما أخذ منهم ولا يترك
له منه شئ ولو لم يعد بصر المستقاد له وعاد بصر المستقاد منه عيد له في هذا القول بما يذهب بصره،
ثم كلما عاد بصره عيد له فأذهب قودا أو أخذ منه العقل إن شاء ذلك المجني عليه. وإذا كان المصابة
عينه مغلوبا أو صبيا لا يعقل فإذا قبلت قول أهل البصر جعلت على الجاني عليه الأرش في الخطأ،
وكذلك أجعله عليه في العمد إن لم يكن على الجاني قود. ولم أنتظر به شيئا في الوقت الذي أقضى به
فيه للذي يعقل ويدعى ذهاب بصره ويشهد له أهل البصر بذهابه، وإذا لم أقبل قول أهل البصر لم
أقض لواحد منهما في عينه القائمة بشئ بحال حتى يفيق المعتوه أو يبلغ الصبي فيدعى ذهاب بصره
ويحلف على ذلك أو يموتا فيقضى بذلك لورثتهما وتحلف ورثته لقد ذهب بصره، وإذا كان ما لا شك
فيه من بخق البصر أو إخراج العين في الخطأ قضى للمعتوه والصبي وغيرهما مكانهم بالعقل، وللبالغ
بالقود في العمد إذا طلبه. ويحبس الجاني في العمد على المعتوه والصبي أبدا حتى يفيق هذا ويبلغ هذا
فيلي ذلك لنفسه أو يموت فتقوم ورثته فيه مقامه ومتى ما بلغ هذا أو أفاق هذا جبرته مكانه على اختيار
العقل أو القود أو العفو ولم أحبس الجاني أكثر من بلوغه أو إفاقته وكذلك أجبر وارثه إن مات إن كان
بالغا، وإذا ابتلى بصر المجني عليه وقبلت قولهم وإن أنكر ذلك الجاني. وإذا قبلت قولهم فقالوا إذ لم
يذهب الآن إلى هذا الوقت فلا يذهب إلا من حادث بعده أبطلت الجناية، وإذا لم أقبل قولهم وقال
المجني عليه أنا أجد في بصرى ظلمة فأبصر به دون ما كنت أبصر أو أجد فيه ثقلا وألما. ثم جاءت عليه
مدة فقال ذهب ولم يذهب منه الوجع أو ما كنت أجد فيه حتى ذهب أحلفته لقد ذهب من الجناية
69

وجعلت القول قوله وجعلت له القصاص إلا أن يشاء العقل ولم أقبل قول الجاني إذا علمت الجناية كما
أصنع فيه إذا جرحه فلم يزل ضمنا حتى مات. ولو قال قد ذهب جميع ما كنت أجد فيه وصح ثم
ذهب بعد بصره جعلته ذاهبا بغير جناية لا شئ فيه وسواء عين الأعور وعين الصحيح في القود والعقل
لا يختلفان: وإذا كان الرجل ضعيف البصر غير ذاهبه ففيه كعين الصحيح البصر في العقل والقود كما
يكون ضعيف اليد فتكون يده كيد القوى، وإن كان بعينه بياض وكان على الناظر
وكان بصره بها أقل من بصره بالصحيحة فإن علم أن ذلك نصف البصر أو ثلثه قضى له بأرش ما علم
أنه بصره لم يزد عليه ولم يقد من صحيح البصر وكان ذلك كالقطع والشلل في بعض الأصابع دون
بعض ولا يشبه هذا نقص البصر من نفس الخلقة أو العارض ولا علته دون البصر وإن كان البياض
على غير الناظر فهي كعين الصحيح، كذلك كل عيب فيها لا ينقص بصرها بتغطية له أو لبعضه،
وإن كان البياض على الناظر وكان رقيقا يبصر من تحته بصرا دون بصره لو لم يكن عليه البياض ففيه
حكومة إلا أن يكون يعرف قدر بصره بالعين التي فيها البياض وبصره بالعين التي لا بياض فيها فيجعل له
قدره كأن كان يبصر من تحت البياض نصف بصره بالصحيحة فأطفئت عينه ففيها نصف عقل البصر
ولا قود بحال عمدا كانت الجناية عليها أو خطأ.
النقص في البصر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ضرب الرجل عين الرجل فقبلت قول أهل البصر بالعيون
أن بصرها نقص ولم يحدوا نقصه ولا أحسبهم يحدونه أو قبلت قول المجني عليه إنه نقص اختبرته بأن
أعصب على عينه المجني عليها ثم أنصب له شخصا على ربوة أو مستوى، فإذا أثبته بعدته حتى ينتهى
بصره فلا يثبته ثم أعصب عينه الصحيحة وأطلق عينه المجني عليها فأنصب له شخصا فإذا أثبته بعدته
حتى ينتهى بصرها، ثم أذرع منتهى بصر المجني عليها والعين الصحيحة، فإن كان يبصر بها نصف بصر
عينه الصحيحة جعلت له نصف أرش العين ولا قود لأنه لا يقدر على قود من نصف بصر، وإن قال
أهل البصر بالعيون إن البصر كلما أبعدته كان أكل له وكانوا يعرفون بالذرع قدر ما ذهب من البصر معرفة
إحاطة قبلت منهم، وإن لم يعرفوا معرفة إحاطة أو اختلفوا جعلته بالذرع لأنه الظاهر ولم أزد المجني عليه
على حصة ما نقص بصره بالذرع، وإن قال الجاني أحلف المجني عليه ما يثبت الشخص حيث زعم
أنه لا يثبته أحلفته له ولم أقض له حتى يحلف، وإنما قلت لا أسأل أهل العلم عن حد تقص البصر أولا
أنى سمعت بعض من ينسب إلى الصدق والبصر يقول لا يحد أبدا نقص العين إذا بقي فيها من البصر
شئ قل أو كثر إلا بما وصفت من نصب الشخص له (قال الشافعي) وإذا جنى الرجل على بصر
الرجل عمدا فنقص بصر المجني عليه فلا قود له لأنه لا يقدر على أن ينقص من بصر الجاني بقدر ما
نقص من بصر المجني عليه فلا يجاوزه، وكذلك لو كان في عين المجني عليه بياض فأذهبها الجاني فلا
قصاص، ولا قصاص في ذهاب البصر حتى يذهب بصر المجني عليه، فإذا ذهب كله فإن كان بخق
عين المجني عليه بخقت عينه وإذا كان قلعها قلعت عينه وإن كان ضربها حتى ذهب بعض بصرها أو
أشخصها عن موضعها ولم يندرها من موضعها قيل للمجني عليه لا تقدر على أن تصنع بعينه هذا،
فإن قال أهل البصر بالعيون إن البصر كلما أبعد كان أكل له وكانوا يعرفون بالذرع قدر ما ذهب من
70

البصر معرفة إحاطة قبلت منهم، وإن لم يعرفوه معرفة إحاطة واختلفوا جعلته بالذرع لأنه الظاهر ولم أزد
المجني عليه على حصة ما نقص بصره بالذرع، وإن ذهب بصرها كله وأشخصها عن موضعها قيل له
إن شئت أذهبنا لك بصره ولا شئ لك غير ذلك، وإن شئت فالعقل (قال الشافعي) وإن ضربها
فأندرها ولم تثبت أندرت عينه لها وإن قال ضربها فأندرها فردت وذهب بصرها أندرت عينه، وقيل له
إن شئت فردها وإن شئت فدع ولم تعط عقلا بما صنع بك إذا أقدت فإن كانت لا تعود ثم ثبتت فلم
تثبت إلا وقد بقي لها عرق فردت فثبتت لم تندر عينه بها لأنه لا يقدر على أن تندر ثم تعود ويبقى لها
عرق، وقيل للمجني عليه إن شئت أذهبنا لك بصره وإن شئت فالعقل (قال الشافعي) وإن ضرب
عينه فأدماها ولم يذهب بصرها فلا قصاص ولا أرش معلوم وفيها حكومة ويعاقب الضارب.
اختلاف الجاني والمجني عليه في البصر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا جنى الرجل على بصر الرجل فقال جنيت عليه وبصره
ذاهب فعلى المجني عليه البينة أنه كان يبصر بها قبل أن يجنى عليه ويسع البينة الشهادة على ذلك إذا
رأوه يتصرف تصرف البصير ويتقى ما يتقى وهكذا إذا جنى على بصر صبي أو معتوه فقال جنيت عليه
وهو لا يبصر فالقول قوله مع يمينه وعلى أوليائهما البينة أنهما كانا يبصران قبل يجني عليهما ويسع البينة
الشهادة إن كانا يريانهما يتقيان به اتقاء البصير ويتصرفان تصرفه، وهكذا القول قول الجاني فيما جنى
عليه من شئ فقال جنيت عليه وهو غير صحيح كأن قطع أذنه فقال ضربتها وهي مقطوعة قبل ضربتها
فإن البينة على المقطوعة أذنه بأنه كانت له أذن صحيحة قبل أن يقطعها وكذلك لو جاء رجل إلى رجل
مسجى بثوب فقطعه باثنين فقال قطعته وهو ميت أو جاء قوما في بيت فهدمه عليهم فقال هدمته وهم
موتى كان القول قول الجاني مع يمينه وعلى أوليائهم البينة إن الحياة كانت فيهم قبل الجناية، فإذا
أقاموها لم يقبل قول الجاني حتى تثبت له بينة أنه قد حدث لهم موت قبل الجناية (قال الربيع) والقول
الثاني أن الذين هدم عليه البيت على الحياة التي قد عرفت منهم حتى يقيم الذي هدم عليهم البيت
أنهم ماتوا قبل أن يهدمه.
الجناية على العين القائمة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولم أعلم مخالفا لقيته أنه ليس في اليد الشلاء ولا المنبسطة غير
الشلاء إذا كانت لا تنقبض ولا تنبسط أو كان انبساطها بلا انقباض أو انقباضها بغير انبساط عقل
معلوم، وإنما يتم عقلها إذا جنى عليها صحيحة تنقبض وتنبسط فأما إذا بلغت هذا فكانت لا تنقبض
ولا تنبسط فإنما فيها حكومة، فإذا كان هذا هكذا فهكذا ينبغي أن يقولوا في العين القائمة ولا يكون
فيها عقل معلوم وأنا أحفظ عن عدد منهم في العين القائمة هذا وبه أقول ويكون فيها حكومة، وكل ما
قلت فيه حكومة فأحسب والله أعلم أنه لا يجوز أن تبان حكومة إلا بأن يقال انظروا كأنها جارية فقئت
عين لها قائمة كم كانت قيمتها وعينها قائمة ببياض أو ظفر أو غير ذلك فإن قالوا قيمتها وعينها قائمة هكذا
خمسون دينارا، قيل فكم قيمتها الآن حين بخقت عينها فصارت إلى هذا برأت؟ فإن قالوا أربعون
71

دينارا جعلت في عين الرجل القائمة خمس ديته، وإن قالوا خمسة وثلاثون دينارا جعلت في عين
المجني عليه خمسا ونصف خمس وهو خمس وعشر ديته (قال الشافعي) وهكذا كل ما سوى هذا فإن
قالوا بل نقصها هذا البخق نصف قيمتها عما كانت عليه قائمة العين فلا أحسب هذا إلا خطأ ولا
أحسبهم يقولونه (قال الشافعي) وينقص من النصف شئ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا جعل في
العين الصحيحة نصف الدية لم يجز أن تكون العين القائمة كالعين الصحيحة، وقد قضى زيد رحمه الله
تعالى في العين القائمة بمائة دينار، ولعله قضى به على هذا المعنى.
في السمع
(قال الشافعي) ولا قود في ذهاب السمع لأنه لا يوصل إلى القود فيه فإذا ذهب السمع كله ففيه
الدية كاملة وإذا ضرب الرجل الرجل فقال قد صممت سئل أهل العلم بالصمم فإن قالوا له مدة إن
بلغها ولم يسمع تم صممه لم أقض له بشئ حتى يبلغ تلك المدة فإن قالوا ماله غاية تغفل وصيح به فإن
أجاب في بعض ما تغفل به جواب من يسمع لم يقبل قوله وأحلف الجاني ما ذهب سمعه فإن لم يجب
عندما غفل به أو عند وقوع جواب من يسمع أحلف لقد ذهب سمعه فإذا حلف فله الدية كاملة وإن
أحطنا أن سمع إحدى الاذنين يذهب ويبقى سمع الاذن الأخرى ففيه نصف الدية لأنه نصف السمع
(قال الشافعي) وإن نقص سمعه كله فكان يحد نقصه بحد مثل أن يعرف آخر حد يدعى منه فيجيب
كان له بقدر ما نقص منه وإن سدت بشئ عرف ذهاب سمع الاذن الأخرى أم لا سدت وإن كان
ذلك لا يعرف قبل قول الذي ادعى أن سمعه ذهب مع يمينه وقضى له بنصف الدية والأذنان غير
السمع فإذا قطعتا ففيهما القود وفي السمع إذا ذهب الدية وكل واحد منهما غير صاحبه.
الرجل يعمد الرجلين بالضربة أو الرمية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا عمد الرجل الرجلين المسلمين مصطفين قائمين أو قاعدين
أو مضطجعين بضربة تعمدهما بها بسيف أو بما يعمل به علمه فقتلهما فعليه في كل واحد منهما القود،
ولو قال لم أعمد إلا أحدهما فسبق السيف إلى الآخر لم يصدق لأن السيف إنما يقع بهما وقوعا واحدا،
ولو عمد أن يطعنهما برمح والرمح لا يصل إلى أحدهما إلا بعد خروجه من الآخر أو ضربهما بسيف
وأحدهما فوق الآخر فقال عمدتهما معا وقتلتهما معا كان عليه في كل واحد منهما القود (قال الشافعي)
ولو قال حين رمى أو طعن أو ضرب الرجلين اللذين لا يصل ما صنع بأحدهما إلى الذي معه إلا بعد
وصوله إلى الأول عمدت الأول الذي طعنته أو رميته أو ضربته ولم أعمد الآخر كان عليه القود في
الأول وكانت على عاقلته الدية في الآخر لأن صدقه بما ادعى يمكن عليه، ولو قال عمدت الذي
نفذت إليه الرمية أو الطعنة آخرا ولم أعمد الأول وهو يشهد عليه أنه رماه أو طعنه أو ضربه وهو يراه كان
عليه القود فيهما في الأول بالعمد وأنه ادعى ما لا يصدق بمثله وعليه القود في الآخر بقوله عمدته (قال
الشافعي) وإذا ضرب الرجل الرجل عليه البيضة والدرع فقتله بعد قطع جنته أقيد منه، وإن قال لم
أرد إلا البيضة والدرع لم يصدق إذا كان عليه سلاح فهو كبدنه.
72

النقص في الجاني المقتص منه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قتل الرجل رجلا والمقتول صحيح والقاتل مريض أو
أقطع اليدين أو الرجلين أو أعمى أو به ضرب من جذام أو برص فقال أولياء المقتول هذا ناقص عن
صاحبنا قيل إذا كان حيا فأردتم القصاص فالنفس بالنفس والجوارح تبع للنفس لا نبالي بجذمها
وسلامتها كما لو قتل صاحبكم وهو سالم وصاحبكم في هذه الحال أو أكثر منها اقدناكم لأنه نفس
بنفس ولا ينظر فيها إلى أطراف ذاهبة ولا قائمة فإن قال ولاة الدم قد قطع هذا يدي صاحبنا ورجليه ثم
قتله ولا يد ولا رجل له فأعطنا عوضا من اليدين والرجلين إذ لم يكونا قيل إنكم إذا قتلتم فقد أتيتم على
إفاتته كله وهذه الأطراف تبع لنفسه ولا عوض لكم مما فات من أطرافه كما لا نقص عليكم لو كان
صاحبكم المقطوع والقاتل صحيحا قتل به وقتله إتلاف لجميع أطرافه، ولو قتل رجل رجلا فعدا
أجنبي على القاتل فقطع يديه أو رجليه عمدا كان له القصاص أو أخذ المال إن شاء وإذا أخذ المال فلا
سبيل لولى المقتول على المال في حاله تلك حتى يخير بين القصاص من القتل أو الدية، وكذلك لو
جنى عليه خطأ لم يكن لولى المقتول سبيل على المال وقيل له أن شئت فاقتل وإن شئت فاختر أخذ الدية
فإن اختار أخذ الدية أخذها من أي ماله وجد ديات أو غيرها، ولو أن رجلا قتل رجلا ثم عدا أجنبي
على القاتل فجرحه جراحة ما كانت خير ولى المقتول الأول بين قتله بحاله تلك وإن كان مريضا يموت أو
أخذ الدية فإن اختار قتله فله قتله ولا يمنع من القتل بالمرض ولا العلة ما كان لأن القتل وحى ويمنع
من القصاص والحدود (1) غير القتل بالمرض إذا لم يكن معها قتل بالمرض حتى يبرأ منه وإذا قتله
مريضا فلأولياء المقتول على الجاني عليه ما فيه القود من الجراح إن شاءوا القود وإن شاءوا العقل وإن
اختار ولى الدم قتله فلم يقتله حتى مات من الجراح التي أصابه بها الأجنبي فلأولياء القتيل الأول الدية
في مال الذي قتله والأولياء الذي قتل القتيل الأول وقتله الأجنبي آخرا على قاتله القصاص أو أخذ الدية
فإن اقتصوا منه فدية الأول في مال قاتله المقتول وإن لم يكن لقاتله المقتول مال فسأل ورثة المقتول
الأول ورثة المقتول الآخر الذي قتل صاحبهم أخذ ديته ليأخذوها لصاحبهم لم يكن ذلك لهم لأن قاتله
متعد عليه القصاص فلا يبطل حكم الله عز وجل عليه بالقصاص منه بأن يفلس لأهل القتيل الأول
بدية قتيلهم، وهذا هكذا في الجراح لو قطع رجل يمنى رجل فقطع آخر يمنى القاطع ولا مال للقاطع
المقطوعة يمناه فقال المقطوعة يمناه الأول قد كانت يمين هذا لي أقتص منها ولا مال له آخذه بيميني وله
إن شاء مال على قاطعه فاقضوا له به على قاطعه لآخذ منه ولا تقتصوا له به فيبطل حقي من الدية وهو
لا قصاص فيه ولا مال له قيل إنما جعل له الخيار في القصاص أو المال فإن لي أحدها لم نجبره على ما
أردت من المال (2) وأبيعه يديه بدل فمتى ما كان له مال فخذه وإلا فهو حق أفلس لك به، ولو قال
قد عفوت القصاص والمال لم يجبر على أخذ المال ولا القصاص إنما يكون إن شاء لا أنه يجبر عليه وإن
كان عليه حق لغيره ولكنه ينبغي للحاكم إذا قطع يد رجل فقطعت يده أن يشهد للمقطوعة يده

(1) قوله: غير القتل بالمرض، هذا مكرر مع قوله بعده " إذا لم يكن معها قتل بالمرض " ولعلها نسختان جمع
الناسخ بينهما، فتأمل.
(2) قوله: وأبيعه الخ، كذا في الأصل، ولا تخلو العبارة من تحريف، فانظر وحرر. كتبه مصححه.
73

الأولى أنه قد وقف له مال القاطع المقطوع آخرا فإذا أشهد بذلك فللمقطوع آخرا القصاص إلا أن يشاء تركه فإن شاء تركه وترك المال نظر فإن كان له مال يؤدي منه دية يد الذي قطع اخذت من ماله دية يده وجاز
عفوه وإلا لم يجز عفوه المال وماله موقوف لغرمائه.
الحال التي إذا قتل بها الرجل أقيد منه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: من جنى على رجل يسوق يرى من حضره أنه في السياق وأنه
يقبض مكانه فضربه بحديدة فمات مكانه فقتله ففيه القود لأنه قد يعيش بعدما يرى أنه يموت وإذا رأى
من حضره أنه قد مات فشهدوا على ذلك ثم ذبحه أو ضربه عوقب ولا عقل ولا قود وإن أتى عليه
رجل قد جرحه رجل جراحات كثرت أو قلت يرى أنه يعاش من مثلها أو لا يرى ذلك إلا أنها ليست
مجهزة عليه فذبحه مكانه أو قطعه باثنين أو شدخ رأسه مكانه أو تحامل عليه بسكين فمات مكانه فهو قاتل
عليه القود وعقل النفس تاما إن شاء الورثة وعلى من جرحه قبله القصاص في الجراح أو الأرش وهو
برئ من القتل ولا أن يكون قد قطع حلقومه ومريئه فإن من قطع حلقومه ومريئه لم يعش وإن رأى أن
فيه بقية روح فهو كما يبقى من بقايا الروح في الذبيحة، وكذلك إن ضرب عنقه فقطع الحلقوم والمرئ
وكذلك إن قطعه باثنين حتى يتعلق بجلده أو قطع حشوته فأبانها أو أخرجها من جوفه فقطعها عوقب في
هذه الأحوال ولا عقل ولا قود والقاتل الذي ناله بالجراح قبله لا يمنعه ما صنع هذا به من القود إن كان
قودا أو العقل وإذا أتى عليه قد قطع حلقومه دون مريئه أو مريئه دون حلقومه سئل أهل العلم به فإن
قالوا قد يعيش مثل هذا بدواء أو غير دواء نصف يوم أو ثلثه أو أكثر فهذا قاتل وبرئ الأول الجارح من
القتل، وإن قالوا ليس يعيش مثل هذا إنما فيه بقية روح إلا ساعة أو أقل من ساعة حتى يطغى فالقاتل
الأول وهذا برئ من القتل، وهكذا إذا أجافه فخرق أمعاءه لأنه قد يعيش بعد خرق المعا ما لم يقطع
المعا فيخرجه من جوفه قد خرق معا عمر بن الخطاب رضي الله عنه من موضعين وعاش ثلاث، ولو
قتله أحد في تلك الحال كان قاتلا وبرئ الذي جرحه من القتل في الحكم ومتى جعلت الآخر قاتلا
فالجارح الأول برئ من القتل وعليه الجراح خطأ كانت أو عمدا فالخطأ على عاقلته والعمد في ماله إلا
أن يشاءوا أن يقتصوا منه إن كانت مما فيه القصاص ومتى جعلت الأول القاتل فلا شئ على الآخر إلا
العقوبة والنفس على الأول. وسواء في هذا عمد الآخر وخطؤه إن كان عمدا وجعلته قاتلا فعليه
القصاص وإن كان خطأ وجعلته قاتلا فعلى عاقلته الدية، وإذا جرح رجلان رجلا جراحة لم يعد بها
في القتلى كما وصفت من الذبح وقطع الحشوة وما في معناه فضربه رجل ضربة فقتله فإن كانت ليس
بإجهاز عليه فمات منها مكانه قبل يرفعها فهو قاتله دون الجارحين الأولى وإن عاش بعد هذا مدة قصيرة
أو طويلة فهو شريك في قتله للذين جرحاه أولا ولا يكون منفردا بالقتل إلا أن يكون مال ناله به إجهازا
عليه بذبح أو قطع حشوة أو ما في معناه أو بضربة يموت منها مكانه ولا يعيش طرفه بعدها (قال
الشافعي) رحمه الله: وإذا جرح رجل جراحات لم يبرأ منها ثم جرحه آخر بعدها فمات فقال أولياء
القتيل مات مكانه من جراح الآخر دون جراح الأولين وأنكر القاتل فالقول قوله مع يمينه وعلى ولاة
الدم (1) الأول البينة فإن لم يأتوا بها فهو شريك في النفس لهم قتله بالشرك فيها، وليس لهم قتل اللذين

(1) قوله: الأول، كذا في النسخ، وليس لها معنى، فلعلها من زيادة الناسخ.
74

جرحاه قبل بابرائهموه أن يكون مات الا من جناية الآخر مكانه دون جنايتهم ولهم عليه القود في
الجراح أو أرشها إن شاءوه (2) وإذا صدقهم الضاربون الأولون أنه مات من جناية الآخر دون
جنايتهم.
الجراح بعد الجراح
(قال الشافعي) رحمه الله وإذا قطع يدي الرجل أو رجليه أو بلغ منه أكثر من هذا ثم قتله أو بلغ
منه ما وصفت أو أكثر منه فلم يبرأ من شئ من الجراح حتى أتى عليه فذبحه أو ضربه فقتله فإن أراد
ولاته الدية فإنما لهم دية واحدة لأنها لما صارت نفسا كانت الجراح كلها تبعا لها وإن أرادوا القود فلهم
القود إن كان عمدا كما وصفت وفعل الجارح إذا كان واحدا في هذا مخالف لفعله لو كانا اثنين، ولو
كان اللذان جرحاه الجراح الأولى اثنين ثم أتى أحدهما فقتله كان الآخر قاتلا عليه القتل أو العقل تاما
وكان على الأول نصف أرش الجراح إن شاء ورثته إن كانا جرحاه جميعا، وإن انفرد أحدهما بجراح
فعليه القود في جراحه التي انفرد بها أو أرشها تاما لأن النفس صالت متلفة بفعل غيره فعليه جراحه كاملة بالغة
ما بلغت، وكذلك لو كان جرحه رجلا ثم ذبحه ثالث فالثالث القاتل وعلى الأولين ما في الجراح من عقل
وقود فلو جرح رجل جراحة فبرأت وقتله بعد برئها كان عليه في القتل ما على القاتل من
جميع العقل أو القصاص وفى الجراح ما على الجارح من عقل أو قصاص إذا برأت الجراح فهي جناية
غير جناية القتل كأن قطع يديه فبرأ ثم قتله فعليه القتل إن شاء الورثة وأرش اليدين وان شاءوا القصاص
في اليدين ثم دية النفس وإن شاءوا القصاص في اليدين وقتل النفس ولو كانت اليدان لم تبرأ حتى قتله
كانت دية واحدة إن أرادوا الدية أو قصاص في النفس واليدين يقطعون اليدين ثم يقتلونه وإن قتلوه ولم
يقطعوا يديه فلا شئ لهم في اليدين إذا لم تبرأ الجراح فالجراح تبع للنفس تبطل إذا قتل الورثة القاتل
وإذا أخذوا دية النفس تامة ولا يكون لهم أن يقطعوا يديه ويأخذوا دية النفس إنما لهم قطع يديه إذا
كانوا يميتونه مكانهم بالقتل قصاصا ولو قال الجاني قطعت يديه فلم تبرأ حتى قتلته وقال أولياء المقتول بل
برأت يداه ثم قتله كان القول قول القاتل لأنه يؤخذ منه حينئذ ديتان إن شاء أولياء المقتول ولا تؤخذ منه
الزيادة إلا بإقراره أو بينة تقوم عليه ولو قامت عليه بينة بأن يديه قد برأتا لم يقبل هذا منه حتى يصفوا
البرء فإذا أثبتوه بما يعلم أهل العلم أنه برء قبل ذلك منهم فإن قالوا قد سكبت مدتهما أو ما أشبه هذا لم
يقبل وإذا قبلت البينة على البرء فقال الجاني قد انتقضتا بعد البرء وأكذبه الورثة فالقول قولهم وعلى
الجاني البينة أنهما انتقضتا من جنايته لأن الحق أنه شهد لهم بالبرء فلا يدفع عنه بقوله.
الرجل يقتل الرجل فيعدو عليه أجنبي فيقتله
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قتل الرجل الرجل عمدا فعدا عليه غير وارث فقتله قيل
يثبت عليه ببينة أو يقر أو بعد ما أقرأ وثبت عليه ببينة وقيل يدفع إلى أولياء المقتول ليقتلوه أو يأخذوا الدية

(2) قوله: وإذا صدقهم الخ، هكذا في النسخ، ولعل في الكلام تحريفا أو نقصا، فتأمل وحرر. كتبه مصححه.
75

أو يعفو أو بعد ما دفع إليهم ليقتلوه فكل ذلك سواء وعلى قاتله الأجنبي القصاص إلا أن تشاء ورثة
المقتول أخذ الدية أو العفو ولو ادعى الجهالة وقال كنت أرى دمه مباحا لم يدرأ بها عنه القود ولو ادعى
أن ولى المقتول الذي له القصاص أمره بقتله فأقر بذلك ولى المقتول لم يكن عليه عقل ولا قود ولا أدب
لأنه معين لولى المقتول ولو ادعى على ولى المقتول الذي له القصاص أنه أمره بقتله وكذبه ولى المقتول
أحلف ولى المقتول ما أمره فإن حلف فعلى القاتل القصاص ولولي المقتول الدية في مال قاتل صاحبه
المقتول وإن نكل حلف لقد أمره أحدهما بقتله ولم يأمر به الآخر لم يقتل به وكان لأولياء المقتول القاتل
أن يأخذوا نصف ديته من الأجنبي الذي قتله بغير أمر الورثة كلهم وللوارث أخذها من مال المقتول إلا
أن يعفوها ولا ترجع ورثته على الآمر بشئ لأنه قد كان له أن لا يقتل إلا بأمره ولو كان له وارث واحد
فقضى له بالقصاص فقتله أجنبي بغير أمره فلأولياء المقتول القاتل على قاتل صاحبهم القود أو الدية
ولولي القتيل الأول الدية في مال قاتل صاحبه دون قاتل قاتل صاحبه ولو أن إماما أقر عنده رجل بقتل
رجل بلا قطع طريقه عليه فعجل فقتله كان على الإمام القصاص إلا أن تشاء ورثته الدية لأن الله عز
وجل لم يجعل للإمام قتله وإنما جعل ذلك لوليه لقول الله عز وجل (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه
سلطانا فلا يسرف في القتل) الآية (قال الشافعي) الاسراف في القتل أن يقتل غير قاتله والله أعلم
وكذلك لو قضى عليه بالقتل ودفعه إلى أولياء المقتول وقالوا نحن نقتله فقتله الإمام فعليه القود لأنه قد
كان لهم تركه من القود وأيهم شاء تركه فلا يكون إلى قتله سبيل والإمام في هذا مخالف أحد ولاة الميت
يقتله لأن لكلهم حقا في دمه ولا حق للإمام ولا غيره في دمه وهذا مخالف الرجل يقضى عليه الإمام
بالرجم في الزنا فيقتله الإمام أو أجنبي هذا لا شئ على قاتله لأنه لا يحل حقن دم هذا أبدا حتى
يرجع عن الاقرار بكلام إن كان قضى عليه باقراره أو يرجع الشهود عن الشهادة إن كان قضى عليه
بشهادة شهود وكذلك يخالف المرتد عن الاسلام يقتله الإمام أو الأجنبي لأن دم هؤلاء مباح لحق الله
عز وجل ولا حق لآدمي فيه يحد عليهم كحق أولياء القتيل في أخذ الدية من قاتل وليهم ولا سبيل إلى
العفو عنه كسبيل ولاة القتيل إلى العفو عن قاتل صاحبهم ولو قتل رجل رجلا عمدا فعدا عليه أجنبي
فقتله والأجنبي ممن لا يقتل بالمقتول إما بأنه مغلوب على عقله أو صبي لم يبلغ وإما بأنه مسلم والمقتول
كافر فعلى القاتل إذا كان هكذا دية المقتول ولأولياء المقتول الأول أخذ الدية من قاتل قاتلهم فإن كان
فيها وفاء من دية صاحبهم فهي لهم وإن كان فيها فضل عن دية صاحبهم رد على ورثة المقتول فإن كانت
تنقص أخذوا ما بقي من ماله وإن كانت على القاتل المقتول الذي أخذت ديته ديون من جنايات
وغيرها فأولياء المقتول الأول شركاؤهم في ديته وغيرها وليسوا بأحق بديته من أهل الديون غيرهم لأن
ديته غير ديته وهو مال من ماله ليسوا بأحق به من غيرهم.
الجناية على اليدين والرجلين
(قال الشافعي) رحمه الله وإذا قطعت اليد من مفصل الكف ففيها نصف الدية وإن قطعت من
الساعد أو المرفق أو ما بين الساعد والمرفق ففيها نصف للدية والزيادة على الكف حكومة يزاد في
الحكومة بقدر ما يزاد على الكف ولا يبلغ بالزيادة وإن أتت على المنكب دية كف تامة وسواء اليد
اليمنى واليسرى ويد الأعسر ويد غيره وهكذا الرجلان إذا قطعت إحداهما من مفصل الكعب ففيها
76

نصف الدية فإن قطعت من الساق أو الركبة أو الفخذ حتى يستوعب الفخذ ففيها نصف دية وزيادة
حكومة كما وصفت في اليدين ويزاد فيها بقدر الزيادة على موضع القدم لا تبلغ الزيادة وإن جاءت
على الورك دية رجل تامة، وإن قطعت اليد بالمنكب أو إحدى الرجلين بالورك فلم يكن من واحد من
القطعين جائفة فهو كما وصفت وإن كانت من واحد منهما جائفة ففيها دية الرجل واليد والحكومة في
الزيادة ودية جائفة، وسواء رجل الأعرج إذا كانت القدم سالمة فقطعت ويد الأعسر إذا كانت
الكف سالمة ورجل الصحيح ويد غير الأعسر وإنما تكون فيها الدية إذا كانت أصابعها الخمس سالمة
فإن كانت الكف سالمة ورجل الصحيح ويد غير الأعسر وإنما تكون فيها الدية إذا كانت أصابعها
الخمس سالمة فإن كانت أصابعها أربعا ففيها أربعة أخماس دية وحكومة الكف لا يبلغ بها دية أصبع
وإن كانت أصابعها خمسا إحداها شلاء ففيها أربعة أخماس دية وحكومة الكف والإصبع الشلاء أكثر
من الحكومة في الكف ليس لها إلا أربعة أصابع وإن كانت أصابعها ستا ففيها ديتها وهي نصف الدية
وحكومة في الإصبع الزائدة وكذلك إن كانت فيها إصبعان زائدتان أو أكثر يزاد في الحكومة بقدر
زيادة الأصابع الزوائد ولا تختلف رجل الأعرج والصحيح إلا في أن يجنى على رجليهما فيزيد عرج
العرجاء وتعرج الصحيحة فتكون الحكومة في الصحيحة أكثر فأما إذا قطعتا أو شلتا فلا تختلفان وإذا
كانت اليد الشلاء فقطعت ففيها حكومة والشلل اليبس في الكف فتيبس الأصابع أو في الأصابع وإن
لم تيبس الكف فإذا كانت الأصابع منقبضة لا تنبسط بحال أو تنبسط إن مدت فإن أرسلت رجعت
إلى الانقباض بغير أن تقبض أو منبسطة لا تنقبض بحال أولا تنقبض إلا أن تقبض فإن أرسلت رجعت
إلى الانبساط بغير أن تنبسط فهي شلاء وسواء في العقل كان الشلل من استرخاء مفصل الكف أو
الأصابع وإن كان الشلل من استرخاء الذراع أو العضد أو المنكب ففي شلل الكف الدية وفي استرخاء ما فوقها
حكومة وإذا أصيبت الأصابع فكانت عوجاء أو الكف وكانت عوجاء وأصابعها تنقبض وتنبسط ففيها حكومة
وإن جنى عليها بعدما أصيبت ففيها دية تامة وهكذا إن رضخت الأصابع فجبرت تنقبض وتنبسط غير أن أثر
الرضخ فيها كالحفر ففيها حكومة ويزاد فيها بقدر الشين والألم وإن جنى عليها بعد فأصيبت ففيها ديتها تامة
وسواء يد الرجل التامة الباطشة القوية ويد الرجل الضعيفة القبيحة المكروهة الأطراف إذا كانت الأصابع
سالمة من الشلل وسواء الكف المتعجرة من خلقتها أو المتعجرة من مصيبة بها والأصابع إذا سلمت من اليبس لم
ينقص أرشها الشين والقول في الرجل كالقول في اليد سواء، وسواء إذا قطعت رجل
من لا رجل له إلا واحدة أو يد من لا يد له إلا واحدة أو من له يدان ففي الرجل نصف
الدية وفي اليد نصف الدية ولو أن رجلا خلقت له في يمناه كفان أو يدان منفصلتان أو
خلقتا في يسراه أو في يمناه ويسراه معا حتى تكون له أربعة أيد نظر إليهما، فإن كانت
العضد والذراع واحدة والكفان مفترقتان في مفصل فقطع التي يبطش بها ففيها الدية
والقصاص إن كان قطعها عمدا ولو قطعت الأخرى التي لا يبطش بها كانت فيها حكومة وجعلتها
كالإصبع الزائدة مع الأصابع من تمام الخلقة، وإن كان يبطش بهما جميعا جعلت اليد التامة التي هي
أكثرهما بطشا إن كان موضعها من مفصل الذراع، مستقيما على مفصل أو زائلا عنه وجعلت الأخرى
الزائدة إن كان موضعها من مفصل الذراع مستقيما عليه أو زائلا عنه وإن كان بطشهما سواء وكانت
إحداهما مستقيمة على مفصل الذراع جعلت المستقيمة اليد التي لها القود وتمام الأرش وجعلت الأخرى
77

الزائدة وإن كان موضعهما من مفصل الذراع واحدا ليست واحدة منهما أشد استقامة على مفصل الذراع
من الأخرى ولا يبطش بإحداها إلا كبطشه بالأخرى فهاتان كفان ناقصتان فأيهما قطعت على الانفراد
فلا يبلغ بها دية كف تامة ويجعل فيها حكومة يجاوز بها نصف دية كف وإن قطعتا معا ففيهما دية كف
ويجاوز فيها دية كف على ما وصفت من أن تزاد كل واحدة منهما على نصف دية كف وهكذا إذا
قطعت أصبع من أصابعهما أو شلت الكف أو أصبع من أصابعها وهكذا لو كانت لهما ذراعان وعضدان وأصل
منكب كان القول فيهما كالقول فيهما إذا كانت لهما كفان في ذراع واحدة لا يختلف إلا بزيادة
الحكومة في قطع الذراعين أو العضدين أو الذراعين مع الكفين فيزاد في حكومة ذلك بقدر الزيادة في
ألمه وشينه ولو كان له كفان في ذارع إحداهما ناقصة الأصابع والأخرى تامتها أو إحداهما زائدة الأصابع
والأخرى تامتها أو ناقصتها كانت الكف منهما العاملة دون التي لا تعمل فإن كانتا تعملان فالكف منهما
أقواهما عملا فإن استوتا في العمل فالكف منهما المستقيمة المخرج على الذراع وإن كانتا سواء فالكف
منهما التامة دون الناقصة والأخرى زائدة وإن كانت إحداهما زائدة والأخرى غير زائدة فهما سواء
وليست واحدة منهما أولى بالكف من الأخرى وكذلك إن كانتا زائدتين معا ولو خلقت لرجل كفان في
ذراع إحداهما فوق الأخرى منفصلة منها فكان يبطش بالسفلى التي تلي العمل بطشا ضعيفا أو قويا
وكانت سالمة ولا يبطش بالعليا كانت السفلى هي الكف التي فيها القود والعقل تاما والعليا الزائدة فإن
كان لا يبطش بالسفلى بحال فهي كالشلاء ولا تكون سالمة الأصابع إلا وهو يتناول بها وإن ضعف تناوله
وإن كان يبطش بالعليا منهما كانت الكف، وإن كان لا يقدر على البطش بها وهي فيما ترى سالمة
فقطعت لم يكن فيها قود ولا دية كف تامة. ولا تكون أبدا باطشة بالرؤية دون أن يشهد لها على بطش
أو ما في معنى البطش، من قبض وبسط وتناول شئ.
الرجلين
(قال الشافعي) رحمه الله: ولو خلقت لرجل قدمان في ساق فكان يطأ بهما معا وكانت أصابعهما
معا سالمة لم تكن واحدة منهما أولى باسم القدم من الأخرى، وأيتهما قطعت على الانفراد فلا قود فيها،
وفيها حكومة يجاوز بها نصف أرش القدم وإن قطعتا معا فعلى قاطعهما القود وحكومة، ولو قطعت
الأولى كانت فيها حكومة، فإن قطع قاطع الأولى الثانية وهي سالمة يمشى عليها حين انفردت كان عليه
القصاص مع حكومة الأولى وإن قطعها غيره فلا قصاص على واحد منهما وعلى كل واحد حكومة أكثر
من نصف أرش الرجل (قال الشافعي) ولو قال الذي قطعت إحدى رجليه اللتين هما هكذا قدني من
بعض أصابعي لم أقده لأن أصابعه ليست كأصابعه ولو كانت القدمان في ساق فكانت إحداهما
مستقيمة الخلقة على مخرج الساق وفي الأخرى جنف أو عوج للمخرج عن عظم الساق فكان يطأ بهما
معا فالقدم المستقيمة على مخرج الساق وفيها القصاص، والأخرى الزائدة لا قصاص فيها، وفيها
حكومة ولو كانت المستقيمة على مخرج الساق أقصر من الخارجة زائلة عن مخرج الساق وكان يطأ على
الزائلة كلها وطأ مستقيما كانت هي القدم وكانت الأخرى هي المانعة لها بطولها فلما ذهبت وطئ
78

على هذه ففي الأولى حكومة ولا قود وفي هذه إن قطعت بعد قود والدية تامة (قال الشافعي) وإن لم
يطأ على هذه بحال كانت الأولى القدم وكان فيها القود إن أصيبت ودية القدم تامة وفي هذه إن أصيبت
بعد حكومة (قال الشافعي) ولو لم تقطع ولكن جنى عليها فأشلت فصار لا يطأ عليها جعلت فيها دية
القدم تامة فإن قطعت فقضيت فيها بدية القدم فوطئ على الأخرى بعد قطع التي جعلت فيها الدية
نقضت الحكم في الأولى ورددته بفضل ما بين الحكومة والدية (1) فأخذت منهم حكومة ورددت عليه
ما بقي وعلمت حينئذ أن هذه هي القدم وجعلت في هذه القود تاما (قال الشافعي) ولا قول فيها إذا
قطعت من الساق والفخذ كالقول في اليد إذا قطعت من الذراع والعضد لا يختلف.
الأليتين
(قال الشافعي) وإذا قطعت أليتا الرجل أو المرأة ففيهما الدية وفى كل واحدة منهما نصف الدية
وكذلك أليتا الصبي فأيهم قطعت أليتاه عظيم الأليتين أو صغيرهما فسواء والأليتان كل ما أشرف على
الظهر من الماكمتين إلى ما أشرف على استواء الفخذين (2) وما قطع منهما فبحساب وإذا كان يقدر على
القصاص منهما ففيهما القصاص إن كان قطعهما عمدا وما قطع من الأليتين ففيه بحساب الأليتين وما شق
منهما ففيه حكومة وما قطع من الأليتين فبان ثم نبت واستخلف أو لم ينبت فسواء وفيما قطع فأبين منهما
بحساب الأليتين ولو قطع فلم يبن ثم أعيد فالتحم كانت فيه حكومة وهذا كالشق فيه يلتئم ومخالف لما بان
ثم نبت غيره وما بان ثم أعيد بنفسه فثبت فالتأم.
الأنثيين
(قال الشافعي) وإذا قطعت أنثيا الرجل أو الصبي أو الخصي ففيهما القود إن كان القطع عمدا
إلا أن يشاء المجني عليه أن يأخذ الأرش فيكون له فيهما الدية وإذا قطعت إحداهما ففيها نصف الدية
وسواء اليسرى أو اليمنى ولو قطع رجل إحدى الأنثيين فسقطت الأخرى عمدا كان عليه القصاص إن كان
يستطاع القصاص من إحداهما وتثبت الأخرى وعقل التي سقطت ولو أن رجلا وجاء رجلا كما
توجأ البهائم فإن كان يدرك علم ذلك أنه إذا وجئ كان ذلك كالشلل في الأنثيين ففيهما الدية كما تكون
على الجاني دية يد لو ضربت يد رجل فشلت، وإن كان لا يدرك علمه في المجني عليه إلا بقول المجني
عليه فالقول قوله مع يمينه وعلى الجاني الدية إن كان أدرك علم ذلك في غيره قط، وإذا سلت
البيضتان وبقيت الجلدة تم عقلهما والقصاص فيهما وإن قطعهما بالجلدة لم يزد عليه شئ للجلدة وفيهما
القصاص والدية تامة وإذا سلت البيضتان ثم قطعت الجلدة ففي البيضتين الدية وفي الجلدة الحكومة،
وإذا اختلف الجاني والمجني عليه فقال الجاني جنيت عليه وهو موجوء وقال المجني عليه بل صحيح
فالقول قول المجني عليه مع يمينه لأن هذا مما يغيب عن أبصار الناس ولا يجوز كشفه لهم.

(1) قوله: فأخذت منهم الخ، كذا في النسخ بالجمع " منهم " وافراد عليه " وانظر.
(2) قوله: وما قطع منهما إلى قوله فثبت فالتأم، كذا في النسخ ولعل في الكلام تحريفا وتكرار. فحرر كتبه
مصححه.
79

الجناية على ركب المرأة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قطعت إسكتا المرأة وهما شفراها فإن قطعه رجل فلا
قصاص لأنه ليس له مثله فإن قطعته امرأة فعليها القصاص إن كان يقدر على القصاص منه إلا أن تشاء
العقل فإن شاءته فلها الدية تامة وفي أحد شفريها إذا أوعب نصف الدية وفي الشفرين الدية فإن قطع
الشفران وأعلى الركب ففيهما الدية وفي الأعلى حكومة وإن قطع الاعلى فكان الشرفان بحالهما ففي الاعلى حكومة وإن انقطع الشفران (1) معهما أو ماتا حتى يصير ذلك فيهما كالشلل في ليد ففيهما الدية وفي الأعلى
حكومة وسواء في ذلك المخفوضة وغير المخفوضة، فإن كانت امرأة مقطوعة الشفرين قد التحما
فقطع إنسان ما التحم منهما فعليه حكومة وسواء في هذا شفر الصغيرة والعجوز والشابة لا يختلف وسواء
شفر الرتقاء التي لا تؤتى والبكر والثيب تؤتى وكذلك اركابهن كلهن سواء لا تختلف.
عقل الأصابع
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن
محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه ان في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن
حزم في كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي، قال أخبرنا ابن علية
بإسناده عن رجل عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (في الأصابع عشر عشر)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وبهذا نقول ففي كل أصبع قطعت من رجل عشر من الإبل، وسواء
في ذلك الخنصر والابهام والوسطى إنما العقل على الأسماء (قال الشافعي) وأصابع اليدين والرجلين
سواء وأصابع الصغير والكبير الفاني والشاب سواء والابهام من أصابع القدم مفصلان فإذا قطع منهما
مفصل ففيه خمس من الإبل ولما سواها من الأصابع ثلاثة مفاصل فإذا قطع منها مفصل ففيه ثلاث
من الإبل وثلث وإن خلق لاحد مفاصل أصابعه سواء لكل أصبع مفصلان وكانت أصابعه سالمة
يقبضها ويبسطها ويبطش بها ففي كل مفصل نصف دية الإصبع خمس من الإبل وإن كان ذلك
يشلها ففي أصبعه إذا قطعت حكومة وإذا كان لإصبع هذا مفصلان وكانت سالمة فقطعها إنسان عمدا
فعليه القصاص فإن قطع إحدى أنملتها فله إن شاء القصاص من أنملة أصبع القاطع فإن كان في إصبع
القاطع ثلاث أنامل أخذ مع القصاص سدس عقل الإصبع ولو خلق إنسان له في أصبع أربع أنامل
كانت في كل أنملة ربع دية الإصبع بعيران ونصف إن كانت أصابعه سالمة وإذا خلقت له في أصبع
أربع أنامل فقطع رجل منها أنملة عمدا وله في كل أصبع ثلاث أنامل فلا قصاص عليه لأن أنملته
أزيد من أنملة المقتص له ولو كان القاطع هو الذي له أربع أنامل والمقطوع له ثلاث أنامل فله القصاص
وأرش ما بين ربع أنملة وثلثها ولو كانت للرجل أصبع فيها أربع أنامل أو فيها أنملتان فكانت أطول من
الأصابع معها أو أقصر منها وهي سالمة ففيها عقلها تاما وليست كالسن تسقط فيستخلف أقصر من

(1) قوله: معها هكذا في النسخ، ولعل تثنية الضمير من تحريف الناسخ، ووجه الكلام " معه " أي: مع
الاعلى، فانظر وحرر. كتبه مصححه.
80

الأسنان لأن الأصابع هكذا تخلق ولا تسقط فتستخلف والأسنان تسقط فتستخلف، وإذا بقيت في
الكف أصبع أو إصبعان أو ثلاث أو أربع فقطعت الكف والأصابع فعلى القاطع أرش الأصابع تاما
وحكومة تامة في الكف لا يبلغ بها أرش أصبع، وسواء كانت الكف من امرأة أو رجل لا يبلغ
بحكومتها أرش أصبع إذا كان مع أصابع ولا يسقط أن يكون فيها حكومة إلا بأن يؤخذ أرش اليد تاما
فتدخل الكف مع الأصابع لأنها حينئذ يد تامة، وإذا قطعت الأصابع وأخذ أرشها أو عفا أو اقتص
منها ثم قطعت الكف ففيها حكومة على ما وصفت الحكومات، وسواء قطع الكف والأصابع أو غيره،
ولو جنى رجل على الأصابع عمدا فقطعها ثم قطع الكف اقتص منه كما صنع فقطعت أصابعه ثم
كفه، وإن شاء المجني عليه فقطع أصابعه وأخذ منه أرش كفه (1) وقال في الإصبع الزائدة حكومة ولو
خلقت لرجل أصبع أنملتها التي فيها الظفر أنملتان مفترقتان في كلتيهما ظفر وليست واحدة منهما أشد
استقامة على خلقة الأصابع من الأخرى ولا أحسن حركة من الأخرى فقطع إنسان إحداهما لم يكن
عليه قصاص وكانت عليه حكومة تجاوز نصر أرش أنملة وإن قطع هو أو غيره الثانية كان فيها حكومة
الأولى وكذلك إن قطعهما معا فعليه دية أصبع وحكومة في الزيادة فلو خلقت له أصابع عشر في كف
كان القول فيها كالقول فيه لو خلقت له كفان الأصابع المستقيمة على الأكثر من خلقة الآدميين أصابعه
إذا كانت سالمة كلها، وكذلك لو خلقت له إصبعان فكانت إحداهما باطشة والأخرى غير باطشة
كانت الباطشة أولى باسم الإصبع، ولو كان هذا في الرجلين كان هذا هكذا إذا كان يطأ عليها كلها
فإن كان يطأ على بعضها ولا يطأ على بعض، فإن الأصابع التي فيها عشر عشر هي التي يطأ عليها،
والتي لا يطأ عليها زوائد إذا قطع منها شئ كانت فيها حكومة، ولو خلقت لرجل أصبع زائدة والآخر
مثلها في مثل موضعها فجنى أحدهما على الآخر عمدا فقطع أصبعه الزائدة قطعت بها أصبعه الزائدة
إن شاء إذا كانت في مثل موضعها وإن لم تكن في مثل موضعها لم تقطع، ولو اختلفت الزائدتان
فكانت من القاطع أو المقطوع أتم كانت إحداهما بالأخرى إذا كانت مفاصلهما واحدة فإن كانت
الزائدة من القاطع بثلاثة مفاصل والزائدة من المقطوع بمفصل واحد أو مثل الثؤلول (2) وما أشبهه لم يقد
وكانت له حكومة، وإن كانت من المقطوع مثلها من القاطع أو من القاطع مثلها من المقطوع فللمقطوع
الخيار بين القود أو حكومة وبين الأرش لنقص أصبع المقطوع عن أصبعه والحكومة أقل من حكومتها لو
لم يستقد.
أرش الموضحة
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في الموضحة
خمس أخبرنا سفيان ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه (قال الشافعي) وبهذا نقول وفي الموضحة
خمس من الإبل وذلك نصف عشر دية الرجل (قال الشافعي) والموضحة في الرأس والوجه. كله

(1) قوله: وقال في الإصبع، انظر قوله وقال، فلعلها محرفة من الناسخ. كتبه مصححه.
(2) الثؤلول بضم الثاء. الحبة تظهر في الجلد كالحمصة فما دونها، كذا في اللسان. كتبه مصححه.
81

سواء، وسواء مقدم الرأس ومؤخره فيها وأعلى الوجه وأسفله واللحى الأسفل باطنه وظاهره وما تحت
شعر اللحية منها وما برز من الوجه كلها سواء ما تحت منابت شعر الرأس من الموضحة وما يخرج مما بين
الاذن ومنابت شعر الرأس (قال الشافعي) ولا يكون في شئ من المواضح خمس من الإبل إلا في
موضحة الرأس والوجه لأنهما اللذان يبدوان من الرجل فأما موضحة في ذراع أو عنق أو عضد أو ضلع
أو صدر أو غيره فلا يكون فيها إلا حكومة. والموضحة على الاسم فما أوضح من صغير أو كبير عن
العظم ففيه خمس من الإبل لا يزاد في كبير منها ولو أخذت قطري الرأس ولا ينقص منها ولو لم يكن
إلا قدر محيط لأنه يقع على كل اسم موضحة، وهكذا كل ما في الرأس من الشجاج فهو على الأسماء
ولو ضرب رجل رجلا بشئ فشجه شجة موتصلة فأوضح بعضها ولم يوضح بعض ان فيها أرش
موضحة فقط وكذلك لو لم تزد على أن خرق الجلد من موضح وبضع من آخر وأوضح من آخر ففيها
أرش موضحة لأن هذه الشجة موتصلة (قال الشافعي) ولو بقي من الجلد شئ قل أو كثر لم ينخرق
وإن ورم فاخضر وأوضح من موضعين والجلد الذي لم ينخرق حاجز بينهما كان موضحتين وكذلك لو
كانت مواضح بينهما فصول لم تنخرق (قال الشافعي) ولو شجه فأوضحه موضحتين وبينهما من الجلد
شئ لم ينخرق ثم تأكل فإن خرق كانت موضحة واحدة لأن الشجة اتصلت من الجناية ولو اختلف
الجاني والمجني عليه فقال المجني عليه أنت شققت الموضع الذي لم يكن انشق من رأسي فلي موضحتان وقال
الجاني بل تأكل من جنايتي فانشق القول قول المجني عليه مع يمينه لأنه قد وجبت له موضحتان فلا يبطلهما إلا
إقراره أو بينة تقوم عليه ولا يقص بموضحة إلا بإقرار الجاني أو بشاهدين يشهدان أن العظم قد برز حتى قرعه
المرود وإن لم ير العظم لأن الدم قد يحول دونه أو شاهد وامرأتين بذلك لأن الدم يحول بينه وبين أن يرى، أو
شاهد يشهد على هذا ويمين المدعي إذا كانت الجناية خطأ فإن كانت عمدا لم يقبل فيها شاهد ويمين ولا شاهد
وامرأتان لأن المال لا يجب إلا بوجوب القصاص، وإذا اختلف الجاني والمجني عليه في الموضحة فالقول قول
الجاني أنها توضح مع يمنيه وعلى المجني عليه البينة.
الهاشمة
(قال الشافعي) رحمه الله: وقد حفظت عن عدد لقيتهم وذكر لي عنهم أنهم قالوا في الهاشمة
عشر من الإبل وبهذا أقول (قال) والهاشمة التي توضح ثم تهشم العظم ولا يلزم الجاني هاشمة إلا
بإقراره أو بما وصفت من البينة على أن العظم انهشم فإذا قامت بذلك بينة لزمته هاشمة، ولو كانت
الشجة كبيرة فهشمت موضعا (1) أو مواضع بينهما شئ من العظم لم ينهشم كانت هاشمة واحدة لأنها
جناية واحدة، ولو كان بينهما شئ من الرأس لم تشققه والضربة واحدة فهشمت مواضع كان في كل
موضع منها انفصل حتى لا يصل به غيره مجروحا بتلك الضربة هاشمة وهذا هكذا في المنقلة والمأمومة.

(1) قوله: موضعا لعله محرف " عن موضعين " حتى تصح البينة والتثنية في قوله: - بينهما.
82

المنقلة
(قال الشافعي) لست أعلم خلافا في أن في المنقلة خمس عشرة من الإبل وبهذا أقول وهذا قول
من حفظت عنه ممن لقيت لا أعلم فيها بينهم اختلافا، والمنقلة التي تكسر عظم الرأس حتى يتشظى
فتستخرج عظامه من الرأس ليلتئم: وإنما قيل لها المنقلة لأن عظامها تنقل وقد يقال لها المنقولة وإذا
نقل من عظامها شئ قل أو كثر فقد تم عقلها خمس عشرة من الإبل وذلك عشر ونصف عشر دية،
ولا يجاوز الهاشمة حتى ينقل بعض عظامها كما وصفت.
المأمومة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لست أعلم خلافا في أن في المأمومة ثلث الدية، وبهذا نقول في
المأمومة ثلث النفس وذلك ثلاث وثلاثون من الإبل وثلث. والآمة التي تخرق عظم الرأس حتى تصل
إلى الدماغ وسواء قليل ما خرقت منه أو كثيرة كما وصفت في الموضحة ولا نثبت مأمومة إلا بشهود
يشهدون عليها كما وصفت بأنها قد خرقت العظم فإذا أثبتوا أنها قد خرقت العظم حتى لم يبق دون
الدماغ حائل إلا أن تكون جلدة دماغ فهي آمة وإن لم يثبتوا أنهم رأوا الدماغ.
ما دون الموضحة من الشجاج
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولم أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيما دون الموضحة
من الشجاج بشئ وأكثر قول من لقيت أنه ليس فيما دون الموضحة أرش معلوم وأن في جميع ما دونها
حكومة قال وبهذا نقول.
الشجاج في الوجه
(قال الشافعي) والموضحة في الوجه والرأس سواء لا يزاد إن شانت الوجه، وهكذا كل ما فيه
العقل مسمى (قال الشافعي) والهاشمة والمنقلة في الرأس والوجه سواء وفي اللحى الأسفل وجميع
الوجه وكذلك هي في اللحيين وحيث يصل إلى الدماغ سواء ولو كانت في (1) الاحسة فخرقت إلى الفم
أو كان في اللحى فخرقت حتى تنفذ العظم واللحم والجلد ففيها قولان: أحدهما أن فيه ثلث النفس
لأنها قد خرقت خرق الأمة وأنها كانت في موضع كالرأس والآخر انه ليس فيها ذلك، وفيها أكثر مما في
الهاشمة لأنها لم تخرق إلى الدماغ ولا جوف فتكون في معنى المأمومة أو الجائفة. وإذا شانت الشجاج
التي فيها أرش معلوم بالوجه لم يزد في شين الوجه شئ. وإذا كانت الشجاج التي دون الموضحة كانت

(1) قوله: الاحسة، هكذا في النسخ بدون نقط، وانظر الضبط والمعنى، وحرر. كتبه مصححه.
83

فيها حكومة لا يبلغ بها بحال قدر موضحة وإن كان الشين أكثر من قدر موضحة لأن النبي صلى الله عليه
وسلم إذا وقت في الموضحة خمسا من الإبل لم يجز أن تكون الخمس فيما هو أقل منها وكل جرح عدا
الوجه والرأس فإنما فيه حكومة إلا الجائفة فقط.
الجائفة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لست أعلم خلافا في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (وفي
الجائفة ثلث الدية) وبهذا نقول وفي الجائفة الثلث وسواء كانت في البطن أو في الصدر أو في الظهر إذا
وصلت الطعنة أو الجناية ما كانت إلى الجوف من أي ناحية كانت من جنب أو ظهر أو بطن ففيها ثلث
دية النفس ثلاث وثلاثون من الإبل وثلث. ولو طعن في وركه فجافته كانت فيها جائفة. ولو طعن في
ثغره نحره فجافته كانت فيها جائفة. ولو طعن في فخذه فمضت الطعنة حتى جافته كانت فيها جائفة
وحكومة بزيادة الطعنة في الفخذ لأن هذه جناية جمعت بين شيئين مختلفين كما لو شجه موضحة في
رأسه فمضت في رقبته كانت فيها موضحة وحكومة لاختلاف الحكم في موضع الجرحين. ولو طعن
رجل رجلا في حلقه أو في مريئه فخرقه كانت فيها جائفة لأن كل واحد منهما يصل إلى الجوف.
وكذلك لو طعنه في الشرج فخرقه لأن ذلك يصل إلى الجوف.
ما لا يكون جائفة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن امرأة عدت على امرأة عذراء فافتضتها فإن كانت أمة
فعليها ما نقصها ذهاب العذرة. وإن كانت حرة فعليها حكومة بهذا المعنى: فيقال أرأيت لو كانت أمة
تسوى خمسين من الإبل كم ينقصها ذهاب العذرة في القيمة؟ فإن قيل العشر كانت عليها خمس من
الإبل وإن قيل أكثر أو أقل كان ذلك عليها وكذلك لو افتضها رجل بإصبعه أو بشئ غير فرجه فإن
افتضها بفرجه فعليه مهر مثلها بالإصابة وحكومة على ما وصفت لا تدخل في مهر مثلها لأنه لو أصابها
ثيبا كان عليه مهر مثلها عوضا من الجماع الذي لم تكن هي به زانية ولا تبطل المعصية عنه الجناية إذا
كانت مع الجماع ولو افتضها فأفضاها أو أفضاها وهي ثيب كانت عليه ديتها لأنها جناية واحدة وعليه
مهر مثلها ولو افتضتها امرأة أو رجل يعود بلا جماع كانت عليهما ديتها وليس هذا من معنى الجائفة بسبيل
ولو أن امرأة أدخلت في فرج امرأة ثيب أو دبرها عودا أو عصرت بطنها فخرج منها خلاء أو من فرجها
دم لم يكن شئ من هذا في معاني الجائفة وتعزر ولا شئ عليها، وكذلك لو صنع هذا رجل بامرأة أو
رجل وهكذا لو أدخل في حلقه أو حلق امرأة شيئا حتى يصل إلى جوفه عزر ولم يكن في هذا ما في
الجائفة، ولو كانت برجل جائفة فأدخل رجل فيها أصبعه أو عصا أو جريدا حتى وصلت إلى الجوف
فإن لم يكن زاد في الجائفة شيئا لم يكن عليه أرش وإن كان زاد فيها ضمن ما زاد وإن أدخل السكين
جائفته التي لم تكن من جنايته ثم شق في بطنه شقا إلى الجوف فعليه دية جائفة، وإن شق ما لا يبلغ إلى
الجوف ففيه حكومة وإن نكأ في الجوف شيئا ففيه حكومة، وإن خرق بالسكين الأمعاء ضمن النفس
84

كلها إن مات ولا أحسبه يعيش إذا خرق أمعاءه (1) وإن كان لا يعيش بخرق الأمعاء كالذبح وإن لم
يخرقه ونكأ فمات المجني عليه ضمن نصف دية النفس وجعلت الموت من الجناية الأولى وجنايته الثانية
(قال الشافعي) ولو أدخل يده أو عودا في حلقه أو موضعا منه فلا يكون فيه ما في الجائفة، وإذا لم يزل
مريضا ضمنا مما صنع به فهو قاتل يضمن دية النفس، وإذا طعنه جائفة فأنفذها حتى خرجت من
الشق الآخر أو رد الرمح فيها فجافه إلى جنبها وبينهما شئ لم يخرقه فهي جائفتان، وهكذا لو طعنه
برمح فيه سنان مفترق فخرقه خرقين بينهما شئ ولم يخرق ما بين الجائفتين (قال الشافعي) ولو أصيب
بطن رجل فخيط فلم يلتئم حتى طعنه رجل ففتق الخياطة وجافه فعليه حكومة وإن التأم فطعنه في
الموضع الذي طعن فيه فالتأم فعليه جائفة، وهذا هكذا في كل الجراح فلو شج رجل رجلا موضحة
فلم تلتئم حتى شجه رجل عليها موضحة كانت عليه حكومة، لو برأت والتأمت فشجه موضحة فعليه
أرش موضحة تام والقود إن كانت الشجة عمدا والالتئام يلتصق اللحم ويعلوه الجلد وإن ذهب شعر
الجلد أو كان الجلد في البطن أو الرأس متغير اللون عما كان عليه قبل الجناية وعما عليه سائر الجسد إذا
كان جلدا ملتئما (قال الشافعي) وإذا أصابه بجائفة فقال أهل العلم قد نكأ ما في بطنه من معا أو غيره
فعليه جائفة وحكومة (قال الشافعي) وسواء ما ناله به فصار جائفة من حديد أو شئ محدد يشبه الحديد
فأنفذه مكانه أو قرح وألم حتى يصير جائفة فعليه في هذا كله أرش جائف ولو كان لم يزده على أكرة (2)
أو ما أشبهها إذا أثرت ثم ألم من موضع الأثر حتى تصير جائفة.
كسر العظام
(قال الشافعي) روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال في الترقوة جمل وفي الضلع جمل ويشبه والله
أعلم أن يكون ما حكى عن عمر رضي الله عنه فيما وصفت حكومة لا توقيت عقل ففي كل عظم كسر
من إنسان غير السن حكومة وليس في شئ منها أرش معلوم وما يؤخذ في الحكومات كلها بسبب
الديات في المسلمين الأحرار والعبيد وأهل الذمة من الإبل لأنها من سبب الجنايات والديات وإذا جبر
العظم مستقيما لا عيب فيه ففيه حكومة وإذا جبر معيبا فعليه حكومة بقدر شينه وضرره وعليه حكومة
إذا جبر صحيحا لا عثم فيه.
العوج والعرج في كسر العظام
(قال الشافعي) وإذا كسر الرجل إصبع الرجل فشلت فقد تم عقلها ولو لم تشلل وبرأت معوجة أو
ناقصة أو معيبة ففيها حكومة لا يبلغ بها دية الإصبع وهذا هكذا في الكف إن برأت معوجة ففيها
حكومة، وإن شل شئ من الأصابع ففيما شل من الأصابع عقله تاما وفي الكف إن عيبت بعوج أو

(1) قوله: وإن كان لا يعيش الخ، كذا في النسخ، وانظر.
(2) قوله: على أكرة، هكذا في بعض النسخ والأكرة: الحفرة في الأرض، وفي نسخة " على الكبرة "
فانظر. كتبه مصححه.
85

غيره حكومة (قال الشافعي) وإن كان هذا في الذراع فبرأت متعوجة فقال الجاني خلوا بيني وبين
كسرها لتجبر مستقيمة لم يكره على ذلك المكسورة ذراعه وجعلت على الجاني أو عاقلته حكومة في
جنايته (قال الشافعي) ولو كسرها بعدما برئت متعوجة فبرأت مستقيمة كانت له الحكومة بحالها الأولى
متعوجة لأن ذهاب العوج من شئ أحدثه بعد وهذا هكذا في كسر العظام كلها (قال الشافعي) وإن
كسر يدا فعصبت غير أن اليد تبطش ناقصة البطش أو تامته ففيها حكومة يزاد فيها بقدر الشين ونقص
البطش إلا أن يموت من الأصابع شئ أو يشل فيكون فيه عقله تاما، وكذلك العوج وكل عيب كان
مع هذا. وإن كسر ساقه أو فخذه فبرأت عوجاء أو ناقصة يبين العوج فيها ففيها حكومة بقدر ما نقص
العوج، وكذلك إن كسر القدم أو شلت أصابع القدم فقد تم عقلها وفيها خمسون من الإبل وإذا
سلمت الأصابع وعيبت القدم ففيها حكومة بقدر العيب ونقص المنفعة منه، وإن كسر القدم أو ما
فوقها إلى الفخذ أو الورك وبرأت يطأ عليها وطئا ضعيفا ففيها حكومة فيزاد فيها بقدر زيادة الألم
والنقص والعيب، وهكذا إن قصرت وأصابع الرجل سالمة حتى لا يطأ بها الأرض إلا معتمدا على شق
معلقا الرجل الأخرى ففيها حكومة بقدر ما ناله، ولو أصابها من هذا شئ لا يقدر معه على أن يثنى
رجله ويبسطها فكانت منقبضة لا تنبسط أو منبسطة لا تنقبض ولا يقدر على الوطئ عليها معتمدا على
عصا ولا على شئ بحال ثم عقلها وكان فيها خمسون من الإبل وسواء كان هذا من ورك أو ساق أو قدم
أو فخذ إذا لم يقدر على الوطئ بحال تم عقلها ولو جنى عليها بعد تمام عقلها فقطعها كانت عليه حكومة
ولم تكن عليه دية رجل تامة ولا قود إن كانت جنايته عليها عمدا، ولو جنى جان على رجل أعرج
ورجله سالمة الأصابع يطأ عليها فقطعها من المفصل كان عليه القود إن كانت جنايته عمد فإن كانت
خطأ ففيها نصف الدية إن شاء في العمد في مال الجاني ونصفها خطأ في أموال عاقلة الجاني. وهكذا
الأعسر يجنى على يده سالمة الأصابع والبطش، ولو جنى رجل على رجل فضرب بين وركيه أو ظهره أو
رجليه فمنعه المشي ورجلاه تنقبضان وتنبسطان فعليه الدية تامة ومتى أعطيته الدية في شئ من هذه
الوجوه الثلاثة التي بها أعطيته الدية ثم عاد إلى حاله رددت بها ما أخذت ممن أخذت منه الدية عليه ولو
لم يمنعه المشي ولكنه منعه المشي إلا معتمدا أعرج أو يجر رجليه فعلى الجاني حكومة لا دية فإذا قطعت
رجل هذا ففيها القود والدية تامة لسلامة الأصابع والرجل وإن كان فيها معتمدا أو كان ضعيفا كما تكون
الدية تامة في العين يبصر بها وإن كان فيها ضعف.
كسر الصلب والعنق
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإن جنى رجل على رجل فالتوت عنقه من جنايته حتى يقلب
وجه فيصير كالملتفت أو أصاب ذلك رقبته وإن لم يعوج وجهه أو يبست رقبته فصار لا يلتفت التفاتا
ضعيفا وهو يسيغ الماء والطعام والريق ويتكلم ففيها حكومة يزاد فيها بقدر الألم والشين ومبلغ نقص المنفعة
فإن نقص ذلك كلامه وشق عليه معه إساغة الماء زيد في الحكومة فإن منعه ذلك إساغة الطعام إلا أن
يوجره أو المضغ إلا نغبا نغبا زيد في الحكومة ولا يبلغ بها بحال دية تامة ولو نقص ذلك من كلامه حتى
صار لا يفصح ببعض الكلام كانت فيه من الدية بحساب ما نقص من كلامه وحكومة لما أصابه سواء
86

لأن ما أصابه غير الكلام (قال الشافعي) ولو ذهب كلامه كانت عليه الدية تامة وحكومة فيما صار إلى
عنقه من الجناية (قال الشافعي) ولو صار لا يسيغ طعاما ولا شرابا كان هذا لا يعيش فيما أرى فيتربص
به فإن مات ففيه الدية وإن عاش وأساغ الماء والطعام ففيه حكومة.
كسر الصلب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كسر الرجل صلب الرجل منعه أن يمشي بحال فعليه الدية
فإن مشى معتمدا فعليه حكومة وإن لم تنقص مشيته وبرأ مستقيما فعليه حكومة وإن برأ معوجا فعليه
حكومة ويزاد عليه في الحكومة بقدر العوج وإن ادعى أن قد أذهب الكسر جماعة فإن كانت لذلك
علامة تعرف بوصفها فالقول قوله مع يمينه وعلى الجاني الدية تامة لا حكومة معها لأن ذهاب الجماع إنما
كان في العيب بالصلب والجماع ليس بشئ قائم كالكلام باللسان مع الرقبة ولكن لو أشل ذكره بالكسر
أو قطعه به كانت عليه دية وحكومة لأنها حينئذ جناية على صلب فولدت على شئ قائم غير الصلب
(قال الشافعي) وإن لم يكن لذلك علامة أدل عليه وقال أهل العلم به أن معلوما أن الجماع قد يذهب
من كسر الصلب وكان إن تربص وقتا من الأوقات فلم تنتشر آلته قال أهل العلم به لا تنتشر ترك إلى
ذلك الوقت فإن قال لم تنتشر حلف وأخذ الدية وإن لم يكن له وقت وقيل هذا قد يذهب ويأتي حلف
ما انتشر وأخذ الدية في ذهاب الجماع وإنما يكون له الدية في ذهاب الجماع إذا كان يعلم أن ذهاب
الجماع يكون من كسر الصلب فإذا لم يكن معلوما عند أهل العلم فله حكومة لازمة ولو كسر الصلب قبل
الذكر حتى يصير لا يجامع بحال فعليه دية في الذكر وحكومة في الصلب إن لم يمنعه المشي بحال.
النوافذ في العظام
(قال الشافعي) وإذا ضرب الرجل الرجل فأنفذ لحمه وعظمه حتى بلغت ضربته المخ أو خرقت
العظم حتى خرجت من الشق الآخر ففيها حكومة لا ثلث عقل العضو ولا ثلثاه كانت الحكومة أقل من
ذلك أو أكثر وكذلك لو كسر العظم حتى يسيل مخه أو أشظاه حتى يخرج مخه وينكسر فينبت مكانه
عظم غيره كانت فيه حكومة.
ذهاب العقل من الجناية
(قال الشافعي) رحمه الله وان كسر رجل عظما من عظام رجل أو جنى جناية عليه ما كانت الجناية
فأذهب عقله كانت عليه الدية ولم يكن عليه بالجناية التي كانت سبب ذهاب العقل أرش إلا أن يكون
أرشها أكثر من الدية فيكون فيها الأكثر من الدية وأرشها وذلك مثل أن يقطع يديه ويشجه مأمومة أو
ينال بجائفة فيكون عليه دية وثلث ولو جنى عليه جناية فنقصت عقله ولم تذهبه أو أضعفت لسانه أو
أورثته فزعا كان فيها حكومة يزاد فيها بقدر ما ناله ولو جنى عليه جناية في غير يده فأشلت يده كان فيها
نصف الدية وأرش الجناية كأنها كانت مأمومة فيجعل فيها الثلث وفي إشلال اليد النصف وإن شلت
87

رجله مع يده كانت اليد والرجل الدية وفي المأمومة ثلث النفس لأنها جناية لها حكم معلوم أهلكت
عضوين لهما حكم معلوم ولو أصابه بمأمومة فأورثته جبنا أو فزعا أو غشيا إذا فزع من رعد أو غيره كانت
فيها مع المأمومة حكومة لا دية وإذا جنى عليه فذهب عقله ففي ذهاب عقله الدية وإن كان مع ذهاب
عقله جنى عليه جناية لها أرش معلوم فعليه أرش تلك الجناية مع الدية في ذهاب العقل ولو صاح عليه
أو ذعره بشئ فذهب عقله لم يبن لي أن عليه شيئا إذا كان المصيح عليه بالغا يعقل شيئا وكذلك لو
صاح عليه وهو راكب دابة أو جدارا فسقط فمات أو أصابه شئ لم يبن لي أن على الصائح شيئا ولكن
لو صاح على صبي أو معتوه لا يعقل أو فزعه فسقط من صيحته ضمن ما أصابه وكذلك لو ذهب عقل
الصبي ضمن ديته والصياح في الصبي والمعتوه إذا كانت منه جناية يضمنها الصائح لأنهما لا يفرقان بين
الصياح وغيره ولو عدا رجل على بالغ يعقل بسيف فلم يضربه به وذعره ذعرا أذهب عقله لم يبن لي أن
عليه دية من قبل أن هذا لم تقع به جناية وأن الأغلب من البالغين أن مثل هذا لا يذهب العقل ولو أن
رجلا عدا على رجل بسيف ولم ينله به وجعل يطلبه والمطلوب يهرب منه فوقع من ظهر بيت يراه فمات
لم يبن لي أن يضمن هذا ديته لأنه ألقى نفسه وكذلك لو ألقى نفسه في ماء فغرق أو نار فاحترق أو بئر
فمات وإن كان أعمى أو بصيرا فوقع فيما يخفى عليه مثل حفرة خفية أو شئ خفي أو من ظهر بيت
فانخسف به فمات ضمنت عاقلة الطالب ديته لأنه اضطره إلى هذا ولم يحدث الميت على نفسه ما تسقط
به الجناية عن الجاني عليه وكذلك لو عرض له بدب يطلبه إياه أو أسد فأكله أو فحل فقتله أو لص
فقتله لم يضمن الطالب شيئا لأن الجاني عليه غيره.
سلخ الجلد
(قال الشافعي) رحمه الله ولو أن رجلا سلخ شيئا من جلد بدن رجل فلم يبلغ أن يكون جائفة
وعاد الجلد فالتأم أو سقط الجلد فنبت جلد غيره فعليه حكومة فإن كان عمدا فاستطيع الاقتصاص منه
اقتص منه وإلا فديته في ماله وإذا برأ الجلد معيبا زيد في الحكومة بقدر عيب الجلد مع ما ناله من الألم
ولو كان هذا في رأسه أو الجسد أو فيهما معا أو في بعضهما فنبت الشعر كانت فيه حكومة إن كان خطأ لا
يبلغ بها دية وإن لم ينبت الشعر غير أنه إذا لم ينبت الشعر زيد في الحكومة بقدر الشين مع الألم ولو أفرغ
رجل على رأس رجل أو لحيته حميما أو نتفهما ولم تنبتا كانت عليه حكومة يزاد فيها بقدر الشين ولو نبتا
أرق مما كانا أو أقل أو نبتا وافرين كانت عليه حكومة ينقص منها إذا كانت أقل شيئا ويزاد فيها إذا
كانت أكثر شيئا ولو حلقه حلاق فنبت شعره كما كان أو أجود لم يكن عليه شئ والحلاق ليس بجناية
لأن فيه نسكا في الرأس وليس فيه كثير ألم وهو وإن كان في اللحية لا يجوز فليس كثير ألم ولا ذهاب
شعر لأنه يستخلف ولو استخلف الشعر ناقصا أو لم يستخلف كانت فيه حكومة ولو أن رجلا حلق غير
شعر الوجه والرأس فلم ينبت أي موضع كان الشعر أو من امرأة كانت فيه حكومة ولو أن رجلا حلق غير
شعر الوجه والرأس فلم ينبت أي موضع كان الشعر أو من امرأة كانت فيه حكومة بقدر قلة شينه وسواء
ما ظهر من النبات من شعر الجسد أو بطن إلا أنه آثم إن كان أفضى إلى أن ترى عورته وكذلك هو من
امرأة إلا أنه لا يحل للرجل أن يمس ذلك من امرأة ولا يراه إلا أن تكون زوجته وكذلك ما حلق من
رقابهما من دون منابت شعر الرأس وشعر اللحية من الرجل وإن كانت لحية رجل منتشرة في حلقه
88

فحلقها رجل فلم تنبت كانت عليه فيها حكومة وما قلت من هذا فيه حكومة فليست فيه حكومة أكثر
من الحكومة في خلافه وإنما قلت أن في شعر البدن إذا لم ينبت حكومة دون الحكومات في الرأس
واللحية إذا ذهب الشعر لأن أثر شينه على الرجل دون شين شعر الرأس واللحية وجعلت في ذهابه بلا
أثر في البدن لأن نبات الشعر أصح وأتم له وإذا ضرب رجل رجلا ضربا لم يذهب له شعرا أو لم يغير له
بشرا غير أنه آله فلا حكومة عليه فيه ويعزر الضارب (قال الشافعي) وإن غير جلده أو أثر به فعليه
حكومة لأن الجناية قائمة ولو خلقت لامرأة لحية وشاربان أو أحدهما دون الاخر فحلقهما رجل أدب
وكانت عليه حكومة أقل منها في لحية الرجل لأن اللحية من تمام خلقة الرجل وهي في المرأة عيب إلا
أنى جعلت فيها حكومة للتعدي والألم (قال أبو يعقوب) هذا إذا لم ينبت أو نبت ناقصا فأما إذا نبت
ولم يكن قطع من جلودهما شئ فليس عليه إلا التعزير (قال الربيع) وأنا أقول به.
قطع الأظفار
(قال الشافعي) رحمه الله وإذا قطع الرجل ظفر رجل عمدا فإن كان يستطاع فيه القصاص
اقتص منه وإن لم يستطع من القصاص ففيه حكومة فإن نبت صحيحا غير مشين ففيه حكومة وإن
نبت مشينا ففيه حكومة أكثر من الحكومة فيه إذا نبت غير ناقص ولا مشين وإن لم ينبت ففيه حكومة
أكثر من الحكومة قبله ولا يبلغ بالحكومة دية أنملة ولا دية قدر ما تحت الظفر من الأنملة لأن الظفر لا
يستوظف الأنملة فلا يبلغ بحكومته أرشه لو قطع ما تحته ما تحته من الأنملة.
غم الرجل وخنقه
(قال الشافعي) رحمه الله ولو خنق رجل رجلا أو غمه ثم أرسله ولا أثر به منه لم يكن عليه فيه
غرم وعزر ولو حبسه فقطع به في ضيقته ولم ينله في يديه بشئ ولم يمنعه طعاما ولا شرابا فقد أثم ويعزر
ولا غرم عليه، وكل ما ناله من خدش أو أثر في يديه يبقى ففيه حكومة وإن كان أثرا يذهب مثل
الخضرة من اللطمة فلا حكومة.
الحكومة
(قال الشافعي) رحمه الله: الجنايات التي فيها الحكومة كل جناية كان لها أثر باق جرح أو خدش
أو كسر عظم أو ورم باق أو لون باق فأما كل ضرب ورم أو لم يورم فلم يبق له أثر فلا حكومة فيه، وكل
ما قلت فيه حكومة فالحكومة فيه من وجوه منها أن يجرحه في رأسه أو في وجهه جرحا دون الموضحة
فيبرأ كلم المجروح فأقدره من الموضحة ثم أنظر كم قدر الجرح الذي فيه الحكومة من الموضحة، فإن قال
أهل العلم به جرحه قدر نصف موضحة جعل فيه ما في نصف موضحة فإن قالوا أكثر أو أقل جعل فيه
بقدر ما قالوا إنه موقعه من الموضحة في الألم وبطئ البرء وما أشبهه (قال الشافعي) وإن قالوا لا ندري
لمغيب العظم وأنه قد يكون دونه لحم كثير وقليل كم قدرها من الموضحة قيل احتاطوا فإن قلتم لا شك
89

في أنها نصف موضحة وقد نشك في أن تكون ثلثين لأنه ء تشبه ذلك قيل فهي النصف الذي لا تشكون
فيه ولا يعطى منه بالشك شئ (قال الشافعي) وإذا شان الوجه أو الرأس جرح نظر في الجرح كما
وصفت ونظر في الشين مع الجرح فإن كان الشين أكثر أرشا من الجرح أخذ بالشين وإن كان الجرح أكثر
أرشا من الشين أخذ بالجرح ولم يزد للشين شئ وإن قيل الشين أرش موضحة أو أكثر منه نقص من
موضحة شيئا ما كان الشين وإنما منعني أن أبلغ به موضحة أن الموضحة لو كانت فشانت لم يزد على
أرش موضحة، إذا كان الشين مع ما هو أقل من موضحة لم يجز أن يبلغ الشين مع الجرح دون موضحة
أرش موضحة، وإن كان الضرب لم يجرح وبقى منه شين فهكذا أولا يؤخذ للشين شئ إلا أن يكون
شين لا يذهب بحال أو ينال اللحم بما يحشفه أو يفجر منه شيئا أو يجرحه فإن جرحه في الرأس أو الوجه
جرحا دون الموضحة قيل لأهل البصر بذلك قدروا لذلك بقدره من الموضحة واحتاطوا فإن قلتم لا
نشك في أنها نصف موضحة وقد نشك في أن تكون ثلثين لأنها تشبه ذلك قيل فهي النصف الذي لا
تشكون فيه ولا يعطى منه بالشك شئ وإذا كان هكذا أخذ له أرش وإن سود اللون أو خضره سوادا
يبقى أو خضرة كذلك فشان الوجه سئل أهل العلم فإن قالوا: صار إلى هذا بموت من اللحم أخذ
للشين فيه أرش وإن قالوا هذا مشكل وإن بلغ مدة كذا ولم يذهب أبدا ترك إلى تلك المدة فإن لم
يذهب أخذ له أرش ومتى أخذ له شئ مما وصفت غير أثر الجرح الذي يعلم أنه لا يذهب أرشا ثم
ذهب رد الأرش الذي أخذ له وما قلت من الجراح التي لا قدر فيها وكسر العظام والشين سواء في الحر
والحرة والمملوك والمملوكة والذمي والذمية يقوم في دية كل واحد منهما كما يقوم في ثمن المملوك ويحد في
دية كل واحد من الأحرار بقدرها، فيحد في دية المجوسي بقدر الموضحة وفي دية المرأة بقدر موضحتها
وكذلك النصراني واليهودي وكذلك الحر فيكون في موضحته وما دون موضحته بقدر ديته كان ديته ثمنا
له كما تكون قيمة المملوك ثمنا له وإذا كان الجرح في غير الرأس والوجه في عضو فيه أرش معلوم فليس
في جرحه إذا التأم إلا قدر الشين الباقي بعد التئامه من قبل أنه ليس في جراح الجسد قدر معلوم إلا
الجائفة لخوف تلفها وإذا بلغ شين الجرح الذي في العضو الذي فيه قدر معلوم أكثر من ذلك العضو
نقصت الحكومة على قدره، وذلك مثل أن يجرح في أنملة من أطراف أصابع يديه أو رجليه أو ينزع له
ظفرا فيكون أرش الشين فيها أكثر من دية الأنملة فلا يبلغ به دية أنملة لأنه لو قطعت أنملته وشانته لم يزد
على قدرها فلا يبلغ بما هو دونها من شينها قدرها ولو كان الجرح في وسط الأنامل أو أسافلها وكان قدر
شينه أكثر من أرش أنملة لم يبلغ به أرش أنملة كما وصفت وإن كان الجرح في الكف أو القدم فشان بأكثر
من أرش الكف أو القدم لم يبلغ به أرش كف ولا قدم لأنهما لو قطعتا فشانتا لم يزد على أرشهما بالشين
شيئا فلا يبلغ بما دون قطعها من الجناية عليهما أرش قطعهما ولا شللهما وهكذا إن كان في الذراع أو
العضد أو الساق أو القدم لم يبلغ بشينه قدر دية يد تامة ولا رجل تامة ولو كان الجرح والشين أو أحدهما
في جميع البدن كله كان فيه ما شان المجروح لا يبلغ به دية المجروح للشين إن كان حرا لا قيمته إن كان
عبدا لأن في قطع اليدين الدية فإن قال قائل فكيف حددت في الشين الذي تواريه الثياب فقلت يبلغ
به ما دون الدية فجعلته في الوجه الذي يبدو الشين فيه أقبح محدودا بموضحة وهي نصف عشر الدية؟
قلت لما وصفت من أنه لا يجوز أن يبلغ شين لا جرح فيه أرش جرح في موضع من المواضع لا يبلغ
بموضحة ما أبلغ فيه شين موضحة وهي أكثر مما دونها فحددت لو كان في موضعها أقل منها بأن لا أبلغ
به قدرها لأنه لا يجوز أن يبلغ بها ما لم يبلغها من الشين وكذلك قلت في كل جرح وشين بعضو له قدر
90

ولم أحد الديات على شين موضحة ولا ألم ألا ترى أن في الاذن نصف الدية وفي اليد نصف الدية
وليست منفعة الاذن والشين ذهابها قريبا من منفعة اليد والشين ذهابها ألا ترى أن في الأنملة ثلاثا من
الإبل وثلثا وفي الموضحة خمس من الإبل وفي الهاشمة عشر وذهاب الأنملة أشين وأضر من موضحة
وهاشمة ومواضح وهواشم ولولا ما وصفت كان في الشين أبدا ما نقص الشين كما يكون ذلك في متاع
جنى عليه فنقص به بعيب دخله (قال الشافعي) وإذا كسر عظم من العظام ثم جبر على غير عتم ففيه
حكومة بقدر ألم أو جرح أو ضعف إن كان فيه وإن جبر على عثم أو شين غير العثم ففيه حكومة على ما
وصفت لا يبلغ بها دية العظم لو قطع كان بكسر أنملة أو بكسر ذراع ولا يبلغ بحكومة شين الأنملة أرش
أنملة ولا بحكومة للذراع أرش يد وهذا هكذا (1) في الفخذ والساق والقدم والأنف والفخذ، فأما
الضلع إذا كسر وجبر فلا يبلغ به دية جائفة لأن أكثر ما فيه أن يصير منه الجائفة.
التقاء الفارسين
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا اصطدم الراكبان على أي دابة كان كل واحد منهما فماتا معا فعلى
عاقلة كل واحد منهما نصف دية صاحبه من قبل أن كل واحد منهما جان على نفسه وعلى غيره وأن كل
واحد منهما مات من صدمته وصدمة غيره فتبطل جنايته على نفسه ويؤخذ له جناية غيره كما لو جرح
نفسه وجرحه غيره كان على الجارح نصف الدية لأنه مات من جنايته وجناية غيره وهكذا لقوم
يرمون بالمنجنيق معا فيرجع الحجر عليهم فيقتل منهم رجلا فإن كانوا عشرة فقد مات من جنايته على
نفسه وجناية التسعة مع نفسه عليه فترفع حصته من جنايته على نفسه وتؤخذ له جناية غيره عليه فيؤخذ
لورثته تسعة أعشار ديته من الذين رموا بالمنجنيق معه من عاقلة كل واحد منهم عشر ديته وسواء كان
أحد الراكبين على فيل والآخر على كبش أو كانا على دابتين سواء ومتفاوتين وإن ماتت دابتاهما ضمن
كل واحد منهما في ماله نصف قيمة دابة صاحبه ولو اصطدم الفارس والراجل كانا كالفارسين
يصطدمان وكذلك الراجلان يصطدمان وسواء كانا أعميين أو صحيحين أو أحدهما أعمى والآخر
صحيح يضمن الأعمى من جنايته ما يضمن البصير وسواء غلبتهما دابتاهما أو غلبت إحداهما أو لم
تغلبهما ولا واحدا منهما وكذلك لو تقهقرت بهما دابتاهما فرجعت كل واحدة منهما على عقبها فاصطدما
فماتا أو فعلت هذا دابة أحدهما وكان الآخر مقبلا على دابته ولو كان أحدهما عبدا والآخر حرا ضمنت
عاقلة الحر نصف قيمة العبد بالغة ما بلغت وكان نصف دية الحر في عنق العبد فإن كان في نصف قيمة
العبد فضل عن نصف دية حر دفع إلى سيد العبد فإن كان وفاء فهو قصاص ولا شئ لسيده وإن
كان فيه نقص أقص بقدره ولا شئ على سيد العبد (قال الربيع) إذا كانا حيين فأما إذا مات العبد فإن
الجناية في رقبته ولا شئ على سيده وعلى عاقلة الحر نصف قيمة العبد تؤخذ من عاقلة الحر وترد على
ورثة الحر إن كان مثل نصف ديته أو أقل لأن قيمة العبد تقوم مقام بدنه لو كان حيا فيتبع بالجناية فأما

(1) قوله: في الفخذ، كذا في بعض النسخ، وهو مكرر مع الفخذ بعده، وفي نسخة: " في العبد " ولعلها محرفة عن " العضد " وحرره.
91

إذا كان زائدا على نصف (2) قيمة الحر فهو رد على سيده ومتى أخذ (3) من نصف قيمة العبد رجع
ورثة الحر وأخذوا نصف دية قتيلهم فإن عجزت قيمة العبد فلا شئ لهم (قال الشافعي) وإذا كان
المصطدمان عبدين كان نصف قيمة كل واحد منهما في عنق صاحبه وبطلت الجناية من قبل أن الجانبين
جميعا قد ماتا ولا يضمن عنهما عاقلة ولا مال لهما وسواء في الاصطدام الفارسان اللذان يعقلان
والمعتوهان والأعميان والبصيران وأن يكون أحدهما معتوها والآخر عاقلا أو أحدهما صبيا والآخر بالغا إذا
كانا راكبي الدابتين بأنفسهما أو حملهما عليهما أبواهما أو ولياهما في النسب إن لم يكن لهما أب فإن كان
حملهما أجنبيان ومثلهما لا يضبط الدابة فدية من أصابا على عاقلة الذي حملهما لأن حملهما عدوان
عليهما فيضمن ما أصابا في حمله (قال الشافعي) واصطدام الرجلين عمدا وخطأ سواء إلا في المأثم ولا
قود في الصدمة وهي خطأ عمد تحملها العاقلة والدية فيها إذا كانا مقبلين مغلظة وإذا كانا مدبرين
وحرنت بهما دابتاهما فاصطدما مدبرين غير مقبلين عامدي الصدمة فنصف دية مغلظة وإن كان أحدهما
مقبلا فنصف دية الذي أقبل مغلظة ونصف ديته إذا كان مات، من صدمته وصدمة مدبر غير مغلظة.
صدمة الرجل الآخر
(قال الشافعي) وإذا كان الفارس أو الراجل واقفا في ملكه أو غير ملكه أو مضطجعا أو راقدا
فصدمه رجل فقتله والمصدوم يبصر ويقدر على أن ينحرف أولا يبصر ولا يقدر على أن ينحرف أو
أعمى لا يبصر فسواء ودية المصدوم مغلظة على عاقلة الصادم (قال الشافعي) ولو مات الصادم كانت
ديته هدرا لأنه جنى على نفسه ولو أن الواقف انحرف عن موضعه فالتقى هو وآخر مقبلين فصدمه فماتا
مصطدمين فنصف دية كل واحد منهما على عاقلة صادمه لأن له فعلا في التحرف ولو كان تحرفه موليا
عنه فكان الفارس أو الراجل الصادم له كان كهو لو كان واقفا فتضمن عاقلة الصادم ديته، ولو مات
الصادم كان دمه هدرا لا أنه جنى على نفسه، وإذا ماتت الدابتان من الاصطدام فنصف ثمن كل
واحدة منهما على الصادم لأن العاقلة لا تضمن ثمن دابة.
اصطدام السفينتين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اصطدم السفينتان فكسرت إحداهما الأخرى ومات من
فيهما وتلفت حمولتهما أو ما تلف منهما أو مما فيهما أو من إحداهما فلا يجوز فيها إلا واحد من قولين إما أن
يضمن القائم في حاله تلك بأمر السفينة نصف كل ما أصابت سفينته لغيره أو لا يضمن بحال إلا أن
يكون يقدر أن يصرفها بنفسه ومن يطيعه فلا يصرفها فاما إذا غلبته فلا يضمن ومن قال هذا القول قال
القول قال الذي يصرفها في أنها غلبته ولم يقدر أن يصرفها أو غلبتها ريح أو موج و إذا ضمن ضمن غير
النفس في ماله وضمنت النفوس عاقلته إلا أن يكون عبدا فيكون ذلك في عنقه وسواء كان الذي يلي

(2) قوله: قيمة الخ، كذا في النسخ، ولعل " قيمة " محرفة عن " دية "
(3) قوله: من نصف لعل " من " زائده من الناسخ أو سقط مجرورها وهو العاقلة، أو نحوه. كتبه مصححه.
92

تصريفها مالكا لها أو موكلا فيها أو متعديا في ضمان ما أصابت إلا أنه إذا كان متعديا فيها ضمن ما
أصابها هي وأصابت، وهكذا إن صدمت ولم تصدم أو صدمت وصدمت فأصابت وأصيبت فسواء
من ضمن راكبها بكل حال ضمنها وإن غلب أو غلبا ومن لم يضمن إلا من قدر على تصريفها فتركها
ضمن الذي لم يغلب على تصريفها وجعله كعامد الصدم ولم يضمن المغلوب (قال الشافعي) وإذا
صدمت سفينة بغير أن يعمد بها الصدم لم يضمن شيئا مما في سفينته بحال لأن الذين فيها دخلوا غير
متعدي عليهم ولا على أموالهم وإذا عرض لراكبي السفينة ما يخافون به التلف عليها وعلى من فيها وما
فيها أو بعض ذلك فألقى أحدهم بعض ما فيها رجاء أن تخف فتسلم فإن كان ما ألقى لنفسه فماله أتلف
فلا يعود بشئ منه على غيره وإن كان بعض ما ألقى لغيره ضمن ما ألقى لغيره دون أهل السفينة فإن
قال بعض أهل السفينة لرجل منهم ألق متاعك فألقاه لم يضمن له شيئا لأنه هو ألقاه وإن قال ألقه على
أن أضمنه فأذن له فألقاه ضمنه وإن قال ألقه على أن أضمنه وركاب السفينة فأذن له بذلك فألقاه
ضمنه له دون ركاب السفينة إلا أن يتطوعوا بضمانه معه فإن خرق رجل من السفينة شيئا أو ضربه
فانخرق أو انشق فغرق أهل السفينة وما فيها ضمن ما فيها في ماله وضمن ديات ركبانها عاقلته وسواء كان
الفاعل هذا بها مالكا للسفينة أو القائم بأمرها أو راكبا لها أو أجنبيا مربها.
جناية السلطان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أقام السلطان حدا من قطع أو حد قذف أو حد زنا ليس
برجم على رجل أو امرأة عبد أو حر فمات من ذلك فالحق قتله لأنه فعل به ما لزمه وكذلك إن اقتص
منه في جرح يقتص منه من مثله وإذا ضرب في خمر أو سكر من شراب بنعلين أو طرف ثوب أو يد أو
ما أشبهه ضربا يحيط به العلم أنه لا يبلغ أربعين أو يبلغها ولا يجاوزها فمات من ذلك فالحق قتله وما قلت
الحق قتله فلا عقل فيه ولا قود ولا كفارة على الإمام ولا على الذي يلي ذلك من المضروب، ولو ضربه
بما وصفت أربعين أو نحوه لم يزد عليه شيئا فكذلك وذلك أن أبا بكر سأل من حضر ضرب النبي صلى
الله عليه وسلم فذكروا له فكان فيما ذكروا عنده أربعين أو نحوها فإن ضربه أربعين أو أقل منها بسوط أو
ضربه أكثر من أربعين بالنعال أو غير ذلك فمات فديته على عاقلة الإمام دون بيت المال. أخبرنا إبراهيم
بن محمد عن علي بن يحيي عن الحسن أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال (ما أحد يموت في
حد من الحدود فأجد في نفسي منه شيئا إلا الذي يموت في حد الخمر فإنه شئ أحدثناه بعد النبي صلى
الله عليه وسلم فمن مات منه فديته إما قال في بيت المال وإما على عاقلته الإمام) الشك من الشافعي
(قال الشافعي) وبلغنا أن عمر أرسل إلى امرأة ففزعت فأجهضت ذا بطنها فاستشار عليا رضي الله عنهما
فأشار عليه بدية وأمر عمر عليها فقال عزمت عليك لتقسمنها في قومك (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وإذا وقع على الرجل حد فضربه الإمام وهو مريض أو في برد شديد أو حر شديد كرهت
ذلك، وإن مات من ذلك الضرب فلا عقل ولا قود ولا كفارة ولو كانت المحدودة امرأة كانت هكذا
إلا أنها إن كانت حاملا لم يكن له حدها لما في بطنها فإن حدها فأجهضت ضمن ما في بطنها وإن
مات فأجهضت لم يضمنها وضمن ما في بطنها لأنه لم يتعد عليها وإنما قلت ليس له أن يحدها للذي في
بطنها فضمنته الجنين لأنه بسبب فعله ولم أضمنه إياها لأن الحق قتلها (قال الشافعي) وإذا حد الإمام
93

رجلا بشهادة عبدين أو عبد وحر أو ذمي ومسلم أو شهادة غير عدلين في أنفسهما أو غير عدلين على
المشهود عليه حين شهدا فمات ضمنته عاقلته لأن هذا كله خطأ في الحكم، وكذلك لو أقر عنده صبي
أو معتوه بحد فحده ضمنها إن ماتا ومن قلت يضمنه إن مات ضمن الحكومة في جلده أو أثر إن بقي
به وعاش وكذلك يضمن دية يده إن قطعه وكل ما قلت يضمنه من خطئه فالدية فيه على عاقلته، وإذا
أمر الجالد بجلد الرجل ولم يوقت له ضربا فضربه الجالد أكثر من الحد فمات ضمن الإمام دون الجالد
فإن كان حده ثمانين فزاد سوطا فمات فلا يجوز فيها إلا واحد من قولين. أحدهما: أن يضمن الإمام
نصف ديته كما لو جنى رجلان على رجل أحدهما ضربة والآخر ثمانين ضربة أو أقل أو أكثر ضمنا الدية
نصفين أو يضمن سهما من أحد وثمانين سهما من ديته ويكون كواحد وثمانين قتلوه فيغرم حصته، ولو
قال له أضربه ثمانين فأخطأ الجالد فزاده واحدة ضمن الجالد دون الإمام، ولو قال له أجلده ما شئت
أو ما رأيت أو ما أحببت أو ما لزمه عندك فتعدى عليه ضمن الجالد العدوان وليس كالذي يأمره بأن
يضربه أمامه ولا يسمى له عددا وهو يحصى عليه ولو كان الإمام للمضروب ظالما ضمن ما أصابه من
الضرب بأمره ولم يضمنه الجالد إلا أن يعلم الجالد أن الإمام ظالم بأن يقول الإمام أنا أضرب هذا ظالما
أو يقول الجالد قد علمت أنه يضربه ظالما بلا شبهة فيضمن الجالد والإمام معا، ولو قال الجالد ضربته
وأنا أرى الإمام مخطئا عليه وعلمت أن ذلك رأى بعض الفقهاء ضمن الجالد وليس للضارب أن
يضرب إلا أن يرى أن ما أمره به الإمام حق أو مغيب عنه سبب ضربه أو يأمره بضربه فيكون ذلك
عنده على أنه لم يأمره إلا بما لزم المضروب، وإذا ضرب الإمام فيما دون الحد تعزيرا فمات المضروب
ضمنت عاقلة الإمام ديته، وهكذا إن خاف الرجل نشوز امرأته فضربها فماتت أو فقأ عينها خطأ
ضمنت عاقلته نفسها وعينها، فإن قيل فمن أين؟ قلت له أن يعزر ولم زعمت أنه إن مات مما جعلت له
لم تسقط عنه الدية؟ قلت إني قلت له إن يفعل إباحة من جهة الرأي وكان له في بعض التعزير أن يترك
وعليه في الحد أن يقيمه وليس له تركه بحال وإذا بعث السلطان إلى امرأة أو رجل عند امرأة ففزعت
المرأة لدخول الرسل أو غلبتهم أو انتهارهم أو الذعر من السلطان فأجهضت فعلى عاقلة السلطان دية
جنينها إذا كان ما أحدثه الرسل بأمره فإن كان الرسل أحدثوا شيئا بغير أمر السلطان فذلك على عواقلهم
دون عاقلة السلطان لأن معروفا أن المرأة تسقط من الفزع ولو أن امرأة أو رجلا بعث إليه السلطان ولو سجن
السلطان رجلا فمنعه الطعام والشراب أو أحدهما فمات من ساعته لم يضمن شيئا إلا أن يقر السلطان ولو سجن
السلطان رجلا فمنعه الطعام والشراب أو أحدهما فمات من ساعته لم يضمن شيئا إلا أن يقر السلطان أنه
مات من فقد ما منعه وإن حبسه مدة يمكن أن يموت فيها من حبسها عطشا أو جوعا فمات ضمنه إذا
ادعى ورثته إنه مات من فقد ما منعه وكذلك لو أخذه فذكر جوعا أو عطشا فحبسه مدة يمكن أن
يموت (1) من أتت عليه فيها من ذكر مثل جوعه أو عطشه وكذلك لو حبسه فجرده ومنعه الأدفية في برد
أو حر فإن كان البرد والحر مما يقتل مثله فمات ضمنه وإن كان مما لا يقتل مثله لم يضمنه من قبل أنه قد
يموت فجأة من غير مرض يعرف ولا يضمنه حتى يكون الأغلب أنه مات بمنعه إياه مدة يموت من منع
مثل ما منعه فيها. فإذا كان لرجل سلعة فأمر السلطان بقطعها أو أكلة فأمر السلطان بقطع عضوه الذي

(1) قوله: من أتت الخ، كذا في النسخ، وانظر. كتبه مصححه.
94

هي فيه والذي هي به لا يعقل إما صبي وإما مغلوب على عقله أو عاقل فأكرهه على ذلك فمات فعلى
السلطان القود في المكره إلا أن تشاء ورثته أن يأخذوا الدية وقد قيل عليه القود في الذي لا يعقل،
وقيل لا قود على السلطان في الذي لا يعقل وعليه الدية في ماله (قال أبو يعقوب) والصبي مثل المعتوه
(قال الشافعي) فأما غير السلطان يفعل هذا فيقاد منه إلا أن يكون ذلك أبا صبي أو معتوه لا يعقل أو
وليه فيضمن الدية ويدرأ عنه القود بالشبهة، ولو كان رجل أغلف أو امرأة لم تخفض فأمر السلطان بهما
فعذرا فماتا لم يضمن السلطان لأنه قد كان عليهما أن يفعلا إلا أن يعذرهما في حر شديد أو برد شديد
يكون الأغلب أنه لا يسلم من عذر في مثله فيضمن عاقلته ديتهما، ولو أكره السلطان رجلا على أن
يرقى نخلة أو ينزل في بئر فرقي أو نزل فسقط فمات ضمنه السلطان وعقلته عاقلته، وكذلك لو كلفه أن
يفعل شيئا قد يتلف من فعل مثله ولو كان كلفه أن يمشي قليلا في أمر يستعين السلطان في مثله فمشى
فمات لم يضمن لأن الأغلب أن هذا لا يمات من مثله إلا أن يقر السلطان بأنه مات منه فيضمنه في ماله
أو يكون معلوما أنه إذا فعل مثل ما كلفه كان الأغلب ان ذلك يتلفه. وإذا كان هذا هكذا ضمنه
السلطان وقد قيل يضمن السلطان من هذا ما يضمن من استعمل عبدا محجورا فأما كل أمر ليس من
صلاح المسلمين أكره السلطان عليه رجلا فمات منه في ذلك الامر فالسلطان ضامن لديه من مات
فيه.
ميراث الدية
(أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن
المسيب أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه كان يقول الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها
شيئا حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم
الضبابي من دية زوجها فرجع إليه عمر (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مالك عن
ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى الضحاك بن سفيان أن يورث امرأة أشيم الضبابي
من ديته قال ابن شهاب وكان أشيم قتل خطأ (قال الشافعي) ولا اختلاف بين أحد في أن يرث الدية
في العمد والخطأ من ورث ما سواها من مال الميت لأنها تملك عن الميت. وبهذا نأخذ فنورث الدية
في العمد والخطأ من ورث ما سواها من مال الميت وإذا مات المجني عليه وقد وجبت ديته فمن مات
من ورثته بعد موته كانت له حصته من ديته كأن رجلا جنى عليه في صدر النهار فمات ومات ابن له من
آخر النهار فأخذت دية أبيه في ثلاث سنين فميراث الابن الذي عاش بعده ساعة قائم في ديته كما يثبت
في دين لو كان لأبيه وكذلك امرأته وغيرها ممن يرثه إذا مات، ولو مات وله ابن كافر فأسلم بعد وفاته
بقليل لم يرث منه شيئا لأن أباه مات وهو غير وارث له، وكذلك لو كان عبدا فعتق أو كانت امرأته
كذلك ولو نكح بعد الجباية ثم مات ورثته امرأته.
عفو المجني عليه في العمد والخطأ
(أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال: إذا جنى الرجل جناية خطأ فعفا المجني عليه أرش
الجناية فإن لم يمت من الجناية فالعفو جائز وأن مات فالعفو وصية تجوز من الثلث وهي وصية لغير قاتل
95

لأنها على عاقلته ولو كان الجاني مسلما ممن لا عاقلة له كان العفو جائزا لأنها على المسلمين، ولو كان
الجاني نصرانيا أو يهوديا من أهل الجزية كان العفو جائزا من قبل أنها على عاقلته فإن كان الجاني ذميا لا
يجري على عاقلته الحكم أو مسلما أقر بجناية خطأ فالدية في أموالهما معا والعفو باطل لأنها وصية لقاتل
وللورثة أخذهما بها، ولو كان الجاني عبدا فعفا عنه المجني عليه ثم مات جاز العفو من الثلث لأنها ليست
بوصية للعبد إنما هي وصية لمولاه، ولو كان المجني عليه خطأ فقال قد عفوت عن الجاني القصاص لم
يكن عفوا عن المال حتى يتبين انه أراد بعفوه الجناية العفو عن المال لأنه قد يرى أن له قصاصا،
وكذلك لو قال قد عفوت عنه الجناية وما يحدث منها وعليه اليمين إن كان حيا ما عفا المال الذي يلزم
بالجناية وعلى ورثته إن كان ميتا اليمين هكذا على علمهم، ولو قال قد عفوت عنه ما يلزمه من الأرش
والجناية كان عفوا عن الكافر لأنه ليست له عاقلة يجري عليها الحكم وعمن أقر بالجناية خطأ ولم يكن
عفوا عن العاقلة إلا أن يكون قد أراد بقوله قد عفوت عن أرش الجناية أو ما يلزمه من أرش قد عفوت
ذلك عن عاقلته. ألا ترى أنه لا يلزمه من أرش الجناية شئ فإذا عفا ما لا يلزمه لم يكن عفوا ولا
يكون عفوا في هذا خاصة إلا بما وصفت من أن يقول قد عفوت ما يلزم على عاقلته في أرش جنايتي أو
ما يلزم من أرش جنايتي إن كان ممن لا تعقله العاقلة ولو كانت الجناية جرحا فعفا أرشه عفوا صحيحا ثم
مات من الجراح فيها قولان: أحدهما: أن يجوز العفو في أرش الجناية ولا يجوز فيما زاد على قدر الجراح
بالموت على أرش الجرح كأن الجرح كان يدا فعفا أرشها ثم مات فيجوز العفو في نصف الدية من الثلث
ويؤخذ نصفها. والثاني: أنه لا يجوز إذا كان العقل يلزم القاتل لأن الهبة البتات في معاني الوصايا فلا
تجوز لقاتل فإن كانت الجراح خطأ تبلغ دية نفس أو أكثر فعفا أرشها ثم مات جاز العفو من الثلث لأنه
قد عفا الذي وجب أو أكثر منه (قال) وإذا جرح المحجور عليه بالغا أو معتوها أو صبيا فعفا أرش
الجرح في الخطأ لم يجز عفوه، وكذلك في العمد الذي لا يكون فيه القود وإن عفا القود جاز عفوه فيه
فإن عفا ديته في الخطأ عن عاقلة قاتله فهي وصية لغير قاتل فيمن أجاز وصيته أجاز هذا العفو في وصيته
ومن لم يجزها لم يجز هذا العفو بحال.
القسامة
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن أبي ليلى
بن عبد الله بن عبد الرحمن عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه ان عبد الله بن سهل
ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهما فتفرقا في حوائجهما فأتى محيصة فأخبر ان عبد الله بن سهل قد
قتل وطرح في فقير أو عين فأتى يهود فقال أنتم والله قتلتموه، فقالوا والله ما قتلناه فأقبل حتى قدم على
قومه فذكر ذلك لهم فأقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل أخو المقتول فذهب
محيصة يتكلم وهو الذي كان بخيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة (كبر كبر) يريد السن
فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إما ان يدوا صاحبكم وإما ان يؤذنوا
بحرب) فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فكتبوا إليه إنا والله ما قتلناه فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن (أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم) قالوا لا قال
(فتحلف يهود) قالوا ليسوا بمسلمين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبعث إليهم بمائه ناقة
96

حتى أدخلت عليهم الدار قال سهل لقد ركضتني منها ناقة حمراء (1) قال الشافعي أخبرنا الثقفي قال
حدثني يحيي بن سعيد وأخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معنى حديث مالك إلا أن ابن عيينة كان لا يثبت أقدم النبي صلى الله
عليه وسلم الأنصاريين في الايمان أم يهود؟ فيقال في الحديث إنه قدم الأنصاريين فنقول فهو ذاك أو ما
أشبه هذا (قال الشافعي) وبهذا نقول فإذا كان مثل هذا السبب الذي حكم رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيه بالقسامة حكمنا بها وجعلنا فيها الدية على المدعى عليهم فإذا لم يكن مثل ذلك السبب لم نحكم
بها، فإن قال قائل وما مثل السبب الذي حكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قيل كانت خيبر دار
يهود التي قتل فيها عبد الله بن سهل محضة يخلطهم غيرهم وكانت العداوة بين الأنصار واليهود ظاهرة
وخرج عبد الله بن سهل بعد العصر ووجد قتيلا قبل الليل فكاد أن يغلب على من علم هذا أنه لم يقتله
إلا بعض يهود وإذا كانت دار قوم مجتمعة لا يخلطهم غيرهم وكانوا أعداء للمقتول أو قبيلته ووجد
القتيل فيهم فادعى أولياؤه قتله فيهم فلهم القسامة وكذلك إذا كان مثل هذا المعنى مما يغلب على
الحاكم أنه كما يدعى المدعى على جماعة أو واحد. وذلك مثل أن يدخل نفر بيتا فلا يخرجون منه إلا
وبينهم قتيل، وكذلك إن كانوا في دار وحدهم أو في صحراء وحدهم لأن الأغلب أنهم قتلوه أو
بعضهم، وكذلك أن يوجد قتيل بصحراء أو ناحية ليس إلى جنبه عين ولا أثر إلا رجل واحد مختضب
بدمه في مقامه ذلك أو يوجد قتيل فتاتي بينة متفرقة من المسلمين من نواح لم يجتمعوا فيثبت كل واحد
منهم على الانفراد على رجل أنه قتله فتتواطأ شهادتهم ولم يسمع بعضهم شهادة بعض وإن لم يكونوا
ممن يعدل في الشهادة أو يشهد شاهد واحد عدل على رجل انه قتله لأن كل سبب من هذا يغلب على
عقال الحاكم أنه كما ادعى ولى الدم أو شهد من وصفت وادعى ولى الدم، ولهم إذا كان ما يوجب
القسامة على أهل البيت أو القرية أو الجماعة أن يحلفوا على واحد منهم أو أكثر، فإذا أمكن في المدعى
عليه أن يكون في جملة القتلة جاز ان يقسم عليه وحده وعلى غيره ممن أمكن أن يكون في جملتهم
معه (2) دعوى إذا لم يكن معه ما وصفت لا يجب بها القسامة، وكذلك لا تجب القسامة في أن يوجد
قتيل في قرية يختلط بهم غيرهم أو يمر بهم المارة إذا أمكن أن يقتله بعض من يمر ويلقيه: وإذا وجبت
القسامة فلاهل القتيل أن يقسموا وإن كانوا غيبا عن موضع القتيل لأنه قد يمكن أن يعلموا ذلك
باعتراف القاتل أو بينة تقوم عندهم لا يقبل الحاكم منهم ومن غيرهم غير ذلك من وجوه العلم التي لا
تكون شهادة بقطع وينبغي للحاكم أن يقول اتقوا الله ولا تحلفوا إلا بعد الاستثبات. ويقبل ايمانهم
متى حلفوا.
من يقسم ويقسم فيه وعليه
(قال الشافعي) رحمه الله: يحلف في القسامة الوارث البالغ غير المغلوب على عقله من كان منهم
مسلما أو كافرا عدلا أو غير عدل ومحجورا عليه. والقسامة في المسلمين على المشركين والمشركين على

(1) في الموطأ هنا بعد سياق الحديث ما نصه قال " مالك الفقير هو البئر " اه‍ - كتبه مصححه
(2) قوله: دعوى الخ كذا في النسخ وفي المقام دقة فانظر. كتبه مصححه.
97

المسلمين والمشركين فما بينهم مثلها على المسلمين لا تختلف لأن كلا ولى دمه ووارث دية المقتول وماله إلا
أنا لا نقبل شهادة مشرك على مسلم ولا نستدل بقوله بحال لأن حكم الاسلام إبطال أخذ الحقوق
بشهادة المشركين (قال الشافعي) ولسيد العبد القسامة في العبد وجبت القسامة له على الأحرار أو
عبيدهم غير أن الدية على الأحرار في أموالهم وعواقلهم، والديات في رقاب العبيد ودية العبد ثمنه ما
كان، وإذا وجبت القسامة في عبد مأذون له في التجارة أو غير مأذون له فيها سواء، والقسامة لسيد العبد
وليس للعبد قسامه، لأنه ليس بمالك، وكذلك المدبر والمدبرة وأم الولد لأن كل هؤلاء لا يملك، والقسامة
لساداتهم دونهم. وإن كان للمكاتب عبد فوجبت له قسامة أقسم لأنه مالك فإن لم يقسم حتى يعجز
لم يكن له أن يقسم وهو مملوك وكان لسيده أن يقسم وعجزه كموته، ويصير العبد الذي يقسم فيه
لسيده بالميراث فحاله كحال رجل في هذا وجبت له في عبد له أو ابن أو غيره قسامة فلم يقسم حتى
مات فتقسم ورثته ويستحقون الدية لأنهم يقومون مقامه ويملكون ما ملك، ومن قتل عبدا لام ولد فلم
يقسم سيدها حتى مات وأوصى بثمن العبد لها لم تقسم وأقسم ورثته وكان لها ثمن العبد وإن لم تقسم
الورثة لم يكن لها ولا لهم شئ إلا أيمان المدعى عليهم ولو وجبت القسامة لرجل في عبد له فلم يقسم
الورثة لم يكن لها ولا لهم شئ إلا أيمان المدعى عليهم ولو وجبت القسامة لرجل في عبد له فلم يقسم
حتى ارتد عن الاسلام فكف الحاكم عن أمره بالقسامة فإن تاب أقسم وإن مات أو قتل على الردة
بطلب القسامة لأنه لا وارث له إنما يؤخذ ماله فيئا. ولو أمره مرتدا فأقسم استحق الدية فإن أسلم كانت
له وإن مات قبل الاسلام قبضت فيئا عنه: ولو كانت القسامة وجبت له في ابنه ثم ارتد قبل أن يقسم
كان الجواب فيها كالجواب في العبد للحاكم أن يأمره يقسم وتثبت الدية فإن تاب دفعها إليه وإن مات
على الردة قبضها فيئا عنه ولو كان ابنه جرح فلم يمت حتى ارتد أبوه ثم مات الابن بعد ردة الأب لم
يكن الأب له وارثا ولم يكن له أن يقسم وأقسم ورثة الابن سوى الأب، ولو رجع الأب إلى الاسلام
لم يكن له من ميراث الابن شئ، ولو جرح رجل ثم ارتد فمات مرتدا ووجبت فيه القسامة بطلت
القسامة لأنه وارث له، ولو جرح ثم ارتد ثم رجع إلى الاسلام قبل يموت ثم مات كانت فيه القسامة
لأنه موروث (قال الشافعي) ولو جرح عبد فاعتق ثم مات حرا وجبت فيه القسامة لورثته الأحرار
وسيده المعتق بقدر ما يملك سيده المعتق مما وجب في جراحه وقدر ما يملك الورثة سهمانهم من ميراثه
كأن سيده ملك بجراحه ثلث دية حر فيحلف ثلث الايمان والورثة ثلثيها بقدر مواريثهم فيها ولا تجب
القسامة فيما دون النفس، وإذا أصيب رجل بموضع تجب فيه القسامة فمات مكانه ففيه القسامة، وإن
أصيب في ذلك الموضع بجرح ثم عاش بعد الجرح مدة طويلة أو قصيرة صاحب فراش حتى مات
وقال الذي يقسم بل كان يقبل ويدبر فالقول قول ورثته ولهم القسامة إلا أن يأتي الجاني ببينة أنه قد
كان يقبل ويدبر بعد الجرح فتسقط القسامة، وإنما جعلت القول قول الورثة في أنه كان صاحب
فراش (1) وذلك لأنه ليس بد من القسامة على النفس إن فلانا قتلها إذا كان لها سبب يوجب القسامة
ولو قال ورثة الميت لم يزل مريضا من الجرح حتى مات فقال المدعى عليه إنه مات من غير الجرح أو
قالوا ذلك في رجل قامت له بينة أو اعتراف رجل بأنه جرحه جرحا عمدا أو خطأ وقامت لهم بينة في
هذا بأنه لم يزل صاحب فراش حتى مات جعلت عليهم الايمان في الأول والآخر لمات من ذلك الجرح
وجعلت لهم في القسامة الدية وفي الجناية العمد التي قامت بها البينة أو أقربها الجاني القود إذا أقسموا

(1) قوله: وذلك، هكذا في النسخ، ولعلها من زيادة الناسخ.
98

لمات منها ومن أوجبت له دية نفس بيمين أو أوجبت له أن يبرأ أوجبت له أن يبرأ من نفس بيمين لم يستحق هذا ولم يبرأ
من هذا بأقل من خمسين يمينا والايمان في الدماء خلاف الايمان في الحقوق وهي في جميع الحقوق
يمين يمين، وفي الدماء خمسون يمينا بما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القسامة فلم تجز في يمين
دم يبرأ بها المحلف ولا يأخذ بها المدعى أقل من خمسين يمينا والله أعلم.
الورثة يقسمون
(قال الشافعي) وإذا قتل الرجل فوجبت فيه القسامة لم يكن لاحد أن يقسم عليه إلا أن يكون
وارثا كأن قتله عمدا أو خطأ وذلك أنه لا تملك (1) النفس بالقسامة إلا دية المقتول ولا يملك دية
المقتول إلا وارث فلا يجوز أن يقسم على مالا يستحقه إلا من له المال بنفسه أو من جعل الله تعالى له
المال من الورثة (قال الشافعي) ولو وجبت في رجل قسامة وعليه دين وله وصايا فامتنع الورثة من
القسامة فسأل أهل الدين أو الموصى لهم أن يقسموا لم يكن ذلك لهم وذلك أنهم ليسوا المجني عليه الذي
وجب له على الجانين المال ولا الورثة الذين أقامهم الله تعالى مقام الميت في ماله بقدر ما فرض له منه
(قال الشافعي) ولو ترك القتيل وارثين فأقسم أحدهما فاستحق به نصف الدية أخذها الغرماء من يده
فإن فضل منها فضل أخذ أهل الوصايا ثلثها من يده ولم يكن لهم أن يقسموا ويأخذوا النصف الآخر
فإن أقسم الوارث الآخر أخذ الغرماء من يده ما في يده حتى يستوفوا ديونهم وإن استوفوها أخذ أهل
الوصايا الثلث مما في يده وإن كان للغرماء مائة دينار فاستوفوها من نصف الدية الذي وجب للذي
أقسم أولا ثم أقسم الآخر رجع الأول على الآخر بخمسين دينارا ولا يرجع عليه في الوصايا لأن أهل
الوصايا إنما يأخذون ثلث ما في يده لا كله كما يأخذه الغرماء ولا يقسم ذو قرابة ليس بوارث ولا ولى يتيم
من ولد الميت حتى يبلغ اليتيم فإن مات اليتيم قام ورثته في ذلك مقامه وإن طلب ذو قرابة وهو غير
وارث القتيل أن يقسم جميع القسامة لم يكن ذلك له فإن مات ابن القتيل أو زوجة له أو أم أو جدة
فورثة ذو القرابة كان له أن يقسم لأنه صار وارثا ومن وجبت له القسامة وهو غائب أو مخبول أو صبي
فلم يحضر الغائب أو حضر فلم يقسم ولم يبلغ الصبي ولم يفق المعتوه أو بلغ هذا وأفاق هذا فلم يقسموا ولم
يبطلوا حقوقهم في القسامة حتى ماتوا قام ورثتهم مقامهم في أن يقسموا بقدر مواريثهم منهم وذلك أن
يرث ابن عشر مال أبيه ثم يموت فيرثه عشرة فيكون على كل واحد من العشرة يمين واحدة من قبل أن
له عشر العشر من ميراث القتيل وعشر العشر واحد وهكذا هذا في غيره من الورثة يقسمون على قدر
مواريثهم فإن قال قائل ففي حديث ابن أبي ليلى ذكر أخي المقتول ورجلين معه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال لهم تحلفون وتستحقون فكيف لا يحلف إلا وارث؟ قلت قد يمكن أن يكون قال ذلك لوارث
المقتول هو وغيره يمكن أن يكون قال ذلك لوارثه وحده تحلفون لواحد أو قال ذلك لجماعتهم يعنى به
يحلف الورثة إن كان مع أخيه الذي حكى أنه حضر النبي صلى الله عليه وسلم وارث غيره أو كان أخوه
غير وارث له وهو يعنى بذلك الورثة فإن قال قائل: ما الدلالة على هذا؟ فإن جميع حكم الله وسنن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما سوى القسامة أن يمين المرء لا تكون إلا فيما يدفع بها الرجل عن نفسه

(1) لعل " النفس " فانظر، وحرر.
99

كما يدفع قاذف امرأته الحد عن نفسه وينفى بها الولد (1) وكما يدفع بها الحق عن نفسه والحد وغيره وفيما
يأخذ بها الرجل مع شاهد ويدعى المال فينكل المدعى عليه وترد عليه اليمين فيأخذ بيمينه ونكول
صاحبه ما ادعى عليه لا أن الرجل يحلف فيبرأ غيره ولا يحلف فيملك غيره بيمينه شيئا فلما لم يكن في
الحديث بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها لغير وارث ويستحق بها الوارث لم يجز فيها - والله
أعلم إلا - أن تكون في معاني ما حكم الله عز وجل به من الايمان ثم رسوله صلى الله عليه وسلم ثم
المسلمون من أنه لا يملك أحد بيمين غير شيئا.
بيان ما يحلف عليه القسامة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وينبغي للحاكم أن يسأل من وجبت له القسامة من صاحبك؟
فإذا قال فلان قال فلان وحده؟ فإن قال نعم قال عمدا أو خطأ؟ فإن قال عمدا سأله ما العمد؟ فإن
وصف ما يجب بمثله قصاص لو قامت بينة أحلفه على ذلك وإن وصف من العمد ما لا يجب فيه
قصاص وإنما يكون فيه العقل أحلفه على ذلك بعد إثباته وإن قال قتله فلان ونفر معه لم يحلفه حتى
يسمى النفر فإن قال لا أعرفهم وأنا أحلف على هذا أنه فيمن قتله لم يحلفه حتى يسمى عدد النفر معه
فإن كانوا ثلاثة أحلفه على الذي أثبته وكان له عليه ثلث الدية أو على عاقلته وإن كانوا أربعة فربعها وإن
لم يثبت عددهم لم يحلف لأنه لا يدرى كم يلزم هذا الذي يثبت ولا عاقلته من الدية لو حلف عليه ولو
عجل الحاكم فأحلفه قبل أن يسأله عن هذا كان عليه أن يعيد عليه اليمين إذا أثبت كم عدد من قتل
معه ولو عجل الحاكم فأحلفه لقتل فلان فلانا ولم يقل عمدا ولا خطأ أعاد عليه عدد ما يلزمه من
الايمان لأن حكم الدية في العمد أنها في ماله وفي الخطأ أنها على عاقلته ولو عجل فأحلفه لقتله مع
غيره عمدا ولم يقل قتله وحده أعاد عليه اليمين لقتله وحده ولو عجل فأحلفه لقتله مع غيره ولم يسم
عدد الذين قتلوه معه أعاد عليه الايمان إذا عرف العدد ولو أحلفه لقتله وثلاثة معه لم يسمهم قضى عليه
بربع الدية أو على عاقلته فإن جاء بواحد من الثلاثة فقال قد أثبت هذا أحلفه أيضا عليه عدة ما يلزمه
من الايمان ولم تعد عليه الايمان الأولى ثم كلما أثبت واحدا معه أعاد عليه ما يلزمه من الايمان كما يبتدئ
استحلافه على واحد لو كانت دعواه عليه منفردة وإن كان له وارثان فأغفل الحاكم بعض ما وصفت
أن عليه أن يحلفه عليه أن أحلفه مغفلا خمسين يمينا ثم جاء الوارث الآخر فحلف خمسا وعشرين يمينا
أعاد على الأول خمسا وعشرين يمينا لأنه هي التي تلزمه مع الوارث معه وإنما أحلفه أولا خمسين يمينا
لأنه لا يستحق نصيبه من الدية إلا بها إذا لم تتم أيمان الورثة معه خمسين يمينا.
عدد الايمان على كل حالف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يجب على أحد حق في القسامة حتى تكمل أيمان الورثة

(1) قوله: وكما يدفع بها الحق الخ هكذا في الأصل وفي المقام دقة لا نأمن معها التحريف، فانظر كتبه
مصححه
100

خمسين يمينا وسواء كثر الورثة أو قلوا وإذا مات الميت وترك وارثا واحدا أقسم خمسين يمينا واستحق
الدية وإن ترك وارثين أو أكثر فكان أحدهما صغيرا أو غائبا أو مغلوبا على عقله أو حاضرا بالغا فلم يحلف
فأراد أحدهما اليمين لم يحبس على غائب ولا صغير ولم يبطل حقه من ميراثه من دمه بامتناع غيره من
اليمين ولا إكذابه دعوى أخيه ولا صغره وقيل للذي يريد اليمين أنت لا تستوجب شيئا من الدية على
المدعى عليهم ولا على عواقلهم إلا بخمسين يمينا فإن شئت أن تعجل فتحلف خمسين يمينا وتأخذ
نصيبك من الميراث لا يزاد عليه قبلت منك وإن امتنعت فدع هذا حتى يحضر معك وارث تقبل يمينه
فتحلفان خمسين يمينا أو ورثته فتكمل أيمانكم خمسين يمينا كل رجل منكم بقدر ما يجب عليه من
الايمان أو أكثر ولا يجوز أن يزاد على وارث في الايمان على قدر حصته من الميراث إلا في موضعين
أحدهما ما وصفت من أن يغيب وارث أو يصغر أو ينكل فيريد أحد الورثة اليمين فلا يأخذ حقه إلا
بكمال خمسين يمينا فيزاد عليه في الايمان في هذا الموضع ولا يجبر على الايمان أو يدع الميت ثلاث بنين
فتكون حصة كل واحد منهم سبعة عشر يمينا إلا ثلث يمين فلا يجوز في اليمين كسر ولا يجوز أن يحلف
واحد ستة عشر يمينا وعليه ثلثا يمين ويحلف آخر سبعة عشر (1) ولا سبعة عشر وزيادة ويحلف كل واحد
منهم سبعة عشر يمينا فيكون عليهم زيادة يمين بينهم وهكذا من وقع عليه أوله كسر يمين جبرها وإن لم
يدع القتيل وارثا إلا ابنه أو أباه أو أخاه أجزأه أن يحلف خمسين يمينا لأنه مالك المال كله وكل من ملك
شيئا حلف عليه وهكذا لو لم يدع إلا ابنته وهي مولاته حلفت خمسين يمينا وأخذت الكل النصف
بالنسب والنصف بالولاء وهكذا لو لم يدع إلا زوجة وهي مولاته وإذا ترك أكثر من خمسين وارثا سواء
في ميراثه كأنهم بنون معا أو إخوة معا أو عصبة في (2) القعدد إليه سواء حلف كل واحد منهم يمينا وإن
جازوا خمسين أضعاف لأنه لا يأخذ أحد مالا بغير بينة ولا إقرار من المدعى عليه بلا يمين منه ولا يملك
أحد بيمين غيره شيئا ولو كانت فيهم زوجة فورثت الربع أو الثمن حلفت ربع الايمان ثلاثة عشر يمينا
يزاد عليها كسر يمين أو ثمن الايمان سبعة أيمان يزاد عليها كسر يمين لما وصفت من أنه لا يجوز إذا كان
على وارث كسر يمين إلا أن يأتي بيمين تامة.
نكول الورثة واختلافهم في القسامة ومن يدعى عليهم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا كان للقتيل وارثان فامتنع أحدهما من القسامة لم يمنع ذلك
الآخر من أن يقسم خمسين يمينا ويستحق نصيبه من الميراث وكذلك إن كان الورثة عددا كثيرا فنكلوا
إلا واحدا وكذلك إن كان المقسم عليه عدلا والمقسم غير عدل قبلت قسامته لأنه حق يأخذه بيمينه
فالعدل وغير العدل سواء كما يكون للرجلين شاهد وللرجال شاهد فيمتنع أحدهم أو أكثرهم من اليمين
ويحلف غيره منهم فيكون للحالف أخذ حقه كما يدعى على الرجال حق فيقر به بعضهم وينكر بعض
فيحلف المنكر ويبرأ ويؤخذ من المقر ما أقر به فإذا كانت على الرجل في القسامة ايمان فلم يكملها حتى
مات كان على الورثة أن يبتدئوا الايمان التي كانت على أبيهم ولا يحاسبون بأيمانه لأن أيمانه غير أيمانهم

(1) قوله: ولا سبعة عشر الخ كذا في الأصل وانظر.
(2) قوله: في القعدد إليه سواء اي مستوين في درجة النسب إلى الميت. كتبه مصححه.
101

وهو لم يكن يأخذ بأيمانه شيئا حتى يكمل ما عليه فيه ولو كان لم يمت ولكنه لم يكمل ايمانه حتى غلب
على عقله فإذا أفاق احتسب بما بقي من أيمانه ولم يسقط من أيمانه الماضية شئ من قبل أن عليه عدد
شئ فإذا أتى به مجموعا أو مفرقا عند حاكم فقد أدى ما عليه ولو جاء به عند حاكمين ويجب على
الحاكم أن يثبت له عدد ما حلف عنده قبل يغلب على عقله وما حلف عند غيره ولو حلف على بعض
الايمان ثم سأل الحاكم أن ينظر أنظره فإذا جاء ليستكمل الايمان حسبت له ما مضى منها عنده وإذا
كان للقتيل تجب فيه القسامة وارثان فادعى أحدهما على رجل من أهل المحلة أنه قتله وحده وأبرأه
صاحبه فأن قال ما قتله كان فيها قولان أحدهما ان لولى الدم المدعى الذي لم يبرئ أن يحلف خمسين يمينا
ويستحق على المدعى عليه نصف الدية إن كان عمدا في ماله وعلى العاقلة إن كان خطأ ومن قال هذا
القول قال لو كان عدلا فشهد له أنه كان في الوقت الذي قتل فيه وهم يتصادقون على الوقت غائبا ببلد
لا يمكن أن يصل منه في ذلك الوقت ولا في يوم إلى موضع القتيل لم يبرأ لأنه واحد لا تجوز شهادته
ولو كان الوارثان اثنين عدلين فشهدا له بهذا أو شهدا على آخر أنه قتله أجزنا شهادتهما ولم نجعل فيه
قسامة والقول الثاني أنه ليس للورثة أن يقسموا على رجل يبرئه أحدهم إذا كان الذي يبرئه يعقل فإن
أبرأه منهم مغلوب على عقله أو صبي لم يبلغ كان للباقين منهم أن يحلفوا.
ما يسقط حقوق أهل القسامة من الاختلاف وما لا يسقطها
(قال الشافعي) وإذا اختلف الوارثان فيمن تجب عليه القسامة فكانت دعواهما معا مما يمكن أن
يصدقا فيه بحال لم يسقط حقهما في القسامة وذلك مثل أن يقول هذا قتل أبى عبد الله بن خالد ورجل
لا أعرفه ويقول الآخر قتل أبى زيد بن عامر ورجل لا أعرفه لأنه قد يجوز أن يكون زيد بن عامر هو
الرجل الذي عرفه الذي جهل عبد الله بن خالد وأن يكون عبد الله بن خالد هو الرجل الذي جهله
الذي عرف زيد بن عامر ولو قال الذي ادعى على عبد الله قد عرفت زيدا وليس بالذي قتل مع
عبد الله وقال الذي عرف زيدا قد عرفت عبد الله وليس بالذي قتل مع زيد ففيها قولان أحدهما أن
يكون لكل واحد منهما أن يقسم على الذي ادعى عليه ويأخذ منه ربع الدية ومن قال هذا قال حق كل
واحد منهما غير حق صاحبه كرجلين لهما حق على رجل فأبرأه أحدهما بإكذاب البينة لأنه قد يمكن في
كل المدعى عليهما القتل وفي كل واحد من الوارثين وعلى كل واحد منهما الوهم أو يثبت كل واحد منهما
أن مع الذي ادعى عليه قاتلا غيره وإن ادعى كل واحد منهما على غير الذي أبرأه أنه قاتل مع الذي
ثبت عليه كان لكل واحد منهما أن يقسم ويأخذ منه حصته من الدية والقول الثاني أن ليس لواحد
منهما أن يقسم حتى تجتمع دعواهما على واحد فيقسمان عليه ومن قال هذا قال هذان ليسا كرجلين لهما
حق على رجل فأكذب أحدهما بينته فبطل حقه وصدق الآخر بينته فأخذ حقه لأن هذا الحق أخذ بغير
قول المدعى وحده وأخذه بشهادة أمر المسلمين مقبول مثلها والقسامة حق أخذ بدلالة وأيمانهما بها لأنهما
وارثان له ولا يأخذانه وكل واحد منهما يكذب صاحبه ومن قال هذا قال لو أن وارثين وجبت لهما
القسامة ادعى كل واحد منهما على رجل أنه قتل أباه وحده لم يكن لواحد منهما أن يقسم على واحد من
الذي ادعيا عليه ولا على غيره لأنه قد أبرأ غيره بدعواه عليه وحده وأنه لا يمكن فيهما أن يكونا صادقين
بحال ولا يكون أحدهما قتله وحده والآخر قتله وحده وكذلك لو كان له معهما وارث ثالث فادعى على
102

الذي ادعيا عليه وحده أو معه غيره لم يكن ذلك له ولو وجبت لهما فادعى أحدهما على واحد بعينه وقال
الآخر لا أعرفه وامتنع من القسامة كان للذي أثبت القسامة عليه أن يقسم خمسين يمينا ويأخذ حصته
من الدية لأن امتناع أخيه من اليمين ليس بإكذاب له فإذا لم يكن إكذابا له فله أن يحلف بكل حال
وكذلك لو ادعى وارثان أنه قتل أباهما فقال أحدهما قتله وحده وقال الآخر قتله وآخر معه كان للذي
أفرد الدعوى عليه وحده أن يحلف ويأخذ منه ربع الدية والآخر يحلف ويأخذ ربع الدية لأنهما اجتمعا
على أن عليه نصف الدية وأقر أحدهما بأنها عليه كلها ولا يؤخذ في هذا القول إلا بما اجتمعا عليه ولا
يكون للذي ادعى على الباقي أن يحلف لأن أخاه يكذبه أن يكون قاتلا فعلى هذا، هذا الباب كله.
الخطأ والعمد في القسامة
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي إذا وجبت القسامة لم أحلف الورثة حتى أسألهم أعمدا قتل
صاحبهم أو خطأ؟ فإن قالوا عمدا أحلفتهم على العمد وجعلت لهم الدية في مال القاتل حالة مغلظة
كدية العمد وإن قالوا خطأ أحلفتهم لقتله خطأ ثم جعلت الدية على عاقلة القاتل في مضى ثلاث سنين
كدية الخطأ وهكذا إذا كانت لمسلمين على مشركين أو لمشركين على مسلمين أو لمشركين على مشركين
أحرار لا تختلف فإذا كانت القسامة على عبد أو قوم فيهم عبد كانت الدية في الخطأ والعمد في عنق
العبد دون مال سيده وعاقلته ولا تكون القسامة إلا عند حاكم وإذا أقسموا أبغير أمر الحاكم؟ أعاد
عليهم الحاكم الايمان ولم يحسب لهم من أيمانهم قبل استحلافه لهم شيئا.
القسامة بالبينة وغيرها
(قال الشافعي) وإذا حلف ولاة الدم على رجل أنه قتل لهم قتيلا وحده وأخذوا منه الدية أو من
عاقلته ثم جاء شاهدان بما فيه البراءة للذي أقسموا عليه من قتل قتيلهم رد ولاة القتيل ما أخذوا من
الدية على من أخذوها منه وذلك أن يشهد شاهدان أن هذا الذي أقسموا عليه كان يوم كذا من شهر
كذا وذلك القاتل بمكة والقتيل بالمدينة أو كان ببلد لا يمكن أن يبلغ موضع القتيل في يوم ولا أكثر أو
يشهدون على أن فلانا الذي أقسموا عليه كان معهم قبل طلوع الشمس إلى زوال الشمس وإنما قتل
القتيل في هذا الوقت أو ما في معنى هذا مما يثبت الشاهدان أن هذا المقسم عليه برئ من قتل
صاحبهم فإن شهدوا أن فلانا رجلا آخر قتل صاحبهم لم تخرج الدية حتى ينظر فإن جازت شهادتهم
على فلان أخرجت الدية التي أخذت بالقسامة فردت إلى من أخذت منه وإن ردت عن فلان لم تخرج
التي أخذت بالقسامة بشهادة من لم تجز شهادته على رجل بعداوة ولا بأن يعدلهم من يجز إلى نفسه أو
يدفع عنها ولا يقبل شاهدان من عاقلة المدعى عليه إذا ادعى القتل خطأ أن يبتدئوها بما يبرئ المدعى
عليه في الخطأ لأن في ذلك براءة لهم مما يلزمهم من الدية وقد قيل إن كان القتل عمدا لم يقبل ذلك
للمدعى عليه لأن ذلك إبراء له من اسم القتل ولا إن كان الشاهدان يكونان إذا شهدا أبرءا أنفسهما من
شئ من الدية أو جرا إلى أنفسهما (قال الشافعي) وإن لم يقطعوا الشهادة بما يبين براءته لم يكن بريئا
وذلك مثل أن يكون القتيل ببلد فيقتل يوم الجمعة لا يدرى أي وقت قتل فيه فيشهد هؤلاء الشهود أن
103

هذا كان معهم يوم الجمعة طول النهار أو في بعض النهار دون بعض أو في حبس وحديد أو مريضا لأنه
قد يمكن أن يقتله في وقت لم يكن معهم فيه وينفلت من السجن والحديد ويقتله في الحديد ويقتله
وهو مريض (قال الشافعي) ولو شهدوا على الورثة أنهم أقروا أن هذا المقسم عليه لم يقتل أباهم أو أنه
كان غير حاضر قتل أبيهم أو أنه في اليوم الذي قتل فيه أبوهم كان لا يمكن أن يبلغ حيث قتل أبوهم أو
أنهم أقسموا عليه عارفين بأنه لم يقتله أحد أخذت الدية منهم وللإمام تعزيرهم بإقرارهم وأخذ المال
بالباطل ولو كانوا شهدوا على أنهم قالوا إن كنا لغيبا عن قتله قبل القسامة وبعدها لم يردوا شيئا لأني
أحلفتهم وأنا اعلمهم غيبا وكذلك لو شهدوا قبل القسامة وبعدها أنهم قالوا ما نحن على يقين من قتله
كان لهم أن يقسموا لأنهم قد يصدقون الشهود بما لا يستيقنون وإنما اليقين العيان لا الشهادة ولو شهدوا
عليهم أنهم قالوا قد أخذنا منه الدية أو من عاقلته الدية بظلم سئلوا فإن قالوا قلناه لأن القسامة لا توجب
لنا دية حلفوا بالله ما أرادوا غير هذا وقيل لهم ليس هذا بظلم وإن سميتموه ظلما وإن لم يحلفوا على هذا
حلف المدعى عليه ما قتل صاحبهم وردوا الدية فإن قالوا أردنا بقولنا أخذنا الدية بظلم بأنا كذبنا عليه
ردوا الدية وعزروا ولو أقسم الورثة على رجل أنه قتل أباهم وحده وشهد شاهدان على رجل غيره أنه
قتل أباهم فادعى الورثة على القاتل المشهود عليه دم أبيهم وسألوا القود به أو الدية لم يكن ذلك لهم
لأنهم قد زعموا أن قاتل أبيهم رجل واحد فابرءوا منه غيره وردوا ما أخذوا من الدية بالقسامة لأنه قد
شهد لمن أخذوا منه الدية بالبراءة وأبرءوه بدعواهم على غيره ولو ثبتوا أيضا على دعواهم على الأول
وكذبوا البينة لم يأخذوا من الآخر عقلا ولا قودا لأنهم أبرءوه وردوا ما أخذوا من الأول لأن الشاهدين
قد شهدا له بالبراءة ولو أن شاهدين شهدا لرجل بما يبرئه من دم رجل كما وصفت ثم أقر المشهود له أنه
قتله عمدا أو خطأ لزمه الدم كما أقربه وإذا أقربه خطأ لزمه في ماله في ثلاث سنين دون عاقلته ولو أن
ولاة الدم أقروا أن رجلا لم يقتل أباهم وادعوه على غيره وأقر الذي أبرءوه أنه قتل أباهم منفردا فقد قيل
يؤخذ بإقراره ويكون أصدق عليه من إبرائهم له كشهادة من شهد له بالبراءة وقيل لا يؤخذ بإقراره من
قبل أن ولاة الدم قد أبرءوه من دمه وسواء ادعوا الوهم في إبرائه ثم قالوا أثبتنا أنك قتلته أو لم يدعوه.
اختلاف المدعى والمدعى عليه في الدم
(قال الشافعي) ولو أن رجلا ادعى أن رجلا قتل أباه عمدا بما فيه القود وأقر المدعى عليه أنه قتله
خطأ فالقتل خطأ والدية عليه في ثلاث سنين بعد أن يحلف ما قتله إلا خطأ فإن نكل حلف المدعى
لقتله عمدا وكان له القود وهكذا إن أقر أنه قتله عمدا بالشئ الذي إذا قتله به لم يقدمنه ولو ادعى
رجل على رجل أنه قتل أباه وحده خطأ فأقر المدعى عليه أنه قتله هو غيره معه كان القول قول المقر مع
يمينه ولم يغرم إلا نصف الدية ولا يصدق على الذي زعم أنه قتله معه ولو قال قتلته وحدي عمدا وأنا
مغلوب على عقلي بمرض فإن علم أنه كان مريضا مغلوبا على عقله قبل قوله مع يمينه وإن لم يعلم ذلك
فعليه القود بعد أن يحلف ولى الدم لقتله غير مغلوب على عقله وهكذا لو قامت عليه بينة بأنه قتله فقال
قتلته وأنا مغلوب على عقلي (قال الشافعي) وإذا وجد القتيل في محلة قوم يختلط بهم غيرهم أو
صحراء أو مسجد أو سوق أو موضع مسير إلى دار مشتركة أو غيرها فلا قسامة فيه فإن ادعى أولياؤه على
أهل المحلة لم يحلف لهم منهم إلا من أثبتوا بعينه فقالوا نحن ندعى أنه قتله فإن أثبتوهم كلهم وادعوا
104

عليهم وهم مائة أو أكثر وفيهم نساء ورجال وعبيد مسلمون كلهم أو مشركون كلهم أو فيهم مسلم ومشرك
أحلفوا كلهم يمينا يمينا لأنهم يزيدون على خمسين وإن كانوا أقل من خمسين ردت الايمان عليهم فإن
كانوا خمسة وعشرين حلفوا يمينين يمينين وإن كانوا ثلاثين حلفوا يمينين يمينين لأن على كل واحد منهم
يمينا وكسر يمين ومن كانت عليه كسر يمين حلف يمينا تامة وليس الأحرار المسلمون بأحق بالايمان من
العبيد ولا العبيد من الأحرار ولا الرجال من النساء ولا النساء من الرجال كل بالغ فيها سواء وإن كان
فيهم صبي ادعوا عليه لم يحلف وإذا بلغ حلف فإن مات قبل البلوغ فلا شئ عليه ولا يحلف واحد منهم
الا واحدا ادعوا عليه بنفسه فإذا حلفوا برئوا وإذا نكلوا عن الايمان حلف ولاة الدم خمسين يمينا
واستحقوا الدية إن كانت عمدا ففي أموالهم ورقاب العبيد منهم بقدر حصصهم فيها وإن كانت خطا
فعلى عواقلهم وإن كان ولى القتيل ادعى على اثنين منهم فحلف أحدهما وامتنع الآخر من اليمين برئ
الذي حلف وحلف ولاة الدم على الذي نكل ثم لزمه نصف الدية في ماله إن كان عمدا وعلى عاقلته
إن كان خطأ لأنهم إنما ادعوا أنه قاتل مع غيره وسواء في النكول عن اليمين المحجور عليه وغير المحجور عليه
إذا نكل منهم واحد حلف المدعى عليه وكذلك سواء في الاقرار إذا أقر المحجور عليه وغير المحجور عليه
بالجناية لزمه منها ما يلزم غير المحجور عليه والجناية خلاف البيع والشراء وقد قيل لا يلزمه إلا بجناية
العمد في الاقرار والنكول.
باب الاقرار والنكول والدعوى في الدم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكذلك العبد سواء في الاقرار بالجناية والنكول عن اليمين فيها إلا
في خصلة بأن العبد إذا أقر بجناية لا قصاص فيها لم يتبع فيها وأشهد الحاكم بإقراره بها فمتى عتق ألزمه
إياها لأنه حين أقر أقر بمال لغيره فلا يجوز إقراره في مال غيره وإذا صار له مال كان إقراره فيه وإذا
ادعوا على عشرة فيهم صبي رفعت حصة الصبي عنهم من الدية إن استحقت وإن نكلوا حلف ولاة
الدم وأخذوا منهم تسعة أعشار الدية فإذا بلغ الصبي حلف فبرئ أو نكل فحلف الولي وأخذ منه العشر
إذا كان القتل عمدا (قال الشافعي) وإذا ادعوا على جماعة فيهم معتوه فهو كالصبي لا يحلف وذلك أنه
لا يؤخذ بإقراره على نفسه فإن أفاق من العته أحلف وتسعه اليمين بعد مسألته عما ادعوا عليه وإن نكل
حلف ولاة الدم واستحقوا عليه حصته من الدية وإن ادعوا على قوم فيهم سكران لم يحلف السكران
حتى يفيق ثم يحلف فإن نكل حلف أولياء الدم واستحقوا عليه حصته من الدية (قال الشافعي) وإذا
وجد القتيل في دار رجل وحده فقد قيل لا يبرأ إلا بخمسين يمينا إذا ادعى عليه القتل.
قتل الرجل في الجماعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت الجماعة في مسجد أو مجمع غير المسجد فازدحموا
فمات رجل منهم في الزحام قيل لوليه ادع على من شئت منهم فإن ادعى على أحد بعينه أو جماعة كانت
في المجمع الذي قتل فيه أو جماعة يمكن أن تكون قاتلته بزحام قبلت دعواه وحلف واستحق على
عواقلهم الدية في ثلاث سنين. وإن ادعاه على من لا يمكن أن يكون زحمه بالكثرة كأن يكون في
105

المسجد ألف فيدعيه عليهم فلا تقبل دعواه لأنه لا يمكن أن يكون كلهم زحمه فإن لم يدع على أحد
بعينه يمكن أن يكون زحمه لم يعرض لهم فيه ولم نجعل فيه عقلا ولا قودا (قال الشافعي) وهكذا إن
قتل بين صفين لا يدرى من قتله، وهكذا قتل الجماعات في هذا كله (قال الشافعي) وإذا ادعى على
رجل بعينه فأنكر المدعى عليه أن يكون كان في الموضع الذي قتل فيه القتيل لم يقسم ولى الدم عليه
حتى تقوم بينة بأنه كان في ذلك الموضع فإذا أقر أو قامت عليه بينة بذلك فلولي القتيل أن يقسم عليه
(قال الشافعي) وسواء فيما تجب فيه القسامة كان بالميت أثر سلاح أو حنق أو غير ذلك أو لم يكن لأنه
قد يقتل بما لا أثر له. فإن قال المدعى عليه القتل إنما مات ميتك من مرض كان به أو مات فجأة أو
بصاعقة أو ميتة ما كانت كان لولى القتيل القسامة بما وصفت من أنه قد يقتل بما لا أثر له ولو دفعت
القسامة بهذا دفعتها بأن يقول جاءنا جريحا فمات من جراحه عندنا.
نكول المدعى عليهم بالدم عن الايمان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا لم أجعل لولاة الايمان فادعى رجل على رجل أنه
قتل أباه عمدا أحلف المدعى عليه خمسين يمينا ما قتله فإذا حلف برئ من دمه ولا عقل ولا قود
عليه، وإن كان أقر بقتله قتل به إلا أن يشاء الوارث العقل ويأخذه من ماله أو العفو عن العقل والقود
وإن لم يقر ونكل عن اليمين قيل للوارث احلف خمسين يمينا لقتله ولك القود كهو بإقراره، وإن كان
المدعى عليه القتل معتوها أو صبيا لم يحلف واحد منهما لأنه لو أقر في حاله تلك لم ألزمه إقراره فإن أفاق
المعتوه وبلغ الصبي أحلفته على دعوى ولى الدم فإن حلف برئ وإن أقر لم يكن عليه القود وكانت
الدية عليه في ماله حالة إن كان القتل عمدا وإن كان القتل خطأ في ثلاث سنين ولا تضمن
عاقلته بإقراره وإن نكل المدعى عليه الدم عن اليمين وامتنع الوارث من اليمين فلا شئ على المدعى عليه
وهكذا الدعوى فيما دون النفس من جراح العمد والخطأ لا تختلف، ولو كانت الدعوى على رجلين
أنهما قتلاه خطأ حلف كل واحد منهما خمسا وعشرين يمينا فإن حلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين
حلف الولي خمسين يمينا على الناكل واستحق نصف الدية عليه ولا يستحق إلا بخمسين يمينا ويردد
الايمان على الذي حلف خمسا وعشرين يمينا حتى يتم عليه خمسون يمينا لأنه لم يحلف معه تمام خمسين
يمينا، وقد قيل لا يبرأ واحد منهما لو حلفا معا إلا بخمسين يمينا ولا يحسب له يمين غيره (قال
الشافعي) وإذا ادعى على رجل أنه قتله فلم ينكل ولم يحلف أو حلف فلم يتم الايمان التي يبرأ بها حتى
يموت لم يكن لولى الدم أن يحلف ويستحق عليه الدم ولو نكل في حياته عن اليمين كان لولى الدم أن
يحلف ويستحق عليه الدم.
باب دعوى الدم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ادعى على رجل أنه قتل رجلا وحده أو قتله هو وغيره
عمدا فقد قيل لا يبرأ إلا بخمسين يمينا. وقيل يبرأ بحصته من الايمان وهي خمسة وعشرون يمينا إذا
106

حلف مع المدعى عليه. وإذا ادعى عليه جرح أو جراح دون النفس فقد قيل يلزمه من الايمان على قدر
الدية فلو ادعيت عليه يد حلف خمسا وعشرين يمينا ولو ادعيت عليه موضحة حلف ثلاثة أيمان.
باب كيف اليمين على الدم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو ادعى على رجل أنه قتل رجلا عمدا حلف بالله الذي لا
إله إلا هو عالم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ما قتل فلانا ولا أعان على قتله ولا ناله من فعله ولا
بسبب فعله شئ جرحه ولا وصل إليه شئ من بدنه ولا من فعله وإنما زدت هذا في اليمين عليه
احتياطا لأنه قد يرمى ولا يريده فتصيبه الرمية أو يرمى الشئ فيصيب رميه شيئا فيطير الذي أصبته
رميته عليه فيقتله وقد يجرحه فيرى أن مثل ذلك الجرح لا يقتله وكذلك يضربه بالشئ فلا يجرحه ولا
يرى أن مثل ذلك يقتله فأحلفه لينكل فيلزمه ما أقربه أو يمضى عليه اليمين فيبرئه (قال الشافعي) وإذا
ادعى خطأ حلف هكذا وزاد ولا أحدث شيئا عطب به فلان، وإنما أدخلت هذا في يمينه أنه يحدث
البئر فيموت فيها الرجل ويحدث الحجر في الطريق فيعطب بها الرجل. وإنما منعني عن اليمينين معا أن
احلفه ما كان سببا لقتله مطلقا أنه قد يحدث غيره في المقتول الشئ فيأتنف هو المحدث فيقتله فيكون
سببا لقتله وعليه العقل ولا قود عليه.
يمين المدعى على القتل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وجبت لرجل قسامة حلف بالله الذي لا إله إلا هو عالم
خائنة الأعين وما تخفى الصدور لقد قتل فلان فلانا منفردا بقتله ما شركه في قتله غيره. وإن ادعى على
غيره معه حلف لقتل فلان وفلان فلانا منفردين بقتله ما شركهما فيه غيرهما، وإن لم يعرف الحالف
الذي قتله معه حلف لقتل فلان فلانا وآخر معه لم يشركهما في قتله غيرهما، فإذا أثبت الآخر أعاد عليه
اليمين ولم تجزئه اليمين الأولى. وإن كان الحالف على القسامة يحلف على رجل جرح ثم عاش مدة بعد
الجرح ثم مات حلف كما وصفت لقتل فلان فلانا منفردا بقتله لم يشركه فيه غيره، وإن ادعى الجاني
أنه برأ من الجراحة أو مات من شئ غير جراحته التي جرحه إياها حلف ما برأ منها حتى توفى منها.
يمين المدعى عليه من إقراره
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أقر الرجل أنه قتل رجلا هو وآخر معه خطأ حلف بالله
الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ما قتلت فلانا وحدي ولقد ضربه معي فلان
فكان موته بعد ضربنا معا، وإنما منعني من أن أحلفه لمات من ضربكما معا أنه قد يموت من ضرب
أحدهما دون الآخر والحكم أنهما إذا ضرباه فمات فمن ضربهما مات، وإذا ادعى ولى القتيل أن فلانا
ضربه وهذا ذبحه أو فعل به فعلا لا يعيش بعده إلا كحياة الذبيح أحلفته على ما ادعى ولى القتل.
107

يمين مدعى الدم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ادعى الجاني على ولى الدم أن أباه مات من غير ضربه
أحلفته على دعواه فإن قال أحلفه ما زال أبوه ضمنا من ضرب فلان لازما للفراش حتى مات من
ضربه أحلفته وإنما أحلفته لمات من ضرب فلان أنه قد يلزم الفراش حتى يموت من غير مرض ويلزم
حتى يموت بحدث يحدث عليه آخر أو جناية يحدثها على نفسه (قال الشافعي) وتسعه اليمين على ما
أحلفته عليه على الظاهر من أنه مات من ضربه (قال الشافعي) ولو حلف لمات من ضربه، ثم قال قد
كان بعد ضربه برأ لم أقض له بعقل ولا قود لأن الظاهر إن هذا يحدث عليه موت من غير ضربه إذا
أقبل أو أدبر. ولو لم يزده السلطان على أن لا يحلف إلا بالله أجزأه ذلك لأن كل ما وصفت من صفة
الله عز وجل واليمين باسمه تبارك وتعالى كافية، وإنما جعل الله على المتلاعنين الايمان بالله عز وجل في
اللعان.
التحفظ في اليمين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وليتحفظ الذي يحلف فيقول للحالف: (والله لقد كان كذا
وكذا أو ما كان كذا) فإن قال الحالف بالله كان كقوله والله لأن ظاهرهما معا يمين. ولو لحن الحالف
فقال والله بالرفع والنصب أحببت أن يعيد القول حتى يضجع ولو مضى على اليمين بغير إضجاع لم يكن
عليه إعادة، وإن قال يا لله بالياء لكان كذا لم يقبل منه وأعاد عليه حتى يدخل الواو أو الباء أو التاء.
وإذا نسق اليمين ثم وقف لغير عي ولا نفس قبل أن يكملها ابتدأها الحاكم عليه، وإن وقف لنفس أو
لعى لم يعد عليه ما مضى منها فإن حلف فأدخل الاستثناء في شئ من منه يمينه ثم نسق اليمين بعد الاستثناء
أعاد عليه اليمين من أولها حتى ينسقها كلها بلا استثناء.
عتق أمهات الأولاد والجناية عليهن
أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي إذا وطئ الرجل أمته بالملك فولدت له فهي مملوكة بحالها لا ترث
ولا تورث ولا تجوز شهادتها وجنايتها والجناية عليها جناية مملوك وكذلك حدودها ولا حج عليها فإن
حجت ثم عتقت فعليها حجة الاسلام ولا تخالف المملوك في شئ إلا أنه لا يجوز لسيدها بيعها وإذا لم
يجزله بيعها لم يحل له إخراجها من ملكه بشئ غير العتق، وأنها حرة إذا مات من رأس المال وكما لا
يجوز بيعها فكذلك لا يجوز لغرمائه أن يبيعوها عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والولد الذي
تكون به أم ولد كل ما بان له خلق من سقط من خلق الآدميين عين أو ظفر أو إصبع أو غير ذلك،
فإن أسقطت شيئا مجتمعا لا يبين أن يكون له خلق سألنا عدولا من النساء فإن زعمن أن هذا لا يكون
إلا من خلف الآدميين كانت به أم ولد وإن شككن لم تكن به أم ولد ولا تكون أم ولد بهذا الحكم بأن
ينكحها وهي في ملك غيره فتلد ثم يملكها وولدها، ولا بحبل وهي مملوكة لغيره ثم تلد في ملكه لأن
الرق قد جرى عليه ولدها لغيره، وقد قال بعض الناس إذا نكحها مملوكة فولدت له فمتى ملكها فلها
108

هذا الحكم لأنها مملوكة وقد ولدت منه، ولو ملك انها عتق بالنسب فإن كان إنما أعتقها بأن ابنها يعتق
عليه متى ملكه فقد عتق عليه ابنها (1) وهي مملوكة لغيره، وقد جرى عليها الرق لغيره ولا يجوز إلا ما قلنا
فيها، وهو تقليد لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه أن المولود لم يجر عليه رق وهذا القول الذي
حكيناه هو مخالف للأثر والقياس (2) فأما أن يقول قائل قولنا إذا ولدت منه في ملك غيره ثم اشتراها ثم
يقول لو حبلت منه في ملك غيره ثم اشتراها فولدت بعد شرائه بيوم أو يومين. فهذا لا على اسم أنها قد
ولدت له، وملكها كما قال من حكيت قوله ولا على معنى أن الولد الذي تكون به أم ولد لها به هذا
الحكم كان حلمه في ملكه سيدها الواطئ لها ويزوجها من شاء ويؤاجرها غرماؤه إن كانت لها صنعة.
فاما إن لم تكن لها صنعة فلا وليس للمكاتب أن يتسرى. ولو فعل منع لأنه ليس بتام الملك ولو ولدت
له لم تكن أم ولد لهذا الولد حتى يعتق ثم يحدث لها وطئا تلد منه بعد الملك (قال الشافعي)
وللمكاتب أن يبيع أم ولده وللسيد أن ينزع أم ولد مدبره وعبده لأنه ليس لهما أن يتسريا وليس للملوك
مال إنما المال للسيد ولسيده أن يأخذه من كل مملوك له أم ولد أو مدبر أو غيرهما ما خلا المكاتب فإنه
محول دون رقبته وماله. وما كان للسيد أن يأخذه فلغرمائه أن يأخذوه ويأخذه السيد مريضا
وصحيحا ولو مات قبل أن يأخذه كان مالا من ماله موروثا عنه! إذا عقلنا عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وبإجماع المسلمين أن له أن يأخذ أموالهم أحياء فقد عقلنا عنه ثم عنهم أنه لا يأخذ إلا ما كان
مالكا وما كان مالكا فهو موروث عنه (قال الشافعي) ووصية الرجل لام ولده جائزة أنها إنما تملكها
بعدما تعتق وكذلك وصيته لمدبره إن خرج المدبر من الثلث وإن لم يخرج المدبر كله من الثلث فالوصية
باطلة لأنه مملوك لورثته.
الجناية على أم الولد
(قال الشافعي) وإذا جنى على أم الولد فالجناية عليها جناية على أمة تقوم أمة مملوكة ثم يكون
سيدها ولى الجناية عليها يعفوها إن شاء أو يستقيد إن كان فيها قود أو يأخذ الأرش وإذا كانت هي
الجانية ضمن الأقل من قيمتها أو الجناية للمجني عليه فإن عادت فجنت أخرى وقد أخرج قيمتها كلها
ففيها قولان. أحدهما: إسلامه بدنها فيرجع المجني عليه الثاني بأرش جنايته على المجني عليه الأول
فيشتركان فيها بقدر جنايتهما ثم هكذا إن جنت جناية أخرى رجع المجني عليه الثالث على الأولين فكانوا
شركاء في قيمتها بقدر الجناية عليهم وهذا قول يتوجه ويدخل من قبل أنه لو كان أسلم بدنها إلى الأول
أخرجها من يدي الأول إلى الثاني ولم يجعلهما شريكين فإذا قام قيمتها مقام بدنها فكان يلزمه أن يخرج
جميع قيمتها إلى المجني عليه الثاني إذا كان ذلك أرش جنايتها ثم يصنع ذلك بها كلما جنت. والقول
الثاني أن يدفع الأقل من قيمتها أو الجناية فإذا عادت فجنت وقد دفع جميع قيمتها لم يرجع الآخر على
الأول بشئ ورجع الآخر على سيدها فأخذ منه الأقل من قيمتها والجناية. وهكذا كلما جنت وهذا قول

(1) قوله وهي مملوكة لغيره وقد جرى عليها الرق لغيره كذا في النسخ وهما عبارتان بمعنى واحد فلعلهما نسختان
جمع بينهما الناسخ.
(2) قوله: فاما ان يقول الخ كذا في النسخ، وانظر وحرر. كتبه مصححه.
109

يدخل من قبل أنه إن كان إنما ذهب إلى العبد يجنى فيعتقه سيده أن يضمن الأقل من قيمته أو الجناية
فهذه لم يعتقها سيدها وذلك إذا عاد عقلت عنه العاقلة ولم يعقل هو عنه وهو يجعله يعقل عن هذه
(قال الربيع) (قال الشافعي) والقول الثاني أحب إلينا (قال الشافعي) وإذا جنى عليها جناية فلم
يحكم بها الحاكم حتى مات سيدها فهي لورثة سيدها من قبل أن سيدها قد ملكها بالجناية (قال
الشافعي) وولد أم الولد بمنزلتها يعتقون بعتقها إذا عتقت كان من حلال أو حرام ولو ماتت أم الولد قبل
سيدها كان أولادها في يد سيدها فإذا مات عتقوا بموته كما كانت أمهم تعتق بموته وإذا أسلمت أم ولد
النصراني حيل بينه وبينها وأخذ بالنفقة عليها وأن تعمل له ما يعمل مثلها لمثله فمتى أسلم خلى بينه وبينها
وإن مات قبل أن يسلم فهي حرة بموته وقال بعضهم إذا أسلمت أم ولد النصراني فهي حرة وعليها أن
تسعى في قيمتها وروى عن الأوزاعي مثل قوله إلا أنه قال تسعى في نصف قيمتها وقال غيرهما هي حرة
ولا تسعى في شئ (قال الشافعي) فإن كان إنما ذهب إلى أنه لم يكن له منها إلا أن يصيبها فحرمت
عليه الإصابة بإسلامها فهو يجعل للرجل من أم ولده أن يأخذ مالها بأي وجه ملكته وهب لها أو تصدق
به عليها أو وجدت كنزا أو اكتسبته ويجعل له خدمتها وبعض هذا أكثر من رقبتها فكيف أخرجها من
ملكه وهذا لا يحل له وهو لا يبيع أم الولد، وإذا لم يبع مدبر النصراني يسلم فكيف باع أم ولده (قال
الشافعي) وسواء في الحكم أم ولد النصراني أو المسلم يرتد (قال الربيع لا تباع) أم ولد النصراني كما لا
تباع أم ولد المسلم (قال الشافعي) وليس للنصراني أن يبيع أم ولده النصرانية وذا حكمنا أنه محول دونها
لم يخل وبيعها كما لا يخلى بينه وبين بيع ابنه ولا بين بيع مكاتبه، وإذا توفى الرجل عن أم ولده أو
أعتقها فلا عدة عليها وتستبرأ بحيضة فإن كانت لا تحيض من صغر أو كبر فثلاثة أشهر أحب إلينا قياسا
لأن الحيضة إذا كانت براءة في الظاهر فالحمل يبين في التي لا تحيض في أقل من ثلاثة أشهر. والقول
الثاني أن عليها شهرا بدلا من الحيضة لأن الله عز وجل أقام ثلاثة أشهر مقام ثلاث حيض (قال
الربيع) وبه يقول الشافعي (قال الربيع) وإذا كانت للرجل أم ولد فخصي أو انقطع عنه الجماع فليس
لها خيار لأنها ليست كالزوجة في حال.
مسألة الجنين
(أخبرنا الربيع) قال (حدثنا الشافعي) إملاء قال أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن
ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في جنين امرأة من
بنى لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى
الله عليه وسلم بان ميراثها لبنيها وزوجها والعقل على عصبتها (قال الشافعي) فبين في قضاء رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا قضى على امرأة أصابت جنينا بغرة وقضى على عصبتها بأن عليهم ما أصابت
وأن ميراثها لولدها وزوجها (1) وأن العقل على العاقلة وإن لم يرثوا وأن الميراث لمن جعله الله عز وجل له
وبين إذ قضى على عصبتها بعقل الجنين وإنما فيه غرة لا اختلاف بين أحد أن قيمتها خمس من الإبل

(1) قوله: وان العقل هكذا في النسخ بالواو ولعلها زائدة وقوله إن العقل فاعل لقوله فبين فانظر اه‍ - مصححه.
110

وفي قول غيرنا على أهل الذهب خمسون دينارا وعلى أهل الورق ستمائة درهم أن العاقلة في سنة النبي
صلى الله عليه وسلم تعقل نصف عشر الدية وذلك أن خمسا من الإبل نصف عشر دية الرجل وقد روى
هذا إبراهيم النخعي عن عبيد بن نضلة عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في
الجنين بغرة عبد أو أمة وقضى به على عاقلة الجانية التي أصابته (قال الشافعي) وهذا قول أبي حنيفة
وأصحابه يزعمون أن العاقلة تعقل نصف العشر فصاعدا ولا تعقل ما دونه. وقول غيرهم تعقل العاقلة
كل ما كان له أرش وإذا قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن العاقلة تعقل خطأ الحر في الأكثر قضينا به
في الأقل والله تعالى أعلم: وإنما ذهب أبو حنيفة إلى أن يقضى به فيما قضى به النبي صلى الله عليه
وسلم خاصة ولا يجعل شيئا قياسا عليه وهذا يلزمه في غير موضع قد بين في موضعه (قال الشافعي)
وقال غير أبي حنيفة تعقل العاقلة الثلث فصاعدا ولا تعقل ما دونه. ولا يجوز أن يكون في هذا إلا ما
قلنا من أن جناية الحر إذا كانت خطأ فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في النفس على العاقلة
وجعلها في الجنين وهو نصف عشر النفس على العاقلة وفرق بين حكمها وحكم العمد وفرق المسلمون
فجعلوا عمد الحر في النفس وما دونها وفيما استهلك من مال في مال نفسه دون عاقلته وحكم ما أصاب
من حر خطأ في نفس على عاقلته (2) إلا أن يكون ما أصاب من حر من شئ له أرش على عاقلته كما
حملت الأكثر حملت الأقل إذا كان من وجه واحد وما ذهب إليه أبو حنيفة من أنه يقضى على العاقلة
بما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقضى عليها بغيره. فأما أنها تعقل الثلث فصاعدا فلم نعلم عند
من قاله فيه خبرا يثبت إلا رأى الرجال الذين لا يكون رأيهم حجة فيما لا خبر فيه أو خبر لا يثبت مثله
عندنا ولا عندهم فيما لا يريدون أن يقولوا به والسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه قضى
بنصف عشر الدية على العاقلة فمن زعم أنه لا يقضى بها على العاقلة فلينظر من خالف. فإن قال فقد
أثبت المنقطع كما قد أثبت الثابت فقد روى ابن أبي ذئب عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمر رجلا ضحك في الصلاة أن يعيد الوضوء والصلاة وهو يعرف فضل الزهري في الحفظ على من
روى هذا عنه. وأخبرنا سفيان عن محمد بن المنكدر أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال
إن لي مالا وعيالا وإن لأبي مالا وعيالا وهو يريد أن يأخذ مالي فيطعمه عياله فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) وهو يخالف هذين الحديثين مما لعله لو جمع لكان كثيرا من المنقطع
فإن كان أحد أخطأ بترك تثبيت المنقطع فقد شركه في الخطأ وتفرد دونه برد الموتصل إنه ليروى عن
النبي صلى الله عليه وسلم متصلا كثيرا عن الثقات ثم يدعه (1) فكيف يجوز أن يكون الموتصل مردودا
ويكون المنقطع مردودا حيث أراد ثابتا حيث أراد العلم أدى في هذا إلى الذي يزعم هذا إلا في
الحديث.
الجناية على العبد
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه قال عقل العبد في

(2) قوله: إلا أن يكون إلى قوله " على عاقلته " كذا في بعض النسخ، وفي بعضها سقط هذا الاستثناء.
(1) قوله: فكيف يجوز الخ كذا في النسخ، ولعل في الكلام تحريفا، فانظر. كتبه مصححه.
111

ثمنه وأخبرنا يحيى بن حسان عن اليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال عقل
العبد في ثمنه كجراح الحر في ديته وقال ابن شهاب وكان رجال سواه يقولون يقوم سلعة (قال
الشافعي) وخالف قول الزهري من الناس الذين قالوا هو سلعة وخالف قول سعيد بن المسيب،
والزهري لم يحك فيه بالمدينة إلا هذين القولين ولم أعلم أحدا قط قال غير هذين القولين قبله فزعم في
موضحة العبد ومنقلته ومأمومته وجائفته أنها في ثمنه مثل جراح الحر في ديته وزعم فما بقي من جراحه
أنها مثل جراح البعير فيه ما نقصه فلا بقول سعيد ولا بقول الناس الذين حكى عنهم الزهري (قال
الشافعي) وهو يريد أن يجعل ابن شهاب ومثله حجة على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجعل
قول ابن شهاب ولا قول القاسم ولا قول عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حجة على رأى نفسه
مع ما لو جمع من الحديث موصولا كان كثيرا فإذا جاز أن يكون هذا مردودا فأن الوهم قد يمكن على
عدد كثير يروون أحاديث كلهم يحيلها على الثقة حتى يبلغ بها إلى من سمعها من النبي صلى الله عليه
وسلم فكيف جاز لاحد أن يعيب من رد الحديث المنقطع لأنه لا يدرى عمن رواه صاحبه وقد خبر من
كثير منهم أنهم قد يقبلون الأحاديث ممن أحسنوا الظن به ويقبلونها ممن لعلهم لا يكونون خابرين به
ويقبلونها من الثقة ولا يدرون عمن قبلها من قبلها وعنه وما زال أهل الحديث في القديم والحديث
يثبتون فلا يقبلون الرواية التي يحتجون بها ويحلون بها ويحرمون بها إلا عمن أمنوا وإن يحدثوا بها هكذا
ذكروا أنهم لم يسمعوها من ثبت. كان عطاء بن أبي رياح يسأل عن الشئ فيرويه عمن قبله ويقول
سمعته وما سمعته من ثبت (قال الشافعي) أخبرنا بذلك مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج
عنه هذا في غير قول وكان طاوس إذا حدثه رجل حديثا قال إن كان الذي حدثك مليا وإلا فدعه
يعنى حافظا ثقة (قال الشافعي) أخبرنا عمى محمد بن علي عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال إني
لاسمع الحديث أستحسنه فما يمنعني من ذكره إلا كراهية أن يسمعه سامع فيقتدى به أسمعه من الرجل
لا أثق به قد حدثه عمن أثق به وأسمعه من الرجل أثق به حدثه عمن لا أثق به وقال سعيد بن إبراهيم
لا يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم الا الثقات (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد قال
سألت ابنا لعبد الله بن عمر عن مسألة فلم يقل فيها شيئا فقيل له إنا لنعظم أن يكون مثلك ابن إمام
هدى تسأل عن أمر ليس عندك فيه علم فقال أعظم والله من ذلك عند الله وعند من عرف الله وعند
من عقل عن الله أن أقول ما ليس لي به علم أو أخبر عن غير ثقة وكان ابن سيرين والنخعي غير واحد من
التابعين يذهب هذا المذهب في أن لا يقبل إلا عمن عرف وما لقيت ولا علمت أحدا من أهل العلم
بالحديث يخالف هذا المذهب، والله أعلم.
ديات الخطأ
ديات الرجال الأحرار المسلمين
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله عز وجل (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا
إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) فأحكم الله تبارك وتعالى في
تنزيل كتابه أن على قاتل المؤمن دية مسلمة إلى أهله وأبان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم كم الدية
112

فكان نقل عدد من أهل العلم عن عدد لا تنازع بينهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بدية
المسلم مائة من الإبل فكان هذا أقوى من نقل الخاصة وقد روى من طريق الخاصة وبه نأخذ ففي
المسلم يقتل خطأ مائة من الإبل أخبرنا سفيان عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن
عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ألا إن في قتيل العمد الخطأ بالسوط أو العصا
مائة من من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها) أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن خالد
الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة ابن أوس عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال
يوم فتح مكة ألا (أن في قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط أو العصا الدية مغلظة منها أربعون خلفة
في بطونها أولادها) أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه
أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم (في النفس مائة من الإبل)
أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر في الديات في كتاب النبي صلى الله عليه
وسلم لعمرو بن حزم (في النفس مائة من الإبل) قال ابن جريج فقلت لعبد الله بن أبي بكر أفي شك
أنتم من أنه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال لا أخبرنا ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه وأخبرنا
مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن أيوب بن موسى عن أبن شهاب وعن مكحول وعطاء وقالوا
أدركنا الناس على أن دية الحر المسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل فقوم عمر بن
الخطاب رضي الله عنه تلك الدية على أهل القرى ألف دينار أو اثنى عشر ألف درهم فإن كان الذي
أصابه من الاعراب فديته مائة من الإبل لا يكلف الاعرابي الذهب ولا الورق ودية الاعرابي إذا
أصابه أعرابي مائة من الإبل (قال الشافعي) ودية الحر المسلم مائة من من الإبل لا دية غيرها كما فرض
رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) فإن أعوزت الإبل فقيمته وقد وضع هذا في غير هذا الموضع.
دية المعاهد
(قال الشافعي) وأمر الله تعالى في المعاهد يقتل خطأ بدية مسلمة إلى أهله ودلت سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم على أن لا يقتل مؤمن بكافر مع ما فرق الله عز وجل بين المؤمنين والكافرين فلم يجز
أن يحكم على قاتل الكافر إلا بدية ولا أن ينقص منها إلا بخبر لازم فقضى عمر بن الخطاب وعثمان بن
عفان رضي الله عنهما في دية اليهودي والنصراني بثلث دية المسلم وقضى عمر في دية المجوسي بثمانمائة
درهم وذلك ثلثا عشر دية المسلم لأنه كان قول تقوم الدية اثنى عشر ألف درهم ولم نعلم أحدا قال في
دياتهم أقل من هذا وقد قيل إن دياتهم أكثر من هذا فألزمنا قاتل كل واحد من هؤلاء الأقل مما اجتمع
عليه فمن قتل يهوديا أو نصرانيا خطأ وللمقتول ذمة بأمان إلى مدة أو ذمة بإعطاء جزية أو أمان ساعة
فقتله في وقت أمانه من المسلمين فعليه ثلث دية المسلم وذلك ثلاث وثلاثون من الإبل وثلث ومن قتل
مجوسيا أو وثنيا له أمان فعليه ثلثا عشر دية مسلم وذلك ست فرائض وثلثا فريضة مسلم وأسنان الإبل
فيهم كهى في ديات المسلمين إذا كان قتلهم عمدا أو عمد خطأ فخمسا دية المقتول خلفتان وثلاثة
أخماس نصفين نصف حقاق ونصف جذاع فإذا كان القتل خطأ محضا فالدية أخماس خمس بنات
مخاض وخمس بنات لبون وخمس بنو لبون ذكور وخمس حقاق وخمس جذاع وديات نسائهم على
أنصاف ديات رجالهم كما تكون ديات نساء المسلمين على أنصاف ديات رجالهم وإذا قتل بعضهم
113

بعضا قضى عليهم بما وصفت يقضى به بين المسلمين وعلى عواقل من جرى عليه الحكم وقد وصفت
هذا في الحكم بينهم في قتل العمد وإذا قتل لهم عبد على دينهم فديته ثمنه بالغا ما بلغ وإن بلغ ديات
مسلم (قال) وإذا كان واحد منهم قاتلا لمسلم قتلا لا قصاص فيه قضى عليه بدية مسلم كاملة على
عاقلته إن كان قتله خطأ أو شبه عمد كما يقضى على عاقلة المسلم وإن لم يكن له عاقلة يجرى عليهم
الحكم ففي ماله وإن قتله عمدا فاختار ورثته العقل ففي مال الجاني كما قلنا في المسلمين الإبل أو قيمتها
إن لم توجد في الجناية والدية والإبل لا غيرها ما كانت الإبل موجودة حيث كانت عاقلة الجاني
والمحكوم لهم (قال الشافعي) يعقل عواقل الذميين إذا كانوا ممن يجرى عليهم الحكم العقل عن جنايتهم
الخطأ كما تعقل عواقل المسلمين.
دية المرأة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لم أعلم مخالفا من أهل العلم قديما ولا حديثا في أن دية المرأة
نصف دية الرجل وذلك خمسون من الإبل فإذا قضى في المرأة بدية فهي خمسون من الإبل وإذا
قتلت عمدا فاختار أهلها ديتها فديتها خمسون من الإبل أسنانها أسنان دية عمد وسواء قتلها رجل أن نفر
أو امرأة لا يزاد في ديتها على خمسين من الإبل وجراح المرأة في ديتها كجراح الرجل في ديته لا تختلف
ففي موضحتها نصف ما في موضحة الرجل وفى جميع جراحها بهذا الحساب، فإن قال قائل فهل في
دية المرأة سوى ما وصفت من الاجماع أمر متقدم؟ فنعم أخبرنا مسلم بن خالد عن عبد الله بن عمر عن
أيوب بن موسى عن ابن شهاب وعن مكحول وعطاء قالوا أدركنا الناس على أن دية الحر المسلم على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل فقوم عمر بن الخطاب تلك الدية على أهل القرى
ألف دينار أو اثنى عشر ألف درهم ودية الحرة المسلمة إذا كانت من أهل القرى خمسمائة دينار أو ستة
آلاف درهم فإذا كان الذي أصابها من الاعراب فديتها خمسون من الإبل ودية الاعرابية إذا أصابها
الاعرابي خمسون من الإبل وأخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن أبيه أن رجلا أوطأ امرأة بمكة فقضى
فيها عثمان بن عفان رضي الله عنه بثمانمائة ألف درهم وثلث (قال الشافعي) ذهب عثمان إلى التغليظ
لقتلها في الحرم.
دية الخنثى
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا بان الخنثى ذكرا له بذلك أو لم يحكم فديته دية الرجل
وإذا بان أنثى فديته دية امرأة وإذا كان مشكلا فديته دية امرأة فإن جنى عليه وهو مشكل فلم يمت
حتى بان ذكرا فديته دية رجل وكذلك لو جنى عليه جرح فبرأ منه فأعطى أرشه وهو مشكل على أنه
أنثى ثم بان ذكرا أتم له أرش جرح رجل وإذا اختلف ورثة الخنثى والجاني فقال الجاني هو امرأة أو
مشكل فالقول قوله مع يمينه وعلى الخنثى أو ورثته البينة بما يدل على أنه ذكر ولو مات الخنثى
فاختلفت ورثته والجاني فأقام ورثته البينة بما يدل على أنه ذكر والجاني البينة بما يبين أنه أنثى طرحت
البينتان معا في قول من طرح البينتين إذا تكافأتا وكان القول قول الجاني، ولو كان هذا والخنثى حي ثم
114

عاينه الحاكم فرآه ذكرا قضى له بأرش ذكر ولو كانت بينة متظاهرة أنه ذكر أو أنثى قبلت البينة كما
تقبل على الاستئناف وليس ما أدرك الحاكم عيانه وأدركه الشهود وكان قائما بعينه يوم يشهد عليه عند
الحاكم حتى يكون يمكن الحاكم أن يبتدئ أن يريه الشهود فيشهدون منه على عيان ثم آخرين بعد
فتتواطأ شهاداتهم عليه ويدرك الحاكم العيان فيه كشهادة في أمر غائب عن الحاكم لا يدرك فيه مثل
هذا ولا يشهد منها إلا على أمر منقض لا يستأنف الشهود علمه ولا غيرهم.
دية الجنين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي
هريرة أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى فيه رسول
الله صلى الله عليه وسلم غرة عبد أو وليدة أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة فقال الذي
قضى عليه كيف أغرم ما لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل ومثل ذلك يطل؟ فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم (إنما هذا من إخوان الكهان) أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن
شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في جنين امرأة من
بنى لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن ميراثها لبنيها وزوجها والعقل على عصبتها، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن
طاوس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال (أذكر الله امرءا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم
في الجنين شيئا) فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال كنت بين جاريتين لي فضربت إحداهما الأخرى
بمسطح فألقت جنينا ميتا فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بغرة، فقال عمر (إن كدنا أن
نقضي في مثل هذا بآرائنا) (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ في الجنين والمرأة التي قضى رسول الله
صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة حرة مسلمة فإذا كان الجنين حرا مسلما بإسلام أحد أبويه أو هما ففيه
غرة كاملة فإن كان جنين حرة مسلمة من مشرك حر أو عبد من نكاح أو زنا أو جنين حرة مسلمة لقيط
من زوج عبد أو حر أو زنا ففيه غرة كاملة لاسلامه وحريته بإسلام أمه وحريتها وكذلك جنين الأمة
يطؤها سيدها بملك صحيح أو ملك فاسد أو يملك شقصا منها، وكذلك جنين الأمة ينكحها ويغر
بأنها حرة لأن من سميت لا يرق بحال وما قلت لا يرق بحال ففيه غرة كاملة وأي جنين جعلته مسلما بكل
حال بإسلام أحد أبويه جعلته جنين مسلم، وأقل ما يكون به السقط جنينا فيه غرة أن يتبين من خلقه
شئ يفارق المضغة أو العلقة أصبع أو ظفر أو عين أو ما بان من خلق ابن آدم سوى هذا كله ففيه غرة
كاملة وإن جنى جان على امرأة فجاءت مكانها أو بعد بجنين فقالت هذا الذي ألقيت وأنكر الجاني لم
يقبل قولها وكان القول قوله بيمينه ولا تلزمه الجناية إلا بإقراره أو ببينة تقوم عليه رجلان أو رجل
وامرأتان أو أربع نسوة بأنها ألقت هذا أو ألقت جنينا فإن شهدوا أنها ألقت شيئا ولم يثبتوا الشئ
وجاءت بجنين فقالت هذا هو وأنكر أن يكون الذي ألقت فالقول قول الجاني عليها مع يمينه، وكذلك
لو ألقته فدفنته ولم تثبته الشهود جنينا بأن يتبين فيه خلق آدمي ولم تختلف رواية من روى عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه لم يسأل عن الجنين ذكر هو أو أنثى فإذا ألقته المرأة ميتا فسواء ذكران الأجنة وإناثهم
115

في أن في كل واحد منهم غرة عبد أو أمة وفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين بغرة
دليل على أن الحكم في الجنين غير الحكم في أمه وإذا ألقت المرأة جنينا ميتا وعاشت أمه فدية الجنين
موروثة كما يورث لو ألقته حيا ثم مات يرثه أبواه معا أو أمه إن لم يكن له أب (1) حرها من ورثه معها
وإن لم يخرج إلا من الضرب الذي سقط به الجنين فلا شئ لها في الضرب لأن الألم وإن وقع عليها
فالتلف وقع على جنينها في جوفها وإن جرحها جرحا له أرش أو فيه حكومة فلها أرش الجراح والحكومة
فيه دون ما في الجنين لأنها جناية عليها، ودية الجنين موروثة لها ولأبيه أو ورثته إن لم يكن أبوه حيا معها
(قال) وبهذا قلنا إذا ألقت المرأة أجنة موتى قبل موتها وبعده فذلك كله سواء وفي كل جنين منهم غرة
ولها ميراثها مما ألقته وهي حية وما ألقته بعد الموت لم ترثه لأنه لم يخرج وهي ترثه ولم يرثها لأنه لم يخرج
حيا فيرثها وإنما يرث الاحياء وإذا ألقت جنينين يجمعهما شئ من خلقة الانسان لم يلزم عاقلته إلا دية
جنين واحد وذلك أن تلقى بدنين مفترقين في رأس واحد أو في رقبتين مفترقتي الصدرين واليدين
ويجمعهما رجلان أو أربعة أرجل إلا أنهما لا يفرقا بأن خلقا في الجلدة العليا أو فيها أو في أكثر منها
فإن خرجا في جلدة بطن فشقت عنهما وبقيا ببدنين متفرقين فهما جنينان فيهما غرتان ولو كانا ناقصين أو
أحدهما إذا بان في كل واحد منهما من خلقة الانسان شئ فهما جنينان إذا خلقا متفرقين وإذا ألقت
الجنين حيا ثم مات مكانه ففيه دية حر كاملة إن كان ذكرا فمائة من الإبل وإن كان أنثى فخمسون من
الإبل ولا تعرف حياة الجنين إلا برضاع أو استهلال أو نفس أو حركة لا تكون إلا حركة حي وإذا ألقته
فادعت حياته فالقول قول الجاني في أنها ألقته ميتا وعلى وارث الجنين البينة فإن أقر الجاني على الجنين
أنه خرج حيا وأنكرت عاقلته خروجه حيا وأقرت بخروجه ميتا قامت بينة بخروجه ولم تثبت له موتا ولا
حياة ضمنت العاقلة دية الجنين ميتا وضمن الجاني تمام دية نفس حية إن كان ذكرا ضمن تسعة أعشار
ونصف عشر دية رجل وذلك خمس وتسعون من الإبل فإذا كان أنثى فتسعة أعشار دية أنثى وذلك
خمس وأربعون من الإبل (قال) وإن قامت بينة أنه خرج حيا وبينة أنه سقط ميتا فالقول قوله البينة
التي شهدت على الحياة لأن الحية قد تكون فلا يعلمها شهود حاضرون ويعلمها آخرون فيشهدون على
أنه خرج ميتا بأنهم رأوه خارجا لم يعلموا حياته، ولو كانت البينة قامت على الجاني بإقراره بأنه خرج
حيا وقامت أخرى بأنه قال خرج ميتا وليس هذا ولا الباب قبله تضادا في الشهادة يسقط به كلها
(قال) وإذا ألقت جنينين أحدهما قبل الآخر أو معا فشهد الشهود على أنهم سمعوا لاحد الجنينين صوتا أو
رأوا له حركة حياة ولم يثبتوا أيهما كان الحي قبلت شهاداتهم ولزم عاقلة الجاني دية جنين حي ودية جنين
ميت فإن كانا ذكرين لزمت العاقلة في الحي دية نفس رجل وإن كانتا أنثيين لزمت العاقلة دية أنثى
وإن كانا ذكرا وأنثى لزمت العاقلة دية أنثى لأنها اليقين ولم أعط وارث الجنين الفضل بين دية المرأة
والرجل بالشك (قال) وإن أقر الجاني أن الذي خرج حيا ذكر أعطت العاقلة دية أنثى والجاني تمام
دية رجل وهو نصف دية رجل خمسين من الإبل ويلزم العاقلة دية جنين غرة مع دية الحي، ولو
ضرب رجل بطن امرأة فألقت جنينا ميتا ثم ماتت وألقت بعد الموت جنينا حيا ثم مات ورثت المرأة

(1) قوله: حرها كذا في النسخ ولعلها محرفة والأصل " ترثه مع من الخ " وانظر.
(2) قوله: إلا إنها الخ كذا في النسخ وهي محرفة في هذا المقام تحريفا شديدا فحرر وتثبت ولا تعول على كل ما
تجده والله المستعان: كتبه مصححه.
116

الجنين الذي خرج قبل موتها وورثها الجنين الذي خرج حيا بعد موتها وورثه بعد موته ورثته غيرها لأنها
لم ترثه، ولو ألقت جنينا حيا ثم ماتت ومات فاختلف ورثتها وورثة الجنين فقال ورثة الجنين ماتت قبل
موت الجنين فورثها وقال ورثتها ماتت بعد الجنين فورثته لم يرث واحد منهما صاحبه وكانوا كالقوم يموتون
لا يدرى أيهم مات أولا ويرثهم ورثهم الاحياء بعد يمين كل واحد من الفريقين على دعوى صاحبه
(قال) وإذا ألقت المرأة جنينا حيا ثم جنى عليه رجل فقتله فعليه القود وليس على الجاني عليه حين
أجهضت أمه دية جنين وفيه حكومة لامه خاصة بقدر الألم عليها في الاجهاض الذي هو شبيه بالجرح
(قال) ولو قتله الجاني عليه عمدا أو جرح أمه جرحا لا أرش له كان عليه القود وفي ماله حكومة لامه
ولو قتله خطأ كانت دية النفس على عاقلته وكذلك أمه إن كانت هي القاتلة خطأ فديته على عاقلتها وإن
كانت قتلته عمدا فديته في مالها وكذلك أبوه وآباؤه وأمهاته لأنه لا يقاد ولد من والد ولا يرث الجنين
واحد من القاتلين قتله عمدا أو خطأ وسواء في أن دية الجنين دية نفس حية إذا عرف حياة الجنين
خرج لتمام أو أجهض قبل التمام (قال) والمرأة التي قضى النبي صلى الله عليه وسلم بدية الجنين على
عاقلتها عمدت ضرب المرأة بعمود بيتها فإذا جنى الرجل أو المرأة على حامل فأجهضت جنينا ميتا أو حيا
فمات وكانت جنايته بسيف أو بما يكون بمثله القود فلا قود في الجنين وإن خلص ألم الجناية إلى الجنين
فأجهضته فجنايته في غير حكم العمد المقصود به قصد من يقاد لا حائل دونه وإذا ماتت المرأة فلها
القود وإن أراد ورثتها الدية ففي مال الجاني إذا كان ضربها بما يقاد من مثله وإن كان لا يقاد من مثله
فعلى عاقلة الجاني الدية لأن هذا يشبه الخطأ العمد الذي حكم فيه النبي صلى الله عليه وسلم وسواء فيما
وصفت من أنه لا يقاد من الجاني على أم الجنين ليجهض الجنين حيا ثم يموت الجنين عمد بطنها أو
فرجها أو ظهرها بضرب ليقتل ولدها أو أرادهما عمدا لأن وقع الجناية بالام دون الجنين.
جنين المرأة الحرة
(قال الشافعي) وإذا جنى رجل على امرأة عمدا أو خطأ فألقت جنينا ميتا فعلى عاقلته غرة عبد أو
أمة يؤدون أيهما شاءوا من أي جنس شاءوا وليس لهم أن يؤدوا ما فيه عيب يرد منه لو بيع ولا خصيا
لأنه ناقص عن غرة وإن زاد ثمنه بالخصاء ولان النبي صلى الله عليه وسلم حكم بالغرة من عبد أو أمة
ولا خصيان نعلمهم ببلاده ولهم أن يؤدوا الغرة مستغنية بنت سبع سنين أو ثمان ولا يؤدونها في سن دون
هذا السن لأنها لا تستغنى بنفسها دون هذه السن ولا يخير المولود بين الأبوين إلا في هذه السن ولا
يفرق بين الأمة وولدها في البيع لأنها صغيرة إلا بهذه السن وقيمته الغرة نصف عشر دية الرجل المسلم
وذلك في العمد وعمد الخطأ قيمة خمس من الإبل خمساها وهو بعيران قيمة خلفتين أقل الخلفات
وثلاثة أخماسها وهو قيمة ثلاث جذاع وحقاق نصفين من إبل عاقلة الجاني فإن لم تكن لهم إبل فمن إبل
بلده أو أقرب البلدان منه وإذا كانت جناية الرجل على جنين المرأة ورمى غير أمه فأصاب أمه فدية
الجنين على عاقلته غرة تؤدى عاقلته أي غرة شاءوا غير ما وصفت أن ليس لهم أداؤه وقيمتها نصف عشر
دية رجل من ديات الخطأ (قال) وهذا هكذا في جنين الأمة المسلمة أو الكتابية من سيدها يجنى عليها
الحربي الذي له أمان وجنين الذمية يجنى عليها من المسلم الحر وفي رقبة العبد إذا جنى عليه بعض أجنة
من سميت لا يختلف في الخطأ والعمد (قال) فيؤدى في الخطأ على أم الجنين غرة قيمتها قيمة خمس
117

من الإبل أخماس قيمة بنت مخاض وقيمة بنت لبون وقيمة ابن لبون ذكر وقيمة حقة وقيمة جذعة
وليس لهم أن يؤدوا غرة هرمة ولا ضعيفة عن العمل لأن أكثر ما يراد له الرقيق العمل وإنما يحكم
للناس بما ينتفعون به لا بما لا ينفعهم ضعيفه وإذا منعت من أن تؤدى غرة معيبة عيبا يضر بالعمل
فالعيب بالكبر أكبر من كثير من العيوب التي ترد بها وإذا جنى الرجل على جنين فخرج حيا ثم مات
فقال مات من حادث كان بعد الجناية من غيري قال ورثته مات من الجناية فإن كان مات مكانه موتا
يعلم في الظاهر أنه لا يكون إلا من الجناية ففيه دية نفس حية على عاقلته وإن قيل قد عاش مدة وإن
قلت قد يمكن أن يكون مات من غير الجناية فالقول قول الجاني وعاقلته وعلى ورثة الجنين البينة أنه
مات من الجناية وأقبل على موته ما أقبل على أنه ولد فأقبل أربع نسوة ورجلا وامرأتين إذا كانوا عدولا
ولا أقبل فيهم وارثا له (قال الربيع) وفيه قول آخر إني لا أقبل عليه إلا شاهدين عدلين لأنه في موضع
يجوز للرجال النظر إليه إذا أمكنهم أن يخرجوه حيا بعد ما يولد فأما إذا لم يمكنهم ان يخرجوه لسرعة
موته قبلت عليه شهادة أربع نسوة فيشهدن على موته بعد الحياة (قال الشافعي) وإذا أجهض الجنين
حيا حياة لم تتم لجنين أجهض في مثلها حياة قط كأن أجهض لأقل من ستة أشهر ثم مات ففيه دية حر
تامة وإن أجهض في حال يتم فيه لاحد من الأجنة حياة بحال فهو كالمسألة قبلها وإذا خرج حيا لستة
أشهر فصاعدا فقتله رجل عمدا فعليه القود كيف خرج إذا عرفت حياته وإن كان ضعيفا مفرطا وإن
خرج لأقل من ستة أشهر فقتله إنسان عمدا فأراد ورثته القود فإن كان مثله يعيش اليومين والثلاثة أو
اليوم ففيه القود وإذا شهد رجال أنه جنى على امرأة فألقت جنينا ولم يثبتوا أحيا أم ميتا فقال الجاني
ألقته ميتا وغيبته فالقول قوله مع يمينه ولو أقر هو بأنه خرج ميتا أو حيا فمات لزمه في ماله دون عاقلته
لأن هذا اعتراف إذا لم تصدقه عاقلته ولم تكن بينة ولو جنى جان على امرأة فقالت ألقيت جنينا وقال
الجاني لم تلق شيئا فالقول قوله وكذلك لو جاءت بجنين مكانها ميتا كان القول قوله لأنه قد يمكن أن
تأتى بجنين غيرها ولو خرج الجنين حيا فقتله غير الجاني على أمه عمدا قتل به ولم يكن على الجاني على
أمه شئ ولو قتله الجاني على أمه عمدا فعليه القصاص أو الدية في ماله إن شاء الورثة وحكومة في ماله
بجرح إن أصاب أمه لا أرش له معلوم لامه دون ورثة الجنين وإذا جنى على المرأة فألقت مكانها جنينا
ميتا فعلى عاقلة الجاني ديته ولا يصدق ولا يصدقون أن إجهاضها بغير جناية لأن الظاهر أن هذا من
جنايته ولو كانت تطلق فجنى عليها لألقت جنينا ميتا فقال ألقته من غير جنايتي لزم عاقلته دية الجنين كما
لو كان مريضا في السياق فقتله رجل لزمه عمدا كان أو خطأ لأنه قد يعيش وإن ظن أنه يموت
وكذلك المرأة تطلق ثم يذهب الطلق عنها فتقيم أياما لا تلد ولو كانت تطلق فجنى عليها فألقت جنينا
حيا ثم مات مكانه فقال لم تلقه من جنايتي وقالت أسقطته من جنايتك فالقول قولها وضمنت عاقلته
دية الجنين حيا ذكرا كان أو أنثى وإذا جنى الرجل على المرأة والقوابل عندها أو لسن عندها وهي ترى
تطلق أو لا تطلق والحبل بها ظاهر فماتت وسكنت حركة ما في بطنها ضمن الام ولم يضمن الجنين من
قبل أنى على غير إحاطة به أنه جنين مات بجنايته ولو خرج منها شئ يبين فيه خلق إنسان من رأس أو يد
أو رجل أو غيره ثم ماتت أم الجنين ولم تخرج بقية الجنين ضمن الام والجنين لأني قد علمت أنه جنى
على جنين في بطنها بخروج بعضه ولا فرق بين خروج بعضه وكله في علمي بأنه جنى على جنين ألا
ترى أنها لو ألقت كالمضغة يبين فيها شئ من خلق الانسان ضمنته جنايته على جنين كامل ويضمن متى
خرج منها شئ يبين به أنه جنى على جنين قبل موتها أو بعده ولو خرج من فرج امرأة رأسا جنينين أو
118

أربعة أيد لجنينين ولم يخرج ما بقي منهما أغرمته جناية على جنين واحد لأني لا أدرى لعله يجمع الرأسين
شئ من خلقة الانسان فيكونان فيما يلزمه كجنين واحد لأن ذلك يمكن فيهما وإذا قضيت بدية
في جنين خرج حيا ثم مات أو خرج ميتا فعلى الجاني عليه عتق رقبة مؤمنة (قال) وإذا جنى على امرأة
فخرج منها بدنان في رأس أو جمع جنينين شئ واحد من خلقة آدمي فاللازم له فيه عتق رقبة
والاحتياط أن يعتق اثنين وكذلك لو خرج رأسان من فرج امرأة ثم ماتت ولم يتتام خروجهما فيعرفان لم
أقض فيهما إلا بدية جنين واحد ولزم الجاني عتق رقبه وكان أن يعتق رقبتين في هذا المعنى أو كد عليه
لأن الأغلب أن الرأسين من بدنين مفترقين ما لم يعلم اجتماعهما بمعاينته ولو اضطرب شئ في بطن أمه
فماتت أحببت للجاني ان لا يدع أن يعتق ويحتاط فيعتق رقبتين أو ثلاثا ولا يبين أن يلزمه شئ لأنه لم
يعلمه ولدا وإذا ماتت الام وجنينها أعتق بموت الام رقبة وبموت جنينها أخرى.
جنين الذمية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان الذميان الزوجان الحران على دين واحد فجنى على جنين
امرأة منهم زوجها على دينها فخرج ميتا فديته عشر دية أمه وإن كانا مختلفي الدين فحكمه لأكثرهما
دية أجعل ديته أبدا لخير أبويه وأجعل ديته بحكم المسلم من أبويه إن كان منهما مسلم مثل أن تكون
ذمية عند مسلم فتكون دية جنين مسلم، ومثل أن تكون المسلمة أسلمت عند ذمي فتجعل دية جنينها
دية جنين مسلمة، ومثل أن تكون أمة توطأ بملك سيدها فتكون دية جنينها نصف عشر دية أبيه لأن
الجنين حر بحرية أبيه ولا يكون ملكا لأبيه، ولو كان أبوه مملوكا أو مكاتبا وطئ أمة له فجنى على
جنينه من أمة له قبل عتق أبيه كان فيه عشر قيمة أمه لأنه مملوك لافضل في الحكم في الدية لأبيه على
أمه بالحرية. وهكذا لو كانت مجوسية أو وثنية عند نصراني جعلت في جنينها ما في جنين النصرانية
تحت النصراني لما وصفت وسواء جنى على جنين الذمية مسلم أو ذمي أو حربي يحكم على عاقلته بديته
إن كانت عاقلته ممن يجرى عليه الحكم وإلا حكم بديته في مال الجاني (قال) وهكذا جنين الأمة
الكافرة يطؤها سيدها بملك أو ينكحها مسلم ولا يعلم أنها مملوكة وتقول إنها حرة ففيه دية جنين حرة
مسلمة، ولو أن ذمية حملت فجنى عليها جان فألقت جنينا ميتا فقالت هو من زنا بمسلم كانت فيه دية
جنين نصرانية عشر دية أمه لأنه لا يلحق بالزنا نسبه ولو جنى رجل على نصرانية فألقت جنينا ميتا
فقالت كان أبوه مسلما وقال الجاني كان ذميا أو لا نعرف له أبا لزمه جنين نصرانية ويحلف ما كان أبوه
مسلما (قال) ولو اشترك مسلم وذمي في ظهر حرة بنكاح شبة فجنى رجل على ما في بطنها فألقت جنينا
ميتا جعلت على القاتل جنين ذمية من ذمي فإن الحق الجنين بمسلم أنممت عليه جنين حرة مسلمة وإن
هو أشكل فلم يبن لأيهما هو لم أجعل عليه إلا الأقل حتى أعرف الأكثر.
جنين الأمة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى والأمة المكاتبة والمدبرة والمعتقة إلى اجل وغير المعتقة سواء أجنتهن
أجنة إماء إذا لم تكن أجنتهن أحرارا بما وصفت من أن يطأ واحدة منهن مالك لها حر أو زوج حر غرته
119

بأنها حرة ففي جنين كل واحدة منهن إذا خرج ميتا عشر قيمة أمه يوم جنى عليها (قال) وإنما قلت
هذان لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في قضائه دلالة على أن لا يفرق بين الذكر والأنثى من
الأجنة لم يجز أن يفرق بين الجناية على الجنين الذكر والأنثى من المماليك ولا يجوز أن يتفق الحكم فيهما
بحال إلا بأن يكون في كل واحد منهما عشر قيمة أمه ومن قال في جنين الأمة إذا كان ذكرا نصف
عشر قيمته لو كان حيا وإذا كان أنثى عشر قيمتها لو كانت حية فقد فرق بين ما جمع بينه رسول الله
صلى الله عليه وسلم (قال) وإذا جنى على الأمة فألقت جنينا حيا ثم مات من الاجهاض ففيه قيمته
ذكرا كان أو أنثى كما يقتل فيكون فيه قيمته بالغة ما بلغت.
جنين الأمة تعتق والذمية تسلم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا جنى الرجل على الأمة الحامل جناية فلم تلق جنينها حتى
عتقت أو على الذمية جناية فلم تلق جنينها حتى أسلمت ففي جنينها ما في جنين حرة مسلمة لأن الجناية
عليها كانت وهي ممنوعة فيضمن الأكثر مما في جنايته عليها وإذا ضرب الرجل المرأة فأقامت يوما أو
يومين ثم ألقت جنينا فقالت ألقيته من الضربة وقال لم تلقه منها فالقول قوله مع يمينه وعليها البينة أنها لم
تزل ضمنة من الضربة أو لم تزل تجد الألم من الضربة حتى ألقت الجنين فإذا جاءت بهذا ألزمت عاقلته
عقل الجنين وإذا ضربها فأقامت على ذلك لا تجد شيئا ثم ألقت جنينا لم يضمنه لأنها قد تلقيه بلا جناية
وإنما يكون جانيا عليه إذا لم ينفصل عنها ألم الجناية حتى تلقيه ولو أقامت بذلك أياما وإذا كانت الأمة
بين اثنين فجنى عليها أحدهما ثم أعتقها ثم ألقت من الجناية جنينا فإن كان موسرا لأداء قيمتها ضمن
جنين حرة وكانت مولاته وكان لشريكه فيها نصف قيمة الام ولا شئ له في الجنين لأنه ليس له ولاؤه
وورثت أمه ثلث ديته وقرابة مولاه الذي جنى عليه الثلثين إن لم يكن له نسب يرثه ولا يرث منه المولى
شيئا لأنه قاتل وكذلك الرجل يجنى على جنين امرأته تضمن عاقلته ديته وترث أمه الثلث (1) وإخوته ما
بقي فإن لم يكن له إخوة فقرابة أبيه ولا يرثه أبوه لأنه قاتل وإذا ألقت الجنين وهو معسر فلشريكه
نصف عشر قيمة أمة لأنه جنين أمة وإذا جنى الرجل على أمة فألقت جنينا ثم عتقت فألقت جنينا ثانيا
ففي الأول عشر قيمة أمة لسيدها وفي الآخر ما في جنين حر يرثه ورثته معها.
حلول الدية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فالقتل ثلاثة وجوه عمد محض وعمد خطأ، وخطأ محض،
فأما الخطأ فلا اختلاف بين أحد علمته في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيه بالدية في ثلاث
سنين (قال) وذلك في مضى ثلاث سنين من يوم مات القتيل فإذا مات القتيل ومضت سنة حل ثلث
الدية ثم إذا مضت سنة ثانية حل الثلث الثاني ثم إذا مضت سنة ثالثة حل الثلث الثالث ولا ينظر في

قوله وترث أمه الثلث الخ لعل الثلث محرف عن السدس أو سقط شئ من العبارة فانظر. كتبه مصححه.
120

ذلك إلى يوم يحكم الحاكم ولا إبطاء ببينة إن لم تثبت زمانا ولو لم يثبت إلا بعد سنتين من يوم القتيل
أخذوا مكانهم بثلثي الدية لأنها قد حلت عليهم (قال) والذي أحفظ عن جماعة من أهل العلم أنهم
قالوا في الخطأ العمد هكذا وذلك أنهما معا من الخطأ الذي لا قصاص فيه بحال فأما العمد إذا قبلت
فيه الدية وعفى عن القتل فالدية كلها في حالة في مال القاتل وكذلك العمد الذي لا قود فيه مثل أن يقتل
الرجل ابنه المسلم أو غير المسلم عمدا وهكذا صنع عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه في ابن قتادة
المدلجي أخذ منه الدية في مقام واحد والدية في العمد في مال الجاني وفي الخطأ المحض والخطأ العمد
على العاقلة في مضى ثلاث سنين كما وصفت وما لزم العاقلة من دية جرح وكان الثلث فما دونه فعليها أن
تؤديه في مضى سنة من يوم جرح المجروح فإن كان أكثر من الثلث فعليها أن تؤدى الثلث في مضى سنة
وما زاد على الثلث مما قل أو كثر أدته في المجروح فإن كان أكثر من الثلث فعليها أن تؤدى الثلث في
وما زاد على الثلث مما قل أو كثر أدته في مضى السنة الثانية إلى الثلثين فما جاوز الثلثين فهو في مضى
السنة الثالثة وهذا معنى السنة وما لم يختلف الناس فيه في أصل الدية.
أسنان الإبل في العمد وشبه العمد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى نص السنة في قتل العمد الخطأ مائة من الإبل منها أربعون خلفة
في بطونها أولادها والخلفة هي الحامل من الإبل وقلما تحمل الأثنية فصاعدا فأي ناقة من إبل العاقلة
حملت فهي خلقة وهي تجزى في الدية ما لم تكن معيبة (قال) ولا يجزى في الأربعين إلا الخلفة وإذا
رآها أهل العلم فقالوا هذه خلفة ثنية أجزأت في الدية وجبر من له الدية على قبولها فإن أزلقت قبل
تقبض لم تجز لأنها لم تدفع خلفة فإن أجهضت بعدما تقبض فقد أجزأت وإن دفعت وأهل العلم يقولون
هي خلفة ثم علم أنها غير خلفة فلاهل القتيل ردها وأخذهم بخلفة غيرها وإن غاب أهل القتيل عليها
فقالوا لم تكن خلفة فالقول قولهم مع ايمانهم لأنه لم يعلم أنها خلفة إلا بالظاهر (قال الربيع) وهذا
عندي إذا قبضوها بغير رؤية أهل العلم (قال الشافعي) وإذا قالوا في البدن ليست خلفة فقال أهل
العلم هي خلفة ألزموها حتى يعلم أنها ليست خلفة والستون التي مع الأربعين الخلفة ثلاثون حقة وثلاثون
جذعة وقد روى هذا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول عدد ممن لقيت من أهل
العلم المفتين أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قلت لعطاء (1) تغليظ الإبل فقال مائة من الإبل من
الأصناف كلها من كل صنف ثلثه (قال الشافعي) والتغليظ كما قال عطاء فيؤخذ في مضى كل سنة
ثلاث عشرة وثلث خلفة وعشر جذاع وعشر حقاق ويجبر على أن يعطيه ثلث ناقة يكون شريكا له بها لا
يجبر على قيمة إن كان يجد الإبل. ومثل هذا أسنان دية العمد إذا زال فيه القصاص بأن لا يكون على
القاتل قصاص وذلك مثل الرجل يقتل ابنه أو يقتل وهو مغلوب على عقله بغير سكر أو صبي. وهكذا
أسنان الدية المغلظة في الشهر الحرام وذي الرحم ومن غلظت فيه الدية لا يزاد على هذا في عدد الإبل
إنما الزيادة في أسنانها ودية العمد حالة كلها في مال القاتل.

(1) قوله: قلت لعطاء تغليظ الإبل الخ هكذا في النسخ ولعل في الكلام سقطا.
121

سنان الإبل في الخطأ
(قال الشافعي) رحمه الله وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل العمد الخطأ مغلظة منها
أربعون خلفة في بعضها أولادها ففي ذلك دليل على أن دية الخطأ الذي لا يخلطه عمد مخالفة هذه
الدية وقد اختلف الناس فيها فألزم القاتل عدد مائة من الإبل بالسنة ثم ما لم يختلفوا فيه ولا ألزمه من
أسنان الإبل إلا أقل ما قالوا يلزمه لأنه اسم الإبل يلزم الصغار والكبار فدية الخطأ أخماس - عشرون
بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون ذكر وعشرون حقة وعشرون جذعة. أخبرنا مالك
عن ابن شهاب وربيعة وبلغه عن سليمان بن يسار أنهم كانوا يقولون دية الخطأ عشرون بنت مخاض
وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون ذكر وعشرون حقة وعشرون جذعة.
في تغليظ الدية
(قال الشافعي) رحمه الله وتغليظ الدية (1) في العدم والعدم الخطأ والقتل في الشهر الحرام
والبلد الحرام وقتل ذي الرحم كما تقدم في العمد غير الخطأ لا تختلف ولا تغلظ فيما سوى هؤلاء. وإذا
أصاب ذا رحم في الشهر الحرام والبلد الحرام وهي مكة دون البلدان لم يزد في التغليظ على ما وصفت
قليل التغليظ وكثيره في الدية سواء فإذا قومت الدية المغلظة قومت على ما يجب من تغليظها (قال)
وتغلظ في الجراح دون النفس صغيرها وكبيرها بقدرها في السن كما تغلظ في النفس فلو شج رجل
رجلا موضحة عمدا فأراد المشجوج الدية أخذ من الشاج خلفتين وجذعة ونصف جذعة وحقة ونصف
حقة. فإن قيل: كيف يكون نصف حقة؟ قلت يكون شريكا فيها على نصفها وللجاني النصف كما
يكون البعير بينهما وهذا هكذا فيما دون الموضحة مما له أرش باجتهاد لا يختلف فلو شجه هاشمة كانت
له فيها عشر من الإبل أربع خلفات وثلاث حقاق وثلاث جذاع، ولو شجه منقلة كانت له فيها خمس
خمس عشرة ست خلفات وأربع جذاع ونصف وأربع حقاق ونصف، ولو فقأ عينه كانت له خمسون
من الإبل عشرون خلفة وخمس عشرة جذعة وخمس عشر حقة، وإذا وجبت له الدية خطأ فكان
أرش شجة موضحة أخذت منه على حساب أصل الدية كما وصفت في العمد فتؤخذ في الموضحة
خمس من الإبل بنت مخاض وبنت لبون وابن لبون ذكر وحقة وجذعة.
أي الإبل على العاقلة؟
(قال الشافعي) رحمه الله: قد حفظت عن عدد من أهل العلم أنهم قالوا لا يكلف أحد غير إبله
ولا يقبل منه دونها كان مذهبهم أن إبله إن كانت حجازية لم يكلف ما هو خير منها وإن كانت مهرية لم
يؤخذ منه ما هو شر منها ثم هكذا ما كان بين الحجازية والمهرية من مرتفع الإبل ومنخفضها وبهذا

(1) قوله: في العمد والعمد الخطأ إلى قوله كما تقدم في العمد غير الخطأ، هكذا في النسخ، وانظر. كتبه
مصححه.
122

أقول. وهكذا إن كانت إبله عوادي أو أوراك أو خميصة، وإذا كان ببلد ولا إبل له كلف إبل أهل
ذلك البلد فإن لم يكن لأهل ذلك البلد إبل كلف إبل أقرب البلدان به مما يليه ويجبر على أن يؤدى
الإبل بكل حال لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى عليه بها فإذا كانت موجودة بحال كلفها كما
يكلف ما سواها من الحقوق التي تلزمه إذا وجدت وإذا سأل الذي له الدية غير الإبل أو سألها الذي
عليه الدية لم يكن ذلك لواحد منهما ويجبران على الإبل إلا أن يجتمعا على الرضا بغير الإبل فيجوز لهما
صرفها إلى ما تراضيا به كما يجوز صرف الحقوق إلى ما يتراضيان عليه. فإن كانت إبل الجاني وإبل
عاقلته هي مباينة لابل غيرهم فإن أتت عليها السنة فتبقى عجافا أو مرضى أو جربا فإذا كان هكذا قيل
للجاني إن أديت إليه إبلا صحاحا شروى إبلك أو خيرا منها جبر على قبولها منك وأنت متطوع بالفضل
عن إبلك وإبل عاقلتك وإن أردت أن تؤدى شرا من إبلك وإبل عاقلتك لم يكن لك ولا لهم أن تؤدوا
إلا شرواها ما كانت موجودة فإن لم توجد قيل أدقيم صحاح غير معيبة مثل إبلك وإذا حكمنا عليه
بالقيمة حكمنا بها على الأغلب من نقد البلد الذي به الجاني إن كان دراهم فدراهم وإن كان دنانير
فدنانير ولم يحكم بقيمة نجم منها إلا بعدما يحل على صاحبه فإذا قومناه أخذناه به مكانه فإن أعسر به أو
مطل حتى يجد إبلا دفع الإبل وأبطلت القيمة فإذا حل نجم آخر قومت الإبل قيمة يومها.
إعواز الإبل
(قال الشافعي) رحمه الله: وعام في أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض الدية مائة
من الإبل ثم قومها عمر رضي الله عنه على أهل الذهب والورق فالعلم محيط إن شاء الله تعالى أن عمر لا
يقومها إلا قيمة يومها ولعله قوم الدية الحالة كلها في العمد، وإذا قومها عمر قيمة يومها فاتباعه أن
تقوم كلما وجبت على إنسان قيمة يومها كما لو قومت إبل رجل أتلفها رجل شيئا ثم أتلف آخر بعدها
مثلها قومت بسوق يومها ولو قومت سرقة ليقطع صاحبها شيئا ثم سرق بعدها آخر مثلها قومت كل
واحدة منهما قيمة يومها ولعل عمر أن لا يكون قومها إلا في حين وبلد هكذا قيمتها فيه حين أعوزت
ولا يكون قومها إلا برضا من الجاني وولى الجناية كما يقوم ما أعوز من الحقوق اللازمة غيرها وما تراضى
به من له الحق وعليه. أخبرنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن أيوب بن موسى عن ابن شهاب
ومكحول وعطاء. قالوا أدركنا الناس على أن دية الرجل المسلم الحر على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم مائة من الإبل فقوم عمر رضي الله عنه على أهل القرى ألف دينار أو اثنى عشر ألف درهم فإن
كان الذي أصابه من الاعراب فديته مائة من الإبل لا يكلف الاعرابي الذهب ولا الورق (قال) وهذا
يدل على ما وصفت من أن عمر لم يقوم الدية على من يجد الإبل ولم يقومها إلا عند الاعواز ألا ترى أنه
لا يكلف الاعرابي ذهبا ولا ورقا لوجود الإبل وأخذ الذهب والرق من القروي لاعواز الإبل فيما
أرى - والله أعلم - أن الحق لا يختلف في الدية. أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب
قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الإبل على أهل القرى أربعمائة دينار وعدلها من الورق
ويقسمها على أثمان الإبل فإذا غلت رفع في قيمتها وإذا هانت نقص من قيمتها على أهل القرى والثمن
ما كان. أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال قضى أبو بكر رضي الله عنه على أهل
القرى حين كثر المال وغلت الإبل فأقام مائة من الإبل بستمائة دينار إلى ثمانمائة دينار أخبرنا مسلم بن
123

خالد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول على الناس أجمعين أهل القرى وأهل
البادية مائة من الإبل حتى كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقوم الإبل بعشرين ومائة كل بعير فإن
شاء القروي أعطى مائة ناقة ولم يعط ذهبا كذلك الأمر الأول (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ فتؤخذ
الإبل ما وجدت وتقوم عند الاعواز على ما وصفت لأن من لزمه شئ لم يقوم عليه وهو يوجد مثله ألا
ترى أن من لزمه صنف من العروض لم يؤخذ منه إلا هو فإن أعوز ما لزمه من الصنف أخذت قيمته يوم
يلزم صاحبه. وقد يحتمل تقويم الإبل أن يكون أعوز من عليه الدية فقومت عليه أو كانت موجودة
عند غيره ببلده فقومت والأول أشبه والله أعلم. وما روى مما وصفت من تقويم من قوم الدية والله
أعلم على ما ذهبت إليه (قال) والدية لا تقوم إلا بالدنانير والدراهم كما لا يقوم غيرها إلا بهما. ولو
جاز أن نقومها بغيرها جعلنا على أهل البقر البقر وعلى أهل الشاة الشاة فقد روى هذا عن عمر كما رويت
عنه قيمة الدنانير والدراهم. وجعلنا على أهل الطعام الطعام وعلى الخيل الخيل وعلى أهل الحلل الحلل
بقيمة الإبل ولكن الأصل كما وصفت الإبل فإذا أعوز فالقيمة قيمة ما لا يوجد مما وجب على صاحبه
وليس ذلك إلا من الدنانير والدراهم (قال) وإن وجدت العاقلة بعض الإبل أخذ منها ما وجد وقيمة
ما لم تجد إذا لم تجد الوفاء منه بحال. وإنما تقوم إبل من وجبت عليه الدية إن كانت الجناية مما تعقلها
العاقلة قومت إبلها وإن كنت مما يعقلها الجاني قومت إبله إن اختلفت إبله وإبل العاقلة.
العيب في الإبل
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا يكون للذي عليه الدية أن يعطى فيها بعيرا معيبا عيبا يرد من مثل
ذلك العيب في البيع لأنه إذا قضى عليه بشئ بصفة فبين أن ليس له أن يؤدى فيه معيبا كما يقضى
عليه بدينار فلا يكون له أن يؤديه معيبا. وكذلك الطعام يقضى به عليه وغيره لا يكون له أن يؤديه معيبا
(قال الشافعي) لم أعلم مخالفا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلة وهذا أكثر من
حديث الخاصة ولم أعلم مخالفا في أن العاقلة العصبة وهم القرابة من قبل الأب وقضى عمر بن
الخطاب على علي بن أبي طالب رضي الله عنهما بأن يعقل عن موالي صفية بنت عبد المطلب وقضى
للزبير بميراثهم لأنه ابنها (قال) وعلم العاقلة أن ينظر إلى القاتل والجاني ما دون القتل مما تحمله العاقلة من
الخطأ فإن كان له إخوة لأبيه حمل عليهم جنايتهم على ما تحمل العاقلة فإن احتملوا لم ترفع إلى بنى
جده وهم عمومته فإن لم يحتملوها رفعت إلى بنى جده فإن لم يحتملوها رفعت إلى بنى جد أبيه ثم هكذا
ترفع إذا عجز عنها أقاربه إلى أقرب الناس به ولا ترفع إلى بنى أب ودونهم أقرب منهم حتى يعجز عنها
من هو أقرب منهم كأن رجلا من بنى عبد مناف جنى فحملت جنايته بنو عبد مناف فلم تحملها بنو عبد
مناف فنرفع إلى بنى قصي فإن لم تحملها رفعت إلى بنى كلاب فإن لم تحملها رفعت إلى بنى مرة فإن لم
تحملها رفعت إلى بني لؤي فإن لم تحملها رفعت إلى بني غالب فإن لم تحملها رفعت إلى بني مالك فإن لم تحملها
رفعت إلى بني النضر فإن لم تحملها رفعت إلى بني كنانه كلها ثم هكذا حتى تنفد قرابته أو تحتمل الدية (قال)
ومن في الديوان ومن ليس فيه من العاقلة سواء قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على العاقلة ولا ديوان حتى
كان الديوان حين كثر المال في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
124

ما تحمل العاقلة من الدية ومن يحملها منهم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولم أعلم مخالفا في أن المرأة والصبي إذا كانا موسرين لا يحملان
من العقل شيئا وكذلك المعتوه عندي والله أعلم ولا يحمل العقل إلا حر بالغ ولا يحملها من البالغين فقير
فإذا قضى بها ورجل فقير فلم يحل نجم منها حتى أيسر أخذ بها وإن قضى بها وهو غين ثم حلت وهو فقير
طرحت عنه إنما ينظر إلى حاله وما يحل. وإنما ينبغي للحاكم أن يكتب إذا حكم إنها على من احتمل
من عاقلته يوم يحل كل نجم منها. فإن عقل رجل نجما ثم أفلس في الثاني ترك من أن يعقل ثم إن أيسر
في الثالث أخذ بذلك النجم وإن حل النجم وهو ممن يعقل ثم مات أخذ من ماله لأنه قد كان وجب
عليه بالحول واليسر والحياة. ولم أعلم مخالفا في أن لا يحمل أحد من الدية إلا قليلا وأرى على مذهبهم
أن يحمل من كثر ماله وشهر من العاقلة إذا قومت الدية نصف دينار ومن كان دونه ربع دينار ولا يزاد
على هذا ولا ينقص عن هذا يحملون إذا عقلوا الإبل على قدر هذا حتى يشترك النفر في بعير فيقبل منهم
إلا أن يتطوع أحد بأكثر فيؤخذ منه.
عقل الموالي
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا تعقل الموالي من أعلى وهم المعتقون عن رجل من الموالي
وللمعتقين قرابة تحتمل العقل. وإن كانت له قرابة تحتمل بعض العقل عقلت القرابة وإذا نفد عقل
الموالي المعتقون فإن عجزوا هم وعواقلهم عقل ما بقي جماعة المسلمين. وكذلك لا تعقل الموالي المعتقون
عن المولى المعتق وللمولى المعتق قرابة تحتمل العقل فإن كانت له قرابة تحتمل بعض العقل بدئ بهم فإن
عجزوا عقل عنه مولاه الذي أعتقه. ثم أقرب الناس إليه كما كما يعقلون عن مولاه الذي أعتقه لو جنى.
وهكذا إذا لم يكن لواحد من الجانين قرابة عقل عنه الموالي من أعلى وأسفل على ما وصفت وإن كان
للمولى المعتق موال من فوق وموال من أسفل لم يعقل عنه مواليه من أسفل وعقل عنه مواليه من فوق فإن
عجزوا ولم تكن لهم عاقلة عقل عنه مواليه من أسفل وإنما جعلت مواليه من فوق يعقلون عنه ومن فوقهم
من مواليهم لأنهم عصبة وأهل ميراثه من دون مواليه من أسفل ولم أجعل على الموالي من أسفل عقلا
بحال حتى لا يوجد نسب ولا موال من فوق بحال ثم يحملونه فإنه يعقل عنهم لا لأنهم ورثة. ولكنهم
يعقلون عنه كما يعقل عنهم (قال) والسائبة معتق كالمعتق غير السائبة.
عقل الحلفاء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يعقل الحليف بالحلف ولا يعقل عنه بحال إلا أن يكون
مضى بذلك خبر لازم ولا أعلمه. ولا يعقل العديد ولا يعقل عنه ولا يرث ولا يورث وإنما يعقل
بالنسب والولاء الذي هو نسب وميراث الحليف والعقل عنه منسوخ وإنما ثبت من الحلف أن تكون
الدعوة واليد واحدة لا غير ذلك.
125

عقل من لا يعرف نسبه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان الرجل أعجميا وكان نوبيا فجنى فلا عقل على أحد
من النوبة حتى يكونوا يثبتون أنسابهم إثبات أهل الاسلام ومن ثبت نسبه قضيت عليه بالعقل
بالنسب، فأما إن أثبتوا قراهم وكانوا يقولون إنما يكون في القرية أهل النسب لم أقض عليه بالعقل
بحال إلا بإثبات النسب وكذلك كل قبيلة أعجمية أو غيرها لم تثبت أنسابهم وكل من لم يثبت نسبه من
أعجمي أو لقيط أو غيره لم يكن له ولاء فعلى المسلمين ان يعقلوا عنه لما يجمع بينه وبينهم من ولاية
الدين وإنهم يأخذون ماله إذا مات ومن انتسب إلى نسب فهو منه إلا أن تثبت بينة قاطعة بما تقطع
البينة على الحقوق بخلاف ذلك ولا تقبل البينة على دفع نسب بالسماع وإذا حكمنا على أهل العهد
والمستأمنين في العقل حكمنا عليهم حكمنا على المسلمين يلزم ذلك عواقلهم الذين يجرى حكمنا عليهم فإذا
كانت عاقلة لا يجرى حكمنا عليها ألزمنا الجاني ذلك وما عجزت عنه عاقلة إن كانت له ألزمناه في ماله
دون غير عاقلته منهم ولا نقضي به على أهل دينه إذا لم يكونوا عصبة له لأنهم لا يرثونه ولا على المسلمين
لقطع الولاية بين المؤمنين والمشركين وأنهم لا يأخذون ماله على الميراث إنما يأخذونه فيئا.
أين تكون العاقلة؟
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والعاقلة النسب فإذا جنى الرجل بمكة وعاقلته بالشام فإن لم
يكن مضى خبر يلزم بخلاف القياس فالقياس أن يكتب حاكم مكة إلى حاكم الشام فيأخذ عاقلته
بالعقل ولا يحمله أقرب الناس إلى عاقلته بمكة بحال وله عاقلة بأبعد منها، وإن امتنعت عاقلته من أن
يجرى عليهم الحكم جوهدوا حتى يؤخذ منهم كما يجاهدون على كل حق لزمهم فإن لم يقدر عليهم لم
يؤخذ من غيرهم وكان كحق عليهم غلبوا عليه متى قدر عليهم أخذ منهم (قال) وقد قيل يحمله عاقلة
الرجل ببلده ثم أقرب العواقل بهم ولا ينتظر بالعقل غائب يقدم ولا رجل ببلد يؤخذ منه بكتاب والله
أعلم. وإن كانت العاقلة حاضرة فغاب منهم رجل يحتمل العقل أخذ من ماله ما يلزمه وإذا كانت
العاقلة كثيرا يحتمل العقل بعضهم على ما وصفت إن الرجل يحتمل من العقل ويفضل وكانوا حضورا
بالبلد وأموالهم فقد قيل يأخذ الوالي من بعضهم دون بعض لأن العقل لزم الكل وأحب إلى أن يفض
ذلك عليهم حتى يستووا فيه وإن قل كل ما يؤخذ من كل واحد منهم وإن كان من يحضر من العاقلة
يحتمل العقل ومنهم جماعة غيب عن البلد فقد قيل يؤخذ من الحضور دون الغيب عن البلد على المعنى
الذي وصفت في مثل المسألة التي قبلها. ومن ذهب إلى هذا قال الجناية من غير من تؤخذ منه وكل
يلزمه اسم عاقلة رأيهم أخذ منه فهو مفض عليه مما أخذ منه ولا يؤخذ حاضر بغائب غيره (قال) ولا أرد
الذي أخذت منه على من لم آخذ منه وهذا يشبه مذاهب كثيرة لأهل العلم والله تعالى أعلم ومن قال هذا
القول قال لو تغيب بعض العاقلة ولم يوجد له مال حاضر ثم أخذ العقل ممن بقي ثم حضر الغائب لم
يؤخذ منه شئ وقيل ذلك فيه لو كان حاضرا وامتنع من أن يؤدى العقل وإذا كانت إبل العاقلة مختلفة
أدى كل رجل منهم من إبله ويجبرون على أن يشترك النفر في البعير بقدر ما يلزمهم من العقل وإذا جنى
الحر على الحر خطأ فما لزمه من دية أو أرش جناية وإن قلت جعلتها على العاقلة. وإذا جنى الحر على
126

العبد خطأ ففيها قولان: أحدهما أن تحمله العاقلة عنه لأنها جناية حر على نفس محرمة. والثاني لا
تحمله العاقلة لأنه قيمة لا دية، وإذا جنى الحر جناية عمد لا قصاص فيها بحال مثل أن يقتل ذميا أو
وثنيا أو مستأمنا فالدية في ماله لا تضمن العاقلة منها، وكذلك إذا جنى رجل على رجل جائفة أو ما لا
قصاص فيه فهو في ماله دون عاقلته، وإذا جنى الصبي والمعتوه جناية خطأ ضمنتها العاقلة، وإن جنيا
عمدا فقد قيل تعقلها العاقلة كالخطأ في ثلاث سنين وقيل لا تعقلها العاقلة لأن النبي صلى الله عليه
وسلم إنما قضى أن تحمل العاقلة الخطأ في ثلاث سنين ويدخل هذا أنا إن قضينا به عمدا إلى ثلاث
سنين فإنما يقضى بدية العمد حالة وإن قضينا بها حالة فلم يقض على العاقلة بدية إلا في ثلاث سنين
ولا تعقل العاقلة جناية عمد بحال.
جماع الديات فيما دون النفس
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم وفي الانف إذا
أو عى جدعا مائة من الإبل وفي المأمومة ثلث النفس وفي الجائفة مثلها وفي العين خمسون وفي اليد
خمسون وفي الرجل خمسون وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل وفي السن خمس وفي الموضحة
خمس.
باب دية الأنف
(قال الشافعي) رحمه الله: وفيما قطع من المارن ففيه من الدية بحساب المارن إن قطع نصفه ففيه
النصف أو ثلثه ففيه الثلث (قال) ويحسب بقياس مارن الانف نفسه ولا يفضل واحدة من صفحتيه
على واحدة ولا روثته على شئ لو قطع من مؤخره ولا الحاجز من منخريه منه على ما سواه، وإن كان
أوعيت الروثة إلا الحاجز كان فيما أوعيت سوى الحاجز من الدية بحساب ما ذهب منه وإذا شق في
الانف شق ثم التأم ففيه حكومة فإذا شق فلم يلتئم فتبين انفراجه اعطى من دية المارن بقدر ما ذهب منه
وحكومة إن لم يذهب منه شئ (قال) وقد روى عن ابن طاوس عن أبيه قال عند أبي كتاب عن النبي
صلى الله عليه وسلم (وفي الانف إذا قطع المارن مائة من الإبل) (قال الشافعي) حديث ابن
طاوس في الانف أبين من حديث آل حزم ومعلوم أن الانف هو المارن لأنه غضروف يقدر على قطعه
بلا قطع لغيره وأما العظم فلا يقدر على قطعه إلا بمؤنة وضرر على غيره من قطع أو كسر أو ألم شديد
(قال الشافعي) ففي المارن الدية مذهب من لقيت أن في المارن الدية وإذا قطع بعض المارن فأبين
فأعاده المجني عليه أو غيره فالتأم ففيه عقل تام كما يكون لو لم يعد ولو لم يلتئم ولو قطعت منه قطعة فلم
توعب وتدلت فأعيدت فالتأمت كان فيها حكومة لأنها لم تجدع إنما الجدع القطع، وإذا ضرب الانف
فاستحشف حتى لا يتحرك غضروفه ولا الحاجز بين منخريه ولا يلتقى منخراه ففيه حكومة لا أرش
تام، ولو كانت الجناية عليه في هذا عمدا لم يكن فيه قود ولو خلق هكذا أو جنى عليه فصار هكذا،
ثم قطع كانت فيه حكومة أكثر من حكومته إذا استحشف وما أصابه من هذا الاستحشاف وبقى
127

بعضه دون بعض ففيه حكومة بقدر ما أصاب من الاستحشاف وإنما منعني أن أجعل استحشافه كشلل
اليد عن في اليد منفعة تعمل وليس في الانف أكثر من الجمال أو سد موضعه وأنه مجرى لما يخرج من
الرأس ويدخل فيه فكل ذلك قائم فيه وإن كان قد نقص الانضمام أن يكون عونا على ما يدخل الرأس
من السعوط ولم يجز أن يجعل فيه إذا استحشف ثم قطع الدية كاملة وقد جعلت في استحشافه حكومة
وهو ناقص بما وصفت.
الدية على المارن
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قطع من العظم المتصل بالمارن شئ من المارن كانت فيه
حكومة مع دية المارن وكذلك لو قطع دون المارن فصار جائفا وصار المارن منقطعا منه فإنما فيه
حكومة، وهكذا لو قطع معه من محاجز العينين والحاجبين والجبهة شئ لا يوضح كانت فيه حكومة،
ولو أوضح شئ مما قطع من جلده ولحمه كانت فيه موضحة أو هشم كانت فيه هاشمة وكذلك منقلة
ولو قطع ذلك قطعا كانت فيه حكومة أكثر من هذا كله لأنه أزيد من المنقلة ولا يبين أن يكون فيه مأمومة لأنه
لا يصل إلى دماغ والوصول إلى الدماغ يقتل كما يكون وصول الجائفة إلى الجوف يقتل.
كسر الانف وذهاب الشم
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا كسر الانف ثم جبر ففيه حكومة ولو جبر أعوج كانت فيه
الحكومة بقدر عيب العوج، ولو ضرب الانف فلم يكسر لم يكن فيه حكومة لأنه ليس بجرح ولا كسر
عظم ولو كسر الانف أو لم يكسر فانقطع عن المجني عليه أن يشم ريح شئ بحال فقد قيل فيه الدية
ومن قال هذا قاله لو جدع وذهب عنه الشم فجعل فيه الدية وفي الجدع دية (قال) وإن كان ذهب
الشم عنه في وقت الألم ثم يعود إليه بعد انتظرته حتى يأتي ذلك الوقت فإن مات قبله أعطى ورثته
الدية وإن جاء وقال لا أشم شيئا أعطى الدية بعد أن يحلف ما يجد رائحة شئ بحال، وإن قال أجد
ريح ما اشتدت رائحته وحدت ولا أجد ريح ما لانت رائحته وقد كنت أجدها فكان يعلم لذلك قدر
جعل فيه بقدره. وإن كان لا يعلم له قدر ولا أحسبه يعلم ففيه حكومة بقدر ما يصف منه ويحلف فيه
كله، وإن قضى له بالدية ثم أقر أنه يجد رائحة قضى عليه برد الدية وإن مر بريح مكروهة فوضع يده
على أنفسه فقيل وقد وجد الرائحة ولم يقر بأنه وجدها لم يرد الدية من قبل أنه قد يضع يده على أنفه ولم
يجد شيئا من الريح ويضعها حاكا له وممتخطا وعبثا ومحدثا نفسه ومن غبار أو غيره.
الدية في اللسان
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا قطع اللسان قطعا لاقود فيه خطأ ففيه الدية وهو في معنى الانف
ومعنى ما قضى النبي صلى الله عليه وسلم فيه بدية من تمام خلقة المرء وأنه ليس في المرء منه إلا واحد
ومع أنه لا اختلاف بين أحد حفظت عنه ممن لقيته في أن في اللسان إذا قطع الدية واللسان مخالف
128

للأنف في معان منها أنه المعبر عما في القلب وأن أكثر منفعته ذلك وإن كانت فيه المنفعة بمعونته على
امرار الطعام والشراب وإذا جنى على اللسان فذهب الكلام من قطع أو غير قطع ففيه الدية تامة ولا
أحفظ عن أحد لقيته من أهل العلم في هذا خلافا، وإذا قطع من اللسان شئ لا يذهب الكلام
قيس ثم كان فيما قطع منه بقدره من اللسان فإن قطع حذية من اللسان تكون ربع اللسان فذهب من
كلامه قدر ربع الكلام ففيه ربع الدية وإن ذهب أقل من ربع الكلام ففيه ربع الدية وإن ذهب
نصف كلامه ففيه نصف الدية أجعل عليه الأكثر من قياس ما أذهب من كلامه أو لسانه وإذا ذهب
بعض كلام الرجل اعتبر عليه بأصول الحروف من التهجي فإن نطق بنصف التهجي ولم ينطق بنصفه فله
نصف الدية وكذلك ما نطق به مما زاد أو نقص على النصف ففيه بحسابه، وسواء كل حرف أذهبه منه
خف على اللسان وقل هجاؤه أو ثقل على اللسان وكثر هجاؤه كالشين والصاد والألف التاء والراء سواء
لكل واحد منها حصته من الدية من العدد ولا يفضل بعضها على بعض في ثقل وخفة وأي حرف منها
لم يفصح به حين ينطق به كما ينطق به قبل أن يجنى عليه وإن خف لسانه لأن ينطق بغيره يريده فهو كما
لم يخف لسانه بأن ينطق به له أرشه من العقل تاما مثل أن يريد أن ينطق بالراء فيجعلها باء أو لاما وما
في هذا المعنى (قال) وإن نطق بالحرف مبينا له غير أن لسانه ثقل عما كان عليه قبل يجنى عليه ففيه
حكومة وإن جنى على رجل كان أرت أو لا يفصح بحرف أو كان لسانه يخف به فزاد في خفته ونقص
عن إفصاحه به أو زاد في رتته أو لثغه على ما كان في الحرف ففيه حكومة لا أرش الحرف تاما، وإذا
جنى على لسان المبرسم الثقيل وهو يفصح بالكلام ففيه ما في لسان الفصيح الخفيف، وكذلك إذا
جنى على لسان الأعجمي وهو ينطق بلسانه وكذلك إذا جنى على لسان الصبي وقد حركه ببكاء أو
بشئ يعبره اللسان فبلغ أن لا ينطق ففيه الدية لأن العام الأغلب أن الألسنة ناطقة حتى يعلم أنها لا
تنطق وإن بلغ أن ينطق ببعض الحروف ولا ينطق ببعضها كان له من الدية بقدر ما لا ينطق به وإذا
جنى على لسان رجل كان ينطق به ثم أصابه مرض فذهب منطقه أو على لسان الأخرس ففيهما حكومة
وإذا جنى الرجل على لسان الرجل فقال جنيت عليه وهو أبكم أو يفصح ببعض الكلام ولا يفصح
ببعض فالقول قوله حتى يأتي المجني عليه بأنه كان ينطق فإذا جاء بذلك لم يقبل قول الجاني إلا ببينة
ومن كان له لسان ناطق فهو ينطق حتى يعلم خلاف ذلك، وهكذا لو قال جنيت عليه وهو أعمى فإن
قامت بينة أنه كان يبصر لم يقبل قول الجاني أنه حدث على بصره ذهاب إلا ببينة، ولو عرف المجني
عليه ببكم أو عمى ثم ادعى أولياؤه أن بصره صح وأن لسانه فصح كان القول قول الجاني وكلفوا هم
والمجني عليه البينة أنه عاد إليه بصره وأفصح بعد البكم فإن خلق للسان طرفان فقطع رجل أحد طرفيه
فإن أذهب الكلام ففيه الدية وإن ذهب بعضه ففيه من الدية بحساب ما ذهب منه، وإن أذهب
الكلام أو بعضه فأخذت له الدية ثم نطق بعدها رد ما أخذ له من الدية، وإن نطق ببعض الكلام
الذي ذهب ولم ينطق ببعض رد من الدية بقدر ما نطق به من الكلام (قال) وإن قطع أحد الطرفين ولم
يذهب من الكلام شئ فإن كان المقطوع زائلا عن حد مخرج اللسان ولم يذهب من الكلام شئ ففيه
حكومة وإن كانت الحكومة أكثر من قدره من قياس اللسان لم يبلغ بحكومته قدر قياس اللسان، وإن
قطع الطرفان جميعا وذهب الكلام ففيه الدية وإن كان أحد الطرفين في حكم الزائد من اللسان جعل
فيه دية وحكومة بقدر الألم وإذا قطع الرجل من باطن اللسان شيئا فهو كما قطع من ظاهر وفيه من
129

الدية بقدر ما منع من الكلام فإن لم يمنع كلاما ففيه من الدية بحساب اللسان، وإذا قطع الرجل من
اللسان شيئا لم يمنع الكلام أو يمنع بعض الكلام ولا يمنع بعضه كان فيه الأكثر مما منع من الكلام أو
قياس اللسان.
اللهاة
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا قطع الرجل لهاة الرجل عمدا فإن كان يقدر على القصاص منها
ففيها القصاص وإن كان لا يقدر على القصاص منها أو أقطها خطأ ففيها حكومة.
دية الذكر
(قال الشافعي) وإذا قطع الذكر فأوعب ففيه الدية تامة لأنه في معنى الانف لأنه من تمام خلقة
المرء وأنه ليس في المرء منه إلا واحد ولم أعلم خلافا في أن في الذكر إذا قطع الدية تامة وقد يخالف
الانف في بعض أمره وإذا قطعت حشفته فأوعبت ففيها الدية تامة ولم أعلم في هذا بين أحد لقيته
خلافا وسواء في هذا ذكر الشيخ الفاني الذي لا يأتي النساء إذا كان ينقبض وينبسط وذكر الخصي
والذي لم يأت امرأة قط وذكر الصبي لأنه عضو أبين من المرء سالم ولم تسقط فيه الدية بضعف في
شئ منه وإنما يسقط أن يكون فيه دية تامة بأن يكون به كالشلل فيكون منبسطا لا ينقبض أو منقبضا
لا ينبسط فأما بغير ذلك من قرح فيه أو غيره من عيوبه جذام أو برص أو عوج رأس فلا تسقط الدية
فيه بواحد من هذا والقول في أن الذكر ينقبض وينبسط قول المجني عليه مع يمينه لأنه عورة فلا أكلفه
أن يأتي ببينة أنه كان ينقبض وينبسط وعلى الجاني البينة إن ادعى بخلاف ما قال المجني عليه وإذا
جنى الرجل على ذكر الرجل فجافه فالتأم ففيه حكومة وكذلك إذا جرحه أي جرح كان فلم يشله ففيه
حكومة فإن أشله ففيه الدية تامة (قال الشافعي) وإذا جنى على ذكر الأشل ففيه حكومة وإذا جنى
عليه فقطع منه حذية حتى يبينها فإن كانت من نفس الذكر دون الحشفة ثم أعادها فالتأمت أو لم يعدها
فسواء فيها بقدر حسابها من الذكر ويقاس الذكر في الطول والعرض معا في طوله وعرضه فيه الحشفة
وإن كانت الجناية في الحشفة ففيها قولان أحدهما إن الحساب في الجناية بالقياس من الحشفة لأن الدية
تتم في الحشفة لو قطعت وحدها لأن الذي يلي الجماع هي فإذا ذهبت فسد الجماع والثاني أن فيها بحساب
الذكر كله ولو قطع من الذكر حذية أو جافها فكان الماء والبول ينصب منها كان فيها الأكثر مما ذهب
من الذكر بالقياس أو الحكومة في نقص ذلك وعيبه في الذكر وفي ذكر العبد ثمنه كما في ذكر
الحر ديته ولو زاد قطع الذكر ثمن العبد أضعافا ولو جنى رجل على ذكر رجل فقطع حشفته ثم جنى
عليه آخر فقطع ما بقي منه كان في حشفته الدية وفيما بقي حكومة وفي ذكر الخصي الدية تامة لأنه
ذكر بكماله والأنثيان غير الذكر وإذا جنى الرجل على ذكر الرجل فلم يشلل وانقبض وانبسط وذهب
جماعه لم تتم فيه الدية لأن الذكر ما كان سالما فالجماع غير ممتنع إلا من حادث في غير الذكر ولكنه لو
انقبض فلم ينبسط أو انبسط فلم ينقبض كان هذا شللا وكانت فيه الدية تامة.
130

ذكر الخنثى
(قال الشافعي) وإذا قطع ذكر الخنثى وقف فإن كان رجلا فكان قطع ذكره عمدا ففيه القود
إلا أن يشاء الدية وإن كان خطأ ففيه الدية تامة وإن كان أنثى ففي ذكره حكومة وإن مات مشكلا
فالقول قول الجاني أنه أنثى مع يمينه وفيه حكومة وإن أبى أن يحلف ردت اليمين على ورثة الخنثى
يحلفون أنه بان ذكرا قبل أن يموت وفيه الدية تامة ولا يقبل قول ورثته بأنه بان ذكرا ولا الجاني بأنه بان
أنثى إلا بأن يصف الحالف منهم ما إذا كان يصف قضى به على ما يقول وإن قالوا معا بان ولم يصفوا أو
وصفوا فأخطؤوا وقف حتى يعلم فإن لم يعلم ففيه حكومة وإن عدا رجل على خنثى مشكل فقطع ذكره
وأنثييه وشفريه عمدا فسأل الخنثى القود قيل إن شئت وقفناك فإن بنت ذكرا أقدناك بالذكر والأنثيين
وجعلنا لك حكومة في الشفرين وإن بنت أنثى فلا قود لك عليه وجعلنا لك دية امرأة تامة في
الشفرين وحكومة في الذكر والأنثيين وإن مت قبل أن تبين فلك دية امرأة تامة وحكومة لأنا على
إحاطة من أنك ذكر أو أنثى فأعطيناك دية أنثى بالشفرين وحكومة بالذكر والأنثيين ولو كنت ذكرا
أعطيناك دية رجل بالذكر والأنثيين وحكومة بالشفرين فكان ذلك أكثر مما أعطيناك أولا فيدفع إليك
مالا يشك أنه لك وإن كان لك أكثر منه ولا يدفع إليك مالا يدرى لعل لك أقل منه وهكذا لو كان
الجاني على هذا الخنثى المشكل امرأة لا يختلف ولو أراد القود لم يقد حتى يتبين أنثى فيقاد في الشفرين
وتكون له حكومة في الذكر والأنثيين أو يبين ذكرا فيكون له ديتان في الذكر والأنثيين وحكومة في
الشفرين ولا يكون له قود بأنها ليست بذكر وهي وإن كانت قطعت له شفرين فإنما قطعت شفرين
زائدين في خلقته إن كان ذكرا لا شفرين كشفريها اللذين هما من تمام خلقتها ولو جنى عليه خنثى
مشكل مثله كان هكذا لا يقاد حتى يتبين الجاني والمجني عليه معا فإذا كانا ذكرين ففيهما القود وإن
كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى فلا قود وإذا جنى الرجل على الخنثى المشكل فقطع له ذكرا أو أنثيين
وشفرين فسأل عقل أقل ماله أعطيته إياه ثم إن بانت له زيادة زيدت وذلك إن أعطيته دية امرأة في
الشفرين وحكومة في الذكر والأنثيين فتبين ذكرا فأزيده دية رجل ونصف ديته حتى أتم له بالأنثيين
دية وبالذكر دية وانظر في حكومة الذكر التي أخذت له أولا والأنثيين فإذا كانت أكثر من حكومة
الشفرين رددت على الجاني ما زادت حكومة الذكر والأنثيين على دية الشفرين ثم جعلتها قصاصا من
الدية والنصف الذي زدته إياها (قال) ولو جنى رجل وامرأة على خنثى مشكل فقطعا الذكر والأنثيين
والشفرين فسأل الخنثى القود كان كجناية كل واحد منهما على الأنثى ولا يقاد حتى يتبين ذكرا فيقاد
من الذكر ويحكم له على المرأة بالأرش أرش امرأة أو يتبين امرأة فيقاد من المرأة ويحكم على الرجل
بالأرش، أرش امرأة ولو خلق لرجل ذكر ان أحدهما يبول منه والآخر لا يبول منه فأيهما بال منه فهو
الذكر الذي يقضى به وتكون فيه الدية وفي الذي لا يبول منه حكومة وإن بال منهما جميعا فأيهما كان
مخرجه أشد استقامة على مخرج الذكر فهو الذكر وإن كانا مستويين معا فأبقاهما الذكر فإن أشكلا فلا
قود له وفي كل واحد منهما حكومة أكثر من نصف دية ذكر.
131

دية العينين
(قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن عبد الله أبى بكر عن أبيه أن الكتاب الذي كتبه
رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم (وفي العين خمسون وفي اليد خمسون وفي الرجل
خمسون) (قال الشافعي) وفي الحديث ما يبين أنه صلى الله عليه وسلم يعنى خمسين من الإبل (قال)
وهذا دليل على أن كل ما كان من تمام خلقة الانسان وكان يألم بقطعه منه فكان في الانسان منه اثنان
ففي كل واحد منهما نصف الدية وسواء في ذلك العين العمشاء القبيحة الضعيفة البصر والعين الحسنة
التامة البصر وعين الصبي والشيخ الكبير والشاب وإن ذهب تبصر العين ففيها نصف الدية أو بخقت أو
صارت قائمة من الجناية ففيها نصف الدية وإذا ذهب بصرها وكانت قائمة فبخقت ففيها حكومة ولو كان
على سواد العين بياض متنح عن الناظر ثم فقئت العين كانت ديتها كاملة ولو كان البياض على بعض
الناظر كان فيها من الدية بحساب ما صح من الناظر وألغى ما يغطى من الناظر ولو كان البياض رقيقا
يبصر من ورائه ولا يمنع شيئا من البصر ولكنه يكله كان كالعلة من غيره وكان فيها الدية تامة وإذا نقص
البياض البصر ولم يذهب كان فيه من الدية بحساب نقصانه وعلل البصر وقياس نقصه مكتوب في
كتاب العمد وسواء العين اليمنى واليسرى وعين الأعور وعين الصحيح ولا يجوز أن يقال في عين الأعور
الدية تامة وإنما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين بخمسين وهي نصف الدية وعين الأعور
لا تعدو أن تكون عينا وإذا فقأ الرجل عين الرجل فقال فقأتها وهي قائمة وقال المفقوءة عينه إن كان حيا
أو أولياؤه إن كان ميتا فقأها صحيحة فالقول قول الفاقئ إلا أن يأتي المفقوءة عينه أو أولياؤه بالبينة أنه
أبصر بها في حال فإذا جاءوا بها بأنه كان يبصر بها في حال فهي صحيحة وإن لم يشهدوا أنه كان يبصر
بها في الحال التي فقأها فيه حتى يأتي الفاقئ بالبينة أنه فقأها قائمة وهكذا إذا فقأ عين الصبي فقال
فقأتها ولا يبصر وقال أولياؤه فقأها وقد أبصر فعليهم البينة أنه أبصر بها بعد أن ولد ويسع الشهود
الشهادة على أنه كان يبصر بها وإن لم يتكلم إذا رأوه يتبع الشئ ببصره وتطرف عيناه ويتوقاه وهكذا إن
أصاب اليد فقال أصبتها شلاء وقال المصابة يده صحيحة فعلى المصابة يده أن يأتي بالبينة أنها كانت
في حال تنقبض وتنبسط فإذا جاء بها فهي على الصحة حتى يأتي الجاني بالبينة أنها شلت بعد
الانقباض والانبساط وأصابها شلاء وهكذا إذا قطع ذكر الرجل أو الصبي فقال قطعته أشل أو قال قد
قطع بعضه فعلى المقطوع ذكره أو أولياؤه البينة أنه كان يتحرك في حال فإذا جاء بها فهي على الصحة
حتى يعلم أنه أشل بعد الصحة وإذا أصاب عين الرجل القائمة ففيها حكومة.
دية أشفار العينين
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا قطع جفون العينين حتى يستأصلها ففيها الدية كاملة في كل
جفن ربع الدية لأنها أربعة في الانسان وهي من تمام خلقته ومما يألم بقطعه قياسا على أن النبي صلى الله
عليه وسلم جعل في بعض ما في الانسان منه واحد الدية وفي بعض ما في الانسان منه اثنان نصف
الدية ولو فقأ العينين وقطع جفونهما كان في العينين الدية وفي الجفون الدية لأن العينين غير الجفون ولو
نتف أهدابهما فلم تنبت كان فيها حكومة وليس في شعر الشفر أرش معلوم لأن الشعر بنفسه ينقطع فلا
132

يألم به صاحبه وينبت ويقل ويكثر ولا يشبه ما يجرى فيه الدم وتكون فيه الحياة فيألم المجني عليه بما ناله
مما يؤلم وما أصيب من جفون العينين ففيه من الدية بحسابه.
دية الحاجبين واللحية والرأس
(قال الشافعي) رحمه الله وإذا نتف حاجبا الرجل عمدا فلا قود فيهما فإن قطع جلدتهما حتى
يذهب الحاجبان فكان يقدر على قطع الجلد كما قطع ففيها القود إلا أن يشاء المجني عليه العقل فإن شاء
فهو في مال الجاني وكذلك إن كان قطعهما عمدا والقصاص لا يستطاع فيهما ففيهما حكومة في مال
الجاني وفيهما حكومة إذا قطعهما خطأ إلا أن يكون حين قطع جلدهما أوضح عن العظم فيكون فيهما
الأكثر من موضحتين أو حكومة وهكذا اللحية والشاربان والرأس ينتف لاقود في النتف وقد قيل فيه
حكومة إذا نبت وإن لم ينبت ففيه حكومة أكثر منها وإن قطع من هذا شئ بجلدته كما وصفت في
الحاجبين ففيه الأكثر من حكومة الشين وموضحة أو مواضح إن أوضح موضحة أو مواضح بينهن صحة
من الرأس أو اللحية لم توضح أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال سألت عطاء عن الحاجب يشين قال ما
سمعت فيه بشئ (قال الشافعي) رحمه الله فيه حكومة بقدر الشين والألم أخبرنا مسلم عن ابن جريج
قال قلت لعطاء حلق الرأس له قدر؟ قال لم أعلم (قال الشافعي) لا قدر في الشعر معلوم وفيه إذا لم
ينبت أو نبت معيبا حكومة بقدر الألم أو الألم والشين.
دية الاذنين
(قال الشافعي) في الاذنين إذا اصطلمتا ففيها الدية قياسا على ما قضى النبي صلى الله عليه وسلم
فيه بالدية من الاثنين في الانسان أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قال عطاء في الاذن إذا
استوعبت نصف الدية (قال الشافعي) وإذا اصطلمت الأذنان ففيهما الدية وفي كل واحدة منهما
نصف الدية وإن ذهب سمعهما ولم يصطلما ففي السمع الدية وإن ضربتا فاصطلمتا وذهب السمع ففي
الاذنين الدية والسمع الدية والأذنان غير السمع (قال) وإن كانت الأذنان مستحشفتين بهما من
الاستحشاف ما باليد من الشلل وذلك أن تكونا إذا حركتا لم تتحركا ليبس أو غمزتا بما يؤلم لم تألما
فقطعهما ففيهما حكومة لا دية تامة وإن ضربهما إنسان صحيحتين فصيرهما إلى هذه الحال ففيهما قولان
أحدهما أن ديتهما تامة كما تتم دية اليد إذا شلت. والثاني أن فيهما حكومة لأنه لا منفعة فيهما في
حركاتهما كالمنفعة في حركة اليد إنما هما جمال فالجمال باق وإذا قطع من الاذن شئ ففيه بحسابه من
أعلاها كان أو أسفلها بحسابه من القياس في الطول والعرض لا في إحداهما دون الأخرى وإن كان
قطع بعضه أشين من بعض لم أزد فيه للشين ولا أزيد للشين فيما جعلت فيه أرشا معلوما شيئا في مملوك
ولا حر ألا ترى أنه إذا قيل في الموضحة خمس فلو لم يشن بالموضحة حر ولم ينقص ثمن مملوك فأعطيت
الحر خمسا والمملوك نصف عشر قيمة بلا شين كنت أعطيت الحر ما وقت له من اسم الموضحة فيما
أصيب به والعبد لأنه في معناه فإذا أعطيتهما بمال لا يشين ولا ينقص الثمن فإن شان ونقص الثمن لم يجز
أن أزيدهما شيئا فأكون قد أعطيتهما مرة على ما وقت لهما من الجراح ومرة على الشين فيكون هذا حكما
مختلفا.
133

دية الشفتين
(قال الشافعي) وفي الشفتين الدية وسواء العليا منهما والسفلى وكذلك كل جعلت فيه الدية من
شيئين أو أكثر أو أقل فالدية فيه على العدد لا يفضل أيمن منه على أيسر ولا أعلى منه على أسفل ولا
أسفل على أعلى ولا ينظر إلى منافعه ولا إلى جماله إنما ينظر إلى عدده وما قطع من الشفتين فبحسابه.
وكذلك إن قطع من الشفتين شئ ثم قطع بعده شئ كان عليه فيما قطع بحساب ما قطع. وفي الشفتين
القود إذا قطعتا عمدا. وسواء الشفتان الغليظتان والرقيقتان والتامتان والقصيرتان إذا كان قصرهما من
خلقتهما وإن أصاب إنسان شفتين فيبستا حتى تصيرا مقلصتين لا تنطبقان على الأسنان أو استرختا حتى
تصير لا تقلصان عن الأسنان إذا كشر أو ضحك أو عمد تقليصهما ففيهما الدية تامة فإن أصابهما جان
فكانتا مقلصتين عن الأسنان بعض التقليص لا تنطبقان عليها كلها وترتفعان إلى فوق أو كانتا مسترخيتين
تنطبقان على الأسنان ولا تتقلصان إلى فوق كما تقلص الصحيحتان كان فيهما من الدية بحساب ما قصرتا
عن بلوغه مما يبلغه الشفتان السالمتان يرى ذلك أهل البصر به. ثم يحكمون فيه إن كان نصفا أو أقل أو
أكثر. وإن شق فيهما شقا ثم التأم أو لم يلتئم ولم يقلص عن الأسنان ففيه حكومة وان قلص عن الأسنان شيئا
حتى يكون كما قطع منهما فإن كان إذا مد التأم وإذا أرسل عاد فهذا انقباض لا فتراق الشفة وليس بشئ قطعه
فأبانه منها فليس فيه عقل معلوم وفيه حكومة بقدر الشين والألم ولو قطع من الشفة شئ كان فيها بحساب ما
قعط والشفة كل ما زايل جلد الذقن والخدين من أعلى وأسفل مستديرا بالفم كله مما ارتفع عن الأسنان واللثة
فإذا قطع من ذلك شئ طولا حسب طوله وعرضه وطول الشفة التي قطع منها العليا كانت أو السفلى ثم كان
فيه بحساب الشفة التي قطع منها.
دية اللحيين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والأسنان العليا ثابتة في عظم الرأس والأسنان السفلى ثابتة في
عظم اللحيين ملتصقتين فإذا قلع اللحيان من أسفل معا ففيهما الدية تامة وإن قلع أحدهما وثبت الآخر
ففي المقلوع نصف الدية وإن لم يثبت وسقط الآخر معه ففيهما الدية معا وفي الأسنان التي فيهما في كل
سن مع الدية في اللحيين وليست تشبه الأسنان اليد فيها الأصابع في الكف لأن منفعة الكف واليد
بالأصابع فإذا ذهبت لم يكن فيها كبير منفعة واللحيان إذا ذهبا ذهبت الأسنان وهما وقاية اللسان ومنعا
لما يدخل الجوف ورد الطعام حتى يصل إلى الجوف ففيهما الدية دون الأسنان ولو لم يكن فيهما سن
فذهبا كانت فيهما الدية لما وصفت وإن ضربا فيبسا حتى لا ينفتحا ولا ينطبقا على الأسنان بشئ إنما
جنى على اللحيين وإن كانت منفعة الأسنان قد ذهبت إذا لم يتحرك اللحيان وإن ضرب اللحيان
فشأنهما وهما ينطبقان ويفتحان ففيهما حكومة بقدر الشين لا يبلغ بها دية.
دية الأسنان
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله
صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم (في السن خمس) أخبرنا مسلم عن أبيه عن ابن جريج عن ابن
134

طاوس عن أبيه (قال الشافعي) ولم أربين أهل العلم خلافا في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى
في السن بخمس وهذا أكثر من خبر الخاصة وبه أقول فالثنايا والرباعيات والأنياب والأضراس كلها
ضرس الحلم وغيره أسنان وفي كل واحد منها إذا قلع خمس من الإبل لا يفضل منها سن على سن.
أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المرى أن مروان بن الحكم بعثه إلى عبد
الله بن عباس يسأل ماذا في الضرس؟ فقال عبد الله ابن عباس فيه خمس من الإبل. قال فردني إليه
مروان فقال أتجعل مقدم الفم مثل الأضراس؟ فقال ابن عباس لو لم تعتبر ذلك إلا بالأصابع عقلها
سواء (قال الشافعي) وهذا كما قال ابن عباس إن شاء الله تعالى (قال) والدية المؤقتة على العدد لا على
المنافع (قال) وفي سن من قد ثغر واستخلف له من بعد سقوط أسنان اللبن فإن استخلف لم يكن له
شئ. وإذا أثغر الرجل واستخلفت أسنانه فكبيرها ومتراصفها وصغيرها وتامها وأبيضها وحسنها سواء
في العقل كما يكون ذلك سواء فيما خلق من الأعين والأصابع التي يختلف حسنها وقبحها. وأما إذا
نبتت الأسنان مختلفة ينقص بعضها عن بعض نقصا متباينا نقص من أرش الناقصة بحساب ما نقصت
عن قرينتها وذلك مثل الثنية تنقص عن التي هي قرينتها مثل أن تكون كنصفها أو ثلثيها أو أكثر فإذا
تفاوت النقص فيهما فنزعت الناقصة منهما ففيها من العقل بقدر نقصها عن التي تليها وإن كان نقصها
عن التي تليها متقاربا كما يكون في كثير من الناس كنقص الأشر ودونه فنزعت ففيها خمس من الإبل
وهكذا هذا في كل سن نقصت عن نظيرتها كالرباعيتين تنقص إحداهما من خلقة الأخرى ولا تقاس
الرباعية بالثنية لأن الأغلب أن الرباعية أقصر من الثنية ولا أعلى الفم من الثنايا وغيرها بأسفله لأن ثنية
أعلى الفم غير ثنية أسفله. وتقاس العليا بالعليا والسفلى بالسفلى على معنى ما وصفت. ولو كانت لرجل
ثنيتان فكانت إحداهما مخلوقة خلقة ثنايا الناس تفوت الرباعية في الطول بأكثر مما تطول به الثنية
الرباعية والثنية الأخرى تفوتها فوتا دون ذلك فنزعت التي هي أطول كان فيها أرشها تاما، وفوتها
للأخرى التامة كالعيب فيها أو غير الزيادة. وسواء ضربت الزائدة أو أصابت صاحبتها علة فزادت طولا
أو نبتت هكذا فإذا أصيبت هذه الطائلة أو التي تليها الأخرى ففي كل واحدة منهما خمس من الإبل
وإذا أصيب من واحدة من هاتين شئ ففيها بقياسها ويقاس السن عما ظهر من اللثة منها. فإذا أصاب
اللثة مرض فانكشفت عن بعض الأسنان بأكثر مما انكشفت به عن غيرها فأصيبت سن مما انكشفت
عنها اللثة فيبست السن بموضع اللثة قبل انكشافها، فإن جهل ذلك كان القول قول الجاني فيما بينه
وبين ما يمكن مثله وإذا قال ما لا يمكن مثله لم يكن القول قوله وأعطى المجني عليه على قدر ما بقي من
لثته لم ينكشف عما بقي من أسنانه وإن انكشفت اللثة عن جميع الأسنان فهكذا أيضا إذا علم أن باللثة
مرضا ينكشف مثلها بمثله فإن جهل ذلك فاختلف الجاني والمجني عليه فقال المجني عليه هكذا خلقت
وقال الجاني بل هذا عارض من مرض فالقول قول المجني عليه مع يمينه إن كان ذلك يكون في خلق الآدميين
وإن كان لا يكون في خلق الآدميين فالقول قول الجاني حتى يدعى المجني عليه ما يمكن أن يكون في خلق
الآدميين ولو خلقت لرجل أسنان قصار كلها من أعلى والسفلى طوال أو قصار من أسفل والعليا طوال أو قصار
فسواء ولا تعتبر أعالي الأسنان بأسافلها في كل سن قلعت منها خمس من الإبل وكذلك لو كان مقدم الفم من
أعلى طويلا والأضراس قصار أو مقدم الفم قصيرا والأضراس طوال كانت في كل سن أصيبت له خمس من
الإبل ويعتبر بمقدم الفم على مقدمة فلو نقصت ثنايا رجل عن رباعيته نقصانا متفاوتا كما وصفت نقص من
دية الناقص منها بقدره أو كانت ثنيته تنقص عن رباعيته نقصانا بينا فأصيبت إحداهما ففيها بقدر ما نقص منها
135

أو كانت رباعيته تنقص عن ثنيته نقصانا لا تنقصه الرباعيات فيصنع فيهما هكذا وكذلك يصنع في الأضراس
ينقص بعضها عن بعض وإنما قلت هذا في الأسنان إن اختلفت ولم أقله لو خلقت كلها قصارا لأن الاختلاف
هكذا لا يكون في الظاهر إلا من مرض حادث عند استخلاف الذي يثغر أو جناية على الأسنان تنقصها وإذا
كانت الأسنان مستوية الخلق و متقاربة فالأغلب أن هذا في الظاهر من نفس الخلقة بلا مرض كما تكون نفس
الخلقة بالقصر (قال) ولو خلقت الأسنان طوالا فجنى عليها جان فكسرها من أطرافها فانتقص منها حتى يبقى
ما لو نبت لرجل كان من الأسنان تاما فجنى عليها إنسان بعد هذا جناية كان عليه في كل سن منها بحساب ما
بقي منها ويطرح عنه بحساب ما ذهب وان اختلف الجاني والمجني عليه فيما ذهب منها قبل الجناية فالقول قول
المجني عليه مع يمينه ما أمكن أن يصدق.
ما يحدث من النقص في الأسنان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ذهب حد السن أو الأسنان بكلال لا تكسر ثم جنى عليها
ففيها أرشها تاما وذهاب أطرافها كلال لا ينقص فإذا ذهب من أطرافها ما جوز الحد أو من طرف
واحد منها نقص عن الجاني عليها بقدر ما ذهب منها ولو أن رجلا سحل سن رجل أو ضربها فأذهب
حدها أو شيئا منها كان عليه من عقل السن بحساب ما ذهب منها وإذا أخذ لشئ من حدها أرشا ثم
جنى عليها جان بعد أخذه الأرش نقص عن الجاني من أرشها بحساب ما نقص منها وكذلك إن جنى
عليها رجل فعفى له عن الأرش وإذا وهي فم الرجل من مرض أو كبر فاضطربت أسنانه أو بعضها
فربطها يذهب أو لم يربطها به فقلع رجل المضطربة منها فقد قيل عقلها تاما وقيل فيها حكومة أكثر
من الحكومة فيها لو ضربها رجل فاضطربت ثم ضربها آخر فقلعها وإذا ضربها رجل فنغضت انتظر بها
قدر ما يقول أهل العلم بها أنها إذا تركت فلم تسقط لم تسقط إلا من حادث بعده فإن سقطت فعليه
أرشها تاما وإن لم تسقط فعليه حكومة ولا يتم فيها عقلها حتى تسقط ولو أن رجلا نغضت سنه ثم أثبتها
فثبتت حتى لا ينكر شدتها ولا قوتها لم يكن على الجاني عليها شئ ولو نزعت بعد كان فيها أرشها تاما
فإن قال ليست في الشدة كما كانت كان القول قوله وله فيها حكومة على الذي أنغضها وحكومة على
النازع وقيل أرشها تاما ولو ندرت سن رجل حتى يخرج سنخها فلا تعلق بشئ ثم أعادها فثبتت ثم
قلعها رجل لم يكن على الجاني الآخر أرش ولا حكومة ولم يكن للذي أعادها إعادتها لأنها ميتة وهكذا
لو وضع سن شاة أو بهيمة مما يذكى أو سن غيره مكان سن له انقلعت فقلعها رجل لم يبن أن يكون
عليه حكومة وقد قيل في هذا حكومة وهكذا لو وضع مكانها سن ذهب أو سن ما كان وإذا قلعت سن
رجل بعدما يثغر ففيها أرشها تاما فإن نبتت بعد أخذه الأرش لم يرد عليه شيئا ولو جنى عليها جان آخر
فقلعها وقد نبتت صحيحة لا ينكر منها قوة ولا لونا كان فيها أرشها تاما وهكذا لو قطع لسان رجل أو
شئ منه فأخذ له أرشا ثم نبت لم يرد شيئا من الأرش فإن نبت صحيحا كما كان قبل القطع فجنى عليه
جان ففيه الأرش أيضا تاما وإن نبت السن واللسان متغيرين عما كانا عليه من فصاحة اللسان أو قوة
السن أو لونها ثم قلعت ففيها حكومة.
136

العيب في ألوان الأسنان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا نبتت أسنان الرجل سودا كلها أو ثغرت سودا أو ما دون
السواد من حمرة أو خضرة أو ما قاربها وكانت ثابتة لا تنغض وكان يعض بمقدمها ويمضغ بمؤخرها بلا
ألم يصيبه فيما عض أو مضغ عليه منها فجنى إنسان على سن منها ففيها أرشها تاما وإن نبتت بيضا ثم
ثغرت فنبتت سودا أو حمرا أو خضرا سئل أهل العلم بها فإن قالوا لا يكون هذا إلا من حادث مرض
في أصولها فجنى إنسان على سن منها ففيها أرشها تاما وهكذا إذا نبتت بيضا فاسودت من غيره جناية
وإذا نبتت بيضا فجنى عليها جان فاسودت ولم تنقص قوتها فعليه حكومة وكذلك إن اخضرت أو
احمرت وتنقص كل حكومة فيها عن السواد لأن السواد أشبه وإن اصفرت من الجناية جعل فيها أقل
من كل ما جعل في غيرها وإذا انتقصت قوتها مع تغير لونها زيد في حكومتها ولو أن إنسانا نبتت أسنانه
بيضا ثم أكل شيئا يحمرها أو يسودها أو يخضرها ثم جنى عليها جان فقلع منها سنا ففيها أرشها تاما لأن
بينا أن هذا من غير مرض وإذا جنى رجل على سن رجل فاسودت مكانها فعليه حكومة وكذلك إن
آلمها ثم اسودت بعد أو دميت ثم اسودت بعد وإن أقامت مدة لم تسود ثم اسودت بعد سئل أهل العلم
فإن قالوا هذا لا يكون إلا من جناية الجاني فعليه حكومة إذا ادعى ذلك المجني عليه وحلف وإن قالوا
قد يحدث فالقول قول الجاني مع يمينه ولا حكومة عليه (قال) في الأسنان والأضراس منفعة بالمضغ
وحبس الطعام والريق واللسان وجمال فلا يجوز أن يجنى الرجل على الرجل فتسود سنه وتبقى لم يذهب
منها شئ إلا حسن اللون فأجعل فيها الأرش تاما لأن المنفعة بها أكثر من الجمال وقد بقي من جمالها أيضا
سد موضعها وليست كاليد تشل فتذهب المنفعة منها ولا كالعين تطفأ فتذهب المنفعة منها ألا ترى أن اليد
إذا شلت ثم قطعت أو العين إذا طفئت ففقئت لم يكن في واحدة منهما إلا حكومة وإنما زعمت أن
السواد إذا لم يعلم أنه من مرض في السن ينقصها لا ينقص عقلها أنى جعلت ذلك كالزرق والشهولة
والعمش والعيب في العين لا ينقص عقلها لأن المنفعة في كل طرف فيه عمل وجمال أكثر من الجمال
وإذا جنى الرجل على السن السوداء التي سوادها من مرض معلوم نقص عنه من عقلها بقدر ذلك على
ما وصفت.
أسنان الصبي
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا نزعت سن الصبي لم يثغر انتظر به فإن أثغر فوه كله ولم تنبت
السن التي نزعت ففيها خمس من الإبل وإذا نبتت بطول التي نظيرتها أو متقاربة ففيها حكومة وإن
نبتت ناقصة الطول عن التي تقاربها نقصا متفاوتا كما وصفت أخذ له من أرشها بقدر نقصها وإن نبتت
غير مستوية النبتة بعوج كان إلى داخل الفم أو خارجه أو في شق كانت فيها حكومة وإن نبتت سوداء
أو حمراء أو صفراء ففيها حكومة في كل واحد من هذا في الحكومة بقدر كثرة شين السواد على الحمرة
والحمرة على الصفرة وإن نبتت قصيرة عن التي تليها بما تفوت به سن مما يليها ففيها بقدر ما نقصها
137

وسواء كان النقص في جميع السن أو بعضها دون بعض وإن نبتت مفروقة الطرفين ففيها بحساب ما
نقص مما بين الفرقين وكذلك إن كانت ناقصة أحد الطرفين وليس في شينها شئ في هذا الموضع وإن
نبتت سنه ونبتت له سن زائدة معها لم يكن عليه في نبات السن الزائدة شي ء وإن مات المنزوعة سنه ولم
يستخلف من فيه شئ ففيها قولان أحدهما أن في سنه حكومة لأن الأغلب أن لو عاش نبتت، والثاني: إن
فيها خمسا في الإبل ولا يخرج من أن يكون هذا فيها حتى يستخلف وإن استخلف من فيه ما إلى جنب سنه
المنزوعة ثم مات نظر فإن كان ما إلى جنبها استخلف وعاش المنزوعة سنه مدة لا تبطئ السن المنزوعة إلى مثلها
ففيها عقلها تاما في القولين وإن مات في وقت تبطئ السن المنزوعة إلى مثلها أو كانت إحداهما تقدمت الأخرى
بأن ثغرت قبلها كانت فيها حكومة في قول من قال في سن الصبي إذا مات قبل تمام نبات سنه حكومة ودية في
القول الآخر وإذا ثغرت سن فطلعت فلم يلتئم طلوعها حتى تستوي بنظيرتها حتى قلعها رجل آخر انتظر بها فإن
نبتت ففيها حكومة أكثر من حكومتها لو قلعت قبل تثغر وإن لم تنبت ففيها عقلها تاما وقد قيل فيها من العقل
بقدر ما أصاب منها (قال الشافعي) وإذا نزعت سن الصبي فاستخلف فوه ولم تستخلف فأخذ لها أرشها ثم
نبتت رد الأرش وإذا قلعت سن الصبي فطلع بعضها ثم مات الصبي قبل يلتئم طلوعها فعليه ما نقص منها في
قول من قال يلزمه ديتها إذا مات قبل طلوعها و حكومة في قول من لا يلزمه في ذلك إلا حكومة.
السن الزائدة
(قال الشافعي) و إذا قلعت السن الزائدة ففيها حكومة وإذا اسودت ففيها أقل من الحكومة التي
في قلعها.
قلع السن وكسرها
(قال الشافعي) إذا كسرت السن من مخرجها فقد تم عقلها وكذا لو قلعها من سنخها في كل
واحدة منها خمس من الإبل وإن كسرت فتم عقلها ثم نزع إنسان سنخها ففيما نزع منها حكومة وإن
كسر إنسان نصف سن رجل أو أقل أو أكثر ثم نزع آخر السن من سنخها ففيها بحساب ما بقي ظاهرا
من السن وحكومة السنخ وإنما تسقط الحكومة في السنخ إذا تم عقل السن وكانت الجناية واحدة
فنزعت بها السن من السنخ وإذا ضرب رجل السن فصدعها ففيها حكومة بقدر الشين والنقص لها وإذا
كسر الرجل من سن الرجل شيئا من ظاهرها أو باطنها أو منهما جميعا ففي ذلك بقدر ما نقص من السن
كأنه أشظاها من ظاهر أو باطن ولم يقصم الموضع الذي أشظاها منه بها قيس طول ما أشظى منها
وعرضه فكان ربع السن في الطول والعرض ثم قيس بما يليه فكان نصف ظاهر السن وكان فيه ثمن ما
في السن وعلى هذا الحساب يصنع بما جنى عليه منها فإن أشظاها حتى تهدم موضعه من السن قيس
ذلك بالطول والعرض ولم ينظر فيه إلى أن يكون الموضع الذي هدمه من السن أو أشظاه أرق مما سواه
من السن ولا أغلظ.
138

حلمتي الثديين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وكل ما قلت الدية أو نصفها أو ربعها إذا أصيب من رجل
فأصيب من امرأة ففيه من دية المرأة بحسابه من دية الرجل لا تزاد فيه المرأة على قدره من أرشها على
الرجل ولا الرجل على المرأة إذا كانا سواء في الرجل والمرأة ولا يختلف شئ من المرأة ولا الرجل إلا
الثديين فإذا أصيبت حلمتا ثديي الرجل أو قطع ثدياه ففيهما حكومة وإذا أصيبت حلمتا ثديي المرأة أو
اصطلم ثدياها ففيهما الدية تامة لأن في ثدييها منفعة الرضاع وليس ذلك في ثديي الرجل ولثدييها جمال
ولولدها فيهما منفعة وعليها بهما شين لا يقع ذلك الموقع من الرجل في جماله ولا شين عليه كهى، وإذا
ضرب ثدي امرأة قبل أن تكون مرضعا فولدة فلم يأت لها لبن في ثديها المضروب وحدث في الذي لم
يضرب أو لم يحدث لها لبن في ثديها معا لم يلزم الضارب بأن لم يحدث اللبن في ثدييها إلا أن يقول أهل
العلم به هذا لا يكون إلا من جنايته فيجعل فيه حكومة وإذا ضرب ثدياها وفيهما لبن فذهب اللبن فلم
يحدث بعد الضرب ففيهما حكومة أكثر من الحكومة في المسألة قبلها لا دية تامة. فإن ضرب ثدياها
فعابا ولم يسقطا ففيهما حكومة ولو ضربا فماتا ولا يعرف موتهما إلا بأن لا يألما إذا أصابهما ما يؤلم الجسد
ففيهما ديتهما تامة وفي أحدهما - إذا أصابه ذلك - نصف ديتهما، وإذا استرخيا فكانا إذا رد طرفاهما
على آخرهما لم ينقبض كانت في هذا حكومة هي أكثر من الحكومة فيما سواه لأنه لو اجتمع مع هذا أن
لا يألما إذا أصابهما ما يؤلم كان موتا وعيبا، ولو قطع ثدي المرأة فجافها كانت فيه نصف ديتها ودية
جائفة ولو قطعت ثدياها فجافهما كانت فيهما ديتهما ودية جائفتهما، ولو فعل هذا برجل كانت في ثدييه
حكومة وفي جائفته جائفة وقد قيل في ثديي الرجل الدية.
النكاح على أرش الجناية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شجت المرأة الرجل موضحة أو جنت عليه جناية غير
موضحة عمدا أو خطأ فتزوجها على الجناية كان النكاح ثابتا والمهر باطلا ولها مهر مثلها وعلى عاقلتها
أرشها في الخطأ ولا يجوز المهر من جناية خطأ ولا عمد من قبل أن جناية الخطأ تلزم العاقلة وتقبل إبلهم
منها وإن اختلفت إبلهم ويؤخذ منهم أسنان معلومة، فإذا أدوا أعلى منها في السن وما يصلح لما يصلح
له ما عليهم قبل منهم وهذا كله لا يجوز في البيع والمهر لا يصلح إلا بما يجوز في البيع، وكذلك إن
كانت الجناية عمدا فنكحها عليها جاز النكاح وبطل المهر لأنها إنما يلزمها بالجناية إبل فأي إبل أدتها
من إبل البلد بسن معلومة قبلت وهذا لا يجوز في البيع، فإذا نكحت على الجناية في الخطأ والعمد
فالنكاح ثابت ولها مهر مثلها طلقها قبل الدخول أو لم يطلقها، وإذا نكحها على جناية عمد بطل القود
لأنه عفو عن القود فلا سبيل إلى قتلها وإن صارت الجناية نفسا ولا إلى القود منها في شئ من الجراحة
وتؤخذ منها الدية في العمد حالة ومن عاقلتها في الخطأ ولها في ماله مهر مثلها.
139

كتاب الحدود وصفة النفي (1)
(أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال: قال الله تبارك وتعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا
أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) (قال الشافعي) وقال قائلون كل من لزمه اسم سرقة قطع بحكم
الله تعالى ولم يلتفت إلى الأحاديث (قال الشافعي) فقلت لبعض الناس قد احتج هؤلاء بما يرى من
ظاهر القرآن فما الحجة عليهم؟ قال إذا وجدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سنة رسول الله
صلى عليه وسلم دليلا على معنى ما أراد الله تعالى قلنا هذا كما وصفت والسنة الثابتة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن القطع في ربع دينار فصاعدا (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن عمرة
بنت عبد الرحمن عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (القطع في
ربع دينار فصاعدا) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قطع سارقا في مجن قيمته ثلاثة دراهم (قال الشافعي) وهذان الحديثان متفقان لأن ثلاثة دراهم
في زمان النبي صلى الله عليه وسلم كانت ربع دينار وذلك أن الصرف كان على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم اثنى عشر درهما بدينار وكان كذلك بعده فرض عمر الدية اثنى عشر ألف درهم على أهل
الورق وعلى أهل الذهب ألف دينار. وقالت عائشة وأبو هريرة وابن عباس رضي الله عنهم في الدية
اثنى عشر ألف درهم (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر
بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرة أن سارقا سرق أترجه في عهد عثمان فأمر بها عثمان
فقومت ثلاثة دراهم من صرف اثنى عشر درهما بدينار فقطع عثمان يده قال مالك وهي الأترجة التي
يأكلها الناس (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن حميد الطويل قال: سمعت قتادة يسأل أنس بن
مالك عن القطع فقال أنس حضرت أبا بكر الصديق رضي الله عنه قطع سارقا في شئ ما يسوى ثلاثة
دراهم أو قال ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم (قال الشافعي) فقلت لبعض الناس هذه سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم تحد (أن القطع في ربع دينار فصاعدا) فكيف قلت لا تقطع اليد إلا في عشرة
دراهم فصاعد؟ قلت له: وما حجتك في ذلك؟ قال روينا عن شريك عن منصور عن مجاهد عن
أيمن عن النبي صلى الله عليه وسلم شبيها بقولنا. قلنا: أو تعرف أيمن؟ أما أيمن الذي روى عنه عطاء
فرجل حدث لعله أصغر من عطاء روى عنه عطاء حديثا عن ربيع بن امرأة كعب عن كعب فهذا
منقطع والحديث المنقطع لا يكون حجة. قال فقد روينا عن شريك بن عبد الله عن مجاهد عن أيمن بن
أم أيمن أخي أسامة لامه. قلت لا علم لك بأصحابنا أيمن أخو أسامة قتل مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوم حنين قبل مولد مجاهد ولم يبق بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيحدث عنه. قال فقد روينا عن
عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في ثمن المجن قال عبد الله بن
عمرو كان قيمة المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا (قال الشافعي) فقلت هذا رأى
من عبد الله بن عمر. وفي رواية عمرو بن شعيب والمجان قديما وحديثا سلع يكون ثمن عشرة ومائة

(1) من أول كتاب الحدود انقطعت النسخة التي عرفناها بالصحة وكنا نثق بها ونعتمد عليها وليس عندنا من هذا
الموضع إلا نسخة سقيمة لا يعول عليها لكثرة ما عهدنا من تحريفها ونقصها وزيادتها فليعلم. كتبه مصححه.
140

ودرهمين فإذا قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ربع دينار قطع في أكثر عنه وأنت تزعم أن عمرو
بن شعيب ليس ممن تقبل روايته (1) وتترك علينا أشياء رواها توافق أقاويلنا وتقول غلط فكيف ترد
روايته مرة وتحتج به على أهل الحفظ والصدق مع أنه لم يرو شيئا يخالف قولنا؟ قال: فقد روينا قولنا
عن علي رضي الله عنه قلنا: ورواه الزعافري عن الشعبي عن علي رضى الله تعالى عنه وقد أخبرنا
أصحاب جعفر بن محمد عن جعفر عن أبيه أن عليا رضي الله عنه قال: (القطع في ربع دينار
فصاعدا) وحديث جعفر عن علي رضي الله عنه أولى أن يثبت من حديث الزعافري عن الشعبي قال:
فقد روينا عن ابن مسعود أنه قال (لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم) قلنا: فقد روى الثوري عن
عيسى بن أبي عزة عن الشعبي عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع سارقا في
خمسة دراهم وهذا أقرب من أن يكون صحيحا عن عبد الله من حديث ابن مسعود عن القاسم عن
عبد الله قال فكيف لم تأخذوا بهذا؟ قلنا هذا حديث لا يخالف حديثنا إذا قطع في ثلاث دراهم قطع
في خمسة وأكثر. قال: فقد روينا عن عمر أنه لم يقطع في ثمانية (قال الشافعي) قلت: رواه عن
عمر بحديث غير صحيح وقد رواه معمر عن عطاء الخراساني عن عمر قال (القطع في ربع دينار
فصاعدا) فلم ير أن يحتج به لأنه ليس بثابت (قال الشافعي) وليس في أحد حجة مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم وعلى المسلمين اتباعه فلا إلى حديث صحيح ذهب من خالفنا ولا إلى ما ذهب إليه من
ترك الحديث واستعمل ظاهر القرآن.
السارق توهب له السرقة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن صفوان بن عبد الله بن صفوان
أن صفوان بن أمية قيل له إن من لم يهاجر هلك فقدم صفوان المدينة فنام في المسجد وتوسد رداءه
فجاء سارق فأخذ رداءه من تحت رأسه فجاء به صفوان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن تقطع يده فقال صفوان إني لم أرد هذا يا رسول الله هو عليه صدقة فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (فهلا قبل أن تأتيني به؟) (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار
عن طاوس مثل معنى حديث ابن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمر صفوان (قال الشافعي)
فقال قائل: لا تقطع يد هذا وكيف تقطع يد هذا ولم يقم عليه الحد حتى ملك ما تقطع فيه يده؟
فقيل لبعض من يقول قوله لا نرضى بترك السنة حتى نخطئ مع تركها القياس. قال وما القياس؟ قلنا
متى يجب الحد على من سرق؟ أحين سرق أم حين يقام عليه الحد؟ قال بل حين سرق. قلنا وبذلك
قلت وقلنا: لو أن سارقا سرق شيئا لم يكن الذي سرق يسوى ما تقطع فيه اليد فحبسه الإمام ليستثبت
سرقته فلم تقم عليه البينة حتى صارت السرقة تسوى ما تقطع فيه اليد وأكثر قال لا تقطع لأن الحد إنما
وجب يوم كان الفعل. قلنا وبهذا قلنا نحن وأنت لو سرق عبدا من سيده فحبسه الإمام فأعتقه السيد لم
يقطع ولو كان مكاتبا سرق فأدى فعتق لم يقطع لأنه حين سرق لم يكن عليه قطع، ولو قذف عبد حرا

(1) انظر هذه العبارة فإنها لا تخلو من سقم وتحريف ولم نجد الزعافري في غير هذا الموضع. كتبه مصححه.
141

فأعتقه سيده حين فرغ من القذف ورفع إلى الإمام وهو حر حد عبد لأن الحد إنما وجب يوم قذف
وكذلك لو كان المقذوف عبدا فأعتقه سيده ساعة قذف لم يكن له إذا ارتفع إلى الإمام حد لأنه
مملوك، وكذلك إن زنى عبد فأعتقه سيده مكانه ثم رفع إلى الإمام حد حد عبد لأن الحد أنما وجب
عليه يوم زنى. قال نعم: قيل فسارق صفوان سرق وصفوان مالك ووجب الحد عليه وحكم به رسول
الله صلى الله عليه وسلم وصفوان مالك. فكيف درأت عينه؟ قال: إن صفوان إنما وهب له الحد.
قيل: صفوان وهب له رداء نفسه في الخبر عنه. قال فإني أخالف صاحبي فأقول إذا قضى الحاكم
عليه ثم وهب له قطع وإن وهب له قبل يقضى الحاكم لا يقطع لأن خروج حكم الحاكم قبل مضى
الحد كمضي الحد. قيل وهذا خطأ أيضا. قال ومن أين؟ قلنا أرأيت لو اعترف السارق أو الزاني أو الشارب فحكم الإمام على المعترفين كلهم بحدودهم فذهب بهم من عنده لتقام عليهم حدودهم
فرجعوا؟ قال لا يحدون. قلنا أو ليس قد زعمت أن خروج حكم الحاكم كمضي الحد؟ قال ما هو
مثله. فلم فلما شبهته به؟
ما جاء في اقطع اليد والرجل يسرق
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قطع يد سارق اليسرى وقد كان أقطع اليد والرجل وذكر عبد الله ابن عمر عن
نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن أبي بكر مثله (قال الشافعي) فقال قائل إذا قطعت يده ورجله ثم
سرق حبس وعزر ولم يقطع فلا يقدر على أن يمشي قيل قد روينا هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبى بكر في دار الهجرة وعمر يراه ويشير به على أبى بكر (1) وقد روى عنه أن قطع أيضا فكيف
خالفتموه؟ قيل قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه قلنا فقد رويتم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
في القطع أشياء مستنكرة وتركتموها عليه منها أنه قطع بطون أنامل صبي ومنها أنه قطع القدم من
نصف القدم، وكل ما رويتم عن علي رضي الله عنه في القطع غير ثابت عندنا فكيف تركتموها عليه لا
محالف له فيها و احتججتم به على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا حجة في أحد معها وعلى أبى
بكر وعمر في دار الهجرة وعلى ما يعرفه أهل العلم؟ أرأيت حين قال الله عز وجل (والسارق والسارقة
فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا) ولم يذكر اليد والرجل إلا في المحارب فلو قال قائل يعتل بعلتكم أقطع
يده ولا أزيد عليها لأنه إذا قطعت يده ورجله ذهب بطشه ومشيه فكان مستهلكا أتكون الحجة عليه
إلا ما مضى من السنة والأثر وإن اليد والرجل هي مواضع الحد وإن تلفت أرأيت حين حد الله عز
وجل الزاني والقاذف لوحد مرة ثم عاد أليس يعادله أبدا ما عاد؟ أرأيت إن قال قائل قد ضرب مرة
فلا يعادله ما الحجة عليه إلا أن يقال للضرب موضع فمتى كان الموضع قائما حد عليه وكذلك الأيدي
والأرجل ما كان للقطع موضع أتى عليها وهو أقطع اليد والرجل مستهلك فكيف لم يمتنعوا من
استهلاكه واعتلوا في ترك قطع اليسرى بالاستهلاك؟ وكيف حدوا من وجب عليه القتل بالقتل وهذا

(1) هكذا في النسخ ولعل هنا شيئا سقط من النساخ وتحريفا وبالجملة فالمناظرات هنا غالبها سقيم كتبه
مصححه.
142

أقصى غاية الاستهلاك ودرءوا الحدود ههنا لعلة الاستهلاك مع خلاف السنة والأثر وكيف يقطعون يديه
ورجليه لو قطع من أربع أناس يدين ورجلين؟ أرأيت لو قال قائل إنه إذ قطع من كل رجل عضوا
منه يقي له ثلاثة وإذا أتيت على أعضائه الأربعة كان مستهلكا فلا أقطعه إلا الواحد أو اثنين فإن قال
قائل قال الله عز وجل (والجروح قصاص) قال فأتأول ما كانت حال المقتص منه مثل حال المقتص له
وأقول أنت لا تقص من جرح واحد إذا أشبه الاستهلاك وتجعله دية والآتيان على قوائمه عين الاستهلاك
ما الحجة عليه إلا أن للقصاص موضعا فكذلك للقطع موضع والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب السن التي إذا بلغها الغلام قطعت يده
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر
قال عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فردني وعرضت عليه يوم
الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني قال نافع فحدثت به عمر بن عبد العزيز فقال عمر هذا فرق
بين الصغير والكبير وكتب لعماله أن يفرضوا لابن خمس عشرة في المقاتلة ولابن أربع عشرة في الذرية
(قال الشافعي) وبهذا قلنا تقام الحدود على من استكمل خمس عشرة وإن لم يحتلم لأنه فصل بين
المقاتلة وبين الذرية وذلك أنه إنما يجب القتال على من تجب عليه الفرائض ومن وجبت عليه الفرائض
وجبت عليه الحدود ولم أعلم في هذا مخالفا وقد أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال ابن خمس
عشرة فقال قائل لا تقام الحدود على الغلام إذا لم يحتلم حتى يستكمل تسع عشرة ولا على الجارية حتى
تستكمل سبع عشرة فلا أدري ما أراد بهذه السنين ولا إلى أي شئ ذهب؟ أرأيت لو قال قائل لا أقيم
عليه الحد حتى يبلغ أربعين سنة لأنها السن التي ذكرها الله تبارك وتعالى ما حجته عليه؟ أرأيت إذا فرق
بين الجارية والغلام وهي إذا بلغت المحيض والغلام إذا بلغ الحلم فذلك الوقت وقت وجوب الحد عليهما
ما الحجة فيما قال من الفرق بينهما؟ وخالفه أصحابه في هذا وقالوا قولنا فيه فقالوا يقام الحد على من
استكمل خمس عشرة سنة ذكرا كان أو أنثى واحتجوا بحديث ابن عمر فيه.
في الثمر الرطب يسرق
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن
رافع بن خديج أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا قطع في ثمر ولا كثر (1)) (قال
الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان
عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا قطع في ثمر ولا كثر) (قال الشافعي) وبهذا
نقول لا قطع في ثمر معلق ولا غير محرز ولا في جمار لأنه غير محرز وهو يشبه حديث عمرو بن شعيب

(1) زاد في الموطأ بعد هذا والكثر - الجمار أهو والكثر - بالفتح وبالتحريك - كما في كتب اللغة كتبه
مصححه.
143

(قال الشافعي) احتج بهذا الحديث بعض الناس وقال هذا حديث رافع بن خديج يخبر أن لا قطع في
ثمر معلق فمن هنا قلنا لا يقطع في الثمر الرطب (قال الشافعي) فقلت له إذا ذهبت هذا المذهب فيه،
فالثمر اسم جامع للرطب واليابس من التمر والزبيب وغيره أفتسقط القطع عمن سرق تمرا في بيت؟ قال
لا قلنا فكذلك الثمر الرطب المحرز لأن اسم الثمر يقع على هذا كما يقع على هذا قلت أرأيت الذميين إذا
زنيا أتحكم بينهما بحكم الاسلام أم بحكمهم؟ قال فإن قلت يحكمهم؟ قلنا فيلزمك أن تجيز بينهم ما
وصفنا مما أبطله حكم الاسلام ويلزمك إن كان في دينهم أن من سرق من أحد كان السارق عبدا
للمسروق أن تجعله له عبدا قال لا أجعله عبدا ولكن أقطعه قلنا فأنت تحكم بينهم مرة بحكم الاسلام
ومرة بحكم أهل الكتاب وتقول إنك تجيز بينهم ثمن الخمر والخنزير فكيف حكمت مرة بحكم الاسلام
وحكمت مرة بخلافه؟ وخالفه صاحبه فقال قولنا في اليهوديين يرجمان وتحصن اليهودية المسلم ثم عاد
فوافقهم في أن أجاز بينهم ثمن الخمر والخنزير وهذا في كتاب إلى الطول ما هو.
باب النفي والاعتراف في الزنا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما يا رسول الله أقض بيننا بكتاب الله عز وجل وقال الآخر
وهو أفقههما أجل يا رسول الله أقض بيننا بكتاب الله عز وجل وائذن لي في أن أتكلم قال (تكلم)
قال قال إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فأخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة
وجارية لي. ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني إنما على ابني جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على
امرأته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، (أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل
أما غنمك وجاريتك فرد عليك) وجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا الأسلمي أن يغدو على امرأة
الاخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها (قال الشافعي) وبهذا قلنا وفيه الحجة في أن يرجم من
اعترف مرة إذا ثبت عليها. وقد روى ابن عيينة بهذا الاسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى
عبادة بن الصامت الجلد والنفي عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فخالف بعض الناس هذا
الحديث فيما وصفت لك فقال لا يرجم باعتراف مرة ولا يرجم حتى يعترف أربعا. وقد أمر النبي صلى
الله عليه وسلم أنيسا إن اعترفت أن يرجمها وأمر بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا واقد الليثي
وخالفه أيضا فقال: إذا اعترف الزاني فالحق على الإمام أن يبدأ فيرجم ثم الناس وإذا قامت البينة
رجمهم الشهود ثم الإمام ثم الناس (قال الشافعي) أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم ماعز ولم
يحضره وأمر أنيسا بأن يأتي امرأة فإن اعترفت رجمها ولم يقل أعلمني لأحضرها ولم أعلمه أمر برجمهم
فحضره ولو كان حضور الإمام حقا حضره رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أمر عمر بن الخطاب
رضي الله عنه أبا واقد الليثي يأتي امرأة فإن اعترفت رجمها. ولم يقل: أعلمني أحضرها وما علمت
إماما حضر رجم مرجوم ولقد أمر عثمان بن عفان رضي الله عنه برجم امرأة وما حضرها (قال
الشافعي) ويرجم الزاني الثيب ولا يجلد والجلد منسوخ عن الثيب قال الله تبارك وتعالى (واللاتي يأتين
الفاحشة من نسائكم) إلى (سبيلا) وهذا قبل نزول الحدود. ثم روى الحسن عن حطان الرقاشي عن
144

عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم. أنه قال (خذوا عنى خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا الثيب
بالثيب جلد مائة والرجم) فهذا أول ما نزل الجلد ثم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر
الرجم في كتاب الله عز وجل حق على من زنى إذا كان قد أحصن ولم يذكر جلدا ورجم رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما عزا ولم يجلده وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنيسا ان يأتي امرأة فإن اعترفت
رجمها وكل هذا يدلك على أن الجلد منسوخ عن الثيب وكل الأئمة عندنا رجم بلا جلد، فإن قال
قائل لا أنفى أحدا فقيل لبعض من يقول قوله: ولم رددت النفي في الزنا وهو ثابت عن النبي صلى الله
عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان وعلى وابن مسعود والناس عندنا إلى اليوم؟ قال رددته لأن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (لا تسافر المرأة سفرا يكون ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم) فقلت له سفر المرأة
شئ حيطت به المرأة فيما لا يلزمها من الاسفار. وقد نهيت أن تخلو في المصر برجل وأمرت بالقرار في
بيتها. وقيل لها صلاتك في بيتك أفضل لئلا تعرضي أن تفتتني ولا يفتتن بك أحد وليس هذا مما يلزمها
بسبيل. أرأيت لو قال قائل يستخف بخلاف السنة لا أجلدها يمجن ما الحجة عليه إلا ترك الحجة
بالكتاب والخبر. أو رأيت إذا اعتللت في النفي بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى ان تسافر المرأة ثلاثا
إلا مع ذي محرم ما هو من حد الزنا قال إنهما يجتمعان في معنى أن في النفي سفرا قلنا: وإذا اجتمع
الحديثان من الصنفين المختلفين في معنى من المعاني أزلت أحدهما بالآخر؟ قال: نعم قلنا: إذا كان
النفي من أثبت ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده والناس إلى اليوم عندنا (1) أن نقول
كما قلت لما اجتمعا في أن فيه سفرا أبحنا للمرأة ان تسافر ثلاثا أو أكثر مع غير ذي محرم، قال: لا قلنا
فلم كان لك ان تزيل أحدهما بالآخر ولا يكون ذلك لنا عليك؟ وقلت أرأيت إذا اعتللت بأنك تركت
النفي لأن فيه سفرا مع غير ذي محرم إن زنت بكر ببغداد فجلدتها فجاء أبوها وإخوتها وعدد كثير كلهم
محرم لها فقالوا قد فسدت ببغداد وأهلها بالمدائن وأنت تبيح السفر مع ذي محرم إلى ما يبعد وتبيحه أقل
من ثلاث مع غير ذي محرم. وقد اجتمع لك الأمران فنحن ذوو محرم فتنفيها عن بغداد فتخرج مع
ذي محرم إلى شهر قد تبيحه لها مع غير ذي محرم إلى أهلها وتنحيها عن بلد قد فسدت به ولا تزال بذلك
منعما علينا قال لا أنفيها لأنا مالكة لنفسها فلا أنفيها قلنا فقد زال المعنيان اللذان اعتللت بهما فلو كنت
تركت النفي لها من أجلهما نفيتها في هاتين الحالتين وقلنا له أرأيت إن كانت ببادية لا قاضي عند قريتها إلا
على ثلاث ليال أو أكثر فادعى عليها مدع حقا أو أصابت حدا. قال ترفع إلى القاضي قلنا مع غير ذي
محرم؟ قال: نعم قلنا فقد أبحت لها أن تسافر ثلاثا أو أكثر مع غير ذي محرم. قال هذا يلزمها قلنا فهذا
يلزمها برأيك فأبحته لها ومنعتها منه فيما سن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرنا به عن الله جل وعلا
فيها (قال الشافعي) وقلنا أرأيت إذا اعتللت في المرأة بما اعتللت به أيحتاج الرجل إلى ذي محرم؟ قال لا قلنا
فلم
لم تنفه؟ قال إنه حد واحد فإذا زال عن أحدهما زال عن الآخر قلنا وهذا أيضا من شبهكم التي تعتلون بها وأنتم
تعلمون أنكم مخطئون فيها أو (1) تعنون موضع الخطأ. قال وكيف؟ قلنا ما نقول في ثيب حر زنى ببكر وثيب حر
زنى بأمة وثيب حر زنى بمستكرهة؟ قال على الثيب في هذا كله الرجم

(1) لعل في الكلام تحريفا أو نقصا.
(1) قوله تعنون، كذا في نسخة، وفي أخرى " يغبون " وحرر. كتبه مصححه.
145

وعلى البكر مائة وعلى الأمة خمسون وليس على المستكرهة شئ قلنا: وكذلك إن كانت المرأة ثيبا ومن
زنى بها عبدا رجمت وجلد العبد خمسين؟ قال: نعم. قلنا ولم أليس لأنك تلزم كل واحد منهما حد
نفسه لا تزيله عنه بأن يشركه فيه غيره؟ قال: نعم قلت فلم لا يكون الرجل إذا كان لا يحتاج إلى محرم
منفيا والنفي حده قال فقد نفى عمر رجلا وقال لا أنفي بعده، قلت نفى عمر رجلا في الخمر والنفي في
السنة على الزاني والمخنث وفي الكتاب على المحارب وهو خلاف نفيهما لا على أحد غيرهم فإن رأى عمر
نفيا في الخمر ثم رأى أن يدعه فليس الخمر بالزنا وقد نفى عمر في الزنا فلم لم تحتج بنفي عمر في الزنا؟
وقد تبينا نحن وأنت أن ليس في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة؟ (قال الشافعي) وقال
قائل لا أرجم إلا بالاعتراف أربع مرات لأنهن يقمن مقام أربع شهادات قلنا وإن كن يقمن مقام
أربع شهادات فإن اعترف أربع مرات ثم رجع؟ قال لا يحد قيل فهذا يدلك على فرق بين الاعتراف
والشهادة أو رأيت إن قلت يقوم مقام الشهادة فلم زعمت أن السارق يعترف مرة فيقطع وكيف لا تقول
حتى يعترف مرتين إن اعترف بحق لرجل مرة ألزمته أبدا فجعلت مرة الاعتراف أقوى من البينة. ومرة
أضعف قال ليس الاعتراف من البينة بسبيل ولكن الزهري روى أنه اعترف عند النبي صلى الله عليه
وسلم أربع مرات قلنا: وقد روى ابن المسيب إنه اعترف مرارا فردده ولم يذكر عددها وإنما كان ذلك
في أول الاسلام لجهالة الناس بما عليهم الا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في المعترف
أيشتكي أم به جنة لا يرى أن أحدا ستر الله عز وجل عليه أتى يقر بذنبه إلا وهو يجهل حده؟ أو لا ترى
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) ولم يذكر عدد
الاعتراف وأمر عمر رضى الله تعالى عنه أبا واقد الليثي بمثل ذلك ولم يأمره بعدد اعتراف.
ما جاء في حد الرجل أمته إذا زنت
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد بن عبد الله بن عتبة عن أبي
هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا
زنت ولم تحصن فقال (إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو
بضفير) قال ابن شهاب لا أدري أبعد الثالثة أم الرابعة (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرو بن
دينار عن الحسن بن محمد بن علي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حدت جارية لها زنت
(قال الشافعي) رحمه الله: وكان الأنصار ومن بعدهم يجدون إماءهم وابن مسعود يأمر به وأبو برزة
حد وليدته، فإن قال قائل لا يحد الرجل أمته وإنما ذلك إلى الإمام واعتلوا فيه بأن قالوا إن كان
صاحب الأمة لا يعقل الحد؟ قلنا: إنما يقيم الحد من يعقله. وقلنا لبعض من يقول هذا القول: قال
الله تبارك وتعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم
فلا تبغوا عليهن سبيلا) (قال الشافعي) فقد أباح الله عز وجل أن يضرب الرجل امرأته وهي حرة غير
ملك يمين قال: ليس هذا بحد قلت فإذا أباحه الله عز وجل فيما ليس بحد فهو في الحد الذي بعدد أولى
أن يباح لأن العدد لا يتعدى والعقوبة لا حد لها فكيف أجزته في شئ وأبطلته في غيره قال: روينا عن
ابن عباس ما يشبه قولنا قلت أو في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة؟ قال: لا قلنا فلم
تحتج به وليس عن ابن عباس بمعروف؟ فقال لي بعض من يقول لا يحد الرجل أمته إذا زنت إذا
146

تركت الناس يحدون إماءهم أليس في الناس الجاهل أفيولى الجاهل حدا؟ (قال الشافعي) قلت له: لما
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من زنت أمته أن يحدها كان ذلك لكل من كانت له أمة والحد موقت
معروف قال فلعله أمر بهذا أهل العلم قلت ما يجهل ضرب خمسين أحد يعقل ونحن نسألك عن مثل
هذا قال وما هو؟ قلت أرأيت رجلا خاف نشوز امرأته أو رأى منها بعض ما يكره في نفسه أله ضربها
قال: نعم قلت له ولم؟ قال رخص الله عز وجل في ضرب النساء وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يؤدب الرجل أهله قلنا: فإن اعتل عليك رجل في ضرب المرأة في النشوز والأدب بمثل علتك في
الحد وأكثر وقال الحد مؤقت والأدب غير مؤقت. فإن أذنت لغير العالم في الضرب خفت مجاوزته العدد
قال: يقال له أدب ولا تجاوز العدد قلنا فقال وما العدد؟ قال ما يعرف الناس قلت وما يعرفون؟ قال
الضرب غير المبرح ودون الحد قلنا قد يكون دون الحد ضربة وتسعة وثلاثين وتسعة وسبعين فأي هذا
يضربها؟ قال ما يعرف الناس قلنا فإن قيل لك لعله لم يؤذن إلا للعالم قال حق العالم والجاهل على
أهلهما واحد قلنا: فلم عبت علينا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم من زنت أمته أن يحدها. ثم زعمت أن
ليس للعالم أن يحد أمته؟ فإن اعتللت بجهالة الجاهل فأجز للعالم أن يحدها وأنت لا تجيزه وإنما أدخلت
شبهة بالجاهل وأحد يعقل لا يجهل خمسين ضربة غير مبرحة ثم صرت إلى أن أجزت للجاهلين أن
يضربوا نساءهم بغير أن توقت ضربا. فإن اتبعت في ذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم
تجز لاحد ان يتأول عليك لأنه جملة فهو عام للعالم ولغيره قال: نعم قلنا فلم تتبع الخبر الذي هو أصح
منه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يحد الرجل أمته فأثبت أضعف الخبرين وجعلت العالم
والجاهل فيهما سواء بالخبر ثم منعت العالم والجاهل أن يحد أمته؟ ما ينبغي أن يبين خطأ قول بأكثر من
هذا (قال الشافعي ما إلى العلة بالجهالة ذهب من رد هذا ولو كانت العلة بالجهالة ممن يحد إذا
لأجازه للعالم دون الجاهل فهو لا يجيزه لعالم ولا لجاهل وقد رد أقوى الخبرين وأخذ بأضعفهما وكلا
الحديثين نأخذ به نحن ونسأل الله سبحانه التوفيق.
باب ما جاء في الضرير من خلقته لا من مرض يصيب الحد
أخبرنا الربيع قال: (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد وأبى الزناد
كلاهما عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلا (قال أحدهما أحبن وقال الآخر مقعد) كان عند
جوار سعد فأصاب امرأة حبل فرمته به فسئل فاعترف فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به قال أحدهما جلد
بأثكال النخل وقال الآخر بأثكول النخل (قال الشافعي) وبهذا نأخذ إذا كان الرجل مضنوء الخلق
قليل الاحتمال يرى أن ضربه بالسوط في الحد تلف في الظاهر ضرب بأثكال النخل لأن الله عز وجل قد
حد حدودا منها حدود تأتى على النفس الرجم والقتل غير الرجم بالقصاص فبينهما وحد بالجلد فبين
رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف الجلد وكان بينا في كتاب الله عز وجل ثم سنه رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن الضرب لم يرد به التلف وأنه إنما أريد والله أعلم النكال للناس عن المحارم ولعله
طهور أيضا. فإذا كان معروفا عند من يحد أن حده للضرير تلف لم يضرب المحدود بما يتلفه وضربه بما
ضربه به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قيل قد يتلف الصحيح المحتمل فيما يرى ويسلم غير المحتمل
قيل إنما يعمل من هذا على الظاهر والآجال بيد الله عز وجل (قال الشافعي) فأما الحبلى والمريض
147

فيؤخر حدها حتى تضع الحبلى ويبرأ المريض وليس كالمضنوء من خلقته فخالفنا بعض الناس. فقال لا
أعرف الحد إلا واحدا وإن كان مضنوءا من خلقته قلت أترى الحد أكثر أم الصلاة؟ قال كل فرض قلنا
قد يؤمر من لا يستطيع القيام في الصلاة بالجلوس ومن لا يستطيع الجلوس بالايماء وقد يزيل الحد عمن
لا يجد إليه سبيلا (قال الربيع) يريد كأن سارقا سرق ولا يدين له ولا رجلين فلم يجد الحاكم إلى أخذ ما
وجب عليه من القطع سبيلا قال هذا اتباع ومواضع ضرورات. قلنا وجلد المضنوء بأثكال النخل اتباع
لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا ينبغي خلافه وموضع ضرورة.
الشهادة في الزنا
(قال الشافعي) رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى في القذفة (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم
يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) (قال الشافعي) رحمه الله فلا يجوز في الزنا الشهود أقل
من أربعة بحكم الله عز وجل ثم بحكم رسوله صلى الله عليه وسلم فإذ لم يكلموا أربعة فهم قذفة وكذلك
حكم عليهم عمر بن الخطاب فجلدهم جلد القذفة ولم أعلم بين أحد لقيته ببلدنا اختلافا فيما وصفت
من أنه لا يقبل في الزنا أقل من أربعة وأنهم إذا لم يكملوا أربعة حدوا حد القذف وليس هكذا شئ من
الشهادات غير شهود الزنا (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن سعد بن
عبادة قال يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (نعم) (قال الشافعي) رحمه الله ففي هذا ما يبين أن شهود الزنا أربعة وأن ليس لأحد
دون الإمام أن يقتل ولا يعاقب بما رأى (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن
المسيب أن رجلا بالشام وجد مع امرأته رجلا فقتله أو قتلها فكتب معاوية إلى أبى موسى الأشعري بأن
يسأل له عن ذلك عليا رضي الله عنه فسأله فقال على (إن هذا لشئ ما هو بأرض العراق عزمت
عليك لتخبرني) فأخبره فقال علي رضي الله عنه أنا أبو الحسن إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته)
(قال الشافعي) رحمه الله: وبهذا كله نأخذ ولا أحفظ عن أحد قبلنا من أهل العلم فيه مخالفا (قال
الشافعي) فقال بعض الناس إن قتل رجل رجلا في داره فقام عليه أولياء القتيل فقال وجدته في
داري يريد السرقة فقتلته نظرنا فإن كان المقتول يعرف بالسرقة درأنا عن القاتل القتل وضمناه الدية وإن
كان غير معروف بالسرقة أقدنا ولى القتيل منه (قال الشافعي) فقلت له رسول الله صلى الله عليه وسلم لم
يأذن لسعد بن عبادة في رجل لو وجده مع امرأته حتى يأتي بأربعة شهداء وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه
يقول (إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته) فكيف خالفت سنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم والأثر عن علي رضي الله عنه؟ قال: روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أهدره فقلت
له قد روى عمر أنه أهدره فقال هذا قتيل الله والله لا يؤدي ابدا وهذا عندنا من عمر ان البينة قامت
عنده على المقتول أو على أن ولى المقتول أقر عنده بما وجب به أن يقتل المقتول قال (1) هارويتم هذا في
الخبر قلنا قال فالخبر على ظاهره قلنا فأنت تخالف ظاهره قال وأين؟ قلنا عمر لم يسأل أيعرف المقتول

(1) كذا في النسخ ولعل هنا تحريفا ووجه الكلام " هل رويتم هذا في الخبر؟ قلنا لا قال الخ " فانظر كتبه
مصححه.
148

بالزنا أم لا وأنت لا تجيز فيمن عرف بالزنا أن يعقل ويقتل به من قتله إلا أن تأتى عليه ببينة وعمر لم
يجعل فيه دية وأنت تجعل فيه دية قال فأنا إنما قسته على حكم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه قلت
وما ذلك الحكم قال روى عمرو بن دينار أن عمر كتب في رجل من بنى شيبان قتل نصرانيا من أهل
الحيرة إن كان القاتل معروفا بالقتل فاقتلوه وإن كان غير معروف بالقتل فذروه ولا تقتلوه فقلت وهذا غير
ثابت عن عمر رضي الله عنه وإن كان ثابتا عندك فتقول به؟ فقال لا بل يقتل القاتل للنصراني كان
معروفا بالقتل أو غير معروف به فقلت له أيجوز لاحد ينسب إلى شئ من العلم أن يزعم أن قصة رواها
عن رجل ليست كما قضى به ويخالفها ثم يقيس عليها إذا تركها فيما قضى بها فيه لم يكن له أن يشبه
عليه غيرها (قال الشافعي) وقلت له أيضا تخطئ القياس الذي رويت عن عمر أنه أمر أن ينظر في
حال القاتل المعروف بالقتل فيقاد أو غير معروف به فيرفع عنه القود وأنت لم تنظر في السارق ولا إلى
القاتل إنما نظرت إلى المقتول قال فما تقول؟ قلت أقول بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
والخبر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه والامر الذي يعرفه أهل العلم قال وما يعرف أهل العلم؟
قلت أما يكون الرجل ببلد غريبا لا يعرف بالسرقة فيقتله رجل فيسأل عنه بذلك البلد فلا يعرف
بالسرقة وهو معروف ببلد غيره بالسرقة؟ قال بلى قلت أما يعرف بالسرقة ثم يتوب؟ قال بلى قلت أما
يكون أن يدعوه رجل لضغن منه عليه فيقول اعمل لي عمل كذا ثم يقتله ويقول دخل علي؟ قال بلى
قلت وما يكون غير سارق فيبتدئ السرقة فيقتله رجل وأنت تبيح له قتله به قال بلى قلت فإذا كانت
هذه الحالات وأكثر منها في القاتل والمقتول ممكنة عندك فكيف جاز أن قلت ما قلت بلا كتاب ولا سنة
ولا أثر ولا قياس على اثر؟ قال فتقول ماذا قلت أقول إذا جاء عليه بشهود يشهدون على ما يحل دمه
أهدرته فلم أجعل فيه عقلا ولا قودا وإن لم يأت عليه بشهود أقصصت وليه منه ولم أقبل فيه قوله وتبعت
فيه السنة ثم الأثر عن علي رضي الله عنه ولم أجعل للناس الذريعة إلى قتل من في أنفسهم عليه شئ ثم
يرمونه بسرقة كاذبين.
باب أن الحدود كفارات
(قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن أبي إدريس عن عبادة بن
الصامت قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال (بايعوني على أن لا تشركوا بالله
شيئا) وقرأ عليهم الآية (فمن وفي منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له
ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه فهو إلى الله عز وجل إن شاء غفر له وإن شاء عذبه) (قال
الشافعي) ولم أسمع في الحدود حديثا أبين من هذا قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(وما دريك؟ لعل الحدود نزلت كفارة للذنوب) وهو يشبه هذا وهو أبيه منه وقد روى رسول الله صلى
الله عليه وسلم حديث معروف عندنا وهو غير متصل الاسناد فيما أعرف وهو أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال (من أصاب منكم من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم
عليه كتاب الله عز وجل) (قال) وروى أن أبا بكر أمر رجلا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم أصاب
حدا بالاستتار وان عمر امره به وهذا حديث صحيح عنهما (قال الشافعي) ونحن نحب لمن أصاب الحد
أن يستتر وأن يتقى الله عز وجل ولا يعود لمعصية الله فإن الله عز وجل يقبل التوبة عن عباده.
149

باب حد الذميين إذا زنوا
قال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في أهل الكتاب (فإن جاءوك فاحكم بينهم) قرأ إلى
(بينهم بالقسط) (قال الشافعي) رحمه الله ففي هذه الآية بيان والله أعلم أن الله تبارك وتعالى جعل لنبيه
صلى الله عليه وسلم الخيار في أن يحكم بينهم أو يعرض عنهم وجعل عليه إن حكم أن يحكم بينهم
بالقسط والقسط حكم الله تبارك وتعالى الذي أنزل على نبيه عليه الصلاة والسلام المحض الصادق
أحدث الاخبار عهدا بالله تبارك وتعالى قال الله عز وجل (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع
أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك (قال الشافعي) وفي هذه الآية ما في التي
قبلها من أمر الله تبارك وتعالى له بالحكم بما أنزل الله إليه (قال) وسمعت من أرضى من أهل العلم يقول
في قول الله تبارك وتعالى (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله) إن حكمت لا عزما أن تحكم (قال الشافعي)
وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في يهوديين زنيا رجمهما وهذا معنى قوله عز وجل (وإن حكمت
فاحكم بينهم بالقسط) ومعنى قول الله تبارك وتعالى (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله) والدليل الواضح
أن من حكم عليهم من أهل دين الله فإنما يحكم بينهم يحكم المسلمين فما حكمنا به على مسلم حكمنا به
على من خالف الاسلام وحكم به عليهم ولهم (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن
النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا قال عبد الله فرأيت الرجل يخبئ على المرأة يقيها الحجارة
(قال الشافعي) فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالحكم بينهم بما أنزل الله بالقسط ثم حكم
رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم بالرجم وتلك سنة على الثيب المسلم إذا زنى ودلالة على أن ليس
لمسلم حكم بينهم أبدا أن يحكم بينهم إلا بحكم الاسلام (قال الشافعي) قال لي قائل إن قول الله تبارك
وتعالى (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله) ناسخ لقوله عز وجل (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض
عنهم) فقلت له الناسخ إنما يؤخذ بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن بعض أصحابه لا مخالف له
أو أمر أجمعت عليه عوام الفقهاء فهل معك من هذا واحد؟ قال لا فهل معك ما يبين أن الخيار
غير منسوخ؟ قلت قد يحتمل قول الله عز وجل (وأن أحكم بينه بما أنزل الله) إن حكمت وقد روى
بعض أصحابك عن سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن قابوس بن مخارق أن محمد بن أبي بكر
كتب إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مسلم زنى بذمية أن يحد المسلم وتدفع الذمية إلى أهل دينها
(قال الشافعي) فإذا كان هذا ثابتا عندك فهو يدلك على أن الإمام مخير في أن يحكم بينهم أو يترك
الحكم عليهم ولو كان الحكم لازما للإمام في حال لزمه أن يحكم بينهم في حد واحد حد فيه المسلم ولم
تحد الذمية قال وكيف لم تحد الذمية (1) من قبل أنها لم ترض حكمه وأنه مخير في أن يحكم فيها أو يدع
الحكم قال فما الحال التي يلزمه فيها أن يحكم لهم وعليهم؟ قلت إذا كانت بينهم وبين مسلم أو مستأمن
تباعة فلا يجوز أن يحكم لمسلم ولا عليه إلا مسلم (2) ولا يجوز أن يكون عقد بالمستأمن أمانا على ماله
ودمه حتى يرجع أن يحكم عليه إلا مسلم قال فهذا زنا واحد قد رد فيه علي رضي الله عنه الذمية على
أهل دينها قلنا إنه لم يكن لها بالزنا على المسلم شئ تأخذه منه ولا للمسلم عليها شئ فيحكم لها وعليها

(1) لعل الناسخ أسقط هنا لفظ " قلت " اي الشافعي.
(2) في هذه العبارة تحريف، فانظر. كتبه مصححه.
150

وإنما كان حد فأخذه إن كان حديثكم ثابتا عنه من المسلم ورد الذمية إلى أهل دينها لما وصفنا من أنها لم
ترض حكمه وأنه مخير في الحكم لها وعليه (قال الشافعي) فقال وقد روى بحالة عن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه أنه كتب (فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة) فكيف لم تأخذوا به؟
فقلت له بحاله رجل مجهول ليس بالمشهور ولا يعرف أن جزء معاوية كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه
عاملا ونحن نسألك فإن قلت ما قلنا فلم تحتج بأمر قد علمت أنه لا حجة فيه؟ وإن قلت بل نصير
إلى حديث بجالة فحديث بجالة موافق لنا لأن على عمر إنما حملهم إن كان ما كان حاملا عليه المسلمين
لأن المحارم لا يحللن للمسلمين ولا ينبغي للمسلم الزمزمة وهذا يدل إن كان ثابتا لي انهم يحملون على ما
يحمل على المسلمون فحملتهم على ما يحمل عليه المسلمون وتبعتهم كما تتبع المسلمين قال لا قلت فقد
خالفت ما رويت عن عمر قال فإن قلت اتبعهم فيما رأيت أنه تبعهم فيه عمر؟ قلت ولم تتبعهم أنت
فيه إلا أنه يحرم عليهم؟ قال نعم قلت فكذلك تتبعهم في كل ما علمت أنهم مقيمون عليه مما يحرم
عليهم قال فإن قلت اتبعهم في هذا الذي رويت أن عمر تبعهم فيه خاصة قال قلت فيلزمك أن تتبعهم
في غيره إذا علمتهم مقيمين عليه وأن تستدل بأن عمر إنما يتبعهم في شئ بلغه أنهم مقيمون عليه مما
يحرم عليهم أن يتبعهم في مثله وأعظم منه مما يحرم عليهم فيلزمك أن تعلم أن عمر صيرهم أن حكم
عليهم إلى ما يحكم به على المسلمين فتعلم أن الله تبارك وتعالى أمر بالحكم بينهم بالقسط ثم حكم بينهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجم وهي سنته التي سن بين المسلمين وقال صلى الله عليه وسلم فيها
(لا قضين فيما بينكم بكتاب الله عز وجل) ثم زعمت عن عمر أنه حرم عليهم ما يحرم على المسلمين ثم
زعمت عن علي رضي الله عنه أنه دفع نصرانية إلى أهل دينها فكل ما زعمنا وزعمت حجة لنا وكل ما
زعمت تعرفه ولا نعرفه نحن حجة لنا ولا يخالف قولنا وأنت تخالف ما تحتج به، قال منهم قائل وكيف
لا تحكم بينهم إذا جاءوك مجتمعين أو متفرقين؟ قلت أما متفرقين فإن الله عز وجل يقول (فإن جاءوك
فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) فدل قول الله تبارك وتعالى (فإن جاءوك) على أنهم مجتمعون ليس إن
جاءك بعضهم دون بعض ودل على أن له الخيار إذا جاءوه في الحكم أو الاعراض عنهم وعلى أنه إن
حكم فإنما يحكم بينهم حكمه بين المسلمين (قال الشافعي) ولم أسمع أحدا من أهل العلم ببلدنا يخالف
في أن اليهوديين اللذين رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزنا كانا موادعين لا ذميين (قال
الشافعي) وقال لي بعض من يقول القول الذي أحكى خلافه أنه ليس للإمام أن يحكم على موادعين
وإن رضيا حكمه وهذا خلاف السنة ونحن نقول إذا رضيا حكم الإمام فاختار الإمام الحكم حكم
عليهما (قال الشافعي) وقد كان أهل الكتاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بناحية المدينة موادعين
زمانا وكان أهل الصلح والذمة معه بخيبر وفدك ووادي القرى ومكة ونجران واليمن يجري عليهم حكمه
صلى الله عليه وسلم ثم مع أبي بكر حياته ثم مع عمر صدرا من خلافته حتى أجلاهم عمر بما بلغه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم في ولايته وحيث تجرى أحكامه بالشام والعراق ومصر واليمن ثم مع
عثمان بن عفان ثم مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم نعلم أحدا ممن سمينا حكم بينهم في شئ ولو
حكموا بينهم لحفظ بعض ذلك إن لم يحفظ كله (قال الشافعي) وأهل الذمة بشر لا يشك بأنهم يتظالمون
فيما بينهم ويختلفون ويتطالبون بالحقوق وأنهم يعقلون أو بعضهم مالهم وما عليهم وما نشك أن الطالب
حريص على من يأخذ له حقه وأن المطلوب حريص على من يدفع عنه ما يطلب به وأن كلا قد يحب
ان يحكم له من يأخذ لم ويحكم عليه من يدفع عنه وأن قد يرجو كل في حكام المسلمين والعلم يحكمهم
151

أو الجهالة به مالا يرجو في حاكمه وأن لو كان على حكام المسلمين الحكم بينهم إذا جاءهم بعض دون
بعض وإذا جاءوهم مستجمعي لجاءوهم في بعض الحالات مستجمعين (قال الشافعي) ولا نعلم أحدا
من أهل العلم روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم بينهم إلا في الموادعين اللذين رجم ولا عن
أحد من أصحابه بعده إلا ما روى بجالة مما يوافق حكم الاسلام وسماك بن حرب عن علي رضي الله عنه
مما يوافق قولنا في أنه ليس على الإمام أن يحكم إلا أن يشاء (قال الشافعي) وهاتان الروايتان وإن لم
تخالفانا غير معروفتين عندنا ونحن نرجو أن لا نكون ممن تدعوه الحجة على من خالفه إلى قبول خبر من لا
يثبت خبره معرفته عنده (قال الشافعي) فقال لي بعض الناس فإنك إذا أبيت الحكم بينهم رجعوا إلى
حكامهم فحكموا بينهم بغير الحق عندك (قال الشافعي) فقلت له وأنا إذا أبيت الحكم فحكم
حاكمهم بينهم بغير الحق ولم أكن أنا حاكما فما أنا من حكم حكامهم أترى تركي أن أحكم بينهم في
درهم لو تظالموا فيه وقد أعلمتك ما جعل الله لنبيه صلى الله عليه وسلم من الخيار في الحكم بينهم أو
الترك لهم وما أوجدتك من الدلائل على أن الخيار ثابت بأن لم يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
من جاء بعده من أئمة الهدى أو ترى تركي الحكم بينهم أعظم أم تركهم على الشرك بالله تبارك وتعالى؟
فإن قلت فقد أذن الله عز وجل بأخذ الجزية منهم وقد علم أنهم مقيمون على الشرك به معونة لأهل ديته
فإقرارهم على ما هو أقل من الشرك أحرى أن لا يعرض في نفسك منه شئ إذا أقررناهم على أعظم
الأمور فأصغرها أقل من أعظمها (قال الشافعي) فقال لي قائل فإن امتنعوا أن يأتوا حكامهم قلت
أخيرهم بين أن يرجعوا إليهم أو يفسخوا الذمة، قال فإذا خيرتهم فرجعوا وأنت تعلم أنهم يحكمون بينهم
بالباطل عندك فأراك قد شركتهم في حكمهم (قال الشافعي) فقلت له لست شريكهم في حكمهم وإنما
وفيت لهم بذمتهم وذمتهم أن يأمنوا في بلاد المسلمين لا يجبرون على غير دينهم ولم يزالوا يتحاكمون إلى
حكامهم برضاهم فإذا امتنعوا من حكامهم قلت لهم لم تعطوا الأمان على الامتناع والظلم فاختاروا أن
تفسخوا الذمة أو ترجعوا إلى من لم يزل يعلم أنه كان يحكم بينكم منذ كنتم فإن اختاروا فسخ الذمة
فسخناها وإن لم يفعلوا ورجعوا إلى حكامهم فكذلك لم يزالوا لا يمنعهم منه إمام قبلنا ورجوعهم إليهم
شئ رضوا به لم نشركهم نحن فيه (قال الشافعي) ولو رددناهم إلى حكامهم لم يكن ردنا له مما
يشركهم ولكنه منع لهم من الامتناع (قال) وقلت لبعض من يقول هذا القول أرأيت لو أغار عليهم
العدو فسبوهم فمنعوهم من الشرك وشرب الخمر وأكل الخنزير أكان على أن استنقذهم إن قويت
لذمتهم؟ قال نعم قلت فإن قال قائل إذا استنقذتهم ورجعوا آمنين أشركوا وشربوا الخمر وأكلوا الخنزير
فلا تستنقذهم فتشركهم في ذلك ما الحجة؟ قال الحجة أن نقول استنقذهم لذمتهم قلت فإن قال في
اي ذمتهم وجدت أن تستنقذهم؟ هل تجد بذلك خبرا؟ قال لا ولكن معقول إذا تركتهم آمنين في
بلاد المسلمين أن عليك الدفع عمن في بلاد المسلمين قلت فإن قلت أدفع عما في بلاد المسلمين
للمسلمين فأما لغيرهم فلا قال إذا جعلت لغيرهم الأمان فيها كان الدفع عنهم قلت وحالهم حال
المسلمين؟ قال لا، قلت فكيف جعلت على الدفع عنهم وحالهم مخالفة حال المسلمين هم وإن استووا
في أن لهم المقام بدار المسلمين مختلفون فيما يلزم لهم المسلمين؟ (قال الشافعي) وإن جاز لنا القتال عنهم
ونحن نعلم ما هم عليه من الشرك واستنقاذهم لو أسروا فردهم إلى حكامهم وإن حكموا بما لا نرى أخف
وأولى أن يكون لنا والله أعلم (قال الشافعي) فقال لي بعض الناس أرأيت إن أجزت الحكم بينهم كيف
تحكم؟ قلت إذا اجتمعوا على الرضا بي فأحب إلى أن لا أحكم لما وصفت لك ولان ذلك لو كان
152

فضلا حكم به من كان قبلي فإن رضيت بأنه مباح لي لم أحكم حتى أعلمهم إني إنما أجيز بينهم ما
يجوز بين المسلمين وأرد بينهم ما يرد بين المسلمين وأعلمهم أنى لا أجيز بينهم إلا شهادة الأحرار المسلمين
العدول فإن رضوا بهذا فرأيت أن أحكم بينهم حكمت وإن لم يرضوا معا لم أحكم وإن حكمت فبهذا
أحكم قال وما حجتك في أن لا تجيز شهادتهم بينهم؟ قلت قول الله تبارك وتعالى (استشهدوا شهيدين
من رجالكم) إلى قوله (ممن ترضون من الشهداء) وقول الله عز وجل (وأشهدوا ذوي عدل منكم) ففي
هاتين الآيتين والله أعلم دلالة على أن الله عز وجل إنما عنى المسلمين دون غيرهم ولم أر المسلمين اختلفوا
في أنها على الأحرار العدول من المسلمين خاصة دون المماليك العدول والأحرار غير العدول وإذا زعم
المسلمون أنها على الأحرار المسلمين العدول دون المماليك فالمماليك العدول والمسلمون الأحرار وإن لم
يكونوا عدولا فهم خير من المشركين كيفما كان المشركون في ديانتهم فكيف أجيز شهادة الذي هو شر
وأرد شهادة الذي هو خير بلا كتاب ولا سنة ولا أثر ولا أمر اجتمعت عليه عوام الفقهاء؟ (قال
الشافعي) ومن أجاز شهادة أهل الذمة فأعد لهم عنده أعظمهم بالله شركا أسجدهم للصليب وألزمهم
للكنيسة فقال قائل فإن الله عز وجل يقول حين الوصية (اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم)
(قال الشافعي) والله أعلم بمعنى ما أراد من هذا وإنما يفسر ما احتمل الوجوه ما دلت عليه سنة أو أثر
عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مخالف له أو أمر اجتمعت عليه عوام الفقهاء فقد
سمعت من يتأول هذه الآية على من غير قبيلتكم من المسلمين ويحتج فيها بقول الله عز وجل (تحبسونهما
من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم) إلى (الآثمين) فيقول الصلاة للمسلمين والمسلمون يتأثمون من
كتمان الشهادة لله فأما المشركون فلا صلاة لهم قائمة ولا يتأثمون من كتمان الشهادة للمسلمين ولا عليهم
(قال الشافعي) وسمعت من يذكر أنها منسوخة بقوله تعالى (وأشهدوا ذوي عدل منكم) والله أعلم
ورأيت مفتى أهل دار الهجرة والسنة يفتون أن لا تجوز شهادة غير المسلمين العدول (قال الشافعي)
وذلك قولي (قال الشافعي) وقلت لمن يخالفنا في هذا فيجيز شهادة أهل الذمة ما حجتك في إجازتها؟
فاحتج بقول الله عز وجل (أو آخران من غيركم) قلت له إنما ذكر الله جل ثناؤه هذه الآية في وصية
مسلم في السفر أفتجيزها في وصية مسلم بالسفر قال لا قلت أو تحلفهم إذا شهدوا؟ قال لا قلت ولم وقد
تأولت أنها في وصية مسلم؟ قال لأنها منسوخة قلت فإن نسخت فيما أنزلت فيه فلم تثبتها فيما لم تنزل
فيه؟ فقال لي بعض الناس فإنما أجزنا شهادتهم للرفق بهم ولئلا تبطل حقوقهم (قال الشافعي) وقلت
له كيف يجوز أن تطلب الرفق بهم فتخالف حكم الله عز وجل في أن الشهود الذين أمروا أن يقبلوا هم
المسلمون؟ (قال الشافعي) وقلت له المذهب الذي ذهبت إليه خطأ من وجه منها انه خلاف ما
زعمت أنه حكم الله عز وجل من أن الشهادة التي يحكم بها شهادة الأحرار المسلمين وأنا لم نجد أحدا
من أئمة المسلمين يلزم قوله أجاز شهادتهم ثم خطأ في قولك طلب الرفق بهم (قال) وكيف قلت؟
أرأيت عبيدا عدولا مجتمعين في موضع صناعة أو تجارة شهد بعضهم لبعض بشئ؟ قال لا تجوز
شهادتهم قلت إنهم في موضع لا يخلطهم فيه غيرهم قال وإن قلت فإن كانوا في سجن قال وإن قلت
فأهل السجن والبدو الصيادون إن كانوا أحرارا غير معدلين ولا يخلطهم غيرهم شهد بعضهم لبعض؟
قال لا تجوز شهادتهم قلت فإن قالوا لك لا يخلطنا غيرنا وإن أبطلت شهادتنا ذهبت دماؤنا وأموالنا قال
وإن ذهبت فأنا لم أذهبها قلت فإن قالوا فاطلب الرفق بنا بإجازة شهادة بعضنا لبعض؟ قال لا أطلب
الرفق لكم بخلاف حكم الله عز وجل فإن قالوا لك وما حكم الله؟ تعالى قال الأحرار العدول
153

المسلمون قلت فالعبيد العدول الذين يعتق أحدهم الساعة فتجيز شهادته أقرب من العدول في كتاب الله
أم الذمي الذي يسلم فتجيز إسلامه قبل إجازة شهادته؟ قال بل العبد العدل قلت فلم رددت الأقرب
من شرط الله جل ذكره وأجزت الابعد منه لو كان أحدهما جائزا جاز العبد ولم يجز الذمي أو الحر غير
العدل ولم يجز الذمي وما من المسلمين أحد إلا خير من أهل الذمة وكيف يجوز أن ترد شهادة مسلم بأن
تعرفه يكذب على بعض الآدميين وتجيز شهادة ذمي وهو يكذب على الله تبارك و تعالى؟ (قال الشافعي)
فقال قائل فإن شريحا أجاز شهادتهم فيما بينهم فقلت له أرأيت شريحا لو قال قولا لا مخالف له فيه مثله
ولا كتاب فيه أيكون قوله حجة؟ قال لا قلت فكيف تحتج به على الكتاب وعلى المخالفين له من أهل
دار الهجرة والسنة؟ (قال الشافعي) فإن احتج من يجيز شهادتهم بقول الله عز وجل (أو اخران من
غيركم) فقال من غير أهل دينكم فكيف لم تجزها فيما ذكرت فيه من الوصية على المسلمين في السفر (1)
كيف لم تجزها من جميع المشركين وهم غير أهل إسلام؟ أرأيت لو قال قائل إذا كان غير أهل الاسلام
هم المشركون فجاز لك أن تجيز شهادة بعضهم دون بعض بلا خبر يلزم فأنا أجيز شهادة أهل الأوثان.
لأنهم ليسوا بأهل كتاب نبذوه وبدلوه إنما ضلوا بأنهم وجدوا آباءهم على شئ فلزموه وأرد شهادة أهل
الكتاب الذين أخبرنا الله عز وجل أنهم قد بدلوا ما الحجة عليهم؟ فإن قال في أهل الكتاب من يصدق
ويؤدي الأمانة ففي أهل الأوثان من يصدق ويؤدي الأمانة ويعف (قال الشافعي) ما علمت من خالفنا
في الحكم بين أهل الكتاب إلا ترك فيه التنزيل والسنة لما روى فيه من الأثر والقياس عليه وما يعرفه أهل
العلم ثم لم يمتنع أن جهل وخطأ من علم (قال الشافعي) وقال لي منهم قائل فإذا حكمت بينهم أبطلت
النكاح بلا ولى ولا شهود وهو جائز بينهم؟ قلت: نعم قال وتبطل بينهم ثمن الخمر والخنزير؟ قلت:
نعم قال وإن قلته بعضهم لبعض أو غيرهم لهم لم تقض عليه بثمنه؟ قلت: نعم قال فهي أموالهم أنت
تقرهم يتمولونها. قال فقلت له إن إقرارهم يتمولونها لا يوجب على أن أحكم لهم بها. قال: وكيف
لا يجب عليك أن تحكم لهم بما تقرهم عليه قلت له ما أقرهم على الشرك وأقر عليه أبناءهم ورقيقهم؟
قال: بلى قلت: فلو أسلم بعض رقيقهم وحكمت عليه بالخروج من ملكه ألست أحمده على الاسلام
وأجبر السيد على بيعه ولا أدعه يسترقه ولا أعيده إلى الشرك؟ قال بلى قلت أفلست أقررته على شئ ثم
لم أحكم له بما أقررته عليه وقد كان في حال مقرا عليه؟ قال: بلى قلت أو ما أقره على حكم حكامه
وأنا أعلم انهم يحكمون بغير الحق؟ قال بلى قلت ومن حكم بعضهم أن من سرق شيئا لرجل كان
السارق عبدا للمسروق فأقرهم على ذلك إذا رضوه أفرأيت لو ترافعوا إلى الحكم بأن السارق عبد
للمسروق قال: لا قلت ومن حكم بعضهم أن ليس لرجل أن ينكح إلا امرأة واحدة لا يطلقها. ومن
حكم بعضهم أن ليس للمرأة أن تنكح إلا رجلا واحدا أفرأيت لو ترافعوا إلي ألزمتهم ذلك؟ قال: لا
قلت فأراك تقرهم على أشياء من أحكامهم إذا صاروا إليك لم تحكم لهم بها وحكمت عليهم حكم
الاسلام (قال الشافعي) وقلت لبعضهم أرأيت إذا تحاكموا إليك وقد أربى بعضهم على بعض وذلك
جائز عندهم؟ قال أرد الربا قلت فإن تحاكموا إليك وقد نكح الرجل محرمه في كتاب الله قال أرد
النكاح قلت فإن تحاكم إليك مجوسيان وقد أحرق أحدها لصاحبه غنما قد اشتراها بين يديك بمائة ألف

(1) قوله كيف لم تجزها من جميع الخ كذا في الأصل ولعل في العبارة تحريفا فتأمل وارجع إلى الأصول السليمة
فإن النسخ التي بيدنا محرفة سقيمة وقد قدمنا إليك إن غالب المناظرات محرف والله المستعان. كتبه مصححه.
154

وأربح فيها مائة ألف على أن يقذها لهم فوقذها كلها وتلك عنده ذكاتها فأحرقها أحدهم أو مسلم فقال
قد أحرق هذا مالي الذي ابتعته بين يديك وأربحت فيه بمحضرك بمثل ما ابتعته به وهو مائة ألف؟ قال
لا يغرم شيئا قال ولم؟ هذا مالي تقرني عليه مذ كنت وتجارتي أحرقها؟ قال هذا حرام. قلت: فإن قال
لك أرأيت الخمر والخنزير أحلال هما؟ قال لا قلت فإن قال فلم أجزت بيعهما عندك وحكمت على من
استهلكهما بثمنهما أن كان يتمولان وتقرهم على تمولهما وهما حرام ولم تحكم لي بثمن الميتة وهي تمول وقد
كانت حلالا قبل قتلها عندك وجلدها حلال إذا دبغته؟ وإن كانت الميتة والخنزير لم تكن حلالا قط
عندك ولا يكون الخنزير حلالا بحال أبدا (قال الشافعي) فقال لي بعضهم قولنا هذا مدخول غير
مستقيم فما حجتك في قولك؟ فوصفت له كتاب الله تبارك وتعالى أن نحكم بينهم بحكمه الذي أنزل على
نبيه عليه الصلاة والسلام ثم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حكم به بين المسلمين في الرجم
(قال الشافعي) وقلت له: أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة
عن ابن عباس أنه قال كيف تسألون أهل الكتاب عن شئ وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه صلى الله
عليه وسلم أحدث الاخبار تقرءونه محضبا لم يشب ألم يخبركم الله عز وجل في كتابه أنهم حرفوا كتاب
الله تبارك اسمه وبدلوا وكتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا (هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما
كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) ألا ينهاكم العلم الذي جاءكم عن مسألتهم؟ والله ما رأينا أحدا
منهم يسألكم عما أنزل الله إليكم وقلت له أمرنا الله عز وجل بالحكم بينهم بكتاب الله المنزل على نبيه
صلى الله عليه وسلم وأخبر أنهم قد بدلوا كتابه الذي أنزل وكتبوا الكتاب بأيديهم فقالوا (هذا من عند
الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) (قال الشافعي) وقلت له ترك
أصحابك ما وصفنا من حكم الله عز وجل ثم حكم رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا قيل لم لم أقمتم
الحدود على المعاهدين وإن لم يكونوا يرونها في دينهم وأبطلتم الحدود في قذف بعضهم بعضا وإن لم كانوا
يرونها بينهم؟ قالوا بأن حكم الله تبارك وتعالى على خلقه واحد وبذلك أبطلنا الزنا بينهم ونكاح الرجل
حريمه في كتاب الله عز وجل وإن كان ذلك جائزا بينهم. فإذا قيل لهم فحكم الله عز وجل يدل على
أن تحكم بينهم حكمنا في الاسلام قالوا: نعم فإذا قيل فلم أجزتم بينهم ثمن الخنزير وغرمتم ثمنه وليس
من حكم الاسلام أن يجوز ثمن الحرام؟ قالوا هي أموالهم وقد أبطلوا أموالهم بينهم (قال الشافعي)
فرجع بعضهم إلى قولنا وقال هذا قول مستقيم على كتاب الله عز وجل ثم سنة نبي الله صلى الله عليه
وسلم لا يختلف وأقام بعضهم على قولهم مع ما وصفت لك من تناقضه وسكت عن بعض للاكتفاء بما
وصفت لك مما لم أصف.
حد الخمر
(قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب يرفعه إلى النبي صلى الله
عليه وسلم قال: (إن شرب الخمر فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب
فاقتلوه) فأتى برجل قد شرب فجلده ثم أتى به الثانية فجلده ثم أتى به الثالثة فجلده ثم أتى به الرابعة
فجلده ووضع القتل فكانت رخصة (قال) سفيان ثم قال الزهري لمنصور بن المعتمر ومخول كونا وافدي
أهل العراق بهذا الحديث (قال الشافعي) والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره وهذا مما لا اختلاف فيه
155

بين أحد من أهل العلم علمته (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد
الرحمن عن عائشة أنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال (كل شراب أسكر فهو
حرام) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب الطلاء وأنا سائل عما
شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاما (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر
بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه قال: لا أوتى بأحد شرب خمرا نبيذا أو
مسكرا إلا حددته (قال الشافعي) قال بعض الناس الخمر حرام والسكر من كل الشراب ولا يحرم
المسكر حتى يسكر منه ولا يحد من شرب نبيذا مسكرا حتى يسكره. فقيل لبعض من قال هذا القول:
كيف خالفت ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبت عن عمر وروى عن علي ولم يقل أحد من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافه؟ قال روينا فيه عن عمر أنه شرب فضل شراب رجل
حده. قلنا رويتموه عن رجل مجهول عندكم لا تكون روايته حجة قال: وكيف يعرف المسكر؟ قلنا لا
نحد أحدا أبدا لم يسكر حتى يقول شربت الخمر أو يشهد به عليه أو يقول شربت ما يسكر أو يشرب
من إناء هو ونفر فيسكر بعضهم فيدل ذلك على أن الشراب مسكر فأما إذا غاب معناه فلا يضرب فيه
حدا ولا تعزيرا لأنه إما الحد وإما أن يكون مباحا وإما أن يكون مغيب المعنى ومغيب المعنى لا يحد فيه
أحد ولا يعاقب إنما يعاقب الناس على اليقين وفيه كتاب كبير وسمعت الشافعي يقول ما أسكر كثيره
فقليله حرام (قال الشافعي) يقال لم قال إذا شرب تسعة فلم يسكر ثم شرب العاشر فسكر فالعاشر هو
حرام فقيل له: أرأيت لو شرب عشرة فلم يسكر؟ فإن قال حلال قيل له فإن خرج فأصابته الريح
فسكر فإن قال حرام قيل أفرأيت شيئا يشربه رجل حلالا ثم صار في بطنه حلالا فلما أصابته الريح
قلبته فصيرته حراما.
باب ضرب النساء
(قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن
إياس بن عبد الله ابن أبي ذباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تضربوا إماء الله) قال
فأتاه عمر فقال يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن فائذن في ضربهم فأطاف بآل محمد صلى الله عليه
وسلم نساء كثير كلهن يشكون أزواجهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أطاف الليلة بآل محمد
سبعون امرأة يشكون أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم (قال الشافعي) وقد أذن رسول الله صلى الله
عليه وسلم بضرب النساء إذا ذئرن على أزواجهن وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن بضربهن
ضربا غير مبرح وقال (اتقوا الوجه) (قال الشافعي) وقد أذن الله عز وجل بضربهن إذا خيف نشوزهن
فقال (واللاتي تخافون نشوزهن) إلى (سبيلا) (قال) ولو ترك الضرب كان أحب إلى القول النبي صلى
الله عليه وسلم (لن يضرب خياركم) وإذا أذن الله عز وجل ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضرب
الحرائر فكيف عاب رجل أن يقيم سيد الأمة على أمته حد الزنا وقد جاءت به السنة وفعله أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده.
156

السوط الذي يضرب به
(قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط فأتى بسوط مكسور
قال فوق هذا فأتى بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال بين هذين فأتى بسوط قد ركب به ولان فأمر به
رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلد ثم قال (أيها الناس قد آن لكم ان تنتهوا عن محارم الله فمن أصاب
منكم من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله) (قال
الشافعي) هذا حديث منقطع ليس مما يثبت به هو نفسه حجة وقد رأيت من أهل العلم عندنا من يعرفه
ويقول به فنحن نقول به (قال الشافعي) ولم يبلغ في جلد الحد أن ينهر الدم في شئ من الحدود ولا
العقوبات وذلك أن إنهار الدم في الضرب من أسباب التلف وليس يراد بالحد التلف إنما يراد به النكال
أو الكفارة.
باب الوقت في العقوبة والعفو عنها
(قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر عن محمد
بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (1)
(تجافوا لذوي الهيئات عن عثراتهم) (قال الشافعي) سمعت من أهل العلم من يعرف هذا الحديث
ويقول (يجافى الرجل ذي الهيئة عن عثرته ما لم يكن حدا) (قال) وذوو الهيئات الذين يقالون عثراتهم
الذين لا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي الرجال عن أمه عمرة
بنت عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعن الله المختفي والمختفية) (قال الربيع) يعنى
النباش والنباشة (قال الشافعي) وقد رويت أحاديث مرسلة عن النبي صلى الله عليه وسلم في
العقوبات وتوقيتها تركناها لانقطاعها.
صفة النفي
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) النفي ثلاثة وجوه: منها نفى نصا بكتاب الله عز وجل وهو
قول الله عز وجل في المحاربين (أو ينفوا من الأرض) وذلك النفي أن يطلبوا فيمتنعوا فمتى قدر عليهم
أقيم عليهم حد الله تبارك وتعالى إلا أن يتوبوا قبل أن يقدر عليهم فيسقط عنهم حق الله وتثبت عليهم
حقوق الآدميين والنفي في السنة وجهان أحدهما ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نفى البكر
الزاني يجلد مائة وينفى سنة وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (لأقضين بينكما
بكتاب الله عز وجل) ثم قضى بالنفي والجلد على البكر والنفي الثاني أنه يروى عن النبي صلى الله عليه
وسلم مرسلا أنه نفى مخنثين كانا بالمدينة يقال لأحدهما هيت وللآخر ماتع ويحفظ في أحدهما أنه نفاه إلى

(1) الذي في اللسان والمصابيح " تعافوا " اي تجاوزوا عنها ولا ترفعوها إلى. كتبه مصححه.
157

الحمى وأنه كان في ذلك المنزل حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة أبى بكر وحياة عمر وأنه شكا
الضيق فأذن له بعض الأئمة أن يدخل المدينة في الجمعة يوما يتسوق ثم ينصرف وقد رأيت أصحابنا
يعرفون هذا ويقولون به حتى لا أحفظ عن أحد منهم أنه خالف فيه وإن كان لا يثبت كثبوت نفى الزنا
(قال الشافعي) في الرجل إذا طلق امرأته وله منها ولد فالمرأة أحق بالولد حتى يبلغ سبع سنين أو ثمان
سنين فإذا بلغ خير أيهما شاء وعلى الأب نفقته ما أقام عند أمه فإن نكحت المرأة فالجدة مكان الام وإن
كان للجدة زوج فهي بمنزلة الام إذا تزوجت لا يقضى لها بالولد (قال الربيع) إن كان زوج الجدة
جد الغلام كان أحق بالغلام وإن كان غير جده لم يكن أحق به (قال) وحديث مالك أن عمر أو عثمان
قضى أحدهما في أمة غرت من نفسها (قال الشافعي) وإذا غرت المرأة رجلا بنفسها ثم استحقت
كانت لمالكها وكان على الزوج المهر بالإصابة ملكا للمالك وكان أولاده أحرارا وعليه قيمتهم يوم ولدوا لا
يوم يؤخذون لأنهم لم يقع عليهم الرق (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة
أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله أرأيت إن وجدت رجلا مع امرأتي أمهله حتى آتي عليه بأربعة
شهداء؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) (قال الشافعي) فمن قتل ممن لم تقم بينة بما يوجب
قتله فعليه القود ولو صدق الناس بهذا أدخل الرجل الرجل منزله فقتله ثم قال وجدته يزنى بامرأتي
(قال) وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يحل دم مسلم إلا من إحدى ثلاث كفر بعد
إيمان) وروى عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه (قال من بدل دينه فاقتلوه) ولا يعدو الكافر بعد إيمان
البدل دينه بالكفر أن تكون كلمة الكفر والتبديل توجب عليه القتل وإن تاب كما يوجب عليه القتل من
الزنا وإن تاب أو يكون معناهما من بدل دينه أو كفر بعد إيمان فأقام على الكفر والتبديل ولا فرق بين من
بدل دينه فأظهر دينا معروفا أو دينا غير معروف (1) فإن قال قائل هو إذا رجع عن النصرانية فإن تاب
قبلت توبته ترك الصليب والكنيسة فقد يقدر على المقام على النصرانية مستخفيا ولا يعلم صحة رجوعه
إلى الله عز وجل فسواء رجع إلى دين يظهره أو دين لا يظهره وقد كان المنافقون مقيمين على إظهار
الايمان والاستسرار بالكفر فأخبر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ذلك عنهم فتولى حسابهم على
سرائرهم ولم يجعل الله عز وجل إلى العباد أن يحكموا إلا على الظاهر وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم
على المناكحة و الموارثة وأسهم لهم سهمان المسلمين إذا حضروا الحرب.
حد السرقة والقاطع فيها وحد قاطع الطريق وحد الزاني
حد السرقة أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى (والسارق والسارقة
فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم) (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة
والعمرى عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(القطع في ربع دينار فصاعدا) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قطع سارقا في محن قيمته ثلاثة دراهم (قال الشافعي) فدلت سنة رسول الله صلى

(1) قوله: فإن قال قائل الخ كذا في النسخ التي بيدنا وهي عبارة سقيمة تحتاج إلى تحرير ورجوع إلى الأصل
صحيح فعليك بالتحرير. كتبه مصححه.
158

الله عليه وسلم على من أراد الله قطعه من السراق البالغين غير المغلوبين وهذا مكتوب في باب غير هذا
ودلت على من أراد قطعه فكان من بلغت سرقته ربع دينار فصاعدا وحديث ابن عمر موافق لحديث
عائشة لأن ثلاثة دراهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده ربع دينار (قال الشافعي) أخبرنا
مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرة بنت عبد الرحمن أن سارقا سرق
أترجة في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه فأمر بها عثمان فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثنى عشر
درهما بدينار فقطع يده قال مالك هي الأترجة التي يأكلها الناس (قال الشافعي) فحديث عثمان يدل
على ما وصفت من أن الدراهم كانت اثنا عشر بدينار وكذلك أقام عمر الدية اثنى عشر ألف درهم
ويدل حديث عثمان على أن القطع في الثمر الرطب صلح بيبس أو لم يصلح لأن الأترج لا ييبس فكل
ماله ثمن هكذا يقطع فيه إذا بلغ قيمته ربع دينار مصحفا كان أو سيفا أو غيره مما يحل ثمنه فإن سرق
خمرا أو خنزيرا لم يقطع لأن هذا حرام الثمن ولا يقطع في ثمن الطنبور ولا المزمار (قال الشافعي)
أخبرنا ابن عيينة عن حميد الطويل أنه سمع قتادة يسأل أنس بن مالك عن القطع فقال أنس حضرت
أبا بكر الصديق قطع سارقا في شئ ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم (قال الشافعي) أخبرنا غير واحد
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال القطع في ربع دينار فصاعدا
(قال الشافعي) فبهذا كله نأخذ فإذا أخذ سارق قومت سرقته في اليوم الذي سرقها في فإن بلغت
قيمتها ربع دينار قطع وإن نقصت عن ربع دينار لم يقطع ولو حبس لتثبت البينة عليه وكانت يوم سرقها
لا تسوى ربع دينار فلم تصح البينة حتى صارت تسوى ربعا لم يقطع ولو قومت يوم سرقها بربع دينار
فحبس لتصح عليه البينة فرخصت حتى صارت لا تسوى ربع دينار قطع لأن القيمة يوم سرق ولا
يلتفت إلى ما بعد سرقته من غلاء السلعة ورخصها وما سرق من طعام رطب أو يابس أو خشب أو غيره
مما يحوزه الناس في ملكهم بسوى ربع دينار قطع والأصل ربع دينار فلو غلت الدراهم حتى يكون
درهمان بدينار قطع في ربع دينار وإن كان ذلك نصف درهم ولو رخصت حتى يصير الدينار بمائة
درهم قطع في ربع دينار وذلك خمسة وعشرون درهما وإنما الدراهم سلعة كالثياب والنعم وغيرها فلو
سرق ربع دينار أو ما يسوى ربع دينار أو ما يسوي عشر شياه كان يقطع في الربع وقيمته عشر شياه
وكذلك لو سرق ما يسوى ربع دينار وذلك ربع شاة كان إنما يقطع في ربع الدينار وإذا كان الأصل
الدينار فالدراهم عرض من العروض لا ينظر إلى رخصها ولا إلى غلائها والدينار الذي يقطع في ربعه
المثقال فلو كان يجوز ببلد أنقص منه لم يقطع حتى يكون سرق ما يسوى ربع دينار مثقالا لأنه الوزن
الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم * ولا يقطع حتى يكون سرق من حرز ويكون بالغا
يعقل.
باب السن التي إذا بلغها الرجل والمرأة أقيمت عليهما الحدود
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن عمر بن حفص عن
نافع عن ابن عمر قال عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم عام أحد وأنا ابن أربع عشرة فردني
وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني قال نافع فحدثت به عمر بن عبد العزيز
فقال عمر هذا فرق بين الذرية والمقاتلة ثم كتب إلى عماله أن يفرضوا لابن خمس عشرة في المقاتلة
159

ولابن أربع عشرة في الذرية (قال الشافعي) فبكتاب الله عز وجل ثم بهذا القول نأخذ قال الله عز
وجل (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا) الآية فمن بلغ النكاح من الرجال
وذلك الاحتلام والحيض من النساء خرج من الذرية وأقيم عليه الحدود كلها ومن أبطأ ذلك عنه
واستكمل خمس عشرة سنة أقيمت عليه الحدود كلها السرقة وغيرها.
باب ما يكون حرزا ولا يكون
والرجل توهب له السرقة بعدما يسرقها أو يملكها بوجه من الوجوه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن صفوان بن عبد الله أن صفوان
بن أمية قيل له من لم يهاجر هلك فقدم صفوان المدينة فنام في المسجد وتوسد رداءه فجاء سارق وأخذ
رداءه من تحت رأسه فأخذ صفوان السارق فجاء به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن تقطع يده فقال صفوان إني لم أرد هذا هو عليه صدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(هلا قبل أن تأتيني به؟) وأخبرنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى عن عمه واسع بن حبان أن رافع
خديج أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تقطع اليد في ثمر ولا كثر) أخبرنا سفيان عن
يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن رافع بن خديج عن النبي
صلى الله عليه وسلم مثله (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن أبي حسين عن عمرو بن شعيب عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا قطع في ثمر معلق فإذا آواه الجرين ففيه القطع) (قال الشافعي)
فأنظر أبدا إلى الحال التي يسرق فيها السارق فإذا سرق السرقة ففرق بينها وبين حرزها فقد وجب الحد
عليه حينئذ فإن وهب السرقة للسارق قبل القطع أو ملكها بوجه من وجوه الملك قطع لأني إنما أنظر
إلى الحال التي سرق فيها والحال التي سرق فيها هو غير مالك للسلعة وأنظر إلى المسروق فإن كان في
الموضع الذي سرق فيه تنسبه العامة إلى أنه في مثل ذلك الموضع محرز فأقطع فيه وإن كانت العامة لا
تنسبه إلى أنه في مثل ذلك الموضع محرز فلا يقطع فيه (قال الشافعي) فرداء صفوان كان محرزا
باضطجاعه عليه فمثله كل من كان في موضع مباح فاضطجع على ثوبه فاضطجاعه حرز له كان في
صحراء أو حمام أو غيره لأنه هكذا يحرز في ذلك الموضع وأنظر إلى متاع السوق فإذا ضم بعضه إلى
بعض في موضع بياعاته وربط بحبل أو جعل الطعام في خيش وخيط عليه فسرق أي هذا أحرز به
فأقطع فيه لأن الناس مع شحهم على أموالهم هكذا يحرزونه وأي إبل الرجل كانت تسير وهو يقودها
فقطر بعضها إلى بعض فسرق منها أو مما عليها شيئا قطع فيه وكذلك إن جمعها في صحراء أو أناخها
وكانت بحيث ينظر إليها قطع فيها وكذلك الغنم إذا آواها إلى المراح فضم بعضها إلى بعض واضطجع
حيث ينظر إليها فسرق منا شئ قطع فيه لأنه هكذا إحرازها وكذلك لو نزل في صحراء فضرب
فسطاطا وآوى فيه متاعه واضطجع فيه فإن سرق الفسطاط والمتاع من جوف الفسطاط فأقطع فيه لأن
اضطجاعه فيه حرز للمتاع والفسطاط إلا أن الاحراز تختلف فيحرز بكل ما يكون العامة تحرز بمثله
والحوائط ليست بحرز للنخل ولا للثمرة لأن أكثرها مباح يدخل من جوانبه فمن سرق من حائط شيئا
160

من ثمر معلق لم يقطع فإذا آواه الجرين قطع فيه وذلك أن الذي تعرفه العامة عندنا أن الجرين حرز وأن
الحائط غير حرز فلو اضطجع مضطجع في صحراء وضع ثوبه بين يديه أو ترك أهل الأسواق متاعهم
في مقاعد ليس عليها حرز ولم يضم بعضها إلى بعض ولم تربط أو القى أهل الأسواق ما يجعل مثلها في
السوق بسبب كالحباس الكبار ولم يضموها ولم يجزموها أو أرسل رجل إبله ترعى أو تمضى على الطريق
ليست مقطورة أو أناخها بصحراء ولم يضطجع عندها أو ضرب فسطاطا لم يضطجع فيه فسرق من هذا
شئ لم يقطع لأن العامة لا ترى هذا حرزا والبيوت المغلقة حرز لما فيها فإن سرق سارق من بيت مغلق
فتح الغلق أو نقب البيت أ قلع الباب فأخرج المتاع من حرزه قطع وإن كان البيت مفتوحا فدخل
فسرق منه لم يقطع فإن كان على الباب المفتوح حجرة مغلقة أو دار مغلقة فسرق منها قطع وقد قيل إن
كانت دونه حجرة أو دار فهذا حرز وإن لم يكن مغلقا وكذلك بيوت السوق ما كانت مفتوحة فدخلها
داخل فسرق منها لم يقطع وإن كان فيها صاحبها وهذه خيانة لأن ما في البيوت لا يحرزها قعود عنها
(قال الربيع) إلا أن يكون بصره يحيط بها كلها أو يكون يحرسها فأغفله فأخذ منها ما يسوى ربع دينار
قطع (قال الشافعي) ولو كان بيت عليه حجرة ثم دار فأخرج السرقة من البيت والحجرة إلى الدار
والدار للمسروق وحده لم يقطع حتى يخرجه من جميع الدار وذلك أن الدار حرز لما فيها فلا يقطع
حتى يخرج السرقة من جميع الحرز ولكن لو كانت الدار مشتركة وأخرج السرقة من البيت والحجرة إلى
الدار قطع لأن المشتركة ليست بحرز لواحد من السكان دون الآخر ولو نقب رجل البيت فأخرج المتاع
من النقب كله قطع ولو وضعه في بعض النقب ثم أخذه رجل من خارج لم يقطع، لأن الداخل لم
يخرجه من جميع حرزه إلا الخارج (قال) واخراج الداخل إياه من النقب وغيره إذا صيره في غير
حرز مثله ورميه به إلى الفج يوجب عليه القطع (قال الشافعي) ولو أن نفرا حملوا متاعا من بيت
والمتاع الذي حملوه معا فإن كانوا ثلاثة فبلغ ثلاثة أرباع دينار قطعوا وإن لم يبلغ ذلك لم يقطعوا ولو
حملوه متفرقا فمن أخرج منه شيئا يسوى ربع دينار قطع ومن أخرج ما لا يسوى ربع دينار لم يقطع
وكذلك لو سرق سارق ثوبا فشقه أو حليا فكسره أو شاة فذبحها في حرزها، ثم أخرج ما سرق من
ذلك قوم ما أخرج على ما أخرجه الثوب مشقوق والحلي مكسور والشاة مذبوحة فإذا بلغ ذلك ربع دينار قطع
ولا ينظر إلى قيمته في البيت إنما ينظر إلى قيمته في الحال التي أخرجه به فيها من الحرز فإن كان
يسوى ربع دينار قطع وإن لم يسو ربع دينار في الحال التي أخرجه بها لم يقطع وعليه قيمته صحيحا قبل
ان يشقه إن كان أتلفه والا فعليه رده ورد ما نقصه الخرق ولو دخل جماعة البيت ونقبوه معا ثم أخرج
بعضهم السرقة ولم يخرجها (1) دون الذي لم يخرجها وكذلك لو كانوا جماعة فوقف بعضهم على الباب
أو في موضع يحميهم فمن أخذ المتاع منهم قطع الذي أخرج المتاع من جوف البيت ولم يقطع من لم
يخرجه من جوف البيت فعلى هذا الباب كله، ومن سرق عبدا صغيرا أو أعجميا من حرز قطع
ومن سرق من يعقل أو يمتنع لم يقطع وهذه خديعة وإن سرق الصغير من غير حرز لم يقطع النباش إذا
أخرج الكفن من جميع القبر لأن هذا حرز مثله. وإن أخذ قبل أن يخرجه من جميع القبر لم يقطع ما
دام لم يفارق جميع حرزه.

(1) قوله: ولم يخرجها دون الخ هكذا في النسخ وفي العبارة سقط ولعل وجه الكلام " ولم يخرجها بعضهم
قطع الذي أخرجها دون الخ " وقوله " فمن اخذ المتاع الخ " لعل فيه زيادة من الناسخ تأمل. كتبه مصححه.
161

قطع المملوك بإقراره وقطعه وهو آبق
(قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عمرة بنت عبد
الرحمن أنها قالت خرجت عائشة إلى مكة ومعها مولاتان لها وغلام لبنى عبد الله بن أبي بكر الصديق
فبعثت مع المولاتين ببرد مراجل قد خيط عليه خرقة خضراء قالت فأخذ الغلام البرد ففتق عنه
فاستخرجه وجعل مكانه لبدا أو فروة وخاط عليه فلما قدمت المولاتان المدينة دفعتا ذلك إلى أهله فلما
فتقوا عنه وجدوا فيه اللبد ولم يجدوا فيه البرد فكلموا المولاتين فكلمتا عائشة زوج النبي صلى الله عليه
وسلم أو كتبتا إليها واتهمتا العبد فسئل العبد عن ذلك فاعترف فأمرت به عائشة زوج النبي صلى الله عليه
وسلم فقطعت يده وقالت عائشة رضي الله عنها القطع في ربع دينار فصاعدا (قال الشافعي) وهذا
عندنا كان محرزا مع المولاتين فسرق من حرزه وبهذا فأخذ بإقرار العبد على نفسه فيما يضره في بدنه وإن
نقص بذلك ثمنه ونقطع العبد لأنه سرق وقد أمر الله عز وجل بقطع السارق ونقطعه وإن كان آبقا ولا
تزيده معصية الله بالإباق خيرا (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن عبدا سرق لابن عمر وهو
آبق، فأرسل به عبد الله إلى سعيد بن العاص وهو أمير المدينة ليقطع يده فأبى سعيد أن يقطع يده
وقال لا تقطع يد الآبق إذا سرق فقال له ابن عمر في أي كتاب الله وجدت هذا؟ فأمر به ابن عمر
فقطعت يده (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن رزيق بن حكيم أنه أخذ عبدا آبقا قد سرق فكتب فيه
إلى عمر بن عبد العزيز إني كنت أسمع أن العبد الآبق إذا سرق لم يقطع فكتب عمر إن الله عز وجل
يقول (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم) فإن بلغت
سرقته ربع دينار أو أكثر فاقطعه.
قطع الأطراف كلها
(قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلا من أهل
اليمن أقطع اليد والرجل قدم على أبى بكر الصديق رضي الله عنه فشكا إليه أن عامل اليمن ظلمه فكان
يصلى من الليل فيقول أبو بكر وأبيك ما ليلك بليل سارق ثم أنهم افتقدوا حليا لأسماء بنت عميس امرأة
أبى بكر فجعل الرجل يطوف معهم ويقول اللهم عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح فوجدوا
الحلى عند صائغ زعم أن الأقطع جاء به فاعترف به الأقطع أو شهد عليه فأمر به أبو بكر فقطعت يده
اليسرى وقال أبو بكر (والله لدعاؤه على نفسه أشد عندي من سرقته) (قال الشافعي) رحمه الله:
فبهذا نأخذ فإذا سرق السارق أولا قطعت يده اليمنى من مفصل الكف ثم حسمت بالنار فإذا سرق
الثانية قطعت رجله اليسرى من المفصل ثم حسمت بالنار ثم إذا سرق الثالثة قطعت يده اليسرى من
مفصل الكف ثم حسمت بالنار فإذا سرق الرابعة قطعت رجله اليمنى من المفصل ثم حسمت بالنار فإذا
سرق الخامسة حبس وعزر ويعزر كل من سرق إذا كان سارقا (1) من جنى يدرأ فيه القطع فإذا درئ

(1) قوله: من جنى لعله محرف عن نحو من حيث وقوله ويقطع ما يقطع الخ كذا في النسخ والمقصود بيان
المطلوب في القطع وعبارة المختصر ويقطع بالأخف مؤنة وأقر به سلامة تأمل.
162

عنه القطع عزر (قال الشافعي) ويقطع ما يقطع به من خفة المؤنة عليه وأقربه من السلامة وكان الذي
أعرف من ذلك أن يجلس ويضبط ثم تمد يده بخيط حتى يبين مفصلها ثم يقطع بحديدة حديدة ثم
يحسم وإن وجد أرفق وأمكن من هذا قطع به لأنه إنما يراد به إقامة الحد لا التلف.
من يجب عليه القطع
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يقطع السارق ولا يقام حد دون القتل على امرأة حبلى ولا
مريض دنف ولا بين المرض ولا في يوم مفرط البرد ولا الحر ولا في أسباب التلف ومن أسباب التلف
التي يترك إقامة الحدود فيها إلى البرء أن تقطع يد السارق فلا يبرأ حتى يسرق فيؤخر حتى تبرأ يده ومن
ذلك أن يجلد الرجل فلا يبرأ جلده حتى يصيب حدا فيترك حتى يبرأ جلد وكذلك كل قرح أو مرض
أصابه.
ما لا يقطع فيه من جهة الخيانة
(قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عبد الله بن
عمرو الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال اقطع يد هذا فإنه سرق فقال له
عمر (ماذا سرق قال) سرق مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهما فقال عمر أرسله فليس عليه خادمكم سرق
متاعكم (قال الشافعي) فبهذا كله نقول والعبد إذا سرق من متاع سيده مما أو تمن عليه أو لم يؤتمن أحق
أن لا يقطع من قبل أن ماله أخذ بعضه بعضا (قال الشافعي) وقد قال صاحبنا إذا سرق الرجل من
امرأته أو المرأة من زوجها من البيت الذي هما فيه لم يقطع واحد منهما وإن سرق غلامه من امرأته أو
غلامها منه وهو يخدمهما لم يقطع لأن هذه خيانة فإذا سرق من امرأته أو هي منه من بيت محرز فيه لا
يسكنانه معا أو سرق عبدها منه أو عبده منها وليس بالذي يلي خدمتهما قطع أي هؤلاء سرق (قال
الشافعي) وهذا مذهب و أراه يقول إن قول عمر خادمكم ومتاعكم أي الذي يلي خدمتكم ولكن قول
عمر خادمكم يحتمل عبدكم فأرى والله تعالى أعلم على الاحتياط أن لا يقطع الرجل لا مرأته ولا
المرأة لزوجها ولا عبد واحد منهما سرق من متاع الآخر شيئا للأثر والشبهة فيه (قال) وكذلك الرجل
يسرق متاع أبيه وأمه وأجداده من قبلهما أو متاع ولده أو ولد ولده لا يقطع واحد منهم وإذ كان في
بيت واحد ذوو رحم أو غير ذوي رحم فسرق بعضهم من بعض لم يقطع لأنها خيانة وكذلك أجراؤهم
معهم في منازلهم ومن يخدمهم بلا أجر لأن هذا كله من جهة الخيانة وكذلك من استعار متاعا
فجحده أو كانت عنده وديعة فجحدها لم يكن عليه فيها قطع وإنما القطع على من أخرج متاعا من
حرز بغير شبهة وهذا وجه قطع السرقة (قال الشافعي) والخلسة ليست كالسرقة فلا قطع فيها لأنها لم
تؤخذ من حرز وليست بقطع للطريق (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن مروان بن
الحكم أتى بإنسان قد اختلس متاعا فأراد قطع يده فأرسل إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك فقال زيد
ليس في الخلسة قطع (قال الشافعي) ولو أسكن رجل رجلا في بيت أو أكراه إياه فكان يغلقه دونه
ثم سرق رب البيت منه قطع وهو مثل الغريب يسرق منه.
163

غرم السارق
(قال الشافعي) رحمه الله وإذا وجدت السرقة في يد السارق قبل يقطع ردت إلى صاحبها وقطع
وإن كان أحدث في السرقة شيئا ينقصها ردت إليه وما نقصها ضامن عليه يتبع به وإن أتلف السلعة
قطع أيضا وكانت على قيمتها يوم سرقها ويضمن قيمتها وذا فاتت. وكذلك قاطع الطريق وكل من
أتلف لانسان شيئا مما يقطع فيه أو لا يقطع فلا فرق بين ذلك ويضمنه من أتلفه والقطع لله لا يسقط
غرمه ما أتلف للناس.
حد قاطع الطريق
(قال الشافعي) رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون
في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا) الآية (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم عن صالح مولى التوأمة عن
ابن عباس في قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم
يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا هربوا طلبوا حتى يوجدوا
فتقام عليهم الحدود وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا ما لا نفوا من الأرض (قال الشافعي) وبهذا نقول
وهو موافق معنى كتاب الله تبارك وتعالى وذلك أن الحدود إنما نزلت فيمن أسلم فأما أهل الشرك فلا
حدود فيهم إلا القتل أو السباء والجزية واختلاف حدودهم باختلاف أفعالهم على ما قال ابن عباس
رضي الله عنهما إن شاء الله تعالى (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) فمن تاب قبل أن يقدر
عليه سقط حق الله عنه وأخذ بحقوق بني آدم. ولا يقطع من قطاع الطريق إلا من أخذ قيمة ربع دينار
فصاعدا قياسا على السنة في السارق (قال الشافعي) رحمه الله: والمحاربون الذين هذه حدودهم القوم
يعرضون بالسلاح للقوم حتى يغصبوهم مجاهرة في الصحارى والطرق (قال) وأرى ذلك في ديار أهل
البادية وفي القرى سواء إن لم يكن من كان في المصر أعظم ذنبا فحدودهم واحدة فإذا عرض
اللصوص لجماعة أو واحد مكابرة بسلاح فاختلف أفعال العارضين فكان منهم من قتل وأخذ المال ومنهم
من قتل ولم يأخذ مالا ومنهم من أخذ ما لا ولم يقتل ومنهم من كثر الجماعة وهيب ومنهم من كان ردءا
للصوص يتقوون بمكانه أقيمت عليهم الحدود باختلاف أفعالهم على ما وصفت. وينظر إلى من قتل
منهم وأخذ مالا فيقتله ويصلبه وأحب إلى أن يبدأ بقتله قبل صلبه لأن في صلبه وقتله على الخشبة
تعذيبا له يشبه المثلة وقد قال غيري يصلب ثم يطعن فيقتل. وإذا قتل ولم يأخذ ما لا قتل دفع إلى
أوليائه فيدفنوه أو يدفنه غيرهم. ومن أخذ مالا ولم يقتل قطعت يده اليمنى ثم حسمت ثم رجله اليسرى
ثم حسمت في مكان واحد وخلى. ومن حضر وكثر وهيب أو كان ردءا يدفع عنهم عزر وحبس وسواء
افترقت أفعالهم كما وصفت في مقام واحد أو كانت جماعة كابرت ففعلت فعلا واحدا مثلا قتل وحده أو
قتل وأخذ مال أو أخذ مال بلا قتل حد كل واحد منهم حد مثله بقدر فعله ولو هيبوا ولم يبلغوا قتلا ولا
أخذ مال عزروا ولو هيبوا وجرحوا أقص منهم بما فيه القصاص وعزروا وحبسوا ولو كان القاتل قتل منهم
رجلا وجرح أخر أقص صاحب الجرح منه ثم قتل وكذلك لو كان أخذ المال وجرح أقص صاحب
الجرح ثم قطع لا تمنع حقوق الله حقوق الآدميين في الجراح وغيرها ولو كانت الجراح مما لا قصاص فيه
164

وهي عمد فأرشها كلها في مال الجارح يؤخذ دينا من ماله. وإن قتل أو قطع فأراد أهل الجراح عفو
الجراح فذلك لهم. وإن أراد أولياء المقتولين عفو دماء من قتلوا لم يكن ذلك يحقن دماء من عفوا عنه
وكان على الإمام أن يقتلهم إذا بلغت جنايتهم القتل (قال الشافعي) رحمه الله وأحفظ عن بعض أهل
العلم قبلنا أنه قال يقتلون وإن قتلوا عبدا أو ذميا على مال يأخذونه وهذا مخالف للقتل على غير الغيلة
(قال) ولقوله هذا وجه لأن الله عز وجل ذكر القتل والصلب فيمن حارب وسعى في الأرض فسادا
فيحتمل أن يكون إذا نيل هذا من عبد أو ذمي من المحاربة أو الفاسد ويحتمل أن يكونوا إذا فعلوا ما في
مثله القصاص. وإن كنت أراه قد خالف سبيل القصاص في غيره لأن دم القاتل فيه لا يحقن بعفو
الولي عنه ولا يصلحه. لو صالح فيه كان الصلح مردودا وفعل المصالح لأنه حد من حدود الله عز وجل
ليس فيه خبر يلزم فيتبع ولا إجماع أتبعه ولا قياس بتفرق فيصح وإنما أستخير الله فيه.
الشهادات والاقرار في السرقة وقطع الطريق وغير ذلك
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا يقام على سارق ولا محارب حد إلا بواحد من وجهين إما
شاهدان عدلان يشهدان عليه بما في مثله الحد، وإما باعتراف يثبت عليه حتى يقام عليه الحد، وعلى
الإمام أن يقف الشاهدين في السرقة حتى يقولا سرق فلان (ويثبتاه بعينه، وإن لم يثبتاه باسمه ونسبه)
متاعا لهذا يسوى ربع دينار وحضر المسروق منه يدعى ما قال الشاهدان فإن كذب الشاهدين لم يقطع
السارق وإن لم يحضر حبس السارق حتى يحضر فيدعى أو يكذب الشاهدين. وإذا ادعى مرة كفاه ما لم
يرجع بعدها. فإذا لم يعرفا لقيمة شهدا على المتاع بعينه أو صفة يثبتانها أنها أكثر ثمنا من ربع دينار
ويقولان سرق من حرز ويصفان الحرز لا يقبل منهما غير صفته لأنه قد يكون عندهما حرزا. وليس
عند العلماء بحرز فإذا اجتمع هذا أقيم عليه الحد: وكذلك يشهد الشاهدان على قطاع الطريق بأعيانهم
وإن لم يسموا أسماءهم وأنسابهم أنهم عرضوا بالسلاح لهؤلاء أو لهذا بعينه وأخافوه بالسلاح ونالوه به ثم
فعلوا ما فيه حد. فإن شهدوا على أخذ المتاع شهدوا كما يشهد شهود السارق على متاع بعينه أو بقيمته أو
بصفته كما وصفت في شهادة السارق، ويحضر أهل المتاع وأولياء المقتول وإن شهد شاهدان من أهل
رفقته أن هؤلاء عرضوا لنا فنالونا وأخذوا منا أو من بعضنا لم تجر شهادتهما لأنهما خصمان ويسعهما أن
يشهدا أن هؤلاء عرضوا لهؤلاء ففعلوا وفعلوا ونحن ننظر وليس على الإمام عندي أن يقفهم فيسألهم هل
كنتم فيهم لأن أكثر الشهادة عليهم هكذا، فإن شهدوا أن هؤلاء عرضوا ففعل بعضهم لا يثبت أيهم
فعل من أيهم لم يفعل لم يحدوا بهذه الشهادة حتى يثبت الفعل على فاعل بعينه، وكذلك السرقة (قال
الشافعي) رحمه الله: ولا يجوز في الحدود بهذه الشهادة حتى يثبت الفعل على فاعل بعينه، وكذلك
السرقة (قال الشافعي) رحمه الله: ولا يجوز في الحدود شهادة النساء ولا يقبل في السرقة ولا قطع
الطريق أقل من شاهدين ولا يقبل فيه شاهد ويمين، وكذلك حتى يبينوا الجارح والقاتل وآخذ المتاع
بأعيانهم. فإن لم يوجد شاهدان فجاء رب السرقة بشاهد حلف مع شاهده وأخذ سرقته بعينها أو قيمتها
يوم سرقت إن فاتت لأن هذا مال يستحقه ولم يقطع السارق، وإن جاء بشاهد وامرأتين أخذ سرقته
بعينها أو قيمتها يوم سرقها فإن هذا مال وتجوز شهادة النساء فيه ولا يختلف، وهكذا يفعل من طلب
قطاع الطريق بكل مال أخذوه وإن طلب جرحا يقتص منه وجاء بشاهد لم يقسم في الجراح وأحلف
165

المدعى عليه وبرئ وإن طلب جرحا لا قصاص فيه وجاء بشاهد أحلف مع شاهده وأخذ الأرش،
وإن جاء بشاهد على سرقته من حرز أو غير حرز أحلف مع شاهده وأخذ السرقة أو قيمتها إن لم توجد،
ولا يقطع أحد بشاهد ويمين ولا يقتص منه من جرح ولا بشاهد وامرأتين وإن أقر السارق بالسرقة
ووصفها وقيمتها وكانت مما يقطع به قطع (قال الربيع) يقطع إلا أن يرجع فلا يقطع وتؤخذ منه قيمة
السلعة التي أتلف على ما أقربه أولا (قال الشافعي) رحمه الله: وقاطع الطريق كذلك ولو أقرأ بقتل
فلان وجرح فلان وأخذ مال أو بعض ذلك فيكفي كل واحد منهما الاقرار مرة ويلزم كل واحد
منهما ما أقربه على ما أقربه فيحدان معا حدهما ويقتص ممن عليه القصاص منهما ويغرم كل واحد منهما
ما يلزمه كما يفعل به لو قامت به عليه بينة عادلة. فإن أقرا بما وصفت ثم رجعا قبل أن يقام عليهما الحد
لم يقم عليهما حد القطع ولا القتل ولا الصلب بقطع الطريق ولزمهما حقوق الناس، وأغرم السارق قيمة
ما سرق وأغرم قاطع الطريق قيمة ما أقر أنه أخذ لأصحابه، وإن كان في إقراره أنه قتل فلانا دفع إلى
وليه فإن شاء قتله وإن شاء أخذ منه الدية وإن شاء عفا عنه لأنه ليس بالحد يقتل إنما يقتل باعتراف قد
رجع عنه ولو ثبت على الاعتراف قتل ولم يحقن دمه عفو الولي عنه وإن كان أقر بجرح وكان يقتص منه
اقتص منه وإن كان لا يقتص منه أخذ أرشه من ماله، ولو قال أصبته بذلك الجرح خطأ أخذ من ماله
لا تعقل منه اقتص منه وإن كان لا يقتص منه أخذ أرشه من ماله، ولو قال أصبته ذلك الجرح خطأ
أخذ من ماله لا تعقل عاقلته عنه اعترافا، ولو قطعت بعض يد السارق بالاقرار ثم رجع كف عن قطع
ما بقي من يده ولا أن يأمر هو بها على أنه لا يصلحه إلا ذلك فإن شاء من أمره قطعه وإن شاء فلا، هو
حينئذ يقطع على العيب. ولو قطعت يد المعترف بقطع الطريق ثم رجع لم تقطع رجله إذا كان لا يقام
عليه إلا باعترافه إلا أن تثبت بينة عليه فسواء تقدم رجوعه أو تأخر أو وجد ألما للحد خوفا منه أو لم
يجده وتؤخذ منهما حقوق الناس كما وصفت قبل هذه المسألة (قال الشافعي) ذكر الله تبارك وتعالى حد
استتابة المحارب فقال عز وجل (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) فمن أخاف في المحاربة
الطريق وفعل فيها ما وصفت من قتل أو جرح وأخذ مال أو بعضه فاختلف أصحابنا فيه فقال بعضهم
كل ما كان لله عز وجل من يسقط فلا يقطع وكل ما كان للآدميين لم يبطل يجرح بالجرح ويؤخذ
منه أرشه إن لم يكن فيه قصاص ويؤخذ منه قيمة ما أخذ وإن قتل دفع إلى أولياء القتيل فإن شاءوا قتلوا
وإن شاءوا عفوا ولا يصلب. وإن عفا جاز العفو لأنه إنما يصير قصاصا لأحدا. وبهذا أقول. وقال
بعضهم يسقط عنه ما لله عز وجل وللناس كله إلا أن يوجد عنده متاع رجل بعينه فيدفعه إليه (قال
الشافعي) والله أعلم السارق مثله قياسا عليه فيسقط عنه القطع ويؤخذ بغرم ما سرق، وإن فات ما
سرق.
حد الثيب الزاني
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال أحدهما يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله عز وجل. وقال الآخر وهو أفقههما أجل يا
رسول الله اقض بيننا بكتاب الله عز وجل وائذن لي في أن أتكلم، قال: تكلم قال إن ابني كان عسيفا
166

على هذا فزنى بامرأته فأخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وجارية ثم إني سألت أهل
العلم فأخبروني إنما على ابني جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم (أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله. أما غنمك وجاريتك فرد عليك) وجلد
ابنه مائة وغربه عاما، وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها
قال مالك والعسيف الأخير (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة عن ابن عباس أنه قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول الرجم في كتاب الله حق على
من زنى من الرجال والنساء إذا أحصن إذا قامت عليه البينة أو كان الحبل أو الاعتراف (قال
الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديا ويهودية زنيا
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن أبي واقد الليثي أن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه أتاه رجل وهو بالشام فذكر له أنه وجد مع امرأته رجلا فبعث عمر بن
الخطاب أيا واقد الليثي إلى امرأته يسألها عن ذلك فأتاها وعندها نسوة حولها فذكر لها الذي قال زوجها
لعمر بن الخطاب وأخبرها أنها لا تؤخذ بقوله وجعل يلقنها أشباه ذلك لتنزع فأبت أن تنزع وثبتت على
الاعتراف فأمر بها عمر بن الخطاب فرجمت (قال الشافعي) فبكتاب الله ثم سنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثم فعل عمر نأخذ في هذا كله وإذا تزوج الرجل حرة مسلمة أو يهودية أو نصرانية أو لم يجد
طولا فتزوج أمة ثم أصابها بعد بلوغه فهو محصن وإذا تزوجت الحرة المسلمة أو الذمية زوجا حرا أو عبدا
فأصابها بعد بلوغها فهي محصنة وأيهما زنى أقيم عليه حد المحصن بمحصنة أو بكر أو أمة أو مستكرهة
وسواء زنت المحصنة بعبد أو حر أو معتوه يقام على كل واحد منهما حده. وحد المحصن والمحصنة أن يرجما
بالحجارة حتى يموتا ثم يغسلا ويصلى عليهما ويدفنا. ولا يحضر الإمام المرجومين ولا الشهود لأن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد رجم رجلا وامرأة ولم يحضرهما ولم يحضر عمر ولا عثمان أحدا رجماه علمنا ولا
يحضر ذلك الشهود على الزاني. أقل ما يحضر حد الزاني في الجلد والرجم أربعة لقول الله عز وجل
(وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين).
وشهود الزنا أربعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإن زنى بكر بامرأة ثيب رجمت المرأة وجلد البكر مائة ونفى
سنة. ثم يؤذن له في البلد الذي خرج منه وينفى المرأة والرجل الحران معا إذا زنيا ولا يقام الحد على
الزاني إلا بأن يشهد عليه أربعة شهداء عدول. ثم يقفهم الحاكم حتى يثبتوا أنهم رأوا ذلك منه يدخل
في ذلك منها دخول المرود في المكحلة فإذا أثبتوا ذلك حد الزاني والزانية حدهما أو باعتراف من الزاني
والزانية فإذا اعترف مرة وثبت عليها حد حده وكذلك هي وإن اعترف هو وجحدت هي أو اعترفت
هي وجحد هو أقيم الحد على المعترف منهما ولم يقم على الآخر. ولو قال رجل قد زعمت أنا زنت بي
أو المرأة قد زعم أنى زنيت به فاجلده لي لم يجلده لأن كل واحد منهما أقر بحد على غيره نفسه يؤخذ به
وإن كان فيه قذف لغيره (قال الشافعي) فمتى رجع المعترف منهما عن الاقرار بالزنا قبل منه ولم يرجم
ولم يجلد. وإن رجع بعدما أخذته الحجارة أو السياط كف عن الرجم والجلد ذكر علة أو لم يذكرها
وقال الله عز وجل في الإماء فيمن أحصن (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) (قال
167

الشافعي) فقال من أحفظ عنه من أهل العلم إحصانها إسلامها فإذا زنت الأمة المسلمة جلدت
خمسين لأن العذاب في الجلد يتبعض ولا يتبعض في الرجم. وكذلك العبد وذلك أن حدود الرجال
والنساء لا تختلف في كتاب الله عز وجل ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا عامة المسلمين وهما مثل
الحرين في أن لا يقام عليهما الحد إلا بأربعة كما وصفت في الحرين أو باعتراف يثبتان عليه لا يخالفان
في هذا الحرين واختلف أصحابنا في نفيهما فمنهم من قال لا ينفيان كما لا يرجمان ولو نفيا نفيا نصف
سنة وهذا مما أستخير الله عز وجل فيه (قال الربيع) قول الشافعي أنه ينفى العبد والأمة نصف سنة
(قال الشافعي) ولسيد العبد والأمة أن يقيما عليهما حد الزنا فإذا فعلا لم يكن للسلطان أن يثنى عليهما
الحد ولا نحكم بين أهل الكتاب في الحدود إلا أن يأتونا راغبين فإن فعلوا فلنا الخيار أن نحكم أو ندع
فإن حكمنا حكمنا بحكم الاسلام فرجمنا الحرين المحصنين في الزنا وجلدنا البكرين والحرين مائة
ونفيناهما سنة وجلدنا العبد والأمة في الزنا خمسين خمسين مثل حكم الاسلام.
ما يدرأ فيه الحد في الزنا وما لا يدرأ
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا استكره الرجل المرأة أقيم الحد ولم يقم عليها لأنها مستكرهة
ولها مهر مثلها حرة كانت أو أمة فإذا كانت الأمة نقصت الإصابة من ثمنها شيئا قضى عليه مع المهر بما
نقص من ثمنها. وكذلك إن كانت حرة فجرحها جرحا له أرش قضى عليه بأرش الجرح مع المهر،
المهر بالوطئ والأرش بالجناية. وكذلك لو ماتت من وطئه كانت عليه دية الحرة وقيمة الأمة والمهر ولو
أن رجلا أخذ مع امرأة فجاء ببينة أنه نكحها وقال نكحتها وأنا أعلم أن لها زوجا أو أنها في عدة من
زوج أو أنها ذات محرم وأنا أعلم أنها محرمة في هذه الحال أقيم عليه حد الزاني وكذلك إن قالت هي
ذلك فإن ادعى الجهالة بأن لها زوجا أو أنها في عدة أحلف ودرئ عنه الحد وإن قالت قد علمت أنى
ذات زوج ولا يحل لي النكاح أقيم عليها الحد ولكن إن قالت بلغني موت زوجي واعتددت ثم نكحت
درئ عنها الحد وفي كل ما در أنا فيه الحد ألزمه المهر بالوطئ.
باب المرتد الكبير
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي) قال: قال الله تبارك وتعالى
(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) وقال عز وجل (واقتلوا المشركين حيث
وجدتموهم) إلى قوله (فخلوا سبيلهم) وقال الله تبارك اسمه (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو
كافر فأولئك حبطت أعمالهم) الآية وقال تعالى (ولقد أوحى إليك والى الذين من قبلك لئن أشركت
ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)) أخبرنا الثقة عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أبي
أمامة بن سهل عن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا
بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير نفس) (قال الشافعي) فلم يجز في
قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث) إحداهن الكفر بعد الايمان
إلا أن تكون كلمة الكفر تحل الدم كما يحله الزنا بعد الاحصان أو تكون كلمة الكفر تحل الدم إلا أن
168

يتوب صاحبه فدل كتاب الله عز وجل ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن معنى قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم (كفر بعد إيمان) إذا لم يتب من الكفر وقد وضعت هذه الدلائل مواضعها وحكم
الله عز وجل في قتل من لم يسلم من المشركين وما أباح جل ثناؤه من أموالهم ثم حكم رسول الله صلى
الله عليه وسلم في القتل بالكفر بعد الايمان يشبه والله تعالى أعلم أن يكون إذا حقن الدم بالايمان ثم
أباحه بالخروج منه أن يكون حكمه حكم الذي لم يزل كافرا محاربا وأكبر منه لأنه قد خرج من الذي
حقن به دمه ورجع إلى الذي أبيح الدم فيه والمال والمرتد به أكبر حكما من الذي لم يزل مشركا لأن الله
عز وجل أحبط بالشرك بعد الايمان كل عمل صالح قدم قبل شركه وأن الله جل ثناؤه كفر عمن لم يزل
مشركا ما كان قبله وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبان أن من لم يزل مشركا ثم أسلم كفر عنه ما كان
قبل الشرك وقال لرجل كان يقدم خيرا في الشرك (أسلمت على ما سبق لك من خير) وأن من سنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن ظفر به من رجال المشركين أنه قتل بعضهم ومن على بعضهم
وفادى بعض وأخذ الفدية من بعض فلم يختلف المسلمون أنه لا يحل أن يفادى بمرتد بعد إيمانه ولا يمن
عليه ولا تؤخذ منه فدية ولا يترك بحال حتى يسلم أو يقتل والله أعلم.
باب ما يحرم به الدم من الاسلام
(قال الشافعي) رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (إذا جاءك المنافقون
قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) إلى (يفقهون) (قال
الشافعي) فبين أن إظهار الايمان ممن لم يزل مشركا حتى أظهر الايمان وممن أظهر الايمان ثم أشرك بعد
إظهاره ثم أظهر الايمان مانع لدم من أظهره في اي هذين الحالين كان وإلى أي كفر صار كفر يسره أو
كفر يظهره وذلك أنه لم يكن للمنافقين دين يظهر كظهور الدين الذي له أعياد وإتيان كنائس إنما كان
كفر جحد وتعطيل وذلك بين في كتاب الله عز وجل ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الله عز
وجل أخبر عن المنافقين بأنهم اتخذوا أيمانهم جنة يعني والله أعلم من القتل ثم أخبر الوجه الذي اتخذوا
به أيمانهم جنة فقال (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا) فأخبر عنهم بأنهم آمنوا ثم كفروا بعد الايمان كفرا إذا
سئلوا عنه أنكروه وأظهروا الايمان وأقروا به وأظهروا التوبة منه وهم مقيمون فيما بينهم وبين الله على الكفر
قال الله جل ثناؤه (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) فأخبر بكفرهم
وجحدهم الكفر وكذب سرائرهم بجحدهم وذكر كفرهم في غير آية وسماهم بالنفاق إذ أظهروا الايمان
وكانوا على غيره قال عز وجل (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) فأخبر عز
وجل عن المنافقين بالكفر وحكم فيهم بعلمه من أسرار خلقه ما لا يعلمه غيره بأنهم في الدرك الأسفل
من النار وانهم كاذبون بأيمانهم وحكم فيهم جل ثناؤه في الدنيا بأن ما أظهروا من الايمان وإن كانوا به
كاذبين لهم جنة من القتل وهم المسرون الكفر المظهرون الايمان وبين على لسانه صلى الله عليه وسلم مثل
ما أنزل في كتابه من أن إظهار القول بالايمان جنة من القتل (1) أقر من شهد عليه بالايمان بعد الكفر أو

(1) قوله: أقر من شهد عليه بالايمان الخ الجار والمجرور متعلق ب‍ " أقر " ومتعلق " شهد " مجذوف اي شهد عليه
بالكفر، تأمل.
169

لم يقر إذا أظهر الايمان فإظهاره مانع من القتل وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حقن الله تعالى
دماء من أظهر الايمان بعد الكفر أن لهم حكم المسلمين من الموارثة والمناكحة وغير ذلك من أحكام
المسلمين. فكان بينا في حكم الله عز وجل في المنافقين ثم حكم رسوله صلى الله عليه وسلم أن ليس لأحد
أن يحكم على أحد بخلاف ما أظهر من نفسه وأن الله عز وجل إنما جعل للعباد الحكم على ما
أظهر لأن أحدا منهم لا يعلم ما غاب إلا ما علمه الله عز وجل فوجب على من عقل عن الله أن يجعل
الظنون كلها في الأحكام معطلة فلا يحكم على أحد بظن. وهكذا دلالة سنن رسول الله صلى الله عليه
وسلم حيث كانت لا تختلف. أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن
يزيد عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن المقداد بن الأسود أنه أخبره أنه قال يا رسول الله أرأيت إن
لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ منى بشجرة فقال أسلمت
لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تقتله) فقلت يا رسول الله
إنه قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا
تقتله فإنك إن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قالها) (قال
الشافعي) رحمه الله: فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله حرم دم هذا بإظهاره الايمان في حال
خوفه على دمه ولم يبحه بالأغلب أنه لم يسلم إلا متعوذا من القتل بالاسلام (قال الشافعي) أخبرنا مالك
عن أبن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلا سار رسول الله صلى
الله عليه وسلم فلم ندر ما ساره به حتى جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يستأذنه في قتل رجل
من المنافقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟) قال بلى. ولا شهادة
له. قال: (أليس يصلى؟) قال بلى ولا صلاة له: فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أولئك الذين نهاني
الله عنهم) (قال الشافعي) فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم المستأذن في قتل المنافق إذا أظهر
الاسلام أن الله نهاه عن قتله وهذا موافق كتاب الله عز وجل بأن الايمان جنة وموافق سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وحكم أهل الدنيا. وقد أخبر الله عنهم أنهم في الدرك الأسفل من النار. أخبرنا
عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال (لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا
بحقها وحسابهم على الله) (قال الشافعي) رحمه الله: وهذا موافق ما كتبنا قبله من كتاب الله وسنة نبيه صلى
الله عليه وسلم وبين أنه إنما يحكم على ما ظهر وأن الله تعالى ولى ما غاب لأنه عالم بقوله (وحسابهم على الله)
وكذلك قال الله عز وجل فيما ذكرنا وفي غيره فقال (ما عليك من حسابهم من شئ) وقال عمر رضي الله عنه
لرجل كان يعرفه بما شاء الله في دينه (أمؤمن أنت؟) قال نعم قال (إني لأحسبك متعوذا) قال أما في الايمان ما
أعاذني؟ فقال عمر بلى وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل هو من أهل النار فخرج أحدهم معه حتى
أثخن الذي قال من أهل النار فآذته الجراح فقتل نفسه. ولم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما استقر عنده
من نفاقه وعلم إن كان علمه من الله فيه من أن حقن دمه بإظهار الايمان.
170

تفريع المرتد
(قال الشافعي) رحمه الله: فأي رجل غم لم يزل مشركا ثم أظهر الايمان في أي حال كان لا يمتنع
فيها بقهر من لقيه (1) فغلبه له أو إيسار أو حبس أو غيره حقن الايمان دمه وأوجب له حكم الايمان ولم
يقتل بظن أنه لم يؤمن إلا مضطرا خائفا وفي مثل حاله من أنه يحقن دمه ويوجب له حكم الايمان في
الدنيا من آمن ثم كفر ثم أظهر الايمان فسواء شهد عليه بالكفر فجحد وأقر بالايمان أو شهد شهادة الحق
بعد الشهادة عليه أو لم يشهد عليه فأقر بالكفر ثم أظهر الايمان فمتى أظهر الايمان لم يحلف على ما تقدم
منه من القول بالكفر شهد عليه أو لم يشهد وحقن دمه بما أظهر من الايمان (قال الشافعي) رحمه الله:
وسواء كثر ذلك منه حتى يكون مرة بعد أو مرارا أو قل في حقن الدم وإيجاب حكم الايمان له في
الظاهر إلا أنى أرى إذا فعل هذا مرة بعد أخرى أن يعزر وسواء كان مولودا على الاسلام ثم ارتد بعد
عن الاسلام أو كان مشركا فأسلم ثم ارتد بعد الاسلام وسواء ارتد إلى يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو
جحد وتعطيل ودين لا يظهره فمتى أظهر الاسلام في أي هذه الأحوال كان والى أي هذه الأديان صار
حقن دمه وحكم له حكم الاسلام ومتى أقام على الكفر في أي هذه الأحوال كان وإلى هذه الأديان
صار استتيب فإن أظهر التوبة حكم له حكم الاسلام وإن امتنع منها وأقام على الكفر
قتل مكانه ساع يأبى إظهار الايمان ولو ترك قتله إذا استتيب فامتنع ثلاثة أيام أو ستة أو أكثر ثم أظهر
الايمان حقن ذلك دمه وحكم له حكم الاسلام ولو ارتد وهو سكران ثم تاب وهو سكران لم يخل حتى
يفيق فيتوب مفيقا، وكذلك لا يقتل لو أبى الاسلام سكران حتى يفيق فيمتنع من التوبة مفيقا فيقتل
وإذا أفاق عرض عليه الايمان فإذا امتنع من التوبة مفيقا قتل، ولو ارتد مقلوبا على عقله بغير السكر لم
يحبسه الوالي ولو مات بتلك الحال لم يمنع ورثته المسلمون ميراثه لأن ردته كانت في حال لا يجري فيها
عليه القلم وهو مخالف للسكران في هذا الموضع والسكران لو ارتد سكران ثم مات قبل يتوب كان ماله
فيئا ولو تاب سكران ثم مات ورثه ورثته من المسلمين، ولو تاب سكران لم أعجل بتخليته حتى يفيق
فيتوب مفيقا وأجعل توبته توبة أحكم له بها حكم الاسلام حتى يفيق فإن ثبت عليها فهو الذي أطلب
منه وإن رجع بعد الإفاقة إلى الكفر ولم يتب قتل (قال الشافعي) ولو ارتد مفيقا ثم أغمي عليه أو برسم
أو خبل بعد الردة لم يقتل حتى يفيق فيستتاب فإن امتنع من التوبة وهو يعقل قتل ولو مات مغلوبا
على عقله ولم يتب كان ماله فيئا (قال) وسواء في الردة والقتل عليها الرجل والمرأة والعبد والأمة وكل
بالغ ممن أقر بالايمان ولد على الايمان أو الكفر ثم أقر بالايمان (قال الشافعي) والاقرار بالايمان وجهان:
فمن كان من أهل الأوثان ومن لا دين له يدعى أنه دين نبوة ولا كتاب فإذا شهد أن لا إله إلا الله وأن
محمدا عبده ورسوله فقد أقر بالايمان ومتى رجع عنه قتل (قال) ومن كان على دين اليهودية والنصرانية
فهؤلاء يدعون دين موسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهما وقد بدلوا منه وقد أخذ عليهم فيهما الايمان
بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكفروا بترك الايمان به واتباع دينه مع ما كفروا به من الكذب
على الله قبله فقد قيل لي إن فيهم من هو مقيم على دينه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله
ويقول لم يبعث إلينا فإن كان فيهم أحد هكذا فقال أحد منهم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده

(1) قوله: له، ب‍ " قهر " متعلق بقهر وفي العبارة دقة فتأملها.
171

ورسوله لم يكن هذا مستكمل الاقرار بالايمان حتى يقول وإن دين محمد حق أو فرض وأبرأ مما خالف
دين محمد صلى الله عليه وسلم أو دين الاسلام فإذا قال هذا فقد استكمل الاقرار بالايمان فإذا رجع عنه
استتيب فإن تاب وإلا قتل وإن كان منهم طائفة تعرف بأن لا تقر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا
عند الاسلام أو تزعم أن من أقر بنبوته لزمه الاسلام فشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله
فقد استكملوا الاقرار بالايمان فإن رجعوا عنه استتيبوا فإن تابوا وإلا قتلوا (قال) وإنما يقتل من أقر
بالايمان إذا أقر بالايمان بعد البلوغ والعقل (قال) فمن أقر بالايمان قبل البلوغ وإن كان عاقلا ثم ارتد
قبل البلوغ أو بعده ثم لم يتب بعد البلوغ فلا يقتل لأن إيمانه لم يكن وهو بالغ ويؤمر بالايمان ويجهد عليه
بلا قتل إن لم يفعله وإن أقر بالايمان وهو بالغ سكران من خمر ثم رجع استتيب فإن تاب وإلا قتل ولو
كان مغلوبا على عقله يسوى السكر لم يستتب ولم يقتل إن أبى التوبة ولو أن رجلا وامرأته أقرا بالايمان ثم
ارتدا فلم يعرف من ردتهما إقرارهما كان بالايمان أو عرف وتركا على الشرك ببلاد الاسلام أو بلاد الشرك
ثم ولد لهما ولد قبل الاقرار بالايمان أو بعد الردة أو بعد ما رجعا عن الردة فذلك كله سواء إذا شهد على
إقرارهما بالايمان بديئا شاهدان فإن نشأ أولادهما الذين لم يبلغوا قبل إسلامهما على الشرك لا يعرفون غيره
ثم ظهر عليهم قبل البلوغ وبعد العقل أمروا بالايمان وجبروا عليه ولا يقتلون إلا امتنعوا منه فإذا بلغوا
أعلموا أنهم إن لم يؤمنوا قتلوا لأن حكمهم حكم الايمان فإذا لم يؤمنوا قتلوا وهكذا إذا لم يظهر عليهم إلا
بعد البلوغ وسواء أي أبويهم أسلم ثم ارتد أو ولد بعد إقرار أحد الأبوين بالاسلام والمقر بالاسلام منهما
على الاقرار به أو مرتد فحكمه حكم الاسلام وهكذا إذا أسلم قبل بلوغ الولد أحد الأبوين أو هما (قال)
ويقتل المريض المرتد عن الاسلام والعبد والأمة والمكاتب وأم الولد والشيخ الفاني إذا كانوا يعقلون ولم
يتوبوا ولا تقتل المرأة الحامل حتى تضع ما في بطنها ثم تقتل إن لم تتب فإذا أبى الرجل أو المرأة المرتدان
الرجوع إلى الايمان قتل مكانه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال (من بدل دينه فاقتلوه) وقال فيما
يحل الدم (كفر بعد ايمان) كانت الغاية التي دل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقتل فيها المرتد
أن يمتنع من الايمان ولم يكن إذا تؤنى به ثلاثا أو أكثر أو أقل إلا في حال واحدة هي الامتناع من
الايمان لأنه قد يمتنع من التوبة بعد ثلاثة ويتوب مكانه قبل ما يؤخذ وبعدما يؤخذ ومن كان إسلامه
بإسلام أبويه أو أحدهما فأبى الاسلام هكذا يعلم أنه إن لم يسلم قتل ولو تؤنى به ساعة ويوما كان أحل
إلى أن يتأنى به من المرتد بعد إيمان نفسه.
الشهادة على المرتد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو شهد شاهدان أن رجلا ارتد عن الايمان أو امرأة سئلا فإن
أكذبا الشاهدين قيل لهما أشهدا أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتبرءا مما خالف الاسلام من
الأديان فإن أقرا بهذا لم يكشفا عن أكثر منه وكان هذا توبة منهما ولو أقرا وتابا قبل منهما.
مال المرتد وزوجة المرتد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ارتد الرجل عن الاسلام وله زوجة أو امرأة عن الاسلام ولها
172

زوج فغفل عنه أو حبس فلم يقتل أو ذهب عقله بعد الردة أو لحق بدار الحرب أو هرب عن بلاد
الاسلام فلم يقدر عليه فسواء ذلك كله فيما بينه وبين زوجته لا تقع الفرقة بينهما حتى تمضي عدة الزوجة
قبل يتوب ويرجع إلى الاسلام فإذا انتقضت عدتها قبل يتوب فقد بانت منه ولا سبيل له عليها وبينونتها
منه فسخ بلا طلاق ومتى ادعت انقضاء العدة في حال يمكن فيها أن تكون صادقة بحال فهي مصدقة
ولا سبيل له عليها إن رجع إلى الاسلام فإن قالت بعد يوم أو أقل أو أكثر قد أسقطت ولدا قد بان خلقه
أو شئ من خلقه ورجع إلى الاسلام فجحد كان القول قولها مع يمينها (قال الربيع) وفيه قول آخر أنها
إذا قالت أسقطت سقطا بان خلقه أو بعض خلقه لم يقبل قولها إلا بأن تأتى بأربع نسوة يشهدن على ما
قالت لأن هذا موضع يمكن أن تراه النساء فيشهدن عليه (قال الشافعي) وإن قالت قد انقضت عدتي
بأن حضت ثلاث حيض في مدة لا يمكن أن تحيض فيها ثلاث حيض لم يقبل منها وإذا ادعت ذلك
بعد مدة يمكن أن تحيض فيها ثلاث حيض كان القول قولها مع يمنها (قال الشافعي) ولو ماتت ولم تدع
انقضاء العدة قبل يرجع إلى الاسلام ثم رجع إلى الاسلام لا يرثها لأنها ماتت وهو مشرك ولو رجع إلى
الاسلام قبل انقضاء عدتها كانا على النكاح ولا يترك قبل يرجع إلى الاسلام يصيبها حتى يسلم ولو
ماتت بعد رجوعه إلى الاسلام ولم تذكر انقضاء العدة ورثها ولو كانت هي المرتدة كان القول فيما تحل به
وتحرم عليه وتبين منه وتثبت معه كالقول لو كان هو المرتد وهي المؤمنة لا يختلف في شئ إلا أنها إذا
ارتدت عن الايمان فلا نفقة لها في ماله في عدة ولا غيرها لأنها هي التي حرمت فرجها عليه وكذلك لو
ارتدت إلى نصرانية أو يهودية لم تحل له لأنها لا تترك عليها وإن ارتد هو أنفق عليها في عدتها لأنها لم تبن
منه إلا بمضي عدتها وأنه متى أسلم وهي في العدة كانت امرأته وإذا كان يلزمه في التي يملك رجعتها بعد
طلاق نفقتها لأنه متى شاء راجعها كانت هكذا في مثل حالها في مثل هذه الحال أو أكثر وإذا ارتد أحد
الزوجين ولم يدخل بالمرأة فقد بانت منه والبينونة فسخ بلا طلاق (1) لأنه لا عدة عليها وإن كان هو
المرتد فعليه نصف المهر لأن الفسخ جاء من قبله وإن كانت هي المرتدة فلا شئ لها لأن الفسخ جاء من
قبلها ولو ارتد وامرأته يهودية أو نصرانية كانت فيما يحل له منها ويحرم عليه ويلزمه لها كالمسلمة ولو كانت
المسألة بحالها غير أنها المرتدة وهو المسلم لم تحل له حتى تسلم أو ترجع إلى دينها الذي حلت به من اليهودية
أو النصرانية ولم تبن منه إلا بانقضاء عدتها ولم تقتل هي لأنها خرجت من كفر إلى كفر وسواء في هذا
الحر المسلم أو العبد والحرة المسلمة أو الأمة لا يختلفون فيه ولو ارتد الزوج فطلقها في حال ردته أو آلى
منها أو تظاهر أو قذفها في عدتها أو كانت هي المرتدة ففعل ذلك وقف على ما فعل منه فإن رجع إلى
الاسلام وهي في العدة وقع ذلك كله عليها وكان بينهما اللعان وإن لم يرجع حتى تمضي عدتها أو تموت
لم يقع شئ من ذلك عليها والتعن ليدرأ الحد، وهكذا إذا كانت هي المرتدة وهو المسلم إلا أنه لاحد
على من قذف مرتدة، ولو طلقها مسلمة ثم ارتد أو ارتدت ثم ارجعها في عدتها لم يثبت عليها رجعة
لأن الرجعة إحداث تحليل له فإذا أحدثه في حال لا يحل له فيه لم يثبت عليها ولو أسلمت أو أسلم في
العدة بعد الرجعة لم تثبت الرجعة عليها ويحدث لها بعده رجعة إن شاء فتثبت عليها ولو اختلفا بعد
انقضاء العدة فقال رجعت إلى الاسلام أمس وإنما انقضت عدتك اليوم وقالت رجعت اليوم فالقول

(1) كذا في النسخ. ولعل الأوجه " وانه " إلا أن يجعل علة لقوله: فقد بانت منه، تأمل.
173

قولها مع يمينها وعليه البينة أنه رجع أمس، ولو تصادقا أنه رجع أمس وقالت انقضت قبل أمس كان
القول قولها مع يمينها ولو رجع إلى الاسلام فقالت لم تنقض عدتي إلا بعد رجوعه ثم قالت بعدها قد
كانت انقضت عدتي كانت زوجته ولا تصدق بعد إقرارها أنها لم تخرج من ملكه ولو لم يسمع منها في
ذلك شئ قبل رجوعه فلما رجع قلت مكانها قد انقضت عدتي كان القول قولها مع يمينها.
مال المرتد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا أرتد الرجل وكان حاضرا بالبلد وله أمهات أولاد ومدبرات
ومدبرون ومكاتبات ومكاتبون ومماليك وحيوان ومال سوى ذلك وقف ذلك كله عنه ومنه إصابة أم
ولده وجارية له غيرها، والوقف أن يوضع ماله سوى إناث الرقيق على يدي عدل ورقيقه من النساء
على يدي عدلة من النساء ويؤمر من بلغ من ذكور رقيقه بالكسب وينفق عليه من كسبه ويؤخذ فضل
كسبه وتؤمر ذوات الصنعة من جواريه وأمهات أولاده وغيرهم بذلك ويؤاجر من لا صنعة له منهن من
امرأة ثقة ومن مرض من رجالهم ونسائهم ومن لم يبلغ كسبا أنفق عليه من ماله حتى يفيق فيقوى على
الكسب أو يبلغ الكسب ثم يؤمر بالكسب كما وصفنا وإن كان المرتد هاربا إلى دار الحرب أو غير دار
الحرب أو متغيبا لا يدري أين هو؟ فسواء ذلك كله ويوقف ماله ويباع عليه الحيوان كله إلا ما لا يوجد
السبيل إلى بيعه من أمهات أولاده أو مكاتبيه أو مرضع لولده أو خادم يخدم زوجة له وينفق على
زوجته وصغار ولده وزمناهم ومن كان هو مجبورا على نفقتهم من خدمة وأمهات أولاده من ماله ويؤخذ
كتابة مكاتبيه ويعتقون إذا أدوا وله ولاؤهم ومتى رجع إلى الاسلام رد ماله عليه ولم يرد ما بيع من ماله
لأنه بيع والبيع نظر لمن يصير إليه المال وفي حال لا سبيل له فيها على المال وإذا انقضت عدة امرأته
قطعت عنها النفقة ولم يكن له عليها سبيل إذا رجع بعد انقضاء عدتها ولو برسم أو غلب على عقله بعد
الردة تربص به يومين أو ثلاثة فإن أفاق وإلا بيع عليه كما يباع على الغائب الهارب وما كسب في ردته
فهو كما ملك قبل الردة إذا قدر عليه فإذا رجع إلى الاسلام دفع إليه ماله كله وإن مات أو قتل قبل
يرجع إلى الاسلام خمس ماله فكان الخمس لأهل الخمس والأربعة الأخماس لجماعة المسلمين
وهكذا نصراني مات لا وارث له يخمس ماله فيكون الخمس لأهله وأربعة أخماسه لجماعة المسلمين،
ولو قال ورثة المرتد من المسلمين قد أسلم قبل يموت كلفوا البينة فإذا جاءوا بها دفع إليهم ماله على
مواريثهم وإن لم يأتوا بها فهو على الردة حتى تعلم توبته وإن كانت البينة ممن يرثه لم تقبل وكذلك لو كان
أوصى بوصية فقال متى مت فلفلان وفلان كذا، ثم مات فشهد الموصى لهما بأنه رجع إلى الاسلام لم
يقبلا لأنهما يجران إلى أنفسهما جواز الوصية التي قد أبطلت بردته، ولو كان تاب ثم مات فقيل ارتد ثم
مات مرتدا فهو على التوبة حتى تقوم بينة بأنه ارتد بعد التوبة لأن من عرف بشئ فهو عليه حتى تقوم
بينة بخلافه ولو قسم الحاكم ماله في الحالين حين مات وقد عرفت ردته فقامت بينة على توبته رجع بها
الحاكم على من دفعها إليه حيث كانوا حتى يردها إلى ورثته وكذلك لو قسمها في موته بعد توبته ثم
قامت البينة على ردته بعد التوبة وموته مرتدا رجع الحاكم على ورثته حيث كانوا وأهل وصاياه وأخذ
منهم ما أعطاهم من ماله حتى يصير لأهل الخمس والمسلمين.
174

المكره على الردة
قال الله تبارك وتعالى (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من
شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أن رجلا أسره العدو فأكرهه
على الكفر لم تبن منه امرأته ولم يحكم عليه بشئ من حكم المرتد قد أكره بعض من أسلم في عهد
النبي صلى الله عليه وسلم على الكفر فقاله ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ما عذب به فنزل
فيه هذا ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم باجتناب زوجته ولا بشئ مما على المرتد ولو مات المكره على
الكفر ولم تظهر له توبة ببلاد الحرب ورثه وورثته المسلمون، ولو أنفلت فرجع إلى بلاد الاسلام قيل له
أظهر الاسلام فإن فعل إلا كان مرتدا بامتناعه من إظهار الاسلام يحكم عليه الحكم على المرتد وإذا
أسر الرجل أو كان مستأمنا ببلاد العدو فشهد شاهدان على أنه كان يأكل الخنزير ويشرب الخمر ولم
يشهدا على نفس الردة ولا على كلام كفر بين ثم مات ورث ماله ورثته من المسلمين إلا أن يقروا بأنه
مرتد فيكون ماله فيئا فإن أقر بعضهم بردته ولم يقر بها بعضهم ورث الذين لم يقروا نصيبهم من ميراثه
ويوقف نصيب الذين أقروا بردته حتى تستبان ردته وفيها قول آخر أنه يغنم لأنهم يصدقون على ما يملكون
ولا يوقف، ولو شهد عليه شاهدان أنهما سمعاه يرتد وقالا ارتد مكرها أو ارتد محدودا أو ارتد محبوسا لم
يغنم ماله وورثه ورثته من المسلمين ولو قالا كان مخلى آمنا حين ارتد كانت تلك ردة وغنم ماله ولو ادعى
ورثته أنه رجع إلى الاسلام لم يقبل منهم إلا ببينة ولو أقاموا بينة على أنهم رأوه في مدة بعد الشهادة
بالردة يصلى صلاة المسلمين قبلت ذلك منهم وورثتهم ماله ولو كان هذا في بلاد الاسلام والمرتد ليس
في حال ضرورة لم أقبل هذا منهم حتى يشهد عليه شاهدان بالتوبة بعد الردة ولم أقبل من ورثته أنه ارتد
مسجونا ولا محدودا إذا لم تقطع البينة أنه سجن وحد ليرتد.
ما أحدث المرتد في حال ردته في ماله.
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ارتد الرجل عن الاسلام فلم يوقف ماله فما صنع فيه فهو جائز
كما يجوز له في ماله ما صنع قبل الردة فإذا وقف فلا سبيل له على إتلاف شئ من ماله بعوض ولا غيره
ما كان موقوفا فإن أعتق أو كاتب أو دبر أو اشترى أو باع فذلك كله موقوف لا ينفذ منه شئ في حال
ردته فإن رجع إلى الاسلام لزمه ذلك كله إلا البيع فإذا فسخ بيعه فقد انفسخ لأنه لم يكن محولا بينه
وبين ماله في الحال الذي أحدث ذلك فيه حول الحجر إنما كان موقوفا عنه ليقتل فيعلم أن ملكه كان
زائلا عنه بالردة إن لم يتب حتى يموت فيصير فيئا أو يسلم فيكون على ما كان في ملكه أولا فلما أسلم
علمنا أن فعله فيما يملك (قال الشافعي) ولو كان في ردته في يديه شئ يدعى انه ملك له ثم أقر بذلك
الشئ بعينه لغيره كان لغيره أخذه منه في حال ردته وكذلك يلزمه ما أقر به من الدين لأجنبي وكذلك
يؤخذ من ماله ما لزم الرجل غير المرتد في ماله ولو قال في عبد من عبيده في حال ردته هذا عبد اشتريته
أو وهب لي وهو حر كان حرا ولم ينتظر إسلامه بما أقر به لغيره إنما أرد ما أحدث إتلافه بلا سبب متقدم
يقربه احتياطا عليه لا حجرا عنه (وفيها قول آخر) أنه إذا حجر عليه فهو كالمحجور في جميع حالاته
حتى يرجع إلى الاسلام فيفك عنه الحجر.
175

جناية المرتد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا جنى المرتد في حال ردته على آدمي جناية عمدا في مثلها
قصاص فالمجني عليه بالخيار في أن يقتص منه أو يأخذ قدر الجناية من ماله الذي كان له قبل الردة وما
اكتسب بعدها وذلك كله سواء وكذلك إن كانت عمدا لا قصاص فيها وكذلك ما أحرق وأفسد لآدمي
كان في ماله لا تسقطه عنه الردة (قال) وأن كانت الجناية خطأ فهي في ماله كما تكون على عاقلته إلى
أجلها فإذا مات فهي حالة ولا تعقل العاقلة عنه شيئا جناه في حال ردته فإن كانت الجناية نفسا فهي في
ماله في ثلاث فإن قتل أو مات على الردة فهي حالة ولو كانت الجناية وهو مسلم ثم ارتد فإن كانت عمدا
فهي كجنايته وهو مرتد وإن كانت خطأ فهي على عاقلته لأن الجناية لزمتهم إذ جنى وهو مسلم ولو ارتد
وقتل فأراد ولى القتيل القتل كان ذلك له وإذا قتله وهو على الردة فماله لمن وصفته من المسلمين،
وكذلك لو قطع أو جرح أقصصنا منه ثم قتلناه على الردة فإن عجل الإمام فقتله على الردة أو مات عليها
قبل القصاص فلولي الدم والجرح عمدا عقل النفس والجراح في مال الجاني المرتد، ولو كان الجاني
المرتد عبدا أو أمة فجنى على من بينه وبينه القود كان لولى المجني عليه الخيار في القود أو أخذ العقل فإن
أراد القود فهو له وأن أراد العقل فهو له في رقبة الجاني إلا أن يفديه سيده فإن فداه قتل على الردة وإن
لم يفده قتل على الردة إلا أن يتوب فيباع ويعطى ولى المجني عليه قيمة جنايته ويرد الفضل إن كان فيه
فضل عن الجناية على سيده ولو جنى وهو مرتد عبد ثم عته فاختار ولى الدم العقل ولم يتطوع مولاه بأن
يفديه بيع مرتدا معتوها فأعطى ولى الجناية قيمة جنايته ورد فضل إن كان في ثمنه على سيده فإذا أفاق
ولم يتب قتل على الردة ولا باع إلا بالبراء من الردة والعته وما أحدث العبد من الجناية في الردة مخالفة
ما أحدث من الذين من قبل أن الجناية لا تسقط عن صبي ولا محجور عليه ولا عبد لأنها بغير إذن المجني
عليه والدين يسقط عن المحجور عليه وعن العبيد ما كانوا في الرق لأنه بإذن رب الدين.
الجناية على المرتد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ارتد الرجل عن الاسلام فجنى عليه رجل جناية فإن كانت
قتلا فلا عقل ولا قود ويعزر لأن الحاكم الوالي للحكم عليه وليس للحاكم قتله حتى يستتاب وإن
كانت دون النفس فكذلك، ولو جنى عليه مرتدا ثم أسلم ثم مات من الجناية فالجناية هدر لأنها كانت
غير ممنوعة بأن يحكم فيها بعقل أو قود ولو جنى عليه مرتدا فقطع يده ثم تاب ثم قطع رجله كان له القود
في الرجل إن شاء لأنه جنى عليه مسلما ولو مات كانت لهم نصف الدية لأنه مات من جنايتين جناية
ممنوعة وجناية غير ممنوعة.
الدين على المرتد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان على المرتد دين ببينة قبل الردة ثم ارتد قضى عنه دينه إن
كان حالا وأن كان إلى أجل فهو إلى أجله إلا أن يموت فيحل بموته وكذلك كل ما أقربه قبل الردة
176

لاحد (قال) وإن لم يعرف الدين ببينة تقوم ولا بإقرار منه متقدم للردة ولم يعرف إلا بإقرار منه في الردة
فإقراره جائز عليه وما دان في الردة قبل وقف ماله لزمه وما دان بعد وقف ماله فإن كان من بيع رد البيع
وإن كان من سلف وقف فإن مات على الردة بطل وإن رجع إلى الاسلام لزمه لأنا نعلم برجوعه إلى
الاسلام أن ماله لم يكن خرج من يده (قال الربيع) (1) وللشافعي قول آخر أنه إذا ضربه مرتدا أسلم ثم
مات أنه يدرأ عنه القود بالشبهة ويغرم الدية وله أيضا قول آخر أنه لا شئ عليه لأن الحق قتله كما أنه لو
قطع يدي رجل فقطعنا يده قصاصا ثم مات من القصاص لم يكن على آخذ القصاص شئ والحق قتله
وكذلك المرتد إذا جرحه مرتدا ثم أسلم فمات فلا شئ على من جرحه لأن الجرح منه كان مباحا في وقته
ذلك فالحق قتله فلا شئ على من جرح.
الدين للمرتد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان للمرتد دين حال أخذ ممن هو عليه ويوقف في ماله وإن
كان إلى أجل فهو إلى أجله فإذا حل وقف إلا أن يموت المرتد قبل ذلك أو يقتل على ردته فيكون الدين
إلى أجله فإذا قبض كان فيئا (قال الربيع) في رجل جرح مرتدا ثم أسلم ثم مات ففيها قولان أحدهما إن
يكون عليه الدية لأنه مات مسلما والقول الثاني انه لا شئ على من جرحه وإن أسلم فمات من قبل أن
الضربة كانت وهو مرتد فيها فالحق الذي قتله ولا شئ على من جرحه.
ذبيحة المرتد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا تؤكل ذبيحة المرتد إلى أي دين ما ارتد لأنه إنما رخص في
ذبائح أهل الكتاب الذين يقرون على أديانهم (قال) فلو عدا على شاة رجل فذبحها بغير إذنه ضمن
قيمتها حية، وهكذا كل ما استهلك، ولو أمره أن يذبها له وهو يعلمه مرتدا أو لا يعلمه لم يضمن شيئا
لأنه لم يتعد ولا يأكلها صاحب الشاة (قال) ولو ذبح لنفسه أو استهلك متاعا لنفسه أو قتل عبدا لنفسه
لم يضمن لأنه إن قتل أو مات على ردته فكل مال وجدناه له فهو فئ، وإن رجع إلى الاسلام علمنا
برجوعه أنه إنما جنى عليه ماله ولا يضمن لنفسه مال نفسه.
نكاح المرتد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يجوز للمرتد أن ينكح قبل الحجر ولا بعده مسلمة لأنه
مشرك ولا وثنية لأنه لا يحل له إلا ما يحل للمسلمين ولا كتابية لأنه لا يقر على دينه فإن نكح فأصاب
واحدة منهن فلها مهر مثلها والنكاح مفسوخ ولا يكون للمرتد أن يزوج ابنته ولا أمته ولا امرأة هو وليها
مسلمة أو مشركة ولا مسلما ولا مشركا وإذا أنكح فإنكاحه باطل والله الموفق.

(1) قوله: وللشافعي قول آخر الخ هذا يناسب الجناية على المرتد فلعله مؤخر من تقديم تأمل. كتبه مصححه.
177

الخلاف في المرتد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فخالفنا بعض أهل ناحيتنا في المرتد بوجهين. أحدهما: أن
قائلا منهم قال من ولد على الاسلام فارتد قتلته إلى أي دين ارتد وقتلته وإن تاب. وقال آخر منهم:
من رجع إلى دين يظهره كاليهودية والنصرانية استتبته فإن تاب قبلت منه وإن لم يتب قتلته، وإن رجع
إلى دين يستخفي به كالزندقة وما يستخفي به قتلته وإن أظهر التوبة لم أقبلها وأحسبه سوى بين من ولد
على الاسلام ومن لم يولد عليه (قال الشافعي) فوافقنا بعض أصحابنا من المدنيين والمكيين والمشرقيين
وغيرهم من أهل العلم في أن لا يقتل من أظهر التوبة وفي أن يسوى بين من ولد على الاسلام ومن لم
يولد عليه ودان دينا يظهره أو دينا يستخفى به لأن كل ذلك كفر (قال الشافعي) والحجة على من فرق
بين من ولد على الاسلام ومن لم يولد عليه أن الله أنزل حدوده فلم نعلم كتابا نزل ولا سنة مضت ولا
أحدا من المسلمين خالف في الحدود بين أحد من المسلمين ولد على الكفر فأحدث إسلاما أو ولد على
الاسلام والقتل على الردة حد ليس للإمام أن يعطله ولا يجوز لاحد إلا من فرضت طاعته أن يفرق بين
الحدود والله أعلم.
تكلف الحجة على قائل القول الأول وعلى من قال أقبل إظهار التوبة
إذا كان رجع إلى دين يظهره ولا أقبل ذلك إذا رجع إلى دين لا يظهره
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولولا غفلة في بعض السامعين الذين لعل من نوى الاجر في
تبيينهم أن يؤجر ما تكلفت لأنه إنما يكتفي في هذين القولين بأن يحكيا فيعلم أن ليس فيهما مذهب يجوز
أن يغلط به عالم بحال وأن كتاب الله تعالى ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ثم المعقول والقياس يدل على
غير ما قال من قال هذا والله أعلم. ومن أوجز ما بين به أن الامر على غير ما قيل أن يقال قد روى أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من بدل دينه فاضربوا عنقه) فهل يعدو هذا القول أبدا واحدا
من معنيين؟ أن يكون من بدل دينه وأقام على تبديله ضربت عنقه كما تضرب أعناق أهل الحرب. أو
تكون كلمة التبديل توجب القتل وإن تاب كما يوجبه الزنا بعد الاحصان وقتل النفس بغير النفس
فليس قولك واحدا منهما وأن يقال له لم قبلت إظهار التوبة من الذي رجع إلى النصرانية واليهودية ودين
أظهره؟ ألأنك على ثقة من أنه إذا أظهر التوبة فقد صحت توبته أو قد يكون يظهرها وهو مشتمل على
الكفر ودين النصرانية أو منتقل عنه إلى دين يخفيه؟ ولم أبيت قبول من أظهر التوبة وقد كان مستخفيا
بالشرك؟ أعلى علم أنت من أن هذا ألا يتوب توبة صحيحة أم قد يتوب توبة صحيحة؟ فلا يجوز
لاحد أن يدعى علم هذا لأنه لا يعلم حقيقة علم هذا أحد من الآدميين غير المؤمن نفسه وإنما تولى الله عز
ذكره علم الغيب، أو رأيت لو قال رجل من استسر بالكفر قبلت توبته لضعفه في استسراره ومن أعلنه
لم تقبل توبته لما انكشف به من الكفر بالله وإن المنكشف بالمعصية أولى أن تنفر القلوب منه ويكاد أن
يؤيس من صحة توبته لأنا رأينا من انكشف بالمعاصي سوى الشرك كان أحرى أن لا يتوب ما لحجة
عليه؟ هل هي إلا أن هذا مما لا يعلمه إلا الله عز وجل وأن حكم الله تعالى في الدنيا قبول ظاهر
178

الآدميين وأنه تولى سرائرهم ولم يجعل لنبي مرسل ولا لاحد من خلقه أن يحكم إلا على الظاهر وتولى
دونهم السرائر لانفراده بعلمها وهكذا الحجة على من قال هذا القول. وأخبر الله عز وجل عن قوم من
الاعراب فقال (قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم)
فأعلم أنه لم يدخل الايمان في قلوبهم وأنهم أظهروه وحقن به دماءهم قال مجاهد في قوله (أسلمنا) قال
أسلمنا مخافة القتل والسباء (قال الشافعي) وأخبر الله جل ثناؤه عن المنافقين في عدد آي من كتابه
بإظهار الايمان والاستسرار بالشرك وأخبرنا بأن قد جزاهم بعلمه عنهم بالدرك الأسفل من النار فقال
(إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) فأعلم ان حكمهم في الآخرة النار بعلمه
أسرارهم وأن حكمه عليهم في الدنيا (1) إن أظهروا الايمان جنة لهم، وأخبر عن طائفة غيرهم فقال
(وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) وهذه حكاية عنهم وعن
الطائفة معهم مع ما حكى من كفر المنافقين منفردا وحكى من أن الايمان لم يدخل قلوب من حكى من
الاعراب وكل من حقن دمه في الدنيا بما أظهر مما يعلم جل ثناؤه خلافه من شركهم لأنه أبان انه لم يول
الحكم على السرائر غيره وأن قد ولى نبيه الحكم على الظاهر وعاشرهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقتل
منهم أحدا لم يحبسه ولم يعاقبه ولم يمنعه سهمه في الاسلام إذا حضر القتال ولا مناكحة المؤمنين
وموارثتهم والصلاة على موتاهم وجميع حكم الاسلام وهؤلاء من المنافقين والذين في قلوبهم مرض
والاعراب لا يدينون دينا يظهر بل يظهرون الاسلام ويستخفون بالشرك والتعطيل قال الله عز وجل
(يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول) فإن قال قال
قائل فلعل من سميت لم يظهر شركا سمعه منه آدمي وإنما أخبر الله أشرارهم (2) فقد سمع من عدد منهم
الشرك وشهد به عند النبي صلى الله عليه وسلم فمنهم من جحده وشهد شهادة الحق فتركه رسول الله
صلى الله عليه وسلم بما أظهر ولم يقفه على أن يقول أقر ومنهم من أقر بما شهد به عليه وقال تبت إلى الله
وشهد شهادة الحق فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أظهر. ومنهم من عرف النبي صلى الله عليه
وسلم عليه (أخبرنا) سفيان بن عيينة عن الزهري عن أسامة بن زيد وقال شهدت من نفاق عبد الله بن أبي
ثلاثة مجالس فإن قال قائل فقد قال الله عز وجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ولا تصل على
أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله) إلى قوله (وهم كافرون) قيل فهذا يبين ما قلنا
وخلاف ما قال من خالفنا، فأما أمره أن لا يصلى عليهم فإن صلاته - بأبي هو وأمي - مخالفة صلاة
غيره وأرجو أن يكون قضى إذ أمره بترك الصلاة على المنافقين أن لا يصلى على أحد إلا غفر له وقضى
أن لا يغفر للمقيم على شرك فنهاه عن الصلاة على من لا يغفر له. فإن قال قائل ما دل على هذا؟ قيل
لم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليهم مسلما ولم يقتل منهم بعد هذا أحدا وترك الصلاة
مباح على من قامت بالصلاة عليه طائفة من المسلمين فلما كان جائزا أن يترك الصلاة على المسلم إذا قام
بالصلاة عليه بعض المسلمين لم يكن في ترك الصلاة معنى يغير ظاهر حكم الاسلام في الدنيا. وقد

(1) قوله: وان حكمه عليهم في الدنيا الخ، لعل أصله " وأن حكمه عليهم في الدنيا إن أظهروا الايمان أن الايمان
الخ " تأمل.
(2) قوله فقد سمع الخ هو الجواب عن الايراد والأظهر " قلنا قد سمع الخ " ومثل هذا التعبير كثير في عبارات
المتقدمين وقوله " من مسلم ومن المنافقين " المقام " لعلى " فلعلها بمعناها، تأمل.
179

عاشرهم حذيفة فعرفهم بأعيانهم ثم عاشرهم مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وهم يصلون عليهم
وكان عمر رضي الله عنه إذا وضعت جنازة فرأى حذيفة فإن أشار إليه أن اجلس وإن قام معه صلى
عليها عمر ولا يمنع هو ولا أبو بكر قبله ولا عثمان بعده المسلمين الصلاة عليهم ولا شيئا من أحكام
الاسلام ويدعها من تركها بمعنى ما وصفت من أنها إذا أبيح تركها من مسلم لا يعرف إلا بالاسلام كان
أجوز تركها من المنافقين. فإن قال فلعل هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة قيل فلم لم يقتل أبو بكر
ولا عمر ولا عثمان ولا على رضي الله عنهم ولا غيرهم منهم أحدا ولم يمنعه حكم الاسلام وقد أعلمت
عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفى اشرأب النفاق بالمدينة (قال الشافعي) ويقال
لاحد إن قال هذا ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد من أهل دهره لله حدا بل كان أقوم
الناس بما افترض الله عليه من حدوده صلى الله عليه وسلم حتى قال في امرأة سرقت فشفع لها (إنما
أهلك من كان قبلكم أنه كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الوضيع قطعوه) وقد آمن
بعض الناس ثم ارتد ثم أظهر الايمان فلم يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل من المرتدين من لم
يظهر الايمان. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله
فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) فأعلم أن حكمهم في الظاهر أن
تمنع دماؤهم بإظهار الايمان وحسابهم في المغيب على الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله
عز وجل تولى منكم السرائر ودرأ عنكم (1) بالبينات فتوبوا إلى الله واستتروا بستر الله فإنه من يبد لنا
صفحته نقم عليه كتاب الله عز وجل) وقال صلى الله عليه وسلم (إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون
إلى فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشئ
من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار) فاعلم أن حكمه كله على الظاهر وأنه لا يحل ما
حرم الله وحكم الله على الباطن لأن الله عز وجل تولى الباطن وقال عمر بن الخطاب الرجل أظهر
الاسلام كان يعرف منه خلافه (إني لأحسبك متعوذا) فقال أما في الاسلام ما أعاذني؟ فقال أجل
إن في الاسلام ما أعاذ من استعاذ به قال ولو لم يعلم قائل هذا القول شيئا مما وصفنا إلا أنه وافقنا على
قتل المرتد وأن يجعل ماله فيئا فكان حكمه عنده حكم المحارب من المشركين وكان أصل قوله في المحارب
أنه إذا أظهر الايمان في أي حال ما كان إسار أو تحت سيف أو غيرها أو على أي دين كان حقن دمه
كان ينبغي أن يمنع من أن يقتل من أظهر الايمان بأي حال كان وإلى أي دين كان رجع (قال الربيع)
إذا قال بعض الناس فهم المشرقيون وإذا قال بعض أصحابنا أو بعض أهل بلدنا فهو مالك.
خلاف بعض الناس في المرتد والمرتدة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وخالفنا بعض الناس في غير ما خالفنا فيه بعض أصحابنا من المرتد
والمرتدة فقال إذا ارتدت المرأة الحرة عن الاسلام حبست ولم تقتل وإن ارتدت الأمة تخدم القوم دفعت
إليهم وأمروا بأن يجبروها على الاسلام قال وكانت حجته في أن لا تقتل المرأة على الردة شيئا رواه عن
عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما في المرأة ترتد عن الاسلام تحبس ولا تقتل

(1) لعله " بالشبهات " وحرر الرواية اه‍ - كتبه مصححه.
180

وكلمني بعض من يذهب هذا المذهب وبحضرتنا جماعة من أهل العلم بالحديث فسألناهم عن هذا
الحديث فما علمت واحدا منهم سكت عن أن قال هذا خطأ والذي روى هذا ليس ممن يثبت أهل العلم
حديثه فقلت له قد سمعت ما قال هؤلاء الذين لا شك في علمهم بحديثك وقد روى بعضهم عن أبي
بكر أنه قتل نسوة ارتددن عن الاسلام فكيف لم تصر إليه؟ قال إني إنما ذهبت في ترك قتل النساء إلى
القياس على السنة لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء من أهل دار الحرب كان النساء ممن
ثبتت له حرمة الاسلام أولى - عندي - أن لا يقتلن وقلت له أو جعلتهن قياسا على أهل دار الحرب
لأن الشرك جمعهن؟ قال لا قلت ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما زعمت عن قتل الشيخ
الفاني والأجير مع نهيه عن قتل النساء فإن قلت نعم قلت أفرأيت شيخا فانيا وأجيرا ارتدا أتقتلهما أم
تدعهما لعلتك بالقياس على أهل دار الحرب؟ فقال بل أقتلهما قلت فرجل ارتد فترهب قال فأقتله قلت
أنت لا تقتل الرهبان من أهل دار الحرب قال لا قلت وتغنم مال الشيخ والأجير والراهب ولا تغنم مال
المرتد؟ قال نعم قلت لم؟ ألان المرتد لا يشبه أهل دار الحرب قال ما يشبهه قتل أجل ولئن كنت
علمت أنه لا يشبهه فأردت أن تشبه على أهل الجهالة ليشرع قولك فإذا لم أقتل النساء من أهل دار
الحرب لم أقتلهن ممن ثبتت له حرمة الاسلام يسرع هذا إلى قلوبهم بجهلهم والغبا الذي فيهم وأنت تعلم أن
أليس في هذا القول أكثر من تعقلهم أن هذه المنزلة قريبة من المأثم إلا أن يعفو الله عز وجل ولئن كان
هذا اجتهادا أن من نسبك إلى العلم بالقياس لجاهل بالقياس أرأيت إذا كان حكم المرتدة عندك أن لا
تقتل كيف حبستها وأنت لا تحبس الحربية إنما تسبيها وتأخذ مالها وأنت لا تستأمن هذه ولا تأخذ مالها
أرأيت لو كان الحبس حقا عليها كيف عطلت الحبس عن الأمة المرتدة إذا احتاج إليها أهلها؟ أو رأيت
أهل الأمة إذا احتاجوا إليها وقد سرقت أتقطعها إذا سرقت وتقتلها إذا قتلت ولا تدفعها إليهم لحاجتهم
إليها؟ قال نعم قلت لأن الحق لا يعطل عن الأمة كما لا يعطل عن الحرة؟ قال نعم قلت فكيف عطلت
عنها الحبس إن كان حقا في هذا الموضع؟ أو حبست الحرة إن لم يكن الحبس حقا؟ قال وقلت له هل
تعدو الحرة أن تكون في معنى ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من بدل دينه فاقتلوه) فتكون مبدلة
دينها فتقتل؟ أو يكون هذا على الرجل دونها فمن أمرك بحبسها؟ وهل رأيت حبسا قط هكذا؟ إنما
الحبس ليبين لك الحد فقد بان لك كفرها فإن كان عليها قتل قتلها وإن لم يكن فالحبس لها ظلم قال
فتقول ماذا؟ قلت أقول إن قتلها نص في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله (من بدل دينه
فاقتلوه) وقوله (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس
بغير نفس) كانت كافرة بعد إيمان فحل دمها كما إذا كانت زانية بعد إحصان أو قاتلة نفس بغير نفس
قتلت ولا يجوز أن يقام عليها حد ويعطل الآخر وأقول القياس فيها على حكم الله تبارك وتعالى لو لم يكن
هذا أن تقتل وذلك أن الله تعالى لم يفرق بينها وبين الرجل في حد قال الله تبارك وتعالى (والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما) وقال جل ذكره (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منها مائة جلدة) وقال
(والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) فقال المسلمون في اللاتي
يرمين المحصنات يجلدن ثمانين جلدة ولم يفرقوا بينها وبين الرجل يرمى إذ رمت فكيف فرقت بينها وبين
الرجل في الحد؟ (قال الشافعي) عفا الله عنه فقلنا له النص عليك والقياس عليك وأنت تدعى
القياس حيث تخالفه فقال أما إن أبا يوسف قد قال قولكم فزعم أن المرتدة تقتل فقتل أرجو أن يكون
181

ذلك خيرا له (قال الشافعي) ما يزيد قوله قولنا قوة ولا خلافه وهنا وقلت لبعض من قال هذا القول قد
خالفتم في المرتد أيضا الكتاب والسنة في موضع اخر قلت أليس الاحياء مالكين أموالهم؟ قال بلى قلت
وإنما نقل الله ملك الاحياء إلى ورثتهم بعد موتهم لأن الميت لا يملك؟ قال بلى قلت فالحي خلاف
الميت قال نعم قلت أفرأيت المرتد معنا في دار الاسلام أسيرا أو هاربا أو معتوها بعد الردة أليس على
ملك ماله لا يورث لأنه حي ولا يحل دينه المؤجل؟ قال بلى قلت أفرأيت إذا ارتد بطرسوس ولحق بدار
الحرب نراه فترهب أو كان يقاتل ونحن نراه أيشك أنه حي؟ قال لا قلت وإنما ورث الله عز وجل
الاحياء من الموتى قال (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها
ولد) وقال عز وجل (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن لد لأن كن لهن ولد فلكم الربع
مما تركن) قال نعم قلت فكيف زعمت أن المرتد يورث كما يورث الميت يحل دينه المؤجل وتعتق
أمهات أولاده ومدبريه في لحوقه بدار الحرب ونحن على يقين من حياته أيشكل عليك أن هذا خلاف
كتاب الله عز وجل أن ورثت من حي وإنما ورث الله الموتى والموتى خلاف الاحياء وفي توريثك من
حي خلاف حكم الله عز وجل والدخول فيما عبت على من سجل أنك تتبع حكمه؟ قال ومن هو؟
قلت عمر وعثمان قضيا في امرأة المفقود تتربص أربع سنين ثم تعتد عدة المتوفى ثم تنكح والمفقود من لا
يسمع له بذكر وقد يكون الأغلب من هذا أنه مات وقد يفرق بين المرأة وزوجها بأشياء من عجز عن
جماعها وغير ذلك نفيا للضرر وفي ذهابه مفقودا ضرر قد يغلب على الظن موته فقلت لا يجوز ان يؤدن
لها تنكح بعد مدة وإن طالت حتى تكون على يقين من موته لأن الله عز وجل إنما جعل عليها العدة بعد
موته ثم قلت برأيك لا متقدم لك فيه وقضيت قولك وحدك تورث من الحي في ساعة من نهار وإنما
ورث الله عز وجل من الموتى فلو لم ترد على هذا كنت لم تعب من قول الإمامين شيئا إلا دخلت في
أعظم منه وأولى بالعيب وقلت له أنت تزعم أن القول الذي لا كتاب فيه ولا سنة لا يجز إلا خبرا لازما
أو قياسا (1) فقولك في المرأة لا تقتل خبر؟ قال لا إلا أنه إذا لحق بدار الحرب لم أقدر على قتله ولا
استتابته قلت أفرأيت إذا هرب في بلاد الاسلام أتقدر في حال هربه على قتله أو استتابته؟ قال لا قلت
وكذلك لوعته بعد الردة أو غلب على عقله بمعنى لم تكن قادرا على قتله ولا استتابته؟ قال نعم قلت
فالعلة التي اعتللت بها من أنك لا تقدر على قتله ولا استتابته في هذين المعنيين ولا نراك قسمت ميراثه
فيهما وحكمت عليه حكم الموتى فلا أسمع قولك مع خلافه الكتاب إلا يتناقص وهذا الذي عبت على
غيرك أقل منه (قال) وقتل له أرأيت لو كانت ردته ولحوقه بدار الحرب توجب عليه حكم الموتى أما
كان يلزمك لو رجع بعد لحوقه بدار الحرب تائبا أن تمضى عليه حكم الموتى؟ قال لا أمضى ذلك عليه
وقد رجع قلت فردته إذاعته ولحوقه لا يوجبان حكم الموتى عليه (قال الشافعي) وقلت لبعضهم أرأيت
إذا حكمت عليه وهو بدار الحرب حكم الموتى فأعتقت أمهات أولاده ومدبريه وأحللت ديته البعيد
الاجل وقسمت ميراثه بين ورثته ثم رجع تائبا وذلك كله قائم في أيدي من أخذه وأمهات أولاده
والمدبرون حضور هل يجوز في حكم مضى إلا أن ترده أو تنفذه؟ قال لا قلت فقل في هذا أيهما شئت
إن شئت فهو نافذ وإن شئت فهو مردود قال بل نافذ في مدبريه وأمهات أولاده ولا يرجعون رقيقا وفي

(1) قوله: فقولك في المرأة لا تقتل الخ، لعله في المرتد لا يقتل، لأن الكلام مع الخصم على المرأة قد انتهى،
وهو الآن في توريث المرتد إذا لحق بدار الحرب كما يدل عليه الجواب وبقية الكلام، تأمل اه‍ - مصححه.
182

دينه فلا يرجع إلى أجله وإن وجدته قائما بعينه لأن الحكم نفذ فيه وما وجدت في أيدي ورثته رددته
لأنه ماله وهو حي فقلت له إنما حكمت في جميع ماله الحكم في مال الميت فكيف أنفذت بعضا
ورددت بعضا؟ أرأيت لو قال قائل بل أنفذ لورثته لأنهم يعودون عليه في حاجته ويرثهم ولا أنفذ
لغرمائه ولا مدبريه ولا أمهات أولاده ألا يكون أقرب إلى أن يكون أعقل بشئ منك وإن كن هذا مما
لا يجوز لاحد أن يفتى به؟ (قال) وقلت له أيعدو المرتد أن يكون كافرا أو مؤمنا؟ قال بل كافر قلت
فقد أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد رضى الله
تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) فكيف ورثت
المسلم من الكافر؟ قال قد كانت ثبتت له حرمة الاسلام قلت أفرأيت لو مات بعض ولده وهو مرتد
أتورثه منه؟ قال لا لأنه كافر قلت ما أبعدك والله يصلحنا وإياك من أن تقف على تصحيح قول نفسك أو
تتبع السنة إن زعمت أن حاله إن ثبتت له حرمة الاسلام حال المسلمين في أن يورث بعد ذلك
فكذلك ينبغي له أن يرث وإن زعمت أن انتقاله عن الاسلام منعه ذلك ثم حول حكمه حتى صرت
تقتله وتجعله في أسوأ من حال المشركين والمحاربين لأن لك أن تدعهم من القتل وليس لك تركه منه
فكيف ورثت منه مسلما وهو كافر؟ (قال الشافعي) رحمه الله فقال أو قال بعض من حضره ممن يقول
بقوله أو هما إنما أخذنا بهذا أن عليا رضي الله عنه قتل مرتدا وأعطى ورثته من المسلمين ميراثه فقلت
له سمعت من أهل العلم بالحديث منكم من يزعم أن الحفاظ لم يحفظوا عن علي رضي الله عنه قسم ماله
بين ورثته من المسلمين ونخاف أن يكون الذي زاد هذا غلط وقلت له أرأيت أصل مذهب أهل العلم
أليس إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ لم يكن في أحد معه حجة؟ قال بلى قلت فقد ثبت
عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) فكيف خالفته؟ (قال الشافعي)
رحمه الله فقال فلعله أراد الكافر الذي لم يكن أسلم فقلت له أفترى في الحديث دلالة على ذلك؟ قال
قد يحتمل قلت فإن جاز هذا لك لم يجز إلا بأن يكون المرتد يرث ولده وزوجته لو ماتوا مسلمين وهو في
ردته ويكون حكمه حكم المسلمين في الميراث قال ما أقول بهذا قلت أجل ولا أن تحول الحديث عن
ظاهره بغير دلالة فيه ولا في غيره عمن الحديث عنه. ولو جاز جاز أن يقال هذا في أهل الأوثان من
المشركين خاصة. فأما أهل الكتاب فيرثهم المسلمون كما ينكحون نساءهم قال فإنما قلت ذلك لشئ
رويته عن علي رضي الله عنه ولعل عليا قد علم قول النبي صلى الله عليه وسلم. قلت أفعلمت عليا
رضي الله عنه روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فنقول قد رواه ولم تقل ذلك إلا بعلم؟ قال ما
علمت قلت فيمكن أن يكون علي رضي الله عنه لم يسمعه؟ قال نعم وهو يشبه أن لا يكون ذهب عليه
(قال الشافعي) رحمه الله فقيل له ليس بثابت عن علي رضي الله عنه وقد كلمتمونا على أنه ثابت فلم
يكن لك فيه حجة ويعاد عليك بأكثر من حجتك فإن كانت فيها حجة لزمك ما زعمت أنه يلزمك
وغيرك وإن لم يكن فيها حجة استدللت على أنك لم تحتج بشئ تجوز الحجة به قال وما هو؟ قلت روى
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه ورث مسلما من كافر أحسبه ذميا وروى عن معاوية أنه ورث المسلم
من الكافر ولم يورث الكافر من المسلم لأنه بلغه أن رجالا منعهم من الاسلام أن يحرموا مواريث آبائهم
وأعجب مسروق بن الأجدع وقاله غيره فقال نرثهم ولا يرثونا كما يحل لنا نساؤهم ولا يحل لهم نساؤنا
وروى عن محمد بن علي يرث المسلم الكافر وعن سعيد بن المسيب. وفي هذا المعنى قول معاذ بن جبل
وهو يجوز عليك أن يقال لم يذهب عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم وفيه معه من سمينا وغيرهم
183

وحديث النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل ما زعمت أنه يحتمل من أن يكون الحكم على بعض الكافرين
دون بعض فنورث المسلم من الكافر الكتابي كما يحل لنا نساؤهم، قال لا يجوز إذا جاء الشئ عن النبي
صلى الله عليه وسلم إلا أن يؤخذ بجملته ولا يترك إلا بالدلالة عنه أو من يروى الحديث عنه وقد يذهب
على معاذ وغيره بعض حديثه (قال الشافعي) رحمه الله: فقيل له لقلما رأيتك ترى أن لك الحجة في
شئ إلا لزمك مثله أو أكثر منه ثم زعمت أنه ليس بحجة ثم لا يمنعك ذلك من العودة لمثله فإن كان
هذا غباء فلو أمسكت عن أن تحتج وإن كان هذا عمدا أن تلبس على جاهل فهذا أسوأ لحالك فيما
بينك وبين الله عز وجل ولعله لا يسعك ذلك. وقد أدخلت عالما كثيرا من أهل الغفلة والاستعجال بأن
يكونوا مفتين في خلاف كثير من الكتاب والسنة فقال منهم قائل فهل رويت في ميراث المرتد شيئا عن
أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقلت إذ أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الكافر لا
يرث المسلم وكان كافرا ففي السنة كفاية من أن ماله مال كافر ولا وارث له فإنما هو فئ وقد روى أن
معاوية رضي الله عنه كتب إلى ابن عباس رضي الله عنهما وزيد بن ثابت رضي الله عنه يسألهما عن
ميراث المرتد فقالا لبيت المال (قال الشافعي) يعنيان أنه فئ (قال الشافعي) رحمه الله فقال فكيف
خمسته؟ قلت المال ثلاثة أصناف صدقة وغنيمة قوتل عليها وليس بواحد من هذين وفئ قسمته في
سورة الحشر بأن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة والأربعة الأخماس لجماعة أهل الفئ قال
فقال بعضهم فإن من أصحابكم من زعم أن ابن خطل ارتد فقتله النبي صلى الله عليه وسلم ولم تسمع
أنه غنم ماله فقلت له أنتم تنسبون أنفسكم إلى الصبر على المناظرة والنصفة وتنسبون أصحابنا إلى الغفلة
وأنهم لا يسلكون طريق المناظرة فكيف صرت إلى الحجة بقول واحد هو وأصحابه عندك كما تصف؟
قال أفعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم غنم مال ابن خطل قلت ولا علمته ورث ورثته المسلمين ولا
علمت له مالا، أفرأيت إن جاز لك أن توهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغنمه لأنه لم يرو عنه أنه
غنمه أيجوز لاحد أن يتوهم ان النبي صلى الله عليه وسلم غنمه قال نعم ولا يجوز واحد منهما ثم يجوز
لثالث أن يقول لم يكن له مال ثم لو أجزت التوهم جاز أن يقال كان له مال فغنم بعضه قال لا يجوز
هذا. قال فقد زعم بعض أصحابك ان رجلا ارتد في عهد عمر رضي الله عنه ولحق بدار الحرب فلم يتعرض
عمر لماله ولا عثمان بعده قلنا لا نعرف هذا ثابتا عن عمر ولا عن عثمان ولو كان خلاف قولك وبما قلنا
أشبه قال فكيف؟ قلت أنت تزعم أنه إذا لحق بدار الحرب قسم ماله وتروون عن عمر وعثمان أنهما لم
يقسماه وتقول لم يتعرض له وقد يكون بيدي من وثق به أو يكون ضمنه من هو في يده ولم يبلغه موته
فيأخذه فيئا؟ (قال الشافعي) فقال منهم قائل فكيف قلت إذا ارتد أحد الزوجين لم ينفسخ النكاح إلا
بمضي العدة؟ قلت قلته أنه في معنى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال وأين؟ قلت إذا كان
الزوجان الوثنيان متناكحين فأسلم أحدها فحرم على الآخر قال فجعل النبي صلى الله عليه وسلم منتهى
بينونة المرأة من الزوج ان تمضى عدتها قبل أن يسلم الآخر منهما إسلاما بدلالة عنه ممن روى الحديث
كان هكذا المسلمان متناكحين ثم أحدث أحدهما ما حرم به على الآخر فإن رجع قبل مضى عدة الزوجة
كانا على أصل النكاح كما كان الحربيان قال فهل خالف هذا من أصحابك أحد؟ فقلت أن أحد يكون
قوله حجة فلا أعلمه وأصحابي عندك كما علمت فما مسألتك عن قول من لا تعتد بقوله وافقك أو
خالفك؟
184

اصطدام السفينتين والفارسين
(1) (أخبرنا) الربيع قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اصطدم الفارسان لم يسبق أحدهما
صاحبه بأن يكون صادما فماتا معا وفرساهما فنصف دية كل واحد منهما على عاقلة صادمه من قبل أن
كل واحد منهما في في الظاهر مات من جناية نفسه وجناية غيره فترفع عنه جناية نفسه ويؤخذ له بجناية
غيره وهكذا فرساهما إلا أن نصف قيمة فرس كل واحد منهما في مال صادمه دون عاقلته، وهكذا لو
أن عشرة يرمون بالمنجنيق أو عرادة فوقع الحجر عليهم معا فقتل كل واحد ضمن عواقل التسعة تسعة
أعشار دية الميت من قبل أنه مات من فعلهم وفعله فلا يعقلون فعله ويعقلون فعل أنفسهم قال:
وهكذا لو كان اثنان فرميا بمنجنيق فرجع الحجر عليهما فمات أحدهما ضمنت عاقلة الباقي منهما نصف
دية الميت كالمسألة فيه قبلها، قال ولو ماتا معا ضمنت عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر وهكذا
هذا الباب كله وقياسه. قال وإذا اشترك في الجناية من عليه عقل ومن لا عقل عليه ضمن من عليه
العقل وطرح حصة من لا عقل عليه كما وصفنا في الانسان يحني على نفسه هو وغيره فترفع حصته ويقضى
على غيره ومثل الانسان والسبع يجنيان على الانسان فيموت والجناية خطأ من الجاني فنصف عقل المجني
عليه على عاقلة الجاني وحصة السبع منها هدر (قال الشافعي) فإن كانت سفينتان اصطدمتا فانكسرتا
فكان لا يمكن كل واحد من أهل السفينتين المصطدمتين صرفها عن صدم الأخرى بوجه من الوجوه
ولا حال من الأحوال الا بإضرار بها وبركبانها أو بلا إضرار بها ولا بركبانها فالقول فيها كالقول في الفارسين
يصطدمان فإن كان لا يمكنهم ذلك بحال من الأحوال أبدا فما صنعا هدر. قال وإذا كان في السفينة
أجراء يعملون فيها عملا غرقت بسببه فإن كان رب السفينة معهم فأمرهم بذلك العمل ولا شئ فيها إلا
لرب السفينة فلا شئ على الذين مدوها ولا على رب السفينة فإن كان فيها شئ لغيره فإن كان ما
أمرهم به عند أهل العلم بالبحر من صلاح السفينة ونجاتها لم يضمن ولم يضمنوا وإن كان من غير
صلاحها ضمن في قول من يضمن الأجير ومن ضمن الأجير ضمن صاحب السفينة إذا كان أخذ
عليها أجرا ولم يضمن الاجراء لصاحب السفينة ما هلك له من قبل أنهم بأمره فعلوا. ولو كان رب
الطعام مع الطعام فأمرهم بذلك الفعل لم يضمنوا لأنهم فعلوه بأمره في واحد من القولين قال: وإن
كان في السفينة أجراء وليس فيها ربها ففعلوا هذا الفعل فمن ضمن الأجير ضمنهم ومن لم يضمن الأجير
لم يضمنهم إلا فيما فعلوا مما ليس فيه صلاح لها فيكون ذلك جناية يضمنونها.
مسألة الحجام والخاتن والبيطار
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أمر الرجل أن يحجمه أن يختن غلامه
أو يبيطر دابته فتلفوا من فعله فإن كان فعل ما يفعل مثله مما فيه الصلاح للمفعول به عند أهل العلم
بتلك الصناعة فلا ضمان عليه وإن كان فعل ما لا يفعل مثله من أراد الصلاح وكان عالما به فهو ضامن

(1) قد انفرد بعض النسخ هنا بزيادة تراجم تقدم بعضها، ولكن المترجم له غير السابق، فيكون التكرار لنفس
الترجمة لا للمترجم له، فأثبتاها كما ترى.
185

وله أجر ما عمل في الحالين في السلامة والعطب (قال أبو محمد) وفي قول آخر: إذا فعل ما لا يفعل
فيه مثلها فليس له من الاجر شئ لأنه متعد والعمل الذي عمله لم يؤمر به فهو ضامن ولا أجر له وهذا
أصح القولين وهو معنى قول الشافعي (قال الشافعي) ولا أعلم أحدا ممن ضمن الصناع يضمن هؤلاء
وإن في تركهم تضمين هؤلاء لما وجه به من لا يضمن الصناع الحجة عليهم لأنه إذا ألغوا الضمان عمن
لم يبعد من هؤلاء لزمهم إلغاؤه عمن لم يبعد من الصناع وما علمت أنى سألت أحدا منهم ففرق بينهما
بأكثر من أن قال هذا أذن للصانع قلما وكذلك ذاك أذن للصانع وما وجدت بينهما فرقا إلا فرقا خطر
ببالي فقد يفرق الناس بما هو أبعد منه وأغمض وما هو بالفرق البين. وذلك أن ما كان فيه روح قد
يموت بقدر الله عز وجل لا من شئ عرفه الآدميون فلما عالج هؤلاء فيه شيئا فمات لم يكن الظاهر أنه
مات من علاجهم لأنه يمكن أن يموت من غيره فلم يضمن من قبل أنه مأذون له فيما فعل وغير ذوي
الأرواح مما صنع إنما جعل إتلافه بشئ يحدثه فيه الآدميون أو يحدث يرى. ومن فرق بهذا الفرق دخل
عليه أن يقال فأنت لو كان هؤلاء متعدين جعلتهم ماتوا بهذا الفعل وإن كان يمكن غيره فكذلك كان
ينبغي أن تقول في الصناع كلهم (قال) وإذا استأجر الرجل الرجل أن يخبز له خبزا معلوما في تنور أو
فرن فاحترق الخبز سئل أهل العلم به فإن كان خبزه في حال لا يخبز في مثلها باستيقاد التنور أو شدة
جمرته أو تركه تركا لا يترك مثله فهذا كله تعد يضمن فيه بكل حال عند من يضمن الأجير ومن لم
يضمنه وإن قالوا الحال التي خبز فيها والتي تركه فيها والعمل الذي عمل فيه اصلاح لا إفساد لم يضمن
عند من لا يضمن الأجير ضمن عند من يضمن الأجير (قال) وإذا استودع الرجل الرجل إناء من
قوارير فأخذه المستودع في يده ليحرزه في منزله فأصابه شئ من غير فعله فانكسر لم يضمن وإن أصابه
بفعله مخطئا أو عامدا قبل أن يصير إلى البيت أو بعد ما صار إليه فهو له ضامن.
مسألة الرجل يكترى الدابة فيضر بها فتموت
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اكترى الرجل من الرجل الدابة
فضربها أو كبحها بلجام أو ركضها فماتت سئل أهل العلم بالركوب فإن كان فعل من ذلك ما يفعل
العامة فلا يكون فيه عندهم خوف تلف أو فعل في الكبح والضرب مثل ما يفعل بمثلها عندما فعله فلا
أعد ذلك خرقة ولا شئ عليه وإن كان فعل ذلك عند الحاجة إليه بموضع يكون بمثله تلفا أو فعله في
الموضع الذي لا يفعل في مثله ضمن في كل حال كما قبل أن هذا تعد. والمستعير هكذا إن كان
صاحبه لا يريد أن يضمنه فإن أراد صاحبه أن يضمنه العارية فهو ضامن تعدى أو لم يتعد. فأما
الرائض (1) فإن من شأن الرواض الذي يعرف به إصلاحهم الدواب الضرب على حملها من السير
والحمل عليها من الضرب أكثر مما تفعل الركاب غيرهم فإذا فعل من ذلك ما يكون عند أهل العلم
بالرياضة إصلاحا وتأديبا للدابة بلا إعنات بين لم يضمن إن عيبت وإن فعل خلاف هذا كان متعديا
وضمن والمستعير الدابة هكذا كالمكتري في ركوبها إذا تعدى ضمن وإذا لم يتعد لم يضمن (قال

(1) قوله: فإن من شان الرواض الخ في العبارة قلاقة نشأت من تحريف النساخ غالبا والمقصود منها ان الرواض
من شانهم ضرب الدابة لحملها على السير أكثر مما تفعل الركاب غيرهم الخ، فتأمل.
186

الربيع) قوله الذي نأخذ به في المستعير أنه يضمن تعدى أو لم يتعد لحديث النبي صلى الله عليه وسلم
(العرية مضمونة) مؤداه وهو آخر قوليه (قال الشافعي) والراعي إذا فعل ما للرعاء أن يفعلوه مما لا
صلاح للماشية إلا به ومما يفعله أهل الماشية بمواشي أنفسهم على استصلاحها وما إذا رأوا من يفعله
بمواشيهم ممن يلي رعيتها كان عندهم صلاحا لا تلفا ولا خرقة يفعله الراعي لم يضمن وإن تلف وإن
فعل ما يكون عندهم خرقة فتلف منه شئ ضمنه عنه من لا يضمن الأجير ومن ضمن الأجير ضمنه
في كل حال.
جناية معلم الكتاب
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومعلم الكتاب والآدميين كلهم مخالف
لراعي البهائم وصناع الأعمال فإذا ضرب أحد من هؤلاء في استصلاح المضروب أو غير استصلاحه
فتلف المضروب كانت فيه ديته على عاقلة ضاربه ولا يرفع عن أحد أصاب الآدميين العقل والقود في
دار الاسلام إلا الإمام يقيم الحد فإن هذا أمر لازم ولا يحل له تعطيله، ولو عزر فتلف على يديه كانت
فيه الدية والكفارة وإن كان يرى أن التعزير جائز له وذلك أن التعزير أدب لا حد من حدود الله تعالى.
وقد كان يجوز تركه ولا يأثم من تركه فيه. ألا ترى أن أمورا قد فعلت على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم كانت غير حدود فلم يضرب فيها منها الغلول في سبيل الله وغير ذلك ولم يؤت بحد قط فعفاه.
والموضع الثاني: الذي يبطل فيه العقل والقود رجل يعطى الختان فيختنه والطبيب فيفتح عروقه أو
يقطع العرق من عروقه خوف أكلة أو داء فيموت في ذلك فلا نجعل فيه عقلا ولا قودا من قبل أنه فعله
بصاحبه بإذنه ففعله كفعله بنفسه إذا كان الذي فعل به ذلك بالغا حرا أو مملوكا بإذن سيده فإن كان
مملوكا بغير إذن سيده ضمن قيمته. فإن قال قائل: كيف يسقط عن الإمام أن يقتص في الجرح
ويقطع في السرقة ويجلد في الحد فلا يكون فيه عقل ولا قود ويكون الإمام إذا أدب وله أن يؤدب
ضامنا تلف المؤدب قيل: الحد والقصاص فرض من الله عز وجل على الوالي أن يقيمه فلا يحل له ترك
اقامته والتعزير كما وصفت إنما هو شئ وان رأى بعض الولاة ان يفعله على التأديب لا يأثم بتركه. وقد
قيل بعث عمر إلى امرأة في شئ بلغه عنها فأسقطت فاستشار فقال له قائل أنت مؤدب فقال له علي رضي الله عنه
إن كان اجتهد فقد أخطأ وإن كان لم يجتهد فقد غش عليك الدية فقال عزمت عليك لا
تجلس حتى تضربها على قومك وبهذا ذهبنا إلى هذا وإلى أن خطأ الإمام على عاقلته دون بيت المال
* وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ما أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئا لأن الحق
قتله إلا من مات في حد الخمر فإنه شئ رأيناه بعد النبي صلى الله عليه وسلم فمن مات فيه فديته إما
قال على بيت المال وإما قال على الإمام وكان معلم الكتاب والعبيد وأجراء الصناعات في أضعف وأقل
عذرا بالضرب من الإمام يؤدب الناس على المعاصي التي ليست فيها حدود وكانوا أولى أن يضمنوا ما
تلف من الإمام، فأما البهائم فإنما هي أموال حكمها غير حكم الأنفس. ألا ترى أن الرجل يرمى
الشئ فيصيب آدميا فيكون عليه فيه تحرير رقبة لم يقصد قصد معصية والمأثم مرفوع عنه في الخطأ
ويكون عليه دية وأن الله عز وجل وعد قاتل العمد النار وليس البهائم في شئ من هذا المعنى
والآدميون يؤدبون على الصناعات بالكلام فيعقلونه وليس هكذا مؤدب البهائم فإذا خلى رب البهيمة
187

بينها وبين الرجل بما يجوز له ففعله فإنما يفعله عن أمره أو بأمر الحاكم فيه أنه كأمره إذا كان ذلك غير
تعد وهو لو أمر في البهيمة بعدوان فأمره بقتلها فقتلها لم يضمن له شيئا من قبل أنه إنما فعله عن أمه
فلا يضمن له ماله عن أمره ولو كان آثما ولو أمره بقتل أبيه فقتله لم يسقط عنه ذلك كما يسقط عنه في
البهيمة.
مسألة الاجراء
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى الاجراء كلهم سواء فإذا تلف في أيديهم
شئ من غير جنايتهم فلا يجوز أن يقال فيه إلا واحد من قولين أحدهما أن يكون كل من أخذ الكراء
على شئ كان له ضامنا حتى يؤديه على السلامة أو يضمنه أو ما نقصه ومن قال هذا القول فينبغي أن
يكون من حجته أن يقول الأمين هو من دفعت إليه راضيا بأمانته لا معطى أجرا على ما دفعت إليه
وإعطائي هذا الاجر تفريق بينه وبين الأمين الذي أخذ ما استؤمن عليه بلا جعل أو يقول قائل لا ضمان
على أجير بحال من قبل أنه إنما يضمن من تعدى فأخذ ما ليس له أو أخذ الشئ على منفعة له فيه إما
مسلط على إتلافه كما يأخذ سلفا فيكون مالا من ماله فيكون إن شاء ينفقه ويرد مثله وإما مستعير سلط
على الانتفاع بما أعير فيضمن لأنه أخذ ذلك لمنفعة نفسه لا لمنفعة صاحبه فيه وهذان معا نقص على
المسلف والمعير أو غير زيادة له والصانع والأجير من كان ليس في هذا لمعنى فلا يضمن بحال إلا ما
جنت يده كما يضمن المودع ما جنت يده وليس بهذا سنة علمتها ولا أثر يصح عند أهل الحديث عن
أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى فيه شئ عن عمر وعلى رضي الله عنهما ليس
يثبت عند أهل الحديث عنهما ولو ثبت عنهما لزم من يثبته أن يضمن الاجراء من كانوا فيضمن أجير
الرجل وحده والأجير المشترك والأجير على الحفظ والرعية وحمل المتاع والأجير على الشئ يصنعه لأن
عمر رضي الله عنه إن كان ضمن الصناع فليس في تضمينه لهم معنى إلا أن يكون ضمنهم بأنهم أخذوا
أجرا على ما ضمنوا فكل من أخذ أجرا فهو في معناهم وإن كان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
ضمن القصار والصابغ فكذلك كل صانع وكل من أخذ أجرا وقد يقال للراعي صناعته الرعية وللحمال
صناعته الحمل للناس ولكنه ثابت عن بعض التابعين ما قلت أولا من التضمين أو ترك التضمين ومن
ضمن الأجير بكل حال فكان مع الأجير ما قلت مثل إن استحمله الشئ على ظهره أو استعمله لشئ
في بيته أو غير بيته وهو حاضر لماله أو وكيل له يحفظه فتلف ماله بأي وجه ما تلف به إذا لم يجن عليه
جان فلا ضمان على الصانع ولا الأجير وكذلك إن جنى عليه غيره فلا ضمان عليه والضمان على الجاني
ولو غاب عنه أو تركه يغيب عليه كان ضامنا له من أي وجه ما تلف وإن كان حاضرا معه فعمل فيه
عملا فتلف بذلك العمل وقال الأجير هكذا يعمل هذا فلم أتعد بالعمل وقال المستأجر ليس هكذا
يعمل وقد تعديت وبينهما بينة أو لا بينة بينهما فإذا كانت البينة سئل عدلان من أهل تلك الصناعة فإن
قالا هكذا يعمل هذا فلا يضمن وإن قالا هذا تعدى في عمل هذا ضمن كان التعدي ما كان قل أو
كثر وإذا لم يكن بينة كان القول قول الصانع مع يمينه ثم لا ضمان عليه وإذا سمعتني أقول القول قول أحد
فلست أقوله إلا على معنى ما يعرف إذا ادعى الذي أجعل القول قوله ما يمكن بحال من الحالات
جعلت القول قوله وإذا ادعى ما لا يمكن بحال من الحالات لم أجعل القول قوله ومن ضمن
188

الصانع فيما يغيب عليه فجنى جان على ما في يديه فأتلفه فرب المال بالخيار في تضمين الصانع لأنه
كان عليه أن يؤديه إليه على السلامة فإن ضمنه رجع به الصانع على الجاني أو تضمين الجاني فإن ضمنه
لم يرجع به الجاني على الصانع وإذا ضمنه الصانع فأفلس به الصانع كان له أن يأخذه من الجاني وكان
الجاني في هذا الموضع كالحميل وكذلك لو ضمنه الجاني فأفلس به الجاني رجع به على الصانع إلا أن
يكون أبرأ كل واحد منهما عند تضمين الآخر فلا يرجع به وللصانع في كل حال أن يرجع به على
الجاني إذا أخذ من الصانع وليس للجاني أن يرجع به على الصانع إذا أخذ منه بحال. قال وإذا
تكارى الرجل من الرجل على الوزن المعلوم والكيل المعلوم والبلد المعلوم فزاد الوزن أو الكيل أو نقصا
وتصادقا على أن رب المال ولى الوزن والكيل قلنا في الزيادة والنقصان لأهل العلم بالصناعة هل يزيد ما
بين الوزنين وينقص ما بينهما وبين الكيلين هكذا فيما لم تدخله آفة فإن قالوا نعم قد يزيد وينقص قلنا في
النقصان لرب المال قد يمكن النقص كما زعم أهل العلم بلا جناية ولا آفة فلما كان النقص يكون ولا
يكون قلنا إن شاء أحلفنا لك الحمال ما خانك ولا تعدى بشئ أفسد متاعك ثم لا ضمان عليه وقلنا
للحمال في الزيادة كما قلنا لرب المال في النقصان إن كانت الزيادة قد تكون لأمر حادث ولا زيادة
ويكون النقصان وكانت ههنا زيادة فإن لم تدعها فهي لرب المال ولا كراء لك فيها وإن ادعيتها أو فينا
رب المال ماله تاما ولم نسلك لك الفضل إلا بأن تحلف ما هو من مال رب المال وتأخذه وإن كانت
زيادة لا يزيد مثلها أو فينا رب المال ماله وقلنا الزيادة لا يدعيها رب المال فإن كانت لك فخذها وإن لم
تكن لك جعلناها كمال في يديك لا مدعى له وقلنا الورع أن لا تأكل ما ليس لك فإن ادعاها رب
المال وصدقته كانت الزيادة له وعليه كراء مثلها وإن كنت أنت الكيال للطعام بأمر رب الطعام ولا
أمين له معك قلنا لرب الطعام هو مقر بأن هذه الزيادة لك فإن ادعيتها فهي لك وعليك في المكيلة
التي اكتريت عليها ما سميت من الكراء وعليك اليمين ما رضيت أن يحمل لك الزيادة ثم هو ضامن لأن
يعطيك مثل قمحك ببلدك الذي حمله منه لأنه متعد إلا أن ترضى بأن تأخذه في موضعك فلا يحال
بينك وبين عين مالك ولا كراء عليك بالعدوان. وإن قلت رضيت بأن يحمل لي مكيلة بكراء معلوم وما
زاد فبحسابه فالكراء في المكيلة جايز وفي الزيادة فاسد والطعام لك وله كراء مثله في كله فإن كان
نقصان لا ينقص مثله فالقول فيه كالقول في المسألة الأولى فمن رأى تضمين الحمال ضمنه ما نقص عن
المكيلة لا يدفع عنه شيئا ومن لم ير تضمينه لم يضمنه وطرح عنه من الكراء بقدر النقصان، والله أعلم.
باب خطأ الطبيب والإمام يؤدب
أخبرنا الربيع بن سليمان قال قلت للشافعي رضي الله عنه فما تقول في الرجل يضرب امرأته الناشزة
فتؤتى على يديه فتموت والإمام يضرب الرجل في الأدب أو في حد فيموت أو الخاتن يؤتى على يديه
فيموت أو الرجل يأمر الرجل يقطع شيئا من جسده فيموت أحد من هؤلاء في شئ من ذلك أو المعلم
يؤدب الصبي والرجل يؤدب يتيمه فيموت وما أشبه ذلك؟ (قال الشافعي) أصل هذه الأشياء من
وجهين يكون عليه في أحدهما العقل ولا يكون عليه في الآخر العقل فأما ما لا يكون فيه من ذلك عقل
فما كان لا يحل للإمام إلا أخذه ممن ما عاقبه به فإن تلف المعاقب به منه لم يكن عليه الذي عاقبه به
189

شئ والمقيم عليه مأجور فيه وذلك مثل أن يزنى وهو بكر فيجلده أو يسرق ما يجب فيه القطع فيقطعه أو
يجرح جرحا فيقتص منه أو يقذف فيجلد حد القذف فكل ما كان في هذا المعنى من حد أنزله الله تعالى
في كتابه أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن مات فيه فالحق قتله فلا عقل ولا كفارة على الإمام
فيه (1) والوجه الثاني الذي يسقط فيه العقل ان يأمر الرجل به الداء الطبيب ان يبط جرحه أو الاكلة
أن يقطع عضوا يخاف مشيها إليه أو يفجر له عرقا أو الحجام أن يحجمه أو الكاوي أن يكويه أو يأمر أبو
الصبي أو سيد المملوك الحجام أن يختنه فيموت من شئ من هذا ولم يتعد المأمور ما أمره به فلا عقل
ولا مأخوذية إن حسنت نيته إن شاء الله تعالى وذلك أن الطبيب والحجام إنما فعلاه للصلاح بأمر
المفعول به أو والد الصبي أو سيد المملوك الذي يجوز عليهما أمره في كل نظر لهما كما يجوز عليهما أمر أنفسهما
لو كانا بالغين فأما ما عاقب به السلطان في غير حد وجب لله وتلف منه المعاقب فعلى السلطان عقل
المعاقب وعليه الكفارة ثم اختلف في العقل الذي يلزم السلطان فأما الذي اختار والذي سمعت ممن
أرضى من علمائنا أن العقل على عاقلة السلطان وقد قال غيرنا من المشرقيين العقل على بيت المال لأن
السلطان إنما يؤدب لجماعة المسلمين فيما فيه صلاحهم فالعقل عليهم في بيت مالهم وهكذا الرجل يؤدب
امرأته فتؤتى على يديه فتتلف العقل على عاقلته وهكذا كل أمر لا يلزم السلطان أن يقوم به لله تعالى من
حد أو قتل ولم يبحه المرء من نفسه على معنى المنفعة له فناله منه سلطان أو غيره فلا يبطل العقل به فإن
قال قائل لم زعمت أن للسلطان أن يؤدب وأن يحد ثم أبطلت ما تلف بالحد وألزمته ما تلف بالأدب؟
قلنا فإن الحد فرض على السلطان أن يقوم به وإن تركه كان عاصيا لله بتركه والأدب أمر لم يبح له إلا
بالري وحلال له تركه ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ظهر على قوم أنهم قد غلوا في سبيل
الله فلم يعاقبهم ولو كانت العقوبة تلزم لزوم الحد ما تركهم كما قال صلى الله عليه وسلم وقطع امرأة لها
شرف فكلم فيها فقال: (لو سرقت فلانة لا مرأة شريفة لقطعت يدها) وقد قال الله تبارك وتعالى (وما
كان المؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) والذي
يعرف أن الخطأ أن يرمى الشئ فيصيب غيره وقد يحتمل معنى غيره (قال الشافعي) ولم أعلم من أهل
العلم مخالفا في أن للرجل أن يرمى الصيد وأن يرمى الغرض وأنه لو رمى واحدا منهما ولا يرى إنسانا ولا شاة
لانسان فأصابت الرمية إنسانا أو شاة لانسان ضمن دية المصاب إذا مات وثمن الشاة إذا ماتت
فوجدت حكمهم له بإباحة الرمية إذا تعقب فمعناه معنى أن يرمى على أن لا يتلف مسلما ولا حق مسلم
ووجدته يحل له أن يترك الرمي كما وجدته يحل للإمام أن يترك العقوبة وكان الشئ الذي يفعله الإمام
وله تركه بالرمية يرميها الرجل مباحة له وله تركها فيتلف شيئا فيضمنه الرامي أشبه به منه بالحد الذي
فرض الله عز وجل أن يأخذ بل العقوبة أولى أن تكون مضمونة إن جاء فيها تلف من الرمية لأنه لا
يختلف أحد في أن الرمية مباحة وقد يختلف الناس في العقوبات فيكره بعضهم العقوبة ويقول
بعضهم لا يبلغ بالعقوبة كذا ويقول بعضهم لا يزاد فيها على كذا وفي مثل معنى الرامي الرجل يؤدب
امرأته لأنه كان له أن يدعها وكان الترك خيرا له النبي صلى الله عليه وسلم قال بعد الاذن بضربهن

(1) قوله: الوجه الثاني الذي يسقط الخ، ليس هذا قسيما لما قبله كما هو ظاهر واما قسيمه فقوله: فأما ما عاقب
به الخ.
190

(لن يضرب خياركم) وكان الضارب إذا كان الترك خيرا له أولى أن يضمن إن كان تلف على المضروب
لأنه عامد للضرب الذي به التلف في الحكم من الرامي الذي لم يعمد قط أن يصيب المرمى (قال
الشافعي) فإن قال قائل فهل من شئ يعنيه سوى هذا؟ فهذا مكتفى به وقد قال علي بن أبي طالب
كرم الله وجهه ما من أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئا لأن الحق قتله إلا المحدود في الخمر
فإنه شئ أحدثناه بعد النبي صلى الله عليه وسلم فمن مات منه فديته لا أدرى قال في بيت المال أو على
الذي حده، شك الشافعي (قال الشافعي) وبلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث إلى امرأة
في شئ بلغه عنها فذعرها ففزعت فأسقطت فاستشار عمر في سقطها فقال له على رضي الله عنهما
كلمة لا أحفظها أعرف أن معناها أن عليه الدية فأمر عمر عليا رضي الله عنهما أن يضربها على قومه وقد
كان لعمر أن يبعث وللإمام أن يحد في الخمر عند العامة فلما كان في البعثة تلف على المبعوث إليها أو
على ذي بطنها فقال على وقال عمر إن عليه مع ذلك الدية كان الذي نراهم ذهبوا إليه مثل الذي
وصفنا من أن لي أن أرمى على أن لا يتلف أحد برميتي فذهبوا - والله أعلم - إلى أنه وإن كانت له
الرسالة فعليه أن لا يتلف بها أحدا فإن تلف ضمن وكان المأثم مرفوعا.
الجمل الصئول
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال حكى محمد بن الحسن قال قال أهل المدينة إذا
صال الجمل على الرجل فأقام بينة بصياله عليه وأنه ضربه عند صياله فقتله أو عقره فلا ضمان عليه وإن
لم يكن بينة إلا قوله ضمن وقال أبو حنيفة يضمن في الحالين لأنه لا جناية لبهيمة تحل دمها ولا جرحها
وقال محمد بن الحسن وغيره ممن يقول قوله فيه قولا قد جمعته وحكيت ما حضرني فيه وكله قالاه لي أو
أحدهما وقلته لهما فقال ما تقول فيما اختلف فيه؟ قتل أقول بما حكيت عن أصحابنا أنهم قالوه قال فما
حجتك فيه؟ قلت إن الله عز وجل منع دماء المسلمين إلا بحقها وإن المسلمين لم يختلفوا فيما علمت أو
من علمت قوله منهم في أن مسلما لو أرادني في الموضع الذي لا يمنعني منه باب أغلقه ولا قوة لي بمنعه
ولا مهرب أمتنع به منه وكانت منعتي منه التي أدفع عنى ارادته لي إنما بضربه بسلاح فحضرني سيف
أو غيره كان لي ضربه بالسيف لأمنع حرمتي التي حرم الله تعالى عليه انتهاكها فإن أتى الضرب على
نفسه فلا عقل على ولا قود ولا كفارة لأني فعلت فعلا مباحا لي فلما كان هذا في المسلم هكذا كان البعير
أقل حرمة وأصغر قدرا وأولى أن يجوز هذا فيه قال إن البعير لا يقتل إن قتل والمسلم إن قتل قتل قلت ما
خالفتك في هذا فأين زعمت أنهما يجتمعان فيه؟ وإنما جمعت بينهما حيث اجتمعا وفرقت بينهما حيث
افترقا وإنما قتل المسلم في الحال التي وصفت أراد فيها الجناية فقال ما قتلته إلا بجناية ولولا الجناية ما
حل لك دمه قلت فهل تكون الإرادة جناية؟ قال نعم قلت فما تقول فيما لو أرادني فحال بيني وبينه نهر
أو خندق أو انكسرت رجله أو يده أو حبسه حابس وهو يريدني إلا أنه لم ينلني حيث هو بيد ولا
بسلاح أكان يحل لي قتله؟ قال لا قلت ولو كان بحيث ينالني فظفرت بسلاحه حتى صار غير قادر على
أيحل لي قتله؟ قال لا قلت ولو جرحته جرحا يمنعه من قتلى وهو يريدني أكان يحل لي قتله قال لا،
قلت ولو أرادني ولم يكن في يده ما يقتلني به كان يحل لي قتله؟ قال لا قلت وأسمعك مزيدا إلى
191

حالات تزعم أن دمه فيها كلها محرم فلو كنت إنما أبحت دمه بالإرادة فقط انبغى أن تبيح دمه في هذه
الحالات كلها. قال فبأي شئ أبحت دمه؟ قلت بمنع الله تعالى ما حرم الله تعالى أن ينتهك منى فلما لم
أجد مانعا لدمي إلا ضربه ضربته فإذا صار إلى الحال التي لا يقدر فيها على قتلى فدمه محرم لأنه لم يفعل
فعلا يحل دمه إنما فعل فعلا يحل منعه لا دمه فإن كان في منعه حتفه فهو أحله بنفسه وإن لم يكن فيه
حتفه لم يحل لي قتله بعد أماني من أن يقتلني. وكذلك في الحالات التي وصفت لك قبل أن أضربه
فلو صار إلى حال امتنع فيها منه بغير ضربه لم يحل لي ضربه. وكذلك الجمل إذا لم أقدر على دفعه إلا
بما دفعت به المسلم من الضرب ضربته وإن أتت الضربة على نفسه وإن صار إلى الحال التي آمنه فيها
على نفسي لم يحل لي ضربه ولو ضربته فقتلته غرمت ثمنه فلم أبحها بجناية إنما الجناية الفعل لا الإرادة
ولكن أبحتها لمنع حرمتي، وكذلك المجنون، وكذلك الصبي والله أعلم.
الاستحقاق
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اعترف الرجل دابة في يدي رجل والمعترفة في يديه ينكر
أو لا ينكر ولا يعترف كلف المعترف البينة فإن جاء بالبينة أنها دابته لا يعلمون أنه باع ولا وهب أو قالوا
لم يبع ولم يهب فليس ذلك مما ترد به شهادتهم وإنما ذلك على العلم أحلف صاحب الدابة بالله إن هذه
الدابة ما خرجت من ملكه بوجه من الوجوه ثم دفعت إليه وإذا أسلف الرجل عبدا في طعام أو ثوبا أو
عرضا أو دنانير أو دارهم أو ما كان فاستحق ما سلف من ذلك بطل البيع لأن الثمن العين الذي أسلفه
ولا تختلف في ذلك الدنانير والدراهم باعها وهو لا يملكها وهذا في بيوع الأعيان فمن باع عينا أو اشترى
بعين وشراؤه بالعين بيع للعين فاستحقت تلك العين انتقض البيع، وإذا باع صفة من الصفات
مضمونة فقبضها المشترى فاستحققت لم ينتقض البيع. وذلك أن البيع لم يقع على تلك العين وإنما وقع
على شئ مضمون فقبضها المشترى فاستحقت لم ينتقض البيع. وذلك أن البيع لم يقع على تلك العين
وإنما وقع على شئ مضمون بصفة في ذمة البائع كالدين عليه ولا يبرأ منه هو أبدا إلا بأن يسلم لصاحبه
فكلما استحق شئ بصفة رجع عليه حتى يستوفى تلك الصفة، وإذا صرف دنانير بأعيانها بدراهم
بأعيانها فاستحقت الدراهم أو الدنانير لا فرق بين الدنانير والدراهم وغيرها بطل البيع فيها (قال
الربيع) من اشترى شيئا بعينه بشئ بعينه فاستحق أحد الشيئين بطل البيع كله لأن الصفقة وقعت على
ما يجوز وما لا يجوز، وإذا استحق من الدراهم شئ وإن قل بطل الصرف كله لأن الصفقة وقعت على
ما يجوز وما لا يجوز، وإذا استحق من الدراهم شئ وإن قال بطل الصرف كله لأن الصفقة جمعت
حلالا وحراما فبطلت كلها وهو قول الشافعي (قال الشافعي) وإذا اشترى الرجل جارية فأولدها من
سوق من أسواق المسلمين أو غير أسواق المسلمين أو نكحته على أنها حرة فولدت له ثم استحقها سيدها فعليه
مهر مثلها لسيدها وعليه قيمة أولادها منه يوم سقطوا لأن ذلك أول ما كان لهم حكم الدنيا ويأخذها سيدها
مملوكة وإنما أعتق الولد بالغرور، ولو كانت أقرت بالرق فنكح على ذلك فإن ولده مماليك، ولو كان
أمتان بين رجلين فاقتسماهما وصارت إحداهما لأحدهما فولدت منه ثم استحقها رجل آخر أخذها ومهر
مثلها وقيمة ولدها وولدها أحرار وانتقض القسم بينهما وصارت الجارية باقية بينهما، وإذا ابتاع الرجل
جارية فماتت في يديه فالموت فوت ثم استحقها رجل كان له أن يرجع بالقيمة على الذي ماتت في
192

يديه وللذي ماتت في يديه أن يرجع على البائع بالثمن الذي أخذ منه وإن كانت ولدت له أولادا فهم
أحرار وعليه قيمتهم يوم سقطوا، ولو كانت المسألة بحالها ولم تمت غير أنها زادت في يديه أو نقصت
بجناية أصابتها منه أو من غيره أو بشئ من المساء ردها بعينها ولا يقال لهذا فوت إنما يقال لهذا زيادة أو
نقص فيردها زائدة ولا شئ له في الزيادة وناقصة وعليه ما نقصها إلا أن يكون أخذ لها أرشا أكثر مما
نقصها فعليه رده ويرد النقص الذي من غيره جنايته لأنه كان ضامنا لها لأنها ملك لغيره فأما زيادة
الأسواق ونقصانها فليست من الأبدان بسبيل لأنه قد يغصبها ثمن مائة بالغلاء ثم تزيد في بدنها وتنقص
أسواقها فتكون ثمة خمسين أفيقال لهذا الذي زادت في يده الذي يشهد رب الجارية وأهل العلم أنها
اليوم خير منها يوم أخذها بالضعف في بدنها أغرم نصف قيمتها من قبل أنها رخصت ليس هذا بشئ
إنما يغرم نقص بدنها لأنه نقص عين سلعة المغصوب فأما نقص الأسواق فليس من جنايته ولا بسببها،
وإذا باع الرجال الرجل الأرض فبنى فيها أو غرس ثم استحق رجل نصفها واختار المشترى أن يكون له
النصف بنصف الثمن قست الأرض فما وقع للمستحق فعلى المشترى قلع البناء والغراس منه، وكذا
حمله ويرجع بما نقص الغراس والبناء على البائع وبنصف الثمن، وكذلك الأرض بين الرجلين
فيقسمانها (قال الربيع) آخر قول الشافعي أنه إذا استحق بعض ما اشترى فإن البيع كل باطل من قبل
أن الصفقة جمعت حلالا وحراما فبطلت كلها (قال الربيع) ويأخذ رب الأرض أرضه ويقلع بناءه
منها وغراسه ويرجع رب البناء والغراس على البائع بما غرم لأنه غره فيأخذ منه ما أخذ منه.
الأشربة
(أخبرنا الربيع) بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي
سلمة ابن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل شراب
أسكر فهو حرام) وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال (كل شراب أسكر فهو حرام) وأخبرنا مالك عن
زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الغبيراء فقال (لا خير فيها)
ونهى عنها. قال مالك عن زيد بن أسلم هي السكركة، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال (من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة) أخبرنا
مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس رضي الله عنه قال كنت أسقى أبا طلحة
الأنصاري وأبي بن كعب وأبا عبيدة بن الجراح شرابا من فضيخ وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد
حرمت فقال أبو طلحة يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها فقال أنس فقمت إلى مهراس لنا فضربتها
بأسفله حتى تكسرت أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب بن مالك عن أمه
وقد كانت صلت القبلتين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخليطين وقال (انتبذوا كل واحد
منهما على حدته) أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن ابن أبي أوفى قال نهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن نبيذ الجر الأخضر والأبيض والأحمر، أخبرنا سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول
عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأوعية قيل
193

له ليس كل الناس يجد سقاء فأذن لهم في الجر غير المزفت. أخبرنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تنبذوا في الدباء والمزفت) قال
ثم يقول أبو هريرة واجتنبوا الحناتم والنقير، أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه أن أبا تميم الجيشاني
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له في سقاء فإن لم يكن فتور من حجارة أخبرنا مالك عن
نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في بعض مغازيه قال عبد الله بن
عمر فأقبلت نحوه فانصرف قيل أن أيلغه فسألت ماذا قال قالوا نهى أن ننتبذ في الدباء والمزفت أخبرنا
مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن
ينتبذ في الدباء والمزفت أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم نهى أن ينبذ التمر والبسر جميعا والتمر والزهو جميعا أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن ابن وعلة
المصري أنه سأل ابن عباس عما يعصر من العنب فقال ابن عباس رضي الله عنهما أهدى رجل لرسول
الله صلى الله عليه وسلم رواية من خمر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (أما علمت أن الله تعالى
ذكره حرمها؟) قال لا فسار إنسانا إلى جنبه فقال بهم ساررته؟ فقال أمرته أن يبيعها فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم (إن الذي حرم شربها حرم بيعها) ففتح فم المزادتين حتى ذهب ما فيهما أخبرنا
سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن
رجلا باع خمرا فقال قاتل الله فلانا باع الخمر أو ما علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (قاتل
الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها؟) أخبرنا سفيان عن أبي الجويرية الجرمي قال ألا
إني لأول العرب سأل ابن عباس وهو مسند ظهره إلى الكعبة فسألته عن الباذق فقال سبق محمد صلى
الله عليه وسلم الباذق وما أسكر فهو حرام أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجالا من أهل العراق
قالوا له: إنا نبتاع من ثمر النخيل والعنب فنعصره خمرا فنبيعها فقال عبد الله إني أشهد الله عليكم
وملائكته ومن سمع من الجن والإنس إني لا آمركم أن تبيعوها ولا تبتاعوها ولا تعصروها ولا تسقوها
فإنها رجس من عمل الشيطان أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال كل مسكر خمر وكل مسكر
حرام، أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ وعن سلمة بن عوف
بن سلامة أخبراه عن محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قدم الشام
شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها وقالوا لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر اشربوا العسل
فقالوا لا يصلحنا العسل فقال رجال من أهل الأرض هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا
يسكر فقال نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقى الثلث فأتوا به عمر فأدخل فيه عمر أصبعه ثم رفع
يده فتبعها يتمطط فقال هذا الطلاء هذا مثل طلاء الإبل فأمرهم عمر أن يشربوه فقال له عبادة بن
الصامت أحللتها والله فقال عمر كلا والله اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم ولا أحرم عليهم شيئا
أحللته لهم، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شرب الطلاء وإني سائل عما
شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاما، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قلت
لعطاء أتجلد في ريح الشراب؟ فقال عطاء إن الريح لتكون من الشراب الذي ليس به بأس، فإذا
اجتمعوا جميعا على شراب واحد فسكر أحدهم جلدوا جميعا الحد تاما (قال الشافعي) وقول عطاء
مثل قول عمر لا يخالفه لا يعرف الاسكار في الشراب حتى يسكر منه واحد فيعلم منه أنه مسكر ثم
194

يجلد الحد على شربه وإن لم يسكر صاحبه قياسا على الخمر أخبرنا سفيان عن الزهري عن السائب بن
يزيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج يصلى على جنازة فسمعه السائب يقول إني وجدت من
عبيد الله وأصحابه ريح شراب وأنا سائل عما شربوا فإن كان مسكرا حددتهم قال سفيان فأخبرني معمر
عن الزهري عن السائب بن يزيد أنه حضره يحدهم، أخبرنا سفيان عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاقتلوه) لا
يدرى الزهري أبعد الثالثة أو الرابعة فأتى برجل قد شرب فجلده ثم أتى به قد شرب فجلده ثم أتى به
قد شرب فجلده ووضع القتل فصارت رخصة قال سفيان قال الزهري لمنصور بن المعتمر ومحول كونا
وافدي أهل العراق بهذا الحديث أخبرنا سفيان عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين سأل عن رحل خالد بن الوليد فجريت من بين يديه أسأل
عن رحل خالد حتى أتاه جريحا وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بشارب فقال اضربوه فضربوه
بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه التراب ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم (بكتوه) فبكتوه
ثم أرسله فلما كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه سال من حضر ذلك الضرب فقومه أربعين فضرب أبو بكر في
الخمر أربعين حياته ثم عمر رضي الله تعالى عنه حتى تتابع الناس في الخمر فاستشار عمر عليا رضي الله تعالى
عنه فضربه ثمانين أخبرنا مالك عن ثور بن زيد الديلي أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل
فقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذي وإذا
هذي افترى أو كما قال قال فجلد عمر ثمانين في الخمر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وبلغنا عن الحسين بن
أبي الحسن أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال ليس أحد نقيم عليه حدا فيموت فأجد في نفسي منه
شيئا فإن الحق قتله إلا حد الخمر فإنه شئ رأيناه بعد النبي صلى الله عليه وسلم فمن مات فيه ففيه دية إما قال
في بيت المال وإما قال على الإمام أخبرنا ابن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب قال
لا أوتى بأحد شرب خمرا ولا نبيذا مسكرا إلا جلدته الحد أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر
محمد بن علي أن علي بن أبي طالب جلد الوليد بسوط له طرفان أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي
جعفر ان عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال إن يجلد قدامة اليوم فلن يترك أحد بعده وكان قدامة
بدريا. سمعت الشافعي وهو يحتج في ذكر المسكر فقال كلاما قد تقدم لا أحفظه فقال أرأيت إن شرب عشرة
ولم يسكر؟ فإن قال حلال قيل أفرأيت إن خرج فأصابته الريح فسكر؟ فإن قال حرام قيل له أفرأيت شيئا
قط شربه رجل وصار في جوفه حلالا ثم صيرته الريح حراما؟ وقول الشافعي إن ما أسكر كثيره قليله حرام؟
أخبرنا مالك عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ في الدباء
والمزفت.
الوليمة
أخبرنا الربيع بن سليمان قال حدثنا الشافعي إملاء قال إتيان دعوة الوليمة حق والوليمة التي تعرف وليمة
العرس وكل دعوة كانت على إملاك أو نفاس أو ختان أو حادث سرور دعى إليها رجل فاسم الوليمة يقع
عليها ولا أرخص لاحد في تركها ولو تركها لم يبن لي أنه عاص في تركها كما يبين في وليمة العرس. فإن
قال قائل وهل يفترقان وكلاهما يكلف عند حادث سرور ومن حق المسلم على المسلم أن يسره؟ قيل قد
195

يجتمعان في هذا ويجتمع ويجتمع في هذا أن يعمل الرجل عند غير حادث الطعام فيدعو عليه فلا أحب
أن يتخلف عنه ويفترقان في أنى لم أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوليمة على عرس ولم اعلمه
أولم على غيره. وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن عوف أن يؤلم ولو بشاة ولم أعلمه أمر
بذلك أظنه قال أحدا غيره حتى أولم النبي صلى الله عليه وسلم على صفية لأنه كان في سفر بسويق وتمر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإن كان المدعو صائما أجاب الدعوة وبارك وانصرف ولم نحتم عليه
أن يأكل وأحب إلى أن لو فعل وأفطر إن كان صومه غير واجب إلا أن يأذن قبل وبعد له رب الوليمة
(قال الشافعي) أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن أباه دعا نفرا من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم فأتاه فيهم أبي بن كعب وأحسبه قال فبارك وانصرف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
أخبرنا سفيان بن عيينة سمع عبد الله بن أبي يزيد يقول دعا أبى عبد الله بن عمر فأتاه فجلس ووضع
الطعام فمد عبد الله بن عمر يده وقال خذوا بسم الله وقبض عبد الله يده وقال إني صائم (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مسلم عن جريج (قال الشافعي) لا أدرى عن عطاء أو غيره قال جاء
رسول ابن صفوان إلى ابن عباس وهو يعالج زمزم يدعوه وأصحابه فأمرهم فقاموا واستعفاه وقال إن لم
يعفني جئته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قدر الرجل على إتيان الوليمة بحال لم يكن له عذر في
تركها اشتد الزحام أو قل لا أعلم الزحام يمنع من الواجب والذي يجب ذلك عليه من قصد صاحب
الوليمة قصده بالدعوة فأما من قال له رسول صاحب الوليمة قد أمرني أن أوذن من رأيت فكنت ممن
رأيت أن أوذنك فليس عليه أن يأتي الوليمة لأن صاحب الوليمة لم يقصد قصده وأحب إلى أن لا يأتي.
ومن لم يدع. ثم جاء فأكل لم يحل له ما أكل إلا بأن يحل له صاحب الوليمة وإذا دعى الرجل إلى
الوليمة وفيها المعصية من المسكر أو الخمر أو ما أشبه ذلك من المعاصي الظاهرة نهاهم فإن نحوا ذلك عنه
وإلا لم أحب له أن يجلس فإن علم قبل أن ذلك عندهم فلا أحب له أن يجيب ولا يدخل مع المعصية
وإن رأى صورا في الموضع الذي يدعى فيه ذوات أرواح لم يدخل المنزل الذي تلك الصور فيه إن
كانت تلك منصوبة لا توطأ فإن كانت توطأ فلا بأس أن يدخله، وإن كانت صورا غير ذوات أرواح
مثل صور الشجر فلا بأس إنما المنهى عنه أن يصور ذوات الأرواح التي هي خلق الله، وإن كانت
المنازل مستترة فلا بأس أن يدخلها وليس في الستر شئ أكرهه أكثر من السرف وأحب للرجل إذا
دعاه الرجل إلى الطعام أن يجيبه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (لو أهدى إلى ذراع لقبلتها ولو دعيت إلى كراع لأجبت) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى
أبا طلحة وجماعة معه فأكلوا عنده وكان ذلك في غير وليمة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ودعت
امرأة سعد بن الربيع النبي صلى الله عليه وسلم ونفرا من أصحابه فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن دعت فأكلوا عندها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإني لأحفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم
قد أجاب إلى غير دعوة في غير وليمة.
صدقة الشافعي رضي الله عنه
هذا كتاب كتبه محمد بن إدريس بن العباس الشافعي في صحة منه وجواز من أمره وذلك في
196

صفر سنة ثلاث ومائتين أن الله عز وجل رزق أبا الحسن بن محمد بن إدريس مالا فأخذ محمد بن
إدريس من مال ابنه أبى الحسن ابن محمد أربعمائة دينار جيادا صحاحا مثاقيل وضمنها محمد بن
إدريس لابنه أبى الحسن بن محمد بن إدريس * وأشهد محمد بن إدريس شهود هذا الكتاب أنه
تصدق على ابنه أبى الحسن بن محمد بن إدريس بثلاثة أعبد منهم وصيف أشقر خصى يقال له صالح
ووصيف نوبي خباز يقال له بلال وعبد فراني قصار يدعى سالما وبأمة شقراء تدعى فلانة وقبضهم محمد
بن إدريس لابنه أبى الحسن من نفسه وصاروا من مال ابنه أبى الحسن وخرجوا من ملك محمد بن
إدريس * وأشهد محمد بن إدريس شهود هذا الكتاب أنه تصدق على ابنه أبى الحسن بن محمد ابن
إدريس بجميع حلية وهو مسكنان ودملجان وخلخالان وقلادة كل ذلك من الذهب وبمثل هذا حلى
من الورق وقبضه له من نفسه ودفعه إلى أمه تقبضه له وتحفظه عليه وصار كل ذلك من الذهب وبمثل
هذا حلى من الورق وقبضه له من نفسه ودفعه إلى أمه تقبضه له وتحفظه عليه وصار كل ما تصدق به
محمد بن إدريس على أبى الحسن ابن محمد مالا من مال أبى الحسن بن محمد * وأشهد محمد بن
إدريس شهود هذا الكتاب أنه تصدق (1) بمسكنه الذي بمهبط ثنية كدى من مكة قبالة دار منيرة على
يسار الخارج من مكة في شعب محمد بن إدريس وهما المسكنان اللذان أحدهما المسكن الذي بفناء
دار محمد بن إدريس العظمى أحد هذين المسكنين المسكن الذي بناه محمد بن إدريس إلى جنب
المنزل الذي يعرف بجابر بن محمد وذلك المنزل أحد حدوده كدى وحده الثاني الرحبة التي بفناء دار
محمد بن إدريس العظمى والحد الثالث طريق شعب محمد بن إدريس والد الرابع طريق الشعب
العظمى إلى ذي طوى والمسكن الثاني سقائف حجارة نجيرتها وحجرتها على رأس الجبل الذي فيه
الخزانة الصغيرة وهذا المنزل الذي يعرف بفلان بن عبد الجبار والمنزل الذي يعرف بعمرو المؤذن تصدق
محمد بن إدريس بهذين المسكنين بجميع حقوقهما وأرضهما وبنائهما وعامرهما وطرقهما وكل حق هو لهما
داخل فيهما وخارج منهما على ابنه أبى الحسن بن محمد بن إدريس صدقة محرمة لا تباع ولا تورث
حتى يرثها الله الذي يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين يملك أبو الحسن من منافعهما ما يملك من
منافع الصدقات المحرمات ما عاش أبو الحسن بن محمد ابن إدريس لا حق فيها لاحد معه حتى تعتق أم
أبى الحسن بن محمد فإذا عتقت أم أبى الحسن بن محمد بن إدريس كانت أسوته في هذين المسكنين
فإذا انقرض أبو الحسن فهذان المسكنان لولد أبى الحسن بن محمد وولده الذكور والإناث الذين عمود
نسب آبائهم إليه ما تناسلوا وجدتهم أم أبى الحسن بن محمد معهم لها كخط واحد منهم حتى تموت فإذا
انقرض أبو الحسن وولد ولده فهذان المسكنان لام أبى الحسن حتى تنقرض فإذا انقرضت فهذان
المسكنان لفاطمة وزينب ابنتي محمد بن إدريس وولد إن ولد لمحمد بن إدريس بعد هذا الكتاب شرعا
فيه سواء ما تناسلوا ولا يكون هذان المسكنان لاحد من ولد محمد بن إدريس ولا ولد ولده ولا ولد أبى
الحسن بن محمد ولا ولد ولده من الإناث إلا بنتا عمود نسب أبيها إلى محمد بن إدريس أو إلى أبى
الحسن محمد بن إدريس فإذا انقرضوا فهذان المنزلان صدقة على آل شافع بن السائب فإذا انقرضوا
فعلى من حضر مكة من بني المطلب بن عبد مناف فإذا انقرضوا فعلى الفقراء والمساكين وابن السبيل
والحاج والمعتمر وقد دفع محمد بن إدريس هذين المسكنين إلى أحمد بن محمد ابن الوليد الأزرقي فهما

(1) قوله: بمسكنه الذي الخ لعله " يمسكنه اللذين " كما يرشد إلى ذلك بقية الكلام، فتأمل.
197

بيده لأبي الحسن بن محمد ثم لمن سمى معه وبعده وأخرجهما محمد بن إدريس من ملكه وجعلهما على ما
شرط في هذا الكتاب لأبي الحسن بن محمد ومن سمى معه وبعده شهد على إقرار محمد بن إدريس بما
في هذا الكتاب وعلى أن أبا الحسن بن محمد المولود بمصر متصدق عليه بما في هذا الكتاب على ما
شرط فيه صغير يلي محمد بن إدريس أبوه القبض له والاعطاء منه وما يلي الأب من ولده الصغار.
البحيرة والوصيلة والسائبة والحام
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (ما جعل
الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) فلم يحتمل إلا ما جعل الله ذلك نافذا على ما جعلتموه
وهذا إبطال ما جعلوا منه على غير طاعة الله عز وجل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: كانوا يبحرون
البحيرة ويسيبون السائبة ويوصلون الوصيلة ويحمون الحام على غير معان سمعت كثيرا من طوائف العرب
يحكون فيه فتجتمع حكايتهم على أن ما حكوا منه عندهم من العلم العام الذي لا يشكون فيه ولا يمكن
في مثله الغلط لأن فيما ذكروا أنهم سمعوا عوامهم يحكونه عن عوام من كان قبلهم فكان مما حكوا
مجتمعين على حكايته أن قالوا البحيرة الناقة تنتج بطونا فيشق مالكها أذنها ويخلى سبيلها ويحلب لبنها في
البطحاء ولا يستجيزون الانتفاع بلبنها ثم زاد بعضهم على بعض فقال بعضهم تنتج خمسة بطون فتبحر
وقال بعضهم وذلك إذا كانت تلك البطون كلها إناثا، والسائبة العبد يعتقه الرجل عند الحادث مثل
البرء من المرض أو غيره من وجوه الشكر أو أن يبتدئ عتقه فيقول قد أعتقتك سائبة. يعنى سيبتك فلا
تعود إلى ولا لي الانتفاع بولائك كما لا يعود إلى الانتفاع بملكك. وزاد بعضهم فقال: السائبة وجهان
هذا أحدهما. والسائبة أيضا يكون من وجه آخر: وهو البعير ينجح عليه صاحبه الحاجة أو يبتدئ
الحاجة أن يسيبه فلا يكون عليه سبيل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ورأيت مذاهبهم في هذا كله
فيما صنعوا أنه كالعتق. قال والوصيلة الشاة تنتج الا بطن فإذا ولدت آخر بعد الا بطن التي وقتوا لها قيل
وصلت أخاها، وزاد بعضهم تنتج الا بطن الخمسة عناقين عناقين في كل بطن فيقال هذه وصيلة
تصل كل ذي بطن بأخ له معه، وزاد بعضهم فقال: قد يوصلونها في ثلاثة أبطن ويوصلونها في
خمسة وفي سبعة. قال: والحام الفحل يضرب في إبل الرجل عشر سنين فيخلى ويقال قد حمى هذا ظهره
فلا ينتفعون من ظهره بشئ وزاد بعضهم فقال يكون لهم من صلبه وما أنتج مما خرج من صلبه عشر من
الإبل فيقال قد حمى هذا ظهره. قال: وأهل العلم من العرب أعلم بهذا ممن لقيت من أهل التفسير
وقد سمعت من أهل التفسير من يحكى معنى ما حكيت عن العرب وفيما سمعت من حكايتهم نصا ودلالة
من أخبارهم أنهم كانوا يبحرون البحيرة ويسيبون السائبة ويوصلون الوصيلة ويحمون الحام على وجوه
جماعها أن يكونوا مؤدين بما يصنعون من ذلك حقا عليهم من نذر نذروه فوفوا به أو فعلوه بلا نذرهم أو
بحق وجب عليهم عندهم فأدوه، وكان عندهم إذا فعلوه خارجا من أموالهم بما فعلوا فيه مثل خروج
ما أخرجوا إلى غيرهم من المالكين وكانوا يرجون بأدائه البركة في أموالهم وينالون به عندهم مكرمة مع
التبرر بما صنعوا فيه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وكان فعلهم يجمع أمورا منها أمر واحد بر في
الأخلاق وطاعة لله عز وجل في منفعته ثم شرطوا في ذلك الشئ شرطا ليس من البر فأنفذ البر ورد
الشرط الذي ليس من البر وهو أن أحدهم كان يعتق عبده سائبة ومعنى يعتقه سائبة هو أن يقول أنت
حر سائبة فكما أخرجتك من ملكي وملكتك نفسك فصار ملكك لا يرجع إلى بحال أبدا فلا يرجع إلى
198

ولاؤك كما لا يرجع إلى ملكك فكان العتق جائزا في كتاب الله عز وجل بدأ فيه ثم في سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم عند عوام المسلمين وكان الشرط بأن العتق سائبة لا يثبت ولاؤه لمعتقه شرطا
مبطلا في كتاب الله تبارك وتعالى بقوله عز وجل (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام)
والله تعالى أعلم لأنا بينا أن قول الله عز وجل وعلا (ولا سائبة) لا يحتمل إلا معنيين أحدهما أن العبد
إذا أعتق سائبة لم يكن برا كما لم تكن البحيرة والوصيلة والحام على ما جعل مالكها من تبحيرها
وتوصيلها وحماية ظهورها فلما أبطل الله جل ذكره شرط مالكها فيها كانت على أصل ملك مالكها قبل
أن يقول مالكها ما قال (قال الشافعي) فإن قال قائل أفتوجدني في كتاب الله عز وجل في غير هذا
بيانا لأن الشرط إذا بطل في شئ أخرجه إنسان من ماله بغير عتق بني آدم رجع إلى أصل ملكه؟
قيل نعم قال الله عز ذكره (اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا) وقال عز وجل (وإن تبتم فلكم رؤس
أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) وفي الاجماع أن من باع بيعا فاسدا فالبائع على أصل ملكه لا يخرج
من ملكه إلا والبيع فيه صحيح والمرأة تنكح نكاحا فاسدا هي على ما كانت عليه لا زوج لها (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى ويحتمل لقائل لو قال بظاهر الآية إذا لم يكن من أهل العلم أبطل الشرط في
السائبة كما أبطله في البحيرة والوصيلة والحام وكلها على أصل ملكها لمالكها لم تخرج منه ولا عتق للسائبة
لأن سياق الآية فيها واحد (قال) وهذا قول وإن احتملته الآية لا يقوم ولا أعلم قائلا يقول به والآية
محتملة المعنى الأول قبله الذي ذكرت أنه أحد المعنيين وهو أن قوله عز وجل (ما جعل الله من بحيرة ولا
سائبة ولا وصيلة ولا حام) يعنى والله أعلم على ما جعلتم فأبطل في البحيرة والوصيلة والحام لأن العتق
لا يقع على البهائم ولا تكون إلا مملوكة للآدميين ولا تخرج من ملك مالكها منهم إلا إلى مالك منهم
وأكثر السائبة إذا كان من الإبل والبهائم قبل التسييب وبعده سواء لا تملك أنفسها كهى وإذا كان من
الناس يخرج من ملك مالكه للآدمي إلى أن يصير مثله في الحرية وأن يكون مالكا ما يكون معتقه
مالكا وكان الذي أبطل الله تعالى والله أعلم من السائبة أن يكون كما قال خارجا من ولائه بشرطه ذلك
في عتقه وأقر ولاؤه لمعتقه كما أقر ملك البحيرة والسائبة والوصيلة لمالكه (قال الشافعي) فإن قال قائل
هل على ما صفت دلالة من كتاب الله عز وجل تبين ما قلت من خلاف بني آدم للبهائم وغير بني آدم
من الأموال أو سنة أو إجماع؟ قيل نعم فإن قال قائل فأين هي؟ قيل قال الله عز وجل (فلا اقتحم
العقبة) إلى قوله (ذا متربة) ودل على أن تحرير الرقبة والاطعام ندب الله إليه حين ذكر تحرير الرقبة
وقال الله عز وجل في المظاهرة (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) وقال تبارك اسمه في القاتل خطا
(فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة) وقال في الحالف (فكفارته إطعام عشرة مساكين وأوسط ما
تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة) وكان حكمه تبارك وتعالى فيما ملكه الآدميين من الآدميين
أنهم يخرجونهم من ملكهم بمعنيين أحدهما فك الملك عنهم بالعتق طاعة لله عز وجل برا جائزا ولا
يملكهم آدمي بعده والآخر أن يخرجهم مالكهم إلى آدمي مثله ويثبت له الملك عليهم كما يثبت للمالك
الأول بأي وجه صيرهم إليه قال فكان حكم الله - والله تعالى أعلم - في البهائم ما وصفت من أن
العتق لا يقع عليها ولا تزايل ملك صاحبها ما كان حيا إلا إلى مالك من الآدميين يقول فيه قد أخرجتها
من ملكي وكان هكذا كل ما سوى بني آدم مما يملك بنو آدم نصا في كتاب الله عز وجل ودلالة بما
ذكرت فيما سوى الآدميين من بهيمة ومتاع ومال ولا أعلم مخالفا في أن امرءا لو قال لمماليكه من الآدميين
أنتم أحرارا عتقوا ولو قال لملكه من البهائم أنتم أحرار لم تعتق بهيمة ولا غير آدمي.
199

بيان معنى البحيرة والسائبة والوصيلة والحام
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى
الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت جاءتني بريرة فقالت: إني كاتبت أهلي على
تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني فقالت لها عائشة: إن أحب أهلك أن أعدها لهم عددتها ويكون
ولاؤك لي فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم ذلك فأبوا عليها فجاءت من عند أهلها ورسول الله
صلى الله عليه وسلم جالس فقالت إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع
بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها؟ فأخبرته عائشة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(خذيها واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق) ففعلت عائشة رضي الله عنها ثم قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال (أما بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست
في كتاب الله عز وجل ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله
أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق) (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك
عن نافع عن ابن عمر عن عائشة رضي الله عنها أنها أرادت أن تشترى جارية تعتقها فقال أهلها
نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (لا يمنعنك ذلك فإن
الولاء لمن أعتق) (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك قال حدثني يحيى بن سعيد عن
عمرة بنت عبد الرحمن أن بريرة جاءت تستعين عائشة فقالت عائشة إن أحب أهلك أن أصب لهم
ثمنك صبة واحدة وأعتقك فعلت فذكرت ذلك بريره لأهلها فقالوا لا إلا أن يكون ولاؤك لنا قال
مالك قال يحيى فزعمت عمرة أن عائشة ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال لا يمنعنك
ذلك فاشتريها وأعتقيها فإن الولاء لمن أعتق) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك وابن
عيينة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن
هبته (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن الحسن عن يعقوب بن إبراهيم أبى يوسف
عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الولاء لحمة كلحمة النسب
لا يباع ولا يوهب) (قال الشافعي) رحمه الله فكان في حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم
في بريرة في إبطال شرط مالكيها الذين باعوها على عائشة على أن الولاء لهم وإثباته لبريرة العتق دلالة
على مثل معنى قول الله عز وجل (ولا سائبة) فإن الله جل وعلا أبطل التسييب إذا شرط مالكه أن لا
يكون له ولاء المعتق المسيب وأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم شرط مالك بريرة الذي باعها أن له
الولاء دون معتقها وثبت الولاء لمن أعتق فكان في قوله (إنما الولاء لمن أعتق) معنيان أن لا يكون معتق
أبدا يزول عنه الولاء بإزالته إياه عن نفسه مع عتق ولا قبله ولا بعده ولا بحال من الحالات اختلاف
دينين ولا غيره ولو زال عن أحد زال عن عائشة إذا لم تملك بريرة إلا بشرط تعتقها وولاؤها للذي ملكها
إياها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما الولاء لمن أعتق) وكان معتق السائبة معتقا وإنما شرط أن
لا يكون له ولاء وكان ولاؤه ثبت بحكم الله عز وجل، ثم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينتقل
عنه. والمعنى الثاني أن لا يكون الولاء إلا للمعتق فمن أعتق من خلق الله عز وجل ممن يقع العتق عليه
كان الولاء للمعتق ولا يجوز غير هذا أبدا بدلالة الكتاب والسنة.
200

باب تفريع العتق
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا عتق الرجل عبده سائبة فهو حر وله ولاؤه وإذا أعتق الكافر
عبدا له مؤمنا فهو حر وله ولاؤه، وكذلك لو أعتق مؤمن كافرا ولا عذر لاحد من أهل العلم في الشك
في هذا والله تعالى أعلم. لأن الذي أعتق عبده سائبة والكافر يسلم عبده فيعتقه والمؤمن يعتق عبده
الكافر لا يعدون أبدا أن يكونوا مالكين يجوز عتقهم ففي كتاب الله عز وجل دلالة في إبطال التسييب
أن الولاء لمن أعتق وفي قوله (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في
الدين ومواليكم) فنسبهم لشيئين إلى الآباء وإلى الولاء كما نسبهم إلى الآباء نسبهم إلى الولاء. وفي قول
الله عز وجل (وإذ تقول للذي أنعم الله وأنعمت عليه) ولو غرب على أحد على هذا من كتاب الله عز
وجل كان في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما الولاء لمن أعتق) دليل على أن المسيب والمؤمن
يعتق الكافر والكافر يعتق المؤمن لا يعدون أن يكونوا معتقين فيكون في سنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم (إن الولاء لمن أعتق) أو يكونوا غير مالكين فلا يختلف المسلمون في أن من أعتق ما لا يملك لم
يكن حرا ولا يكون هؤلاء معتقين.
الخلاف في السائبة والكافر يعتق المؤمن
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا أحفظ عن أحد لقيته من فقهاء المكيين والمشرقيين خلافا فيما
قلت من أن ولاء السائبة والمؤمن يعتقه الكافر لمن أعتقهما. وقد حفظت عن بعض المدنيين من أهل
الحديث هذا وخالفنا بعض أصحابنا في ميراث السائبة: فقال أحدهم: يوالي من شاء. وقال آخر:
لا يوالي من شاء وولاؤه للمسلمين وقال قائل: هذا وإذا أعتق الكافر عبده والعبد مسلم فولاؤه
للمسلمين وإذا أسلم سيده الذي أعتقه لم يرجع إليه ولاؤه ولو أعتق رجل كافر عبدا كافرا ثم أسلم العبد
المعتق قبل المولى المعتق كان ولاؤه للمسلمين إذا مات ورثوه فإن أسلم السيد المعتق قبل يموت رجع إليه
ولاؤه لأنه قد كان ثبت له الولاء ولو أسلم العبد المعتق قبل المولى المعتق وللمولى المعتق بنون مسلمون كان
ولاؤه لبنيه المسلمين (قال الشافعي) رحمه الله: وقد وصفت موضع الحجة على هذا القول من
الكتاب والسنة ووصفت بعد هذا الحجة عليه وهذا قول ينقض بعضه بعضا. أرأيت إن زعم أن الكافر
يعتق الكافر فيكون الولاء ثابتا للكافر على الكافر ثم أسلم العبد المعتق والمولى كافر يخرج الولاء زعم من
يديه بإسلامه أرأيت إذا زعم أيضا أن الكافر إذا أعتق عبدا مسلما لم يكن له ولاؤه وإن أسلم وإن كان
للكافر ولد مسلمون كان لهم ولاؤه فكيف يرثه ولد المولى المعتق بأن كان ولد المولى المعتق مسلمين إذا لم
يكن الولاء لأبيهم فكيف يرثونه بولاء أبيهم إنما ينبغي أن يكونوا في قوله كأسوة المسلمين في ولائه.
وكيف إذا ورثوه بالولاء ثم أسلم المولى المعتق إذا كان كافرا والذي أعتق كافرا رجع إليه الولاء وقد أحرزه
بنوه دونه فإن كانوا أحرزوه دونه لم يرجع إليه. وإن كانوا أحرزوه بسببه فالولاء له ولكنه لا يرث
لاختلاف الملتين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وما وصفت يدخل على من قال من أهل ناحيتنا ما
حكيت وأكثر منه. ومن مختصر ما يدخل عليه في قول الله عز وجل (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة)
أنه لا بد بحكم الله تبارك وتعالى أن يبطل أمر السائبة كله أو بعض أمره دون بعض لأن الله تبارك وتعالى
201

قد ذكره مبطلا مع ما أبطل قبله وبعده من البحيرة والوصيلة والحام. فإن قال يبطل أمر السائبة كله فلا
يجعل عتقه عتقا كما لا تجعل البحيرة والوصيلة والحام خارجة عن ملك مالكيها فهذا قول قد يحتمله
سياق الآية ولكن الله عز وجل قد فرق بين إخراج الآدميين من ملك مالكيهم وإخراج البهائم فأجزنا
العتق في السائبة بما أجاز الله تبارك وتعالى من العتق وأمر به منه ولما أجزنا العتق في السائبة كنا
مضطرين إلى أن نعلم أن الذي أبطل الله عز وجل من السائبة التسييب وهو إخراج المعتق للسائبة ولاء
السائبة من يديه فلما أبطله الله تبارك وتعالى كان ولاؤه للمعتق مع دلائل الآي في كتاب الله عز وجل فيما
ينسب فيه أصل الولاء إلى من أعتقهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويلزم قائل هذا القول أن
يسأل عن السائبة أعتقها مالك؟ فإن قال نعم: قيل له فقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن
الولاء لمن أعتق) وإن قال: لا قيل له فلم تعتق السائبة؟ ولو لم يعتقها مالكها لم تعتق ويلزمه في الشبه
هذا في النصراني مالك يعتق المسلم فإن قال النصراني مالك معتق قيل: فقد قضى رسول الله صلى الله
عليه وسلم (أن الولاء لمن أعتق) وإن قال لا يكون مالكا لمسلم فليس المسلم المعتق يجوز عتقه لأنه أعتقه
غير مالك فإن قال ألا ترى أن المولى لا يرثه؟ قيل له وما للميراث والولاء والنسب؟ فإن قال فأبن أنه
إذا منع ميراثه ثبت له الولاء؟ قيل نعم: أرأيت لو قتله مولاه أيرثه؟ فإن قال لا قيل له أفيزول ولاؤه
عنه؟ فإن قال: لا قيل فما أزال الميراث لا يزيل الولاء فإن قال أما ههنا فلا قيل فكيف قالت هناك ما
قلت ما أزال الميراث أزال الولاء؟ وقيل له: أما رأيت إذ نسب الله عز وجل إبراهيم خليله عليه
الصلاة والسلام إلى أبيه وأبوه كافر ونسب ابن نوح وهو كافر إلى أبيه نوح عليه السلام أرأيته قطع الأبوة
باختلاف الملتين؟ فإن قال: لا قيل أفيرث الأب ابنه والابن أباه؟ فإن قال لا قيل فتنقطع الأبوة
بانقطاع الميراث؟ فإن قال لا قيل فكيف قطعت الولاء ولم تقطع النسب وهما معا سبب؟ إنما منع
الميراث باختلاف الدينين. وقد يمنع بأن يكون دونه من يحجبه وذلك لا يقطع ولاء ولا نسبا والحجة
تمكن على قائل هذا القول بأكثر من هذا وفي أقل من هذا كفاية إن شاء الله تعالى.
الخلاف في الموالي
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ووافقنا بعض الناس في السائبة والمشرك يعتق المسلم فقال هذا
القول نص الكتاب والسنة وخالفنا هؤلاء من المشرقيين فقالوا إذا أسلم الرجل على يدي الرجل فله ولاؤه
وللمسلم على يديه أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه فإذا عقل عنه لم يكن له أن ينتقل بولائه، وهكذا
اللقيط وكل من لا ولاء له يوالي من شاء وينتقل بولائه ما لم يعقل عنه فإذا عقل عنه لم يكن له أن
ينتقل بولائه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقيل لبعض من يقول هذا القول إلى أي شئ ذهبتم
فيه، فقال ذهبنا إلى أن عبد العزيز بن عمر حدث عن ابن موهب عن تميم الداري أن رجلا أسلم على
يدي رجل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (أنت أحق الناس بحياته وموته) فقيل له إن كان هذا
الحديث ثابتا كنت قد خالفته. فقال وأين؟ قلت زعمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أنت أحق
الناس بحياته ومماته) قال نعم قلت فما زعمت (1) لا يدل على أن إسلام المرء على يدي المرء يثبت له

(1) لعل الأظهر اسقاط " لا " تأمل. كتبه مصححه.
202

عليه ما يثبت العتق على المعتق للمعتق أفيكون له إذا أعتق أن ينتقل بولائه؟ قال لا قلت فقد خالفت
الحديث فزعمت أنه إنما يثبت له الولاء ما رضى به ولم ينتقل وإذا انتقل انتقل الولاء عنه حتى يعقل
عنه. أو رأيت إذا والى فكان لو مات ورث المولى الولاء كيف كان له أن ينتقل بولائه وقد ثبت الولاء
عليه وثبت له على عاقلة الذي والاه أن يعقلوا عنه أو يجوز أن يكون في إسلام المرء على يدي غيره أو
موالاته إياه إلا واحد من قولين أحدهما أن يثبت بالاسلام والموالاة ما يثبت بالعتق وما يثبت من ولاء
عندنا وعندك لم يتحول كما لا يتحول النسب أو يكون الاسلام والموالاة لم يثبتا شيئا لأنهما ليسا من معاني
النسب ولا الولاء. فاما ما ذهبت إليه فليس واحدا من القولين وزعمت أنه ثابت وللمولى أن ينتقل
حتى يعقل عنه أو رأيت إن قالت العاقلة لا نعقل عن هذا شيئا لأن هذا لا ذو نسب ولا مولى وله
الخيار في أن ينتقل عنه فاجعل لنا ولصاحبنا الذي والاه الخيار في أن ندفع ولاءه فالمولى من أعلى أولى
أن يكون هذا له من المولى من أسفل ما تقول له؟ وإن جاز هذا لك جاز لغيرك أن يجعل الخيار للأعلى
ولا يجعله للأسفل وهذا لا يجوز لواحد منكما. أرأيت ولدا إن كانوا للمسلم على يدي الرجل وكانوا
لا ولاء لهم أيجر ولاءهم كما يجره المعتق للأب إذا أعتق؟ قال: فإن قلت نعم قلت فقله قال فإذا
يتفاحش على فأزعم أنه إذا أسلم جر الولاء وإذا انتقل به انتقل ولاؤه ويتفاحش في أن أقول قد كان
لهم في أنفسهم مثل الذي له فإن قلت: يجر الأب ولاءهم قطعت حقوقهم في أنفسهم وإن قلت بل
لهم في أنفسهم مثل ما له زعمت أنه لا يجر ولاءهم ولذلك أقول لا يجر ولاءهم قلت ويدخل عليك
فيه أفحش من هذا قال قد أرى ما يدخل فيه أثابت الحديث؟ قلت لا وأنت تعلم أنه ليس بثابت وأن
ابن موهب رجل ليس بالمعروف بالحديث ولم يلق تميما الداري وهو غير ثابت من وجهين، وقد قلت
في اللقيط بأن عمر قال لمن التقطه هو حر ولك ولاؤه قلت أنت تقول في اللقيط أنه يوالي من شاء؟
قال نعم إن لم يوال عنه السلطان وإذا والى عنه السلطان فهذا حكم عليه قلت أفتثبت عليه موالاة السلطان بلا
يكون له إذا بلغ أن ينتقل بولائه أو يكون له الانتقال بولائه إذا بلغ قال فإن قلت بل له الانتقال بولائه كما
يكون له أن يوالي ثم ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه؟ قلت له فموالاة السلطان إذا عنه غير حكم عليه قال نعم
وكيف يجوز أن تكون حكما عليه؟ قلت المسألة عليك لأنك بها تقول قال ما يصلح الحكم إلا على المتقدم من
الخصومة وما ههنا متقدم من خصومة قلت فقل ما شئت قال فإذا قلت فهو حكم قلت فقد رجعت إلى أن
قلت بما أنكرت أن يكون يصلح الحكم الا على المتقدم من خصومة وما ههنا متقدم من خصومة. قال فلا
أقوله وأقول له أن ينتقل بولائه قلت فقد خالفت ما رويت عن عمر ولا أسمعك تصير إلى شئ إلا خالفته قال
فيم تركت الحديثين قلت بالدلالة في السائبة أن حكم الله عز وجل أن يبطل التسييب ويثبت العتق ويكون
الولاء لمن أعتق وما جامعتنا عليه؟ في النصراني بمعنى كتاب الله عز وجل ونص سنة رسوله صلى الله عليه وسلم
ولما يلزمك فيما جامعتنا عليه في النصراني يعتق المسلم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إنما الولاء لن
أعتق) وهذا معتق فلزمت فيهما معنى الكتاب والسنة. ثم اضطرب قولك فزايلت معناهما قال ذهبت إلى
حديث ثبت قلت أما الذي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يثبت عندنا. وأما الذي رويت عن عمر
فلو ثبت لم يكن في أحد حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه ليس بين أن يثبت، وفي قوله رسول
الله صلى الله عليه وسلم (فإنما الولاء لمن أعتق) معنيان بينان أن الولاء لا يزول عمن أعتق ولا يثبت إلا لمعتق
لأن قوله (فإنما الولاء لمن أعتق) نفي أن يكون الولاء لغير معتق. وذلك أن من قال إنما أردت كذا فقد بين ما
أراد ونفي أن يكون أراد غيره. وكذلك إنما وقعت بهذا المعنى فأخذت بأحد معنيى الحديث وتركت الثاني.
203

وهذا ليس لك ولا لاحد مع أنا وإياك لا نختلف في أن الولاء نسب من الأنساب لا يزول قال: أجل قلت
أفرأيت رجلا لا أب له ولا ولاء أله أن ينتسب إلى رجل بتراض منهما قال لا يجوز النسب إلا بفراش أو في
معنى فراش من الشبه فإذا لم يكن فراش ولا معنى فراش وذكرا أنهما يتراضيان بالنسب فلا نسب. قالت
وكذلك لو أراد رجل أن ينفي من ولد على فراشه ورضى بذلك المنفي قال لا يكون ذلك لهما قلت وذلك أن
إثبات النسب من الفراش ونفيه من الفراش للنافي وللمنفي وغيرهما سيي فيكون للولد المنفي ولعشيرته فيه حق
لأنهم يرثونه ويعقلون عنه ويعقل عنهم ولو جاز إقراره على نفسه لم يجز على غيره ممن له حق في ميراثه وعقله.
قال: نعم قلت أفكذلك تجد المولى المعتق؟ قال سواء قلت فكيف لم تقل هذا في المولى الموالي فلا تثبته إلا بما
يثبت له به الحق على عشيرته ممن والاه أن يعقلوا عنه وكما لم يزل عنهم ولاء المعتق أو يثبت لهم عليه ميراث فلا
تعطيهم ولا تمنع منهم إلا بأمر ثابت لأن في ذلك حكما عليهم وعلى غيرهم ممن كان ولم يكن ولهم ولغيرهم ممن
كان ولم يكن. قال وذكرت له غير هذا مما في هذا كفاية عنه قال فإن من أصحابك من وافقك في الذي
خالفناك فيه من اللقيط والموالي وقال فيه قولك وخالفك في الذي وافقناك فيه من السائبة والذمي يعتق المسلم
قلت أجل وحجتنا عليه كهى عليك أو أوضح لأنك قد ذهبت إلى شبهة لا يعذرك بها أهل العلم ويعذرك بها
الجاهل وهم لم يذهبوا إلى شبهة يعذر بها جاهل ولا عالم وموافقتك حيث وافقتنا حجة عليك وموافقتهم حيث
وافقونا حجة عليهم وليس لاحد أن يخرج من معنى كتاب الله عز وجل ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا من واحد منهما في أصل ولا فرع وإنما فرقنا بين العالمين والجاهلين بأن العالمين علموا الأصول فكان عليهم أن
يتبعوها الفروع فإذا زيلوا بين الفروع والأصول فأخرجوا الفروع من معاني الأصول كانوا كمن قال بلا علم أو
أقل عذرا منه لأنهم تركوا ما يلزمهم بعد علم به والله يغفر لنا ولكم معا، فإن قال قد يغبون فعلهم قلت ومن
غبي عنه مثل هذا الواضح كان حقه عليه أن لا يعالج الفتيا لأن هذا مما لا يجوز أن يخطئ فيه أحد
لوضوحه.
تفريع البحيرة والسائبة والوصيلة والحام
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولما قال الله عز وجل (ما جعل الله بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة
ولا حام) فكان في قول الله عز وجل (ما جعل الله من بحيرة) الآية دلالة على ما جعل الله لا على ما
جعلتم وكان دليلا على انقضاء الله عز وجل أن لا ينفذ ما جعلتم وكانت البحيرة والوصيلة والحام من
البهائم التي لا يقع عليها عتق وكان مالكها أخرجها من ملكه إلى غير ملك آدمي مثله وكانت الأموال
لا تملك شيئا إنما يملك الآدميون كان المرء إذا أخرج من ملكه شيئا إن غير مالك من الآدميين بعينه أو
غير عينه كمن لم يخرج من ملكه شيئا وكان ثابتا عليه كما كان قبل إخراجه وكان أصل هذا القول فيما
ذكرنا من كتاب الله عز وجل فكل من أخرج من ملكه شيئا من بهيمة أو متاع أو غيره غير الآدميين
فقال قد أعتقت هذا أو قد قطعت ملكي عن هذا أو وهبت هذا أو بعته أو تصدقت به ولم يسم من
وهبه له ولا باعه إياه ولا تصدق به عليه بعين ولا صفة كان قوله باطلا وكان في ملكه ما كان قبل أن
يقول ما قال ولم يخرج من ملكه ما كان حيا بحال إلا أن يخرجه إلى آدمي يعينه أو يصفه حين أخرجه
من ملكه ولا يكون خارجا من ملكه إلا ومالك له مكانه لا بعد ذلك بطرفة عين (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: والسائبة إذا كانت من الإبل كالبحيرة وهكذا الرقيق إذ أخرجهم مالكهم من ملكه
204

إلى غير ملك كالبهائم والمتاع إلا أن يخرجهم بعتق أو كتابة فإنها من أسباب العتق وما كان من سبب
عتق كان مخالفا (قال الشافعي) وإذا كانت البحيرة والوصيلة والسائبة والحام نذار فأبطلها الله عز وجل
ففي هذا لغيره دلالة أن من نذر مالا طاعة لله فيه لم يبر نذره ولم يكفره لأن الله تبارك وتعالى أبطله ولم
يذكر أن عليه فيه كفارة والسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءت بمثل الذي جاء به كتاب
الله تبارك وتعالى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن
القاسم بن محمد عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر أن يطيع
الله فليطعه ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة
وعبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب بن أبي تميمة عن أبي قلاية عن أبي المهلب عن عمران بن
حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم) وكان
الثقفي ساق هذا الحديث فقال: نذرت امرأة من الأنصار انقلبت على ناقة للنبي صلى الله عليه وسلم
أن تنحرها فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال (لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن
آدم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولم يأمر الله تعالى ثم لم يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في
واحد من الامرين بكفارة إذا بطل النذر والمعصية في هذا الحديث أن تنحر المرأة ناقة غيرها وذلك أنها
مما لا تملك فلو أن امرءا نذر أن يعتق عبد رجل لم يكن عليه عتقه، وكذلك أن يهدى شيئا من ماله،
وكذلك كل ما نذر أن يفعله مما لا طاعة في فعله لم يكن عليه أن يفعله ولا عليه كفارة بتركه (قال
الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأبي إسرائيل
وهو قائم في الشمس فقال (ماله؟) فقالوا نذر أن لا يستظل ولا يقعد ولا يكلم أحدا ويصوم فأمره
النبي صلى الله عليه وسلم أن يستظل ويقعد ويكلم الناس ويتم صومه ولم يأمره بكفارة.
الخلاف في النذر في غير طاعة الله عز وجل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقال قائل في رجل نذر أن يذبح نفسه قال يذبح كبشا وقال:
آخر ينحر مائة من الإبل واحتجا فيه معا بشئ يروى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
فيقال لقائل هذا وكيف يكون في مثل هذا كفارة؟ فقال: الله عز وجل يقول في المتظاهر (وإنهم
ليقولون منكرا من القول وزورا) وأمر فيه بما رأيت من الكفارة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
فقيل لبعض من يقول هذا أرأيت إذا كان كتاب الله عز وجل يدل على إبطال ما جعل لا طاعة لله فيه
من البحيرة ولم يأمر بكفارة وكانت السنن من النبي صلى الله عليه وسلم تدل على مثل ذلك من إبطال
النذر بلا كفارة وكان في قوله (لا نذر) دلالة على أن النذر لا شئ إذا كان في معصية وإذا كان لا
شئ كان كما لو يكن. وليس في أحد من بني آدم قال قولا يوجد عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف
ذلك القول حجة. قال وقلت له كان من طلاق أهل الجاهلية الظهار والايلاء فحكم الله عز وجل في
الايلاء يتربص أربعة أشهر ثم يفيئوا أو يطلقوا وحكم في الظهار بكفارة وجعلها مؤقتة ولم يحكم بكفارة
إلا وقتها ووقت من يعطاها أو دل عليها ثم جعل الكفارات كما شاء فجعل في الظهار والقتل مكان عتق
الرقبة صوم شهرين وزاد في الظهار إطعام ستين مسكينا وجعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الذي يصيب أهله في رمضان وحكم الله عز وجل في كفارة اليمين بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو
205

تحرير رقبة وقال عز وجل (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) وقال الله تبارك وتعالى: (فمن كان منكم
مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
الله عز وجل بأن الصوم ثلاث والاطعام ستة مساكين فرقا من طعام والنسك شاة فكانت الكفارات
تعبدا وخالف الله عز وجل بينهما كما شاء لا معقب لحكمه أفتجد ما ذهبت إليه من الرجل ينذر أن ينحر
نفسه في شئ من معنى كتاب الله عز وجل أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فيكون مؤقتا في كتاب الله
أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو تجد بأن مائة بدنة أو كبشا كفارة لشئ إلا في المثل الذي يكون فيه
الكبش مثلا، وكذلك البعير والجدي والبقرة من الصيد يصيبه المحرم أفتجد الكبش ثمنا لانسان أو
كفارة إلا وهو مثل ما أصيب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن قال قائل: لما رأيت الظهار منكرا
من القول وجعل فيه كفارات قست المنكر والزور من كل شئ فجعلت فيه كفارة قيل له - إن شاء الله
تعالى - فما تقول فيمن شهد بزور أيكفر؟ وما تقول فيمن أربى في البيع أو باع حراما أيكفر؟ وما
تقول فيمن ظلم مسلما أيكفر؟ فإن قال: نعم فهذا خلاف ما لقينا من أهل العلم وإن قال لا قيل قد
تركت أصل مذهبك وقولك فإذا جعلته قياسا فيلزمك أن تقيسه على شئ من الكفارة ثم تجعل فيه من
الكفارة كما تجعل في الذي قسته وأنت لم تجعله أصلا ولا قياسا. فإن قال قائل: فأجعله أصلا القول
الذي قاله قيل له إن شاء الله تعالى فقد اختلف قوله فيه فأيها الأصل والسنة موجودة بإبطاله كما وصفنا
ولا حجة مع السنة.
إقرار بنكاح مفسوخ
(قال الربيع) من ههنا أملى علينا الشافعي رحمه الله تعالى هذا الكتاب شهد شهود هذا الكتاب
أن فلان ابن فلان الفلاني وفلانة بنت فلان الفلانية أشهداهم في صحة من أبدانهما وعقولهما وجواز
من أمورهما وذلك في شهر كذا من سنة كذا أن فلان بن فلان الزوج ملك عقدة نكاح فلانة بنت
فلان في شهر كذا من سنة كذا وكان الذي ولى عقدة نكاحها من ولاتها فلان بن فلان الفلاني الذي
زوجها وكان من شهود هذه العقدة فلان ابن فلان وفلان بن فلان وكان الصداق كذا وكذا ومن
شهوده فلان وفلان وأن الزوج فلان ابن فلان وفلانة بنت فلان تصادقا وأقرا عند شهود هذا الكتاب
أنهما قد أثبتا أن هذه العقدة من النكاح الذي وصفت في هذا الكتاب وشهودها وشهود مهرها كانت
يوم وقعت وفلانة في عدة من وفاة زوجها فلان بن فلان لم تنقض عدتها منه فكان نكاحها مفسوخا
فلا نكاح بين فلان وفلانة حتى يجددا نكاحا بعد انقضاء عدة فلانة ولا تباعة لواحد منهما على صاحبه
في صداق ولا نفقة شهد على ذلك.
وضع كتاب عتق عبد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: هذا كتاب كتبه فلان بن. فلان الفلاني في. صحة من بدنه
وعقله وجواز من أمره وذلك في شهر كذا من سنة كذا لمملوكه المولد الذي يدعى فلان ابن فلان أنى
أعتقتك رجاء رضا الله تبارك وتعالى وطلب ثوابه فأنت حر لا سبيل لي ولا لاحد في رق عليك ولى
206

ولعقبى ولاؤك وولاء عقبك بعدك شهد وإن كان أعجميا وصفه بصفته وصناعته، وإن كان خصيا
كتب هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني في صحة من بدنه وعقله وجواز أمره وذلك في شهر كذا
من سنة كذا لمملوكه الخصي الذي يدعى فلان ويصفه بجنسه وهيئته إني أعتقتك وأخرجتك من مالي
ومن ملكي رجاء ثواب الله تعالى ومرضاته فأنت حر لا سبيل لي ولا لاحد في رق عليك ولى ولاؤك
ولعقبى من بعدي شهد وذلك أنه لا يكون له عقب، وإن كانت جارية كتبت لها كما كتبت للخصي
وإن كان ولاء عقبها يكون له من المملوك فلا يجوز أن يكتب ولى ولاؤك وولاء عقبك من بعدك وقد لا
يكون له ولاء عقبها إنما يجوز أن يكتب هذا في الرجل الذي له ولاء عقبه بكل حال ولو لم يكتب هذا
في الرجل كان له وكذلك يكون له في الجارية من المملوك فإن شح على هذا فأحب أن يكتب كتابا
يجوز منه في قول كل أحد (كتب هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني في صحة من بدنه وعقله
وجواز من أمره وذلك في شهر كذا من سنة كذا لمملوكته فلانة بنت فلان ويصفها إني أعتقتك طلب
ثواب الله تبارك وتعالى فأنت حرة ولا سبيل لي ولا لاحد في رق عليك ولى ولعقبى من بعدي ولاؤك
وولاء كل عقب كان لك من مملوك) قال وقد اختلف الناس فقال بعضهم إذا ولدت من مملوك ثم عتق
جر الولاء وبهذا نقول وقال غيرنا الولاء ثابت لأهل الام ولا يضره أن لا يزيد في الكتاب على الام على
ما وصفت والله أعلم.
كراء الدور
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: (هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني: إني آجرتك الدار
التي بالفسطاط من مصر في موضع كذا من قبيلة كذا أحد حدود هذه الدار التي أجرتك ينتهى إلى
كذا والثاني والثالث والرابع أجرتك جميع هذه الدار بأرضها وبنائها ومرافقها اثنى عشر شهرا أول هذه
الشهور المحرم من سنة كذا وآخرها ذو الحجة من سنة كذا بكذا وكذا دينارا صحاحا مثاقيل (1) خلقان
جيادا وازنة أفرادا ودفعت إلى هذه الدنانير كلها وافية وبرئت إلى منها ودفعت إليك هذه الدار الموصوفة
في هذا الكتاب في هلال المحرم من سنة كذا بعدما عرفت أنا وأنت جميع ما فيها ولها من بناء ومرافق
ووقفنا عليه فهي بيدك بهذا الكراء إلى أن تنقضي هذه المدة تسكنها بنفسك وأهلك وغيرهم وتسكنها
من شئت وليس لك أن تكسنها رحا دابة ولا عمل حداد ولا قصار ولا سكنى تضر بالبناء ولا بضرر بين
ولك المعروف من سكن الناس واستأجرتك أن تخرج جميع ما في ثلاثة آبار مغتسلات في هذه الدار
وهي البئر التي في موضع كذا من الدار والبئر التي في موضع كذا والبئر التي في موضع كذا بعدما رأيت
أنا وأنت تلك الآبار وعرفنا أن طول البئر التي في موضع كذا ذاهبة في الأرض عشرة أذرع وعرضها
ثلاثة أذرع ممدودة وأن في تلك البئر محل مجتمع آبار مغتسلات من خلاء وماء وشئ إن
خالطه عبرة ثمان أذرع وأن في البئر التي في موضع كذا وكذا وتصفه كما وصفت هذا وفي البئر التي في

(1) قوله خلقان بالقاف والنون في آخره هنا وفيما يأتي في مواضع وفي نسخة بفاء بدل القاف ولعله " خلقاء "
بالقاف وبالهمزة بمعنى مصمتة لا كسر فيها. فتأمل.
207

موضع كذا وكذا فتخرج جميع ما في هذه الآبار الموصوفة بما ذكرنا في هذا الكتاب منها وتنحيه عن
داري حتى توفينيها أرضا لا شئ فيها مما في آبار المغتسلات بكذا وكذا دينارا وازنة وجيادا ودفعتها إليك
وبرئت إليك منها وضمنت لي ما وصفت في هذا الكتاب حتى توفينيها كما ضمنت لي في انسلاخ ذي
الحجة من سنة كذا وكذا شهد) وإن خفت أن ينتقض الكراء فإن العراقيين ينقضونه بالعدد فإذا أجرته
سنة كتبت (أجرته سنة أولها شهر كذا وآخرها شهر كذا بخمسين دينارا منها شهر كذا أول الشهور
بأربعين دينارا وأحد عشر شهرا وتسميها بعشرة دنانير) والله سبحانه وتعالى الموفق.
باب إذا أراد يكتب شراء عبد
هذا ما اشترى فلان بن فلان الفلاني من فلان بن فلان الفلاني وفلان وفلان صحيحا الأبدان لا علة بها
من مرض ولا غيره جائزا الامر في أموالهما وذلك في شهر كذا من سنة كذا اشترى منه غلاما مربوعا
أبيض حسن الجسم جعدا أعين أفرق الثنايا أزج حلوا يسمى فلانا بكذا وكذا دينارا خلقان وازنة أفرادا
بعدما عرف فلان وفلان هذا العبد بعينه ورأياه معا وقبض فلان هذا العبد من فلان وقبض فلان هذا
الثمن من فلان وافيا بعدما تبايعا وتفرقا بعد البيع حتى غاب كل واحد منهما عن صاحبه من الموضع
الذي تبايعا فيه بعد التراضي منهما جميعا بالبيع ولفلان على فلان في هذا العبد بيع الاسلام وعهدته
لأداء ولا غائلة ولا عيب ظاهر ولا باطن ولا شين فما أدرك فلانا في هذا العبد أو في شئ منه من تباعة
فعلى فلان خلاص ذلك لفلان حتى يسلمه له كما باعه إياه أو يرد إليه ثمنه الذي قبض منه وافيا وهو
كذا وكذا دينارا جيادا مثاقيل أفرادا خلقان. شهد على إقرار فلان وفلان، ومعرفتهما بأعيانهما وأنسابهما
فلان وفلان.
شراء عبد آخر
هذا ما اشترى فلان بن فلان الفلاني من فلان بن فلان الفلاني اشترى منه غلاما أمرد بربريا
مربوعا حسن الجسم جعدا أفرق الثنايا أعين أزج حلوا يدعى فلانا بكذا وكذا دينارا مثاقيل أفرادا
خلقان جيادا ودفع فلان بن فلان هذا العبد الموصوف في هذا الكتاب إلى فلان وقبضه فلان منه ودفع
فلان إلى فلان هذا الثمن الموصوف في هذا الكتاب وبرئ إليه منه وتفرقا بعد تبايعهما وتقابضهما ومعرفة
كل واحد منهما بما باع واشترى شهد على إقرار فلان وفلان ومعرفتهما بأسمائهما وأنسابهما وأنهما صحيحا
العقل والأبدان جائزا الامر يوم تبايعا هذا العبد وأشهداهما في هذا الكتاب في شهر كذا من سنة كذا
شهد على ذلك فلان وفلان (قال الشافعي) هذا أقل ما أعرفه بينا من كتب العهدة (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى ومن اشترى فله عهدة الاسلام وليس له شين ولا عيب ولا داء ولا شئ ينقص من ثمن
العبد قليل ولا كثير وله الخلاص أو يرد عليه الثمن وافيا وسواء شرط هذا أو لم يشرطه إنما الشرط
احتياطا لجهالة الحكام ولو ترك أيضا إشهادهما بصحتهما في أبدانهما وعقولهما وإجازة أمورهما في أموالهما
كان هذا على الصحة حتى يعلم غيرها وليس مما يحب تركه ولو ترك وتفرقا بعد البيع والقبض عن تراض
208

منهما جميعا ما ضره لأنهما إذا جاءا بعد البيع بيوم أو أكثر فقد تفرقا بعد البيع والبيع تام على التراضي
حتى ينقضاه ولو ترك وبرئ إليه من الثمن ما ضره إذا كتب دفع ولو ترك التاريخ في البيع ما ضره غير
أنى لا أحب في كتاب العهدة شيئا تركه احتياطا للبائع والمشترى معا وأقل ما يجزئ في كتاب العهدة
ذكر صفة المشترى وذكر الثمن وقبضهما ثم للمشترى على البائع كل شرط سميناه وإن لم يشرطه وهكذا
يكتب شراء الأمة وسواء صغير العبيد وإمائهم وكبيرهم وسبيهم ومولدهم يوصف كل واحد منهم بجنسه
وحليته ويقال مولد إن كان مولدا وهكذا في شراء الحيوان كله الإبل والبقر والغنم والخيل عرابها وهجنها
وبراذينها والبغال والحمير وغير ذلك من الحيوان ويصف الفرس بشيته ويقال اشترى منه فرسا كميتا
أحمر أغر سائل الغرة محجلا إلى الركب مربوعا وثيق الخلق نهد المشاش جديد الأساطين مستدير الكفل
مشرق الهادي محسوم الاذن رباع جانب وقارح جانبه الآخر من الخيل التي تعرف ببنى فلان من نتاج
بلدة كذا) ثم يسوق الكتاب في دفع الثمن وقبض الفرس والتفرق بعد البيع عن تراض كما وصفت في
شراء العبيد والعهدة كما وصفت في شراء العبيد وإن كان اشترى منه بعيرا كتب (اشترى منه بعيرا من
النعم التي تعرف ببنى فلان أصهب جسيما بازلا عليه علم بنى فلان موضع كذا وثيق الخلق أهدل المشفر
دقيق الخطم ضخم الهامة) وإن كان له صفة غير هذا بينت صفته ثم تسوق الكتاب كما سقته في العبد
والفرس وإنما قلت من النعم التي تعرف ببنى فلان ولم أقل من نعم بنى فلان احتراسا من تباعة بنى فلان
واحتياطا على الحاكم وكتاب كل ما بيع من الحيوان ككتاب العبد والفرس والبعير فإذا كان العبد بين
رجلين فباع أحدهما نصيبه منه فالبيع جائز والمشترى يقوم مقام البائع في النصف الذي ابتاع منه ولو
طلب الذي له نصف العبد الشفعة في العبد لم أر له فيه شفعة فإن قال قائل كيف لا تجعل الشفعة في
كل شئ قياسا على الشفعة في الأرضين قيل له لما وجدنا المسلمين يزعمون أنه يجوز لي أن أكون مالكا
معك ولا يكون لك إخراجي من ملكي بقيمة ملكي ولا بأكثر ولا بأقل من قيمته ولا لي ذلك عليك
وتموت فيرثك ولدك أو غيرهم فلا يكون لي إخراجهم من حقوقهم التي ملكوها عنك بشئ ولا يكون
لهم إخراجي بشئ وتهب نصيبك فلا يكون إلى إخراج من وهبت له من نصيبك الذي ملك عنك
بشئ إلا برضاه وقالوا ذلك في كل ملك ملكه رجل عن آخر بغير الشراء في كل ما يملك لم يستثنوا
أرضا ولا غيره ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت
الطرق فلا شفعة) دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالة بينة على أن لا شفعة فيما لا يقسم ولا
يقسم شئ بذرع وقيمة ويحدد (1) الأصول والبناء على الأرض والشجر عليها فاقتصرنا بالشفعة على
الأرض وماله أرضه خاصة فكان العبيد والثياب وكل ما جاوز الأرضين وما له أرض من غراس وبناء
خارجا من السنة في الشفعة مردودا على الأصل أن من ملك شيئا عن غيره تم له ملكه ولم يكن لغيره
أن يخرجه منه إلا برضاه، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1) لعله: " إلا الأصول والبناء الخ " وحرر. كتبه مصححه.
209

بيع البراءة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الذي أذهب إليه من البيع بالبراءة أن من باع حيوانا بالبراءة
برئ من كل عيب إلا عيبا كتمه البائع من المشترى وقد علمه كما قضى عثمان بن عفان رضي الله عنه
فإن علم البائع عيبا فكتمه فالبيع مردود بالعيب فإن قال لم أعلم وقد باع بالبراءة فالقول قوله مع يمينه ما
علم عيبا فكتمه وقد خالفنا في هذا غير واحد فمن أراد الاخذ بقولنا كتب أو يكتب ودفع فلان بن فلان
إلى فلان بن فلان العبد الموصوف في هذا الكتاب الذي اشتراه منه وقبضه فلان بعد ما تبرأ إليه فلان بن
فلان من كل عيب ظاهر وباطن فيه والاحتياط أن لا يستأنف كتاب وثيقة إلا على ما يجيزه جميع
الحكام إذا وجد السبيل إليها وقد كان من الحكام من يجيز أن يقول برئ إليه فلان من مائة عيب بهذا
العبد المشترى وبرأته من مائة عيب فإن زادت رده وإن نقصت فقد أبرأه من أكثر مما وجد فيه فليس
له رده بعيب دون المائة. ومن الحكام من لا يجيز التبرؤ من عيب كتم ولا علم ولو سمى له عددا فوجد به
ذلك العدد أو أقل أبدا إلا بعيب يريه إياه حتى يكون المشترى قد رآه وعرفه ومن أوثق هذا أن يكتب
(وبرئ فلان إلى فلان من كل عيب) ويصفه إما كي وإما أثر جرح وإما نقص من خلق وإما زيادة
فيه وإما غير ذلك من العيوب فيصفه بعينه وموضعه ثم يكتب ومن كذا وكذا عيبا وقفه عليها قد رآها
فلان وبرأه منها بعد معرفتها.
الاختلاف في العيب
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا باع رجل رجلا عبدا ولم يتبرأ من عيب فقبضه المشترى ثم ظهر
منه على عيب فقال المبتاع للبائع كان هذا العيب عندك. وقال البائع بل حدث عندك، فإن كان
العيب مما لا يحدث مثله مثل الإصبع الزائدة وغير ذلك مما يخلق مع الانسان أو الأثر لا يحدث مثله في
مثل هذه المدة التي تبايعا فيها فالعبد مردود على البائع بلا يمين إذا قال رجلان عدلان من أهل الصناعة
التي فيها العيب هذا عيب لا يحدث مثله وإن كان قد يحدث مثل ذلك العيب فالشراء تام والمشترى
يريد نقضه. فالقول قول البائع مع يمينه إلا بأن يأتي المشترى ببينة عليه بأنه كان عنده إما بإقرار من
البائع وإما بأن رآه الشاهدان في العبد فيرد بلا يمين ولو تصادقا أن العيب كان بالعبد وادعى البائع التبرؤ
من العيب وأنكر ذلك المشتري فالقول قول المشتري مع يمينه ولا يصدق البائع على أنه تبرأ إليه ويكلف البينة
فإن هو جاء بها والا حلف المشتري ورد عليه وأصل معرفة العيب أن يدعى له رجلان من أهل العلم به فإذا
قالا هذا عيب ينقص من ثمن العبد والأمة والمشترى ما كان حيوانا أو غيره شيئا قل أو كثر فهو عيب
لصاحبه الخيار في الرد به أو قبضه إن لم يكن قبضه وإجازة البيع ومتى اختار البيع بعد العيب لم يكن
له رده وان ظهر على عيب غير العيب الذي اختار وحبس المبيع بعده كان له رد العبد بالعيب الذي
ظهر عليه وإن اشترى رجل عبدا قد دلس فيه بعيب فلم يعلم به حتى حدث عنده به عيب آخر لم يكن
له رده بالعيب وقوم العبد صحيحا ومعيبا ثم رد عليه قيمة ما بين الصحة والعيب مثل أن يكون اشترى
العبد بخمسين دينارا وقيمته صحيحا مائة ومعيبا بتسعين فيرجع المشترى على البائع بعشر الثمن و هو
خمسة دنانير ولا يكون له أن يرجع بعشرة دنانير لأنه لم يبعه إياه بالقيمة وكذلك لو اشترى بمائة وهو
210

ثمن خمسين فقوم فوجد العيب نقصه العشر وذلك خمسة دنانير من قيمته فيرجع عليه بعشرة دنانير
لأنها أصل الثمن ولست ألتفت إلى قيمته فيما يتراجعان فيه إنما أنظر إلى قيمته لأعرف كم قدر العيب منها
أعشرا أو أقل أو أكثر فآخذ العشر من أصل الثمن لا من القيمة. وإن رضى البائع أن يأخذ العبد معيبا
لا يرجع على المشترى بقيمة العيب الذي يحدث عنده فليس عليه أن يرد قيمة العيب ويقال إن شئت
فتطوع بأخذ العبد معيبا (1) لأن الشراء لك صحيح إلا أن لك فيما دلس لك أن ترد إن شئت وإن
شئت فأمسك العبد ولا ترجع في العيب بشئ ولو دلس له بعيب في أمة فأصابها ولم يعلم فإن كانت
ثيبا ردها بالعيب إن شاء وليس وطؤها بأكثر من الخدمة والخراج وإن كانت بكرا لم يكن له ردها لأنه
قد نقصها ذهاب العذرة ويرجع بما نقصها العيب وذلك أنه حدث بها عيب عنده فهي كالمسألة قبلها
ولو كان أعتقها في هذا كله أو أحبلها فهذا فوت فله أن يرجع بقيمة العيب وكذلك لو ماتت عنده فإذا
اشترى نصف عبد فأراد أن يكتب شراء كتب (هذا ما اشترى فلان بن فلان من فلان اشترى منه نصف
عبد فراني محتلم ضخم الهامة عبل العظام مربوع القامة حسن الجسم حالك السواد يدعى فلانا بكذا
وكذا دينارا جيادا مثاقيل أفرادا خلقان وذلك بعدما عرف فلان بن فلان وفلان هذا العبد الذي تبايعا
نصفه ورأياه وتبايعا فيه وتفرقا عن موضعهما الذي تبايعا فيه حتى غاب كل واحد منهما عن صاحبه بعد
البيع والتراضي منهما جميعا ودفع فلان بن فلان إلى فلان نصف هذا العبد الموصوف في هذا الكتاب
وقبضه فلان كما يقبض مثله وذلك أنهما أحضرا هذا العبد المبيع نثفه وسلم له النصف يقوم فيه مقام
فلان البائع لا حائل له دون نصفه ودفع إليه فلان الثمن وافيا وبرئ إليه منه ولفلان بن فلان على فلان
بن فلان بيع الاسلام وعهدته لا داء ولا غائلة ولا شين ولا عيب ظاهر و لا باطن في العبد الذي ابتاع
نصفه فما أدرك فلان بن فلان من درك في نصف هذا العبد الذي اشترى من فلان أو في شئ منه فعلى
فلان خلاصه أو يرد إليه الثمن الذي قبض منه وافيا وهو كذا وكذا دينارا مثاقيل جيادا أفرادا خلقان
وازنة شهد على إقرار فلان وفلان ومعرفتهما بأسمائهما وأنسابهما وأنهما يوم كتب هذا الكتاب صحيحان لا
علة بهما من مرض ولا غيره جائزا الامر في أموالهما وذلك في شهر كذا من سنة كذا) وهكذا شراء ثلث
عبد وربعه وثلث أمة وربعها ودابة وغيرها فإذا ظهر على عيب في العبد رده وإن لم يكن اشترى إلا
عشرة لأن للعشر نصيبا من العيب وهو في العيب مثل العبد لا يختلفان ويختلفان في الاستحقاق فلو
أن رجلا اشترى عبدا فاستحق منه شئ قل أو كثر كان للمشترى الخيار في أخذ ما يبقى من العبد بما
يصيبه من الثمن أو رده والرجوع بالثمن لأنه لم يسلم له العبد كما بيع (قال الربيع) رجع الشافعي بعد
وقال إذا اشترى عبدا أو شيئا فاستحق بعضه فالبيع باطل لأن الصفقة جمعت شيئين حلالا وحراما
فكان البيع منفسخا ولا يثبت (قال) ولو اشترى نصف عبد من رجل فاستحق على الذي لم يبع نصفه
فيه بحاله ففي هذا ما يخالف نصف العبد وفيما كان في مثل معناه وإذا اشترى عبدين في صفقة فأراد
أن يكتب شراءهما كتب (هذا ما اشترى فلان بن فلان من فلان بن فلان اشترى منه عبدين أسودين
أحدهما نوبي أسود وصيف خماسي حلو جعد رجل معتدل حسن القوام خفيف الجسم متراصف
الأسنان مسنون الوجه والآخر فراني غليظ مربوع حالك السواد بعيد ما بين المنكبين معتدل جعد قطط
حسن الجسم أفلج الثنايا من أعلى فيه محتلم اشترى فلان بن فلان هذين العبدين الموصوفين في هذا

(1) قوله: لأن الشراء لك الخ كذا في غير نسخة وتأمله، فإن الكلام مع البائع اه‍ -.
211

الكتاب بكذا وكذا دينارا جيادا مثاقيل أفرادا خلقان وازنة وتبايع فلان بن فلان وفلان بن فلان في
العبدين بعد رؤيتهما ومعاينتهما وقبض فلان بن فلان هذين العبدين الموصوفين في هذا الكتاب وقبض
فلان بن فلان هذا الثمن وافيا وتفرقا حتى غاب كل واحد منهما عن صاحبه بعد التراضي منهما جميعا
بالبيع وتقابضهما ولفلان على فلان بيع الاسلام وعهدته لأداء ولا غائلة ولا عيب ظاهر ولا باطن فما
أدرك فلان بن فلان في هذين العبدين أو في أحدهما أو في شئ منهما أو من واحد منهما من درك فعلى
فلان خلاصه حتى يسلمه له كما باعه أو يرد إليه الثمن الذي قبض منه وافيا وهو كذا وكذا دينارا)
وهكذا إذا اشترى عبدا وأمة أو ثلاثة أعبد أو أكثر موصوف كل واحد من المشترى يصفه كما وصفت
ويصف الثمن كما وصفت وهكذا إذا اشترى عبدا ودارا وما جمعته الصفقة يكتب عهدته ويكتب كل
شئ منه بصفته فإن اشترى عبدين وأمة فأراد أن يكتب عهدتهم ويجعل لكل واحد منهم ثمنا معلوما
كتب (هذا ما اشترى فلان من فلان اشترى منه عبدا من صفته كذا وكذا وعبدا من صفته كذا وكذا
وأمة من صفتها كذا كذا اشترى منه هذين العبدين والأمة الموصوفين في هذا الكتاب بمائة دينار وثمن
العبد الفارسي من هذه المائة الدينار ثلاثون دينارا وثمن العبد النوبي من هذه المائة عشرون دينارا وثمن
الأمة من هذه المائة خمسون دينارا تبايع فلان وفلان هؤلاء الرقيق الثلاثة بعد رؤيتهم ومعرفتهم وتفرقا
بعد البيع وقبض فلان جميع ثمنهم وافيا وتفرقا بعد هذا كله عن تراض منهما جميعا به فما أدرك فلانا فيما
اشترى من فلان أو في واحد منهم فعلى فلان خلاصه حتى يسلمه له أو يرد إليه الثمن وافيا وهو مائة
دينار ولفلان على فلان فيما اشترى من فلان بيع الاسلام وعهدته لا شين ولا عيب ولا داء ظاهر ولا
باطن شهد على إقرار فلان وفلان بجميع ما في هذا الكتاب بعد معرفتهما معا به وعلى أنهما يوم أقر به
صحيحان لا علة بهما من مرض ولا غيره جائزا الامر شهد فلان وفلان وكتبوا) (قال) وإذا أردت أن
تكتب عهدة هؤلاء الرقيق بمعنى أبين من هذا فاكتب (هذا ما اشترى فلان من فلان اشترى منه عبدا
نوبيا من صفته كذا بعشرين دينارا وعبدا فارسيا من صفته كذا بعشرين دينارا وأمة مولدة من صفتها
كذا بستين دينارا اشترى منه هؤلاء الرقيق الثلاثة كل واحد منهم بما سمى له من الثمن بعد معرفة فلان
وفلان بجميع هؤلاء الرقيق ورؤيتهم له قبل البيع وبعده وقبض فلان هؤلاء الرقيق من فلان وقبض فلان
جميع الثمن من فلان وتبايعا على ذلك وتفرقا بعد البيع عن تراض منهما جميعا و لفلان فيما اشترى من
فلان بيع الاسلام وعهدته لا داء ظاهر ولا باطن فما أدرك فلانا في هؤلاء الرقيق أو في واحد منهم من
درك من أحد من الناس فعلى فلان خلاصه أو رد ثمن من أدركه فيه الدرك وافيا بما وقع فيه ثمنه
وجميع أثمانهم مائة دينار ومفرقة على ما في هذا الكتاب شهد على إقرار فلان وفلان ومعرفتهما بأعيانهما
وأنسابهما وأنهما يوم كتبا هذا الكتاب صحيحا جائزا الامر في أموالهما. فلان وفلان.
وثيقة في المكاتب أملاها الشافعي
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: هذا كتاب كتبه فلان بن فلان في شهر كذا من سنة كذا وهو
صحيح لا علة به من مرض ولا غيره جائز الامر في ماله لمملوكه فلان الفلاني الذي صفته كذا وكذا
إنك سألتني أن أكاتبك على كذا وكذا دينارا مثاقيل جيادا تؤديها إلى منجمة في مضى عشر سنين كلما
مضت سنة أديت إلى كذا وكذا دينارا وأول نجومك التي تحل لي عليك انسلاخ سنة كذا كل نجم منها
212

بعد مضي سنة حتى يكون أداؤك آخرها انسلاخ سنة كذا فإذا أديت جميع ما كاتبتك عليه وهو كذا وكذا
فأنت حر لوجه الله تعالى لا سبيل لي ولا لاحد عليك ولي ولاؤك وولاء عقبك من بعدك. فإن عجزت عن
نجم من هذه النجوم فلي فسخ كتابتك. شهد على إقرار السيد فلان الفلاني المملوك بما في هذا الكتاب.
وثيقة في المدبر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: هذا كتاب كتبه فلان ابن فلان في شهر كذا من سنة كذا وهو
صحيح لا علة به من مرض ولا غيره جائز الامر في ماله لمملوكه فلان الفلاني صفته كذا وكذا إني
دبرتك فمتى ما مت فأنت حر لوجه الله تعالى لا سبيل لاحد عليك ولى ولاؤك وولاء عقبك من بعدك.
شهد على إقرار فلان بن فلان السيد وفلان ابن فلان الفلاني المملوك بما في هذا الكتاب.
كتاب الأقضية
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى: قال تولى الله
السرائر وعاقب عليها ولم يجعل لاحد من خلقه الحكم إلا على العلانية فإذا حكم الحاكم بالظاهر الذي
جعل إليه لم يتعاط الباطن الذي تولى الله دونه وإذا حكم والمحكوم له يعلم أن ما حكم له به حق في
الظاهر عند الحاكم وباطل في علمه دون الحاكم لم يكن له أن يأخذه وأخذه حرام عليه ولا يحل
حاكم شيئا ولا يحرمه إنما الحكم على الظاهر كما وصفنا والحلال والحرام على ما يعلم المحكوم له والمحكوم
عليه وتفسيره في كتاب الأقضية وهو كتاب الشاهد واليمين (قال الشافعي) الولد للفراش بالوطئ بملك
اليمين والنكاح (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن
أبيه قال: أرسل عمر إلى رجل من بنى زهرة كان ساكنا معنا فذهبنا معه فسأله عن ولاد من ولاد
الجاهلية: فقال أما الفراش فلفلان وأما النطفة فلفلان فقال رضى الله تعالى عنه صدقت ولكن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قضى بالفراش (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا اعترف الرجل بوطئ
وليدته لحق به ولدها إلا أن يدعى أنه قد استبرأها بعد الوطئ ثم لم يقربها وتفسيره في كتاب الطلاق
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا توفى الرجل عن المرأة أو طلقها فانقضت عدتها في الوفاة أو
الطلاق ثم تزوجت فولدت عند الزوج الآخر لأقل من ستة أشهر من يوم ملك عقدة نكاحها بساعة
فالولد للأول فإن كان ميتا لحق به وان حيا لحق به إلا أن ينفيه بلعان ولو ادعاه الآخر لم يكن ابنه لأنه
لا يمكن أن يكون منه إلا من زنا وولد الزنا لا يلحق وأقل ما يكون له الحمل ستة أشهر تامة فأكثر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهكذا نقول إذا اشترك الرجلان في طهر ونصف قيمة الجارية وكانت
أم ولد له بذلك الولد وإن لم يكن قافة أو ألحقته القافة بهما معا لم يكن ابنهما ولا ابن واحد منهما حتى
يبلغ أن يخير فيختار أيهما شاء فينتسب إليه فإذا اختاره فليس له أن ينفيه بلعان ولا للولد أن ينتفى عنه
ويكون الحكم في الأمة وفي مهرها ما وصفنا من أن يكون على المحكومة له بأنها أم ولد له نصف مهرها
213

ونصف قيمتها ونصف قيمة الولد حين سقط فإن مات المولود قبل أن يبلغ فينتسب إلى واحد فميراثه
موقوف حتى يصطلحا فيه وإن ماتا أو واحد منهما قبل أن ينتسب المولود إلى أحدهما وقف له من مال
كل واحد منهما ميراث ابن تام وإذا انتسب إلى أحدهما أخذ الميراث ورد ما وقف من ميراث الآخر على
ورثته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقال بعض الناس ولو ترك ثلاثمائة دينار فقسمها ابنان له فيأخذ
كل واحد منهما خمسين ومائة ثم يقر أحدهما برجل فيقول هذا أخي وينكره الآخر فالذي أحفظ من
قول المدنيين المتقدم أن نسبه لا يلحق به وأنه لا يأخذ من المال قليلا ولا كثيرا وذلك أن الأخ لم يقر له
بدين ولا وصية إنما زعم أن له حق ميراث وإذا كان له حق بأن يكون وارثا ورث كما يرث وعقل في
الجناية فلما كان هذا لا يثبت عليه لم يثبت له ولا يثبت له ميراث إلا بأن يثبت له نسب وهذا أصح ما
فيه عندنا والله تعالى أعلم (قال أبو محمد الربيع) لا يثبت نسبه ولا يأخذ من الميراث شيئا لأن المال فرع
النسب وإذا لم يثبت النسب وهو الأصل لم يثبت الفرع الذي هو تبع للأصل (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى: وقال مالك وابن أبي ليلى لا يثبت النسب ويأخذ خمسين دينارا من الذي أقر له وذهب إلى
أنه أقر بنسبه على نفسه وعلى غيره فلم يأخذ منه إلا ما أقربه على نفسه وأسقطا إقراره على غيره. وقال
أبو حنيفة رحمه الله: لا يثبت نسبه ويقاسم الذي أقربه ما في يديه نصفين لأنه أقر أنه وإياه في مال
أبيه سواء وهذا أبعد عندنا من الصواب والله أعلم. وكلها إذا سمعها السامع رأى له مذهبا (قال
الشافعي) رحمه الله: لا يقسم صنف من المال مع غيره - لا يقسم عنب مع خله ولا أصل مع أصل
غيره وإذا كان شئ من هذه الأصول يحيا بغير ما يحيا به غيره لم يقسم معه لأنها مختلفة الأثمان متباينة
فلا يقسم نضح مضموما إلى عثرى ولا عثرى مضموما إلى بعل ولا بعل مضموما إلى نخل يشرب بنهر
مأمون الانقطاع لأن أثمانها متباينة. والبعل الذي أصوله قد بلغت الماء. فاستغنى عن أن يسقى والنضح
ما يسقى بالبئر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا تضعف الغرامة على أحد في شئ إنما العقوبة في
الأبدان لا في الأموال وإنما تركنا تضعيف الغرامة من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيما
أفسدت ناقة البراء بن عازب أن على أهل الأموال حفظها بالنهار. وما أفسدت المواشي بالليل فهو
ضامن على أهلها فإنما يضمنونه بقيمة لا بقيمتين ولا يقبل قول المدعى لأن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه).
أدب القاضي وما يستحب للقاضي
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي محمد ابن إدريس قال أحب أن يقضى القاضي في
موضع بارز للناس لا يكون دونه حجاب وأن يكون متوسطا للمصر وأن يكون في غير المسجد لكثرة من
يغشاه لغير ما بنيت له المساجد ويكون ذلك في أوفق الأماكن به وأحراها أن لا يسرع ملالته فيه
(قال) وإذا كرهت له أن يقضى في المسجد فلان يقيم الحد في المسجد أو يعزر أكره (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: ولا يقضى القاضي وهو غضبان أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عبد
الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يقضى القاضي أو لا يحاكم
الحاكم بين اثنين وهو غضبان) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم يدل على أن لا يقضى الرجل وهو غضبان وكان معقولا في الغضب تغير العقل والفهم فأي حال
214

جاءت عليه يعلم هو من نفسه تغير عقله أو فهمه امتنع من القضاء فيها فإن كان إذا اشتكى أو جاع أو
اهتم أو حزن أو بطر فرحا تغير لذلك فهمه أو خلقه لم أحب له أن يقضى وإن كان ذلك لا يغير عقله
ولا فهمه ولا خلقه قضى فأما النعاس فيغمر القلب شبيها بغمر الغشي فلا يقضى ناعسا ولا مغمور
القلب من هم أو وجع يغمر قلبه (قال) وأكره للقاضي الشراء والبيع والنظر في النفقة على أهله وفي
ضيعته لأن هذا أشغل لفهمه من كثير من الغضب وجماع ما شغل فكره يكره له وهو في مجلس الحكم
أكره له. ولو اشترى أو باع لم أنقض البيع ولا الشراء لأنه ليس بمحرم وإنما كره لئلا يشتغل فهمه.
وكذلك لو قضى في الحال التي كرهت له أن يقضى فيها لم أرد من حكمه إلا ما كنت رادا من من
حكمه في أفرغ حالاته وذلك إذا حكم بخلاف الكتاب والسنة وما وصفت مما يرد به الحكم (قال)
وإذا اختصم الرجلان إلى القاضي فبان له من أحد الخصمين اللدد نهاه فإن عاد زجره. ولا يبلغ أن
يحبسه ولا يضربه إلا أن يكون في ذلك ما يستوجب ضربا أو حبسا ومتى بان له الحق عليه قطع به
الحكم عليه.
الاقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن
زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إنما أنا بشر وأنكم
تختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع منه فمن
قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار) (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى: وفي هذا الحديث دلالة على أن الأئمة إنما كلفوا القضاء على الظاهر لقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم (فمن قضيت له بشئ من حق أخيه) فأخبر صلى الله عليه وسلم أن قد يكون هذا في
الباطن محرما على من قضى له به وأباح القضاء على الظاهر ودلالة على أن قضاء الإمام لا يحل حراما ولا يحرم
حلالا لقوله (فمن قضيت له بشي من حق أخيه فلا يأخذه)) ودلالة على أن كل حق وجب لي ببينة
أو قضاء قاض فأقررت بخلافه أن قولي أولى لقوله فمن قضيت له بشئ في الظاهر فلا يأخذه إذا كان
في الباطن ليس له وأن الباطن إذا تبين بإقراره فيما يمكن أن يكون بحال حكم عليه به وهو أن لا يأخذ
وإذا لم يأخذه فهو غير آخذ فأبطل إقراره بأن لاحق له فيما قضى له به من الحق ودلالة على أن الحكم
على الناس يجئ على نحو ما يسمع منهم مما لفظوا به وإن كان قد يمكن أن يكون نياتهم أو غيبهم غير
ذلك لقوله (فمن قضيت له فلا يأخذ) إذ القضاء عليهم إنما هو بما لفظوا به لا بما غاب عنه. وقد
وكلهم فيما غاب عنه منهم بنية أو قول إلى أنفسهم ودلالة على أنه لا يحل لحاكم ان يحكم على أحد الا بما
لفظ وأن لا يقضى عليه بشئ مما غيب الله تعالى عنه من امره من نية أو سبب أو ظن أو تهمة لقول
النبي صلى الله عليه وسلم (على نحو ما أسمع منه) وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن من قضيت له فلا
يأخذه أن القضاء على ما يسمع منهما وإنه قد يكون في الباطن عليهما غير ما قضى عليهما بما لفظا به
قضى بما سمع ووكلهم فيما غاب إلى أنفسهم فمن قضى بتوهم منه على سائله أو بشئ يظن أنه خلق به أو
بغير ما سمع من السائلين فخلاف كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم قضى لأن الله عز
وجل استأثر بعلم الغيب وادعى هذا علمه ولان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بما سمع وأخبر أن
قد يكون غيبهم غير ظاهرهم لقوله (فمن قضيت له بشئ فلا يأخذه) ورسول الله صلى الله عليه وسلم
215

أولى الناس بعلم هذا لموضعه الذي وضعه الله تعالى به وكرامته التي اختصه الله تعالى بها من النبوة ونزول
الوحي عليه فوكلهم في غيبهم إلى أنفسهم وادعى هذا علمه ومثل هذا قضاؤه لعبد بن زمعة بالولد وقوله
لسودة (احتجبي منه) عندما رأى شبها بينا فقضى بالظاهر وهو فراش زمعة ودلالة على أنه من أخذ من
مال مسلم شيئا فإنما يقطع لنفسه قطعة من النار والفئ مال المسلمين فقياسا على هذا أن من أعطى
أحدا منه شيئا لم يكن مستأهلا له ولم يكن حقا له فهو آخذ من مال المسلمين وكلهم أكثر حرمة من
واحدهم فإنما أخذ قطعة من النار ومتى ظفر بماله أو بمن يحكم عليه أخذ من ماله بقدر ما أخذ منه مما لم
يكن مستأهلا له ولم يكن حقا له فوضع في بيت مال المسلمين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
أخبرنا الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحرث عن بشر بن سعيد عن أبي
قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر) قال يزيد فحدثت
بهذا الحديث أبا بكر بن حزم فقال: هكذا حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى ومعنى الاجتهاد من الحاكم إنما يكون بعد أن لا يكون فيما يريد القضاء فيه
كتاب ولا سنة ولا أمر مجتمع عليه فأما وشئ من ذلك موجود فلا. فإن قيل فمن أين قلت هذا
وحديث النبي صلى الله عليه وسلم ظاهره الاجتهاد؟ قيل له أقرب ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم
لمعاذ بن جبل (كيف تقضى؟) قال بكتاب الله عز وجل قال (فإن لم يكن؟) قال فبسنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (فإن لم يكن) قال أجتهد رأيي قال (الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما
يحب رسول الله)) فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الاجتهاد بعد أن لا يكون كتاب الله ولا سنة
رسوله. ولقول الله عز وجل (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول) وما لم أعلم فيه مخالفا من أهل العلم ثم ذلك
موجود في قوله (إذا اجتهد) لأن الاجتهاد ليس بعين قائمة وإنما هو شئ يحدثه من قبل نفسه فإذا كان
هذا هكذا فكتاب الله والسنة والاجماع أولى من رأى نفسه ومن قال الاجتهاد أولى خالف الكتاب
والسنة برأيه ثم هو مثل القبلة التي من شهد مكة في موضع يمكنه رؤية البيت بالمعاينة لم يجز له غير
معاينتها ومن غاب عنها توجه إليها باجتهاده فإن قيل فما الحجة في أنه ليس للحاكم أن يجتهد على غير
كتاب ولا سنة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا اجتهد الحاكم) وقال معاذ أجتهد رأيي
ورضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
اجتهد على الكتاب والسنة؟ قيل لقول الله عز وجل (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول) فجعل الناس تبعا
لهما ثم لم يهملهم ولقول الله عز وجل (اتبع ما أوحى إليك من ربك) ولقوله (من يطع الرسول فقد
أطاع الله) ففرض علينا اتباع رسوله فإذا كان الكتاب والسنة هما الأصلان اللذان افترض الله عز وجل
لا مخالف فيهما وهما عينان ثم قال (إذا اجتهد) فالاجتهاد ليس بعين قائمة إنما هو شئ يحدثه من نفسه
ولم يؤمر باتباع نفسه إنما أمر باتباع غيره فإحداثه على الأصليين اللذين افترض الله عليه أولى به من
إحداثه على غير أصل أمر باتباعه وهو رأى نفسه ولم يؤمر باتباعه فإذا كان الأصل أنه لا يجوز له أن يتبع
نفسه وعليه أن يتبع غيره والاجتهاد شئ يحدثه من عند نفسه والاستحسان يدخل على قائله كما يدخل
على من اجتهد على غير كتاب ولا سنة ومن قال هذين القولين قال قولا عظيما لأنه وضع نفسه في رأيه
واجتهاده واستحسانه على غير كتاب ولا سنة موضعهما في أن يتبع رأيه كما اتبعا. وفي أن رأيه أصل
ثالث أمر الناس باتباعه وهذا خلاف كتاب الله عز وجل لأن الله تبارك وتعالى إنما أمر بطاعته وطاعة
216

رسوله وزاد قائل هذا القول رأيا آخر على حياله بغير حجة له في كتاب ولا سنة ولا أمر مجتمع عليه ولا
أثر فإذا كانا موجودين فهما الأصلان وإذا لم يكونا موجودين فالقياس عليهما لا على غيرهما. فإن قال
قائل: فأبن هذا قيل مثل الكعبة من رآها صلى إليها ومن غاب عنها توجه إليها بالدلائل عليها لأنها
الأصل فإن صلى غائبا عنها برأي نفسه بغير اجتهاد بالدلائل عليها كان مخطئا وكانت عليه الإعادة،
وكذلك الاجتهاد فمن اجتهد على الكتاب والسنة فذلك. ومن اجتهد على غير الكتاب والسنة كان
مخطئا. ومثل قول الله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم) والمثل للمقتول وقد يكون غائبا فإنما يجتهد
على أصل الصيد المقتول فينظر إلى إلى أقرب الأشياء به شبها فيهديه. وفي هذا دليل على أن الله عز
وجل لم يبح الاجتهاد إلا على الأصول لأنه عز وجل إنما أمر بمثل ما قتل فأمر بالمثل على الأصل ليس
على غير أصل. ومثل أذان ابن أم مكتوم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رجلا أعمى لا
ينادى حتى يقال له أصبحت أصبحت فلو جاز الاجتهاد على غير أصل لجاز لابن أم مكتوم أن يؤذن
بغير إخبار غيره له أن الفجر قد طلع. ولكن لما لم يكن فيه آلة الاجتهاد على الأصل لم يجز اجتهاده حتى
يخبره من قد اجتهد على الأصل وفي إخباره على غير اجتهاد على الأصل أن الفجر قد طلع تحريم
الاكل الذي هو حلال لي وتحليل الصلاة التي هي حرام على أن أصليها إلا في وقتها وفي إخبار الحاكم
على غير أصل لرجل له أربع نسوة أن واحدة قد حرمت عليه تحريم امرأة كانت له وتحليل الخامسة له
فيكون كل واحد من هؤلاء وقد أحل وحرم برأي نفسه ولجاز ان يجتهد الأعمى فيصلي برأيه ولا رأي له
ولجاز أن يصلى الأعمى ولا يدرى قد أحل وحرم برأي نفسه ولجاز أن يجتهد الأعمى فيصلى برأيه ولا
رأى له ولجاز أن يصلى الأعمى ولا يدرى أزالت الشمس أم لا؟ برأي نفسه ولجاز أن يصوم رمضان
برأي نفسه أن الهلال قد طلع ولجاز إذا كانت دلائل القبلة أن يدع الرجل النظر إليها والاجتهاد عليها
ويعمل في ذلك برأي نفسه على غير أصل كما إذا كان الكتاب والسنة موجودين فأمره يترك الدلائل
وآمره يجتهد برأيه وهذا خلاف كتاب الله عز وجل لقوله تبارك وتعالى: (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم
شطره) ولقوله عز وجل: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) ولقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم (صوموا لرؤيته) ولصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الزوال ولكان إذا
يجوز لكل أحد علم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو لم يعلمهما أن يجتهد فيما ليس فيه كتاب
ولا سنة برأيه بغير قياس عليهما لأنه إذا جاز له أن يجتهد على غير كتاب ولا سنة فلا يعدو أن يصيب أو
يخطئ وليس ذلك منه على الأصول التي أمر باتباعها فيكون إذا اجتهد عليها مؤديا لفرضه فقد أباح
لكل من لم يعلم الكتاب ولا سنة وجهلهما أن يكون رأى نفسه وإن كان أجهل الناس كلهم فيما ليس فيه
كتاب ولا سنة رأى من علم الكتاب والسنة لأنه إذا كان أصله أن من علمهما واجتهد على غيرهما
جاز له فما معنى من علمهما ومن لم يعلمهما في موضع الاجتهاد إذا كان على غيرهما إلا سواء؟ غير أن
الذي علمهما يفضل الذي لم يعلمهما بما نصا فقط فأما بموضع الاجتهاد قد سوى بينهما فكان قد جعل
العالمين والجاهلين في درك علم ما ليس فيه كتاب ولا سنة سواء فكان للجاهلين إذا نزل بهم شئ من
جهة القياس بما يستدرك قياسا أن يكون هو فيه والعالم سواء وأن يقتدى برأي نفسه لأنه إذا كان العالم
عنده إنما يعمل في ذلك على غير أصل فأكثر حالات الجاهل أن يعمل على غير أصل فاستويا في هذا
المعنى ولكان كل من رأى رأيا فاستحسنه جاهلا كان أو عالما جاز له إذا لم يكن في ذلك كتاب ولا سنة
وليس كل العلم يوجد فيه كتاب وسنة نصا وكان قد جعل رأى كل أحد من الآدميين الجاهل والعالم
217

منهم أصلا يتبع كما تتبع السنة لأنه إذا أجاز الاجتهاد على غير أصل لم يزل ذلك به في نفسه ورآه حقا له
وجب عليه أن يأمر الناس باتباع الحق وهذا خلاف القرآن لأن الله عز وجل فرض عليهم فيه اتباعه
واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وزاد قائل هذا واتباع نفسك فأقام الناس في هذا الموضع مقاما عظيما
بغير شئ جعله الله تعالى لهم ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فإن قيل فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم
سعدا أن يحكم في بني قريظة فحكم برأيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وافقت حكم الله عز
وجل فيهم) ففي هذا دليل على أنه إنما قال برأيه فوافق الحكم على غير أصل كان عنده من النبي صلى
الله عليه وسلم وأن قوما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرج لهم حوت من البحر ميت فأكلوه
ثم سألوا عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال (هل بقي معكم من لحمه شئ؟) ففي هذا دليل على
أنهم إنما أكلوه يومئذ برأي أنفسهم وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث عماله وسراياه ويأمر الناس
بطاعتهم ما أطاعوا الله وقد فعل بعضهم شيئا في بعض مغازيهم فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو الرجل الذي لاذ بالشجرة فأحرقوه والذي أمر الرجل أن يلقى نفسه في النار والذي جاء
بالهدية وكل هذا فعلوه برأيهم فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجل الذي قال أسلمت لله
فقتل فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قيل له فما احتججت من هذا يشبه أنه لنا دونك. أما
أو لا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لسراياه وأمرائه بطاعة الله عز وجل ورسوله واتباعهما وأمره
من أمر عليهم أمراء أن يطيعوهم ما أطاعوا الله فإذا عصوا الله عز وجل فلا طاعة لهم عليهم ففي نفس
ما احتججت به أنه إنما أمر الناس بطاعة الله وطاعة أمرائهم إذا كانوا مطيعين لله فإذا عصوا فلا طاعة
لهم عليكم وفيه أنه كره لهم كل شئ فعلوه برأي أنفسهم من الحرق والقتل وأباح لهم كل ما عملوه
مطيعين فيه لله ولرسوله فلو لم يكن لنا حجة في رد الاجتهاد على غير أصل إلا ما احتججت به أن النبي
صلى الله عليه وسلم كره لهم ونهاهم عن كل أمر فعلوه برأي أنفسهم لكان لنا فيه كفاية وإن قيل فقد
أجاز رأى سعد في بني قريظة ورأي الذين أكلوا الحوت على غير أصل. قيل أجازه لصوابه كما يجيز
رأى كل من رأى ممن يعلم أو لا يعلم إذا كان بحضرته من يعلم خطأه وصوابه فيجيزه من يعلم ذلك منه
إذا أصاب الحق بمعنى إجازته له أنه الحق لا بمعنى رأى نفسه منفردا دون علمك لأن رأى ذي الرأي
على غير أصل قد يصيب وقد يخطئ ولم يؤمر الناس أن يتبعوا إلا كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله
عليه وسلم الذي قد عصمه الله من الخطأ وبرأه منه فقال تعالى (وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم) فأما
من كان رأيه خطأ أو صوابا فلا يؤمر أحد باتباعه ومن قال للرجل يجتهد برأيه فيستحسن على غير أصل
فقد أمر باتباع من يمكن منه الخطأ وأقامه مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فرض الله اتباعه
فإن كان قائل هذا ممن يعقل ما تكلم به فتكلم به بعد معرفة هذا فأرى للإمام أن يمنعه وإن كان غيبا
علم هذا حتى يرجع. فإن قيل فما معنى قوله له (احكم) قيل مثل قوله عز وجل (وشاورهم في
الامر) على معنى استطابة أنفس المستشارين أو المستشار منهم والرضا بالصلح على ذلك ووضع الحرب
بذلك السبب لا أن برسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة إلى مشورة أحد والله عز وجل يؤيده بنصره
بل لله ورسوله المن والطول على جميع الخلق وبجميع الخلق الحاجة إلى الله عز وجل فيحتمل أن يكون
قوله صلى الله عليه وسلم له (احكم) على هذا المعنى وأن يكون قد علم من رسول الله صلى الله عليه
وسلم سنة في مثل هذا فحكم على مثلها أو يحكم فيوفقه الله تعالى ذكره لأمر رسوله فيعرف رسول الله
صلى الله عليه وسلم صواب ذلك فيقره عليه أو يعرف غير ذلك فيعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في
218

ذلك بطاعة الله عز وجل فإن قيل فيحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قد يخطئ؟ قيل نعم ولا
يبرأ أحد من الآدميين من الخطأ إلا الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين كما ولى أمراء ففعل
بعضهم بعض ما كره برأيه على معنى الاحتياط منهم للدين فردهم في ذلك إلى طاعة الله عز وجل
وأجاز لهم ما عملوا من طاعة الله لأنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يجوز هذا من سنته لأن الله عز وجل
اختصه بوحيه وانتخبه لرسالته فما كان من أمر من أحد أمرائه أقرهم عليه فبطاعة الله عز وجل أقرهم
وما كره لهم بأن كانوا فعلوه طلب طاعة الله عز وجل فبطاعة الله كره لهم وليس يعلم مثل هذا من رأى
أحد صوابه من خطئه أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجوز لاحد أن يقول برأيه لأنه لا مبين
لرأيه أصواب هو أم خطأ وإنما على الناس أن يتبعوا طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وهو
كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإذا غبي علمهما على أحد فالدلائل عليهما لأنهما
اللذان رضى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لعباده وأمروا باتباعه صلى الله عليه وسلم فإن قيل
فقد أكلوا الحوت بغير حضور النبي صلى الله عليه وسلم بلا أصل عندهم؟ قيل لموضع الضرورة
والحاجة إلى أكله على أنهم ليسوا على يقين من حله. ألا ترى أنهم سألوا عن ذلك أو لا ترى أن
أصحاب أبي قتادة في الصيد الذي صاده إذ لم يكن بهم ضرورة إلى أكله أمسكوا إذ لم يكن عندهم
أصل حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟
مشاورة القاضي
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أحب للقاضي أن يشاور ولا يشاور في أمره إلا عالما بكتاب
وسنة وآثار وأقاويل الناس وعاقلا يعرف القياس ولا يحرف الكلام ووجوهه ولا يكون هذا في رجل
حتى يكون عالما بلسان العرب ولا يشاوره إذا كان هذا مجتمعا في حتى يكون مأمونا في دينه لا يقصد
إلا قصد الحق عنده ولا يقبل ممن كان هكذا عنده شيئا أشار به عليه على حال حتى يخبره أنه أشاربه
من خبر يلزم وذلك كتاب أو سنة أو إجماع أو من قياس على أحدهما ولا يقبل منه وإن قال هذا له حتى
يعقل منه ما يعقل فيقفه عليه فيعرف منه معرفته ولا يقبله منه وإن عرفه هكذا حتى يسأل هل له وجه
يحتمل غير الذي قال؟ فإن لم يكن له وجه يحتمل غير الذي قال أو كانت سنة فلم يختلف في روايتها
قبله وإن كان للقرآن وجهان أو كانت سنة رويت مختلفة أو سنة ظاهرها يحتمل وجهين لم يعمل بأحد
الوجهين حتى يجد دلالة من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس على أن الوجه الذي عمل به هو الوجه
الذي يلزمه والذي هو أولى به من الوجه الذي تركه وهكذا يعمل في القياس لا يعمل بالقياس أبدا
حتى يكون أولى بالكتاب أو السنة أو الاجماع أو أصح في المصدر من الذي ترك ويحرم عليه أن يعمل
بغير هذا من قوله استحسنت لأنه إذا أجاز لنفسه استحسنت أجاز لنفسه أن يشرع في الدين وغير جائز
له أن يقلد أحدا من أهل دهره وإن كان أبين فضلا في العقل والعلم منه ولا يقضى أبدا إلا بما يعرف
وإنما أمرته بالمشورة لأن المشير ينبهه لما يغفل عنه ويدله من الاخبار على ما لعله أن يجهله. فأما أن يقلد
مشيرا فلم يجعل الله هذا لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا اجتمع له علماء من أهل زمانه أو
افترقوا فسواء ذلك كله لا يقبله إلا تقليدا لغيرهم من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس يدلونه عليه حتى
يعقله كما عقلوه فإن لم يكن في عقله ما إذا عقل القياس عقله وإذا سمع الاختلاف ميزه فلا ينبغي له
219

أن يقضى ولا ينبغي لاحد أن يستقضيه وينبغي له أن يتحرى أن يجمع المختلفين لأنه أشد لتقصيه العلم
ليكشف بعضهم على بعض يعيب بعضهم قول بعض حتى يتبين له أصح القولين على التقليد أو
القياس.
حكم القاضي
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حكم القاضي بحكم ثم رأى الحق في غيره فإن رأى الحق
في الحادث بأنه كان خالف في الأول كتابا أو سنة أو إجماعا أو أصح المعنيين فيما احتمل الكتاب أو
السنة نقض قضاءه الأول على نفسه وكل ما نقض على نفسه نقضه على من قضى به إذا رفع إليه ولم
يقبله ممن كتب به إليه، وإن كان إنما رأى قياسا محتملا أحسن عنده من شئ قضى به من قبل والذي
قضى به قبل يحتمل القياس ليس الآخر بأبين حتى يكون الأول خطأ في القياس يستأنف الحكم في
القضاء الآخر بالذي رأى آخرا ولم ينقض الأول وما لم ينقضه على نفسه لم ينقضه على أحد حكم به
قبله ولا أحب له أن يكون منفذا له وإن كتب به إليه قاض غيره لأنه حينئذ مبتدئ الحكم فيه ولا
يبتدئ الحكم بما يرى غيره أصوب منه، وليس على القاضي أن يتعقب حكم من كان قبله فإن تظلم
محكوم عليه قبله نظر فيما تظلم فيه فإن وجده قضى عليه بما وصفت في المسألة الأولى من خلاف كتاب
أو سنة أو إجماع أو قياس فهذا خطأ يرده عليه لا يسعه غيره وإن لم يكن خلاف واحد من هؤلاء أو كان
يراه باطلا بأن قياسا عنده أرجح منه وهو يحتمل القياس لم يرده لأنه إذا احتمل المعنيين معا فليس يرده
من خطأ بين إلى صواب بين كما يرده في خلاف الكتاب أو السن أو الاجماع من خطأ بين إلى صواب
بين (قال) وإذا تناقد الخصمان بينتهما وحجتهما عند القاضي ثم مات أو عزل أو ولى غيره لم يحكم حتى
يعيدا عليه حجتهما وبينتهما ثم يحكم وينبغي أن يخفف في المسألة عن بينتهما إن كانوا ممن يسأل عنه
وهكذا شهوده يعيد تعديلهم ويخفف في المسألة ويوجزها لئلا تطول ويحب للقاضي والوالي أن يولى
الشراء له والبيع رجلا مأمونا غير مشهور بأنه يبيع له ولا يشترى خوف المحاباة بالزيادة له فيما اشترى منه
أو النقص فيما اشترى له فإن هذا من مآكل كثير من الحكام وإن لم يفعل لم أفسد له شراء ولا بيعا إلا أن
يستكره أحدا على ذلك إلا بما أفسد به شراء السوقة (قال) ولا أحب لحاكم أن يتخلف عن الوليمة إذا
دعى لها ولا أحب له أن يجيب وليمة بعض ويترك بعضا إما أن يجيب كلا أو يترك كلا ويعتذر ويسألهم
أن يحللوه ويعذروه ويعود المرضى ويشهد الجنائز ويأتي الغائب عند قدومه ومخرجه (قال) و إذا تحاكم
إلى القاضي أعجمي لا يعرف لسانه لم يقبل الترجمة عنه إلا بشاهدين عدلين يعرفان ذلك اللسان لا
يشكان فيه فإن شكا لم يقبل ذلك عنهما وأقام ذلك مقام الشهادة فيقبل فيه ما يقبل في الشهادة ويرد
فيه ما يرد فيها.
مسائل القاضي وكيف العمل عند شهادة الشهود
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد الشهود عند القاضي فإن كانوا مجهولين كتب حلية
كل واحد منهم ورفع في نسبه إن كان له نسب أو ولائه إن كان يعرف له ولاء. وسأله عن صناعته إن
220

كان له صناعة وعن كنيته إن كان يعرف بكنية وعن مسكنه وموضع بياعاته ومصلاه. وأحب له إن
كان الشهود ليسوا ممن يعرف بالحال الحسنة المبرزة والعقل معها أن يفرقهم ثم يسأل كل واحد منهم على
حدته عن شهادته واليوم الذي شهد فيه والموضع الذي شهد فيه ومن حضره وهل جرى ثم كلام. ثم
يثبت ذلك كله وهكذا أحب إن كان ثم حال حسنة ولم يكن سديد العقل أن يفعل به هذا ويسأل من
كان معه في الشهادة على مثل حاله عن مثل ما يسأل ليستدل على عورة إن كانت في شهادته أو
اختلاف إن كان في شهادته وشهادة غيره فيطرح من ذلك ما لزمه طرحه ويلزم ما لزمه إثباته وإن
جمع الحال الحسنة والعقل لم يقفه ولم يفرقهم، وأحب للقاضي أن يكون أصحاب مسائله جامعين
للعفاف في الطعمة والأنفس وافري العقول برآء من الشحناء بينهم وبين الناس أو الحيف على أحد بأن
يكونوا من أهل الأهواء والعصبية والمماطلة للناس وأن يكونوا جامعين للأمانة في أديانهم وأن يكونوا
أهل عقول لا يتغفلون بأن يسألوا الرجل عن عدوه ليخفى حسنا ويقول قبيحا فيكون ذلك جرحا
عندهم أو يسألوه عن صديقه فيخفى قبيحا ويقول حسنا فيكون ذلك تعديلا عندهم (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى ويحرص الحاكم على أن لا يعرف له صاحب مسألة فيحتال له (قال) وأرى أن يكتب
لأهل المسائل صفات الشهود على ما وصفت وأسماء من شهدوا له ومن شهدوا عليه وقدر ما شهدوا فيه
ثم لا يسألون أحدا عنهم حتى يخبوه بمن شهدوا له، وشهدوا عليه وقدر ما شهدوا فيه فإن المسؤول عن
الرجل قد يعرف مالا يعرف الحاكم من أن يكون الشاهد عدوا للمشهود عليه أو حنقا عليه أو شريكا
فيما شهد فيه وتطيب نفسه على تعديله في اليسير ويقف في الكثير، ولا يقبل تعديله إلا من اثنين ولا
المسألة عنه إلا من اثنين ويخفى على كل واحد منهما أسماء من دفع إلى الآخر لتتفق مسألتهما أو تختلف
فإن اتفقت بالتعديل قبلها وإن اختلفت أعادها مع غيرهما فإن عدل رجل وجرح لم يقبل الجرح إلا
من شاهدين وكان الجرح أولى من التعديل لأن التعديل يكون على الظاهر والجرح يكون على الباطن
(قال) ولا يقبل الجرح من أحد من خلق الله فقيه عاقل دين ولا غيره إلا بأن يقفه على ما يجرحه به
فإذا كان ذلك مما يكون جرحا عند الحاكم قبله منه وإذا لم يكن جرحا عنده لم يقبله فإن الناس
يختلفون ويتباينون في الأهواء فيشهد بعضهم على بعض بالكفر فلا يجوز لحاكم أن يقبل من رجل
وإن كان صالحا أن يقول لرجل ليس بعدل ولا رضا ولعمري إن من كان عنده كافرا لغير عدل،
وكذلك يسمى بعضهم بعضا على الاختلاف بالفسق والضلال فيجرحونهم فيذهب من يذهب إلى أن
أهل الأهواء لا تجوز شهادتهم فيجرحونهم من هذا المعنى وليس هذا بموضع جرح لاحد، وكذلك من
يجرح من يستحل بعض ما يحرم هو من نكاح المتعة ومن إتيان النساء في أدبارهن وأشباه ذلك مما لا
يكون جرحا عند أهل العلم فلا يقبل الجرح إلا بالشهادة من الجارح على المجروح وبالسماع أو بالعيان كما
لا يقبلها عليه فيما لزمه من الحق وأكثر من نسب إلى أن تجوز شهادته بغيا حتى يعتد اليسير الذي لا
يكون جرحا جرحا لقد حضرت رجلا صالحا يجرح رجلا مستهلا بجرحه فألح عليه بأي شئ تجرحه؟
فقال ما يخفى عليه ما تكون الشهادة به مجروحة فلما قال له الذي يسأله عن الشهادة لست أقبل هذا
منك إلا أن تبين قال رأيته يبول قائما قال وما بأس بأن يبول قائما؟ قال ينضح على ساقيه ورجليه وثيابه
ثم يصلى قبل أن ينقيه قال أفرأيته فعل فصلى قبل أن ينقيه وقد نضح عليه؟ قال لا ولكني أراه
سيفعل. وهذا الضرب كثير في العالمين والجرح خفى فلا يقبل لخفائه ولما وصفت من الاختلاف إلا
بتصريح الجرح ولا يقبل التعديل إلا بأن يوقفه المعدل عليه فيقول عدل على ولى ثم لا يقبل ذلك هكذا
221

حتى يسأله عن معرفته به فإن كانت معرفته به باطنة متقادمة قبل ذلك منه وإن كانت معرفته به ظاهرة
حادثة لم يقبل ذلك منه.
ما تجوز به شهادة أهل الأهواء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ذهب الناس من تأويل القرآن والأحاديث أو من ذهب منهم إلى
أمور اختلفوا فيها فتباينوا فيها تباينا شديدا واستحل فيها بعضهم من بعض ما تطول حكايته وكان ذلك
منهم متقادما منه ما كان في عهد السلف وبعدهم إلى اليوم فلم نعلم أحدا من سلف هذه الأمة يقتدى
به ولا من التابعين بعدهم رد شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله ورآه استحل فيه ما حرم عليه ولا
رد شهادة أحد بشئ من التأويل كان له وجه يحتمله وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال أو المفرط من
القول وذلك أنا وجدنا الدماء أعظم ما يعصى الله تعالى بها بعد الشرك ووجدنا متأولين يستحلونها
بوجوه وقد رغب لهم نظراؤهم عنها وخالفوهم فيها ولم يردوا شهادتهم بما رأوا من خلافهم فكل مستحل
بتأويل من قول أو غيره فشهادته ماضية لا ترد من خطأ في تأويله وذلك أنه قد يستحل من خالفه
الخطأ إلا أن يكون منهم من يعرف باستحلال شهادة الزور على الرجل لأنه يراه حلال الدم أو حلال
المال فترد شهادته بالزور أو يكون منهم من يستحل أو يرى الشهادة للرجل إذا وثق به فيحلف له على
حقه ويشهد له بالبت ولم يحضره ولم يسمعه فترد شهادته من قبل استحلاله الشهادة بالزور أو يكون
منهم من يباين الرجل المخالف له مباينة العداوة له فترد شهادته من جهة العداوة فأي هذا كان فيهم أو
في غيرهم ممن لا ينسب إلى هوى رددت شهادته وأيهم سلم من هذا أجزت شهادته وشهادة من يرى
الكذب شركا بالله أو معصية له يوجب عليها النار أولى أن تطيب النفس عليها من شهادة من يخفف
المأثم عليها، وكذلك إذا كانوا مما يشتم قوما على وجه تأويل في شتمهم لا على وجه العداوة وذلك أنا
إذا أجزنا شهادتهم على استحلال الدماء كانت شهادتهم بشتم الرجال أولى أن لا ترد لأنه متأول في
الوجهين والشتم أخف من القتل فأما من يشتم على العصبية أو العداوة لنفسه أو على ادعائه أن يكون
مشتوما مكافئا بالشتم فهذه العداوة لنفسه وكل هؤلاء ترد (1) شهادته عمن شتمه على العداوة. وأما
الرجل من أهل الفقه يسأل عن الرجل من أهل الحديث فيقول كفوا عن حديثه ولا تقبلوا حديثه لأن
يغلط أو يحدث بما لم يسمع وليست بينه وبين الرجل عداوة فليس هذا من الأذى الذي يكون به القائل
لهذا فيه مجروحا عنه لو شهد بهذا عليه إلا أن يعرف بعداوة له فترد بالعداوة لا بهذا القول، وكذلك إن
قال إنه لا يبصر الفتيا ولا يعرفها فليس هذا بعداوة ولا غيبة إذا كان يقوله لمن يخاف أن يتبعه فيخطئ
باتباعه وهذا من معاني الشهادات وهو لو شهد عليه بأعظم من هذا لم يكن هذا غيبة إنما الغيبة أن
يؤذيه بالامر لا بشهادته لاحد يأخذ به منه حقا في حد ولا قصاص ولا عقوبة ولا مال ولا حد لله ولا
مثل ما وصفت من أن يكون جاهلا بغيوبه فينصحه في أن لا يغتر به في دينه إذا أخذ عنه من دينه من
لا يبصره فهذا كله معاني الشهادات التي لا تعد غيبة (قال) والمستحل لنكاح المتعة والمفتى بها
والعامل بها ممن لا ترد شهادته، وكذلك لو كان موسرا فنكح أمة مستحلا لنكاحها مسلمة أو مشركة

(1) قوله: عمن شتمه، اي شهادته على من شتمه ف‍ " عن " بمعنى " على " تأمل. كتبه مصححه.
222

لأنا نجد من مفتى الناس وأعلامهم من يستحل هذا وهكذا المستحل الدينار بالدينارين والدرهم
بالدرهمين يدا بيد والعامل به لأنا نجد من أعلام الناس من يفتى به ويعمل به ويرويه، وكذلك
المستحل لاتيان النساء في أدبارهن فهذا كله عندنا مكروه محرم وإن خالفنا الناس فيه فرغبنا عن قولهم
ولم يدعنا هذا إلى أن نجرحهم ونقول لهم إنكم حللتم ما حرم الله وأخطأتم لأنهم يدعون علينا الخطأ كما
ندعيه عليهم وينسبون من قال قولنا إلى أن حرم ما أحل الله عز وجل.
شهادة أهل الأشربة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: من شرب من الخمر شيئا وهو يعرفها خمرا، والخمر العنب
الذي لا يخالطه ماء ولا يطبخ بنار ويعتق حتى يسكر هذا مردود الشهادة لأن تحريمها نص في كتاب
الله عز وجل سكر أو لم يسكر ومن شرب ما سواها من الأشربة من المنصف والخليطين أو مما سوى ذلك
مما زال أن يكون خمرا وإن كان يسكر كثيره فهو عندنا مخطئ بشربه آثم به ولا أرد به شهادته وليس
بأكثر مما أجزنا عليه شهادته من استحلال الدم المحرم عندنا والمال المحرم عندنا والفرج المحرم عندنا ما لم
يكن يسكر منه فإذا سكر منه فشهادته مردودة من قبل أن السكر محرم عند جميع أهل الاسلام إلا أنه
قد حكى لي عن فرقة أنها لا تحرمه وليست من أهل العلم فإذا كان الرجل المستحل للأنبذة يحضرها مع
أهل السفه الظاهر ويترك لها الحضور للصلوات وغيرها وينادم عليها ردت شهادته بطرحه المروءة
وإظهاره السفه، وأما إذا لم يكن ذلك معها لم ترد شهادته من قبل الاستحلال.
شهادة أهل العصبية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى من أظهر العصبية بالكلام فدعا إليها وتألف عليها وإن لم يكن
يشهر نفسه بقتال فيها فهو مردود الشهادة لأنه أتى محرما لا اختلاف بين علماء المسلمين علمته فيه الناس
كلهم عباد الله تعالى لا يخرج أحد منهم من عبوديته وأحقهم بالمحبة أطوعهم له وأحقهم من أهل
طاعته بالفضيلة أنفعهم لجماعة المسلمين من إمام عدل أو عالم مجتهد أو معين لعامتهم وخاصتهم وذلك
أن طاعة هؤلاء طاعة عامة كثيرة فكثير الطاعة خير من قليلها وقد جمع الله تعالى الناس بالاسلام
ونسبهم إليه فهو أشرف أنسابهم (قال) فإن أحب امرءا فليحب عليه وإن خص امرؤ قومه بالمحبة ما لم
يحمل على غيرهم ما ليس يحل له فهذا صلة ليست بعصبية وقل امرؤ إلا وفيه محبوب ومكروه فالمكروه
في محبة الرجل من هو منه أن يحمل على غيره ما حرم الله تعالى عليه من البغى والطعن في النسب
والعصبية والبغضة على النسب لا على معصية الله ولا على جناية من المبغض على المبغض ولكن بقوله
أبغضه لأنه من بنى فلان فهذه العصبية المحضة التي ترد بها الشهادة فإن قال قائل ما الحجة في هذا؟
قيل له: قال الله تبارك وتعالى: (إنما المؤمنون إخوة) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكونوا عباد
الله إخوانا) فإذا صار رجل إلى خلاف أمر الله تبارك وتعالى اسمه وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا
سبب يعذر به يخرج به من العصبية كان مقيما على معصية لا تأويل فيها ولا اختلاف بين المسلمين فيها
ومن أقام على مثل هذا كان حقيقا أن يكون مردود الشهادة.
223

شهادة الشعراء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الشعر كلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام غير أنه
كلام باق سائر فذلك فضله على الكلام فمن كان من الشعراء لا يعرف بنقص المسلمين وأذاهم والاكثار
من ذلك ولا بأن يمدح فيكثر الكذب لم ترد شهادته. ومن أكثر الوقيعة في الناس على الغضب أو
الحرمان حتى يكون ذلك ظاهرا كثيرا مستعلنا وإذا رضى مدح الناس بما ليس فيهم حتى يكون ذلك
كثيرا ظاهرا مستعلنا كذبا محضا ردت شهادته بالوجهين وبأحدهما لو انفرد به، وإن كان إنما يمدح
فيصدق ويحسن الصدق أو يفرط فيه بالامر الذي لا يمحض أن يكون كذبا لم ترد شهادته ومن شبب
بامرأة بعينها ليست ممن يحل له وطؤها حين شبب فأكثر فيها وشهرها وشهر مثلها بما يشبب وإن لم يكن
زنى ردت شهادته ومن شبب فلم يسم أحدا لم ترد شهادته لأنه يمكن أن يشبب بامرأته وجاريته وإن
كان يسأل بالشعر أو لا يسأل به فسواء. وفي مثل معنى الشعر في رد الشهادة من مزق أعراض الناس
وسألهم أموالهم فإذا لم يعطوه إياها شتمهم. فاما أهل الرواية للأحاديث التي فيها مكروه على الناس
فيكره ذلك لهم ولا ترد شهادتهم لأن أحدا قلما يسلم من هذا إذا كان من أهل الرواية فإن كانت تلك
الأحاديث عضة بحر أو نفى نسب ردت بذلك شهادتهم إذا أكثروا روايتها أو عمدوا أن يرووها فيحدثوا
بها وإن لم يكثروا. وأما من روى الأحاديث التي ليست بمحض الصدق ولا بيان الكذب وإن كان
الأغلب منها أنها كذب فلا ترد الشهادة بها وكذلك رواية أهل زمانك من الارجاف وما أشبهه وكذلك
المزاح لا ترد به الشهادة ما لم يخرج في المزاح إلى عضة النسب أو عضة بحر أو فاحشة فإذا خرج إلى
هذا وأظهره كان مردود الشهادة.
شهادة أهل اللعب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يكره من وجه الخبر اللعب بالنرد أكثر مما يكره اللعب بشئ
من الملاهي ولا نحب اللعب بالشطرنج وهو أخف من النرد ويكره اللعب (1) بالحزة والقرق وكل ما
لعب الناس به لأن اللعب ليس من صنعة أهل الدين ولا المروءة. ومن لعب بشئ من هذا على
الاستحلال له لم ترد شهادته والحزة تكون قطعة خشب فيها حفر يلعبون بها إن غفل به عن الصلوات
فأكثر حتى تفوته ثم يعود له حتى تفوته رددنا شهادته على الاستخفاف بمواقيت الصلاة كما نردها لو كان
جالسا فلم يواظب على الصلاة من غير نسيان ولا غلبة على عقل. فإن قيل فهو لا يترك الصلاة حتى
يخرج وقتها للعب إلا وهو ناس؟ قيل فلا يعود للعب الذي يورث النسيان وإن عاد له وقد جربه يورثه
ذلك فذلك استخفاف. فأما الجلوس والنسيان فمما لم يجلب على نفسه فيه شيئا إلا حديث النفس الذي
لا يمتنع منه أحد ولا يأثم به وإن قبح ما يحدث به نفسه والناس يمتنعون من اللعب. فأما ملاعبة الرجل
أهله وإجراؤه الخيل وتأديبه فرسه وتعلمه الرمي ورميه فليس ذلك من اللعب ولا ينهى عنه. وينبغي
للمرء أن لا يبلغ منه ولا من غيره من تلاوة القرآن ولا نظر في علم ما يشغله عن الصلاة حتى يخرج

(1) قوله: بالحزة هي بالحاء المهملة المفتوحة وبالزاي كما ضبطه الخطيب في المغني اه‍ - كتبه مصححه.
224

وقتها، وكذلك لا يتنفل حتى يخرج من المكتوبة لأن المكتوبة أوجب عليه من جميع النوافل.
شهادة من يأخذ الجعل على الخير
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن القاضي والقاسم والكاتب للقاضي وصاحب الديوان
وصاحب بيت المال والمؤذنين لم يأخذوا جعلا وعملوا محتسبين كان أحب إلى وإن أخذوا جعلا لم يحرم
عليهم عندي وبعضهم أعذر بالجعل من بعض وما منهم أحد كان أحب إلى أن يترك الجعل من المؤذنين
(قال) ولا بأس أن يأخذ الرجل الجعل عن الرجل في الحج إذا كان قد حج عن نفسه ولا بأس أن
يأخذ الجعل على أن يكيل للناس ويزن لهم ويعلمهم القرآن والنحو وما يتأدبون به من الشعر مما ليس
فيه مكروه (قال الربيع) سمعت الشافعي يقول لا تأخذ في الاذان أجرة ولكن خذه على أنه من
الفئ.
شهادة السؤال
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا تحرم المسألة في الجائحة تصيب الرجل تأتى على ماله ولا في
حمالة الرجل بالديات والجراحات ولا في الغرم لأن هذه مواضع ضرورات وليس فيها كبير سقاطة
مروءة. وهكذا لو قطع برجل ببلد فسأل لم أر أن هذا يحرم عليه إذا كان لا يجد المضي منها إلا بمسألة
ولا ترد شهادة أحد بهذا أبدا فأما من يسأل عمره كله أو أكثر عمره أو بعض عمره وهو غنى بغير
ضرورة ولا معنى من هذه المعاني ويشكو الحاجة فهذا يأخذ مالا يحل له ويكذب بذكر الحاجة فترد
بذلك شهادته (قال) ومن سأل وهو فقير لا يشهد على غناه لم تحرم عليه المسألة وإن كان ممن يعرف بأنه
صادق ثقة لم ترد شهادته، وإن كان تغلبه الحاجة وكانت عليه دلالات أن يشهد بالباطل على الشئ
لم تقبل شهادته، وهكذا إن كان غنيا يقبل الصدقة المفروضة من غير مسألة كان قابلا ما لا يحل له فإن
كان ذلك يخفى عليه أنه محرم عليه لم ترد شهادته وإن كان لا يخفى عليه أنه محمر عليه ردت
شهادته. فأما غير الصدقة المفروضة يتصدق بها على رجل غنى فقبلها فلا يحرم عليه ولا ترد بها
شهادته.
شهادة القاذف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: من قذف مسلما حددناه أو لم نحدده لم نقبل شهادته حتى يتوب
فإذا تاب قبلنا شهادته فإن كان القذف إنما هو بشهادة لم تتم في الزنا حددناه ثم نظرنا إلى حال المحدود
فإن كان من أهل العدل عند قذفه بشهادته قلنا له تب ولا توبة إلا إكذابه نفسه فإذا أكذب نفسه فقد
تاب حد أو لم يحد وإن أبى أن يتوب وقد قذف وسقط الحد عنه بعفو أن غيره مما لا يلزم المقذوف اسم
القذف لم تقبل شهادته أبدا حتى يكذب نفسه. وهكذا قال عمر للذين شهدوا على من شهدوا عليه
حين حدهم فتاب اثنان فقبل شهادتهما وأقام الآخر على القذف فلم يقبل شهادته، ومن كانت حاله
225

عند القذف بشهادة أو غير شهادة حال من لا تجوز شهادته بأنه غير عدل حد أو لم يحد فسواء ولا تقبل
شهادته حتى تحدث له حال يصير بها عدلا ويتوب من القيل بما وصفت من إكذابه نفسه وتجوز
شهادة المحدود في القذف إذا تاب على رجل في قذف، وتجوز شهادة ولد الزنا على رجل في الزنا
وشهادة المحدود في الزنا إذا تاب على الحد في الزنا، وهكذا المقطوع في السرقة والمقتص منه في
الجراح إذا تابوا ليس ههنا إلا أن يكونوا عدولا في كل شئ أو مجروحين في كل شئ إلا ما يشركهم
فيه من لا عيب فيه من هذه العيوب فشهدوا فيكونون خصماء أو أظناء أو جارين إلى أنفسهم أو دافعين
عنها أو ما ترد به شهادة العدول. وهكذا تجوز شهادة البدوي على القروي والقروي على البدوي
والغريب على الآهل والآهل على الغريب ليس من هذا شئ ترد به الشهادة إذا كانوا كلهم عدولا،
وإذا كان معروفا أن الرجلين قد يتبايعان فلا يحضرهما أحد ويتشاتمان ولا يحضر هما أحد ويقتل أحدهما
الآخر ولا يحضرهما أحد فحضور البدوي القروي والقروي البدوي حتى يشهد على ما رأى واستشهد عليه
جائز وقد لا يشهد لأنه حاضر يشهد غيره ثم ينتقل المشهد أو يموت أو يطمئن إلى صاحبه فلا يكون له
شاهد غير بدوي أو بدويين. وكذلك قد يكون له شهود غيره يغيبون أو يموتون فلا يمنع ذلك البدوي أن
تجوز شهادته إذا كان عدلا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: في الرجل يغنى فيتخذ الغناء صناعته
يؤتى عليه ويأتي له ويكون منسوبا إليه مشهورا به معروفا والمرأة لا تجوز شهادة واحد منهما وذلك أنه
من اللهو المكروه الذي يشبه الباطل وأن من صنع هذا كان منسوبا إلى السفه وسقاطة المروءة ومن رضى
بهذا لنفسه كان مستخفا وإن لم يكن محرما بين التحريم ولو كان لا ينسب نفسه إليه وكان إنما يعرف
بأنه يطرب في الحال فيترنم فيها ولا يأتي لذلك ولا يؤتى عليه ولا يرضى به لم يسقط هذا شهادته
وكذلك المرأة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: في الرجل يتخذ الغلام والجارية المغنيين وكان يجمع
عليهما ويغشى لذلك فهذا سفه ترد به شهادته وهو في الجارية أكثر من قبل أن فيه سفها ودياثة وإن
كان لا يجمع عليهما ولا يغشى لهما كرهت ذلك له ولم يكن فيه ما ترد به شهادته (قال) وهكذا الرجل
يغشى بيوت الغناء ويغشاه المغنون إن كان لذلك مدمنا وكان لذلك مستعلنا عليه مشهودا عليه فهي
بمنزلة سفه ترد بها شهادته. وإن كان ذلك يقل منه لم ترد به شهادته لما وصفت من أن ذلك ليس
بحرام بين. فأما استماع الحداء ونشيد الاعراب فلا بأس به قل أو كثر وكذلك استماع الشعر * أخبرنا ابن
عيينة عن إبراهيم بن مبسرة عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شئ؟ قلت: نعم قال: هيه فأنشدته بيتا. فقال: هيه
فأنشدته حتى بلغت مائة بيت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحداء والرجز وأمر ابن رواحة في سفره فقال حرك القوم فاندفع يرتجز وأدرك رسول الله صلى الله عليه
وسلم ركبا من بنى تميم معهم حاد فأمرهم أن يحدوا وقال إن حادينا ونى من آخر الليل قالوا يا رسول الله
نحن. أول العرب حداء بالإبل قال (وكيف ذلك؟) قالوا كانت العرب يغير بعضها على بعض فأغار
رجل منا فاستاق إبلا فتبددت فغضب على غلامه فضربه بالعصا فأصاب يده فقال الغلام وا يداه
وا يداه قال فجعلت الإبل تجتمع قال فقال هكذا فافعل قال والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك فقال
ممن أنتم؟. قالوا نحن من مضر فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ونحن من مضر) فانتسب تلك الليلة حتى
بلغ في النسبة إلى مضر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فالحداء مثل الكلام والحديث المحسن باللفظ
وإذا كان هذا هكذا في الشعر كان تحسين الصوت بذكر الله والقرآن أولى أن يكون محبوبا فقد روى عن
226

رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أذن الله لشئ أذنه لنبي حسن الترنم بالقرآن) وأنه سمع
عبد الله بن قيس يقرأ فقال (لقد أوتى هذا من مزامير آل داود) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا
بأس بالقراءة بالألحان وتحسين الصوت بها بأي وجه ما كان وأحب ما يقرأ إلى حدرا وتحزينا (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن تأكدت عليه أنه يغشى الدعوة بغير دعاء من غير ضرورة ولا يستحل
صاحب الطعام فتتابع ذلك منه رددت شهادته لأنه يأكل محرما إذا كانت الدعوة لرجل بعينه. فأما
إن كان طعام سلطان أو رجل يتشبه بالسلطان فيدعو الناس إليه فهذا طعام عام مباح ولا بأس به. ومن
كان على شئ مما وصفنا أن الشهادة ترد به فإنما ترد شهادته ما كان عليه فأما إذا تاب ونزع قبلت
شهادته (قال) وإذا نثر على الناس في الفرح فأخذه بعض من حضر لم يكن هذا مما يجرح به شهادة
أحد لأن كثيرا يزعم أن هذا مباح حلال لأن مالكه في الفرح فأخذه بعض من حضر لم يكن هذا مما
يجرح به شهادة أحد لأن كثيرا يزعم أن هذا مباح حلال لأن مالكه إنما طرحه لمن يأخذه. فأما أنا
فأكرهه لمن أخذه من قبل أنه يأخذه من أخذه ولا يأخذه إلا بغلبة لمن حضره إما بفضل قوة وإما بفضل قلة
حياء والمالك لم يقصد به قصده إنما قصد به قصد الجماعة فأكرهه لآخذه لأنه لا يعرف حظه من حظ من
قصد به بلا أذية وأنه خلسة وسخف.
كتاب القاضي
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وما ينبغي عندي لقاض ولا لوال من ولاة المسلمين أن يتخذ
كاتبا ذميا ولا يضع الذمي في موضع يتفضل به مسلما. وينبغي أن نعرف المسلمين بأن لا يكون لهم
حاجة إلى غير أهل دينهم والقاضي أقل الخلق بهذا عذرا ولا ينبغي للقاضي أن يتخذ كاتبا لأمور
المسلمين حتى يجمع أن يكون عدلا جائز الشهادة وينبغي أن يكون عاقلا لا يخدع ويحرص على أن
يكون فقيها لا يؤتى من جهالة وعلى أن يكون نزها بعيدا من الطمع فإن كتب له عنده في حاجة نفسه
وضيعته دون أمر المسلمين فلا بأس، وكذلك لو كتب له رجل غير عدل.
القسام
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والقسام في هذه بمنزلة ما وصفت من الكتاب لا ينبغي أن
يكون القاسم إلا عدلا مقبول الشهادة مأمونا عالما بالحساب أقل ما يكون منه ولا يكون غبيا يخدع ولا
ممن ينسب إلى الطمع.
الكتاب يتخذه القاضي في ديوانه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد الشهود عند القاضي فينبغي أن يكون له نسخة
بشهادتهم عنده وأن يتولى ختمها ورفعها ويكون ذلك بين يديه ولا يغيب عنه ويليه بيديه أو يوليه أحدا
بين يديه. وأن لا يفتح الموضع الذي فيه تلك الشهادة إلا بعد نظره إلى خاتمه أو علامة له عليه وأن لا
227

يبعد منه وأن يترك في يدي المشهود له نسخة تلك الشهادة إن شاء ولا يختم الشهادة ويدفعها إلى
المشهود له وليس في يديه نسختها لأنه قد يعمل على الخاتم ويحرف الكتاب، وإن أغفل ولم يجعل
نسختها عنده وختم الشهادة ودفعها إلى المشهود له ثم أحضرها وعليها خاتمه لم يقبلها إلا أن يكون يحفظها
أو يحفظ معناها فإن كان لا يحفظها ولا معناها فلا يقبلها بالخاتم فقد يغير خاتمه لم يقبلها إلا أن يكون
يحفظها أو يحفظ معناها فإن كان لا يحفظها ولا معناها فلا يقبلها بالخاتم فقد يغير الكتاب ويغير الخاتم
وأكره قبوله أيضا توقيعه بيده للشهادة وإيقاع الكاتب بيده إلا أن يجعل في ايقاعه وإيقاع كاتبه شهد
فلان عند القاضي على ما في هذا الكتاب وهي كذا وكذا دينار لفلان على فلان أو هي دار كذا شهد
بها فلان لفلان حتى لا يدع في الشهادة موضعا في الحكم إلا أوقعه بيده فإذا عرف كتابه وذكر
الشهادة أو عرف كتاب كاتبه وذكر الشهادة جاز له أن يحكم به وخير من هذا كله أن تكون النسخ
كلها عنده فإذا أراد أن يقطع الحكم أخرجها من ديوانه ثم قطع عليه الحكم فإن ضاعت من ديوانه
ومن يدي صاحبها الذي أوقع له فلا يقبلها إلا بشهادة قوم شهدوا على شهادة القوم كتابه كانوا أو غير
كتابه (قال) وكذلك لو شهد قوم على أنه حكم لرجل ولا يذكر هو حكمه له فسألوه أن يستأنف حكما
جديدا بما شهدوا به عليه لم يكن ذلك لهم لأنهم يشهدون على فعل نفسه وهو يدفعه ولكنه يدعه فلا
يبطله ولا يحقه وإذا رفع ذلك إلى حاكم غيره أجازه كما يجيز الشهادة على حكمه الحاكم الذي يلي بعده
لأن غيره لا يعرف منه ما يعرف من نفسه، وإذا جاء الذي يقضى عليه ببينة على أن الحاكم وهو
حاكم أنكر أن يكون حكم بما شهد به هؤلاء عليه ودفعه فلا ينبغي له أن ينفذه إنما ينفذه إذا علم أنه لم يدفعه.
كتاب القاضي إلى القاضي
(قال) ويقبل القاضي كتاب كل قاض عدل ولا يقبل إلا بشاهدين عدلين ولا يقبله بشاهدين
عدلين حتى يفتحه ويقرأه عليهما ويشهدا على ما فيه وأن القاضي الذي أشهدهما عليه قرأه بحضرتهما أو
قرئ عليهما وقال اشهدا أن هذا كتابي إلى فلان فإذا شهدا على هذا قبله وإذا لم يشهدا على هذا ولم
يزيدا على أن يقولا هذا خاتمه وهذا كتابه دفعه إلينا لم يقبله. وقد حضرت قاضيا جاءه كتاب قاض
مختوم فشهد عند شاهدان أن هذا كتاب فلان بن فلان إليك دفعه إلينا وقال اشهدوا عليه ففتحه وقبله
فأخبرني القاضي المكتوب إليه أنه فض كتابا آخر من هذا القاضي كتب إليه في ذلك الامر بعينه ووقف
عن إنفاذه وأخبرني هو أو من أثق بخبره أنه رد إليه الكتاب يحكى له كتابا فأنكر كتابه الآخر وبلغه أو
ثبت عنده أنه كتب الكتاب وختمه فاحتيل له فوضع كتاب مثله مكانه ونحى ذلك الكتاب وأشهد على
ذلك الكتاب وهو يرى أنه كتابه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فلما كان هذا موجودا لم يجز أن
يقبل من الشهود حتى يقرأ عليهم الكتاب ويقبضوه قبل أن يغيب عنهم. وينبغي للقاضي أن يأمرهم
أن يأخذوا نسخة كتابه في أيديهم ويوقعوا شهادتهم فيه فلو انكسر خاتمه أو ذهب بعض كتابه شهدوا
أن هذا كتابه قبله وليس في الخاتم معنى إنما المعنى المعنى فيما قطعوا به الشهادة كما يكون معاني في
إذ كار الحقوق وكتب التسليم بين الناس (قال) وإذا كتب القاضي إلى القاضي بما ثبت عنده ثم مات
القاضي الكاتب أو عزل قبل أن يصل كتابه إلى القاضي المكتوب إليه ثم وصل قبله ولم يمتنع من قبوله
228

بموته ولا عزله لأنه يقبل ببينته كما يقبل حكمه ألا ترى أنه لو حكم ثم عزل أو مات قبل حكمه هكذا
يقبل كتابه (قال) ولو كتب القاضي إلى القاضي فترك أن يكتب اسمه في العنوان أو كتب اسمه بكنيته
فسواء وإذا قطع الشهود أن هذا كتابه إليه قبله ألا ترى أنى إنما أنظر إلى موضع الحكم في الكتاب ولا
أنظر إلى الرسالة ولا الكلام غير الحكم ولا الاسم فإذا شهد الشهود على اسم الكاتب والمكتوب إليه
قبلته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: كتاب القاضي كتابان أحدهما كتاب يثبت فهذا يستأنف
المكتوب إليه به الحكم والآخر كتاب حكم منه فإذا قبله أشهد على المحكوم له أنه قد ثبت عنده حكم
قاضى بلد كذا وكذا فإن كان حكم بحق أنفذه له وإن كان حكم عنده بباطل لا يشك فيه لم ينفذه له
ولم يثبت له الكتاب وإن كان حكم له بشئ يراه باطلا وهو مما اختلف الناس فيه، فإن كان يراه
باطلا من أنه يخالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو قياسا في معنى واحد منها فهذا من الباطل الذي ينبغي له
أن يرده، وإن كان مما يحتمله القياس ويحتمل غيره وقلما يكون هذا أثبته له ولم ينفذه وخلى بينه وبين
حكم الحاكم يتولى منه ما تولى ولا يشركه بأن يكون مبتدئا للحكم به وهو يراه باطلا ويقبل القاضي
كتاب القاضي في حقوق الناس في الأموال والجراح وغيرها ولا يقبلها حتى تثبت إثباتا بينا والقول في
الحدود اللاتي لله عز وجل واحد من قولين أحدهما أنه يقبل فيها كتاب القاضي والآخر لا يقبله حتى
تكون الشهود يشهدون عنده فإذا قبلها لم يقبلها إلا قاطعة (قال) وإذا كتب القاضي لرجل بحق على
رجل في مصر من الأمصار فأقر ذلك الرجل أنه المكتوب عليه بذلك الكتاب رفع في نسبه أو لم يرفع
أو نسبه إلى صنعته أو لم ينسبه إليها أخذ به وإن أنكر لم يؤخذ به حتى تقوم بينة أنه المكتوب عليه بهذا
الكتاب فإذا رفع في نسبه أو نسبه إلى صناعة أو قبيلة أو أمر يعرف به فأنكره فقامت عليه بينة بهذا
الاسم والنسب والقبيلة والصناعة أخذ بذلك الحق وإن كان في ذلك البلد أو غيره رجل يوافق هذا
الاسم والنسب والقبيلة والصناعة فأنكر المكتوب عليه وقال قد يكتب بهذا في هذا البلد على غيري ممن
يوافق هذا الاسم وقد يكون به من غير أهله ممن يوافق هذا الاسم والنسب والقبيلة والصناعة لم يقض
على هذا بشئ حتى يباين بشئ لا يوافقه غيره أو يقر أو تقطع بينة على أنه المكتوب عليه فإن لم يكن
هذا لم يؤخذ به (قال) وإذا كان بلد به قاضيان كبغداد فكتب أحدهما إلى الآخر بما يثبت عنده من
البينة لم ينبغ له أن يقبلها حتى تعاد عليه إنما يقبل البينة في البلد الثانية التي لا يكلف أهلها إتيانه
وكتاب القاضي إلى الأمير والأمير إلى القاضي والخليفة إلى القاضي سواء لا يقبل إلا ببينة كما وصفت
من كتاب القاضي إلى القاضي.
أجر القسام
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ينبغي أن يعطى أجر القسام من بيت المال ولا يأخذون من
الناس شيئا لأن القسام حكام فإن لم يعطوه خلى بين القسام وبين من يطلب القسم واستأجروهم بما
شاءوا قل أو كثر وإن كان في المقسوم لهم أو المقسوم عليهم صغير فأمر بذلك وليه فإذا جعلوا له معا جعلا
على قسم أرض فذلك صحيح فإن سموا على كل واحد منهم شيئا معلوما أو على كل نصيب شيئا معلوما
وهم بالغون يملكون أموالهم فجائز وإن لم يسموه وسموه على الكل فهو على قدر الأنصباء لا على العدد
ولو جعلته على العدد أوشكت أن آخذ من قليل النصيب مثل جميع ما قسمت له فإذا أنا أدخلت عليه
229

بالقسم إخراجه من ماله ولكنه يؤخذ منه القليل من الجعل بقدر القليل والكثير بقدر الكثير وإن في
نفسي من الجعل على الصغير وإن قل شيئا إلا أن يكون ما يستدرك له بالقسم أغبط له مما يخرج من
الجعل فإن لم يكن كذلك كان في نفسي من أن أجعل عليه شيئا، وهو ممن لا رضا له شئ (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا شهد القسام على ما قسموا قسموا ذلك بأمر القاضي أو بغير أمره لم تجز
شهادتهم لشيئين أحدهما أنهم يشهدون على فعل أنفسهم والآخر أن المقسوم عليهم (1) لو أنكروا إنهم لم
يقسموا عليهم لم يكن لهم جعل ولا بد للقسام من أن يأتوا بشهود غير أنفسهم على فعلهم (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا تراضى القوم بالقاسم يقسم بينهم كان بصيرا بالقسم أو لم يكن بصيرا به
فقسم فلا أنفذ قسمه إذا كان بغير أمر الحاكم حتى يتراضوا بعدما يعلم كل واحد منهم ما صار له فإذا
رضوا أنفذته بينهم كما أنفذ بينهم لو قسموا من أنفسهم فإن كان فيهم صغير أو غائب أو مولى عليه لم أنفذ
من القسم شيئا إلا بأمر الحاكم فإذا كان بأمر الحاكم نفذ وإذا تداعى القوم إلى القسم وأبى عليهم
شركاؤهم فإن كان ما تداعوا إليه يحتمل القسم حتى ينتفع واحد منهم بما يصير إليه مقسوما أجبرتهم على
القسم وإن لم تنتفع البقية بما يصير إليهم إذا بعض بينهم وأقول لمن كره القسمة إن شئتم جمعت لكم
حقوقكم فكانت مشاعة تنتفعون بها وأخرجت لطالب القسم حقه كما طلبه وإن شئتم قسمت بينكم
نفعكم ذلك أو لم ينفعكم وإن طلب أحدهم القسم وهو لا ينتفع بحقه ولا غيره لم أقسم ذلك له وكأن
هذا مثل السيف يكون بينهم أو العبد وما أشبهه فإذا طلبوا منى أن أبيع لهم فأقسم بينهم الثمن لم أبع لهم
شيئا وقلت لهم تراضوا في حقوقكم فيه بما شئتم كأنه كان ما بينهم سيف أو عبد أو غيره.
السهمان في القسم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ينبغي للقاسم إذا أراد القسم أن يحصى أهل القسم ويعلم مبلغ
حقوقهم فإن كان منهم من له سدس وثلث ونصف قسمه على أقل السهمان وهو السدس فجعل
لصاحب السدس سهما ولصاحب الثلث سهمين ولصاحب النصف ثلاثة أسهم ثم قسم الدار ستة أجزاء
وكتب أسماء أهل السهمان في رقاع من قراطيس صغار ثم أدرجها في بندق من طين ثم دور البندق فإذا
استوى درجه ثم ألقاه في حجر رجل لم يحضر البندقة ولا الكتاب أو جحر عبد أو صبي ثم جعل
السهمان فسماها أولا وثانيا وثالثا ثم قال أدخل يدك وأخرج على الأول بندقة واحدة فإذا أخرجها فضها
فإذا خرج اسم صاحبها جعل له السهم الأول، فإن كان صاحب السدس فهو له ولا شئ له غيره
وإن كان صاحب الثلث فهو له والسهم الذي يليه وإن كان صاحب النصف فهو له والسهمان اللذان
يليانه، ثم يقال أدخل يدك فأخرج بندقة على السهم الفارغ الذي يلي ما خرج، فإذا خرج فيها اسم
رجل فهو كما وصفت حتى تنفذ السهمان وإذا قسم أرضا فيها أصل أو بناء أو لا أصل فيها ولا بناء فإنما
يقسمها على القيمة لا على الذرع فيقومها قيما ثم يقسمها كما وصفت وإن كان المقسوم عليهم بالغين
فاختاروا أن نقسمها على الذرع ثم نعيد عليها القيمة ثم يضرب عليها بالسهمان فأيهم خرج سهمه على

(1) قوله: لو أنكروا انهم الخ اي أنكروا قائلين انهم لم يقسموا الخ فهو بيان للانكار، تأمل. كتبه مصححه.
230

موضع أخذه وإذا فضل رد (2) فيه عليه وأخذ فضلا إن كان فيه لم نجز القسم بينهم حتى يلزم على هذا
إلا بعدما يعرف كل واحد منهم بموقع سهمه وما يلزمه ويسقط عنه فإذا علمه كما يعلم البيوع ثم رضى به
أجزته في ذلك الوقت لا على الأول كما كنت ألزمهم القرعة الأولى ولهم أن ينقضوه متى شاءوا وإن كان
فيهم صغير أو مولى عليه لم يجز هذا القسم وإنما يجوز القسم حتى يجبر عليه إذا كان كما وصفت في القسم
الأول يخرج كل واحد منهم لا شئ له ولا عليه إلا ما كان خرج عليه سهمه (قال) ولا يجوز أن
يقسم الرجل الدار بين القوم فيجعل لبعضهم سفلا ولبعضهم علوا لأن أصل الحكم أن من ملك
السفل ملك ما تحته من الأرض وما فوقه من الهواء فإذا أعطى هذا سفلا لا هواء له وأعطى هذا علوا
لا سفل له فقد أعطى كل واحد منهما على غير أصل ما يملك الناس ولكنه يقسم ذلك بالقيمة ولا يعطى
أحدا بقعة إلا ما ملكه ما تحتها وهواءها وإن كان في الناس قسام عدول أمر القاضي من يطلب القسم
أن يختاروا لأنفسهم قساما عدولا إن شاءوا من غيرهم وإن رضوا بواحد لم يقبل ذلك حتى يجتمعوا
على اثنين ولا ينبغي له أن يشرك بين قسامه في الجعل فيتحكموا على الناس ولكن يدع الناس حتى
يستأجروا لأنفسهم من شاءوا.
ما يرد من القسم بادعاء بعض المقسوم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قسم القسام بينهم فادعى بعض المقسوم بينهم غلطا كلف
البينة على ما يقول من الغلط فإن جاء بها رد القسم عنه (قال) وإذا قسم الدار بين نفر فاستحق بعضها
أو لحق الميت دين فبيع بعضها انتقض القسم ويقال لهم في الدين والوصية إن تطوعتم أن تعطوا أهل
الدين والوصية أنفذنا القسم بينكم وإن لم تطوعوا ولم نجد للميت مالا إلا هذه الدار بعنا منها ونقضنا
القسم (قال) فإذا جاء القوم فتصادقوا على ملك دار بينهم وسألوا القاضي أن يقسمها بينهم لم أحب أن
يقسمها ويقول إن شئتم أن تقسموا بين أنفسكم أو يقسم بينكم من ترضون فافعلوا وإن أردتم قسمي
فأثبتوا البينة على أصول حقوقكم فيها وذلك أنى إن قسمت بلا بينة فجئتم بشهود يشهدون أنى قسمت
بينكم هذه الدار إلى حاكم غيري كان شبيها أن يجعلها حكما منى لكم بها ولعلها لقوم آخرين ليس
لكم فيها شئ فلا نقسم إلا ببينة وقد قيل يقسم ويشهد أنه إنما قسم على إقراره ولا يعجبني هذا القول
لما وصفت فإذا ترك الميت دورا متفرقة أو دورا ورقيقا أو دورا وأرضين فاصطلح الورثة وهم بالغون من
ذلك على شئ يصير لبعضهم دون بعض لم أردده وإن تشاحوا فسأل بعضهم أن يقسم له دارا كما هي
ويعطى غيره بقيمتها دارا غيرها بقيمتها لم يكن ذلك له ويقسم كل دار بينهم فيأخذ كل رجل منهم
حقه وكذلك الأرضين والثياب والطعام وكل ما احتمل أن يقسم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
العدل يجب على القاضي في الحكم وفي النظر في الحكم فينبغي أن ينصف الخصمين في المدخل عليه
والاستماع منهما والانصات لكل واحد منهما حتى تنفد حجته وحسن الاقبال عليهما ولا يخص واحدا
منهما بإقبال دون الآخر ولا يدخل عليه دون الآخر ولا بزيارة له دون الآخر ولا ينهره ولا ينهر الآخر

(2) قوله رد فيه عليه، أي رجع فيه عليه الخ، تأمل. كتبه مصححه.
231

وينبغي أن يكون من أقل عدله عليهما أن يكف كل واحد منهما عن عرض صاحبه وأن يغير على من نال
من عرض صاحبه بقدر ما يستوجب بقوله لصاحبه ولا ينبغي له أن يلقن واحدا منهما حجة ولا بأس
إذا جلسا أن يقول تكلما أو يسكت حتى يبتدئ أحدهما وينبغي أن يبدأ الطالب فإذا أنفد حجته تكلم
المطلوب ولا ينبغي له أن يضيف الخصم إلا وخصمه معه، ولا ينبغي له أن يقبل منه هدية وإن كان
يهدى له قبل ذلك حتى تنفد خصومته (قال الشافعي) رحمه الله ولا بأس إذا حضر القاضي مسافرون
ومقيمون فإن كان المسافرون قليلا فلا بأس أن يبدأ بهم وإن جعل لهم يوما بقدر ما لا يضر بأهل البلد
ويرفق بالمسافرين فلا بأس وإن كثروا حتى يساووا أهل البلد أسا بهم، لأن لكلهم حقا وينبغي
للقاضي أن يجلس في موضع بارز، ويقدم الناس الأول فالأول لا يقدم رجلا جاء قبله غيره، وإذا
قدم الذي جاء أولا وخصمه وكان له خصوم فأرادوا أن يتقدموا معه لم ينبغ له أن يسمع إلا منه ومن
خصم واحد فإذا فرغا أقامه ودعا الذي جاء بعده إلا أن يكون عنده كثير أخر، ويكون آخر من
يدعو، ولا يقضى القاضي إلا بعدما يتبين له الحق بخبر متبع لازم أو قياس، فإن لم يبن ذلك له لم
يقطع حكما حتى يتبين له ويستظهر برأي أهل الرأي " قال " وإذا أشاروا عليه بشئ ليس بخبر فلم يبن
له من ذلك أنه الحق عنده لم ينبغ له أن يقضى ولو كانوا فوقه في العلم لأن العلم لا يكون إلا موجودا
إما خبر لازم وإما قياس يبينه له المرء فيعقله فإذا بينه له فلم يعقله فلا يعدو أن يكون واحدا من رجلين
إما رجل صحيح العقل غلط عليه من أشار عليه فقال له أنت تجد ما لا نجد فلا ينبغي أن يقبل من
مخطئ عنده وإما رجل لا يعقل إذا عقل فهذا لا يحل له أن يقضى ولا لاحد أن ينفذ حكمه، وإذا
كنا نرد شهادة المرء على ما لا يعقل مما يشتبه عليه فحكم الحاكم فيما لا يعقل أولى بالرد إلا أن يجده من
رفع إليه صوابا فينفذ الصواب حيث كان (قال) ولا يلقن القاضي الشاهد ويدعه يشهد بما عنده
ولكنه يوقفه والتوقيف غير التلقين (قال) ولا ينبغي للقاضي أن ينتهر الشاهد ولا يتعنته (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: وينبغي للقاضي أن يقف الشاهد على شهادته ويكتب بين يديه أو ناحية ثم يعرض
عليه والشاهد يسمع ولا يقبلها في مجلس لم يوقع فيها بيده أو كاتبه حيث يراه ولا ينبغي له أن يخلى
الكاتب يغيب على شئ من الايقاع من كتاب الشهادة إلا أن يعيده عليه فيعرضه والشاهد حاضر ثم
يختم عليها بخاتمه ويرفعها في قمطره (قال) فإن أراد المشهود له أن يأخذ نسختها أخذها وينبغي له أن
يضم الشهادات بين الرجلين وحجتهما في موضع واحد ثم يكتب ترجمتهما بأسمائهما والشهر الذي كانت
فيه ليكون أعرف لها إذا طلبها فإذا مضت السنة عزلها وكتب خصومة سنة كذا وكذا حتى تكون كل سنة
معروفة وكل شهر معروفا (قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه ويسأل عمن جهل عدله سرا فإذا عدل
سأل تعديله علانية ليعلم أن المعدل سرا هو هذا بعينه لأنه يوافق اسم اسما ونسب نسبا (قال) وإذا وجد
القاضي في ديوانه شهادة ولا يذكر منها شيئا لم يقض بها حتى يعيد الشهود أو يشهد شهود على
شهادتهم فإن خاف النسيان والاضرار بالناس تقدم إذا شهد عنده شهود إليهم بأن يشهد على شهادتهم
من حضرهم من كتابه ويوقع على شهادتهم كما وصفت، وإذا ذكر شهادتهم حكم بها وإلا شهد
عليها من تقبل شهادته فيقبله لأنه قد يحتال لكتاب فيطرح في ديوانه الخط فيشبه الخط الخط والخاتم
الخاتم، وهكذا لو كان شاهد يكتب شهادته في منزله ويخرجها لم يشهد بها حتى يذكرها (قال)
وما وجد في ديوان القاضي بعد عزله من شهادة أو قضاء غير مشهود عليه لم يقبل (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: وينبغي للإمام أن يجعل مع رزق القاضي شيئا لقراطيسه وصحفه فإذا فعل ذلك لم
232

يكلف الطالب أن يأتي بصحيفة وإن لم يفعل قال القاضي للطالب إن شئت جئت بصحيفة بشهادة
شاهديك وكتاب خصومتك وإلا لم أكرهك ولم أقبل منك أن يشهد عندي شاهد الساعة بلا كتاب
وأنسى شهادته (قال) وأحب أن لا يقبل القاضي شهادة الشاهد إلا بمحضر من الخصم المشهود عليه
فإن قبلها بغير محضر منه فلا بأس، وينبغي إذا حضر أن يقرأها عليه ليعرف حجته فيها، وكذلك
يصنع بكل من شهد عليه ليعرف حجته في شهاداتهم وحجته إن كانت عنده ما يجرحهم به (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو قبل القاضي شهادة على غائب وكتب بها إلى قاض ثم قدم الغائب قبل
أن يمضى الكتاب لم يكلف الشهود أن يعودوا، وينبغي له أن يقرأ عليه شهادتهم ونسخة أسمائهم
وأنسابهم ويوسع عليه في طلب جرحهم أو المخرج مما شهدوا به عليه فإن لم يأت بذلك حكم عليه
(قال) ولو مضى الكتاب إلى القاضي الآخر لم ينبغ له أن يقضى عليه حتى يحضره إن كان حاضرا
ويقرأ عليه الكتاب ونسخة أسماء الشهود ويوسع عليه في طلب المخرج من شهاداتهم فإن جاء بذلك
وإلا قضى عليه (قال) وإذا أقام الرجل البينة على عبد موصوف أو دابة موصوفة له ببلد آخر حلفه
القاضي أن هذا العبد الذي شهد لك به الشهود لعبدك أو دابتك لفى ملكك ما خرجت من ملكك
بوجه من الوجوه كلها وكتب بذلك كتابا من بلده إلى كل بلد من البلدان وأحضر عبدا بتلك الصفة أو
دابة بتلك الصفة وقد قال بعض الحكام يختم في رقبة كل واحد منهما ويبعث به إلى ذلك البلد ويأخذ
من هذا كفيلا بقيمها فإن قطع عليه الشهود بعدما رأيا سلم إليه وإن لم يقطعوا رد وهذا استحسان وقد
قال غيره إذا وافق الصفة حكمت له والقياس أن لا يحكم له حتى يأتي الشهود الموضع الذي فيه تلك
الدابة فيشهدوا عليها وكذلك العبد ولا يخرج من يدي صاحبه الذي هو في يديه بهذا إذا كان يدعيه أو
يقضى له بالصفة كما يقضى على الغائب يشهد عليه باسمه ونسبه وهكذا كل مال يملك من حيوان وغيره
(قال) وما باع القاضي على حي أو ميت فلا عهدة عليه والعهدة على المبيع عليه واختلف الناس في
علم القاضي هل له أن يقضى به ولا يجوز فيه إلا واحد من قولين أحدهما أن له أن يقضى بكل ما علم
قبل الحكم وبعده في مجلس الحكم وغيره من حقوق الآدميين ومن قال هذا قال إنما أريد بالشاهدين
ليعلم أن ما ادعى كما ادعى في الظاهر فإذا قبلته على صدق الشاهدين في الظاهر كان علمي أكثر من
شهادة الشاهدين أو لا يقضى بشئ من علمه في مجلس الحكم ولا في غيره إلا أن يشهد شاهدان
بشئ على مثل ما علم فيكون علمه وجهله سواء إذا تولى الحكم فيأمر الطالب أن يحاكم إلى غيره
ويشهد هو له فيكون كشاهد من المسلمين ويتولى الحكم غيره وهكذا قال شريح وسأله رجل أن يقضى
له بعلمه فقال ائت الأمير وأشهد لك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فأما علمه بحدود الله التي لا
شئ فيها للآدميين فقد يحتمل أن تكون كحقوق الناس وقد يحتمل أن يفرق بينهما لأن من أقر بشئ
للناس ثم رجع لم يقبل رجوعه ومن أقر بشئ لله ثم رجع قبل رجوعه والقاضي مصدق عند من أجاز
له القضاء بعلمه وغير مقبول منه عند من لم يجزه له فأما إذا ذكر بينة قامت عنده فهو مصدق على ما
ذكر منها وهكذا كل ما حكم به من طلاق أو قصاص أو مال أو غيره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
وإذا أنفذ ذلك وهو حاكم لم يكن للمحكوم عليه أن يتبعه بشئ منه إلا أن تقوم بينة بإقرار القاضي
بالجور أو ما يدل على الجور فيكون متبعا في ذلك كله (قال) وإذا اشترى القاضي عبدا لنفسه فهو
كشراء غيره لا يكون له أن يحكم لنفسه ولو حكم رد حكمه وكذلك لو حكم لولده أو والده ومن لا
تجوز له شهادته ويجوز قضاؤه لكل من جازت له شهادته من أخ وعم وابن عم ومولى (قال الشافعي)
233

رحمه الله تعالى وإذا عزل القاضي عن القضاء وقال قد كنت قضيت لفلان على فلان لم يقبل ذلك منه حتى
يأتي المقضى له بشاهدين على أنه حكم له قبل أن يعزل (قال) وأحب للقاضي إذا أراد القضاء على رجل أن
يجلسه ويبين به ويقول له احتججت عندي بكذا وجاءت البينة عليك بكذا واحتج خصمك بكذا فرأيت الحكم
عليك من قبل كذا ليكون أطيب لنفس المحكوم عليه وأبعد من التهمة وأحرى إن كان القاضي غفل من ذلك
عن موضع فيه حجة أن يبينه فإن رأى فيها شيئا يبين له أن يرجع أو يشكل عليه أن يقف حتى يتبين له فإن لم
ير فيها شيئا أخبره أنه لا شئ له فيها وأخبره بالوجه الذي رأى أنه لا شئ له فيها وإن لم يفعل جاز حكمه غير أن
قد ترك موضع الاعذار إلى المقضى عليه عند القضاء (قال) وأحب للإمام إذا ولى القضاء أن يجعل له أن يولي
القضاء في الطرف من أطرافه والشئ من أموره الرجل فيجوز حكمه وإن لم يجعل ذلك له فمن رأى أنه لا يجوز
إلا بأمر وال قال لم ينبغ للقاضي أن ينفذ حكم ذلك القاضي الذي الذي استقضاه ولم يجعل إليه وإن أنفذه
كان إنفاذه إياه باطلا إلا أن يكون إنفاذه إياه على استئناف حكم بين الخصمين فإذا كان إنما هو لانفاذ
الحكم فليس بجائز وإذا كان الامر بينا عند القاضي فيما يختصم فيه الخصمان فأحب إلي أن يأمرهما بالصلح
وأن يتحللهما من أن يؤخر الحكم بينهما يوما أو يومين فإن لم يجتمعا على تحليله لم يكن له ترديدهما وأنفذ الحكم
بينهما متى بان له وإن أشكل الحكم عليه لم يحكم بينهما طال ذلك أو قصر عليه الأناة إلى بيان الحكم والحكم
قبل البيان ظلم والحبس بالحكم بعد البيان ظلم والله أعلم.
الاقرار والمواهب
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال إذا قال الرجل لفلان على شئ ثم جحد قيل له أقر بما
شئت مما يقع عليه اسم شئ تمرة أو فلس أو ما أحببت ثم احلف ما هو إلا هو هذا وماله عليك شئ غير
هذا وقد برئت فإن أبى أن يحلف ردت اليمين على المدعى المقر له فقيل له سم ما شئت فإذا سمى قيل
للمقر إن حلف على هذا برئت وإلا رددنا عليه اليمين فحلف فأعطيناه ولا نحبسه (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى وهكذا إذا قال له على مال قيل له أقر بما شئت لأن كل شئ يقع عليه اسم مال
وهكذا إذا قال له على مال كثير أو مال عظيم فإن قال قائل ما الحجة في ذلك؟ قيل قد ذكر الله عز
وجل العمل فقال (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) فإذا كوفئ على
مثقال ذرة في الخير والشر كانت عظيما ولا شئ من المال أقل من مثقال ذرة فأما من ذهب إلى أنه
يقضى عليه بما تجب فيه الزكاة فلا أعلمه ذهب إليه خبرا ولا قياسا ولا معقولا أرأيت مسكينا يرى
الدرهم عظيما فقال لرجل على مال عظيم ومعروف منه أنه يرى الدرهم عظيما أجبره على أن يعطيه مائتي
درهم ورأيت خليفة أو نظير للخليفة يرى ألف ألف قليلا أقر لرجل فقال له على مال عظيم كم ينبغي
أن أعطيه من هذا؟ فإن قلت مائتي درهم فالعامة تعرف أن قول هذا عظيم مما يقع في القلب أكثر من
ألف ألف درهم فتعطى منه التافه فتظلم في معنى قولك المقر له إذا لم يكن عندك فيه محمل إلا كلام
الناس وتظلم المسكين المقر الذي يرى الدرهم عظيما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال له على
دراهم فقال كثيرة أو عظيمة أو لم يقلها فسواء وأجبره على أن يعطيه ثلاثة دراهم إلا أن يدعى المقر له
أكثر من ذلك فأحلف المقر فإن حلف لم أزده على ثلاثة وإن نكل قلت للمدعى إن شئت فخذ ثلاثة
بلا يمين وإن شئت فاحلف على أكثر من ثلاثة وخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال له على
234

ألف ودرهم ولم يسم الألف قيل له أقر بأي ألف إن شئت فلوسا وإن شئت تمرا وإن شئت خبزا وأعطه
درهما معها واحلف أن الألف التي أقررت له بها هي هذه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو قال هذا
الخاتم لفلان وفصه لي أو لفلان فهو مثل قوله هذا الخاتم إلا فصه لفلان أو لفلان فالخاتم لفلان
والفص له أو لفلان ولو أوصى فقال خاتمي هذا لفلان وفصه لفلان كان لفلان الخاتم ولفلان الموصى
له الفص وذلك أن الفص يتميز من الخاتم حتى يكون ثم اسم خاتم لا فص فيه (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى ولا يجوز إقرار رجل ولا امرأة حتى يكونا بالغين رشيدين غير محجور عليهما ومن لم يجز بيعه لم يجز
إقراره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وسواء كان له أب أو لم يكن وسواء أذن له في التجارة أو لم
يؤذن له وهو مخالف للعبد البالغ يؤذن له في التجارة العبد إنما لا تجوز تجارته لأن المال لغيره وإذا اذن له
في رب المال جاز شراؤه وبيعه واقراره في البيع والشراء وغير البالغ من الرجال والنساء إذا كان مالكا لمال
وكان في حكم الله عز وجل أن لا يخلى بينه وبين ماله وأن يولى عليه حتى يبلغ حلما ورشدا لم يكن
للآدميين أن يطلقوا ذلك عنه ولا يجوز عليه بإذنهم مالا يجوز عليه لنفسه وهو حرم مالك (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا لم يجز إقرار غير البالغ بجناية عمدا ولا خطأ وإقراره في التجارة غير جائز
والعبد يجوز إقراره على نفسه في القتل والحد والقطع فهو مفارق له بخلافه له ولزوم حدوده له ولا حد
على غير بالغ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقر العبد بجناية خطأ لم يلزم. مولاه من إقراره شئ
لأنه إنما أقر به عليه ويلزمه ذلك إذا عتق (1) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى والعارية كلها مضمونة
الدواب والرقيق والدور والثياب لا فرق بين شئ منها فمن استعار شيئا فتلف في يده بفعله أو بغير فعله
فهو ضامن له والأشياء لا تخلو أن تكون مضمونة أو غير مضمونة فما كان منها مضمونا مثل الغصب وما
أشبهه فسواء ما ظهر هلاكه أو خفى فهو مضمون على الغاصب والمستسلف جنيا فيه أو لم يجنيا أو غير
مضمون مثل الوديعة فسواء ما ظهر هلاكه وما خفى والقول فيها قول المستودع مع يمينه ولا يضمن منها
شيئا إلا ما فرط فيه أو تعدى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقد خالفنا بعض الناس في العارية فقال
لا يضمن منها شيئا إلا ما تعدى فيه فسئل من أين قاله؟ فزعم أن شريحا قاله فقيل له قد تخالف شريحا
حيث لا مخالف له قال فما حجتكم في تضمينها؟ قلنا استعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (عارية مضمونة مؤداة) قال أفرأيت لو قلنا فإن شرط المستعير الضمان
ضمن وإن لم يشرطه لم يضمن؟ قلنا فأنت إذا تترك قولك قال وأين؟ قلنا أليس قولك إنها غير مضمونة
إلا أن يشترط؟ قال بلى قلنا فما تقول في الوديعة إذا اشترط المستودع أنه ضامن أو المضارب أنه
ضامن؟ قال لا يكون ضامنا في واحد منهما قلنا فما تقول في المستسلف إذا شرط أنه غير ضامن قال لا
شرط له ويكون ضامنا قلنا وترد الأمانة إلى أصلها والمضمون إلى أصله ويبطل الشرط فيهما جميعا؟
قال نعم قلنا وكذلك ينبغي لك أن تقول في العارية وبذلك شرط النبي صلى الله عليه وسلم أنها
مضمونة ولا يشترط أنها مضمونة إلا لما يلزم قال فلم شرط؟ قلنا لجهالة المشروط له كان مشركا لا يعرف
الحكم ولو عرفه ما ضر الشرط له إذا كان أصل العارية أنها مضمونة بلا شرط كما لا يضر شرط العهدة
وخلاص عبدك في البيع ولو لم يشترط كان عليك العهدة والخلاص أو الرد (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى فقال وهل قال هذا أحد؟ قلنا في هذا كفاية وقد قال أبو هريرة وابن عباس رضي الله عنهما إن

(1) من هنا إلى فرع الخلاف في كواء الدابة وعاريتها تقدم في " باب العارية " بالجزء الثالث ولكنه موجودة هنا
في النسخ أيضا بعض اختلاف في العبارة فأثبتناه. كتبه مصححه.
235

العارية مضمونة وكان قول أبي هريرة في بعير استعير فتلف أنه مضمون (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى ولو اختلف رجلان في دابة فقال رب الدابة أكريتكها إلى موضع كذا وكذا فركبتها بكذا وكذا
وقال الراكب ركبتها عارية منك كان القول قول الراكب مع يمينه ولا كراء عليه (قال أبو محمد) وفيه
قول آخر أن القول قول رب الدابة من قبل أنه مقر بركوب دابتي مدع على أنى أبحث ذلك له فعليه
البينة وإلا حلف وأخذت كراء المثل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو كانت المسألة بحالها فماتت
الدابة كان الكراء ساقطا وكان عليه ضمان الدابة في العارية لأن أصل ما نذهب إليه تضمين العارية
وسواء كان رب الدابة ممن يكرى الدواب أو لا يكريها لأن الذي يكريها قد يعيرها والذي يعيرها قد
يكريها (قال الربيع) للشافعي قول آخر أن القول قول رب الدابة مع يمينه وعلى الراكب كراء مثلها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومتى قلت القول قول رب الدابة ألزمته الكراء وطرحت عنه الضمان
إذا تلفت (قال الربيع) وكل ما كان القول فيه قول رب الدابة ولم يعرها فتلفت الدابة فلا ضمان على
من جعلناه مكتريا إلا أن يتعدى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهكذا لو قال أعرتنيها وقال رب
الدابة بل غصبتنيها كان القول قول المستعير ولا يضمن فإن ماتت الدابة في يديه ضمن لأن العارية
مضمونة ركبها أو لم يركبها وإذا ردها إليه سالمة فلا شئ عليه ركبها أو لم يركبها (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى: وسواء قال أخذتها منك عارية أو قال دفعتها إلى عارية وإنما أضاف الفعل في كليهما إلى
صاحب الدابة وكذلك كلام العرب (قال الربيع) رجع الشافعي فقال القول قول رب الدابة (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: فإن قال تكاريتها منك بكذا وقال رب الدابة اكتريتها بكذا لأكثر من
ذلك فإن لم يركب تحالفا وترادا وإن ركب تحالفا ورد عليه كراء مثلها كان أكثر مما ادعى رب الدابة أو
أقل مما أقر به لأني إذا أبطلت أصل الكراء ورددتها إلى كراء مثلها لم أجعل ما أبطلت عبرة بحال
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يضمن المستودع إلا أن يخالف فإن خالف فلا يخرج من
الضمان أبدا إلا بدفع الوديعة إلى ربها ولو ردها إلى المكان الذي كانت فيه لأن ابتداءه لها كان أمينا
فخرج من حد الأمانة فلم يجدد له رب المال أمانة ولا يبرأ حتى يدفعها إليه وهكذا الرهن إذا قضى
المرتهن ما فيه ثم تعدى فيه ثم رده إلى بيته فهلك في يديه فهو ضامن له حتى يرده إلى صاحبه وسواء كل
عارية انتفع بها صاحبها أو لم ينتفع بها فهي مضمونة مسكن أو ما أشبهه أو دنانير أو دراهم أو طعام أو
عين أو ما كان (قال) ولو قال الرجل هذا الثوب في يدي بحق لفلان أو في ملكه أو في ميراثه أو لحقه
أو لميراثه أو لملكه أو لوديعة أو بعارية أو بوديعة أو قال عندي فهو سواء وهو إقرار لفلان به إلا أن يبين
لفظا غير هذا فيقول هو عندي بحق فلان مرهون لفلان آخر فيكون ملكه للذي أقر له بالملك ولا يكون
لهذا على الآخر فيه رهن إلا أن يقر الآخر ولو قال قبضته على يدي فلان أو هو عندي على يدي فلان أو
في ملكي على يدي فلان لم يكن هذا إقرارا منه به لفلان لأن ظاهره إنما هو قبضته على يدي فلان
بمعونة فلان أو بسببه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال لفلان على ألف دينار أو مائة درهم ثم
قال هي نقص أو هي زيف لم يصدق، ولو قال هي من سكة كذا وكذا صدق مع يمينه كانت تلك
السكة أدنى الدراهم أو وسطها أو جائزة في غير ذلك البلد أو غير جائزة كما لو قال له على ثوب أعطيناه
أي ثوب أقربه وإن كان ذلك الثوب مما لا يلبسه أهل ذلك البلد ولا مثل الرجل المقر له ولو قال له على
ألف درهم من ثمن هذا العبد فتداعيا فيه فقال البائع وضح وقال المشترى غلة تحالفا وترادا وهذا مثل

(1) قوله: مما أقر به اي المكتري. فتنبه، وقوله قضى المرتهن الخ لعله " قبض المرتهن " تأمل. كتبه مصححه.
236

نقص الثمن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان لأهل البلد وزن معلوم ينقص ما شاء أو ينقص
عن وزن العامة في دنانير أو دراهم فاشترى رجل سلعة بمائة درهم فله نقد البلد إلا أن يشترط شرطا
فيكون له شرطه إذا كان المشترى والبائع عالمين بنقد البلد فإن كان أحدهما جاهلا فادعى البائع الوازنة
قيل أنت بالخيار بين أن تسلمه بنقد البلد أو تنقض البيع بعد أن تتحالفا فإذا قال هل على دراهم سود
فوصل الكلام فهي سود فإن وصل الكلام فقال ناقص فهو ناقص فإن قطع الكلام ثم قال ناقص فهو
وازن فإن قال له على درهم كبير قيل له عليك الوازن إلا أن تكون أردت ما هو أكبر منه، فإذا قال له
على درهم فهو وازن وإن قال درهم صغير قيل له إن كانت للناس دراهم صغار فعليك درهم صغير
وازن من الصغار مع يمينك ما أقررت بدرهم واف وكذلك ما أقر به من غصب أو وديعة (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقر الرجل لميت بمائة درهم وقال هذا ابنه وهذه امرأته حامل فإن
ولدت ولدا حيا ورث المرأة والولد الذي ولدت والابن حقوقهم من هذه المائة وإذا ولدت ولدا لم تعرف
حياته لم يرث من لم تعرف حياته ومعرفة الحياة للولد أن يستهل صارخا أو يرضع أو يحرك يدا أو رجلا
تحريك الحياة وأي شئ عرف به الحياة فهي الحياة وإذا أوصى الرجل للحبل فقال لحبل هذه المرأة
من فلان كذا والأب حي فإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم أوصى به فالوصية له وإن جاءت
به لستة أشهر أو أكثر بطلت وصيته لأنه قد لا يكون بها حين أوصى لها حبل ثم يحبلها من بعد ذلك،
ولو كان زوجها ميتا حين أوصى بالوصية فجاءت بالولد لأقل من ستة أشهر أو أكثر لما يلزم له النسب
كانت الوصية جائزة لأنا نحكم أن ثم يومئذ حملا وإن جاءت بولد ميت فلا وصية له حتى تعرف حياته
بعد خروجه من بطنها وإذا قال له على مائة درهم عددا فهي وازنة، ولو قال له على مائة كل عشرة
منها وزنها خمسة كان كما قال إذا وصل الكلام، وإذا قال له على درهم ينقص كذا وكذا كان كما قال
إذا وصل الكلام ولكنه لو أقر بدرهم ثم قطع الكلام ثم قال بعد هو ناقص لم يقبل قوله ولو كان ببلد
دراهمهم كلها نقص ثم أقر بدرهم كان له درهم من دراهم البلد ولو قال له على دراهم أو دريهمات أو
دنانير أو دنينيرات أو دراهم كثيرة أو عظيمة أو دراهم قليلة أو يسيرة لزمه الثلاثة من أي صنف كان أقر
به من دنانير أو دراهم وحلف على ما هو أكثر منها (قال الشافعي) وإذا قال وهبت له هذه الدار
وقبضها أو وهبت له هذه الدار وحازها ثم قال لم يكن قبضها ولا حازها وقال الموهوب له قد قبضت
وحزت فالقول قول الموهوب له، ولو مات الموهوب له كان القول قول ورثته، وكذلك لو قال صارت
في يديه وسواء كانت حين يقر في يد الواهب أو الموهوبة له ولكن لو قال وهبتها له أو خرجت إليه منها
نظرت فإن كانت في يدي الموهوبة له فذلك قبض بعد الاقرار وهي له وإن كانت في يدي الواهب أو
يدي غيره من قبله سألته ما قوله خرجت إليه منها؟ فإن قال بالكلام دون القبض فالقول قوله مع يمينه
وله منعه إياها لأنها لا تملك إلا بقبض وهو لم يقر بقبض والخروج قد يكون بالكلام فلا ألزمه إلا
اليقين، وكذلك لو قال وهبتها له وتملكها لأن الملك قد يكون عنده بالكلام (قال الشافعي) ولو قال
وهبتها له أمس أو عام أول ولم يقبضها وقال الموهوبة له بل قد قبضتها فالقول قول الواهب مع يمينه وعلى
الآخر البينة بالقبض، ولو وهب رجل لرجل هبة والهبة في يدي الموهوبة له فقبلها تمت لأنه قابض لها
بعد الهبة. ولو لم تكن الهبة في يدي الموهوبة له فقبضها بغير إذن الواهب لم يكن ذلك له وذلك أن
الهبة لا تملك إلا بقول وقبض وإذا كان القول لا يكون إلا من الواهب فكذلك لا يكون القبض إلا
باذن الواهب لأنه المالك ولا يملك عنه الا بما أتم ملكه ويكون للواهب الخيار أبدا حتى يسلم ما وهب
237

إلى الموهوب له، وكذلك إن مات كان الخيار لورثته إن شاءوا واسلموا وإن شاءوا لم يمضوا الهبة (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو وهب رجل لرجل هبة وأقر بأنه عنه قبضها ثم قال الواهب له إنما
أقررت له بقبضها ولم يقبضها فأحلفه لقد قبضها فإن حلف جعلتها له وإن نكل عن اليمين رددت اليمين
على الواهب فأحفته ثم جعلتها غير خارجة عن ملكه، ولو قال رجل لرجل وهبت لي هذا العبد
وقبضته والعبد في يدي الواهب أو الموهوب له فقال الواهب صدقت أو نعم كان هذا إقرارا وكان العبد
له، ولو كان أعجميا فأقر له بالأعجمية كان مثل إقراره بالعربية وإذا قال له على درهم في عشرة
سألته فإن أراد الحساب جعلت عليه ما أراد وإن لم يرد الحساب فعليه درهم وعليه اليمين وهكذا إن قال
درهم في ثوب سألته أراد أن يقر له بدرهم أو بثوب فيه درهم فإن قال لا
فعليه الدرهم وإن قال له على درهم في دينار سألته: أراد درهما مع دينار فإن قال نعم جعلتهما عليه
وإن قال لا فعليه درهم ولو قال له على درهم في ثوب مروى فهكذا لأنه قد يقول له على درهم في
ثوب لي أنا مروى ولو قال له على درهم في ثوب مروى اشتريته منه إلى أجل سألنا المقر له فإن أقر بذلك
فالبيع فاسد لأنه دين في دين ولم يقر له بهذا الدرهم إلا بالثوب فإذا لم يجز له إعطاء الثوب لأنه دين
بدين لم يعطه الدرهم كما لو قال بعتك هذا العبد بهذه الدار لم أجعل له العبد إلا أن يقر الآخر بالدار
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو قال له على ثوب مروى في خمسة دراهم تم قال أسلم إلى الثوب
على خمسة دراهم إلى أجل كذا وصده صاحب الثوب كان هذا بيعا جائزا وكانت له عليه الخمسة
الدراهم إلى أجل إنما عنى أسلمت إليك في كذا بعتك كذا بكذا إلى أجل كما تقول أسلمت إليك
عشرة دراهم بصاع تمر موصوف إلى أجل كذا أو بعتك صاع تمر بعشرة دراهم إلى أجل كذا (قال)
ولو جاء المقر بثوب فقال هو هذا فصدقه المدعى المقر له أو كذبه فسواء إذا رضى الثوب بخمسة دراهم
فالخمسة عليه إلى أجل ولو لم يسم أجلا فكان السلم فاسدا فاختلفا في الثوب فإن القول قول المقر مع
يمينه ويرد الثوب على صاحب الثوب وإن سأل المقر له يمين المقر أعطيته إياها وكل من سأل اليمين في
شئ له وجه أعطيته إياه، ولو أقر رجل بثوب ثم جاء بثوب فقال هو هذا وقال المقر له ليس
هذا فالقول قول المقر مع يمينه، وكذلك لو قال له على عبد فأي عبد جاء به فالقول قوله مع يمينه ولا
أنظر إلى دعواه وكذلك لو قال هذا عبدك كما أودعتنيه وهو الذي أقررت لك به وقال المقر له بل هذا
عبد كنت أودعتكه ولى عندك عبد غصب فالقول قول المقر وعلى المدعى البينة (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى: ولو أقر له فقال لك عندي ألف درهم ثم جاءه بألف درهم فقال هي هذه الألف التي
كنت أقررت لك بها كانت عندي وديعة فقال المقر له هذه الألف كانت عندك وديعة لي ولى عندك
ألف أخرى كان القول قول المقر مع يمينه لأن من أودع شيئا فجائز أن يقول لفلان عندي ولفلان على
لأنه عليه ما لم يهلك، وكذلك هو عنده وقد يودع فيتعدى فتكون دينا عليه فلست ألزمه شيئا إلا
باليقين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل لفلان على درهم ودرهم فعليه درهمان وإذا
قال له على درهم فدرهم، قيل له: إن أردت درهما ودرهما فدرهمان وإن أردت فدرهم لازم لي أو
درهم جيد فليس عليك إلا درهم ولان قال له على درهم تحت درهم أو درهم فوق درهم فعليه
درهمان إلا أن يقول على درهم فوق درهم في الجودة وتحت درهم في الرداءة أو يقول له على درهم
بعينه هو الآن فوق درهم لي، ولو قال له على درهم مع درهم كان هكذا (قال الربيع) الذي أعرف
من قول الشافعي أن لا يكون عليه إلا درهم لأنه يحتمل أن يكون فوق درهم أن تحت درهم لي (قال)
وكذلك لو قال له على درهم على درهم ثم قال عنيت درهما واحدا، ولو قال له على درهم قبله درهم
238

أو بعده درهم أو قبله دينار أو بعده دينار فالاثنان كلاهما عليه ولكنه لو قال له على درهم معه دينار كان
له عليه درهم للذي وصفت لأنه يقول له على درهم معه دينار لي، ولو قال له على درهم معه دينار
كان له عليه درهم للذي وصفت لأنه يقول له على درهم معه دينار لي، ولو قال له على درهم ثم دينار
أو بعده درهم أو دينار أو درهم قبله دينار فهما عليه معا، ولو قال له على درهم فدينار كان عليه درهم
إلا أن يكون أراد ودينار (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو قال له على دينار قبله قفيز حنطة كان
عليه دينار ولم يكن عليه القفيز، وهكذا لو قال له على دينار فقفيز حنطة لم يكن عليه إلا الدينار لأن
قوله فقفيز حنطة محال قد يجوز أن يقول قفيز من حنطة خير منه وإذا قال له على درهم ثم قفيز حنطة
فهما عليه ولو قال درهم لا بل قفيز حنطة كان مقرا بهما ثابتا على القفيز راجعا عن الدرهم فلا يقبل
رجوعه إن ادعاهما الطالب معا ولو قال له على درهم لا بل درهمان أو قفيز حنطة لا بل قفيزان لم يكن
عليه إلا درهمان أو قفيزان لأنه أقر بالأولى ثم كان قوله لا بل زيادة من الشئ الذي أقربه وقوله ثم لا بل
استئناف شئ غير الذي أقربه ولو قال له على درهم ودرهمان فهي ثلاثة دراهم أو درهم بعده درهمان
أو درهم قبله درهمان فسواء وهي ثلاثة في هذا كله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد
شاهدان على رجل أنه أقر لفلان بدرهم يوم السبت وآخران أنه أقر لذلك الرجل بعينه يوم الأحد فهو
درهم إلا أن يقولا درهم من ثمن كذا وكذا ويقول الآخران درهم من ثمن شئ غيره أو من وجه غيره
من وديعة أو غصب أو غيره فيدلان على ما يفرق بين سبى الدرهمين وعليه اليمين أن هذا الدرهم الذي
أقر به يوم الأحد هو الدرهم الذي أقر به يوم السبت فإن حلف برئ وإن نكل حلف الآخر أنهما
درهمان وأخذهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهكذا لو شهدا عليه في أيام متفرقة أو واحد بعد واحد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهكذا لو أقر عند القاضي بدرهم وجاء عليه بشاهدين يشهدان بدرهم فقال
الدرهم الذي أقررت به هو الذي يشهد به هذان الشاهدان كان القول قوله. وإذا قال له على ألف درهم وديعة
فهي وديعة وإن قال له على ألف درهم ثم سكت ثم قال بعد هي وديعة أو قال هلكت لم يقبل ذلك منه لأنه
قد ضمن ألف درهم بإقراره ثم ادعى ما يخرجه من الضمان فلا يصدق عليه وإنما صدقناه أولا لأنه وصل
الكلام، وكذلك لو قال له قبلي ألف درهم فوصل الكلام أو قطعه كان القول فيها مثل القول في المسألة
الأولى إذا وصل أو قطع، ولو قال له عندي ألف درهم وديعة أو أمانة أو مضاربة دينا كانت دينا
عليه أمانة كانت أو وديعة أو قراضا إن ادعى ذلك الطالب لأنها قد تكون في موضع الأمانة ثم يتعدى
فتصير مضمونة عليه وتنض فيستسلفها فتصير مضمونة عليه ولكنه لو قال دفع إلى ألف درهم وديعة أو
أمانة أو مضاربة على أنى لها ضمان له يكن ضامنا بشرطه الضمان في شئ أصله الأمانة حتى يحدث شيئا
يخرج به من الأمانة إما تعديا وإما استسلافا، ولو قال له في مالي ألف درهم كانت دينا إلا أن
يصل الكلام فيقول وديعة فتكون وديعة ولو قال له في هذا العبد ألف درهم سئل عن قوله فإن
قال نقد فيه ألفا قيل فكم لك منها فما قال إنه منه اشتراه به فهو كما قال مع يمينه
فإن زعم أنهما اشترياه قيل فكم لك فيه؟ فإن قال ألفان فللمقر له الثلث وإن قال ألف فللمقر
له النصف ولا أنظر إلى قيمة العبد قلت أو كثرت لأنهما قد يغبنان أو يغبنان، وكذلك لو قال له
فيه شركة ألف كان القول فيها مثل القول في المسألة قبلها، ولو قال له من مالي ألف درهم سئل
فإن قال من هبة قيل له إن شئت أعطه إياها وإن شئت فدع وإن قال من دين فهي من
دين وإن مات قبل أن يبين شيئا فهي هبة لا تلزمه إلا أن يقر ورثته بغير ذلك وإن قال له من مالي
239

ألف درهم بحق عرفته أو بحق لزمني أو بحق ثابت أو بحق استحقه فهذا كله دين، ولو قال له من
هذا المال ولم يضف المال إلى نفسه ألف درهم فله ألف درهم فإن لم يكن المال إلا ألفا فهي له وإن كان
أكثر من ذلك فليس له إلا الألف وإن كان المال أقل من ذلك فليس له إلا ذلك الذي هو أقل، وإن
ادعى الآخر أنه استهلك من المال شيئا استحلف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال له من
هذه الدار النصف فله النصف لأنه أقر له بشئ لم يضف ملكه إلى نفسه فإن ادعى النصف الباقي وهو
في يده فهو له، ولو بدأ فأضاف الدار إلى نفسه فقال له من داري هذه نصفها كانت هذه الدار هبة
إذا زعم أنها هبة منه أو مات قبل أن يبين وإن لم يمت سألناه أي شئ أراد؟ فإن كان أراد اقرارا ألزمناه
إياه والفرق بين هذين إضافة الملك إلى نفسه وغير إضافته، ولو قال له من داري هذه نصفها بحق
عرفته له كان له نصفها، ولو قال له من ميراث أبى ألف درهم كان هذا إقرارا على أبيه بدين ولو قال
له في ميراثي من أبى كانت هذه هبة إلا أن يريد بها إقرارا لأنه لما أقر في ميراث أبيه أقر بأن ذلك على
الأب ولم يضف الملك إلى نفسه وزعم أن ما أقر له به خارج من ملكه، ولو قال له من ميراث أبى
ألف بحق عرفته أو بحق له كان هذا كله إقرارا على أبيه ولو قال له على ألف عارية أو عندي فهي
دين، ولو كان هذا في عرض فقال له عندي عبد عارية أو عرض من العروض فهي عارية وهي
مضمونة حتى يؤديها لأن أصل ما نذهب إليه أن العارية مضمونة حتى يؤديها، ولو قال له في داري
هذه حق أو في هذه الدار حق فسواء ويقر له منها بما شاء ويحلف إن ادعى الآخر أكثر منه، وكذلك
إن مات أقر له الورثة بما شاءوا ويحلفون ما يعلمون أكثر منه ولو قال له فيها سكنى أقر به بما شاء من
السكنى وإلى أي مدة إن شاء يوما وإن شاء أقل وإن شاء أكثر، ولو قال هذه الدار لك هبة عارية أو
هبة سكنى كانت عارية وسكنى وله منعه ذلك أو يقبضه إياها فإن أقبضه فله أن يخرجه منها متى شاء
لأن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة ولم يقبض كل ذلك حتى أخبر أنه إنما معنى قوله عارية أو هبة السكن،
ولو قال لك سكنى إجارة بدينار في شهر فإن قبل ذلك المؤاجر فهي له وإلا فلا شئ له ولو لم يسم شيئا
قلنا له سم كم مدة الإجارة؟ وبكم هي؟ فإذا سمى قليلا أو كثيرا فله الخيار في قبوله ذلك ورده، ولو
قال لك على ألف درهم إن شئت أو هويت أو شاء فلان أو هوى فلان فإن شاء فلان أو هوى أو شاء
هو أو هوى لم يكن عليه فيها شئ لأنه لم يقر له بشئ إلا أنه جعله له إن شاء أن يكون له وهو إذا شاء
لم يكن له ذلك إلا بأن يشاء هو ولو قال لك على ألف درهم إن شهد بها على فلان أو فلان وفلان
فشهدوا لم يلزمه من جهة الاقرار وهذه مخاطرة ويلزمه من جهة الشهادة إن كان ممن تجوز شهادتهما أو
أحدهما وحلف الآخر مع شاهده وهذا مثل قوله لك على ألف درهم إن قدم فلان أو خرج فلان أو
كلمت فلانا أو كلمك فلان فهذا كله من جهة القمار ولا شئ عليه، ولو قال هذا لك بألف درهم إن
شئت فشاء كان هذا بيعا لازما ولكل واحد منهما الخيار ما لم يتفرقا لأن هذا بيع لا إقرار، ولو قال
لعبده أنت حر بألف درهم إن شئت فقال قد شئت فهو حر وعليه ألف درهم. وهكذا لو قال لا مرأته
أنت طالق بألف إن شئت فشاءت فهي طالق وعليها ألف درهم ولو لم تشأ هي ولا العبد لم يكن العبد
حرا ولا هي طالقا ولو قال هذا الثوب لك بألف درهم فقبله المشترى كان هذا بيعا ومعناه أنه إن شاء،
وكذلك كل مشتر إنما يلزمه ما شاء ولو قال لامرأته أنت طالق بألف فاختار ذلك لزمه الطلاق والعتق
(قال الربيع) أنا أشك في سماعي من ههنا إلى آخر الاقرار ولكني أعرفه من قول الشافعي وقرأه الربيع
علينا. فإذا قال له على ألف ودرهم ولم يسم الألف قيل له أقر بأي ألف شئت إن شئت فلوسا وإن
شئت تمرا وإن شئت خبزا واعطه درهما معها واحلف له أن الألف التي أقررت له بها هذه الألف التي
240

بينتها فإنه ليس في قولك ودرهم ما يدل على أن ما مضى دراهم ولو زعمنا أن ذلك كذلك ما أحلفناك
لو ادعى ألف دينار ولكن لما كان قولك محتملا لما هو أعلى من الدراهم وأدنى لم نجعل عليك الاعلى
دون الأدنى ولا الأدنى دون الاعلى وهكذا لو قال ألف وكر حنطة أو ألف وعبد أو ألف وشاة لم نجعل
ههنا إلا ما وصفنا بأن الألف ما شاء وما سمى ولو جاز لنا أن نجعل الكلام الآخر دليلا على الأول لكان
إذا أقر له بألف وعبد جعلنا عليه ألف عبد وعبدا. وهكذا لو أقر له بألف وكر حنطة جعلنا عليه ألف
كر وكرا حنطة ولا يجوز إلا هذا وما قلت من أن يكون الألف ما شاء مع يمينه ويكون ما سمى كما سمى
ولو أنه قال ألف وكر كان الكر ما شاء إن شاء فنورة وإن شاء فقصة وإن شاء فمدر يبنى به بعد أن يحلف
ولو قال له على ألف إلا درهم قيل له أقر بأي ألف شئت إذا كان الدرهم يستثنى منها ثم يبقى شئ قل
أو كثر كأنك أقررت له بألف فلس وكانت تسوى دراهم فيعطاها منك إلا درهما منها وذلك قدر درهم
من الفلوس، وهكذا إذا قلت ألف إلا كر حنطة وألف إلا عبدا أجبرت على أن تبقى بعد الاستثناء
شيئا قل أو كثر، ولو قال له على ثوب في منديل قيل له قد يصلح أن في منديل لي فعليك ثوب وتحلف
ما أقررت له بمنديل. وأصل ما أقول من هذا أنى الزم الناس أبدا اليقين وأطرح عنهم الشك ولا
أستعمل عليهم الأغلب. وهكذا إذا قال تمر في جراب أو تمر في قارورة أو حنطة في مكيال أو ماء
في جرة أو ريت في وعاء وإذا قال له على كذا كذا أقر بما شاء واحدا وإن قال كذا وكذا أقر بما شاء
اثنين، وبين قال كذا وكذا درهما أعطاه درهمين لأن كذا يقع على درهم فإن قال كذا وكذا درهما قيل
له أعطه درهما وأكثر من قبل أن كذا يقع على أقل من درهم فإن كنت عنيت أن كذا وكذا التي بعدها
أوفت عليك درهما فليس عليك أكثر منه. والله تعالى الموفق للصواب.
باب الشركة (1)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا شركة مفاوضة وإذا أقر صانع من صناعته لرجل بشئ
إسكاف أقر لرجل بخف أو غسال أقر لرجل بثوب فذلك عليه دون شريكه إلا أن يقر شريكه معه
وإذا كانا شريكين فالشركة كلها ليست مفاوضة وأي الشريكين أقر فإنما يقر على نفسه دون صاحبه
وإقرار الشريك ومن لا شريك له سواء وإذا أقر رجل في مرضه بدين لأجنبي وقد أقر في صحته أو
قامت بينة بديون فسواء إقراره في صحته ومرضه والبينة في الصحة والمرض والاقرار سواء يتحاصون معا
لا يقدم واحد منهم على الاخر فإذا أقر لوارث فلم يمت حتى حدث وارث يحجب المقر له فإقراره سواء
يتحاصون معا لا يقدم واحد منهم على الآخر فإذا أقر لوارث فلم يمت حتى حدث وارث يحجب ولو أقر
لغير وارث ثم مات وارثه فصار المقر له وارثا أبطل إقراره وكذلك كل ما أقر به بوجه من الوجوه فهو على
هذا المثال، وإذا كان الرجلان شريكين فأوصى أحدهما أو أعتق أو دبر أو كاتب فذلك كله في مال
نفسه كهيئة الرجل غير الشريك، وإذا أقر الرجل للحمل بدين كان إقراره باطلا حتى يقول كان لأبي
هذا الحمل أو لجده على مال فيكون ذلك إقرارا للذي أقر له به وإن كان هذا الحمل وارثه أخذه وإن
كان له وارث معه أخذ معه حصته لأن الاقرار للميت وإنما لهذا منه حصته وإذا أوصى للحمل بوصية
فالوصية جائزة إذا ولد لأقل من ستة أشهر من يوم وقعت الوصية حتى يعلم أنه كان ثم حمل ولو وهب

(1) اي: اقرار الشريك اي الشركة الجائزة وهي غير المفاوضة، أما المفاوضة فباطلة فتنبه للمراد.
241

لحمل نخلة أو تصدق عليه بصدقة غير موقوفة لم تجز بحال قبلها أبوه أو ردها إنما تجوز الهبات والبيوع والنكاح على ما زايل أمه حتى يكون له حكم بنفسه وهذا خلاف الوصية في العتق ولو أعتق حمل
جاريته فولدت لأقل من ستة أشهر من يوم أعتقه كان حرا لأنا علمنا أنه قد كان ثم حمل ولو ولد لستة
أشهر فأكثر لم يقع عليه ثم عتق لأنه قد يمكن أن يكون هذا حادثا بعد الكلام بالعتق فلا يكون المقصود
قصد بالعتق ولو أقر بحمل لرجل لم يجز إقراره إذا كان هو مالك رقبة أمه وكذلك لو وهبه له فإذا لم تجز
فيه الهبة لم يجز فيه الاقرار، ولو قال مع إقراره هذا الحمل لفلان أوصى لي رجل برقبة أمه وله بحملها
جاز الاقرار إذا ولدته لأقل من ستة أشهر من يوم تقع الوصية وكل إقرار من صلح وغير صلح كان فيه
خيار من المقر فهو باطل وذلك أن يقول أقر لك بكذا على أنى بالخيار يوما أو أكثر أو أصالحك على كذا
على أني أقر لك بكذا على أنى بالخيار يوما أو أكثر أو أصالحك على كذا، على أنى أقر لك بكذا،
على أنى بالخيار فلا يجوز حتى يقطع الاقرار ولا يدخل فيه الاستثناء من المقر وهكذا كل إقرار كان فيه
استثناء وذلك أن يقول لك على ألف أو لك عندي إن شاء الله أو إن شاء فلان فلا يلزم حتى يكون
الاقرار مقطوعا لا مثنوية فيه (قال) ولو أقر لرجل أنه تكفل له بمال على أن بالخيار وأنكر المكفول له
الخيار ولا بينة بينهما فمن جعل الاقرار واحدا أحلفه ما كفل له إلا على أنه بالخيار وأبرأه والكفالة لا
تجوز بخيار ومن زعم أنه يبعض عليه إقراره فيلزمه ما يضره ويسقط عنه ما ادعى المخرج به ألزمه
الكفالة بعد أن يحلف المكفول له لقد جعل له كفالة لا خيار فيه والكفالة بالنفس على الخيار لا تجوز
وإذا جازت بغير خيار فليس يلزم الكافل بالنفس مال إلا أن يسمى مالا كفل به، ولا تلزم الكفالة بحد
ولا قصاص ولا عقوبة ولا تلزم الكفالة إلا بالأموال (قال) ولو كفل له بما لزم رجلا في جرح وقد
عرف الجرح والجرح عمد فقال أنا كافل لك بما لزمه فيه من دية أو قصاص فإن أراد المجروح القصاص
فالكفالة باطلة لا يجوز أن يقتص من المتكفل، وإن أراد أرش الجراح فهو له والكفالة لازمة لأنها
كفالة بمال وهكذا إذا اشترى رجل دارا من رجل فضمن له رجل عهدتها وخلاصها فاستحقت الدار
رجع المشترى بالثمن على الضامن إن شاء لأنه ضمن له خلاصها أو مالا والخلاص مال يسلم له، وإذا
أقر رجل لرجل بشئ مشاع أو مقسوم فالاقرار جائز وسواء قال لفلان نصف هذه الدار ما بين كذا إلى
كذا أو لفلان نصف هذه الدار يلزمه الاقرار كما أقر، وكذلك لو قال له هذه الدار إلا نصفها كان له
النصف ولو قال له هذه الدار الا ثلثيها كان له الثلث شريكا معه وإذا قال له هذه الدار إلا هذا البيت
كانت له الدار إلا ذلك البيت، وكذلك لو قال له هذا الرقيق إلا واحدا كان له الرقيق إلا واحدا فله
أن يعزل أيهم شاء وكذلك لو قال هذه الدار لفلان وهذا البيت لي كان مثل قوله إلا هذا البيت إذا كان
الاقرار متصلا لأن هذا كلام صحيح ليس بمحال ولو قال هذه الدار لفلان بل هي لفلان كانت
للأول ولا شئ للثاني ولو قال غصبتها من فلان وملكها لفلان غيره فهي للذي أقر أنه غصبها منه وهو
شاهد للثاني ولا تجوز شهادته لأنه غاصب، ولو قال غصبتها من فلان لا بل من فلان جاز إقراره
للأول ولم يغرم للثاني شيئا وكان الثاني خصما للأول، وإذا أقر بشئ بعينه لواحد أو أكثر لم يضمن
شيئا إذا كان الآخر لا يدعى عليه إلا هذه الدار فليس في إقراره لغيره وإن حكم له شئ بعينه لواحد
أو أكثر لم يضمن شيئا إذا كان الآخر لا يدعى عليه إلا هذه الدار فليس في إقراره لغيره وإن حكم له
شئ يكون حائلا دونه يضمنه وإنما يضمن ما كان حائلا دونه ولا يجد السبيل إليه ومثل هذا لو قال
أودعنيها فلان لا بل فلان.
242

إقرار أحد الابنين بالأخ
(أخبرنا الربيع) قال: (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا هلك الرجل فترك ابنين وأقر أحدهما
بأخ وشهد على أبيه أنه أقر أنه ابنه لم يثبت نسبه ولم يكن له من الميراث شئ لأن إقراره جمع أمرين
أحدهما له والآخر عليه، فلما بطل الذي له بطل الذي عليه ولم يكن إقراره له بدين ولا وصية إنما أقر له
بمال ونسب فإذا زعمنا أن إقراره فيه يبطل لم يأخذ به مالا كما لو مات ذلك المقر له لم يرثه ألا ترى أن
رجلا لو قال لرجل لي عليك مائة دينار فقال بعتني بها دارك هذه وهي لك على فأنكر الرجل البيع أو
قال باعنيها أبوك وأنت وارثه فهي لك على ولى الدار كان إقراره باطلا لأنه إنما يثبت على نفسه بمائة
يأخذ بها عوضا فلما بطل عنه العوض بطل عنه الاقرار، وما قلت من هذا فهو قول المدنيين الأول (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى قال محمد بن الحسن رحمه الله تعالى ما ورد علينا أحد قط من أهل المدينة
إلا وهو يقول هذا: قال محمد بن الحسن رحمه الله تعالى وأخبرني أبو يوسف رضى الله تعالى عنه أنه لم
يلق مدنيا قط إلا وهو يقول هذا حتى كان حديثا فقالوا خلافه فوجدنا عليهم حجة وما كنا نجد عليهم
في القول الأول حجة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولسنا نقول بحديث عمر بن قيس عن عمر بن
الخطاب، لأنه لا يثبت وإنما تركناه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ليس لعرق ظالم حق))
والعروق أربعة عرقان ظاهران وعرقان باطنان فأما العرقان الباطنان فالبئر والعين وأما العرقان الظاهران
فالغراس والبناء فمن غرس ارض رجل بغير إذنه فلا غرس له لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(ليس لعرق ظالم حق) وهذا عرق ظالم (قال) لا يقسم نضح مع بعل ولا بعل مع عين ويقسم كل
واحد من هذا على حدته (وقال) لا تضاعف الغرامة على أحد وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قضى أن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها والضمان على أهلها بقيمة واحدة لا قيمتين
(وقال) لا يدخل المخنثون على النساء وينفون (وقال) الجد أحق بالولد (قال) وإذا أبى المرتد التوبة
قتل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من بدل دينه فاقتلوه) وهذا مبدل لدينه وأن لنا أن نقتل
من بلغته الدعوة وامتنع من الإجابة من المشركين بلا تأن وهذا لا يثبته أهل الحديث عن عمر ولو فعله
رجل رجوت أن لا يكون بذلك بأس، يعنى في حديث عمر هل كان من مغربة خبر وقال عمر لك
ولاؤه في اللقيط (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأنه لا ولاء له لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(فإنما الولاء لمن أعتق) وهذا غير معتق، وأما قوله: فهو حر، فهو كما قال، وأما إنفاقه عليه من بيت
المال فكذلك نقول والله أعلم.
إقرار الوارث ودعوى الأعاجم
أخبرنا الربيع قال حدثنا الشافعي إملاء، قال أخبرني محمد بن الحسن أن أبا حنيفة رضى الله تعالى
عنه، قال في الرجل يهلك ويترك ابنين ويترك ستمائة دينار فيأخذ كل واحد منها ثلاثمائة دينار ثم يشهد
أحدهما أن أباه الهالك أقر بأن فلانا ابنه أنه لا يصدق على هذا النسب ولا يلحق به ولكنه يصدق على
ما ورث فيأخذ منه نصف ما في يديه وكذلك قال أهل المدينة إلا أنهم قالوا نعطيه ثلث ما في يديه
243

(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأخبرني محمد بن الحسن أن أبن الماجشون عبد العزيز بن أبي سلمة
وجماعة من المدنيين كانوا عندهم بالعراق لا يختلفون في هذه المسألة أنه لا يكون للذي أقر له شئ من
الميراث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإنه لقول يصح وذلك أنهم يقولون إنما زعم أن له حقا في
يديه ويدى أخيه بميراثه من أبيهما وزعم أنهما يرثانه كما يرث أباهم فإذا حكمنا بأن أصل هذا الاقرار لا
يثبت به نسب وإنما زعمنا أنه يأخذ بالنسب لا بدين ولا وصية ولا شئ استحقه في مال الميت غير
النسب زعمنا أن لا يأخذ شيئا، قلت لمحمد بن الحسن كأنك ذهبت به إلى أنه قال بعتك هذا العبد
بمائة دينار فهي لي عليك أو هذه الدار ولك هذا العبد أو الدار فأنكرت وحلفت لم يكن لك العبد ولا
الدار فإني إنما أقررت لك بعبد أو دار، وفي إقراري شئ يثبت عليك كما يثبت لك فلما لم يثبت عليك
ما ادعيت لم يثبت لك ما أقررت به قال إن هذا الوجه يقيس الناس بما هو أبعد منه وإنه ليدخل،
قلت وكيف لم تقل به؟ قال اخترنا ما قلت لما سمعته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يثبت نسب
أحد بنسبة رجل إلى غيره وذلك أن الأخ إنما يقر على أبيه فإذا كان معه من حقه من أبيه كحقه فدفع
النسب لم يثبت ولا يثبت النسب حتى تجتمع الورثة على الاقرار به معا أو تقوم بينة على دعوى الميت
الذي إنما يلحق بنفسه فيكتفى بقوله ويثبت له النسب واحتج بحديث ابن أمة زمعة وقول سعد كان
أخي عهد إلى أنه ابنه وقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبى ولد على فراشه فقال النبي صلى الله عليه
وسلم (هو لك يا ابن زمعة الولد للفراش).
دعوى الأعاجم
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال وإذا أدعى الأعاجم بولادة الشرك أخوة
بعضهم لبعض فإن كانوا جاءونا مسلمين لا ولاء لاحد عليهم بعتق قبلنا دعواهم كما قبلنا دعوى غيرهم
من أهل الجاهلية الذين أسلموا فإن كانوا مسبيين عليهم ورقوا أو عتقوا فيثبت عليهم ولاء لم تقبل
دعواهم إلا ببينة تثبت على ولاد ودعوى معروفة كانت قبل السبي وهكذا من قل منهم أو كثر. أهل
حصن كانوا أو غيرهم.
الدعوى والبينات
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى، قال من كان بيد مالك من كان
المالك من شئ يملك ما كان المملوك فادعاه من يملك بحال فالبينة على المدعى فإن جاء بها أخذ ما
ادعى وإن لم يأت بها فعلى المدعى عليه الشئ في يديه اليمين بإبطال دعواه فإن حلف برئ وإن نكل
قيل للمدعى لا نعطيك بنكوله شيئا دون أن تحلف على دعواك مع نكوله فإن حلفت أعطيناك دعواك
وإن أبيت لم نعطك دعواك، وسواء ادعاها المدعى من قبل الذي هي في يديه أنها خرجت إليه منه
بوجه من الوجوه أو قبل غيره أو باستحقاق أصل أو من أي وجه ما كان وسواء كانت بينهما مخالطة أو لم
تكن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أصل معرفة المدعى والمدعى عليه أن ينظر إلى الذي الشئ في
244

يديه هو وغيره فيجعل المدعى الذي نكلفه البينة، والمدعى عليه الذي الشئ في يديه ولا يحتاج إلى
سبب يدل على صدقه بدعواه إلا قوله، وهكذا إن ادعى عليه دينا أو أي شئ ما كان كلف فيه البينة
ودعواه في ذمة غيره مثل دعواه شيئا قائما بعينه في يدي غيره قال وقاله أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت الدار أو أي شئ ما كان لرجل فادعى أنه باعه من رجل
وأنكر الرجل فعلى المدعى البينة، لأنه مدع في ذمة الرجل وماله شيئا هو له دونه والرجل ينكره فعليه
اليمين ولو كان الرجل يدعى شراء الدار ومالك الدار يجحده كان مثل هذا وعلى مدعى الشراء البينة لأنه
يدعى شيئا هو في ملك صاحبه دونه ولا يأخذ بدعواه دون أن يقيم بينة وعلى الذي ينكر البيع اليمين
وقاله أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهكذا لو ادعى رجل دينا أو
غصبا أو شيئا على رجل فأنكر الرجل لم يكن له أن يأخذه إلا ببينة وعلى المنكر اليمين، ولو أقر له
بدعواه وادعى أنه قضاه إياه ففيها قولان أحدهما أن الدعوى لازمة له ودعواه البراءة غير مقبولة منه إلا
ببينة ومن قال هذا فسواء عنده كان دعواه البراءة موصولا بإقراره أو مقطوعا منه، والقول الثاني أنه إذا
كان لا يعلم حقه إلا بإقراره فوصل بإقراره دعواه المخرج كان مقبولا منه ولا يكون صادقا كاذبا في قول
واحد، ولو قطع دعواه المخرج من الاقرار فلم يصلها به كان مدعيا عليه البينة وكان الاقرار له لازما،
ومن قال هذا القول الآخر فينبغي أن تكون حجته أن يقول أرأيت رجلا قال لرجل لك على ألف
درهم طبرية أو لك عندي زنجي وادعى الرجل عليه ألفا وازنة أو ألفا مثاقيل أو عبدا بربريا أليس يكون
القول قول المدعى عليه؟ وسواء في هاتين المسألتين أن يقر له بدين ويزعم إلى أجل في القول الأول
الدين حال وعليه البينة أنه إلى أجل والقول الثاني أن القول قوله إذا وصل دعواه بإقراره (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى إذا كان الشئ في يد اثنين عبدا كان أو دارا أو غيره فادعى كل واحد منهما
كله فهو في الظاهر بينهما نصفان ويكلف كل واحد منهما البينة على ما في يدي صاحبه فإن لم يجد واحد
منهما بينة أحلفنا كل واحد منهما على دعوى صاحبه فأيهما حلف برئ وأيهما نكل رددنا اليمين على
المدعى فإن حلف أخذ وإن نكل لم يأخذ شيئا ودعواه النصف الذي في يد صاحبه كدعواه الكل ليس
في يديه منه شئ لأن ما في يد غيره خارج من يديه، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقيم كل واحد
منهما البينة على ما في يدي صاحبه، ولكل واحد منهما اليمين على صاحبه فأيهما حلف برئ وأيهما نكل
حبس حتى يحلف وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى إذا نكل عن اليمين قضينا عليه (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى إذا تداعى الرجلان البيع فتصادقا عليه واختلفا في الثمن فقال البائع بعتك بألفين وقال
المشترى اشتريت منك بألف والسلعة قائمة بعينها ولا بينة بينهما تحالفا معا فإن حلفا معا فالسلعة مردودة
على البائع وأيهما نكل رددت اليمين على المدعى عليه وإن نكل المشترى حلف البائع لقد باعه بالذي
قال ثم لزمته الألفان فإن حلف البائع ثم نكل المشترى عن اليمين أخذ البائع الألفين لأنه قد اجتمع
نكول المشترى ويمين البائع على دعواه وهكذا إن كان الناكل هو البائع والحلف هو المشترى كانت بيعا
له بالألف ولو هلكت السلعة ترادا قيمتها إذا حلفا معا، وإذا كانت السنة تدل على أنهما يتصادقان في
أن السلعة مبيعة ويختلفان في الثمن، فإذا حلفا ترادا وهما يتصادقان أن أصل البيع كان حلالا فلا
يختلف المسلمون فيما علمت أن ما كان مردودا لو وجد بعينه في يدي من هو في يديه ففات أن عليه
قيمته إذا كان أصله مضمونا ولو جعلنا القول قول المشترى إذا فاتت السلعة كنا قد فارقنا السنة ومعنى
السنة وليس لاحد فراقهما، وقد صار بعض المشرقيين إلى أن رجع إلى هذا القول فقال به وخالف
245

صاحبه فيه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أقام أحدهما البينة على دعواه أعطيناه ببينته (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ادعى رجل أنه نكح امرأة لم أقبل دعواه حتى يقول نكحتها بولي
وشاهدين عدلين ورضاها فإذا قال هذا وأنكرت المرأة أحلفناها، فإن حلفت لم أقض له بها وإن
نكلت لم أقض له بها بالنكول حتى يحلف، فإذا حلف قضيت له بأنها زوجته وأحلف في النكاح
والطلاق وكل دعوى وذلك أنى وجدت من حكم الله تبارك وتعالى ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أن
الله عز وجل قضى أن يحلف الزوج القاذف وتحلف الزوجة المقذوفة ثم دلت السنة على أن الحد يسقط
عن الزوج وقد لزمه لولا اليمين والاجماع على أن الحد يسقط عن المرأة باليمين، والسنة تدل على أن
الفرقة بينهما وعلى نفى الولد فالحد قتل ونفى الولد نسب فالحد على الرجل يمين فوجدت هذا الحكم
جامعا لأن تكون الايمان مستعملة فيما لها فيه حكم ووجدت النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأنصار أن
يحلفوا ويستحقوا دم صاحبهم فأبوا الايمان فعرض عليهم أيمان يهود فلا أعرف حكما في الدنيا أعظم
من حكم القتل والحد والطلاق ولا اختلاف بين الناس في الايمان في الأموال ووجدت النبي صلى الله
عليه وسلم يقول (واليمين على المدعى عليه) فلا يجوز أن يكون على مدعى عليه دون مدعى عليه إلا
بخبر لازم يفرق بينهما بل الاخبار اللازمة تجمع بينهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهكذا لو
ادعت عليه المرأة النكاح وجحد كلفت المرأة البينة فإن لم تأت بها احلف فإن حلف برئ وان نكل
ردت اليمين على المرأة وقلت لها احلفي فإن حلفت ألزمته النكاح وهكذا كل شئ ادعاه أحد على
أحد من طلاق وقذف ومال وقصاص وغير ذلك من الدعوى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا
ادعى رجل أن امرأته خالعته بعبد أو دار أو غير ذلك وأنكرت المرأة كلف الزوج البينة فإن جاء بها
ألزمته الخلع وألزمتها ما اختلعت به وإن لم يأت بها أحلفتها فإن حلفت برئت من أن يأخذ منها ما ادعى
ولزمه الطلاق وكان لا يملك فيه الرجعة من قبل أنه يقر بطلاق لا يملك فيه رجعة ويدعى مظلمة في
المال فإن نكلت عن اليمين رددت اليمين على الزوج فإن حلف أخذ ما ادعى أنها خالعته عليه وإن نكل
لم أعطه بدعواه شيئا ولا بنكولها حتى يجتمع مع نكولها يمينه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا
ادعى العبد على مالكه أنه أعتقه أو كاتبه وأنكر ذلك مالكه فعلى العبد البينة فإن جاء بها أنفذت له ما
شهد له به من عتق أو كتابة وإن لم يأت بها أحلفت له مولاه فإن حلف أبطلت دعوى العبد وإن نكل
المولى عن اليمين لم أثبت دعوى العبد إلا بأن يحلف العبد فإن حلف أثبت دعواه فإن ادعى العبد التدبير
فهو في قول من لا يبيع المدبر هكذا وفي قول من يبيع المدبر هكذا إلا أنه يقال لسيد العبد لا يصنع
اليمين شيئا وقل قد رجعت في التدبير ويكون التدبير مردودا ولو أن مالك العبد قال قد أعتقتك على
ألف درهم فأنكر العبد المال وادعى العتق أو أنكر المال والعتق كان المالك المدعى فإن أقام السيد البينة
أخذ العبد بالمال وإن لم يقمها أحلف له العبد فإن حلف برئ من المال وكان حرا في الوجهين لأن
المولى يقر بعتقه فيهما فإن نكل العبد عن اليمين لم يثبت عليه شئ حتى يحلف مولاه فإن حلف ثبت المال
على العبد وإن نكل السيد عن اليمين فلا مال على العبد والعتق ماض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
ولو تعلق رجل برجل فقال أنت عبد لي وقال المدعى عليه بل أنا حر الأصل فالقول قوله فأصل الناس
الحرية حتى تقوم بينة أو يقر برق وكلف المدعى البينة فإن جاء بها كان العبد رقيقا وإن أقر العبد له بالرق
كان رقيقا له وإن لم يأت بالبينة أحلف له العبد فإن حلف كان حرا وإن نكل لم يلزمه الرق حتى يحلف
المدعى على رقه فيكون رقيقا له (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهكذا الأمة مثل العبد سواء وهكذا
246

كل ما يملك إلا في معنى واحد فإن رجلا أو امرأة لو كانا معروفين بالحرية فأقرا بالرق لم يثبت عليها
الرق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ادعى الرجل على الرجل دما أو جراحا دون الدم عمدا أو
خطأ فسواء وعليه البينة فإن جاء بها قضى له فإن لم يأت بها ولا بما يوجب القسامة في الدم دون الجراح
أحلف المدعى عليه فإن حلف برئ وإن نكل عن اليمين لم ألزمه بالنكول شيئا حتى يحلف المدعى فإن
حلف ألزمت المدعى عليه جميع ما ادعى عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأيمان الدماء مخالفة
جميع الايمان الدم لا يبرأ منه إلا بخمسين يمينا وما سواه يستحق ويبرأ منه بيمين واحدة إلا اللعان فإنه
بأربعة أيمان والخامسة التعانه وسواء النفس والجرح في هذا يقبله بالذي نقصه به من نكوله عن اليمين
ويمين صاحبه المدعى عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وخالفنا بعض الناس رحمة الله عليه في
هذا فزعم أن كل من ادعى جرحا أو وفقأ عينين أو قطع يدين وما دون النفس أحلف المدعى عليه فإن
نكل اقتص منه ففقأ عينيه وقطع يديه واقتص منه فيما دون النفس وهكذا كل دعوى عنده سواء وزعم
أن في قول النبي صلى الله عليه وسلم (واليمين على المدعى عليه) دليل على أن إذا حلف برئ فإن نكل
لزمته الدعوى ثم عاد لما احتج به من قول النبي صلى الله عليه وسلم فنقضه في النفس فقال إن ادعى
عليه قتل النفس فنكل عن اليمين استعظمت أن أقتله وحبسته حتى يقر فأقتله أو يحلف فأبرئه قال مثل
هذا في المرأة يلتعن زوجها وتنكل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا أعلمه إلا خالف في هذا ما
زعم أنه موجود في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نحقه ولم نبطله كان ينبغي إذا فرق بين النفس
وما دونها من الجراح أن يقول لا أحبسه إذا نكل عن اليمين ولا أجعل عليه شيئا إذا كان لا يرى النكول
حكما وهو على الابتداء لا يحبس المدعى عليه إلا ببينة فإن كان للنكول عنده حكم فقد خالفه لأن
النكول عنده يلزمه ما نكل عنه وإن لم يكن للنكول حكم في النفس فقد ظلمه بحبسه في قوله لأن
أحدا لا يحبس أبدا بدعوى صاحبه وخالفه صاحبه وفر من قوله فأحدث قولا ثانيا محالا كقول صاحبه
فقال ما عليه حبس وما ينبغي أن يرسل وأستعظم الدم ولكن أجعل عليه الدية فجعل عليه دية في
العمد وهو لا يجعل في العمد دية أبدا وخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه يخير ولى الدم
في القصاص أو الدية ثم يقول ليس فيه إلا القصاص إلا أن يصطلحا فأخذ لولى الدم ما لا يدعى وأخذ
من المدعى عليه مالا يقربه وأحدث لهما من نفسه حكما محالا لا خبرا ولا قياسا وإذا كان يأخذ دماء
الناس في موضع بشاهدين حتى يقتل النفس وأكثر ما نأخذ به موضحة من شاهدين أو إقرار فما فرق
بين الدم والموضحة وما هو أصغر منها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ادعى رجل على رجل
كفالة بنفس أو مال فجحد الآخر فإن على المدعى الكفالة البينة فإن لم تكن له بينة فعلى المنكر اليمين
فإن حلف برئ وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على المدعى فإن حلف لزمه ما ادعى عليه وإن نكل
سقط عنه غير. أن الكفالة بالنفس ضعيفة وقال أبو حنيفة رحمه الله على مدعى الكفالة البينة فإن لم
تكن له بينة فعلى المنكر اليمين فإن حلف برئ وإن نكل لزمته الكفالة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
وإذا ادعى على رجل أنه أكراه بيتا من دار شهرا بعشرة وادعى المكترى أنه اكترى الدار كلها ذلك
الشهر بعشرة فكل واحد منهما مدع على صاحبه وعلى كل واحد منهما البينة فإن لم تكن بينة فعلى كل
واحد منهما اليمين على دعوى صاحبه فإن أقام كل واحد منهما البينة على دعواه فالشهادة باطلة
ويتحالفان ويترادان وإن كان سكن الدار أو بيتا منها فعليه كراء مثلها بقدر ما سكن وهكذا لو أنه
ادعى أنه اكترى منه دابة إلى مكة بعشرة وادعى رب الدابة أنه أكراه إياها إلى أيلة بعشرة كان الجواب
247

فيها كالجواب في المسألة قبلها ولو أقام أحدهما بينة ولم يقم الآخر أجزت بينة الذي أقام البينة وقاله أبو
حنيفة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا تداعى الرجلان الدار كل واحد منهما يقول هي لي في
يدي وأقاما معا على ذلك بينة جعلتها بينهما نصفين من قبل أنا إن قبلنا البينة قبلنا بينة كل واحد منهما
على ما في يده وألغيناها عما في يدي صاحبه فأسقطناها وجعلناها كدار في يدي رجلين ادعى كل
واحد منهما كلها فيقضى لكل واحد منهما بنصفها ونحلفه إذا ألغينا البينة على دعوى صاحبه (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان العبد في يدي رجل فادعاه آخر وأقام البينة أنه كان في يديه أمس
فإنه لا نقبل منه البينة على هذا لأنه قد يكون في يديه ما ليس له ولو أقام البينة أن هذا العبد أخذه هذا
منه أو انتزع منه العبد أو اغتصبه منه أو غلبه على العبد وأخذه منه أو شهدوا أنه أرسله في حاجته
فاعترضه هذا من الطريق فذهب به أو شهدوا أنه أبق من هذا فأخذه هذا فإن هذه الشهادة جائزة
ويقضى له بالعبد فإن لم تكن له بينة فعلى الذي في يديه العبد اليمين فإن حلف برئ وإن نكل عن
اليمين ردت اليمين على المدعى فإن حلف أخذ ما ادعى وإن نكل سقط دعواه وإنما أحلفه على ما ادعى
صاحبه (قال أبو يعقوب) رحمه الله تعالى تقبل بيته ويترك في يديه كما كان (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى وإذا كانت الدار وغيرها من المال في يدي رجل فادعاه رجل أو بعضه فقال الذي هو في
يديه ليس هذا بملك لي وهو ملك لفلان ولم يقم بينة على ذلك فإن كان فلان حاضرا صير له وكان
خصما عن نفسه وإن كان فلان غائبا كتب إقراره له وقيل لهذا المدعى أقم البينة على دعواك وللذي هو
في يديه ادفع عنه فإن أقام المدعى البينة عليه قضى له به على الذي هو في يديه وكتب في القضاء إني
إنما قبلت بينة فلان المدعى بعد إقرار فلان الذي هو في يديه بأن هذه الدار لفلان ولم يكن فلان المقر له
ولا وكيل له حاضرا فقالت البينة لفلان المدعى هذه الدار على ما حكيت في كتابي ويحكى شهادة
الشهود وقضيت له بها على فلان الذي هي في يديه وجعلت فلانا المقر له بها على حجته يستأنفها فإذا
حضر أو وكيل له استأنف الحكم بينه وبين المقضى له وإن أقام الذي هي في يديه البينة أنها لفلان
الغائب أودعه إياها أو أكراه إياها فمن قضى على الغائب سمع بينته وقضى له وأحلفه لغيبة صاحبه أن ما
شهد به شهوده لحق وما خرجت من ملكه بوجه من الوجوه وكتب له في كتاب القضاء إني سمعت
بينته ويمينه وفلان الذي ذكر أن له الدار غائب لم يحضر ولا وكيل له فإذا حضر جعله خصما وسمع بينته
إن كانت وأعلمه البينة التي شهدت عليه فإن جاء بحق أحق من حق المقضى له قضى له به وإن لم يأت
به أنفذ عليه الحكم الأول وإن سأل المحكوم له الأول القاضي أن يجدد له كتابا بالحكم الثاني عند
حضرة الخصم كان عليه أن يفعل فيحكى ما قضى به أولا حتى يأتي عليه ثم يحكى أن فلانا حضر
وأعدت عليه البينة وسمعت من حجته وبينته ثم يحكيها ثم يحكى أنه لم ير له فيها شيئا وأنه أنفذ عليه
الحكم الأول وقطع حجته بالحكم الآخر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وليس في القضاء على
الغائب إلا واحد من قولين إما لا يقضى على غائب بدين ولا غيره ولاما يقضى عليه في الدين وغيره
ونحن نرى القضاء عليه بعد الاعذار وقد كتبنا الاعذار في موضع غير هذا وسواء كان إقرار الذي الدار
في يديه قبل شهادة الشهود أو بعدها وسواء هذا في جميع الأموال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
وإذا كانت الدار في يدي رجل فادعى رجل أنها له آجرها إياه وادعى آخر أنها له وأنه أودعها إياه
فكل واحد منهما مدع وعلى كل واحد منهما البينة فإن أقاما بينه فإنه يقضى بها نصفين وقال أبو حنيفة
رضي الله عنه (قال الربيع) حفظي عن الشافعي أن الشهادتين باطلتان وهو أصح القولين (قال
248

الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار أو العبد في يدي رجل فادعى رجل أنه غصبه إياه في
وقت وأقام بينة على ذلك وادعى آخر أنه أقر أنه وديعة له في وقت بعد الغصب وأقام على ذلك بينة
فإنه يقضى به لصاحب الغصب ولا يقضى لصاحب الاقرار بشئ ولا يجوز إقراره فيما غصب من هذا
وصاحب الغصب هو المدعى وعليه البينة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ادعى رجل أنه اشترى
من رجل عبدا وأمة بألف درهم ونقده الثمن وهما في يدي البائع فقال البائع إنما بعتك العبد وحده
بألف درهم فإنهما يتحالفان ويتفاسخان والله أعلم.
باب الدعوى في الميراث
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت دار في يد رجل فادعاها رجلان كل واحد منهما يقيم
البينة على أنها له من وقت كذا إلى وقت كذا وأنه ورثها عن أبيه في وقت كذا حتى يحيط العلم أن
إحدى البينتين كاذبة بغير عينها فهذا مثل الشهادة على النتاج فمن زعم في النتاج أنه يبطل البينتين لأن
إحداهما كاذبة بالإحاطة ولا نعرفها ويجعل النتاج للذي هي في يديه لابطال البينة أبطل هاتين البينتين
وأقر الدار في يدي صاحبها ومن زعم أنه يحق البينة التي معها السبب الأقوى فيجعل كينونة النتاج في
يدي صاحبها بسبب أقوى ففي هذا قولان أحدهما أن تكون بينهما نصفين والآخر أن يقرع بينهما فأيهما
خرجت القرعة له كانت له كلها ولو كانت البينة شهدت على وقتين مختلفين لم يكن فيه إلا أن يقرع
بينهما أو تكون الدار بينهما نصفين لأنه قد يمكن في هذا أن تكون البينتان صادقتين وكل ما أمكن أن
تكون البينتان صادقتين فيه مما ليس في يدي المدعيين هكذا وكل ما لم يمكن إلا أن تكون إحدى
البينتين كاذبة فكالمسألة الأولى وسواء هذا في كل شئ ادعى وبأي ملك ادعى الميراث وغيره في ذلك
سواء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت أمة في يدي رجل فادعاها رجل أنها كانت لأبيه
وأقام بينة أن أباه مات وتركها ميراثا لا يعلمون له وارثا غيره وأقام آخر بينة أنه اشتراها من أبى هذا
ونقده الثمن فإنه يقضى بها للمشترى وشهادة الشراء تنقض شهادة الميراث وهذا لو شهدوا على صدقة
مقبوضة من الميت في صحته أو هبة أو نحل أو بعطية أو عمري من قبل أن شهود الميراث قد يكونون
صادقين على الظاهر أن يعلموا الميت مالكا ولا يعلمونها خرجت من يديه فيسعهم على هذا الشهادة ولو
توقوا فشهدوا أنها ملك له وأنهم لا يعلمونها خرجت من يديه حتى مات كان أحب إلى وإن كانت
الشهادة فيه على البت فهي على العلم وليس هؤلاء يخالفون شهود الشراء ولا الصدقة شهود الشراء
والصدقة يشهدون على أن الميت أخرجها في حياته إلى هذا فليس بينهم اختلاف إلا أنه خفى على
هؤلاء ما علم هؤلاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت دار أو أرض أو بستان أو قرية في يدي
رجل وادعى رجل أنها له وأقام بينة أنها لأبيه ولم يشهدوا أنه مات وترك ميراثا فإنه لا يقضي له ولا تنفذ هذه
الشهادة إلا أن يشهدوا أنها لم تزل لأبيه حتى مات وإن لم يذكروا أنه تركها ميراثا وكذلك
لو شهدوا أنها كانت لجده (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت الدار في يدي رجل فأقام رجل
شاهدين أن أباه مات وتركها ميراثا فأقام آخر شاهدين أن أبا هذا المدعى تزوج عليها أم هذا وأن أمه
فلانة ماتت وتركتها ميراثا فإنه يقضى بها لابن المرأة لأن الرجل قد خرج منها حيث تزوج عليها وهذا
مثل خروجه منها بالبيع وشهادة النساء في ملك الأموال كلها مع شهادة الرجال جائزة ولا تجوز على أن
249

فلانا مات وترك فلانا وفلانا لا وارث له غيرهما من قبل أن هذا يثبت نسبا وشهادتهن لا تجوز إلا في
الأموال محضة ومالا يراه الرجال من أمر النساء.
باب الشهادة على الشهادة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا شهد رجلان على شهادة رجلين فقد رأيت كثيرا من الحكام
والمفتين يجيزه فمن أجازه فينبغي أن يكون من حجته أن يقول ليسا بشاهدين على شهادة أنفسهما وإنما
يشهدان على شهادة رجلين فهما رجلان كل واحد منهما على رجل ورجل وأدل من هذا على امرئ
كأنه يشبه أن يجوز أن يقول رجل ألا ترى أنهما لو شهدا على شهادة رجلين أن هذا المملوك لهذا الرجل
بعينه وشهدا رجلين آخرين أن هذا المملوك بعينه لآخر غيره لم يكونا شاهدي زور وإنما أديا
قول غيرهما ولو كانا شاهدين على الأصل كانا شاهدي زور وقد سمعت من يقول لا أقبل على رجل إلا
شهادة رجلين وعلى آخر شهادة آخرين غيرهما ومن قال هذا ينبغي أن يكون من حجته أن يقول أنا
أقيمهما مقام الشاهد نفسه فلم يكن لهما أكثر من حكمه فهو لو شهد مرتين على شئ واحد لم يكن إلا مرة
فكذلك إذا شهدا هما على الآخر لم يكن إلا مرة فلا تجوز شهادتها وينبغي أن يقول من قال هذا أنهما
إنما كانا غير مجروحين في شهادتهما على أربعة مختلفين لأنهما لم يشهدا على العيان وهما لا يقومان إلا مقام
من شهدا على شهادته فلا يجوز أن يقوم اثنان إلا مقام واحد إذا لم يجز أن يجوز على الواحد إلا اثنان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يجوز على شهادة المرأة إلا رجلان ولا يجوز عليها رجل وامرأتان
لأن هذا ليس بمال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا كانت دار في يدي رجل فأقام رجل عليها
بينة أن أباه مات وتركها ميراثا ولم يشهدوا على الورثة ولا يعرفونهم فإن القاضي يكلف الورثة البينة أنهم
أولاد فلان بأعيانهم وأنهم لا يعلمون له وارثا غيرهم فإن أقاموا البينة على ذلك دفع الدار إليهم وإن لم
يقيموا البينة على ذلك وقف الدار أبدا حتى يأتوا ببينة أنهم ورثته ولا وارث له غيرهم ولا يؤخذ من
الوارث كفيل بشئ مما يدفع إليه بعد أن يستحقه ولو أخذته منه أخذته ممن قضيت له على آخر بدار أو
عبد وأخذته ممن قضيت له على رجل بدين وممن حكمت له بحكم ما كان وقاله أبو حنيفة رحمه الله
تعالى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت الدار في يدي رجل وادعاها آخر وأقام بينة أن أباه
مات وتركها ميراثا منذ سنة لا يعلمون له وارثا غيره وأقام الذي هي في يديه البينة أن أباه مات وتركها
ميراثا منذ سنة فإنها للذي هي في يديه وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه أقضى بها للمدعى (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أن الذي في يديه الدار أقر ان الدار كانت لأبي المدعي وان أباه اشتراها
منه ونقده الثمن وأقام على ذلك بينة قبل منه ذلك لأن الدر في يديه وهو أقوى سببا وقال أبو حنيفة
رحمه الله تعالى مثله إلا أنه يجعله المدعى في هذه المنزلة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت
الدار في يدي رجل فأقام رجل عليها البينة أن أباه مات وتركها ميراثا له ولأخويه فلان وفلان لا
يعلمون له وارثا غيرهم وإخوته كلهم غيب غيره فإن الدار تخرج من يدي الذي هي في يديه وتصير
ميراثا ويدفع إلى الحاضر من الورثة حصته فإن كان للغائب من الورثة وكلاء دفع إليهم حق من هم
وكلاؤه وإلا وقفت أنصباؤهم من الدار وأكريت لهم حتى حضروا وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى
250

يدفع إلى الحاضر حقه وتترك بقية الدار في يدي الذي كانت الدار في يديه (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وإذا كانت الدار في يدي ورثة وواحد منهم غائب فادعى رجل أنه اشترى نصيب ذلك الغائب
فمن قال لا يقضى على الغائب فإنه لا يقبل منه وخصمه غائب وليس أحد من هؤلاء الورثة بخصمه
وإن كانوا كلهم مقرين بنصيب الغائب أنه له ومن قضى الغائب قضى للمشترى ببينته وقال أبو حنيفة
رحمه الله تعالى لا يقضى على غائب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أكانت الدار في يدي رجل
وابن أخيه فادعى العم أن أباه مات وتركها ميراثا له لا وارث له غيره وادعى ابن الأخ أن أباه مات
وتركها ميراثا له لا وارث له غيره فإن لم يكن لواحد منهما بينة فإنه يقضى بها بينهما نصفين (قال) وإذا
كانت الدار في يدي رجل وابن أخيه فقال العم هي بين والدي وأخي نصفان وأقر ابن الأخ بذلك
وأقام العم البينة أن أباه مات قبل أبيه فورثه أبوه وابنه لا وارث له غيرهما ثم مات أبوه فورثه هو لا وارث
له غيره وأقام ابن الأخ البينة أن الجد مات قبل أخيه وأنه ورثه ابناه أحدهما أبو ابن الأخ والآخر لعم
الباقي ولا وارث له غيرهما ثم مات أبوه فورثه هو لا وارث له غيره فمن ذهب إلى أن تلغى البينة إذا
كانت لا تكون إلا أن يكذب بعضها بعضا ألغى هذه البينة وجعل هذه الدار على ما أقرا بها للمبنين
وورث ورثتهما الاحياء والأموات لأنه يجعل أصل الملك لمن أقرا له به ومن ذهب إلى أن يقرع بينهما أقرع
بينهما فأيهما خرج سهمه قضى له بما شهد له شهوده وألغى شهود صاحبه ومن ذهب إلى أن يقبل من
كل واحد منهما البينة عما في يده ويلغيها عما في يدي صاحبه قبلها ثم أثبت النصفين على أصل ما أقر به
وأثبت لكل واحد منهما النصف وورث كل واحد منهما من ورثه كان حيا يومه هذا أو ميتا قال أبو حنيفة
رحمه الله تعالى أقضى في هذه بنصيب كل واحد منهما لورثته الاحياء ولا ترث الأموات من ذلك شيئا
فأقضى بنصف الدار لابن الأخ وبنصف الدار للعم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا مات الرجل
وترك أخا لأبيه وأمه فعرفه القاضي أو شهد له بذلك شهوده ولا يعلم الشهود ولا القاضي أن له وارثا
غيره ليس أكثر من علم النسب فإن القاضي لا يدفع إليه شيئا لأنه قد يكون أخا ولا يكون وارثا ولو كان
مكان الأخ ابن فشهد الشهود أن هذا ابنه ولم يشهدوا على عدد الورثة ولا على أنه وارثه لا وارث له
غيره وقف القاضي ماله وتلوم به وسأل عن البلدان التي وطئها هل له فيها ولد فإذا بلغ الغاية التي لو كان
له فيها ولد لعرفه وادعى الابن أن لا وارث له غيره دفع إليه المال كله ولا يدفعه إلا بأن يأخذ به ضمينا
بعدد المال وحكاية أنه لم يقض له إلا بأنه لم يجد له وارثا غيره فإذا جاء وارث أخذ الضمناء بإدخال
الوارث عليه بقدر حقه وإن كان مكان الابن أو معه زوجة أعطاها ربع الثمن ولا يعطيها إياه حتى يشهد
الشهود أن زوجها مات وهي له زوجة ولا يعلمونه فارقها وإنما فرق بينها وبين الابن ان ميراثها محدود
الأكثر محدود الأقل فالأقل ربع الثمن والأكثر الربع وميراث الابن غير محدود الأقل محدود الأكثر
فالأكثر الكل والأقل لا يوقف عليه أبدا إلا بعدد الورثة وقد يكثرون ويقلون.
باب شهادة أهل الذمة في المواريث
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا تجوز شهادة أحد خالف الأحرار البالغين المسلمين على شئ
من الدنيا لأن الله تبارك وتعالى قال (من ترضون من الشهداء) ولا رضا في أحد خالف الاسلام وقال
الله تبارك وتعالى (وأشهدوا ذوي عدل منكم) ومنا المسلمون وليس منا من خالف الاسلام ولو كان
251

رجل يعرف بالنصرانية فمات وترك ابنين أحدهما مسلم والآخر نصراني فادعى النصراني أن أباه مات
نصرانيا وادعى المسلم أن أباه أسلم قبل أن يموت وقامت البينة أن لا وارث للميت غيرهما ولم تشهد على
إسلامه ولا كفره غير الكفر الأول فهو على الأصل وميراثه للنصراني حتى يعلم له إسلام ولو أقاما جميعا
البينة وأقام النصراني شاهدين مسلمين أنه أباه مات نصرانيا والمسلم شاهدين نصرانيين أن أباه أسلم قبل
أن يموت فالميراث للنصراني الذي شهد له المسلمان ولا شهادة للنصرانيين ولو كان الشهود جميعا مسلمين
صلى عليه ومن أبطل البينة إذا كانت لا تكون إلا أن يكذب بعضها بعضا جعل الميراث للنصراني وأقره
على الأصل ومن رأى أن يقرع بينهما أقرع ورجع الميراث للذي خرجت قرعته ومن رأى أن يقسم
الشئ إذا تكافت عليه البينة دخلت عليه في هذا شناعة وقسمة بينهما فأما الصلاة عليه فليست من
الميراث إنما نصلى عليه بالاشكال على نية أنه مسلم كما نصلى عليه لو اختلط بالمسلمين موتى ولم يعرف
على نية أنه مسلم (قال الربيع) وفيه قول آخر أن الشهود إن كانوا جميعا مسلمين فشهد اثنان أنه مات
مسلما وشهد اثنان أنه مات نصرانيا ولم نعلم أي شئ كان أصل دينه فإن الميراث موقوف عليهما حتى
يصطلحا فيه لأنهما يقران أن المال كان لأبيهما وأحدهما مسلم والآخر كافر فمتى قسمناه بينهما كنا قد ورثنا
كافرا من مسلم أو مسلما من كافر فلما أحاط العلم أن هذا المال لا يكون إلا لواحد ولا يعرف الواحد وقفناه
أبدا حتى يصطلحا فيه وهذا القول معنى قول الشافعي في موضع آخر (قال الربيع) قال مالك يقسم
المال بينهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت الدار في يدي رجلين مسلمين فأقرا جميعا أن
أباهما مات وتركها ميراثا وقال أحدهما كنت مسلما وكان أبى مسلما وقال الآخر كنت أنا أيضا مسلما وكذبه
الآخر وقال كنت أنت كافرا وأسلمت أنت بعد موت أبى وقال هو بل أسملت قبل موت أبى وأقر أن
أخاه كان مسلما قبل موت أبيه فإن الميراث للمسلم الذي يجمع عليه ويكون على الآخر البينة أنه أسلم
قبل موت أبيه وكذلك لو كانا عبدين فقال أحدهما لأخيه أعتقت بعد موت أبيك وقال الآخر بل
أعتقت قبل موت أبى أنا وأنت جميعا فقال الآخر أما أنا فقد أعتقت قبل موت أبى وأما أنت فأعتقت
بعد موت أبيك فالميراث للذي يجمع علي عتقه وعلى الآخر البينة وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه
ذلك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت الدار في يدي ذمي فادعى مسلم أن أباه مات وتركها
ميراثا لا يعلمون له وارثا غيره وأقام على ذلك بينة من أهل الذمة وادعى فيها ذمي مثل ذلك وأقام بينة
من أهل الذمة فإن الدار للذي هي في يديه ولا يقضى بها لمن ادعاها بشهادة أهل الذمة ويحلف الذي
الدار في يديه للذي ادعاها ومن كانت بينته من المسلمين قضيت له بالدار (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وإذا كانت الدار في يدي ورثة فقالت امرأة الميت وهي مسلمة زوجي مسلم مات وهو مسلم وقال
ولده وهم كبار كفار بل مات أبونا كافرا وجاء أخو الزوج مسلما وقال بل مات أخي مسلما وادعى الميراث
والمرأة مقرة بأنه أخوه وأنه مسلم فإن كان الميت معروفا بالاسلام فهو مسلم وميراثه ميراث مسلم وإن كان
الميت معروفا بالكفر كان كافرا وإن كان غير معروف بالاسلام ولا بالكفر كان الميراث موقوفا حتى يعرف
إسلامه من كفره ببينة تقوم عليه (قال الشافعي) وإذا مات المسلم وله امرأة فقالت كنت أمة فأعتقت
قبل أن يموت أو ذمية فأسلمت قبل أن يموت أو قامت عليها بينة بأنها كانت أمة أو ذمية وادعت العتق
والاسلام قبل أن يموت الزوج فأنكر ذلك الورثة وقالوا إنما كان العتق والاسلام بعد موته فالقول قول
الورثة وعلى المرأة البينة إذا عرفت بحال فهي من أهلها حتى تقوم البينة على خلافها ولو كانت المسألة
بحالها فقال الورثة كنت ذمية أو أمة أسلمت أو أعتقت بعد موته فقالت لم أزل مسلمة حرة كان القول
252

قولها لأنها الآن حرة مسلمة فلا يقضى عليها بخلاف ذلك إلا البينة تقوم أو إقرار منها وهكذا الأصل
في العلم كله لا يختلف فيه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أقرت المرأة بأن زوجها طلقها طلقة
واحدة في صحته وانقضت عدتها ثم قالت راجعني قبل أن يموت وقال الورثة لم يراجعك فالقول قول
الورثة لأنها قد أقرت أنها خارجة وادعت الدخول في ملكه فلا تدخل في ملكه إلا ببينة تقوم ولو
كانت المسألة بحالها وقالت لم تنقض عدتي وقال الورثة قد انقضت كان القول قولها.
باب للدعويين إحداهما في وقت قبل وقت صاحبه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان العبد في يدي رجل فأقام الرجل البينة أنه له منذ سنتين
وأقام الذي هو في يديه البينة أنه له منذ سنة فهو للذي هو في يديه والوقت الأول والوقت الآخر سواء
وكذلك لو كان في أيديهما فأقاما جميعا البينة على الملك إنما أنظر إلى الحال التي يتنازعان فيها فإذا شهد
لهما جميعا في تلك الحال أنهما مالكان لم أنظر إلى قديم الملك وحديثه وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى
هي للذي في يديه وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى هي للمدعى ولا أقبل من الذي هي في يديه البينة
وقال الشافعي وإذا كانت أمة في يدي رجل وادعى رجل أنها له منذ سنة وأقام على ذلك بينة وادعى
الذي هي في يديه أنها في يديه منذ سنتين وأقام البينة أنها في يديه منذ سنتين ولم يشهدوا أنها له فإني
أقضى بها للمدعى وقاله أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت
الدابة في يدي رجل فأقام رجل البينة أنها له منذ عشر سنين فنظر الحاكم في سن الدابة فإذا هي
لثلاث سنين فإنه لا يقبل بينة الذي أقام أنها له منذ عشر سنين وقاله أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى عنه وإذا كانت الدار في يدي رجل وادعاها رجل فأقام البينة انها له
منذ سنة وأقام الآخر البينة أنه اشتراها من الذي ادعى منذ سنتين وهو يومئذ يملكها فإني أقضى بها
لصاحب الشراء من قبل أنى أجعلها ملكا له فأخرجها من يدي الذي هي في يديه فإذا جعلته مالكا
أجزت عليه بيع ما يملك وليس في شهادتهم أنها له منذ سنة ما يبطل أنها له منذ سنتين أو أكثر (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى ولو شهدوا أنه باعها بثمن مسمى وقبض المشترى الدار ولم يشهدوا أنه يملكها
فإني أقضى بها لصاحب الشراء وإن لم يشهدا على قبض الدار أجزت شهادتهم وجعلت له الشراء وقال
أبو حنيفة رحمه الله تعالى أجيز له شهادتهم إذا شهدوا أن المشترى قبض الدار وإن لم يشهدوا على
القبض لم أجز شهادتهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت أرض في يدي رجل يقال له
عبد الله فأقام آخر يقال له عبد الملك البينة أنه اشتراها من رجل يقال له عبد الرحمن بثمن مسمى
ونقده الثمن فإنه لا تقبل بينته على هذا حتى يشهدوا أن عبد الرحمن باعها وهو يومئذ يملكها فإن شهدوا
أنها أرض هذا المدعى اشتراها من فلان بثمن مسمى ونقده الثمن كان هذا جائزا (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى وإذا شهدوا أنه باعها وهو يومئذ يملكها أو شهدوا أنها أرض هذا المدعى اشتراها من
فلان بكذا وكذا ونقده الثمن كان هذا جائزا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا شهدوا أنه اشترى شيئا
من رجل ولم يقولوا أن البائع كان يملكه حين باعه لم أجز شهادتهم ولو لم يشهدوا أنها للمشترى وشهدوا
أنها للبائع باعها من هذا وهو يملكها بثمن مسمى وقبض الثمن ولم يذكروا أنه يملكها وقبضها منه أجزت
ذلك وإذا لم يشهدوا أن البائع باعها وهو يملكها ولم يشهدوا أنها للمشترى ولم يشهدوا على القبض لم
253

أقبل شهادتهم على شئ من ذلك وما قبلت به شهادتهم وقضيت به للمسلمين فقدم البائع فأنكر جعلته
على حجته فيه وأعدت عليه نسخة ما شهد به عليه وأطردته جرحهم كما أصنع به في الابتداء (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت الدابة في يدي رجل فأقام البينة أنها له وأقام رجل أجنبي بينة
انها له فهي للذي هي في يديه وسواء أقام الذي هي في يديه بينة على أنها له بميراث أو شراء أو غير
ذلك من الملك أو لم يقمها أو أقام البينة على وقت أو لم يقمها وسواء أقام الأجنبي البينة على ملك أقدم
من ملك هذا أو أحدث أو معه أو لم يقمها إنما يقمها إنما أنظر إلى الشهود حين يشهدون فاجعلها للذي هو أحق
في تلك الحال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت الدار في يد رجلين فأقام أحدهما البينة أنها
كلها له منذ سنة والآخر البينة أن له كلها منذ سنتين فهي بينهما نصفان أقبل بينة كل واحد منهما على ما
في يده وأطرحها عما في يد غيره إذا شهد شهود له بخلافها (قال أبو يعقوب) يقضى بها لأقدمهما ملكا
كلها (قال الربيع) هي بينهما نصفان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهكذا لو أقام أحدهما البينة على
أن له نصفها أو ثلثها وأقام الآخر البينة أن له كلها جعلت ما شهد به شهود الذين شهدوا على أقل من
النصف له وما بقي من الدار للاخر وهكذا الأمة وما سواها.
باب الدعوى في الشراء والهبة والصدقة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا كانت الدار في يدي رجل فادعى رجل أنه اشتراها بمائة
درهم ونقده الثمن وادعى الآخر أن اشتراها منه بمائتي درهم ونقده الثمن ولم توقت واحدة من البينتين
وقتا فإن كل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصفها بنصف الثمن الذي سمى شهوده ويرجع على البائع
بنصفه فإذا اختار البيع فهو جائز لهما فإن اختار أحدهما البيع واختار الآخر الرد فللذي اختار نصفها
بنصف الثمن ولا يكون له كلها إذا وقع الخيار من الحاكم (قال الربيع) وفيه قول آخر أن البيع كله
مفسوخ بعد الايمان إذا لم يعرف أيهما أول ويرجع إلى صاحبها الأول فمن أقر له المالك بأنه باعه أولا
فهو للذي باعه أولا وهو قياس قول الشافعي (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت الدار في يدي
رجل أو العبد أو الأرض أو الداية أو الأمة أو الثوب فأقام رجل البينة أنه اشتراه من فلان وهو يملكه
بثمن مسمى ونقده الثمن فادعى آخر أنه اشتراه من رجل وهو يملكه بثمن مسمى ونقده الثمن وأقام على
ذلك بينة فإنه يقضى بالثوب للذي هو في يديه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان الثوب في
يدي رجل فأقام رجلان عليه البينة كل واحد منهما يقيم البينة أنه ثوبه باعه من الذي هو في يديه بألف
درهم أو أنه باعه منه بألف درهم ولم تقل الشهود إنه ثوبه قال يقضى به بينهما نصفين ويقضى لكل
واحد على المشترى بنصف الثمن لأن كل واحد يستحق نصفه ولو شهد لكل واحد على إقرار المشترى أنه
اشترى منه قضى عليه بالثمن لكل واحد وقاله أبو حنيفة رضي الله عنه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
وإذا كانت الدابة في يدي رجل فادعى رجل أنه اشتراها من فلان بمائة درهم وهو يملكها ونقده الثمن
وادعى آخر أن فلانا آخر وهبها له وقبضها منه وهو يومئذ يملكها وكان معهم من يدعى ميراثا عن أبيه
وهو يملكها وأقام على ذلك بينة وادعى آخر صدقة من آخر وهو يملكها وأقام على ذلك بينة قال فمن
قضى بالبينتين المتضادتين قضى بها بينهم أرباعا ومن قال أقرع بينهم قضى بها لمن خرجت له القرعة
ومن قال ألغيها كلها إذا تضادت ألغاها كلها (قال الربيع) ألغيها كلها إذا تضادت (قال الشافعي)
254

رحمه الله تعالى (1) فإذا كان الكراء بدا فاسدا فعليه كراء مثل الدار فيما سكن بقدر ما سكن (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا تنازع الرجلان المال فأنظر أيهما كان أقوى سببا فيما يتنازعان فيه فأجعله
له فإذا استوى سببهما فليس واحد منهما بأحق به من الآخر وهما فيه سواء فإذا تنازعا المال فهما مستويان
في الدعوى فإن كان ما يتنازعان فيه في يد أحدهما فللذي هو في يديه سبب أقوى من سبب الذي
ليس هو في يديه فهو له مع يمينه إذا لم تقم لواحد منهما بينة فإن أقام الذي ليس في يديه بينة بدعواه
قيل للذي هو في يديه البينة العادلة التي لا تجز إلى نفسها بشهادتها ولا تدفع عنها إذا كانت للمدعى
أقوى من كينونة الشئ في يدك من قبل أن كينونته في يدك قد تكون وأنت غير مالك فهو للذي أقام
البينة بفضل قوة سببه على سببك فإن أقاما معا البينة عليه قيل قد استويتما في الدعوى واستويتما في
البينة وللذي هو في يديه سبب بكينونته في يده هو أقوى من سببك فهو له بفضل قوة سببه وهذا
معتدل على أصل القياس لو لم يكن فيه سنة وفيه سنة بمثل ما قلنا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا ابن أبي يحيى عن إسحاق بن أبي فروة عن عمر بن الحكم عن جابر بن عبد الله أن رجلين
تداعيا دابة فأقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي
هي في يديه وهذا قول لك من حفظت عنه ممن لقيت في النتاج وفيما لا يكون إلا مرة وخالفنا بعض
المشرقيين فيما سوى النتاج وفيما يكون مرتين فقال إذا أقاما عليه بينة كان للذي ليس هو في يديه وزعم
أن الحجة له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه) وزعم أنه
لا يخلو خصمان من أن يكون أحدهما مدعيا في كل حالة والآخر مدعى عليه في كل حالة ويزعم أن
المدعى الذي تقبل منه البينة لا يكون إلا من لا شئ في يديه فأما من في يديه ما يدعى فذلك مدعى
عليه لا مدع ولا نقبل البينة من المدعى عليه فقيل له أرأيت ما ذكرنا وذكرت من أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قبل البينة من صاحب الدابة الذي هي في يديه وقضى له بها وأبطل بينة الذي ليس هي
في يديه لو لم يكن عليك حجة إلا هو أما كنت محجوجا على لسانك أو ما كان يلزمك في أصل قولك
أن لا تقبل بينة الذي هي في يديه؟ فإن قال إنه إنما قضى بها للذي في يديه لأنه أبطل البينتين معا
لأنهما تكافأتا. قلنا فإن قلته دخل عليك أن تكون البينة حين استوت باطلا (قال) ولو أقام على دابة
رجل في يديه بينة أنها لكل واحد منهما أبطلته، ولو أقاما بينة على شئ في يد أحدهما من غير نتاج
أبطلتها لأنها قد تكافأت ولزمك في ذلك الموضع أن تحلف الذي في يده الدابة لأنه مدعى عليه كمن
لم يقم بينة ولم تقم عليه (قال) ولا أقول هذا وذكر أن إحدى البينتين لا تكون أبدا إلا كاذبة من قبل
أن الدابة لا تنتج مرتين. قلنا فإن زعمت أن إحداهما كاذبة بغير عينها فكيف أبطلت إحداهما وأحققت
الأخرى فأنت لا تدرى لعل التي أبطلت هي الصادقة والتي أحققت هي الكاذبة فقل ما أحببت
(قال) فإن قلت هذا لزمني ما قلت ولكني أسألك. قلت بعد قطعك الجواب قال أسألك قلت:
فسل قال أفيخالف الحديث الذي رويتموه في النتاج الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله
(البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه؟) قلنا: لا قال فمن المدعى ومن المدعى عليه؟ قلت:
المدعى عليه كل من زعم أن شيئا له كان بيديه أو بيدي غيره لأن الدعوى معقولة في كلام العرب أنها

(1) قوله: فإذا كان الكراء الخ هذا التفريع والذي بعده لا يتعلق بهذا الباب وتقدم وسيأتي قريبا ما يناسبه
اه‍.
255

قول الرجل هذا لي والمدعى عليه كل من زعم أن قبله حقا في يديه أو ماله أو قوله لا ما ذهبت إليه
(قال) فما يدل على ما قلت؟ قلنا ما لا أحسب أحدا يجهله من اللسان (قال) فما قوله (البينة على
المدعى) قلنا السنة في النتاج وإجماع الناس أن ما ادعى مما في يديه له حتى تقوم عليه بينة بخلافه
يدلان على أن قوله (البينة على المدعى) يعنى الذي لا سبب له يدل على صدقه إلا دعواه واليمين على
المدعى عليه لا سبب يدل عليه صدقه إلا قوله (قال) فأين هذا؟ قلنا من قال لرجل لي في يديك مال
ما كان أو عليك حق قلته أو فعلته فقال مالك قبلي ولا على حق أليس القول قوله مع يمينه؟ قال: بلى
قلنا فهذا يدلك على أن المدعى للبراءة مما ادعى عليه والمال في يديه هو الذي لا يكلف بينة وإن كان
مدعيا أو يكلف الذي لا سبب له بدعواه البينة أرأيت لو كان هذا حين ادعى البراءة مما ادعى عليه
وادعى الشئ الذي في يديه وله سببه يدل على صدقه يكلف بينة أما كان الحق لازما له إلا ببينة
يقيمها؟ قال فإن قلت هو المدعى عليه أليس هو المدعى؟ قلنا فإذا كان مدعى عليه لم تقبل منه بينة؟
قال نعم قلنا فإن أقام بينة ببراءة من حق دفعه أو بطل عنه بغير وجه الدفع أتقبلها منه؟ قال نعم وأجعله
حينئذ مدعيا قلنا فهو إذا قد يكون في الشئ الواحد مدعيا مدعى عليه وليس هو هكذا زعمت (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تداعى الرجلان الشئ وهو في يد أحدهما دون الآخر فأقاما معا عليه
بينة فالبينة بينة الذي هو في يديه إذا كانت البينة مما يقضى بمثله مثل شاهد وامرأتين أو شاهدين فأقام
الآخر عشرة وأكثر فسواء لأنا نقطع بهؤلاء كما نقطع بهؤلاء وسواء كان بعضهم أرجح من بعض لأنا
نقطع بالأدنيين إذا كانوا عدولا مثل ما يقطع بالأعليين ألا ترى أنا لا ننقص صاحب الأدنيين لو أقامهما
على الانفراد عما يعطى صاحب الأعليين لو أقامهما على الانفراد؟ فإذا كان الحكم بهم واحدا فسببهما
من جهة البينتين مستو وقال في الإبل والبقر وجميع الدواب الضواري المفسدة للزرع أنه لاحد ولا نفى
على بهيمة وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أفسدت المواشي أنه ضامن على أهلها وقضى على
أهل الأموال بحفظها بالنهار وقضاؤه عليهم بالحفظ لأموالهم بالنهار إبطال لما أصابت في النهار وتغريم لما
أصابت في الليل وفي هذا دلالة على أنها لا تباع على أهلها ولا تنفى من بلدها ولا تعقر ولا يعدى بها
ما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أقر الرجل للرجل بشئ
ما كان من ذهب أو فضة أو عرض من العروض فوصل إقراره بشئ من الكلام من معنى الاقرار بصفة
لما أقربه أو أجل فيما أقر به فالقول قوله في أول الكلام وآخره وذلك مثل أن يقول له على ألف درهم
سوداء أو طبرية أو يزيدية أو له على عبد من صفته أو طعام من صفته أو ألف درهم تحل في سنة أو
سنتين فالقول قوله في هذا كله لأني إذا لم أثبت عليه من هذا شيئا إلا بقوله لم يجز أن أجعل قولا واحد
أبدا (1) إلا حكما واحدا لا حكمين. ومن قال أقبل قوله في الدارهم وأجعل ذكره الاجل دعوى منه
لا أقبلها إلا ببينة لزمه أن يقول إذا أقر بألف درهم كانت نقد البلد الذي أقر به فإن أقر به فإن وصل
إقراره بأن يقول طبرية جعلته مدعيا لأنه قد نقص من وزن ألف درهم ومن أعيانها وإن أقر بطعام فزعم
أنه طعام حولي جعلت عليه طعاما جديدا ولزمه أن يقول لو قال له على ألف درهم إلا عشرة يلزمه ألف
ويبطل الثنيا ولزمه لو قال امرأته طالق ثلاثا إلا واحدة أن يقع الثلاث ويبطل الثنيا في الواحدة ولزمه لو
قال رقيقي أحرار إلا واحدا أن يكونوا أحرارا ويبطل الثنيا ولكنه لو قال على ألف درهم ثم سكت وقطع

(1) قوله: إلا حكما، اي إلا ذا حكم.
256

الكلام ثم قال إنما عنيت ألف درهم إلا عشرة ألزمناه إقراره الأول ولم نجعل له الثنيا إذا خرج من
الكلام ولو جعلناه له بعد خروجه من الكلام وقطعه إياه جعلناه له بعد أيام وبعد زمان وإن قال لك
على ألف درهم من ثمن متاع بعتنيه أو وديعة أو سلف وقال إلى أجل فسواء وهي إلى الاجل (1) إلا في
السلف فإن السلف حال والوديعة حالة فلو أن رجلا أسلف رجلا ألف درهم إلى سنة كانت حالة له
متى شاء أن يأخذ السلف لأن السلف (2) عارية لم يأخذ بها المسلف عوضا فلا يكون له أخذها قبل ما
شرط المسلف فيها وهكذا الوديعة وجميع العارية من المتاع وغيره فلصاحبه أخذه متى شاء وسواء غر
المعار أو المسلف من شئ أو لم يغره إلا أن الذي يحسن في هذا مكارم الأخلاق وأن يفي له فأما الحكم
فيأخذها متى شاء وإذا كان للرجل على الرجل الدين إلى أجل من الآجال قريب أو بعيد فأراد الذي
عليه الدين السفر وسأل الذي له الدين أن يحبس عن سفره وقال سفره بعيد والأجل قريب أو يؤخذ له
كفيل أو رهن لم يكن ذلك له وقيل إذا حل الاجل طلبته حيث كان أو ماله فقضى لك فيه من يرى
القضاء على الغائب ومالك حيث وضعته وكما وضعته لا يحيله عما تراضيتما به خوف ما لا يدرى يكون
أولا أنت ترضى أن تكون أعطيته إياه لا سبيل لك عليه فيه إلى الاجل ثم نجعل لك عليه السبيل قبل
الاجل ولسنا نعطى بالخوف ما لم يكن لما أعطيته ولا ترضى ذمته ونأخذ لك مع ذمته رهنا وجميلا به
وكذلك لو بعته متاعا إلى أجل فلم تدفعه إليه حتى تعلم أنه غير ملئ جبرناك على دفعه إليه ولم نفسخ
بينكما البيع حتى يحل الاجل فيكون مفلسا لأنه قد يمكن أن يوسر قبل الاجل (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى وإذا ادعى الرجل على المرأة أنه تزوجها بولي وشهود ورضاها أحلفت فإن حلفت لم أثبت
عليها النكاح وإن نكلت رددنا عليه اليمين فإن حلف ثبت النكاح وإن لم يحلف لم يثبت وكذلك لو
كانت هي المدعية للنكاح عليه لم أحلفها حتى تزعم أن العقد كان صحيحا برضاها وشاهدي عدل
وولى فإن زعم أن العقد نقص من ذا لم أحلفها وذلك أنهما لو عقدا هذا ناقصا فسخت النكاح فلا
أحلفها على أمر لو كان فسخته وكذلك هو في جميع هذا (قال الشافعي) رضي الله عنه وإذا أقر
الرجل أنه أعتق عبده على ألف أو أقل أو أكثر سئل فإن قال جعلته حرا إن أدى إلى ألفا قيل للعبد إن
شئت فأد إليه ألفا وأنت حر وإن شئت لا تؤدى لم يكن لك حرية فإن ادعى العبد أنه أعتقه عتقا بتاتا
على غير شئ أحلفنا السيد فإن حلف برئ وإن نكل ردت اليمين على العبد فإن حلف عتق وإن قال
السيد أعتقته عتق بتات وضمن لي بالعتق مائة دينار أثبتنا عليه العتق وجعلناه مدعيا في المائة إنما نجعل
القول قوله إذا زعم أنه لم يوقع العتق وأنه جعله لشئ أراده لأنه لم يقر فيه بحرية متقدمة وإنما أقر بحرية
تقع فإن قبلها العبد وقعت وإن لم يصدقه لم تقع كما زعمنا في المسألة الأولى ولو قال بعته نفسه بألف
درهم فإن صدقه العبد فهو حر وعليه ألف درهم وإن ادعى العتق وأنكر الألف فهو حر والسيد مدع
وعلى العبد اليمين (قال الربيع) وفيه قول آخر أن بيع العبد من نفسه باطل فإن أعطاه المائة عتق بالصفة
إذا كان قال له إن أعطيتني مائة فأنت حر ولم يعتق بسبب البيع (3) لأنه غير مبيع (قال الشافعي)
رحمه الله وكذلك لو قال كاتبته على ألف وادعى العبد أنه أعتقه فإن قال قائل كيف تصيره رقيقا وهو

(1) وقوله: إلا في السلف فإن الخ لعله " إلا في السلف والوديعة فإن الخ "
(2) وقوله: عارية اي كعارية. وقوله " فلا يكون " مفرع على المنفي، فتنبه
(3) قوله: لأنه غير مبيع اي هذا القول، تأمل.
257

يقدر على أن يعتق بشئ يفعله وهو لو أعتقه سيده فقال لا أقبل العتق كان حرا ولم نجعل له الخيار في
أن يكون رقيقا؟ قيل له إن شاء الله تعالى كل ما أقر به السيد أنه قد وقع به عتق ماض لم يرد العتق
الماضي كقوله بعتك من رجل وأعتقك فيكون حرا ولا يكون على الرجل ثمنه إلا أن يقر به وما زعم أن
العتق يقع فيه مستأنفا بشئ يؤديه العبد أو يفعله لم يقع العتق إلا بأن يوفيه العبد أن يفعله كقوله للعبد
أنت حر إن أعطيتني درهما أو إن دخلت الدار أو إن مسست الأرض أو إن أكلت هذا الطعام فإن فعل
من هذا شيئا كان حرا وإن لم يفعله كان رقيقا وكانت المشيئة فيه إلى العبد وللسيد أن يرجع فيبيعه
ويبطل ما جعله له لأن العتق إنما يثبت له إذا فعل شيئا فكلما لم يفعله فهو خارج من العتق وعلى أصل
الملك وكل هذا مخالف للكتابة لأنه في الكتابة يملك ماله الذي يكون به حرا إلى وقته فالمكاتب زائل
في هذا الموضع عن حكم العبد وإن كان قال له شيئا من هذا فوقت وقتا فقال إن فعلته قبل الليل أو
قبل أن نفترق من المجلس ففعله العبد قبل أن يحدث السيد فيه بيعا أو شيئا يقطع اليمين فهو حر وإن فعله
بعد الوقت لم يكن حرا وإن لم يوقت فمتى فعله كان العبد حرا وإن قال لا أفعل ثم فعله كان حرا (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا مات لرجل شاة أو بعير أو دابة فاستأجر من يطرحها بجلدها فالإجارة
فاسدة فإن تراجعا قبل طرحها فسخناها وإن طرحها جعلنا له أجر مثله ورددنا الجلد إن كان أخذه على
مالك الدابة الميتة فإن قال قائل ومن أين تفسد؟ قيل من وجهين أحدهما أن جلد الميتة لا يحل بيعه ما
لم يدبغ فالإجارة لا تحل إلا بما يحل بيعه ومن قبل أنه لو كان جلد ذكى لم يحل بيعه وهو غير مسلوخ من
قبل أنه قد يتلف ويعاب في السلخ ويخرج على غير ما يعرف صاحبه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
وإذا ادعت الأمة على سيدها أنها أم ولد له أحلف السيد لها فإن حلف كانت رقيقا وإن نكل أحلفت
فإن حلفت كانت أم ولد وإن لم تحلف كانت رقيقا له وكذلك الرجل يدعى على الرجل الحر أنه عبده
أحلفه له أيضا مثل أم الولد سواء وكذلك كل ما ورد عليك من هذه الأشياء فهو هكذا (1) قلت
أرأيت بيع العذرة التي يزبل بها الزرع قال لا يجوز بيع العذرة ولا الروث ولا البول كان ذلك من الناس
أو من البهائم ولا شيئا من الأنجاس وليس شئ من الحيوان بنجس ما كان حيا إلا الكلب والخنزير
فهذا لما لزمتها النجاسة في الحياة لم تحل أثمانهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا ابن أبي يحيى
عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه كان يشترط على الذي يكريه أرضه أن لا يعرها وذلك قبل أن
يدع عبد الله الكراء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا تباع عظام الميتة. ولو أوقدتها تحت قدر أو
غيرها لا أعلم تحريما لأن يؤكل ما في القدر ولا يستمتع من الميتة بشئ إلا الجلد إذا دبغ ولولا الخبر في
الجلد ما جاز أن يستمتع به وإن كان معقولا في الجلد أن الدباغ يقلبه عن حاله التي كان بها إلى حال
غيرها فيصير يصب فيه الماء فلا يفسد الماء وتذهب عنه الرائحة وينشف الدباغ فضوله والعظم والشعر
بحالهما لا دباغ لهما يغيرهما ويقلبهما كما يقلب الجلد والصوف مثل الشعر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
ولو وجب لرجل على رجل قصاص في قطع يد أو جرح غيره أو نفس هو وليها فقال الذي له القصاص
قد صالحتك ما لي عليك من القصاص على أرشه وقال الذي عليه القصاص ما صالحتك والقصاص
لك فإن شئت فخذه وإن شئت فدعه، قلنا للمدعى الصلح أنت في أصل ما كان لك كنت غنيا عن
الصلح لأن أصل ما وجب لك الخيار بين أن تقتص وبين أن تأخذ الأرش مكانك حالا في مال

(1) قوله: قلت أرأيت الخ، لا يناسب ما قبله فلعله فيه سقطا من الناسخ، تأمل.
258

الجاني وتدع القصاص فلا يبطل ذلك لك بقولك صالحتك ولكن من زعم أنه كان له القصاص ولم
يكن له إلا القصاص ولم يكن له أن يأخذ ما لا أبطل القصاص عن الذي وجب عليه القصاص بأن
المدعى زعم أنه قد أبطل حقه فيه إذ قال قد عفوته على مال وأنكر الذي عليه القصاص المال فعليه
اليمين، وإذا أقام البينة على الشئ في يدي الرجل فسأل المقام عليه البينة الحاكم أن يحلفه له مع بينته
لم يكن له إحلافه مع البينة إذا كان اثنان فصاعدا، فإن قال قد علم غير ما شهدت به بينته من أنه قد
أخرجه إلى من ملكه بوجه من الوجوه أو قد أخرجه إلى من أخرجه إلى فعليه اليمين لأن هذه دعوى غير
ما قامت به البينة لأن البينة قد تكون صادقة بأنه له بوجه من الوجوه ويخرجه هو بلا علم البينة فتكون
هذه يمينا من غير جهة ما قامت عليه البينة فإذا شهد شاهدان لرجل أن هذه الدار داره مات وتركها
ميراثا وورثه فلان وفلان لا وارث له غيرهما فالشهادة جائزة وقد كان ينبغي أن يتوقيا فيقولان لا نعلمها
خرجت من يده ولا نعلم له وارثا لأنه قد يمكن أن تكون خرجت من يديه بغير علمهما ويدعى وارثا
بغير علمهما غير من سميا فإنما أجزنا الشهادة على البت وقد يمكن خلافه بمعنى أن البت فيها هو العلم
وذلك أنه لا يعلم هذا شاهد أبدا ولا ينبغي في هذا غير هذا وإلا تعطلت الشهادات ألا ترى أنى قبلت
قول الشاهد إن هذه الدار داره لم يزد على هذا فقد يمكن أن تكون غير داره بكل وجه بأن يخرجها هو
من ملكه أو يكون ملكها عن غير مالك أو غصبها ألا ترى أنى أجيز الايمان على الامر قد يمكن غيره في
القسامة التي لم يحضرها المقسم وفي الحق يكون لعبد الرجل وابنه ويجيزها من خالفنا على البت فيحلف
الرجل لقد باع هذا العبد بريئا من الإباق وبريئا من العيوب وقد يمكن أن يكون أبق بغير علمه
ويكون عنده هذا العيب بغير علمه وأقبل الشهادة على البت والعلم معا ومعنى البت معنى العلم إذا كان
لا يمكن في البت إلا العلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وللرجل أن يكرى داره ويؤاجر عبده يوما
وثلاثين سنة لا فرق بين ذلك وذلك إذا كان مسلطا على أن يخرج رقبة داره ورقبة عبده إلى غيره
بعوض وغير عوض لم يكن ممنوعا أن يخرج إليه منفعتهما أقل من رقابهما (قال الشافعي) رحمه الله:
تعالى فإذا أقر الرجل لقوم أن أباهم كان أسلفه ما لا وأنه قد قضاه والدهم أو الرجل يقر بالدين للرجل
عليه عند القوم على وجه الشكر للذي أسلفه يحمده بذلك أنه قد أقرضه وقضاه (قال الربيع) لم يجئ
بالجواب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا تكارى الرجل من الرجل الدار بعشرين دينارا على أن
الدار إن احتاجت إلى مرمة رمها المكترى من العشرين الدينار، قال أكره هذا الكراء من قبل شيئين
أحدهما أن يكون المكترى أمين نفسه إن أراد المكرى أن يرمها ويمنع المكترى أن يرمها كان لم يف له
بشرطه وإن جبرت المكرى على أن يرمها المكترى كان قد يرمها بالقليل والكثير ولم يعقد له وكالة على
شئ يعرفه بعد ما كان والوجه الآخر أنها قد تحتاج إلى مرمة لا يضر بالساكن تركها وإنما يلزم رب الدار
مرمة ما يضر بالساكن تركه فإن وقع الكراء على هذا فسخناه قبل السكن وبعده وقبل النفقة وبعدها
فإن أنفق فيها أقل من عشرين دينارا كان القول قوله مع يمينه، فإن بلغ العشرين أو زاد عليها فهو متعد
فإن كان أدخل فيها ما ليس منها قيل له انقضه فأخرجه إن شئت وإن شئت فدعه وعليه كراء مثل الدار
إذا سكن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ادعى الرجل دارا في يدي رجل فأقام البينة أنها دار
أبيه كان أصح للبينة أن تشهد أنه مات وتركها ميراثا فإن لم يشهدوا بها وشهدوا أنها دار أبيه كان يملكها
لا يزيدون على ذلك قضينا لأبيه ولا ندفع إليه ميراثه وإن كان أبوه حيا تركنا الدار في يدي الذي هي
في يديه حتى يوكل أو يحضر فينظر ما يقول، فإن مات أبوه أو كان يوم شهدت البينة ميتا كلفنا ابنه
259

البينة على عدد ورثته ثم قضينا بها لهم على قدر مواريثهم فإن جاء بالبينة أن أباه مات ولم يأت بالبينة
على عدد ورثته وقفناها وعرفنا غلتها حتى تعرف ورثته فإن ادعوها دفعناها إليهم وغلتها فإن ادعاها
بعضهم وكذب بعضهم الشهود رددنا حصة من أكذب الشهود من الدار والغلة وأنفذنا حصة من
ادعى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال رجل من دخل المسجد فهو ابن فاعلة فبئس ما قال
ولا حد عليه ولو كان المسجد جامعا يصلى فيه انبغى أن يعزر وإنما منعنا من حده أنه لم يقصد قصد
أحد بعينه بفرية وأنه قد يمكن أن لا يدخل المسجد من له حد فرية، وهكذا لو قال من رماني بحجر
أو شتمني أو أعطاني درهما أو أعانني فهو ابن كذا وكذا لم يكن في هذا حد، وإنما قلت هذا من قبل
أنه قال من فعل بي من قبل أن يفعل به وهذا قياس على العتق قبل الملك (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وإن أصيب رجل برمية فشجه موضحة فقال من رماني فهو ابن كذا لفرية فقال رجل أنا رميتك
صدق على نفسه وكان عليه أرش الشجة أو القصاص فيها إن كان عمدا أو الأرش إن كان خطأ ولا
يصدق على الذي افترى عليه إن قال المفترى المشجوج ما قصدت قصد هذا بفرية ولا علمته رماني
وإذا أقر لي بأنه شجني فأنا آخذ منه أرش شجتي، وإن قال قد علمت حين رماني أنه رماني فافتريت
عليه بعد العلم لم آخذ منه حقه في الشجة ولا حد له، فإن قال قائل لم لا تحده وقد كان الكلام بعدما
كان الفعل؟ قيل إن الكلام كان غير مقصود به القذف، وقد قال الله تبارك وتعالى (والذين يرمون
المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) فكان بينا أن المأمور بجلدة ثمانين هو من
قصد قصد محصنة بقذف بمثل ما تقع به الايمان فقال قائل إن كان خرج رجل من الكوفة ثم قدم
عليها الساعة فهو ابن كذا فقدم تلك الساعة رجل حر مسلم كان عليه الحد من قبل أن القذف كان بعد
خروجه من الكوفة وكان القدوم بعده والقدوم لا يكون إلا والخروج متقدم له قبل الكلام بالقذف
وهذا لا حد عليه من قبل أنه يمكن أن لا يقدم في تلك الساعة وأنه لم يقصد قصده بقذف ولو كان
الحد يقع بما تقع به الايمان كان الرجل لو قال: غلامي حر إن ضربني أو إن أطاعني أو إن عصاني
ففعل من هذا شيئا كان حرا ولو قال من ضربني فهو ابن كذا فضربه رجل لم يكن عليه حد ولا
يجوز فيه والله تعالى أعلم إلا ما قلت من أنه إنما يكون الحد على من قصد قصد أحد بالفرية أو يكون
الحد على من وقعت فريته بحال كما تقع الايمان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا تجوز شهادة النساء
مع الرجال ولا منفردات إلا في موضعين أن يشهدن على مال لا غيره مع رجل أو يشهدن على ما
يغيب من أمر النساء منفردات فإن شهدت امرأتان مع رجل أنهما سمعتا فلانا يقر بأن هذا ابنه لم تجز
شهادتهن لأن هذا لا يثبت به مال إلا وقد تقدمه ثبوت نسب وليس تجوز شهادتهن على الأنساب ولا
في موضع إلا حيث ذكرت وإذا لم يثبت له النسب لم نعطه المال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا
أقام الرجل البينة أن هذه الدار التي في يدي هذا الرجل دار أبيه مات حرا مسلما وتركها ميراثا غير أنا
لا نعرف كم عدد ورثته ونشهد أن هذا أحدهم قضينا بها للميت على الذي هي في يديه لأنا نقضي
للميت بمحضر الوارث الواحد ونقف حق الغيب حتى يأتوا أو يوكلوا أو يموتوا فتقوم ورثتهم مقامهم
ونقف هذه الدار ونستغلها ولا نقضي لهذا الحاضر منها بشئ لأنا لا ندري أحصته منها الكل أو النصف

(1) قوله لم يكن عليه الخ لعل فيه سقطا من الناسخ والأصل " كان فيه حد مع أنه لم يكن الخ " اه‍.
260

أو جزء من مائة جزء أو أقل ولا يجوز أن يكون نعطيه شيئا ونحن لا ندري لعله ليس له وإن قامت بينة
أعطينا بما شهدت به البينة وسلمنا له حصته من الغلة والدار فإن لم تقم بينة كان ذلك موقوفا وسواء
طال الزمان في ذلك أو قصر فإن قال قائل أفرأيت الرجل يموت وعليه الدين فتحضر غرماؤه فيثبتون
على ديونهم ويحلفون وتصح في دينه كيف تقضى لهؤلاء وأنت لا تدرى لعل له غرماء لهم أكثر مما لهؤلاء
فلا يصيب هؤلاء مثل ما تقضى لهم فإن جاء غيرهم من غرمائه أدخلتهم عليهم؟ قيل لافتراق الدين
والميراث، فإن قال قائل فأين افتراقهما؟ قيل الدين في ذمة من عليه الدين حيا كان أو ميتا يجب في
الحياة مثل الذي يجب في الوفاة ولا يخرج ذو الدين حيا كان أو ميتا فيما بينة وبين الله عز وجل ولا في
الحكم إلا أن يؤدى دينه، ولو كان حيا فدفع إلى أحد غرمائه دون غيره من غرمائه كان ذلك جائزا
للمدفوع إليه لأن أصل الدين في ذمته وأهل الدين أحق بمال ذي الدين حيا كان أو ميتا منه ومن ورثته
بعده والدين مطلق كله لا بعضه في ذمته والورثة ليسوا يستحقون وذو المال على شيئا وإنما نقل الله عز
وجل إليهم ما كان الميت مالكا الفضل عن الدين وأدخل عليهم أهل الوصايا فإن وجدوا فضلا ملكوا
ما وجدوا بما فرض الله عز وجل لهم لا بشئ كان في ذمة الميت وإن لم يجدوا لم يكن في ذمة الميت
لهم شئ ولم يكن آثما بأن لم يجدوا شيئا ولا متبوعا كما يكون متبوعا بالدين فلما لم يكن لهم في ذمة الميت
شئ يتبع به بكل حال وكان إنما فرض لهم شئ لا يزادون عليه ولا ينقصون منه، إنما هو جزء مما
وجدوا قل أو كثر فلم يكن ثم أصل حق يعطون به إلا على ما وصفت لم يجز لهم أن يكون الملك منقولا
إلى واحد منهم إلا وملكه معروف وإن ورد هذا على الحاكم كشفه وكتب إلى البلد الذي انتوى به الميت
وطلب له وارثا، فإن لم يجده فإنما ماله وموقوف فندعوا الطالب لميراثه بثقة (1) كمن يرضى هو أن يقف
الأموال على يديه فإذا ضمن عنه ما دفع إليه دفعه إليه ولم يكن هذا ظلما لغائب إن جاء ولا حبسا عن
حاضر، وإذا كان المال مضمونا على ثقة كان خيرا للغائب من أن يكون أمانة عند ثقة (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: وإذا أقام الرجل البينة أن أباه مات وترك هذه الدار وأنه لا وارث لأبيه غيره قضى له
بالدار ولم يؤخذ منه بذلك كفيل، والله تعالى الموفق.
باب الدعوى في البيوع
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا باع الرجل من الرجل عبدا أو شيئا ما كان بيعا حراما
وقبض المبتاع ما اشترى فهلك في يديه كل عليه رد قيمته وذلك أن البائع لم يدفعه إليه إلا على عوض
يأخذه منه فلما كان العوض غير جائز كان على المبتاع رد ما أخذ لأنه لم يسلم للبائع العوض ولم يكن
أصله أمانة ولو باعه عبدا على أن المبتاع بالخيار فقبضه المبتاع فمات في يديه قبل أن يختار البيع أو
يمضى أجل الخيار كان عليه أن يرد القيمة فإن قال قائل هل تم البيع بينهما وفيه خيار؟ قيل كان أصل
البيع حلالا لو أعتقه المشترى جاز عتقه أو كانت أمة حل له وطؤها ولو أراد بيعها كان له وكان مالكا
صحيح الملك إلا أن له إن شاء رد الملك بالشرط ولم يكن أخذه أمانة ولا أخذه إلا على أن يوفى البائع
ثمنه أو يرد إليه عبده ولم يكن أخذه على محرم من البيوع فلما لزم الآخذ للعبد على المحرم أن يرد القيمة

(1) لعله: " ممن " وإن كان يلتمس للكاف وجه، تأمل اه‍.
261

لأنه لم يعط العبد أمانة ولا هبة ولم يعطه إلا بعوض فلما لم يستحق العوض كان على المبتاع رده إن كان
حيا وقيمته إن كان ميتا كان المشترى على الخيار في هذا المعنى في أنه لم يدفع أمانة ولا هبة إلا بعوض
يسلم للبائع فلما لم يسلم له كان على القابض له رده حيا ورد قيمته ميتا وكان يريد أن أصل البيع والثمن
كان حلالا فكيف يبطل ثمن الحلال ويثبت ثمن الحرام؟ وهكذا لو كان البائع بالخيار أو كان الخيار
لهما معا من قبل أن البائع لم يسلم قط عبده إلا على أن يرجع إليه أو ثمنه وإنما منعنا أن تجعل له الثمن لا
القيمة من قبل أنه شرط فيه شيئا فلما كان له فسخ البيع لم يكن الثمن لازما بكل حال فلما لم يكن لازما
بكل حال ففات رددناه إلى القيمة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان لرجل زوجة وابن منها
وكان لزوجته أخ فترافعوا إلى القاضي فتصادقوا على أن الزوجة والابن قد ماتا وتداعيا فقال الأخ مات
الابن ثم ماتت الام فلا ميراثها مع زوجها وقال الزوج بل ماتت المرأة فأحرز ابني معي ميراثها ثم مات
ابني فلا حق لك في ميراثه ولا بينة بينهما فالقول قول الأخ مع يمينه لأنه الآن قائم وأخته ميتة فهو
وارث وعلى الذي يدعى أنه محجوب البينة ولا أدفع اليقين إلا بيقين فإن كان ابنها ترك مالا فقال الأخ
آخذ حصتي من مال أختي من ميراثها من ابنها كان الأخ في ذلك الموضع هو المدعى من قبل أنه يريد
أخذ شئ قد يمكن أن لا يكون كما قال فكما لم أدفع أنه وارث لأنه يقين بظن أن الابن حجبه فكذلك
لم أورثه من الابن لأن الأب يقين وهو ظن وعلى الأب اليمين وعلى الأخ البينة إذا حضر أخوان مسلم
ونصراني فتصادقا أن أباهما مات وترك هذه الدار ميراثا وقال المسلم مات مسلما وقال النصراني مات
نصرانيا سئلا فإن تصادقا على أنه كان نصرانيا ثم قال المسلم أسلم بعد. قيل المال للنصراني لأن الناس
على أصل ما كانوا عليه حتى تقوم بينة بأنه انتقل عما كان عليه فإن ثبت بينة بأنه أسلم ومات مسلما كان
الميراث للمسلم وإن قال لم يزل مسلما وقال النصراني لم يزل نصرانيا وقفنا المال أبدا حتى يعلم أو يصطلحا
فإذا أقام النصراني بينة من المسلمين أنه كان نصرانيا ومات نصرانيا كان الميراث له دون المسلم وإن أقام
كل واحد منهما بينة على دعواه ففيها قولان أحدهما قول أهل المدينة الأول وسعيد بن المسيب يرويه عن
النبي صلى الله عليه وسلم ويقول به وهو قضاء مروان بالمدينة وابن الزبير وهو يروى عن علي بن أبي
طالب رضى الله تعالى عنه وهو أن يقرع بينهما فأيهما خرج سهمه أحلفه وجعل له الميراث ومن قال هذا
القول فمن حجته ما وصفت ومن حجته أنه قياس على أن أمرهما في الدعوى والبينة والاستحقان واحد
فلما كنت لا أشك أن إحدى البينتين كاذبة بغير عينها أقرعت خبرا وقياسا على أن رجلا أعتق مملوكين له
فأقرع النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وحجتهم واحدة وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم خيبر ثم
أقرع وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرع بين نسائه فوجدته يقرع حيث تستوى الحجج ثم يجعل
الحق لبعض ويزيل حق بعض. والقول الثاني أن يجعل الميراث بينهما نصفين لأنه لا حجة لواحد منهما
ولا بينة إلا حجة صاحبه وبينته فلما استويا فيما يتداعيان سوى بينهما وجعله قسما بينهما ومن حجة هذا أن
يحتج بعول الفرائض فيقول قد أجد في الفريضة نصفا ونصفا وثلثا فأضرب لكل واحد منهم بقدر ما
قسم له فأكون قد أوفيته على أصل ما جعل له وإن دخل النقص عليه بغيره فكذلك دخل على غيره به
ومن أراد أن يحتج على من احتج بهذا احتج عليه بأن هؤلاء قوم قد نقل الله تعالى إليهم الملك فكل
صادق ليس منهم كاذب بحال والمشهود له بخلاف ما شهد به لصاحبه يحيط العلم بأن إحدى
الشهادتين كاذبة والعلم يحيط أن أحسن أحوال المستحق بالشهادة أن يكون أحد المستحقين بها محقا
والآخر مبطلا فإذا خرج النصف إلى أحدهما أحاط العلم بأنه قد أعطى نصفا من لا شئ له ومنع نصفا
262

من كان له الكل فدخل عليه أن عمد أن أعطى أحدهما ما ليس له ونقص أحدهما مما له فإن قال قد
يدخل عليك في القرعة أن تعطى أحدهما الكل ولعله ليس له؟ قيل فأنا لم أقصد قصد أن أعطى
أحدهما بعينه إنما قصدت قصد الاجتهاد في أن أعطى الحق من هو له وأمنعه من ليس له كما أقصد
قصد الاجتهاد فيما أشكل من الرأي فأعطى أحد الخصمين الحق كله وأمنعه الآخر على غير إحاطة من
الصواب ويكون الخطأ عنى مرفوعا في الاجتهاد ولا أكون مخطئا بالاجتهاد ولا يجوز لي عمد الباطل
بكل حال إذا كنت آتية وأنا أعرفه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهذا مما أستخير الله تعالى فيه وأنا
فيه واقف ثم قال لا نعطى واحدا منهما شيئا يوقف حتى يصطلحا (قال الربيع) هو آخر قولي الشافعي
وهو أصوبهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا تصدق الرجل على الرجل بدار أو وهبها له أو نحله
إياها فلم يقبضها المتصدق بها عليه ولا الموهوبة له ولا المنحول فهذا كله واحد لا يختلف ولمالك الدار
المتصدق بها والواهب والناحل أن يرجع فيما أعطى قبل أن يقبض المعطى ولا يتم شئ من هذا إلا بقول
الناحل وقبض المنحول بأمر الناحل وإن مات المنحول قبل القبض قيل للناحل أنت أحق بمالك حتى
يخرج منك فإذا مات المنحول فأنت على ملكك وإن شئت أن تستأنف فيه عطاء جديدا فافعل وإن
شئت أن تحبسه فاحبس وهكذا كل ما اعطى آدمي آدميا على غير عوض إلا ما إذا أعطاه المالك لم يحل
للمالك بما يخرج من فيه من الكلام أن يحبسه قبضه المعطى أو لم يقبضه أو رده أو لم يرده فإن قال قائل
وما هذا؟ قيل إذا أعتق الرجل عبده فقد أخرجه من ملكه ولا يحل له أن يملكه ولو رد ذلك العبد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حبس الرجل على الرجل الشئ وجعله محرما لا يباع ولا يوهب
فقد أخرجه من ملكه خروجا لا يحل أن يعود فيه ألا ترى أنه لو رده عليه المحبس عليه بعد قبضه لم
يكن له ملكه فلما كان لا يملكه برد المحبس عليه ولا شراء ولا ميراث كان من العطايا التي قطع عنها
المالك ملكه قطع الأبد؟ فلا يحتاج أن يكون مقبوضا وساء قبض أو لم يقبض فهو للمحبس عليه
والحبس يتم بالكلام دون القبض وقد كتبنا هذا في كتاب الحبس وبيناه وإذا ابتاع الرجل من الرجل
الجارية فقبضها وولدت له ولدا ثم عدا عليه رجل فقتله فقضى عليه بعقل أو قصاص أو لم يقض ثم
استحقها رجل أخذ المستحق الجارية وقيمة ولدها حين سقط ولا يبطل القصاص إن كان لم يقص منه
وإذا كانت دية كانت لأبيه قبضها أو لم يقبضها فإن قال قائل ولما صارت لأبيه والولد من الجارية وهو
للمستحق؟ قيل له إن الولد لما دخل في الغرور زايل حكم الجارية بأنها تسترق ولا يسترق فلما لم يجز أن
يجرى عليه الرق لم يكن حكمه إلا حكم حر وإنما يرث الحر وارثه وكان سبيل رب الجارية (1) بأن
العتق كان حكم ولدها أن يأخذ قيمته من أول ما كان له حكم كما كان يأخذ قيمة الفائت من كل
شئ ملكه فإن قال قائل فهذا قد يكون غير فائت وأنت لا ترقه قيل لما كان الأثر بما وصفنا وقول أكثر
أهل العلم والقياس أن لا يجرى عليه الملك قبل حكمهم فيه حكمهم في الفائت وإن كان غير فائت وإن
اقتص الأب من قاتل الابن قبل أن تستحق الأمة ضمن القيمة لمستحق الأمة وكذلك إن جاء
مستحق الأمة قبل القصاص فللأب أن يقتص ويرد القيمة ولا سبيل لسيد الأمة إلا على قيمة الابن
ولأبي الابن السبيل في ولد الأمة كماله السبيل في ولد الحرة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا
ضرب الرجل بطن الأمة التي غربها الحر فألقت جنينا ميتا فمن قال جنين الرجل من أم ولده كجنين

(1) قوله: بان العتق أي بسبب أن العتق كان حكم ولدها اي سبيل رب الجارية ان يأخذ الخ، تأمل اه‍.
263

الحرة فلأبيه فيه غرة تقوم بخمسين دينارا وإذا جاء السيد قيل له لك قيمة ولد أمتك لو كان معروفا فلما
لم يكن معروفا قيل له تقوم أمتك ثم نعطيك عشر قيمتها كما يكون ذلك في جنينها ضامنا على أبيه فإن
قال قائل أفرأيت إن كانت قيمة جنين الأمة إذا قوم بأمه أكثر من الغرة؟ قيل له وكذلك يغرم الأب
قيمته إن شاء رب الأمة ألا ترى أن الأمة لو حملت من غيره فضرب إنسان بطنها فألقت جنينا كان
لربها عليه عشر قيمة أمه قل ذلك أو كثر وكذلك ذلك على المغرور لأنه كان في يديه وكذلك ذلك عليه
لو ماتت فشاء رب الأمة أن يضمنه قيمتها لأنها كانت في يديه إلا أن للمغرور الرجوع على الغار بما لزمه
من الغرم بسببه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهكذا الرجل يتزوج الأمة على أنها حرة مثل الرجل
يبتاع الأمة فتستحق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ادعى الرجل على الرجل أنه غصبه عبدا أو
صار في يديه من غيره بشراء فاسد أو غير ذلك من الملك والعبد غائب قبل القاضي البينة على الصفة
والاسم والجنس ولم يقض بالعبد حتى يحضر فيعيد البينة فيشهدون أن هذا العبد بعينه فيقضى به وإنما
قلت تقبل البينة لأن في المسألة عن تعديلهم مؤنة تسقط عن المشهود له ولان العبد قد يحضر فيقر الذي
هو في يديه أن العبد الذي شهدوا عليه بهذه الصفة هذا العبد بعينه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
وإذا ادعى الرجلان الشئ ليس في أيديهما وأقام كل واحد منهما البينة على أنه له ففيها قولان أحدهما
أنه يقرع بينهما فأيهما خرج سهمه حلف لقد شهد شهوده بحق ثم يقضى له بها ويقطع حق صاحبه
منها. والآخر أنه يقضى به بينهما نصفين لأن حجة كل واحد منهما فيه سواء وكان سعيد بن المسيب
يقول بالقرعة ويرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم والكوفيون يروونها عن علي بن أبي طالب رضى الله
تعالى عنه وقضى بها مروان وقضى بها الأوقص (قال الربيع) وفي قول آخر أن الشئ إذا تداعاه
رجلان لم يكن في يد واحد منهما أنه موقوف حتى يصطلحا فيه ولو كان في أيديهما قسمه بينهما نصفين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقام الرجل بينة على رجل بأرض في يديه أنها له وعدلت البينة
وكان القاضي ينظر في الحكم وقفها ومنع الذي هي في يديه من البيع حتى يبين له الحكم لأحدهما
فيقضى له بها ويجعل الغلة تبعا من يوم شهد الشهود أنها له وإن لم تعدل البينة ولا واحد منها أو كانت
البينة لم تقطع بما يحق الحكم للمشهود له لو عدلت تركها في يدي الذي هي في يديه غير موقوفة ولم
يمنعه مما صنع فيها وينبغي له أن يشترط عليه أن لا يحدث فيها شيئا فإن أحدثه لم يمنعه منه (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ادعى الرجلان الزرع في الأرض للرجل فإن زعم رب الأرض أن
الزرع زرعه فالقول قوله مع يمينه وإن زعم رب الأرض أن الزرع ليس له وقال قد أذنت لهما أن يزرعا
معا ولا أعرف أيهما زرع وليس في يدي واحد منهما فإن أقاما معا البينة فالقول فيها مثل القول في
الرجلين يتداعيان ما ليس في أيديهما فيقيمان عليه بينة وإن لم يقم أحدهما بينة وأقام الآخر فهو للذي
أقام البينة وإن ذكرا معا أنه في أيديهما تحالفا وقضى به بينهما نصفين إن كان رب الأرض يزعم أنه
ليس له وأنه قد أذن لهما بالزرع وليس لهما فيه خصم وهو في أيديهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
وإذا أقام الرجل البينة على الأمة أنها أمته والآخر بذلك وأنها ولدت منه فمن قال بالقرعة أقرع بينهما فإن
صارت للذي ولدت منه فهي له ولا شئ عليه وإن صارت للذي لم تلد منه فهي له ويرجع عليه
خصمه بقيمة ولده يوم ولد وعقرها وإن كانت المسألة بحالها غير أن الأمة هي التي أقامت البينة أنها
لفلان الغائب الذي لم تلد منه وقف عنها الذي هي في يديه ووضعت على يدي عدل حتى يحضر
سيدها فيدعى فيكون خصما أو يكذب البينة فلا يكون خصما وتكون للذي هي في يديه لأن البينة إنما
264

شهدت له ومن لم يقل بالقرعة جعلها بينهما نصفين ورد الذي ليست بيديه بنصف عقرها ونصف قيمة
ولدها يوم سقطوا ونصف قيمتها وجعلها أم ولد للاخر فإن قال قائل من أين جعلت لها العقر والواطئ
لم يطأها على أنه وقع عليها اسم نكاح؟ قيل لو كنت لا أجعل العقر إلا على واطئ نكح نكاحا
صحيحا أو نكاحا فاسدا فلزمه قبل الوطئ أنه للتي وطئ زعمت رجلين لو نكحا أختين
فأخطئ بامرأة كل واحد منهما إلى صاحبه فأصابها لم يكن لواحدة منهما عقر وذلك أن كل واحد من
المصيبين غير ناكح للتي أصاب نكاحا صحيحا ولا نكاحا فاسدا فلما كان لكل واحدة من هاتين المهر
بالأثر استدللنا بالأثر وما في معناه على أن المهر إنما يكون للمرأة حيث يكون الحد عنها ساقطا بأن لا
تكون زانية ومما في هذا المعنى الرجل يغصب المرأة فيصيبها فيكون عليه لها المهر وما قلت هذا أن فيه
أثرا عن أحد يلزم قوله ولا إجماعا ولكني وجدت المهر إنما هو للمرأة فلما كانت المرأة بهذا الجماع غير
محدودة لأنها غير زانية وإن كان الرجل زانيا جعلت لها المهر وإن كانت أضعف حالا من الأول لأن
الأولى والواطئ غير زانيين وواطئ المغصوبة زان فلما حكمت في المخطأ بها والمغصوبة هذا الحكم وفي
النكاح الفاسد كانت الأمة والحرة مستويتين حيثما وجب لواحدة منهما مهر وجب للأخرى لأن الله عز
وجل قال (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) لم تحل أمة ولا حرة لاحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا
بصداق فإذا كانتا مجتمعتين في النكاح الصحيح والنكاح الفاسد ثم جعلنا الخطأ في الحرة والاغتصاب
بصداق كما جعلناه في الصحيح فكذلك الأمة في كل واحد منها فمن فرق بينهما فقد فرق بين ما جمع
الله عز وجل بينه وبين ما هو قياس على ما جمع الله تبارك وتعالى بينه في المهر.
باب دعوى الولد
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا تداعى الحر والعبد المسلمان والذمي الحر والعبد مولودا وجد لقيطا
فلان فرق بين أحد منهم كما لا يكون بينهم فرق فيما تداعوا فيه مما يملكون فتراه القافة فإن ألحقوه بأحدهم
فهو ابنه ليس له أن ينفيه ولا للمولود أن ينتفى منه بحال أبدا وإن ألحقه القافة باثنين فأكثر أو لم تكن
قافة أو كانت فلم تعرف لم يكن ابن واحد منهم حتى يبلغ فينتسب إلى أيهم شاء فإذا فعل ذلك
انقطعت دعوى الآخرين ولم يكن للذي انتسب إليه أن ينفيه وهو حر في كل حالاته بأيهم لحق لأن
اللقيط حر وإنما جعلناه حرا إذا غاب عنا معناه لأن أصل الناس الحرية حتى يعلم أنهم غير أحرار ولو أن
أحدهم قال هو ابني من أمة نكحتها لم يكن بهذا رقيقا لرب الأمة حتى يعلم أن الأمة ولدته ولا يجعل
إقرار غيره لازما له ويكفي القائف الواحد لأن هذا موضع حكم يعلم لا موضع شهادة ولو كان إنما حكمه
حكم الشهادات ما أجزنا غير اثنين ولا أجزنا شهادة اثنين يشهدان على ما لم يحضرا ولم يريا ولكنه
كاجتهاد الحاكم العالم ينفذه كما ينفذ هذا ولا يحتاج معه إلى ثان ولا يقبل القائف الواحد حتى يكون
أمينا ولا أكثر منه حتى يكونوا أمناء أو بعضهم فإذا أحضرنا القائف والمتداعيين للولد أو ذوي أرحامهم
إن كان المدعون له موتى أو كان بعض المدعين له ميتا فأحضرنا ذوي رحمه أحضرنا احتياطا أقرب
الناس نسبا وشبها في الخلق والسن والبلد بالمدعين له ثم فرقنا بين المتداعيين منهم ثم أمرنا القائف يلحقه
بأبيه أو أقرب الناس بأبيه إن لم يكن له أب وإن كانت معه أم أحضرنا لها نسبا في القرب منها كما
وصفت ثم بدأنا فأمرنا القائف أن يلحقه بأمه لأن للقائف في الام معنى ولكي يستدل به على صوابه في
265

الأب إن أصاب فيها ويستدل على غيره إن أخطأ فيها فخالفنا بعض الناس في القافة فقال القافة باطل
فذكرنا له أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع مجززا المدلجي ونظر إلى أقدام أسامة وأبيه زيد وقد غطيا
وجوههما فقال إن هذه الاقدام بعضها من بعض فحكى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة مسرورا
به فقال ليس في هذا حكم فقلنا إنه وإن لم يكن فيه حكم فإن فيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه
وسلم رضيه ورآه علما لأنه لو كان مما لا يجوز أن يكون حكما ما سره ما سمع منه إن شاء الله تعالى ولنهاه
أن يعود له (1) فقال إنك وإن أصبت في هذا فقد تخطئ في غيره قال فهل في هذا غيره؟ قلنا نعم
أخبرنا ابن علية عن حميد عن أنس أنه شك في ابن له فدعا القافة * أخبرنا أنس بن عياض عن هشام
عن أبيه عن يحيى ابن عبد الرحمن بن حاطب أن رجلين تداعيا ولدا فدعا له عمر القافة فقالوا قد
اشتركا فيه فقال له عمر وال أيهما شئت أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان عن عمر مثل معناه
أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري عن عروة عن عمر بن الخطاب مثل معناه قال فإنا لا
نقول بهذا ونزعم أن عمر قال هو ابنكما ترثانه ويرثكما وهو للباقي منكما قلت فقد رويت عن عمر أنه دعا
القافة فزعمت أنك لا تدعوا القافة فلو لم يكن في هذا حجة عليك في شئ مما وصفنا إلا أنكم رويت
عن عمر شيئا فخالفته فيه كانت عليك قال قد رويت عنه أنه ابنهما وهذا خلاف ما رويتم قلنا وأنت
تخالف أيضا هذا قال فكيف لم تصيروا إلى القول به؟ ة قلنا هو لا يثبت عن عمر لأن إسناد حديث
هشام متصل والمتصل أثبت عندنا وعندك من المنقطع وإنما هذا حديث منقطع وسليمان بن يسار وعروة
أحسن مرسلا عن عمر ممن رويت عنه قال فأنت تخالف عمر فيما قضى به من أن يكون ابن اثنين قلت
فإنك زعمت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى به إذ كان في أيديهما قضاء الأموال قال كذلك
قلت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قلت فقد زعمت أن الحر المسلم والعبد المسلم والذمي إذا تداعوا
ولدا جعلته للحر المسلم للاسلام ثم زعمت أن العبد المسلم والذمي إذا تداعيا ولدا كان للذمي للحرية
فزعمت أنك تجعله مرة للمدعى بالاسلام والآخر يقضى به على الاسلام وتجعله على الحرية دون
الاسلام وأنت تزعم أن هؤلاء لو تداعوا ما لا جعلته سواء بينهم فإن زعمت أن حكمه حكم الأموال
وأن ذلك موجود في حكم عمر فقد خالفته بما وصفنا (قال) فإنا إنما قلنا هذا على النظر للمولود. قلنا
وتقول قولا لا قياسا ولا خبرا ثم تقوله متناقضا أرأيت لو أجازوا لك أن تقوله على أن تنظر للمولود فحيث
كان خيرا له ألحقته فتداعاه خليفة أو أشرف الناس نسبا وأكثرهم مالا وخيرهم دينا وفعالا وشر من
رأيت بعينك نفسا ونسبا وعقلا ودينا ومولا (قال) إذا أجعلهم فيه سواء؟ قلنا فلا نسمع قولك قضيت
به على النظر له معنى لأنك لو كنت تثبت على النظر له ألحقته بخيرهما له (قال) فقد يصلح هذا ويكثر
ماله ويفسد هذا ويقل ماله قلنا وكذلك يعتق العبد ويسلم الذمي حتى يكونا خيرا من الذي قضيت له
به (قال) فأين خالفته فيه في سوى هذا الموضع؟ قلت زعمت أن أبا يوسف رحمه الله تعالى قال:
أقضى به للاثنين بالأثر وثلاثة لأن ثلاثة في معنى اثنين فإذا كانوا أربعة فصاعدا لم أقض به لواحد منهم
(قال) فهذا خطأ كله وقد تركته. قلنا فقل ما شئت: قال فازعم أن الاثنين والثلاثة سواء فأقضى لهم
به سواء قلنا كما يقضى بالمال؟ قال: نعم قلنا فما تقول إن مات المولود لمائة قيام؟ قال يرثه كل واحد
منهم سهما من مائة سهم من ميراث أب لأن كذلك أبوتهم فيه. قلنا فما تقول إن مات واحد من

(1): فقال أي الرسول، فتنبه. كتبه مصححه.
266

الآباء؟ قال فيرثه ميراث ابن كامل قلت وكيف يكمل له ميراث ابن وإنما له جزء من مائة من أبوته
فتورثه بغير الذي يورث منه وإنما ورث المسلمون الأبناء من الآباء كما ورثوا الآباء. وكيف زعمت أنه
إذا مات كان ابن تسعة وتسعين أبا ثم لم ترثه بنات الميت ولم يكن لهن أخا ولم يرثه بنو الميت بأنهم أخواته
فكيف جعلته أبا إلى مدة ومنقطع الأبوة بعد مدة؟ هل رأيت هكذا مخلوقا قط؟ قال اتبعت فيه عمر
أنه قال هو للباقي منكما. قلنا ليس هو عن عمر بثابت كما وصفت. ولو كان ثابتا كان أولى القولين عندك
إذا اختلف فيه عن عمر أولاهما بالقياس والمعقول. والقياس والمعقول عندنا وعندك على كتاب الله عز
وجل وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر المسلمين أنه لا يكون ابن اثنين ولا يرث اثنين بالأبوة
وعمر ولو قال ما قلت هو للباقي منكما فقطع أبوة الميت لم يورث الابن منه لأن الميراث إنما يجب
بالموت. فلما كان الموت يقطع أبوة الميت كانت الأبوة منقطعة ولا ميراث ولو ورثه لم يورثه إلا كما كان
موروثا الأب من الابن. جزءا من أجزاء لا كاملا وقلت له وهكذا كلما مات من المائة واحد حتى يبقى
أب واحد قال نعم أفرأيت لو قال هذا من لم ينظر في علم قط فزعم أن مولودا مرة ابن مائة ومرة ابن
واحد وفرق ما بين المائة والواحد أما تقول له ما يحل لك أن تكلم في العلم لأنك لا تدري أي شئ تقول
قال ما خفي علينا أن القياس ما قلتم وأنه أحسن من قولنا ولكنا تبعنا فيه الأثر وليس في الأثر إلا
الانقياد. قلنا فالاثر كما قلنا لأنك لا تخالفنا في أن الموصول أثبت من المنقطع وأثرنا فيه موصول. ولو
كانا منقطعين معا كان أصل قولك وقولنا إن الحديثين إذا اختلفا ذهبنا إلى أشبهما بالقياس. قد
خالفت عمر في حديث نفسك من حيث وصفنا من أنك تخالف عمر لقول نفسك فيما هو ألزم لك أن
تتبعه من هذا ثم عددت عليه أشياء يخالف فيها قول عمر لغير قول أحد من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم. قال فإن لي عليك مسألة فيها قلت قد فرغنا من الذي علينا فأثبتنا لك عن عمر قولنا
وزعمت أنه القياس قال فهل لك حجة غيره؟ قلنا ما ذكرنا فيه كفاية. قال فقد قيل إن من
أصحابك من يتأول فيه شيئا من القرآن. قلت: نعم زعم بعض أهل التفسير أن قول الله عز وجل ما
جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) ما جعل الله لرجل من أبوين في الاسلام واستدل بسياق الآية قول
الله عز وجل (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) قال فتحتمل هذه الآية معنى غير هذا؟ قلنا نعم
زعم بعض أهل التفسير أن معناها غير هذا قال فلك به حجة تثبت قلنا أما حتى نستطيع أن نقول هو
هكذا غير شك فلا لأنه محتمل غيره ولم يقل هذا أحد يلزم قوله. ولكنه إذا كان يحتمل وكان معنى
الاجماع أن الابن إذا ورث ميراث ابن كامل فكذلك يرثه الأب ميراث أب كامل لم يستقم فيه إلا هذا
القول فإن قال قائل أرأيت إذا دعوت القافة لولد الأمة يطؤها رجلان بشبهة فإن كانت حرة فوطئت
بشبهة أتدعو لها القافة؟ قلت نعم فإن قال ومن أين؟ قلنا الخبر عن عمر أنه دعا القافة لولد امرأة ليس
فيه حرة وقد تكون في إبل أهلها وهي حرة لأن الحرائر يرعين على أهلهن وتكون في إبل أهلها وهي أمة
ولو كان إنما حكم بالقافة في ابن أمة دل على أنه يحكم به في ابن الحرة فإن قال وما يدل على ذلك؟
قلنا إذا ميزنا بين النسب والأموال فجعلنا القائف شاهدا أو حاكما أو في معناهما معا جاز أن يشهد على
ابن الحرة كما يشهد على ابن الأمة وأن يكون الحكم في ابن الحرة كهو في ابن الأمة لأنهما لا يختلفان
وكل واحد منهما ابن بوطئ الحلال ووطئ الشبهة ومنفى بوطئ الزنا. أفرأيت لو لم ندع القافة لابن الحرة
فوطئها رجلان بنكاح فاسد لم يعرف أيهما وطئها أولا أو ليس إن جعلناه ابنهما أو نفيناه عنهما أليس
يدخل علينا ما عبناه على غيرنا في القولين معا؟ ولو علمنا أيهما كان وطئها أولا فجعلناه له أو للآخر من
267

الواطئين دخل علينا أنا نقوله غير قياس ولا خبر وإذا كانت حجتهما في شئ واحد فلم تجعله لأحدهما
دون الآخر ولكنا لم نحكم فيه حكم الأموال ولا حكم الأنساب وافتعلناه فيها قضاء متناقضا لأنا إنما
فرقنا بين حكم الأموال وحكم الأنساب بالقافة وإذا أبطلنا القافة في موضع كنا قد خرجنا من أصل
مذهبنا في القافة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا التقط مسلم لقيطا فهو حر مسلم ما لم يعلم
لأبويه دين غير دين الاسلام فإذا أقر به نصراني ألحقناه به وجعلناه مسلما لأن إقراره به ليس بعلم منا أنه
كما قال فلا نغير الاسلام إذا لم نعلم الكفر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أقام النصراني بينة من
المسلمين أنه ابنه ولد على فراشه ألحقناه به وجعلنا دينه دين أبيه حتى يعرب عن نفسه لأن هذا علم منا
بأنه مولود على فراشه وأن التقاط من التقطه إنما هو كالضالة التي يجدها الرجل فإن أقام البينة أبوه عليه
بعد عقله الاسلام ووصفه إياه جعلناه ابنه ومنعناه من أن ينصره حتى يبلغ فيتم على الاسلام فنلحقه
بالمسلمين ونقطع عنه حكم أهل الذمة فإن بلغ فامتنع من الاسلام لم يكن من المرتدين الذين نقتلهم
لأنه لم يصف الاسلام بعد البلوغ وبعد وجوب ما أقر به على نفسه للناس ولله عز وجل من الحقوق ألا
ترى أنه لو كان ابن مسلم فارتد قبل البلوغ لم أقتله حتى يبلغ فيثبت على الردة ولو زنى قبل البلوغ أو
قذف لم أحده وإنما تجب عليه الحدود والاقرار للناس وذا أقر بعد البلوغ ولكني أحبسه وأخيفه رجاء
رجوعه إلى الاسلام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا التقط المنبوذ ومعه مال فينبغي له أن يرفعه
إلى القاضي وينبغي للقاضي - إن كان الذي التقطه ثقة لماله - أن يوليه إياه ويأمره ينفق عليه
بالمعروف وإن كان غير ثقة لماله فليدفع ماله لغيره ويأمر ذلك الذي دفع إليه ماله بالنفقة عليه بالمعروف.
وإن لم يكن له مال فينبغي لوالي المسلمين أن ينفق عليه فإن لم يفعل فشاء الذي هو في يديه أن يأمره
القاضي بالنفقة عليه وأن تكون النفقة دينا على المنبوذ إذا بلغ وثاب له مال فعل وإن لم يفعل الذي
التقطه ولا مال له وأنفق عليه فهو متطوع بالنفقة ولا يرجع بشئ منها عليه بعد بلوغ ويسر ولا قبله
وسواء وجد المال مع اللقيط أو أفاده بعد التقاطه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا يجوز على الولادة
ولا شئ مما تجوز فيه شهادة النساء مما يغيب عن الرجال إلا أربع نسوة عدول من قبل أن الله عز وجل
حيث أجاز الشهادة انتهى بأقلها إلى شاهدين أو شاهد وامرأتين فأقام الثنتين من النساء مقام رجل
حيث أجازهما فإذا أجاز المسلمون شهادة النساء فيما يغيب عن الرجال لم يجز الله أعلم. أن يجيزوها إلا
على أصل حكم الله عز وجل في الشهادات فيجعلون كل امرأتين يقومان مقام رجل وإذا فعلوا لم يجز
إلا أربع. وهكذا المعنى في كتاب الله عز ذكره وما أجمع المسلمون عليه أخبرنا مسلم عن ابن جريج
عن عطاء أنه قال في شهادة النساء على الشئ من أمر النساء لا يجوز فيه أقل من أربع وقد قال غيرنا
تجوز فيه واحدة لأنه من موضع الاخبار كما تجوز الواحدة في الخبر لا أنه من موضع الشهادة ولو كان من
موضع الشهادات ما جاز عدد من النساء - وان كثرن - على شئ فقيل لبعض من قال هذا فبأي
شئ احتجت إلى خبر واحدة أبشهادة أو غير شهادة؟ قال بشهادة على معنى الاخبار فقيل له وكذلك
شاهدان وأكثرهما شاهدان على معنى الاخبار قال ولا تجوز شهادات النساء منفردات في غير هذا قيل
نعم ولا رجل وامرأتين إلا في خاص ولا تجوز على الحدود ولا على القتل فإن كنت أنكرت أن يكن غير
توام إلا في موضع فكذلك يلزمك في رجل وامرأتين أنهما غير تامين وكذلك يلزمك في رجلين لأنهما غير
تامين في الشهادة على الزنا وكذلك يلزمك في شهادة أهل الذمة بخبرها أنها غير تامة على مسلم فإذا
كانت الشهادة كلها خاصة ما لم تتم الشهود أربعة فكيف إذا كانت الشهادة على ما يغيب عن الرجال
268

خاصة لم نصرفها إلى قياس على حكم الله وإجماع المسلمين ولا يقبل فيها من العدد إلا أربعا تكون كل
ثنتين مكان شاهد؟ قال فإنا روينا عن علي رضى الله تعالى عنه أنه أجاز شهادة القابلة وحدها قلت لو
ثبت عن علي رضى الله تعالى عنه صرنا إليه إن شاء الله تعالى ولكنه لا يثبت عندكم ولا عندنا عنه وهذا
لا من جهة ما قلنا من القياس على حكم الله ولا من جهة قبول خبر المرأة ولا أعرف له معنى (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ابتاع الرجل من الرجل بيعا ما كان على أن له الخيار أو للبائع أولهما معا
أو شرط المبتاع أو البائع خيارا لغيره وقبض المبتاع السلعة فهلكت في يديه قبل رضا الذي له الخيار فهو
ضامن لقيمتها ما بلغت قلت أو كثرت من قبل أن البيع لم يتم قط فيها وأنه كان عليه إذا لم يتم البيع ردها
وكل من كان عليه رد شئ مضمونا عليه فتلف ضمن قيمته فالقيمة تقوم في الفائت مقام البدل وهذا
قول الأكثر ممن لقيت من أهل العلم والقياس والأثر وقد قال قائل من ابتاع بيعا وقبضه على أنه بالخيار
فتلف في يديه فهو أمين كأنه ذهب إلى أن البائع سلطه على قبضه وإلى أن الثمن لا يجب عليه إلا بكمال
البيع فجعله في موضع الأمانة وأخرجه من موضع الضمان وقد روى عنه في الرجل يبتاع البيع الفاسد
ويقبضه ثم يتلف في يديه أنه يضمنه القيمة وقد سلط البائع المشترى على القبض بأمر لا يوجب له الثمن
ومن حكمه وحكم المسلمين أن هذا غير ثمن أبدا فإذا زعم أن مالا يكون ثمنا أبدا يتحول فيصير قيمة إذا
فات ما فيه العقد الفاسد فالمبيع يشتريه الرجل شراء حلالا ويشترط خيار يوم أو ساعة فيتلف أولى أن
يكون مضمونا لأن هذا لو مرت عليه ساعة أو اختار المشتري إنفاذ نفذ لأن أصله حلال والبيع الفاسد
لو مرت عليه الآباد أو اختار المشتري والبائع إنفاذه لم يجز فإن قال إن البائع بيعا فاسدا لم يرض أن يسلم
سلعته إلى المشترى وديعة فتكون أمانة وما رضى إلا بأن يسلم له الثمن فكذلك البائع على الخيار ما رضى
أن يكون أمانة وما رضى إلا بأن يسلم له الثمن فكيف كان في البيع الحرام عنده ضامنا للقيمة إذ لم يرض
البائع أن يكون عنده أمانة ولا يكون ضامنا في البيع الحلال ولم يرض أن يكون أمانة وقد روى
المشرقيون عن عمر بن الخطاب أنه سأم بفرس وأخذها بأمر صاحبها (1) فشار إليه لينظر إلى مشيها
فكسرت فحاكم فيها عمر صاحبها إلى رجل فحكم عليه أنها ضامنة عليه حتى يردها كما أخذها سالمة
فأعجب ذلك عمر منه وأنفذ قضاءه ووافقه عليه واستقضاه فإذا كان هذا على مساومة ولا تسمية ثمن
إلا أنه من أسباب البيع فرأى عمر والقاضي عليه أنه ضامن له فما سمى له ثمن وجعل فيه الخيار أولى أن
يكون مضمونا من هذا وإن أصاب هذا المضمون المشترى شراء فاسدا نقص عند المشترى رده وما
نقص وإذا كان الابن فقيرا بالغا لا يجد طولا لحرة ويخاف العنت فجائز له أن ينكح أمة أبية كما ينكح
أمة غيره إلا أن ولده من أمة أبيه أحرار فلا يكون لأبيه أن يسترقهم لأنهم بنو ولده وإن كان الأب فقيرا
فخاف العنت فأراد ان ينكح أمه ابنه لم يجز ذلك له وجبر ابنه إذا كان واحدا على أن يعفه بإنكاح أو
ملك يمين لأن للأب إذا بلغ أن يكون فقيرا غير مغن لنفسه زمنا أن ينفق عليه الابن وإذا تزوج الرجل
المرأة ودخل بها ثم ملك ابنتها فأصابها حرمت عليه أمها وحرمت البنت لأن هذه بنت امرأة قد دخل
بها وتلك قد صارت أم امرأة أصابها وإن ولدت له هذه الجارية كانت أم ولد تعتق بموته ولا يحل له
إصابتها ويحل له خدمتها وتكون مملوكة له كملك أم الولد يأخذ أرش الجناية عليها وما أفادت من مال كما

(1) قوله: فشار إليه كذا في النسخ ولعله " فشارها " ففي لسان العرب: شار الدابة يشورها إذا بلاها ينظر ما
عندها اه‍.
269

يأخذ مال مماليكه وإن كانت الأمة بأبيه والمسألة بحالها ولم تلد فالأمة لأبيه كما هي وعليه عقرها لأبيه فإن
قال قائل في الأمة التي وطئها الرجل وولدت وحرم فرجها عليه بأنه قد وطئ أمها بنكاح أعتقها عليه
من قبل أنها لا ترق بعده بحال ولا يكون له بيعها وإنما هي أم ولد له فيها المتعة بالجماع فلما حرم الجماع
أعتقها عليه قيل له - إن شاء الله تعالى - فما تقول في أم ولد الرجل قبل أن يحرم عليه فرجها أله شئ
منها غير الجماع؟ فإن قال نعم قيل فيأخذ ثمنها ويجنى عليها فيأخذ أرش الجناية عليها وتفيد مالا من أي
وجه ما كان فيأخذ المال وتخدمه قلت له أسمع له فيها معاني كثيرة غير الجماع فلم أبطلتها وأعتقتها عليه وهو
لم يعتق وإنما القضاء أن يعتق على من أعتق أو تعتق أم الولد بعد موت السيد وهو لم يمت فإذا كان عمر
إنما أعتقهن بعد موت ساداتهن فعجلتهن العتق فقد خالفته وإذا كان القضاء أن لا يعتق إلا من أعتق
السيد فأعتقها فقد خالفته فإن قال أكره أن يخلو بامرأة لا يحل له فرجها قيل وإن كانت ملكه؟ فإن
قال نعم قيل له ما تقول فيه إن ملك أمه وبنته وأخته من الرضاع وجارية لها زوج أيحل له أن يخلو
بهن؟ فإن قال نعم قيل فقد خليت بينه وبين الخلوة بأربع كلهن حرام الفرج عليه فكيف حرمته
بواحدة؟ فإن قال إنما خليت بينه وبين الخلوة برضائعه لأنه محرم لهن قيل فمحرم هو لجاريته التي لها
زوج؟ فإن قال لا قيل فقد خليت بينه وبين فرج ممنوع منه وليس لها محرم فإن قال فلم منعت الابن
فرج جاريته إذا أصابها أبوه ولم تجعل عليه الا العقر ولم تقومها على أبيه وقد فعل فيها فعلا يمنع به الابن
من فرجها؟ قيل له إن منع الفرج لا ثمن له والجناية جنايتان جناية لها ثمن وأخرى لا ثمن فلما كان الحد
إذا درئ كان ثمة في الموطوءة عقر أغرمناه الأب ولم نسقط عنه شيئا فعله له ثمن ولما كان تحريم الفرج
غير معتق للأمة ولا مخرج لها من ملك الابن لم يكن استهلك شيئا فيغرمه فإن قال فما يشبه هذا؟ قيل ما
هو لي أكثر من معناه وهي المرأة ترضع بلبن الرجل جاريته لتحرمها عليه فتحرم الجارية وولدها وتكون
مسيئة آثمة بما صنعت ولا يكون لما صنعت ثمن نغرمها إياه وهي لو شجتها أغرمناها أرش شجتها فإذا
كان التحريم يكون من المرأة عامدة ولا تغرم لأنه غير إتلاف ولا إخراج للمحرمة من الملك ولا جناية
لها أرش فكذلك هي في الأب بل هي في الأب أولى أن يكون قد أخذ منها بدلا لأنه قد أخذ منه عقر
وهذه لم يؤخذ منها قليل ولا كثير (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ملك الرجل أخته من الرضاعة
فأصابها جاهلا فحبلت وولدت فهي أم ولد له تعتق بذلك الولد إذا مات ويحال بينه وبين فرجها بالنهي
وفيه قول آخر أنها لا تكون أم ولده ولا تعتق بموته لأنه لم يطأها حلالا وإنما هو وطئ بشبهة وإن كان
عالما بأنها محرمة عليه فولدت فكذلك أيضا وفيها قولان أحدهما أنه إذا أتى ما يعلم أنه محرم عليه أقيم
عليه حد الزنا والثاني لا يقام عليه حد الزنا وإن أتاه وهو يعلمه في شئ له فيه علق ملك بحال ولكنه
يوجع عقوبة منكلة ويحال بينه وبين فرجها بأن ينهى عن وطئها ولا عقر في واحدة من الحالين عليه لأن
العقر الذي يجب بالوطئ له ولا يغرم لنفسه ألا ترى أنه لو قتلها لم يغرم لأنه إنما يضمن لنفسه (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ملك النصراني المسلمة ووطئها وهو جاهل علم ونهى أن يعود أن يملك
مسلمة وبيعت عليه فإن ولدت بذلك الوطئ حيل بينه وبينها بأن تعزل عنه ويؤخذ بنفقتها وإن أراد أن
تعمل له معتزلة عنه ما يعمل مثلها كان ذلك له وإذا مات فهي حرة وهكذا أم ولد النصراني تسلم وإن
كان وطئها وهو يعلمها محرمة عليه فالقول فيها مثل القول في الذي وطئ رضيعته وهو يعلمها محرمة عليه
في أحد القولين حد وفي الآخر عقوبة وإن أراد إجارتها من امرأة في عمل تطيقه فذلك له وله أخذ ما
أفادته وأخذ أرش جناية إن جنى عليها وقد خالفنا بعض الناس في أم ولد النصراني تسلم فقال هي حرة
270

حين أسلمت وقال علتي في إعتاقها علتان إحداهما أن فرجها قد حرم عليه والأخرى أن لا أثبت لمشرك
على مسلم ملكا فقيل له أما الأولى فما أقرب تركها منك فقال وكيف، قلت أرأيت أم ولد لرجل وطئها
ابنه قال تحرم عليه قلت أفتعتقها عليه وقد حرم فرجها بكل حال؟ قال لا قلنا وكذلك لو كان هو
وطئ ابنتها وأمها حرم عليه فرجها بكل حال عندك ولم تعتقها عليه؟ قال نعم قلنا وكذلك لو ظهر أنها
أخته من الرضاعة؟ قال نعم قلنا فقد تركت الأمر الأول في الأولى أن تعتق من هذه قال وكيف؟ قلنا
هؤلاء لا تحل فروجهن عندك بحال وأم ولد النصراني قد يحل فرجها لو أسلم الساعة قال فدع هذا قلت
والثاني ستدعه قال وكيف؟ قلت أرأيت مدبر النصراني أو مدبرته ومكاتبته أتعتقهم إذا أسلموا أو
تبيعهم؟ قال لا نعتق المدبرين إلا بالموت ولا المكاتب إلا بالأداء قلنا فهؤلاء قبل أن يعتقوا لمن
ملكهم؟ قال للنصراني ولكنه معلق بموته قلنا فكذلك أم الولد ملكها للنصراني معلق بموته فإذا مات
عتقت ولا تباع في دين ولا تسعى فيه وأنت تتسعى المدبر في دين النصراني قال فإن قلت فهو حر ويسعى
في قيمته؟ قلت يدخل ذلك عليك في المكاتب قال أما المكاتب فلا أقوله قلت أرأيت عبدا نصرانيا
أسلم فوهبه النصراني لمسلم أو ذمي أو أعتقه أو تصدق به؟ قال يجوز ذلك كله قلنا فيجوز إلا وهو مالك
له ثابت الملك عليه؟ قال لا قلت أو رأيت لو أسلم بموضع لا سوق به أتمهله حتى يأتي السوق فيبيعه؟
قال نعم قلنا فلو جنى عليه جان فقتله أو جرحه كان الأرش للنصراني وكان له أن يعفو كما كان يكون
للمالك المسلم؟ قال نعم قلنا فقد زعمت أنه مالك له في حالات قال نعم ولكني إذا قدرت على إخراجه
من ملكه أخرجته قلت بأن تدفع إليه ثمنه مكانه أو بغير شئ؟ قال أدفع إليه ثمنه مكانه قلنا فتصنع ذا
بأم الولد؟ قال لا أجد السبيل إلى بيعها فأدفع إليه ثمنها قلت فلما لم تجد السبيل إلى بيعها كان حكمها غير
حكمه؟ قال نعم قلنا فمن قال لك أعتقتها بلا عوض يأخذه مكانه؟ قال لا ولكن عوض عليها قلنا فهي
معدمة به أفكنت بائعا عبده من معدم؟ قال لا قلنا فكيف بعتها من نفسها وهي معدمة؟ قال للحرية
قلنا من قبله كانت أو من قبلها؟ فإن قلت من قبله قلنا فهي حرة بلا سعاية قال ما أعتقها فتكون حرة
بلا سعاية ولا أعتق شيئا منها قلت فحرة من قبل نفسها فللمملوك أن يعتق نفسه قال فحرة من قبل
الاسلام قلنا فقد أسلم العبد فلم تعتقه وما دريت من أين أعتقتها ولا أنت إلا تخرصت عليها وأنت تعيب
الحكم بالتخرص (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا استعار رجل من رجل جارية فوطئها فقال هذه
ومسألة الغاصب الذي وطئ في كتاب الحدود في مسألة درء الحدود بالشبهات فخذوا جوابها من
هنالك فإن الحجة فيها ثم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أن رجلا زوج رجلا امرأة وزعم أنها حرة
فدخل عليها الرجل ثم استحق رقبتها رجل وقد ولدت أولادا فأولادها أحرار وللمستحق قيمتهم
وجاريته والمهر يأخذ من الزوج إن شاء ويرجع به الزوج كله على الغار لأنه لزم من قبله وأصل ما رددنا
به المغرور على الغار على أشياء منها ان عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال (أيما رجل نكح امرأة
بها جنون أو جذام أو برص فأصابها فلها المهر بما استحل من فرجها وذلك لزوجها غرم على وليها (1)
فرد الزوج على ما استحقت به المرأة عليه من الصداق بالمسيس على الغار وكان موجودا في قوله إنه إنما
رده عليه لأن الغرم في المهر لزمه بغروره وكذلك كل غار لزم المغرور بسببه غرم رجع به عليه، وسواء
كان الولي يعرف من المرأة الجنون أم لم يعرفه لأن كلا غار. فإن قال قائل: قد يخفي ذلك على العبد؟

(1) قوله: فرد الزوج على ما استحقت الخ الأظهر بما استحقت، تأمل. كتبه مصححه.
271

قيل نعم وعلى أبيها أرأيت لو كان تحت ثيابها نكتة برص أما كان يمكن أن يخفي ذلك على أبيها والغار
علم أو لم يضمن للمغرور ثم بين الغار وبين المرأة حكم وهو مكتوب في كتاب النكاح (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: وإذا أذن الرجل لعبده في التجارة فاشترى ابن سيده أو أباه أو من يعتق على سيده
إذا ملكه ففيها قولان. أحدهما: أنه لا يعتق عليه وذلك أنه إنما أذن له فيما يجوز للمالك أن يملكه لا ما
لا يجوز له ملكه كما يكون الرجل يدفع إلى الرجل مالا فيضاربه فيشترى ابنه فلا يلزمه أن يعتق عليه
ويكون المضارب ضامنا للثمن الذي دفعه في ابنه لأنه اشترى بماله مما لا يجوز له ملكه وهذا مذهب
محتمل لمن قاله. والقول الثاني: أنه يعتق عليه من قبل أن الشراء كان حلالا وأن ما ملك العبد فإنما
يملكه لسيده وإذا ملك السيد ابنه عتق عليه. فإن قال قائل: فما الفرق بين العبد المأذون له
والمضارب؟ قيل له: إن في الشراء حقوقا. منها حق للبائع على المشترى الذي لا يجوز إبطاله إذا كان
بيعا حلالا فلما كان هذا بيعا حلالا يلزم العبد لم يجز أن يلزم العبد أبدا إلا والسيد مالك فيعتق والمضارب
يلزمه البيع فلا يظلم المشترى ويكون المضارب مالكا لهذا العبد وليس ملك المضارب لنفسه مثل ملك
صاحب المال وملك العبد لنفسه مثل ملك صاحب المال وهذا أصح القولين وبه نأخذ والله تعالى أعلم.
وسواء كان للعبد دين أذن له في مداينته أو لم يكن عليه دين من قبل أن الغرماء لا يملكون على العبد
ماله إلا بالقيام عليه وبعد ملك العبد له كان تمام ملك العبد واقعا على ابن سيده والعتق معه لم يجز أن
يرق بحال لأنه إذا تم فيه ملكه تمت حريته ولا يغرم الأب شيئا قل ولا كثر لأن الغرماء إن دخل عليهم
نقص من عتقه فالذي دخل على الأب أكثر منه ولا يكون مصابا بماله وغارما مثله وما أتلف شيئا
فيكون عليه ما أتلف ولا أمر بشرائه من مال العبد فيكون منتزعا من العبد شيئا يكون عليه رده إنما أخطأ
فيه العبد أو تعدى فلا يرجع به على السيد أرأيت لو استهلك العبد جميع ما في يديه بهبة أو بدرك أو
حرقه أو غرقه أيرجع على السيد بشئ؟ ولم يكن للسيد في هذا فعل ولا أمر إنما يغرم الناس بفعلهم
وأمرهم فأما بغير فعلهم ولا أمرهم فلا يغرمون إلا في موضع خاص من الديات وما جاء فيه خبر وإن
كان العبد غير مأذون له فاشترى ابن مولاه فليس تم شراء ولا يملكه فيعتق بالملك وهو على ملك سيده
الأول (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ادعى الأعاجم بولاد الشرك أخوة بعضهم لبعض فإن
كانوا جاءونا مسلمين لا ولاء لاحد عليهم بعتق قبلنا دعواهم كما قبلنا دعوى غيرهم من أهل الجاهلية
الذين أسلموا وإن كانوا مسبيين أو عليهم رق أعتقوا فثبت عليهم ولاء لم تقبل دعواهم إلا ببينة على ولاد
أو دعوى معروفة كانت قبل السبي، وهكذا من قل منهم أو كثر أهل حصن كانوا أو غيرهم (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان الرجلان أخوين فمات أبوهما فأقر أحدهما بوارث معه وقال هذا
أخي ابن أبي ودفعه الآخر فإن محمد بن الحسن أخبرني أن قول المدنيين الذي لم نزل نعرفه ويلقوهم به
أنه لا يثبت له نسب ولا يأخذ من يديه شيئا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأحسبهم ذهبوا فيه إلى
أن الأخ المقر له لم يقر لهذا الأخ بدين على أبيه ولا وصية ولا يحق له في يديه ولا مال أبيه إلا بأن يثبت
نسبه فيكون له عليه أن يرثه وأن يعقل عنه وجميع حق الاخوة فلما كان أصل الاقرار به باطلا لا يثبت
به النسب لم يجعلوا له شيئا كما لم يجعلوا عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال محمد بن الحسن
رضى الله تعالى عنه: وكان هذا قولا صحيحا ثم أحدثوا أن لا يلحقوا وأن يأخذ ثلث ما في يدي أخيه
المقر له (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأحسبهم ذهبوا فيه إلى أنه أقر بأن له شيئا في يديه وشيئا في
يدي أخيه فأجازوا إقراره على نفسه وأبطلوا إقراره على أخيه وهذا أصح من قول محمد بن الحسن وأبى
272

حنيفة رضى الله تعالى عنهما فإن محمد بن الحسن وأبا حنيفة قالا يقاسم الأخ الذي أقر له بما في يديه
نصفين ولا سبيل له على الآخر ولا يثبت النسب وكانت حجته أن قال قد أقر أنه وهو سواء في مال أبيه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت المسألة بحالها ولا ميراث لم يثبت النسب ولا يثبت نسب
أحد نسبه رجل إلى غيره وذلك أن الأخ إنما يقر على أبيه فإذا كان معه من حقه في أبيه كحقه فدفع
النسب لم يثبت ولا يثبت نسب حتى تجتمع الورثة على الاقرار به معا أو تقوم بينة على دعوى الميت
الذي إنما يلحق بنفسه فيكتفي بقوله ويثبت له النسب. فإن قال قائل: كيف أجزت أن يقر ابن الرجل
إذا كان وارثه لا وارث له غيره بالأخ فتلحقه بالأب وإنما أقر على غيره؟ قيل هل إنما أقر بأمر لا يدخل
ضرره على ميت إنما يدخل الضرر عليه فيما ينتقص من شركته في ميراث الأب ووجدته إذا كان منفردا
بوراثة أبيه القائم بكل حق لأبيه. ألا ترى أنه يعفو دمه فيجوز عفوه كما لو عفا أبوه جرح نفسه جاز
عفوه؟ ألا ترى أنه يقوم بالحد على من قذف أباه كما كان أبوه قائما بالحد على من قذفه؟ ألا ترى أن لو
كانت لأبيه بينة على رجل بحد أو مال أو قصاص أخذ له بها وأخذ للابن بها بعد موته ولو أكذبها الابن
بعد موت الأب والأب مدع لها أبطلناها لأنه لو مات قام مقامه؟ فإن قال قائل فهل في هذا خبر يدل
عليه؟ قلنا نعم الخبر الذي الناس كلهم عيال عليه في أن الولد للفراش. فإن قال ما هو؟ قيل اختصم
عبدين زمعة وسعد ابن أبي وقاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ابن أمة زمعة فقال سعد قد كان أخي
عتبة عهد إلى أنه ابنه وأمرني أن أفيضه إلى وقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبى ولد على فراشه فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر) وألحقه رسول الله
صلى الله عليه وسلم بدعوة الأخ وأمر سودة أن تحتجب منه لما رأى من شبهه بعتبة فكان في هذا
دليل على أنه لم يدفعه وانها قد ادعت منه ما ادعى أخوها فعلى هذا، هذا الباب كله وقياسه.
اليمين مع الشاهد
(أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا عبد الله بن الحرث المخزومي عن سيف بن
سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قضى باليمين مع الشاهد قال عمرو في الأموال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا إبراهيم
بن محمد عن ربيعة ابن عثمان عن معاذ بن عبد الرحمن عن ابن عباس ورجل آخر سماه ولا يحضرني
ذكر اسمه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع
الشاهد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ربيعة بن أبي
عبد الرحمن عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبهى عن جده قال
وجدنا في كتب سعد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد (قال
الشافعي) وذكر عبد العزيز بن المطلب عن سعيد بن عمرو عن أبيه قال وجدنا في كتب سعد بن
عبادة يشهد سعد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أم عمرو بن حزم أن يقضى باليمين مع

(1) قوله: على أنه لم يدفعه كذا في النسخ بالتذكير والأظهر التأنيث اي أن سودة لم تنكره وانها ادعت الخ
فحصل اجتماع الورثة على الاقرار به، تأمل. كتبه مصححه.
273

الشاهد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ربيعة بن أبي
عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى
باليمين مع الشاهد.
(قال عبد العزيز) فذكرت ذلك لسهيل فقال أخبرني ربيعة عنى وهو ثقة أنى حدثته إياه ولا
أحفظه.
(قال عبد العزيز) وكان أصاب سهيلا علة أذهبت بعض عقله ونسي بعض حديثه وكان سهيل
يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه. أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن سعيد
بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: أخبرنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد
(قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد قال حدثني جعفر بن محمد قال سمعت الحكم بن عتيبة يسأل
أبى وقد وضع يده على جدار القبر ليقوم أقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد؟ قال
نعم وقضى بها على بين أظهركم قال مسلم قال جعفر في الدين (قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد
عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الشهادة (فإن جاء بشاهد
أحلف مع شاهده) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد
الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو عامل له على الكوفة أن اقض باليمين مع الشاهد
(قال الشافعي) وأخبرنا الثقة من أصحابنا عن محمد بن عجلان عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز
كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن ابن زيد بن الخطاب وهو عامله على الكوفة أن اقض باليمين مع
الشاهد فإنها السنة قال أبو الزناد فقام رجل من كبرائهم فقال أشهد أن شريحا قضى بها في هذا المسجد
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن خالد بن أبي كريمة عن أبي جعفر أن النبي صلى الله عليه
وسلم قضى باليمين مع الشاهد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مروان بن معاوية الفزاري قال
حدثنا جعفر بن ميمون الثقفي قال خاصمت إلى الشعبي في موضحة فشهد القائس أنها موضحة فقال
الشاج للشعبي أتقبل على شهادة رجل واحد؟ فقال الشعبي قد شهد القائس أنها موضحة ويحلف
المشجوج على مثل ذلك قال فقضى الشعبي فيها وذكر هشيم عن مغيرة عن الشعبي قال إن أهل المدينة
يقضون باليمين مع الشاهد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأخبرنا مالك أن سليمان بن يسار وأبا
سلمة بن عبد الرحمن سئلا أيقضى باليمين مع الشاهد؟ فقالا نعم (قال) وذكر حماد بن زيد عن أيوب
بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين أن شريحا قضى باليمين مع الشاهد. وذكر إسماعيل بن علية عن أيوب
عن ابن سيرين أن عبد الله بن عتبة بن مسعود قضى باليمين مع الشاهد (قال) وذكر هشيم عن حصين
قال خاصمت إلى عبد الله بن عتبة فقضى باليمين مع الشاهد، وذكر عبد العزيز بن الماجشون عن زريق بن
حكيم قال كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أخبره أني لم أجد اليمين مع الشاهد إلا بالمدينة قال فكتب إلى أن
اقض بها فإنها السنة وذكر عن إبراهيم بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن أبي جعفر محمد بن علي أن أبي
بن كعب قضى باليمين مع الشاهد. وعن عمران بن حدير عن أبي مجلز قال قضي زرارة بن أوفى فقضى
بشهادتي وحدي وشعبة عن أبي قيس وعن أبي إسحاق أن شريحا أجاز شهادة كل واحد منهما وحده.
274

ما يقضى فيه باليمين مع الشاهد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد في
الأموال وكان في ذلك تحويل ملك مالك إلى مالك غيره حتى يصير المقضى له يملك المال الذي كان
في يدي المقضى عليه بوجه من الوجوه التي تملك بها الأموال فكل ما كان في هذا المعنى قضى به على
معنى ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن يأتي رجل بشاهد أن الدار التي في يدي
فلان داره غصبها إياه الذي هي في يديه أو أبعه إياها وأخذ منه ثمنها أو بغير ذلك من وجوه الملك
فيحلف مع شاهده وتخرج الدار من يدي الذي هي في يديه فتحول إلى ملك المشهود الحالف له
فيملكها كما كان الذي هي في يديه مالكا لها وكذلك غيرها مما يملك وكذلك لو أتى بشاهد على عبد أو
عرض أو عين بعينه أو بغير عينه أحلف مع شاهده وقضى له بحقه وكذلك لو أقام شاهدا أن له عليه
ألف درهم أو أقل أو أكثر حلف مع شاهده وأخذ منه ألفا فيملكها عليه كما كان المشهود عليه لها مالكا
قبل الشهادة واليمين (قال) وكذلك لو أقام البينة عليه أنه حرق له متاعا قيمته كذا وكذا أو قتل عبدا
قيمته كذا أو جرحه هو في بدنه جراحة خطأ حلف في هذا كله مع شاهده وقضى له (1) بثمن المتاع
وقيمة العبد وأرش الجناية قلت أو كثرت على الجاني في ماله أو على عاقلته لأنه يملك كل واحد ممن
قضى عليه ما كان هو مالكا له إما في الظاهر والباطن وإما في الظاهر. وكذلك لو أقام شاهدا أنه
أسلفه مائة دينار في طعام موصوف أو بر موصوف أو غير ذلك أحلفته مع الشاهد وألزمت المشهود عليه
بما شهد به شاهده وجعلت ذلك مضمونا عليه إلى أجله الذي سمى. وكذلك لو أقام شاهدا على رجل
أنه اشترى منه جارية أو عبدا بمائة دينار حلف مع شاهده ولزم المشهود عليه العبد أو الجارية بيعا بمائة
دينار. وكذلك لو أقام شاهدا أنه باعه هذه الجارية بجارية أخرى أو بدار حلف مع شاهده ولزم كل
واحد منهما البيع وهذا كله تحويل ملك إلى مالك وكذلك لو أقام على رجل البينة أنه سرق منه شيئا من
غير حرز يسوى مالا أو سرق منه شيئا من حرز لا يسوى ربع دينار حلف مع شاهده وغرم السارق قيمة
السرقة إن كانت مستهلكة ولم يقطع السارق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو كان لرجل حق من
دين أو ثمن بيع أو أرش جناية أو غير ذلك من الحقوق فأقام الذي عليه الحق شاهدا أنه قد قبض ذلك
منه صاحبه أو أبرأه منه أو صالحه منه على شئ قبضه حلف مع شاهده وبرئ من ذلك كله وهذا
تحويل ما كان (2) من المشهود عليه بالبراءة ملك عليه إلى ملك المشهود له بالبراءة (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى ولو قضى عليه عاقلة رجل بأرش جناية فأقام شاهدا أن المجني عليه أبرأه من أرش
الجناية وقفنا الشاهد. فإن قال أبرأه من أرش الجناية وأبرأ أصحابه المقضى عليهم بها أحلفناهم
وأبرأناهم فإن حلف بعضهم ولم يحلف بعض برئ من حلف ولم يبرأ من لم يحلف وذلك مثل أن يكون
ألف درهم لرجل على رجلين فأقاما شاهدا فشهد لهما بالبراءة فيها فحلف أحدهما ولم يحلف الآخر فيبرأ

(1) قوله: بثمن المتاع، مراده بالثمن: القيمة وقوله: لأنه يملك كل واحد ممن قضى عليه، الأظهر ممن
قضى له، اي ان اليمين مع الشاهد هنا ملكت كل واحد ممن ذكر ما كان المدعي عليه مالكا له، فتمل وحرر.
(2) قوله: من المشهود عليه الخ، اي ما كان المشهود عليه بالبراءة ملك عليه الخ ف‍ " من " بمعنى اللام،
تأمل.
275

الذي حلف ولا يبرأ الذي لم يحلف: وتحلف عاقلته ولا يحلف معها لأن جنايته على عاقلته ولا يعقل هو
عن نفسه معهم شيئا. ولو قال الشاهد أبرأه من الجناية وقفنه أيضا فقلت قد يحتمل قولك أبرأه من
الجناية من أرشها فإن كنت هذا تريد فهو برئ منها وإن تثبت الشهادة على إبراء العاقلة حلفوا وبرئوا
وإن لم تثبت عليهم لزمهم العقل لأنه لم يشهد لهم بالبراءة. ولو باعه عبدا معيبا فأقام شاهدا أنه تبرأ إليه
من العيب أو شاهدا أنه أبرأه بعد العلم بالعيب من العيب حلف مع شاهده وبرئ. ولا احتاج مع
هذا إلى وقفه كما أحتاج إلى وقفه في الجناية من قبل أنه أبرأه من أن يكون به عيب فهذا أكثر ما يكون
له. وإن أبرأه مما يلزم في العيب من الرد بالعيب أو أخذ ما نقص العيب برئ وهذا لا يلزم إلا المشهود
له خاصة فيحلف فيه ويبرأ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أقام رجل على رجل بينة بحق فأتى
المشهود عليه بشاهد يشهد بأن المشهود له أقر بأن ما شهد به شهوده على فلان باطل أحلف مع شاهده
وأبرئ مما شهد به عليه. وهذا مثل أن يقيم عليه بينة بمال فيأتي المشهود عليه بشاهد فيشهد أنه أبرأه
منه فيحلف مع شاهده ويبرأ مما شهد به عليه (قال) ولو أن رجلا أقام شاهدا في حياته أن له حقا على
فلان بوجه من الوجوه. ثم مات قبل أن يحلف. أو مات قبل أن يقيم شاهدا فأقام ورثته بعده شاهدا
بأن له على فلان حقا فورثته يقومون مقامه في كل ما ملكوا عنه. وذلك أن الله عز وجل نقل ملك
الموتى بالمواريث إلى الاحياء فجعلهم يملكون ما كان للاحياء يملكون ما ملكهم بقدر ما فرض لهم فهم
يقومون مقام من ورثوه بقدر ما ورثوا (قال) فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول كيف يحلف الوارث وهو لا
يدرى أشهد شاهده بحق (1) فيحلف على علمه وذلك أن العلم قد يكون بالعيان والسماع والرؤية فإذا
سمع ممن يصدق أن لأبيه حقا على فلان أو علمه بأي وجه من وجوه العلم كان ذلك حلف مع شاهده
وكان كأبيه لو شهد له شاهد على حق كان عنه غائبا أو على رجل أنه قتل له دابة غائبة أو عبدا حلف
مع شاهده وأخذ حقه ولو لم يحلف إلا على ما عاين أو سمع من الذي عليه الحق بعينه ضاق هذا عليه
(قال) ولم يزل أهل العلم يحلفون مع الشاهد على الحق الغائب إذا أمكن أن يكون الحالف علم أن حقه
حق بوجه من وجوه العلم الرؤية أو السمع أو الخبر (قال) وإذا كان هكذا فكذلك كل من شهد له
بحق بأن فلانا أقر له أو أوصى له أو تصدق عليه حلف مع شاهده ولو ضاق عليه أن يحلف إلا على ما
عاين ضاق عليه أن يأخذ الحق شاهد: لا فيما عاين حتى لو مات أبوه وهو صغير فشهد له أنه ورثه شيئا بعينه
ضاق عليه أن يأخذه لأنه لم يعاين أباه وما ترك ولا عدد ورثته ولا هل عليه دين أو له وصايا
وكذلك لو كان بالغا ومات أبوه غائبا فشهد له على تركة له غائبة لأنه لم ير أباه يملكها ولا يدرى لعله لم
يتركها فإن مات ميت وترك ابنا بالغا وابنا صغيرا وزوجة يحلف البالغ ويأخذ نصيبه من الميراث وذلك
نصف المال بعد ثمن المرأة وإن حلفت المرأة أخذت الثمن ووقفت للصبي حقه من المال وذلك النصف
بعد الثمن حتى يبلغ فيحلف أو يتمنع من اليمين فيبطل حقه أو يموت قبل البلوغ فتقوم ورثته فيما ورثوا عنه
مقامه فيحلفون ويستحقون (قال) وكذلك لو كان الورثة بالغين فيهم غيب أخذ الحاضر الحالف حقه
ووقفت حقوق الغيب حق يحضروا فيحلفوا ويستحقوا أو يأبوا فتبطل حقوقهم أو يموتوا قبل ذلك فتقوم
ورثتهم في حقوقهم مقامهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن كان في الورثة أخرس وكان يفقه
الإشارة باليمين أشير إليه بها حتى يفهم عنه أنه حلف ثم يعطى حقه وإن كان لا يفهم الإشارة ولا يفهم
عنه أو كان معتوها أو ذاهب العقل وقف له حقه حتى يعقل فيحلف أو يموت فتقوم ورثته مقامه

(1) قوله: فيحلف الخ، هو روح الجواب، ولعل الأصل " قيل فيخلف الخ " تأمل.
276

فيحلفون ويستحقون. ولا يجوز عندي أن يترك وارثين فيحلف أحدهما فيستحق الآخر حقه بيمين أخيه
لأن كلا إنما يقوم مقام الميت فيما ورث عنه والحق وإن كان عن الميت ورث فلم يحق إلا للاحياء بسبب
الميت على قدر مواريثهم. ألا ترى أن اليمين إنما كانت من الاحياء فلا يجوز أن يقوم رجل مقام الذي له
أصل الحق في نصف ماله فيستحق بيمين غيره النصف الآخر كما لو كان لرجلين على رجل ألفا درهم
فأقام أحدهما شاهدا بها وحلف أحدهما (1) لم يستحق الألف وهي التي تملك ولا يحلف على ما يملك
غيره ولو حلف لم يستحق غيره بيمينه شيئا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد
لصاحب الحق وصاحب الحق من ملكه كله لا من ملك بعضه وبقى البعض مملوكا لغيره ولو كان للورثة
وصى فأقام شاهدا بحق للميت لم يحلف الوصي لأنه ليس بمالك وتوقف حقوقهم فكلما بلغ منهم واحد
حلف وأخذ حقه بقدر ميراثه ولو مات رجل وقد أقام في حياته شاهدا له بحق على رجل أو أقامه وصيه
بعد وفاته أو أحد ورثته وله غرماء فقيل لورثته احلفوا واستحقوا فأبوا أن يحلفوا بطل حقهم ولم يكن
للغرماء أن يحلفوا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قضى لمن أقام شاهدا بحق له على الآخر بيمينه
وأخذ حقه فإنما أعطى باليمين من شهد له بأصل الحق وإنما اليمين مع الشاهد أن يقال لقد شهد الشاهد
بحق وإن هذا الحق لي على فلان وما برئ منه وإنما جعلت للوارث اليمين بأن الله عز وجل نقل ملك
الميت إلى الوارث فجعله يقوم مقامه فيه ولا يخالفه بقدر ما فرض له وجعله مالكا ما كان الميت مالكا
أحب أو كره ولو ورث عبدا زمنا ألزمته ملكه وإن لم يرد ملكه حتى يخرجه هو من ملكه قال وليس
الغريم ولا الموصى له من معنى الوارث بسبيل لا هم الذين لهم أصل الحق فيكونون المقضى لهم باليمين
مع الشاهد ولا الذين حكم الله تعالى لهم بالميراث فيكونون في معنى صاحب الحق والغرماء والموصى
لهم وإن استحقوا مال صاحب الدين فليس من وجه أنهم يقومون مقامه ولا يلزم فيهم ما يلزم الوارث
من نفقة عبيده الزمني قال ولو مات صاحب الحق فجاء وارثه بشاهد وقال أنا أحلف وقال غريم الميت
المال لي دون الوارث وأنا أحلف حلف الوارث وأخذ الغريم المال دونه كما كان أخذ له دون أبيه (2) ولو
كان الغريم يقوم مقام الوارث كان أحق بالمال إذا ملكه الوارث عن الموروث فالغريم أحق به كما
يكون أحق بجميع ماله الذي في يديه والذي يحق به وله من الدية وغرها (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: ففيما وصفت إن شاء الله تعالى بيان فرق بين الغريم والموصى له والوارث وصاحب أصل الحق
قال ومما يثبته إن شاء الله تعالى أن الغريم إنما حقه في مال الميت جملة لا في ماله الذي يحلف عليه
وذلك أنه لو ظهر له مال سوى ماله الذي يقال للغريم احلف عليه كان للورثة أن يعطوه من المال
الظاهر الذي لم يحلف عليه ولو لم يكن له مال إلا ما حلف عليه الغريم فجاء غريم غيره فامتنع أحدهما
من اليمين فإن حلف الآخر وأخذ جميع الدين فقد أعطى بيمينه الحق وإنما كان له النصف وليس هكذا
الرجلان يكون الحق لأحدهما إذا نكل بطل حقه وأخذ الحالف حقه قال ولو أقام ورثة رجل شاهدا
على حق له وله غرماء ووصايا قيل للورثة: احلفوا واستحقوا فإذا فعلوا فالغرماء أحق بماله منهم وأهل
الوصايا يشركونهم في ماله بالثلث وإن أبوا أن يحلفوا أبطلنا حصة أهل الوصايا.

(1) لعله لم يستحق الا الألف، وهي التي يملك اه‍
(2) وقوله: ولو كان الغريم الخ، كذا في النسخ، وتأمل أيضا. وقوله: كان أحق بالمال اي الذي في ذمة
المدعي عليه، اي أحق به من أول الأمر من غير دخل في الوارث، وليس كذلك، بل أحقيته به تكون إذا ملكه
الوارث الخ، فتأمل جدا.
277

الامتناع من اليمين وكيف اليمين؟
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن كانت له اليمين على حق مع شاهد قيل له إن حلفت
استحققت وإن امتنعت من اليمين سألناك لم تمتنع؟ فإن قلت لاتى بشاهد آخر تركناك حتى تأتى به
فتأخذ حقك بلا يمين أولا تأتى به فنقول احلف وخذ حقك وإن امتنعت بغير أن تأتى بشاهد أو تنظر
في كتاب لك أو لاستثبات أبطلنا حقك في اليمين وإن طلبت اليمين بعدها لم نعطكها لأن الحكم قد
مضى بإبطالها وإن جئت بشاهد آخر أعطيناك به لأنا إنما أبطلنا حقك في اليمين لا في الشاهد الآخر ولا
الأول قال فإن قال بيني وبين الرجل معاملة أو قد حضرني وإياه من أثق به فأسأله أمهلته حتى يسأله
ولم أقض له بشئ على المشهود عليه فإن حلف أخذ حقه وإن أبى أبطلت حقه في اليمين فمتى طلب
اليمين بعد لم أعطها إياه لأني قد أبطلتها ومتى جاء بشاهد آخر أعطيته بهما لأني لم أبطل الشاهد إنما
أبطلت الحق في اليمين (قال) وإذا كان الحق عشرين دينارا أو قيمتها أو دما أو جراحة عمد فيها قود ما
كانت أو حدا أو طلاقا حلف الحالف بمكة بين البيت والمقام فإن كان بالمدينة فعلى منبر رسول الله صلى
الله عليه وسلم وإن كان في بيت المقدس ففي مسجدها أو ببلد ففي مسجده وأحب لو حلف بعد
العصر. وقد كان من حكام الآفاق من يستحلف على المصحف وذلك عندي حسن (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: فإن كان الحق أقل من عشرين دينارا أو قيمتها أو كانت جراحة خطأ أرشها أقل من
عشرين أحلف في المسجد أو في مجلس الحكام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وتوقيت عشرين
دينارا قول فقهاء المكيين وحكامهم فإذا حلف الرجل على حق نفسه حلف (بالله الذي لا إله إلا هو
عالم الغيب والشهادة والرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية أن ما شهد به شاهدي
فلان بن فلان عليك وهو كذا وكذا ويصفه لحق كما شهد به وإن ذلك لثابت لي عليك ما قبضته منك
ولا شيئا منه ولا اقتضاه لي مقتض بأمري ولا شئ منه ولا بغير أمري فوصل إلى ولا أبرأتك منه ولا من
شئ منه ولا أحلتني به ولا بشئ منه على أحد ولا أحلت به عليه ولا برئت منه بوجه من الوجوه ولا
صرت إلى ما يبرئك منه ولا من شئ منه بوجه من الوجوه إلى يوم حلفت يميني هذه فإن كان اقتضى
منه شيئا أو أبرأه من شئ حلف بما وصفت فإذا انتهى إلى قوله ما اقتضيته ولا شيئا منه ولا اقتضاه لي
مقتص بأمري قال ما اقتضيت منه إلا كذا وكذا وإن ما بقي لثابت لي عليك ما اقتضيته ولا شيئا منه
ولا اقتضاه لي مقتض بأمري قال ما اقتضيت منه إلا كذا وكذا وإن ما بقي لثابت لي عليك ما اقتضيته
ولا شيئا منه ولا اقتضاه لي مقتض بأمري ولا شيئا منه ولا وصل إلى ولا إلى غيري بأمري ولا كان منى
فيه ولا في شئ منه ما يكون لك به البراءة منه) ثم تنسق اليمين وإن حلف على دار له في يديه أو عبد
أو غيره حلف كما وصفت. وقال (إن الدار التي كذا ويحدها لداري ما بعتكها ولا شيئا منها ولا وهبتها
لك ولا شيئا منها ولا تصدقت بها عليك ولا بشئ منها ولا على غيرك ممن صيرها إليك منى ولا بشئ
منها بوجه من الوجوه وإنها لفى ملكي ما خرجت منى ولا شئ منها إلى أحد من الناس أخرجها ولا
شيئا منها إليك) وإنما أحلفته على غيره بسبب المحلف له لأنه قد يخرجها إلى غيره فيخرج ذلك إلى
الذي هي في يديه وإن كان المستحلف ذميا أحلف (بالله الذي أنزل التوراة على موسى وبغير ذلك مما
يعظم اليمين به مما يعرف أنه حق وليس بباطل ولا يحلف بما يعظم إذا جهلناه ويحضره من أهل دينه من
يتوقى هو محضره إن كان حانثا ليكون أشد لتحفظه إن شاء الله تعالى. قال وإن كان الحق لميت فورثه
278

الحالف حلف كما وصفت على أن هذا الحق ثابت لفلان عليك ما اقتضيته منك ثم ينسق اليمين كما
وصفت ولا علمت فلانا الميت اقتضاه ولا شيئا منه منك ولا أبرأك منه ولا من شئ منه بوجه من
الوجوه ولقد مات وأنه لثابت عليك إلى يوم حلفت بيميني هذه. قال ولو كانت اليمين لرجل يأخذ بها
أو على رجل يبرأ بها فبدأ فحلف قبل أن يحلفه الحاكم أعاد الحاكم عليه اليمين حتى تكون يمينه بعد
خروج الحكم بها.
تم الجزء السادس من كتاب: [الام] للإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه
ويليه - إن شاء الله - الجزء السابع، وأوله:
(باب ما لا يقضى فيه باليمين مع الشاهد، وما يقضى)
279