الكتاب: فتح العزيز
المؤلف: عبد الكريم الرافعي
الجزء: ٨
الوفاة: ٦٢٣
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

فتح العزيز
شرح الوجيز
وهو الشرح الكبير للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 ه‍
..
الجزء الثامن
دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم
1

قال (القسم الثالث من كتاب الحج في اللواحق)
(وفيه بابان الأول في موانع الحج وهي ستة)
(الأولى والاحصار وهو مبيح للتحلل مهما احتاج في الدفع إلى قتال أو بذل مال وإن كانوا
كفارا وجب القتال إلا إذا زادوا على الضعف ولو أحاط العدو من الجوانب لم يتحلل على قول
لأنه لا يريح منه التحلل كما لا يتحلل بالمرض (ح) ولو شرط التحلل عند المرض ففي جواز
التحلل قولان) *
كان حجة الاسلام رحمه الله قد قسم كتاب الحج إلى ثلاثة أقسام المقدمات والمقاصد وقد
حصل الفراغ منهما (والثالث) اللواحق وفيه بابان ترجم أولهما بموانع الحج ولم يرد بها موانع وجوبه
2

أو الشروع فيه وإنما أراد العوارض التي تعرض بعد الشروع فيه وتمنع من إتمامه وهي فيما عدها ستة أنواع
(أحدها) الاحصار فإذا أحصر العدو المحرمين عن المضي في الحج من جميع الطرق كان لهم أن يتحللوا لان
رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحصر وأصحابه بالحديبية فأنزل الله تعالى: فان أحصرتم فما استيسر من
الهدى) (1) والمعني فان أحصرتم فتحللتم أو أردتم التحلل فما استيسر من الهدي فان نفس الاحصار
3

لا يوجب هديا والأولى أن لا يجعل التحلل ان وسع الوقت فربما يزول المنع فيتمون النسك وإن كان ضيقا
فالأولى التعجيل كي لا يفوت الحج * ويجوز للمحرم بالعمرة التحلل أيضا عند الاحصار وعن مالك أنه لا يجوز
التحلل في العمرة لأنه لا يخاف فواتها * لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم (تحلل بالاحصار عام الحديبية
وكان محرما بالعمرة) (1) * إذا عرفت ذلك ففي الفصل مسائل (إحداها) لو منعوا ولم يتمكنوا من المسير
4

إلا ببذل مال فلهم أن يتحللوا ولا يبذلوا المال وإن قل إذ لا يجب احتمال الظلم في أداء الحج
بل يكره البذل إن كان الطالبون كفارا لما فيه من الصغار * وان احتاجوا إلى قتال ليسيروا نظر
إن كان المانعون مسلمين فلهم التحلل ولا يلزمهم القتال وان قدروا عليه لما فيه من التغرير بالنفس
وإن كانوا كفارا فقد حكم صاحب الكتاب بوجوب القتال إذا لم يزد عدد الكفار على الضعف
وهكذا حكى الامام رحمه الله عن بعض المصنفين ولم يرتضه على هذا الاطلاق بل شرط فيه وجدانهم
5

السلاح واهبة القتال وقال إذا وجدوا الأهبة وقد صدتهم الكفار فلا فرار ولا سبيل إلى التحلل *
وأنت إذا فحصت عن كتب الأكثرين وجدتهم يقولون لا يجب القتال على الحجيج وإن كان العدو
كفارا وكان في مقابلة كل مسلم أقل من مشركين غير أنهم إن كانوا كفارا وكان بالمسلمين قوة
فالأولى أن يقاتلوا ويمضوا نصرة للاسلام واتماما للحج وإن كان بالمسلمين ضعف أو كان العدو
مسلمين فالأولى أن يتحللوا ويتحرزوا عن القتال تحرزا عن سفك دماء المسلمين ولهؤلاء أن يقولوا
6

للامام لا نزاع في أنهم لو قاتلوا المسلمين والصورة ما ذكرت لم يكن لهم الفرار لكن يجوز أن يمنعوهم
من الحج ولا يقاتلوهم لو تركوا الحج فهل يلزمهم ابتداء القتال ليمضوا هذا موضع الكلام وعلى
كل حال فلو قاتلوهم كان لهم ان يلبسوا الدروع والمغافر ثم يفدون كما إذا لبس المحرم المخيط لدفع
حر أو برد (الثانية) ما ذكرنا من جواز التحلل مفروض فيما إذا منعوا من المضي دون الرجوع والسير
في صوب آخر (فاما) إذا أحاط العدو بهم من الجوانب كلها ففيه وجهان كذا نقل المعظم وقال
7

الامام والمصنف قولان (أحدهما) ليس لهم التحلل لأنه لا يريحهم والحالة هذه ولا يستفيدون به أمنا
وصار كالمريض ليس له التحلل (وأصحهما) أن لهم التحلل لأنهم يستفيدون به الامن من العدو الذي
بين أيديهم (الثالثة) ليس للمحرم التحلل بعذر المرض وبه قال مالك واحمد رحمهما الله بل يصبر
حتى يبرأ فإن كان محرما بعمرة أتمها وإن كان محرما بحج وفاته تحلل بعمل عمرة لأنه لا يستفيد بالتحلل
زوال المرض * وعن ابن عباس رضي الله عنهما (انه لا حصر الا حصر العدو) (1) وقال أبو
8

حنيفة رحمه الله يجوز التحلل بالمرض وهذا إذا لم يشترط التحلل عند المرض (أما) إذا شرط
انه إذا مرض تحلل فقد نص في القديم على صحة هذا الشرط وعلق القول في الجديد بصحة
حديث ضباعة بنت الزبير رضي الله عنهما وهو ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها (اما
تريدين الحج فقالت انا شاكية فقال حجي واشترطي ان تحلى حيث حبستي) (1) وللأصحاب
فيه طريقان أثبت عامتهم فيه خلافا وقالوا انه صحيح في القديم وفى الجديد يد قولان (أظهرهما)
9

الصحة للحديث وبه قال احمد (والثاني) المنع وبه قال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله لأنه عبادة
لا يجوز الخروج منها بغير عذر فلا يجوز بالشرط كالصلاة المفروضة وعن الشيخ أبي حامد وغيره
انه صحيح جزما بصحة الحديث * ولو شرط التحلل لغرض آخر كضلال الطريق ونفاذ النفقة
والخطأ في العدد فهو كما لو شرط التحلل عند المرض * وعن الشيخ أبى محمد انه لغو لا محالة
والخلاف مخصوص بالمرض لورود الخبر فيه (التفريع) ان صححنا الشرط فهل يلزمه الهدى للتحلل إن
10

كان قد شرط التحلل بالهدى فنعم وإن كان قد شرط التحلل بلا هدى فلا وان أطلق
فوجهان (أظهرهما) وبه قال أبو إسحاق والداركي انه لا يلزم أيضا لمكان الشرط * ولو شرط ان
يقلب حجه عمرة عند المرض فهو أولى بالصحة من شرط التحلل * ورواه القاضي ابن كج عن نصه *
ولو قال إذا مرضت فانا حلال فيصير حلالا بنفس المرض أم لابد من التحلل فيه وجهان والمنصوص
منهما الأول والله أعلم *
11

قال (وتحلل المحصر هل يتوقف على إراقة دم الاحصار (ح) فيه قولان فإن كان معسرا
(وقلنا) ان الصوم بدل ففي توقفه القولان المرتبان وأولى بان لا يتوقف لأن الصوم طويل ولا
يشترط (ح) بعث الدم إلى الحرم (وإذا قلنا) لا يتوقف فيتحلل بالحلق أو بنية التحلل ولا قضاء (ح)
على المحصر) *
12

مقصود الفصل ثلاث مسائل (إحداها) في أن تحلل المحصر بم يحصل وهذه المسألة تحوج إلى
معرفة أصلين (الأول) أنه يجب على المحصر إذا تحلل دم شاة وبه قال أبو حنيفة واحمد رحمهما الله
وقال مالك يتحلل ولا دم عليه * لنا قوله تعالي (فما استيسر من الهدى) * وهذا إذا لم يجر من
المحرم شرط سابق (فاما) إذا كان قد شرط عند احرامه أنه يتحلل إذا أحصر ففي تأثير هذا الشرط
13

في إسقاط الدم طريقان منهم من خرجه على وجهين كما إذا شرط التحلل عند المرض وتحلل بالشرط
وقد ذكرناه (والأصح) القطع بأنه لا يؤثر لان التحلل بالاحصار جائز وان لم يشترط فالشرط لاغ
بخلاف التحلل بالمرض (والأصل الثاني) ان القول قد اختلف في أن دم الاحصار هل له بدل أم لا
وبتقدير أن يكون له بدل فكيف سبيله وهو على الترتيب أو التخيير وهذا ستعرفه حق المعرفة
في الباب الثاني إن شاء الله تعالى * إذا تقرر ذلك فنقول إن قلنا إن دم الاحصار لا بدل له وكان واجدا للدم
14

فيذبح وينوى التحلل عنده وإنما اعتبرت نية التحلل لان الذبح قد يكون للتحلل وقد يكون لغيره فلابد
من قصد صارف وان لم يجد الهدى إما لاعساره أو غير ذلك فهل يتوقف التحلل على وجدانه
فيه قولان (أحدهما) نعم وبه قال أبو حنيفة لان الهدى أقيم مقام الأعمال ولو قدر على الأعمال لم
يتحلل الا بها فإذا عجز لا يتحلل الا ببدلها (وأصحهما) لا بل له التحلل في الحال لان التحلل إنما
أبيح تخفيفها ورفقا حتى لا يتضرر بالمقام على الاحرام ولو أمرناه بالصبر إلى أن يجد الهدى لتضرر
15

وعلى التقديرين فلابد من نية التحلل وهل يجب الحلق بناه الأئمة على الأصل الذي سبق وهو ان
الحلق نسك أم لا (ان قلنا) نسك فنعم (وان قلنا) استباحة محظور فلا فيخرج من هذا انا إذا اعتبرنا الذبح
والحلق مع النية والتحلل يحصل بثلاثتها وان أخرجنا الذبح عن الاعتبار فالتحلل يحصل بالحلق مع النية
أو بمجرد النية فيه وجهان وهذا ما اراده المصنف بقوله (وإذا قلنا) لا يتوقف فيتحلل بالحلق أو
بنية فالتحلل أي فيه وجهان (وان قلنا) ان دم الاحصار له بدل فإن كان يطعم فتوقف التحلل عليه
16

كتوقفه على الذبح وإن كان يصوم فكذلك مع ترتب الخلاف ومنع التوقف ههنا أولى لأن الصوم
يفتقر إلى زمان طويل فتكون المشقة في الصبر على الاحرام أعظم (المسألة الثانية) لا يشترط بعث
دم الاحصار إلى الحرم بل يذبحه حيث احصر ويتحلل وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة رحمه الله يجب
ان يبعث به إلى مكة ويوكل انسانا ليذبحه يوم النحر إن كان حاجا وأي يوم شاء إن كان معتمرا
17

ثم يتحلل * لنا (ان النبي صلى الله عليه وسلم احصر عام الحديبية فذبح بها وهي من الحل) (1) ولأنه موضع
التحلل فكان موضعا لذبح الهدى كالحرم وكما يذبح دم الاحصار حيث احصر فكذلك ما لزمه
من دماء المحظورات قبل الاحصار وما حمله معه من هدى ويفرق لحومها على مساكين ذلك الموضع
وهذا كله إذا كان مصدودا عن الحرم فاما إذا كان مصدودا عن البيت دون أطراف الحرم فهل
18

له ان يذبح في الحال ذكروا فيه وجهين (والأصح) ان له ذلك (الثالثة) في أنه هل يجب القضاء
على المحصر وهذه المسألة بشرحها مع المسائل اللائقة بها مجموعة في آخر الباب إن شاء الله تعالى *
قال (الثاني لو حبس السلطان شخصا أو شرذمة من الحجيج فهو كالاحصار العام (وقيل) فيه
قولان (وقيل) يجوز التحلل والقولان في وجوب القضاء) *
19

قد تكلمنا في الحصر العام الذي شمل الرفقة (وأما) الحصر الخاص الذي يتفق لواحد أو
شرذمة من الرفقة فينظر فيه إن لم يكن المحرم معذورا فيه كما إذا حبس بسبب دين وهو متمكن
من أدائه فليس له التحلل بل عليه أن يؤديه ويمضي في حجة فان فاته الحج في الحبس فعليه أن يسير
إلى مكة ويتحلل بعمل عمرة وإن كان معذورا فيه كما إذا حبسه السلطان ظلما أو بدين وهو لا يتمكن
20

من أدائه وهذا هو المقصود في الكتاب ففيه طريقان (أحدهما) وهوما أورده المراوزة أن في جواز
التحلل به قولين (أحدهما) لا يجوز كما في المرض وخطأ الطريق (وأصحهما) أنه يجوز لان الاحصار سبب
يبيح التحلل للكل فيبيح للبعض كاتمام الأعمال (وأظهرهما) وهو ما أورده العراقيون القطع بالجواز
كما في الحصر العام لان مشقة كل أحد لا تختلف بين أن يتحمل غيره مثلها أو لا يتحمل وهؤلاء ردوا
الخلاف إلى أنه هل يجب القضاء إذا تحلل بالحصر الخاص وسيأتي ذلك (واعلم) ان لفظ الكتاب آخرا
21

يتعرض لهاتين الطريقتين (وقوله) أولا فهو كالاحصار العام يشعر بطريقة ثالثة تقطع بجواز التحلل وعدم
القضاء كما في الاحصار العام ولم أر نقلها لغيره والله أعلم *
قال (الثالث الرق فللسيد منع عبده ان أحرم بغيره إذنه وإذا منع تحلل كالمحصر) *
احرام العبد ينعقد سواء كان باذن السيد أو دون اذنه ثم إن أحرم باذنه لم يكن له تحليله سواء
بقي نسكه صحيحا أو أفسده ولو باعه والحالة هذه من غيره لم يكن للمشتري تحليله لكن له الخيار
22

إن كان جاهلا باحرامه وإن أحرم بغير إذنه فالأولى أن يأذن له في إتمام النسك ولو حلله جاز لان
تقريره على الحجر يعطل منافعه عليه وقال أبو حنيفة رحمه الله له تحليله سواء أحرم باذنه أو بغير اذنه
وإذا أذن له في الاحرام فله الرجوع قبل أن يحرم فان رجع ولم يعلم العبد به فاحرم فله تحليله في
أصح الوجهين هما مبنيان على الخلاف في نفوذ تصرفات الوكيل بعد العزل وقبل العلم * ولو أذن له
في العمرة فاحرم بالحج فله تحليله ولو كان بالعكس لم يكن له تحليله لأن العمرة دون الحج والحج
23

فوقها قال في التهذيب وظني انه لا يسلم عن النزاع والخلاف * ولو أذن له في التمتع فله منعه من الحج
بعد ما تحلل عن العمرة وليس له تحليله عن العمرة ولا عن الحج بعد الشروع * ولو أذن له في الحج
أو في التمتع فقرن لم يجز تحليله ولو أذن له أن يحرم في ذي القعدة فاحرم في شوال فله تحليله قبل
ذي القعدة وبعد دخوله لا وإذا أفسد العبد حجه بالجماع فعليه القضاء لأنه مكلف بخلاف الصبي
على أحد القولين وهل يجب قضاؤه في الرق عن الواجب فيه قولان كما ذكرنا في الصبي إذا قضي
24

في الصبي فان احتسبناه لم يجب على السيد أن يأذن له في القضاء إن كان احرامه الأول بغير اذنه
وكذلك إن كان باذنه في أصح الوجهين * وكل دم يلزمه بسبب ارتكاب المحظورات كالطيب
واللباس وقتل الصيد والفوات فلا يجب على السيد سواء أحرم باذنه أو بغير اذنه (واما)
العبد فلا ملك له حتى يذبح لكن لو ملكه السيد فعلى القديم يملك ويلزمه اخراجه وعلى الجديد
25

لا يملك وإذا لم يملك ففرضه الصوم وللسيد منعه منه في حال الرق إن كان احرامه بغير اذنه وكذلك
إن كان باذنه على أصح الوجهين لأنه لم يأذن في موجبه * ولو قرن أو تمتع بغير
إذن السيد فدم القران أن التمتع حكمه حكم دماء المحظورات (أما) إذا قرن أو تمتع بالاذن فهل
يجب الدم على السيد (الجديد) أنه لا يجب وفى القديم قولان بخلاف ما لو أذن لعبده في النكاح
فنكح يكون السيد ضامنا للمهر في القديم قولا واحدا لأنه لا بدل للمهر وللدم بدل وهو الصوم
26

والعبد من أهله وعلى هذا لو أحرم باذن السيد فاحصر فتحلل (فان قلنا) لا بدل لدم الاحصار صار
السيد ضامنا له في القديم قولا واحدا (وان قلنا) له بدل ففي صيرورته ضامنا له قولان في القديم
وإذا لم نوجب الدم على السيد فالواجب على العبد الصوم وليس للسيد المنع منه في أصح الوجهين
لاذنه في سببه * ولو ملكه السيد هديا وقلنا إنه يملك أراقه والا لم تجز اراقته ولو أراقه السيد عنه
27

باذنه فهو على هذين القولين ولو أراق عنه بعد موته جاز قولا واحدا لأنه قد حصل الياس عن
تكفيره والتمليك بعد الموت ليس بشرط ولهذا لو تصدق عن ميت جاز وقد (أمر النبي صلى الله
عليه وسلم سعدا رضي الله عنه ان يتصدق عن أمه بعد موتها) (1) ولو عتق العبد قبل الصوم ووجد
28

الهدى فعليه الهدى إن اعتبرنا في الكفارات حالة الأداء أو الأغلظ وان اعتبرنا حالة الوجوب
فله الصوم وهل له الهدى فيه قولان * وينعقد نذر الحج من العبد وان لم يأذن له السيد في أصح
الوجهين ويكون في ذمته فلو أني به حال الرق هل يجزئه فيه وجهان * إذا عرفت هذه المسائل
فحيث جوزنا للسيد التحليل أردنا به انه يأمره بالتحلل لأنه يستقبل بما يحصل به التحلل وغايته ان
29

يستخدمه ويمنعه من المضي ويأمره بارتكاب محظورات الاحرام أو يفعلها به ولا يرتفع الاحرام
بشئ من ذلك خلافا لأبي حنيفة رحمه الله حيث قال إذا أمره باستعمال المحظورات أو ألبسه المخيط
أو طيبه أو كانت أمة فوطئها حصل التحلل وإذا أجاز للسيد التحليل جاز للعبد التحلل لان المحصر
بغير حق يجوز له التحلل فللمحصر بالحق أولى وبم يتحلل إن ملكه السيد هديا وقلنا إنه يملك
30

فيذبح وينوى التحلل والا فهل هو كالحرفية طريقان (أحدهما) نعم حتى يتوقف تحلله على وجدان الهدى
(ان قلنا) ان دم الاحصار لا بدل له وذلك يفتقر إلى العتق ههنا وعلى الصوم إن قلنا إن دم الاحصار له
بدل كل ذلك على أحد القولين وعلى أصحهما لا توقف ويكفيه نية التحلل (وأصحهما) القطع بهذا
القول الثاني وبه قال أبو إسحاق لعظم المشقة في انتظار العتق ولان منافعه مستحقة للسيد وقد
31

يريد استعماله فيما يمنع منه المحرم كالاصطياد واصلاح الطيب فيتضرر ببقاء الاحرام * وحكم أم الولد
والمدبر والمعلق عتقه بصفة ومن نصفه حر حكم القن المحض * ولو أحرم المكاتب بغير اذن المولى
فمنهم من جعل جواز تحليله على قولين بناء على القولين في سفر التجارة وهل يمنع السيد منه
32

ومنهم من قطع بجواز التحليل لأنه لا منفعة للسيد في سفر الحج وله منفعة في سفر التجارة * وقوله في
الكتاب فللسيد منع عبده أي من إتمام الحج ويجوز أن يعلم بالواو لان ابن كج حكي وجها غريبا أنه
ليس للسيد ذلك لتعينه بالشروع تخريجا من أحد القولين في الزوجة إذا أحرمت بالتطوع وان يعلم
33

قوله بغير إذنه بالحاء لان أبا حنيفة رحمه الله يجوز المنع على الاطلاق فلا حاجة عنده إلى التقييد
وقوله تحلل كالمحصر إن أراد التشبه في جواز التحلل فذاك وإلا ففي الكيفية تفاوت لا يخفى
مما قدمناه *
34

قال (الرابع الزوجية وفى منع الزوج زوجته من فرض الحج (م ح) قولان فإذا أحرمت ففي المنع قولان
مرتبان وكذا ان أحرمت بالتطوع فان منعت تحللت كالمحصر فإن لم تفعل فللزوج مباشرتها
والاثم عليها) *
35

المستحب للمرأة أن لا تحرم دون إذن زوجها وللزوج أن يحج بها فإذا أرادت أداء فرض
الحج عليها فهل للزوج أن يمنعها منه فيه قولان (أحدهما) لا ولها أن تحرم بغير إذنه لأنه عبادة
مفروضة فأشبهت الصوم والصلاة المفروضين * ويحكى هذا عن كتاب اختلاف الحديث وبه قال
36

مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله (وأصحهما) أن له المنع لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (في امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها زوجها في الحج ليس لها أن تنطلق إلا باذن زوجها) (1) ولان
الحج على التراخي وحق الزوج على الفور فكان أولى بالتقديم ويخالف الصوم والصلاة لان مدتهما
37

لا تطول فلا يلحق الزوج كثير ضرر وحكي بعضهم طريقة قاطعة بالقول الأول والمشهور الأول *
فان قلنا ليس له منعها فلو أحرمت بغير إذنه فليس له أن يحللها بطريق الأولى لتضيقه بالشروع وان قلنا
له منعها في الابتداء ففي التحليل قولان (أظهرهما) ان له ذلك كما له تحليل العبد إذا أحرم بغير اذنه
(والثاني) لا لتضيقه وخروجه عن احتمال التراخي بالشروع (وأما) حجة التطوع فله أن يمنعها منها
38

في الابتداء وان أحرمت بغير إذنه فطريقان ان جوزنا التحليل في الفرض فههنا أولى وان لم نجوز
ثم فههنا قولان (أحدهما) ليس له تحليلها لالتحاقها بالفرائض بالشروع (وأصحهما) أن له التحليل
كما له التحليل من صوم التطوع وصلاة التطوع وإنما يصير الحج فرضا بالشروع إذا كان الشروع
مسوغا وقوله في الكتاب وكذا إن أحرمت بالتطوع أراد به أن الخلاف في هذه المسألة وفى
39

تحليل المحرمة بالفرض كل واحد منهما مرتب على الخلاف في جواز منعها من حج الفرض ابتداء لان
الترتيب كالترتيب فان مسألة التطوع أولى بالجواز والمسألة الأخرى أولى بالمنع وحيث قلنا بجواز
التحليل فمعناه الامر بالتحلل كما ذكرنا في العبد وتحللها كتحلل الحر المحصر بلا فرق فلو لم تتحلل
فللزوج ان يستمتع بها والاثم عليها هكذا حكاه الامام عن الصيدلاني ثم توقف فيه لان المحرمة محرمة لحق الله
40

تعالى كالمرتدة فيحتمل ان يمنع الزوج من الاستمتاع إلى أن تتحلل * فرعان (أحدهما) قال القاضي ابن كج
لو كانت مطلقة فعليه حبسها للعدة وليس لها التحلل إلا أن تكون رجعية فيراجعها ويحللها (الثاني) الأمة
المزوجة لا يجوز لها الاحرام الا باذن الزوج والسيد جميعا *
41

قال (الخامس للأبوين منع الولد من التطوع بالحج ومن الفرض على أحد الوجهين)
من له أبوان أو أحدهما فالمستحب له أن لا يحج دون إذنهما أو اذنه ولكل واحد منهما منعه من حج
التطوع في الابتداء لان رجلا استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال ألك أبوان فقال نعم فقال أأستأذنتهما
فقال لا قال ففيهما فجاهد) (1) اعتبر استئذانهما في الجهاد مع أنه من فروض الكفايات فلان يعتبر
42

في التطوع كان ذلك أولى * ولو أحرم بها فهل لها المنع فيه قولان سبق نظيرهما وتوجيههما وحكى
القاضي ابن كج وجها ضعيفا انه ليس لها المنع في الابتداء أيضا وأما حج الفرض فقد حكى القاضي
ابن كج في جواز المنع في الابتداء طريقين (أحدهما) تخريجه على قولين كما في منع الزوج والزوجة
(وأصحهما) ولم يورد الجمهور غيره أن لا منع لهما وليس له طاعتهما في ترك الفرض * ولو أحرم به بغير إذنهما
43

فلا منع بحال ونقل فيه وجه ضعيف أيضا * إذا عرفت ذلك فقوله للأبوين منع الولد من التطوع
بالحج يجوز حمله على المنع في الابتداء ويجوز حمله على التحليل بعد الاحرام وعلى التقديرين
فليكن معلما بالواو (وأما) إثباته الخلاف في المنع من حج الفرض فهو خلاف المشهور سواء
حمل على ابتداء المنع أو على التحليل ولم أجد حكاية الخلاف فيها لغير صاحب الكتاب
44

إلا للقاضي ابن كج وصاحب الكتاب قد أعاد المسألة في كتاب السير ولم يتعرض للخلاف
والله أعلم *
قال (السادس لمستحق الدين منع المحرم الموسر من الخروج وليس له التحلل بل عليه الأداء
وإن كان معسرا أو كان الدين مؤجلا لم يمنع من الخروج) *
45

إذا كان عليه دين حال وهو موسر فلمستحق الدين أن يمنعه من الخروج لا لان حقه
في منعه من الحج ولكن يحبسه ليستوفى حقه منه فإن كان قد أحرم فقد ذكرنا انه
ليس له التحليل والحالة هذه بل عليه أن يقضي دينه ويمضى وإن كان معسرا فلا مطالبة
ولا منع لأنه منظر إلى ميسرة وكذا لو كان الدين مؤجلا لا منع إذ ليس عليه تسليم في الحال
46

ولا يتوجه للمستحق مطالبة والأولى أن لا يخرج حتى يوكل من يقضى الدين عليه عند حلول الأجل
(واعلم) أن الكلام في أن مستحق الدين متى يمنع ومتي لا يمنع لا يختص بسفر الحج بل يعم الاسفار
كلها وقد ذكره المصنف عاما في كتاب التفليس على ما سيأتي فلو طرحه ههنا لما ضر *
قال (فأما من فاته الوقوف بعرفة بنوم أو سبب فعليه أن يتحلل بأفعال العمرة ويلزمه القضاء
ودم الفوات بخلاف المحصر فإنه معذور) *
47

مضمون الفصل قول وجيز في حكم فوات الحج وفواته بفوات الوقوف روى أنه صلى الله
عليه وسلم قال (الحج عرفة من لم يدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج) (1) وإذا حصل الفوات
فله التحلل كما في الاحصار لان في بقائه محرما حرجا شديدا يعسر احتماله وبم يتحلل قال في المختصر
48

وغيره يطوف ويسعى ويحلق وقال في الاملاء يطوف ويحلق ولم يتعرض للسعى * واتفق الأصحاب
على أن الامر بالحلق مبني على أنه نسك وعلى أن الطواف لابد منه واختلفوا في السعي على طريقين
49

أشبههما انه على قولين (أحدهما) أنه لا يجب السعي لان السعي ليس من أسباب التحلل ألا ترى انه لو سعى
عقيب طواف القدوم يجزئه ولو كان من أسباب التحلل لما جاز تقديمه على الوقوف (وأصحهما) انه
50

يجب السعي مع الطواف لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وقد
فاته الحج (اصنع ما يصنع المعتمر وقد حللت فان أدركك الحج قابلا فحج واهد ما استيسر من الهدى)
(والطريق الثاني) القطع بالقول الثاني وحمل ما في الاملاء على الاختصار والايجاز فان السعي كالتابع
للطواف فاكتفى بذكر الأصل أو حمله على ما إذا كان قد سعى عقيب طواف القدوم لا يلزمه
الإعادة ولا يجب عليه الرمي والميت بمنى وان أدرك وفيه مع الأعمال المذكورة خلاف المزني رحمه
51

الله وذكر ان الإصطخري مال إليه * لنا ما رويناه عن عمر رضي الله عنه وقد اشتهر ذلك في الصحابة
رضوان الله عليهم ولم ينكر عليه منكر ويخالف ما إذا أفسد الحج فان هناك هو مأمور بالوقوف
والرمي والمبيت من توابع الوقوف فأمر بهما وههنا بخلافه وليس أمرنا إياه بالطواف وسائر أعمال
العمرة لانقلاب احرامه بفوات الحج عمرة ولا نقول باحتسابها عن عمرة الاسلام وعن أحمد انه
ينقلب احرامه عمرة وعن الشيخين أبى محمد وأبى على رواية وجه ضعيف مثل مذهبه * لنا ان احرامه
انعقد بأحد النسكين فلا ينصرف إلى الآخر كما لو أحرم بالعمرة لا ينصرف إلى الحج * ثم من فاته
52

الحج إن كان حجه فرضا فهو في ذمته كما كان وإن كان تطوعا فعليه قضاؤه كما لو أفسده * وعن أحمد
رواية انه لا قضاء عليه * لنا حديث عمر رضي الله عنه ويخالف الاحصار فإنه معذور فيه والفوات
لا يخلو عن ضرب تقصير وفي لزوم الفور في القضاء الخلاف الذي سبق مثله في الافساد ولا يلزم
قضاء العمرة مع قضاء الحج خلافا لأبي حنيفة حيث قال يلزمه قضاؤهما أما الحج فلانه تلبس به
وما أتمه وأما العمرة فلانه أتى بأعمالها ولم تحسب له * لنا انه أحرم بأحد النسكين ولم يتممه فلا يلزمه
53

قضاء الآخر كما لو أحرم بالعمرة وافسدها أو بالحج وأفسده * ويجب على من فات حجه مع القضاء
دم للفوات خلافا لأبي حنيفة * لنا حديث عمر رضي الله عنه ولان الفوات سبب يجب القضاء فيلزم به الهدي
كالافساد ولا يلزم أكثر من دم واحد وعن صاحب التقريب رواية قول مخرج انه يلزم دمان
أحدهما للفوات والثاني لأنه في قضائه كالمتمتع من حيث إنه تحلل عن الأول وشرع في الثاني
وتمكن بينهما من الاستمتاع (وقوله) في الكتاب فأما من فاته الوقوف بعرفة يعنى من فاته الحج لذلك
54

وفى ذكر اليوم إشارة إلى أنه لا فرق بين أن يكون سبب الفوات سببا فيه نوع عذر أو شيئا هو تقصير
صرف (وقوله) فعليه أن يتحلل بأعمال العمرة يجوز إعلامه بالواو للقول الذاهب إلى أنه لا حاجة
إلى السعي فان على ذلك القول جميع أعمال العمرة غير لازم وبالزاي لان على مذهبه لا يكفي أعمال العمرة بل
يجب معها الرمي والمبيت (وقوله) ويلزمه القضاء بالألف وقوله ودم الفوات بالحاء لما مر (وقوله) بخلاف
المحصر فإنه معذور أراد به الإشارة إلى الفرق في القضاء فان الدم لازم فيهما جميعا والله أعلم *
قال (فلو أحصر فاختار طريقا أطول ففاته أو صابر الاحرام على مكانه توقعا لزوال الاحصار
55

ففاته ففي القضاء قولان لتركب السبب من الاحصار والفوات ولو صد بعد الوقوف عن لقاء البيت
لم يجب القضاء على الصحيح (و) كما قبل الوقوف والمتمكن من لقاء البيت إذا صد عن عرفة ففي وجوب
القضاء عليه قولان) *
(كنت أخرت الكلام في أن المحصر هل يقضى وهذا موضع ذكره فإنه كالقاعدة التي عليها
بناء هذه المسائل فنقول إذا حصر فتحلل نظر إن كان نسكه تطوعا فلا قضاء عليه وبه قال مالك
وأحمد خلافا لأبي حنيفة رحمه الله * لنا (ان الذين صدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية كانوا
ألفا وأربعمائة والذين اعتمروا معه في عمرة القضاء كانوا نفرا يسيرا ولم يأمر الباقين بالقضاء) (1) وان لم
56

يكن نسكه تطوعا نظران لم يكن مستقرا عليه كحجة الاسلام في السنة الأولى من سني
الامكان فلا حج عليه إلا عند اجتماع الشروط بعد ذلك وإن كان مستقرا عليه كحجة الاسلام فيما بعد السنة
الأولى من سنى الامكان وكالنذر والقضاء فهو باق في ذمته كما كان كما لو شرع في صلاة ولم يتمها تبقي
في ذمته * إذا تقرر ذلك فههنا مسائل (إحداها) لو صد عن طريق وهنا ك طريق آخر نظر
ان تمكن من سلوكه بأن وجد شرائط الاستطاعة فيه لزمه سلوكه ولم يكن له التحلل سواء
57

كان ذلك الطريق قصيرا أو طويلا وسواء كان يرجو الادراك أو يخاف الفوات أو يتيقنه كما
لو أحرم في أول ذي الحجة وهو بالعراق مثلا يجب عليه المضي والتحلل بعمل عمرة ولا يجوز التحلل
في الحال وإذا سلكه كما أمرناه به ففاته الحج تحلل بعمل عمرة وهل يلزمه القضاء فيه قولان (أحدهما)
نعم كما لو سلك هذا الطريق ابتداء ففاته بضلال الطريق وغيره (وأظهرهما) لا لأنه بذل ما في وسعه
فأشبه ما إذا صد مطلقا ولا هذا الفوات نشأ من الاحصار فان المسألة مصورة فيما إذا اختص
الطريق الآخر بطول أو حزونة وغيرهما وكان الفوات لذلك حتى لو استويا من كل وجه فيجب
القضاء لا محالة لان الموجود فوات محض قاله الامام وغيره * وإن لم يتمكن من سلوك الطريق الآخر
58

فهو كالصد المطلق (الثانية) وقد تعرض لها في الكتاب قبل هذا الفصل أن ما ذكرنا من نفى القضاء
هو حكم الاحصار العام (فاما) في الاحصار الخاص قولان أو وجهان (أحدهما) وبه قال أبو الحسين
والداركي انه يجب القضاء كما لو منعه المرض عن اتمام النسك يلزمه القضاء (وأظهرهما) وبه قال القاضي
أبو حامد وأبو علي الطبري انه لا قضاء كما في الاحصار العام لان مشقة المصابرة على الاحرام لا تختلف
في حق صاحب الواقعة ولا تشبه المرض لأنه يبيح التحلل على ما سبق بخلاف المرض (الثالثة) لو
احصر فلم يتحلل بل صابر الاحرام متوقعا زواله ففاته الحج والاحصار دائم فلابد من التحلل بعمل
عمرة وفى القضاء طريقان (أظهرهما) وهو الذي أورده في الكتاب طرد القولين المذكورين في المسألة
59

الأولى (والثاني) القطع بوجوب القضاء لتسببه بالمصابرة إلى الفوات فإنه لو تحلل لما تصور الفوات
(قوله) في الكتاب لتركب السبب من الفوات والاحصار معناه ان سبب التحلل ليس هو الفوات
المحض حتى يجزم بوجوب القضاء ولا الاحصار المحض حتى يجزم بسقوطه بل التحلل بمجموع الامرين
فاختلف القول فيه * ثم يجوز أن يقدر هذا الكلام إشارة إلى توجيه الوجهين ويجوز ان يقدر توجيها لقول
الوجوب وحده إذا اجتمع الموجب والمسقط وجب أن يثبت الوجوب احتياطا (الرابعة) لافرق في جواز
التحلل بالاحصار بين أن يتفق قبل الوقوف أو بعده ولا بين أن يحصر عن البيت خاصة أو عن الموقف خاصة
أو عنهما جميعا خلافا لأبي حنيفة حيث قال إذا أحصر بعد الوقوف لا يجوز له التحلل ولا يجوز التحلل حتى
60

يحصر عن البيت والموقف جميعا * لنا انه مصدود عن اتمام نسكه بغير حق فكان له التحلل كما في صورة النزاع *
ثم إن كان الاحصار قبل الوقوف وأقام على إحرامه حتى فاته الحج نظر ان زال الحصر وأمكنه التحلل
بالطواف والسعي يلزمه ذلك وعليه القضاء والهدى للفوات وإن لم يزل الحصر تحلل بالهدى وعليه
مع القضاء هديان (أحدهما) للفوات (والثاني) للتحلل * إن كان الاحصار بعد الوقوف فان تحلل
فذاك وهل يجوز البناء عليه لو انكشف العذر فيه الخلاف الذي مر في موضعه فعلى الجديد لا يجوز وعلى
القديم يجوز فيحرم إحراما ناقصا ويأتي ببقية الأعمال وعلى هذا فلو لم يبن مع الامكان فهل عليه
القضاء نقل الامام رحمه الله فيه وجهين * وإن لم يتحلل حتى فاته الرمي والمبيت فهو فيما يرجع إلى
61

وجوب الدم بفواتهما كغير المحصر وبم يتحلل يبنى على أصلين (أحدهما) ان الحلق نسك أم لا (والثاني) أن زمان الرمي هل يقام مقام الرمي وقد سبق القول في كليهما (فان قلنا) الحلق نسك حلق وتحلل
التحلل الأول (وإن قلنا) انه ليس بنسك حصل التحلل الأول بمضي زمان الرمي وعلى التقديرين
فالطواف باق عليه فمتى أمكنه أن يطوف طاف وقد تم حجه * ثم إذا تحلل بالاحصار الواقع بعد
الوقوف فهل يلزمه القضاء ذكر الامام رحمه الله ان صاحب التقريب حكي فيه قولين وطردهما في
كل صورة اتى بها بعد الاحرام بنسك لتأكد الاحرام بذلك النسك فان العراقيين جزموا بنفي
القضاء قال وهذا أمثل فإنه تحلل بالحصر المحض وسواء ثبت الخلاف أم لا فظاهر المذهب أنه
62

لا قضاء (وقوله) في الكتاب على الصحيح يجوز حمله على الصحيح من القولين جوابا على طريقة
اثبات الخلاف ويجوز أن يحمل على الصحيح من الطريقين * ولو صد عن عرفة ولم يصد عن مكة
فيدخل مكة ويتحلل بعمل عمرة وفى وجوب القضاء قولان لأنه محصر تحلل بعمل عمرة كمن صد عن
طريق وسلك غيره ففاته الحج وقد قدمنا ذلك وبالله التوفيق *
63

(الباب الثاني في الدماء وفيه فصلان)
قال (الفصل الأول) في ابدالها وهي أنواع (الأول) دم التمتع وهو دم ترتيب
وتقدير كما في القرآن وفي معناه دم الفوات والقران (الثاني) جزاء الصيد وهو دم تعديل وتخيير (و) في نص
القرآن (الثالث) دم الحلق وهو دم تخيير وتقدير إذ يتخير بين شاة وثلاثة آصع من طعام كل
صاع أربعة أمداد يطعمه ستة مساكين وبين صيام ثلاثة أيام فهذه الثلاث منصوص عليها) *
64

الدماء الواجبة في المناسك سواء تعلقت بترك مأمور أو ارتكاب منهي إذا أطلقناها أردنا
دم شاة فإن كان الواجب غيرها كالبدنة في الجماع فيقع النص عليه ولا يجزئ فيها جميعا إلا ما يجزئ
في الأضحية إلا في جزاء الصيد فيجب المثل في الصغير صغير وفي الكبير كبير * وكل من لزمه شاة
جاز له أن يذبح مكانها بقرة أو بدنة إلا في جزاء الصيد * وإذا ذبح بدنة أو بقرة مكان الشاة
فالكل فرض حتى لا يجوز أكل شئ منها أو الفرض السبع حتى يجوز له أكل الباقي فيه وجهان *
ولو ذبح بدنة ونوى التصدق بسبعها عن الشاة الواجبة عليه وأكل الباقي جاز له ذلك وله أن ينحر
البدنة عن سبع شياه لزمته * ولو اشترك جماعة في ذبح بقرة أو بدنة وأراد بعضهم الهدى والبعض
65

الأضحية والبعض اللحم جاز خلافا لأبي حنيفة حيث قال لا يجوز إلا أن يريد جميعهم القربة ولمالك
حيث قال لا يحوز إلا أن يكونوا أهل بيت واحد * ولا يجوز أن يشترك اثنان في شاتين لامكان
انفراد كل واحد بواحدة * إذا عرفت ذلك فاعلم أن كلام الباب يقع في فصلين (أحدهما) في كيفية
وجوبها وما يقوم مقامها (والثاني) في مكانها وزمانها والبحث في الأولى من وجهين (أحدهما) النظر
في أن أي دم يجب على الترتيب وأي دم يجب على التخيير وهاتان الصفتان متقابلتان فمعنى الترتيب انه يتعين
عليه الذبح ولا يجوز العدول عنه إلى غيره إلا إذا عجز عنه ومعنى التخيير انه يفوض الامر إلى خيرته فله العدول
66

إلى غيره مع القدرة عليه (والثاني) النظر في أن أي دم يجب على سبيل التقدير وأي دم يجب على سبيل
التعديل وهاتان الصفتان متقابلتان فمعنى التقدير ان الشرع قدر البدل المعدول إليه ترتيبا أو تخييرا
بقدر لا يزيد ولا ينقص ومعنى التعديل انه أمر فيه بالتقويم والعدول إلى الغير بحسب القيمة وهذا
اللفظ مأخوذ من قوله تعالى (أو عدل ذلك صياما) وكل دم بحسب الصفات المذكورة لا يخلو عن
أربعة أوجه (أحدها) الترتيب والتقدير (وثانيها) الترتيب والتعديل (وثالثها) التخيير والتقدير
(ورابعها) التخيير والتعديل (وأما) تفصيلها فهي على ما ذكر في الكتاب ثمانية أنواع (أحدها) دم
التمتع وهو دم ترتيب وتقدير على ما ورد في نص الكتاب قال الله تعالى (فمن تمتع بالعمرة إلى
67

الحج فما استيسر من الهدى) الآية وقد بينا شرح القول وبينا فيه ان دم القران في معناه وفى
دم الفوات قولان نقلهما القاضي ابن كج (أصحهما) ولم يورد الأكثرون غيره انه كدم التمتع في
الترتيب والتقدير وسائر الأحكام لان دم التمتع إنما وجب لترك الاحرام من الميقات والنسك المتروك
في صورة الفوات أعظم * وقد روى عن عمر رضي الله عنه انه أمر الذين فاتهم الحج بالقضاء من
قابل ثم قال (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع) (1) (والثاني) انه كدم الجماع في الأحكام
إلا أن ذلك بدنة وهذا شاة ووجه الشبه اشتراك الصورتين في التفريط المحوج إلى القضاء (الثاني)
جزاء الصيد وهو دم تخيير وتعديل قال الله تعالى (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل
68

من النعم) الآية وما فيه التخيير يختلف يكون الصيد مثليا أو غير مثلي على ما سبق في موضعه وجزاء شجر
الحرم كجزاء الصيد (الثالث) دم الحلق وفديته وهو دم تخيير وتقدير فإذا حلق جميع شعره أو ثلاث
شعرات تخير بين أن يذبح شاة وبين أن يتصدق بعزق من طعامه على ستة مساكين وبين أن يصوم
ثلاثة أيام والعزق ثلاثة آصع وكل صاع أربعة أمداد فتكون الآصع الثلاثة اثنى عشر مدا نصيب كل مسكين
مدان وفى سائر الكفارات لا يزاد لكل مسكين على مد هذا هو المشهور * وحكي في العدة وجها
آخر انه لا يتقدر ما يصرف إلى كل مسكين وإنما أخذ التخيير في هذا الدم من نص الكتاب قال الله
69

تعالى (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) (وأما) التقدير فهو مأخوذ من حديث كعب بن عجرة وقد
رويناه في باب المحظورات (وقوله) في الكتاب دم الفوات يجوز اعلامه بالواو لما رويناه من القول
70

الثاني (وقوله) وتخيير في جزاء الصيد بالواو لقول حكيناه عن رواية أبي ثور من قبل إنه على الترتيب
(وقوله) فهذه الثلاث منصوص عليها أي ورد نص الكتاب أو الخبر في كيفية وجوبها وما عداها
مقيس بها *
قال (الرابع) الواجبات المجبورة بالدم فيها دم تعديل وترتيب وقيل إنه كدم التمتع في
التقدير أيضا) *
71

الدم المنوط بترك المأمورات كالاحرام من المقيات والرمي والمبيت بمزدلفة ليلة العيد وبمنى
ليالي التشريق والدفع من عرفة قبل غروب الشمس وطواف الوداع فيه وجهان (أحدهما) أنه دم
ترتيب وتعديل (أما) الترتيب فإلحاقا بدم التمتع لما في التمتع من ترك الاحرام من الميقات (وأما)
التعديل فجريا على القياس والتقدير لا يعرف الا بتوقيف * فعلى هذا يلزمه ذبح شاة فان عجز
قوم الشاة دارهم واشترى بها طعاما يتصدق به فان عجز صام عن كل مد يوما * وإذا ترك رمى حصاة
فقد ذكرنا أقوالا في أن الواجب مد أو درهم أو ثلث شاة فان عجز فالطعام والصوم على ما يقتضيه
التعديل بالقيمة (والوجه الثاني) أنه يلحق بدم لتمتع في التقدير كما الحق به في الترتيب ويكون
الواجب دم ترتيب وتقدير فان عجز عن الدم صام ثلاثة في الحج وسبعة بعد الرجوع * وفى تعليق
بعض المراوزة وجه آخر تفريعا على الوجه الثاني وهو أن الصوم المعدول إليه هو صوم فدية الأذى
دون العشرة وما الأظهر من الوجهين ايراد الكتاب يشعر بترجيح الوجه الأول وبه قال
72

القاضي ابن كج والامام وغيرهما لكن الثاني أظهر في المذهب ولم يورد العراقيون وكثير من سائر الطبقات
غيره وحكي القاضي ابن كج وجها ثالثا ضعيفا أنه دم تخيير وتعديل كجزاء الصيد *
قال (الخامس الاستمتاعات كالطيب واللبس ومقدمات الجماع فيه دم ترتيب وتعديل وفيه
قول آخر أنه دم تخيبر تشبيها بالحلق (وقيل) انه دم تقدير أيضا إتماما للتشبيه (وأما) القلم ففي
معنى الحلق) *
دم التطيب والتدهن واللباس ومقدمات الجماع دم ترتيب أو تخيير فيه قولان أو
وجهان (أحدهما) أنه دم ترتيب كدم التمتع لأنه مترفه بهذا الاستمتاعات كما أن المتمتع مترفه
بالتمتع (وأظهرهما) وبه قال أبو إسحاق أنه دم تخيير تشبيها بفدية الحلق لاشتراكهما جميعا في الترفه
وإلحاقها بالحلق أولى منه بالتمتع فان الدم ثم إنما وجب لترك الاحرام من الميقات (فان قلنا) بالأول
ففي كونه دم تقدير أو تعديل وجهان (أحدهما) انه دم تقدير اتماما للتشبيه بدم التمتع (وأظهرهما) انه دم تعديل
كجزاء الصيدلان التقدير إنما يؤخذ من التوقيف (وان قلنا) بالثاني ففي كونه دم تقدير أو تعديل أيضا وجهان
73

(أظهرهما) انه دم تقدير اتماما للتشبيه بالحلق * والحاصل من هذه الاختلافات أربعة أوجه (أحدها) الترتيب
والتعديل (وثانيها) التخيير والتعديل (وثالثها) لتخيير والتقدير وهذه الثلاثة هي المذكورة في
الكتاب (ورابعها) الترتيب والتقدير واظهر الوجوه الثالث وايراد الكتاب يشعر بترجيح
الأول وبه قال صاحب التهذيب وهذا الاختلاف لا يجئ في قلم الأظفار بل هو ملحق بالحلق بلا
خلاف لاشتراكهما في معنى الترفة والاستهلاك جميعا والله أعلم *
74

قال (السادس دم الجماع وفيه بدنه أو بقرة أو سبع من الغنم فان عجز قوم البدنة دارهم
والدراهم طعاما والطعام صياما فهو دم تعديل وترتيب (وقيل) انه دم تخيير كالحلق (وقيل) بين البدنة
والبقرة والشاة أيضا ترتيب) *
في خصال فدية الجماع وجهان (أصحهما) انها خمس ذبح بدنه وذبح بقرة وذبح سبع من
الغنم والاطعام بقدر قيمة البدنة على ما عرفت من سبيل التعديل والصيام عن كل مد يوما (والثاني)
حكاه القاضي ابن كج أن خصالها الثلاث الأول فان عجز عنها فالهدى في ذمته إلى أن يجد تخريجا من أحد
75

القولين في دم الاحصار وسنذكره فان جرينا على الصحيح وهو اثبات الخصال الخمس فهذا الدم دم
تعديل لا محالة لأنا في الجملة نقوم البدنة وهل هو دم ترتيب أو تخيير فيه قولان ومنهم من قول وجهان
(أصحهما) أنه دم ترتيب فعليه بدنة إن وجدها والا فبقرة والا فسبع من الغنم والا قوم البدنة دارهم
والدراهم طعاما ثم فيه وجهان (أحدهما) أنه يصوم عن كل مد يوما فان عجز عن الصيام أطعم كما في
كفارة الظهار والقتل (وأصحهما) ولم يورد الجمهور غيره ان الترتيب على العكس ويتقدم الطعام على
الصيام لأنا لم نجد في المناسك تقديم الصيام على الاطعام في غير هذا الدم فكذلك ههنا * وإنما قدمت البدنة
76

على البقرة وان قامت مقامها في الضحايا لان الصحابة رضي الله عنهم نصوا على البدنة وذلك يقتضى
تعينها وبينها وبين البقرة بعض التفاوت الا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم (من راح في الساعة
الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الثانية فكأنما قرب بقرة) (1) واما أقيم الاطعام والصيام مقامها
تشبيها بجزاء الصيد الا ان الامر ثم على التخيير وههنا على الترتيب لأنه يشبه الفوات في ايجاب
77

القضاء وموجب الفوات مرتب (والقول الثاني) أنه دم تخيير لأنه سبب تجب به البدنة فيكون على
التخيير كقتل النعامة وأيضا فان الجماع ملحق بالاستهلاكات على ما سبق فتكون فديته على التخيير
كفدية الحلق وعلى هذا ففيم يثبت التخيير وجهان (أظهرهما) أنه يتخير بين البدنة والبقرة والسبع
من الغنم كما لو لزمه سبعة دماء (واما) الاطعام والصيام فهما على الترتيب ولا عدول إليهما إلا إذا عجز عن
الذبح (والثاني) انه يتخير بين الكل كما في قتل النعامة وكما أن في فدية الحلق يتخير بين الصيام
والصدقة والنسك * وقد ذكر القفال وآخرون ان القولين في أن دم الجماع دم ترتيب أو تخيير مبني على أن الجماع
78

استهلاك أو استمتاع ان جعلناه استهلاكا فهو على التخيير كفدية الحلق والقلم وان جعلناه استمتاعا
فهو على الترتيب كفدية الطيب واللباس والتمتع * (واعلم) ان هذا التشبيه في الطيب واللباس كلام
من يجعل الامر ثم على الترتيب وقد سبق ما فيه من الخلاف (وقوله) في الكتاب قوم البدنة دارهم يجوز
اعلامه بالواو للوجه المنسوب إلى حكاية ابن كج (وقوله) والدراهم طعاما والطعام صياما باقي الكلام محذوف
والمعني وأطعم فان عجز صام * ثم ايراد الكتاب قد يوهم ترجيح قول التخيير بين البدنة والبقرة والشاة
على الترتيب لكن الأظهر عند الأكثرين الترتيب فيها أيضا وايراد الوسيط يوافقه *
قال (السابع الجماع الثاني أو بين التحللين إن قلنا فيه شاة فهو كالقبلة وان قلنا بدنة
فكالجماع الأول) *
قد سبق الخلاف في أن الجماع الثاني يوجب البدنة أو الشاة وكذا الجماع بين التحللين فان أوجبنا
البدنة فهي في الكيفية كالجماع الأول قبل التحللين وان أوجبنا الشاة فهي كفدية القبلة وسائر
مقدمات الجماع وهذا ظاهر *
قال (الثامن دم التحلل بالاحصار وهو شاة فان عجز فلا بدل له في قول وفى قول بدله كدم
التمتع وفى قول كدم الحلق وفى قول كدم الواجبات المجبورة) *
79

على المحصر دم شاة للتحلل ولا معدل عنه ان وجد الشاة والا فهل لهذا الدم من بدل فيه قولان
(أصحهما) وبه قال أحمد نعم كسائر الدماء الواجبة على المحرم (والثاني) وبه قال أبو حنيفة رحمه
الله لا لان الله تعالى لم يذكر لدم الاحصار بدلا ولو كان له بدل لا شبه أن يذكره كما ذكر بدل غيره
(التفريع) ان قلنا له بدل فما ذلك البدل فيه ثلاثة أقوال (أحدها) الصوم وبه قال أحمد رحمه الله كدم
التمتع لان التحلل والتمتع جميعا مشروعان تخفيفا وتر فيها وفيهما جمعا ترك بعض النسك فيلحق
أحدهما بالآخر (والثاني) الاطعام لان قيمة الهدى أقرب إليه من الصيام وإذا لم يرد نص
فالرجوع إلى الأقرب أولى (والثالث) ان لكل واحد منهما مدخلا في البدلية كفدية الحلق
ووجه الشبه بينهما ان المحصر يبغي دفع أذى العدو والاحرام عن نفسه كما أن الحالق يبغي دفع اذى
الشعر (التفريع) ان قلنا إن بدله الصوم فما ذلك الصوم فيه ثلاثة أقوال (أحدها) وبه قال احمد رحمه الله
صوم المتمتع عشرة أيام (والثاني) صوم فدية الأذى ثلاثة أيام (والثالث) ما يقتضيه التعديل
وإنما يدخل الطعام في الاعتبار على هذا القول ليعرف به قدر الصوم لا ليطعم (وان قلنا) ان بدله الاطعام
ففيه وجهان (أحدهما) أنه مقدر كفدية الأذى وهو إطعام ثلاثة آصع ستة مساكين (الثاني)
انه يطعم ما يقتضيه التعديل (وان قلنا) لكل واحد مدخلا فيه فهل بينهما ترتيب فيه وجهان
80

(أحدهما) لا كما في فدية الحلق (وأصحهما) نعم كالترتيب بين الهدى وبدله فعلى
الأول قدر الطعام والصيام كقدرهما في الحلق وعلى الثاني الطريق بينهما التعديل * إذا عرفت ذلك
فانظر في لفظ الكتاب واعلم قوله ولا بدل له في قوله بالألف ويقابله ان له بدلا وما هو ذكر فيه
أقوالا ثلاثة (أحدها) ان بدله كبدل دم التمتع وهذا مختصر قولنا ان بدله الصوم وان ذلك الصوم
صوم التمتع (والثاني) ان بدله كبدل دم الحلق وهذا مختصر قولنا ان للاطعام والصيام معا مدخلا
في البدلية وان الامر فيهما على التخيير والتقدير (والثالث) أن بدله كبدل دم الواجبات المجبورة وهذا مختصر قولنا لكل واحد منهما مدخل فيه والامر فيما على الترتيب والتعديل فعلى
81

الأول هو دم ترتيب وتقدير وعلى الثاني دم تخيير وتقدير وعلى الثالث دم ترتيب وتعديل وهذا حكم
دماء الواجبات المجبورة على الأرجح عند صاحب الكتاب على ما مر فإن لم نقل بذلك لم يستمر هذا
التشبيه والأصح في المسألة التي نحن فيها الترتيب والتعديل قاله القاضي الروياني وصاحب التهذيب
وغيرهما رحمهم الله وهو اختيار المزني رضي الله عنه والله أعلم *
قال (الفصل الثاني في مكان إراقة الدماء وزمانها)
(ولا تختص دماء المحظورات والجبرانات بزمان بعد جريان سببها بخلاف دم الضحايا ودم *
الفوات يراق في الحجة الفائتة أو في الحجة المقضية فيه قولان) *
82

مقصود الفصل بيان زمان إراقة الدماء ومكانها (أما) الزمان فالدماء الواجبة في الاحرام إما
لارتكاب محظورات أو جبرا لترك مأمور لا اختصاص لها بزمان بل يجوز في يوم النحر وغيره وإنما
الضحايا هي التي تختص بيوم النحر وأيام التشريق * وعن أبي حنيفة رحمه الله ان دم القران والتمتع
لا يجوز ذبحه قبل يوم النحر * لنا القياس على جزاء الصيد ودم التطيب والحلق * ثم ما عدا دم الفوات
يراق في النسك الذي هو فيه وأما دم الفوات فيجوز تأخيره إلى سنة القضاء وهل يجوز إراقته في سنة
الفوات فيه قولان (أحدهما) وهو نصه في الاملاء أنه يجوز كدم الافساد يراق في الحجة الفاسدة
(وأصحهما) أنه لا يجوز ويجب تأخيره إلى سنة القضاء لظاهر خبر عمر رضي الله عنه حيث قال (حج
83

من قابل واهد ما استيسر من الهدى) (فان قلنا) بالأول فوقت وجوبه سنة الفوات وكأن الفوات
أوجب شيئين الدم والقضاء فله تعجيل أحد لواجبين وتأخير الثاني (وان قلنا) بالثاني ففي وقت الوجوب
وجهان (أصحهما) أن لوجوب منوط بالتحريم بالقضاء كما أن دم التمتع منوط بالتحرم بالحج ووجه
الشبه أن من فات حجه يتحلل من نسك ويتحرم بآخر كالمتمتع إلا أن نسكي المتمتع يقعان في سنة
واحدة والقضاء سيقع في سنة أخرى ولما بينهما من الشبه فنقول لو ذبح قبل التحلل عن الفائت لم يجزه على
الأصح كما لو ذبح المتمتع قبل الفراغ من العمرة * هذا إذا كفر بالدم أما إذا كان بصوم فان قلنا أن
الكفارة تجب بالتحرم بالقضاء فصيام الأيام الثلاثة لا يتقدم على القضاء لا محالة لان العبادة البدنية
84

لا تقدم على وقتها ويصوم السبعة بعد الرجوع وان قلنا إنها تجب بالفوات فقد حكي الامام رحمه الله
في جواز صوم الأيام الثلاثة في الحجة الفائتة وجهين (وجه) المنع أنه في إحرام ناقص والذي عهدناه
إيقاع الثلاثة في نسك كامل *
قال (وأما المكان فيختص (ح) جواز الإراقة بالحرم والأفضل في الحج منى وفى العمرة عند المروة
لأنهما محل تحللهما وقيل لو ذبح على طرف الحرم جاز وقيل ما لزم بسبب مباح لا يختص بمكان) *
الدماء الواجبة على المحرم تنقسم إلى دم الاحصار وما لزم المحصر من دماء المحظورات والى
سائر الدماء (أما) القسم الأول فقد ذكرنا حكمه في فصل الاحصار (وأما) الثاني وهو المقصود في الكتاب
85

وإن كان اللفظ مطلقا فيتقيد بالحرم ويجب تخصيص لحومها بمساكين الحرم ويجوز صرفها إلى
القاطنين والغرباء الطارئين لكن الصرف إلى القاطنين أولى * وهل يختص ذبحها بالحرم فيه قولان
(أصحهما) نعم وبه قال أبو حنيفة لان النبي صلى الله عليه وسلم (أشار إلى موضع النحر من مني وقال
هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر) (1) ولان الذبح حق متعلق بالهدى فيختص بالحرم كالتصدق
(والثاني) لا يختص لان المقصود هو اللحم فإذا وقعت تفرقته في الحرم وانصرف إلى مساكينه حصل
الغرض * فعلى الأول لو ذبح خارج الحرم لم يعتد به * وعلى الثاني لو ذبح خارج الحرم ونقل إليه وفرقه
جاز لكن يشترط أن يكون النقل والتفريق قبل تغير اللحم والى هذا أشار في الكتاب في
86

العبارة عن هذا القول حيث قال وقيل لو ذبح على طرف الحرم جاز * ولا فرق فيما ذكرناه بين دم التمتع
والقران وسائر الدماء والواجبة بسبب منشأ في الحرم وبين الدماء الواجبة بسبب منشأ في الحل *
وفى القديم قول ان ما أنشئ سببه في الحل يجوز ذبحه وتفريقه في الحل كدم الاحصار وبه قال أحمد
والمذهب الأول واحتج له بقوله تعالي في جزاء الصيد (هديا بالغ الكعبة) أطلق ولم يفصل بين
أن يقتل الصيد في الحل أو الحرم * ولا فرق أيضا بين أن يكون السبب الموجب للدم مباحا أو
بعذر كالحلق للأذى أو مطلقا كالتمتع والقرن بين أن يكون محرما * وذكر الامام أن صاحب
التقريب حكي وجها أن ما لزم بسبب مباح ولا يختص ذبحه ولا تفرقة لحمه بمكان وأن شيخه حكى
87

وجها أنه لو حلق قبل الانتهاء إلى الحرم ذبح وفرق حيث حلق وهما ضعيفان وصاحب الكتاب أورد
الأول منهما * ثم أفضل مواضع الحرم للذبح في حق الحاج منا وفى حق المعتمر المروة لأنهما محل
تحللهما وكذلك حكم ما يسوقانه من الهدى * ولو كان يتصدق بالاطعام بدلا عن الذبح فيجب تخصيصه
بمساكين الحرم بخلاف الصوم فإنه يأتي به حيث يشاء لأنه لا غرض فيه للمساكين * وعند أبي حنيفة يجوز
صرف اللحم والطعام إلى غير مساكين الحرم وإنما الذي يختص بالحرم الذبح وإذا ذبح الهدى
في الحرم ففرق منه لم يجزه عما في ذمته وعليه إعادة الذبح أو شرى اللحم والتصدق به وفيه وجه
أنه يكفيه التصدق بالقيمة وقال أبو حنيفة رحمه الله لا شئ عليه *
88

قال (واختتام الكتاب بمعني الأيام المعلومات وهي العشر الأول من ذي الحجة وفيها
المناسك والمعدودات وهي أيام التشريق وفيها الهدايا والضحايا والله أعلم بالصواب) *
ختم الكتاب بذكر معني الأيام المعلومات والأيام المعدودات قد ذكرهما الله وتعالى في آيتين
من كتابه فالمعلومات هي العشر الأول من ذي الحجة آخرها يوم النحر وبه قال أحمد رحمه الله
في رواية ويروى عنه مثل ما روى عن مالك وهو أنها يوم النحر ويومان بعده وعند أبي حنيفة
رحمه الله المعلومات ثلاثة أيام يوم عرفة ويوم النحر واليوم الأول من أيام التشريق * فعنده
اليوم الأول داخل في المعدودات والمعلومات معا وعند مالك رحمه الله الأول والثاني من أيام
89

التشريق داخلان فيها * لنا التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما والاخذ به أولى لان الأشبه
تغاير المسميات عند تغاير الأسماء (وأما) المعدودات فهي أيام التشريق بلا خلاف (وقوله) في
الكتاب وفيها المناسك أراد به أصول المناسك فان توابعها قد يتأخر بعضها إلى أيام التشريق
(قوله) وفيها الهدايا والضحايا لك أن تبحث فيه فتقول هذا يقتضي تخصيص الهدايا بهذه الأيام
وقد ذكر من قبل إن دماء الجبرانات والمحظورات لا تختص بزمان واسم الهدي يقع عليها كما يقع
على ما يسوقه المحرم فان أراد ههنا ما يسوقه المحرم فهل يختص ذبحه بهذه الأيام على ما هو قضية
اللفظ أم لا (فاعلم) ان المراد في هذا الموضع بالهدايا ما يسوقها المحرم وفى اختصاصها بيوم النحر وأيام
90

التشريق وجهان (أحدهما) وهو الذي أورده في التهذيب أنها لا تختص كدماء المحظورات
(وأظهرهما) وهو الذي أورده صاحب الكتاب والعراقيون انها تختص كالأضحية
فعلى هذا لو اخر الذبح حتى مضت هذا الأيام نظر إن كان هديا واجبا ذبح قضاء وإن كان
تطوعا فقد فات وان ذبح فقد قال الشافعي رضي الله عنه هي شاة لحم * ولا يخفى ان لفظ الكتاب
يحتاج إلى تأويل فان الذي جرى ذكره أيام التشريق لا غير والذبح لا يختص بها بل يوم النحر
في معناها لا محالة والله أعلم (واعلم) أن في المختصر بابا في آخر كتاب الحج ترجمه بنذر الهدى
91

وعلى ذلك جرى الأصحاب فذكروا ههنا فروعا ومسائل كثيرة لكن صاحب الكتاب أخر ايراده
منها إلى كتابي الأضحية والنذر اقتداء بالامام رحمه الله ونحن نشرح ما ذكره ونضم إليه ما يحسن
ايراده إن شاء الله تعالى لكن نذكر نبذا لابد من معرفتها فنقول. من قصد مكة لحج أو عمرة
92

فيستحب له أن يهدى إليها شيئا من النعم (أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة) (1)
ولا يلزم ذلك الا بالنذر * وإذا ساق هديا تطوعا أو نذرا نظر ان ساق بدنة أو بقرة فيستحب
ان يقلدها نعلين وليكن لهما قيمة ليتصدق بها وان يشعرها أيضا والاشعار الاعلام والمراد ههنا ان
يضرب صفحة سنامها اليمني بحديدة وهي مستقبلة للقبلة فيدميها ويلطخها بالدم ليعلم من رآها أنها
هدى فلا يستجيز التعرض لها * وقال أبو حنيفة لا اشعار * ومالك واحمد استحبا الاشعار ولكن
93

قالا يشعرها من الجانب الأيسر * لنا ما روى عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم (صلى
الظهر بذي الحليفة ثم دعا ببدنة فاشعرها في صفحة سنامها الأيمن) (1) وان ساق غنما استحب
تقليدها ولكن بخرب القرب وهي عراها وآذانها لا بالنعل لأنها ضعيفة يثقل عليها حمل النعال * وقال
94

مالك وأبو حنيفة لا يستحب تقليد الغنم * لنا ما روي أنه صلى الله عليه وسلم (اهدى مرة غنما
مقلدة) (1) ولا يستحب اشعارها لأنها ضعيفة ولان شعرها يمنع من ظهور الدم * ثم إذا قلد النعم
وأشعرها لم تصر بذلك هديا واجبا على أصح القولين كما لو كتب الوقف على باب داره لا تصير
وقفا * وإذا عطب الهدى الذي ساقه في الطريق ينظر إن كان تطوعا فهو ماله يفعل به ما يشاء
من بيع واكل وغيرهما وإن كان واجبا فعليه ذبحه فلو تركه حتى هلك ضمنه وإذا ذبحه غمس النعل
التي قلده في دمه وضرب بها صفحة سنامها وتركه ليعلم من مر به انه هدى فيأكل منه وهل تتوقف
الإباحة على أن يقول أبحته لمن يأكل منه فيه قولان (أصحهما) عند صاحب التهذيب انه لا حاجة
إليه لأنه بالنذر زال ملكه عنه وصار للناس * ولا يجوز للمهدى ولا لأغنياء الرفقة الاكل منه
95

وفى فقرائها وجهان (أصحها) انه ليس لهم الاكل أيضا لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال فيه (لا تأكل كل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك) (1) والله ولى التوفيق *
(1) تم الربع الأول وهو ربع العبادات من كتاب العزيز في شرح الوجيز بحمد الله تعالى وعونه
ويتلوه في هذا المجلد أيضا كتاب البيع ولقد نقلنا هذه الدرر النفيسة من نسخة كتبت على يد المغفور
له أبو بكر بن محمود بن بابا في سنة سبع وستين وستمائة هجرية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية *
(هامش) (1) وجدنا هذا الختام في بعض نسخ الأصل
96

(كتاب البيع والنظر في خمسة أطراف)
(الأول في صحته وفساده وفيه أربعة أبواب)
(الباب الأول في أركانه)
قال (وهي ثلاثة (الأول) الصيغة وهي الايجاب والقبول اعتبرا للدلالة على الرضا
الباطن ولا تكفي المعاطاة (م ح و) أصلا ولا الاستيجاب (م) والايجاب وهو قوله بعني
بدل قوله اشتريت على أصح الوجهين بخلاف النكاح فإنه لا يجرى مفافصة (1) وينعقد البيع بالكناية
مع النية على الأصح كالكتابة والخلع بخلاف النكاح فإنه مقيد بقيد الشهادة) *
الأصل في الباب الاجماع وآيات الكتاب نحو قوله تعالي (وأحل الله البيع) وقوله عز
وجل (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) والاخبار نحو ما روى عن رافع بن خديج
أن النبي صلى الله عليه وسلم (سئل عن أطيب الكسب فقال عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور) (1)
(هامش) (1) (قوله) مفافصة المفافصة الاخذ على غرة اه‍
97

ولفقه هذا الكتاب أبواب منتشرة ومسائل كثيرة جمعها المصنف في خمسة أطراف وسبيل
ضبطها أن البيع أما صحيح أو فاسد وبتقدير الصحة فهو اما جائز أو لازم وعلى التقديرين فاما أن
يقترن به القبض أو لا يقترن وعلى التقديرين فالألفاظ المستعملة فيه اما التي تتأثر بقرائن عرفية
تقتضي زيادة على موجب اللغة أو نقصانا وإما غيرها وعلى التقديرين فالمتبايعان قد يكونا حرين وقد
يكون أحدهما رقيقا وباعتبار آخر قد يعرض لهما الخلاف في كيفية البيع وقد لا يعرض والأحكام
تختلف بحسب هذه الأحوال * فالطرف الأول في الصحة والفساد (والثاني) في الجواز واللزوم
(والثالث) في حكم البيع قبل القبض وبعده (والرابع) في الألفاظ المتأثرة بالقرائن (والخامس) في مداينة
العبيد واختلاف المتبايعين * والطرف الأول في صحة البيع وفساده وفيه أبواب (أحدها) في أركانه
وهي ثلاثة ترجمها في الوسيط فقال هي العاقد والمعقود عليه وصيغة العقد فلابد منها لوجود صورة
العقد هذا لفظه * ولك أن تبحث فتقول إن كان المراد أنه لابد من وجودها لتدخل صورة البيع
في الوجود فالزمان والمكان وكثير من الأمور بهذه المثابة فوجب أن تعد أركانا * وإن كان المراد
أنه لا بد من حضورها في الذهن ليتصور البيع فلا نسلم أن العاقد والمعقود عليه بهذه المثابة وهذا
لان البيع فعل من الافعال والفاعل لا يدخل في حقيقة الفعل ألا ترى انا إذا عددنا أركان الصلاة
والحج لم نعد المصلى والحاج في جملتها وكذلك مورد الفعل بل الأشبه أن الصيغة أيضا ليست
جزاء من حقيقة فعل البيع الا ترى أنه ينتظم أن يقال هل المعاطاة بيع أم لا ويجيب عنه مسؤول
بلا وآخر بنعم (والوجه) أن يقال البيع مقابلة مال بمال وما أشبه ذلك فيعتبر في صحته أمور (منها)
الصيغة (ومنها) كون العاقد بصفة كيت وكيت (ومنها) كون المعقود عليه كذا وكذا * ثم
أحد الأركان على ما ذكره الصيغة وهي الايجاب من جهة البائع بأن يقول بعت أو اشتريت أو
98

ملكتك وفى ملكت وجه منقول عن الحاوي والقبول من جهة المشتري بأن يقول قبلت ويقوم مقامه
ابتعت واشتريت وتملكت ويجرى في تملكت مثل ذلك الوجه * وإنما جعلنا قوله ابتعت وما بعده
قائما مقام القبول ولم نجعله قبولا لما ذكره إمام الحرمين من أن القبول على الحقيقة ما لا يتأتى الابتداء
به (فاما) إذا أتى بما يتأتى الابتداء به فقد أتي بأحد شقي العقد * ولا فرق بين أن يتقدم قول البائع
بعت على قول المشتري اشتريت وبين أن يتقدم قول المشترى اشتريت * ويصح في البيع الحالتان
ولا يشترط اتفاق اللفظين بل لو قال البائع اشتريت فقال المشترى تملكت أو ابتعت أو قال
البائع ملكت فقال المشترى اشتريت صح لان المعنى واحد (وقوله) اعتبرا للدلالة على الرضا يريد
به أن المقصود الأصلي هو التراضي لئلا يكون واحد منهما آكلا مال الآخر بالباطل بل يكونا تاجرين
عن تراض على ما قال تعالى (لا تأكلوا أموالكم بينك بالباطل) الآية إلا أن الرضي أمر باطن
يعسر الوقوف عليه فنيط الحكم باللفظ الظاهر * ثم في بعض النسخ على الرضى الباطن وفى بعضها
على الرضي في الباطن وهما صحيحان ويتعلق بهذه القاعدة مسائل ثلاث (إحداها) المعاطاة ليست
بيعا على المذهب المشهور لان الافعال لا دلالة لها بالوضع وقصود الناس فيها تختلف * وعن ابن
سريج فيها تخريج قول الشافعي أنه يكتفى بها في المحقرات لان المقصود الرضي وبالقرائن يعرف
حصوله وبهذا أفتى القاضي الروياني وغيره وذكروا لمستند التخريج صورا (منها) لو عطب الهدى
في الطريق فغمس النعل الذي قلده بها في الدم وضرب بها صفحة سنامه هل يجوز للمارين الاكل
99

منه ذكرنا فيه قولين وخلافا سيأتي إن شاء الله تعالى (ومنها) لو قال لزوجته ان أعطيتني ألفا
فأنت طالق فوضعت بين يديه ولم تتلفظ بشئ يملكه ويقع الطلاق وفى الاستشهاد بهذه الصور
نظر (ومنها) لو قال لغيره اغسل هذا الثوب فغسله وهو ممن يعتاد الغسل بالأجرة هل يتسحق الاجر
فيه خلاف سيأتي ذكره في موضعه * ثم مثلوا المحقرات بالتافه من البقل والرطل من الخبز وهل
من ضابط؟ سمعت والدي رحمه الله تعالى وغيره يحكى ضابطها بما دون نصاب السرقة والأشبه
الرجوع فيه إلى العادة فما يعتاد فيه الاختصار على المعاطاة بيعا ففيه التخريج ولهذا قال صاحب التتمة
معبرا عن التخريج ما جرت العادة فيه بالمعاطاة فهي بيع فيه ومالا كالدواب والجواري والعقار فلا *
وإذا قلنا بظاهر المذهب فما حكم الذي جرت العادة من الاخذ والعطاء فيه وجهان (أحدهما) انه
إباحة وبه أجاب القاضي أبو الطيب حين سأله ابن الصباغ عنه قال فقلت له لو أخذ بقطعة ذهب
شيئا فاكله ثم عاد يطالبه بالقطعة هل له ذلك قال لا قلت فلو كان إباحة لكان له ذلك قال إنما
أباح كل واحد منهما بسبب إباحة الاخر له (قلت) فهو إذا معاوضة فاصحهما ان حكمه حكم المقبوض
بسائر العقود الفاسدة فلكل واحد منهما مطالبة الاخر بما سلمه إليه ما دام باقيا وبضمانه إن كان تالفا *
فلو كان الثمن الذي قبضه البائع مثل القيمة فقد قال المصنف في الاحياء هذا مستحق ظفر بمثل حقه
والمالك راض فله تملكه لا محالة * وعن الشيخ أبي حامد انه لا مطالبة لواحد منهما على الآخر وتبرأ
ذمتهما بالتراضي وهذا يشكل بسائر العقود الفاسدة فإنه لا براءة وان وجد الرضى (وقوله) فلا تكفى
100

المعاطاة أصلا معلم بالواو والحاء والميم لان أبا حنيفة يجعلها بيعا في المحقرات التي جرت العادة فيها
بالاكتفاء بالأخذ والعطاء * وقال مالك ينعقد البيع بكل ما يعده الناس بيعا واستحسنه ابن الصباغ *
(المسألة الثانية) لو قال بعني فقال البائع بعتك نظران قال بعد ذلك اشتريت أو قبلت انعقد البيع
لا محالة والا فوجهان في رواية بعضهم وكذلك أورده المنصف ههنا وقولان في رواية آخرين وكذلك
أورده في النكاح (أحدهما) انه لا ينعقد وبه قال أبو حنيفة والمزني لأنه يحتمل أن يكون غرضة استبانة
رغبة البائع في البيع (والثاني) ينعقد وبه قال مالك لان المقصود وجود لفظ دال على الرضي بموجب
العقد والاستدعاء الجازم دليل عليه والكلام فيما إذا وجد ذلك * وعن أحمد روايتان كالقولين وفي
نظير المسألة من النكاح طريقان مذكوران في موضعهما والأصح فيه الانعقاد باتفاق الأئمة (واما) ههنا
فادعي صاحب الكتاب ان الأصح المنع * وفرق بينهما بان النكاح لا يجرئ مغافصة في الغالب فتكون
الرغبة معلومة من قبل ويعتبر قوله زوجني استدعاء جزما والبيع كثير ما يقع مغافصة لكن الذي
عليه الجمهور ترجيح الانعقاد ههنا أيضا ولم تتعرض طائفة لحكاية الخلاف فيه * ولو قال البائع اشتر
منى كذا فقال المشتري اشتريت فقد سوى بينهما في التهذيب بين هذه الصورة والصورة السابقة
وأورد بعضهم انه لا ينعقد البيع * والفرق بينهما بان قول المشترى بعني موضوع للطلب ويعتبر من
101

جهته الطلب مبتدئا أو القبول مجيبا وقول البائع اشتر بكذا لم يوضع للبدء ولا للايجاب ولابد
من جهته من بدء أو ايجاب وبني على هذا أنهما لو تبايعا عبدا بعبد وعقد البيع بلفظ الامر
فأيهما جعل نفسه بائعا أو مشتريا لزمه حكمه حتى لو قال الآمر بعني عبدك هذا صح لننزيله نفسه
منزلة المشترى ولو قال اشتر منى عبدي لم يصح لتنزيله نفسه منزلة البائع * ولو قال المشتري اتبعني
عبدك بكذا أو قال بعتني بكذا فقال بعت لم ينعقد البيع حتى يقول بعده اشتريت * وكذا لو قال
البائع اشتر داري بكذا أو اشتريت مني داري فقال اشتريت لا ينعقد حتى يقول بعده بعت
(المسألة الثالثة) قال الأئمة كل تصرف يستقل به الشخص كالطلاق والعتق والابراء فينعقد
بالكنايات مع النية انعقاده بالصريح ومالا يستقل به الشخص بل يفتقر إلى الايجاب
والقبول فهو على ضربين (أحدهما) ما يفتقر إلى الاشهاد كالنكاح وكبيع الوكيل إذا
شرط الموكل عليه الاشهاد فهذا لا ينعقد بالكناية لان الشهود لا يطلعون على المقصود والنيات
والاشهاد على العقد لابد منه وقد يتوقف في هذا التوجيه لان القرائن بما تتوفر فيبعد الاطلاع على
ما في باطن الغير (والثاني) مالا يفتقر إليه فهو أيضا على ضربين (أحدهما) ما يقبل مقصوده التعليق
بالاغرار كالكتابة والخلع فينعقد بالكناية مع النية * قال الشافعي رضي الله عنه لو قال لامرأته
102

أنت بائن بألف فقالت قبلت ونويا صح الخلع (والثاني) ما لا يقبل كالبيع والإجارة وغيرهما وفى
انعقاد هذه التصرفات بالكناية مع النية وجهان (أحدهما) لا ينعقد لان المخاطب لا يدري بم خوطب
(وأظهرهما) أنه ينعقد كما في الكتابة والخلع * ومثال الكناية في البيع أن يقول خذه منى أو تسلمه منى
بألف أو أدخله في ملكك أو جعلته لك بكذا ملكا وما أشبه ذلك * ولو قال سلطتك عليه بألف
فهل هو من الكنايات أو لا كما لو قال أبحته لك بألف اختلفوا فيه * ولو كتب إلى غائب بالبيع
ونحوه ترتب ذلك على أن الطلاق هل يقع بالكتابة ان قلنا لا يقع فهذه العقود أولى بان لا تنعقد (وان قلنا) نعم
فوجهان في انعقادها بالكنايات (فان قلنا) تنعقد فالشرط أن يقبل المكتوب إليه كما اطلع على
الكتاب على الأصح ليقترن القبول بالايجاب بحسب الامكان * ولو تبايع حاضران بالكتابة
ترتب ذلك على حال الغيبة إن منعنا فههنا أولى وإلا فوجهان * وحكم الكتابة على القرطاس والرق
واللوح والأرض والنقش على الحجر والخشب واحد ولا عبرة برسم الأحرف على الماء * والفوا
في مسودات بعض أئمة طبرستان تفريعا على انعقاد البيع بالكتابة أنه لو قال بعت من فلان وهو
غائب فلما بلغه الخبر قال قبلت ينعقد البيع لان النطق أقوى من الكتابة * وقال أبو حنيفة لا ينعقد
103

نعم لو قال بعت من فلان وأرسل إليه رسولا بذلك فأخبره فقبل انعقد كما لو كاتبه قال الامام
والخلاف في البيع ونحوه هل ينعقد بالكناية مع النية مفروض فيما إذا انعدمت قرائن الأحوال
(فاما) إذا توفرت وأفادت التفاهم فيجب القطع بالصحة * نعم النكاح لا يصح بالكناية وان توفرت
القرائن لامرين (أحدهما) أن الاثبات عند الجحود من مقاصد الاشهاد وقرائن الحال لا تنفع فيه
(والثاني) أن النكاح مخصوص بضرب من التعبد والاحتياط لحرمة الابضاع وفى البيع المقيد
الاشهاد وذكر في الوسيط أن الظاهر انعقاده عند توفر القرائن وهذا نظر منه في النكاح إلى
معنى التعبد دون وقع الجحود (وقوله) في الكتاب الصيغة وهي الايجاب والقبول يقتضي اعتبار
الصيغتين فيما إذا باع الرجل مال ولده من نفسه أو بالعكس نضر إلى اطلاق اللفظ وفيه وجهان توجيههما
في غير هذا الموضع فان اكتفينا بصيغة واحدة فالمراد ما عدا هذه الصورة * ويتعلق بالصيغة مسائل
آخر سكت عنها في الكتاب (إحداها) يشترط أن لا يطول الفصل بين الايجاب والقبول ولا
يتخللهما كلام أجنبي عن العقد فان طال أو تخلل لم ينعقد سواء تفرقا عن المجلس أم لا * ولو
مات المشترى بعد الايجاب وقبل القبول ووارثه حاضر فقيل فوجهان عن الداركي أنه يصح
104

والأصح المنع (الثانية) يشترط أن يكون القبول على وفق الايجاب حتى لو قال بعت بألف صحيحة
فقال قبلت بألف قراضة أو بالعكس أو قال بعت جميع كذا بألف فقال قبلت نصفه بخمسمائة
لم يصح * ولو قال بعتك هذا بألف فقال قبلت نصفه بخمسمائة ونصفه بخمسمائة قال في التتمة يصح لان
هذا تصريح بمقتضى الاطلاق ولا مخالفة ولك أن تقول اشكالا سيأتي القول في أن تفصيل الثمن
من موجبات تعدد الصفقة وإذا كان كذلك فالبائع ههنا أوجب بيعة واحدة والقابل قبل بيعتين
لم يوجبهما البائع ولا يخفى ما فيه من المخالفة * وفى فتاوى القفال أنه لو قال بعتك بألف درهم
فقال اشتريت بألف وخمسمائة يصح البيع وهو غريب (الثالثة) لو قال المتوسط للبائع بعت
بكذا فقال نعم أو بعت وقال للمشترى اشتريت بكذا فقال نعم أو اشتريت هل ينعقد
البيع فيه وجهان (أحدهما) لا لان واحدا منهما لم يخاطب الآخر (وأظهرهما) ما دل عليه
ايراد صاحب التهذيب والروياني الانعقاد لوجود الصيغة والتراضي (الرابعة) لو قال بعت
منك هذا بألف فقال قبلت صح البيع بخلاف النكاح يشترط فيه على رأى أن يقول قبلت
نكاحها احتياطا للابضاع. (الخامسة) لو قال بعت هذا بألف ان شئت فقال اشتريت فوجهان (أحدهما)
انه لا ينعقد لما فيه من التعليق كما لو قال إن دخلت الدار (وأظهرهما) انه ينعقد لأن هذه صفة يقتضيها
إطلاق العقد فإنه لو لم يشأ لم يتيسر (السادسة) يصح بيع الأخرس وشراؤه بالإشارة والكتابة وهذا
يبين ان الصيغة بخصوصها ليست داخلة في البيع نفسه (واعلم) أن جميع ما ذكرناه فيما ليس بضمني
من المبياعات فأما البيع الضمني فيما إذا قال أعتق عبدك عنى على بألف فلا يعتبر فيه الصيغ التي قدمناها
ويكفى فيه الالتماس والجواب لا محالة وبالله التوفيق *
قال (الركن الثاني العاقد وشرطه التكليف فلا عبارة لصبي (ح م) ولا مجنون بإذن الولي
دون اذنه وكذلك لا يفيد قبضهما الملك في الهبة ولا تعين الحق في استيفاء الدين * ويعتمد اخباره
عن الاذن عند فتح الباب والملك عد ايصال الهدية على الأصح) *
105

لفظ العاقد ينظم البائع والمشترى ويعتبر فيهما لصحة البيع التكليف فلا ينعقد البيع بعبارة الصبي
والمجنون لا لنفسهما ولا لغيرهما سواء كان مميزا أو غير مميز سواء باشر بإذن الولي ودون اذنه
ولا فرق بين بيع الاختبار وغيره على ظاهر المذهب وبيع الاختبار هو الذي يمتحنه الولي ليستبين
رشده عند مناهزة الحلم ولكن يفوض إليه الاستيام وتدبير العقد فإذا انتهى الامر إلى اللفظ
أتى به الولي * وعن بعض أصحابنا تصحيح بيع الاختبار * وقال أبو حنيفة إن كان مميزا وباع أو اشترى
بغير إذن الولي انعقد موقوفا على إجازته وان باع باذنه نفذ ويكون دالا على أن الولي أذن له
في التصرف في ماله ومتصرفا لنفسه إن أذن له في التصرف في مال نفسه حتى إذا أذن له في بيع
ماله بالغبن فباع نفذ وإن كان لا ينفذ من الولي ووافقه أحمد على أنه ينفذ إذا كان بإذن الولي * لنا انه
غير مكلف فلا ينعقد بيعه وشراؤه كالمجنون وغير المميز * إذا عرفت ذلك فلو اشترى الصبي شيئا
وقبض المبيع فتلف في يده أو أتلفه لا ضمان عليه في الحال ولا بعد البلوغ وكذا لو استقرض مالا
لان المالك هو المضيع بالتسليم إليه وما داما باقيين فللمالك الاسترداد * ولو سلم ثمن ما اشتراه فعلى
الولي استرداده والبائع يرده على الولي فان رده على الصبي لم يبرأ عن الضمان وهذا كما لو عرض الصبي
دينارا على صراف لينقده أو متاعا على مقوم ليقومه فإذا أخذه لم يجز له رده على الصبي بل يرده على
وليه إن كان للصبي وعلى مالكه إن كان له مالك فلو أمره ولى الصبي بدفعه إليه فدفعه سقط عنه
الضمان إن كان الملك للولي وإن كان الصبي فلا كما لو أمره بالقاء مال الصبي البحر ففعل يلزمه الضمان *
ولو تبايع صبيان وتقابضا فأتلف كل واحد منهما مما قبضه نظر ان جرى ذلك بإذن الولي فالضمان
عليهما وإلا فلا ضمان عليهما وعلى الصبيين الضمان لان تسليمها لا يعد تسليطا وتضبيعا * ثم في الفصل
مسألتان (إحداهما) كما لا ينفذ بيع الصبي وشراؤه لا ينفذ نكاحه وسائر تصرفاته نعم في تدبير
المميز ووصيته خلاف مذكور في الوصايا * وإذا فتح الباب وأخبر عن إذن أهل الدار في الدخول
106

أو أوصل هدية إلى إنسان وأخبر عن إهداء مهد فهل يجوز الاعتماد عليه نظر ان انضمت
إليه قرائن أورثت العلم بحقيقة الحال جاز الدخول والقبول وهو في الحقيقة عمل بالعلم لا بقوله وإن لم
تنضم نظر إن كان عارما غير مأمون القول فلا يعتمد وإلا فطريقان (أحدهما) تخريجه على وجهين
ذكرا في قبول روايته (وأصحهما) القطع بالاعتماد تمسكا بعادة السلف فإنهم كانوا يعتمدون أمثال ذلك
ولا يضيقون فيها (وقوله) في الكتاب على الأصح في هاتين الصورتين يجوز أن يريد به من الوجهين
جوابا على الطريق الأول ويجوز أن يريد من الطريقين ذهابا إلى الثاني (الثانية) كما لا تصح تصرفاته
اللفظية لا يصح قبضه في تلك التصرفات فان للقبض من التأثير ما ليس للعقد فلا يفيد قبضه الموهوب
الملك له وان اتهب له الولي ولا لغيره إذا أمره الموهوب منه بالقبض له * ولو قال مستحق الدين لمن
عليه الدين سلم حقي إلى هذا الصبي فسلم قدر حقه لم يبرأ عن الدين وكان ما سلمه باقيا على ملكه
حتى لو ضاع منه فلا ضمان على الصبي لان المالك ضيعه حيث سلمه إليه وإنما بقي الدين بحاله لان
الدين مرسل في لذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح فإذا لم يصح القبض لم يزل الحق المطلق عن الذمة كما
إذا قال لمن عليه الدين الق حقي في البحر فألقى قدر حقه لا يبرأ * ويخالف ما إذا قال مالك الوديعة
للمودع سلم حقي إلى هذا الصبي فسلم خرج عن العهدة لأنه امتثل أمره في حقه المتعين كما لو قال
ألقها في البحر فامتثل * ولو كانت الوديعة لصبي فسلمها إليه ضمن سواء كان بإذن الولي أو دون اذنه
إذ ليس له تضييعها وإن أمره الولي به *
قال (أما اسلام العاقد فلا يشترط الا اسلام المشترى في شراء العبد المسلم والمصحف (ح)
على أصح القولين دفعا للذل * ويصح شراء الكافر أباه المسلم على أصح الوجهين * وكذلك كل
شراء يستعقب العتاقة * ويصح استئجاره وارتهانه للعبد المسلم على أقيس الوجهين لأنه لا ملك فيه
كالإعارة والايداع عنده ولا يمنع من الرد بالعيب * وإن كان يتضمن انقلاب العبد المسلم إلى الكافر
على أظهر المذهبين لان الملك فيه قهري كما في الإرث) *
107

اسلام البائع والمشترى ليس بشرط في صحة المطلق البيع والشراء لكن لو اشترى الكافر
عبدا مسلما ففي صحته قولان (أصحهما) وبه قال أحمد وهو نصه في الاملاء أنه لا يصح لان الرق
ذل فلا يصح اثباته للكافر على المسلم كما لا ينكح الكافر المسلمة (والثاني) وبه قال أبو حنيفة أنه يصح لأنه
طريق من طرق الملك فيملك به الكافر على المسلم كالإرث * والقولان جاريان فيما لو وهب منه عبد مسلم
فقيل أو وصي له بعبد مسلم قال في التتمة هذا إذا قلنا الملك في الوصية يحصل بالقبول (فان قلنا) يحصل
بالموت ثبت بلا خلاف كالإرث * ولو اشترى مصحفا أو شيئا من اخبار الرسول صلى الله عليه وسلم
ففيه طريقان (أحدهما) وبه أجاب في الكتاب طرد القولين (وأظهرهما) القطع بالبطلان والفرق ان العبد
يمكنه الاستغاثة ودفع الذل عن نفسه * قال العراقيون والكتب التي فيها آثار السلف رضي الله
عنهم كالمصحف في طرد الخلاف * ولا منع من بيع كتب أبي حنيفة من الكافر لحلوها من الآثار
والاخبار (وأما) كتب أصحابه رضي الله عنهم فمشحونة بها فحكمها حكم سائر الكتب المشتملة عليها *
وامتنع الماوردي في الحاوي من الحاق كتب الحديث والفقه بالمصحف وقال إن بيعها منه صحيح
لا محالة * وهل يؤمر بإزالة الملك عنها فيه وجهان * (التفريع) ان قلنا لا يصح شراء الكافر العبد المسلم
فلو اشترى قريبه الذي يعتق عليه كأبيه وابنه ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح أيضا لما فيه من ثبوت
الملك للكافر على المسلم (وأصحهما) الصحة لان الملك المستعقب للعتق شاء المالك أو أبي ليس باذلال
ألا ترى أن للمسلم شراء قريبه المسلم ولو كان ذلك إذلالا لما جاز له اذلال ابنه * والخلاف جار
في كل شئ يستعقب العتق كما إذا قال الكافر لمسلم أعتق عبدك المسلم عنى بعوض أو بغير عوض
فأجابه إليه وكما إذا أقر بحرية عبد مسلم في يد غيره ثم اشتراه * ورتب الامام الخلاف في هاتين الصورتين
على الخلاف في شراء القريب وقال الأولى منهما أولى بالصحة لان الملك فيها ضمني والثانية أولى
بالمنع لان العتق وان حكم به فهو ظاهر غير محقق بخلاف صورة القريب فان العتق لا يحصل عقب
الشراء وإنما يزول الملك بإزالته ومنهم من جعله على وجهي شراء القريب * ويجوز أن يستأجر الكافر
المسلم على عمل في الذمة لأنه كدين في ذمته وهو بسبيل من تحصيله بغيره * وإن كانت الإجارة على العين
108

ففيه وجهان حرا كان الأجير أو عبدا (أحدهما) لا تصح لأنها لو صحت لاستحق استعماله وفيه اذلال له
فصار كالمشتري على القول الذي عليه التفريع (وأظهرهما) الصحة لان الإجارة لا تفيد ملك الرقبة
ولا تسلطا تاما وهو في يد نفسه إن كان حرا وفى يد مولاه إن كان عبدا وإنما استوفى منفعته بعوض * وعلى
هذا فهل يؤمر بإزالة ملكه عن المنافع بأن يؤاجره من مسلم فيه وجهان (جواب) الشيخ أبي حامد منهما
انه يؤمر وذكر في صحة ارتهان الكافر العبد المسلم وجهين وأعادهما مع زيادة في كتاب الرهن ونوجههما
ثم إن شاء الله تعالى * ولا خلاف في جواز إعارته منه وإيداعه لأنه ليس فيهما ملك رقبة ولا منفعة
ولاحق لازم * وإذا باع الكافر عبدا مسلما كان قد أسلم في يده أو ورثه بثوب ثم وجد بالثوب
عيبا فهل له أن يرده ويسترد العبد؟ حكى الامام فيهما وجهين وتابعه المصنف في الوسيط والحق ان له
رد الثوب لا محالة والوجهان في استرداد العبد وهكذا نقله صاحب التهذيب وغيره (أحدهما) أنه ليس
له استرداد، والا كان متملكا للمسلم بسبب اختياري فعلى هذا يسترد القيمة ويجعل العبد كالهالك
(وأظهرهما) على ما ذكره صاحب الكتاب ان له ذلك لان الاختيار في الرد (أما) * عود العوض إليه فهو
قهري كما في الإرث * هكذا وجهه وفيه اشكال لأنا لا نفهم من الملك القهري سوى الذي يتعلق سببه
بالاختيار ومن الاختياري سوى الذي يتعلق سببه بالاختيار والا فنفس الملك بعد تمام السبب قهري
أبدا ومعلوم أن عود الملك بهذا التفسير اختياري لا قهري والا صوب في توجيهه ما قيل إن الفسخ بالعيب
يقطع العقد ويجعل الامر كما كان وليس كانشاء العقود ولهذا لا تثبت به المنفعة فإذا كان الامر
كذلك كان نازلا منزلة استدامة الملك * ولو وجد المشترى بالعبد عيبا والتصوير كما ذكرنا فأراد
رده واسترداد الثوب فقد حكى الامام عن شيخه طرد الخلاف لأنه كما لا يجوز للكافر
تملك المسلم لا يجوز للمسلم تمليك المسلم إياه * وعن غيره القطع بالجواز إذ لا اختبار للكافر ههنا في
التملك بحال (وقوله) في الكتاب ولا يمنع من الرد بالعيب إلى آخره ينظم الصورتين اللتين ذكرناهما
109

لكن التوجيه المذكور في الثانية أظهر * ولو باع الكافر العبد المسلم ثم تقابلا ففيه الوجهان ان قلنا
الإقالة فسخ وان قلنا إنها بيع لم ينفذ * ولو وكل كافر مسلما ليشترى له عبدا مسلما لم يصح
لأن العقد يقع للموكل أولا وينتقل إليه آخرا * ولو وكل مسلم كافرا ليشترى له عبدا مسلما
فان سمي الموكل في الشراء صح والا فان قلنا يقع الملك للوكيل أولا لم يصح وإن قلنا يقع للموكل صح *
وهل يجوز أن يشترى الكافر العبد المرتد فيه وجهان لبقاء علقة الاسلام * وهذا كالخلاف في أن المرتد
هل يقتل بالذمي وإذا اشترى الكافر عبدا كافرا فأسلم قبل القبض هل يبطل البيع كما لو اشترى عصيرا
فتخمر قبل القبض أولا يبطل كما إذا اشترى عبدا فابق قبل القبض فيه وجهان وان قلنا لا يبطل فيقبضه
المشترى أو بنصب الحاكم من يقبض عنه ثم يؤمر بإزالة الملك فيه وجهان (جواب) القفال منهما في فتاويه
انه لا يبطل ويقبضه الحاكم وهو الأظهر * هذا كله تفريع على قول المنع (أما) إذا صححنا شراء الكافر
العبد المسلم نظر ان علم الحاكم به قبل القبض فيمكنه من القبض أو ينصب مسلما يقبض عنه فيه وجهان
ثم إذا حصل القبض أو علم به بعد القبض أمره بإزالة الملك على الوجه الذي بينه في الفصل التالي لهذا الفصل *
قال (ولو أسلم عبد كافر لكافر طولب ببيعه فان أعتق أو أزال الملك عنه بجهته كفي وتكفى
الكتابة على أسد الوجهين ولا تكفى الحيلولة والإجارة وفاقا الا في المستولدة لان الاعتقاق تخير
والبيع ممتنع (و) ثم يستكسب بعد الحيلولة لاجلة * ولو مات الكافر قبل البيع بيع على وارثه) *
إذا كان في ملك الكافر عبد كافر وأسلم لم يقر دفعا للذل عن المسلم وقطعا لسلطنة الكافر
عنه قال الله عز وجل (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) ولا يحكم بزوال ملكه بخلاف
110

ما إذا أسلمت المرأة تحت الكافر لان ملك النكاح لا يقبل النقل من شخص إلى شخص فتعين
البطلان وملك الثمن يقبل النقل وبه يحصل دفع الذل فيصار إليه ويؤمر بإزالة ملكه عنه ببيع أو عتق
أو هبة أو غيرها فأي جهة أزال الملك حصل الغرض * ولا يكفي الرهن والتزويج والإجارة
والحيلولة وهل تكفى الكتابة فيه وجهان (أحدهما) لا لاستمرار الملك على رقبة المكاتب (وأظهرهما)
نعم لان الكتابة تفيد الاستقلال ويقطع حكم السيد عنه (فان قلنا) بهذا فالكتابة صحيحة وان قلنا
بالأول فوجهان (أحدهما) انها فاسدة ويباع العبد (والثاني) انها صحيحة ان جوزنا بيع المكاتب بيع
مكاتبا وإلا فسخت الكتابة وبيع فان امتنع الكافر من إزالة الملك عنه باعه الحاكم عليه بثمن المثل
كما يبيع مال الممتنع من أداء الحق فإن لم يتفق الظفر لمن يبتاعه بثمن المثل فلا به من الصبر ويحال بينه
وبين الكافر إلى الظفر ويتكسب له وتؤخذ نفقته منه * هذا كله في المملوك القن (أما) إذا أسلمت مستولدة
الكافر فلا سبيل إلى نقلها إلى الغير بالبيع والهبة ونحوهما على المذهب الصحيح وهل يجبر على اعتاقها
فيه وجهان (أحدهما) نعم لأنها مستحقة العتاقة فلا يبعد أن يؤثر عروض الاسلام في تقديمها (وأصحهما)
وهو المذكور في الكتاب لا لما فيه من التخيير فعلى هذا يحال بينهما وينفق عليها وتتكسب له في يد
غيره * ولو مات الكافر الذي أسلم العبد في يده صار العبد إلى وارثه ويؤمر بما كان يؤمر به
المورث فان امتثل فذاك والا بيع عليه كما ذكرنا في المورث وليس قوله في الكتاب بيع على
وارثه تخصيصا للبيع القهري بالوارث فاعرف ذلك (وقوله) والحيلولة وفاقا لفظ الوفاق لا يتعلق به
كثير غرض *
111

قال (الركن الثالث المعقود عليه وشرائطه خمسة أن يكون طاهرا منتفعا به مملوكا للعاقد
مقدورا على تسليمه معلوما (الأول) الطهارة فلا يجوز بيع السرجين (م ح) والكلب (م ح)
والخنزير والأعيان النجسة كما لا يجوز بيع الخمر والعذرة والجيفة وفاقا وإن كان فيها منفعة * والدهن
إذا نجس بملاقاة النجاسة صح بيعه (م) وجاز استصباحه على أظهر القولين)
يعتبر في المبيع ليصح بيعه شروط (أحدها) الطهارة فالشئ النجس ينقسم إلى ما هو نجس
العين والي ما هو نجس بعارض (فاما) القسم الأول فلا يصح بيعه فمنه الكلب والخنزير وما تولد
منهما أو من أحدهما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن ثمن الكلب) (1) وعن جابر رضي الله عنه
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ان الله عز وجل حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) (2) ولا فرق
112

بين أن يكون الكلب معلما أو غير معلم وبهذا قال احمد * وعن أبي حنيفة رضي الله عنه يجوز بيع
الكلب إلا أن يكون عقورا ففيه روايتان * وعن أصحاب مالك اختلاف فيه منهم من لم يجوزه
ومنهم من جوز بيع الكلب المأذون في امساكه (ومنه) السرجين والبول لا يجوز بيعهما كما لا يجوز بيع الميتة
والعذرة والجامع نجاسة العين * وساعدنا احمد فيما نذهب إلى نجاسته منهما وقال أبو حنيفة يجوز بيع
السرجين (وقوله) في الكتاب كما لا يجوز بيع الخمر والعذرة والجيفة وفاقا وإن كانت فيها منفعة أشار
به إلى الجواب عن عذر يبديه أصحاب أبي حنيفة إذا احتجينا عليهم في المنع من بيع الكلب
والسرجين بالقياس على بيع الخمر والعذرة والجيفة فإنها لما كانت نجسة العين امتنع بيعها بالاتفاق قال
ليس لزاعم منهم ان يزعم أن المنع من البيع في صورة الوفاق إنما كان لخلوهما عن المنفعة لان كل واحد
منهما لا يخلوا عن ضرب منفعة (اما) الخمر فبعرض ان تصير خلا فلا تكون عارية عن المنفعة في الحال
الا ترى ان الصغير اليوم منتفع به لما يتوقع حال كبره (واما) العذرة فلما يسمد بها الأرض وأما
113

الجيفة فتطعم منها جوارح الصيد ثم المنع من بيع الجيفة ليس متفقا عليه في جميع اجزائها لان الحكاية
عن أبي حنيفة تجويز بيع جلدها قبل الدباغ وإنما المتفق عليه اللحم * ويجوز بيع التفاح وفى باطنه الدود
الميتة لان ابقائها فيه من مصالحه كالحيوان يصح بيعه والنجاسة في باطنه وفى بيع بزر القر وفارة
المسك خلاف مبنى على الخلاف السابق في طهارتها (واما) القسم الثاني هو ما نجس بعارض فهو على
ضربين (أحدهما) النجس الذي يمكن تطهيره كالثوب النجس والخشبة النجسة والآجر النجس
بملاقاة النجاسة فيجوز بيعها لان جوهرها طاهر وإزالة النجاسة عنه هينة نعم ما استتر بالنجاسة
التي وردت عليه يخرج بيعه على بيع الغائب (والثاني) ما لا يمكن تطهيره كالخل واللبن والدبس إذا
تنجست لا يجوز بيعها كما لا يجوز بيع الخمر والبول والدهن النجس إن كان تجس العين فلا سبيل إلى بيعه
بحال وذلك كدهن الميتة * وان نجس يعارض ففي بيعه خلاف مبني على أنه هل يمكن تطهيره فعن
ابن سريج وأبى اسحق يمكن تطهيره وعن صاحب الايضاح وغيره انه لا يمكن وهو الأظهر فعلى هذا
لا يجوز بيعه وعلى الأول فيه وجهان (أحدهما) انه يجوز كالثوب النس ويحكى عن ابن أبي هريرة
114

(وأصحهما) وبه قال أبو إسحاق لا يجوز لما روي أنه صلى الله عليه وسلم (سئل عن الفأرة تموت في السمن
فقال إن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان ذائبا فأريقوه) (1) ولو كان جائز لما أمرنا بإراقته وهذا
أجود ما يحتج به على امتناع التطهير * وخرجوا على هذين الوجهين بيع الماء النجس لان تطهيره بالمكاثرة
ممكن وأشار بعضهم إلى الجزم بالمنع وقال إنه ليس بتطهير ولكنه يستحيل ببلوغه قلتين من صفة
115

النجاسة إلى الطهارة كالخمر يتخلل (واعلم) ان هذا الخلاف صادر ممن يجوز بيع الماء في الجملة (أما) من منع بيعه
مطلقا على ما ستعرفه فلا فرق عنده بين الطاهر والنجس منه * وذكر الامام بناء مسألة الدهن على وجه
آخر فقال إن قلنا يمكن تطهيره جاز بيعه والا ففي بيعه قولان مبنيان على جواز الاستصباح (واعلم) ان
مسألة كون الاستصباح مكروه قد مرت بشرحها مرة في آخر صلاة الخوف (وقوله) إذا نجس بملاقاة النجاسة
116

التقييد بكون نجاسته بالملاقاة محتاج إليه ليجئ القولان في البيع وغيره محتاج إليه ليجي. القولان
في الاستصباح لما سبق (وقوله) على أظهر القولين غير مساعد عليه في البيع بل الظاهر عند الأصحاب
منعه وبه قال مالك وأحمد خلافا لأبي حنيفة * ويجوز نقل الدهن النجس إلى الغير بالوصية كما تجوز
الوصية بالكلب وأما هبته والصدقة به فعن القاضي أبى الطيب منعهما ويشبه أن يكون فيهما ما في هبة
الكلب من الخلاف *
117

قال (الثاني المنفعة ويسع مالا منفعة فيه لقلته كالحبة من الحنطة أو لخسته كالخنافس والحشرات
والسباع (و) التي لا تصيد باطل وكذا ما أسقط الشرع منفعته كآلات الملاهي (و) * ويصح بيع
الفيل والفهد والهرة وكذا الماء (و) والتراب والحجارة وان كثر وجودها لتحقق المنفعة * ويجوز
بيع (م ح) لبن الآدميات لأنه طاهر منتفع به) *
(الشرط الثاني كون المبيع منتفعا به وإلا لم يكن مالا وكان أخذ المال في مقابلته قريبا من
أكل المال بالباطل ولخلو الشئ عن المنفعة سببان (أحدهما) القلة كالحبة من الحنطة والحبتين والزبيبة
وغيرهما فان ذلك القدر لا يعد مالا ولا يبدل من مقابلته المال ولا ينظر إلى ظهور الانتفاع إذا
ضم هذا القدر إلى أمثاله ولا إلى ما يفرض من وضع الحبة الواحدة في الفخ ولا فرق في ذلك
بين زمان الرخص والغلاء ومع هذا فلا يجوز أخذ الحبة والحبتين من صبرة الغير إذ لو جوزناه لانجر
ذلك إلى أخذ الكثير * ولو أخذ الحبة ونحوها فعليه الرد فان تلفت فلا ضمان إذ لا مالية لها * وعن
القفال أنه يضمن مثلها (والثاني) الخسة كالحشرات (واعلم) أن الحيوانات الطاهرة على ضربين
(أحدهما) ما ينتفع به فيجوز بيعه كالغنم والبغال والحمير ومن الصيود كالظباء والغزلان ومن الجوارح
كالصقور والبزاة والفهود ومن الطيور كالحمام والعصافير والعقاب * ومنه ما ينتفع بلونه أو صوته
كالطاوس والزرزور وكذا الفيل والهرة وكذا القرد فإنه يعلم الأشياء فيعلم * ويجوز أيضا بيع دود
القز لما فيه من المنفعة وبيع النحل في الكوارة صحيح إن كان قد شاهد جميعها والا فهو من صورة
بيع الغائب وان باعها وهي طائرة من الكوارة فمنهم من صحح البيع كبيع النعم المسيبة في الصحراء
118

وهذا ما أورده في التتمة ومنهم من منعه إذ لا قدرة على التسليم في الحال والعود غير موثوق به وهذا
ما أورده في التهذيب (والضرب الثاني) ما لا ينتفع به فلا يجوز بيعه كالخنافس والعقارب والحيات
وكالفأرة والنمل ونحوها ولا نظر إلى منافعها المعدودة في الخواص فان تلك المنافع لا تلحقها بما
يعد في العادة مالا وفى معناها السباع التي لا تصلح للاصطياد والقتال عليها والأسد والذئب والنمر
ولا نظر إلى اقتناء الملوك للهيبة والسياسة فليست هي من المنافع المعتبرة * ونقل أبو الحسن وجها أنه
يجوز بيع النمل بعسلر مكرم لأنه يعالج به السكر وبنصيين لأنه يعالج به العقارب الطيارة * وعن
القاضي حسين حكاية وجه في صحة بيعها لأنها طاهرة والانتفاع بجلودها متوقع في المال * ولا يجوز
بيع الحدأة والرخمة والغراب فإن كان في أجنحة بعضها فائدة جاء فيها الوجه الذي حكاة القاضي
هكذا قاله الامام لكن بينهما فرق لان الجلود تدبغ فتطهر ولا سبيل إلى تطهير الأجنحة وفى
بيع العلق وجهان (أظهرهما) الجواز لمنفعة امتصاص الدم والسم إن كان يقتل بالكثر وينتفع بقليله
كالسقمونيا والأفيون جاز بيعه وإن قتل كثيره وقليله فجواب الجمهور فيه المنع ومال الإمام وشيخه
إلى الجواز ليدس في طعام الكافر * وفى بيع الحمار الزمن الذي لا منفعة فيه وجهان (أظهرهما)
المنع بخلاف العبد الزمن فإنه يتقرب باعتاقه (والثاني) الجواز لغرض الجلد في المال (وقوله) في
الكتاب باطل يجوز أن يعلم بالواو للوجه الذي ذكرنا في الأسد ونحوه وأيضا فان صاحب التتمة
نقل في بيع لا ما منفعة فيه لقلته وجهين ثم في الفصل صور (إحداها) آلات الملاهي كالمزامير والطنابير
وغيرها فإن كانت بحيث لا تعد بعد الرض والحل مالا فلا يجوز بيعهما والمنفعة التي فيهما لما كانت
119

محظورة شرعا كانت ملحقة بالمنافع المعدومة حسا * وإن كان الرضاض يعد ما لا ففي جواز
بيعها قبل الرض وجهان (أحدهما) الجواز لما فيه من المنفعة المتوقعة (وأظهرهما) المنع لأنهما على
هيئة آلة الفسق ولا يقصد بها غيره ما دام ذلك التركيب باقيا ويجرى الوجهان في الأصنام
والصور المتخذة من الذهب والخشب وغيرها * وتوسط الامام بين الوجهين فذكر وجها ثالثا وهو
أنها إن اتخذت من جواهر نفيسة صحح بيعها لأنها مقصودة في نفسها وان اتخذت من خشب ونحوه
فلا وهذا أظهر عنده وتابعه المنصف في الوسيط لكن جواب عامة الأصحاب المنع المطلق وهو
ظاهر لفظه ههنا ويدل عليه خبر جابر المروى في أول الركن *
(فرع) الجارية المغنية إذا اشتراها بألفين ولولا الغناء لكانت لا تطلب الا بألف حكى
الشيخ أبو علي المحمودي أفتي ببطلان البيع لأنه بذل مال في معصية وعن الشيخ أبي علي أنه ان
قصد الغناء بطل والا فلا * وعن الأودني أن كل ذلك استحسان والقياس الصحة (الثانية) بيع
المياه المملوكة صحيح لأنه طاهر منتفع به وفيه وجه أنه لا سبيل إلى بيعه ولا نبسط القول في المسألة
لنذكرها في احياء الموات إن شاء الله تعالى فان أقسام المياه من المملوك وغيره مذكورة ثم وصحة
البيع من تفاريع الملك (الثالثة) إذا جوزنا بيع الماء ففي بيعه على شط النهر وبيع التراب في
الصحراء وبيع الحجارة فيما بين الشعاب الكثيرة الأحجار وجهان نقلهما في التتمة (أحدهما) لا يجوز
لأنه بذل المال لتحصيله مع وجدان مثله بلا مؤنة وتعب سفة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب
120

انه يجوز لان المنفعة فيها يسيرة ظاهرة وامكان تحصيلها من مثله لا يقدح في محلته (الرابعة) بيع لبن
الآدميات صحيح خلافا لأبي حنيفة ومالك ولأحمد أيضا في إحدى الروايتين * لنا انه مال طاهر
منتفع به فأشبه لبن الشاة *
قال (الثالث أن يكون مملوكا لمن وقع العقد له فبيع الفضولي مال الغير لا يقف (ح) على إجازته
على المذهب الجديد وكذلك بيع الغاصب وان كثرت تصرفاته في أثمان المغصوبات على أقيس الوجهين
فيحكم ببطلان الكل * ولو باع مال أبيه على ظن أنه حي فإذا هو ميت والمبيع ملك البائع حكم
بصحة البيع على أسد القولين) *
الشرط الثالث في المبيع كونه ملكا لمن يقع القعد له إن كان يباشره لنفسه فينبغي أن يكون له فإن كان
يباشره لغيره بولاية أو وكالة فينبغي أن يكون لذلك الغير (وقوله) ههنا لمن وقع العقد له يبين أن المراد من قوله
مملوكا للعاقد في أول الركن ما أوضحه ههنا (وأعلم) أن اعتبار هذا الشرط ليس متفقا عليه ولكنه
مفرع على الأصح كما ستعرفه * ثم مسائل الفصل ثلاثة (إحداها) إذا باع مال الغير بغير اذن وولاية ففيه
قولان (الجديد) انه لاغ لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لحكيم ابن حزام (لا تبع ما ليس عندك) (1) وأيضا فان بيع
الآبق غير صحيح مع كونه مملوكا له لعدم القدرة على التسليم فبيع ما لا يملك ولا قدرة على تسليمه
121

أولى (والقديم) انه ينعقد موقوفا على إجازة المالك ان أجاز نفذ والا لغا لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (دفع
دينارا إلى عروة البارقي ليشترى به شاة فاشترى به شاتين وباع إحداهما بدينار وجاء بشاة ودينار
فقال النبي صلى الله عليه وسلم بارك الله في صفقة يمينك) (1) والاستدلال انه باع الشاة الثانية من غير اذن النبي
صلى الله عليه وسلم ثم إنه أجازه * ولأنه عقد له تنجيز في الحال فينعقد موقوفا كالوصية * والقولان جاريان فيما لو زوج
أمه الغير أو ابنته أو طلق من منكوحته أو عتق عبده أو أجر داره أو رهنها بغير اذنه * ولو اشتري
الفضولي لغيره شيئا نظر ان اشترى بغير ماله ففيه قولان وان اشترى في الذمة نظر ان أطلق ونوى
كونه للغير فعلى الجديد يقع عن المباشر وعلى القديم يتوقف على الإجازة فان رد نفذ في حقه * ولو
قال اشتريت لفلان بألف في ذمتي فالحكم كما لو اشترى بعين ماله ولو اقتصر على قوله اشتريت
لفلان بألف ولم يضف الثمن إلى ذمته فعلى الجديد يلغو العقد وتلغو التسمية ويقع العقد عن المباشر
فيه وجهان * وعلى القديم يتوقف على إجازة ذلك الغير فان رد ففيه وجهان * ولو اشترى شيئا لغيره بمال
نفسه نظر ان لم يسمه وقع العقد عن المباشر سواء أذن ذلك الغير أم لا وان سماه نظر ان لم يأذن
122

له لغت التسمية وهل يقع عنه أم يبطل من أصله فيه وجهان * وان أذن له فهل تلغو التسمية
فيه وجهان ان قلنا نعم فيبطل من أصله أو يقع عن العاقد فيه وجهان وان قلنا لا وقع عن
الآذن والثمن المدفوع يكون قرضا أو هبة فيه وجهان * ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب لا يقف على
اجازته بالميم والألف والحاء (أما) الميم فلان مذهب مالك كالقول القديم وأما الألف فلان عن
أحمد روايتين كالقولين (وأما) الحاء فلان مذهب أبي حنيفة كالقول القديم في البيع والنكاح (وأما)
في الشراء فقد قال في صورة شراء المطلق بقع عن جهة العاقد ولا ينعقد موقوفا * وعن أصحابه اختلاف
فيما إذا سمي الغير * وشرط الوقف عند أبي حنيفة أن يكون للعقد تنجيز في الحال مالكا كان أو غير
مالك حتى لو أعتق عبد الطفل أو طلق امرأته لا يتوقف على اجازته بعد البلوغ * والمعتبر إجازة من
يملك التصرف عند العقد حتى لو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ينفذ وكذا لو باع مال الغير ثم
ملكه وأجاز قال الشيخ أبو محمد ولا نخالف في ذلك أبا حنيفة إذا فرعنا على القديم * وذكر
إمام الحرمين ان العراقيين لم يعرفوا القول القديم في المسألة وقطعوا بالبطلان وهذا ان استمر
اقتضي اعلام قوله على المذهب الجديد بالواو وإنما أتوقف فيه لان الذي ألفته في كتب العراقيين
الاقتصار على ذكر البطلان لا نفى الخلاف المذكور والمفهوم من اطلاق لفظ القطع في مثل هذا المقام
وفرق بين أن لا يذكر الخلاف وبين أن لا يبقى (المسألة الثانية) لو غصب أموالا وباعها
وتصرف في أثمانها مرة بعد أخرى ففيه قولان (أصحهما) البطلان (والثاني) للمالك
أن يجيزها ويأخذ الحاصل منها وصورة المسألة وما فيها من القولين قريبة من الأولى ويزاد
123

فيها عسر تتبع العقود الكثيرة بالنقض والابطال ورعاية مصلحة المالك * وعلى هذا الخلاف يبني
الخلاف في أن الغاصب إذا ربح في المال المغصوب يكون الربح له أو للمالك على ما سيأتي في باب
القراض وغيره إن شاء الله تعالى (الثالثة) لو باع مال ابنه على ظن أنه حي وهو فضولي فبان انه
كان ميتا يومئذ وان المبيع ملك للعاقد ففيه قولان (أصحهما) أن البيع صحيح لصدوره من المالك ويخالف
ما لو أخرج دراهم وقال إن مات مورثي فهذا زكاة ما ورثته وكان قد ورثه لا يجزئه لأن النية لابد
منها في الزكاة ولم تبن نيته على أصل وفى البيع لا حاجة إلى النية (الثاني) انه باطل لان هذا العقد وإن كان
منجزا في الصورة فهو في المعنى معلق والتقدير ان مات مورثي فقد بعتك وأيضا فإنه كالعابث
عند مباشرة العقد لاعتقاده ان المبيع لغيره * ولا يبعد تشبيه هذا الخلاف بالخلاف في أن بيع الهازل هل
ينعقد وفيه وجهان والخلاف في بيع التلجئة وصورته ان يخاف غصب ماله أو الاكراه على بيعه فيبيعه
من إنسان بيعا مطلقا ولكن توافقا قبله على أنه لدفع الشر لا على حقيقة البيع وظاهر المذهب انعقاده
وفيه وجه * ويجرى الخلاف فيما إذا باع العبد على ظن أنه آبق أو مكاتب فإذا هو قد رجع أو فسخ
الكتابة * ويجرى أيضا فيما إذا زوج أمة أبيه على ظن أنه حي ثم بان موته هل يصح النكاح فان صح فقد
نقلوا وجهين فيما إذا قال إن مات أبى فقد زوجتك هذه الجارية وبهذا يضعف توجيه قول البطلان
بأنه وإن كان منجزا في الصورة فهو معلق في المعني لأنا لا نجعل هذا التعليق مفسدا وان صرح به على
رأى فما ظنك بتقديره * (واعلم) ان القولين في المسائل الثلاث يعبر عنهما بقولي وقف العقود وحيث
قال المصنف في الكتاب ففيه قولا وقف العقود أراد به هذين القولين وان لم يذكر هذا اللقب ههنا
وإنما سميا بالوقف لان الخلاف آيل إلى أن العقد هل ينعقد على الوقف أم لا فعلى قول ينعقد في المسألتين
الأولتين موقوفا على الإجازة أو الرد وفى الثانية موقوفا على تبين الموت أو الحياة وعلى قول لا ينعقد
موقوفا بل يبطل * ثم ذكر الامام أن الصحة ناجزة على قول الوقف لكن الملك لا يحصل الا عند
الإجازة وان الوقف يطرد في كل عقد يقبل الاستنابة كالمبايعات والإجارات والهبات والعتق
والطلاق والنكاح وغيرها *
124

قال (الرابع أن يكون مقدورا على تسليمة فلا يصح بيع الآبق والضال والمغصوب وان قدر المشترى
على انتزاعه من يد الغاصب دون البائع صح على أسد الوجهين ثم له الخيار ان عجز * وبيع حمام البرج
نهارا اعتماد على العود ليلا لا يصح على أصح الوجهين) *
الشرط الرابع القدرة على التسليم ولابد منها ليخرج العقد عن أن يكون بيع غرر ويوثق بحصول
العوض * ثم فوات القدرة على التسليم يكون من حيث الحس وقد يكون من حيث الشرع وصور هذا
الفصل من الضرب الأول وهي ثلاث (إحداها) بيع الضال والآبق باطل عرف موضعه أو لم يعرف
لأنه غير مقدور على تسليمه في الحال هذا هو المشهور قال الأئمة ولا يشترط في الحكم بالبطلان
الياس من التسليم بل يكفي ظهور التعذر * وأحسن بعض الأصحاب فقال إذا عرفت مكانه وعرف
انه يصل إليه إذا رام الوصول فليس له حكم الآبق * (الثانية) إذا باع المالك ماله المغصوب نظر إن كان
يقدر على استرداده وتسليمه صح البيع كما يصح بيع الوديعة والعارية وان لم يقدر نظر (ان)
باعه ممن لا يقدر على انتزاعه من يد الغاصب لم يصح لما سبق (وان) باعه ممن يقدر على انتزاعه منه
ففي صحة البيع وجهان (أحدهما) لا يصح لان البائع يجب عليه التسليم وهو عاجز (وأصحهما) الصحة
125

لان المقصود وصول المشترى إلى المبيع * وعلى هذا ان علم المشترى حقيقة الحال فلا خيار له ولكن
لو عجز عن الانتزاع لضعف عرض له أو قوة عرضت للغاصب فله الخيار وفيه وجه آخر أشار إليه
الامام * وإن كان جاهلا عند العقد فله الخيار لان البيع لا يلزمه كلفة الانتزاع (وقوله) في
الكتاب ثم له الخيار ان عجز المراد منه حالة العلم لان عند الجهل لا يشترط العجز في
ثبوت الخيار ويجوز أن يعلم بالواو للوجه المشار إليه * ولو باع الآبق ممن يسهل عليه رده ففيه الوجهان
المذكوران في المغصوب * ويجوز تزويج الآبقة والمغصوبة واعتاقهما * وذكر في البيان انه لا يجوز كتابة
المغصوب لان الكتابة تقتضي مكنة التصرف وهو ممنوع منه (الثالثة) لا يجوز بيع السمك في الماء
والطير في الهواء وإن كان مملوكا له لما فيه من الغرر * ولو باع السمك في بركة لا يمكنها الخروج منها
نظر إن كانت صغيرة يمكن أخذها من غير تعب ومشقة صح بيعها لحصول القدرة وإن كانت كبيرة
لا يمكن أخذها الا باحتمال تعب شديد ففيه وجهان أوردهما ابن سريج فيما رأيت له من جوابات
جامعة الصغير وغيره (أظهرهما) المنع وبه قال أبو حنيفة كبيع الآبق ويدل عليه ما روى عن ابن مسعود أنه
قال (لا يشترى السمكة في الماء فإنه غرر وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر) (1) وهذا كله فيما
126

إذا لم يمنع الماء رؤية السمك فان منع لكدورته فهو على قولي بيع الغائب إلا أن لا يعلم قلة السمك
وكثرتها وشيئا من صفاتها فيبطل لا محالة * وبيع الحمام في البرج على التفصيل المذكور في البركة * ولو
باعها وهي طائرة اعتمادا على عادة عودها بالليل ففيه وجهان كما ذكرنا في النحل (أصحهما) عند الامام
الصحة كبيع العبد المبعوث في شغل (وأصحهما) على ما ذكره في الكتاب المنع وبه قال الأكثرون
إذ لا قدرة في الحال وعودها غير موثوق به إذ ليس لها عقل باعث *
قال (ولا يصح بيع نصف من سيف أو نصل قبل التفصيل لان التفصيل ينقصه والبيع لا يوجب
نقصان غير المبيع * ويصح بيع ذراع من كرباس (1) لا ينقص بالفصل على الأصح * ولا يصح
بيع ما عجز عن تسليمه شرعا وهو المرهون * وإذا جني العبد جناية تقتضي تعلق الأرش برقبته صح
بيعه على أقوى القولين وكان التزاما للفداء لأنه لم يحجر على نفسه فيقدر على ما لا يفوت حق المجني
عليه * ثم للمجني عليه خيار الفسخ ان عجز عن أخذ الفداء).
في الفصل ثلاث مسائل (إحداها) لو باع نصفا أو ربعا أو جزءا آخر شائعا من سيف أو اناء أو نحوهما
فهر صحيح وذلك الشئ مشترك بينهما * ولو عين نصفا أو ربعا وباعه لم يصح لان التسليم لا يمكن
(هامش) الكرباس بالكسر ثوب من القطن الأبيض معرب فارسيته بالفتح كما في القاموس اه‍
127

الا بالقطع والكسر وفيه نقص وتضييع للمال * ولو باع ذراعا فصاعدا من ثوب نظر إن لم يعين
الذراع فسنذكره من بعد إن شاء الله تعالى وان عين نظر إن كان الثوب نفيسا ينقص ثمنه بالقطع
فهل يصح البيع فيه وجهان حكاهما ابن الصباغ وغيرهما (أحدهما) نعم وبه قال صاحب التقريب كما
لو باع ذراعا معينا من ارض أو دار (وأظهرهما) وهو الذي أورده الشيخ أبو حامد وحكاه صاحب
التلخيص عن نصه لا لأنه لا يمكن التسليم الا باحتمال النقصان والضرر وفرقوا بينه وبين الأرض بأن
التمييز في الأرض يحصل يحصل بالعلامة بين النصيبين من غير ضرر ولمن نصر الأول أن يقول قد تتضيق
مرافق البقعة بالعلامة وتنقص القيمة فوجب أن يكون الحكم في الأرض على التفصيل أيضا * واعترض
ابن الصباغ على معنى الضرر بأنهما إذا رضيا به واحتملاه وجب أن يصح البيع كما يصح بيع
أحد زوجي الخف وان نقص تفريقهما من قيمتهما * والقياس طرد الوجهين في صورة السيف والاناء
لان المعني لا يختلف * وإن كان الثوب مما لا ينقص بالفصل والقطع كالكرباس الصفيق فقد حكى
صاحب الكتاب وشيخه فيه وجهين (أصحهما) وهو الذي أورده الجمهور انه يصح لزوال المعني المذكور
(والثاني) المنع لان الفصل لا يخلو عن تغيير لغير المبيع وهذا فيما أورده الامام واختيار صاحب التلخيص
وكان سببه اطلاق لفظه في التلخيص بعد ذكر ما لو باع ذراعا من الأرض قال ولو قال ذلك
في الثوب لم يجز قاله نصا وأيضا قال في المفتاح ولو باعه من ثوب ذراعا على أن يقطعه لم يجز بحال
إلا أن الأكثرين حملوا كلامه على الثوب الذي تنقص قيمته بالفصل * ولو باع جزءا معينا من جدار
أو أسطوانة نظر إن كان فوقه شئ لم يجز لأنه لا يمكن تسليمه إلا بهدم ما فوقه وإن لم يكن نظر إن كان
قطعة واحدة من طين أو خشب أو غيرهما لم يجز وإن كان من لبن أو آجر جاز هكذا أطلق
128

في التخلص وهو محمول عند الأئمة على ما لو جعل النهاية شق نصف من الاجر أو اللبن دون أن يجعل
المقطوع نصف سمكها * وفى تجويز البيع إذا كان من لبن أو آجر اشكال وان جعل النهاية ما ذكروه من
وجهين (أحدهما) ان موضع الشق قطعة واحدة من طين أو غيره فالفصل الوارد عليه وارد على ما هو
قطعة واحدة (والثاني) هب انه ليس كذلك لكن رفع بعض الجدار ينقص قيمة الباقي وإن لم يكن
قطعة واحدة فليفسد البيع ولهذا قالوا لو باع جذعا في بناء لم يصح لان الهدم يوجب النقصان فأي فرق
بين الجذع والآجر وكذا لو باع فصا في خاتم * وذكر بعض الشارحين للمفتاح في تفاريع هذه المسألة
انه لو باع دارا الا بيتا في صدرها لا يلي شارعا ولا ملكا له على أنه لا ممر له في المبيع لا يصح
البيع وهذا باب في فتحه بعد ويتأكد بمثله الميل إلى الوجه الذي نصره ابن الصباغ (المسألة الثانية)
لا يصح بيع المرهون بعد الاقباض وقبل الانفكاك لأنه عاجز عن تسليمه شرعا لما فيه من تفويت حق المرتهن
(الثالثة) الجناية الصادرة من العبد قد تقتضي المال اما متعلقا برقبته أو بذمته وقد تقتضي القصاص
وموضع تفصيله غير هذا فان أوجبت المال متعلقا بذمته لم يقدح ذلك في البيع بحال وان أوجبته
متعلقا برقبته فهل يصح بيعه نظر ان باعه بعد اختيار الفداء فنعم هكذا أطلقه في التهذيب وان باعه قبله وهو
معسر فلا لما فيه من ابطال حق المجني عليه * ومنهم من طرد الخلاف الذي نذكره في الموسر وحكم
بثبوت الخيار للمجني عليه ان صح وإن كان موسرا فطريقان (أصحهما) ان المسألة على قولين (أصحهما) انه
لا يصح البيع لان حق المجني عليه متعلق به فمنع صحة بيعه كحق المرتهن في المرهون وبل أولى لان حق المجني
عليه أقوى الا ترى انه إذا جنى العبد المرهون تقدم حق المجني عليه على حق المرتهن (والثاني) وبه
قال أبو حنيفة واحمد والمزني انه يصح لان هذا الحق تعلق به من غير اختيار المالك فلا يمنع صحة
129

البيع كحق الزكاة ويخالف المرهون لأنه بالرهن منع نفسه من التصرف وههنا لم يعقد عقدا ولم
يحجز نفسه عن التصرف * وفى التتمة ان بعض أصحابنا خرج قولا ثالثا وهو ان البيع موقوف
فان فداه نفذ والا فلا (والطريق الثاني) القطع بالمنع كما في المرهون (التفريع) ان لم نصحح البيع
فالسيد على خيرته ان شاء فداه والا سلمه ليباع في الجناية وان صححناه فالسيد مختار للفداء ببيعه مع
العلم بجنايته فيجبر على تسليمه لأنه بالبيع فوت محل حقه فأشبه ما لو أعتقه أو قتله وبهذا قال أبو
حنيفة * وفيه وجه انه ليس مختار للفداء بل هو على خيرته ان أفدى امضى البيع والا فسخ * وعلى
الأول وهو المذهب لو تعذر تحصيل الفداء أو تأخر لافلاسه أو غيبته أو صبره على الحبس فسخ
البيع وبيع في الجناية لان حق المجني عليه أقدم من حق المشترى * هذا إذا أوجبت الجناية المال
بأن كانت خطأ أو شبه عمد أو كانت واردة على الأموال وكذا الحكم لو أوجبت القصاص لكن
المستحق عفا على مال ثم فرض البيع (فأما) إذا أوجبت القصاص ولا عفو فطريقان (أحدهما) طرد القولين
وبه قال ابن خيران ومن القائلين بهذه الطريقة من بنى القولين على أن موجب العمد ماذا إن قلنا موجبه
130

القصود المحض صح بيعه كبيع المرتد وان قلنا موجبه أحد الامرين فهو كبيع المرهون (وأصحهما)
القطع بالصحة لبقاء المالية بحالها وتوقف الهلاك كتوقع موت المريض المشرف على الموت * وإذا وقع
السؤال عن بيع العبد الجاني مطلقا فالجواب فيه ثلاث طرق (أحدها) انه إن كانت الجناية موجبة
للقصاص فهو صحيح وإن كانت موجبة للمال فقولان (والثاني) إن كانت موجبة للمال فهو غير
صحيح وإن كانت موجبة للقصاص فقولان (والثالث) طرد القولين في الحالتين * ولو أعتق السيد
العبد الجاني نظر إن كان معسرا فأصح القولين انه لا ينفذ وإن كان موسرا ففي نفوذه ثلاثة أقوال
(أصحها) النفوذ (وثانيها) انه موقوف ان فداه نفذ وإلا فلا (ومنهم) من قطع بالنفوذ إذا كان موسرا
وبعدم النفوذ إذا كان معسرا بخلاف المرهون * والفرق (اما) عند اليسار فلانه بسبيل من نقل حق المجني
عليه إلى ذمته باختيار الفداء فإذا أعتق انتقل الحق إلى ذمته وفى الرهن بخلافه (وأما) عند الاعسار فلان
حق المجني عليه متعلق بالرقبة ولا تعلق له بذمة السيد وفى حق المرتهن متعلق بهما جميعا فنفوذ الاعتاق
131

ههنا يبطل الحق بالكلية وفى الرهن غايته قطع أحد التعلقين * واستيلاد الجناية كاعتاقها * ومتي فدا
السيد العبد الجاني يفديه بأقل الأمرين من الأرش وقيمة العبد أو بالأرش بالغا ما بلغ فيه خلاف يأتي في
موضعه والأصح الأول (وأما) لفظ الكتاب فقد عرفت بما ألقيت عليك من الشرح ان قوله ولا يصح بيع
نصف من سيف معناه بيع نصف معين وكذا قوله بيع ذراع من كرباس ولفظ النصل لا يختص
بالسهم ألا تري أن صاحب الصحاح يقول في تعريفه والنصل نصل السهم والسيف والسكين والرمح
(وقوله) لان الفصل ينقصه والبيع لا يوجب نقصان غير المبيع أراد به أن التسليم لا يحصل الا بالتفصيل
والقطع والتسليم لا بد منه فلو صححنا البيع وألزمناه القطع كان هذا الزام تنقيص فيما ليس مبيعا
وهذه عبارة صاحب النهاية * ثم نظم الكتاب قد يوهم خروج هذه المسألة عن صور العجز الشرعي بل حصر
العجز الشرعي في المرهون لأنه ذكر المسألة ثم قال ولا يصح بيع ما عجز عن تسلميه شرعا وهو المرهون لكنه
عدها في الوسيط من صوره وقال البيع لا يلزم تنقيص عن المبيع والشرع قد يمنعه منه إذا كان فيه اسراف
(وقوله) جناية تعلق الأرش برقبته يجوز أن يقرأ تعلق بفتح التاء واللام ويجوز أن يقرأ تعلق على
132

إيقاع فعل التعليق على الجناية (وقوله) صح بيعه على أقوى القولين ترجيح لقول الصحة لكن
الشافعي رضي الله عنه نص على القولين في المختصر وصرح باختيار المنع وبه قال طبقات
الأصحاب * ثم يجوز أن يعلم ذكر الخلاف بالواو للطريقة القاطعة بالمنع وكذا قوله وكان التزاما
للفداء للوجه الذي سبق ذكره (وقوله) لأنه لم يحجر على نفسه إلى آخره إشارة إلى الفرق بينه
وبين المرهون *
قال (الخامس العلم وليكن المبيع معلوم العين والقدر والصفة (أما) العين فالجهل به مبطل ونعني به انه
لو قال بعت منك عبدا من العبيد (ح) أو شاة من القطيع بطل (ح) ولو قال بعت صاعا من هذه
الصبرة وكانت معلومة الصيعان صح ونزل على الإشاعة وإن كانت مجهولة الصيعان لم يصح على اختيار
القفال لتعذر الإشاعة ووجود الابهام. وابهام ممر الأرض المبيعة كابهام نفس المبيع: وبيع بيت
من دار دون حق الممر جائز على الأصح).
133

الشرط الخامس كون المبيع معلوما ليعرف ما الذي ملك بإزاء ما بذل فينفي الغرر ولا شك
انه لا يشترط العلم به من كل وجه فبين ما يعتبر العلم به وهو ثلاثة أشياء عين المبيع وقدره وصفته (أما)
العين فالقصد به انه لو قال بعت عبدا من العبيد أو أحد عبدي أو عبيدي هؤلاء أو شاة من هذا القطيع فهو باطل
وكذا لو قال بعتهم الا واحدا ولم يعين المستثني لأن المبيع غير معلوم ولا فرق بين أن تتقارب
قيم العبيد والشياه أو تتباعد ولا بين عدد من العبيد وعدد ولا بين أن يقول على أن يختار رأيهم
شئت أولا يقول ولا إذا قال ذلك بين أن يقدر زمان الاختيار أو لا يقدر * وعن أبي حنيفة انه إذا قال
بعتك إحدى عبدي أو عبيدي الثلاثة على أن تختار من شئت في ثلاث فما دونها صح العقد * وأغرب
المتولي فحكي عن القديم قولا مثله ووجهه بأن الشرع أثبت الخيار في هذه المدة بين العوضين ليختار
هذه الفسخ أو هذا الامضاء فجازا أن يثبت له الخيار بين عبدين وكما تتقدر نهاية الاختيار بثلاث
تتقدر نهاية ما يتخير به من الأعيان بثلاثة * ولا يخفى ضعف هذا التوجيه ووجه المذهب القياس على
ما إذا زاد العبيد على ثلاثة ولم يجعل له الاختيار ولو زاده على الثلاث أو فرض ذلك في الثياب والدواب
134

وغير العبيد من الأعيان وعلى النكاح فإنه لو قال أنكحتك أحدي ابنتي لا يصح النكاح * ولو لم
يكن له الا عبد واحد فحضر في جماعة من العبيد وقال السيد بعتك عبدي من هؤلاء والمشتري يراهم
ولا يعرف عين عبده فحكمه حكم بيع الغائب قاله في التتمة وقال صاحب التهذيب عندي هذا البيع
باطل لأن المبيع غير متعين وهو الصحيح * ثم في الفصل مسألتان (إحداهما) في بيع صاع من الصبرة
والرأي أن يقدم عليهما فصلين (أحدهما) أن بيع الجزء الشائع من كل جملة معلومة من أرض ودار
وعبد وصبرة وثمرة وغيرها صحيح نعم لو باع جزءا مشاعا من شئ بمثله من ذلك الشئ كما إذا
كان بينهما نصفين فباع هذا نصفه بنصف ذاك فوجهان (أحدهما) انه لا يصح البيع لأنه لا فائدة فيه
(وأصحهما) الصحة لاجتماع الشرائط المرعية في العقد وله فوائد (منها) لو ملكا أو أحدهما نصيبه
بالهبة من أبيه انقطع ولأبيه الرجوع (ومنها) لو ملكه بالشراء ثم اطلع بعد هذا التصرف على عيب
لم يملك الرد على بائعه و (منها) لو ملكته صداقا وطلقها الزوج قبل الدخول لم يمكن له الرجوع فيه * ولو
باع الجملة واستثنى منها جزءا شائعا فهو صحيح أيضا (مثاله) أن يقول بعتك ثمرة
هذا الحائط الا ربعها أو قدر الزكاة منها ولو قال بعتك ثمرة هذا الحائط بثلاثة
آلاف درهم الا ما يخص ألفا فان أراد ما يخصه إذا وزعت الثمرة على المبلغ المذكور صح وكان
135

استثناء للثلث وان أراد ما يساوى ألفا عند التقويم فلا لأنه مجهول (الفصل الثاني) لو باع ذراعا
من أرض أو دار أو ثوب ينظر إن كانا يعلمان جملة ذرعانها كما إذا باع ذراعا والجملة عشرة فالبيع
صحيح وكأنه قال بعت العشر قال الامام الا ان قال بعني معينا فيفسد كقوله شاة من القطيع * ولو
اختلفا فقال المشترى أردت الإشاعة فالعقد صحيح وقال البائع بل أردت معينا ففيمن يصدق
احتمالان وذكر أيضا خروج وجه في فساد العقد وان لم نعن بالذراع معينا وستعرف كيفيته إن شاء الله
تعالى * وإن كانا لا يعلمان أو أحدهما ذرعان الدار والثوب لم يصح البيع لان أجزاء الأرض
والثوب تتفاوت غالبا في المنفعة والقيمة والإشاعة متعذرة * وعن أبي حنيفة انه لا يصح البيع سواء كانت
الذرعان معلومة أو مجهولة ذهابا إلى أن الذراع اسم لبقعة مخصوصة فيكون البيع مبهما * ولو وقف على طرف
الأرض وقال بعتك كذا اذراعا من موقفي هذا في جميع العرض إلى حيث ينتهي في الطول صح البيع في أحد
الوجهين * إذا عرفت الفصلين فنقول إذا قال بعتك صاعا من هذه الصبرة بكذا فله حالتان (إحداهما) أن
يعلما مبلغ صيعان الصبرة فالعقد صحيح ونقل امام الحرمين في تنزيله خلافا للأصحاب منهم من قال المبيع
صاع من جملة مشاع أي صاع كان لان المقصود لا يختلف فعلى هذا يبقى المبيع ما بقي صاع وإذا تلف
136

بعض الصبرة لم يتقسط على المبيع وغيره (ومنهم) من نزل الامر على الإشاعة وقال إذا كانت الصبرة
مائة صاع فالمبيع عشر العشر وعلى هذا لو تلف بعض الصبرة تلف بقدره من المبيع * هذا ما أورده
الجمهور في هذه الحالة ومنهم صاحب الكتاب (والثانية) ان لا يعلما أو أحدهما مبلغ صيعانها ففي
صحة البيع وجهان (أحدهما) وهو اختيار القفال انه لا يصح لأن المبيع غير معين ولا موصوف فأشبه
ما لو باع ذراعا من أرض أو ثوب وجملة الذرعان مجهولة أو باع صاعا من ثمرة النخل (والثاني) وهو
الحكاية عن نصه انه صحيح والمبيع صاع منها أي صاع كان حتى لو تلف جميعها سوى اصاع واحد
تعين العقد فيه والبائع بالخيار بين أن يسلم من أعلا الصبرة أو من أسفلها وإن لم يكن الأسفل مرئيا
لان رؤية ظاهر الصبرة كرؤية كلها ويفارق صورة الاستشهاد لان أجزاء الصبرة الواحدة لا تختلف
غالبا بخلاف تلك الصورة قال المعتبرون والوجه الثاني أظهر في المذهب ولكن القياس الأول لأنه
لو فرق صيعان الصبرة وقال بعتك واحدا منها لم يصح فما الفرق بين أن تكون متفرقة أو مجتمعة
وأيضا لأنه لو قال بعتك هذه الصبرة إلا صاعا منها لا يصح العقد إلا أن تكون الصيعان معلومة
ولا فرق بين استثناء المعلوم من المجهول واستثناء المجهول من المعلوم في كون الباقي مجهولا * وفيما
جمع من فتاوى القفال انه كان إذا سئل عن هذه المسألة يفتي بالوجه الثاني مع ذهابه إلى
الأول ويقول المستفتى يستفتي عن مذهب الشافعي رضي الله عنه لا عن ما عندي ثم ذكر الأئمة
للخلاف في المسألة مأخذين (أحدهما) حكوا خلافا في أن علة بطلان البيع فيما إذا قال بعت عبدا
137

من العبيد ماذا فمن قائل علته الغرر الذي فيه مع سهولة الاجتناب عنه ومن قائل علته انه لا بد
للعقد من مورد يتأثر به كما في النكاح قالوا والخلاف الذي نحن فيه مبني عليه فعلى الثاني لا يصح
وعلى الأول يصح إذ لا غرر لتساوي أجزاء الصبرة (والثاني) قال الامام هو مبنى على الخلاف في
تنزيل العقد عند العلم بالصيعان ان قلنا المبيع ثم مشاع في الجملة فالبيع باطل لتعذر الإشاعة (وان قلنا)
المبيع صاع غير مشاع فهو صحيح ههنا أيضا وهذا البناء لا يسلم عن النزاع لما ذكرنا ان الجمهور نزلوه في
صورة العلم على الإشاعة إن أمكن وإلا قالوا المبيع صاع أي صاع كان لاستواء الغرض * ثم ادعي
الامام أن من لا يدعى الجزئية والإشاعة يحكم ببطلان البيع فيما إذا باع ذراعا من أرض معلومة
الذرعان وهذا هو الوجه الذي سبقت الإشارة إليه ولم أر له ذكرا إلا في كتابه (المسألة الثانية)
قوله وإبهام ممر الأرض المبيعة كابهام نفس المبيع صورتها أن يبيع أرضا محفوفة بملكه جميع الجهات
وشرط أن للمشترى حق الممر إليها من جانب ولم يعين فالبيع باطل لان الاغراض تتفاوت باختلاف
الجوانب ولا يؤمن إفضاء الامر إلى المنازعة فجعلت الجهالة في الحقوق كالجهالة في المعقود عليه (أما)
إذا عين الممر من جانب فيصح البيع وكذا لو قال بعتكها بحقوقها وثبت للمشترى حق الممر من جميع
الجوانب كما كان ثابتا للبائع قبل البيع وإن أطلق البيع ولم يتعرض للمر ففي المسألة وجهان (أظهرهما)
أن مطلق البيع يقتضي حق الممر لتوقف حق الانتفاع عليه فعلى هذا البيع صحيح كما لو قال بعتكها بحقوقها
(والثاني) انه لا يقتضيه لأنه لم يتعرض له فعلى هذا هو كما لو نفى الممر وفيه وجهان (أحدهما) أن
138

البيع صحيح لامكان التدرج إلى الانتفاع بتحصيله ممرا (وأصحهما) عند الامام وغيره البطلان لتعذر
الانتفاع بها في الحال * ولو أن الأرض المبيعة كانت ملاصقة للشارع فليس للمشترى طروق ملك
البائع فان العادة في مثلها الدخول من الشارع فينزل الامر عليها ولو كانت ملاصقة لملك المشترى
فلا يتمكن من المرور فيما أبقاه البائع لنفسه بل يدخل فيه من ملكه القديم وأبدى الامام احتمالا
قال وهذا إذا أطلق البيع أما إذا قال بحقوقها فله المرور في ملك البائع وصاحب الكتاب رجح
من وجهي مسألة نفي الممر وجه الصحة لكن الأكثرين على ترجيح مقابلة وتوسط في التهذيب
فقال إن أمكن اتخاذ ممر من جانب صح البيع وإلا فلا * ولو باع دارا واستثني لنفسه بيتا فله الممر
وان نفى الممر نظر ان أمكن اتخاذ ممر آخر صح وان لا فوجهان ووجه المنع ما قدمناه عن
شارح المفتاح *
قال (اما القدر فالجهل به فيما في الذمة ثمنا أو مثمنا مبطل كقوله بعت بزنة هذه الصنجة *
ولو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم صح (ح) وإن كانت مجهولة الصيعان لان تفصيل الثمن
معلوم وان لم يعلم جملته والغرر ينتفى به فإن كان معينا فالوزن غير مشروط بل يكفي عيان صبرة الحنطة
والدراهم * فإن كان تحتها دكة تمنع تخمين القدر فيخرج على قولي بيع الغائب لاستواء الغرر وقطع
بعض المحققين بالبطلان لعسر إثبات الخيار مع جريان الرؤية) *
المبيع قد يكون في الذمة وقد يكون معينا والأول هو السلم والثاني وهو المشهور باسم البيع
139

والثمن فيهما جميعا قد يكون في الذمة وإن كان يشترط في السلم التسليم في مجلس العقد وقد يكون
معينا فيما كان في الذمة من العوضين فلابد وأن يكون معلوم القدر حتى لو قال بعتك ملء هذا
البيت حنطة أو بزنة هذه الصنجة ذهبا لم يصح البيع وكذا لو قال بعت هذا بما باع به فلان فرسه
أو ثوبه وهما لا يعلمانه أو أحدهما لأنه غرر يسهل الاجتناب عنه وحكى وجه انه يصح لامكان
الاستكشاف وإزالة الجهالة فصار كما إذا قال بعتك هذه الصبرة كل صاع منها بدرهم يصح البيع وإن كان
ت الجملة مجهولة في الحال نقله في التتمة * وذكر بعضهم انه إذا حصل العلم قبل التفرق صح البيع
ولو قال بعتك بمائة دينار الا عشرة دراهم لم يصح إلا أن يعلما قيمة الدينار بالدراهم * ولو قال بعتك
بألف من الدراهم والدنانير لم يصح لان قدر كل واحد منهما مجهول وعن أبي حنيفة انه يصح * وإذا
باع بدراهم أو دنانير فلابد من العلم بنوعهما فإن كان في البلد نقد واحدا ونقود ولكن الغالب
التعامل بواحد منها انصرف العقد إلى المعهود وإن كان فلوسا إلا أن تعين غيره وإن كان نقد
البلد مغشوشا فقد ذكرنا وجهين في صحة التعامل به في كتاب الزكاة إلا أنا خصصنا
الوجهين بما إذا كان مقدار النقرة مجهولا وربما نقل العراقيون الوجهين على الاطلاق ووجهوا
المنع بان المقصود غبر مميز عما ليس بمقصود فأشبه مالوا شيب اللبن بالماء وبيع فإنه لا يصح
وكيف ما كان فالأصح الصحة وإذا فرعنا عليه انصرف العقد عند الاطلاق إليه * وحكى
صاحب التتمة وجها ثالثا في التعامل بالدراهم المغشوشة وهو أنه إن كان الغش غالبا لم يجز وان
140

كان مغلوبا فيجوز وادعي ان هذا مذهب أبي حنيفة واختيار القاضي الحسين * ولو باع شيئا بدراهم
مغشوشة ثم بان ان نقرتها يسيرة جدا فله الرد وعن أبي الفياض تخريج وجهين فيه وإن كان في
البلد نقدان أو نقود مختلفة وليس بعضها أغلب من بعض فالبيع باطل حتى يعين وتقويم المتلفات يكون
بغالب نقد البلد فإن كان في البلد نقدان فصاعدا ولا غالب عين القاضي واحدا للتقويم * ولو غلب
من جنس العرض نوع فهل ينصرف الذكر إليه عند الاطلاق فيه وجهان المحكى عن أبي إسحاق
انه ينصرف كما ذكرنا في العقد قال في التتمة وهو المذهب ومن صوره أن يبيع صاعا من الحنطة بصاع منها
أو بشعير في الذمة ثم أحضر قبل التفرق * وكما ينصرف العقد إلى النقد الغالب ينصرف في الصفات
إليه أيضا حتى لو باع بدينار أو بعشرة والمعهود في البلد الصحاح انصرف العقد إليه وإن كان المعهود
المكسرة فكذلك قال في البيان إلا أن تتفاوت قيم المكسرة فلا يصح وعلى هذا القياس لو
كان المعهود ان يوجد نصف الثمن من هذا والنصف من ذاك أو ان يوجد على نسبة أخرى فالبيع
صحيح محمول عليه * وإن كان يعهد التعامل بهذا مرة وبهذا مرة ولم يكن بينهما تفاوت
صح البيع ويسلم ما شاء منهما وإن كان بينهما تفاوت بطل البيع كما لو كان في البلد نقدان
عامان وأطلق * ولو قال بعت بألف صحاح ومكسرة فوجهان (أظهرهما) انه يبطل لأنه
لم يبين قدر كل واحد منهما (والثاني) يصح ويحمل على التنصيف ويشبه أن يكون هذا الوجه جاريا
فيما إذا قال بألف ذهبا وفضة * ولو قال بعت بدينار صحيح فجاء بصحيحين وزنهما مثقال فعليه
141

القبول لان الغرض لا يختلف بذلك ولو جاء بصحيح وزنه مثقال ونصف قال في التتمة عليه قبوله
والزيادة أمانة في يده والحق أنه لا يلزمه القبول لما في الشركة من الضرر وقد ذكر صاحب البيان نحوا
من هذا ولكن ان تراضيا عليه جاز وحينئذ لو أراد أحدهما كسره وامتنع الاخر لم يجبر عليه لما
في هذه القسمة من الضرر * ولو باع بنصف دينار صحيح وشرط أن يكون مدورا جاز إن كان يعم
وجوده وان لم يشرط فعليه شق وزنه نصف مثقال فان سلم إليه صحيحا أكثر من نصف مثقال
وتراضيا على الشركة فيه جاز * ولو باعه شيئا بنصف دينار صحيح ثم باعه شيئا آخر بنصف دينار
صحيح فان سلم صحيحا عنهما فقد زاده خيرا وان سلم قطعتين وزن كل واحدة نصف دينار
جاز وان شرط في عقد الثاني تسليم صحيح عنهما فالعقد الثاني فاسد والأول ماض على الصحة
ان جرى الثاني بعد لزومه والا فهو الحاق شرط فاسد بالعقد في زمان الخيار وسيأتي حكمه * ولو
باع بنقد قد انقطع عن أيدي الناس فهو باطل لعدم القدرة على التسليم وإن كان لا يوجد في تلك
البلدة ويوجد في غيرها فإن كان حالا أو مؤجلا إلى مدة لا يمكن نقله فهو باطل أيضا وإن كان
مؤجلا إلى مدة يمكن نقله صح ثم إن حل الأجل وقد أحضره فذاك وإلا فيبني على أن الاستبدال
عن لثمن هل يجوز (إن قلنا) لا فهو كما لو انقطع المسلم فبه (وإن قلنا) نعم فيستبدل والا يفسخ
العقد وفيه وجه انه يفسخ وإن كان يوجد في البلد الا أنه عزيز (فان قلنا) يجوز الاستبدال عن الثمن
صح العقد فان وجد فذاك وإلا تبادلا (وان قلنا) لا لم يصح * ولو كان القدر الذي جرى به التعامل
142

موجودا ثم انقطع ان جوزنا الاستبدال تبادلا والا فهو كانقطاع المسلم فيه * ولو باع شيئا بنقد معين
أو مطلقا وحملناه على نقد البلد فأبطل السلطان ذلك النقد لم يكن للبائع الا ذلك النقد كما لو أسلم
في حنطتة فرخصت ليس له غيرها لو فيه وجه آخر انه مخير ان شاء أجاز العقد بذلك النقد وان شاء
فسخه كما لو تعيب المبيع قبل القبض وعن أحمد انه يجب تسليم النقد الجديد بالقيمة * وإذا وقفت
على هذه المسائل فاعلم أن صاحب الكتاب لما ذكر ان العلم بقدر العوض لا بد منه إذا كان في الذمة
احتاج إلى بيان مسألة هي كالمستثناة عن هذه القاعدة وهي أنه لو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع
بدرهم يصح العقد وإن كانت الصبرة مجهولة الصيعان وقدر الثمن مجهولا وبه قال مالك وأحمد وكذا
الحكم لو قال بعتك هذا الأرض أو هذا الثوب كل ذراع بدرهم أو هذه الأغنام كل واحدة بدينار
وقال أبو حنيفة إذا كانت الجملة مجهولة صح البيع في مسألة الصبرة وفى قفيز واحد دون الباقي وفي
مسألة الأرض والثوب لا يصح في شئ وهذا ما حكاه القاضي ابن كج عن أبي الحسين في الصور
كلها وجه الصحة أن الصبرة مشاهدة والمشاهدة كافية للصحة على ما سنذكره ولا يضر الجهل بمبلغ
الثمن لان تفصيله معلوم والغرر يرتفع به فإنه يعلم أقصي ما تنتهي إليه الصبرة وقد رغب فيها على شرط
مقابلة كل صاع بدرهم كما كانت * ولو قال بعتك عشرة من هؤلاء الأغنام بكذا لم يصح وان علم عدد
الجملة بخلاف مثله في الصبرة والأرض والثوب لان قيمة الشاة تختلف فلا يدرى كم العشرة من
الجملة كذا ذكره في التهذيب وقياس ما قدمناه من عدم الصحة فيما إذا باع ذراعا من ثوب أو من
أرض مجهوله الذرعان تعليلا بأن أجزاء الأرض والثوب تختلف أن يكون قوله بعتك كذا ذراعا
من الأرض وهي معلومة الذرعان كقوله بعتك كذا عددا من هذه الأغنام وهي معلومة العدد
فليسو بينهما في الصحة أو عدمها * ولو قال بعتك من هذه الصبرة كل صاع بدرهم لم يصح لأنه لم
143

يبع جميع الصبرة ولا بين المبيع منها وعن ابن سريج انه يصح في صاع واحد كما
لو قال بعتك قفيزا من الصبرة بدرهم ولو قال بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم كل
صاع بدرهم أو قال مثله في الثوب والأرض نظر ان خرج كما ذكر صح البيع وان
خرج زائدا أو ناقصا فقولان قال في التهذيب (أصحهما) انه لا يصح البيع لأنه باع جملة
الصبرة بالعشرة بشرط مقابلة كل صاع منها بدرهم والجمع بين هذين الامرين عند الزيادة والنقصان
محال (والثاني) انه يصح لإشارته إلى الصبرة ويلغي الوصف وعلى هذا ان خرج ناقصا فللمشتري
الخيار فان أجاز فيجيز بجميع الثمن لمقابلة الصبرة به أو بالقسط لمقابلته كل صاع بدرهم فيه
وجهان وان خرج زائدا فلمن تكون الزيادة فيه وجهان (أظهرهما) انها للمشترى لان جملة
الصبرة مبيعة منه فعلى هذا لا خيار له وفى البائع وجهان (أصحهما) انه لا خيار له أيضا لأنه رضى ببيع
جميعها (والثاني) ان الزيادة للبائع وعلى هذا لاخيار له وفى المشترى وجهان (أصحهما) ثبوت الخيار إذا لم يسلم
له جميع الصبرة * هذه ما نذكره الآن في أحد القسمين وهو أن يكون العوض في الذمة فأما إذا كان معينا فلا
يشترط معرفة قدره بالوزن والكيل حتى لو قال بعتك هذه الدراهم أو هذه الصبرة صح ويكفى عيان الدراهم
والصبرة ربطا للعقد بالمشاهدة نعم حكوا قولين في أنه هل يكره بيع الصبرة جزافا وعن مالك ان علم البائع
قدر كيلها لم يصح البيع حتى يبينه وحكي إمام الحرمين عنه انه لابد من معرفة المقدار فلا يصح بيع
الصبرة جزافا ولا بالدراهم جزافا ولو كانت الصبرة على موضع من الأرض فيه ارتفاع وانخفاض
أو باع السمن ونحوه في طرف مختلف الاجزاء دقة وغلظا فقد حكي المصنف في الوسيط ثلاث
طرق وقضية إيراد الامام الاقتصار على الأول والثالث (أظهرها) وبه قال الشيخ أبو محمد أن في صحة
البيع قولي بيع الغائب لان انخفاض الأرض وارتفاعها وغلظ الظرف ودقته يمنع تخمين القدر وإذا
144

لم يفد العيان إحاطة كان كعدم العيان في احتمال الغرر (والثاني) القطع بالبطلان لأنا إذا صححنا
بيع الغائب أثبتنا فيه الخيار عند الرؤية والرؤية حاصلة ههنا فيبعد إثبات الخيار معها ولا سبيل إلى
نفيه لمكان الجهالة وهذان الطريقان هما المذكوران في الكتاب والطريقة الثانية ضعيفة وان نسبت
إلى المحققين لان الصفة والمقدار مجهولان في بيع الغائب ومع ذلك خرجناه على قولين فكيف نقطع
بالبطلان ههنا مع معرفة بعض الصفات بالرؤية فان قلنا بالصحة فوقت اثبات الخيار ههنا معرفة
مقدار الصبة أو التمكن من تخمينه برؤية ما تحتها * (والطريق الثالث) نقله الامام عن رواية الشيخ
أبى على في مهذبه الكبير القطع بالصحة ذهابا إلى أن جهالة المقدار غير جائزة بعد المشاهدة فان
فرعنا على البطلان فلو باع الصبرة والمشترى يظن أنها على استواء الأرض ثم بان تحتها دكة هل يتبين
بطلان العقد فيه وجهان (أحدهما) نعم وبه قال الشيخ أبو محمد لأنا تبينا بالآخرة أن العيان لم يفد
علما (وأظهرهما) لا ولكن للمشترى الخيار تنزيلا لما ظهر منزلة الغيب والتدليس هذا ما أورده صاحب
الشامل وغيره * ولو قال بعتك هذه الصبرة الا صاعا فإن كانت معلومة الصيعان صح والا فلا وبه
قال أبو حنيفة وقال مالك يصح وإن كانت مجهولة الصيعان واحتجوا للمذهب بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي
عن الثنيا في البيع * ثم اختلفوا في وجه الاحتجاج فذكر الماوردي في الحاوي ان المراد من الخبر الصورة
التي نحن فيها وقال قائلون الخبر ينفى احتمال الاستثناء مطلقا فان ترك العمل به في موضع وجب
أن لا يترك ههنا والله أعلم *
قال (أما الصفة ففي اشتراط معرفتها بالعيان قولان اختار المزني الاشتراط وأبطل بيع
(ح م) ما لم يره وشراءه ولعله أصح القولين وفى الهبة قولان مرتبان وأولى بالصحة وعلى القولين
يخرج شراء الأعمى لأنه يقدر على التوكيل بالرؤية والفسخ على أصح الوجهين ويصح سلم الأعمى
اعتمادا على الوصف وكذلك الأكمه الا على رأى المزني فإنه أول كلام الشافعي رضي الله عنه على
غير الأكمه) *
145

في الفصل مسائل (إحداها) في بيع الأعيان الغائبة والحاضرة التي لم تر قولان قال في القديم وفى
الاملاء والصرف من الجديد انه صحيح وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم
قال (من اشترى ما لم يره فله الخيار إذا رآه (1) ومعلوم أن الخيار إنما يثبت في العقود الصحيحة ولأنه
عقد معاوضة فلم يكن من شرطه رؤية المعقود عليه كالنكاح وقال في الام والبويطي لا يصح وهو
اختيار المزني ووجه انه بيع غرر وقد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ولأنه مبيع مجهول
الصفة عند العاقد حال العقد فلم يصح بيعه كما لو أسلم في شئ ولم يصفه واشتهر القول الأول بالقديم
والثاني بالجديد واختلفوا في محلهما على طريقين (أصحهما) عند ابن الصباغ وصاحب التتمة وغيرهما
ان القولين مطردان في المبيع الذي لم يره المتبايعان كلاهما وفيما لم يره أحدهما (والثاني) ان القولين
فيما إذا شاهده البائع دون المشترى أما إذا لم يشاهده البائع فالبيع باطل قولا واحدا لان الاجتناب
عن هذا الغرر سهل على البائع فإنه المالك والمتصرف في المبيع ومنهم من جعل البيع أولى بالصحة
لان البائع معرض عن الملك والمشترى محصل له فهو أجدر بالاحتياط وهذا يوجب خروج طريقة ثالثة وهي
القطع بالصحة إذا رآه المشترى وتخصيص الخلاف فيما إذا لم يره وفى البيان إشارة إلى هذه الطريقة
146

الثالثة والقولان في شراء الغائب وبيعه يجريان في إجارته وفيما إذا آجر بعين غائبة أو صالح عليها
أو جعلها رأس مال السلم ثم سلم في مجلس العقد * ولو أصدقها عينا غائبة أو خالعها عليها أو عفا
عن القصاص على عين غائبة صح النكاح وحصلت البينونة وسقط القصاص وفى صحة المسمي
القولان فإن لم يصح وجب مهر المثل على الرجل في النكاح وعلى المرأة في الخلع ووجبت الدية على المعفو
عنه ويجريان أيضا في هبة الغائب ورهنه وهما أولى بالصحة لأنهما ليسا من عقود المغابنات بل
الراهن والواهب مغبونان لا محالة والمرتهن والمتهب مرتفقان لا محاله ولهذا قيل إنا إذا صححناهما
فلا خيار عند الرؤية إذ لا حاجة إليه (الثانية) إذا لم نجوز شراء الغائب وبيعه لم يجز بيع الأعمى
وشراؤه وان جوزناه فوجهان (أظهرهما) أنه لا يجوز أيضا والفرق انا إذا جوزنا شراء الغائب
ثبت فيه خيار الرؤية وهاهنا لا سبيل إلى اثبات خيار الروية إذا لا رؤية فيكون كبيع الغائب على
شرط أن لا خيار (والثاني) أنه يجوز ويقام وصف غيره له مقام رؤيته كما تقام الإشارة مقام النطق
في حق الأخرس وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وقد يعبر عما ذكرنا بأن يقال في بيعه وشراه
طريقان (أحدهما) أنه على قولي شراء الغائب (والثاني) القطع بالمنع وبني بانون هذين الطريقين على
147

انه هل يجوز للبصير إذا صححنا منه شراء الغائب أن يوكل غيره بالرؤية وبالفسخ أو الإجازة على
ما يستصوبه وفيه وجهان (أظهرهما) أنه يجوز كالتوكيل في خيار العيب وخيار الحلف (والثاني)
لا يجوز لان هذا الخيار مربوط بإرادة من له الخيار ولا تعلق له بعرض ولا وصف ظاهر فأشبه
ما لو أسلم الكافر على عشر نسوة ليس له أن يوكل بالاختيار فان صححنا التوكيل خرج بيعه وشراؤه
على قولي شراء الغائب وإلا قطعنا بالفساد لأنه لو صح لتمكن منه جهالة لا تزول ولما أفضى الامر
إلى قرار وإذا قلنا لا يصح بيع الأعمى وشراؤه لا يصح منه الإجارة والرهن والهبة أيضا وهل له
أن يكاتب عبده قال في التهذيب لا وقال في التمتمة المذهب أن له ذلك تغليبا للعتق ويجوزان
يؤجر نفسه وللعبد الأعمى أن يشترى نفسه وان يقبل الكتابة على نفسه ويجوز له أن ينكح وان
يزوج موليه تفريعا على أن العمي غير قادح في الولاية والصداق عين مال لم يثبت المسمى وكذلك
أو خالع الأعمى على مال وأما إذا أسلم في شئ أو باع سلما فينظر ان عمى بعد ما بلغ سن التمييز
فهو صحيح لان السلم يعتمد الأوصاف وهو والحالة هذه مميز بين الألوان ويعرف الأوصاف ثم
يوكل من يقبض عنه على الوصف المشروط وهل يصح قبضه بنفسه فيه وجهان (أصحهما) لا لأنه لا يميز
بين المستحق وغيره وإن كان اكمه أو عمى قبل ما بلغ سن التمييز فوجهان (أحدهما) انه لا يصح
سلمه لأنه لا يعرف الألوان ولا يميز بينها وبهذا قال المزني ويحكي عن ابن سريج وابن خيران
وابن أبي هريرة أيضا واختاره صاحب التهذيب (وأصحهما) عند العراقيين وغيرهم ويحكى عن أبي إسحاق
المروزي وبه أجاب في الكتاب انه يصح لأنه يعرف الصفات والألوان بالسماع ويتخيل
فرقا بينهما فعلى هذا إنما يصح إذا كان رأس المال موصوفا غير معين في المجلس أما إذا كان معينا فهو
كبيع العين الغائبة * وكل مالا نصححه من الأعمى من التصرفات فسبيله ان يوكل عنه ويحتمل ذلك
للضرورة والله أعلم * ولنرجع إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب من الفوائد (قوله) الصفة إلى قوله فأبطل
بيع ما لم يره وشراءه جواب على طريقة طرد القولين في البيع والشراء هو الأشهر (قوله) ولعله
أصح القولين إنما فرض القول فيه لان طائفة من أصحابنا مالوا إلى قول التصحيح وأفتوا به وقد
148

تابعهم صاحب التهذيب والروياني عليه * وعن الخضري انه كان لا يجرم بالفساد إذا سئل عن بيع
الغائب بل يقول إن لم يصح الخبر فالقياس فساده وقوله على القولين يخرج شراء الأعمى مصيرا
إلى طرد القولين في شراء الأعمى وليكن معلما بالواو للطريقة القاطعة بالمنع وإليها ذهب الأكثرون
وقوله إنه يقدر على التوكيل إشارة إلى ما سبق من مضى الطريقين وجعله الصحة أصح
الوجهين غير منازع فيه لكن ذهاب الأكثرين إلى القطع بالمنع يشوش ذلك البناء لان قائس
ترجيح وجه الصحة يرجح طريقة القولين وقوله فإنه أول كلام الشافعي رضي الله عنه على غير
الأكمه أراد به ان الشافعي رضي الله عنه أطلق القول في جواز سلم الأعمى فقال المزني في مختصر
سننه أن يكون أراد الشافعي رضي الله عنه لمعرفتي بلفظ الأعمى الذي عرف الألوان قبل إن يعمي
واما من خلق أعمى فإنه لا معرفة له بالألوان وحكم بفساد سلمه *
قال (التفريع * ان شرطنا الروية فالروية السابقة كالمقارنة (و) فيما لا يتغير غالبا وليس استقصاء
الوصف كالروية على الأظهر * ورؤية بعض المبيع كافية إن دل على الباقي لكونه من جنسه أو كان
صوأنا له خلقة كقشر الرمان والبيض) *
لما فرغ من ذكر القولين في شراء الغائب والصور الملحقة به أراد أن يفرع عليها فعد في
هذا الفصل فروعا على قولنا باشتراط الرؤية وفى الفصل الذي يليه فروعا على القول المقابل له
فاما فروع هذا الفصل الذي ذكرها فهي ثلاثة (أحدها) لو اشترى غائبا رآه قبل العقد نظر إن كان
مما لا يتغير غالبا كالأراضي والأواني والحديد والنحاس ونحوها أو كان لا يتغير في المدة المتخللة
بين الرؤية والشراء صح العقد لحصول العلم الذي هو المقصود وقال الأنماطي لا يصح لان ما كان
شرطا في العقد ينبغي أن يوجد عنده كالقدرة على التسليم في البيع والشهادة في النكاح والمذهب
الأول * واحتج الإصطخري على الذاب عن الأنماطي في المسألة فقال أرأيت لو كان في يده خاتم
فأراه غيره حتى نظر إلى جميعه ثم غطاه بكفه ثم باعه منه هل يصح قال لا قال أرأيت لو دخل
149

دارا ونظر إلى جميع بيوتها وعلا إليها ثم خرج منها واشتراها هل يصح قال لا قال أرأيت لو دخل
أرضا ونظر إلى جميعها ثم وقف في ناحية منها واشتراها هل يصح فتوقف فيه ولو ارتكبه لكان
مانعا بيع الأراضي والضياع التي لا تشاهد دفعة واحدة فإنه خلاف الاجماع * ثم إذا صححنا الشراء
فان وجده كما رآه أولا فلا خيار له وإن وجده متغيرا فقد حكى المصنف فيه وجهين في الوسيط
(أحدهما) انه يتبين بطلان العقد لتبين انتفاء المعرفة (وأصحهما) وهو الذي أورده الجمهور انه لا يتبين
ذلك لبناء العقد في الأصل على ظن غالب ولكن له الخيار قال الامام وليس المعني بتغيره تعيبه
فان خيار العيب لا يختص بهذه الصورة ولكن الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة عند
الرؤية وكل ما فات منها فهو بمثابة ما لو تبين الخلف في الشرط * وإن كان المبيع مما يتغير في مثل
تلك المدة غالبا كما إذا رأى ما يتسارع إليه الفساد من الأطعمة ثم اشتراه بعد مدة صالحة فالبيع
باطل وان مضت مدة يحتمل أن يتغير فيها ويحتمل أن لا يتغير أو كان المبيع حيوانا ففيه وجهان
(أحدهما) انه لا يصح البيع لما فيه من الغرر ويحكى هذا عن المزني وابن أبي هريرة (وأصحهما)
الصحة لأن الظاهر بقاؤه بحاله فان وجده متغيرا فله الخيار وإذا اختلفا فقال البائع هو بحاله وقال
المشترى بل تغير فوجهان (أحدهما) أن القول قول البائع لان الأصل عدم التغير واستمرار العقد
(وأظهرهما) وهو المحكى عن نصه في الصرف أن القول قول المشترى مع يمينه لان البائع يدعي
عليه الاطلاع على المبيع على هذه الصفة والرضى به وهو ينكره فأشبه ما إذا ادعي عليه الاطلاع
على العيب وأنكر المشترى * (الثاني) استقصاء الأوصاف على الحد المعتبر في السلم هل يقوم مقام
الرؤية وكذا سماع وصفه بطريق التواتر فيه وجهان (أحدهما) نعم لان ثمرة لرؤية المعرفة وهما يفيدانها
فعلى هذا يصح البيع على القولين ولا خيار (وأصحهما) لا لان الرؤية تطلع على أمور تضيق
150

عنها العبارة * ثم الصائرون إلى هذا الوجه ومنهم أصحابنا العراقيون اختلفوا في أن استقصاء الوصف
هل يشترط على قولنا بصحة بيع الغائب على ما ستعرفه إن شاء الله تعالى (الثالث) إذا رأى بعض
الشئ دون بعض نظر إن كان مما يستدل برؤية بعضه على الباقي صح البيع كما إذا رأى ظاهر
الصبرة منه الحنطة والشعير لان الغالب أن أجزاءها لا تختلف وتعرف جملتها برؤية ظاهرها ثم
لا خيار له إذا رأى باطنه إلا إذا خالف باطنه ظاهره * وفى التتمة أن أبا سهل الصعلوكي حكى قولا
عن الشافعي رضي الله عنه انه لا تكفى رؤية ظاهر الصبرة بل لابد من تقليبها ليعرف حال باطنها
أيضا وهكذا حكاه أبو الحسن العبادي عن الصعلوكي نفسه وقال إنما ألجأه إليه ضرورة نظر المبيع والمذهب
المشهور هو الأول * وفى معنى الحنطة والشعير صبرة الجوز واللوز والدقيق لأن الظاهر استواء
ظاهرها وباطنها * ولو كان شئ منها في وعاء فرأى أعلاه أو رأى اعلا السمن والخل وسائر المائعات
في ظروفها كفا ولو كانت الحنطة في بيت وهو مملوء منها فرأى بعضها من الكوة أو الباب كفى
ان عرف سعة البيت وعمقه والا فلا وكذا حكم الجمد في المجمدة ولا يكفي رؤية صبرة البطيخ والرمان
والسفرجل لأنها تباع في العادة عددا وتختلف اختلافا بينا فلابد من رؤية واحد واحد وكذا
لا يكفي في شراء السلة من العنب والخوخ ونحوهما رؤية الاعلا لكثرة الاختلاف فيها بخلاف
صبرة الحبوب والتمر ان لم تلتزق حباته فصبرته كصبرة الجوز واللوز وان التزقت كالقوصرة
فيكفي روية أعلاها على الصحيح وعن الصيمري حكاية خلاف في القطن في العدل انه هل يكفي
رؤية أعلاه أم لابد من روية جميعه قال والأشبه عندي انه كقوصرة التمر * ولو رأى أنموذجا وبني
البيع عليه نظر ان قال بعتك من هذا النوع كذا فهو باطل لأنه لم يعين مالا ولا راعى شرط السلم
ولا يقوم ذلك مقام الوصف في السلم على الصحيح لان الوصف باللفظ يمكن الرجوع إليه عند
151

الاشكال * ولو قال بعتك الحنطة التي في هذا البيت وهذا الأنموذج منها نظر ان لم يدخل الأنموذج في
البيع ففيه وجهان (أحدهما) صحة البيع تنزيلا له منزلة استقصاء الوصف (وأصحهما) المنع لأن المبيع
غير مرئي ولا يشبه استقصاء الوصف لما ذكرنا في السلم وان أدخله في البيع فعن القفال وغيره
القطع بالصحة كما لو رأى بعض الصبرة وعن بعض الأئمة القطع بالمنع قال امام الحرمين والقياس
ما قاله القفال ولا يخفى أن مسألة الأنموذج إنما تفرض في المتماثلات * وإن كان ذلك الشئ مما
لا يستدل برؤية بعضه على الباقي نظر إن كان المرئي صوانا للباقي كقشر الرمان والبيض كفى
رؤيته وإن كان معظم المقصود مستورا لان صلاحه في إبقائه فبه وكذا لو اشترى الجوز واللوز في
القشرة السفلي ولا يصح بيع اللب وحده فيها لا على القول الذي يفرع عليه ولا على القول الآخر
لان تسلميه لا يمكن الا بكسر القشرة وفيه تغيير عين المبيع * ولو رأى المبيع من وراء قارورة هو
فيها لم يكف لان المعرفة التامة لا تحصل به ولا يتعلق صلاح بكونه فيها بخلاف السمك يراه في
الماء الصافي يجوز بيعه وكذا الأرض يعلوها ماء صاف لأن الماء من صلاحها ولا يمنع معرفتها
وان لم يكن كذلك لم تكف رؤية البعض على هذا القول (وأما) على القول الآخر ففيه كلام موضعه
الفصل الذي يلي هذا الفصل * واعلم أن الرؤية في كل شئ على حسب ما يليق به ففي شراء الدار
لابد من رؤية البيوت والسقوف والسطوح والجدران داخلا وخارجا ومن رؤية المستحم والبالوعة
وفى البستان من روية الأشجار والجدران ومسائل الماء ولا حاجة إلى رؤية أساس البنيان وعروق
الأشجار ونحوها وفى الجرجانيات لأبي العباس الروياني ذكر وجهين في اشتراط رؤية طريق
الدار ومجرى الماء الذي تدور به الرحا * وفى شراء العبد لابد من رؤية الوجه والأطراف ولا يجوز
روية العورة وفى باقي البدن وجهان (أظهرهما) وهو المذكور في التهذيب أنه لابد من رويته وفى
الجارية وجوه (أحدها) يعتبر روية ما يرى من العبد (والثاني) روية ما يبدو عند المهنة (والثالث)
152

يكفي روية الوجه والكعبين وفى روية الشعر وجهان قال في التهذيب (أصحهما) اشتراطها ولا يشترط
روية الأسنان واللسان في أصح الوجهين * وفى الدواب لابد من روية مقدمها ومؤخرها وقوائمها
ويجب رفع السرج والاكاف والجل وعن بعض الأصحاب أنه لابد من أن يجرى الفرس بين
يديه ليعرف سيره * والثوب المطوى لابد من نشره قال الامام ويحتمل عندي ان نصحح بيع
الثياب التي لا تنشر بالكلية الا عند القطع لما في نشرها من التنقيص وتلحق بالجوز واللوز لا يعتبر
كسرها لرؤية للبوب مع أنها معظم المقصود ثم إذا نشرت فما كان صفيقا كالديباج المقش فلابد
من روية كلا وجهيه وفى معناه البسط والزلالي وما كان رقيقا لا يختلف وجهاه كالكرباس يكفي
روية أحد وجهيه في أصح الوجهين * ولا يصبح بيع الثياب التوزية في المسوح على هذا
القول قال الامام وعموم عرف الزمان محمول على المحافظة على المالية والاعراض عن رعاية حدود
الشرع * وفى شراء المصحف والكتب لابد من تقليب الأوراق وروية جميعها وفى البياض لابد
من رؤية جميع الطاقات وذكر أبو الحسن العبادي أن القفاع يفتح رأسه وينظر فيه بقدر الامكان
حتى يصح بيعه وصاحب الكتاب أطلق المسامحة في الاحياء فيما أظن والله أعلم *
قال (وإن لم نشترط الروية فبيع اللبن في الضرع باطل (م) لتوقع اختلاطه بغير المبيع وعسر
التسليم * ولو اشترى ثوبا نصفه في صندوق فالنص أنه باطل لان الروية سبب اللزوم وعدمها سبب
الجواز فيتناقضان على محل واحد لا يتبعض * ولو قال بعت ما في كمي لم يصح (و) ما لم يذكر الجنس *
ومهما رأى البيع فله الخيار وله الفسخ قبل الروية دون الإجازة لان الرضا قبل حقيقة المعرفة
لا يتصور وفيه وجه آخر) *
153

أمهات مسائل الفصل أربع (إحداها) بيع اللبن في الضرع باطل وعن مالك رضي الله عنه انه إذا
عرف قدر حلابها في كل دفعة صح وان باعه أياما * لنا ما روى عن ابن عباس رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم (نهي أن يباع صوف على ظهر أو لبن في ضرع) (1) ولأنه مجهول القدر لتفاوت ثخن الضروع
ولأنه يزداد شيئا فشيئا لا سيما إذا أخذ في الحلب وما يحدث ليس من المبيع فلا يتأنى التمييز والتسليم * ولو
قال بعتك من اللبن الذي في ضرع هذه البقرة كذا لم يجز أيضا على الصحيح لان وجود القدر
المذكور في الضرع لا يستيقن وفيه وجه انه يجوز كما لو باع قدرا من اللبن في الظرف فيجى فيه قولا بيع
الغائب * ولو حلب شيئا من اللبن فأراه ثم باعه مدا مما في الضرع فقد نقلوا فيه وجهين كما في مسألة الأنموذج
قال الامام وهذا لا ينقدح إذا كان المبيع قدرا لا يتأنى حلبه إلا ويتزايد اللبن فان المانع قائم والحالة
هذه فلا ينفع إبداء الأنموذج نعم لو كان المبيع يسيرا وابتدر إلى الحلب فلا يفرض والحالة هذه
154

ازدياد شئ به مبالاة فيحتمل التجويز لكن إذا صورنا الامر هكذا فلا حاجة إلى ابداء الأنموذج
في التخريج على الخلاف بل صار صائرون إلى الحاقه ببيع الغائب وآخرون ختموا الباب والحقوا
القليل بالكثير وصاحب الكتاب في الوسيط حكي الخلاف في صورة أخرى تناسب هذه
وهي أن يقبض على قدر من الضرع ويحكم شده ويبيع ما فيه * (وقوله) في الكتاب وإن لم نشترط
الروية فبيع اللبن في الضرع باطل لا يخفى ان هذا ليس تفريعا على هذا القول خاصة بل هو على قول
اشتراط الروية أولى بان يبطل وإنما ذكره عند التفريع على هذا القول ليعرف أنه وإن صح شراء
ما لم ير لم يصح بيع اللبن في الضرع لمعنى الاختلاط * ونختم المسألة بصور تشبهها (إحداها) لا يجوز
بيع الصوف على ظهر الغنم لما مر من الخبر ولان مطلق اللفظ يتناول جميع ما على ظاهر الجلد ولا يمكن
استيعابه الا بايلام الحيوان وإن شرط الجز فالعادة في المقدار المجزوز تختلف وبيع المجهول لا يجوز
وعن مالك رضي الله عنه أنه يجوز بشرط الجز * وحكاه القاضي بن كج وجها لبعض الأصحاب
ويجوز بيع الصوف على ظهر الحيوان بعد الذكاة إذ ليس في استيفاء جميعه ايلام * وتجوز الوصية
باللبن في الضرع وبالصوف على ظهر الغنم بخلاف البيع (الثانية) بيع الشاة المذبوحة قبل السلخ باطل
سواء بيع اللحم وحده أو الجلد وحده أو بيعا معا لان المقصود اللحم وهو مجهول * ولا يجوز بيع الأكارع
والروس قبل الإبانة وفى الأكارع وجه مذكور في التتمة ويجوز بيعها بعد الإبانة نية ومشوية ولا اعتبار بما
عليها من الجلد فإنها مأكولة كذا المسموط يجوز بيعه نيا ومشويا وفى الني احتمال عند الامام
(الثالثة) بيع المسك في الفأرة باطل سواء بيع معها أو دونها كاللحم في الجلد ولا فرق بين أن يكون
رأس الفأرة مفتوحا أولا يكون للجهل بالمقصود وفصل في التتمة إذا كانت مفتوحة فقال إن لم
تتفاوت ثخانتها وشاهد المسك فيه صح البيع والا فلا وعن ابن سريج أنه يجوز بيعه مع الفارة
155

تشبيها لها بالجوز واللوز * ولو أرى المسك خارج الفارة ثم اشتراه بعد الرد إليها صح
فإن كان رأسها مفتوحا فرأى أعلاه يجوز والا فعلى قولي بيع الغائب (المسألة الثانية)
لو رأى بعض الثوب المبيع وبعضه الآخر في صندوق أو جراب لم يره فقد حكى المزني
عن نصه أن لبيع باطل ورأي كونه مقطوعا به واحتج به لاختيار بطلان بيع الغائب
وقال إذا بطل بيع ما لم ير بعضه فلان يبطل بيع ما لم ير كله كان أولى * وللأصحاب في المسألة طريقان
فقال قائلون منهم أبو إسحاق المسألة على قولين كما لو لم ير شيئا منه وحيث أجاب الشافعي رضي الله
عنه بالبطلان أجاب على أحد القولين في بيع الغائب والاقتضاء على أحد القولين في بعض الصور لا يستبدع
ألا ترى أنه اقتصر على قول التصحيح في كثير من المواضع * وسلم آخرون منهم صاحب الافصاح أبو علي ما قرره
المزني من الجزم بالبطلان وفرقوا بوجهين (أحدهما) أن ما نظر إلى بعضه يسهل النظر إلى باقيه بخلاف الغائب
فقد يعسر احضاره وتدعوا لحاجة إلى بيعه (والثاني) ان الرؤية فيما يراه سبب اللزوم وعدمها فيما لم ير
سبب الجواز والعقد واحد لا يتصور اثبات الجواز واللزوم فيه معا ولا يمكن تبعيض المعقود عليه
في الحكمين * قال جمهور الأئمة والصحيح الطريقة الأولى والفرقان فاسدان أما الأول فلانا على
قول تجويز بيع الغائب نجوز بيع ما في الكم مع سهولة إخراجه وأما الثاني فلان وجود سبب الرد
في البعض يكفي في رد الكل كما إذا وجد ببعض المبيع عيبا وإذا عرفت ما ذكرناه عرفت أن ما
اقتصر على ذكره في الكتاب تفريعا على هذا القول غير ما هو الصحيح عند الجمهور * هذا كله فيما إذا كان
المبيع شيئا واحدا أما إذا كان المبيع شيئين ورأي أحدهما دون الآخر فان أبطلنا شراء الغائب
لم يصح المبيع فيما لم يره وفيما رآه قولا تفريق الصفقة فان صححنا شراء الغائب
ففي صحة العقد فيهما
قولان لأنه جمع في صفقة واحدة بين مختلفي الحكم لان ماراه لاخيار فيه وما لم يره يثبت فيه
الخيار فان صححنا فله رد ما لم يره وإمساك ما رآه (المسألة الثالثة) إذا لم نشترط الروية فلابد من ذكر جنس
المبيع بأن يقول بعتك عبدي أو فرسي ولا يكفي قوله بعتك ما في كمي أو كفى أو خزانتي أو ما ورثته
من أبى إذا لم يعرفه المشتري هذا ظاهر المذهب * وحكي الامام وجها أنه يصح وان لم يذكر الجنس
لان المرعي على القول الذي يفرع عليه أن يكون المبيع معينا والجهالة لا تزول بذكر الجنس
فلا معنى لاشتراطه فعلى هذا لا يشترط ذكر النوع بطريق الأولى وعلى قولنا أنه يشترط ذكر الجنس
156

فالظاهر أنه لابد من ذكر النوع أيضا بأن يقول عبدي التركي أو فرسي العربي: وأوهم الامام خلافا
فيه فقال لم يشترط أصحاب القفال ذلك واشترطه العراقيون * وربما أشعر قوله في الكتاب ما لم يذكر
الجنس بالاكتفاء بذكر الجنس والاستغناء عن ذكر النوع أيضا وإذا جرينا على الظاهر فلو كان
له عبدان من النوع المذكور فلابد من أن يريد ما يقع به التمييز من التعرض للسن أو غيرها وإن
لم يكن الا واحد فوجهان (أصحهما) وبه قال أبو حنيفة ويحكى عن نصه في الاملاء والقديم أنه يكفي
ذكر الجنس والنوع ولا يجب التعرض للصفات لان الخيار ثابت والاستدراك حاصل به فلا حاجة
إلى الوصف (والثاني) وبه قال مالك انه لابد من التعرض إلى الصفات وعلى هذا فوجهان (أحدهما)
وبه قال أبو علي الطبري أنه يشترط ذكر صفات السلم لأنه مبيع غير مشاهد فاعتبر فيه التعرض للصفات
كالمسلم فيه وهذا مذهب أحمد (وأقربهما) وبه قال القاضي أبو حامد أنه يكفي التعرض لمعظم الصفات
وضبط ذلك بما يوصف المدعي به عند القاضي (المسألة الرابعة) إذا قلنا لابد من الوصف فوصف نظران
وجده على ما وصفه ففي ثبوت الخيار وجهان (أحدهما) لا يثبت وبه قال احمد بسلامة المعقود عليه
بصفاته ويحكى هذا عن القاضي الحسين (وأصحهما) وبه قطع قاطعون انه يثبت لما سبق من الخبر * وان
وجده دون ما وصفه فله الخيار لا محالة * وإن قلنا لا حاجة إلى الوصف فللمشتري الخيار عند الرؤية
سواء شرط أو لم يشرطه وفى كتاب القاضي ابن كج ان أبا الحسين حكي عن بعض أصحابنا انه
لابد من اشتراط خيار الروية حتى يثبت وهل له الخيار قبل الرؤية أما الإجازة فظاهر المذهب انها
157

لا تنفذ لان الإجازة رضي بالعقد والزام له وذلك يستدعي العلم بالمعقود عليه وانه جاهل بحاله ولو
كفى قوله أجزت العقد مع الجهل لا غني قوله في الابتداء اشتريت * وحكي في التتمة وجها انه ينفذ تخريجا
من تصحيح الشرط إذا اشتري بشرط ان لا خيار (واما) الفسخ فان نفذنا الإجازة فالفسخ أولى
وان لم ننفذ الإجازة ففي الفسخ وجهان (أحدهما) انه لا ينفذ أيضا لان الخيار في الخبر منوط بالرؤية
(وأصحهما) انه ينفذ لان حق الفسخ ثابت له عند الروية مغبوطا كان أو مغبونا فلا معني لاشتراط
الروية في نفوذه * وإذا كان البائع قد رأي المبيع فهل يثبت له الخيار كما يثبت للمشترى فيه وجهان
(أحدهما) نعم كخيار المجلس يشتركان فيه (وأصحهما) لا وهو نصه في الصرف ولأنه أحد المتبايعين فلا
يثبت له الخيار مع تقدم الروية كالمشتري * ولو باع ما لم يره وصححنا العقد فهل يثبت الخيار له فيه
وجهان (أصحهما) عند المراوزة وبه قال أبو حنيفة لا لان جانب البائع بعيد عن الخيار بخلاف جانب
المشترى ولهذا لو باع شيئا على أنه معيب فبان صحيحا لاخيار له ولو اشتراه على أنه صحيح فبان
معيبا له الخيار (والثاني) يثبت لأنه جاهل بالمعقود عليه فأشبه المشترى وهذا هو الذي أورده الشيخ
أبو حامد ومن تابعه قالوا والخيار كما يثبت للمشترى عند النقصان يثبت للبائع عند الزيادة الا ترى
انه لو باع ثوبا على أنه عشرة أذرع فبان أحد عشر ذراعا يثبت للبائع الخيار * ثم خيار الروية على
الفور أو يمتد امتداد مجلس الروية فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبي هريرة أنه على الفور لأنه
خيار تعلق بالاطلاع على حال المبيع فأشبه الرد بالعيب (والثاني) وبه قال أبو إسحاق انه يمتد امتداد
مجلس الروية لأنه خيار ثبت قضية للعقد فتعلق بالمجلس كخيار المجلس قال صاحب التهذيب وهذا
أصح والوجهان عند الشيخ أبي محمد مبنيان على مسألة أخرى وهي انه هل يثبت خيار المجلس مع
خيار الروية وفيه وجهان (أحدهما) انه يثبت كما يثبت في شراء الأعيان الحاضرة (والثاني) لا يثبت
الاستغناء بخيار الروية عنه فعلى الأول خيار الروية على الفور والا لأثبتنا خيار مجلسين وعلى الثاني
158

يمتد امتداد مجلس الروية * وزاد الامام ترتيبا فقال إن أثبتنا خيار المجلس فهذا الخيار على الفور والا
فوجهان (وقوله) في الكتاب وفيه وجه آخر أراد الوجه الصائر إلى نفوذ الإجازة على ما أوضحه في
الوسيط لا الوجه الصائر إلى نفوذ الفسخ وإن كان اللفظ يحتملها * فرعان * (أحدهما) لو تلف
المبيع في يد المشترى قبل الروية ففي انفساخ البيع وجهان كنظيره في خيار الشرط ولو باعه قبل
الروية لم يصح بخلاف ما لو باع في زمن خيار الشرط يجوز على الأصح لأنه يصير مجيزا للعقود وههنا
لا إجازة قبل الروية لما سبق (الثاني) نقل القاضي الروياني وصاحب التتمة وجها انه يعتبر على قول
اشتراط الروية الذوق في الخل ونحوه والشم في المسك ونحوه واللمس في الثياب ونحوها فان كيفياتها
المقصودة بهذه الطرق تعرف والمشهور انها لا تعتبر وإنما هي ضرب انتفاع واستعمال. (فرع ثالث)
ذكر بعضهم انه لابد من ذكر موضع المبيع فلو كان في غير بلد التبايع وجب تسليمه في ذلك البلد
ولا يجوز شرط تسليمه في بلد التبايع بخلاف السلم فإنه مضمون في الذمة والعين الغائبة غير مضمونة
في الذمة فاشتراط نقلها يكون بيعا وشرطا * (فرع رابع) قال حجة الاسلام في الوسيط وقع في
الفتاوى ان رأى رجل ثوبين ثم سرق أحدهما فاشترى الرجل الثوب الباقي وهو لا يدري المسروق
أيهما فقلت ان تساوت صفة الثوبين وقدرهما وقيمتهما كنصفي كرباس واحد صح العقد فإنه اشترى معينا
مرئيا معلوما وإن اختلفا في شئ من ذلك خرج على قولي بيع الغائب لأنه ليس يدرى أن المشترى
منهما الطويل أو القصير مثلا فلم تفد الرؤية السابقة العلم بحال المبيع عند العقد فلا تغني وهذا الذي
ذكره يتأيد بأحد الرأبين فيما إذا لم يملك إلا عبدا واحدا فحضر في نفر من العبيد فقال سيده بعتك
عبدي من هؤلاء والمشترى يراهم وهو لا يعرف عين ذلك العبد (فرع خامس) إذا لم نشترط الروية
واختلفا فقال البائع للمشترى قد رأيت المبيع وقال المشترى ما رأيته ففيه وجهان (أحدهما) ان القول
قول البائع لأنه اختلاف في سبب الخيار فأشبه ما لو اختلفا في قدم العيب (وأظهرهما) عند أبي الحسن
159

العبادي ان القول قول المشتري كما لو اختلفا في اطلاعه على العيب * هذا إذا لم نشترط الروية فان
شرطناها وفرض هذا الاختلاف فقد ذكر المصنف في فتاويه أن القول قول البائع لان للمشترى
أهلية الشراء وقد أقدم عليه فكان ذلك اعترافا منه بصحة العقد ولا ينفك هذا عن الخلاف
والله أعلم *
قال (الباب الثاني في الفساد بجهة الربا)
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تبيعوا الذهب بالذهب والورق بالورق والبر بالبر والتمر
بالمتر والشعير بالشعير والملح بالملح الا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد) فمن باع شيئا من
هذه المطعومات بجنسه فليرع المماثلة بمعيار الشرع والحلول أعني ضد النسيئة والتقابض (ح) في
المجلس فان باع بغير جنسه لم يسقط الا رعاية المماثلة في القدر وفي معني المطعومة كل ما يظهر فيه قصد
الطعم وإن لم يكن مقدرا حتى السفرجل (و) والزعفران (م) والطين الارمثى (م) لأن علة ربا الفضل
فيه الطعم (م ح) ولكن في المتجانسين وعلة تحريم النساء ووجوب التقابض الطعم (م ح) فقط * وإذا
بيع مطعوم بمطعوم فهو في محل الحكم بتحريم النساء ووجوب التقابض * وعلة الربا في النقدين
كونهما جوهري الأثمان (ح) فتجرى في الحلى والأواني المتخذة منهما * ولا يجوز سلم شئ في
غيره إذا كانا مشتركين في علة النقدية أو في الطعم) *
لما كان الطرف الأول من الكتاب معقودا في صحه البيع وفساده وقد تكلم في الباب الأول في
الأركان وشروطها وجب النظر في أسباب الفساد وفساده تارة يكون لاختلال في الأركان أو في
بعض شروطها وإذا عرفت اعتبارها عرفت أن فقدها مفسد وتارة يكون لغيره من الأسباب فجعل
بقية أبواب الطرف في بيانها فمنها الربا قال الله تعالى * (وأحل الله البيع وحرم الربا) * وقال عز وجل
160

(وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين) * وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم * (انه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه
وشاهده) (1) والحديث الذي صدر به الباب بعض ما رواه الشافي رضي الله عنه في المختصر قال
أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار ورجل آخر عن عبادة بن الصامت
رضي الله عنهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا
الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح الا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد ولكن بيعوا الذهب
بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير البر والتمر بالملح والملح بالتمر كيف شئتم يدا بيد) قال
ونقص أحدهما التمر أو الملح وزاد الآخر فمن زاد أو استزاد فقد أربى ذكر بعض الشارحين أن
الرجل الآخر الذي ابهم ذكره هو عبد الله بن عبيد الله المعروف بابن هرمز (وقوله) ونقص
أحدهما التمر أو الملح يعنى أحد الرجلين ولم يبين الذي نقص منهما كأنه شك فيه وشك أيضا في أن
ما نقصه التمر أو الملح (وقوله) وزاد الآخر يعنى الذي لم ينقص * واختلفوا في قوله فمن زاد أو استزاد
161

فمنهم من قال هذا شك آخر من الشافعي ومنهم من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد يلفظ بهما جميعا وأراد
بقوله زادا عطى الزيادة وبقوله أو استزاد أخذ الزيادة أو طلبها وشبه ذلك بما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال
(الراشي والمرتشي في النار) (1) واعلم أن الربا ثلاثة أنواع ربا الفضل وهو زيادة أحد العوضين على
الآخر في القدر * وربا النساء وهو أن يبيع مالا بمال نسيئة سمى به لاختصاص أحد العوضين بزيادة
الحلول * وربا اليد وهو أن يقبض أحد العوضين دون الا آخر وفي الخبر ذكر ستة أشياء وهي النقد ان
والمطعومات الأربعة والحكم غير مقصور عليها باتفاق جمهور العلماء لكن الربا ثبت فيها لمعنى فيلحق
بها ما يشاركها فيه (فاما) الأشياء الأربعة فللشافعي رضي الله عنه قولان في علة الربا فيها (الجديد) ان
162

العلة الطعم لما روى معمر بن عبد الله قال كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (الطعام بالطعام
مثل بمثل) (1) علق الحكم باسم الطعام والحكم المعلق بالاسم المشتق معلل بما منه الاشتقاق كالقطع
المعلق باسم السارق والجلد المعلق باسم الزاني (والقديم) ان العلة فيها الطعم مع الكيل والوزن
واحتجوا له بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الذهب بالذهب وزنا بوزن والبر بالبر كيلا بكيل) (2) فعلى
هذا يثبت الربا في كل مطعوم مكيل أو موزون دون ما ليس بمكيل ولا موزون كالسفرجل والرمان
والبيض والجوز والأترج والنارنج * وعن الأودني من أصحابنا انه تابع ابن سيرين في أن العلة الجنسية
حتى لا يجوز بيع مال بجنسه متفاضلا * وقال مالك العلة الاقتيات فكل ما هو قوت أو يستصلح به القوت
يجرى فيه الربا وقصد بالقيد الثاني أدراج الملح * وقال أبو حنيفة العلة الكيل حتى يثبت الربا في
الجص والنورة وسائر المكيلات * وعن أحمد روايتان (إحداهما) كقول أبي حنيفة (والأخرى)
كقول الشافعي رضي الله عنه الجديد * وإذا عللنا بالطعم اما مع انضمام التقدير إليه أو دونه تعدى
الحكم إلى كل ما يقصد ويعد للطعم غالبا إما تقوتا أو تادما أو تفكها أو غيرها فتدخل فيه الحبوب
والفواكه والبقول والتوابل وغيرها ولا فرق بين ما تؤكل نادرا كالبلوط والطرثوث أو غالبا ولا بين أن يوكل وحده أو مع غيره وفي الزعفران وجهان (أصحهما) انه يجرى فيه الربا لان المقصود الأظهر من الاكل
تنعما أو تداويا الا أنه يخلط بغيره (الثاني) لا يجرى لأنه يقصد به الصبغ واللون غالبا وبهذا قال
القاضي أبو حامد فيما حكاه ابن كج وأبو حيان التوحيدي في بعض رسائله ولافرق بين ما يؤكل
للتداوي كالهليلج والبليلج والسقمونيا وغيرها وبين ما يؤكل لسائر الاغراض على المذهب * وفي
التتمة حكاية وجه ان ما يهلك كثيره ويستعمل قليله في الأدوية كالسقمونيا لا يجرى فيه الربا (واما)
الطين فالخراساني منه ليس بربوي لأنه لا يعد مأكولا ويسفه آكله وعن الشيخ أبى محمد الميل
إلى أنه ربوي * والأرمني دواء فهو كالهليلج وفيه وجه آخر انه لا ربا فيه كسائر أنواع الطين والي
هذا ذهب القاضي ابن كج * وفي دهن البنفسج والورد والبان وجهان (أصحهما) ان فيها الربا فإنها
متخذة من السمسم اكتسبت رائحة من غيره وإنما لا توكل في العادة ضنة بها وفي دهن الكتان
163

وجهان (أظهرهما) انه ليس مال الربا لأنه لا يعد للاكل ودهن السمك كذلك لأنه يعد للاستصباح
وتدهين السفن لا للاكل قال الامام وهذا يظهر جعله مال الربا فإنه جزء من السمك * ونقل صاحب البيان
وجهين في حب الكتان والزنجبيل ووجهين عن الصميري في ماء الورد وذكر انه لا ربا في العود
والمصطكي والأشبه ان ما سوى العود كله ربوي وفى كون الماء ربويا إذا فرعنا على صحة بيعه وثبوت
الملك فيه وجهان (أصحهما) انه ربوي قال الشيخ أبو حامد ومن لا يجعله ربويا يقول العلة في
الربوبات انها مأكولة ومن يجعله ربويا يقول العلة انها مطعومة والثاني أعم لان المأكولية
لا تطلق في الماء والمطعومية تطلق قال الله تعالى (ومن لم يطعمه فإنه مني) ولا ربا في الحيوان لأنه
لا يؤكل على هيئته نعم ما يباح أكله على هيئته كالسمك الصغير على وجه يجرى فيه الربا هكذا
قاله في التتمة * وحكي الامام عن شيخه وعن صاحب التقريب ترددا فيه وقطع بالمنع لأنه لا يعد للاكل *
(واما) النقدان فعن بعض الأصحاب ان الربا فيهما لعينهما لا لعلة والمشهور ان العلة فيها صلاح التنمية
الغالبة وان شئت قلت جوهرية الأثمان غالبا والعبارتان تشملان التبر والمضروب والحلي والأواني
المتخذة منهما وفي تعدى الحكم إلى الفلوس إذا راجت حكاية وجه لحصول معني التنمية والأصح
خلافه لانتفاء التنمية الغالبة * وقال أبو حنيفة واحمد العلة فيهما الوزن فيتعدى الحك إلى كل موزون
كالحديد والرصاص والقطن * لنا انه لو كانت العلة الوزن لتعدى الحكم إلى المعمول من الحديد
والنحاس كما تعدى إلى المعمول من الذهب والفضة وقد سلموا انه لا يتعدى * ولو باع التبر أو المضروب
بالحلي من جنسه وجب رعاية التماثل * وعن مالك رضي الله عنه انه يجوز ان يزيد ما يقابل الحلى بقدر
قيمة الصنعة * إذا تقررت هذه الأصول فنقول إذا بيع مال بمال لم يخل اما ان لا يكونا ربويين
أو يكونا ربويين (فاما) في الحالة الأولى وهي تتضمن ما إذا لم يكن واحد منهما ربويا وما إذا كان
أحدهما ربويا فلا تجب رعاية التماثل ولا الحلو ولا التقابض ولافرق في ذلك بين ان يتفق الجنس
أو يختلف حتى لو أسلم ثوبا أو ثوبين أو باع حيوانا بحيوانين من جنسه جاز لما روي عن
عبد الله بن عمر أنه قال (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اشترى بعيرا ببعيرين إلى أجل) (1) وعند أبي حنيفة
164

لا يجوز اسلام الشئ في جنسه * وعن مالك يجوز عند التساوي ولا يجوز عند التفاضل (واما) في الحالة
الثانية فينظرا هذا ربوي بعلة وذاك ربوي بعلة اوهما ربويان بعلة واحدة فان اختلفت العلة
لم تجب رعاية التماثل ولا الحلول ولا التقابض ومن صور هذا القسم ان يسلم أحد النقدين
في البر أو يبيع الشعير بالذهب نقدا أو نسيئة * وان اتفقت العلة فينظران اتحد الجنس كما لو باع
الذهب بالذهب والبر بالبر ثبب فيه أنواع الربا الثلاثة فيجب رعاية التماثل والحلول والتقابض في
المجلس وان اختلف الجنس لم يثبت النوع الأول ويثبت النوعان الباقيان (مثاله) إذا باع ذهبا بفضة
أو برا بشعير لم تجب رعاية المماثلة ولكن تجب رعاية الحلول والتقابض قال صلى الله عليه وسلم في آخر خبر عبادة
(فبيعوا كيف شئتم يدا بيد) (1) أباح التفاضل بقوله كيف شئتم واعتبر التقابض بقوله يدا بيدا وإذا كان
التقابض معتبرا كان الحلول معتبرا فإنه لو جاز التأجيل لجاز تأخير التسليم إلى مضي المدة * وعند
أبي حنيفة لا يشترط التقابض الا في الصرف وهو بيع النقد بالنقد وبه قال احمد في رواية * لنا أن
النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النقدين وغيرهما في حديث عبادة في قرن واحد ثم قال (الا يدا بيد) فسوى في
اعتبار التقابض بين الذهب بالذهب والبر بالبر والله أعلم * ولنعد إلى لفظ الكتاب (قوله) فمن
باع شيئا من هذه المطعومات بجنسه إلى آخره شروع منه في بيان الحكم في أحد صنفي الأموال
المذكورة في الخبر وهو المطعومات ثم ما يجب رعايته في هذه المطعومات يجب رعايته
في سائر المطعومات كما بينه بقوله وفى معنى هذه المطعومات وكذلك في النقدين (وقوله)
بمعيار الشرع يعنى الكيل والوزن على ما سيأتي ذكره في موضعه (قوله) والتقابض في
المجلس معلم بالحاء والألف لما سبق انهما لا يعتبر انه في المطعومات ويجوز ان يعلم بهما أيضا (قوله)
المجلس معلم بالحاء والألف لما سبق انهما لا يعتبرانه في المطعومات ويجوزان يعلم بهما أيضا (قوله)
لم يسقط الا رعاية المماثلة في القدر وقوله وإن لم يكن مقدرا قصد به التعرض للقول القديم وليكن معلما
بالواو لذلك القول وكذا السفر جل وكذا الزعفران والطين الأرمني لما حكينا فيهما (وقوله) لأن علة ربا
الفضل فيها أي في المطعومات المذكورة في الخبر وغيرها (وقوله) الطعم معلم بالميم والحاء والألف لما
سمعنا من مذاهبهم (وقوله) ولكن في المتجانسين معناه أن الطعم لا يوجب تحريم ربا الفضل على الاطلاق
ولكن بشرط تجانس العوضين واختلفوا في أن الجنسية هل هي وصف من العلة أم لا فذهب الشيخ
أبو حامد وطبقته إلى أنها وصف من العلة وقالوا العلة على القديم مركبة من ثلاثة أوصاف وعلى
165

الجديد من وصفين واحترز المراوزة من هذا الاطلاق وقالوا الجنسية شرط ومنهم من قال هي
محل عمل العلة كالاحصان بالإضافة إلى الزنا وبهذا يشعر قوله في الكتاب ولكن في المتجانسين
واحتج هؤلاء بأنها لو كانت وصفا لافادت تحريم النساء بمجردها كما أفاد الوصف الآخر وهو الطعم تحريم
النساء بمجرده وليس كذلك فان الجنس بانفراده لا يحرم النساء * وللأولين أن يمنعوا إفادة ما هو وصف
لعله ربا الفضل تحريم النساء ويقولوا قد يفيده وقد لا يفيده وليس تحت هذا الاختلاف كثير طائل (وقوله) وعلة
تحريم النساء ووجوب التقابض الطعم فقط أي من غير اشتراط التجانس ويجوز اعلامه بالحاء والألف لما سبق
(واعلم) ان تحريم النساء ووجوب التقابض يتلازمان وينحي بكل واحد منهما نحو الاخر وقد نرى الأئمة لما بينهما
من التقارب يستغنون بذكر أحدهما عن الاخر (وقوله) فإذا بيع مطعوم بمطعون فهو في محل الحكم بتحريم
النساء ووجوب التقابض أي سواء تجانسا أم لا وهو مذكور للتأكيد والايضاح والا ففي قوله وعلة
تحريم النساء إلى آخره ما يفيده (وقوله) وعلة الربا في النقدين كونهما جوهري الأثمان معلم بالحاء والألف
والواو أيضا للوجه الصائر إلى أن الحكم فيهما غير معلل ثم لابد من إفادتها حرمة التفاضل من
الجنسية اما شرطا أو وصفا كما سبق ومجرد النقدية في إفادة تحريم النساء ووجوب التقابض كمجرد الطعم
فلذلك قال ولا يجوز سلم شئ في غيره إذا كانا مشتركين في علة النقدية أو الطعمية فان في السلم يفقد
التقابض وكذا الحلول غالبا (وقوله) أو الطعم مكرر ذكره مرة في قوله وعلة تحريم النساء إلى آخره
وأخرى في قوله فإذا بيع مطعوم بمطعوم إلى آخره وهذه مرة ثالثة وقد تورث المبالغة في الايضاح اشكالا *
(فرع) حيث اعتبر التقابض فلو تفرقا قبل التقابض بطل العقد ولو تقابضا بعض كل واحد
من العوضين ثم تفرقا بطل في غير المقبوض وفى المقبوض قولا تفريق الصفقة * والخاير في
المجلس قبل التقابض بمثابة التفرق يبطل العقد خلافا لابن سريج * ولو وكل أحدهما وكيلا بالقبض
وقبض قبل مفارقة الموكل مجلس العقد جاز وان قبض بعده فلا (آخر) بيع مال الربا بجنسه مع زيادة
لا يجوز الا بتوسط عقد آخر (مثاله) إذا أراد بيع دراهم أو دنانير صحاحا بمكسرة أكثر من وزنها يبيع
الدراهم بالدنانير والدنانير بالدراهم أو بعرض ثم إذا تقابضا وتفرقا أو تخايرا اشترى بالدراهم أو بذلك
العرض المكسرة كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل خيبر ان يبيع الجمع بالدراهم ثم يبتاع بها جنيبا) (1) والجنيب أجود
166

التمر والجمع كل لون من التمر لا يعرف له اسم ولافرق بين أن يتخذ ذلك عادة أولا يتخذه عادة
خلافا لمالك حيث قال يجوز مرة واحدة ولا يجوز ان يتخذه عادة * ولو اشترى المكسرة بعرض ماله
قبل أن يقبضه لم يجز وإن اشتراها به بعد قبضه وقبل التفرق والتخاير قال ابن سريج وغيره يجوز وهو
الأصح بخلاف ما لو باعه من غير بائعه قبل التفرق والتخاير حيث لا يجوز لما فيه من اسقاط خيار العاقد
الآخر وههنا يحصل بما يجرى بينهما إجازة العقد الأول * وعن صاحب التقريب انه مبنى على الخلاف
في الملك في زمن الخيار فان قلنا إنه يمنع انتقال الملك لم يجز لأنه باع ما لم يملكه * فهذا وجه من الحيلة
ووجه ثان وهو ان يقرض الصحاح من الاخر ويستقرض منه المكسرة ثم يبرئ كل واحد منهما
صاحبه * ووجه ثالث وهو ان يهب كل واحد منهما ماله من الاخر * ووجه رابع وهو ان يبيع الصحاح
بمثل وزنها من المكسرة ويهب صاحب المكسرة الزيادة منه فيجوز جميع ذلك إذا لم نشرط في
اقراضه وهبته وبيعه ما يفعل الاخر * ولو باع النصف الشائع من دينار قيمته عشرة دراهم بخمسة
جاز ويسلم إليه الكل ليحصل تسليم النصف ويكون النصف الآخر أمانة في يده بخلاف ما لو كان له
عشرة على غيره فأعطاه عشرة عددا فوزنت فكانت إحدى عشر دينارا كان الدينار الفاضل للمقبوض منه
على الإشاعة ويكون مضمونا عليه لأنه قبض لنفسه * ثم إذا سلم الدراهم الخمسة فله ان يستقرضها
ويشترى بها النصف الآخر فيكون جميع الدينار له وعليه خمسة دراهم * ولو باع الكل بعشرة وليس
مع المشترى الا خمسة فدفعها إليه واستقرض منه خمسة أخرى وردها إليه عن الثمن جاز * ولو استقرض
الخمسة المدفوعة فوجهان أصحهما الجواز *
قال (ثم النظر في أطراف (أولها) طرف المماثلة فما كان مكيلا على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز فيه الكيل وما كان موزونا فبالوزن وما لم يثبت فيه نقل فالوزن فيه أخصر
(ح) وقيل الكيل جائز لأنه أعم وقيل ينظر إلى عادة الوقت (و) ومالا يقدر كالبطيخ (و) فلا
خلاص فيه عن الربا الا ماله حالة جفاف وهي حالة كماله فيوزن * والجهل حال العقد بالمماثلة كحقيقة
المفاضلة فلا يصح بيع صبرة جزافا وإن خرجتا متماثلتين) *
قد مر في الفصل السابق ان المماثلة بمعيار الشرع مرعية وان الحكم يختلف بين أن يكون الربويان
متجانسين وبين لا يكونا متجانسين وذلك يحوج إلى بيان معيار الشرع والى بيان أنها في أي حالة تعتبر
والى معرفة التجانس في مظان الاشكال فعقد فيها ثلاثة أطراف من الكلام (أحدها)
في طرق الماثلة اعلم أن معيار الشرع الذي تراعى به المماثلة هو الكيل والوزن فالمكيل لا يجوز
167

بيع بعضه ببعض وزنا ولا يضر مع الاستواء في الكيل التفاوت في الوزن * والموزن لا يجوز بيع
بعضه ببعض كيلا ولا يضر مع الاستواء في الوزن التفاوت في الكيل روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (الذهب
بالذهب وزنا بوزن والحنطة بالحنطة كيلا بكيل) والنقدان من الأشياء الستة المذكورة في خبر عبادة
موزونا والأربعة المطعومة مكيلة نعم لو كان الملح قطعا كبارا ففيه وجهان (أحدهما) أنه يسحق
ويباع كيلا فإنه الأصل فيه (وأظهرهما) أنه يباع وزنا نظرا إلى ماله من الهيئة في الحال وكذا كل
شئ يتجافى في الكيل يباع بعضه ببعض وزنا * وكل ما كان مكيلا بالحجاز على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم فالمعتبر فيه الكيل وكل ما كان موزونا فالمعتبر فيه الوزن ولو أحدث الناس خلاف ذلك
فلا اعتبار به * وعن أبي حنيفة أنه يعتبر فيه غالب عادات البلدان رواه صاحب التهذيب * وما
لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان ولكن لا يعلم أنه كان يكال أو يوزن أو علم أنه يكال مرة
وبوزن أخرى ولم يكن أحدهما أغلب فقد ذكر المتولي انه إن كان أكبر جرما من التمر فالاعتبار فيه
بالوزن لأنه لم يعهد الكيل بالحجاز فيما هو أكبر من التمر وإن كان مثله أو أصغر منه ففيه وجوه
(أحدها) أن المعتبر فيه الوزن لأنه أحصر وأقل تفاوتا (والثاني) الكيل لأنه أعم فان أكثر الأشياء
الستة المذكورة في الحديث مكيل وأيضا فان أغلب المطعومات في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
مكيلا (والثالث) وهو الأشبه أنه ينظر إلى عادة الوقت لان الشئ إذا لم يكن محدودا في الشرع
كان الرجوع فيه إلى عادة الناس كما في القبض والحرز وعلى هذا فالمعتبر أية بلدة عن الشيخ أبى حامد وغيره
ان المعتبر عادة أكثر البلاد فان اختلفت عاداتها ولا غالب اعتبر ذلك الشئ بأشبه الأشياء به * وذكر صاحب
المهذب والتهذيب ان النظر إلى عادة بلد البيع هو الأحسن (والوجه الرابع) انه يعتبر بأقرب الأشياء شبها به
كما إذا شككنا في الحيوان انه مستطاب أو مستخبث نلحقه بأقرب الأشياء شبها به (والخامس)
حكاه الامام عن شيخه انه تثبت الخيرة بين الكيل والوزن * ثم منهم من خصص هذا الخلاف بما إذا
لم يكن للشئ أصل معلوم المعيار أما إذا استخرج من أصل هذا حاله فهو معتبر بأصله (منهم) من
أطلق ومما أفاده الامام في هذا الموضع أنه لا فرق بين المكيال المعتاد في عصر رسول الله صلى الله
عليه وسلم وسائر المكاييل المحدثة بعده كما أنا إذا عرفنا التساوي بالتعديل في كفتي الميزان نكتفي
به وان لم نعرف قدر ما في كل كفة * وفى الكيل بالقصعة ونحوها مما لا يعتاد الكيل به حكاية تردد
168

عن القفال والظاهر الجواز والوزن بالطيار والقرسطون وزن * وقد يتأتي الوزن بالماء بأن يوضع الشئ
في ظرف ويلقى على الماء وينظر إلى مقدار غوصه لكنه ليس وزنا شرعيا ولا عرفيا والظاهر أنه
لا يجوز التعويل في الربويات عليه والله أعلم * هذا كله في الشئ المقدر يباع بجنسه (فاما) ما لا يقدر
بكيل ووزن كالبطيخ والقثاء والرمان والسفرجل (فان قلنا) مثل هذا لا ربا فيه جاز بيع بعضه
ببعض كيف شاء حتى قال القفال لو جفف شئ منها وكان يوزن في جفافه لم يجز فيه الربا أيضا
لان أكمل أحواله حال الرطوبة وهو ليس مال ربا في تلك الحالة * قال الامام والظاهر خلاف
هذا فإنه في حال الجفاف مطعوم مقدر (وان قلنا) فيه الربا وهو القول الجديد وكلام الكتاب
مفرع عليه فيجوز بيعه بغير جنسه كيف شاء (وأما) بجنسه فينظر إن كان مما لا يجفف كالبطيخ الذي
تفلق وحب الرمان الحامض فلا يجوز بيع بعضه ببعض في حال الرطوبة كبيع الرطب بالرطب
ويجوز في حالة الجفاف بشرط التساوي وهذا حكم كل ما يجفف من الثمار وإن كان مقدرا كالمشمش
والخوخ والكمثرى الذي تفلق * وحكى الامام وجها أنه لا يجوز بيعها في حالة الجفاف أيضا بجنسها
إذ ليس يتقرر لها حالة كمال * وإن كان مما لا تجفف كالقثاء ونحوه فهل يجوز بيع بعضها ببعض في
حال الرطوبة فيه قولان وكذا في المقدرات التي لا تجفف كالرطب الذي لا يتمر والعنب الذي لا يتزبب
(أصحهما) المنع كبيع الرطب بالرطب (والثاني) الجواز لان معظم منافع هذه الأشياء في رطوبتها فبيع
بعضها ببعض كبيع اللبن باللبن فعلى هذا ان لم يمكن كيله كالبطيخ والقثاء بيع وزنا وان أمكن
كالتفاح والتين فيباع وزنا أو كيلا وجهان أصحهما أولهما لان الوزن أخصر ولا بأس على
الوجهين بتفاوت العدد * إذا عرفت طريق المماثلة في الباب فمن فروعه ان يريد شريكان في شئ من
مال الربا قسمته بينهما فهو مبني على أن القسمة بيع أو افراز (فان قلنا) بالأول وهو الأصح
فلا يجوز قسمة المكيل بالوزن ولا قسمة الموزون بالكيل * وما لا يباع بعضه ببعض كالعنب والرطب
فلا يقسم أيضا (وان قلنا) بالثاني جاز قسمة المكيل بالوزن وبالعكس ويجوز قسمة الرطب
ونحوه بالوزن * ولا يجوز قسمة الثمار بالخرص على رؤس الأشجار ان قلنا إنها بيع (وان قلنا) افراز
فقد حكى الشيخ أبو حامد عن نصه الجواز في الرطب والعنب لان للخرص مدخلا فيهما دون سائر
الثمار ومنهم من أطلق المنع * ومن فروعه انه لا يجوز بيع مال الربا بجنسه جزافا ولا بالتخمين
169

والتحري خلافا لمالك حيث اكتفى في المكيلات بالتحري إذا كانا في بادية * فلو باع صبرة من الحنطة
بصبرة أو دراهم بدراهم جزافا أو بالتخمين لم يجز سواء خرجتا متماثلتين أم لا أما إذا ظهر التفاضل
فظاهر وأما إذا لم يظهر فاحتجوا له بان التساوي شرط وشرط العقد يعتبر العلم به عند العقد *
ألا ترى انه لو نكح امرأة لا يدرى أهي معتدة أم لا أو هي أخته من الرضاع أم لا لا يصح النكاح *
ولا فرق بين أن يجهل كلتا الصبرتين أو إحديهما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع الصبرة من
التمر لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر) (1) ولو قال بعتك هذه الصبرة بتلك الصبرة مكايلة أو
كيلا بكيل أو هذه الدراهم بتلك موازنة أو وزنا بوزن فان كالا أو وزنا وخرجتا متساويتين صح العقد
والا فقولان قال في التهذيب (أصحهما) البطلان لأنه قابل الجملة بالجملة وهما متفاوتتان (والثاني) انه
يصح في الكبيرة بقدر ما يقابل الصغيرة لمقابلته صاعا بصاع ولمشتريها الخيار إذا لم يسلم له جميعها
وحيث قلنا بالصحة فلو تفرقا بعد تقابض الجملتين وقبل الكيل والوزن فهل يبطل العقد فيه وجهان
(أصحهما) لا لوجود التقابض في المجلس (والثاني) نعم لبقاء العلقة بينهما * ولو قال بعتك هذه الصبرة
بكيلها من صبرتك وصبرته صغيرة وصبرة المخاطب كبيرة صح لحصول المماثلة بين العوضين ثم إن
170

كالا في المجلس وتقابضا تم العقد وما زاد من الكبيرة لصاحبها وان تقابضا الجملتين وتفرقا قبل
الكيل فعلى ما سبق من الوجهين * ولو باع صبرة حنطة بصبرة شعير جزافا جاز ولو باعها بها صاعا
بصاع أو بصاعين فالحكم كما لو كانتا من جنس واحد (وقوله) في الكتاب وما لم يثبت فيه نقل فالوزن
أخصر أي فيتعين ذلك وايراد الكتاب يقتضى ترجيح هذا الوجه (قوله) وقيل الكيل جائز
ظاهره يقتضى تجويز الكيل مع تجويز الوزن وحينئذ يكون هذا الوجه وجه التخيير لكنه لم يرد
171

ذلك وإنما أراد وجه تعيين الكيل وذلك بين من التوجيه (وقوله) وما لا يقدر كالبطيخ فلا خلاص فيه عن
الربا إلى آخره جواب على القول المانع من بيع بعضه ببعض في حالة الرطوبة وليكن معلما بالواو
للقول الآخر (وقوله) فيوزن يجوز اعلامه بالواو لان المعنى فيباع وزنا * وقد حكينا وجها انه
لا يباع في حالة الجفاف أيضا *
قال (ولا يصح بيع الهروي (ح) بالهروي ولا بأحد التبرين على الخلوص ولا بيع مد
ودرهم (ح) بمد ودرهم لان حقيقة المماثلة غير معلومة * ولو راطل مائتي دينار وسط بمائة دينار
عتق ومائة دينار ردئ لم يجز لان ما في أحد الجانبين إذا وزع على ما في الجانب الثاني باعتبار
القيمة أفضي إلى المفاضلة إذ لا تعلم المفاضلة إلا بتقدير القيمة والتقويم تخمين وجهل لا يفيد معرفة
في الربا فمهما اشتملت الصفقة على مال الربا من الجانبين واختلف الجنس في أحد الجانبين أو في
واختلف النوع فالبيع باطل) *
(مقصود الفصل بيان القاعدة المعروفة بمد عجوة ثم يتصل بها ما يناسبها والقدر الذي تشترك
فيه مسائل الفصل أن تشتمل الصفقة على مال الربا من الجانبين ويختلف مع ذلك أحد العوضين
أو كلاهما جنسا أو نوعا أو صفة ثم لا يحلو إما أن يكون مال الربا من الجانبين من جنس واحد
172

أو من جنسين (القسم الأول) أن يكون مال الربا من الجانبين من جنس واحد وفيه تقع القاعدة
المقصودة فمن صوره أن يختلف الجنس من الطرفين أو من أحدهما كما إذا باع مد عجوة ودرهما
بمد عجوة ودرهم أو بمدى عجوة أو بدرهمين أو باع صاع حنطة وصاع شعير بصاع حنطة وصاع
شعير أو بصاعي حنطة أو صاعي شعير ومن صوره ان يختلف النوع والصفة من الطرفين أو أحدهما
كما إذا باع مد عجوة ومد صبحانى بمدى عجوة أو بمدى صبحانى أو بمد عجوة ومد صحابي أو باع مائة دينار
جيد ومائة دينار ردئ بمائتي دينار جيد أو ردئ أو وسط أو مائة جيدة ومائة رديئة فلا يصح
البيع في شئ من هذه الصور ونظائرها لما روى عن فضالة بن عبيد قال (أتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب تباع فامر النبي صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع
وحده ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب وزنا بوزن) (1) ويروى أنه قال (لا يباع
173

مثل هذا حتى يفصل ويميز) (1) والمعنى ان قضية العقد إذا اشتمل أحد طرفيه على مالين مختلفين وزع
مثل هذا حتى يفصل ويميز) (1) والمعنى ان قضية العقد إذا اشتمل أحد طرفيه على مالين مختلفين وزع
مال الطرف الآخر عليهما باعتبار القيمة وذلك يوجب المفاضلة أو الجهل بالمماثلة أما ان قضيته ما ذكرنا
فلانه لو باع شقصا من عقار وسيفا بألف وزع عليهما الألف باعتبار القيمة حتى إذا كانت قيمة
الشقص مائة وقيمة السيف خمسين يأخذ الشفيع الشقص بثلثي الألف وأيضا فلو اشترى شيئين بألف فوجد
بأحدهما عيبا وأراد رده وحده بالعيب يرده بما يخصه من الألف إذا وزع عليهما باعتبار قيمتهما
وكذلك لو خرج أحدهما مستحقا وأجاز البيع في الآخر يجيزه بما يخصه من الألف باعتبار القيمة
(وأما) انه يلزم منه أحد الامرين فلانه إذا باع مدا ودرهما بمدين فاما أن تكون قيمة المد الذي
هو مع الدرهم أكثر من درهم أو أقل أو درهما فإن كان أكثر مثل أن يكون قيمته درهمين فيكون
المد ثلثي ما في هذا الطرف فيقابله ثلثا المدين من الطرف الآخر فيصير كأنه قابل مدا بمد وثلث
وإن كان أقل مثل أن يكون قيمته نصف درهم فيكون المد ثلث ما في هذا الطرف فيقابله ثلث
المدين من الطرف الآخر فيصير كأنه قابل مدا بثلثي مد * وإن كان قيمته درهما فلا تظهر المفاضلة
والحالة هذه لكن المماثلة فيها تستند إلى التقويم والتقويم تخمين قد يكون صوابا وقد يكون خطأ
174

والمماثلة المعتبرة في الربا هي المماثلة الحقيقية وهذه الطريقة مطردة فيما إذا باع مدا ودرهما بمد ودرهم
لان المدين من الجانبين ان اختلفت قيمتهما مثل إن كان مد زيد يساوى درهمين ومد عمر ويساوي درهما
فمد زيد ثلثا ما في هذا الطرف يقابله من الطرف الآخر ثلثا مد وثلثا درهم ويبقى ثلث مد وثلث
درهم في مقابلة درهم فإذا وزعنا صار ثلث مد في مقابلة نصف درهم لان قيمة مد عمرو درهم وثلث
درهم في مقابلة نصف درهم فتظهر المفاضلة * وان لم تختلف قيمتهما لم تظهر المفاضلة لكن المماثلة تخمين
على ما مر * واعترض الامام على هذه الطريقة بان العقد لا يقتضي في وضعه توزيعا مفصلا بل مقتضاه
مقابلة الجملة بالجملة أو مقابلة الجزء الشائع مما في أحد الشقين بمثله مما في الشق الآخر بان يقابل ثلث
المد وثلث الدرهم بما يقابل ثلث المدين يعنى إذا باع مدا ودرهمان بمدين ولا ضرورة إلى تكلف توزيع
يؤدى إلى التفاضل وإنما يصار إلى التوزيع المفضل في مسألة الشفعة لضرورة الشفعة قال والمعتمد
عندي في التعليل انا تعبدنا بالمماثلة تحقيقا * إذا باع مدا ودرهما بمدين لم تتحقق المماثلة فيفسد العقد *
ولناصريها أن يقولوا أليس قد ثبت التوزيع المفصل في مسألة الشفعة ولولا كونه قضية للعقد لكان ضم السيف
إلى الشقص من الأسباب الدافعة للشفعة فإنها قد تندفع بأسباب وعوارض وأما قوله انا تعبدنا بتحقيق المماثلة
فللخصم أن يقول تعبدنا بتحقيق المماثلة فيما إذا تمحضت مقابلة شئ منها بجنسه أو على الاطلاق ان قلت بالثاني
فممنوع وإن قلت بالأول فمسلم لكنه ليس صورة المسألة فهذا نقل المذهب المشهور وتوجيهه * ومن
الأصحاب من صحح العقد فيما إذا باع مد عجوة ودرهما بمد عجوة ودرهم والدرهمان من ضرب واحد
والمدان من شجرة واحدة وفيما إذا باع صاع حنطة وصاع شعير بمثلهما وصاعا الحنطة من صبرة
واحدة وصاعا الشعير كذلك للعلم باتحاد القيمة * ويحكى هذا عن القاضي أبى الطيب الطبري
والقاضي الحسين وذكر الروياني في البحر انه المذهب وغلط من قال غيره * ومن صور هذا الأصل
175

أن يبيع دينارا صحيحا ودينارا مكسرا بدينار صحيح وآخر مكسر أو بصحيحين أو بمكسرين إذا
كانت قيمة المكسر دون قيمة الصحيح * وعن صاحب التقريب حكاية وجه ان صفة الصحة في
محل المسامحة * ثم الأئمة أطلقوا القول بالبطلان في حكايتهم عن المذهب المشهور وذكر أبو سعيد
المتولي انه إذا باع مداو درهما بمدين يبطلان القعد في المد المضموم إلى الدرهم وفيما يقابله من المدين وهل يبطل في
الدرهم وما يقابله من المدين فيه قولا تفريق الصفقة وعلى هذا قياس ما لو باعهما بدرهمين أو باع صاع حنطة
وصاع شعير بصاعي حنطة أو صاعي شعير ويمكن أن يكون كلام من أطلق محمولا على ما فصله * ولو كان الجيد
مخلوطا بالردئ فباع صاعا منه بمثله أو بجيد أو ردئ حاز لان التوزيع إنما يكون عند تمييز أحد
العوضين بالآخر أما إذا لم يتميز فهو كما لو باع صاعا وسطا بجيد وردئ * (واعلم) أن صورة
البطلان مفروضة فيما إذا قابل جملة ما في أحد الطرفين بجملة ما في الطرف الآخر (وأما) عند
التفصيل كما إذا تبايعا مد عجوة ودرهم بمد ودرهم وجعلا المد في مقابلة المد والدرهم في مقابلة
الدرهم أو جعلا المد في مقابله الدرهم أو الدرهم في مقابلة المد فيجوز ذلك بمثابة صنفين متباينين *
(القسم الثاني) ولم يذكره في الكتاب أن يكون مال الربا من الطرفين من جنسين وفى الطرفين
176

أو أحدهما شيئا آخر فينظر ان اختلف العوضان في علة الربا فيجوز كما إذا باع دينارا أو درهما
بصاع حنطة أو صاع شعير * وإن اتفقا فإن كان التقابض شرطا في جميع العوض جاز أيضا كما لو باع
صاع حنطة وصاع شعير بصاعي تمر أو صاع تمر وصاع ملح وإن كان التقابض شرطا في البعض
كما لو باع صاع حنطة ودرهما بصاعي شعير ففيه قولا الجمع بين مختلفي الحكم لان ما يقابل الدرهم من
الشعير لا يشترط فيه التقابض وما يقابل الحنطة منه يشترط فيه التقابض (وأما) لفظ الكتاب فقوله
ولا يصح بيع الهروي بالهروي الهروي نقد فيه ذهب وفضة فيبيع بعضه ببعض بيع ذهب
وفضة بذهب وفضة (وقوله) لان حقيقة المماثلة غير معلومة وجهه ما ذكرناه في مسألة المراطلة من بعد
(وقوله) ولا يصح بيع الهروي معلم بالحاء وكذا قوله في مسألة المراطلة لم يجز لان عند أبي حنيفة
يصح البيع فيهما وفى جميع الصور التي ذكرناها حتى قال لو باع قرطاسا ودينارا فيه بمائة دينار
يصح (وقوله) لم يجز معلم بالألف أيضا لان عند أحمد لا يضر اختلاف النوع والصفة بعد اتحاد
الجنس وبالواو لان صاحب البيان حكى عن أصحابنا مثله وأيضا فان الامام رأى الصحة في
مسألة المراطلة * هذا مع تنصيصه على أنه رأى رآه خارج عن مذهب الشافعي وأصحابه (وقوله) تخمين
وجهل أراد بالجهل ههنا عدم العلم وإلا فالجهل معناه المشهور هو الجزم بكون الشئ على خلاف
ما هو عليه ضد الظن والتخمين فلا يكون الشئ تخمينا وجهلا بذلك المعني (وقوله) فمهما اشتملت
الصفقة إلى آخره محمول على الجنس الواحد وتقديره مهما اشتملت الصفقة على جنس واحد من أموال
الربا وإلا انتقض الضابط بما إذا باع ذهبا وفضة بحنطة أو بحنطة وشعير وبما إذا باع حنطة وشعيرا
بتمر أو بتمر وملح * ثم لنختم الفصل بسرد صور فنقول إذا باع صاع حنطة بصاع حنطة وفيهما
أو في أحدهما فضل وهو عقد التبن أو زوان وهو حب أسود رقيق يكون في الحنطة لم يجز لأنه
يأخذ شيئا في المكيال فإن كان في أحدهما لزم التفاضل وإن كان فيهما لزم الجهل بالتماثل وكذا لو كان
فيهما أو في أحدهما مدر أو حبات شعير * وضبط الامام المنع بأن يكون الخليط قدرا لو ميز بان على
177

المكيال (فاما) مالا يبين على المكيال إذا ميز فلا مبالاة به * وإن كان فيهما أو في أحدهما دقاق بين
أو قليل تراب لم يضر لان ذلك لم يدخل في تضاعف الحنطة ولا يظهر في المكيال بخلاف ما إذا
باع موزونا بجنسه وفيهما أو في أحدهما قليل تراب حيث لا يجوز لأنه يؤثر في الوزن كم كان * ولو باع
حنطة بعشير وفى كل واحد منهما أو أحدهما حبات من الآخر يسيرة صح البيع وان كثرت فلا
قال الامام وليس المعتبر كونه بحيث يؤثر في المكيال ولا كونه متمولا (أما) التأثير في المكيال فلان
المماثلة غير مرعية عند اختلاف الجنس (وأما) التمول فلانه مفردا غير مقصود فالمعتبر أن يكون
الشعير الذي خالطته الحنطة قدرا يقصد تمييزه ليستعمل شعيرا وكذا بالعكس * ولو باع دارا بذهب
فظهر فيها معدن الذهب فهل يصح البيع فيه وجهان (أحدهما) لا كبيع دار موهت بالذهب تمويها
يحصل منها شئ يذهب (وأصحهما) نعم لأنه بائع بالإضافة إلى مقصود الدار * ولو باع * دارا فيها
بئر ماء بماء وفرعنا على أن الماء ربوي ففي صحة البيع وجهان (أصحهما) الصحة لما ذكرنا من
معنى التبعية *
قال (الطرف الثاني في الحالة التي تعتبر فيها المماثلة وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن بيع الرطب بالتمر فقال أينقص الرطب إذا جف فقيل نعم فقال صلى الله عليه وسلم فلا إذن فنبه على أن المماثلة
تراعي حالة الجفاف وهو حال كمال الشئ ولا خلاص في المماثلة قبله فلا يجوز بيع الرطب بالرطب (م ح ز)
ولا بالتمر وكذا العنب (ح) وكل فاكهة (و) كمالها في جفافها وهو حالة الادخار)
أموال الربا تنقسم إلى ما يتغير من حال إلى حال وإلى ما لا يتغير والتي تتغير منها تعتبر المماثلة في
بيع الجنس بالجنس منها في أكمل أحوالها فمن المتغيرات الفواكه فتعتبر المماثلة في المتجانسين منها حالة
الجفاف ولا يغنى التماثل في غير تلك الحالة روى عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع
الرطب بالتمر فقال (أينقص الرطب إذا يبس قالوا نعم قال فلا إذن) (1) ويروى (فنهى عن ذلك)
178

أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (أينقص الرطب إذا يبس) إلى أن المماثلة عند الجفاف تعتبر ونبه به
على علة فساد بيع الرطب بالتمر والا فنقصان الرطب إذا جف أوضح من أن يبحث أو يسأل عنه * إذا تقرر
ذلك فلا يجوز بيع الرطب بالتمر ولا بالرطب (أما) بالتمر فليقين التفاوت عند الجفاف (وأما) بالرطب فللجهل
بالمماثلة لأنه لا يعرف قدر النقصان منهما وقد يكون قدر الناقص من أحدهما أكثر من الآخر وكذا لا يجوز
بيع العنب بالعنب وبالزبيب وكذا كل ثمرة لها حالة الجفاف كالتين والمشمش والخوخ والبطيخ والكمثرى
الذين يفلقان والآجاص والرمان الحامض لا يباع رطبها برطبها ولا بيابسها ويجوز بيع الحديث
بالعتيق إلا أن تبقى النداوة في الحديث بحيث يظهر أثر زوالها في المكيال (وأما) ما ليس له حالة
جفاف كالعنب الذي لا يتزبب والرطب الذي لا يتتمر والبطيخ والكمثرى الذين لا يفلقان والرمان
الحلو والباذنجان والقرع والبقول ففي بيع بعضها ببعض قولان ذكرناهما من قبل * وعند أبي حنيفة
يجوز بيع الرطب بالتمر وبالرطب وكذا في نظائره وساعدنا مالك وأحمد على منع بيع الرطب بالتمر
وساعدا أبا حنيفة على تجويز بيع الرطب بالرطب وبه قال المزني ويستثني عن بيع الرطب بالتمر
صورة العرايا وهي مذكورة من بعد (قوله) وكذا كل فاكهة كمالها في جفافها يجوز اعلامه بالواو لان الامام
حكي وجها في المشمش والخوخ وما لا يعم تجفيفه عموم تجفيف الرطب انه يجوز بيع بعضها ببعض
في حال الرطوبة لان رطوبتها أكمل أحوالها والتجفيف في حكم النادر (وأما) ما أجراه من لفظ الادخار
فان طائفة من الأصحاب ذكروه وآخرون أعرضوا عنه ولا شك انه غير معتبر لحالة التماثل في جميع
الربويات ألا ترى أن اللبن لا يدخر ويباع بعضه ببعض فمن أعرض عنه فذاك ومن أطلقه أراد
اعتباره في الفواكه والحبوب لا في جميع الربويات فاعرف ذلك *
179

قال (وادخار الحب إذا بقي حبا فلا يدخر الدقيق (ح م و) وما يتخذ منه ولا الحنطة المقلية
والمبلولة * ويدخر السمسم والدهن والزبيب والخل * وكمال منفعة اللبن أن يكون لبنا أو سمنا
أو مخيضا دون ما عداه من سائر أحواله وكذا كل معروض على النار من دبس أو لحم فلا كمال فيه وما
عرض للتمييز كالعسل فهو على الكمال وإذا نزع النوى من التمر بطل (و) كماله بخلاف العظم إذا
نزع من اللحم إذ ليس في إبقائه صلاح لادخاره)
في الفصل مسائل (أحدهما) للحنطة ونحوها من الحبوب حالتان (أحدهما) ما قبل التنقية من
القشر والتبن وسيأتي حكم بيعها فيهما (والثانية) ما بعدها فيجوز بيع بعضها ببعض ما بقيت على هيئتها
بشرط تناهى جفافها فإذا بطلت تلك الهيئة فقد خرجت عن حالة الكمال فلا يجوز بيع الحنطة
بشئ مما يتخذ منها من المطعومات كالدقيق والسويق والخبز والنشأ ولا بما فيه شئ مما يتخذ من الحنطة
كالمصل ففيه الدقيق والفالوذج ففيه النشأ * وكذا لا يجوز بيع هذه الأشياء بعضها ببعض لخروجها
عن حالة الكمال وعدم العلم بالمماثلة ولو كان العوضان على حالة الكمال هذا ما يفتي به من المذهب * ونقل
الحسين وهو المعروف بالكرابيسي عن أبي عبد الله تجويز بيع الحنطة بالدقيق فمنهم من جعله قولا آخر
للشافعي رضي الله عنه وبه قال أبو الطيب بن سلمة ووجهوه بأن الدقيق نفس الحنطة إلا أن أجزاءها تفرقت
فأشبه بيع حنطة صغيرة الحبات بحنطة كبيرة الحبات وعلى هذا فالمعيار الكيل (ومنهم) من لم يثبته قولا
وقال أراد بابي عبد الله مالكا رضي الله عنه واحمد * وجعل الامام منقول الكرابيسي شيئا آخر
180

وهو أن الدقيق مع الحنطة جنسان حتى يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا ويشبه أن يكون هو
منفردا بهذه الرواية * وحكى البويطي والمزني في المنثور قولا انه يجوز بيع الدقيق بالدقيق وان امتنع
بيعه بالحنطة كما يجوز بيع الدهن بالدهن وان امتنع بيعه بالسمسم * وفى بيع الخبز الجاف المدقوق
بمثله قول انه يجوز لامكان كيله والا من من التفاضل فيه وهذا رواه الشيخ أبو حامد والعراقيون
عن رواية حرملة والشيخ أبو عاصم العبادي وآخرون عن رواية ابن مقلاص * ورد الامام رواية
ابن مقلاص إلى شئ آخر وهو تجويز بيع الحنطة بالسويق وجعلهما جنسين * وقال مالك رضي الله عنه
يجوز بيع الحنطة بالدقيق وبه قال أحمد في أظهر الروايتين إلا أن مالكا يعتبر الكيل وأحمد
يجوز الكيل والوزن * وقال أبو حنيفة يجوز بيع الدقيق بالدقيق بشرط تساويهما في النعومة
والخشونة ولا يجوز بيع الحنطة المقلية بالمقلية ولا بغيرها لتغيرها عن هيئتها واختلاف الحبات
في التأثر بالنار ولا بيع الحنطة المبلولة بالمبلولة ولا بغيرها لما في المبلولة من الانتفاخ والتجافي فان
جفت لم يجز أيضا لتفاوت جنسها عند الجفاف وإذا منع مجرد البل بيع البعض بالبعض
فالتي نحيت قشرتها بعد البل بالتهريس أولى أن لا يباع بعضها ببعض * قال الامام وفى الجاروس
عندي احتمال إذا نحيت قشرتها وكما أن المبلولة مجاوزة حالة الكمال فالتي لم يتم جفافها غير واصلة
إلى حالة الكمال وان أفركت وأخرجت من السنابل * ويجوز بيع الحنطة وما يتخذ منها من المطعومات
بالنخالة لأنها ليس مال الربا وكذا بيع المسوسة بالمسوسة إذا لم يبق فيها شئ من اللب قاله
في النهاية (الثانية) السمسم وغيره من الحبوب التي يتخذ منها الادهان على حالة الكمال ما دامت
على هيئتها كالأقوات ولا نجوز بيع طحينها بطحينها كبيع الدقيق بالدقيق والدهن المستخرج
منها على حالة الكمال أيضا حتى يجوز بيع بعضها ببعض مماثلا وفيه وجه ان بيع الدهن بالدهن
لا يجوز لان الدهن لا يستخرج الا بعد طرح حلاوة أو ملح على الطحين فيلتحق بصورة مد عجوة
181

والمذهب الأول * ويجوز أن يكون للشئ حالتا كمال ألا ترى ان الزبيب والخل كلاهما على
حالة الكمال مع أن أصلهما العنب وكذلك العصير على حالة الكمال في أصح الوجهين حتى يجوز
بيع عصير العنب بعصير العنب وعصير الرطب بعصير الرطب والمعيار فيه وفى الدهن الكيل * ويجوز بيع
الكسب بالكسب أيضا ان لم يكن فيه خلط فإن كان فيه خلط لم يجز والادهان المطيبة كدهن الورد والبنفسج
والنوفر كلها مستخرجة من السمسم فإذا فرعنا على جريان الربا فيها جاز بيع بعضها ببعض ان رمى
السمسم فيها ثم استخرج دهنه وان استخرج الدهن ثم طرح أوراقها فيه لم يجز لان اختلاطها به
يمنع معرفة التماثل * وعصير الرمان والتفاح وسائر الأثمار كعصير الرطب والعنب وكذا عصير
قصب الكسر * ويجوز بيع خل الرطب بخل الرطب وخل العنب بخل العنب لأنه على هيئة الادخار
والمعيار فيه الكيل ولا يجوز بيع خل الزبيب بمثله ولا بيع خل التمر بمثله لما فيهما من الماء وأنه يمنع معرفة
التماثل بين الخلين وكذا لا يجوز بيع خل العنب بخل الزبيب ولا خل الرطب بخل التمر لان في أحد
الطرفين ماء فيلزم التفاضل بين الخلين ولا يجوز أيضا بيع خل الزبيب بخل التمر إذا فرعنا على أن
الماء ربوي لان في الطرفين ماء والمماثلة بين الجانبين غير معلومة ويجوز بيع خل الزبيب بخل الرطب
وخل التمر بخل العنب لأن الماء في أحد الطرفين والمماثلة بين الخلين غير معتبرة تفريعا على الصحيح في أنهما
جنسان (الثالثة) اللبن حالة الكمال يباع بعضه ببعض بخلاف الرطب لان اللبن يؤكل على هيئته في
الأكثر ومعظم منافعه تفوت بفوات تلك الهيئة (وأما) الرطب فما يؤكل منه في الحال يعد عجالة تفكه
والمقصود الأعظم اقتناؤه قوتا فجعل حال كمال كل واحد منهما ما يليق به وحكم الرائب والحامض
والخاثر منه ما لم يكن مغلى حكم الحليب في الحال حتى يباع البعض منهما بالبعض أو بالحليب ولا نظر
إلى أن الشئ إذا خثر كان أثقل وما يحويه المكيال من الخاثر يزيد في الوزن على الرقيق من جنسه
لان المعيار في اللبن الكيل نص عليه الجمهور * وإذا حصل الاستواء في الكيل فلا مبالاة بتفاوت
الوزن كما في الحنطة الصلبة مع الرخوة وفى كلام الامام ما يقتضي تجويز الكيل والوزن جميعا * ويجوز
182

بيع السمن بالسمن أيضا لأنه يدخل ولا يتأثر بالنار تأثر انعقاد ونقصان وإنما يعرض على النار
للتصفية فالمعيار فيه الكيل إن كان ذائبا والوزن إن كان جامدا قاله في التهذيب وهو متوسط بين
وجهين أطلقهما العراقيون فحكموا عن المنصوص انه يوزن وعن أبي إسحاق انه يكال ويجوز بيع
المخيض بالمخيض إذا لم يكن فيهما ماء ومال المتولي إلى المنع لأنه ليس على حالة الادخار ولا على
حال كمال المنفعة فليكن كبيع الدقيق بالدقيق ولا يجوز بيع الاقط بالأقط والمصل بالمصل والجبن
بالجبن لتأثرها بالنار ولأنها لا تخلو عن مخالطة شئ فالملح خليط الاقط والدقيق خليط المصل
والإنفحة خليط الجبن وهل يجوز بيع الزبد بالزبد فيه وجهان (أحدهما) نعم كبيع السمن بالسمن
(وأصحهما) لا لان الزبد لا يخلو عن قليل مخيص وانه يمنع معرفة المماثلة وعلى هذا لا يجوز بيعه
بالسمن لتحقق المفاضلة ولا يجوز بيع اللبن بكل ما يتخذ منه من السمن والمخيص وغيرهما كبيع
الحنطة بما يتخذ منها (وقوله) في الكتاب وكمال منفعة اللبن أن يكون لبنا أو سمنا أو مخيصا
لا يمكن اجراؤه على ظاهره لأنه ليس كونه لبنا كمال منفعته ولو طرح لفظ المنفعة وقال
حال كمال اللبن أن يكون لبنا أو مخيضا أو سمنا لكان أولى ويجوز اعلام قوله دون ما عداه من
أحواله بالواو للوجه المذكور في الزبد (الرابعة) المعروض من مال الربا على النار ضربان (أحدهما)
المعروض للعقد والطبخ كالدبس واللحم المشوي وفى جواز بيع الدبس بمثله وجهان (أحدهما)
يجوز لامكان ادخاره ولتأثير النار فيه غاية يعرفها أهل البصر (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب
انه لا يجوز لان النار تأخذ بعض العصير فيصير دبسا وقدر المأخوذ منه يختلف اختلافا بينا فلا تدرى
المماثلة بين أجزاء العصير وفى بيع السكر بالسكر والفاسد بالفاسد واللباء باللباء وجهان كما في الدبس *
ولا يجوز بيع قصب السكر بقصب السكر ولا بالسكر كبيع الرطب بالرطب والتمر بالتمر (وأما)
اللحم إذا بيع بجنسه فإن كانا طريين أو أحدهما لم يجز لان معظم منافع اللحم تنتفي بعد التقديد
فهو كالرطب والعنب * وعن ابن سريج انه يجوز كبيع اللبن باللبن وإن كانا مقددين جاز إلا
183

أن يكون فيهما أو في أحدهما من الملح ما يظهر في الوزن قال الأئمة ويشترط أن يتناهى جفافه بخلاف
التمر يباع الحديث منه بالحديث وبالعتيق لأنه مكيل واثر الرطوبة الباقية لا يظهر في المكيال واللحم
موزون وأثر الرطوبة يظهر في الميزان هذا إذا لم يكن اللحم مطبوخا أو مشويا (أما) المطبوخ والمشوي
فلا يجوز بيعها بمثلها ولا بالني لما ذكرنا من اختلاف تأثير النار * وعن أبي حنيفة يجز بيع
المطبوخ بالني متماثلا * وعن مالك تجويزه متماثلا ومتفاضلا. (الضرب الثاني) المعروض للتمييز
والتنقية فهو على حالة الكمال يجوز بيع بعضه ببعض كالسمن على ما مر وكالذهب والفضة يعرضان
على النار لتمييز الغش وفى العسل المصفى بالنار وجهان (أحدهما) أنه خارج عن الكمال لان النار قد
تعقد أجزاءه (وأظهرهما) وهو المذكور في الكتاب انه على الكمال لان المقصود عن عرضه تمييز
الشمع عنه ونار التمييز لينة لا تؤثر في التعقيد فأشبه المصفى بالشمس ولا يجوز بيع الشهد بالشهد
لان الشمع يمنع معرفة التماثل بين العسلين ولا بالعسل لظهور التفاضل ويجوز بيع الشمع بالعسل
وبالشهد بلا حجر لان الشمع ليس من أموال الربا ومعيار التساوي في العسل على ما ذكرناه في السمن
(الخامسة) التمر إذا نزع منه النوى بطل كماله لأنه يبطل ادخاره ويتسارع إليه الفساد فلا يجوز بيع منزوع
النوى بمثله ولا بغير المنزوع وقيل يجوز بيع المنزوع بمثله لان النوى ليس من جنس التمر فلا يضر فصله
عنه وإنما لم يشترط ذلك لما فيه من المشقة وحكى الامام الخلاف في بيع المنزوع بالمنزوع أيضا ومغلق
المشمش والخوخ ونحوهما لا يبطل كمالها بنزع النوى في أصح الوجهين لان الغالب في تجفيفها نزع
النوى ولا يبطل كمال اللحم بنزع العظم لأنه لا يتعلق صلاح ببقائه وهل يشترط النزع في جواز بيع
بعضه ببعض فيه وجهان (أظهرهما) عند الأكثرين نعم وبه قال أبو إسحاق (والثاني) ويحكى عن
الإصطخري أنه يسامح به وعلى هذا يجوز بيع لحم الفخذ بالجنب ولا نظر إلى وتفاوت أقدار العظام
كتفاوت النوى هذا شرح مسائل الفصل وما يناسبها وإذا نظرت في هذا الطرف عرفت أن
النظر في حالة الكمال إلى أمرين في الأكثر (أحدهما) كون الشئ بحيث يتهيأ لأكثر الانتفاعات
184

المطلوبة منه (والثاني) كونه على هيئة الادخار لكنهما لا يعتبران جميعا فان اللبن ليس بمدخر
والسمن ليس بمتهيئ لا أكثر الانتفاعات المطلوبة من اللبن وكل واحد من المعنيين غير مكتفى
به أيضا لا الثمار التي لا تدخر تتهيأ لأكثر الانتفاعات المطلوبة منها والدقيق مدخر وليس على
حالة الكمال على ما سبق ولا تساعدني عبارة ضابطة كما أحب في تفسير الكمال فان ظفرت بها
ألحقتها بهذا الموضع وبالله التوفيق *
قال (الطرف الثالث في معني الجنسية والأدقة والألبان والخلول والادهان مختلفة باختلاف
أصولها وفى لحوم الحيوانات قولان (أصحهما) أنها مختلفة لتفاوت المعنى وان اتفق الاسم
وأعضاء الحيوان الواحد كالكرش والكبد والشحم أجناس على الأظهر ان جعلنا اللحم أجناسا
ولا يجوز بيع (ح و) اللحم بالحيوان من غير جنسه على أحد القولين للنهي عنه ولا يجوز بيع
دهن السمسم بالسمسم ولا بيع السمن باللبن وان جاز بيع كل واحد منهما بجنسه)
عرفت في صدر الباب أن بيع المال الربوي بجنسه مشروط برعاية المماثلة وبغير جنسه غير مشروط
بها فالتجانس والاختلاف قد يظهر فلا يحتاج إلى التنصيص عليه وقد يقع في محل الاشكال والاشتباه
وموضوع الطرف بيان مواضع الاشتباه وفيه مسألتان (أحداهما) اختلف قول الشافعي رضي الله عنه
في أن لحوم الحيوان جنس أو جنسان فاحد القولين انها جنس واحد لأنها مشتركة في الاسم الذي لا يقع
بعده التمييز إلا بالإضافة فأشبهت أنواع الرطب والعنب وتخالف الثمار المختلفة فإنها وإن اشتركت في اسم
الثمرة لكنها تمتاز بأسمائها الخاصة (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة والمزني انها أجناس مختلفة لأنها فروع
أصول مختلفة فأشبهت الأدقة والأخباز * وعن مالك أن اللحوم ثلاثة أجناس الطيور والدواب أهليها
ووحشيها والبحريات * وبه قال أحمد في أحد الروايتين وعنه روايتان أخرتان كالقولين (التفريع)
إن جعلناها جنسا واحدا فلا فرق بين لحوم الحيوانات البرية أهليها ووحشيها وكذا لحوم البحريات
جنس واحد وفى لحوم البريات مع البحريات وجهان (أحدهما) وبه قال أبو علي الطبري والشيخ
185

أبو حامد انهما جنسان وكذلك لو حلف أن لا يأكل اللحم لا يحنث بلحوم الحيتان (والثاني) انهما
جنس واحد لشمول الاسم قال الله تعالى (ومن كل تأكلون لحما طريا) وهذا اختيار القاضي
أبى الطيب وابن الصباغ وهو الذي أورده في التهذيب * وان جعلناها أجناسا فحيوان البر مع حيوان
البحر جنسان ثم الأهليات من حيوان البر جنس والوحشيات جنس ثم لكل واحد من القسمين
أجناس فلحوم الإبل على اختلاف أنواعها جنس واحد ولحوم البقر والجواميس وغيرها جنس واحد
ولحوم الغنم ضأنها ومعزها جنس والبقر الوحشي جنس والظباء جنس وفى الظباء مع الإبل تردد للشيخ أبى
محمد واستقرار جوابه على أنهما كالضأن والمعز وأما الطيور والعصافير على اختلاف أنواعها جنس والبطوط
جنس والدحح جنس * وعن الربيع ان الحمام بالمعنى المتقدم في الحج وهو ما عب وهدر جنس فيدخل
فيه القمري والدبسي والفاختة وهذا اختيار جماعة منهم الامام وصاحب التهذيب واستبعده أصحابنا
الراقيون وجعلوا كل واحد منهما جنسا برأسه والسموك من حيوان البحر جنس وفى غنم الماء
وبقره وغيرهما مع السموك وكذا في بعضها مع بعض قولان (أصحهما) أنها أجناس كحيوانات البر
وهل الجراد من جنس اللحوم فيه وجهان (ان قلنا) نعم فهو من البريات أو البحريات فيه وجهان
وفى أعضاء الحيوان الواحد كالكرش والكبد والطحال والقلب والرئة طريقان (أشهرهما) انا
ان قلنا إن اللحوم أجناس فهذه أولى لاختلاف أسمائها وصفاتها (وان قلنا) انها جنس واحد
ففيها وجهان لان من حلف أن لا يأكل اللحم لا يحنث (بأكل هذه الأشياء على الصحيح وهذا
كالخلاف في أن لحم السمك جنس برأسه أو هو من جنس سائر اللحوم) لان من حلف أن لا يأكل اللحم
لا يحنث بأكل السمك (والثاني) عن القفال انا إن جعلناها جنسا واحدا فهذه الأشياء مجانسة لها
وان جعلناها أجناسا فوجهان لاتحاد الحيوان وصار كلحم الطير وشحمه (وقوله) في الكتاب
أجناس على الأظهر ان جعلنا اللحوم أجناسا إلى هذه الطريقة أقرب ولو قال وان لم نجعل اللحوم
أجناسا لكان ذلك للطريقة الأولى وكيف ما قدرت الترتيب فظاهر المذهب انها أجناس والمخ جنس
آخر وكذلك الجلد وشحم الظهر مع شحم البطن جنسان وسنام البعير معهما جنس آخر والرأس
186

والأكارع من جنس اللحم وفى الأكارع احتمال عند الامام (وأما) الأدقة والخلول والادهان فهي
أجناس مختلفة على المشهور لأنها أصول فروع مختلفة وهي من أموال الربا فاجرى عليها حكم أصولها
بخلاف اللحوم فان أصولها وهي الحيوانات ليست ربوية وكذا عصير العنب مع عصير الرطب
جنسان ودبسهما كذلك وفى الأدقة حكاية قول عن أمالي حرملة انها جنس واحد وأبعد منه وجه
ذكروه في الخلول والادهان ويجرى مثله في عصير العنب مع عصير الرطب (وأما) الألبان ففيها
طريقان (أظهرهما) عند الأكثرين انها على قولين في اللحمين فعلى الأصح يجوز بيع لبن الغنم
بلبن البقر متفاضلا وبيع أحدهما بما يتخذ من الآخر ولبن الضأن والمعز جنس واحد ولبن الوعل
مع المعز الأهلي جنسان اعتبار بالأصول (والطريق الثاني) وهو قضية ايراد الكتاب القطع بأنها
أجناس مختلفة والفرق أن الأصول التي حصل اللبن منها باقية بحالها وهي مختلفة فيدام حكمها على
الفروع بخلاف أصول اللحم * وبيوض الطيور أجناس ان جعلنا اللحوم أجناسا وان جعلناها جنسا
واحدا فهي أجناس أيضا على أصح الوجهين * والزيت المعروف مع زيت الفجل جنسان وهو دهن
يتخذ من بزر الفجل يسمى زيتا لأنه يصلح لبعض ما يصلح له الزيت العروف (ومنهم) من قال
حكمهما حكم اللحمين والتمر المعروف مع الهندي جنسان وعن ابن القطان وجه انهما جنس واحد *
وفى البطيخ المعروف مع الهندي وجهان أيضا وكذا في القثاء مع الخيار والبقول كالهندبا والنعنع
وغيرهما أجناس إذا قلنا بجريان الربا فيها ودهن السمسم وكسبه جنسان كالمخيض والسمن وفى
عصير العنب مع خله وجهان (أظهرهما) أنهما جنسان لافراط التفاوت في الاسم والصفة والمقصود وفى
السكر والفانيد وجهان أيضا (أظهرهما) انهما جنسان لاختلاف قصبهما والسكر والنبات والطبرزد
جنس واحد والسكر الأحمر وهو القوالب عكر الأبيض ومن قصبه ومع ذلك ففي التجانس تردد
للأئمة لمخالفتهما في الصفة * قال الامام ولعل الأظهر انه جنس من السكر (المسألة الثانية) بيع اللحم
بالحيوان المأكول من جنسه باطل وهو قول مالك واحمد خلافا لأبي حنيفة والمزني * لنا ما روى
أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع اللحم بالحيوان) (1) وان باعه بحيوان مأكول لا من جنسه
187

كما لو باع لحم الشاة بالبقرة فيبنى على أن اللحمين جنس أو أجناس (ان قلنا) انهما جنس فهو باطل
أيضا (وان قلنا) أجناس فقولان (أحدهما) وبه قال مالك واحمد انه صحيح كما لو باع اللحم باللحم
(وأصحهما) أنه باطل لعموم الخبر * (روى أن جزورا نحرت على عهد أبي بكر رضي الله عنه فجاء رجل
بعناق وقال اعطوني جزءا بهذه العناق فقال أبو بكر رضي الله عنه لا يصلح هذا) (1) وان باعه بحيوان غير مأكول
كعبد أو حمار ففيه قولان (أصحهما) عند القفال المنع لظاهر الخبر (والثاني) الجواز لان سبب المنع بيع
مال الربا بأصله المشتمل عليه ولم يوجد ذلك ههنا وفى بيع الشحم والألية والطحال والقلب والكلية
والرئة بالحيوان وجهان وكذا في بيع السنام بالإبل (أحدهما) يجوز لان النهى ورد في بيع اللحم
بالحيوان (وأصحهما) المنع لأنه في معناه وعلى هذا الخلاف بيع الجلد بالحيوان ان لم يكن مدبوغا
وإن كان مدبوغا فلا منع وعلى الوجهين أيضا بيع لحم السمك بالشاة ولا يجوز بيع دهن السمسم
ولا كسبه بالسمسم ولا بيع دهن الجوز بلب الجوز ولا بيع السمن باللبن كما لا يجوز بيع اللحم
بالحيوان وبيع دقيق الحنطة بالحنطة * وذكر الامام ههنا اشكالا وطريق حله (أما) الاشكال فهو ان
السمسم جنس في نفسه لا أنه دهن وكسب واللبن جنس في نفسه لا أنه سمن ومخيض
ولهذا جاز بيع السمسم بالسمسم واللبن باللبن وإن كان لا يجوز بيع الدهن والكسب
بالدهن والكسب وبيع السمن والمخيص بالسمن والمخيص وإذا كان جنسا برأسه وجب أن يجوز
188

بيع السمسم بالدهن كما جاز بيع السمسم بالسمسم (وأما) الحل هو انه إذا قوبل السمسم بالسمسم
واللبن باللبن فالعوضان متجانسان في صفهما الناجزة فلا ضرورة إلى تفريق الاجزاء وتصوير
ما يكون حينئذ وإذا قوبل السمسم بالدهن فلا يمكننا جعل السمسم مخالفا للدهن مع اشتمال السمسم
على الدهن وإذا ارتفعت المخالفة جاءت المجانسة ولا شك أن مجانستهما في الدهنية فنضطر إلى اعتبارها
وإذا اعتبرناها كان ذلك بيع دهن كسب بدهن (وقوله) في الكتاب وإن جاز بيع كل واحد منهما
بجنسه إشارة إلى هذا الاشكال ويجوز بيع الجوز بالجوز واللوز باللوز ولا بأس بما عليهما من القشر
لان الصلاح يتعلق به ثم المعيار في الجوز الوزن لأنه أكبر من التمر وفى اللوز الكيل ويجوز أيضا
بيع لب الجوز بلب الجوز ولب اللوز بلب اللوز وفيه وجه انه لا يجوز بيع اللب باللب لخروجه
عن حالة الادخار وبهذا أجاب في التتمة * وحكى القاضي ابن كج عن نص الشافعي رضي الله عنه
انه لا يجوز بيع الجوز بالجوز واللوز باللوز مع القشر وبيع البيض بالبيض كبيع الجوز بالجوز فيجوز
على الظاهر وإن كان في القشر والمعيار فيه الوزن ويجوز بيع لبن الشاة بغير اللبون من الشاة وكذا
باللبون إذا لم يكن في ضرعها لبن ان جرى البيع عقيب الحلب وإن كان في ضرعها لبن لم يجز
لان اللبن في الضرع يأخذ قسطا من الثمن ألا ترى أنه وجب التمر في مقابلته في المصراة وكذا لو
باع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن كما لو باع حيوانا ولبنا بحيوان ولبن * وعن أبي الطيب
ابن سلمة انه يجوز كبيع السمسم بالسمسم وبيع البيض بالدجاجة كبيع اللبن بالشاة ولو باع لبن
الشاة ببقرة في ضرعها لبن (فان قلنا) الألبان جنس واحد لم يجز (وان قلنا) انها أجناس فقولان
للجمع بين مختلفي الحكم فان ما يقابل اللبن من اللبن يشترط فيه التقابض وما يقابله من الحيوان
لا يشترط فيه التقابض والله أعلم *
(فرع) الربا يجرى في دار الحرب جريانه في دار الاسلام لان النصوص الواردة فيه مطلقة
وبه قال مالك وأحمد * وعن أبي حنيفة ان الربا في دار الحرب إنما يجرى بين المسلمين المهاجرين
فأما بين حربيين وبين مسلمين لم يهاجرا أو أحدهما فلا ربا *
189

قال (الباب الثالث في الفساد من جهة النهي)
(والمناهي قسمان (أحدهما) ما يدل على فساد العقد وذلك كنهيه عن بيع اللحم
بالحيوان (ح) وبيع ما لم يقبض وبيع الطعام حتى يجرى فيه الصيعان وبيع الكالئ بالكالئ
وبيع الغرر وبيع الكلب والخنزير وبيع عسب الفحل وهو نطفته)
مقصود الباب عدد البياعات التي ورد فيها نهي خاص والترجمة تقتضي انقسام الفساد إلى
ما يكون للنهي والي ما يكون لغيره لكن يمكن ان يقال لا فساد إلا للنهي فان الربا الذي أفرده
بالذكر منهي عنه أيضا وكذا تفريق الصفقة إذا منعنا عنه وكل فاسد منهي عنه أمام نهى خاص واما
نهي عام ثم ما ورد فيه النهى من البيوع فقد يحكم بفساده قضية للنهي وهو الأغلب وقد لا يحكم
وهو حيث يقارن البيع ما يعرف عود النهى إليه كالمنع عن البيع حالة النداء فانا نعلم أن المنع غير متوجه
نحو خصوص البيع وإنما هو متوجه نحو ترك الجمعة حتى لو تركها بسبب آخر فقد ارتكب المنهي
ولو باع في غير تلك الحالة لم يصادفه نهي * (القسم الأول) ما حكم فيه بالفساد وهو أنواع (فمنها)
بيع اللحم بالحيوان وقد مر (ومنها) بيع ما لم يقبض وبيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان وبيع
الكالئ وسنشرحها من بعد (ومنها) بيع الغرر فمنه بيع ما لم يقدر على تسلميه وقد سبق
ومنه ان يبيع مال الغير ومنه أن يبيع ما ليس عنده روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عنه حكيم بن حزام) (1)
190

وله تفسيران (أحدهما) أن يبيع ما هو غائب عنه (والثاني) أن يبيع ما لم يملكه ليشتريه فيسلمه ومنها بيع
الكلب والخنزير وقد تقدم ذكره في شرط طهارة المبيع ومنها ما روى أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع عسب
الفحل) (1) وروى أنه (نهى عن ثمن عسب الفحل) وهذه رواية الشافعي رضي الله عنه في المختصر
قال في الصحاح العسب الكراء الذي يؤخذ على ضراب الفحل وعسب الفحل أيضا ضرابه ويقال ماءه
فهذه ثلاثة معان (والثالث) هو الذي أطلقه في الكتاب (والثاني) هو المشهور في الفقهيات ثم ليس
المراد من الخبر في الرواية الأولى الضراب فان نفس الضراب لا يتعلق به نهي ولا منع من الايزاء
أيضا بل الإعارة للضراب محبوبة ولكن الثمن المذكور في الرواية الثانية مضمر فيه هكذا قالوه
ويجوز أن يحمل العسب على الكراء على ما هو أحد المعاني فيكون نهيا عن إجارة الفحل للضراب
ويستغنى عن الاضمار وأما على الرواية الثانية فالمفسرون للعسب بالضراب ذكروا ان المراد من
الثمن الكراء وقد يسمي الكراء ثمنا مجازا ويجوز أن يفسر العسب بالماء ويقال هذا نهي عن بيعه
والحاصل ان بذل المال للضراب ممتنع بطريق البيع لان ماءه غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على
تسليمه (وأما) بطريق الاستئجار ففيه وجهان قد ذكرهما في الكتاب في باب الإجارة (أصحهما)
المنع أيضا وبه قال أبو حنيفة واحمد لان فعل الضراب غير مقدور عليه للمالك بل يتعلق باختيار
191

الفحل (والثاني) وبه قال أبن أبي هريرة ويحكى عن مالك انه يجوز كالاستئجار لتلقيح النخل
ويجوز أن يعطي صاحب الأنثى صاحب الفحل شيئا على سبيل الهدية خلافا لأحمد والله أعلم *
قال (وحبل الحبلة وهو نتاج النتاج والملاقيح وهي ما في بطون الأمهات والمضامين
وهي ما في أصلاب الفحول)
(ومنها) ما روى عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع حبل الحبلة) (1) وحبل الحبلة هو نتاج النتاج
ثم ذكروا للخبر تفسيرين (أحدهما) أن يبيع الشئ إلى أن ينتج نتاج هذه الدابة (والثاني) ان يبيع
نتاج النتاج نفسه (والأول) هو تفسير ابن عمر وبه أخذ الشافعي رضي الله عنه (والثاني) تفسير
أبى عبيد وأهل اللغة وكلا البيعين باطل (أما) الأول فلانه بيع إلى أجل مجهول (وأما) الثاني فلانه بيع
ما ليس بمملوك ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه (ومنها) ما روى عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن
بيع الملاقيح والمضامين) (2) فالملاقيح ما في بطون الأمهات من الأجنة الواحدة ملقوحة من قولهم لقحت
كالمجنون من جن والمحموم من حم والمضامين ما في أصلاب الفحول سمى بذلك لان الله تعالى ضمنها
فيها وكانوا في الجاهلية يبيعون ما في بطن الناقة وما يحصل من ضراب الفحل في عام أو أعوام وسبب
بطلانهما من جهة المعني بين
192

قال (وبيع الملامسة وهو أن يجعل اللمس بيعا * والمنابذة بان يجعل النبذ بيعا * ورمى الحصاة
وهو ان يعين للبيع ما تقع الحصاة عليه * وبيعتين في بيعة فيقول بعت بألفين نسيئة أو بألف نقدا
فخذ بأيهما شئت) *
(ومنها) ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع الملامسة
والمنابذة) (1) وللملامسة تأويلات (أحدها) أن يأتي بثوب مطوى أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول
صاحب الثوب بعتك هذا بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا خيار لك إذا رأيته وهو
تأويل الشافعي رضي الله عنه في المختصر وهذا البيع باطل (أما) إذا أبطلنا بيع الغائب فظاهر (وأما)
إذا صححناه فلاشتراط قيام اللمس مقام النظر * قال الامام ويتطرق إلى هذا احتمال من جهة أن من
اشترى شيئا على شرط نفى خيار الرؤية ففي صحة الشرط خلاف فلا يمتنع أن يكون هذا على ذلك
الخلاف وبهذا الاحتمال أجاب أبو سعد المتولي في كتابه (والثاني) وهو المذكور في الكتاب ان يجعل
نفس اللمس بيعا ومثله الامام بأن يقول صاحب الثوب لطالبه إذا لمست ثوبي فهو مبيع منك بكذا
وهو باطل لما فيه من التعليق والعدول عن الصيغة الشرعية وذكر في التتمة ان هذا في حكم المعاطاة
(والثالث) ان يبيعه شيئا على أنه متي لمسه فقد وجب البيع وسقط خيار المجلس وغيره وهو فاسد
للشرط الفاسد (وأما) بيع المنابذة فله تأويلات (أحدها) ان يجعل النبذ بيعا فيقول أحدهما للآخر أنبذ
إليك ثوبي وتنبذ إلى ثوبك على أن كل واحد مبيع بالآخر أو يقول انبذ إليك ثوبي بعشرة وتنبذ إلى ثوبك
يكون النبذ بيعا وهذا تأويل الشافعي رضي الله عنه في المختصر وهو المذكور في الكتاب ووجه بطلان
العقد اختلاف الصيغة قال الأئمة ويجئ فيه الخلاف المذكور في المعاطاة فان المنابذة مع قرينة
البيع هي المعطاة بعينها (والثاني) أن يقول بعتك هذا بكذا على أني إذا نبذته إليكم فقد وجب البيع
وحكمه ما مر في الملامسة (والثالث) ان المراد منه نبذ الحصاة وسنفسره (ومنها) ما روى عن أبي هريرة
رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع الحصاة) (2) وله تأويلات (أحدها) أن يقول بعتك
193

ثوبا من هذه الأثواب وارم بهذه الحصاة فعلى أيها وقعت فهو المبيع أو يقول ارم بهذه الحصاة فعلى
أي موضع بلغت من الأرض يكون مبيعا منك (والثاني) أن يقول بعتك هذا بكذا على أنك بالخيار
إلى أن أرمى بهذه الحصاة (والثالث) ان يجعلا نفس الرمي بيعا فيقول البائع إذا رميت بهذه الحصاة
فهذا الثوب مبيع منك بعشرة والبيع باطل في الصور الثلاث * أما في الأولى فللجهل بالمبيع (وأما)
في الثانية فلكون الخيار مجهولا (وأما) في الثالثة فلاختلال الصيغة (ومنها) ما روى عن أبي هريرة
رضي الله عنه أيضا ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيعتين في بيعة) (1) وله تأويلان مذكوران في المختصر
(أحدهما) وهو المذكور في الكتاب أن يقول بعتك هذا العبد بألف نقدا أو بألفين إلى سنة فخذ بأيهما
شئت أو شئت انا فهذا العقد باطل للجهل بالعوض كما لو قال بعتك هذا العبد أو هذه الجارية بكذا
ولو قال بعتك بألف أو بألفين إلى سنة أو قال بعتك نصف هذا العبد بألف ونصفه بألفين صح
البيع ولو قال بعتك هذا العبد بألف نصفه بألف ونصفه بستمائة لم يصح لان ابتداء الكلام يقتضي
توزيع الثمن على المثمن بالسوية وآخره يناقضه هكذا نقله صاحب التهذيب حكما وتعليلا (والثاني)
أن يقول بعتك هذا العبد بألف على أن تبيعني دارك بكذا أو اشترى منى دار بكذا فهو باطل
لأنه بيع وشرط وسنذكر المعنى في بطلانه على الأثر *
قال (وعن بيع وشرط فلو باع بشرط قرض أو بشرط بيع آخر أو شرط على بائع
الزرع أن يحصده (و) أو كان مما يبقى علقة بعد العقد يثبت نزاع بسببها لم يجز)
194

ومن البيوع التي ورد النهى عنها البيع المشروط روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع وشرط) (1)
قال حجة الاسلام مطلق الخبر يقتضي امتناع كل شرط في البيع لكن المفهوم من تعليله انه إذا انضم
الشرط إلى البيع بقيت علقته بعد العقد يثور بسببها منازعة وقد يفضي ذلك إلى فوات مقصود
العقد فحيث تفقد هذه العلة تستثنيه عن الخبر ولذلك يستثني عنه شروطا ورد في تصحيحها نصوص
(اعلم) ان الشرط في العقد ينقسم إلى فاسد وإلى صحيح والفاسد منه يفسد العقد أيضا على المذهب وفيه
شئ سنورده من بعد والفصل يشتمل على أمثلة من الشروط الفاسدة ثم يليه بيان الشروط الصحيحة
(فمن الشروط الفاسدة) إذا باع عبده بألف بشرط أن يبيعه داره أو يشترى منه داره أو بشرط أن
يقرضه عشرة لم يصح لأنه جعل الألف ورفق العقد الثاني ثمنا واشتراط العقد الثاني فاسد فبطل
بعض الثمن وليس له قيمة معلومة حتى يفرض التوزيع عليه وعلى الباقي وإذا أتيا بالبيع الثاني نظر إن كان
ا يعلمان بطلان الأول صح والا فلا لاتيانهما به على حكم الشرط الفاسد هكذا نقله صاحب التهذيب
وغيره والقياس صحته وبه قطع الامام وحكاه عن شيخه في كتاب الرهن * ولو اشترى زرعا واشترط
على بائعه أن يحصده ففيه ثلاث طرق (أحدها) وبه قال أبو إسحاق ان هذا التصرف شرا للزرع واستئجار
للبائع على الحصاد فيجئ فيه القولان فيما لو جمع بين صفقتين مختلفي الحكم وهذا هو اختيار
ابن الصباغ (والثاني) ان شرط الحصاد باطل قولا واحدا لأنه شرط عملا فيما لم لمكة فأشبه ما لو
استأجره لخياطة ثوب لم يملكه وفى صحة البيع قولا تفريق الصفقة (والثالث) وهو الأصح انهما
باطلان (أما) شرط العمل فلما ذكرنا وأيضا فلانه شرط ينافي قضية العقد لان قضية العقد كون القطع
على المشتري (وأما) البيع فلان الشرط إذا فسد فسد البيع وكذا الحكم لو أفرد الشراء بعوض
195

والاستئجار بعوض فقال اشتريت هذا الزرع بعشرة على أن تحصده بدرهم لأنه جعل الإجارة
شرطا في البيع فهو في معني بيعتين في بيعة في التأويل الثاني ولو قال اشتريت هذا الزرع واستأجرتك
على حصاده بعشرة فقال بعت وأجرت ففيه طريقان (أحدهما) انهما على القولين في الجمع بين مختلفي
الحكم (والثاني) ان الإجارة باطلة قولا واحدا * ثم إذا فسدت الإجارة ففي فساد البيع قولا تفريق
الصفقة * ولو قال اشتريت هذا الزرع بعشرة واستأجرتك لتحصده بدرهم صح الشراء ولا تصح الإجارة
لأنه استأجره على العمل فيما لم يملكه ونظائر مسألة الزرع يقاس بها كما إذا اشترى ثوبا وشرط عليه
صبغة أو خياطته أو لبنا وشرط عليه طبخه أو نعلا على أن ينعل به دابته أو عبدا رضيعا على أن يتم ارضاعه
أو متاعا على أن يحمله إلى بيته والبائع يعرف بيته فإن لم يعرف بطل البيع لا محالة ولو اشترى حطبا
على ظهر بهيمة مطلقا فيصح العقد ويسلمه إليه في موضعه أو لا يصح حتى يشترط تسلمه إليه في موضعه
لان العادة قد تقتضي حمله إلى داره * حكي صاحب التتمة فيه وجهين والله أعلم *
قال (إلا في مواضع عدة استثنيت بالنصوص (أحدها) شرط الأجل المعلوم (والثاني)
شرط الخيار ثلاثة أيام (والثالث) شرط وثيقة الثمن بالرهن بعد تعيين المرهون وبالكفيل بعد
تعيينه وبالشهادة ولا يشترط فيها التعيين * ومهما تعذر الوفاء بالرهن المشروط أو وجد به عيبا
فله فسخ العقد)
196

من الشروط الصحيحة في البيع شرط الأجل المعلوم في الثمن قال الله تعالى (إذا تداينتم
بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر عبد الله بن عمر أن يجهز جيشا وأمره
أن يبتاع ظهرا إلى خروج المصدق) وإن كان مجهولا كقدوم زيد أو مجئ المطر واقباض المبيع
فهو فاسد وذكر القاضي الروياني أنه لو أجل الثمن إلى الف سنة بطل العقد للعلم بأنه لا يبقى إلى
هذه المدة ويسقط الأجل بالموت كما لو أجر ثوبا الف سنة لا يصح فعلى هذه يشترط في صحة الأجل
مع كونه معلوما احتمال بقائه إلى المدة المضروبة * ثم موضع الأجل ما إذا كان العوض في الذمة فاما
ما ذكر في المبيع أو في الثمن المعين مثل أن يقول اشتريت بهذه الدنانير على أن تسلمها في وقت كذا
فهو فاسد لان الأجل رفق أثبت لتحصيل الحق في المدة والمعين حاصل ولو حل الأجل فأجل البائع
المشترى مدة أو زاد في الأجل قبل حلول الأجل المضروب أولا فهو وعد لا يلزم خلافا لأبي حنيفة
فيهما وساعدنا على أن بدل الاتلاف لا يتأجل وان أجله وقال مالك رحمه الله تعالى يتأجل * ولو أوصى
من له دين حال على إنسان بامهاله مدة فعلى ورثته امهاله تلك المدة لان التبرعات بعد الموت تلزم قاله
في التتمة * وحكي هو وصاحب التهذيب وجهين فيما لو أسقط من عليه الدين المؤجل الأجل هل يسقط
حتى يتمكن المستحق من مطالبته في الحال (أصحهما) انه لا يسقط لان الأجل صفة تابعة والصفة
لا تفرد بالاسقاط ألا تري ان مستحق الحنطة الجيدة أو الدنانير الصحاح لو أسقط صفة الجودة
أو الصحة لا تسقط (ومنها) شرط الخيار ثلاثة أيام على ما سيأتي (ومنها) شرط وثيقة الثمن بالرهن
والكفيل والشهادة فيصح البيع بشرط أن يرهن المشترى بالثمن أو يتكفل به كفيل أو يشهد عليه
سواء كان الثمن مؤجلا أو حالا ولا يخفى وجه الحاجة إلى التوفيق بهذه الجهات وقد قال تعالى (فرهن
مقبوضة) وقال (واشهدوا إذا تبايعتم) وكذلك يجوز أن يشرط المشتري على البائع كفيلا بالعهدة ولا
بد من تعيين الرهن والكفيل والمعتبر في الرهن المشاهدة أو الصفة كما يوصف المسلم فيه وفى الكفيل
197

المشاهدة أو المعرفة بالاسم والنسب ولا يكفي الوصف بأن يقول رجل موسر ثقة هذا هو النقل * ولو
قال قائل الاكتفاء بالصفة أولى من الاكتفاء بمشاهدة من لا يعرف حاله لم يكن ببعيد وهل يشترط
التعيين في شرط الاشهاد فيه وجهان (أحدهما) نعم كما في الرهن والكفيل (وأصحهما) لا وهو المذكور
في الكتاب لان المطلوب في الشهود العدالة لاثبات الحق عند الحاجة بخلاف الرهن والكفيل فان
الاغراض فيهما تتفاوت ولصاحب الوجه الأول أن يقول وقد يكون بعض العدول أوجه وقوله أسرع
قبولا فيتفاوت الغرض في أعيانهم أيضا وادعى الامام القطع بالوجه الثاني ورد الخلاف إلى أنه لو
عين الشهود هل يتعينون أم لا وهل يجب التعرض لكون المرهون عند المرتهن أو عند عدل فيه
وجهان (أظهرهما) لا بل إن اتفقا على يد المرتهن أو يد عدل فذاك وإلا جعله الحاكم في يد عدل وليكن
المشروط رهنه عند المبيع (أما) إذا شرط أن يكون المبيع نفسه رهنا بالثمن لم يصح الرهن لان المرهون
غير مملوك له بعد ولا البيع هكذا أطلقه الجمهور وأورد الامام فيه تفصيلا كما سيأتي والمطلقون وجهوه
بأمور (منها) ان الثمن إما مؤجل فلا يجوز حبس المبيع لاستيفائه أو حال فله حبسه لاستيفائه فلا معني
للحبس بحكم الرهن (ومنها) تناقض الأحكام فان قضية الرهن كون المال أمانة وان يسلم الدين أولا وقضية
البيع بخلافه (ومنها) أن فيه استثناء منفعة الاستيثاق ولا يجوز أن يستثنى البائع بعض منافع المبيع لنفسه
(ومنها) قال بعض المتأخرين المشترى لا يملك رهن المبيع الابعد صحة البيع فلا تتوقف عليه صحة لبيع كيلا
يؤدى إلى الدور وللنزاع مجال في هذه التوجيهات (أما الأول) فإن كان الثمن مؤجلا لا يجوز حبس
المبيع إذا لم يجر رهن فان جرى فهو موضع الكلام وإن كان حالا فيجوز أن يتقوى أحد الجنسين
بالآخر (وأما) الثاني فبتقدير الصحة يبقي المال مضمونا بحكم البيع استيفاء لما كان ويسلم الدين
198

أولا لاقدامه على الرهن * (وأما) الثالث ففي جواز استثناء بعض المنافع تفصيل سنذكره إن شاء الله تعالى
(وأما) الرابع فمسلم انه لا يتوقف صحة البيع على الرهن لكن لا كلام فيه وإنما الكلام في أنه هل يمنع
صحة البيع فهذا كلام المطلقين (وأما) التفصيل فان الامام ذكر ان المسألة مبنية على أن البداءة في التسليم
بمن (فان قلنا) البداءة بالبائع أو قلنا يخيران معا أو قلنا لا اختيار ما لم يبتد أحدهما فسد البيع لأنه شرط
يبطل مقتضى البيع لتضمنه حبس المبيع إلى استيفاء الثمن (وان قلنا) البداءة بالمشترى فوجهان
(أحدهما) انه يصح هذا الشرط لموافقته مقتضى العقد (والثاني) لا يصح ويفسد البيع لما سبق من تناقض
الأحكام والأظهر عند صاحب الكتاب هو الوجه الأول * وأنت إذا تنبهت إلى الأصل المبنى عليه
عرفت حال هذا البناء قوة وضعفا * ولو شرط أن يرهنه بالثمن بعد القبض ويرده إليه فالبيع باطل
أيضا لبعض المعاني المذكورة * ولو رهنه بالثمن من غير شرط صح إن كان بعد القبض وإن كان
قبله فلا إن كان الثمن حالا لان الحبس ثابت له وإن كان مؤجلا فهو كما لو رهن المبيع قبل القبض
بدين آخر ثم إذا لم يرهن المشترى ما شرطه أو لم يتكفل الذي عينه فلا اجبار لكن للبائع الخيار
ولا يقوم رهن وكفيل آخر مقام المعين فان فسخ فذاك وان أجاز فلا خيار للمشترى * ولو عين شاهدين
فامتنعا من تحمل الشهادة (فان قلنا لا بد من تعيين الشاهدين فللبائع الخيار أيضا (وان قلنا) لا حاجة إليه
أيضا فلا * ولو باع بشرط الرهن فهلك الرهن قبل القبض أو تعيب أو وجد به عيبا قديما فله الخيار في البيع وان
تعيب قبل القبض فلا خيار * ولو ادعى الرهن انه حدث بعد القبض وقال المرتهن بل قبله فالقول قول الراهن
استدامة للبيع ولو هلك الرهن بعد القبض أو تعيب ثم اطلع على عيب قديم به فلا أرش له وهل له
فسخ البيع فيه وجهان (أصحهما) لا لان الفسخ إنما يثبت إذا أمكنه رد الرهن كما أخذ (وأما) لفظ
199

الكتاب فقوله شرط وثيقة الثمن لفظ الثمن وإن كان مطلقا لكن المراد منه ما إذا كان في الذمة فان
الأعيان لا يرهن بها وفى ضمانها تفصيل طويل يذكر في موضعه إن شاء الله تعالى هذا كما ذكرناه
في الأجل (وقوله) بعد تعيين المرهون يجوز اعلامه بالميم والحاء (أما) الميم فلان عند مالك رضي الله عنه
لا يشترط تعيين المرهون بل ينزل المطلق على ما يصلح أن يكون رهنا لمثل ذلك في
العادة (وأما) بالحاء فلان عند أبي حنيفة لو قال رهنتك أحد هذين العبدين جاز كما ذكره في البيع
(وقوله) وبالكفيل بعد تعيينه يجوز اعلامه بالواو لان في كتاب القاضي ابن كج انه لا حاجة إلى
تعيين الكفيل وإذا أطلق أقام من شاء ضمينا والله أعلم
قال (والرابع) شرط عتق العبد احتمل لحديث بريرة والقياس إبطال الشرط وقد
قيل به * ثم للبائع المطالبة بالعتق على الأصح فان أبي المشترى أجبر عليه (و) وإن شرط أن يكون
الولاء له صح الشرط (و) لدلالة الخبر)
في بيع الرقيق بشرط العتق قولان (أحدهما) وهو مخرج أنه لا يصح كما لو باعه بشرط أن
يبيعه أو يهبه وبهذا قال أبو حنيفة (وأصحهما) انه يصح وعلى هذا ففي صحة الشرط قولان (أحدهما)
وهو ما حكاه العراقيون عن رواية أبي ثور انه باطل لظاهر ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (ما كان من شرط
ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل) (1) (وأصحهما) وبه قال مالك وأحمد في أصح الروايتين انه
صحيح لما روى (ان عائشة رضي الله عنها اشترت بريرة وشرط مواليها أن تعتقها ويكون ولاؤها
لهم فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم الا شرط الولاء وقال شرط الله أوثق وقضاء الله أحق والولاء لمن أعتق) (2)
(وقوله) والقياس ابطال الشرط أراد مع تصحيح العقد على ما دل عليه كلامه في الوسيط قال
200

لان المصير إلى ابطال العقد مع الحديث لا وجه له وان قال قائلون به وتأويل اذنه في الشرط انه
كان يثق بعائشة رضي الله عنها انها تفي به تكرما لا انه لازم * (التفريع ان صححنا شرط العتق فذلك
إذا أطلق أو قال بشرط أن تعتقه عن نفسك أما إذا قال بشرط أن تعتقه عنى فهو لاغ ثم العتق
المشروط حق من فيه وجهان (أظهرهما) أنه حق الله عز وجل كالملتزم بالنذر (والثاني) أنه حق البائع
لان اشتراطه يدل على تعلق غرضه به والظاهر أنه تسامح في الثمن إذا شرط العتق (فان قلنا) انه حق
البائع فله المطالبة به لا محالة (وان قنا) أنه حق الله تعالى فوجهان (أحدهما) أنه ليس له المطالبة به إذ لا
ولاية له في حقوق الله عز وجل (وأصحهما) أنه ليس له ذلك لأنه ثبت بشرطه وله غرض في تحصيله وإذا
أعتقه المشترى فقد وفى بما التزم والولاء له (وإن قلنا) العتق حق البائع لأنه صدر عن ملكه وان
امتنع فهل يجبر عليه فيه وجهان وقيل قولان (أصحهما) عند المصنف أنه يجبر عليه (والثاني) لا ولكن
للبائع الخيار في فسخ البيع وهما مبنيان على أن العتق حق من (إن قلنا) إنه حق الله عز وجل فيجبر
عليه (وإن قلنا) إنه حق البائع فلا يجبر كما في شرط الرهن والكفيل وإذا قلنا بالاجبار فهل يخرج على
الخلاف في المولى إذا امتنع من الطلاق حتى يعتق القاضي على رأى أو يحبسه حتى يعتق على رأى
أولا طريق سوى الحبس حتى يعتق أبدى الامام فيه احتمالين (والال) هو المذكور في التتمة قال الامام
والخلاف في الاجبار لا يبعد طرده في شرط الرهن والكفيل ومن جهة القياس لكن لم يطردوه
(وإذا قلنا) العتق حق للبائع فلو أسقطه سقط كما لو شرط رهنا أو كفيلا ثم عفا عنه وعن أبي محمد ان
201

شرط الرهن والكفيل أيضا لا يفرد بالاسقاط كحق الأجل * وهل يجوز إعتاق هذا العبد عن الكفارة
(ان قلنا) إن العتق حق الله عز وجل فلا كاعتاق المنذور عتقه عن الكفارة وإن قلنا إنه حق البائع
فكذلك إن لم يسقط حقه وان أسقطه جاز على أصح الوجهين (والثاني) لا يجوز لان البيع بشرط
العتق لا يخلو عن محاباة فكأنه أخذ على العتق عوضا ويجوز له الاستخدام والوطئ والأكساب الحاصلة
له ولو قتل كانت القيمة له ولا يكلف صرفها إلى عبد آخر ليعتقه وليس له أن يبيعه من غيره ويشترط
العتق عليه في أصح الوجهين لان العتق مستحق عليه فليس له نقله إلى غيره وهل يجزى ايلاد
الجارية عن الاعتاق فيه وجهان (أصحهما) لا بل عليه أن يعتقها * ولو مات العبد قبل أن يعتقه ففيه أوجه
(أظهرها) أنه ليس عليه الا الثمن المسمى لأنه لم يلتزم غيره (والثاني) أن عليه مع ذلك قدر التفاوت
بين ثمن مثله مشترى مطلقا وثمن مثله مشترى بشرط العتق ومنهم من زاد في هذا الوجه أنه يعرف قدر
التفاوت هكذا ويجب عليه مثل نسبته من الثمن المسمى (والثالث) أن البائع بالخيار إن شاء أجاز
العقد ولا شئ له وان شاء فسخ البيع ورد مأخذ من الثمن ويرجع بقيمة العبد عليه وحكى بعضهم
بدل هذا الوجه أنه ينفسخ العقد لتعذر إمضائه إذ لا سبيل إلى ايجاب شئ على المشترى من غير
تفويت ولا الزام ولا إلى الاكتفاء بالمسمى فان البائع لم يرض به الا بشرط العتق وهذه الوجوه
مفرعة على أن العتق للبائع أو هي مطردة سواء قلنا إنه للبائع أو لله تعالى فيه رأيان للامام (أظهرهما)
الثاني * ولو اشترى عبدا بشرط أن يدبره أو يكاتبه أو يعتقه بعد شهر أو سنة أو دارا بشرط
202

أن يجعلها وقفا ففي هذه الشروط وجهان (أصحهما) أنها ليست كشرط العتق بل يبطل البيع بها
وجميع ما ذكرناه في شرط العتق مفروض فيما إذا لم يتعرض الولاء فاما إذا شرط مع العتق كون
الولاء للبائع ففيه وجهان (أحدهما) أنه يبطل البيع لان شرط الولاء تغيير ظاهر المقتضى العقد
لتضمنه نقل الملك إلى البائع وارتفاع العقد (والثاني) أنه يصح لحديث بريرة فان عائشة رضي الله عنه
ا أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مواليها لا يبيعونها إلا بشرط أن يكون الولاء لهم فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم اشترى واشترطي لهم الولاء أذن في الشراء بهذا الشرط وهو لا يأذن في باطل وعلى هذا
ففي صحة الشرط قولان نقلهما الامام (أحدهما) أنه لا يصح لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (خطب بعد ذلك
وقال ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله عز وجل كل شرط ليس في كتاب الله
عز وجل فهو باطل شرط الله أوثق وقضاء الله أحق والولاء لمن أعتق) (والثاني) أنه يصح لأنه أذن
في اشتراط الولاء وهو لا يأذن في باطل وهذا هو الذي أورده صاحب الكتاب (وأعلم) انه خلاف
ما اتفق عليه جمهور الأصحاب فإنهم أطبقوا على أن شرط الولاء يفسد البيع وحكموا قولا ضعيفا على
خلافه عن رواية الإصطخري أو تخريجه ثم على ذلك القول الضعيف قضوا بفساد الشرط وقصروا الصحة على
العقد ولا تكاد تجد حكاية الخلاف في صحة الشرط بعد تصحيح العقد الا للامام رحمه الله تعالى وفى حديث
بريرة إشكال أفسدنا العقد أو صححناه وأفسدنا الشرط أو صححناه (أما) إذا أفسدنا العقد أو الشرط فلاذنه
في الشراء واشتراط الولاء وأما إذا صححناهما فلخطبته بعد ذلك وانكاره على هذا الشرط وكيف يجوز أن
203

الشئ ثم ينكر عليه ويبطله الا ان الصائرين إلى الفساد لم يثبتوا الاذن في شرط الولاء وقالوا إن هشاما
تفرد به ولم يتابعه سائر الرواة عليه فيحمل على وهم وقع له لان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأذن فيما لا يجوز وبتقدير
الثبوت فقد تكلموا عليه من وجوه لا نطول بذكرها وأما من صححهما قال إنه نهاهم عن الاتيان
بمثل هذه الشروط ولما جرت أنكر عليهم لارتكابهم ما نهاهم عنه لكنه صححه وقد ينهى
عن الشئ ثم يصححه * ولو جرى البيع بشرط الولاء دون شرط العتق بان قال بعتكه بشرط أن
يكون الولاء لي ان أعتقته يوما من الدهر فقد ذكر في التتمة أن العقد ههنا باطل بلا خلاف إذ لم
يشترط العتق حتى يحصل الولاء تبعا له * ولو اشترى أباه أو ابنه بشرط أن يعتقه فعن القاضي حسين
أن العقد باطل لتعذر الوفاء بهذا الشرط فإنه يعتق عليه قبل إن يعتقه والله أعلم *
قال (والخامس أن يشترط ما لا يبقي علقة ككل شرط يوافق العقد من القبض وجواز
الانتفاع * أو ما لا يتعلق به غرض كشرطه ان لا يأكل الا الهريسة وهذا استثنى بالقياس *
وكذلك شرطه أن يكون خبازا أو كاتبا وكذا كل وصف مقصود) *
غرض الفصل التعرض لاقسام الشروط التي لا تفسد العقد بعد ما تقدم ذكره والأصحاب قد
ضبطوا صحيح الشروط وفاسدها في تقسيم هو كالترجمة والتفاصيل مذكورة في مواضعها قالوا
الشرط ينقسم إلى ما يقتضيه مطلق العقد والى مالا يقتضيه فالأول كالقبض وجواز الانتفاع والرد
204

بالعيب ونحوها فلا يضر التعرض له ولا ينفع (والثاني) ينقسم إلى ما يتعلق بمصلحة العقد والي ما لا يتعلق
فالأول قد يتعلق بالثمن كشرط الرهن والكفيل وقد يتعلق بالثمن كشرط أن يكون العبد خبازا
أو كاتبا وقد يتعلق بالطرفين كشرط الخيار فهذه الشروط لا تفسد العقد وتصح في نفسها (والثاني)
ينقسم إلى ما لا يتعلق به غرض يورث تنافسا وتنازعا والى ما لا يتعلق فالأول كشرط أن لا يأكل الا
الهريسة أو لا يلبس الا الخز وما أشبه ذلك فهذا لا يفسد العقد ويلغو في نفسه هكذا قاله صاحب الكتاب
وشيخه لكن في التتمة أنه لو شرط ما يقتضي الزام ما ليس بلازم كما لو باع بشرط أن يصلى النوافل
أو يصوم شهرا غير رمضان أو يصلى الفرائض في أول أوقاتها يفسد العقد لأنه أوجب ما ليس
بواجب وقضية هذا فساد العقد من مسألة الهريسة والخز أيضا (والثاني) كشرط أن لا يقبض
ما اشتراه ولا يتصرف فيه بالبيع والوطئ ونحوهما وكشرط بيع آخر أو قرض وكشرطه أن
لا خسارة عليه في ثمنه يعنى لو باعه وخسر في ثمنه ضمن له النقصان فهذه الشرائط وأشباهها فاسدة
مفسدة للبيع الا شرط العتق كما مر (وقوله) في الكتاب وهذا استثنى بالقياس أراد به ما سبق ان
المفهوم من نهيه عن بيع وشرط دفع محذور المنازعة الثائرة من الاشتراط والعلقة الباقية بينهما
205

بسببه وهذا المعني مقصود في هذه الصورة (وأما) ما يوافق مقتضى العقد فهو ثابت ذكر أو لم
يذكر (واما) ما لا يتعلق به غرض فلا يتنازعان في مثله غالبا (واما) شرط الكتابة والخبز وسائر
الأوصاف المقصودة فإنها لا تتعلق بانشاء أمر في المستقبل بل هي أمور حاضرة ناجزة والظاهر
أن الشارط لا يلتزمها الا وهي حاصلة فإذا هذه الشرائط وإن كانت مستثناة عن صورة اللفظ
لكنها منطبقة على المعني المفهوم منه *
قال (ولو شرط أن تكون حاملا فقولان ولو شرط أن تكون لبونا (فالأصح) أنه كشرط الكتابة) *
إحدى مسألتي الفصل أن يبيع جارية أو دابة بشرط أن تكون حاملا ونقدم عليها أن بيع الحمل
لا يجوز لا من مالك الام ولا من غيره لما مر في النهي عن بيع الملاقيح فإنه غير معلوم ولا مقدور * ولو باع حاملا
مطلقا دخل الحمل في البيع تبعا وهل يقابله قسط من الثمن فيه خلاف نذكره في موضعه * ولو باع الحامل واستثنى حملها ففي صحة البيع وجهان منقولان في النهاية (أحدهما) انه يصح كما لو باع الشجرة واستثنى الثمرة
قبل بدو الصلاح (وأصحهما) وبه أجاب الجمهور انه لا يصح لان الحمل لا يجوز افراده بالعقد فلا يجوز
استثناؤه كأعضاء الحيوان ولو كانت الام لواحد والحمل لآخر فهل لمالك الام بيعها من مالك الحمل
أو غيره فيه وجهان وكذا لو باع جارية حاملا بحر * الذي ذكره المعظم انه لا يصح لان الحمل
لا يدخل في البيع فكأنه استثناه (والثاني) وهو اختيار الإمام وصاحب الكتاب انه يصح
ويكون الحمل مستثني شرعا إذا تقرر ذلك فلو باع جارية أو دابة بشرط أنها حامل ففي صحة
البيع قولان ويقال وجهان مبنيان على أن الحمل هل يعلم أم لا (ان قلنا) لا لم يصح شرطه (وان قلنا)
نعم صح وهو الأصح وخص بعضهم الخلاف بغير الآدمي وقطع بالصحة في الجواري لان الحمل
206

في الجواى عيب فاشتراط الحمل اعلام بالعيب فتصير كما لو باعها على أنها آبقة أو سارقة * ولو قال
بعتك هذه الدابة وحملها ففي صحة العقد وجهان * عن أبي زيد انه يصح لأنه داخل في العقد عند
الاطلاق فلا يضر التنصيص عليه كما لو قال بعتك هذا الجدار وأساسه (والأصح) وبه قال ابن الحداد
والشيخ أبو علي أنه لا يصح لأنه جعل المجهول مبيعا مع المعلوم وما لا يجوز بيعه وحده لا يجوز بيعه مقصودا
مع غيره بخلاف ما إذا باع بشرط انها حامل فإنه جعل الحاملية وصفا تابعا وهذا الخلاف يجرى
فيما إذا قال بعتك هذه الشاة وما في ضرعها من اللبن * وفى قوله بعتك هذه الجبة وحشوها طريقان
(منهم) من طرد الخلاف ومنهم من قطع بالجواز لان الحشو داخل في مسمي الجبة فذكره ذكر ما دخل
في اللفظ فلا يدل التنصيص عليه والحمل غير داخل في مسمى الشاة فذكره ذكر الشئ المجهول
مع المعلوم * وإذا قلنا بالبطلان في هذه الصورة فقد قال الشيخ أبو علي في بيع الظهارة والبطانة في
صورة الجبة قولا تفريق الصفقة وفى صورة الدابة يبطل البيع في الكل والفرق ان الحشو يمكن
معرفة قيمته عند العقد والحمل واللبن لا يمكن معرفتهما حينئذ فيتعذر التوزيع قال الامام وهذا حسن
لكنا نجري قولا التفريق حيث يتعذر التوزيع كما لو باع شاة وخنزيرا أو باع حاملا وشرط
207

وضعها لرأس الشهر ونحوه لم يصح البيع قولا واحدا لأنه غير مقدور عليه قاله في الشامل وبيض
الطير كحمل الجارية والدابة في جميع ذلك (والمسألة الثانية) لو باع شاة بشرط أنها لبون ففيه طريقان
(أحدهما) أنها على الخلاف في البيع بشرط الحمل (والثاني) القطع بصحة البيع والفرق أن شرط
الحمل يقتضي وجود الحمل عند العقد وهو غير معلوم وشرط كونها لبونا لا يقتضى وجود اللبن
حينئذ وإنما هو اشتراط صفة فيها فكان بمثابة شرط الكتابة والخبز في العقد حتى لو شرط
كون اللبن في الضرع كان بمثابة شرط الحمل وطريقة طرد الخلاف أظهر لأنه نص في الام على قولين
في السلم في الشاة اللبون إلا أن قول الصحة ههنا أظهر منه في المسألة الأولى (وقوله) في الكتاب
فالأصح انه كشرط الكتابة يجوز ان يريد من الطريقين (والأولى) أن يريد من القولين جوابا
على الطريقة الأولى واعلم قوله كشرط الكتابة بالحاء لان عند أبي حنيفة لا يصح البيع بهذا
الشرط ولذا قال في شرط الحمل ولو شرط انها تدر كل يوم كذا رطلا من اللبن لم يصح
البيع لان ذلك لا يضبط ولا يقدر عليه فصار كما لو شرط في العبد أنه يكتب كل يوم عشرة أوراق *
ولو باع شاة لبونا واستثني لبنها ففي صحة العقد وجهان (أصحهما) انه لا يصح كما لو استثنى الحمل
في بيع الجارية والكسب في بيع السمسم والحب في بيع القطن والله أعلم * وفى الشروط الصحيحة
باتفاق أو على اختلاف مسائل اخر نسير إلى بعضها في هذا الموضع على الاختصار (منها) البيع بشرط
البراءة من العيوب (ومنها) بيع الثمار بشرط القطع وسنشرحهما (ومنها) لو باع مكيلا أو موزونا أو
مذروعا بشرط ان يكال بمكيال معين أو يوزن بميزان معين أو يذرع بذراع معين أو شرط
208

ذلك في الثمن ففيه خلاف ونورده في السلم وفى معناه تعيين رجل يتولي الكيل أو الوزن (ومنها) لو
باع دارا واستثني لنفسه سكناها أو دابة واستثني ظهرها نظر إن لم يبين مدة لم يصح العقد وإن بين ففيه
خلاف مذكور في الكتاب في آخر الإجارة (والأصح) أنه يبطل العقد وذهب أحمد إلى صحته
(ومنها) لو شرط أن لا يسلم المبيع حتى يستوفى الثمن نظر إن كان مؤجلا بطل العقد وإن كان حالا
بنى على أن البداءة في التسليم بمن فان جعلنا ذلك من قضايا العقد لم يضر ذكره والا فسد العقد
(ومنها) لو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن أزيدك صاعا فان أراد هبة صاع أو بيعه
من موضع آخر فهو باطل لأنه شرط عقد في عقد وإن أراد أنها إن خرجت عشرة آصع أخذت
تسعة دراهم فإن كانت الصيعان مجهولة لم يصح لأنه لا يدرى صحة كل صاع وإن كانت معلومة صح
فإن كانت عشرة فقد باع صاعا وتسعا بدرهم ولو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن
أنقصك صاعا فان أراد رد صاع إليه فهو فاسد لأنه شرط عقد في عقد وإن أراد أنها إن خرجت
تسعة آصع أخذت عشرة دراهم فإن كانت الصيعان مجهولة لم يصح وإن كانت معلومة صح وإذا
كانت تسعة آصع فيكون كل صاع بدرهم وتسع وعن صاحب التقريب انه لا يصح في صورة العلم
أيضا لان العبارة لا تنبئ عن المجمل المذكور ولو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن أنقصك
صاعا أو أزيدك صاعا ولم يبين إحدى الجهتين فهو باطل (ومنها) لو باع قطعة ارض على أنها مائة ذراع
فخرجت دون المائة ففيه قولان (أحدهما) بطلان البيع لان قضية قوله بعتك هذه الأرض ان لا
يكون غيرها مبيعا وقضية الشرط ان لا تدخل الزيادة في البيع فوقع التضاد وتعذر التصحيح
(وأظهرهما) وقطع به قاطعون انه صحيح تغليبا للإشارة وتنزيلا لخلف الشرط في المقدار منزلة
خلفه في الصفات وبهذا قال أبو حنيفة فعلى هذا للمشترى الخيار بين الفسخ والإجازة ولا يسقط
خياره بان يحط البائع من الثمن قدر النقصان وإذا أجاز فيجيز بجميع الثمن أو بالقسط فيه قولان
209

كما في تفريق الصفقة لكن الأظهر ههنا ان يجيز بجميعه لان المتناول بالإشارة تلك القطعة لا غير
ولو كان المسألة بحالها وخرجت القطعة أكثر من المائة ففي صحة البيع قولان أيضا ان صححناه
فالمشهور ان للبائع الخيار فان أجاز كانت كلها للمشترى ولا يطالبه للزيادة بشئ فيه وجه آخر
اختاره صاحب التهذيب انه لا خيار للبائع ويصح البيع في الكل بالثمن المسمى وينزل شرطه منزلة ما لو
شرط كون المبيع معيبا فخرج سليما لا خيار له فعلى المشهور لو قال المشترى لا نفسح فانى اقنع بالقدر
المشروط سابقا والزيادة لك فهل يسقط خيار البائع فيه قولان عن رواية صاحب التقريب وغيره
(أحدهما) نعم لزوال الغبينة عن البائع (والثاني) لا لان ثبوت حق المشترى على الشيوع يجر
ضررا وهذا أظهر وبه قال الامام ورجح ابن سريج الأول في جوابات الجامع الصغير لمحمد رحمهما
الله * ولو قال لا نفسخ حتى أزيدك في الثمن لما زاد لم يكن له ذلك ولم يسقط به خيار البائع بلا
خلاف ويقاس بهذه المسألة ما إذا باع الثوب على أنه عشرة أذرع أو القطيع على أنه عشرون رأسا أو
الصبرة على أنها ثلاثون صاعا وفرض نقصانا أو زيادة * وفرق صاحب الشامل بين الصبرة وغيرها
فروى أن الصيرة إذا زادت على القدر المشروط يرد الفضل وإن نقصت وأجاز المشترى يجيز بالحصة وفيما
عداها يجيز بجميع الثمن لان أجزاءها تتساوى فلا يجر التوزيع جهالة (ومنها) لو قال لغيره بع عبدك من
زيد بألف على أن على خمسمائة فباعه على هذا الشرط هل يصح البيع فيه قولان لابن سريج (أظهرهما) لا
لان الثمن يجب جميعه على المشترى وههنا جعل بعضه على غيره (والثاني) نعم ويجب على زيد
الف وعلى الآمر خمسمائة كما لو قال الق متاعك في البحر على أن على كذا *
قال (ومهما فسدت هذه الشرائط فسد بفسادها العقد * والأصح ان شرط نفى خيار المجلس
والرؤية فاسد *
ما يصح من المبيوع لولا الشرط إذا ضم إليه شرط لم يخل ذلك الشرط اما أن يكون صحيحا أو
فاسدا فإن كان صحيحا فالعقد صحيح لا محالة وإن كان فاسدا فلا يخلو إما أن يكون شيئا لا يفرد
بالعقد وإما أن يكون شيئا يفرد بالعقد فإن كان الأول نظر إن لم يتعلق به غرض يورث تنافسا وتنازعا
فلا يؤثر ذلك في العقد على ما سبق * قال الامام ومن هذا القبيل ما إذا عين الشهود لتوثيق الثمن
210

وقلنا إنهم لا يتعينون فلا يفسد به العقد لأنا إذا ألغينا تعبين الشهور فقد أخرجناه عن أن يكون من
مقاصد العقد وإن تعلق به غرض فسد العقد بفساده للنهي عن بيع وشرط ولأنه يفضى إلى
المنازعة ولأنه يوجب الجهل بالعوض وكل ذلك قد تقدم * وعن أبي ثور رواية قول ان فساد الشرط
لا يتعدى إلى فساد العقد بحال لقصة بريرة فإنه صلى الله عليه وسلم أنكر على الشرط وأبطله ولم
يفسد العقد * وإن كان مما يفرد بعقد كالرهن والكفيل فهل يفسد البيع بشرطهما على نعت الفساد
فيه قولان (أظهرهما) وبه قال أبو حنيفة نعم كسائر الشروط الفاسدة (والثاني) وبه قال المزني لا
لأنه يجوز افراده عن البيع فلا يوجب فساده فساد البيع كالصداق في النكاح لا يوجب فساده
فساد النكاح * إذا عرفت ما ذكرناه عرفت أن قوله في الكتاب ومهما فسدت هذه الشرائط فسد
بفسادها العقد غير مجرى على إطلاقه (وأما) قوله والأصح أن نفى خيار المجلس والرؤية فاسد فلا
يخفى أنه ليس له كبير تعلق بهذا الموضع ثم فقهه أنه إذا باع شيئا بشرط نفي خيار المجلس وقبله
المشترى هل يصح هذا الشرط فيه طريقان (أظهرهما) أنه المسألة على قولين (أحدهما) أنه يصح
لقوله صلى الله عليه وسلم (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا الا بيع الخيار) (1) (وأصحهما) أنه لا يصح لما روى أنه صلى الله عليه وسلم
وسلم قال (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يتخايرا) وهذا ما نص عليه في البويطي والقديم (وقوله)
إلا بيع الخيار المراد منه أن يقطعا الخيار بعد العقد وهو التخاير وقيل أراد إلا بيعا شرط فيه الخيار
فان الخيار في ذلك البيع ينفى بعد التفرق والاستثناء على هذا راجع إلى قوله ما لم يتفرقا (والطريق
الثاني) القطع بالقول الثاني واليه ذهب أبو إسحاق بعد ما كأن يقول بطريقة القولين: فان صححنا
الشرط صح البيع ولزم وإن أفسدنا الشرط فهل يفسد البيع فيه وجهان (أصحهما) نعم لأنه شرط
ينافي مقتضى العقد فأشبه ما إذا قال بعتك بشرط أن لا أسلمه * وإذا سلكت سبيل الاختصار قلت
في المسألة ثلاثة أقوال أو وجوه (أصحها) فساد الشرط والعقد جميعا * ولو شرط نفى خيار الرؤية على
قول صحة بيع الغائب فقد طرد الامام وصاحب الكتاب فيه الخلاف والأكثرون قطعوا بأنه فاسد
مفسد والفرق انه لم ير المبيع ولا عرف حاله فنفى الخيار فيه يؤكد الغرر ونفي خيار المجلس لا يمكن
211

غررا بل هو مخل لمقصود العقد وإنما أثبته الشرع على سبيل التخفيف رفقا بالمتعاقدين فجاز ان
لا يقدح نفيه * (وقوله) في الكتاب والأصح ان نفي جيار المجلس أراد الأصح من الوجوه جوابا
على طريقة اثبات الخلاف في الصورتين وهذا الخلاف شبيه بالخلاف في البيع بشرط البراءة من
العيوب وسيأتي من بعد * ويتفرع على هذا الخلاف ما إذا قال لعبده إذا بعتك فأنت حر ثم باعه
بشرط نفي الخيار (فان قلنا) البيع باطل أو قلنا الشرط أيضا صحيح لم يعتق (اما) على التقدير
الأول فلان اسم المبيع يقع على الصحيح ولم يوجد (واما) على الثاني فلان ملكه قد زال والعقد
قد لزم ولا سبيل إلى اعتاق ملك الغير (وإن قلنا) ان العقد صحيح والشرط فاسد عتق لبقاء الخيار
ونفوذ العتق من البائع في زمن الخيار * وعند أبي حنيفة ومالك لا يعتق إلا أن يبيع بشرط الخيار
لان خيار المجلس غير ثابت عندهما *
قال (والعقد الفاسد لا يفيد الملك (ح) وان اتصل القبض به * وإن كانت جارية فوطئها وجب
المهر وثبت النسب للشبهة والولد حر) *
إذا اشترى شيئا شراءا فاسدا بشرط فاسد أو بسبب آخر ثم قبضه لم يملكه بالقبض ولا ينفذ تصرفه
فيه وبه قال أحمد ومالك * وقال أبو حنيفة ان اشترى مالا قيمة له كالدم والميتة فالحكم كذلك
فان اشتراه بشرط فاسد وبماله قيمة في الجملة كالخمر والخنزير ثم قبض المبيع باذن البائع ملكه ونفذ
تصرفه فيه لكن للبائع أن يسترده بجميع زوائده ولو تلف في يده أو زال ملكه عنه ببيع أو هبة
أو اعتاق فعليه قيمته إلا أن يشترى عبدا بشرط العتق فإنه قال يفسد العقد وإذا تلف في يده
فعليه الثمن * لنا انه بيع مسترد بزوائده المتصلة والمنفصلة فلا يثبت الملك فيه للمشترى كما لو اشترى
بدم أو ميتة * إذا تقرر ذلك فعلى المشترى رد المقبوض بالبيع الفاسد ومؤنة رده كالمغصوب ولا
يجوز حبسه لاسترداد الثمن ولا يتقدم به على الغرماء خلافا لأبي حنيفة في المسألتين * وحكى القاضي
ابن كج مثله وجها عن الإصطخري ونقل القاضي حسين عن نص الشافعي رضي الله عنه جواز الحبس
والظاهر الأول ويلزمه أجرة المثل للمدة التي كان في يده سواء استوفى المنفعة أو تلفت تحت
يده أو بقيت في يده فعليه أرش النقصان وان تلف فعليه قيمته أكثر ما كانت من يوم القبض إلى
212

يوم التلف كالمغصوب لأنه مخاطب كل لحظة من جهة الشرع برده وفيه وجه آخر انه تعتبر قيمته
يوم التلف كالعارية * وعن الصيدلاني وغيره حكاية وجه ثالث أنه يعتبر قيمته يوم القبض وقد يعبر عن
هذا الخلاف بالأقوال * وما حدث في رده من الزوائد المنفصلة كالولد والثمرة والمتصلة كتعلم الحرفة
والسمن مضمون عليه كزوائد المغصوب وفيه وجه انه لا يضمن الزيادة عند التلف * ولو أنفق على العبد
المبيع مدة لم يرجع على البائع إن كان عالما بفساد البيع فإن كان جاهلا فعن الصيمري أنه على وجهين *
ولو كان المبيع جارية فوطئها المشترى فإن كانا جاهلين فلا حد ويجب المهر وإن كانا عالمين وجب
الحد وان اشتراها بميتة أو دم أو خمر أو بشرط فاسد لم يجب لاختلاف العلماء كالوطئ في النكاح
بلا ولى ونحوه قال الامام ويجوز أن يقال يجب الحد لان أبا حنيفة لا يبيح الوطئ وإن كان يثبت
الملك بخلاف الوطئ في النكاح بلا ولي * وإذا لم يجب الحد يجب المهر ولا عبرة بالاذن الذي
يتضمنه التمليك الفاسد وإن كانت بكرا وجب مع مهر البكر أرش البكارة (أما) مهر المثل
فللاستمتاع بها (وأما) الأرش فلاتلاف ذلك الجزء * ولو استولدها فالولد حر للشبهة وعليه قيمته
إن خرج حيا باعتبار يوم الوضع وتستقر القيمة عليه بخلاف ما لو اشترى جارية واستولدها فخرجت
مستحقة يغرم قيمة الولد ويرجع على البائع لأنه غره ثم الجارية لا تصير أم ولد في الحال فان
ملكها يوما من الدهر ففيه قولان وان دخل على الام نقص بالحمل أو الوضع وجب الأرش وان
خرج الولد ميتا فلا قيمة لكن ان سقط بجناية جان وجبت الغرة على عاقلة الجاني وعلى المشترى
أقل الأمرين من قيمة الولد يوم الولادة والغرة ويطالب به المالك من شاء من الجاني والمشترى ولو
ماتت في الطلق لزمه قيمتها وكذلك لو وطئ أمة الغير بالشبهة فأحبلها فماتت في الطلق وهذه الصورة
وأخواتها مذكورة في باب الرهن في الكتاب وسنقف على شرحها إن شاء الله تعالى * ولو اشترى
شيئا فاسدا ثم باعه من آخر فهو كالغاصب يبيع المغصوب فان حصل في يد الثاني فعليه رده إلى
المالك فان تلف في يده نظر إن كانت قيمته في يديهما سواء أو كانت في الثاني أكثر رجع المالك
بالجميع على من شاء منهما والقرار على الثاني لحصول التلف في يده وإن كانت القيمة في يد الأول
213

أكثر فضمان النقصان على الأول والباقي يرجع به على أيهما شاء والقرار على الثاني لحصول التلف في يده
وكل نقص حدث في يد الأول لا يكون الثاني مطالبا به وكل نقص حدث في يد الثاني يكون الأول
مطالبا به ويرجع على الثاني وكذلك حكم أجرة المثل والله أعلم *
قال (ولا ينقلب العقد صحيحا * بخلاف الشرط وإن كان في المجلس (ح) * ولا يصح شرط
اجل (ح) وخيار وزيادة ثمن (ح) ومثمن بعد لزوم العقد * والاقيس منعه أيضا في حالة الجواز) *
هذه البقية تشتمل على مسألتين (أحداهما) لو فسد البيع بشرط فاسد ثم حذفا
الشرط لا ينقلب العقد صحيحا سواء كان الحذف في المجلس أو بعده * وعن أبي
حنيفة أنه إن كان الحذف في المجلس انعقد صحيحا ولنا مثله وجه نذكره بما فيه في كتاب السلم *
واحتج الأصحاب بان العقد الفاسد لا عبرة به فلا يكون لمجلسه حكم بخلاف العقد الصحيح *
(الثانية) لو زاد في الثمن أو المثمن أو زاد شرط الخيار أو الأجل أو قدرهما نظر إن كان ذلك بعد
لزوم العقد لم يلتحق بالعقد لان زيادة الثمن لو التحقت بالعقد لوجبت على الشفيع كأصل الثمن
ولا يجب وكذا الحكم عندنا في رأس مال السلم والمسلم فيه والصداق وغيرهما وكذا الحط عندنا
لا يلتحق بالعقد حتى يأخذ الشفيع بما سمي في العقد لا بما بقي بعد الحط * وعند أبي حنيفة الزيادة
في المثمن والصداق ورأس مال السلم تلزم وكذا في الثمن إن كان باقيا وإن كان تالفا فله مع
أصحابه اختلاف فيه ولا يثبت في المسلم فيه على المشهور وشرط الأجل يلتحق بالعقد في الثمن
والأجرة والصداق وسائر الاعراض قال واما الحط فان الحط نقص يلتحق بالعقد دون حط
الكل * وإن كانت هذه الالحاقات قبل لزوم العقد فإن كانت في مجلس العقد أو في زمان الخيار
المشروط فيه أوجه (أحدها) انها لا تلتحق لتمام العقد كما بعد اللزوم وهذا أقيس عند صاحب
الكتاب وفي التتمة انه الصحيح (والثاني) عن أبي زيد والقفال انها تلتحق في خيار المجلس دون
214

خيار الشرط لان مجلس العقد كنفس العقد الا تري انه يصلح لتعيين رأس مال السلم والعوض في عقد
الصرف بخلاف زمان الخيار المشروط (وأصحها) عند الأكثرين انها تلتحق أما في مجلس
العقد فلما ذكرنا وأما في زمان الخيار المشروط فلانه في معناه من حيث إن العقد غير مستقر بعد
والزيادة قد يحتاج إليها لتقرير العقد فان زيادة العوض من أحدهما تدعو الآخر إلى امضاء العقد
ويؤيد هذا الوجه أن الشافعي رضي الله عنه نص في كتاب السلم أنه لو أطلق السلم ثم ذكر الأجل
قبل التفرق صح ولزم ثم هذا الجواب مطلق أم هو مخصوص ببعض الأقوال في الملك في زمان
الخيار * اختار العراقيون انه مطلق وحكوا عن أبي علي الطبري انه مفرع على قولنا ان الملك في
زمان الخيار للبائع فاما إذا قلنا إنه للمشترى أو قلنا أنه موقوف وأمضينا العقد لم يلتحق بما بعد
اللزوم وان قلنا أنه موقوف واتفق الفسخ فليلتحق ويرتفع بارتفاع العقد وهذا ما اختاره الشيخ أبو علي
ووجهه بأنا إذا قلنا إن الملك للمشترى فالزيادة في الثمن لا يقابلها شئ من المثمن وكذا الأجل والخيار
لا يقابلهما شئ من العوض وحينئذ يمتنع الحكم بلزومهما وتابعه صاحب التهذيب وغيره على
ما اختاره * وإذا قلنا إنها تلتحق فالزيادة تجب على الشفيع كما تجب على المشترى وفى الحط قبل
اللزوم مثل هذا الخلاف فان التحق بالعقد انحط عن الشفيع أيضا وعلى هذا الوجه ما يلتحق
بالعقد من الشروط الفاسدة قبل انقضاء الخيار بمثابة ما لو اقترنت بالعقد في افساده وان حط
جميع الثمن كان كما لو باع بلا ثمن والله أعلم *
قال (القسم الثاني من المناهى ما لا يدل على الفساد وهو كل ما نهى عنه لمجاورة ضرر إياه
دون خلل في نفسه * ومنه النهى عن الاحتكار * والتسعير *
215

أما ترجمة القسم فقد مر ما فيها في أول الباب (وأما) فقه الفصل فمسألتان (أحداهما) الاحتكار
منهى عنه ثم هو مكروه أو محرم قال بعض الأصحاب إنه مكروه (والأصح) التحريم لما روى أنه
صلى الله عليه وسلم قال (لا يحتكر الاخاطي أي آثم) (1) وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون (2)
وروى أيضا (من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله عز وجل منه) (3) والاحتكار ان
يشترى ذو الثروة الطعام في وقت الغلاء ولا يدعه للضعفاء ويحبسه ليبيعه منهم بأكثر عند اشتداد حاجاتهم *
ولا بأس بالشراء في وقت الرخص ليبيع في وقت الغلاء لنفقة نفسه وعياله تم يفضل شئ فيبيعه في وقت
الغلاء ولا بان يمسك غلة ضيعته ليبيع في وقت الغلاء ولكن الأولى ان يبيع ما فضل عن كفايته وهل يكون
إمساكه مكروها ذكروا فيه وجهين وتحريم الاحتكار يختص بالأقوات ومنها التمر والزبيب ولا يعم جميع
216

الأطعمة (الثانية) لا ينبغي للامام أن يسعر (روى أن السعر غلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله
سعر لنا فقال إن الله عز وجل هو المسعر القابض الباسط الرازق وإني لأرجو ان القى ربي وليس أحد منكم
يطلبني بظلامة في دم ولا مال) (1) وهل يجوز ذلك؟ إن كان في وقت الرخص فلا وإن كان في وقت
الغلاء فوجهان (أحدهما) وبه قال مالك يجوز رفقا بالضعفاء (وأصحهما) أنه لا يجوز تمكينا للناس
من التصرف في أموالهم ولأنهم قد يمتنعون بسبب ذلك عن البيع فيشتد الامر * وعن أبي إسحاق
انه لو كان يجلب الطعام إلى البلد فالتسعير حرام وإن كان يزرع بها وهو عند الغلاء فيها فلا يحرم * وحيث
جوزنا التسعير فذلك في الأطعمة ويلتحق بها علف الدواب في أظهر القولين * وإذا سعر الامام عليه
فخالف استحق التعزير وفى صحة البيع وجهان منقولان في التتمة) *
قال (وأن يبيع حاضر لباد وهو أن يتربص بسلعته إلى أن يغالي في ثمنها فيفوت الرزق
والربح على الناس) *
عن جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يبيع حاضر لباد) (2) وصورته أن يحمل
البدوي أو القروي متاعه إلى البلد ويريد بيعه بسعر اليوم ليرجع إلى موضعه ولا يلتزم مؤنة الإقامة
فيأتيه البلدي ويقول ضع متاعك عندي وارجع لأبيعه لك على التدريج باغلا من هذا السعر * وهو
مأثوم به بشروط (أحدها) أن يكون عالما بورود النهى فيه وهذا شرط يعم جميع المناهي (وثانيها)
217

أن يظهر من ذلك المتاع سعة في البلد فإن لم يظهر امام لكبر البلد وقلة ذلك الطعام أو لعموم وجوده
أو رخص السعر فيه ففيه وجهان (أوفقهما) لمطلق الخبر أنه يحرم (والثاني) لا لان المعنى المحرم تفويت
الرفق والربح على الناس وهذا المعنى لم يوجد ههنا (وثالثها) أن يكون المتاع المجلوب مما تعم الحاجة
إليه كالصوف والأقط وسائر أطعمة القرى (فاما) ما لا يحتاج إليه الا نادرا فلا يدخل تحت النهي
قاله في التهذيب (ورابعها) أن يحصر القروي الحضري ذلك على البدوي ويدعوه إليه (فاما) إذا التمس
البدوي منه بيعه تدريجا أو قصد الإقامة في البلد ليبيعه كذلك فسأل البدوي تفويضه إليه
فلا بأس به لان لم يضر بالناس ولا سبيل إلى منع المالك عنه لما فيه من الاضرار به * ولو أن البدوي
استشار الحضري فيما فيه حظه فهل يرشده إلى الادخار والبيع على التدريج حكى القاضي ابن كج عن أبي
الطيب بن سلمة وأبي إسحاق المروزي أنه يجب عليه إرشاده إليه بذلا للنصيحة وعن أبي حفص بن الوكيل
أنه لا يرشده إليه توسيعا على الناس * ثم لو باع الحضري للبدوي عند اجتماع شرائط التحريم صح
البيع وإن أثم واحتج الشافعي رضي الله عنه بما روى في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في آخر الخبر
(دعوا الناس يرزق الله عز وجل بعضهم من بعض) (1) ولولا صحة البيع لما كان في فعله تفويت على الناس
قال (وأن يتلقى الركبان ويكذب في سعر سلعتهم فيشتريها رخيصا فللبائع الخيار إذا عرف
كذبه لأنه تغرير) *
روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا تلقوا الركبان للبيع وفى رواية فمن تلقاها فصاحب
السلعة بالخيار بعد أن يقدم السوق) (2) وصورته أن يتلقى الانسان طائفة يحملون متاعا إلى البلد فيشتريه
218

منهم قبل قدوم البلد ومعرفة سعره فيأثم إن كان عارفا بالخبر قاصدا لتلقى الركبان لكن البيع صحيح ولا
خيار لهم قبل أن يقدموا ويعرفوا السعر وبعده يثبت الخيار إن كان الشراء بأرخص من سعر البلد
سواء أخبر كاذبا أولم يخبر وإن كان الشراء بسعر البلد أو أكثر ففي ثبوت الخيار وجهان (أحدهما)
يثبت وبه قال الإصطخري وابن الوكيل لظاهر الخبر (وأصحهما) لا يثبت لأنه لم يوجد تغرير
وخيانة وأجرى الوجهان فيما إذا ابتدأ الباعة والتمسوا منه الشراء عن علم منهم بسعر البلد أو غير
علم * ولو لم يقصد التلقي بل خرج لشغل آخر من اصطياد وغيره فرآهم مقبلين فاشترى منهم شيئا
فهل يعصى فيه وجهان (أحدهما) لا لأنه لم يتلق (وأظهرهما) عند الأكثرين نعم لشمول المعنى
فعلى الأول لا خيار لهم وإن كانوا مغبونين (وقيل) إن أخبر عن السعر كاذبا ثبت الخيار وحيث
نبت الخيار في هذه الصورة فهو على الفور كخيار العيب أو يمتد ثلاثة أيام فيه وجهان كما في خيار
التصرية أصحهما أولهما * ولو تلقى الركبان وباع منهم ما يقصدون شراءه في البلد فهل هو كالتلقي
للشراء فيه وجهان (أحدهما) لا لان النهي إنما ورد عن الشراء (والثاني) نعم لما فيه من الاستبداد
بالرفق الحاصل منهم وعن مالك أن البيع باطل في صورة تلقى الركبان وكذلك بيع الحاضر
للبادي فيجوز أن يعلم القصلان بالميم إشارة إليه وبمثله قال احمد في بيع الحاضر للبادي *
219

فيجوز ان يعلم الفصلان بالميم إشارة إليه وبمثله قال احمد في بيع الحاضر للبادي * وإذا
تأملت ما أوردناه عرفت ان قوله في الكتاب ويكذب في سعر سلعتهم ليس بشرط في ثبوت
الخيار والله أعلم *
قال (ونهى عن السوم على السوم وهو بعد قرار الثمن وقبل العقد * ونهى عن البيع
220

على البيع وهو بعد العقد وقبل اللزوم * ونهي عن النجش وهو ان يرفع قيمة السلعة وهو غير
راغب فيها ليخدع المشترى بالترغيب) *
مقصود الفصل الكلام في ثلاثة من المناهي في البيع (أحدها) روي عن ابن عمر وأبي
رضي الله عنهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يسوم الرجل على سوم أخيه) (1) وصورته ان
221

يأخذ شيئا ليشتريه فيجئ غيره إليه ويقول رده حتى أبيع منك خيرا منه بأرخص أو يقول
لمالكه استرده لأشتريه بأكثر وإنما يحرم ذلك بعد استقرار الثمن (فاما) ما يطاف به فيمن يزبد
وطلبه طالب فلغيره الدخول عليه والزيادة في الثمن روى (أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى على قدح
وجلس لبعض أصحابه فقال رجل هما على بدرهم ثم قال آخر هما على بدرهمين فقال صلى الله عليه وسلم هما لك
بدرهمين) (1) وإنما يحرم إذا حصل التراضي صريحا فان جرى ما يدل على الرضى ففي تحريم
222

السوم على سوم الغير وجهان كالقولين في تحريم الخطبة في نظيره (والجديد) أنه لا يحرم
وهل السكوت من أدلة الرضى إذا لم يقترن به ما يشعر بالانكار (اما) الخطبة فنعم
(وأما) ههنا فقد قال الأكثرون لا بل هو كالتصريح بالرد وعن بعضهم أنه كما في الخطبة حتى يخرج
على الخلاف (وثانيها) عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا بيع بعضكم على بيع
بعض) وصورته ان يشترى الرجل شيئا فيدعوه غيره إلى الفسخ ليبيعه خيرا منه بأرخص
223

وفى معناه الشراء على الشراء وهو أن يدعو البائع إلى الفسخ ليشتريه منه بأكثر ولا شك ان ذلك
إنما يكون عند امكان الفسخ * ثم الشافعي رضي الله عنه صوره فيما إذا كان المتبايعان في مجلس العقد
بعد وعليه جرى كثير من الشارحين ونقلوا عن أبي حنيفة ان المراد من البيع على البيع هو السوم
لان عنده خيار المجلس لا يثبت فلا يتصور البيع على البيع * وقال قائلون مدة الخيار المشروط كزمان
المجلس وهذا هو الوجه (وقوله) في الكتاب وقيل اللزوم يبطل الخيارين جميعا وشرط القاضي
ابن كج لتحريم البيع على البيع شرطا وهو ان لا يكون المشترى مغبونا غبنا مفرطا فإن كان فله ان
224

يعرفه ويبيع على بيعه لأنه ضرب من النصيحة قالوا ولو اذن البائع في البيع على بيعه ارتفع التحريم
خلافا لبعض الأصحاب (وثالثها) عن ابن عمر (ان النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن النجش) (1) وصورته
ان يزيد في ثمن السلعة المعروضة للبيع وهو غير راغب فيها ليخدع الناس ويرغبهم فيها فهو محرم
لما فيه من الخديعة لكن لو انخدع انسان واشتراها صح العقد ولا خيار له ان لم يكن ما فعله الناجش
عن مواطأة البائع وإن كان عن مواطأته فوجهان (أحدهما) وبه قال أبو إسحاق انه يثبت الخيار للتدليس
كما في التصرية (وأشبههما) عند الأئمة وبه قال ابن أبي هريرة انه لا خيار لان التفريط من جهته حيث اغتر
بقوله ولم يحتط بالبحث عن ثقات أهل الخبرة وتخالف صورة التصرية إذ لا تفريط من المشترى وقد حكي
صاحب الكتاب هذين الوجهين في فصول خيار النقيصة وجعل وجه ثبوت الخيار أقيس * ولو قال البائع
أعطيت بهذه السلعة كذا فصدقه المشترى واشتراه ثم بان خلافه فان ابن الصباغ خرج ثبوت الخيار له على
هذين الوجهين * وعن مالك أن شراء المنخدع في صورة النجش غير صحيح وهو رواية عن أحمد ضعيفة
(واعلم) ان الشافعي رضي الله عنه أطلق القول في المختصر بتعصية الناجش وشرط في تعصية من
باع على بيع أخيه أن يكون عالما بالحديث الوارد فيه قال الشارحون السبب فيه أن النجش خديعة
وتحريم الخديعة واضح لكل أحد ومعلوم من الألفاظ العامة وان لم يكن يعلم هذا الخبر بخصوصه
والبيع على بيع الأخ إنما عرف تحريمه من الخبر الوارد فيه فلا يعرفه من لا يعرف الخبر * وذكر بعضهم
أن تحريم الخداع يعرف بالعقل وان لم يرد شرع * ولك أن تقول كما أن النجش خديعة فالبيع على
بيع الأخ اضرار وكما أن تحريم النجش يعرف من الألفاظ العامة في تحريم الخداع فكذلك تحريم البيع
225

على البيع يعرف من الألفاظ العامة في تحريم الاضرار وإن لم يعلم الخبر الوارد فيه بخصوصه (وأما) الكلام
الثاني فليس معتقدنا ومن قال به فقد يطرده في الاضرار (والوجه) توقيف المعصية على مطلق معرفة
الحرمة إما من عموم أو من خصوص *
قال (ونهي عن أن توله والدة بولدها وذلك في الصغر * فان فرق بينهما بالبيع ففي فساد البيع
قولان لان التسليم تفريق محرم فكأنه معتذر) *
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أنه قال (لا توله والدة بولدها) (1) وعن أبي أيوب رضي الله عنه انه صلى
الله عليه وسلم قال (من فرق بين والدة وولدها فرق الله عز وجل بينه وبين أحبته يوم القامة) (2) وعن
عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يفرق بين الام
وولدها قيل إلى متي قال حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية) (3) فهده الاخبار ونحوها عرفتنا تحريم التفريق
226

بين الجارية وولدها الصغير بالبيع والقسمة والهبة وغيرها ولا يحرم التفريق في العتق ولا في الوصية
فلعل الموت يكون بعد انقضاء زمان التحريم وفى الرد بالعيب اختلاف للأصحاب وعن الشيخ
أبى اسحق الشيرازي أنه لو اشترى جارية وولدها الصغير ثم تفاسخا البيع في أحدهما جاز وحكم
التفريق في الرهن مذكور في كتاب الرهن * وإذا فرق بينهما بالبيع والهبة ففي الصحة قولان (أحدهما)
يصح وبه قال أبو حنيفة لان النهي لما فيه من الاضرار لا يحلل في نفس البيع (وأصحهما) المنع لما روى
عن علي رضي الله عنه أنه (فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ورد البيع) (1) ولان التسليم
تفريق محرم فيكون كالمتعذر فلما مر أن العجز قد يكون حسيا وقد يكون شرعيا وحكى أبو الفرج
البزاز أن القولين فيما إذا كان التفريق بعد سقي الام ولدها اللباء فاما قبله فلا صحة جزما لأنه
تسبب إلى هلاك الولد والى متى يمتد تحريم التفريق فيه قولان (أحدهما) إلى البلوغ وبه قال أبو حنيفة
لخبر عبادة (وأظهرهما) وهو الذي نقله المزني انه إلى سن التمييز وهو سبع أو ثمان على التقريب
لأنه حينئذ يستغني عن التعهد والحضانة ويقرب من هذا مذهب مالك فان عنده يمتد التحريم إلى
وقت سقوط الأسنان (وقوله) في الكتاب وذلك في الصغر يوافق القول الأول لفظا * ويكره
التفريق بعد البلوغ ولكن لو فرق بالبيع أو الهبة صح خلافا لأحمد * ولو كانت الام رقيقة والولد
حرا وبالعكس فلا منع من بيع الرقيق ذكره في التتمة والتفريق بين البهيمة وولدها بعد استغنائه
عن اللبن جائز وعن الصيمري حكاية وجه آخر * وهل الجدة والأب وسائر المحارم كالأم في تحريم
التفريق * هذه الصورة مذكورة في كتاب السير وسنأتي في الشرح عليها إن شاء الله تعالى والآن نختم
227

الباب بذكر أنواع اخر ورد النهي عنها (منها) ما هو من القسم الأول (ومنها) ما هو من القسم
الثاني فما هو من القبيل الأول بيع المحافلة والمزابنة وسنذكرهما ومنها) ما روي أنه صلى الله
عليه وسلم (نهى عن بيع المجر) (1) وفسره أبو عبيدة بما في الرحم (وقيل) هو الزنا (وقيل) هو للحاملة
والزان (ومنها) ما روي أنه صلى الله عليه سلم (نهي عن بيع العربان) (2) ويقال له العربون أيضا
وصورته أن يشتري سلعة من غيره ويدفع إليه دراهم على أنه ان أخذ السلعة فهي من الثمن والا
فهي للمدفوع إليه مجانا وتفسر أيضا بان تدفع دراهم إلى صانع ليعمل له ما يريده من خاتم يصوغه
228

أو خف يخرزه أو ثوب ينسجه على أنه ان رضيه فالمدفوع من الثمن والا لم يسترده منه وهما متقاربان
(ومنها) ما روي أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع السنين) (1) وله تفسيران (أحدهما) أن يبيع ثمرة
النخل سنين (والثاني) أن يقول بعتك هذا سنة على أنه إذا انقضت السنة فلا بيع بيننا فأردأنا
الثمن وترد أنت المبيع (ومنها) ما روي أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع وسلف) (2) وهو
البيع بشرط القرض وقد مر (ومنها) ما روي أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن ثمن الهرة) (3) قال
القفال أراد الهرة الوحشية إذ ليس فيها منفعة استئناس ولا غيره (ومنها) بيع السلاح من أهل
الحرب لا يصح لأنه لا يراد الا للقتال فيكون بيعه منهم تقوية لهم على قتال المسلمين ويجوز بيع الحديد
229

منهم لأنه لا يتعين للسلاح (ومنها) ما روي (أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحب حتى يفرك) (1) وروى النهي عن
بيع الغنب حتى يسود وعن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة (2) وسيأتي القول فيها ومما هو من القبيل الثاني بيع
الرطب والعنب ممن يتوهم أنه يتخذ منهما النبيذ والخمر مكروه وان تحقق فمنهم من قال مكروه ومنهم من قال
230

حرام وعلى التقديرين فلو باع صح خلافا لمالك وكذا بيع السلاح من البغاة وقطاع الطريق مكروه لكنه
صحيح ويكره مبايعة من اشتملت يده على الحلال والحرام سواء كان الحلال أكثر وبالعكس ولو بايعه
لم يحكم بالفساد وعن مالك (أن مبايعة من أكثر ماله حرام باطل) وليس من المنافي بيع العينة (1)
وهو أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه قبل قبضه للثمن بأقل من
ذلك نقدا وكذا يجوز أن يبيع بثمن نقدا ويشتري بأكثر منه إلى أجل سواء قبض الثمن الأول
231

أو لم يقبضه وقال مالك وأبو حنيفة واحمد رضي الله عنهم لا يجوز أن يشتري بأقل من ذلك الثمن
قبل قبضه وجوز أبو حنيفة أن يشتري بسلعة قيمتها أقل من قدر الثمن * لنا أنه ثمن يجوز بيع السلعة
به من غير بائعها فيجوز من بائعها كما لو اشتراه بسلعة أو بمثل ذلك الثمن أو أكثر ولا فرق بين
أن يصير يبع العينة عادة غالبة في البلد أو لا يصير على المشهور وأفتى الأستاذ أبو إسحاق والشيخ
أبو محمد بأنه إذا صار عادة صار البيع الثاني كالمشروط في الأول فيبطلان جميعا ولهذا نظائر
ستذكر في مواضعها وليس من المناهي بيع رباع مكة بل هو جائز (1) وعن مالك وأبي حنيفة (انه
لا يجوز لنا اتفاق الصحابة فمن بعدهم عليه) وليس من المناهي أيضا (بيع المصحف وكتب
الحديث) وعن الصيمري (أن بيع المصحف مكروه) قال وقد قيل أن الثمن يتوجه إلى الدفتين
لان كلام الله عز وجل لا يباع وقيل إنه بدل من اجرة النسخ *
قال (الباب الرابع * في الفساد من جهة تفريق الصفقة)
(ومهما باع الرجل ملك نفسه وملك غيره ففي صحة بيعه في ملكه قولان الأصح الصحة * ولو كان
ما بطل البيع فيه حرا أو خمرا أو خنزيرا أو ما لا قيمة له فقولان مرتبان وأولى بالبطلان * وللبطلان
علتان (إحداهما) أن الصيغة متحدة فإذا فسدت في بعض المقتضيات لم تقبل التجزي (والأخرى)
أن الثمن فيما يصح يصير مجهولا * وعلى هذه العلة لا يمتنع تفريق الصفقة في الرهن والهبة إذ لا عوض
232

فيهما * ولا في النكاح فإنه لا يفسد بالجهل بالعوض) *
هذا باب طويل التفريع كثير التردد في قواعد الفقه ولطول تفاريعه لم ير المزني إيداع مسائله
في المختصر وبيض ورقة أو ورقتين ليلخصها أو يقتصر على ذكر أوضح القولين فيها ثم لم يتفق له ذلك
فبقي في النسخ القديمة بعض البياض وللقفال وأصحابه تقسيم حاو لمسائل الباب في نهاية الحسن إلا
أن إيراد الكتاب لا ينطبق عليه كل الانطباق والتقسيم المناسب له أن يقال: إذا جمع بين شيئين في صفقة
واحدة لم يخل (إما) أن يجمع بينهما في عقد واحد (أو) في عقدين مختلفي الحكم (القسم الأول) أن
يجمع بينهما في عقد واحد فله حالتان (إحداهما) أن يقع التفريق في الابتداء (والأخرى) أن تقع في
الانتهاء (فأما) في الحالة الأولى فينظر إن جمع بين شيئين يمتنع الجمع بينهما من حيث هو جمع
فلا يخفى بطلان العقد في الكل كما لو جمع بين أختين في النكاح أو بين خمس نسوة وان
لم يكن كذلك فاما أن يجمع بين شيئين كل منهما قابل لما أورده عليه من العقد (وإما) أن لا
يكون كذلك فإن كان الأول كما لو جمع بين عينين في البيع يصح العقد فيهما ثم إن كان من
جنسين كعبد وثوب أو من جنس واحد لكنهما ما مختلفا القيمة كعبدين يوزع الثمن عليهما باعتبار
القيمة وإن كانا من جنس واحد وكانا متفقي القيمة كقفيزي حنطة واحدة يوزع عليهما باعتبار
الاجزاء وإن كان الثاني فاما أن لا يكون واحد منهما قابلا لذلك العقد كما لو باع خمرا وميتة فلا
يخفى حكمه (واما) أن يكون أحدهما قابلا فالذي هو غير قابل ضربان (أحدهما) أن يكون متقوما كما لو
باع عبده وعبد غيره صفقة واحدة ففي صحة البيع في عبده قولان (أصحهما) وهو اختيار المزني أنه يصح
لأنه باع شيئين مختلفي الحكم فيأخذ كل واحد منهما حكم نفسه كما لو باع شقصا مشفوعا وثوبا
ثبتت الشفعة في الشقص دون الثوب وأيضا فان الصفقة إذا اشتملت على صحيح وفاسد فالعقد
صحيح في الصحيح وقصر الفساد على الفاسد ومثلوا ذلك بما إذا شهد عدل وفاسق لا يقضي
برد الشهادتين ولا بقبولهما بل تلك مقبولة وهذه مردودة ولو قال قائل قدم زيد وعمرو وكان قدم
233

زيد دون عمرو لا يقضي بالصدق فيهما ولا بالكذب فيهما بل ذلك صدق وهذا كذب (والثاني) لا
يصح لاحد معنيين (الأول) ان اللفظة واحدة لا يتأتى تبعيضها فاما أن يغلب حكم الحرام على
الحلال أو بالعكس والأول أولى لان تصحيح العقد في الحرام يمتنع وإبطاله في الحلال غير ممتنع
(والثاني) أن الثمن المسمى يتوزع عليهما باعتبار القيمة ولا يدري حصة كل واحد منهما عند العقد
فيكون الثمن مجهولا وصار كما لو قال بعتك عبدي هذا بما يقابله من الألف إذا وزع عليه وعلى
عبد فلان فإنه لا يصح وهاتان العلتان على ما حكاه أكثر الناقلون منسوبة إلى الأصحاب ولهم
خلاف في أن العلة أيهما ورواهما القاضي ابن كج عن الشافعي رضي الله عنه وقال له قولان في أن
العلة هذه أم هذه (والضرب الثاني) الا يكون متقوما وهو على نوعين (أحدهما) أن يتأتى تقدير
التقويم فيه من غير فرض تغيير في الخلقة كما لو باع حرا وعبدا فان الحر غير متقوم لكن يمكن
تقدير القيمة فيه من غير تغيير في الخلقة ففي صحة البيع في العبد طريقان (أحدهما) القطع بالفساد لان
234

المضموم إلى العبد ليس من جنس المبيعات ولأنا سنذكر في التفريع الحاجة إلى التوزيع والتوزيع
ههنا يحوج إلى تقدير شئ في الموزع عليه وهو غير موجود فيه (وأصحهما) طرد القولين قال
الامام ولو قلنا في صحة البيع قولان مرتبان على ما إذا باع عبدا مملوكا والاخر مغصوبا لأفاد ما ذكرنا
من نقل الطريقتين وهكذا كل ترتيب ونقل عن شيخه ان القولين على الطريقة الثانية فيما إذا كان المشتري
جاهلا بحقيقة الحال فإن كان عالما فالوجه القطع بالبطلان كما لو قال بعتك عبدي بما يخصه من الألف
إذا وزع عليه وعلى عبد فلان ولو باع عبده ومكاتبه أو أمته أو أم ولده فليس ذلك كما لو باع عبدا
وحرا بل هو من صور الضرب الأول لان المكاتب وأم الولد متقومان بالاتلاف والنوع الثاني
235

أن لا يتأنى تقدير التقويم فيه من غير فرض تغيير في الخلقة كما لو باع خلا وخمرة أو مزكاة وميتة أو شاة
وخنزيرا ففي صحة البيع في الخل والمزكاة والشاة خلاف مرتب على الخلاف في العبد والحر والفساد
ههنا أولا لان تقدير القيمة غير ممكن ههنا الا بفرض تغيير الخلقة وحينئذ لا يكون المقوم هو
المذكور في العقد. وقال أبو حنيفة العقد فاسد في الكل في الضرب الثاني وأما في الضرب الأول
فيصح في الحلال ويتوقف في المضموم إليه على الإجازة. وصحح مالك البيع في الحلال في الضربين
جميعا وعن أحمد روايتان كقولي الشافعي رضي الله عنه ولو رهن عبده وعبد غيره من إنسان أو
236

وهبهما منه أو رهن عبدا أو حرا أو وهبهما هل يصح الرهن والهبة في المملوك يترتب ذلك على
البيع ان صححنا ثم فكذلك ههنا والا ففيه قولان مبنيان على العلتين (ان) عللنا بامتناع تجزئة
العقد الواحد فلا يصح (وان) عللنا بجهالة العوض يصح إذ لا عوض ههنا حتى يفرض الجهل فيه
وعلى هذا الترتيب ما إذا زوج منه مسلمة ومجوسية أو أخته وأجنبيته لان جهالة العوض لا تمنع
صحة النكاح (وقوله) في الكتاب أحدهما أن الصفقة متحدة وفي بعض النسخ أن الصيغة متحدة
وكلاهما مستقيم وزاد الامام في هذه العلة قيدا فقال العقد متحد في نفسه فإذا تطرق الفساد
إليه وجب أن لا ينقسم إذ لم يبن على الغلبة والسريان وقصد به الاحتراز عن العتق والطلاق وما
في معناهما *
قال (ولو اشترى عبدين وانفسخ العقد في أحدهما بالتلف قبل القبض أو بسبب يوجب
الفسخ ففي الانفساخ في الباقي قولا تفريق الصفقة * وأولى بأن لا ينفسخ في الباقي) *
237

الحالة الثانية أن يقع التفريق في الانتهاء وهو على ضربين (أحدهما) ان لا يكون اختياريا كما لو اشترى
عبدين ثم قبل إن يقبضهما تلف أحدهما فان العقد ينفسخ فيه وهل ينفسخ في الثاني فيه طريقان (أحدهما) انه على
القولين فيما لو جمع بين مملوك وغير مملوك تسوية بين الفساد المقرون بالعقد والفساد الطارئ قبل القبض كما
يسوي في العيب بين المقرون بالعقد وبين الطارئ قبل القبض وهذا قد حكاه القاضي عن أبي
إسحاق المروزي (وأصحهما) القطع بعدم الانفساخ في الثاني لأن الانفساخ طرأ بعد العقد فلا يتأثر
به الآخر كما لو نكح أجنبيتين دفعة واحدة ثم ارتفع نكاح إحداهما بردة أو رضاع لا يرتفع نكاح
الأخرى وأيضا فان علة الفساد (إما) الجمع بين الحلال والحرام وإما جهالة الثمن ولم يوجد الجمع بين
الحلال والحرام والثمن ثابت كله في الابتداء والسقوط الطارئ لا يؤثر في الانفساخ كما لو خرج
المبيع معيبا وتعذر الرد لبعض الأسباب والثمن غير مقبوض فيسقط بعضه على سبيل الأرش ولا
يلزم منه فساد العقد والطريقان جاريان فيما إذا تفرقا في السلم وبعض رأس المال غير مقبوض أو
في الصرف وبعض العوض غير مقبوض وانفسخ العقد في غير المقبوض هل ينفسخ في الباقي
هذا إذا تلف أحدهما في يد البائع قبل إن يقبضهما فاما إذا قبض أحدهما وتلف الاخر
في يد البائع ترتب الخلاف في انفساخ العقد في المقبوض على الصورة السابقة وهذه
أولى بعدم الانفساخ لتأكد العقد في المقبوض بانتقال الضمان فيه إلى المشتري هذا إذا كان
المقبوض باقيا في يد المشتري فان تلف في يده ثم تلف الاخر في يد البائع فالقول بالانفساخ
238

أضعف لتلف المقبوض على ضمانه (وإذا قلنا) بعدم الانفساخ فهل له الفسخ فيه وجهان (أحدهما)
نعم وترد قيمته (والثاني) لا وعليه حصته من الثمن ولو اكترى دارا مدة وسكنها بعض المدة ثم
انهدمت الدار انفسخ العقد في المستقبل وهل ينفسخ في الماضي يخرج على الخلاف في المقبوض التالف
في يد المشتري (فان قلنا) لا ينفسخ فهل له الفسخ فيه الوجهان (فان قلنا) ليس له ذلك فعليه من المسمى
239

ما يقابل الماضي (وإن قلنا) له الفسخ فعليه أجرة المثل للماضي ولو أنقطع بعض المسلم فيه عند المحل والباقي
مقبوض أو غير مقبوض وقلنا لو انقطع الكل انفسخ العقد فيه انفسخ في المنقطع وفي الباقي الخلاف
المذكور فيما إذا أتلف أحد الشيئين قبل قبضهما وإذا قلنا لا ينفسخ فله الفسخ فان أجاز فعليه حصته من
240

رأس المال لا غير (وان قلنا) لو انقطع الكل لم ينفسخ العقد فالمسلم بالخيار إن شاء فسخ العقد في الكل
وإن شاء أجازه في الكل وهل له الفسخ في القدر المنقطع والإجازة في الباقي فيه قولان بناء على
الخلاف الذي سنذكره في الضرب الثاني (والضرب الثاني) أن يكون اختياريا كما لو اشترى عبدين
241

صفقة واحدة ثم وجد بأحدهما عيبا فهل له افراده بالرد جزم الشيخ أبو حامد في التعليق بأنه ليس له ذلك
(والمشهور) أنه على قولين وبنوهما على جواز تفريق الصفقة ان جوزنا تجويز الافراد والا فلا وقياس
هذا البناء أن يكون قول التجويز أظهر ولكن صرح كثير من الصائرين إلى جواز التفريق بان
منع الاقرار أصح واحتجوا له بان الصفقة وقعت مجتمعة ولا ضرورة إلى تفريقها فلا تفريق والقولان
242

مفروضان في العبدين وفي كل شيئين لا يتصل منفعة أحدهما بالآخر فاما في زوجي الخف ومصراعي
الباب فلا سبيل إلى افراد المعيب بالرد بحال وارتكب بعضهم طرد القولين فيه ولا فرق على القولين بين أن ينفق ذلك بعد القبض أو قبله وعن أبي حنيفة أنه لا يجوز افراد المعيب بالرد قبل القبض
243

ويجوز بعده إلا أن تتصل منفعة أحدهما بالآخر فإن لم نجوز الافراد فلو قال رددت المعيب هل
يكون هذا ردا لها عن الشيخ أبي علي رواية وجهين فيه (أصحهما) لابل هو لغو ولو رضي البائع
بافراده جاز في أصح الوجهين وان جوزنا الافراد فان رده استرد قسطه من الثمن ولا يسترد
244

الجميع إذ لو صرنا إليه لاخلينا بعض المبيع عن المقابل وعلى هذا القول لو أراد رد السليم والمعيب
معه فله ذلك أيضا وفيه وجه ضعيف ولو وجد العيب بالعبدين ومعاد وأفرد أحدهما بالرد جرى
245

القولان ولو تلف أحد العبدين أو باعه ووجد بالباقي عيبا ففي افراده قولان مرتبان. وهذه الصورة
أولى بالجواز لتعذر ردهما جميعا (فان قلنا) يجوز الافراد رد الباقي واسترد من الثمن حصته وسبيل
التوزيع تقدير العبدين سليمين وتقويمهما ويقسط الثمن على القيمتين فلو اختلفا في قيمة التالف فادعى
246

المشتري ما يقتضي زيادة الواجب على ما اعترف به البائع فقولان (أصحهما) وقد نص عليه في
أخلاف العراقيين أن القول قول البائع مع يمينه لأنه ملك جميع الثمن بالبيع فلا رجوع عليه الا بما
اعترف به (والثاني) أن القول قول المشتري لأنه تلف في يده فأشبه الغاصب مع المالك إذا اختلفا
في القيمة لان القول قول الغاصب الذي حصل الهلاك في يده (وان قلنا) لا يجوز الافراد فوجهان
247

ويقال قولان (أحدهما) أنه يضم قيمة التالف إلى الباقي ويردهما ويفسخ العقد وهذا اختيار القاضي
أبي الطيب واحتج له بان النبي صلى الله عليه وسلم (أمر في المصراة برد الشاة وبدل اللبن الهالك) (1) فعلى هذا لو
اختلفا في قيمة التالف فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه حصل التلف في يده وهو الغارم وروي
248

في التتمة وجها آخر أن القول قول البائع لان المشتري يريد إزالة ملكه عن الثمن المملوك (وأصحهما)
أنه لا يصح له ولكنه يرجع بأرش العيب لان الهلاك أعظم من العيب ولو حدث عنده عيب ولم
يتمكن من الرد فعلى هذا لو اختلفا في قيمة التالف عاد القولان السابقان لأنه في الصورتين يرد
249

بعض الثمن الا أنه على ذلك القول يرد حصة الباقي وعلى هذا القول يرد أرش العيب والنظر في
قيمة التالف إلى يوم العقد أو يوم القبض فيه مثل الخلاف الذي سيأتي في اعتبار القيمة لمعرفة أرش
العيب القديم. وإذا عرفت ما ذكرنا لم يخف عليك أن قوله في الكتاب ولو اشترى عبدين وانفسخ
250

العقد في أحدهما بالتلف قبل القبض إشارة إلى الحالة الأولى (وقوله) أو بسبب يوجب الفسخ يمكن حمله
على الحالة الثانية وهو الأقرب إلى اللفظ ويمكن حمله على سائر الصور المذكورة في الحالة الأولى نحو
الصرف والسلم وتأول لفظ الفسخ والله أعلم *
قال (والأصح أن الفساد مقصور على الفاسد إلا إذا صار ثمن ما يصح العقد عليه مجهولا حتى لو
باع عبدا له نصفه صح في نصيبه إذ حصته نصف الثمن وكذا بيع جملة الثمار وفيها عشر الصدقة
بخلاف ما لو باع أربعين شاة وفيها الزكاة إذ حصة الباقي مجهولة)
(أدرج في الفصل صورا تتفرع على علتي قول الفساد من قولي التفريق (منها) لو باع شيئا
251

يتوزع الثمن على أجزائه بعضه له وبعضه لغيره كما لو باع عبدا له نصفه أو صاع حنطة له نصفه أو
صاعي حنطة أحدهما له والاخر لغيره صفقة واحدة ترتب ذلك على ما لو باع عبدين أحدهما
له والاخر لغيره ان صححنا فيما يملكه فكذلك ههنا والا فقولان ان عللنا بالجمع بين الحلال والحرام
لم يصح وان عللنا بجهالة الثمن صح لان حصة المملوك ههنا معلومة (ومنها) لو باع جملة الثمار وفيها عشر
الصدقة فهل يصح البيع في قدر الزكاة قد بينه في باب الزكاة (فان قلنا) لا يصح فالترتيب في الباقي
كما ذكرنا فيما لو باع عبدا له نصفه لان توزيع الثمن على ماله بيعه وما ليس له معلوم على التفصيل
(ومنها) لو باع أربعين شاة وفيها قدر الزكاة وفرعنا على امتناع البيع في قدر الزكاة فالترتيب في
الباقي كما مر فيما لو باع عبده وعبد غيره ومما يتفرع على هاتين العلتين لو ملك زيد عبدا وعمرو
252

عبدا فباعهما صفقة واحدة بثمن واحد ففي صحة العقد قولان وكذا لو باع من رجلين عبدين له هذا
من هذا وهذا من هذا بثمن واحد ان عللنا بالجمع بين الحلال والحرام صح وان عللنا بجهالة العوض
لم يصح لان حصة كل واحد منهما مجهولة (ومنها) قال في التتمة لو باع عبده وعبد غيره وسمى لكل
واحد منهما ثمنا فقال بعتك هذا بمائة وهذا بخمسين ان عللنا باجتماع الحلال والحرام فسد العقد وان
عللنا بجهالة الثمن صح في عبده * ولك أن تقول سنذكر أن تفصيل الثمن من أسباب تعدد العقد
وإذا تعدد وجب القضاء بالصحة على التعليلين * إذا تقرر ذلك فاعلم أن قوله (والأصح) أن الفساد
مقصور على الفاسد إلى آخره توسط بين القولين وترجيح لقول الصحة في المملوك إذا كان المبيع
مما يتوزع الثمن على أجزائه ولقول الفساد فيما إذا كان المبيع مما يتوزع الثمن على قيمته وهذا قد
اختاره صاحب الكتاب في آخرين لكن الأكثرين لم يفرقوا بين الحالتين ورجحوا الصحة على
الاطلاق والله أعلم *
253

قال (ثم مهما قضينا بالصحة فللمشتري الخيار إذا لم يسلم له جميع ما اشتراه ويأخذ الباقي ان أجاز
بقسطه من الثمن على أصح القولين لا بكل الثمن) *
(مقصود الفصل التفريع على قولي تفريق الصفقة من أصلهما والرأي أن نفرد كل مرتبة بالذكر
فنقول إذا باع ماله ومال غيره صفقة واحدة وصححنا البيع في ماله نظر إن كان المشتري جاهلا بالحال
فله الخيار لأنه دخل في العقد على أن يسلم له كل المبيع ولم يسلم فان أجاز فكم يلزمه من الثمن فيه
قولان (أحدهما) جميعه لأنه لغا ذكر المضموم إلى ماله فيقع جميع الثمن في مقابلة ما صح العقد فيه
(وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة أنه لا يلزمه الا حصة المملوك من الثمن إذا وزع على القيمتين لأنه أوقع
254

الثمن في مقابلتهما جميعا فلا يلزم في مقابلة أحدهما الا قسطه وما موضع القولين قال قائلون موضعهما
أن يكون المبيع ما يتقسط الثمن على قيمته فإن كان مما يتقسط على اجزائه على ما مر نظائره فالواجب
قسط المملوك من الثمن قولا واحدا والفرق ان المصير إلى التقسيط ههنا لا يورث جهالة في الثمن عند
العقد وثم بخلافه ومنهم من طرد القولين وهو الأظهر لان الشافعي رضي الله عنه نص على قولين فيما
إذا باع الثمار بعد وجوب العشر فيها وأفسدنا البيع في قدر الزكاة دون غيره أن الواجب جميع الثمن
أو حصته (فان قلنا) الواجب جميع الثمن فلا خيار للبائع إذا ظفر بما ابتغاه (وان قلنا) الواجب
القسط فوجهان (أحدهما) أن له الخيار إذا لم يسلم له جميع الثمن (وأصحهما) أنه لا خيار له لان
التفريط من حيث باع مالا يملكه وطمع في ثمنه وإن كان المشتري عالما بالحال فلا خيار له كما لو اشتري
255

معيبا وهو عالم بعيبه وكم يلزمه من الثمن فيه القولان كما لو كان جاهلا وأجاز وقطع قاطعون بوجوب
الجميع ههنا لأنه التزمه عالما بان بعض المذكور لا يقبل العقد * ولو باع عبدا وحرا أو خلا وخمرا أو
مذكاة وميتة أو شاة وخنزيرا وصححنا العقد فيما يقبله وكان المشتري جاهلا بالحال وأجاز أو عالما
256

ففيما يلزمه من الثمن طريقان (أحدهما) القطع بوجوب جميع الثمن لان مالا قيمة له لا يمكن التوزيع على
قيمته ويحكي هذا عن صاحب التلخيص (وأصحهما) طرد القولين (فان قلنا) الواجب قسط من الثمن
فكيف نعتبر هذه الأشياء في التوزيع فيه وجهان (أصحهما) عند المصنف انه ينظر إلى قيمتها عند
من يرى لها قيمة (والثاني) انه يقدر الخمر خلا ويوزع عليهما باعتبار الاجزاء ونقدر الميتة مذكاة
257

والخنزير شاة وتوزع عليهما باعتبار القيمة * ومنهم من قال يقدر الخمر عصيرا والخنزير بقرة * ولو نكح
مسلمة ومجوسية في عقد واحد وصححنا نكاح المسلمة (فالصحيح) المشهور انه لا يلزم جميع المسمى
للمسلمة بلا خلاف لأنا إذا أثبتنا الجميع في البيع أثبتنا الخيار أيضا وههنا لا خيار فايجاب الجميع
اجحاف ولا مدفع له وعن رواية الشيخ أبي علي قول أنه يلزم لها جميع المسمى لكن له الخيار في رد
المسمى والرجوع إلى مهر المثل قال الامام وهذا لا يدفع الضرر فان مهر المثل قد يكون مثل المسمي أو
أكثر وما الذي يلزم إذا قلنا بالصحيح فيه قولان (أظهرهما) مهر المثل (وثانيهما) قسطها من المسمي
إذا وزع على مهر مثلها ومهر مثل المجوسية * ولو اشترى عبدين وتلف أحدهما قبل القبض وانفسخ
العقد فيه وقلنا لا ينفسخ في الباقي فله الخيار فيه فان أجاز فالواجب قسطه من الثمن لان الثمن وجب
258

في مقابلتهما في الابتداء فلا ينصرف إلى أحدهما في الدوام وعن أبي إسحاق المروزي طرد القولين فيه *
(فرع) لو باع شيئا من مال الربا بجنسه ثم خرج بعض أحد العوضين مستحقا وصححنا العقد
في الباقي وأجاز فالواجب حصته بلا خلاف لان الفصل بينهما حرام *
(فرع) لو باع معلوما ومجهولا لم يصح البيع في المجهول وفي المعلوم يبني على ما لو كانا معلومين
وأحدهما لغيره (إن قلنا) لا يصح فيما له لم يصح ههنا في المعلوم (وإن قلنا) يصح ففيه قولان مبنيان
على أنه كم يلزمه من الثمن ثم (إن قلنا) الجميع صح ولزم ههنا أيضا جميع الثمن (وان قلنا) حصته من
الثمن لم يصح ههنا لتعذر التوزيع ومنهم من حكى قولا أنه يصح وله الخيار فان أجاز لزمه جميع
الثمن (واعلم) أن لصاحب التلخيص والشارحين لكلامه تخريج مسائل دورية على تفريق الصفقة
لم أوثر إخلاء هذا المجموع عن طرف منها فعقدت له فصلا *
259

فصل قال صاحب التلخيص في التلخيص في القول الذي يرى تفريق الصفقة يقع للشافعي رضي الله عنه
مسائل من الدور من ذلك لو باع مريض قفيز حنطة بقفيز حنطة وكان قفيز المريض يساوي عشرين
وقفيز الصحيح يساوي عشرة ومات المريض ولا مال له غيره ففيها قولان (أحدهما) أن البيع
باطل (والاخر) أن البيع جائز في ثلثي قفيز بثلثي قفيز ويبطل في الثلث ولكل واحد منهما الخيار في إبطال
البيع وفيه قول آخر أنه لا خيار لهما فيه هذا لفظه وإنما صور في الجنس الواحد من مال الربا لتجتمع
أشكال الدور والربا وأول ما يجب معرفته في المسألة وأخواتها أن محاباة المريض مرض الموت في
البيع والشراء نازلة منزلة هبته وسائر تبرعاته في الاعتبار من الثلث فان زادت على الثلث ولم تجز
الورثة ما زاد كما لو باع عبدا يساوي ثلاثين بعشرة ولا مال له غيره فيرتد البيع في بعض المبيع
وما الحكم في الباقي فيه طريقان (أحدهما) القطع بصحة البيع فيه لأنه نفذ في الكل ظاهرا والرد
في البعض تدارك حادث وهذا أصح عند صاحب التهذيب ووجهه بان المحاباة في المرض وصية
والوصية تقبل من الغرر ما لا يقبله غيرها (وأظهرهما) عند أكثرهم أنه على قولي تفريق الصفقة (وإذا قلنا)
بصحة البيع في الباقي ففي كيفيتها قولان ويقال وجهان (أحدهما) أن البيع يصح في القدر الذي
يحتمله الثلث والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن ويبطل في الباقي لأنه اجتمع للمشتري معاوضة
ومحاباة فوجب أن يجمع بينهما فعلى هذا يصح العقد في ثلثي العبد بالعشرة ويبقى مع الورثة ثلث
العبد وقيمته والثمن وهو عشرة وذلك مثلا المحاباة وهي عشرة ولا تدور المسألة على هذا
القول (والثاني) أنه إذا ارتد البيع في بعض المبيع وجب أن يرتد إلى المشتري ما يقابله من الثمن فعلى
هذا تدور المسألة لان ما ينفذ فيه البيع يخرج من التركة وما يقابله من الثمن يدخل فيها ومعلوم أن
ما ينفذ فيه البيع يزيد بزيادة التركة وينقص بنقصانها فيزيد المبيع بحسب زيادة التركة وتزيد التركة
بحسب زيادة المقابل الداخل ويزيد المقابل الداخل بحسب زيادة المبيع وهذا دور ويتوصل إلى
معرفة المقصود بطرق (منها) أن ينظر إلى ثلث المال وينسبه إلى قدر المحاباة ويجيز البيع في المبيع
260

بمثل نسبة الثلث من المحاباة فنقول في هذه الصور. ثلث المال عشرة والمحاباة عشرون والعشرة نصف
العشرين فيصح البيع في نصف العبد وقيمته خمسة عشر بنصف الثمن وهو خمسة كأنه اشترى سدسه
بخمسة وثلثه وصية له تبقي مع الورثة نصف العبد وهو خمسة عشر والثمن خمسة فالمبلغ عشرون
وذلك مثلا المحاباة وتحكي هذه الطريقة عن محمد بن الحسن (ومنها) طريقة الجبر يقول صح البيع في
شئ من العبد وقابله من الثمن مثل ثلث ذلك الشئ لان الثمن مثل ثلث العبد وبقى في يد الورثة عبد
الا شئ لكن بعض النقصان انجبر بثلث الشئ العائد فالباقي عندهم عبد الا ثلثي شئ وثلثا شئ
قدر المحاباة وعبد الا ثلثي شئ مثلاه وإذا كان عبد الا ثلثي شئ مثلي ثلثي شئ كان عديلا لشئ
وثلث شئ فإذا أجبرنا العبد بثلثي شئ وزدنا على عديله مثل ذلك كان العبد عديلا لشيئين فعرفنا
أن الشئ الذي نفذ فيه البيع نصف العبد ولا أطنب بايراد سائر الطرق كطريقة الخطأين والدينار
والدرهم وغيرهما في هذا الموضع (فان قلت) ما حال الخلاف الذي ذكرتم أنهما قولان للشافعي رضي
الله عنه أو وجهان للأصحاب وأيهما كان فما الأظهر منهما (فالجواب) أما الأول فان الإمام قال ما أراهما
منصوصين ولكنهما مستخرجان من معان كلام الشافعي رضي الله عنه لكن القفال والأستاذ أبا
منصور البغدادي وغيرهما ذكروا أن الأول منصوص عليه والثاني مخرج لابن سريج (وأما) الثاني فان
ايراد كثيرين يميل إلى ترجيح القول الأول وبه قال ابن الحداد لكن الثاني أقوى في المعنى وهو اختيار
أكثر الحساب وبه قال ابن القاص وابن اللبان وتابعهم إمام الحرمين وادعى انه اختيار ابن سريج
لكن في هذه الدعوى نظر فان الأستاذ أبا منصور وغيره نسبوا القول الأول إلى اختيار ابن سريج
والله أعلم إذا تقرر ذلك عدنا إلى مسألة التلخيص (إن قلنا) بالأول فالبيع باطل فيها بلا
خلاف لان مقتضاه صحة البيع في قدر الثلث وهو ستة وثلثان وفي القدر الذي يقابل من قفيزه قفيز
الصحيح وهو نصفه فيكون خمسة أسداس قفيز في مقابلة قفيز وذلك ربا (وإن قلنا) بالثاني صح
261

البيع في ثلثي قفيز المريض بثلثي قفيز الصحيح وبطل في الباقي وقطع قاطعون ههنا بهذا القول
الثاني كي لا يبطل غرض الميت في الوصية قال في التهذيب وهو الأصح ووجهه (اما) على طريقة النسبة
فلان ثلث مال المريض ستة وثلثان والمحاباة عشرة وستة وثلثان ثلثا عشرة فقلنا بنفوذ البيع في
ثلثي القفيز (وأما) على طريق الجبر فلان البيع نفذ في شئ وقابله من الثمن مثل نصفه فان قفيز الصحيح
نصف قفيز المريض وبقى في يد الورثة قفيز الا شئ لكن حصل لهم نصف شئ والباقي عندهم
قفيز الا نصف شئ فنصف شئ هو المحاباة وما في يدهم وهو قفيز ناقص بنصف شئ مثلاه (والهاء)
كناية عن النصف (1) وإذا كان قفيز ناقص بنصف شئ مثلي نصف شئ كان عديلا للشئ الكامل
فإذا جبرنا وقابلنا صار قفيز كامل عديل شئ ونصف شئ فعرف أن الشئ ثلثا قفيز وقد عرفت
بما ذكرنا أن القول الثاني من القولين اللذين أطلقهما صاحب التلخيص علام ينبني (وأما) الأول
فخروجه على قولنا أن البيع يصح في قدر الثلث وما يوازي الثمن بجميع الثمن ظاهر لما فيه من
الربا ويجوز أن يكون مبنيا على قولنا ان الصفقة لا تفرق جوابا على طريقة طرف القولين في صور
المحاباة (وأما) قوله ولكل واحد منهما الخيار في ابطال البيع فهو خطأ في جانب ورثة المريض
باتفاق الأصحاب لأنا لو أثبتنا لهم الخيار لا بطلوا المحاباة أصلا ورأسا بفسخ البيع ولا سبيل إليه
لتسليط الشرع إياه على ثلث ماله وكذا خطأه في قوله وفيه قول آخر أنه لا خيار لهما في جانب المشتري
لان تبعيض الصفقة على المشتري من موجبات الخيار بكل حال ولو كانت المسألة بحالها لكن قفيز
المريض يساوي ثلاثين وقلنا بتقسيط الثمن صح البيع في نصف قفيز بنصف القفيز ولو كانت
بحالها لكن قفيز المريض يساوي أربعين صح البيع في أربعة أتساع القفيز وعليك تخريج الفتوى
على الطريقتين ثم قال صاحب التلخيص ولو كان المريض قد أكل القفيز الذي أخذ استوت المسائل
كلها فيجوز بيع ثلث قفيز بثلث قفيز قال الشارحون لكتابه إذا أتلف المريض المحابي القفيز
الذي أخذه ثم مات وفرعنا على القول الذي يجئ عليه الدور صح البيع في ثلثه بثلث قفيز صاحبه
سواء كانت قيمة قفيز المريض عشرين أو ثلاثين أو أكثر لان ما أتلفه قد نقص من ماله (أما)

(1) زيادة في بعض النسخ
262

ما صح فيه البيع فهو ملكه وقد أتلفه (وأما) ما بطل فيه البيع فعليه ضمانه فينتقص قدر الغرم من
ماله ومتى كثرت القيمة كان المصروف إلى الغرم أقل والمحاباة أكثر ومتى قلت كان المصروف
إلى الغرم أكثر والمحاباة أقل ولنوضح ذلك في صورتين (أحدهما) إذا كانت قيمة قفيز المريض عشرين
وقيمة قفيز الصحيح عشرة وقد أتلفه المريض فنقول على طريقة النسبة مال المريض عشرون وقد
أتلف عشرة يحطها من ماله فبقي عشرة كأنها كل ماله والمحاباة عشرة فثلث ماله هو ثلث المحاباة فيصح
البيع في ثلث القفيز على القياس الذي مر وعلى طريقة الجبر صح البيع في شئ من قفيز المريض
ورجع إليه مثل نصفه فعند ورثته عشرون الا نصف شئ لكنه قد أتلف عشرة فالباقي في أيديهم
عشرة الا نصف شئ وذلك مثلا نصف شئ فيكون مثل شئ فإذا جبرنا وقابلنا كانت
عشرة مثل شئ ونصف شئ فالعشرة نصف القفيز فيكون القفيز الكامل مثل ثلاثة
أشياء فالشئ ثلث القفيز وامتحانه أن ثلث قفيز المريض ستة وثلثان وثلث قفيز
الصحيح في مقابلته ثلاثة وثلث فتكون المحاباة بثلاثة وثلث وقد بقي في يد الورثة ثلثا قفيز
وهو ثلاثة عشر وثلث يؤدي منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح وهو ستة وثلثان يبقى في أيديهم
ستة وثلثان وهي مثلا المحاباة (الثانية) قفيز المريض يساوي ثلاثين وباقي المسألة بحالها فعلى طريقة
النسبة نقول مال المريض ثلاثون وقد أتلف عشرة يحطها من ماله يبقي عشرون كأنها كل ماله والمحاباة
عشرون فثلث ماله هو ثلث المحاباة فيصح البيع في ثلث القفيز وعلى طريقة الجبر نقول صح البيع
في شئ من قفيز المريض ورجع إليه مثل ثلثه فالباقي ثلاثون الا ثلثي شئ لكنه أتلف عشرة
فالباقي عشرون الا ثلثي شئ وذلك مثلا ثلثي شئ فيكون مثل شئ وثلث شئ فإذا جبرنا وقابلنا
263

كان عشرون مثل شيئين فعرفنا أن الشئ عشرة وهي ثلث الثلاثين وامتحانه أن ثلث قفيز المريض
عشرة وثلث قفيز الصحيح في مقابلة ثلاثة وثلث فالمحاباة بستة وثلثين وقد بقي في يد الورثة
ثلثا قفيز وهو عشرون يؤدي منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح وهي ستة وثلثان يبقى في أيديهم ثلاثة
عشرة وثلث وهي مثلا المحاباة هذا كله فيما إذا أتلف صاحب القفيز الجيد ما أخذه (أما) إذا أتلف
صاحب القفيز الردئ ما أخذه ولا مال له سوى قفيزه ففي الصورة الأولى وهي ما إذا كانت
قيمة قفيزه عشرين وقيمة قفيز الاخر عشرة يصح البيع في الحال في نصف القفيز الجيد وقيمته
عشرة ويحصل للورثة في مقابلته نصف القفيز الردئ وقيمته خمسة فتبقى المحاباة بخمسة ولهم نصف
الاخر غرامة لما أتلف عليهم فتحصل لهم عشرة وهي مثلا المحاباة والباقي في ذمة متلف القفيز
الجيد ولا تجوز المحاباة في شئ الا بعد أن يحصل للورثة مثلاه (وفي الصورة الثانية) وهي ما إذا
كانت قيمة قفيزه ثلاثين قال الأستاذ أبو منصور يصح البيع في نصف القفيز الجيد وهي خمسة عشر
264

والمحاباة ثلثه وهو خمسة وقد حصل للورثة القفيز الردئ وقيمته عشرة وهي ضعف المحاباة ويبقى
في ذمة المشتري خمسة عشرة كلما حصل منها شئ جازت المحاباة في مثل ثلثه وغلطه إمام الحرمين
فيما ذكره من جهة أنا إذا صححنا البيع في نصف الجيد فإنما نصححه بنصف الردئ وهو خمسة فتكون
المحاباة بعشرة لا بخمسة وإذا كانت المحاباة بعشرة فالواجب أن يكون في يد الورثة عشرون وليس في يدهم
الا عشرة (فالصواب) أن يقال يصح البيع في ربع القفيز الجيد وهو سبعة ونصف بربع الردئ
وهو درهمان ونصف فتكون المحاباة بخمسة وفي أيدي الورثة ضعفها عشرة ثم قال صاحب
التلخيص فإن كانت المسألتان بحالهما وكانا جميعا مريضين والقفيزان بحالهما لم يوكل منهما شئ فاستقالا
فأقال كل واحد منهما صاحبه فمن أبطل البيع أبطله ومن أجاز البيع أجاز في المسألة الأولى في سبعة أثمان
قفيز وأبطله في ثمن وأجاز الإقالة في خمسة أثمان وأبطلها في ثمنين وفي المسألة الثانية أجاز البيع في خمسة أثمان
265

وأبطله في ثلاثة أثمان وأجاز الإقالة في ثلاثة أثمان وأبطلها في ثمنين (وقوله) فإن كانت المسألتان أراد بإحدى
المسألتين ما إذا كانت قيمة القفيز الجيد عشرين وبالأخرى ما إذا كانت قيمته ثلاثين وقيمة الردئ عشرة
والذي ينبغي أن يعرف في مقدمة هذه الصورة أنه كما تعتبر محاباة المريض في البيع من الثلث كذلك
تعتبر محاباته في الإقالة من الثلث سواء قدرت الإقالة فسخا أو بيعا جديدا * إذا عرفت ذلك فنقول
إذا باع مريض قفيز حنطة يساوي عشرين من مريض بقفيز حنطة يساوي عشرة ثم تقايلا وماتا
من مرضهما والقفيزان بحالهما ولا مال لهما سواهما ولم تجز الورثة ما زاد من محاباتهما على الثلث فان
266

منعنا تفريق الصفقة وقلنا بالتصحيح بجميع الثمن فلا بيع ولا إقالة (وإن قلنا) بالتصحيح بالقسط
فيدور كل واحد مما نقد فيه البيع والإقالة على الاخر لان البيع لا ينفذ إلا في الثلث وبالإقالة
يزيد ماله فيزيد ما نفذ فيه البيع وإذا زاد ذلك زاد مال الثاني فيزيد ما نفذ فيه الإقالة (فالطريق)
أن يقال صح البيع في شئ من القفيز الجيد ورجع إليه من الثمن نصف ذلك الشئ فبقي في يده
267

عشرون الا نصف شئ وفي يد الآخر عشرة ونصف شئ ثم إذا تقايلا فالاقالة إنما تصح في ثلث
مال المقيل فيأخذ ثلاثة عشر وثلث نصف شئ وهو ثلاثة وثلث وسدس شئ فيضمه إلى مال الأول
وهو عشرون الا نصف شئ يصير ثلاثة وعشرين وثلثا إلا ثلث شئ وهذا يجب أن يكون مثلي
المحاباة أولا وهو نصف شئ فيكون ذلك كله مثل شئ فإذا جبرنا وقابلنا كان ثلاثة وعشرون
وثلث مثل شئ وثلث شئ يبسط الشئ والثلث أثلاثا يكون أربعة والشئ ثلاثة أرباعه فإذا
أردنا أن نعرف كم الشئ من ثلاثة وعشرين وثلث انكسر فسبيلنا أن نصحح السهام بان نجعل
كل عشرة ثلاثة لان الزائد على العشرين ثلاثة وثلث وهو ثلث العشرة وإذا جعلنا كل
268

عشرة ثلاثة أسهم صاروا ثلاثة وثلث سبعة أسهم فتزيد قسمتها على الأربعة والسبعة
لا تنقسم على الأربعة فنضرب سبعة في أربعة فيكون ثمانية وعشرين فالشئ ثلاثة أرباعها وهي
إحدى وعشرون فلما عرفنا ذلك رجعنا إلى الأصل وقلنا العشرون التي كانت قيمة القفيز صارت
أربعة وعشرين لأنا ضربنا كل ثلاثة وهي سهام العشرة في أربعة فصارت اثنى عشر تكون العشرون
أربعة وعشرين وقد صح البيع منهم في إحدى وعشرين وذلك سبعة أثمان أربعة وعشرون وإذا
عرفنا ذلك وأردنا التصحيح من غير كسر جعلنا القفيز الجيد ستة عشرة والقفيز الردئ ثمانية وقلنا
صح البيع في سبعة أثمان الجيد وهي أربعة عشر بسبعة أثمان الردئ وهو سبعة فتكون المحاباة
269

بسبعة ويبقى في يد بائع الجيد تسعة سهمان بقيا عنده وسبعة أخذها عوضا ويحصل في يد الآخر
خمسة عشر لأنه أخذ أربعة عشر وكان قد بقي في يده سهم فلما تقايلا نفذت الإقالة في عشرة
وهي خمسة أثمان القفيز الجيد بخمسة أثمان القفيز الردئ وهي خمسة فقد أعطى عشرة
وأخذ خمسة فالمحاباة بخمسة والحاصل من ذلك كله المستقر في يد الأول أربعة عشر مثلا
محاباة سبعة وفي يد الثاني عشرة مثلا محاباة خمسة ولو كانت المسألة بحالها والقفيز الجيد
يساوي ثلاثين (فنقول) صح البيع في شئ منه ورجع إليه من الثمن مثل ثلث ذلك الشئ فبقي في
يده ثلاثون الا ثلثي شئ وفي يد الآخر عشرة وثلثا شئ فإذا تقايلا أخذنا ثلاثة عشر وثلثي
270

شئ وذلك ثلاثة دراهم وثلث وتسعا شئ يضم إلى مال الأول فيصير ثلاثة وثلاثين وثلثا الا
أربعة أتساع شئ وهو مثلا المحاباة وهي ثلثا شئ فيكون مثل شئ وثلث شئ فإذا جبرنا
وقابلنا صار ثلاثة وثلاثون وثلث مثل شئ وسبعة أتساع شئ فعلمنا أن ثلاثة وثلاثين يجب أن
تقسم على شئ وسبعة أتساع شئ فيبسط هذا المبلغ اتساعا يكون ستة عشر يكون الشئ منه
تسعة والعدد المذكور لا ينقسم على ستة عشر فنصحح السهام بان نجعل كل عشرة ثلاثة لان الزائد
على الثلاثين ثلاثة وثلث وذلك ثلث العشرة وإذا فعلنا ذلك صارت ثلاثة وثلاثون وثلث عشرة
271

أسهم يحتاج إلى قسمتها على ستة عشر وعشرة لا تنقسم على ستة عشر لكن بينهما موافقة بالنصف
فنضرب جميع أحدهما في نصف الاخر تكون ثمانين فنرجع إلى الأصل ونقول الثلاثون التي
كانت قيمة القفيز صارت اثنين وسبعين لأنا ضربنا كل ثلاثة وهي سهام العشرة في ثمانية فصارت
أربعة وعشرين فتكون الثلاثون اثنين وسبعين والشئ كان تسعة من ستة عشر صار مضروبا
في نصف العشرة وهي خمسة فيكون خمسة وأربعين وذلك خمسة أثمان اثنين وسبعين فعرفنا صحة
البيع في خمسة أثمان القفيز الجيد * فان أردنا التصحيح على الاختصار من غير كسر جعلنا القفيز
272

الجيد أربعة وعشرين ليكون القفيز الردئ هو ثلاثة وثمن صحيح وقلنا صح البيع في خمسة
أثمان الجيد وهي خمسة عشر بخمسة أثمان الردئ وهي خمسة تكون المحاباة بعشرة ويبقى في يد
بائع الجيد أربعة عشر تسعة بقيت عنده وخمسة اخذها عوضا ويجعل في يد الآخر ثمانية عشر
لأنه اخذ خمسة عشر وكان قد بقي عنده ثلاثة فلما تقايلا نفذت الإقالة في تسعة وهي ثلاثة أثمان
الجيد بثلاثة أثمان الردئ وهي ثلاثة فقد أعطى تسعة واخذ ثلاثة تكون المحاباة بستة فيستقر
273

في يد الأول عشرون تسعة أخذها بحكم الإقالة واحد عشر هي بقية الثمن وقد بقيت عنده من
أربعة عشر بعد رد الثلاثة وذلك مثلا محاباته بستة والله أعلم * وحكى إمام الحرمين عن بعض من
لقيه من فاضل الحساب في الصورتين وأخواتهما تمهيد طريقة مبنية على أصول سهلة المأخذ (منها)
ان القفيز الجيد في هذه المسائل يعتبر بالأثمان فيقدر ثمانية أسهم وينسب الردئ إليه باعتبار
274

الأثمان (ومنها) ان محاباة صاحب الجيد لا تبلغ أربعة أثمان قط ولا تنقص عن ثلاثة أثمان قط بل
تكون بينهما فإذا أردت ان تعرف قدرها فانسب القفيز الردئ إلى الجيد وخذ مثل تلك النسبة
من الثمن الرابع وإذا أردت ان تعرف ما يصح البيع فيه من القفيز فانسب الردئ فيه لي المحاباة
في الأصل وزد مثل تلك النسبة على التبرع فالمبلغ هو الذي يصح فيه البيع وإذا أردت ان تعرف
ما يصح فيه تبرع المقيل فانظر إلى تبرع بائع الجيد واضربه في ثلاثة ابدا وقابل الحاصل من الضرب
بالقفيز الجيد فما زاد على القفيز فهو تبرعه فان أردت ان تعرف ما صحت فيه الإقالة فزد على تبرعه
275

بمثل نسبة زيادتك على تبرع صاحبه فالمبلغ هو الذي صحت الإقالة فيه (مثاله) في الصورة الأولى نقول
القفيز الجيد ثمانية والردئ أربعة فالردئ نصف الجيد فالتبرع في ثلاثة أثمان ونصف ثمن وإذا
نسبنا الردئ إلى أصل المحاباة وجدناه مثله لان المحاباة عشرة من عشرين فنزيد على التبرع مثله
يبلغ سبعة أثمان فهو الذي صح البيع فيه وإذا أردنا ان نعرف تبرع المقيل ضربنا تبرع الأول في ثلاثة
276

تكون عشرة ونصفا وزيادة هذا المبلغ على الثمانية اثنان ونصف فعرفنا ان تبرعه في ثمنين ونصف
فان أردنا ان نعرف ما تصح فيه الإقالة زدنا على الثمنين والنصف مثله تكون خمسة أثمان ولا يخفى
277

تخريج الصورة الأخرى ونحوها على هذه الطريقة والله الموفق *
قال (وأصح القولين أنه لو جمع بين عقدين مختلفين في صفقة واحدة كالإجارة والسلم أو
الإجارة والبيع أو النكاح والبيع مثل أن يقول زوجتك جاريتي وبعتك عبدي بدينار فالعقد صحيح
وإن اختلفت في الدوام أحكامها)
278

ذكرنا في أول الباب ان الجمع في صفقة واحدة بين شيئين اما أن يكون في عقد واحد
أو في عقدين مختلفي الحكم وقد فرغنا من القسم الأول (وأما) القسم الثاني فإذا جمع في صفقة
واحدة بين الإجارة والسلم أو الإجارة والبيع ففيه قولان (أحدهما) أنه لا يصح واحد من
العقدين لأنهما مختلفا الحكم إذ الإجارة والسلم يختلفان في أسباب الفسخ والانفساخ وكذا
279

الإجارة والبيع يختلفان في الحكم فان التأقيت شرط في الإجارة ومبطل للبيع وكمال القبض في
الإجارة لا يتحقق الا بانقضاء المدة لأنه قبل ذلك بعرض الانفساخ بخلاف البيع وإذا اختلفت
الأحكام فربما يعرض ما يوجب فسخ أحدهما فيحتاج إلى التوزيع وتلزم الجهالة (وأصحهما) أنهما
جميعا صحيحان لان كل واحد منهما قابل للعقد الذي أورده عليه على الانفراد فالجمع بينهما لا يضر
280

واختلاف الحكم لا أثر له الا ترى أنه لو باع شقصا من دار وثوبا يجوز وان اختلفا في حكم الشفعة
واحتجنا إلى التوزيع بسببه * وصورة الإجارة والسلم أن يقول أجرتك هذه الدار سنة وبعتك كذا سلما
بكذا * وصورة الإجارة والبيع أن يقول بعتك عبدي هذا وأجرتك داري سنة بكذا وعلى القولين
ما إذا جمع بين بيع عين وسلم أو بيع وصرف وغيره بان باع دينارا وثوبا بدراهم لاختلاف الحكم فان
قبض رأس المال شرط في السلم والتقابض شرط في الصرف ولا يشترط ذلك في سائر البيوع * ولو
جمع بين البيع والنكاح بان قال زوجتك جاريتي هذه وبعتك عبدي هذا بكذا والمخاطب ممن يحل له
281

نكاح الأمة أو قال زوجتك ابنتي وبعتك عبدها وهي صغيرة أو كبيرة وكلته بالبيع صح النكاح
بلا خلاف وفي البيع والمسمى في النكاح القولان ان صححنا وزع المسمى على قيمة المبيع ومهر مثل
المرأة والا وجب في النكاح مهر المثل * ولو جمع بين البيع والكتابة بان قال لعبده كاتبتك على
نجمين وبعتك عبدي هذا جميعا ألف فان حكمنا بالبطلان في الصورة السابقة فههنا أولى والا فالبيع
282

باطل إذ ليس للسيد البيع منه قبل أداء النجوم وفي الكتابة قولان * (واعلم) أن من الأصحاب
من لا يعد هذا الفصل من صور تفريق الصفقة لأنا في قول نبطل العقدين جميعا وفي قول نصححهما
جميعا فلا تفريق والله أعلم *
قال (وتتعدد الصفقة بتعدد البائع وبتفصيل الثمن مثل أن يقول بعتك هذا بدرهم والاخر
بدينار وهل تتعدد بتعدد المشتري فيه قولان) *
283

لما كان محل القولين في مسائل الباب ما إذا اتحدت الصفقة دون ما إذا تعددت حتى لو باع ماله
في صفقة ومال غيره في صفقة أخرى صحت الأولى بلا خلاف وجب النظر في أنها متى تتعدد فإذا سمى لكل
واحد من الشيئين ثمنا مفصلا فقال بعتك هذا بكذا وهذا بكذا وقبل المشتري كذلك على التفصيل
فهما عقدان متعددان ولو جمع المشتري في القبول فقال قبلت فيهما فكذلك على المذهب لان القبول
يترتب على الايجاب فإذا وقع ذلك مفرقا فكذلك القبول (وقيل) إن لم نجوز تفريق الصفقة لم
يجز الجمع في القبول * وتتعدد الصفقة أيضا بتعدد البائع وإن اتحد المشتري والمعقود عليه كما إذا باع
284

رجلان عبدا من رجل صفقة واحدة وهل تتعدد بتعدد المشتري مثل أن يشتري رجلان عبدا من
واحد فيه قولان (أصحهما) نعم كما في طرف البائع (والثاني) لا لان المشتري بان على الايجاب السابق
فالنظر إلى من صدر منه الايجاب والقولان على ما ذكر الامام مأخوذان من قولين يأتي ذكرهما
في أن المشتريين إذا وجدا بالعبد عيبا وأراد أحدهما افراد نصيبه بالرد هل له ذلك (ان قلنا) نعم
285

عددنا الصفقة والا فلا وللتعدد والاتحاد وراء ما نحن فيه أثار أخر (منها) أنا إذا حكمنا بالتعدد
فوفي أحد المشتريين نصيبه من الثمن وجب على البائع تسليم قسطه من المبيع كما يسلم المشاع وان
حكمنا بالاتحاد لم يجب تسليم شئ إلى أحدهما وان وفي جميع ما عليه حتى يوفي الاخر لثبوت حق
الحنس للبائع كما لو اتحد المشتري ووفر بعض الثمن لا يسلم إليه قسط من المبيع على أن فيه وجها انه
يسلم إليه القسط إذا كان المبيع مما يقبل القسمة (ومنها) انا إذا قلنا بالتعدد فلو خاطب واحد رجلين
فقدل بعت منكما هذا العبد بألف فقبل أحدهما نصفه بخمسمائة ففي صحته وجهان (أحدهما) يصح لأنه
في حكم صفقتين (وأصحهما) انه لا يصح لان الايجاب وقع جملة وانه يقتضي جوابهما جميعا * ويحرى
286

الوجهان فيما لو قال مالكا عبد لرجل بعتا منك هذا العبد بألف فقبلي نصيب أحدهما يعينه بخمسمائة *
وقد يعرض للناظر تخريج خلاف في تعدد الصفقة بتعدد البائع من وجهين ذكروهما فيما إذا باع
رجلان عبدا مشتركا بينهما من إنسان هل لأحدهما ان ينفرد بأخذ شئ من الثمن (أحدهما) وبه
قال المزني انه لا ينفرد ولعلنا نذكرهما بتوجيههما في غير هذا الموضع *
قال (وإذا جرى العقد بوكالة فالأصح ان الاعتماد على الموكل في تعداده واتحاده) *
إذا وكل رجلان رجلا بالبيع أو الشراء وقلنا إن الصفقة تتعدد بتعدد المشتري أو وكل رجل
287

رجلين بالبيع أو الشراء فالاعتبار في تعدد العقد واتحاده بالعاقد أو المعقود له فيه وجوه (أحدها)
وبه أجاب ابن الحداد ان الاعتبار بالعاقد لان الأحكام تتعلق به الا ترى ان العتبر؟ رؤيته دون
رؤية الموكل وخيار المجلس يتعلق به دون الموكل (والثاني) وبه قال أبو زيد والخضري ان الاعتبار
بالمعقود له لان الملك يثبت له وهذا أصح عند صاحب الكتاب والأول أصح عند الشيخ أبي علي
والأكثرين (والثالث) ويتحلى عن أبي إسحاق ان الاعتبار في طرف البيع بالمعقود له وفي طرف
الشراء بالعاقد والفرق ان العقد يتم في جانب الشراء بالمباشر دون المعقود له ان ترى ان المعقود
له لو أنكر كون المباشر مأذونا له وقع العقد عن المباشر وفي جانب البيع لا يتم بالمباشر حتى لو
جحد المعقود له الاذن بطلا البيع قال الامام وهذا الفرق فيما إذا كان التوكيل بالشراء في الذمة
فاما إذا وكله بشراء عبد بثوب له معين فهو كالتوكيل بالبيع (والرابع) ذكره في التتمة ان الاعتبار
في جانب الشراء بالموكل وفي البيع بهما جميعا فأيهما تعدد تعدد العقد ووجه ان العقد يتعدد بتعدد
الموكل في حق الشفيع ولا يتعدد بتعدد الوكيل حتى لو اشترى الواحد شقصا لاثنين كان للشفيع
ان يأخذ حصة أحدهما وبالعكس لو اشترى وكيلان شقصا لواحد لم يجز للشفيع اخذ بعضه وفي
جانب البيع حكم تعدد الوكيل والموكل واحد حتى لو باع وكيل رجلين شقصا من رجل ليس
للشفيع اخذ بعضه وإذا ثبت ما ذكرناه في حكم الشفقة فكذلك في سائر الأحكام ويتفرع على هذه
288

الوجوه فروع (إحداها) لو اشترى شيئا بوكالة رجلين فخرج معيبا وقلنا الاعتبار بالعاقد فليس لأحد
الموكلين إفراد نصيبه بالرد كما لو اشترى ومات عن ابنين وخرج معيبا لم يكن لأحدهما افراد نصيبه
بالرد وهل لاحد الموكلين والابنين اخذ الأرش إن وقع الياس عن رد الاخر بان رضي به فنعم
وإن لم يقع فكذلك في أصح الوجهين (الثاني) لو وكل رجلان رجلا ببيع عبد لهما أو وكل أحد
الشريكين صاحبه فباع الكل ثم خرج معيبا فعلى الوجه الأول لا يجوز للمشتري رد نصيب أحدهما
وعلى الوجه الاخر يجوز * ولو وكل رجل رجلين ببيع عبده فباعاه من رجل فعلى الأول يجوز
للمشتري رد نصيب أحدهما وعلى الوجوه الأخرى لا يجوز * ولو وكل رجلان رجلا بشراء عبد
289

أو وكل رجل رجلان بشراء عبد له ولنفسه ففعل وخرج العبد معيبا فعلى الوجه الأول والثالث
ليس لأحد الموكلين افراد نصيبه بالرد وعلى الثاني والرابع يجوز * وعن القفال انه إن علم البائع انه
يشتري لاثنين فلاحدهما رد نصيبه لرضا البائع بالتشقيص وإن جهله البائع فلا رد (الثالث) لو وكل
رجلان رجلا ببيع عبد ورجلان رجلا بشراه فتبايع الوكيلان وخرج المبيع معيبا فعلى الوجه الأول
لا يجوز التفريق وعلى الوجوه الأخر يجوز * ولو وكل رجل رجلين ببيع عبد ورجلين آخرين بشراه
فتبايع الوكلاء فعلى الوجه الأول يجوز التفريق وعلى الوجوه الأخر لا يجوز والله أعلم *
290

قال (والنظر الثاني في لزوم اتحاد العقد وجوازه) والأصل في البيع اللزوم والخيار عارض
ثم ينقسم الخيار إلى خيار التروي والى خيار النقيصة وخيار التروي مالا يتوقف على فوات وصف
وسببان (أحدهما) المجلس فيثبت (م ح) خيار المجلس في كل معاوضة محضة من بيع وسلم وصرف
وإجارة (ح) لا فيما يستعقب عتاقة كشراء القريب وشراء العبد نفسه (و) ولا يثبت فيما لا يسمي بيعا
لان مستنده قوله عليه السلام (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا) *
ذكرنا في أول البيع انه أدرج كلام الكتاب في خمسة أطراف وهذا أوان الفراغ من الطرف
الأول والشروع في الطر ف الثاني وهو الكلام في لزوم العقد وجوازه ولا نناقش في أبداله لفظ
الطرف ههنا وبعده بالنظر فالامر فيه سهل (وقوله) والأصل في البيع اللزوم والخيار عارض ليس
291

المراد منه عروض الجواز على اللزوم بعد ثبوت اللزوم لكن المراد منه أحد أمرين (أولهما) ان البيع
من العقود التي يقتضي وضعها اللزوم ليتمكن كل واحد من المتعاقدين من التصرف فيما أخذه آمنا
من نقض صاحبه عليه (والثاني) ان الغالب من حالات البيع اللزوم والجواز لا يثبت الا في الأقل
ومن البينات أن المراد من اللزوم انفكاكه عن الخيار ومن الجواز كونه بحال ثبوت الخيار ثم
الخيار على قسمين لأنه أما أن لا يتوقف على فوات شئ بل يتعلق بمجرد التشهي وهذا ما عبر عنه
بخيار التروي وأما أن يتوقف على فوات شئ مظنون الحصول وهذا ما عبر عنه بخيار النقيصة (أما)
القسم الأول فقد ذكر في الكتاب ان له سببين وهو مفرع على قولنا ان بيع الغائب لا يصح فان
292

صححناه أثبتنا خيار الرؤية ومعلوم أنه لا يتوقف على فوات شئ فتصير الأسباب ثلاثة (السبب الأول)
كونهما مجتمعين في مجلس العقد فلكل واحد من المتبايعين فسخ البيع ما لم يتفرقا أو يتخايرا على
ما سنفصله وبه قال أحمد * وقال مالك وأبو حنيفة لاخيار بالمجلس لنا ما روى عن ابن عمر رضي الله عنه
ما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا الا بيع الخيار) (1)
293

ولنفصل القول فيما يثبت فيه خيار المجلس من العقود وما لا يثبت والعقود ضربان (أحدهما) العقود
الجائزة اما من الجانبين كالشركة والوكالة والقراض والوديعة والعارية أو من أحدهما كالضمان
والكتابة فلا خيار فيهما (أما) الجائزة من الجانبين فلأنهما بالخيار فيها أبدا فلا معني لخيار المجلس
(وأما) الجائزة من أخذ الجانبين فلمثل هذا المعنى في حق من هي جائزة في حقه والاخر دخل فيها
موطنا نفسه على الغبن ومقصود الخيار أن ينظر ويتروى ليدفع الغبن عن نفسه وكذا الحكم في
الرهن نعم لو كان الرهن مشروطا في بيع وأقبض قبل التفريق أمكن فسخ الرهن بان يفسخ البيع حتى
ينفسخ الرهن تبعا وحكى القاضي ابن كج عن بعض الأصحاب وجها أنه يثبت الخيار في الكتابة
وعن ابن خيران أنه يثبت في الضمان وهما غريبان (والضرب الثاني) العقود اللازمة وهي نوعان
العقود الوردة على العين والعقود الواردة على المنفعة (أما) النوع الأول فمنه أنواع البيع كالصرف
وبيع الطعام بالطعام والسلم والتولية والتشريك وصلح المعاوضة فيثبت فيها خيار المجلس جميعا لظاهر
294

الخبر ويستثني صور (إحداها) إذا باع مال نفسه من ولده أو بالعكس ففي ثبوت خيار المجلس وجهان
(أحدهما) لا يثبت لان الذي ورد في الخبر لفظ المتبايعين وليس ههنا متبايعان (وأصحهما) يثبت
لأنه أقيم مقام الشخصين في صحة العقد فكذلك في الخيار ولفظ الخبر ورد على الغالب فكذا هذا
يثبت للمولي خيار وللطفل خيار والولي نائب عنه فان الزم لنفسه وللطفل لزم وان الزم لنفسه بقي
الخيار للطفل فإذا فارق المجلس لزم العقد في في أصح الوجهين (والثاني) لا يلزم الا بالالزام لأنه لا يفارق
نفسه وان فارق المجلس (الثانية) لو اشترى من يعتق عليه كأبيه وابنه فالذي ذكره في الكتاب
انه لا يثبت فيه خيار المجلس واتبع فيه الامام حيث نقل ان لا خيار فيه على المشهور لأنه ليس عقد
مغابنة من جهة المشتري لأنه وطن نفسه على الغبن المالي (وأما) من جهة البائع فهو وإن كان عقد مغابنة
لكن النظر إلى كونه عتاقة ثم حكى الأودني أنه يثبت تمسكا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (لن يجزي ولد
والده الا بان يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه) (1) فإنه يقتضي إنشاء اعتاق بعد العقد والأكثرون
295

بنوا ثبوت الخيار في المسألة على الخلاف في أقوال الملك في زمن الخيار (فان قلنا) انه للبائع فلهما
الخيار ولا نحكم بالعتق حتى يمضي زمان الخيار (وان قلنا) انه موقوف فلهما الخيار أيضا فإذا أمضينا
العقد تبين أنه عتق بالشراء (وان قلنا) ان الملك للمشتري فلا خيار له ويثبت للبائع ومتى يعتق
فيه وجهان (أظهرهما) أنه لا يحكم بالعتق حتى يمضي زمان الخيار ثم يحكم حينئذ بعتقه من يوم الشراء
(والثاني) أنه يعتق في الحال وعلى هذا هل يبطل خيار البائع فيه وجهان كالوجهين فيما إذا أعتق
المشتري العبد الأجنبي في زمان الخيار على قولنا ان الملك له قال صاحب التهذيب ويحتمل أن يحكم
بثبوت الخيار للمشتري أيضا تفريعا على أن الملك في زمان الخيار له وأن العبد لا يعتق في الحال لأنه
لم يوجد منه الرضا الا بأصل العقد فإذا ما في الكتاب يخالف مقالة الأكثرين لأن الصحيح من
أقوال الخيار قول التوقف أو قول انتقال الملك إلى المشتري على ما سيأتي وعلى التقدير الأول يثبت
الخيار لهما وعلى الثاني يثبت للبائع والمذكور في الكتاب نفيه على الاطلاق (الثالثة) الصحيح أن
296

بيع العبد من نفسه جائز وعلى هذا فهل فيه خيار المجلس قال في الكتاب لا وبمثله أجاب في التتمة
حيث نزله منزلة الكتابة وذكر أبو الحسن العبادي مع هذا وجها آخر أنه يثبت فيه الخيار ومال
إلى ترجيحه (الرابعة) ذكروا وجهين في ثبوت الخيار في شراء الجمد في شدة الحر لأنه يتلف بمضي
الزمان (الخامسة) ان صححنا بيع الغائب ولم يثبت خيار المجلس مع خيار الرؤية فهذا البيع من صور
الاستثناء وكذا البيع بشرط نفي خيار المجلس ان صححنا البيع والشرط وقد مرت المسألتان *
هذا هو الكلام في البيع بأنواعه ولا يثبت خيار المجلس في صلح الحطيطة والابراء لأنه شرع فيهما
على يقين بان لاحظ له فيهما ولا في الإقالة (إن قلنا) انها فسخ (وان قلنا) انها بيع ففيها الخيار ولا يثبت
أيضا في الحوالة ان لم نجعلها معاوضة وان جعلناها معاوضة فكذلك في أظهر الوجهين لأنها ليست
على قواعد المعاوضات إذ لو كانت كذلك لبطلت لان بيع الدين بالدين لا يجوز ولا يثبت أيضا
في الشفعة للمشتري وفي ثبوته للشفيع وجهان (وجه) الثبوت أن سبل الاخذ بالشفعة سبل المعاوضات
297

ألا ترى أنه يثبت فيه الرد بالعيب والرجوع بالعهدة (ووجه) المنع أن المشتري لا خيار له وتخصيص
خيار المجلس بأحد الجانبين بعيد فان أثبتناه فعن بعضهم أن معناه انه بالخيار بين الاخذ والترك
ما دام في المجلس هذا مع تفريعنا على قول الفور * وغلط إمام الحرمين ذلك القائل وقال الصحيح
انه على الفور ثم له الخيار في نقض الملك ورده ومن اختار عين ماله المبيع من المفلس لزمه ولا خيار
له * وروي القاضي ابن كج أن أبا الحسن حكى وجها انه بالخيار ما دام في المجلس وهذا شبيه بالخلاف
في الشفيع ولا خيار في الوقف كما في العتق ولا في الهبة ان لم يكن فيها ثواب وان وهب بشرط
الثواب أو مطلقا وقلنا إنه يقتضي الثواب فوجهان (أظهرهما) انه لا يثبت لأنه لا يسمى بيعا والخبر
ورد في المتبايعين ويثبت الخيار في القسمة إن كان فيها رد والا فان جرت بالأخيار فلا خيار فيها
وان جرت بالتراضي فيبنى على أنها بيع أو أفراز حق (ان قلنا) افراز حق لم يثبت (وان قلنا) بيع
فكذلك في أصح الوجهين (وأما) النوع الثاني وهو العقد الوارد على المنفعة فمنه النكاح فلا
298

يثبت فيه خيار المجلس للاستغناء عنه بسبق التأمل غالبا ولا يثبت في الصداق المسمى أيضا على
أصح الوجهين لان المال بيع في النكاح (والثاني) يثبت فان الصداق عقد مستقل فعلى هذا ان
فسخ وجب مهر المثل وعلى هذين الوجهين ثبوت خيار المجلس في عوض الخلع ولا مدفع للفرقة
بحال (ومنه) الإجارة وفي ثبوت خيار المجلس فيها وجهان (أحدهما) وبه قال الإصطخري وصاحب
التلخيص يثبت لأنها معاوضة لازمة كالبيع بل هي ضرب من البيوع (والثاني) وبه قال أبو إسحاق
وابن خيران لا يثبت لان عقد الإجارة مشتمل على الغرر لأنه عقد على معدوم والخيار غرر فلا
يضم غرر إلى غرر وبالوجه الأول أجاب صاحب الكتاب ورجحه صاحب المهذب وشيخه
الكرخي * وذكر الامام وصاحب التهذيب والأكثرون أن الأصح هو الثاني * وعن القفال في
طائفة أن الخلاف في إجارة العين (أما) الإجارة على الذمة فيثبت فيها خيار المجلس لا محالة بناء على
أنها ملحقة بالسلم حتى أنه يجب فيها قبض البدل في المجلس (فان قلنا) بثبوت الخيار في إجارة
299

العين فابتداء المدة يحسب من وقت انقضاء الخيار بالتفرق أم من وقت العقد حكى الامام فيه
خلافا (قيل) يحسب من وقت انقضاء الخيار لان الاحتساب من وقت العقد يعطل المنافع على
المكتري أو المكري وعلى هذا لو أراد المكري ان يكريه من غيره في مدة الخيار قال لا مجيز
له فيما أظن وإن كان محتملا في القياس (والصحيح) انه يحسب من وقت العقد إذ لو حسب من
وقت انقضاء الخيار لتأخر ابتداء مدة الإجارة عن العقد فيكون كإجارة الدار السنة القابلة وهي
باطلة وعلى هذا فعلى من تحسب مدة الخيار (ان) كان قبل تسليم العين إلى المستأجر فهي محسوبة
على المكري (وان) كان بعد التسليم فوجهان مبنيان على أن المبيع إذا هلك في يد المشتري في زمان
الخيار من ضمان من يكون (أصحهما) انه من ضمان المشتري فعلى هذا هي محسوبة على المستأجر وعليه
تمام الأجرة (والثاني) أنها من ضمان البائع فعلى هذا يحسب على المكري ويحط من الأجرة بقدر
ما يقابل تلك المدة (وأما) المساقاة ففي ثبوت خيار المجلس فيها طريقان (أظهرهما) انه على الخلاف
المذكور في الإجارة (والثاني) القطع بالمنع لان الغرر فيه أعظم لان كل واحد من المتعاقدين لا يدري
300

ما يحصل له فلا يضم إليه غرر آخر * والمسابقة كالإجارة ان قلنا إنها لازمة وكالعقود الجائزة ان
قلنا أنها جائزة (وقوله) ولا يثبت فيما لا يسمى بيعا يجوز اعلامه بالواو للوجوه الصائرة إلى ثبوته
في الكتابة والخلع وسائر ما حكينا الخلاف فيه والله أعلم *
قال (وينقطع الخيار بلفظ يدل على اللزوم وتمام الرضي وبمفارقة المجلس بالبدن وهل يبطل
بالموت فيه قولان (أصحهما) انه لا يبطل كخيار الشرط (و ح) فيثبت للوارث ولو فرق بينهما على
اكراه ففي بطلان الخيار خلاف ويثبت عند جنون أحد المتعاقدين قبل التفرق للقيم) *
مقصود الفصل الكلام فيما ينقطع به خيار المجلس وجملته أن كل عقد ثبت فيه هذا الخيار
فإنه ينقطع بالتخاير وبان يتفرقا بأبدانهما عن مجلس العقد (أما) التخاير فهو أن يقولا تخايرنا أو اخترنا
امضاء العقد أو أمضيناه أو أجزناه أو ألزمناه وما أشبهها ولو قال أحدهما اخترت انقطع خياره ويبقى
خيار الاخر كما في خيار الشرط إذا أسقط أحدهما الخيار وفي وجه لا يبقى خيار الاخر أيضا لان
301

الخيار لا يتبعض في الثبوت فلا يتبعض في السقوط * ولو قال أحدهما لصاحبه اختر أو خيرتك فقال الآخر
اخترت انقطع خيارهما جميعا وان سكت لم ينقطع خياره وينقطع خيار القائل في أصح الوجهين
لان قوله اختر رضي منه باللزوم وقد روي في بعض الروايات انه صلى الله عليه وسلم قال (أو يقول أحدهما لصاحبه
اختر) (1) ولو قال أحدهما اخترت وقال الآخر فسخت قدم الفسخ على الإجازة * ولو تقابضا في
المجلس وتبايعا العوضين بيعا ثانيا صح البيع الثاني على المشهور وهو قول ابن سريج لان البيع
الثاني منهما رضي بلزوم الأول وعن صاحب التقريب أنه مبني على أن الخيار هل يمنع انتقال الملك
(ان قلنا) يمنع لم يصح * ولو تقابضا في عقد الصرف ثم أجازا في المجلس لزم العقد وان أجازاه قبل
التقابض فوجهان (أحدهما) ان الإجازة لاغية لان القبض متعلق بالمجلس وهو باق فبقي حكمه
في الخيار (والثاني) انه يلزم العقد وعليهما التقابض فان تفرقا قبل القبض انفسخ العقد ولا
نقصهما ان تفرقا عن تراض فان انفرد أحدهما بالمفارقة عصي (وأما) التفرق فهو أن يتفرقا
302

بأبدانهما فلو أقاما في ذلك المجلس مدة طويلة أو قاما وتماشيا منازل فهما على خيارهما هذا هو المذهب
ووراءه وجهان (أحدهما) قال بعض الأصحاب لا يزيد الخيار على ثلاثة أيام لأنها نهاية الخيار
المشروط شرعا (والثاني) انه لو لم يتفرقا ولكن شرعا في أمر آخر واعرضا عما يتعلق بالعقد وطال
الفصل انقطع الخيار نقله صاحب البيان * ثم الرجوع في التفرق إلى العادة فما يعده الناس
تفرقا يلزم به العقد فلو كانا في دار صغيرة فالتفرق بان يخرج أحدهما منها أو يصعد السطح وكذا
لو كانا في مسجد صغير أو سفينة صغيرة * وإن كانت الدار كبيرة جعل التفرق بان يخرج أحدهما من
البيت إلى الصحراء أو يدخل من الصحن في بيت أو صفة وإن كانا في صحراء أو سوق فإذا ولى
أحدهما ظهره الاخر ومشي قليلا حصل التفرق وكان ابن عمر رضي الله عنهما (إذا ابتاع شيئا وأراد
أن يوجب البيع قام ومشي قليلا) (1) وعن الإصطخري أنه يشترط أن يبعد بحيث إذا كلم صاحبه على
303

الاعتياد من غير رفع الصوت لم يسمع ولا يحصل التفرق بان يرخي بينهما ستر أو يشق بينهما نهر
وهل يحصل بان يبني بينهما جدار من طين أو جص فيه وجهان (أصحهما) لا لأنه في مجلس العقد
وألحقه الامام بما إذا حمل أحدهما وأخرج وسيأتي الكلام فيه * وصحن الدار والبيت الواحد إذا
تفاحش اتساعهما كالصحراء ولو تناديا متباعدين وتبايعا صح البيع وما حكم الخيار قال الامام يحتمل
أن يقال لا خيار لان التفرق الطارئ قاطع للخيار فالمقارن يمنع ثبوته ويحتمل ان يقال يثبت ما داما
في موضعهما وهذا ما أورده المتولي * ثم إذا فارق أحدهما موضعه وبطل خياره هل يبطل خيار الاخر
أو يدوم إلى أن يفارق مكانه فيه احتمالان للامام * ثم في الفصل ثلاث مسائل (إحداها) إذا مات
أحد المتبايعين في مجلس العقد فقد نص في المختصر في البيوع أن الخيار لوارثه وفي المكاتب أنه
إذا باع ولم يتفرقا حتى مات المكاتب وجب البيع وللأصحاب في النصين ثلاثة طرق (أظهرها)
أن في الصورتين قولين بالنقل والتخريج وبه قال القاضي أبو حامد وأبو إسحاق (أحدهما) انه
يلزم البيع لأنه خيار يسقط بمفارقة المكان فبمفارقة الدنيا أولى (وأصحهما) انه لا يلزم بل يثبت
للوارث والسيد كخيار الشرط والعيب (والثاني) القطع بثبوت الخيار للوارث والسيد (وقوله) في
المكاتب وجب البيع أراد أنه لا يبطل بموته لا كالكتابة (والثالث) تقرير النصين والفرق أن
304

الوارث خليفة المورث فيقوم مقامه في الخيار والسيد ليس خليفة للمكاتب وإنما يأخذ ما يأخذ
بحق الملك والعبد المأذون إذا باع أو اشترى ومات في المجلس كالمكاتب فيجئ فيه هذا الخلاف
وكذلك في الوكيل بالشراء إذا مات في المجلس هل للموكل الخيار وهذا إذا فرعنا على أن الاعتبار
بمجلس الوكيل في الابتداء وهو الصحيح وروي وجه أن الاعتبار بمجلس الموكل (التفريع) ان
لم يثبت الخيار للوارث فقد انقطع خيار الميت (واما) الحي ففي التهذيب أن خياره لا ينقطع حتى
يفارق ذلك المجلس * وذكر الامام تفريعا على هذا القول أنه يلزم العقد من الجانبين ويجوز تقدير
خلاف فيه لما مر أن هذا الخيار لا يتبعض في السقوط كما في الثبوت وان قلنا يثبت الخيار للوارث فإن كان
حاضرا في المجلس امتد الخيار بينه وبين العاقد الاخر حتى يتفرقا أو يتخايرا * وإن كان
غائبا فله الخيار إذا وصل الخبر إليه ثم هو على الفور أو يمتد امتداد مجلس بلوغ الخبر إليه فيه وجهان
(وجه) الأول أن المجلس قد انقضى وإنما أثبتنا له الخيار كيلا يعطل حقا كان للمورث (ووجه)
الثاني أن الوارث خليفة المورث فليثبت له مثل ما ثبت للمورث وهذان الوجهان كالوجهين في خيار
الشرط إذا ورثه الوارث وكان بلوغ الخبر إليه بعد انقضاء مدة الخيار ففي وجه هو على الفور وفي
وجه يدوم مثل ما كان يدوم للمورث لو لم يمت * هذا ترتيب الأكثرين وبني بانون
305

ثبوت الخيار للوارث على وجهين نقلوهما في كيفية ثبوته للعاقد الباقي (أحدهما) أن له الخيار ما دام
في مجلس العقد فإذا فارقه بطل فعلى هذا يكون خيار الوارث في المجلس الذي يشاهد فيه المبيع
ليتأمل ويختار ما فيه الحظ (والثاني) أن خياره يتأخر إلى أن يجتمع مع الوارث في مجلس واحد فعلى
هذا حينئذ يثبت الخيار للوارث *
(فرع) إذا ورثه اثنان فصاعدا وكانوا حضورا في مجلس العقد فلهم الخيار إلى أن يفارقوا
العاقد الاخر ولا ينقطع الخيار بمفارقة بعضهم على الأصح * وإن كانوا غائبين عن المجلس ففي التتمة
أنا إن قلنا في الوارث الواحد يثبت الخيار في مجلس مشاهدة المبيع فلهم الخيار إذا اجتمعوا *
في مجلس واحد (وان قلنا) الخيار إذا اجتمع مع العاقد فكذلك لهما الخيار إذا اجتمعوا معه
ومتى فسخ بعضهم وأجاز بعضهم ففي وجه لا ينفسخ في شئ (والأصح) أنه ينفسخ في الكل كالمورث
لو فسخ في حياته في البعض وأجاز في البعض (المسألة الثانية) إذا حمل أحد المتعاقدين واخرج
من المجلس مكرها نظر إن منع من الفسخ أيضا بان سد فوه لم ينقطع خياره على أظهر الطريقين
إذ لم يوجد منه ما يدل على الرضا باللزوم (والثاني) في انقطاعه وجهان كالقولين في صورة الموت
وهذه أولى ببقاء الخيار لان ابطال حقه قهرا مع بقائه بعيد فإن لم يمنع من الفسخ فطريقان على العكس
(أظهرهما) ان في انقطاع الخيار وجهين (أحدهما) وبه قال أبو إسحاق ينقطع لان سكوته عن الفسخ
306

مع القدرة رضا بالامضاء (وأصحهما) انه لا ينقطع لأنه مكره في المفارقة وكأنه لا مفارقة والسكوت
عن الفسخ لا يبطل الخيار كما في المجلس (الثاني) القطع بالانقطاع وهو اختيار الصيدلاني (فان قلنا)
ينقطع خياره انقطع خيار الماكث أيضا والا فله التصرف بالفسخ والإجازة إذا وجد التمكن و؟؟
هو على الفور فيه ما سبق من الخلاف (فان قلنا) لا وكان مستقرا حين زايله الاكراه في مجلس
ابتداء الخيار امتد الخيار امتداد ذلك المجلس وإن كان مارا فإذا فارق في مروره مكان التمكن
انقطع خياره وليس عليه الانقلاب إلى مجلس العقد ليجتمع مع العاقد الاخر ان طال الزمان
وإن لم يطل ففيه احتمال عند الامام * وإذا لم يبطل خيار المخرج لم يبطل خيار الماكث أيضا ان
منع من الخروج معه وان لم يمنع بطل في أصح الوجهين * ولو ضربا حتى تفرقا بأنفسهما ففي أن
قطاع الخيار قولان كما في حيث المكره * ولو هرب أحدهما ولم يتبعه الاخر مع التمكن بطل
خيارهما وان لم يتمكن من متابعته ففي التهذيب انه يبطل خيار الهارب دون الاخر (المسألة الثالثة)
إذا جن أحد المتعاقدين أو أغمي عليه لم ينقطع الخيار لكن يقوم وليه أو الحاكم مقامه فيفعل ما فيه
الحظ من الفسخ والإجازة وفيه وجه مخرج من الموت انه ينقطع وعلى المذهب لو فارق المجنون مجلس
العقد قال الامام يجوز ان يقال لا ينقطع الخيار لان التصرف انقلب إلى القوام عليه ويعارضه انه
لو كان كذلك لكان الجنون كالموت * ولو خرس أحد المتعاقدين في المجلس فإن كانت له إشارة
307

مفهومة أو كتابة فهو على خياره والا نصب الحاكم نائبا عنه (وقوله) في مسألة الموت فيه قولان يجوز
إعلامه بالواو للطريقين الآخرين (وقوله) كخيار الشرط معلم بالحاء والألف لان عند أبي حنيفة
وأحمد خيار الشرط غير موروث وبالواو أيضا لان عن صاحب التقريب أن بعض أئمتنا خرج قولا من
خيار المجلس في خيار الشرط أنه لا يورث (وقوله) ويثبت عند جنون أحد المتعاقدين معلم بالواو
لما مر *
قال (ولو تنازعا في جريان التفرق فالأصل عدمه ومن يدعيه مطالب بالبينة * ولو تنازعا
في الفسخ بعد الاتفاق على التفرق فالأصل عدم الفسخ (و)) *
في الفصل صورتان هينتا الخطب (إحداهما) لو جاء المتعاقدان معا فقال أحدهما تفرقنا بعد
البيع وأنه قد لزم وأنكر الثاني التفرق وأراد الفسخ فالقول قول الثاني مع يمينه لان الأصل دوام
الاجتماع وعلى من يدعي خلافه البينة * ولك أن تقول هذا بين ان قصرت المدة ولكنها إن طالت
308

فدوام الاجتماع خلاف الظاهر وإن كان على وفاق الأصل فلا يبعد تخريجه على الخلاف المشهور في
تعارض الأصل والظاهر والأصحاب لم يفرقوا بين الحالين (الثانية) اتفقا على التفرق وقال أحدهما
فسخت قبله وأنكر الاخر فالقول قول الاخر مع يمينه لان الأصل عدم الفسخ وعلى المدعي البينة
هذا هو الظاهر وبه أجاب في الكتاب * وعن صاحب التقريب؟؟ القول قول من يدعي الفسخ
لأنه أعرف بتصرفه * ولو اتفقا على عدم التفرق وتنازعا هكذا ففي التهذيب أن دعوى مدعي
الفسخ فسخ *
قال (السبب الثاني الشرط قال النبي صلى الله عليه وسلم لحبان بن منقذ وكان يخدع في البيوع (قل لا خلابة
واشترط الخيار ثلاثة أيام) فلا تجوز الزيادة عنها (م) ولا التقدير بمدة مجهولة ولا الابهام في أحد العبدين) *
309

الأصل في خيار الشرط الاجماع وما روي عن ابن عمر (أن رجلا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع
في البيوع فقال صلى الله عليه وسلم إذا بايعت فقل لا خلابة) (1) وروي أن ذلك الرجل كان حبان بن منقذ
أصابه أمة في رأسه فكان يخدع في البيع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (إذا بايعت فقل لا خلابة وجعل
الخيار ثلاثا) وفي رواية (وجعل له بذلك خيار ثلاثة أيام) وفي رواية (قل لا خلابة ولك الخيار
ثلاثا) وهذه الروايات كلها في كتب الفقه ولا يلفي في مشهورات كتب الحديث سوى الرواية
المقتصرة على قوله (لا خلابة) وهذه الكلمة في الشرع عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثا فإذا أطلقاها
عالمين بمعناها كان كالتصريح بالاشتراط وإن كانا جاهلين لم يثبت الخيار وان علم البائع
310

دون المشتري ففيه وجهان عن ابن القطان (أحدهما) لا يثبت لعدم التراضي (والثاني) يثبت لظاهر
قوله (قل لاخلابة ولك الخيار ثلاثا) (وأما) اللفظة المروية في الكتاب وهي قوله (ولي الخيار
ثلاثة أيام) فلا تكاد توجد في كتب الحديث ولا الفقه نعم في شرح مختصر الجويني للموفق بن
طاهر (قل لا خلابة واشترط الخيار ثلاثا) وهما متقاربان * إذا عرفت ذلك ففي الفصل ثلاث صور
(إحداها) لا يجوز شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام فلو زاد فسد العقد لان الخيار غرر فلا يزاد
على ما ورد به الخبر * وقال مالك تجوز الزيادة بحسب الحاجة حتى لو اشترى ضيعة يحتاج النظر
فيها إلى شهر فصاعدا يجوز شرطه * وعن أحمد تجويز الزيادة من غير تحديد * ويجوز شرط ما دون
الثلاث بطريق الأولى لكن لو كان المبيع مما يتسارع إليه الفساد فيبطل البيع أو يصح ويباع عند
الاشراف على الفساد ويقام عنه مقامه حكي يحيى اليمني عن بعض من لقيه فيه وجهين
وقال مالك إن كان المبيع مما يعرف حاله بالنظر ساعة أو يوما لم تجز الزيادة ويشترط
311

أن تكون المدة متصلة بالعقد حتى لو شرطا خيار ثلاثة فما دونها من آخر الشهر أو متى شاء أو شرطا
خيار الغد دون اليوم فسد العقد لأنه إذا تراخت المدة عن العقد لزم وإذا لزم لم يعد جائزا ولهذا
لو شرطا خيار الثلاثة ثم أسقط اليوم الأول سقط الكل (الثانية) لا يجوز شرط الخيار مطلقا ولا
تقديره بمدة مجهولة ويفسد العقد به خلافا لمالك حيث قال يصح ويحمل على ما تقتضيه العادة فيه
لنا القياس على الأجل * ولو شرطا الخيار إلى وقت طلوع الشمس من الغد جاز ولو قالا إلى طلوعها
فعن الزبيري أنه لا يجوز لان السماء قد تكون متغيمة فلا تطلع وهذا بعيد فان التغيم إنما يمنع من
الاشراق واتصال الشعاع لا من الطلوع وفي الغروب لا فرق بين أن يقولا إلى الغروب أو إلى وقت
الغروب بالاتفاق * ولو تبايعا نهارا بشرط الخيار إلى الليل أو بالعكس لم يدخل فيه الليل والنهار
كما لو باع شيئا إلى رمضان لا يدخل رمضان في الأجل وقال أبو حنيفة يدخل الليل والنهار (الثالثة)
لو باع عبدين بشرط الخيار في أحدهما لا على التعيين فسد العقد كما لو باع أحدهما لا على التعيين وقال أبو حنيفة
يجوز في العبدين والثوبين والثلاثة ولا يجوز في الأربعة وما زاد كما قال في البيع ولو شرطا
الخيار في أحدهما على التعيين ففيه قولا الجمع بين مختلفي الحكم وكذا لو شرطا في أحدهما خيار
يوم وفي الاخر خيار يومين فان صححنا البيع ثبت الخيار فيما شرط وكما لو شرط فيهما ثم
312

أراد الفسخ في أحدهما فعلى قولي تفريق الصفقة في الرد بالعيب * ولو اشترى اثنان شيئا من واحد
صفقة واحدة بشرط الخيار فلأحدهما الفسخ في نصيبه كما في الرد بالعيب ولو شرط لأحدهما الخيار
دون الاخر ففي صحة البيع قولان (الأصح) الصحة *
(فرع) ابتاع على شرط أنه ان لم ينقده الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما أو باع على شرط انه إن رد الثمن
في ثلاثة أيام فلا بيع بينهما فهذا شرط فاسد كما إذا تبايعا على شرط انه إن قدم زيد اليوم فلا بيع بينهما وعن
أبي إسحاق أنه يصح العقد والمذكور في الصورة الأولى شرط الخيار للمشتري وفي الثانية شرطه للبائع
والله أعلم *
قال (وأول مدته عند الاطلاق من وقت العقد لا من التفرق على الأصح ولا يتوقف الفسخ به
على حضور (ح) لخصم وقضاء القاضي) *
إذا تبايعا بشرط الخيار ثلاثة فما دونها فابتداء المدة من وقت العقد أو التفرق فيه وجهان
(أصحهما) من وقت العقد وبه قال ابن الحداد لان ثبوته بالشرط والشرط وجد في العقد (والثاني) من
وقت التفرق أو التخاير ونقل الامام عمن صار إليه تعليلين (أحدهما) أن الخيارين متماثلان والمثلان
لا يجتمعان (والثاني) أن الظاهر أن الشارط يبغي بالشرط إثبات ما لولا الشرط لما ثبت وخيار المجلس
ثابت وان لم يوجد الشرط فيكون المقصود ما بعده * ولك ان تقول اما الأول فليس الخيار الا واحدا
لكن له جهتان المجلس والشرط وذلك لا بعد فيه كما أنه قد يثبت الخيار بجهة الخلف والعيب معا
(واما) الثاني فتنزيل الشرط على ما ذكره يورث الجهالة لان وقت التفرق مجهول والوجهان على ما روي
الشيخ أبو علي وغيره مطردان في الأجل لكن بالترتيب ان جعلنا الخيار من وقت العقد فالأجل
أولى والا فوجهان والفرق ان الأجل لا يثبت الا بالشرط فالنظر فيه إلى وقت الشرط والخيار
قد يثبت من غير شرط فمقصود الشرط اثبات ما لولاه لما ثبت وأيضا فان الأجل وان شارك الخيار
في منع المطالبة بالثمن لكنه يخالفه من وجوه واجتماع المختلفين غير مستنكر (التفريع) ان قلنا
بالأول فإذا انقضت المدة وهما مصطحبان بعد انقطع خيار الشرط وبقي خيار المجلس وان تفرقا
والمدة باقية فالحكم بالعكس ولو أسقطا أحد الخيارين لم يسقط الاخر ولو قالا ألزمنا
العقد وأسقطنا الخيار مطلقا سقطا ولو شرطا الاحتساب من وقت التفرق بطل الشرط والعقد
لأنه مجهول وعن رواية صاحب التقريب وجه أنهما صحيحان (وان قلنا) بالوجه الثاني فإذا تفرقا
313

انقطع خيار المجلس واستؤنف خيار الشرط ولو أسقطا الخيار قبل التفرق بطل خيار المجلس ولا
يبطل الاخر في أصح الوجهين لأنه غير ثابت بعد ولو شرطا الاحتساب من وقت العقد فوجهان
(أصحهما) صحة العقد والشرط وبناهما الامام على التعليلين السابقين ان عللنا باجتماع الخيارين بطلا
وإلا صحا لان التصريح بالاحتساب من العقد يبين أنه ما أراد بالشرط ما بعد التفرق ولو شرط
الخيار بعد العقد وقبل التفرق وقلنا بثبوته فالحكم على الوجه الثاني لا يختلف وعلى الأول فالاحتساب
من وقت الشرط لا من وقت العقد ولا من وقت التفرق هذا شرح إحدى مسألتي الفصل (والثانية)
لمن له خيار الشرط من المتعاقدين فسخ العقد حضر صاحبه أو غاب وبه قال مالك واحمد * وقال
أبو حنيفة ليس له الفسخ الا بحضور صاحبه * لنا أنه أحد طرفي الخيار فلا يتوقف على حضور
المتعاقدين كالإجازة وأيضا فإنه إذا لم يفتقر في رفع العقد إلى صاحبه وجب ان لا يفتقر إلى حضوره كما لو
طلق زوجته ولا يفتقر نفوذ هذا الفسخ إلى الحاكم لأنه فسخ متفق على ثبوته بخلاف الفسخ بالعنة فإنه
مختلف فيه والله أعلم *
قال (ويثبت خيار الشرط في كل معاوضة محضة مما هو بيع الا في التصرف والسلم وما يستعقب
العتق من البيوع) *
غرض الفصل بيان ما يثبت فيه خيار الشرط من العقود وما لا يثبت والقول الجملي فيه أنه مع خيار
المجلس يتلازمان في الأغلب لكن خيار المجلس أسرع وأولى ثبوتا من خيار الشرط لان زمان
المجلس أقصر غالبا فربما انفكا لذلك فان أردت التفصيل فراجع ما سبق في خيار المجلس (واعلم)
أنهما متقاربان في صور الخلاف والوفاق إلا أن البيوع التي يشترط فيها التقابض في المجلس كالصرف
وبيع الطعام بالطعام أو القبض في أحد العوضين كالسلم لا يجوز شرط الخيار فيها وان ثبت خيار
المجلس لان ما يشترط فيه القبض لا يحتمل فيه التأجيل والخيار أعظم غررا من الأجل لأنه مانع
من الملك أو من لزومه فهو يولي بان لا يحتمل وأيضا فالمقصود من اعتبار القبض أن يتفرقا ولا علقة
بينهما تحرزا من الربا أو من بيع الكالي بالكالي ولو أثبتنا الخيار لبقيت العلقة بينهما بعد التفرق
إلا أن خيار الشرط لا يثبت في الشفعة بلا خلاف وكذا في الحوالة على ما حكاه العراقيون مع نقلهم
الخلاف في خيار المجلس * قال الامام ولا أعرف فرقا بين الخيارين إلا أن الوجه الغريب المذكور
في خيار المجلس للبائع من المفلس لم يطرد ههنا والا أن في الهبة بشرط الثواب طريقة عن القاضي
314

أبي الطيب قاطعة بنفي خيار الشرط والا أن في الإجارة أيضا طريقة مثل ذلك (أما) في إجارة
العين فلما في هذا الخيار من زيادة تعطل المنفعة (وأما) في الإجارة على الذمة فبناء على تنزيلها منزلة
السلم وحكم شرط الخيار مذكور في كتا ب الصداق (وقوله) في الكتاب وما يستعقب العتق من
البيوع لا بد من إعلامه بالواو والقول فيه على ما ذكرنا في خيار المجلس ولم يستثن في لفظ الكتاب
بيع الطعام بالطعام ولا بد منه والله أعلم *
قال (ثم إن كان الخيار للبائع وحده فالمبيع باق على ملكه على الأصح وإن كان للمشتري وحده فالملك
منتقل (و ح) إليه وإن كان لهما فثلاثة أقوال (أحدها) أنه موقوف فان استقر العقد تبين زوال الملك بنفس
العقد وان فسخ تبين أنه لم يزل الملك ولم يتم السبب والكسب والنتاج والوطئ والاستيلاد والعتق وغير
ذلك من الطوارئ فروع الملك فينتظر آخر الامر فما يستقر عليه آخرا يقدر وجوده أولا (و)) *
نقدم على فقه الفصل مقدمة وهي أن الخيار اما ان يشرط لاحد المتعاقدين أو لكليهما أو
لغيرهما فان شرط لأحدهما أو لهما فهو جائز (أما) للمشتري فلحديث حبان (واما) للبائع أو لهما
فبالقياس عليه والاجماع ويجوز ان يشرط لأحدهما خيار يوم وللآخر خيار يومين أو ثلاثة وان شرط
لغيرهما فذلك الغير اما أجنبي أو الموكل الذي وقع العقد له فإن كان أجنبيا فقولان (أحدهما) انه
يفسد العقد والشرط لأنه خيار يتعلق بالعقد فيختص بالمتعاقدين كخيار العيب (وأصحهما) وبه قال
أبو حنيفة ومالك واحمد انهما صحيحان لأنه خيار يثبت بالشرط للحاجة وقد تدعو الحاجة إلى
شرطه للأجنبي لكونه اعرف بحال المعقود عليه ويجرى القولان في بيع العبد بشرط الخيار
للعبد ولا فرق على القولين بين ان يشرطا أو أحدهما الخيار لشخص واحد وبين ان يشترط هذا
الخيار لواحد وهذا للاخر وإذا قلنا بالأصح ففي ثبوت الخيار لمن شرط أيضا قولان أو وجهان
(أصحهما) وهو ظاهر نصه في الصرف انه لا يثبت اقتصارا على الشرط كما إذا شرط لأحدهما لا يثبت
للاخر (والثاني) يثبت وبه قال أبو حنيفة وأحمد وعللوه بمعنيين (أحدهما) ان شرط الخيار
للأجنبي يشعر باستبقاء الشارط الخيرة لنفسه بطريق الأولى (والثاني) انه يستحيل ثبوت الخيار
لغير المتعاقدين لا على سبيل النيابة وخرج الامام عليهما ما لو شرطا الخيار للأجنبي دونهما فعلى
المعنى الأول يختص بالأجنبي وعلى الثاني لا يختص ويفسد الشرط فإن لم يثبت الخيار للعاقد مع الأجنبي
فمات الأجنبي في زمان الخيار ثبت الآن له في الأصح الوجهين كذا قاله في التهذيب وإن أثبتا
315

الخيار للعاقد مع الأجنبي فلكل واحد منهما الاستقلال بالفسخ ولو فسخ أحدهما وأجاز الاخر
فالفسخ أولى ولو اشترى شيئا على أن يؤامر فلانا فيأتي بما يأمره به من الفسخ والإجازة فالمنقول
عن نصه في الاملاء على مسائل مالك انه يجوز وليس له الرد حتى يقول استأمرته فأمرني بالفسخ
وتكلموا فيه من وجهين (أحدهما) انه لم شرط أن يقول استأمرته قال الذين خصوا الخيار المشروط
للأجنبي به هذا جواب على المذهب الذي قلناه ومؤيد له وقال آخرون انه مذكور احتياطا (والثاني)
انه أطلق في التصوير شرط المؤامرة فهل يحتمل ذلك الصحيح انه لا يحتمل واللفظ محمول على ما إذا
قيد المؤامرة بالثلاث فما دونها وقيل يحتمل الاطلاق والزيادة على الثلاث كما في خيار الرؤية وأما
إذا كان ذلك الغير هو الموكل ثبت لخيار الموكل دونه * واعلم أن الوكيل بالبيع والشراء له شرط
الخيار للموكل في أظهر الوجهين لان ذلك لا يضره وطرد الشيخ أبو علي الوجهين في شرط الخيار
لنفسه أيضا وليس للوكيل بالبيع شرط الخيار للمشتري ولا للوكيل بالشراء شرط الخيار للبائع فان
خالف بطل العقد وإذا شرط الخيار لنفسه وجوزناه أو أذن فيه صريحا ثبت له الخيار ولا يفعل
إلا ما فيه الحظ للموكل لأنه مؤتمن بخلا ف الأجنبي المشروط له الخيار لا يلزمه رعاية الحظ هكذا
ذكروه ولناظر ان يجعل الخيار له ائتمانا وهو أظهر إذا جعلناه نائبا عن العاقد ثم هل يثبت الخيار
للموكل معه في هذه الصورة فيه الخلاف المذكور فيما إذا شرط للأجنبي هل يثبت للعاقد وحكى
الامام فيما إذا أطلق الوكيل شرط الخيار بالاذن المطلق من الموكل ثلاثة أوجه ان الخيار يثبت
للوكيل أو للموكل أولهما * إذا تقررت المقدمة فللشافعي رضي الله عنه ثلاثة أقوال في أن الملك في المبيع
في زمان الخيار لمن هو (أحدها) وبه قال احمد انه للمشتري لان البيع قد تم بالايجاب والقبول
فثبوت الخيار فيه لا يمنع الملك كخيار العيب وعلى هذا فالملك في الثمن للبائع (والثاني) وبه قال مالك
انه باق للبائع لنفوذ تصرفاته وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا بيع بينهما حتى يتفرقا) (1)
وعلى هذا فالملك في الثمن للمشتري (والثالث) انه موقوف فان تم البيع بان حصول الملك للمشتري
316

من وقت البيع والا بان أن ملك البائع لم يزل وكذا يتوقف في الثمن ووجهه أن البيع سبب الزوال
إلا أن شرط الخيار يشعر بأنه لم يرض بعد بالزوال جزما فوجب أن يتربص وينتظر عاقبة الامر
وفي موضع الأقوال طرق (أحدها) أن الخلاف فيما إذا كان الخيار لهما اما بالشرط أو في خيار المجلس
(أما) إذا كان لأحدهما فهو المالك للمبيع لنفوذ تصرفه فيه ويحكي هذا عن صاحب التقريب وهو
قريب مما أورده في الكتاب (والثاني) أنه لا خلاف في المسألة ولكن إن كان الخيار للبائع فالملك له
وإن كان للمشتري فهو له وإن كان لهما فهو موقوف وتنزل الأقوال على هذه الأحوال وهو اختيار
القاضي الروياني في الحلية (والثالث) طرد الأقوال في الأحوال وهو أظهر عند عامة الأصحاب منهم
العراقيون والحليمي وإذا جرت الأقوال فما الأظهر منها قال الشيخ أبو حامد ومن نحا نحوه الأظهر
أن الملك للمشتري وبه قال الامام * وقال آخرون الأظهر الوقف وبه قال صاحب التهذيب
والأشبه توسط ذكره جماعة وهو انه إن كان الخيار للبائع فالأظهر بقاء الملك له وإن كان للمشتري
فالأظهر انتقاله إليه وإن كان لهما فالأظهر الوقف وعلى هذا تتفات الأحوال في الأظهر من الأقوال
لا في تخصيص الخلاف ببعضها * وقال أبو حنيفة إن كان الخيار لهما أو للبائع فالملك للبائع وإن كان للمشتري
زال ملك البائع ولم يحصل للمشتري (التفريع) لهذه الأقوال فروع كثيرة الانشعاب (منها) ما يورد في سائر
الأبواب ومنها ما يختص بهذا الموضع وصاحب الكتاب أشار إلى صور (منها) كسب العبد والجارية المبيعين
في زمان الخيار فان تم المبيع بينهما فهو للمشتري إن قلنا الملك له أو موقوف (فان قلنا) الملك للبائع
فوجهان (قال) الجمهور الكسب له لأنه المالك حين حصوله وعن أبي علي الطبري أنه للمشتري لان
سبب ملكه موجود أولا وقد استقر عليه آخرا فيكتفي به وان فسخ البيع فهو للبائع إن قلنا الملك
للبائع أو موقوف (وان قلنا) للمشتري وجهان (أصحهما) أنه له وعن أبي إسحاق انه للبائع نظرا إلى
المال وبني صاحب التتمة الوجهين على أن الفسخ رفع العقد من حينه أو من أصله (إن قلنا) بالأول
فهو للمشتري (وإن قلنا) بالثاني فللبائع وفي معنى الكسب اللبن والبيض والثمرة ومهر الجارية
إذا وطئت بالشبهة (ومنها) النتاج فان فرض حدوث الولد وانفصاله في زمان الخيار لامتداد
317

المجلس أو كانت البهيمة أو الجارية حاملا عند البيع وولدت في زمان الخيار فيبني على أن الحمل هل
يأخذ قسطا من الثمن وفيه قولان (أحدهما) لا لان الحمل كالجزء منها فأشبه سائر الأعضاء فعلى هذا
هو كالكسب بلا فرق (وأصحهما) نعم كما لو بيع بعد الانفصال مع الام فعلى هذا الحمل مع
الام كعينين تباعان معا فان فسخ البيع فهما للبائع وإلا فللمشتري (ومنها) العتق وهو مؤخر في
لفظ الكتاب لكن تقديمه أليق بالشرح فنقول إذا كان المبيع رقيقا فاعتقه البائع في زمان الخيار
المشروط لهما أو للبائع نفذ اعتاقه على كل قول أما إذا كان الملك له فظاهر واما على غير هذا القول
فلانه بسبيل إلى الفسخ والاعتاق يتضمن الفسخ فينقل الملك إليه قبيله وان أعتقه المشترى فان قلنا
الملك للبائع لم ينفذ ان فسخ البيع وان تم فكذلك في أصح الوجهين (والثاني) ينفذ اعتبارا بالمال
(وان قلنا) بالوقف فالعتق موقوف أيضا ان تم العقد بان نفوذه والا فلا (وان قلنا) ان الملك للمشترى
ففي نفوذ العتق وجهان (أصحهما) وهو ظاهر النص انه لا ينفذ صيانة لحق البائع عن الابطال وعن
ابن سريج انه ينفذ لمصادفته الملك * ثم اختلفوا فمن مطلق نقل النفوذ عنه ومن فارق بين أن يكون
معسرا فلا ينفذ كما في الرهن (فان قلنا) لا ينفذ فاختار البائع الإجازة ففي الحكم بنفوذه
الآن وجهان (ان قلنا) ينفذ من وقت الإجازة أو الاعتاق وجهان أظهرهما أولهما (وان قلنا)
بوجه ابن سريج ففي بطلان خيار البائع وجهان (أحدهما) يبطل وليس له الا الثمن (وأظهرهما)
لا يبطل ولكن لا يرد العتق وإذا فسخ أخذ قيمة العبد كما في نظيره من الرد بالعيب هذا إذا كان الخيار
لهما أو للبائع أما إذا كان الخيار للمشتري نفذ اعتاقه على جميع الأقوال لأنه اما مصادف للملك
أو أجازه وليس فيه ابطال حق الغير وان أعتقه البائع (فان قلنا) ان الملك لم ينفذ تم البيع أو فسخ
ويجئ فيما لو فسخ الوجه الناظر إلى المال (وان قلنا) بالوقف لم ينفذ ان تم البيع والا نفذ (وان
قلنا) انه للبائع فان اتفق الفسخ فهو نافذ والا فقد أعتق ملكه الذي تعلق به حق لازم فهو كاعتاق
الراهن (ومنها) الوطئ فإن كان الخيار لهما أو للبائع فالكلام في وطئ البائع ثم في وطئ المشتري
318

(فاما) وطئ البائع ففي حله طرق (أحدها) انا ان جعلنا الملك له فهو حلال والا فوجهان (وجه)
الحل انه يتضمن الفسخ على ما سيأتي وفى ذلك عود الملك إليه معه أو قبيله (والثاني) أنا ان لم نجعل
الملك له فهو حرام وان جعلناه له فوجهان وجه التحريم ضعف الملك (والثالث) عن الشيخ أبي محمد
القطع بالحل على الاطلاق والظاهر من هذا كله الحل ان جعلنا الملك له والتحريم ان لم نجعله له ولا
مهر عليه بحال (وأما) وطئ المشتري فهو حرام اما إن لم يثبت الملك له فظاهر واما إن أثبتناه فهو
ضعيف كملك المكاتب ولكن لا حد عليه على الأقوال لوجود الملك أو شبهة الملك وهل يلزمه
المهر إن تم البيع بينهما فلا ان قلنا إن الملك للمشتري أو موقوف وان قلنا إنه للبائع وجب المهر له
وعن أبي إسحاق انه لا يجب نظرا إلى المآل وان فسخ البيع وجب المهر للبائع ان قلنا الملك له أو
موقوف وان قلنا إنه للمشتري فلا مهر عليه في أصح الوجهين * ولو أولدها فالولد حر نسيب على
الأقوال وهل يثبت الاستيلاد ان قلنا الملك للبائع فلا ثم إن تم البيع أو ملكها بعد ذلك
ففي ثبوته حينئذ قولان كالقولين فيما إذا وطئ جارية الغير بالشبهة ثم ملكها
وعلى الوجه الناظر إلى المآل إذا تم البيع نفذ الاستيلاد بلا خلاف وعلى
قول الوقف ان تم البيع بان ثبوت الاستيلاد وإلا فلا فلو ملكها يوما عادا القولان وعلى قولنا
ان الملك للمشتري في ثبوت الاستيلاد الخلاف المذكور في العتق فإن لم يثبت في الحال وتم البيع بان
ثبوته ثم رتب الأئمة الخلاف في الاستيلاد على الخلاف في العتق واختلفوا في كيفيته فمن صائر
إلى أن الاستيلاد أولى بالثبوت ومن عاكس ذلك ووجههما مذكور في الكتاب في الرهن قال الامام
ولا يبعد الحكم باستوائهما لتعارض الجهتين والقول في وجوب قيمة الولد على المشتري كالقول
في المهر نعم ان جعلنا الملك للبائع وفرضنا تمام البيع فللوجه الناظر إلى المآل مخذ آخر وهو القول بأن الحمل
لا يعرف أما إذا كان الخيار للمشتري وحده فحكم حل الوطئ كما مر في حل الوطئ للبائع إذا كان الخيار له أو لهما
وأما البائع فيحرم عليه الوطئ ههنا ولو وطئ فالقول في وجوب المهر وثبوت الاستيلاد ووجوب
319

القيمة كما ذكرنا في طرق المشتري إذا كان الخيار لهما أو للبائع هذا شرح الفروع المذكورة في الكتاب
ووراءها فروع (أحدها) إذا تلف المبيع بآفة سماوية في زمان الخيار نظر إن كان قبل القبض
انفسخ البيع بلا شك وإن كان بعده وقلنا الملك للبائع انفسخ أيضا لأنا نحكم بالانفساخ عند بقاء
يده فعند بقاء ملكه أولى فيسترد الثمن ويغرم للبائع القيمة ويجئ في القيمة المغرومة الخلا ف
المذكور في كيفية غرامة المستعير والمستام (وان قلنا) الملك للمشتري أو موقوف فوجهان أو قولان
(أحدهما) انه ينفسخ أيضا لحصول الهلاك قبل استقرار العقد (وأصحهما) انه لا ينفسخ لدخوله في ضمان
المشتري بالقبض ولا أثر لولاية الفسخ كما في خيار العيب (وان قلنا) بالانفساخ فعلى المشتري القيمة
قال الامام وههنا يقطع باعتبار قيمة يوم التلف لان الملك قبل ذلك للمشتري وإنما يقدر انتقاله إليه
قبيل التلف وان قلنا بعدم الانفساخ فهل ينقطع الخيار فيه وجهان (أحدهما) نعم كما ينقطع خيار
الرد بالعيب بتلف المبيع (وأصحهما) لا كما لا يمتنع التخالف بتلف المبيع ويخالف الرد بالعيب لان
الضرر ثم يندفع بالأرش (فان قلنا) بالأول استقر العقد ولزم الثمن (وان قلنا) بالثاني فان تم العقد
لزم الثمن والا وجبت القيمة على المشتري واسترد الثمن فان تنازعا في تعيين القيمة فالقول قول
المشتري وعن بعض الأصحاب طريقة أخرى في المسألة وهي القطع بعدم الانفساخ وان قلنا إن
الملك للبائع وذكروا تفريعا عليه أنه لو لم ينفسخ حتى انقضى زمان الخيار فعلى البائع رد الثمن وعلى
المشتري القيمة لأن المبيع تلف على ملك البائع فلا يبقى الثمن على ملكه قال الامام وهذا تخليط
ظاهر (الثاني) لو قبض المشتري المبيع في زمان الخيار وأتلفه متلف قبل انقضائه (ان قلنا) ان الملك
للبائع انفسخ البيع كما في صورة التلف لان نقل الملك بعد الهلاك لا يمكن (وان قلنا) انه للمشتري
أو موقوف نظر ان أتلفه أجنبي فيبني على ما لو تلف (ان قلنا) ينفسخ العقد ثم فهذا كاتلاف الأجنبي
320

المبيع قبل القبض وسيأتي حكمه (وإن قلنا) لا ينفسخ وهو الأصح فكذلك ههنا وعلى الأجنبي
القيمة والخيار بحاله فان تم البيع فهي للمشتري والا فللبائع ولو أتلفه المشتري استقر الثمن عليه
فان أتلفه في يد البائع وجعلنا إتلافه قبضا فهو كما لو تلف في يده وان أتلفه البائع في يد المشتري
ففي التتمة أنه يبني على أن اتلافه كاتلاف الأجنبي أو كالتلف بآفة سماوية وستعرف الخلاف فيه
(والثالث) لو تلف بعض المبيع في زمان الخيار قبل القبض كما لو اشترى عبدين فمات أحدهما ففي
الانفساخ فيما تلف الخلاف السابق ان انفسخ جاء في الانفساخ في الباقي قولا تفريق الصفقة وان لم
ينفسخ بقي خياره في الباقي ان قلنا بجواز رد أحد العبدين إذا اشتراهما بشرط الخيار والا ففي
بقاء الخيار في الباقي الوجهان وإذا بقي الخيار فيه وفسخ رده مع قيمة الهالك *
(فرع) إذا قبض المبيع في زمان الخيار ثم أودعه عند البائع فتلف في يده فهو كما لو تلف
في يد المشتري حتى إذا فرعنا على أن الملك للبائع ينفسخ البيع ويسترد المشتري الثمن ويغرم
القيمة حكاه الامام عن الصيدلاني ثم أبدى في وجوب القيمة احتمالا لحصول التلف بعد العود إلى
يد المالك (واعلم) أنه لا يجب على البائع تسليم المبيع ولا على المشترى تسليم الثمن في زمان
الخيار ولو تبرع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره ولا يجبر الاخر على تسليم ما عنده وله استرداد
المدفوع وقيل ليس له استرداده وله أخذ ما عند صاحبه دون رضاه كما لو كان التسليم بعد لزوم المبيع
(والرابع) لو اشترى زوجته بشرط الخيار ثم خاطبها بالطلاق في زمان الخيار فان تم العقد بينهما
وقلنا أن الملك للمشتري أو موقوف لم يقع الطلاق وان قلنا أنه للبائع وقع * وان فسخ وقلنا أنه
للبائع أو موقوف وقع وان قلنا للمشتري فوجهان عن رواية الصيمري وليس له الوطئ في زمان
الخيار لأنه لا يدري أيطأ بالملك أو بالزوجية هكذا حكي عن نصه وفيه وجه آخر (وأما) ما يتعلق
بلفظ الكتاب (فقوله) فالمبيع باق على ملكه معلم بالألف وقوله على الأصح يمكن أن يريد به
الأصح من الطريقين ويمكن أن يريد به الأصح من الأقوال وعلى التقدير الثاني يجوز اعلامه بالواو
للطريقة النافية للخلاف (وقوله) فالملك منتقل إليه معلم بالحاء والميم والواو (وقوله) فثلاثة أقوال
بالواو (وقوله) موقوف بالحاء والميم والألف ووجه ذلك كله ما مر وقوله فينتظر آخر الامر إلى
آخره عبارة أجراها على قول الوقف ومعناها ان ما يستقر عليه العقد آخرا من الفسخ والامضاء
يقدر وجوده في الابتداء فان فسخ قدرنا أنه لم يجر بينهما عقد وان أمضي قدرناه من الابتداء هذا
321

ما ينطبق اللفظ عليه والله أعلم *
قال (ويحصل الفسخ بوطئ البائع (و) وبيعه وعتقه وهبته مع القبض وإن كان من ولده ولا تحصل
الإجازة (و) بسكوته على وطئ المشتري وما جعلناه فسخا من البائع فهو إجازة (و) من المشتري ان وجد وكذا
الإجارة والتزويج في معنى البيع (و) من واحد منهما والعرض على البيع والاذن فيه لا يقطع خيار البائع) *
لا يخفي ما يحصل به الإجازة من الألفاظ ولا ما يحصل به الفسخ كقول البائع فسخت البيع واسترجعت
المبيع ورددت الثمن وعن الصيمري أن قول البائع في زمان الخيار لا أبيع حتى يزيد في الثمن
وقول المشتري لا أنقل اختيار للفسخ وكذا قول المشتري لا اشتري حتى ينقص لي من الثمن
وقول البائع لا انقل وكذا طلب البائع حلول الثمن المؤجل وطلب المشتري تأجيل الثمن
الحال ثم في الفصل صور (إحداها) إذا كان للبائع خيار فوطئه في زمان الخيار فسخ لاشعاره باختيار
الامساك ويخالف الرجعة لا تحصل بالوطئ لان الرجعة لتدارك النكاح وابتداء النكاح لا يحصل
بالفعل فكذا تداركه والفسخ ههنا لتدارك ملك اليمين وابتداؤه تارة يحصل بالقول وأخرى بالفعل
وهو السبي فكذا تداركه جاز أن يحصل بالفعل * وحكى الامام عن بعض الخلافيين وجها ان وطئ
البائع ليس بفسخ تخريجا من الخلاف في أن الوطئ هل يكون تعيينا للمملوكة والمنكوحة عند إبهام
العتق والطلاق وروي القاضي ابن كج وجها أنه إنما يكون فسخا إذا نوى به الفسخ وعلى المذهب
لو قبل أو باشر فيما دون الفرج أو لمس بشهوة هل يكون فسخا فيه وجهان قال أبو إسحاق نعم وهذا
ما أورده صاحب التهذيب وبمثله أجاب في الاستخدام وركوب الدابة لكن الأظهر في المذهب انهما
لا يتضمنان الفسخ (الثانية) اعتاق البائع إن كان الخيار له فسخ بلا خلاف وفي بيعه وجهان (أحدهما)
انه ليس بفسخ لان الأصل بقاء العقد فيستصحب إلى أن يوجد الفسخ صريحا وإنما جعلنا العتق
فسخا لقوته (وأصحهما) أنه فسخ لدلالته على ظهور الندم وعلى هذا ففي صحة البيع المأتي به وجهان
(أصحهما) صحته كالعتق (والثاني) المنع لان الشئ الواحد لا يحصل به الفسخ والعقد جميعا كما أن التكبيرة
الثانية في الصلاة بنية الشروع يخرج بها من الصلاة فلا يشرع بها في الصلاة ويجري هذا الخلاف
في الإجارة والتزويج وكذا في الرهن والهبة ان اتصل بهما القبض ولا فرق بين أن يهب ممن لا يتمكن
من الرجوع في هبته وبين أن يهب من يتمكن كما لو وهب من ولده لان الملك في الصورتين زائل
322

والرجوع إعادة لما زال وان تجرد الرهن والهبة عن القبض فالحكم فيه كما في العرض على البيع
وسيأتي (الثالثة) إذا علم البائع ان المشتري يطأ الجارية وسكت عليه هل يكون مجيزا فيه وجهان
(أحدهما) نعم لاشعاره بالرضا وأيد ذلك بقوله في المختصر ولو عجل المشتري فوطئها فأحبلها قبل التفرق
في غفلة من البائع فاختار البائع الفسخ كان على المشتري مهر مثلها قيد بما إذا وطئ في غفلة من البائع (وأصحهما)
لا كما لو سكت على بيعه وإجارته وكما لو سكت على وطئ أمته لا يسقط به المهر وهذا هو المذكور في
الكتاب * ولو وطئ بالاذن حصلت الإجازة ولم يجب على المشتري مهر ولا قيمة ولد وثبت الاستيلاد
بلا خلاف وما مر في الفصل السابق مفروض فيما إذا لم يأذن له البائع في الوطئ ولا علم به (الرابعة)
وطئ المشتري هل يكون إجازة منه فيه وجهان (أحدهما) لا بل له الفسخ بعد ذلك كما أن له الرد بالعيب
بعد الوطئ (وأصحهما) وبه أجاب في الكتاب نعم لان وطئ البائع اختيار للبيع فكذا وطئ المشتري
ويخالف الرد بالعيب لأنه عند الوطئ جاهل بالحال حتى لو كان عالما يسقط الخيار * ولو أعتق المشتري نظر
ان أعتق باذن البائع نفذ وحصلت الإجازة من الطرفين وإن أعتق بغير اذنه ففي نفوذه ما سبق فان
نفذ حصلت الإجازة والا فوجهان حكاهما الامام (أظهرهما) الحصول أيضا لدلالته على اختيار الملك
قال ويتوجه ان يقال إن أعتق وهو يعلم عدم نفوذه لم يكن إجازة بلا خلاف * ولو باع أو وقف أو
وهب أو قبض بغير إذن البائع لم ينفذ ولا يجئ فيها الخلاف المذكور في العتق لاختصاصه بمزيد
القوة والغلبة وهل يكون إجازة قال أبو إسحاق لا لان الإجازة لو حصلت لحصلت ضمنا للتصرف
فإذا لغا التصرف فلا إجازة * وقال الإصطخري نعم لدلالته على الرضا والاختيار وهذا أصح
عند الأصحاب * ولو باشر هذا التصرفات باذن البائع أو باع من البائع نفسه صح التصرف
على أصح الوجهين قال في الشامل وعلى الوجهين جميعا يلزم البيع ويسقط الخيار ولكن
قياس ما مر أن يكون سقوط الخيار ان قلنا بعدم نفاذها على الوجهين ولو اذن له
البائع في طحن الحنطة المبيعة فطحنها كان مجيزا ومجرد الاذن في هذه التصرفات لا يكون
إجازة من البايع حتى لو رجع قبل التصرف كان على خياره ذكره الصيدلاني وغيره (الخامسة) في
العرض على البيع والاذن في التوكيل فيه وجهان وكذا في الرهن والهبة دون القبض (أحدهما) ان هذه
التصرفات فسخ من جهة البائع وإجازة من جهة المشتري لدلالتها على الاستئثار بالبيع ولهذا يحصل
بها الرجوع عن الوصية (وأظهرهما) وهو المذكور في الكتاب انها ليست بفسخ ولا إجازة فإنها
323

لا تقتضي إزالة ملك وليست بعقود لازمة ومن المحتمل صدورها عن تردده في الفسخ والإجازة * ولو باع
المبيع في زمان الخيار بشرط الخيار قال إمام الحرمين ان قلنا لا يزول ملك البائع فهو قريب من الهبة
الخالية عن القبض وان قلنا يزول ففيه احتمال أيضا لأنه أبقى لنفسه مستدركا (وقوله) في الكتاب
لا يقطع خيار البائع لا معنى للتخصيص بالبائع فإنه كما لا يقطع خيار البائع لا يقطع خيار المشتري ولو
أبدل لفظه البائع بالبيع لم يكن به باس والمواضع المحتاجة إلى الاعلام من لفظ الكتاب بينة مما
أوردناه والله أعلم *
قال (ولو اشترى عبدا بجارية وأعتقهما معا تعين العتق في العبد على الأصح (ح) تقديما
للإجازة على الفسخ) *
إذا اشترى عبدا بجارية ثم أعتقهما معا نظر إن كان الخيار لهما عتقت الجارية بناء على ما مر
أن اعتاق البائع نافذ متضمن للفسخ ولا يعتق العبد المشتري وان جعلنا الملك فيه لمشتريه لما فيه
من إبطال حق صاحبه على الأصح وعلى الوجه الذي قلنا بنفاذ اعتاق المشتري تفريعا على أن الملك
للمشتري يعتق العبد ولا تعتق الجارية * وإن كان الخيار لمشتري العبد وهو المراد من مسألة الكتاب
لم يحكم بعتقهما معا وعن أبي حنيفة أنهما يعتقان * لنا أنه لا ينفذ اعتاقهما على التعاقب فكذلك دفعة
واحدة وفيمن يعتق منهما وجهان (أحدهما) وهو ما أورده ابن الصباغ أنه يعتق الجارية لان تنفيذ
العتق فيها فسخ وفي العبد إجازة والفسخ والإجازة إذا اجتمعا يقدم الفسخ ولهذا لو فسخ أحد
المتبايعين وأجاز الاخر قدم الفسخ (وأصحهما) وبه أجاب ابن الحداد أنه يعتق العبد لان الإجازة
إبقاء للعقد والأصل فيه الاستمرار قال الشيخ أبو علي الوجهان مبنيان على أن الملك في زمان الخيار
للبائع أو المشتري (ان قلنا) بالأول فالعبد غير مملوك لمشتريه وإنما ملكه الجارية فينفذ العتق فيها (وان
قلنا) بالثاني فملكه العبد فينفذ العتق فيه ثم حكى وجها ثالثا وهو أنه لا يعتق واحد منهما لان عتق
كل واحد منهما يمنع عتق الاخر وليس أحدهما أولى من الاخر فيتدافعان * وإن كان الخيار لبائع
العبد وحده فالمعتق بالإضافة إلى العبد مشتر والخيار لصاحبه وبالإضافة إلى الجارية بائع والخيار لصاحبه
وقد سبق الخلاف في إعتاقهما والصورة هذه والذي يخرج منه للفتوى أنه لا يحكم بنفوذ العتق في
واحد منهما في الحال فان فسخ صاحبه البيع فهو نافذ في الجارية والا ففي العبد * ولو كانت المسألة
324

بحالها وأعتقهما مشتري الجارية فقس الحكم بما ذكرنا (وقيل) إن كان الخيار لهما عتق العبد دون الجارية
على الأصح وإن كان الخيار للمعتق وحده فعلى الوجوه الثلاثة في الأول يعتق العبد وفي الثاني تعتق
الجارية ولا يخفى الثالث) *
قال (القسم الثاني خيار النقيصة وهو ما يثبت بفوات أمر مظنون نشأ الظن فيه من التزام
شرطي أو قضاء عرفي أو تغرير فعلى أما الالتزام الشرطي فهو أن يقول بعته بشرط أنه كاتب أو
خباز أو متجعد الشعر فان فقد فللمشتري الخيار وكذلك كل وصف يتعلق به غرض أو مالية) *
لما فرغ عن الأول من قسمي الخيار وهو خيار التروي شرع في الثاني وهو خيار النقيصة
المنوط بفوات شئ في المعقود عليه كان يتوقع ويظن حصوله وذلك الظن على ما ذكره ينشأ من
أحد ثلاثة أمور (أولها) أن يشرط العاقد كون المعقود عليه بتلك الصفة (وثانيها) اطراد العرف
بحصولها فيه (وثالثها) ان يفعل العاقد ما يورث ظن حصولها فالأول مثل قوله بعت هذا العبد
بشرط انه كاتب أو خباز (واعلم) ان الصفات الملتزمة بالشرط قسمان (أحدهما) الصفات التي تتعلق
بها زيادة مالية فيصح التزامها والخلف فيها يثبت الخيار كالعيب (والثاني) الصفات التي لا تتعلق
بها زيادة مالية وهي قسمان (أحدهما) التي يتعلق بها غرض معقول والخلف فيها يثبت الخيار
أيضا وفاقا أو على اختلاف فيه وذلك بحسب قوة الغرض وضعفه (والثاني) التي لا يتعلق بها غرض
معقول فاشتراطها يلغو ولا خيار بفقدها ولنقص الصور على هذه الأقسام فإذا شرط كون العبد
خبازا أو كاتبا أو صائغا فهو من القسم الأول ويكفى ان يوجد من الصفة المشروطة ما ينطلق عليه
الاسم ولا يشترط النهاية فيها ولو شرط اسلام العبد فبان كافرا فله الرد لفوات فضيلة الاسلام وكذا لو
شرط تهود الجارية أو تنصرها فبانت مجوسية ولو شرط كفر الرقيق فبان مسلما ثبت الخيار على المذهب
وبه قال أحمد لا لنقيصة ظهرت ولكن لان الكافر يشتريه المسلم والكافر والمسلم لا يشتريه إلا المسلم فقط
فتقل فيه الرغبات (وقيل) إن كان قريبا من بلاد الكفر أو في ناحية أغلب أهلها الذميون ثبت الخيار والا فلا
وقال أبو حنيفة والمزني لا خيار أصلا * ولو شرط بكارة الجارية فبانت ثيبا فله الرد ولا فرق بين أن تكون
الجارية المشتراة بهذا الشرط مزوجة أو غير مزوجة وعن أبي الحسن ان أبا إسحاق قال لا خيار إذا كانت
مزوجة لأنها وإن كانت بكرا فالافتضاض مستحق للزوج ولا غرض للمشتري في بكارتها والمذهب الأول
325

لان الزوج قد يطلقها فتخلص له ولو شرط ثيابتها فبانت بكرا فوجهان (أحدهما) انه يثبت الخيار
لأنه قد يضعف عن مباشرة البكر فيريد الثيب (وأصحهما) انه لا خيار لان البكر أفضل وأكثر قيمة
فصار كما لو شرط كون العبد أميا فبان كاتبا أو فاسقا فبان عفيفا ولو شرط السبوطة في الشعر فبان جعدا
فعلى هذين الوجهين لان السبط قد يكون أشهي إلى بعض الناس ولو شرط الجعودة فبان سبطا
ثبت الخيار (فان قلت) ذكرتم في بيع الأمة أن رؤية الشعر معتبرة على أصح الوجهين والشعر إذا رؤي
عرفت جعودته وسبوطته فكيف تصورون المسألة (فالجواب) أن خروجها على تجويز بيع الغائب
وعلى أن رؤية الشعر غير معتبرة واضح (وأما) على الأصح فان الشعر قد يرى ولا تعرف جعودته وسبطوته
لعروض ما يستوي الحالتان عنده من الابتلال وقرب العهد بالتسريح ونحوهما * ولو
لبس بتجعيد السبط أو بالعكس فسيأتي ذلك * ولو شرط كون العبد خصيا فبان فحلا أو بالعكس
ثبت الرد لشدة اختلاف الاغراض وذكر أبو الحسن العبادي انه لا رد في الصورة الأولى لان
الفحولة فضيلة ولو شرط كونه مختونا فبان أقلف فله الرد وبالعكس لا يرد قال في التتمة إلا أن يكون
العبد مجوسيا وثم مجوسيون يشترون الأقلف بزيادة فله الرد * ولو شرط كونه أحمق أو ناقص الخلقة
فهو لغو (واعلم) ان خيار الخلف على الفور ويبطل بالتأخير على ما سنذكر في المعيب ولو تعذر الرد
بهلاك وغيره فله الأرش كما في العيب ومسائل الفصل بأسرها مبنية على أن الخلف في الشرط
لا يوجب فساد البيع وحكى الحناطي قولان غريبا انه يوجبه والله أعلم *
قال (وأما القضاء العرفي فهو السلامة عن العيوب المذمومة فمهما فاتت ثبت الخيار وذلك
بكل عيب ينقص القيمة أو العين والخصي معيب وان زادت قيمته واعتياد الزنا والسرقة وإلا باق
والبول في الفراش (ح) عيب والبخر والصنان (ح) الذي لا يقبل المعالجة ويخالف العادة عيب في
العبيد والإماء وكون الضيعة منزل الجنود وثقل الخراج عيب *
الثاني من أسباب الظن اطراد العرف فمن دخل في العقد لتحصيل مال كان ظانا صفة السلامة
فيه لان سلامة الأشخاص والأعيان عن العيوب المذمومة هي الغالبة والغلبة من موجبات الظن وحينئذ
يكون بذله المال في مقابلة السليم فإذا تبين العيب وجب أن يتمكن من التدارك والأصل فيه من جهة *
326

النقل ما روي عن عائشة رضي الله عنها (ان رجلا اشترى غلاما في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان
عنده ما شاء الله ثم رده من عيب وجده) (1) ومن باع عينا وهو يعلم بها عيبا وجب عليه أن يبينه
للمشتري روي أنه صلى الله عليه وسلم قال (ليس منا من غشنا) (2) وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال (المسلم أخ المسلم لا يحل لمن باع من أخيه بيعا يعلم فيه عيبا الا بينه له) (3) إذا تقرر ذلك ففي الفصل
ذكر عيوب معدودة (منها) لو اشترى عبدا فوجده خصيا أو مجبوبا فله الرد لان الفحل يصلح لما
لا يصلح له الخصي وقد دخل في العقد على ظن الفحولة لان الغالب سلامة الأعضاء فإذا فات ما هو
متعلق الغرض وجب ثبوت الرد وإن زادت القيمة باعتبار آخر (ومنها) الزنا والسرقة عيبان لتأثيرهما
في نقصان القيمة وقال أبو حنيفة الزنا عيب في الإماء دون العبيد نعم لو ثبت زنا العبد عند الحاكم
ولم يقم عليه الحد بعد ثبت الرد (ومنها) الإباق وهو من أفحش عيوب المماليك (ومنها) البول
في الفراش عيب في العبيد والإماء إذا كان في غير أوانه أما في الصغر فلا وقدره في التهذيب بما دون
سبع سنين وقال أبو حنيفة انه عيب في الإماء دون العبيد (ومنها) البخر والصنان عيبان خلافا
لأبي حنيفة في العبيد * لنا انهما يؤذيان عند الخدمة والمكالمة وينقصان القيمة والبخر الذي نجعله
327

عيبا هو الناشئ من تغير المعدة دون ما يكون لفلج الانسان فان ذلك يزول بتنظيف الفم والصنان
الذي نجعله عيبا هو المستحكم الذي يخالف العادة دون ما يكون لعارض عرق أو حركة عنيفة
أو اجتماع وسخ (ومنها) كون الضيعة أو الدار منزل الجنود عيب لأنه يقلل الرغبات قال القاضي
حسين في فتاويه وهذا إذا اختصت من بين ما حواليها بذلك فأما إذا كان ما حواليها من الدور
بمثابتها فلا رد به وكونها ثقيلة الخراج عيب أيضا وإن كنا لا نرى أصل الخراج في تلك البلاد
لتفاوت القيمة والرغبات ونعني بثقل الخراج أن يكون فوق المعتاد في أمثالها وعن حكاية أبي عاصم
العبادي وجه انه لا رد بثقل الخراج ولا بكونها منزل الجنود لأنه خلل في نفس المبيع * والحق
في التتمة بهاتين الصورتين ما إذا اشترى دارا فوجد بقربها قصارين يؤذون بصوت الدق ويزعزعون
الا بنية أو أرضا فوجد بقربها خنازير تفسد الزرع * ولو اشترى أرضا وهو يتوهم الاخراج عليها
فبان خلافه نظر ان لم يكن على مثلها خراج فله الرد وإن كان على مثلها ذلك القدر فلا رد
(وأما) لفظ الكتاب فقوله فمهما فاتت يعني السلامة (وقوله) وذلك أي قواتها (وقوله) بكل
عيب ينقص القيمة لا يصلح للضبط لمسألة الخصي وربما يذكر في آخر الفصل ما يصلح له (وقوله)
اعتياد الزنا إلى آخره يشعر باعتبار الاعتياد في الأمور المذكورة وليس كذلك (أما) في الزنا
فقد نصوا على أنه لو زنا مرة في يد البائع فللمشتري الرد وان تاب وحسنت حاله لان تهمة الزنا
لا تزول عنه ألا تري أن الحر إذا زنا لا يجد مأزقه وان تاب (وأما) الإباق فعن أبي علي الزجاجي
أنه لو أبق في يد البائع فللمشتري الرد به وان لم يأبق في يده وهذا ما اختاره القاضي حسين
وقال الفعلة الواحدة في الإباق يجوز أن تعد عيبا أبديا كالوطئ في ابطال الحصانة والسرقة
قريبة من هذين (وأما) البول في الفراش فالأظهر اعتبار الاعتياد فيه والله أعلم * (وقوله)
الصنان الذي لا يقبل العلاج هذا القيد لا حاجة إليه كما في سائر العلل والأمراض والامام لم يذكره
هكذا وإنما قال إذا كان لا يندفع الا بعلاج يخالف المعتاد وهو مستقيم هذا ما يتعلق بفقه الكتاب
ولفظه ونعد بعده عيوبا (فمنها) كون الرقيق مجنونا أو مخبلا أو أبله أو أبرص أو مجذوما أو أشل
أو أقرع أو أصم أو أعمى أو أعور أو أخفش أو أجهر أو أعشى أو أخشم أو أبكم أو أرث لا يفهم
أو فقيد حاسة الذوق أو فقيد إصبع أو أنملة أو فقيد الظفر والشعر كذلك قاله في التتمة (ومنها) كونه
ذا أصبع زائدة أو سن شاغبة أو مقلوع بعض الأسنان أو ادرد وكون البهيمة درداء الا في السن
328

المعتاد وكونه ذا قروح أو ثآليل كثيرة أو بهق قاله الصيمري وكونه مريضا مرضا مخوفا وكذا في
سائر الحيوانات كذا قاله في التتمة وكونه ابيض الشعر في غير أوانه ولا بأس بحمرته وكونه نماما؟
أو ساحرا أو قاذفا للمحصنات وكونه مقامرا أو تاركا للصلاة أو شاربا للخمر * وفي الرقم للعبادي
أنه لا رد بالشرب وترك الصلاة وكونه خنثى مشكلا أو غير مشكل وعن بعض المتأخرين أنه إن كان
رجلا وكان يبول من فرج الرجال فلا رد وكون العبد مخنثا؟ أو ممكنا من نفسه وكون الجارية
رتقاء أو قرناء أو مستحاضة أو معتدة أو محرمة أو متزوجة وكون العبد متزوجا وفي البيان حكاية
وجه في التزوج وتعلق الدين برقبتهما ولا رد بما يتعلق بالذمة وكونهما مرتدين * ولو كانا كافرين
أصليين فمنهم من قال لا رد به في العبيد ولا في الإماء سواء كان ذلك الكفر مانعا من الاستمتاع
كالتمجس والتنصر والتوثن أو لم يكن كالتهود والتنصر وهذا ما أورده في التتمة والأظهر وهو المنقول
في التهذيب انه لو وجد الجارية مجوسية أو وثنية فله الرد ولو وجدها كتابية أو وجد العبد كافرا
أي كفر كان فلا رد إن كان قريبا من بلاد الكفر بحيث لا تقل فيه الرغبات وإن كان في بلاد الاسلام
بحيث تقل الرغبات في الكافر وتنقص قيمته فله الرد ولو وجد الجارية لا تحيض وهي صغيرة أو
آيسة فلا رد وإن كانت في سن تحيض النساء في مثلها غالبا فله الرد وكذا إذا تطاول طهرها وتجاوز
العادات الغالبة فله الرد بكون الجارية حاملا ولا رد به في سائر الحيوانات وقال في التهذيب يثبت
به الرد (ومنها) كون الدابة جموحا أو عضوضا أو رموحا وكون الماء المشتري مشمسا قاله الروياني
في التجربة * والرمل تحت الأرض إن كانت مما يطلب للبناء والأحجار وإن كانت مما يطلب للزرع
والغرس ولا رد بكون الرقيق رطب الكلام أو غليظ الصوت أو سئ الأدب أو ولد الزنا أو مغنيا
أو حجاما أو أكولا أو زهيدا وترد الدابة بالزهادة ولا بكون الأمة ثيبا إلا إذا كانت صغيرة
وكان المعهود في مثلها البكارة ولا بكونها عقيما وكون العبد عنينا وعن الصيمري اثبات الرد بالعنة
وهو الظهر عند الامام ولا بكون الأمة مختونة أو غير مختونة وكون العبد مختونا أو غير مختون
إلا إذا كان كبيرا يخاف عليه من الختان وقيل لا تستثني هذه الحالة أيضا ولا بكون الرقيق ممن
يعتق على المشتري ولا بكون الأمة أخته من الرضاع أو النسب أو موطوءة أبيه أو ابنه بخلاف
المحرمة والمعتدة لان التحريم ثم عام فيقلل الرغبات وههنا يختص التحريم به * ورأي
329

القاضي ابن كج الحاق ما نحن فيه بالمحرمة والمعتدة ولا أثر لكونها صائمة وفيه وجه ضعيف *
ولو اشترى شيئا ثم بان له أن بائعه باعه بوكالة أو وصاية أو ولاية أو أمانة فهل له الرد لخطر فساد
النيابة حكى القاضي الماوردي فيه وجهين ونقل وجهين أيضا فيما لو بان كون العبد مبيعا في جناية
عمد وقد تاب عنها وإن لم يتب فهو عيب والجناية خطأ ليست بعيب إلا أن تكثر ومن العيوب
كون المبيع نجسا إذا كان مما ينقص بالغسل وخشونة مشي الدابة بحيث يخاف منها السقوط أو شرب
البهيمة لبن نفسها * وذكر القاضي أبو سعد بن أحمد في شرح أدب القاضي لأبي عاصم العبادي
فصلا في عيوب العبيد والجواري (منها) اصطكاك الكفين وانقلاب القدمين إلى الوحشي
والخبلان الكثيرة واثار الشجاج والقروح والكي وسواد الأسنان وذهاب الأشفار والكلف
المغير للبشرة وكون إحدى يدي الجارية أكبر من الأخرى والحفر في الأسنان وهو تراكم الوسخ
الفاحش في أصولهما هذا ما حضر ذكره من العيوب ولا مطمع في استيعابها لكن ان أرادت ضبطا
فأشد العبارات تلخيصا ما أشار إليه الامام وهو أن يقال يثبت الرد بكل ما في المعقود عليه من
منقص للقيمة أو العين نقصانا يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه
وإنما اعتبرنا نقصان العين لمسألة الخصي وإنما لم نكتف بنقصان العين بل شرطنا فوات غرض
صحيح به لأنه لو بان قطع فلقة يسيرة من فخذه أو ثاقه لا يورث شيئا ولا يفوت غرضا لا يثبت
الرد ولهذا قال صاحب التقريب لو قطع من أذن الشاة ما يمنع التضحية ثبت الرد وإلا فلا وإنما
اعتبرنا الشرط المذكور لان الثيابة مثلا في الإماء معنى ينقص القيمة لكن لا رد بها لأنه لا يمكننا
أن نقول الغالب فيهن عدم الثيابة والله أعلم *
قال (وكل عيب حدث قبل القبض فهو من ضمان البائع والرد يثبت به وما حدث بعده
فلا خيار به (؟) وان استند إلى سبب سابق كالقطع بسرقة سابقة والقتل بردة سابقة والافتراع بنكاح
سابق ففيه خلاف) *
العيب ينقسم إلى ما كان موجودا قبل البيع فيثبت به الرد والى ما حدث بعده فينظر ان
حدث قبل القبض فكمثل لأن المبيع قبل القبض من ضمان البائع وان حدث بعده فله حالتان
330

(إحداهما) أن لا يستند إلى سبب سابق على القبض فلا رد به * وقال مالك عهدة الرقيق ثلاثة
أيام الا في الجنون والجذام والبرص فإنها إذا ظهرت إلى سنة ثبت الخيار * لنا القياس على ما بعد
الثلاثة (والحالة الثانية) أن يستند إلى سبب سابق على القبض وفيها صور (إحداها) بيع العبد
المرتد صحيح على المذهب كبيع العبد المريض المشرف على الهلاك وحكى الشيخ أبو علي وجها
انه لا يصح تخريجا من الخلاف في العبد الجاني والعبد الذي قتل في المحاربة فان تاب قبل
الظفر به فبيعه كبيع العبد الجاني لسقوط العقوبة المتحتمة وكذا ان تاب بعد الظفر وقلنا بسقوط
العقوبة والا فثلاثة طرق (أظهرها) عند كثير من الأئمة ان بيعه كبيع المرتد (والثاني) وهو
اختيار أبي حامد وظيفته القطع بمنع بيعه إذ لا منفعة فيه لاستحقاق قتله بخلاف المرتد فإنه ربما
يسلم (والثالث) وبه قال القاضي أبو الطيب أنه كبيع الجاني * إذا عرفت ذلك فان صححنا
البيع في هذه الصور فقتل العبد المرتد أو المحارب أو الجاني جناية نوجب القصاص نظر إن كان
ذلك قبل القبض انفسخ البيع وإن كان بعده وكان المشتري جاهلا بحاله ففيه وجهان (أحدهما)
وبه قال أحمد وابن سريج وابن أبي هريرة والقاضي أبو الطيب انه من ضمان المشتري لان القبض
سلطه على التصرف فيدخل المبيع في ضمانه أيضا لكن تعلق القتل برقبته كعيب من العيوب
فإذا هلك رجع على البائع بالأرش وهو نسبة ما بين قيمته مستحق القتل وغير مستحق القتل من
الثمن (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة وابن الحداد وأبو إسحاق أنه من ضمان البائع لان التلف
حصل بسبب كان في يده فأشبه ما لو باع عبدا مغصوبا فاخذه المستحق منه فعلى هذا يرجع المشتري
عليه بجميع الثمن ويخرج على الوجهين مؤنة تجهيزه من الكفن والدفن وغيرهما ففي الأول هي
على المشتري وفي الثاني على البائع * وإن كان المشتري عالما بالحال عند الشراء أو تبين له بعد
الشراء ولم يرد فعلى الوجه الأول لا يرجع بشئ كما في سائر العيوب وعلى الثاني فيه وجهان
(أحدهما) ويحكي عن أبي إسحاق وهو اختيار أبي حامد أنه يرجع بجميع الثمن اتماما للتشبيه
بالاستحقاق (وأصحهما) عند الجمهور وهو قول ابن الحداد انه لا يرجع بشئ لدخوله في العقد على
بصيرة أو امساكه مع العلم بحاله وليس هو كظهور الاستحقاق من كل وجه ولو كان كذلك؟
331

صح بيعه أصلا (الثانية) بيع العبد الذي وجب عليه القطع قصاصا أو بسرقة صحيح بلا خلاف
فلو قطع في يد المشتري عاد التفصيل المذكور في الصورة السابقة فإن كان جاهلا بحاله حتى قطع
فعلى قول ابن سريج ومن ساعده ليس له الرد لكون القطع من ضمانه ولكن يرجع إلى البائع
بالأرش وهو ما بين قيمته مستحق القطع وغير مستحقه من الثمن وعلى الأصح له الرد واسترجاع
جميع الثمن كما لو قطع في يد البائع فلو تعذر لرد بسبب فالنظر في الأرش على هذا الوجه إلى التفاوت
بين العبد السليم والأقطع وإن كان المشتري علما فليس له الرد ولا الأرش * قال الشيخ أبو علي
ولا يجئ ههنا الوجه المحكي عن أبي إسحاق في القتل لأنه لا يبقى ثم شئ ينصرف العقد إليه وههنا
بخلافه والله أعلم (الثالثة) لو اشترى جارية مزوجة ولم يعلم بحالها حتى وطئها الزوج بعد القبض
فإن كانت ثيبا فله الرد وإن كانت بكرا فنقصت بالافتراع فهو من ضمان البائع أو المشتري فيه
الوجهان (ان جعلناه) من ضمان البائع فللمشتري الرد بكونها مزوجة فان تعذر الرد بسبب رجع
بالأرش وهو ما بين قيمتها بكرا غير مزوجة مزوجة مفترعة من الثمن (وان جعلناه) من ضمان
المشتري فلا رد له وله الأرش وهو ما بين قيمتها بكرا غير مزوجة وبكرا مزوجة من الثمن * وإن كان
عالما بكونها مزوجة أو علم ورضي فلا رد له فان وجد بها عيبا قديما بعد ما افترعت في يده فله
الرد ان جعلناه من ضمان البائع والا رجع بالأرش وهو ما بين قيمتها مزوجة ثيبا سليمة ومثلها معيبة
(الرابعة) اشترى عبدا مريضا وتمادي المرض إلى أن مات في يد المشتري فعن الشيخ أبي محمد
فيه طريقان (أحدهما) انه على الخلاف المذكور في الصور السابقة ويحكي هذا عن الحليمي (وأشهرهما)
القطع بأنه من ضمان المشتري لان المرض يزداد شيئا فشيئا إلى الموت والرد خصلة واحدة وجدت
في يد البائع فعلى هذا إذا كان جاهلا رجع بالأرش وهو ما بين قيمته صحيحا ومريضا وتوسط صاحب
التهذيب بين الطريقين فقطع فيما إذا لم يكن المرض مخوفا بكونه من ضمان المشتري وجعل المرض
المخوف والجرح الساري على الوجهين (واعلم) أن هذه الصورة والخلاف فيها قد ذكرها في أحكام
بيع الثمار وإن لم تكن مذكورة في هذا الموضع وإذا وقفت على هذا الشرح عرفت أن الخلاف في
قوله في الكتاب فيه خلاف ليس منصوصا في أنه هل يثبت خيار الرد في جميع الصور المذكورة
332

لان في صورة القتل المرتد ان جعلناه من ضمان المشتري فلا رد لهلاك المبيع وان جعلناه من ضمان
البائع فينفسخ البيع ويتبين تلفه على ملك البائع وحينئذ لا معنى لخيار الرد فإذا الخلاف في هذه الصورة
في أنه من ضمان من على ما تقرر في الصورتين الباقيتين يصح نصبه في خيار الرد بناء على هذا
الأصل والله أعلم *
قال (وأما التغرير الفعلي فهو أن يصرى ضرع الشاة حتى يجتمع اللبن ويخيل غزارة اللبن
فمهما اطلع عليه ولو بعد ثلاثة أيام ردها (ح) ورد معها صاعا من تمر بدلا عن اللبن الكائن في
الضرع الذي تعذر رد عينه لاختلاطه بغير المبيع لورود الخبر ولو تحفلت الشاة بنفسها أو صرى
الأتان أو الجارية أو لطخ الثوب بالمداد مخيلا انه كاتب فلا خيار له (ح و) لأنها ليست في معنى
النصوص وأحوط المذهبين أن غير التمر لا يقوم مقام التمر وان قدر الصاع لا ينقص (و) بقلة
اللبن ولا يزيد بكثرته للاتباع) *
السبب الثالث من أسباب الظن الفعل المغرر والأصل في صورة التصرية هو أن يربط اخلاف
الناقة أو غيرها ويترك حلابها يومين أو أكثر حتى يجتمع اللبن في ضرعها فيتخيل المشتري غزارة
لبنها ويزيد في الثمن واشتقاقها من قولهم صر الماء في الحوض ونحوه أي جمعه وتسمى المصراة محفلة
أيضا وهو من الحفل وهو الجمع أيضا ومنه قيل للجمع محفل وهذا الفعل حرام لما فيه من التدليس
ويثبت به الخيار للمشتري وبه قال مالك وأحمد خلافا لأبي حنيفة * لنا ما روي عن أبي هريرة
رضي الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال (لا تصروا في الإبل والغنم للبيع فمن ابتاعها بعد ذلك
فهو بخير النظرين من بعد أن يحلبها ان رضيها أمسكها وان سخطها ردها وصاعا من تمر) (1)
333

وروي (بعد أن يحلبها ثلاثا) (وقوله) بعد ذلك أي بعد هذا النهي وعن أبي هريرة رضي الله عنه
أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من اشتري شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام فان ردها
رد معها صاعا من تمر لا سمراء) (1) وعن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من باع
محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام فان ردها رد معها مثل أو مثلي لبنها قمحا) (2) إذا تقرر ذلك ففي الفصل
مسائل (إحداها) كيف يثبت خيار التصرية فيه وجهان (أحدهما) وبه قال أبو حامد المروزي
انه يمتد ثلاثة أيام لظاهر الخبر (والثاني) وهو الأصح وبه قال ابن أبي هريرة انه على الفور كخيار
العيب وما ذكره في الخبر بناء على الغالب إذ التصرية لا تتبين فيما دون الثلاثة
غالبا لأنه يحمل النقصان على اختلاف العلف وتبدل الأيدي وغيرهما وللوجهين
(فروع) (أحدها) لو عرف التصرية قبل ثلاثة أيام باقرار البائع أو بشهادة الشهود ثبت له
الخيار على الفور في الوجه الثاني وعلى الأول يمتد إلى آخر الثلاثة وابتداؤها من وقت العقد أو من
وقت التفرق يعود فيه الوجهان المذكوران في خيار الشرط (والثاني) لو عرف التصرية في آخر
الثلاثة أو بعدها ذكر في الحاوي أن على الوجه الأول لاخيار له لامتناع مجاوزة الثلاث كما في خيار
الشرط وعلى الثاني يثبت وعلى هذا فهو على الفور بلا خلاف (والثالث) لو اشترى وهو عالم بكونها
مصراة فعلى الأول له الخيار اخذا بظاهر الخبر وعلى الثاني لاخيار كسائر العيوب (الثانية) ظهور
334

التصرية إن كان قبل الحلف رده ولا شئ عليه وإن كان بعده فاللبن أما أن يكون باقيا أو تالفا
إن كان باقيا فلا يكلف المشتري رده مع المصراة لان ما حدث بعد البيع ملك له وقد اختلط بالمبيع
وتعذر التمييز وإذا أمسكه كان بمثابة ما لو تلف وإن أراد رده فهل يجب على البائع أخذه فيه وجهان
(أحدهما) نعم لأنه أقرب إلى استحقاقه من بدله (وأصحهما) لا لذهاب طراوته بمضي الزمان ولا
خلاف في أنه لو حمض وتغير لم يكلف أخذه وإن كان اللبن تالفا رد مع المصراة صاعا من تمر ولا
يخرج ردها على الخلاف في تفريق الصفقة لتلف بعض المبيع وهو اللبن اتباعا للأخبار الواردة
في الباب على أن اللبن في رأي لا يقابله قسط من الثمن وهل يتعين للضم إليها جنس التمر وقدر الصاع
أما الجنس ففيه وجهان (أصحهما) عند الشيخ أبي محمد وغيره أنه يتعين التمر ولا يعدل عنه لقوله
صلى الله عليه وسلم (صاعا من تمر لا سمراء) ويحكي هذا عن أبي إسحاق وعلى هذا لو أعوز التمر قال الماوردي
يرد قيمته بالمدينة (والثاني) لا يتعين وعلى هذا فوجهان (أصحهما) أن القائم مقامه الأقوات كما في
صدقة الفطر قال الامام لكن لا يتعدى ههنا إلى الاحط بخلاف ما في صدقة الفطر للخبر وعلى هذا
فوجهان (أحدهما) أنه يخبر بين الأقوات لان في بعض الروايات ذكر التمر وفي بعضها ذكر القمح
فاشعر بالتخيير ويحكي هذا عن ابن أبي هريرة (وأصحهما) أن الاعتبار بغالب قوت البلد
كما في صدقة الفطر ويحكي هذا عن مالك والاصطخري وتخريج ابن سريج (والوجه) الثاني
حكاه الشيخ أبو محمد انه يقوم مقامه غير الأقوات حتى لو عدل إلى مثل اللبن أو إلى
قيمته عند إعواز المثل أجبر البائع على القبول اعتبارا بسائر المتلفات وهذا كله فيما إذا لم
يرض البائع فأما إذا تراضيا على غير التمر من قوت أو غيره أو على رد اللبن المحلوب عند بقائه
جاز بلا خلاف كذا قاله صاحب التهذيب وغيره ورأيت القاضي ابن كج حكى
335

وجهين في جواز ابدال التمر بالبر عند اتفاقهما عليه (وأما) القدر ففيه وجهان أيضا (أصحهما) أن
الواجب صاع قل اللبن أو كثر لظاهر الخبر والمعني فيه أن اللبن الموجود عند البيع يختلط بالحادث
بعده ويتعذر التمييز فتولى الشارع تعيين بدل له قطعا للخصومة بينهما وهذا كايجاب الغرة في الجنين
مع اختلاف الأجنة ذكورة وأنوثة والأرش في الموضحة مع اختلافها صغرا وكبرا (والثاني) أن
الواجب يتقدر بقدر اللبن لما سبق من رواية ابن عمر رضي الله عنهما وعلى هذا فقد يزداد الواجب
على الصاع وقد ينقص ثم منهم من خص هذا الوجه بما إذا زادت قيمة الصاع على نصف قيمة الشاة
وقطع بوجوب الصاع فيما إذا نقصت عن النصف ومنهم من أطلقه اطلاقا ومتى قلنا بالوجه الثاني
فقد قال الامام تعتبر القيمة الوسط للتمر بالحجاز وقيمة مثل ذلك الحيوان بالحجاز فإذا كان اللبن
عشر الشاة مثلا أوجبنا من الصاع عشر قيمة الشاة *
(فرع) اشترى شاة بصاع تمر فوجدها مصراة فعلى الأصح يردها وصاعا ويسترد الصاع
الصاع الذي هو ثمن وعلى الثاني يقوم مصراة وغير مصراة ويجب بقدر التفاوت من الصاع *
(فرع) غير المصراة إذا حلب لبنها ثم ردها بعيب قال في التهذيب يرد بدل اللبن كما في
المصراة وفي تعليق أبي حامد حكاية عن نصه انه لا يرد لأنه قليل غير معتني بجمعه بخلاف ما في
المصراة ورأي الامام تخريج ذلك على أن اللبن هل يأخذ قسطا من الثمن أم لا والصحيح الاخذ *
(الثالثة) لو لم يقصد البائع التصرية لكن ترك الحلاب ناسيا أو لشغل عرض أو تحفلت هي بنفسها
فهل يثبت الخيار وجهان (أحدهما) لا وبه أجاب في الكتاب لعدم التلبيس (والثاني) نعم لان ضرر
المشتري لا يختلف فصار كما لو وجد بالمبيع عيبا لم يعلمه البائع وهذا أصح عند صاحب التهذيب (الرابعة)
خيار التصرية لا يختص بالنعم بل يعم ساير الحيوانات المأكولة وفي الحاوي ذكر وجه أنه يختص *
ولو اشترى أتانا فوجدها مصراة فوجهان (أحدهما) انه لا يرد إذ لا مبالاة بلبنها (وأصحهما) انه يثبت
الرد لأنه مقصود لتربية الجحش وعلى هذا فالمذهب انه لا يرد اللبن لأنه نجس وقال الإصطخري
يرد لذهابه إلى أنه طاهر مشروب * ولو اشترى جارية فوجدها مصراة فوجهان أيضا (في أحدهما)
لا يرد لأنه لا يقصد لبنها الا على ندور (وفي أصحهما) يرد لان غزارة البان الجواري مطلوبة في الحضانة
336

مؤثرة في القيمة فعلى الأول يأخذ الأرش قاله في التهذيب وعلى الثاني هل يرد معها بدل اللبن
وجهان (أظهرهما) لا لان لبن الآدميات لا يعتاض عنه غالبا (الخامسة) هذا الخيار غير منوط
بخصوص التصرية بل بما فيها من المعنى المشعر بالتلبيس فيلحق بها ما يشاركها فيه حتى لو حبس
ماء القناة أو الرحي ثم أرسله عند البيع أو الإجارة فتخيل المشتري كثرته ثم تبين له الحال فله الخيار
وكذا لو حمر وجه الجارية أو سود شعرها أو جعده أو ارسل الزنبور في وجهها حتى ظنها المشتري
سمينة ثم بان خلاف المظنون * ولو لطخ ثوب العبد بالمداد أو ألبسه ثوب الكتبة أو الخبازين
وخيل كونه كاتبا أو خبازا فبان خلافه فوجهان (أحدهما) يثبت الخيار للتلبيس (وأصحهما) أنه لا خيار
لان الانسان قد يلبس ثوب الغير عارية فالذنب للمشتري حيث اغتر بما ليس فيه كثير تغرير
ويجرى الوجهان فيما لو أكثر علف البهيمة حتى انتفخ بطنها فتخيل المشتري كونها حاملا أو أرسل
الزنبور في ضرعها حتى انتفخ فظنها لبونا لان الحمل لا يكاد يلتبس على الخبير ومعرفة اللبن متيسرة
بعصر الثدي بخلاف صورة التصرية (وأما) لفظ الكتاب (فقوله) ولو بعد ثلاثة أيام يجوز اعلامه
بالواو للوجه الذاهب إلى أنه لو تبين التصرية بعد الثلاثة لم يثبت الخيار (وقوله) ردها بالحاء (وقوله)
بدلا عن اللبن الكائن في الضرع أي عند البيع وظاهر اللفظ يقتضي رد الصاع وان بقي اللبن
وهو أصح الوجهين كما مر (وقوله) لورود الخبر تعليل لقوله ردها ورد معها (وقوله) فلا خيار معلم
بالواو وهو في صورتي الأتان والجارية جواب على خلاف اختيار الأكثرين (وقوله) وأحوط
المذهبين أي الوجهين (وقوله) للاتباع إشارة إلى ما ذكره الأئمة من أن مأخذ الخلاف في المسألتين
ونحوهما الاقتصار على مورد الخبر واتباعه أو رعاية المعنى *
(فرع) لو بانت التصرية ثم رد اللبن على الحد الذي أشعرت به التصرية واستمر كذلك
ففي ثبوت الخيار وجهان كالوجهين فيما إذا لم يعرف العيب القديم الا بعد زواله والقولين فيما إذا أعتقت
الأمة تحت العبد ولم تعرف عتقها حتى عتق الزوج *
337

(فرع) رضى بامساك المصراة ثم وجد بها عيبا قديما نص أنه يردها ويرد اللبن أيضا وعن
رواية الشيخ أبي علي وجه أنه كما لو اشترى عبدين فتلف أحدهما وأراد رد الاخر فتخرج على
تفريق الصفقة والله أعلم *
قال (وثبوت الخيار بالكذب في مسألة تلقي الركبان من باب التغرير وكذلك خيار النجش
إذا كان عن مواطأة البائع على أقيس المذهبين ولا يثبت (م) بالغبن خيار إذا لم يستند إلى تغرير
يساوي تغرير المصراة حتى لو اشترى جوهرة رآها فإذا هي زجاجة فلا خيار) *
الخيار في تلقي الركبان قد ذكره في المناهي وشرحناه والغرض ههنا التنبيه على أن مستنده
التغرير كما في التصرية وكذا خيار النجش أن أثبتناه وقد تكلمنا فيه من قبل (وأما) مسألة
الغبن (فاعلم) أن مجرد الغبن لا يثبت الخيار وان تفاحش خلافا لمالك حيث قال إن كان الغبن فوق
الثلث ثبت الخيار للمغبون ونقل بعض أصحاب أحمد مثله وقدر بعضهم بما فوق السدس وفي كتب
أصحابنا عنه انه إن كان المغبون ممن لا يعرف المبيع ولا هو ممن لو توقف لعرفه ثبت الخيار * لنا
قصة حبان بن منقذ رضي الله عنه (فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت له الخيار بالغبن ولكن أرشده إلى شرط
الخيار ليتدارك غبنه عند الحاجة) (1) * إذا تقرر ذلك فلو اشترى زجاجة وهو يتوهمها جوهرة بثمن كبير
فلا خيار له ولا عبرة بما لحقه من الغبن لان التقصير من جهته حيث جرى على الوهم المجرد ولم
يراجع أهل الخبرة * ونقل المتولي وجها أنه كشراء الغائب والرؤية التي لا تفيد المعرفة ولا تنفي
الغرر كالمعدومة ولك أن لا تستحسن لفظ الكتاب حيث قال ولو اشترى جوهرة رآها وتقول ليس
التصوير فيما لو اشترى جوهرة وإنما التصوير فيما لو اشترى زجاجة توهمها جوهرة والله أعلم *
قال (هذه أسباب الخيار أما دوافعه ومسقطاته أعني في خيار النقيصة فهي أربعة
(الأول) شرط البراءة من العيب على أقيس القولين ويفسد (ح) العقد به على القول الثاني
ويصح العقد ويلغو الشرط (ح) في قول ثالث ويصح في الحيوان ويفسد في غيره (ح) في قول رابع) *
338

إذا باع بشرط انه برئ من كل عيب بالمبيع هل يصح هذا الشرط فيه طريقان (أشهرهما) وبه
قال ابن سريج وابن الوكيل والاصطخري انه على ثلاثة أقوال (أحدها) انه يبرأ ولا يرد عليه
بحال وبه قال أبو حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم (المؤمنون عند شروطهم) (1) وأيضا
فان خيار العيب إنما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة فإذا صرح بالبراء فقد ارتفع
الاطلاق (وثانيها) انه لا يبرأ عن عيب ما لأنه خيار ثابت بالشرع فلا ينفي بالشرط كسائر
مقتضيات العقد وأيضا فان البراءة من جملة المرافق فلتكن معلومة كالرهن والكفيل والعيوب
المطلقة مجهولة وبهذا القول قال احمد في رواية وعنه رواية أخرى انه يبرأ عما لا يعلمه دون
ما يعلمه (وثالثها) وهو الأصح ويروي عن مالك انه لا يبرأ في غير الحيوان بحال ويبرأ في الحيوان
عما لا يعلمه دون ما يعلمه لما روي (ان ابن عمر رضي الله عنهما باع عبدا من زيد بن ثابت رضي الله عنه
بثمانمائة درهم بشرط البراءة فأصاب زيد به عيبا فأراد رده على ابن عمر رضي الله عنهما فلم
يقبله فترافعا إلى عثمان رضي الله عنه فقال عثمان لابن عمر أتحلف انك لم تعلم بهذا العيب فقال لا
فرده عليه فباعه ابن عمر رضي الله عنهما بألف درهم) (2) فرق عثمان وزيد رضي الله عنهما بين أن يكون
339

العيب معلوما أو لا يكون والفرق بينهما من جهة المعنى أن كتمان المعلوم يلتبس والفرق بين الحيوان وغيره
ما ذكره الشافعي رضي الله عنه قال الحيوان يغتدى بالصحة والسقم ونحول طبائعه وقل ما يبرأ من عيب بخفى
أو يظهر معناه انه يغتدى ويأكل في حالتي صحته وسقمه ونحول طبيعته وقل ما ينفك عن عيب خفي
أو ظاهر فيحتاج البائع إلى هذا الشرط فيه ليثق بلزوم البيع (والطريق الثاني) وبه قال ابن خيران
وأبو إسحاق القطع بالقول الثالث ونصه في المختصر واختلاف العراقيين بهذا أشد إشعارا وزاد القاضي
الماوردي طريقة ثالثة حكاها عن ابن أبي هريرة وهي انه يبرأ في الحيوان من غير المعلوم دون المعلوم ولا يبرأ
في غير الحيوان من المعلوم وفي غير المعلوم قولان ويخرج من منقول الامام طريقة رابعة وهي إثبات ثلاثة
أقوال في الحيوان وغيره وثالثها الفرق بين المعلوم وغير المعلوم * ولو قال بعتك بشرط الا ترد بالعيب جرى
فيه هذا الاختلاف وزعم صاحب التتمة انه فاسد قطعا مفسد للبيع * ولو عين بعض العيوب وشرط البراءة
عنه نظر إن كان مما لا يعاين مثل أن يقول بشرط براءتي من الزنا والسرقة والإباق برئ منها بلا
خلاف لان ذكرها اعلام واطلاع عليها وإن كان مما يعاين كالبرص فان أراه قدره وموضعه فكمثل
وان لم يره فهو كشرط البراءة مطلقا لتفاوت الاغراض باختلاف قدره وموضعه هكذا فصلوه
وكأنهم تكلموا فيما يعرفه في المبيع من العيوب (فاما) ما لا يعرفه ويريد البراءة عنه لو كان فقد
حكى الامام تفريعا على فساد الشرط فيه خلافا مخرجا على ما ذكرنا من المعنيين في التعليل (التفريع)
إن بطل هذا الشرط ففي العقد وجهان (أحدهما) يبطل كسائر الشروط الفاسدة (وأظهرهما) أنه يصح
لاشتهار القصة المذكورة بين الصحابة رضي الله عنهم وعدم إنكارهم وأيضا فإنه شرط يؤكد
العقد ويوافق ظاهر الحال وهو السلامة عن العيوب وان صح فذلك في العيوب الموجودة عند العقد
340

(أما) الحادثة بعده وقبل القبض فيجوز الرد بها * ولو شرط البراءة عن العيوب الكائنة والتي تحدث
ففيه وجهان (أصحهما) ولم يذكر الأكثرون غيره انه فاسد فان أفرد ما سيحدث بالشرط فهو
بالفساد أولى وإن فرعنا على القول الثاني فكما لا يبرأ مما علمه وكتمه كذلك لا يبرأ من العيوب
الظاهرة لسهولة البحث عنها والوقوف عليها وإنما يبرأ من عيوب باطن الحيوان التي لا يعلمها
(ومنهم) من اعتبر نفس العلم ولم يفرق بين الظاهر والباطن وهل يلحق ما مأكوله في جوفه بالحيوان
قيل نعم لعسر الوقوف وقال الأكثرون لا لتبدل أحوال الحيوان هذا فقه الفصل (وأما) لفظ
الكتاب فاعلم أنه لم عد أنواع خيار النقيصة أراد أن يبين ما يسقطه فقال هذه أسباب الخيار أما
دوافعه ومسقطاته وإنما جمع بين هاتين اللفظتين لان منها ما يدفع كشرط البراءة ومنها ما يسقط
بعد الثبوت كالتقصير وإنما قال أعني في خيار النقيصة لأن هذه الأمور لا تعلق لها بخيار التروي على
أن جميعها لا يشمل أنواع خيار النقيصة أيضا فان شرط البراءة لا مدخل له في خيار الخلف وخيار
التصرية ثم لا يخفي أن ايراد الكتاب إنما يتمشى على طريقة اثبات الأقوال وانه أدرج فيه الخلاف
في أن فساد الشرط هل يتعدى إلى فساد العقد (وقوله) ويصح في الحيوان ويفسد في غيره إنما
يخرج على الطريقة التي نقلها الامام ومواضع العلامات سهلة المدرك على العارف بما قدمناه والله أعلم *
قال (الثاني هلاك المعقود عليه فلو اطلع على عيب العبد بعد موته فلا رد إذ لا مردود فلو كان
العبد قائما والثوب الذي هو عوضه تالفا رد العبد بالعيب ورجع إلى قيمة الثوب * والعتق والاستيلاد
كالاهلاك وهل يجوز أخذ الأرش بالتراضي فيه وجهان وإذا عجز عن الرد فله الأرش
وهو الرجوع إلى جزء من الثمن يعرف قدره بمعرفة نسبة قدر نقصان العيب من قيمة المبيع فيرجع
من الثمن بمثل نسبته * وزوال الملك عن المبيع يمنعه من الرد في الحال ولا يمنع طلب الأرش في الحال
لتوقع عود الملك على الأصح ولو عاد الملك إليه ثم اطلع على عيب فله الرد على الأصح فالزائل
العائد كالذي لم يزل) *
من موانع الرد أن لا يتمكن المشتري من رد المبيع وذلك قد يكون لهلاكه وقد يكون
مع بقائه وعلى التقدير الثاني فربما كان لخروجه عن قبول النقل من شخص إلى شخص وإنما
341

كان مع قبوله للنقل وعلى الثاني فربما كان لزوال ملكه وربما كان مع بقائه لتعلق حق مانع وكلام
الكتاب يتعرض لأكثر هذه الأحوال فنشرح ما تعرض له ونضم الباقي إليه مختصرين وبالله
التوفيق (الحالة الأولى والثانية) إذا هلك المبيع في يد المشتري بان مات العبد أو قتل أو تلف الثوب
أو أكل الطعام أو خرج عن أن يقبل النقل من شخص إلى شخص كما إذا أعتق العبد أو ولد الجارية
أو وقف الضيعة ثم عرف كونه معيبا فقد تعذر الرد لفوات المردود ولكن يرجع على البائع بالأرش
وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة لا أرش له إذا هلك بنفسه بالقتل ونحوه * لنا القياس على العتق والموت
بجامع أنه عيب اطلع عليه بعد الياس عن الرد والأرش جزء من الثمن نسبته إليه نسبة ما ينقص العيب
من قيمة المبيع لو كان سليما إلى تمام القيمة وإنما كان الرجوع بجزء من الثمن لأنه لو بقي كل المبيع عند
البائع كان مضمونا عليه بالثمن فإذا احتبس جزء منه كان مضمونا بجزء من الثمن (مثاله) إذا كانت
القيمة مائة دون العيب وتسعين مع العيب فالتفاوت بالعشر فيكون الرجوع بعشر الثمن وإن كان
مائتين فبعشرين وإن كان خمسين فبخمسة والاعتبار بأية قيمة نقل عن نصه في موضع أن
الاعتبار بقيمة يوم البيع وعن رواية ابن مقلاص أن الاعتبار بقيمة يوم القبض فمنهم من
جعلهما قولين وأضاف إليهما ثالثا وهو أصحها وهو أن الاعتبار بقيمة بأقل القيمتين منهما وجه
الأول ان الثمن يومئذ قابل المبيع ووجه الثاني انه يوم دخول المبيع في ضمانه ووجه الثالث
ان القيمة إن كانت يوم البيع أقل فالزيادة حدثت في ملك المشتري وإن كانت يوم القبض أقل
فما نقص نقص من ضمان البائع والأكثرون قطعوا باعتبار أقل القيمتين وحملوا كل نص على ما إذا
كانت القيمة المذكورة أقل وإذا ثبت الأرش فإن كان الثمن بعد في ذمة المشتري فيبرأ عن قدر
الأرش بمجرد الاطلاع على العيب أو يتوقف على الطلب فيه وجهان (أظهرهما) الثاني وإن كان
قد وفاه وهو باق في يد البائع فيتعين لحق المشتري أو يجوز للبائع إبداله لأنه غرامة لحقته فيه
وجهان (أظهرهما) الأول ولو كان المبيع باقيا والثمن تالفا جاز الرد ويأخذ مثله إن كان مثليا
342

وقيمته إن كان متقوما أقل ما كانت من يوم البيع إلى القبض لأنها إن كانت يوم العقد أقل فالزيادة
حدثت في ملك البائع وإن كانت يوم القبض أقل فالنقصان من ضمان المشتري ويشبه أن يجئ
فيه الخلاف المذكور في اعتبار الأرش ويجوز الاستبدال عنه كما في القرض وخروجه عن ملكه
بالبيع ونحوه كالتلف * ولو خرج وعاد فهل يتعين لاخذ المشتري أو للبائع إبداله فيه وجهان أصحهما
أولهما وإن كان الثمن باقيا بحاله فإن كان معينا في العقد أخذه وإن كان في الذمة وبعده ففي تعيينه
لاخذ المشتري وجهان وإن كان ناقصا نظر ان تلف بعضه أخذ الباقي وبدل التالف وإن رجع
النقصان إلى الصفة كالشلل ونحوه لم يغرم الأرش في أصح الوجهين كما لو زاد زيادة متصلة
يأخذها مجانا *
(فرع) لو لم تنقص القيمة بالعيب كما لو خرج العبد خصيا فلا أرش كما لا رد *
(فرع) اشترى عبد بشرط العتق ثم وجد به عيبا بعد ما أعتقه * نقل القاضي ابن كج عن أبي الحسين
العبادي أنه لا أرش له ههنا لأنه وان لم يكن معيبا لم يمسكه ونقل عنه وجهين فيما إذا اشترى من يعتق عليه
ثم وجد به عيبا قال وعندي له الأرش في الصورتين * (الحالة الثالثة) إذا زال ملكه عن المبيع ثم
عرف العيب فلا رد في الحال وهل يرجع بالأرش ان زال الملك بعوض كالهبة بشرط الثواب والبيع
فقولان (أحدهما) نعم لتعذر الرد كما لو مات العبد وأعتقه وهذا مخرج خرجه ابن سريج وفي رواية
البويطي ما يقتضيه وعلى هذا لو أخذ الأرش ثم رد عليه مشتريه بالعيب فهل برده مع الأرش ويسترد
الثمن فيه وجهان (أصحهما) وهو المنصوص انه لا يرجع بالأرش ولم لا يرجع قال أبو إسحاق وابن الحداد
لأنه استدرك الظلامة وروج المعيب كما روج عليه وقال ابن أبي هريرة لأنه لم ييأس من الرد فربما
يعود إليه ويتمكن من رده وهذا أصح المعنيين عند الشيخ أبي حامد والقاضي أبى الطيب ورأيته
منصوصا عليه في اختلاف العراقيين وان زال الملك بغير عوض على تخريج ابن سريج يرجع بالأرش
وعلى المنصوص فيه وجهان مبنيان على المعنيين إن عللنا بالأول يرجع لأنه لم يستدرك الظلامة وان عللنا
343

بالثاني فلا لأنه ربما يعود إليه (ومنهم) من حكى القطع بعدم الرجوع ههنا وأيد به المعنى الثاني * ولو عاد
الملك إليه بعد ما زال نظر أزال بعوض أولا بعوض (القسم الأول) أن يزول بعوض كما لو باع
فينظر هل عاد بطريق الرد بالعيب أو غيره (القسم الأول) أن يعود بطريق الرد بالعيب فله أيضا
رده على بائعه لأنه زال التعذر الذي كان وتبين أنه لم يستدرك الظلامة وليس للمشترى الثاني رده
على البائع الأول لأنه ما تلقي الملك منه ولو حدث به عيب في يد المشتري الثاني ثم ظهر عيب قديم
فعلى تخريج ابن سريج للمشترى الأول أخذ الأرش من بائعه كما لو لم يحدث عيب ولا يخفى الحكم
بينه وبين المشترى الثاني وعلى الأصح ينظر ان قبله المشترى الأول مع العيب الحادث خير بائعه
فان قبله فذاك والا أخذ الأرش منه وعن أبي الحسين أنه لا يأخذه واسترداده رضي بالمعيب ون لم
يقبله وغرم الأرش للثاني ففي رجوعه بالأرش على بائعه وجهان (أحدهما) لا يرجع وبه قال ابن
الحداد لأنه ربما قبله بائعه هو فكان متبرعا بغرامة الأرش (وأظهرهما) انه يرجع لأنه ربما
لا يقبله بائعه فيتضرر قال الشيخ أبو علي يمكن بناء هذين الوجهين على ما سبق من المعنيين ان عللنا
بالأول فإذا غرم الأرش زال استدراك الظلامة فيرجع وإن عللنا بالثاني فلا يرجع لأنه ربما يرتفع
العيب الحادث فيعود إليه قال وعلى الوجهين جميعا لا يرجع ما لم يغرم للثاني فإنه ربما لا يطالبه الثاني
بشئ فيبقى مستدركا للظلامة * ولو كانت المسألة بحالها وتلف المبيع في يد المشتري الثاني أو كان
عبدا فاعتقه ثم ظهر العيب القديم رجع الثاني بالأرش على الأول والأول بالأرش على بائعه بلا خلاف
لحصول الياس عن الرد لكن هل يرجع على بائعه قبل أن يغرم المشتري فيه وجهان مبنيان على
المعنيين وان عللنا باستدراك الظلامة فلا يرجع ما لم يغرم وان عللنا بالثاني يرجع ويجري الوجهان فيما
لو أبرأه الثاني هل يرجع هو على بائعه (القسم الثاني) من الأول ان يعود إليه لا بطريق الرد كما إذا
عاد بإرث أو اتهاب أو قبول وصية أو إقالة فهل له رده على بائعه فيه وجهان ذو مأخذين (أحدهما)
البناء على المعنيين السابقين إن عللنا بالأول لم يرد وبه قال ابن الحداد لان استدراك الظلامة قد
حصل بالبيع ولم يبطل ذلك الاستدارك بخلاف ما لو رد عليه بالعيب وإن عللنا بالثاني يرد لزوال
العذر وحصول القدرة على الرد كما لو رد عليه بالعيب (والثاني) ان الملك العائد هل ينزل منزلة
344

غير الزائل ففي جواب نعم لأنه عين ذلك المال وعلى تلك الصفة وفي جواب لا لأنه ملك جديد
والملك نقص لذلك وهذا أصل يخرج عليه مسائل (منها) لو أفلس بالثمن وقد زال ملكه عن
المبيع وعاد هل للبائع الفسخ (ومنها) لو زال ملك المرأة عن الصداق وعاد ثم طلقها قبل المسيس هل
يرجع في نصفه أو يبطل حقه من العين كما لو لم يعد (ومنها) لو وهب من ولده وزال ملك الولد وعاد
هل للأب الرجوع ولو عاد إليه بطريق الشراء ثم ظهر عيب قديم كان في يد البائع الأول فان
عللنا بالمعنى الأول لم يرد على البائع الأول لحصول الاستدراك ويرد على الثاني وان عللنا بالثاني
فان شاء رد على الثاني وإن شاء رد على الأول وإذا رد على الثاني فله ان يرده عليه وحينئذ يرد
هو على الأول ويجئ وجه انه لا يرد على الأول بناء على أن الزائل العائد كالذي لم يعد ووجه انه لا يرد
على الثاني لأنه لو رد عليه لرد هو ثانيا عليه وسنذكر نظيره (القسم الثاني) ان يزول بلا عوض فينظران
عاد لا بعوض أيضا فجواز الرد مبني على أنه هل يأخذ الأرش لو لم يعد (إن قلنا) لا فله الرد لان
ذلك لتوقع العود (وإن قلنا) يأخذ فينحصر الحق فيه أو يعود إلى الرد عند القدرة فيه وجهان
وإن عاد بعوض كما لو اشتراه (فان قلنا) لا رد في الحالة الأولى فكذلك ههنا ويرد على البائع الأخير
(وان قلنا) يرد فههنا يرد على الأول أو على الأخير أو يتخير فيه ثلاثة أوجه خارجة مما سبق *
(فرع) باع زيد شيئا من عمرو ثم اشتراه منه فظهر به عيب كان في يد زيد فإن كانا عالمين
بالحال فلا رد وإن كان زيد عالما فلا رد له ولا لعمر وأيضا لزوال ملكه ولا أرش له على الصحيح
لاستدراك الظلامة أو لتوقع العود فان تلف في يد زيد أخذ الأرش على التعليل الثاني وهكذا الحكم
لو باعه من غيره وإن كان عمرو عالما فلا رد له ولزيد الرد وإن كانا جاهلين فلزيد الرد ان اشتراه
بغير جنس ما باعه أو بأكثر منه ثم لعمر وان يرد عليه وان اشتراه بمثله فلا رد لزيد في أحد الوجهين
345

لان عمرا يرده عليه فلا فائدة فيه وله ذلك في أصحهما لأنه ربما يرضى به فلا يرد ولو تلف في يد
زيد ثم عرف به عيبا قديما فحيث يرد لو بقي يرجع بالأرش وحيث لا يرد لا يرجع (الحالة الرابعة) إذا تعلق به حق كما لو رهنه ثم عرف العيب فلا رد في الحال وهل يأخذ الأرش ان عللنا باستدراك الظلامة
فنعم وإن عللنا بتوقع العود فلا وعلى هذا فلو تمكن من الرد رد ولو حصل اليأس أخذ الأرش ولو كان قد
أجر ولم نجوز بيع المستأجر فهو كالرهن وإن جوزناه فان رضي البائع به مسلوب المنفعة مدة الإجارة
رد عليه وإلا تعذر الرد وفي الأرش الوجهان ويجريان فيما لو تعذر الرد بغصب أو أباق ولو عرف العيب
بعد تزويج الجارية أو العبد ولم يرض البائع بالأخذ قطع بعضهم بان المشتري يأخذ الأرش ههنا
(أما) على المعنى الأول فظاهر (وأما) على الثاني فلان النكاح يراد للدوام فاليأس حاصل واختار
القاضي الروياني وصاحب التتمة ما ذكروه ولو عرفه بعد الكتابة ففي التتمة أنه كالتزويج وذكر
الماوردي أنه لا يأخذ الأرش على المعنيين بل يصبر لأنه قد يستدرك الظلامة بالنجوم وقد يعود إليه
بالعجز فيرده (والأظهر) أنه كالرهن وانه لا يحصل استدراك بالنجوم (وقوله) في الكتاب فله
الأرش وهو الرجوع إلى جزء من الثمن لا يعود (وقوله) هو إلى الأرش فان الأرش ليس هو الرجوع
إلى الثمن وإنما هو جزء من الثمن بل المعنى أن استحقاق الأرش هو الرجوع إليه (وقوله) ولا
يتمنع طلب الأرش لتوقع عود الملك معناه أنا لا نقول بامتناع طلب الأرش بسبب هذا التوقع لا أنه
تعليل لعدم الامتناع ثم اعلم أن طريقة الجمهور بناء طلب الأرش في الحال والرد عند العود على المعنيين
كما حكيناها مهذبة وصاحب الكتاب وشيخه بنيا الرد عند المآل على أن الزائل العائد كالذي لم يزل
أو كالذي لم يعد وبنيا أخذ الأرش في الحال على الرد في المآل ان لم يجز الرد في المآل جاز أخذ الأرش
في الحال وإن جاز ففي الأرش في الحالة للحيلولة وجهان كالقولين في شهود المال إذا رجعوا هل
يغرمون للحيلولة ومثل هذا التصرف محمود في الفقه لكن الذهاب إلى أن طلب الأرش في الحال
346

جائز خلاف المذهب المشهور فاعرف ذلك وقد أجاب صاحب الكتاب فيما إذا وجد بالشقص
عيبا بعد أخذ الشفيع بأنه لا أرش له على خلاف ما رجحه ههنا والخلاف واحد والله أعلم *
قال (الثالث التقصير بعد معرفة العيب سبب بطلان الخيار وفوات المطالبة بالأرش لتقصيره
وترك التقصير بان يرد عليه في الوقت أن كان حاضرا وإن كان غائبا أشهد شاهدين حاضرين
على الرد فإن لم يمكن حضر عند القاضي) *
الرد بالعيب على الفور ويبطل بالتأخير من غير عذر لان الأصل في البيع اللزوم فإذا أمكنه
الرد وقصر لزمه حكمه ولا يتوقف على حضور الخصم وقضاء القاضي وقال أبو حنيفة إن كان قبل
القبض فلا بد من حضور الخصم ولا يشترط رضاه وإن كان بعده فلا بد من رضاه أو قضاء القاضي
لنا ما مر في خيار الشرط * إذا تقرر ذلك فالمبادرة إلى الرد معتبرة بالعادة فلا يؤمر بالعدو والركض
ليرد ولو كان مشغولا بصلاة أو أكل أو قضاء حاجة فله التأخير إلى أن يفرغ وكذا لو اطلع حين
دخل وقت هذه الأمور فاشتغل بها فلا بأس وكذا لو لبس ثوبا أو أغلق بابا ولو وقف عليه ليلا فله
التأخير إلى أن يصبح * وإذا لم يكن عذر فقد ذكر حجة الاسلام ههنا وفي الوسيط أنه إن كان البائع
حاضرا يرد عليه وإن كان غائبا تلفظ بالرد وأشهد عليه شاهدين فان عجز حضر عند القاضي
وأعلمه الرد ولو رفع إلى القاضي والمردود عليه حاضر قال في الوسيط هو مقصر وأشار في النهاية
إلى خلاف فيه وقال هذا ظاهر المذهب لكنه ذكر في الشفعة أن الشفيع لو ترك المشتري وابتدر
إلى مجلس الحكم واستعدى عليه فهو فوق مطالبة المشتري لأنه ربما يحوجه آخرا إلى المرافعة وحكيا
معا وجهين فيما إذا تمكن من الاشهاد فتركه ورفع إلى القاضي وفي الترتيب المذكور إشكال لان
الحضور في هذا الموضع اما أن يعني به الاجتماع في المجلس أو السكون في البلدة فإن كان الأول فإذا لم يكن
347

البائع عنده ولا وجد الشهود لم يسع إلى القاضي ولا يسعى إلى البائع واللائق بمن يمنع من المبادرة إلى القاضي
إذا وجد البائع أن يمنع منها إذا أمكنه الوصول إليه وإن كان الثاني فأي حاجة إلى أن يقول شاهدين
حاضرين ومعلوم أن الغائب عن البلد لا يمكن اشهاده ثم على التفسيرين يكون حضور مجلس الحكم
مشروطا بالعجز عن الاشهاد بعيد (اما) على الأول فلان حضور مجلس الحكم قد يكون
أسهل عليه من احضار من يشهده أو الحضور عنده (وأما) على الثاني فلانه لو اطلع على العيب وهو
حاضر في مجلس الحكم ينفذ فسخه ولا يحتاج إلى الاشهاد بل يتعين عليه ذلك إن أراد الفسخ
فظهر أن الترتيب الذي يقتضيه ظاهر لفظ الكتاب غير مرعى (وأعلم) بعد ذلك أن القول في كيفية
المبادرة وما يكون تقصيرا وما لا يكون إنما يبسط في كتاب الشفعة واذكر ههنا ما لا بد منه فأقول
الذي فهمته من كلام الأصحاب أن البائع إذا كان في البلد رد عليه بنفسه أو بوكيله وكذا لو كان
وكيله حاضرا ولا حاجة إلى المرافعة ولو تركه ورفع الامر إلى مجلس الحكم فهو زيادة توكيد وحاصل
هذا تخييره بين الامرين وإن كان غائبا عن البلد رفع الامر إلى مجلس الحكم * قال القاضي الحسين في
فتاويه يدعي شراء ذلك الشئ من فلان الغائب بثمن معلوم وانه أقبضه الثمن ثم ظهر العيب وانه
فسخ البيع ويقيم البينة على ذلك في وجه مسخر ينصبه القاضي ويحلفه القاضي مع البينة لأنه قضاء
على الغائب ثم يأخذ المبيع منه ويضعه على يدي عدل والثمن يبقى دينا على الغائب فيقضيه القاضي من ماله
فإن لم يجد له سوى المبيع باعه فيه إلى أن ينتهى إلى الخصم أو القاضي في الحالتين لو تمكن من الاشهاد
على الفسخ هل يلزمه ذلك فيه وجهان منقول صاحب التتمة وغيره منهما اللزوم ويجري الخلاف فيما
إذا أخر بعذر مرض أو غيره ولو عجز في الحال عن الاشهاد فهل عليه التلفظ بالفسخ فيه وجهان
(أصحهما) عند الامام وصاحب التهذيب أنه لا حاجة إليه وإذا لقى البائع فسلم عليه لم يضر ولو
اشتغل بمحادثته بطل حقه ولو أخر الرد مع العلم بالعيب ثم قال أخرت لأني لم أعلم أن لي حق الرد
فإن كان قريب العهد بالاسلام أو أنشئ في برية لا يعرفون الأحكام قبل قوله ومكن من الرد
348

وإلا فلا ولو قال لم أعلم أنه يبطل بالتأخير قبل قوله لأنه مما يخفي على العوام وحيث بطل حق
الرد بالتقصير يبطل حق الأرش أيضا وليس لمن له الرد أن يمسك المبيع ويطلب الأرش خلافا
لأحمد وليس للبائع أيضا أن يمنعه من الرد ليغرم له الأرش ولو رضى بترك الرد على جزء من الثمن
أو على مال آخر ففي صحة هذه المصالحة وجهان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة ومالك وابن سريج
أنها تصح كالصلح عن حق القصاص على مال (وأظهرهما) المنع لأنه خيار فسخ فأشبه خيار الشرط
والمجلس وعلى هذا يجب على المشتري رد ما أخذ وفي بطلان حقه من الرد وجهان (أحدهما) يبطل
لأنه أخر الرد مع الامكان وأسقط حقه (وأصحهما) المنع لأنه نزل عن حقه على عوض ولم يسلم له
العوض فيبقى على حقه ولا يخفي أن موضع الوجهين ما إذا كان يظن صحة المصالحة (أما) إذا علم
فسادها بطل حقه بلا خلاف والله أعلم *
قال (ويترك الانتفاع في الحال فينزل عن الدابة إن كان راكبا ويضع عنه ا كافة وسرجه فإنه
انتفاع ولا يحط عذاره فإنه في محل المسامحة الا ان تعسر عليه القود فيعذر في الركوب إلى
مصادفة الخصم أو القاضي) *
كما أن تأخير الرد مع الامكان تقصير فكذلك الاستعمال والانتفاع والتصرف
لاشعارها بالرضي والاختيار فلو كان المبيع رقيقا فاستخدمه في مدة طلب الخصم أو القاضي بطل
حقه وإن كان بشئ خفيف كقوله اسقني أو ناولني الثوب أو أغلق الباب ففيه وجه انه لا أثر له لان
مثل هذا قد يؤمر به غير المملوك وبهذا أجاب القاضي الماوردي وغيره ولكن الأشهر انه لا فرق
ولو ركب الدابة لا للرد بطل حقه وإن ركبها للرد أو للسقي فوجهان (أظهرهما) البطلان أيضا
لأنه ضرب انتفاع كما لو وقف على عيب الثوب فلبسه للرد نعم لو كانت جموحا بعسر قودها
وسوقها فيعذر في الركوب (والثاني) وبه قال أبو حنيفة وابن سريج في جوابات جامع الصغير أنه
لا يبطل لأنه أسرع للرد وعلى الأول لو كان قد ركبها للانتفاع فاطلع على
عيب بها لم يجز استدامته
349

وإن توجه للرد ولو كان لابسا فاطلع على عيب الثوب في الطريق فتوجه للرد ولم ينزع فهو معذور لان نزع
الثوب في الطريق غير معتاد كذا قاله الماوردي ولو علف الدابة وسقاها في الطريق لم يضر وكذا
لو حلب لبن البهيمة في الطريق لأنه مما حدث في ملكه ولو كان عليه سرج أو أكاف فتركهما
عليها بطل حقه لأنه استعمال وانتفاع ولولا ذلك لاحتاج إلى حمل أو تحميل ويعذر بترك العذار أو
اللجام لأنهما خفيفان ولا يعد تعليقهما على الدابة انتفاعا ولان القرد يعسر دونهما وسئل الشيخ أبو حامد
عما لو أنعلها في الطريق فقال إن كانت تمشي بلا نعل بطل حقه والا فلا * ولك أن تعلم قوله في
الكتاب ويترك الانتفاع - بالواو - وكذا قوله وينزل عن الدابة وقوله ويضع لان القاضي الروياني
نقل جواز الانتفاع في الطريق مطلقا حتى روي عن أبيه جواز وطئ الجارية الثيب (وقوله) إلا أن
يعسر عليه القود راجع إلى قوله من قبل أن كان راكبا وأن تخلل بينهما كلام آخر والله أعلم *
قال (الرابع العيب الحادث مانع من الرد وطريق دفع الظلامة أن يضم أرش العيب الحادث إلى المبيع
ويرده أو يغرم البائع له أرش العيب القديم وإن تنازعا في تعيين أحد الملكين فالأصح ان طالب أرش
العيب القديم أولى بالإجابة لان أرش العيب الحادث غرم وخيل لم يقتضه العقد) *
إذا حدث بالمبيع عيب في يد المشتري بجناية أو آفة ثم اطلع على عيب قديم فلا يمكن الرد قهرا
لما فيه من الاضرار بالبائع ولا تكليف المشتري القناعة به لما فيه من الاضرار به ولكن يعلم المشتري
البائع بالحال فان رضي به معيبا قيل للمشتري اما أن ترده وأما أن تقنع به معيبا ولا شئ وان لم
يرض فلا بد من أن يضم المشتري أرش العيب الحادث إلى المبيع ليرده أو ان يغرم البائع للمشترى
أرش العيب القديم ليمسكه رعاية للجانبين فان توافقا على أحد هذين المسلكين فذاك وان تنازعا
فدعا أحدهما إلى الرد مع أرش العيب الحادث ودعا الامر إلى الامساك وغرامة أرش العيب القديم
فحاصل ما اشتمل كلام الأصحاب عليه وجوه اختصرها الامام (أحدها) أن المتبع رأى المشتري ويجبر
البائع على ما يقوله لان الأصل ان لا يلزمه تمام الثمن الا بمبيع سليم فإذا تعذر ذلك فوضت الخيرة
إليه ولان البائع ملبس بترويج المبيع فكان رعاية جانب المشتري أولى ويروي هذا الوجه عن مالك
واحمد وعن أبي ثور أنه نصفه في القديم (والثاني) ان المتبع رأى البائع لأنه اما غارم أو آخذ ما لم يرد العقد
350

عليه (والثالث) وهو الأصح أن المتبع رأى من يدعو إلى الامساك والرجوع بأرش العيب القديم
سواء كان هو البائع أو المشتري لما فيه من تقرير العقد وأيضا فالرجوع بأرش العيب القديم يستند
إلى أصل العقد لان قضيته الا يستقر الثمن بكماله الا في مقابلة السليم وضم أرش العيب الحادث
ادخال شئ جديد لم يكن في العقد فكان الأول أولى فعلى هذا لو قال البائع رده مع أرش العيب
الحادث فللمشتري ان يأتي ويغرم أرش القديم وما ذكرناه من اعلام المشترى البائع يكون على الفور
حتى لو اخره من غير عذر بطل حقه من الرد والأرش إلا أن يكون العيب الحادث قريب الزوال
غالبا كالرمد والحمى فلا يعتبر الفور في الاعلام على أحد القولين بل له انتظار زواله ليرده سليما عن
العيب الحادث من غير أرش ومهما زال الشئ الحادث بعد ما اخذ المشتري أرش العيب القديم
فهل له الفسخ ورد الأرش فيه وجهان (أحدهما) لا واخذ أرش اسقاط للرد (والثاني) نعم والأرش
للحيلولة ولو لم يأخذه ولكن قضى القاضي بثبوته فوجهان بالترتيب وأولى بجواز الفسخ * ولو تراضيا
ولا قضاء فوجهان بالترتيب وأولى بالفسخ وهو الأصح في هذه الصورة واما بعد الاخذ فالأصح المنع
وكذا بعد الحكم عند صاحب التهذيب * ولو عرف العيب القديم بعد زوال الحادث رد وفيه وجه ضعيف
ولو زال العيب القديم قبل اخذ أرشه لم يأخذه وان زال بعد اخذه ورده ومنهم من جعله على
وجهين كما لو ثبت سن المجني عليه بعد اخذ الدية هل يرد الدية * واعلم أن كل ما يثبت الرد
على البائع لو كان في يده يمنع الرد إذا حدث في يد المشتري ومالا رد به على البائع لا يمنع الرد
إذا حدث في يد المشتري الا في الأقل فلو خصى العقد ثم عرف عيبا قديما فلا رد وان زادت
قيمته ولو نسي القرآن أو الحرفة ثم عرف به عيبا فلا رد لنقصان القيمة ولو زوجها
ثم عرف بها عيبا فكذلك قال الروياني إلا أن يقول الزوج ان ردك المشتري بعيب فأنت طالق
كان ذلك قبل الدخول فله الرد لزوال المانع بالرد * ولو عرف عيب الجارية المشتراة من ابنه أو
أبيه بعد ما وطئها وهي ثيب فله الرد وإن حرمت على البائع لان القيمة لا تنقص بذلك وكذا لو
كانت الجارية رضيعة فأرضعتها أم البائع أو ابنته في يد المشتري ثم عرف بها عيبا واقرار الرقيق
على نفسه في يد المشتري بدين المعاملة أو بدين الاتلاف مع تكذيب المولى لا يمنع من الرد بالعيب
351

القديم وان صدقه المولى على دين الاتلاف منع فان عفا المقر له بعد ما أخذ المشتري الأرش هل له
الفسخ ورد الأرش فيه وجهان جاريان فيما إذا أخذ الأرش لرهينة العبد أو كتابة أو إبلة أو
غصبه ونحوها ان مكناه من ذلك ثم زال المانع من الرد قال في التهذيب (أصحهما) أنه لا فسخ *
(فرع) حدث في يد المشتري نكتة بياض بعين العبد ووجد نكتة قديمة ثم زالت إحديهما
فقال البائع الزائلة القديمة فلا رد ولا أرش وقال المشتري بل الحادثة ولي أرد فيحلفان على ما يقولان
فان حلف أحدهما دون الاخر قضى بموجب يمينه وان حلفا استفاد البائع بيمينه دفع الرد واستفاد
المشتري بيمينه أخذ الأرش فان اختلفا في الأرش فليس له الأقل الا لأنه المستيقن (وقوله) في
الكتاب (فالأصح) أن طالب أرش القديم يعنى من الأوجه الثلاثة ويجوز أن يعلم قوله أولى
بالميم والألف لما حكينا من مذهبهما والله أعلم *
قال (وإن كان المبيع حليا قوبل بمثل وزنه وضم الأرش إليه إذا استراد جزء من الثمن
للعيب القديم يوقع في الربا قال ابن سريج بفسخ العقد لتعذر إمضائه ولا برد الحلي بل يقوم بالذهب
إن كان من فضة أو على العكس حذارا من ربا الفضل وهو الأصح (وقيل) أنه لا يبالي بذلك إذ
المحذور الزيادة في المقابلة في ابتداء عقده) *
إذا اشترى حليا من ذهب أو فضة وزنه مائة مثلا بمائة من جنسه ثم اطلع على
عيب قديم وقد حدث عنده عيب آخر ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) وبه قال ابن
سريج انه لا يرجع بالأرش لأنه لو أخذ الأرش لنقص الثمن عن المائة فتصير المائة مقابلة بما دونها
وذلك ربوا ولا يرده مع أر ش العيب الحادث لان المردود حينئذ يزيد على المائة المستردة وذلك
ربوا فبفسخ العقد لتعذر مصابه ولا يرد الحلي على البائع لتعذر رده دون الأرش ومع الأرش فيجعل
بمثابة ما لو تلف ويغرم المشتري قيمته من غير جنسه معيبا بالعيب القديم سليما عن العيب الحادث
(والثاني) وبه قال الشيخ أبو حامد انه يفسخ البيع ويرد الحلي مع أرش النقصان الحادث ولا
يلزم الربا فان المقابلة بين الحلي والثمن وهما متماثلان والعيب الحادث مضمون عليه كعيب المأخوذ
352

على جهة السوم فعليه غرامته (والثالث) عن صاحب التقريب والداركي انه يرجع بأرش العيب
القديم كما في غير هذه الصورة والمماثلة في مال الربا إنما تشترط في ابتداء العقد وقد حصلت والأرش
حق ثبت بعد ذلك لا يقدح في العقد السابق (واعلم) ان الوجه الأول والثاني متفقان على أنه لا يرجع
بأرش العيب القديم وانه يفسخ العقد وإنما اختلافهما في أنه يرد الحلي مع أرش النقص أو يمسكه
ويرد قيمته (واما) صاحب الوجه الثالث فقياسه تجويز الرد مع الأرش أيضا كما في سائر الأموال وإذا
اخذ الأرش فقد قيل يجب أن يكون من غير جنس العوضين كيلا يلزم ربا الفضل (والأظهر) انه
يجوز أن يكون من جنسهما لان الجنس لو امتنع اخذه لامتنع اخذ غير الجنس لأنه يكون بيع مال
353

الربا بجنسه مع شئ آخر وذلك من صور مدعجوة * ثم إن صاحب الكتاب رآى الأصح الوجه المنسوب
إلى ابن سريج وهو غير مساعد عليه بل اختيار القاضي الطبري وصاحب المهذب والعراقيين إنما
هو الثاني واختيار الإمام وغيره الثالث * وذكر الامام أن أبعد الوجوه ما قاله ابن سريج (وقوله)
فضم الأرش إليه أو استرداد جزء من الثمن يوقع في الربا قبل ذكر الخلاف إنما كان يحسن كل الحسن أن
لو كان ذلك متفقا عليه وكان الاختلاف في طريق الخلاص وليس كذلك بل صاحب الوجه
الثاني لا يرى ضم الأرش إليه موقعا في الربا وصاحب الثالث لا يرى الاسترداد موقعا فيه والأحسن
في النظم أن يذكر قول ابن سريج أولا ويعلل تعذر الامضاء بذلك (وقوله) وقيل
354

لا يبالي بذلك يمكن تنزيله على الوجه الثاني وعلى الثالث ولو عرف العيب القديم
بعد تلف الحلى عنده فالذي أورده صاحب الشامل والتتمة انه يفسخ العقد ويسترد الثمن ويغرم
قيمة التالف ولا يمكن أخذ الأرش للربا وفيه وجه آخر أنه يجوز أخذ الأرش قال في التهذيب وهو
الأصح وعلى هذا ففي اشتراط كونه من غير الجنس ما مر ولا يخفي أن المسألة لا تختص بالحلي
والنقدين بل تجرى في كل مال من أموال الربا بيع بجنسه والله أعلم *
قال (وإذا أنعل الدابة فأراد ردها بالعيب فلينزع النعل فإن كان النزع يعيبه فليسمح بالنعل
والا فليس له على البائع أرش ولا قيمة النعل وان صبغ الثوب بما زاد في قيمته فطلب قيمة الصبغ له
355

وجه ولكن ادخال الصبغ وهو دخيل في ملك البائع كادخال أرش العيب الحادث) *
في الفصل صورتان (الأولى) إذا أنعل الدابة المشتراة ثم وقف على عيب قديم بها ينظر ان لم يعبها
نزع النعل فله النزع والرد وان لم ينزع والحالة هذه لم يجب على البائع القبول وإن كان النزع يخرم
ثقب المسامير ويتعيب الحافر به فنزع بطل حقه من الرد والأرش وكان تعيبه بالاختيار قطعا للخيار
وفيه احتمال للامام ولو ردها مع النعل أجبر البائع على القبول وليس للمشتري طلب قيمة النعل فإنه
حقير في معرض رد الدابة ثم ترك النعل من المشترى تمليك حتى يكون للبائع لو سقط أو اعراض حتى
يكون للمشتري فيه وجهان أشبههما الثاني. (الثانية) لو صبغ الثوب بما زاد في قيمته ثم عرف عيبه
356

فان رضى بالرد من غير أن يطالب بشئ فعلى البائع قبوله ويصير الصبغ ملكا له فإنه صفة للثوب
لا تزايله وليس كالنعل هذا لفظ امام الحرمين قال ولا صائر إلى أنه يرد الثوب ويبقى شريكا بالصبغ كما
يكون مثله في المغصوب والاحتمال يتطرق إليه وان أراد الرد وأخذ قيمة الصبغ ففي وجوب الإجابة
على البائع وجهان (أظهرهما) لا يجب لكن يأخذ المشتري الأرش ولو طلب المشتري أرش العيب
وقال البائع رد الثوب لا غرم لك قيمة الصبغ ففيمن يجاب منهما وجهان (الذي) أورده ابن الصباغ
والمتولي ان المجاب البائع ولا أرش للمشتري * ولما حكى الامام الخلاف في الطرفين ذكر ان الصبغ
الزائد قد جرى مجرى أرش العيب الحادث في طرفي المطالبة ومعناه أنه إذا قال البائع رد مع الأرش
357

وقال المشتري بل أمسك وآخذ الأرش ففيمن يجاب وجهان * وكذا إذا قال المشتري أرده مع الأرش
وقال البائع بل أغرم الأرش وهذا ظاهر للمتأمل في الوجوه الثلاثة المذكورة هناك إذا أفرد أحد
الجانبين بالنظر ووجه المشابهة بين الصبغ الزائد وأرش العيب الحادث ما أشار إليه صاحب الكتاب
وهو ان ادخال الصبغ في ملك البائع مع أنه دخيل في العقد كادخال الأرش الدخيل ثم ظاهر لفظ
الكتاب يقتضي عود الوجوه الثلاثة هاهنا حتى يقال المجاب منهما في وجه من يدعو إلى فضل الامر
بالأرش القديم وقد صرح به في الوسيط ولكن رواية الوجه الثالث لا تكاد توجد لغيره وبتقدير
ثبوته فقد بينا ثم أن الأصح الوجه الثالث وههنا قضية ايراد الأئمة انه لا يجاب المشتري إذا طلب
358

الأرش كما مر (وقوله) فطلب قيمة الصبغ له وجه المعنى الذي ينبغي أن تنزل عليه هذه الكلمة ان
طلب قيمة الصبغ ليس كطلب قيمة النعل فان النعل تابع بالإضافة إلى الدابة حقير والصبغ بخلافه
فان هذا الطلب متجه وذاك مستنكر * ولو قصر الثوب ثم وقف على العيب فيبني على أن القصارة عين
أو أثر (إن قلنا) بالأول فهي كالصبغ (وان قلنا) بالثاني رد الثوب ولا شئ له كالزيادات المتصلة وعلى
هذا فقس نظائره والله أعلم *
قال (ولا يرد البطيخ (ح و) والجوز والبيض واللوز بعد السكر وان وجده معيبا بل يأخذ
أرش العيب وقيل إن له الرد (م ح وز) وضم أرش الكسر إليه) *
359

إذا اشترى ما مأكوله في جوفه كالبطيخ والرانج والرمان والجوز واللوز والفندق
والبيض فكسره ووجده فاسدا ينظر ان لم يكن لفاسده قيمة كالبيضة المذرة التي لا تصلح لشئ والبطيخة
الشديدة التغير رجع المشتري بجميع الثمن نص عليه وكيف سبيله قال معظم الأصحاب تبين فساد البيع
لوروده على غير متقوم وعن القفال في طائفة انه لا يتبين الفساد لكنه على سبيل استدراك الظلامة فكما
يرجع بجزء من الثمن عند انتقاص جزء من المبيع يرجع بكله عند فوات كل المبيع وتظهر ثمرة هذا
الخلاف في أن القشور الباقية بمن تختص حتى يكون عليه تطهير الموضع عنها * وإن كان لفاسده قيمة كالرانج
وبيض النعام والبطيخ إذا وجده حامضا أو مدود بعض الأطراف فللكسر حالتان (إحداهما)
360

أن لا يوقف على ذلك الفساد إلا بمثله ففيه قولان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة والمزني أنه ليس
الرد قهرا كما لو عرف عيب الثوب بعد قطعه وعلى هذا هو كسائر العيوب الحادثة فيرجع المشتري
بأرش العيب القديم أو يضم أرش النقصان إليه ويرده كما سبق (وقوله) في الكتاب بل يأخذ
الأرش ان لم يتراضيا على الرد مع الأرش لأنه لا يعدل عنه بحال (والثاني) له ذلك وبه قال
مالك وكذا أحمد في رواية لأنه نقص لا يعرف العيب الا به فلا يمنع الرد كالمصراة وإيراد الكتاب
يقتضي ترجيح القول الأول وبه قال صاحب التهذيب لكن القاضي الماوردي والشيخ أبا حامد
ومن تابعه رجحوا الثاني وبه قال القاضي الروياني وغيره * وإذا فرعنا على الثاني فهل يغرم أرش
361

الكسر فيه قولان (أحدهما) نعم وهو الذي أورده في الكتاب كما يرد المصراة ويغرم (والثاني)
لا لأنه لا يعرف العيب الا به فهو معذور فيه والبائع بالبيع كأنه سلطه عليه وهذا أصح عند صاحب
التهذيب وغيره (فان قلنا) بالأول غرم ما بين قيمته صحيحا فاسد اللب ومكسورا فاسد اللب ولا نظر
إلى الثمن (الحالة الثانية) أن يمكن الوقوف على ذلك الفساد بأقل من ذلك الكسر فلا رد كما في سائر
العيوب وعن أبي إسحاق أن بعض الأصحاب طرد القولين * إذا عرفت ذلك فكسر الجوز ونحوه
وثقب الرانج من صور الحالة الأولى وكسر الرانج وترضيض بيض النعام من صور الحالة الثانية
وكذا تقوير البطيخ الحامض إذا أمكن معرفة حموضته بغرز شئ فيه وكذا التقوير الكبير
362

إذا أمكن معرفتها بالتقوير الصغير والتدويد لا يعرف الا بالتقوير وقد يحتاج إلى الشق ليعرف وقد
يستغني في معرفة حال البيض بالقلقلة عن الكسر وليست الحموضة بعيب في الرمان بخلاف البطيخ
فان شرط في الرمان الحلاوة فبان حامضا بالغرز رده وان بان بالشق فلا *
(فرع) إذا اشترى ثوبا مطويا وهو مما ينقص بالنشر فنشره ووقف على عيب
به لا يوقف عليه الا بالنشر فيه القولان كذا أطلقه الأصحاب على طبقاتهم مع جعلهم بيع الثوب
المطوي من صور بيع الغائب ولم يتعرض الأئمة لهذا الاشكال فيما رأيته الا من وجهين (أحدهما)
ذكر إمام الحرمين أن هذا الفرع مبني على تصحيح بيع الغائب (والثاني) قال صاحب الحاوي
363

وغيره إن كان مطويا أكثر من طاقين لم يصح البيع ان لم نجوز خيار الرؤية وإن كان مطويا
على طاقين يصح البيع لأنه يرى جميع الثوب من جانبه وهذا حسن لكن المطوى على طاقين
لا يرى من جانبه إلا أحد وجهي الثوب وفى الاكتفاء به تفصيل وخلاف قد سبق وراء ما ذكره تنزيلان (أحدهما) أن يفرض رؤية الثوب قبل الطي والطي قبل البيع ويستمر الفرع
(والثاني أن ما ينقص بالنشر مرة ينتقص بالنشر مرتين فوق ما ينتقص به مرة واحدة فلو نشر مرة وبيع
وأعيد طيه ثم نشره المشترى وزاد النقصان بذلك انتظم الفرع والله أعلم *
قال (وإذا اشترى عبدا من رجلين فله أن يفرد أحدهما (ح) برد نصيبه وإذا اشترى رجلان
364

عبدا من واحدا فلأحدهما أن يفرد نصيبه بالرد على أصح القولين) *
(المبيع في الصفقة الواحدة اما شئ واحد أو شيئان فإن كان الثاني كما لو اشترى عبدين
فخرجا معيبين فله ردهما وكذا لو خرج أحدهما معيبا واما أفراد المعيب بالرد فقد ذكرناه في تفريق
الصفقة * وإن كان لأول كما لو اشترى دارا أو عبدا فخرج معيبا فليس له رد بعضه إن كان الباقي قائما في
ملكه لما فيه من تشقيص ملك البائع عليه فان رضى البائع جاز في أصح الوجهين وإن كان الباقي
زائلا كما إذا عرف العيب بعد بيع بعض المبيع فقد حكى الشيخ أبو علي في رد الباقي طريقين
(أحدهما) أنه على قولين بناء على تفريق الصفقة (وأصحهما) القطع بالمنع كما لو كان الباقي قائما في ملكه
365

وعلى هذا فهل يرجع بالأرش (أما) للقدر المبيع فكما ذكرنا إذا باع الكل (وأما) للقدر الباقي فوجهان
قال في التهذيب (أصحهما) أنه يرجع لتعذر الرد ولا ينتظر عود الزائل ليرد الكل كما لا ينتظر زوال
العيب الحادث والوجهان جاريان فيما إذا اشترى عبدين وباع أحدهما ثم عرف العيب ولم نجوز رد
الباقي هل يرجع بالأرش ولو اشترى ومات وخلف ابنين فوجدا به عيبا (فالأصح) وهو قول
وهو قول
ابن الحداد أنه لا ينفرد أحدهما بالرد لان الصفقة وقعت متحدة ولهذا لو سلم أحد الابنين نصف
الثمن لم يلزم البائع تسليم النصف إليه وفيه وجه أنه ينفرد لأنه رد جميع ما ملك * هذا كله فيما إذا
اتحد المتعاقدان (إما) إذا اشترى رجل عبدا من رجلين وخرج معيبا فله أن يفرد نصيب أحدهما
366

بالرد لان تعدد البائع يوجب تعدد العقد وأيضا لا يتشقص على المردود عليه ما خرج عن ملكه *
ولو اشترى رجلان عبدا من واحد فقولان (أصحهما) أن ينفرد بالرد لأنه رد جميع
ما ملك كما ملك وبهذا قال أحمد وكذا مالك في رواية (والثاني) يحكى عن رواية أبى مور وبه قال
أبو حنيفة أنه ليس له الانفراد لان العبد خرج عن ملك البائع كاملا والآن يعود إليه بعضه وبعض
الشئ لا يشترى بما يخصه من الثمن لو بيع كله *
(التفريع) ان جوزنا الانفراد فانفرد أحدهما فتبطل الشركة بينهما ويخلص للممسك ما أمسك
وللراد ما استرد أو تبقى الشركة بينهما فيما أمسك الممسك واسترده الراد حكى القاضي الماوردي
367

فيه وجهين (أصحهما) أولهما * وان منعنا الانفراد فذاك فيما ينتقص بالتبعيض (وأما) ما لا ينتقص
كالحبوب ففيه وجهان مبنيان على أن المانع ضرر التبعيض أو اتحاد الصفقة * ولو أراد الممنوع من
الرد الأرش قال الامام ان حصل اليأس من امكان رد نصيب الاخر بان أعتقه وهو معسر فله
أخذ الأرش وان لم يحصل نظر ان رضى صاحبه بالعيب فيبنى على أنه لو اشترى نصيب صاحبه
وضمه إلى نصيبه وأراد ان يرد الكل ويرجع بنصف الثمن هل يجبر على قبوله كما في مسألة الغل
وفيه وجهان (ان قلنا) لا أخذ الأرش (وان قلنا) نعم فكذالك في أصح الوجهين لأنه توقع بعيد
وإن كان صاحبه غائبا لا يعرف الحال في الأرش وجهان من جهة الحيلولة الناجزة ولو اشترى
368

رجلان عبدا من رجلين كان كل واحد منهما مشتريا ربع العبد من كل واحد من البائعين فلكل
واحد رد الربع إلى أحدهما * ولو اشترى ثلاثة من ثلاثة كان كل واحد منهم مشتريا تسع العبد من كل واحد
من الباعة * ولو اشترى رجلان عبدين من رجلين فقد اشترى كل واحد من واحد ربع كل واحد فلكل
واحد رد جميع ما اشترى من كل واحد عليه * ولو رد أحد العبدين وحده ففيه قولا التفريق * لو اشترى بعض عبد في صفقة وباقيه في صفقة اما من البائع الأول أو غيره فله رد أحد البعضين خاصة
لتعدد الصفقة ولو علم بالعيب بعد العقد الأول ولم يمكنه الرد فاشترى الباقي فليس له رد الباقي وله رد الأول
عند الامكان والله أعلم *
369

قال (وإذا تنازعا في قدم العيب وحدوثه فالقول قول البائع إذ الأصل لزوم العقد فيحلف
انى بعته وأقبضته وما يوجب) *
إذا وجد بالمبيع عيبا فقال البائع عيبا انه حدث عند المشترى وقال المشترى بل كان عندك
نظر إن كان العيب مما لا يحتمل حدوثه بعد البيع كالإصبع الزائدة وشين الشجة المتدملة والبيع
جرى أمس فالقول قول المشترى من غير يمين وان لم يحتمل تقدمه كالجراحة الطرية وقد جرى البيع
والقبض منذ سنة فالقول قول البائع من غير يمين وإن كان مما يحتمل حدوثه وقدمه كالبرص وهو
المراد من مسألة الكتاب فالقول قول البائع مع يمينه لان الأصل لزوم العقد واستمراره وكيف يحلف ينظر
370

في جوابه لدعوى المشترى فإذا ادعى المشترى بأن بالمبيع عيبا كان قبل البيع أو قبل القبض وأراد الرد
فقال في الجواب ليس له الرد على بالعيب الذي يذكره أو لا يلزمني قبوله حلف على ذلك ولا يكلف التعرض
لعدم العيب يوم البيع ولا قبل القبض لجواز أنه أقبضه معيبا وهو عالم به أو انه رضي بعد البيع ولو نطق به لصار مدعيا مطالبا بالبينة ولو قال في الجواب ما بعته الا سليما أو ما أقبضته الا سليما فهل يلزمه أن يحلف
كذلك أو يكفيه الاقتصار على أنه لا يستحق الرد أو لا يلزمني قبوله فيه وجهان (أحدهما) أنه يكفيه الجواب
المطلق كما لو اقتصر عليه في الجواب (وأظهرهما) أنه يلزمه التعرض لما تعرض له في الجواب لتكون
اليمين مطابقة للجواب ولو كان له غرض في الاقتصار على الجواب المطلق لوجب الاقتصار عليه
371

في الجواب وهذا ما أورده صاحب التهذيب وغيره وهذا التفصيل والخلاف جاريان في جميع
الدعاوي والأجوبة * إذا تقرر ذلك فاعلم أن لفظ الشافعي رضي الله عنه في المسألة أن القول
قول البائع مع يمينه على البت لقد باعه بريئا من العيوب واعترض المزني فقال ينبغي أن يحلف
لقد أقبضته بريئا من العيب لان ما يحدث قبل القبض يثبت الرد كالسابق على البيع * وتكلم
الأصحاب على اعتراضه بحسب الخلاف المذكور فمن اعتبر كون اليمين وفق الجواب قال أراد
الشافعي رضي الله عنه ما إذا ادعي المشترى عيبا سابقا على الرد وأراد الرد به وقال البائع في
الجواب بعته وما به هذا العيب فيحلف كذلك * ولو قال المشترى قبضته معيبا ونفاه البائع
372

في الجواب حلف كما ذكره المزني ولو اقتصر في الجواب على أنه لا يستحق الرد لم يلزمه ذكر
هذا ولا ذك * ومن قال تكفى اليمين على نفى الاستحقاق بكل حال قال لم يقصد الشافعي رضي الله عنه
أن الآن على ماذا يحلف ولأي وقت يتعرض ولكن أراد أن يتبين أنه يحلف على البت فلا
يقول مثلا بعته وما أعلم به عيبا ولكن يقول بعته وما به عيب ويجوز اليمين على البت إذا اختبر
حال العبد واطلع على خفايا أمره كما يجوز بمثله الشهادة على الاعسار وعدالة الشهود وغيرهما * وعند
عدم الاختبار يجوز الاعتماد على ظاهر السلامة إذا لم يعرف ولا ظن خلافه (وقوله) في الكتاب
بعته وأقبضته وما به عيب محمول على ما إذا نفى في جواب المشترى العيب في الحالتين واعتبرنا
373

موافقة اليمين للجواب لفظا ومعني والا فمدار الرد التعيب عند القبض حتى لو كان معيبا عند البيع
وقد زال العيب فلا رد له بما كان بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده وقبل الرد سقط حق الرد * ولو
زعم المشتري أن بالمبيع عيبا وأنكره البائع فالقول قوله لان الأصل السلامة ودوام العقد ولو اختلفا
في بعض الصفات أنه هل هو عيب فالقول قول البائع أيضا مع يمينه وهذا إذا لم يعرف الحال من غيرهما
قال في التهذيب فان قال واحد من أهل العلم به انه عيب ثبت الرد به * واعتبر صاحب التتمة شهادة
اثنين * ولو ادعي البائع علم المشتري بالعيب أو تقصيره في الرد فالقول قول المشتري والله أعلم *
قال (ولا يمتنع الرد بوطئ الثيب (ح) والاستخدام ولا بالزوائد (ح) المنفصلة بل تسلم (م)
374

الزوائد للمشتري إن حصلت بعد القبض وكذلك لو حصلت قبل القبض على أقيس الوجهين *
والحمل الموجود عند العقد يسلم أيضا للمشتري على أصح القولين) *
أصل مسائل الفصل أن الفسخ يرفع العقد من حينه لا من أصله لأن العقد لا ينعطف حكمه على
ما مضي فكذلك الفسخ * هذا هو المذهب الصحيح وفيما إذا انفسخ قبل القبض وجه انه يرد العقد
من أصله لأن العقد ضعيف بعد فإذا فسخ فكأنه لا عقد وفي التتمة ذكر وجه انه يرفع العقد من أصله
مطلقا تخريجا من القول بوجوب مهر المثل إذا فسخ النكاح بعيب حدث بعد المسيس * إذا عرف ذلك
فالمسائل ثلاث (إحداها) لا خلاف ان الاستخدام لا يمنع من الرد بالعيب وأما الوطئ فالجارية
375

اما بكر أو ثيب فإن كانت ثيبا فوطئ المشتري لا يمنع الرد بالعيب وإذا رد لم يضم إليه مهرا وبه قال
مالك وهو رواية عن أحمد وقال أبو حنيفة يمنع * لنا انه معنى لا يوجب نقصا ولا يشعر برضى
فأشبه الاستخدام * ووطئ البائع والأجنبي بالشبهة كوطئ المشتري لا يمنع الرد ووطئهما عن طواعية
منها زنا وذلك عيب حادث هذا إذا وطئت بعد القبض فان وطئها المشتري قبل القبض لم يمنع الرد
ولا يصير قابضا لها ولا مهر عليه ان سلمت وقبضها وان تلفت قبل القبض فهل عليه المهر للبائع
فيه وجهان مبنيان على أن العقد إذا انفسخ بتلف قبل القبض ينفسخ من أصله أو من حينه وفيه
وجهان (أصحها) الثاني وبه قال ابن سريج * وان وطئها أجنبي فهي زانية وهو عيب حدث قبل القبض
376

وإن كانت مكرهة فللمشتري المهر ولا خيار له بهذا الوطئ ووطئ البائع كوطئ الأجنبي لكن لا مهر
عليه ان قلنا إن جناية البائع قبل القبض كالآفة السماوية (وأما) البكر فافتضاضها بعد القبض نقص حادث
وقبله جناية على المبيع قبل القبض فان افتضها أجنبي بغير آلة الافتضاض فعليه ما نقص من قيمتها وان
افتض بآلته فعليه المهر وأرش البكارة هل يدخل فيه أو يفرد فيه وجهان (أصحهما) يدخل فعليه مهر
مثلها بكرا (والثاني) يفرد فعليه أرش البكارة ومهر مثلها ثيبا ثم المشتري ان أجاز العقد فالكل له والا
فقدر أرش البكارة للبائع لعودها إليه ناقصة والباقي للمشتري * وان افتضها البائع فان أجاز المشتري
فلا شئ على البائع ان قلنا إن جنايته كالآفة السماوية وان قلنا إنها كجناية الأجنبي فالحكم كما في
377

الأجنبي وان فسخ المشتري فليس على البائع أرش البكارة وهل عليه مهر مثلها ثيبا ان افتض بآلته
يبني على أن جنايته كالآفة السماوية أم لا وان افتضها المشتري استقر عليه من الثمن بقدر ما نقص من
قيمتها فان سلمت حتى قبضها فعليه الثمن بكماله وان تلفت قبل القبض فعليه بقدر نقصان الافتضاض
من الثمن وهل عليه مهر مثل ثيب ان افتضها بآلة الافتضاض يبني على أن العقد ينفسخ من أصله
أو من حينه هذا هو الصحيح وفيه وجه أن افتضاض المشتري قبل القبض كافتضاض الأجنبي *
(المسألة الثانية) الزيادة في المبيع ضربان متصلة ومنفصلة (اما) المتصلة كالسمن وتعلم العبد الحرفة
والقرآن وكبر الشجرة فهي تابعة لرد الأصل ولا شئ على البائع بسببها (وأما) المنفصلة كما إذا أجر المبيع
378

وأخذ أجرته وكالولد والثمرة وكسب العبد ومهر الجارية إذا وطئت بالشبهة فإنها لا تمنع الرد بالعيب
وتسلم للمشترى وبه قال أحمد * وقال أبو حنيفة الولد والثمرة يمنعان الرد بالعيب والكسب والغلة
لا يمنعانه لكن ان رد قبل القبض ردهما مع الأصل وان رد بعده بقيا له * وقال مالك يرد مع الأصل الزيادة
التي هي من جنس الأصل وهي الولد ولا يرد ما كان من غير جنسه كالثمرة * لنا ما روي (أن مخلد بن خفاف
ابتاع غلاما استغله ثم أصاب به عيبا فقضى له عمر بن عبد العزيز برده وغلته فأخبره عروة عن
عائشة رضي الله عنها إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في مثل هذا ان الخراج بالضمان فرد عمر رضي
الله عنه قضاءه وقضى لمخلد بالخراج) (1) ومعنى الخبر ان ما يخرج من المبيع من فائدة وغلة فهو للمشتري
379

في مقابلة أنه لو تلف كان من ضمانه ولا فرق بين الزوائد الحادثة قبل القبض والزوائد الحادثة
بعده مهما كان الرد بعد القبض وإن كان الرد قبله ففي الزوائد وجهان بناء على أن الفسخ
والحالة هذه رفع للعقد من أصله أو من حينه (والأصح) أنها تسلم للمشتري أيضا (وقوله) في الكتاب
وكذلك ان حصلت قبل القبض على أقيس الوجهين يقتضي كون الزوائد الحاصلة قبل القبض على
وجهين وإن كان الرد بعد القبض لكنه ليس كذلك كذا قاله الامام وغيره وموضع الوجهين
ما إذا كان الرد قبل القبض فاعرف ذلك واعلم أنه لو نقصت البهيمة أو الجارية بالولادة امتنع الرد
للنقص الحادث وان لم يكن الولد مانعا وتكلموا في افراد الجارية بالرد وان لم تنقص بالولادة من
380

جهة أنه تفريق بين الام والولد فقال قائلون لا يجوز الرد ويتعين الأرش إلا أن يكون الوقوف
على العيب بعد بلوغ الولد سنا لا يحرم بعده التفريق وقال آخرون لا يحرم التفريق ههنا للحاجة وسنذكر
نظيره في الرهن (المسألة الثالثة) عرفت حكم الولد الحادث بعد البيع (فاما) إذا اشترى جارية أو
بهيمة حاملا ثم وجد بها عيبا فإن كان حاملا بعد ردها كذلك وان وضعت الحمل ونقصت بالولادة
فلا رد وان لم تنقص ففي رد الولد معها قولان بناء على أن الحمل هل يعرف ويأخذ قسطا من الثمن
أم لا والأصح نعم ويخرج على هذا الخلاف أنه هل للبائع حبس الولد إلى استيفاء الثمن وانه لو هلك
قبل القبض هل يسقط من الثمن بحصته وانه هل للمشتري بيع الولد قبل القبض فان قلنا له قسط
381

من الثمن جاز الحبس وسقط الثمن ولم يجز البيع والا انعكس الحكم * ولو اشترى نخلة عليها طلع غير
مؤبر ووجد بها عيبا بعد التأبير ففي الثمرة طريقان (أظهرهما) أنه على القولين في الحمل وتشبيها
للثمرة في الكمام بالحمل في البطن (والثاني) القطع بأنها تأخذ قسطا من الثمن لأنها مشاهدة متيقنة
ولو اشترى جارية أو بهيمة حائلا فحبلت ثم اطلع على عيب فان نقصت بالحمل فلا رد إن كان الحمل
في يد المشتري وان لم تقص أو كان الحمل في يد البائع فله الرد وحكم الولد مبني على الخلاف السابق
(ان قلنا) أنه يعرف ويأخذ قسطا من الثمن يبقى للمشتري فيأخذه إذا انفصل * وحكى القاضي الماوردي
وجها أنه للبائع لاتصاله بالأم عند الرد (وان قلنا) إنه لا يعرف ولا يأخذ قسطا فهو للبائع ويكون تبعا
382

للام عند الفسخ كما يكون تبعا لها عند العقد وأطلق بعضهم القول بان الحمل الحادث نقص (أما) في
الجواري فلانه يؤثر في الجمال والنشاط (وأما) في البهائم فلانه ينقص لحم المأكول ويخل بالحمل عليها
والركوب * ولو اشترى نخلة واطلعت في يده ثم اطلع على عيب فلمن الطلع فيه وجهان * ولو كان على ظهر
الحيوان صوف عند البيع فجزه ثم عرف به عيبا رد الصوف معه فان استجز ثانيا وجزه ثم عرف العيب
لم يرد الثاني لحدوثه في ملكه وان لم يجز رده تبعا * ولو اشترى أرضا فيها أصول الكراث ونحوه
وأدخلناها في البيع فنبت في يد المشتري ثم عرف بالأرض عيبا يردها ويبقى النابت للمشتري فإنها
ليست تبعا للأرض الا ترى ان الظاهر منها في ابتداء البيع لا يدخل فيه والله أعلم *
383

قال (والإقالة فسخ (م) على الجديد الصحيح ولا يتوقف الرد بالعيب على حضور الخصم
وقضاء القاضي (ح)) *
الإقالة بعد البيع جائزة بل إذا ندم أحدهما على الصفقة استحب للاخران يقيله روى أنه صلى
الله عليه وسلم قال (من أقال أخاه المسلم صفقة كرهها أقال الله عثرته يوم القيامة) (1) والإقالة أن يقول
384

المتبايعان تقايلنا أو تفاسخنا أو يقول أحدهما أقلت ويقول الاخر قبلت وما أشبه ذلك وفي كونها
بيعا أو فسخا قولان (أحدهما) وبه قال مالك أنها بيع لأنها نقل ملك بعوض بايجاب وقبول فأشبهت
التولية (وأصحهما) أنها فسخ إذ لو كانت بيعا لصحت مع غير البائع وبغير الثمن * وذهب بعضهم إلى أن
القولين في لفظ الإقالة فاما إذا قالا تفاسخنا فهو فسخ لا محالة (واعلم) أن القول الثاني منصوص في
الجديد وأما الأول فمنهم من حكاه وجها والأكثرون نقلوه عن نصه في القديم وعن أبي حنيفة
ان الإقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع في حق غيرهما *
(التفريع) إن كانت بيعا تجدد بها الشفعة وإن كانت فسخا فلا خلافا لأبي حنيفة * ولو تقايلا
385

في الصرف وجب التقابض في المجلس إن كانت بيعا وإن كانت فسخا فلا وتجوز الإقالة قبل قبض
المبيع إن كانت فسخا وإن كانت بيعا فهي كبيع المبيع من البائع قبل القبض وتجوز في السلم
قبل القبض إن كانت فسخا وإن كانت بيعا فلا ولا تجوز الإقالة بعد تلف المبيع إن كانت بيعا وإن كان
ت فسخا فوجهان (أحدهما) المنع كالرد بالعيب (وأصحها) الجواز وهو اختيار أبي زيد كالفسخ
بالتحالف فعلى هذا يرد المشتري على البائع مثل المبيع إن كان مثليا وقيمته إن كان متقوما * ولو اشترى
عبدين وتلف أحدهما ففي الإقالة في الثاني وجهان بالترتيب إذ القائم تصادفه الإقالة فيستتبع التالف *
وإذا تقايلا والمبيع في يد المشتري بعد لم ينفذ تصرف البائع فيه إن كانت بيعا ونفذ إن كانت فسخا
386

فان تلف في يده انفسخت الإقالة إن كانت بيعا وبقى البيع بحاله وإن كانت فسخا فعلى المشتري
الضمان لأنه مقبوض على حكم العوض كالمأخوذ قرضا أو سوما والواجب فيه إن كان متقوما أقل
القيمتين من يوم العقد والقبض ولو تعيب في يده فإن كان بيعا تخير البائع بين ان يجيز الإقالة ولا
شئ له وبين أن يفسخ ويأخذ الثمن وإن كان فسخا غرم أرش العيب ولو استعمله بعد الإقالة فان
جعلناها بيعا فهو كالمبيع يستعمله البائع وان جعلناها فسخا فعليه الأجرة ولو عرف البائع بالمبيع عيبا
كان قد حدث في يد المشتري قبل الإقالة فلا رد له إن كانت فسخا وإن كانت بيعا فله رده ويجوز
للمشتري حبس المبيع لاسترداد الثمن على القولين * ولا يشترط ذكر الثمن في الإقالة ولا تصح الا
387

بذلك الثمن فلو زاد أو نقص فسدت وبقى البيع بحاله حتى لو أقاله على أن ينظره بالثمن أو على أن
يأخذ الصحاح عن المكسرة لم يجز ويجوز للورثة الإقالة بعد موت المتبايعين ويجوز الإقالة في بعض
المبيع كما تجوز في كله قال الامام رحمه الله هذا إذا لم تلزم جهالة أما إذا اشترى عبدين وتقايلا في
أحدهما مع بقاء الثاني لم يجز على قولنا انه بيع للجهل بحصة كل واحد منهما * وتجوز الإقالة في بعض
المسلم فيه أيضا لكن لو أقاله في البعض ليعجل له الباقي أو عجل المسلم إليه البعض ليقيله في الباقي
فهي فاسدة (وأما) قوله ولا يتوقف الرد بالعيب إلى آخره فقد ذكرته من قبل وتختم
الباب بفروع *
388

(أحدها) الثمن المعين إذا خرج معيبا يرد بالعيب كالمبيع وان لم يكن معيبا فيستبدل ولا يفسخ
العقد سواء خرج معيبا بخشونة أو سواد أو ظهر أن سكته مخالفة لسكة النقد الذي تناوله العقد أو خرج
نحاسا أو رصاصا * ولو تصارفا وتقابضا ثم وجد أحدهما بما قبضه خللا فله حالتان (إحداهما) ان يرد العقد
على معينين فان خرج أحدهما نحاسا فالعقد باطل لأنه بان أنه غير ما عقد عليه وقيل إنه صحيح تغليبا
للإشارة وهذا إذا كان له قيمة فإن لم يكن لم يجئ فيه هذا الخلاف وان خرج بعضه بهذه الصفة بطل
العقد فيه وفي الباقي قولا تفريق الصفقة إن لم تبطل فله الخيار فان أجاز والجنس مختلف بان تبايعا فضة
بذهب جاء القولان في أن الإجازة بجميع الثمن أو بالحصة وإن كان الجنس متفقا فالإجازة بالحصة لا محالة
389

لامتناع الفضل * وان خرج أحدهما خشنا أو أسود فلمن أخذه الخيار ولا يجوز الاستبدال وان خرج
بعضه كذلك فله الخيار أيضا وهل له الفسخ في المعيب والإجازة في الباقي فيه قولا التفريق فان جوزنا
فالإجازة بالحصة لأن العقد صح في الكل فإذا ارتفع في البعض كان بالقسط (الحالة الثانية) أن يرد على
ما في الذمة ثم يحضرا ويتقابضا فان خرج أحدهما نحاسا وهما في مجلس العقد استبدل وإن تفرقا فالعقد
باطل لان المقبوض غير ما ورد عليه العقد وان خرج خشنا أو اسود فإن لم يتفرقا بعد فهو بالخيار بين الرضا
به وبين الاستبدال وان تفرقا فهل له استبداله فيه قولان (أحدهما) لا لأنه قبضه بعد التفرق (وأصحهما) نعم
كالمسلم فيه إذا خرج معيبا وهذا لان القبض الأول صحيح إذ لو رضي به جاز والبدل مأخوذ فقام مقام
390

الأول ويجب أخذ البدل قبل التفرق عن مجلس الرد * وان خرج البعض كذلك وقد تفرقا فان جوزنا
الاستبدال استبدله والا فهو بالخيار بين فسخ العقد في الكل والإجازة وهل له الفسخ في ذلك القدر
والإجازة في الباقي فيه قولا التفريق * ورأس مال السلم حكمه حكم عوض الصرف ولو وجد أحد المتصارفين
بما أخذ عيبا بعد تلفه أو تبايعا طعاما بطعام ثم وجد أحدهما بالمأخوذ عيبا بعد تلفه نظر إن ورد العقد
على معينين أو على ما في الذمة وعين وقد تفرقا ولم نجوز الاستبدال فإن كان الجنس مختلفا فهو كبيع
العرض بالنقد وإن كان متفقا ففيه الخلاف الذي سبق في مسألة الحلي وان ورد على ما في الذمة
ولم يتفرقا بعد غرم ما تلف عنده ويستبدل وكذا ان تفرقا وجوزنا الاستبدال * ولو وجد المسلم
391

إليه برأس مال السلم عيبا بعد تلفه عنده فإن كان معينا أو في الذمة وعين وقد تفرقا ولم نجوز الاستبدال
فيسقط من المسلم فيه بقدر نقصان العيب من قيمة رأس المال وإن كان في الذمة وهما في المجلس
يغرم التالف ويستبدل وكذا لو كان بعد التفرق إذا جوزنا الاستبدال *
(الثاني) باع عبدا بألف وأخذ بالألف ثوبا ثم وجد المشترى بالعبد عيبا ورده فعن القاضي أبي
الطيب أنه يرجع بالثوب لان الثوب إنما ملكه بالثمن فإذا فسخ البيع سقط الثمن عن ذمة المشتري
فيفسخ بيع الثوب به وقال الأكثرون يرجع بالألف لان الثوب مملوك بعقد آخر ولو مات العبد قبل
القبض وانفسخ البيع قال ابن سريج يرجع بالألف دون الثوب لأن الانفساخ بالتلف يقطع العقد
392

ولا يرفعه من أصله وهو الأصح وفيه وجه آخر *
(الثالث) باع عصيرا حلوا فوجد المشتري به عيبا بعد ما تخمر فلا سبيل إلى رد الخمر لكن
يأخذ الأرش فان تخلل فللبائع أن يسترده ولا يدفع الأرش * ولو اشترى ذمي خمرا من ذمي ثم
أسلما وعرف المشتري بالخمر عيبا استرد جزءا من الثمن على سبيل الأرش ولا رد ولو أسلم البائع
وحده فلا رد أيضا ولو أسلم المشتري وحده فله الرد قاله ابن سريج وعلله بأن المسلم لا يتملك
الخمر ولكن يزيل يده عنه *
(الرابع) مؤنة رد المبيع بعد الفسخ بالعيب على المشتري ولو هلك في يده ضمنه *
393

(الخامس) لو اختلفا في الثمن بعد رد المبيع فعن أبي الحسين أن ابن أبي هريرة قال أعيتني
هذه المسألة والأولى أن يتحالفا وتبقى السلعة في يد المشتري وله الأرش على البايع قيل له إذا
لم يتبين الثمن كيف يعرف الأرش قال احكم بالأرش من القدر المتفق عليه قال أبو الحسين
وحكى أبو محمد الفارسي عن أبي إسحاق أن القول قول البائع لأنه الغارم كما لو اختلفا في
الثمن بعد الإقالة وهذا هو الصحيح * ولو دفعت الحاجة إلى الرجوع بالأرش فاختلفا في الثمن
فالقول قول البائع أو المشتري روى القاضي ابن كج فيه قولين والأصح الأول *
(السادس) أوصي إلى رجل ببيع عبده أو ثوبه وشراء جارية بثمنه واعتاقها ففعل الوصي ذلك ثم وجد
394

المشتري عيبا بالعبد فله رده على الوصي ومطالبته بالثمن كما يرد على الوكيل والوصي ببيع العبد المردود
ويدفع الثمن إلى المشتري ولو فرض الرد بالعيب على الوكيل فهي للوكيل بيعه ثانيا فيه وجهان
(أحدهما) وبه قال أبو حنيفة نعم كالوصي ليتم البيع على وجه لا يرد عليه (وأصحهما) لا لأنه امتثل
المأمور وهذا ملك جديد فيحتاج فيه إلى اذن جديد ويخالف الايصاء فإنه تولية وتفويض كلي *
ولو وكله بأن يبيع بشرط الخيار للمشترى فامتثل ورد المشتري (فان قلنا) ملك البائع لم يزل فله
بيعه ثانيا (وان قلنا) زال وعاد فهو كالرد بالعيب ثم إذا باعه الوصي ثانيا نظر ان باعه بمثل الثمن الأول
فذاك وان باعه بأقل فالنقصان على الوصي أو في ذمة الموصي فيه وجهان (أصحهما) الأول وبه قال ابن
395

الحداد لأنه إنما أمره بشراء الجارية بثمن العبد لا بالزيادة عليه وعلى هذا لو مات العبد في يده كما
رد غرم جميع الثمن ولو باعه بأكثر من الثمن الأول فإن كان ذلك لزيادة قيمة أو رغبة
راغب دفع قدر الثمن إلى المشتري والباقي للوارث وان لم يكن كذلك فقد بان أن البيع الأول باطل
للغبن * ويقع عتق الجارية عن الوصي بأن اشترى الجارية في الذمة فان اشتراها بعين ثمن العبد لم ينفذ
الشراء ولا الاعتاق وعليه شراء جارية أخرى بهذا الثمن واعتاقها عن الموصى هكذا أطلقه
الأصحاب ولا بد فيه من تقييد وتأويل لان بيعه بالعين وتسليمه عن علم وبصيرة بالحال خيانة والأمين ينعزل
بالخيانة فلا يتمكن من شراء جارية أخرى والله أعلم *
396

قال (النظر الثالث في حكم العقد قبل القبض وبعده ولابد من بيان حكم القبض وصورته ووجوبه
(اما) الحكم فهو انتقال الضمان إلى المشتري والتسلط على التصرف إذ المبيع قبل القبض في ضمان
البائع (م) ولو تلف انفسخ العقد واتلاف المشتري قبض منه واتلاف الأجنبي لا يوجب الانفساخ على
أصح القولين ولكن يثبت الخيار للمشتري واتلاف البائع كاتلاف الأجنبي على الأصح) *
مقصود هذا النظر بيان حكم المبيع قبل القبض وبعده على ما فصلناه في أول البيع وتكلم حجة الاسلام
رحمه الله فيه في ثلاثة أمور (أحدها) حكم القبض وثمرته (والثاني) أن القبض بم يحصل (والثالث) وجوبه
والاجبار عليه (أما) الأول فللقبض حكمان (أحدهما) انتقال الضمان إلى المشتري فان المبيع قبل القبض من
397

ضمان البائع ومعناه أنه لو تلف انفسخ العقد وسقط الثمن * وعن مالك وأحمد فيما رواه ابن الصباغ أنه إذا
لم يكن المبيع مكيلا ولا موزونا ولا معدودا فهو من ضمان المشتري ومنهم من أطلق رواية الخلاف
عنهما * لنا انه قبض مستحق بالبيع فإذا تعذر انفسخ البيع كما لو تفرقا في عقد الصرف قبل التقابض *
إذا تقرر ذلك فلو أبرأ المشتري البائع عن ضمان المبيع قبل القبض هل يبرأ حتى لو تلف لا ينفسخ
العقد ولا يسقط الثمن نقل صاحب التهذيب فيه قولين (أصحهما) أنه لا يبرأ وحكم العقد لا يتغير ثم
إذا انفسخ البيع كان المبيع هالكا على ملك البائع حتى لو كان عبدا كان مؤنة تجهيزه على البائع وكيف
التقدير أنقول بانتقال الملك إليه قبل الهلاك أو يرتفع العقد من أصله فيه وجهان أخرجهما ابن سريج
398

(أصحهما) وهو اختياره واختيار ابن الحداد أنه لا يرتفع من أصله كما في الرد بالعيب والزوائد الحادثة
في يد البائع من الولد واللبن والبيض والكسب وغيرهما تخرج على هذين القولين وقد ذكرنا نظيرهما
في الرد بالعيب قبل القبض وطردهما طاردون في الإقالة إذا جعلناها فسخا وخرجوا عليهما الزوائد
(والأصح) فيها جميعا أنها للمشتري وتكون أمانة في يد البائع ولو هلكت والأصل باق فالبيع
باق بحاله ولا خيار للمشتري وفي معنى الزوائد الركاز الذي يجده العبد وما وهب منه فقبله وقبضه وما
أوصى له فقبله هذا حكم التالف بالآفة السماوية (أما) إذا أتلف المبيع قبل القبض فله ثلاثة أقسام
(الأول) أن يتلفه المشتري فهو قبض منه على المذهب لأنه أتلف ملكه فأشبه ما إذا أتلف المالك
399

المغصوب في يد الغاصب يبرأ الغاصب من الضمان ويصير المالك مستردا بالاتلاف وحكى الشيخ
أبو علي وغيره وجها أن اتلافه ليس بقبض ولكن عليه القيمة للبائع ويسترد الثمن ويكون التلف من
ضمان البائع هذا عند العلم (أما) إذا كان جاهلا بان قدم البائع الطعام المبيع إلى المشتري فاكله هل
يجعل قابضا قال القاضي حسين رحمه الله فيه وجهان تفريعا على القولين فيما إذا قدم الغاصب الطعام
المغصوب إلى المالك فاكله جاهلا هل يبرأ الغاصب ان لم نجعله قابضا فهو كما لو أتلف البائع (والثاني)
أن يتلفه أجنبي ففيه طريقان (أظهرهما) أنه على قولين (أحدهما) انه كالتلف بآفة سماوية لتعذر
التسليم (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة وأحمد انه ليس كذلك ولا ينفسخ البيع لقيام القيمة مقام
400

المبيع لكن للمشتري الخيار ان شاء فسخ واسترد الثمن ويغرم البائع الأجنبي وان شاء أجاز
وغرم الأجنبي (والثاني) القطع بالقول الثاني ويحكى هذا عن ابن سريج (وإذا قلنا) به فهل للبائع
حبس القيمة لاخذ الثمن فيه وجهان (أحدهما) نعم كما يحبس المرتهن قيمة المرهون (وأظهرهما) لا لان
الحبس غير مقصود بالعقد حتى ينتقل إلى البدل بخلاف الرهن ولهذا لو أتلف الراهن المرهون غرم
القيمة والمشتري إذا أتلف المبيع لا يغرم القيمة ليحبسها البائع وعلى الأول لو تلفت القيمة في يده
بآفة سماوية هل ينفسخ البيع لأنها بدل المبيع فيه وجهان (أظهرهما) لا (والثالث) ان يتلفه البائع
فطريقان (أظهرهما) انه على قولين (أصحهما) انفساخ البيع كما في الآفة السماوية لأن المبيع مضمون
401

عليه بالثمن فإذا أتلفه سقط الثمن وبهذا قال أبو حنيفة (والثاني) المنع كاتلاف الأجنبي لأنه جنى
على ملك غيره فعلى هذا ان شاء المشترى فسخ البيع وسقط الثمن وان شاء أجاز وغرم القيمة
البائع وادى الثمن وقد يقع ذلك في أقوال التقاص (والثاني) القطع بالقول الأول فإن لم نحكم
بالانفساخ عاد الخلاف في حبس القيمة * وعن الشيخ أبى محمد القطع بأنه لا حبس ههنا لتعديه باتلاف
العين * ولو باع شقصا من عبد واعتق باقيه قبل القبض وهو موسر عتق كله وانفسخ البيع وسقط الثمن أن
جعلنا اتلاف البائع كالآفة السماوية وان جعلناه كاتلاف الأجنبي فللمشتري الخيار ولو استعمل
البائع المبيع قبل القبض فلا اجرة عليه ان جعلنا اتلافه كالآفة السماوية والا فعليه الأجرة * واتلاف
402

الأعجمي والصبي الذي لا يميز بأمر البائع أو المشترى كاتلافهما واتلاف المميز بأمرهما كاتلاف الأجنبي
وذكر القاضي الحسين رحمه الله ان أذن المشتري للأجنبي في الاتلاف يلغو وإذا أتلف فله الخيار
وانه لو أذن البائع في الاكل والاحراق ففعل كان التلف من ضمان البائع بخلاف ما إذا أذن للغاصب
ففعل يبرأ لان الملك ثم مستقر * ورأيت في فتاوى القفال أن اتلاف عبد البائع كاتلاف الأجنبي وكذا
اتلاف عبد المشتري بغير اذنه فان أجاز جعل قابضا كما لو أتلفه بنفسه وان فسخ اتبع البائع الجاني وانه
لو كان المبيع علفا فاعتلفه حمار المشترى بالنهار ينفسخ البيع وان اعتلفه بالليل لا ينفسخ وللمشتري الخيار
فان أجاز فهو قابض والا طالبه البائع بقيمة ما أتلفه حماره وفى بهيمة البائع أطلق القول بأن اتلافها كالآفة
403

السماوية قيل له هلا فرقت أيضا بين الليل والنهار فقال هذا موضع التروي * ولو صال العبد المبيع على
المشتري في يد البائع فقتله دفعا فعن الشيخ أبي علي أنه لا يستقر الثمن عليه وعن القاضي أنه يستقر لأنه
أتلفه في غرض نفسه * ولو أخذ المشتري المبيع بغير اذن البائع فللبائع الاسترداد إذا ثبت له حق الفسخ
وان أتلفه في يد المشتري ففيه قولان عن رواية صاحب التقريب (أحدهما) أن عليه القيمة ولا خيار
للمشترى لاستقرار العقد بالقبض وإن كان ظالما فيه (والثاني) أنه يجعل مستردا بالاتلاف كما أن المشتري
قابض بالاتلاف وعلى هذا فينفسخ البيع أو يثبت الخيار للمشتري قال الامام رحمه الله الظاهر الثاني (واعلم)
أن وقوع الدرة في البحر قبل القبض بمثابة التلف ينفسخ به البيع وكذا انفلات الطير والصيد المتوحش
404

قاله في التتمة * ولو غرق البحر الأرض المشتراة أو وقع عليها صخور عظيمة من جبل بجنبها أو لبسها رمل فهي
بمثابة التلف أو أثرها ثبوت الخيار فيه وجهان الأشبه الثاني * ولو ابق العبد قبل القبض أو ضاع في انتهاب
العسكر لم ينفسخ البيع لبقاء المالية ورجاء العود وفيه وجه أنه ينفسخ كما في التلف * ولو غصبه غاصب
فليس إلا الخيار فان أجاز لم يلزمه تسليم الثمن وان سلمه فعن القفال انه ليس له الاسترداد لتمكنه من الفسخ
وان أجاز ثم أراد الفسخ فله ذلك كما لو انقطع المسلم فيه فأجاز ثم أراد الفسخ لأنه يتضرر كل ساعة
وحكى عن جواب القفال مثله فيما إذا أتلف الأجنبي المبيع قبل القبض وأجاز المشترى ليتبع الجاني
ثم أراد الفسخ وقال القاضي في هذه الصورة وجب أن لا يمكن من الرجوع لأنه رضى بما في ذمة الأجنبي
405

فأشبه الحوالة * ولو جحد البائع العين قبل القبض فللمشتري الفسخ لحصول التعذر (وأما) لفظ الكتاب
فقوله أما الحكم فهو انتقال الضمان إلى المشتري والتسليط على التصرف ترجمة لحكمي القبض معا
وشرح الحكم الثاني وتفصيله يبتدئ من قوله وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قبل
ذلك يتعلق بالحكم الأول (وقوله) في ضمان البائع معلم - بالميم والألف - وكذا قوله انفسخ العقد وقوله قبض
منه - بالواو - وقوله على أصح القولين - بالواو - للطريقة الجازمة وقوله كاتلاف الأجنبي على الأصح جواب
على طريقة اثبات القولين فيجوز اعلام الأصح - بالواو - واعلام قوله كاتلاف الأجنبي - بالحاء - لما سبق
ثم قضية ما ذكروه أن يكون الأصح في اتلاف البائع ثبوت الخيار لا الانفساخ لان الامر
406

كذلك في اتلاف الأجنبي لكن جمهور الأصحاب رحمهم الله على أن الانفساخ أصح فاعرف ذلك *
(فرع) منقول عن فتاوى القاضي * باع عبدا من رجل ثم باعه من آخر وسلمه إليه وعجز عن
انتزاعه وتسليمه إلى الأول فهذا جناية منه على المبيع فينزل منزلة الجناية الحسية حتى ينفسخ البيع
في قول ويثبت للمشتري الخيار في الثاني بين أن يفسخ وبين أن يجيز ويأخذ القيمة من البائع ولو
أنه طالب البائع بالتسليم وزعم قدرته عليه وقال البائع أنا عاجز حلف عليه فان نكل حلف المدعى
على أنه قادر ثم حبس إلى أن يسلم أو يقيم بينته على عجزه ولو ادعى المشتري الأول على الثاني العلم
بالحال فأنكر حلفه فان نكل حلف هو وأخذه منه *
407

قال (وان تعيب المبيع بآفة سماوية قبل القبض فللمشتري الخيار فان أجاز يجيز بكل الثمن
ولا يطالب بالأرش إلا أن يكون التعيب بجناية أجنبي فيطالبه بالأرش وكذا إن كان بجناية
البائع على الأصح) *
ذكرنا حكم التلف والاتلاف الكليين قبل القبض فاما إذا طرأ عيب أو نقصان نظر إن كان
بآفة سماوية كما إذا عمى العبد أو شلت يده أو سقطت فللمشتري الخيار ان شاء فسخ والا
أجاز بجميع الثمن ولا أرش له مع القدرة على الفسخ وإن كان بجناية جان عادت الأقسام الثلاثة
(أولها) أن يكون الجاني المشتري فإذا قطع يد العبد مثلا قبل القبض فلا خيار له لحصول النقص
408

بفعله بل يمتنع بسببه الرد بسائر العيوب القديمة أيضا ويجعل قابضا لبعض المبيع حتى يستقر عليه
ضمانه وإن مات العبد في يد البائع بعد الاندمال فلا يضمن اليد المقطوعة بأرشها المقدر ولا بما نقص
من القيمة بالقطع وإنما يضمنها بجزء من الثمن كما يضمن الكل بالثمن وفي مقداره وجهان
(أصحهما) وبه قال ابن سريج وابن الحداد أنه يقوم العبد صحيحا ثم يقوم مقطوعا ويعرف التفاوت
بينهما فيستقر عليه من الثمن بمثل تلك النسبة (بيانه) إذا قوم صحيحا بثلاثين ومقطوعا بخمسة عشر
فعليه نصف الثمن ولو قوم مقطوعا بعشرين فعليه ثلث الثمن (والثاني) ويحكى عن القاضي أبي الطيب
أنه يستقر من الثمن بنسبة أرش اليد من القيمة وهو النصف وعلى هذا لو قطع يديه واندملتا ثم
409

مات العبد في يد البائع وجب على المشتري تمام الثمن وهذا كله تفريع على المذهب الصحيح
وهو أن اتلاف المشتري قبض منه وعلى الوجه المنسوب إلى رواية الشيخ أبي علي أنه لا يجعل قابضا
لشئ من العبد وعليه ضمان اليد بأرشها المقدر وهو نصف القيمة كالأجنبي وقياسه أن يكون له
الخيار (وثانيها) إذا قطع أجنبي يده قبل القبض فللمشتري الخيار ان شاء فسخ وتبع البائع الجاني
وان شاء أجاز البيع بجميع الثمن وغرم الجاني قال القاضي الماوردي وإنما يغرمه إذا قبض العبد
اما قبله فلا لجواز موت العبد في يد البائع وانفساخ البيع ثم الغرامة الواجبة على الأجنبي نصف
القيمة أو ما نقص من القيمة بالقطع فيه قولان جاريان في جراح العبد مطلقا والأصح الأول (وثالثها)
410

إذا قطع البائع يد العبد قبل التسليم فان جعلنا جنايته كالآفة السماوية فللمشتري الخيار ان شاء فسخ
واسترد الثمن وإن شاء أجاز بجميع الثمن وان جعلناها كجناية الأجنبي فله الخيار أيضا ان فسخ فذاك وان
أجاز رجع بالأرش على البائع وفي قدره القولان المذكوران في الأجنبي وصاحب الكتاب جعل
القول الصائر إلى أن جناية البائع كجناية الأجنبي أصح لكن معظم الأصحاب على ترجيح القول
المقابل له (وقوله) إلا أن يكون التعيب بجناية أجنبي استثناء منقطع فإنه لا يدخل فيما قبله حتى يحمل
على حقيقة الاستثناء *
(قال وتلف أحد العبدين يوجب الانفساخ في ذلك القدر (و) وسقوط قسطه من الثمن * والسقف
411

من الدار كأحد العبدين لا كالوصف على الأظهر) *
إذا اشترى عبدين وتلف أحدهما قبل القبض انفسخ البيع فيه وفي الثاني قولا تفريق الصفقة
فان قلنا لا يفسخ وأجاز فبكم يجيزه قد ذكرناه في باب التفريق وفيه ما يقتضي اعلام قوله قسطه من الثمن - بالواو - وقد أورد المسألة في الكتاب وإنما أعادها ههنا ليتبين أن المسألة الثانية دائرة بين هذه المسألة
وبين صور العيب فلذلك تردد الأصحاب فيها (وصورتها) أن يحترق سقف الدار المبيعة قبل القبض
أو يتلف بعض أبنيتها وفيه وجهان (أحدهما) أنه كتعيب المبيع مثل عمى العبد وسقوط يده وما
أشبههما (وأظهرهما) أنه كتلف أحد العبدين حتى ينفسخ البيع فيه وفي الباقي الخلاف لان السقف
412

يمكن إفراده بالبيع بتقدير الانفصال بخلاف يد العبد (وقوله) لا كالوصف فيه إشارة إلى أن
النقصان ينقسم إلى فوات صفة وهو العيب والى فوات جزء وذلك ينقسم إلى ما لا ينفرد بالقيمة
المالية كيد العبد وهي في معنى الاتباع والأوصاف والى ما يفرد كأحد العبدين واحد الصاعين
وذكر بعض المتأخرين أنه إذا احترق من الدار ما يفوت الغرض المطلوب منها ولم يبق الا طرف
ينفسخ البيع في الكل ويجعل فوات البعض في مثل ذلك كفوات الكل *
قال (وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض ولا يقاس على البيع العتق (و)
والهبة (و) والرهن وكذلك لا يقاس عليه والإجارة التزويج على الأصح) *
413

الحكم الثاني للقبض التسلط على التصرف فلا يجوز بيع المبيع قبل القبض عقارا كان أو
منقولا لا باذن البائع ولا دونه لا قبل أداء الثمن ولا بعده خلافا لأبي حنيفة رحمه الله حيث قال
يجوز بيع العقار قبل القبض ولمالك رحمه الله حيث جوز بيع غير الطعام قبل القبض وكذا بيع
الطعام إذا اشتراه جزافا ولأحمد رحمه الله حيث جوز بيع ما ليس بمكيل ولا موزون ولا معدود
ولا مذروع قبل القبض ويروى عن مالك وأحمد رحمهما الله ما بينه وبين هذه الرواية بعض
التفاوت * لنا ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال - من ابتاع طعاما فلا
ببيعه حتى يستوفيه) (1) وقال ابن عباس رضي الله عنهما (أما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه
وسلم فهو الطعام ان يباع حتى يستوفي قال ولا أحسب كل شئ الا مثله) (2) وروى أنه صلى الله
414

عليه وسلم (نهى عن بيع ما لم يقبض وربح ما لم يضمن) (1) وروى أنه لما بعث عتابا إلى مكة قال
(أنههم عن بيع ما لم يقبضوا وربح ما لم يضمنوا) (2) وذكر الأصحاب من طريق المعنى سببين (أحدهما)
أن الملك قبل القبض ضعيف لكون المبيع من ضمان البائع وانفساخ البيع لو تلف فلا يفيد ولاية
التصرف (والثاني) أنه لا يتوالى ضمانا عقدين في شئ واحد ولو نفذنا البيع من المشتري لأفضى
415

الامر إليه لأن المبيع مضمون على البائع للمشترى وإذا نفذ منه صار مضمونا عليه للمشترى الثاني
فيكون الشئ الواحد مضمونا له وعليه في عقدين والاعتماد على الاخبار والا فللمعترض أن يقول
تعنون بضعف الملك الانفساخ لو فرض تلف أو شيئا آخر ان عنيتم شيئا آخر فهو ممنوع وان عنيتم
الأول فلم قلتم ان هذا القدر يمنع صحة البيع (وأما) الثاني فلا يعرف لكون المبيع من ضمانه معنى
سوى انه لو تلف ينفسخ البيع ويسقط الثمن فلم لا يجوز أن يصح البيع ثم لو تلف في يد البائع ينفسخ
البيعان ويسقط الثمنان ويتبين أنه هلك في يده * إذا تقرر ذلك فهل لاعتاق كالبيع فيه وجهان
(أحدهما) ويحكى عن ابن خيران نعم لأنه إزالة ملك كالبيع (وأصحهما) لا بل يصح الاعتاق ويصير
416

قابضا به لقوة العتق وغلبته ولهذا يجوز اعتاق الآبق دون بيعه هذا إذا لم يكن للبائع حق الحبس
بأن كان الثمن مؤجلا أو حالا وقد أداه المشترى فإذا ثبت حق الحبس فمنهم من ينزله منزلة اعتاق
الراهن (والصحيح) أنه ينفذ كما في الحالة الأولى بخلاف اعتاق الراهن لان الراهن لان الراهن حجر على نفسه
بالرهن والرهن أنشئ ليحبسه المرتهن * ولو وقف المبيع قبل القبض ففي التتمة انه يبنى على أن
الوقف هل يفتقر إلى القبول (إن قلنا) نعم فهو كالبيع (وان قلنا) بالثاني فهو كالاعتاق وبهذا أجاب
صاحب الحاوي وقال إنه يصير قابضا حتى لو لم يرفع البائع يده عنه يصير مضمونا بالقيمة وكذا
قال في إباحة الطعام للفقراء والمساكين إذا كان قد اشتراه جزافا والكتابة كالبيع في أصح الوجهين
417

إذ ليس لها قوة العتق وغلبته والاستيلاد كالعتق * وفي هبة المبيع قبل القبض ورهنه وجهان ويقال
قولان (أحدهما) انهما صحيحان لان التسليم غير لازم فيهما بخلاف البيع وهذا ما أورده في الكتاب
(وأصحهما) عند عامة الأصحاب المنع لضعف الملك فإنه كما يمنع البيع يمنع الهبة الا ترى أنه لا يصح
رهن المكاتب وهبته كما لا يصح بيعه وقطع بعضهم بمنع الرهن إذا كان محبوسا بالثمن وإذا صححناهما
فنفس العقد ليس بقبض بل يقبضه المشتري من البائع ثم يسلمه من المتهب أو المرتهن ولو أذن للمتهب
أو المرتهن حتى قبضه ففي التهذيب انه يكفي ذلك ويتم به البيع والهبة والرهن بعده وقال أقضى
القضاة الماوردي لا يكفي ذلك للبيع وما بعده ولكن ينظر ان قصد قبضه للمشتري صح قبض
418

البيع ولا بد من استئناف قبض للهبة ولا يجوز أن يأذن له في قبضه من نفسه لنفسه وان قصد
قبضه لنفسه لم يحصل القبض للبيع ولا للهبة فان قبضها يجب أن يتأخر عن تمام البيع والاقراض
والتصدق كالهبة والرهن ففيهما الخلاف * وفي إجارة المبيع قبل قبضه وجهان (أحدهما) يصح لان مورد عقد
الإجارة غير مورد عقد البيع فلا يتوالى ضمانا عقدين من جنس واحد (والثاني) لا يصح لضعف الملك ولان
التسليم مستحق فيها كما في البيع (والأصح) عند المعظم الثاني وعند صاحب الكتاب الأول * وفي
تزويج المشتري الجارية قبل القبض مثل هذين الوجهين لكن الأصح في التزويج الصحة بالاتفاق
ومنهم من أشار إلى وجه ثالث فارق بين أن يكون للبائع حق الحبس فلا يصح التزويج لأنه منقص
419

وبين أن لا يكون فيصح وطرد مثله في الإجارة إذا كانت منقصة وإذا صححنا التزويج فوطئ الزوج
لا يكون قبضا وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه قبض وكما لا يجوز بيع المبيع قبل القبض لا يجوز جعله
اجرة في إجارة وعوضا في صلح وكذا لا يجوز السلم والاشراك والتولية وعن مالك أنه يجوز الاشراك
والتولية وحكاه الشيخ أبو علي عن بعض الأصحاب * وجميع ما ذكرناه فيما إذا تصرف مع غير البائع
(أما) إذا باع من البائع فوجهان (أحدهما) الجواز كبيع المغصوب من الغاصب (وأصحهما) المنع
كالبيع من غيره والوجهان فيما إذا باع بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقصان أو تفاوت صفة والا فهو إقالة
بصيغة البيع قاله في التتمة * ولو وهب منه أو رهن فطريقان (أحدهما) القطع بالمنع لأنه لا يجوز أن
420

يكون نائبا من المشتري في القبض (وأصحهما) فيما نقل صاحب التهذيب أنه على القولين فان جوزنا
فإذا أذن له في القبض عن الهبة أو الرهن ففعل أجزأ ولا يزول ضمان البيع في صورة الرهن بل
إذا تلف ينفسخ العقد ولو رهنه من البائع بالثمن فقد مر حكمه *
(فرع) لابن سريج * باع عبدا بثوب وقبض الثوب ولم يسلم العبد له بيع
الثوب وليس للاخر بيع العبد فلو باع الثوب وهلك العبد في يده بطل العقد فيه ولا يبطل
في الثوب ويغرم قيمته لبائعه ولا فرق بين أن يكون هلاك العبد بعد تسليم الثوب أو قبله
لخروجه عن ملكه بالبيع ولو تلف العبد والثوب في يده غرم لبائع الثوب القيمة ورد على مشتريه الثمن *
421

قال (وبيع الميراث والوصية والملك العائد بالفسخ قبل القبض والاسترداد جائز وإنما المانع
يد تقتضي ضمان العقد ولذلك لا يجوز بيع الصداق قبل القبض إذا قلنا إنه مضمون على الزوج
ضمان العقد وكذلك في بدل الخلع والصلح عن دم العمد) *
المال المستحق للانسان عند غيره قسمان عين في يد غيره ودين في ذمته (أما) الثاني فيأتي في
الفصل التالي لهذا الفصل (وأما) القسم الأول فماله في يد الغير إما أن يكون أمانة أو مضمونا (الضرب
الأول) الأمانات فيجوز للمالك بيعها لتمام الملك عليها وحصول القدرة على التسليم وهي كالوديعة
في يد المودع ومال الشركة والقراض في يد الشريك والعامل والمال في يد الوكيل بالبيع ونحوه
422

وفي يد المرتهن بعد انفكاك الرهن وفي يد المستأجر بعد انقضاء المدة والمال في يد القيم بعد بلوغ
الصبي رشيدا وما اختطبه العبد واكتسبه وقبله بالوصية قبل أن يأخذه السيد * ولو ورث مالا فله
بيعه قبل قبضه إلا إذا كان المورث لا يملك بيعه أيضا مثل ما اشتراه ولم يقبضه * ولو اشترى من مورثه
شيئا ومات المورث قبل التسليم فله بيعه سواء كان على المورث دين أو لم يكن وحق الغريم يتعلق
بالثمن فإن كان له وارث آخر لم ينفذ بيعه في قدر نصيب الاخر حتى يقبضه * ولو أوصى له بمال
فقبل الوصية بعد موت الموصي فله بيعه قبل أخذه ولو باعه بعد الموت وقبل القبول جاز (ان قلنا)
الوصية تملك بالموت (وان قلنا) تملك بالقبول أو هو موقوف فلا (الضرب الثاني) المضمونات وهي
423

ضربان مضمون بالقيمة ومضمون بعوض في عقد معاوضة (الضرب الأول) المضمون بالقيمة
وهذا الضمان يسمى ضمان اليد فيصح بيعه قبل القبض أيضا لتمام الملك فيه فإنه لو تلف تلف على ملكه
ويدخل فيه ما صار مضمونا بالقيمة بعقد مفسوخ وغيره حتى لو باع عبدا فوجد المشتري به عيبا
وفسخ البيع كان للبائع بيع العبد وإن لم يسترده قال في التتمة إلا إذا لم يرد الثمن فان
للمشتري حبسه إلى استرجاع الثمن * ولو فسخ السلم لانقطاع المسلم فيه فللمسلم بيع رأس المال قبل
استرداده وكذا للبائع بيع المبيع إذا فسخ بافلاس المشتري ولم يسترده بعد * ويجوز بيع
المال في يد المستعير والمستام وفي يد المشتري والمنهب في الشراء والهبة الفاسدين وكذا
424

بيع المغصوب من الغاصب (الضرب الثاني) المضمون بعوض في عقد معاوضة فلا يصح بيعه قبل
القبض لتوهم الانفساخ بتلفه وذلك كالمبيع والأجرة والعوض المصالح عليه عن المال * وفي بيع المرأة
الصداق قبل القبض قولان مبنيان على أن الصداق مضمون في يد الزوج ضمان اليد أو ضمان العقد
وموضع بيانهما كتاب الصداق (والأصح) أنه مضمون ضمان العقد والقولان جاريان في بيع الزوج
بدل الخلع قبل القبض وبيع العافي عن القود المال المعقود عليه قبل القبض لمثل هذا المأخذ والله أعلم *
ووراء ما ذكرنا صورة أخرى إذا تأملتها لم يخف عليك أن كل واحدة منها من أي ضرب هي (فمنها)
حكى صاحب التلخيص عن نص الشافعي رضي الله عنه أن الأرزاق التي يخرجها السلطان
425

للناس يجوز بيعها قبل القبض (فمن) الأصحاب من قال هذا إذا أفرزه السلطان
فتكون يد السلطان في الحفظ يد المفرز له ويكفي ذلك لصحة البيع (ومنهم) من لم يكتف بذلك
وحمل النص على ما إذا وكل وكيلا بقبضه فقبضه الوكيل ثم باعه الموكل والا فهو بيع شئ غير
مملوك وهذا ما أورده القفال في الشرح (ومنها) بيع أحد الغانمين نصيبه على الإشاعة قبل القبض
صحيح إذا كان معلوما كما إذا كانوا خمسة فالخمس لأهل الخمس والباقي على خمسة أسهم فيكون نصيب
الواحد أربعة من خمسة وعشرين وهذا إذا حكمنا بثبوت الملك في الغنيمة وفيما تملك به الغنيمة خلاف
يذكر في موضعه (ومنها) إذا رجع فيما وهب لولده له بيعه قبل استرداده وقال القاضي ابن كج ليس
426

له ذلك (1) (ومنها) الشفيع إذا تملك الشقص قال في التهذيب له بيعه قبل القبض وقال في التتمة ليس
له ذلك لان الاخذ بالشفعة معاوضة وللموقوف عليه أن يبيع الثمرة الخارجة من الشجرة الموقوفة
قبل أن يأخذها (ومنها) إذا استأجر صباغا ليصبغ له ثوبا وسلمه إليه فليس للمالك بيعه ما لم يصبغه لان له
أن يحبسه إلى أن يعمل ما يستحق به العوض وإذا صبغه فله بيعه قبل الاسترداد إن وفي الأجرة والا
فلا لأنه يستحق حبسه إلى استيفاء الأجرة ولو استأجر قصار القصارة ثوب وسلمه إليه فلا يجوز بيعه
ما لم يقصره وإذا قصره فيبني على أن القصارة عين فتكون كمسألة الصبغ أو أثر فله البيع إذ ليس للقصار
الحبس وعلى هذا قياس صوغ الذهب ورياضة الدابة ونسج الغزل (ومنها) إذا قاسم شريكه فبيع

(1) مسالة بيع ما وهبه لولده قبل استرداده ليست في النسخة التي بأيدينا ولكنها موجودة بنسخة أخرى نقلناها برمتها اه‍ مصححه
427

ما صار له قبل القبض من الشريك يبني على أن القسمة بيع أو افراز (ومنها) إذا أثبت صيدا بالرمي أو
وقع في شبكته فله بيعه وان لم يأخذه ذكره صاحب التلخيص في هذا الموضع قال القفال وليس هو مما نحن
فيه فإنه إذا أثبته كان في قبضته حكما *
(فرع) تصرف المشتري في زوائد المبيع قبل القبض مثل الولد والثمرة يبني على أنه تعود
إلى البائع لو عرض انفساخ أولا تعود إن عادت لم يتصرف فيها كما في الأصل والا تصرف * ولو كانت
الجارية حاملا عند البيع وولدت قبل القض ان قلنا الحمل يقابله قسط من الثمن لم يتصرف فيه والا فهو كالولد
الحادث بعد البيع *
428

قال (والمبيع سواء كان منقولا أو عقارا) (ح) فيمتنع (م) بيعه قبل القبض وإن كان دينا كالمسلم
فيه فكمثل (م) وكل دين ثبت لا بطريق المعاوضة بل بقرض أو باتلاف فيجوز الاستبدال عنه ولكن
بشرط قبض البدل في المجلس على الأصح ولا يجوز بيع الدين من غير من عليه الدين على الأصح
والأظهر منع الحوالة بالمسلم فيه وعليه لان في الحوالة معنى الاعتياض ويجوز (و) أن يستبدل عن
النقد بالنقد
وإن كان ثمنا (و) للحديث هذا إذا لم يكن معينا فان عين تعين (ح) وامتنع (ح)
الاستبدال عنه وانفسخ العقد بتلفه (ح) *
قوله والمبيع سواء كان منقولا أو عقارا فيمتنع بيعه قبل القبض كأنه قصد به التعرض لمذهب أبي حنيفة رحمه
429

الله في العقار والتدرج به إلى ذكر ما إذا كان المبيع دينا والا فقد سبق ما يعرف منه امتناع بيع المبيع قبل القبض
وشرح الفصل يحوج إلى تقديم وتأخير في مسائله فلا نبال بذلك (واعلم) ان من مسائل القسم الأول
وهو أن يكون المستحق عينا في يد الغير ما إذا باع متاعا بدراهم أو دنانير معينة فليس للبائع التصرف فيهما
قبل القبض وذلك لان الدراهم والدنانير متعينان بالتعيين كالمبيع فلا يجوز للمشتري ابدالها بمثلها ولو تلفت
قبل القبض انفسخ البيع ولو وجد البائع بها عيبا لم يستبدلها بل يرضى بها أو يفسخ العقد وبهذا قال
أحمد وقال أبو حنيفة لا تتعين ويجوز ابدالها بمثلها وإذا تلفت قبل القبض لا ينفسخ العقد وإذا وجد
بها عيبا فله الاستبدال * لنا القياس على طرف البيع وأيضا فان الدراهم والدنانير تعينان في الغصب والوديعة
430

فكذلك ها هنا. ولو أبدلها بمثلها أو * بغير جنسها برضى البائع فهو كبيع المبيع من البائع (القسم
الثاني) الدين في ذمة الغير وهو على ثلاثة اضرب لأنه إما أن يكون مثمنا أو ثمنا أو لا مثمنا ولا ثمنا وقبل
الشروع في هذه الأضرب نذكر أصلا وهو ان الثمن ماذا والمثمن ماذا وجملة ما قيل فيه ثلاثة أوجه (أحدها) أن
الثمن ما الصق به الباء لأن هذه الباء تسمى باء التثمين ويحكى هذا عن القفال (والثاني) ان الثمن هو النقد
لان أهل العرف لا يطلقون اسم الثمن على غيره والمثمن ما يقابل ذلك على اختلاف الوجهين (والثالث)
وهو الأصح ان الثمن هو النقد والمثمن ما يقابله فإن لم يكن في العقد نقد أو كان العوضان نقدين فالثمن
ما الصق به الباء والمثمن ما يقابله * ولو باع أحد النقدين بالآخر فعلى الوجه الثاني لا مثمن فيه ولو باع
431

عرضا بعرض فعلى الوجه الثاني لا ثمن فيه وإنما هو مقابضة ولو قال بعتك هذه الدراهم بهذا العبد
فعلى الوجه الأول العبد ثمن والمثمن الدراهم وعلى الثاني والثالث في صحة العقد وجهان كالسلم في
الدراهم والدنانير لأنه جعل الثمن مثمنا فان صححنا فالعبد مثمن * ولو قال بعتك هذا الثوب بعبد
ووصفه صح العقد فان قلنا الثمن ما الصق به الباء فالعبد ثمن ولا يجب تسليم الثوب في المجلس وان
لم نقل بذلك ففي وجوب تسليم الثوب وجهان في وجه لا يجب إذ لم يجر بينهما لفظ السلم وفي وجه
يجب اعتبارا بالمعنى * إذا عرفت هذه المقدمة (فالضرب الأول) المثمن وهو المسلم فيه فلا يجوز الاستبدال
عنه ولا بيعه من غيره روى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
432

" من أسلف في شي ء فلا يصرفه إلى غيره " (1) وأيضا فان المبيع مع تعينه لا يجوز بيعه قبل القبض فالمسلم
فيه مع كونه مرسلا في الذمة أولى وهل للحوالة مدخل في المسلم فيه (إما) به بأن يحيل المسلم إليه المسلم
بحقه على من له عليه دين قرض أو اتلاف (وإما) عليه بان يحيل المسلم من له عليه دين قرض أو اتلاف
على المسلم إليه فيه ثلاثة أوجه (أصحها) لا لما فيه من تبديل المسلم فيه بغيره (والثاني) نعم تخريجا على
أن الحوالة استيفاء وايفاء لا اعتياض (والثالث) لا تجوز الحوالة عليه لأنها بيع سلم بدين وتجوز
الحوالة به على القرض ونحوه لان الواجب على المسلم إليه توفير الحق على المسلم وقد فعل هكذا حكى
433

الوجه الثالث امام الحرمين وهو حاصل ما رواه القاضي ابن كج عن أبي علي الطبري وأبي الحسين بعد
رواية الوجه الثاني عن ابن الوكيل وعكس صاحب الكتاب رحمه الله الوجه الثالث في الوسيط وقال
تجوز الحوالة عليه ولا تجوز به ولا اخاله ثابتا *
(الضرب الثاني) الثمن فإذا باع بدراهم أو دنانير في الذمة ففي الاستبدال عنها قولان (القديم)
أنه لا يجوز لمطلق النهي عن بيع ما لم يقبض وأيضا فإنه عوض في معاوضة فأشبه المسلم فيه (والجديد) الجواز
لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " كنت أبيع الإبل بالبقيع بالدنانير وآخذ مكانها الورق وأبيع
بالورق وآخذ مكانها الدنانير فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال لا بأس به بالقيمة
434

ويروى أنه قال لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شئ " (1) وعن القاضي أبى حامد وأبى الحسين رحمهما الله
القطع بالقول الثاني * وإذا باع شيئا بغير الدراهم والدنانير في الذمة فجواز الاستبدال عنه يبنى على أن
الثمن ما ألصق به باء التثمين أو غيره (إن قلنا) انه هو فيجوز الاستبدال عنه كالنقدين وادعى في التهذيب
أنه المذهب (وان لم نقل) بذلك فلا يجوز لان ما ثبت في الذمة مثمنا لا يجوز أن يستبدل عنه والأجرة كالثمن
435

والصداق وبدل الخلع كذلك ان قلنا إنهما مضمونان ضمان عقد والا فهما كبدل الاتلاف (التفريع) ان منعنا
الاستبدال عن الدراهم فذاك في استبدال العروض عنها فاما استبدال نوع عنها عن نوع أو استبدال
الدنانير عن الدراهم ففيه وجهان عن صاحب التقريب لاستوائهما في مقصود الرواج وان جوزنا
الاستبدال عنها وهو الصحيح فلا فرق بين بدل وبدل ثم ينظر ان استبدل عنها ما يوافقها في علة
الربا كما إذا استبدل عن الدراهم الدنانير فيشترط قبض البدل في المجلس وكذا إذا استبدل عن الحنطة
المبيع بها شعيرا ان جوزنا ذلك ففي اشتراط تعين البدل عند العقد وجهان (أحدهما) يشترط والا فهو
بيع دين بدين (وأصحهما) أنه لا يشترط كما لو تصارفا في الذمة ثم عينا وتقابضا في المجلس * وان استبدل عنها
436

ما لا يوافقها في علة الربا كما إذا استبدل عن الدراهم طعاما أو ثيابا نظر ان عين البدل جاز وهل يشترط قبضه في
المجلس فيه وجهان (أحدهما) نعم وهو اختيار الشيخ أبي حامد ويحكى عن أبي إسحاق لان أحد العوضين
دين فيشترط قبض الثاني كرأس مال السلم (وأصحهما) عند الامام وصاحب التهذيب أنه لا يشترط كما
لو باع ثوبا بدرهم في الذمة لا يشترط قبض الثوب في المجلس ويحكي هذا عن ابن سريج * وان لم يعين
البدل ولكن كان موصوفا في الذمة فعلى ما سبق من الوجهين (ان جوزنا) فلا بد من التعيين في المجلس
وفي اشتراط القبض الوجهان *
(الضرب الثالث) ما ليس بثمن ولا مثمن كدين القرض والاتلاف فيجوز الاستبدال عنه بلا
437

خلاف كما لو كان في يده عين مال بغصب أو عارية يجوز بيعه منه ويفارق المسلم فيه فإنه غير مستقر
لجواز أن يطرأ ما يقتضي انفساخ السلم وهذا مستقر * ثم الكلام في اعتبار التعيين والقبض على
ما سبق * وفي الشامل ان القرض إنما يستبدل عنه إذا استهلكه أما إذا بقي في يده فلا لأنا إن قلنا إن
القرض يملك بالقبض فبدله غير مستقر في الذمة لان للمقرض ان يرجع في عينه وان قلنا يملك
بالتصرف فالمستقرض متسلط عليه وذلك يوجب ضعف ملك المقرض فلا يجوز الاعتياض عنه والله
أعلم * ولا يجوز استبدال المؤجل عن الحال ويجوز العكس وكان من عليه المؤجل قد عجله (واعلم)
أن الاستبدال بيع ممن عليه الدين وقد تبين حكمه فاما بيعه من غير من عليه كما إذا كان على إنسان
438

مائة فاشترى من آخر عبدا بتلك المائة فقولان (أحدهما) أنه يجوز كبيعه ممن عليه (وأصحهما)
المنع لعدم القدرة على التسليم وعلى الأول يشترط أن يقبض مشترى الدين الدين ممن عليه وان يقبض
بائع الدين العوض في المجلس حتى لو تفرقا قبل قبض أحدهما بطل العقد * ولو كان له دين على إنسان
ولآخر مثله على ذلك الانسان فباع أحدهما ماله عليه بما لصاحبه وقبل الاخر لم يصح إن اتفق
الجنس أو اختلف (لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ) (1) (وقوله) في
439

الكتاب وكل دين ثبت لا بطريق المعاوضة بل بقرض أو اتلاف لا شبهة أن دين الاتلاف
ثبت لا بطريق المعاوضة (وأما) دين القرض فسيأتي في فصل القرض أنه ليس على سبيل
المعاوضات أيضا (وقوله) ولكن يشترط قبض البدل في المجلس على الأصح أي من الوجهين وترجيح
وجه الاشتراط خلاف ما ذكرنا عن اختيار الإمام وصاحب التهذيب لكنه متأيد بظاهر نصه في
440

المختصر وبه قال جماعة من الأصحاب (وقوله) ويجوز أن يستبدل عن النقد النقد وإن كان ثمنا أي
استبدال أحد النقدين عن الاخر لا يختص بدين القرض والاتلاف بل يجرى في الثمن أيضا
وليعلم قوله وإن كان ثمنا - بالواو - للقول الاخر وأراد بالحديث ما رويناه عن ابن عمر رضي الله عنه
ما *
قال (اما صورة القبض فيحكم فيه بالعادة ففي العقار يكفي فيه التخلية وفى المنقول يكفي فيه النقل
ولا يكفي التخلية (م ح) وقد قيل يحصل انتقال الضمان بالتخلية وما يشترى مكايلة فتمام القبض فيه بالنقل
والكيل فإذا اشترى مكايلة فلا بد لكل بيع (و) من كيل جديد ليتم القبض للحديث) *
441

قد تم بيان الأمر الأول وهو حكم القبض وثمرته وهذا أول الشروع في الأمر الثاني
وهو أن القبض بم يحصل والقول الجملي فيه أن الرجوع فيما يكون قبضا إلى العادة ويختلف
بحسب اختلاف المال وتفصيله أن المال إما أن يباع من غير اعتبار وتقدير فيه أو يباع معتبرا
فيه تقدير (الحالة الأولى) أن لا يعتبر فيه تقدير اما لعدم إمكانه أو مع الامكان فينظر إن
كان المبيع مما لا ينقل كالدور والأراضي فقبضه بالتخلية بينه وبين المشترى وتمكينه من اليد
والتصرف بتسليم المفتاح إليه ولا يعتبر دخوله وتصرفه فيه ويشترط كونه فارغا عن أمتعة البائع فلو
باع دارا فيها أمتعة للبائع توقف التسليم على تفريغها وكذا لو باع سفينة مشحونة بأمتعة لكون البائع
442

مستعملا للمبيع منتفعا به * ولو جمع البائع متاعه في بيت من الدار وخلى بين المشترى وبين الدار
حصل القبض فيما عدا ذلك البيت * وفى اشتراط حضور المتبايعين عند المبيع ثلاثة أوجه منقولة
في التهذيب (أحدهما) يشترط فان حضرا عنده وقال للمشترى دونك هذا ولا مانع حصل القبض
وإلا فلا (والثاني) أنه يشترط حضور المشترى عنده دون البائع ليأتي اثبات اليد عليه (والثالث) وهو الأظهر أنه لا يشترط حضور واحد منهما لان ذلك قد يشق فإذا خلى بينه وبين المبيع فقد أتى
بما عليه فليتصرف وعلى هذا فهل يشترط أن يمضى زمان إمكان المضي إليه فيه وجهان (الأصح) الاشتراط
وفى معنى العقار الشجر الثابت والثمر المبيعة على الشجرة قبل أوان الجذاذ * وإن كان المبيع من جملة
443

المنقولات فالمذهب المشهور وبه قال أحمد أنه لا يكفي فيه التخلية بل لا بد من النقل والتحويل * وقال
مالك وأبو حنيفة أنه يكفي التخلية كما في العقار وعن رواية حرملة قول مثله وفيه وجه آخر أن
التخلية كافية لنقل الضمان إلى المشترى غير كافية للتسلط على التصرف لان البائع أتى بما عليه والمقصر
المشترى حيث لم ينقل فليثبت ما هو حق البائع * وجه ظاهر المذهب ما روى عن ابن عمر رضي
الله عنهما قال " كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه
حتى ننقله من مكانه " وأيضا فان العادة في قبض المنقول النقل فعلى هذا يأمر العبد بالانتقال من موضعه
444

ويسوق الدابة أو يقودها * وإذا كان المبيع في موضع لا يختص بالبائع كموات ومسجد وشارع أو في
موضع يختص بالمشترى فالنقل من حيز إلى حيز كاف * وإن كان في دار البائع أو في بقعة مخصوصة
به فالنقل من زاوية إلى زاوية أو من بيت من الدار إلى بيت آخر بدون إذن البائع لا يكفي لجواز
التصرف ولكن يكفي لدخوله في ضمانه وإن نقل باذنه حصل القبض وكأنه استعار ما نقل إليه المال *
ولو اشترى الدار مع أمتعة فيها صفقة واحدة فخلى البائع بينه وبينها حصل القبض في الدار وفى الأمتعة
وجهان (أصحهما أنه لا بد فيها من النقل كما لو بيعت وحدها (والثاني) أن القبض يحصل فيها
أيضا تبعا وبهذا أجاب الماوردي وزاد فقال لو اشترى صبرة ولم ينقلها حتى اشترى الأرض التي
445

عليها الصبرة وخلى البائع بينه وبينها حصل القبض في الصبرة * ولو لم يتفقا على القبض ولكن جاء
البائع بالمبيع وامتنع المشتري من قبضه أجبره الحاكم عليه فان أصر امر الحاكم من يقبضه عنه كما لو كان
غائبا * ولو جاء البائع بالمبيع فقال المشتري ضعه فوضعه بين يديه حصل القبض وان وضعه بين يديه
ولم يقل المشتري شيئا أو قال لا أريده فوجهان (أحدهما) انه لا يحصل القبض كما لا يحصل به الايداع
(وأصحهما) يحصل لوجوب التسليم كما لو وضع الغاصب المغصوب بين يدي المالك يبرأ عن الضمان
فعلى هذا للمشتري التصرف فيه ولو تلف فهو من ضمانه لكن لو خرج مستحقا ولم يجر الا وضعه بين
يديه فليس للمستحق مطالبة المشتري بالضمان لان هذا القدر لا يكفي لضمان الغصب * ولو وضع
446

المديون الدين بين يدي مستحق الدين ففي حصول التسليم خلاف مرتب على البيع وهذه الصورة
أولى بعدم الحصول لعدم تعين الملك * وهل للمشتري الاستقلال بنقل المبيع إن كان قد وفى الثمن
أو كان الثمن موجلا فنعم كما أن للمرأة قبض الصداق بدون اذن الزوج إذا سلمت نفسها والا فلا
وعليه الرد لان البائع مستحق الحبس لاستيفاء الثمن ولا ينفذ تصرفه فيه لكن يدخل في ضمانه *
(فرع) دفع ظرفا إلى البائع وقال اجعل المبيع فيه ففعل لا يحصل التسليم إذا لم يوجد من
المشتري ما هو قبض والظرف غير مضمون عليه لأنه استعمله في ملك المشتري باذنه وفي مثله في السلم
يكون الظرف مضمونا على المسلم إليه لأنه استعمله في ملك نفسه * ولو قال للبائع أعرني ظرفك واجعل
447

المبيع فيه ففعل لا يصير المشتري قابضا أيضا (الحالة الثانية) أن يباع الشئ مع اعتبار
تقدير فيه كما إذا اشترى ثوبا أو أرضا مذارعة أو متاعا موازنة أو صبرة حنطة مكايلة
أو معدودا بالعدد فلا يكفي للقبض ما مر في الحالة الأولى بل لا بد مع ذلك من
الذرع أو الوزن أو الكيل أو العد وكذا لو أسلم في آصع أو امناء من طعام لا بد في
قبضه من الكيل أو الوزن فلو قبض جزافا ما اشتراه مكايلة دخل المقبوض في ضمانه واما تصرفه
فيه بالبيع ونحوه فان باع الكل لم يصح لأنه قد يزيد على القدر المستحق * وإن باع ما يستيقن انه
له فوجهان (عن أبي إسحاق) انه يصح (وقال) ابن أبي هريرة وساعده الجمهور لا يصح لعدم القبض
448

المستحق بالعقد * وقبض ما اشتراه كيلا بالوزن ووزنا بالكيل كقبضه جزافا * ولو قال الدافع خذه
فإنه كذا فاخذه مصدقا له فالقبض فاسد أيضا حتى يجرى اكتيال صحيح فان زاد رد الزيادة
وان نقص أخذ الباقي * ولو تلف المقبوض فزعم الدافع أنه كان قدر حقه أو أكثر وزعم المدفوع إليه
انه كان دون حقه أو قدره فالقول قوله قال الشيخ أبو حامد وغيره ومعنى التصديق المذكور
في صورة المسألة أن يحمل خبره على الصدق ويأخذه بناء عليه فاما إذا أقر بجريان الكيل
لم يسمع منه خلافه وفسر إمام الحرمين البيع مكايلة بأن يقول بعتك هذه الصبرة كل صاع
بدرهم وهو من صورها (ومنها) أن يقول بعتكها على أنها عشرة آصع (ومنها) أن يقول بعتك
449

عشرة آصع منها وهما يعلمان صيعانها أو لا يعلمان إذا جوزنا ذلك * وإذا اعتبر في المبيع كيل أو وزن
فليس على البائع الرضا بكيل المشتري وعلى المشتري الرضا بكيل البائع بل يتفقان على كيال فإن لم
يتراضيا نصب الحاكم أمينا يتولاه ذكره في الحاوي * ولو كان لزيد طعام على رجل سلما ولآخر مثله على
زيد فأراد زيد أن يوفى ما عليه مما له على الآخر فقال اذهب إلى فلان واقبض لنفسك مالي عليه فقبضه
فهو فاسد وكذا لو قال أحضر معي لا قبضه واكتاله لك وفعل لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا
ومسندا أنه " نهى عن بيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان يعني صاع البائع وصاع المشتري " (1) وعلى هذا
الخبر بناء مسائل الباب * وإذا فسد القبض فالمقبوض مضمون على الاخذ وهو تبرأ ذمة الدافع عن
450

حق زيد فيه وجهان (أصحهما) نعم وهما مبنيان على القولين فيما إذا باع نجوم الكتابة وقبضها المشتري
هل يعتق المكاتب (فان قلنا) لا يبرأ فعلى القابض رد المقبوض إلى الدافع * ولو قال زيد اذهب إليه واقبضه
لي ثم اقبضه مني لنفسك بذلك الكيل أو قال أحضر معي لأقبضه لنفسي ثم تأخذه أنت بذلك الكيل ففعل
فقبضه لزيد في الصورة الأولى وقبض زيد لنفسه في الصورة الثانية صحيح وتبرأ ذمة الدافع عن حقه والقبض
الاخر فاسد والمقبوض مضمون عليه وفي قبضه لنفسه في الصورة الأولى وجه آخر أنه صحيح وسنذكره في
451

نظائره ويؤيده أنه لو كان المبيع في يد المشتري عند البيع صح قبضه لنفسه على تفصيل سيأتي في الرهن فان
حجة الاسلام ذكر طرفا منه هناك * ولو اكتال زيد وقبضه لنفسه ثم كاله على مشتريه واقبضه فقد
جرى الصاعان وصح القبضان ثم إن كان وقع في الكيل الثاني زيادة أو نقصان ينظر إن كان قدر ما يتفق
بين الكيلين فالزيادة لزيد والنقصان عليه ولا رجوع له وإن كان كثيرا تبين ان في الكيل الأول
غلطا أو تغليطا فيرد زيد الزيادة ويرجع بالنقصان * ولو أن زيد لما اكتاله لنفسه لم يخرجه من المكيال
وسلمه كذلك إلى مشتريه فوجهان (أحدهما) انه لا يصح القبض الثاني حتى يخرجه ويبتدئ كيلا (وأظهرهما)
عند الأكثرين ان استدامته في المكيال كابتداء الكيل وهذه الصورة كما تجري في ديني السلم تجري أيضا فيما إذا
452

كان أحدهما مستحقا بالسلم والآخر بقرض أو اتلاف * ونختم شرح الفصل بكلامين في شرح لفظ الكتاب
(أحدهما) قوله فتمام القبض فيه بالنقل والكيل لفظ التمام إنما كان يحسن ان لو اقتصر على ذكر
الكيل ليكون ذلك إشارة إلى النقل الكافي فما سبق غير كاف ها هنا بل لا بد من تتمة له وهو الكيل
أما إذا وقع التعرض للامرين جميعا فلفظ التمام مستغني عنه (والثاني) قوله فلو اشترى مكايلة وباع مكايلة
يمكن تنزيله على صورة لسلم ويمكن أن يكون شراء المعين وبيعه مرادا ولكن البيع حينئذ يقع بعد
ما اكتاله لنفسه والا فهو باطل لكونه قبل القبض وظاهر قوله فلا بد من كيل جديد يوافق الوجه
الذاهب إلى أن استدامته في المكيال غير كافية (وقوله) ولا تكفى التخلية يجوز اعلامه - بالحاء والميم
453

والواو - لما رواه حرملة (وقوله) يحصل انتقال الضمان بالتخلية بالألف *
(فرع) مؤنة الكيل الذي يفتقر إليه القبض على البائع كمؤنة احضار المبيع الغائب ومؤنة
وزن الثمن على المشتري لتوقف التسليم عليه ومؤنة نقد الثمن على البائع أو على المشتري حكى
صاحب الحاوي فيه وجهين *
قال (وليس لأحد (و) ان يقبض لنفسه من نفسه فيتولى الطرفين الا الوالد يقبض لولده
من نفسه ولنفسه من ولده كما يفعل ذلك في طرفي البيع) *
للمشتري ان يوكل بالقبض كما له ان يوكل بالعقد وكذا للبائع ان يوكل بالاقباض
454

ويعتبر في ذلك أمران (أحدهما) ان لا يوكل المشتري من يده البائع كعبده ومستولدته
ولا باس بتوكيل ابنه وأبيه ومكاتبه وفي توكيل عبده المأذون في التجارة وجهان (أصحهما)
انه لا يجوز * ولو قال للبائع وكل من يقبض لي منك ففعل جاز ويكون وكيل المشتري وكذا
لو وكل البائع بان يأمر من يشتري منه للموكل (والثاني) الا يكون القابض والمقبض واحدا فلا
يجوز ان يوكل البائع رجلا بالاقباض ويوكله المشتري بالقبض كما لا يجوز ان يوكله هذا بالبيع
وذاك بالشراء ليتولى الطرفين * ولو كان عليه طعام أو غيره من سلم أو غيره فدفع إلى المستحق دراهم
وقال اشتريها مثل ما تستحقه واقبضه لي ثم اقبضه لنفسك ففعل صح الشراء والقبض للموكل
455

ولم يصح قبضه لنفسه لاتحاد القابض والمقبض وامتناع كونه وكيلا لغيره في حق نفسه هذا هو
المشهور * وحكى المسعودي وجها انه يصح قبضه لنفسه وإنما الممتنع ان يقبض من نفسه لغيره * ولو قال
اشتر بهذه الدراهم لي واقبضه لنفسك ففعل صح الشراء ولم يصح قبضه لنفسه لان حق الأسنان
لا يتمكن الغير من قبضه لنفسه ويكون المقبوض مضمونا عليه وهل تبرأ ذمة الدافع عن حق الموكل
فيه ما مر من الوجهين ولو قال اشتر لنفسك فالتوكيل فاسد إذ كيف يشتري بمال الغير لنفسه وتكون
الدراهم أمانة في يده لأنه لم يقبضها ليمتلكها فان اشترى نظر ان اشترى في الذمة وقع عنه وادى
الثمن من ماله وان اشترى بعينها فهو باطل وذكر ابن سريج وجها أنه صحيح * ولو أذن لمستحق
456

الحنطة أن يكتال من الصبرة حقه ففيه وجهان (أصحهما) أنه لا يجوز لان الكيل أحد ركني القبض
وقد صار نائبا فيه من جهة البائع متأصلا لنفسه (والثاني) يجوز لان المقصود منه معرفة المقدار والمقبض هو
البائع ويستثنى عن الشرط الثاني ما إذا اشترى الأب لابنه الصغير من مال نفسه أو لنفسه من مال
ابنه الصغير فإنه يتولى طرفي القبض كما يتولى طرفي البيع وهل يحتاج إلى النقل والتحويل في المنقول روى
457

القاضي الماوردي فيه وجهين (والأظهر) اعتباره كما يعتبر الكيل إذا باع بالكيل (وقوله) في الكتاب
وليس لأحد ان يقبض من نفسه لنفسه يجوز اعلامه بالواو لما رواه المسعودي ثم هذا
اللفظ غير مجرى على اطلاقه لما ستعرفه فيما إذا كان المبيع في يد المشتري (وقوله) الا الوالد يقبض
لولده من نفسه استثناء منقطع والا فهو غير داخل في قبض الانسان لنفسه من نفسه هذا تمام الكلام
458

في صورة القبض * وينبغي أن نتذكر الآن ما مر ان اتلاف المشتري المبيع قبض وان لم توجد فيه هذه
الصورة وقبض الجزء الشائع إنما يحصل بتسليم الجميع ويكون ما عدا المبيع أمانة في يده ولو طلب القسمة
قبل القبض قال في التتمة يجاب إليه (أما) إذا جعلنا القسمة افرازا فظاهر (وأما) إذا جعلناها بيعا فان الرضى
غير معتبر فيه لان الشريك يجبر عليه وإذا لم يعتبر الرضى جاز أن لا يعتبر القبض كما في الشفعة *
459

قال (وأما وجوب التسليم يعم الطرفين والبداءة بالبائع (ح م) في قول وبالمشتري في قول ويتساويان
(م ح) في أعدل الأقوال فمن ابتدأ أجبر صاحبه فان سلم البائع طالب المشتري بالثمن من ساعته فإن كان
ماله غائبا اشهد على وقف ماله أي حجر عليه (و) فان وفى أطلق الوقف عنه وان لم يكن له مال فهو
مفلس والبائع أحق (ح) بمتاعه هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه وهذا حجر سببه مسيس الحاجة إليه خيفة فوات
460

أمواله بتصرفه وذلك عند امتناع الفسخ بالفلس وقيل بانكار الحجر لكنه خلاف نص الشافعي
رضي الله عنه) *
الأمر الثالث وجوب التسليم * لا شك أن على كل واحد من المتبايعين تسليم العوض الذي
استحقه الاخر ليكن لو اختلفا فقال البائع لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن وقال المشتري لا أؤدي
461

الثمن حتى أقبض المبيع ففيه أربعة أقوال (أحدها) ان الحاكم يجبرهما على التسليم فيأمر كل واحد
منهما باحضار ما عليه فإذا أحضرا سلم الثمن إلى البائع والمبيع إلى المشتري لا يضره بأيهما ابدا أو يأمرهما
بالوضع عند عدل ليفعل العدل ذلك ووجهه ان كل واحد منهما يستحق قبض ما عند الاخر
فلا سبيل إلى تكليف الابقاء فيؤمر بايفائه كما لو كان لكل واحد منهما وديعة عند الاخر وتنازعا
462

هكذا (والثاني) أنه لا يجبر واحدا منهما ولكن يمنعهما من التخاصم فإذا سلم أحدهما ما عليه أجير الاخر *
ووجهه ان على كل واحد إيفاء واستيفاء ولا سبيل إلى تكليف الايفاء قبل الاستيفاء (والثالث) وبه قال
مالك وأبو حنيفة انه يجبر المشتري على تسليم الثمن أولا لان حقه متعين في المبيع وحق البائع غير
متعين في الثمن فيؤمر بالتعيين (والرابع) وبه قال أحمد وهو الأصح يجبر البائع على تسليم المبيع أولا لأنه
463

لا يخاف هلاك الثمن فملكه مستقر فيه وتصرفه فيه بالحوالة والاعتياض نافذ وملك المشتري في
المبيع غير مستقر فعلى البائع التسليم ليستقر * وفي المسألة طريقة أخرى وهي القطع بالقول الرابع
وحمل الأول والثاني على حكاية مذهب الغير وما روى عن نصه في الام واستغربه (وأما) الثالث فهو من
تخريج بعضهم وليس منصوصا عليه * واختار الشيخ أبو حامد هذه الطريقة * ومنقول المزني في المختصر
464

يمكن تنزيله على القول الرابع وبه قال الأكثرون ويمكن تنزيله على الأول وبه قال المسعودي وهذا
كله فيما إذا كان الثمن في الذمة (فان) كان معينا سقط القول الثالث وان تبايعا عرضا بعرض سقط القول
465

الرابع أيضا * وبقى قولان (أحدهما) أنهما يجبران (والثاني) لا يجبران ويشبه أن يكون الأول
أظهر وبه قال أحمد وهو الذي أورده في الشامل *
466

(التفريع) إن قلنا يجبر البائع على تسليم المبيع أولا أو قلنا لا يجبر ولكنه تبرع وابتدأ
بالتسليم أجبر المشتري على تسليم الثمن في الحال إن كان حاضرا في المجلس وإلا فللمشتري حالتان
467

(إحداهما) أن يكون موسرا فإن كان ماله في البلد حجر عليه إلى أن يسلم الثمن كيلا يتصرف في أملاكه
بما يفوت حق البائع وحكى صاحب الكتاب هاهنا وفي الوسيط وجها أنه لا يحجر عليه ويمهل إلى
468

أن يأتي بالثمن ولم أر لغيره نقل هذا الوجه على هذا الاطلاق (فان قلنا) بالمذهب المشهور ففيم يحجر
عليه قال عامة الأصحاب يحجر
عليه في المبيع وفي سائر أمواله ومنهم من قال لا يحجر عليه في سائر
469

أمواله إن كان ماله وافيا بديونه وهذا ما أورده صاحب التهذيب وعلى هذا فهل يدخل المبيع في الاحتساب
فيه وجهان (أشبههما) أنه يدخل * وإن كان ماله غائبا عن البلد فينظر إن كان على مسافة القصر فلا
470

يكلف البائع الصبر إلى إحضاره وفيما يفعل وجهان (أحدهما) أنه يباع في حقه ويؤديه من ثمنه
(والأظهر) عند الأكثرين أن له أن يفسخ البيع لتعذر تحصيل الثمن كما لو أفلس المشتري بالثمن فان
471

فسخ فذاك وإن صبر إلى الاحضار فالحجر على ما سبق * وحكى الامام عن ابن سريج أنه لافسخ
ولكن يرد المبيع إلى البائع ويحجر على المشتري ويمهل إلى الاحضار وادعى في الوسيط أنه الصحيح *
472

وإن كان دون مسافة القصر فهو كما لو كان في البلد أو كما لو كان على مسافة القصر فيه وجهان (الحالة
الثانية) أن يكون معسرا فهو مفلس والبائع أحق بمتاعه وفيه وجه أنه لا فسخ ولكن تباع السلعة ويوفي
473

من ثمنها حق البائع فان فضل شئ فهو للمشتري والمنصوص الأول (وأما) لفظ الكتاب فقوله والبداءة بالبائع
معلم - بالميم والحاء - وكذا قوله ويتساويان (وقوله) وبالمشتري - بالألف - ويجوز أن يعلم لفظ الأقوال
474

- بالواو - إشعارا بالطريقة النافية للخلاف (وقوله) هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه ليس هو هو لكنه
قريب منه ولفظه في المختصر (فان غاب ماله اشهد على وقف ماله وأشهد على وقف السلعة فإذا دفع
475

أطلق عنه الوقف فإن لم يكن له مال فهو مفلس والبائع أحق بسلعته) واعلم أن هذا النص ظاهر في أنه
إذا حجر عليه يحجر في السلعة المبيعة وفي سائر الأموال سواء كانت وافية بالديون أو لم تكن ويمكن
476

الاحتجاج به لما نقله الامام عن ابن سريج وهو أنه لا فسخ عند الغيبة فإنه لم يثبت في الغيبة الا الحجر
وخص أحقيته بالمتاع بحالة الافلاس (وقوله) وذلك عند امتناع الفسخ بالفلس أراد به أنه لا حجر عند
477

إمكان الفسخ بالفلس وادعى في الوسيط الوفاق فيه لكن ذكرنا أن من أثبت الفسخ عند الغيبة قال إن
اختار الصبر إلى الاحضار يحجر عليه وجميع ما ذكرنا من الأقوال والتفريع جاء فيما إذا اختلف المكرى
478

والمكترى في البداءة بالتسليم بلا فرق * ثم ها هنا أمر مهم لا بد من ذكره وهو أن طائفة توهمت
أن الخلاف في البداءة بالتسليم خلاف في أن البائع هل له حق الحبس أم لا (ان قلنا) البداءة بالبائع فليس
479

له حبس المبيع إلى استيفاء الثمن والا فله ذلك ونازع الأكثرون فيه وقالوا هذا الخلاف مفروض
فيما إذا كان نزاعهما في مجرد البداءة وكان كل واحد منهما يبذل ما عليه ولا يخاف فوت ما عند صاحبه
480

فاما إذا لم يبذل البائع المبيع وأراد حبسه خوفا من تعذر تحصيل الثمن فله ذلك بلا خلاف وكذلك
481

للمشتري حق حبس الثمن خوفا من تعذر تحصيل المثمن نص على ذلك الشيخ أبو حامد وأقضى
482

القضاة الماوردي رحمهما الله * والمثبتون من المتأخرين قالوا إنما يحبس البائع المبيع إذا كان الثمن حالا أما
483

المؤجل فليس له حبسه لاستيفائه لرضاه بتأخيره ولو لم يتفق التسليم حتى حل الأجل فلا حبس أيضا
484

ولو تبرع بالتسليم لم يكن له رده إلى حبسه وكذا لو أعاره من المشتري في أصح الوجهين ولو أودعه
485

إياه فله ذلك ولو صالح من الثمن على مال لم يسقط حق الحبس لاستيفاء العوض * ولو اشترى بوكالة
486

اثنين شيئا ووفي نصف الثمن عن أحدهما لم يجب على البائع تسليم النصف بناء على أن الاعتبار بالعاقد
487

ولو باع بوكالة اثنين فإذا أخذ نصيب أحدهما من الثمن فعليه تسليم النصف هكذا ذكره في التهذيب
488

وفيه كلامان (أحدهما) ان العبد المشترك بين الرجلين إذا باعه مالكاه ففي انفراد أحدهما بأخذ
489

نصيبه من الثمن وجهان وكان أخذ الوكيل لأحدهما مبني على ثبوت الانفراد لو باعا بأنفسهما (والثاني)
490

انا إذا قلنا إن لاعتبار في تعدد الصفقة واتحادها بالعاقد فينبغي أن يكون تسليم النصف على
491

الخلاف فيما إذا أخذ البائع بعض الثمن هل عليه تسليم قسطه من المبيع وفيه وجهان
492

ذكرناهما في باب التفريق والله أعلم *
493

هذا وليعلم المطلع على هذا السفر الجليل انه ضاق المقام في هذا الجزء عن أن ندون به باقي كتاب البيوع
494

من شرح العزيز على متن الوجيز للامام الأمجد والعلامة الأوحد الامام الرافعي رحمه الله رحمة واسعة
495

ولقد ألجأتنا الضرورة حتى وقفنا على موقف كان لا يحسن الوقوف عليه فإلى هنا
496

نختم هذا الجزء ونفتتح الجزء التالي إن شاء الله تعالى بقول المصنف النظر الرابع في موجب ألفاظ
الكتاب المطلقة وتأثيرها باقتران العرف والله ولي التوفيق
497