الكتاب: فتح العزيز
المؤلف: عبد الكريم الرافعي
الجزء: ٢
الوفاة: ٦٢٣
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

فتح العزيز
شرح الوجيز
وهو الشرح الكبير للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 ه‍
..
الجزء الثاني
دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم
1

قال * (الباب الثالث في الاحداث وفيه فصلان
الأول في أسبابها) *
ولا تنتقض الطهارة بالفصد (ح) والحجامة (ح) والقهقهة (ح) في الصلاة وغيرها وأكل
ما مسته النار (و)
الحديث يقع على الحالة الموجبة للوضوء والحالة الموجبة للغسل ألا ترى أنه يقال هذا حدث
أصغر وذا حدث أكبر لكن إذا أطلق مجردا عن الوصف بالصغر والكبر كان المراد منه الأصغر
غالبا وهو الذي أراده في هذا الموضوع ثم له سبب وأثر فجعل كلام الباب في فصلين أحدهما في
الأسباب والثاني في الآثار وتكلم أو لا فيما ليس من أسباب الحدث عندنا واشتهر خلاف العلماء إيانا فيه
فمن ذلك الفصد والحجامة وكل خارج من غير السبيلين لا ينقض الطهارة خلافا لأبي حنيفة
حيث قال كل نجاسة خارجة من البدن تنقض الوضوء كالدم إذا سال والقي إذا ملا الفم وبه قال
احمد الا أنه لا يقول بالانتقاض إذا كان الدم قطرة أو قطرتين: لنا ما روى أنس ان النبي صلى الله
عليه وسلم (احتجم وصلي ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه) (1) وروى مثل مذهبنا عن عبد
2

الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن أبي أوفى وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وعائشة رضي
الله عنهم ومنها القهقهة فلا تنقض الوضوء سواء وجدت في الصلاة أو في غيرها وعند أبي حنيفة
القهقهة في الصلاة تنقض الوضوء الا في صلاة الجنازة لنا ما روى عن جابر رضي الله عنه أنه صلى
3

الله عليه وسلم قال (الضحك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء) (1) ومنها أكل ما مسته النار فلا
يؤثر في انتقاض الطهارة وقال أحمد تنتقض الطهارة بأكل لحم الجزور وحكي ابن القاص عن القديم
4

قولا مثله لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (توضؤا من لحوم الإبل ولا تتوضأوا من لحوم
الغنم) (1) لنا ما روى عن جابر قال كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم
5

(ترك الوضوء مما مسته النار)
(1) قال (وإنما ينتقض بأمور أربعة الأول خروج الخارج من أحد السبيلين ريحا كان أو عينا نادرا
كان أو معتادا طاهرا كان أو نجسا)
نواقض الوضوء عندنا أربعة أحدها خروج الخارج من أحد السبيلين يدل عليه الاجماع والنصوص
6

كقوله تعالي (أو جاء أحد منكم من الغائط) وقوله صلى الله عليه وسلم في المذي (ينضح
فرجه بالماء ويتوضأ وضوءه للصلاة) (1) ولا فرق بين العين والريح قال صلى الله عليه وسلم
7

(لا وضوء الا من صوت أو ريح) (1) وقد يفرض خروج الريح من القبل في النساء ومن
الإحليل أيضا لا درة وغيرها فينقض الطهارة أيضا خلافا لأبي حنيفة: لنا القياس على الدبر ولك
9

ان تعلم قوله ريحا بالحاء إشارة إلى هذا الخلاف وإذا كان الخارج عينا فلا فرق بين أن يكون
معتادا أو نادرا كالدود والحصا خلافا لمالك في النادر الا في دم الاستحاضة: لنا القياس على المعتاد
بعلة أنه خارج من السبيلين وظاهر ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (الوضوء مما خرج) (1)
10

ونحو ذلك وأما قوله طاهرا أو نجسا فقد يتوهم أن المراد من الطاهر المنى وليس كذلك بل المراد
منه الدود والحصا وسائر ما هو طاهر العين وأما المنى فلا يوجب خروجه الحدث وإنما يوجب
الجنابة ولا يغتر بتعميم الأئمة القول في أن الخارج من السبيلين ناقض للطهارة فان هذا ظاهر
يعارضه نصهم في تصوير الجنابة المجردة عن الحدث على أن من أنزل بمجرد النظر أو بالاحتلام قاعدا
فهو جنب غير محدث وحكى في البيان عن القاضي أبي الطيب أن خروج المني يوجب الحدثين جميعا
11

الأصغر لأنه خارج من السبيلين والأكبر لأنه منى والمذهب المشهور هو الأول فالشئ مهما أوجب
أعظم الأثرين بخصوصه لا يوجب أهونها بعمومه كزنى المحصن لما أوجبت أعظم الحدين لأنه زني
المحصن لا يوجب أدناهما لأنه زني ولا يخفى ان المراد من قوله خروج الخارج من السبيلين هو الخروج
من أيهما كان ولا يشترط في الانتقاض الخروج من كليهما وكل ما ذكرناه فيمن هو واضح الحال
في أمر الذكورة والأنوثة أما المشكل فان خرج الخارج من فرجيه جميعا فهو محدث لان أحدهما
أصلى وان خرج من أحدهما فالحكم كما لو خرج من واضح الحال خارج من ثقبة انفتحت تحت المعدة
12

مع انفتاح السبيل المعتاد وسيأتي حكمه *
قال (وفى معناه ثقبة انفتحت تحت المعدة مع انسداد المسلك المعتاد فإن كان فوق المعدة
أو تحتها لكن مع انفتاح المسلك المعتاد فقولان فان قلنا ينتقض فلو كان الخارج نادرا فقولان وفى
جواز الاقتصار فيه على الحجر ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين المعتاد وغيره وكذا في انتقاض الطهر
بمسه وفى وجوب الغسل بالايلاج فيه وفى حل النظر إليه تردد)
لو انسد السبيل المعتاد وانفتحت ثقبة تحت المعدة نظر ان خرج منها النجاسة المعتادة وهي البول
والعذرة انتقض الطهر لان الانسان لابد له في مطرد العادة من منفذ يخرج منه الفضلات التي
13

تدفعها الطبيعة فإذا انسد ذلك قام ما انفتح مقامه وان خرج غيرها كالدود والحصا والدم والريح
ففيه قولان أحدهما لا ينتقص به الوضوء لان غير الفرج إنما يقام مقامه لضرورة أن الانسان لابد
له من منفذ تنفصل فيه الفضلات المعتادة التي تخرج لا محالة ولا ضرورة في خروج غير المعتاد
وأظهرهما أنه ينتقض لأنه منفذ تنتقض الطهارة بالمعتاد إذا خرج منه فكذلك بغيره كالفرج الأصلي
ولو انفتحت الثقبة فوق المعدة وقد انسد السبيل المعتاد أو تحت المعدة والمعتاد منفتح فهل تنتقض
الطهارة بالخارج المعتاد منها في الصورتين: فيه قولان أصحهما لا: أما في الصورة الأولى فلان ما يخرج من
فوق المعدة أو من حيث يحاذيها لا يكون مما احالته الطبيعة لان ما تحيله تلقيه إلى الأسفل فهو إذا
14

بالقئ أشبه: وأما في الثانية فلان غير الفرج إنما يعطي حكمه لضرورة ان الانسان لابد له من مسلك
فيقام المنفتح عند انسداد المعتاد مقامه ولا انسداد: والثاني ينتقض لان الخارج النجاسة المعتادة ولا
يضر في أن تتحول الثقبة التي تنفصل فيها الفضلات إلى مكان أعلى أو أسفل وهاتان الصورتان
هما المجموعتان في قوله فإن كان فوق المعدة أو تحتها ولكن مع انفتاح المسلك المعتاد المعنى فإن كان
فوق المعتاد مع الانسداد أو تحتها ولكن مع الانفتاح فان قلنا لا تنتقض الطهارة
بخروج المعتاد في الصورتين فلا كلام وان قلنا تنتقض فهل تنتقض بخروج النادر فيه القولان المذكوران
في خروج النادر من ثقبة تحت المعدة مع انسداد السبيل المعتاد وان انتفى المعنيان فلم يكن المعتاد منسدا
ولا المنفتح تحت المعدة فلا انتقاض كالقئ والرعاف ونحوهما ومتى حكمنا بالانتقاض فيتفرع عليه
15

فروع (أحدها) هل يجوز الاقتصار في الخارج منه على الأحجار وما في معناها أم تتعين الإزالة بالماء
حكي صاحب الكتاب فيه ثلاثة أوجه أظهرها أنه يتعين الماء لأنه نادر والاقتصار على الحجر
خارج عن القياس فلا يكون في معني السبيلين وثانيها يجوز الاقتصار عليه لأنه منفذ ألحق بالسبيلين
في كون الخارج منه ناقضا للطهارة فكذلك في جواز الاقتصار على الحجر وثالثها يفرق بين أن
يكون الخارج النجاسة المعتادة فيجوز بين أن تكون غيرها فلا لانضمام ندرة الخارج إلى ندرة المخرج
وحكي امام الحرمين بدل الوجوه أقوالا وهو والامام الغزالي قدس الله روحهما مسبوقان بهذا
الاختلاف لان القاضي أبا القاسم بن كج حكي في المسألة قولين وهما الأول والثاني وحكاهما أبو علي
صاحب الافصاح وجهين وكذلك روى الصيدلاني الثاني هل تنتقض الطهارة بمسه فيه وجهان
أحدهما نعم لأنه التحق بالفرج في انتقاض الطهارة بالخارج منه فكذلك في حكم الانتقاض بمسه
وأصحهما لا لأنه لا يقع مسه في مظنة الشهوة ولأنه ليس بفرج حقيقة فلا يتناوله النصوص الواردة في مس
16

الفرج وحينئذ وجب ان يحكم ببقاء الطهارة (الثالث) إذا أولج فيه هل يجب الغسل فيه وجهان لا
يخفى توجيههما مما ذكرنا (الرابع) هل يحل النظر إليه فيه هذان الوجهان وموضع الوجهين ما إذا كان
فوق السرة أما إذا كان تحتها لا يحل النظر إليه لا محالة ولو كان بحيث يحاذي السرة جري الوجهان
17

كما لو كان فوقها لأن الصحيح أن السرة ليست من العورة والظاهر أنه لا يثبت شئ ء من الأحكام
قال إمام الحرمين والتردد في هذه الأحكام على بعده لا يتعدى أحكام الاحداث فلا يثبت في الايلاج
فيه شئ من أحكام الوطئ سوى ما ذكرناه في وجوب الغسل نعم كان شيخي يتردد في حل النظر وهو
قريب هذا كلامه: ورأيت لأبي عبد الله الحناطي طرد التردد في ايجاب المهر وسائر أحكام الوطئ والله أعلم *
قال: [الثاني زوال العقل باغماء أو جنون أو سكر أو نوم كل ذلك ينقض الطهارة الا النوم
قاعدا ممكنا مقعده من الأرض]
زوال العقل يفرض بطريقين أحدهما غير النوم كالجنون والاغماء والسكر فينتقض الوضوء
بكل حال لان النوم ناقض على ما سيأتي وإنما كان كذلك لأنه قد يخرج منه الخارج من غير شعوره
18

به ومعلوم أن الذهول عند هذه الأسباب أبلغ والسكر الذي ينقض الوضوء هو الذي لا يبقى معه
الشعور دون أوائل النشوة وحكى في التتمة وجها ضعيفا أن السكر لا ينقض الوضوء أصلا والثاني
النوم وإنما نحصل حقيقته إذا استرخي البدن وزال الاستشعار وخفي عليه كلام من يتكلم عنده
وليس في معناه النعاس وحديث النفس وهو من نواقض الوضوء في الجملة لما روى أنه صلى الله
19

عليه وسلم قال (العينان وكاء السه فإذا نام العينان استطلق الوكاء فمن نام فليتوضأ) (1) وروى
20

أنه صلى الله عليه وسلم قال (من استجمع نوما فعليه الوضوء) (1) وتفصيله بأن يقال النوم اما أن يكون
في غير الصلاة وفي الصلاة: إن كان في غير الصلاة فنظر ان نام قاعدا ممكنا مقعده من مقره
فلا ينتقض وضوءه لأنه يأمن استطلاق الوكاء إذا نام على هذه الحالة وقد روى أن أصحاب
21

رسول الله صلى الله عليه وسلم (كانوا ينتظرون العشاء فينامون قعودا ثم يصلون ولا يتوضئون) (1)
22

وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا وضوء على من نام قاعدا إنما الوضوء على من نام مضطجعا) (1)
فان من نام مضطجعا استرخت مفاصله ولا فرق بين أن يكون مستندا أو غيره مستند بعد أن يكون
المقعد متمكنا من الأرض ولا بين أن يكون السناد بحيث لو سل لسقط وبين أن لا يكون كذلك
23

وعن الشيخ أبي محمد أنه إن كان بحيث لو سل لسقط بطل الوضوء وان نام على غير هيئة العقود بالصفة المذكورة
بطل الوضوء سواء كان مضطجعا أو مستلقيا أو قائما أو على هيئة الساجدين أو الراكعين وفى قول لا ينتقض
الوضوء بالنوم على أي هيئة كانت من هيئات المصلين عند الاختيار وان لم يكن في الصلاة وبه قال أبو حنيفة
لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا وضوء على من نام قائما أو راكعا أو ساجدا) (1) لكن
أئمة الحديث ضعفوه فعلى هذين القولين لا ينحصر الاستثناء في حالة العقود على خلاف ما ذكره صاحب
24

الكتاب وعن الشافعي رضي الله عنه قول آخر أن تلك الحالة أيضا لا تستثنى بل النوم في عينه
حدث لاطلاق ما سبق من الاخبار وكما في سائر الاحداث لا فرق فيها بين حالتي العقود وغيرها
والى هذا القول صار المزني: وعن مالك أنه ان نام جالسا قليلا لم ينتقض وضوءه وان نام كثيرا
انتقض هذا كله إذا كان في غير الصلاة أما إذا كان في الصلاة فقولان القديم أنه لا ينتقض
25

وضوئه لما روي أنه صلى الله عليه وسلم (قال إذا نام العبد في صلاته باهى الله به ملائكته
يقول انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده ساجد بين يدي) والجديد أن حكمه كما لو كان
خارج الصلاة لما سبق من الاخبار وللقياس على سائر الاحداث ولان النوم إنما أثر لأنه قد يخرج
26

منه الشئ من غير شعوره به وهذا المعني لا يختلف بين أن يكون في الصلاة أو خارج الصلاة
وإذا عرفت ما ذكرنا عرفت أن قوله أو سكر ينبغي أن يكون معلما بالواو وكلمة الاستثناء من
قوله الا النوم قاعدا بالقاف والزاي إشارة إلى القول الذي حكينا أن عين النوم حدث واليه ذهب
27

المزني فإنه لا استثناء على ذلك القول وقوله وكذا النوم قاعدا بالميم لما ذكرنا من مذهب مالك وكذلك
ينبغي أن يكون قوله كل ذلك ينقض الطهر معلما بالقاف إشارة إلى القول المنقول في النوم قائما
أنه لا ينقض وفى النوم على هيئات المصلين وكذلك في النوم في الصلاة فإنها مستثناة أيضا على هذه الأقوال
28

قال الثالث لمس بشرة المرأة الكبيرة الأجنبية ناقض لطهارته (م ح) فإن كانت محرما
أو صغيرة أو ميتة أو مس شعرها أو ظفرها أو عضوا مبانا منها ففي الكل خلاف وفى الملموس
قولان واللمس سهوا أو عمدا سواء (و م)
اللمس من نواقض الوضوء خلافا لأبي حنيفة الا في المباشرة الفاحشة وهي أن يضع الفرج
على الفرج مع الانتشار ولمالك وأحمد فإنهما اعتبر الشهوة في كونه ناقضا هذه رواية عن أحمد
وعنه روايتان أخريان أحداهما مثل مذهبنا والأخرى مثل مذهب أبي حنيفة: لنا قوله تعالى (أو
لمستم النساء) عطف اللمس على المجئ من الغائط ورتب عليهما الامر بالتيمم عند فقدان الماء
فدل على كونه حدثنا كالمجئ من الغائط والمراد من اللمس الجس باليد كذلك روي عن ابن عمر
29

رضي الله عنهما وغيرهم ثم ينظر ان وجد اللمس من الرجل بالصفات المذكورة في الكتاب وهي
أن يلمس بشرة المرأة الكبيرة الأجنبية فتنقض طهارته: فان قيل الشرط في الانتقاض ان لا يكون
بينهما حائل ولم يتعرض له: قلنا في قوله لمس بشرة المرأة ما يفيد ذلك لأنه إذا كن بينهما حائل
فلا يقال لمس ولا مس ولهذا لو حلف أن لا يمس امرأة فمسها من وراء حائل قال الأصحاب لا يحنث
وان فقد شئ من الصفات التي ذكرها نظر ان لمس غير البشرة كالشعر والظفر والسن ففيه
30

وجهان أحدهما ينتقض وضوءه كسائر أجزاء البدن ولهذا يسوى بين الكل في الحل والحرمة
وإضافة الطلاق وأصحهما لا ينتقض لان الالتذاذ بهذه الأشياء إنما يكون بالنظر دون اللمس أو
معظم الالتذاذ فيها بالنظر: وإن كان الملموس عضوا مبانا منها ففيه وجهان أحدهما أنه كالمتصل الا ترى
ان مس الذكر المقطوع كمس الذكر المتصل على الصحيح وأصحهما انه لا ينتقض لان اللمس حدث
لظاهر الآية وفهم من جهة المعني اعتبار الوقوع في مظنة الشهوة وان لم يعتبر نفس الشهوة ولمس المبان ليس
في مظنة الشهوة ولا يقال لمن لمسه لمس امرأة بخلاف من مس الذكر المبان فإنه قد مس الذكر وان لمس
31

صغيرة والمراد التي لم تبلغ حد الشهوة ففيه وجهان أحدهما نعم لظاهر الآية وأصحهما لا لأنه ليس في مظنة
الشهوة فصار كلمس الرجل الرجل ومنهم من يقول في المسألة قولان كما في المحرم وان لمس محرما فقولان: أحدهما
ان حكمها حكم الأجنبيات في اللمس لعموم الآية: وأصحهما لا لأنها ليست في مظنة الشهوة بالإضافة إليه ولا
فرق بين محرمية النسب والرضاع والمصاهرة في اطراد القولين وان لمس ميتة ففيه وجهان أيضا ينظر في
أحدهما إلى عموم اللفظ وفى الثاني إلى أن لمسها ليس في مظنة الشهوة والظاهر الأول كما يجب الغسل
بالايلاج فيها ولم يذكر مسألة الميتة في الوسيط وإذا عرفت ما ذكرناه تبين لك أن الخلاف الذي
ابهمه في قوله ففي الكل خلاف قولان في مسألة المحرم ووجهان في سائر المسائل وهذا مما ينبغي
أن يعتني به محصل هذا الكتاب فإنه كثيرا ما يرسل ذكر الخلاف والتردد في مسائل يعطف بعضها
على بعض وهو قول في بعضها ووجه في البعض فينبغي أن يضبط ثم كما ينتقض وضوء الرجل إذا
32

لمس بهذه الشرائط ينتقض وضوء المرأة إذا لمست هذه الشرائط وفى الملموس قولان أصحهما
أنه ينتقض وضوءه أيضا لاستوائهما في اللذة كما أن الفاعل والمفعول يستويان في حكم الجماع والثاني
لا ينتقض لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت (أصابت يدي أخمص قدم رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الصلاة فلما فرغ من صلاته قال أتاك شيطانك) (1) ولو انتقض طهر الملموس
33

لما أتم الصلاة ثم حكي قولان في أن الملموس من هو أحدهما أن الملموسة هي المرأة وان وجد فعل
اللمس منها والرجل لامس والثاني وهو الأصح المشهور أن اللامس من وجد منه فعل اللمس رجلا
كان أو امرأة والملموس الآخر ويخرج مما ذكرناه قول أن المرأة لا ينتقض وضوءها وان لمست
وإن نفى المصنف في الوسيط أن يكون في الانتقاض خلاف ثم لا فرق بين أن يتفق اللمس عمدا
34

أو سهوا كسائر الاحداث ولا بين أن يكون بشهوة أو بغير شهوة وحكي وجه أن اللمس إنما ينقض
الوضوء إذا وقع قصدا وكان تخصيص اللمس بالذكر في الكتاب إنما كان لمكان هذا الوجه والا
فسائر الاحداث أيضا عمدها وسهوها سواء لكن أبا عبد الله الحناطي روى في مس الذكر ناسيا وجهين
أيضا وحكي في اللمس أن ابن سريج ذهب إلى اعتبار الشهوة كما صار إليه مالك قال وحكي ذلك
عن الشافعي رضي الله عنه أيضا ولمس العجوز كغيرها ولمس العضو الأشل والزائد كلمس الصحيح
والأصلي وفى الصور الثلاث وجه آخر *
35

(قال) [الرابع مس الذكر ببطن الكف ناقض (خ ز) للوضوء وكذا مس فرج المرأة وكذا مس
حلقة الدبر (م) على الجديد وكذا مس فرج البهيمة على القديم وكذا فرج الميت (و) والصغير
(م) وكذا محل الجب (و) وفى الذكر المبان وجهان وفى المس برؤوس الأصابع وجهان وبما بين
الأصابع لا ينقض على الصحيح
36

مس الذكر ناقض للوضوء خلافا لأبي حنيفة ومالك فان حكم المس عندهما على ما ذكرنا
في اللمس: لنا حديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من مس ذكره فليتوضأ) (1)
37

وإنما ينتقض الوضوء إذا مس بالكف والمراد بالكف الراحة وبطون الأصابع وقال أحمد
تنتقض الطهارة سواء مس بظهر الكف أو ببطنها: لنا أن الأخبار الواردة في الباب جرى في بعضها لفظ
38

المس وفى بعضها لفظ الافضاء ومعلوم أن المراد منهما واحد والافضاء في اللغة المس ببطن الكف
ولو مس ببطن أصبع زائدة نظر إن كانت على استواء الأصابع فهي كالأصلية على أصح الوجهين
وان لم تكن على استواء الأصابع فلا في أصح الوجهين ولو كانت له كفان فإن كانتا عاملتين أو غير
39

عاملتين فبأيتهما مس انتقض الوضوء وإن كانت إحداهما عاملة دون الأخرى انتقض بالمس بالعاملة
40

دون الأخرى ذكره القاضي الروياني وصاحب التهذيب وحكي بعضهم خلافا في اليد الزائدة مطلقا
واليد الشلاء كالصحيحة في أصح الوجهين وكذا الذكر الأشل كالصحيح وحكم فرج المرأة في
41

المس حكم الذكر لما روى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ويل
للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضأون) (1) قالت عائشة بابي وأمي هذا للرجال أفرأيت
النساء قال (إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ) وفى حلقة الدبر وهي ملتقى المنفذ قولان قال
56

في القديم لا ينتقض الوضوء بمسه وبه قال مالك لان الاخبار وردت في القبل وهو الذي يفضى
بمسه إذا كان على سبيل الشهوة إلى خروج المذي وغيره فأقيم مسه مقام خروج الخارج بخلاف الدبر
57

وقال في الجديد ينتقض لأنه فرج فينتقض الوضوء بمسه لقوله صلى الله عليه وسلم (ويل للذين
يسمون فروجهم ولا يتوضؤون) وبالقياس على القبل ومن الأصحاب من جزم بما قاله في الجديد
ونفى الخلاف فيه وعن أحمد روايتين كالقولين وفى فرج البهيمة قولان حكي عن القديم أن مسه
58

كمس فرج الآدمي لظاهر قوله (من مس الفرج الوضوء) (1) ولان فرج البهيمة كفرج الآدمي في الايلاج
فكذلك في حكم المس وهذا القول في القبل دون الدبر فان دبر الآدمي لا يلحق على
القديم بالقبل فمن غيره أولى: وقال في الجديد لا أثر لمسه كما لا يجب ستره ولا يحرم النظر إليه ولا يتعلق
به ختان ولا استنجاء ولان لمس إناث البهائم ليس بحدث فكذلك مس فروجها وقطع بعضهم
بما قاله في الجديد: وفى مس فرج الميت ذكرا كان أو أنثى وجهان: أصحهما وهو المذكور في الكتاب
أنه كفرج الحي لشمول الاسم وبقاء الحرمة: والثاني لا أثر لمسه لزوال الحياة وخروج لمسه عن
59

مظنة الشهوة: وفى فرج الصغيرة وجهان أصحهما أنه كفرج الكبير لما ذكرنا: والثاني لا لما روى
أنه صلى الله عليه وسلم مس زبيبة الحسن أو الحسين ولم يرو أنه توضأ: ومس محل الجب من
المجبوب هل يؤثر فيه وجهان أصحهما نعم لان مسه مظنة خروج الخارج منه فأشبه الشاخص:
60

والثاني لا: لأنه مس محل الذكر دون الذكر وقد حكي عن القفال أن الوجهين مرتبان على أحد
أصلين: أما مس حلقة الدبر فان قلنا إنه لا يؤثر فهذا أولى وان قلنا يؤثر فهمنا وجهان لان الحلقة طاهرة
61

بأصل الخلقة وهذا قد طهر بعارض: وأما مس الثقبة المنفتحة مع انسداد المسلك المعتاد فيه وجهان
سبق ذكرهما وعلى هذا فالانتقاض ههنا أولي لأنه أصلي والوجهان في المسألة فيما إذا لم يبق شئ
62

شاخص أصلا فان بقي شئ فلا خلاف في أن مسه ناقض: وفى الذكر المبان وجهان أصحهما أنه
كالمتصل لشمول الاسم له: والثاني لا لخروج لمسه عن مظنة الشهوة: ولعلك تقول رجح الأئمة
63

من الخلاف في مسائل اللمس الوجه الناظر إلى وقوعه في محل الشهوة ومظنتها حتى قالوا لا تنقض
الطهارة بلمس المحرم والصغيرة على الأصح وههنا عكسوا ذلك فقالوا الأصح الانتقاض بمس فرج
الميت والصغير ولم يعتبروا الشهرة فما الفرق * فالجواب أن اللمس والمس متقاربان في أمر الشهوة
64

وحصول الخلاف إذا وقعا في غير مظنة الشهوة إلا أن الشافعي رضي الله عنه نظر في اللمس إلى شئ
آخر إذا كان الممسوس فرج الغير وهو أنه بالمس هاتك حرمة الممسوس فرجه فحكم بانتقاض وضوئه
منعا له عن ذلك ولهذا لم يحكم بانتقاض طهارة الممسوس فرجه لأنه لا هتك منه بخلاف الملموس حيث
65

انتقض طهره على أظهر القولين لشمول معنى الشهوة وكان الهتك أرجح المعنيين عند الشافعي رضي
الله عنه والنظر إليه أولى ألا تراه علل في مس فرج البهيمة لا يوجب حدثا فقال لأنه لا حرمة لها
ولا تعبد عليها والله أعلم * وهذه المسائل كلها في المس ببطن الكف: أما لو مس برؤوس الأصابع
66

ففيه وجهان: أحدهما أن المس بها كالمس بالراحة لأنها من جنس بشرة الكف ويعتاد المس بها
بالشهوة وغيرها: وأظهرهما أنه لا يؤثر المس بها لأنها خارجة عن سمت الكف ولا يعتمد على المس
بها وحدها من أراد معرفة ما يعرف باللمس من اللين والخشونة وغيرهما وفيما بين الأصابع أيضا
67

وجهان وعدم الانتقاض فيه أظهر وقد نقلوه عن نص الشافعي رضي الله عنه وأطبقوا على
ترجيحه: وأما في رؤوس الأصابع فمنهم من رجح القول بالانتقاض وكأنه لهذا التفاوت صرح بأن
الصحيح عدم الانتقاض في المسألة الثانية وسكت عن الترجيح والتصحيح في الأولى والمعني برأس
68

الإصبع موضع الاستواء بعد المنحرف الذي يلي الكف فإنه من الكف بلا خلاف ثم من يقول
بأن المس برأس الإصبع ناقض بقول باطن الكف ما بين الأظفار والزند اي في الطول ومن يقول إنه
غير ناقض يقول باطن الكف هو القدر المنطبق إذا وضعت إحدى اليدين على الأخرى مع تحامل
69

يسير والتقييد بقولنا مع تحامل يسير ليدخل فيه المنحرف الذي ذكرناه وطرف الكف وهو حرف
اليد على الوجهين في رؤس الأصابع *
قال [وإذا مس الخنثى من نفسه أحد فرجيه لم ينتقض لاحتمال أن الممسوس زائد وان مس رجل
70

ذكره أو امرأة فرجه انتقض إذ لا يخلو عن مس أو لمس وان مس رجل فرجه أو امرأة ذكره لم
ينتقض لاحتمال أنه زائد ولو أن خنثيين مس أحدهما من صاحبه الفرج ومس الآخر الذكر فقد انتقض
طهارة أحدهما لا بعينه ولكن تصح صلاة كل واحد منهما وحده لان بقاء طهارته ممكن
71

ما سبق من المسائل فيما إذا اتفق المس ولم يكن في الماس ولا في الممسوس إشكال في حكم الذكورة والأنوثة فإن كان ففيه مسائل إحداها ان مس الخنثى المشكل فرج واضح فالحكم على
ما سبق وان مس فرج نفسه نظر ان مس فرجيه جميعا انتقض وضوءه لأنه إن كان رجلا فقد مس
ذكره وإن كانت امرأة فقد مست فرجها وان مس أحدهما لم ينتقض وضوءه لأنه ان مس
الذكر فيجوز أن يكون أنثى وهو سلعة زائدة وان مس الآخر فيجوز أن يكون رجلا وهو ثقبة
زائدة وان مس أحدهما وصلى الصبح مثلا ثم توضأ ومس الآخر وصلى الظهر ففي المسألة وجهان
أحدهما انه يقضيهما جميعا لان إحدى صلاتيه واقعة مع الحدث وأظهرهما انه لا يقضي واحدة منهما
72

لان كل صلاة مفردة بحكمها وقد بنى كل واحدة على ظن صحيح فصار كما لو صلى صلاتين
إلى جهتين باجتهادين وان مس أحدهما وصلى الصبح ثم مس الآخر وصلى الظهر من غير وضوء
بينهما أعاد الظهر لأنه محدث عندها ومضت الصبح على الصحة: الثانية لو مس الواضح فرج مشكل
نظر ان مس رجل ذكره انتقض وضوءه لأنه إن كان رجلا فقد مس الذكر وإن كانت امرأة فقد
73

لمس امرأة وان مست امرأة فرجه انتقض وضوءها أيضا لمثل هذا المعنى وهذا إذا لم يكن بين الخنثى
والماس محرمية وغيرها مما يمنع لمسه عن أن ينتقض به الوضوء فإن كان فلا انتقاض وان مس الرجل
فرجه لم ينتقض وضوءه لاحتمال أن يكون رجلا والممسوس ثقبة زائدة وان مست المرأة ذكره
فكذلك لا ينتقض وضوءها لاحتمال أن يكون الخنثى امرأة والممسوس سلعة زائدة والضابط
ان الواضح إذا مس منه ماله انتقض وضوءه فان مس ما ليس له فلا: ثم إذا حكمنا بانتقاض طهارة
74

الواضح فلا نقول الخنثى ملموس حتى يعود في انتقاض طهارته القولان بل هو ممسوس حتى لا تنتقض
طهارته طرحا للشك واستصحابا للطهارة: والثالثة لو مس مشكل فرج مشكل آخر نظر ان مس فرجيه
جميعا انتقض وضوءه كما لو مسهما من نفسه وكذلك لو مس ذكر مشكل وفرج مشكل آخر ينتقض
وضوءه أيضا لكن ههنا ينتقض لعلة المس أو اللمس وان مس أحد فرجيه لا غير لم ينتقض وضوءه
لاحتمال كونه عضوا زائدا ولو مس أحد المشكلين فرج الآخر ومس الآخر ذكر الأول انتقض
75

طهارة أحدهما لا بعينه لأنهما إن كانا رجلين فقد أحدث ماس الذكر وإن كانتا امرأتين فقد
أحدثت ماسة الفرج وإن كان أحدهما رجلا والآخر امرأة فقد أحدثا جميعا بسبب اللمس فإذا
طهارة أحدهما باطلة لا محالة لكنه غير متعين وما من واجد منهما أفردناه بالنظر الا والحدث في
حقه مشكوك فيه فنستصحب يقين الطهارة ولا نمنع واحدا منهما عن الصلاة ونظائر ذلك لا تخفى
وأما قوله في الكتاب في هذه المسألة ولكن تصح صلاة كل واحد منهما وحده ففي كلمة وحده
أشكال لان المفهوم منه ان لكل واحد منهما ان يصلى منفردا ويمتنع ان يقتدى بالآخر كما نقول
إذا اختلف اجتهاد اثنين في إنائين مشتبهين صلى كل واحد منهما وحده يريد به ما ذكرنا لكن
76

اقتداء الخنثى بالخنثى ممتنع على الاطلاق فأن معنى التقييد في هذه المسألة ان كلمة وحده يشبه
أن يكون من سبق القلم لاعن قصد وتعمد لأنه في الوسيط لم يتعرض لذلك وإنما قال لكن تصح
صلاتهما ويأخذ كل واحد منهما باحتمال الصحة وان اتي بها عن قصد فقد ذكر بعضهم ان فائدة
التقييد انه لا تجزى صلاة واحد منهما خلف الآخر قطعا وان بان بعد الفراغ كون الامام رجلا
بخلاف ماذا اقتدى الخنثى بالخنثى في غير هذه الصورة ثم بان بعد الفراغ كون الامام رجلا فان
في وجوب القضاء قولين والله أعلم *
77

قال واليقين لا يرفع بالشك (م) لا في الطهارة ولا في الحدث وان تيقن انه بعد طلوع الشمس
توضأ وأحدث ولم يدر أيهما سبق أسند الوهم إلى ما قبله فان انتهى إلى الحدث فهو الآن متطهر
لأنه تيقن طهرا بعده وشك في الحدث بعد الطهر وان انتهى إلى الطهر فهو الآن محدث وقيل إنه
يستصحب ما قبل الحالتين ويتعارض الظنان]
[من القواعد التي ينبني عليها كثير من الأحكام الشرعية استصحاب اليقين والاعراض
عن الشك والأصل فيه ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
78

(إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه اخرج منه شئ أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى
يسمع صوتا أو يجد ريحا) (1) وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (ان الشيطان ليأتي أحدكم
فينفخ بين أليتيه ويقول أحدثت أحدثت فلا ينصرفن حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) (2) ولا فرق
عندنا بين ان يتيقن الطهارة ويشك في الحدث بعده أو يتقن الحدث ويشك في الطهارة بعده
بل يستصحب اليقين في الحالتين خلافا لمالك حيث قال إذا استيقن الطهارة وشك في الحدث أخذ
بالحدث احتياطا وتوضأ إذا كان خارج الصلاة وإن كان في الصلاة سلم انه يمضي في صلاته وما
رويناه من الخبر حجة عليه لأنه مطلق وحكي في التتمة وجها عن بعض الأصحاب يوافق مذهب
79

مالك ومن نظائر الشك في عروض الحدث ما إذا نام قاعدا ثم تمايل وانتبه ولم يدر أيهما سبق فلا
ينتقض وضوءه بخلاف ما إذا عرف أن الانتباه كان بعد التمايل يلزمه الوضوء ومنها ما إذا شك في أنه لمس
الشعر أو البشرة إذا قلنا إنه لا أثر للمس الشعر ومنها ما إذا مس الخنثى فرجيه مرتين وشك في أن
الممسوس ثانيا هو الممسوس أولا أو الفرج الآخر ومنها ما لو شك في أن ما عرض له رؤيا
80

أو حديث نفس فلا يلزمه الوضوء في شئ منها وكذلك القول في الشك في الحدث الأكبر وهذا
كله إذا عرف سبق الطهارة أما إذا لم يعرف ذلك بان تيقن انه بعد طلوع الشمس توضأ وأحدث
ولم يدر أيهما سبق وانه الآن على ماذا ففي المسألة وجهان أصحها قال صاحب التلخيص والأكثرون
81

يؤمر باسناد الوهم إلى ما قبل طلوع الشمس وتذكر ما كان عليه من الطهارة والحدث فان
تذكر انه كان محدثا فهو الآن على الطهارة لأنه تيقن الطهارة بعد ذلك الحدث وشك في تأخر
الحدث المعلوم بعد الطلوع عن تلك الطهارة وان تذكر انه كان متطهرا فهو الآن محدث
لأنه تيقن حدثا بعد تلك الطهارة وشك في تأخر الطهارة عن ذلك الحدث ومن الجائز سبقها على
الحدث وتوالي الطهارتين وهذا إذا كان الشخص ممن يعتاد تجديد الطهارة فإن لم يكن التجديد
من عادته فالظاهر أن طهارته بعد الحدث فيكون الآن متطهرا وان لم يتذكر ما قبلها فلا بعد من
82

الوضوء لتعارض الاحتمالين من غير ترجيح ولا سبيل إلى الصلاة مع التردد المحض في الطهارة
ومنهم من قال يؤمر بالتذكر لكنه ان تذكر الحدث قبل الطلوع فهو الآن محدث أيضا وان
تذكر الطهارة فهو الآن متطهر لان ما يذكره من قبل معلوم فيستصحب ويتعارض الظنان الطارئان
بعده لتقابل الاحتمالين والوجه الثاني انه لا نظر إلى ما قبل الطلوع ويؤمر بالوضوء بكل حال
83

اخذا بالاحتياط ثم نتكلم في قوله واليقين لا يرفع بالشك في ابتداء هذا الفصل من ثلاثة أوجه
أحدها قد يتوهم أن هذا الكلام متصل بآخر مسألة الخنثيين وهو قوله لان بقاء طهارته ممكن
ولا شك انه صالح لذلك لكنه لم يقصد تذنيب المسألة به وإنما أراد افتتاح قاعدة مقصودة في
نفسها وايراده في الوسيط يوضح ذلك ثم لا يخفى تخريج مسألة الخنثيين على هذه القاعدة: الثاني
لا نعني بقولنا اليقين لا يرفع ولا يترك بالشك يقينا حاضرا فان الطهارة والحدث نقيضان ومهما
شككنا في أحد النقيضين فمحال ان نتيقن الآخر ولكن المراد أن اليقين الذي كان لا يترك
حكمه بالشك بل يستصحب لان الأصل في الشئ الدوام والاستمرار فهو في الحقيقة عمل
84

بالظن وطرح للشك: الثالث المشهور من معنى الشك التردد في طرفي وجود الشئ وعدمه بصفة
التساوي فإذا حدث له هذا التردد في الحدث بعد تيقن الطهارة أو في الطهارة بعد تيقن الحدث
لم يلتفت إليه واستصحب ما كان: وهذا الحكم لا يختص بالشك في طرف الحدث بل لو كان الحادث
ظن الحدث بعد تيقن الطهارة فهو كالشك في أنه يجوز له الصلاة استصحابا ليقين الطهارة لكن
لو ظن الطهارة بعد الحدث لم يستصحب حكم الحدث بل له أن يصلى بالظن فإذا حكم الشك واحد
في الطرفين وحكم الظن في الحدث بخلاف حكمه في الطهارة *
قال [قاعدة تنكشف حال الخنثى بثلاث طرق: أحدها خروج خارج من الفرجين فان بال بفرج
85

الرجال أو أمنى فرجل وان بال بفرج النساء أو حاض فامرأة وان بال بفرج الرجال وحاض بفرج
النساء قيل التعويل على المبال لأنه أدوم وقيل مشكل: (الثانية) نبات اللحية ونهود الثدي فيه خلاف
والأظهر ان لا عبرة بهما كما لا عبرة بتأخر النبات والنهود عن أو انهما: (الثالثة) ان يراجع الشخص
ليحكم بمبله فإذا أخبر لا يقبل رجوعه الا ان يكذبه الحس بأن يقول أنا رجل ثم ولدت ولدا]
[لما تكلم في صور مس الخنثى أراد ان يبين ما ينكشف به حال الخنثى فذكر له طرقا منها
خروج الخارج من أحد الفرجين وذلك على قسمين أحدها خارج لا يوجب الغسل وهو البول
فإذا بال بفرج الرجال فرجل وان بال بفرج النساء فامرأة لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما
86

ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي له ما للرجال وما للنساء (يورث من حيث يبول) (1)
وهذا بشرط أن يكون له ما يشبه آلة الرجال وما يشبه آلة النساء ويكون بوله من أحدهما فأما إذا
لم يكونا له وهو يبول من ثقبة أو كانا له لكنه لا يبول بهما فلا دلالة في بوله ولو بال بهما جميعا
ففيه وجهان أحدهما أن دلالة البول قد سقطت وأصحهما ان ما يختص بسبق الخروج أو تأخر
الانقطاع فالحكم له فان وجد أحد المعنيين في أحدهما والآخر في الثاني فالأخذ بسبق الخروج
87

أولى وان فقد المعينان فيهما سقطت دلالة البول ولا حكم للكثرة ولا للتزريق والترشيش في أصح
الوجهين: والثاني ان الحكم للأكثر وانه ان زرق بهما فرجل وان رشش فامرأة وان زرق بهذا
ورشش بذلك فحينئذ تسقط دلالة البول: والقسم الثاني خارج موجب للغسل كالحيض والمني فإذا
أمنى بفرج الرجال فرجل وان أمنى بفرج النساء أو حاض فامرأة وذلك بشرطين أحدهما ان
ينفصل في وقت امكان خروج المني والحيض: والثاني أن يتكرر خروجه ليتأكد الظن ولا يتوهم
88

كونه اتفاقيا ولو أمنى من الفرجين جميعا فوجهان أحدهما أنه تسقط هذه الدلالة ويستمر الاشكال
وأصحهما انه لو أمنى منهما على صفة منى الرجال يكون رجلا ولو أمنى منهما على صفة منى النساء يكون
امرأة لأن الظاهر أن المنى الموصوف بصفة منى الرجال ينفصل من الرجال وكذلك ما هو بصفة
منى النساء ينفصل من النساء نعم لو أمنى من فرج الرجال على صفة منى النساء أو من فرج النساء على
صفة منى الرجال أو أمنى من فرج الرجال على صفة منيهم ومن فرج النساء على صفة منيهن يستمر
89

الاشكال ومن هذا القسم خروج الولد فيفيد القطع بالأنوثة حتى يترجح على ما يعارضه من الامارات
اما لو تعارض البول مع الحيض أو مع المنى ففيه وجهان أحدهما أنه يحكم بمقتضى البول لأنه دائم متكرر
فيكون أقوى دلالة وأصحهما أن يستمر الاشكال ويتساقطان ومنها نبات اللحية ونهود الثدي وفيهما
وجهان أحدهما أن نبات اللحية يدل على الذكورة ونهود الثدي على الأنوثة لان اللحى
إنما تكون للرجال غالبا وتدلى الثديين للنساء غالبا فيستدل بهما على الذكورة والأنوثة وأظهرهما
أنه لا عبرة بهما لأنه لا خلاف أن عدم نبات اللحية في وقته لا يقتضي الأنوثة وعدم تدلي
الثديين في وقته لا يقتضى الذكورة ولو جاز الاستدلال بنبات اللحية على الذكورة لجاز الاستدلال
90

بعدمه على الأنوثة لان الغالب من حال من لا يلتحى في وقته الأنوثة كما أن الغالب من حال من
يلتحى الذكورة وأجرى بعضهم الوجهين في نزول اللبن أيضا وذهب بعض الأصحاب إلى أنه
تعد أضلاع الخنثى من جانبيه فان نقص عددها من الجانب الأيسر فهو دليل الذكورة وان تساوى
عددها من الجانبين فهو دليل الأنوثة وظاهر المذهب انه لا عبرة بذلك والتفاوت بين الرجل
والمرأة في عدد الأضلاع غير معلوم ولا مسلم ومنها ان يراجع الخنثى فان قال أميل إلى الرجال
استدللنا على الأنوثة وان قال أميل إلى النساء استدللنا به على الذكورة لان الله تعالى أجرى العادة
بميل الرجال إلى النساء والنساء إلى الرجال بالطبع وهذا إذا عجزنا عن الامارات السابقة والا
91

فالحكم لها لأنها محسوسة معلومة الوجود وقيام الميل غير معلوم فإنه ربما يكذب في إخباره ومن
شرط الاعتماد على إخباره وقوعه بعد العقل والبلوغ كسائر الروايات والاخبار ومن الأصحاب
من قال يكفي وقوعه في سن التمييز كالحضانة يخير فيها الصبي بين الأبوين في سن التمييز والمذهب
الأول لان اختبار الخنثى لازم فلا حكم له قبل البلوغ كالمولود إذا تداعاه اثنان لا يصح انتسابه
قبل البلوغ والاختيار في الحضانة ليس بلازم ثم يتعلق بفصل الاختيار (فروع) أحدها
إذا بلغ وهو يجد من نفسه أحد الميلين يجب عليه ان يخبر عنه فان أخر عصى * الثاني
لا يخبر بالتشهي فإنه غير مخير ولكن يخبر عما يجده من ميله الجبلي: * الثالث لو زعم أنه لا
92

يميل إلى الرجال ولا إلى النساء أو أنه يميل إليهما جميعا استمر الاشكال: الرابع أخبر عن أحد
الميلين لزمه ولا يقبل رجوعه بعد ذلك لاعترافه بموجبه نعم لو وجدت الدلالة القاطعة بعد اخباره
عن الذكورة وهي الولادة غيرنا الحكم لأنا تيقنا خلاف ما ظنناه وكذا لو ظهر حمل بعده تبين بطلان
اخباره كما لو حكمنا بشئ من الدلائل الظاهرة ثم ظهر به حمل بطل ذلك وقد ذكر هذا الفرع في الكتاب
لكن للمتأمل وقفة عند قوله فإذا أخبر لا يقبل رجوعه الا إذا كذبه الحس لان ظاهر الاستثناء
يقتضي قبول الرجوع عند الولادة وإذا ولدت فلا عبرة بالرجوع ولا معنى له بل يبطل الحكم السابق
سواء وجد الرجوع أم لا وكأنه أراد أنه لا يقبل رجوعه ويجرى عليه حكم قوله الأول الا ان
93

يكذبه الحس بالولادة فالاستثناء يرجع إلى أجزاء حكم القول الأول عليه لا إلى عدم قبول الرجوع
وكذلك أورد امام الحرمين رحمه الله هذا اللفظة: الخامس ذكرنا ان الاختيار إنما يرجع إليه
عند فقد الامارات الظاهرة فلو رجعنا إليه لفقدها ثم وجد بعض تلك الامارات يجوز ان يقال لا نبالي
به ونستصحب الحكم الأول الا ان توجد دلالة قاطعة: وهذا قضية قوله الا ان يكذبه الحس إذا
قدرنا عود الاستثناء إلى ما بيناه ويجوز ان يقال يعدل إلى الامارة الظاهرة ويحكم بها كما إذا تداعى
اثنان مولودا ولم يكن قائف فانتسب بعد البلوغ واختار ثم وجدنا القائف تقدم القيافة على
اختياره والله أعلم] *
94

قال (الفصل الثاني في حكم الحدث: وهو المنع من الصلاة ومس المصحف وحمله ويستوى (ح)
في المس الجلد والحواشي ومحل الكتابة وفى مس الخريطة والصندوق (ح) والعلاقة وتقليب الاراق
بقضيب وحمل صندوق فيه أمتعة سوى المصحف خلاف ولا يحرم مس كتب التفسير والفقه
والدراهم المنقوشة الا ما كتب للدراسة كلوح الصبيان (و) والأصح انه لا يجب على المعلم تكليف الصبي
المميز الطهارة لمس اللوح والمصحف] *
المحدث ممنوع من الصلاة قال صلى الله عليه وسلم (لا صلاة الا بطهارة) وكذلك من
95

الطواف قال صلى الله عليه وسلم (الطواف بالبيت صلاة الا ان الله سبحانه وتعالى أباح فيه الكلام) (1)
96

وسجدة الشكر والتلاوة كالصلاة في أن المحدث ممنوع منهما ويحرم عليه أيضا مس المصحف وحمله قال
97

الله تعالى (لا يمسه الا المطهرون) وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال لحكيم بن حزام (لا تمس
المصحف الا طاهرا) (1) وروى أنه قال (لا تحمل المصحف ولا تمسه الا طاهرا) ثم فيه
101

مسائل إحداها إذا كان المصحف مجلدا فهل يحرم مس الجلد كمس الموضع المكتوب فيه وجهان
أصحهما وهو الذي ذكره في الكتاب نعم لأنه كالجزء من المصحف الا ترى أنه لو باعه دخل
الجلد فيه: والثاني لا لأنه ظرف ووعاء لما كتب عليه القرآن فصار كالكيس والجراب الذي فيه
المصحف: الثانية لا فرق في حكم المس بين موضع الكتابة وبين الحواشي والبياض في خلال
السطور لان اسم المصحف يقع على جميع ذلك وقوعا واحدا: الثالثة في مس الخريطة والصندوق
والعلاقة وجهان إذا كان المصحف فيها أظهرهما انه يحرم لأنها متخذة للقرآن منسوبة إليه فإذا اشتملت
على القرآن اقتضي التعظيم ان لا يمس الا على الطهارة: والثاني لا لان الظواهر واردة في المصحف
وهذه الأشياء غير المصحف وهذا الخلاف قريب من الخلاف في الجلد ولذلك جمع بعض الأصحاب
102

بينهما جميعا وحكي فيهما الوجهين ومنهم من جزم بالجواز في غير الجلد وخصص الخلاف بالجلد
ومنهم من جزم بالمنع في الجلد وخصص الخلاف بما سواه وكلامه في الكتاب أوفق لهذه الطريقة
أو هو هي وفى كتب أصحابنا عن أبي حنيفة أنه يجوز للمحدث مس غير المكتوب من الحواشي
وظهر المصحف وغيرهما: نعم لا يجوز ذلك للجنب والحائض: وعنه أيضا انه يجوز للمحدث الحمل
والمس مطلقا ولا يجوز للجنب والحائض: وعنه أيضا أنه يجوز له حمل المصحف بعلاقته وبه قال
أحمد وحكي بعضهم عن مالك أنه يجوز له حمل المصحف ومسه من غير طهارة والمشهور ان هذا
قول داود ولا يخفى موضع العلامة من هذه الاختلافات: الرابعة لو وضع المصحف بين يديه وهو
103

يقلب أوراقه بقضيب وغيره ويقرأ منه هل يجوز فيه وجهان: أحدهما نعم لأنه لم يحمل المصحف
ولا مسه فقد حافظ على شرط التعظيم وأصحهما أنه لا يجوز لأنه حمل بعض المصحف مقصودا فان
الورقة بحمله تنتقل من جانب إلى جانب: الخامسة المنع من الحمل حيث كان المصحف هو المقصود
بالحمل فأما إذا حمل صندوقا فيه ثياب وأمتعة سواه ففيه وجهان: أحدهما انه لا يجوز لأنه حامل للمصحف
وحكم الحمل لا يختلف بين أن يكون هو المحمول أو يكون محمولا مع غيره الا ترى أنه لو حمل نجاسة
في صلاته لم تصح صلاته سواء حملها وحدها أو مع غيرها وأصحهما الجواز لان المنع من الحمل المخل
104

بالتعظيم والاجلال ويفارق حمل الصندوق والخريطة فان ذلك تبع للمصحف وهنا بخلافه: السادسة
المصحف مكتوب لدراسة القرآن منه فحكمه في المس والحمل ما ذكرنا: وفى لوح الصبيان وجهان
أصحهما هو الذي ذكره في الكتاب انه في معنى المصحف لأنه أثبت فيه القرآن للتعلم منه ولدراسته:
والثاني لا لأنه لا يقصد باثباته الدوام بل هو كالمسودة التي تتخذ وسيلة ولا يعتنى بها: وأما ما
أثبت فيه شئ من القرآن لا للدراسة كالدراهم الأحدية والعمامة المطرزة بآيات القرآن والحيطان
المنقوشة به وكتب الفقه والأصول والتفسير ففيه وجهان: أحدهما انها كالمصحف في حرمة المس
105

والحمل تعظيما للقرآن: وأصحهما أنه لأمنع لما روى أنه صلى الله عليه وسلم كتب كتابا إلى
هرقل وكان فيه (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) (1) الآية ولم يأمر الحامل بالمحافظة على الطهارة
ولأن هذه الأشياء لا يقصد باثبات القرآن فيها قراءته فلا تجرى عليها أحكام القرآن ولهذا يجوز
هدم الجدار المنقوش عليه وأكل الطعام وهذا الوجه هو المذكور في الكتاب وذهب بعض الأصحاب
إلى تفصيل في الكتب فقال إن كان القرآن أكثر حرم المس والحمل والا فوجهان ذكروا ذلك
في كتاب التفسير ولا شك في أن غيره في معناه ومنهم من قال إن كتب القرآن بخط غليظ والتفسير
106

بخط دقيق وميز بينهما حرم الحمل وإن كان الكل بخط واحد فوجهان (السابعة) كل ما ذكرناه في
العاقل البالغ: أما الصبي المميز هل يجب على الولي والمعلم منعه من مس المصحف وحمله إذا كان محدثا
فيه وجهان: أحدها نعم لان البالغ إنما يمنع منه تعظيما للقرآن والصبي أنقص حالا منه فأولي ان
يمنع وأصحهما لا لان تكليفهم استصحاب الطهارة مما يعظم فيه المشقة والوجهان جاريان في اللوح
أيضا وفيه تكلم في الكتاب وهو بناء على أن اللوح حكمه حكم المصحف كما تقدم هذه مسائل الكتاب
107

ونختمها بفروع: الأول كتابة القرآن على الشئ الموضوع بين يديه من غير مس ولا حمل جائز
للمحدث في أصح الوجهين: الثاني لا يحرم مس التوراة والإنجيل وحملهما في أصح الوجهين وكذا
حكم ما نسخ من القرآن: الثالث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلحق بالقرآن
فيما نحن فيه لكن الأولى أن يكون على الوضوء إذا مسه
108

قال [الباب الرابع في الغسل: وموجبه الحيض والنفاس والموت والولادة وإن كانت ذات
جفاف على الأظهر] *
عد موجبات الغسل أربعة: يشتمل هذا الفصل على ثلاثة منها: أحدها الحيض قال
الله تعالى (ولا تقربوهن حتى يطهرن) ثم وجوبه بخروج الدم أو بانقطاعه فيه ثلاثة
أوجه: أحدها بخروجه كما يجب الوضوء بخروج البول والغسل بخروج المني:
وثانيها بالانقطاع لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش (إذا أقبلت الحيضة فدعى
الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي) علق الاغتسال بادبار الدم: وثالثها وهو الا ظهران الخروج
109

يوجب الغسل عند الانقطاع كما يقال الوطئ يوجب العدة عند الطلاق والنكاح يوجب الإرث
عند الموت وكذلك نقول في البول والمني خروجهما يوجب الغسل والوضوء عند الانقطاع بل عند
القيام إلى الصلاة والنفاس كالحيض في الغسل ومعظم الأحكام: الثاني الموت يوجب غسل
110

الميت على ما سيأتي في الجنائز: ولك ان تقول الغسل اما أن يكون مفسرا بما سوى النية وهو غسل
الأعضاء أو يكون مفسرا به مع النية والأول ضعيف فان النية عندنا من جملة الغسل ولولا ذلك
لعد نجاسة جميع البدن ونجاسة موضع منه أشبه بالباقي من موجبات الغسل وقد امتنع صاحب الكتاب
ومعظم الأئمة منه فتعين الثاني وحينئذ: اما أن يكون المعتبر مطلق النية أو النية من صاحب الأعضاء
111

المغسولة فإن كان الثاني لم ينتظم عد الموت من موجبات الغسل وكان اطلاق الغسل في الميت بمعنى
آخر وإن كان الأول فغسل الميت إنما يكون من هذه الجملة إذا كانت النية معتبرة فيه من جهة
الغاسل ولنا في ذلك وجهان يأتي ذكرهما في باب الجنائز: الثالث الولادة فلو ولدت ولم تر بللا ولا دما
112

ففي وجوب الغسل عليها وجهان أحدهما لا يجب لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (الماء من
الماء) (1) فإنه ينفى وجوب الغسل بغير الانزال خالفنا في الأسباب المتفق عليها فيتمسك به فيما عداها
وأظهرهما الوجوب لأنه لا يخلو عن بلل وان قل غالبا فيقام الولد مقامه كالنوم يقام مقام الخروج
لمقارنته إياه غالبا ولأنه يجب الغسل بخروج الماء الذي يخلق الولد منه فبخروج الولد أولى ويجرى
الوجهان في القاء العلقة والمضغة *
113

قال والجنابة وحصولها بالتقاء الختانين أو بايلاج قدر الحشفة من مقطوع الحشفة في أي فرج كان من غير
المأتي أوميت (ح) وبخروج المنى: وخواص صفاته ثلاثة: رائحة الطلع والتدفق بدفعات
والتلذذ بخروجه فلو خرج على لون الدم لاستكثار الوقاع وجب الغسل لبقية الصفات وكذلك لو
خرج (ح م) بغير شهوة لمرض أو خرج بقيته بعد الغسل حصلت (م) الجنابة إذا بقيت رائحة الطلع ولو
انتبه ولم ير الا الثخانة والبياض فيحتمل أن يكون وديا فلا يلزمه الغسل والمرأة إذا تلذذت بخروج
ماء منها لزمها الغسل وكذا إذا اغتسلت وخرج منها منى الرجل بعده فإنه لا ينفك عن مائها] *
114

السبب الرابع الجنابة ولها طريقان: أحدهما التقاء الختانين: قالت عائشة رضي الله عنها
(إذا التقى الختانان وجب الغسل) فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا
وفسر الشافعي رضي الله عنه التقاء الختانين فقال المراد منه تحاذيهما لا تضامهما فان التضام غير
ممكن لان مدخل الذكر في أسفل الفرج وهو مخرج الولد والحيض وموضع الختان في أعلاه وبينهما
ثقبة البول وشفرا المرأة يحيطان بها جميعا وإذا كان كذلك كان التضام متعذر لما بينهما من الفاصل
115

وههنا شبهة وهي ان يقال إن كان موضع ختان المرأة من حيز الداخل بحيث لا يصل إليه شئ من الحشفة
فالقول بتعذر التضام واضح لكن لو كان بحيث إذا أحاط الشفران بأول الحشفة لاقى شئ من الحشفة
ذلك الموضع كان التضام ممكنا فلعل المراد من الخبر ذلك والله أعلم: ثم موضع الختان غير معتبر بعينه
لا في الذكر ولا في المحل اما في الذكر فمقطوع الحشفة إذا غيب مقدار الحشفة لزمه الغسل فإنه في
معنى الحشفة ومعلوم ان ما سفل من الحشفة ليس موضع ختان لكن تغييب قدر الحشفة معتبر فلو
غيب البعض لم يجب الغسل لان التحاذي لا يحصل به غالبا وحكى القاضي ابن كج ان تغييب بعض
116

الحشفة كتغييب الكل وروى وجه ان تغييب قدر الحشفة في مقطوع الحشفة لا يوجب الجنابة
وإنما الموجب تغييب جميع الباقي إذا كان مثل الحشفة أو أكثر واما في المحل فلان المحل الذي هو
موضع الختان قبل المرأة وكما يجب الغسل بالايلاج فيه يجب الغسل بالايلاج في غيره كالاتيان في غير
المأتي وهو الدبر يجب الغسل به على الفاعل والمفعول وكذا فرج البهيمة خلافا لأبي حنيفة لنا انه
جماع في الفرج فأشبه فرج الادمي بل ايجاب الغسل ههنا أولى لأنه أحق بالتغليظ ولا فرق بين الايلاج
في فرج الميت والايلاج في فرج الحي وخالف أبو حنيفة في فرج الميت وكذا قال في الصغيرة التي لا
117

تشتهي: لنا انه التقى الختانان فيجب الغسل ثم كما يجب الغسل بالايلاج في فرج الميت والبهيمة يجب
على من غاب في فرجه فرجهما ولا يجب إعادة غسل الميت بسبب الايلاج فيه على أظهر الوجهين وإذا
عرفت ما ذكرنا فانظر في لفظ الكتاب واعلم أنه إنما عقب قوله بالتقاء الختانين بقوله أو ايلاج
قدر الحشفة في أي فرج كان لما بينا ان التقاء الختانين غير معنى بعينه والايلاج في كل فرج في
معناه ولو اقتصر على قوله والجنابة وحصولها بايلاج قدر الحشفة في أي فرج كان حصل الغرض
ودخل فيه التقاء الختانين الا ان التقاء الختانين هو الأصل الذي ورد فيه الخبر فقدمه ثم بين ان كل
جماع في معناه وفى قوله قدر الحشفة إشارة إلى ما سبق ان المرعى مقدار الحشفة لا عينها: وليكن
معلما بالواو للخلاف الذي حكيناه ثم قوله أو ايلاج قدر الحشفة يتناول ظاهره ما إذا لف خرقة
على ذكره وأولج وكذلك التقاء الختانين لان المراد منه التحاذي فهل هو كذلك أم لا تحصل الجنابة
حينئذ فيه ثلاثة أوجه أظهرها أنه تحصل الجنابة لما سبق من حديث عائشة رضي الله عنها وروى
118

انها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا التقى الختانان وجب الغسل) (1) والالتقاء
ينظم هذه الصورة ولا يخلو عن قضاء شهوة أيضا: والثاني لا يحصل لان اللذة إنما تكمل عند ارتفاع
الحجاب: والثالث أنه إن كان الخرقة لينة حصلت الجنابة والا فلا لان اللينة لا تمنع حصول اللذة
بخلاف الخشنة والخشنة هي التي تمنع وصول بلل الفرج إلى الذكر ووصول الحرارة من أحدهما
إلى الآخر واللينة مالا تمنع وكل هذا فيما إذا جرى الايلاج وهما واضحا الحل أما إذا كان مشكلين
119

وأولج أحدهما في فرج الآخر فلا جنابة ولا حدث لجواز كونهما امرأتين أو رجلين وكذا لو
أولج كل واحد منهما في فرج الآخر وان أولج كل واحد منهما في دبر الآخر فلا جنابة أيضا
لجواز كونهما امرأتين ولكن بالنزع يحدثان لان خروج الخارج من السبيلين ينقض الوضوء وان
أولج أحدهما في دبر الآخر انتقض وضوء المولج في دبره لهذا المعنى وان أولج أحدهما في فرج
الآخر وأولج الآخر في دبر الأول فلا جنابة أيضا لاحتمال كونهما امرأتين لكنهما على هذا
120

التقدير يحدثان بالنزع لخروج الخارج من قبل أحدهما ودبر الثاني وعلى غير هذا التقدير هما جنبان
فيحكم بثبوت أدني الحدثين ولو كان الاشكال في الفاعل وحده فلا جنابة أيضا سواء أولج في فرج
بهيمة أو امرأة لجواز كونه امرأة وينتقض وضوء المرأة بالنزع وان أولج في دبر رجل فلا جنابة أيضا
لكن يحدثان لان بتقدير الذكورة هما جنبان وبتقدير الأنوثة قد لمس الخنثى وخرج من دبر الرجل
شئ وهما من نواقض الوضوء فيثبت أدني الحدثين ولو كان الاشكال في المفعول وحده فالايلاج
في دبره كهو في دبر غيره والايلاج في فرجه لا يوجب جنابة ولا حدثا لجواز كونه رجلا ولو أولج
رجل في فرج مشكل والمشكل في فرج امرأة فالمشكل جنب لأنه جامع أو جومع والرجل والمرأة
121

لا يجنبان لكن ينتقض وضوء المرأة بالنزع: الطريق الثاني للجنابة خروج المني فهو موجب للغسل
للاجماع ولقوله صلى الله عليه وسلم (الماء من الماء) ولا فرق بين ان يخرج منه من الطريق
المعتاد أو من غيره مثل ان يخرج من ثقبة في الصلب أو في الخصية كذلك ذكره صاحب التهذيب وغيره
وهو ظاهر ما ذكره في الكتاب وقال في التتمة حكمه في الجنابة حكم النجاسة المعتادة إذا خرجت
من منفذ غير السبيلين فيعود فيه التفصيل والخلاف المذكور ثم ويجوز أن يكون الصلب ههنا بمثابة
المعدة ثم فقد قيل يخرج المنى من الصلب ثم للمني خواص ثلاث: إحداها الرائحة الشبيهة برائحة
العجين والطلع ما دام رطبا فإذا جف اشتبهت رائحته برائحة بياض البيض: والثانية التدفق بدفعات
122

قال الله تعالى (من ماء دافق): والثالثة التلذذ بخروجه واستعقابه فتور الذكر وانكسار الشهوة
وله صفات أخر نحو الثخانة والبياض في منى الرجل والرقة والاصفرار في مني المرأة في حال اعتدال
الطبع لكن هذه الصفات ليست من خواصه بل الودي أيضا أبيض ثخين كمنى الرجل والمذي رقيق
كمنى المرأة وإذا عرفت ذلك فنقول ما ليس من خواصه لا ينفى عدمه كونه منيا ولا يقتضى وجوده
كونه منيا ويوضح الطرفين بالمثال: أما الأول فلو زالت الثخانة والبياض لمرض وجب الغسل عند
وجود شئ من خواصه ولو خرج على لون الدم لاستكثار الوقاع وجب الغسل أيضا اعتمادا
على الصفات الخاصة به: وحكي وجه انه لا يجب الغسل ههنا لان المنى دم في الأصل فإذا خرج على
123

لون الدم لم يقتض غسلا كسائر الدماء: واما الثاني فلو تنبه ولم ير الا الثخانة والبياض فلا غسل
عليه لان الودي يشارك المنى في هاتين الصفتين فيحتمل أن يكون الخارج وديا فلا يجب الغسل
بالشك بل يتخير بين ان يتوضأ ويغسل المحل الذي أصابه ذلك الخارج وبين ان يغتسل ولا
يغسله على ما ذكرناه في فصل الترتيب هذا ظاهر المذهب: وقد حكينا وجها انه يلزمه الغسل فلذلك
أعلم قوله في الكتاب فلا يلزمه الغسل بالواو فان قلنا بظاهر المذهب وغلب على الظن أنه مني
لان الودي لا يليق بحال صاحب الواقعة أو لتذكر وقاع تخيله: قال امام الحرمين يجوز ان يقال
يستصحب يقين الطهارة ويجوز ان يحمل الامر على غالب الظن تخريجا على غلبة الظن في النجاسة
124

والاحتمال الأول أوفق لكلام المعظم هذا حكم غير الخواص واما الخواص فلا يشترط اجتماعها
بل الخاصة الواحدة كافية في معرفة الخارج منى فلو خرج بغير دفق وشهوة لمرض أو لحمل شئ
ثقيل وجب الغسل خلافا لأبي حنيفة وكذلك لمالك وأحمد رحمهما الله فيما حكاه أصحابنا: لنا ان
الخارج مني لوجود خاصية الرائحة فيه فيوجب الغسل لقوله صلى الله عليه وسلم (الماء من
الماء) ولو اغتسل عن الانزال ثم خرجت منه بقية وجب اغسل لوجود الرائحة سواء خرجت
بعد ما بال أو قبله خلافا لمالك حيث قال في إحدى الروايتين لا غسل عليه في الحالتين وفى رواية
ان خرج قبل البول فهو من بقية المني الأول فلا يجب الغسل ثانيا وان خرج بعده فهو منى جديد
125

فيلزمه الغسل وخلافا لأحمد حيث قال إن خرج قبل البول وجب الغسل ثانيا وان خرج بعده
فلا: وحكي عن أبي حنيفة مثله وجعل ذلك بناء على المسألة الأولى وهي اعتبار الدفق والشهوة
لان ما خرج قبل البول بقية ما خرج لشهوة وما خرج بعد البول خرج بغير شهوة لنا ما سبق
وقياس إحدى الحالتين على الأخرى وقول من قال الخارج بعد البول منى جديد ممنوع بل هو بقية
الأول بكل حال والله أعلم *
ولا فرق في خروج المنى بين الرجال والنساء في حكم الغسل: روى أن أم سليم جاءت
126

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالت إن الله لا يستحي من الحق هل على المرأة من غسل
إذا هي احتلمت قال نعم إذا رأت الماء) (1) وقوله في الأصل والمرأة إذا تلذذت بخروج ماء منها
لزمها الغسل يشعر بان طريق معرفة المنى في حقها الشهوة والتلذذ لا غير: وقد صرح به في الوسيط فقال
ولا يعرف في حقها الا من الشهوة وكذلك ذكره إمام الحرمين لكن ما ذكره الأكثرون
127

تصريحا وتعريضا التسوية بين منى الرجل والمرأة في طرد الخواص الثلاث وقد قال في التهذيب ان
مني المرأة إذا خرج بشهوة أو بغير شهوة وجب الغسل كمني الرجل فإذا وجب الغسل مع انتفاء
الشهوة كان الاعتماد على سائر الخواص ولو اغتسلت المرأة من الجماع ثم خرج منها المنى لزمها الغسل
بشرطين: أحدهما أن تكون ذات شهوة دون الصغيرة التي لا شهوة لها: والثاني أن تقضى شهوتها
128

بذلك الجماع لا كالنائمة والمكرهة وإنما وجب الغسل عند اجتماع هذين الشرطين لأنه حينئذ يغلب
على الظن اختلاط منيها بمنيه فإذا خرج منها ذلك المختلط فقد خرج منها منيها: أما في الصغيرة
والمكرهة والنائمة إذا خرج المني بعد الغسل لم يلزم إعادة الغسل لان الخارج منى الرجل وخروج
منى الغير من الانسان لا يقتضى جنابته وصورة المسألة في الكتاب وإن كانت مطلقة لكن في
129

قوله فإنه لا ينفك عن مائها ما يبين اشتراط ما ذكرنا: ويحكي وجه آخر انه لا يشترط إعادة الغسل
بحال لأنه لا يتيقن خروج منيها: نعم الاحتياط الإعادة: هذا تمام الكلام في طريقي الجنابة ولفظ
الكتاب ظاهر في الحصر فيهما وهو الصحيح وزاد بعض الأصحاب طريقا آخر للجنابة وهو استدخال
المني قالوا إذا استدخلت المرأة منيا لزمها الغسل كما يجب به العدة إذا كان الماء محترما: وينسب هذا
إلى أبي زيد المروزي وعلى هذا لا يفترق الحال بين القبل والدبر والمذهب الأول لان الاستدخال
غير متناول بالنصوص الواردة في الباب ولا هو في معني المنصوص عليه (خاتمة) قوله في أول الباب
وموجبه الحيض والنفاس إلى آخره يقتضي حصر موجبات الغسل في الأربعة المذكورة لكن القاء
المضغة والعلقة موجب على الصحيح كما سبق وهو لا يدخل في لفظ الولادة فيكون خارجا عما ذكره
واختلفوا في شيئين آخرين أحدهما غسل الميت قال في القديم يجب به الغسل على الغاسل واليه
130

ذهب أحمد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (من غسل ميتا فليغتسل ومن مسه فليتوضأ) والجديد
انه ليس من موجبات الغسل والحديث وان ثبت محمول على الاستحباب: والثاني زوال العقل بالجنون
والاغماء: حكي بعضهم عن أبي هريرة ان زواله بالجنون يوجب الغسل: وروى آخرون وجهين
في الجنون والاغماء جميعا: ووجه وجوبه ان زوال العقل يفضي إلى الانزال غالبا فأقيم مقامه كالنوم
أقيم مقام خروج الخارج والمذهب المشهور أنه لا يجب به الغسل ويستصحب يقين الطهارة إلى أن
يستيقن انزال: والقول بان الغالب منه الانزال ممنوع] *
131

قال [ثم حكم الجنابة حكم الحدث مع زيادة تحريم قراءة القرآن والمكث في المسجد (ز) اما
العبور فلا (م ح) ثم لا فرق في القراءة بين آية (م) أو بعضها (ح) الا أن يقول بسم الله والحمد لله
على قصد الذكر ولا بحل لحائض القراءة بحاجة التعليم (م) وخوف النسيان على الأصح
132

لما فرغ من بيان موجب الجنابة ذكر حكمها: وأما حكم الحيض والنفاس فيأتي في بابهما ولا يفرض
في الموت مثل هذه الأحكام فيقول كل ما يحرم بالحدث الأصغر يحرم بالجنابة بطريق الأولى لأنها
أغلظ ويزداد تحريم شيئين: أحدهما قراءة القرآن فيحرم على الجنب ان يقرأ شيئا من القرآن
133

قاصدا به القرآن سواء كان آية أو بعض آية خلافا لمالك حيث جوز قراءة الآيات اليسيرة
للجنب ولأبي حنيفة حيث جوز له قراءة بعض الآية وبه قال أحمد في أصح الروايتين: لنا ما
134

روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن) (1) وعن
139

علي رضي الله عنه قال: لم يكن يحجب النبي صلى الله عليه وسلم عن القرآن شئ سوى الجنابة:
ويروى يحجز: ولا يستثنى عندنا شئ من الصور الا إذا لم يجد الجنب ماء ولا تربا وصلى على حسب
الحال ففي جواز قراءة الفاتحة له وجهان: أحدهما يجوز والترخيص في الصلاة ترخيص في قراءة
الفاتحة إذ لا صلاة الا بفاتحة الكتاب فعلى هذا الوجه تستثنى هذه الصورة: والثاني وهو الأظهر أنه لا يجوز
قراءتها كقراءة غيرها ويأتي بالذكر والتسبيح بدلا كالعاجز عن القراءة حقيقة أما إذا قرأ شيئا
منه لا على قصد القرآن فيجوز كما لو قال بسم الله على قصد التبرك والابتداء أو الحمد الله في خاتمة
الامر أو قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين على قصد إقامة سنة الركوب لأنه إذا
142

لم يقصد القرآن لم يكن فيه اخلال بالتعظيم ولو جرى على لسانه ولم يقصد هذا ولا ذاك فلا يحرم
أيضا وكما تحرم القراءة على الجنب تحرم على الحائض لما سبق من الخبر ولان حدثها أغلظ فيكون
الحكم بالتحريم أولي وعن مالك انه يجوز لها قراءة القرآن ورواه أبو ثور عن أبي عبد الله فمن
الأصحاب من قال أراد به مالكا ونفي أن يكون الجواز قولا للشافعي ومنهم من قال أراد الشافعي
رضي الله عنه وهو قول له في القديم وهذا ما ذكره في الكتاب فقال ولا يحل للحائض
القراءة لحاجة التعليم وخوف النسيان على الأصح أي من القولين وهذه الطريقة أظهر لان الشيخ
أبا محمد قال وجدت أبا ثور جمع بينهما في بعض المواضع فقال قال أبو عبد الله ومالك فثبت نقل
143

قول الجواز وتوجيهه ما أشار إليه وهو انها قد تكون معلمة فلو منعناها عن القراءة والحيض مما
يعرض في كل شهر غالبا لانقطعت عن حرفتها ولان ترك القراءة يؤدى إلى النسيان لامتداد زمان
الحيض بخلاف الجنابة فإنه يمكن ازالتها في الحال وهذا القول يجرى في النفساء أيضا: الثاني المكث
144

في المسجد وهو حرام على الجنب: روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا أحل المسجد لحائض
ولا جنب) (1) ولا يحرم العبور قال الله تعالى (ولا جنبا إلا عابري سبيل) والمعنى الفارق بين
المكث والعبور في المسجد لا قربة فيه وفى المكث قربة الاعتكاف فمنع منه الجنب ثم
قد يعذر في المكث عند الضرورة كما لو نام في المسجد فاحتلم ولم يمكن الخروج لاغلاق الباب أو
146

الخوف من العسس أو غيره على النفس أو المال وليتيمم في هذه الحالة تطهير أو تخفيفا للحدث بقدر الامكان
وهذا إذا وجد ترابا غير تراب المسجد ولا يتيمم بترابه لكن لو تيمم به صح والعبور وان لم يكن حراما فهو
مكروه إلا لغرض كما إذا كان المسجد طريقه إلى مقصده أو كان أقرب الطريقين إليه ولا فرق في
الجواز بين أن يكون له سبيل آخر إلى مقصده وبين ان لا يكون وفى وجه إنما يجوز إذا لم يجد طريقا
147

سواه وليس له ان يتردد في أكناف المسجد فان التردد في غير جهة الخروج كالمكث وليكن قوله
والمكث في المسجد معلما بالألف لان عند أحمد يجوز للجنب المكث إذا توضأ وبالزاء لان
عند المزني في الرواية المشهورة يجوز له المكث مطلقا: وقوله اما العبور فلا معلما بالحاء والميم لان
عندهما لا يجوز له العبور أيضا الا ان يحتلم في المسجد فله ان يعبر في الخروج ولا يكلف قصد
148

الباب الأقرب *
قال [وفضل ماء الجنب والحائض طهور ولا بأس للجنب ان يجامع ويأكل ويشرب ولكن
يستحب له ان يتوضأ وضوءه للصلاة ويغسل فرجه عند الجماع] *
في الفصل مسألتان: أحداهما فضل ماء الجنب والحائض طهور ولا كراهية في استعماله وقال
أحمد لا يجوز للرجل أن يتوضأ بفضل ما استعملته المرأة إذا خلت بالماء واستعملت بعضه: لنا ما روى
149

عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت اغتسل انا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من
الجنابة من اناء واحد تختلف أيدينا فيه قال إمام الحرمين: لو فسر فضل الحائض والجنب
بما لم يمساه من الماء فلا يتخيل امتناع استعماله والذي يتوهم فيه الخلاف ما مسه بدن الجنب والحائض
150

على وجه لا يصير الماء به مستعملا ولهذا استدل الشافعي رضي الله عنه في الباب باخبار تدل على طهارة
بدنهما: الثانية يجوز للجنب ان يجامع ثانيا وان ينام ويأكل ويشرب لكن يستحب ان لا يفعل
شيئا من ذلك الا بعد غسل الفرج والوضوء كما يؤتي به للصلاة: عن عائشة رضي الله عنها قالت كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد ان يأكل أو ينام وهو جنب توضأ للصلاة وروى
151

عن عائشة كان إذا أراد ان ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل ان ينام وللبخاري عن
عروة عنها إذا أراد ان ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة ورواه النسائي بلفظه إلى
قوله توضأ وهو أيضا من رواية الأسود: وروى ابن أبي خيثمة عن القطان قال ترك شعبة
حديث الحكم في الجنب إذا أراد ان يأكل: (قلت) قد أخرجه مسلم من طريقه فلعله تركه بعد
أن كان يحدث به لتفرده بذكر الاكل كما حكاه الخلال عن أحمد: (وقد روى) الوضوء عند
الاكل للجنب من حديث جابر عند ابن ماجة وابن خزيمة ومن حديث أم سلمة وأبي هريرة
152

أنه قال إذا (اتى أحدكم أهله ثم بدا له ان يعاود فليتوضأ بينهما وضوءا) والمقصود منه التنظيف ودفع
الأذى واعلم أن كلامه في الكتاب يشعر بتخصيص الوضوء وغسل الفرج بالجماع أو تخصيص
غسل الفرج به واستحباب الوضوء بغير الجماع لأنه قال لا بأس للجنب أن يجامع ويأكل ويشرب
لكن يستحب له أن يتوضأ وضوءه للصلاة ويغسل فرجه عند الجماع فإن كان قوله عند الجماع راجعا
158

إلى جميع ماء صفه بالاستحباب فهو تخصيص للوضوء وغسل الفرج معا بالجماع والا فهو راجع إلى
غسل الفرج المذكور أخيرا وفيه تخصيص لغسل الفرج بالجماع لكن ليسا ولا واحد منهما مما يختص
استحبابه بالجماع بل هما مستحبان في الأكل والشرب والنوم أيضا كذلك ذكره في التهذيب وغيره
159

وقد روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب قال (نعم إذا توضأ
أحدكم فليرقد) ويروى أنه قال اغسل ذكرك وتوضأ ثم نم *
160

قال [واما كيفية الغسل فأقله النية واستيعاب البدن بالغسل ولا يجب المضمضة والاستنشاق
(ح) ويجب ايصال الماء إلى منابت الشعور وان كثفت ويجب (م) نقض الضفائر إن كان لا يصل
الماء إلى باطنها] *
[لما فرغ من الكلام في موجبات الجنابة وأحكامها تكلم في كيفية الغسل والقول في كيفيته
161

يتعلق بالأقل والأكمل: اما الأقل فهو شيئان أحدهما النية فهي واجبة عندنا خلافا لأبي حنيفة كما
في الوضوء وقد ذكرنا مسائل النية في الوضوء ونظائرها في الغسل تقاس بها فلا يجوز أن تتأخر النية
عن أول الغسل المفروض كما لا يجوز ان تتأخر في الوضوء عن أول غسل الوجه وان حدثت مقارنة
لأول الغسل المفروض صح الغسل لكنه لا ينال ثواب ما قبله من السنن على ما سيأتي بيانها: وان
تقدمت على أول غسل مفروض وعزبت قبله فوجهان كما سبق في الوضوء ثم إن نوى رفع الجنابة أو
رفع الحدث عن جميع البدن أو نوت الحائض رفع حدث الحيض صح الغسل وان نوى رفع الحدث
مطلقا ولم يتعرض للجنابة ولا غيرها صح غسله أيضا على أظهر الوجهين لان الحدث عبارة عن المانع
162

عن الصلاة وغيرها على أي وجه فرض: ولو نوى رفع الحدث الأصغر فان تعمد لم يصح غسله على
أظهر الوجهين وان غلط فظن أن حدثه الأصغر لم ترتفع الجنابة عن غير أعضاء الوضوء وفى أعضاء
الوضوء وجهان أحدهما لا ترتفع عنها أيضا لان الجنابة أغلظ ولم يقصد رفعها وأظهرهما انها ترتفع عن
الوجه واليدين والرجلين لان غسل هذه الأعضاء واجب في الحدثين فإذا غسلها بنية غسل واجب
كفى ولا يرتفع عن الرأس في أصح الوجهين لان فرض الرأس في الوضوء المسح فالذي نواه إنما هو
المسح والمسح لا يغني عن الغسل أما إذا نوى المغتسل استباحة فعل نظر إن كان مما يتوقف على الغسل
كالصلاة والطواف وقراءة القرآن فالحكم على ما سبق في الوضوء ومن هذا القبيل ما إذا نوت
163

الحائض استباحة الوطئ في أصح الوجهين: والثاني ان غسلها بهذه النية لا يصح للصلاة وما في معناها
كغسل الذمية عن الحيض لتحل للزوج: وان لم يتوقف الفعل المنوي على الغسل نظر ان لم يستحب
له الغسل لم تصح نيته استباحته: وإن كان يستحب له الغسل كالعبور في المسجد والاذان
وغسل الجمعة والعيد فالحكم على ما ذكرنا في الوضوء وان نوى الغسل المفروض أو فريضة الغسل
164

صح غسله: الثاني استيعاب جميع البدن بالغسل قال صلى الله عليه وسلم (تحت كل شعرة
جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة) ومن جملة البشرة ما يظهر من صماخي الاذنين وما يبدوا من
الشقوق وكذا ما تحت القلفة من الأقلف وما ظهر من انف المجدوع في أظهر الوجهين وكذلك ما
ظهر من الثيب بالافتضاض قدر ما يبدو عند العقود لقضاء الحاجة دون ما وراء ذلك في أظهر الوجوه
لأنه صار ذلك في حكم الظاهر كالشقوق: والثاني انه لا يجب غسل ما وراء ملتقى الشفرين كما لا
165

يجب غسل باطن الفم والأنف: والثالث يجب عليها غسل باطن الفرج في غسل الحيض والنفاس خاصة لإزالة
دمهما ولا يدخل فيها باطن الانف والفم فلا تجب المضمضة والاستنشاق في الغسل عندنا خلافا لأبي حنيفة
وذكر امام الحرمين ان في بعض تعاليق شيخه حكاية وجه موافق لمذهب أبي حنيفة: لنا انهما لا يجبان في غسل
الميت ولو وجبا في غسل الحي لوجبا في غسل الميت وأيضا فلو وجب غسل باطن الفم والأنف في الغسل لكانا
من الوجه ولو كانا من الوجه لوجب غسلهما في الوضوء: واما الشعور فيجب ايصال الماء إلى منابتها خفت
166

أو كثفت بخلاف الوضوء لأنه يتكرر في اليوم والليلة مرارا فلو كلف ايصال الماء فيه إلى المنابت
لعظمت المشقة ويجب نقض الضفائر إن كان لا يصل الماء إلى باطنها الا بالنقض: إما لأحكام
167

الشد أو للتلبد أو لغيرهما فان وصل الماء إليها بدون النقض فلا حاجة إليه: وعن مالك انه لا يجب نقض
الضفائر ولا ايصال الماء إلى باطن الشعور الكثيفة وما تحتها: وعن أبي حنيفة انه إذا بلغ الماء أصول
الشعر فليس على المرأة نقض الضفائر: وعن أحمد ان الحائض تنقض شعرها دون الجنب: لنا الخبر
الذي قدمناه ويستثنى من الشعور ما ينبت في العين فان ادخال الماء في العين لا يجب وكذلك باطن
168

العقد التي تقع على الشعرات يسامح به وحكي القاضي الروياني وجها آخر انه يلزم قطعها
قال [والأكمل ان يغسل ما على بدنه من أذى أولا ثم يتوضأ للصلاة وان لم يكن محدثا
ويؤخر غسل الرجلين إلى آخر الغسل في أحد القولين ثم يتعهد معاطف بدنه ثم يفيض الماء على
رأسه ثم يكرر ثلاثا ثم يدلك وإن كانت حائضا تستعل فرصة من مسك أوما يقوم مقامها وماء
الغسل والوضوء غير مقدر (ح) وقد يرفق بالقليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفي والرفق
أولى وأحب] *
169

كمال الغسل يجب بأمور ذكر منها ثمانية: أحدها ان يغسل ما على بدنه من أذى أولا: ان
اعترض معترض فقال الأذى المذكور اما أن يكون المراد منه الشئ القذر أو النجاسة وكيف يجوز
الأول وقد فسر الشارحون قول الشافعي رضي الله عنه ثم يغسل ما به من أذى بموضع الاستنجاء
إذا كان قد استنجي بالحجر وهذا تفسير له بالنجاسة وكذلك فسروا لفظ الأذى في الخبر وإن كان
الثاني فكيف عطف النجاسة على الأذى في الوسيط والعطف يقتضى المغايرة ثم من على بدنه
نجاسة لابد له من إزالة النجاسة أولا ليعتد بغسله ووضوئه وإذا كان كذلك كان غسل الموضع عن
170

النجاسة من الواجبات لا من صفات الكمال (الجواب) قلنا من على بدنه نجاسة لو اقتصر على
الاغتسال والوضوء وزالت تلك النجاسة طهر المحل وهل يرتفع الحدث وجهان حكاهما في المعتمد
وغيره: فان قلنا بارتفاع الحدث أمكن عد إزالة النجاسة من جملة صفات الكمال ولعل من عده منها
171

صار إلى ذلك الوجه: وان قلنا لا يرتفع الحدث وهو الظاهر من المذهب فالأذى المعدود ازالته من جملة
صفات الكمال إنما هو الشئ المستقذر: واعلم أنا إذا جرينا على ظاهر المذهب وهو انه لا يرتفع
الحدث إذا كان على بدنه نجاسة حتى يغسل النجاسة أولا ثم يغسل الموضع عن الحدث فكما لا يصح
عد إزالة النجاسة من كمال الغسل لا يصح عدها من أركانه أيضا خلافا لكثير من أصحابنا حيث
قالوا واجبات الغسل ثلاثة: غسل النجاسة إن كانت على البدن والنية وايصال الماء إلى الشعر والبشرة
لنا انه لو كان من واجبات نفس الغسل لكان الترتيب معتبرا في أركان الغسل لاشتراط تقديم
إزالة النجاسة وقد اتفقوا على أنه لا ترتيب في الغسل ولان الامر في الوضوء والغسل واحد ولم يعده
172

أحد من أركان الوضوء فإذا تقديم إزالة النجاسة شرط فيهما وشرط الشئ لا يعد من نفس ذلك
الشئ كالطهارة وستر العورة لا يعدان من أفعال الصلاة وأركانها: واما من جمع بين الأذى والنجاسة
وعد ازالتهما من كمال الغسل لم ينتظم ما فعله في النجاسة الا على قولنا ان الغسلة الواحدة كافية عن
الخبث والحدث جميعا ولم يتفق المفسرون لكلام الشافعي رضي الله عنه
173

على أن المراد من الأذى النجاسة بل اختلفوا منهم من فسره بها ومنهم من فسره بالمنى ونحوه مما
يستقذر: حكي هذا الخلاف القاضي أبو القاسم بن كج وغيره ولعل ذلك بحسب الاختلاف في
المسألة المذكورة والله أعلم: الثاني ان يتوضأ كما يتوضأ للصلاة: روت عائشة رضي الله عنها انه صلى
174

الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه
في الماء فيخلل بها أصول شعره ثم يفيض الماء على جلده كله: واعلم أن قوله في الأصل ويتوضأ وضوءه
للصلاة وان لم يكن محدثا يشعر بالطراد الاستحباب فيما إذا كان يغتسل عن الجنابة المجردة وفيما إذا
175

انضم الحدث إلى الجنابة وإنما يتضح ذلك بتصوير الجنابة المجردة أولا فنقول من صور ذلك: اتيان
الغلام والبهيمة يوجب الجنابة دون الحدث لفقد أسبابه الأربعة ومنها ما إذا لف خرقة على ذكره وأولج
في فرج امرأة تحصل الجنابة على قولنا ان الخرقة الحائلة لا تمنع حصول الجنابة وقد قدمنا الخلاف فيه
ولا يحصل الحدث لان اللمس إنما يوجب الحدث إذا لم يكن بين البشرتين حائل ومنها إذا انزل بفكر
176

ونظر أو احتلم قاعدا ممكنا مقعده من الأرض تحصل الجنابة دون الحدث على ما سبق في باب
الاحداث وألحق المسعودي بهذه الصور الجماع مطلقا وقال إنه يوجب الجنابة لا غير واللمس الذي
يتضمنه يصير مغمورا به كما أن خروج الخارج الذي يتضمنه الانزال يصير مغمورا به واستشهد
على ما ذكره بان من جامع في الحج يلزمه بدنة وإن كان متضمنا للمس ومجرد اللمس يوجب
شاة وعند الأكثرين بالجماع يحصل الحدثان جميعا ولا يندفع اثر اللمس الذي يتضمنه
الجماع بخلاف اندفاع اثر خروج الخارج الذي يتضمنه الانزال لان اللمس يسبق حصول حقيقة
177

الجماع فيجب ترتيب حكمه عليه وإذا تم حقيقة الجماع وجب حصول الجنابة أيضا: وفى الانزال
لا يسبق خروج الخارج الانزال بل إذا نزل حصل خروج الخارج وخروج المنى وموجب خروج
المنى أعظم الحدثين فيدفع حلوله حلول الأصغر معه كما سبق: وأما مسألة المحرم فممنوع على وجه
وعلى التسليم ففي الفدية معنى الزجر والمؤاخذة وسبيل الجنايات اندراج المقدمات في المقاصد: الا
يرى أن مقدمات الزنا لو تجردت أوجبت التعزير وإذا أفضت إلى الزنا لم يجب التعزير مع الحد: واما
ههنا فالحكم منوط بصورة اللمس ولهذا لا يفرق فيه بين العمد والنسيان: وإذا عرفت ذلك فنقول
178

ان تجردت الجنابة فالوضوء محبوب في الغسل عنها وان اجتمع الحدث والجنابة فقد حكينا في باب
صفة الوضوء الخلاف في أنه هل يكفيه الغسل أم يجب معه الوضوء فان اكتفينا بالغسل فالوضوء
فيه محبوب كما لو كان يغتسل عن مجرد الجنابة وعلى هذا ينتظم القول باستحباب الوضوء على الاطراد
أما إذا أوجبنا معه الوضوء امتنع القول باستحبابه في الغسل ولا صائر إلى أنه يأتي بوضوء مفرد
وبوضوء آخر لرعاية كمال الغسل ولا ترتيب على هذا الوجه بين الوضوء والغسل بل يقدم منهما
ما شاء ولابد من إفراد الوضوء بالنية لأنها عبادة مستقلة على هذا بخلاف ما إذا كان من محبوبات
179

الغسل فإنه لا يحتاج إلى إفراده بنية: ثم الوضوء المحبوب في الغسل هل يتمه في ابتداء الغسل أم
يؤخر غسل الرجلين إلى آخر الغسل: فيه قولان أظهرهما انه يتمه ويقدم غسل الرجلين مع سائر
أعضاء الوضوء لما سبق من حديث عائشة فإنها قدمت الوضوء على إفاضة الماء والوضوء ينتظم
غسل الرجلين: وثانيهما انه يؤخره إلى آخر الغسل وبه قال أبو حنيفة لان ميمونة وصفت غسل
180

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت (ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ثم أفاض على
سائر جسده ثم تنحى فغسل رجليه) (1) ولا كلام في أن أصل السنة يتأدى بكل واحد من الطريقين
إنما الكلام في الأولى (الثالث) يتعهد من بدنه الموضع الذي فيه انعطاف والتواء كالأذنين فيأخذ
181

كفا من الماء ويضع الاذن برفق عليه ليصل إلى معاطفه وزواياه ولغضون البطن إذا كان سمينا
وكذلك يفعل بمنابت الشعر فيخلل أصول الشعر ومنابته وكل ذلك قبل إفاضة الماء على الرأس
182

وإنما يفعل ذلك ليكون أبعد عن الاسراف في الماء وأقرب إلى الثقة بوصول الماء (الرابع) يفيض
الماء على رأسه ثم على الشق الأيمن ثم على الشق الأيسر ويروى ذلك في صفة غسل رسول الله
صلى الله عليه وسلم (1) (الخامس) يكرر غسل البدن ثلاثا كما في الوضوء بل أولى لان الوضوء مبني
183

على التخفيف فإن كان ينغمس في الماء انغمس ثلاث مرات وهل يستحب تجديد الغسل: فيه وجهان
أحدهما نعم كالوضوء: وأظهرهما لا لان الترغيب في التجديد إنما ورد في الوضوء (1) والغسل ليس في
معناه لان موجب الوضوء أغلب وقوعا واحتمال عدم الشعور به أقرب فيكون الاحتياط فيه أتم (السادس)
184

يدلك ما وصل إليه يده من بدنه يتبع به الماء والفائدة ما ذكرنا في التعبد: وقال مالك يجب الدلك
لنا قوله صلى الله عليه وسلم (أما انا فأحثي على رأسي ثلاث حثيات من الماء فإذا أنا قد طهرت) (1)
رتب الطهارة على إفاضة الماء ولم يتعرض المدلك (السابع) إذا اغتسلت الحائض تتعهد أثر الدم
185

بمسك أو طيب آخر بان تجعله على قطنة وتدخلها في فرجها: روى عن عائشة ان امرأة جاءت
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله عن الغسل من الحيض فقال خذي فرصة من مسك فتطهري
186

بها فلم تعرف ما أراد فاجتذبتها وقلت تتبعي بها آثار الدم: والفرصة القطعة من كل شئ ذكره ثعلب
187

ويروي خذي فرصة ممسكة (1) قال في العربين الفرصة القطعة من الصوف والقطن فالأولى المسك فإن لم تجده
استعملت طيبا آخر فإن لم تجد فطينا لقطع الرائحة الكريهة فإن لم تجد كفي الماء والنفساء كالحائض
188

في ذلك (الثامن) ماء الوضوء والغسل غير مقدر: قال الشافعي رضي الله عنه وقد يخرق بالكثير
فلا يكفي ويرفق بالقليل فيكفي والأحب أن لا ينقص ماء الوضوء من مد وماء الغسل من صاع
189

لما روى أنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع (1) وروى أنه قال (سيأتي أقوام
يستقلون هذا فمن رغب في سنتي وتمسك بعث معي في حضيرة القدس) (2) والصاع والمد معتبران
190

على التقريب دون التجديد والله أعلم * وحكي بعض مشايخنا عن أبي حنيفة انه يتقدر ماء الغسل
بصاع فلا يجوز أقل منه وماء الوضوء بمد وربما حكي ذلك عن محمد بن الحسن لنا ان ثبتت الرواية
191

عنهما ما روى أنه صلى الله عليه وسلم توضأ بنصف مد (1) وروى أيضا انه عليه الصلاة والسلام توضأ
بثلث مد (2) ونختم الباب بكلامين (أحدهما) انه ادخل كلمة ثم في معظم هذه الآداب وهي على حقيقتها
في الترتيب الا في قوله ثم يدلك بعد قوله ثم يكرر ثلاثا فان الدلك لا يكون متأخرا عن التكرار
ثلاثا بل الدلك في كل غسلة معها (الثاني) ان كمال الغسل لا ينحصر فيما ذكره بل له مندوبات أخر
منها ما بيناه في فصل سنن الوضوء ومنها أن يستصحب النية إلى آخر الغسل ومنها أن لا يغتسل في
الماء الراكد ومنها أن يقول في آخره أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
192

قال * (كتاب التيمم) *
(وفيه ثلاثة أبواب)
[الباب الأول فيما يبيح التيمم وهو العجز عن استعمال الماء وللعجز أسباب سبعة:
الأول فقدان الماء وللمسافر أربعة أحوال الأولى أن يتحقق عدم الماء حواليه فيتيمم من غير
طلب (و)
193

لابد من النظر في أنه متى يتيمم وكيف يتيمم ولم يتيمم فجعل (الباب الأول) فيما يبيح التيمم فحينئذ يتيمم
والثاني في كيفيته: والثالث في حكمه ليعرف ما يستفاد به ومالا يستفاد فإنه إنما يتيمم لفائدته:
الباب الأول في المبيح وهو شئ واحد وهو العجز عن استعمال الماء والمراد منه أن يتعذر استعمال
الماء عليه أو ينغمس للحوق ضرر ظاهر وأسباب العجز فيما ذكره سبعة (أحدها) فقد الماء قال الله
تعالى (فلم تجدوا الماء فتيمموا) وللمسافر أربع أحوال لأنه اما أن يتيقن وجود الماء حواليه أو لا
يتيقنه فإن لم يتيقنه فاما أن يتيقن عدمه وهو الحالة الأولى أو لا يتيقن عدمه أيضا بل يتردد وهو
194

الثانية وان تيقنه فاما ان لا يزحمه غيره على الاخذ والاستيفاء وهو الحالة الثالثة أو يزحمه غيره
عليه وهو الرابعة: الحالة الأولى أن يتحقق عدم الماء حواليه مثل أن يكون في بعض رمال البوادي
فيتيمم وهل يفتقر إلى تقديم الطلب عليه فيه وجهان (أحدهما) نعم لان الله تعالى قال (فلم تجدوا
ماء فتيمموا) وإنما يقال لم يجد إذا فقد بعد الطلب وأظهرهما وهو الذي ذكره في الكتاب انه
لا حاجة إلى الطلب لان الطلب مع يقين العدم عبث: وأما ذكر الأول في الاستدلال بالآية ممنوع
195

قال [الثانية: أن يتوهم وجود الماء حواليه فليتردد (ح) الرجل إلى حد يلحقه غوث الرفاق
فلو دخل عليه وقت صلاة أخرى ففي وجوب إعادة الطلب وجهان]
إذا لم يتيقن عدم الماء حواليه بل جوز وجوده تجويزا قريبا أو بعيدا وجب تقديم الطلب على
التيمم لان التيمم طهارة ضرورة ولا ضرورة مع امكان الطهارة بالماء: ويشترط أن يكون الطلب
بعد دخول الوقت فحينئذ تحصل الضرورة: وهل يجب أن يطلب بنفسه أم يجوز أن ينيب غيره
فيه وجهان: أظهرهما أنه يجوز الإنابة حتى لو بعث النازلون واحدا ليطلب الماء أجزأ طلبه عن
الكل ولا خلاف أنه لا يسقط بطلبه الطلب عمن لم يأمره ولم يأذن له فيه: وكيفية الطلب ان يبحث
196

عن رحله إن كان وحده ثم ينظر يمينا وشمالا وخلفا وقداما إذا كان في مستو من الأرض ويخص
مواضع الخضرة واجتماع الطيور بمزيد الاحتياط وان لم يكن الموضع مستويا واحتاج إلى التردد
نظر * فإن كان يخاف على نفسه وماله فلا يجب ذلك لان الخوف يبيح له الاعراض عند تيقن الماء
فعند التوهم أولى وان لم يخف: وهذه الحالة هي المحكوم فيها بقوله في الكتاب فعليه أن يتردد إلى
حد يلحقه غوث الرفاق وهذا الضابط مستفاد من امام الحرمين رحمه الله: قال لا نكلفه البعد عن
مخيم الرفقة فرسخا أو فرسخين وإن كانت الطرق آمنة: ولا نقول لا يفارق طنب الخيام فالوجه القصد
أن يتردد ويطلب إلى حيث لو استغاث بالرفقة لأغاثوه مع ما هم عليه من التشاغل بالاشغال والتفاوض
197

في الأقوال وهذا يختلف باستواء الأرض واختلافها صعودا وهبوطا وهذا الضبط لا يكفي في كلام
غير لكن الأئمة من بعده تابعوه عليه وليس في الطرق ما يخالفه: هذا إذا كان وحده فإن كان
في رفقة وجب البحث عنهم أيضا إلى أن يستوعبهم أو يضيق الوقت فلا يبقى الا ما يسع لتلك
الصلاة وفى وجه إلى أن: يستوعبهم أو لا يبقى من الوقت الا ما يسع ركعة وفى وجه إلى أن يستوعبهم
وان خرج وقت الصلاة وإذا عرف أن معهم ماء فهل يجب استيهابه من صاحبه: فيه وجهان:
أحدهما لا: لصعوبة السؤال على أهل المروءة: والثاني وهو الأظهر نعم: لأنه ليس في هبة الماء
كثير منة وهذان الوجهان يخرجان على ظاهر المذهب في أنه إذا وهب منه الماء وجب عليه قبوله
198

وفيه وجه نذكره من بعد: وكل ما ذكرناه فيما إذا لم يسبق تيمه تيمم آخر وطلب للماء فان اتفق
ذلك واحتاج إلى التيمم مرة أخرى اما لبطلان الأول بحدث أو لفريضة أخري فائتة أو مؤداة
فهل يفتقر إلى إعادة الطلب نظر ان انتقل من ذلك المكان إلى مكان آخر أو أطبقت غمامة
أو طلع ركب ومنا أشبه ذلك مما يظن عنده حصول الماء وجب الطلب كما في التيمم الأول نعم كل
موضع تيقن بالطلب أنه لا ماء فيه ولم يجوز بالسبب الذي حدث حصوله فيه لم يحتج إلى البحث
والطلب في ذلك الموضع على ظاهر المذهب كما سبق: وان لم ينتقل عن ذلك الموضع ولم يحدث شئ
يوهم حصول الماء فان تيقن بالطلب الأول أن لا ماء ثم فعلى ما ذكرنا في حالة يقين العدم: وان لم
يتيقنه بل غلب على ظنه العدم فوجهان: أحدهما أنه لا يحتاج إلى إعادة الطلب لأنه لو كان ثم ماء
199

لظفر به بالطلب الأول ظاهرا: وأظهرهما أنه يجب الطلب ثانيا لأنه قد يطلع على بئر خفيت
عليه أو يجد من يدله على الماء لكن يجعل الطلب الثاني أخف من الأول وإذا عرفت ما ذكرناه
وتأملت قوله فان دخل عليه وقت صلاة أخرى ففي وجوب إعادة الطلب وجهان: فينبغي أن
لا يخفى عليك منه شيئان: أحدهما أن هذا الخلاف غير مخصوص بما إذا دخل عليه وقت صلاة
أخرى بل مهما احتاج إلى إعادة التيمم اما لهذا السبب أو لان تيممه الأول قد بطل بعروض
حدث أو طلوع ركب: جرى الوجهان سواء تخلل بين التيممين زمان أو لم يتخلل: والثاني ان
200

كلامه وإن كان مطلقا لكن الشرط في صورة الخلاف أن لا يحدث سبب يوهم حدوث الماء من
الانتقال إلى مكان آخر أو طلوع ركب ونحوهما والا وجب إعادة لطلب بلا خلاف وان لا يكون العدم
مستيقنا بمقتضى الطلب الأول والا فإذا استيقن العدم ولم يحدث ما يوهم حصول الماء كان اليقين الأول
مستمرا ولا معني للطلب مع يقين العدم كما تقدم: ولك أن تعلم قوله فليتردد الرجل بالحاء لامرين
أحدهما أن عند أبي حنيفة ليس على المتيمم طلب الا إذا غلب على ظنه ان بقربه ماء: والثاني أن
عنده صلاة العيد وصلاة الجنازة يجوز ان يتيمم لهما إذا خاف الفوت لو اشتغل بالوضوء وإن كان الماء
موجودا عنده وكلام الكتاب مطلق *
201

قال الثالثة ان يتيقن وجود الماء في حد القرب فيلزمه (ح) ان يسعى إليه وحد القرب إلى حيث
يتردد إليه المسافر للرعي والاحتطاب وهو فوق حد الغوث فان انتهى العبد إلى حيث لا يجد الماء
في القوت فلا يلزمه وإن كان بين الرتبتين فقد نص أنه يلزمه إذا كان على يمين المنزل أو يساره ونص
فيما إذا كان على صوب مقصده انه لا يلزمه فقيل قولان وقيل بتقرير النصين لان جوانب المنزل
منسوبة إليه دون صوب الطريق] *
إذا تيقن وجود الماء حواليه فله ثلاث مراتب إحداها أن يكون على مسافة ينتشر إليها
النازلون في الاحتطاب والاحتشاش وتنتهي البهائم إليها في الرعى فيجب السعي إليه والوضوء به
202

لأنه إذا كان يسعى لاشغاله إلى هذا الحد فلمهم العبادة أولى وهذا فوق حد الغوث الذي يسعى إليه
عند التوهم قال الإمام محمد بن يحيى ولعله يقرب من نصف فرسخ: (الثانية) أن يكون بعيدا عنه بحيث
لو سعى إليه لفاته فرض الوقت فيتيمم ولا يسعى إليه لأنه فاقد في الحال ولو وجب انتظار الماء مع
خروج الوقت لما ساغ التيمم أصلا بخلاف ما لو كان واجدا للماء وخاف فوات الوقت لو توضأ
حيث لا يجوز له التيمم لأنه ليس بفاقد على أن صاحب التهذيب حكي في هذه الصورة وجها انه يتيمم
ويصلى لحرمة الوقت ثم يتوضأ ويعيد: وقد يقول الناظر أيعتبر كونه بحيث لو سعى إليه لفاته فرض
الوقت من حين نزوله في ذلك المنزل أو من أول وقت الصلاة لو كان نازلا فيه فإن كان الأول فقد
203

يكون الماء في حد القرب ولو سعى إليه لفاته فرض الوقت لنزوله في آخر الوقت فإذا لم نوجب السعي
إليه بطل اطلاق قولنا انه إذا كان الماء في حد القرب لزم السعي إليه وان اعتبرنا من أول وقت الصلاة
فمواقيت الصلاة مختلفة في الطول والقصر فما الذي يفعل انعتبر الوسط منها كما يفعل في حد القرب
فان القدر الذي ينتشر إليه المسافر لحاجة مختلف صيفا وشتاء وتؤثر فيه وعورة المكان وسهولته
وما أشبه ذلك والمعتاد في نظائر ذلك الاخذ بالوسط المعتدل أم نعتبر في كل صلاة وقتها فتختلف
المسافة التي يحتاج إلى قطعها أم كيف الحال ولو كان يتيمم لفائتة فكيف يقدر فوات وقتها لو سعى
إلى الماء أيقال وقتها أول حالة التذكر فيلزم ان لا يسعى إلى الماء في حد القرب لأنه زمان يسير أو
204

لا يقال هذا وحينئذ لا يفرض لها وقت آخر يفوت بالسعي الماء ولو كان يتيمم للنوافل وجوزنا
ذلك فكيف نعتبر الوقت فيها وهل نجعل مواقيت الفرائض الخمس معيارا للفوائت والنوافل أم
لا: والجواب الأشبه بكلام الأئمة ان الاعتبار من أول وقت الصلاة لو كان نازلا في ذلك المنزل ولا
بأس باختلاف المواقيت والمسافات فان الغرض صيانة وظيفة الوقت عن الفوات وعلى هذا إذا
انتهى إلى المنزل في آخر الوقت وكان الماء في حد القرب لزم السعي إليه والوضوء به وإن كان يفوته
فرض الوقت كما لو كان الماء في رحله وفاته الفرض لو توضأ والأشبه ان نجعل وقت الحاضرة معيارا
في الفوائت والنوافل فإنها الأصل والمقصد بالتيمم غالبا والله أعلم: الثالثة أن يكون بين الرتبتين
205

وتزيد المسافة على التي يتردد المسافر إليها لحاجاته ولا ينتهي إلى حد خروج الوقت فهل يلزمه السعي
إليه أم يجوز له التيمم نص الشافعي على أنه إذا كان على يمين المنزل أو يساره يلزمه السعي إليه
ولا يجوز له التيمم وفيما إذا كان على صوب مقصده انه لا يجب السعي إليه وله التيمم فاختلف
الأصحاب فيه على طريقتين أحداهما تقرير النصين: والثانية جعل المسئلتين على قولين نقلا وتخريجا
ولنبين أولا معنى قول المذهبيين في المسئلتين قولان بالنقل والتخريج فنقول إذا ورد نصان عن
صاحب المذهب مختلفان في صورتين متشابهتين ولم يظهر بينهما ما يصلح فارقا فالأصحاب يخرجون
نصه في كل واحدة من الصورتين في الصورة الأخرى لاشتراكهما في المعني فيحصل في كل واحدة
206

من الصورتين قولان منصوص ومخرج: المنصوص في هذه هو المخرج في تلك والمنصوص في تلك
هو المخرج في هذه فيقولون فيهما قولان بالنقل والتخريج أي نقل المنصوص في هذه الصورة
إلى تلك وخرج فيها وكذلك بالعكس ويجوز ان يراد بالنقل الرواية ويكون المعني في كل واحدة
من الصورتين قول منقول أي مروي عنه وآخر مخرج: ثم الغالب في مثل ذلك عدم اطباق
الأصحاب على هذا التصرف بل ينقسمون إلى فريقين منهم من يقول به ومنهم من يأبى ويستخرج
فارقا بين الصورتين يستند إليه افتراق النصين وإنما ذكرنا هذا الكلام في هذا الموضع لأنه
207

أول موضع ذكر فيه المصنف النقل والتخريج وإذا عرف ذلك فنقول أما من قرر النصين فرق
بان المسافر قد يتيامن ويتياسر في حوائجه ولا يمضى في صوب مقصده ثم يرجع قهقرى وجوانب
المنزل منسوبة إليه دون ما بين يديه: واما من جعل الصورتين على قولين وجه تجويز التيمم بأنه
فاقد للماء في الحال والمنع بأنه قادر على الوصول إلى الماء والتيمم إنما يعدل إليه عند الضرورة
وهذه الطريقة أظهر من الأولى لان لأصحابها أن يقولوا للأولين المسافر ما دام سائرا لا يعتاد
المضي يمينا وشمالا كمالا يرجع قهقرى *
208

وإذا كان في المنزل ينتشر في الجوانب كلها ويعود إلى منزله فالفرق ممنوع وما ذكرناه من الطريقين
نقل صاحب الكتاب وامام الحرمين في آخرين: وقال في التهذيب إذا كان الماء على طريقه وهو
يتيقن الوصول إليه قبل خروج الوقت وصلى في آخر الوقت بالتيمم جاز وقال في الاملاء لا يجوز
بل يؤخر حتى يأتي الماء والأول المذهب وإن كان الماء على يمينه أو يساره أو ورائه لم يلزمه اتيانه
وان أمكن في الوقت لان في زيادة الطريق مشقة عليه كما لو وجد الماء يباع بأكثر من ثمن المثل
لا يلزمه الشراء: وقيل لا فرق بل متى أمكنه ان يأتي الماء في الوقت من غير خوف فلا فرق بين
أن يكون على يمينه أو يساره أو أمامه * في جواز التيمم قولان هذا ما رواه وبينه وبين الكلام
209

الأول بعض المباينة توجيها وحكما: أما التوجيه فظاهر واما الحكم فلان هذا الكلام إنما يستمر في
حق السائر وقضيته نفى الفرق بين الجوانب في حق النازل في المنزل لأنه يحتاج إلى الرجوع في المنزل
من أي جانب مضي إلى الماء وفى زيادة الطريق مشقة: وأما الكلام الأول فقضيته الفرق بين
الجوانب في حق المنازل أيضا الا أن الفرق ممنوع كما تقدم وأيضا فان منقول صاحب الكتاب
يقتضى كون السعي إلى ما يكون على اليمين واليسار أولى بالايجاب وما ذكره في التهذيب يقتضى
كون الايجاب فيما على صوب القصد أولي لأنه جعل فيه قولين وفيما على اليمين واليسار طريقين
وجزم في أحدهما بنفي الوجوب: واعلم أن ظاهر المذهب جواز التيمم وان علم الوصول إلى الماء
210

في آخر الوقت روى أن ابن عمر رضي الله عنه أقبل من الجرف حتى إذا كان بالمربد تيمم وصلى
العصر فقيل له أتتيمم وجدران المدينة تنظر إليك فقال أو أحيى حتى أدخلها ثم دخل
المدينة والشمس حية مرتفعة فلم يعد الصلاة (1) وإذا جاز التيمم في حق من يعلم الانتهاء إلى
الماء في صوب سفره فأولى أن يجوز للنازل في بعض المراحل إذا كان الماء على يمينه أو يساره
لزيادة مشقة السير لو سعى إليه وإذا جاز التيمم للنازل فهو للسائر أجوز وهذا في حق المسافر أما
211

المقيم فذمته مشغولة بالقضاء وان صلى بالتيمم وليس له أن يصلى بالتيمم وان خاف فوت الوقت لو سعى إلى
الماء وتوضأ وإذ كان ممنوعا من الصلاة بالتيمم مع فوات الوقت فأولى أن يكون ممنوعا عنها في أول الوقت
قال [ثم إن تيقن وجور الماء قبل مضى الوقت فالأولى التأخير قولا واحدا فان توقعه
بظن غالب فقولان لتقابل نفس فضيلة أول الوقت مع ظن ادراك الوضوء
212

هذا تفريع على جواز التيمم وان أمكن الوصول إلى الماء قبل مضى الوقت وقد ذكرنا الخلاف فيه فان جوزناه
وهو المذهب فنقول الأولى ان يؤخر ليصلى بالوضوء أو أن يجعل الصلاة بالتيمم نظر ان تيقن وجود الماء في
آخر الوقت فالأولى أن يؤخر ليصلى بالوضوء لان فضيلة الصلاة بالوضوء وإن كان في آخر الوقت أبلغ من
فضيلة الصلاة بالتيمم في أوله ألا يرى أن تأخير الصلاة إلى آخر الوقت جائز مع القدرة على أدائها في أوله ولا
213

يجوز التيمم مع القدرة على الوضوء هذا ما قطع به الأكثرون وبه قال صاحب الكتاب حيث قال قولا واحدا
وحكي في التيمم خلافا في أن الأولى التقديم أو التأخير على ما سنحكي نظيره في الحالة الثانية فلك أن
تعلم قوله قولا واحدا بالواو إشارة إلى هذا الخلاف وان لم يتيقن وجود الماء في آخر الوقت ولكن
رجاه فقولان أصحهما التعجيل في أول الوقت بالتيمم لأنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
214

أفضل الأعمال فقال (الصلاة في أول وقتها) (1) ولم يفرق بين أن يكون بالوضوء أو التيمم ولان
فضيلة الأولوية ناجزة وهي تفوت بالتأخير يقينا وفضيلة الوضوء غير معلومة الحصول فصيانة الناجز
عن يقين الفوات أولى من المحافظة على أمر موهم: والثاني وبه قال أبو حنيفة أن التأخير أفضل
لان الايراد بالظهر وتأخيرها عند شدة الحر مأمور به كي لا يختل معنى الخشوع فالتأخير لادراك
الوضوء أولي أن يؤمر به * واحتج في الوسيط للقول الأول بأن تعجيل الصلاة منفردا أفضل
215

من تأخيره لحيازة الجماعة وكذلك فعل امام الحرمين: لكن أبا على الطبري ذكر في الافصاح أن
التأخير لحيازة الجماعة أفضل واحتج به للقول الثاني وتوسط آخرون فجعلوا المسألة على وجهين مبنيين
على القولين في المسألة التي نحن فيها ثم لا يخفى أن موضع القولين ما إذا اقتصر على صلاة واحدة
أما إذا صلى بالتيمم في أول الوقت وبالوضوء في آخره فهو النهاية في أحراز الفضيلة: ولك أن تبحث
عن قوله وان توقعه بظن غالب فنقول لم قيده بالظن الغالب ولم يقتصر على مجرد التوقع فاعلم أن التوقع
216

يشمل الظن ومجرد التجويز فلو لم يقل بظن غالب لدخل فيه ما إذا تساوى الطرفان عنده فلم يظن
الوجود في آخر الوقت ولا العدم وما إذا ظن العدم وجوز الوجود ولا جريان للقولين في هاتين
الحالتين بل الحكم فيهما أو لوية التعجيل لا محالة وموضع القولين ما إذا ترجح عنده الوجود على العدم
وان لم يتيقنه فلذلك قال بظن غالب وربما وقع في كلام بعضهم نقل القولين فيما إذا لم يظن الوجود
ولا العدم ولا وثوق به وكأن ذلك القائل أراد بالظن اليقين
217

قال [الرابعة أن يكون الماء حاضرا كماء البئر يتنازع عليها الواردون وعلم أن النوبة لا تنتهي
إليه الا بعد خروج الوقت فقد نص فيه وفى مثله في الثوب الواحد يتناوب عليه جماعة من العراة أنه يصبر:
ونص في السفينة انه يصلي قاعدا إذا ضاق محل القيام ولا يصبر فقيل سببه أن القعود أهون ولذلك جاز في
النفل مع القدرة على القيام وقيل قولان بالنقل والتخريج] * إذا زاحمه غيره على الاستقاء كما إذا انتهوا
إلى بئر ولم يمكن الاستقاء الا بالمناوبة اما لاتحاد الآلة أو لضيق موضع النازح فان توقع
218

النوبة إليه قبل خروج الوقت لم يتيمم فلعله يجد فرصة للوضوء: وان علم أنه لا تنتهي النوبة إليه الا
بعد الوقت فقد حكي عن نص الشافعي رضي الله عنه أنه يصبر إلى أن يتوضأ ولا يبالي بخروج
الوقت: ولو حضر جمع من العراة وليس ثم الا ثوب واحد يصلون فيه على التناوب وعلم أن النوبة
لا تنتهي إليه الا بعد الوقت نص انه يصبر أيضا ولا يصلى عاريا يفي الوقت ولو اجتمعوا في سفينة
أو بيت ضيق وهناك موضع واحد يمكن فيه الصلاة قائما نص انه يصلي في الوقت قاعدا ولا يصبر
219

إلى انتهاء النوبة إليه بعد الوقت وهذا يخالف النص في المسألتين الأولين فاختلف الأصحاب على
طريقين أظهرهما وبها قال أبو زيد المروزي لا فرق والمسائل كلها على قولين بالنقل والتخريج أظهرهما
أنه يصلي في الوقت بالتيمم و؟ ريا وقاعدا لان؟ رمة الوقت لابد من رعايتها والقدرة بعد الوقت
لا تأثير لها في صلاة الوقت: والثاني انه يصبر لوجود القدرة على الوضوء واللبس والقيام: (الثانية)
تقرير النصين: والفرق أن تقرير أمر القعود أسهل من أمر الوضوء واللبس ولهذا جاز تركه في النفل
220

مع القدرة على القيام بخلاف التيمم وكشف العورة لا يحتمل في النفل كما في الفرض
وهذا الفرق حكاه الشيخ أبو محمد عن القفال قال امام الحرمين هذا ضعيف لان القيام ركن
في صلاة الفرض فمن أين ينفع حطه في صلاة أخرى: وللفارق أن يقول الواجب في نوعي
الفرض والنفل أهم من الواجب في أحدهما فيكون أبعد عن قبول المسامحة وينتظم الفرق: وقال
كثيرون من الأصحاب لا نص للشافعي في مسألة البير لكن نص في المسألتين الأخريين على ما سبق
فمنهم من نقل وخرج ومنهم من قرر النصين وفرق بوجهين أحدهما ما سبق: والثاني أن للقيام بدلا
221

ينتقل إليه وهو القعود ألا يرى أن قعود المريض كقيام الصحيح وستر العورة لا بدل له فوجب
الصبر إلى القدرة عليه وهؤلاء ألحقوا مسألة البير بمسألة السفينة وقالوا لا يصبر لان للوضوء بدلا
وهو التيمم: ولك أن تعلم قوله فقد نص فيه وفى مثله في الثوب بالواو لان هؤلاء نفوا أن يكون
للشافعي نص في مسألة البير وخالفوا ما رواه: واعلم أن امام الحرمين أجرى الخلاف المذكور في
هذه المسألة فيما إذا ضاق الوقت ولاح للمسافر ولا عائق لكن علم أنه لو اشتعل به لفاتته الصلاة
222

وذكر في الوسيط ذلك أيضا وهو يقتضي اثبات الخلاف في المرتبة الثانية وان لم يذكر ثم
قال] فرعان أحدهما لو وجد ماء لا يكفيه لوضوئه يلزمه (ح) استعماله قبل التيمم على
أظهر القولين] *
إذا وجد الجنب من الماء ما لا يكفيه لغسله أو المحدث ما لا يكفيه لوضوئه ففيه قولان أحدهما وبه قال أبو حنيفة
واختاره المزني لا يجب استعماله بل يتيمم كما لو وجد بعض الرقبة لا يجب اعتاقه عن الكفارة بل يعدل
223

إلى الصوم وأصحهما أنه يجب استعماله ويتيمم للباقي لأنه قدر على غسل بعض أعضائه فلا
يسقط بالعجز عن الباقي فصار كما إذا كان بعض أعضائه جريحا والبعض صحيحا يجب غسل
الصحيح وهذا الثاني قوله الجديد والأول القديم: وذكر الشيخ أبو علي والمسعودي أن له في الجديد
قولين أحدهما مثل القديم ورواية المزني في المختصر تدل على ما قالاه فان فرعنا على القول الثاني
وجب استعمال الماء أو لا ليصير فاقدا ولهذا قال في الأصل يلزمه استعماله قبل التيمم ثم إن كان
224

محدثا غسل به وجهه ثم يديه على الترتيب إلى أن ينفد وإن كان جنبا غسل أي عضو شاء إذ لا
ترتيب في الغسل والأولى أن يستعمله في أعضاء الوضوء وفى الرأس وإنما يجب تقديم استعماله على
التيمم إذا وقع الغسل والتيمم عن طهارة واحدة: أما لو أحدث وأجنب ووجد ما يكفي للوضوء
به دون الغسل وقلنا الحدث الأصغر لا يدخل في الأكبر بل يجب الوضوء مع الغسل فإنه يتوضأ
به ويتيمم عن الجنابة ويتخير في التقديم والتأخير: وان قلنا يدخل الأصغر في الأكبر سقط حكمه
وواجبه الغسل فيجب تقديم استعماله على التيمم على هذا القول وكل ما ذكرناه فيما إذا كان الموجود
يصلح للغسل: فأما إذا كان الشخص محدثا ولم يجد الا ما يصلح للمسح دون الغسل كثلج وبرد
لا يذوب ففيه طريقان أظهرهما أنه يكفيه التيمم ها هنا لأنا حيث نوجب استعمال الموجود من
225

الماء على المحدث نأمره بتقديمه على التيمم ولا يمكن تقديم مسح الرأس مع بقاء فرض الوجه
واليدين عليه: والثاني أنه على القولين فان قلنا يجب استعمال الماء الناقص فقد ذكر أبو العباس
الجرجاني من أصحابنا أنه يتيمم على الوجه واليدين ثم يمسح رأسه ببلل الثلج ثم يتيمم للرجلين
وهذا كله إذا وجد ترابا يتيمم به أما إذا وجد المحدث أو الجنب الماء الناقص ولم يجد ما يتيمم به
ففيه طريقان أحدهما طرد القولين وأظهرهما أنه يجب استعماله لا محالة لأنه لا بدل ينتقل إليه فصار
كالعريان يجد ما يستر به بعض عورته يلزمه ستر ما يمكن به بخلاف ما إذا وجد بعض الرقبة ولم يقدر على
الصوم والاطعام لا يؤمر بالاعتاق لان الكفارات على التراخي فقد تطرأ القدرة بعد ذلك فافهم هذه
226

المسائل واعرف موضع القولين اللذين أطلقهما في الكتاب قال [الثاني لو صب الماء في الوقت فتيمم ففي القضاء وجهان وجه وجوبه أنه عصي بصبه بخلاف
الصب قبل الوقت وبخلاف ما لم تجاوز نهرا ولم يتوضأ في الوقت] *
إذا فوت الماء الذي عنده بالإراقة أو الشرب أو غيرهما واحتاج لذلك إلى التيمم فلا خلاف
في أنه يتيمم لأنه فاقد في الحال وكذلك لو نجسه ثم ننظر ان فعل ذلك قبل دخول الوقت وتيمم
في الوقت فلا قضاء عليه سواء فعل ذلك لغرض أو سفها لأنه لا فرض عليه ما لم يدخل الوقت وان
فعله بعد دخول الوقت فإن كان له فيه غرض فكذلك لا قضاء عليه وذلك مثل أن يتبرد به
227

أو يشربه لحاجة العطش أو يغسل به ثوبه تنظيفا وكذلك إذا اشتبه عليه الاناء ان واجتهد ولم يغلب
على ظنه شئ فأراقهما أو جمع بينهما وتيمم فهو معذور لان فيه غرضا وهو أن لا يكون مصليا بالتيمم
وعدنه ماء طاهر بيقين وان فوته لغير غرض وفائدة وتيمم وصلى فهل يجب عليه القضاء: فيه وجهان
أظهرهما لا لأنه فاقد حين يتيمم فيكفيه البدل كما لو قتل عبده أو أعتقه وكفر بالصوم يجزئه: والثاني نعم
لأنه عصى بالصب والحالة هذه وسقوط الفرض بالتيمم من قبيل الرخص فلا تناط بالمعاصي بخلاف
ما إذا كان الصب قبل الوقت فإنه لا يعصى وبخلاف ما إذا كان الصب لغرض فإنه معذور ولو اجتاز
بماء في الوقت ولم يتوضأ ثم بعد عنه وصلى بالتيمم فالذي ذكره في الكتاب يشعر بالقطع بأنه لا قضاء
228

عليه وكذلك أورده صاحب التهذيب وغيره: والفرق أنه لم يصنع شيئا هاهنا وإنما امتنع من التحصيل
والتقصير في تفويت الحاصل أشد منه في الامتناع من تحصيل ما ليس بحاصل: ورأيت في كلام الشيخ
أبي محمد طرد الوجهين في صورة الاجتياز وهو غريب ولو وهب الماء في الوقت من غير حاجة وعطش
للمتهب أو باعه من غير حاجة إلى ثمنه ففي صحة البيع والهبة وجهان أشبهما المنع لان البدل حرام عليه
فهو غير مقدور على تسليمه شرعا وثانيهما الجواز لأنه مالك نافذ التصرف والمنع لا يرجع إلى سبب
يختص بالعقل فلا يؤثر في فساد العقد فان قلنا بصحة البيع والهبة فحكم قضاء الصلاة على البائع والواهب
ما ذكرنا في الصب لأنه فوته بإزالة الملك عنه: وان قلنا بعدم الصحة فلا يصح تيممه ما دام الماء في
229

يد المبتاع أو الموهوب منه وعليه الاسترداد أر قدر فإن لم يقدر وتيمم قضى وان تلف في يده وتيمم
ففي القضاء الخلاف المذكور في الإراقة لأنه إذا تلف الماء صار فاقدا عند التيمم: ثم إذا أوجبنا القضاء في
هذه الصور ففي القدر المقضى ثلاثة أوجه أصحها يقضي تلك الصلاة الواحدة التي فوت الماء في وقتها: والثاني
يقضى أغلب ما يؤديه بوضوء واحد: والثالث كل صلاة صلاها بالتيمم * والله أعلم *
قال [السبب الثاني أن يخاف على نفسه أو ماله من سبع أو سارق فله التيمم ولو وهب منه الماء أو
أعير منه الدلو يلزمه القبول بخلاف ما إذا وهب (ز) ثمن الماء أو الدلو فان المنة فيه تثقل ولو بيع بغبن
لم يلزمه شراؤه وبمثل الثمن يلزم ألا إذا كان عليه دين مستغرق أو احتاج إليه لنفقة سفره والأصح أن ثمن المثل
يعرف بقدر أجرة النقل
230

إذا كان بقربه ماء لكنه يخاف من السعي إليه على نفسه من سبع أو عدو أو على ماله المخلف في المنزل
أو الذي معه من غاصب أو سارق فله التيمم وهذا الماء كالمعدوم وكذلك الحكم لو كان في السفينة ولا ماء
معه وخاف على نفسه لو استقى من البحر والخوف على بعض الأعضاء كالخوف على النفس ولو خاف
الوحدة والانقطاع عن الرفقة لو سعي إلى الماء فإن كان عليه ضرر وخوف في الانقطاع لم يلزمه السعي
إليه ويتيمم وان لم يكن ضرر فكذلك على أظهر الوجهين وإن كان الماء لغيره فوهبه منه فهل عليه
قبوله فيه وجهان المذهب أنه يجب وهو الذي ذكره في الكتاب لأنه والحالة هذه يعد واجدا للماء
والمسامحة غالبة في الماء فلا تعظم منة في قبوله بخلاف ما لو وهب منه الرقبة لا يلزمه القبول لأنها
231

ليست في محل المسامحة غالبا: والثاني أنه لا يلزمه القبول لأنه نوع يكسب للطهارة فلا يلزمه
كما لا يلزمه اكتساب ثمن الماء ولو أعير منه الدلو أو الرشاء وجب قبوله لان الإعارة لا يعظم فيها
المنة والقادر على قبولها لا يعد فاقدا للماء هكذا أطلقه الأكثرون ومنهم صاحب الكتاب وفصل
بعضهم فقال إن لم تزد قيمة المستعار على ثمن مثل الماء وجب القبول وان زادت فلا لان العارية
مضمونة وقد يتلف فيحتاج إلى غرامة ما فوق ثمن الماء ولو أفترض الماء وجب قبوله في أصح
الوجهين لأنه إنما يطالب عند الوجدان وحينئذ يهون الخروج عن العهدة ولو بيع منه الماء وهو
232

لا يملك الثمن لكنه وهب منه فقد أطلق القول في الكتاب بأنه لا يلزمه قبوله لان المنة تثقل
فيه كما لا يلزم على العاري قبول الثوب: وحكي بعض الأصحاب فيما إذا وهبه الأب من الابن
أو العكس وجهين كالوجهين فيما إذا بذل الابن لأبيه أو بالعكس المال في الحج هل يلزمه
وهل يصير مستطيعا به وهذا حسن لكن الأظهر ثم أنه لا يجب القبول فيجوز أن يكون اطلاق
الجواب هاهنا جريا على الأظهر واقتصارا عليه وهبة آلات الاستقاء كالدلو والرشاء كهبة ثمن الماء
في الحكم ولو أقرض منه الثمن فلو كان معسرا لم يلزمه الاستقراض وأن كان موسرا لكن المال
غائب فكذلك في أظهر الوجهين بخلاف ما إذا أقرض منه الماء لأن الماء في محل المسامحة والقدرة
233

عليه عند توجه المطالبة أظهر وأغلب: ولو بيع منه الماء نسيئة وهو موسر لزم الشراء على أظهر
الوجهين لان الأجل لازم هاهنا فلا مطالبة قبل الحلول بخلاف صورة الاقراض ولو ملك الثمن
فكان حاضرا عنده لكنه كان محتاجا لدين مستغرق في ذمته أو لنفقته أو نفقة رقيقه أو حيوان
محترم معه أو لسائر مؤنات سفره في ذهابه وإيابه فلا يجب عليه الشراء ويعذر في الصرف إلى
هذه الوجه وان فضل عن حاجته لزمه الشراء إن بيع بثمن المثل لأنه قادر على استعمال الماء ويصرف
إليه أي نوع من المال كان معه: وان بيع بغبن لا يلزمه الشراء كما لو كان يتلف شئ من ماله لو سعى
إلى الماء المباح وظاهر كلامه في الكتاب وعليه الأكثرون أنه لا فرق بين أن يكون الغبن بقدر قليل
234

أو كثير ومنهم من قال أبن بيع بزيادة يتغابن الناس بمثلها وجب الشراء ولا عبرة بتلك الزيادة
وإذا كان البيع نسيئة وزيد بسبب التأجيل ما يليق به فهو بيع بثمن المثل على أظهر الوجهين وان زاد المبلغ
على ثمن مثله نقدا فيجب الشراء على قولنا يجب الشراء بالنسيئة: وكيف يعتبر ثمن مثل الماء وما معناه
فيه ثلاثة أوجه: أحدها ثمن مثله قدر أجرة نقله إلى الموضع الذي فيه الشخص لأنه لا يرغب في الماء بأكثر منه
وعلى هذا فالأجرة تختلف باختلاف المسافة طولا وقصرا فيجوز ان يعتبر الوسط المقصد ويجوز
أن يعتبر الحد الذي يسعى إليه المسافر عند تيقن الماء فان ذلك الحد لو لم يقدر على السعي إليه
235

بنفسه واحتاج إلى بذل الأجرة لم ينقل الماء منه إليه يلزمه البذل إذا كان واجدا لها وثانيها أنه
يعتبر ثمن مثله في ذلك الموضع في غالب الأوقات ولا يعتبر ذلك الوقت بخصوصه فان الشربة
الواحدة عند العزة يرغب فيها بدنانير كثيرة: وثالثها أنه يعتبر ثمن مثله في ذلك الموضع في تلك
الحالة فان لكل شئ سوقا يرتفع وينخفض وثمن مثل الشئ ما يليق به في تلك الحالة ألا تري
أن الرقبة وإن كانت غالية بالإضافة إلى عموم الأحوال يجب شراؤها بما يرغب فيها في تلك
الحالة وهذا الوجه هو الأظهر عند الأكثرين من الأصحاب والوجه الثاني منقول عن أبي إسحاق
واختاره القاضي الروياني ولم نر أحدا اختار الوجه الأول سوى صاحب الكتاب ومن تابعه
236

وقد ذكر امام الحرمين أن ذلك الوجه مبني على أن الماء لا يملك فإنه إذا لم يملك لم يمكن له ثمن
فاعتبر أجرة النقل: وأشار المسعودي إلى هذا البناء أيضا ومعلوم أن القول بان الماء لا يملك وجهه
ضعيف في المذهب فليكن كذلك ما هو مبنى عليه: وادعى في الوسيط أن الوجه الذي اختاره غير
مبنى على ذلك الوجه حيث قال أحدها ان ثمن مثله أجرة نقل الماء فبه تعرف الرغبة في الماء وإن كان
مملوكا على الأصح يعنى أنه وإن كان مملوكا فالقدر الذي يرغب به فيه أجرة النقل:
وللأكثرين أن يقولوا ان ادعيت أن هذا القدر هو الذي يرغب به في الماء حيث يكثر الماء في البلاد
237

وغيرها فهذا مسلم لكن الماء والحالة هذه لا يشتري إنما ينقل: وان ادعيت انه القدر الذي يرغب
به في الماء حيث يحتاج إلى الشراء فممنوع ولو بيع منه آلات الاستقاء كالدلو والرشاء بثمن المثل
وجب شراؤها إذا كان فاقدا لها وكذلك لو أوجرت بأجرة مثلها فان باعها مالكها أو أجرها بزيادة لم
يجب تحصيلها هكذا ذكروه: ولو قال قائل يجب التحصيل ما لم تجاوز الزيادة ثمن مثل الماء لكان
محسنا لان الآلة المشتراة تبقى له وقدر ثمن الماء محتمل التلف في هذه الجهة: ولو لم يجد الا ثوبا وقدر
على شده في الدلو ليستقى لزمه ذلك: ولو لم يكن دلو وأمكن ادلاؤه في البئر ليبتل ويعصر منه ما
يتوضأ به لزمه ذلك ولو لم: يصل إلى الماء وأمكن شقه وشد البعض في البعض ليصل وجب: وهكذا كله
238

إذا لم يدخل نقصان أو لم يزد نقصا به عل أكثر الامرين من ثمن مثل الماء وأجرة مثل الحبل
قال [الثالث ان يحتاج إلى الماء لعطشه في الحال أو توقعه في المآل أو لعطش رفيقه أو عطش
حيوان محترم فله التيمم: وان رأت صاحب الماء ورفقاؤه عطشى يمموه وغرموا للورثة الثمن
فان المثل لا يكون له قيمة غالبا: ولو أوصي بمائه لأولى الناس به فحضر جنب
وحائض وميت فالميت أولى لأنه آخر عهده ومن عليه نجاسة أولى من الجنب إذ لا بدل له
وفيه مع الميت وجهان: والجنب أولى من المحدث الا إذا كان الماء قدر الوضوء فقط فان انتهى
هؤلاء إلى ماء مباح واستووا في اثبات اليد فالملك لهم وكل واحد أولى بملك نفسه وإن كان حدث
239

غيره أغلظ]
في الفصل مسائل: (إحداها) لو قدر على ماء مملوك أو غير مملوك لكنه احتاج إليه لعطشه فله التيمم
دفعا لما يلحقه من الضرر لو توضأ والقول فيما يلحقه لو توضأ ولم يشرب يقاس بما سيأتي في المرض المبيح
للتيمم: ولو احتاج إليه رفيق له أو حيوان آخر محترم للعطش دفعه إليه اما مجانا أو بعوض وتيمم
وللعطشان أن يأخذه منه قهرا لو لم يندله له وغير المحترم من الحيوان هو الحربي والمرتد والخنزير
والكلب العقور وسائر الفواسق الخمس وما في معناها وكان والذي رحمه الله يقول ينبغي أن
يقال لو قدر على التطهر به وجمعه في ظرف ليشربه لزم ذلك ولم يجز التيمم وما ذكره يجيئ وجها
240

في المذهب لان أبا على الزجاجي وأقضي القضاة الماوردي وآخرين ذكروا في كتبهم أن من معه
ماء طاهر وآخر نجس وهو عطشان يشرب النجس ويتوضأ بالطاهر: وإذا امر بشرب النجس
ليتوضأ بالطاهر فأولى أن يؤمر بالوضوء وشرب المستعمل وهل يفترق الحال بين أن تكون
هذه الحاجة ناجزة أو متوقعة في المآل اما في عطش نفسه فلا فرق بل توقعه مالا لاعواز غير
241

ذلك الماء طاهرا كحصوله حالا: واما في عطش الرفيق والبهيمة فقد أبدى فيه امام الحرمين ترددا
فيه وتابعه عليه في الوسيط والظاهر الذي اتفق عليه المعظم انه يتزود لرفيقه ويتيمم كما يفعل ذلك لنفسه إذ
لا فرق بين الروحين في الحرمة: (الثانية) قال الشافعي رضي الله عنه إذا مات رجل له ماء ورفقاؤه
يخافون العطش شربوه ويمموه وأدوا ثمنه في ميراثه وإنما جاز لهم شربه وإن كان فيه تفويت غسل
242

الميت عليه لأنهم يخافون على مهجهم وليس للشرب بدل وللطهارة بدل وهو التيمم: وأما قوله (وأدوا
ثمنه في ميراثه) فقد تكلموا في المراد بالثمن منهم من قال أراد بالثمن المثل لأن الماء مثل والمثليات
تضمن بالمثل دون القيمة: ومنهم من قال أراد به القيمة وإنما أوجب القيمة هاهنا لان المسألة مفروضة
فيما إذا كانوا في مغازة عند الشرب ثم رجعوا إلى بلدهم ولا قيمة للماء بها فلو أدوا الماء لكان
243

ذلك احباطا لحقوق الورثة فيغرمون قيمة يوم الاتلاف في موضعه: وهذا الثاني هو الذي ذكره
في الكتاب وينبغي أن يعلم لفظ الثمن في قوله وغرموا للورثة الثمن بالواو لأنه أراد به القيمة حيث
علل فقال فان المثلى لا يكون له قيمة غالبا ولو أنه لم يعلل لما انتظم اعلامه بالواو لان من أوجب
المثل جوز تسميته بالثمن أيضا ألا تراهم اختلفوا في مراد الشافعي رضي الله عنه بلفظ الثمن:
244

(الثالثة) إذا أوصى بمائه لأولى الناس به أو وكل رجلا يصرف ماءه إلى أولى الناس به فحضر محتاجون
إلى ذلك الماء كالجنب والحائض والميت ومن على بدنه نجاسة فمن يقدم منهم * اعلم أن الميت ومن
على بدنه نجاسة أولى من غيرهما: أما الميت فلمعنيين: أحدهما قال الشافعي رضي الله عنه ان
أمره يفوت فليختم بأكمل الطهارتين والاحياء يقدرون عليه في ثاني الحال: والثاني قال بعض
245

الأصحاب المقصد من غسل الميت تنظيفه وتكميل حاله والتراب لا يفيد ذلك وغرض الحي استبا؟ ة الصلاة
واسقاط الفرض عن الذمة وهذا الغرض يحصل بالتيمم حصوله بالغسل: وأما من على بدنه نجاسة
فلان إزالة النجاسة لا بدل لها وللطهارات بدل وهو التيمم: وإذا اجتمعا فمن المقدم منهما: فيه وجهان
أصحهما أن الميت أولى قال المحاملي من أئمة العراق والصيدلاني من غيرهم الوجهان مبنيان على
246

المعنيين في الميت ان قلنا بالتعليل الأول فالميت أولى وان قلنا بالتعليل الثاني فالنجس أولى لان
فرضه لا يسقط بالتيمم بخلاف غسل الميت ولا خلاف انه إذا كان على بدن الميت نجاسة فهو أولى
ولا يشترط في استحقاق الميت أن يكون له ثم وارث يقبل عنه كما لو تطوع إنسان بتكفين ميت
لا حاجة إلى قابل: وفى المسألة وجه ضعيف: وان اجتمع ميتان والماء لا يكفي الا لأحدهما فان
247

كان الماء موجودا قبل موتهما وماتا على الترتيب فالأول أولى وان ماتا معا أو وجد الماء بعد
موتهما فأفضلهما أولى: فان استويا أقرع بينهما: هذا كلامنا في الميت ومن عليه نجاسة: أما
غيرهما ففي الحائض مع الجنب ثلاثة أوجه أصحها الحائض أولى لان حدثها أغلظ ألا يرى أن الحيض
يحرم الوطئ ويسقط ايجاب الصلاة: والثاني الجنب أولى لأنه أحق بالاغتسال فان الصحابة اختلفوا
248

في تيمم الجنب ولم يختلفوا في تيمم الحائض: (والثالث) هما سواء لتعارض المعنيين وعلى هذا ان
طلب أحدهما القسمة والآخر القرعة فالقرعة أولى في أظهر الوجهين والقسمة في الثاني هذا ان أوجبنا
استعمال الماء الناقص والا تعينت القرعة وان اتفقا على القسمة جاز ان قلنا يجب استعمال الماء الناقص
والا لم يجز فإنه تضييع وإذا حضر جنب ومحدث نظر إن كان ذلك الماء كافيا للوضوء دون الغسل فالمحدث
أولى أن لم نوجب استعمال الماء الناقص وان أوجبناه فثلاثة أوجه أصحها ان المحدث أولى أيضا لأنه
249

يرتفع حدثه بكماله: والثاني الجنب أولى لغلظ حدثه والثالث يتساويان وتفريعه على ما سبق وان
لم يكن ذلك كافيا لواحد منهما فالجنب أولى ان أوجبنا استعمال الماء الناقص لغلظ حدثه والا فهو كالمعدوم
وإن كان كافيا لكل واحد منهما فننظر ان فضل شئ من الوضوء به ولم يفضل من الغسل فالجنب أولى ان
لم نوجب استعمال الناقص لأنه لو استعمله المحدث لضاع الباقي وان أوجبنا استعمال الناقص فثلاثة
أوجه أصحها ان الجنب أولى أيضا لغلظ حدثه: والثاني المحدث أولى بقدر الوضوء والباقي للجنب
250

مراعاة للجانبين: والثالث أنهما سواء وان فضل من كل واحد منهما شئ أو لم يفضل من واحد
منهما فالجنب أولى لا محالة وإن كان الماء الموجود كافيا للغسل دون الوضوء ويتصور ذلك بأن يكون الجنب
نضو الخلقة فقيد الأعضاء والمحدث ضخما عظيم الأعضاء فالجنب أولى أيضا لأنا ان لم نوجب استعمال
الماء الناقص فالمحدث لا ينتفع به وان أوجبناه فحدث الجنب أغلظ: وإذا عرفت ما ذكرنا تبين لك
ان أحوال المسألة أربع: أن يكون الماء كافيا للوضوء دون الغسل: وأن يكون كافيا لكل واحد
251

منهما: وان لا يكون كافيا لواحد منهما: وأن يكون كافيا للغسل دون الوضوء والظاهر تقديم المحدث
في الحالة الأولى وتقديم الجنب فيما عداها فلذلك قال والجنب أولى من المحدث الا أن يكون الماء
قدر الوضوء فقط وليكن المستثنى والمستثنى منه من هذا اللفظ معلما بالواو لما حكينا من التفصيل
والخلاف وقوله (قدر الوضوء فقط) إن كان المراد أنه قدر الوضوء دون الغسل فحسن وإن كان المراد
انه لا يزيد على قدر الوضوء فهذا ليس بشرط في تصوير الحالة الأولى بل إذا لم يكن كافيا للغسل وكان
252

كافيا للوضوء فالمحدث أولى سواء زاد على قدر الوضوء أو لم يزد عليه فهذا شرح مسألة الوصية *
واعلم أنه ان عين المكان فقال اصرفوا هذا الماء إلى أولى الناس به في هذه المفازة فالحكم على ما
ذكرنا ولو لم يعين بل قال اصرفوا إلى أولى الناس به واقتصر عليه فينبغي أن يبحث عن المحتاجين
في غير ذلك المكان ألا يرى أنه لو أوصى لاعلم الناس لا يختص بأهل ذلك الموضع الا ان حفظ الماء
ونقله إلى مفازة أخرى كالمستبعد * والله أعلم * ولو انتهى هؤلاء المحتاجون إلى ماء مباح واستووا في
253

احرازه واثبات اليد عليه ملكوه على السواء لاستوائهم في سبب الملك وكل واحد أحق بملك نفسه
من غيره وإن كان ذلك الغير أحوج إلى الماء وكان حدثه أغلظ بل لا يجوز لكل واحد ان يبذل
ما ملكه لغيره وإن كان ناقصا الا إذا قلنا لا يجب استعمال الماء الناقص عن قدر الكفاية: هذا
ما أورده صاحب الكتاب وذكره امام الحرمين وأورد أكثر الأصحاب هذه الصورة وقالوا يقدم
فيها الأحوج فالأحوج كما في مسألة الوصية ولا منافاة بين الكلامين لان هؤلاء أرادوا التقديم على
سبيل الاستحباب وكأنهم يقولون مجرد الانتهاء إلى الماء المباح لا يقتضى الملك وإنما يثبت الملك
بالاستيلاء والاحراز فيستحب لغير الأحوج ترك الاحراز والاستيلاء ايثارا للأحوج وهؤلاء
254

يسلمون أنهم لو لم يفعلوا ذلك واستولوا عليه وازدحموا كان الامر على ما ذكره امام الحرمين لكن
يمكن ان ينازع هو فيما ذكروه من الاستحباب ويقول إنه متمكن من الطهارة بالماء فلا يجوز له العدول
إلى التيمم كما لو ملكه لا يجوز له بذله لغيره *
قال [الرابع العجز بسبب الجهل كما إذا نسي الماء في رحله فتيمم (ح) قضي الصلاة على الجديد
ولو ادرج في رحله ولم يشعر به لم يقض على الصحيح إذ لا تفريط: ولو أضل الماء في رحله فلم يجده مع
الامعان في الطلب ففي القضاء قولان كمن أخطأ القبلة: ولو أضل رحله في الرحال فقولان والأولى
سقوط القضاء لان المخيم أوسع من الرحل] *
لك أن تقول الكلام هاهنا في أسباب العجز المبيح للتيمم والسبب المبيح هاهنا إنما هو
255

الفقد في ظنه الا انه تبين بعد ذلك أنه لم يكن فاقدا ولا شك في أن الأسباب المبيحة يكفي فيها الظن
ولا يعتبر التعين وإذا كان كذلك فليس هذا سببا خارجا عما تقدم: وأما الكلام في أنه هل يقضي
الصلاة إذا تبين أنه غير فاقد فذلك شئ آخر وراء جواز التيمم واللائق ذكره في أحد موضعين
أما آخر سبب الفقد واما الفصل المعقود فيما يقضى من الصلوات المختلة: ثم ذكر في هذا الفصل أربع
مسائل: (إحداها) لو نسي الماء في رحله فتيمم على ظن أنه لا ماء عنده ثم تبين الحال فهل يلزمه قضاء
الصلاة التي أداها به نص في المختصر على وجوب الإعادة: وعن أبي ثور قال سألت أبا عبد الله
عنها فقال لا إعادة عليه: واختلف الأصحاب على طريقتين أظهرهما وهو المذكور في الكتاب أن
في المسألة قولين الجديد الصحيح وجوب الإعادة: وبه قال أحمد لان مثل هذا الشخص اما أن يكون
256

واجدا للماء أو لا يكون إن كان واجدا فقد فات شرط التيمم وهو أن لا يجد وان لم يكن واجدا
فسببه تقصيره فتجب الإعادة كما لو نسي ستر العورة أو غسل بعض أعضاء الطهارة والقديم: انه
لا تجب الإعادة لان النسيان عذر حال بينه وبين الماء فيسقط فرضه بالتيمم كما لو حال بينهما سبع
وشبهوا هذا القول القديم في نسيان الترتيب في الوضوء ونسيان الفاتحة: وعن مالك روايتان
كالقولين وعند أبي حنيفة لا إعادة: والطريقة الثانية القطع بوجوب الإعادة وتأويل ما نقله أبو ثور
257

بحمل أبي عبد الله على مالك أو تنزيل ما نقله على المسألة الثانية التي نذكرها: ولو علم المسافر أن
في موضع نزوله بئرا فنسيها وتيمم وصلى ثم تذكر فعلى الطريقتين: ولو كان الماء يباع فنسي الثمن
وتيمم وصلى ثم تذكر قال القاضي أبو القاسم بن كج يحتمل أن يكون مثل نسيان الماء ويحتمل
غيره والأول أظهر (المسألة الثانية) لو ادرح الماء في رحله من غير شعوره به فتيمم على اعتقاد أن
لا ماء عنده وصلى ثم تبين الحال ففي المسألة طريقتان (إحداهما) طرد قول النسيان فيه لكن
258

الأصح ههنا نفى الإعادة: (والثانية) القطع بنفي الإعادة لعدم التقصير ههنا بخلاف
صورة النسيان فإنه كان عالما بالماء ثم ذهل عنه: ولو تبين أن بقربه بئرا ولم يكن علم بها
أصلا فهو نظير هذه الصورة وقوله في الكتاب لم يقض على الصحيح يجوز أن يكون اختيارا
للطريقة الثانية والمعني على الصحيح من الطريقين ويجوز أن يكون جوابا على الطريقة الأولى
والمعنى الصحيح من القولين وطريقة القولين أظهر عند علماء الأصحاب (الثالثة) لو كان في
259

رحله ماء فأضله فتيمم ثم وجده نظر ان لم يمعن في الطلب فعليه القضاء لتقصيره وان
أمعن حتى غلب على ظنه فقد الماء فقولان: أحدهما أنه لا إعادة عليه لأنه لم يفرط في البحث والطلب
فيعذر وأظهرهما تجب الإعادة لأنه عذر نادر لا يدوم وإنما يسقط القضاء بالاعذار العامة والنادرة
التي تتصل وتدوم: قال الأئمة والقولان مخرجان على القولين فيمن اجتهد في القبلة وصلى ثم تيقن
الخطأ ولذلك يقول بعضهم في المسألة وجهان: (الرابعة) لو أضل رحله في الرحال بسبب ظلمة
260

أو غيرها فإن لم يمعن في الطلب وجبت الإعادة لا محالة وان أمعن فطريقان أحدهما أنه على القولين
في اضلال الماء في الرحل: والثاني القطع بنفي الإعادة والفرق من وجهين: أحدهما ما ذكر في
الكتاب ان مخيم الرفقة أوسع من الرحل ورحله أضبط للماء من المخيم للرحل وإذا كان كذلك
كان أبعد عن التقصير ههنا: والثاني ان من صلى في رحله وفيه ماء فقد صلى بالتيمم على الماء
ومن صلي وقد أضل رحله فقد صلى وليس معه ماء ومنهم من يحكي في المسألة وجهين كما ذكرنا
261

في الصورة السابقة وعن الحليمي وجه ثالث انه لو وجده قريبا منه فيعيد ولو وجده بعيدا فلا
وظاهر المذهب نفى الإعادة مطلقا ولا ينبغي أن يفهم ذلك من قوله في الكتاب وأولي بسقوط
القضاء فإنهم إذا رتبوا صورة على صورة في الخلاف ثم قالوا وأولي بكذا لا يعنون به سوى
رجحان ما وصفوه بالأولوية بالإضافة إليه في الصورة المرتب عليها ولا يلزم من كون النفي أو الاثبات
262

في صورة أرجح منه في صورة أخرى كونه أرجح على مقابله: نعم إذا قيل أولى الوجهين
كذا فقضيته رجحان ذلك الوجه كما؟؟ قيل الأظهر أو الأصح كذا *
قال [السبب الخامس المرض الذي يخاف من الوضوء معه فوت الروح أو فوت عضو أو
منفعة أو مرضا مخوفا وكذا ان لم يخف الا شدة الضنى وبطء البرء أو بقاء شين على عضو
263

ظاهر على أقيس الوجهين فان كل ذلك ضرر ظاهر وإن كان يتألم في الحال ولا يخاف عاقبة
لزمه الوضوء] *
264

المرض مبيح للتيمم في الجملة (1) قال الله تعالى (وان كنتم مرضى أو على سفر) إلى قوله (فلم تجدوا
265

ماء فتيمموا) نقل عن ابن عباس ان المعنى وان كنتم مرضي فتيمموا وان كنتم على سفر فلم
تجدوا ماء فتيمموا: ثم هو على ثلاثة أقسام أولها المرض الذي يخاف من الوضوء معه فوت الروح
أو فوت عضو أو فوت منفعة عضو فيبيح التيمم نقل عن ابن عباس في تفسير الآية إذا كان
266

بالرجل جراحة في سبيل الله أو قروح أو جدري فيجنب ويخاف أن يغتسل فيموت يتيمم بالصعيد والحق
بهذا النوع ما إذا خاف مرضا مخوفا وكذا لو كان به مرض لا يخاف من استعمال الماء معه التلف
لكن يخاف من استعمال الماء معه حدوث المرض المخوف: وينبغي أن يعلم قوله أو مرضا مخوفا
267

بالواو لان امام الحرمين حكي فيه عن العراقيين طريقين أحدهما القطع بجواز التيمم: والثاني
ان فيه قولين وقد توجه المنع بالقدرة على استعمال الماء وقصور الضرر فيه عما تقدم من المضا و
فظاهر المذهب القطع بالجواز لأنه إذا خاف المرض الذي يخاف منه التلف فقد خاف التلف وهذا
قضية كلامه في المختصر وهو الذي ذكره المسعودي وغيره في الشروح: على أن في تشبيه الامام
268

الطريقين في هذه الصورة شبهة قوية فان الذي يلفى في كتبهم حكاية الطريقتين في صورة بطء البر
وأخواتها كما سيأتي لا في هذه الصورة بل الذي يدل عليه كلامهم تجويز التيمم هاهنا من غير تردد
والله أعلم: وثانيها المرض الذي يخاف من استعمال الماء معه شدة الضنى أو زيادة العلة أو بطء البرء
269

وبقاء الشين القبيح ولنفصل هذه الصور وأحكامها: أما زيادة العلة وبطء البرء فقد حكوا فيهما
ثلاثة طرق أظهرها ان في جواز التيمم للخوف منها قولين (أحدهما) المنع لان إباحة التيمم
لمريض مأخوذة من الآية وقد روينا عن تفسير ابن عباس اعتبار خوف التلف فيه وأظهرهما
270

والجواز وبه قال مالك وأبو حنيفة لأنا لا نوجب شراء الماء بأكثر من ثمن المثل لما فيه من
الضرر ومعلوم ان الضرر ههنا أشد ولان ترك الصوم وترك القيام في الصلاة لا يعتبر فيه خوف
التلف بل يلفي فيه هذا النوع من المرض فكذلك ههنا والطريق الثاني القطع بالجواز وتأويل
271

قول المنع على ما إذا لم يلحقه الا مجرد الألم والمشقة والثالث القطع بالمنع وتأويل الجواز على ما
إذا كان المخوف التلف فان قلت وما الفرق بين زيادة العلة وبطء البرء فالجواب أن المراد من
زيادة العلة افراط الألم وكثرة المقدار وان لم تمتد المدة ومن بطء البرء امتداد المدة وان لم يزد القدر
272

ثم قد يجتمع الأمران وأما شدة الضنى ففي جواز التيمم بها الطريقان الأوليان والظاهر عود
الطريقة الثالثة أيضا والمراد من الضنى المرض المدنف الذي يجعله ضمنا وكأنه نوع من المرض
خاص: وأما إذا خاف من استعمال الماء بقاء الشين على بدنه فنظر ان خاف شيئا قبيحا على
عضو ظاهر كالسواد الكثير في الوجه ففيه ثلاثة طرق أيضا أحدها الجزم بالجواز لأنه يشوه الخلقة
ويدوم ضرره فأشبه تلف العضو ويحكي ذلك عن ابن سريج والاصطخري والثاني الجزم بالمنع إذ ليس
فيه بطلان عضو ولا منفعته وإنما هو فوات جمال والثالث أنه على القولين المقدمين وان خاف شيئا
273

يسيرا كأثر الجدري والسواد القليل فلا عبرة به وكذلك لو خاف شيئا قبيحا على غير الأعضاء
الظاهرة والمراد من الظاهرة ما يبدو عند المهنة غالبا كالوجه واليدين: وأما تعبيره عن الخلاف
في هذه المسائل بالوجهين فإنما اتبع فيه امام الحرمين والمشهور في طرق الأصحاب أن فيها قولين
على طريقة اثبات الخلاف كما حكيناه: وثانيها المرض الذي لا يخاف من استعمال الماء معه محذورا
في العاقبة فلا يرخص في التيمم وإن كان يتألم في الحال لجراحة أو حر أو برد لأنه واجد للماء قادر
على استعماله من غير ضرر شديد: واعلم أن المرض المرخص لا يفترق الحال فيه بين أن يعرف
274

كونه بحيث يرخص بنفسه وبين أن يخبره طبيب حاذق بشرط كونه مسلما بالغا عدلا وفى وجه
يقبل في ذلك خبر الصبي المراهق والفاسق أيضا ولا فرق بين الحر والعبد والذكر والأنثى لان
طريقه الخبر وأخبارهم مقبولة ولا يشترط فيه العدد وحكي أبو عاصم العبادي فيه وجهين وهذا
كله فيما إذا منعت العلة استعمال الماء أصلا لعموم العذر جميع موضع الطهارة وضوءا كان أو غسلا
فان تمكنت العلة من بعض أعضاء الطهارة دون بعض غسل الصحيح بقدر الامكان وما الذي
يفعل العليل نذكره بعد هذا والله أعلم *
275

قال [السادس القاء الجبيرة بانخلاع العضو فيجب غسل ما صح من الأعضاء والمسح على الجبيرة
بالماء وفى نزوله منزلة مسح الخف في تقدير مدته وسقوط الاستيعاب وجهان: ثم يتيمم مع الغسل
والمسح على أظهر الوجهين ولا يمسح الجبيرة بالتراب على الأصح لان التراب ضعيف وفى تقديم
الغسل على التيمم ثلاثة أوجه الأعدل هو الثالث وهو أنه لا ينتقل عن عضو ما لم يتم تطهير
ذلك العضو فلو كانت الجراحة على يده تيمم قبل مسح الرأس]
لو جعل المرض سببا واحدا من أسباب العجز ثم قسمه إلى مالا يحوج إلى القاء الجبيرة
276

ولا لصوق عليه والى ما يحوج إليه وحذف السبب السادس والسابع لكان أحسن وأولي فان
الانخلاع والجراحة نوعان خاصان من العلل والأمراض ولو عددنا كل مرض سببا على حدة
لطال الامر وكثرت الأسباب فان قلت اسم المرض لا يقع على أنخلاع العضو والجراحة قلنا نحن
لا نعني بالمرض سوى العلة العارضة التي يخاف معها من استعمال الماء على أن ابن عباس رضي الله
عنه فسر المريض بالجريح كما تقدم فدل على أن اسم المرض يقع على الجراحة: ثم الكسر
والانخلاع له حالتان: إحداهما أن يحوج إلى القاء الجبائر على موضعه وهي الألواح التي تهيأ
277

لذلك: والثانية ألا يحوج إليه والمعتبر في حاجة الالقاء أن يخاف شيئا من المضار السابقة لو لم
يلقها عليه: الحالة الأولي أن يحتاج إلى القائها عليه والغالب في مثلها أن يكون ذلك الموضع بحيث
لا يخاف من ايصال الماء إليه وإنما يقصد بالقائها الانجبار فإذا ألقاها على موضع فلا يخلو اما أن
يقدر على نزعها عند الطهارة من غير أن يخاف شيئا من المضار السابقة أو لا يقدر عليه فإن لم يقدر
لم يكلف النزع ويراعى في الطهارة أمورا أحدها غسل الصحيح وفى وجوبه عليه طريقان أحدهما
أن فيه قولين في قول يجب وفى قول لا بل يكفيه التيمم وهما عند أصحاب هذا الطريق مخرجان
278

من القولين فيما إذا وجد من الماء ما يكفي لبعض الأعضاء هل يقتصر على التيمم أم يستعمله
مع التيمم ووجه الشبه أنه في الصورتين تمكن من غسل بعض الأعضاء دون بعض وغسل البعض
لا يكفي مطهرا والتيمم يكفي مطهرا والطريق الثاني وهو الأصح القطع بوجوب غسل الصحيح
لان اعتلال بعض الأعضاء لا يزيد على فقدانه ولو كان مقطوع بعض الأطراف لم يسقط عنه غسل
الباقي فهنا أولي بخلاف ما إذا وجد بعض الماء فان الخلل ثم في الآلة التي تتأدى بها العبادة
فأشبه ما إذا وجد بعض الرقبة فان قلنا بالصحيح وهو وجوب غسل الصحيح فيجب ذلك بحسب
279

الامكان حتى لو قدر على غسل ما تحت أطراف الجبيرة من الصحيح الذي أخذنه الجبيرة
وجب ذلك بأن يضع خرقة مبلولة عليه ويعصرها لتنغسل تلك المواضع بالتقاطر منها: والثاني
280

يجب المسح على الجبيرة بالماء لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا رضي الله عنه أن
يمسح على الجبائر (1) وحكي أبو عبد الله الحناطي قولا أنه لا يمسح ويكفيه التيمم: وعن القاضي
أبي الطيب أنه قال عندي يكفيه التيمم وغسل الصحيح والأول هو الصحيح المشهور وعليه
تتفرع مسائل إحداها إن كان جنبا مسح الجبيرة متى شاء وإن كان محدثا والجبيرة على بعض
281

أعضاء الوضوء مسحها إذا وصل إلى غسل العضو الذي عليه الجبيرة فان الترتيب ركن في الوضوء
(الثانية) هل تتقدر مدة هذا المسح فيه وجهان: أحدهما نعم لأنه مسح على حائل فأشبه المسح على
الخف فيتقدر في حق المقيم بيوم وليلة وفى حق المسافر بثلاثة أيام ولياليهن وأصحهما وبه قطع الصيدلاني
لا: لان التقدير إنما يعرف بنقل أو توقيف ولم يرد بل له الاستدامة إلى الاندمال: قال امام الحرمين
282

وهذا الاختلاف فيما إذا كان يتأتي الرفع بعد انقضاء كل يوم وليلة من غير ضرر فإن لم يمكن فلا خلاف
في جواز استدامته وإن كان يتأتي ذلك في كل طهارة لم يجز المسح ووجب النزع لا محالة: (الثالثة)
هل يجب تعميم الجبيرة بالمسح فيه وجهان: أحدهما لا بل يكفي ما يقع عليه الاسم لأنه مسح بالماء
فأشبه مسح الرأس والخف وأصحهما أنه يجب لأنه مسح أبيح لضرورة العجز عن الأصل فيجب
283

فيه التعميم كالمسح في التيمم بخلاف مسح الخف فإنه بني على التخفيف والترخص وهاتان المسألتان
هما اللتان أشار إليهما بقوله وفى نزوله منزلة المسح على الخف في تقدير مدة وسقوط الاستيعاب
وجهان وينبغي أن يكون قوله فيجب غسل ما صح من الأعضاء والمسح على الجبيرة معلما بالواو
لما سبق حكايته في الغسل والمسح جميعا: والثالث التيمم على الوجه واليدين وفى وجوبه مع الغسل
284

والمسح طريقان أظهرهما أن فيه قولين أحدهما لا يجب لان المسح على الجبيرة ناب عما تحتها فلا
حاجة إلى بدل آخر كالمسح على الخف وأصحهما أنه يجب لحديث جابر رضي الله عنه في المشجوج
285

الذي احتلم واغتسل فدخل الماء شجته ومات (1) ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما كان يكفيه
أن يتيمم ويعصب على رأسه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده) والطريق الثاني ان ما تحت
الجبيرة إن كان معلولا بحيث لا يمكن غسله وإن كان باديا وجب التيمم كالجريح الذي ليس
على جرحه شئ فإنه يتيمم وإن كان يمكن غسله لو كان باديا فلا حاجة إلى التيمم كالمسح على الخف
واعلم أن المشهور عند أصحاب الطريقة الأولى ان المسألة على قولين وحكوهما جميعا عن البويطي
286

ورووا عن الام أنه يتيمم وعن القديم أنه لا يتيمم وصاحب الكتاب عبر عن الخلاف بوجهين
تقليدا لإمام الحرمين فإنه كذا روى فان قلنا يتيمم تفرع عليه مسألتان إحداهما لو كانت الجبيرة
على موضع التيمم فهل يمسح بالتراب في تيممه فيه وجهان أحدهما نعم محاولة لاتمام التيمم بالمسح بالتراب كما
يحاول اتمام الوضوء بالمسح بالماء وأصحهما لا لان التراب ضعيف فلا يؤثر من وراء حائل بخلاف الماء فان
287

تأثيره من وراء الحائل معهود في المسح عل الخف: الثانية هل يجب تقديم غسل الصحيح على التيمم
أم لا أما في حق الجنب فوجهان أحدهما أنه يجب لان الغسل أصل والتيمم بدل فيقدم الأصل
كما إذا وجد من الماء مالا يكفيه يستعمله ثم يتيمم وأصحهما أنه يتخير ان شاء قدم وان شاء
أخر لأنه إنما يتيمم لما به من العلة وهي مستمرة بخلاف تلك المسألة فإنه إنما يتيمم لعدم الماء
288

فلابد من استعمال الموجود أولا ليصير عادما وأما المحدث ففيه ثلاثة أوجه أشار إليها في الكتاب
أحدها يجب تقديم غسل المقدور عليه من أعضاء الوضوء كلها كما ذكرنا في الجنب: والثاني
أنه يتخير ان شاء قدم الغسل وان شاء أخره عن التيمم وان شاء أدخله في خلال المغسول ولا
نظر إلى أن الترتيب مرعى في الوضوء لان التيمم فرض مستقل بنفسه والترتيب إنما يراعى في
العبادة الواحدة وهذا اختيار الشيخ أبي على. والثالث وهو الصحيح عند المعظم أن التيمم بدل
289

عن موضع العذر فلا يجوز أن ينتقل عن العضو المعلول قبل أن يتمم ولا يجوز أن يقدمه عليه إذا
لم يكن المعلول أول أعضاء الوضوء وذلك لان الترتيب شرط في الوضوء فلا يعدل من عضو
إلى عضو ما لم يتم تطهير الأول أصلا وبدلا وقول الأول أن التيمم فرض مستقل بنفسه ممنوع بل
وصف تابع في طهارة المعلول وكونه مستقلا في بعض المواضع لا ينافي كونه تابعا ههنا فعلى هذا
290

لو كانت الجبيرة على الوجه وجب تقديم التيمم على غسل اليدين ويتخير في تقديمه على غسل الصحيح
من الوجه وتأخيره عنه فان العضو الواحد لا ترتيب فيه وإن كانت على اليدين وجب أن
يكون التيمم مؤخرا عن غسل الوجه مقدما على مسح الرأس وعلى هذا القياس ولو كان له على
عضوين فصاعدا جبائر فلا بد من تعديد التيمم على هذا الوجه الثالث نظيره كانت على الوجه
291

جبيرة وعلى اليد أخرى يغسل الصحيح من وجهه ويتيمم للمعلول منه ثم يغسل الصحيح من يديه
ويتيمم للمعلول منهما ثم يمسح برأسه ويغسل رجليه وعلى الوجه الأول والثاني يكفي التيمم الواحد
وان تعددت الجراحات وإنما يجوز الاقتصار على غسل الصحيح والمسح على الجبائر مع التيمم أو
دونه على الخلاف المتقدم بشرطين أحدهما ألا يأخذ من الصحيح تحت الجبيرة الا القدر الذي
292

لابد منه للاستمساك: والثاني أن يضع الجبيرة على طهر كالخف لابد وان يلبس على الطهارة ليجوز
المسح عليه هذا ظاهر المذهب وفى وجه لا يشترط الوضع على الطهارة ثم ليس معنى اشتراط الطهارة
تعذر المسح أصلا ورأسا لو وضع الجبيرة على الحدث ولكن المراد أنه يلزم النزع وتقديم الطهارة
ان أمكن النزع والا فيجب القضاء بعد البرء وفى سقوط الفرض بالتيمم لالقاء الجبيرة خلاف يأتي
293

ذكره في الباب الثالث من الكتاب إن شاء الله تعالى فهذا إذا لم يقدر على نزع الجبيرة عند
الطهارة فأن قدر على النزع وأحل من غير ضرر فعليه النزع عند الطهارة وغسل ذلك الموضع أن
أمكن والمسح بالتراب إن كان على موضع التيمم ولم يمكن الغسل هذا تمام الحالة الأولى وهي أن
يحوجه الكسر إلى القاء الجبيرة عليه: (المسألة الثانية) ألا يحتاج إليه ويخاف من ايصال الماء إليه
294

فيغسل الصحيح بقدر الامكان ويتلطف إذا خاف سيلان الماء إلى موضع العلة بوضع خرقة مبلولة
بالقرب منه ويتحامل عليها لينغسل بالمتقاطر منها ما حواليه من غير أن يسيل إليه ويلزمه ذلك
سواء قدر عليه بنفسه أو بغيره فإن لم يطعه الغير الا بأجرة لزمته كالأقطع الذي يحتاج إلى من
يوضئه وهل يحتاج إلى ضم التيمم إليه فيه الخلاف الذي قدمناه في الحالة الأولي ولا يجب مسح
295

موضع العلة بالماء وإن كان لا يخاف من المسح فان الواجب الغسل فإذا تعذر ذلك فلا فائدة في المسح
بخلاف المسح على الجبيرة فإنه مسح على حائل كالخف وقد ورد الخبر به هكذا ذكره الأئمة رضي الله
عنهم وللشافعي رضي الله عنه نص مساقه وجوب المسح وليس هذا موضع ذكره وإذا فرعنا على
أنه يتيمم فلو كانت العلة على محل التيمم امر التراب على موضعها فإنه لا ضرر ولا خوف في امرار
296

التراب عليه بخلاف امرار الماء وكذا لو كان للجراحة أفواه مفتحة وأمكن امرار التراب عليها
لزم لأنها صارت ظاهرة فهذا شرح هذا الفصل وينبغي أن يعلم قوله ثم يتيمم مع الغسل والمسح
بالحاء لان أبا حنيفة رحمه الله لا يقول بوجوب الغسل على الاطلاق ولا بوجوب التيمم على الاطلاق
بل قال إن كان أكثر بدنه صحيحا اقتصر على غسل الصحيح وإن كان الأكثر جريحا اقتصر على التيمم
297

قال [السابع الجراحة ان لم يكن عليها لصوق فلا يمسح على محل الجرح وإن كان فهو كالجبيرة
وفى لزوم القاء اللصوق عند امكانه تردد كالتردد في لزوم لبس الخف على من وجد من الماء ما يكفيه
لو مسح على الخف] *
الجراحة قد تحتاج في معالجتها إلى الصاق لصوق بها من خرقة وقطنة ونحوهما كما يحتاج
298

في معالجة الانخلاع والانكسار إلى القاء الجبائر وحكم الجراحة وما عليها من اللصوق حكم الانكسار
وما على موضعه من الجبائر فيعود فيه جميع ما سبق وإذا لم يكن على الجراحة لصوق فلا يجب المسح
على محل الجرح كما ذكرنا في الانكسار إذا لم يكن عليه جبيرة وهل يجب القاء اللصوق عليه عند
امكانه وكذا القاء الجبيرة فيه وجهان قال الشيخ أبو محمد يجب لأنه لو القى الحائل لمسح عليه بدلا
299

عن الغسل فليتسبب إليه تكميلا للطهارة بقدر الامكان واستبعد امام الحرمين ذلك وقال إنه لا نظير
له في الرخص وليس للقياس مجال فيها ولو اتبع القياس لكان أقرب شئ ان يمسح على محل
الجرح عند الامكان فإذا لم يجب ذلك فهذا أولى قال ولم أر القول بالوجوب لاحد من الأصحاب
ثم رتب عليه ما إذا كان الشخص على طهارة كاملة وقد أرهقه حدث ووجد من الماء ما يكفي لوجهه
300

ويديه ورأسه ويقصر عن رجليه ولو لبس الخف لأمكنه ان يمسح على خفيه فهل يجب عليه ان
يلبس الخف ثم بمسح بعد الحدث عليه قال قياس ما ذكره شيخي ايجاب ذلك وهو بعيد عندي
والله أعلم * وإذا عرفت ذلك لم يخف عليك ان المراد من التردد في قول صاحب الكتاب وفى
لزوم القاء اللصوق عند امكانه تردد وهو الوجهان اللذان حكيناهما ما صار إليه الشيخ أبو محمد وما
301

عليه الأكثرون واما ما أشار إليه من التردد في مسألة وجوب اللبس فسياق كلامه يشعر باثبات
وجهين في المسألة لكن امام الحرمين لم يذكرهما نقلا عن شيخه وإنما قال قياس ما ذكره
وجوب اللبس ولا يصح اثبات الخلاف إذا لم يكن نقل الا إذا انتفى الفارق وقد وجد الفرق بين
المسألتين وبينه الامام فقال لشيخي ان ينفصل عما ذكرته في المسح على الخف بأنه رخصه محضة فلا يليق
بها ايجاب لبس الخف وما نحن فيه من مسالك الضروريات فيجب فيه الاتيان بالممكن والقاء خرقة
يمسح عليها ممكن واعلم أن ظاهر المذهب اشتراط الطهارة عند القاء الجبيرة واللصوق ليجوز المسح
302

عليه كما يشترط ذلك عند لبس الخف وقد بيناه من قبل وإذا كان كذلك فمن يقول بوجوب
الالقاء عند الامكان يأمر به قبل الحدث ليمسح عليه إذا تطهر بعد الحدث كما في مسألة اللبس
ويضعف المصير إلى الوجوب في الصورتين بشئ وهو أن الشخص إذا كان متطهرا فلا يخلو اما
أن يكون أدى وظيفة الوقت أو لم يؤدها فإن لم يؤدها فهو متمكن من أدائها بهذه الطهارة فلا يكلف
والحالة هذه بطهارة أخرى والطهارة التي لا يكلف بها لا يكلف باعداد أسبابها ألا ترى أنه لا يؤمر بامساك
الماء ليتوضأ به للصلاة التي لم يدخل وقتها ولو صبه هزلا واحتاج إلى الصلاة بالتيمم لم يلزمه القضاء
303

وان أدى وظيفة الوقت فليس عليه طهارة أخرى حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى ولا يكلف
باعداد أسباب الطهارة التي لم يلزم بعد
قال [ومهما تيمم لمرض أو جراحة إعادة لكل صلاة ولم يعد الوضوء ولا المسح]
الأصل في المسألة أن التيمم لا يؤدى به فريضتان بل تفتقر كل فريضة إلى تيمم وكذلك
وضوء المستحاضة وسنذكره في موضعه وإذا عرفت ذلك فنقول من غسل الصحيح وتيمم لمكان
عذر المرض أو الانخلاع أو الجراحة أما مع المسح على الحائل أو دونه إذا لم يكن حائل وصلي
فريضة بطهارته فله أن يصلي بها من النوافل ما شاء ولابد من إعادة التيمم للفريضة الأخرى وان
لم يحدث وهل يحتاج إلى إعادة الوضوء مع التيمم المعاد فيه طريقان أحدهما أن فيه قولين كما لو
304

نزع الماسح على الخف الخف أو انقضت مدة المسح هل يستأنف الوضوء أم يقتصر على غسل الرجلين
فيه قولان ووجه الشبه أن الطهارة في الصورتين كملت من جنسين أصل وبدل فإذا بطل حكم
البدل هل يبطل الأصل حتى يؤمر بالاستئناف فيه اختلاف والطريق الثاني القطع بنفي الاستئناف
لان التيمم طهارة مستقلة في الجملة فلا يلزم بارتفاع حكمها انتقاض طهارة أخرى وإن كانت بعضها من
منها في هذه الصورة كما لو اغتسل الجنب ثم أحدث يلزمه الوضوء ولا ينتقض غسله وإن كان أعضاء الوضوء
بعض المغسول في الجنابة لان الوضوء طهارة مستقلة في الجملة ويخرج عليه المسح على الخف فإنه غير مستقل
305

أصلا وهذا الخلاف جار في الجنب إذا غسل الصحيح من بدنه وتيمم للعليل وصلي هل يفتقر للفريضة الثانية
إلى استئناف الغسل مع التيمم وإذا فرعنا على الصحيح وهو أنه لا يجب استئناف الوضوء والغسل فهل
يجب إعادة شئ منهما مع التيمم أما في الغسل فلا: وأما في الوضوء فوجهان أحدهما وبه قال احمد ابن الحداد
لا: لان الوضوء الكامل لا يجب اعادته لكل فريضة فكذلك غسل الصحيح الذي هو بعضه وإنما التيمم
هو الذي يعاد لكل فريضة وأظهرهما انه يجب أن يعيد مع التيمم غسل كل عضو يترتب على العضو المجروح
رعاية للترتيب فإنه إذا تيمم بدلا عن محل العذر فإذا وجب اعادته خرج ذلك العضو عن أن يكون طهارته
306

تامة فإذا أتمها وجب إعادة غسل ما بعد ذلك العضو كما لو أغفل لمعة من وجهه وتنبه له بعد الفراغ
يغسلها وما بعد الوجه من الأعضاء ثم نعود إلى لفظه في الكتاب ونقول لا يخفى أن قوله
لم يعد الوضوء لكل صلاة أراد الفريضة لا مطلق الصلاة وهكذا هو في بعض النسخ وينبغي أن يعلم قوله
بالواو لما حكينا من الخلاف ثم لك أن تقول قوله ولم يعد الوضوء أما ان يعنى به أنه لا يعيد الوضوء بكماله
أي لا يستأنف أو يعنى به أنه لا يعيد شيئا منه والأول صحيح وجواب على الطريقة الثانية الا أن كلامه في
الوسيط يبين أنه ما أراده وإنما أراد المعني الثاني لأنه قال يجب إعادة التيمم عند كل صلاة ولا يجب إعادة
الغسل ولا إعادة مسح الجبيرة فنفى إعادة مطلق الغسل لكن إرادة المعنى الثاني لا تحسن من وجهين أحدهما
307

أنه يكون جوابا بالوجه الأول الذي ذهب إليه ابن الحداد وظاهر المذهب إنما هو الثاني والثاني أن الشيخ
أبا على والمعتبرين قالوا الخلاف في أنه هل يعيد شيئا من الوضوء أم لا مبني على الخلاف الذي سبق في أن
التيمم المضموم إلى الوضوء هل يعتبر فيه الترتيب أم لا فان أوجبنا الترتيب أعاد ههنا مع التيمم غسل
الأعضاء المترتبة على العضو المعلول والا فلا وإذا كان كذلك فصاحب الكتاب قد اختار ثم وجه اعتبار
الترتيب وعبر عنه بالأعدل فلا يلائمه أن يقول ههنا لا يعيد شيئا من الوضوء أصلا والله أعلم *
ولو تطهر المعلول كما ذكرنا ثم برأ وهو على طهارته غسل موضع العذر جنبا كان أو محدثا ويغسل المحدث
ما بعد العضو المعلول أيضا بلا خلاف رعاية للترتيب وهل يجب استئناف الوضوء والغسل فيه القولان
في نزع الخف هذا إذا تحقق الاندمال والبرء بعد الطهارة وهو كما لو وجد العادم الماء بعد التيمم فيبطل
تيممه وغسل ذلك الموضع والاستئناف على ما ذكرنا ولو توهم الاندمال فرفع اللصوق فإذا هو لم يندمل لم
يبطل تيممه على أصح الوجهين بخلاف ما إذا توهم وجود الماء يبطل تيممه وان بان خلاف ما توهمه
لان توهم الماء يوجب الطلب وتوهم الاندمال لا يوجب البحث والطلب عنه وإذا وجب الطلب
بطل التيمم لان التيمم طهارة ضرورة فلا صحة له الا حيث يتمكن من الصلاة وإذا وجب
الطلب لم يتمكن من الصلاة وتوقف امام الحرمين في قول الأصحاب لا يجب الطلب عند
308

توهم الاندمال]
قال [الباب الثاني في كيفية التيمم وله سبعة أركان
الركن الأول نقل التراب إلى الوجه واليدين فلا يكفي ضرب (ح) اليد على حجر صلد
ثم ليكن المنقول ترابا طاهرا خالصا مطلقا فيجوز التيمم بالأعفر والأسود والأصفر والأحمر والأبيض وهو
المأكول والسبخ والبطحاء فان كل ذلك تراب ولا يجوز الزرنيخ (ح) والجص (ح) والنورة (ح)
والمعادن إذ لا يسمى ترابا ولا يجوز التراب النجس والمشوب بالزعفران وإن كان قليلا ولا التراب المستعمل
على أحد لوجهين ولا يجوز سحاقة الخزف وفى الطين المسوى المأكول تردد ويجوز بالرمل إذا كان عليه غبار]
جعل للتيمم سبعة أركان أحدها نقل التراب إلى الوجه واليدين وغرضه في هذا الفصل
الكلام في التراب وما يعتبر فيه من الأوصاف فأما الكلام في النقل وفى الوجه واليدين فهو مذكور
فيما بعد من الأركان وجملة ما اعتبره فيما يتيمم به أربعة أمور أن يكون ترابا طاهرا خالصا
مطلقا أما كونه ترابا فلابد منه وبه قال أبو يوسف وأحمد فلا يكفي ضرب اليد على حجر صلد
لا غبار عليه خلافا لأبي حنيفة ومحمد حيث قالا يجوز بكل ما هو من جنس الأرض كالتراب
والرمل والحجر والزرنيخ والكحل ولا يشترط أن يكون على الحجر المضروب عليه غبار ولمالك
حيث قال بمثل قولهما وزاد فجوز بكل متصل بالأرض أيضا كالأشجار والزرع لنا قوله تعالى
309

فتيمموا صعيدا طيبا) عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما (أي ترابا طاهرا) وعن حذيفة
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فضلنا على الناس بثلاث جعلت لنا الأرض
مسجدا وجعل ترابها طهورا) عدل إلى ذكر التراب بعد ذكر الأرض ولولا اختصاص الطهورية
بالتراب لقال جعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا ثم اسم التراب لا يختص ببعض الألوان والأنواع
ويدخل فيه الأصفر وهو ما لا يخلص بياضه والأصفر والأسود ومنه طين الدواة والأحمر
ومنه الطين الأرمني الذي يوكل تداويا والأبيض ومنه الذي يؤكل سفها ويقال إنه الخراساني
والسبخ وهو الذي لا ينبت دون الذي يعلوه ملح فان الملح ليس بتراب والبطحاء وهو التراب
اللين في مسيل الماء وكل ذلك يقع عليه اسم التراب كما يقع اسم الماء على الملح والعذب والكدر
والصفى وسائر الأنواع وقد تيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتراب المدينة وأرضها سبخة
وقد روى أن الشافعي رضي الله عنه قال في بعض المواضع في بيان ما لا يتيمم به (ولا السبخ
ولا البطحاء) وليس ذلك باختلاف قول منه باتفاق الأصحاب وإنما أراد به ما إذا كانا صلبين لا غبار
عليهما فهما إذا كالحجر الصلب ولو ضرب اليد على ثوب أو جدار ونحوهما وارتفع غبار كفى فإنه
تيمم بالتراب وسئل القاضي الحسين عن تراب الأرضة فقال ما أخرجته من الخشب لم يجز التيمم
به فإنه ليس بتراب وان أشبهه وان أخرجته من مدر جاز ولا بأس باختلاطه بلعابها كالتراب
310

المعجون بالخل إذا جف يتيمم به ولا يدخل تحت اسم التراب الزرنيخ والنورة والجص وسائر
المعادن فلا يجوز التيمم بها وأغرب أبو عبد الله الحناط من أصحابنا فحكي في جواز التيمم بالذريرة
والنورة والزرنيخ قولين وكذا في الأحجار المدفونة والقوارير المسحوقة وأشباهها وأما الرمل
فقد حكي عن نصه في القديم والاملاء جواز التيمم به وعن الام المنع واختلفوا فيه على طريقين
أحداهما وبها قال صاحب التلخيص أنه على قولين أحدهما المنع كالحجارة المدفونة والثاني الجواز
لأنه من جنس التراب وعلى طبعه والثانية وهي الصحيحة انه ليس فيه اختلاف قول والنصان محمولان
على حالتين إن كان خشنا لا يرتفع منه غبار لم يكف ضرب اليد عليه وهو المراد بالمنع وإن كان
يرتفع منه غبار يعلق باليد يجوز التيمم به فان ذلك المرتفع غبار وهو المراد بالجواز وأما كون
المتيمم به طاهرا فلابد منه فلا يجوز التيمم بالتراب النجس كما لا يجوز الوضوء بالماء النجس والتراب
النجس هو الذي أصابه مائع نجس أما إذا اختلط به جامد نجس كأجزاء الروث فلا مؤثر في أجزائه
بالنجاسة لكن لا يجوز التيمم به أيضا لأنه إذا استعمله كان الواصل إلى بعض أجزائه ترابا والى
بعضها روثا والنجس لا يطهر ولو تيمم بتراب المقابر التي عم فيها النبش وغلب اختلاط صديد
الموتى به ففي جوازه قولا تقابل الأصل والغالب الظاهر كما تقدم وان ضرب يده على ظهور كلب
عليه تراب فان عرف التصاقه به في حالة الجفاف جاز وان عرف التصاقه به في حال الرطوبة أو علم
311

أنه أصابه عرق فلا وان تردد فيه فعلى القولين وأما كونه خالصا فيخرج عن المثوب بالزعفران
والدقيق ونحوهما فإن كان الخليط كثيرا لم يجز التيمم به بلا خلاف فان الخليط الكثير يسلب
طهورية الماء مع قوته فأولى أن يسلب ههنا وإن كان قليلا فوجهان عن أبي إسحاق وصاحب
التقريب انه لا يضر كما في الماء الحاقا بالمغمور بالمعدوم وقال الأكثرون أنه يسلب طهوريته كالكثير
بخلاف الماء فإنه نظيف لا يمنعه الخليط عن السيلان فيزيل جزء الدقيق في صوب جريانه ويجرى على
موضعه وليس للتراب هذه القوة لكثافته فالموضع الذي علق به الدقيق لا يصل إليه التراب ثم
بماذا تعتبر القلة والكثرة ولو اعتبرت الأوصاف الثلاثة كما في الماء لكان مسلكا وأما كونه
مطلقا فقد قال امام الحرمين يتعلق به شيئان أحدهما الكلام في التراب المستعمل ونحن نذكر
حكم المستعمل ثم تعود إلى ما ذكر من التعلق بوصف الاطلاق واختلفوا في أن التراب المستعمل
312

في التيمم هل يجوز استعماله فيه ثانيا وثالثا على وجهين أصحهما لا كما في الماء لأنه تأدت به العبادة
واستبيح به الصلاة والثاني نعم بخلاف الماء لأنه يرفع الحدث والتراب لا يرفع فلا يتأثر بالاستعمال
ثم الكلام في أن الملتصق من التراب بالوجه واليدين مستعمل حتى لا يجوز على الأصح أن يضرب
الانسان يده على وجه المتيمم ويده ليتيمم بالغبار المأخوذ منه وأما المتناثر فهل هو مستعمل حتى
يعود فيه الخلاف المذكور فيه وجهان أحدهما لا: لان التراب كثيف إذا علقت منه صفحة بالمحل
منعت التصاق غيرها به وإذا لم يلتصق بالمحل فلا يؤثر ولا يتأثر بخلاف الماء فان صفحاته رقيقة
لطيفة فيلاقي المحل بجميعها وأصحهما أنه مستعمل كالمتقاطر من الماء لان الملتصق والساتر ما دام
يمسح يتردد من الموضع إلى الموضع والفرض يسقط بالجميع فهذا هو حكم المستعمل والذي ذكره الامام من
تعلقه بوصف الاطلاق فليس له وجه بين لان التراب المستعمل موصوف بوصف الاطلاق كما أنه موصوف
313

بوصف الخلوص وسائر الأوصاف التي هي معتبرة في المتيمم به الا ترى ان الامام الغزالي قدس
الله روحه استثني الماء المستعمل من الماء المطلق في أول الكتاب ولولا كون المستعمل مطلقا لما انتظم
الاستثناء نعم من قال لا يجوز التيمم بالمستعمل اعتبر سوى الأوصاف الأربعة شرطا آخر وهو ألا يكون
مستعملا ومن جوز التيمم به اكتفى بالأوصاف الأربعة ومعلوم ان هذا الكلام لا اختصاص له
بقيد الاطلاق: الثاني قال إن سحاقة الخزف أصلها تراب ولكنها لا تسمى ترابا مطلقا فلا يجوز التيمم
بها وتابعه صاحب الكتاب فجعل وصف الاطلاق احترازا عن السحاقة ذكره في الوسيط ولك أن تقول
التراب المطلق وغير المطلق يشتركان في مسمى التراب وسحاقة الخزف لا تسمى ترابا أصلا لا مطلقا ولا غير
مطلق فهي خارجة عن اسم التراب ولا حاجة إلى هذا القيد يوضح ذلك أنه حكي عن نص الشافعي رضي
الله عنه في الام أنه قال إن دق الخزف ناعما لم يجز التيمم به لان الطبخ أحاله عن أن يقع عليه اسم التراب ولو
أحرق التراب حتى صار رمادا فكذلك لا يجوز التيمم به ولو شوى الطين المأكول وسحقه ففي جواز
التيمم به وجهان أحدهما لا يجوز كالخرف والآخر المسحوقين والثاني يجوز وهو الأظهر لان اسم التراب
لا يبطل بمجرد الشئ بخلاف طبخ الخزف والآجر فإنه يسلب اسم التراب ويجعله جنسا آخر ولو أصاب
التراب نار فاسود ولم يحترق بحيث يسمي رمادا فعلى هذين الوجهين * ونختم الفصل بالتنصيص على المواضع
المستحقة من لفظ الكتاب المرقوم المشيرة إلى ما حكينا من الاختلافات فنقول ينبغي أن يعلم قوله فلا يكفي
314

ضرب اليد على حجر صلد بالحاء والميم وكذا لفظ التراب في قوله ثم ليكن المنقول ترابا طاهرا وقوله ولا يجوز
الزرنيخ إلى آخره بهما وبالواو لما رواه الحناطي وقوله وإن كان قليلا بالواو وكذا سحاقة الخزف لما رواه
الحناطي وقوله ويجوز بالرمل بالواو
قال [الثاني القصد إلى الصعيد فلو تعرض لمهب الريح لم يكف ولو يممه غيره باذنه وهو عاجز
جاز وإن كان قادرا فوجهان]
القصد إلى التراب معتبر واحتجوا عليه بقوله تعالى (فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا)
أمر بالتيمم والمسح والتيمم القصد فلو وقف في مهب الريح فسفت عليه التراب فامر اليد
عليه نظر ان وقف غيرنا وثم لما حصل التراب عليه نوى التيمم لم يصح تيممه وان وقف قاصدا بوقوفه
التيمم حتى أصابه التراب فمسحه بيده فظاهر نص الشافعي رضي الله عنه وقول أكثر الأصحاب أنه لا يصح
تيممه لأنه لم يقصد التراب وإنما التراب أتاه وعن أبي حامد المروزي قدس الله روحه أنه لا يصح كما لو
جلس في الوضوء تحت الميزاب أو برز للمطر وذكره صاحب التقريب وبه قال الحليمي والقاضي أبو الطيب
وحكاه القاضي أبو القاسم بن كج عن نص الشافعي رضي الله عنه وإذا عرفت ذلك فاعلم أن لفظ الكتاب
في المسألة يجوز أن يراد به الصورة الأولى ويجوز أن يراد به الثانية أو المشترك بينهما وعلى هذا يكون نفى
الجواز جوابا على أظهر الوجهين والظاهر الاحتمال الثاني لأنه حكى الخلاف في الوسيط ولا خلاف في
317

الصورة الأولى وإذا كان كذلك فليكن قوله لم يكف معلما بالواو ولو يممه غيره نظر إن كان بغير
اذنه فهو كالتعرض لمهب الريح وإن كان باذنه نظر إن كان عاجزا عن المباشرة بنفسه لقطع أو مرض
جاز بل يجب عليه ذلك إذا وجد غيره وإن كان قادرا فوجهان قال صاحب التلخيص لا يجوز
كما في مسألة الريح لأنه مأمور بقصد التراب ولم يقصد والأظهر الجواز إقامة لفعل نائبه مقام فعله ويحكي
ذلك عن نصه في الام
قال [الثالث النقل فلو كان على وجهه تراب فردده بالمسح لم يجز إذ لا نقل فان نقل من سائر أعضائه
إلى وجهه جاز وان نقل من يده إلى وجهه جاز على الأصح ولو معك وجهه في التراب جاز على الصحيح]
نقل التراب الممسوح به إلى العضو ركن في التيمم واحتجوا عليه بأن الله تعالى أمر بالتيمم وهو القصد
وإنما يكون قاصدا إذا نقل التراب إلى المحل الممسوح وغير هذا الاستدلال أوضح منه وجملة المذهب في النقل
أن يكون على العضو الممسوح به اما ان التراب الممسوح أو ينقل إليه من غيره فإن كان عليه بأن كانت الريح
قد سفته عليه من غير قصد منه إلى التيمم أو بسبب آخر فردده عليه من جانب إلى جانب ومسحه لم يجز لأنه
لم ينقل ولو أخذه منه ورده إليه ومسحه به جاز على أصح الوجهين لأنه بالانفصال انقطع حكم ذلك العضو عنه
وان نقله إلى العضو الممسوح من غيره نظر ان نقله من عضو ليس هو محل التيمم فيجوز كما لو نقله من
الأرض أو من بدن غيره وهذا ما أراد بقوله وان نقله من سائر أعضائه وان نقله من يده إلى
وجهه أو بالعكس فوجهان أحدهما لا يجوز لأنه منقول من محل الفرض فأشبه ما لو نقل من أعلى
الوجه إلى أسفله أو من الساعد إلى الكف وأظهرهما يجوز لأنه منقول من غير العضو الممسوح به
318

فصار كالمنقول من الرأس والظهر وهذا في غير تراب التيمم: فأما لو مسح وجهه بتراب كثير
ثم أخذه ليمسح به اليد زاد النظر في استعمال المستعمل وقد سبق ذلك ولو تمعك في التراب فوصل
إلى وجهه ويديه بهذا الطريق نظر إن كان معذورا جاز نص عليه والا فوجهان أحدهما لا يجوز لأنه
لم ينقل التراب إلى أعضاء التيمم إنما نقل العضو إليه وادعى المسعودي ان هذا ظاهر المذهب
وأصحهما عند الأكثرين الجواز لان القصد إلى التراب قد تحقق بهذا الطريق وهو المطلوب
ولو سفت الريح ترابا على كمه فمسح به وجهه جاز على أصح الوجهين وكذا لو أخذ التراب من
الهواء للمسح حالة إثارة الريح إياه *
قال [الرابع أن ينوى استباحة الصلاة فلو نوى رفع الحدث لم يجز وأكمله أن ينوى استباحة
الفرض والنفل جميعا أو استباحة الصلاة مطلقا (و) فيكفيه فلو نوى استباحة الفرض جاز النفل أيضا بالتبعية
على الصحيح ولكن في جوازه بعد وقت تلك الفريضة أو قبل فعلها خلاف مشهور ولو نوى النفل
ففي جواز الفرض به قولان فان منع ففي جواز النفل وجهان من حيث أن النفل كالتابع فلا يفرد ولو
نوى استباحة فرضين صح تيممه لفرض واحد على أحد الوجهين
319

النية واجبة في التيمم قال صلى الله عليه وسلم (ليس للمرء من عمله الا ما نواه) (1) وقد ذكرنا صحة الوضوء إذا نوى
أحد أمور ثلاثة فبين في التيمم حكمها الأول رفع الحدث وهل يجوز التيمم بهذه النية فيه وجهان أحدهما
نعم لان التيمم يرفع الحدث في حق الفريضة الواحدة والنوافل لأنها مستباحة به وقد قال صلى
الله عليه وسلم (لا صلاة الا بطهارة) (2) ولان رفع الحدث يتضمن استباحة الصلاة فقصد رفع
الحدث يتضمن قصد الاستباحة ويحكي هذا الوجه عن ابن سريح وجعله ابن خيران قولا للشافعي
رضي الله عنه وأصحهما وهو المذكور في الكتاب انه لا يجوز لان التيمم لا يرفع الحدث الا ترى
320

انه صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن العاص وقد تيمم للجنابة من شدة البرد (يا عمرو صليت
بأصحابك وأنت جنب فقال عمرو اني سمعت الله تعالى يقول ولا تقتلوا أنفسكم فضحك رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه شيئا) (1) سماه جنبا بعد التيمم ولأنه لو رفع الحدث لما بطل الا بعروض
الحدث ولما تأثر بروية الماء وإذا لم يرفع الحدث لم يصح التيمم بنية رفعه كما لو قصد شيئا آخر لا يفيده التيمم
ولو تيمم الجنب بنية رفع الجنابة فهو على هذا الخلاف الثاني استباحة الصلاة وغيرها مما لا يباح الا بالطهارة
وإذا تيمم بنية استباحة الصلاة مثلا فله أربعة أحوال أحدها أن يقصد استباحة نوعيها الفرض والنفل
وأخطرهما بالبال فيصح تيممه لأنه قد تعرض لمقصود التيمم ويباح له الفريضة بهذا التيمم وكذلك النافلة
قبل الفريضة وبعدها حكي عن نصه في رواية البويطي وفى وجه ليس له النفل بعد خروج وقت الفريضة
وإنما يخرج هذا الوجه إذا كانت الفريضة المنوية معينة وهل يشترط تعينها بصفاتها أم يكفي نية مطلق
الفريضة فيه وجهان أحدهما يشترط ويروى ذلك عن أبي إسحاق وابن أبي هريرة وبه قال أبو قاسم الصيمري
321

واختاره الشيخ أبو علي لأنه لابد من نية الفريضة ليستبيحها فلابد من تعينها الا ترى ان في نية الصلاة
لما وجب التعرض للفريضة وجب تعينها وأصحهما عند الأكثرين أنه لا يشترط لأنه لا يحتاج في الطهارة إلى
تعيين الحدث الذي ينوى رفعه فكذلك لا يحتاج إلى تعين ما ينوى استباحته وعلى هذا إذا أطلق صلى أية فريضة
شاء ولو عين واحدة جاز له أن يصلي غيرها: (الحالة الثانية) أن ينوى الفريضة ولا تخطر له النافلة فتباح
الفريضة له بشرط التعيين أو دونه كما سبق لأنه نواها وللمرء من عمله ما نواه وحكم المنذورة حكم المكتوبات
الخمس وإذا استباح الفريضة بهذا تيمم فهل له أن يتنفل به قبل فعل الفريضة فيه قولان أصحهما نعم
لان النوافل تبع الفرائض فإذا صلحت طهارته للفريضة التي هي الأصل فللنوافل أولى: والثاني لا يجوز وبه
قال مالك لان النوافل تؤدى بالتيمم تبعا للفرائض فإنه طهارة ضرورة ولا ضرورة في الاتيان بالنوافل
والتابع لا يقدم على المتبوع وهل يتنفل بعد الفريضة فيه طريقان أصحهما القطع بأنه يتنفل لأنه إذا قدم
322

الفريضة فقد حافظ على قضية التبعية وهي تقديم المتبوع وتأخير التابع: والثاني وهو اختيار القفال فيما
حكاه الشيخ أبو محمد طرد القولين وجه المنع انه لم ينو غير الفريضة فلا يباح له غيرها فان جوزنا له
التنفل بعد الفريضة؟ ذلك ما دام وقت الفريضة باقيا ان عينها فإذا خرج فل يجوز له أن يتنفل بذلك
التيمم: فيه وجهان أظهرهما نعم لأنه إذا جاز له التنفل وجب ألا يفترق الحال فيه بين ما قبل انقضاء
الوقت وما بعده كما في الوضوء: والثاني لا لانقطاع التبعية بانقضاء الوقت ومن قال بالطريقة الثانية في
أنه هل يتنفل بعد الفريضة وطرد القولين انتظم منه أن يقول إذا تيمم للفرض فهل له ان يتنقل فيه قولان
ان قلنا نعم فذلك بعد فعل الفريضة وقبل خروج وقته: أما قبل فعله فهل له ذلك قولان وبعد خروج
الوقت وجهان وكلام صاحب الكتاب إلى هذا الايراد أقرب فقوله جاز النفل أيضا بالتبعية على
الصحيح أي من القولين وقوله خلاف مشهور يعنى به قولين فيما قبل فعل الفريضة ووجهين فيما بعد وقتها
وهذا كله فيما إذا لم يقصد عددا من الفرض بل قصد نوع الفرض أو فريضة واحدة أما إذا تيمم لفائتتين
أو منذورتين فهل يصح تيممه فيه وجهان أصحهما نعم لأنه نوى الواحدة وزاد فلغت الزيادة وعمل
الأصل والثاني لا: لأنه نوى مالا يباح بالتيمم الواحد ففسدت نيته وصار كما لو لم ينو أصلا وقرب امام
الحرمين الوجهين ههنا من الوجهين فيما إذا نوى المتوضي استباحة صلاة دون غيرها لأنه يقتصر النية على
النية على الصلاة الواحدة مخالف حكم الوضوء كما أن المتيمم بنية الزيادة مخاف حكمه وإذا عين فريضة
323

فيشترط أن تكون عليه حتى لو تيمم لفائتة ظنها عليه ولم تكن عليه فائتة أصلا أو تيمم لفائتة ظهر ثم
بان أن التي عليه عصر لم يصح تيممه لان استباحة الفريضة لازمة وان لم يجب التعيين فإذا عين وأخطأ لم يصح
كما إذا عين الامام في الصلاة وأخطأ بخلاف مثله في الوضوء لان نية الاستباحة غير لازمة في الوضوء
من أصلها فلا يضر الخطأ فيها كما لو عين المصلي اليوم وأخطأ: (الحالة الثالثة) أن ينوى النفل ولم يخطر
له الفرض فهل يباح له الفرض بهذا التيمم فيه قولان أصحهما لا: لان الفرض هو الأصل والنفل تبع فلا يجعل
المتبوع تابعا: والثاني نعم لأنه نوى بطهارته ما يفتقر إلى الطهارة فأشبه ما لو توضأ للنافلة وعن أبي الحسين
ابن القطان أنه لا يختلف القول في أنه لا يباح الفرض به فهذا طريق آخر جازم فان قلنا يباح له الفريضة
فالنافلة أولى وان قلنا لا يباح الفريضة ففي النافلة وجهان أصحهما أنها تباح لأنه نواها بطهارته والتيمم صالح
للفرض إذا نواه فللنفل أولى والثاني لا يباح لان النفل تابع والتيمم طهارة ضرورة فلا يجعل مقصدا
به ومن قال بهذا الوجه فقد قال بان هذا التيمم لا يصح أصلا ولو نوى بتيممه حمل المصحف أو سجود
التلاوة أو الشكر أو نوي الجنب الاعتكاف وقراءة القرآن فهو كما لو نوى بتيممه صلاة النفل ففي جواز
324

الفريضة له قولان وإذا منعنا ففي جواز ما نواه وجهان ولو تيمم لصلاة الجنازة فهو كما لو تيمم للنافلة
على أظهر الوجهين لأنها وان تعينت عليه فهي كالنافلة من حيث إنها لا تنحصر وهي غير متوجهة
نحوه على التعيين ويتصور سقوطها بفعل الغير بخلاف المكتوبات ولو نوت الحائض استباحة الوطئ
صح تيممها على أصح الوجهين لأنه مما يفتقر إلى الطهارة لكنه يكون كالتيمم للنافلة (الحالة الرابعة) أن
يقصد نفس الصلاة من غير تعرض للفرض والنفل ففيه وجهان أحدهما أنه كما لو نوى الفرض والنفل
جميعا وهذا هو الذي ذكره في الكتاب حيث قال أو استباحة الصلاة مطلقا فيكفيه وهو قياس
قول الحليمي فيما حكاه أبو الحسن العبادي وقطع به امام الحرمين رحمهم الله لان الصلاة اسم جنس
يتناول الفرض والنفل جميعا فأشبه ما لو تعرض لهما في نيته والثاني أنه كما لو نوى النفل وحده لان مطلق
اسم الصلاة محمول عليه والفرض يحتاج إلى تخصيصه بالنية الا ترى أنه لو تحرم بالصلاة مطلقا انعقدت
صلاته نفلا وهذا الوجه أظهر ولم يذكر أصحابنا العراقيون غيره وهو المنقول عن القفال فهذا تمام الأحوال
الأربع وهي بأسرها مذكورة في الكتاب الأمر الثالث لو نوى فريضة التيمم أو إقامة التيمم
المفروض ففيه وجهان أحدهما يصح تيممه كما يصح الوضوء بهذه النية وأصحهما أنه لا يصح لان
التيمم ليس مقصودا في نفسه وإنما يؤتي به عن ضرورة فلا يصلح مقصدا بخلاف الوضوء ولهذا
يستحب تجديد الوضوء دون التيمم واعلم أنه كما لا يجوز أن تتأخر النية في الوضوء عن أول فعل
مفروض كذلك لا يجوز في التيمم وأول أفعاله المفروضة نقل التراب ولو قارنته النية وعزبت قبل
مسح شئ من الوجه فهل يجوز وجهان أحدهما نعم كما لو قارنت أول غسل الوجه في الوضوء
وعزبت بعده وأظهرهما وهو الذي ذكره في التهذيب أنه لا يجوز لان النقل وإن كان واجبا الا
أنه ليس بركن مقصود في نفسه بخلاف غسل الوجه في الوضوء ولو تقدمت النية على أول فعل
325

مفروض فهو كمثله في الوضوء
قال [الخامس أن يستوعب (ح) وجهه بالمسح ولا يلزمه ايصال التراب إلى منابت الشعور وان خفت]
قال الله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) يجب استيعاب الوجه بالمسح بالتراب خلافا لأبي حنيفة
حيث قال يجوز أن يترك من ظاهر الوجه دون الربع حكاه الصيدلاني من أصحابنا وعن الحسن بن زياد
عن أبي حنيفة انه إذا مسح أكثر وجهه أجزأه لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم (تيمم فمسح
وجهه ويديه) (1) ومن لم يستوعب صح أن يقال ما مسح وجهه إنما مسح بعض الوجه وأيضا وانه عضو
هو محل الفرض في الطهارتين يجب استيعابه في الوضوء فيجب في التيمم ولا يجب اتصال التراب
إلى منابت الشعور خفيفة كانت أو كثيفة عامة كانت أو نادرة كلحية المرأة لان النبي صلى الله عليه
326

وسلم تيمم بضربتين مسح بأحدهما وجهه (1) وبالضربة الواحدة لا يصل التراب إلى منابت
الشعور وفيه وجه أنه يجب ايصال التراب إلى ما تحت الشعور التي يجب ايصال الماء إليها اعطاء
للبدل حكم الأصل والفرق ظاهر لعسر ايصال التراب إلى منابت الشعور وهل يجب مسح ظاهر المسترسل
من اللحية الخارج عن حد الوجه فيه قولان كما في الوضوء
قال [السادس مسح اليدين إلى المرفقين (م) فيضرب ضربة واحدة لوجهه ولا ينزع خاتمه ولا
يفرج أصابعه وينزع ويفرج في الضربة الثانية ويمسح إلى المرفقين ولا يغفل شيئا]
يجب استيعاب اليدين إلى المرفقين بالمسح في التيمم كما يجب الاستيعاب بالغسل في الوضوء لما روى أنه
صلى الله عليه وآله تيمم فمسح وجهه وذراعيه (2) والذراع اسم للساعد إلى المرفق وروى أنه صلى الله
327

عليه وسلم (قال التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين) (1) وقال مالك واحمد
يمسح يده إلى الكوعين لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لعمار يكفيك ضربة للوجه وضربة
للكفين) (2) ونقل مثل هذا عن القديم للشافعي رضي الله عنه وأنكر الشيخ أبو حامد وطائفة ذلك وسواء
ثبت أم لا فالمذهب الأول واعلم أنه قد تكرر لفظ الضربتين في الاخبار فجرى طائفة من الأصحاب
على الظاهر وقالوا لا يجوز أن ينقص منها ويجوز أن يزيد فإنه قد لا يتأتي له الاستيعاب بالضربتين
وقال آخرون الواجب ايصال التراب إلى الوجه واليدين سواء كان بضربة أو أكثر وهذا
أصح نعم يستحب ألا يزيد ولا ينقص وحكي القاضي ابن كج عن بعض أصحابنا أنه يستحب
329

أن يضرب ضربة للوجه وأخرى لليد اليمنى وأخرى لليسرى والمشهور الأول وصورة الضرب غير
معينة بل لو كان التراب ناعما فوضع اليد عليه وعلق الغبار بيده كفى ثم إذا أخذ التراب بدأ في
مسح الوجه بأعلاه ومسح اليدين بان يضع أصابع يده اليسرى سوى الابهام على ظهور أصابع اليمني سوى
الابهام بحيث لا تخرج أنامل اليمنى عن مسبحة اليسرى ويمرها على ظهر كفه اليمني فإذا بلغت الكوع ضم
أطراف أصابعه إلى حرف الذراع ويمرها إلى المرفق ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع فيمرها عليه وابهامه
منصوبة فإذا بلغ الكوع مسح ابهامه ببطنها ظهر ابهامه اليمنى ثم يضع أصابع اليمنى على اليسرى فيمسحها
كذلك وهذه الكيفية محبوبة على المشهور وقد زعم بعضهم أنها منقولة من فعل رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقال الصيدلاني أنها غير واجبة ولا سنة وهو قضية كلام أكثر الشارحين
للمختصر قالوا أنما ذكر الشافعي رضي الله عنه هذه الكيفية ردا على مالك رضي الله عنه حيث
قال بالضربة الواحدة لا يتأتي المسح إلى المرفقين وهذا يشعر بأنها غير محبوبة ولا مقصودة في
نفسها وهل يفرق أصابعه في الضربتين أما في الثانية فنعم وأما في الأولى فقد روى المزني التفريق
أيضا واختلف الأصحاب فيه فغلطه قوم منهم القفال وقالوا لا يفرق في الضربة الأولى لأنها لمسح الوجه
330

ولا يمسح الوجه بما بين الأصابع وما لم يمسح الوجه لا يدخل وقت مسح اليدين حتى يقدر الاحتساب
به عن اليدين فلا فائدة في التفريق وأما في الضربة الثانية دخل وقت مسح اليدين فيفرق حتى
يستغنى عن ايصال التراب إليها مما على الكف وصوبه آخرون وقالوا فائدته زيادة تأثير الضرب
في أثارة الغبار لاختلاف موضع الأصابع إذا كانت مفرقة وهذا أصح ثم القائلون بالأول اختلفوا
في أنه هل يجوز أن يفرق في الضربة الأولى فقال الأكثرون نعم إذ ليس فيه الا حصول تراب
غير مستعمل بين أصابعه فإن لم يفرق في الضربة الثانية كفاه ذلك التراب لها وان فرق حصل
فوقه تراب آخر غير مستعمل فيقع المجموع عن الفرض وقال الأقلون ومنهم القفال لا يجوز ذلك
ولا يصح تيممه لو فعل لان فرض ما بين الأصابع لا ينأتي بالضربة الأولى لوجوب الترتيب وحصول
ذلك الغبار ولمنع وصول الثاني ولصوقه بالمحل ومن قال بالأول قال الغبار الأول لا يمنع وصول
الثاني أو لا يمنع الوصول المعتبر ولهذا لو غشيه غبار في تقبله في السفر ثم تيمم يصح تيممه
ولا يكلف نفض التراب أولا ثم إذا فرق في الضربتين وجوزنا ذلك أو فرق في الضربة الثانية
وحدها فيستحب تخليل الأصابع بعد مسح اليدين على الهيئة المذكورة احتياطا ولو لم يفرق فيهما
331

أو فرق في الأولى وحدها وجب التخليل آخرا لان ما وصل إليه قبل مسح الوجه غير معتد به
ثم يمسح بعد ذلك إحدى الراحتين بالأخرى وهو واجب أو مستحب فيه خلاف مبني على أن
فرض الكفين هل يتأتى بضربهما على التراب أم لا وفيه وجهان منهم من قال لا لأنه لو تأدى فرضهما
حينئذ لما صلح الغبار الحاصل عليهما لموضع آخر لأنه يصير بالانفصال عنه مستعملا ومنهم من قال
وهو الأصح نعم لأنه وصل الطهور إلى محل الطهارة بعد النية ودخول وقت طهارة ذلك المحل فعلى
هذا المسح آخرا مستحب وعلى الأول هو واجب هذا ما يتعلق بهذه الهيئة والقدر الواجب ايصال
التراب إلى الوجه واليدين كيف ما كان ولا يشترط أن يكون المسح باليد بل لو مسح وجهه بخرقة
أو خشبة عليها تراب جاز ولا يشترط الامرار على أصح الوجهين كما ذكرنا في مسح الرأس ولا يشترط
أيضا ألا يرفع عن العضو الممسوح حتى يستوعبه في أصح الوجهين والثاني يشترط لان التراب
332

الباقي بالفصل يصير مستعملا فلا يصح تيممه بالمردود حتى يأخذ ترابا جديدا ومن قال بالأول
أجاب بانا إذا قلنا أن المستعمل هو اللاصق بالعضو فالباقي غير مستعمل بحال وان قلنا أن المتناثر
مستعمل فإنما يثبت حكم الاستعمال إذا انفصل بالكلية واعرض المتيمم عنه لان في ايصال التراب
إلى الأعضاء عسرا سيما مع رعاية الاقتصار على الضربتين فيعذر في رفع اليد وردها كما يعذر في التقاذف
الذي يغلب في الماء ولا يحكم باستعمال المتقاذف والله أعلم *
ونعود إلى لفظ الكتاب في نزع الخاتم وتفريج الأصابع قال فيضرب ضربة واحدة
لوجهه ولا ينزع خاتمه ولا يفرج أصابعه وقد يوجد في بعض النسخ وينزع خاتمه ولا يفرج أصابعه
فعلى الأول المراد أنه لا يجب نزع الخاتم لان المقصود من الضربة الأولى مسح الوجه دون اليدين
وقد ذكرنا أن المسح لو كان بخرقة ونحوها جاز فغايته مسح بعض الوجه بما على الخاتم وليس المراد
أنه لا يجوز النزع فإنه لا صائر إليه ولا وجه له بل يستحب النزع ليكون مسح جميع الوجه باليد
اتباعا للسنة وقوله ولا يفرج أصابعه يمكن أن يراد به أنه لا يجوز التفريج ذهابا إلى ما صار إليه
القفال ومن وافقه لكنه لم يرد ذلك لأنه نقل كلام القفال في الوسيط واستبعده وإنما أراد أنه
333

لا يجب التفريج أو انه لا يستحب أو انه يستحب ألا يفرج فان أراد الاحتمال الأول فلا
كلام فيه وان أراد غيره فليكن معلما بالواو لما ذكرنا من رواية المزني وتصحيح الأصحاب
لها وبينا أنه ظاهر المذهب وأما من روى في الكتاب وينزع خاتمه فذلك ظاهر والمراد
الاستحباب على ما سبق
قال [السابع الترتيب كما في الوضوء]
الترتيب معتبر بين الوجه واليدين كما في الوضوء وتركه ناسيا حكمه ما سبق في الوضوء
ولا يشترط الترتيب في أخذ التراب للعضوين على أصح الوجهين حتى لو ضرب يديه على ح الأرض
معا وتمكن من مسح الوجه بيمينه ومن مسح يمينه بيساره جاز لان الركن الأصلي هو المسح وأخذ التراب
ونقله وسيلة فلا يعتبر فيه ترتيب (خاتمتان) إحداهما قال جماعة من الأصحاب أركان التيمم وفروضه
خمسة وحذفوا الركن الأول والثاني من السبعة التي عدها في الكتاب والذي فعلوه أولى اما الركن
الأول فلانه ما ساقه الا للكلام في التراب المتيمم به ولو حسن عد التراب ركنا في التيمم لحسن
عد الماء ركنا في الوضوء والغسل واما الركن الثاني فلان القصد داخل في النقل فإنه إذا نقل
التراب على الوجه الذي سبق وقد نوى التيمم كان قاصدا إلى التراب لا محالة وحذف بعضهم
النقل أيضا فاقتصر على أربعة والأكثرون عدوه ركنا وبنوا عليه انه لو أحدث بعد اخذ التراب
334

وقبل ان يمسح به الوجه يبطل ما فعله وعليه الاخذ ثانيا كما لو غسل في الوضوء وجهه
ثم أحدث بخلاف ما إذا اخذ كفا من الماء ليغسل به وجهه فأحدث ثم غسل الوجه جاز لان
القصد إلى الماء ونقله لا يجب وقياس ذلك أنه لا يضر عزوب النية بعد اقترانها بأخذ التراب وهو
وجه قدمناه لكن الأصح انه لابد من الاستصحاب إلى مسح بعض الوجه لما سبق وإذا يممه
غيره باذنه وهو عاجز أو قادر وجوزناه واحدث أحدهما بعد الضرب واخذ التراب وقبل المسح
فقد ذكر القاضي في فتاويه انه لا يضر ذلك لأنه الآذن لم يأخذ حتى يبطل بحدثه وحدث
المأذون لا يؤثر في طهارة غيره وهذا مشكل بل ينبغي ان يبطل الاخذ بحدث الآذن كما لو كان
يتيمم بنفسه ولهذا لو أحدث بعد مسح الوجه يبطل ولا نقول إنه لم يمسح حتى يبطل بحدثه ولو ضرب
يده على بشرة امرأة أجنبية عليها تراب فإن كان كثيرا يمنع تلاقى البشرتين فلا بأس وإن كان
قليلا لا يجوز لان اللمس حدث والحدث إذا قارن فعل الطهارة منع الاعتداد به وفرق في التتمة
بين ان يضرب اليد عليها في الضربة الأولى أو في الثانية وقال الاخذ للوجه صحيح فإذا ضرب اليد عليها
في المرة الثانية بطل مسح الوجه لأنه حدث طرأ في أثناء التيمم والأول هو الوجه فان
النقل من الأركان فمقارنة الحدث له كمقارنته لغسل الوجه في الوضوء وهكذا أطلق القاضي في
الفتاوى وزاد بعضهم في الأركان طلب التراب وليس ذلك من نفس التيمم فان المريض يتيمم
كالمسافر والطلب مخصوص بالمسافر وما يختص به بعض المتيممين لا يكون من نفس مطلق التيمم
(الثانية) لم يفرد في الكتاب السنن بالذكر كما فعل في الوضوء وللتيمم سنن منها ما صار مذكورا في
335

كيفية مسح الوجه واليدين ومنها التسمية وتقديم اليمنى على اليسرى ومنها امرار التراب على العضد
ذكر في التهذيب وغيره انه مستحب ونازع بعضهم فيه ومنها الموالاة وفيها قولان كما في الوضوء
ويعتبر ههنا مدة الجفاف لو كان المستعمل ماء هذا إذا اعتبرنا ثم الجفاف وحكى أبو عبد الله
الحناطي ههنا طريقة أخرى جازمة بأنها لا تشترط في التيمم وذكر القاضي ابن كج طريقة ثالثة
جازمة بالاشتراط ومنها تخفيف التراب المأخوذ إذا كان كثيرا بنفض اليدين ومنها الا يرفع اليد
عن العضو الممسوح حتى يتم مسحه ومنها الا يكرر المسح وفيه وجه ضعيف
قال [الباب الثالث في أحكام التيمم وهي ثلاثة الأول انه يبطل برؤية الماء قبل الشروع
في الصلاة ولا تبطل الصلاة (ح ز) بعد الشروع فيها وتبطل بظن وجود الماء قبل الشروع ولكن المصلي إذا
رأى الماء فالأولى له ان يقلب فرضه نفلا على وجه وان يستمر على وجه وان يخرج من الصلاة على وجه
ليدرك
فضيلة الوضوء وفى وجه يلزمه المضي ولا يجوز الخروج وعلى هذا لو كان في نافلة بطلت لأنها
غير مانعة من الخروج وهو بعيد نعم لو أراد ان يزيد في ركعات النافلة ففي جوازه وجهان]
ذكرنا ان هذا الباب مسوق لبيان فائدة التيمم وهي التي تباح به فتكلم في ثلاثة أمور في أن
ه إلى م أبيح وفى انه ماذا يبيح وفى ان ما يبيحه إذا اتى به هل يستغنى عن القضاء أم لا أما
الأول فلا شك في أن التيمم يبطل بعرض الحدث كالوضوء ويختص هو بالبطلان بعروض
القدرة على استعمال الماء فجعل كلام الحكم الأول فيه واعلم أن التيمم على قسمين أحدهما ما يرخص
فيه مع وجدان الماء كتيمم المريض والثاني ما يكون بسبب اعواز الماء أو الحاجة إليه أو الخوف من
336

الاستقاء وما أشبه ذلك فالأول لا يتأثر برؤية الماء وطلوع الركب بحال واما الثاني فيتأثر بذلك
وجملته ان ينظر ان رأى الماء خارج الصلاة يبطل تيممه لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال
لأبي ذر رضي الله عنه (إذا وجدت الماء فامسسه جلدك) (1) وكذا لو لم يتيقن الظفر بالماء لكن ظنه
كما لو طلع عليه ركب أو أطبقت بالقرب منه غمامة أو توهمه كما إذا تخيل سرابا ماء لأنه يجب
عليه الطلب عند حدوث هذه العوارض وقد ذكرنا انه إذا وجب الطلب بطل التيمم وإنما يبطل
التيمم في هذه الصور بشرط ان لا يقارن هذه العوارض مانع آخر من استعمال الماء فلو قارنها مانع لم
يبطل التيمم لأنه يجوز التيمم ابتداء فأولى ان يدفع البطلان دواما وذلك كما إذا وجد ماء وهو محتاج
إليه لسقيه أو وجده في قعر بئر وهو عند العثور عليه عالم بتعذر الاستقاء أو قال إنسان أودعني
فلان ماء وهو حين يسمع يعرف غيبة المودع وما أشبه ذلك وان رأى الماء في الصلاة فلا يخلو
اما أن تكون الصلاة مغنية عن القضاء أو لا تكون فإن لم تكن مغنية عن القضاء كما إذا تيمم الحاضر
لعدم الماء وشرع في الصلاة ثم رأى الماء في صلاته فهل تبطل صلاته وتيممه فيه وجهان أحدهما
لا لأنه شرع في الصلاة بطهور امر باستعماله فيتمها محافظة على حرمتها ثم يتوضأ ويعيد وأصحهما
نعم لان الحاضر تلزمه الإعادة إذا وجد الماء بعد الفراغ فإذا وجده في أثناء الصلاة فليشتغل
بالإعادة وإن كانت مغنية عن القضاء فظاهر المذهب المنصوص انه لا يبطل تيممه ولا صلاته
وأشار المزني إلى تخريج قول انهما يبطلان وبه قال أبو حنيفة واحمد في رواية وساعد ابن سريج
المزني على التخريج وقال المستحاضة إذا انقطع دمها في الصلاة تبطل صلاتها فليكن المتيمم
برؤية الماء كذلك لان الضرورة قد ارتفعت في الصورتين وجعل المسألتين على قولين بالنقل
والتخريج وجه الأول انه لو طلع عليه ركب لا يبطل تيممه فكذلك إذا رأى الماء وتيقن وجوده
337

لأنهما متلازمان الا ترى انه قبل الشروع ببطل بهما وبعد الفراغ لا يبطل لا بهذا ولا بذاك
وأيضا لما شرع في الصلاة فقد تلبس بالمقصود ووجدان الأصل بعد التلبس بمقصود البدل
لا يبطل حكم البدل حكم البدل كما لو شرع في الصيام ثم وجد الرقبة وأيضا فان احباط الصلاة عليه أشد
ضررا من تكليفه شراء الماء بالزيادة على ثمن المثل بقدر يسير فإذا لم يجب ذلك فاستعمال الماء ههنا
أولى ألا يجب لحرمة الصلاة ووجه الثاني ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (فأمسسه جلدك)
وأيضا فان المعتدة بالشهور لو حاضت في أثنائها تنتقل إلى الأقراء فكذلك ههنا والفرق بين المتيمم
والمستحاضة نذكره في أحكام المستحاضة إن شاء الله تعالى ويتعلق بالمذهب المنصوص ويتفرع عليه
أمور أحدها أنه يستثنى عنه ما لو شرع في الصلاة وهو مسافر ثم نوى الإقامة فيها بعد وجدان
الماء ففي بطلان صلاته وجهان أصحهما البطلان تغليبا لحكم الإقامة وهما كالوجهين فيما إذا كان مقيما
ورأي الماء في صلاته ولو شرع المسافر في الصلاة بالتيمم ونوى القصر ثم وجد الماء في الصلاة ونوى
الاتمام بعده بطلت صلاته أيضا في أصح الوجهين لان تيممه صح لهذه الصلاة مقصورة وقد التزم
الآن زيادة ركعتين والثاني لو كان في صلاة فريضة فهل يجوز له أن يخرج منها ليتوضأ فيه ثلاثة
أوجه أحدها نعم وهل هو أولى فيه وجهان أظهرهما نعم ليخرج من الخلاف فان من العلماء من
حرم عليه الاستمرار ولأنه لو وجد الرقبة في أثناء الصيام فالأفضل أن يعدل إلى التحرير فكذلك
ههنا والثاني الأولى الاستمرار لان الخروج ابطال للعمل وقد قال الله تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم)
حكى الوجهين هكذا الشيخ أبو حامد وطبقه وعن الشيخ أبى محمد والقاضي الحسين أن الخروج
المطلق ليس بأولى لا محالة لكن الخلاف في أن الأولي أن يقلب فرضه نفلا ويسلم عن ركعتين
أم الأولي أن يتم الفريضة فمن صائر إلى الأول صيانة للعبادة عن الابطال وأداء الفريضة بأكمل
الطهارتين ومن صائر إلى الثاني محافظة على حرمة الفريضة والوجه الثاني في أصل المسألة أنه لا يجوز
338

الاعراض عن الفريضة بحال لان الاعراض ابطال للفريضة والثالث ذكره امام الحرمين أنه يفرق
بين أن يضيق الوقت فلا يجوز الخروج لأنه ان لم يكن في الصلاة تعين عليه البدار حينئذ فإذا
كان فيها يمتنع الخروج وان لم يضق الوقت فله الخروج لان الوجوب في أول الوقت موسع
والشروع لا يلزم شيئا وهذا التفصيل عنده لا يختص بالتيمم بل مطرد في كل مصل * الثلث إذا
لم يخرج منها وأتم الفريضة فكما تمت بطل تيممه إن كان الماء الذي ظفر به باقيا بحاله حتى حكى
القاضي الروياني عن والده أنه لا يسلم التسليمة الثانية لان بالتسليمة الأولى تمت الصلاة وبطل
التيمم وان لم يكن ذلك الماء باقيا ولم يعرفه المصلي حتى فرغ فكذلك وان عرف فواته وهو بعد
في الصلاة فهل يبطل تيممه إذا فرغ وجهان قال صاحب التلخيص نعم وبه قال الشيخ أبو حامد لان التيمم
يبطل بوجدان الماء الا في الصلاة التي هو فيها لحرمتها وقال آخرون منهم القفال لا يبطل حتى يجوز له التنفل به
لأنه حين الفراغ غير واجد للماء ولا متوهم للوجدان * الرابع لو رأى الماء وهو في صلاة نافلة ففي بطلانها
وجهان أصحهما لا تبطل كالفريضة والثاني أنها تبطل لان حرمتها قاصرة عن حرمة الفريضة
الا يرى أنها لا تلزم بالشروع والفريضة تلزم وهذا الوجه حكاه امام الحرمين قدس الله روحه
عن ابن سريج رحمه الله فعلى الأول الأصح لو كان قد شرع فيها من غير تعيين عدد في نيته لم يزد
على ركعتين نص عليه لان الأولي في النوافل أن تكون مثني مثني فليسلم عن ركعتين وليصل بالوضوء
وعن القاضي الحسين أن له أن يزيد ما شاء وإن كان قد نوى ركعة أو ركعتين فلا يزيد على ما نوى
لان الزيادة كافتتاح نافلة بعد وجود الماء الا ترى أنه تفتقر الزيادة إلى قصد جديد وعن القفال
أنه يجوز أن يزيد ما شاء لان حرمة تلك الصلاة باقية ما لم يسلم بخلاف ما لو سلم وأراد افتتاح نافلة
أخرى ولو نوى عددا فوق الركعتين ثم رأى الماء فهل يستوفى ما نواه أم يجب الاقتصار على
ركعتين فيه وجهان أظهرهما أن له أن يستوفى ما نواه لان احرامه انعقد لذلك العدد فأشبه المكتوبة
339

المقدرة وعلى هذا ففي جواز الزيادة على المنوي الوجهان المذكوران في جواز الزيادة على الركعتين
إذا نواهما واصل هذه المسائل أن المصلى بسبيل من زيادة الركعات ونقصانها في النوافل المطلقة
كيف شاء وسيأتي ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى فإذا وقفت على ما ذكرنا فعد إلى ألفاظ الكتاب
(اعلم) أن قوله أنه يبطل برؤية الماء قبل الشروع في الصلاة وإن كان مطلقا مشروط بشرطين
أحدهما أن يكون ذلك التيمم غير تيمم المريض ونحوه والثاني ألا يقارن رؤية الماء مانع يرخص
في ابتداء التيمم على ما بيناهما وقوله ولا تبطل برؤية الماء بعد الشروع فيها مقيد بما إذا كانت
الصلاة مغنية عن القضاء والا فهي باطلة على الأصح ولابد من استثناء الصورتين المذكورتين من
قبل أيضا وقوله ولكن المصلي إذا رأى الماء لا يتعلق بقوله ويبطل بظن الماء قبل الشروع
وإن كان مذكورا عقيبه بل بقوله لا تبطل بعد الشروع فيها والوجوه الثلاثة التي ذكرها
في أن الأولى ماذا كلها مبنية على أنه يجوز له الخروج وترك الفريضة والذي يقابله قوله وفى وجه
يلزمه المضي ولا يجوز الخروج وليس في الجمع بين هاتين العبارتين سوى الايضاح وقوله وعلى هذا
لو كان في نافلة بطلت لأنها غير مانعة يعني به انا إذا قلنا بوجوب المضي في الفريضة إنما نقول به
لحرمة الفريضة وليس للنافلة حرمة مانعة من الخروج فتبطل وقوله وهو بعيد يجوز أن يريد به هذا
البناء ووجه البعد فيه أن قضية وجوب المضي لحرمة الفريضة أن يقول بعدم الوجوب إذا فقدنا
تلك الحرمة فاما أن يقول بالبطلان فلم وطريق توجيه البطلان أن يقال رؤية الماء تقتضي البطلان
مطلقا خالفناه في الفريضة لزيادة حرمتها كما أشرنا إليه لكن صاحب الكتاب لم يرد استبعاد البناء
وإنما أراد استبعاد أصل الوجه وهو بين من كلامه في الوسيط واستقرب بالإضافة إليه التردد
في زيادة الركعات *
340

قال [الثاني ألا يجمع بين فرضين بتيمم واحد ويجمع بين فرض ونوافل وبين فرض
ومنذورة ان قلنا يسلك بها مسلك جائز الشرع لا مسلك واجبه وبين فرض وركعتي الطواف
الا إذا قلنا إنهما فريضة ويجمع بينهما وبين الطواف بتيمم واحد على أحد الوجهين لأنهما كالتابع
له ويجمع بين فريضة وصلاة جنازة ولا يقعد في صلاة الجنازة مع القدرة على القيام هذا نصه وقيل
قولان بالنقل والتخريج وقيل إن تعيت عليه فلها حكم الفرض وقيل لها حكم النفل ولكن القعود لا يحتمل مع القدرة لان القيام أظهر أركانها]
لا يؤدى بالتيمم الواحد مما يتوقف على الطهارة الا فريضة واحدة خلافا لأبي حنيفة حيث
قال يؤدى به ما شاء وكذلك قال احمد في رواية وفى رواية أخرى يتيمم لوقت كل صلاة لنا
ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال (من السنة الا يصلي بالتيمم الا مكتوبة واحدة
ثم يتيمم للأخرى) (1) والسنة في كلام الصحابي تنصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم لان التيمم طهارة ضرورة فلا يؤدى به فريضتان ولا فرق بين ان يتحد الجنس كصلاتين
أو طوافين أو يختلف كصلاة وطواف ولا فرق في ذلك بين البالغ والصبي وحكي القاضي الروياني
341

في الصبي هل يجمع بين فريضتين بتيمم واحد وجهين والصحيح انه لا يجمع لأنه وان لم يكن
مكلفا لكن ما يؤديه حكمه حكم الفرائض الا ترى انه ينوى بصلاته المفروضة ولا فرق في المكتوبة
بين الفائتة والمؤداة واغرب أبو عبد الله الحناطي فحكى وجها انه يجوز الجمع بين الفوائت وبين الفائتة
والمؤداة ويجوز ان يجمع المتيمم بين فريضة ونوافل لان النوافل مما لا يمكن المنع منها وفى تجديد
التيمم لكل واحدة منها حرج عظيم لأنها لا تنضبط وأيضا فهي اتباع للفرائض بخلاف الفرائض
بعضها مع بعض ثم في الفصل مسائل (إحداها) هل يجمع بين مكتوبة ومنذورة فيه وجهان وربما
قيل قولان أصحهما لا لأنها مفروضة متعينة على الناذر فأشبهت المكتوبة والثاني نعم لأنها وجبت
بعارض فلا يلحق بالمفروض الأصلي وهذا الخلاف مبني على أصل في النذر وهو انه يسلك
بالمنذور مسلك واجب الشرع أو مسلك أقل ما يتقرب به وفيه وجهان فإذا نذر هديا حمل في
قول على شئ من النعم لأنه الهدى الواجب شرعا وعلى قول له ان يقتصر على دجاجة وقطعة
لحم لان ذلك مما يتقرب به وإذا قلنا بهذا القول فيعطى المنذور حكم القربات التي لا تجب حتى
يجوز القعود في الصلاة مع القدرة على القيام ويجوز أداؤها على الراحلة وإذا قلنا بالأول لا يجوز
وقول الأصحاب يسلك به مسلك جائز الشرع أي في الأحكام مع وجوب الأصل وعنوا بجائز
الشرع ههنا القربات التي جوز تركها ويجرى الخلاف فيما لو جمع بين منذورتين (الثانية) في وجوب
ركعتي الطواف قولان يذكران في موضعهما فإن لم نوجبهما فلا يخفى جواز الجمع بينهما وبين
342

الطواف وبينهما وبين مكتوبة وان أوجبناهما ففي الجمع بينهما وبين الطواف وجهان أحدهما ويحكى
عن ابن سريج انه يجوز لأنهما تابعتان للطواف أو كالجزء منه بمثابة بعض الأشواط وأصحهما انه لا يجوز لان
ركعتي الطواف عبادة مستقلة ولهذا يحتاج إلى نية مفردة بخلاف بعض الأشواط والخلاف في الوجوب
مخصوص بركعتي طواف الفرض اما ركعتا طواف التطوع فتطوع ومنهم من اجرى القولين في ركعتي
طواف التطوع أيضا وقال اتفاق الفرض والنفل في الشرائط لا ينكر الا يرى أن صلاة الفرض والنفل
يستويان في اعتبار الطهارة وستر العورة فعلى هذا لو صلى فريضة بتيمم وطاف تطوعا هل له ان يصلى به
ركعتي الطواف فيه وجهان وفى جواز الجمع بين الخطبة وصلاة الجمعة بالتيمم الواحد وجهان
كالوجهين في الجمع بين الطواف أو أجب وركعتيه إذا أوجبناهما لان الخطبة تابعة للصلاة كالركعتين
للطواف وهذا على قولنا تشترط طهارة الحدث في الخطبة الثالثة نص في المختصر انه يجمع بين
فريضة وصلاة جنازة وفى موضع آخر انه لا يقعد فيها مع القدرة على القيام وانها لا تؤدى على
الراحلة فهذا يقتضي الحاقها بالفرائض والأول يقتضى الحاقها بالنوافل واختلفوا فيه على ثلاثة
طرق أحدها ان المسألتين على قولين نقلا وتخريجا أحدهما انها ملحقة بالفرائض فلا يجوز الجمع
ولا القعود ولا على الراحلة لأنها فرض في الجملة والفرض بالفرض أشبه منه بالنفل وان اختلفت
كيفية الافتراض والثاني انها ملحقة بالنوافل فيجوز فعلها على الراحلة والجمع والقعود لان فروض
الكفايات كالنوافل في جواز الترك وعدم الانحصار والطريق الثاني تنزيل النصين على حالين
حيث قال يجمع أراد ما إذا لم يتعين عليه وفى هذه الحالة له ان يقعد ويؤديها على الراحلة وحيث
قال لا يقعد أراد ما إذا تعينت عليه بان لم يحضر غيره وفى هذه الحالة لا يجمع والثالث ان حكمها
343

حكم النفل على الاطلاق الا انه لا يسامح بالقعود فيها لان قوامها بالقيام إذ ليس فيها ركوع ولا
سجود فإذا قعد فيها بطلت صورتها بالكلية فلا تلحق في هذا الحكم بالنوافل وهذا تقرير
النصين وظاهر المذهب جواز الجمع بكل حال ولو جمع بين صلاتي جنازة بتيمم واحد ففيه هذا
الخلاف ولو أراد ان يصلى على جنازتين صلاة واحدة فقد قال بعضهم يبنى ذلك على الخلاف ان
اعتبرنا لكل صلاة تيمما لم يجز ذلك والا فيجوز وقال صاحب المعتمد ينبغي ان يجوز ذلك بكل
حال لأنه إذا جاز سقوط الفرضين بصلاة واحدة جاز الاقتصار على التيمم الواحد
قال * (ومن نسي صلاة من خمس صلوات يصلي خمس صلوات بتيمم واحد وان نسي
صلاتين فان شاء صلى خمس صلوات بخمس تيممات وان شاء اقتصر على تيممين وأدى بالتيمم
الأول الأربعة الأولى من الخمسة وبالثاني الأربعة الأخيرة من الخمسة) *
إذا نسي صلاة من صلوات نظر إن كانت متفقة كما إذا نسي ظهرا من أسبوع فلا يلزمه الا
ظهر واحدة ولا اثر للتردد في اليوم الذي فاتت منه ولا يخفى انه يفردها بتيمم وان لم تكن متفقة
كما إذا نسي صلاة من الصلوات الخمس فيلزمه ان يأتي بالخمس ليخرج عن العهدة بيقين وعن المزني
انه يكفيه أربع ركعات ينوى بها فائتته ويجلس في الثلاث الأخيرة ويسجد للسهو ويسلم وهل
344

يكفيه تيمم واحد للجميع أم يفتقر لكل واحدة إلى تيمم فيه وجهان أحدهما ويحكى عن ابن سريج
أنه يفتقر لكل صلاة إلى تيمم لان كل واحدة منها واجبة عليه بعينه فأشبهت الفائتتين وهذا اختيار
الخضري وأصحهما وهو المذكور في الكتاب وبه قال ابن القاص وابن الحداد أنه يكفيه تيمم واحد
للجميع لأنها وإن كانت واجبة الفعل فالمقصود منها واحدة وما عداها كالوسيلة إليها قال الشيخ أبو علي
الوجهان مبنيان على أنه لا يجب تعبين الفريضة المقصودة بالتيمم فان أوجبنا التعيين وجب لكل واحدة
تيمم لا محالة ولك أن تقول إنما يجب التعيين إذا كانت الفريضة معينة فأما إذا لم تكن فيجوز أن
يقال ينوى بتيممه ما عليه ويحتمل منه التردد والابهام كما يحتمل في كل واحدة من الصلوات ينوى
أنها فائتته وهو متردد في ذلك ويجوز أن يعلم قوله يصلي خمس صلوات بالزاي لان عنده يكفيه صلاة
واحدة بالصفة التي تقدمت وان نسي صلاتين من صلوات نظر أن كانتا مختلفتين وهي الحالة المرادة من مسألة
الكتاب كما إذا نسي صلاتين من الوظائف الخمس فيجب الاتيان بالخمس لا محالة وحكم التيمم
يبنى على ما إذا كانت المنسية واحدة فان قلنا يجب ثم خمس تيممات فكذلك ههنا وان قلنا ثم
يكفي تيمم واحد فما الذي يفعل ههنا قال ابن القاص يتيمم لكل واحدة منها ويقتصر عليها
وقال ابن الحداد يقتصر على تيممين ويزيد في عدد الصلوات فيصلي بالتيمم الأول الفجر والظهر
والعصر والمغرب وبالثاني الظهر والعصر والمغرب والعشاء فيخرج عن العهدة بيقين لأنه صلى الظهر
345

والعصر والمغرب مرتين بتيممين فإن كانت الفائتتان من هذه الثلاث فقد تأدت كل واحدة بتيمم وإن كان
ت الفائتتان الفجر والعشاء فقد تأدت الفجر بالتيمم الأول والعشاء بالثاني وإن كانت إحدى الفائتتين
إحدى الثلاث واخر الفجر والعشاء فكذلك ولا شك أن ما ذكره ابن القاص جائز عند ابن الحداد
فيخرج عن العهدة والذي ذكره ابن الحداد هل يجوز عند ابن القاص ظاهر كلامه في التلخيص أنه لا يجوز
وقال الصيدلاني وغيره من الأئمة لا خلاف بينهما وكل واحد منهما يجيز ما قاله الآخر فإن كان الأول التقى
كلام ابن القاص والخسرى في هذه الصورة ونظائرها وإذا كان الثاني انتظم أن يقال هو مخير ان شاء فعل
ذلك وان شاء فعل هذا كما ذكره في الكتاب ويجوز أن يعلم قوله إن شاء وان شاء بالواو لظاهر كلامه
في التلخيص وبالزاي ان قياس قوله أن لا يلزمه واحد من الامرين بل يكفيه صلاتان كما ذكرنا
بتيممين وحكى وجه آخر أنه يتيمم مرتين ويصلي بكل واحد منهم الصلوات الخمس لأنه للفائتة
الواحدة يقضي الخمس بتيمم فللفائتتين يلزمه ضعف ذلك وهذا أبعد الوجوه عند مشايخ الأصحاب
من جهة أنه إذا صلي الأربع بالتيمم الأول فقد علم سقوط أحدي الفائتتين عنه ففعل الخامسة عبث
لأنه لا يتأدى فرضان بتيمم واحد والمستحسن عندهم ما ذكره ابن الحداد ولابد فيه من زيادة في
عدد الصلوات فيجب معرفة ضابط القدر الزائد وما يشترط في كيفية أدائها ليخرج عن العهدة أما الضابط
فهو أن يزيد في عدد المنسى فيه عددا لا ينقص عما يبقى من المنسى فيه بعد اسقاط المنسى وينقسم
المجموع صحيحا على المنسى بيانه في الصورة المذكورة المنسى صلاتان والمنسى فيه خمس يزيد عليه
ثلاثة لأنها لا تنقص عما يبقى من الخمسة بعد اسقاط الاثنين بل يساويه والمجموع وهو ثمانية ينقسم
على الاثنين صحيحا ولو أنه أبي بعشر صلوات يجزيه عما ذكرنا في الوجه الأخير لأنه زاد ما لا ينقص
عن الباقي من المنسي فيه بعد اسقاط المنسى وينقسم مع الأصل صحيحا عليه وأول عدد يزيد عليه
ووجد فيه الوصفان المذكوران حصل به الفرض فان تكلف زيادة عليه فأولى أن يجزيه وأما
ما يشترط في كيفية الأداء فإنه يبتدئ من المنسي فيه بأية صلاة شاء ويصلي بكل تيمم ما تقتضيه
346

القسمة لكن شرط خروجه عن العهدة بالعدد المذكور أن يترك في كل مرة ما ابتدأ به في المرة
التي قبلها ويأتي في المرة الأخيرة بما بقي من الصلوات فلو صلى في المثال الذي سبق بالتيمم الأول
الظهر والعصر والمغرب والعشاء وبالثاني الصبح والظهر والعصر والمغرب فقد أخل بهذا الشرط ان لم يترك
في المرة الثانية ما ابتدأ به في المرة الأولي وإنما ترك ما ختم به في المرة الأولى فلا يخرج عن العهدة لجواز أن يكون ما
عليه الظهر أو العصر أو المغرب مع العشاء فبالتيمم الأول صحت تلك الصلاة ولم تصح العشاء وبالتيمم الثاني
لم يصل العشاء فلو صلى العشاء بعد ذلك بالتيمم الثاني خرج عن العهدة وقد أشار إلى هذا الشرط
في الكتاب بقوله وأدى بالأول الأربع الأولى من الخمس وبالثاني الأربع الأخيرة ولو نسي ثلاث
صلوات من صلوات يوم وليلة ولم يعرف عينها فعلى طريقة صاحب التلخيص يتيمم خمس تيممات
ويصلي الخمس وعلى الوجه الأخير يتيمم ثلاث مرات ويصلى بكل واحد منها الخمس وعلى قول
ابن الحداد يقتصر على ثلاث تيممات ويزيد في عدد الصلوات فيضم إلى الخمس أربعا لان الأربعة
لا تنقص عما يبقى من الخمسة بعد اسقاط الثلاثة بل يزيد عليه وينقسم المجموع وهو تسعة صحيحا
على الثلاثة ولو ضممنا إلى الخمسة اثنين أو ثلاثة لما انقسم ثم يصلى بالتيمم الأول الصبح والظهر
والعصر وبالثاني الظهر والعصر والمغرب وبالثالث العصر والمغرب والعشاء وله غير هذا الترتيب
إذا حافظ على الشرط المذكور فلو أخل به كما إذا صلى بالتيمم الأول العصر ثم الظهر ثم الصبح
وبالثاني المغرب ثم العصر ثم الظهر وبالثالث العشاء ثم المغرب ثم العصر لم يخرج عن العهدة لجواز
أن يكون التي عليه الصبح والعشاء وثالثهما الظهر أو العصر فيتأدى بالتيمم الأول الظهر أو العصر
ويتأدى بالثالث العشاء ويبقى الصبح عليه فيحتاج إلى تيمم رابع للصبح وقس على هذا نظائره
هذا كله فيما إذا نسي صلاتين مختلفتين أو أكثر أما إذا نسي صلاتين متفقتين من صلوات يومين فصاعدا فعليه
أن يأتي بعشر صلوات صبحين وظهرين وعصرين ومغربين وعشائين ليخرج عن العهدة بيقين ويجب لها
347

عشرة تيممات على لوجه المنسوب إلى الخضري وعند معظم الأصحاب يكفيه تيممان يصلى بكل واحد منهما
الصلوات الخمس ولا يكفي ههنا ثمان صلوات بتيممين بخلاف ما إذا كانتا مختلفتين لأنه إذا فعل
ذلك لم يأت بالصبح الا مرة واحدة بالتيمم الأول ولا بالعشاء الا مرة بالتيمم الثاني ويجوز
أن يكون ما عليه صبحين أو عشائين ولو لم يعلم أن فائتتيه متفقتان أو مختلفتان أخذ بالأسوأ وهو
أن تكونا متفقتين فيحتاج إلى عشر صلوت بتيممين لا يكفيه الاقتصار على الثمان والوجه الذي
هو اختيار الخضري لا يخفى والله أعلم: وان اشتبه الحال على حاج فلم يدر أترك صلاة فرض أم
طواف فرض أتى بالطواف وبالصلوات الخمس بتيمم واحد وعلى وجه الخضري يحتاج إلى ستة
تيممات ولو صلى منفردا بتيمم ثم أدرك جماعة وأراد اعادتها معهم فان قلنا المعادة سنة له أن يعيدها
بذلك التيمم وان قلنا الفرض أحدهما لا بعينه فهل يجوز فعله بذلك التيمم فيه وجهان كالوجهين
فيما إذا نسي صلاة من الخمس هل يكفيه لها تيمم واحد والصحيح أنه يكفي ولو صلي الفرض
بالتيمم على وجه يحتاج إلى قضائه كالمربوط على الخشبة ونحوه وأراد القضاء بالتيمم فيبني على أن
الفرض المعاد أو الأول أو كلاهما أو أحدهما لا بعينه ان قلنا الفرض المعاد أو كلاهما افتقر إلى
تيمم آخر وان قلنا الفرض الأول فلا حاجة إلى إعادة التيمم وان قلنا الفرض أحدهما لا بعينه
فهو على الوجهين السابقين
قال [وكذلك لا يتيمم لفريضة قبل دخول (ح) وقتها ووقت صلاة الخسوف بالخسوف
ووقت الاستسقاء باجتماع الناس في الصحراء ووقت صلاة الميت بغسل الميت والفائتة بتذكرها
والنوافل الرواتب لا يتأقت تيممها على أحد الوجهين ولو تيمم لفائتة ضحوة النهار فلم يؤدبه
الا ظهرا بعد الزوال فهو جائز على الأصح وكذا لو تيمم للظهر ثم تذكر فائتة فأداها به جاز على
الأصح ولو تيمم لنافلة ضحوة وقلنا يستباح به الفريضة فأدى الظهر به فعلى هذا الخلاف
348

لا يتيمم لصلاة قبل دخول وقتها خلافا لأبي حنيفة لنا انه طهارة ضرورة ولا ضرورة قبل دخول
الوقت فلو تيمم لفريضة قبل دخول وقتها لم يصح للفرض وهل يصح للنفل حكى بعضهم فيه وجهين
بناء على أن من أحرم بالظهر قبل الزوال هل تنعقد صلاته نفلا وظاهر المذهب انه لا يصح تيممه لا
للفرض ولا للنفل وهذا الأصل يطلق اطلاقا الا انه لابد من استثناء صورة عنه وهي ما إذا كان
يجمع بين صلاتي الجمع بالتيمم فان ظاهر المذهب أن الجمع بين الصلاتين بتيممين جائز وحينئذ إذا
قدم الأخيرة فقد تيمم لها قبل وقتها الأصلي ولو تيمم وصلى الظهر ثم تيمم فيضم إليها العصر
فدخل وقت العصر قبل ان يشرع فيها فيبطل الجمع ولا يصلح ذلك التيمم للعصر لوقوعه قبل
وقتها وانحلال رابطة الجمع وكما لا يقدم التيمم للمؤداة على وقتها لا يقدم التيمم للفائتة على وقتها
ووقتها يدخل بتذكرها قال صلى الله عليه وسلم (فليصلها إذا ذكرها فان ذلك وقتها) (1) وإذا
تيمم للفريضة في أول الوقت واخرها إلى آخر الوقت جاز نص عليه لأنه تيمم في وقت الحاجة ولو
تيمم لفائتة ضحوة النهار ولم يؤدها به حتى زالت الشمس فأراد أن يصلى به الظهر هل يجوز فيه
وجهان أصحهما وبه قال ابن الحداد يجوز لان التيمم قد صح لما قصده وإذا صح التيمم لفريضة
جاز له ان يعدل عنها إلى غيرها كما إذا كانت عليه فائتتان فتيمم لإحداهما له ان يصلي الأخرى
به دون التي تيمم لها والثاني لا يجوز وبه قال أبو زيد والخضري لأنه يقدم على وقت الظهر فلا
يؤدى به كما إذا تيمم لها قبل وقتها ولو تيمم للظهر في وقتها ثم تذكر فائتة فأراد أداءها به فيه
349

طريقان أحدهما طرد الوجهين والثاني القطع بالجواز والفرق انه إذا تيمم لقضاء الفائتة ضحوة
فقد تيمم والظهر غير واجبة عليه فلا يصلح تيممه لها وههنا تيمم للظهر والفائتة واجبة عليه لكنه
لم يكن عارفا بوجوبها وقد سلم الجواز هنا أبو زيد والخضري وقوله في الكتاب في الصورة
الأولى على الأصح يعنى من الوجهين وفى الصورة الثانية يجوز ان يريد الأصح من الوجهين جريا
على طريقة طرد الوجهين وسكوتا عن الأخرى ويجوز ان يريد الأصح من الطريقين وهو قضية
كلامه في الوسيط لكن طريقة طرد الخلاف أظهر من جهة النقل وكل هذا تفريع على أن تعيين
الفريضة التي يتيمم لها ليس بشرط فان شرطناه لم يصلح التيمم لغير ما عينه وجملة ما ذكرنا فيما
إذا كانت الصلاة التي يتيمم لها فريضة اما النافلة فتنقسم إلى مؤقتة والى غيرها اما المؤقتة فكالرواتب
التابعة للفرائض وصلاتي العيد والكسوف وأوقاتها مذكورة في مواضعها ومنها صلاة الاستسقاء
ووقتها اجتماع الناس لها في الصحراء ومنها صلاة الجنازة وبم يدخل وقتها فيه وجهان أظهرهما وهو
المذكور في الكتاب انه يدخل بغسل الميت فإنها حينئذ تباح وتجرى والثاني وبه أجاب صاحب
الكتاب في الفتاوى انه يدخل بالموت فإنه السبب المحوج إلى الصلاة فان قدم التيمم لهذه النوافل
على أوقاتها فالمشهور انه لا يصح كما في الفرائض لأنه مستغن عن التيمم لها قبل وقتها وحكي امام
الحرمين فيه وجهين والفرق ان امر النوافل أوسع ولهذا جاز أداء نوافل كثيرة بتيمم واحد
فصاحب الكتاب ذكر هذا الخلاف في الرواتب وهو غير مخصوص بها وان تيمم لهذه النوافل
في أوقاتها جاز له ان يصلي النافلة التي تيمم لها وغيرها وهل يجوز الفريضة يبنى على القولين
اللذين قدمناهما في أنه إذا تيمم للنافلة هل يصلي به الفريضة ان قلنا لا فلا يجوز وان قلنا نعم فله
ذلك أن تيمم للنافلة في وقت تلك الفريضة ولو تيمم لنافلة ضحوة ثم دخل وقت الظهر فهل له
ان يصلي الظهر به على هذا القول فيه الوجهان المذكوران فيما إذا تيمم لفائتة قبل الزوال هل
يصلي الظهر به وقوله فيه هذا الخلاف يعني الوجهين المذكورين دون الطريقين وإن كان مذكورا بعد مسألة
350

الطريقين وما ذكرنا من المسائل فيما إذا تيمم للنافلة وحدها مبني على ظاهر المذهب وهو ان
التيمم لمجرد النافلة صحيح وفيه وجه قدمناه واما غير المؤقتة من النوافل فيتيمم لها متى شاء الا في
أوقات الكراهية في أظهر الوجهين واعلم أن الشرح قد يقتضى تغيير مسائل الكتاب عن نظمها
وترتيبها وهذا الفصل من ذاك
قال [الحكم الثالث فيما يقضى من الصلوات المختلة والضابط فيه ان ما كان بعذر (ح) إذا وقع
دام فلا قضاءا فيه كصلاة المستحاضة وسلس البول وصلاة المريض قاعدا ومضطجعا وصلاة المسافر
بتيمم: وإذا لم يكن العذر فيه دائما نظر فإن لم يكن له بدل وجب (و) القضاء كمن لا يجد
ماء ولا ترابا فصلي على حسب حاله * والمصلوب إذا صلي بالايماء أو من على جرحه أو ثوبه نجاسة
ويستثنى عنه صلاة شدة الخوف فإنها رخصة وإن كان لها بدل كتيمم المقيم (و) أو التيمم لالقاء
الجبيرة أو تيمم المسافر لشدة (ح) البرد ففي القضاء قولان]
التيمم قد يكون بحيث يغنى الصلاة المؤداة به عن القضاء وقد يكون بحيث لا يغني والغرض
الأعظم في هذا الموضع بيان ذلك ثم اختلط به القول في الصلوات المشتملة على غير ذلك من وجوه
الخلل ما التي تقضى وما التي لا تقضى لاندراج الكل تحت ضايط واحد قال الأصحاب الاعذار
ضربان عام ونادر فاما العام فيسقط القضاء لان ايجابه مع عموم العذر يفضى إلى عموم المشقة
وقال تعالى (وما جعل عليكم من الدين من حرج) ولهذا المعني جعلنا الحيض مسقطا للقضاء وعدوا
في هذا القسم صورا منها صلاة المسافر بالتيمم لعدم الماء فلا إعادة عليه إذا وجد الماء في الوقت
ولا قضاء إذا وجده بعده (روى أن رجلين خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا
طيبا وصليا ثم وجدا الماء في الوقت وأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول
351

الله صلى الله عليه وسلم فذكرا له ذلك فقال للذي أعاد لك الاجر مرتين وللذي لم يعد أصبت السنة
وأجزأتك صلاتك) (1) والمعنى فيه ان فقد الماء في الاسفار عذر عام وسنبين من بعد أن الحكم غير منوط
بالسفر بل بالموضع الذي يغلب فيه فقد الماء وإنما لا يقضي المسافر بشرط ألا يكون سفره سفر معصية: أما
لو كان سفر معصية وتيمم وصلى ففي القضاء وجهان: أحدهما لا يقضى لأنا إذا أوجبنا عليه التيمم فقد صار
عزيمة في حقه بخلاف العصر والفطر ونحوهما فإنها لا تجب وأظهرهما أنه يجب لأنه وإن كان واجبا فسقوط
الفرض به رخصة فلا يناط بسفر المعصية وحكي الحناطي مع هذا الخلاف وجها آخر انه لا يتيمم أصلا
وهل يشترط لعدم القضاء أن يكون السفر طويلا: فيه قولان أصحهما لا والقصير كالطويل في هذا
الحكم لقوله تعالى (وان كنتم مرضى أو على سفر) الآية واسم السفر يقع على الطويل والقصير وعن
ابن عمر رضي الله عنهما أنه رجع عن الجرف فلما بلغ المربد تيمم ثم دخل المدينة فلم يعد مع بقاء القوت
والثاني أن يقضي في السفر القصير لأنه يلحق بالحضر في امتناع القصر والفطر فكذلك في حكم القضاء
ومنهم من قطع بالأول ولم يثبت الثاني قولا للشافعي رضي الله عنه قال امام الحرمين رضي الله عنه وفى هذه
الصورة مزيد مع عموم العذر وهو أنه وان اختل الوضوء فقد أثبت الشرع عنه بدلا وهو التيمم فقام
مقام المبدل وهذا المعنى يسقط القضاء على قول وإن كان العذر نادرا على ما سنذكره من بعد ولا فرق
في نفى القضاء بين أن يكون تيممه عن جنابة أو عن حدث ولو كان مع المسافر ماء لكنه يحتاج إليه للشرب
أو عجز عن تناول الماء للخوف من سبع أو ظالم أو لفقدان آلة الاستقاء فتيمم وصلى فكذلك لا إعادة
عليه ومنها ما إذا تيمم لمرض مانع من استعمال الماء ومنها المرض المحوج إلى القعود أو الاضطجاع
في الصلاة فان المرض على الجملة من الاعذار العامة فيسقط القضاء: وأما العذر النادر فعلى ضربين نادر إذا
وقع دام غالبا ونادر إذا وقع لم يدم غالبا أما الذي يدوم غالبا فيسقط القضاء أيضا لما يلحق صاحبه من المشقة
352

الشديدة وذلك كالاستحاضة وسلس البول والمذي والجرح السائل واسترخاء المقعد ودوام خروج
الحدث منه ولا فرق في هذا القسم بين أن يكون عن الصفة الفائتة بدل أو لا يكون فان المستحاضة وإن كانت
تتوضأ لكل صلاة فريضة لكن ليس للنجاسات الدائمة إزالة ولا بدل عنها وأما الذي لا يدوم غالبا
فعلى ضربين أحدهما أن يكون مع الخلل الحاصل بدل مشروع عن الفائت: والثاني ألا يكون معه
بدل فإن لم يكن معه بدل وجب القضاء لدور العذر وفوات الصفة المطلوبة لا إلى بدل وذكر في
353

الكتاب لهذا القسم صورا منها ما إذا لم يجد ماء ولا ترابا فصلى وقد يفرض فقدهما جميعا في حق
المحبوس في موضع لا يجد واحدا منهما أو في موضع لا يجد الا ترابا نجسا أو فيما إذا كانت الأرض
متوحلة ولم يقدر على تخفيف الطين فإذا اتفق ذلك ببعض هذه الأسباب أو غيرها فهل يجب
عليه الصلاة في القديم لا يجب لأنه يجب عليه الإعادة وان صلى فلو أوجبناه لألزمناه ظهرين وقد روى
أنه صلى الله عليه وسلم قال (لأظهر ان في يوم) (1) نعم يستحب ذلك لحرمة الوقت والجديد الصحيح
أنه يجب عليه الصلاة في الوقت لأنه استطاع الاتيان بأفعال الصلاة وان عجز عن الطهارة وقد قال
354

صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم) (1) وصار كما إذا عجز عن ستر
العورة لا يترك الصلاة بسببه ومنهم من نقل القول القديم في الحرمة وقال يحرم عليه أن يصلي كالحائض
وبه قال أبو حنيفة وإذا صلى في الوقت امتثالا لما أمرناه به وجوبا أو ندبا فظاهر المذهب وجوب
الإعادة لان هذا عذر نادر لا دوام له وحكي بعض الأصحاب فيه قولين وهذا العادم وان أمر بالصلاة
والحلة هذه لا يجوز له حمل المصحف وقراءة القرآن إن كان جنبا وإن كان حائضا فليس للزوج
غشيانها ولو قدر على أحد الطهورين في خلال الصلاة بطلت صلاته ومنها المربوط على الخشبة ومن شد
وثاقه على الأرض يصلي على حسب حاله بالايماء ثم يعيد لأنه عذر نادر بخلاف المريض يصلي بالايماء ولا
يعيد لان عذر المرض يعم وقال الصيدلاني إن كان مستقبل القبلة فلا إعادة عليه كالمريض يصلي بالايماء
على جنب وان لم يكن يلزمه الإعادة قال وكذا الغريق يتعلق بعود ويصلي بالايماء يعيد إذا كان إلى
غير القبلة وذكر في التهذيب نحوا من هذا في مسألة الغريق فقال لا يعيد ما صلى إلى القبلة بالايماء وما صلى إلى
غير القبلة فيه قولان أحدهما لا يعيد أيضا كما لو صلى بالايماء إلى القبلة وأصحهما أنه يعيد بخلاف ما لو صلي بالايماء
لان حكم الايماء أخف من ترك القبلة الا ترى أن المريض يصلي بالايماء ولا يعيد وإذا لم يجد من يحوله
إلى القبلة يصلي إلى غيرها ويعيد: وأما مسألة المربوط فلم يذكر فيها هذا التفصيل وحكم بوجوب
الإعادة وبه قال امام الحرمين قدس الله روحه ومنها إذا كان على بدنه جراحة عليها دم وخاف
من غسله التلف صلى وأعاد وإن كانت على أعضاء الوضوء تيمم وصلى وأعاد فان هذا
355

الخلل ليس له بدل والعذر نادر غير دائم وفي القديم قول انه لا يعيد وبه قال أبو حنيفة
والمزني وكذلك الخلاف فيما إذا كان محبوسا في مكان نجس وصلي على النجاسة هل يعيد أم لا
والقول القديم مطرد في كل صلاة وجبت في الوقت وإن كانت مختلة وهو اختيار المزني والضرب
الثاني أن يكون مع الخلل الحاصل بدل مشروع يعدل إليه ففي وجوب القضاء خلاف نفصله في
صور هذا القسم منها المقيم إذا تيمم لعدم الماء فظاهر المذهب أنه يجب عليه القضاء لأن عدم الماء
في موضع الإمامة نادر وإذا اتفق لا يدوم غالبا فان أهل ذلك الموضع يتبادرون إلى الاصلاح والاثباط
فلا يصلح عذرا دافعا للقضاء والبدل المعدول إليه يقام مقام الأصل في جواز الاتيان بالصلاة حتى
لا يخلو الوقت عن وظيفته وفى القديم وهو اختيار المزني أنه لا إعادة عليه لأنه أتي بالمقدور عليه
356

واعلم أن وجوب القضاء على المقيم إذا قلنا بظاهر المذهب ليس لعلة الإقامة بل لان فقد الماء في
موضع الإقامة نادر وكذلك عدم الوجوب في السفر ليس لأنه مسافر بل لان الفقد في السفر مما
يعم ويغلب حتى لو أقام الرجل في مفازة أو موضع يعدم فيه الماء غالبا وطالت اقامته فيه يتيمم
ويصلي ولا يعيد وفى مثله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر وكان يقيم بالربذة ويفقد الماء
أيا (فسأل عن ذلك فقال ما لتراب كافيك ولو لم تجد الماء عشر حجج) (1) ولو دخل المسافر في طريقه بلده
أو قرية وعدم الماء وتيمم وصلى أعاد على أظهر الوجهين فإن كان حكم السفر باقيا نظر إلى ندرة
العدم في ذلك الموضع وإذا عرفت ذلك فقول الأصحاب المقيم يقضي والمسافر لا يقضي جار على
الغالب من حال السفر والإقامة والحقيقة وما بينا ومنها التيمم لالقاء الجبيرة وجملته أنه إذا كان به
عذ يمنع من استعمال الماء في بعض محل الطهارة دون بعض فغسل المقدور عليه وتيمم وصلي هل
يجزيه ذلك أم يلزمه القضاء عند زوال العذر ننظر ان لم يكن على محل العذر ساتر من جبيرة
357

ولصوق فيجزيه ولا قضاء عليه لأنه لو تجرد التيمم لشئ من العلل والأمراض لما كان عليه إعادة
فإذا انضم إلى التيمم غسل بعض الأعضاء كان أولى ألا يجب عليه الإعادة وإن كان على محل
العذر سائر فنظر أن ألقاه على الطهارة ففي القضاء قولان أحدهما يجب لأنه عذر نادر غيره
دائم وأظهرهما أنه لا يجب لحديث جابر في الشجوج كما تقدم لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة مع الحاجة
إلى البيان ولا المسح على الخف يغنى عن الإعادة مع أنه لا ضرورة إليه فالمسح على الجبيرة أولى
لمكان الضرورة وان ألقاه لا على الطهارة فعليه النزع ان أمكن ولا يجوز المسح عليه كما سبق
وان تعذر النزع مسح وصلى للضرورة وهل يعيد فيه طريقان أظهرهما نعم لفوات شرط الوضع
على الطهارة والثاني طرد القولين فيه وذكر بعضهم أنه ان وضع على الطهارة فلا يعيد في القديم قولا
واحدا وفى الجديد قولان وان لم يضع على الطهارة فيعيد في الجديد قولا واحدا وفى القديم قولان
ولا خلاف في جريان الخلاف في الإعادة بين أن نقول بوجوب التيمم مع غسل المقدور عليه وبين
أن لا نوجب التيمم ويجوز الاقتصار على الغسل وقد بينا الخلاف فيه في موضعه وعن أبي حفص
ابن الوكيل أن الخلاف في الإعادة على قولنا أنه لا يتيمم أما إذا قلنا بوجوب التيمم فلا إعادة بلا
358

خلاف وهذا كله فيما إذا كانت الجبيرة أو اللصوق على غير محل التيمم فأما إذا كان على محل
التيمم وجبت الإعادة لا محالة لنقصان البدل والمبدل جميعا كذلك ذكره ابن الصباغ في الشامل
وأبو سعيد المتولي في التتمة ومنها التيمم لشدة البرد فان اتفق ذلك في السفر ففي إعادة الصلاة المؤداة به
قولان أحدهما لا يجب وبه قال أبو حنيفة لان عمرو بن العاص تيمم بسبب البرد في غزوة ذات السلاسل وصلى
وحكي ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأمره بالإعادة وأصحهما أنها تجب لان البرد
وان لم يكن شيئا نادرا لكن العجز عما يسخن به الماء وعن ثياب يدفا بها مع ذلك نادر وأن اتفق فإنه
لا يدوم فلا يسقط الإعادة وان اتفق في الحضر فالمشهور وجوب الإعادة وعن أبي الحسن بن
القطان انه يبنى ذلك على السفر ان قلنا يعيد في السفر ففي الحضر أولى وان قلنا لا يعيد ثم ففي
الحضر قولان ونعود إلى ما يتعلق من هذه المسائل بألفاظ الكتاب ونظمه خاصة
359

اعلم أنه أهمل التقسيم الأول الذي حكيناه عن الأصحاب حيث قالوا العذر ينقسم إلى عام
ونادر ثم قالوا النادر ينقسم إلى دائم وغير دائم واقتصر على تقسيم العذر إلى دائم إذا وقع والى
غير دائم ويدخل العام والنادر في كل واحد من هذين القسمين الا ان دوام الوقوع ليس بشرط
في قسم العام بل هو مسقط للقضاء دام أو لم يدم الا ترى ان حاجة المسافر إلى ما عنده من الماء
للشرب مسقط للقضاء لأنه يعم ولا يظهر فيها الدوام والاستمرار بل عدم الماء في السفر مما
لا يدوم أيضا غالبا فإنه ان فقد الماء في مرحلة وجده في المرحلة الأخرى فإذا كان كذلك فلمضايق
أن يضايق في عده صلات المسافر بالتيمم على موجب التقسيم الذي ذكره من القسم الأول
وللمضايقة وجوه أخر لا نطول بذكرها وأما قوله فإن لم يكن لها بدل وجب القضاء ينبغي ان
يعلم بالقاف والزاي لما ذكرنا من القول الذي اختاره المزني وقوله فصلى فيمن لم يجد ماء ولا
360

ترابا بالحاء والقاف لمذهب أبي حنيفة والقول الموافق له كما سبق وقوله أو المصلوب صلي بالايماء
المراد منه المربوط على الخشبة وليعلم بالواو لما ذكرنا في شرح المسألة بقي ان يقال لم عدها من قسم
ما لا بدل له وهلا جعل الايماء بدلا عن الركوع والسجود والجواب ان المعني بالبدل في هذا المقام
الشئ المضبوط الذي يعدل إليه العاجزون كلهم كالتيمم مع الوضوء والايماء ليس كذلك بل يختلف
بالأحوال والأشخاص وله درجات متفاوتة ينزل المعذور من كل واحدة إلى ما يليها بحسب
الامكان وأما قوله ويستثنى عنه صلاة شدة الخوف فليس المراد الاستثناء من الصورة الأخيرة
وهي ما إذا صلي وعلى جرحه نجاسة وجدها بل المراد الاستثناء من أصل هذا القسم وهو ندور العذر
وعدم البدل وذلك لان في الصلاة حالة المسابقة اختلالا ظاهرا في الافعال والأركان ويحتمل أيضا
كثرة الافعال وتلطخ السلاح بالدم على تفصيل يأتي في موضعه وليس لها بدل وإنما احتمل ذلك
رخصة بالنص قال الله تعالى (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) ونازع امام الحرمين قدس الله روحه في
كون القتال والنجاسة من الاعذار النادرة وقال هو كثير الوقوع في حق المقاتلة فعلى هذا صلاة
شدة الخوف غير مستثناة عن هذا القسم وقوله أو التيمم لالقاء الجبيرة مطلق لم يفرق بين أن يكون
الوضع والالقاء على الطهارة أولا على الطهارة فهذا جواب على طريقة طرد القولين في الحالتين
وفى عده مسألة الجبيرة من الاعذار التي لا تدوم كلام فان القاضي أبا المحاسن الروياني قال هي
ملحقة بالنادر الذي يدوم وذكر كثيرون من الأصحاب ان الكثير من جملة الاعذار العامة
وعلى هذا فلا اعتبار بكونه دائما أو غير دائم ولا يستبعدن قولهم إنه عام فإنه لا يعنى بالعموم في
هذا الباب سوى الكثرة والكسر والانخلاع كثير ليس بنادر واما قوله أو تيمم المسافر لشدة
361

البرد فالتخصيص بالمسافر يشير إلى أنه لو كان مقيما وتيمم لشدة البرد قضي بلا خلاف وهو
الظاهر كما تقدم
قال [والعاجز عن السترة في كيفية صلاته ثلاثة أوجه في وجه لا يتم الركوع والسجود بل
يومئ حذرا من كشف العورة وفى وجه يتم وفى وجه يتخير فان قلنا لا يتم فيقضى لدور العذر
وعدم البدل وان قلنا يتم فالأظهر انه لا يقضى لان وجوب الستر ليس من خصائص الصلاة]
العاجز عن ستر العورة إذا صلى عاريا هل يقضى يبنى ذلك على أنه كيف يصلي وفيه قولان
أحدهما وهو اختيار المزني أنه يصلي قاعدا ليكون أقرب إلى التستر وأبعد عن الهيئة المستنكرة
في الصلاة وعلى هذا هل يتم الركوع والسجود أم يقتصر على الايماء وادناء الجبهة من الأرض فيه
قولان وأصحهما انه يصلي قائما ويتم الركوع والسجود فان المقدور عليه لا يسقط بالمعجوز
عنه كيف والقيام والركوع والسجود أركان الصلاة وستر العورة من الشرائط وإنما اعتبرت
الشرائط زينة وكما لا للأركان فلا يجوز ترك الأركان لها هذا نقل المعظم وهو الظاهر وحكى
امام الحرمين بدل القولين وجهين ووجهان ثالثا انه يتخير لتعارض الامرين ولزوم أحد الاختلالين
362

وصاحب الكتاب تابع الامام فحكي في المسألة ثلاثة أوجه والمروى عن أبي حنيفة واحمد التخيير كما في الوجه
الثالث فليكن الوجهان الأولان معلمين بعلامتهما والخلاف في هذه المسألة يجرى في صور منها إذا كان
محبوسا في موضع نجس ولو سجد لسجد على نجاسة هل يتم السجود أم يقتصر على الايماء وإذا وجد ثوبا طاهرا
لو فرشه لبقي عاريا ولو لبسه لصلى على نجاسة ماذا يفعل فيه الخلاف وإذا وجد العريان ثوبا نجسا هل
يصلى فيه أم يصلى عاريا فيه الخلاف وإذا عرف ذلك فان قلنا في مسألة العاري انه لا تتم الأركان
فيقضي على ظاهر المذهب لندور العذر وعدم البدل كمن لم يجد ماء ولا ترابا فصلي وفيه الخلاف
المذكور في تلك الصورة ونظائرها وان قلنا تتم الأركان فهل يقضي فيه وجهان أحدهما نعم
لان العذر نادر وليس له دوام ولا بدل وأظهرهما لا: ووجهوه بشيئين أحدهما ان وجوب الستر
لا يختص بالصلاة فاختلاله لا يقتضي وجوب الإعادة لكن سياق هذا أن لا يجب القضاء وان
ترك الستر مع القدرة كالاحتراز عن الكون في العرصة المغصوبة لما لم تكن من خاصية الصلاة لم
يقتض اختلاله وجوب القضاء وان صلي فيه عمدا وهذا مذهب مالك والثاني العرى عذر عام
أو نادر إذا اتفق دام فلا نوجب القضاء والطبع لا ينقاد لكون العرى بهذا الصفة وأطلق قوم من
شيوخ الأصحاب كصاحب التقريب القول بنفي الإعادة وهو جواب منهم على ظاهر المذهب ولا
363

فرق في نفى الإعادة بين أن يكون العاري في الحضر أو في السفر بخلاف المتيمم لعدم الماء والفرق
ان الثوب في مظنة الضنة فقد لا يبذل وإن كان في الحضر والماء بخلافه وكل ما ذكرناه فيما إذا اتفق
العرى في ناحية لا يعتاد أهلها العرى فاما إذا صلى عاريا في قوم يعتادون العرى فلا قضاء عليه إذا
تحول واكتسي لعموم العذر وشيوعه عندهم كذلك فصل الشيخ أبو محمد وذكر امام الحرمين انه
ساعده عليه كثير من الأصحاب وهو الذي أورده صاحب الكتاب في الوسيط قال الامام والوجه
القطع بان الذين يعتادون العرى يتمون الركوع والسجود فإنهم يتصرفون في أمورهم عراة فيصلون
كذلك ولا يقضون وجها واحدا واعلم أن هذا التفصيل إنما ينتظم على قول من يعد العرى من الاعذار
النادرة ليصير باعتيادهم ذلك عاما فاما من عده من الاعذار العامة على الاطلاق يتجه ألا يفرق
بينهم وبين غيرهم والله أعلم *
قال * (باب المسح على الخفين) *
[والنظر في شروطه وكيفيته وحكمه وله شرطان الأول أن يلبس الخف على طهارة كاملة مائية قوية فلو
غسل إحدى رجليه وادخلها الخف لم يصح لبسه حتى يغسل الثانية ثم يبتدئ اللبس وكذا
لو صب الماء في الخف (ح) بعد لبسها على الحدث] عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للمسافر
ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما وعن صفوان بن عسال قال
364

أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين أو سفرا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن
الا من جنابة لكل من غائط أو بول أو نوم والأحاديث في باب المسح كثيرة ومن شرط المسح على الخف
أن يلبسه وهو متطهر وعند أبي حنيفة لا يشترط تقديم الطهارة على اللبس وإنما المعتبر أن يطرأ الحدث
بعد اللبس على طهارة كاملة لنا حديث أبي بكرة وعن المغيرة ابن شعبة قال (سكبت الوضوء لرسول الله
صلى الله عليه وسلم فلما انتهيت إلى رجليه أهويت إلى الخفين لانزعهما فقال دع الخفين فاني أدخلتهما
وهما طاهرتان) علل جواز المسح بطهارتهما عند اللبس وإذا كانتا طاهرتين كانت سائر الأعضاء طاهرة
لان الترتيب واجب وغسل الرجل آخر الأركان ويترتب على هذا الأصل ما لو غسل إحدى الرجلين
وأدخلها الخف ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف لم يجز المسح عليهما إذا أحدث لان أول اللبس تقدم على
تمام الطهارة وإذا كانت الطهارة شرطا للبس يجب تقدمها بكمالها على اللبس كما يشترط تقدمها على الصلاة
فلو نزع ما لبسه أولا وأعاد اللبس وهو على طهارته جاز المسح إذا أحدث لكمال الطهارة حين اللبس
المعاد والآخر ملبوس على كمال الطهارة فقد تحقق الشرط فيهما جميعا وعن ابن سريج انه إذا نزع
365

الأول وجب نزع الثاني أيضا ويستأنف لبسهما ليجوز له المسح لان حكم كل واحد منهما مرتبط بالآخر
الا ترى ان نزع أحدهما بعد الحدث يوجب نزع الثاني ولو لبس الخفين قبل أن يغسل رجليه ثم صب
فيهما الماء حتى انغسلتا لم يجز له المسح وان تم وضوءه بما فعل لأنه لبسهما قبل كمال الطهارة
وأنزعهما ثم لبسهما فله المسح إذا أحدث وعند أبي حنيفة والمزني له المسح في الصورتين ولا حاجة
إلى النزع واعلم أن الاعتبار فيما ذكرنا بحالة استقرار القدمين في مقرهما عن الخف حتى لو أدخل
الرجلين في ساق الخف قبل أن يغسلهما وغسلهما في الساق ثم أدخلهما موضع القدم جاز له المسح
لأنه حين استقرتا في مكانها على كمال الطهارة ولو ابتدأ اللبس وهو متطهر ثم أحدث قبل أن
وصلت الرجل إلى قدم الخف لم يجز المسح نص عليه في الام وذكر فيه انه إذا مسح على الخفين
366

بشرطه ثم أزال قدمه من مقرها ولم يظهر من محل الفرض شئ فلا يبطل المسح وقياس الأول أن يبطل
لكن الفرق ان ثم الأصل عدم المسح فلا يباح الا باللبس التام وإذا مسح فالأصل استمرار الجواز
ولا يبطل الا بالنزع التام ونقل القاضي أبو حامد أنه يبطل المسح في الصورة الثانية واختاره القاضي
أبو الطيب الطبري كما أنه في الابتداء لا يمسح وفى الصورة الأولى وجه انه يجوز المسح إذا ابتدأ
اللبس على طهارة ثم أحدث قبل أن تستقر الرجلان في موضعهما وفرض القاضي حسين المسألة فيما إذا أحدث
وقد أدخل بعض قدمه في مقرها والباقي في ساق الخف وقال اختلفوا في صورتي الابتداء والانتهاء
في أن حكم البعض هل هو حكم الكل أم لا وقوله في الكتاب على طهارة تامة قوية لفظ التامة معلم بالحاء
والزاي لما حكيناه واحترز به عما إذا غسل إحدى رجليه وأدخلها الخف ثم الثانية وأدخلها الخف
وعما إذا لبسهما ثم صب الماء في الخف حتى انغسلتا ويمكن أن يقال لا حاجة إلى قيد التمام
لأنه من لم يغسل رجليه أو إحديهما ينتظم أن يقال إنه ليس على الطهارة وأما قيد القوة فالغرض منه الاحتراز
عن طهارة المستحاضة وما في معناها
قال [والمستحاضة إذا لبست على وضوئها لم تمسح على أحد الوجهين لضعف طهارتها ووضوء
المجروح إذا تيمم لأجل الجراحة كوضوء المستحاضة ثم إن جوزنا فلا تستفيد بطهارة المسح الا ما كان
يحل لها لو بقيت طهارتها الأولى وهو فريضة واحدة ونوافل
367

إذا توضأت المستحاضة ولبست الخفين ثم أحدثت حدثا غير حدث الاستحاضة فهل لها أن
تمسح على الخف فيه وجهان نسبهما الشيخ أبو علي إلى تخريج ابن سريج أحدهما لا: لان طهارتهما
ضعيفة ناقصة وإنما يجوز المسح بعد طهارة قوية لأنه ضعيف فلا يحتمل انضمام ضعف إلى ضعف
وأصحهما الجواز ويروى أن أبا بكر الفارسي حكاه عن نص الشافعي رضي الله عنه في عيون المسائل
ووجهه انها تحتاج إلى اللبس والارهاق به كغيرها وأيضا فإنها تستفيد الصلاة بطهارتها فتستفيد
المسح أيضا وموضع الوجهين ما إذا لم ينقطع دمها قبل أن تمسح فاما إذا انقطع دمها قبل المسح
وشفيت نزعت وأتت بطهارة كاملة بلا خلاف لأن الطهارة التي ترتب المسح عليها قد زالت بالشفاء
الطارئ فيمتنع ترتيب المسح عليها وطرد بعضهم الوجهين ههنا أيضا وجعل انقطاع دمها بمثابة الحدث
الطارئ والمشهور الأول ثم إذا جوزنا المسح نظر ان أحدثت قبل أن تصلي فريضة بطهارتها
مسحت وصلت فريضة ونوافل وان أحدثت بعد ما صلت فريضة مسحت ولم تصل به الا النوافل لان
ما تستفيد بطهارتها فريضة ونوافل فلا تستفيد بالمسح المترتب عليها أكثر من ذلك ولا يجوز لها
استيفاء مدة المسح بل إذا مسحت وصلت فريضة ونوافل أو نوافل على اختلاف الحالتين ثم أرادت
قضاء فائتة أو دخل وقت فريضة أخرى وجب نزع الخف والوضوء الكامل لتلك الفريضة
وكذلك لو أحدثت حدثا غير حدث الاستحاضة بعد أن صلت فريضة ونوافل بالمسح وحكى عن
تعليق أبى حامد أن لها أن تستوفى مدة المسح اما يوما وليلة واما ثلاثة أيام ولياليهن لسكن عند
كل صلاة فريضة تعيد الطهارة وتمسح على الخف ومال امام الحرمين في كلامه إلى هذا من جهة
368

المعنى وقطع بنفيه نقلا وفى معني طهارة المستحاضة طهارة سلس البول وكل من به حدث دائم
وكذلك الوضوء المضموم إليه التيمم بسبب جراحة أو انكسار فيجرى فيها الخلاف المذكور في
المستحاضة بلا فرق وأما محض التيمم فهل يستفاد به جواز المسح ينظر إن كان سببه اعواز الماء
فلا بل إذا وجد الماء لزمه النزع والوضوء الكامل وعن ابن سريج أنه يجوز المسح لفريضة
ونوافل كما ذكرنا في المستحاضة لان التيمم يبيح الصلاة أيصا فيبيح المسح والصحيح
الأول بخلاف طهارة المستحاضة لان التيمم طهارة تفيد وتبيح عند الضرورة ولا ضرورة بعد
وجدان الماء فلا سبيل إلى ترتيب المسح عليه وطهارة المستحاضة لا تتأثر بوجدان الماء كطهارة غيرها
وإن كان سبب التيمم شيئا آخر سوى اعواز الماء فهو كطهارة المستحاضة في جواز ترتيب المسح
عليه فإنه لا يتأثر بوجدان الماء لكنه ضعيف لا يرفع الحدث كطهارتها ولا يخفى بعد هذا الشرح
معنى قوله إن جوزنا فلا تستفيد بالمسح الا ما كان يحل لها إلى آخره لكن ظاهر لفظه لا يتناول
الا ما إذا أحدثت قبل أن تصلي الفريضة بطهارتها فإنها حينئذ تحل لها فريضة ونوافل لو بقيت
طهارتها الأولى مما إذا أحدثت بعد أن تصلي الفريضة فلا يحل لها لو بقيت تلك الطهارة الا النوافل
والوافي بحكم الحالتين على النظم الذي ذكره أن يقال في آخره وهو فريضة واحدة
ونوافل أو نوافل *
قال [الشرط الثاني أن يكون الملبوس ساترا قويا حلالا فان تخرق أو كان دون الكعبين
لم يكن ساترا والمشقوق القدم الذي يشد محل الشق منه بشرج فيه خلاف والقوى ما يتردد عليه
في المنازل لا كالجورب واللفاف وجورب الصوفية والمغصوب (و) لا يجوز المسح عليه على أحد
369

الوجهين لان المسح لحاجة الاستدامة وهو مأمور بالنزع]
اعتبر في الملبوس ثلاثة أمور أحدها أن يكون ساترا لمحل فرض الغسل من الرجلين فلو كان
دون الكعبين لم يجز المسح عليه لان فرض الظاهر الغسل وفرض المستور المسح ولا صائر إلى
الجمع بينهما فيغلب حكم الغسل فإنه الأصل ولهذا لو لبس أحد الخفين لم يجز المسح له ولو كان
الخف متخرقا ففيه قولان القديم به قال مالك أنه يجوز المسح عليه ما لم يتفاحش الخرق لأنه مما يغلب
في الاسفار حيث يتعذر الاصلاح والخرز فالقول بامتناع المسح يضيق باب الرخصة فوجب أن
يسامح وعلى هذا فما حد الفاحش منه قال الأكثرون ما دام يتماسك في الرجل ويتأتى المشي عليه
فهو ليس بفاحش وقال في الافصاح حده ألا يبطل اسم الخف والقول الجديد أنه لا يجوز
المسح عليه قليلا كان التخرق أو كثير الآن بعض محل الفرض غير مستور ومواضع الخرز التي ينشد بالخيوط
أو ينضم لا عبرة بها فإن لم تكن كذلك وظهر منها شئ لم يجز المسح أيضا ولو تخرقت الظهارة
وحدها أو البطانة وحدها جاز المسح إن كان ما بقي صفيقا والا فلا يجوز في أظهر الوجهين وعلى
هذا يقاس ما إذا تخرق من الظهارة موضع ومن البطانة موضع لا يحاذيه والخف المشقوق القدم إذا
شد منه محل الشق بالشرج أن كان يظهر منه شئ مع الشد فلا يجوز المسح عليه وان لم يظهر منه
370

شئ فوجهان أحدهما لا يجوز أيضا كما لو لف قطعة أدم على القدم وشدها لا يجوز المسح عليها وأظهرهما
ونقله الشيخ أبو محمد عن نصه أنه يجوز لحصول الستر به وارتفاق المشي فيه فلو فتح الشرج بطل
371

المسح وان لم يظهر شئ لأنه إذا مشى فيه ظهر وليكن قوله في الكتاب فلو تخرق معلما بالقاف
والميم لما ذكرنا وبالحاء أيضا لان عند أبي حنيفة إن كان الخرق بحيث يبين منه قدر ثلاث أصابع
من أصابع الرجل لم يجز المسح عليه وإن كان أقل جاز (الثاني) أن يكون قويا والمراد منه كونه
372

بحيث يمكن متابعة المشي عليه لا فرسخا ومرحلة بل قدر ما يحتاج المسافر إليه من التردد في حوائجه
عند الحط والترحال فلا يجوز المسح على اللفائف والجوارب المتخذة من الصوف واللبد لأنه لا يمكن
المشي عليها ويسهل نزعها ولبسها فلا حاجة إلى ادامتها في الرجل ولأنها لا تمنع نفوذ الماء إلى الرجل
ولابد من شئ مانع على الأصح كما سيأتي وكذلك الجوارب المتخذة من الجلد التي تلبس مع
المكعب وهي جورب الصوفية لا يجوز المسح عليها حتى تكون بحيث يمكن متابعة المشي عليها وتمنع
نفوذ الماء ان اعتبرنا ذلك اما لصفاقها أو لتجليد القدمين والنعل على الأسفل أو الالصاق
بالكعب وحكى بعضهم أنها وإن كانت صفيقة ففي اشتراط تجليد القدمين قولان وعند أبي حنيفة لا يجوز
373

المسح على الجوربين وإن كانا صفيقين حتى يكونا مجلدين أو منعلين وخالفه صاحباه فهذا إذا تعذر المشي
فيه لضعف الملبوس في نفسه ولو تعذر المشي فيه لسعته المفرطة أو لثقله أو لضيقه ففي جواز المسح عليه
وجهان أحدهما يجوز لأنه في نفسه صالح للمشي عليه الا ترى انه لو لبسه غيره لارتفق به وأصحهما
لا يجوز لأنه لا حاجة له في إدامة مثل هذا الخف في الرجل ولا فائدة له فيه ولو تعذر المشي فيه لثقله
أو غلظه كما إذا اتخذ خفا من خشب أو حديد وهو بحيث لا يمكن المشي عليه فلا يجوز المسح عليه
كما لو تعذر المشئ فيه لضعفه وكذلك لو كان المتخذ من الخشب محدد الرأسي لا يثبت مستقرا على
الأرض ولو كان المتخذ من الخشب والحديد لطيفا يتأتي المشي فيه جاز المسح عليه هذا قضية
374

ما ذكره الجمهور تصريحا وتلويحا وذكر امام الحرمين وصاحب الكتاب في الوسيط أنه يجوز
المسح على الخف من الحديد وان عسر المشي فيه فان ذلك ليس لضعف الملبوس وأنما هو لضعف
اللابس ولا نظر إلى أحوال اللابسين فإنه لا ينضبط (الثالث) أن يكون حلالا فالخف المغصوب
والمسروق في جواز المسح عليه وجهان قال صاحب التلخيص لا يجوز لان المسح عليه لحالة الاستدامة
وهو مأمور بالنزع والرفض ولان لبسه معصية والمسح رخصة والرخص لا تناط بالمعاصي وقال
أبو علي الطبري والأكثرون يجوز كالوضوء بالماء المغصوب والصلاة في الثوب المغصوب ولو
اتخذ من الذهب أو الفضة خفا فجواز المسح عليه على الوجهين وايراد صاحب التهذيب يشعر بالمنع
375

جزما والأول أقرب ولعلك تقول أول كلام صاحب الكتاب يقتضى اشتراط الحل جزما حيث
قال الشرط الثاني أن يكون الملبوس ساترا قويا حلالا وبالآخرة ذكر وجهين في المسح على الخف
المغصوب ثم الأظهر منهما في المذهب جواز المسح عليه فينحذف القيد الثالث عن درجة الاعتبار
ولا يلائم آخر الكلام أوله فاعلم أن الضوابط في المذهب تذكر كالتراجم لما قيل باعتباره وفاقا
أو خلافا والاعتماد على ما يذكر من التفصيل آخرا وكثيرا ما ينحذف بعض القيود على الأظهر الا انه
يذكر لمعرفة الخلاف لكن ههنا صورة أخرى تقتضي التعرض لهذا القيد واعتباره وان جوزنا
المسح على الخف المغصوب والمسروق وهي ما إذا اتخذ خفا من جلد الكلب أو جلد الميتة قبل
376

الدباغ فهذا الجلد لنجاسة عينه لا يحل استعماله في البدن باللبس وغيره على أصح القولين وقد نص
في الام على أنه لا يجوز المسح عليه لأنه لا يمكن الصلاة فيه وفائدة المسح وان لم تنحصر في الصلاة
الا ان المقصود الأصلي الصلاة وما عداها كالتابع لها وأيضا فان الخف بدل عن الرجل ولو كانت
الرجل نجسة لم تغسل عن الوضوء ما لم تطهر عن النجاسة فكيف يمسح على البدل وهو نجس العين
ولا يعود الخلاف في هذه الصورة (واعلم) انه يعتبر في الملبوس وراء الصفات الثلاث المذكورة في
الكتاب صفات أخر (إحداها) ان لا يتعذر المشي عليه بسبب السعة المفرطة أو الضيق المفرط أو بسبب
الثقل أو الاحتداد كما سبق (والثانية) ذكر الشيخ أبو محمد انه ينبغي ان يقع عليه اسم الخف حتى
لو لف على قدمه قطعة أدم وشده بالرباط لم يجز المسح عليه لان اللف لا يقوى ولا يتأتى التردد ومتابعة
المشي عليه فان فرض ربط قوى فمثل ذلك يعسر ازالته واعادته على هيئته مع استيفاز المسافر فلا
يحصل الارتفاق المقصود بالمسح فيتبع مورد النص وهو الخف (الثالثة) ان يمنع نشف الماء ووصوله
إلى لرجل فلو لم يمنع كالخف المنسوج والذي لا صفاقة له فهل يجوز المسح عليه فيه وجهان أظهرهما
لا: لان الغالب من الخفاف ان يمنع النفوذ فينصرف إليها نصوص المسح ويبقى الغسل واجبا فيما
عداها والثاني يجوز كما لو تخرقت ظهارة الخف وبطانته من موضعين غير متوازيين يجوز المسح
عليه مع نفوذ الماء واختار امام الحرمين هذا الوجه وتابعه صاحب الكتاب في الوسيط ولذلك
377

حذف هذا الشرط من أصله ههنا لكن ظاهر المذهب الأول
قال [فرع الجر موق الضعيف فوق الخف لا يمسح عليه وإن كان قويا لم يجز (م ح) المسح عليه أيضا في
الجديد بل عليه ان يدخل اليد بينهما فيمسح على الأسفل]
الجرموق هو الذي يلبس فوق الخف وإنما يلبس غالبا لشدة البرد فإذا لبس
جرموقين فوق الخفين أو خفين فوق الخفين فلا يخلو من أربع أحوال (إحداها) أن يكون الأسفل
بحيث لا يمسح عليه لضعف أو تخرق والا على بحيث يمسح عليه فالمسح على الاعلي والأسفل والحالة
هذه كالجورب واللفافة (والثانية) أن يكون الامر بالعكس من ذلك فيمسح على الأسفل القوى وما
فوقه كخرقة تلف على الخف فلو مسح على الاعلي فوصل البلل إلى الأسفل فان قصد المسح على
الأسفل جاز وكذا لو قصد المسح عليهما جاز ويلغو قصد المسح على الاعلي وفيه وجه انه إذا
قصدهما لم يعتد بالمسح وان قصد المسح على الاعلى الضعيف لم يجزه وان لم يقصد شيئا بل كان
على نيته الأولى وقصد المسح في الجملة ففيه وجهان أظهرهما الجواز لأنه قصد اسقاط فرض الرجل
بالمسح وقد وصل الماء إليه فكفى (الحالة الثالثة) الا يكون واحد منهما بحيث يمسح عليه فلا يخفى
تعذر المسح (الرابعة) أن يكون كل واحد منهما بحيث يمسح عليه فهل يجوز المسح على الاعلي فيه
قولان قال في القديم والاملاء يجوز وبه قال أبو حنيفة واحمد والمزني لان المسح على الخف جوز
378

رفقا وتخفيفا وهذا المعني موجود في الجرموق فان الحاجة تدعو إلى لبسه وتلحق المشقة في نزعه
عند كل وضوء وقال في الجديد لا يجوز وهو أشهر الروايتين عن مالك لان الأصل غسل الرجلين
والمسح رخصة وردت في الخف والحاجة إلى لبسه أهم وأعم فلا يلحق به الجرموق فان فرعنا على
القديم وجوزنا المسح على الجرموق فكيف السبيل في ذلك: ذكر ابن سريج فيه ثلاثة معان
أظهرها ان الجرموق بدل عن الخف والخف بدل عن الرجل لأنه يستر الخف ستر الخف للرجل
ويشق نزعه كما يشق نزع الخف فأقيم مقامه (وثانيها) ان الأسفل كاللفافة والخف هو الاعلى لأنا إذا
جوزنا المسح عليه فقد جعلناه أصلا في رخصة المسح وثالثها ان الاعلي والأسفل معا بمثابة خف واحد
فالأعلى كالظهارة والأسفل كالبطانة ويتفرع على هذه المعاني مسائل (منها) لو لبسهما جميعا وهو على
كمال الطهارة له ان يمسح على الاعلي على هذا القول وهل له ان يمسح على الأسفل بان يدخل اليد
بينهما فيه وجهان ان قلنا الاعلي بدل الأسفل يجوز كما يجوز لو غسل الرجل في الخف وان قلنا الأسفل
كاللفافة أو هما كطافتى خف واحد فلا (ومنها) لو لبس الأسفل على كمال الطهارة ولبس الاعلي على الحدث
ففي جواز المسح على الاعلي وجهان ان قلنا بالمعنى الأول أو الثاني فلا يجوز لأنه مقصود بالمسح
لبسه محدثا فلا يمسح عليه كالخف الواحد وان قلنا بالمعني الثالث فيجوز كما لو لبس الخف على
الطهارة ثم أحدث والصق به طاقة أخرى وفى المسألة طريقة أخرى انه لا يجوز المسح عليه جزما
379

غسل الرجلين وهل يكفيه ذلك أم يفتقر إلى استئناف الوضوء قولان كما سنذكر في نزع الخف
وان قلنا إنهما كالظهارة والبطانة فلا شئ عليه وان قلنا الأسفل كاللفافة فينزع الأسفل أيضا
ويغسل الرجلين وفى لزوم الاستئناف قولان فيحصل من مجموع الاختلافات في المسألة خمسة أقوال
لا يلزمه شئ: يلزم المسح على الأسفل لا غير: يلزم المسح مع استئناف الوضوء: يلزم نزع الخفين وغسل
الرجلين: يلزم ذلك مع استئناف الوضوء (ومنها) لو تخرق الاعلي من إحدى الرجلين أو نزعه فان
قلنا الاعلى بدل البدل فهل يلزمه نزعه من الرجل الأخرى فيه وجهان أصحهما نعم كما لو نزع أحد
الخفين يلزمه نزع الثاني ثم إذا نزع عاد القولان في أنه يكفيه المسح على الأسفلين أم يحتاج
380

ولو لبس الأسفل كذلك واحدث ومسح عليه ثم لبس الجرموق فهل يمسح عليه منهم من بناه على
المعاني ان قلنا الجرموق بدل الخف أو قلنا إنه كالظهارة فيجوز وان قلنا إنه الخف والأسفل
كاللفافة فلا وقيل يبني الجواز على هذا المعني الثالث على أن المسح على الخف هل يرفع الحدث
أم لا ان قلنا يرفع فيجوز والا فلا لأنه لم يلبس على طهارة قوية ومنهم من بنى المسألة على هذا
الأصل وقطع النظر عن المعاني الثلاثة وإذا جوزنا المسح في هذه المسألة على الاعلي فقد ذكر
الشيخ أبو علي ان ابتداء المدة يكون من حين أحدث أول ما لبس لا من وقت الحدث بعد لبس
الجرموقين لان كله كاللبس الواحد يبني البعض على البعض وفى جواز المسح على الأسفل الخلاف
الذي سبق (ومنها) لو لبس الأسفل على الحدث وغسله فيه ثم لبس الاعلى وهو على طهارة كاملة
فلا يجوز المسح على الأسفل لا محالة وهل يجوز على الاعلى يبنى على المعاني ان قلنا الاعلي بدل
البدل فلا يجوز لان الأسفل ليس ممسوحا عليه إذا كان ملبوسا على الحدث فلا يصلح للبدلية وان
قلنا إنهما كالظهارة والبطانة فكذلك لا يجوز كما إذا لبس الخف ثم الصق به طاقة أخرى
وهو متطهر وان قلنا الأسفل كاللفافة فله المسح على الاعلى (ومنها) لو تخرق الاعلى من الرجلين
جميعا أو نزعهما بعد ما مسح عليه وبقي الأسفل بحاله فان قلنا الاعلى بدل البدل لم يجب نزع الأسفل
لان حكم الأصل لا يبطل بسقوط البدل لكن لابد من المسح على الخفين كما إذا نزع الخف لابد من
381

إلى إعادة الوضوء والثاني لا يلزم نزع الآخر لان كل واحدة من الرجلين دونها حائل والفرض فيما
المسح بخلاف ما إذا نزع أحد الخفين فان فرض الرجل المكشوفة حينئذ الغسل وعلى هذا فيما يلزمه
قولان أحدهما المسح على الخف الذي خلع الاعلى من فوقه والثاني استئناف الوضوء والمسح على
ذلك الخف وعلى الاعلي من الرجل الأخرى وان قلنا الاعلي والأسفل كطاقتي خف واحد لم
يلزمه شئ وان قلنا بالمعنى الثالث نزع الأسفل من الرجل التي نزع منها الاعلي أو تخرق ونزعهما
من الثانية ويغسل الرجلين وفى لزوم الاستئناف قولان (ومنها) لو تخرق الأسفل من الرجلين جميعا
لم يضر على المعاني كلها وان تخرق من إحداهما فان قلنا الاعلي بدل البدل نزع واحدة من الرجل
382

الأخرى أيضا كيلا يكون جامعا بين البدل والمبدل كذلك ذكره في التهذيب وغيره ولك ان تقول
هذا المعنى موجود فيما إذا تخرق الاعلى من إحدى الرجلين وقد حكوا وجهين في لزوم النزع من
الرجل الأخرى فليحكم بطردهما ههنا ثم إذا نزع ففيما يلزم: قولان أحدهما المسح على الخف الذي
تزع الاعلى من فوقه والثاني استئناف الوضوء والمسح عليه وعلى الاعلي الذي تخرق الأسفل
تحته وان قلنا بالمعنى الثاني أو الثالث فلا شئ عليه ومنها لو تخرق الاعلي والأسفل من الرجلين
جميعا أو من إحداهما لزم نزع الكل على المعاني كلها نعم ان قلناهما كطاقتي خف واحد وكان الخرق
في موضعين غير متحاذيين لم يضر على ما تقدم (ومنها) لو تخرق الاعلي من رجل والأسفل من الثانية
383

فان قلنا إنه بدل البدل نزع الاعلي المتخرق وأعاد المسح على ما تحته وهل يكفي ذلك أم يحتاج إلى
استئناف الوضوء ماسحا عليه وعلى الاعلى من الرجل الأخرى: فيه قولان وان قلنا هما كطاقتي
خف واحد لم يضر وان قلنا الأسفل كاللفافة وجب نزع الكل كما لو تخرق أحد الخفين ثم إذا
نزع غسل الرجلين وفى استئناف الوضوء قولان: هذا كله تفريع على القديم وان فرعنا على
الجديد ومنعنا المسح على الجرموق والخف الاعلي فان نزع الاعلي ومسح على الأسفل فذاك وان
ادخل اليد بينهما ومسح على الأسفل فهل يجوز فيه وجهان أصحهما وهو المذكور في الكتاب نعم
كما لو غسل رجليه وهما في الخف يجوز والثاني لا يجوز لان المسح ضعيف فلا يجوز إذا كان هناك
384

حائل لانضمام ضعف إلى ضعف وعلى هذا القول لو تخرق الخفان تحت الجرموقين نظر إن كان
عند التخرق على طهارة لبس الأسفل مسح على الاعلي لأنه صار أصلا بخروج ما تحته عن أن يمسح
عليه وإن كان محدثا في تلك الحالة لم يمسح على الاعلي كما لو ابتدأ اللبس على الحدث فإن كان على
طهارة المسح وذلك إذا جوزنا ادخال اليد بينهما والمسح على الأسفل منهما ففي جواز المسح على
385

الاعلى وجهان كما ذكرنا في التفريع على القديم والله أعلم * ولو لبس الجرموق في إحدى الرجلين واقتصر
في الأخرى على الخف وأراد المسح على جرموق وخف فلا شك انه يمتنع ذلك على الجديد
وعلى القديم يبنى على المعاني الثلاثة ان قلنا الجرموق بدل البدل لم يجز ذلك لان اثبات البدل
في إحدى الرجلين يمتنع كما يمتنع المسح في إحدى الرجلين والغسل في الأخرى وقد ذكرنا انه لو مسح
386

على الجرموقين ثم نزع أحدهما لا يلزمه شئ على رأى ويستدام حكم المسح على جرموق وخف والفرق على هذا
ان الامر في الاستدامة أقوى الا يرى أن اعتراض العدة والردة في دوام النكاح لا تبطله بخلاف ما في
الابتداء وان قلناهما كطاقتي خف يجوز له المسح على الجرموق والخف الآخر كما لو لبس حفين لأحدهما
طاقة واحدة وللآخر طاقتان فان قلنا الأسفل كاللفافة فوجهان أحدهما لا يجوز كما لو لبس خفا ولف على
387

الرجل الثانية لفافة وأصحهما الجواز لأنه إنما ينزل منزلة اللفافة إذا كان مستورا فاما إذا كان باديا
فهو مستقل بنفسه بدل عن الرجل بخلاف ما لو نزع أحد الجرموقين يجب نزع الكل على ذلك
التقدير لأنه يلبس الجرموق والمسح عليه صار الأسفل لفافة والله أعلم *
قال [النظر الثاني في كيفية المسح وأقله ما ينطلق عليه الاسم مما يوازي محل الفرض فلو اقتصر
على الأسفل فظاهر النص منعه واما الأكمل فان يمسح على أعلي الخف وأسفله الا أن يكون على أسفله
نجاسة واما الغسل والتكرار فمكروهان واستيعاب الجميع ليس بسنة] * الكلام في كيفية المسح
يتعلق بالأقل والأكمل فاما الأقل فيكفي في قدره ما ينطلق عليه اسم المسح خلافا لأبي حنيفة
حيث قدر الأقل بثلاث أصابع اليد ولأحمد حيث أوجب مسح أكثر الخف لنا ان
النصوص متعرضة لمطلق المسح وإذا اتى بما يقع عليه اسم المسح فقد مسح وهذا كما ذكرنا في مسح
388

الرأس ثم لابد وأن يكون محل المسح ما يوازي محل الفرض من الرجل إذ المسح بدل عن
الغسل وهل جميع ذلك محل المسح أم لا: لا كلام في أن ما يحاذي غير الأخمصين والعقبين
محل له وأما ما يحاذي الأخمصين وهو أسفل الخف ففي جواز الاقتصار على مسحه ثلاثة طرق
أظهرها أن فيه قولين أظهرهما انه لا يجوز لان الرخص يجب فيها الاتباع ولم يؤثر الاقتصار على
الأسفل قال أصحاب هذه الطريقة وهذا هو المراد فيما رواه المزني في المختصر انه ان مسح باطن الخف وترك
الظاهر أعاد والثاني وهو مخرج انه يجوز لأنه محاذ لمحل الفرض كالأعلى وعبر بعضهم عن هذا الخلاف بالوجهين
والطريق الثاني القطع بالجواز ثم من الصائرين إليه من غلط المزني وزعم أن ما رواه لا يعرف للشافعي
في شئ من كتبه ومنهم من قال أراد بالباطن الداخل لا الأسفل والطريق الثالث القطع بالمنع
واما عقب الخف ففيه وجهان انه ثم منهم من رتب العقب على الأسفل وقال العقب أولى
389

بالجواز لأنه ظاهر يرى والأسفل لا يرى في أغلب الأحوال فأشبه الداخل ومنهم من قال العقب
أولى بالمنع إذ لم يرد له ذكر أصلا ومسح الأسفل مع الاعلي منقول ان لم ينقل الاقتصار عليه وننبه
بعد هذا الأمور من ألفاظ الكتاب أحدها قوله فان اقتصر على الأسفل بعد قوله مما يوازي
محل الفرض كالمنقطع عنه ولو قال لكن لو اقتصر أو نعم لو اقتصر وما أشبه ذلك كان أولى
ليشعر باستثنائه مما يوازى محل الفرض الثاني قوله فظاهر النص منعه جواب على طريقة القولين
لان هذا الكلام إنما يطلق غالبا حيث يكون ثم قول آخر مخرج الثالث ظاهر كلامه يقتضى
تجويز المسح على عقب الخف لأنه قال أقله ما ينطلق عليه الاسم مما يوازى محل الفرض ولم يخرج عنه الا
أسفل الخف وموضع العقب مما يوازى محل الفرض وليس هو من أسفل الخف لكن الأظهر
عند الأكثرين انه لا يجوز الاقتصار عليه كالأسفل واما الأكمل فهو ان يمسح أعلى الخف وأسفله
خلافا لأبي حنيفة واحمد حيث قالا لا يمسح الأسفل لنا ما روى (1) عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه
390

ان النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله والأولى ان يضع كفه اليسرى تحت
العقب واليمني على ظهور الأصابع ويمر اليسرى إلى أطراف الأصابع من أسفل واليمني إلى الساق
يروى هذه الكيفية عن ابن عمر رضي الله عنهما (1) وقوله الا أن يكون على أسفله نجاسة استثناء لم
يذكره في الوسيط ولا تعرض له الأكثرون وفيه اشعار بالعفو عن النجاسة التي تكون على
الخف ولا شك انه إن كان عند المسح على أسفل خفه نجاسة فلا يمسح عليه لان المسح يزيد فيها
واما اشعاره بالعفو والقول في أنه كيف يصلي فيه يتعين إزالة النجاسة عنه بالماء كما في سائر المواضع
391

أم يكفي دلكه بالأرض فسيأتي في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى وهل يستحب مسح عقب
الخف فيه قولان وقيل وجهان أصحهما نعم كسائر اجزاء الخف من الاعلي والأسفل والثاني لا: لان
السنة ما جاءت به ولأنه موضع صقيل وبه قوام الخف فإدامة المسح عليه تفسده ومنهم من قطع بالاستحباب
ونفى الخلاف فيه ثم مسح الاعلي والأسفل وإن كان محبوبا لكن استيعاب الكل ليس بسنة
مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على خفه خطوطا من الماء (1) وحكي عن تعليق القاضي انه يستحب
الاستيعاب كما في مسح الرأس واما قوله الغسل والتكرار مكروهان فإنما يكره الغسل لأنه تعييب
392

للخف بلا فائدة وكذلك التكرار يوجب ضعف الخف وفساده وهذا المسح رخصة مبنية على
التخفيف ولك ان تعلم قوله فمكروهان بالواو واما في الغسل فلان القول بالكراهة مبني على أن
الغسل جائز قائم مقام المسح في صحة الوضوء وفيه وجه ان الغسل لا يجزى كما ذكرنا في مسح الرأس
لا انه مكروه واما في التكرار فلان القاضي أبا القاسم ابن كج حكى وجها انه يستحب فيه التكرار
ثلاثا كما في مسح الرأس *
قال [النظر الثالث في حكمه وهو إباحة الصلاة إلى انقضاء مدته أو نزع الخف ومدته للمقيم
393

يوم وليلة (م و) وللمسافر ثلاثة أيام من وقت الحدث فلو لبس المقيم ثم سافر قبل الحدث أتم مدة
المسافرين * وكذا لو أحدث في الحضر * فان مسح في الحضر (ح ز) ثم سافر أتم مسح المقيمين
(ح) تغليبا للإقامة * ولو مسح في السفر ثم أقام لم يزد (ز) على مدة المقيمين ولو شك فلم يدر
أنقضت المدة أو مسح في الحضر فالأصل وجوب الغسل ولا يترك مع الشك *
394

يباح بالوضوء الذي مسح فيه على الخفين الصلاة وسائر ما يفتقر إلى الطهارة ومد صاحب
الكتاب ذلك إلى أحدي غايتين اما مضى مدة المسح واما نزع الخف وفى معناه تخرقه فاما الغاية
الأولى وهي مضي مدة المدة فتعرف بمعرفة مدته وهل يتقدر المسح بمدة أم لا فيه قولان قال في القديم
لا: وبه قال مالك لما روى عن خزيمة قال (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ان يمسح
395

ثلاثة أيام ولياليهن ولو استزدناه لزادنا) (1) وعن أبي بن عمارة وكان ممن صلي إلى القبلتين قال (قلت
396

يا رسول الله امسح على الخف قال نعم قلت يوما قال ويومين قلت وثلاثة أيام قال نعم وما شئت) (1)
وقال في الجديد وهو المذكور في الكتاب يتقدر في حق المقيم بيوم وليلة وفى حق المسافر بثلاثة
أيام ولياليهن لحديث صفوان بن عسال كما سبق وعن علي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم
(جعل المسح ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم) (1) ويتفرع على الجديد مسائل (إحداها)
يعتبر ابتداء المدة في حق المسافر والمقيم جميعا من وقت الحدث بعد اللبث خلافا لأحمد حيث قال فيما
رواه أصحابنا يعتبر من وقت المسح والذي رأيته لأصحابه انه يعتبر من وقت الحدث كما ذكرنا ونسبوا الاعتبار
من وقت المسح إلى داود لنا ان وقت جواز المسح يدخل بالحدث ولا معنى لوقت العبادة سوى
الزمان الذي يجوز فعلها فيه كوقت الصلاة وغيره وغاية ما يمكن فعله بالمسح من الصلوات المؤداة على
التوالي ست عشرة إذا لم يجمع وان جمع فيتصور ان يؤدى به سبع عشرة صلاة وذلك في حالة عدم الجمع
397

مثل ان يحدث بعد طلوع الفجر بقدر ما يسع صلاة الفجر وقد بقي إلى طلوع الشمس ما يسعها أيضا فتوضأ
ويمسح على خفيه ويصلى الفجر ويصلي باقي صلوات اليوم والليلة بالمسح وكذلك صلوات اليوم الثاني والثالث
ويصلي الفجر في اليوم الرابع قبل الانتهاء إلى وقت الحدث في اليوم الأول فتلك ست عشرة وفى
حالة الجمع مثل ان يحدث بعد الزوال بقدر ما يسع صلاة الظهر والعصر وقد بقي من وقت الظهر
ما يسعهما أيضا فصلاهما بالمسح وكذا ما بعدهما من الصلوات إلى أن يدخل وقت الزوال في اليوم الرابع
فيصلي بالجمع الظهر والعصر قبل الانتهاء إلى وقت الحدث في اليوم الأول فيكون قد صلي أربع صلوات من
صلوات اليوم الأول وعشرا من صلوات اليوم الثاني والثالث ثلاث صلوات من صلوات اليوم الرابع فجملتها
سبع عشرة وغاية ما يصلي المقيم بالمسح من صلوات الوقت ست صلوات ان لم يجمع وسبع ان جمع بعذر
مطر ولا يخفى تصويره مما ذكرنا في المسافر (الثانية) إنما يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن بشرطين
أحدهما أن يكون سفر طويلا اما السفر القصير فهو كالإقامة والثاني الا يكون سفر معصية فإن كان
سفر معصية لم يمسح ثلاثة أيام ولياليهن كما لا يترخص بالقصر والافطار وهل يمسح يوما وليلة
398

فيه وجهان مذكوران في باب صلاة المسافرين في الكتاب وسنشرحهما ثم ويجريان في أن العاصي
بالإقامة كالعبد المأمور بالسفر إذا أقام هل يمسح يوما وليلة أم لا (الثالثة) لو لبس الخف في الحضر ثم سافر
وأحدث في السفر فله أن يمسح مسح المسافرين وكذلك لو أحدث في الحضر ثم سافر وابتدأ المسح في
السفر خلافا للمزني حيث قال في هذه الصورة يمسح مسح المقيمين لان ابتداء المدة وقع في الحضر * لنا أن
أول المسح أول العبادة فإذا وقع في السفر أقيمت العبادة كما يقام في السفر ولا نظر إلى دخول الوقت
في الحضر الا ترى أنه لو سافر بعد دخول وقت الصلاة كان له القصر على الصحيح ولا فرق بين أن يخرج
وقت الصلاة بعد ما أحدث في الحضر وبين ألا يكون كذلك * قال أبو إسحاق المروزي إذا مضي الوقت
399

في الحضر ولم يصل ثم سافر مسح مسح المقيمين لأنه عاص باخراج الصلاة عن الوقت ولا رخصة للعاصي
والأول أصح كما لو فاتته صلاة في الحضر له أن يقضيها بالتيمم في السفر وليكن قوله في الكتاب وكذا
لو أحدث في الحضر معلما بالزاي لمذهب المزني وبالواو للتفصيل الذي رويناه عن أبي إسحاق * ولو ابتدأ
المسح في الحضر ثم سافر أتم مسح المقيمين ولا يزيد عليه خلافا لأبي حنيفة حيث قال يمسح مسح المسافرين
إلا أن يتم اليوم والليلة قبل مفارقة العمران وعن أحمد روايتان إحداهما مثل مذهبنا والثانية أنه يمسح مسح
المسافر * لنا أنه عبادة اجتمع فيها الحضر والسفر فيغلب حكم الحضر كما لو كان مقيما في أحد طرفي صلاته
لا يجوز القصر واعلم أن الاعتبار في المسح بتمامه حتى لو توضأ في الحضر ومسح على أحد الخفين ثم
400

سافر ومسح على الآخر كان له أن يمسح مسح المسافرين لأنه لم يتم المسح في الحضر ولو ابتدأ المسح في
السفر ثم صار مقيما نظر ان أقام بعد تمام يوم وليلة لم يمسح بل ينزع ويستأنف اللبس ويجزئه ما مضى
وإن زاد على يوم وليلة وإن أقام قبل تمام يوم وليلة فله أن يتم يوما وليلة مسح المقيمين وقال المزني كل
يوم وليلة في السفر مقابل بثلث يوم وليلة في الحضر فان مسح يوما وليلة في السفر ثم أقام فله ثلثا يوم
وليلة * وان مسح يومين وليلتين ثم أقام فله ثلث يوم وليلة لنا تغليب جانب الحضر كما تقدم (الرابعة) لو شك
في انقضاء مدة المسح أما المقيم في مده المقيمين أو المسافر في مدة المسافرين وجب عليه غسل الرجلين وتعذر
المسح قال صاحب التلخيص هذا مما يستثنى عن قولنا اليقين لا يترك بالشك لأن جواز المسح يقين
401

وانقضاء المدة مشكوك فيه أجاب الأصحاب بأن قالوا لا بل هذا أخذ باليقين لان الأصل وجوب غسل
الرجلين والمسح رخصة منوطة بشرائط فإذا شك في المدة فقد شك في بعض الشرائط فيعود إلى الأصل
وهذا كما لو توضأت المستحاضة ثم شكت في انقطاع دمها قال الشافعي رضي الله عنه لا تصلى حتى تتوضأ
ولا نقول الأصل سيلان الدم بل نقول الأصل أن من أحدث توضأ وإنما جوز لها الصلاة للضرورة فإذا
شكت في بقاء الضرورة عادت إلى الأصل وكذلك لو دخل المسافر بعض البلاد ولم يدر انه البلد
الذي قصده أم غيره فلا يقصر لان الأصل وجوب الأربع وقد شك في شرط القصر وهو السفر
ولو شك المسافر في أن ابتداء مسحه كان في الحضر أو في السفر لا يزيد على مدة المقيمين اخذا بالأصل
402

المقتضي لوجوب الغسل فلو مسح في اليوم الثاني على الشك وصلى ثم زال الشك في اليوم الثالث وعلم أنه
ابتدأ المسح في السفر فعليه إعادة صلوات اليوم الثاني لأنه صلاها على الشك ويجوز أن يصلى بالمسح
في اليوم الثالث ثم إن كان على مسح اليوم الأول ولم يحدث في اليوم الثاني له أن يصلي في اليوم الثالث
بذلك المسح وإن كان قد أحدث في اليوم الثاني لكنه مسح على الشك وجب عليه إعادة المسح لصلوات اليوم
الثاني وفى وجوب استئناف الوضوء قولا الموالاة ويجوز له أن يعيد صلوات اليوم الثاني بالمسح في اليوم
الثالث ذكر كل ذلك في التهذيب وقال ابن الصباغ في الشامل يجب إعادة الصلوات لكن يجزئه المسح
403

مع الشك والأول أظهر هذا تمام الكلام في إحدى الغايتين *
قال [ومنهما نزع الخفين أو أحدهما فيجب غسل القدمين واما الاستئناف فلا يجب ان قلنا إن المسح
لا يرفع الحدث وان قلنا يرفع وجب لأنه في عوده لا يتجزأ]
الغاية الثانية نزع الخفين أو أحدهما ومهما اتفق ذلك وهو على طهارة لزم غسل الرجلين سواء كان
عند انقضاء المدة أو قبلها وهل يجب استئناف الوضوء فيه قولان أحدهما يجب وبه قال احمد وأصحهما
لا: وبه قال مالك وأبو حنيفة والمزني واختلف الأصحاب في أن القولين مستقلان بنفسهما أو هما مبنيان
404

على أصل آخر: منهم من قال هما مستقلان ووجه قول الاكتفاء بغسل الرجلين بأن المسح بدل زال حكمه
بطهور محل مبدله فيرجع إلى المبدل وهو الغسل كالمتيمم يرى الماء ووجه قول الاستئناف بأن قال
عبادة بطل بعضها فيبطل كلها كالصلاة: ومنهم من قال هما مبنيان على أصل واختلفوا فيه
على ثلاثة طرق أحدها انهما مبنيان على القولين في تفريق الوضوء ان جوزنا كفى غسلهما
وإلا وجب الاستئناف ويحكى هذا عن ابن سريج وأبي إسحاق لكن زيفه الجمهور من وجوه منها
405

انه لا خلاف في جواز التفريق في الوضوء على الجديد ونص في مواضع من الجديد على وجوب
الاستئناف ههنا: ومنها ان قولي التفريق يختصان بالتفريق الكثير فاما اليسير منه فهو جائز بلا خلاف ولا
صائر إلى الفرق فيما نحن فيه: ومنها ان التفريق بالعذر جائز والعذر موجود ههنا والثاني نهما مبنيان على أن بعض
الطهارة هل يختص بالانتقاض أم يتداعى انتقاض البعض إلى انتقاض الكل فيه قولان أحدهما يختص
البعض بالانتقاض لأنه لو غسل بعض أعضاء طهارته يرتفع الحدث عنه وان لم يرتفع عن الباقي
406

وإذا جاز ان يتبعض ارتفاعا جاز ان يتبعض ثبوتا فعلى هذا لا يجب الاستئناف والثاني لا يختص
البعض بالانتقاض كالصلوات وسائر العبادات فعلى هذا يجب الاستئناف والثالث وهو المذكور
في الكتاب وبه قال القفال والشيخ أبو حامد وأصحابهما انهما مبنيان على أن المسح على الخفين
هل يرفع الحدث عن الرجلين أم لا وفيه قولان أحدهما يرفع لأنه مسح بالماء فأشبه مسح الرأس
ولأنه يجوز الجمع به بين فرضين ولو لم يرفع الحدث لما جاز كالتيمم والثاني لا يرفع لأنه لو رفع
الحدث لما تقدر بمدة ولا يمتد اثره إلى وجود الحدث فان قلنا إنه لا يرفع الحدث عن الرجل فلا
يجب استئناف الوضوء لان الحدث قد ارتفع عن سائر الأعضاء الا عن الرجلين فإذا غسلهما ارتفع عنهما
أيضا وكفى قال في التتمة وهذا إذا لم يقع تفريق كثير فان وقع ففيه خلاف التفريق وان قلنا إن المسح يرفع
الحدث عن الرجل فيجب استئناف الوضوء لان وجوب غسل الرجلين عند النزع يدل على عود
الحدث فيهما والحدث لا يتجزأ في عوده *
واعلم أن هذه الطريقة والتي قبلها متقاربتان ومن يجوز انتقاض بعض الطهارة دون بعض
لا يبعد أن يقول بان الحدث يتجزأ عند العود ولا يسلم لزوم الاستئناف والله أعلم * هذا تمام الكلام
407

في الغايتين ولك ان تقول غاية فائدة المسح لا تنحصر في الامرين المذكورين بل تنتهي بأمرين
آخرين أحدهما ان يلزم الماسح غسل جنابة أو كانت امرأة فلزمها غسل حيض أو نفاس فيجب
غسل الرجلين واستئناف اللبس بعد ذلك أن أراد المسح قال صفوان كان يأمرنا ألا ننزع خفافنا
ثلاثا أيام ولياليهن الا من جنابة والمعنى فيه ان الجنابة لا تتكرر فلا يشق نزع الخف لها الثاني إذا
دميت رجله في الحف ولم يمكن غسلها فيه وجب النزع وغسل الدم ولا يكون المسح بدلا عنه وان
أمكن غسلها فيه نغسلها لم يبطل المسح *
قال [فرع لو لبس فرد خفه لم يجز المسح الا أن تكون الرجل الأخرى ساقطة من الكعب]
سليم الرجلين إذا لبس أحد الخفين دون الآخر لم يجز المسح عليه لوجهين أحدهما ان المسح
إنما جوز للارتفاق بلبس الخف لغرض المشي أو دفع الحر والبرد وغيرهما والمعهود في تحصيل هذه الاغراض
لبسهما جميعا فإذا لم يفعل لزمه الغسل الذي هو الأصل والثاني ان الرجلين بمثابة العضو الواحد
وهو مخير فيهما بين الغسل وبين المسح على الخفين وإذا تخير بين خصلتين في العبادة الواحدة لم
يجز له التوزيع كما في خصال الكفارة ولو لم يكن له الأرجل واحدة إما بأصل الخلقة أو سبب عارض
408

فهي وحدها كالرجلين ان شاء غسلها وان شاء مسح على ساترها بالشرائط السابقة لأنه قد يحتاج
إلى اللبس أيضا للمشي عليها مع عصا يتخذها أو لدفع الحر والبرد ولو بقيت من الرجل الأخرى
بقية لم يجز المسح حتى يواريها بساتر مستجمع لشرائط المسح *
قال * (كتاب الحيض) *
وفيه خمسة أبواب
(الأول) في حكم الحيض والاستحاضة * اما الحيض فأول وقت امكانه أول
السنة التاسعة في وجه وإذا مضت ستة أشهر منها في وجه وأول العاشرة في وجه فما قبل ذلك دم فساد وأقل
مدة الحيض يوم (ح م) وليلة (و) وأكثرها خمسة عشر يوما وأقل الطهر خمسة عشر يوما (ح) وأكثره
لاحد له وأغلب الحيض ست أو سبع وأغلب الطهر بقية الشهر ومستند هذه التقديرات الوجود المعلوم
409

بالاستقراء فلو وجدنا امرأة تحيض أقل من ذلك على الاطراد ففي اتباع ذلك خلاف لان بحث الأولين أو في]
الدم الذي تراه النساء ينقسم إلى غير النفاس والى النفاس وغير النفاس ينقسم إلى حيض واستحاضة
وهما مختلفا الحكم ثم قد تكون المرأة بحيث تعرف حيضها من استحاضتها وقد يختلط أحدهما بالآخر
فلا تعرف هذا من ذاك وعلى الأحوال فالدم قد يطبق وقد ينقطع فترى مثلا يوما دما ويوما نقاء فجعل
كلام هذه الأمور في خمسة أبواب أولها في خواص الدم الذي هو حيض وفى أحكام الحيض والاستحاضة
وثانيها في معرفة المستحاضات وثالثها في المتحيرة المشتبهة الحال ورابعها في التقطع وخامسها في النفاس
اما الباب الأول فمما يحتاج إليه لمعرفة الحيض بيان السن المحتمل للحيض وفيه ثلاثة أوجه أصحها ان
أقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين فان رأت الصبية دما قبل استكمال التسع فهو دم فساد قال
الشافعي رضي الله عنه واعجل من سمعت من النساء نساء تهامة يحضن لتسع سنين وهذا هو الذي
عبر عنه صاحب الكتاب بقوله وأول العاشرة في وجه والثاني ان أول وقت الامكان يدخل
بالطعن في السنة التاسعة وقد تسمى حينئذ بنت تسع والثالث يدخل بمضي ستة أشهر من السنة التاسعة
قال الأصحاب والمتبع في وقت الحيض وقدره الوجود فنرجع فيه إلى العرف لان كل ما ورد به الشرع
مطلقا ولم يكن له ضابط في الشرع واللغة يرجع فيه إلى العرف كالقبوض والاحراز ثم كل واحد من
أصحاب الوجوه الثلاثة يزعم أن ما ذكره قد عهد والاعتبار على الوجوه بالسنين القمرية دون غيرها وهل
410

يعتبر بالتقريب أم بالتحديد أظهرهما التقريب وعلى هذا فيه وجهان لو كان بين رؤية الدم وبين استكمال التسع
على الوجه الأصح مالا يسع لحيض وطهر يكون ذلك الدم حيضا والا فلا ولا فرق في سن الحيض بين البلاد
الحارة وغيرها وعن الشيخ أبي محمد ان الامر في البلاد الحارة على ما ذكرناه وفى الباردة
وجهان واما أقل مدة الحيض فقد نص في المختصر على أن أفل الحيض يوم وليلة وقال فيه في العدة
وأقل ما علمناه من الحيض يوم فاختلفوا فيه على طرق أحدها ان فيه قولين أظهرهما ان أقله يوم
وليلة لما روى عن علي رضي الله عنه ان أقل الحيض يوم وليلة ولان المتبع فيه الوجود المعتاد وقد
قال الشافعي رضي الله عنه رأيت امرأة لم تزل تحيض يوما وليلة وروى مثله عن عطاء وعن أبي
عبد الله الزبيري رضي الله عنهما والثاني أقله يوم لما روى عن الأوزاعي قال كانت عندنا امرأة
تحيض بالغداة وتطهر بالعشي والطريق الثاني القطع بان أقله يوم وحيث قال أقله يوم وليلة إنما
قال ذلك لأنه لم يجد في النساء من تحيض أقل من ذلك ثم وجد وعرف فرجع إليه والثالث وهو
411

الأظهر القطع بأن أقله يوم وليلة وحيث قال يوما أراد بليلته والعرب كثيرا ما تفعل ذلك وهذا هو
المذكور في الكتاب وعليه تفاريع الحيض وبه قال احمد وقال أبو حنيفة أقله ثلاثة أيام وعند
مالك لا حد لأقله وأما أكثر الحيض فهو خمسة عشر يوما وليلة خلافا لأبي حنيفة حيث قال أكثره
عشرة أيام لنا ما ذكرنا ان الرجوع إلى ما وجد من عادات النساء وأقصاها ما ذكرنا روى عن
علي رضي الله عنه أنه قال ما زاد على خمسة عشر فهو استحاضة وعن عطاء رأيت من تحيض يوما
ومن تحيض خمسة عشر يوما وعن أبي عبد الله الزبيري مثل ذلك واما الطهر فأكثره لا حد له
فقد لا ترى المرأة الدم في عمرها إلا مرة وأقله خمسة عشر يوما خلافا لأحمد حيث قال أقله ثلاثة عشر
وعن مالك قال ما اعلم بين الحيضتين وقتا يعتمد عليه وعن بعض أصحابه ان أقله عشرة أيام
412

لنا الرجوع إلى الوجود وقد ثبت ذلك من عادات النساء وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (تمكث
إحداكن شطر دهرها لا تصلي) (1) اشعر ذلك بأقل الطهر وأكثر الحيض وغالب عادات النساء في
413

الحيض ست أو سبع وفي الطهر باقي الشهر وقد ورد به الحديث قال صلى الله عليه وسلم (تحيضي في
علم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء ويطهرن) (1) وسيأتي ذلك من بعد وقوله ومستند هذه التقديرات
الوجود المعلوم بالاستقراء يعني ما ذكرنا ان المتبع في سن الحيض والأقل والأكثر ما وجد من
عادات النساء بعد البحث الشافي فاعتمدنا ذلك واتبعناه ولو وجدنا امرأة تحيض أقل من يوم
وليلة على الاطراد أو أكثر من خمسة عشر أو تطهر أقل من خمسة عشر فهل نتبع ذلك فيه
ثلاثة أوجه أحدها نعم وذهب إليه الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني في جواب له والقاضي حسين
414

فيما حكى ووجهه انا بينا ان المتبع في هذه المقادير الوجود فإذا وجدنا الامر على خلاف ما عهدنا وجب
اتباعه وقد تختلف العادات باختلاف الأهوية والأعصار والثاني وهو الأظهر انه لا عبرة به لان
الأولين قد أعطوا البحث حقه ولم ينقلوا زيادة ولا نقصانا وبحثهم أوفى واحتمال عروض دم فساد
للمرأة أقرب من انخراق العادات المستمرة والثالث انه ان وافق ذلك مذهب واحد من السلف
صرنا إليه وإلا فلا لأنه تبين لنا بذلك ان ما وجدناه قد وجد قبل هذا لكنه لم يبلغ الشافعي رضي الله عنه
والمذهب المعتمد هو الوجه الثاني وعليه يفرع مسائل الحيض ويدل عليه الاجماع على أنها
لو كانت تحيض يوما وتطهر يوما على الاستمرار لا يجعل كل ذلك النقاء طهرا كاملا
قال [وحكم الحيض تحريم أربعة أمور (الأول) ما يفتقر إلى الطهارة كسجود التلاوة والطواف
والصلاة ثم لا يجب قضاء الصلاة عليها
415

يحرم على الحائض ما يحرم على الجنب فليس لها أن تصلي لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا أقبلت الحيضة فدعى
الصلاة) (1) ولا ان تطوف لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها وقد حاضت وهي محرمة
(اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت) (2) ولا ان تمس المصحف لقوله تعالى لا يسمه الا المطهرون
416

ولا ان تلبث في المسجد لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا أحل المسجد لجنب
ولا حائض) (1) ولا أن تقرأ القرآن لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا يقرأ الجنب ولا الحائض
شيئا من القرآن) (2) وفى قراءة القرآن قول قدمناه وفى معنى الصلاة سجود التلاوة والشكر ولا يجب
417

عليها قضاء الصلاة قالت عائشة رضي الله عنها (كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)
وسيأتي المعني فيه على الأثر وقوله ما يفتقر إلى الطهارة إن كان المراد منه الطهارة الكبرى فالمكث
في المسجد داخل فيه فلا حاجة إلى تكراره في الأمر الثاني حيث قال فالمكث محرم وإن كان
المراد الطهارة الصغرى لم يكن الكلام حاويا لقراءة القرآن وهي مما تمنع على الحائض أيضا
قال [الثاني العبور في المسجد فان امنت التلويث فالمكث محرم وفى العبور وجهان]
الحائض أن خافت تلويث المسجد لو عبرت اما لأنها لم تستوثق أو لغلبة الدم فليس لها العبور
فيه صيانة للمسجد عن التلويث بالنجاسة وليس هذا من خاصية الحائض بل المستحاضة وسلس
البول ومن به جراحة نضاخة بالدم يخشي من المرور التلويث ليس لهم العبور وان امنت التلويث
ففي جواز العبور لها وجهان أحدهما لا يجوز لاطلاق الخبر (لا أحل المسجد لجنب ولا حائض)
وأصحهما الجواز كالجنب ومن على بدنه نجاسة لا يخاف معها التلويث وقوله في الكتاب (فان امنت
التلويث فالمكث محرم) ترتيب تحريم المكث على حالة الا من ليس على سبيل التخصيص بها بل
هو في حالة الخوف أولى بالتحريم لكن الفرض انه لا خلاف في تحريمه في هذه الحالة وإن كان العبور
مختلفا فيه وفى ذكره الوجهين في العبور حالة الا من ما يبين انه أراد بقوله أولا العبور في المسجد
حالة الخوف أو أراد انه ممتنع في الجملة إلى أن يبين التفصيل
قال [الثالث الصوم فلا يصح منها ويجب القضاء بخلاف الصلاة
418

ليس للحائض ان تصوم لما روى عن أبي سعيد الخدري ان النبي صلى الله عليه وسلم
وسلم قال (إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم) (1) وهذا التحريم يبقى ما دامت ترى الدم فإذا
انقطع ارتفع وان لم تغتسل بعد بخلاف الاستمتاع وما يفتقر إلى الطهارة فان التحريم فيه مستمر
إلى أن تغتسل ومما يرتفع تحريمه بانقطاع الدم الطلاق وسقوط قضاء الصلاة أيضا ينتهي بانقطاع
الدم ثم يجب على الحائض قضاء الصوم وان لم يجب قضاء الصلاة روى أن معاذة العدوية قالت
لعائشة رضي الله عنها ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضى الصلاة فقالت (الحرورية أنت: كنا ندع
الصوم والصلاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقضي الصوم ولا نقضي الصلاة) (3)]

(3) تقدم تخريج هذا الحديث من التلخيص في صفحة (416) فلينتبه اه‍
419

وذكروا في الفرق معنيين أحدهما ان قضاء الصوم لا يشق مشقة قضاء الصلاة لان غاية ما يفوتها
بعض شهر رمضان ويهون قضاؤه في السنة بخلاف الصلاة فإنها تكثر وتتكرر والثاني ان امر الصلاة
لم يبن على أن تؤخر ثم تقضى بل اما الا تجب أصلا أو تجب بحيث لا تؤخر بالاعذار والصوم
قد يترك بعذر السفر والمرض ثم يقضي فكذلك يترك بالحيض ويقضي وهل يقال بوجوب
الصوم على الحائض في حال الحيض فيه وجهان فمن قائل نعم ولولاه لما وجب القضاء كالصلاة
ومن قائل لا فإنها ممنوعة منه والمنع والوجوب لا يجتمعان
قال [الرابع الجماع ولا يحرم الاستمتاع بما فوق السرة وما تحت الركبة وبما تحت الإزار (م)
وجهان ثم إن جامعها والدم عبيط تصدق بدينار وفى أواخر الدم بنصف دينار استحبابا اما الاستحاضة
فكسلس البول لا تمنع الصلاة ولكن تتوضأ لكل صلاة في وقتها وتتلجم وتستثفر وتبادر إلى الصلاة
فان أخرت فوجهان ووجه المنع تكرر الحدث عليها مع الاستغناء وفى وجوب تجديد العصابة لكل
420

فريضة وجهان فان ظهر الدم على العصابة فلا بد من التجديد ومهما شفيت قبل الصلاة استأنفت
الوضوء وإن كانت في الصلاة فوجهان أحدهما انها كالتيمم إذا رأى الماء والثاني انها تتوضأ وتستأنف
لان الحدث متجدد فان انقطع قبل الصلاة ولم يبعد من عادتها العود فلها الشروع في الصلاة من
غير استئناف الوضوء ولكن ان دام الانقطاع فعليها القضاء وان بعد ذلك من عادتها فعليها
استئناف الوضوء في الحال]
الاستمتاع ضربان أحدهما الجماع في الفرج فيحرم في الحيض لقوله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض) قال
صلى الله عليه وسلم في تفسيره (افعلوا كل شئ الا الجماع في الفرج) (1) ويستمر هذا التحريم وان انقطع الدم
421

إلى أن تتطهر بالماء أو التراب عند العجز عن استعمال الماء خلافا لأبي حنيفة حيث قال إذا انقطع الدم لأكثر
الحيض حل الجماع وان لم تغتسل لنا قوله تعالى (ولا تقربوهن حتى يطهرن) بالتشديد أي يغتسلن
وأما على التخفيف فقد قال فإذا تطهرن فاتوهن أي اغتسلن فلم يجوز الاتيان الا بعد الاغتسال
ولو لم تجد ماء ولا ترابا لم يجز وطؤها على أصح الوجهين بخلاف الصلاة تأتى بها تشبها لحرمة الوقت
ومهما جامع في الحيض عمدا وهو عالم بالتحريم ففيه قولان الجديد انه لا غرم عليه لكنه يستغفر
ويتوب مما فعل لأنه وطئ محرم لا لحرمة عبادة فلا يجب به كفارة كوطئ الجارية المجوسية
وكالاتيان في الموضع المكروه لكنا نستحب له ان يتصدق بدينار ان جامع في اقبال الدم وبنصف
دينار ان جامع في ادباره لو رود الخبر بذلك (1) وهذا القول هو المذكور في الكتاب والقديم انه يلزمه
غرامة كفارة لما فعل ثم فيها قولان أحدهما يلزمه تحرير رقبة بكل حال لمذهب عمر رضي الله عنه
وأشهرهما انه ان وطئ في اقبال الدم فعليه ان يتصدق بدينار وإن كان في ادباره فعليه ان يتصدق
بنصف دينار لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من اتى
امرأته حائضا فليتصدق بدينار ومن اتاها وقد ادبر الدم فليتصدق بنصف دينار) ثم الدينار الواجب
422

أو المستحب مثقال الاسلام من الذهب الخالص يصرف إلى الفقراء والمساكين ويجوز ان يصرف
إلى واحد وعلى قول الوجوب إنما يجب ذلك على الزوج دون الزوجة وما المراد باقبال الدم وبادباره
فيه وجهان أحدهما وبه قال الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني انه ما لم ينقطع الدم فهو مقبل وادباره
ان ينقطع ولم تغتسل بعد يدل عليه ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (إذا وطئها في اقبال
الدم فدينار وان وطئها في ادبار الدم بعد انقطاعه وقبل الغسل فعليه نصف دينار) وأشهرهما ان
423

اقباله أوله وشدته وادباره ضعفه وقربه من الانقطاع وهذا هو الذي ذكره في الكتاب حيث
قال ثم إن جامعها والدم عبيط تصدق بدينار إلى آخره ويدل عليه ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا وقع الرجل باهله وهي حائض إن كان دما احمر
فليتصدق بدينار وإن كان اصفر فليتصدق بنصف دينار) وليكن قوله استحبابا معلما بالقاف
للقول الذي حكيناه وبالألف لان عند احمد يجب عليه دينار أو نصف دينار لأنه روى في بعض
الروايات فليتصدق بدينار أو نصف دينار وهذه الرواية مما يستدل بها على أن هذا الامر للاستحباب
لان التخيير بين القدر المعين وبعضه في الايجاب لا معنى له فهذا إذا وطئ عامدا عالما بالتحريم
وان وطئها ناسيا أو جاهلا بتحريم وطئ الحائض أو بأنها حائض فلا شئ عليه وقال بعض
الأصحاب يجئ على قوله القديم وجه آخر انه يجب عليه الكفارة أيضا (الضرب الثاني) من الاستمتاع
غير الجماع وهو ضربان (أحدهما) الاستمتاع بما بين السرة والركبة وهو المراد بما تحت الإزار
424

فهل يحرم في الحيض فيه ثلاثة أوجه أظهرها نعم ويحكى ذلك عن نصه في الام لظاهر قوله تعالي
425

فاعتزلوا النساء في المحيض وعن معاذ قال (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل
من امرأته وهي حائض فقال ما فوق الإزار) (1) ولان الاستمتاع بما تحت الإزار يدعو إلى الاستمتاع
427

بالفرج قال صلى الله عليه وسلم وسلم (من رتع حول الحمي يوشك ان يواقعه) (1) فوجب ان يمنع منه وبهذا
قال أبو حنيفة والثاني انه لا يحرم وبه قال أبو إسحاق وهو مذهب احمد لما روى أنه صلى الله عليه
وسلم قال (افعلوا كل شئ الا الجماع) ولان الجماع في الفرج إنما يحرم بسبب الأذى فلا يحرم
الاستمتاع بما حواليه كالموضع المكروه: والثالث انه ان أمن على نفسه التعدي إلى الفرج لورع
أو قلة شهوة لم يحرم والا حرم ويروى هذا عن أبي الفياض ونقل بعضهم في المسألة قولين وقالوا
الجديد التحريم والقديم الإباحة (الضرب الثاني) الاستمتاع بما فوق السرة وتحت الركبة كالتقبيل
428

والمضاجعة وهو جائز لما روينا من حديث معاذ وعن عائشة رضي الله عنها قالت (كنت مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الخميلة فحضت فانسللت فقال إنفست فقلت نعم فقال خذي ثياب
حيضك وعودي إلى مضجعك ونال منى ما ينال الرجل من امرأته الا ما تحت الإزار) (1) ويروى مثله
429

عن أم سلمة رضي الله عنها (1) ولا فرق بين ان يصيب دم الحيض موضعا منه وبين الا يصيبه وفى
وجه لا يجوز الاستمتاع بالموضع المتلطخ به لأنه لو استمتع به لأصابه اذى الحيض وإنما منع من وطئ
الحائض للأذى والأول هو الظاهر لاطلاق الاخبار ولك ان تعلم قوله ولا يحرم الاستمتاع بما
فوق السرة وبما تحت الركبة لهذا الوجه الذاهب إلى التفصيل فهذا شرح الأمور الأربعة الممنعة
بالحيض واعلم أن قوله وحكم الحيض امتناع أربعة أمور يشعر بانحصار حكمه فيه لكن له أحكام
أخر منها انه يجب الغسل أو التيمم عند انقطاعه على ما سبق بيان ذلك في موجبات الغسل ومنها
430

انه تمتنع صحة الطهارة ما دام الدم مستمرا إلا الأغسال المشروعة لما لا يفتقر إلى الطهارة كالاحرام
والوقوف بعرفة فإنها تستحب للحائض لان المقصود من تلك الأغسال التنظيف وإذا فرعنا على
أن الحائض تقرأ القرآن فلها ان تغتسل إذا أجنبت لتقرأ ويستثني هذا الغسل أيضا على القول
431

المشار إليه عن سائر الطهارات ومنها انه يوجب البلوغ ومنها أنه يتعلق به العدة والاستبراء ومنها
أنه يكون الطلاق فيه بدعيا وهذه الأحكام تذكر في مواضعها وحكم النفاس حكم الحيض الا في
ايجاب البلوغ وما بعده *
432

قال [اما الاستحاضة فكسلس البول لا تمنع الصلاة ولكن تتوضأ لكل صلاة في وقتها وتتلجم
وتستثفر وتبادر إلى الصلاة فان أخرت فوجهان ووجه المنع تكرر الحدث عليها مع الاستغناء وفى
وجوب تجديد العصابة لكل فريضة وجهان فان ظهر الدم على العصابة فلابد من التجديد] (1)
الاستحاضة قد يعبر بها عن كل دم تراه المرأة غير دمى الحيض والنفاس سواء كان متصلا بدم الحيض كالمجاوز لأكثر الحيض أو لم يكن متصلا به كالذي تراه المرأة قبل تسع سنين
وقد يعبر بها عن الدم المتصل بدم الحيض وحده وبهذا المعنى تنوع المستحاضة إلى معتادة ومبتدأة
ثم إلى مميزة وغيرها ويسمي ما عدا ذلك دم فساد لكن الأحكام المذكورة في جميع ذلك لا تختلف
433

والدم الخارج حدث دائم كسلس البول والمذي فلا يمنع الصوم والصلاة للاخبار التي نرويها في
المستحاضات ولذلك يجوز للزوج وطؤها وإنما اثر الاحداث الدائمة الاحتياط في إزالة النجاسة وفى
الطهارة فتغسل المستحاضة فرجها قبل الوضوء أو التيمم إن كانت تيمم وتحشوه بقطن أو
خرقة دفعا للنجاسة وتقليلا لها فإن كان الدم قليلا يندفع به فذاك والا شدت مع ذلك وتلجمت
بان تشد على وسطها خرقة كالتكة وتأخذ خرقة أخري مشقوقة الرأسين وتجعل أحداهما قدامها
والأخرى من ورائها وتشدها بتلك الخرقة وذلك كله واجب الا في موضعين أحدهما ان تتأذى
بالشد ويحرقها اجتماع الدم فلا يلزمها لما فيه من الضرر والثاني أن تكون صائمة فتترك الحشو
434

نهارا وتقتصر على الشد وسلس البول أيضا يدخل قطنة في إحليله فان انقطع والاعصب مع ذلك
رأس الذكر بخرقة ثم تتوضأ المستحاضة بعد الاحتياط الذي ذكرناه ويلزمها الوضوء لكل فريضة
ولا تصلي فريضتين بطهارة واحدة لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش (توضأي
لكل صلاة) ولابد وأن تكون طهارتها للصلاة بعد دخول وقتها كما ذكرنا في التيمم وحكي
الشيخ أبو محمد وجها انه يجوز ان تقع طهارتها قبل الوقت بحيث ينطبق آخرها على أول الوقت
وتصلي به الصلاة والمذهب الأول وينبغي ان تبادر إلى الصلاة عقيب احتياطها وطهارتها فلو أخرت
بان توضأت في أول الوقت وصلت في آخره أو بعد خروج الوقت نظر إن كان التأخر للاشتغال
بسبب من أسباب الصلاة كستر العورة والاجتهاد في القبلة والاذان والإقامة وانتظار الجماعة
والجمعة ونحوها فيجوز والا فثلاثة أوجه أصحها المنع لان الحدث متكرر عليها وهي مستغنية عن
واحتمال ذلك قادرة على المبادرة الثاني الجواز كما في التيمم ولأنها لو أمرت بالمبادرة لأمرت بتخفيف
435

الصلاة والاقتصار على الأقل: والثالث ان لها التأخير ما لم يخرج وقت الصلاة فإذا خرج فليس
لها ان تصلي بتلك الطهارة وذلك لان جميع الوقت في حق تلك الصلاة كالشئ الواحد والوجوب
فيه موسع وهل يلزمها تجديد غسل الفرج وحشوه وشده لكل فريضة ننظر ان زالت العصابة
عن موضعها زوالا له وقع أو ظهر الدم على جوانب العصابة فلا بد من التجديد لأن النجاسة قد
كثرت وأمكن تقليلها فلا تحتمل ولا باس بالزوال اليسير كما يعفى عن الانتشار اليسير في الاستنجاء
وان لم تزل العصابة عن موضعها ولا ظهر الدم فوجهان أصحهما وجوب التجديد كما يجب تجديد
الوضوء: والثاني لا يجب إذ لا معني للامر بإزالة النجاسة مع استمرارها لكن الامر بطهارة الحدث
مع استمراره معهود ونقل المسعودي الخلاف المسألة قولين وهذا الخلاف جار فيما إذا انتقض
وضوء المستحاضة واحتاجت إلى وضوء آخر بسبب ذلك كما لو خرج منها ريح قبل ان صلت
436

فيلزمها الوضوء وفى تجديد الاحتياط الخلاف: ولو انتقض وضوءها بان بالت وجب التجديد
لا محالة لظهور النجاسة كيف وهي غير ما ابتليت به * واعلم أنه إذا خرج منها الدم بعد الشد فإن كان
ذلك لغلبة الدم لم يبطل وضوءها وإن كان لتقصيرها في الشد بطل وكذا لو زالت العصابة عن
موضعها لضعف الشد وزاد خروج الدم بسببه فان اتفق ذلك في الصلاة بطلت الصلاة وان اتفق بعد
الفريضة لم يكن لها ان تتنفل * ولنعد إلى ألفاظ الكتاب اما قوله ولكن تتوضأ لكل صلاة
يعني به كل صلاة الفرض وينبغي ان يعلم بالحاء والألف لان عند أبي حنيفة واحمد تتوضأ لوقت
كل صلاة لا لكل صلاة ولها ان تجمع بين فرائض بوضوء واحد ما دام الوقت باقيا وبخروج
الوقت تبطل طهارتها قال أبو حنيفة وان توضأت قبل الوقت لصلاة لا يمكنها ان تصلي تلك الصلاة
بذلك الوضوء لان دخول وقت كل صلاة يكون بخروج وقت التي قبلها وخروج الوقت مبطل
437

إلا صلاة الظهر فإنها إذا توضأت قبل الزوال تم زالت الشمس لها ان تصلي الظهر: واما قوله
وتتلجم وتستثفر فقد ورد اللفظان في خبر حمنة بنت جحش قال صاحب الصحاح اللجام فارسي
معرب واللجام ما تشده الحائض وقوله تلجمي أي شدي عليك اللجام قال وهو شبيه بقوله
استثفري واما الاستثفار فقد قال في الغريبين يحتمل أن يكون مأخوذا من ثفر الدابة أي تشد
الخرقة عليها كما يشد الثفر تحت الذنب ويحتمل أن يكون مأخوذا من الثفر أريد به فرجها وإن كان
أصله للسباع ثم استعير يقال استثفر الكلب إذا ادخل ذنبه بين رجليه واستثفر الرجل إذا
ادخل ذيله بين رجليه من خلفه هذا بيان اللفظين والمراد بهما شئ واحد وهو ما سبق وصفه
وسماه الشافعي رضي الله عنه التعصيب أيضا ويجب تقديم ذلك على الوضوء كما سبق وان اخره
صاحب الكتاب في اللفظ عن الوضوء: وقوله فان أخرت فوجهان ظاهره يقتضى طرد الوجهين
في مطلق التأخير لكن لو كان التأخير بسبب من أسباب الصلاة فقد نفى معظم النقلة الخلاف فيه
وخصوه بما إذا لم يكن لعذر فليحمل مطلق لفظه عليه والله أعلم
قال [ومهما شفيت قبل الصلاة استأنفت الوضوء وإن كانت في الصلاة فوجهان أحدهما أنها
كالتيمم إذا رأى الماء والثاني أنها تتوضأ وتستأنف لان الحدث متجدد فان انقطع قبل الصلاة
ولم يبعد من عادتها العود فلها الشروع في الصلاة من غير استئناف الوضوء ولكن ان دام الانقطاع
فعليها القضاء وان بعد ذلك من عادتها فعليها استئناف الوضوء في الحال
438

طهارة المستحاضة تبطل بحصول الشفاء لزوال العذر والضرورة ويجب عليها استئنافها وفيه
وجه ضعيف انه لو اتصل الشفاء بآخر الوضوء لم تبطل هذا ان اتفق خارج الصلاة فأن وقع في
الصلاة فظاهر المذهب انه يبطل الصلاة وتتوضأ وتستأنف لأنها قدرت على أن تتطهر وتصلي مع
الاحتراز عن الحدث واستصحاب النجاسة وارتفعت الضرورة وخرج ابن سريج من المتيمم
يرى الماء في أثناء الصلاة قولا ههنا ان طهارتها لا تبطل وتمضي في الصلاة لكن الفرق ظاهر من
وجهين أحدهما ان حدث المتيمم وان لم يرتفع لم تردد ولم يتجدد والمستحاضة قد تجدد حدثها بعد
الوضوء والثاني ان المستحاضة مستصحبة للنجاسة وسومحت به للضرورة فإذا زالت الضرورة
زالت الرخصة والمتيمم لا نجاسة عليه حتى لو كان على بدنه نجاسة غير معفو عنها ووجد الماء في أثناء
439

الصلاة تبطل صلاته ولا يجوز له البناء وقد ذكرنا في التيمم ان ابن سريج كما خرج من ثم إلى
ههنا خرج من ههنا إلى ثم وجعل المسألتين على قولين بالنقل والتخريج ومنهم من عبر عن الخلاف
ههنا بالوجهين وكذلك فعل صاحب الكتاب وإذا لم يكن القولان منصوصين فكثيرا ما يعبر
عنهما بالوجهين وعن الشيخ أبي محمد ان أبا بكر الفارسي حكي قولا عن الربيع عن الشافعي رضي
الله عنه ان المستحاضة تخرج من الصلاة وتتوضأ وتزيل النجاسة وتبنى على صلاتها ويمكن أن يكون
هذا بناء على القول القديم في سبق الحدث وهو يوافق تخريج ابن سريج في أنه لا يبطل ما سبق
من صلاتها ويخالفه في الامر بالوضوء وإزالة النجاسة فهذا حكم الانقطاع الكلي وهو الشفاء: وإذا
عرفت ذلك فنقول مهما انقطع دمها وهي تعتاد الانقطاع والعود أو لا تعتاده ولكن أخبرها عنه من
440

تعتمد من أهل البصيرة فينظر إن كانت مدة الانقطاع يسيرة لاتسع الطهارة والصلاة التي
تطهرت لها فلها الشروع في الصلاة ولا عبرة بهذا النوع من الانقطاع لأن الظاهر أنه لا يدوم بل
يعود على القرب ولا يمكن من الطهارة والصلاة من غير حدث فلو انه امتد على خلاف عادتها
أو خلاف ما أخبرت عنه بان بطلان الطهارة ووجب قضاء الصلاة وإن كانت مدة الانقطاع
كثيرة تسع الطهارة والصلاة فعليها إعادة الوضوء بعد الانقطاع فلو عاد الدم على خلاف عادتها
قبل الامكان ففي وجوب إعادة الوضوء وجهان أظهرهما انها لا تجب لكن لو شرعت في الصلاة
بعد هذا الانقطاع من غير إعادة الوضوء ثم عاد الدم قبل الفراغ وجب لقضاء على أصح الوجهين
441

لأنها حين الشروع كانت شاكة في بقاء الطهارة الأولى وان انقطع دمها وهي لا تعتد الانقطاع
والعود ولم يخبرها أهل البصيرة عن العود فنؤمر بإعادة الوضوء في الحال ولا يجوز لها أن تصلى
بالوضوء السابق لان هذا الانقطاع يحتمل أن يكون شفاء وهو الظاهر فان الأصل بعد الانقطاع
عدم العود فلو عاد قبل امكان فعل الطهارة والصلاة ففيه وجهان أصحهما أن وضوءها بحاله لأنه لم
يوجد الانقطاع المغنى عن الصلاة مع الحدث والثاني يجب الوضوء وان عاد الدم نظرا إلى أول
الانقطاع ولو خالفت أمرنا وشرعت في الصلاة من غير إعادة الوضوء بعد الانقطاع فإن لم يعد
الدم لم تصح صلاتها لظهور الشفاء وكذلك أن عاد بعد مضي امكان الطهارة والصلاة لتمكنها من
الصلاة من غير حدث وان عاد قبل الامكان فهل يجب قضاء الصلاة فيه وجهان كما في إعادة
442

الوضوء لكن الأصح الوجوب لأنها شرعت فيه على تردد وعلى هذا لو توضأت بعد انقطاع الدم
وشرعت في الصلاة ثم عاد الدم فهو حدث جديد يجب عليها أن تتوضأ وتستأنف الصلاة: واعلم أن
المستحاضة في غالب الامر لا ندري عند انقطاع دمها انه شفاء أم لا وسبيلها ان تنظر هل تعتاد
الانقطاع أم لا وتجرى على مقتضي الحالتين كما بينا وحكم الشفاء الكلى إذا عرف هو المذكور
أولا وهذا الذي رويناه وهو إيراد معظم أئمة أصحابنا العراقيين وغيرهم وبينه وبين كلام صاحب
الكتاب بعض الاختلافات لأنه قسم حال الانقطاع إلى قسمين أحدهما ألا يبعد من عادتها
العود والثاني ان يبعدوهما جميعا بفرضان في التي لها عادة عود وما حكيناه يقتضى جواز الشروع في
443

الصلاة متى كان العود معتادا بعد أم قرب وإنما يمنع الشروع من غير استئناف الوضوء إذا لم
يكن العود معتادا أصلا ويجوز أن يؤول كلامه على ما ذكره المعظم ولا يبعد أن يلحق ندرة العود
وبعده في عادتها بعدم اعتياد العود والله أعلم * ثم قوله فلها الشروع في الصلاة في الحالة الأولى محمول
444

على ما إذا كانت مدة الانقطاع يسيرة وإن كان اللفظ مطلقا أما لو كانت مديدة فلابد من إعادة الوضوء
كما سبق ثم عروض الانقطاع في أثناء الصلاة كعروضه قبل الصلاة بناء على ظاهر المذهب في أن الشفاء
في الصلاة كهو قبلها فإذا لم يكن معتادا لها أو جرت على عادتها بالانقطاع قدر ما تتمكن فيه من فعل الطهارة
445

والصلاة بطلت طهارتها وصلاتها وإن كان الانقطاع معتادا لها ومدته دون ذلك لم يؤثر وقوله فان انقطع
قبل الصلاة إنما قيد بما قبل الصلاة لأنه أراد ترتيب الشروع عليه لا ترتيب حكم ينتظم الحالتين
قال * (الباب الثاني في المستحاضات وهن أربعة) *
[المستحاضة الأولى مبتدأة مميزة ترى الدم أقوى (ح) أولا فتحيض في الدم القوى بشرط
446

ألا يزيد على خمسة عشر يوما ولا ينقص عن يوم وليلة وتستحيض في الضعيف بشرط ألا
ينقص عن خمسة عشر يوما والقوي هو الأسود أو الأحمر بالإضافة إلى لون ضعيف بعده * ولو
رأت خمسة سوادا ثم خمسة حمرة ثم أطبقت الصفرة فالحمرة مترددة بين القوة والضعف ففي وجه
تلحق بالسواد إذا أمكن الجمع الا ان تصير الحمرة أحد عشر وفى وجه تلحق الحمرة ابدا بالصفرة
447

المستحاضات أربع لان التي جاوز دمها أكثر الحيض أما أن تكون مبتدأة وهي التي لم يسبق لها حيض
وطهر أو معتادة وهي التي سبق لها ذلك وعلى التقديرين فاما أن تكون مميزة أو لا تكون فالأصناف إذا أربعة
مبتدأة مميزة مبتدأة غير مميزة معتادة مميزة معتادة غير مميزة وهذا أصناف اللواتي يتميز وقت حيضهن عن
استحاضتهن: أما الناسية فلا يمكن التمييز في حقها بين الحيض والاستحاضة وتختص لذلك بأحكام فافرد لها بابا
بعد هذا (المستحاضة الأولى) المبتدأة المميزة وهي التي ترى الدم على نوعين أحدهما أقوى أو على ثلاثة أنواع
أحدها أقوى فترد إلى التمييز على معنى انها تكون حائضا في أيام القوى مستحاضة في أيام الضعيف خلافا لأبي
حنيفة حيث قال ترد إلى أكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده وتطهر باقي الشهر لنا ما روى في الصحيحين
448

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش فقالت يا رسول الله انى امرأة استحاض
فلا أطهر أفأدع الصلاة قال لا إنما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا
أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي) (1) *
449

ويروى أنه قال (دم الحيض اسود وان له رائحة فإذا كان ذلك فدعى الصلاة وإذا كان الآخر فاغتسلي وصلى) (1)
وورد في صفته انه اسود محتدم بحراني ذو دفعات (2) وفى دم الاستحاضة أنه أحمر رقيق مشرق (3) والأسود
هو الذي تعلوه حمرة متراكمة فيضرب من ذلك إلى السواد والمحتدم هو الجار الذي يلذع البشرة ويحرقها
450

بحدته ويختص برائحة كريهة ودم الاستحاضة رقيق لا احتدام فيه يضرب إلى الشقرة أو الصفرة
ولذلك يسمى مشرقا وقيل المحتدم هو الضارب إلى السواد والبحراني هو الشديد الحمرة قال صاحب
الغريبين يقال احمر باحر وبحراني أي شديد الحمرة ثم إنما يحكم بالتمييز بثلاثة شروط شرطان منها
في القوى وهما ألا يزيد على خمسة عشر يوما ولا ينقص عن يوم وليلة وإلا كان زائدا على أكثر
الحيض أو ناقصا عن أقله فلا يمكن تحيضها فيه والثالث في الضعيف وهو الا ينقص عن خمسة عشر يوما
وذلك لأنا نريد أن نجعل الضعيف طهرا والقوى بعده حيضة أخرى وإنما يمكن جعله طهرا إذا
بلغ أقل الطهر فلو رأت ستة عشر دما اسود ثم احمر فقد فقد الشرط الأول ولو رأت يوما أو
نصف يوم اسود ثم احمر فقد فقد الشرط الثاني ولو رأت يوما وليلة دما أسود وأربعة عشر احمر ثم
عاد الأسود فقد فقد الشرط الثالث وهو ألا ينقص الضعيف عن خمسة عشر وقول الأصحاب
ينبغي ألا ينقص الضعيف عن خمسة عشر يوما أرادوا خمسة عشر على الاتصال وإلا فلو رأت يوما
أسود ويومين أحمر وهكذا أبدا فجملة الضعيف في الشهر لم ينقص عن خمسة عشر يوما لكن لما لم يكن على
الاتصال لم يكن ذلك تمييزا معتبرا ثم بماذا نعتبر القوة والضعف فيه وجهان أحدهما وهو الذي ذكره في
الكتاب ان الاعتبار في القوة والضعف بمجرد اللون فالأسود قوى بالإضافة إلى الأحمر والأحمر قوى بالإضافة
إلى الأشقر والأشقر أقوى من الأصفر والأكدر إذا جعلناهما حيضا وادعي إمام الحرمين قدس
451

الله روحه كون هذا الوجه متفقا عليه وقال لو رأت خمسة سوادا مع الرائحة المنعوتة في الخبر
حيث قال (له رائحة تعرف) وخمسة سوادا بلا رائحة فهما دم واحد وفاقا والوجه الثاني وهو الذي ذكره
أصحابنا العراقيون وغيرهم أن القوة تحصل بإحدى خصال ثلاث اللون كما ذكرنا في الوجه الأول والرائحة
فالذي له راحة كريهة أقوى مما لا له رائحة والثخن فالثخين أقوى من الرقين فيجب أن يكون
قوله والقوى هو الأسود أو الأحمر بالإضافة إلى لون ضعيف بعده معلما بالواو لهذا الوجه على أن
الأصح هذا الوجه على خلاف ما ذكره صاحب الكتاب الا ترى يأن الشافعي رضي الله عنه ذكر في صفة
الحيض أنه محتدم ثخين له رائحة وورد في الخبر التعرض لغير اللون كما ورد التعرض للون وعلى هذا فلا
يشترط اجتماع الصفات كلها بل كل واحدة منها تقتضي القوة وحدها ولو كان بعض دمها موصوفا
452

بصفة من الصفات الثلاث والبعض خاليا عن جميعها فالقوي هو الموصوف بها وإن كان للبعض
صفة وللبعض صفتان فالقوي الثاني وإن كان للبعض صفتان وللبعض الصفات الثلاث فالقوي الثاني
وان وجد في البعض صفة وفى البعض أخرى فالحكم للسابق منهما كذلك ذكره في التتمة وهو موضع
التأمل ثم إذا وجدت الشرائط الثلاث للتمييز فلا يخلو إما أن يتقدم القوى أو يتقدم الضعيف فان
تقدم القوى نظر ان استمر بعده ضعيف واحد كما إذا رأت خمسة سوادا ثم خمسة حمرة مستمرة
فأيام القوى حيض وأيام الضعيف استحاضة لما سبق من الخبر ولا فرق بين أن يتمادى زمان الضعيف وبين
أن يقصر على ظاهر المذهب وفيه وجهان آخران أحدهما أن الضعيف أن كان مع القوى قبله تسعين يوما
فما دون ذلك عملنا بالتمييز وقلنا هي مستحاضة في أيام الضعيف وان جاوز ابتدأت بعدن التسعين
حيضة أخرى وجعلنا كل دور تسعين ذكره امام الحرمي بناء على ما قال القفال في حد العادة
المردود إليها وسنذكر ذلك في باب النفاس والوجه الثاني ذكر في التتمة ان من شرط اعتبار
التمييز ألا يزيد مجموع القوي والضعيف على ثلاثين يوما فان زاد سقط حكم التمييز لان الثلاثين
لا تخلو عن حيض وطهر في الغالب وليس بعض المقادير بعد مجاوزة الثلاثين أولي بأن يجعل دورا
من بعض فعلى هذا ينضم شرط رابع إلى الشروط الثلاث المشهورة والأصح الأول لأن أخبار
التمييز مطلقة وهو الذي يوافق كلام الشافعي رضي الله عنه فإنه قال فإذا ذهب ذلك الدم يعني
القوى وجاءها الدم الأحمر الرقيق المشرق فهو عرق وليست بالحيضة فعليها ان تغتسل أطلق الكلام
اطلاقا هذا إذا استمر بعد القوى ضعيف واحدا أما إذا وجد بعد ضعيفان كما إذا رأت خمسة سوادا ثم خمسة
حمرة ثم صفرة مطبقة فالحمرة المتوسطة تلحق بالقوى قبلها أم بالضعيف بعدها حكي صاحب الكتاب
فيه وجهين أحدهما انها تلحق بالسوادان أمكن وذلك بان لا يزيد المجموع على خمسة عشر لأنها
قويان بالإضافة إلى ما بعد هما وقد أمكن جعلهما حيضا فصار كما لو كان كل ذلك سوادا أو حمرة فإن لم
يمكن الجمع حينئذ تلحق الحمرة بالصفرة والثاني انها تلحق بالصفرة بكل حال لأنها إذا دارت بين ان
453

تلحق القوى قبلها وبين أن تلحق بالضعيف بعدها والاحتياط هو الثاني فيصار إليه ويحصل
من هذا السياق اثبات وجهين في حالة امكان الجمع والجزم بالالحاق بالصفرة في حالة
عدم الامكان وفى كل واحدة من الحالتين طريقة أخرى سوى ذلك اما ف حالة امكان
الجمع فقد قطع بعضهم بضم الحمرة إلى السواد ونفي الخلاف فيه واما في حالة عدم الامكان
فقد أثبت بعضهم وجهين أحدهما ان حكم الحرمة حكم السواد لقوتها ولو زاد السواد على خمسة
عشر لكانت فاقدة للتمييز فكذلك إذا زاد مجموعهما وظهرهما ان حيضها أيام السواد لا غير
لاختصاصها بزيادة القوة وبالأولية أيضا فان قلت أنما يكون ما ذكره جزما بالالحاق بالصفرة عند عدم
الا ما كان إذا كان حكم المستثنى في قوله الا أن تكون الحرمة إحدى عشر الالحاق بالصفرة ويحتمل انه أراد
الا أن تكون الحمرة أحد عشر فتكون فاقدة للتمييز وهو أحد الوجهين المحكيين في الحالة الثانية
وعلى هذا التقدير فيكون ما ذكره اثباتا للخلاف في الحالتين فنقول نعم هذا محتمل لكن ايراده في الوسيط
يبين انه أراد ما ذكرناه ثم أعلم ان قوله إذا أمكن الجمع الا أن تكون الحمرة أحد عشر ليس بجيد
من جهة اللفظ لأنه يستحيل أن يكون ذلك استثناء من قوله إذا أمكن الجمع فان حالة عدم الامكان
لا يستثني من الامكان وإنما هو استثناء من قوله يلحق بالسواد وحينئذ في قوله إذا أمكن الجمع ما يغنى
عن هذا الاستثناء وفى الاستثناء ما يفهم المقصود ويغنى عن قوله إذا أمكن الجمع فأحدهما غير محتاج
إليه فان أراد التمثيل فالسبيل ان نقول إذا أمكن الجمع بان لا تزيد الحمرة على أحد عشر ولو تقدم
الأضعف من الضعيفين وتأخر الأقوى منهما كما إذا رأت سوادا ثم صفرة ثم حمرة فهذه الصورة
تترتب على ما إذا كانت الحمرة متوسطة فان ألحقناها بالسواد فالحكم كما إذا رأت سوادا ثم حمرة
ثم عاد السواد ولا يخفى بما ذكرنا من شرائط التمييز وان ألحقناها عند التوسط بالصفرة
فالصفرة المتوسطة ههنا أولى أن تلحق بما بعدها والله أعلم *
454

قال [هذا إذا تقدم القوى فلو رأت خمسة حمرة ثم خمسة سوادا ثم استمرت الحمرة فالصحيح
ان النظر إلى لون الدم لا إلى الأولية وقيل يجمعان إذا أمكن الجمع بان لم يزد المجموع على خمسة عشر]
ذكرنا ان بعد شرائط التمييز لا يخلو الحال اما ان يتقدم الدم القوى وقد بيناه أو يتقدم الضعيف كما
إذا رأت خمسة حمرة ثم سوادا ثم عادت الحمرة واستمرت فان أمكن الجمع بين الحمرة والسواد مثل أن تري
خمسة حمرة وخمسة سوادا ففيه ثلاثة أوجه محكية عن ابن سريج أظهرها أن النظر إلى لون الدم
دون الأولية فتكون حائضا في خمسة السواد مستحاضة قبلها وبعدها ووجه ظاهر قوله صلى الله عليه
وسلم (أن دم الحيض أسود يعرف) وأيضا فان ما سوى السواد ضعيف فلا يجعل حيضا كما لو كان
متأخرا عن السواد والثاني أنه يجمع بين السواد والحمرة قبله فتحيض فيهما لان للحمرة قوة السبق
وللسواد قوة اللون وقد أمكن الجمع والثالث انه يسقط التمييز لان العدول عن أول الدم مع حدوثه
في زمان الامكان بعيد والجمع بين السواد والحمرة يخالف عادة التمييز فلا يبقى الا أن يحكم
بسقوط التمييز وان لم يمكن الجمع بين الحمرة والسواد كما إذا كانت الحمرة السابقة خمسة والسواد أحد عشر
ترتب على الحالة الأولي ان قلنا ثم حيضها الدم القوى فكذلك ههنا وان قلنا هي فاقدة للتمييز فههنا أولا
فان قلنا يجمع بينهما فقد تعذر الجمع ههنا فهي فاقدة للتمييز وسنبين حكم المبتدأة التي
لا تمييز لها وفيه وجه آخر أن حيضها ههنا الدم المتقدم على السواد نظرا إلى الأولية فلو صار السواد
ستة عشر فقد فقد أحد شروط التمييز فهي كمبتدأة لا تمييز لها ويعود الوجه الصائر إلى رعاية
الأولية الذي ذكرناه الآن وهو ضعيف وسنعيد هذه الصورة لغرض آخر إن شاء الله تعالى وإذا
فرعنا على الأصح وهو أن حيضها السواد فلو رأت المبتدأة خمسة عشر حمرة أولا ثم خمسة عشر
سوادا تركت الصوم والصلاة في جميع هذه المدة اما في الخمسة عشر الأولي فلأنها ترجو الانقطاع
واما في الثانية فلان السواد بين ان ما قبله استحاضة وانه هو الحيض ان اجتمع شرائط التمييز ويجوز
أن يكون كذلك قال الأئمة ولا يتصور مستحاضة تدع الصلاة شهرا كاملا الا هذه على هذا الوجه
وزاد أبو سعيد المتولي فقال ولو زاد السواد على الخمسة عشر والصورة هذه فقد فات شرط التمييز
455

وحكمها أن ترد من أول الأحمر إلى يوم وليلة أو إلى ست أو سبع على اختلاف قولين نذكرهما
من بعد فيكون ابتداء دورها الثاني الحادي والثلاثون فان حيضناها فيه يوما وليلة فهذه امرأة
تؤمر بترك الصلاة أحدا وثلاثين يوما وان حيضناها ستا أو سبعا فهذه امرأة تؤمر بتركها ستا
وثلاثين أو سبعا وثلاثين *
قال [ثم المبتدأة إذا انقلب دمها إلى الضعيف في الدور الأول فلا تصلي فلعل الضعيف ينقطع دون
خمسة عشر يوما فيكون الكل حيضا فان جاوز ذلك نأمرها بتدارك ما فات في أيام الضعيف
نعم في الشهر الثاني كما ضعف (م) الدم فتغتسل إذ بان استحاضتها ومهما شفيت قبل خمسة عشر يوما
فالضعيف حيض مع القوى]
إذا بلغت الأنثى سن الحيض فبدأ بها الدم لزمها أن تترك الصلاة والصوم كما ظهر الدم
ولا يأتيها الزوج ثم لو انقطع لما دون أقل الحيض بان انه لم يكن حيضا فتقضى الصلاة والصوم
هذا هو المذهب وفيه وجه آخر أنها لا تترك الصوم والصلاة حتى تمضي مدة أقل الحيض من
أول ظهور الدم لان وجوبهما مستيقن وكونه حيضا مشكوك فيه فلا يترك اليقين بالشك وهذا
ما ذكره الشيخ أبو علي في شرح الفروع حيث قال إذا ابتدأ الدم بها في رمضان وهي بنت خمس
عشرة سنة فليس لها أن تفطر حتى يدوم قدر أقل الحيض فإنها حينئذ تعلم أنه حيض والظاهر من المذهب
الأول لان الدم الخارج من مخرج الحيض في وقت الحيض يكون حيضا غالبا وظاهرا وإذا عرف
ذلك فنقول إذا كانت المبتدأة مميزة فلا تشتغل بالصوم والصلاة بانقلاب دمها من القوى إلى الضعيف
فإنها لا تدرى أنه تجاوز الخمسة عشر أم لا وبتقدير ألا يجاوز يكون الضعيف حيضا مع القوى
فلابد لها من التربص لتتبين الحال فإذا تربصت وجاوز الخمسة عشر عرفت أنها مستحاضة وان
حيضها منحصر في أيام القوى على ما سبق فتتدارك ما فات من الصوم والصلاة في أيام الضعيف
هذا حكم الشهر الأول وأما في الشهر الثاني وما بعده فإذا انقلب الدم إلى الضعيف اغتسلت
وصامت وصلت ولم تتربص ولا مخرج ذلك على أن العادة هل ثبتت بمرة أم لا لان الاستحاضة
456

علة مزمنة والظاهر دوامها ثم لو اتفق الانقطاع قبلا الخمسة عشر وشفيت في بعض الأدوار
فالضعيف حيض مع القوى كما في الشهر الأول واعلم أنه لا فرق في كون الكل حيضا مهما انقطع
الدم قبل مجاوزة الخمسة عشر بين ان يتقدم القوى على الضعيف أو يتقدم الضعيف هذا هو
المشهور المقطوع به وحكى في التهذيب وجهين فيما إذا تقدم الضعيف على القوى ولم يزد على الخمسة
عشر كما إذا رأت خمسة حمرة وخمسة سوادا وانقطع دمها أحد الوجهين ما حكيناه والآخر أن
حيضها أيام السواد لأنه أقوى وما قبله لا يتقوى به بخلاف ما بعده فإنه يتبعه وحكي وجهين
أيضا فيما إذا رأت خمسة حمرة وخمسة سوادا وخمسة حمرة أصحهما ان الكل حيض والثاني
حيضها السواد وما بعده لا: ثم المفهوم من اطلاقهم انقلاب الدم إلى الضعيف أن يتمحض ضعيفا حتى
لو بقيت خطوط من السواد وظهرت خطوط من الحمرة لا ينقطع حكم الحيض وإنما ينقطع إذا
لم يبق السواد أصلا وصرح امام الحرمين بهذا المفهوم وقوله في الكتاب كما ضعف الدم معلم بالميم
لان مالكا قال المميزة بعد الدم القوى تتحيض ثلاثة أيام من الضعيف أيضا احتياطا لنا قوله
صلى الله عليه وسلم (وإذا أدبرت الحيضة فاغتسلي وصلي) وأيضا فانا لا نجعل شيئا من الدم
القوى طهرا احتياطا فكذلك لا نجعل شيئا من الدم الضعيف حيضا ولك ان تعلم قوله في آخر
الفصل فالضعيف حيض مع القوى بالواو لأنه يشمل ما إذا تقدم الضعيف وما إذا تقدم القوى
وفى حالة تقدم الضعيف الوجه الذي حكيناه عن التهذيب والله أعلم *
قال [المستحاضة الثانية مبتدأة لا تمييز لها أو فقدت شرط التمييز ففيها قولان أحدهما أن ترد
إلى عادة نساء بلدها على وجه أو نساء عشيرتها على وجه بشرط ألا ينقص عن ست ولا يزيد
على سبع لقول النبي صلى الله عليه وسلم (تحيضي في علم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء
ويطهرن) والقول الثاني انها ترد إلى أقل مدة الحيض احتياطا للعبادة وأما في الطهر فترد إلى أغلب
العادات وهي أربع وعشرون لأنه أبلغ في الاحتياط وقيل إلى تسع وعشرين لأنه تتمة الدور
457

المبتدأة التي لا تمييز لها وهي التي يكون جميع دمها من نوع واحد ينظر في خالها أن لم تعرف
وقت ابتداء دمها فحكمها حكم المتحيرة لان مردها على ما سيأتي يترتب في كل شهر على أول
مفاتحة الدم فإذا كان ذلك مجهولا لزم التحير وان عرفت وقت الابتداء وهي الحالة المرادة في
الكتاب ففي القدر الذي تحيض فيه قولان أصحهما انها تحيض أقل الحيض وهو يوم وليلة لان
سقوط الصلاة عنها في هذا القدر مستيقن وفيما عداه مشكوك فيه فلا تترك اليقين الا بيقين أو
أمارة ظاهرة كالتمييز والعادة والثاني ترد إلى غالب عادات النساء وهو ست أو سبع لأن الظاهر
اندراجها في جملة الغالب وقد روى أن حمنة بنت جحش قالت (كنت استحاض حيضة شديدة
فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام ثم
اغتسلي فإذا رأيت انك قد طهرت فصلي أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها وصومي
وصلي فان ذلك يجزئك) وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (تحيضي في علم الله ستا أو سبعا كما تحيض
النساء ويطهرن ميقات حيضهن وطهرهن) فقال جماعة من الأصحاب منشأ القولين الذين ذكرناهما
تردد الشافعي رضي الله عنه في أن حمنة كانت مبتدأة أو معتادة ان قلنا كانت معتادة رددنا المبتدأة إلى
الأقل اخذا باليقين ومن قال بهذا قال لعله عرف من عادتها انها أحد العددين الغالبين اما الست أو السبع
لكن لم يعرف عينه فلذلك قال تحيضي ستا أو سبعا وان قلنا كانت مبتدأة رددنا المبتدأة إلى
الغالب وقوله في علم الله أي فيما علمك الله من عادتك ان قلنا كانت معتادة ومن غالب عادات
النساء ان قلنا كانت مبتدأة فان فرعنا على القول الثاني فهل الرد إلى الست أو السبع على سبيل
التخيير بينهما أم لا فيه وجهان أحدهما انه على التخيير لظاهر الخبر فتحيض ان شاءت ستا وان شاءت
سبعا ويحكي هذا عن شرح أبى اسحق المروزي وزعم الحناطي انه أصح الوجهين والثاني
وهو الصحيح عند الجمهور انه ليس على التخيير ولكن تنظر في عادات النساء أهن يحضن ستا
أو سبعا ومن النسوة المنظور إليهن فيه ثلاثة أوجه أظهرها ان الاعتبار بنسوة عشيرتها من الأبوين
جميعا لان طبعها إلى طباعهن أقرب فإن لم يكن لها عشيرة فالاعتبار بنساء بلدها والثاني ان الاعتبار
458

بنساء العصبات خاصة والثالث يعتبر نساء بلدها وناحيتها ولا تخصص بنساء العصبة ولا نساء
العشيرة وإذا عرفت ذلك فعليها ان تجتهد وتنظر في امر النسوة المعتبر بهن فان كن يحضن جميعا
ستا أو سبعا اخذت بذلك وعلى هذا حملوا قوله صلى الله عليه وسلم (تحيضي في علم الله ستا أو
سبعا) وقالوا إنه على التنويع أي ان كن يحضن ستا فتحيضي ستا وان كن يحضن سبعا فتحيضي سبعا
وإن كانت عادتهن جميعا أقل من ست أو أكثر من سبع ففيه وجهان أظهرهما أنها ترد إلى الست في الصورة
الأولى والي السبع في الأخرى اخذا بالأقرب إلى عادتهن والخبر عين العددين وغالب عادات
النساء لا تجاوزهما فلا عدول عنهما والثاني انها ترد إلى عاداتهن الحاقا لها بالنسوة المعتبر بهن والوجه
الأول هو الذي ذكره في الكتاب حيث قال بشرط الا ينقص عن ست ولا يزيد على سبع
وان اختلفت عادتهن فحاضت بعضهن ستا وبعضهن سبعا ردت إلى الأغلب فان استوى البعضان
ردت إلى الست احتياطا للعبادة وكذلك الحكم لو حاضت بعضهن دون الست وبعضهن فوق السبع هذا
بيان مردها في الحيض واما في الطهر فان قلنا إنها مردودة في الحيض إلى الغالب فكذلك في الطهر
فترد إلى ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين كما نطق به الخبر وان قلنا إنها مردودة إلى الأقل ففي
طهرها قولان أحدهما انها ترد إلى أقل الطهر أيضا فيكون دورها ستة عشر يوما وإذا جاء السابع
عشر استأنفت حيضة أخرى وأصحهما انها لا ترد في الطهر إلى الأقل لان الرد في الحيض إلى
الأقل إنما كان للاحتياط ولو رددنا في الطهر إلى الأقل لكثر حيضها لعوده على قرب وذلك
نقيض قضية الاحتياط وعلى هذا فوجهان أحدهما انها ترد إلى الغالب وهو ثلاث وعشرون أو
أربع وعشرون وأظهرهما انها ترد إلى تسع وعشرين ليتم الدور ثلاثين مراعاة لغالب الدور وإنما
لم نحمل الحيض على الغالب احتياطا للعبادة ثم نعود إلى ما يتعلق بألفاظ الكتاب خاصة اما قوله مبتدأة
459

لا تمييز لها أو فقدت شرط التمييز فاعلم أن التي لا تمييز لها هي التي ترى الدم كله نوعا واحدا والتي
فقدت شرط التمييز ان ترى الدم على نوعين لكن القوى يكون دون يوم وليلة أو أكثر من
خمسة عشر يوما أو يكون الضعيف دون الخمسة عشر وحكمهما واحد في جريان القولين أحدهما
الرد إلى الأقل والثاني إلى الغالب وابتداؤه على القولين من أول ظهور الدم وعن ابن سريج
انه لو ابتدأ الدم الضعيف وجاوز القوى بعده أكثر الحيض فالضعيف استحاضة وابتداء
حيضها على اختلاف القولين من أول القوى والمعنى فيه العمل بالتمييز بقدر الامكان ونظيره
ما إذا رأت خمسة حمرة ثم اسود دمها وعبر الخمسة عشر وهذه هي الصورة التي وعدنا من قبل
ان نعيدها ولك ان تعلم قوله إلى عادة نساء بلدها على وجه أو نساء عشيرتها على وجه بالحاء والميم
والألف لان أبا حنيفة لا يردها إلى هذا ولا إلى ذاك إنما يردها إلى أكثر الحيض وهو عشرة
عنده وبه قال مالك واحمد في إحدى الروايات عنهما الا ان أكثر الحيض عندهما خمسة عشر
460

يوما وعن مالك روايتان أخريان إحداهما انها ترد إلى عادة لداتها وتستظهر بعد ذلك بثلاثة
أيام بشرط الا تجاوز خمسة عشر يوما والثانية انها ترد إلى عادة نسائها والاستظهار كما ذكرنا
وعن أحمد روايتان أخريان مثل قولينا وقوله واما في الطهر فترد إلى أغلب العادات إلى آخره
يجوز أن يكون مبينا على قول الرد إلى الأقل فان في طهرها على هذا القول اختلافا كما بيناه وهذا
قضية إيراده في الوسيط ويجوز ان يجعل كلاما مبتدأ غير مبني على أحد القولين فان قدر الطهر
461

إذا أفردناه بالنظر مختلف فيه ثم الرد على الغالب يخرج على القولين جميعا وما عداه يختص بقول
الرد إلى الأقل وليكن قوله إلى أغلب العادات معلما بما ذكرنا من العلامات فان من رد إلى أكثر
الحيض لا يرد في الطهر إلى أغلب العادات وإنما يرد إلى الباقي من الثلاثين وقوله وهي أربع
وعشرون يقتضي كون الأربع والعشرين أغلب من ثلاث وعشرين وهو ممنوع ومن قال بهذا الوجه
لا يرد لعين الأربع والعشرين بل يقول بردها إلى الطهر الغالب وهو بين ثلاث وعشرين وبين أربع
462

وعشرين حكاه امام الحرمين هكذا ثم قال وكان شيخي يرى على هذا الوجه أن ترد إلى أربع
وعشرين فان الاحتياط فيه أبلغ منه في ثلاث وعشرين فإذا ما ذكره صاحب الكتاب مصير إلى
كلام الشيخ أبى محمد وقضية خبر حمنة أن نعتبر طهرها بعادة النساء المنظور إليهن كما في الحيض
فليكن قوله وهو أربع وعشرون معلما بالواو لما رويناه ثم ايراده يقتضى الميل إلى الرد إلى غالب
الطهر وتصحيح هذا الوجه وعلى هذا التقدير يكون دورها خمسة وعشرين إذا ردت إلى أربع
463

وعشرين في الطهر والي الأقل في الحيض لكن ما اتفقت طرق الأصحاب عليه أن ظاهر المذهب
اشتمال كل شهر على حيض وطهر لها سواء ردت إلى الأقل أو الغالب وذلك يقتضي ترجيح الوجه
الصائر إلى تسع وعشرين وبالله التوفيق *
قال [ثم في مدة الطهر تحتاط كالمتحيرة أو هي كالمستحاضات ففيه قولان]
غير المميزة كالمميزة في ترك الصوم والصلاة في الشهر الأول إلى تمام الخمسة عشر فإذا
جاوز الدم الخمسة عشر تبينت الاستحاضة وعرفنا أن مردها الأقل والغالب
464

على اختلاف القولين فان رددناها إلى الأقل قضت صلوات أربعة عشر يوما وان رددناها إلى الست
أو السبع قضت صلوات تسعة أيام أو ثمانية وأما في الشهر الثاني وما بعده فينظر ان وجدت تمييزا
بالشروط السابقة قبل تمام المرد أو بعده فلا نظر إلى ما تقدم وهي في ذلك الدور كمبتدأة مميزة
مثاله مبتدأة رأت أولا دما أحمر ثم في الشهر الثاني رأت خمسة دما أسود والباقي أحمر فحيضها
في الشهر الأول الأقل أو الغالب وفى الشهر الثاني خمسة السواد أخذا بالتمييز فإنه شاهد في صفة الدم
فالنظر إليه أولي وان استمر فقد التمييز فيما بعد الشهر الأول وهذا مقصود الفصل ومحل القولين
فكما جاوز دمها المرد وهو الأقل أو الغالب فتغتسل وتصوم وتصلي لأن الظاهر دوام الاستحاضة
465

ثم لو شفيت في بعض الشهور قبل الخمسة عشر بان أنها غير مستحاضة فيه وان جميع الدم حيض
فتقضي ما تركته من الصوم في المرد وما صامته فيما وراءه أيضا لتبين الحيض فيه وتبين أن غسلها
لم يصح عقب انقضاء المرد ولا تأثم بفعل الصوم والصلاة والوطئ فيما وراء المرد لأنها معذورة
في بناء الامر على الظاهر وهل يلزمها الاحتياط فيما وراء المرد إلى تمام الخمسة عشر فيه قولان
أحدهما انها تحتاط كالمتحيرة لان احتمال الحيض والطهر والانقطاع قائم إلى تمام الخمسة عشر وإنما
تحتاط المتحيرة لقيام هذه الاحتمالات فكذلك هذه وأصحهما أنها لا تحتاط كسائر المستحاضات لأنا
قد جعلنا لها مردا في الحيض فلا عبرة بما بعده كما في المعتادة والمميزة فأن قلنا تحتاط فلا تحل تتزوج
466

إلى تمام لخمسة عشر ولا تقضى في هذه المدة فوائت الصوم والصلاة والطواف لاحتمال أنها حائض ويلزمها الصوم
والصلاة لاحتمال انها طاهر وتغتسل لكل صلاة لاحتمال الانقطاع وتقضي صوم جميع الخمسة عشر اما في المرد
فلأنها لم تصم وأما فيما وراءه فلاحتمال الحيض وان قلنا لا تحتاط فتصوم وتصلي ولا تقضي شيئا ويأتيها زوجها
ولا غسل عليها وتقضى الفوائت وعلى القولين لا نقضي الصلوات المأتي بها بين المرد والخمسة عشر
لأنها إن كانت طاهرة فقد صلت وإن كانت حائضا فليس عليها قضاء الصلوات وحكى في المهذب
هذا الخلاف وجهين والأشهر الا ثبت القولان ولا يخفى عليك بعد ما ذكرناه شيئان أحدهما أن قوله ثم
في مدة الطهر يعنى به مدة الطهر إلى تمام الخمسة عشر لا إلى آخر الشهر فان ما بعد الخمسة عشر طهر بيقين والثاني
467

ان في وجوب قضاء الصلاة على المتحيرة خلافا نذكره في موضعه وههنا لا يجب قضاء الصلاة بحال
وان أمرناها بالاحتياط فإذا قلنا أنها تحتاط كالمتحيرة في قول وجب أن يستثني قضاء الصلاة وصاحب
الكتاب لا يحتاج إلى هذا الاستثناء لأنه نفى وجوب القضاء على المتحيرة على ما سيأتي
قال [المستحاضة الثالثة المعتادة وهي التي سبقت لها عادة فترد إلى عادتها في وقت الحيض وقدره فإن كان
ت تحيض خمسا وتطهر خمسا وعشرين فجاءها دور فحاضت ستا ثم استحيضت بعد ذلك رددناها
إلى الست لأن الصحيح ثبوت العادة بمرة واحدة]
المعتادة تنقسم إلى ذاكرة لعادتها إلى ناسية والذي بقي من هذا الباب يشتمل على قسم الذاكرة واما الناسية
468

فقد أفرد لها الباب التالي لهذا الباب والذاكرة تنقسم إلى فاقدة للتمييز والي واجدة أما الفاقدة وهي المقصودة بهذا
الفصل فهي مردودة إلى عادتها القديمة خلافا لمالك حيث قال لا اعتبار بالعادة لنا ما روى عن أم مسلمة ان
امرأة كانت تهريق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت لها فقال (لتنظر
عدد الأيام والليالي التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر
ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل) (1) وتفصيل القول فيها ان يقال
عادتها السابقة إما الا يكون فيها اختلاف لا في القدر ولا في الوقت أو يكون فيها اختلاف فهما حالتان
فاما في الحالة الأولى فننظر ان تكررت عادة حيضها وطهرها مرارا ردت إلى عادتها في قدر الحيض ووقته وفى
الطهر أيضا وظاهر المذهب انه لا فرق بين أن تكون عادتها ان تحيض أياما من كل شهر أو من كل شهرين
أو من كل سنة وقيل بخلاف ذلك وهو الذي حكاه صاحب الكتاب في باب النفاس ونذكره ثم إن
شاء الله تعالى وان لم يتكرر ما سبق من عادة الحيض والطهر ففيه خلاف مبنى على أن العادة بماذا تثبت
469

وفيه وجهان مشهوران أصحهما وبه قال ابن سريج وأبو إسحاق أنها تثبت بمرة واحدة واحتجوا
عليه بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة (فلتنظر عدد الأيام والليالي التي كانت
تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها) اعتبر الشهر الذي قبل الاستحاضة والثاني ويحكي
عن ابن خيران أنه لا تثبت العادة الا بمرتين لان العادة مشتقة من العود وإذا لم يوجد الا مرة
واحدة فلا عود وحكي أبو الحسن العبادي وجها ثالثا أنها لا تثبت الا بثلاث مرات لقوله صلى
الله عليه وسلم (دعي الصلاة أيام أقرائك) وأقل الجمع ثلاثة وضرب في الكتاب مثالا لهذه
470

القاعدة فقال لو كانت تحيض خمسا وتطهر خمسا وعشرين فجاءها دور فحاضت به ستا ثم
استحيضت بعد ذلك فان قلنا العادة لا تثبت بمرة واحدة رددناها إلى الخمس وان قلنا أنها تثبت
بمرة رددناها إلى الست وقلنا ردها إلى ما قرب ونسخ ما قبله أولى ثم المعتادة في الشهر الأول
من شهور الاستحاضة تتربص كالمبتدأة لجواز أن ينقطع دون الخمسة عشر وان جاوز عادتها فان
عبر الخمسة عشر قضت صلوات ما وراء أيام العادة ثم في الدور الثاني وما بعده إذا مضت أيام
العادة اغتسلت وصامت وصلت لطهور الاستحاضة ولا يتأتى ههنا قول الاحتياط الذي ذكرناه
في المبتدأة لقوة العادة (الحالة الثانية) أن يكون في عادتها السابقة اختلاف فمن صورها أن يكون لها
عادة دائرة وقد ذكره في آخر الباب الثالث في فرع وكان ذكره في هذا الموضع أليق لأنها نوع من
العادات (ومنها) أن يكون في عاداتها المتقدمة على الاستحاضة اختلاف في القدر أو في الوقت وسمى
متقدمو الأصحاب التي انتقلت عادتها وتغيرت عما كانت ثم استحيضت منتقلة ونحن نذكر من
مسائلها صورا ترشد إلى غيرها (منها) لو كانت تحيض خمسا من أول كل شهر وتطهر باقيه فحاضت
في دور أربعا من الخمسة المعتادة ثم استحيضت بعد ذلك فهذه قد انتقل حيضها من الكثرة إلى
القلة ولو حاضت في دور ستا ثم استحيضت فقد انتقل من القلة إلى الكثرة والحكم في
الصورتين مبنى على الخلاف الذي سبق في العادة ان أثبتناها بمرة رددناها إلى ما قبل الاستحاضة
471

والا فالعادة القديمة ولو كانت المسألة بحالها فرأت في دور ستة أيام دما وفى دور عقببه سبعة
ثم استحيضت فان أثبتنا العادة بمرة رددناها إلى السبعة والا فوجهان أحدهما أنها ترد إلى الخمسة
ويتساقط العددان في الدورين الأخيرين لان واحدا منهما لم يتكرر على حياله وأظهرهما أنها ترد
إلى الستة لان التكرر قد حصل فيها فإنها وجدت مرة وحدها ومرة مندرجة في السبعة وإذا فرعنا
على الوجه الثالث فلا شك في ردها إلى الخمسة ولو كانت المسألة بحالها فحاضت في دور الخمسة
الثانية من الشهر فهذه قد تغير وقت حيضها وصار دورها المتقدم على هذه الخمسة بتأخر الحيض
خمسة وثلاثين خمسة منها حيض والباقي طهر فينظر ان تكرر هذا الدور عليها بأن رأت الخمسة
الثانية دما وطهرت ثلاثين ثم عاد الدم في الخمسة الثالثة من الشهر الآخر وعلى هذا مرارا ثم
استحيضت فهي مردودة إليه فتحيض من أول الدم الدائم خمسة وتطهر ثلاثين وعلى هذا أبدا
وان لم يتكرر هذا الدور كما إذا استمر الدم المتأخر المبتدئ من الخمسة الثانية وصارت مستحاضة
فهل نحيضها من أوله أم لا فيه وجهان عن أبي إسحاق انه لا حيض لها في هذا الشهر والذي بدأ
استحاضة كله إلى آخر الشهر فإذا جاء أول الشهر ابتدأت منه دورها القديم حيضا وطهرا وقال
الجمهور نحيضها خمسة من الدم الذي ابتدأ من الخمسة الثانية ثم إن قلنا بثبوت العادة بمرة حكمنا
لها بالطهر ثلاثين يوما وأقمنا عليها الدور الأخير أبدا وان لم نقل بذلك فوجهان أظهرهما أن
472

خمسة وعشرين بعدها طهر لأنه المتكرر من أطهارها والثاني ان باقي الشهر طهر لا غير وتحيض
الخمسة الأولي من الشهر الآخر وتراعي عادتها القديمة قدرا ووقتا وان رأت الخمسة الثانية دما
وانقطع وطهرت بقية الشهر ثم عاد الدم فقد صار دورها خمسة وعشرين فان تكرر ذلك بأن
رأت الخمسة الأولي من الشهر بعده دما وطهرت عشرين وهكذا مرارا ثم استحيضت فترد
إليه وان لم يتكرر كما إذا عاد في الخمسة الأولى واستمر فلا خلاف في أن الخمسة الأولي حيض
ويبنى حكم الطهر على الخلاف في العادة ان أثبتناها بمرة فطهرها عشرون والا فخمسة وعشرون
ولو كانت المسألة حالها فطهرت بعد خمستها المعهودة عشرين وعاد الدم في الخمسة الأخيرة
فهذه قد تغير وقت حيضها بالتقدم وصار دورها خمسة وعشرين فان تكرر هذا الدور بأن رأت
الخمسة الأخيرة دما وانقطع وطهرت عشرين وهكذا مرارا ثم استحيضت فترد إليه ولو لم يتكرر
كما إذا استمر الدم العائد فمحصول ما تخرج من طرق الأصحاب في هذه المسألة ونظائرها أربعة
أوجه أظهرها أنها تحيض خمسة من أوله وتطهر عشرين وهكذا أبدا والثاني تحيض خمسة وتطهر
خمسة وعشرين والثالث تحيض عشرة منه وتطهر خمسة وعشرين ثم تحافظ على الدور القديم
والرابع أن الخمسة الأخيرة استحاضة وتحيض من أول الدور خمسة وتطهر خمسة وعشرين على
عادتها القديمة وقد ذكرنا في صورة التأخر ما حكى عن أبي إسحاق من المحافظة على أول الدور
473

والحكم بالاستحاضة فيما قبله واختلفوا في قياس مذهبه ههنا منهم من قال قياسه الوجه الثالث
ومنهم من قال لا بل هو الرابع ولو كانت المسألة بحالها حاضت خمستها وطهرت أربعة عشر يوما
ثم عاد الدم واستمر فالمتخلل بين خمستها وبين الدم العائد ههنا ناقص عن أقل الطهر فحاصل
ما قيل فيه أربعة أوجه أيضا أظهرها أن يوما من الدم العائد استحاضة تكميلا للطهر
وخمسة بعده حيض وخمسة عشر طهر إذ صار دوها بما اتفق عشرين والثاني أن اليوم الأول استحاضة
والباقي من الشهر وخمسة من الشهر الذي بعده حيض ومجموع ذلك خمسة عشر ثم تطهر خمسة
وعشرين وتحافظ على دورها القديم والثالث ان اليوم الأول استحاضة وبعده خمسة حيض وخمسة وعشرون
طهر وهكذا ابدا والرابع ان جميع الدم العائد إلى ول الشهر استحاضة وتفتتح منه دورها القديم
وقد ذكرت كيفية هذه الوجوه ومأخذها في غير هذا الموضع فلا أطول ههنا ولك أن تعلم
قوله في آخر هذا الفصل ثبوت العادة بمرة واحدة بالحاء والألف إشارة إلى أنهما يقولان لا تثبت
العادة بأقل من مرتين *
قال [المستحاضة الرابعة المعتادة المميزة فان رأت السواد مطابقا لأيام العادة فهو المراد وان
474

اختلفت بأن كانت عادتها خمسة فرأت عشرة سوادا ثم أطبقت الحمرة فهل الحكم للعادة أم للتمييز فيه
قولان فعلى هذا ان رأت في أيام العادة خمسة حمرة ثم عشرة سوادا ثم أطبقت الحمرة ففي وجه الحكم للعادة
(م) وفى وجه للتمييز فتحيض في العشر السواد وفى وجه (ح م) يجمع بينهما الا أن يزيد المجموع
على خمسة عشر فيتعين الاقتصار على العادة أو على التمييز] *
المعتادة الذاكرة لعادتها إذا كانت واجدة للتمييز نظر ان توافق مقتضي العادة والتمييز كما إذا
كانت تحيض خمسة من أول كل شهر وتطهر الباقي فاستحيضت ورأت خمستها سوادا وباقي الشهر
حمرة فحيضها تلك الخمسة واعتضدت كل واحدة من الدلالتين بصاحبتها وان لم يتوافق مقتضاهما
475

نظر ان لم يتخلل بين العادة والتمييز قدر أقل الطهر كما إذا كانت تحيض خمسة كما ذكرنا فرأت
في دور عشرة سوادا ثم حمرة واستحيضت ففيه ثلاثة أوجه أصحها وبه قال ابن سريج وأبو اسحق
انها ترد إلى التمييز فتحيض في العشرة كلها لقوله صلى الله عليه وسلم (دم الحيض أسود يعرف)
ظاهره ينفى كون غيره حيضا لان التمييز صفة موجودة والعادة دلالة قد مضت والرد إلى
الدلالة الموجودة أولي والثاني وبه قال ابن خيران والاصطخري أنها ترد إلى العادة فترد إلى الخمسة
القديمة لقوله صلى الله عليه وسلم (فلتنظر عدد الأيام والليالي التي كانت تحيضهن) ولم يفصل
476

ولان العادة قد ثبتت واستقرت وصفة الدم بعرض البطلان الا ترى انه لو زاد الدم القوى على
خمسة عشر يوما بطلت دلالة قوته والثالث ان أمكن الجمع بينهما يجمع عملا بالدلالتين والا فيتساقطان
فتكون كمبتدأة لا تمييز لها وفيها ما قدمناه من القولين: مثال امكان الجمع ان ترى عشرة سوادا كما
ذكرناه ومثال عدم الامكان أن ترى خمستها المعهودة حمرة واحد عشر عقيبها سوادا وان يتخلل
بينهما أقل الطهر كما إذا رأت عشرين فصاعدا دما ضعيفا ثم خمسة قويا ثم ضعيفا وعادتها القديمة
خمسة من أول الشهر كما سبق فقدر العادة حيض بحكم العادة والقوى حيض آخر لأنه تخلل بينهما
زمان طهر كامل ومنهم من قال تبنى هذه الحالة على الحالة الأولى ان قلنا يقدم التمييز فحيضها خمسة
477

السواد وطهرها المتقدم عليه خمسة وأربعون وقد صار دورها خمسين وان قلنا تقدم العادة
فحيضها خمسة من أول الشهر وخمسة وعشرون من بعدها طهر وان قلنا يجمع بينهما حيضت الخمسة
الأولي بالعادة وخمسة السواد بالتمييز لامكان الجمع بتخلل طهر كامل بينهما هذا نق‍؟ الفصل * ولك
ان تعلم قوله الحكم للعادة بالميم لما ذكرنا أنه لا اعتبار للعادة عنده فضلا عن أن تقدم على التمييز
وقوله الحكم للتمييز بالألف لان عند احمد تقدم العادة عند اجتماع المعنيين وبالحاء أيضا لان عند أبي
حنيفة لا اعتبار للتمييز * واعلم أنه تحصل مما حكيناه في كل واحدة من حالتي امكان بين العادة
والتمييز وعدم الامكان ثلاثة أوجه أحدها الحكم بالعادة والثاني الحكم بالتمييز وهما يشملان
478

الحالتين والثالث في إحدى الحالتين الجمع وفى الثانية التساقط ولفظ الكتاب يفيد الوجوه الثلاثة
عند امكان الجمع والوجهين الشاملين عند عدم الامكان دون الثالث وقوله فيتعين الاقتصار على
العادة أو على التمييز أي على العادة في وجه وعلى التمييز في وجه
قال [فرعان الأول مبتدأة رأت خمسة سوادا ثم أطبق الدم على لون واحد ففي الشهر الثاني
نحيضها خمسا لان التمييز أثبت (ح م) لها عادة]
العادة التي ترد إليها المستحاضة المعتادة ليس من شرطها أن تكون عادة حيض وطهر صحيحين
بلا استحاضة بل قد تكون كذلك وقد تكون تلك العادة هي التي استفادتها من التمييز وهي مستحاضة كما
479

إذا رأت المبتدأة خمسة سوادا وخمسة وعشرين حمرة وهكذا مرارا ثم استمر السواد أو الحمرة في بعض الشهر
فقد عرفنا بما سبق من التمييز ان حيضها خمسة من أول كل شهر وصار ذلك عادة لها فنحيضها الآن خمسة من أول
كل شهر ونحكم بالاستحاضة في الباقي * هذا هو الصحيح وحكى امام الحرمين وجها آخر انه إذا انخرم التمييز
فلا نظر إلى ما سبق وهي كمبتدأة غير مميزة ولو كانت المسألة بحالها فرأت في بعض الأدوار عشرة سوادا
وباقي الشهر حمرة ثم استمر السواد وفى الدور الذي بعده فقد قال الأئمة نحيضها عشرة السواد في ذلك الدور لان
480

الاعتماد على صفة الدم ثم مردها بعد ذلك العشرة ولو كانت المسألة بحالها اعتادت السواد خمسة
ثم استمر الدم ثم رأت في بعض الأدوار عشرة فترد في ذلك الدور إلى العشرة وفى هاتين الصورتين
اشكالان (أحدهما) ردها إلى العشرة في الصورة الأولى ظاهر إذا قلنا العادة تثبت بمرة واحدة أما إذا قلنا
لا تثبت فينبغي ألا نكتفي بسبق العشرة مرة قال صاحب الكتاب في الوسيط هذه عادة تمييزية
فينسخها مرة واحدة ولا يجرى فيها ذلك الخلاف كغير المستحاضة إذا تغيرت عادتها القديمة مرة
فإنه نحكم بالحالة الناجزة وهذا لا يشفى الغليل وللمعترض أن يقول لم يختص الخلاف بغير التمييزية
481

ولما ذا تشتبه العادة التمييزية بالصورة المذكور دون غير التمييزية وما الفارق (الثاني) إذا أفاد
التمييز عادة للمستحاضة ثم تغير مقدار القوى بعد انخرام التمييز أو قبله وجب أن لا يخرم بالرد
إليه بل ينبغي أن يخرج على الخلاف فيما إذا اجتمع العادة والتمييز كما تقدم ولم يزد امام الحرمين
في هذا الموضع على دعوى اختصاص ذلك الخلاف بالعادات الجارية من غير استحاضة ولم يبد معنى فارقا
ولمقرر الاشكال ان يمنع اختصاص الخلاف بتلك العادات الا ترى أنها لو كانت ترى خمسة سوادا
482

من أول كل شهر وباقيه حمرة فجاءها شهر رأت فيه الخمسة الأولى حمرة والخمسة الثانية سوادا ثم عادت
الحمرة واستمرت يجرى فيها لك الخلاف مع أن هذه عادة مستفادة من التمييز أورد هذه الصورة صاحب
التهذيب وغيره فعلى الوجه المغلب للتمييز حيضها الخمسة الثانية وعلى الوجه المغلب للعادة حيضها الخمسة الأولي
وعلى وجه الجمع تحيض فيهما والله أعلم * جئنا إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب قوله مبتدأة رأت خمسة سوادا ثم
أطبق الدم على لون واحد المفهوم من ظاهره اطباق غير لون السواد من انقضاء خمسة السواد واستمراره
على الاطلاق لكن بتقدير أن يكون كذلك فالضعيف على امتداده استحاضة وليس لها شهر ثان
483

حتى نحكم بالتحيض خمسة من أوله فإذا المعني رأت خمسة سوادا وخمسة وعشرين حمرة أو نحوها
ثم أطبق السواد في الشهر الثاني ثم قوله ففي الشهر الثاني نحيضها خمسا بناء على عدم اشتراط التكرار
في العادة التمييزية واكتفاء بوقوعها مرة واحدة وقد ذكرنا ما فيه من الاشكال ويؤيده ان ما عدا
الخمسة لو كان طهرا محسوسا واستحيضت في الشهر الثاني لم نردها إلى الخمسة على قولنا العادة
484

لا تثبت بمرة ومعلوم ان التمييز لا يزيد عليه وليكن قوله نحيضها خمسا معلما بالواو إشارة إلى
الوجه الذي تقدم *
قال [الثاني قال الشافعي رضي الله عنه الصفرة والكدرة (م) في أيام الحيض حيض (ح) فهو
كذلك في أيام العادة وفيما وراءها إلى تمام الخمسة عشر ثلاثة أوجه أحدها انه حيض كأيام العادة
والثاني لا لضعف اللون والثالث إن كان مسبوقا بدم قوى ولو لطخة فيكون حيضا والا فلا ومرد المبتدأة
485

أيام العادة أو كما وراءها فيه وجهان]
هذا الفرع لا اختصاص له بالمستحاضة بل معظم فائدته فيما إذا لم يعبر الدم الأكثر
كما سيأتي والصفرة شئ كالصديد يعلوه اصفرار والكدرة شئ كدر وليسا على ألوان
الدماء ولا خلاف في كونهما حيضا في أيام العادة لان الوقوع في أيام العادة يغلب على الظن بكون
الأذى الموجود فيه الحيض المعهود وفيما وراء أيام العادة أربعة أوجه أظهرها ان لهما حكم الحيض أيضا
486

لقوله تعالي (قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض) والصفرة والكدرة اذى ولما روى عن عائشة
رضي الله عنها قالت (كنا نعد الصفرة والكدرة حيضا) (1) وهذا اخبار عما عهدته في زمان الرسول صلى الله
عليه وسلم والثاني ليس لهما حكم الحيض لقوله صلى الله عليه وسلم (دم الحيض أسود يعرف)
487

وعن أم عطية وكانت قد بايعت النبي صلى الله عليه وسلم قالت (كنا لا نعد الصفرة والكدرة
شيئا) (1) وبهذا الوجه قال الإصطخري وينسب إلى صاحب التلخيص أيضا وبالأول قال ابن سريج وأبو
اسحق والوجه الثالث وبه قال أبو علي الطبري ان سبق دم قوى من سوادا وحمرة فالصفرة والكدرة بعده
حيض والا فلا والفرق ان الدم يبدو قويا ثم يرق ويضعف على التدريج الا ترى ان الجراحة تصب دما
قويا ثم يرق ويختلط بالرطوبات فإذا سبق دم قوى استتبع ما بعده والرابع حكاه القاضي ابن كج
أنه إنما يحكم بكون الصفرة والكدرة حيضا بشرط ان يسبقها دم قوى ويلحقها دم قوى لينسحب
الحكم على المتخلل والا فما ليس على هيئة الدماء لا يعطي له حكمها واما المبتدأة فقد حكي
امام الحرمين عن بعض الأصحاب أنها إذا رأت صفرة أو كدرة ثم طهرت فحكم مردها على
اختلاف القولين وهما الأقل والغالب كأيام العادة في حق المعتادة قال والصحيح أنه كما وراء أيام العادة
فحصل وجهان كما روى صاحب الكتاب ان قلنا أنه كأيام العادة فالصفرة والكدرة فيها حيض
بلا خلاف وان قلنا كما وراء أيام العادة عاد فيه الأوجه وهذا هو الذي ذكره الجمهور ولنوضح
488

هذه المسألة بالأمثلة: امرأة عادتها ان تحيض من كل شهر خمسة وتطهر الباقي فرأت خمستها صفرة
أو كدرة وطهرت فهي حائض في تلك الخمسة بلا خلاف: ولو رأت خمستها سوادا ثم خمسة صفرة أو كدرة
وانقطع ما بها فعلى الوجه الأول الكل حيض وعلى الثاني حيضها السواد وعلى الثالث لكل حيض لتقدم
السواد وعلى الرابع حيضها السواد لعدم لحوق القوى ولو رأت مبتدأة خمسة عشر فما دونها صفرة أو كدرة
فالذي رأته حيض على الوجه الأول دون الثاني لخروجه عن أيام العادة وكذلك على الوجه الثالث لأنه لم يتقدمه
سواد ولا حمرة وكذا على الرابع لعدم التقدم والتأخر هذا على طريقة طرد الخلاف وفى مردها الوجه الذي
سبق وإذا اعتبرنا تقدم الدم القوى أو تأخره ففي المقدار المشروط وجهان أصحهما أنه لا يشترط له قدر
معين لان المعنى فيه ما ذكرنا من هيئة التدريج وإذا سبق الدم القوى فقد يتسارع إليه الضعف
وقد لا يتسارع ولا ينضبط هذا هو الذي ذكره في الكتاب حيث قال ولو لحظة والثاني انه يشترط أن يكون
قدر يوم وليلة ليكون حيضا بنفسه حتى يقوى على استتباع غيره واما ما حكاه من لفظ الشافعي
رضي الله عنه في أول الفرع فقد نص عليه في المختصر واختلفوا في المراد بأيام الحيض بحسب
ما حكينا من الخلاف فمن قال الصفرة والكدرة في أيام العادة حيض لا غير قال المراد بأيام الحيض
أيام العادة ومن قال حيض فيما وراء أيام العادة وفى المبتدأة قال أراد بأيام الحيض زمان امكان
489

الحيض ولفظ الكتاب بعد رواية هذا النص يختلف في النسخ فقد تجد في بعض النسخ وذلك
في أيام العادة وهذا لفظه في الوسيط وقد تجد وهو كذلك في أيام العادة وهما صحيحان وقد
تجد وكذلك في أيام العادة وهو فاسد ولا يخفى عليك ذلك أن عرفت ما قدمناه وليكن قوله أنه
حيض كأيام العادة معلما بالألف لان الحكاية عن أحمد أنه ليس بحيض وقوله لا لضعف اللون
معلما بالحاء لان عند أبي حنيفة هو حيض كما هو الأصح عندنا والله أعلم *
قال [الباب الثالث في التي نسيت عادتها ولها أحوال الأولى التي نسيت العادة قدرا ووقتا وهي
المتحيرة وهي مردودة إلى المبتدأة في قدر الحيض والي أول الأهلة في قول ضعيف والصحيح
أنه لا يعين أول الأهلة فإنه تحكم بل تؤمر بالاحتياط أخذا بأشق الاحتمالات في أمور ستة]
الناسية لعادتها اما أن تكون مميزة بشرط التمييز واما الا تكون كذلك فإن كان الأول فهي مردودة
إلى التمييز لان الرجوع إلى العادة قد تعذر فنأخذ بدلالة التمييز كيف اتفق ولو أمكن الرجوع إلى العادة
أيضا لكنا نأخذ بالتمييز على الأصح وفى هذه الحالة لا تحير ولا اشكال وعن الإصطخري وابن
خيران أنها لا ترد إلى التمييز ولا فرق بين أن تكون مميزة أو لا تكون وهذا لا يوافق لمصيرهما إلى تقديم
العادة عند اجتماع المعنيين لكن المشهور الأصح هو الأول وان لم تكن مميزة بشرطه وهذه الحالة هي
المقصودة بهذا الباب فلها ثلاث أحوال لأنها اما أن تكون ناسية لقدر الحيض ووقته جميعا واما أن
490

تكون ناسية لقدر الحيض دون الوقت واما أن تكون بالعكس من ذلك الحالة الأولى أن تكون ناسية
لهما جميعا وتعرف بالمتحيرة لتحيرها في شأنها وقد تسمى محيرة أيضا لأنها تحير الفقيه في أمرها وبعضهم
يضع اسم المتحيرة موضع الناسية فتسمى ناسية الوقت وناسية القدر أيضا متحيرة وكذلك فعل صاحب
الكتاب في الوسيط والأول أحسن والنسيان المطلق قد يعرض لغفلة وعلة عارضة وقد تجن صغيرة
وتستمر لها عادة في الحيض ثم تفيق وهي مستحاضة فلا تعرف مما سبق شيئا وفى حكمها في هذه الحالة
قولان أحدهما انها مردودة إلى المبتدأة لان العادة المنسية لا يمكن استفادة الحكم منها فتكون كالمعدومة
الا ترى ان التمييز لما لم يمكن استفادة الحكم منه لفوات بعض الشروط الحق بالعدم ولان المصير
إلى القول الثاني يلزمها حرجا عظيما على ما سيأتي ولا حرج في الدين وأصحهما أنها مأمورة بالاحتياط
491

غير مردودة إلى المبتدأة إذ ما من زمان يمر عليها الا ويحتمل الحيض والطهر والانقطاع فيجب
الاخذ بالاحتياط وقد نقل (ان سهلة بنت سهيل استحيضت فاتت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها
ان تغتسل عند كل صلاة) (1) فحمله حاملون على أنها كانت ناسية فأمرها به احتياطا ومنهم من لم يثبت
492

سوى القول الثاني لكن طريقة اثبات القولين أظهر وهي التي ذكرها في الكتاب فان قلنا بالرد
إلى المبتدأة فقد اختلفوا منهم من طرد فيها القولين في الرد إلى الأقل أو الغالب ومنهم من اقتصر
على الرد إلى الأقل والأول أظهر وهو قضية اطلاقه في الكتاب حيث قال فهي مردودة إلى
المبتدأة في قدر الحيض ويجوز ان يعلم بالواو إشارة إلى الوجه الثاني واما وقت ابتداء حيضها
فلا يمكن أخذه من المبتدأة لان ابتداء دورها معلوم بظهور الدم بخلاف الناسية والمشهور تفريعا
على هذا القول إن ابتداء حيضها أول الهلال حتى لو أفاقت المجنونة في أثناء الشهر الهلالي عدت
باقي الشهر استحاضة واحتج له بان الغالب ان الحيض يبتدئ مع استهلال الشهر وهذه دعوى
يخالفها الحس والجود وعن القفال انها إذا أفاقت فابتداء حيضها من وقت الإفاقة لان التكليف
حينئذ يتوجه عليها قال الأئمة وهذا بعيد أيضا فإنها قد تفيق في أثناء الحيض وأقوى ما زيفوا به
أصل القول الذي يفرع عليه ما في ابتداء الحيض من الاشكال اما الرد إلى الأقل أو الغالب
فغير بعيد ولهذا قال صاحب الكتاب والصحيح انه لا يتعين أول الأهلة فإنه تحكم محض
التحكم بتعين أول الأهلة دون تعيين القدر وإن كان ذلك متروكا على قول الاحتياط أيضا ومتى
أطلقنا الشهر في مسائل المستحاضات عنينا به ثلاثين يوما سواء كان ابتداؤه من أول الهلال أم لا
ولا نعنى به الشهر الهلالي الا في هذا الموضع على هذا القول وليكن قوله إلى أول الأهلة في وقته
معلما بالواو لما حكينا عن؟؟ ثم على هذا القول هل تؤمر بالاحتياط من انقضاء وقت المرد إلى
493

آخر الخمسة عشر فيه القولان المذكوران في المبتدأة واما التفريع على قول الاحتياط فقد حصره في
ستة أمور ونحن نشرحها على النسق
قال [الأول ألا يجامعها زوجها أصلا لاحتمال الحيض]
ليس لزوج المتحيرة وسيدها أن يجامعها أصلا إذ ما من زمان يفرض الا وهو محتمل للحيض
فلابد من الاحتياط وعن اقضي القضاة الماوردي وجه آخر انه لا بأس بوطئها ورأيته لبعض المتأخرين
أيضا ووجهه ان الاستحاضة علة مزمنة فالتحريم توريط لها في الفساد وإذا قلنا بالصحيح فلو
فعل عصى ولزمها الغسل من الجنابة ولا يعود ههنا القول المذكور في وجوب الكفارة بوطئ الحائض
لأنا لا نتبين وقوعه في الحيض فنسقط الكفارة بالشبهة كما نثبت التحريم بالشبهة وهل يجوز
الاستمتاع بما تحت الإزار منها فيه الخلاف الذي سبق في الحائض
قال [الثاني الا تدخل المسجد ولا تقرأ القرآن
494

المتحيرة لا تقرأ القرآن لاحتمال الحيض في كل زمان وقد ذكرنا في الحائض قولا انها تقرأه فهذه
أولي إذ لا نهاية لعذرها هذا في القراءة خارج الصلاة واما في الصلاة فهل تزيد على الفاتحة فيه وجهان أظهرهما
نعم ولا حجر وحكمها في دخول المسجد حكم الحائض فلا تمكث بحال ولا تعبر عند خوف التلويث
وعند الامن وجهان ولا يخفى بعد هذا انه ينبغي ان يعلم قوله ولا تقرأ القرآن ولا تدخل المسجد
كلاهما بالواو
قال [الثالث أنها تصلى وظائف الأوقات لاحتمال الطهر وتغتسل لكل صلاة لاحتمال
انقطاع الدم]
يجب على المتحيرة ان تصلي الخمس ابدا لان كل وقت أفرد بالنظر فمن الجائز
كونها طاهرة فيه فنأخذ بالاحتياط وهل لها أن تتنقل فيه وجهان أحدهما لا: لأنه لا ضرورة في التنفل
مع احتمال الحيض فصار كقراءة القرآن في غير الصلاة وحمل المصحف وأصحهما نعم كالمتيمم يتنفل
مع بقاء حدثه ولان النوافل من مهمات الدين فلا وجه لحرمانها عنها ومنهم من جوز السنن الراتبة
دون غيرها وهذا الخلاف يجرى في نوافل الصوم والطواف ثم يلزمها ان تغتسل لكل فريضة
لاحتمال الانقطاع قبلها ويجب ان يقع غسلها في الوقت لأنه طهارة ضرورة فصار كالتيمم وفى
وجه لو وقع غسلها قبل الوقت وأنطبق أول الصلاة على أول الوقت وآخر الغسل جاز وقد ذكرنا
495

نظيره في طهارة المستحاضة وهل تلزمها المبادرة إلى الصلاة عقيب الغسل فيه وجهان أحدهما نعم كما
ذكرنا في وضوء المستحاضة وأصحهما عند امام الحرمين وصاحب الكتاب لا: لأنا إنما نوجب البدار
إلى الصلاة بعد الوضوء تقليلا للحدث. والغسل إنما تؤمر به لاحتمال الانقطاع ولا يمكن تكرر
الانقطاع بين الغسل والصلاة ولو بادرت أيضا فمن المحتمل أن غسلها وقع في الحيض وانقطع بعده
فإذا لا حيلة في دفع هذا الاحتمال وان قرب الزمان وللأول أن يقول نعم دفع أصل الاحتمال لا
يمكن لكن الاحتمال في الزمان الطويل أظهر منه في الزمان القصير فبالمبادرة يقل الاحتمال فعلى
الوجه الثاني إذا أخرت لزمها لتلك الصلاة وضوء آخر إذا لم نجوز للمستحاضة تأخير الصلاة
عن الطهارة *
قال [الرابع يلزمها ان تصوم جميع شهر رمضان لاحتمال دوام الطهر ثم عليها أن تقضي ستة
عشر يوما لاحتمال دوام الحيض خمسة عشر يوما وانطباقها إلى ستة عشر بطريانها في وسط النهار
وقضاء الصلاة لا يجب (و) لما فيه من الحرج] * مقصود الفصل مسألتان أحداهما أن المتحيرة تصوم على
قول الاحتياط جميع شهر رمضان لاحتمال أنها طاهر في الكل ثم كم يجزيها من ذلك المنقول عن الشافعي
رضي الله عنه انه يجزيها خمسة عشر يوما إذ لابد وأن يكون لها في الشهر طهر صحيح وغاية ما يمكن
امتداد الحيض إليه خمسة عشر يوما فيقع صوم خمسة عشر يوما في الطهر وهذا ما ذكره قوم من
أصحابنا كصاحب الافصاح والشيخ أبى حامد وقال أبو زيد وأكثر الأصحاب على اختلاف الطبقات
لا يجزيها الا أربعة عشر يوما لاحتمال ان يبتدى حيضها في أثناء نهار ويمتد خمسة عشر يوما فينقطع
496

في أثناء نهار أيضا فتنبسط الخمسة عشر على ستة عشر ويفسد صومها وأثبت امام الحرمين
في المسألة طريقتين إحداهما القطع بما ذكره الأكثرون وحمل كلام الشافعي رضي الله عنه على ما إذا حفظت ان
دمها كان ينقطع بالليل والثانية جعل المنقول من الشافعي رضي الله عنه من المذهب أيضا فليكن قوله ثم عليها
ان تقضي ستة عشر يوما معلما بالواو لهذا المعني وهذا إذا كان الشهر كاملا وهو المراد من مسألة
الكتاب فأما إذا كان ناقصا فالمحسوب على قياس المنقول عن الشافعي رضي الله عنه لا يختلف
وتقضي ههنا أربعة عشر يوما وعلى قول الأكثرين المقضى لا يختلف ويحسب لها ثلاثة عشر يوما
وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في المهذب يحسب لها أربعة عشر يوما وهذا مع موافقته للأكثرين
في صورة الكمال واحتج له يحيى اليمنى بان قال أجرى الله تعالى العادة بان الشهر لا يخلو عن طهر
صحيح كاملا كان أو ناقصا وإذا كان كذلك فغاية الممكن أن يكون حيضها من الشهر الناقص أربعة
عشر يوما ثم يجوز ان يفسد به صوم خمسة عشر يوما فيصح أربعة عشر ولك ان تقول لا نسلم ان الله تعالى
أجرى العادة بما ادعيته ثم هب أنه كذلك لكنا على قول الاحتياط لا نكتفي بالغالب ولو اكتفينا به
لجعلنا الفاسد صوم سبعة أيام أو ثمانية لان الغالب من الحيض ستة أو سبعة فإذا ما ذكره الشيخ
ساقط (المسألة الثانية) إذا أدت الصلوات الخمس فهل يجزيها ذلك أم يجب القضاء مع الأداء كما في
الصوم فيه وجهان أحدهما وهو المذكور في الكتاب انه لا يجب ولهذا سكت الشافعي رضي الله عنه
497

عن قضاء الصلاة مع حكمه بوجوب قضاء الصوم والمعنى فيه أن قضاء صلوات أيام الحيض لا يجب
فإن كانت طاهرا وقت الصلاة المؤداة أجزأها ما فعلت والا فلا صلاة عليها وأيضا فان قضاء
الصلاة يفضى إلى حرج شديد والثاني أنه يجب القضاء لجواز ان ينقطع الحيض في خلال الصلاة
أو في آخر الوقت ويجوز أن ينقطع قبل غروب الشمس فيلزمها الظهر والعصر أو قبل طلوع الفجر
فيلزمها المغرب والعشاء وإذا سلكنا طريق الاحتياط وجب سلوكه في جميع جهات الاحتمال ويحكى
هذا عن ابن سريج ويشهر بابي زيد وهو ظاهر المذهب عند الجمهور ولم يورد صاحبا التهذيب
والتتمة سوا ذلك ومنهم من قطع به وقال الشافعي رضي الله عنه كما لم يذكر وجوب القضاء لم ينفه أيضا
وقضية مذهبه الوجوب فعلى هذا تغتسل في أول وقت الصبح وتصليها ثم إذا طلعت الشمس اغتسلت
مرة أخرى واعادتها لاحتمال ان المرة الأولي وقعت في الحيض وانقطع بعده فلزمها الصبح وبالمرتين
تخرج عن العهدة يقينا لأنها إذا كانت طاهرا في المرة الأولي فهي صحيحة والا فان انقطع في الوقت
أجزأتها المرة الثانية وان لم ينقطع فلا شئ عليها ولا يشترط البدار إلى المرة الثانية بعد خروج
الوقت بل متى قضتها قبل انقضاء خمسة عشر يوما من أول وقت الصبح خرجت من العهدة أيضا لان
498

الحيض لو انقطع في الوقت لم يعد إلى خمسة عشر يوما قال امام الحرمين ولا يشترط تأخر جميع
الصلاة المرة الثانية عن الوقت بل لو وقع بعضها في آخر الوقت جاز بشرط أن يكون دون تكبيرة
إذا قلنا تلزم الصلاة بادراك تكبيرة أو دون ركعة إذا قلنا لا تلزم الا بادراك ركعة وفيه قولان
مذكوران في كتاب الصلاة وإنما يجوز ذلك لأنه إذا فرض الانقطاع قبل المرة الثانية فقد اغتسلت
وصلت والانقطاع لا يتكرر وان فرض في أثنائها فلا شئ ء عليه في التصوير المذكور ولك ان تقول اشكالا
المرة الثانية يتقدمها الغسل فإذا وقع بعضها في الوقت والغسل سابق جاز أن يقع للانقطاع في
أثناء الغسل ويكون الباقي من وقت الصلاة من حينئذ قدر ركعة أو تكبيرة فيجب أن ننظر إلى
499

زمان الغسل سوى الجزء الأول منه والى الجزء الواقع من الصلاة في الوقت فيقال إن كان ذلك
دون ما يلزم به الصلاة جاز والا فلا ولا يقصر النظر على جزء الصلاة ثم من المعلوم أنه لا يمكن
أن يكون ذلك دون التكبيرة ويبعد أن يكون دون الركعة فهذا في الصبح وأما في العصر والعشاء
فيصليهما مرتين كذلك وأما الظهر فلا يكفي وقوعها المرة الثانية في أول وقت العصر ولا وقوع
المغرب في أول وقت العشاء لأنها لو أدركت قدر ركعة أو خمس ركعات على اختلاف قولين نذكرهما
من وقت العصر يلزمها الظهر والعصر وكذلك لو أدركته في وقت العشاء يلزمها المغرب والعشاء
ومن الجائز انقطاع حيضها في الوقت المفروض فيجب ان تعيد الظهر في الوقت الذي يجوز
500

إعادة العصر فيه وذلك بعد وقت العصر وتعيد المغرب في الوقت الذي يجوز إعادة العشاء فيه
وذلك بعد وقت العشاء ثم إذا أعات الظهر والعصر بعد الغروب فينظر ان قدمتها على أداء
المغرب فعليها ان تغتسل للظهر وتتوضأ للعصر وتغتسل للمغرب وإنما كفى لهما غسل واحد لان
دمها ان انقطع قبل الغروب فقد اغتسلت بعده وان انقطع بعد الغروب فليس عليها ظهر ولا
عصر وإنما لزم إعادة الغسل للمغرب لاحتمال الانقطاع في خلال الظهر أو العصر أو عقيبهما وهكذا
الحكم إذا قضت المغرب والعشاء قبل أداء الصبح بعد طلوع الفجر وحينئذ تكون مصلية
الوظائف الخمس مرتين بثمانية أغسال ووضوءين وان أخرت الظهر والعصر عن أداء المغرب
501

اغتسلت للمغرب وكفاها ذلك للظهر والعصر أيضا لأنه ان انقطع حيضها قبل الغروب فلا تعود
إلى تمام مدة الظهر وان انقطع بعده لم يكن عليها ظهر ولا عصر ولكن تتوضأ لكل واحدة من
الظهر والعصر كما هو شأن المستحاضات وهكذا القول في المغرب والعشاء إذا أخرتهما عن الصبح
وحينئذ تكون مصلية الوظائف الخمس مرتين بالغسل ست مرات والوضوء أربعا وبالطريق
الثاني تخرج عن عهدة الصلوات الخمس وأما بالطريق الأول فقد أخرت المغرب والصبح عن
أول وقتهما لتقديمها القضاء عليهما فتخرج عن عهدة ما عداهما واما هما فقد قال في النهاية إذا أخرت
الصلاة عن أول الوقت حتى مضى ما يسع الغسل وتلك الصلاة فلا يكفي فعلها مرة أخرى في آخر
الوقت أو بعده على التصوير الذي سبق لجواز أن تكون طاهرا في أول الوقت ثم يطرأ الحيض
فيلزمها الصلاة وتكون المرتان واقعتين في الحيض بل يحتاج إلى فعلها مرتين أخريين بغسلين يشترط
502

أن تكون أحدهما بعد انقضاء وقت الرفاهية والضرورة وقبل تمام خمسة عشر يوما من افتتاح
الصلاة المرة الأولي والثانية في أول السادس عشر من آخر الصلاة الأولى فحينئذ تخرج عن العهدة
بيقين لان الخمسة عشر المتخللة أما أن تكون كلها طهرا فتصح المرة الثانية أو كلها حيضا فتصح المرة
الأولي أو الثالثة أو يكون آخرها طهرا فيكون قدر ما بعدها طهرا أيضا فان انتهي إلى آخر المرة
الثالثة فهي واقعة في الطهر والا فالثانية واقعة فيه أو يكون أولها طهرا فيكون شي ء مما قبلها
طهرا أيضا فإن كان افتتاحه قبل المرة الأولي فهي في الطهر وإن كان في أثناء الأولى كانت
الثانية في الطهر ومع هذا كله فلو اقتصرت على أداء الصلوات في أوائل أوقاتها ولم تقض شيئا حتى
مضت خمسة عشر يوما أو مضى شهر فلا يجب عليها لكل خمسة عشر الا قضاء صلوات يوم وليلة لان
503

القضاء إنما يجب لاحتمال الانقطاع ولا يتصور الانقطاع في الخمسة عشر الا مرة ويجوز ان يجب به
تدارك صلاتي جمع وهما الظهر والعصر أو المغرب والعشاء فإذا أشكل الحال أوجبنا قضاء صلوات
يوم وليلة كمن نسي صلاة أو صلاتين من خمس ولو كانت تصلي في أوساط الأوقات لزمها ان
تقضى للخمسة عشر صلوات يومين وليلتين لجواز ان يطرأ الحيض في وسط صلاة فتبطل وتنقطع
في وسط أخرى فيجب ويجوز أن يكونا مثلين ومن فاته صلاتان متماثلتان ولم يعرف عينهما فعليه
صلوات يومين وليلتين بخلاف ما إذا كانت تصلي في أول الوقت فإنه لو فرض ابتداء الحيض في
أثناء الصلاة لما وجبت لأنها لم تدرك من الوقت ما يسعها والله أعلم *
قال [الخامس إذا كان عليها قضاء يوم واحد فلا تبرأ ذمتها الا بقضاء ثلاثة أيام وسبيله ان
504

تصوم يوما وتفطر يوما ثم تصوم يوما ثم تصوم السابع عشر من صومها الأول فتخرج مما عليها
بيقين لان الحيض كيفما قدر مقدما أو مؤخرا فيخرج يوم عن الحيض وعلة هذا التقدير
ذكرناها في كتاب البسيط] *
تكلم في أن المتحيرة إذا أرادت قضاء صوم يوم لم تبرأ ذمتها ولم يذكر ما إذا أرادت ان تقضي
أكثر من يوم ولا قضاء الصلوات الفائتة والمنذورة ونحن نذكرهما على الاختصار فاما صوم يوم
واحد فإنما تخرج عن عهدته بصوم ثلاثة أيام بان تصوم يوما متي شاءت وتفطر يوما وتصوم اليوم
505

الثالث ثم اليوم السابع عشر وإنما خرجت عن العهدة بذلك لأنها أما طاهر في اليوم الأول
فتحصل به الفرض أو غير طاهر وحينئذ أما أن تكون حائضا في جميعه فينقطع حيضها قبل
السابع عشر لا محالة ويقع الثالث أو السابع عشر في الطهر وأما أن تكون حائضا في بعضه
فإن كانت حائضا في أوله وانقطع فيه فهي طاهر في اليوم الثالث وإن كانت حائضا في اخره
وابتدأ فيه فغايته الانتهاء إلى السادس عشر ويقع السابع عشر في الطهر فعلى أي تقدير قدر
يقع يوم في الطهر واعلم أن ذكر اليوم الثالث والسابع عشر للصوم الثاني والثالث إنما جرى
في كلام الأئمة لبيان ان السبعة عشر أقل مدة يمكن فيها قضاء اليوم الواحد والا فلا يتعين اليوم
الثالث للصوم الثاني ولا السابع عشر للصوم الثالث بل لها ان تصوم بدل الثالث يوما بعده إلى اخر
الخامس عشر وبدل السابع عشر يوما بعده إلى اخر تسعة وعشرين يوما ولكن الشرط أن يكون المخلف
من أول السادس عشر مثل ما بين معها الأول والثاني أو أقل منه فلو صامت الأول والثالث
506

والثامن عشر لم يجز لان المخلف من أول السادس عشر يومان وليس بين الصومين الأولين الا يوم
وإنما امتنع ذلك لجواز ان ينقطع الحيض في اليوم الثالث ويعود في الثامن عشر فيكون الكل في
الحيض ولو صامت الأول والرابع والثامن عشر جاز لان المخلف مثل ما بين الصومين ولو صامت
السابع عشر والحالة هذه جاز لان المخلف أقل مما بين الصومين ولو صامت الأول والخامس عشر
فقد تخلل بين الصومين ثلاثة عشر يوما فلها ان تصوم التاسع والعشرين لان المخلف حينئذ مثل
ما بين الصومين ولها أن تصوم يوما قبله لان المخلف يكون أقل نعم لا يجوز ان تصوم السادس عشر
فإنها لو فعلت ذلك لم تخلف شيئا ولابد من تخليف * ثم بشرط ما ذكرنا فهذا شرح ما أورده ثم لك أن
تعلم قوله فلا تبرأ ذمتها الا بقضاء ثلاثة أيام بالواو لان من الأصحاب من قال يكفيها يومان بينهما أربعة
عشر يوما وحكي ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه وهذا قول من قال نحسب لها من رمضان خمسة عشر يوما
507

والأكثرون قطعوا بأنه لا يكفي اليومان لجواز ان يبتدئ الحيض في اليوم الأول وينقطع في
الخامس عشر وأولوا كلام الشافعي رضي الله عنه على ما إذا عرفت ان دمها كان يبتدئ وينقطع ليلا وربما
قالوا إنه مهد القاعدة ولم يخطر له حينئذ تقدير ببعض اليوم فما يقتضيه الاحتياط عين مذهبه ولو قال
صاحب الكتاب الا بصوم ثلاثة أيام بدل قوله بقضاء ثلاثة أيام لكان أحسن لان الأيام الثلاثة
لا تقع قضاء وفائتتها يوم وإنما الواقع قضاء واحد من الثلاثة وأما إذا قضت أكثر من يوم فتضعف
ما عليها وتزيد يومين ثم تصوم نصف المجموع ولاء متى شاءت وتصوم مثل ذلك من أول السادس
عشر فتخرج عن العهدة مثاله إذا أرادت أن تقضى يومين تضعف وتزيد يومين تكون ستة تصوم
ثلاثة متى شاءت ثم ثلاثة من أول السادس عشر فيكفيها لان الثلاثة الأول اما أن تكون في الطهر
508

فذاك أولا تكون فإن كان كلها في الحيض فغايته الانتهاء إلى السادس عشر بتقدير أن يكون
الابتداء في اليوم الأول فيقع اليومان الأخيران في الطهر وإن كان بعضها في الحيض دون البعض فإن كان
اليوم الأول في الطهر صح من الثامن عشر وإن كان اليومان الأولان في الطهر صحا وان كن اليوم الأخير في
مع السادس عشر وإذا كانت تقضى ثلاثة أيام صامت أربعة ولاء ثم أربعة من أول السادس
عشر وعلى هذا القياس حتى إذا كانت تقضي أربعة عشر يوما تضعف وتزيد يومين فتستوعب
الشهر وهو غاية ما يمكن قضاؤه في الشهر الواحد ولذلك لم يحسب من رمضان الا هذا القدر ولو أنها
صامت ما عليها على الولاء متى شاءت من غير زيادة واعادته من أول السابع عشر وصامت بينهما
509

يومين اما مجتمعين أو غير مجتمعين متصلين بالصوم الأول أو الثاني أو غير متصلين لخرجت عن
العهدة أيضا وكل واحد من هذين الطريقين يطرد في قضاء اليوم الواحد لكن الطريق المذكور
فيه أخف للقناعة بصوم ثلاثة أيام وعلى هذين الطريقين تصير أربعة وهذا كله في قضاء الصوم
الذي لا تتابع فيه أما إذا قضت صوما متتابعا بنذر وغيره فإن كان قدر ما يقع في شهر صامته
على الولاء ثم مرة أخرى قبل السابع عشر ثم مرة أخرى من السابع عشر مثاله عليها يومان متتابعان
تصوم يومين وتصوم السابع عشر والثامن عشر وتصوم بينهما يومين متتابعين وإذا كان عليها
شهران متتابعان صامت مائة وأربعين يوما على التوالي أربعة أشهر لستة وخمسين يوما وعشرين يوما لأربعة
أيام فإذا دام طهرها شهرين فذاك والا فقدر شهرين من هذه المدة صحيح لا محالة وتخلل الحيض
510

لا يقطع التتابع وأما إذا كانت تقضي فائتة صلاة أو تريد الخروج عن عهدة منذورة نظر إن كانت
واحدة صلتها بغسل متى شاءت ثم تمهل زمانا يسع الغسل وتلك الصلاة وتعيدها بغسل آخر بحيث يقع
في خمسة عشر يوما من أول الصلاة المرة الأولى وتمهل من أول السادس عشر قدر الامهال الأول
ثم تعيدها بغسل آخر قبل تمام الشهر من المرة الأولى ويشترط أن لا تؤخر الثالث عن أول السادس
عشر أكثر من الزمان المتخلل بين آخر المرة الأولى وأول الثانية وهذا كله كما ذكرنا في
الصوم والامهال الأول كالافطار اليوم الثاني والامهال الثاني كالافطار السادس عشر
وإن كانت الصلوات التي تريدها أكثر من واحدة فلها طريقان أحدهما ان تنزلها منزلة الصلاة
الواحدة فتصليها على الولاء ثلاث مرات كما ذكرنا في الواحدة وتغتسل في كل مرة للصلاة الأولي
وتتوضأ لكل واحدة بعدها ولا فرق على هذا بين أن تكون الصلوات متفقة أو مختلفة والثاني
511

أن تنظر فيما عليها من العدد ان لم يكن فيه اختلاف فتضعفه وتزيد عليه صلاتين ابدا وتصلي
نصف الجملة ولاء ثم النصف الآخر في أول السادس عشر من أول الشروع في النصف الأول
مثاله عليها خمس صلوات صبح تضعفها وتزيد صلاتين تكون اثنتي عشر تصلي نصفها وهو ستة متي شاءت
ثم ستة في أول السادس عشر وإن كان في العدد الذي عليها اختلاف فتصلي ما عليها بأنواعه
على الولاء متى شاءت ثم تصلى صلاتين من كل نوع مما عليها بشرط ان يقعا في خمسة عشر يوما
512

من أول الشروع وتمهل من أول السادس عشر زمانا يسع الصلاة المفتتح بها ثم تعيد ما عليها على
ترتيت فعلها في المرة الأولي مثاله عليها ثلاث صلوات صبح وظهر ان تصلي الخمس متي شاءت
ثم تصلى بعدها في الخمسة عشر صبحين وظهرين وتمهل من السادس عشر ما يسع لصبح وتعيد الخمس
كما فعلت أولا وفى هذا الطريق تفتقر لكل صلاة إلى غسل بخلاف ما ذكرنا في الطريق الأول
والطواف بمثابة الصلاة واحدا كان أو عددا وتصلي مع كل طواف ركعتيه ويكفى غسل واحد
للطواف مع الركعتين ان لم نوجب الركعتين وان أوجبناهما فثلاثة أوجه أصحها أنه يجب وضوء
للركعتين بعد الطواف والثاني يجب غسل آخر لهما والثالث لا يجب لا هذا ولا ذاك ولو بسطنا القول
في جميع ذلك لطال وقد فعلته في غير هذا الكتاب
513

قال [السادس إذا طلقت انقضت عدتها بثلاثة أشهر ولا تقدر تباعد حيضها إلى سن اليأس
لأنه تشديد عظيم] * المتحيرة إذا طلقها زوجها بماذا تعتد: نقلوا عن صاحب التقريب وجها انها تصبر
إلى سن اليأس ثم تعتد بالأشهر لان من المحتمل تباعد الحيض ونحن نفرع على قول الاحتياط فنأخذ
في كل حكم بالأسوأ والذي صار إليه المعظم ورواه صاحب الكتاب أن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر
لان الغالب أن يكون للمرأة في كل شهر حيضة وحمل أمرها على تباعد الحيض وتكليفها الصبر إلى
سن اليأس فيه مشقة عظيمة وضرر بين فلا وجه لاحتماله بتجويز مجرد على خلاف الغالب بخلاف
العبادات فان المشقة فيها أهون ثم في كيفية اعتدادها بالأشهر كلام ذكره في كتاب العدة واعلم أن
امام الحرمين قدس الله روحه مال إلى رد المتحيرة إلى المبتدأة في قدر الحيض وان لم يجعل
أول الهلال ابتداء دورها ومما استشهد به هذه المسألة فقال اتفاق معظم الأصحاب على أنها تعتد
514

بثلاثة أشهر يدل على تقريب أمرها من المبتدأة في عدد الحيض والطهر والمعني القاضي برد المبتدأة إلى
الأقل والغالب يقضى بمثل ذلك في المتحيرة فوجب القول به وهذا توسط بين القول الضعيف وبين الاحتياط
التام وفيه تخفيف الامر عليها في المحسوب من رمضان فان غاية حيضها على هذا التقدير يكون سبعة
وأقصي ما يفرض انبساطه على ثمانية أيام فيصح لها من الشهر الكامل اثنان وعشرون يوما وكذلك
في قضاء الصوم والصلاة فيكفيها على هذا التقدير إذا كانت تقضى صوم يوم أن تصوم يومين بينهما
سبعة أيام لكن الذي عليه جمهور الأصحاب ما تقدم وبالله التوفيق
قال [الحالة الثانية أن تحفظ شيئا كما لو حفظت أن ابتداء الدم كان أول كل شهر فيوم وليلة من أول
كل شهر حيض بيقين وبعده يحتمل الانقطاع إلى انقضاء الخامس عشر فتغتسل لكل صلاة وبعده
إلى آخر الشهر طهر بيقين فتتوضأ لكل صلاة ولو حفظت أن الدم كان ينقطع عند آخر كل شهر إلى المنتصف
فأول الشهر طهر بيقين ثم بعده يتعارض الاحتمال ولا يحتمل الانقطاع لان في آخره حيضا
بيقين فتتوضأ وتصلى إلى انقضاء التاسع والعشرين واليوم الأخير بليلته حيض بيقين] *
إذا حفظت الناسية من عادتها شيئا ونسيت شيئا فالقول الجملي فيها أن كل زمان تتيقن
فيه الحيض تثبت فيه أحكام الحيض وكل زمان تتيقن فيه الطهر تثبت فيه أحكام الطهر نعم بها
حدث دائم وكل زمان يحتمل الحيض والطهر فهي في الاستمتاع كالحائض وفى لزوم العبادات
كالطاهر ثم إن كان ذلك الزمان محتملا للانقطاع أيضا فعليها أن تغتسل لكل فريضة ويجب
515

الاحتياط على ما تقتضيه الحال وإذا عرفت هذه المقدمة فنقول: ذكرنا أن الناسية إذا لم تنس القدر
والوقت جميعا وحفظت شيئا فمحفوظها اما أن يكون الوقت واما أن يكون القدر أو شئ منه
فجعل الحالة الأولى من الحالتين الأخريين في القسم الأول والثانية منهما في القسم الثاني وقوله إن
تحفظ شيئا أي من الوقت والا دخل فيه الحالة الأخيرة واقتصر ههنا على ذكر مثالين أحدهما لو عينت
ثلاثين يوما وذكرت انها كانت يبتدئ بها الدم لأول هذه المدة وكذلك في كل ثلاثين بعدها
ولم تعرف شيئا غير ذلك فيوم وليلة من أول الثلاثين حيض بيقين فإنه أقل الحيض وبعده يحتمل
الحيض والطهر والانقطاع إلى آخر الخامس عشر وبعده إلى آخر الشهر طهر بيقين وكذلك الحكم
في كل ثلاثين بعدها والمراد من الشهر في هذه المسائل الأيام التي تعينها هي لا الشهر الهلالي والثاني
516

إذا عينت ثلاثين يوما بلياليها وقالت احفظ ان الدم كان ينقطع لآخر كل شهر فالأول إلى انقضاء
النصف طهر بيقين لان غاية الممكن افتتاح الحيض من أول ليلة السادس عشر وبعده يحتمل الحيض
والطهر دون الانقطاع واليوم الثلاثون والليلة قبله حيض بيقين ويتعلق بهذه الحالة مسائل تشتهر
بمسائل الخلط نذكر منها صورتين إحداهما الخلط المطلق وهو ان تقول كنت أخلط شهرا بشهر
حيضا أي كنت في آخر كل شهر وأول ما بعده حائضا فلحظة من أول كل شهر ولحظة من آخره حيض
517

بيقين ولحظة من آخر الخامس عشر ولحظة من ليلة السادس عشر طهر بيقين وما بين اللحظة من
أول الشهر واللحظة من آخر الخامس عشر يحتمل الحيض والطهر والانقطاع وما بين اللحظة من
أول ليلة السادس عشر واللحظة من آخر الشهر يحتملهما ولا يحتمل الانقطاع ولو قالت كنت أخلط
شهرا بشهر طهرا فليس لها حيض بيقين لكن لها ساعتا طهر بيقين ساعة من آخر كل شهر وساعة
من أوله ثم قدر أقل الحيض بعد مضي اللحظتين لا يمكن فيه الانقطاع وبعده يمكن: الثانية لو قالت
518

كنت أخلط الشهر بالشهر وكنت اليوم الخامس حائضا فلحظة من آخر الشهر إلى آخر خمسة أيام
من الشهر الثاني حيض بيقين ولحظة من آخر الخامس عشر إلى آخر العشرين طهر بيقين
وما بينهما كما سبق *
قال [الحالة الثالثة إذا قالت أضلت عشرة في عشرين من أول الشهر فالعشر الأخير
طهر بيقين وجميع العشرين من أول الشهر يحتمل الحيض والطهر نعم لا يحتمل الانقطاع في العشر
519

الأول فتتوضأ لكل صلاة ويحتمل في العشر الثاني فتغتسل لكل صلاة ولو قالت أضللت خمسة عشر
في عشرين من أول الشهر فالخمسة الثانية والثالثة من أول الشهر حيض بيقين لأنها تندرج تحت
تقدير التقديم والتأخير جميعا] *
الحافظة لقدر الحيض إنما تخرج عن التحير المطلق إذا حفظت مع ذلك قدر الدور وابتداءه إذ لو قالت
كان حيضي خمسة وأضللته في دوري ولا اعرف سوى ذلك فلا فائدة فيما ذكرت لاحتمال الحيض
والطهر والانقطاع في كل زمان وكذا لو قالت حيضي خمسة ودوري ثلاثون ولا اعرف ابتداءه
520

وكذا لو قالت حيضي خمسة وابتداء دوري يوم كذا ولا اعرف قدره وإذا حفظتهما جميعا مع
قدر الحيض فاشكال الحال بعد ذلك إنما يكون لاضلال الحيض والاضلال قد يكون في جميع
الدور وقد يكون في بعضه فإن كان الاضلال في كله فكله يحتمل الحيض والطهر وقدر
الحيض من أول الدور لا يحتمل الانقطاع وبعده يحتمل الانقطاع أيضا: مثاله قالت دوري ثلاثون
ابتداؤها كذا وحيضي عشرة أضللتها في الثلاثين فعشرة من أولها لا تحمل الانقطاع والباقي يحتمله
والكل يحتمل الحيض والطهر: هذا إذا لم تعرف مع ذلك شيئا آخر فان عرفت شيئا آخر فعليها الاحتياط
كما تقتضيه الحال: مثاله قالت حيضي إحدى عشرات الشهر وقد نسيت عينها فهذا يفارق
الصورة السابقة في أن احتمال الانقطاع بعد العشرة الأولي قائم إلى آخر الشهر وههنا لا يحتمل
521

الانقطاع الا في آخر كل عشرة من العشرات وإن كان الاضلال في بعض الدور فقد ذكر في الكتاب
منه صورتين إحداهما إذا قالت أضللت عشرة في عشرين من أول الشهر فالعشرة الأخيرة طهر
بيقين والعشرون من أوله يحتمل الحيض والطهر ولا يمكن الانقطاع في العشرة الأولى ويمكن
في الثانية والثانية قالت أضللت خمسة عشر في عشرين من أول الشهر فالعشرة الأخيرة طهر بيقين
والخمسة الثانية والثالثة حيض بيقين لاندراجهما تحت تقدير تقديم الحيض وتأخيره جميعا والخمسة
الأولى تحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع والرابعة تحتملها جميعا والطهر المتيقن في هاتين
الصورتين وقع في الطرف الآخر من الدور وقد يقع في الطرف الأول كما إذا قالت أضللت
العشرة أو الخمسة عشر في العشرين من آخر الشهر وقد يقع في الوسط كما إذا قالت كان حيضي
522

خمسة والدور ثلاثون وكنت اليوم الثالث عشر طاهرا فخمسة من أول الدور تحتمل الحيض
والطهر دون الانقطاع وما بعدها يحتملها جميعا إلى آخر الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر
والخامس عشر طهر بيقين ومن أول السادس عشر إلى آخر العشرين يحتمل الحيض والطهر دون
الانقطاع ومنه إلى آخر الشهر يحتملها جميعا ومتي كان القدر الذي أضلته زائدا على نصف
محل الضلال كان لها حيض بيقين من وسطه وقدره ضعف القدر الزائد من الحيض على نصف
محل الضلال وان شئت قلت ما يزيد من ضعف قدر الحيمن على كل محل الضلال ففي الأولي
من صورتي الكتاب لم يكن قدر الحيض زائدا على نصف محل الضلال فلم يكن لها حيض بيقين وفى الثانية
كان زائدا فلا جرم لها حيض بيقين ومقداره عشرة لان الزائد من قدر الحيض على نصف
محل الضلال خمسة وضعف الخمسة عشرة وبالعبارة الثانية نقول ضعف قدر الحيض ثلاثون ومحل
الضلال عشرون والثلاثون تزيد على العشرين بعشرة *
523

قال [فرع إذا اتسقت عادتها فكانت تحيض في شهر ثلاثا ثم في شهر خمسا ثم في شهر سبعا
ثم تعود إلى الثلاث على هذا الترتيب ثم استحيضت ففي ردها إلى هذه العادة الدائرة وجهان فان قلنا
لا ترد إليها فقد قيل إنها كالمبتدأة وقيل إنها ترد إلى القدر الأخير قبل الاستحاضة وقيل ترد إلى
الثلاثة ان استحيضت بعد الخمسة لأنها متكررة في الخمسة ولو كانت الأقدار ما سبق من ثلاث وخمس
وسبع ولكن لا على سبيل الاتساق فان قلنا ترد إلى العادة الدائرة فهذه كالتي نسيت النوبة المتقدمة
في العادة الدائرة بعد الاستحاضة وحكمها الاحتياط فعليها ان تغتسل بعد الثلاث لان الثلاث حيض
بيقين ثم تتوضأ لكل صلاة إلى انقضاء الخامس ثم تغتسل مرة أخرى ثم تتوضأ إلى انقضاء السابع ثم
تغتسل ثم هي طاهر إلى آخر الشهر] *
524

إذا استمرت للمرأة عادات حيض مختلفة المقادير ثم استحيضت فلا تخلو اما أن تكون متسقة
منتظمة أو لا تكون كذلك فهما حالتان إحداهما أن تكون منتظمة لا تختلف كما إذا كانت تحيض في
شهر ثلاثة ثم في شهر خمسة ثم في شهر سبعة ثم في الشهر الرابع ثلاثة ثم خمسة ثم سبعة وهكذا فهل ترد بعد
الاستحاضة إلى هذه العادة: وجهان أظهرهما نعم لان تعاقب الأقدار المختلفة قد صار عادة لها فصار
كالوقت والقدر المعتادين والثاني لا ترد إلى العادة الدائرة لان كل واحد من المقادير ينسخ ما قبله
ويخرجه عن الاعتبار ولا فرق على الوجهين بين أن يكون نظم عادتها على ترتيب العدد كما ذكرنا
أو لا يكون كما إذا كانت ترى في شهر خمسة ثم ثلاثة ثم سبعة ثم تعود إلى الخمسة ولا
فرق أيضا بين ان ترى كل واحدة من العادات مرة كما ذكرنا أو مرتين كما إذا كانت ترى
525

في شهرين ثلاثة ثلاثة وفى شهرين بعدهما خمسة خمسة وفى شهرين بعدهما سبعة سبعة وقوله في صورة
المسألة ثم تعود إلى الثلاث على هذا الترتيب إنما ذكر ذلك لأنه لو ابتدأ الحيض بها ورأت الأقدار الثلاثة
في ثلاثة أدوار واستحيضت في الرابع فلا خلاف في أنها لا ترد إلى تلك الأقدار في أدوارها أما إذا
أثبتنا العادة بمرة فلان القدر الأخير ينسخ ما قبله وأما إذا لم نثبت فلانه لم يثبت كون العادات المختلفة
عادة لها هكذا قاله في النهاية ولهذا قال الأئمة أقل ما تستقيم فيه العادة في المثال المذكور في الكتاب
ستة أشهر فإن كانت ترى هذه الأقدار مرتين مرتين فسنة فإذا محل الوجهين ما إذا تكررت العادة
الدائرة فان قلنا ترد إليها فاستحيضت عقيب شهر الثلاثة ردت في أول شهر الاستحاضة إلى الخمسة وفى
الثاني إلى السبعة وفي الثالث إلى الثلاثة وان استحيضت عقيب شهر الخمسة ردت إلى السبعة ثم إلى
الثلاثة ثم إلى الخمسة وان استحيضت عقيب شهر السبعة ردت إلى الثلاثة ثم إلى الخمسة ثم إلى السبعة وان
526

قلنا لا ترد إليها فقد نقل صاحب الكتاب ثلاثة أوجه أحدها انها ترد إلى القدر الأخير قبل الاستحاضة
ابدا وهذا مبنى على أن العادة تثبت بمرة وتنتقل بمرة والثاني ترد إلى القدر المشترك بين الحيضتين المتقدمتين
على الاستحاضة فان استحيضت بعد شهر الخمسة ردت إلى الثلاثة وكذا لو استحيضت بعد شهر الثلاثة
وان استحيضت بعد شهر السبعة ردت إلى الخمسة وهذا الذي بعده خارجان عن قولنا ان العادة لا تثبت
بمرة والثالث انها كالمبتدأة لان شيئا من الأقدار لم يصر عادة لها أما إذا لم يتكرر على حياله ولا عبرة
بالتكرار في ضمن عدد أكثر منه فإنه حينئذ ليس بحيضة لها ولم أر بعد البحث نقل هذه الوجوه
متفرعة على الوجه الثاني لغير صاحب الكتاب حتى لشيخه امام الحرمين رحمه الله فإنه وان ذكر
هذه الوجوه فإنما ذكرها فيما إذا لم تتكرر العادة الدائرة وقد حكينا ان محل الوجهين ما إذا تكررت فإذا صاحب
527

الكتاب متفرد بنقل هذه الوجوه تفريعا على أحد الوجهين والذي ذكره غيره تفريعا عليه الرد إلى القدر
المتقدم على الاستحاضة لا غير ثم إذا رددناها إلى القدر المتقدم على الاستحاضة فهل يجب عليها الاحتياط فيما
بين أقل العادات وأكثرها فيه وجهان أصحهما لا كذات العادة الواحدة لا تحتاط بعد الرد والثاني نعم
لجواز امتداد الحيض إليه فعلى هذا يجتنبها الزوج في المثال المذكور إلى آخر السبعة ثم إن استحيضت
عقيب شهر الثلاثة تحيضت من كل شهر ثلاثة ثم تغتسل وتصوم وتصلي وتغتسل مرة أخرى
لآخر الخامس ومرة أخرى لآخر السابع وتقتضي صوم السبعة جميعا لأنها لم تصم الثلاثة وفيما
وراءهما احتمال الحيض قائم وان صامت ولا تقضى الصلاة أيضا لأنها حائض في الثلاثة وليس
على الحائض قضاء الصلاة وفيما وراءها إن كانت حائضا فلا شئ عليها وإن كانت طاهرا فقد
528

صلت وان استحيضت عقيب شهر الخمسة تحيضت من كل شهر خمسة ثم تغتسل وتصوم وتصلى
وتغتسل مرة أخرى لآخر السابع وتقضى صوم الكل وصلوات اليوم الرابع والخامس لاحتمال
انها كانت طاهرا فيهما ولم تصل وان استحيضت عقيب شهر السبعة تحيضت من كل شهر سبعة
واغتسلت عند انقضاء السابع وتقضى صوم السبعة وصلوات ما وراء الثلاثة المستيقنة من السبعة
والله أعلم: هذا كله إذا ذكرت العادة المتقدمة على الاستحاضة فان نسيتها تحيضت من كل شهرا
529

ثلاثة فإنها أقل المقادير التي عهدتها وهي حيض بيقين ثم تغتسل وتصوم وتصلي وتغتسل أيضا في
آخر الخامس والسابع وتتوضأ فيما بينهما لكل فريضة كما تفعل المستحاضات ثم هي طاهر بيقين
إلى آخر الشهر وهل يختص هذا الجواب بقولنا انها ترد إلى العادة الدائرة أو هو مستمر على
الوجهين جميعا قضية كلام الأكثرين انه مستمر على الوجهين جميعا وكثيرا ما يستوي التفريع
530

على وجهين مختلفين واطلاق صاحب الكتاب يوافق كلامهم وقال امام الحرمين هو مخصوص
بقولنا ترد إلى العادة الدائرة أما إذا قلنا ترد إلى القدر المتقدم على الاستحاضة فمنهم من قال
ههنا ترد إلى أقل العادات ومنهم من قال هي كالمبتدأة وقد ذكرنا قولين في المبتدأة أنها هل تؤمر
بالاحتياط إلى آخر الخمسة عشر فهما جاريان ههنا فيحصل من هذا خلاف في أنها هل تحتاط
وإذا احتاطت فلا يختص الاحتياط على هذا بآخر أكثر الاعداد (الحالة الثالثة) ان لا تكون تلك
531

العادات منتظمة بل كانت تأتيها مختلفة مرة تتقدم هذه وأخرى هذه ذكر امام الحرمين وصاحب
الكتاب ان حكم هذه الحالة يبنى على حالة الانتظام ان قلنا ثم لا ترد إلى العادة الدائرة فههنا
أولى وترد إلى القدر المتقدم على الاستحاضة على هذا وان قلنا ترد إلى العادة الدائرة فعدم الانتظام
بمثابة نسيان النوبة المتقدمة على الاستحاضة فتحتاط كما سبق وقد ذكر غيرهما طرقا في هذه
الحالة محصول الخارج منها ثلاثة أوجه أصحها الرد إلى القدر المتقدم على الاستحاضة وهذا مبنى
532

على أن العادة تثبت بمرة: الثاني ان القدر المتقدم عليها ان تكرر مرتين أو ثلاثة ردت إليه وإلا
فترد إلى الأقل من عاداتها لأنه متكرر ومستيقن: الثالث أنها كالمبتدأة ولا نظر إلى شئ من تلك
العادات ثم قالوا إن قلنا ترد إلى القدر المتقدم على الاستحاضة أو إلى أقل العادات فتحتاط إلى آخر
أكثر العادات وان قلنا هي كالمبتدأة ففي الاحتياط إلى آخر الخمسة عشر الخلاف المذكور في
المبتدأة هذا إذا عرفت القدر المتقدم على الاستحاضة فان نسيته والعادات غير متسقة فههنا
وجهان الذي ذكره الأكثرون الرد إلى أقل العادات والثاني أنها كالمبتدأة فعلى الثاني في الاحتياط
533

الخلاف المذكور في المبتدأة وعلى الأول يجب الاحتياط إلى آخر أكثر العادات وحكي بعضهم
أنه يستحب ولا يجب وإذا تأملت ما حكينا حصل عندك جوابان في أنها هل تحتاط في الحالة
الثانية سواء عرفت القدر المتقدم على الاستحاضة أو نسيته إن قلنا تحتاط فذلك إلى آخر أكثر
المقادير أو إلى آخر الخمسة عشر فيه جوابان ويحصل مثل هذا الخلاف عند النسيان في الحالة
الأولي بل عند العلم أيضا لأنا روينا فيه الوجهين في الاحتياط آخر أكثر المقادير وذكر في
الكتاب وجها أنها كالمبتدأة فيجئ فيه الخلاف المذكور في احتياط المبتدأة أيضا وعند هذا لك
534

ن تعلم قوله وحكمها الاحتياط بالواو للوجه الصائر إلى أنه لا يلزمها الاحتياط وقوله في آخر الباب
ثم هي طاهر إلى آخر الشهر أيضا للوجه الصائر إلى أنها تحتاط إلى آخر الخمسة عشر وقوله فعليها
ان تغتسل بعد الثلاث لان الثلاث حيض بيقين أيضا لان من قال بأنها كالمبتدأة حيضها يوما
وليلة أو ستا أو سبعا ولا يعتبر الثلاث وقوله ثم تتوضأ إلى آخر الخامس وإلى آخر السابع أيضا
للوجه الذاهب إلى أنها تحتاط في جميع الخمسة عشر واعلم أن الصحيح من هذا الخلاف عند العلم
في حالة انتظام العادات أنها لا تحتاط والصحيح عند النسيان وفى حالة عدم الانتظام انها تحتاط
535

لكن إلى آخر أكثر الاقدار لا إلى تمام الخمسة عشر ولهذا خلط في الكتاب الحالة الثانية
بصورة النسيان من حال الانتظام والله أعلم *
قال [الباب الرابع في التلفيق] فإذا انقطع دمها يوما يوما وانقطع على الخمسة عشر ففي
قول تلتقط أيام النقا وتلفق (ح) ويحكم بالطهر فيه والقول الأصح انا نسحب (م) حكم الحيض على أيام
536

النقاء ونجعل ذلك كالفترات بين دفعات الدم لان الطهر الناقص فاسد كالدم الناقص] *
إذا انقطع دم المرأة وكانت ترى يوما دما ويوما نقاء أو يومين ويومين فلا يخلو اما أن ينقطع قبل
مجاوزة الخمسة عشر أو يجاوزها فهما قسمان الأول أن ينقطع ولا يجاوز ففيه قولان أحدهما وبه قال
مالك واحمد أنها نلتقط أيام النقاء وتلفق ويحكم بالطهر فيها وحيضها أزمنة الدم لا غير لقوله تعالي
537

ولا تقربوهن حتى يطهرن أي ينقطع دمهن وقد انقطع فوجب ان يجوز القربان ولأنه لا يحكم في
أيام الدم حقيقة بالطهر فكذلك لا يحكم في أيام النقاء حقيقة بالحيض توفيرا لحكم كل واحدة من
الحالتين عليها ولا شك أن أزمنة النقاء لا تجعل أطهارا في حق انقضاء العدة بها والطلاق فيها
538

لا يخرج عن كونه بدعيا فقولنا نحكم بالطهر فيها على هذا القول أي في الصوم والصلاة والاغتسال
ونحوها والثاني وبه قال أبو حنيفة ان حكم الحيض ينسحب على أيام النقاء فتحيض فيها جميعا لان
زمان النقاء ناقص عن أقل الطهر فيكون حيضا كساعات الفترة بين دفعات الدم ولان أزمنة النقاء
539

لو كانت طهرا فاما أن يكون كل واحد منها طهرا وحده أو مجموعها طهرا واحدا فإن كان الأول وجب
انقضاء العدة بواحد بثلاثة منها وإن كان الثاني وجب ان تفرقها على جميع الشهر حتى لا تكون
مستحاضة مع مجاوزة الدم بصفة التقطع وليس كذلك والقول الأول أصح عند الشيخ أبي حامد
وطائفة من أصحابنا العراقيين لكن ما عليه المعظم ان الثاني أصح على ما ذكره في الكتاب وبه
قال القاضي أبو الطيب الطبري وموضع القولين ما إذا كانت مدة الانقطاع زائدة على الفترات
المعتادة بين دفعات الدم فإنه لا يسيل دائما في الغالب فإن لم يزد عليها فلا خلاف في كون الكل حيضا
وهذا بين من الحاقه أيام النقاء على قول السحب بها وقد قال امام الحرمين في الفرق بينهما دم
الحيض يجتمع في الرحم ثم الرحم يقطره شيئا فشيئا فالفترة ما بين ظهور دفعة وانتهاء أخرى من
540

الرحم إلى المنفذ فما زاد على ذلك فهو النقاء الذي فيه القولان وربما يتردد الناظر في أن مطلق
الزائد على المدة المذكورة هل تخرج عن حد الفترات المعتادة لان تلك المدة يسيرة والله أعلم
بالصواب: ولا فرق على القولين بين أن يكون قدر الدم أكثر من قدر النقاء أو قدر النقاء أكثر
أو يكونا متساويين وإذا رأت صفرة أو كدرة بين سوادين وقلنا الصفرة في غير أيام العادة
ليست حيضا فهو من صور التقطع *
قال [ولكن نسحب حكم الحيض على النقاء بشرطين (أحدهما) أن يكون النقاء محتوشا بدمين في
الخمسة عشر حتى لو رأت يوما وليلة دما وأربعة عشر نقاء ورأت في السادس عشر دما فالنقاء مع
541

ما بعده من الدم طهر لأنه ليس محتوشا بالحيض في المدة (والثاني) أن يكون قدر الحيض في المدة
الخمسة عشر تمام يوم وليلة وإن تفرق بالساعات وقيل أن كل دم ينبغي أن يكون يوما
وليلة وقيل لا يشترط ذلك بل لو كان المجموع قدر نصف يوم صار الباقي حيضا] *
غرض الفصل بيان قاعدتين يشرطان على قول السحب أحدهما لابد من كون النقاء محتوشا
بدمين في الخمسة عشر ليثبت لهما حكم الحيض ثم ينسحب على ما بينهما أما النقاء الذي لا يقع
بين دمين فهو طهر لا محالة وضرب له في الكتاب مثالا وهو ما إذا رأت يوما وليلة دما وأربعة
عشر نقاء ورأت في السادس عشر دما فالأربعة عشر طهر إذ ليس بعدها دم محكوم له بالحيض
حتى ينسحب حكمه على النقاء وإنما شرط في هذا المثال أن تري الليلة دما مع اليوم لأنه لا دم
542

في الخمسة عشر سوى ما رأته أولا فلو كان في اليوم وحده لما كان لها حيض أصلا وحينئذ لا يقتصر
الطهر على الأربعة عشر وما بعدها بل يعم الكل ولا يخفى ان الغرض من قوله فالنقاء مع ما بعده
من الدم طهر التسوية بينهما في نفى الحيض لا في أحكام الطهارة مطلقا فإنها مستحاضة في زمان
الدم دون أيام النقاء ولك ألا تستحسن هذا المثال في هذا الموضع لأنه الآن يتكلم فيما إذا لم
يجاوز الدم الخمسة عشر وفى هذه الصورة قد جاوز واللائق غير هذا المثال نحو ما إذا رأت يوما دما
ويوما نقاء إلى الثالث عشر ولم يعد الدم في الرابع عشر والخامس عشر طهر لان النقاء فيهما غير
محتوش بدمين في الخمسة عشر (الثانية) الدماء المتفرقة أما أن يبلغ مجموعها أقل الحيض أولا يبلغ فان
بلغ مجموعها أقل الحيض نظر ان بلغ الأول والآخر كل واحد منهما أقل الحيض ففيه القولان
543

وحكى أبو عبد الله الحناطي طريقا آخر أن أزمنة النقاء في هذه الحالة حيض بلا خلاف والقولان
فيما إذا لم يبلغ كل واحد من الطرفين الأقل وإن لم يبلغ واحد منها أقل الحيض كما إذا رأت نصف
يوم دما ومثله نقاء وهكذا إلى آخر الخمسة عشر ففيه ثلاثة طرق أصحها طرد القولين على قول
التلفيق حيضها أنصاف الدم سبعة ونصف وعلى قول السحب حيضها أربعة عشر ونصف لان
النصف الأخير لا يتخلل بين دمين في المدة والثاني لا حيض لها وكل ذلك دم فساد لان جعل النقاء
حيضا خلاف الحقيقة إنما يصار إليه إذا تقدم أقل الحيض أو تأخر أقله أو وجد إحداهما حتى استتبع
النقاء والثالث ان توسطهما قدر أقل الحيض على الا تصل كفى ذلك لحصول القولين وإلا فكلهما دم فساد
وان بلغ أحدهما أقل الحيض دم الآخر فثلاثة طرق أيضا أصحها طرد القولين والثاني أن
544

الذي بلغه حيض وما عداه دم فساد والثالث ان بلغ الأول أقل الحيض فهو ما سواه حيض وان
بلغ الآخر الأقل فهو حيض دون ما عداه والفرق أن الحيض في الابتداء أقوي وأدوم هذا كله
إذا بلغ مجموع الدماء أقل الحيض أما إذا لم يبلغ فطريقان أظهرهما أنه على القولين ان قلنا بالتلفيق
فلا حيض لها بل دم فساد وان قلنا بالسحب فكذلك على أظهر الوجهين والثاني أن الدماء
وما بينها حيض والثاني القطع بان لا حيض لها وإذا تأملت ما ذكرناه حصل عندك في القدر
المعتبر من الدمين ليجعل ما بينهما حيضا على قول السحب ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب أظهرها وبه
قال أبو بكر المحمودي أنه يشترط أن يكون مجموع الدماء قدر أقل الحيض ولا بأس بتفرقها
ونقصان كل واحد منها وقوله أن يكون قدر الحيض في المدة الخمسة عشر تمام يوم ليلة عبارة
545

عن هذا الوجه وأراد بالحيض الدم وإلا فالنقاء حيض أيضا على قول السحب والثاني أنه يشترط
مع ذلك أن يكون كل واحد من الدمين قدر أقل الحيض حتى لو رأت دما ناقصا عن الأقل ودمين
آخرين غير ناقصين فالأول دم فساد والآخران وما بينهما من النقاء حيض وقوله أن كل دم
ينبغي أن يكون يوما وليلة لا نعنى به كل دم في الخمسة عشر إذ لا يشترط في الدماء المتوسطة
ذلك وإنما المراد كل دم من الأول والآخر والثالث وبه قال الأنماطي أنه لا يشترط شئ من ذلك
بل لو كان مجموع الدماء نصف يوم أو أقل فهي وما بينها من النقاء حيض على القول الذي نتكلم
فيه وقوله صار الباقي حيضا أي الباقي من الخمسة عشر بشرط أن يكون متخللا بين الدمين
ويحصل مما سبق وجه رابع وهو أنه لا يشترط أن يكون كل واحد من الدمين أقل الحيض لكن
546

يشترط بلوغ أولهما هذا الحد ووجه خامس وهو أنه يشترط أن يكون أحدهما أقل الحيض أما
الأول أو الآخر ووجه سادس وهو أنه يشترط ذلك أما في الأول أو الآخر أو الوسط *
قال [فرع المبتدأة إذا أنقطع دمها فتؤمر بالعبادة في الحال وإذا استمر التقطع ففي الدور الثالث
لا تؤمر بالعبادة وفى الثاني تبنى على أن العادة هل تثبت بمرة واحدة] *
المبتدأة إذا انقطع الدم فكما أنقطع وهو بالغ أقل الحيض لزمها ان تغتسل وتصوم وتصلي ولها ان
تطوف وللزوج أن يغشاها لا فرق في كل ذلك بين القولين لأنها لا تدري هل يعود الدم أم لا
والظاهر استمرار العدم وفى الغشيان وجه أنه لا يجوز ثم إذا عاد الدم تركت الصوم والصلاة
وامتنعت عن الوطئ وتبين على قول السحب وقوع الوطئ والعبادات في الحيض لكن
547

لا يأثم بالوطئ وتقضي الصوم والطواف دون الصلاة وعلى قول اللقط والتلفيق ما مضي
صحيح ولا قضاء وهذا الحكم في الانقطاع الثاني والثالث وسائر الانقطاعات في
الخمسة عشر وفيه وجه ان في سائر الانقطاعات يبنى الامر على أن العادة بماذا تثبت فإذا ثبتت توقفنا
في الغسل وسائر العبادات ارتقابا للعود واما في الدور الثاني وما بعده من الأدوار فعلى قول التلفيق
لا يختلف الحكم وعلى قول السحب في الدور الثاني طريقان أصحهما أنه يبنى على الخلاف في العادة
ان أثبتناها بمرة فقد عرفنا التقطع بالدور الأول فلا تغتسل ولا تصلى ولا تصوم حملا على عود الدم
فإن لم يعد بان أنها كانت طاهر أفتقضي الصوم والصلاة جميعا وان لم نثبتها بمرة فالحكم كما سبق في الشهر
الأول وفى الدور الثالث وما بعده تثبت العادة بمرتين سابقتين فلا تغتسل إذا انقطع الدم ولا تصلى
548

ولا تصوم وقد حكينا وجها من قبل أن العادة لا تثبت الا بثلاث مرات ولا يخفى قياسه والطريق
الثاني ويحكى عن أبي زيد أن التقطع وان تكرر مرات كثيرة فالحكم في المرة الأخيرة كما في
الأولي لان الدم إذا انقطع فبناء الحكم على عوده وترك العبادات بعيد وقوله في الكتاب المبتدأة
إذا انقطع دمها فتؤمر بالعبادة يجوز أن يراد به الانقطاع الأول وحده ويجوز أن يراد به كل انقطاع
يتفق في الدور الأول وعلى التقدير الثاني ينبغي ان يعلم قوله فتؤمر بالعبادة بالواو للوجه الصائر
إلى بنائه على الخلاف في العادة وقوله ففي الدور الثالث لا تؤمر بالعبادة ينبغي أن يعلم بالواو لشيئين
أحدهما الوجه الذاهب إلى أن العادة تثبت بثلاث مرات والثاني الطريقة المنسوبة إلى أبي زيد وكذلك
قوله وفى الثاني يبنى على أن العادة هل تثبت بمرة لطريقة أبى زيد: هذا كله إذا كان الانقطاع بعد
549

بلوغ الدم أقل الحيض أما إذا رأت المبتدأة نصف يوم دما وانقطع وقلنا بطرد القولين فعلى قول
السحب لا غسل عليها عند الانقطاع الأول لأنه ان عاد الدم في الخمسة عشر فالنقاء الذي رأته بعد
ذلك الدم حيض أيضا وان لم يعد فهو دم فساد ولكن تتوضأ وتصلي وفى سائر الانقطاعات إذا بلغ
مجموع ما سبق دما ونقاء أقل الحيض يصير الحكم على ما سبق في الحالة الأولي وعلى قول التلفيق
لا يلزمها الغسل أيضا في الانقطاع الأول على أظهر الوجهين لأنا لا ندري هل هو حيض أم لا والثاني يجب
احتياطا كما يجب على الناسية احتياطا وفي سائر الانقطاعات إذا بلغ ما سبق من الدم وحدة أقل الحيض يلزمها
الغسل وقضاء الصوم والصلاة وحكم الدور الثاني والثالث على القولين جميعا كما ذكرنا في الحالة الأولى هذا
تمام القسم الأول وهو أن لا يجاوز الدم المتقطع خمسة عشر يوما *
550

قال [أما إذا جاوز الدم خمسة عشر يوما صارت مستحاضة فلها أربعة أحوال (الأولى) المعتادة
فإن كانت تحيض خمسا وتطهر خمسا وعشرين فجاءها الدور وأطبق الدم مع التقطع وكانت ترى
الدم يوما وليلة والنقاء كذلك فعلى قول السحب نحيضها خمسة من أول الدور لان النقاء فيه محتوش
بالدم ولو كانت عادتها يوما وليلة فاستحيضت وكانت ترى يوما دما وليلة نقاء وهكذا ففيه اشكال
لان اتمام الدم بالنقاء عسير إذ ليس محتوشا بدمين في وقت العادة لا يمكن تكميل اليوم بالليلة
فقد قيل ههنا تعود إلى قول التلفيق فيلتقط النقاء من الحيض وقيل لا حيض لها أصلا وقيل يسحب
حكم الحيض على ليلة النقاء ويضم اليوم الثاني إليه فيكون قد ازداد حيضها] *
إذا جاوز الدم بصفة التلفيق الخمسة عشر فقد صارت مستحاضة كغير التلفيق إذا جاوز
551

دمها هذه المدة ولا صائر إلى الالتقاط من جميع الشهر وان لم يزد مبلغ الدم على أكثر الحيض وإذا
صارت مستحاضة ووقعت الحاجة إلى الفرق بين حيضها واستحاضتها فالمرجع إلى العادة والتمييز كما
في غير ذات التلفيق وقال محمد ابن بنت الشافعي ان اتصل الدم المجاوز بالدم في آخر الخمسة عشر
فالامر كذلك وان انفصل عنه بنقاء متخلل فالمجاوز استحاضة وجميع ما في الخمسة عشر من الدماء
إما وحدها أو مع النقاء المتخلل على اختلاف القولين حيض مثال ما إذا اتصل رأت ستة دما وستة نقاء
وجاوز فالدم متصل ههنا من آخر الخامس بأول السادس ومثال ما إذا انفصل رأت يوما دما ويوما
نقاء وجاوز فهذه ترى الدم في الخامس عشر وتكون نقية في السادس عشر فعنده جميع الخمسة
عشر حيض على قول السحب وما فيها من الدماء على قول اللقط وما جاوز الخمسة عشر استحاضة
وبه قال أبو بكر المحمودي وغيره والمذهب الأول ثم جعل صاحب الكتاب المستحاضات في هذا
الباب أربعا إحداهن الناسية وفى غير ذات التلفيق ذكر أربعا دون الناسية وليس ذلك لاختلاف
552

عددهن بالتقطع وعدم التقطع لكن حذف ذكر المعتادة المميزة ههنا لان الوقوف على حكمها
سهل المأخذ من حيث أن الكلام في أن أي المعنيين يرجح من العادة والتمييز وقد سبق في غير ذات التلفيق
ولا فرق فيه بين حالة التقطع وعدم التقطع وإذا رجحنا أحد المعنيين فهي كالمنفردة بتلك الصفة: المستحاضة
الأولي المعتادة الحافظة لعادتها وعادتها السابقة على ضربين (أحدهما) وهو الذي ذكر مثاله في
الكتاب العادة التي لا تقطع فيها لكل عادة ترد إليها عند الاطباق والمجاوزة ترد إليها عند التقطع
والمجاوزة ثم على قول السحب كل دم يقع في أيام العادة وكل نقاء يتخلل بين دمين فيها حيض
واما النقاء الذي لا يتخلل بين دمين فيها لا يكون حيضا وأيام العادة ههنا بمثابة الخمسة عشر عند
عدم المجاوزة فلا يعدل عنها وعلى قول التلفيق أزمنة النقاء طهر وفيما يجعل حيضا لها وجهان أظهرهما
553

أن قدر عادتها من الدماء الواقعة في الخمسة عشر حيض لها فإن لم تبلغ الدماء في الخمسة عشر
قدر عادتها جعل الموجود حيضا ووجهه أن المعتادة عند الاطباق مردودة إلى قدر عادتها وقد أمكن
ردها هنا إلى قدر العادة فيصار إليه والثاني أن حيضها ما يقع من الدماء في أيام العادة لا غير لان
حكم الحيض عند الاطباق إنما يثبت الدماء الموجود في أيام العادة فكذلك ههنا مثاله كانت تحيض
خمسة على التوالي من كل ثلاثين فجاءها دور تقطع فيه الدم والنقاء يوما ويوما وجاوز الخمسة عشر
فعلى قول السحب نحيضها خمسة من أول الدور وما فيها من النقاء محتوش بالدم في أيام العادة
فينسحب عليه حكم الحيض وعلى قول التلفيق وجهان أظهرهما أن حيضها الأول والثالث والخامس
والسابع والتاسع وتجاوز أيام العادة محافظة على القدر والثاني أن حيضها الأول والثالث
554

والخامس لا غير ولو كانت تحيض ستة على التوالي ثم استحيضت والدم منقطع كما وصفنا فعلى قول السحب
لا نردها إلى الستة لان النقاء في اليوم السادس غير محتوش بدمين في أيام العادة وعلى قول التلفيق
حيضها على الوجه الأول الأيام الخمسة والحادي عشر أيضا وعلى الوجه الثاني الأول والثالث
والخامس لا غير ولو انقلبت عادتها بتقدم أو تأخر ثم استحيضت عاد الخلاف كما ذكرنا في حالة
الاطباق وكذا الخلاف فيما يثبت به العادة مثال التقدم كانت عادتها خمسة من ثلاثين كما
ذكرنا فرأت في بعض الشهور اليوم الثلاثين دما واليوم الذي بعده نقاء وهكذا تقطع دمها
وجاوز الخمسة عشر فعن أبي إسحاق انها تراعى أيامها المتقدمة وما قبلها استحاضة فعلى قول
السحب حيضها اليوم الثاني والثالث والرابع وعلى قول اللقط حيضها اليوم الثاني والرابع لا غير
555

وظاهر المذهب أن العادة تنتقل بمرة واحدة واليوم الثلاثون حيض فعلى قول السحب حيضها
خمسة متوالية من الثلاثين وعلى قول اللقط حيضها اليوم الثلاثون والثاني والرابع أن لم يجاوز أيام العادة
وان جاوز ضممنا إليها السادس والثامن ومثال التأخر ما إذا رأت في المثال المذكور اليوم
الأول في بعض الأدوار نقاء ثم تقطع عليها الدم والنقاء من اليوم الثاني وجاوز فعند أبي إسحاق
الحكم على ما ذكرنا في الصورة السابقة وعلى ظاهر المذهب ان فرعنا على قول السحب فحيضها
خمسة على التوالي من اليوم الثاني وان فرعنا على قول اللقط فإن لم يجاوز أيام العادة فحيضها الثاني
والرابع والسادس وان كنا خارجا عن أيام العادة القديمة لكن بالتأخر قد انتقلت عادتها
وصار أول الخمسة الثاني وآخرها السادس وان جاوزنا أيام العادة فحيضها هذه الأيام مع الثامن
556

والعاشر ولا يخفى ان قدر طهرها السابق على الاستحاضة في هذه الصورة قد صار ستة وعشرين
وفى صورة التقدم أربعة وعشرين ولو لم يتقدم الدم في المثال المذكور ولا تأخر لكن انقطع الدم
والنقاء عليها يومين يومين فلا يعود خلاف أبى اسحق ويبنى الحكم على قول التلفيق ان سحبنا
فحيضها خمسة أيام ولاء واليوم السادس استحاضة كالدماء التي بعده وان لقطنا فإن لم يجاوز أيام
العادة فحيضها اليوم الأول والثاني والخامس لا غير وان جاوز ضممنا إليها السادس والتاسع
وحكي وجه ان الخامس لا يجعل حيضا على قولنا بعدم المجاوزة ولا التاسع على قولنا بالمجاوزة لأنهما
متصلان بدم الاستحاضة فيضعفان بضعفه ويجرى هذا الوجه في كل نوبة دم يخرج بعضها عن
أيام العادة ان اقتصرنا على أيام العادة وعن الخمسة عشر ان جاوزنا أيام العادة وإذا عرفنا قدر
حيض هذه المستحاضة على اختلاف الأحوال فكم مدة طهرها بعد الحيض إلى استئناف حيضة
أخرى ينظر أن كان التقطع بحيث ينطبق الدم على أول الدور: ابتداء الحيضة الأخرى وان
557

لم ينطبق فابتداء حيضها أقرب نوب الدماء إلى أول الدور تقدمت أو تأخرت فان استوتا في التقدم
والتأخر فابتداء حيضها النوبة المتأخرة ثم قد يتفق التقدم أو التأخر في بعض أدوار
الاستحاضة دون بعض وإذا أردت أن تعرف هل ينطبق الدم على أول الدور أم لا فخذ نوبة دم
ونوبة نقاء واطلب عددا صحيحا يحصل من ضرب مجموع النوبتين فيه مقدار دورها فان وجدته
فاعرف انطباق الدم على أول الدور والا فاضربه في عدد يكون مردوده أقرب إلى دورها زائدا
كان أو ناقصا واجعل حيضها الثاني أقرب الدماء إلى أول الدور فان استوى طرفا الزيادة والنقصان
فالاعتبار بالزائد ولنوضح ذلك بأمثلة: عادتها خمسة من ثلاثين وتقطع الدم يوما ويوما في بعض
الأدوار وجاوز فنوبة الدم يوم ونوبة النقاء مثله وأنت تجد عددا لو ضربت الاثنين فيه كان الحاصل
ثلاثين وهو خمسة عشر فاعرف أن الدم ينطبق على أول دورها ابدا ما دام التقطع بهذه الصفة
ولو كانت المسألة بحالها وتقطع الدم والنقاء يومين يومين فلا تجد عددا يحصل من ضرب أربعة فيه
ثلاثون فاطلب ما يقرب الحاصل من الضرب فيه من ثلاثين وههنا عدد ان سبعة وثمانية ان ضربت
الأربعة في سبعة رد ثمانية وعشرين وان ضربتها في ثمانية رد اثنين وثلاثين والتفاوت في طرفي
الزيادة والنقصان واحد فخذ بالزيادة واجعل أول الحيضة الأخرى الثالث والثلاثين وحينئذ يعود
ما سبق نقله من خلاف أبي إسحاق لتأخر الحيض عن أول الدور فحيضها عنده في أول الدور الثاني
558

هو اليوم الثالث والرابع لا غير على قولي التلفيق جميعا وأما على قول السحب فلان ما قبلهما وما
بعدهما نقاء لم يتخلل بين دمين في أيام العادة وأما على قول اللقط فلانه ليس لها في أيام العادة دم
الا في هذين اليومين وأما على ظاهر المذهب فان فرعنا على السحب حيضناها من اليوم الثالث
خمسة على التوالي وان فرعنا على اللقط فان جاوزنا أيام العادة فحيضها الثالث والرابع والسابع
والثامن والحادي عشر وان لم يجاوزها فحيضها الثالث والرابع والسابع لا غير ثم في الدور الثالث
ينطبق الدم على أول الدور فلا يبقى خلاف أبي إسحاق ويكون الحكم كما ذكرنا في الدور
الأول وفى الدور الرابع يتأخر الحيض ويعود الخلاف وعلى هذا أبدا ولم نر أحدا يقول إذا
تأخر الدم في الدور الثاني بيومين فقد صار أول أدوار المجاوزة اثنين وثلاثين فنجعل هذا العدد دورا
لها تفريعا على أن العادة تثبت بمرة وحينئذ ينطبق الدم على أول الدور أبدا لأنا نجد عددا
يحصل من ضرب الأربعة فيه هذا العدد وهو ثمانية ولو قال به قائل لما كان به باس فان قلت هذا
الدور حدث في زمان الاستحاضة فلا عبرة به قلنا لا نسلم فانا قد نثبت عادة المستحاضة مع دوام
العلة الا ترى أن المستحاضة المميزة يثبت لها بالتمييز عادة معمول بها ولو كانت المسألة بحالها
ورأت ثلاثة دما وأربعة نقاء فمجموع النوبتين سبعة فلا نجد عددا إذا ضربت السبعة فيه رد
ثلاثين فاضربه في أربعة ليرد ثمانية وعشرين واجعل أول الحيضة الثانية التاسع والعشرون ولا
559

تضربه في خمسة فإنه يرد خمسة وثلاثين وذلك أبعد من الدور وعند ذلك يتقدم الحيض على أول
الدور فعلى قياس أبى اسحق ما قبل الدور استحاضة وحيضها اليوم الأول على قولي التلفيق جميعا
وقياس ظاهر المذهب لا يخفى ولو كانت عادتها قديما ستة من ثلاثين وتقطع الدم في بعض الأدوار سته
ستة وجاوز ففي الدور الأول حيضها الستة الأولي بلا خلاف واما في الدور الثاني فإنها ترى ستة من أوله من
أوله نقاء وهي أيام عادتها فعند أبي إسحاق لا حيض لها في هذا الدور أصلا وأما سائر الأصحاب
فقد حكي امام الحرمين في هذه الصورة عنهم وجهين أظهرهما انا نحيضها الستة الثانية على قولي السحب
واللقط جميعا والثاني أن يحضها الستة الأخيرة من الدور الأول لان الحيضة إذا فارقت محلها فقد
تتقدم وقد تتأخر والستة الأخيرة قد تخلل بينها وبين الحيضة التي قبلها طهر كامل فتحيض فيها
ونحكم بنقصان طهرها السابق ويجئ هذا الوجه حيث خلا جميع أيام العادة عن الحيض: هذا كله
560

إذا لم ينقص الدم الموجود في زمان العادة عن أقل الحيض أما إذا نقص كما إذا كانت عادتها يوما
وليلة فرأت في بعض الأدوار يوما دما وليلة نقاء واستحيضت قال صاحب الكتاب فهذا فيه
اشكال يعنى على قول السحب لان اتمام الدم بالنقاء عسير لأنه غير محتوش بالدم في وقت العادة
ولا يمكن الاقتصار على اليوم الواحد ولا تكميله باليوم الثاني فان مجاوزة العادة على قول السحب
مما لا يجوز فبماذا نحكم فيه ثلاثة أوجه أظهرها أنه لا حيض لها في هذه الصورة لتعذر الأقسام
وبه قال أبو إسحاق والثاني انها تعود في هذه الصورة إلى قول التلفيق ونستثنيها عن قول السحب لأنه يبعد
ان يقال لا حيض لها وهي ترى الدم شطر دهرها على صفة الحيض وبهذا قال أبو بكر المحمودي والثالث انا
نحيضها اليوم الأول والثاني والليلة بينهما وليس فيه الا زيادة حيضها وهو أقرب الأقسام والأحوال
وهذا الوجه ذكره الشيخ أبو محمد واما على قول التلفيق فلا حيض لها ان لم نجاوز أيام العادة وان
جاوزناها حيضناها في اليوم الأول والثاني وقلنا الليلة بينهما طهر: الضرب الثاني العادة المنقطعة فإذا
استمرت لها عادة منقطعة قبل الاستحاضة ثم استحيضت مع التقطع فننظر إن كان التقطع بعد
الاستحاضة كالتقطع قبل الاستحاضة فمردها قدر حيضها على اختلاف القولين مثاله: كانت تري ثلاثة
دما وأربعة نقاء وثلاثة دما وتطهر عشرين ثم استحيضت والتقطع بهذه الصفة فعلى قول السحب
كان حيضها عشرة قبل الاستحاضة فكذلك بعدها وعلى قول اللقط كان حيضها ستة يتوسط
بين نصفيها أربعة فكذلك الآن وان اختلفت كيفية التقطع كما إذا انقطع الدم عليها في المثال
المذكور في بعض الأدوار يوما يوما واستحيضت فعلى قول السحب حيضها الآن تسعة أيام لأنها
جملة الدماء الموجودة في أيام العادة وما بينها من النقاء واليوم العاشر نقاء لم يتخلل بين دمين في
وقت العادة وعلى قول اللقط أن لم يجاوز أيام العادة فحيضها اليوم الأول والثالث والتاسع إذ ليس
لها في أيام حيضها القديم على هذا القول دم الا في هذه الثلاثة وان جاوزناها ضممنا إليها الخامس
561

والسابع والحادي عشر تكميلا لقدر حيضها
قال [الثانية المبتدأة فإذا رأت النقاء في اليوم الثاني صامت وصلت وهكذا تفعل مهما رأت
النقاء إلى خمسة عشر فإذا جاوز الدم ذلك تبين أنها مستحاضة ثم مردها أما يوم وليلة وأما أغلب عادات
النساء في حقها كالعادة في حق المعتادة] *
ذكرنا أن المبتدأة إذ انقطع عليها الدم تصوم وتصلي عند الانقطاع الأول وهكذا في سائر الانقطاعات
الواقعة في الخمسة عشر وقد اشتمل الفرع المذكور قبل تقسيم المستحاضات على ما ذكره في هذا الموضع
أو على بعضه لان قوله ثم إذا انقطع دمها تؤمر بالعبادة في الحال ان أراد به كل الانقطاع فهو
والمذكور في هذا الموضع شئ واحد وان أراد به الانقطاع الأول فهو قوله ههنا: وإذا رأت النقاء
في اليوم الثاني صامت وصلت: وليكن قوله وهكذا تفعل مهما رأت النقاء معلما بالواو لما بيناه في شرح
562

ذلك الفرع ثم إذا جاوز دمها بصفة التقطع الخمسة عشر تبين أنها مستحاضة فان قلنا المبتدأة
ترد إلى يوم وليلة وهو الأصح وكان تقطع الدم والنقاء عليها يوما يوما فحيضها (يوم وليلة والباقي
طهر وان قلنا أنها ترد إلى ست أو سبع فعلى قول السحب ان رددناها إلى ست فحيضها) (7) خمسة على
التوالي لان اليوم السادس نقاء لم يحتوشه دمان في المرد وان رددناها إلى سبع فحيضها سبعة على
التوالي على قول اللقط ان لم يجاوز أيام العادة ورددناها إلى ست فحيضها اليوم الأول الثالث
والخامس وان رددناها إلى سبع ضممنا اليوم السابع إلى هذه الأيام وان جاوزنا أيام العادة
ورددناها إلى ست فحيضها ست من أيام الدماء وان رددناها إلى سبع فحيضها سبعة منها وكل هذا
على ما تقدم في المعتادة فلذلك قال ومردها في حقها كالعادة في حق المعتادة وابتداء الحيضة الثانية طريقه]

(7) ما بين القوسين في بعض النسخ فقط ولا يصح المعنى بدونه فتأمل ه‍ ا
563

ما ذكرنا في المعتادة ثم إذا كانت تصلى وتصوم في أيام النقاء حتى جاوز الدم الخمسة عشر وتتركهما في أيام
الدم كما أمرناها به فلا خلاف في أنها تقضي صيام أيام الدم بعد المرد وصلواتها لأنها تركتهما رجاء الانقطاع قبل
الخمسة عشر فإذا جاوزها الدم وتبين الطهر في تلك الأيام فلا بد من قضاء العبادة المتروكة واما صلوات أيام
النقاء وصيامها فعلى قول اللقط لا حاجة إلى قضائها أصلا واما على قول السحب فلا حاجة أيضا إلى قضاء
الصلوات لأنها إن كانت طاهرا فقد صلت وإن كانت حائضا فلا صلاة عليها وفى صومها قولان
أظهرهما انها لا تقضى أيضا كما في الصلاة والثاني تقضي لأنها صامت على تردد في صحته وفساده فلا
يجزيها بخلاف الصلاة فان الصلاة أن لم تصح لم يجب قضاؤها إذ لا يجب قضاء الصلاة على الحائض
ثم منهم من بنى القولين على القولين فيما إذا صلى خنثى خلف امرأة وأمرناه بالقضاء فلم يقض حتى
564

بان كون امرأة هل يلزمه القضاء لان العبادة في الصورتين مؤداة على التردد في صحتها وفسادها وقال
الأكثرون هما مبنيان على القولين المذكورين في أن المبتدأة هل تحتاط بعد المرد إلى آخر
الخمسة عشر أم لا ان قلنا تحتاط وجب القضاء مع الأداء وإلا فلا قالوا ولو كان الخلاف مبنيا على
مسألة الخنثى لكان مخصوصا بالشهر الأول من شهور الاستحاضة لثبوت الاستحاضة بعد ذلك الشهر
وارتفاع التردد والخلاف مطرد في الأدوار كلها خرج من هذا انا ان حكمنا باللقط لم تقض من
الخمسة عشر الا صلوا ت سبعة أيام وصيامها ان رددنا المبتدأة إلى يوم وليلة وهي أيام الدم سوى
اليوم الأول وان رددناها إلى ست أو سبع فإن لم تجاوز أيام العادة وكان الرد إلى ست قضتها
565

من خمسة أيام وان ردت إلى سبع فمن أربعة أيام وان جاوزناها وردت إلى ست قضتها من
يومين وان ردت إلى سبع فمن يوم واحد واما ان حكمنا بالسحب فان رددناها إلى يوم واحد قضت
صلوات سبعة أيام وهي أيام الدم سوى اليوم الأول ولا تقضى غير ذلك وفى الصوم قولان
أظهرهما لا تقضى الا صيام ثمانية أيام وهي أيام الدم كلها والثاني تقضى صيام الخمسة عشر ولفظ
الوسيط تعبير عن القول الأول أنه لا يلزمها إلا قضاء تسعة أيام في رمضان لأنها صامت سبعة في أيام
النقاء من الشطر الأول ولولا ذلك النقاء لما لزمها إلا ستة عشر فإذا حسبنا سبعة بقي تسعة
والصواب ما قلناه وهو المذكور في التهذيب وغيره ولولا النقاء لما لزمها الا خمسة عشر
وإنما تلزم الستة عشر إذا أمكن انبساط أكثر الحيض على الستة عشر وهو غير ممكن في المثال الذي
566

نتكلم فيه وان رددناها إلى ست أو سبع فان ردت إلى ست قضت صلوات خمسة أيام
وهي أيام الدماء التي لم تصل فيها بعد المرد لان جملتها ثمانية ويقع منها في
إلى سبع قضت صلوات أربعة واما الصوم فعلى أحد القولين تقضى صيام الخمسة عشر جميعا وعلى
أظهرهما ان ردت إلى ست قضت صيام عشرة أيام ثمانية منها أيام الدم في الخمسة عشر ويومان
نقاء وقعا في المرد لتبين الحيض فيهما وان ردت إلى سبع قضت صيام أحد عشر يوما هذا تمام الكلام
في المبتدأة التي لا تمييز لها
قال [الثالثة المميزة وهي التي ترى يوما دما قويا ويوما دما ضعيفا فان أطبق الضعيف بعد
الخمسة عشر حيضناها خمسة عشر يوما لإحاطة السواد بالضعيف المتخلل وكل ذلك تفريع على
567

ترك التلفيق فاما إذا استمر تعاقب السواد والحمرة في جميع الشهر فهي فاقدة التمييز لفوات شرطه]
المبتدأة إذا كانت مميزة ننظر إن كانت فاقدة لشرط التمييز فهي كالفاقدة لأصل التمييز وحكمها
ما سبق نظيره لو رأت يوما سوادا ويوما حمرة إلى آخر الشهر فهي فاقدة لاحد شروط التمييز وهو
أن لا يجاوز القوى الخمسة عشر وقوله في هذا المثال فاقدة للتمييز لفوات شرطه أي التمييز المعتبر
وإلا فهي واجدة لأصله وإن كان واجدة لشرط التمييز فعلى قول السحب حيضها الدماء القوية
في الخمسة عشر مع النقاء المتخلل والضعيف المتخلل وعلى قوله اللقط حيضها القوى دون
ما يتخلله مثله رأت يوما سواد ويوما حمرة إلى آخر الخمسة عشر ثم استمرت
الحمرة بعد الخمسة عشر أما لصفة التقطع فحيضها على قول السحب جميع
568

الخمسة عشر وعلى قول اللقط أيام السواد وهي ثمانية وقوله المييزة وهي التي ترى يوما دما قويا
ويوما دما ضعيفا يوهم اشتراط التقطع بين القوى والضعيف ليثبت التمييز فإنه كالتفسير للمميزة ولا يشترط
ذلك بل يثبت التمييز المعتبر وإن كان التقطع بين القوى والنقاء والشرط أن لا ترى القوى الا في
الخمسة عشر ويكون المجاوز هو الضعيف ولا فرق في الضعيف المجاوز بين أن يكون دائما أو منقطعا
وقوله ولك ذلك تفريع على ترك التلفيق أي قول السحب وإنما كان يحسن قوله وكل ذلك إذا جري
تفريع طويل ولم يجر ههنا كثير شئ *
قال [الرابعة الناسية فان أمرناها بالاحتياط على الصحيح فحكمها حكم من أطبق الدم عليها على
قول السحب إذ ما من نقاء الا ويحتمل أن يكون حيضا وإنما تفارقها في أنا لا نأمرها بتجديد الوضوء
في وقت النقاء لان الحدث في صورته غير متجدد ولا بتجديد الغسل إذ الانقطاع مستحيل في حالة
569

انتفاء الدم وعلى قول التلفيق يغشاها الزوج في أيام النقاء وهي طاهرة فيها في كل حكم]
الناسية لعادتها قد تنساها من كل وجه وهي المتحيرة وقد تنساها من وجه دون وجه كما
في حالة الاطباق فاما المتحيرة فيعود فيها القولان المذكوران عند الاطباق ان قلنا هي كالمبتدأة فحكمها
ما تقدم وان أمرناها بالاحتياط وهو الصحيح بنينا أمرها على قولي التلفيق ان قلنا بالسحب فتحتاط
في أزمنة الدم من الوجوه التي ذكرناها في حالة الاطباق بلا فرق لاحتمال الحيض والطهر والانقطاع
وتحتاط في أزمنة النقاء أيضا إذ ما من نقاء الا ويحتمل أن يكون حيا نعم لا تؤمن بالغسل في وقت النقاء
لان الغسل إنما يجب لاحتمال الانقطاع ولا انقطاع في حالة انتقاء الدم وكما لا تؤمر بتجديد الغسل
لا تؤمر بتجديد الوضوء أيضا لان ذلك إنما يجب لتجدد الحدث ولا تجدد في وقت النقاء فإذا يكفيها
لزمان النقاء الغسل عنه انقطاع كل نوبة من نوب الدماء وان قلنا باللقط فعليها أن تحتاط في أيام الدم
وعند كل انقطاع وأما في أزمنة النقاء فهي طاهر في الغشيان وسائر الأحكام ولك أن تستدرك من
570

من جملة اللفظ على قوله وإنما تفارقها في آناء لأمرها بتجديد الوضوء في أيام النقاء وتقول إنما ينتظم
هذا الكلام ان لو كانت المتحيرة عند الاطباق مأمورة بتجديد الوضوء لتكون هذه مفارقة لها ومعلوم
أنها لا تؤمر بتجديد الوضوء وإنما تؤمر بتجديد الغسل فكان الأحسن أن يقول وإنما تفارقها في أنا لا نأمرها
بتجديد الغسل وكذلك بتجديد الوضوء: واما الناسية التي نسيت عادتها من وجه دون وجه فتحتاط
على مقتضى قولي التلفيق مع رعاية ما نذكره: مثاله قالت أضلت خمسة في العشرة الأولي من الشهر وقد
تقطع الدم والنقاء عليها يوما يوما واستحيضت فان قلنا بالسحب فاليوم العاشر طهر لأنه نقاء لم يتخلل
بين دمي حيض ولا غسل عليها في الخمسة الأولي لتعذر الانقطاع فإذا انقضت اغتسلت وبعدها لا تغتسل
في أيام النقاء وتغتسل في آخر السابع والتاسع لجواز الابتداء في أول الثالث والخامس وهل تغتسل
في أثناء السابع والتاسع منهم من قال نعم لامكان الانقطاع في الوسط وغلطهم المعظم لان الانقطاع في
الوسط لو فرض ههنا لفرض ابتداء في أثناء الثاني أو الرابع وهي نقية فيهما فان قلت إذا خرج اليوم العاشر
انحصر الضلال في التسعة والخمسة التي هي قدر الحيض زائدة على نصف التسعة فهلا كان لها حيض بيقين
كما كان في حالة الاطباق فالجواب أن اضلال الخمسة في التسعة المتقطعة يوجب التردد في مقدار الحيض لان
571

بتقدير تأخر الحيض إلى الخمسة الأخيرة لا تكون الآن حائضا الا في ثلاثة أيام منها لان السادس نقاء لم يتخلل
بين دمى حيض وكذلك العاشر وفى حالة الاطباق لا تردد في قدر الحيض فلهذا افترقا في تيقن الحيض
وأما إذا قلنا باللقط فإن لم يجاوز أيام العادة فالحكم كما ذكرنا في قول السحب الا أنها طاهر في أيام
النقاء في كل حكم وانها تغتسل عقيب كل نوبة من نوب الدم في جميع المدة لان المتقطع حيض وان جاوزنا
أيام العادة حيضناها خمسة أيام وهي الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع وبتقدير انطباق الحيض
على الحيضة الأولي بتقدير تأخرها إلى الخمسة الثانية فليس لها في الخمسة الثانية الا يوما دم وهما السابع والتاسع
فتضم إليهما الحادي عشر والثالث عشر والخامس عشر فهي إذا حائض في السابع والتاسع بيقين
572

لدخولهما في كل تقدير والله أعلم
قال * (الباب الخامس في النفاس) *
[وأكثره ستون يوما وأغلبه أربعون يوما وأقله لحظة (ز) والتعويل فيه على الوجود] *
أكثر النفاس ستون يوما خلافا لأبي حنيفة واحمد حيث قالا أكثره أربعون يوما ورووا عن مالك فيه
روايتين إحداهما مثل مذهبنا والأخرى انه لا حد له ويرجع إلى أهل الخبرة من النساء فتجلس أقصى ما تجلس
النساء: لنا الرجوع لي أكثر ما وجد وعهد كما ذكرنا في الحيض وقد روى عن الأوزاعي أنه قال عندنا امرأة ترى
النفاس شهرين وعن ربيعه أدركت النساء يقولون أكثر ما تنفس المرأة ستون يوما ولك ان تعلم المسألة مع الحاء
573

والألف والميم بالقاف لان أبا عيسى الترمذي روى في جامعه عن الشافعي رضي الله عنه ان دم النفاس إذا جاوز
الأربعين لم تدع الصلاة بعد ذلك فحصل قوله على موافقتهم ووجهه ما روى عن اسم سلمة رضي الله عنها قالت
(كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما) (1) وهذا على ظاهر المذهب
محمول على الغالب ولا شك في أن غالب النفاس أربعون يوما واما أقله فلا حد له ويثبت حكم النفاس لما
574

وجدته قل أو كثر والمعنى فيه الرجوع إلى الوجود كما ذكرنا ولك ان تعلم المسألة بالحاء لأنه روى عن أبي
حنيفة في أقل النفاس ثلاث روايات إحداها مثل مذهبنا وهي الأظهر والثانية انه أحد عشر يوما والثالثة
خمسة وعشرون يوما وبالزاي لان المزني قال أقله أربعة أيام لان أكثر النفاس مثل أكثر الحيض أربع
مرات فليكن أقله مع أقله كذلك واعلم أنه لا فرق في حكم النفاس بين أن يكون الولد حيا أو ميتا كامل الخلقة
أو ناقصها ولو ألقت علقة أو مضغة وقالت القوابل انه ابتداء خلق الادمي فالدم الذي تجده بعده
نفاس ذكره في التتمة
قال [فأن رأت قبل الولادة دما على أدوار الحيض فله حكم الحيض في أحد القولين الا في انقضاء
العدة به فلو كانت تحيض خمسا وتطهر خمسا وعشرين فحاضت خمسا وولدت قبل مضي خمسة عشر من الطهر
575

فما بعد الولد نفاس ونقصان الطهر قبله لا يقدح في افساده ولا في افساد الحيض الماضي لان تخلل الولادة
أعظم من طول المدة ولو اتصلت الولادة بآخر الخمسة وجعلناها حيضا فلا نعدها من النفاس ولا نقول
هو نفاس سبق وكذلك ما يظهر من الدم في حال ظهور مخايل الطلق]
ما تراه الحامل من الدم على ترتيب أدوار الحيض هل هو حيض أم لا قال في القديم لا بل هو دم فساد وبه
قال أبو حنيفة واحمد لقوله صلى الله عليه وسلم (لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض) (1) جعل الحيض
576

دليلا على براءة الرحم فلو قلنا الحامل تحيض لبطلت دلالته ولان فم الرحم ينسد بالحمل فيمتنع خروج دم
الحيض فان الحيض يخرج من أقصى الرحم: وقال في الجديد هو حيض وبه قال مالك لقوله صلى الله عليه
وسلم (دم الحيض اسود يعرف) أطلق ولم يفصل بين الحامل والحائل ولأنه دم في أيام العادة بصفة
الحيض وعلى قدره فجاز أن يكون حيضا كدم الحامل والمرضع ولا فرق على القولين ما تراه قبل حركة الحمل وما
تراه بعدها ومنهم من قال القولان فيما بعد حركة الحمل اما من وقت العلوق إلى الحركة فهو كحال الحيال فان قلنا إنه
ليس بحيض فهو حدث دائم كسلس البول وان قلنا أنه حيض حرم فيه الصلاة والصوم والوطئ ويثبت جميع
أحكام الحيض إلا أنه لا يحرم فيه الطلاق ولا تنقضي به العدة قال الله تعالى (وأولات الأحمال
أجلهن أن يضعن حملهن) ثم هذا القول في الدم من التي ولدت بعد خمسة عشر فصاعدا من وقت
577

انقطاعه أما إذا ولدت قبل تمام خمسة عشر من انقطاعه فهل يكون حيضا فيه وجهان أحدهما لا
لأنه لم يتخلل بينه وبين النفاس طهر كامل وأصحهما أنه حيض أيضا على هذا القول لأنه قد تقدمه
طهر كامل ونقصان الطهر إنما يؤثر فيما بعده لا فيما قبله وههنا لم يؤثر فيما بعده لان ما بعد الولد
نفاس بلا خلاف فأولى أن لا يؤثر فيما قبله وعند هذا لا نسلم اشتراط تخلل الطهر الكامل بين
الدمين مطلقا وإنما يشترط ذلك إذا كان كل واحدها منهما حيضا وههنا أحدهما نفاس ولو رأت الحامل الدم
على عادتها وولدت على الاتصال بآخره ولم يتخلل طهر أصلا ففيه هذا الوجهان ولا خلاف في أن ذلك الدم لا
يعد من النفاس لان النفاس لا يسبق الولادة بل هو عند الفقهاء عبارة عن الدم الذي يخرج عقب
الولادة ولهذا قطع معظم الأصحاب بأن ما يبدو عند الطلق ليس بنفاس أيضا وقالوا ابتداء النفاس
578

يحسب من وقت انفصال الولد وحكي صاحب الافصاح وجها فيما يبدو عند الطلق أنه نفاس
لأنه من آثار الولادة ثم على طريقة المعظم كما لا نجعل ذلك الدم نفاسا لا نجعله حيضا كذلك ذكره
القاضي أبو المكارم في العدة ورأيته لأبي عبد الله الحناطي أيضا وحكى مع ذلك وجها آخر أنه حيض على
قولنا الحامل تحيض وإذا كان الظاهر في هذه الصورة أنه ليس بحيض أيضا وجب أن يستثني
هذا الدم عن صورة القولين في دم الحامل فإنها حامل بعد في تلك الحالة واما الدم الخارج مع
الولد فهل هو نفاس أم لا فيه وجهان أحدهما نعم وبه قال ابن القاص وأبو إسحاق لأنه خارج
بسبب الولادة فصار كالخارج بعدها وأصحهما لا لما ذكرنا أنه لم يخرج عقيب الولادة وقول الأول
يشكل بالبادي عند الطلق فان كلا من الأصحاب استبعد عده من النفاس ثم على الوجه الثاني ما حكم ذلك
579

الدم حكى صاحب التهذيب فيه وجهين أشهرهما أنه كالخارج قبل الولادة لأنها قبل انفصال كل
الولد في حكم الحامل الا ترى أنه يجوز للزوج مراجعتها والثاني أنه كالخارج بين الولدين
لخروج بعض الحمل فإذا قلنا أنه نفاس وجب به الغسل وإن لم تر بعد الولادة دما وقلنا لا غسل
على ذات الجفاف ويبطل صومها وعلى الوجه الثاني لا يجب الغسل به ولا يبطل صومها إذا لم تر
بعد الولادة دما أو كان ما بعد الولادة بعد انقضاء النهار وتحصل من الخلاف المذكور في هذه
المسائل وجوه في أن ابتداء مدة النفاس من أي وقت يحتسب أحدها يحسب من وقت الدم البادئ
عند الطلق الثاني من الدم الخارج مع ظهور الولد والثالث وهو الأظهر من وقت انفصال الولد
وحكى إمام الحرمين وجها انها لو ولدت ولم تر الدم أياما ثم ظهر الدم فابتداء مدة النفاس من وقت
خروج الدم يحسب لا من وقت الولادة فهذا وجه رابع وموضعه ما إذا كانت الأيام المتخللة
580

دون أقل الطهر وإذا عرفت ما ذكرناه فلا يخفى عليك أن قوله فلو كانت تحيض خمسة وتطهر خمسة
وعشرين إلى آخر المسألة تفريع على قولنا أن الحامل تحيض ولذلك حسن في التصوير تسمية ما رأته
حيضا وإلا فهو على القول الآخر ليس بحيض ثم جريان عادتها بما ذكرناه ليس بشرط بل مهما
رأت دما في زمان الامكان وولدت قبل مضى خمسة عشر من وقت انقطاعه فهو صورة المسألة
سواء كان ذلك الدم معتادا لها أم لا وليعلم قوله ولا في افساد الحيض بالواو لما سبق وقوله لان تخلل
الولادة أعظم من طول المدة أي في التأثير وفصل أحد الدمين عن الآخر ولقوة تأثيرها قامت
في العدة مقام المدة الطويلة وقوله في الصورة الأخرى وجعلناها حيضا أي إذا فرعنا على أن ما تراه
الحامل حيض ولك أن تقول لا حاجة إلى هذا التقييد في الحكم الذي رتبه عليه لان الذي
581

على هذه الصورة انا لا نعدها من النفاس ولا نقول هو نفاس سبق والامر كذلك وإن لم نجعل
تلك الخمسة حيضا على ما سبق بيانه وقوله ما يظهر من الدم في حال ظهور مخايل الطلق ينبغي أن
يعلم أيضا بالواو للوجه الذي رويناه *
قال [فاما الدم بين التوأمين فنفاس على أصح الوجهين وقيل أنه كدم الحامل فان قلنا أنه
نفاس فما بعد الثاني معه نفاسان على وجه ونفاس واحد على وجه وقيل إن تمادى الأول ستين
يوما فنفاسان والا فنفاس واحد] *
في الدم الذي تراه المرأة بين التوأمين وجهان أحدهما أنه ليس بنفاس لأنه دم خرج قبل
فراغ الرحم فأشبه دم الحامل والثاني ويحكي عن صاحب التلخيص أنه نفاس لأنه خرج عقيب خروج
582

نفس وجعل صاحب الكتاب هذا الوجه أصح اقتداء بامام الحرمين لكن الأصح عن الشيخ أبى حامد
وأصحابنا العراقيين إنما هو الأول وتابعهم عليه صاحب التهذيب فان قلنا ليس بنفاس فقال
الأكثرون إنه ينبنى على دم الحامل ان جعلناه حيضا فهو أولي والا ففيه قولان والفرق أنها
إذا وضعت إحدى التوأمين كان استرخاء الدم قريبا بخلاف ما قبل الولادة فان فم الرحم منسد
حينئذ وهذا هو الذي ذكره في الكتاب حيث قال وقيل إنه كدم الحامل وهو الوجه الثاني
من قوله على أصح الوجهين وليعلم بالحاء والألف لان عندهما هو نفاس ويحكي مثل ذلك عن مالك
وفى كلام بعض الأصحاب ما يقتضى كونه دم فساد وان قلنا الحامل تحيض كالدم الذي يظهر عند الطلق وأما إذا
فرعنا على أنه نفاس فهل يعد الثاني معه نفاس واحد أو نفاسان فيه وجهان أظهرهما نفاسان لانفصال كل واحدة
583

من الولادتين عن الأخرى فعلى وعلى هذا لا يبالي بمجاوزة الدم الستين من الولادة الأولي والثاني هما نفاس
واحد لأنهما في حكم الولد الواحد ألا ترى ان العدة لا تنقضي بوضع أحدهما فعلى هذا إذا زاد الدم على ستين من
الولادة الأولى فهي مستحاضة واختلفوا في موضع الوجهين قال الصيدلاني موضعهما ما إذا كانت المدة
المتخللة بين الدمين دون الستين أما لو بلغت الستين فهو نفاس آخر لا محالة وهذا ما أشار إليه بقوله وقيل إن
تمادى الأول ستين يوما إلى آخره: وعن الشيخ أبى محمد انه لا فرق وإذا ولدت الثاني بعد الستين
وفرعنا على اتحاد النفاس فما بعده استحاضة ولو سقط عضو من الولد والباقي مجبن ورأت في تلك الحالة دما
فهل هو نفاس ذكر في التتمة أنه على الوجهين في الدم الخارج بين الولدين والله أعلم: هذا إذا لم يجاوز
دم النفساء الستين *
584

قال [أما المستحاضات في النفاس فهن أربع الأولى المعتادة فترد إلى عادتها من الأربعين مثلا
ثم بحكم بالطهر بعد الأربعين على قدر عادتها ثم تبتدئ حيضها ولو ولدت مرارا وهي ذات جفاف
ثم ولدت واستحيضت فهي كالمبتدأة وعدم النفاس لا يثبت لها عادة كما أنها لو حاضت خمسة
وطهرت سنة وهكذا مرار ثم استحيضت فلا نقيم الدور سنة بل أقصى ما يرتقى الدور إليه تسعون
يوما وهي ما تنقضي به عده الآية فما فوقه لا تؤثر العادة فيه *]
إذا جاوز الدم الستين فقد دخلت الاستحاضة في النفاس وطريق التمييز بينهما ما تقدم في
الحيض: هذا ظاهر المذهب وعليه يبنى تقسيم حالها إلى المعتادة والمبتدأة كما ذكر في الكتاب
وفيه وجهان آخران أحدهما ان جميع الستين نفاس والزائد عليه استحاضة بخلاف ما في الحيض لان
585

الحيض محكوم به ظاهرا لا قطعا فجاز أن ينتقل عنه إلى ظاهر آخر والنفاس مقطوع به إذ الولادة
معلومة والنفاس هو الخارج بعد الولادة فلا ينتقل عنه إلى غيره الا بيقين وهو مجاوزة الأكثر
وعلى هذا يجعل الزائد استحاضة إلى تمام طهرها المعتاد أو المردود إليه في المبتدأة ثم ما بعده حيض
والوجه الثاني أن الستين نفاس والذي بعده حيض على الاتصال به لأنهما دمان مختلفان فيجوز
أن يتعقب كل واحد منهما الآخر وأطبق الجمهور على ضعف هذين الوجهين وقالوا ننظر إن كانت
معتادة ذاكرة لعادتها مثل إن كانت تنفس فيما سبق أربعين ثم ولدت مرة وجاوز دمها
الستين فترد إلى الأربعين كما ترد في الحيض إلى عادتها ثم لها في الحيض حالتان ذكر أولهما في
الكتاب دون الثانية الأولى أن تكون معتادة في الحيض أيضا فنحكم لها بالطهر بعد الأربعين على
586

قدر عادتها في الطهر ثم تحيض قدر عادتها في الحيض والثانية أن تكون مبتدأة في الحيض فنجعل
القدر الذي إليه ترد المبتدأة في الطهر استحاضة والذي ترد إليه في الحيض حيضا والخلاف المذكور فيما
تثبت به العادة وفى أنه إذا اجتمعت العادة والتمييز أيهما يقدم يجرى ههنا كما في الحيض ولو ولدت
المرأة مرارا وهي ذات جفاف ثم ولدت مرة ونفست واستحيضت فلا نقول عدم النفاس عادة لها
وإنما هي مبتدأة في النفاس كالتي لم تلد أصلا وسنذكر حكم المبتدأة وشبه صاحب الكتاب هذه
المسألة بمسألة في الحيض وهي أن المعتادة في الحيض لو كانت تحيض خمسة وتطهر سنة أو سنتين
واستمر بها ذلك ثم إنها استحيضت فهل نجعل المدة الطويلة طهرا لها قال القفال لا: إذ يبعد أن
لا نحكم بحيضها سنة أو سنتين والحد الفاصل بين ما يكون طهرا بين حيضتين ويثبت عادة وبين
مالا يكون كذلك تسعون يوما خمسة عشر فما دونها حيض والباقي طهر لان عدة الآيسة تنقضي
بهذا القدر والعدة وجبت لبراءة الرحم والدور الواحد مظنة البراءة بدليل الاستبراء فلو تصور أن
587

يزيد الدور على هذا القدر لما اكتفى به وهذا هو الذي أورده في الكتاب وعلى هذا لو زاد الطهر
المتقدم على الاستحاضة على القدر المذكور نظر فيما قبل ذلك إن كان لها طهر على الحد المعتبر جعل
طهرها بعد الاستحاضة ذلك القدر والا فحكمها في الطهر حكم المبتدأة ووجه تشبيه مسألة النفاس
بهذه المسألة انا لا نجعل عدم الحيض في المدة الطويلة عادة لها فكذلك عدم النفاس لا يصير
588

عادة والذي يوافق اطلاق أكثر الأصحاب الرد إلى عادتها في الطهر طالت المدة أو قصرت وقد
نص عليه الشيخ أبو حامد والمقتدون به ويدل عليه ظاهر خبر المعتادة التي استفت لها أم سلمة كما
سبق فإنه مطلق فوجب اعلام قوله فلا نقيم الدور سنة بالواو لهذا المعنى *
قال [الثانية المبتدأة إذا استحيضت ترد إلى لحظة على قول والي أربعين على قول: الثالثة
589

المميزة فحكمها حكم الحائض في شرط التمييز الا أن الستين ههنا بمثابة خمسة عشر ثم لا ينبغي أن
يزيد الدم القوى عليه] *
إذا استحيضت في النفاس وهي مبتدأة فننظر هل هي مميزة بشرط التمييز أم لا فإن لم تكن ففيها
قولان أصحهما الرد إلى الأقل وهو لحظة والثاني الرد إلى الغالب وهو أربعون يوما وفى المسألة
590

طريقة أخرى عن ابن سريج وأبي إسحاق وهي الجزم بالرد إلى الأقل والمشهور اثبات القولين
كما في الحيض وهو الذي ذكره في الكتاب وحكي في العدة قولا ثالثا وهو الرد إلى أكثر
النفاس ونقله قولان عن الشافعي غريب نعم هو مشهور بالمزنى وينبغي أن يعلم قوله إلى لحظة والي
الأربعين كلاهما بالزاي لذلك ثم منهم من خصص ذهابه إليه بالمبتدأة ومنهم من طرد في المعتادة
أيضا وحينئذ يكون مذهبه مثل الوجه الأول من الوجهين اللذين حكيناهما في المعتادة على خلاف
591

ظاهر المذهب ثم ننظر في حال هذه النفساء إن كانت معتادة في الحيض حيث تعد مرد النفاس
قدر طهرها استحاضة ثم تبتدئ الحيض على عادتها وإن كانت مبتدأة في الحيض أيضا أقمنا لها
الطهر والحيض كما يقتضيه حال المبتدأة وأما إذا كانت مميزة بشرط التمييز فترد إلى التمييز كما في
الحيض وقوله في الكتاب فحكمها حكم الحائض في شرط التمييز غير مجرى على اطلاقه لأنا نعتبر
592

في الحيض ثلاثة أمور أن لا ينقص القوى عن يوم وليلة وأن لا يزيد على خمسة عشر وأن لا ينقص
الضعيف عن خمسة عشر والذي يعتبر من ذلك ههنا أن لا يزيد القوى على أكثر النفاس وهو
ستون يوما وهي بمثابة الخمسة عشر في الحيض أما في طرف القلة فلا ضبط وكذلك لا يعتبر
للضعيف حد معين *
593

قال [الرابعة المتحيرة إذا نسيت عادتها في النفاس ففي قول ترد إلى الاحتياط وعلى قول إلى
المبتدأة والرد ههنا إلى المبتدأة أولى لان أول وقتها معلوم بالولادة] *
في الناسية لعادة نفاسها قولان كما في الناسية لعادة الحيض فعلى قول ترد إلى ما ترد إليه المبتدأة
وعلى قول تؤمر بالاحتياط وعلى هذا فلو كانت مبتدأة في الحيض وجب الاحتياط أبدا لان أول
594

حيضها لا يعلم وقد بينا ان المبتدأة إذا لم تعرف وقت ابتداء الدم كانت كالمتحيرة وإن كانت معتادة
في الحيض ناسية لعادتها فكذلك تستمر على الاحتياط وإن كانت ذاكرة لعادة الحيض فهذه
يلتبس عليها الدور لالتباس منفرض النفاس وهي بمثابة ناسية لوقت الحيض عارفة بقدره
595

وقد سبق القول فيها وقوله والرد ههنا إلى المبتدأة أولى لا يقتضي ترجيح هذا القول على قول
الاحتياط بل المراد ان هذا القول أظهر منه في الحيض لان وقت النفاس معلوم بالولادة وتعيين
أول الهلال للحيض تحكم على أن امام الحرمين رجح قول الرد إلى المبتدأة ههنا على قول الاحتياط
فيجوز أن يكون ما ذكره في الكتاب جريا على موافقته وقوله المتحيرة إذا نسيت عادتها في اللفظ
596

زيادة مستغني عنها لأنها لا تكون متحيرة الا إذا نسيت عادتها وقد تجعل المتحيرة مع الناسية اسمين
مترادفين كما سبق فلو اقتصر على قوله المتحيرة في النفاس لما ضر *
قال [فرع إذا انقطع الدم على النفساء عاد الخلاف في التلفيق ولو طهرت خمسة عشر
يوما ثم عاد الدم فالعائد نفاس على وجه لوقوعه في الستين وهو حيض (ح) على وجه لتقدم طهر
597

كامل عليه فان قلنا إنه نفاس فعلى قول السحب مدة النقاء أيضا نفاس وقيل تستثني هذه الصورة
أيضا على قول السحب إذ يبعد تقدير مدة كاملة في الطهر حيضا وعليه يخرج أما إذا ولدت ولم
تر الدم إلى خمسة عشر في أن الدم الواقع في الستين هل هو نفاس أم لا والله أعلم] *
598

ما ذكرناه من أول الباب إلى هذا الموضع فيما إذا كان الدم مستمرا لا ينقطع أما إذا انقطع دم النفساء
فله حالتان أحداهما ان لا يجاوز الستين فننظر ان لم تبلغ مدة النقاء بين الدمين أقل الطهر كما لو رأت يوما
دما ويوما نقاء فأزمنة الدم نفاس لا محالة وفى أزمنة النقاء القولان المذكوران في الحيض وان بلغ أقل الطهر كما
لو رأت الدم أياما عقيب الولادة وطهرت خمسة عشر يوما فصاعدا ثم عاد الدم فالعائد حيض أم نفاس فيه
599

وجهان أصحهما انه حيض لأنه نقاء قبله دمان تخللهما طهر صحيح فلا يضر أحدهما إلى الآخر كدمي
الحيض ولأنا لو جعلناه نفاسا لجعلنا الطهر الصحيح نفاسا أيضا تفريعا على الصحيح وهو قول السحب ولا
ضرورة بنا إلى ذلك والثاني انه نفاس لوقوعه في زمان امكان النفاس كما لو كان المتخلل دون
أقل الطهر وعلى هذا الخلاف يخرج ما إذا ولدت ولم تر الدم خمسة عشر فصاعدا ثم رأت الدم هل هو
600

حيض أو نفاس التفريع ان قلنا العائد حيض فلا نفاس لها في هذه الصورة الأخيرة أصلا ولو نقص العائد
عن أقل الحيض ففيه وجهان أظهرهما انه دم فساد لان الطهر الكامل قطع حكم النفاس والثاني أنه نفاس
لأنه تعذر جعله حيضا وأمكن جعله نفاس فيصار إليه وان جاوز العائد أكثر الحيض فهي مستحاضة
فننظر أهي معتادة أم مبتدأة ونحكم بما يقتضيه الحال وان قلنا العائد نفاس فمدة النقاء على قولي التلفيق
ان قلنا بالسحب فهو نفاس وان قلنا باللقط فهو طهر كما لو كانت المدة دون أقل الطهر هذا أشهر الطريقين
ومنهم من قال هو طهر على القولين وتستثنى هذه الصورة على قول السحب إذ يبعد ان تجعل المدة الكاملة
في الطهر نفاسا ولا نعطي لها حكم الطهر بخلاف ما إذا كانت المدة ناقصة فإنها لا تصلح طهرا
وحدها فيستعقبها الدم (الحالة الثانية) أيجاوز الستين فننظر ان بلغ زمان النقاء في الستين أقل الطهر ثم جاوز العائد
601

فالعائد حيض ولا يجئ فيه الخلاف المذكور في الحالة الأولي وبهذا تبين أن صاحب الكتاب
أراد بكلامه المطلق الحالة الأولي وان لم يبلغ زمان النقاء أقل الطهر فننظر إن كانت مبتدأة مميزة
ردت إلى التمييز وان لم تكن مميزة فعلى القولين السابقين في المبتدأة وإن كانت معتادة ردت إلى
عادتها وفي الأحوال تراعي قضية قول التلفيق ان سحبنا فالدم في أيام المرد والنقاء بينهما نفاس
وان لفقنا فنلفق في أيام الرد أو من جميع الستين فيه الخلاف المذكور في الحيض والله أعلم
ولك أن تعلم قوله في الكتاب وهو حيض على وجه بالحاء لان عند أبي حنيفة العائد نفاس
602

وان تعلم قوله فالعائد نفاس بالألف وقوله أيضا قبله وعاد الخلاف في التلفيق بالألف لان عند احمد
الدم العائد مشكوك فيه تصوم وتصلي فيه وتقضى الصوم ولا يأتيها الزوج لأنه يحتمل أن يكون نفاسا
ويحتمل انه دم فساد ولا فرق عنده بين ان يبلغ مدة النقاء أقل الطهر وبين ان لا يبلغه والله أعلم *
603