الكتاب: هداية العباد
المؤلف: الشيخ لطف الله الصافي
الجزء: ٢
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة ( فتاوى المراجع )
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٥ شعبان المعظم ١٤٢٠
المطبعة: سپهر
الناشر: مؤسسة السيدة المعصومة ( سلام الله عليها )
ردمك: ٩٦٤-٦١٩٧-٣٢-٩
ملاحظات: قم - ايران - شارع ارم - مؤسسة السيدة المعصومة - صندوق البريد ٣٩٣٩ / ٣٧١٨٥ - هاتف : ٧٣٤٢٤٣

هداية العباد
فتاوي
الجزء الثاني
المرجع الديني سماحة آية الله العظمى
الشيخ لطف الله الصافي الگلپاليگاني
دام ظله الوارف
1

هوية الكتاب
اسم الكتاب: هداية العباد / ج 2
المؤلف: سماحة آية الله العظمى الصافي الگلپاليگاني
الناشر: مؤسسة السيدة المعصومة (سلام الله عليها)
الكمية: 3000
ليتوغرافي: آصف
الطبعة الأولى: 15 شعبان المعظم 1420 ه‍ ق
طباعة: مطبعة سپهر
تنضيد الحروف والإخراج: مؤسسة أخوان
السعر: 13000 ريال
شابك 964 - 6197 - 32 - 9
قم - إيران - شارع ارم - مؤسسة السيدة المعصومة
صندوق البريد 3939 / 37185 - هاتف: 7734243
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

اللهم كن لوليك الحجة
بن الحسن صلواتك عليه
وعلى آبائه في هذه الساعة
وفي كل ساعة وليا
وحافظا وقائدا وناصرا
ودليلا وعينا حتى
تسكنه أرضك طوعا
وتمتعه فيها طويلا
4

كتاب الجعالة
5

كتاب الجعالة
وهي الالتزام بعوض معلوم على عمل، ويقال للملتزم " الجاعل " ولمن
يعمل ذلك العمل " العامل "، والمعوض " الجعل " و " الجعلية ".
ويفتقر إلى الإيجاب، وهو كل لفظ أفاد ذلك الالتزام، وهو إما عام كما
إذا قال " من رد عبدي أو دابتي أو خاط ثوبي أو بني حائطي مثلا فله كذا "،
وإما خاص كما إذا قال لشخص " إن رددت عبدي أو دابتي مثلا فلك كذا ".
مسألة 1 - الظاهر انه لا يكفي في استحقاق العامل الجعل اتيانه بالعمل
بقصد التبرع بل وان قصد المعوض ولم يكن عالما به فالقدر المتقين منه ان
يكون العامل منبعثا إلى العمل باستدعاء الجاعل والتزامه بالجعل ولذا يمكن
ان يقال بافتقاره إلى القبول بمعني كون عمله بتسبيب الجاعل وان كان
العامل غير مميز أو مجنون. نعم لا يترتب على ذلك ما يترتب على العقود
بقواعدها العامة فلا يستحق العامل الجعل بمجرد هذا القبول الفعلي والشروع في
العمل الا بعد العمل بخلاف الامر في الإجارة فإنه يستحق المستأجر على الأجير
العمل والأجير عليه الأجرة بنفس العقد.
مسألة 2 - إنما تصح الجعالة على كل عمل محلل مقصود في نظر
العقلاء كالإجارة، فلا تصح على المحرم ولا على ما يكون لغوا عند العقلاء و
بذل المال
7

بإزائه سفها، كالذهاب إلى الأمكنة المخوفة، وصعود على
الجبال الشاهقة والأبنية المرتفعة والوثبة من موضع إلى آخر ونحو ذلك إذا
لم يكن فيه غرض عقلائي.
مسألة 3 - كما لا تصح الإجارة على الواجبات العينية والكفائية التي
يجب الاتيان بها مجانا على التفصيل الذي مر في كتابها لا تصح الجعالة عليها
.
مسألة 4 - يعتبر في الجاعل أهلية الاستيجار من البلوغ والعقل والرشد
والقصد وعدم الحجر والاختيار، وأما العامل فلا يعتبر فيه إلا إمكان تحصيل
العمل بحيث لا مانع منه عقلا أو شرعا، كما إذا وقعت الجعالة على كنس
المسجد فلا يمكن حصوله شرعا من الجنب والحائض، فلو كنساه لم يستحقا شيئا
على عملهما. ولا يعتبر فيه نفوذ التصرف، فيجوز ان يكون صبيا مميزا ولو بغير
اذن الولي، بل ولو كان غير مميز أو مجنون على الأظهر إذا كان عملهما
بتسبيب الجاعل كما مر فجميع هؤلاء يستحقون الجعل المقرر بعملهم.
مسألة 5 - يجوز أن يكون العمل مجهولا في الجعالة بما لا يغتفر في الإجارة
، فإذا قال " من رد دابتي فله كذا " صح وإن لم يعين المسافة ولا شخص
الدابة مع شدة اختلاف الدواب في الظفر بها من حيث السهولة والصعوبة، وكذا
يجوز أن يوقع الجعالة على المردد مع اتحاد الجعل، كما إذا قال " من رد
عبدي أو دابتي فله كذا " أو بالاختلاف كما إذا قال " من رد عبدي فله عشرة
ومن رد دابتي فله خمسة ". نعم لا يجوز جعل موردها مجهولا صرفا ومبهما بحتا
لا يتمكن العامل من تحصيله، كما إذا قال " من وجد وأوصلني ما ضاع مني
فله كذا "، بل وكذا لو قال " من رد حيوانا ضاع مني " ولم يعين انه من جنس
الطيور أو الدواب أو غيرها.
هذا كله في العمل، وأما العوض فلابد من تعيينه جنسا ونوعا ووصفا، بل
كيلا
8

أو وزنا أو عدا ان كان مكيلا أو موزونا أو معدودا، فلو جعله ما في
يده أو انائه مثلا بأن قال " من رد دابتي فله ما في يدي أو ما في هذا
الاناء " بطلت الجعالة.
نعم الظاهر أنه يصح أن يجعل الجعل حصة معينة مما يرده ولو لم يشاهد
ولم يوصف، بأن قال " من رد دابتي فله نصفها "، وكذا يصح أن يجعل للدلال
ما زاد على رأس المال، كما إذا قال " بع هذا المال بكذا والزائد لك " كما مر
فيما سبق.
مسألة 6 - كل مورد بطلت الجعالة للجهالة استحق العامل أجرة المثل، و
الظاهر أنه من هذا القبيل ما هو المتعارف من جعل الحلاوة المطلقة لمن دله
على ولد ضائع أو دابة ضالة.
مسألة 7 - لا يعتبر أن يكون الجعل ممن له العمل، فيجوز أن يجعل جعلا
من ماله لمن خاط ثوب زيد أو رد دابته.
مسألة 8 - لو عين الجعالة لشخص وأتي بالعمل غيره لم يستحق الجعل
ذلك الشخص لعدم العمل ولا ذلك الغير لأنه ما أمر باتيان العمل ولا جعل
لعمله جعل فهو كالمتبرع. نعم لو جعل الجعالة على العمل لا بقيد المباشرة
بحيث لو حصل ذلك الشخص العمل بالإجارة أو الاستنابة أو الجعالة شملته
الجعالة وكان عمل ذلك الغير تبرعا عن المجعول له ومساعدة له استحق
المجعول له بسبب عمل ذلك العامل الجعل المقرر.
الجعل المقرر.
مسألة 9 - إذا جعل الجعل على عمل وقد عمله شخص قبل ايقاع الجعالة أو بقصد
التبرع وعدم أخذ العوض يقع عمله ضائعا وبلا جعل وأجرة.
مسألة 10 - إنما يستحق العامل الجعل المقرر لو كان عمله لأجل ذلك
فيعتبر اطلاعه على التزام العامل به، فلو عمل لا لأجل ذلك بل تبرعا لم
يستحق شيئا، و
9

كذا لو تبين كذب المخبر، كما إذا أخبر مخبر بأن فلانا قال
" من رد دابتي فله كذا " فردها أحد اعتمادا على إخباره مع انه " لم يقله،
لم يستحق شيئا لا على صاحب الدابة ولا على المخبر الكاذب.
نعم لو كان قوله أوجب الاطمينان لا يبعد ضمانه اجرة مثل عمله للغرور.
مسألة 11 - لو قال " من دلني على ما لي فله كذا " فدله من كان ماله في
يده لم يستحق شيئا لأنه واجب عليه شرعا، واما لو قال " من رد مالي فله
كذا " فان كان المال مما في رده كلفة ومؤنة كالعبد الآبق والدابة
الشاردة وكان يده عليه يد الأمان لا العدوان استحق الجعل المقرر، وان
لم يكن كذلك كالدراهم والدنانير لم يستحق شيئا.
مسألة 12 - انما يستحق العامل الجعل بتسليم العمل، فلو جعل على
رد الدابة إلى مالكها فجاء بها في البلد فشردت لم يستحق الجعل. نعم لو كان
الجعل على مجرد ايصالها إلى البلد استحقه، كما أنه لو كان الجعل على مجرد
الدلالة عليها واعلام محلها استحق بذلك الجعل وان لم يكن منه ايصال أصلا
مسألة 13 - لو قال " من رد دابتي مثلا فله كذا " فردها جماعة اشتركوا
في الجعل المقرر بالسوية ان تساووا في العمل وإلا فيوزع عليهم بالنسبة.
مسألة 14 - لو جعل جعلا لشخص على عمل كبناء حائط أو خياطة ثوب فشاركه غيره
في ذلك العمل يسقط عن جعله المعين ما يكون بإزاء عمل ذلك الغير، فإن
لم يتفاوتا كان له نصف الجعل والا فبالنسبة، واما الاخر فلم يستحق شيئا
لكونه متبرعا. نعم لو لم يشترط على العامل المباشرة بل أريد منه
العمل مطلقا ولو بمباشرة غيره وكان اشتراك الغير معه بإذنه وطلبه منه
وان أتي به ذلك الغير بعنوان التبرع عنه ومساعدته، استحق المجعول له
تمام الجعل.
10

مسألة 15 - الجعالة قبل تمامية العمل جائزة من الطرفين ولو بعد تلبس
العامل وشروعه فيه فله رفع اليد عن العمل، كما ان للجاعل فسخ الجعالة و
نقض التزامه على كل حال، فإن كان ذلك قبل التلبس لم يستحق المجعول
له شيئا، وأما لو كان بعد التلبس فان كان الرجوع من العامل وكان الجعل
للإتمام لم يستحق شيئا، وأما إن كان لكل من أجزاء العمل جزء من الجعل
بحيث كانت الجعالة منحلة إلى جعالات متعددة فيستحق العامل من أجرة
المسمي ما يقابل هذا الجزء، وإن كان من طرف الجاعل فعليه للعامل اجرة
مثل ما عمل.
مسألة 16 - ما ذكرنا من أن للعامل الرجوع عن عمله على كل حال ولو
بعد التلبس والاشتغال انما هو في مورد لم يكن في عدم إنها العمل ضرر على
الجاعل والا فيجب عليه اما عدم الشروع في العمل واما اتمامه بعد شروعه.
مثلا إذا وقعت الجعالة على قص عينه أو بعض العمليات المتداولة بين الأطباء
في هذه الأزمنة، حيث ان الصلاح والعلاج مترتب على تكميلها، وفي عدمه
فساد لا يجوز له رفع اليد عن العمل بعد التلبس له والشروع فيه، ولو رفع
اليد عنه لم يستحق في مثله شيئا بالنسبة إلى ما عمل بلا اشكال.
11

كتاب العارية
13

كتاب العارية
وهي التسليط على العين للانتفاع بها على جهة التبرع، وهي من العقود
التي تحتاج إلى ايجاب وقبول، فالايجاب كل لفظ له ظهور عرفي في إرادة
هذا المعني كقوله " أعرتك " أو " اذنت لك في الانتفاع به " أو " انتفع به
" أو " خذه لتنتفع به " ونحو ذلك. والقبول كل ما أفاد الرضا بذلك، ويجوز
أن يكون بالفعل، بأن يأخذ العين المعارة بعد ايجاب المعير بهذا العنوان،
بل الظاهر انه لا يحتاج في وقوعها وصحتها إلى لفظ أصلا، فتقع بالمعاطاة،
كما إذا دفع اليه قميصا ليلبسه فأخذه للبس أو دفع اليه اناء أو بساطا
ليستعمله فأخذه واستعمله.
مسألة 1 - يعتبر في المعير أن يكون مالكا للمنفعة وله أهلية التصرف، فلا
تصح إعارة الغاصب عينا أو منفعة، وفي جريان الفضولية فيها اشكال فلا
تنفع الإجازة في رفع ضمان تلف العين قبلها ويحتاج إلى الابراء لكن نفس
الإجازة تفيد فائدة الإعارة بعد الإجازة لو كانت العين باقية وكذا لا تصح
إعارة الصبي والمجنون والمحجور عليه لسفه أو فلس إلا مع إذن الولي أو
الغرماء، وفي صحة إعارة الصبي باذن الولي تأمل.
مسألة 2 - لا يشترط في المعير ملكية العين، بل يكفي ملكية المنفعة
بالإجارة أو بكونها موصي بها له بالوصية. نعم إذا اشترط استيفاء المنفعة
بنفسه ليس له
15

الإعارة.
مسألة 3 - يعتبر في المستعير أن يكون أهلا للانتفاع بالعين، فلا تصح
استعارة المصحف للكافر واستعارة الصيد للمحرم لا من المحل ولا من المحرم.
وكذا يعتبر فيه التعيين، فلو أعار أحد هذين شيئا أو أحد هؤلاء لم يصح. ولا
يشترط أن يكون واحدا، فيصح إعارة شي ء واحد لجماعة، كما إذا قال " أعرت
هذا الكتاب أو الاناء لهؤلاء العشرة " فيستوفون المنفعة بينهم بالتناوب أو
القرعة كالعين المستأجرة، وفي جواز كونه عددا غير محصور كما إذا قال "
أعرت هذا الشئ لكل الناس " تأمل واشكال.
مسألة 4 - يعتبر في العين المستعارة كونها مما يمكن الانتفاع بها منفعة
محللة مع بقاء عينها كالعقارات والدواب والثياب والكتب والأمتعة والصفر
والحلي، بل وفحل الضراب والهرة والكلب للصيد والحراسة وأشباه ذلك، فلا
يجوز إعارة مالا منفعة له محللة كآلات اللهو، وكذا آنية الذهب والفضة
بناءا على عموم حرمة الانتفاع بها، واما بناءا على اختصاص الحرمة
باستعمالها في الاكل والشرب فلا تجوز اعارتها لخصوص هذه المنفعة، وكذا ما لا
ينتفع به إلا بإتلافه كالخبز والدهن والأشربة وأشباهها.
مسألة 5 - يجوز إعارة الشاة للانتفاع بلبنها وصوفها والبئر للاستقاء منها.
مسألة 6 - لا يشترط تعيين العين المستعارة عند الإعارة، فلو قال "
أعرني إحدى دوابك " فقال " ادخل الإصطبل وخذ ما شئت منها " صحت العارية.
مسألة 7 - العين التي تعلقت بها العارية ان انحصرت جهة الانتفاع بها في
منفعة خاصة كالبساط للافتراش واللحاف للتغطية والخيمة للاكتنان وأشباه ذلك
، لا يلزم التعرض لجهة الانتفاع بها عند اعارتها واستعارتها، وان تعددت
جهات
16

الانتفاع بها كالأرض ينتفع بها للزرع والغرس والبناء والدابة ينتفع بها
للحمل والركوب ونحو ذلك;، فان كانت اعارتها واستعارتها لأجل منفعة أو منافع
خاصة من منافعها يجب التعرض لها واختص حلية الانتفاع للمستعير بما خصصه
المعير، وان كانت لأجل الانتفاع المطلق جاز التعميم والتصريح بالعموم،
بأن يقول " أعرتك هذه الدابة مثلا لأجل ان تنتفع بها كل انتفاع مباح
يحصل منها " كما أنه يجوز اطلاق العارية بأن يقول " أعرتك هذه الدابة " فيجوز
للمستعير الانتفاع بسائر; الانتفاعات المباحة المتعلقة بها.
نعم ربما يكون لبعض الانتفاعات بالنسبة إلى بعض الأعيان خفاءا لا يندرج
في الاطلاق، ففي مثله لابد من التنصيص به أو التعميم على وجه يعمه،
وذلك كالدفن فإنه وان كان من أحد وجوه الانتفاعات من الأرض كالبناء
والزرع والغرس ومع ذلك لو أعيرت الأرض إعارة مطلقة لا يعمه الاطلاق.
مسألة 9 - العارية جائزة من الطرفين، فللمعير الرجوع متي شاء كما
أن للمستعير الرد متي شاء. نعم في خصوص إعارة الأرض للدفن لم يجز للمعير
بعد الدفن الرجوع عن الإعارة ونبش القبر وقلع الميت على الأصح، وأما قبل
ذلك فله الرجوع حتى بعد وضعه في القبر قبل مواراته، وليس على المعير
أجرة الحفظ ومؤنته إذا رجع بعد الحفر قبل الدفن، كما أنه ليس على ولي
الميت طم الحفر بعدما كان باذن من المعير.
مسألة 10 - تبطل العارية بموت المعير، بل بزوال سلطنته بجنون ونحوه.
مسألة 11 - يجب على المستعير الاقتصار في نوع المنفعة على ما عينها المعير
، فلا يجوز له التعدي إلى غيرها ولو كانت أدني وأقل ضررا على المعير، وكذا
يجب أن يقتصر في كيفية الانتفاع على ما جرت به العادة، فلو أعاره دابة
للحمل لا
17

يحملها الا القدر المعتاد بالنسبة إلى ذلك الحيوان وذلك المحمول
وذلك الزمان والمكان فلو تعدي نوعا أو كيفية كان غاصبا وضامنا وعليه اجرة
ما استوفاه من المنفعة.
مسألة 12 - لو أعاره أرضا للبناء أو الغرس، جاز له الرجوع، وله
إلزام المستعير بالقلع لكن عليه الأرش، وكذا في عاريتها للزرع إذا رجع
قبل إدراك الزرع، ويحتمل عدم استحقاق المعير إلزام المستعير بقلع الزرع
لو رضي المستعير بالبقاء بالأجرة، والأحوط لهما التراضي والتصالح. ومثل ذلك
ما إذا أعاره حذوعه للتسقيف ثم رجع بعدما أثبتها المستعير في البناء.
مسألة 13 - العارية أمانة بيد المستعير لا يضمنها إذا تلفت إلا بالتعدي
أو التفريط. نعم لو شرط الضمان ضمنها وإن لم يكن تعدي ولا تفريط، كما أنه
لو كانت العين المعارة ذهبا أو فضة ضمنها، يشترط فيها الضمان أو لم يشترط
. نعم يسقط الضمان فيهما إذا اشترط السقوط.
مسألة 14 - لا يجوز للمستعير إعارة العين المستعارة ولا إجارتها إلا
بإذن المالك، فيكون إعارته حينئذ في الحقيقة إعارة المالك ويكون المستعير
وكيلا ونائبا عنه، فلو خرج المستعير عن قابلية الإعارة بعد ذلك - كما إذا جن
- بقيت العارية الثانية على حالها.
مسألة 15 - إذا تلفت العارية بفعل المستعير، فإن كان بسبب الاستعمال
المأذون فيه من دون تعد عن المتعارف فليس عليه ضمان، كما إذا تلفت
السيارة المستعارة للحمل بسبب الحمل عليها حملا متعارفا، وان كان بسبب
آخر ضمنها.
مسألة 16 - إنما يبرأ المستعير عن عهدة العين المستعارة بردها إلى مالكها
أو وكيله أو وليه، ولو ردها إلى حرزها الذي كانت فيه بلا يد من المالك ولا
إذن منه
18

لم يبرأ، كما إذا رد السيارة إلى محلها بلا إذن من المالك
فتلفت أو أتلفها متلف.
مسألة 17 - إذا استعار عينا من الغاصب، فإن لم يعلم بغصبه كان قرار
الضمان على الغاصب، فإن تلفت في يد المستعير أو الايادي المتعاقبة غير يد
الغاصب فللمالك الرجوع بعوض ماله على كل من الغاصب والمستعير، فإن رجع
على المستعير يرجع هو على الغاصب، وإن رجع على الغاصب لم يكن له
الرجوع على المستعير. وكذلك بالنسبة إلى بدل المنافع التي استوفاه
المستعير من المنفعة أو تلفت في يده فإنه إذا رجع به على المستعير يرجع
هو على الغاضب دون العكس. وأما لو كان عالما بالغصب لم يرجع المستعير على
الغاصب لو رجع المالك عليه، ولا يجوز له أن يرد العين إلى الغاصب بعدما
علم بالغصبية، بل يجب أن يردها إلى مالكها.
19

كتاب الوديعة
21

كتاب الوديعة
وهي استنابة في الحفظ، وبعبارة أخرى هي وضع المال عند الغير
ليحفظه لمالكه، ويطلق كثيرا على المال " الموضوع " ويقال لصاحب المال "
المودع " ولذلك الغير " الودعي " و " المستودع ". وهي عقد يحتاج إلى
الايجاب وهو كل لفظ دال على تلك الاستنابة كأن يقول " أودعتك هذا المال "
أو " احفظه أو هو وديعة عندك " ونحو ذلك. والقبول بما يدل على الرضا
بالنيابة في الحفظ. ولا يعتبر فيها العربية بل تقع بكل لغة. ويجوز أن
يكون الإيجاب باللفظ والقبول بالفعل، بأن قال له المالك مثلا " هذا
المال وديعة عندك " فيتسلم المال لذلك، بل يصح وقوعها بالمعاطاة بأن
يسلم مالا إلى أحد بقصد أن يحفظه له فيتسلمه بهذا العنوان.
مسألة 1 - لو طرح ثوبا مثلا عند أحد و " قال هذا وديعة عندك " فإن
قبلها بالقول أو الفعل الدال عليه صار وديعة وترتبت عليها أحكامها. أما إذا
لم يقبله ولو طرحه المالك عنده بهذا القصد وذهب عنه، فلا يكون وديعة، فلو
تركه الذي قصد استيداعه وذهب لم يكن عليه ضمان، وإن كان الأحوط القيام
بحفظه مع الإمكان.
مسألة 2 - من ليس قادرا على حفظ الوديعة على حسب المتعارف لا يجوز
له
23

قبولها إذا كان المودع جاهلا بالحال ويحسبه متمكنا منه فان قبولها
يكون سببا لتغريره. نعم إذا كان المودع عالما بالحال ومع ذلك جعلها
عنده فليس على المستودع الا حفظها بقدر تمكنه.
مسألة 3 - الوديعة جائزة من الطرفين، فللمالك استرداد ماله متي
شاء وللمستودع رده كذلك، وليس للمودع الامتناع عن قبوله، ولو فسخها
المستودع عند نفسه انفسخت وزالت الأمانة المالكية وصار المال عند الودعي
أمانة شرعية، فيجب عليه رده إلى مالكه أو إلى من يقوم مقامه أو
إعلامه بالفسخ وكون المال عنده، فلو أهمل في ذلك لا لعذر عقلي أو شرعي
ضمن.
مسألة 4 - يعتبر في كل من المستودع والمودع البلوغ والعقل، فلا
يصح الاستيداع للصبي ولا للمجنون ولا الإيداع عندهما، من غير فرق بين كون
المال لهما أو لغيرهما من الكاملين، بل لا يجوز وضع اليد على ما أودعاه،
ولو أخذه منهما ضمنه ولا تبرأ ذمته برده إليهما بل تبرأ برده إلى وليهما
ان كان المال لهما وإلا فيصله إلى صاحبه.
نعم لا بأس بأخذه منهما إذا خيف هلاكه وتلفه في أيديهما، فيأخذ
بعنوان الحسبة في الحفظ، ولكن لا يصير بذلك وديعة وأمانة مالكية بل تكون
أمانة شرعية يجب عليه حفظها والمبادرة على إيصالها إلى وليهما أو إلى
صاحب المال أو إعلامه بكونها عنده، وليس عليه ضمان لو تلفت في يده.
مسألة 5 - لو أرسل شخص كامل مالا بواسطة الصبي أو المجنون إلى شخص ليكون
وديعة عنده وأخذه منهما بهذا العنوان، فالظاهر صيرورته وديعة عنده;، لكونها
حقيقة بين الكاملين، وانما الصبي والمجنون بمنزلة الآلة.
مسألة 6 - لو أودع عند الصبي والمجنون مالا لم يضمناه بالتلف، بل
بالإتلاف
24

أيضا إذا لم يكونا مميزين في وجه قوي، لكونه هو السبب الأقوى
.
مسألة 7 - يجب على المستودع حفظ الوديعة بما جرت العادة بحفظها به ووضعها
في الحرز الذي يناسبها كالصندوق المقفل للثوب والدراهم والحلي ونحوها،
والاصطبل المضبوط بالغلق للدابة والمراح كذلك للشاة. وبالجملة حفظها في
محل لا يعد معه عند العرف مضيعا ومفرطا وخائنا، حتى فيما إذا علم المودع
بعدم وجود حرز لها عند المستودع، فيجب عليه بعدما قبل الاستيداع تحصيله
مقدمة للحفظ الواجب عليه، وكذا يجب عليه القيام بجميع ماله دخل في صونها
من التعيب أو التلف، كالثوب ينشره في الصيف إذا كان من الصوف
أو الإبريسم والدابة يعلفها ويسقيها ويقيها من الحر والبرد، فلو أهمل عن
ذلك ضمنها.
مسألة 8 - لو عين المودع موضعا خاصا لحفظ وديعته اقتصر عليه، ولا
يجوز نقلها إلى غيره بعد وضعها فيه وان كان أحفظ، فلو نقلها منه ضمنها.
نعم لو كانت في ذلك المحل في معرض التلف فان أمكن الرجوع إلى المالك
في استيذان تغيير المكان أو فسخ الوديعة ورد المال اليه فهو وإلا جاز نقلها
إلى مكان آخر أحفظ ولا ضمان عليه حتى مع نهي المالك، بان قال " لا
تنقلها وان تلفت " وان كان الأحوط حينئذ مراجعة الحاكم مع الامكان.
مسألة 9 - لو تلفت الوديعة في يد المستودع من دون تعدي منه ولا تفريط
لم يضمنها، وكذا لو أخذها منه ظالم قهرا، سواءا انتزعها من يده أو أمره
بدفعها له بنفسه فدفعها كرها. نعم يقوي الضمان لو كان هو السبب لذلك ولو
من جهة اخباره بها أو إظهارها في محل كان مظنة الوصول إلى الظالم فوصل
إليه، بل مطلقا وان لم يكن في مظنة الوصول إذا اتفق الوصول اليه وصار
سببا لانتزاعه منه لأنه حينئذ سبب للاتلاف والأمين لا يضمن التلف فقط دون
الاتلاف وان كان عن قصور.
25

مسألة 10 - لو تمكن من دفع الظالم بالوسائل الموجبة لسلامة الوديعة وجب
، حتى أنه لو توقف دفعه عنها على إنكارها كاذبا بل الحلف على ذلك، جاز
بل وجب;، فإن لم يفعل ضمن، وفي وجوب التورية عليه مع الامكان اشكال
أحوطه ذلك وأقواه العدم.
مسألة 11 - إذا كان مدافعته عن الظالم مؤدية إلى الضرر على بدنه من
جرح وغيره أو هتك في عرضه أو خسارة في ماله، لا يجب تحمله، بل لا يجوز
في غير الأخير، بل فيه أيضا ببعض مراتبه. نعم لو كان ما يترتب عليها
يسيرا جدا بحيث يتحمله غالب الناس - كما إذا تكلم معه بكلام خشن لا يكون
هاتكا له بالنظر إلى شرفه، ورفعة قدره وإن تأذي منه بالطبع - فالظاهر
وجوب تحمله.
مسألة 12 - لو توقف دفع الظالم عن الوديعة على بذل مال له أو لغيره فان
كان بدفع بعضها وجب فلو أهمل فأخذ الظالم كلها ضمن المقدار الزائد على ما
يندفع به منها لاتمامها، فلو كان يندفع بدفع نصفها فأهمل فأخذ تمامها ضمن
النصف ولو كان يقنع بالثلث فأهمل فأخذ الكل ضمن الثلثين، وهكذا. وكذا
الحال فيما إذا كان عنده من شخص وديعتان وكان الظالم يندفع بدفع إحداهما
فأهمل حتى أخذ كليتهما، فإن كان يندفع بإحداهما المعين ضمن الأخرى، وان
كان بإحداهما لا بعينها ضمن أكثرهما قيمة.
ولو توقف دفعه على المصانعة معه بدفع مال من المستودع لم يجب عليه
دفعه تبرعا ومجانا، وأما مع الرجوع به على المالك فان أمكن الاستيذان
منه أو ممن يقوم مقامه كالحاكم عند عدم الوصول إليه لزم، فان دفع بلا
استيذان لم يستحق الرجوع به عليه وان كان من قصده ذلك، وان لم يمكن
الاستيذان فله ان يدفع ويرجع به على المالك إذا كان من القصده الرجوع
عليه.
مسألة 13 - لو كانت الوديعة دابة مثلا يجب عليه سقيها وعلفها ولو لم
يأمره
26

المالك بل ولو نهاه، ولا يجب أن يكون ذلك بمباشرته وأن يكون ذلك
في موضعها، فيجوز أن يسقيها بغلامه مثلا، وكذا يجوز اخراجها من منزله للسقي
وان أمكن سقيها في موضعها بعد جريان العادة بذلك. نعم لو كان الطريق
مخوفا لم يجز إخراجها، كما انه لا يجوز ان يولي غيره لذلك إذا كان غير
مأمون الا مع مصاحبة أو مصاحبت امين معه.
وبالجملة لابد من مراعاة حفظها على المعتاد بحيث لا يعد معها عرفا
مفرطا ومتعديا. هذا بالنسبة إلى أصل سقيها وعلفها، أما بالنسبة إلى نفقتها
فان وضع المالك عنده عينها أو قيمتها أو أذن له في الانفاق عليها من ماله
على ذمته فلا إشكال، والا فالواجب أولا الاستيذان من المالك أو وكلية، أو
ردها إلى المالك فان تعذر رفع الامر إلى الحاكم ليأمره بما يراه صلاحا ولو
ببيع بعضها للنفقة، فان تعذر الحاكم انفق هو من ماله ويرجع به على
المالك مع نيته.
مسألة 14 - تبطل الوديعة بموت كل واحد من المودع والمستودع أو جنونه
، فإن كان هو المودع تكون في يد الودعي أمانة شرعية، فيجب عليه فورا
ردها إلى وارث المودع أو وليه أو إعلامهما بها، فان أهمل لا لعذر شرعي ضمن
اما لو تعذر رده لعدم العلم بكون من يدعي الإرث وارثا أو بانحصار الوارث
فالا حوط فيه الرجوع إلى الحاكم فان رأي بقائها عنده لأجل التروي والفحص
عن الواقع لم يك عليه ضمان على الأقوى.
ان كان الوارث متعددا سلمها إلى الكل أو إلى من يقوم مقامهم، ولو سلمها
إلى البعض من غير اذن، ضمن حصص الباقين.
وان كان هو المستودع تكون أمانة شرعية في يد من كانت بيده وارثا كان
أو غيره فيجب عليه ما ذكر من الرد إلى المودع أو اعلامه فورا.
مسألة 15 - يجب رد الوديعة عند المطالبة في أول وقت الإمكان وإن
كان
27

المودع كافرا محترم المال، بل وإن كان حربيا مباح المال على
الأحوط. والذي هو الواجب عليه رفع يده عنها والتخلية بين المالك وبينها لا
نقلها إلى المالك، فلو كانت في صندوق مقفل أو بيت مغلق ففتحهما عليه فقال
ها هي وديعتك خذها فقد أدى تكليفه وخرج من عهدته، كما أن الواجب عليه مع
الامكان الفورية العرفية، فلا يجب عليه الركض ونحوه والخروج من الحمام
فورا وقطع الطعام والصلاة وان كانت نافلة ونحو ذلك. وهل يجوز له التأخير
ليشهد عليه؟ قولان أقواهما ذلك إذا كان المحتمل بحسب الحال انكار المالك
وخصوصا لو كان الايداع مع الاشهاد. هذا إذا لم يرخص في التأخير وعدم
الاسراع والتعجيل، والا فلا اشكال في عدم وجوب المبادرة.
مسألة 16 - لو أودع اللص ما سرقه عند أحد، لا يجوز له رده إليه مع
الإمكان، بل يكون أمانة شرعية في يده، ويجب عليه إيصاله إلى صاحبه
إن عرفه، والا عرف سنة فان لم يجد صاحبه تصدق به عنه، فإن جاء بعد
ذلك خيره بين الاجر والغرم، فان اختار أجر الصدقة كان له وان اختار
الغرامة غرم له وكان الاجر له.
مسألة 17 - يجب رد الوديعة إذا خاف عليها من تلف أو سرق أو حرق ونحو ذلك،
فان أمكن إيصالها إلى المالك أو وكيله الخاص أو العام تعين والا
فليوصلها إلى الحاكم لو كان قادرا على حفظها، ولو فقد الحاكم أو كانت عنده
أيضا في معرض التلف بسبب من الأسباب، أو دعها عند ثقة أمين متمكن من
حفظها.
مسألة 18 - إذا ظهر للمستودع أمارة الموت بسبب المرض المخوف أو غيره يجب
عليه ردها إلى مالكها أو وكيله مع الإمكان، وإلا فإلى الحاكم ومع
فقده يوصي بها ويشهد بها، فلو أهمل عن ذلك ضمن، وليكن الإيصاء والإشهاد
بنحو يترتب عليهما حفظ الوديعة وعدم ذهابها على مالكها، فلا بد من
ذكر الجنس والوصف وتعيين المكان والمالك، فلا يكفي قوله عندي وديعة لبعض
الناس، فإن
28

مثل هذا لا يجدي في ايصالها إلى مالكها. نعم يقوي عدم لزومها
رأسا ومن أصله فيما إذا لم يحتج ايصاله إلى المالك بالوصية لكون الوارث
مطلعا عليها وكان ثقة أمينا يوصلها إلى صاحبها.
مسألة 19 - يجوز للمستودع أن يسافر ويبقي الوديعة في حرزها السابق عند أهله
وعياله لو لم يكن السفر ضروريا إذا لم يتوقف حفظها على حضوره، والا فيلزم
عليه اما الإقامة وترك السفر واما من ردها إلى مالكها أو وكيله مع
الامكان أو ايصالها إلى الحاكم مع التعذر، ومع فقده فالظاهر تعين الإقامة
وترك السفر، ولا يجوز أن يسافر بها ولو مع أمن الطريق ولا ايداعها عند الأمين
على الأحوط لو لم يكن أقوي.
وأما لو كان السفر ضروريا فان تعذر ردها إلى المالك أو وكيله وكذا
ايصالها إلى الحاكم تعين ايداعها عند أمين، فان تعذر سافر بها محافظا لها
بقدر الامكان وليس عليه ضمان.
نعم في مثل سفر الحج ونحوه من الاسفار الطويلة والكثيرة الخطر اللازم
أن يعامل فيه معاملة من ظهر له امارة الموت من ردها ثم الايصاء والاشهاد
بها على ما سبق تفصيله.
مسألة 20 - المستودع أمين ليس عليه ضمان لو تلفت الوديعة أو تعيبت بيده
الا عند التفريط أو التعدي كما هو الحال في كل أمين، أما التفريط فهو
الإهمال في محافظتها وترك ما يوجب حفظها على مجري العادات بحيث يعد معه
عند العرف مضيعا ومسامحا، كما إذا طرحها في محل ليس بحرز وذهب عنها غير
مراقب لها، أو ترك سقي الدابة وعلفها، أو ترك نشر ثوب الصوف أو الإبريسم
في الصيف، أو أودعها أو سافر بها من غير ضرورة أو ترك التحفظ من الندي فيما
تفسده النداوة كالكتب وبعض الأقمشة وغير ذلك.
29

وأما التعدي فهو أن يتصرف فيها بما لم يأذن له المالك مثل أن يلبس الثوب
أو يفرش الفراش أو يركب الدابة إذا لم يتوقف حفظها على التصرف، كما إذا
توقف حفظ الثوب والفراش من الدود على اللبس والافتراش، أو يصدر منه
بالنسبة إليها ما ينافي الأمانة وتكون يده عليها على وجه الخيانة، كما
إذا جحدها لا لمصلحة الوديعة ولا لعذر من نسيان ونحوه.
وقد يجتمع التفريط مع التعدي، كما إذا طرح الثوب أو القماش أو الكتب
ونحوها في موضع يعفنها أو يفسدها، ولعل من ذلك ما إذا أودعه دراهم مثلا
في كيس مختوم أو مخيط أو مشدود فكسر ختمه أو حل خيطه وشده من دون
ضرورة ومصلحة. ومن التعدي خلط الوديعة بماله، سواء كان بالجنس أو بغيره
، وسواء كان بالمساوي أو بالأجود أو بالأردى، وأما مزجه بالجنس من مال
المودع - كما إذا أودع عنده دراهم في كيسين غير مختومين ولا مشدودين
فجعلهما كيسا واحدا، فإن علم عدم تعلق غرضه بكونهما منفصلين فلا بأس به
والا فالوجه عدم الجواز.
مسألة 21 - معني كونها مضمونة بالتفريط والتعدي كون ضمانها عليه لو تلفت ولو
لم يكن تلفها مستندا إلى تفريطه وتعديه. وبعبارة أخرى تتبدل يده
الأمانية غير الضمانية إلى الخيانة الضمانية.
مسألة 22 - لو نوي التصرف في الوديعة ولم يتصرف فيها لم يضمن بمجرد النية.
نعم لو نوي الغصبية بأن قصد الاستيلاء عليها والتغلب على مالكها
كسائر الغاصبين ضمنها لصيرورة يده يد عدوان، ولو رجع عن قصده لم يزل
الضمان، ومثله ما إذا جحد الوديعة أو طلبت منه فامتنع من الرد مع التمكن
عقلا وشرعا فإنه يضمنها بمجرد ذلك ولم يبرأ من الضمان لو عدل عن جحوده أو
امتناعه.
مسألة 23 - لو كانت الوديعة في كيس مختوم مثلا ففتحها وأخذ بعضها
ضمن
30

الجميع، بل المتجه الضمان بمجرد الفتح كما سبق، وأما لو لم تكن مودعة
في حرز أو كانت في حرز من المستودع ولم يجعلها المودع فيه فاخذ بعضها فان
كان من قصده الاقتصار عليه فالظاهر قصر الضمان على المأخوذ دون ما بقي،
وأما لو كان من قصده عدم الاقتصار بل اخذ التمام شيئا فشيئا فلا يبعد ان
يكون ضامنا للجميع.
مسألة 24 - لو سلمها إلى زوجته أو ولده أو خادمه ليحرزوها، ضمن إذا
كانت العادة جارية بحفظة مثلها مباشرة وإلا لا يضمن إذا كانوا كالآلة
والوسيلة التي يتعارف الحفظ بها.
مسألة 25 - إذا فرط في الوديعة ثم رجع عن تفريطه - بأن جعلها في
الحرز المضبوط وقام بما يوجب حفظها - أو تعدي ثم رجع - كما إذا لبس الثوب
ثم نزعه - لم يبرأ من الضمان. نعم لو جدد المالك له الاستيمان، ارتفع
الضمان. فهو مثل ما إذا كان مال بيد الغاصب فجعله بيده أمانة فان الظاهر
انه بذلك يرتفع الضمان من جهة تبدل عنوان يده من العدوان إلى الاستيمان
ولو أبرأه من الضمان ففي سقوطه بذلك قولان. نعم لو تلفت العين في يده
واشتغلت ذمته بعوضها لا إشكال في صحة الإبراء وسقوط الحق به.
مسألة 26 - لو أنكر الوديعة فالقول قوله بيمينه وكذا لو اعترف بها وادعي
التلف ولا بينة، فالقول قوله بيمينه لكن إذا لم يكن متهما، وكذلك لو
تسالما على التلف، ولكن ادعي عليه المودع التفريط أو التعدي واما إذا
ادعي الرد ولا بينة فالأقوى أن القول قول المالك بيمينه.
مسألة 27 - لو دفعها إلى غير المالك وادعي الاذن من المالك فأنكر المالك
ولا بينة، فالقول قول المالك وكذا لو صدقه على الإذن لكن أنكر التسليم
إلى من أذن له.
31

مسألة 28 - إذا أنكر الوديعة فلما أقام المالك البينة عليها، فصدقها لكن
ادعي كونها تالفة قبل ان ينكر الوديعة لا تسمع دعواه، فلا يقبل منه اليمين
ولا البينة لتناقض كلاميه والا فالوجه سماع دعواه. واما لو ادعي تلفها بعد
ذلك فلا اشكال في انه تسمع دعواه لكن يحتاج إلى البينة ولو ثبت بالبينة
لا اثر لها الا عدم الزامه بردا لعين وإن كان أن عليه ضمان قيمته.
مسألة 29 - إذا أقر بالوديعة ثم مات فان عينها في عين شخصية معينة
موجودة حال موته، أخرجت من التركة، وكذا إذا عينها ضمن مصاديق من جنس
واحد موجودة حال الموت، كما إذا قال " إحدى هذه الشياه وديعة عندي من
فلان " ولم يعينها، فعلي الورثة إذا احتملوا صدق المورث ولم يميزوا الوديعة
من غيرها أن يعاملوا معها معاملة ما إذا علموا اجمالا بأن أحدي هذه الشياة
لفلان فيرجعون إلى القرعة في تعيين الشاة ويسلمونها إلى المقر له وان أقر
بكون أحدي هذه الشياة لواحد مثلا من العشرة ولم يعين الشاه ولا مالكها
تعين الشاة بالقرعة ثم تباع ويوزع قيمتها بين العشرة، وان أقر بأنها
لجماعة غير محصورين يعامل معها معاملة مجهول المالك فيصدق بعينها عن مالكها
بعد تعيينها بالقرعة وان كان قد عمين الوديعة ولم يعين المالك يصدق بها و
هل يعتبر قول المودع في الصورة التي قال " أحديها من فلان " لو عينها
المودع في واحد منها قولان أوجههما عدم الاعتبار.
32

خاتمه
الأمانة على قسمين مالكية وشرعية: أما الأول فهو ما كان باستيمان من
المالك واذنه، سواء كان عنوان عمله ممحضا في ذلك كالوديعة أو بتبع عنوان
اخر مقصود بالذات كما في الرهن والعارية والإجارة والمضاربة، فإن العين
بيد المرتهن والمستعير والمستأجر والعامل أمانة مالكية، حيث ان المالك قد
سلمها بعنوان الاستيمان وتركها بيدهم من دون مراقبة حفظها على عهدتهم.
وأما الثاني فهو ما لم يكن الاستيلاء على العين ووضع اليد عليها باستيمان
من المالك ولا اذن منه وقد صارت تحت يده لا على وجه العدوان، بل اما
قهرا كما إذا أطارته الريح أو جاء بها السيل مثلا في ملكه وتحت سلطنته واما
بتسليم المالك لها بدون اطلاع منهما، كما إذا اشتري صندوقا فوجد فيه
المشتري شيئا من مال البائع بدون اطلاعه أو تسلم البائع أو المشتري زائدا
على حقهما من جهة الغلط في الحساب، واما برخصة من الشرع كاللقطة والضالة
وما ينتزع من يد السارق أو الغاصب من مال الغير حسبة للايصال إلى صاحبه وكذا
ما يؤخذ من الصبي أو المجنون من مالهما عند خوف التلف في أيديهما حسبة للحفظ
، وما يؤخذ مما كان في معرض الهلاك والتلف من الأموال المحترمة، كحيوان
معلوم المالك في مسبعة أو مسيل ونحو ذلك، فان العين في جميع هذه الموارد
تكون تحت يد المستولي عليها أمانة شرعية يجب عليه حفظها وايصالها في أول
أزمنة الامكان إلى صاحبها ولو مع عدم المطالبة وليس عليه ضمان لو تلف في
يده الا مع التفريط أو التعدي كالأمانة المالكية. ويحتمل عدم وجوب ايصالها
وكفاية اعلام صاحبها بكونها عنده وتحت يده والتخلية بينها وبينه بحيث كلما
أراد ان يأخذها أخذها، بل لا يخلو هذا من قوة.
ولو كانت العين أمانة مالكية بتبع عنوان آخر وقد ارتفع ذلك العنوان -
كالعين
33

المستأجرة بعد انقضاء مدة الإجارة والعين المرهونة بعد فك الرهن
والمال الذي بيد العامل بعد فسخ المضاربة - ففي كونها أمانة مالكية أو
شرعية وجهان بل قولان، لا يخلو أولهما من رجحان فيما إذا كان بقاء العين
عنده برضاء المالك أولم يكن زائدا على زمان يستلزمه الإجارة والمضاربة
وغيرهما مما ذكر، وأما إذا كان التأخير من جهة عجزه من الوصول إلى المالك
فأمانة شرعية.
34

كتاب المضاربة
35

كتاب المضاربة
ويسمي قراضا، وهي عقد واقع بين شخصين على ان يكون رأس المال
في التجارة من أحدهما والعمل من الاخر وإذا حصل ربح يكون بينهما، وإذا
جعل تمام الربح للمالك يقال له " البضاعة ". وحيث انها عقد من العقود
تحتاج إلى الايجاب والقبول. والايجاب من طرف المالك والقبول من العامل،
ويكفي في الايجاب كل لفظ يفيد هذا المعني بالظهور العرفي كقوله " ضاربتك "
أو " قارضتك " أو " عاملتك على كذا " وما أفاد هذا المعني، وفي القبول "
قبلت " وشبهه والظاهر وقوعهما بالفعل الدال على المعني المذكور.
مسألة 1 - يشترط في المتعاقدين البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر
في المالك، وفي رأس المال أن يكون عينا فلا تصح بالدين سواء كان على
العامل أو علي غيره الا بعد قبضه، وفي وقوعها بالمنفعة اشكال والأقوى عدم
وقوعها مضاربة كما ان الأقوى وقوعها بغير الذهب والفضة المسكوكين سكة
المعاملة من الأثمان كالا وراق النقدية نعم لا تصح بالعروض ولا بالذهب
والفضة غير المسكوكين، وأن يكون معينا فلا يصح بالمبهم كأن يقول
"; قارضتك بأحد هذين المالين أو بأيهما شئت " وأن يكون معلوما قدرا ووصفا أو
أمكن رفع جهالته بالتدريج، نعم وفي الربح أن يكون معلوما فلو قال "
على أن لك مثل ما شرط
37

فلان لعامله " ولم يعلما ما شرط بطل مضاربة. نعم
إذا كان مجهولا مرددا في الواقع بحيث لا يمكن معرفته وتعيينه ولو بعد
العمل بطل مطلقا، وان يكون مشاعا مقدرا بأحد الكسور كالنصف أو الثلث فلو
قال على ان لك من ربح مائة والباقي لي أو بالعكس أو على لك نصف الربح
وعشرة دراهم مثلا لم يصح وأن يكون بين المالك والعامل لا يشاركهما الغير،
فلو جعلا جزءا منه لا جني بطل الا أن يكون له عمل متعلق بالتجارة.
مسألة 2 - يشترط في المضاربة أن يكون الاسترباح بالتجارة، فلو دفع
إلى الزارع مالا ليصرفه في الزراعة ويكون الحاصل بينهما أو إلى الطباخ أو
الخباز أو الصباغ مثلا ليصرفوها في حرفتهم ويكون الربح والفائدة بينهما لم
تقع مضاربة.
مسألة 3 - الدراهم المغشوشة ان كانت رائجة مع وصف كونها مغشوشة يجوز ايقاع
المضاربة بها، فلا يعتبر الخلوص عن الغش فيها. نعم لو كانت قلبا يجب كسرها
ولم يجز المعاملة بها كما لم يصح المضاربة عليها.
مسألة 4 - إذا كان له دين على أحد يجوز أن يوكل أحدا في استفائه ثم
ايقاع المضاربة عليه، بأن يكون موجبا من طرف المالك وقابلا من نفسه،
وكذا لو كان المديون هو العامل يجوز توكيله في تعيين ما كان في ذمته في
دراهم أو دنانير أو أثمان رائحة معينة للدائن ثم ايقاع عقد المضاربة عليها
موجبا وقابلا من الطرفين.
مسألة 5 - لو دفع اليه عروضا وقال بعها ويكون ثمنها مضاربة لم يصح الا
إذا أوقع عقدها بعد ذلك على ثمنها.
مسألة 6 - إذا دفع اليه شبكة مثلا على أن يكون ما وقع فيها من السمك
بينهما بالتنصيف أو التثليث مثلا لم يكن مضاربة بل هي معاملة فاسدة فيكون
ما وقع فيها من الصيد للصائد وعليه أجرة مثل الشبكة لصاحبها. لكن لو اذن له
التصرف في
38

شبكته بشرط أن يتملك نصف ما يأخذه لصاحب الشبكة فالظاهر أنه لا
مانع منه وإذا قصد ذلك يصير صاحب الشبكة شريكا بمقدار ما قصده.
مسألة 7 - لو دفع اليه مالا ليشتري نخيلا أو أغناما على أن تكون الثمرة
والنتاج بينهما لم يكن مضاربة، فهي معاملة فاسدة تكون الثمرة والنتاج
لرب المال وعليه أجرة مثل عمل العامل.
مسألة 8 - يصح المضاربة على المشاع كالمفروز، فلو كان دراهم أو
دنانير معلومة مشتركة بين اثنين فقال أحدهما للعامل قارضتك بحصتي من هذه
الدراهم أو الدنانير صح مع العلم بمقدار حصته، وكذا لو كان عنده ألف تومان
مثلا وقال قارضتك بنصفها.
مسألة 9 - لافرق بين أن يقول خذ هذا المال قراضا ولكل منا نصف الربح
وبين أن يقول والربح بيننا أو يقول ولك نصف الربح أو لي نصف الربح في
أن الظاهر انه جعل لكل منهما نصف الربح، وكذلك لا فرق بين أن يقول خذه
قراضا ولك نصف ربحه أو يقول لك ربح نصفه فان مفاد الجميع واحد عرفا.
مسألة 10 - يجوز اتحاد المالك وتعدد العامل في مال واحد مع اشتراط تساويهما
فيما يستحقان من الربح وفضل أحدهما على الاخر وان تساويا في العمل، ولو
قال قارضتكما ولكما نصف الربح كانا فيه سواء وكذا يجوز تعدد المالك واتحاد
العامل، بأن كان المال مشتركا بين اثنين فقارضا واحدا بالنصف مثلا متساويا
بينهما، بأن يكون النصف للعامل والنصف بينهما بالسوية، وبالاختلاف بأن
يكون في حصة أحدهما بالنصف وفي حصة الاخر بالثلث مثلا فإذا كان الربح
اثني عشر استحق العامل خمسة واستحق أحد الشريكين ثلاثة والاخر أربعة. نعم
إذا لم يكن اختلاف في استحقاق العامل بالنسبة إلى حصة الشريكين وكان
التفاضل في استحقاق الشريكين فقط - كما إذا اشترط أن يكون
39

للعامل النصف و
النصف الاخر بينهما بالتفاضل مع تساويهما في رأس المال بأن يكون للعامل
الستة من اثني عشر ولاحد الشريكين اثنين وللآخر أربعة - ففي صحته وجهان بل
قولان، أقواهما البطلان
مسألة 11 - المضاربة جائزة من الطرفين، يجوز لكل منهما فسخها قبل الشروع
في العمل وبعده، قبل حصول الربح وبعده، صار المال كله نقدا أو كان
فيه أجناس لم ينض بعد، بل إذا اشترطا فيها الاجل جاز لكل منهما فسخها
قبل انقضائه، ولو اشترطا فيها عدم الفسخ فإن كان المقصود لزومها بحيث
لا ينفسخ بفسخ أحدهما بطل الشرط والمضاربة على الأقوى، وان كان المقصود
التزامهما بأن لا يفسخاها فلا بأس به وان لم يلزم عليهما العمل به الا إذا
جعل الشرط في ضمن عقد خارج لازم كالبيع والصلح ونحوهما فيجب العمل به
تكليفا لكن ان فسخ ينفسح
مسألة 12 - الظاهر جريان المعاطاة والفضولية في المضاربة فتصح بالمعاطاة
، وإذا وقعت فضولا من طرف المالك أو العامل تصح بإجازتهما كالبيع.
مسألة 13 - تبطل المضاربة بموت كل من المالك والعامل، وهل يجوز
لورثة المالك إجازة العقد فتبقي المضاربة بحالها بسبب اجازتهم أم لا؟ فيه
تأمل واشكال والأقوى عدم الجواز
مسألة 14 - العامل امين فلا ضمان عليه لو تلف المال أو تعيب تحت يده
الا مع التعدي أو التفريط، كما أنه لا ضمان عليه من جهة الخسارة في
التجارة بل هي واردة على صاحب المال. ولو اشترط المالك على العامل أن
يكون شريكا معه في الخسارة كما يكون شريكا معه في الربح ففي صحته وجهان
أقواهما العدم. نعم لو كان مرجعه إلى اشتراط انه على تقدير وقوع الخسارة
على المالك خسر العامل نصفه مثلا من كيسه لا بأس به، ولكن لزوم الوفاء به
على العامل يتوقف على ايقاع
40

هذا الشرط في ضمن عقد لازم لا في ضمن مثل
عقد المضاربة مما هو جائز من الطرفين. نعم إذا اشترط هذا الشرط في ضمن عقد
المضاربة وتخلف المشروط عليه يجوز للشارط فسخ المضاربة من الأصل
مسألة 15 - يجب على العامل بعد عقد المضاربة القيام بوظيفته من تولي
ما يتولاه التاجر لنفسه على المعتاد بالنسبة إلى مثل تلك التجارة في مثل
ذلك المكان والزمان ومثل ذلك العامل من عرض القماش والنشر والطي مثلا
وقبض الثمن واحرازه في حرزه واستيجار من جرت العادة باستيجاره كالدلال
والوزان والحمال ويعطي أجرتهم من أصل المال، بل لو باشتر مثل هذه الأمور
هو بنفسه لا بقصد التبرع فالظاهر جواز أخذ الأجرة. نعم لو استأجر لما يتعارف
فيه مباشرة العامل بنفسه كان عليه الأجرة وضمن المال لو تلف في يد الأجير
الا إذا كان مأذونا في ذلك.
مسألة 16 - مع اطلاق عقد المضاربة يجوز للعامل الاتجار بالمال على
حسب ما يراه من المصلحة من حيث الجنس المشتري والبائع والمشتري وغير ذلك
. حتى في الثمن فلا يتعين عليه ان يبيع بالنقد بل يجوز أن يبيع الجنس
بجنس آخر الا أن يكون هناك تعارف ينصرف اليه الاطلاق. نعم لو شرط عليه
المالك أن لا يشتري الجنس الفلاني أو إلا الجنس الفلاني أو لا يبيع من
الشخص الفلاني أو الطائفة الفلانية وغير ذلك من الشروط لم يجزله المخالفة
، ولو خالف ضمن المال والخسارة، لكن لو حصل الربح وكانت التجارة رابحة
شارك المالك في الربح على ما قرراه في عقد المضاربة.
مسألة 17 - لا يجوز للعامل خلط رأس المال بمال آخر لنفسه أو لغيره الا
باذن المالك عموما أو خصوصا، فلو خلط ضمن لكن إذا دار المجموع
في التجارة وحصل ربح فهو بين المالين على النسبة.
41

مسألة 18 - لا يجوز مع الاطلاق أن يبيع نسيئة خصوصا في بعض الأزمان وعلي
بعض الاشخاص، الا ان يكون متعارفا بين التجار ولو بالنسبة إلى ذلك
البلد أو الجنس الفلاني بحيث لا ينصرف عنه الاطلاق فلو خالف في غير
مورد الانصراف ضمن ولكن لو استوفاه وحصل ربح كان بينهما.
مسألة 19 - ليس للعامل أن يسافر بالمال برا أو بحرا والإتجار به في بلد
آخر غير بلد المال إذا لم يكن ذلك السفر متعارفا فيه إلا مع إذن المالك
، فلو سافر ضمن التلف والخسارة لكن لو حصل ربح يكون بينهما كما مر، وكذا لو
أمره بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها.
مسألة 20 - ليس للعامل أن ينفق في الحضر من مال القراض شيئا وإن قل
حتى فلوس السقاء، وكذا في السفر إذا لم يكن باذن المالك، وأما لو كان
باذنه فله الانفاق من رأس المال الا إذا اشترط المالك أن يكون نفقته على
نفسه. والمراد بالنفقة ما يحتاج اليه من مأكول ومشروب وملبوس ومركوب
وآلات وأدوات وأجرة المسكن ونحو ذلك مع مراعاة ما يليق بحاله عادة على
وجه الاقتصاد، فلو أسرف حسب عليه ولو قتر على نفسه أو لم يحتج إليها من
جهة صيرورته ضيفا عند أحد مثلا لم يحسب له. ولا يكون من النفقة هنا
جوائزه وعطاياه وضيافاته وغير ذلك، فهي على نفسه الا إذا كانت لمصلحة
التجارة.
مسألة 21 - المراد بالسفر المجوز للانفاق من المال هو العرفي لا الشرعي
، فيشمل ما دون المسافة، كما أنه يشمل اقامته عشرة أيام أو أزيد في بعض
البلاد، لكن إذا كان لأجل عوارض السفر - كما إذا كان للراحة من التعب أو
لانتظار الرفقة أو لخوف الطريق وغير ذلك أو لأمور متعلقة بالتجارة كما إذا
كان لدفع العشور وأخذ التذكرة من العشار - وأما إذا بقي للتفرج أو لتحصيل
مال لنفسه ونحو ذلك فالظاهر كون نفقته على نفسه، خصوصا لو كانت الإقامة
لأجل مثل
42

هذه الاغراض بعد تمام العمل.
مسألة 22 - لو كان عاملا لاثنين أو أزيد أو عاملا لنفسه وغيره توزع النفقة
، وهل هو على نسبة المالين أو على نسبة العملين؟ فيه تأمل واشكال،
ولعل الأقرب الثاني ولكن لا يترك الاحتياط برعاية أقل الامرين فيما إذا
كان عاملا لنفسه ولغيره
مسألة 23 - لا يعتبر ظهور الربح في استحقاق النفقة، بل ينفق من أصل
المال وان لم يكن ربح. نعم لو أنفق وحصل ربح فيما بعد يجبر ما أنفقه من
رأس المال بالربح كسائر الغرامات والخسارات، فيعطي المالك تمام رأس ماله
، فان بقي شي ء من الربح يكون بينهما.
مسألة 24 - الظاهر أنه كما يجوز للعامل الشراء بعين مال المضاربة - بأن
يعين دراهم شخصية ويشتري شيئا بتلك الدراهم الشخصية - يجوز الشراء بالكلي
في الذمة والدفع والأداء منه، بأن يشتري جنسا بألف درهم كلي على ذمة
المالك ودفعه بعد ذلك من المال الذي عنده، ولو فرض تلف مال المضاربة
قبل الأداء ففي وجوب تأديته على المالك من غيرها تأمل واشكال والظاهر ان
المراد مما أسند إلي المشهور بل ادعي عليه الاجماع على ما بينه سيدنا الأستاذ
الأكبر في تعليقته على العروة هو ان الشراء بالكلي في ذمة المالك لا يوجب
اثبات تأديته من غير مال المضاربة ان تعذرت الأداء منه فكان المشهور رأو
انصراف اذن المالك منه. ولا يتعين النحو الأول ويجوز على النحو الثاني إذا
كان تأديته من مال المضاربة ممكنة بحسب الحال. هذا مع اطلاق، وأما مع
الاذن في النحو الثاني فلا اشكال في جوازه كما أنه لا اشكال في عدم الجواز
لو اشترط عليه عدمه.
مسألة 25 - لا يجوز للعامل أن يوكل وكيلا في الاتجار، بأن يوكل إلى
الغير أصل التجارة من دون اذن المالك. نعم يجوز له التوكيل والاستيجار في
بعض
43

المقدمات على النحو المتعارف، وكذلك لا يجوز له أن يضارب غيره أو يشار
كه فيها الا باذن المالك، ومع الاذن إن قصد المالك فسخ المضاربة الأولي
فهو والا فالظاهر انه لا مانع من صحتها مع بقاء الأولي على حالها، نظير جعل
الوكالة لاثنين في بيع ماله أو جعل الجعالة لكل من رد ضالته مثلا، فكل
منهما إذا عمل في مجموع المال أو مقدار منه يستحق حصته من الربح ولا يبقي
للاخر شي ء حتى يجوز له فيه العمل، وأما لو كان المقصود ايقاع مضاربة بين
العامل وغيره - بأن يكون العامل الثاني عاملا للعامل الأول - ففي صحته
تأمل واشكال.
مسألة 26 - الظاهر أنه يصح ان يشترط أحدهما على الاخر في ضمن عقد المضاربة
مالا أو عملا، كما إذا شرط المالك على العامل أن يخيط له ثوبا أو
يعطيه درهما وبالعكس.
مسألة 27 - الظاهر أنه يملك العامل حصته من الربح بمجرد ظهوره، ولا
يتوقف على الانضاض - بمعني جعل الجنس نقدا - ولا على القسمة، كما أن
الظاهر صيرورته شريكا مع المالك في نفس العين الموجودة بالنسبة، فيصح له
مطالبة القسمة وله التصرف في حصته ما أراد من البيع والصلح، ويترتب
عليه جميع آثار الملكية من الإرث وتعلق الخمس والزكاة وحصول الاستطاعة
وتعلق حق الغرماء وغير ذلك.
مسألة 28 - لا اشكال في أن الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر
بالربح ما دامت المضاربة باقية، سواء كانت سابقة عليه أو لاحقة، فملكية
العامل له بالظهور متزلزلة تزول كلها أو بعضها بعروض الخسران فيما بعد إلى
ان تستقر، والاستقرار يحصل بعد الانضاض وفسخ المضاربة والقسمة قطعا، فلا
جبران بعد ذلك جزما، وفي حصوله بدون اجتماع الثلاثة وجوه وأقوال، أقواها
تحققه بالفسخ مع القسمة وان لم يحصل الانضاض، بل لا يبعد تحققه بالفسخ
والانضاض
44

وان لم يحصل القسمة.
مسألة 29 - كما يجبر الخسران في التجارة بالربح كذلك يجبر به التلف.
فلو تلف بعض المال الدائر في التجارة بسبب غرق أو حرق أو سرقة أو غيرها
وربح بعضها، يجبر تلف البعض بربح البعض حتى يكمل مقدار رأس المال لرب
المال، فإذا زاد عنه شي ء يكون بينهما.
مسألة 30 - إذا حصل فسخ أو انفساخ في المضاربة فان كان قبل الشروع
في العمل ومقدماته فلا اشكال ولا شي ء للعامل ولا عليه، وكذا إن كان بعد
تمام العمل والانضاض، إذ مع حصول الربح يقتسمانه ومع عدمه يأخذ المالك
رأس ماله ولا شئ ء للعامل ولا عليه، وان كان في الأثناء بعد التشاغل
بالعمل فان كان قبل حصول الربح ليس للعامل شي ء ولا أجرة له لما مضي من
عمله، سواء كان الفسخ منه أو من المالك، أو حصل الانفساخ القهري كما أنه
ليس عليه شي ء مطلقا حتى فيما إذا حصل الفسخ من العامل في السفر المأذون
فيه من المالك فلا يضمن ما صرف في نفقته من رأس المال، ولو كان في
المال عروض لا يجوز للعامل التصرف فيه بدون اذن المالك، كما انه ليس
للمالك الزامه بالبيع والانضاض. وان كان بعد حصول الربح، فان كان بعد
الانضاض فقد تم العمل فيقتسمان ويأخذ كل منهما حقه، وان كان قبل الانضاض
فعلي ما مر من تملك العامل حصته من الربح بمجرد ظهوره شارك المالك في
العين، فان رضيا بالقسمة على هذا الحال أو انتظرا إلى أن تباع العروض
ويحصل الانضاض كان لهما ذلك ولا اشكال، وان طلب العامل بيعها لم يجب على
المالك اجابته، بل وكذا إن طلبه المالك لم يجب على العامل اجابته وان
قلنا بعدم استقرار ملكية العامل للربح الا بعد الانضاض، غاية الامر لو حصلت
خسارة بعد ذلك قبل القسمة يجب جبرها بالربح.
مسألة 31 - لو كان في المال ديون على الناس فهل يجب على العامل
أخذها
45

وجمعها بعد الفسخ أو الانفساخ أم لا؟ في وجوبه اشكال وإن كان الا حوط
إجابة المالك لو طلب منه ذلك
مسألة 32 - لا يجب على العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ أزيد من التخلية
بين المالك وماله، فلا يجب عليه الايصال اليه حتى لو ارسل المال إلى
بلد آخر غير بلد المالك وكان ذلك باذنه. نعم لو كان ذلك بدون إذنه يجب
عليه الرد إليه حتى أنه لو احتاج إلى أجرة كانت عليه.
مسألة 33 - إذا كانت المضاربة فاسدة كان الربح بتمامه للمالك سواء
كانا جاهلين بالفساد أو عالمين أو مختلفين، وللعامل أجرة مثل عمله لو كان
جاهلا بالفساد، سواء كان المالك عالما أو جاهلا، ولا يستحق شيئا لو كان
عالما بالفساد وكان اذن المالك له في المعاملات مقيدا بالمضاربة. وعلي
كل حال لا يضمن العامل التلف والنقص الواردين على المال. نعم يضمن على
الأقوى ما أنفقه في السفر على نفسه وان كان جاهلا بالفساد.
مسألة 34 - لو ضارب مع الغير بمال الغير من دون ولاية ولا وكالة وقع
فضوليا، فإن أجازه المالك وقع له وكان الخسران عليه والربح بينه وبين
العامل على ما شرطاه، وإن رده فإن كان قبل أن عومل بماله طالبه،
ويجب على العامل رده إليه، وإن تلف أو تعيب كان له الرجوع على كل
من المضارب والعامل، فإن رجع على الأول لم يرجع على الثاني وإن رجع
على الثاني رجع على الأول إذا كان الأول غارا والثاني مغرورا لكونه
جاهلا " وإلا فقرار الضمان على من تلف المال في يده وإن كان للمالك
الرجوع على كل منهما.
وإن كان بعد أن عومل به كانت المعاملة فضولية، فإن أمضاها وقعت له
وكان تمام الربح له وتمام الخسران عليه، وإن ردها رجع بماله إلى كل
من شاء من المضارب والعامل كما في صورة التلف، ويجوز له أن يجيزها على
تقدير حصول
46

الربح ويردها على تقدير وقوع الخسران، بأن يلاحظ مصلحته فإذا
رآها تجارة رابحة أجازها وإذا رآها خاسرة ردها. هذا حال المالك مع كل من
المضارب والعامل، وأما معاملة العامل مع المضارب، فإذا لم يعمل لم
يستحق شيئا، وكذا إذا عمل وكان عالما بكون المال لغير المضارب، وأما إذا
عمل ولم يعلم بكونه لغيره استحق أجرة مثل عمله ورجع بها على المضارب.
مسألة 35 - إذا أخذ العامل رأس المال ليس له ترك الاتجار به وتعطيله
عنده بمقدار لم تجر العادة على تعطيله وعد متوانيا " متسامحا، كالتأخير سنة
مثلا "، فإن عطله كذلك ضمنه لو تلف لكن لم يستحق المالك عليه غير أصل
المال، وليس له مطالبته بالربح الذي كان يحصل على تقدير الاتجار به.
مسألة 36 - إذا اشتري نسيئة بإذن المالك كان الدين في ذمة المالك
فللدائن الرجوع عليه على التفصيل الذي مر في مسألة 24 وله ان يرجع على
العامل خصوصا مع جهل الدائن بالحال، وإذا رجع عليه رجع هو على المالك، ولو
لم يتبين للدائن ان الشراء للغير يتعين له في الظاهر الرجوع على العامل، وإن كان
له في الواقع الرجوع على المالك.
مسألة 37 - لو ضاربه على خمسمائة مثلا فدفعها إليه وعامل بها، وفي
أثناء التجارة دفع إليه خمسمائة أخري للمضاربة، فالظاهر أنهما مضاربة واحدة
ان أعطاه الثانية توسعة للأولى فتجبر خسارة إحداهما بربح الأخرى نعم إن
أعطاها لتكون مضاربة مستقلة فلا تجبر خسارة أحدهما بربح الأخرى.
مسألة 38 - إذا كان رأس المال مشتركا بين اثنين فضاربا واحدا ثم فسخ
أحد الشريكين، فمقتضي القاعدة عدم الانفساخ بالنسبة إلى الآخر لأن
المضاربة مع الشريكين ينحل إلى مضاربتين.
47

مسألة 39 - إذا تنازع المالك مع العامل في مقدار رأس المال ولم يكن
بينة قدم قول العامل، سواء كان المال موجودا أو كان تالفا وكان مضمونا
على العامل.
مسألة 40 - لو ادعي العامل التلف أو الخسارة أو عدم حصول المطالبات
التي عند الناس مع عدم كونه مضمونا " عليه وادعي المالك خلافه ولم تكن
بينة قدم قول العامل.
مسألة 41 - لو اختلفا في الربح ولم تكن بينة قدم قول العامل، سواء اختلفا
في أصل حصوله أو في مقداره، بل وكذا الحال إذا قال العامل ربحت كذا
لكن خسرت بعد ذلك بمقداره فذهب الربح.
مسألة 42 - لو اختلفا في نصيب العامل من الربح وأنه النصف مثلا أو الثلث
ولم تكن بينة قدم قول المالك.
مسألة 43 - إذا تلف المال أو وقع خسران فادعي المالك على العامل الخيانة
أو التفريط في الحفظ ولم تكن له بينة، قدم قول العامل، وكذا لو ادعي
عليه
مخالفته لما شرط عليه، سواء كان النزاع في أصل الإشتراط أو في مخالفته
لما شرط عليه، كما إذا ادعي المالك أنه قد اشترط عليه أن لا يشتري الجنس
الفلاني وقد اشتراه فخسر وأنكر العامل أصل هذا الإشتراط أو أنكر مخالفته لما
اشترط عليه. نعم لو كان النزاع في صدور الإذن من المالك فيما لا يجوز
للعامل إلا بإذنه، كما لو سافر بالمال أو باع نسيئة فتلف أو خسر، فادعي
العامل كونه بإذن المالك وانكره قدم قول المالك.
مسألة 44 - إذا ادعي رد المال إلى المالك وأنكره قدم قول المالك.
مسألة 45 - إذا اشتري العامل سلعة فظهر فيها ربح فقال اشتريتها لنفسي
وقال المالك اشتريتها للقراض، أو ظهر خسران فادعي العامل أنه اشتراها
للقراض
48

وقال صاحب المال بل اشتريتها لنفسك، قدم قول العامل بيمينه.
مسألة 46 - إذا حصل تلف أو خسارة، فادعي المالك أنه أقرضه وادعي
العامل أنه قارضه لا يبعد تقدم قول العامل مع حلفه على نفي القرض، لعدم
الأثر في القراض بخلاف القرض. وأما لو حصل ربح فادعي المالك أنه قارضه
وادعي العامل أنه أقرضه، قدم قول المالك.
مسألة 47 - لو أدعي المالك أنه أعطاه المال بعنوان البضاعة فلا يستحق
العامل شيئا من الربح، وادعي العامل المضاربة فله حصة منه، الظاهر أنه
يقدم قول المالك بيمينه، فيحلف على نفي المضاربة، فله تمام الربح لو
كان، ولو لم يكن ربح أصلا فلا ثمرة في هذه الدعوى.
مسألة 48 - يجوز إيقاع الجعالة على الاتجار بمال وجعل الجعل حصة
من الربح، بأن يقول صاحب المال مثلا: إذا اتجرت بهذا المال وحصل ربح
فلك نصفه أو ثلثه، فتكون جعالة تفيد فائدة المضاربة، لكن لا يشترط فيها
ما يشترط في المضاربة، فيجوز أن يكون عروضا أو دينا أو منفعة.
مسألة 49 - يجوز للأب والجد المضاربة بمال الصغير وكذا القيم الشرعي
مع الامن من التلف وملاحظة الغبطة والمصلحة، بل يجوز للوصي على ثلث الميت
ان يدفعه إلى الغير بالمضاربة وصرف حصة الميت من الربح في المصارف
المعينة للثلث إذا أوصي به الميت بل وإن لم يوص به لكن فوض أمر الثلث
بنظر الوصي فرأي الصلاح في ذلك.
مسألة 50 - إذا مات العامل وكان عنده مال المضاربة، فإن علم وجوده
فيما تركه بعينه فلا إشكال، وإن علم بوجوده فيه من غير تعيين - بأن
كان ما تركه مشتملا " على مال نفسه ومال المضاربة أو كان عنده أيضا "
ودائع أو بضائع
49

لا ناس آخرين واشتبه أعيانها بعضها مع بعض - يعامل ما هو
العلاج في نظائره من اشتباه أموال ملاك متعددين بعضها مع بعض، وهل هو
باعمال القرعة أو إيقاع المصالحة؟ وجهان أحوطهما الثاني وأقواهما الأول.
نعم الظاهر انه لو علم المال جنسا وقدرا واشتبه بين أموال من جنسه له
أو لغيره كان بحكم المال المشترك غير المتميز كما إذا كان له في مخزنه مقدار
من القند أو الشكر وعلم أن مقدارا " معينا " من ذلك الجنس مال المضاربة من
غير تعيين لشخصه، فإنه يكون المجموع مشتركا بين رب المال وورثة الميت
بالنسبة.
أما إذا علم بعدم وجوده فيها واحتمل أنه قد رده إلى مالكه أو تلف
بتفريط منه أو بغيره، فالظاهر أنه لا يحكم على الميت بالضمان وكان الجميع
لورثته، وكذا لو احتمل وجوده فيها. ولو علم بأن مقدارا من مال المضاربة
قد كان قبل موته داخلا في هذه الأجناس الباقية التي قد تركها ولم يعلم
أنه هل بقي فيها أو رده إلى المالك أو تلف، فالحكم بالضمان لا يخلو من
اشكال وإن كان الأحوط للورثة التخلص من المالك.
50

كتاب الشركة
51

كتاب الشركة
وهي كون شئ واحد لاثنين أو أزيد، وهي إما في عين أو دين أو منفعة
أو حق. وسببها قد يكون إرثا وقد يكون عقدا ناقلا، كما إذا اشتري اثنان
معا مالا أو استأجرا عينا أو صولحا عن حق تحجير مثلا.
ولها سببان آخران يختصان بالشركة في الأعيان: أحدهما الحيازة، كما
إذا اقتلع اثنان معا شجرة مباحة أو اغترفا ماءا مباحا بآنية واحدة دفعة.
وثانيهما الامتزاج، كما إذا امتزج ماء أو خل من شخص بماء أو خل شخص آخر،
سواء وقع قهرا أو عمدا واختيارا.
مسألة 1 - الامتزاج يوجب الشركة الواقعية الحقيقة، وهو فيما إذا حصل خلط و
امتزاج تام بين ما يعين متجانسين كالماء بالماء والدهن بالدهن، بل
وغير متجانسين كدهن اللوز بدهن الجوز مثلا، ومثله على الظاهر خلط
الجامدات الناعمة بعضها ببض كالأدقة، بل لا يبعد أن يلحق بها ذوات
الحبات الصغيرة كالخشخاش والدخن والسمسم وأشباهها. وقد يوجب الشركة الحكمية
، وهي في مثل خلط الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير، بل والجوز بالجوز
واللوز باللوز، وكذا الدراهم أو الدنانير المتماثلة إذا اختلط بعضها ببعض على
نحو يرفع الامتياز، فان الظاهر في أمثال ذلك بقاء أجزاء كل من المالين على
ملك مالكه،
53

لكن عند الخلط الرافع للامتياز يعامل مع المجموع معاملة المال
المشترك ويكون بحكم الشركة الواقعية من صحة التقسيم والافراز وسائر أحكام
المال المشترك. والظاهر انه لا تتحقق الشركة بخلط القيمات بعضها ببعض وان
لم يتميز، كما إذا اختلط بعض الثياب ببعضها مع تقارب الصفات والأغنام في
الأغنام ونحو ذلك، بل ذلك من اشتباه مال أحد المالكين بمال الاخر، فيكون
العلاج بالمصالحة أو القرعة.
مسألة 2 - لا يجوز لبعض الشركاء التصرف في المال المشترك الا برضى الباقين،
بل لو أذن أحد الشريكين في التصرف جاز للمأذون ولم يجز للاذن الا أن يأذن
له المأذون أيضا، ويجب أن يقتصر المأذون بالمقدار المأذون فيه كما وكيفا
. نعم الاذن في الشئ ء اذن في لوازمه عند الاطلاق، فإذا أذن له في سكني
الدار يلزمه اسكان أهله وعياله وأطفاله وتردد أصدقائه ونزول ضيوفه بالمقدار
المعتاد، فيجوز ذلك كله الا أن يمنع عنه كلا أو بعضا فيتبع.
مسألة 3 - كما تطلق الشركة على المعني المتقدم - وهو كون شي ء واحد لاثنين أو
أزيد - تطلق أيضا على معني آخر، وهو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد
على المعاملة بمال مشترك بينهم، وتسمي الشركة العقدية والاكتسابية،
وثمرته جواز تصرف الشريكين فيما اشتركا فيه بالتكسب به وكون الربح والخسران
بينهما على نسبة مالهما.
وحيث انها عقد من العقود تحتاج إلى ايجاب وقبول، ويكفي قولهما " اشتركنا " أو
قول أحدهما ذلك مع قبول الاخر، ولا يبعد جريان المعاطاة فيها، بأن خلطا
المالين بقصد اشتراكهما في الاكتساب والمعاملة به إذا عد الخليطان شيئا واحد
عند العرف.
مسألة 4 - يعتبر في الشركة العقدية كل ما اعتبر في العقود المالية من
البلوغ
54

والعقل والقصد والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه.
مسألة 5 - لا تصح الشركة العقدية الا في الأعيان نقودا كانت أو عروضا
، وتسمي تلك شركة العنان، ولا تصح في الاعمال، وهي المسماة بشركة
الأبدان، بأن أوقع العقد اثنان على أن يكون اجرة عمل كل منهما مشتركا
بينهما، سواء اتفقا في العمل كالخياطين أو اختلفا كالخياط مع النساج. ومن
ذلك معاقدة شخصين على أن كل ما يحصل كل منهما بالحيازة من الحطب أو
الحشيش مثلا يكون مشتركا بينهما، فلا تتحقق الشركة بذلك، بل يختص كل
منهما بأجرته وبما حازه. نعم لو صالح أحدهما الاخر بنصف منفعة إلى مدة كذا
كسنة أو سنتين بنصف منفعته الاخر إلى تلك المدة وقبل الاخر صح واشترك
كل منهما فيما يحصله الاخر في تلك المدة بالأجرة أو الحيازة، وكذا لو صالح
أحدهما الاخر عن نصف منفعته إلى مدة بعوض معين كدينار مثلا وصالحه الاخر
أيضا نصف منفعته في تلك المدة بذلك العوض.
ولا تصح أيضا شركة الوجوه، وهي أن يوقع العقد اثنان وجيهان عند الناس
لامال لهما على أن يبتاع كل منهما في ذمته إلى أجل ويكون ما يبتاعه كل
منهما بينهما فيبيعانه ويؤديان الثمن ويكون ما حصل من الربح بينهما، ولو
أرادا حصول هذه النتيجة بوجه مشروع وكل كل منهما الاخر في أن يشار كه
فيما اشتراه بأن يشتري لهما وفي ذمتهما، فإذا اشتري شيئا كذلك يكون لهما
فيكون الربح والخسران بينهما.
ولا تصح أيضا شركة المفاوضة، وهي أن يعقد اثنان على أن يكون كل ما يحصل لكل
منهما من ربح تجارة أو فائدة زراعة أو اكتساب أوارث أو وصية أو غير
ذلك شاركه فيه الاخر، وكذا كل غرامة وخسارة ترد على أحدهما تكون عليهما.
فانحصرت الشركة العقدية الصحيحة بالشركة في الأعيان المسماة بشركة
55

العنان
.
مسألة 6 - لو آجر اثنان نفسهما بعقد واحد لعمل واحد بأجرة معينة كانت الأجرة
مشتركة بينهما، وكذا لو حاز اثنان معا مباحا، كما لو اقتلعا معا شجرة
أو اغترفا ماء دفعة بآنية واحدة كان ما حازاه مشتركا بينهما، وليس ذلك من
شركة الأبدان حتى تكون باطلة، ويقسم الأجرة وما حازاه بنسبة عملهما ولو
لم تعلم النسبة فالأحوط التصالح.
مسألة 7 - حيث أن الشركة العنانية هي العقد على المعاملة والتكسب
بالمال المشترك، فلا بد من أن يكون رأس المال مشتركا بأحد أسباب الشركة،
فان كان مشتركا قبل ايقاع عقدها كالمال الموروث قبل القسمة فهو، والا بأن
كان المالان ممتازين، فان كانا مما تحصل الشركة بمزجهما كالمائعات والأدقة
بل والحبوبات والدراهم والدنانير على ما مر، مزجاهما قبل العقد أو بعده
ليتحقق الاشتراك في رأس المال، وان كانا من غيره - بأن كان عند أحدهما
جنس وعند الاخر جنس آخر - فلا بد من ايجاد أحد أسباب الشركة غير المزج ليصير
رأس المال مشتركا، كأن يبيع أو يصالح كل منهما نصف ماله بنصف مال الاخر.
وما اشتهر من أن في الشركة العقدية لابد من خلط المالين قبل العقد أو بعده
مبني على ما هو الغالب من كون رأس المال من الدراهم أو الدنانير وكان لكل
منهما مقدار ممتاز عما للاخر، وحيث ان الخلط والمزج فيها أسهل أسباب الشركة
ذكروا أنه لابد من امتزاج الدراهم بالدراهم والدنانير بالدنانير حتى يحصل
الاشتراك في رأس المال، لا انه يعتبر ذلك حتى انه لو فرض كون الدراهم أو
الدنانير مشتركة بين اثنين بسبب آخر غير المزج كالإرث أو كان المالان مما
لا يوجب خلطهما الاشتراك لم تقع الشركة العقدية.
مسألة 8 - اطلاق عقد الشركة يقتضي جواز تصرف كل منهما بالتكسب برأس
56

المال،
وإذا اشتراطا كون العمل من أحدهما أو من كليهما مع انضمامهما فهو المتبع.
هذا من حيث العامل، وأما من حيث العمل والتكسب فمع الاطلاق يجوز مطلقه
مما يريان فيه المصلحة كالعامل في المضاربة ولو عينا جهة خاصة كبيع وشراء
الأغنام أو الطعام أو غير ذلك اقتصر على ذلك ولا يتعدى إلى غيره.
مسألة 9 - حيث أن كل واحد من الشريكين كالوكيل والعامل عن الاخر،
فإذا عقدا على الشركة في مطلق التكسب أو تكسب خاص يقتصر على المتعارف،
فلا يجوز البيع بالنسيئة ولا السفر بالمال الا مع الاذن الخاص، وان جاز له
كل ما تعارف من حيث الجنس المشتري والبائع والمشتري وأمثال ذلك. نعم لو
عينا شيئا من ذلك لم يجوز لهما المخالفة عنه الا باذن من الشريك، وان
تعدي أحدهما عما عينا أو عن المتعارف ضمن الخسارة والتلف.
مسألة 10 - اطلاق الشركة يقتضي بسط الربح والخسران على الشريكين على نسبة
مالهما، فإذا تساوي مالهما تساويا في الربح والخسران، ومع
التفاوت يتفاضلان فيهما على حسب تفاوت ماليهما، من غير فرق بين ما كان
العمل من أحدهما أو منهما مع التساوي فيه أو الاختلاف. ولو شرطا التفاوت في
الربح مع التساوي في المال أو تساويهما فيه مع التفاوت فيه، فان جعلت
الزيادة للعامل منهما أو لمن كان عمله أزيد صح بلا اشكال، وان جعلت لغير
العامل أو لمن لم يكن عمله أزيد ففي صحة العقد والشرط معا أو بطلانهما أو
صحة العقد دون الشرط أقوال، أقواها الثالث منها.
مسألة 11 - العامل من الشريكين أمين، فلا يضمن التلف إذا لم يكن تعدي
منه ولا تفريط. وإذا ادعي التلف قبل قوله مع اليمين، وكذا إذا ادعي
الشريك عليه التعدي أو التفريط وقد أنكر.
مسألة 12 - عقد الشركة جائز من الطرفين، فيجوز لكل منهما فسخه، فينفسخ
57

لكن
لا يبطل بذلك أصل الشركة، وكذا ينفسخ بعروض الموت والجنون والاغماء والحجر
بالفلس أو السفه وتبقي أيضا أصل الشركة.
مسألة 13 - لو جعلا للشركة اجلا لم يلزم، فيجوز لكل منهما الرجوع، نعم
إذا اشترطا عدم الفسخ يجب الوفاء به تكليفا لكن الشركة تنفسخ بالفسخ
وحينئذ يكون للشريك فسخ العقد.
مسألة 14 - إذا تبين بطلان عقد الشركة كانت المعاملات الواقعة قبله
محكومة بالصحة ولهما الربح وعليهما الخسران على نسبة المالين، ولكل منهما
اجرة مثل عمله بالنسبة إلى حصة الاخر.
القول في القسمة
هي تمييز حصص الشركاء بعضها عن بعض وليست ببيع ولا معاوضة، فلا يجري فيها
خيار المجلس ولا خيار الحيوان المختصان بالبيع ولا يدخل فيها الربا وان عممناها
لجميع المعاوضات، وليس معناها اخراج المشتبه فإنه يكون في المشتبه بغيره
وليس من القمسة.
مسألة 1 - لابد في القسمة من تعديل السهام، وهو اما بحسب الاجزاء
والكمية كيلا أو وزنا أو مساحة، وتسمي " قسمة افراز " وهي جارية في
المثليات كالحبوب والادهان والخلول والألبان، وفي بعض القيميات المتساوية
الاجزاء كما في الثوب الواحد الذي تساوت أجزاؤها. واما بحسب القيمة والمالية
، كما في القيميات إذا تعددت كالأغنام والعقار والأشجار إذا ساوي بعضها مع
بعض بحسب القيمة، كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة أغنام قد ساوي قيمة أحدها
مع اثنين منها فيجعل الواحد سهما والاثنان سهما، وتسمي ذلك " قسمة
التعديل " واما بضم مقدار من المال مع بعض السهام ليعادل البعض الاخر. كما
إذا كان بين اثنين
58

عقاران قيمة أحدهما خمسة دنانير والاخر أربعة فإنه إذا
ضم إلى الثاني نصف دينار ساوي مع الأول، وتسمي هذه " قسمة الرد ".
مسألة 2 - الأموال المشتركة قد لا يتأتي فيها الا قسمة الافراز وهو فيما إذا
كان من جنس واحد من المثليات، كما إذا اشترك اثنان أو أزيد في وزنة من
حنطة. وقد لا يتأتي فيها الا قسمة التعديل، كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة
ثوب قد ساوي أحدها مع اثنين منها بحسب القيمة. وقد لا يتأتي فيها الا قسمة
الرد، كما إذا كان بين اثنين غنمان قيمة أحدهما خمسة دنانير والاخر أربعة.
وقد يتأتي فيها قسمة الافراز والتعديل معا "، كما إذا اشترك اثنان في
جنسين مثليين مختلفي القيمة والمقدار وكانت قيمة أقلهما مساوية لقيمة أكثر
هما، كما إذا كان بين اثنين وزنة من حنطة ووزنتان من شعير وكانت قيمة
وزنة من حنطة مساوية لقيمة وزنتين من شعير، فإذا قسم المجموع بجعل
الحنطة سهما " والشعير سهما " يكون من قسمة التعديل، وإذا قسم كل منهما
منفردا " يكون من قسمة الافراز " وقد يتأتي فيها قسمة الافراز والرد معا، كما
في المثال السابق إذا فرض كون قيمة الحنطة خمسة عشر درهما وقيمة الشعير
عشرة. وقد يتأتى فيها قسمة التعديل مع قسمة الرد، كما إذا كان بينهما
ثلاثة عبيد أحدهم يقوم بعشرة دنانير واثنان منهم كل منهما بخمسة، فيمكن
أن يجعل الأول سهما والآخر ان سهما فتكون من قسمة التعديل، وان يجعل
الأول مع واحد من الآخرين سهما والاخر منهما مع عشرة دنانير سهما فتكون من
قسمة الرد وقد يتأتي فيها كل من قسمتي الافراز والرد، كما إذا كان بينهما
وزنة حنطة كانت قيمتها اثني عشر درهما مع وزنة شعير قيمتها عشرة، فيمكن
قسمة الافراز بتقسيم كل منهما منفردا وقسمة الرد بجعل الحنطة سهما والشعير
مع درهمين سهما.
وقد يتأتي الاقسام الثلاثة، كما إذا اشترك اثنان في وزنة حنطة قيمتها
عشرة
59

دراهم مع وزنة شعير قيمتها خمسة ووزنة حمص قيمتها خمسة عشر، فإذا
قسمت كل منها بانفرادها كانت قسمة افراز، وان جعلت الحنطة مع الشعير سهما
والحمص سهما كانت قسمة تعديل، وان جعل الحمص مع الشعير سهما والحنطة مع
عشرة دراهم سهما كانت قسمة الرد. ولا اشكال في صحة الجميع مع التراضي الا
في قسمة الرد مع امكان غيرها، فان في صحتها اشكالا، بل الظاهر العدم.
نعم لا بأس بالمصالحة المفيدة فائدتها.
مسألة 3 - لا يعتبر في القسمة تعيين مقدار السهام بعد أن كانت معدلة، فلو
كانت صبرة من حنطة مجهولة الوزن بين ثلاثة فجعلها ثلاثة اقسام معدلة
بمكيال مجهول المقدار أو كانت بينهم عرصة أرض متساوية الاجزاء فجعلها ثلاثة
أجزاء متساوية بخشبة أو حبل لا يدري أن طولهما كم ذراع صح، لما عرفت من
أن القسمة ليست ببيع ولا معارضة.
مسألة 4 - إذا طلب أحد الشريكين القسمة بأحد أقسامها، فإن كانت قسمة رد أو
كانت مستلزمة للضرر فللشريك الاخر الامتناع عنها ولم يجبر عليها لو امتنع
، وتسمي القسمة " قسمة تراض "، بخلاف ما إذا لم تكن قسمة رد و
لا مستلزمة للضرر فإنه يجبر عليها الممتنع لو طلبها الشريك الاخر، وتسمي
القسمة " قسمة اجبار ". فإن كان المال المشترك مما لا يمكن فيه الا قسمة
الافراز أو التعديل فلا اشكال، واما فيما أمكن كلتاهما فإن طلب قسمة الافراز
يجبر عليها الممتنع، بخلاف ما إذا طلب قسمة التعديل، فإذا كانا شريكين في
أنواع متساوية الاجزاء كحنطة وشعير وتمر وزبيب فطلب أحدهما قسمة كل نوع
بانفراده قسمة افراز أجبر الممتنع، وإن طلب قسمتها بالتعديل بحسب القيمة
لم يجبر، وكذا إذا كانت بينهما قطعتا ارض أو داران أو دكانان فإنه يجبر
الممتنع لو طلب أحد الشريكين قسمة كل منها على حدة ولم يجبر إذا طلب
قسمتها بالتعديل. نعم لو كانت قسمتها
60

منفردة مستلزمة للضرر دون قسمتها
بالتعديل أجبر الممتنع على الثانية ان طلبها أحد الشريكين دون الأولي.
مسألة 5 - إذا اشترك اثنان في دار ذات علو وسفل وأمكن قسمتها على نحو يحصل
لكل منهما حصة من العلو والسفل بالتساوي والا بالتعديل، وقسمتها على نحو
يحصل لأحدهما العلو ولأحدهما السفل، وقسمة كل من العلو والسفل بانفراده،
فان طلب أحد الشريكين النحو الأول ولم يستلزم الضرر يجبر الاخر لو امتنع
ولا يجبر لو طلب أحد النحوين الآخرين. هذا مع امكان النحو الأول
وعدم استلزام الضرر، وأما مع عدم امكانه أو استلزامه الضرر وانحصار الامر
في النحوين الأخيرين فالظاهر تقدم الثاني فلو طلبه أحدهما يجبر الاخر لو
امتنع بخلاف الأول. نعم لو انحصر الامر فيه يجبر إذا لم يستلزم الضرر ولا
الرد والألم يجبر كما مر.
مسألة 6 - لو كانت دار ذات بيوت أو خان ذات حجر بين جماعة وطلب
بعض الشركاء القسمة أجبر الباقون، الا إذا استلزم الضرر من جهة ضيقهما
وكثرة الشركاء.
مسألة 7 - إذا كانت بينهما بستان مشتملة على نخيل وأشجار فقسمتها بأشجارها
ونخليها بالتعديل قسمة اجبار إذا طلبها أحدهما يجبر الاخر، بخلاف قسمة كل من
الأرض والأشجار على حدة فإنها قسمة تراض لا يجبر عليها الممتنع.
مسألة 8 - إذا كانت بينهما أرض مزروعة يجوز قسمة كل من الأرض والزرع قصيلا
كان أو سنبلا على حدة وتكون القسمة قسمة اجبار، وأما قسمتها معا فهي قسمة
تراض لا يجبر الممتنع عليها الا إذا انحصرت القسمة الخالية عن الضرر فيها فيجبر
عليها. هذا إذا كان الزرع قصيلا أو سنبلا، وأما إذا كان حبا مدفونا
أو
61

مخضرا في الجملة ولم يكمل نباته فلا اشكال في قسمة الأرض وحدها
وبقاء الزرع على اشاعته، كما أنه لا اشكال في عدم جواز قسمة الزرع مستقلا
. نعم لا يبعد جواز قسمة الأرض بزرعها بحيث يعد من توابعها عرفا، وان كان
الأحوط قسمة الأرض وحدها وافراز الزرع بالمصالحة.
مسألة 9 - إذا كانت بينهم دكاكين متعددة متجاورة أو منفصلة، فإن أمكن
قسمة كل منها بانفراده وطلبها بعض الشركاء، وطلب بعضهم قسمة الجميع
بالتعديل لكي يتعين حصة كل منهم في دكان تام أو أزيد يقدم ما طلبه الأول
ويجبر البعض الآخر، إلا إذا انحصرت القسمة الخالية عن الضرر في النحو
الثاني فيجبر الأول
مسألة 10 - إذا كان بينهما حمام وشبهه مما لا يقبل القسمة الخالية عن
الضرر لم يجبر الممتنع. نعم لو كان كبيرا بحيث يقبل الانتفاع بصفة
الحمامية من دون ضرر ولو بإحداث موقد أو بئر آخر، فالأقرب الإجبار.
مسألة 11 - لو كان لاحد الشريكين عشر من دار مثلا وهو لا يصلح للسكنى ويتضرر
هو بالقسمة دون الشريك الآخر، فلو طلب هو القسمة بغرض صحيح يجبر شريكه،
ولا يجبر هو لو طلبها الآخر.
مسألة 12 - يكفي في الضرر المانع عن الإجبار ترتب نقصان في العين أو
القيمة بسبب القسمة بما لا يتسامح فيه في العادة، وإن لم يسقط المال
عن قابلية الانتفاع بالمرة.
مسألة 13 - لا بد في القسمة من تعديل السهام ثم القرعة والأجود عدم
الاكتفاء بالتراضي: أما كيفية التعديل فإن كانت حصص الشركاء متساوية - كما
إذا كانوا اثنين ولكل منهما نصف أو ثلاثة ولكل منهم ثلث وهكذا - يعدل
السهام بعدد الرؤوس، فيجعل سهمين متساويين إن كانوا اثنين وثلاثة أسهم
متساويات إن
62

كانوا ثلاثة وهكذا، ويعلم كل سهم بعلامة تميزه عن غيره،
فإذا كانت قطعة أرض متساوية الاجزاء بين ثلاثة مثلا تجعل ثلاث قطع
متساوية بحسب المساحة ويميز بينها أحدها الأولي والأخرى الثانية والثالثة
ثالثة، وإذا كانت دار مشتملة على بيوت أربعة مثلا تجعل أربعة اجزاء
متساوية بحسب القيمة وتميز كل منها بمميز كالقطعة الشرقية والغربية
والشمالية والجنوبية المحدودات بحدود كذائية. وان كانت الحصص متفاوتة - كما
إذا كان المال بين ثلاثة سدس لعمرو وثلث لزيد ونصف لبكر - يجعل السهام
على أقل الحصص، ففي المثال تجعل السهام ستة معلمة كل منها بعلامة كما مر
.
وأما كيفية القرعة ففي الأول - وهو فيما إذا كانت الحصص متساوية -
تؤخذ رقاع بعدد رؤوس الشركاء رقعتان إذا كانوا اثنين وثلاث إن كانوا ثلاثة
، وهكذا. ويتخير بين أن يكتب فيها أسماء الشركاء على إحداها زيد وأخرى عمرو
وثالثة بكر مثلا، أو أسماء السهام، على إحداها أول، وعلي أخرى ثاني،
وعلي الأخرى ثالث مثلا، ثم تشوش وتستر ويؤمر من لم يشاهدها فيخرج واحدة
واحدة، فإن كتب عليها اسم الشركاء يعين السهم كالأول ويخرج رقعة باسم
ذلك السهم قاصدين ان يكون هذا السهم لمن خرج اسمه، فكل من خرج اسمه
يكون ذلك السهم له، ثم يعين السهم الثاني، ويخرج رقعة أخري لذلك
السهم فكل من خرج اسمه كان السهم له، وهكذا. وإن كتب عليها أسماء
السهام يعين أحد الشركاء ويخرج رقعة، فكل سهم خرج اسمه كان ذلك السهم
له، ثم يخرج رقعة أخري لشخص آخر، وهكذا. وأما في الثاني - وهو ما كانت
الحصص متفاوتة كما في المثال المتقدم الذي قد تقدم انه يجعل السهام على
أقل الحصص وهو السدس - يتعين فيه أن تؤخذ الرقاع بعدد الرؤوس فيكتب مثلا
على إحداها زيد، وعلي الأخرى عمرو، وعلي الثالثة بكر، وتستر كما مر، ويقصد
أن كل من خرج اسمه على سهم كان له ذلك مع ما يليه بما يكمل تمام حصته
، ثم تخرج إحداها على
63

السهم الأول، فإن كان عليها اسم صاحب السدس تعين
له، ثم تخرج أخري على السهم الثاني فإن كان عليها اسم صاحب الثلث كان
الثاني والثالث له، ويبقي الرابع والخامس والسادس لصاحب النصف ولا يحتاج
إلى إخراج الثالثة، وإن كان عليها اسم صاحب النصف كان له الثاني
والثالث والرابع، ويبقي الأخير ان لصاحب الثلث، وان كان ما خرج على
السهم الأول صاحب الثلث كان الأول والثاني له، ثم يخرج أخري على السهم
الثالث فإن خرج اسم صاحب السدس كان ذلك له، ويبقي الثلاثة الأخيرة
لصاحب النصف، وإن خرج صاحب النصف كان الثالث والرابع والخامس له ويبقي
السادس لصاحب السدس، وقس على ذلك غيرها.
مسألة 14 - الظاهر أنه ليست للقرعة كيفية خاصة، وانما تكون الكيفية
منوطة بمواضعة القاسم والمتقاسمين بإناطة التعيين بأمر ليس لإرادة المخلوق
مدخلية فيه مفوضا للامر إلى الخالق جل شأنه، سواء كان بكتابة رقاع أو
اعلام علامة في حصاة أو نواة أو ورق أو خشب أو غير ذلك.
مسألة 15 - الأقوى انه إذا بنوا على التقسيم وعدلوا السهام وأوقعوا
القرعة قد تمت القسمة ولا يحتاج إلى تراض آخر بعدها فضلا عن إنشائه،
وإن كان هو الأحوط في قسمة الرد.
مسألة 16 - إذا طلب بعض الشركاء المهاياة في الانتفاع بالعين المشتركة،
أما بحسب الزمان بأن يسكن هذا في شهر وذاك في شهر مثلا، واما بحسب
الاجزاء بأن يسكن هذا في الفوقاني وذاك في التحتاني مثلا، لم يلزم على
شريكه القبول ولم يجبر إذا امتنع، نعم يصح مع التراضي لكن ليس بلازم،
فيجوز لكن منهما الرجوع.
هذا في شركة الأعيان، وأما في شركة المنافع فينحصر إفرازها بالمهاياة
لكنها
64

فيها أيضا غير لازمة. نعم لو حكم الحاكم الشرعي بها في مورد لأجل
حسم النزاع والجدال، يجبر الممتنع وتلزم.
مسألة 17 - القسمة في الأعيان إذا وقعت وتمت لزمت وليس لاحد من الشركاء
إبطالها وفسخها، بل الظاهر أنه ليس لهم فسخها وإبطالها بالتراضي،
لان الظاهر عدم مشروعية الإقالة فيها.
مسألة 18 - لا تشرع القسمة في الديون المشتركة، فإذا كان لزيد وعمرو
معا ديون على الناس بسبب يوجب الشركة كالإرث، فأرادا تقسيمها قبل
استيفائها فعدلا بين الديون وجعلا ما على الحاضر مثلا لأحدهما وما على
البادي لأحدهما، لم يفرز بل تبقي على إشاعتها، فكل ما حصل كل منهما يكون
لهما، وكل ما يبقي على الناس يكون بينهما.
ولو اشتركا في دين على أحد فهل يجوز استفاء أحدهما حصته - بأن قصد كل من
الدائن والمديون أن يكون ما يأخذه وفاءا وأداءا لحصته من الدين المشترك
- فيه اشكال نعم يجوز للمديون التصالح مع أحدهما باعطائه مالا صلحا في
مقابل ابرائه ذمته.
مسألة 19 - لو ادعي أحد الشريكين الغلط في القسمة أو عدم التعديل فيها وأنكر
الآخر لا تسمع دعواه الا بالبينة، فإن أقامت على دعواه نقضت
القسمة واحتاجت إلى قسمة جديدة، وإن لم تكن بينة، كان له إحلاف
الشريك.
مسألة 20 - إذا قسم الشريكان فصار في حصة هذا بيت وفي حصة الآخر بيت آخر
وقد كان يجري ماء أحدهما على الآخر لم يكن للثاني منعه إلا إذا
اشترطا حين القسمة رد الماء عنه، ومثل ذلك لو كان مسلك البيت الواقع
لأحدهما في نصيب الاخر من الدار.
65

مسألة 21 - لا يجوز قسمة الوقف بين الموقوف عليهم إلا إذا وقع تشاح
بينهم مؤد إلى خرابه لا يرتفع غائلته إلا بالقسمة وحينئذ يجب ان يكون
ذلك بمقدار ترتفع الغائلة به فإذا ارتفعت مثلا بالقسمة بالنسبة إلى زمان
حياة الموجودين يقتصر عليها.
نعم يصح قسمة الوقف عن الطلق، بأن كان ملك واحد نصفه المشاع
وقفا ونصفه ملكا، بل الظاهر جواز قسمة وقف عن وقف، وهو فيما إذا كان
ملك بين اثنين فوقف أحدهما حصته على ذريته مثلا والآخر حصته على ذريته،
فيجوز إفراز أحدهما عن الآخر بالقسمة، والمتصدي لذلك الموجودون من
الموقوف عليهم وولي البطون اللاحقة.
66

كتاب المزارعة
67

كتاب المزارعة
وهي المعاملة على أن تزرع الأرض بحصة من حاصلها، وهي عقد من
العقود يحتاج إلى إيجاب من صاحب الأرض، وهو كل لفظ أفاد إنشاء هذا
المعني كقوله " زارعتك " " أو سلمت إليك الأرض مدة كذا على أن تزرعها على
كذا " وأمثال ذلك. وقبول من الزارع بلفظ أفاد إنشاء الرضا بالإيجاب كسائر
العقود، والظاهر كفاية القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي، بأن يتسلم
الأرض بهذا القصد ويشتغل لها. ولا يعتبر فيها العربية، بل يقع عقدها بأي
لغة كان. وتجري فيها المعاطاة وان كانت لا تلزم الا بالشروع في العمل.
مسألة 1 - يعتبر فيها، زائدا على ما اعتبر في المتعاقدين في سائر العقود
من البلوغ والعقل والقصد والاختيار والرشد، وعدم الحجر من المالك ومن
العامل إذا كان البذر عليه، أمور:
أحدها: جعل الحاصل مشاعا بينهما، فلو جعل الكل لأحدهما أو شرطا أن يكون
بعضه الخاص كالذي يحصل متقدما، أو الذي يحصل من القطعة الفلانية لأحدهما
، والآخر للآخر، لم يصح.
ثانيها: تعيين حصة الزارع بمثل النصف أو الثلث أو الربع ونحو ذلك.
ثالثها: تعيين المدة بالأشهر والسنين، ولو اقتصر على ذكر المزروع في
سنة
69

معينة يكتفي به ولو لم يعين ابتداء الشروع وفيما يلزم الغرر من عدم
ذكر مبدأ الشروع في الزرع يلزم تعيينه، وإذا عين المدة بالزمان فلا بد أن
تكون مدة يدرك فيها الزرع بحسب العادة، فلا تكفي المدة القليلة التي تقصر
عن إدراكه.
رابعها: أن تكون الأرض قابلة للزرع ولو بالعلاج والإصلاح وطم الحفر
، وحفر النهر ونحو ذلك، فلو كانت سبخة لا تقبل للزرع أو لم يكن لها ماء ولا
يكفيه ماء السماء ولا يمكن تحصيل الماء لها ولو بمثل حفر النهر أو البئر أو
الشراء، لم يصح.
خامسها: تعيين المزروع من انه حنطة أو شعير أو غيرهما مع اختلاف الاغراض
فيه. نعم لو صرح بالتعميم صح، فيتخير الزارع بين أنواعه ولو كان هناك
انصراف إلى مزروع خاص أو التعميم يؤخذ به.
سادسها: تعيين الأرض، فلو زارعه على قطعة من هذه القطعات أو مزرعة
من هذه المزارع، بطل. نعم لو عين قطعة معينة من الأرض التي لم تختلف
أجزاؤها وقال: " زارعتك على جريب من هذه القطعة " على نحو الكلي في
المعين، فالظاهر الصحة ويكون التخيير في تعيينه لصاحب الأرض.
سابعها: أن يعينا أن البذر وسائر المصارف على أي منهما إذا لم يكن في
ذلك تعارف.
مسألة 2 - لا يعتبر في المزارعة كون الأرض ملكا للمزارع، بل يكفي
كونه مالكا لمنفعتها أو انتفاعها بالإجارة ونحوها أو أخذا لها من مالكها
بعنوان المزارعة، أو كانت أرضا خراجية وقد تقبلها من السلطان أو غيره.
نعم لو لم يكن عليها سلطنة أصلا كالموات، لم يصح مزارعتها، وإن أمكن
أن يتشاركا في زرعها وحاصلها مع الاشتراك في البذر، لكنه ليس من المزارعة
في شي ء.
70

مسألة 3 - إذا أذن مالك الأرض أو المزرعة إذنا عاما، بأن كل من زرع
ارضه أو مزرعته فله نصف الحاصل مثلا، فأقدم أحد على ذلك، استحق من
المالك حصته.
مسألة 4 - إذا اشترطا أن يكون الحاصل بينهما بعد إخراج الخراج أو بعد
إخراج البذر لباذله أو ما يصرف في تعمير الأرض لصارفه، فإن اطمئنا ببقاء
شي ء بعد ذلك من الحاصل ليكون بينهما صح وإلا بطل.
مسألة 5 - إذا انقضت المدة المعينة ولم يدرك الزرع، لم يستحق الزارع
إبقاءه ولو بالأجرة، بل للمالك الامر بإزالته من دون أرش، وله إبقاؤه
مجانا أو مع الأجرة إن رضي الزارع بها.
مسألة 6 - لو ترك الزارع الزرع حتى انقضت المدة، فهل يضمن أجرة المثل،
أوما يعادل حصة المالك بحسب التخمين أو لا يضمن شيئا؟ وجوه والأحوط التراضي
والتصالح، وان كان الأولي لا يخلو من قوة الا إذا لم تكن الأرض تحت يد
العامل وسلطنته وكان المالك عالما بالحال.
هذا إذا لم يكن ترك الزرع لعذر عام كالثلوج الخارقة أو صيرورة المحل
معسكرا أو مسبعة ونحوها والا انفسخت المزارعة.
مسألة 7 - إذا زارع على أرض ثم تبين للزارع أنه لا ماء لها فعلا لكن
أمكن تحصيله بحفر بئر ونحوه، صحت المزارعة لكن للعامل خيار الفسخ، وكذا لو
تبين كون الأرض غير صالحة للزراعة إلا بالعلاج التام، كما إذا كان
مستوليا عليها الماء لكن يمكن قطعه عنها.
نعم لو تبين أنه لا ماء لها فعلا ولا يمكن تحصيله أو كانت مشغولة
بمانع لا يمكن إزالته ولا يرجي زواله، كان باطلا.
71

مسألة 8 - إذا عين المالك له نوعا من الزرع كالحنطة أو الشعير أو غيرهما
فزرع غيره ببذره فان كان التعيين بنحو التقييد فكان كمن تركه بغير زرع ان
لم يرض المالك بما زرع، فعليه اجرة مثل الأرض وأرش نقصها، وأما الزرع
فلما لك البذر، وان رضي بما زرع فهو بمنزلة إقالة مزارعة الأولي وإنشاء
مزارعة جديدة، أو بمنزلة رضا المالك بالحصة من الزرع الموجود بدل أجرة
الأرض، ولا مانع منه، واما ان كان بنحو الاشتراط كان له الخيار بين
الفسخ والإمضاء، فإن أمضاه أخذ حصته، وإن فسخ كان الزرع للزارع وعليه
للمالك أجرة الأرض.
مسألة 9 - الظاهر انه لا يعتبر في حقيقة المزارعة كون الأرض من
أحدهما والعمل من الاخر بل يكفي فيها كون أحد الأمور الأربعة " الأرض والبذر
والعمل والعوامل " على أحدهما والبقية من الآخر كما يجوز ان يكون لكل منهما
اثنان منها بل يصح ان يكون بعض معين من كل منها على كل واحد منهما، نعم
لابد من تعيين ما ذكر عند العقد.
مسألة 10 - يجوز للزارع أن يشارك غيره في مزارعته بجعل حصة من حصته لمن
شاركه بحيث كأنهما معا طرف للمالك، كما انه يجوز أن يزارع غيره لكن
لا بد أن تكون حصة المالك محفوظة، فإذا كانت المزارعة الأولي بالنصف لم
يجز أن تجعل المزارعة الثانية بالثلث للمالك والثلثين للعامل. نعم يجوز
أن يجعل حصة الزارع الثاني أقل من حصة الزارع في المزارعة الأولي، فيأخذ
الزارع الثاني حصته والمالك حصته وما بقي يكون للزارع في المزارع الأولي
. مثلا إذا كانت المزارعة الأولي بالنصف وجعل حصة الزارع في المزارعة
الثانية الربع كان للمالك نصف الحاصل وللزارع الثاني الربع ويبقي الربع
للزارع في المزارعة الأولي، ولا فرق في ذلك كله بين أن يكون البذر في
المزارعة الأولي على المالك أو على العامل، ولو جعل في الأولي على
العامل يجوز في الثانية أن يجعل على
72

المزارع أو على الزارع. ولا يعتبر في
صحة التشريك في المزارعة ولا ايقاع المزارعة الثانية اذن المالك. نعم لا
يجوز تسليم الأرض إلى الغير الا بإذنه، كما أنه لو شرط عليه المالك أن
يباشر بنفسه بحيث لا يشاركه غيره ولا يزارعه كان هو المتبع.
مسألة 11 - المزارعة عقد لازم من الطرفين، فلا تنفسخ بفسخ أحدهما إلا
إذا كان له الخيار بسبب الإشتراط وغيره، وتنفسخ بالتقايل كسائر العقود
اللازمة. كما أنه تبطل وتنفسخ قهرا بخروج الأرض عن قابلية الانتفاع
لانقطاع الماء عنها أو استيلائه عليها، وغير ذلك.
مسألة 12 - لا تبطل المزارعة بموت أحد المتعاقدين، فإن مات رب الأرض قام
وارثه مقامه، وإن مات العامل فكذلك، فاما ان يتموا العمل ولهم
حصة مورثهم واما ان يستأجروا أحدا لاتمام العمل من مال المورث ولو
الحصة المزبورة، فان زاد شي ء كان لهم. نعم إذا وقعت المزارعة بقيد
مباشرة العامل تبطل بموته واما إذا اشترط عليه المباشرة لا بنحو القيد
فللمالك ان يفسخ أو يختار البقاء ومطالبة اتمام العمل من تركة العامل
وحينئذ تكون للورثة حصته المعلومة.
مسألة 13 - إذا تبين بطلان المزارعة بعدما زرع الأرض فإن كان البذر
لصاحب الأرض كان الزرع له وعليه أجرة العامل، وكذا أجرة العوامل ان
كانت من العامل، وان كان من العامل كان الزرع له وعليه أجرة الأرض،
وكذا أجرة العوامل ان كانت من صاحب الأرض، وليس عليه ابقاء الزرع إلى
بلوغ الحاصل ولو بالأجرة، فله ان يأمر بقلعه.
مسألة 14 - الظاهر ان مقتضي المزارعة صيرورة الزرع من حين ظهوره مشتركا
بين المالك والعامل. ويترتب على ذلك أمور:
73

منها كون القصيل والتبن أيضا بينهما.
ومنها: تعلق الزكاة بكل منهما إذا كان حصة كل منهما بالغا حد النصاب
، وتعلقها بمن بلغ نصيبه حد النصاب ان بلغ نصيب أحدهما، وعدم تعلقها أصلا
ان لم يبلغ النصاب نصيب واحد منهما.
ومنها: إنه لو حصل فسخ من أحدهما بخيار أو منهما بالتقايل في الأثناء
يكون الزرع بينهما، وليس لصاحب الأرض على العامل اجرة أرضه ولا للعامل
عليه أجرة عمله بالنسبة إلى ما مضي.
وأما بالنسبة إلى الآتي إلى زمان البلوغ والحصاد، فان وقع بينهما
التراضي بالبقاء بلا أجرة أو معها أو على القطع فلا اشكال، والا فكل منهما
مسلط على حصته، فلصاحب الأرض مطالبة القسمة وابقاء حصته والزام الزارع
بقطع حصته، كما ان للزارع مطالبتها ليقطع حصته وتبقي حصة صاحبه.
مسألة 15 - خراج الأرض ومال إجارة الأرض المستأجرة على المزارع وليس على
الزارع، إلا إذا شرط عليه كلا أو بعضا. وأما سائر المؤن كشق الأنهار وحفر
الابار واصلاح النهر وتهيئة آلات السقي ونصب الدولاب والناعور ونحو ذلك، فلا
بد من تعيين كونها على أي منهما إلا إذا كانت هناك عادة تغني عن التعيين
.
مسألة 16 - يجوز لكل من المالك والزارع عند بلوغ الحاصل تقبل حصة
الاخر بحسب الخرص بمقدار معين بالتراضي، والأقوى لزومه من الطرفين بعد
القبول، وإن تبين بعد ذلك زيادتها أو نقيصتها فعلي المتقبل تمام ذلك
المقدار ولو تبين أن حصة صاحبه أقل منه، كما أن على صاحبه قبول ذلك
وإن تبين كونها أكثر منه وليس له المطالبة بالزائد، والمتقين من الاخبار
الواردة فيه كون المقدار المخروص من حاصل ذلك الزرع فلا يصح في غيره.
74

مسألة 17 - إذا بقيت في الأرض أصول الزرع بعد جمع الحاصل وانقضاء
المدة فنبتت بعد ذلك في العام المستقبل، فإن كان بينهما قرار يعمل على
طبقه والا فان كان البذر لهما فهو لهما وان كان للأحدهما فله الا مع الاعراض
فهو لمن سبق.
مسألة 18 - يجوز المزارعة على أرض بائرة لا يمكن زرعها الا بعد
إصلاحها وتعميرها، على أن يعمرها ويصلحها ويزرعها سنة أو سنتين مثلا لنفسه،
ثم يكون الحاصل بينهما بالإشاعة بحصة معينة في مدة مقدرة.
75

كتاب المساقاة
77

كتاب المساقاة
وهي المعاملة على أصول ثابتة بأن يسقيها مدة معينة بحصة من ثمرها،
وهي عقد من العقود يحتاج إلى ايجاب وقبول، واللفظ الصريح في ايجابها ان
يقول رب الأصول: " ساقيتك " أو " عاملتك " أو " سلمت إليك " وما أشبه ذلك
، وفي القبول " قبلت " ونحو ذلك. ويكفي فيهما كل لفظ دال على المعني
المذكور بأي لغة كانت، والظاهر كفاية القبول الفعلي بعد الايجاب القولي
كالمزارعة. - ويعتبر فيها بعد شرائط المتعاقدين من البلوغ والعقل والقصد
والاختيار وعدم الحجر لسفه أو فلس لكن الأخير شرط في المالك دون العامل -
أن تكون الأصول مملوكة عينا ومنفعة أو منفعة فقط أو كون المساقي نافذ
التصرف فيها لولاية أو وكالة أو تولية، وأن تكون معينة عندهما معلومة
لديهما وأن تكون مغروسة ثابتة، فلا تصح في الفسيل قبل الغرس ولا على
أصول غير ثابتة كالبطيخ والخيار والباذنجان وأشباهها، وأن تكون المدة
معلومة مقدرة بما لا يحتمل الزيادة والنقصان كالأشهر والسنين، والظاهر كفاية
جعل المدة إلى بلوغ الثمر في العام الواحد إذا عين مبدأ الشروع في السقي
، وأن تكون الحصة معينة مشاعة بينهما مقدرة بمثل النصف أو الثلث أو الربع
ونحو ذلك، فلا يصح أن يجعل لأحدهما مقدار معين والبقية للآخر، أو يجعل
لأحدهما أشجار معلومة وللآخر أخري.
79

مسألة 1 - لا إشكال في صحة المساقاة قبل ظهور الثمر، كما لا إشكال في
عدم الصحة بعد البلوغ والادراك بحيث لا يحتاج إلى عمل غير الحفظ
والإقتطاف، وفي صحتها بعد الظهور وقبل البلوغ قولان أقواهما أو لهما إذا
كان العمل موجبا للاستزادة وخصوصا إذا كان في جملتها بعض الأشجار التي لم
تظهر بعد ثمرها.
مسألة 2 - لا يجوز المساقاة على الأشجار الغير المثمرة كالخلاف ونحوه.
نعم لا يبعد جوازها على ما ينتفع منها بورقه كالتوت الذكر والحناء ونحوهما.
مسألة 3 - يجوز المساقاة على فسلان مغروسة قبل أن صارت مثمرة بشرط
أن تجعل المدة بمقدار تصير مثمرة فيها كخمس سنين أو ست أو أزيد.
مسألة 4 - إذا كانت الأشجار لا تحتاج إلى السقي لاستغنائها بماء السماء
أو لمصها من رطوبات الأرض، ولكن احتاجت إلى أعمال أخري لا تبلغ
ثمرتها ولا تكمل بدونها تصح المساقاة عليها.
مسألة 5 - إذا اشتملت البستان على أنواع من الشجر والنخيل يجوز أن يفرد
كل نوع بحصة مخالفة للحصة من النوع الآخر، كما إذا جعل النصف في ثمرة
النخل والثلث في الكرم والربع في الرمان مثلا وان لم يعلما بمقدار كل
نوع من الأنواع الا إذا آل إلى الغرر.
مسألة 6 - من المعلوم أن ما تحتاج اليه البساتين والنخيل والأشجار
في اصلاحها وتعميرها واستزادة ثمارها وحفظها أعمال كثيرة:
فمنها: ما يتكرر كل سنة مثلا اصلاح الأرض وتنقية الأنهار واصلاح طريق
الماء وإزالة الحشيش المضر وتهذيب جرائد النخل والكرم والتلقيح
واللقاط والتشميس واصلاح موضعه وحفظ الثمرة إلى وقت القسمة غير ذلك.
ومنها: ما لا يتكرر غالبا كحفر الآبار والأنهار وبناء الحائط
والدولاب
80

والدالية ونحو ذلك. فمع اطلاق عقد المساقاة الظاهر أن القسم الثاني
على المالك، وأما القسم الأول فيتبع التعارف والعادة، فما جرت العادة
على كونه على المالك أو العامل كان هو المتبع ولا يحتاج إلى التعيين،
ولعل ذلك يختلف باختلاف البلاد، وإذا لم يكن عادة لابد من التعيين وانه
على المالك أو العامل.
مسألة 7 - المساقاة لازمة من الطرفين، لا تنفسخ إلا بالتقايل أو الفسخ
بخيار بسبب الاشتراط أو تخلف بعض الشروط، ولا تبطل بموت أحدهما، بل
يقوم وارثهما مقامهما. نعم لو كانت مقيدة بمباشرة العامل تبطل بموته.
مسألة 8 - لا يشترط في المساقاة أن يكون العامل مباشرا للعمل بنفسه،
فيجوز أن يستأجر أجيرا لبعض الاعمال وتمامها ويكون عليه الأجرة، وكذا يجوز
أن يتبرع عنه متبرع بالعمل ويستحق العامل الحصة المقررة. نعم لو لم يقصد
التبرع عنه ففي كفايته إشكال، وأشكل منه إذا قصد التبرع عن المالك،
وكذا الحال إذا لم يكن عليه إلا السقي ويستغني عنه بالأمطار ولم يحتج
إلى السقي أصلا. نعم لو كان عليه أعمال أخري غير السقي واستغني عنه
بالمطر وبقي سائر الاعمال، فالظاهر استحقاق حصته بشرط أن يكون الباقي من
العمل مما يستزاد به الثمر، وإلا فالصحة محل إشكال.
مسألة 9 - يجوز أن يشترط للعامل مع الحصة من الثمر شيئا آخر من ذهب
أو فضة أو غيرهما إذا لم يكن من الأصول.
مسألة 10 - كل موضع بطل فيه عقد المساقاة يكون الثمر للمالك وللعامل
أجرة مثل عمله الا إذا كان عالما بالفساد ومع ذلك اقدم على العمل.
مسألة 11 - يملك العامل حصته من الثمر حين ظهوره، فإذا مات بعد
الظهور قبل القسمة وبطلت المساقاة من جهة انه قد اشترط مباشرته للعمل
انتقلت إلى
81

وارثه وتجب عليه الزكاة إذا بلغت حصته النصاب وكان الموت
بعد تعلق الزكاة.
مسألة 12 - المغارسة باطلة على الأحوط، وهي ان يدفع أرضا إلى
غيره ليغرس فيها على ان يكون المغروس بينهما، سواء اشترط كون حصة من
الأرض أيضا للعامل أولا، وسواء كانت الأصول من المالك أو من العامل،
وحينئذ يكون الغرس لصاحبه، فان كانت من مالك الأرض فعليه اجرة عمل
الغارس إذا كان مغرورا منه أو عمل بأمره وان كانت من الغارس فعليه اجرة
الأرض للمالك، فان تراضيا على الابقاء بالأجرة أو لا معها فذاك والا فلما لك
الأرض الامر بالقلع وعليه أرش نقصانه ان نقص بسبب القلع، كما ان للغارس
قلعه وعليه طم الحفر ونحو ذلك مما حصل بالغرس، وليس لصاحب الأرض الزامه
بالابقاء ولو بلا أجرة.
مسألة 13 - بعد بطلان المغارسة يمكن ان يتوصل إلى نتيجتها بادخالها
تحت عنوان آخر مشروع، كأن يشتركا في الأصول اما بشرائها بالشركة - ولو
بأن يوكل صاحب الأرض الغارس في أن كل ما يشتري من الفسيل يشتريه
لهما بالاشتراك - ثم يؤاجر الغارس نفسه لغرس حصة صاحب الأرض وسقيها وخدمتها
في مدة معينة بنصف منفعة أرضه إلى تلك المدة أو بنصف عينها، أو بتمليك
أحدهما للاخر نصف الأصول. إذا كانت من أحدهما ويجعل العوض إذا كانت من
صاحب الأرض الغرس والخدمة إلى مدة معينة شارطا على نفسه بقاء حصة الغارس
في أرضه مجانا إلى تلك المدة، وإذا كانت من الغارس يجعل العوض نصف
عين الأرض أو نصف منفعتها إلى مدة معينة شارطا على نفسه غرس حصة صاحب
الأرض وخدمتها إلى تلك المدة.
مسألة 14 - الخراج الذي يأخذه السلطان من النخيل والأشجار في
الأراضي الخراجية على المالك الا إذا اشترطا كونه على العامل أو عليهما.
82

مسألة 15 - لا يجوز للعامل في المساقاة ان يساقي غيره الا باذن المالك،
لكن مرجع اذنه فيها إلى توكيله في ايقاع مساقاة أخرى للمالك مع شخص
ثالث بعد فسخ المساقاة الأولي، فلا يستحق العامل الأول شيئا.
83

كتاب الدين والقرض
85

كتاب الدين والقرض
الدين هو المال الكلي الثابت في ذمة شخص لاخر بسبب من الأسباب.
ويقال لمن اشتغلت ذمته به " المديون والمدين " وللآخر " الدائن " و "
الغريم ". وسببه إما الاقتراض، أو أمور أخر اختيارية، كجعله مبيعا في
السلم أو ثمنا في النسيئة أو أجرة في الإجارة أو صداقا في النكاح أو
عوضا للطلاق في الخلع وغير ذلك، أو قهرية كما في موارد الضمانات ونفقة
الزوجة الدائمة ونحو ذلك، وله احكام مشتركة واحكام مختصة بالقرض.
القول في احكام الدين
مسألة 1 - الدين إما حال، وهو ما كان للدائن المطالبة واقتضاؤه، ويجب
على المديون أداؤه مع التمكن واليسار في كل وقت.
وإما مؤجل، وهو ما لم يكن للدائن حق المطالبة، ولا يجب على
المديون القضاء إلا بعد انقضاء المدة المضروبة وحلول الاجل. وتعيين الاجل
تارة بجعل المتداينين كما في السلم والنسيئة، وأخري بجعل الشارع
كالنجوم والأقساط المقررة في الدية كما يأتي في بابه انشاء الله تعالي.
مسألة 2 - إذا كان الدين حالا أو مؤجلا وقد حل الاجل فكما يجب
على
87

المديون الموسر أداؤه عند مطالبة الدائن كذلك يجب على الدائن اخذه و
تسلمه إذا صار المديون بصدد أداءه وتفريغ ذمته، وأما الدين المؤجل قبل
حلول الاجل فلا إشكال في أنه ليس للدائن حق المطالبة في مثل المثمن في
السلم والثمن في النسيئة والأجرة في الإجارة إذا كانت مؤجلة وأما في
القرض المؤجل فالأحوط عدم المطالبة قبل حلول الاجل. نعم إذا شرط على
الدائن عدم المطالبة إلى أجل في ضمن عقد لازم خارج يجب عليه العمل بما
شرط، لكن إذا تخلف وطلب يجب على المديون أداؤه، وكذلك الحكم في كل
دين حال اشترط تأجيله ضمن عقد لازم. وهل يجب على الدائن القبول لو
تبرع المديون بأداه أم لا؟ وجهان بل قولان أقواهما الثاني الا إذا علم
بالقرائن ان التأجيل لمجرد ارفاق على المديون من دون ان يكون حقا للدائن
.
مسألة 3 - قد عرفت أنه إذا أدي المديون الدين عند حلوله يجب على
الدائن اخذه، فإذا امتنع أجبره الحاكم لو التمس منه المديون، ولو تعذر
إجباره أحضر الدين عنده ومكنه منه بحيث صار تحت يده وسلطانه عرفا، وبه
تفرغ ذمته، ولو تلف بعد ذلك لا ضمان عليه وكان من مال الدائن، ولو تعذر
عليه ذلك له أن يسلمه إلى الحاكم وقد فرغت ذمته. وهل يجب على الحاكم
القبول؟ فيه تأمل واشكال. ولو لم يوجد الحاكم له ان يعيين الدين في
مال مخصوص ويعزله وبه تبرا ذمته، وليس عليه ضمان لو تلف من غير تفريط
منه.
هذا إذا كان الدائن حاضرا وامتنع من أخذه، ولو كان غائبا ولا يمكن
إيصال المال إليه وأراد المديون تفريغ ذمته أوصله إلى الحاكم عند وجوده
، وفي وجوب القبول عليه الاشكال السابق الا ان الأقرب هنا وجوب القبول
إذا كان مبسوط اليد، ولو لم يوجد الحاكم يبقي في ذمته إلى أن يوصله إلى
الدائن أو من يقوم مقامه.
88

مسألة 4 - يجوز التبرع بأداء دين الغير حيا كان أو ميتا، وتبرأ به ذمته
وإن كان بغير إذنه، بل وإن منعه. ويجب على من له الدين القبول كما
لو أداه المديون بنفسه.
مسألة 5 - لا يتعين الدين فيما عينه المدين، ولا يصير ملكا للدائن ما لم
يقبضه، إلا إذا سقط اعتبار قبضه بسبب الامتناع كما مر، فلو كان عليه درهم
واخرج من كيسه درهما ليدفعه اليه وفاء عما عليه وقبل وصوله بيده سقط
وتلف كان التالف من ماله وبقي ما في ذمته على حاله.
مسألة 6 - يحل الدين المؤجل إذا مات المديون قبل حلول الاجل، ولو
مات الدائن يبقي على حاله ينتظر ورثته انقضاء الاجل، فلو كان الصداق مؤجلا
إلى مدة معينة ومات الزوج قبل حلوله استحقت الزوجة مطالبته بعد موته،
بخلاف ما إذا ماتت الزوجة فليس لورثتها المطالبة قبل انقضاء المدة. ولا
يلحق بموت الزوج طلاقه، فلو طلق زوجته يبقي صداقها المؤجل على حاله، كما
أنه لا يلحق بموت المديون تحجيره بسبب الفلس، فلو كان عليه ديون حالة
وديون مؤجلة يقسم ماله بين أرباب الديون الحالة، ولا يشاركهم أرباب
المؤجلة.
مسألة 7 - لا يجوز بيع الدين بالدين، بأن كان العوضان كلاهما دينا قبل
البيع، كما إذا كان لأحدهما على الاخر طعام كوزنة من حنطة وللآخر عليه
طعام آخر كوزنة من شعير فباع الشعير الذي له على الاخر بالحنطة التي للاخر
عليه، أو كان لأحدهما على شخص طعام ولآخر على ذلك الشخص طعام فباع ماله
على ذلك الشخص بما للاخر على ذلك الشخص، أو كان لأحدهما طعام على
شخص وللآخر طعام على شخص آخر فبيع أحد الطعامين بالاخر، ولافرق في
البطلان بين كونهما مؤجلين غير حالين أو مؤجلين اللذين صار احالين أو صار
أحدهما حالا والآخر بقي مؤجلا، واما لو كان أحدهما غير موجل أصلا كالكلي في
الذمة نقدا فيجوز بيعه بالدين المؤجل كما يجوز الكلي الذي في الذمة دينا
كالمسلم فيه
89

قبل حلول اجله من بايعه ودون غيره دينا بشرط الزيادة ويجوز
بيعه بعد حلول اجله مطلقا من بايعه، دون غيره دينا.
مسألة 8 - يجوز تعجيل الدين المؤجل بأقل منه مع التراضي، وهو الذي
يسمي في الوقت الحاضر في لسان التجار بالنزول، ولا يجوز تأجيل الحال ولا
زيادة أجل المؤجل بزيادة. نعم لا بأس بالاحتياط بجعل الزيادة المطلوبة
في ثمن مبيع مثلا ويجعل التأجيل والتأخير إلى أجل معين شرطا على البائع
، بأن يبيع الدائن من المدين ما مثلا يسوي عشرة دراهم بخمسة عشر درهما
على أن لا يطالب المشتري عن الدين الذي عليه إلى وقت كذا، ومثله ما
إذا باع المديون من الدائن ما يكون قيمته خمسة عشر درهما بعشرة شارطا
عليه تأخير الدين إلى وقت كذا، لكن في الصورتين فائدة الشرط حرمة
المطالبة وان تخلف المشروط عليه يجب على المشروط له الأداء وله خيار تخلف
الشرط.
مسألة 9 - لا يجوز قسمة الدين، فإذا كان لاثنين دين مشترك على ذمم
متعددة كما إذا باعا عينا مشتركا بينهما من أشخاص، أو كان لمورثهما دين
على أشخاص فورثاه فجعلا بعد التعديل ما في ذمة بعضهم لأحدهما وما في ذمة
آخرين لآخر لم يصح وبقي ما في الذمم على الاشتراك السابق، فكل ما
استوفي منها يكون بينهما وكل ما توي ' وتلف يكون منهما. هذا وقد مر في كتاب
الشركة الاشكال في جواز استيفاء أحدهما حصته إذا كان لهما دين مشترك على أحد
. نعم يجوز للمديون التصالح من أحدهما باعطائه مالا صلحا في مقابل ابرائه
ذمته
مسألة 10 - يجب على المديون عند حلول الدين ومطالبة الدائن السعي
في أدائه بكل وسيلة ولو ببيع سلعته ومتاعه وعقاره أو مطالبة غريم له أو
إجارة أملاكه وغير ذلك، وهل يجب عليه التكسب اللائق بحاله من حيث
الشرف والقدرة؟ وجهان بل قولان أحوطهما ذلك، خصوصا فيما لا يحتاج إلى
تكلف وفيمن شغله
90

التكسب، بل وجوبه حينئذ قوي جدا. نعم يستثني من ذلك
بيع دار سكناه وثيابه المحتاج إليها ولو للتجمل ودابة ركوبه وخادمه إذا كان
من أهلهما واحتاج اليهما، بل وضروريات بيته من فراشه وغطائه وأوانيه
لاكله وشربه وطبخه ولو لأضيافه، مراعيا في ذلك كله مقدار الحاجة بحسب
حاله وشرفه وأنه بحيث لو كلف ببيعها لوقع في عسر وشدة وحزازة ومنقصة
. وهذه كلها مستثنيات الدين لا خصوص الدار والمركوب والخادم والثياب، والضابط
كل ما يحتاج اليه المديون في ضروريات معاشه، بل لا يبعد أن يعد منها الكتب
العلمية لأهلها بمقدار ما يحتاج إليه بحسب حاله ومرتبته.
مسألة 11 - لو كانت دار سكناه أزيد عما يحتاجه سكن ما احتاجه وباع ما فضل
عن حاجته أو باعها واشتري ما هواء دون مما يليق بحاله، وإذا كانت له
دور متعددة واحتاج إليها لسكناه لم يبع شيئا منها، وكذلك الحال في الخادم
والمركوب والثياب.
مسألة 12 - لو كانت عنده دار موقوفة عليه تكفي لسكناه وله دار مملوكة
، الأحوط لو لم يكن الأقوى أن يبيع المملوكة ويكتفي بالموقوفة ان لم يكن
سكناه فيها نقصا لشرفه.
مسألة 13 - انما لا تباع دار السكني في أداء الدين ما دام المديون حيا،
أما لو مات ولم يترك غير دار سكناه تباع وتصرف في الدين.
مسألة 14 - معني كون الدار ونحوها من مستثنيات الدين أنه لا يجبر على
بيعها لأجل أدائه ولا يجب عليه ذلك، أما لو رضي هو بذلك وقضي به دينه جاز
للدائن أخذه.
نعم ينبغي أن لا يرضي ببيع مسكنه ولا يكون سببا له وإن رضي هو به
وأراده،
91

ففي خبر عثمان بن زياد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن لي على
رجل دينا وقد أراد أن يبيع داره فيقضي لي. فقال أبو عبد الله: أعيذك بالله
أن تخرجه من ظل رأسه، أعيذك بالله ان تخرجه من ظل رأسه، أعيذك بالله
ان تخرجه من ظل رأسه.
مسألة 15 - لو كان عنده متاع أو سلعة أو عقار زائدا على المستثنيات
لاتباع إلا بأقل من قيمتها يجب بيعها للدين عند حلوله ومطالبة صاحبه، ولا
يجوز له التأخير وانتظار من يشتريها بالقيمة. نعم لو كان ما يشتري به أقل
من قيمته بكثير جدا بحيث لا يتحمل عادة ويكون حرجيا عليه ولا يعد عند العرف
متمكنا من الأداء، لا يجب
مسألة 16 - كما لا يجب على المعسر الأداء والقضاء، يحرم على الدائن إعساره
بالمطالبة والاقتضاء، بل يجب أن ينظره إلى اليسار، فعن النبي صلي
الله عليه وآله: وكما لا يحل لغريمك أن يمطلك وهو موسر، لا يحل لك أن
تعسره إذا علمت أنه معسر.
وعن مولانا الصادق (عليه السلام) في وصية طويلة كتبها إلى أصحابه: إياكم وإعسار أحد
من إخوانكم المسلمين أن تعسروه بشيء يكون لكم قبله وهو معسر، فإن أبانا
رسول الله صلي الله عليه وآله كان يقول: ليس للمسلم أن يعسر مسلما،
ومن أنظر معسرا أظله الله يوم القيامة لظله يوم لا ظل إلا ظله.
وعن مولانا الباقر (عليه السلام) قال: يبعث يوم القيامة قوم تحت ظل العرش،
وجوههم من نور ورياشهم من نور جلوس على كراسي من نور - إلى أن قال -
فينادي مناد: هؤلاء قوم كانوا ييسرون على المؤمنين وينظرون المعسر حتى ييسر.
وعنه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سره أن يقيه الله من نفحات
جهنم فلينظر معسرا أو ليدع له من حقه. والاخبار في هذا المعني ' كثيرة.
92

مسألة 17 - مماطلة الدائن مع القدرة معصية كبيرة، فعن النبي (صلى الله عليه وآله): من
مطل على ذي حق حقه وهو يقدر على أداء حقه فعليه كل يوم خطيئة عشار.
بل يجب عليه نية القضاء مع عدم القدرة، بأن يكون من قصده الأداء عند
المقدرة.
القول في القرض القول في القرض
وهو تمليك مال لآخر بالضمان، بأن يكون على عهدته مثله أو قيمته،
ويقال للمملك " المقرض " وللمتملك " المقترض والمستقرض ".
مسألة 1 - يكره الاقتراض مع عدم الحاجة، وتخف كراهته مع الحاجة،
وكلما خفت الحاجة اشتدت الكراهة، وكلما اشتدت خفت إلى أن تزول، بل ربما
وجب إذا توقف عليه أمر واجب كحفظ نفسه أو عرضه ونحو ذلك، فعن مولانا
أمير المؤمنين (عليه السلام): إياكم والدين فإنها مذلة بالنهار ومهمة بالليل
وقضاء في الدنيا وقضاء في الآخرة.
وعن مولانا الكاظم (عليه السلام): من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على
نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل الله، فإن غلب عليه فليستدن على الله
وعلي رسوله ما يقوت به عياله.
والأحوط لمن لم يكن عنده ما يوفي به دينه ولم يترقب حصوله عدم
الاستدانة إلا عند الضرورة.
مسألة 2 - إقراض المؤمن من المستحبات الأكيدة، سيما لذوي الحاجة،
لما فيه من قضاء حاجته وكشف كربته، وقد قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم
: من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا كشف الله عنه كربة يوم القيامة،
والله في عون العبد ما كان العبد في حاجة أخيه.
93

وعنه صلي الله عليه وآله وسلم: من أقرض مؤمنا قرضا ينظر به ميسوره كان
ماله في زكاة وكان هو في صلاة من الملائكة حتى يؤديه، ومن أقرض أخاه
المسلم كان له بكل درهم أقرضه وزن جبل أحد من جبال رضوي وطور سيناء
حسنات، وإن رفق به في طلبه تعدي على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير
حساب ولا عذاب، ومن شكي إليه أخوه المسلم فلم يقرضه حرم الله عز وجل
عليه الجنة يوم يجزي المحسنين.
مسألة 3 - حيث أن القرض عقد من العقود يحتاج إلى ايجاب كقوله " أقرضتك "
وما يؤدي معناه، وقبول دال على الرضا بالإيجاب. ولا يعتبر في
عقده العربية، بل يقع بكل لغة، بل الظاهر جريان المعاطاة فيه، فيتحقق
بإقباض العين وقبضها وتسلمها بهذا العنوان من دون احتياج إلى صيغة.
ويعتبر في المقرض والمقترض ما يعتبر في المتعاقدين في سائر المعاملات والعقود
من البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم السفه وفي خصوص المقرض عدم الحجر
.
مسألة 4 - يعتبر في المال أن يكون عينا مملوكا، فلا يصح إقراض الدين
ولا المنفعة ولا ما لا يصح تملكه كالخمر والخنزير، ولا يعتبر كونه عينا شخصيا
، فيصح إقراض الكلي بأن يوقع العقد على الكلي وإن كان إقباضه لا يكون
إلا بدفع عين شخصية.
ويعتبر مع ذلك كونه مما يمكن ضبط أوصافه وخصوصياته التي تختلف باختلافها
القيمة والرغبات، مثليا كان كالحبوب والادهان ونحوهما أو قيميا كالأغنام
والجواري والعبيد وأمثالها، فلا يجوز اقراض مالا يمكن ضبط أوصافه الا
بالمشاهدة كاللحم والجواهر ونحوهما.
مسألة 5 - لا بد من أن يقع القرض على معين، فلا يصح إقراض المبهم
كأحد هذين، وأن يكون المال قدره معينا بالكيل أو الوزن فيما يكال أو يوزن
وبالعد
94

فيما يعد، فلا يصح إقراض صبرة من طعام جزافا، ولو قدر بكيلة
معينة وملأ اناء معين غير الكيل المتعارف أو وزن بصخرة معينة غير العيار
المتعارف عند العامة لم يبعد الاكتفاء به، لكن الأحوط خلافه.
مسألة 6 - يشترط في صحة القرض القبض والاقباض، فلا يملك المسقرض المال
المقترض الا بعد القبض، ولا يتوقف على التصرف.
مسألة 7 - الأقوى أن القرض عقد لازم، فليس للمقرض فسخه والرجوع بالعين
المقترضة لو كانت موجودة، نعم له عدم الانظار ومطالبته المقترض بالقضاء من
الأول زمان لزومه بالقبض غير ان في المؤجل الأحوط وجوبا عدم
المطالبة قبل حول الاجل كما يأتي.
مسألة 8 - لو كان المال المقترض مثليا كالحنطة والشعير والذهب والفضة ونحوها
يثبت في ذمة المقترض مثل ما اقترض، ولو كان قيميا كالغنم ونحوها ثبت في
ذمته قيمته. وفي اعتبار قيمة وقت التسليم إلى المقترض أو قيمة
حال الأداء والقضاء وجهان الأقوى الأول وإن كان الأحوط التراضي والتصالح
في مقدار التفاوت بين القيمتين لو كان.
مسألة 9 - لا يجوز شرط الزيادة، بأن يقرض مالا على أن يؤدي المقترض أزيد
مما اقترضه، سواء اشترطاه صريحا أو أضمراه بحيث وقع القرض مبنيا عليه.
وهذا هو الربا القرضي المحرم الذي وعدنا ذكره في كتاب البيع وذكرنا
هناك بعض ما ورد في الكتاب والسنة من التشديد عليه. ولا فرق في الزيادة
بين أن تكون عينية كما إذا أقرضه عشرة دراهم على أن يؤدي اثني عشر، أو
عملا كخياطة ثوب له، أو منفعة أو انتفاعا كالانتفاع بالعين المرهونة
عنده، أو صفة مثل أن يقرضه دراهم مكسورة على أن يؤديها صحيحة، وكذا لا
فرق بين أن يكون المال المقترض ربويا بأن كان من المكيل والموزون،
وغيره بأن كان معدودا
95

كالجوز والبيض.
مسألة 10 - إذا اقرضه شيئا وشرط عليه أن يبيع منه شيئا بأقل من قيمته
أو يؤاجره بأقل من اجرته كان داخلا في شرط الزيادة. نعم لو باع المقترض
من المقرض مالا بأقل من قيمته وشرط عليه ان يقرضه مبلغا معينا لا بأس به
وان أفاد فائدة الأول، وبه يحتال في الفرار عن الربا كسائر الحيل الشرعية
، ولنعم الفرار من الحرام إلى الحلال.
مسألة 11 - إنما تحرم الزيادة مع الشرط، وأما بدونه فلا بأس به، بل
يستحب ذلك للمقترض، حيث أنه من حسن القضاء وخير الناس أحسنهم قضاءا،
بل يجوز ذلك إعطاءا وأخذا لو كان الإعطاء لأجل أن يراه المقرض حسن
القضاء فيقرضه كلما احتاج إلى الاقتراض، أو كان الإقراض لأجل ان ينتفع
من المقترض لكونه حسن القضاء ويكافي من أحسن اليه بأحسن الجزاء بحيث لولا
ذلك لم يقرضه.
نعم يكره أخذه للمقرض، خصوصا إذا كان اقراضه لأجل ذلك. بل يستحب انه
إذا أعطاه المقترض شيئا بعنوان الهدية ونحوها يحسبه عوض طلبه، بمعني أنه
يسقط منه بمقداره.
مسألة 12 - إنما يحرم شرط الزيادة للمقرض على المقترض، فلا بأس
بشرطها للمقترض، كما إذا أقرضه عشرة دراهم على أن يؤدي ثمانية، أو أقرضه
دراهم صحيحة على أن يؤديها مكسورة، فما تداول بين التجار من أخذ
الزيادة وإعطائها في الحوائل وأخذ الحوائل المسماة عندهم بصرف البرات
ويطلقون عليه بيع الحوالة وشراؤها، ان كان باعطاء مقدار من الدراهم وأخذ
الحوالة من المدفوع اليه بالأقل منه فلا بأس به، كما إذا احتاج أحد إلى
ايصال وجه إلى بلد
96

فيجئ عند التاجر ويعطي له مائة درهم على ان يعطيه
الحوالة بتسعين درهما علي طرفه في ذلك البلد، حيث أن في هذا الفرض يكون
مائة درهم في ذمة التاجر وهو المقترض وجعل الزيادة له. وان كان باعطاء
الأقل وأخذ الحوالة بالأكثر يكون داخلا في الربا، كما إذا احتاج أحد إلى
مقدار من الدراهم ويكون له المال في بلد آخر فيجئ عند التاجر ويأخذ منه
تسعين درهما على ان يعطيه الحوالة بمائة درهم على من كان عند ه المال
في بلد آخر ليدفع إلى طرف التاجر في ذلك، البلد. حيث ان التاجر في هذا
الفرض قد اقرض تسعين وجعل له زيادة عشرة.
مسألة 13 - المال المقترض إن كان مثليا كالدراهم والدنانير والحنطة
والشعير كان وفاؤه وأداؤه بإعطاء ما يماثله في الصفات من جنسه، سواء بقي
على سعره الذي كان له وقت الاقتراض أو ترقي أو تنزل، وهذا هو الوفاء
الذي لا يتوقف على التراضي، فللمقرض أن يطالب المقترض به وليس له
الامتناع ولو ترقي سعره عما أخذه بكثير، كما أنه ليس للمقرض الامتناع لو
أعطاه المقترض ولو تنزل بكثير. ويمكن ان يودي بالقيمة أو بغير جنسه، بأن
يعطي بدل الدراهم دنانير مثلا أو بالعكس، لكن هذا النحو من الأداء والوفاء
يتوقف على التراضي، فلو أعطي بدل الدارهم دنانير فللمقرض الامتناع من
اخذها ولو تساويا في القيمة، بل ولو كانت الدنانير أغلا كما انه لو أراد ه
المقرض كان للمقترض الامتناع وان تساويا في القيمة أو كانت الدنانير أرخص.
وان كان قيميا فقد مر انه تشتغل ذمة المقترض بالقيمة. وانما تكون بالنقود
الرائجة، فأداؤه الذي لا يتوقف على التراضي هو باعطائها، ويمكن أن يؤدي
بجنس آخر من غير النقود بالقيمة لكنه يتوقف على التراضي. ولو كانت العين
المقترضة موجودة فأراد المقرض أداء الدين باعطائها أو أراد
97

المقترض ذلك، ففي
جواز امتناع الاخر تأمل واشكال، لا يبعد الجواز لهما إذا كان القرض قيميا وإذا
كان مثليا فليس للمقرض مطالبتها واما المقترض فهو بالخياران شاء يؤدي العين
أو مثلها.
مسألة 14 - يجوز في قرض المثلي أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤديه من
غير جنسه، بان يؤدي عوض الدراهم مثلا دنانير وبالعكس، ويلزم عليه ذلك
بشرط أن يكونا متساويين في القيمة أو كان ما شرط عليه أقل قيمة مما اقترض
وإلا فلا يجوز ان صدق عليه قرض يجر النفع وان كان غير مالي.
مسألة 15 - إذا شرط التأجيل في القرض فالأحوط وجوبا عدم المطالبة قبل حلول
الاجل كما مر.
مسألة 16 - لو شرط على المقترض أداء القرض وتسليمه في بلد معين صح ولزم،
وإن كان في حمله إليه مؤونة، فإن طالبه في غير ذلك البلد لم يلزم
عليه الأداء، كما أنه لو أداه في غيره لم يلزم على المقرض القبول. وان
اطلق القرض ولم يعين بلد التسليم، فالذي يجب على المقترض أداؤه فيه لو
طالبه المقرض ويجب على المقرض القبول لو أداه المقترض فيه هو بلد القرض،
واما غيره فيحتاج إلى التراضي وان كان الأحوط للمقترض - مع عدم الضرر
وعدم الاحتياج إلى مؤنة الحمل - الأداء لو طالبه الغريم فيه.
مسألة 17 - يجوز أن يشترط في القرض إعطاء الرهن أو الضامن أو الكفيل، بل
يجوز كل شرط سائغ لا يكون فيه نفع للمقرض وإن كان مصلحة له.
مسألة 18 - إذا اقرض النقد الذهبي أو الفضي ثم أسقطه الحكومة عن
الرواج وجائت بنقد آخر ليس عليه الا النقد الأول الذي اقرضه ويحتمل ان
يكون عليه ما يعادل الأول من الثاني، وإذا اقرض الأوراق النقدية المسماة
باسكناس واسقطئها
98

الحكومة عن الاعتبار وجائت بأوراق أخرى فالظاهر أن عليه ما
يعادل الأولي من الثانية.
99

كتاب الرهن
101

كتاب الرهن
وهو دفع العين للاستيثاق على الدين ويقال للعين " الرهن " و " المرهون
" ولدافعه " الراهن " ولآخذها " المرتهن " ويحتاج إلى العقد المشتمل
على الايجاب والقبول والأول من الراهن وهو كل لفظ أفاد المعني المقصود في
متفاهم أهل المحاورة كقوله " رهنتك " أو " أرهنتك " أو " هذا وثيقة عندك على
مالك " ونحو ذلك، والثاني من المرتهن، وهو كل لفظ دال على الرضا
بالايجاب. ولا يعتبر فيه العربية، بل الظاهر عدم اعتبار الصيغة فيه أصلا
فيقع بالمعاطاة.
مسألة 1 - يشترط في الراهن والمرتهن البلوغ والعقل والقصد والاختيار
، وفي خصوص الأول عدم الحجر بالسفه والفلس، ويحوز لولي الطفل والمجنون رهن
مالهما والارتهان لهما مع المصلحة والغبطة.
مسألة 2 - يشترط في صحة الرهن القبض من المرتهن بإقباض من الراهن
أو بإذن منه، ولو كان في يده شي ء وديعة أو عارية بل ولو غصبا فأوقعا عقد
الرهن عليه كفي ولا يحتاج إلى قبض جديد، ولو رهن المشاع لا يجوز تسليمه
إلى المرتهن إلا برضا شريكه، ولكن لو سلمه إليه فالظاهر كفايته في تحقق
القبض الذي هو شرط لصحة الرهن وإن تحقق العدوان بالنسبة إلى حصة شريكه
.
مسألة 3 - إنما يعتبر القبض في الابتداء ولا يعتبر استدامته، فلو قبضه
المرتهن
103

ثم صار في يد الراهن أو غيره بإذن الراهن أو بدونه لم يضر ولم
يطرأ عليه البطلان. نعم الظاهر أن للمرتهن استحقاق إدامة القبض وكونه تحت
يده، فلا يجوز انتزاعه منه إلا إذا شرط في العقد كونه بعد قبض المرتهن
بيد الراهن أو يد ثالث.
مسألة 4 - يشترط في المرهون أن يكون عينا مملوكا يمكن قبضه ويصح بيعه
، فلا يصح رهن الدين قبل قبضه ولا المنفعة ولا الحر ولا الخمر والخنزير ولا
مال الغير الا باذنه أو اجازته ولا الأرض الخراجية كالمفتوحة ولا الطير
المملوك في الهواء إذا كان غير معتاد عوده ولا الوقف ولو كان خاصا.
مسألة 5 - لو رهن ما يملك مع ملك غيره في عقد واحد، صح في ملكه، وتوقف
في ملك غيره على إجازة مالكه.
مسألة 6 - لو كان له غرس أو بناء في الأرض الخراجية لا إشكال في صحة رهن
ما فيها مستقلا، وكذا مع أرضها بعنوان التبعية بناءا على أنها تملك تبعا
وأما رهن أرضها مستقلا فلا يجوز.
مسألة 7 - لا يعتبر أن يكون الرهن ملكا لمن عليه الدين، فيجوز لشخص
أن يرهن ماله على دين شخص آخر تبرعا ولو من غير إذنه، بل ولو مع نهيه
، وكذا يجوز للمديون أن يستعير شيئا ليرهنه على ' دينه، لكن لو رهنه وقبضه
المرتهن ليس لمالكه الرجوع، نعم له مطالبة الراهن بالفك عند انقضاء الاجل
المأذون فيه، ومطلقا في غير المؤجل. ويبيعه المرتهن كما يبيع ما كان
ملكا لمن عليه الدين، ولو بيع كان لمالكه مطالبة المستعير بما بيع به لو
بيع بالقيمة أو بالأكثر، وبقيمته تامة لو بيع بأقل من قيمته، ولو عين له
أن يرهنه على حق مخصوص من حيث القدر أو الحلول أو الاجل أو عند شخص معين
لم يجز له مخالفته، ولو أذنه في الرهن مطلقا جاز له الجميع وتخير.
104

مسألة 8 - لو كان الرهن على دين مؤجل وكان مما يسرع إليه الفساد
قبل الاجل، فإن شرط بيعه قبل أن يطرأ عليه الفساد صح الرهن، ويبيعه
الراهن أو يوكل المرتهن في بيعه وإن امتنع أجبره الحاكم، فإن تعذر
باعه الحاكم، ومع فقد الحاكم يبيعه المرتهن، فإذا بيع يجعل ثمنه رهنا.
وكذلك الحال لو أطلق ولم يشترط البيع ولا عدمه، وأما لو شرط عدم البيع
إلا بعد الاجل فيبطل الرهن. ولو رهن ما لا يسرع إليه الفساد فعرض ما صيره
عرضة للفساد كالحنطة تبتل، لم ينفسخ الرهن بل يباع ويجعل الثمن رهنا.
مسألة 9 - لا اشكال في انه يعتبر في المرهون كونه معينا، فلا يصح رهن
المبهم كأحد هذين. نعم الظاهر صحة رهن الكلي في المعين كصاع من الصبرة
وشاة من هذا القطيع وقبضه اما بقض الجميع أو بقبض ما عينه الراهن منه،
فإذا عين بعد العقد صاعا أو شاة وقبضه المرتهن صح الرهن ولزم. والظاهر عدم
صحة رهن المجهول من جميع الوجوه حتى من حيث القيمة والمالية، كما إذا
رهن ما في الصندوق المقفل. وإذا رهن الصندوق بما فيه صح بالنسبة إلى
الظرف دون المظروف. وأما معلوم الجنس والنوع، مجهول المقدار كصبرة من
حنطة مشاهدة، فالظاهر صحة رهنه.
مسألة 10 - يشترط فيما يرهن عليه أن يكون دينا ثابتا في الذمة لتحقق
موجبه من اقتراض أو إسلاف ق مال أو شراء أو استيجار عين بالذمة وغير ذلك
، حالا كان الدين أو مؤجلا، فلا يصح الرهن على ما يقترض أو على ثمن ما
يشتريه فيما بعد، فلو رهن شيئا على ما يقترض ثم اقترض لم يصر بذلك رهنا،
ولا على الدية قبل استقرارها بتحقق الموت وإن علم أن الجناية تؤدي إليه
، ولا على مال الجعالة قبل تمام العمل.
مسألة 11 - كما يصح في الإجارة أن يأخذ المؤجر الرهن على الأجرة التي
في
105

ذمة المستأجر، كذلك يصح أن يأخذ المستأجر الرهن على العمل الثابت في
ذمة المؤجر.
مسألة 12 - الظاهر أنه يصح الرهن على الأعيان المضمونة كالمغصوبة
والعارية المضمونة والمقبوض بالسوم ونحوها، واما الرهن على عهدة الثمن أو
المبيع أو الأجرة أو عوض الصلح وغيرها لو خرجت مستحقة للغير فالأقوى عدم
صحته قبل انكشاف خروجها مستحقة للغير للشك في كونها من الأعيان المضمونة.
وأما بعد الانكشاف فلا إشكال في جواز أخذ الرهن للمضمون من الثمن والمثمن
دينا كانا أو عينا أو متخلفين.
مسألة 13 - لو اشتري شيئا بثمن في الذمة جاز جعل المبيع رهنا على الثمن
.
مسألة 14 - لو رهن على دينه رهنا ثم استدان مالا آخر من المرتهن جاز
جعل ذلك الرهن رهنا على الثاني أيضا وكان رهنا عليهما معا، سواء كان
الثاني مساويا للأول في الجنس والقدر أو مخالفا، وكذا له أن يجعله على
دين ثالث ورابع إلى ما شاء، وكذا إذا رهن شيئا على دين جاز أن يرهن
شيئا آخر على ذلك الدين، وكانا جميعا رهنا عليه.
مسألة 15 - لو رهن شيئا عند زيد ثم رهنه عند آخر أيضا باتفاق من
المرتهنين كان رهنا على الحقين إلا إذا قصدا بذلك فسخ الرهن الأول وأن
يكون رهنا على خصوص الدين الثاني.
مسألة 16 - لو استدان اثنان من واحد كل منهما دينا ثم رهنا عنده مالا
مشتركا بينهما ولو بعقد واحد ثم قضي أحدهما دينه، انفكت حصته من الرهانة
وصارت طلقا، ولو كان الراهن واحدا والمرتهن متعددا - بأن كان عليه دين
لاثنين فرهن شيئا عندهما بعقد واحد - فكل منهما مرتهن للنصف مع تساوي الدين
، ومع
106

التفاوت فالظاهر التقسيط والتوزيع بنسبة حقهما، فإن قضي دين أحدهما
انفك من الرهانة ما يقابل حقه. هذا كله في التعدد ابتداءا، وأما التعدد
الطاري ء فالظاهر أنه لا عبرة به، فلو مات الراهن عن ولدين لم ينفك نصيب
أحدهما بأداء حصته من الدين، كما أنه لو مات المرتهن عن ولدين فأخذ أحدهما
نصيبه من الدين لم ينفك بمقداره من الرهن.
مسألة 17 - لا يدخل الحمل الموجود في رهن الحامل ولا الثمر في رهن النخل
والشجر وكذا ما يتجدد إلا إذا اشترط دخولها أو كانت هناك قرينة تدل على
دخولها. نعم الظاهر دخول الصوف والشعر والوبر في رهن الحيوان، وكذا الأوراق
والأغصان حتى اليابسة في رهن الشجر، وأما اللبن في الضرع ومغرس الشجر وأس
الجدار - أعني موضع الأساس من الأرض - ففي دخولها تأمل واشكال والأقرب
بالنظر ان ذلك محول إلى القرائن الحالية وما هو المتعارف بين الناس.
مسألة 18 - الرهن لازم من جهة الراهن جائز من طرف المرتهن، فليس للراهن
انتزاعه منه بدون رضاه إلا أن يسقط حقه من الارتهان أو ينفك
الرهن بفراغ ذمة الراهن من الدين بالأداء أو الإبراء أو غير ذلك، ولو برئت
ذمته من بعض الدين فالظاهر بقاء الجميع رهنا على ما بقي، إلا إذا اشترطا
التوزيع فينفك منه بمقدار ما برأ منه ويبقي الباقي رهنا على مقدار ما بقي،
أو شرط كونه رهنا على المجموع من حيث المجموع، فينفك الجميع بالبراءة عن
بعض الدين.
مسألة 19 - لا يجوز للراهن التصرف في الرهن إلا بإذن المرتهن، سواء
كان تصرفا ناقلا للعين كالبيع أو المنفعة كالإجارة، أو مجرد انتفاع به
وان لم يضر به كالاستخدام والركوب والسكنى ونحوها، فإن تصرف بغير الناقل
أثم ولم يترتب عليه شي ء، الا إذا كان بالاتلاف، فيلزم قيمته وتكون رهنا
. وان كان البيع أو
107

الإجارة وغيرهما من النواقل وقف على إجازة المرتهن،
ففي مثل الإجارة تصح بالإجازة وبقيت الرهانة على حالها، بخلافها في البيع
فإنه يصح بها وتبطل الرهانة، كما أنها تبطل إذا كان عن اذن سابق من
المرتهن.
مسألة 20 - لا يجوز للمرتهن التصرف في الرهن بدون إذن الراهن، فلو
تصرف فيه بركوب أو سكني ونحوهما ضمن العين لو تلفت تحت يده للتعدي،
ولزمه أجرة المثل لما استوفاه من المنفعة، ولو تصرف فيه ببيع ونحوه أو
بإجارة ونحوها وقع فضوليا فان اجازه الراهن صح وكان الثمن والأجرة
المسماة له، وهل يكون الثمن رهنا في البيع لم يجز لكل منهما التصرف فيه
الا باذن الاخر أو يحتاج رهنية الثمن إلى اتفاق جديد وجهان، واما في
الإجارة فالعين تبقي رهنا ان أجاز الراهن.
مسألة 21 - منافع الرهن كالسكنى والخدمة وكذا نماءاته المنفصلة
كالنتاج والثمر والصوف والشعر والوبر، والمتصلة كالسمن والزيادة في الطول
والعرض، كلها للراهن، سواء كانت موجودة عند الرهن أو وجدت بعده، ولا
يتبعه في الرهانة إلا نماءاته المتصلة.
مسألة 22 - لو رهن الأصل والثمرة أو الثمرة منفردة صح، فلو كان
الدين مؤجلا وأدركت الثمرة قبل حلول الاجل، فإن كانت تجفف ويمكن
ابقاؤها بالتجفيف مثلا جففت وإلا بيعت وكان الثمن رهنا.
مسألة 23 - إذا كان الدين حالا أو حل وأراد المرتهن استيفاء حقه، فإن
كان وكيلا عن الراهن في بيع الرهن واستيفاء دينه منه له ذلك من دون
مراجعة اليه، وإن لم يكن وكيلا عنه في ذلك ليس له أن يبيعه بل
يراجع الراهن ويطالبه بالوفاء ولو ببيع الرهن أو توكيله في بيعه، فإن
امتنع من ذلك رفع امره إلى الحاكم ليلزمه بالوفاء أو البيع فإن امتنع
على الحاكم الزامه باعه عليه بنفسه أو بتوكيل الغير ولو
108

كان هو المرتهن
نفسه، ومع فقد الحاكم أو عدم اقتداره على الإلزام بالبيع وعلي البيع
عليه لعدم بسط اليد، باعه المرتهن بإذن الحاكم إن أمكن والا
فبنفسه واستوفي حقه أو بعضه من ثمنه إذا ساواه أو كان أقل، وإن كان
أزيد كان الزائد عنده أمانة شرعية يوصله إلى صاحبه.
مسألة 24 - إذا لم يكن عند المرتهن بينة مقبولة لإثبات دينه وخاف من
انه لو اعترف عند الحاكم بالرهن جحد الراهن للدين فاخذ منه الرهن بموجب
اعترافه وطولب بالبينة على حقه، جاز له بيع الرهن من دون مراجعة إلى
الحاكم، وكذا لو مات الراهن وخاف المرتهن جحود الوارث.
مسألة 25 - لو وفي بيع بعض الرهن بالدين اقتصر عليه على الأحوط لو لم
يكن أقوي ويبقي الباقي أمانة عنده، إلا إذا لم يمكن التبعيض ولو من
جهة عدم وجود الراغب أو كان فيه ضرر على المالك، فيباع الكل.
مسألة 26 - إذا كان الرهن من مستثنيات الدين كدار سكناه ودابة ركوبه
جاز للمرتهن بيعه واستيفاء طلبه منه كسائر الرهون، ولكن ينبغي للمسلم أن
لا يخرج أخيه من ظل رأسه.
مسألة 27 - إذا كان الراهن مفلسا أو مات وعليه ديون للناس، كان
المرتهن أحق من باقي الغرماء باستيفاء حقه من الرهن، فإن فضل شي ء يوزع
على الباقين بالحصص، وإن نقص عن حقه استوفي بعض حقه من الرهن ويضرب
بما بقي مع الغرماء في سائر أموال الراهن لو كان.
مسألة 28 - الرهن أمانة في يد المرتهن لا يضمنه لو تلف أو تعيب من دون
تعد وتفريط. نعم لو كان في يده مضمونا لكونه مغصوبا أو عارية مضمونة
مثلا ثم ارتهن عنده لم يزل الضمان إلا إذا أذن له المالك في بقائه
تحت يده فيرتفع الضمان
109

على الأقوى.
وإذا انفك الدين بسبب الأداء أو الإبراء أو غير ذلك يبقي أمانة مالكية
في يده لا يجب تسليمه إلى المالك الا مع المطالبة كسائر الأمانات.
مسألة 29 - لا تبطل الرهانة بموت الراهن ولا بموت المرتهن، فينتقل
الرهن إلى ورثة الراهن مرهونا على دين مورثهم وينتقل إلى ورثة المرتهن
حق الرهانة، فإن امتنع الراهن من استئمانهم كان له ذلك، فإن اتفقوا
على أمين وإلا سلمه الحاكم إلى من يرتضيه، وإن فقد الحاكم فعدول
المؤمنين.
مسألة 30 - إذا ظهر للمرتهن أمارات الموت يجب عليه الوصية بالرهن
وتعيين المرهون والراهن والإشهاد كسائر الودائع، ولو لم يفعل كان مفرطا
وعليه ضمانه.
مسألة 31 - لو كان عنده الرهن قبل موته ثم مات ولم يعلم بوجوده في
تركته لا تفصيلا ولا إجمالا ولم يعلم كونه تالفا بتفريط منه، لم يحكم
به في ذمته ولا بكونه موجودا في تركته، بل يحكم بكونها لورثته. ولو علم
أنه قد كان موجودا في أمواله الباقية إلى بعد موته ولم يعلم أنه بعد باق
فيها أم لا - كما إذا كان سابقا في صندوقه داخلا في أموال التي كانت فيه
وبقيت إلى زمان موته ولم يعلم انه قد أخرجه وأوصله إلى مالكه أو باعه
واستوفي ثمنه أو تلف بغير تفريط منه أم لا - لا يخلو الحكم ببقائه فيها من
الاشكال وان كان الأحوط للورثة التصالح مع المالك.
مسألة 32 - لو اقترض من شخص دينارا مثلا برهن ودينارا آخر منه بلا رهن ثم
دفع إليه دينارا بنية الأداء والوفاء، فإن نوي كونه عن ذي الرهن سقط
وانفك رهنه، وإن نوي كونه عن الآخر لم ينفك الرهن وبقي دينه، وإن
لم يقصد إلا أداء دينار من الدينارين من دون تعيين كونه عن ذي الرهن أو
غيره لا اشكال في عدم
110

انفكاك الرهن. وهل يوزع ما دفعه على الدينين فإذا
أكمل أداء دين ذي الرهن انفك رهنه، أو يحسب ما دفعه أداء لغير ذي الرهن
ويبقي ذو الرهن بتمامه لا ينفك رهنه الا بأدائه؟ وجهان.
111

كتاب الحجر
113

كتاب الحجر
وهو في الأصل بمعني المنع، وشرعا كون الشخص ممنوعا في الشرع عن التصرف
في ماله بسبب من الأسباب، وهي كثيرة نذكر منها ما هو العمدة، وهي: الصغر
، والسفه والفلس، ومرض الموت.
القول في الصغر
مسألة 1 - الصغير - وهو الذي لم يبلغ حد البلوغ - محجور عليه شرعا لا
تنفذ تصرفاته في أمواله ببيع وصلح وهبة وإقراض وإجارة وإيداع وإعارة
وغيرها، وإن كان في كمال التمييز والرشد، وكان التصرف في غاية الغبطة
والصلاح، بل لا يجدي في الصحة إذن الولي سابقا ولا إجازته لاحقا عند
المشهور. نعم يأتي في كتاب الوصية جواز وصيته في الجملة إذا بلغ عشرا.
مسألة 2 - كما أن الصبي محجور عليه بالنسبة إلى ماله كذلك محجور
بالنسبة إلى ذمته، فلا يصح منه الاقتراض ولا البيع والشراء في الذمة
بالسلم والنسيئة وان كان مدة الأداء مصادفة لزمان البلوغ، وكذلك
بالنسبة إلى نفسه فلا ينفذ منه التزويج والطلاق ولا إجارة نفسه ولا جعل
نفسه عاملا في المضاربة أو المزارعة أو المساقاة وغير ذلك. نعم يجوز حيازته
المباحات بالاحتطاب والاحتشاش ونحوهما ويملكها بالنية، بل وكذا يملك الجعل
في الجعالة بعمله وان لم يأذن له
115

الولي فيهما.
مسألة 3 - يعرف البلوغ في الذكر والأنثى بأحد أمور ثلاثة:
الأول: نبات الشعر الخشن على العانة، ولا اعتبار بالزغب والشعر الضعيف.
الثاني: خروج المني، سواء خرج يقظة أو نوما بجماع أو احتلام أو غيرهما.
الثالث: السن، وهو في الذكر خمس عشرة سنة هلالية وفي الأنثى تسع سنين
.
مسألة 4 - لا يكفي البلوغ في زوال الحجر عن الصبي، بل لا بد معه من
الرشد وعدم السفه بالمعني الذي سنبينه.
مسألة 5 - ولاية التصرف في مال الطفل والنظر في مصالحه وشؤونه لأبيه وجده
لأبيه، ومع فقدهما للقيم وهو الذي أوصي أحدهما بأن يكون ناظرا في أمره،
ومع فقد الوصي الولاية والنظر للحاكم الشرعي، وأما الام والجد للام
والأخ فضلا عن الأعمام والأخوال فلا ولاية لهم عليه بحال. نعم الظاهر
ثبوتها لعدول المؤمنين مع فقد الحاكم.
مسألة 6 - الظاهر أنه لا يشترط العدالة في ولاية الأب والجد، فلا
ولاية للحاكم مع فسقهما، لكن متي ظهر له ولو بقرائن الأحوال خيانتهما على
المولي عليه عزلهما ومنعهما من التصرف في أمواله، ولا يجب عليه الفحص عن
عملهما وتتبع سلوكهما.
مسألة 7 - الأب والجد مشتركان في الولاية فينفذ تصرف السابق منهما
ولغي تصرف اللاحق، ولو اقترنا ففي تقديم الجد أو الأب أو عدم الترجيح
وبطلان تصرف كليهما وجوه بل أقوال، فلا يترك الاحتياط.
مسألة 8 - الظاهر أنه لا فرق بين الجد القريب والبعيد، فلو كان له أب
وجد
116

وأب الجد وجد الجد، اشتركوا كلهم في الولاية.
مسألة 9 - يجوز للولي بيع عقار الصبي مع الحاجة واقتضاء المصلحة،
ويحمل فعله على الصحة حملا لفعل المؤمن عليها فيترتب عليه اثاره الشرعية
.
مسألة 10 - يجوز للولي المضاربة بمال الطفل وإبضاعه بشرط وثاقة
العامل وأمانته، فإن دفعه إلى غيره ضمن.
مسألة 11 - يجوز للولي تسليم الصبي إلى أمين يعلمه الصنعة أو إلى من
يعلمه القراءة والخط والحساب والعلوم العربية وغيرها من العلوم النافعة
لدينه ودنياه، ويلزم عليه أن يصونه عما يفسد أخلاقه فضلا عما يضر بعقائده
.
مسألة 12 - يجوز لولي اليتيم افراده بالمأكول والملبوس من ماله وان
يخلطه بعائلته ويحسبه كأحدهم فيوزع المصارف عليهم على الرؤوس، لكن هذا
بالنسبة إلى المأكول والمشروب وأما الكسوة فيحسب على كل شخص كسوته،
وكذلك الحال في اليتامى المتعددين، فيجوز لمن يتولي انفاقهم افراد كل واحد
منهم وان يخلطهم في المأكول والمشروب ويوزع المصارف عليهم على الرؤس
دون الكسوة فإنه يثبت ويحسب على كل واحد ما يحتاج اليه منها.
مسألة 13 - إذا كان للصغير مال على غيره جاز للولي أن يصالحه عنه ببعضه
مع المصلحة، ولكن لا يحل على المتصالح باقي المال، وليس للولي إسقاطه
بحال.
مسألة 14 - المجنون كالصغير في جميع ما ذكر. نعم في ولاية الأب
والجد ووصيهما عليه إذا تجدد جنونه بعد بلوغه ورشده أو كونها للحاكم اشكال
، فلا يترك الاحتياط بتوافقهما معا.
مسألة 15 - ينفق الولي على الصبي بالاقتصار لا بالإسراف ولا
بالتقتير ملاحظا عادته ونظرائه وأطعمه وكساه ما يليق بشأنه.
117

مسألة 16 - لو ادعي الولي الإنفاق على الصبي أو على ماله أو دوابه
بالمقدار اللائق وأنكر بعد البلوغ أصل الإنفاق أو كيفيته، فالقول قول الولي
مع اليمين إلا أن يكون مع الصبي البينة.
مسألة 17 - إذا ادعي الصبي البلوغ فإن ادعاه بالإنبات اعتبر ولا يثبت
بمجرد دعواه، وكذا ان ادعاه بالسن فإنه يطالب بالبينة وأما لو ادعاه
بالاحتلام في الحد الذي يمكن وقوعه فثبوته بقوله بلا يمين بل مع اليمين
محل تأمل وإشكال.
القول في السفه:
السفيه هو الذي ليس له حالة باعثة على حفظ ماله والاعتناء بحاله يصرفه
في غير موقعه ويتلفه بغير محله، وليس معاملاته مبنية على المكايسة و
التحفظ عن المغابنة، لا يبالي بالانخداع فيها، يعرفه أهل العرف والعقلاء
بوجدانهم إذا وجدوه خارجا عن طورهم ومسلكهم بالنسبة إلى أمواله تحصيلا
وصرفا. وهو محجور عليه شرعا لا تنفذ تصرفاته في ماله ببيع وصلح وإجارة
وايداع وغيرها وعارية، ولا يتوقف حجره على حكم الحاكم على الأقوى. ولا فرق
بين أن يكون سفهه متصلا بزمان صغره أو تجدد بعد البلوغ، فلو كان سفيها ثم
حصل له الرشد ارتفع حجره، فان عاد إلى حالته السابقة حجر عليه، ولو زالت
فك حجره، ولو عاد عاد الحجر عليه وهكذا.
مسألة 1 - الولاية على السفيه للأب والجد ووصيهما إذا بلغ سفيها. وفي
من طرأ عليه السفه بعد البلوغ للحاكم الشرعي على المشهور والأحوط مع
ذلك الاستيذان من الأب والجد أو وصيهما.
مسألة 2 - كما أن السفيه محجور عليه في أمواله كذلك في ذمته، بأن يتعهد
مالا أو عملا، فلا يصح اقتراضه وضمانه ولا بيعه وشراؤه بالذمة ولا إجارة نفسه
ولا
118

جعل نفسه عاملا في المضاربة أو المزارعة أو المساقاة وغير ذلك.
مسألة 3 - معني عدم نفوذ تصرفات السفيه عدم استقلاله، فلو كان بإذن
الولي أو إجازته صحت ونفذ. نعم في مثل العتق والوقف مما لا يجري فيه
الفضولية يشكل صحته بالإجازة اللاحقة من الولي، ولو أوقع معاملة في حال
سفهه ثم حصل له الرشد فأجازها، كانت كإجازة الولي.
مسألة 4 - لا يصح زواج السفيه بدون إذن الولي أو إجازته، لكن يصح
طلاقه وظهاره وخلعه، ويقبل إقراره إذا لم يتعلق بالمال كما لو أقر
بالنسب إذا لم يكن ملازما للإقرار بالمال وكذا يقبل اقراره بما يوجب
القصاص ونحو ذلك، ولو أقر بالسرقة يقبل في القطع دون المال.
مسألة 5 - لو وكل السفيه أجنبي في بيع أو هبة أو إجارة مثلا جاز ذلك ولو
كان وكيلا في أصل المعاملة لا في مجرد إجراء الصيغة.
مسألة 6 - إذا حلف السفيه أو نذر على فعل شي ء أو تركه مما لا يتعلق
بماله انعقد حلفه ونذره، ولو حنث كفر كسائر ما أوجب الكفارة كقتل الخطأ
والإفطار في شهر رمضان، وهل يتعين عليه الصوم لو تمكن منه ولا يتخير بينه
وبين كفارة مالية كغيره؟ وجهان، أحوطهما الأول بل لا يخلو من قوة. نعم
لو لم يتمكن من الصوم تعين غيره، كما إذا فعل ما يوجب الكفارة المالية
على التعيين كما في كفارات الإحرام كلها أو جلها.
مسألة 7 - لو كان للسفيه حق القصاص جاز أن يعفو عنه، بخلاف الدية
وأرش الجناية.
مسألة 8 - إذا اطلع الولي على بيع أو شراء مثلا من السفيه ولم ير
المصلحة في إجازته، فإن لم يقع إلا بمجرد العقد ألغاه، وإن وقع
تسليم وتسلم للعوضين فما
119

سلمه إلى الطرف الآخر يسترده ويحفظه وما تسلمه
وكان موجودا يرده إلى مالكه وان كان تالفا ضمنه السفيه، فعليه مثله أو
قيمته، والحكم هكذا فيما لو اقترض السفيه وأتلف المال.
مسألة 9 - لو أودع إنسان وديعة عند السفيه فأتلفها ضمنها على الأقوى،
سواء علم المودع بحاله أو جهل بها.
مسألة 10 - لا يسلم إلى السفيه ماله ما لم يحرز رشده، وإذا اشتبه حاله
يختبر، بأن يفوض إليه مدة معتدا بها بعض الأمور مما يناسب شأنه كالبيع
والشراء والإجارة والاستيجار لمن يناسبه مثل هذه الأمور الرتق والفتق في
بعض الأمور مثل مباشرة الإنفاق في مصالحه أو مصالح الولي ونحو ذلك فيمن
يناسبه ذلك. وفي السفيهة يفوض إليها ما يناسب النساء من إدارة بعض
مصالح البيت والمعاملة مع النساء من الإجارة والاستيجار للخياطة أو الغزل
والنساجة وأمثال ذلك، فان أنس منه الرشد - بأن رأي منه المداقة
والمكايسة والتحفظ عن المغابنة في معاملاته وصيانة المال من التضييع
وصرفه في موضعه وجريه مجاري العقلاء - دفع اليه ماله والا فلا.
مسألة 11 - الصبي إذا احتمل حصول الرشد له قبل البلوغ يجب اختباره
قبله ليسلم اليه ماله بمجرد بلوغه لو أنس منه الرشد، والا ففي كل زمان
احتمل فيه ذلك عند البلوغ أو بعده، وأما غيره فان ادعي حصول الرشد له
واحتمله الولي يجب اختباره، وان لم يدع حصوله فالقول بوجوب الاختبار
بمجرد الاحتمال موافق للاحتياط.
القول في المفلس
وهو من حجر عليه عن ماله لقصوره عن ديونه.
120

مسألة 1 - من كثرت عليه الديون ولو كانت أضعاف أمواله يجوز له التصرف فيها
بأنواعه ونفذ امره فيها بأصنافه ولو بإخراجها عن ملكه مجانا أو بعوض
، ما لم يحجر عليه الحاكم الشرعي. نعم لو كان صلحه عنها أو هبتها مثلا لأجل
الفرار من أداء الديون يشكل الصحة، خصوصا فيما إذا لم يرج حصول مال آخر
له باكتساب ونحوه.
مسألة 2 - لا يجوز الحجر على المفلس إلا بشروط أربعة:
الأول: أن تكون ديونه ثابتة شرعا عند الحاكم
الثاني: أن تكون أمواله من عروض ونقود ومنافع وديون على الناس ما
عدا مستثنيات الدين قاصرة عن ديونه.
الثالث: أن تكون الديون حالة، فلا يحجر عليه لأجل الديون المؤجلة وان
لم يف ماله بها لو حلت، ولو كان بعضها حالا وبعضها مؤجلا فان قصر ماله عن
الحالة يحجر عليه وإلا فلا.
الرابع: ان يرجع الغرماء كلهم إلى الحاكم ويلتمسوا منه الحجر عليه أو
يلتمس بعضهم الذي يكون ماله قاصرا عن دينه وكذا يحجر عليه الحاكم إذا
كان الدين لمن هو وليه.
مسألة 3 - بعد ما تمت الشرائط الأربعة وحجر عليه الحاكم وحكم بذلك،
تعلق حق الغرماء بأمواله، ولا يجوز له التصرف فيها بعوض كالبيع والإجارة
وبغير عوض كالوقف والهبة الا باذنهم أو اجازتهم. وانما يمنع عن التصرفات
الابتدائية، فلو اشتري شيئا سابقا بخيار ثم حجر عليه فالخيار باق وكان له
فسخ البيع واجازته. نعم لو كان له حق مالي سابقا على الغير ليس له
اسقاطه وإبراؤه كلا أو بعضا.
121

مسألة 4 - إنما يمنع عن التصرف في أمواله الموجودة في زمان الحجر عليه
وأما الأموال المتجددة الحاصلة له بغير اختياره كالإرث أو باختياره
كالاحتطاب والاصطياد وقبول الوصية والهبة ونحو ذلك ففي شمول الحجر لها
اشكال. نعم لا إشكال في جواز تجديد الحجر عليها.
مسألة 5 - لو أقر بعد الحجر بدين سابق صح لكن في مشاركة المقر له
مع الغرماء اشكال، وكذا لو أقر بدين لاحق وأسنده إلى سبب لا يحتاج إلى
رضا الطرفين مثل الإتلاف والجناية ونحوهما، وأما لو أسنده إلى سبب يحتاج
إلى ذلك كالاقتراض والشراء بما في الذمة ونحو ذلك نفذ الإقرار في حقه
لكن لا يشارك المقر له مع الغرماء بلا إشكال.
مسألة 6 - لو أقر بعين من الأعيان التي تحت يده لشخص نفذ إقراره في حقه
، فلو سقط حق الغرماء وانفك الحجر لزمه تسليمها إلى المقر له اخذا باقراره،
وأما نفوذه في حق الغرماء بحيث تدفع إلى المقر له في الحال ففيه اشكال.
مسألة 7 - بعد ما حكم الحاكم بحجر المفلس ومنعه عن التصرف في أمواله يشرع
في بيعها وقسمتها بين الغرماء بالحصص وعلى نسبة ديونهم مستثنيا
منها مستثنيات الدين وقد مرت في كتاب الدين، وكذا أمواله المرهونة عند
الديان لو كان، فإن المرتهن أحق باستيفاء حقه من الرهن الذي عنده ولا
يحاصه فيه سائر الغرماء، وقد مر في كتاب الرهن.
مسألة 8 - إن كان من جملة مال المفلس عين اشتراها وكان ثمنها في ذمته
كان البائع بالخيار بين أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله وبين الضرب مع
الغرماء بالثمن ولو لم يكن له مال سواها.
مسألة 9 - قيل هذا الخيار على الفور، فان لم يبادر بالرجوع في العين تعين
له
122

الضرب مع الغرماء وهو أحوط، لكن الظاهر العدم. نعم ليس له الإفراط
في تأخير الاختيار بحيث يعطل أمر التقسيم على الغرماء، فإن وقع منه ذلك
خيره الحاكم بين الامرين، فان امتنع عن اختيار أحدهما أشركه مع الغرماء
في الثمن.
مسألة 10 - يعتبر في جواز رجوع البائع بالعين حلول الدين، فلا رجوع لو
كان مؤجلا ولم يحل عليه قبل قسمة الكل أو البعض، والا فالأقرب الرجوع
بها، كما أن الأقرب مشاركة الدين المؤجل الحال قبل القسمة لسائر الديون.
مسألة 11 - لو كانت العين من مستثنيات الدين فليس للبائع أن يرجع فيها
على الأظهر.
مسألة 12 - المقرض كالبائع في أن له الرجوع بالعين المقترضة لو وجدها
عند المقترض، بل وكذا المؤجر، فان له فسخ الإجارة إذا حجر على المستأجر
قبل استيفاء المنفعة.
مسألة 13 - لو وجد البائع أو المقرض بعض العين المبيعة أو المقترضة كان
لهما الرجوع إلى الموجود بحصته من الدين والضرب بالباقي مع الغرماء، كما
أن لهما الضرب بتمام الدين معهم. وكذا إذا استوفي المستأجر بعض المنفعة
كان للمؤجر فسخ الإجارة بالنسبة إلى ما بقي من المدة بحصتها من الأجرة
والضرب مع الغرماء بما قابلت المنفعة الماضية، كما أن له الضرب معهم بتمام
الأجرة.
مسألة 14 - إذا زادت العين المبيعة أو المقترضة زيادة متصلة كالسمن،
تتبع الأصل، فيرجع البائع أو المقترض إلى العين كما هي إذا كانت
الزيادة يسيرة بحيث يصدق عليها أنها عين ماله، وأما إذا كانت خطيرة بحيث
يصدق عليها ماله مع الزيادة فالأحوط التصالح في الزيادة مع الغرماء وأما
الزيادة المنفصلة كالحمل والولد واللبن والثمر على الشجر فهي للمشتري
والمقترض وليس للبائع
123

والمقرض الرجوع إليها.
مسألة 15 - لو تعيبت العين عند المشتري مثلا، فإن كان بآفة سماوية أو
بفعل المشتري فللبائع أن يأخذها كما هي بدل الثمن وأن يضرب بالثمن مع
الغرماء وكذا لو كان بفعل البائع، وأما إن كان بفعل الأجنبي فالبائع
بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء بتمام الثمن وبين أن يأخذ العين معيبا،
وحينئذ فيحتمل أن يضارب الغرماء في جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة الأرش
إلى قيمة العين، ويحتمل أن يضاربهم في تمام الأرش، فإذا كان الثمن
عشرة وقيمة العين عشرين وأرش النقصان أربعة خمس القيمة، فعلي الأول
يضاربهم في اثنين وعلي الثاني في أربعة، ولو فرض العكس - بأن كان الثمن
عشرين والقيمة عشرة وكان الأرش اثنين خمس العشرة - يكون الامر بالعكس
يضاربهم في أربعة على الأول وفي اثنين على الثاني، والمسألة محل إشكال
، فالأحوط للبائع أن يقتصر على أقل الامرين وهو الاثنان في الصورتين. كما
أن الأحوط للغرماء أيضا أن يقتصروا علي أقل الامرين مما يجوز لهم المشاركة
فيه، وهو غير الأربعة في الصورتين، فينحصر التخلص عن المحذور بالتصالح
والتراضي.
مسألة 16 - لو اشتري أرضا فأحدث فيها بناءا أو غرسا ثم فلس كان
للبائع الرجوع إلى أرضه، لكن البناء والغرس للمشتري وليس له حق البقاء
ولو بالأجرة، فإن تراضيا على البقاء مجانا أو بالأجرة، وإلا فللبائع
إلزامه بالقلع لكن مع دفع الأرش، كما أن للمشتري القلع لكن مع طم
الحفر، والأحوط للبائع عدم إلزامه بالقلع والرضا ببقائها ولو بالأجرة إذا
أراده المشتري، كما أن الأحوط للمشتري أيضا القلع مع إبرام البائع ولو
مع الأرش، فالأحوط والأوفق لتخلص الطرفين إتمام العمل بالتصالح والتراضي
.
مسألة 17 - إذا خلط المشتري مثلا ما اشتراه بماله فان كان بغير جنسه
ليس
124

للبائع الرجوع في ماله وبطل حقه من العين، وان كان بجنسه كان له
ذلك سواء خلط بالمساوي أو الأجود، وبعد الرجوع يشارك المفلس بنسبة مالهما
في المقدار لكن فيما إذا اختلط بالمساوي اقتسماه عينا بنسبة مالهما. وأما
في غيره فيباع المجموع ويخص كل منهما من الثمن بنسبة قيمة ماله، فإذا
خلط من من زيت يسوي درهما بمن من زيت يسوي درهمين يقسم الثمن بينهما
أثلاثا، وإذا أراد أحدهما البيع ليس للاخر الامتناع: نعم لصاحب الأجود
مطالبة القسمة العينية بنسبة مقدار المالين، فإنه قد رضي بدون حقه وليس
للاخر الامتناع ومطالبة البيع وتقسيم الثمن بنسبة القيمة. هذا ولكن في
أصل المسألة - وهو كون البائع أحق بماله في صورة الامتزاج - عندي تأمل
واشكال، فالأحوط عدم الرجوع الا مع رضي الغرماء.
مسألة 18 - لو اشتري غزلا فنسجه أو دقيقا فخبزه أو ثوبا فقصره أو صبغه
لم يبطل حق البائع من العين على اشكال في الأولين.
مسألة 19 - غريم الميت كغريم المفلس، فإذا وجد عين ماله في تركته كان
له الرجوع إليه، لكن بشرط أن يكون ما تركه وافيا بدين الغرماء، وإلا
فليس له ذلك بل هو كسائر الغرماء يضرب بدينه معهم وإن كان الميت قد مات
محجورا عليه.
مسألة 20 - يجري على المفلس إلى يوم قسمة ماله نفقته وكسوته ونفقة
من يجب عليه نفقته وكسوته على ما جرت عليه عادته، ولو مات قدم كفنه بل
وسائر مؤن تجهيزه من السدر والكافور وماء الغسل ونحو ذلك على حقوق الغرماء
، ويقتصر على الواجب على الأحوط، وإن كان القول باعتبار المتعارف بالنسبة
إلى أمثاله لا يخلو من قوة.
مسألة 21 - لو قسم الحاكم مال المفلس بين غرمائه ثم ظهر غريم آخر
فهل ينتقض القسمة أم لا ينتقض ويشارك مع كل منهم على الحساب، فإذا كان
مجموع
125

ماله ستين وكان له غريمان يطلب أحدهما ستين والاخر ثلاثين فأخذ
الأول أربعين والثاني عشرين ثم ظهر ثالث يطلب منه عشرة يأخذ من الأول
أربعة ومن الثاني اثنين، فيصير حصة الأول ستة وثلاثين والثاني ثمانية
عشر والثالث ستة يأخذ كل منهم ثلاثة أخماس طلبه - وهكذا وجهان والأقوى
الانتفاض ولا يخفي ثمرة القولين بالتدبر.
القول في المرض:
المريض إذا لم يتصل مرضه بموته فهو كالصحيح يتصرف في ماله بما شاء وكيف
شاء، وينفذ جميع تصرفاته في جميع ما يملكه إلا فيما أوصي بأن يصرف شي ء بعد
موته فإنه لا ينفذ فيما زاد على ثلث ما يتركه، كما أن الصحيح أيضا كذلك
ويأتي تفصيل ذلك في محله. واما إذا اتصل مرضه بموته فلا اشكال في عدم
نفوذ وصيته بما زاد على الثلث كغيره، كما انه لا اشكال في نفوذ
عقوده المعاوضية المتعلقة بماله كالبيع بثمن المثل والإجارة بأجرة المثل
ونحو ذلك، ولا إشكال في جواز انتفاعه بماله بالاكل والشرب والإنفاق على
نفسه ومن يعوله والصرف على أضيافه وفي مورد يحفظ شأنه واعتباره وغير ذلك
. وبالجملة كل صرف يكون فيه غرض عقلائي مما لا يعد سرفا وتبذيرا أي مقدار
كان، وإنما الإشكال والخلاف في مثل الهبة والعتق والوقف والصدقة
والإبراء والصلح بغير عوض ونحو ذلك من التصرفات التبرعية في ماله مما لا
يقابل بالعوض ويكون فيه إضرار بالورثة، وهي المعبر عنها بالمنجزات وانها
هل هي نافذة من الأصل - بمعني نفوذها وصحتها مطلقا وان زادت على ثلث
ماله بل وإن تعلقت بجميع ماله بحيث لم يبق شي ء للورثة - أو هي نافذة
بمقدار الثلث، فان زادت يتوقف صحتها ونفوذها في الزائد على امضاء الورثة،
والأقوى هو الأول.
126

مسألة 1 - لا إشكال ولا خلاف في أن الواجبات المالية التي يؤديها
المريض في مرض موته كالخمس والزكاة والكفارات تخرج من الأصل.
مسألة 2 - البيع والإجارة المحاباتيان كالهبة بالنسبة إلى ما حاباه،
فيدخلان في المنجزات التي هي محله الاشكال والخلاف، فإذا باع شيئا يسوي
مائة بخمسين مثلا فقد أعطي المشتري خمسين كما إذا وهبه.
مسألة 3 - وان كانت الصدقة من المنجزات كما أشرنا اليه لكن الظاهر أنه
ليس منها ما يتصدق المريض لأجل شفائه وعافيته، بل هي ملحقة بالمعاوضات
فكان المريض يشتري به حياته وسلامته.
مسألة 4 - لو قلنا بكون المنجزات تنفذ من الثلث يشكل القول به في
المرض الذي يطول سنة أو سنتين أو أزيد الا فيما إذا وقع التصرف في أواخره
القريب من الموت، بل ينبغي أن يقتصر على المرض المخوف الذي يكون معرضا
للخطر والهلاك، فمثل حمي يوم خفيف اتفق الموت به على خلاف مجاري العادة
يمكن القول بخروجه، كما انه ينبغي الاقتصار على ما إذا كان الموت بسبب
ذلك المرض الذي وقع التصرف فيه، فإذا مات فيه لكن بسبب آخر من قتل أو
افتراس سبع أو لذع حية ونحو ذلك يكون خارجا.
مسألة 5 - لا يلحق بالمرض حال كونه معرض الخطر والهلاك، كأن يكون في حال
المراماة في الحرب أو في حال اشراف السفينة على الغرق أو كانت المرأة في
حال الطلق.
مسألة 6 - لو أقر بدين أو عين من ماله في مرض موته لو ارث أو أجنبي،
فإن كان مأمونا غير متهم نفذ إقراره في جميع ما أقر به وان كان زائدا
على ثلث ماله، بل وإن استوعبه، وإلا فلا ينفذ فيما زاد على ثلثه.
127

والمراد بكونه متهما وجود أمارات يظن معها بكذبه، كأن يكون بينه
وبين الورثة معاداة يظن معها بأنه يريد بذلك إضرارهم، أو كان له محبة
شديدة مع المقر له يظن معها بأنه يريد بذلك نفعه.
مسألة 7 - إذا لم يعلم حال المقر وأنه كان متهما أو مأمونا ففي الحكم
بنفوذ إقراره في الزائد على الثلث وعدمه إشكال، فالأحوط التصالح بين
الورثة والمقر له.
مسألة 8 - إنما يحسب الثلث في مسألتي المنجزات والإقرار بالنسبة
إلى مجموع ما يتركه في زمان موته من الأموال عينا أو دينا أو منفعة أو
حقا ماليا يبذل بإزائه المال كحق التحجير، وهل تحسب الدية من التركة
وتضم إليها ويحسب الثلث بالنسبة إلى المجموع أم لا؟ وجهان بل قولان،
لا يخلو أو لهما من رجحان.
مسألة 9 - ما ذكرنا من عدم النفوذ فيما زاد على الثلث في الوصية
وفي المنجزات على القول به انما هو إذا لم يجز الورثة والا نفذتا بلا إشكال
ولو أجاز بعضهم نفذ بمقدار حصته، ولو أجازوا بعضا من الزائد عن الثلث نفذ
بقدره.
مسألة 10 - لا اشكال في صحة إجازة الوارث بعد موت المورث، وهل تصح منه
في حال حياته بحيث تلزم عليه ولا يجوز له الرد بعد ذلك أم لا؟
قولان أقواهما الأول، خصوصا في الوصية، وإذا رد في حال الحياة يمكن أن
يلحقه الإجازة بعد ذلك على الأقوى.
128

كتاب الضمان
129

كتاب الضمان
وهو التعهد بمال ثابت في ذمة شخص لآخر. وحيث أنه عقد من العقود
يحتاج إلى إيجاب صادر من الضامن وقبول من المضمون له، ويكفي في
الأول كل لفظ دال بالمتفاهم العرفي على التعهد المذكور ولو بضميمة القرائن
مثل أن يقول: ضمنت لك أو تعهدت لك الدين الذي لك على فلان ونحو ذلك،
وفي الثاني كل ما دل على الرضا بذلك، ولا يعتبر فيه رضاء المضمون عنه.
مسألة 1 - يشترط في كل من الضامن والمضمون له أن يكون بالغا عاقلا
رشيدا مختارا، وأن لا يكون المضمون له محجورا لفلس، ولا يشترط ذلك كله
في المضمون عنه، فلا يصح ضمان الصبي ولا الضمان له ولكن يصح الضمان
عنه وهكذا.
مسألة 2 - يشترط في صحة الضمان أمور:
منها: التنجيز، فلو علق على أمر، كأن يقول: أنا ضامن لما على فلان إن
أذن لي أبي، أو أنا ضامن إن لم يف المديون إلى زمان كذا أو إن لم
يف أصلا، بطل.
ومنها: كون الدين الذي يضمنه ثابتا في ذمة المضمون عنه، سواء كان
مستقرا كالقرض والثمن أو المثمن في البيع الذي لا خيار فيه، أو متزلزلا
كأحد العوضين
131

في البيع الخياري أو كالمهر قبل الدخول ونحو ذلك، فلو قال:
أقرض فلانا أو بعه نسيئة وأنا ضامن، لم يصح.
ومنها: تميز الدين والمضمون له والمضمون عنه، بمعني عدم الإبهام
والترديد، فلا يصح ضمان أحد الدينين ولو لشخص معين على شخص معين، ولا
ضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد معين، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو
على واحد معين.
نعم لو كان الدين معينا في الواقع ولم يعلم جنسه أو مقداره، أو كان
المضمون له أو المضمون عنه متعينا في الواقع ولم يعلم شخصه صح الضمان
على الأقوى، خصوصا في الأخيرين. فلو قال: ضمنت ما لفلان على فلان، و
لم يعلم أنه درهم أو دينار أو أنه دينار أو دينار ان صح، على الأصح وكذا
لو قال: ضمنت الدين الذي على فلان لمن يطلبه من هؤلاء العشرة ويعلم
بأن واحدا منهم يطلبه ولم يعلم شخصه ثم قبل بعد ذلك الواحد المعين الذي
يطلبه، أو قال ضمنت ما كان لفلان على المديون من هؤلاء ولم يعلم شخصه
صحه الضمان على الأقوى.
مسألة 3 - إذا تحقق الضمان الجامع للشرائط انتقل الحق من ذمة المضمون
عنه إلى ذمة الضامن وبرئت ذمته، فإذا أبرأ المضمون له - وهو صاحب
الدين - ذمة الضامن برئت الذمتان الضامن والمضمون عنه، وإذا أبرأ ذمة
المضمون عنه كان لغوا لأنه لم يشتغل ذمته بشئ حتى يبرئه.
مسألة 4 - الضمان لازم من طرف الضامن فليس له فسخه بعد وقوعه مطلقا
، وكذا من طرف المضمون له، إلا إذا كان الضامن معسرا وكان المضمون له
جاهلا بإعساره، فإنه يجوز له فسخ الضمان والرجوع بحقه على المضمون عنه
. والمدار على الإعسار حال الضمان، فلو كان موسرا في تلك الحال ثم أعسر
لم يكن له الخيار، كما أنه لو كان معسرا ثم أيسر لم يزل الخيار.
132

مسألة 5 - في جواز اشتراط الخيار لكل من الضامن والمضمون له تأمل واشكال.
مسألة 6 - يجوز ضمان الدين الحال حالا ومؤجلا، وكذا ضمان الدين
المؤجل مؤجلا وحالا، وكذا يجوز الضمان الدين المؤجل مؤجلا بأزيد من أجله
وبأنقص منه.
مسألة 7 - إذا ضمن من دون إذن المضمون عنه، فليس له الرجوع عليه،
وإن كان بإذنه فله الرجوع عليه لكن بعد أداء الدين لا بمجرد الضمان،
وإنما يرجع عليه بمقدار ما أداه، فلو صالح على الدين بنصفه أو ثلثه أو
أبرأ ذمته عن بعضه لم يرجع عليه بالمقدار الذي سقط عن ذمته بالمصالحة أو
الإبراء.
مسألة 8 - إذا كان ضمان الدين بإذن المضمون عنه فإنما يرجع عليه
بالأداء فيما إذا حل أجل الدين الذي كان على المضمون عنه، والا فليس له
الرجوع عليه الا بعد حلول أجله فلو ضمن الدين المؤجل حالا أو الدين المؤجل
بأقل من أجله، فأداه ليس له الرجوع عليه ا لا بعد حلول أجل الدين، نعم
إذا كان ضمانه في الصورتين باذن المضمون عنه فإنه يرجع عليه بمجرد الأداء
، وكذا لو ضمن الدين الحال مؤجلا أو المؤجل بأكثر من أجله فأداه ولو برضى
المضمون له قبل حلول أجله، جاز له الرجوع عليه بمجرد الأداء، وكذا لو مات
الضامن في هذا الفرع قبل انقضاء الاجل فحل الدين وأداه الورثة من تركته
كان لهم الرجوع على المضمون عنه.
مسألة 9 - لو ضمن بإذنه الدين المؤجل مؤجلا فمات الضامن قبل
انقضاء الأجلين وحل ما عليه فأخذ من تركته، فليس لورثته الرجوع على
المضمون عنه إلا بعد حلول أجل الدين الذي كان عليه، ولا يحل الدين
بالنسبة إلى المضمون عنه بموت الضامن وإنما يحل بالنسبة إليه.
133

مسألة 10 - لو دفع المضمون عنه الدين إلى المضمون له من دون إذن
الضامن، برئت ذمته وليس له الرجوع عليه.
مسألة 11 - يجوز الترامي في الضمان، بأن يضمن مثلا عمرو عن زيد ثم يضمن
بكر عن عمرو ثم يضمن خالد عن بكر وهكذا، فتبرأ ذمة الجميع واستقر الدين على
الضامن الأخير: فإن كانت جميع الضمانات بغير إذن من المضمون عنه لم
يرجع واحد منه على سابقه لو أداى الدين الضامن الأخير، وان
كانت جميعها بالاذن يرجع الضامن الأخير على سابقه وهو على سابقه إلى أن
ينتهي إلى المديون الأصلي، وإن كان بعضها بالإذن وبعضها بدونه، فإن
كان الأخير بدون الإذن، كان كالأول لم يرجع واحد منهم على سابقه،
وإن كان بالإذن رجع هو على سابقه وهو على سابقه لو ضمن بإذنه، وإلا
لم يرجع وانقطع الرجوع عليه. وبالجلمة كل ضامن أدي شيئا وكان ضمانه
بإذن من ضمن عنه، يرجع عليه بما أداه.
مسألة 12 - لا اشكال في جواز ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك، بأن
يكون على كل منهما بعض الدين، فتشتغل ذمة كل منهما بمقدار منه على حسب
ما عيناه ولو بالتفاوت، ولو أطلقا قسط عليهما بالتساوي بالنصف لو كانا اثنين
وبالثلث لو كانوا ثلاثة، وهكذا، ولكل منهما أداء ما عليه وتبرأ ذمته ولا
يتوقف على أداء الآخر ما عليه، وللمضمون له مطالبة كل منهما بحصته
ومطالبة أحدهما أو إبراؤه دون الآخر. ولو كان ضمان أحدهما بالإذن دون
الآخر رجع هو على المضمون عنه بما أداه دون الآخر.
والظاهر أنه لا فرق في جميع ما ذكر بين أن يكون ضمانهما بعقدين - بان ضمن
أحدهما عن نصف الدين ثم ضمن الآخر عن نصفه الآخر - أو بعقد واحد كمان إذا
ضمن عنهما وكيلهما في ذلك فقبل المضمون له.
134

هذا كله في ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك، واما ضمانهما عنه بالاستقلال
- بان كان كل منهما ضامنا بتمام - الدين فان كان على التعاقب فالضامن من
رضي المضمون له بضمانه ولو اطلق الرضا بهما ففي كون الضامن السابق منهما
اشكال، وان كان دفعة فان رضي المضمون له بأحدهما دون الاخر فهو الضامن
وان رضي بهما معا فالأقوى بطلان الضمان.
مسألة 13 - ضمان اثنين عن واحد بالاستقلال على القول بصحته لا يمكن
الا بايقاع الضمانين دفعة، كما إذا ضمن عنهما كذلك وكيلهما بايجاب واحد ثم
قبل المضمون له ذلك أو بتعاقب الايجابين منهما ثم قبول واحد من المضمون
له متعلق بكليهما، بأن قال أحدهما مثلا ضمنت لك مالك على فلان ثم قال
الاخر مثل ذلك فقال المضمون له قبلت قاصدا قبول كلا الضمانين. وأما لو تم
عقد الضمان على تمام الدين فلا يمكن أن يتعقبه ضمان آخر، إذ بمجرد وقوع
الضمان الأول برئت ذمة المضمون عنه، فلا يبقي محل لضمان آخر.
مسألة 14 - يجوز الضمان بغير جنس الدين، لكن إذا كان الضمان باذن المضمون
عنه ليس له الرجوع عليه الا بجنس الدين.
مسألة 15 - كما يجوز الضمان عن الأعيان الثابتة في الذمم يجوز الضمان
عن المنافع والاعمال المستقرة في الذمم، فكما أنه يجوز أن يضمن عن
المستأجر ما عليه من الأجرة كذلك يجوز أن يضمن عن الأجير ما عليه من العمل
. نعم لو كان ما عليه يعتبر فيه مباشرته - كما إذا كان عليه خياطة ثوب
مباشرة - لم يصح ضمانه.
مسألة 16 - لو ادعي شخص دينا فقال ثالث للمدعي " على ما عليه " فرضي
به المدعي صح الضمان، بمعني ثبوت الدين في ذمته على تقدير ثبوته،
فيسقط الدعوى عن المضمون عنه ويصير الضامن طرف الدعوى، فإذا أقام المدعي
البينة
135

على ثبوته يجب على الضامن أداؤه، وكذا لو ثبت اقرار المضمون عنه
قبل الضمان بالدين. وأما اقراره بعد الضمان فلا يثبت به شي ء لا على
المقر لبراءة ذمته بالضمان حسب الفرض ولا على الضامن لكونه اقرارا على
الغير، لكن هذا إذا كان الضمان بغير اذن المضمون عنه، وأما معه فالاقرار
بالدين بعد الضمان اقرار على نفسه ومأخوذ به فيرجع الضامن بعد الأداء اليه.
مسألة 17 - في جواز ضمان الأعيان المضمونة، كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد،
لمالكها عمن كانت في يده. تأمل وإشكال.
مسألة 18 - لا اشكال في جواز ضمان عهدة الثمن للمشتري عن البائع لو
ظهر المبيع مستحقا للغير أو ظهر بطلان البيع لفقد شرط من شروط صحته إذا كان
ذلك بعد قبض البائع الثمن، وأما ضمان درك ما يحدثه المشتري من بناء أو
غرس في الأرض المشتراة إذا ظهرت مستحقة للغير وقلعه المالك المشتري عن
البائع
ففيه اشكال.
مسألة 19 - إذا كان على الدين الذي على المضمون عنه رهن ينفك
بالضمان على اشكال. نعم لو شرط الضامن مع المضمون له انفكاكه انفك بلا
اشكال.
مسألة 20 - لو كان على أحد دين فالتمس من غيره أداءه فأداه بلا ضمان
عنه للدائن جاز له الرجوع على الملتمس.
136

كتاب الحوالة والكفالة
137

كتاب الحوالة والكفالة
حقيقة الحوالة تحويل المديون ما في ذمته إلى ذمة غيره حقيقة الحوالة
تحويل المديون ما في ذمته إلى ذمة غيره، وهي متقومة بأشخاص ثلاثة:
المحيل وهو المديون، والمحتال وهو الدائن، والمحال عليه. ويعتبر في
الثلاثة البلوغ والعقل والرشد والاختيار وعدم الحجر لفلس في المحتال وكذا
في المحيل الا في الحوالة على البري ء. وحيث إنها عقد من العقود تحتاج
إلى ايجاب من المحيل وقبول من المحتال، وأما المحال عليه فليس طرفا للعقد
وإن قلنا باعتبار قبوله، بل لا مانع من أن يكون عقدها مركبا من ايجاب
وقبولين.
ويعتبر في عقدها ما يعتبر في سائر العقود، ومنها التنجيز، فلو علقها
على شيء بطل. ويكفي في الايجاب كل لفظ يدل على التحويل المزبور مثل "
أحلتك بما في ذمتي من الدين على فلان " وما يفيد معناه، وفي القبول ما
يدل على الرضا نحو: قبلت ورضيت، ونحوهما.
مسألة 1 - يشترط في صحة الحوالة مضافا إلى ما اعتبر في المحيل و
المحتال والمحال عليه وما اعتبر في العقد أمور:
منها: أن يكون المحال به ثابتا في ذمة المحيل، فلا تصح في غير الثابت
في ذمته وإن وجد سببه كمال الجعالة قبل العمل فضلا عما لم يوجد سببه
كالحوالة بما
139

سيستقرضه فيما بعد.
ومنها: تعيين المال المحال به، بمعني عدم الابهام والترديد، وأما
معلومية مقداره أو جنسه عند المحيل أو المحتال فالظاهر عدم اعتبارها، فلو
كان مجهولا عندهما لكن كان معلوما ومعينا في الواقع لا بأس به، خصوصا
مع فرض إمكان ارتفاع الجهالة بعد ذلك، كما إذا كان عليه دين لاحد قد
أثبته في دفتره ولم يعلما مقداره فحوله على شخص آخر قبل مراجعتهما الدفتر.
ومنها: رضي المحال عليه وقبوله إذا كان بريئا أو كالت الحوالة بغير جنس
ما عليه واما إذا كان المحال به مثل ما أحال عليه فعدم اعتبار رضاه قوي.
مسألة 2 - لا يعتبر في صحة الحوالة اشتغال ذمة المحال عليه بالدين للمحيل
، فتصح الحوالة على البري ء على الأقوى.
مسألة 3 - لا فرق في المحال به بين كونه عينا ثابتة في ذمة المحيل و
بين كونه منفعة أو عملا لا يعتبر فيه المباشرة، فتصح إحالة مشغول
الذمة بخياطة ثوب أو زيارة أو صلاة أو حج أو قراءة قرآن ونحو ذلك على
برئ أو على من اشتغلت ذمته له بمثل ذلك وكذا لا فرق بين كونه مثليا
كالحنطة والشعير، أو قيميا كالعبد والثوب بعد ما كان موصوفا بما يرفع
الجهالة، فإذا اشتغلت ذمته بشاة موصوفة مثلا بسبب كالسلم، جاز له
الإحالة بها على من كان له عليه شاة بذلك الوصف، أو كان بريئا.
مسألة 4 - لا اشكال في صحة الحوالة مع اتحاد الدين المحال به مع الدين
الذي على المحال عليه جنسا ونوعا، كما إذا كان عليه لرجل دراهم وله
على آخر دراهم فيحيل الأول على الثاني وأما مع الاختلاف - بأن كان
عليه دراهم وله على آخر دنانير فيحيل الأول على الثاني - فهو يقع على أنحاء
: فتارة يحيل الأول بدراهمه على الثاني بالدنانير، بأن يأخذ منه ويستحق
عليه بدل الدراهم دنانير. و
140

أخرى يحليه عليه بالدراهم، بأن يأخذ منه
الدراهم ويعطي المحال عليه بدل ما عليه من الدنانير الدراهم. وثالثة
يحيله عليه بالدراهم، بأن يأخذ منه دراهمه وتبقي الدنانير على حالها.
لا اشكال في صحة النحو الأول ولو كان الصادق عليه عنوان المعاوضة و
كذا الثالث ويكون هو كالحوالة على البري ء، وأما الثاني فلا إشكال فيه على
القول باعتبار رضا المحال عليه في تحقق الحوالة أو رضائه هنا إن لم نقل
باعتباره بقول مطلق.
مسألة 5 - إذا تحققت الحوالة جامعة للشرائط برئت ذمة المحيل عن الدين
وإن لم يبرئه المحتال، واشتغلت ذمة المحال عليه للمحتال بما أحيل عليه
. هذا حال المحيل مع المحتال والمحتال مع المحال عليه، أما حال المحال
عليه مع المحيل فإن كانت الحوالة بمثل ما عليه، برئت ذمته مما له عليه
، وكذا إن كانت بغير الجنس ووقعت على النحو الأول أو الثاني من الانحاء
الثلاثة المتقدمة، واما ان وقعت على النحو الأخير أو كانت الحوالة على
البري ء، اشتغلت ذمة المحيل للمحال عليه بما أحال عليه، وإن كان له
عليه دين يبقي على حاله فيتحاسبان بعد ذلك.
مسألة 6 - لا يجب على المحتال قبول الحوالة وإن كان على ملي ء غير مماطل
، ولو قبلها لزم وإن كانت على فقير معدم. نعم لو كان جاهلا بحاله ثم
بان إعساره وفقره وقت الحوالة كان له الفسخ والعود على المحيل، وليس
له الفسخ بسبب الفقر الطاري ء، كما أنه لا يزول الخيار لو تبدل فقره باليسار
.
مسألة 7 - الحوالة لازمة بالنسبة إلى كل من الثلاثة إلا على المحتال
مع إعسار المحال عليه وجهله بالحال، كما أشرنا اليه، والمراد بالإعسار أن
لا يكون عنده ما يوفي به الدين زائدا على مستثنيات الدين، ويجوز اشتراط
خيار فسخ الحوالة
141

لكل من الثلاثة.
مسألة 8 - يجوز الترامي في الحوالة بتعدد المحال عليه واتحاد المحتال، كما
لو أحال المديون زيدا على عمرو ثم أحال عمرو زيدا على بكر ثم أحال بكر
زيدا علي خالد، وهكذا. أو بتعدد المحتال مع اتحاد المحال عليه، كما لو
أحال المحتال من له دين عليه على المحال عليه ثم أحال المحتال من له
عليه دين على ذاك المحال عليه وهكذا.
مسألة 9 - إذا قضي المحيل الدين بعد الحوالة برئت ذمة المحال عليه،
فإن كان ذلك بمسألته رجع المحيل عليه، وإن تبرأ لم يرجع عليه.
مسألة 10 - إذا أحال على بري ء وقبل المحال عليه هل له الرجوع على
المحيل بمجرد القبول أو ليس له الرجوع عليه إلا بعد أداء الدين للمحتال
الأقوى الثاني
مسألة 11 - إذا أحال البائع من له عليه دين على المشتري أو أحال
المشتري البائع بالثمن على شخص آخر ثم تبين بطلان البيع بطلت الحوالة،
بخلاف ما إذا انفسخ البيع بخيار أو بالإقالة فإنه تبقي الحوالة ولا تتبع
البيع في الانفساخ.
مسألة 12 - إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معين خارجي فأحال داينه
عليه ليدفع اليه لا يجب على الداين القبول فإن قبل ورجع إلى الوكيل
فإن دفعه اليه فهو والا يجوز له الرجوع إلى المديون وليس هذا من
الحوالة بشئ ء حتى لا يجوز له الرجوع إلى المديون المحيل.
القول في الكفالة
وحقيقتها التعهد والالتزام لشخص باحضار نفس له حق عليها، وهي عقد واقع بين
الكفيل والمكفول له وهو صاحب الحق، والايجاب من الأول والقبول من
142

الثاني. ويكفي في الايجاب كل لفظ دال على الالتزام المزبور كأن يقول " كفلت لك
بدن فلان أو نفسه أو أنا كفيل لك باحضاره " ونحو ذلك، وفي القبول كل ما
يدل على الرضا بذلك.
مسألة 1 - يعتبر في الكفيل البلوغ والعقل والاختيار والتمكن من الاحضار
، ولا يشترط في المكفول له البلوغ والعقل، فيصح الكفالة للصبي والمجنون
إذا قبلها الولي.
مسألة 2 - لا إشكال في اعتبار رضي الكفيل والمكفول له، وأما المكفول
ففي اعتبار رضاه تأمل وإشكال، فالأحوط اعتباره، بل الأحوط كونه طرفا
للعقد بأن يكون عقدها مركبا من ايجاب وقبولين من المكفول له والمكفول.
مسألة 3 - كل من عليه حق مالي صحت الكفالة ببدنه، ولا يشترط العلم
بمبلغ ذلك المال. نعم يشترط أن يكون ذلك المال ثابتا في الذمة بحيث
يصح ضمانه، فلو تكفل بإحضار من لا مال عليه وإن وجد سببه كمن جعل
الجعالة قبل أن يعمل العامل وكذا تصح كفالة كل من يستحق عليه الحضور
إلى مجلس الشرع، بأن تكون عليه دعوى مسموعة وإن لم تقم البينة عليه
بالحق. ولا تصح الكفالة على الحدود.
مسألة 4 - يصح ايقاء الكفالة حالة وموجلة في الحقوق الحالة ومع الاطلاق فيها
تكون معلجة وفي الحقوق الموجلة لا تصح حالة ولا دون اجلها وتنصرف الكفالة
المطلقة فيها إلى الاجل المعين للحق ويجوز الكفالة بالأجل الزايد على اجله
.
مسألة 5 - عقد الكفالة لازم لا يجوز فسخه إلا بالإقالة، ويجوز جعل
الخيار فيه لكل من الكفيل والمكفول له مدة معينة.
143

مسألة 6 - إذا تحققت الكفالة جامعة للشرائط جازت مطالبة المكفول له
الكفيل بالمكفول عاجلا إذا كانت الكفالة مطلقة، وكان الحق حالا أو صار
بحلول الاجل حالا فان كان المكفول حاضرا وجب على الكفيل إحضاره فإن
أحضره وسلمه تسليما تاما بحيث يتمكن المكفول له منه فقد بري ء مما عليه،
وإن امتنع عن ذلك له طلب حبسه من الحاكم حتى يحضره أو يؤدي ما عليه،
وان كان المكفول غائبا فان كان موضعه معلوما يمكن الكفيل رده منه أمهل
بقدر ذهابه ومجيئه، فإذا مضي قدر ذلك ولم يأت به من غير عذر حبس كما مر،
وإن كان غائبا غيبة منقطعة لا يعرف موضعه وانقطع خبره لم يكلف الكفيل
إحضاره. وهل يلزم بأداء ما عليه؟ الأقرب ذلك خصوصا إذا كان ذلك بتفريط
من الكفيل، بأن طالبه المكفول له وكان متمكنا منه فلم يحضره حتى هرب.
نعم لو كان بحيث لا يرجي الظفر به بحسب العادة يشكل صحة الكفالة من أصلها
.
مسألة 7 - إذا لم يحضر الكفيل المكفول فاخذ منه المال، فإن لم يأذن
له المكفول لا في الكفالة ولا في الأداء ليس له الرجوع عليه بما أداه،
وإذا أذن له في الأداء كان له أن يرجع به عليه، سواء أذن له في
الكفالة أيضا أم لا. وأما إذا أذن له في الكفالة دون الأداء فهل يرجع
عليه أم لا؟ لا يبعد ان يفصل بين ما إذا أمكن له مراجعته واحضاره للمكفول
له فالثاني، وبين ما إذا تعذر له ذلك فالأول.
مسألة 8 - إذا عين الكفيل في الكفالة مكان التسليم تعين، فلا يجب
عليه تسليمه في غيره، ولو طلب ذلك المكفول له لم تجب إجابته، كما أنه
لو سلمه في مكان آخر لم يجب على المكفول له تسلمه، ولو أطلق ولم يعين
مكان التسليم فإن أوقعا العقد في بلد المكفول له أو بلد قراره انصرف اليه
، وإن أوقعاه في برية أو بلد غربة لم يكن من قصده القرار والاستقرار فيه
، فإن كانت قرينة على التعيين فهو بمنزلته، وإلا بطلت الكفالة من أصلها
.
144

مسألة 9 - يجب على الكفيل التوسل بكل وسيلة مشروعة لإحضار المكفول، حتى
أنه لو احتاج إلى الاستعانة بشخص قاهر لم يكن في ذلك مفسدة أو
مضرة دينية أو دنيوية لم يبعد وجوبها، ولو كان غائبا واحتاج حمله إلى
مؤنة فعلي المكفول نفسه، ولو صرفها الكفيل لا بعنوان التبرع، فله أن
يرجع بها إذا كانت الكفالة باذن المكفول وتوقف احضاره على المؤنة.
مسألة 10 - تبرأ ذمة الكفيل بإحضار المكفول أو حضوره وتسليم نفسه
تسليما تاما، وكذا تبرأ ذمته لو أخذ المكفول له المكفول طوعا أو كرها بحيث
تمكن من استيفاء حقه أو إحضاره مجلس الحكم، أو أبرأ المكفول عن الحق
الذي عليه، أو الكفيل من الكفالة.
مسألة 11 - إذا مات الكفيل أو المكفول بطلت الكفالة، بخلاف ما لو
مات المكفول له فإنه تكون الكفالة باقية وينتقل حق المكفول له منها إلى
ورثته.
مسألة 12 - لو نقل المكفول له الحق الذي له على المكفول إلى غيره ببيع
أو صلح أو حوالة، بطلت الكفالة.
مسألة 13 - من خلي غريما من يد صاحبه قهرا وإجبارا ضمن إحضاره أو أداء ما
عليه، ولو خلي قاتلا من يد ولي الدم لزمه إحضاره أو إعطاء الدية وإن
كان القتل عمدا.
مسألة 14 - يجوز ترامي الكفالات، بأن يكفل الكفيل كفيل آخر ثم يكفل
كفيل الكفيل كفيل آخر وهكذا، وحيث أن الكل فروع الكفالة الأولي وكل لا
حق فرع سابقه فلو أبرأ المستحق الكفيل الأول أو أحضر الأول المكفول الأول
أو مات أحدهما برئوا أجمع، ولو أبرأ المستحق بعض من توسط بري ء هو ومن بعده
دون من قبله، وكذا لو مات، بري ء من كان فرعا له.
145

مسألة 15 - يكره التعرض للكفالات وقد قال مولانا الصادق (عليه السلام) في خبر لبعض
أصحابه: مالك والكفالات؟ أما علمت أنها أهلكت القرون الأولي. وعنه (عليه السلام):
الكفالة خسارة غرامة ندامة.
146

كتاب الوكالة
147

كتاب الوكالة
وهي تولية الغير في امضاء أمر أو استنابته في التصرف فيما كان له ذلك،
وحيث انها من العقود تحتاج إلى إيجاب وقبول، ويكفي في الإيجاب كل ما
دل على التولية والاستنابة المزبورتين كقوله " وكلتك " أو " أنت وكيلي في
كذا " أو " فوضته إليك " أو " استنبتك فيه " ونحوها، بل الظاهر كفاية قوله " بع
داري " مثلا قاصدا به الاستنابة في بيعها إذا كان هناك قرينة على ذلك و
الا فلا يفيد الا صحة البيع. وفي القبول كل ما دل على الرضا، بل الظاهر
أنه يكفي فيه فعل ما وكل فيه، كما إذا وكله في بيع شي ء فباعه أو شراء
شي ء فاشتراه له، بل يقوي وقوعها بالمعاطاة، بأن سلم إليه متاعا ليبيعه
فتسلمه لذلك، بل لا يبعد تحققها بالكتابة من طرف الموكل والرضا بما فيها من
طرف الوكيل وإن تأخر وصولها إليه مدة. وفي اعتبار الموالاة بين إيجابها
وقبولها تأمل ولو قال أحد: " أنا وكيلك في بيع دارك " مستفهما، فقال: "
نعم " فهل ذلك من الاذن والاعلام أو الوكالة، وجهان.
مسألة 1 - يشترط فيها التنجيز، بمعني عدم تعليق أصل الوكالة بشئ،
كأن يقول مثلا: إذا قدم زيد أو جاء رأس الشهر وكلتك أو أنت وكيلي في أمر
كذا. نعم لا بأس بتعليق متعلق الوكالة والتصرف الذي استنابه فيه، كما لو
قال: أنت وكيلي في أن تبيع جداري إذا قدم زيد أو وكلتك في شراء كذا في
وقت كذا.
149

مسألة 2 - يشترط في كل من الموكل والوكيل البلوغ والعقل والقصد والاختيار
، فلا يصح التوكيل ولا التوكل من الصبي والمجنون والمكره. وفي الموكل
كونه جائز التصرف فيما وكل فيه، فلا يصح توكيل المحجور عليه لسفه أو فلس
فيما حجر عليهما فيه دون ما لم يحجر عليهما فيه كالطلاق ونحوهما. وفي الوكيل
كونه متمكنا عقلا وشرعا من مباشرة ما توكل فيه، فلا تصح وكالة
المحرم فيما لا يجوز له كابتياع الصيد وإمساكه وإيقاع عقد النكاح.
مسألة 3 - لا يشترط في الوكيل الإسلام، فتصح وكالة الكافر، بل والمرتد
وإن كان عن فطرة عن المسلم والكافر الا فيما لا يصح وقوعه من الكافر
كابتياع مصحف إذا كان للوكيل التسليم والتسلم، وكاستيفاء حق أو مخاصمة
مع مسلم على تردد، خصوصا إذا كان لمسلم.
مسألة 4 - تصح وكالة المحجور عليه لسفه أو فلس عمن لا حجر عليه، لاختصاص
ممنوعيته بالتصرف في أمواله.
مسألة 5 - لو جوزنا للصبي بعض التصرفات في ماله كالوصية بالمعروف لمن بلغ
عشر سنين كما يأتي جاز له التوكيل فيما جاز له.
مسألة 6 - ما كان شرطا في الموكل والوكيل ابتداءا شرط فيهما استدامة،
فلو جنا أو أغمي عليهما أو حجر على الموكل بالنسبة إلى ما وكل فيه بطلت
الوكالة، ولو زال المانع احتاج عودها إلى توكيل جديد.
مسألة 7 - يشترط فيما وكل فيه أن يكون سائغا في نفسه، وأن يكون
للموكل السلطنة شرعا على إيقاعه، فلا توكيل في المعاصي كالغصب والسرقة
والقمار ونحوها، ولا فيما ليس له السلطنة على إيقاعه كبيع مال الغير من
دون ولاية له عليه.
150

ولا يعتبر القدرة عليه خارجا مع كونه مما يصح وقوعه منه شرعا، فيجوز
لمن لم يقدر على أخذ ماله من غاصب أن يوكل في أخذه منه من يقدر عليه.
مسألة 8 - إذا لم يتمكن شرعا أو عقلا من إيقاع فعل إلا بعد حصول أمر
غير حاصل حين التوكيل - كتطليق امرأة لم تكن في حبالته وتزويج من كانت
مزوجة أو معتدة ونحو ذلك - لا اشكال في جواز التوكيل فيه تبعا لما تمكن
منه بأن يوكله في ايقاع المرتب عليه، ثم ايقاع ما رتب عليه بأن يوكله
مثلا في تزويج امرأة له ثم طلاقها أو شراء مال ثم بيعه ونحو ذلك. وأما
التوكيل فيه استقلالا من دون التوكيل في المرتب عليه ففيه إشكال، من
غير فرق بين ما كان المرتب عليه غير قابل للتوكيل كانقضاء العدة وبين غيره
، فلا يجوز أن يوكل في تزويج المعتدة بعد انقضاء العدة والمزوجة بعد طلاق
زوجها أو بعد موته، وكذا في طلاق زوجة سينكحها أو بيع متاع سيثتريه ونحو ذلك
. نعم الظاهر أنه يصح أن يوكل شخصا ويستنيبه في كل ما هو أهل له من غير
فرق بين الموجود والمتجدد له من ملك وغيره، كما لو وكله أن يبيع ما يدخل
في ملكه بإرث أو هبة أو غيرهما، أو يزوجه امرأة بعد عدتها، وهكذا.
مسألة 9 - يشترط في الموكل فيه أن يكون قابلا للنيابة، بأن لم يعتبر
في مشروعية وقوعه عن الانسان إيقاعه بالمباشرة كالعبادات البدنية من
الطهارات الثلاث للقادر، واما العاجز فيستنيب للغسلات المسحات وفي التيمم
للضرب والمسحات، وكالصيام فرضها ونفلها والصلوات اليومية ونوافلها، دون
مثل الطواف والزيارة وصلاتهما، ودون المالية منها كالزكاة والخمس
والكفارات، فإنه لا يعتبر فيها المباشرة، فيصح التوكيل والنيابة فيها
إخراجا وإيصالا إلى مستحقيها.
مسألة 10 - يصح التوكيل في جميع العقود كالبيع والصلح والإجارة
والهبة
151

والعارية والوديعة والمضاربة والمزارعة والمساقاة والقرض والرهن
والشركة والضمان والحوالة والكفالة والوكالة والنكاح، إيجابا وقبولا في
الجميع، وكذا في الوصية والوقف، وفي الطلاق، والإعتاق، والإبراء، والاخذ
بالشفعة وإسقاطها، وفسخ العقد في موارد ثبوت الخيار، وإسقاطه.
ولا يبعد صحة التوكيل في الرجوع إلى المطلقة في الطلاق الرجعي فيما
لم يكن التوكيل في الرجوع رجوعا، مثل أن يوكل شخصا في تطليق زوجته
ثلاثا فيكون الوكيل وكيلا في الرجعتين بينهما، أو يوكل شخصا في تطليق
زوجته بطلاق الخلع والرجوع في صورة رجوعها في البذل، فيقول رجعت عنه
إلى زوجته، فيكون نظير صالحت عنه. ولا يجوز في اللعان والايلاء والغصب
وسائر المعاصي، وفي جوازه في النذر والعهد واليمين والظهار وجهان، وفي
الشهادة والاقرار يمكن ان يقال انها لا تقع لان التوكيل في الإقرار
والشهادة اقرار وشهادة والوكيل يشهد عليهما لا انه يقر ويشهد عن الموكل.
مسألة 11 - يصح التوكيل في القبض والإقباض إذا كانا لازمين، كما في
الرهن والقرض والصرف بالنسبة إلى العوضين، والسلم بالنسبة إلى الثمن،
وكذا في إيفاء الديون، واستيفائها، وغيرها.
مسألة 12 - يجوز التوكيل في الطلاق غائبا كان الزوج أم حاضرا، بل
يجوز توكيل الزوجة في أن تطلق نفسها بنفسها، أو بأن توكل الغير عن الزوج،
أو عن نفسها.
مسألة 13 - يجوز الوكالة والنيابة في حيازة المباح كالاستقاء
والاحتطاب والاحتشاش وغيرها، فإذا وكل واستناب شخصا في حيازتها وحازها
بعنوان النيابة عنه كانت بمنزلة حيازة المنوب عنه، وصار ما حازه ملكا له
.
152

مسألة 14 - يشترط في الموكل فيه التعيين، بأن لا يكون مجهولا أو مبهما
، فلو قال وكلتك من غير تعيين، أو على أمر من الأمور أو على شي ء مما يتعلق
به، ونحو ذلك لم يصح. نعم لا بأس بالتعميم أو الإطلاق، كما نفصله.
مسألة 15 - الوكالة إما خاصة وإما عامة وإما مطلقة:
فالخاصة ما تعلقت بتصرف معين في شي ء معين، كما إذا وكله في شراء
غنم شخصي معين، وهذا مما لا إشكال في صحته.
وأما الثانية فاما عامة من جهة التصرف وخاصة من جهة متعلقه، كما إذا
وكله في جميع التصرفات الممكنة في داره المعينة من بيعها وهبتها وإجارتها
وغيرها، وإما بالعكس كما إذا وكله في بيع جميع ما يملكه، وإما عامة من
كلتا الجهتين، كما إذا وكله في جميع التصرفات الممكنة في جميع ما يملكه،
أو في إيقاع جميع ما يحق له ويتعلق به بحيث يشمل التزويج له وطلاق
زوجته.
وكذا الثالثة قد تكون مطلقة من جهة التصرف خاصة من جهة متعلقه، كما
إذا وكله في أنه إما يبيع داره المعينة بيعا لازما أو خياريا، أو يرهنها
أو يؤجره، وأوكل التعيين إلى نظره، وقد تكون بالعكس كما إذا احتاج إلى
بيع أحد أملاكه من داره أو عقاره أو دوابه أو غيرها فوكل شخصا في أن يبيع
أحدها وفوض الامر في تعيينه بنظره ومصلحته، وقد تكون مطلقة من كلتا
الجهتين، كما إذا وكله في إيقاع أحد العقود المعاوضية من بيع أو صلح أو
إجارة مثلا على أحد أملاكه من داره أو دكانه أو خانه مثلا وأوكل
التعيين من الجهتين إلى نظره. والظاهر صحة الجميع وان كان بعضها لا يخلو
من مناقشة لكنها مندفعة.
مسألة 16 - قد مر أنه يعتبر في الموكل فيه التعيين ولو بالإطلاق أو
التعميم فإنهما أيضا نحو من التعيين، ويقتصر الوكيل في التصرف على ما
شمله عقد الوكالة صريحا أو ظاهرا ولو بمعونة القرائن الحالية أو المقالية،
ولو كانت هي
153

العادة الجارية على أن من يوكل في أمر كذا يريد ما يشمل كذا،
كما إذا وكله في البيع بالنسبة إلى تسليم المبيع أو في الشراء بالنسبة
إلى تسليم الثمن دون قبض الثمن والمثمن، إلا إذا شهدت قرائن الأحوال
بأنه قد وكله في البيع أو الشراء بجميع ما يترتب عليهما.
مسألة 17 - لو خالف الوكيل عما عين له وأتي بالعمل على نحو لم يشمله
عقد الوكالة، فإن كان مما يجري فيه الفضولية كالعقود توقفت صحته على
إجازة الموكل، والا بطل. ولا فرق في ذلك بين أن يكون التخالف بالمباينة
كما إذا وكله في بيع داره فآجرها، أو ببعض الخصوصيات كما إذا وكله في أن
يبيع نقدا فباع نسيئة أو بالعكس أو يبيع بخيار فباع بدونه أو بالعكس، أو
يبيعه من فلان فباعه من غيره وهكذا.
نعم لو علم شمول التوكيل لفاقد الخصوصية أيضا صح، كما إذا وكله في أن
يبيع السلعة بدينار فباعها بدينارين حيث أن الظاهر عرفا بل المعلوم من حال
الموكل ان تحديد الثمن بدينار انما هو من طرف النقيصة فقط لا من طرف
النقيصة والزيادة معا، فكأنه قال ان ثمنها لا ينقص عن دينار. نعم لو فرض
وجود غرض صحيح في التحديد به زيادة ونقيصة كان بيعها بالزيادة كبيعها
بالنقيصة فضوليا يحتاج إلى الإجازة. ومن هذا القبيل ما إذا وكله في ان
يبيعها في سوق مخصوصة بثمن معين فباعها في غيرها بذلك الثمن، فربما يفهم
عرفا انه ليس الغرض الا تحصيل الثمن، فيكون ذكر السوق المخصوص من باب
المثال، ولو فرض احتمال وجود غرض عقلائي في تعيينها احتمالا معتدا به لم
يجز التعدي عنه.
مسألة 18 - يجوز للولي كالأب والجد للصغير ان يوكل غيره فيما يتعلق بالمولى
عليه مما له الولاية فيه.
مسألة 19 - لا يجوز للوكيل أن يوكل غيره في إيقاع ما توكل فيه لا عن
نفسه
154

ولا عن الموكل إلا باذن الموكل، ويجوز بإذنه بكلا النحوين، فإن
عين الموكل في إذنه أحدهما - بأن قال مثلا وكل غيرك عني أو عنك - فهو
المتبع ولا يجوز له التعدي عما عينه، ولو اطلق، فان وكله في أن يوكل -
كما إذا قال مثلا وكلتك في ان توكل غيرك - فهو اذن في توكيل الغير عن
الموكل، وان كان مجرد الاذن فيه - كما إذا قال وكل غيرك - فهو اذن في
توكيله عن نفسه على تأمل.
مسألة 20 - لو كان الوكيل الثاني وكيلا عن الموكل كان في عرض
الوكيل الأول، فليس له أن يعزله ولا ينعزل بانعزاله، بل لو مات الأول
يبقي الثاني على وكالته. وأما لو كان وكيلا عن الوكيل كان له أن يعزله
وكانت وكالته تبعا لوكالته فينعزل بانعزاله أو موته، وهل للموكل أن
يعزله حينئذ من دون ان يعزل الوكيل الأول؟ لا يبعد أن يكون له ذلك.
مسألة 21 - يجوز أن يتوكل اثنان فصاعدا عن واحد في أمر واحد، فإن
صرح الموكل بانفرادهما جاز لكل منهما الاستقلال في التصرف من دون مراجعة
الآخر، وإلا لم يجز الانفراد لأحدهما ولو مع غيبة صاحبه أو عجزه، سواء
صرح بالانضمام والاجتماع أو أطلق، بأن قال مثلا: وكلتكما أو أنتما
وكيلاي ونحو ذلك. ولو مات أحدهما بطلت الوكالة رأسا مع شرط الاجتماع أو
الإطلاق المنزل منزلته، وبقي وكالة الباقي مع التصريح بالانفراد.
مسألة 22 - الوكالة عقد جائز من الطرفين، فللوكيل أن يعزل نفسه في
حضور الموكل وغيبته، وكذا للموكل أن يعزله، لكنه انعزاله بعزله مشروط
ببلوغه إياه، فلو أنشأ عزله لكن لم يطلع عليه الوكيل لم ينعزل، فلو
أمضي أمرا قبل أن يبلغه العزل ولو باخبار ثقة، كان ماضيا نافذا.
مسألة 23 - تبطل الوكالة بموت الوكيل، وكذا بموت الموكل وإن لم يعلم
الوكيل بموته، وبعروض الجنون والإغماء على كل منهما، وبتلف ما تعلقت به
الوكالة،
155

وبفعل الموكل ما تعلقت به الوكالة كما لو وكله في بيع سلعة ثم
باعها، أو فعل ما ينافيه كما لو وكله في بيع عبد ثم اعتقه.
مسألة 24 - يجوز التوكيل في الخصومة والمرافعة، فيجوز لكل من
المدعي والمدعي عليه أن يوكل شخصا عن نفسه، بل يكره لذوي المروات من
أهل الشرف والمناصب الجليلة ان يتولوا المنازعة والمرافعة بأنفسهم، خصوصا
إذا كان الطرف بذي اللسان. ولا يعتبر رضي صاحبه، فليس له الامتناع عن
خصومة الوكيل.
مسألة 25 - الوكيل بالخصومة ان كان وكيلا عن المدعي كان وظيفته بث
الدعوى على المدعي عليه عند الحاكم وإقامة البينة وتعديلها وتحليف المنكر
وطلب الحكم على الخصم والقضاء عليه، وبالجملة كل ما يقع وسيلة إلى
الإثبات. وأما الوكيل عن المدعي عليه فوظيفته الإنكار والطعن على الشهود
وإقامة بينة الجرح ومطالبة الحاكم بسماعها والحكم بها، وبالجملة السعي في
الدفع ما أمكن.
مسألة 26 - لو ادعي منكر الدين مثلا في أثناء مرافعة وكيله ومدافعته
عنه الأداء أو الإبراء انقلب مدعيا، وصارت وظيفة وكيله إقامة البينة على
هذه الدعوى وطلب الحكم بها من الحاكم وصارت وظيفة وكيل خصمه
الإنكار والطعن في الشهود وغير ذلك.
مسألة 27 - لا يقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكله، فإذا أقر
وكيل المدعي القبض أو الإبراء أو قبول الحوالة أو المصالحة أو أن الحق
مؤجل أو أن البينة فاسقة، لم يقبل وبقيت الخصومة على حالها، سواء أقر في
مجلس الحكم أوفي غيره، لكن ينعزل وتبطل وكالته وليس له المرافعة،
لأنه بعد الإقرار ظالم في الخصومة بزعمه. وكذا لو أقر وكيل المدعي عليه
بالحق للمدعي.
156

مسألة 28 - الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح عن الحق ولا الإبراء منه، إلا
أن يكون وكيلا في ذلك أيضا بالخصوص.
مسألة 29 - يجوز أن يوكل اثنين فصاعدا بالخصومة كسائر الأمور، فإن
لم يصرح باستقلال كل واحد منهما ولم يكن ظهور عرفي باستقلاله، لم يستقل
بها أحدهما، بل يتشاوران ويتباصران ويعضد كل واحد منهما صاحبه ويعينه
على ما فوض إليهما.
مسألة 30 - إذا وكل الرجل وكيلا بحضور الحاكم في خصوماته واستيفاء حقوقه
مطلقا، أو في خصومة شخصية، ثم قدم الوكيل خصما لموكله ونشر الدعوى عليه
، يسمع الحاكم دعواه عليه. وكذا إذا ادعي عند الحاكم أنه وكيل في الدعوى
وأقام البينة عنده على وكالته، وأما إذا ادعي الوكالة من دون بينة
عليها فإن لم يحضر خصما عنده أو أحضر ولم يصدقه الخصم في وكالته لم تسمع
دعواه، واما إذا صدقه فيها فالظاهر أنه يسمع دعواه لكن لم يثبت بذلك
وكالته عن موكله بحيث يكون حجة عليه، فإذا قضت موازين القضاء بحقية
المدعي يلزم المدعي عليه بالحق، وإذا قضت بحق المدعي عليه فالمدعي على
حجته، فإذا أنكر الوكالة تبقي دعواه على حالها.
مسألة 31 - إذا وكله في الدعوى وتثبيت حقه على خصمه وثبته، لم يكن
له قبض الحق، فللمحكوم عليه أن يمتنع عن تسليم ما ثبت عليه إلى
الوكيل.
مسألة 32 - لو وكله في استيفاء حق له على غيره فجحده من عليه الحق،
لم يكن للوكيل مخاصمته والمرافعة وتثبيت الحق عليه ما لم يكن وكيلا في
الخصومة.
مسألة 33 - يجوز التوكيل بجعل وبغير جعل، وإنما يستحق الجعل فيما جعل
له الجعل بتسليم العمل الموكل فيه، فلو وكله في البيع أو الشراء وجعل له
جعلا، كان
157

للوكيل مطالبة الموكل به بمجرد إتمام المعاملة، وإن لم
يتسلم الموكل الثمن أو المثمن. وكذا لو وكله في المرافعة وتثبيت حقه
استحق الجعل بمجرد إتمام المرافعة وثبوت الحق وإن لم يتسلمه الموكل.
مسألة 34 - لو وكله في قبض دينه من شخص فمات قبل الأداء، لم يكن
له مطالبة وارثه. نعم لو كانت عبارة الوكالة شاملة له - كما لو قال
إقبض حقي الذي على فلان - كان له ذلك.
مسألة 35 - لو وكله في استيفاء دينه من زيد فجاء إلى زيد للمطالبة فقال
زيد للوكيل خذ هذه الدراهم واقض بها دين فلان يعني موكله فأخذها صار
الوكيل وكيل زيد في قضاء دينه وكانت الدراهم باقية على ملك زيد ما لم
يقبضها صاحب الدين، فلزيد استردادها ما دامت في يد الوكيل، ولو تلفت عنده
بقي الدين بحاله، ولو قال خذها عن الدين الذي تطالبني به لفلان فأخذها
كان قابضا للموكل وبرئت ذمة زيد وليس له الاسترداد.
مسألة 36 - الوكيل أمين بالنسبة إلى ما في يده لا يضمنه إلا مع التفريط
أو التعدي، كما إذا لبس ثوبا توكل في بيعه أو حمل على دابة توكل في
بيعها، لكن لا تبطل بذلك وكالته، فلو باع الثوب بعد لبسه صح بيعه، وإن
كان ضامنا له لو تلف قبل أن يبيعه، وبتسليمه إلى المشتري يبرأ عن
ضمانه.
مسألة 37 - لو وكله في إيداع مال فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعي، لم
يضمنه الوكيل إلا إذا وكله في أن يودعه عنده مع الإشهاد فأودع بلا
إشهاد، وكذا الحال فيما لو وكله في قضاء دينه فأداه بلا اشهاد وأنكر الدائن
.
مسألة 38 - إذا وكله في بيع سلعة أو شراء متاع، فإن صرح بكون البيع
أو الشراء من غيره أو بما يعم نفسه فلا اشكال، وان اطلق وقال أنت وكيلي
في ان
158

تبيع هذه السلعة أو تشتري لي المتاع الفلاني فهل يعم نفس الوكيل
فيجوز ان يبيع السلعة من نفسه أو يشتري له المتاع من نفسه أم لا؟ وجهان
بل قولان، أقواهما الأول وأحوطهما الثاني.
مسألة 39 - إذا اختلفا في الوكالة فالقول قول منكرها، ولو اختلفا في التلف
أوفي تفريط الوكيل فالقول قول الوكيل، وإذا اختلفا في دفع المال إلى
الموكل فالظاهر أن القول قول الموكل، خصوصا إذا كانت بجعل.
وكذا الحال فيما إذا اختلف الوصي والموصي له في دفع المال الموصي به
إليه والأولياء حتى والمجد الأب إذا اختلفوا مع المولي عليه بعد زوال
الولاية عليه في دفع ماله إليه، فإن القول قول المنكر في جميع ذلك.
نعم لو اختلف الأولياء مع المولي عليهم في الإنفاق عليهم، أو على ما
يتعلق بهم في زمان ولايتهم، الظاهر أن القول قول الأولياء بيمينهم.
159

كتاب الإقرار
161

كتاب الإقرار
وهو الاخبار بحق لازم على المخبر أو بنفي حق له، كقوله " له أو لك على
كذا أو عندي أو في ذمتي كذا، أو هذا الذي في يدي لفلان أو ليس لي حق على
فلان " وما أشبه ذلك بأي لغة كان، بل يصح إقرار العربي بالعجمي وبالعكس
والهندي بالتركي وبالعكس إذا كان عالما بمعني ما تلفظ به في تلك اللغة.
والمعتبر فيه الجزم، بمعني عدم إظهار الترديد وعدم الجزم به، فلو قال
أظن أو أحتمل أنك تطلبني كذا، لم يكن إقرارا. ولا فرق فيما ذكر بين حقوق
الناس وحقوق الله تعالي، ومن غير فرق بين الاعتراف بنفس الحق أو بملزومه
كالاقرار بالنسب والقتل وشرب الخمر، ولابين الأعيان والمنافع والحقوق كحق
الشفعة وحق الخيار ونحوهما.
مسألة 1 - يعتبر في صحة الإقرار بل في حقيقته وأخذ المقر بإقراره كونه
دالا علي الإخبار المزبور بالصراحة أو الظهور، فإن احتمل إرادة غيره
احتمالا يخل بظهوره عند أهل المحاورة، لم يصح، وتشخيص ذلك راجع إلى
العرف وأهل اللسان كسائر التكلمات العادية، فكل كلام ولو لخصوصية مقام
يفهم منه أهل اللسان أنه قد أخبر بثبوت حق عليه أو سلب حق عن نفسه من
غير ترديد يكون إقرارا، وكل ما لم يفهم منه ذلك من جهة تطرق الاحتمال
الموجب للتردد
163

والإجمال لا يكون إقرارا.
مسألة 2 - لا يعتبر في الإقرار صدوره من المقر ابتداءا وأن يكون
مقصودا بالإفادة بل يكفي كونه مستفادا من تصديقه لكلام آخر، واستفادة
ذلك من كلامه بنوع من الاستفادة كقوله بلي أو أجل في جواب من قال لي
عليك كذا أو قال أليس لي عليك كذا، وكقوله في جواب من قال استقرضت ألفا
أو لي عليك ألف " رددتها أو أديتها " لأنه إقرار منه بأصل ثبوت الحق عليه
ودعوى منه بسقوطه، ومثل ذلك ما إذا قال في جواب من قال هذه الدار التي
تسكنها لي " اشتريتها منك " فإن الإخبار بالاشتراء اعتراف منه بثبوت
الملك له ودعوى منه بانتقاله إليه. ومن ذلك ما إذا قال لمن يدعي
ملكية شي ء معين " ملكتني ".
نعم قد توجد قرائن على أن تصديقه لكلام الآخر ليس تصديقا حقيقيا له،
فلم يتحقق الإقرار بل دخل في عنوان الإنكار، كما إذا قال في جواب من
قال لي عليك ألف دينار " نعم أو صدقت " محركا رأسه مع صدور حركات منه
دلت على أنه في مقام الاستهزاء والتهكم وشدة التعجب والانكار، ولو قال في
جواب من قال أليس لي عليك كذا (نعم) فان كان قرينة دلت على انه أراد
الاقرار كما إذا كان في عرف المقر لا يفرق بين نعم وبلي فهو ظاهر في الاقرار
والا فلا يخلو عن الاجمال.
مسألة 3 - يشترط في المقر به أن يكون أمرا لو كان المقر صادقا في إخباره
كان للمقر له حق الزام عليه ومطالبته به، بأن يكون مالا في ذمته عينا
أو منفعة أو عملا أو ملكا تحت يده أو حقا يجوز مطالبته به كحق الشفعة
والخيار والقصاص وحق الاستطراق في درب وإجراء الماء في نهر ونصب الميزاب
على ملك ووضع الجذوع على حائط، أو يكون نسبا يوجب نقصا في الميراث أو
حرمانا في حق المقر وغير ذلك ولو كان المقر به موضوعا لحكم شرعي على ضرر
المقر أو نفع
164

للغير، مثل الإقرار بارتكاب ما يوجب الحد أو الإقرار بكون ما
في يده مسجدا ومباحا من دون حيازته وأمثال ذلك يلزم بما أقره وإذا أقر
بأنه جنب يجب منعه عن التوقف في المساجد، وكذا في نظائره.
مسألة 4 - إنما ينفذ الإقرار بالنسبة إلى المقر ويمضي عليه فيما يكون
ضررا عليه لا بالنسبة إلى غيره، ولا فيما يكون فيه نفع المقر إذا لم
يصدقه الغير، فإذا أقر بزوجية امرأة ولم تصدقه تثبت الزوجية بالنسبة إلى
حرمة تزويج أختها جمعا وأمها والخامس عليه، لا بالنسبة إلى وجوب تمكينها
منه.
مسألة 5 - يصح الإقرار بالمجهول والمبهم ويقبل من المقر ويلزم
ويطالب بالتفسير والبيان ورفع الإبهام، ويقبل منه ما فسره به ويلزم به
إذا طابق تفسير المبهم بحسب العرف واللغة وأمكن بحسبهما أن يكون مرادا
منه، فلو قال لك على شئ ألزم التفسير، فإذا فسره بأي شي ء كان مما
يصح أن يكون في الذمة وعلي العهدة يقبل منه وإن لم يكن متمولا كحبة
حنطة، وأما لو قال لك على مال لم يقبل منه إلا إذا كان ما فسره به
من الأموال لا مثل حبة من حنطة أو حفنة من تراب أو الخمر أو الخنزير.
مسألة 6 - لو قال لك على أحد هذين مما كان تحت يده، أو لك على إما
وزنة من حنطة أو شعير ألزم بالتفسير وكشف الإبهام، فإن عين ألزم به ولا
يلزم بغيره، فإن لم يصدقه المقر له وقال ليس لي ما عينت سقط حقه لو
كان المقر به في الذمة، ولو كان عينا كان بينهما مسلوبا بحسب الظاهر عن
كل منهما، فيبقي إلى أن يتضح الحال ولو برجوع المقر عن اقراره أو المنكر
عن انكاره. ولو ادعي عدم المعرفة حتى يفسره، فإن صدقه المقر له في ذلك
وقال أنا أيضا لا أدري فلا محيص عن الصلح أو القرعة مع احتمال الحكم
باشتراك، والأحوط هو الأول، وإن ادعي المعرفة وعين أحدهما فإن صدقه
المقر فذاك وإلا فله أن يطالبه بالبينة، ومع
165

عدمها فله أن يحلفه، وإن
نكل أو لم يمكن إحلافه يكون الحال كما لو جهلا معا، فلا محيص عن التخلص
بأحد الوجوه الثلاثة المتقدمة.
مسألة 7 - وكما لا يضر الابهام والجهالة في المقر به لا يضران في المقر له
، فلو قال هذه الدار التي بيدي لاحد هذين يقبل ويلزم بالتعيين، فمن عينه
يقبل ويكون هو المقر له، فإن صدقه الآخر فذاك، وإلا تقع المخاصمة بينه
وبين من عينه المقر. ولو ادعي عدم المعرفة وصدقاه في ذلك سقط عنه
الإلزام بالتعيين، ولو ادعيا أو أحدهما عليه العلم كان القول قوله بيمينه
.
مسألة 8 - يعتبر في المقر البلوغ والعقل والقصد والاختيار، فلا اعتبار
بإقرار الصبي والمجنون والسكران، وكذا الهازل والساهي والغافل، وكذا
المكره. نعم لا يبعد صحة إقرار الصبي إذا تعلق بما له أن يفعله كالوصية
بالمعروف ممن له عشر سنين.
مسألة 9 - السفيه إن أقر بمال في ذمته أو تحت يده لم يقبل، ويقبل فيما
عدا المال كالطلاق والخلع ونحوهما، وإن أقر بأمر مشتمل على مال وغيره
كالسرقة، لم يقبل بالنسبة إلى المال وقبل بالنسبة إلى غيره، فيحد
لو أقربا لسرقة ولا يلزم
بأداء المال.
مسألة 10 - يقبل إقرار المفلس بالدين سابقا ولاحقا، ويشارك المقر له
مع الغرماء على التفصيل الذي تقدم في كتاب الحجر، كما تقدم الكلام في
إقرار المريض بمرض الموت وانه نافذ الا مع التهمة، فينفذ بمقدار الثلث.
مسألة 11 - يعتبر في المقر له أن يكون له أهلية الاستحقاق، فلو أقر
لدابة مثلا لغي. الا إذا رجع إلى الاقرار لصاحب الدابة أو كانت الدابة
موقوفة، ولو أقر لمسجد أو مشهد أو مقبرة أو رباط أو مدرسة ونحوها بمال
الظاهر قبوله وصحته،
166

حيث أن المقصود من ذلك في المتعارف اشتغال ذمته
ببعض ما يتعلق بها من غلة موقوفاتها أو المنذور أو الموصي به لمصالحها ونحوها
.
مسألة 12 - إذا كذب المقر له المقر في إقراره، فإن كان المقر به دينا
أو حقا لم يطالب به المقر وفرغت ذمته في الظاهر، وإن كان عينا كانت
مجهول المالك بحسب الظاهر فتبقي في يد المقر أو في يد الحاكم إلى أن
يتبين مالكه.
هذا بحسب الظاهر، وأما بحسب الواقع فعلي المقر بينه وبين الله تفريغ
ذمته من الدين وتخليص نفسه من العين بالإيصال إلى المالك وإن كان
بدسه في أمواله، ولو رجع المقر له عن إنكاره يلزم المقر بالدفع إليه.
مسألة 13 - إذا أقر بشئ ثم عقبه بما يضاده وينافيه يؤخذ بإقراره ويلغي
ما ينافيه، فلو قال له على عشرة لا بل تسعة يلزم بالعشرة، ولو قال له
على كذا وهو من ثمن الخمر أو بسبب القمار يلزم بالمال ولا يسمع منه ما
عقبه، وكذا لو قال عندي وديعة وقد هلكت، فإن إخباره بتلف الوديعة
وهلاكها ينافي قوله له عندي الظاهر في وجودها عنده. نعم لو قال كانت له
عندي وديعة وقد هلكت فهو بحسب الظاهر إقرار بالإيداع عنده سابقا ولا تنافي
بينه وبين طرو الهلاك عليها، لكن هذا دعوى منه لا بد من فصلها على
الموازين الشرعية.
مسألة 14 - ليس الاستثناء من التعقيب بالمنافي، بل يكون المقر به ما بقي
بعد الاستثناء إن كان الاستثناء من المثبت ونفس المستثني إن كان
الاستثناء من المنفي، لان الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات.
فلو قال لي
167

عشرة إلا درهما أو هذه الدار التي بيدي لزيد الا القبة
الفلانية كان اقرار بالتسعة وبالدار ما عدا القبة، ولو قال ماله على شي الا
درهم أو ليس له من هذه الدار الا القبة الفلانية كان اقرارا بدرهم والقبة
. هذا إذا كان الاخبار بالاثبات أو النفي متعلقا بحق الغير عليه، وأما لو
كان متعلقا بحقه على الغير كان الامر بالعكس فلو قال لي عليك عشرة الا
درهما اولي هذه الدار الا القبة الفلانية كان إقرارا بالنسبة إلى نفي
حقه عن الدراهم الزائد على التسعة ونفي ملكية القبة، فلو ادعي بعد ذلك
استحقاقه تمام العشرة أو تمام الدار حتى القبة لم يسمع منه، ولو قال ليس
لي عليك الا درهم أو ليس لي من هذه الدار الا القبة الفلانية كان اقرارا
منه بنفي استحقاق ما عدا درهم وما عدا القبة.
مسألة 15 - لو أقر بعين لشخص ثم أقر بها لشخص آخر - كما إذا قال هذه
الدار لزيد ثم قال بل لعمرو - حكم بكونها للأول وأعطيت له وأغرم للثاني
بقيمتها.
مسألة 16 - من الأقارير النافذة الإقرار بالنسب كالبنوة والاخوة وغيرهما
، والمراد بنفوذه إلزام المقر وأخذه باقراره بالنسبة إلى ما عليه من وجوب
انفاق أو حرمة نكاح أو مشاركة معه في إرث أو وقف ونحو ذلك.
وأما ثبوت النسب بين المقر والمقر به بحيث يترتب جميع آثاره ففيه تفصيل
، وهو أنه ان كان الاقرار بالولد وكان صغيرا غير بالغ يثبت ولادته باقراره
إذا لم يكذبه الحس والعادة، كالاقرار ببنوة من يقاربه في السن بما لم
تجر العادة بتولده من مثله، ولا الشرع كاقراره ببنوة من كان ملتحقا
بغيره من جهة الفراش، ونحوه ولم ينازعه فيه منازع، فحينئذ يثبت باقراره
كونه ولدا له ويترتب جميع آثاره ويتعدى إلى أنسابهما، فيثبت بذلك كون
ولد المقر به حفيدا للمقر وولد المقر أخا للمقر به وأبيه جده، ويقع التوارث
بينهما وكذا بين أنسابهما بعضهم مع بعض، وكذا الحال لو كان كبيرا وصدق المقر
في إقراره مع الشروط المزبورة. وان كان الاقرار بغير الولد - وان كان ولد
ولد - فان كان المقر به كبيرا وصدقه، أو كان صغيرا وصدقه بعد بلوغه
يتوارثان إذا لم يكن لهما وارث معلوم محقق، ولا يتعدى التوارث إلى
غيرهما من أنسابهما حتى إلى أولادهما، ومع عدم التصادق أو
168

وجود وارث محقق
لا يثبت بينهما النسب الموجب للتوارث بينهما إلا بالبينة.
مسألة 17 - إذا أقر بولد صغير فثبت نسبه ثم بلغ فأنكر لم يلتفت إلى
إنكاره.
مسألة 18 - إذا أقر أحد ولدي الميت بولد آخر له وأنكر الآخر لم يثبت
نسب المقر به، فيأخذ المنكر نصف التركة ويأخذ المقر الثلث، حيث ان هذا
نصيبه بمقتضى إقراره ويأخذ المقر به السدس، وهو تكملة نصيب المقر قد تنقص
بسبب اقراره.
مسألة 19 - لو كان للميت إخوة وزوجة فأقرت بولد له كان لها الثمن
وكان الباقي للولد إن صدقها الإخوة، وإن أنكروا كان لهم ثلاثة أرباع
وللزوجة الثمن وباقي حصتها للولد.
مسألة 20 - إذا مات صبي مجهول النسب فأقر إنسان ببنوته ثبت نسبه
وكان ميراثه للقمر إذا كان له مال.
مسألة 21 - ينفذ إقرار المريض كالصحيح ويصح إلا في مرض الموت مع
التهمة فلا ينفذ إقراره فيما زاد على الثلث، سواء أقر لوارث أو أجنبي، وقد
تقدم في كتاب الحجر.
مسألة 22 - لو أقر الورثة بأسرهم بدين على الميت أو بشيء من ماله للغير
كان مقبولا لأنه كإقرار الميت، ولو أقر بعضهم وأنكر البعض فإن أقر اثنان
وكانا عدلين ثبت الدين على الميت وكذا العين للمقر له بشهادتهما، وإن لم
يكونا عدلين أو كان المقر واحدا نفذ إقرار المقر في حق نفسه خاصة ويؤخذ منه
من الدين الذي أقر به مثلا بنسبة نصيبه من التركة، فإذا كانت التركة
مائة ونصيب كل من الوارثين خمسين فأقر أحدهما لأجنبي بخمسين وكذبه الاخر
أخذ المقر له من نصيب المقر
169

خمسة وعشرين، وكذا الحال فيما إذا أقر بعض
الورثة بأن الميت أوصي لأجنبي بشيء وأنكر البعض، هذا إذا كان المقربة
دينا على الميت وان كان عينا فلا يجوز للمقر التصرف فيها ويجب عليه تسليمها
إلى المقر له ان كانت عنده.
170

كتاب الهبة
171

كتاب الهبة
وهي تمليك عين مجانا ومن غير عوض، وقد يعبر عنها بالعطية والنحلة،
وهي عقد يفتقر إلى ايجاب وقبول، ويكفي في الايجاب كل لفظ دال على
التمليك المذكور، مثل " وهبتك " أو " هذا لك " ونحو ذلك، وفي القبول كل
ما دل على الرضا بالايجاب. ولا يعتبر فيه العربية. والأقوى وقوعها بالمعاطاة
بتسليم العين وتسلمها بعنوان التمليك والتملك.
مسألة 1 - يعتبر في كل من الواهب والموهوب له البلوغ والعقل
والقصد والاختيار وأن لا يكون الموهوب له كافرا إن كان الموهوب مما لا يصح
له تملكه كالمصحف، وفي الواهب عدم الحجر عليه بسفه أو فلس، وتصح من
المريض بمرض الموت وان زاد على الثلث بناءا على ما هو الأقوى من أن
منجزات المريض تنفذ من الأصل كما تقدم في كتاب الحجر.
مسألة 2 - يشترط في الموهوب أن يكون عينا، فلا تصح هبة المنافع.
وأما الدين فإن كان لمن عليه الحق صحت هبته بلا اشكال وأفادت فائدة
الابراء، ويعتبر فيها القبول على الأحوط إن لم يكن الأقوى، وإن لم
يعتبر في الإبراء على الأقوى. والفرق بين هذه الهبة والابراء ان الثاني
اسقاط لما في ذمة المديون وهذه تمليك له وان كان يترتب عليه السقوط
كبيع الدين على من عليه الدين، وان كان
173

لغير من عليه الحق ففي هبته
اشكال.
مسألة 3 - يشترط في صحة الهبة قبض الموهوب له ولو في غير مجلس العقد
، ويشترط في صحة القبض كونه بإذن الواهب. نعم لو وهب ما كان في يد
الموهوب له صح ولا يحتاج إلى قبض جديد ولا مضي زمان يمكن فيه القبض،
وكذا لو كان الواهب وليا على الموهوب له كالأب والجد للولد الصغير وقد وهبه
ما في يده صح بمجرد العقد لان قبض الولي قبض عن المولي عليه، والأحوط
أن يقصد القبض عن المولي عليه بعد الهبة، ولو وهب الصغير غير الولي فلا بد
من القبض ويتولاه الولي.
مسألة 4 - القبض في الهبة كالقبض في البيع، وهو في غير المنقول
كالدار والبستان التخلية برفع يده عنه ورفع المنافيات والإذن للموهوب له
في التصرف بحيث صار تحت استيلائه، وفي المنقول الاستقلال والاستيلاء عليه
باليد أو ما هو بمنزلته كوضعه في حجره أو في جيبه ونحو ذلك.
مسألة 5 - يجوز هبة المشاع لإمكان قبضه ولو بقبض المجموع بإذن الشريك
أو بتوكيل المتهب إياه في قبض الحصة الموهوبة عنه، بل الظاهر تحقق
القبض الذي هو شرط للصحة في المشاع باستيلاء المتهب على المجموع من دون
إذن الشريك أيضا، وترتب الأثر عليه، وان كان تعديا بالنسبة اليه.
مسألة 6 - لا يعتبر الفورية في القبض ولا كونه في مجلس العقد، فيجوز
فيه التراخي عن العقد ولو بزمان كثير، نعم مع التراخي يحصل الانتقال إلى
الموهوب له من حينه، فما كان له من النماء سابقا على القبض يكون للواهب
.
مسألة 7 - لو مات الواهب بعد العقد وقبل القبض بطل العقد وانفسخ
وانتقل الموهوب إلى ورثته ولا يقومون مقامه في الإقباض، فيحتاج إلى
إيقاع هبة
174

جديدة بينهم وبين الموهوب له، كما أنه لو مات الموهوب له لا
يقوم ورثته مقامه في القبض بل يحتاج إلى هبة جديدة من الواهب إياهم.
مسألة 8 - إذا تمت الهبة بالقبض فإن كانت لذي رحم أبا كان أو أما أو
ولدا أو غيرهم لم يكن للواهب الرجوع في هبته، والمسئلة محل اشكال إذا
كانت للزوج أو الزوجة.
وإن كانت لأجنبي كان له الرجوع فيها ما دامت العين قائمة بعينها، فإن
تلفت كلا أو بعضا فلا رجوع، وكذا لا رجوع إن عوض المتهب عنها ولو عوضا
يسيرا، من غير فرق بين ما كان أعطاه العوض لأجل اشتراطه في الهبة وبين
غيره بأن أطلق في العقد لكن المتهب أثاب الواهب وأعطاه العوض، وكذا
لا رجوع فيها لو قصد الواهب في هبته القربة أو أراد بها وجه الله تعالي.
مسألة 9 - يلحق بالتلف التصرف الناقل كالبيع والهبة أو المغير للعين
بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها كالحنطة يطحنها والدقيق يخبزه والثوب
يفصله أو يصبغه ونحو ذلك، دون غير المغير كالثوب يلبسه والفراش يفرشه
والدابة يركبها أو يعلفها أو يسقيها ونحوها، فإن أمثال ذلك لا يمنع من
الرجوع.
ومن الأول على الظاهر الامتزاج الرافع للامتياز ولو بالجنس، كما أنه
من الثاني على الظاهر قصارة الثوب.
مسألة 10 - فيما جاز للواهب الرجوع في هبته لافرق بين الكل والبعض،
فلو وهب شيئين لأجنبي بعقد واحد يجوز له الرجوع في أحدهما، بل لو وهب
شيئا واحدا يجوز له الرجوع في بعضه مشاعا أو مفروزا.
مسألة 11 - الهبة اما معوضة أو غير معوضة، والمراد بالأولى ما شرط
فيها الثواب والعوض وان لم يعط العوض أو عوض عنها وإن لم يشترط فيها
العوض.
175

مسألة 12 - إذا وهب وأطلق لم يلزم على المتهب إعطاء الثواب والعوض، سواء
كانت من الأدنى للأعلى أو العكس أو من المساوي للمساوي، وإن كان الأولي
بل الأحوط في الصورة الأولي إعطاء العوض. وكيف كان لو أعطي العوض لم
يجب على الواهب قبوله، وإن قبل وأخذه لزمت الهبة ولم يكن له الرجوع
فيما وهبه. ولم يكن للمتهب أيضا الرجوع في ثوابه.
مسألة 13 - إذا شرط الواهب في هبته على المتهب اعطاء العوض - بأن
يهبه شيئا مكافأة وثوابا لهبته - ووقع منه القبول على ما اشترط وكذا
القبض للموهوب يلزم عليه دفع العوض، فان دفع لزمت الهبة الأولي على
الواهب وإلا فله الرجوع في هبته.
مسألة 14 - لو عين العوض في الهبة المشروط فيها العوض تعين ويلزم
على المتهب بذل ما عين، ولو أطلق - بأن شرط عليه أن يثيب ويعوض ولم
يعين العوض - فان اتفقا على قدر فذاك والا وجب عليه ان يثيب مقدار الموهوب
مثلا أو قيمة ويجوز له رد العين الموهوبة عوضا وثوابا بدل المثل أو القيمة
.
مسألة 15 - الظاهر أنه لا يعتبر في الهبة المشروط فيها العوض أن
يكون التعويض المشروط بعنوان الهبة، بأن يشترط على المتهب أن يهبه شيئا
، بل يجوز أن يكون بعنوان الصلح عن شي ء، بأن يشترط عليه ان يصالحه عن
مال أو حق، فإذا صالحه عنه وتحقق منه القبول فقد عوضه ولم يكن له
الرجوع في هبته، وكذا يجوز أن يكون ابراء عن حق أو ايقاع عمل له كخياطة
ثوبه أو صياغة خاتمه ونحو ذلك، فإذا أبرأه عن ذلك الحق أو عمل له ذلك
العمل فقد أثابه وعوضه.
مسألة 16 - لو رجع الواهب في هبته فيما جاز له الرجوع وكان في
الموهوب نماء منفصل حدث بعد العقد والقبض كالثمرة والحمل والولد واللبن في
الضرع كان من مال المتهب ولا يرجع إلى الواهب، بخلاف المتصل كالسمن فإنه
يرجع اليه.
176

ويحتمل أن يكون ذلك مانعا عن الرجوع لعدم كون الموهوب معه
قائما بعينه.
مسألة 17 - لو مات الواهب بعد اقباض الموهوب لزمت الهبة وان كانت لأجنبي
ولم تكن معوضة وليس لو رثته الرجوع، وكذلك لو مات الموهوب له، فينتقل
الموهوب إلى ورثته انتقالا لازما.
مسألة 18 - لو باع الواهب بعد قبض المتهب العين الموهوبة فان كانت
الهبة لازمة بأن كانت لذي رحم أو قصد بها القربة يقع البيع فضوليا، فان
أجاز المتهب صح والا بطل، وان كانت غير لازمة فالظاهر صحة البيع ووقوعه
من الواهب وكان رجوعا في الهبة. هذا إذا كان ملتفتا إلى هبته، وأما لو
كان ناسيا أو غافلا وذاهلا ففي كونه رجوعا قهريا تأمل واشكال، فلا يترك
الاحتياط.
مسألة 19 - الرجوع اما بالقول، كأن يقول " رجعت " وما يفيد معناه،
وأما بالفعل كاسترداد العين وأخذها من يد المتهب، ومن ذلك بيعها بل
وإجارتها ورهنها إذا كان ذلك بقصد الرجوع.
مسألة 20 - لا يشترط في الرجوع اطلاع المتهب، فلو أنشأ الرجوع من
غير اطلاعه صح.
مسألة 21 - يستحب العطية للأرحام الذين أمر الله تعالي أكيدا بصلتهم
ونهي شديدا عن قطيعتهم، فعن مولانا الباقر (عليه السلام) قال: في كتاب على
7: ثلاثة لا يموت صاحبهن أبدا حتى يري وبالهن: البغي، وقطيعة
الرحم، واليمين الكاذبة يبارز الله بها، وإن أعجل الطاعة ثوابا لصلة
الرحم، وإن القوم ليكونون فجارا فيتواصلون فتنمي أموالهم ويثرون، وإن
اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم ليذران الديار بلاقع من أهلها.
وخصوصا الوالدين الذين أمر الله تعالي ببرهما، فعن مولانا الصادق عليه السلام
: إن
177

رجلا أتي النبي صلي الله عليه وآله وسلم وقال: أوصني. قال: لا
تشرك بالله شيئا وإن أحرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالإيمان،
ووالديك فأطعمهما وبرهما حيين كانا أو ميتين، وإن أمراك أن تخرج من أهلك
ومالك فافعل، فإن ذلك من الإيمان.
وعن منصور بن حازم عنه (عليه السلام) قال: قلت: أي الاعمال أفضل؟ قال:
الصلاة لوقتها وبر الوالدين والجهاد في سبيل الله.
ولا سيما الام التي يتأكد برها وصلتها أزيد من الأب، فعن الصادق عليه السلام
: جاء رجل إلى النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله من أبر؟
قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك. قال
ثم من؟ قال: أباك.
وعنه (عليه السلام): إنه سئل (صلى الله عليه وآله) عن بر الوالدين قال: أبرر أمك، أبرر أمك،
أبرر أمك، أبرر أباك، أبرر أباك. أبرر أباك. وبدأ بالام قبل الأب.
والاخبار في هذه المعاني كثيرة لا تحصي فليطلب من مظانها.
مسألة 22 - يجوز تفضيل بعض الولد على بعض في العطية على كراهية،
وربما يحرم إذا كان سببا لإثارة الفتنة والشحناء والبغضاء المؤدية إلى
الفساد، كما أنه ربما يفضل التفضيل فيما إذا يؤمن من الفساد ويكون لبعضهم
خصوصية موجبة لأولوية رعايته.
178

كتاب الوقف وأخواته
179

كتاب الوقف وأخواته
الوقف هو تحبيس العين وتسبيل منفعتها، وفيه فضل كثير وثواب جزيل، فقد روي
عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا
من ثلاثة: ولد صالح يدعو له، وعلم ينتفع به بعد موته، وصدقة جارية.
وفسرت الصدقة الجارية بالوقف.
مسألة 1 - يعتبر في الوقف الصيغة، وهي كل ما دل على إنشاء المعني
المذكور مثل " وقفت " و " سبلت " بل و " تصدقت " إذا اقترن به بعض ما يدل
على إرادة المعني المقصود، كقوله " صدقة مؤبدة لاتباع ولا توهب، " ونحو
ذلك، وكذا قوله " جعلت أرضي أو داري أو بستاني موقوفة أو محبسة أو مسبلة
على كذا ".
ولا يعتبر فيها العربية ولا الماضوية، بل يكفي الجملة الإسمية كقوله هذا
وقف أو هذه أرضي موقوفة أو محبسة أو مسبلة، بل يصح بالمعاطاة في بعض
الموارد.
مسألة 2 - لا بد في وقف المسجد قصد عنوان المسجدية، فلو وقف مكانا
على صلاة المصلين وعبادة المتعبدين لم يصر بذلك مسجدا ما لم يكن المقصود
ذلك العنوان، والظاهر كفاية قوله " جعلته مسجدا " في صيغته وان لم يذكر
ما يدل على وقفه وتحبيسه، وإن كان أحوط بأن يقول " وقفت هذا المكان أو
هذا البنيان مسجدا أو على أن يكون مسجدا ".
181

مسألة 3 - الظاهر كفاية المعاطاة في مثل المساجد والمقابر والطرق
والشوارع والقناطر والربط المعدة لنزول المسافرين والأشجار المغروسة لانتفاع
المارة بظلها أو ثمرها، بل ومثل البواري للمساجد والقناديل للمشاهد وأشباه
ذلك، وبالجملة ما كان محبسا على مصلحة عامة، فلو بني بناءا بعنوان
المسجدية وأذن في الصلاة فيه للعموم وصلي فيه بعض الناس، كفي في وقفه
وصيرورته مسجدا، وكذا لو عين قطعة من الأرض لان تكون مقبرة للمسلمين
وخلي بينها وبينهم وأذن إذنا عاما لهم في الإقبار فيها فأقبروا فيها بعض
الأموات، أو بني قنطرة وخلي بينها وبين العابرين فشرعوا في العبور عليها،
وهكذا.
مسألة 4 - لافرق فيما ذكرناه من كفاية المعاطاة في المسجد بينما إذا كان
أصل البناء والتعمير في المسجد بقصد المسجدية، بأن نوي ببنائه وتعميره أن
يكون مسجدا أو حاز أرضا مباحا لأجل المسجد وبني فيها بتلك النية. وبينما
إذا كان له بناء مملوك له كدار أو خان فنوي ان يكون مسجدا وصرف الناس
بالصلاة فيه من دون اجراء صيغة الوقف عليه، وكذلك الحال في مثل الرباط
والقنطرة، فإذا بني رباطا في ملكه أو في ارض مباح للمارة والمسافرين ثم
خلي بينه وبينهم ونزل به بعض القوافل كفي ذلك في وقفية تلك الجهة،
وكذلك إذا كان له خان مملوك له معد للإجارة ومحلا للتجارة مثلا فنوي أن
يكون وقفا على الغرباء والنازلين من المسافرين وخلي بينه وبينهم من دون
اجراء صيغة الوقف عليه كفي في الوقفية
مسألة 5 - لا اشكال في جواز التوكيل في الوقف، وفي جريان الفضولية
فيه خلاف وإشكال.
مسألة 6 - الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف على الجهات العامة
كالمساجد والمقابر والقناطر ونحوها، وكذا الوقف على العناوين الكلية كالوقف
على الفقراء والفقهاء ونحوهم. وأما الوقف الخاص كالوقف على الذرية فالأحوط
اعتباره فيه،
182

فيقبله الموقوف عليهم، وإن كانوا صغارا قام به وليهم،
ويكفي قبول الموجودين ولا يحتاج إلى قبول من سيوجد منهم بعد وجوده.
والأحوط رعاية القبول في الوقف العام أيضا، والقائم به الحاكم أو
المنصوب من قبله.
مسألة 7 - الأحوط اعتبار قصد القربة في الوقف، وان كان في اعتباره نظر
، خصوصا في الوقف الخاص كالوقف على زيد وذريته ونحو ذلك.
مسألة 8 - يشترط في صحة الوقف القبض، ويعتبر أن يكون بإذن الواقف،
ففي الوقف الخاص - وهو الوقف الذي كان على أشخاص كالوقف على
أولاده وذريته - يعتبر قبض الموقوف عليهم أو وليهم أو من جعله الواقف قيما
ومتوليا. ويكفي قبض الطبقة الأولي عن بقية الطبقات، فلا يعتبر قبض
الطبقات اللاحقة، بل يكفي قبض الموجودين من الطبقة الأولي عمن يوجد منه
فيما بعد، فإذا وقف على أولاده ثم على أولاد أولاده وكان الموجود من
أولاده ثلاثة فقبضوا ثم تولد رابع بعد ذلك فلا حاجة إلى قبضه، ولو كان
الموجودون جماعة فقبض بعضهم دون بعض صح بالنسبة إلى من قبض وبطل
بالنسبة إلى من لم يقبض.
وأما الوقف على الجهات والمصالح كالمساجد وما وقف عليها، فان جعل الواقف
له قيما ومتوليا اعتبر قبضه أو قبض الحاكم، والأحوط عدم الاكتفاء بالثاني
مع وجود الأول وان لم يكن قيم تعين قبض الحاكم، وكذا الحال في
الوقف على العناوين العامة كالفقراء والطلبة والعلماء. وهل يكفي قبض بعض
المستحقين من افراد ذلك العنوان العام بأن يقبض مثلا فقير من الفقراء في
الوقف على الفقراء أو عالم من العلماء في الوقف على العلماء؟ قيل نعم
وقيل لا، ولعل الأول هو الأقوى فيما إذا سلم الوقف إلى المستحق لاستيفاء
ما يستحق، كما إذا سلم الدار الموقوفة على سكني الفقراء إلى فقير فسكنها، أو
الدابة الموقوفة على الزوار والحجاج إلى زائر وحاج فركبها. نعم لا يكفي مجرد
استيفاء المنفعة والثمرة من
183

دون استيلاء على العين، فإذا وقف بستانا على
الفقراء لا يكفي في القبض اعطاء شي ء من ثمرتها لبعض الفقراء مع كون البستان
تحت يده.
مسألة 9 - لو وقف مسجدا أو مقبرة كفي في قبضها صلاة واحدة في المسجد ودفن
ميت واحد في المقبرة باذن الواقف.
مسألة 10 - لو وقف الأب على أولاده الصغار لم يحتج إلى قبض جديد، وكذا كل
ولي إذا وقف على المولي عليه، لان قبض الولي قبض المولي عليه،
والأحوط أن يقصد كون قبضه عنه.
مسألة 11 - فيما يعتبر أو يكفي قبض المتولي كالوقف على الجهات العامة
لو جعل الواقف التولية لنفسه لا يحتاج إلى قبض آخر ويكفي قبضه الذي هو
حاصل.
مسألة 12 - لو كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف
بعنوان الوديعة أو العارية أو على وجه آخر لم يحتج إلى قبض جديد، بأن
يستردها ثم يقبضها. نعم لابد أن يكون بقاؤها في يده باذن الواقف بناءا
على اشتراط كون القبض باذنه كامر.
مسألة 13 - لا يشترط في القبض الفورية، فلو وقف عينا في زمان ثم
اقبضها في زمان متأخر كفي وتم الوقف من حينه.
مسألة 14 - لو مات الواقف قبل القبض بطل الوقف وكان ميراثا.
مسألة 15 - يشترط في الوقف الدوام، بمعني عدم توقيته بمدة، فلو
قال " وقفت هذه البستان على الفقراء إلى سنة " بطل وقفا، وفي صحته حبسا
أو بطلانه كذلك أيضا وجهان، أو جههما الثاني الا إذا لم يعلم انه قصد كونه
وقفا.
مسألة 16 - إذا وقف على من ينقرض - كما إذا وقف على أولاده واقتصر
على
184

بطن أو بطون ممن ينقرض غالبا ولم يذكر المصرف بعد انقراضهم - ففي
صحته وقفا أو حبسا أو بطلانه رأسا أقوال، والأقوى هو الأول، فيصح الوقف
المنقطع الاخر، بأن يكون وقفا حقيقة إلى زمان الانقراض والانقطاع،
وينقضي بعد ذلك ويرجع إلى الواقف أو ورثته.
مسألة 17 - الفرق بين الوقف والحبس أن الوقف يوجب زوال ملك الواقف
أو ممنوعيته - على القول بكونه ايقافا فقط من دون تمليك ولا فك كما
اختاره صاحب العروة - من جميع التصرفات وسلب انحاء السلطنة منه حتى انه
لا يورث، بخلاف الحبس فإنه باق على ملك الحابس ويورث ويجوز له جميع
التصرفات غير المنافية لاستيفاء المحبس عليه المنفعة.
مسألة 18 - إذا انقرض الموقوف عليه ورجع إلى ورثة الواقف فهل يرجع
إلى ورثته حين الموت أو ورثته حين الانقراض؟ قولان، أظهر هما الأول
. وتظهر الثمرة بين القولين فيما لو وقف على من ينقرض كزيد وأولاده ثم
مات الواقف عن ولدين ومات بعده أحد الولدين عن ولد قبل انقراض الموقوف
عليهم ثم انقرضو، فعلي الثاني يرجع إلى الولد الباقي خاصة لأنه الوارث
حين الانقراض، وعلى الأول يشاركه ابن أخيه حيث انه يقوم مقام أبيه
فشارك عمه.
مسألة 19 - ومن الوقف المنقطع الاخر ما كان الوقف مبينا على الدوام
لكن كان وقفا على من يصح الوقف عليه في أوله دون آخره، كما إذا وقف
على زيد وأولاده وبعد انقراضهم على الكنائس والبيع مثلا، فعلي ما اخترناه
في الوقف على من ينقرض، يصح وقفا بالنسبة إلى من يصح الوقف عليه
ويبطل بالنسبة إلى ما لا يصح، فظهر أن صور الوقف المنقطع الآخر ثلاث،
يبطل الوقف رأسا في صورة ويصح في صورتين.
مسألة 20 - الوقف المنقطع الأول إما بجعل الواقف، كما إذا وقفه إذا جاء
رأس
185

الشهر الكذائي، واما بحكم الشرع، بأن وقف أولا على ما لا يصح الوقف
عليه ثم على غيره، الظاهر بطلانه رأسا، وإن كان الأحوط في الثاني تجديد
صيغة الوقف عند انقراض الأول أو عمل الوقف بعده، وأما المنقطع الوسط -
كما إذا كان الموقوف عليه في الوسط غير صالح للوقف عليه - بخلافه في
المبدء والمنتهي، فهو بالنسبة إلى شطره الأول كالمنقطع الآخر فيصح وقفا،
وبالنسبة إلى شطره الآخر كالمنقطع الأول فيبطل رأسا.
مسألة 21 - إذا وقف على غيره أو على جهة وشرط عوده إليه عند حاجته
صح على الأقوى، ومرجعه إلى كونه وقفا ما دام لم يحتج إليه، فإذا
احتاج إليه ينقطع ويدخل في المنقطع الآخر وقد مر حكمه. وإذا مات
الواقف فإن كان بعد طر والحاجة كان ميراثا، وإلا بقي على وقفيته.
مسألة 22 - يشترط في صحة الوقف التنجيز، فلو علقه على شرط متوقع الحصول
كمجئ زيد أو شئ غير حاصل يقيني الحصول فيما بعد - كما إذا قال وقفت إذا
جاء رأس الشهر - بطل، نعم لا بأس بالتعليق على شي ء حاصل مع القطع به كما
إذا قال وقفت إن كان اليوم يوم الجمعة، مع علمه.
مسألة 23 - لو قال هو وقف بعد موتي، فإن فهم منه في متفاهم العرف أنه
وصية بالوقف صح وصية والا بطل.
مسألة 24 - من شرائط صحة الوقف إخراج نفسه عن الوقف، فلو وقف على نفسه
لم يصح، ولو وقف على نفسه وعلي غيره فإن كان بنحو التشريك بطل بالنسبة
إلى نفسه وصح بالنسبة إلى غيره، وان كان بنحو الترتيب فإن وقف
على نفسه ثم على غيره كان من الوقف المنقطع الأول وان كان بالعكس كان
من المنقطع الاخر وإن كان على غيره ثم على نفسه ثم على غيره كان من
المنقطع الوسط، وقد مر حكم هذه الصور.
186

مسألة 25 - إذا وقف على غيره كأولاده أو الفقراء مثلا وشرط أن يقضي
ديونه أو يؤدي ما عليه من الحقوق المالية كالزكاة والخمس، أو ينفق عليه
من غلة الوقف لم يصح وبطل الوقف، من غير فرق بين ما لو أطلق الدين أو
عين، وكذابين أن يكون الشرط الإنفاق عليه وادرار مؤنته إلى آخر عمره أو
إلى مدة معينة، وكذا بين تعيين مقدار المؤنة وعدمه. نعم لو شرط ذلك
على الموقوف عليه من ماله ولو من غير منافع الوقف جاز، لكن الأحوط تركه
أيضا.
مسألة 26 - لو شرط أكل أضيافه ومن يمر عليه من ثمرة الوقف جاز، وكذا
لو شرط مؤنة أهله وعياله وان كان ممن يجب عليه نفقته حتى الزوجة
الدائمة إذا لم يكن ذلك بعنوان النفقة الواجبة عليه حتى تسقط عنه،
وإلا رجع إلى الوقف على النفس مثل شرط أداء ديونه.
مسألة 27 - إذا آجر عينا ثم وقفها، صح الوقف وبقيت الإجارة على
حالها وكان الوقف مسلوبة المنفعة في مدة الإجارة، فإذا انفسخت الإجارة
بالفسخ أو الإقالة بعد تمام الوقف رجعت المنفعة إلى الواقف المؤجر ولا
يملكها الموقوف عليهم، فلمن أراد أن ينتفع بما يوقف الاحتيال بأن يوجره
مدة كعشرين سنة مثلا مع شرط خيار الفسخ له ثم يفسخ الإجارة بعد تمامية
الوقف فترجع اليه منفعة تلك المدة.
مسألة 28 - لا اشكال في جواز انتفاع الواقف بالأوقاف على الجهات
العامة كالمساجد والمدارس والقناطر والخانات المعدة لنزول الزوار
والحجاج والمسافرين ونحوها، وأما الوقف على العناوين العامة كالفقراء
والعلماء إذا كان الواقف داخلا في العنوان حين الوقف أو صار داخلا فيه
فيما بعد، فان كان المراد التوزيع عليهم فلا اشكال في عدم جواز أخذ حصته
من المنافع، بل يلزم أن يقصد من العنوان المذكور حين الوقف من عدا نفسه
ويقصد خروجه عنه، ومن ذلك ما
187

إذا وقف شيئا على ذرية أبيه أو جده إذا كان
المقصود البسط والتوزيع كما هو الشائع المتعارف، وان كان المراد بيان
المصرف كما هو الغالب المتعارف في الوقف على الفقراء والزوار والحجاج
والفقهاء والطلبة ونحوهم فلا اشكال في خروجه وعدم جواز انتفاعه منه إذا قصد
خروجه، وانما الاشكال فيما لو قصد الاطلاق والعموم بحيث شمل نفسه وانه هل
يجوز له الانتفاع به أم؟ أقواهما الأول، وأحوطهما الثاني، خصوصا فيما إذا
قصد دخول نفسه فلا يترك الاحتياط فيه.
مسألة 29 - يعتبر في الواقف البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لفلس
أو سفه، فلا يصح وقف الصبي وإن بلغ عشرا على الأقوى. نعم حيث أن
الأقوى صحة وصية من بلغ ذلك كما يأتي فإذا أوصي بالوقف صح وقف الوصي
عنه.
مسألة 30 - لا يعتبر في الواقف أن يكون مسلما، فيصح وقف الكافر فيما
يصح من المسلم على الأقوى وفيما لا يصح من المسلم يقرون على دينهم.
مسألة 31 - يعتبر في الموقوف أن يكون عينا مملوكا طلقا يصح الانتفاع
به منفعة محللة مع بقاء عينه مدة يعتد بها، ويمكن قبضه، فلا يصح وقف
المنافع ولا الديون ولا وقف ما لا يملك مطلقا كالحر أو ما لا يملكه المسلم
كالخنزير، ولا مالا انتفاع به إلا بإتلافه كالأطعمة والفواكه، ولا ما
انحصر انتفاعه المقصود في المحرم كآلات اللهو والقمار. ويلحق به ما كانت
المنفعة المقصودة من الوقف محرمة، كما إذا وقف الدابة لحمل الخمر أو
الدكان لحرزه أو بيعه وكذا لا يصح مالا يمكن قبضه كالدابة الشاردة، ويصح
وقف كل ما صح الانتفاع به مع بقاء عينه كالأراضي والدور والعقار والثياب
والسلاح والآلات المباحة والأشجار والمصاحف والكتب والحلي وصنوف الحيوان
حتى الكلب المملوك والسنور ونحوهما.
188

مسألة 32 - لا يعتبر في العين الموقوفة كونها مما ينتفع بها فعلا، بل يكفي
كونها معرضا للانتفاع ولو بعد مدة وزمان، فيصح وقف الدابة الصغيرة
والأصول المغروسة التي لا تثمر إلا بعد سنين.
مسألة 33 - المنفعة المقصودة في الوقف أعم من المنفعة المقصودة في
العارية والإجارة، فتشمل النماءات والثمرات، فيصح وقف الأشجار لثمرها
والشاة لصوفها ولبنها ونتاجها، وإن لم يصح إجارتها لذلك.
مسألة 34 - ينقسم الوقف باعتبار الموقوف عليه على قسمين: " الوقف الخاص "
وهو ما كان وقفا على شخص أو أشخاص، كالوقف على أولاده وذريته أو على زيد
وذريته. " والوقف العام " وهو ما كان على جهة ومصلحة عامة، كالمساجد
والقناطر والخانات المعدة لنزول القوافل، أو على عنوان عام
كالفقراء والفقهاء والطلبة والأيتام.
مسألة 35 - يعتبر في الوقف الخاص وجود الموقوف عليه حين الوقف، فلا يصح
الوقف ابتداءا على المعدوم ومن سيوجد، بل وكذا على الحمل قبل أن
يولد. والمراد بكونه ابتداءا ان يكون هو الطبقة الأولي من دون مشاركة
موجود في تلك الطبقة. نعم لو وقف على المعدوم أو الحمل تبعا للموجود -
بأن يجعله طبقة ثانية أو مساويا للموجود في الطبقة بحيث لو وجد لشاركه -
صح بلا اشكال، كما إذا وقف على أولاده الموجودين ومن سيولد له على
التشريك أو الترتيب.
وبالجملة لابد في الوقف الخاص من وجود شخص خاص في كل زمان يكون
هو الموقوف عليه في ذلك الزمان، ولا يكفي كونه ممن سيوجد إذا لم يوجد
شخص في ذلك الزمان، فإذا وقف على من سيوجد وسيولد من ولده ثم على
ولده الموجود لم يتحقق الوقف في الابتداء وكان من المنقطع الأول. ولو وقف
على ولده الموجود ثم على أولاد الولد ثم على زيد فتوفي ولده قبل أن يولد
له الولد ثم
189

تولد، انقطع الوقف بعد موت ولد الواقف وكان من المنقطع الوسط
، كما انه لو وقف على ذريته نسلا بعد نسل وكان له أولاد وأولاد أولاد ثم
انقرضوا كان من المنقطع الاخر.
مسألة 36 - لا يعتبر في الوقف على العنوان العام وجوده في كل زمان،
بل يكفي امكان وجوده مع وجوده فعلا في بعض الأزمان، فإذا وقف بستانا
مثلا على فقراء البلد ولم يكن في زمان الوقف فقير في البلد لكن سيوجد صح
الوقف ولم يكن من المنقطع الأول، كما انه لو كان موجودا لكن لم يوجد في
زمان ثم وجد لم يكن من المنقطع الوسط بل هو باق على وقفيته فيحفظ غلته
في زمان عدم وجود الفقير إلى أن يوجد.
مسألة 37 - يشترط في الموقوف عليه التعيين، فلو وقف على أحد الشخصين أو
أحد المشهدين أو أحد المسجدين أو أحد الفريقين لم يصح.
مسألة 38 - لا يصح الوقف على الكافر الحربي على المشهور ولا على المرتد عن
فطرة، وأما الذمي والمرتد لا عن فطرة فالظاهر صحته، سيما إذا كان
رحما للواقف.
مسألة 39 - لا يصح الوقف على الجهات المحرمة وما فيه إعانة على المعصية
، كمعونة الزنا وقطاع الطريق وكتابة كتب الضلال، وكالوقف على البيع
والكنائس وبيوت النيران لجهة عمارتها وخدمتها وفرشها ومتعلقاتها وغيرها. نعم
يصح وقف الكافر عليها.
مسألة 40 - إذا وقف مسلم على الفقراء أو فقراء البلد، انصرف إلى
فقراء المسلمين، بل الظاهر أنه لو كان الواقف شيعيا انصرف إلى فقراء
الشيعة، وإذا وقف كافر على الفقراء انصرف إلى فقراء نحلته، فاليهود إلى
اليهود والنصاري إلى
190

النصارى وهكذا. بل الظاهر أنه لو كان الواقف سنيا
انصرف إلى فقراء أهل السنة. نعم الظاهر أنه لا يختص بمن يوافقه في
المذهب، فلا انصراف لو وقف الحنفي إلى الحنفي والشافعي إلى الشافعي وهكذا
.
مسألة 41 - إذا كان أفراد عنوان الموقوف عليه منحصرة في أفراد محصورة - كما
إذا وقف على فقراء محلة أو قرية صغيرة - توزع منافع الوقف على الجميع
، وإن كانوا غير محصورين لم يجب الإستيعاب، لكن لا يترك الاحتياط
بمراعاة الإستيعاب العرفي مع كثرة المنفعة، فيوزع على جماعة معتد بها
بحسب مقدار المنفعة.
مسألة 42 - إذا وقف على فقراء قبيلة كبني فلان وكانوا متفرقين فان علم
ولو بمعرفة القرائن ان الوقف يكون على الحاضرين والغائبين يجب تتبع
الغائبين وايصال حصتهم إليهم ان أمكن والا فيعامل معها معامله مال الغائب
أو مجهول المالك وان لم يعلم ذلك فالظاهر كفاية الاقتصار على من حضر البلد
منهم لاستظهار ذلك من مثل قوله " وقفت على فقراء بني فلان " سيما إذا كان
تتبعهم يحتاج إلى تحمل كلفة الفحص التام أو كلفة الايصال إليهم أو حفظها
لهم.
مسألة 43 - إذا وقف على المسلمين كان لكل من أقر بالشهادتين ولم
يكن محكوما بالكفر بما يوجبه من النصب والغلو وغيرهما ولو وقف على
المؤمنين اختص بالاثني عشرية لو كان الواقف إماميا، وكذا لو وقف على
الشيعة.
مسألة 44 - إذا وقف في سبيل الله يصرف في كل ما يكون وصلة إلى الثواب
، وكذلك لو وقف في وجوه البر.
مسألة 45 - إذا وقف على أرحامه أو أقاربه فالمرجع العرف، وإذا وقف
على الأقرب فالأقرب كان ترتيبيا على كيفية طبقات الإرث.
191

مسألة 46 - إذا وقف على أولاده اشترك الذكر والأنثى والخنثى،
ويكون التقسيم بينهم على السواء، وإذا وقف على أولاد أولاده عم أولاد
البنين والبنات ذكورهم وإناثهم بالسوية.
مسألة 47 - إذا قال وقفت على ذريتي عم الأولاد بنين وبنات وأولادهم
بلا واسطة ومعها ذكورا وإناثا ويكون الوقف تشريكيا تشارك الطبقات اللاحقة
مع السابقة، ويكون على الرؤوس بالسوية.
وأما إذا قال وقفت على أولادي، أو قال على أولادي وأولاد أولادي فالمشهور
إن الأول ينصرف إلى الصلبي فلا يشمل أولاد الأولاد، والثاني يختص بطنين
فلا يشمل سائر البطون، لكن الظاهر خلافه وان الظاهر منهما عرفا
التعميم خصوصا في الثاني.
مسألة 48 - إذا قال وقفت على أولادي نسلا بعد نسل وبطنا بعد بطن،
الظاهر المتبادر منه عند العرف أنه وقف ترتيب، فلا يشارك الولد أباه ولا
ابن الأخ عمه.
مسألة 49 - إذا قال وقفت على ذريتي، أو قال على أولادي وأولاد
أولادي ولم يذكر أنه وقف تشريك أو وقف ترتيب يحمل على الأول، وكذا لو
علم من الخارج وقفية شي ء على الذرية ولم يعلم أنه وقف تشريك أو وقف
ترتيب.
مسألة 50 - لو قال وقفت على أولادي الذكور نسلا بعد نسل يختص بالذكور من
الذكر في جميع الطبقات، ولا يشمل الذكور من الإناث لان هذا ظاهر كلامه
وبالجملة ففي كل مورد المتبع ظاهر كلامه.
مسألة 51 - إذا كان الوقف ترتيبيا كانت الكيفية تابعة لجعل الواقف،
فتارة يجعل الترتيب بين الطبقة السابقة واللاحقة ويراعي الأقرب فالأقرب
إلى الواقف، فلا يشارك الولد أباه ولا ابن الأخ عمه وعمته ولا ابن الأخت
خاله وخالته،
192

وأخري يجعل الترتيب بين خصوص الآباء من كل طبقة وأبنائهم
، فإذا كانت إخوة ولبعضهم أولاد لم يكن للأولاد شي ء ما دام حياة الآباء،
فإذا توفي الاباء شارك الأولاد أعمامهم. ويمكن أن يجعل الترتيب على نحو آخر
ويتبع، فإن الوقوف على حسب ما يقفها أهلها.
مسألة 52 - لو قال: وقفت على أولادي طبقة بعد طبقة وإذا مات أحدهم
وكان له ولد فنصيبه لولده، فلو مات أحدهم وله ولد يكون نصيبه لولده، ولو
تعدد الولد يقسم النصيب بينهم على الرؤوس، وإذا مات من لا ولد له فنصيبه
لمن في طبقته ولا يشاركهم الولد الذي أخذ نصيب والده.
مسألة 53 - لو وقف على العلماء انصرف إلى علماء الشريعة، فلا يشمل
غيرهم كعلماء الطب والنجوم والحكمة.
مسألة 54 - لو وقف على مشهد كالنجف مثلا، اختص بالمتوطنين والمجاورين ولا
يشمل الزوار والمترددين.
مسألة 55 - لو وقف على المشتغلين في النجف مثلا من أهل البلد
الفلاني كطهران أو غيره من البلدان فهل يختص بمن هاجر من بلده إلى
النجف للاشتغال، ولا يشمل من جعله وطنا له معرضا عن بلده أو يشمله؟
الظاهر عدم شموله له الا إذا كانت قرينة على ذلك.
مسألة 56 - لو وقف على مسجد صرفت منافعه مع الإطلاق في تعميره
وضوئه وفرشه وخادمه ولو زاد شي ء يعطي لإمامه ولمؤذنه.
مسألة 57 - لو وقف على مشهد يصرف في تعميره وضوئه وخدامه المواظبين لبعض
الاشغال اللازمة المتعلقة بذلك المشهد إلى غير ذلك من حوائجه المتعارف.
مسألة 58 - لو وقف على الحسين (عليه السلام) يصرف في إقامة تعزيته من أجرة
القاري
193

وما يتعارف صرفه في المجلس للمستمعين على ما هو المنصرف اليه، واما
إذا علم أن الواقف لم يقصد التعزية بل قصد الحسين (عليه السلام) فقط فلا يبعد
جواز صرفه في أي خير له (عليه السلام).
مسألة 59 - لا اشكال في انه بعد تمام الوقف ليس للواقف التغيير في
الموقوف عليه بإخراج بعض من كان داخلا أو إدخال من كان خارجا إذا لم
يشترط ذلك في ضمن عقد الوقف، وإذا شرط اخراج من ادخله لا يحوز وبطل
الوقف وفي جواز شرط ادخال من يريد ادخاله اشكال. ولو شرط نقل الوقف من
الوقوف عليهم إلى من سيوجد لا يجوز وبطل الوقف أيضا. نعم لو وقف على
جماعة إلى أن يوجد من سيوجد وبعد ذلك كان الوقف على من سيوجد صح بلا
اشكال.
مسألة 60 - إذا علم وقفية شي ء ولم يعلم مصرفه ولو من جهة نسيانه، فان
كانت المحتملات متصادقة غير متباينة يصرف في المتيقن، كما إذا لم يدر أنه
وقف على الفقراء أو على الفقهاء، فيقتصر على مورد تصادق العنوانين وهو الفقهاء
الفقراء، وإن كانت متباينة فان كان الاحتمال بين أمور محصورة - كما إذا
لم يدر أنه وقف على أهالي النجف أو كربلا أولم يدر انه وقف على المسجد
الفلاني أو المشهد الفلاني ونحو ذلك - يوزع بين المحتملات بالتنصيف لو كان
مرددا بين أمرين والتثليث لو كان مرددا بين ثلاثة وهكذا، ويحتمل
القرعة. وان كان بين أمور غير محصورة فان كان مرددا بين عناوين وأشخاص
غير محصورين - كما إذا لم يدر أنه وقف على فقراء البلد الفلاني أو فقهاء
البلد الفلاني أو سادة البلد الفلاني أو ذرية زيد أو ذرية عمرو أو ذرية خالد
وهكذا - كانت منافعه بحكم مجهول المالك فيتصدق بها، وإن كان مرددا بين
جهات غير محصورة - كما إذا لم يعلم أنه وقف على المسجد أو المشهد أو القناطر
أو إعانة الزوار أو تعزية سيد الشهداء عليه السلام وهكذا - يصرف في وجوه البر
مما يحتمل دخوله في المصرف.
194

مسألة 61 - إذا كانت للعين الموقوفة منافع متجددة وثمرات متنوعة
يملك الموقوف عليهم جميعها مع إطلاق الوقف، فإذا وقف العبد يملكون جميع
منافعه من مكتسباته وحيازاته من الالتقاط والاصطياد والاحتشاش وغيره ذلك،
وفي الشاة الموقوفة يملكون صوفها المتجدد ولبنها ونتاجها، وفي الشجر
والنخل ثمرهما ومنفعة الاستظلال بهما والسعف والأغصان والأوراق اليابسة بل
وغيرها إذا قطعت للاصلاح، وكذا فروخهما وغير ذلك، وهل يجوز التخصيص
ببعض المنافع حتى يكون للموقوف عليهم بعض المنافع دون بعض؟ فيه تأمل و
إشكال.
مسألة 62 - لو وقف على مصلحة فبطل رسمها - كما إذا وقف على مسجد أو مدرسة أو
قنطرة فخربت ولم يمكن تعميرها أو لم يحتج المسجد إلى مصرف لانقطاع من
يصلي فيه والمدرسة لعدم الطلبة والقنطرة لعدم المارة - صرف الوقف في
وجوه البر، والأحوط صرفه في مصلحة أخري من جنس تلك المصلحة، ومع التعذر
يراعي الأقرب فالأقرب منها.
مسألة 63 - إذا خرب المسجد لم تخرج عرصته عن المسجدية، فتجري
عليها أحكامها، وكذا لو خربت القرية التي هو فيها بقي المسجد على صفة
المسجدية.
مسألة 64 - لو وقف دارا على أولاده أو على المحتاجين منهم، فإن أطلق
فهو وقف منفعة، كما إذا وقف عليهم قرية أو مزرعة أو خانا أو دكانا ونحوها
يملكون منافعها، فلهم استنمائها فيقسمون بينهم ما يحصلون منها بإجارة وغيرها
على حسب ما قرر الواقف من الكمية والكيفية، وإن لم يقرر كيفية في
القسمة يقسمونه بينهم بالسوية، وان وقفها عليهم لسكناهم فهو وقف انتفاع و
يتعين لهم ذلك وليس لهم إجارتها، وحينئذ فإن كفت لسكني الجميع سكنوها
وليس لبعضهم أن يستقل به ويمنع غيره، وإذا وقع بينهم التشاح في اختيار
الحجر فإن جعل الواقف متوليا يكون له النظر في تعيين المسكن للساكن كان
نظره وتعيينه هو المتبع، ومع عدمه
195

كانت القرعة هي المرجع ولو سكن
بعضهم ولم يسكنها البعض فليس له مطالبة الساكن بأجرة حصته إذا لم يكن
مانعا عنه، بل كان باذلا له الاسكان وهو لم يسكن بميله وباختياره أو
لمانع خارجي. هذا كله إذا كانت كافية لسكني الجميع، وإن لم تكف لسكني
الجميع سكنها البعض، ومع التشاح وعدم متولي من قبل الواقف يكون له
النظر في تعيين الساكن وعدم تسالمهم على المهاياة يجبر هم الحاكم عليها
ان أمكنت والا فلا محيص عن القرعة، ومن خرج اسمه يسكن وليس لمن لم
يسكن مطالبته بأجرة حصته.
مسألة 65 - الثمر الموجود حال الوقف على النخل والشجر لا يكون للموقف عليهم
بل هو باق على ملك الواقف، وكذلك الحمل الموجود حال وقف الحامل. نعم
في الصوف على الشاة واللبن في ضرعها إشكال فلا يترك الاحتياط.
مسألة 66 - لو قال: وقفت على أولادي وأولاد أولادي شمل جميع البطون
كما أشرنا سابقا، فمع اشتراط الترتيب أو التشريك أو المساواة أو التفضيل أو
قيد الذكورية أو الأنوثية أو غير ذلك يكون هو المتبع، وإذا أطلق فمقتضاه
التشريك والشمول للذكور والإناث والمساواة وعدم التفضيل.
ولو قال: وقفت على أولادي ثم على أولاد أولادي أفاد الترتيب بين
الأولاد وأولاد الأولاد قطعا، وأما أولاد الأولاد بناءا على شموله لجميع
البطون فالظاهر عدم الدلالة على الترتيب بينهم الا إذا قامت قرينة على أن
حكمهم كحكمهم مع الأولاد وأن ذكر الترتيب بين الأولاد وأولاد الأولاد من
باب المثال، والمقصود الترتيب في سلسلة الأولاد وإن الوقف للأقرب فالأقرب
إلى الواقف، وبالجملة فالمتبع في جميع هذه الموارد هو ظاهر كلام الواقف
العرفي.
مسألة 67 - لا ينبغي الاشكال في أن الوقف بعد ما تم يوجب زوال ملك
الواقف عن العين الموقوفة، كما أنه لا ينبغي الريب في أن الوقف على
الجهات العامة
196

كالمسجد والمشاهد لا يملكها أحد، بل هو فك ملك بمنزلة التحرير
بالنسبة إلى الرقبة وتسبيل للمنافع على جهات معينة. واما مثل المدارس و
الخانات والمقابر والأوقاف على المساجد والمشاهد وكذا الوقف الخاص كالوقف
على الأولاد والوقف العام على العناوين العامة - كالوقف على الفقراء
والفقهاء والطلبة ونحوهم - فإن كانت وقف منفعة بأن وقف عليهم ليكون
منافع الوقف لهم فيستوفونها بأنفسهم أو بالإجارة أو ببيع الثمرة وغير ذلك،
فالظاهر أنهم كما يملكون المنافع ملكا طلقا يملكون الرقبة أيضا ملكا غير
طلق، وان كان وقف انتفاع كوقف المدارس والخانات ووقف الدار لسكني ذريته
فالظاهر انه أيضا كوقف المنفعة يكون ملكا غير طلق للعنوان الموقوف عليه.
مسألة 68 - لا يجوز تغيير الوقف وإبطال رسمه وإزالة عنوانه ولو إلى
عنوان آخر، كجعل الدار خانا أو دكانا أو بالعكس. نعم إذا كان الوقف وقف
منفعة وصار بعنوانه الفعلي مسلوب المنفعة أو قليلها في ا لغاية لا يبعد جواز
تبديله إلى عنوان آخر ذي منفعة، كما إذا صارت البستان الموقوفة من جهة
انقطاع الماء عنها أو لعارض آخر لم ينتفع منها، بخلاف ما إذا جعلت دارا أو
خانا.
مسألة 69 - لو خرب الوقف وانهدم وزال عنوانه كالبستان أنقعلت أو
يبست أشجارها والدار تهدمت حيطانها وعفت آثارها، فإن أمكن تعميره وإعادة
عنوانه ولو بصرف حاصله الحاصل بالإجارة ونحوها فيه لزم وتعين، والا ففي
خروج العرصة عن الوقفية وعدمه فيستنمى منها بوجه آخر ولو بزرع ونحوه، و
جهان بل قولان أقواهما الثاني، والأحوط ان يجعل الواقف أو ورثته وقفا
ويجعل مصرفه وكيفياته على حسب الوقف الأول.
مسألة 70 - إذا احتاجت الاملاك الموقوفة إلى تعمير وترميم واصلاح
لبقائها واستنماء بها، فإن عين الواقف لها ما يصرف عليها فهو وإلا يصرف فيها
من نمائها
197

مقدما على حق الموقوف عليهم، حتى انه إذا توقف بقاؤها على بيع
بعضها جاز.
مسألة 71 - المساجد والمشاهد لا يجوز بيعها بلا اشكال وان آل إلى ما آل حتى
عند خرابها واندراسها بحيث لا يرجي الانتفاع بها أصلا بل تبقي على
حالها، فلو خرب المسجد وخربت القرية التي هو فيها وانقطعت المارة عن الطريق
الذي يسلك إليه لم يجز بيعه وصرف ثمنه في إحداث مسجد آخر أو تعميره.
هذا بالنسبة إلى أعيان هذه الأوقاف، وأما ما يتعلق بها من
الآلات والفراش والحيوانات وثياب الضرائح وأشباه ذلك فما دام يمكن
الانتفاع بها باقية على حالها لا يجوز بيعها، فإن أمكن الانتفاع بها في
المحل الذي أعدت له ولو بغير ذلك الانتفاع الذي أعدت له بقيت على حالها
في ذلك المحل، فالفرش المتعلقة بمسجد أو مشهد إذا أمكن الانتفاع بها في ذلك
المحل بقيت على حالها فيه، ولو فرض استغناء المحل عن الافتراش بالمرة لكن
يحتاج إلى ستر يقي أهله من الحر أو البرد تجعل سترا لذلك المحل. ولو فرض
استغناء المحل عنها بالمرة بحيث لا يترتب على إمساكها وابقائها فيه إلا
الضياع والضرر والتلف تجعل في محل آخر مماثل له، بأن تجعل ما للمسجد لمسجد
آخر وما للمشهد لمشهد آخر، فان لم يكن المماثل أو استغني عنها بالمرة جعلت
في المصالح العامة. هذا إذا أمكن الانتفاع بها باقية على حالها، وأما لو
فرض انه لا يمكن الانتفاع بها الا ببيعها وكانت بحيث لو بقيت على حالها ضاعت
وتلفت بيعت وصرف ثمنها في ذلك المحل ان احتاج اليه، والا ففي المماثل ثم
المصالح حسبما مر.
مسألة 72 - كما لا يجوز بيع تلك الأوقاف الظاهر انه لا يجوز اجارتها، ولو غصبها
غاصب واستوفي منها غير تلك المنافع المقصودة منها - كما إذا جعل المسجد أو
المدرسة بيت المسكن أو محرزا - لم يكن عليه أجرة المثل. نعم لو أتلف
أعيانها متلف الظاهر ضمانه فيؤخذ منه القيمة وتصرف في بدل التالف
198

ومثله.
مسألة 73 - الأوقاف الخاصة كالوقف على الأولاد والأوقاف العامة التي
كانت على العناوين العامة كالفقراء وان كانت ملكا للموقوف عليهم كما مر
لكنها ليست ملكا طلقا لهم حتى يجوز لهم بيعها ونقلها بأحد النواقل متي شاؤوا
وأرادوا كسائر أملاكهم، وانما يجوز لهم ذلك لعروض بعض العوارض وطرو بعض
الطواري ء، وهي أمور:
" أحدهما " - فيما إذا خربت بحيث لا يمكن اعادتها إلى حالها الأولي
ولا الانتفاع بها الا ببيعها فينتفع بثمنها، كالحيوان المذبوح والجذع البالي
والحصير الخلق، فتباع ويشتري بثمنها ما ينتفع به الموقوف عليهم، والأحوط
لو لم يكن الأقوى مراعاة الأقرب فالأقرب إلى العين الموقوفة.
" الثاني " - ان يسقط بسبب الخراب أو غيره عن الانتفاع المعتد به بحيث
كان الانتفاع به بحكم العدم بالنسبة إلى منفعة أمثال العين الموقوفة،
كما إذا انهدمت الدار واندرست البستان فصارت عرصة لا يمكن الانتفاع بها الا
بمقدار جزئي جدا يكون بحكم العدم بالنسبة اليهما، لكن إذا بيعت يمكن أن
يشتري بثمنها دار أو بستان أخري أو ملك آخر تكون منفعتها تساوي منفعة الدار
والبستان أو تقرب منها. نعم لو فرض انه على تقدير بيع العرصة لا يشتري
بثمنا الا ما يكون منفعتها بمقدار منفعتها باقية على حالها، لم يجز بيعها بل
تبقي على حالها.
" الثالث " - فيما إذا علم انه يؤدي بقاؤه إلى خرابه على وجه لا ينتفع به
أصلا أو ينتفع به قليلا ملحقا بالعدم، سواء كان ذلك بسبب الاختلاف الواقع
بين أربابه أو لامر آخر إلا ان اللازم تأخير البيع إلى آخر أزمنة امكان
البقاء
" الرابع " - فيما إذا اشترط الواقف في وقفه ان يباع عند حدوث أمر مثل
قلة المنفعة أو كثرة الخراج أو المخارج أو وقوع الاختلاف بين أربابه أو
حصول
199

ضرورة أو حاجة لهم أو غير ذلك، فإنه لا مانع حينئذ من بيعه عند حدوث
ذلك الامر على الأقوى.
" الخامس " فيما إذا وقع بين أرباب الوقف اختلاف شديد لا يؤمن معه من
تلف الأموال والنفوس ولا ينحسم ذلك الا ببيعه، فيجوز حينئذ بيعه وتقسيم ثمنه
بينهم. نعم لو فرض أنه يرتفع الاختلاف بمجرد بيعه وصرف الثمن في شراء
عين أخري لهم أو تبديل العين الموقوفة بعين أخري تعيين ذلك، فيشتري
بالثمن عينا أخري أو يبدل بملك آخر فيجعل وقفا ويبقي لسائر البطون
والطبقات.
مسألة 74 - لا اشكال في جواز إجارة ما وقف منفعة، سواء كان وقفا خاصا
أو عاما كالدكاكين والمزارع والخانات الموقوفة على الأولاد أو الفقراء أو
الجهات والمصالح العامة، حيث ان المقصود استنمائها بإجارة ونحوها ووصول
نفعها ونمائها إلى الموقوف عليهم، بخلاف ما كان وقف انتفاع كالدار الموقوفة
على سكني الذرية وكالمدرسة والمقبرة والقنطرة والخانات الموقوفة لنزول
المارة، فان الظاهر عدم جواز اجارتها في حال من الأحوال.
مسألة 75 - إذا خرب بعض الوقف بحيث جاز بيعه واحتاج بعضه الاخر إلى تعمير
ولو لأجل توفير المنفعة لا يبعد أن يكون الأولي بل الأحوط أن يصرف
ثمن البعض الخراب في تعمير البعض الاخر الا إذا كان صرفه في بدله أفيد
وانفع للوقف.
مسألة 76 - لا اشكال في جواز قسمة الوقف عن الملك الطلق فيما إذا
كانت العين مشتركة بين الوقف والطلق، فيتصديها مالك الطلق مع متولي
الوقف أو الموقوف عليهم، بل الظاهر جواز قسمة الوقف أيضا لو تعدد الوقف
والموقوف عليه، كما إذا كانت دار مشتركة بين شخصين فوقف كل منهما حصته
على أولاده، وفي جوازها فيما إذا تعدد الوقف والموقوف عليه مع اتحاد الواقف
، كما إذا وقف
200

نصف داره مشاعا على مسجد والنصف الاخر على مشهد تأمل. ولا
يجوز قسمته بين أربابه إذا اتحد الوقف والواقف مع كون الموقوف عليهم بطونا
متلاحقة. نعم لو وقع خلف بين أربابه بما جاز معه بيع الوقف ولا ينحسم ذلك
الاختلاف إلا
بالقسمة جازت على الأقوى بشرط ان تكون القسمة لانتفاع كل منهم من
قسمة الوقف ما دام حيا.
مسألة 77 - لو آجر الوقف البطن الأول وانقرضوا قبل انقضاء مدة الإجارة بطلت
بالنسبة إلى بقية المدة، وفي صحتها بإجازة البطن اللاحق اشكال
، فالأحوط تجديد الإجارة منهم لو أرادوا بقاءها.
هذا إذا آجر البطن الأول، وأما لو آجر المتولي فان لا حظ في ذلك
مصلحة الوقف صحت ونفذت بالنسبة إلى سائر البطون، وأما لو كانت لأجل
مراعاة البطن اللاحق دون أصل الوقف فنفوذها بالنسبة إليهم بدون اجازتهم
لا يخلو من اشكال.
مسألة 78 - يجوز للواقف أن يجعل تولية الوقف ونظارته لنفسه ما دام حيا
أو إلى مدة، مستقلا أو مشتركا مع غيره. وكذا يجوز أن يجعلها للغير كذلك،
بل يجوز أن يجعل أمر التولية بيد شخص، فيكون المتولي كل من يعينه ذلك
الشخص، بل يجوز التولية لشخص ويجعل أمر تعيين المتولي بعده بيده، وهكذا
كل متول له أن يعين المتولي بعده.
مسألة 79 - إنما يكون للواقف جعل التولية لنفسه أو لغيره حين إيقاع
الوقف وفي ضمن عقده، وأما بعد تمامه فهو أجنبي عن الوقف، فليس له جعل
التولية لاحد ولا عزل من جعله متوليا عن التولية إلا إذا اشترط لنفسه
ذلك، بأن جعل التولية لشخص وشرط أنه متي أراد أن يعزله عزله.
مسألة 80 - لا اشكال في عدم اعتبار العدالة فيما إذا جعل التولية والنظر
لنفسه،
201

وفي اعتبارها فيما إذا جعل النظر لغيره قولان، أقواهما العدم. نعم
الظاهر أنه يعتبر فيه الأمانة والكفاية، فلا يجوز جعل التولية - خصوصا في
الجهات والمصالح العامة - لمن كان خائنا غير موثوق به، وكذا من ليس له
الكفاية في تولية أمور الوقف. ومن هنا يقوي اعتبار التميز والعقل فيه، فلا
يصح تولية المجنون والصبي.
مسألة 81 - لو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول، سواء كان حاضرا
في مجلس العقد أو لم يكن حاضرا فيه ثم بلغ اليه الخبر ولو بعد وفاة
الواقف. ولو جعل تولية لأشخاص على الترتيب وقبل بعضهم لم يجب القبول
على المتولين بعده، فمع عدم القبول كان الوقف بلا متولي منصوب، ولو قبل
التولية فهل يجوز له عزل نفسه بعد ذلك كالوكيل أم لا قولان لا يترك
الاحتياط، بأن لا يرفع اليد عن الامر ولا يعزل نفسه، ولو عزل يقوم بوظائفه
مع المراجعة إلى الحاكم.
مسألة 82 - لو شرط التولية لاثنين، فإن صرح باستقلال كل منهما استقل
ولا يلزم عليه مراجعة الآخر، وإذا مات أحدهما أو خرج عن الأهلية انفرد
الآخر، وإن صرح بالاجتماع ليس لأحدهما الاستقلال، وكذا لو أطلق ولم تكن
على إرادة الاستقلال قرائن الأحوال، وحينئذ لو مات أحدهما أو خرج عن
الأهلية يضم الحاكم إلى الآخر شخصا آخر على الأحوط لو لم يكن الأقوى.
مسألة 83 - لو عين الواقف وظيفة المتولي وشغله فهو المتبع، ولو أطلق
كانت وظيفته ما هو المتعارف من تعمير الوقف وإجارته، وتحصيل أجرته
وقسمتها علي أربابه وأداء خراجه ونحو ذلك، كل ذلك على وجه الاحتياط
ومراعاة الصلاح، وليس لاحد مزاحمته في ذلك حتى الموقوف عليهم.
ويجوز أن ينصب الواقف متوليا في بعض الأمور وآخر في الاخر، كما إذا جعل
أمر التعمير وتحصيل المنافع إلى أحد وأمر حفظها وقسمتها على أربابها إلى آخر
، أو جعل لواحد ان يكون الوقف بيده وحفظه وللآخر التصرف.
202

ولو فوض إلى واحد التعمير وتحصيل الفائدة وأهمل باقي الجهات من
الحفظ والقسمة وغيرهما كان الوقف بالنسبة إلى غير ما فوض إليه بلا متولي
منصوب فيجري عليه حكمه وسيأتي.
مسألة 84 - لو عين الواقف للمتولي شيئا من المنافع تعين، وكان ذلك
أجرة عمله ليس له أزيد من ذلك وإن كان أقل من أجرة مثله، ولو لم يذكر
شيئا فالأقرب أن له أجرة المثل.
مسألة 85 - ليس للمتولي تفويض التولية إلى غيره حتى مع عجزه عن
التصدي إلا إذا جعل الواقف له ذلك عند جعله متوليا. نعم يجوز له
التوكيل في بعض ما كان تصديه من وظيفته إذا لم يشترط عليه المباشرة.
مسألة 86 - يجوز للواقف ان يجعل ناظرا على المتولي، فإن أحرز أن
المقصود مجرد اطلاعه على أعماله لأجل الاستيثاق فهو مستقل في تصرفاته ولا
يعتبر إذن الناظر في صحتها ونفوذها وانما اللازم عليه اطلاعه، وإن كان
المقصود إعمال نظره وتصويب عمله لم يجز له التصرف إلا بإذنه وتصويبه،
ولو لم يحرز مراده فاللازم مراعاة الامرين.
مسألة 87 - إذا لم يعين الواقف متوليا أصلا: فاما الأوقاف العامة
فالمتولي لها الحاكم أو المنصوب من قبله على الأقوى، وأما الأوقاف الخاصة
فالحق انه بالنسبة إلى ما كان راجعا إلى مصلحة الوقف ومراعاة البطون من
تعميره وحفظ الأصول وإجارته على البطون اللاحقة ونحوها كالأوقاف العامة
توليتها للحاكم أو منصوبه، واما بالنسبة إلى تنميتها وإصلاحاتها الجزئية
المتوقف عليها في حصول النماء الفعلي كتنقية أنهارها وكريه وحرثه وجمع
حاصلها وتقسيمه وأمثال ذلك فأمرها راجع إلى الموقوف عليهم الموجودين.
203

مسألة 88 - في الأوقاف التي توليتها للحاكم ومنصوبه مع فقده وعدم
الوصول اليه توليتها لعدول المؤمنين.
مسألة 89 - لا فرق فيما كان أمره راجعا إلى الحاكم بين ما إذا لم يعين
الواقف متوليا وبين ما إذا عين ولم يكن أهلا لها أو خرج عن الأهلية،
فإذا جعل التولية للعادل من أولاده ولم يكن بينهم عادل أو كان ففسق كان
كأن لم ينصب متوليا.
مسألة 90 - لو جعل التولية لعدلين من أولاده مثلا ولم يكن فيهم إلا عدل
واحد ضم الحاكم إليه عدلا آخر، واما لو لم يوجد فيهم عدل أصلا فهل
اللازم على الحاكم نصب عدلين أو يكفي نصب واحد؟ أحوطهما الأول وأقواهما
الثاني.
مسألة 91 - إذا احتاج الوقف إلى التعمير ولم يكن وجه يصرف فيه
يجوز للمتولي أن يقترض له قاصدا أداء ما في ذمته بعد ذلك مما يرجع اليه
كمنافعه أو منافع موقوفاته، فيقترض متولي البستان مثلا لتعميرها بقصد أن
يؤدي بعد ذلك دينه من عائداتها، ومتولي المشهد أو المقبرة ونحوها بقصد أن
يؤدي دينه من عائدات موقوفاتها، بل يجوز أن يصرف في ذلك من ماله بقصد
الاستيفاء مما ذكر.
نعم لو اقترض له لا بقصد الأداء من الوقف، أو صرف من ماله لا بنية
الاستيفاء منه، لم يكن له ذلك بعد ذلك.
مسألة 92 - تثبت الوقفية بالشياع إذا أفاد العلم أو الاطمئنان، وبإقرار
ذي اليد أو ورثته، وبكونه في تصرف الوقف، بأن يعامل المتصرفون فيه
معاملة الوقف بلا معارض، وكذا تثبت بالبينة الشرعية.
مسألة 93 - إذا أقر بالوقف ثم ادعي أن إقراره كان لمصلحة، يسمع منه
لكن يحتاج إلى الإثبات، بخلاف ما إذا أوقع العقد وحصل القبض ثم ادعي
أنه لم يكن
204

قاصدا فإنه لا يسمع منه أصلا، كما هو الحال في جميع العقود
والإيقاعات.
مسألة 94 - كما أن معاملة المتصرفين معاملة الوقفية دليل على أصل
الوقفية ما لم يثبت خلافها، كذلك كيفية عملهم من الترتيب أو التشريك
والمصرف وغير ذلك دليل على كيفيته، فيتبع ما لم يعلم خلافها.
مسألة 95 - إذا كان ملك بيد شخص يتصرف فيه بعنوان الملكية لكن علم أنه
قد كان في السابق وقفا لم ينتزع من يده بمجرد ذلك ما لم يثبت وقفيته
فعلا، وكذا لو ادعي أحد أنه قد وقف على آبائه نسلا بعد نسل وأثبت ذلك من
دون أن يثبت كونه وقفا فعلا.
نعم لو أقر ذو اليد في مقابل خصمه بأنه كان وقفا إلا أنه قد حصل المسوغ
للبيع وقد اشتراه سقط حكم يده وينتزع منه ويلزم بإثبات الامرين: وجود
المسوغ للبيع، ووقوع الشراء.
مسألة 96 - إذا كان كتاب أو مصحف أو صفر مثلا بيد شخص وهو يدعي ملكيته وكان
مكتوبا عليه أنه وقف لم يحكم بوقفيته بمجرد ذلك، فيجوز الشراء منه.
نعم الظاهر أن وجود مثل ذلك عيب ونقص في العين، فلو خفي على المشتري
ثم اطلع عليه كان له خيار الفسخ.
مسألة 97 - لو ظهر في تركة الميت ورقة بخطه أن ملكه الفلاني وقف وأنه
وقع القبض والإقباض لم يحكم بوقفيته بمجرد ذلك ما لم يحصل العلم أو
الاطمئنان به، لاحتمال أنه كتب ذلك ليجعله وقفا كما يتفق ذلك كثيرا.
مسألة 98 - إذا كانت العين الموقوفة من الأعيان الزكوية كالانعام الثلاثة
لم يجب على الموقوف عليهم زكاتها وإن بلغت حصة كل منهم حد النصاب، أما
إذا كان نماؤها منها كالعنب والتمر ففي الوقف الخاص وجبت الزكاة على كل
من
205

بلغت حصته النصاب من الموقوف عليهم لأنها ملك طلق لهم، بخلاف الوقف
العام وإن كان مثل الوقف على الفقراء، لعدم كونه ملكا لواحد منهم إلا
بعد قبضه. نعم لو أعطي الفقير مثلا حصة من الحاصل على الشجر قبل وقت
تعلق الزكاة - كما قبل احمرار التمر أو اصفراره - وجبت عليه الزكاة إذا
بلغت حد النصاب.
مسألة 99 - الوقف المتداول بين الاعراب وبعض الطوائف من غيرهم حيث يعمدون
إلى نعجة أو بقرة ويتكلمون بألفاظ متعارفة بينهم ويكون المقصود أن تبقي
وتذبح أولادها الذكور وتبقي الإناث وهكذا، الظاهر بطلانها لعدم الصيغة وعدم
القبض وعدم تعيين المصرف وغير ذلك.
(خاتمة)
تشتمل على أمرين: أحدهما في الحبس وما يلحق به، ثانيهما في الصدقة:
القول في الحبس واخوته
مسألة 1 - يجوز للانسان أن يحبس ملكه على كل ما يصح الوقف عليه،
بأن يصرف منافعه فيما عينه على ما عينه، فلو حبسه على سبيل من سبل
الخير ومواقع قرب العبادات مثل الكعبة المعظمة والمساجد والمشاهد المشرفة،
فإن كان مطلقا أو صرح بالدوام فلا رجوع بعد القبض ولا يعود على ملك
المالك ولا يورث، وإن كان إلى مدة فلا رجوع في تلك المدة للمالك إلى
منافعها واما رقبة الحبس فهي باقية على ملك مالكها. ولو حبسه على شخص،
فإن عين مدة أو مدة حياته لزم حبسه اليه في تلك المدة، ولو مات
الحابس قبل انقضائها يبقي على حاله إلى ان تنقضي، وإن أطلق ولم يعين
وقتا لزم ما دام حياة الحابس فإن مات كان ميراثا. وهكذا الحال لو حبس
على عنوان عام كالفقراء، فإن حدده بوقت لزم إلى انقضائه، وإن لم
يوقت لزم ما دام حياة الحابس.
206

مسألة 2 - إذا جعل لاحد سكني داره مثلا - بأن سلطه على سكناها مع
بقائها على ملكه - يقال له " السكني "، سواء أطلق ولم يعين مدة أصلا،
كان يقول: " أسكنتك داري " أو " لك سكناها "، أو قدره بعمر أحدهما، كما
إذا قال " لك سكني داري مدة حياتك " أو " مدة حياتي "، أو قدره بالأزمان
كسنة وسنتين مثلا. نعم في كل من الأخيرين له اسم يختص به، وهو "
العمري " في أو لهما و " الرقبي " في ثانيهما.
مسألة 3 - يحتاج كل من هذه الثلاثة إلى عقد مشتمل على إيجاب من
المالك وقبول من الساكن، فالإيجاب كل ما أفاد التسليط المزبور بحسب
المتفاهم العرفي، كأن يقول في السكني " أسكنتك هذه الدار " أو " لك سكناها
" وما أفاد معناهما بأي لغة كان، وفي العمري " أسكنتكها " أو " لك سكناها
مدة حياتك " وفي الرقبي " أسكنتكها سنة أو سنتين " مثلا. وللعمري والرقبي
لفظان آخران: فللأولى " أعمرتك هذه الدار عمرك أو عمري أو ما بقيت أو
بقيت أو ما حييت أو حييت أو ما عشت أو عشت " ونحوها، وللثانية " أرقبتك
مدة كذا ".
واما القبول كل ما دل على الرضا والقبول من الساكن. ويجوز المعاطاة فيها.
مسألة 4 - يشترط في كل من الثلاثة قبض الساكن، فلو لم يقبض حتى
مات المالك، بطلت كالوقف.
مسألة 5 - هذه العقود الثلاثة لازمة يجب العمل بمقتضاها وليس للمالك الرجوع
وإخراج الساكن، ففي السكني المطلقة حيث أن الساكن استحق مسمي الإسكان
ولو يوما يلزم العقد بهذا المقدار، فليس للمالك منعه عن ذلك. نعم
له الرجوع والامر بالخروج في الزائد متي شاء. وفي العمري المقدرة بعمر
الساكن أو عمر المالك لزمت مدة حياة أحدهما، وفي الرقبي لزمت في المدة
المضروبة، فليس للمالك إخراجه قبل انقضائها.
207

مسألة 6 - إذا جعل داره سكني أو عمري أو رقبي لشخص لم تخرج عن ملكه وجاز
له بيعها ولم يبطل الإسكان ولا الإعمار ولا الإرقاب، بل يستحق
الساكن السكني على النحو الذي جعلت له، وكذا ليس للمشتري إبطالها. نعم
لو كان جاهلا كان له الخيار بين فسخ البيع وإمضائه بجميع الثمن.
مسألة 7 - لو جعل المدة في العمري طول حياة المالك ومات الساكن قبله
كان لورثته السكني إلى أن يموت المالك، ولو جعل المدة طول حياة الساكن
ومات المالك قبله لم يكن لورثته إزعاج الساكن بل يسكن طول حياته، ولو
مات الساكن لم يكن لورثته السكني إلا إذا جعل له السكني مدة حياته
ولعقبه ونسله بعد وفاته، فلهم ذلك ما لم ينقرضوا، فإذا انقرضوا رجعت إلى
المالك أو ورثته.
مسألة 8 - إطلاق السكني يقتضي أن يسكن من جعلت له السكني بنفسه
وأهله وأولاده، والأقرب جواز إسكان من جرت العادة السكني معه كغلامه
وجاريته ومرضعة ولده وضيوفه، بل كذا دابته إذا كان الموضع معدا لمثلها.
ولا يجوز أن يسكن غيرهم الا أن يشترط ذلك أو يرضي المالك، وكذا لا يجوز
ان يؤجر المسكن أو يعيره لغيره على الأقوى.
مسألة 9 - كل ما صح وقفه صح اعماره من العقار والحيوان والأثاث وغيرها، و
يختص مورد السكني بالمساكن، وأما الرقبي ففي كونها في ذلك بحكم العمري أو
بحكم السكني تأمل وإشكال. وإن كان لا يبعد كونها بحكم العمري.
القول في الصدقة
قد تواترت النصوص على ندب الصدقة والحث عليها خصوصا في أوقات مخصوصة
كالجمعة وعرفة وشهر رمضان، وعلي طوائف مخصوصة كالجيران والأرحام، بل ورد
في الخبر لا صدقة وذو الرحم محتاج.
208

وهي دواء المريض ودافعة البلاء وقد أبرم إبراما، وبها يستنزل الرزق
ويقضي الدين، وتخلف البركة وتزيد في المال، وبها تدفع ميتة السوء والداء
والحر والغرق والهدم والجنون إلى سبعين بابا من السوء، وبها في أول كل
يوم يدفع نحوسة ذلك اليوم وشروره، وفي أول كل ليلة تدفع نحوسة تلك
الليلة وشرورها.
ولا يستقل قليلها فقد ورد: تصدقوا ولو بقبضة أو ببعض قبضة ولو بشق تمرة فمن
لم يجد فبكلمة طيبة، ولا يستكثر كثيرها فإنها تجارة رابحة، ففي الخبر
إذا أملقتم تاجروا الله بالصدقة، وفي خبر آخر أنها خير الذخائر، وفي آخر إن
الله تعالى يربي الصدقات لصاحبها حتى يلقاها يوم القيامة كجبل عظيم.
مسألة 1 - يعتبر في الصدقة قصد القربة، والأقوى أنه لا يعتبر فيها
العقد المشتمل على الايجاب والقبول كما نسب إلى المشهور، بل تكفي
المعاطاة، فتتحقق بكل لفظ أو فعل من إعطاء أو تسليط قصد به التمليك مجانا
مع نية القربة، ويشترط فيها الاقباض والقبض وبعد القبض تكون لازمة
لمكان قصد القربة.
مسألة 2 - لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض وإن كانت على أجنبي
على الأصح.
مسألة 3 - تحل صدقة الهاشمي لمثله ولغيره مطلقا حتى الزكاة
المفروضة والفطرة، وأما صدقة غير الهاشمي للهاشمي فتحل في المندوبة وتحرم
في الزكاة المفروضة والفطرة، وأما المفروضة غير هما كالمظالم والكفارة
ونحوها فالأحوط عدم إعطائها لهم وتنزههم عنها.
مسألة 4 - يعتبر في المتصدق البلوغ والعقل وعدم الحجر لفلس أو سفه. نعم
في صحة صدقة من بلغ عشر سنين وجه، لكنه لا يخلو عن إشكال.
مسألة 5 - لا يعتبر في المتصدق عليه في الصدقة المندوبة الفقر ولا الإيمان
، بل
209

ولا الإسلام، فيجوز على الغني وعلي المخالف وعلي الذمي وإن كانا
أجنبيين. نعم لا يجوز على الناصب ولا على الحربي وإن كانا قريبين.
مسألة 6 - الصدقة المندوبة سرا أفضل، فقد ورد: أن صدقة السر تطفي ء
غضب الرب وتطفي الخطيئة كما يطفي الماء النار وتدفع سبعين بابا من البلاء،
وفي خبر آخر عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم: سبعة يظلهم الله في ظله
يوم لا ظل إلا ظله - إلى أن قال - ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لم تعلم
يمينه ما تنفق شماله. نعم إذا اتهم بترك المواساة فأراد دفع التهمة عن
نفسه أو قصد غيره به لا بأس بالإجهار بها ولم يتأكد إخفائها. هذا في الصدقة
المندوبة، وأما الواجبة فالأفضل إظهارها مطلقا.
مسألة 7 - يستحب المساعدة والتوسط في إيصال الصدقة إلى المستحق،
فعن مولانا الصادق (عليه السلام): لو جري المعروف على ثمانين كفا لأوجروا كلهم
من غير أن ينقص صاحبه من أجره شيئا. بل في خبر آخر عن النبي صلي الله
عليه وآله وسلم أنه قال في خطبة له: من تصدق بصدقة عن رجل إلى مسكين
كان له مثل أجره، ولو تداولها أربعون ألف إنسان ثم وصلت إلى المسكين
كان لهم أجر كامل.
مسألة 8 - يكره كراهة شديدة أن يتملك من الفقير ما تصدق به بشراء أو
اتهاب أو بسبب آخر، بل قيل بحرمته. نعم لا بأس بأن يرجع إليه بالميراث.
مسألة 9 - يكره رد السائل ولو ظن غناه، بل أعطاه ولو شيئا يسيرا، فعن
مولانا الباقر (عليه السلام): أعط السائل ولو كان على ظهر فرس. وعنه عليه
السلام قال: كان فيما ناجي الله عز وجل به موسي (عليه السلام) قال: يا موسي
أكرم السائل ببذل يسير أو برد جميل - الخبر.
مسألة 10 - يكره كراهة شديدة السؤال من غير احتياج، بل مع الحاجة أيضا
، وربما يقال بحرمة الأول ولا يخلو من قوة، فعن النبي صلي الله عليه وآله و
سلم: من فتح على نفسه
210

باب مسألة فتح الله عليه باب فقر.
وعن مولانا الصادق (عليه السلام)، قال: قال على بن الحسين (عليه السلام):
ضمنت على ربي أنه لا يسأل أحد من غير حاجة إلا اضطر به المسألة يوما
إلى أن يسأل من حاجة.
وعن مولانا الباقر (عليه السلام): لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد
أحدا، ولو يعلم المعطي ما في العطية ما رد أحد أحدا. ثم قال (عليه السلام):
إنه من سئل وهو يظهر غني لقي الله مخموشا وجهه يوم القيامة.
وفي خبر آخر: من سأل من غير فقر فإنما يأكل الخمر.
وفي خبر آخر: من سأل الناس وعنده قوت ثلاثة أيام لقي الله يوم
القيامة وليس على وجهه لحم.
وفي آخر قال أبو عبد الله (عليه السلام): ثلاثة لا ينظر إليهم يوم القيامة
ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: الديوث، والفاحش المتفحش، والذي يسأل الناس
وفي يده يظهر غني.
211

كتاب الوصية
212

كتاب الوصية
وهي العهد المتعلق بأمور راجعة إلى بعد الموت وهي على ضربين: تمليكة
كأن يوصي بشيء من تركته لزيد وغير تمليكية التي عبروا عنها بالعهدية كأن
يوصي بما يتعلق بتجهيزه أو باستيجار الحج أو الصوم أو الصلاة أو الزيارات
له.
مسألة 1 - إذا ظهرت للانسان أمارات الموت يجب عليه المبادرة إلى ايتان
ما عليه أداء أو قضاء من الواجبات البدنية والمالية خلقية كانت أو خالقية و
إن لم يتمكن من ذلك لا بالمباشرة ولا بواسطة غيره يجب عليه أن يوصي
بإيصال ما عنده من أموال الناس الودائع والبضائع ونحوها إلى أربابها و
الاشهاد عليها، خصوصا إذا خفيت على الورثة، وكذا بأداء ما عليه من الحقوق
المالية خلقيا كان كالديون والضمانات والديات وأروش الجنايات، أو
خالقيا كالخمس والزكاة والمظالم والكفارات، بل يجب عليه أن يوصي بأن
يستأجر عنه ما عليه من الواجبات البدنية مما يصح فيه النيابة والاستئجار
كقضاء الصوم والصلاة إذا لم يكن له ولي يقضيها عنه، بل ولو كان له ولي
لا يصح منه العمل كالصبي، أو كان ممن لا يوثق باتيانه أو بصحة عمله.
مسألة 2 - إذا كان عنده أموال الناس أو كان عليه حقوق وواجبات لكن يعلم
أو يطمئن بأن أخلافه يوصلون الأموال و ويؤدون الحقوق والواجبات، لم
يجب
215

عليه الإيصاء، وإن كان أحوط وأولي.
مسألة 3 - يكفي في الوصية كل ما دل عليها من الالفاظ من أي لغة كان،
ولا يعتبر فيها لفظ خاص، ولفظها الصريح في التمليكية أن يقول " أوصيت
لفلان بكذا " أو " أعطوا فلانا " أو " ادفعوا إليه بعد موتي " أو " لفلان بعد
موتي كذا " وهكذا، وفي العهدية " افعلوا بعد موتي كذا وكذا " وهكذا، والظاهر
كفاية الإشارة مع العجز عن النطق ومع التمكن منه وعدم العذر من النطق
به كعسر ذلك عليه فالأحوط عدم الاكتفاء بها وإن كان لا يبعد الاكتفاء بها
مطلقا إذا فهم منها الوصية، واما الكتابة فالظاهر الاكتفاء بها مطلقا، خصوصا
في الوصية العهدية إذا علم أنه قد كان في مقام الوصية وكانت العبارة
ظاهرة الدلالة على المعني المقصود، فيكفي وجود مكتوب من الموصي بخطه و
خاتمه إذا علم من قرائن الأحوال كونه بعنوان الوصية فيجب تنفيذها.
مسألة 4 - الوصية التمليكية لها أركان ثلاثة: الموصي، والموصي به
، والموصي له. وأما الوصية العهدية فإنما يكون قوامها بأمرين: الموصي
، والموصي به. نعم إذا عين الموصي شخصا لتنفيذها تتقوم حينئذ بأمور ثلاثة
: الموصي، والموصي به، والموصي إليه. وهو الذي يطلق عليه " الوصي ".
مسألة 5 - لا اشكال في ان الوصية العهدية لا تحتاج إلى قبول. نعم لو
عين وصيا لتنفيذها لا بد من قبوله، لكن في وصايته لا في أصل الوصية، وأما
الوصية التمليكية فإن كانت تمليكا للنوع كالوصية للفقراء والسادة والطلبة
فهي كالعهدية لا يعتبر فيها القبول، وإن كانت تمليكا للشخص فالمشهور على
أنه يعتبر فيها القبول من الموصي ' له، فلا يكفي عدم الرد وان كان تبطل
بالرد إذا كان بعد الموت وقبل القبول.
مسألة 6 - يكفي في القبول بناءا على اعتباره كل ما دل على الرضا قولا
أو
216

فعلا، كأخذه الموصي ' به والتصرف فيه.
مسألة 7 - بناءا على اعتبار القبول لا فرق بين وقوعه في حياة الموصي أو
بعد موته، كما أنه لا فرق في الواقع بعد الموت بين أن يكون متصلا به أو
متأخرا عنه مدة.
مسألة 8 - لو رد بعضا وقبل بعضا صح فيما قبله وبطل فيما رده على
الأقوى لان الظاهر عدم تعلق قصد الموصي بتمليك المجموع من حيث المجموع.
مسألة 9 - لو مات الموصي ' له في حياة الموصي أو بعد موته قبل أن يصدر
منه رد أو قبول قام ورثته مقامه في الرد والقبول، فيملكون الموصي ' به
بقبولهم أو عدم رد هم كمورثهم لو لم يرجع الموصي عن وصيته قبل موته.
مسألة 10 - الظاهر أن الوارث يتلقى المال الموصي به من الموصي إبتداءا
لا انه ينتقل إلى الموصي له أولا ثم إلى وارثه وإن كانت القسمة في
صورة التعدد على حسب قسمة المواريث، فعلي هذا لا يخرج من الموصي ' به
ديون الموصي له ولا تنفذ فيه وصاياه.
مسألة 11 - إذا قبل بعض الورثة ورد بعضهم صحت الوصية فيمن قبل
وبطلت فيمن رد بالنسبة.
مسألة 12 - يعتبر في الموصي البلوغ والعقل والاختيار والرشد والحرية،
فلا تصح وصية الصبي. نعم الأقوى صحة وصية البالغ عشرا إذا كانت في
البر والمعروف كبناء المساجد والقناطر ووجوه الخيرات والمبرات، وكذا لا
تصح وصية المجنون ولو أدواريا في دور جنونه، ولا السكران، وكذا المكره و
السفيه والمملوك وان قلنا بملكه كما هو الأقوى.
مسألة 13 - يعتبر في الموصي مضافا إلى ما ذكر أن لا يكون قاتل نفسه متعمدا
،
217

فمن أوقع على نفسه جرحا أو شرب السم أو ألقي نفسه متعمدا من شاهق
مثلا مما يقطع أو يظن كونه مؤديا إلى الهلاك لم تصح وصيته المتعلقة
بأمواله، اما إن ايقاع ذلك خطاءا أو كان مع ظن السلامة فاتفق موته به
نفذت وصيته، ولو أوصي ثم أحدث في نفسه ما يؤدي إلى هلاكه لم تبطل
وصيته وإن كان حين الوصية بانيا على أن يحدث ذلك بعدها.
مسألة 14 - لا تبطل الوصية بعروض الإغماء والجنون للموصي وإن داما
حتى الممات.
مسألة 15 - يشترط في الموصي ' له الوجود حين الوصية، فلا تصح
الوصية للمعدوم، كما أوصي للميت أو لما تحمله المرأة في المستقبل ولمن
يوجد من أولاد فلان، ويجوز الوصية للحمل بشرط وجوده حين الوصية وإن لم
تلجه الروح وانفصاله حيا، فلو انفصل ميتا بطلت الوصية ورجع المال
ميراثا لورثة الموصي.
مسألة 16 - تصح الوصية للذمي وكذا للمرتد الملي إذا لم يكن المال مما
لا يملكه الكافر كالمصحف، ولا تصح للحربي ولا للمرتد عن فطرة على
إشكال فيهما.
مسألة 17 - لا تصح الوصية لمملوك الغير وان أجاز المالك، وتصح
لمملوك نفسه ولكن لا يملك الموصي به كالأحرار، بل ان كان بقدر قيمته
ينعتق ولا شيء له، وان كان أكثر من قيمته انعتق وكان الفاضل له، و
ان كان أقل ينعتق منه بمقداره وسعي للورثة في البقية، هذا في القن و
في المكاتب والمدبر تفصيل يطلب من مظانه في كتب الفقه.
مسألة 18 - يشترط في الموصي به في الوصية التمليكية أن يكون مالا أو
حقا
218

قابلا للنقل كحقي التحجير والاختصاص، من غير فرق في المال بين كونه
عينا أو دينا في ذمة الغير أو منفعة، وفي العين كونها موجودة فعلا أو مما
سيوجد، فتصح الوصية بما تحمله الدابة أو تثمر الشجر في المستقبل.
مسألة 19 - لا بد أن تكون العين الموصي بها ذات منفعة محللة مقصودة
حتى تكون مالا شرعا، فلا تصح الوصية بالخمر والخنزير وآلات اللهو والقمار
ولا بالحشرات وكلب الهراش ونحوها. وأن تكون المنفعة الموصي بها
محللة مقصودة، فلا تصح الوصية بمنفعة المغنية وآلات اللهو، وكذا منافع
القردة ونحوها.
مسألة 20 - لا تصح الوصية بمال الغير وإن أجاز المالك، سواء كان الإيصاء
به عن نفسه بأن جعل مال الغير لشخص بعد وفاة نفسه، أو عن الغير بأن
جعله لشخص بعد وفاة مالكه.
مسألة 21 - يشترط في الوصية العهدية أن يكون ما أوصي به عملا سائغا
تعلق به أغراض العقلاء، فلا تصح الوصية بصرف ماله في معونة الظلام وقطاع
الطريق وتعمير الكنائس ونشر كتب الضلال ونحوها، وكذا الوصية بما يكون صرف
المال فيه سفها أو عبثا.
مسألة 22 - لو أوصي بما هو سائغ عنده اجتهادا أو تقليدا غير سائغ عند
الوصي - كما إذا أوصي بنقل جنازته مع عروض الفساد عليها إلى أحد المشاهد و
كان ذلك سائغا عنده - لم يجب بل لم يجز عليه تنفيذها، ولو انعكس الامر
انعكس الامر.
مسألة 23 - لو أوصي لغير الولي بمباشرة تجهيزه كتغسيله والصلاة عليه
مع وجود الولي ففي نفوذها وتقديمه على الولي وعدمه وجهان بل قولان، لا
يخلوا ولهما عن رجحان، لكن لا يترك الاحتياط بأن يستأذن الوصي من الولي و
يأذن
219

الولي للوصي.
مسألة 24 - يشترط في نفوذ الوصية في الجملة أن لا يكون زائدا على الثلث
. وتفصيله: إن الوصية ان كانت بواجب مالي كأداء ديونه وأداء ما عليه من
الحقو كالخمس والزكاة والمظالم والكفارات، تخرج من أصل المال بلغ ما بلغ
، بل لو لم يوص بها يخرج من الأصل وإن استوعبت التركة، ويلحق به
الواجب المالي المشوب بالبدني كالحج ولو كان منذورا على الأقوى.
وان كانت تمليكية أو عهدية تبرعية - كما إذا أوصي بإطعام الفقراء
أو الزيارات أو إقامة التعزية ونحو ذلك - نفذت بمقدار الثلث، وفي الزائد
يتوقف على إمضاء الورثة وإجازتهم، فإن أمضوا صحت وإلا بطلت، من غير
فرق بين وقوع الوصية في حال الصحة أو في حال المرض. وكذا إذا كانت
بواجب غير مالي على الأقوى، كما إذا أوصي بالصلاة والصوم عنه إذا اشتغلت
ذمته بهما.
مسألة 25 - لا فرق فيما ذكر بين ما إذا كانت الوصية بكسر مشاع أو بمال
معين أو بمقدار من المال، فكما انه لو أوصي بثلث ماله نفذت في تمامه،
ولو أوصي بالنصف نفذت بمقدار الثلث وبطلت في الزائد (وهو السدس) بدون
إجازة الورثة، كذلك لو أوصي بمال معين فإنه ينسب إلى مجموع التركة
فإن كان بمقدار ثلث المجموع أو أقل نفذت في تمامه وإن كان أكثر نفذت
فيه بمقدار ما يساوي الثلث، وفي الزائد يتوقف على امضاء الورثة، وكذلك
الحال لو أوصي بمقدار من المال، كما إذا أوصي بألف دينار مثلا يقوم مجموع
التركة وينسب ما أوصي به إلى قيمة المجموع، فتنفذ في تمامه لو كان بمقدار
الثلث أو أقل، وفي المقدار الذي يساوي ثلث التركة لو كان أزيد ولم يجز
الورثة.
مسألة 26 - لو كانت إجازة الوارث لما زاد على الثلث بعد موت الموصي
نفذت بلا اشكال وان ردها قبل الموت، وكذا لو أجازها قبل الموت وبقي اجازتها
إلى ما
220

بعد الموت وأما لوردها بعد الموت فهل تنفذ الإجازة السابقة ولا أثر
للرد بعدها أم لا؟ قولان أقواهما الأول.
مسألة 27 - لو أجاز الوارث بعض الزيادة لا تمامها نفذت بمقدار ما أجاز،
فلو أوصي بثلثي ماله وأجاز الوارث النصف نفذت في هذا المقدار وبطلت في
الزائد وهو السدس من ماله.
مسألة 28 - لو أجاز بعض الورثة دون بعضهم نفذت الوصية في حق المجيز
في الزيادة وبطلت في حق غيره، فإذا كان للموصي ابن وبنت وأوصي لزيد
بنصف ماله قسمت التركة ثمانية عشر ونفذت في ثلثها وهو ستة، وفي الزائد -
وهو ثلاثة - احتاج إلى امضاء الابن والبنت، فان أمضيا معا نفذت في تمامها
، وان أمضي الابن دون البنت نفذت في الاثنين وبطلت في واحد فكان للموصي
له ثمانية، وإن كان بالعكس كان للموصي ' له سبعة.
مسألة 29 - لو أوصي بعين أو مقدار كلي من المال كمائة دينار يلاحظ في
كونه بمقدار الثلث أو أقل أو أزيد بالنسبة إلى أموال الموصي حين الوفاة لا
بالنسبة إلى أمواله الموجودة حال الوصية، فلو أوصي لزيد بعين كانت بمقدار
نصف أمواله حين الوصية لكن من جهة نقصان قيمتها أو زيادة قيمة غيرها أو
تجدد مال آخر له بعد ذلك صارت قيمتها بمقدار الثلث نفذت في الجميع، ولو
فرض انها كانت بمقدار الثلث حين الوصية لكن من جهة ارتفاع قيمتها أو نقصان
قيمة غيرها أو تلف بعض أمواله صارت بمقدار نصف ما تركه حين الموت نفذت
فيها بما يساوي الثلث وبطلت في الزائد لو لم تجز الورثة. وهذا مما لا اشكال
فيه، وانما الاشكال فيما إذا أوصي بكسر مشاع - كما إذا قال ثلث مالي لزيد
بعد وفاتي - ثم تجدد له بعد الوصية بعض الأموال وأنه هل تشمل الوصية
الزيادات المتجددة بعدها أم لا؟ سيما إذا لم تكن متوقعة الحصول. لكن الظاهر
نظرا إلى شاهد الحال أن المراد
221

بالمال، المال الذي لو لم يوص بالثلث كان
جميعه للورثة وهو ما كان له عند الوفاة. نعم لو كانت قرينة في كلامه تدل
على ان المراد الأموال الموجودة حال الوصية اقتصر عليها، كما إذا عد أمواله
ثم قال: ثلث أموالي لزيد بعد وفاتي.
مسألة 30 - الإجازة من الوارث إمضاء وتنفيذ، فلا يكفي مجرد الرضا
وطيب النفس من دون قول أو فعل يدلان على التنفيذ والإمضاء.
مسألة 31 - لا يعتبر في الإجازة كونها على الفور.
مسألة 32 - يحسب من التركة ما يملك بالموت كالدية بل وكذا ما يملكه
بعد الموت إذا أوجد الميت سببه قبل الموت، مثل ما يقع في الشبكة التي
نصبها الميت في زمان حياته فيخرج منه الدين ووصايا الميت إذا أوصي بالثلث
.
مسألة 33 - للموصي تعيين ثلثه في عين مخصوصة من التركة، وله
تفويض التعيين إلى الوصي فيتعين فيما عينه. ومع الإطلاق كما لو قال:
ثلث مالي لفلان كان شريكا مع الورثة بالإشاعة، فلا بد أن يكون الإفراز
والتعيين برضى الجميع كسائر الأموال المشتركة.
مسألة 34 - إنما يحسب الثلث بعد إخراج ما يخرج من الأصل كالدين والواجبات
المالية، فإن بقي بعد ذلك شي ء يخرج ثلثه.
مسألة 35 - لو أوصي بوصايا متعددة غير متضادة، فإن كانت من نوع
واحد وكانت الجميع واجبة مالية أو واجبة بدنية كانت الجميع بمنزلة وصية
واحدة فتنفذ الجميع من الأصل في الواجب المالي ومن الثلث في الواجب
البدني، فإن وفي الثلث بالجميع نفذت في الجميع، وكذا ان زادت عليه
وأجاز الورثة، وأما لو لم يجيزوا يوزع النقص على الجميع بالنسبة إن لم
يكن بينها ترتيب وتقديم وتأخير في الذكر، بأن أوصي بواجباته البدنية
مجموعها بوصية واحدة، واما إذا كان بينها
222

ترتيب - بان أوصي بصلاة أولا ثم
بالصوم - فيبدأ بالأول ثم الأول حتى يكمل الثلث. نعم في الواجبات
المالية ان لم تكف التركة بمجموعها يوزع النقص على المجموع أوصي أم لم
يوص الا في الحج، فإنه يقدم على الواجبات المالية من أقرب ما يمكن ثم
يوزع البقية على غيره. وفي الوصايا التبرعية أيضا ان لم يكن بينها
ترتيب بل كانت مجتمعة - كما إذا قال: أعطوا زيدا وعمرا وخالدا كلا
منهم مائة - كانت بمنزلة وصية واحدة، فان زادت على الثلث ولم يجز
الورثة ورد النقص على الجميع بالنسبة، وإن كانت بينها ترتيب وتقديم وتأخير
في الذكر - بأن كانت الثانية بعد تمامية الوصية الأولي والثالثة بعد تمامية
الثانية وهكذا، كما إذا قال: أعطوا زيدا مائة ثم قال أعطوا عمرا مائة ثم
قال أعطوا خالدا مائة، وكانت المجموع أزيد من الثلث ولم يجز الورثة - يبدأ
بالأول فالأول إلى أن يكمل الثلث، فإذا كان الثلث مائة نفذت الأولي
ولغت الأخيرتان، وإن كان مائتين نفذت الأوليان ولغت الأخيرة، وإن كان
مائة وخمسين نفذت الأولي والثانية في نصف الموصي به، ولغت البواقي،
وهكذا.
مسألة 36 - لو أوصي بوصايا مختلفة بالنوع - كما إذا أوصي بأن يعطي
مقدارا معين خمسا وزكاة، ومقدارا صوما وصلاة ومقدارا لإطعام الفقراء -
فإن أطلق ولم يذكر المخرج يبدأ بالواجب المالي فيخرج من الأصل، فإذا
بقي شي ء يعين ثلثه ويخرج منه البدني والتبرعي، فإن وفي بهما أو لم يف
بهما وأجاز الوارث نفذت في كليهما، وإن لم يف بهما ولم يجز الوارث في
الزيادة يقدم الواجب البدني ويرد النقص على التبرعي. وإن ذكر المخرج
وأوصي بأن تخرج من الثلث يعين الثلث، فيخرج منه المقدم ذكرا من
الواجبات حتى يكمل الثلث، فإن بقي بعد ذلك واجب مالي أو شي ء منه يخرج
من الأصل، وإن بقي واجب بدني لغت الوصية بالنسبة إليه، وكذلك تلغي
بالنسبة إلى التبرعي ما لم يؤت بالواجبات. هذا إن كانت الوصايا مرتبة
وإلا فيلغي التبرعي ويوزع النقص على الجميع ويكمل
223

الواجب المالي من أصل
التركة.
مسألة 37 - لو أوصي بوصايا متعددة متضادة - بأن كانت المتأخرة
منافية للمتقدمة - كما لو أوصي بعين شخصية لا حد ثم أوصي بها لاخر، ومثله ما
إذا أوصي بثلثه لشخص وقال أعطوا ثلثي لزيد بعد موتي ثم قال أعطوا ثلثي
لعمرو بعد موتي، كانت اللاحقة عدولا عن السابقة، فيعمل باللاحقة. ولو أوصي
بعين شخصي ثم أوصي بنصفها مثلا لشخص آخر فالظاهر كون الثانية عدولا
بالنسبة إلى نصفها لاتمامها، فيبقي النصف الآخر للأول.
مسألة 38 - متعلق الوصية ان كان كسرا مشاعا من التركة كالثلث أو الربع
مثلا ملكه الموصي له بالموت والقبول بناءا على اعتباره، وكان له من كل
شي ثلثه أو ربعه وشارك الورثة في التركة من حين ما ملكه. هذا في الوصية
التمليكية، وأما في الوصية العهدية - كما إذا أوصي بصرف ثلثه أو ربع
تركته في العبادات والزيارات - كان الموصي به فيها باقيا على حكم مال
الميت، فهو يشارك الورثة حين ما ملكوا بالإرث، فكان للميت من كل شي ء
ثلثه أو ربعه مثلا والباقي للورثة، وهذه الشركة باقية ما لم يفرز الموصي
به عن مال الورثة ولم تقع القسمة بينهم وبين الموصي له، فلو حصل نماء
متصل أو منفصل قبل القسمة كان بينهما، ولو تلفت من التركة شي ء كان منهما
. وان كان ما أوصي به مالا معينا يساوي الثلث أو دونه اختص به الموصي له
ولا اعتراض فيه للورثة ولا حاجة إلى اجازتهم، لما عرفت سابقا ان للموصي
تعيين ثلثه فيما شاء من تركته، لكن انما يستقر ملكية الموصي له أو الميت
في تمام الموصي به إذا كان يصل إلى الوارث ضعف ما أوصي به، فإذا كان
له مال حاضر عند الورثة هذا المقدار استقرت ملكية تمام المال المعين،
فللموصي له أو الوصي ان يتصرف فيه انحاء التصرف، وان كان ما عدا ما عين
للوصية غائبا توقف التصرف فيه على حصول مثليه بيد الورثة،
224

فان لم يحصل
بيدهم شي ء منه شاركوا الموصي له في المال المعين أثلاثا ثلث للموصي له و
ثلثان للورثة.
مسألة 39 - يجوز للموصي ان يعين شخصا لتنجيز وصاياه وتنفيذها، فيتعين ويقال
له " الموصي إليه " أو " الوصي " ويشترط فيه أمور: البلوغ
والعقل والإسلام، فلا تصح وصاية الصغير ولا المجنون ولا الكافر عن المسلم
وإن كان ذميا قريبا، وهل يشترط فيه العدالة كما نسب إلى المشهور أم
يكفي الوثاقة؟ لا يبعد الثاني، وان كان الأول أحوط.
مسألة 40 - انما لا تصح وصاية الصغير منفردا وأما منضما إلى الكامل
فلا بأس به، فيستقل الكامل بالتصرف إلى زمن بلوغ الصغير ولا ينتظر بلوغه
، فإذا بلغ شاركه من حينه وليس له اعتراض فيما أمضاه الكامل سابقا إلا
ما كان على خلاف ما أوصي به الميت فيرده إلى ما أوصي به، ولو مات
الصغير أو بلغ فاسد العقل، كان للكامل الانفراد بالوصاية وإن كان الأحوط
الاستيذان من الحاكم الشرعي إلا مع العلم بكونه وصيا مستقلا في هذه
الصورة.
مسألة 41 - لو طرأ الجنون على الوصي بعد موت الموصي، بطلت وصايته،
ولو أفاق بعد ذلك لم تعد واحتاج إلى نصب جديد من الحاكم.
مسألة 42 - لا يجب على الموصي إليه قبول الوصاية وله أن يردها ما
دام الموصي حيا بشرط أن يبلغه الرد، فلو كان الرد بعد موت الموصي أو قبله
ولكن لم يبلغه الرد حتى مات، لم يكن أثر للرد وكانت الوصاية لازمة على
الوصي، بل لو لم يبلغه أنه قد أوصي اليه وجعله وصيا إلا بعد موت
الموصي لزمته الوصاية وليس له ردها.
مسألة 43 - يجوز للموصي أن يجعل الوصاية لاثنين فما فوق، فإن نص
على
225

الاستقلال والانفراد فهو وإلا فليس لكل منهما الاستقلال بالتصرف لا في
جميع ما أوصي به ولا في بعضه، وليس لهما أن يقسما الثلث مثلا وينفرد كل
منهما في نصفه، من غير فرق في ذلك بين أن يشترط عليهما الاجتماع أو يطلق
، ولو تشاحا ولم يجتمعا أجبرهما الحاكم على الاجتماع، فإن تعذر استبدل بهما
.
مسألة 44 - لو مات أحد الوصيين أو طرأ عليه الجنون أو غيره مما يوجب ارتفاع
وصايته استقل الآخر ولا يحتاج إلى ضم شخص آخر من قبل الحاكم إذا كان
مستقلا قبل طرو ذلك على عدله، وأما في غيره فالأحوط بل الأقوى ضم الحاكم
اليه شخصا آخر يعمل معه بالوصية مشتركا. ولو ماتا معا احتاج إلى النصب
من قبله، فهل اللازم نصب اثنين أو يكفي نصب واحد إذا كان كافيا؟ وجهان
أحوطهما الأول وأقواهما الثاني.
مسألة 45 - يجوز أن يوصي إلى واحد في شي ء بعينه وإلي آخر في غيره،
ولا يشارك أحدهما الآخر.
مسألة 46 - لو قال " أوصيت إلى زيد فإن مات فإلي عمرو " صح
ويكونان وصيين إلا أن وصاية عمرو موقوفة على موت زيد، وكذا لو قال "
أوصيت إلى زيد فإن كبر ابني أو تاب عن فسقه أو اشتغل بالعلم فهو وصيي "
.
مسألة 47 - إذا ظهرت خيانة الوصي فللحاكم عزله ونصب شخص آخر مكانه أو ضم
أمين اليه حسب ما يراه من المصلحة، وأما لو ظهر منه العجز ضم اليه
من يساعده.
مسألة 48 - إذا لم ينجز الوصي ما أوصي اليه في زمن حياته ليس له أن
يجعل وصيا لتنجيزه وامضائه بعد موته الا إذا كان مأذونا من الموصي في
الايصاء.
مسألة 49 - الوصي أمين، فلا يضمن ما في يده إلا بالتعدي أو التفريط
ولو
226

بمخالفة الوصية، فيضمن لو تلف فضلا عما لو أتلف.
مسألة 50 - لو أوصي إليه بعمل خاص أو قدر مخصوص أو كيفية خاصة اقتصر عليه
ولم يتجاوز عنه إلى غيره، وأما لو أطلق - بأن قال أنت وصيي - من
دون ذكر المتعلق فالأقرب وقوعه لغوا إلا إذا كان هناك عرف خاص يدل على
المراد فهو المتبع كما في عرف الاعراب وبعض طوائف الاعجام، حيث ان
مرادهم بحسب الظاهر الولاية على أداء ما عليه من الديون واستيفاء ماله على
الناس ورد الأمانات والبضائع إلى أهلها وأخذها واخراج ثلثه وصرفه فيما ينفعه
ولو بنظر حاكم الشرع من استيجار العبادات وأداء الحقوق والمظالم ونحوها. نعم
في شموله بمجرده للقيمومة على الأطفال تأمل واشكال، فالأحوط ان يكون
تصديه لأمورهم باذن من الحاكم، ولعل المنساق منه في بعض البلاد ما يشملها
. وبالجملة بعد ما كان التعارف هو المدار فيختلف باختلاف الاعصار والأمصار.
مسألة 51 - ليس للوصي أن يعزل نفسه بعد موت الموصي ولا ان يفوض
أمر الوصية إلى غيره. نعم له التوكيل في ايقاع بعض الاعمال المتعلقة
بالوصية مما لم يتعلق الغرض الا بوقوعها من أي مباشر كان، خصوصا إذا كان
مما لم تجر العادة على مباشرة أمثال هذا الوصي ولم يشترط عليه المباشرة.
مسألة 52 - لو نسي الوصي مصرف الوصية صرف الموصي به في وجوه
البر المحتملة ان تكون مصرفا له لا فيما يقطع بخروجه عنه. هذا في غير
المحصورة من المحتملات، واما في المحصورة فلا بد من التراضي أو التصالح
القهري أو القرعة.
مسألة 53 - إذا أوصي الميت وصية عهدية ولم يعين وصيا ولم يوكل إلى
الورثة أو بطل وصاية من عينه بموت أو جنون وغير ذلك، تولي الحاكم أمرها
أو عين من يتولاه، ولو لم يكن الحاكم ولا منصوبه تولاه من المؤمنين من
يوثق به.
227

مسألة 54 - يجوز للموصي أن يجعل ناظرا على الوصي، ووظيفته تابعة
لجعل الموصي، فتارة من جهة الاستيثاق على وقوع ما أوصي به كما أوصي به
يجعل الناظر رقيبا على الوصي وان يكون أعماله باطلاعه حتى انه لو رأي
منه خلاف ما قرره الموصي لاعترض عليه، وأخرى من جهة عدم الاطمئنان
بانظار الوصي والاطمئنان التام بانظار الناظر يجعل على الوصي ان يكون
أعماله طبق نظر الناظر ولا يعمل الا ما رآه صلاحا، فالوصي وان كان وليا
مستقلا في التصرف لكنه غير مستقل في الرأي والنظر فلا يمضي من أعماله الا
ما وافق نظر الناظر، فلو استبد الوصي بالعمل على نظره من دون مراجعة الناظر
واطلاعه وكان عمله على طبق ما قرره الموصي فالظاهر صحة عمله ونفوذه على
الأول، بخلافه على الثاني، ولعل الغالب المتعارف في جعل الناظر في
الوصايا هو النحو الأول.
مسألة 55 - يجوز للأب مع عدم الجد وللجد للأب مع فقد الأب جعل القيم
على الصغار، ومعه لا ولاية للحاكم، وليس لغير الأب والجد للأب أن ينصب
القيم عليهم حتى الام.
مسألة 56 - يشترط في القيم على الأطفال ما اشترط في الوصي على المال
، والقول باعتبار العدالة هنا لا يخلو من قوة، وإن كان الاكتفاء بالأمانة
ووجود المصلحة غير بعيد.
مسألة 57 - لو عين الموصي على القيم تولي جهة خاصة وتصرفا مخصوصا اقتصر
عليه ويكون أمر الصغير في غيره إلى الحاكم أو المنصوب من قبله، فلو جعله
قيما بالنسبة إلى حفظ أمواله وما يتعلق بانفاقه ليس له الولاية على
أمواله بالبيع والإجارة والمزارعة وغيرها، ولا على نفسه بالإجارة ونحوها،
ولا على ديونه بالوفاء والاستيفاء، ولو أطلق وقال فلان قيم على أولادي
مثلا كان وليا علي جميع ما يتعلق بهم مما كان للموصي الولاية عليه، فله
الإنفاق عليهم
228

بالمعروف والانفاق على من عليهم نفقته كالأبوين الفقيرين
وحفظ أموالهم واستنمائها واستيفاء ديونهم وإيفاء ما عليهم كأرش ما أتلفوا من
أموال الناس وكفارة القتل ان قلنا بلزومه عليه دون الدية فإنها في العمد
والخطأ على العاقلة، وكذا إخراج الحقوق المتعلقة بأموالهم كالخمس إذا تعلق
بمالهم وغير ذلك. نعم في ولايته على تزويجهم كلام يأتي في محله
انشاء الله تعالي.
مسألة 58 - يجوز جعل الولاية على الأطفال لاثنين فما زاد
بالاستقلال والاشتراك وجعل الناظر على القيم كالوصية بالمال.
مسألة 59 - ينفق الوصي على الصبي من غير إسراف ولا تقتير، فيطعمه
ويلبسه عادة أمثاله ونظرائه، فإن أسرف ضمن الزيادة، ولو بلغ فأنكر أصل
الإنفاق أو ادعى عليه الإسراف فالقول قول الوصي بيمينه وكذا لو ادعي عليه
أنه باع ماله من غير حاجة ولا غبطة. نعم لو اختلفا في دفع المال إليه
بعد البلوغ فادعاه الوصي وأنكره الصبي قدم قول الصبي والبينة على الوصي
.
مسألة 60 - يجوز للقيم الذي يتولي أمور اليتيم أن يأخذ من ماله أجرة
مثل عمله، سواء كان غنيا أو فقيرا، وإن كان الأحوط الأولي للأول التجنب
. وأما الوصي على الأموال، فإن عين الموصي مقدار المال الموصي به وطبقه
على مصرفه المعين المقدر بحيث لم يبق شيئا لأجرة الوصي واستلزم أخذ
الأجرة أما الزيادة عن المال الموصي به أو النقصان في مقدار المصرف - كما
إذا أوصي بأن يصرف ثلثه أو عينا معينا من تركته أو مقدارا من المال
كألف درهم في استيجار عشرين سنة عبادة كل سنة كذا مقدارا وإطعام خمسين
فقيرا بخمسين درهما وقد ساوي المال المصرف بحيث لو أراد أن يأخذ شيئا
لنفسه لزم أحد الامرين المذكورين - لم يجز له أن يأخذ الأجرة لنفسه، حيث
ان مرجع هذه الوصية إلى الايصاء اليه بأن يتولي أمور الوصية تبرعا وبلا
أجرة، فهو كما أنه لو نص على
229

ذلك والوصي قد قبل الوصاية على هذا النحو
فلم يستحق شيئا.
وإن عين المال والمصرف على نحو قابل للزيادة والنقصان كان حاله
حال متولي الوقف في أنه لو لم يعين له جعلا معينا جاز له أن يأخذ أجرة
مثل عمله، وذلك كما إذا أوصي بأن يصرف ثلثه أو مقدارا معينا من المال
في بناء القناطر وتسوية المعابر وتعمير المساجد، وكذا لو أوصي بأن يعمر المسجد
الفلاني من ماله أو من ثلثه.
مسألة 61 - الوصية جائزة من طرف الموصي، فله أن يرجع عن وصيته
ما دام فيه الروح وتبديلها من أصلها أو من بعض جهاتها وكيفياتها ومتعلقاتها،
فله تبديل الموصي به كلا أو بعضا وتغيير الوصي والموصي له وغير ذلك، ولو
رجع عن بعض الجهات يبقي غيرها بحالها، فلو أوصي بصرف ثلثه في مصارف
مخصوصة وجعل الوصاية لزيد ثم بعد ذلك عدل عن وصاية زيد وجعل الوصاية لعمرو
تبقي أصل الوصية بحالها وكذلك إذا أوصي بصرف ثلثه في مصارف معينة على يد
زيد ثم بعد ذلك عدل عن تلك المصارف وعين مصارف أخر، وهكذا. وكما له
الرجوع في الوصية المتعلقة بالمال كذلك له الرجوع في الوصية بالولاية
على الأطفال.
مسألة 62 - يتحقق الرجوع عن الوصية بالقول، وهو كل لفظ دال عليه
بحسب متفاهم العرف بأي لغة كان، نحو " رجعت عن وصيتي أو أبطلتها أو عدلت
عنها أو نقضتها " ونحوها، وبالفعل وهو إما بإعدام موضوعها كإتلاف الموصي
به، وكذا نقله إلى الغير بعقد لازم كالبيع أو جائز كالهبة مع القبض، وإما
بما يعد عند العرف رجوعا وإن بقي الموصي به بحاله وفي ملكه، كما إذا
وكل شخصا على بيعه أو وهبه ولم يقبضه بعد.
مسألة 63 - الوصية بعدما وقعت تبقي على حالها ويعمل بها ما لم يرجع الموصي
وإن طالت المدة، ولو شك في الرجوع - ولو للشك في كون لفظ أو فعل
230

رجوعا
- يحكم ببقائها وعدم الرجوع، لكنه فيما إذا كانت الوصية مطلقة بأن
كان مقصود الموصي وقوع مضمون الوصية والعمل بها بعد موته في أي زمان قضي
الله عليه، فلو كانت مقيدة بموته في سفر كذا ولم يتفق موته في ذلك السفر
أو في ذاك المرض بطلت تلك الوصية ويحتاج إلى وصية جديدة.
ولا ريب ان الغالب في الوصايا ولا سيما ما تقع عند المسافرة إلى البلاد
البعيدة بالطريق غير المأمونة كسفر الحج ونحوه وفي حال الأمراض الشديدة
وأمثال ذلك قصر نظر الموصي إلى موته في ذلك السفر وفي ذلك المرض، وقد
يصرح بذلك، وقد يشهد بذلك ظاهر حاله، بحيث لو سئل عنه: إذا رجعت عن هذا
السفر سالما أو طبت عن هذا المرض انشاء الله تعالي وبقيت مدة مديدة هل
نعمل بهذه الوصية أم لا؟ لقال لا، لابد لي من نظر جديد أو وصية أخرى.
وحينئذ يشكل العمل بالوصايا الصادرة عند الاسفار وفي حال الأمراض بمجرد عدم
رجوع الموصي وعدم نسخها بوصية أخرى، خصوصا مع طول المدة، نعم لو لم
يستفد من هذه القرائن تقيد وصيته بموته في هذا السفر يستصحب بقاء وصيته
السابقة
مسألة 64 - لا تثبت الوصية للولاية، سواء كانت على المال أو على الأطفال
، إلا بشهادة عدلين من الرجال، ولا تقبل فيها شهادة النساء لا منفردات
ولا منضمات بالرجال. وأما الوصية بالمال فهي كسائر الدعاوي المالية تثبت
بشهادة رجلين عدلين وشاهد ويمين وشهادة رجل وامرأتين، وتمتاز من بين
الدعاوي المالية بأمرين: أحدهما - أنها تثبت بشهادة النساء منفردات وان لم
تكمل أربع ولم تنضم اليمين، فيثبت ربع الوصية بواحدة ونصفها باثنتين
وثلاثة أرباعها بثلاث وتمامها بأربع. ثانيهما - أنها تثبت بشهادة رجلين
ذميين عدلين في دينهما عند الضرورة وعدم عدول المسلمين، نعم لا تقبل
شهادة غير أهل الذمة من الكفار.
231

مسألة 65 - إذا كانت الورثة كبارا وأقروا كلهم بالوصية بالثلث وما دونه
لوارث أو أجنبي، أو بأن يصرف على الفقراء مثلا، تثبت في تمام الموصي به
ويلزمون بالعمل أخذا بإقرارهم ولا يحتاج إلى بينة، وإذا أقر بها بعضهم
دون بعض، فإن كان المقر اثنين عادلين ثبتت أيضا في التمام لكونه
اقرارا بالنسبة إلى المقر وشهادة بالنسبة إلى غيره فلا يحتاج إلى بينة
أخرى، والا ثبتت بالنسبة إلى حصة المقر خاصة أخذا باقراره، وأما بالنسبة
إلى حصة الباقين يحتاج إلى البينة.
نعم لو كان المقر عدلا واحدا وكانت الوصية بالمال لشخص أو أشخاص كفي ضم
يمين المقر له مع اقرار المقر في ثبوت التمام بل لو كان المقر امرأة ثبتت
في ربع حصة الباقين إن كانت واحدة وفي نصفها إن كانت اثنتين وفي
ثلاثة أرباعها إن كانت ثلاثا وفي تمامها إن كانت أربع. وبالجملة بعدما
كان المقر من الورثة شاهدا بالنسبة إلى حصة الباقي كان كالشاهد الأجنبي
فيثبت به ما يثبت به.
مسألة 66 - إذا أقر الوارث بأصل الوصية كان كالأجنبي، فليس له
إنكار وصاية من يدعي الوصاية، ولا يسمع منه هذا الإنكار كغيره. نعم لو
كانت الوصية متعلقة بالقصر أو العناوين العامة كالفقراء أو وجوه القرب
كالمساجد والمشاهد، أو الميت نفسه كاستيجار العبادات والزيارات له ونحو ذلك
كان لكل من يعلم بكذب من يدعي الوصاية خصوصا إذا رأي منه الخيانة،
الإنكار عليه والترافع معه عند الحاكم من باب الحسبة، لكن الوارث
والأجنبي في ذلك سيان. نعم فيما إذا تعلقت بأمور الميت لا يبعد أو لوية
الوارث من غيره واختصاص حق الدعوى به مقدما على غيره.
مسألة 67 - إذا تصرف الإنسان في مرض موته، فإن كان معلقا على موته
- كما إذا قال أعطوا فلانا بعد موتي كذا أو هذا المال المعين أو ثلث مالي أو
ربعه أو نصفه مثلا لفلان بعد موتي ونحو ذلك - فهو وصية، وقد عرفت أنها
نافذة مع
232

اجتماع الشرائط ما لم تزد على الثلث، وفي الزائد موقوف على
إجازة الورثة كالواقعة في مرض آخر غير مرض الموت أو في حال الصحة. وإن
كان منجزا - بمعني كونه غير معلق على الموت وإن كان معلقا على أمر آخر -
فإن لم يكن مشتملا على المجانية والمحاباة كبيع شي ء بثمن المثل وإجارة
عين بأجرة المثل فهو نافذ بلا إشكال، وإن كان مشتملا على المحاباة -
بان لم يصل ما يساوي ماله اليه سواء كان مجانا محضا كالوقف والإبراء
والهبة غير المعوضة، أم لا كالبيع بأقل من ثمن المثل والإجارة بأقل من
أجرة المثل والهبة المعوضة بما دون القيمة وغير ذلك - ففي نفوذه مطلقا أو
كونه مثل الوصية في توقف ما زاد على الثلث على امضاء الورثة؟ قولان
معروفان، أقواهما الأول كما مر في كتاب الحجر.
مسألة 68 - إذا جمع في مرض الموت بين عطية منجزة ومعلقة بالموت،
فإن وفي الثلث بهما لا إشكال في نفوذهما في تمام ما تعلقتا به، وإن لم
يف بهما فعلي المختار من اخراج المنجزة من الأصل يبدأ بها، فتخرج من
الأصل وتخرج المعلقة من ثلث ما بقي، واما على القول الاخر فان أمضي
الورثة تنفذان معا وان لم يمضوا تخرجان معا من الثلث، ويبدأ أولا
بالمنجزة فان بقي شي ء يصرف في المعلقة.
233

كتاب اليمين
235

كتاب اليمين
ويطلق عليه الحلف والقسم، وهي على ثلاثة أقسام:
الأول: ما يقع تأكيدا وتحقيقا للإخبار عما وقع في الماضي أو عن الواقع
في الحال أو عما يقع في الاستقبال من غير التزام بإيقاعه، كما قال "
والله جاء زيد بالأمس " أو " هذا المال لي "،
الثاني: يمين المناشدة، وهو ما يقرن به الطلب والسؤال يقصد به
حث المسؤول على إنجاح المقصود، كقول السائل " أسألك بالله أن تعطيني كذا "
. ويقال للقائل " الحالف " و " المقسم " وللمسؤول " المحلوف عليه " و "
المقسم عليه ". والأدعية المأثورة وغير ها مشحونة بهذا القسم من القسم.
الثالث: يمين العقد، وهو ما يقع تأكيدا أو تحقيقا لما بني عليه والتزم
به من إيقاع أمر أو تركه في المستقبل، كقوله " والله لأصومن أو لا تركن
شرب الدخان " مثلا.
لا اشكال في انه لا ينعقد القسم الأول ولا يترتب عليه شي ء سوي الاثم
فيما لو كان كاذبا في اخباره عن عمد، وهي المسماة بيمين الغموس التي في
بعض الاخبار عدت من الكبائر، وفي بعضها انها تدع الديار بلاقع، وقد قيل
انها سميت بالغموس لأنها تغمس صاحبها في الاثم أو في النار. وكذا لا ينعقد
القسم الثاني و
237

لا يترتب عليه شي ء من اثم أو كفارة لا على الحالف في
احلافه ولا على المحلوف عليه في حنثه وعدم انجاح مسؤوله. واما القسم
الثالث فهو الذي ينعقد عند اجتماع الشرائط الآتية، ويجب بره والوفاء به و
يحرم حنثه ويترتب على حنثه الكفارة.
مسألة 1 - لا ينعقد اليمين إلا باللفظ أو ما يقوم مقامه كإشارة الأخرس،
وفي انعقاده بالكتابة للقادر على التكلم إشكال، وأما العاجز فلا يترك
الاحتياط بالبر والكفارة مع الحنث. والظاهر أنه لا تعتبر فيها العربية،
خصوصا في متعلقاتها.
مسألة 2 - لا ينعقد اليمين إلا إذا كان المقسم به هو " الله " جل شأنه،
اعني ذاته المقدسة: إما بذكر اسمه العلمي المختص به كلفظ الجلالة ويلحق
به ما لا يطلق على غيره كالرحمن، أو بذكر الأوصاف والافعال المختصة به
التي لا يشاركه فيها غيره كقوله " ومقلب القلوب والابصار والذي نفسي بيده
والذي فلق الحبة وبرئ النسمة " وأشباه ذلك، أو بذكر الأوصاف والافعال
المختصة التي تطلق في حقه تعالي وفي حق غيره، لكن الغالب إطلاقها في
حقه بحيث ينصرف إطلاقها إليه كقوله " والرب والخالق والباري ء والرازق
والرحيم ". ولا ينعقد بما لا ينصرف اطلاقه اليه كالموجود والحي والسميع
والبصير والقادر وإن نوي بها الحلف بذاته المقدسة على إشكال، فلا يترك
الاحتياط.
مسألة 3 - المعتبر في انعقاد اليمين أن يكون الحلف بالله تعالي لا بغيره،
فكل ما صدق عرفا أنه قد حلف به تعالي انعقد اليمين به. والظاهر صدق ذلك
بأن يقول " وحق الله وبجلال الله وعظمة الله وكبرياء الله "، بل وبقوله "
وقدرت الله وعلم اللهو لعمر الله " إذا كان ممن لا يري معانيها زائدة على
الذات فان الظاهر منه انه أراد بها ذاته المقدسة.
مسألة 4 - لا يعتبر في انعقاده أن يكون إنشاء القسم بحروفه، بأن يقول "
والله "
238

أو " بالله " أو " تالله لأفعلن "، بل لو أنشأه بضيغتي القسم والحلف
كقوله " أقسمت بالله " " حلفت بالله " انعقد أيضا. نعم لا يكفي لفظي " أقسمت
وحلفت " بدون لفظ الجلالة أو ما هو بمنزلته.
مسألة 5 - لا ينعقد اليمين بالحلف بالنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة: وسائر النفوس المقدسة
المعظمة، ولا بالقرآن الشريف ولا بالكعبة المشرفة وسائر الأمكنة الشريفة
المحترمة.
مسألة 6 - لا ينعقد اليمين بالطلاق والعتاق، بأن يقول: زوجتي طالق أو
عبدي حر ان فعلت كذا أو إن لم أفعل كذا، فلا يؤثر مثل هذا اليمين لا في
حصول الطلاق والعتاق بالحنث ولا في ترتب اثم أو كفارة عليه، وكذا اليمين
بالبراءة من الله أومن رسوله صلي الله عليه وآله أو من دينه أو من
الأئمة، بان يقول مثلا برئت من الله أو من دين الاسلام ان فعلت كذا أو
ان لم افعل كذا، فلا يؤثر في ترتب الإثم أو الكفارة على حنثه نعم هذا
اليمين بنفسه حرام ويأثم حالفه، من غير فرق بين الصدق والكذب والحنث
وعدمه، ففي خبر يونس بن ظبيان عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: يا يونس لا
تحلف بالبراءة منا، فإن من حلف بالبراءة منا صادقا أو كاذبا بريء منا.
وفي خبر آخر عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه سمع رجلا يقول: أنا
بري ء من دين محمد، فقال صلي الله عليه وآله وسلم: ويلك إذا برئت من دين
محمد فعلي دين من تكون، قال: فما كلمه رسول الله صلي الله عليه وآله و
سلم حتى مات. بل الأحوط تكفير الحالف بإطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد
ويستغفر الله تعالي شأنه. ومثل اليمين بالبراءة أن يقول: إن لم افعل
كذا أو لم أترك فأنا يهودي أو نصراني مثلا.
مسألة 7 - لو علق اليمين على مشيته الله تعالي - بأن قال والله لأفعلن كذا
إن شاء الله - وكان المقصود التعليق على مشيته تعالي لا مجرد التبرك بهذه
الكلمة لم
239

تنعقد، نعم إذا كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام تنعقد
على الأحوط الأولي. وإذا علق على مشية غيره - بان قال والله لأفعلن كذا
ان شاء زيد مثلا - فإنه تنعقد على تقدير مشيته، فان قال زيد انا شئت ان
تفعل كذا انعقدت وتحقق الحنث بتركه، وان قال لم أشأ لم تنعقد، وكذا لو
لم يعلم انه شاء أولم يشاء، وكذلك الحال لو علق على شي ء آخر غير المشية،
فإنه تنعقد على تقدير حصول المعلق عليه، فيحنث لو لم يأت بالمحلوف عليه
على ذلك التقدير.
مسألة 8 - يعتبر في الحالف البلوغ والعقل والاختيار والقصد، فلا تنعقد
يمين الصغير والمجنون مطبقا أو أدوارا ولا المكره ولا السكران، بل ولا
الغضبان في شدة الغضب السالب للقصد.
مسألة 9 - لا تنعقد يمين الولد مع منع الوالد، ولا يمين الزوجة مع منع
الزوج، ولا يمين المملوك مع منع المالك الا ان يكون المحلوف عليه فعل
واجب أو ترك حرام. ولو حلف أحد الثلاثة في غير ذلك كان للأب أو الزوج أو
المالك حل اليمين وارتفع اثرها، فلو حنث لا كفارة عليه. وهل يشترط اذنهم
ورضاهم في انعقاد يمينهم حتى انه لو لم يطلعوا على حلفهم أو لم يحلوا مع
علمهم لم تنعقد من أصلها أو لا، بل كان منعهم مانعا عن انعقادها وحلهم
رافعا لاستمرارها فصحت وانعقدت في الصورتين المزبورين؟ قولان أقواهما الأول
وان كان الثاني هو الأحوط.
مسألة 10 - لا اشكال في انعقاد اليمين إذا تعلقت بفعل واجب أو مستحب
أو بترك حرام أو مكروه، وفي عدم انعقادها إذا تعلقت بترك واجب أو مستحب
أو بفعل حرام أو مكروه. وأما المباح المتساوي الطرفين في الدين وفي نظر
الشرع، فإن ترجح فعله على تركه بحسب المنافع والاغراض العقلائية
الدنيوية أو العكس فلا إشكال في انعقادها إذا تعلقت بطرفه الراجح وعدم
انعقادها إذا تعلقت بطرفه
240

المرجوح، وأما إذا ساوي طرفاه بحسب الدنيا أيضا
فهل تنعقد إذا تعلقت به فعلا أو تركا؟ قولان أشهرهما وأحوطهما أولهما، ولا يخلو
من قوة.
مسألة 11 - كما لا تنعقد اليمين على ما كان مرجوحا كذلك تنحل إذا
تعلقت براجح ثم صار مرجوحا، ولو عاد إلى الرجحان لم تعد اليمين بعد
انحلالها على الأقوى.
مسألة 12 - انما تنعقد اليمين على المقدور دون غيره، ولو كان مقدورا ثم
طرأ العجز عنه بعد اليمين انحلت اليمين، ويلحق بالعجز العسر والحرج
الرافعان للتكليف.
مسألة 13 - إذا انعقدت اليمين وجب عليه الوفاء بها وحرمت مخالفتها
ووجبت الكفارة بحنثها، والحنث الموجب للكفارة هو المخالفة عمدا، فلو كانت
جهلا بالموضوع أو نسيانا أو اضطرارا أو إكراها مطلقا فلا حنث ولا كفارة.
مسألة 14 - إذا كان متعلق اليمين الفعل كالصلاة والصوم، فإن عين له
وقتا تعين وكان الوفاء بها الاتيان به في وقته وحنثها بعدم الاتيان به في
وقته وأن أتى به في وقت آخر، وان اطلق كان الوفاء بها بايجاده في اي
وقت كان ولو مرة وحنثها بتركه بالمرة. ولا يجب التكرار ولا الفور والبدار،
ويجوز له التأخير ولو بالاختيار إلى ان يظن الفوت لظن طرو العجز أو عروض
الموت.
وإن كان متعلقها الترك - كما إذا حلف أن لا يأكل الثوم أو لا يشرب
الدخان - فإن قيده بزمان كان حنثها بايجاده ولو مرة في ذلك الزمان،
وإن أطلق كان مقتضاه التأبيد مدة العمر، فلو أتي به مدته ولو مرة في
أي زمان تحقق الحنث.
مسألة 15 - إذا كان المحلوف عليه الاتيان بعمل كصوم يوم - سواء كان
مقيدا بزمان كصوم يوم من شعبان أو مطلقا من حيث الزمان - لم يكن له
إلا حنث واحد،
241

فلا تتكرر فيه الكفارة، إذ مع الإتيان به في الوقت
المعين أو مدة العمر ولو مرة لا مخالفة ولا حنث، ومع تركه بالمرة تحقق
الحنث الموجب للكفارة. وكذلك إذا كان ترك عمل على الإطلاق، سواء كان
مقيدا بزمان كما إذا حلف على ترك شرب الدخان في يوم الجمعة أو غير مقيد
به كما إذا حلف على تركه مطلقا، لان الوفاء بهذه اليمين انما هو بترك
ذلك العمل بالمرة وحنثها بايقاعه ولو مرة، فلو اتي به حنث وانحلت اليمين
، فلو اتي به مرارا لم يحنث الا بالمرة الأولي فلا تتكرر الكفارة، هذا مما
لا اشكال فيه وانما الاشكال في مثل ما إذا حلف على ان يصوم كل خميس أو
حلف على ان لا يأكل الثوم في كل جمعة مثلا، فهل يتكرر الحنث والكفارة إذا
ترك الصوم في أكثر من يوم أو اكل الثوم في أكثر من جمعة واحدة أم لا،
بل تنحل اليمين بالمخالفة الأولي فلا حنث بعدها؟ قولان أقواهما الأول.
مسألة 16 - كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم،
فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام، وسيجئ ء تفصيلها وما يتعلق بها من الاحكام
في كتاب الكفارات انشاء الله تعالي.
مسألة 17 - الايمان الصادقة كلها مكروهة، سواء كانت على الماضي أو المستقبل
، وتتأكد الكراهة في الأول. ففي خبر الخزاز عن مولانا الصادق (عليه السلام):
لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين، فإنه يقول عز وجل: ولا تجعلوا الله
عرضة لايمانكم. وفي خبر ابن سنان عنه (عليه السلام): اجتمع الحواريون إلى
عيسى على نبينا وآله (عليه السلام) فقالوا: يا معلم الخير أرشدنا. فقال لهم:
إن موسي نبي الله أمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين، وأنا آمركم أن لا
تحلفوا بالله كاذبين ولا صادقين.
نعم لو قصد بها رفع مظلمة عن نفسه أو عن غيره من إخوانه جاز بلا كراهة
ولو كذبا. ففي خبر زرارة عن الباقر (عليه السلام): إنا نمر بالمال على
العشارين فيطلبون منا أن نحلف لهم ويخلون سبيلنا ولا يرضون منا إلا بذلك؟
فقال: إحلف لهم فهو أحلي
242

من التمر والزبد.
بل ربما تجب اليمين الكاذبة لدفع ظالم عن نفسه أو عرضه أو عن نفس
مؤمن أو عرضه، لكن إذا كان ملتفتا إلى التورية ويحسنها فالأحوط لو لم
يكن الأقوى أن يوري، بأن يقصد باللفظ خلاف ظاهره من دون قرينة مفهمة.
مسألة 18 - الأقوى أنه يجوز الحلف بغير الله تعالي في الماضي والمستقبل
وإن لم يترتب على مخالفته إثم ولا كفارة، كما أنه ليس قسما فاصلا في
الدعاوي والمرافعات.
243

كتاب النذر
245

كتاب النذر
مسألة 1 - النذر - وهو الالتزام بعمل لله تعالي على نحو مخصوص - لا
ينعقد بمجرد النية، بل لا بد من الصيغة، وهي كل ما كانت مفادها إنشاء
الالتزام بفعل أو ترك لله تعالي، كأن يقول " لله على أن أصوم أو أن
أترك شرب الخمر " مثلا. وهل يعتبر في الصيغة قول " لله " بالخصوص أو يجزي
غير هذه اللفظة من أسمائه المختصة كما تقدم في اليمين؟ الظاهر هو الثاني،
فكل ما دل على الالتزام بعمل للهجل شانه يكفي في الانعقاد، بل لا يبعد
انقعاده بما يرادف القول المزبور من كل لغة، خصوصا لم لم يحسن العربية.
نعم لو اقتصر على قوله " على كذا " لم ينعقد النذر وان نوي في ضميره معني
لله، ولو قال " نذرت لله ان أصوم " مثلا أو " على نذر صوم يوم " مثلا لم
ينعقد على اشكال، فلا يترك الاحتياط.
مسألة 2 - يشترط في الناذر البلوغ والعقل والاختيار والقصد وانتفاء الحجر
في متعلق النذر، فلا ينعقد نذر الصبي وإن كان مميزا وبلغ عشرا، ولا
المجنون ولو أدواريا حال دوره، ولا المكره ولا السكران، بل ولا الغضبان
غضبا رافعا للقصد، وكذا السفيه ان كان المنذور مالا ولو في ذمته، والمفلس
إن كان المنذور من المال الذي حجر عليه وتعلق به حق الغرماء.
مسألة 3 - لا يصح نذر الزوجة مع منع الزوج، وان كان متعلقا بمالها ولم
يكن
247

العمل به مانعا عن الاستمتاع بها، ولو اذن لها في النذر فنذرت عن
اذنه انعقد وليس له بعد ذلك حله ولا المنع عن الوفاء به. وهل يشترط
انعقاد نذر الزوجة باذن زوجها وانعقاد نذر الولد باذن الوالد فلا ينعقد بدونه أو
ينعقد وللزوج والوالد حله أو لا يشترط بالاذن ولا لهما حله؟ فيه خلاف واشكال
، والأحوط بل الأقوى ان يكون باذنهما ثم بعد ذلك لزم وليس لهما حله ولا
منعهما عن الوفاء به.
مسألة 4 - النذر: إما نذر بر، ويقال له " نذر المجازاة "، وهو ما علق على
أمر إما شكرا لنعمة دنيوية أو أخروية، كأن يقول " إن رزقت ولدا أو إن
وفقت لزيارة بيت الله فلله على كذا " وإما استدفاعا لبلية، كأن يقول "
إن شفي الله مريضي فلله على كذا ". وإما نذر زجر، وهو ما علق على فعل
حرام أو مكروه زجرا للنفس عن ارتكابهما مثل أن يقول " إن تعمدت الكذب أو
بلت في الماء فلله على كذا " أو على ترك واجب أو مستحب زجرا لها من تركهما
، مثل ان يقول " إن تركت فريضة أو نافلة الليل فلله على كذا ". واما نذر
تبرع، وهو ما كان مطلقا ولم يعلق على شي ء كان يقول " لله على ان أصوم
غدا ". لا اشكال ولا خلاف في انعقاد الأولين، وفي انعقاد الأخير قولان،
أقواهما الانعقاد.
مسألة 5 - يشترط في متعلق النذر - سواء كان معلقا ومشروطا شكرا أو زجرا أو
كان تبرعا - ان يكون مقدورا للناذر، وان يكون طاعة لله تعالي صلاة أو
صوما أو حجا أو صدقة أو عتقا ونحوها مما يعتبر في صحتها القربة أو أمرا ندب
اليه الشرع، ويصح التقرب به كزيارة المؤمنين وتشييع الجنائز وعيادة
المرضي وغيرها، فينعقد في كل واجب أو مندوب ولو كفائيا كتجهيز الموتى إذا
تعلق بفعله، وفي كل حرام أو مكروه إذا تعلق بتركه. واما المباح - كما إذا
نذر اكل طعام أو تركه - فان قصد به معني راجحا كما لو قصد بأكله التقوي على
العبادة أو بتركه منع النفس عن الشهوة فلا اشكال في انعقاده، كما لا
اشكال في عدم الانعقاد فيما إذا
248

صار متعلق النذر فعلا أو تركا بسبب اقترانه
ببعض العوارض مرجوحا ولو دنيويا، واما إذا لم يقصد به معني راجحا ولم يطرأ
عليه ما يوجب رجحانه أو مرجوحيته فالظاهر عدم انعقاد النذر به.
مسألة 6 - قد عرفت ان النذر اما معلق على امر أو غير معلق، والأول
على قسمين نذر شكر ونذر زجر، فليعلم ان المعلق عليه في نذر الشكر اما من
فعل الناذر أو من فعل غيره أو من فعل الله تعالي، ولابد في الجميع من ان
يكون أمرا صالحا لان يشكر عليه حتى يقع المنذور مجازاة له، فان كان من
فعل الناذر فلا بدان يكون طاعة لله تعالي من فعل واجب أو مندوب أو ترك
حرام أو مكروه، فيلتزم بالمنذور شكرا له تعالي حيث انه وفقه عليها، مثل
ان يقول " ان حججت في هذه السنة أو زرت زيارة عرفة أو ان تركت الكبائر أو
المكروه الفلاني في شهر رمضان فلله على ان أصوم شهرا "، فلو علق النذر
شكرا على ترك واجب أو مندوب أو فعل حرام أو مكروه لم ينعقد.
وان كان من فعل غيره، فلا بد ان يكون مما فيه منفعة دينية أو دنيوية
للناذر صالحة لان يشكر عليها شرعا أو عرفا، مثل ان يقول " ان اقبل الناس
على الطاعات فلله على كذا " أو يقول " ان قدم مسافري أو لم يقدم عدوي
والذي يؤذنيي فلله على كذا "، فان كان على عكس ذلك مثل ان يقول " ان
تجاهر الناس على المعاصي أو شاع بينهم المنكرات فلله على صوم شهر " مثلا
لم ينعقد.
وان كان من فعله تعالي لزم ان يكون أمرا يسوغ تمنيه ويحسن طلبه منه
تعالي كشفاء مريض أو اهلاك عدو ديني أو امن في البلاد أو سعة على العباد
ونحو ذلك، فلا ينعقد ان كان على عكس ذلك، كما إذا قال " ان أهلك الله هذا
المؤمن الصالح " أو " ان شفي الله هذا الكافر الطالح " أو قال " ان وقع
القحط في البلاد أو شمل الخوف على العباد فلله على كذا "
249

هذا في نذر الشكر، واما نذر الزجر فلا بد ان يكون الشرط والمعلق عليه فعلا أو
تركا اختياريا للناذر وكان صالحا لان يزجر عنه حتى يقع النذر زاجرا عنه
، كفعل حرام أو مكروه، مثل ان يقول " ان تعمدت الكذب أو تعمدت الضحك
في المقابر مثلا فلله على كذا " أو ترك واجب أو مندوب كما إذا قال " ان
تركت الصلاة أو نافلة الليل فلله على كذا ".
مسألة 7 - إذا كان الشرط فعلا اختياريا للناذر فالنذر المعلق عليه قابل
لان يكون نذر شكر وان يكون نذر زجر، والمايز هو القصد، مثلا إذا قال " ان
شربت الخمر فلله على كذا " ان كان في مقام زجر النفس وصرفها عن الشرب
وإنما أوجب على نفسه شيئا على تقدير شربه ليكون زاجرا عنه فهو نذر زجر
فينعقد، وان كان في مقام تنشيط النفس وترغيبها وقد جعل المنذور جزاءا
لصدوره منه وتهيؤ أسبابه له كان نذر شكر فلا ينعقد.
مسألة 8 - لو نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معين تعين، فلو اتي
بها في زمان آخر مقدم أو مؤخر لم يجز، وكذا لو نذرها في مكان فيه رجحان
فلا يجزي في غيره وان كان أفضل. واما لو نذرها في مكان ليس فيه رجحان
ففي انعقاده وتعينه وجهان بل قولان، أقواهما الانعقاد ان تعلق النذر
باتيان هذا الفرد من الصلاة. نعم لو نذر ايقاع بعض فرائضه أو بعض نوافله
الراتبة كصلاة الليل أو شهر رمضان مثلا في مكان أو بلد لا رجحان فيه بحيث
لم يتعلق النذر بأصل الصلاة والصيام، بل تعلق بايقاعهما في المكان الخاص
، فالظاهر عدم انعقاد النذر لعدم الرجحان في متعلقه. هذا إذا لم يطرأ عليه
عنوان راجح حين العمل مع كونه معلوما حين النذر، مثل كونه أفرغ للعبادة
أو ابعد عن الرياء ونحو ذلك، والا فلا اشكال في الانعقاد.
مسألة 9 - لو نذر صوما ولم يعين العدد كفي صوم يوم، ولو نذر صلاة ولم
يعين
250

الكيفية والكمية يجزي ركعتان ولا يجزي ركعة على الأقوى ان كان
المنذور غير الرواتب والا فلا يبعد اجزاء مفردة الوتر، نعم في اجزاء ركعة
الاحتياط تأمل.
ولو نذر صدقة ولم يعين جنسها ومقدارها كفي أقل ما يتناوله الاسم، ولو نذر
ان يفعل قربة اتي بعمل قربي ويكفي صيام يوم أم التصدق بشيء أو صلاة ولو
مفردة الوتر وغير ذلك.
مسألة 10 - لو نذر صوم عشرة أيام مثلا، فإن قيد بالتتابع أو التفريق
تعين وإلا تخير بينهما. ولو نذر صيام سنة أو نذر صوم شهر فلا يبعد ظهوره في
التتابع.
ويكفي في صوم الشهر ما بين الهلالين من شهر ولو ناقصا، وله ان يشرع فيه
في أثناء الشهر، وحينئذ فهل يجب اكمال ثلاثين أو يكفي التلفيق - بان يكمل
من الشهر التالي مقدار ما مضي من الشهر الأول - الأحوط الأول، ولو نذر صيام
اثني عشر شهرا فالظاهر انه يكفي الاتيان بها متفرقا في الشهور لا في الأيام
كما انه لو نذر صيام ثلاثين يوما يكفي فيه الاتيان بها متفرقا
مسألة 11 - إذا نذر صيام سنة معينة استثني منها العيدان، فيفطر فيهما ولا
قضاء عليه، وكذا يفطر في الأيام التي عرض فيها ما لا يجوز معه الصيام من
مرض أو حيض أو نفاس أو سفر، لكن يجب القضاء على الأقوى. وإذا نذر الصوم
سفرا وحضرا فله ان يسافر ويصوم في السفر.
مسألة 12 - لو نذر صوم كل خميس مثلا فصادف بعضها أحد العيدين أو أحد العوارض
المبيح للافطار من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر افطر، ويجب عليه القضاء حتى
في الأول على الأقوى.
مسألة 13 - لو نذر صوم يوم معين فأفطر عمدا يجب قضاؤه مع الكفارة.
مسألة 14 - إذا نذر صوم يوم معين جاز له السفر وان كان غير ضروري،
ويفطر
251

ثم يقضيه ولا كفارة عليه.
مسألة 15 - لو نذر زيارة أحد من الأئمة: أو بعض الصالحين لزم،
ويكفي الحضور والسلام على المزور، والظاهر عدم وجوب غسل الزيارة وصلاتها
مع الإطلاق وعدم ذكرهما في النذر، وإن عين إماما لم يجز غيره وان كان
زيارته أفضل، كما أنه ان لو عجز عن زيارة من عينه لم يجب زيارة غيره
بدلا عنه. وإن عين للزيارة زمانا تعين، فلو تركها في وقتها عامدا حنث
ويجب الكفارة، وهل يجب معها القضاء؟ فيه تردد واشكال والأحوط القضاء.
مسألة 16 - لو نذر أن يحج أو يزور الحسين (عليه السلام) ماشيا انعقد مع القدرة
وعدم الضرر، فلو حج أو زار راكبا مع القدرة على المشي فإن كان النذر
مطلقا ولم يعين له الوقت أعاده ماشيا، وإن عين وقتا وفات الوقت حنث
بلا اشكال ولزم الكفارة، وهل يجب مع ذلك القضاء ما شيئا؟ فيه تردد،
والأحوط القضاء. وكذلك الحال لو ركب في بعض الطريق ومشي في البعض.
مسألة 17 - ليس لمن نذر الحج أو الزيارة ماشيا أن يركب البحر أو
يسلك طريقا يحتاج إلى ركوب السفينة ونحوها ولو لأجل العبور من الشط ونحوه
، ولو انحصر الطريق في البحر فإن كان كذلك من أول الامر لم ينعقد النذر،
وإن طرأ ذلك بعد النذر فإن كان النذر مطلقا وتوقع المكنة من طريق البر
والمشي منه فيما بعد انتظر، وإن كان معينا وطرا ذلك في الوقت أو مطلقا
ويئس من المكنة بالمرة سقط عنه ولا شي ء عليه.
مسألة 18 - لو طرا لناذر المشي العجز عنه في بعض الطريق دون البعض، الأحوط
لو لم يكن الأقوى ان يمشي مقدار ما يستطيع ويركب في البعض ولا شئ ء عليه،
ولو اضطر إلى ركوب السفينة الأحوط ان يقوم فيها بقدر الامكان.
252

مسألة 19 - لو نذر التصدق بعين شخصية تعينت ولا يجزي مثلها أو قيمتها
مع وجودها، ومع التلف فان كان لا باتلاف منه انحل النذر ولا شئ ء عليه،
وان كان باتلاف منه ضمنها بالمثل أو القيمة، فيتصدق بالبدل، بل يكفر أيضا
على الأقوى.
مسألة 20 - لو نذر الصدقة على شخص معين لزم ولا يملك المنذور له
الابراء منه فلا يسقط عن الناذر بابرائه، وهل يلزم على المنذور له القبول
؟ الظاهر لا، فينحل النذر بعدم قبوله للتعذر. ولو امتنع ثم رجع إلى القبول
فهل يعود النذر ويجب التصدق عليه؟ فيه تأمل إذا رجع إلى القبول بعد انقضاء
وقت العمل، واما إذا رجع في الوقت فالأقوى وجوب العمل بالنذر لانكشاف
الرجوع عن عدم التعذر. ولو مات الناذر قبل ان يفي بالنذر يخرج من أصل
تركته، وكذا كل نذر تعلق بالمال كسائر الواجبات المالية. ولو مات المنذور
له قبل ان يتصدق عليه قام وارثه مقامه على احتمال مطابق للاحتياط،
ويقوي هذا الاحتمال لو نذر ان يكون مال معين صدقة على فلان فمات قبل
قبضه.
مسألة 21 - لو نذر شيئا لمشهد من المشاهد المشرفة صرفه في مصالحه، كتعميره
وضيائه وطيبه وفرشه وقوامه وخدامه ونحو ذلك وإذا كان المشهد مستغنيا عما ذكر
ففي معونة زواره وأما لو نذر شيئا للإمام أو بعض أولاد الأئمة: كما لو نذر
شيئا للأمير أو الحسين أو العباس: - فالظاهر أن المراد صرفه في سبل الخير
بقصد رجوع ثوابه إليهم، من غير فرق بين الصدقة على المساكين وإعانة
الزائرين وغيرهما من وجوه الخير كبناء مسجد أو قنطرة ونحو ذلك، وان كان
الأحوط الاقتصار على معونة زوارهم وصلة من يلوذ بهم من المجاورين
المحتاجين والصلحاء من الخدام المواظبين بشؤون مشاهدهم وإقامة مجالس
تعازيهم. هذا إذا لم يكن في قصد الناذر جهة خاصة والا اقتصر عليها.
مسألة 22 - لو عين شاة للصدقة أو لاحد الأئمة أو لمشهد من المشاهد
يتبعها
253

نماؤها المتصل كالسمن، وأما المنفصل كالنتاج واللبن فالظاهر أنه ملك
للناذر إلا إذا كان بنحو نذر النتيجة.
مسألة 23 - لو نذر التصدق بجميع ما يملكه لزم، فإن شق عليه قوم الجميع
بقيمة عادلة على ذمته وتصرف في أمواله بما يشاء وكيف يشاء ثم يتصدق عما
في ذمته شيئا فشيئا ويحسب منها ما يعطي إلى الفقراء والمساكين وأرحامه
المحتاجين ويقيد ذلك في دفتر إلى ان يوفي التمام، فإن بقي منه شي ء
أوصي بأن يؤدي من تركته بعد موته.
مسألة 24 - إذا عجز الناذر عن المنذور في وقته إن كان موقتا ومطلقا إن
كان مطلقا انحل نذره وسقط عنه ولا شي ء عليه. نعم لو نذر صوما فعجز عنه
تصدعن كل يوم بمد من طعام على الأحوط، وأحوط منه التصدق بمدين.
مسألة 25 - النذر كاليمين في انه إذا تعلق بإيجاد عمل من صوم أو صلاة
أو صدقة أو غيرها، فإن عين له وقتا تعين فيتحقق الحنث وتجب الكفارة
بتركه فيه، فإن كان صوما أو صلاة يجب قضاؤه أيضا على الأقوى، بل
وإن كان غيرهما أيضا على الأحوط.
وإن كان مطلقا كان وقته العمر وجاز له التأخير إلى أن يظن بالوفاة
فيتضيق، ويتحقق الحنث بتركه مدة حياته.
هذا إذا كان المنذور فعل شي ء، وإن كان ترك شي ء فإن عين له الوقت
كان حنثه بإيجاده فيه، وإن كان مطلقا كان حنثه بإيجاده مدة حياته
ولو مرة، ولو اتي به تحقق الحنث وانحل النذر كما مر في اليمين إلا إذا
نذر ترك جميع الافراد بنحو الاستغراق فإنه يتكرر الحنث والكفارة بتكرر الافراد
.
مسألة 26 - إنما يتحقق الحنث الموجب للكفارة بمخالفة النذر اختيارا،
فلو
254

أتى بشيء تعلق النذر بتركه نسيانا أو جهلا بالموضوع أو اضطرارا لم
يترتب عليه شيء، بل الظاهر عدم انحلال النذر به، فيجب الترك بعد ارتفاع
العذر لو كان النذر مطلقا أو موقتا وقد بقي الوقت.
مسألة 27 - لو نذر ان بري ء مريضه أو قدم مسافره صام يوما مثلا فبان
ان المريض بري ء أو المسافر قدم قبل النذر لم يلزم.
مسألة 28 - في كفارة حنث النذر قولان: كفارة اليمين، وكفارة من افطر
في شهر رمضان فلو أعتق رقبة أو أطعم ستين مسكينا فقد عمل بالاحتياط.
القول في العهد
القول في العهد القول في العهد
لا ينعقد العهد بمجرد النية، بل يحتاج إلى الصيغة على الأقوى، وصورتها
ان يقول " عاهدت الله " أو " على عهد الله "، ويقع مطلقا ومعلقا على شرط
كالنذر، والظاهر انه يعتبر في المعلق عليه إذا كان مشروطا ما اعتبر فيه في
النذر المشروط.
واما ما عاهد عليه فهو بالنسبة اليه كاليمين يعتبر فيه ان لا يكون مرجوحا
دينا أو دنيا، ولا يعتبر فيه الرجحان فضلا عن كونه طاعة كما اعتبر ذلك في
النذر، فلو عاهد على فعل مباح لزم كاليمين. نعم لو عاهد على فعل كان
تركه أرجح أو على ترك امر كان فعله اولي ولو من جهة الدنيا لم ينعقد، ولو
لم يكن كذلك من أول الامر ثم طرا عليه ذلك انحل، وإذا طرا، ذلك عليه
بتهاونه وتسامحه في العمل يجب عليه الكفارة.
مسألة - مخالفة العهد بعد انعقاده يوجب الكفارة، وهل هي كفارة من افطر
شهر رمضان أو كفارة اليمين؟ قولا، أظهرهما الأول كما يجي في الكفارات.
255

كتاب الكفارات
257

كتاب الكفارات
والكلام في اقسامها واحكامها:
القول في اقسام الكفارات:
وهي على أربعة اقسام: مرتبة، ومخيرة، وما اجتمع فيه الأمران، وكفارة الجمع.
اما المرتبة فهي ثلاث: كفارة الظهار، وكفارة قتل الخطا يجب فيهما العتق
فان عجز فصيام شهرين متتابعين فان عجز فاطعام ستين مسكينا، وكفارة من
أفطر يوما من قضاء شهر رمضان بعد الزوال وهي اطعام عشرة مساكين فان عجز
فصيام ثلاثة أيام والأحوط ان تكون متتابعات.
واما المخيرة فهي أيضا ثلاث: كفارة من افطر في شهر رمضان بأحد
الأسباب الموجبة للكفارة التي مرت في كتاب الصوم، وكفارة حنث العهد
وكفارة حنث النذر على قول، وكفارة جز المرأة شعرها في المصاب وهي العتق
أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا مخيرا بينها على الأظهر.
واما ما اجتمع فيه الأمران فهي: كفارة حنث اليمين، وكفارة حنث النذر
على قول وكفارة نتف المرأة شعرها وخدش وجهها في المصاب وشق الرجل ثوبه
في موت ولده أو زوجته. يجب في جميع ذلك عتق رقبة أو اطعام عشرة مساكين
أو كسوتهم مخيرا بينها، فان عجز عن الجميع فصيام ثلاثة أيام، والاحتياط
في
259

كفارة النذر لمن عجز عن العتق اختيار الاطعام وإكمال ستين، ومع العجز
عنه صيام شهرين متتابعين فقط مع العجز عن اكساء عشرة مساكين والجمع بينهما
مع التمكن منه.
واما كفارة الجمع فهي كفارة قتل المؤمن عمدا وظلما، وكفارة الافطار في
شهر رمضان بالمحرم على الأقوى، وهي عتق رقبة مع صيام شهرين متتابعين
واطعام ستين مسكينا.
مسألة 1 - لا فرق في جز المرأة شعرها بين جز تمام شعر رأسها وجز بعضه بما يصدق
عرفا انه قد جزت شعرها، كما انه لافرق بين كونه في مصاب زوجها ومصاب غيره
وبين القريب والبعيد، وفي الحاق الحلق والاحراق بالجز تأمل واشكال.
مسألة 2 - لا يعتبر في خدش الوجه خدش تمامه، بل يكفي مسماه. نعم
الظاهر انه يعتبر فيه الا دماء، ولا عبرة بخدش غير الوجه ولو مع الادماء،
ولا بشق ثوبها وان كان على ولدها أو زوجها، كما لا عبرة بخدش الرجل وجهه
ولا بجز شعره ولا بشق ثوبه على غير ولده وزوجته. نعم لافرق في الولد بين
الذكر والاثني والأحوط الحاق ولد الولد بل وولد البنت بالولد وكذلك تلحق
احتياطا بالزوجة الدائمة غير الدائمة، خصوصا إذا كانت مدتها طويلة كتسعين
سنة.
القول في احكام الكفارات
مسألة 1 - لا يجزي عتق الكافر في الكفارة مطلقا، فيشترط فيه الاسلام
، ويستوي في الاجزاء الذكر والأنثى والكبير والصغير الذي كان بحكم المسلم،
بان كان أحد أبويه مسلما والأحوط في كفارة القتل بلوغ الرقبة. ويشترط
ان يكون سالما من العيوب التي توجب الانعتاق قهرا كالعمي والجذام والاقعاد
والتنكيل،
260

ولا بأس بسائر العيوب، فيجزي عتق الأصم والأخرس وغيرهما، ويجزي
عتق الآبق وان لم يعلم مكانه إذا لم يعلم موته.
مسألة 2 - يعتبر في الخصال الثلاث " العتق والصيام والاطعام " النية
المشتملة على قصد العمل وقصد القربة وقصد كونه عن الكفارة، وتعيين نوعها
إذا كانت عليه أنواع متعددة، فلو كان عليه كفارة ظهار وكفارة يمين وكفارة
افطار فأعتق عبدا ونوي القربة والتكفير لم يجز عن واحد منها. نعم في
المتعدد من نوع واحد يكفي قصد النوع ولا يحتاج إلى تعيين آخر، فلو افطر
أياما من شهر رمضان من سنة أو سنين متعددة فأعتق عبدا بقصد انه عن كفارة
الافطار كفي وان لم يعين اليوم الذي افطر فيه، وكذلك بالنسبة إلى الصيام
والاطعام. ولو كان عليه كفارة ولا يدري نوعها كفي الاتيان بإحدى الخصال
ناويا عما في ذمته، بل لو علم ان عليه اعتاق عبد مثلا ولا يدري انه منذور
أو عن كفارة القتل مثلا كفي اعتاق عبد بقصد ما في الذمة.
مسألة 3 - يتحقق العجز عن العتق الموجب لوجوب الصيام أو الاطعام
في الكفارة المرتبة اما بعدم الرقبة أو عدم ثمنها أو عدم التمكن من شرائها
، وان وجد الثمن أو احتياج إلى خدمتها لمرض أو كبر أو زمانة أو لرفعة شان أو
احتياجه إلى ثمنها في نفقته ونفقة عياله الواجبي النفقة أو أداء ديونه،
بل كل واجب يجب صرف المال فيه، بل إذا لم يكن عنده الا مستثنيات الدين
لاتباع في العتق وكان داخلا في عنوان العاجز عنه. نعم لو بيع العبد بأزيد
من ثمن المثل وكان عنده الثمن وجب الشراء ولا يعد ذلك عجزا الا إذا استلزم
قبحا وضررا مجحفا، وكذا لو كان له مال غائب يصل اليه قريبا أو كان عنده
ثمن الرقبة دون عينها ويتوقع وجودها بعد مدة غير مديدة لم يعد ذلك من العجز
بل ينتظر، الا إذا شق عليه تأخير التكفير كالمظاهر الشبق الذي يشق عليه ترك
مباشرة زوجته.
261

ويتحقق العجز من الصيام الموجب لتعين الاطعام بالمرض المانع منه أو
خوف حدوثه أو زيادته وبكونه شاقا عليه مشقة لا يتحمل. وهل يكفي وجود المرض
أو خوف حدوثه أو زيادته في الحال ولو مع رجاء البرء وتبدل الأحوال أو
يعتبر الياس؟ وجهان بل قولان، لا يخلو أولهما من رجحان. نعم لو رجي البرء
بعد زمان قصير كيوم أو يومين يشكل الانتقال إلى الاطعام. وكيف كان لو اخر
الصيام والاطعام إلى ان بري ء من المرض وتمكن من الصوم لاشك في تعينه
في المرتبة ولم يجز الاطعام.
مسألة 4 - ليس طرو الحيض والنفاس موجبا للعجز عن الصيام والانتقال
إلى الاطعام، وكذا طرو الاضطرار على السفر الموجب للافطار لعدم انقطاع
التتابع بطرو ذلك.
مسألة 5 - المعتبر في العجز والقدرة على حال الأداء لا حال الوجوب، فلو
كان حال حدوث موجب الكفارة قادرا على العتق عاجزا عن الصيام فلم يعتق
حتى صار بالعكس صار فرضه الصيام وسقط عنه وجوب العتق.
مسألة 6 - إذا عجز عن العتق في المرتبة فشرع في الصوم ولو ساعة من
النهار ثم وجد ما يعتق لم يلزمه العتق فله اتمام الصيام ويجزي عن الكفارة
، وفي جواز رفع اليد عن الصوم واختيار العتق وجه، بل ربما قيل انه الأفضل
، لكن لا يخلو من اشكال، فالأحوط اتمام الصيام. نعم لو عرض ما يوجب
استينافه - بان عرض في أثنائه ما أبطل التتابع - تعين عليه العتق مع بقاء
القدرة عليه، وكذا الكلام فيما لو عجز عن الصيام فدخل في الاطعام ثم زال
العجز.
مسألة 7 - يجب التتابع في صيام شهرين تعييا أو تخيرا وفي كفارة اليمن
على الأقوى وفي ساير كفارات على الأحوط، بعدم تخلل الافطار ولاصوم آخر
غير الكفارة بين أيامها، ومتي أخل بالتتابع وجب الاستيناف. ويتفرع على
وجوب
262

التتابع انه لا يجوز الشروع في الصوم من زمان يعلم بتخلل صوم آخر
يجب في زمان معين بين أيامه، فلو شرع في صيام ثلاثة أيام قبل شهر
رمضان أو قبل خميس معين نذر صومه بيوم أو يومين لم يجز، بل وجب استينافه
.
مسألة 8 - انما يضر بالتتابع ما إذا وقع الافطار في البين بالاختيار، فلو
وقع ذلك لعذر من الاعذار - كما إذا كان الافطار بسبب الاكراه أو الاضطرار أو
بسبب عروض المرض أو طرو الحيض أو النفاس - لم يضر به، ومن العذر وقوع
السفر في الأثناء إذا كان ضروريا دون ما كان بالاختيار، وكذا منه ما إذا نسي
النية حتى فات وقتها، بان تذكرها بعد الزوال. وكذا الحال فيما إذا كان
تخلل صوم آخر في البين لا بالاختيار، كما إذا نسي فنوي صوما آخر ولم يتذكر
الا بعد الزوال. ومنه ما إذا نذر صوم كل خميس مثلا ثم وجب عليه صوم شهرين
متتابعين فلا يضر بالتتابع تخلل المنذور في البين، ولا يتعين عليه البدل في
المخيرة ولا ينتقل إلى الاطعام في المرتبة. نعم في صوم ثلاثة أيام يخل
تخلله فيلزم الشروع فيها من زمان لم يتخلل المنذور بينها كما أشرنا اليه في
المسالة السابقة.
مسألة 9 - يكفي في تتابع الشهرين في الكفارة مرتبة كانت أو مخيرة صيام
شهر ويوم متتابعا، ويجوز له التفريق في البقية ولو اختيارا لا لعذر، فمن
كان عليه صيام شهرين متتابعين يجوز له الشروع فيه قبل شعبان بيوم، ولا
يجوز له الاقتصار على شعبان لتخلل شهر رمضان قبل إكمال شهر ويوم.
وكذا يجوز له الشروع قبل الأضحى بواحد وثلاثين يوما، ولا يجوز قبله بثلاثين
.
مسألة 10 - من وجب عليه صيام شهرين، فان شرع فيه من أول الشهر
يجزي هلاليان وان كانا ناقصين، وان شرع في أثناء الشهر وان كان فيه وجوه
بل أقوال، ولكن الأحوط انكسار الشهرين وجعل كل شهر ثلاثين فيصوم ستين
يوما مطلقا، سواء كان الشهر الذي شرع فيه مع تاليه تامين أو ناقصين أو
مختلفين، ويتعين
263

ذلك بلا اشكال فيما إذا وقع التفريق بين الأيام بتخلل
مالا يضر بالتتابع شرعا.
مسألة 11 - يتخير في الإطعام الواجب في الكفارات بين إشباع
المساكين والتسليم لهم، ويجوز اشباع البعض والتسليم إلى البعض، ولا يتقدر
الإشباع بمقدار بل المدار على أن يأكلوا بمقدار شبعهم قل أو كثر، أما
التسليم فلا بد أن يسلم إلى كل منهم مدا من الطعام لا أقل، والأفضل بل
الأحوط مدان. ولا بد في كل من النحوين كمال العدد ستين أو عشرة، فلا
يجزي إشباع ثلاثين أو خمسة مرتين أو تسليم كل واحد منهم مدين. ولا يجب
الاجتماع لا في التسليم ولا في الإشباع، فلو أطعم ستين مسكينا في أوقات
متفرقة من بلاد مختلفة ولو كان هذا في سنة وذلك في السنة أخرى لأجزاء وكفى
.
مسألة 12 - الواجب في الاشباع اشباع كل واحد من العدد مرة، وان
كان الأفضل اشباعه في يومه وليله غداة وعشاءا.
مسألة 13 - يجزي في الإشباع كل ما يتعارف التغذي والتقوت به لغالب
الناس من المطبوخ وما يصنع من أنواع الأطعمة ومن أي جنس كان مما يتعارف
تخبيرة من حنطة أو ذرة أو دخن وغيرها وان كان بلا أدام والأفضل ان يكون
مع الإدام، وهو كل ما جرت العادة على أكله مع الخبز جامدا أو مائعا
وإن كان خلا أو ملحا أو بصلا وكل ما كان أفضل كان أفضل. والأحوط في
كفارة اليمين أن يطعم من أوسط ما يطعم أهله. وفي التسليم بذل ما يسمي
طعاما من ني ومطبوخ من الحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما والأرز وغير ذلك،
والأحوط الحنطة أو دقيقه، ويجزي التمر والزبيب تسليما وإشباعا.
مسألة 14 - التسليم إلى المسكين تمليك له كسائر الصدقات، فيملك ما
قبضه ويفعل به ما شاء ولا يتعين عليه صرفه في الاكل.
264

مسألة 15 - يتساوي الصغير والكبير ان كان التكفير بنحو التسليم، فيعطي الصغير
مدا من طعام كما يعطي الكبير، وان كان اللازم في الصغير التسليم
إلى الولي. وان كان بنحو الاشباع، فكذلك إذا اختلط الصغار مع الكبار،
فإذا أشبع عائلة كانت ستين نفسا مشتملة على كبار وصغار أجزاء، وان كان
الأحوط إذا كان الصغار منفردين احتساب اثنين بواحد، فيشبع مائة وعشرين بدل
ستين وعشرين بدل عشرة، كما ان الأحوط رعاية ذلك في كفارة اليمين وان
كانوا منضمين. والظاهر انه لا يعتبر في اشباع الصغير اذن الولي.
مسألة 16 - لا اشكال في جواز اعطاء كل مسكين أزيد من مد من كفارات متعددة
ولو مع الاختيار، من غير فرق بين الاشباع والتسليم، فلو افطر تمام
شهر رمضان جاز له اشباع ستين شخصا معينين في ثلاثين يوما، أو تسليم
ثلاثين مدامن طعام لكل واحد منهم وان وجد غيرهم.
مسألة 17 - لو تعذر العدد في البلد وجب النقل إلى غيره، وان تعذر انتظر،
ولو وجد بعض العدد كرر على الموجود حتى يستوفي المقدار، ويقتصر في التكرار على
مقدار التعذر، فلو تمكن من عشرة كرر عليهم ست مرات، ولا يجوز التكرار على
خمسة منهم اثنتي عشرة مرة، والأحوط عند تعذر العدد الاقتصار على الاشباع
دون التسليم وان يكون في أيام متعددة.
مسألة 18 - المراد بالمسكين الذي هو مصرف الكفارة هو الفقير الذي
يستحق الزكاة، وهو من لم يملك قوت سنته لا فعلا ولا قوة، ويشترط فيه
الإسلام بل الإيمان على الأحوط، وان لا يكون من يجب نفقته على الدافع
كالوالدين والأولاد والمملوك والزوجة الدائمة دون المنقطعة ودون سائر
الأقارب والأرحام حتى الإخوة والأخوات، ولا يشترط فيه العدالة ولا عدم
الفسق. نعم لا يعطي المتجاهر بالفسق الذي ألقي جلباب الحياء، وفي جواز
إعطاء غير
265

الهاشمي إلى الهاشمي قولان، والأحوط الاقتصار على مورد
الاضطرار والاحتياج التام الذي يحل معه أخذ الزكاة.
مسألة 19 - يعتبر في الكسوة التي تخير بينها وبين العتق والاطعام في
كفارة اليمين وما بحكمها أن يكون ما يعد لباسا عرفا، من غير فرق بين
الجديد وغيره ما لم يكن منخرقا أو مرقعا أو منسحقا وباليا بحيث ينخرق
بالاستعمال، فلا يكتفي بالعمامة والقلنسوة والحذاء والخف والجورب، والأحوط
عدم الاكتفاء بثوب واحد خصوصا بمثل السراويل أو القميص القصير، بل لا يكون
أقل من قميص مع سراويل. ويعتبر فيها العدد كالإطعام، فلو كرر على واحد
- بان كساه عشر مرات - لم تحسب له إلا واحدة.
ولا فرق في المكسو بين الصغير والكبير والذكر والأنثى نعم في الاكتفاء بكسوة
الصغير نهاية الصغر كابن شهر أو شهرين اشكال، فلا يترك الاحتياط. والظاهر
اعتبار كونها مخيطا، أو مثل المخيط، فلو سلم إليه الثوب غير مخيط لم يكن
مجزيا. نعم الظاهر أنه لا بأس بأن يدفع أجرة الخياطة معه ليخيطه ويلبسه
، ولا يجزي إعطاء لباس الرجال للنساء وبالعكس ولا إعطاء لباس الصغير للكبير
، ولا فرق في جنسه بين كونه من صوف أو قطن أو كتان أو قنب أو حرير،
وفي الإجتزاء بالحرير المحض للرجال إشكال. ولو تعذر تمام العدد كسي
الموجود وانتظر للباقي، والأحوط التكرار على الموجود فإذا وجد باقي العدد كساه
.
مسألة 20 - لا تجزي القيمة في الكفارة لا في الإطعام ولا في الكسوة، بل
لا بد في الإطعام من بذل الطعام إشباعا أو تمليكا وكذلك في الكسوة.
نعم لا بأس بأن يدفع القيمة إلى المستحق ويوكله في أن يشتري بها طعاما
فيأكله أو كسوة فيلبسها، فيكون هو المعطي عن المالك ومعطي له لنفسه
باعتبارين. لكن لا يسقط الكفارة الا بالاكل واللبس أو التملك، فلو شك
يجب الفحص حتى يحصل له
266

اليقين أو الطريق المعتبر.
مسألة 21 - إذا وجبت عليه كفارة مخيرة لم يجز أن يكفر بجنسين، بأن
يصوم شهرا ويطعم ثلاثين في كفارة شهر رمضان أو يطعم خمسة ويكسو خمسة مثلا
في كفارة اليمين. نعم لا بأس باختلاف أفراد الصنف الواحد منها، كما لو
أطعم بعض العدد طعاما خاصا وبعضه غيره، أو كسا بعضهم ثوبا من جنس وبعضهم
من جنس آخر، بل يجوز في الإطعام أن يشبع بعضا ويسلم إلى بعض كما مر.
مسألة 22 - لا بدل شرعا للعتق في الكفارة مخيرة كانت أو مرتبة أو
كفارة الجمع فيسقط بالتعذر. وأما صيام شهرين متتابعين والإطعام لو تعذر
بالتمام صام في كفاره الظهار ثمانية عشر يوما والأحوط ان تكون متتابعات و
في كفاره شهر رمضان فالأحوط ان يتصدق بما يطيق ويستغفر الله تعالي ومع العجز
عن الصدقة يكفي الاستغفار.
مسألة 23 - الظاهر أن وجوب الكفارات موسع، فلا تجب المبادرة إليها، ويجوز
التأخير ما لم يؤد إلى حد التهاون.
مسألة 24 - يجوز التوكيل في إخراج الكفارات المالية وأدائها ويتولى
الوكيل النية إذا كان وكيلا في الإخراج، والموكل حين دفعه إلى الوكيل
إذا كان وكيلا في الأداء والإيصال. وأما الكفارات البدنية فلا يجري فيها
التوكيل، ولا تجوز فيها النيابة على الأقوى إلا عن الميت.
مسألة 25 - الكفارات المالية بحكم الديون، فإذا مات من وجبت عليه
تخرج من أصل المال، وأما البدنية فلا يجب على الورثة أداؤها ولا إخراجها
من التركة ما لم يوص بها الميت، فيخرج من ثلثه. نعم في وجوبها على
الولي وهو الولد الأكبر احتمال قوي، وانما يجري هذا الاحتمال فيما إذا تعين
على الميت
267

الصيام، وأما إذا تعين عليه غيره - بان كانت مرتبة وتعيين
عليه الطعام أو كانت مخيرة وكان متمكنا من الصيام والإطعام لم يجب على
الولي قطعا، بل يخرج من تركة الميت مقدار الإطعام.
268

كتاب الصيد والذباحة
269

كتاب الصيد والذباحة
القول في الصيد:
وليعلم انه كما يذكي الحيوان ويحل أكل لحم ما حل اكله بالذبح الواقع
على النحو المعتبر شرعا، يذكي أيضا بالصيد على النحو المعتبر. وهو اما
بالحيوان أو بغير الحيوان، وبعبارة أخرى الآلة التي يصاد بها اما حيوانية
أو جمادية، ويتم الكلام في القسمين في ضمن مسائل:
مسألة 1 - لا يحل من صيد الحيوان ومقتوله إلا ما كان بالكلب المعلم،
سواء كان سلوقيا أو غيره، وسواء كان أسود أو غيره، فلا يحل صيد غير الكلب
من جوارح السباع كالفهد والنمر وغيرهما وجوارح الطير كالبازي والعقاب
والباشق وغيرها وإن كانت معلمة، فما يأخذه الكلب المعلم ويقتله بعقره و
جرحه فهو مذكي حلال أكله من غير ذبح، فيكون عض الكلب وجرحه على اي
موضع من الحيوان بمنزلة ذبحه.
مسألة 2 - يعتبر في حلية صيد الكلب أن يكون معلما للاصطياد، وعلامة
كونه بتلك الصفة ان يكون من عادته مع عدم المانع ان يسترسل ويهيج إلى
الصيد لو أرسله صاحبه وأغراه به، وان ينزجر ويقف عن الذهاب والهياج
إذا زجره، وعن غير واحد من أعاظم العلماء قدست اسرارهم كفاية الانزجار قبل
الارسال
271

في كونه معلما، وعدم تقييد الانزجار بكونه بعد الارسال والاغراء،
فلا يقدح عدم انزجار بعده لأنه قل ما يتحقق التعليم بهذا الوجه. وهذا ليس
ببعيد، بل يستفاد من بعض الروايات ان امر التعليم أسهل من ذلك، ففي
رواية: فان كان غير معلم فعلمه في ساعة ثم يرسله فيأكل منه. واعتبر
المشهور مع ما ذكر ان يكون من عادته التي لا تتخلف الا نادرا ان يمسك الصيد
ولا يأكل منه شيئا حتى يصل صاحبه، وهو أحوط.
مسألة 3 - يشرط في حلية صيد الكلب أمور:
" الأول " ان يكون ذلك بارساله للاصطياد فلو استرسل بنفسه من دون
ارسال لم يحل مقتوله وان أغراه صاحبه بعد الاسترسال حتى فيما إذا أثر
اغراؤه فيه بان زاد في عدوه بسببه على الأحوط وكذا الحال لو ارسله
لا للاصطياد بل لامر آخر من دفع عدو أو طرد سبع أو غير ذلك فصادف غزالا مثلا
فصاده. والمعتبر قصد الجنس لا الشخص فلو ارسله مسلما إلى صيد غزال فصادف
غزالا آخر فاخذه وقتله كفي في حله، وكذا لو ارسله إلى صيد فصاده وغيره حلا
معا.
" الثاني " ان يكون المرسل مسلما أو بحكمه كالصبي المميز الملحق به،
فلو أرسله كافر بجميع أنواعه أو من كان بحكمه كالنواصب لم يحل اكل ما
يقتله.
" الثالث " ان يكون المرسل عاقلا فلا يحل إذا كان المرسل مجنونا.
" الرابع " ان يسمي بان يذكر اسم الله عند ارساله فلو ترك التسمية عمدا
لم يحل مقتوله ولا يضر لو كان الترك نسيانا. وإذا نسي حين الارسال وتذكر
قبل الإصابة وسمي فالأقوى جواز الاكتفاء به، واما إذا تركه حين الارسال
عمدا وسمي قبل الإصابة فالاكتفاء به مشكل ولا يترك الاحتياط.
" الخامس " ان يكون موت الحيوان مستندا إلى جرحه وعقره فلو كان بسبب صدمة
أو خنقة أو إتعابه في العدو أو ذهاب مرارته من جهة شدة خوفه لم يحل.
272

" السادس " عدم ادراك صاحب الكلب الصيد حيا مع تمكنه من تذكيته،
بان ادركه ميتا أو ادركه حيا لكن لم يسع الزمان لذبحه.
وملخص هذا الشرط انه إذا ارسل كلبه إلى الصيد فان لحق به بعد ما
اخذه وعقره وصار غير ممتنع فوجده ميتا كان ذكيا وحل اكله وكذا ان وجده حيا
ولم يتسع الزمان لذبحه فتركه حتى مات، واما ان اتسع الزمان لذبحه لا
يحل الا بالذبح فلو تركه حتى مات كان ميتة. وأدنى ما يدرك ذكاته ان
يجده تطرف عينيه أو تركض رجله أو يحرك ذنبه أو يده، فان وجده هكذا واتسع
الزمان لذبحه لم يحل اكله الا بالذبح. وكذلك الحال لو وجده بعد عقر الكلب
عليه ممتنعا فجعل يعدو خلفه فوقف له فان بقي من حياته زمان يتسع لذبحه
لم يحل الا بالذبح، وان لم يتسع له حل بدونه. ويلحق بعدم اتساع
الزمان ما إذا وسع ولكن كان ترك التذكية لا بتقصير منه، كما إذا اشتغل باخذ
الآلة وسل السكين وامتنع الصيد من التمكين بما فيه من بقية قوة ونحو ذلك
فمات قبل ان يمكنه الذبح. نعم لا يلحق به فقد الآلة على الأحوط لو لم
يكن أقوى، فلو وجده حيا واتسع الزمان لذبحه الا انه لم يكن عنده السكين
أو كان ولم يقدر على سله من غمده بسرعة متعارفة لإنجماده من برودة الهواء
أو مانع آخر بحيث لو لم يكن ذلك المانع لأدرك ذكاته بالنحو المتعارف، فلم
يذبحه لذلك حتى مات لم يحل اكله.
مسألة 4 - هل يجب على من ارسل الكلب المسارعة والمبادرة إلى الصيد
من حين الارسال أو من حين ما رآه قد أصاب الصيد وان كان بعد على امتناعه
أو من حين ما أوقفه وصار غير ممتنع، أو لا تجب أصلا؟ الظاهر وجوبها من
حين الايقاف، فإذا اشعر بايقافه وعدم امتناعه يجب عليه المسارعة العرفية
حتى انه لو ادركه حيا ذبحه، فلو لم يتسارع ثم وجده ميتا لم يحل اكله،
واما قبل ذلك فالظاهر عدم وجوبها، وان كان الاحتياط لا ينبغي تركه. هذا
إذا احتمل ترتب اثر
273

علي المسارعة واللحوق بالصيد، بان احتمل انه يدركه حيا
ويقدر على ذبحه من جهة اتساع الزمان ووجود الآلة واما مع عدم احتماله فلا
اشكال في عدم وجوبها، فلو خلاه حينئذ على حاله إلى ان قتله الكلب وأزهق
روحه بعقره حل اكله الا إذا كان عدم احتمال القدرة على ذبحه من جهة عدم
ما يذبح به فان حل اكله في هذه الصورة محل الاشكال.
ولو توقف احراز كون موته بسبب جرح الكلب لا بسبب آخر على التسارع
اليه وتعرف حاله لزم عليه لأجل ذلك.
مسألة 5 - لا يعتبر في حلية الصيد وحدة المرسل ولا وحدة الكلب، فلو
ارسل جماعة كلبا واحدا، أو ارسل واحد أو جماعة كلابا متعددة فقتلت صيدا حل
اكله. نعم يعتبر في المتعدد صائدا أو آلة ان يكون الجميع واجدا للأمور
المعتبرة شرعا، فلو كان المرسل اثنين وأحدهما مسلم والاخر كافر أو سمي أحدهما
دون الآخر أو ارسل كلبان أحدهما معلما والاخر غير معلم لم يحل.
مسألة 6 - لا يوكل من الصيد المقتول بالآلة الجمادية الا ما قتله
السيف والسكين والخنجر ونحوها من الأسلحة التي تقطع بحدها، أو الرمح
والسهم والنشاب مما يشاك بحده حتى العصا التي في طرفها حديدة محددة، من
غير فرق بين ما كان فيه نصل كالسهم الذي يركب عليه الريش أو صنع قاطعا أو
شائكا بنفسه، بل لا يبعد عدم اعتبار كونه من الحديد، فيكفي بعد كونه سلاحا
قاطعا أو شائكا كونه من اي فلز كان حتى الصفر والذهب والفضة، بل يحتمل
عدم اعتبار كونه مستعملا سلاحا في العادة، فيشمل المخيط والشك والسفود
ونحوها الا ان الاحتياط فيها لا يترك. والظاهر انه لا يعتبر الخرق والجرح في
الآلة المذكورة - اعني ذات الحديد المحددة - فلو رمي الصيد بسهم أو طعنه
برمح فقتله بالرمي والطعن من دون ان يكون فيه اثر السهم والرمح حل اكله
. ويلحق بالآلة الحديدية
274

ما لم تشتمل على الحديد لكن تكون محددة كالمعراض
الذي هو كما قيل خشبة لا نصل فيها إلا انها محددة الطرفين ثقيلة الوسط،
والسهم الحاد الرأس الذي لا نصل فيه. لكن انما يحل مقتول هذه الآلة لو
قتلت الصيد بخرقها إياه وشوكها فيه ولو يسيرا، فلو قتلته بثقلها من دون خرق
لم يحل. والحاصل انه يعتبر في الآلة الجمادية اما ان تكون حديدة محددة
وان لم تكن خارقة واما ان تكون محددة غير حديدية بشرط كونها خارقة ولكن
الاحتياط لا يترك في الأولي بكونها سلاحا وفي الثانية بالاقتصار على ما صنع
لذلك.
مسألة 7 - كل آلة جمادية لم تكن ذات حديد محددة ولا محددة غير
حديدية قتلت بخرقها من المثقلات كالحجارة والمقمعة والعمود والبندقية لا يحل
مقتولها كالمقتول بالحبالة والشبكة والشرك ونحوها. نعم لا باس بالاصطياد
بها وبالحيوان غير الكلب كالفهد والنمر والبازي ونحوها بمعني جعل الحيوان
الممتنع بها غير ممتنع وتحت اليد، لكنه لا يحل ما يصطاد بها الا إذا أدرك
ذكاته فذكاه.
مسألة 8 - لا يبعد حلية ما قتل بالآلة المعروفة المسماة بالتفنك إذا سمي
الرامي واجتمعت سائر الشرائط، والبندقية التي قلنا في المسالة السابقة
بحرمة مقتولها غير هذه البندقية النافذة الخارقة، خصوصا في الطرز الجديد منها
المستحدث في هذه الاعصار الأخيرة مما صنع الرصاص فيه بشكل يشبه المخروط
ولا يكون بشكل البندقة.
مسألة 9 - لا يعتبر في حلية الصيد بالآلة الجمادية وحدة الصائد ولا
وحدة الآلة، فلو رمي شخص بالسهم وطعن اخر بالرمح وسميا معا فقتلا صيدا حل
إذا اجتمعت الشرائط في كليهما، بل إذا ارسل أحد كلبه إلى صيد ورماه آخر
بسهم فقتل بهما حل ما قتلاه.
مسألة 10 - يشترط في الصيد بالآلة الجمادية جميع ما اشترط في الصيد
بالآلة
275

الحيوانية، فيشترط كون الصائد مسلما والتسمية عند استعمال الآلة وان
يكون استعمال الآلة للاصطياد، فلو رمي إلى هدف أو إلى عدو أو إلى خنزير
فأصاب غزالا فقتله لم يحل وان كان مسميا عند الرمي لغرض من الاغراض، وكذا
لو أفلت من يده فأصاب صيدا فقتله. وان لا يدركه حيا زمانا اتسع للذبح،
فلو ادركه كذلك لم يحل الا بالذبح. والكلام في وجوب المسارعة وعدمه كما
مر. وان يستقل الآلة المحللة في قتل الصيد، فلو شاركها فيه غيرها لم يحل
، فلو سقط بعد إصابة السهم من الجبل أو وقع في الماء واستند موته اليهما -
بل وان لم يعلم استقلال إصابة السهم في أماتته - لم يحل، وكذا لو رماه
شخصان فقتلاه وسمي أحدهما ولم يسم الاخر أو كان أحدهما مسلما دون الاخر.
مسألة 11 - لا يشترط في حلية الصيد إباحة الآلة، فيحل الصيد بالكلب
أو السهم المغصوبين وان فعل حراما وعليه الأجرة، ويملكه الصائد دون
صاحب الآلة.
مسألة 12 - الحيوان الذي يحل مقتوله بالكلب والآلة مع اجتماع الشرائط
كل حيوان ممتنع مستوحش من طير أو وحش، سواء كان كذلك بالأصل
كالحمام والظبي وبقر الوحش أو كان انسيا فتوحش أو استعصى كالبقر المستعصي
والبعير العاصي، وكذلك الصائل من البهائم كالجاموس الصائل ونحوه.
وبالجملة كل مالا يجي تحت اليد ولا يقدر عليه غالبا الا بالعلاج، فلا تقع
التذكية الصيدية على حيوان أهلي مستأنس سواء كان استيناسه أصليا كالدجاج
والشاة والبعير والبقر أو عارضا كالظبي والطير المستأنسين، وكذا ولد الوحش قبل
ان يقدر على العدو وفرخ الطير قبل نهوضه للطيران، فلو رمي طائرا وفرخه
الذي لم ينهض فقتلهما حل الطائر دون الفرخ.
مسألة 13 - الظاهر انه كما تقع التذكية الصيدية على الحيوان المأكول
اللحم
276

فيحل بها اكل لحمه تقع على غير المأكول اللحم القابل للتذكية أيضا،
فيطهر بها جلده ويجوز الانتفاع به. نعم القدر المتيقن ما إذا كانت بالآلة
الجمادية، واما الحيوانية ففيها تأمل واشكال.
مسألة 14 - لو قطعت الآلة قطعة من الحيوان، فان كانت الآلة غير
محللة كالشبكة والحبالة يحرم الجزء الذي ليس فيه الرأس ومحال التذكية،
وكذلك الجزء الاخر إذا زال عنه الحياة المستقرة، وان بقيت حياته المستقرة
يحل بالتذكية. وان كانت الآلة محللة كالسيف في الصيد مع اجتماع الشرائط،
فان زال الحياة المستقرة عن الجزئين بهذا التقطيع حلا معا، وكذا ان بقيت
الحياة المستقرة ولم يتسع الزمان للتذكية، وان اتسع لها لا يحل الجزء
الذي فيه الرأس الا بالذبح، واما الجزء الاخر فهو جزء مبان من الحي فيكون
ميتة.
مسألة 15 - يملك الحيوان الوحشي وحشا كان أو طيرا بأحد أمور ثلاثة:
أحدها: وضع اليد عليه بقصد الاصطياد والتملك واخذه حقيقة، مثل ان يأخذ رجله
أو قرنه أو جناحه أو شده بحبل ونحوه.
ثانيها: وقوعه في آلة معتادة للاصطياد بها، كالحبالة والشرك والشبكة ونحوها
إذا نصبها لذلك.
ثالثها: ان يصيره غير ممتنع ويمسكه بآلة، مثل ان رماه فجرحه جراحة
منعته عن العدو أو كسر جناحه فمنعه عن الطيران، سواء كانت الآلة من
الآلات المحللة للصيد كالسهم والكلب المعلم أو من غيرها كالحجارة والخشب
والفهد والباز والشاهين وغيرها. ويعتبر في هذا أيضا ان يكون اعمال الآلة بقصد
الاصطياد والتملك، فلو رماه عبثا أو هدفا أو لغرض آخر لم يملكه الرامي، فلو
اخذه شخص آخر بقصد التملك ملكه.
277

مسألة 16 - الظاهر انه يلحق بآلة الاصطياد كل ما جعل وسيلة لاثبات
الحيوان وزوال امتناعه ولو بحفر حفيرة في طريقه ليقع فيها فوقع فيها أو
باتخاذ ارض واجراء الماء عليها لتصير موحلة فيتوحل فيها أو فتح باب البيت
والقاء الحبوب فيه ليدخل فيه العصافير فدخلت فاغلق عليها الباب على اشكال
فيه. نعم لو عشش الطير في داره لم يملكه بمجرد ذلك، وكذا لو توحل حيوان
في ارضه الموحلة ما لم يجعلها كذلك لأجل ذلك، فلو اخذه انسان بعد ذلك
ملكه وان عصي في دخول داره أو ارضه بغير اذنه.
مسألة 17 - لو سعي خلف حيوان حتى أعياه ووقف عن العدو لم يملكه ما
لم يأخذه، فلو اخذه غيره قبل ان يأخذه ملكه.
مسألة 18 - لو وقع حيوان في شبكة منصوبة للاصطياد ولم تمسكه الشبكة لضعفها
وقوته فانفلت منها لم يملكه ناصبها، وكذا ان اخذ الشبكة وانفلت بها من دون
ان يزول عنه الامتناع، فان صاده غيره ملكه ورد الشبكة إلى صاحبها.
نعم لو امسكته الشبكة وأثبتته ثم انفلت منها بسبب من الأسباب الخارجية لم
يخرج بذلك عن ملكه، كما لو امسكه بيده ثم انفلت منها، وكذا لو مشي
بالشبكة على وجه لا يقدر على الامتناع فإنه لناصبها، فلو اخذه غيره لم
يملكه بل يجب ان يرده اليه.
مسألة 19 - لو رماه فجرحه لكن لم يخرجه عن الامتناع فدخل دارا فاخذه صاحب
الدار ملكه باخذه لا بدخول الدار، كما انه لو رماه ولم يثبته فرماه شخص آخر
فهو للثاني ان اخذه أو أثبته لا الأول.
مسألة 20 - لو اطلق الصائد صيده من يده فان لم يقصد الاعراض عنه لم
يخرج عن ملكه ولا يملكه غيره باصطياده، وان قصد الاعراض وزوال ملكه
عنه فالظاهر انه يصير كالمباح جاز اصطياده لغيره ويملكه، وليس للأول
الرجوع إلى
278

الثاني بعد ما ملكه على الأقوى.
مسألة 21 - انما يملك غير الطير بالاصطياد إذا لم يعلم كونه ملكا للغير ولو
من جهة وجود آثار اليد التي هي امارة على الملك فيه، كما إذا كان طوق في
عنقه أو قرط في اذنه أو شد حبل في أحد قوائمه، واما إذا علم ذلك لم
يملكه الصائد بل يرد إلى صاحبه ان عرفه وان لم يعرفه يكون بحكم اللقطة
ومجهول المالك. وأما الطير فان كان مقصوص الجناحين كان بحكم ما علم ان
له مالكا فيرد إلى صاحبه ان عرف وان لم يعرف كان لقطة، واما ان ملك
جناحيه يتملك بالاصطياد الا إذا كان له مالك معلوم فيجب عليه رده إليه،
بل الأحوط ان كان فيه امارة على الملك كونه كغير الطير فيرده إلى مالكه
ان عرفه والا فيعامل معه معاملة اللقطة ومجهول المالك.
مسألة 22 - لو صنع برجا لتعشيش الحمام فعششت فيه لم يملكها، خصوصا لو كان
الغرض حيازة زرقها مثلا، فيجوز لغيره صيدها ويملك ما صاده، بل لو أخذ حمامة
من البرج ملكها وان اثم من جهة الدخول فيه بغير اذن مالكه، وكذلك
فيما إذا عششت في بئر مملوك فإنه لا يملكها مالك البئر.
مسألة 23 - الظاهر انه يكفي في تملك النحل الغير المملوكة اخذ أميرها،
فمن اخذه من الجبال مثلا واستولي عليه يملكه ويملك كل ما تتبعه من النحل
مما تسير بسيره وتقف بوقوفه وتدخل الكن وتخرج منه بدخوله وخروجه.
مسألة 24 - ذكاة السمك اما باخراجه من الماء حيا أو باخذه بعد خروجه
منه قبل موته، سواء كان ذلك باليد أو بآلة كالشبكة ونحوها، فلو وثب على
الجد أو نبذه البحر إلى الساحل أو نضب الماء الذي كان فيه حل لو اخذه
انسان قبل ان يموت، وحرم لو مات قبل الاخذ وان ادركه حيا ناظرا اليه على
الأقوى.
279

مسألة 25 - لا يشترط في تذكية السمك عند اخراجه من الماء أو اخذه بعد خروجه
منه التسمية، كما انه لا يعتبر في صائده الاسلام، فلو اخرجه كافر أو أخذه
فمات بعد اخذه حل سواء كان كتابيا أو غيره. نعم لو وجد في يده ميتا
لم يحل اكله ما لم يعلم انه قد مات خارج الماء بعد اخراجه أو اخذه بعد
خروجه وقبل موته، ولا يحرز ذلك بكونه في يده ولا بقوله لو اخبر به، بخلاف
ما إذا كان في يد مسلم فإنه يحكم بتذكيته حتى يعلم خلافها إذا عامل معه
معاملة الحلال حيث ان يد المسلم عليه أعم، لجواز الانتفاع المحلل من
ميتة السمك.
مسألة 26 - لو وثب من الماء سمكة إلى السفينة لم يحل ما لم يؤخذ باليد،
ولم يملكه السفان ولا صاحب السفينة بل كل من اخذه ملكه. نعم لو قصد
صاحب السفينة الصيد بها - بان جعل في السفينة ضوء بالليل ودق بشئ كالجرس
ليثب فيها السموك فوثبت فيها - فالوجه انه يملكها ويكون وثوبها فيها بسبب هذا
الصنع بمنزلة اخراجها حيا فيكون به تذكيتها.
مسألة 27 - لو نصب شبكة أو صنع حظيرة في الماء لاصطياد السمك فكل ما وقع
واحتبس فيهما ملكه، فان اخرج ما فيها من الماء حيا حل بلا اشكال، وكذا لو
نضب الماء وغار ولو بسبب جزره فماتت فيهما بعد نضوبه، واما لو ماتت في الماء
فهل هي حلال أم لا؟ قولان أشهرهما وأحوطهما الثاني وان كان الأول غير بعيد
. نعم لو اخرج الشبكة من الماء فوجد بعض ما فيه من السمك أو كله ميتا
ولم يدر انه قد مات في الماء أو بعد خروجه، لا يبعد البناء على الثاني
وحلية اكله.
مسألة 28 - لو اخرج السمك من الماء حيا ثم اعاده إلى الماء مربوطا أو
غير مربوط فمات فيه، حرم.
مسألة 29 - لو طفي السمك على الماء وزال امتناعه بسبب من الأسباب مثل
ان ضرب بمضراب أو بلع ما يسمي بالزهر في لسان بعض الناس أو غير ذلك،
فان
280

ادركه انسان واخذه وأخرجه من الماء قبل ان يموت حل وان مات على
الماء حرم. وان القي الزهر أحد فبلعه السمك وصار على وجه الماء لم يملكه
الملقي ما لم يأخذه، فلو اخذ غيره ملكه، من غير فرق بين ما إذا لم يقصد
سمكا معينا - كما إذا ألقاه في الشط فبلعه بعض السموك - أو قصد سمكا معينا
وألقاه له فبلعه فطفي على الماء، على اشكال في الثاني، لاحتمال كونه
كاثبات صيد البر وإزالة امتناعه بالرمي، وقد مر في بابه انه للرامي فلا
يملكه غيره بالاخذ، وكذلك الحال فيما إذا أزيل امتناع السمك باستعمال آلة
- كما لو رماه بالرصاص فطفي على الماء وفيه حياة - بل الامر فيه أشكل لقوة
احتمال كونه ملكا لراميه لا لمن اخذه.
مسألة 30 - لا يعتبر في حلية السمك، بعدما اخرج من الماء حيا أو اخذ حيا بعد
خروجه، ان يموت خارج الماء بنفسه، فلو قطعه قبل ان يموت ومات بالتقطيع
بل لو شواه حيا حل اكله، بل لا يعتبر في حله الموت من أصله، فيحل بلعه
حيا، بل لو قطع منه قطعة وأعيد الباقي إلى الماء حل ما قطعه، سواء
مات الباقي في الماء أم لا. نعم لو قطع منه قطعة في الماء حيا أو ميتا
لم يحل ما قطعه.
مسألة 31 - ذكاة الجراد اخذه حيا سواء كان باليد أو بالآلة، فلو مات قبل
اخذه حرم. ولا يعتبر فيه التسمية ولا اسلام الاخذ كما مر في السمك. نعم لو
وجده ميتا في يد الكافر لم يحل ما لم يعلم باخذه حيا ولا يجدي يده ولا
اخباره في أحراز ذلك كما تقدم في السمك.
مسألة 32 - لو وقعت نار في أجمة ونحوها فأحرقت ما فيها من الجراد لم
يحل وان قصده المحرق. نعم لو أحرقها أو شواها أو طبخها بعدما اخذت قبل ان
تموت حل كما مر في السمك، كما انه لو فرض كون النار آلة صيد الجراد - بأنه
لو أججها اجتمعت من الأطراف وألقت أنفسها فيها، فأججها لذلك فاجتمعت واحترقت
بها - لا يبعد حلية ما احترقت بها من الجراد، لكونه حينئذ من آلات الصيد
كالشبكة
281

والحظيرة للسمك.
مسألة 33 - لا يحل من الجراد ما لم يستقل بالطيران، وهو المسمي بالدبا
على وزن العصا، وهو الجراد إذا تحرك ولم تنبت بعد أجنحته.
القول في الذباحة
والكلام في الذابح وآلة الذبح وكيفيته، وبعض الاحكام المتعلقة به في
طي مسائل.
مسألة 1 - يشترط في الذابح ان يكون مسلما أو بحكمه كالمتولد منه، فلا
تحل ذبيحة الكافر مشركا كان أم غيره حتى الكتابي على الأقوى. ولا يشترط
فيه الايمان فتحل ذبيحة جميع فرق الاسلام عدا النواصب المحكوم بكفرهم
وهم المعلنون بعداوة أهل البيت عليهم السلام كالخارجي وان اظهر الاسلام
وكذا غيرهم من المنتحلين للاسلام المحكوم بكفرهم مثل الغلاة وغيرهم.
مسألة 2 - لا يشترط فيه الذكورة ولا البلوغ ولا غير ذلك فتحل ذبيحة
المرأة فضلا عن الخنثى، وكذا الحائض والجنب والنفساء والأعمي والأغلف وولد
الزنابل والطفل المميز ولكن لو شك في صحة ذبحه لا يجري فيه اصالة الصحة
وفي اعتبار قوله إشكال.
مسألة 3 - لا يجوز الذبح بغير الحديد مع الاختيار، فان ذبح بغيره مع
التمكن منه لم يحل وان كان من المعادن المنطبعة كالصفر والنحاس والذهب
والفضة وغيرها. نعم لو لم يوجد الحديد وخيف فوت الذبيحة بتأخير ذبحها أو
احتاج إلى الذبح عاجلا جاز بكل ما يفري أعضاء الذبح ولو كان قصبا أو ليطة أو
حجارة حادة أو زجاجة أو غيرها. نعم في وقوع الذكاة بالسن والظفر مع
الضرورة اشكال.
282

مسألة 4 - الواجب في الذبح مع الإمكان قطع تمام الأعضاء الأربعة:
الحلقوم، وهو مجري النفس. والمري، وهو مجري الطعام والشراب ومحله تحت
الحلقوم. والودجان، وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم أو المري.
وربما يطلق على هذه الأربعة الأوداج الأربعة، واللازم قطعها رأسا، فلا
يكفي شقها من دون قطعها وفصلها. واما مع تعذر قطعها تماما أو بعضا فيأتي حكمه
انشاء الله تعالي.
مسألة 5 - محل الذبح في الحلق تحت اللحيين على نحو يقطع به
الأوداج الأربعة، واللازم وقوعه تحت العقدة المسماة في لسان أهل هذا
الزمان بالجوزة وجعلها في الرأس دون الجثة والبدن، بناءا على ما قد يدعي
من تعلق الحلقوم أو الأعضاء الأربعة بتلك العقدة على وجه لو لم يبقها
الذابح في الرأس بتمامها ولم يقع الذبح من تحتها لم تقطع الأوداج بتمامها
. وهذا امر يعرفه أهل الخبرة الممارسون لذلك، فان كان الامر كذلك أو لم
يحصل القطع بقطع الأوداج بتمامها بدون ذلك فاللازم مراعاته، كما انه يلزم
ان يكون شي ء من هذه الأعضاء الأربعة على الرأس حتى يعلم انها قد انقطعت
وانفصلت عما يلي الرأس.
مسألة 6 - يشترط ان يكون الذبح من القدام، فلو ذبح من القفا حرمت
وإن اسرع إلى ان قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح. نعم لو
قطعها من القدام لكن لا من الفوق بان ادخل السكين تحت الأعضاء وقطعها إلى
فوق لم تحرم الذبيحة، وان فعل مكروها على قول ومحرما على قول آخر، ولعله
الأظهر.
مسألة 7 - يجب التتابع في الذبح، بان يستوفي قطع الأعضاء قبل زهوق
الروح من الذبيحة، فلو قطع بعضها وأرسلها حتى انتهت إلى الموت ثم استأنف
وقطع الباقي حرمت، بل لا يترك الاحتياط بان لا يفصل بينها بما يخرج عن
المتعارف المعتاد ولا يعد معه عملا واحدا عرفا بل يعد عملين، وان استوفي
التمام قبل خروج الروح منها.
283

مسألة 8 - لو قطع رقبة الذبيحة من القفا وبقيت أعضاء الذباحة فان بقيت
لها الحياة المستكشفة بالحركة بعد تمامية الذبح حلت، والا لم تحل وصارت
ميتة.
مسألة 9 - لو أخطأ الذابح وذبح من فوق العقدة ولم يقطع الأعضاء الأربعة،
فان لم يبق لها الحياة حرمت، وان بقيت لها الحياة يمكن ان يتدارك، بان
يتسارع إلى ايقاع الذبح من تحت وقطع الأعضاء حلت.
مسألة 10 - يشترط في تذكية الذبيحة مضافا إلى ما مر أمور:
" أحدها " الاستقبال بالذبيحة حال الذبح، بان يوجه مذبحها ومقاديم
بدنها إلي القبلة، فان أخل به فإن كان عامدا عالما حرمت وان كان ناسيا
أو جاهلا أو خطا في القبلة أو في العمل لم تحرم، ولو لم يعلم جهة القبلة
أو لم يتمكن من توجيهها إليها سقط هذا الشرط. ولا يشترط استقبال الذابح
على الأقوى، وان كان أحوط وأولي.
" ثانيها " - التسمية من الذابح، بان يذكر اسم " الله " عليه حينما
يتشاغل بالذبح أو متصلا به عرفا قبل الشروع فلو أخل بها فان كان عمدا حرمت
وان كان نسيانا لم تحرم. وفي الحاق الجهل بالحكم بالنسيان أو العمد قولان،
أظهرهما الثاني. والمعتبر في التسمية وقوعها بهذا القصد، اعني بعنوان كونها
على الذبيحة، ولا تجزي التسمية الاتفاقية الصادرة لغرض آخر.
" ثالثها " صدور حركة منها بعد تمامية الذبح كي تدل على وقوعه على الحي ولو
كانت جزئية، مثل ان تطرف عينها أو تحرك اذنها أو ذنبها أو تركض
برجلها ونحوها. ولا يحتاج مع ذلك إلى خروج الدم المعتدل، فلو تحرك ولم
يخرج الدم أو خرج متثاقلا ومتقاطرا لا سائلا معتدلا كفي في التذكية. وفي
الاكتفاء به أيضا حتى يكون المعتبر أحد الامرين من الحركة أو خروج الدم
المعتدل قول مشهور وهو لا يخلو عن قوة وان كان الاحتياط عدم الاكتفاء به.
هذا إذا لم يعلم حياته،
284

واما إذا علم حياته بخروج مثل هذا الدم اكتفي به
بلا اشكال.
مسألة 11 - لا يعتبر كيفية خاصة في وضع الذبيحة على الأرض حال الذبح، فلا
فرق ان يضعها على الجانب الأيمن كهيئة الميت حال الدفن وبين ان
يضعها على الأيسر.
مسألة 12 - لا يعتبر في التسمية كيفية خاصة وان يكون في ضمن البسملة،
بل المدار على صدق ذكر اسم " الله " عليها، فيكفي ان يقول " باسم الله " أو
" الله أكبر " أو " الحمد لله " أو " لا اله الا الله " ونحو ذلك. وفي الاكتفاء
بلفظ " الله " من دون ان يقرن بما يصير به كلاما تاما دالا على صفة كمال أو
ثناء أو تمجيد اشكال، كالتعدي من لفظ " الله " إلى سائر أسمائه الحسني
كالرحمن والرحيم والخالق وغيرها، وكذا التعدي إلى ما يرادف هذه اللفظة
المباركة في لغة أخرى كلفظة " يزدان " في الفارسية وغيرها في غيرها، فان
فيه اشكالا.
مسألة 13 - ذهب جماعة من الفقهاء إلى انه يشترط في حلية الذبيحة
استقرار الحياة لها قبل الذبح، فلو كانت غير مستقرة الحياة لم تحل بالذبح
وكانت ميتة، وفسروا الاستقرار المزبور بان لا تكون مشرفة على الموت بحيث لا
يمكن ان يعيش مثلها اليوم أو نصف يوم، كالمشقوق بطنه والمخرج حشوته
والمذبوح من قفاه الباقية أوداجه والساقط عن شاهق تكسرت عظامه وأمثال
ذلك. والأقوى عدم اعتبار استقرار الحياة بالمعني المزبور، بل المعتبر أصل
الحياة ولو كانت عند اشراف انقطاعها وخروجها، فان علم ذلك والا يكون الكاشف
عنها الحركة بعد الذبح ولو كانت جزئية يسيرة أو خروج الدم المعتدل كما تقدم
.
مسألة 14 - لا يشترط في حلية اكل الذبيحة بعد وقوع الذبح عليها حيا
ان يكون خروج روحها بذلك الذبح، فلو وقع عليها الذبح الشرعي ثم وقعت في
نار أو ماء أو سقطت من جبل ونحو ذلك فماتت بذلك حلت على الأقوى.
285

مسألة 15 - يختص الإبل من بين البهائم بان تذكيته بالنحر، كما ان
غيره يختص بالذبح، فلو ذبح الإبل أو نحر غيره كان ميتة. نعم لو بقيت له
الحياة بعد ذلك أمكن التدارك - بان يذبح ما يجب ذبحه بعدما نحر أو ينحر ما
يجب نحره بعدما ذبحه - ووقعت عليه التذكية.
مسألة 16 - كيفية النحر ومحله ان يدخل سكينا أو رمحا ونحوهما من
الآلات الحادة الحديدية في لبته، وهي المحل المنخفض الواقع بين أصل
العنق والصدر. ويشترط فيه كل ما اشترط في تذكية الذبيحة، فيشترط في
الناحر ما اشترط في الذابح. وفي آلة النحر ما اشترط في آلة الذبح ويجب
التسمية عند النحر كما تجب عند الذبح، ويجب الاستقبال بالمنحور كما يجب
بالذبيحة وفي اعتبار الحياة أو استقرارها هنا ما مر في الذبيحة.
مسألة 17 - يجوز نحر الإبل قائمة وباركة مقبلة إلى القبلة، بل يجوز
نحرها ساقطة على جنبها مع توجيه منحرها ومقاديم بدنها إلى القبلة، وان كان
الأفضل كونها قائمة.
مسألة 18 - كل ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان اما لاستعصائه أو
لوقوعه في موضع لا يتمكن الانسان من الوصول إلى موضع الذكاة ليذبحه أو
ينحره - كما لو تردي في البئر أو وقع في مكان ضيق وخيف موته - جاز ان
يعقره بسيف أو سكين أو رمح أو غيرها مما يجرحه ويقتله، ويحل اكله وان لم
يصادف العقر موضع التذكية، وسقطت شرطية الذبح والنحر وكذلك الاستقبال.
نعم سائر الشرائط من التسمية وشرائط الذابح والناحر تجب مراعاتها، واما
الآلة فيعتبر فيها ما مر في آلة الصيد الجمادية فراجع، وفي الاجتزاء هنا بعقر
الكلب وجهان أقواهما ذلك في المستعصي دون غيره كالمتردي.
مسألة 19 - للذباحة والنحر آداب ووظائف بين مستحبة ومكروهة: (اما
286

المستحبة
): فمنها: ان يربط يدي الغنم مع أحدي رجليه ويطلق الأخرى ويمسك صوفه
وشعره بيده حتى تبرد، وفي البقر ان يعقل قوائمه الأربع ويطلق ذنبه،
وفي الإبل ان تكون قائمة ويربط يديها ما بين الخفين إلى الركبتين أو
الإبطين ويطلق رجليها، وفي الطير ان يرسله بعد الذبح حتى ترفرف. ومنها:
ان يكون الذابح أو الناحر مستقبل القبلة. ومنها: ان يعرض عليه الماء قبل
الذبح أو النحر. ومنها: ان يعامل مع الحيوان في الذبح أو النحر ومقدماتهما
ما هو الأسهل والأروح وابعد من التعذيب والأذية له، بان يساق إلى الذبح أو
النحر برفق ويضجعه للذبح برفق، وان يحدد الشفرة وتواري وتستر عنه حتى لا
يراها، وان يسرع في العمل ويمر السكين في المذبح بقوة، فعن النبي صلي
الله عليه وآله " ان الله تعالي شانه كتب عليكم الاحسان في كل شي ء، فإذا
قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح
ذبيحته ". وفي نبوي آخر انه صلي الله عليه وآله وسلم امر ان تحد الشفار وان
تواري عن البهائم.
(واما المكروهة): فمنها: إبانة الرأس قبل خروج الروح منها عند الأكثر بل
لا يترك الاحتياط بتركها. وحرمها جماعة ولكن لا تحرم الذبيحة بفعلها حتى
على القول بالحرمة على الأقوى. هذا مع التعمد، واما مع الغفلة أو سبق
السكين فلا حرمة ولا كراهة لا في الاكل ولا في الإبانة بلا اشكال.
ومنها: ان تنخع الذبيحة، بمعني إصابة السكين إلى نخاعها، وهو
الخيط الأبيض وسط الفقار الممتد من الرقبة إلى عجز الذنب.
ومنها: ان يسلخ جلدها قبل خروج الروح منها، وقيل فيه بالحرمة وان
لم تحرم الذبيحة، وهي الأحوط.
ومنها: ان يقرب السكين ويدخلها تحت الحلقوم ويقطع إلى فوق.
ومنها: ان يذبح حيوان وحيوان آخر ينظر اليه.
287

ومنها: ان يذبح ليلا وبالنهار قبل الزوال يوم الجمعة الا مع الضرورة.
ومنها: ان يذبح بيده ما رباه من النعم.
مسألة 20 - إذا خرج الجنين أو اخرج من بطن أمه، فمع حياة الام أو
موتها بدون التذكية لم يحل اكله الا إذا كان حيا ووقعت عليه التذكية، وكذا
ان خرج أو اخرج حيا من بطن أمه المذكاة فإنه لم يحل الا بالتذكية، فلو
لم يذك لم يحل وان كان عدم التذكية من جهة عدم اتساع الزمان لها على
الأقوى، واما لو خرج أو اخرج ميتا من بطن أمه المذكاة حل اكله وكانت
تذكيته بتذكية أمه لكن بشرط كونه تام الخلقة وقد اشعر أو أوبر، فان لم
تتم خلقته ولم يشعر ولا أوبر كان ميتة وحراما. ولا فرق في حليته مع الشرط
المزبور بين ما لم تلجه الروح بعد وبين ما ولجته فمات في بطن أمه على
الأقوى. هذا إذا مات بعد التذكية، واما ان مات قبل التذكية بسبب ضربة
وقعت على أمه أو مرض فحرام قطعا.
مسألة 21 - لو كان الجنين حيا حال ايقاع الذبح أو النحر على أمه ومات
بعده قبل ان يشقوا بطنها ويستخرج منها حل على الأقوى لو بادر إلى شق بطنها
ولم يدرك حياته، بل ولو لم يبادر ولم يؤخر زائدا على القدر المتعارف في
شق بطون الذبائح بعد الذبح، وان كان الأحوط المبادرة وعدم التأخير حتى
بالمقدار المتعارف، واما لو اخر زائدا عن المقدار المتعارف ومات قبل ان يشق
البطن فالظاهر عدم حليته.
مسألة 22 - لا اشكال في وقوع التذكية على كل حيوان حل اكله ذاتا وان
حرم بالعارض كالجلال والموطوء بحريا كان أو بريا، وحشيا كان أو انسيا،
طيرا كان أو غيره، وان اختلف في كيفية التذكية على ما سبق تفصيلها، واثر
التذكية فيها طهارة لحمها وجلدها وحلية اكل لحمها لو لم يحرم بالعارض، واما
غير المأكول من الحيوان فما ليس له نفس سائلة لا اثر للتذكية فيه لا من
حيث الطهارة ولا من
288

حيث الحلية لأنه طاهر ومحرم اكله على كل حال، واما
ما كان له نفس سائلة فما كان نجس العين كالكلب والخنزير ليس قابلا للتذكية
، وكذا المسوخ غير السباع كالفيل والدب والقرد ونحوها، والحشرات وهي الدواب
الصغار التي تسكن باطن الأرض كالفارة وابن عرس والضب ونحوها على الأحوط لو
لم يكن الأقوى فيهما. واما السباع - وهي ما تفترس الحيوان وتأكل اللحم سواء
كانت من الوحوش كالأسد والنمر والفهد والثعلب وابن آوي وغيرها أو من الطيور
كالصقر والبازي والباشق وغيرها - فالأقوى قبولها التذكية، وبها يطهر لحومها
وجلودها، فيحل الانتفاع بها، بان تلبس في غير الصلاة ويفترش بها، بل بان
تجعل وعاء للمائعات، كان تجعل قربة ماء أو عكة سمن أو دبة دهن ونحوها وان
لم تدبغ على الأقوى، وان كان الأحوط ان لا تستعمل ما لم تكن مدبوغة.
مسألة 23 - الظاهر ان جميع أنواع الحيوان المحرم الاكل مما كانت له
نفس سائلة غير ما ذكر من أنواع الوحوش والطيور المحرمة تقع عليها التذكية،
فتطهر بها لحومها وجلودها.
مسألة 24 - تذكية جميع ما يقبل التذكية من الحيوان المحرم الاكل انما
يكون بالذبح مع الشرائط المعتبرة في ذبح الحيوان المحلل، وكذا بالاصطياد
بالآلة الجمادية في خصوص الممتنع منها كالمحلل، وفي تذكيتها بالاصطياد
بالكلب المعلم تردد واشكال.
مسألة 25 - ما كان بيد المسلم في سوق الكفار من اللحوم والشحوم والجلود، إذا
لم يعلم كونها من غير الذكي وعامل من بيده معاملة الطهارة واحتمل
احرازه طهارته، يؤخذ منه ويعامل معه معاملة المذكي، فيجوز بيعه وشراؤه
واكله واستصحابه في الصلاة وسائر الاستعمالات المتوقفة على التذكية، ولا
يجب الفحص والسؤال، بل ولا يستحب، بل نهي عنه، والأحوط الاجتناب عما
في يد
289

الكافر في سوق المسلمين الا إذا كان مسبوقا بيد المسلم واما ما كان فيه
بيد مجهول الحال فلا باس به، بل وكذا ما كان مطروحا في ارضهم إذا كان فيه
أثر الاستعمال، كما إذا كان اللحم مطبوخا أو الجلد مخيطا أو مدبوغا. وبالجملة
كانت فيه امارة تدل على وقوع اليد عليه، بل وكذا إذا اخذ من الكافر وعلم
كونه مسبوقا بيد المسلم على الأقوى. واما ما يؤخذ من يد الكافر ولو في بلاد
المسلمين ولم يعلم كونه مسبوقا بيد المسلم وما كان بيد مجهول الحال في بلاد
الكفار أو كان مطروحا في ارضهم يعامل معه معاملة غير المذكي، وهو بحكم
الميتة. والمدار في كون البلد أو الأرض منسوبا إلى المسلمين غلبة السكان
والقاطنين بحيث ينسب عرفا إليهم ولو كانوا تحت سلطنة الكفار، كما ان هذا هو
المدار في بلد الكفار. ولو تساوت النسبة من جهة عدم الغلبة فحكمه حكم بلد
الكفار.
مسألة 26 - لا فرق في إباحة ما يؤخذ من يد المسلم بين كونه مؤمنا أو
مخالفا يعتقد طهارة جلد الميتة بالدبغ ويستحل ذبائح أهل الكتاب ولا يراعي
الشروط التي اعتبرناها في التذكية، وكذا لا فرق بين كون الآخذ موافقا من
المأخوذ منه في شرائط التذكية اجتهادا أو تقليدا أو مخالفا معه فيها إذا
احتمل تذكيته على وفق مذهب الآخذ. كما إذا كان المأخوذ منه يعتقد كفاية
قطع الحلقوم في الذبح ويعتقد الآخذ لزوم قطع الأوداج الأربعة، إذا احتمل
ان ما بيده قد روعي فيه ذلك وان لم يلزم رعايته عنده. والله العالم.
290

كتاب الأطعمة والأشربة
291

كتاب الأطعمة والأشربة
والمقصود من هذا الكتاب بيان المحلل والمحرم من الحيوان وغير الحيوان.
القول في الحيوان القول في الحيوان
مسألة 1 - لا يوكل من حيوان البحر الا السمك والطير مما يحل مثله في البر
. فيحرم غيرهما من أنواع حيوانه، حتى ما يوكل مثله في البر كبقره على
الأقوى.
مسألة 2 - لا يوكل من السمك الا ما كان له فلس وقشور بالأصل وان لم
تبق وزالت بالعارض، كالكنعت فإنه على ما ورد فيه حوت سيئة الخلق تحتك
بكل شي ء فيذهب فسلها ولذا لو نظرت إلى أصل اذنها وجدته فيه. ولا فرق بين
اقسام السمك ذي القشور، فيحل جميعها صغيرها وكبيرها من البز والبني
والشبوط والقطان والطيرامي والابلامي وغيرها، ولا يوكل منه ما ليس له فلس
في الأصل كالجري والزمار والزهو والمارماهي.
مسألة 3 - الأربيان المسمي في لسان أهل هذا الزمان بالروبيان من
جنس السمك الذي له فلس فيجوز اكله.
مسألة 4 - بيض السمك تتبع السمك، فبيض المحلل حلال وان كان أملس، وبيض
المحرم حرام وان كان خشنا. وإذا اشتبه انه من المحلل أو من المحرم
حل
293

اكله، والأحوط في حال الاشتباه عدم اكل ما كان أملس.
مسألة 5 - البهائم البرية من الحيوان صنفان: انسية، ووحشية:
اما الانسية فيحل منها جميع أصناف الغنم والبقر والإبل ويكره الخيل
والبغال والحمير، أخفها كراهة الأول. واختلف في الأخيرين فقيل بأخفية
الثاني وقيل بأخفية الأول، وتحرم منها غير ذلك كالكلب والسنور وغيرهما.
واما الوحشية فتحل منها الظبي والغزلان والبقر والكباش الجبلية واليحمور
والحمير الوحشية، وتحرم منها السباع، وهي ما كان مفترسا وله ظفر وناب قويا
كان كالأسد والنمر والفهد والذئب أو ضعيفا كالثعلب والضبع وابن آوي، وكذا
يحرم الأرنب وان لم يكن من السباع، وكذا تحرم الحشرات كلها كالحية
والفارة والضب واليربوع والقنفذ والصراصر والجعل والبراغيث والقمل وغيرها مما
لا تحصي.
مسألة 6 - يحل من الطير الحمام بجميع أصنافه كالقماري وهو الأزرق والدباسي
وهو الأحمر والورشان وهو الأبيض، والدراج والقبج والقطا والطيهوج والبط
والكروان والحباري والكركي والدجاج بجميع اقسامه، والعصفور بجميع أنواعه
ومنه البلبل والزرزور والقبرة وهي التي على رأسها القنزعة، وقد ورد انها من
مسحة سليمان (عليه السلام). ويكره منه الهدهد والخطاف، وهو الذي يأوي
البيوت وآنس الطيور بالناس، والصرد وهو طائر ضخم الرأس والمنقار يصيد
العصافير أبقع نصفه ونصفه ابيض، والصوام وهو طائر اغبر اللون طويل الرقبة
أكثر ما يبيت في النخل، والشقراق وهو طائر اخضر مليح بقدر الحمام خضرته حسنة
مشبعة في أجنحته سواد ويكون مخططا بحمرة وخضرة وسواد. ولا يحرم شي ء
منها حتى الخطاف على الأقوى. ويحرم منه الخفاش والطاووس وكل ذي مخلب
، سواء كان قويا يقوي به على افتراس الطير كالبازي والصقر والعقاب
والشاهين والباشق، أو ضعيفا لا يقوي به على ذلك كالنسر والبغاث.
294

مسألة 7 - الأحوط التنزه والاجتناب عن الغراب بجميع أنواعه حتى الزاغ
وهو غراب الزرع والغداف الذي هو أصغر منه اغبر اللون كالرماد، ويتأكد
الاحتياط في الأبقع الذي فيه سواد وبياض ويقال له العقعق، والأسود الكبير
الذي يسكن الجبال وهما يأكلان الجيف، ويحتمل قويا كونهما من سباع الطير،
فيقوي فيهما الحرمة.
مسألة 8 - يميز محلل الطير عن محرمه بأمرين جعل كل منهما في الشرع
علامة للحل والحرمة فيما لم ينص على حليته ولا على حرمته دون ما نص فيه
على حكمه من حيث الحل أو الحرمة كالأنواع المتقدمة:
أحدهما - الصفيف والدفيف، فكل ما كان صفيفه وهو بسط جناحيه عند
الطيران أكثر من دفيفه وهو تحريكهما عنده فهو حرام، وما كان بالعكس بان
كان دفيفه أكثر من صفيفه فهو حلال.
ثانيهما - الحوصلة والقانصة والصيصية، فما كان فيه أحد هذه الثلاثة فهو
حلال وما لم يكن فيه شي ء منها فهو حرام. والحوصلة ما يجتمع فيه الحب
وغيره من المأكول عند الحلق. والقانصة في الطير بمنزلة الكرش لغيره أو هي
قطعة صلبة تجتمع فيها الحصاة الدقاق التي يأكلها الطير. والصيصية هي الشوكة
التي في رجل الطير موضع العقب. ويتساوي طير الماء مع غيره في العلامتين
المزبورتين، فما كان دفيفه أكثر من صفيفه أو كان فيه أحد الثلاثة الحوصلة
والقانصة والصيصية فهو حلال وان كان يأكل السمك، وما كان صفيفه أكثر من
دفيفه أو لم يوجد فيه شيء من الثلاثة فهو حرام.
مسألة 9 - لو تعارضت العلامتان - كما إذا كان ما صفيفه أكثر من دفيفه
ذا حوصلة أو قانصة أو صيصية أو كان ما دفيفه أكثر من صفيفه فاقدا للثلاثة -
فقيل: إن الاعتبار بالصفيف والدفيف، فيحرم الأول ويحل الثاني الا انه لا
يترك
295

الاحتياط، لكن ربما قيل بالتلازم بين العلامتين وعدم وقوع التعارض
بينهما فلا اشكال.
مسألة 10 - لو رأي طيرا يطير وله صفيف ودفيف ولم يتبين أيهما أكثر تعين
له الرجوع إلى العلامة الثانية، وهي وجود أحد الثلاثة وعدمها فيه، وكذا
إذا وجد طيرا مذبوحا لم يعرف حاله.
مسألة 11 - لو فرض تساوي الصفيف والدفيف فيه فالمشهور على حليته لكن لا
يخلو من اشكال، فالأحوط ان يرجع فيه إلى العلامة الثانية. وان لم
يعرف حاله لا من العلامة الأولي ولا من الثانية، فان علم انه يقبل
التذكية فاكله حلال، وان احتمل عدم قبوله للتذكية فبأصالة عدم التذكية
يحكم بحرمته سواء كانت الشبهة موضوعية أو حكمية.
مسألة 12 - بيض الطيور تابعة لها في الحل والحرمة، فبيض المحلل حلال وبيض
المحرم حرام، وما اشتبه انه من المحلل أو المحرم يوكل ما اختلف
طرفاها وتميز رأسها من تحتها مثل بيض الدجاج، دون ما تساوي طرفاه.
مسألة 13 - النعامة من الطيور، وهي حلال لحما وبيضا على الأقوى.
مسألة 14 - اللقلق لم ينص على حرمته ولا على حليته، فليرجع في حكمه
إلى علامات الحل والحرمة. اما من جهة الدفيف والصفيف فقد اختلف في ذلك
أنظار من تفقده، فبعض ادعي ان دفيفه أكثر من صفيفه، وبعض ادعي العكس،
ولعل طيرانه غير منتظم. وكيف كان إذا تبين حاله من جهة الدفيف والصفيف
فهو، والا فليرجع إلى العلامة الثانية.
مسألة 15 - تعرض الحرمة على الحيوان المحلل بالأصل من أمور: فمنها
: الجلل، وهو ان يتغذى الحيوان عذرة الانسان بحيث يصدق عرفا انها غذاؤه،
ولا
296

يلحق بعذرة الانسان عذرة غيره ولا سائر النجاسات. ويتحقق الصدق
المزبور بانحصار غذائه بها، فلو كان يتغذى بها مع غيرها لم يتحقق الصدق،
فلم يحرم الا ان يكون تغذيه بغيرها نادرا جدا بحيث يكون بانظار العرف بحكم
العدم. وبان يكون تغذيه بها مدة معتدا بها، والظاهر عدم كفاية يوم وليلة
، بل يشك صدقه بأقل من يومين بل ثلاثة.
مسألة 16 - يعم حكم الجلل كل حيوان محلل حتى الطير والسمك.
مسألة 17 - كما يحرم لحم الحيوان بالجلل يحرم لبنه وبيضه ويحلان بما
يحل به لحمه. وبالجملة هذا الحيوان المحرم بالعارض كالحيوان المحرم
بالأصل في جميع الاحكام قبل ان يستبرأ ويزول حكمه.
مسألة 18 - الظاهر ان الجلل ليس مانعا عن وقوع التذكية، فيذكي الجلال
بما يذكى به غيره، ويترتب عليها طهارة لحمه وجلده كسائر الحيوان المحرم
بالأصل القابل للتذكية.
مسألة 19 - تزول حرمة الجلال بالاستبراء بترك التغذي بالعذرة والتغذي بغيرها
مدة، وهي في الإبل أربعون يوما، وفي البقر عشرون يوما والأحوط ثلاثون
يوما، وفي الشاة عشرة أيام، وفي البطة خمسة أيام، وفي الدجاجة
ثلاثة أيام، وفي السمك يوم وليلة، وفي غير ما ذكرنا فالمدار على زوال
اسم الجلل بحيث لم يصدق عليه انه يتغذى بالعذرة بل صدق ان غذاؤه غيرها.
مسألة 20 - كيفية الاستبراء ان يمنع الحيوان بربط أو حبس عن التغذي
بالعذرة في المدة المقررة، ويعلف في تلك المدة علفا طاهرا على الأحوط،
وان كان الاكتفاء بالتغذي بغير ما أوجب الجلل مطلقا وان كان متنجسا أو
نجسا لا يخلو من قوة خصوصا في المتنجس.
297

مسألة 21 - يستحب ربط الدجاجة التي يراد اكلها أياما ثم ذبحها وان لم
يعلم جللها.
مسألة 22 - ومما يوجب حرمة الحيوان المحلل بالأصل ان يطأه الانسان قبلا أو
دبرا وان لم ينزل، صغيرا كان الواطي أو كبيرا عالما كان أو جاهلا مختارا
كان أو مكرها فحلا كان الموطوء أو أنثى، فيحرم بذلك لحمه ولحم نسله
المتجدد بعد الوطي ولبنهما.
مسألة 23 - الحيوان الموطوء ان كان مما يراد اكله كالشاة والبقرة والناقة
يجب ان يذبح ثم يحرق، ويغرم الواطي قيمته لمالكه إذا كان غير المالك.
وان كان مما يراد ظهره حملا أو ركوبا وليس يعتاد اكله كالحمار والبغل والفرس
اخرج من المحل الذي فعل به إلى بلد آخر فيباع فيه فيعطي ثمنه للواطي
ويغرم قيمته ان كان غير المالك، ولعلنا نستوفي بعض ما يتعلق بهذه المسالة
في كتاب الحدود لو ساعدنا التوفيق.
مسألة 24 - ومما يوجب عروض الحرمة على الحيوان المحلل بالأصل ان يرضع حمل
أو جدي أو عجل من لبن خنزيرة حتى قوي ونبت لحمه واشتد عظمه، فيحرم لحمه
ولحم نسله ولبنهما. ولا تلحق بالخنزيرة الكلبة ولا الكافرة، وفي تعميم
الحكم للشرب من دون رضاع وللرضاع بعد ما كبر وفطم اشكال وان كان أحوط.
هذا إذا اشتد، واما إذا لم يشتد كره لحمه وتزول الكراهة بالاستبراء
سبعة أيام، بان يمنع عن التغذي بلبن الخنزيرة ويعلف ان استغني عن
اللبن، وان لم يستغن عنه يلقي على ضرع شاة مثلا في تلك المدة.
مسألة 25 - لو شرب الحيوان المحلل الخمر حتى سكر وذبح في تلك الحال يوكل
لحمه لكن بعد غسله على الأحوط ولا يوكل ما في جوفه من الأمعاء
والكرش والقلب والكبد وغيرها وان غسل، ولو شرب بولا ثم ذبح عقيب الشرب حل
لحمه
298

بلا غسل، ويوكل ما في جوفه بعد ما يغسل على الأحوط.
مسألة 26 - لو رضع جدي أو عناق أو عجل من لبن امرأة حتى فطم وكبر لم يحرم
لحمه لكنه مكروه.
مسألة 27 - يحرم من الحيوان المحلل وان ذكي أربعة عشر شيئا: الدم
، والروث، والطحال، والقضيب، والأنثيان، والمثانة، والمرارة، والنخاع
وهو خيط ابيض كالمخ في وسط فقار الظهر، والغدد وهي كل عقدة في الجسد
مدورة تشبه البندق في الأغلب، والمشيمة وهي موضع الولد وقرينه الذي يخرج
معه ويجب الاحتياط بالتنزه عنهما، والعلباوان وهما عصبتان عريضتان
صفراوان ممتدتان على الظهر من الرقبة إلى الذنب، وخرزة الدماغ وهي حبة
في وسط الدماغ بقدر الحمصة تميل إلى الغبرة في الجملة يخالف لونها لون
المخ الذي في الجمجمة، والحدقة وهي الحبة الناظرة من العين لا جسم
العين كله، والفرج ظاهره وباطنه.
مسألة 28 - تختص حرمة الأشياء المذكورة بالذبيحة والمنحورة، فلا يحرم
من السمك والجراد شي ء منها ما عدا الرجيع والدم على اشكال فيهما.
مسألة 29 - لا يوجد في الطيور شي ء مما ذكر عدا الرجيع والدم والمرارة والطحال
والبيضتين في الديكة، ولا اشكال في حرمة الأولين منها، واما البواقي ففيها
اشكال فلا يترك فيها الاحتياط.
مسألة 30 - يؤكل من الذبيحة غير ما مر، فيؤكل القلب والكبد والكرش والأمعاء
والغضروف والعضلات وغيرها. نعم يكره الكليتان واذنا القلب والعر وخصوصا
الأوداج، وهل يؤكل منها الجلد والعظم مع عدم الضرر أم لا؟ أظهرهما الأول
وأحوطهما الثاني. نعم لا اشكال في جلد الرأس وجلد الدجاج وغيره من
299

الطيور، وكذا في عظم صغار الطيور كالعصفور.
مسألة 31 - يجوز اكل لحم ما حل اكله نيا ومطبوخا، بل ومحروقا أيضا إذا
لم يكن مضرا، نعم يكره اكله غريضا، بمعني كونه طريا لم يتغير بشمس ولا
نار ولا بذر الملح عليه وتجفيفه في الظل وجعله قديدا.
مسألة 32 - اختلفوا في حلية بول ما يؤكل لحمه كالغنم والبقر عند
عدم الضرورة على قولين: فقال بعض بالحلية، وحرمه جماعة، وهو الأحوط.
نعم لا اشكال في حلية بول الإبل للاستشفاء.
مسألة 33 - يحرم رجيع كل حيوان ولو كان مما حل اكله. نعم الظاهر
عدم حرمة فضلات الديدان الملتصقة بأجواف الفواكه والبطايخ ونحوها، وكذا ما
في جوف السمك والجراد إذا اكل معهما.
مسألة 34 - يحرم الدم من الحيوان ذي النفس حتى العلقة والدم في البيضة
عدا ما يتخلف في الذبيحة، على اشكال فيما يجتمع منه في القلب والكبد،
واما الدم من غير ذي النفس فما كان مما حرم اكله كالوزغ والضفدع والقرد فلا
اشكال في حرمته، واما مما حل اكله كالسمك الحلال ففيه خلاف، والظاهر
حليته إذا اكل مع السمك، بان اكل السمك بدمه، واما إذا اكل منفردا ففيه
اشكال.
مسألة 35 - قد مر في كتاب الطهارة طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة
حتى اللبن والبيضة إذا اكتست جلدها الأعلى الصلب، والإنفحة وهي كما انها
طاهرة حلال أيضا.
مسألة 36 - لا اشكال في حرمة القيح والوسخ والبلغم والنخامة من كل حيوان
، واما البصاق والعرق من غير نجس العين فالظاهر حليتهما، خصوصا الأول، وخصوصا
إذا كان من الانسان أو مما يؤكل لحمه من الحيوان.
300

القول في غير الحيوان:
مسألة 1 - يحرم تناول الأعيان النجسة، وكذا المتنجسة ما دامت باقية
على النجاسة، مائعة كانت أو جامدة.
مسألة 2 - يحرم تناول كل ما يضر بالبدن، سواء كان موجبا للهلاك
كشرب السموم القاتلة وشرب الحامل ما يوجب سقوط الجنين، أو سببا لانحراف
المزاج أو لتعطيل بعض الحواس ظاهرة أو باطنة أو لفقد بعض القوي كالرجل يشر
ب ما يقطع به قوة الباه والتناسل أو المرأة تشرب ما به تصير عقيما لا تلد.
مسألة 3 - لا فرق في حرمة تناول المضربين المعلوم الضرر ومظنونه،
بل ومحتمله أيضا إذا كان احتماله معتدا به عند العقلاء بحيث أوجب الخوف
عندهم. وكذا لا فرق بين ان يكون الضرر المترتب عليه عاجلا أو بعد مدة.
مسألة 4 - يجوز التداوي والمعالجة بما يحتمل فيه الخطر ويودي اليه أحيانا
إذا كان النفع المترتب عليه حسبما ساعدت عليه التجربة وحكم به الحذاق
وأهل الخبرة غالبيا، بل يجوز المعالجة بالمضر العاجل الفعلي المقطوع به
إذا يدفع به ما هو أعظم ضررا وأشد خطرا. ومن هذا القبيل قطع بعض الأعضاء
دفعا للسراية المودية إلى الهلاك وبط الجرح والكي بالنار وبعض العمليات
المعمولة في هذه الاعصار، بشرط ان يكون الاقدام على ذلك جاريا مجري
العقلاء، بان يكون المباشر للعمل حاذقا محتاطا مباليا غير مسامح ولا متهور لا
إذا كان على خلاف ذلك كبعض المتطببين.
مسألة 5 - ما كان يضر كثيره دون قليله يحرم كثيره المضر دون قليله
غير المضر، ولو فرض العكس كان بالعكس، وكذا ما يضر منفردا لا منضما مع
غيره يحرم منفردا لا منضما، وما كان بالعكس كان بالعكس.
301

مسألة 6 - ما كان لا يضر تناوله مرة أو مرتين مثلا ولكن يضر ادمانه
وزيادة تكريره والتعود به يحرم تكريره المضر خاصة، ومن ذلك شرب الأفيون
بابتلاعه أو شرب دخانه، فإنه لا يضر مرة أو مرتين لكن تكراره والمداومة
عليه والتعود به - كما هو المتداول في بعض البلاد خصوصا بعض كيفياته
المعروفة عند أهله - مضر غايته وفيه فساد واي فساد، بل هو بلاء، واي بلاء،
داء عظيم وبلاء جسيم وخطر خطير وفساد كبير، أعاذ الله المسلمين منه. فمن رام
شربه لغرض من الاغراض فليلتفت إلى ان لا يكثره ولا يكرره إلى حد يتعود
ويبتلي به، ومن تعود به يجب عليه الاجتهاد في تركه وكف النفس والعلاج
بما يزيل عنه هذا الاعتياد.
مسألة 7 - يحرم اكل الطين، وهو التراب المختلط بالماء حال بلته، وكذا
المدر وهو الطين اليابس، ويلحق بهما التراب أيضا على الأحوط. نعم لا باس
بما يختلط بالحنطة أو الشعير مثلا من التراب والمدر، وكذا ما يكون على
وجه الفواكه ونحوها من التراب والغبار، وكذا الطين الممتزج بالماء المتوحل
الباقي على اطلاقه، وذلك لاستهلاك الخليط في المخلوط. نعم لو أحست
ذائقته الأجزاء الطينية حين الشرب فلا يترك الاحتياط بترك شربه أو تركه
إلى ان يصفو وترسب تلك الأجزاء
مسألة 8 - الظاهر انه لا يلحق بالطين الرمل والأحجار وأنواع المعادن،
فهي حلال كلها مع عدم الضرر.
مسألة 9 - يستثني من الطين طين قبر الحسين (عليه السلام) للاستشفاء، فان في
تربته المقدسة الشفاء من كل داء، وانها من الأدوية المفردة، وانها لا تمر
بداء الا هضمته. ولا يجوز اكلها لغير الاستشفاء، ولا اكل ما زاد عن قدر
الحمصة المتوسطة. ولا يلحق به طين قبر النبي والأئمة: على الأحوط لو لم
يكن الأقوى. نعم لا بأس بان يمزج بماء أو شربة والتبرك والاستشفاء بذلك
الماء وتلك
302

الشربة.
مسألة 10 - لاخذ التربة المقدسة وتناولها عند الحاجة آداب وأدعية مذكورة في
محالها، خصوصا في كتب المزار، ولا سيما مزار بحار الأنوار، لكن الظاهر أنها
كلها شروط كمال لسرعة تأثيرها لا انها شرط لجواز تناولها.
مسألة 11 - القدر المتيقن من محل اخذ التربة هو القبر الشريف وما يقرب منه علي وجه يلحق به عرفا، ولعله
كذلك الحائر المقدس بأجمعه، لكن في بعض الاخبار يؤخذ طين قبر الحسين (عليه السلام) من عند القبر علي سبعين ذراعا، وفي بعضها طين قبر الحسين فيه شفاء وان اخذ علي راس ميل، بل وفي بعضها انه يستشفي مما بينه وبين القبر علي راس أربعة أميال، بل وفي بعضها علي عشرة أميال، وفي بعضها فرسخ في فرسخ، بل وروي إلي أربعة فراسخ. ولعل الاختلاف من جهة تفاوت مراتبها في الفضل، فكل ما قرب إلي القبر الشريف كان أفضل، والأحوط الاقتصار علي ما حول القبر إلي سبعين ذراعا، وفيما زاد علي ذلك ان تستعمل ممزوجا بماء أو شربة علي نحو لا يصدق عليه الطين ويستشفي به رجاءا.
مسألة 12 - تناول التربة المقدسة للاستشفاء اما بازدرادها وابتلاعها، واما بحلها في الماء وشربه، أو بان يمزجها بشربة ويشربها بقصد التبرك والشفاء.
مسألة 13 - إذا اخذا التربة بنفسه أو علم من الخارج بان هذا الطين من تلك التربة المقدسة فلا اشكال، وكذا إذا قامت علي ذلك البينة، بل الظاهر كفاية قول عدل واحد، بل شخص ثقة، وهل يكفي اخبار ذي اليد بكونه منها أو بذله لها علي انه منها؟ لا يبعد ذلك، وان كان الأحوط في غير صورة العلم وقيام البينة تناولها بالامتزاج بماء أو شربة.
مسألة 14 - قد استثني بعض العلماء من الطين طين الأرمني للتداوي به، وهو
303

غير بعيد، لكن الأحوط عدم تناوله الا عند انحصار العلاج أو ممزوجا بالماء أو شربة بحيث لا يصدق معه اكل الطين.
مسألة 15 - يحرم الخمر بالضرورة من الدين، بحيث يكون مستحله في زمرة الكافرين، بل عن مولانا الباقر (عليه السلام) انه لا يبعث الله نبيا ولا يرسل رسولا إلا ويجعل في شريعته تحريم الخمر. وعن الرضا (عليه السلام): انه ما بعث الله نبيا قط إلا بتحريم الخمر.
وعن الصادق (عليه السلام): ان الخمر أم الخبائث ورأس كل شر، يأتي علي شاربها ساعة يسلب لبه فلا يعرف ربه، ولا يترك معصية الا ركبها، ولا يترك حرمة إلا انتهكها ولا رحما ماسة الا قطعها ولا فاحشة الا اتاها، وان من شرب منها جرعة لعنه الله وملائكته ورسله والمؤمنون، وان شربها حتى سكر منها نزع روح الايمان من جسده وركبت فيه روح سخيفة خبيثة ملعونة ولم تقبل صلاته أربعين يوما، ويأتي شاربها يوم القيامة مسودا وجهه مدلعا لسانه يسيل لعابه علي صدره ينادي العطش العطش.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من شرب الخمر بعد ما حرمها الله علي لساني فليس باهل ان يزوج إذا خطب ولا يشفع إذا شفع ولا يصدق إذا حدث ولا يعاد إذا مرض ولا يشهد له جنازة ولا يؤتمن علي أمانة.
بل لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها عشرة: غارسها، وحارسها، وعاصرها، وشاربها، وساقيها، وحاملها، والمحمول اليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها.
وقد ورد: ان من تركها ولو لغير الله بل صيانة لنفسه سقاه الله من الرحيق المختوم.
وبالجملة الاخبار في تشديد امرها والترغيب في تركها أكثر من ان تحصي، بل نص في بعضها انه أكبر الكبائر، خصوصا مدمنه، فقد ورد في اخبار مستفيضة
304

أو متواترة انه كعابد وثن أو كمن عبد الأوثان، وقد فسر المدمن في بعض الأخبار بأنه ليس الذي يشربها كل يوم ولكنه الموطن نفسه انه إذا وجدها شربها.
هذا مع كثرة المضار في شربها التي اكتشفها حذاق الأطباء في هذه الأزمنة واذعن بها المنصفون من غير ملتنا.
مسألة 16 - يلحق بالخمر موضوعا أو حكما كل مسكر جامدا كان مائعا، وما أسكر كثيره دون قليله حرم قليله وكثيره.
مسألة 17 - إذا انقلبت الخمر خلا حلت، سواءا كان بنفسها أو بعلاج، وسواءا كان العلاج بدون ممازجة شي ء فيها كما إذا كان بتدخين أو مجاورة شي ء أو كان بالممازجة، سواء استهلك الخليط فيها قبل ان تنقلب خلا - كما إذا مزجت بقليل من الملح أو الخل فاستهلكا فيها ثم انقلبت خلا - أو لم يستهلك بل بقي فيها إلي ما بعد الانقلاب، ويطهر ذلك الممتزج الباقي بالتبعية كما يطهر بها الاناء.
مسألة 18 - ومن المحرمات المائعة الفقاع إذا صار فيه غليان ونشيش وان لم يسكر وهو شراب معروف كان في الصدر الأول يتخذ من الشعير في الأغلب، وليس منه ماء الشعير المعمول بين الأطباء.
مسألة 19 - يحرم عصير العنب إذا نش وغلي بنفسه أو غلي بالنار، واما عصير الزبيب والتمر فالأقوى فيهما عدم الحرمة الا بالاسكار.
مسألة 20 - الظاهر ان الماء الذي في جوف حبة العنب بحكم عصيره، فيحرم إذا غلي بنفسه أو بالنار. نعم لا يحكم بحرمته ما لم يعلم بغليانه، وهو نادر جد العدم الاطلاع علي باطنها غالبا، فلو وقعت حبة من العنب في قدر يغلي وهي تعلو وتسفل في الماء المغلي فمن يطلع علي كيفية ما في جوف تلك الحبة. ولا ملازمة بين غليان ماء القدر وغليان ما في جوفها، بل لعل المظنون عدمها لان المظنون انه
305

لو غلى ما في جوفها لتفسخت وانشقت. وبالجملة المدار علي حصول العلم بالغليان وعدمه، فمن علم به حرم عليه ومن لم يعلم به حل له.
مسألة 21 - من المعلوم ان الزبيب ليس له عصير في نفسه، فالمراد بعصيره ما اكتسب منه الحلاوة، إما بان يدق ويخلط بالماء، واما بان ينقع في الماء ويمكث إلي ان يكتسب حلاوته بحيث صار في الحلاوة بمثابة عصير العنب، واما بان يمرس ويعصر بعد النقع فيستخرج عصارته. واما إذا كان الزبيب علي حاله وحصل في جوفه ماء فالظاهر ان ما فيه ليس من عصير الزبيب فلا يحرم بالغليان علي القول به لكن العلم به غير حاصل عادة، فإذا القي زبيب في قدر فيه ماء أو مرق وكان يغلي فرأينا الزبيب فيه منتفخا من أين ندري ان ما في جوفه قد غلي، مع انه بحسب العادة لو غلي ما في جوفه لإنشق وتفسخ، وأولي من ذلك بعدم وجوب الاجتناب علي القول به ما إذا وضع في وسط طبيخ أو كبة أو محشي ونحوها مما ليس فيه ماء، وان انتفخ فيه لأجل الأبخرة الحاصلة فيه.
مسألة 22 - الظاهر ان ما غلي بنفسه من العصير العنبي لا تزول حرمته إلا بالتخليل كالخمر حيث انها لا تحل الا بانقلابها خلا ولا اثر فيه لذهاب الثلثين، واما ما غلي بالنار تزول حرمته بذهاب ثلثيه بالنار وشبهها وبقاء ثلث منه، وأما إذا كان ذهاب ثلثيه بالهواء وطول المكث مثلا فالأحوط الاجتناب عنه. نعم لا يلزم ان يكون ذهاب الثلثين في حال غليانه، بل يكفي كون ذلك مستندا إلي النار ولو بضميمة ما ينقص منه بعد غليانه قبل ان يبرد، فلو كان العصير في القدر علي النار وقد غلي حتى ذهب نصفه (ثلاثة أسداسه) ثم وضع القدر علي الأرض فنقص منه قبل ان يبرد بسبب صعود البخار سدس آخر كفي في الحلية.
مسألة 23 - إذا صار العصير المغلي دبسا قبل ان يذهب ثلثاه لا يكفي في حليته علي الأحوط.
306

مسألة 24 - إذا اختلط العصير بالماء ثم غلي يكفي في حليته ذهاب ثلثي المجموع وبقاء ثلثه، فلو صب عشرين رطلا من ماء في عشرة أرطال من عصير العنب ثم طبخه حتى ذهب منه عشرون وبقي عشرة فهو حلال. وبهذا يمكن العلاج في طبخ بعض اقسام العصير مما لا يمكن لغلظها وقوامها ان تطبخ علي الثلث لأنه يحترق ويفسد قبل ان يذهب ثلثاه، فيصب فيه الماء بمقداره أو أقل منه أو أكثر ثم يطبخ إلي ان يذهب الثلثان ويبقي الثلث.
مسألة 25 - لو صب علي العصير المغلي قبل ان يذهب ثلثاه مقدار من العصير غير المغلي وجب ذهاب ثلثي مجموع ما بقي من الأول مع ما صب ثانيا، ولا يحسب ما ذهب من الأول، فإذا كان في القدر تسعة أرطال من العصير فغلي حتى ذهب منه ثلاثة وبقي ستة ثم صب عليه تسعة أرطال اخر فصار خمسة عشر يجب ان يغلي حتى يذهب عشرة ويبقي خمسة، ولا يكفي ذهاب تسعة وبقاء ستة.
مسألة 26 - لا باس بان يطرح في العصير قبل ذهاب الثلثين مثل اليقطين والسفرجل والتفاح وغيرها ويطبخ فيه حتى يذهب ثلثاه، فإذا حل حل ما طبخ فيه.
مسألة 27 - يثبت ذهاب الثلثين من العصير المغلي بالعلم وبالبينة وباخبار ذي اليد المسلم، بل وبالأخذ منه إذا كان ممن يعتقد حرمة ما لم يذهب ثلثاه، بل وإذا لم يعلم اعتقاده أيضا. نعم إذا علم انه ممن يستحل العصير
المغلي قبل ان يذهب ثلثاه مثل ان يعتقد انه يكفي في حليته صيرورته دبسا اما اجتهادا أو تقليدا ففي جواز الاستيمان بقوله إذا اخبر عن حصول التثليث خلاف واشكال، وأولي بالاشكال جواز الاخذ منه والبناء علي انه طبخ علي الثلث إذا احتمل ذلك من دون تفحص عن حاله، ولكن الأقوى جواز الاعتماد بقوله إذا حصل الاطمئنان بصدقه. وكذا جواز الاخذ منه والبناء علي التثليث علي كراهية.
307

مسألة 28 - يحرم تناول مال الغير وان كان كافرا محترم المال بدون اذنه ورضاه، حتى ورد ان من اكل من طعام لم يدع اليه فكأنما اكل قطعة من النار.
مسألة 29 - يجوز ان يأكل الانسان ولو مع عدم الضرورة من بيوت من تضمنته الآية الشريفة في سورة النور، وهم الاباء والأمهات والاخوان والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات، وكذا يجوز لمن كان وكيلا علي بيت أحد مفوضا اليه أموره وحفظه بما فيه، ان يأكل من بيت موكله، وهو المراد من " ما ملكتم مفاتحه " المذكور في تلك الآية الشريفة، وكذا يجوز ان يأكل الصديق من بيت صديقه، وكذا الزوجة من بيت زوجها والأب والام من بيت الولد. وإنما يجوز الاكل من تلك البيوت إذا لم يعلم كراهة صاحب البيت، فيكون امتيازها عن غيرها بعدم توقف جواز الاكل منها علي احراز الرضا والاذن من صاحبها، فيجوز مع الشك بخلاف غيرها. نعم مع الظن بكراهتهم فالأحوط الاجتناب. والأحوط اختصاص الحكم بما يعتاد اكله من الخبز والتمر والإدام والفواكه والبقول ونحوها دون نفائس الأطعمة التي تدخر غالبا لمواقع الحاجة وللأضياف ذوي الشرف والعزة، والظاهر التعدية إلي غير المأكول من المشروبات العادية من الماء واللبن المخيض واللبن الحليب وغيرها. نعم لا يتعدى إلي بيوت غيرهم ولا إلى غير بيوتهم كدكاكينهم وبساتينهم، كما انه يقتصر علي ما في البيت من المأكول، فلا يتعدى إلي ما يشتري من الخارج بثمن يؤخذ من البيت.
مسألة 30 - تباح جميع المحرمات المزبورة حال الضرورة، اما لتوقف حفظ نفسه وسد رمقه علي تناوله أو لعروض المرض الشديد الذي لا يتحمل عادة بتركه أو لأداء تركه إلي لحوق الضعف المفرط المودي إلي المرض أو التلف أو المودي للتخلف عن الرفقة مع ظهور امارة العطب، ومنها ما إذا خيف بتركه علي نفس أخرى محترمة كالحامل تخاف علي جنينها والمرضعة علي طفلها، بل ومن
308

الضرورة خوف طول المرض أو عسر علاجه بترك التناول. والمدار في الكل علي الخوف الحاصل من العلم أو الظن بالترتب، لا مجرد الوهم والاحتمال.
مسألة 31 - ومن الضرورات المبيحة للمحرمات الاكراه والتقية عمن يخاف منه علي نفسه أو نفس محترمة أو علي عرضه أو عرض محترم أو مال محترم يجب عليه حفظه.
مسألة 32 - في كل مودر يتوقف حفظ النفس علي ارتكاب محرم يجب الارتكاب، فلا يجوز له التنزه والحال هذه. ولا فرق بين الخمر والطين وبين سائر المحرمات في هذا الحكم، والقول بوجوب التنزه عن الخمر والطين حتى مع الضرورة وانه لا يباحان بها ضعيف خصوصا في ثانيهما، فإذا اصابه عطش حتى خاف علي نفسه فأصاب خمرا جاز بل وجب شربها، و كذا ان اضطر إلي اكل الطين.
مسألة 33 - إذا اضطر إلي محرم فليقتصر علي مقدار الضرورة ولا يجوز له الزيادة، فإذا اقتضت الضرورة ان يأكل الميتة لسد رمقه فليقتصر علي ذلك ولا يجوز له ان يأكل حد الشبع الا إذا فرض ان ضرورته لا تندفع الا بالشبع.
مسألة 34 - يجوز التداوي لمعالجة الأمراض بكل محرم إذا انحصر به العلاج ولو بحكم الحذاق الثقات من الأطباء، والمدار علي انحصار العلاج به بين ما بأيدي الناس مما يعالج به هذا الداء لا الانحصار واقعا، فإنه مما لا يحيط به ادراك البشر.
مسألة 35 - المشهور عدم جواز التداوي بالخمر بل بكل مسكر حتى مع الانحصار، لكن الجواز لا يخلو من قوة، بشرط العلم بكون المرض قابلا للعلاج والعلم بان ترك معالجته يودي إلي الهلاك أو إلي ما يدانيه والعلم بانحصار العلاج به
309

بالمعني الذي ذكرناه. نعم لا يخفي شدة امر الخمر، فلا يبادر إلي تناولها والمعالجة بها إلا إذا رأي من نفسه الهلاك لو ترك التداوي بها، ولو بسبب توافق جماعة من الحذاق وأولي الديانة والدراية من الأطباء، والا فليصطبر علي المشقة فلعل الباري تعالي شانه يعافيه لما رأي منه التحفظ علي دينه.
فعن الثقة الجليل عبد الله بن أبي يعفور انه قال: كان إذا اصابته هذه الأوجاع فإذا اشتدت شرب الحسو من النبيذ فسكن عنه، فدخل علي أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبره بوجعه وانه إذا شرب الحسو من النبيذ سكن عنه، فقال له: لا تشربه، فلما أن رجع إلي الكوفة هاج به وجعه فاقبل أهله فلم يزالوا به حتى شرب، فساعة شرب منه سكن عنه، فعاد إلي أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبره بوجعه وشربه، فقال له: يا بن أبي يعفور لا تشرب فإنه حرام انما هو الشيطان موكل بك ولو قد يئس منك ذهب. فلما ان رجع إلي الكوفة هاج به وجعه أشد مما كان، فاقبل أهله عليه، فقال لهم: لا والله ما أذوق منه قطرة ابدا، فأيسوا منه أهله، فكان يهتم علي شي ء ولا يحلف وكان إذا حلف علي شي ء لا يخلف، فلما سمعوا أيسوا منه واشتد به الوجع أياما، ثم اذهب الله به عنه فما عاد اليه حتى مات رحمة الله عليه.
مسألة 36 - لو اضطر إلي اكل طعام الغير لسد رمقه وكان المالك حاضرا، فان كان هو أيضا مضطرا لم يجب عليه بل لا يجوز له بذله ولا يجوز للمضطر قهره، وان لن يكن مضطرا يجب عليه بذله للمضطر، وان امتنع عن البذل جاز له قهره بل مقاتلته والاخذ منه قهرا. ولا يتعين علي المالك بذله مجانا، فله ان لا يبذله إلا بالعوض وليس للمضطر قهره بدونه، فان اختار البذل بالعوض فان لم يقدره بمقدار كان له عليه ثمن مثل ما اكله أو مثله ان كان مثليا، وان قدره لم يتعين عليه تقديره بثمن المثل أو أقل بل له ان يقدره بأزيد منه، وحينئذ إذا كان المضطر قادرا على دفعه يجب عليه الدفع إذا طالبه به، وان كان عاجزا يكون في ذمته يتبع
310

تمكنه هذا إذا كان حاضرا، وأما إذا كان غائبا فله الأكل منه بمقدار سد
رمقه وتقدير الثمن وجعله في ذمته ولا يكون أقل من ثمن المثل، والأحوط المراجعة إلى الحاكم لو وجد، ومع عدمه فإلى عدول المؤمنين.
مسألة 37 - يحرم الاكل على مائدة يشرب عليها شئ من الخمر، بل وغيرها
من المسكرات، وكذا الفقاع، بل ذهب بعض العلماء إلى حرمة كل طعام يعصى الله
تعالى به أو عليه.
(خاتمة)
في بعض الآداب المتعلقة بالاكل والشرب
فاما آداب الاكل فهي بين مستحب ومكروه، اما المستحب فأمور: منها: غسل
اليدين معا قبل الطعام وبعده، مائعا كان الطعام أو جامدا، وإذا كانت
جماعة على المائدة يبدأ في الغسل الأول بصاحب الطعام ثم بمن على يمينه
ويدور إلى ان يتم الدور على من في يسار صاحب الطعام، وفي الغسل الثاني
يبدأ بمن في يسار صاحب الطعام ثم يدور إلى ان يختم بصاحب الطعام. ومنها:
المسح بالمنديل بعد الغسل الثاني وترك المسح به بعد الغسل الأول. ومنها:
ان يسمي عند الشروع في الاكل، بل على كل لون على انفراده عند الشروع
في الاكل منه. ومنها: ان يحمد الله تعالي بعد الفراغ. ومنها: الاكل
باليمين. ومنها: ان يبدأ صاحب الطعام وان يكون آخر من يمتنع. ومنها: ان
يأكل بثلاث أصابع أو أكثر ولا يأكل بإصبعين، وقد ورد انه من فعل الجبارين
.
ومنها: ان يأكل مما يليه إذا كان مع جماعة على مائدة ولا يتناول من
قدام الاخر. ومنها: تصغير اللقمة. ومنها: تجويد المضغ. ومنها: طول الجلوس
على الموائد وطول الاكل. ومنها: لعق الأصابع ومصها وكذا لطع القصعة ولحسها
بعد
311

الفراغ. ومنها: الخلال بعد الطعام وان لا يكون بعود الريحان وقضيب
الرمان والخوص والقصب. ومنها: التقاط ما يسقط من الخوان خارج السفرة
والطبق واكله، فإنه شفاء من كل داء إذا قصد به الاستشفاء، وانه ينفي الفقر
ويكثر الولد، وهذا في غير الصحراء ونحوها، واما فيها فيستحب ان يترك للطير
والسبع، بل ورد ان ما كان في الصحراء فدعه ولو فخذ شاة. ومنها: الاكل
غداءا وعشيا وعدم الاكل بينهما. ومنها: ان يستلقي بعد الاكل على قفاه ويجعل
رجله اليمني على اليسرى. ومنها: الافتتاح بالملح والاختتام به، فقد ورد
ان فيه المعافاة عن اثنين وسبعين من البلاء. وفي خبر آخر: ابدأوا بالملح
في أول طعامكم، فلو يعلم الناس ما في الملح لاختاروه على الترياق المجرب
. ومنها: غسل الثمار بالماء قبل اكلها، ففي الخبر: ان لكل ثمرة سما فإذا
اتيتم بها اغمسوها في الماء يعني اغسلوها.
واما المكروه: فمنها: الاكل على الشبع. ومنها: التملي من الطعام، ففي
الخبر: ما من شيء أبغض إلى الله من بطن مملو. وفي خبر آخر: أقرب ما يكون
العبد إلى الله إذا خف بطنه، وابغض ما يكون العبد إلى الله إذا امتلي بطنه.
وفي خبر آخر: لوان الناس قصدوا في المطعم لاستقامت أبدانهم. بل ينبغي
الاقتصار على ما دون الشبع ففي الخبر: ان البطن إذا شبع طغي. وفي خبر آخر
عن مولانا الصادق (عليه السلام): ان عيسى بن مريم قام خطيبا فقال: يا بني
إسرائيل لا تأكلوا حتى تجوعوا، وإذا جعتم فكلوا ولا تشبعوا، فإنكم إذا شبعتم
غلظت رقابكم وسمنت جنوبكم ونسيتم ربكم. ومنها: النظر في وجوه الناس عند
الاكل على المائدة. ومنها: اكل الحار. ومنها: النفخ على الطعام والشراب
. ومنها: انتظار غير الخبز إذا وضع الخبز. ومنها: قطع الخبز بالسكين. ومنها:
ان يوضع الخبز تحت اناء ووضع الاناء عليه. ومنها: المبالغة في اكل اللحم
الذي على العظم. ومنها: تقشير الثمرة. ومنها: رمي بقية الثمرة قبل
الاستقصاء في اكلها.
312

واما آداب الشرب فهي أيضا بين مندوب ومكروه، اما المندوب: فمنها:
ان يشرب الماء مصا لا عبا، فإنه كما في الخبر يوجد منه الكباد، يعني وجع
الكبد. ومنها: ان يشرب قائما بالنهار، فإنه أقوى وأصح للبدن ويمري الطعام
. ومنها: ان يسمي عند الشروع ويحمد الله بعد ما فرغ. ومنها: ان يشرب
بثلاثة أنفاس. ومنها: التلذذ بالماء، ففي الخبر: من تلذذ بالماء في الدنيا
لذذه الله من أشربة الجنة. ومنها: ان يذكر عطش الحسين (عليه السلام) وأهل
بيته ويلعن قاتله بعد شرب الماء، فعن داود الرقي قال: كنت عند أبي عبد
الله (عليه السلام) إذ استسقي الماء، فلما شربه رايته قد استعبر واغرورقت عيناه
بدموعه ثم قال لي: يا داود لعن الله قاتل الحسين، فما أنغص ذكر الحسين
7 للعيش، واني ما شربت ماءا باردا الا ذكرت الحسين (عليه السلام)، وما
من عبد شرب الماء فذكر الحسين (عليه السلام) وأهل بيته ولعن قاتله الا كتب
الله عز وجل له مائة الف حسنة وحط عنه مائة الف سيئة ورفع له مائة
الف درجة وكأنما أعتق مائة الف نسمة وحشره الله يوم القيامة ثلج الفواد.
واما المكروه: فمنها: الاكثار في شرب الماء، فإنه كما في الخبر: مادة
لكل داء. وكان مولانا الصادق (عليه السلام) يوصي رجلا فقال له: أقل شرب الماء
فإنه يمد كل داء، واجتنب الدواء ما احتمل بدنك الداء. وعنه (عليه السلام): لو
ان الناس أقلوا من شرب الماء لاستقامت أبدانهم. ومنها: شرب الماء بعد اكل
الطعام الدسم، فإنه كما في الخبر يهيج الداء، وعن الصادق (عليه السلام) قال:
كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إذا اكل الدسم أقل شرب الماء.
فقيل له: يا رسول الله انك لتقل شرب الماء؟ قال: هو أمري لطعامي. ومنها
: الشرب باليسار. ومنها: الشرب من قيام في الليل، فإنه كما في
الخبر يورث الماء الأصفر. ومنها: ان يشرب من عند كسر الكوز ان كان فيه كسر
ومن عند عروته. (تذييل) في الكافي باسناده عن أبي حمزة الثمالي عن
أبي جعفر (عليه السلام): من سقي مؤمنا من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم.
313

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم:
من سقي مؤمنا شربة من ماء من حيث يقدر على الماء أعطاه بكل شربة سبعين
الف حسنة، وان سقاه من حيث لا يقدر على الماء فكأنما أعتق عشر رقاب من
ولد إسماعيل. وفي الأمالي باسناده عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه عن
رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: من أطعم مؤمنا من جوع أطعمه الله
من ثمار الجنة، ومن كساه من عري كساه الله من إستبرق وحرير، ومن سقاه
شربة من عطش سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن اعانه أو كشف كربته أظله
الله في ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله. وفي المحاسن قال: سال رجل أبا
جعفر (عليه السلام) عن عمل يعدل عتق رقبة؟ فقال: لان ادعو ثلاثة نفر من
المسلمين فأطعمهم حتى يشبعوا وأسقيهم حتى يرووا أحب إلى ان أعتق نسمة
ونسمة حتى عد سبعا أو أكثر.
314

كتاب الغصب
315

كتاب الغصب
وهو الاستيلاء على ما لغير من مال أو حق عدوانا، وقد تطابق العقل
والنقل كتابا وسنة واجماعا على حرمته، وهو من أفحش الظلم الذي قد استقل
العقل بقبحه، وفي النبوي صلي الله عليه وآله وسلم: من غصب شبرا من الأرض
طوقه الله من سبع أرضين يوم القيامة. وفي نبوي آخر: من خان جاره شبرا
من الأرض جعله الله طوقا في عنقه من تخوم الأرض السابعة حتى يلقي الله
يوم القيامة مطوقا الا ان يتوب ويرجع. وفي آخر: من اخذ أرضا بغير حق كلف
ان يحمل ترابها إلى المحشر. ومن كلام أمير المؤمنين (عليه السلام): الحجر
الغصب في الدار رهن على خرابها.
مسألة 1 - المغصوب اما عين مع المنفعة من مالك واحد أو مالكين، واما
عين بلا منفعة، واما منفعة مجردة، واما حق مالي متعلق بالعين: فالأول
كغصب الدار من مالكها، وكغصب العين المستأجرة إذا غصبها غير الموجر والمستأجر
، فهو غاصب للعين من الموجر وللمنفعة من المستأجر. والثاني كما إذا غصب
المستأجر العين المستأجرة من مالكها مدة الإجارة. والثالث كما إذا غصب
العين الموجرة وانتزعها من يد المستأجر واستولى على منفعتها مدة الإجارة.
317

والرابع كما إذا استولى على ارض محجرة أو العين المرهونة بالنسبة
إلى المرتهن الذي له فيها حق الرهانة، ومن ذلك غصب المساجد والمدارس
والربط والقناطر والطرق والشوارع العامة، وغصب المكان الذي سبق اليه أحد
في المساجد والمشاهد.
مسألة 2 - المغصوب منه قد يكون شخصا كما في غصب الأعيان والمنافع المملوكة
للأشخاص والحقوق كذلك، وقد يكون هو النوع كما في غصب مال تعين خمسا أو
زكاة قبل ان يدفع إلى المستحق وغصب الرباط المعد لنزول القوافل والمدرسة
المعدة لسكني الطلبة، فإذا استولى على حجرة قد سكنها واحد من الطلبة
وانتزعها منه فهو غاصب لحق الشخص، وإذا استولى على أصل المدرسة ومنع عن
ان يسكنها الطلبة فهو غاصب لحق النوع.
مسألة 3 - للغصب حكمان تكليفيان، وهما: الحرمة، ووجوب رفع اليد والرد إلى
المغصوب منه أو وليه. وحكم وضعي، وهو الضمان، بمعني كون المغصوب على
عهدة الغاصب وكون تلفه وخسارته عليه وانه إذا تلف يجب عليه دفع بدله
. ويقال لهذا الضمان " ضمان اليد ".
مسألة 4 - يجري الحكمان التكليفيان في جميع اقسام الغصب، ففي
الجميع الغاصب آثم ويجب عليه رفع اليد ورد المغصوب إلى المغصوب منه.
واما الحكم الوضعي وهو الضمان فيختص بما إذا كان المغصوب من الأموال عينا
كان أو منفعة، فليس في غصب الحقوق هذا الضمان اعني ضمان اليد على اشكال
في بعضها كحقي التحجير والاختصاص.
مسألة 5 - لو استولى على حر فحبسه لم يتحقق الغصب لا بالنسبة إلى عينه
ولا بالنسبة إلى منفعته وان اثم بذلك وظلمه، سواءا كان كبيرا أو صغيرا
فليس عليه ضمان اليد الذي هو من احكام الغصب، فلو اصابه حرق أو غرق أو مات
تحت
318

استيلائه من غير تسبيب منه لم يضمن، وكذا لا يضمن منافعه، كما إذا
كان صانعا ولم يشتغل بصنعته في تلك المدة فلا يضمن اجرته. نعم لو استوفي
منه بعض منافعه، كما إذا استخدمه، لزمه اجرته، وكذا لو تلف بتسبيب منه،
مثل ما إذا حبسه في دار فيه حية مؤذية فلدغته أو في محل السباع فافترسته
ضمنه من جهة سببيته للتلف لا لأجل الغصب واليد.
مسألة 6 - لو منع غيره عن امساك دابته المرسلة أو من القعود على فراشه أو
عن الدخول في داره أو عن بيع متاعه، لم يكن غاصبا لعدم وضع اليد على
ماله وان كان عاصيا وظالما له من جهة منعه، فلو هلكت الدابة أو تلف
الفراش أو انهدمت الدار أو نقصت قيمة المتاع بعد المنع لم يكن على المانع
ضمان من جهة الغصب واليد، وهل عليه ضمان من جهة أخرى أم لا؟ اما في
الصورة الأخيرة وهي ما إذا نقصت قيمة المغصوب فالقول بالضمان محل الاشكال
ولعل المتجه هو الفرق بين ما إذا كان المغصوب من الأشياء التي لا يراد
الاتجار بها غالبا فلا يريد المغصوب عنه الاتجار به بل أراد الانتفاع به
كظروف بيته وآلات كسبه من المكاين الصغيرة والكبيرة وغيرها فلا يضمن
المانع عن الانتفاع به نقصان قيمته لأنه لم يفوت المانع على الممنوع
منه الا منافع ذلك الشئ ء وبين الأمتعة والأشياء التي تدخر لا لان ينتفع
بها بان يسكن فيها أو يلبسها أو يركبها أو يوجرها، بل يدخرها
للتجارة والاسترباح بزيادة قيمتها السوقية فإذا كانت القيمة السوقية للشئ
عند منع المالك عنه غالية أو صارت كذلك ثم نقصت نقصانا فاحشا فيضمن لعد
ذلك عند العرف ضررا على المالك واضرارا عليه فيجب على المانع تداركه. واما
في صورة هلاك الدابة أو تلف الفرش أو انهدام الدار فان كان الهلاك والتلف
والانهدام غير مستند إلى منعه، بان كانت بآفة سماوية وسبب قهري لا يتفاوت
في ترتبها بين ممنوعية المالك وعدمها، لم يكن عليه ضمان قطعا، واما
319

إذا كان مستندا اليه كما إذا كانت الدابة ضعيفة أو في موضع السباع وكان
المالك يحفظها فلما منعه المانع ولم يقدر على حفظها وقع عليها الهلاك،
فللضمان وجه بل لا يخلو من قوة.
مسألة 7 - قد عرفت ان المدار في تحقق الغصب على استيلاء الغاصب
على المغصوب وصيرورته تحت يده عرفا بدون اذن صاحبه فليعلم انه يختلف
ذلك باختلاف المغصوبات: ففي المنقول غير الحيوان يتحقق باخذه باليد
أو بنقله اليه أو إلى بيته أو دكانه أو أنباره وغيرها مما يكون محرزا لأمواله
ولو كان ذلك بأمره، فلو نقل حمال بأمره متاعا من الغير بدون اذنه إلى
بيته أو طعاما منه إلى أنباره كان بذلك غاصبا للمتاع والطعام. ويلحق
بالاخذ باليد قعوده على البساط والفراش بقصد الاستيلاء إذا عد ذلك استيلاءا
عليه عرفا. واما في الحيوان ففي الصامت منه يكفي الركوب عليه أو اخذ
مقوده وزمامه، بل وكذا سوقه بعد طرد المالك أو عدم حضوره إذا كان يمشي
بسياقه ويكون منقادا لسائقه، فلو كانت قطيع غنم في الصحراء معها راعيها
فطرده واستولى عليها بعنوان القهر والانتزاع من مالكها وجعل يسوقها وصار
بمنزلة راعيها يحافظها ويمنعها عن التفرق والتشتت فالظاهر انه يكفي ذلك في
تحقق الغصب لصد الاستيلاء ووضع اليد عرفا. واما في العبيد والإماء فيكفي مع
رفع يد المالك أو عدم حضوره القهر عليه بحبسه عنده أو في بيته واستخدامه
في حوائجه. هذا كله في المنقول، واما غير المنقول فيكفي في غصب الدار
ان يسكنها أو يسكن فيها غيره ممن يأتمر بأمره بعد ازعاج المالك عنها أو عدم
حضوره، وكذا لو اخذ مفاتحها من صاحبها قهرا وكان يغلق الباب ويفتحه ويتردد
فيها، وكذلك
320

الحال في الدكان والخان. واما البستان، فان كان لها باب
وحيطان فيكفي في غصبها اخذ المفتاح وغلق الباب وفتحه مع التردد فيها بعنوان
الاستيلاء، واما لو لم يكن لها باب ولا حيطان فيكفي دخلوها والتردد فيها بعد
طرد المالك بعنوان الاستيلاء وبعض التصرفات فيها، وكذا الحال في غصب القرية
والمزرعة. هذا كله في غصب الأعيان، واما غصب المنافع فإنما هو بانتزاع
العين ذات المنفعة عن مالك المنفعة وجعلها تحت يده، كما في العين
المستأجرة إذا أخذها الموجر أو شخص ثالث من المستأجر واستولى عليها في مدة
الإجارة، سواء استوفي تلك المنفعة التي ملكها المستأجر أم لا.
مسألة 8 - لو دخل الدار وسكنها مع مالكها، فان كان المالك ضعيفا غير
قادر على مدافعته واخراجه فان اختص استيلاؤه وتصرفه بطرف معين منها
اختص الغصب والضمان بذلك الطرف دون الأطراف الآخر، وان كان استيلاؤه
وتصرفاته وتقلباته في أطراف الدار واجزائها بنسبة واحدة وتساوي يد الساكن
مع يد المالك عليها، فالظاهر كونه غاصبا للنصف فيكون ضامنا له خاصة، بمعني
انه لو انهدمت تمام الدار ضمن الساكن نصفها، ولو انهدم بعضها ضمن نصف
ذلك البعض، وكذا ضمن نصف منافعها. ولو فرض ان المالك الساكن أزيد من
واحد ضمن الساكن الغاصب بالنسبة، فان كانا اثنين ضمن الثلث، وان كانوا
ثلاثة ضمن الربع وهكذا. هذا إذا كان المالك ضعيفا، واما لو كان الساكن
ضعيفا بمعني انه لا يقدر على مقاومة المالك وانه كلما أراد ان يخرجه من
داره اخرجه فالظاهر عدم تحقق الغصب بل ولا اليد، فليس عليه ضمان اليد.
نعم عليه بدل ما استوفاه من منفعة الدار ما دام كونه فيها لو كان لها بدل
.
مسألة 9 - لو اخذ بمقود الدابة فقادها وكان المالك راكبا عليها، فان كان
في
321

الضعف وعدم الاستقلال بمثابة المحمول عليها كان القائد غاصبا لها بتمامها
ويتبعه الضمان، ولو كان بالعكس بان كان المالك الراكب قويا قادرا على
مقاومته ومدافعته فالظاهر عدم تحقق الغصب من القائد أصلا، فلا ضمان عليه لو
تلفت الدابة في تلك الحال. نعم لا اشكال في ضمانه لها لو اتفق تلفها
بسبب قوده لها، كما يضمن السائق لها لو كان لها جماح فشردت بسوقه فوقعت
في بئر أو سقطت عن مرتفع فتلفت.
مسألة 10 - إذا اشترك اثنان في الغصب، فان لم يستقل واحد منهما بانفراده
- بان كان كل واحد منهما ضعيفا وانما كان استيلاؤهما على المغصوب ودفع
المالك بالتعاضد والتعاون - فالظاهر اشتراكهما في اليد والضمان، فكل منهما
يضمن النصف. واما إذا كان كل واحد منهما مستقلا في الاستيلاء - بان كان كل
منهما كافيا في دفع المالك والقهر عليه - أو لم يكن المالك حاضرا وكان كل
منهما مستوليا عليه يتصرف فيه ما يشاء لا يمنعه الآخر، فالظاهر ان كل واحد
منهما ضامن للتمام، فيتخير المالك في تضمين أيهما شاء، كما يأتي في
الايادي المتعاقبة.
مسألة 11 - غصب الأوقاف العامة - كالمساجد والمقابر والمدارس والقناطر والربط
المعدة لنزول المسافرين والطرق الشوارع العامة ونحوها - والاستيلاء عليها وان
كان حراما ويجب ردها ورفع اليد عنها، لكن الظاهر انه لا يوجب ضمان اليد لا
عينا ولا منفعة، فلو غصب مسجدا أو مدرسة أو رباطا ووضع اليد عليها فانهدمت
تحت يده من دون تسبيب منه لم يضمن عينهما، كما انه لو كانت تحت يده
مدة ثم رفع يده عنها لم يكن عليه اجرتها في تلك المدة. نعم
الأوقاف العامة على العناوين الكلية كالفقراء والطلبة بنحو وقف المنفعة
يوجب غصبها الضمان عينا ومنفعة، فإذا غصب خانا أو دكانا أو بستانا كانت وقفا
على الفقراء أو الطلبة على ان يكون منفعتها ونماؤها لهم ترتب عليه الضمان،
فإذا تلفت تحت
322

يده كان ضامنا لعينها، وإذا كانت تحت يده مدة ثم ردها كان
عليه اجرة مثلها، فيكون غصبها كغصب الأعيان المملوكة للأشخاص.
مسألة 12 - إذا حبس حرا لم يضمن لا نفسه ولا منافعه ضمان اليد حتى فيما
إذا كان صانعا، فليس على الحابس اجرة صنعته مدة حبسه. نعم لو كان أجيرا
لغيره ضمن منفعته الفائتة للمستأجر، وكذا لو استخدمه واستوفي منفعته كان
عليه اجرة عمله. اما لو غصب عبدا أو دابة مثلا ضمن منافعها سواءا استوفاها
الغاصب أم لا.
مسألة 13 - لو منع حرا أو عبدا عن عمل له اجرة من غير تصرف واستيفاء
ولا وضع يده عليه لم يضمن عمله ولم يكن عليه اجرته. الا إذا كانا أجيرين
لذلك العمل وفات بمنعه المستأجر عن العمل، فإنه ضامن له لما فوته بمنعه.
مسألة 14 - يلحق بالغصب في الضمان المقبوض بالعقد المعاوضي الفاسد، فالمبيع
الذي يأخذه المشتري والثمن الذي يأخذه البائع في البيع الفاسد يكون
في ضمانها كالمغصوب، سواءا علما بالفساد أو جهلا به، وكذلك الأجرة التي
يأخذها الموجر في الإجارة الفاسدة. واما المقبوض بالعقد الفاسد غير المعاوضي
فليس فيه الضمان، فلو قبض المتهب ما وهب له بالهبة الفاسدة ليس عليه
ضمان. وكذا يحلق بالغصب المقبوض بالسوم. والمراد به ما يأخذه الشخص لينظر
فيه أو يضع عنده ليطلع على خصوصياته لكي يشتريه إذا وافق نظره، فهذا في
ضمان آخذه، فلو تلف عنده ضمنه وهكذا يلحق بالغصب المقبوض بالقمار والمأخوذ
اجرة للمحرمات.
مسألة 15 - يجب رد المغصوب إلى مالكه ما دام باقيا وان كان في رده مؤنة
، بل وان استلزم رده الضرر على الغاصب، حتى انه لو ادخل الخشبة المغصوبة
في بناء لزم عليه اخراجها وردها لو أرادها المالك وان أدى إلى خراب البناء،
وكذا إذا ادخل اللوح المغصوب في سفينة يجب عليه نزعه الا إذا خيف من قلعه
الغرق
323

الموجب لهلاك نفس محترمة أو مال محترم لغير الغاصب العامد، فيصبر
المالك حتى يرتفع ذلك المحذور وعلي الغاصب اجرته في المدة التي كان تحت
يده. وهكذا الحال فيما إذا خاط ثوبه بخيوط مغصوبة، فان للمالك الزامه
بنزعها ويجب عليه ذلك وان أدى إلى فساد الثوب، وان ورد نقص على الخشب أو
اللوح أو الخيط بسبب اخراجها ونزعها يجب على الغاصب تداركه. هذا إذا
يبقي للمخرج من الخشبة والمنزوع من الخيط قيمة، واما إذا كان بحيث لا
يبقي له قيمة بعد الاخراج أصلا، كما إذا كان الخيط ضعيفا يفسد بنزعه،
فالظاهر انه بحكم التالف، فيلزم الغاصب بدفع البدل وليس للمالك مطالبة
العين.
مسألة 16 - لو مزج المغصوب بما يمكن تميزه ولكن مع المشقة كما إذا
مزج الشعير المغصوب بالحنطة أو الدخن بالذرة يجب عليه ان يميزه ويرده.
مسألة 17 - يجب على الغاصب مع رد العين رد بدل ما كانت لها من المنفعة
في تلك المدة إن كانت لها منفعة، سواءا استوفاها كالدار سكنها والدابة
ركبها أو لم يستوفها بل كانت العين معطلة.
مسألة 18 - إذا كانت للعين منافع متعددة وكانت معطلة فالمدار على
المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين ولا ينظر إلى مجرد قابليتها لبعض
المنافع، فمنفعة الدار بحسب المتعارف هي السكني وان كانت قابلة في نفسها
بان تجعل محرزا أو مسكنا لبعض الدواب وغير ذلك فلا ينظر إلى غير السكني،
ومنفعة بعض الدواب كالفرس بحسب المتعارف الركوب، ومنفعة بعضها الحمل وان
كانت قابلة في نفسها لان تستعمل في إدارة الرحي والدولاب أيضا، فالمضمون
في غصب كل عين هو المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين، ولو فرض
تعدد المتعارف منها فيها كبعض الدواب التي تعارف استعمالها في الحمل والركوب
معا فان لم تتفاوت اجرة تلك المنافع ضمن تلك الأجرة، فلو غصب يوما دابة
تستعمل في الركوب
324

والحمل معا وكانت اجرة كل منهما في كل يوم درهما كان
عليه درهم واحد، وان كانت اجرة بعضها أعلى ضمن الأعلى، فلو فرض ان اجرة
الحمل في كل يوم درهمان وأجرة الركوب درهم كان عليه درهمان. والظاهر ان
الحكم كذلك مع الاستيفاء أيضا، فمع تساوي المنافع في الأجرة كان عليه
اجرة ما استوفاه، ومع التفاوت كان عليه اجرة الأعلى، سواءا استوفي
الأعلى أو الأدنى.
مسألة 19 - ان كان المغصوب منه شخصا يجب الرد اليه أو إلى وكيله ان
كان كاملا والي وليه ان كان قاصرا كما إذا كان صبيا أو مجنونا، فلو رد في
الثاني إلى نفس المالك لم يرتفع منه الضمان. وان كان المغصوب منه هو
النوع، كما إذا كان المغصوب وقفا على الفقراء وقف منفعة، فان كان له
متولي خاص يرده اليه وإلا فيرده إلى الولي العام وهو الحاكم، وليس له
ان يرده إلى بعض افراد النوع، بان يسلمه في المثال المذكور إلى أحد
الفقراء. نعم في مثل المساجد والشوارع والقناطر بل الربط إذا غصبها يكفي في
ردها رفع اليد عنها وإبقاؤها على حالها، بل يحتمل ان يكون الامر كذلك في
المدارس، فإذا غصب مدرسة يكفي في ردها رفع اليد عنها والتخلية بينها وبين
الطلبة، لكن الأحوط الرد إلى الناظر الخاص لو كان والا إلى الحاكم أو
الموقوف عليهم الساكنين فيه قبل الغصب باذن المتولي الشرعي.
مسألة 20 - إذا كان المغصوب والمالك كلاهما في بلد الغصب فلا اشكال،
وكذا إن نقل المال إلى بلد آخر وكان المالك في بلد الغصب، فإنه يجب على
الغاصب عود المال إلى ذلك البلد وتسليمه إلى المالك، واما ان كان المالك
في غير بلد الغصب فان كان في بلد المال فله الزامه بأحد أمرين: اما
بتسليمه له في ذلك البلد، واما بنقله إلى بلد الغصب. واما ان كان في بلد
آخر فلا اشكال في ان له الزامه بنقل المال إلى بلد الغصب، وهل له
الزامه بنقل المال إلى البلد الذي يكون فيه المالك؟
325

فيه اشكال والأحوط
النقل مع الزامه.
مسألة 21 - لو حدث في المغصوب نقص وعيب وجب على الغاصب أرش النقصان، وهو
التفاوت بين قيمته صحيحا وقيمته معيبا ورد المعيوب إلى مالكه، وليس للمالك
الزامه باخذ المعيوب ودفع تمام القيمة. ولا فرق على الظاهر بين ما كان
العيب مستقرا وبين ما كان مما يسري ويتزايد شيئا فشيئا حتى يتلف
المال بالمرة، - كما إذا عرضت على الحنطة أو الأرز بلة وعفونة - ففي الثاني
أيضا يجب على الغاصب أرش النقصان وتفاوت بين كونها مبلولة وغير مبلولة،
فان للحنطة المبلولة أيضا قيمة عند العرف وأهل الخبرة نعم إذا لم يكن
لاحد فيه رغبة ولم يبذل بإزائه مال فهو في حكم التلف يضمن الغاصب تمام
القيمة.
مسألة 22 - لو كان المغصوب باقيا لكن نزلت قيمته السوقية رده ولم
يضمن نقصان القيمة ما لم يكن ذلك بسبب نقصان في العين من جهة الغصب
واليد واما من جهة أخرى فقد مر الكلام فيها في المسئلة السادسة.
مسألة 23 - لو تلف المغصوب أو ما بحكمه - كالمقبوض بالعقد الفاسد والمقبوض
بالسوم قبل رده إلى المالك - ضمنه بمثله ان كان مثليا وبقيمته ان
كان قيميا. والمراد بالمثلي ما تساوت اجزائه لتقاربها في غالب الصفات
والخواص كالحبوبات من الحنطة والشعير والأرز والذرة والدخن والماش والعدس
وغيرها، وكذا الادهان وعقاقير الأدوية ونحوها. والمراد من القيمي ما يكون
بخلافه كأنواع الحيوان كالفرس والبغل والحمار والغنم والبقر وغيرها، وكذا
الجواهر الكبار والثياب والفرش والبسط وأنواع المصنوعات وغيرها.
مسألة 24 - انما يكون مثل الحنطة مثليا إذا لوحظ اشخاص كل صنف منها
على حده ولم يلاحظ اشخاص صنف مع اشخاص صنف آخر منها مبائن له في كثير
من الصفات والخصوصيات، فإذا تلف عنده مقدار من صنف خاص من الحنطة
يجب
326

عليه دفع ذلك المقدار من ذلك الصنف لا صنف آخر. نعم التفاوت الذي
بين اشخاص ذلك الصنف لا ينظر اليه، وكذلك الأرز فان فيه أصنافا متفاوتة
جدا، فأين العنبر من الحويزاوي أو غيره، فإذا تلف عنده مقدار من العنبر
يجب عليه دفع ذلك المقدار منه لا من غيره، وكذلك الحال في التمر وأصنافه
والادهان وغير ذلك مما لا يحصي.
مسألة 25 - لو تعذر المثل في المثلي ضمن قيمته، فإن تفاوتت القيمة
وزادت ونقصت بحسب الأزمنة - بان كان له حين الغصب قيمة، وفي وقت تلف
العين قيمة، ويوم التعذر قيمة، واليوم الذي يدفع إلى المغصوب منه قيمة -
فالمدار على الأخير فيجب عليه دفع تلك القيمة. فلو غصب منا من الحنطة كان
قيمتها درهمين، فأتلفها في زمان كانت الحنطة موجودة وكانت قيمتها ثلاثة
دراهم، ثم تعذرت وكانت قيمتها أربعة دراهم، ثم مضي زمان وأراد ان يدفع
القيمة من جهة تفريغ ذمته وكانت قيمة الحنطة في ذلك الزمان خمسة دراهم
، يجب عليه دفع هذه القيمة.
مسألة 26 - يكفي في التعذر الذي يجب معه دفع القيمة فقدانه في البلد
وما حوله مما ينقل منها اليه عادة.
مسألة 27 - لو وجد المثل بأكثر من ثمن المثل وجب عليه الشراء ودفعه
إلى المالك وان كان حرجيا لان الحرج لا يجوز منع حق الغير ولا التصرف في
ماله.
مسألة 28 - لو وجد المثل ولكن تنزل قيمته فالظاهر ان المسئلة تدخل
فيما ذكرناه من التفصيل في المسئلة السادسة.
مسألة 29 - لو سقط المثل عن المالية بالمرة من جهة الزمان أو المكان
فالظاهر أنه ليس للغاصب الزام المالك باخذ المثل، ولا يكفي دفعه في ذلك
الزمان أو
327

المكان في ارتفاع الضمان لو لم يرض به المالك، فلو غصب جمدا
في الصيف واتلفه وأراد ان يدفع إلى المالك مثله في الشتاء أو قربة ماء في
مفازة فأراد ان يدفع اليه قربة ماء عند الشط ليس له ذلك وللمالك الامتناع
، فله ان يصبر وينتظر زمانا أو مكانا آخر، فيطالبه بالمثل الذي له القيمة،
وله ان يطالب الغاصب بالقيمة فعلا كما في صورة تعذر المثل، وحينئذ فلا يبعد
ضمان قيمة مكان التلف وزمانه إذا كان تالفا واما مع بقائه فلا يبعد وجوب
قيمته في آخر زمان أو مكان سقط بعده عن القيمة، هذا كله من جهة الغصب
واليد. واما بحسب جهة أخرى فقد مر الكلام فيها في المسئلة السادسة.
مسألة 30 - لو تلف المغصوب وكان قيميا كالدواب والثياب ضمن قيمته، فان لم
يتفاوت قيمته في الزمان الذي غصبه مع قيمته في زمان تلفه فلا اشكال،
وان تفاوتت بان كانت قيمته يوم الغصب أزيد من قيمته يوم التلف أو العكس
فهل يراعي الأول أو الثاني؟ فيه قولان مشهوران لا يخلو ثانيهما من رجحان
لكن هذا من جهة الغصب واليد، واما من جهة أخرى فيأتي الكلام فيها حسبما
ذكرناه في المسئلة السادسة بل الأحوط هنا على ما يستفاد من صحيحه أبي ولاد
أداء أغلى القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف من جهة ضمان اليد. هذا إذا
كان تفاوت القيمة من جهة السوق وتفاوت رغبة الناس، واما ان كان من جهة
زيادة ونقصان في العين كالسمن والهزال فلا اشكال في انه يراعي أعلى
القيم وأحسن الأحوال، بل لو فرض انه لم يتفاوت قيمة زماني الغصب والتلف
من هذه الجهة لكن حصل فيه ارتفاع بين الزمانين ثم زال، ضمن ارتفاع
قيمته الحاصل في تلك الحال، مثل ان يكون الحيوان هازلا حين الغصب ثم
سمن ثم عاد إلى الهزال وتلف فإنه يضمن قيمته حال سمنه.
مسألة 31 - إذا اختلفت القيمة باختلاف المكان كما إذا كان المغصوب في
بلد
328

الغصب بعشرة وفي بلد التلف بعشرين فالظاهر اعتبار محل التلف.
مسألة 32 - كما انه عند تلف المغصوب يجب على الغاصب دفع بدله إلى
المالك مثلا أو قيمة كذلك فيما إذا تعذر على الغاصب عادة تسليمه، كما إذا
سرق منه أو دفن في مكان لا يقدر على اخراجه أو شردت الدابة ونحو ذلك،
فإنه يجب عليه اعطاء مثله أو قيمته ما دام كذلك، ويسمي ذلك البدل " بدل
الحيلولة "، ويملك المالك البدل مع بقاء المغصوب في ملكه، لكن إذا تمكن
الغاصب على تسليم المغصوب ورده يسترجع البدل.
مسألة 33 - لو كان للبدل نماء ومنافع في تلك المدة كان للمغصوب منه.
نعم نماؤه المتصل تتبع العين، فإذا استرجعها الغاصب استرجعها بنمائها، واما
المبدل فلما كان باقيا على ملك مالكه فنماؤه ومنافعه له، لكن الغاصب لا
يضمن منافعها غير المستوفاة في تلك المدة على الأقوى.
مسألة 34 - القيمة التي يضمنها الغاصب في القيميات وفي المثليات عند
تعذر المثل هو نقد البلد من الذهب والفضة المضروبين بسكة المعاملة وغيرهما
من الأثمان الرائجة وهذا هو الذي يستحقه المغصوب منه، كما هو كذلك في
جميع الغرامات والضمانات، فليس للضامن دفع غيره الا بالتراضي.
مسألة 35 - الظاهر ان الفلزات والمعادن المنطبعة كالحديد والرصاص والنحاس
كلها مثلية حتى الذهب والفضة مضروبين أو غير مضروبين، وحينئذ تضمن جميعها
بالمثل، وعند التعذر تضمن بالقيمة كسائر المثليات المتعذر المثل. نعم في
خصوص الذهب والفضة تفصيل، وهو انه إذا قوم بغير الجنس كما إذا قوم الذهب
بالدرهم أو قوم الفضة بالدينار فلا اشكال، واما إذا قوم بالجنس، بان
قوم الفضة بالدرهم أو قوم الذهب بالدينار، فان تساوي القيمة والمقوم وزنا
كما إذا كانت الفضة المضمونة المقومة عشرة مثاقيل فقومت بثمانية دراهم
وكان وزنها
329

أيضا عشرة مثاقيل فلا اشكال أيضا، وان كان بينهما التفاوت، بان
كانت الفضة المقومة عشرة مثاقيل مثلا وقد قومت بثمانية دراهم وزنها ثمانية
مثاقيل، فيشكل دفعها غرامة عن الفضة، لاحتمال كونه داخلا في الربا فيحرم
، كما أفتى به جماعة، فالأحوط ان يقوم بغير الجنس، بان يقوم الفضة
بالدينار والذهب بالدراهم حتى يسلم من شبهة الربا.
مسألة 36 - لو تعاقبت الايادي الغاصبة على عين، بان غصبها شخص عن مالكها
ثم غصبها من الغاصب شخص آخر ثم غصبها من الثاني شخص ثالث وهكذا، ثم تلفت
ضمن الجميع فللمالك ان يرجع ببدل ماله من المثل أو القيمة إلى كل واحد
منهم والي أكثر من واحد بالتوزيع متساويا أو متفاوتا، حتى انه لو كانوا عشرة
مثلا له ان يرجع إلى الجميع ويأخذ من كل منهم عشر ما يستحقه من البدل
، وله ان يأخذ من واحد منهم النصف والباقي بالتوزيع متساويا أو بالتفاوت.
هذا حكم المالك معهم، واما حكم بعضهم مع بعض: فاما الغاصب الأخير الذي
تلف المال عنده فعليه قرار الضمان، بمعني انه لو رجع عليه المالك وغرمه
لم يرجع هو على غيره بما غرمه الا إذا كان مغرورا فيرجع إلى الغار. بخلاف
غيره من الايادي السابقة، فان المالك لو رجع إلى واحد منهم فله ان يرجع
على الأخير الذي تلف المال عنده، كما ان لكل منهم الرجوع على تاليه وهو
على تاليه وهكذا إلى ان ينتهي إلى الأخير.
مسألة 37 - لو غصب شيئا مثليا فيه صنعة محللة كالحلي من الذهب
والفضة وكالآنية من النحاص وشبهه فتلفت عنده أو اتلفه ضمن مادته بالمثل
وصنعته بالقيمة، فلو غصب قرطا من ذهب كان وزنه مثقالين وقيمة صنعته
وصياغته عشرة دراهم ضمن مثقالين من ذهب بدل مادته وعشرة دراهم قيمة
صنعته. ويحتمل قريبا صيرورته بعد الصياغة وبعد ما عرض عليه الصنعة قيميا،
فيقوم القرط مثلا
330

بمادته وصنعته ويعطي قيمته السوقية، والأحوط التصالح. و
أما احتمال كون المصنوع مثليا مع صنعته فبعيد جدا. نعم لا يبعد ذلك بل
قريب جدا في المصنوعات التي لها أمثال متقاربة جدا، كالمصنوعات بالمكائن
والمعامل المعمولة في هذه الاعصار من أنواع الظروف والأدوات والأثواب
وغيرها، فتضمن كلها بالمثل مع مراعاة صنفها.
مسألة 38 - لو غصب المصنوع وتلفت عنده الهيئة والصنعة فقط دون المادة
رد العين وعليه قيمة الصنعة، وليس للمالك الزامه بإعادة الصنعة، كما انه
ليس عليه القبول لو بذله الغاصب وقال اني اصنعه كما كان سابقا.
مسألة 39 - لو كانت في المغصوب المثلي صنعة محرمة غير محترمة كما في آلات
القمار والملاهي وآنية الذهب والفضة ونحوها لم يضمن الصنعة، سواءا أتلفها
خاصة أو مع ذيها، فيرد المادة لو بقيت إلى المالك وليس عليه شي ء
لأجل الهيئة والصنعة.
مسألة 40 - إذا تعيب المغصوب في يد الغاصب كان عليه أرش النقصان، ولافرق
في ذلك بين الحيوان وغير الحيوان. نعم اختص العبيد والإماء ببعض الاحكام
وتفاصيل لا يسعها المقام.
مسألة 41 - لو غصب شيئين تنقص قيمة كل واحد منهما منفردا عنها فيما إذا كانا
مجتمعين كمصراعي الباب والخفين فتلف أحدهما أو اتلفه ضمن قيمة
التالف مجتمعا ورد الباقي مع ما نقص من قيمته بسبب انفراده، فلو غصب خفين
كان قيمتهما مجتمعين عشرة وكان قيمة كل منهما منفردا ثلاثة فتلف أحدهما
عنده ضمن التالف بقيمته مجتمعا وهي خمسة ورد الآخر مع ما ورد عليه من
النقص بسبب انفراده وهو اثنان، فيعطي للمالك سبعة مع أحد الخفين. ولو
غصب أحدهما وتلف عنده ضمن التالف بقيمته مجتمعا وهي خمسة في الفرض المذكور
، وهل
331

يضمن النقص الوارد على الثاني وهو اثنان حتى تكون عليه سبعة أم لا
؟ فيه وجهان بل قولان، لا يخلو أولهما من رجحان.
مسألة 42 - لو زادت بفعل الغاصب زيادة في العين المغصوبة فهي على
اقسام ثلاثة: أحدهما ان يكون اثرا محضا، كتعليم الصنعة في العبد وخياطة
الثوب بخيوط المالك وغزل القطن ونسج الغزل وطحن الطعام وصياغة الفضة ونحو
ذلك. ثانيها ان تكون عينية محضة، كغرس الأشجار والبناء في الأرض البسيطة
ونحو ذلك. ثالثها ان تكون اثرا مشوبا بالعينية، كصبغ الثوب ونحوه.
مسألة 43 - لو زادت في العين المغصوبة بما يكون اثرا محضا ردها كما هي
ولا شئ ء له لأجل تلك الزيادة ولا من جهة اجرة العمل، وليس له إزالة
الأثر وإعادة العين إلى ما كانت بدون اذن المالك، حيث انه تصرف في مال
الغير بدون اذنه. بل لو ازاله بدون اذنه ضمن قيمته للمالك وان لم يرد
نقص على العين، وللمالك الزامه بإزالة الأثر وإعادة الحالة الأولى للعين
إذا كان فيه غرض عقلائي، ولا يضمن الغاصب حينئذ قيمة الصنعة. نعم لو ورد
نقص على العين ضمن أرش النقصان.
مسألة 44 - لو غصب أرضا فزرعها أو غرسها فالزرع والغرس ونماؤهما للغاصب وعليه
اجرة الأرض ما دامت مزروعة أو مغروسة، ويلزم عليه إزالة غرسه وزرعة وان
تضرر بذلك، وعليه أيضا طم الحفر وأرش النقصان ان نقصت الأرض بالزرع
والقلع الا ان يرضي الملك بالبقاء مجانا أو بالأجرة. ولو بذل صاحب الأرض
قيمة الغرس أو الزرع لم يجب على الغاصب اجابته، وكذا لو بذل الغاصب
اجرة الأرض أو قيمتها لم يجب على صاحب الأرض قبوله. ولو حفر الغاصب في
الأرض بئرا كان عليه طمها مع طلب المالك وليس له طمها مع عدم الطلب فضلا
عما لو منعه، ولو بني في الأرض المغصوبة بناءا فهو كما لو غرس فيها، فيكون
البناء للغاصب ان كان أجزاؤه له وللمالك الزامه بالقلع، فحكمه حكم
332

الغرس
في جميع ما ذكر.
مسألة 45 - لو غرس أو بني في ارض غصبها وكان الغراس واجزاء البناء لصاحب
الأرض كان الكل له وليس للغاصب قلعها أو مطالبة الأجرة، وللمالك الزامه
بالقلع والهدم ان كان له غرض عقلائي في ذلك.
مسألة 46 - لو غصب ثوبا وصبغه بصبغه، فان أمكن ازالته مع بقاء مالية له
كان له ذلك وليس لمالك الثوب منعه، كما ان للمالك الزامه به، ولو ورد
نقص على الثوب بسبب إزالة صبغه ضمنه الغاصب، ولو طلب مالك الثوب من
الغاصب ان يملكه الصبغ بقيمته لم يجب عليه اجابته كالعكس بان يطلب
الغاصب منه ان يملكه الثوب. هذا إذا أمكن إزالة الصبغ، واما إذا لم يمكن
الإزالة أو تراضيا على بقائه اشتركا في الثوب المغصوب بنسبة القيمة بشرط
بقاء المالية للصبغ بنسبة القيمة بعد الصبغ دون قبله، فلو كان قيمة الثوب
قبل الصبغ يساوي قيمة الصبغ كان بينهما نصفين، وان كانت ضعف قيمته كان
بينهما أثلاثا ثلثان لصاحب الثوب وثلث لصاحب الصبغ، فان بقيت قيمة كل واحد
منهما محفوظة من غير زيادة ولا نقصان فالثمن بينهما على نسبة ماليهما ولم
يكن على الغاصب ضمان، كما إذا كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة
وقيمة الثوب المصبوغ عشرين أو كانت قيمة الثوب عشرين وقيمة الصبغ عشرة
وقيمة المجموع ثلاثين فيكون الثمن بينهما بالتنصيف في الأول وفي الثاني
أثلاثا، وكذا لو زادت قيمة المجموع تكون الزيادة بينهما بتلك النسبة، فلو
فرض انه بيع الثوب المصبوغ في الأول بثلاثين كانت العشرة الزائدة بينهما
بالسوية، ولو بيع في الفرض الثاني بأربعين كانت العشرة الزائدة بينهما
أثلاثا ثلثان لصاحب الثوب وثلث لصاحب الصبغ، وان نقصت قيمته مصبوغا عن
قيمتهما منفردين - كما إذا كانت قيمة كل منهما عشرة وكانت قيمة الثوب مصبوغا
خمسة عشر - فان كان ذلك من جهة انتقاص الثوب
333

بسبب الصبغ ضمنه الغاصب
وان كان بسبب تنزل القيمة السوقية فهو محسوب على صاحبه ولا يضمنه الغاصب
.
مسألة 47 - لو صبغ الثوب المغصوب بصبغ مغصوب حصلت الشركة بين صاحبي الثوب
والصبغ بنسبة قيمتهما، ولا غرامة على الغاصب لو لم يرد نقص عليهما، وان
ورد ضمنه الغاصب لمن ورد عليه. فلو فرض ان قيمة كل من الثوب والصبغ
عشرة وكانت قيمة الثوب المصبوغ خمسة عشر ضمن الغاصب لهما خمسة لكل منهما
اثنان ونصف.
مسألة 48 - لو مزج الغاصب المغصوب بغيره أو امتزج في يده بغير إختيار مزجا
رافعا للتميز بينهما، فان كان بجنسه وكانا متماثلين ليس أحدهما أجود من الآخر
واردي تشاركا في المجموع بنسبة ماليهما وليس على الغاصب غرامة بالمثل أو
القيمة، بل الذي عليه تسليم المال والاقدام على الافراز والتقسيم
بنسبة المالين أو البيع واخذ كل واحد منهما حصته من الثمن كسائر الأموال
المشتركة. وان خلط المغصوب بما هو أجود أو أردى منه تشاركا أيضا بنسبة
المالين، الا ان التقسيم وتوزيع الثمن بينهما بنسبة القيمة، فلو خلط منا
من زيت قيمته خمسة بمن منه قيمته عشرة كان لكل منهما نصف المجموع، لكن
إذا بنيا على القسمة يجعل ثلاثة أسهم ويعطي لصاحب الأول سهم ولصاحب
الثاني سهمان، وإذا باعاه يقسم الثمن بينهما أثلاثا، والأحوط في مثل ذلك
- اعني اختلاط مختلفي القيمة من جنس واحد - البيع وتوزيع الثمن بنسبة
القيمة لا التقسيم بالتفاضل بنسبتها، من جهة شبهة لزوم الربا في الثاني
كما قال به جماعة. هذا إذا مزج المغصوب بجنسه، واما إذا اختلط بغير جنسه
فان كان فيما يعد معه تالفا - كما إذا اختلط ماء الورد المغصوب بالزيت - ضمن
المثل، وان لم يكن كذلك - كما خلط دقيق الحنطة بدقيق الشعير أو خلط الخل
بالعسل - فالظاهر انه
334

بحكم الخلط بالأجود أو الأردى من جنس واحد، فيشتركان
في العين بنسبة المالين ويقسمان العين ويوزعان الثمن بينهما بنسبة
القيمتين كما مر.
مسألة 49 - لو خلط المغصوب بالأجود أو الأردى وصار قيمة المجموع المخلوط
انقص من قيمة الخليطين منفردين، فورد بذلك نقص مالي على المغصوب منه
ضمنه الغاصب، كما لو غصب منا من زيت جيد قيمته عشرة وخلطه بمن من ردي ء
قيمته خمسة، وبسبب الاختلاط يكون قيمة المنين اثني عشر، فصار حصة
المغصوب منه من الثمن بعد التوزيع ثمانية، والحال ان زيته غير مخلوط كان
يسوي عشرة، فورد النقص عليه باثنين، وهذا النقص يغرمه الغاصب. وان شئت
قلت: يستوفي المالك قيمة ماله غير مخلوط من الثمن وما بقي يكون للغاصب.
ولو زادت قيمة المجموع بعد الخلط مثل ان تكون ثمانية عشر في
المثال فالظاهر ان الزيادة لصاحب الأردى.
مسألة 50 - فوائد المغصوب مملوكة للمغصوب منه وان تجددت بعد الغصب، وهي
كلها مضمونة على الغاصب أعيانا كانت كاللبن والولد والشعر والثمر أو
منافع كسكني الدار وركوب الدابة، بل كل صفة زادت بها قيمة المغصوب لو
وجدت في زمان الغصب ثم زالت وتنقصت بزوالها قيمته ضمنها الغاصب وان رد
العين كما كانت قبل الغصب، فلو غصب دابة هازلة أو عبدا جاهلا ثم سمنت
الدابة أو تعلم العبد الصنعة فزادت قيمتهما بسبب ذلك ثم هزلت الدابة أو
نسي المملوك الصنعة ضمن الغاصب تلك الزيادة التي حصلت ثم زالت. ولو
زادت القيمة لزيادة صفة ثم زالت تلك الصفة ثم عادت الصفة بعينها فهل
يضمن قيمة الزيادة التالفة أم لا يضمن لانجبارها بالزيادة العائدة، كما إذا
سمنت الدابة في يده فزادت قيمتها ثم هزلت ثم سمنت؟ وجهان أقربهما عدم
الانجبار.
335

مسألة 51 - لو حصلت فيه صفة فزادت قيمته ثم زالت فنقصت ثم حصلت فيه صفة
أخرى زادت بها قيمته لم يزل ضمان الزيادة الأولى ولم ينجبر
نقصانها بالزيادة الثانية، كما إذا سمنت الجارية المغصوبة ثم هزلت فنقصت
قيمتها ثم تعلمت الخياطة فزادت قيمتها بقدر الزيادة الأولى أو أزيد، لم يزل
ضمان الغاصب للزيادة الأولى.
مسألة 52 - إذا غصب حبا فزرعه أو بيضا فاستفرخه تحت دجاجته مثلا كان الزرع
والفرخ للمغصوب منه، وكذا لو غصب خمرا فصار خلا أو غصب عصيرا فصار خمرا عنده
ثم صار خلا فإنه ملك للمغصوب منه لا الغاصب، واما لو غصب فحلا فأنزاه على
الأنثى وأولدها كان الولد لصاحب الأنثى وان كان هو الغاصب وعليه اجرة
الضراب.
مسألة 53 - جميع ما مر من الضمان وكيفيته واحكامه وتفاصيله جارية في كل يد
جارية على مال الغير بغير حق وان لم تكن عادية وغاصبة وظالمة، الا
في موارد الأمانات مالكية كانت أو شرعية، كما عرفت التفصيل في كتاب
الوديعة، فتجري في جميع ما يقبض بالمعاملات الفاسدة وما وضع اليد عليه
بسبب الجهل والاشتباه كما إذا لبس حذاء غيره أو ثوبه اشتباها أو اخذ شيئا من
سارق عارية باعتقاد انه ماله وغير ذلك مما لا يحصي.
مسألة 54 - كما ان اليد الغاصبة وما يلحق بها موجبة للضمان وهو المسمي
" بضمان اليد " وقد عرفت تفصيله في المسائل السابقة كذلك للضمان
سببان آخران: الاتلاف، والتسبيب. وبعبارة أخرى له سبب آخر، وهو الاتلاف
، سواءا كان بالمباشرة أو التسبيب.
مسألة 55 - الاتلاف بالمباشرة واضح لا يخفي مصاديقه. كما إذا رما
حيوانا بسهم فقتله أو ضرب على اناء فكسره أو رمي شيئا في النار فاحرقه وغير
ذلك مما
336

لا يحصي، واما الاتلاف بالتسبيب فهو ايجاد شي ء يترتب عليه الاتلاف
بسبب وقوع شي ء، كما لو حفر بئرا في المعابر فوقع فيها انسان أو حيوان، أو
طرح المعاثر والمزالق كقشر البطيخ والرقي في المسالك، أو أوتد وتدا في
الطريق فأصاب به عطب أو جناية على حيوان أو انسان، أو وضع شيئا على
الطريق فتمر به الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره، أو اخرج ميزابا على الطريق
فأضر بالمارة، أو ألقى صبيا أو حيوانا يضعف عن الفرار في مسبعة فقتله السبع
. ومن ذلك ما لو فك القيد عن الدابة فشردت أو فتح قفصا عن طائر فطار مبادرا
أو بعد مكث وغير ذلك، ففي جميع ذلك يكون فاعل السبب ضامنا ويكون عليه
غرامة التالف وبدله، ان كان مثليا فبالمثل وان كان قيميا فبالقيمة، وان
صار سببا لتعيب المال كان عليه الأرش كما مر في ضمان اليد.
مسألة 56 - لو غصب شاة ذات ولد فمات ولدها جوعا أو حبس مالك الماشية أو
راعيها عن حراستها فاتفق تلفها لم يضمن بسبب التسبيب الا إذا انحصر غذاء الولد
بارتضاع من أمه وكانت الماشية في محال السباع ومظان الخطر وانحصر حفظها
بحراسة راعيها، فعليه الضمان حينئذ على الأقوى.
مسألة 57 - ومن التسبيب الموجب للضمان ما لو فك وكاء ظرف فيه مائع فسال ما
فيه، بل لو فتح راس الظرف ثم اتفق انه قلبته الريح الحادثة أو
انقلب بوقوع طائر عليه مثلا فسال ما فيه فالأقوى فيه أيضا الضمان إذا صار
معرضا لذلك واما إذا كان ذلك في حال هبوب الرياح العاصفة أو في مجتمع
الطيور ومظان وقوعها عليه فلا اشكال في الضمان.
مسألة 58 - ليس من التسبيب الموجب للضمان ما لو فتح بابا على مال فسرق أو
دل سارقا فسرقه، فلا ضمان عليه.
مسألة 59 - لو وقع الحائط على الطريق مثلا فتلف بوقوعه مال أو نفس
لم
337

يضمن صاحبه، الا إذا بناه مائلا إلى الطريق أو مال اليه بعدما كان
مستويا وقد تمكن صاحبه من الإزالة ولم يزله، فعليه الضمان في الصورتين
على الأقوى.
مسألة 60 - لو وضع شربة أو كوزا مثلا على حائطه فسقط وتلف به مال أو
نفس لم يضمن الا إذا وضعه مائلا إلى الطريق أو وضعه على وجه يسقط مثله.
مسألة 61 - ومن التسبيب الموجب للضمان ان يشعل نارا في ملكه وداره فتعدت
وأحرقت دار جاره مثلا فيما إذا تجاوز قدر حاجته ويعلم أو يظن تعديها لعصف
الهواء مثلا، بل الظاهر كفاية الثاني، فيضمن مع العلم أو الظن بالتعدي
ولو كان بمقدار الحاجة، بل لا يبعد الضمان إذا اعتقد عدم كونها متعدية فتبين
خلافه، كما إذا كانت ريح حين اشعال النار وهو قد اعتقد ان بمثل هذه الريح
لا تسري النار إلى الجار فتبين خلافه. نعم لو كان الهواء ساكنا بحيث يؤمن
معه من التعدي فاتفق عصف الهواء بغتة فطارت شرارتها يقوي عدم الضمان.
مسألة 62 - إذا ارسل الماء في ملكه فتعدي إلى ملك غيره فأضر به ضمن
مطلقا ولو مع اعتقاده عدم التعدي فضلا عما لو علم أو ظن به لكن بشرط ان لا
يكون ذلك مستندا إلى المتضرر والا فلا ضمان، وان كان مستندا إلى غيرهما
فالضمان عليه.
مسألة 63 - لو تعب حمال الخشبة فاسندها إلى جدار الغير ليستريح بدون
اذن صاحب الجدار فوقع باسناده اليه ضمنه وضمن ما تلف بوقوعه عليه، ولو
وقعت الخشبة فأتلفت شيئا ضمنه، سواءا وقعت في الحال أو بعد ساعة.
مسألة 64 - لو فتح قفصا عن طائر فخرج وكسر بخروجه قارورة شخص مثلا ضمنها
الفاتح، وكذا لو كان القفص ضيقا مثلا فاضطرب بخروجه فسقط وانكسر ضمنه.
338

مسألة 65 - إذا اكلت دابة شخص زرع غيره أو أفسده، فان كان معها
صاحبها راكبا أو سائقا أو قائدا أو مصاحبا ضمن ما أتلفته، وان لم يكن معها -
بان انفلتت من مراحلها مثلا فدخلت زرع غيره - ضمن ما أتلفته ان كان ذلك
ليلا وليس عليه ضمان ان كان نهارا.
مسألة 66 - لو كانت الشاة أو غيرها في يد الراعي أو الدابة في يد المستعير
أو المستأجر فأتلفتا زرعا أو غيره كان الضمان على الراعي والمستأجر والمستعير
لا على المالك والمعير.
مسألة 67 - لو اجتمع سببان للاتلاف بفعل شخصين، فان لم يكن أحدهما
أسبق في التأثير اشتركا في الضمان، والا كان الضمان على المتقدم في
التأثير. فلو حفر شخص بئرا في الطريق ووضع شخص آخر حجرا بقربها فعثر به
انسان أو حيوان فوقع في البئر كان الضمان على واضع الحجر دون حافر البئر،
ويحتمل قويا اشتراكهما في الضمان مطلقا.
مسألة 68 - لو اجتمع السبب مع المباشر كان الضمان على المباشر دون
فاعل السبب، فلو حفر شخص بئرا في الطريق فدفع غيره فيها انسانا أو حيوانا
كان الضمان على الدافع دون الحافر. نعم لو كان السبب أقوى من المباشر
كان الضمان عليه لا على المباشر. فلو وضع قارورة تحت رجل شخص نائم فمد
رجله وكسرها كان الضمان على الواضع دون النائم.
مسألة 69 - لو اكره على اتلاف مال غيره كان الضمان على من أكرهه
وليس عليه ضمان، لكون ذي السبب أقوى من المباشر، هذا إذا لم يكن المال
مضمونا في يده، بان أكرهه على اتلاف ما ليس تحت يده أو على اتلاف
الوديعة التي عنده مثلا، واما إذا كان المال مضمونا في يده كما إذا غصب
مالا فأكرهه شخص على اتلافه فالظاهر ضمان كليهما، فللمالك الرجوع على أيهما
شاء، فان رجع إلى
339

المكره (بالكسر) لم يرجع على المكره (بالفتح)،
بخلاف العكس. هذا إذا اكره على اتلاف المال، واما لو اكره على قتل أحد
معصوم الدم فقتله فالضمان على القاتل من دون رجوع على المكره (بالكسر)
وان كان عليه عقوبة، فإنه لا اكراه في الدماء.
مسألة 70 - لو غصب ماكولا فاطعمه المالك مع جهله بأنه ماله بان قال له (
هذا ملكي وطعامي) أو قدمه اليه ضيافة، مثلا لو غصب شاة واستدعي من
المالك ذبحها فذبحها مع جهله بأنها شاته ضمن الغاصب التفاوت بين الحي
والمذبوح وان كان المالك هو المباشر للاتلاف. نعم لو دخل المالك دار
الغاصب مثلا ورأي طعاما فاكله على اعتقاد انه طعام الغاصب فكان طعام الاكل
، فالظاهر عدم ضمان الغاصب وقد بري عن ضمان الطعام.
مسألة 71 - لو غصب طعاما من شخص واطعمه غير المالك على انه ماله مع جهل
الاكل بأنه مال غيره كما إذا قدمه اليه بعنوان الضيافة مثلا ضمن كلاهما
، فللمالك ان يغرم أيهما شاء، فان أغرم الغاصب لم يرجع إلى الاكل وان
أغرم الاكل رجع إلى الغاصب لأنه قد غره.
مسألة 72 - إذا سعي إلى الظالم على أحد أو اشتكي عليه عنده بحق أو بغير
حق فاخذ الظالم منه مالا بغير حق لم يضمن الساعي والمشتكي ما خسره، وان
اثم بسبب سعايته أو شكايته إذا كانت بغير حق، وانما الضمان على من اخذ
المال.
مسألة 73 - إذا تلف المغصوب وتنازع المالك والغاصب في القيمة ولم
يكن بينة فالقول قول الغاصب مع يمينه، وكذا لو تنازعا في صفة تزيد بها
الثمن، بان ادعي المالك وجود تلك الصفة فيه يوم غصبه أو حدوثها بعده وان
زالت فيما بعد وأنكره الغاصب ولم يكن بينة فالقول قول الغاصب مع يمينه.
340

مسألة 74 - إذا كان على العبد المغصوب الذي تحت يد الغاصب ثوب أو خاتم مثلا
أو على الدابة المغصوبة رحل أو علق بها حبل واختلفا فيما عليهما
فقال المغصوب منه هو لي وقال الغاصب هو لي ولم يكن بينة فالقول قول
الغاصب مع يمينه لكونه ذا يد فعلية عليه.
341

كتاب احياء الموات والمشتركات
342

كتاب احياء الموات والمشتركات
القول في احياء الموات:
الموات هي الأرض المعطلة التي لا ينتفع بها، إما لانقطاع الماء عنها أو
لاستيلاء المياه أو الرمول أو السبخ أو الأحجار عليها أو لاستيجامها والتفاف
القصب والأشجار بها أو لغير ذلك، وهو على قسمين:
الأول الموات بالأصل، وهو ما لم يكن مسبوقا بالملك والاحياء، كأكثر المفاوز
والبراري والبوادي وصفحات الجبال واذيالها ونحوها ويحلق به ما لم يعلم كونه
مسبوقا بهما.
الثاني الموات بالعارض، وهو ما عرض عليه الخراب والموتان بعد
الحياة والعمران، كالأراضي الدارسة التي بها آثار المرور والأنهار والقرى
الخربة التي بقيت منها رسوم العمارة.
مسألة 1 - الموات بالأصل وان كان ملكا للامام (عليه السلام) حيث انه من
الأنفال كما مر في كتاب الخمس، لكن يجوز في زمان الغيبة لكل أحد إحياؤه
مع الشروط الآتية والقيام بعمارته ويملكه المحيي على الأقوى، سواء كان
في دار الاسلام أو في دار الكفر، وسواء كان في ارض الخراج كأرض العراق أو
في غيرها، وسواء كان المحيي مسلما أو كافرا.
345

مسألة 2 - الموات بالعارض الذي كان مسبوقا بالملك والاحياء إذا لم يكن
له مالك معروف على قسمين:
الأول ما باد أهلها وصارت بسبب مرور الزمان وتقادم الأيام بلا مالك،
وذلك كالأراضي الدارسة والقرى والبلاد الخربة والقنوات الطامسة التي كانت
للأمم الماضين الذين لم يبق منهم اسم ولا رسم أو نسبت إلى أقوام أو
اشخاص لم يعرف منهم الا الاسم.
الثاني ما لم يكن كذلك ولم تكن بحيث عدت بلا مالك، بل كانت لمالك موجود
ولكن لم يعرف شخصه ويقال لها مجهولة المالك.
فاما القسم الأول فهو بحكم الموات بالأصل في كونه من الأنفال وانه
يجوز إحياؤه ويملكه المحيي، فيجوز احياء الأراضي الدارسة التي بقيت فيها
آثار الأنهار والسواقي والمروز وتنقية القنوات والابار المطمومة وتعمير الخربة
من القري والبلاد القديمة التي بقيت بلا مالك، ولا يعامل معها معاملة
مجهول المالك، ولا يحتاج إلى الاذن من حاكم الشرع أو الشراء منه، بل
يملكها المحيي والمعمر بنفس الاحياء والتعمير.
واما القسم الثاني فلا اشكال في جواز احيائه والقيام بتعميره والتصرف
فيه بأنواع التصرفات، وهل يملكه المحيي عينا ومنفعة وليس عليه شي ء الا
الزكاة عند اجتماع شرائطها كالقسم الأول أم لا؟ ظاهر المشهور هو الأول،
لكنه لا يخلو من اشكال، فالأحوط ان يتفحص عن صاحبه وبعد الياس عنه يعامل
معه معاملة مجهول المالك، فيرجع إلى الحاكم الشرعي في الاحياء والتصرف
فيه فإما ان يشتري عينها منه ويصرف ثمنها على الفقراء، وإما ان يستأجرها
منه بأجرة معينة. نعم لو علم ان مالكها قد اعرض عنها أو انجلي عنها أهلها
وتركوها لقوم آخرين جاز إحياؤها وتملكها بلا اشكال.
346

مسألة 3 - إذا كان ما طرا عليه الخراب لمالك معلوم، فان اعرض عنه
مالكه كان لكل أحد إحياؤه وتملكه، وان لم يعرض عنه فان أبقاه مواتا
للانتفاع بها في تلك الحال من جهة تعليف دوابه أو بيع حشيشه أو قصبه ونحو
ذلك فربما ينتفع منها مواتا أكثر مما ينتفع منها محياتا، فلا اشكال في انه لا
يجوز لاحد إحياؤها والتصرف فيها بدون اذن مالكها، وكذا فيما إذا كان مهتما
باحيائها عازما عليه وانما اخر الاشتغال به لجمع الآلات وتهيئة الأسباب
المتوقعة الحصول أو لانتظار وقت صالح له.
واما لو ترك تعمير الأرض واصلاحها وإبقاها إلى الخراب من جهة عدم الاعتناء
بشأنها وعدم الاهتمام والالتفات إلى مرمتها وعدم عزمه على إحيائها أما لعدم
حاجته إليها أو لاشتغاله بتعمير غيرها فبقيت مهجورة مدة معتدا بها حتى
آل إلى الخراب، فان كان سبب ملك المالك غير الاحياء مثل انه ملكها
بالإرث أو الشراء فليس لاحد وضع اليد عليها وإحياؤها والتصرف فيها الا باذن
مالكها، ولو أحياها أحد وتصرف فيها وانتفع بها بزرع أو غيره فعليه اجرتها
لمالكها. وان كان سبب ملكه الاحياء بان كانت أرضا مواتا بالأصل فأحياها
وملكها ثم بعد ذلك عطلها وترك تعميرها حتى آلت إلى الخراب فمقتضي الاحتياط
عدم إحيائها بدون اذن صاحبها.
مسألة 4 - كما يجوز احياء القري الدارسة والبلاد القديمة التي باد أهلها وصارت
بلا مالك بجعلها مزرعة أو مسكنا أو غيرهما، كذا يجوز حيازة أجزائها الباقية من
أحجارها وأخشابها وآجرها وغيرها، ويملكها الحائز إذا اخذها بقصد التملك.
مسألة 5 - لو كانت الأرض موقوفة وطرأها الموتان والخراب، فان كانت
من الموقوفات القديمة الدارسة التي لم يعلم كيفية وقفها وانها خاص أو عام
أو وقف
347

على الجهات ولم يعلم من الاستفاضة والشهرة غير كونها وقفا على
أقوام ماضين لم يبق منهم اسم ولا رسم أو قبيلة لم يعرف منهم الا الاسم،
فالظاهر انها من الأنفال، فيجوز إحياؤها، كما إذا كان الموات المسبوق بالملك
على هذا الحال. وان علم انها وقف على الجهات ولم تتعين بان علم انها
وقف اما على مسجد أو مشهد أو مقبرة أو مدرسة أو غيرها ولم يعلم بعينها، أو
علم انها وقف على اشخاص لم يعرفهم بأشخاصهم أو أعيانهم، كما إذا علم ان
مالكها قد وقفها على ذريته ولم يعلم من الواقف ومن الذرية، فالظاهر ان
ذلك بحكم الموات المجهول المالك الذي نسب إلى المشهور القول بأنه من
الأنفال، وقد مر ما فيه من الاشكال، بل القول به هنا أشكل، فالأحوط ان
لم يكن لها متولي منصوص الاستيذان من الحاكم الشرعي في احيائها ودفع
اجرتها اليه أو صرفها باذنه فيما يجب ان تصرف فيه.
مسألة 6 - إذا كانت الموات بالأصل حريما لعامر مملوك لا يجوز لغير
مالكه إحياؤه، وان أحياه لم يملكه.
وتوضيح ذلك: ان من أحيي مواتا لاحداث شي ء من دار أو بستان أو مزرعة أو
غيرها تبع ذلك الشئ ء الذي أحدثه مقدار من الأرض الموات القريبة من
ذلك الشئ ء الحادث مما يحتاج اليه لتمام الانتفاع به ويتعلق بمصالحه عادة
، ويسمي ذلك المقدار التابع حريما لذلك المتبوع، ويختلف مقدار الحريم زيادة
ونقيصة باختلاف ذي الحريم، وذلك من جهة تفاوت الأشياء في المصالح
والمرافق المحتاج إليها، فما يحتاج اليه الدار من المرافق بحسب العادة غير
ما يحتاج اليه البئر والنهر مثلا، وهكذا باقي الأشياء. بل يختلف ذلك
باختلاف البلاد والعادات أيضا، فإذا أراد شخص احياء حوالي ماله الحريم لا
يجوز له احياء مقدار الحريم بدون اذن المالك ورضاه، وان أحياه لم يملكه
وكان غاصبا.
348

مسألة 7 - حريم الدار مطرح ترابها وكناستها ورمادها ومصب مائها ومطرح ثلوجها
ومسلك الدخول والخروج منها في الصوب الذي يفتح اليه الباب، فلو بني دارا
في ارض موات تبعه هذا المقدار من الموات من حواليها، فليس لاحد ان يحيي
هذا المقدار بدون رضي صاحب الدار. وليس المراد من استحقاق الممر في قبالة
الباب استحقاقه على الاستقامة وعلي امتداد الموات، بل المراد ان
يبقي مسلك له يدخل ويخرج إلى الخارج بنفسه وعياله واضيافه وما تعلق به
من دوابه أو سيارته وأحماله وأثقاله بدون مشقة باي نحو كان، فيجوز لغيره
احياء ما في قبالة الباب من الموات إذا بقي له الممر ولو بانعطاف وانحراف.
وحريم الحائط لو لم يكن جزء من الدار، بان كان مثلا جدار حصار أو بستان أو
غير ذلك، مقدار ما يحتاج اليه لطرح التراب والآلات وبل الطين لو
انتقض واحتاج إلى البناء والترميم.
وحريم النهر مقدار مطرح طينه وترابه إذا احتاج إلى التنقية، والمجاز
إلى حافتيه للمواظبة عليه ولاصلاحه على قدر ما يحتاج اليه.
وحريم البئر ما يحتاج اليه لأجل السقي منها والانتفاع بها من الموضع
الذي يقف فيه النازح ان كان الاستقاء منها باليد، وموضع الدولاب ومتردد
البهيمة ان كان الاستقاء بهما، ومصب الماء والموضع الذي يجتمع فيه لسقي
الماشية أو الزرع من حوض ونحوه، والموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منها من
الطين وغيره لو اتفق الاحتياج اليه.
وحريم العين ما يحتاج اليه لأجل الانتفاع بها أو اصلاحها وحفظها على
قياس غيرها.
مسألة 8 - لكل من البئر والعين والقناة - اعني بئرها الأخيرة التي هي
منبع الماء ويقال لها بئر العين وأم الابار بل كل بئر ينبع فيه الماء وان
كان متعددا في قناة
349

واحدة، كما يتفق كثيرا - حريم آخر بمعني آخر، وهو
المقدار الذي ليس لاحد ان يحدث بئرا أو قناة أخرى فيما دون ذلك المقدار
بدون اذن صاحبها.
وهو في البئر أربعون ذراعا إذا كان حفرها لأجل استقاء الماشية من
الإبل ونحوها منها، وستون ذراعا إذا كان لأجل الزرع وغيره، فلو احدث شخص
بئرا في موات من الأرض لم يكن لشخص آخر احداث بئر أخرى في جنبها
بدون اذنه، بل ما لم يكن الفصل بينهما أربعين ذراعا أو ستين فما زاد على ما
فصل.
وفي العين والقناة خمسمائة ذراع في الأرض الصلبة والف ذراع في
الأرض الرخوة، فإذا استنبط انسان عينا أو قناة في ارض موات صلبة وأراد
غيره حفر أخرى تباعد عنه بخمسمائة ذراع، وان كانت رخوة تباعد بألف ذراع.
ولو فرض ان الثانية تضر بالأولى وتنقص ماؤها مع البعد المزبور فالأحوط لو لم
يكن الأقوى زيادة البعد بما يندفع به الضرر أو التراضي مع صاحب الأولى
، كما ان الأحوط لصاحب الأولى ان لا يمنع الثاني من الحفر في مكان يعلم
بعدم تضرره وان كان البعد بأقل مما ذكر.
مسألة 9 - اعتبار البعد المزبور في القناة انما هو في احداث قناة أخرى
كما أشرنا اليه آنفا، واما احياء الموات الذي في حواليها لزرع أو بناء أو
غيرهما فلا مانع منه إذا بقي من جوانبها مقدار تحتاج للنزح أو الإستقاء أو
الاصلاح والتنقية وغيرهما مما ذكر في مطلق البئر، بل لا مانع من احياء
الموات الذي فوق الآبار وما بينها إذا أبقى من أطراف حلقها مقدار ما يحتاج
اليه لمصالحها، فليس لصاحب القناة المنع عن الاحياء للزرع وغيره فوقها إذا
لم يضر بها.
مسألة 10 - الظاهر ان التباعد المزبور في القناة انما يلاحظ بالنسبة إلى
البئر التي هي منبع الماء المسماة بأم الابار إذا لم يكن غيرها من الآبار
نابعة، وإلا يلاحظ بالنسبة إلى سائر الآبار النابعة أيضا، فلا يجوز ان
يحدث قناة أخرى
350

يكون منبعها بعيدا عن منبع الأخرى أو سائر الآبار النابعة
بأقل من خمسمائة أو الف ذراع. واما الابار الآخر التي لم تكن نابعة بل
هي مجري الماء فلا يراعي الفصل المذكور بينها، فلو احدث الثاني قناة في
ارض صلبة وكان منبعها بعيدا عن المنبع الأولى وآبار نابعة بخمسمائة ذراع
ثم تقارب في الابار الآخر التي هي مجري الماء إلى الابار الآخر للأخرى إلى
ان صار بينها وبينها عشرة اذرع مثلا لم يكن لصاحب الأولى منعه. نعم لو
فرض ان قرب تلك الابار مضر بتلك الابار من جهة جذبها للماء الجاري فيها أو
من جهة أخرى تباعد بما يندفع به الضرر.
مسألة 11 - القرية المبنية في الموات لها حريم ليس لاحد إحياؤه، ولو
أحياه لم يملكه، وهو ما يتعلق بصاحبها ومصالح أهليها من طرقها المسلوكة منها
وإليها ومسيل مائها ومجمع ترابها وكناستها ومطرح سمادها ورمادها ومشرعها
ومجمع أهاليهم لمصالحهم على حسب مجري عاداتهم ومدفن موتاهم ومرعي
ماشيتهم ومحتطبهم وغير ذلك. والمراد بالقرية البيوت والمساكن المجتمعة
المسكونة، فلم يثبت هذا الحريم للضيعة والمزرعة ذات المزارع والبساتين
المتصلة الخالية من البيوت والمساكن والسكنة، فلو احدث شخص قناة في فلاة
وأحيا أرضا بمقدار ما يكفيه ماء القناة وزرع فيها وغرس فيها النخيل والأشجار
لم يكن الموات المجاور لتلك المحياة حريما لها فضلا عن التلال والجبال
القريبة منها، بل لو أحدث بعد ذلك في تلك المحياة دورا ومساكن حتى صارت
قرية كبيرة يشكل ثبوت الحريم لها، فالقدر المتيقن من ثبوت الحريم للقرية
فيما إذا أحدثت في ارض موات.
نعم للمزرعة بنفسها أيضا حريم، وهو ما تحتاج اليه في مصالحها ويكون
من مرافقها من مسالك الدخول والخروج ومحل بيادرها وحظائرها ومجتمع
سمادها وترابها ومرعي مواشيها وغيرها.
351

مسألة 12 - حد المرعي الذي هو حريم للقرية ومحتطبها مقدار حاجة أهاليها بحسب
العادة، بحيث لو منعهم مانع أو زاحمهم مزاحم لوقعوا في الضيق والحرج
، ويختلف ذلك بكثرة الأهالي وقلتهم وكثرة المواشي والدواب وقلتها،
وبذلك يتفاوت المقدار سعة وضيقا طولا وعرضا.
مسألة 13 - إذا كان موات بقرب العامر ولم يكن من حريمه ومرافقه جاز
لكل أحد إحياؤه ولم يختص بمالك ذلك العامر ولا أولوية له، فإذا طلع شاطي
من الشط بقرب ارض محياة أو بستان مثلا كان كسائر الموات، فمن سبق إلى
احيائه وحيازته كان له وليس لصاحب الأرض أو البستان منعه.
مسألة 14 - لا اشكال في ان حريم القناة المقدر بخمسمائة ذراع أو الف
ذراع ليس ملكا لصاحب القناة ولا متعلقا لحقه المانع عن سائر تصرفات غيره
بدون اذنه، بل ليس له الا حق المنع عن احداث قناة أخرى كما مر. والظاهر
ان حريم القرية أيضا ليس ملكا لسكانها وأهلها، بل انما لهم حق الأولوية،
واما حريم النهر والدار فالظاهر انه ملك لصاحب ذي الحريم، فيجوز له بيعه
منفردا كسائر الأملاك.
مسألة 15 - ما مر من الحريم لبعض الاملاك انما هو فيما إذا ابتكرت في
ارض موات، واما في الاملاك المتجاورة فلا حريم لها، فلو احدث المالكان
المجاوران حائطا في البين لم يكن له حريم من الجانبين، ولو احدث أحدهما
في آخر حدود ملكه حائطا أو نهرا لم يكن لهما حريم في ملك الآخر، وكذا لو حفر
أحدهما قناة في ملكه كان للاخر احداث قناة أخرى في ملكه وان لم يكن
بينهما الحد.
مسألة 16 - ذكر جماعة انه يجوز لكل من المالكين المتجاورين التصرف في ملكه
بما شاء وحيث شاء وان استلزم ضررا على الجار، لكنه مشكل على اطلاقه، بل
الحق عدم جواز ما يكون سببا لعروض فساد في ملك الجار، كما إذا دق دقا
352

عنيفا
انزعج منه حيطان داره بما أوجب خللا فيها، أو حبس الماء في ملكه بحيث تنشر
منه النداوة في حائطه، أو احدث بالوعة أو كنيفا بقرب بئر الجار أوجب فساد
مائها، بل وكذا لو حفر بئرا بقرب بئره إذا أوجب نقص مائها وكان ذلك من جهة
جذب الثانية ماء الأولى. واما إذا كان من جهة ان الثانية لكونها
أعمق ووقوعها في سمت مجري المياه يتحدر فيها الماء من عروق الأرض قبل ان
يصل إلى الأول فالظاهر انه لا مانع منه، والمائز بين الصورتين أولو الحدس
الصائب من أهل الخبرة. وكذا لا مانع من إطالة البناء وان كان مانعا من
الشمس والقمر والهواء، أو جعل داره مدبغة أو مخبزة مثلا وان تأذى الجار من
الريح والدخان إذا لم يكن بقصد الإيذاء، وكذا احداث ثقبة في جداره إلى
جاره موجبة للاشراف أو لانجذاب الهواء، فان المحرم هو التطلع على دار الجار
لا مجرد ثقب الجدار.
مسألة 17 - لا يخفي ان امر الجار شديد، وحث الشرع الأقدس على رعايته أكيد،
والاخبار في وجوب كف الأذي عن الجار وفي الحث على حسن الجوار كثيرة لا
تحصي: فعن النبي صلي الله عليه وآله وسلم انه قال: ما زال جبرئيل
يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه. وفي حديث آخر انه صلي الله عليه وآله
و سلم امر عليا (عليه السلام) وسلمان وأبا ذر - قال الراوي ونسيت آخر وأظنه المقداد - ان
ينادوا في المسجد بأعلى صوتهم بأنه لا ايمان لمن لم يامن جاره بوائقه،
فنادوا بها ثلاثة. وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه قال: قرأت
في كتاب على (عليه السلام) ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كتب بين
المهاجرين والأنصار أهل يثرب لجار غير
ولا آثم، وحرمة الجار كحرمة أمه وروي الصدوق باسناده عن الصادق عليه
السلام عن على (عليه السلام) عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال:
353

من
آذي جاره حرم الله عليه ريح الجنة ومأواه وبئس المصير، ومن
ضيع جاره فليس مني. وعن الرضا (عليه السلام): ليس منا من لم يامن جاره
بوائقه. وعن الصادق (عليه السلام) انه قال والبيت غاص باهله: اعلموا انه
ليس منا من لم يحسن مجاورة من جاوره. وعنه (عليه السلام) قال: قال رسول
الله صلي الله عليه وآله وسلم: حسن الجوار يعمر الديار وينسي في الاعمار.
فاللازم على كل من يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم واليوم
الآخر، الاجتناب عن كل ما يؤذي الجار وان لم يكن مما يوجب فسادا وضررا في
ملكه، الا ان يكون في تركه ضررا فاحشا على نفسه، ولا ريب ان مثل ثقب
الجدار الموجب للاشراف على دار الجار ايذاء عليه واي ايذاء، وكذا احداث ما
يتأذى من ريحه أو دخانه أو صوته ويمنع عن وصول الهواء اليه أو عن اشراق
الشمس عليه وغير ذلك.
مسألة 18 - يشترط في التملك بالاحياء ان لا يسبق اليه سابق بالتحجير،
فان التحجير يفيد أولوية المحجر، فهو اولي بالاحياء والتملك من غيره، فله
منعه. ولو أحياه قهرا على المحجر لم يملكه.
والمراد بالتحجير ان يحدث ما يدل على إرادة الاحياء، كوضع أحجار أو
جمع تراب أو حفر أساس أو غرز حشب أو قصب أو نحو ذلك في أطرافه وجوانبه،
أو يشرع في احياء ما يريد إحياءه، كما إذا حفر بئرا من آبار القناة الدارسة
التي يريد إحياؤها، فإنه تحجير بالنسبة إلى أراضي الموات التي تسقي بمائها
بعد جريانه، فليس لاحد احياء تلك القناة ولا احياء تلك الأراضي، وكما إذا
أراد احياء أجمة فيها الماء والقصب فعمد على قطع مائها فقط فهو تحجير لها،
فليس لاحد إحياؤها بقطع قصبها.
354

مسألة 19 - لابد من ان يكون التحجير مضافا إلى دلالته على أصل الاحياء
دالا على مقدار إحياؤه، فلو كان ذلك بوضع الأحجار أو جمع التراب أو غرز
الخشب أو القصب مثلا لابد ان يكون ذلك في جميع الجوانب حتى يدل على ان
جميع ما أحاطت به العلامة يريد إحياؤه. نعم في مثل احياء القناة البائرة
يكفي الشروع في حفر أحدي آبارها كما أشرنا اليه آنفا، فإنه دليل بحسب
العرف في كونه بصدد إحياء جميع القناة، بل الأراضي المتعلقة بها أيضا، بل
إذا حفر بئرا في ارض موات بالأصل لأجل احداث قناة يمكن ان يقال انه يكون
تحجيرا بالنسبة إلى أصل القناة والي الأراضي الموات التي تسقي بمائها بعد
تمامها وجريان مائها، فليس لاحد احياء تلك الجوانب حتى يتم القناة ويعين ما
تحتاج اليه من الأراضي. نعم الأرض الموات التي ليس من حريم القناة ومما
علم انه لا يصل اليه ماؤها بعد جريانه لا بأس باحيائها.
مسألة 20 - التحجير كما أشرنا اليه يفيد حق الأولوية ولا يفيد الملكية،
فلا يصح بيعه. نعم يصح الصلح عنه ويورث ويقع ثمنا في البيع لأنه حق
قابل للنقل والانتقال.
مسألة 21 - يشترط في مانعية التحجير ان يكون المحجر متمكنا من
القيام بتعميره، فلو حجر من لم يقدر على احياء ما حجره اما لفقره أو لعجزه
عن تهيئة أسبابه فلا اثر لتحجيره وجاز لغيره إحياؤه، وكذا لو حجز زائدا على
مقدار تمكنه من الاحياء لا اثر لتحجيره الا في مقدار ما تمكن من تعميره،
واما في الزائد فليس له منع الغير عن احيائه. فعلي هذا ليس لمن عجز عن
احياء الموات تحجيره ثم نقل ما حجره إلى غيره بصلح أو غيره مجانا أو
بالعوض، لأنه لم يحصل له حق حتى ينقله إلى غيره.
مسألة 22 - لا يعتبر في التحجير ان يكون بالمباشرة، بل يجوز ان
يكون
355

بتوكيل الغير أو استيجاره، فيكون الحق الحاصل بسببه ثابتا للموكل
والمستأجر لا للوكيل والأجير، بل لا يبعد كفاية وقوعه عن شخص نيابة عن
غيره ثم إجازة ذلك الغير في ثبوته للمنوب عنه وان لم يخل عن اشكال،
فلا ينبغي ترك الاحتياط.
مسألة 23 - لو انمحت آثار التحجير قبل ان يقوم المحجر بالتعمير بطل حقه وعاد
الموات إلى ما كان قبل التحجير إن كان ذلك مستندا إلى طول
الزمان والمسامحة في الاحياء، واما ان كان مستندا إلى فعل الغير أو بسبب
غير عادي فالظاهر بقاء حقه إلا إذا علم بذلك ولم يجدد التحجير.
مسألة 24 - ليس للمحجر تعطيل الموات المحجر عليه والاهمال في التعمير، بل
اللازم ان يشتغل بالعمارة عقيب التحجير، فان أهمل وطالت المدة وأراد شخص
آخر إحياؤه فالأحوط ان يرفع الامر إلى الحاكم مع وجوده وبسط يده، فيلزم
المحجر بأحد أمرين اما العمارة أو رفع يده عنه ليعمره غيره، الا ان
يبدي عذرا موجها مثل انتظار وقت صالح له أو اصلاح آلاته أو حضور العملة،
فيمهل بمقدار ما يزول معه العذر، وليس من العذر عدم التمكن من تهيئة
الأسباب لفقره منتظرا للغني والتمكن، فإذا مضت المدة ولم يشتغل بالعمارة
بطل حقه وجاز لغيره القيام بالعمارة، وإذا لم يكن حاكم يقوم بهذه الشؤون
فالظاهر انه يسقط حقه أيضا لو أهمل في التعمير وطال الاهمال مدة طويلة يعد
مثله في العرف تعطيلا، فجاز لغيره إحياؤه وليس له منعه. والأحوط مراعاة
حقه ما لم تمض مدة تعطيله واهماله ثلاث سنين.
مسألة 25 - الظاهر انه يشترط في التملك بالاحياء قصد التملك
كالتملك بالحيازة، فلو حفر بئرا في مفازة بقصد ان يقضي منها حاجته ما دام
باقيا لم يملكه، بل لم يكن له الا حق الأولوية ما دام مقيما، فإذا ارتحل
زالت تلك الأولوية وصارت مباحا للجميع.
356

مسألة 26 - الاحياء المفيدة للملك عبارة عن جعل الأرض حية بعد
الموتان واخراجها عن صفة الخراب إلى العمران، ومن المعلوم ان عمارة
الأرض: إما بكونها مزرعا أو بستانا، واما بكونها مسكنا ودارا، واما حظيرة
الأغنام والمواشي أو لحوائج اخر كتجفيف الثمار أو جمع الخطب أو غير ذلك،
فلابد في صدق إحياء الموات من العمل فيه وانهائه إلى حد صدق عليه أحد
العناوين العامرة، بان صدق عليه المزرع أو الدار مثلا أو غيرها عند العرف،
ويكفي تحقق أول مراتب وجودها ولا يعتبر انهائها إلى حد كما لها، وقبل ان
يبلغ إلى ذلك الحد وان صنع فيه ما صنع، لم يكن احياء بل يكون تحجيرا،
وقد مر انه لا يفيد الملك بل لا يفيد إلا الأولوية.
فإذا تبين هذه الجملة فليعلم انه يختلف ما اعتبر في الاحياء باختلاف
العمارة التي يقصدها المحيي، فما اعتبر في احياء الموات مزرعا أو بستانا غير
ما اعتبر في احيائه مسكنا أو دارا، وما اعتبر في احيائه قناة أو بئرا غير ما
اعتبر في احيائه نهرا وهكذا. ويشترط في الكل إزالة الأمور المانعة عن
التعمير كالمياه الغالبة أو الرمول والأحجار أو القصب والأشجار لو كانت
مستأجمة وغير ذلك. ويختص كل منها ببعض الأمور عند المشهور، ونحن نبينها في
ضمن مسائل.
مسألة 27 - يعتبر في احياء الموات دارا ومسكنا بعد إزالة الموانع لو كان،
ان يدار عليه حائط بما يعتاد في تلك البلاد ولو كان بخشب أو قصب أو حديد أو
غيرها، ويسقف ولو بعضها مما يمكن ان يسكن فيه. ولا يعتبر فيه مع ذلك نصب
الباب، ولا يكفي إدارة الحائط بدون التسقيف. نعم يكفي ذلك في احيائه
حظيرة للغنم وغيره، أو لان يجفف فيها الثمار، أو يجمع فيها الحشيش والحطب
. ولو بني حائطا في الموات بقصد بناء الدار وقبل ان يسقف عليه بداله وقصد
كونه حظيرة ملكها، كما لو قصد ذلك من أول الامر، وكذلك في العكس، بان
حوطه بقصد كونه
357

حظيرة فبدا له ان يسقفه ويجعله دارا.
مسألة 28 - يعتبر في احياء الموات مزرعا بعد إزالة الموانع تسوية الأرض
لو كانت فيها حفر وتلال مانعة عن قابليتها للزرع وترتيب مائها اما بشق ساقية
من نهر أو حفر قناة لها بئر، وبذلك يتم إحياؤها ويملكها المحيي، ولا يعتبر
في احيائها حرثها فضلا عن زرعها. وان كانت الأرض مما لا تحتاج في زراعتها
إلى ترتيب ماء لأنه يكفيه ماء السماء كفي في احيائها اعمال الأمور الآخر عدا
ترتيب الماء، وان كانت مهيأة للزرع بنفسها - بان لم يكن فيها مانع عنه
مما ذكروا ولم يحتج الا إلى سوق الماء - كفي في احيائها إدارة التراب حولها
مع سوق الماء إليها. وان لم يحتج إلى سوق الماء أيضا من جهة انه يكفيه ماء
السماء كبعض الأراضي السهلة والتلال التي لا تحتاج في زرعها إلى علاج بل
هي قابلة لان تزرع ديميا، فالظاهر ان إحياؤها المفيد لتملكها انما هو بإدارة
المرز حولها مع حرثها وزرعها، بل لا يبعد الاكتفاء بالحرث في تملكها. واما
الاكتفاء بالمرز من دون حراثة وزراعة ففيه اشكال. نعم لا اشكال في كونه
تحجيرا مفيدا للأولوية.
مسألة 29 - يعتبر في احياء البستان كل ما اعتبر في احياء الزرع بزيادة
غرس النخيل أو الأشجار مع سقيها حتى تستعد للنمو ان لم يسقها ماء السماء، ولا
يعتبر التحويط حتى في البلاد التي جرت عادتهم عليه على الأقوى بل لا يبعد
كفاية مجرد غرس الأشجار في احياء البستان.
مسألة 30 - يحصل احياء البئر في الموات، بان يحفرها إلى ان يصل إلى الماء
، فيملكها بذلك، وقبل ذلك يكون تحجيرا لا إحياءا. واحياء القناة بان يحفر
الآبار إلى ان يجري ماؤها على الأرض، واحياء النهر بحفره وانهائه إلى الماء
المباح كالشط ونحوه بحيث كان الفاصل بينهما كالمرز والمسناة الصغيرة وبذلك
يتم احياء النهر فيملكه الحافر، ولا يعتبر فيه جريان الماء فيه فعلا وان
اعتبر ذلك في
358

تملك المياه.
القول في المشتركات
وهي الطرق والشوارع والمساجد والمدارس والربط والمياه والمعادن.
مسألة 1 - الطريق نوعان نافذ وغير نافذ.
فالأول - وهو المسمي بالشارع العام - فهو محبوس على كافة الأنام، والناس
فيه شرع سواء، وليس لاحد إحياؤه والاختصاص به ولا التصرف في ارضه ببناء
دكة أو حائط أو حفر بئر أو نهر أو غرس شجر أو غير ذلك، وان لم يضر بالمارة.
نعم الظاهر انه يجوز ان يحفر فيه بالوعة ليجتمع فيها ماء المطر وغيره لكونها
من مصالحه ومرافقه، لكن مع سدها في غير أوقات الحاجة حفظا
للمستطرقين والمارة، وكذا غرس الأشجار لمصلحة المستطرقين بل الظاهر جواز حفر
سرداب تحته إذا احكم الأساس والسقف بحيث يؤمن معه من النقض والخسف،
وأما التصرف في فضائه باخراج روشن أو جناح أو بناء ساباط أو فتح باب أو
نصب ميزاب ونحو ذلك فلا اشكال في جوازه إذا لم يضر بالمارة، وليس لاحد
منعه حتى من يقابل داره داره كما مر في كتاب الصلح.
واما الثاني - اعني الطريق غير النافذ المسمي بالسكة المرفوعة وقد يطلق
عليه الدريبة، وهو الذي لا يسلك منه إلى طريق آخر أو مباح، بل أحيط
بثلاث جوانبه الدور والحيطان والجدران - فهو ملك لأرباب الدور التي أبوابها
مفتوحة اليه، دون من كان حائط داره اليه من غير ان يكون بابها اليه،
فيكون هو كسائر الاملاك المشتركة يجوز لأربابه سده وتقسيمه بينهم وادخال كل
منهم حصته في داره، ولا يجوز لاحد من غيرهم بل ولا منهم ان يتصرف فيه
ولا في فضائه الا باذن الجميع ورضاهم.
359

مسألة 2 - الظاهر ان أرباب الدور المفتوحة في الدريبة كلهم مشتركون في
كلها من رأسها إلى صدرها، حتى انه إذا كانت في صدرها فضلة لم يفتح إليها
باب اشترك الجميع فيها، فلا يجوز لاحد منهم اخراج جناح أو روشن أو بناء
ساباط أو حفر بالوعة أو سرداب أو نصب ميزاب وغير ذلك في اي موضع منها الا
باذن الجميع. نعم لكل منهم حق الاستطراق إلى داره من اي موضع من جداره
، فلكل منهم فتح باب آخر ادخل من بابه الأول أو أسبق مع سد الباب الأول
وعدمه
هذا كله إذا علم اشتراك الكل في الكل، واما مع الشك في كيفية اشتراكهم
فلا يحكم باشتراك الكل الا فيما هو تحت يد الكل وهو من أول الدريبة إلى
الباب الأول من الداخل، وبعده فحيث انه خارج من يد صاحب الباب الأول
فيختص به غيره من سائر الشركاء، وهكذا إلى ان تنحصر الدريبة بباب واحد
فيختص بها صاحبه دون الشركاء.
مسألة 3 - ليس لمن كان حائط داره إلى الدريبة فتح باب إليها للإستطراق
إلا بإذن أربابها. نعم له فتح ثقبة وشباك إليها وليس لهم منعه لكونه
تصرفا في جداره لا في ملكهم، وهل له فتح باب إليها لا للاستطراق بل لمجرد
استضاءة ودخول الهواء؟ الظاهر ان له ذلك، بل له ان يخرب جداره كله إذا
كان مخصوصا به وفي ملكه. نعم يحرم عليه التصرف في الدريبة الا بإذن
مالكيها.
مسألة 4 - يجوز لكل من أرباب الدريبة الجلوس فيها والاستطراق والتردد منها
إلى داره بنفسه وما يتعلق به من عياله ودوابه واضيافه وعائديه وزائريه
، وكذا وضع الحطب ونحوه فيها لادخاله في الدار ووضع الأحمال والأثقال
عند إدخالها واخراجها من دون اذن الشركاء، بل وان كان فيهم القصر والمولي
عليهم من دون رعاية المساواة مع الباقين.
مسألة 5 - الشوارع والطرق العامة وان كانت معدة لاستطراق عامة
الناس
360

ومنفعتها الأصلية التردد فيها بالذهاب والاياب، الا انه يجوز لكل أحد
الانتفاع بها بغير ذلك من جلوس أو نوم أو صلاة وغيرها، بشرط ان لا تضر
بالمارة ولم يضيق عليهم.
مسألة 6 - لا فرق في الجلوس غير المضر بين ما كان للاستراحة أو النزهة
وبين ما كان للحرفة والمعاملة إذا جلس في الرحاب والمواضع المتسعة لئلا
يتضيق على المارة، فلو جلس فيها باي غرض من الاغراض لم يكن لاحد ازعاجه
.
مسألة 7 - لو جلس في موضع من الطريق ثم قام عنه فان كان جلوس
استراحة ونحوها بطل حقه فجاز لغيره الجلوس فيه، وكذا ان كان لحرفة
ومعاملة وقام بعد استيفاء غرضه وعدم نية العود، فلو عاد اليه بعد ان جلس
في مجلسه غيره لم يكن له دفعه، واما لو قام قبل استيفاء غرضه ناويا للعود
فان بقي منه فيه متاع أو رحل أو بساط فالظاهر بقاء حقه، وان لم يكن منه
فيه شي ء ففي بقاء حقه بمجرد نية العود اشكال، فلا يترك الاحتياط.
مسألة 8 - كما ان موضع الجلوس حق للجالس للمعاملة فلا يجوز مزاحمته كذا ما
حوله قدر ما يحتاج اليه لوضع متاعه ووقوف المعاملين فيه، بل ليس لغيره
ان يقعد حيث يمنع من روية متاعه أو وصول المعاملين اليه واما المارة فلهم
المرور في اي مكان من الطريق وان صار ذا مانعا من روية متاع الغير مثلا.
مسألة 9 - يجوز للجالس للمعاملة ان يظل على موضع جلوسه بما لا يضرب المارة
بثوب أو بارية ونحوهما، وليس له بناء دكة ونحوها فيها.
مسألة 10 - إذا جلس في موضع من الطريق للمعاملة في يوم فسبقه في يوم آخر
شخص آخر واخذ مكانه كان الثاني أحق به، فليس للأول ازعاجه.
مسألة 11 - انما يصير الموضع شارعا عاما بأمور:
361

أحدهما: بكثرة التردد والاستطراق ومرور القوافل في الأرض الموات، كالجادات
الحاصلة في البراري والقفار التي يسلك فيها من بلاد إلى بلاد.
الثاني: ان يجعل انسان ملكه شارعا وسبله تسبيلا دائميا لسلوك عامة
الناس وسلك فيه بعض الناس، فإنه يصير بذلك طريقا عاما ولم يكن للمسبل
الرجوع بعد ذلك.
الثالث: ان يحيي جماعة أرضا مواتا قرية أو بلدة ويتركوا مسلكا نافذا
بين الدور والمساكن ويفتحوا اليه الأبواب، والمراد بكونه نافذا ان يكون له
مدخل ومخرج يدخل فيه الناس من جانب ويخرجون من جانب آخر إلى جادة عامة
أو أرض موات.
مسألة 12 - لا حريم للشارع العام لو وقع بين الاملاك، فلو كانت بين
الاملاك قطعة ارض موات عرضها ثلاثة أو أربعة اذرع مثلا واستطرقها الناس حتى
صارت جادة لم يجب على الملاك توسيعها وان تضيقت على المارة، وكذا لو سبل
شخص في وسط ملكه أو من طرف ملكه المجاور لملك غيره ثلاثة أو أربعة اذرع
مثلا للشارع. واما لو كان الشارع محدودا بالموات بطرفيه أو أحد طرفيه فكان
له الحريم، وهو المقدار الذي يوجب إحياؤه نقص الشارع عن سبعة اذرع،
فلو حدث بسبب الاستطراق شارع في وسط الموات جاز احياء طرفيه إلى حد
يبقي سبعة اذرع ولا يتجاوز عن هذا الحد، وكذا لو كان لاحد في وسط المباح
ملك عرضه أربعة اذرع مثلا فسبله شارعا لا يجوز احياء طرفيه بما لم يبق
للطريق سبعة اذرع، ولو كان في أحد طرفي الشارع ارض مملوك وفي الطرف
الآخر أرض موات كان الحريم من طرف الموات، بل لو كان طريق بين الموات
وسبق شخص وأحيى أحد طرفيه إلى حد الطريق اختص الحريم بالطرف الآخر، فلا يجوز
لاخر الاحياء إلى حد لا يبقي للطريق سبعة اذرع، فلو بني بناءا مجاوزا
362

لذلك
الحد الزم هو بهدمه وتبعيده دون المحيي الأول.
هذا ولكن الأحوط بل الأقوى في زماننا ترك احياء طرفي الشوارع العامة التي
تعبر منها السيارات الكبيرة والمكائن بالمقدار المحتاج اليه، لاحتمال
ان يكون التحديد في الروايات وكلمات السابقين بالخمسة أو السبعة بلحاظ
أهل زمانهم، والا فحريم الطريق بحسب العرف ما يحتاج اليه المارة، ولذا
تختلف الشوارع والطرق سعة وضيقا بحسب اختلافها احتياجا.
مسألة 13 - إذا استأجم الطريق أو انقطعت عنه المارة زال حكمه بل
ارتفع موضوعه وعنوانه، فجاز لكل أحد إحياؤه كالموات، من غير فرق في
صورة انقطاع المارة بين ان يكون ذلك لعدم وجودهم أو بمنع قاهر إياهم حتى
صار مهجورا متروكا أو لهجرهم إياه واستطراقهم غيره أو بسبب آخر.
مسألة 14 - لو زاد عرض الطريق المسلوك عن سبعة اذرع: فاما المسبل فلا يجوز
لاحد اخذ ما زاد عليها وإحياؤه وتملكه قطعا، واما غيره ففي جواز احياء الزائد
وعدمه وجهان، أوجههما التفصيل بين الحاجة اليه لكثرة المارة
فالثاني وعدمها لقلتهم فالأول والأحوط الترك مطلقا الا في الرحاب الذي احياء
مقدار منه لا يعد تصرفا في الطريق عرفا.
مسألة 15 - من المشتركات المسجد، وهو المكان المعد لتعبد المتعبدين
وصلاة المصلين من غير ان يكون مختصا بشخص أو طائفة من المصلين، وهو من
مرافق المسلمين يشترك فيه عامتهم وهم شرع سواء في الانتفاع به الا بما لا
يناسبه ونهي الشرع عنه كمكث الجنب فيه ونحوه، فمن سبق إلى مكان منه
لصلاة أو عبادة أو قراءة قرآن أو دعاء بل وتدريس أو وعظ أو افتاء وغيرها كان
أحق به وليس لاحد ازعاجه، سواء توافق السابق مع المسبوق في الغرض أو
تخالفا فيه، فليس لاحد باي غرض كان مزاحمة من سبق إلى مكان منه باي
غرض كان. نعم لا يبعد
363

تقدم الصلاة جماعة أو فرادي على غيرها من الاغراض،
فلو كان جلوس السابق لغرض القراءة أو الدعاء أو التدريس وأراد أحد ان يصلي
في ذلك المكان جماعة أو فرادي يجب عليه تخلية المكان له. نعم ينبغي
تقييد ذلك بما إذا لم يكن إختيار مريد الصلاة في ذلك المكان لمجرد الاقتراح
، بل كان اما لانحصار محل الصلاة فيه أو لغرض راجح ديني كالالتحاق بصفوف
الجماعة ونحوه. هذا ولكن أصل المسالة لا تخلو من اشكال فيما إذا كان جلوس
السابق لغرض العبادة كالدعاء والقراءة لا لمجرد النزهة والاستراحة، فلا
ينبغي فيه ترك الاحتياط للمسبوق بعدم المزاحمة وللسابق بتخلية المكان له.
والظاهر تسوية الصلاة فرادي مع الصلاة جماعة، فلا أولوية للثانية على
الأولى، فمن سبق إلى مكان للصلاة منفردا فليس لمريد الصلاة جماعة ازعاجه
لها وان كان الأولى له تخلية المكان له إذا وجد مكان آخر له، ولا يكون
مناعا للخير عن أخيه.
مسألة 16 - لو قام الجالس السابق وفارق المكان رافعا يده منه معرضا عنه بطل
حقه وان بقي رحله، فلو عاد اليه وقد اخذه غيره كان هو الأولى وليس
له ازعاجه. وان كان ناويا للعود فان كان رحله باقيا بقي حقه بلا اشكال
والا ففيه اشكال، والأحوط شديدا مراعاة حقه، خصوصا إذا كان خروجه لضرورة
كتجديد طهارة أو إزالة نجاسة أو قضاء حاجة ونحوها وكان ذلك معلوما منه
بقرينة الحال.
مسألة 17 - الظاهر ان وضع الرحل مقدمة للجلوس كالجلوس في إفادة الأولوية،
لكن إذا كان ذلك بمثل فرش سجادة ونحوها مما يشغل مقدار مكان الصلاة أو
معظمه، لا بمثل وضع تربة أو سبحة أو مسواك وشبهها.
مسألة 18 - يعتبر ان لا يكون بين وضع الرحل ومجيئه طول زمان بحيث استلزم
تعطيل المكان والا لم يفد حقا، فجاز لغيره اخذ المكان قبل مجيئه ورفع رحله
والصلاة مكانه إذا شغل المحل بحيث لا يمكن الصلاة فيه الا برفعه،
والظاهر
364

انه يضمنه الرافع إلى ان يوصله إلى صاحبه، وكذا الحال فيما لو
فارق المكان معرضا عنه مع بقاء رحله فيه. وإذا كان الرحل موضوعا للزمان
المتأخر، مثل ان يضع الرحل بالليل لصلاة الظهر لكن لا يمنع ذلك عن
الصلاة في غير موقع صلاة الظهر، فلمن يريد ان يصلي مع الحاجة دفع الرحل
وصلي في ذلك المكان لكن يضمن الرحل حينئذ.
مسألة 19 - المشاهد كالمساجد في جميع ما ذكر من الاحكام، فان المسلمين فيها
شرع سواء، سواء العاكف فيها والباد والمجاور لها والمتحمل إليها من بعد البلاد،
فمن سبق إلى مكان منها لزيارة أو صلاة أو دعاء أو قراءة كان أحق وأولي به
وليس لاحد ازعاجه، وهل للزيارة أولوية على غيرها كالصلاة في
المسجد بالنسبة إلى غيرها لو قلنا بأولويتها؟ لا يخلو من وجه، لكنه غير وجيه
كأولوية من جاء إليها من البلاد البعيدة بالنسبة إلى المجاورين، وان كان
ينبغي لهم مراعاتهم. وحكم مفارقة المكان ووضع الرحل وبقائه كما سبق في
المساجد.
مسألة 20 - من المشتركات المدارس بالنسبة إلى طالبي العلم أو
الطائفة الخاصة منهم إذا خصها الواقف بصنف خاص، كما إذا خصها بصنف العرب
أو العجم أو طالبي العلوم الشرعية أو خصوص الفقه مثلا، فهي بالنسبة إلى
مستحقي السكني بها كالمساجد، فمن سبق إلى سكني حجرة منها فهو أحق بها ما لم
يفارقها معرضا عنها وان طالت مدة السكني، الا إذا اشترط الواقف له مدة
معينة كثلاث سنين مثلا، فيلزمه الخروج بعد انقضائها بلا مهلة وان لم يؤمر
به، أو شرط اتصافه بصفة فزالت عنه تلك الصفة، كما إذا شرط كونه مشغولا
بالتحصيل أو التدريس فطرا عليه العجز لمرض أو هرم ونحو ذلك.
مسألة 21 - لا يبطل حق الساكن بالخروج لحاجة معتادة كشراء مأكول أو مشروب
أو كسوة ونحوها قطعا وان لم يترك رحله، ولا يلزم تخليف أحد مكانه،
365

بل ولا
بالاسفار المتعارفة المعتادة كالرواح للزيارة أو لتحصيل المعاش أو للمعالجة
مع نية العود وبقاء متاعه ورحله ما لم تطل المدة إلى حد لم يصدق
معه السكني والإقامة عرفا ولم يشترط الواقف لذلك مدة معينة، كما إذا شرط
ان لا يكون خروجه أزيد من شهر أو شهرين مثلا فيبطل حقه لو تعدي زمن خروجه
عن تلك المدة.
مسألة 22 - من أقام في حجرة منها ممن يستحق السكني بها، له ان يمنع من
ان يشاركه غيره إذا كان المسكن معدا لواحد إما بحسب قابلية المحل أو بسبب
شرط الواقف، ولو أعد لما فوقه لم يكن له منع غيره الا إذا بلغ العدد الذي
أعد له فللسكنة منع الزائد.
مسألة 23 - يلحق بالمدارس الربط، وهي المواضع المبنية لسكني
الفقراء والملحوظ فيها غالبا الغرباء، فمن سبق منهم إلى إقامة بيت منها كان
أحق به وليس لاحد ازعاجه. والكلام في مقدار حقه وما به يبطل حقه وجواز
منع الشريك وعدمه فيها كما سبق في المدارس. هذا إذا كانت مبنية للفقراء،
واما إذا كانت مبنية للمسافر فلا يجوز التوقف فيها أكثر مما تعارف توقف المسافر
فيها على حسب عاداتهم الا المواقع التي لم يكن مسافر.
مسألة 24 - من المشتركات المياه، والمراد بها مياه الشطوط والأنهار
الكبار كدجلة والفرات والنيل، أو الصغار التي لم يجرها أحد بل جرت نفسها من
العيون أو السيول أو ذوبان الثلوج، وكذلك العيون المنفجرة من الجبال أو
في أراضي الموات والمياه المجتمعة في الوهاد من نزول الأمطار، فان الناس
في جميع ذلك شرع سواء، ومن حاز منها شيئا بآنية أو مصنع أو حوض ونحوها ملكه
وجري عليه احكام الملك، من غير فرق بين المسلم والكافر.
واما مياه العيون والابار والقنوات التي حفرها شخص في ملكه أو في
الموات
366

بقصد تملك مائها فهي ملك للحافر كسائر الاملاك، لا يجوز لاحد
أخذها والتصرف فيها الا باذن المالك، وينتقل إلى غيره بالنوافل الشرعية
قهرية كانت كالإرث أو اختيارية كالبيع والصلح والهبة وغيرها.
مسألة 25 - إذا شق نهرا من ماء مباح كالشط ونحوه ملك ما يدخل فيه من
الماء ويجرى عليه احكام الملك كالماء المحوز في آنية ونحوها، وتتبع ملكية
الماء ملكية النهر، فان كان النهر لواحد ملك الماء بالتمام وان كان لجماعة
ملك كل منهم من الماء بمقدار حصته من ذلك النهر، فان كان لواحد نصفه
ولآخر ثلثه ولثالث سدسه ملكوا الماء بتلك النسبة وهكذا. ولا يتبع مقدار
استحقاق الماء مقدار الأراضي التي تسقي منه، فلو كان النهر مشتركا بين ثلاثة
اشخاص بالتساوي كان لكل منهم ثلث الماء - وان كانت الأراضي التي تسقي
منه لأحدهم الف جريب ولآخر جريبا ولآخر نصف جريب - يصرفان ما زاد على
احتياج أرضهما فيما شاءا، بل لو كان لأحدهما رحي يدور به ولم يكن له ارض
أصلا يساوي مع كل من شريكيه في استحقاق الماء.
مسألة 26 - انما يملك النهر المتصل بالمباح اما بحفره في ارض مملوكة له
وأما بحفره في الموات بقصد احيائه نهرا مع نية تملكه إلى ان أوصله
بالمباح كما مر في احياء الموات، فان كان الحافر واحدا ملكه بالتمام وان
كان جماعة كان بينهم على قدر ما عملوا وانفقوا، فمع التساوي بالتساوي ومع
التفاوت بالتفاوت.
مسألة 27 - لما كان الماء الذي يفيضه النهر المشترك بين جماعة مشتركا
بينهم كان حكمه حكم سائر الأموال المشتركة، فلا يجوز لكل واحد منهم التصرف
فيه واخذه والسقاية به الا باذن باقي الشركاء، فان لم يكن بينهم تعاسر
ويبيح كل منهم سائر شركائه ان يقضي منه حاجته في كل وقت وزمان فلا بحث
، وان وقع بينهم تعاسر فان تراضوا بالتناوب والمهاياة بحسب الساعات أو
الأيام أو
367

الأسابيع مثلا فهو، والا فلا محيص من تقسيمه بينهم بالاجزاء، بان
توضع على فم النهر خشبة أو صخرة أو حديدة ذات ثقب متساوية السعة حتى
يتساوي الماء الجاري فيها ويجعل لكل منهم من الثقب بمقدار حصته ويجري كل
منهم ما يجري في الثقبة المختصة به في ساقية تختص به، فإذا كان بين
ثلاثة وسهامهم متساوية فان كانت الثقب ثلاث متساوية جعلت لكل منهم ثقبة
، وان كانت ستا جعلت لكل منهم ثقبان، وان كانت سهامهم متفاوتة تجعل
الثقب على أقلهم سهما، فإذا كان لأحدهم نصفه ولآخر ثلثه ولثالث سدسه جعلت
الثقب ستا ثلاث منها لذي النصف واثنتان لذي الثلث وواحدة لذي السدس وهكذا
، وبعدما أفرزت حصة كل منهم من الماء يصنع بمائه ما شاء ان شاء استعمله في
الاستقاء أو في غيره وان شاء باعه أو اباحه لغيره.
مسألة 28 - الظاهر ان القسمة بحسب الاجزاء قسمة اجبار، فإذا طلبها أحد الشركاء
يجبر الممتنع منهم عليها، وهي لازمة ليس لأحدهم الرجوع عنها بعد وقوعها.
واما المهاياة فهي موقوفة على التراضي وليست بلازمة، فلبعضهم الرجوع عنها
حتى فيما إذا استوفي تمام نوبته ولم يستوف الآخر نوبته وان ضمن حينئذ مقدار
ما استوفاه بالقيمة.
مسألة 29 - إذا اجتمعت املاك على ماء مباح من عين أو واد أو نهر ونحوها
- بان أحياها اشخاص عليه ليسقوها منه بواسطة السواقي أو الدوالي أو النواعير
أو المكائن المتداولة في هذه الاعصار - كان للجميع حق السقي منه، فليس
لاحد ان يشق نهرا فوقها يقبض الماء كله أو ينقصه عن مقدار احتياج تلك
الاملاك، وحينئذ فإن وفي الماء لسقي الجميع من دون مزاحمة في البين فهو،
وان لم يف ووقع بين أربابها في التقدم والتأخر التشاح والتعاسر يقدم
الأسبق فالأسبق في الاحياء ان علم السابق، والا يقدم الأعلى فالأعلى
والأقرب فالأقرب إلى فوهة الماء
368

واصله، فيقضي الأعلى حاجته ثم يرسله لمن
يليه وهكذا.
هذا في الأراضي المنحدرة التي لم يقف فيها الماء، واما في غيرها
فالأحوط ان لا يزيد في النخل عن أول الساق وفي الشجر عن المقدم وفي الزرع
عن الشراك.
مسألة 30 - الأنهار المملوكة المنشقة من الشطوط ونحوها إذا وقع التعاسر
بين أربابها - بان كان الشط لا يفي في زمان واحد باملاء جميع تلك الأنهار -
كان حالها كحال اجتماع الاملاك على الماء المباح المتقدم في المسالة
السابقة، فالأحق ما كان شقه أسبق ثم الأسبق، وان لم يعلم الأسبق
فالمدار على الأعلى فالأعلى، فيقبض الأعلى ما يسعه ثم ما يليه وهكذا.
مسألة 31 - لو احتاج النهر المملوك المشترك بين جماعة إلى تنقية أو حفر
أو إصلاح أو سد خرق ونحو ذلك، فان اقدم الجميع على ذلك كانت المؤنة
على الجميع بنسبة ملكهم للنهر، سواء كان اقدامهم بالاختيار أو بالاجبار من
حاكم قاهر جائر أو بالزام من الشرع، كما إذا كان مشتركا بين المولي عليهم
ورأي الولي المصلحة الملزمة في تعميره مثلا، وان لم يقدم الا البعض لم
يجبر الممتنع وليس للمقدمين مطالبته بحصته من المؤنة ما لم يكن اقدامهم
بالتماس منه وتعهده ببذل حصته. نعم لو كان النهر مشتركا بين القاصر وغيره
وكان اقدام غير القاصر متوقفا على مشاركة القاصر اما لعدم اقتداره بدونه أو
لغير ذلك وجب على ولي القاصر مراعاة لمصلحته تشريكه في التعمير وبذل
المؤنة من ماله بمقدار حصته.
مسألة 32 - من المشتركات المعادن، وهي: اما ظاهرة، وهي ما لا يحتاج
في استخراجها والوصول إليها إلى عمل ومؤنة، كالملح والقير والكبريت
والموميا والكحل، وكذا النفط إذا لم يحتج في استخراجه إلى الحفر والعمل.
واما باطنة، وهي ما لا تظهر الا بالعمل والعلاج، كالذهب والفضة والنحاس
والرصاص، وكذا
369

النفط إذا احتاج في استخراجه إلى حفر آبار كما هو المعمول
غالبا في هذه الاعصار. فاما الظاهرة فهي تملك بالحيازة لا بالاحياء، فمن
اخذ منها شيئا ملك ما اخذه قليلا كان أو كثيرا وان كان زائدا على ما يعتاد
لمثله وعلي مقدار حاجته، ويبق الباقي مما لم يأخذه على الاشتراك، ولا
يختص بالسابق في الاخذ، وأما الباطنة فهي تملك بالاحياء، بان ينهي العمل
والنقب والحفر إلى ان يبلغ نيلها، فيكون حالها حال الابار المحفورة في
الموات لأجل استنباط الماء، وقد مر أنها تملك بحفرها حتى يبلغ الماء ويملك
بتبعها الماء، ولو عمل فيها عملا لم يبلغ به نيلها كان تحجيرا أفاد الأحقية
والأولوية دون الملكية.
مسألة 33 - إذا شرع في احياء معدن ثم أهمله وعطله أجبر على اتمام العمل
أو رفع يده عنه، ولو أبدى عذرا انظر بمقدار زوال عذره ثم الزم على أحد
الامرين كما سبق ذلك كله في احياء الموات.
مسألة 34 - لو أحيا أرضا مزرعا أو مسكنا مثلا فظهر فيها معدن ملكه تبعا لها
، سواء كان عالما به حين احيائها أم لا.
مسألة 35 - لو قال رب المعدن لاخر اعمل فيه ولك نصف الخارج مثلا، بطل ان
كان بعنوان الإجارة وصح لو كان بعنوان الجعالة.
370

كتاب اللقطة
371

كتاب اللقطة
اللقطة بمعناها الأعم كل مال ضائع عن مالكه ولم يكن يد عليه، وهي اما
حيوان أو غير حيوان.
القول في لقطة الحيوان: وهي المسماة بالضالة.
مسألة 1 - إذا وجد الحيوان في العمران لا يجوز اخذه ووضع اليد عليه
اي حيوان كان، فمن اخذه ضمنه فيجب عليه اما دفعه إلى الحاكم أو حفظه
من التلف والانفاق عليه بما يلزم، وليس له الرجوع على صاحبه بما انفق.
نعم لو كان في معرض الخطر لمرض أو غيره جاز له اخذه من دون ضمان، ويجب
عليه الإنفاق عليه، وجاز له الرجوع بما انفقه على مالكه لو كان انفاقه
عليه بقصد الرجوع عليه، وان كان له منفعة من ركوب أو حمل عليه أو لبن
ونحوه جاز له استيفاؤها واحتسابها بإزاء ما انفق مع التساوي ومع التفاضل
فالفاضل لصاحبه.
مسألة 2 - بعد ما اخذ الحيوان في العمران وصار تحت يده يجب عليه الفحص عن
صاحبه في صورتي جواز الاخذ وعدمه، فإذا يئس من صاحبه تصدق به أو بثمنه
كغيره من مجهول المالك هذا في غير الشاة واما فيها فلا يبعد جواز
بيعها والتصدق بثمنها بعد حبسها عنده ثلاثة أيام والسؤال عن صاحبها.
373

مسألة 3 - ما يدخل في دار الانسان من الحيوان كالدجاج والحمام مما لم يعرف
صاحبه الظاهر خروجه عن عنوان اللقطة، بل هو داخل في عنوان مجهول المالك
، فيتفحص عن صاحبه وعند الياس منه يتصدق به. والفحص اللازم هو المتعارف
في أمثال ذلك، بان يسال من الجيران والقريبة من الدور والعمران. نعم لا
يبعد جواز تملك مثل الحمام إذا ملك جناحيه ولم يكن فيه امارة على
الملك ولم يعرف صاحبه من دون فحص عنه، كما مر في كتاب الصيد.
مسألة 4 - ما يوجد من الحيوان في غير العمران من الطرق والشوارع
والمفاوز والصحاري والبراري والجبال والآجام ونحوها ان كان مما يحفظ نفسه
بحسب العادة من صغار السباع مثل الثعالب وابن آوي والذئب والضبع ونحوها
اما لكبر جثته كالبعير أو لسرعة عدوه كالفرس والغزال أو لقوته وبطشه
كالجاموس والثور لا يجوز اخذه ووضع اليد عليه إذا كان في كلاء وماء أو كان
صحيحا يقدر على تحصيل الماء والكلاء، وان كان مما تغلب عليه صغار السباع
كالشاة وأطفال البعير والدواب جاز اخذه، فإذا اخذه عرفه في المكان الذي
اصابه وحواليه ان كان فيه أحد، بل في سائر مظان الإصابة لصاحبه بل
ومحتملها. فان عرف صاحبه رده اليه والا كان له تملكه وبيعه واكله مع
الضمان لمالكه لو وجد، كما ان له ابقاؤه وحفظه لمالكه ولا ضمان عليه.
مسألة 6 - لو اخذ البعير ونحوه في صورة لا يجوز له اخذه ضمنه ويجب
عليه الانفاق عليه، وليس له الرجوع بما انفقه على صاحبه وان كان من
قصده الرجوع عليه كما مر فيما يؤخذ من العمران.
مسألة 7 - إذا ترك الحيوان صاحبه وسرحه في الطرق أو الصحاري والبراري، فان
كان بقصد الاعراض عنه جاز لكل أحد اخذه وتملكه، كما هو الحال في كل مال
اعرض عنه صاحبه، وان لم يكن بقصد الاعراض بل كان من جهة العجز
عن
374

انفاقه أو من جهة جهد الحيوان وكلاله - كما يتفق كثيرا ان الانسان إذا
كلت دابته في الطرق والمفاوز ولم يتمكن من الوقوف عندها يأخذ رحلها أو
سرجها ويسرحها ويذهب - فان تركه في كلاء وماء وامن ليس لاحد ان يأخذه، فلو
اخذه كان غاصبا ضامنا له، وان ارسله بعد ما اخذه لم يخرج من الضمان،
وفي وجوب حفظه والانفاق عليه وعدم الرجوع على صاحبه ما مر فيما يؤخذ في
العمران. وان تركه في خوف وعلي غير ماء وكلاء جاز اخذه والانفاق عليه، وهو
للأخذ إذا تملكه.
مسألة 8 - إذا أصاب دابة وعلم بالقرائن ان صاحبها قد تركها ولم يدر انه
قد تركها بقصد الاعراض أو بسبب آخر كان بحكم الثاني، فليس له اخذها
وتملكها إلا إذا كانت في مكان خوف بلا ماء ولا كلاء.
مسألة 9 - إذا أصاب حيوانا في غير العمران ولم يدر ان صاحبه قد تركه
بأحد النحوين أو لم يتركه بل ضاعه أو شرد عنه كان بحكم الثاني من التفصيل
المتقدم فان كان مثل البعير لم يجز اخذه وتملكه الا إذا كان غير صحيح ولم
يكن في ماء وكلاء، وان كان مثل الشاة جاز اخذه مطلقا.
القول في لقطة غير الحيوان:
التي يطلق عليها اللقطة عند الاطلاق واللقطة بالمعني الأخص. ويعتبر فيها عدم
معرفة المالك، فهو قسم من مجهول المالك له احكام خاصة.
مسألة 1 - يعتبر فيه الضياع عن المالك، فما يؤخذ من يد الغاصب والسارق ليس
من اللقطة لعدم الضياع عن مالكه، بل لابد في ترتيب احكامها من
إحراز الضياع ولو بشاهد الحال، فالحذاء المتبدل بحذائه في المساجد ونحوها
يشكل ترتيب احكام اللقطة عليه، وكذا الثوب المتبدل بثوبه في الحمام
ونحوه لاحتمال تقصد المالك في التبديل ومعه يكون من مجهول المالك لا من
اللقطة وكذا لو تبدل
375

اشتباها لعدم صدق اللقطة عليه أيضا.
مسألة 2 - يعتبر في صدق اللقطة وثبوت احكامها الاخذ والالتقاط، فلو رأي شيئا
واخبر به غيره فاخذه كان حكمها على الاخذ دون الرائي وان تسبب منه،
بل لو قال ناولنيه فنوي المأمور الاخذ لنفسه كان هو الملتقط دون الامر.
نعم لو اخذه لا لنفسه وناوله إياه الظاهر صدق الملتقط على الامر المتناول
على اشكال فلا يترك الاحتياط بتعريف كل منهما على فرض ترك الآخر، وكذا في
النائب. بل بناءا على صحة الاستنابة والنيابة في الالتقاط كما في حيازة
المباحات واحياء الموات يكفي مجرد اخذ المأمور النائب في صيرورة الامر ملتقطا
، لكون يده بمنزلة يده واخذه بمنزلة اخذه.
مسألة 3 - لو رأي شيئا مطروحا على الأرض فاخذه بظن انه ماله فتبين
انه ضاع عن غيره صار بذلك لقطة وعليه حكمها، وكذا لو رأي مالا ضائعا فنحاه
من جانب إلى آخر بعد التقاطه، وبدونه لا يكون ملتقطا وان كان ضامنا له
بسبب هذا التصرف. نعم لو دفعه برجله ليتعرفه فالظاهر عدم صيرورته بذلك
ملتقطا بل ولا ضامنا، لعدم صدق اليد والاخذ.
مسألة 4 - المال المجهول المالك غير الضائع لا يجوز اخذه ووضع اليد عليه
، فان اخذه كان غاصبا الا إذا كان في معرض التلف فيجوز بقصد الحفظ،
ويكون حينئذ في يده أمانة شرعية لا يضمن الا بالتعدي أو التفريط. وعلي كل
من تقديري جواز الاخذ وعدمه لو اخذه يجب عليه اما دفعه إلى الحاكم الشرعي
أو الفحص عن مالكه إلى ان ييأس من الظفر به، وعند ذلك يجب عليه ان
يتصدق به بإذن الحاكم على الأحوط. هذا فيما يبقي ولا يفسد باقتنائه، واما
فيه فيبيعه ويتصدق بثمنه أو يقومه ويأكله في الأطعمة والثمار ويتصدق بثمنه
بعد الياس، والأحوط ان يكون جميع ذلك باذن الحاكم.
376

مسألة 5 - كل مال غير الحيوان احرز ضياعه عن مالكه المجهول ولو بشاهد الحال
- وهو الذي يطلق عليه " اللقطة " كما مر - يجوز اخذه والتقاطه بقصد التعريف
على كراهة، وان كان المال الضائع في الحرم - اي حرم مكة زادها الله شرفا
وتعظيما - اشتدت كراهة التقاطه، بل نسب إلى المشهور حرمته، فلا يترك فيه
الاحتياط.
مسألة 6 - اللقطة ان كانت قيمتها دون الدرهم جاز تملكها في الحال من
دون تعريف وفحص عن مالكها، ولا يملكها قهرا بدون قصد التملك على الأقوى،
فان جاء مالكها بعد ما التقطها دفعها اليه مع بقائها وان تملكها على الأحوط لو
لم يكن الأقوى، وان كانت تالفة لم يضمنها الملتقط وليس عليه عوضها ان
كان بعد التملك. وإن كانت قيمتها درهما أو أزيد وجب عليه تعريفها والفحص
عن صاحبها، فان لم يظفر به فان كانت لقطة الحرم تخير بين أمور ثلاثة:
التصدق بها مع الضمان لو لم يرض صاحبها بالصدقة، ودفعها إلى الحاكم،
وابقائها عنده وحفظها لمالكها بلا ضمان الا مع التفريط وليس له تملكها، وان
كانت لقطة غير الحرم تخير بين أمور أربعة: دفعها إلى الحاكم، وتملكها،
والتصدق بها مع الضمان فيهما، وابقائها أمانة بيده من غير ضمان الا مع
التفريط.
مسألة 7 - الدرهم هو الفضة المسكوكة الرائجة في المعاملة، وهو وان
اختلف عياره بحسب الأزمنة والأمكنة الا ان المراد منه هنا ما كان على وزن
اثنتي عشرة حمصة ونصف حمصة وعشرها. وبعبارة أخرى نصف مثقال وربع عشر
مثقال بالمثقال الصيرفي الذي يساوي أربعة وعشرين حمصة معتدلة.
مسألة 8 - المدار في القيمة على مكان الالتقاط وزمانه في اللقطة وفي
الدرهم، فان وجد شيئا في بلاد العجم مثلا، وكان قيمته في بلد الالتقاط
وزمانه أقل من الدرهم، جاز تملكه في الحال ولا يجب تعريفه وان كان في
غير هذا البلد تساوي
377

الدرهم أو أكثر منه.
مسألة 9 - يجب التعريف فورا فيما لم يكن أقل من درهم، فلو اخره من
أول زمن الالتقاط عصي الا إذا كان لعذر، ولو اخره لعذر أو لا لعذر لم يسقط
.
مسألة 10 - قيل لا يجب التعريف الا إذا كان ناويا للتملك بعده،
والأقوى وجوبه مطلقا وان كان من نيته التصدق أو الحفظ لمالكها أو غير ناو
لشئ ء أصلا.
مسألة 11 - مدة التعريف الواجب سنة كاملة، ولا يشترط فيها التوالي
، فان عرفها في ثلاثة شهور في سنة على نحو يقال في العرف انه عرفها في
تلك المدة ثم ترك التعريف بالمرة ثم عرفها في سنة أخرى ثلاثة شهور وهكذا
إلى ان كمل مقدار سنة في اربع سنوات مثلا كفي في تحقق التعريف الذي هو
شرط لجواز التملك والتصدق وسقط عنه ما وجب عليه وان كان عاصيا في تأخيره
ان كان بدون عذر ومع ذلك الأحوط اعتبار التوالي في كون التعريف اثني عشر
شهر متوالية.
مسألة 12 - لا يعتبر في التعريف مباشرة الملتقط، بل يجوز استنابة الغير
مجانا أو بالأجرة مع الاطمئنان بايقاعه، والظاهر ان اجرة التعريف على
الملتقط الا إذا كان قصده ان يبقي بيده ويحفظها لمالكه.
مسألة 13 - لو علم بان التعريف لا فائدة فيه أو حصل له الياس من وجد
ان مالكها قبل تمام السنة سقط التعريف، وحينئذ هل تخير بين الأمور
الأربعة في لقطة غير الحرم والثلاثة في لقطه الحرم أو يعامل معه معاملة
مجهول المالك فيتعين التصدق به؟ الأحوط الثاني.
مسألة 14 - لو تعذر التعريف في أثناء السنة انتظر رفع العذر، وليس عليه
بعد ارتفاع العذر استيناف السنة بل يكفي تتميمها.
مسألة 15 - لو علم بعد تعريف سنة انه لو زاد عليها عثر على صاحبه فهل
يجب
378

الزيادة إلى ان يعثر عليه أم لا؟ الأحوط الأول إلا إذا كانت حرجيا
فالأحوط دفعه إلى الحاكم.
مسألة 16 - لو ضاعت اللقطة من الملتقط ووجدها شخص آخر لم يجب عليه التعريف
، بل يجب عليه ايصالها إلى الملتقط الأول. نعم لو لم يعرفه وجب
عليه التعريف سنة طالبا به المالك أو الملتقط الأول، فأيا منهما عثر عليه
وحده يجب دفعها اليه من غير فرق بين ما كان ضياعها من الملتقط قبل تعريفه
سنة أو بعده، وان عثر عليهما يجب عليه دفعه إلى المالك.
مسألة 17 - إذا كانت اللقطة مما لا تبقي سنة كالطبيخ والبطيخ واللحم
والفواكه والخضروات جاز ان يقومها على نفسه ويأكلها أو يبيعها من غيره ويحفظ
ثمنها لمالكها، والأحوط ان يكون بيعها باذن الحاكم مع الامكان، ولا يسقط
التعريف فيحفظ خصوصياتها وصفاتها قبل ان يأكلها أو يبيعها ثم يعرفها سنة، فان
جاء صاحبها وقد باعها دفع ثمنها اليه وان اكلها غرمه بقيمته، وان لم يجي
فلا شئ عليه.
لكن له ان يتصدق بثمنه أو القيمة بعد الحول مع الضمان في لقطة غير الحرم
أو يحفظه لصاحبه بلا ضمان من غير تفريط، واما في لقطة الحرم فيتعين عليه
الصدقة مع الضمان أو الحفظ بلا ضمان، وله الدفع فيهما إلى الحاكم بلا
ضمان.
مسألة 18 - يتحقق تعريف سنة بان يكون في مدة سنة - متوالية أو غير
متوالية على اشكال في الأخير - مشغولا بالتعريف بحيث لم يعد في العرف
متسامحا متساهلا في الفحص عن مالكه بل عدوه فاحصا عنه في هذه المدة، ولا
يتقدر ذلك بمقدار معين، بل هو امر عرفي، وقد نسب إلى المشهور تحديده بان
يعرف في الأسبوع الأول في كل يوم مرة ثم في بقية الشهر في كل أسبوع
مرة وبعد ذلك في كل شهر مرة. والظاهر ان المراد بيان أقل ما يصدق عليه
تعريف سنة عرفا،
379

ومرجعه إلى كفاية بضع وعشرين مرة بهذه الكيفية. وفيه
اشكال من جهة الاشكال في كفاية كل شهر مرة في غير الشهر الأول. والظاهر
كفاية كل أسبوع مرة إلى تمام الحول، والأحوط ان يكون في الأسبوع الأول
كل يوم مرة.
مسألة 19 - محل التعريف مجامع الناس كالأسواق والمشاهد ومحل إقامة الجماعات
ومجالس التعازي، وكذا المساجد حين اجتماع الناس فيها وان كره ذلك فيها،
فينبغي ان يكون على أبوابها حين دخول الناس فيها أو خروجهم عنها.
مسألة 20 - يجب ان يعرف اللقطة في مكان الإصابة لصاحبها بل ومتحملها كموضع
الالتقاط ان وجدها في محل متأهل من بلد أو قرية ونحوهما، ولو لم يقدر على
البقاء لم يسافر بها بل استناب شخصا أمينا ثقة ليعرفها، وان وجدها في المفاوز
والبراري والشوارع وأمثال ذلك عرفها لمن يجده فيها حتى انه لو أجتازت
قافلة تبعهم وعرفها فيهم، فان لم يجد المالك فيها أتم التعريف في
غيرها من البلاد اي بلد شاء مما احتمل وجود صاحبها فيه، وينبغي ان يكون في
أقرب البلدان إليها فالأقرب مع الامكان.
مسألة 21 - كيفية التعريف ان يقول المنادي " من ضاع له ذهب أو فضة
أو ثوب " وما شاكل ذلك من الالفاظ بلغة يفهمها الأغلب، ويجوز ا ن يقول
" من ضاع له شي ء أو مال "، بل ربما قيل: إن ذلك أحوط وأولي، فإذا
ادعي أحد ضياعه سأله عن خصوصياته وصفاته وعلاماته من وعائه وخيطه وصنعته
وأمور يبعد اطلاع غير المالك عليه من عدده وزمان ضياعه ومكانه وغير ذلك،
فإذا توافقت الصفات والخصوصيات التي ذكره مع الخصوصيات الموجودة في
ذلك المال فقد تم التعريف، ولا يضر جهله ببعض الخصوصيات التي لا يطلع
عليها المالك غالبا ولا يلتفت إليها الا نادرا، الا تري ان الكتاب الذي
يملكه الانسان ويقرأه ويطالعه مدة طويلة من الزمان لا يطلع غالبا على عدد
أوراقه وصفحاته،
380

فلو لم يعرف مثل ذلك لكن وصفه بصفات وعلامات اخر لا
تخفي على المالك كفي في تعريفه وتوصيفه.
مسألة 22 - إذا لم تكن اللقطة قابلة للتعريف - بان لم تكن لها
علامة وخصوصيات ممتازة عن غيرها حتى يصف بها من يدعيها ويسأل عنها
الملتقط كدينار واحد من الدنانير المتعارفة غير مصرور ولا مكسور - سقط التعريف
، وحينئذ هل يتخير بين الأمور المتقدمة في ما حصل الياس من وجدان مالكه
أو يعامل معه معاملة مجهول المالك فيتعين التصدق به؟ وجهان أحوطهما الثاني
.
مسألة 23 - إذا التقط اثنان لقطة واحدة، فان كان المجموع دون درهم
جاز لهما تملكها في الحال من دون تعريف وكان بينهما بالتساوي، وان كانت
بمقدار درهم فما زاد وجب عليهما تعريفها وان كانت حصة كل منهما أقل من درهم
، ويجوز ان يتصدى للتعريف كلاهما أو أحدهما أو يوزع الحول عليهما بالتساوي أو
التفاضل، فان توافقا على أحد الانحاء فقد تأدي ما هو الواجب عليهما
وسقط عنهما، وان تعاسرا يوزع الحول عليهما بالتساوي، وهكذا بالنسبة إلى
اجرة التعريف لو كانت عليهما. وبعد ما تم حول التعريف يجوز اتفاقهما على
التملك أو التصدق أو الابقاء أمانة، أو الرد إلى الحاكم ويجوز ان يختار
أحدهما غير ما يختاره الآخر، بان يختار أحدهما التملك والاخر التصدق مثلا كل
في نصفه.
مسألة 24 - إذا التقط الصبي أو المجنون فما كان دون درهم ملكاه ان قصدا
أو قصد وليهما التملك، وما كان مقدار درهم فما زاد يعرف وكان التعريف
على وليهما، وبعد تمام الحول يختار من التملك لهما والتصدق والابقاء أمانة و
الرد إلى الحاكم ما هو الأصلح لهما.
مسألة 25 - اللقطة مدة التعريف أمانة لا يضمنها الملتقط الا مع التعدي
أو التفريط، وكذا بعد تمام الحول ان اختار بقاءها عنده أمانة لمالكها، واما
ان اختار
381

التملك أو التصدق فإنه يصير في ضمانه كما تعرفه.
مسألة 26 - ان وجد المالك وقد تملكها الملتقط بعد التعريف، فان كانت
العين باقية اخذها وليس له الزام الملتقط بدفع البدل من المثل أو القيمة
، وكذا ليس له الزام المالك باخذ البدل، وان كانت تالفة أو منتقلة إلى
الغير ببيع ونحوه اخذ بدله من الملتقط من المثل أو القيمة، وان وجد بعد ما
تصدق به فليس له ان يرجع إلى العين وان كانت موجودة عند المتصدق له،
وانما له ان يرجع على الملتقط ويأخذ منه بدل ماله ان لم يرض بالتصدق وان
رضي به لم يكن له الرجوع عليه وكان أجر الصدقة له.
مسألة 27 - لا يسقط التعريف عن الملتقط بدفع اللقطة إلى الحاكم وان جاز
له دفعها اليه قبل التعريف وبعده، وإذا دفعها إلى الحاكم قبل التعريف يجب
على الحاكم حفظها إلى كمال التعريف ثم يوكل الامر إلى الملتقط في اختيار
ما كان مخيرا فيه، ولا يجوز للحاكم التصدق به الا باذن الملتقط.
مسألة 28 - لو وجد المالك وقد حصل للقطة نماء متصل يتبع العين، فيأخذ العين
بنمائه سواء حصل قبل تمام التعريف أو بعده، وسواء حصل قبل التملك أو بعده
. واما النماء المنفصل، فان حصل بعد التملك كان للملتقط، فإذا كانت
العين موجودة تدفعها إلى المالك دون نمائها، وان حصل في زمن التعريف أو
بعده قبل التملك كان للمالك.
مسألة 29 - لو حصل لها نماء منفصل بعد الالتقاط فعرف العين حولا ولم
يجد المالك، فهل له تملك النماء بتبع العين أم لا؟ وجهان بل قولان،
أحوطهما الثاني، بان يعمل معه معاملة مجهول المالك، فيتصدق به بعد الياس
عن المالك.
مسألة 30 - ما يوجد مدفونا في الخربة الدارسة التي باد أهلها وفي المفاوز
382

وكل
ارض لا رب لها فهو لواجده من دون تعريف وعليه الخمس كما مر في كتابه
، وكذا ما كان مطروحا وعلم أو ظن بشهادة بعض العلائم والخصوصيات انه
ليس لأهل زمن الواجد، واما ما علم انه لأهل زمانه فهو لقطة، فيجب تعريفها
ان كان بمقدار الدرهم فما زاد، وقد مر انه يعرف في اي بلد شاء ان كان
مظان الإصابة أو محتملها.
مسألة 31 - لو عرف مالك اللقطة قبل التعريف أو بعده لكن لم يمكن
الايصال اليه ولا إلى وارثه ففي اجراء حكم اللقطة عليه من التخيير بين
الأمور الأربعة أو إجراء حكم مجهول الملك عليه وتعين الصدقة به، وجهان
الأحوط الثاني بل لا يخلو من قوة والأحوط ان يكون التصدق به بإذن الحاكم
.
مسألة 32 - لو مات الملتقط فان كان بعد التعريف والتملك ينتقل إلى وارثه
، وان كان بعد التعريف وقبل التملك يتخير وارثه بين الأمور الأربعة، وان
كان قبل التعريف أو في أثنائه يتولاه وارثه في الأول ويتمه في الثاني
ثم هو مخير بين الأمور الأربعة، ومع ذلك فالأحوط على الوارث ان يعامل
معها معاملة مجهول المالك ولو تعددت الورثة كان حكمهم حكم الملتقط المتعدد
مع وحدة اللقطة وقد مر حكمه في بعض المسائل السابقة.
مسألة 33 - لو وجد مالا في دار معمورة يسكنها الغير، سواء كانت ملكا له
أو مستأجرة أو مستعارة بل أو مغصوبة عرفه الساكن، فان ادعي ملكيته فهو
له فليدفع اليه بلا بينة، وكذا لو قال لا أدري وكان الدار لا يدخلها غيره،
واما ان سلبه عن نفسه فقد نسب إلى المشهور انه ملك للواجد، وفيه اشكال،
فالأحوط اجراء حكم اللقطة عليه، وأحوط منه اجراء حكم مجهول المالك،
فيتصدق به بعد الياس عن المالك.
مسألة 34 - لو وجد شيئا في جوف حيوان قد انتقل اليه من غيره، فان
كان
383

غير السمك كالغنم والبقر عرفه صاحبه السابق، فان ادعاه دفعه اليه،
وكذا ان قال " لا أدري " على الأحوط، وان كان الأقوى انه للواجد. وان
أنكره كان للواجد. وان وجد شيئا لؤلؤة أو غيرها في جوف سمكة اشتراها من
غيره فهو له، والظاهر أن الحيوان الذي لم يكن له مالك سابق غير السمك
بحكم السمك، كما إذا اصطاد غزالا فوجد في جوفه شيئا، وان كان الأحوط اجراء
حكم اللقطة أو المجهول المالك عليه.
مسألة 35 - لو وجد في داره التي يسكنها شيئا ولم يعلم انه ماله أو مال
غيره، فان لم يدخلها غيره أو يدخلها آحاد من الناس من باب الاتفاق
كالدخلانية المعدة لأهله وعياله فهو له، وان كانت مما يتردد فيها الناس
كالبرانية المعدة للأضياف والواردين والعائدين والمضائف ونحوها فهو لقطة
يجري عليها حكمها، وان وجد في صندوقه شيئا ولم يعلم انه ماله أو مال غيره
فهو له الا إذا كان غيره يدخل يده فيه أو يضع فيه شيئا فيعرفه ذلك الغير،
فان أنكره كان له لا لذلك الغير وإن ادعاه دفعه اليه، وان قال لا أدري
فالأحوط التصالح.
مسألة 36 - لو اخذ من شخص مالا ثم علم انه لغيره قد اخذ منه بغير وجه شرعي
وعدوانا ولم يعرف المالك يجري عليه حكم مجهول المالك لا اللقطة، لما مر
انه يعتبر في صدقها الضياع عن المالك ولا ضياع في هذا الفرض. نعم
في خصوص ما إذا أودع عنده سارق مالا ثم تبين انه مال غيره ولم يعرفه يجب
عليه ان يمسكه ولا يرده إلى السارق مع الامكان ثم هو بحكم اللقطة فيعرفها
حولا فان أصاب صاحبها ردها عليه والا تصدق بها مع الياس عن صاحبه والا
فليحفظها عنده أو يدفعها إلى الحاكم. وان جاء صاحبها بعد التصدق بها خيره بين
الأجر والغرم، فان اختار الاجر فله وان اختار الغرم غرم له وكان الاجر له
، وليس له ان يتملكه بعد التعريف فليس هو بحكم اللقطة من هذه الجهة.
384

مسألة 37 - لو التقط شيئا فبعد ما صار في يده ادعاه شخص حاضر وقال انه مالي
يشكل دفعه اليه بمجرد دعواه بل يحتاج إلى البينة، الا إذا كان بحيث
يصدق عرفا انه في يده أو ادعاه قبل ان يلتقطه فيحكم بكونه ملكا للمدعي،
ولا يجوز له ان يلتقطه.
مسألة 38 - يجب دفع اللقطة إلى من يدعيها الا مع العلم أو البينة وان
وصفها بصفات وعلامات لا يطلع عليها غير المالك غالبا إذا لم يفد القطع بكونه
المالك. نعم نسب إلى الأكثر انه ان أفاد الظن جاز دفعها اليه، فان تبرع
بالدفع عليه لم يمنع وان امتنع لم يجبر وفيه اشكال، فالأحوط الاقتصار في
الدفع على صورة العلم أو البينة.
مسألة 39 - لو تبدل حذاؤه بحذاء آخر في مسجد أو غيره أو تبدل ثيابه في حمام
أو غيره بثياب آخر، فان علم ان الموجود لمن اخذ ماله جاز ان يتصرف فيه،
بل يتملكه بعنوان التقاص عن ماله، خصوصا فيما إذا علم ولو بشاهد الحال ان
صاحبه قد بدله متعمدا. نعم لو كان الموجود أجود مما اخذ يلاحظ
التفاوت فيقومان معا ويتصدق مقدار التفاوت بعد الياس عن صاحب المتروك، وان
لم يعلم بان المتروك لمن اخذ ماله أو لغيره يعامل معه معاملة مجهول
المالك، فيتفحص عن صاحبه ومع الياس عنه يتصدق به، بل الأحوط ذلك أيضا
فيما لو علم ان الموجود للاخذ لكن لم يعلم انه قد بدل متعمدا.
(خاتمة)
إذا وجد صبيا ضائعا لا كافل له ولا يستقل بنفسه على السعي فيما يصلحه والدفع
عما يضره ويهلكه ويقال له " اللقيط " يجوز بل يستحب التقاطه واخذه، بل
يجب إذا كان في معرض التلف، سواء كان منبوذا قد طرحه أهله في شارع
أو
385

مسجد ونحوهما عجزا عن النفقة أو خوفا من التهمة أو غيره، بل وان كان
مميزا بعد صدق كونه ضائعا تائها لا كافل له، وبعد ما اخذ اللقيط والتقطه يجب
عليه حضانته وحفظه والقيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره، وهو أحق به من
غيره إلى ان يبلغ، فليس لاحد ان ينتزعه من يده ويتصدى حضانته غير من
له حق الحضانة تبرعا بحق النسب كالأبوين والأجداد وسائر الأقارب أو بحق
الوصاية كوصي الأب أو الجد إذا وجد أحد هؤلاء، فيخرج بذلك عن عنوان اللقيط
لوجود الكافل له حينئذ. واللقيط من لا كافل له، وكما لهؤلاء حق الحضانة
فلهم انتزاعه من يد آخذه كذلك عليهم ذلك، فلو امتنعوا أجبروا عليه.
مسألة 1 - إذا كان للقيط مال من فراش أو غطاء زائدين على مقدار حاجته
أو غير ذلك جاز للملتقط صرفه في انفاقه باذن الحاكم أو وكيله، ومع
تعذرهما الأحوط الاستيذان من عدول المؤمنين، ومع التعذر يتصدى بنفسه ولا
ضمان عليه، وان لم يكن له مال فان وجد من ينفق عليه - من حاكم بيده
بيت المال أو من كان عنده حقوق تنطبق عليه من زكاة أو غيرها أو متبرع -
كان له الاستعانة بهم في انفاقه أو الانفاق عليه من ماله، وليس له حينئذ
الرجوع على اللقيط بما انفقه بعد بلوغه ويساره وإن نوي الرجوع عليه،
وان لم يكن من ينفق عليه من أمثال ما ذكر، تعين عليه وكان له الرجوع
عليه مع قصد الرجوع لا بدونه.
مسألة 2 - يشترط في الملتقط البلوغ والعقل والحرية وكذا الاسلام ان
كان اللقيط محكوما بالاسلام.
مسألة 3 - لقيط دار الاسلام محكوم بالاسلام، وكذا لقيط دار الكفر إذا
وجد فيها مسلم احتمل تولد اللقيط منه، وان كان في دار الكفر ولم يكن فيها
مسلم أو كان ولم يحتمل كونه منه يحكم بكفره، وفيما كان محكوما بالاسلام
لو أعرب عن نفسه الكفر بعد البلوغ يحكم بكفره، لكن لا يجري عليه حكم
المرتد الفطري على
386

الأقوى.
مسألة 4 - اللقيط محكوم بالحرية ما لم يعلم خلافه أو أقر على نفسه بالرق
بعد بلوغه حتى فيما لو التقط من دار الكفر ولم يكن فيها مسلم احتمل تولده
منه، غاية الامر انه يجوز استرقاقه حينئذ، وهذا غير الحكم برقيته كما لا
يخفي.
387

كتاب النكاح
389

كتاب النكاح
وهو من المستحبات الأكيدة، وورد في الحث عليه والذم على تركه لا
يحصي كثرة: فعن مولانا الباقر (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلي الله
عليه وآله: ما بني بناء في الاسلام أحب إلى الله عز وجل من التزويج.
وعن مولانا الصادق (عليه السلام): ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة
يصليها عزب. وعنه (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم
: رذال موتاكم العزاب. وفي خبر آخر عنه صلي الله عليه وآله وسلم: أكثر أهل النار
العزاب. ولا ينبغي ان يمنعه عنه الفقر والعيلة بعد ما وعد الله عز وجل
بالاغناء والسعة بقوله عز من قائل " ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله "
فعن النبي صلي الله عليه وآله وسلم: من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء
الظن بالله عز وجل. هذا ومما يناسب تقديمه على مقاصد هذا الكتاب أمور بعضها
متعلق بمن ينبغي اختياره للزواج ومن لا ينبغي، وبعضها في آداب العقد، و
بعضها في آداب الخلوة مع الزوجة، وبعضها من اللواحق التي لها مناسبة
بالمقام، وهي تذكر في ضمن مسائل:
مسألة 1 - مما ينبغي ان يهتم به الانسان النظر في صفات من يريد تزويجها
: فعن النبي صلي الله عليه وآله وسلم: اختاروا لنطفكم، فان الخال أحد
الضجيعين. وفي خبر آخر: تخيروا لنطفكم، فان الأبناء تشبه الأخوال.
391

وعن
مولانا الصادق (عليه السلام) لبعض أصحابه حين قال قد هممت ان أتزوج: أنظر أين
تضع نفسك ومن تشركه في مالك وتطلعه على دينك وسرك، فان كنت لا بد فاعلا
فبكرا تنسب إلى الخير وحسن الخلق - الخبر. وعنه (عليه السلام): انما المرأة
قلادة فانظر ما تتقلد، وليس للمرأة خطر لا لصالحتهن ولا لطالحتهن، فاما
صالحتهن فليس خطرها الذهب والفضة هي خير من الذهب والفضة، واما طالحتهن
فليس خطرها التراب التراب خير منها. وكما ينبغي للرجل ان ينظر فيمن يختارها
للتزويج كذلك ينبغي ذلك للمرأة وأوليائها بالنسبة إلى الرجل، فعن مولانا
الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم انه قال
: النكاح رق، فإذا انكح أحدكم وليدته فقد أرقها، فلينظر أحدكم لمن
يرق كريمته.
مسألة 2 - ينبغي ان لا يكون النظر في اختيار المرأة مقصورا على
الجمال والمال، فعن النبي صلي الله عليه وآله وسلم: من تزوج امرأة لا
يتزوجها الا لجمالها لم ير فيها ما يحب، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها الا له
وكله الله اليه، فعليكم بذات الدين. بل يختار من كانت واجدة لصفات
شريفة صالحة قد وردت في مدحها الأخبار فاقدة لصفات ذميمة قد نطقت بذمها
الآثار، واجمع خبر في هذا الباب ما عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم انه
قال: خير نسائكم الولود الودود العفيفة العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها
المتبرجة مع زوجها الحصان على غيره التي تسمع قوله وتطيع امره - إلى ان
قال - الا أخبركم بشرار نسائكم الذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها العقيم
الحقود التي لا تورع من قبيح المتبرجة إذا غاب بعلها الحصان معه إذا حضر لا
تسمع قوله ولا تطيع امره وإذا خلا بها بعلها تمنعت منه كما تمنع الصعبة عن
ركوبها لا تقبل منه عذرا ولا تقيل له ذنبا. وفي خبر آخر عنه صلي الله عليه و
آله وسلم: إياكم وخضراء الدمن. قيل: يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال:
المرأة الحسناء في منبت السوء. أشار إلى
392

كونها ممن تنال آباءها وأمهاتها
وعشيرتها الألسن، وكانوا معروفين بعدم النجابة.
مسألة 3 - يكره تزويج الزانية والمتولدة من الزنا وان يتزوج الشخص قابلته
أو ابنتها.
مسألة 4 - لا ينبغي للمرأة ان تختار زوجا سي الخلق والمخنث والفاسق وشارب
الخمر.
مسألة 5 - يستحب الاشهاد في العقد، والاعلان به، والخطبة امامه اكملها
ما اشتمل على التحميد والصلاة على النبي والأئمة المعصومين والشهادتين
والوصية بالتقوي والدعاء للزوجين، ويجزي " الحمد لله والصلاة على محمد وآله "
، وايقاعه ليلا. ويكره ايقاعه والقمر في برج العقرب، وايقاعه في محاق
الشهر وفي أحد الأيام المنحوسة في كل شهر المشتهرة في الألسن بكوامل الشهر
، وهي سبعة: الثالث والخامس والثالث عشر والسادس عشر والحادي والعشرون
والرابع والعشرون والخامس والعشرون.
مسألة 6 - يستحب ان يكون الزفاف ليلا، والوليمة في ليله أو نهاره، فإنها
من سنن المرسلين. وعن النبي صلي الله عليه وآله وسلم: لا وليمة الا في
خمس في عرس أو خرس أو عذار أو وكار أو زكار - يعني للتزويج أو ولادة الولد أو
الختان أو شراء الدار أو القدوم من مكة. وانما تستحب يوما أو يومين لا أزيد
للنبوي: الوليمة في الأول حق ويومان مكرمة وثلاثة أيام رياء وسمعة.
وينبغي ان يدعي لها المؤمنون، ويستحب لهم الإجابة والاكل وان كان المدعو
صائما نفلا. وينبغي ان يعم صاحب الدعوة الأغنياء والفقراء وان لا يخصها
بالأغنياء، فعن النبي صلي الله عليه وآله وسلم: شر الولائم ان يدعي
393

لها
الأغنياء ويترك الفقراء.
مسألة 7 - يستحب لمن أراد الدخول بالمرأة ليلة الزفاف أو يومه ان
يصلي ركعتين ثم يدعو بعدهما بالمأثور، وان يكونا على طهر، وان يضع يده
على ناصيتها مستقبل القبلة ويقول " اللهم على كتابك تزوجتها وفي أمانتك
أخذتها وبكلماتك استحللت فرجها، فان قضيت في رحمها شيئا فاجعله ذكرا
مسلما سويا ولا تجعله شرك شيطان ".
مسألة 8 - للخلوة بالمرأة مطلقا ولو في غير ليلة الزفاف آداب، وهي
بين مستحب ومكروه: اما المستحب: فمنها: ان يسمي عند الجماع، فإنه وقاية
عن شرك الشيطان، فعن الصادق (عليه السلام): إذا اتي أحدكم أهله فليذكر الله،
فان لم يفعل وكان منه ولد كان شرك شيطان. وفي معناه اخبار كثيرة. ومنها
: ان يسال الله تعالى ان يرزقه ولدا تقيا مباركا زكيا ذكرا سويا. ومنها: ان
يكون على وضوء، سيما إذا كانت المرأة حاملا. واما المكروه: فيكره الجماع
في ليلة خسوف القمر، ويوم كسوف الشمس، ويوم هبوب الريح السوداء والصفراء
والزلزلة، وعند غروب الشمس حتى يذهب الشفق، وبعد طلوع الفجر إلى طلوع
الشمس، وفي المحاق، وفي أول ليلة من كل شهر ما عدا شهر رمضان، وفي ليلة
النصف من كل شهر، وليلة الأربعاء، وفي ليلتي الأضحى والفطر. ويستحب ليلة
الاثنين والثلاثاء والخميس والجمعة، ويوم الخميس عند الزوال، ويوم الجمعة
بعد العصر. ويكره الجماع في السفر إذا لم يكن معه ماء يغتسل به، والجماع
وهو عريان، وعقيب الاحتلام قبل الغسل. نعم لا باس بان يجامع مرات من
غير تخلل الغسل بينها ويكون غسله أخيرا لكن يستحب غسل الفرج والوضوء عند كل
مرة، وان
394

يجامع وعنده من ينظر اليه حتى الصبي والصبية، والجماع مستقبل
القبلة ومستدبرها وفي السفينة، والكلام عند الجماع بغير ذكر الله، والجماع
وهو مختضب أو هي مختضبة، وعلي الامتلاء من الطعام. فعن الصادق عليه السلام
: ثلاث يهدمن للبدن وربما قتلن: دخول الحمام على البطنة، والغشيان على
الامتلاء، ونكاح العجائز. ويكره الجماع قائما وتحت السماء وتحت الشجرة
المثمرة، ويكره ان تكون خرقة الرجل والمرأة واحدة، بل يكون له خرقة
ولها خرقة ولا يمسحا بخرقة واحدة فتقع الشهوة على الشهوة، ففي الخبر ان
ذلك يعقب بينهما العداوة.
مسألة 9 - يستحب التعجيل في تزويج البنت وتحصينها بالزوج عند بلوغها، فعن
الصادق (عليه السلام): من سعادة المرء ان لا تطمث ابنته في بيته. وفي الخبر
: ان الابكار بمنزلة الثمر على الشجر إذا أدرك ثمارها فلم تجتن أفسدته
الشمس ونثرته الرياح، وكذلك الابكار إذا أدركن ما تدرك النساء فليس لهن
دواء إلا البعولة وان لا يرد الخاطب إذا كان من يرضي خلقه ودينه وأمانته
وكان عفيفا صاحب يسار، ولا ينظر إلى شرافة الحسب وعلو النسب، فعن على عليه
السلام عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه
فزوجوه. قلت: يا رسول الله وان كان دنيئا في نسبه؟ قال: إذا جاءكم من
ترضون خلقه ودينه فزوجوه، الا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
مسألة 10 - يستحب السعي في التزويج والشفاعة فيه وارضاء الطرفين،
فعن الصادق (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أفضل الشفاعات
ان تشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع الله بينهما. وعن الكاظم عليه السلام
قال: ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم القيامة يوم لا ظل الا ظله: رجل
زوج أخاه المسلم، أو أخدمه، أو كتم له سرا.
395

وعن النبي صلي الله عليه وآله
و سلم: من عمل في تزويج بين مؤمنين حتى يجمع بينهما زوجه الله الف امرأة
من الحور العين كل امرأة في قصر من در وياقوت، وكان له بكل خطوة خطاها
أو بكل كلمة تكلم بها في ذلك عمل سنة قام ليلها وصام نهارها، ومن
عمل في فرقة بين امرأة وزوجها كان عليه غضب الله ولعنته في الدنيا
والآخرة، وكان حقا على الله ان يرضخه بألف صخرة من نار، ومن مشي في
فساد ما بينهما ولم يفرق كان في سخط الله عز وجل ولعنته في الدنيا والآخرة
وحرم عليه النظر إلى وجهه.
مسألة 11 - المشهور جواز وطي الزوجة والمملوكة دبرا على كراهية
شديدة، والأحوط تركه خصوصا مع عدم رضاها.
مسألة 12 - لا يجوز وطي الزوجة قبل اكمال تسع سنين دواما كان النكاح
أو منقطعا، واما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والتقبيل والضم والتفخيذ
فلا بأس بها حتى في الرضيعة، ولو وطأها قبل التسع ولم يفضها لم يترتب
عليه شئ غير الاثم على الأقوى، وان أفضاها - بان يجعل مسلكي البول
والغائط واحدا الذي لا ينفك من جعل مسلكي البول والحيض واحدا - حرم عليه
وطيها ابدا ولكن لم تخرج عن زوجيته على الأقوى، فيجري عليها احكامها من
التوارث وحرمة الخامسة وحرمة أختها معها وغيرها. ويجب عليه نفقتها ما دامت
حية وان طلقها، بل وان تزوجت بعد الطلاق على الأحوط. ويجب عليه دية
الافضاء، وهي دية النفس، فإذا كانت حرة فلها نصف دية الرجل مضافا إلى
المهر الذي استحقته بالعقد والدخول. وان جعل مسلكي البول والحيض فقط واحدا
فالأحوط وجوب نفقتها عليه كما ذكر واما سائر الاحكام الراجعة إلى الزوجية
فهي باقيه على حالها بالطريق الأولى. ولو دخل بزوجته بعد إكمال التسع
فأفضاها لم تحرم عليه ولم تثبت الدية، ولكن الأحوط الانفاق عليها
396

ما دامت
حية.
مسألة 13 - لا يجوز ترك وطي الزوجة الشابة بل والشائبة على الأحوط أكثر من
أربعة اشهر الا بإذنها حتى المنقطعة على الأحوط، ويختص الحكم بصورة عدم
العذر، واما معه فيجوز الترك مطلقا ما دام وجود العذر، كما إذا خيف الضرر عليه
أو عليها، ومن العذر عدم الميل المانع عن انتشار العضو. وهل يختص الحكم
بالحاضر فلا باس على المسافر وان طال سفره أو يعمهما فلا يجوز للمسافر إطالة
سفره أزيد من أربعة اشهر بل يجب عليه مع عدم العذر الحضور لإيفاء حق زوجته
؟ قولان، أظهرهما الأول، لكن بشرط كون السفر ضروريا ولو عرفا كسفر تجارة أو
زيارة أو تحصيل علم ونحو ذلك، دون ما كان لمجرد الميل والانس والتفرج ونحو
ذلك.
مسألة 14 - لا اشكال في جواز العزل، وهو اخراج الآلة عند الانزال
وافراغ المني إلى الخارج في غير الزوجة الدائمة الحرة وكذا فيها مع اذنها،
واما فيها بدون اذنها ففيه قولان، أشهرهما الجواز مع الكراهة، وهو الأقوى
، بل يمكن القول بعدمها في العقيمة والعجوزة والسليطة والبذية والتي لا
ترضع ولدها. كما ان الأقوى عدم وجوب دية النطفة عليه وان قلنا بالحرمة،
وقيل بوجوبها عليه للزوجة، وهي عشرة دنانير، وهو ضعيف في الغاية. هذا في
الزوج واما منع الزوجة من الانزال في فرجها فالظاهر حرمتها بدون رضاء الزوج
، ويمكن القول بوجوب دية النطفة عليها.
مسألة 15 - يجوز لكل من الزوج والزوجة النظر إلى جسد الآخر ظاهره وباطنه
حتى العورة، وكذا مس كل منهم بكل عضو منه كل عضو من الآخر مع التلذذ
وبدونه.
مسألة 16 - لا اشكال في جواز نظر الرجل إلى ما عدا العورة من مماثله
شيخا
397

كان المنظور اليه أو شابا حسن الصورة أو قبيحها ما لم يكن بتلذذ وريبة،
والعورة هي القبل والدبر والبيضتان كما سبق في احكام التخلي من كتاب
الطهارة، وكذا لا اشكال في جواز نظر المرأة ما عدا العورة من مماثلها، واما
عورتها فيحرم ان تنظر إليها كالرجل.
مسألة 17 - يجوز للرجل ان ينظر إلى جسد محارمه ما عدا العورة إذا لم يكن مع
تلذذ وريبة، والمراد بالمحارم من يحرم عليه نكاحهن أبدا من جهة النسب
أو الرضاع أو المصاهرة، وكذا يجوز لهن النظر إلى ما عدا العورة من جسده
بدون تلذذ وريبة.
مسألة 18 - لا اشكال في عدم جواز نظر الرجل إلى ما عدا الوجه والكفين
من المرأة الأجنبية من شعرها وسائر جسدها، سواء كان فيه تلذذ وريبة أم لا،
وكذا الوجه والكفان إذا كان بتلذذ وريبة، واما بدونها ففيه قولان بل أقوال
: الجواز مطلقا، وعدمه مطلقا، والتفصيل بين نظرة واحدة فالأول وتكرار النظر
فالثاني. وأحوط الأقوال أوسطها.
مسألة 19 - لا يجوز للمرأة النظر إلى الأجنبي كالعكس، واستثناء
الوجه والكفين فيه أسهل منه في العكس.
مسألة 20 - كل من يحرم النظر اليه يحرم مسه، فلا يجوز مس
الأجنبي الأجنبية وبالعكس، بل لو قلنا بجواز النظر إلى الوجه والكفين من
الأجنبية لم نقل بجواز مسهما منها، فلا يجوز للرجل مصافحتها. نعم لا بأس بها
من وراء الثوب.
مسألة 21 - لا يجوز النظر إلى العضو المبان من الأجنبي والأجنبية. نعم
الظاهر أنه لا باس بالنظر إلى السن والظفر والشعر المنفصلات.
مسألة 22 - يستثني من حرمة النظر واللمس في الأجنبي والأجنبية
مقام
398

المعالجة إذا لم يمكن بالمماثل، كمعرفة النبض والفصد والحجامة وجبر
الكسر ونحو ذلك، ومقام الضرورة كما إذا توقف استنقاذه من الغرق أو الحرق على
النظر واللمس، وإذا اقتضت الضرورة أو توقف العلاج على النظر دون اللمس أو
العكس اقتصر على ما اضطر اليه، فلا يجوز الآخر.
مسألة 23 - كما يحرم على الرجل النظر إلى الأجنبية يجب عليها التستر
من الأجانب ويجب على الرجال التستر فيما لم تجر السيرة المتشرعة على عدم
ستره كما لا يجوز للنساء النظر اليه.
مسألة 24 - لا اشكال في ان غير المميز من الصبي والصبية خارج عن
احكام النظر واللمس والتستر، بل هو بمنزلة سائر الحيوانات.
مسألة 25 - يجوز للرجل ان ينظر إلى الصبية ما لم تبلغ إذا لم يكن فيه
تلذذ وشهوة. نعم الأحوط الاقتصار على مواضع لم تجر العادة على سترها
بالألبسة المتعارفة مثل الوجه والكفين وشعر الرأس والذراعين والقدمين، لا
مثل الفخذ والأليين والظهر والصدر والثديين، وكذا الأحوط عدم تقبيلها وعدم
وضعها في حجره إذا بلغت ست سنين.
مسألة 26 - يجوز للمرأة النظر إلى الصبي المميز ما لم يبلغ، ولا يجب
عليها التستر عنه ما لم يبلغ مبلغا يترتب على النظر منه أواليه ثوران الشهوة
.
مسألة 27 - يجوز النظر إلى نساء الكفار وان كن من أهل الذمة مع عدم
التلذذ والريبة، اعني خوف الوقوع في الحرام، والأحوط الاقتصار على
المواضع التي جرت عادتهن على عدم التستر عنها. وقد تلحق بهن نساء أهل
البوادي والقرى من الاعراب وغيرهم اللاتي جرت عادتهن على عدم التستر وإذا
نهين لا ينتهين، وهو مشكل. نعم الظاهر انه يجوز التردد في القري والأسواق
ومواقع تردد تلك
399

النسوة ومجامعهن ومحال معاملاتهن مع العلم عادة بوقوع
النظر عليهن، ولا يجب غض البصر في تلك المحال إذا لم يكن خوف افتتان.
مسألة 28 - يجوز لمن يريد تزويج امرأة ان ينظر إليها بشرط ان لا يكون
بقصد التلذذ وان علم انه يحصل بسبب النظر قهرا، والأحوط الاقتصار على
وجهها وكفيها وشعرها ومحاسنها، كما ان الأحوط لو لم يكن الأقوى الاقتصار على
ما إذا كان قاصدا لتزويج المنظورة بالخصوص، فلا يعم الحكم ما إذا كان
قاصد المطلق التزويج وكان بصدد تعيين الزوجة بهذا الاختبار، ويجوز تكرار النظر
إذا لم يحصل الاطلاع عليها بالنظرة الأولي.
مسألة 29 - الأقوى جواز سماع صوت الأجنبية ما لم يكن تلذذ وريبة، وكذا يجوز
لها اسماع صوتها للأجانب إذا لم يكن خوف فتنة، وان كان الأحوط الترك في
غير مقام الضرورة، خصوصا في الشابة. وذهب جماعة إلى حرمة
السماع والاسماع، وهو ضعيف في الغاية. نعم يحرم عليها المكالمة مع الرجال
بكيفية مهيجة بترقيق القول وتليين الكلام وتحسين الصوت، فيطمع الذي في
قلبه مرض.
(فصل)
في عقد النكاح واحكامه
النكاح على قسمين دائم ومنقطع، وكل منهما يحتاج إلى عقد مشتمل على
ايجاب وقبول لفظيين دالين على انشاء المعني المقصود والرضا به دلالة معتبرة
عند أهل المحاورة، فلا يكفي مجرد الرضا القلبي من الطرفين ولا المعاطاة
الجارية في غالب المعاملات ولا الكتابة، وكذا الإشارة المفهمة في غير
الأخرس، والأحوط لزوما كونه فيهما باللفظ العربي، فلا يجزي غيره من سائر
اللغات الا مع العجز عنه، وعند ذلك لا بأس بايقاعه بغيره، لكن بعبارة يكون
مفادها مفاد اللفظ العربي
400

بحيث تعد ترجمته فلا يجب توكيل الغير لايقاعه
باللفظ العربي.
مسألة 1 - الأحوط لو لم يكن الأقوى ان يكون الايجاب من طرف
الزوجة والقبول من طرف الزوج، وكذا الأحوط تقديم الأول على الثاني، وان
كان الأظهر جواز العكس إذا لم يكن القبول بلفظ قبلت.
مسألة 2 - الأحوط ان يكون الايجاب في النكاح الدائم بلفظي " أنكحت " أو
" زوجت "، فلا يوقع بلفظ " متعت " فضلا عن ألفاظ " بعت أو وهبت أو ملكت
أو آجرت "، وان يكون القبول بلفظ " قبلت "، أو " رضيت "، ويجوز الاقتصار
في القبول بذكر " قبلت " فقط بعد الايجاب من دون ذكر المتعلقات التي ذكر
فيه، فلو قال الموجب الوكيل عن الزوجة للزوج " أنكحتك موكلتي فلانة على
المهر الفلاني " فقال الزوج " قبلت " من دون ان يقول " قبلت النكاح لنفسي
على المهر الفلاني " صح.
مسألة 3 - يتعدى كل من الانكاح والتزويج إلى مفعولين، فيجوز ان
يجعل الزوجة مفعولا أولا والزوج مفعولا ثانيا، كما انه يجوز بالعكس،
ويشتركان في ان كلا منهما يتعديان إلى المفعول الثاني بنفسه تارة وبواسطة
" من " أخرى، فيقال " أنكحت أو زوجت هندا زيدا أو من زيد "، ويختص الأول
بتعديته اليه باللام، فيقال " أنكحت هندا لزيد "، والثاني بتعديته اليه
بواسطة الباء، فيقال " زوجت هندا بزيد " وبالجملة يتعدى كل منهما إلى
المفعول الثاني على ثلاثة أوجه. هذا بحسب المشهور والمأنوس من الاستعمال،
وربما يستعملان على غير تلك الوجوه ولكنه ليس بمشهور ولا مأنوس.
مسألة 4 - عقد النكاح قد يقع بين الزوج والزوجة وبمباشرتهما، فبعد
التقاول والتواطي وتعيين المهر تقول الزوجة مخاطبة للزوج " أنكحتك نفسي أو
أنكحت نفسي منك أو لك على المهر المعلوم "، فيقول الزوج بغير فصل معتد به
" قبلت
401

النكاح لنفسي على المهر المعلوم أو هكذا " أو تقول " زوجتك نفسي أو
زوجت نفسي منك أو بك على المهر المعلوم "، فيقول " قبلت التزويج لنفسي
على المهر المعلوم أو هكذا ". وقد يقع بين وكيليهما، فبعد التقاول وتعيين
الموكلين والمهر يقول وكيل الزوجة مخاطبا لوكيل الزوج " أنكحت موكلتي فلانة
موكلك فلانا أومن موكلك أو لموكلك فلان على المهر المعلوم "، أو يقول "
أنكحت موكلك موكلتي " فيقول وكيل الزوج " قبلت النكاح لموكلي على المهر
المعلوم أو هكذا "، وقد يقع بين ولييهما كالأب والجد، فبعد التقاول وتعيين
المولي عليهما والمهر يقول ولي الزوجة " أنكحت ابنتي أو ابنة ابني فلانة
مثلا ابنك أو ابن ابنك فلانا أومن ابنك أو ابن ابنك أو لابنك أو لابن
ابنك على المهر المعلوم "، أو يقول " زوجت بنتي ابنك مثلا أو من ابنك أو
بابنك "، فيقول ولي الزوج " قبلت النكاح أو التزويج لابني أو لابن ابني
على المهر المعلوم ". وقد يكون بالاختلاف، بان يقع بين الزوجة ووكيل
الزوج وبالعكس أو بينها وبين ولي الزوج وبالعكس، أو بين وكيل الزوجة وولي
الزوج وبالعكس، ويعرف كيفية ايقاع العقد في هذا الصور الست مما فصلناه في
الصور الثلاث المتقدمة.
مسألة 5 - لا يشترط في لفظ القبول مطابقته لعبارة الايجاب، بل
يصح الايجاب بلفظ والقبول بلفظ آخر، فلو قال " زوجتك " فقال " قبلت النكاح
" أو قال " أنكحتك " فقال " قبلت التزويج " صح، وان كان الأحوط المطابقة
.
مسألة 6 - إذا لحن في الصيغة فان كان مغيرا للمعني بحيث يعد اللفظ
عبارة لمعني آخر غير ما هو المقصود لم يكف، وان لم يكن مغيرا بل كان بحيث
يفهم منه المعني المقصود ويعد لفظا لهذا المعني الا انه يقال له لفظ ملحون
وعبارة ملحونة من حيث المادة أو من جهة الاعراب والحركات فالاكتفاء به لا
يخلو من قوة، وان كان الأحوط خلافه، واما الاكتفاء باللغات المحرفة عن
اللغة العربية الأصلية كلغة
402

أهالي سواد العراق في هذا الزمان إذا كان
المباشر للعقد من أهالي تلك اللغة، كان يقول عراقي في الايجاب " جوزت "
بدل " زوجت " فلا يترك الاحتياط في مثله الا إذا صارت اللغة الأصلية
مهجورة متروكة.
مسألة 7 - يعتبر في العقد القصد إلى مضمونه، وهو متوقف على فهم معني
لفظي " أنكحت وزوجت " ولو بنحو الاجمال حتى لا يكون مجرد لقلقة لسان. نعم
لا يعتبر العلم بالقواعد العربية ولا العلم والإحاطة بخصوصيات معني اللفظين
على التفصيل، بل يكفي علمه اجمالا، فإذا كان الموجب بقوله " أنكحت أو
زوجت " قاصدا لايقاع العلقة الخاصة المعروفة المرتكزة في الأذهان التي
يطلق عليها النكاح والزواج في لغة العرب ويغني عنها في لغات اخر بعبارات
اخر وكان القابل قابلا لذلك المعني كفي.
مسألة 8 - يعتبر في العقد قصد الانشاء، بان يكون الموجب في قوله " أنكحت " أو
" زوجت " قاصدا ايقاع النكاح والزواج واحداث وايجاد ما لم يكن لا
الأخبار والحكاية عن وقوع شي ء في الخارج، والقابل بقوله " قبلت " منشئا
لقبول ما أوقعه الموجب.
مسألة 9 - يعتبر الموالاة وعدم الفصل المعتد به بين الايجاب والقبول.
مسألة 10 - يشترط في صحة العقد التنجيز، فلو علقه على شرط أو مجئ
زمان بطل. نعم لو علقه على امر محقق الحصول كما إذا قال في يوم الجمعة "
أنكحت إذا كان اليوم يوم الجمعة " لم يبعد الصحة مع علمه بأنه يوم
الجمعة ولكن الاحتياط فيه لا يترك واما مع جهله فباطل، وكذا لا يترك
الاحتياط بترك تعليقه على أمر كان صحة العقد متوقفة عليه، كما إذا قالت
وهي عالمة بأنها ليست بأخته " إذا صح نكاحي معك ولم أكن أختك فقد أنكحتك
نفسي ".
403

مسألة 11 - يشترط في العاقد المجري للصيغة البلوغ والعقل، فلا اعتبار
بعقد الصبي والمجنون ولو أدواريا حال جنونه، سواء عقدا لنفسهما أو لغيرهما،
وأما الصبي إذا كان مميزا قاصدا للمعني وعقد لغيره وكالة أو فضولا وأجاز، بل
وفيما إذا عقد لنفسه مع اذن الولي أو اجازته أو أجاز هو بعد البلوغ وان كان
لصحة عقده وجه ولكن لا يترك الاحتياط بترك ايقاعه ومع ايقاعه فالأحوط مع
إرادة الإمساك تجديد العقد ومع إرادة التفريق الطلاق. وكذا يعتبر في العاقد
القصد، فلا اعتبار بعقد الساهي والغالط وكذا السكران الا إذا لم يخرجه السكر
عن الالتفات.
مسألة 12 - يشترط في صحة العقد تعيين الزوجين على وجه يمتازان عن غيرهما
بالاسم أو الإشارة أو الوصف الموجب لذلك، فلو قال " زوجتك أحدي بناتي " أو
قال " زوجت بنتي فلانة من أحد بنيك أو من أحد هذين " بطل. نعم يشكل فيما
لو كانا معينين بحسب قصد المتعاقدين ومتميزين في ذهنهما لكن لم يعيناهما عند
اجراء الصيغة ولم يكن ما يدل عليه من لفظ أو فعل أو قرينة خارجية مفهمة،
كما إذا تقاولا وتعاهدا على تزويج بنته الكبري من ابنه الكبير ولكن في مقام
اجراء الصيغة قال " زوجت أحدي بناتي من أحد بنيك " وقبل الآخر.
مسألة 13 - لو اختلف الاسم مع الوصف أو اختلفا أو أحدهما مع الإشارة
يتبع العقد لما هو المقصود ويلغي ما وقع غلطا وخطا، فإذا كان المقصود تزويج
البنت الكبري وتخيل ان اسمها فاطمة وكانت المسماة بفاطمة هي الصغرى
وكانت الكبري مسماة بخديجة وقال " زوجتك الكبري من بناتي فاطمة " وقع
العقد على الكبري التي اسمها خديجة ويلغي تسميتها بفاطمة، وان كان المقصود
تزويج فاطمة وتخيل انها كبري
404

فتبين انها صغري وقع العقد على المسماة
بفاطمة والغي وصفها بأنها الكبري، وكذا لو كان المقصود تزويج المرأة الحاضرة
وتخيل أنها كبرى واسمها فاطمة فقال " زوجتك هذه وهي فاطمة وهي الكبري من
بناتي " فتبين انها الصغرى واسمها خديجة وقع العقد على المشار إليها، ويلغي
الاسم والوصف، ولو كان المقصود العقد على الكبري فلما تخيل ان هذه المرأة
الحاضرة هي تلك الكبري قال " زوجتك هذه وهي الكبري " وقع العقد على تلك
الكبري ان قصد الكبري ويزعم انها حاضرة وقال هذه، واما إذا قصد عقد هذه
بخيال أنها كبرى فالعقد وقع عليها دون الكبري وصح مع اجازتها ان لم يكن
مأذونا منها قبل ذلك.
مسألة 14 - لا اشكال في صحة التوكيل في النكاح من طرف واحد أو من طرفين
بتوكيل الزوج أو الزوجة ان كانا كاملين أو بتوكيل وليهما إذا كانا قاصرين
، ويجب على الوكيل ان لا يتعدى عما عينه الموكل من حيث الشخص والمهر وسائر
الخصوصيات، فان تعدي كان فضوليا موقوفا على الإجازة، وكذا يجب عليه
مراعاة مصلحة الموكل، فان تعدي واتي بما هو خلاف المصلحة كان فضوليا. نعم
لو عين خصوصية تعين ونفذ عمل الوكيل وان كان ذلك على خلاف مصلحة الموكل
.
مسألة 15 - لو وكلت المرأة رجلا في تزويجها ليس له ان يزوجها من نفسه
إلا إذا صرحت بالتعميم أو كان كلامها بحسب متفاهم العرف ظاهرا في العموم
بحيث شمل نفسه أيضا.
مسألة 16 - الأقوى جواز تولي شخص واحد في طرفي العقد، بان يكون موجبا
وقابلا من الطرفين، اصالة من طرف ووكالة من آخر، أو ولاية من الطرفين أو
وكالة عنهما أو بالاختلاف، وان كان الأحوط مع الامكان تولي الاثنين وعدم
تولي شخص واحد للطرفين، خصوصا في تولي الزوج طرفي العقد أصالة من طرفه
ووكالة عن الزوجة.
مسألة 17 - إذا وكلا وكيلا في العقد في زمان معين لا يجوز لهما المقاربة
بعد
405

ذلك الزمان ما لم يحصل لهما العلم بايقاعه ولا يكفي الظن. نعم لو اخبر
الوكيل بالايقاع كفي لان قوله حجة فيما وكل فيه.
مسألة 18 - لا يجوز اشتراط الخيار في عقد النكاح دواما أو انقطاعا لا للزوج ولا
للزوجة، فلو شرطاه بطل الشرط، بل المشهور على بطلان العقد أيضا،
وقيل ببطلان الشرط دون العقد، ولا يخلو من قوة. ويجوز اشتراط الخيار في
المهر مع تعيين المدة، فلو فسخ ذو الخيار سقط المهر المسمي، فيكون كالعقد
بلا ذكر المهر، فيرجع إلى مهر المثل. هذا في العقد الدائم الذي لا يعتبر فيه
ذكر المهر، واما المتعة التي لا تصح بلا مهر فالظاهر انه لا يصح فيها اشتراط
الخيار في المهر.
مسألة 19 - إذا ادعي رجل زوجية امرأة فصدقته أو ادعت امرأة زوجية
رجل فصدقها يصدقان بذلك وليس لاحد الاعتراض عليهما من غير فرق بين
كونهما بلديين معروفين أو غريبين واما إذا ادعي أحدهما الزوجية وانكر الآخر
فان كان للمدعي بينة حكم له والا فيتوجه اليمين على المدعي عليه سواء
كان منكرا جزما كما إذا ادعي عليها بأنك زوجت نفسك مني وأنكرت هي أو ادعي
زوجيتها بان وليها زوجها منه وهي تنكر العلم بذلك غير ان في الصورة الأولي
يحلف المدعي عليه على نفي دعوى المدعي ويردها به وفي الصورة الثانية
يحلف على نفي علمه بدعواه وعلي الصورتين تسقط دعوى المدعي بحلف المدعي
عليه وان نكل عن اليمين فيحكم الحاكم للمدعي اما بمجرد ذلك أو بعد حلفه
على الوجهين المذكورين في ذلك في محله وان رد اليمين إلى المدعي فان هو
حلف ثبت دعواه في الصورتين وان نكل سقطت. هذا بحسب موازين القضاء وقواعد
الدعوى وأما بحسب الواقع فيجب على كل منهما العمل على ما هو تكليفه بينه
وبين الله تعالي.
مسألة 20 - إذا رجع المنكر عن انكاره إلى الاقرار يسمع منه ويحكم
بالزوجية بينهما وان كان ذلك بعد الحلف على الأقوى.
406

مسألة 21 - إذا ادعي رجل زوجية امرأة وأنكرت فهل لها ان تتزوج من
غيره وللغير ان يتزوجها قبل فصل الدعوى والحكم ببطلان دعوى المدعي أم لا
؟ وجهان أقواهما الأول، خصوصا فيما لو تراخي المدعي في الدعوى أو سكت عنها
حتى طال الامر عليها، وحينئذ ان أقام المدعي بعد العقد عليها بينة حكم
له بها وبفساد العقد عليها، وان لم تكن بينة يتوجه اليمين على المعقود
عليها على التفصيل الذي مر في المسألة 19 فان حلفت أو ردت اليمين إلى
المدعي ونكل عن اليمين سقطت دعوى المدعي واما إذا نكلت عن اليمين أو ردت
اليمين إلى المدعي وحلف فهل يحكم بسببهما على فساد العقد عليها فيفرق بينها
وبين زوجها أم لا؟ وجهان أوجههما الثاني لكن إذا طلقها الذي عقد عليها أو
مات عنها زال المانع فترد على المدعي بسبب نكولها عن اليمين أو اليمين
المردودة
ويمكن ان يقال ان ذلك محتاج إلى إقامة دعوى جديدة من المدعي
وحكم الحاكم في القضية وذلك لان حكمه بزوجيته للمدعي معارض لكونها
زوجة لزوجها وهذا موافق لما قيل: ان المستفاد من الروايات عدم سماع دعواه
إذا لم تكن له البينة ولكن قيل في الجواب عن ذلك: انه يستفاد من مثل
قوله (عليه السلام) هي امرأته الا ان يقيم البينة عدم سماع دعواه للحكم
بعدم الزوجية لا مطلقا حتى بالنسبة إلى الزوجة إذا ترتب على ذلك اثر آخر.
مسألة 22 - يجوز تزويج امرأة تدعي انها خلية من الزوج مع احتمال صدقها من
غير فحص حتى فيما إذا كانت ذات بعل سابقا فادعت طلاقها أو موته. نعم
لو كانت متهمة في دعواها فالأحوط الفحص عن حالها، فمن غاب غيبة منقطعة
لم يعلم موته وحياته إذا ادعت زوجته حصول العلم لها بموته من الامارات
والقرائن واخبار المخبرين جاز تزويجها وان لم يحصل العلم بقولها، ويجوز
للوكيل ان يجري العقد عليها إذا لم يعلم كذبها في دعوى العلم، ولكن
الأحوط الترك
407

خصوصا إذا كانت متهمة.
مسألة 23 - إذا تزوج بامرأة تدعي انها خلية عن الزوج فادعي رجل
آخر زوجيتها، فهذه الدعوى متوجهة على كل من الزوج والزوجة، فان أقام
المدعي بينة شرعية حكم له عليهما وفرق بينهما وسلمت اليه، ومع عدم البينة
توجه اليمين عليهما، فان حلفا معا على عدم زوجيته سقطت دعواه عليهما، وان
نكلا عن اليمين أو رداها عليه وحلف ثبت مدعاه، وان حلف أحدهما دون الآخر -
بان نكل عن اليمين أو رد اليمين على المدعي فحلف - سقط دعواه بالنسبة
إلى الحالف، واما بالنسبة إلى الآخر وان ثبت دعوى المدعي بالنسبة اليه
لكن ليس لهذا الثبوت اثر بالنسبة إلى من حلف، فان كان الحالف هو الزوج
والناكل هي الزوجة ليس لنكولها اثر بالنسبة إلى الزوج، الا انه لو طلقها أو
مات عنها ردت إلى المدعي، وان كان الحالف هي الزوجة والناكل هو الزوج
سقطت دعوى المدعي بالنسبة إليها، وليس له سبيل إليها على كل حال.
مسألة 24 - إذا ادعت امرأة انها خلية فتزوجها رجل ثم ادعت بعد ذلك
أنها كانت ذات بعل لم يسمع دعواها. نعم لو أقامت البينة على ذلك فرق
بينهما، ويكفي في ذلك ان تشهد بأنها ذات بعل من غير تعيين زوج معين.
مسألة 25 - يشترط في صحة العقد الاختيار، اعني اختيار الزوجين، فلو أكرها أو
اكره أحدهما على الزواج لم يصح. نعم لو لحقه الرضا فيما بعد ذلك صح على
الأقوى.
(فصل)
في أولياء العقد
مسألة 1 - للأب والجد من طرف الأب - بمعني أب الأب فصاعدا - ولاية
على
408

الصغير والصغيرة والمجنون المتصل جنونه بالبلوغ، واما المنفصل عنه
ففيه اشكال، فالاحتياط فيه إذا ادعت الضرورة ذلك ان يكون ذلك من الأب أو
الجد مقرونا بالاستئذان من الحاكم واما الحاكم فهو يعمل على طبق رأيه، ولا
ولاية للام عليهم ولا للجد من طرف الام ولو من قبل أم الأب، بان كان
أبا لام الأب مثلا، ولا للأخ والعم والخال وأولادهم.
مسألة 2 - ليس للأب والجد للأب ولاية على البالغ الرشيد ولا على
البالغة الرشيدة إذا كانت ثيبة، واما إذا كانت بكرا ففيه أقوال: استقلالها
وعدم الولاية لهما عليها لا مستقلا ولا منضما، واستقلالهما وعدم سلطنة وولاية
لها كذلك، والتشريك بمعني اعتبار اذن الولي واذنها معا، والتفصيل بين
الدوام والانقطاع أما باستقلالها في الأول دون الثاني أو العكس. والأحوط هو
القول الثالث، فلا يترك الاحتياط بالاستيذان منهما. نعم لا اشكال في سقوط
اعتبار اذنهما ان منعاها من التزويج بمن هو كفو لها شرعا وعرفا مع ميلها، وكذا
إذا كانا غائبين بحيث لا يمكن الاستيذان منهما مع حاجتها إلى التزويج.
مسألة 3 - ولاية الجد ليست منوطة بحياة الأب ولا موته، فعند وجودهما استقل
كل منهما بالولاية، وإذا مات أحدهما اختصت بالاخر، وأيهما سبق في تزويج
المولي عليه عند وجودهما لم يبق محل للاخر. ولو زوج كل منهما من شخص،
فان علم السابق منهما فهو المقدم ولغي الآخر، وان علم التقارن قدم
عقد الجد ولغي عقد الأب. واما ان جهل تاريخ العقدين فلا يعلم السبق
واللحوق والتقارن، يجب الاحتياط عليها بترك التمكين لهما وترك الازدواج
مطلقا مع غيرهما قبل طلاقهما ومع أحدهما الا بعد طلاق الآخر، وكذا يجب على
الرجال الاحتياط قبل طلاقهما، وكذا على أحدهما بترك تزويجها الا بعد طلاق
الآخر للعلم الاجمالي بكونها زوجة لأحدهما من دون معين لأحدهما واستصحاب
عدم
409

الزوجية لكل منهما، وان علم تاريخ أحدهما دون الآخر، فان كان
المعلوم تاريخ عقد الجد قدم على عقد الأب، وان كان عقد الأب قدم على عقد
الجد وان كان لا ينبغي ترك الاحتياط في هذه الصورة.
مسألة 4 - يشترط في صحة تزويج الأب والجد ونفوذه عدم المفسدة وإلا يكون
العقد فضوليا كالأجنبي يتوقف صحته على إجازة الصغير بعد البلوغ، بل الأحوط
مراعاة المصلحة.
مسألة 5 - إذا وقع العقد من الأب أو الجد عن الصغير أو الصغيرة مع مراعاة
ما يجب مراعاته لا خيار لهما بعد بلوغهما، بل هو لازم عليهما.
مسألة 6 - لو زوج الولي الصغيرة بدون مهر المثل أو زوج الصغير بأزيد منه
، فان كانت هناك مصلحة تقتضي ذلك صح العقد والمهر ولزم، وان كانت
المصلحة في نفس التزويج دون المهر فالأقوى صحة العقد ولزومه وبطلان المهر،
بمعني عدم نفوذه وتوقفه على الإجازة بعد البلوغ، فان أجاز استقر والا رجع
إلى مهر المثل.
مسألة 7 - السفيه المبذر المتصل سفهه بزمان صغره لا يصح نكاحه الا
باذن وليه الشرعي، وتعيين المهر والمرأة إلى الولي. ولو تزوج بدون الاذن
وقف على الإجازة، فان رأي المصلحة وأجاز جاز، ولا يحتاج إلى إعادة
الصيغة.
مسألة 8 - إذا زوج الولي المولي عليه بمن له عيب لم يصح ولم ينفذ، سواء
كان من العيوب الموجبة للخيار أو غيرها، ككونه منهمكا في المعاصي أو كونه
شارب الخمر أو بذي اللسان سي الخلق وأمثال ذلك، الا إذا كانت مصلحة ملزمة
في تزويجه، وحينئذ لم يكن خيار الفسخ لا له ولا للمولي عليه إذا لم يكن
العيب من العيوب المجوزة للفسخ، وان كان منها ففيه قولان أحوطهما عدم
ثبوت الخيار
410

للمولي عليه.
مسألة 9 - ينبغي بل يستحب للمرأة المالكة امرها ان تستأذن أباها أو جدها
، وان لم يكونا فأخاها، وان تعدد الأخ قدمت الأكبر.
مسألة 10 - لا ولاية للوصي، اي القيم من قبل الأب أو الجد على
الصغير والصغيرة وان نص له الموصي على النكاح على الأحوط.
مسألة 11 - ليس للحاكم ولاية في النكاح على الصغير ذكرا كان أو أنثى مع
فقد الأب والجد. نعم لو قضت الحاجة والضرورة والمصلحة اللازمة المراعاة
على النكاح بحيث ترتبت على تركه مفسدة يلزم التحرز عنها كانت له الولاية
من باب الحسبة، وكذا له الولاية حينئذ على من بلغ فاسد العقل ولم يكن
له أب ولا جد، وان تجدد فساد عقله وكان له أب أو جد فالأحوط الاستئذان
منهما أو من وصيهما إن كان.
مسألة 12 - للمولي ان يزوج مملوكه بغيره ذكرا كان أو أنثى صغيرا كان أو
كبيرا عاقلا كان أو مجنونا راغبا كان أو كارها، ولا خيار له معه.
مسألة 13 - يشترط في ولاية الأولياء البلوغ والعقل والحرية والاسلام إذا
كان المولي عليه مسلما، فلا ولاية للصغير والصغيرة على مملوكهما من عبد أو
أمة، بل الولاية حينئذ لوليهما، وكذا لا ولاية للأب والجد إذا جنا، وان جن
أحدهما تختص الولاية بالآخر، وكذا لا ولاية للمملوك على ولده حرا كان أو
عبدا، وكذا لا ولاية للأب الكافر على ولده المسلم، فتكون للجد إذا كان
مسلما، والظاهر ثبوت ولايته على ولده الكافر ان لم يكن له جد مسلم والا
فالولاية له، وان كانت أمه مسلمة فالولاية للحاكم الشرعي ان لم يكن له
ولي مسلم.
مسألة 14 - العقد الصادر من غير الوكيل والولي المسمي بالفضولي يصح
مع
411

الإجازة، سواء كان فضوليا من الطرفين أو من أحدهما، وسواء كان المعقود
عليه صغيرا أو كبيرا حرا أو عبدا، وسواء كان العاقد قريبا للمعقود عليه كالأخ
والعم والخال أو أجنبيا. ومنه العقد الصادر من العبد أو الأمة لنفسهما بدون
اذن المولي، والصادر من الولي أو الوكيل على غير الوجه المأذون فيه، بان
أوقع الولي على خلاف المصلحة أو الوكيل على خلاف ما عينه الموكل.
مسألة 15 - ان كان المعقود له من صح منه العقد لنفسه - بان كان بالغا
عاقلا حرا - فإنما يصح العقد الصادر من الفضولي بإجازته، وان كان ممن لا
يصح منه العقد وكان مولي عليه بان كان صغيرا أو مجنونا أو مملوكا فإنما يصح
اما بإجازة وليه في زمان قصوره أو إجازته بنفسه بعد كماله، فلو أوقع
الأجنبي عقدا على الصغير أو الصغيرة وقفت صحة عقده على اجازتهما له بعد
بلوغهما ورشدهما ان لم يجز أبوهما أو جدهما في حال صغرهما، فأي من الإجازتين
حصلت كفت. نعم يعتبر في صحة إجازة الولي ما اعتبر في صحة عقده، فلو أجاز
العقد الواقع على خلاف مصلحة الصغير لغت اجازته وانحصر الامر في اجازته
بنفسه بعد بلوغه ورشده.
مسألة 16 - ليست الإجازة على الفور، فلو تأخرت عن العقد بزمن طويل صحت،
سواء كان التأخير من جهة الجهل بوقوعه أو لأجل التروي أو للإستشارة أو غير
ذلك.
مسألة 17 - لا اثر للإجازة بعد الرد، وكذا لا اثر للرد بعد الإجازة فبها
يلزم العقد وبه ينفسخ، سواء كان السابق من الرد أو الإجازة واقعا من
المعقود له أو وليه، فلو أجاز أو رد ولي الصغير العقد الواقع عليه فضولا ليس
له بعد البلوغ رد في الأول ولا إجازة في الثاني.
مسألة 18 - إذا كان ان أحد الزوجين كارها حال العقد لكن لم يصدر منه رد
له فالظاهر انه يصح لو أجاز بعد ذلك. نعم لو استؤذن فنهي ولم يأذن ومع
ذلك أوقع
412

الفضولي العقد يشكل صحته بالإجازة، ولا يقاس بما إذا كان مكرها
على الزواج فعقد لنفسه بالمباشرة أو بتوكيل الغير، وقد مر ان الأقوى صحته
إذا لحقه الرضا.
مسألة 19 - يكفي في الإجازة المصححة للعقد الفضولي كل ما دل على
انشاء الرضا بذلك العقد، بل يكفي الفعل الدال عليه.
مسألة 20 - لا يكفي الرضا القلبي في صحة العقد وخروجه عن الفضولية
وعدم الاحتياج إلى الإجازة، فلو كان حاضرا حال العقد راضيا به الا انه لم
يصدر منه قول أو فعل يدل على رضاه فالظاهر انه من الفضولي، فله ان لا
يجيز ويرده. نعم في خصوص البكر إذا ظهر من حالها الرضا وانما سكتت ولم تنطق
بالاذن لحيائها كفى ذلك وكان سكوتها اذنها، كما نطقت بذلك بعض الاخبار
وأفتى به علماؤنا الأخيار.
مسألة 21 - لا يعتبر في وقوع العقد فضوليا قصد الفضولية ولا الالتفات إليها
، بل المدار في الفضولية وعدمها على كون العقد بحسب الواقع صادرا عن غير
من هو مالك للعقد أو عن مالكه وان تخيل خلافه، فلو تخيل كونه وليا أو
وكيلا وأوقع العقد فتبين خلافه كان من الفضولي ويصح بالإجازة، كما انه لو
اعتقد انه ليس بوكيل ولا ولي فأوقع العقد بعنوان الفضولية فتبين خلافه صح
العقد ولزم بلا توقف على الإجازة إذا كان موافقا لما شرط عليه الموكل و
مراعيا لمصلحة المولي عليه.
مسألة 22 - إذا زوج صغيران فضولا فان أجاز وليهما قبل بلوغهما أو أجازا
بعد بلوغهما أو بالاختلاف - بان أجاز ولي أحدهما قبل بلوغه فأجاز الآخر
بعد بلوغه - ثبتت الزوجية ويترتب جميع احكامها، وان رد وليهما قبل بلوغهما أو
رد ولي أحدهما قبل بلوغه أو ردا بعد بلوغهما أو رد أحدهما بعد بلوغه أو ماتا
أو مات أحدهما قبل الإجازة بطل العقد من أصله، بحيث لم يترتب عليه اثر
أصلا من توارث وغيره من سائر الآثار. نعم لو بلغ أحدهما وأجاز ثم مات قبل
بلوغ الآخر
413

واجازته يعزل من تركته مقدار ما يرث الآخر على تقدير الزوجية،
فان بلغ وأجاز يدفع اليه لكن بعدما يحلف على انه لم تكن اجازته للطمع
في الإرث، وان لم يجز أو أجاز ولم يحلف على ذلك لم يدفع اليه بل يرد
إلى الورثة. والظاهر ان الحاجة إلى الحلف انما هو فيما إذا كان متهما بان
اجازته لأجل الإرث، واما مع عدمه - كما إذا أجاز مع الجهل بموت الآخر أو
كان الباقي هو الزوج وكان المهر اللازم عليه على تقدير الزوجية أزيد مما
يرث - يدفع اليه بدون الحلف.
مسألة 23 - كما يترتب الإرث على تقدير الإجازة والحلف تترتب الآثار الآخر
المترتبة على الزوجية أيضا من المهر وحرمة الام، وحرمتها على أب الزوج
وابنه ان كانت الزوجة هي الباقية وغير ذلك، بل يمكن ان يقال بترتب
تلك الآثار بمجرد الإجازة من غير حاجة إلى الحلف وان كان متهما، فيفكك
بين الإرث وسائر الآثار على اشكال، خصوصا بالنسبة إلى استحقاق المهر إذا
كانت الباقية هي الزوجة.
مسألة 24 - الظاهر جريان هذا الحكم في كل مورد مات من لزم العقد من
طرفه وبقي من يتوقف زوجيته على اجازته، كما إذا زوج أحد الصغيرين الولي
وزوج الآخر الفضولي فمات الأول قبل بلوغ الثاني واجازته. ولا يبعد جريان
الحكم فيما لو كانا كبيرين فأجاز أحدهما ومات قبل موت الثاني واجازته،
والحلف فيه مبني على الاحتياط.
مسألة 25 - إذا كان العقد فضوليا من أحد الطرفين كان لازما من طرف الأصيل،
فلو كان هي الزوجة ليس لها ان تتزوج بالغير قبل ان يرد الآخر العقد ويفسخه
، وهل يثبت في حقه تحريم المصاهرة قبل إجازة الآخر ورده فلو كان زوجا حرم
عليه نكاح أم المرأة وبنتها وأختها والخامسة ان كانت هي الرابعة؟ الأحوط
ذلك.
414

مسألة 26 - إذا رد المعقود أو المعقودة العقد الواقع فضولا صار العقد كأنه
لم يقع، سواء كان العقد فضوليا من الطرفين ورداه معا أو رده أحدهما، بل ولو
أجاز أحدهما ورد الآخر أو من طرف واحد ورد ذلك الطرف فتحل المعقودة على
أب المعقود وابنه وتحل بنتها وأمها على المعقود.
مسألة 27 - إذا زوج الفضولي امرأة لرجل من دون اطلاعها وتزوجت هي برجل آخر
صح ولزم الثاني ولم يبق محل لإجازة الأول، وكذا لو زوج الفضولي رجلا
بامرأة من دون اطلاعه وزوج هو بأمها أو بنتها ثم علم.
مسألة 28 - لو زوج فضوليان امرأة كل منهما برجل كانت بالخيار في
إجازة أيهما شاءت وان شاءت ردتهما، سواء تقارن العقدان أو تقدم أحدهما
على الآخر، وكذلك الحال فيما إذا زوج أحد الفضولين رجلا بامرأة والاخر بأمها
أو بنتها أو أختها فان له إجازة أيهما شاء.
مسألة 29 - لو وكلت رجلين في تزويجها فزوجها كل منهما برجل، فان سبق أحدهما
صح ولغي الآخر، وان تقارنا بطلا معا، وان لم يعلم الحال فان علم
تاريخ أحدهما حكم بصحته دون الآخر، وان جهل تاريخهما فان احتمل تقارنهما
حكم ببطلانهما معا في حق كل من الزوجة والزوجين، وان علم عدم التقارن
فيعلم اجمالا بصحة أحد العقدين وتكون المرأة زوجة لاحد الرجلين أجنبية
عن أحدهما، فليس للزوجة ان تتزوج بغيرهما ولا للغير ان يتزوج بها لكونها
ذات بعل قطعا. واما حالها بالنسبة إلى الزوجين وحالهما بالنسبة إليها
فالأولى ان يطلقاها أو يطلقها أحدهما ويجدد النكاح عليه الآخر برضاها، وان
تعاسرا وكان في التوقف إلى ان يظهر الحال عسر وحرج على الزوجة أو لا يرجي
ظهور الحال ففي جواز تعيين الزوج منهما بالقرعة اشكال، اللهم الا ان يقال
ان للحاكم في مثل المقام الحكم عليهما بطلاقها.
415

مسألة 30 - إذا ادعي أحد الزوجين سبق عقده وصدقه الآخر وكذا الزوجة فالزوجة
له وان صدقته الزوجة وقال الآخر لا أدري فان كان ذلك من جهة غفلته حين
اجراء العقد فيحتمل سبق عقده على الآخر فالزوجة تكون لمدعي السبق وذلك
لعدم جريان اصالة الصحة في عقده واستصحاب فساده وان كان ذلك من جهة طرو
الشك والنسيان فلا يسمع دعواه لعدم ما يثبت دعواه معه وان صدقه الآخر
وقالت الزوجة لا أدري فجواز تمكينها من مدعي السبق محل الاشكال فالاحتياط
يقتضي ان يطلقاها أو يطلقها أحدهما ويجدد عليه الآخر العقد وكذا وإن قال
كلاهما لا أدري لا يجوز للزوجة التمكين لمن المدعي الا إذا أقام البينة على
دعواه فيحكم بزوجية المرأة له وبطلان عقد الآخر وان صدقه الآخر
وكذبته الزوجة فادعت سبق عقد الآخر فالدعوى تكون بينها وبين مدعي السبق
وبينها وبين الآخر ففي الأولي يكون المدعي الرجل والمرأة منكرة فان أقام
البينة فالمرأة محكومة بزوجيته وتبطل بها دعويها زوجية الآخر والا ففصل
خصومتهما يكون بالحلف فان ردت المرأة اليمين إلى مدعي السبق أو نكلت عن
اليمين وردها الحاكم اليه فحلف هو يحكم على طبق اليمين وان حلفت هي يحكم
على المدعي وفي دعواها لزوجية الآخر وسبق عقده ان كانت لها البينة أو حلفت
بعد رد اليمين إليها من الآخر يحكم عليه بزوجيتها له وتبطل دعوى الآخر ان
أقامت البينة على دعواها وان ادعي كل من الزوجين سبق عقده، فإن قالت
الزوجة لا أدري تكون الدعوى بين الزوجين، فان أقام أحدهما بينة دون الآخر
حكم له وكانت الزوجة له، وان أقام كل منهما بينة تعارضت البينتان فيرجع
إلى القرعة فيحكم بزوجية من وقعت عليه، وان لم تكن بينة يتوجه الحلف
اليهما، فان حلف أحدهما حكم له، وان حلفا أو نكلا يرجع إلى القرعة، وان
صدقت المرأة أحدهما كان أحد طرفي الدعوى من لم تصدقه الزوجة والطرف الآخر
الزوج الآخر مع الزوجة، فمع إقامة البينة من أحد الطرفين أو من كليهما
الحكم كما مر. واما مع
416

عدمها وانتهاء الامر إلى الحلف، فان حلف من لم
تصدقه الزوجة يحكم له على كل من الزوجة والزوج الآخر، واما مع حلف من
صدقته فلا يترتب على حلفه رفع دعوى الزوج الآخر على الزوجة بل لابد من
حلفها أيضا.
مسألة 31 - لو زوج أحد الوكيلين عن الرجل له بامرأة والاخر بنتها صح السابق
ولغي اللاحق، ومع التقارن بطلا معا، وان لم يعلم السابق فان علم
تاريخ أحدهما حكم بصحته دون الآخر، وان جهل تاريخهما فان احتمل تقارنهما
يحكم ببطلان كليهما، وان علم بعدم التقارن فقد علم بصحة أحد العقدين
وبطلان أحدهما، فلا يجوز للزوج مقاربة واحدة منهما، كما انه لا يجوز لهما
التمكين منه. نعم يجوز له النظر بالام ولا يجب عليها التستر عنه للعلم
بأنه اما زوجها أو زوج بنتها، واما البنت فحيث انه لم يحرز زوجيتها وبنت
الزوجة انما يحل النظر إليها ان دخل بالام والمفروض عدمه فلم يحرز ما هو سبب
لحلية النظر إليها ويجب عليها التستر عنه. نعم لو فرض الدخول بالام بعد العقد
ولو بالشبهة كان حالها حال الام.
(فصل)
في أسباب التحريم
اعني ما بسببه يحرم ولا يصح تزويج الرجل بالمرأة ولا يقع الزواج بينهما
، وهي أمور: النسب، والرضاع، والمصاهرة وما يلحق بها، والكفر، وعدم
الكفاءة، واستيفاء العدد، والاعتداد، والاحرام:
القول في النسب
يحرم بالنسب سبعة أصناف من النساء على سبعة أصناف من الرجال: الأم بما
417

شملت الجدات عاليات وسافلات لأب كن أو لام، فتحرم المرأة على ابنها
وعلي ابن ابنها وابن ابن ابنها وعلي ابن بنتها وابن بنت بنتها وابن بنت
ابنها وهكذا. وبالجملة تحرم على كل ذكر ينتمي إليها بالولادة، سواء كان بلا
واسطة أو بواسطة أو وسائط، وسواء كانت الوسائط ذكورا أو إناثا أو بالاختلاف.
والبنت بما شملت الحفيدة ولو بواسطة أو وسائط، فتحرم هي على أبيها بما شمل
الجد لأب كان أو لام، فتحرم على الرجل بنته وبنت ابنه وبنت ابن ابنه
وبنت بنته وبنت بنت بنته وبنت ابن بنته. وبالجملة كل أنثى تنتمي اليه
بالولادة بواسطة أو وسائط ذكورا كانوا أو إناثا أو بالاختلاف. والأخت لأب
كانت أو لام أو لهما. وبنت الأخ، سواء كان لأب أو لام أو لهما، وهي كل
مرأة تنتمي بالولادة إلى أخيه بلا واسطة أو معها وان كثرت، سواء كان
الانتماء اليه بالاباء أو الأمهات أو بالاختلاف، فتحرم عليه بنت أخيه وبنت
ابنه وبنت ابن ابنه وبنت بنته وبنت بنت بنته وبنت ابن بنته وهكذا.
وبنت الأخت، وهي كل أنثى تنتمي إلى أخته بالولادة على النحو الذي ذكر
في بنت الأخ. والعمة، وهي أخت أبيه لأب أو لام أو لهما. والمراد بها
ما يشمل العاليات، اعني عمة الأب أخت الجد للأب لأب أو لام أو لهما وعمة
الام أخت أبيها لأب أو لام أو لهما وعمة الجد للأب والجد للام والجدة كذلك
، فمراتب العمات مراتب الاباء، فهي كل أنثى هي أخت الذكر تنتمي إليك
بالولادة من طرف أبيك أو أمك. والخالة، والمراد بها أيضا ما يشمل العاليات
، فهي كالعمة الا أنها أخت أحدي أمهاتك ولو من طرف أبيك والعمة أخت أحد
آبائك ولو من طرف أمك، فأخت جدتك للأب خالتك حيث انها خالة أبيك، وأخت
جدك للام عمتك حيث انها عمة أمك.
مسألة 1 - لا تحرم عمة العمة ولا خالة الخالة ما لم تدخلا في عنواني
العمة والخالة ولو بالواسطة، وهما قد تدخلان فيهما فتحرمان، كما إذا كانت
عمتك أختا لأبيك لأب وأم أو لأب ولأبي أبيك أخت لأب أو أم أو لهما، فهذه
عمة لعمتك بلا
418

واسطة وعمة لك معها، وكما إذا كانت خالتك أختا لامك لامها أو
لامها وأبيها وكانت لام أمك أخت، فهي خالة لخالتك بلا واسطة وخالة لك
معها. وقد لا تدخلان فيهما فلا تحرمان، كما إذا كانت عمتك أختا لأبيك لامه لا
لأبيه وكانت لأبي الأخت أخت، فالأخت الثانية عمة لعمتك وليس بينك وبينها
نسب أصلا، وكما إذا كانت خالتك أختا لامك لأبيها لا لامها وكانت لام الأخت
أخت، فهي خالة لخالتك وليست خالتك ولو مع الواسطة، وكذلك أخت الأخ أو
الأخت إنما تحرم إذا كانت أختا لا مطلقا، فلو كان لك أخ أو أخت لأبيك
وكانت لامها بنت من زوج آخر فهي أخت لأخيك أو أختك وليست أختا لك لا من
طرف أبيك ولا من طرف أمك فلا تحرم عليك.
مسألة 2 - النسب اما شرعي، وهو ما كان بسبب وطي حلال ذاتا بسبب شرعي من
نكاح أو ملك يمين أو تحليل وان حرم لعارض من حيض أو صيام أو اعتكاف أو
احرام ونحوها، ويلحق به وطي الشبهة. وإما غير شرعي، وهو ما حصل بالسفاح
والزنا. والاحكام المترتبة على النسب الثابتة في الشرع من التوارث وغيره
وان اختصت بالأول لكن الظاهر بل المقطوع ان موضوع حرمة النكاح أعم فيعم
غير الشرعي، فلو زنا بامرأة فولدت منه ذكرا أو أنثى حرمت الزواجة بينهما،
وكذا بين كل منهما وبين أولاد الزاني والزانية الحاصلين بالنكاح الصحيح، أو
الوطي بالشبهة أو الزنا ولو بامرأة أخرى، فلو زنا رجل بامرأتين
فولدت إحداهما الذكر والأخرى أنثى فهما أخ وأخت من أب واحد ويحرم ازدواجهما
. وكذا حرمت الزانية وأمها وأم الزاني وأختها على الذكر وحرمت الأنثى
على الزاني وأبيه وأجداده وإخوته وأعمامه.
مسألة 3 - المراد بوطي الشبهة الوطي الذي ليس بمستحق مع اعتقاد الحلية جهلا
بالحكم أو بالموضوع، كما إذا وطي أجنبية باعتقاد انها زوجته. ويلحق به
419

وطي المجنون والنائم وشبههما، دون السكران إذا كان سكره بشرب المسكر عن عمد.
القول في الرضاع القول في الرضاع
انتشار الحرمة بالرضاع يتوقف على شروط:
" الأول " - ان يكون اللبن حاصلا من وطي جائز شرعا بالذات بسبب نكاح أو
ملك يمين أو تحليل، فتنتشر الحرمة ان كان الوطي حراما بالعرض كوطي الحائض
أو الصائم أو المحرم ويلحق به وطي الشبهة على الأحوط، فلو در اللبن من
الامرأة من دون نكاح لم ينشر الحرمة، وكذا لو كان اللبن من زنا.
مسألة 1 - لا يعتبر في النشر بقاء المرأة في حبال الرجل، فلو طلقها الزوج
أو مات عنها وهي حامل منه أو مرضع فأرضعت ولدا نشر الحرمة وان تزوجت ودخل
بها الزوج الثاني ولم تحمل منه أو حملت منه وكان اللبن بحاله لم
ينقطع ولم تحدث فيه زيادة علم استنادها إلى الحمل.
" الثاني " - ان يكون شرب اللبن بالامتصاص من الثدي، فلو وجر في
حلقه اللبن أو شرب اللبن المحلوب من المرأة لم ينشر الحرمة.
" الثالث " - ان تكون المرضعة حية، فلو ماتت في أثناء الرضاع وأكمل النصاب
حال موتها ولو رضعة لم ينشر الحرمة.
" الرابع " - ان يكون المرتضع في أثناء الحولين وقبل استكمالهما، فلا
عبرة برضاعه بعدهما. وفي اعتبار الحولين في ولد المرضعة اشكال فلا
يترك الاحتياط.
مسألة 2 - المراد بالحولين اربع وعشرون شهرا هلاليا من حين الولادة،
ولو وقعت في أثناء الشهر يكمل من الشهر الخامس والعشرين ما مضي من
الشهر
420

الأول على الأظهر، فلو تولد في العاشر من شهر تكمل حولاه في العاشر
من الخامس والعشرين.
" الشرط الخامس " - الكمية، وهي بلوغه حدا معينا، فلا يكفي مسمي الرضاع
ولا رضعة كاملة. وله في الاخبار وعند فقهائنا الأخيار تحديدات وتقديرات
ثلاثة: الأثر، والزمان، والعدد. واي واحد منها حصل كفي في نشر الحرمة:
فاما الأثر فهو ان يرضع بمقدار نبت اللحم وشد العظم، واما الزمان فهو
ان يرتضع من المرأة يوما وليلة مع اتصالهما بان يكون غذاؤه في هذه المدة
منحصرا بلبن المرأة، واما العدد فهو ان يرتضع منها خمس عشرة رضعة كاملة.
مسألة 3 - المعتبر في انبات اللحم وشد العظم استقلال الرضاع في حصولهما على
وجه ينسبان اليه، فلو فرض ضم السكر ونحوه اليه على نحو ينسبان
إليهما أشكل ثبوت التحريم، كما ان المدار على الانبات والشد المعتد به منهما
على نحو مبان يصدقان عرفا ولا يكفي حصولهما بالدقة العقلية، وإذا شك في
حصولهما بهذه المرتبة أو في استقلال الرضاع في حصولهما يرجع إلى التقديرين
الآخرين.
مسألة 4 - يعتبر في التقدير بالزمان ان يكون غذاؤه في اليوم والليلة
منحصرا باللبن، ولا يقدح شرب الماء للعطش ولا ما يأكل أو يشرب دواءا لا
للتغذية، والظاهر كفاية التلفيق في التقدير بالزمان لو ابتدأ بالرضاع في
أثناء الليل أو النهار.
مسألة 5 - يعتبر في التقدير بالعدد أمور:
منها: كمال الرضعة، بان يروي الصبي ويصدر من قبل نفسه، ولا تحسب الرضعة
الناقصة، ولا تضم الناقصات بعضها ببعض، بان تحسب رضعتان ناقصتان أو ثلاث
رضعات ناقصات مثلا واحدة. نعم لو التقم الصبي الثدي ثم رفضه لا بقصد
الاعراض بان كان للتنفس أو الالتفات إلى ملاعب أو الانتقال من ثدي
إلى آخر أو غير ذلك كان الكل رضعة واحدة.
421

ومنها: توالي الرضعات، بان لا يفصل بينها رضاع امرأة أخرى
ويراعي الاحتياط وجوبا في الناقص منه. ولا يقدح في التوالي تخلل غير
الرضاع من المأكول والمشروب وان تغذي به.
ومنها: ان يكون كمال العدد من امرأة واحدة، فلو ارتضع بعض الرضعات
من امرأة وأكملها من امرأة أخرى لم ينشر الحرمة وان اتحد الفحل فلا تكون
واحدة من المرضعين اما للمرتضع ولا الفحل أبا له.
ومنها: اتحاد الفحل، بان يكون تمام العدد من لبن فحل واحد، ولا
يكفي اتحاد المرضعة، فلو أرضعت امرأة من لبن فحل ثمان رضعات ثم طلقها
الفحل وتزوجت بآخر وحملت منه ثم أرضعت ذلك الطفل من لبن الفحل الثاني
تكملة العدد من دون تخلل رضاع امرأة أخرى في البين - بان يتغذى الولد في
هذه المدة المتخللة بالمأكول والمشروب - لم ينشر الحرمة.
مسألة 6 - ما ذكرنا من الشروط شروط لناشرية الرضاع للحرمة، فلو انتفي بعضها
لا اثر له وليس بناشر لها أصلا حتى بين الفحل والمرتضعة، وكذا بين المرتضع
والمرضعة فضلا عن الأصول والفروع والحواشي. وفي الرضاع شرط آخر زائد على
ما مر مختص بنشر الحرمة بين المرتضعين وبين أحدهما وفروع الآخر، وبعبارة
أخرى شرط لتحقق الاخوة الرضاعية بين المرتضعين، وهو اتحاد الفحل الذي
ارتضع المرتضعان من لبنه، فلو ارتضع صبي من امرأة من لبن شخص رضاعا
كاملا وارتضعت صبية من تلك المرأة من لبن شخص آخر كذلك - بان طلقها الأول
وزوجها الثاني وصارت ذات لبن منه فأرضعتها رضاعا كاملا - لم تحرم الصبية
على ذلك الصبي ولا فروع أحدهما على الآخر، بخلاف ما إذا كان الفحل وصاحب
اللبن واحدا وتعددت المرضعة، كما إذا كانت لشخص نسوة متعددة وأرضعت كل
واحدة منهن من لبنه طفلا رضاعا كاملا، فإنه يحرم بعضهم
422

على بعض وعلي فروعه لحصول الاخوة الرضاعية بينهم.
مسألة 7 - إذا تحقق الرضاع الجامع للشرائط صار الفحل والمرضعة أبا
وأما للمرتضع وأصولهما أجدادا وجدات وفروعهما إخوة وأولاد إخوة له ومن
في حاشيتهما وفي حاشية أصولهما أعماما أو عمات وأخوالا أو خالات له، وصار هو
اعني المرتضع ابنا أو بنتا لهما وفروعه أحفادا لهما، وإذا تبين ذلك فكل
عنوان نسبي محرم من العناوين السبعة المتقدمة إذا تحقق مثله في الرضاع
يكون محرما: فالأم الرضاعية كالأم النسبية، والبنت الرضاعية كالبنت
النسبية وهكذا. فلو أرضعت امرأة من لبن فحل طفلا حرمت المرضعة وأمها وأم
الفحل على المرتضع للأمومة والمرتضعة وبناتها وبنات المرتضع على الفحل
وعلي أبيه وأبي المرضعة للبنتية، وحرمت أخت الفحل وأخت المرضعة على
المرتضع لكونهما عمة وخالة له، والمرتضعة على أخي الفحل وأخي المرضعة
لكونها بنت أخ وبنت أخت لهما، وحرمت بنات الفحل على المرتضع والمرتضعة
على أبنائه نسبيين كانوا أم رضاعيين وكذا بنات المرضعة على المرتضع
والمرتضعة على أبنائها إذا كانوا نسبيين للاخوة. واما أولاد المرضعة
الرضاعيون ممن أرضعتهم بلبن فحل آخر غير الفحل الذي ارتضع المرتضع بلبنه
لم يحرموا على المرتضع، لما مر من اشتراط اتحاد الفحل في نشر الحرمة بين
المرتضعين.
مسألة 8 - تكفي في حصول العلاقة الرضاعية المحرمة دخالة الرضاع فيه
في الجملة، فقد تحصل من دون دخالة غيره فيها كعلاقة الأبوة والأمومة
والأبنية والبنتية الحاصلة بين الفحل والمرضعة وبين المرتضع، وكذا الحاصلة
بينه وبين أصولهما الرضاعيين، كما إذا كان لهما أب أو أم من الرضاعة حيث
انهما جد وجدة للمرتضع من جهة الرضاع محضا، وقد تحصل به مع دخالة النسب
في حصولها كعلاقة الاخوة الحاصلة بين المرتضع وأولاد الفحل والمرضعة
النسبيين، فإنهم
423

وان كانوا منسوبين اليهما بالولادة الا ان اخوتهم للمرتضع
حصلت بسبب الرضاع، فهم إخوة أو أخوات له من الرضاعة.
توضيح ذلك: ان النسبة بين شخصين قد تحصل بعلاقة واحدة كالنسبة بين الولد
ووالده ووالدته، وقد تحصل بعلاقتين كالنسبة بين الأخوين فإنها تحصل بعلاقة
كل منهما مع الأب أو الام أو كليهما، وكالنسبة بين الشخص وجده
الأدنى فإنها تحصل بعلاقة بينه وبين أبيه وعلاقة بين أبيه وبين جده، وقد
تحصل بعلاقات ثلاث كالنسبة بين الشخص وبين جده الثاني، وكالنسبة بينه
وبين عمه الأدنى فإنه تحصل بعلاقة بينه وبين أبيه وبعلاقة كل من أبيه
وأخيه مع أبيهما مثلا، وهكذا تتصاعد وتتنازل النسب وتنشعب بقلة العلاقات
وكثرتها، حتى انه قد تتوقف النسبة بين شخصين على عشر علائق أو أقل أو أكثر
.
وإذا تبين ذلك، فان كانت تلك العلائق كلها حاصلة بالولادة كانت
العلاقة نسبية، وان حصلت كلها أو بعضها ولو واحدة من العشر بالرضاع كانت
علاقة رضاعية.
مسألة 9 - لما كانت المصاهرة التي هي أحد أسباب تحريم النكاح كما
يأتي علاقة بين أحد الزوجين وبعض الأقرباء الآخر، فهي تتوقف على أمرين
مزاوجة وقرابة، والرضاع انما يقوم مقام الثاني دون الأول، فمرضعة ولدك
لا تكون بمنزلة زوجتك حتى تحرم أمها عليك، لكن الام والبنت الرضاعيتين
لزوجتك تكونان كالأم والبنت النسبيين لها فتحرمان عليك، وكذلك حليلة
الابن الرضاعي كحليلة الابن النسبي وحليلة الأب الرضاعي كحليلة الأب
النسبي تحرم الأولي على أبيه الرضاعي والثانية على ابنه الرضاعي.
مسألة 10 - قد تبين مما سبق ان العلاقة الرضاعية المحضة قد تحصل برضاع واحد
كالحاصلة بين المرتضع وبين المرضعة وصاحب اللبن، وقد تحصل
424

برضاعين
كالحاصلة بين المرتضع وبين أبوي الفحل والمرضعة الرضاعيين، وقد تحصل
برضاعات متعددة. فإذا كان لصاحب اللبن مثلا أب من جهة الرضاع وكان لذلك
الأب الرضاعي أيضا أب من الرضاع وكان للأخير أيضا أب من الرضاع وهكذا إلى
عشرة آباء كان الجميع أجدادا رضاعيين للمرتضع الأخير وجميع المرضعات جدات
له، فان كانت أنثى حرمت على جميع الأجداد وان كان ذكرا حرمت عليه جميع
الجدات، بل لو كانت للجد الرضاعي الأعلى أخت رضاعية حرمت إلى المرتضع
الأخير لكونها عمته العليا من الرضاع ولو كانت للمرضعة الابعد التي هي
الجدة العليا للمرتضع أخت حرمت عليه لكونها خالته العليا من الرضاع.
مسألة 11 - قد عرفت فيما سبق انه يشترط في حصول الاخوة الرضاعية
بين المرتضعين اتحاد الفحل، ويتفرع على ذلك مراعاة هذا الشرط في
العمومة والخولة الحاصلتين بالرضاع أيضا، لان العم والعمة أخ وأخت للأب
والخال والخالة أخ وأخت للام، فلو تراضع أبوك أو أمك مع صبية من امرأة
فان اتحد الفحل كانت الصبية عمتك أو خالتك من الرضاعة بخلاف ما إذا لم يتحد
، فحيث لم تحصل الاخوة الرضاعية بين أبيك أو أمك مع الصبية لم تكن هي
عمتك أو خالتك فلم تحرم عليك.
مسألة 12 - لا يجوز ان ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة
بل ورضاعا على الأحوط، وكذا في أولاد المرضعة نسبا لا رضاعا، واما
أولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن فيجوز نكاحهم في أولاد صاحب اللبن
وفي أولاد المرضعة التي أرضعت أخاهم بل يجوز لهم نكاح المرضعة نفسها وان
كان الاحتياط لا ينبغي تركه.
مسألة 13 - إذا أرضعت امرأة ابن شخص بلبن فحلها ثم أرضعت بنت شخص
425

آخر من لبن ذلك الفحل، فتلك البنت وان حرمت على ذلك الابن لكن تحل أخوات كل
منهما لاخوة الآخر.
مسألة 14 - الرضاع المحرم كما يمنع من النكاح لو كان سابقا يبطله لو
حصل لاحقا، فلو كانت له زوجة صغيرة فأرضعته بنته أو أمه أو أخته أو بنت
أخيه أو بنت أخته أو زوجة أخيه بلبنه رضاعا كاملا بطل نكاحها وحرمت عليه،
لصيرورتها بالرضاع بنتا أو أختا أو بنت أخ أو بنت أخت له فحرمت عليه لاحقا
كما كانت تحرم عليه سابقا. وكذا لو كانت له زوجتان صغيرة وكبيرة فأرضعت
الكبيرة الصغيرة حرمت عليه الكبيرة لأنها صارت أم زوجته، وكذلك الصغيرة
ان كان رضاعها من لبنه أو دخل بالكبيرة لكونها بنتا له في الأول وبنت
زوجته المدخول بها في الثاني وان كانت الكبيرة غير مدخول بها وكان اللبن
من غير الزوج ففي بطلان نكاح الكبيرة فقط لكونها أم الزوجة دون الصغيرة
لأنها ربيبة من التي لم يدخل بها أو بطلان نكاحهما لحرمة الجمع احتمالان لا
يترك الاحتياط بتجديد نكاح الصغيرة ان أراد البقاء وبالطلاق ان أراد التفريق.
إذا كان اخوان في بيت واحد مثلا وكانت زوجة كل منهما أجنبية عن
الآخر وأرادا ان تصير زوجة كل منهما من محارم الآخر حتى يحل له النظر إليها
، يمكن لهما الاحتيال بان يتزوج كل منهما بصبية وترضع زوجة كل منهما زوجة
الآخر رضاعا كاملا فصارت زوجة كل منهما اما لزوجة الآخر فصارت من محارمه وحل
نظره إليها وبطل نكاح كلتا الصبيتين لصيرورة كل منهما بالرضاع بنت
أخي زوجها.
مسألة 1 - إذا أرضعت امرأة ولد بنتها - وبعبارة أخرى أرضعت الولد جدته
من طرف الام - حرمت بنتها أم الولد على زوجها وبطل نكاحها، سواء أرضعته
بلبن أبي البنت أو بلبن غيره، وذلك لان زوج البنت أب للمرتضع وزوجته
بنت
426

للمرضعة جدة الولد، وقد مر انه يحرم على أبي المرتضع نكاح أولاد
المرضعة، فإذا منع منه سابقا ابطله لاحقا، وكذا إذا أرضعت زوجة أبي البنت
من لبنه ولد البنت بطل نكاح البنت، لما مر من انه يحرم نكاح أبي
المرتضع في أولاد صاحب اللبن. واما الجدة من طرف الأب إذا أرضعت ولد أبيها
فلا يترتب عليه شي ء، كما أنه لو كان رضاع الجدة من طرف الام ولد بنتها
بعد وفاة بنتها أو طلاقها أو وفاة زوجها لم يترتب عليه بطلان النكاح، ولكن
يترتب عليه حرمة المطلقة وأختها وأخت المتوفاة.
مسألة 2 - لو زوج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة ثم أرضعت جدتهما من
طرف الأب أو الام أحدهما انفسخ نكاحهما، لان المرتضع ان كان هو الذكر فان
أرضعته جدته من طرف الأب صار عما لزوجته، وان أرضعته جدته من طرف الام
صار خالا لزوجته، وان كان هو الأنثى صارت هي عمة لزوجها على الأول وخالة
له على الثاني، فبطل النكاح على اي حال.
مسألة 3 - إذا حصل الرضاع الطاري ء المبطل للنكاح، فاما ان يبطل
نكاح المرضعة بارضاعها كما في ارضاع الزوجة الكبيرة لشخص زوجته
الصغيرة بالنسبة إلى نكاحها، واما ان يبطل نكاح المرتضعة كالمثال بالنسبة
إلى نكاح الصغيرة، وإما ان يبطل نكاح غيرهما كما في ارضاع الجدة من طرف
الام ولد بنتها. والظاهر بقاء استحقاق الزوجة للمهر في الجميع الا في الصورة
الأولي بل في هذه الصورة أيضا لا يترك الاحتياط بالتصالح وان كان الرضاع
وانفساخ العقد قبل الدخول، وهل تضمن المرضعة ما يغرمه الزوج من المهر قبل
الدخول فيما إذا كان ارضاعها مبطلا لنكاح غيرها؟ قولان والأحوط وجوبا التصالح.
مسألة 4 - قد سبق ان العناوين المحرمة من جهة الولادة والنسب سبعة
: الأمهات، والبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ،
وبنات
427

الأخت. فان حصل بسبب الرضاع أحد هذه العناوين كان محرما
كالحاصل بالولادة، وقد عرفت فيما سبق كيفية حصولها بالرضاع مفصلا، واما لو
لم يحصل بسببه أحد تلك العناوين السبعة لكن حصل عنوان خاص لو كان حاصلا
بالولادة لكان ملازما ومتحدا مع أحد تلك العناوين السبعة كما لو أرضعت امرأة
ولد بنته فصارت أم ولد بنته وأم ولد البنت ليست من تلك السبع، لكن لو
كانت أمومة ولد البنت بالولادة كانت بنتا له والبنت من المحرمات السبعة،
فهل مثل هذا الرضاع أيضا محرم فتكون مرضعة ولد البنت كالبنت أم لا؟ الحق
هو الثاني، وقيل بالأول. وهذا هو الذي اشتهر في الألسنة بعموم المنزلة
الذي ذهب اليه بعض الأجلة، ولنذكر لذلك أمثلة:
أحدها - زوجتك أرضعت بلبنك أخاها فصار ولدك وزوجتك أخت له، فهل تحرم عليك
من جهة ان أخت ولدك إما بنتك أو ربيبتك وهما محرمتان عليك وزوجتك
بمنزلتهما أم لا؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول " نعم " ومن قال
بالعدم يقول " لا ".
ثانيها - زوجتك أرضعت بلبنك ابن أخيها فصار ولدك وهي عمته وعمة ولدك حرام
عليك لأنها أختك، فهل تحرم من الرضاع أم لا، فمن قال بعموم
المنزلة يقول نعم ومن قال بالعدم يقول لا.
ثالثها - زوجتك أرضعت عمها أو عمتها أو خالها أو خالتها فصارت أمهم وأم عم
وعمة زوجتك حرام عليك حيث انها جدتها من الأب، وكذا أم خال وخالة زوجتك
حرام عليك حيث انها جدتها من الام، فهل تحرم عليك من جهة الرضاع أم لا
؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول " نعم " ومن قال بالعدم يقول " لا ".
رابعها - زوجتك أرضعت بلبنك ولد عمها أو ولد خالها فصرت أبا ابن عمها أوابا
ابن خالها وهي تحرم على أبي ابن عمها وأبي ابن خالها لكونهما عمها وخالها،
428

فهل تحرم عليك من جهة الرضاع أم لا؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول نعم
ومن قال بالعدم يقول لا.
خامسها - امرأة أرضعت أخاك أو أختك لأبويك فصارت اما لهما وهي محرمة في
النسب لأنها أم لك، فهل تحرم عليك من جهة الرضاع ويبطل نكاح
المرضعة ان كانت زوجتك أم لا، فمن قال بعموم المنزلة يقول نعم ومن قال
بالعدم يقول لا.
سادسها - امرأة أرضعت ولد بنتك فصارت اما له، فهل تحرم عليك لكونها بمنزلة
بنتك وان كانت المرضعة زوجتك بطل نكاحها أم لا، فمن قال بعموم
المنزلة يقول نعم ومن قال بالعدم يقول لا.
سابعها - امرأة أرضعت ولد أختك فصارت اما له فهل تحرم عليك من جهة ان أم
ولد الأخت حرام عليك لأنها أختك وان كانت المرضعة زوجتك بطل نكاحها أم لا
، فمن قال بعموم المنزلة يقول نعم ومن قال بالعدم يقول لا.
ثامنها - امرأة أرضعت عمك أو عمتك أو خالك أو خالتك فصارت أمهم وأم عمك
وعمتك نسبا تحرم عليك لأنها جدتك من طرف أبيك وكذا أم خالك وخالتك لأنها
جدتك من طرف الام، فهل تحرم عليك بسبب الرضاع وان كانت المرضعة زوجتك
بطل نكاحها أم لا، فمن قال بعموم المنزلة يقول نعم ومن قال بالعدم يقول
لا.
مسألة 4 - لو شك في وقوع الرضاع أو في حصول بعض شروطه من الكمية
أو الكيفية بني على العدم. نعم يشكل فيما لو علم بوقوع الرضاع بشروطه
ولم يعلم بوقوعه في الحولين أو بعدهما وعلم تاريخ الرضاع وجهل تاريخ
ولادة المرتضع، فحينئذ لا يترك الاحتياط.
مسألة 5 - لا تقبل الشهادة على الرضاع الا مفصلة، بان يشهد الشهود على
429

الارتضاع في الحولين بالامتصاص من الثدي خمس عشرة رضعة متواليات
مثلا، إلى آخر ما مر من الشروط. ولا يكفي الشهادة المطلقة والمجملة، بان
يشهد على وقوع الرضاع المحرم أو يشهد مثلا على ان فلانا ولد فلانة أو فلانة
بنت فلان من الرضاع، بل يسال منه التفصيل الا ان يعلم عرفانهما بشرايط
الرضاع وأنهما الموافقان معه في الرأي اجتهادا أو تقليدا.
مسألة 6 - الأقوى انه تقبل شهادة النساء العادلات في الرضاع مستقلات،
بان تشهد اربع نسوة عليه، ومنضمات بان تشهد به امرأتان مع رجل واحد.
مسألة 7 - يستحب ان يختار لرضاع الأولاد، المسلمة العاقلة العفيفة
الوضيئة ذات الأوصاف الحسنة، فان للبن تأثيرا تاما في المرتضع، كما يشهد
به الاختبار ونطقت به الاخبار والآثار: فعن الباقر (عليه السلام): قال رسول
الله صلي الله عليه وآله وسلم: لا تسترضعوا الحمقاء والعمشاء، فان اللبن يعدي
. وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تسترضعوا الحمقاء، فان اللبن يغلب
الطباع. وعنه (عليه السلام): انظروا من ترضع أولادكم، فان الولد يشب عليه.
إلى غير ذلك من الاخبار المستفاد منها رجحان اختيار ذوات الصفات الحميدة خلقا
وخلقا، ومرجوحية اختيار أضدادهن وكراهته، ولا سيما الكافرة، وان اضطر إلى
استرضاعها فليختر اليهودية والنصرانية على المشركة والمجوسية، ومع ذلك لا
يسلم الطفل إليهن ولا يذهبن بالولد إلى بيوتهن ويمنعها من شرب الخمر واكل
لحم الخنزير، ومثل الكافرة أو أشد كراهة استرضاع الزانية باللبن الحاصل من
الزنا والمرأة المتولدة من زنا. فعن الباقر (عليه السلام): لبن اليهودية
والنصرانية والمجوسية أحب إلى من ولد الزنا. وعن الكاظم (عليه السلام) سئل
عن امرأة زنت هل يصلح ان تسترضع؟ قال: لا يصلح ولا لبن ابنتها التي
ولدت من الزنا.
430

القول في المصاهرة وما يلحق بها القول في المصاهرة وما يلحق بها
المصاهرة، وهي علاقة تحدث بالزواج، وما يلحق به موجبة لحرمة النكاح
إما عينا أو جمعا على تفصيل يأتي:
مسألة 1 - تحرم معقودة الأب على ابنه وبالعكس فصاعدا في الأول ونازلا
في الثاني حرمة دائمية، سواء كان العقد دائميا أو انقطاعيا، وسواء دخل
العاقد بالمعقودة أو لم يدخل بها، وسواء كان الأب والابن نسبيين أو رضاعيين
.
مسألة 2 - إذا عقد على امرأة حرمت عليه أمها وان علت نسبا أو رضاعا،
سواء دخلت بها أو لا، وسواء كان العقد دواما أو انقطاعا، وسواء كانت المعقودة
صغيرة أو كبيرة.
نعم الأحوط في العقد على الصغيرة انقطاعا ان تكون بالغة إلى حد
تقبل للاستمتاع والتلذذ بها ولو بغير الوطي، بان كانت بالغة ست سنوات فما
فوق مثلا أو يدخل في المدة بلوغها إلى هذا الحد، وان وقع عقد الانقطاع ساعة
أو ساعتين على الصغيرة الرضيعة أو من يقاربها مريدين بذلك محرمية أمها على
المعقود فلا يترك الاحتياط فيها فمثلا ابن الزوج لا يتزوجها ولا ينظر إليها.
مسألة 3 - إذا عقد على امرأة حرمت عليه بنتها وان نزلت إذا دخل بالام
ولو دبرا، واما إذا لم يدخل بها لم تحرم عليه بنتها عينا وانما تحرم عليه
جمعا، بمعني انها تحرم عليه ما دامت الام في حباله، فإذا خرجت بموت أو
طلاق أو غير ذلك جاز له نكاحها.
مسألة 4 - لا فرق في حرمة بنت الزوجة بين ان تكون البنت موجودة في
زمان زوجية الام أو تولدت بعد خروجها عن الزوجية، فلو عقد على امرأة ودخل
بها ثم طلقها ثم تزوجت وولدت من الزوج الثاني بنتا تحرم هذه البنت على
الزوج الأول.
431

مسألة 5 - لا اشكال في ترتب الحرمات الأربع على النكاح والوطي الصحيحين،
وهل تترتب على الزنا ووطي الشبهة أم لا؟ قولان أحوطهما وأشهرهما أولهما،
فلو زنا بامرأة حرمت على أبي الزاني وحرمت على الزاني أم المزني بها
وبنتها، وكذلك الموطوءة بالشبهة. نعم الزنا الطاري ء على التزويج لا يوجب
الحرمة ان كان بعد الوطي، فلو تزوج بامرأة ودخل بها ثم زنا بأمها أو
بنتها لم تحرم عليه امرأته، وكذا لو زنا الأب بامرأة الابن لم تحرم على
الابن، ولو زنا الابن بامرأة الأب لم تحرم على أبيه وان كان قبل الوطي
لا يترك الاحتياط فيه وكذا في الوطي بالشبهة.
مسألة 6 - لا فرق في الحكم بين الوطي في القبل والدبر.
مسألة 7 - إذا علم بالزنا وشك في كونه سابقا على العقد أو طارئا بني
على الثاني.
مسألة 8 - إذا لمس امرأة أجنبية أو نظر إليها بشهوة حرمت الملموسة
والمنظورة على أبي اللامس والناظر وابنهما على قول، بل قيل بحرمة أم
المنظورة والملموسة على الناظر واللامس أيضا، وهذا وان كان أحوط لكن
الأقوى خلافه.
مسألة 9 - لا يجوز نكاح بنت الأخ على العمة وبنت الأخت على الخالة
إلا بإذنهما، من غير فرق بين كون النكاحين دائمين أو منقطعين أو مختلفين،
ولا بين علم العمة والخالة حال العقد وجهلهما، ولا بين اطلاعهما على ذلك
وعدم اطلاعهما ابدا، فلو تزوجهما عليهما بدون اذنهما كان العقد الطارئ
كالفضولي على الأقوى يتوقف صحته على إجازة العمة والخالة، فان أجازتا جاز
والا بطل. ويجوز نكاح العمة والخالة على بنتي الأخ والأخت وان كانت
العمة والخالة
432

جاهلتين، وليس لهما الخيار لا في فسخ عقد أنفسهما ولا في فسخ
عقد بنتي الأخ والأخت على الأقوى.
مسألة 10 - الظاهر انه لا فرق في العمة والخالة بين الدنيا منهما والعليا،
كما انه لا فرق بين نسبيتين منهما والرضاعيتين.
مسألة 11 - إذا أذنتا ثم رجعتا عن الاذن، فان كان رجوعهما بعد العقد لم
يؤثر في البطلان، وان كان قبله بطل الاذن السابق، فلو لم يبلغه الرجوع
وتزوج اعتمادا عليه توقفت صحته على الإجازة اللاحقة.
مسألة 12 - الظاهر ان اعتبار اذنهما ليس حقا لهما كالخيار حتى يسقط بالاسقاط،
فلو اشترط في ضمن عقدهما ان لا يكون لهما ذلك لم يؤثر شيئا، ولو اشترط
عليهما ان يكون للزوج العقد على بنت الأخ أو الأخت فان لم ترجعا عن الشرط
قبل العقد فهو بمنزلة الاذن وان رجعتا عنه قبل العقد فلا يسقط بالشرط المذكور اعتبار الاذن.
مسألة 13 - إذا تزوج بالعمة وابنة الأخ وشك في السابق منهما حكم
بصحة العقدين، وكذلك فيما إذا تزوج ببنت الأخ أو الأخت وشك في انه هل
كان عن اذن من العمة أو الخالة أم لا حكم بالصحة وحصول الاذن منهما.
مسألة 14 - إذا طلق العمة أو الخالة، فان كان بائنا صح العقد على بنتي
الأخ والأخت بمجرد الطلاق، وان كان رجعيا لم يجز الا بعد انقضاء العدة.
مسألة 15 - لا يجوز الجمع في النكاح بين الأختين نسبيتين أو رضاعيتين دواما
أو انقطاعا أو بالاختلاف، فلو تزوج بإحدى الأختين ثم تزوج بأخرى بطل العقد
الثاني دون الأول، سواء دخل بالأولى أو لا. ولو اقترن عقدهما - بان تزوجهما
بعقد واحد أو عقد هو على إحداهما ووكيله على الأخرى في زمان
433

واحد مثلا - بطلا معا.
مسألة 16 - لو تزوج بالأختين ولم يعلم السابق واللاحق من العقدين، فان
علم تاريخ أحدهما حكم بصحته دون الآخر، وان جهل تاريخهما فان
احتمل تقارنهما حكم ببطلانهما معا وان علم عدم الاقتران فقد علم اجمالا بصحة
أحد العقدين وبطلان أحدهما، فلا يجوز له وطيهما ولا وطي إحداهما ما دام
الاشتباه، فيحتمل تعيين السابق بالقرعة، لكن الأحوط وجوبا ان يطلقهما أو
يطلق الزوجة الواقعية منهما ثم يتزوج من شاء منهما على اشكال في الثاني،
وله ان يطلق إحداهما ويجدد العقد على الأخرى بعد انقضاء عدة الأولي إذا كانت
مدخولا بها.
مسألة 17 - في المسئلة السابقة مقتضي العلم اشتغال ذمة الزوج لصداق
الزوجة الواقعية ووجوب تحصيل الفراغ منه، فان كان الصداقان مثليين قدرا
و جنسا يجب عليه اعطاء كل واحد منهما صداقه وكذلك ان كانا متباينين، وان
كانا بين الأقل والأكثر يجب اعطاء كل واحد منهما الأقل فلو طلقهما والحال هذه
، فان كان قبل الدخول فعليه للزوجة الواقعية نصف مهرها، لكن يجب عليه
اعطاء كل واحد منهما النصف من الصداق تحصيلا لفراغ الذمة فيعطي كل واحد منهما
مهرها على التفصيل المذكور الا ان يكون الصداقان عينين خارجين واتفقا جنسا
وقدرا فقد علم من عليه الحق ومقدار الحق، وانما الاشتباه في من له الحق
، فالحكم في نصف كل منهما التنصيف كما في الدرهم الودعي ومن ذلك يعرف
حكم ما إذا وقع الطلاق بعد الدخول.
مسألة 18 - الظاهر جريان حكم تحريم الجمع فيما إذا كانت الأختان كلتاهما أو
إحداهما من زنا.
مسألة 19 - إذا طلق زوجته، فان كان الطلاق رجعيا لا يجوز ولا يصح نكاح أختها
ما لم تنقض عدتها، وان كان بائنا كالطلاق الثالث أو كانت المطلقة ممن لا
434

عدة لها كالصغيرة وغير المدخولة واليائسة جاز له نكاح أختها في الحال.
نعم لو كانت متمتعة وانقضت مدتها أو وهب المدة لا يجوز له على الأحوط لو
لم يكن أقوى نكاح أختها قبل انقضاء العدة وان كانت بائنة.
مسألة 20 - ذهب بعض الأخباريين إلى حرمة الجمع بين الفاطميتين في النكاح،
والحق جوازه وان كان الترك أحوط وأولي، ولو قلنا بالحرمة فهي تكليفية لا
يترتب عليها غير الاثم والمعصية من دون ان تؤثر في بطلان عقديهما،
والقول به كما عن بعضهم وجعله كالجمع بين الأختين افراط من القول ضعيف
في الغاية.
مسألة 21 - الأحوط ترك تزويج الحر للأمة دواما ومتعة الا إذا لم يتمكن
من مهر الحرة وشق عليه الصبر على الشبق بحيث خيف من الوقوع في الزنا
فيجوز بلا إشكال.
مسألة 22 - لا يجوز تزويج الأمة على الحرة الا باذنها، فلو نكحها عليها تتوقف
صحة عقد الأمة على إجازة الحرة، فان أجازت جاز والا بطل. ويجوز العكس،
وهو نكاح الحرة على الأمة، فان كانت الحرة عالمة بالحال لزم العقدان
، وان كانت جاهلة فلها الخيار في فسخ عقدها لا في فسخ الأمة.
مسألة 23 - لو زنت مرأة ذات بعل لم تحرم على زوجها، ولا يجب على
زوجها أن يطلقها وان كانت مصرة على ذلك.
مسألة 24 - من زنا بذات بعل دواما أو متعة حرمت عليه ابدا، سواء كانت
حرة أو أمة مسلمة كانت أو كافرة مدخولا بها من زوجها أو غيرها، فلا يجوز له
نكاحها بعد موت زوجها أو زوال عقدها بطلاق أو فسخ أو انقضاء مدة وغيرها. ولا
فرق علي الظاهر بين ان يكون الزاني عالما بأنها ذات بعل أو لا، ولو كان
مكرها على الزنا ففي لحوق الحكم اشكال فلا يترك الاحتياط.
435

مسألة 25 - إذا زنا بامرأة في العدة الرجعية حرمت عليه ابدا كذات البعل
دون البائنة وعدة الوفاة، ولو علم بأنها كانت في العدة ولم يعلم بأنها
كانت رجعية أو بائنة فلا حرمة. نعم لو علم بكونها في عدة رجعية وشك في
انقضائها فالظاهر الحرمة.
مسألة 26 - إذا لاط الرجل بغلام فأوقبه ولو ببعض الحشفة حرمت عليه ابدا
أم الغلام وان علت وبنته وان نزلت وأخته، وفي كونه موجبا لنشر الحرمة
ان كان الواطي صغيرا والمفعول كبيرا نظر فلا يترك الاحتياط، ولا تحرم على
المفعول أم الفاعل وبنته وأخته على الأقوى، والام والبنت والأخت
الرضاعيات للمفعول كالنسبيات.
مسألة 27 - انما يوجب اللواط حرمة المذكورات إذا كان سابقا، واما إذا
كان طارئا على التزويج فان كان بعد الوطي فلا يوجب الحرمة وبطلان النكاح
وان كان قبل الوطي فلا يترك الاحتياط، فلو تزوج امرأة ودخل بها ثم لاط
بابنها أو أبيها أو أخيها لم تحرم عليه امرأته.
مسألة 28 - لو شك في تحقق الايقاب حينما عبث بالغلام أو بعده بني
على العدم.
القول في النكاح في العدة وتكميل العدد القول في النكاح في العدة وتكميل
العدد
مسألة 1 - لا يجوز نكاح المرأة لا دائما ولا منقطعا إذا كانت في عدة
الغير رجعية كانت أو بائنة عدة وفاة أو غيرها من نكاح دائم أو منقطع أو من
وطي شبهة، ولو تزوجها فان كانا عالمين بالموضوع والحكم - بان علما بكونها في
العدة وعلما بأنه لا يجوز النكاح في العدة أو كان أحدهما عالما بهما - بطل
النكاح وحرمت عليه ابدا سواء دخل بها أو لا، وكذا ان جهلا بهما أو بأحدهما
ودخل بها ولو دبرا،
436

واما لو لم يدخل بها بطل العقد ولكن لم تحرم عليه ابدا
، فله استيناف العقد عليها بعد انقضاء العدة التي كانت فيها، واما التصريح
بالخطبة في عدة الغير مطلقا وان كان لا يجوز لكن لا يوجب الحرمة.
مسألة 2 - لو وكل واحدا في تزويج امرأة له ولم يعين الزوجة فزوجه
امرأة ذات عدة لم تحرم عليه وان علم الوكيل بكونها في العدة، بل لا
تحرم عليه مع الدخول في الفرض، لان وكالته كانت مختصة بالعقد الصحيح،
فعقد ذات العدة غير مستند اليه ودخوله مع الجهل بالعدة حين الدخول وطي
بالشبهة ولا يوجب الحرمة، ولو علم بكونها في العدة ومع ذلك دخل بها بدون
امضاء العقد فهو زناء لا يوجب الحرمة الا في الرجعية، وان امضي العقد فدخل
ففي ترتب احكام العقد في العدة على امضائه اشكال، ولكن لا يترك الاحتياط
فيه جدا. واما لو عين الزوجة فان كان الموكل عالما بالحكم والموضوع حرمت
عليه وان كان الوكيل جاهلا بهما بخلاف العكس فالمدار على علم الموكل وجهله
لا الوكيل.
مسألة 3 - لا يلحق بالتزويج في العدة وطي الشبهة أو الزنا بالمعتدة، فلو
وطي شبهة أو زنا بالمرأة في حال عدتها لم يؤثر في الحرمة الأبدية اية عدة
كانت إلا العدة الرجعية إذا زنا بها فيها فإنه يوجب الحرمة كما مر.
مسألة 4 - إذا كانت المرأة في عدة الرجل جاز له العقد عليها في الحال
ولا ينتظر انقضاء العدة الا في موارد فيها مانع خاص من تزويجها مثل الطلاق
الثالث المحتاج إلى المحلل والطلاق التاسع المحرم ابدا، وفيما إذا كانت
معتدة له بالعدة الرجعية يبطل منه العقد عليها لكونها بمنزلة زوجته ولا يصح
عقد الزوج على زوجته، فلو كانت عنده متعة وأراد ان يجعل عقدها دواما جاز
ان يهب مدتها ويعقد عليها العقد الدوام في الحال، بخلاف ما إذا كانت عنده
زوجة دائمة وأراد أن يجعلها منقطعة فطلقها لذلك طلاقا غير بائن، فإنه لا
يجوز له ايقاع عقد
437

الانقطاع عليها الا بعد خروجها عن العدة.
مسألة 5 - هل يعتبر في الدخول الذي هو شرط للحرمة الأبدية في صورة الجهل
ان يكون في العدة أو يكفي وقوع العقد في العدة وان كان الدخول واقعا
بعد انقضائها؟ قولان أحوطهما الثاني فلا يترك الاحتياط بترك التزويج
وبالطلاق علي فرض التزويج.
مسألة 6 - لو شك في انها معتدة أم لا حكم بالعدم وجاز له تزويجها ولا
يجب عليه التفحص عن حالها، وكذا لو شك في انقضاء عدتها وأخبرت هي
بالانقضاء فتصدق وجاز تزويجها.
مسألة 7 - لو علم ان التزويج كان في العدة مع الجهل موضوعا أو حكما
ولكن شك في انه قد دخل بها حتى تحرم عليه ابدا أو لا، بني على عدم
الدخول فلم تحرم عليه. وكذا لو علم بعدم الدخول لكن شك في ان أحدهما قد
كان عالما أم لا، بني على عدم العلم فلا يحكم بالحرمة الأبدية.
مسألة 8 - يلحق بالتزويج في العدة في ايجاب الحرمة الأبدية التزويج
بذات البعل، فلو تزوجها مع العلم بأنها ذات بعل حرمت عليه ابدا، سواء دخل
بها أم لا، ولو تزوجها مع الجهل لم تحرم عليه الا مع الدخول بها.
مسألة 9 - إذا تزوج بامرأة عليها عدة ولم تشرع فيها لعدم تحقق مبدأها -
كما إذا تزوج بمن مات زوجها ولم يبلغها الخبر فان مبدأ عدتها من حين بلوغ
الخبر - فهل يوجب الحرمة الأبدية أم لا؟ قولان أحوطهما الأول وأرجحهما
الثاني.
مسألة 10 - من كان عنده اربع زوجات دائمية تحرم عليه الخامسة ما
دامت الأربع في حباله، سواء كان حرا أو عبدا، وسواء كن حرائر أو إماء أو
مختلفات، وكذا يحرم على الحر أزيد من أمتين وعلي العبد أزيد من حرتين وان
لم تزد من
438

عنده من الزوجات على الأربع، فلا يجوز للأول الجمع بين ثلاث
إماء وحرة ولا للثاني الجمع بين ثلاث حرائر وأمة، ويجوز للأول الجمع بين
اربع حرائر فضلا عن ثلاث حرائر وأمة أو حرتين وأمتين، واما الثاني فلا يجوز
له الا الجمع بين اربع إماء أو حرتين أو حرة وأمتين ولا يجوز له الجمع بين
ثلاث إماء وحرة وكذابين أمتين وحرتين بل ولا بين أمة وحرتين، فان العبد
إذا جمع بين حرتين فلا يجوز له الزيادة لا من الحرائر ولا من الإماء. فضلا
عن اربع حرائر أو ثلاث.
مسألة 11 - ما ذكر انما هو في العقد الدائم، واما في المنقطع فيجوز الجمع
بما شاء وان كانت عند الحر اربع حرائر دائميات وعند العبد اربع إماء دائميات
، فيجوز لكل منهما ان يزيد عليهن انقطاعا بما شاء.
مسألة 12 - إذا كانت عنده اربع فماتت إحداهن يجوز له تزويج أخرى
في الحال، وكذا لو فارق إحداهن بالفسخ أو الانفساخ أو بالطلاق البائن، وأولي
بذلك ما إذا لم تكن لها عدة كغير المدخول بها واليائسة، واما إذا طلقها
بالطلاق الرجعي فلا يجوز له تزويج أخرى الا بعد انقضاء عدة الأولي.
مسألة 13 - إذا طلق الرجل حرا كان أو عبدا زوجته الحرة ثلاث طلقات
لم يتخلل بينها نكاح رجل آخر حرمت عليه، ولا يجوز له نكاحها حتى تنكح
زوجا غيره بالشروط الآتية في كتاب الطلاق، وكذا إذا طلق زوجته غير الحرة
طلقتين لم يتخلل بينهما نكاح رجل آخر، وإذا طلقها تسعا للعدة بتخلل محللين
في البين - بان نكحت غير المطلق بعد الثلاثة الأولي والثانية - حرمت عليه
ابدا. وكيفيته وقوع تسع طلقات للعدة ان يطلقها بالشرائط ثم يراجعها في
العدة ويطئها، ثم يطلقها في طهر آخر ثم يراجع ثم يطأ، ثم يطلقها الثالثة
ثم ينكحها بعد عدتها زوج آخر، ثم يفارقها بعد ان يطئها ثم يتزوجها الأول بعد
عدتها، ثم يوقع عليها ثلاث طلقات مثل ما أوقع أولا، ثم ينكحها زوج آخر
ويطئها ثم يفارقها ويتزوجها
439

الأول ويوقع عليها ثلاث طلقات أخرى، إلى ان
يكمل لها تسعا تخلل بينها نكاح رجلين، فتحرم عليه في التاسعة ابدا. وسيجئ
تفاصيل هذه المسائل في كتاب الطلاق انشاء الله تعالي.
القول في الكفر القول في الكفر
لا يجوز للمسلمة ان تنكح الكافر دواما وانقطاعا، سواء كان أصليا حربيا كان أو
كتابيا أو كان مرتدا عن فطرة كان أو عن ملة، وكذا لا يجوز للمسلم تزويج
غير الكتابية من أصناف الكفار ولا المرتدة عن فطرة كانت أو ملة. واما
الكتابية من اليهودية والنصرانية ففيه أقوال، أشهرها المنع في النكاح
الدائم والجواز في المنقطع، وقيل بالمنع مطلقا، وقيل بالجواز كذلك، وهو لا
يخلو من قوة على كراهية خصوصا في الدائم، بل الاحتياط فيه لا يترك ان
استطاع نكاح المسلمة.
مسألة 1 - الأحوط لو لم يكن الأقوى حرمة نكاح المجوسية، واما
الصابئة ففيها اشكال حيث انه لم يتحقق عندنا إلى الان حقيقة دينهم، فان
تحقق انهم طائفة من النصارى كما قيل كانوا بحكمهم.
مسألة 2 - العقد الواقع بين الكفار لو وقع صحيحا عندهم وعلي طبق
مذهبهم يرتب عليه آثار الصحيح عندنا، سواء كان الزوجان كتابيين أو وثنيين
أو مختلفين، حتى انه لو أسلما معا دفعة اقرا على نكاحهما الأول ولم يحتج
إلى عقد جديد على طبق مذهبنا، بل وكذا لو اسلم أحدهما أيضا في بعض الصور
الآتية. نعم لو كان نكاحهم مشتملا على ما يقتضي الفساد ابتداءا واستدامة
كنكاح أحدي المحرمات عينا أو جمعا جري عليه بعد الاسلام حكم الاسلام.
مسألة 3 - إذا اسلم زوج الكتابية بقيا على نكاحهما الأول، سواء كان كتابيا
أو وثنيا، وسواء كان اسلامه قبل الدخول أو بعده. وإذا اسلم زوج الوثنية
وثنيا كان
440

أو كتابيا، فان كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال، وان
كان بعده يفرق بينهما وينتظر انقضاء العدة، فان أسملت الزوجة قبل انقضائها
بقيا على نكاحهما وإلا انفسخ النكاح، بمعني انه يتبين انفساخه من حين
اسلام الزوج.
مسألة 4 - إذا أسلمت زوجة الوثني أو الكتابي وثنية كانت أو كتابية، فان
كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال، وان كان بعده وقف على انقضاء
العدة ويفرق بينهما فان اسلم قبل انقضائها فهي امرأته والا بان انها بانت
منه حين اسلامها.
مسألة 5 - لو ارتد أحد الزوجين أو ارتدا معا دفعة قبل الدخول وقع
الانفساخ في الحال، سواء كان الارتداد عن فطرة أو ملة، وكذا بعد الدخول
إذا كان الارتداد من الزوج وكان عن فطرة، واما ان كان ارتداده عن ملة أو
كان الارتداد من الزوجة مطلقا وقف الفسخ على انقضاء العدة فيفرق بينهما،
فان رجع أو رجعت قبل انقضائها كانت زوجته والا انكشف انها بانت منه عند
الارتداد.
مسألة 6 - العدة في ارتداد الزوج عن فطرة كالوفاة وفي غيره كالطلاق.
مسألة 7 - لا يجوز للمؤمنة ان تنكح الناصب المعلن بعداوة أهل البيت
عليهم السلام، ولا الغالي المعتقد بألوهيتهم أو نبوتهم، وكذا لا يجوز للمؤمن
ان ينكح الناصبة والغالية لأنهما بحكم الكفار وان انتحلا دين الاسلام.
مسألة 8 - لا اشكال في جواز نكاح المؤمن المخالفة غير الناصبة، واما
نكاح المؤمنة المخالف غير الناصب ففيه خلاف: الجواز مع الكراهة لا يخلو من
قوة، وحيث انه نسب إلى المشهور عدم الجواز فلا ينبغي ترك الاحتياط مهما
أمكن.
مسألة 9 - لا يشترط في صحة النكاح تمكن الزوج من النفقة. نعم لو
زوج الصغيرة وليها بغير القادر عليها لم يلزم العقد عليها فلها الرد بعد كمالها
، لما مر من
441

انه يعتبر في نفوذ عقد الولي على المولي عليه عدم المفسدة،
ولا ريب ان هذا مفسدة واي مفسدة الا إذا زوحمت بمصلحة غالبة عليها.
مسألة 10 - بعدما لم يكن التمكن من النفقة شرطا لصحة العقد ولا لزومه،
فلو كان متمكنا منها حين العقد ثم تجدد العجز عنها بعد ذلك لم يكن لها التسلط
على الفسخ لا بنفسها ولا بالحاكم على الأقوى. نعم لو كان ممتنعا عن الانفاق
مع اليسار ورفعت امرها إلى الحاكم ألزمه بأحد الامرين اما الانفاق أو الطلاق،
فإذا امتنع عن الامرين ولم يمكن الانفاق من ماله ولا اجباره بالطلاق فالظاهر
ان للحاكم ان يطلقها ان أرادت الطلاق.
مسألة 11 - لا اشكال في جواز تزويج الحرة بالعبد والعربية بالعجمي والهاشمية
بغير الهاشمي وبالعكس، وكذا ذوات البيوتات الشريفة بأرباب الصنائع الدنيئة
كالكناس والحجام ونحوهما، لان المسلم كفو المسلمة والمؤمن كفوا لمؤمنة
والمؤمنون بعضهم إكفاء بعض كما في الخبر. نعم يكره التزويج بالفاسق خصوصا
شارب الخمر والزاني كما مر.
مسألة 12 - مما يوجب الحرمة الأبدية التزويج حال الاحرام دواما أو
انقطاعا، سواء كانت المرأة محرمة أو محلة، وسواء كان ايقاع التزويج له
بمباشرته أو بتوكيل الغير محرما كان الوكيل أو محلا، كان التوكيل قبل
الاحرام أو حاله. هذا مع العلم بالحرمة، واما مع جهله بها وان بطل
النكاح في جميع الصور المذكورة لكن لا يوجب الحرمة الأبدية.
مسألة 13 - لا فرق فيما ذكر من التحريم مع العلم والبطلان مع الجهل بين
ان يكون الاحرام لحج واجب أو مندوب أو لعمرة واجبة أو مندوبة، ولا بين
ان يكون حجه وعمرته لنفسه أو نيابة عن غيره.
442

مسألة 14 - لو كانت الزوجة محرمة عالمة بالحرمة وكان الزوج محلا فهل يوجب
الحرمة الأبدية بينهما؟ قولان أحوطهما ذلك، بل لا يخلو من قوة.
مسألة 15 - يجوز للمحرم الرجوع في الطلاق في العدة الرجعية، وكذا يجوز
له ان يوكل محلا في ان يزوج له بعد احلاله، بل وكذا ان يوكل محرما في
ان يزوج له بعد احلالهما.
مسألة 16 - ومن أسباب التحريم اللعان بشروطه المذكورة في بابه، بان
يرميها بالزنا ويدعي المشاهدة بلا بينة أو ينفي ولدها الجامع لشرائط الالحاق
به، وتنكر ذلك ورفعا أمرهما إلى الحاكم فيأمرهما بالملاعنة بالكيفية الخاصة
، فإذا تلاعنا سقط عنه حد القذف وعنها حد الزنا وانتفى الولد عنه وحرمت عليه
مؤبدا.
مسألة 17 - نكاح الشغار باطل، وهو ان تتزوج امرأتان برجلين على ان
يكون مهر كل واحدة منهما نكاح الأخرى ولا يكون بينهما مهر غير
النكاحين والتزويجين، مثل ان يقول أحد الرجلين للاخر زوجتك بنتي أو أختي
على ان تزوجني بنتك أو أختك ويكون صداق كل منهما نكاح الأخرى، ويقول
الآخر قبلت وزوجتك بنتي أو أختي هكذا. واما لو زوج إحداهما الآخر بمهر
معلوم وشرط عليه ان يزوجه الأخرى بمهر معلوم فصح العقدان، مثل ان يقول
زوجتك بنتي أو أختي على صداق مائة دينار على ان تزوجني أختك أو بنتك هكذا
، ويقول الآخر قبلت وزوجتك بنتي أو أختي على مائة دينار. بل وكذا لو شرط
ان يزوجه الأخرى ولم يذكر مهرا أصلا مثل ان يقول زوجتك بنتي على ان
تزوجني بنتك، فقال قبلت وزوجتك بنتي، فإنه يصح العقدان، لكن حيث انه
لم يذكر المهر تستحق كل منهما مهر المثل، كما يأتي في محله من ان ذكر
المهر ليس شرطا في صحة النكاح الدائم وانما تستحق المرأة مهر المثل لو لم
يذكر المهر.
443

القول في النكاح المنقطع القول في النكاح المنقطع
ويقال له المتعة والنكاح المؤجل.
مسألة 1 - النكاح المنقطع كالدائم في انه يحتاج إلى عقد مشتمل على
ايجاب وقبول لفظيين وانه لا يكفي مجرد الرضا القلبي من الطرفين ولا
المعاطاة ولا الكتابة ولا الإشارة، وفي اعتبار العربية وفي كون الايجاب من
طرف الزوجة كما فصل ذلك كله فيما سبق.
مسألة 2 - ألفاظ الايجاب في هذا العقد ثلاثة " متعت " و " زوجت " و " أنكحت "
، أيها حصل وقع الايجاب به، ولا ينعقد بغيرها كلفظ التمليك والهبة والإجارة
. والقبول كل لفظ دال على انشاء الرضا بذلك الإيجاب كقوله " قبلت المتعة "
أو " التزويج " أو " النكاح "، ولو قال " قبلت " أو " رضيت " واقتصر كفى. ولو
بدا بالقبول فقال " تزوجتك " فقالت " زوجتك نفسي " صح.
مسألة 3 - لا يجوز تمتع المسلمة بالكافر بجميع أصنافه، وكذا لا يجوز
تمتع المسلم بغير الكتابية من أصناف الكفار ولا بالمرتدة ولا بالناصبية
المعلنة بالعداوة كالخارجية.
مسألة 4 - لا يتمتع بأمة وعنده حرة الا بإذنها، ولو فعل وقف على اجازتها
، وكذا لا يتمتع على العمة بنت أخيها ولا على الخالة بنت أختها الا بإذنهما
أو أجازتهما.
مسألة 5 - يشترط في النكاح المنقطع ذكر المهر، فلو أخل به بطل. ويعتبر
فيه ان يكون مما يتمول، سواء كان عينا خارجيا أو كليا في الذمة أو منفعة
وعملا محللا صالحا للعوضية، بل وحقا من الحقوق المالية كحق التحجير ونحوه،
وان يكون معلوما بالكيل أو الوزن في المكيل والموزون والعد في المعدود
أو
444

المشاهدة أو الوصف الرافعين للجهالة، ويتقدر بالمراضاة قل أو كثر ولو كان
كفا من طعام.
مسألة 6 - تملك المتمتعة المهر بالعقد، فيلزم عليه دفعه إليها بعده لو
طالبته، وان كان استقراره بالتمام مراعي بالدخول ووفائها بالتمكين في
تمام المدة، فلو وهبها المدة فان كان قبل الدخول لزمه نصف المهر، وان
كان بعده لزمه الجميع، وان مضت من المدة ساعة وبقيت منها شهور أو أعوام
فلا يقسط المهر على ما مضي منها وما بقي. نعم لو لم يهب المدة ولكنها لم
تف بها ولم تمكنه من نفسها في تمامها كان له ان يضع من المهر بنسبتها،
ان نصفا فنصف وان ثلثا فثلث وهكذا ما عدا أيام حيضها، فلا ينقص لها شي من
المهر. وفي الحاق سائر الأعذار كالمرض المدنف ونحوه بها أو عدمه وجهان بل
قولان فلا يترك الاحتياط بالتصالح.
مسألة 7 - لو أوقع العقد ولم يدخل بها حتى انقضت المدة استقر عليه
تمام المهر.
مسألة 8 - لو تبين فساد العقد - بان ظهر لها زوج أو كانت أخت زوجته أو
أمها مثلا ولم يدخل بها - فلا مهر لها، ولو قبضته كان له استعادته، بل لو
تلف كان عليها بدله وكذا ان دخل بها وكانت عالمة بالفساد، واما ان كانت
جاهلة فلها مهر المثل، فان كان ما اخذت أزيد منه استعاد الزائد وان كان
أقل أكمله.
مسألة 9 - يشترط في النكاح المنقطع ذكر الاجل، فلو لم يذكره متعمدا
أو نسيانا بطل متعة وانعقد دائما. وتقدير الاجل اليهما طال أو قصر، ولابد ان
يكون معينا بالزمان محروسا من الزيادة والنقصان، ولو قدره بالمرة أو مرتين
من دون ان يقدره بزمان بطل متعة وانعقد دائما، على اشكال فلا يترك
الاحتياط بالجمع بين هبة المدة والطلاق ثم تجديد العقد على ما تراضيا عليه
من المتعة أو الدائم
445

، وفي حكم هبة المدة انقضاؤها.
مسألة 10 - إذا قالت " زوجتك نفسي إلى شهر أو شهرا " مثلا واطلقت
اقتضي الاتصال بالعقد، وهل يجوز ان تجعل المدة منفصلا عن العقد، بان تعين
المدة شهرا مثلا ويجعل مبدأه بعد شهر من حين وقوع العقد أم لا؟ قولان
أحوطهما الثاني، بل لا يخلو من قوة.
مسألة 11 - لا يصح تجديد العقد عليها دائما ومنقطعا قبل انقضاء الاجل أو
بذل المدة، فلو كانت المدة شهرا وأراد ان تكون شهرين فلابد ان يهبها المدة
ثم يعقد عليها ويجعل المدة شهرين، ولا يجوز ان يعقد عليها عقدا آخر ويجعل
المدة شهرا بعد الشهر الأول حتى يصير المجموع شهرين.
مسألة 12 - يجوز ان يشترط عليها وعليه الاتيان ليلا أو نهارا، وان
يشترط المرة أو المرات مع تعيين المدة بالزمان.
مسألة 13 - يجوز العزل للمتمتع من دون اذنها وان قلنا بعدم جوازه في
الدائم، ولكن يلحق به الولد لو حملت وان عزل لاحتمال سبق المني من غير
تنبه، ولو نفاه عن نفسه انتفي ظاهرا مع احتمال صدقه ولم يفتقر إلى
اللعان، ولكن لا يجوز له النفي بينه وبين الله الا مع العلم بالانتفاء.
مسألة 14 - لا يقع بها طلاق وانما تبين بانقضاء المدة أو هبتها، ولا رجوع
له بعد ذلك.
مسألة 15 - لا يثبت بهذا العقد توارث بين الزوجين، وفي جواز شرط التوارث أو
توريث أحدهما اشكال فلا يترك الاحتياط بترك هذا الشرط وبالتصالح معه مع
باقي الورثة.
مسألة 16 - إذا انقضي اجلها أو وهب مدتها قبل الدخول فلا عدة عليها،
وان
446

كان بعده ولم تكن غير بالغة ولا يائسة فعليها العدة، وعدتها على
الأشهر الأظهر حيضتان وان كانت في سن من تحيض ولا تحيض فعدتها خمسة
وأربعون يوما. والظاهر اعتبار حيضتين تامتين، فلو انقضي الاجل أو وهب المدة
في أثناء الحيض لم يحسب تلك الحيضة منها، بل لابد من حيضتين تامتين بعد
ذلك.
هذا فيما إذا كانت حائلا، واما لو كانت حاملا فعدتها إلى ان تضع
حملها كالمطلقة على اشكال، فالأحوط مراعاة ابعد الأجلين من وضع الحمل
ومن انقضاء خمسة وأربعين يوما أو حيضتين. واما عدتها من الوفاة فهي أربعة
أشهر وعشرة أيام ان كانت حائلا، وابعد الأجلين منها ومن وضع حملها ان كانت
حاملا كالدائمة.
مسألة 17 - يستحب ان تكون المتمتع بها مؤمنة عفيفة، والسؤال عن
حالها وأنها ذات بعل أو ذات عدة أم لا؟ وليس السؤال والفحص عن حالها شرطا
في الصحة.
مسألة 18 - يجوز التمتع بالزانية على كراهية، خصوصا لو كانت من
العواهر والمشهورات بالزنا وان فعل فليمنعها من الفجور.
القول في نكاح العبيد والإماء القول في نكاح العبيد والإماء
مسألة 1 - لا يجوز للعبد ولا للأمة ان يتزوجا بدون اذن المولي، فلو تزوجا
من غير اذنه وقف على اجازته، فإذا أجاز جاز ولو رد ثم أجاز أو العكس لا
أثر للتالي، ولو كان العبد والأمة لمالكين أو أكثر وقف على اذن الجميع أو
اجازتهم، فلو اذن أو أجاز بعضهم دون بعض بطل النكاح.
مسألة 2 - للسيد تزويج عبده بحرة أو أمة، وكذا تزويج أمته بحر أو عبد
قهرا عليهما، ولو كانا مبعضين توقف صحته على رضاهما واذن السيد معا، وليس
له اجبارهما.
447

مسألة 3 - لو اذن المولي عبده في التزويج كان عليه المهر ونفقة زوجته،
وفي كون المهر في ذمة العبد إن عينه المولي في ذمته حتى يتبع به بعد
العتق اشكال.
مسألة 4 - مهر الأمة المزوجة للمولي، سواء كان هو المباشر لتزويجها أو
هي باذنه أو اجازته ونفقتها على الزوج وللمولي استخدامها بما لا ينافي حق
الزوج.
مسألة 5 - يجوز للمولي تزويج أمته من عبده قهرا عليهما وله بعد ذلك
التفريق بينهما، ولا يحتاج إلى الطلاق بل يكفي ان يأمرهما بالمفارقة
والاعتزال.
مسألة 6 - لا يجوز للمولي وطي أمته المزوجة ولو من عبده حتى يفارقها وتخرج
من العدة، بل لا يجوز له النظر منها إلى ما لا يجوز لغير الزوج والمالك فضلا
عن سائر الاستمتاعات بها كاللمس والقبلة على الأحوط لو لم يكن الأقوى.
مسألة 7 - التولد بين الرقين رق، سواء كان عن نكاح صحيح أو شبهة أو عن
زنا من طرف واحد أو طرفين، فان كان العبد والأمة لمالك واحد فالولد له،
وان كان كل منهما لمالك فالولد بينهما بالسوية الا إذا كان الولد عن زنا من
طرف العبد، فان الولد لمالك الأمة، سواء كان من طرفها زنا أو شبهة.
مسألة 8 - إذا أوقع المالكان العقد بين العبد والأمة وشرطا ان يكون
الولد لأحدهما دون الآخر أو كان نصيب أحدهما منه أزيد من الآخر - بان يكون
له ثلثاه وللآخر ثلث مثلا - صح الشرط ولزم.
مسألة 9 - إذا كان أحد أبوي الولد حرا فالولد حر، وفي صحة شرط مالك
العبد أو الأمة في ضمن العقد كون الولد رقا اشكال.
448

مسألة 10 - إذا زني العبد بحرة فالولد حر وان كانت هي أيضا زانية،
بخلاف ما لو زني حر بأمة الغير فان الولد رق لمولاها وان كانت هي أيضا زانية
، وكذا لو زنى عبد شخص بأمة الغير فان الولد لمولاها.
مسألة 11 - إذا أعتقت الأمة المزوجة كان لها فسخ نكاحها وان كانت تحت
حر على الأقوى، سواء كان نكاحها دائما أو منقطعا، وسواء كان قبل الدخول أو
بعده، وهذا الخيار على الأحوط على الفور فورا عرفيا فلا يترك الاحتياط بترك
الفسخ مع التراخي وترك الازدواج بعد الفسخ مع التراخي الا بعد الطلاق. ولو
كانت جاهلة بالعتق أو الخيار أو الفورية جاز لها الفسخ بعد العلم ولا يضره
التأخير الواقع من جهة الجهل بأحدها.
مسألة 12 - يجوز للمولي تحليل أمته للغير في وطيها وسائر الاستمتاعات منها،
ولو اقتصر على بعضها كالنظر أو التقبيل أو اللمس مثلا لا يستبيح غيره. نعم لو
أحل له الوطي حل له ما دونه من ضروب الاستمتاع لكن لا يحل بذلك استخدامها
.
مسألة 13 - لا يكفي في التحليل مجرد التراضي والتعاطي، بل يحتاج
إلى الصيغة، بان يقول " أحللت لك وطيها " أو " جعلتك في حل من وطيها "
مثلا. والأقوى جواز ايقاعه بلفظ الإباحة، بان يقول " أبحت لك وطيها " مثلا
، بل عدم اعتبار لفظ مخصوص وكفاية كل لفظ أفاد المقصود بحسب متفاهم العرف
لا يخلو من قوة، بل الظاهر عدم اعتبار العربية أيضا.
مسألة 14 - المحللة للوطي يحرم وطيها للمولي بعد الدخول حتى تخرج من العدة
، واما المحللة لغير الوطي فالظاهر جواز وطيها للمالك فضلا عن النظر وسائر
الاستمتاعات.
449

القول في العيوب الموجبة لخيار الفسخ والتدليس القول في العيوب الموجبة
لخيار الفسخ والتدليس
وهي قسمان مشترك ومختص: اما المشترك فهو الجنون، وهو اختلال العقل، وليس
منه الاغماء ومرض الصرع الموجب لعروض الحالة المعهودة في بعض الأوقات،
ولكل من الزوجين فسخ النكاح بجنون صاحبه في الرجل مطلقا، سواء كان جنونه
قبل العقد مع جهل المرأة به أو حدث بعده قبل الوطي أو بعده، نعم فيما
إذا احدث بعد العقد ولم يبلغ حدا لا يعرف أوقات الصلاة اشكال فلا
يترك الاحتياط، واما في المرأة ففيما إذا كان جنونها قبل العقد ولم يعلم
الرجل دون ما إذا طرا بعده. ولا فرق في الجنون الموجب للخيار بين المطبق
والأدوار وان وقع العقد حال افاقته، كما ان الظاهر عدم الفرق في الحكم بين
النكاح الدائم والمنقطع.
واما المختص: فاما المختص بالرجل فثلاثة: الخصاء وهو سل الأنثيين أو رضهما،
وتفسخ به المرأة مع سبقه على العقد وعدم علمها به. والجب وهو قطع الذكر،
بشرط ان لا يبقي منه ما يمكن معه الوطي ولو قدر الحشفة، وتفسخ به المرأة
سواء سبق العقد أو لحقه ان كان ذلك قبل الوطي بل وفيما بعده لإطلاق النص
ولكن لا يترك الاحتياط. والعنن وهو مرض تضعف معه الآلة عن الانتشار بحيث
يعجز عن الايلاج، وهو سبب لتسلط المرأة على الفسخ بشرط عجزه عن الوطي
بها وغيرها، فلو لم يقدر على وطيها وقدر على وطي غيرها لاخيار لها، ويثبت
به الخيار سواء سبق العقد أو تجدد بعده، لكن بشرط ان لم يقع منه وطيها ولو
مرة، فلو وطأها ثم حدثت به العنة بحيث لم يقدر على الوطي بالمرة فلا خيار
لها.
واما المختص بالمرأة فستة: البرص، والجذام، والافضاء وقد مر تفسيره فيما
سبق. والقرن ويقال له العفل، وهو لحم أو عظم ينبت في فم الرحم يمنع
من الوطي أو يوجب المنع من كمال المجامعة أو يوجب الانقباض والانزجار وان
كان
450

الأحوط عدم الفسخ في الآخرين. والعرج البين وان لم يبلغ حد الاقعاد
والزمانة على الأظهر. والعمي وهو ذهاب البصر عن العينين وان كانتا مفتوحتين
. ولا اعتبار بالعور ولا بالعشا، وهي علة في العين لا يبصر في الليل ويبصر
بالنهار، ولا بالعمش وهو ضعف الروية مع سيلان الدمع في غالب الأوقات.
مسألة 1 - انما يفسخ العقد بعيوب المرأة إذا تبين وجودها قبل العقد، واما
ما يتجدد بعده فلا اعتبار به، سواء كان قبل الوطي أو بعده.
مسألة 2 - ليس العقم من العيوب الموجبة للخيار لا من طرف الرجل ولا
من طرف المرأة.
مسألة 3 - ليس الجذام والبرص من عيوب الرجل الموجبة لخيار المرأة
عند المشهور، وقيل بكونهما منها، فهما من العيوب المشتركة بين الرجل
والمرأة. وهو ليس ببعيد، لكن لا يترك الاحتياط من طرف الزوجة بارضاء
الزوج بالطلاق ومن طرف الزوج بتطليقها إذا أرادت الفسخ وفسخت النكاح.
مسألة 4 - خيار الفسخ من كل من الرجل والمرأة على الفور، فلو علم الرجل
أو المرأة بالعيب فلم يبادرا بالفسخ لزم العقد. نعم الظاهر ان الجهل
بالخيار بل والفورية عذر، فلو كان عدم المبادرة بالفسخ من جهة الجهل
بأحدهما لم يسقط الخيار.
مسألة 5 - إذا اختلفا في العيب فالقول قول منكره مع اليمين إذا لم يكن
لمدعيه بينة، ويثبت بها العيب حتى العنن على الأقوى، كما انه يثبت كل
عيب باقرار صاحبه أو البينة على اقراره، وكذا يثبت باليمين المردودة على
المدعي ونكول المنكر عن اليمين بناء على ثبوت الدعوى به. كسائر الدعاوي،
وتثبت العيوب الباطنة للنساء بشهادة اربع نسوة عادلات كما في نظائرها.
451

مسألة 6 - إذا ثبت عنن الرجل بأحد الوجوه المذكورة، فان صبرت فلا
كلام وان لم تصبر ورفعت امرها إلى حاكم الشرع لاستخلاص نفسها منه اجلها
سنة كاملة من حين المرافعة، فان واقعها أو واقع غيرها في أثناء هذه المدة
فلا خيار لها، والا كان لها الفسخ فورا عرفيا، وان لم تبادر بالفسخ فان كان
بسبب جهلها بالخيار أو فوريته لم يضر كما مر والا سقط خيارها، وكذا ان رضيت
ان تقيم معه ثم طلبت الفسخ بعد ذلك فإنه ليس لها ذلك.
مسألة 7 - الفسخ بالعيب ليس بطلاق، سواء وقع من الزوج أو الزوجة،
فليس له احكامها ولا يترتب عليه لوازمه ولا يعتبر فيه شروطه، فلا يحسب من
الثلاثة المحرمة المحتاجة إلى المحلل، ولا يعتبر فيه الخلو من الحيض
والنفاس ولا حضور العدلين.
مسألة 8 - يجوز للرجل الفسخ بعيب المرأة من دون إذن الحاكم، وكذا
المرأة بعيب الرجل. نعم مع ثبوت العنن يفتقر إلى الحاكم، لكن من جهة
ضرب الاجل حيث انه من وظائفه لا من جهة نفوذ فسخها، فبعد ما ضرب الاجل
لها كان لها التفرد بالفسخ عند انقضائه وتعذر الوطي في المدة من دون
مراجعته.
مسألة 9 - إذا فسخ الرجل بأحد عيوب المرأة، فان كان قبل الدخول فلا
مهر لها، وان كان بعده استقر عليه المهر المسمي. وكذا الحال فيما إذا فسخت
المرأة بعيب الرجل، فتستحق تمام المهر ان كان بعد الدخول، وان كان قبله
لم تستحق شيئا الا في العنن فإنها تستحق عليه فيه نصف المهر المسمي.
مسألة 10 - إذا دلست المرأة نفسها على الرجل في أحد عيوبها الموجبة
للخيار وتبين له بعد الدخول، فان اختار البقاء فعليه تمام المهر كما مر،
وان اختار الفسخ لم تستحق المهر، وان دفعه إليها استعاده، وان كان
المدلس غير الزوجة فالمهر المسمى - وان استقر على الزوج بالدخول واستحقت
عليه الزوجة - الا انه بعد ما
452

دفعه إليها يرجع به على المدلس ويأخذه منه.
مسألة 11 - يتحقق التدليس بتوصيف المرأة بالصحة عند الزوج للتزويج بحيث صار
ذلك سببا لغروره وانخداعه، فلا يتحقق بالاخبار لا للتزويج أو لغير
الزوج والظاهر تحققه أيضا بالسكوت عن العيب مع العلم به وخفائه على الزوج
واعتقاده بالعدم.
مسألة 12 - من يكون تدليسه موجبا للرجوع عليه بالمهر هو الذي يسند
اليه التزويج من وليها الشرعي أو العرفي كأبيها وجدها وأمها وأخيها الكبير
وعمها وخالها ممن لا تصدر الا عن رأيهم ويتصدون تزويجها وترجع إليهم فيه
في العرف والعادة، ومثلهم على الظاهر بعض الأجانب ممن له شدة علاقة
وارتباط بها بحيث لا تصدر الا عن رأيه ويكون هو المرجع في أمورها المهمة
ويركن اليه فيما يتعلق بها، بل لا يبعد ان يلحق بمن ذكر الغير الذي يراود
عند الطرفين ويعالج في ايجاد وسائل الايتلاف في البين.
مسألة 13 - كما يتحقق التدليس في العيوب الموجبة للخيار كالجنون
والعمي وغيرهما، كذلك يتحقق في مطلق النقص كالعور ونحوه باخفائه، وكذا في
صفات الكمال كالشرف والحسب والنسب والجمال والبكارة وغيرها بتوصيفها بها
مع فقدانها، ولا اثر للأول - اي التدليس في العيوب الموجبة للخيار - الا
رجوع الزوج على المدلس بالمهر كما مر، واما الخيار فإنما هو بسبب نفس وجود
العيب. واما الثاني - وهو التدليس في سائر أنواع النقص وفي صفة الكمال -
فهو موجب للخيار إذا كان عدم النقص أو وجود صفة الكمال مذكورين في العقد
بنحو الإشتراط. ويلحق به توصيفها به في العقد وان لم يكن بعبارة "
الاشتراط، كما إذا قال " زوجتك هذه البنت الباكرة أو غير الثيبة "، بل
الظاهر انه إذا وصفها بصفتي الكمال أو عدم النقص قبل العقد عند الخطبة
والمقاولة ثم أوقع العقد مبنيا على ما
453

ذكر بحيث كان كالمذكور في العقد، كان
بمنزلة الاشتراط فيوجب الخيار. وإذا تبين ذلك بعد العقد والدخول واختار
الفسخ ودفع المهر رجع به على المدلس
مسألة 14 - ليس من التدليس الموجب للخيار سكوت الزوجة أو وليها عن النقص
مع وجوده واعتقاد الزوج عدمه في غير العيوب الموجبة للخيار، وأولي بذلك
سكوتهما عن فقد صفة الكمال مع اعتقاد الزوج وجودها.
مسألة 15 - لو تزوج امرأة على انها حرة بأحد الوجوه الثلاثة المتقدمة
من اشتراط الحرية في العقد أو توصيفها بها أو ايقاع العقد بانيا عليها فبانت
أمة مع اذن السيد أو اجازته كان له الفسخ، ولا مهر لها مع الفسخ قبل
الدخول، ولها المهر تماما لو كان الفسخ بعده، وكان المهر لمولى الأمة،
ويرجع الزوج به على المدلس. وكذا لو تزوجت المرأة برجل على انه حر فبان
مملوكا كان لها الفسخ قبل الدخول وبعده، ولا مهر لها مع الفسخ قبل الدخول
، ولها المهر المسمي لو فسخت بعده.
مسألة 16 - لو تزوج امرأة على انها بكر بأحد الوجوه الثلاثة المتقدمة
فوجدها ثيبا لم يكن له الفسخ الا إذا ثبت بالاقرار أو البينة سبق ذلك على
العقد فحينئذ كان له الفسخ. نعم لو تزوجها باعتقاد البكارة، ولم يكن
اشتراط ولا توصيف واخبار، ولا بناءا على ثبوتها، فبان خلافها ليس له الفسخ
وان ثبت زوالها قبل العقد.
مسألة 17 - إذا فسخ حيث يكون له الفسخ، فان كان قبل الدخول فلا مهر،
وان كان بعده استقر المهر ورجع به على المدلس، وان كانت هي المدلس لم
تستحق شيئا، وان لم يكن تدليس استقر عليه المهر ولا رجوع له على أحد.
وإذا اختار البقاء أو لم يكن له الفسخ - كما في صورة اعتقاد البكارة من دون
اشتراط وتوصيف وبناء - كان له ان ينقص من مهرها شيئا، وهو نسبة التفاوت
بين مهر مثلها بكرا وثيبا، فإذا كان المهر المسمي مائة وكان مهر مثلها بكرا
ثمانين وثيبا ستين ينقص من المائة ربعها وهي خمسة وعشرون وتبقي خمسة
وسبعون،
454

وحيث ان القدر المتيقن من صحيح محمد بن جزك صورة العلم بثيبوتها
قبل العقد فالأحوط المصالحة في صورة العلم بحصولها بعد العقد أو احتمال ذلك
وان كان يمكن دعوى اطلاق الصحيح بترك الاستفصال.
(فصل)
في المهر ويقال له الصداق
مسألة 1 - كل ما يملكه المسلم يصح جعله مهرا عينا كان أو دينا أو منفعة
لعين مملوكة من دار أو عقار أو حيوان، ويصح جعله منفعة الحر كتعليم صنعة
ونحوه من كل عمل محلل، بل الظاهر صحة جعله حقا ماليا قابلا للنقل
والانتقال كحق التحجير ونحوه، ولا يتقدر بقدر بل ما تراضي عليه الزوجان
كثيرا كان أو قليلا ما لم يخرج بسبب القلة عن المالية كحبة من حنطة. نعم
يستحب في جانب الكثرة ان لا يزيد على مهر السنة وهو خمسمائة درهم.
مسألة 2 - لو جعل المسلم المهر ما لا يملكه كالخمر والخنزير صح العقد
وبطل المهر، فلم تملك شيئا بالعقد وانما تستحق مهر المثل بالدخول.
مسألة 3 - لابد من تعيين المهر بما يخرج عن الابهام، فلو أمهرها أحد هذين
أو خياطة أحد ثوبين مثلا بطل المهر دون العقد وكان لها مع الدخول مهر المثل
. نعم لا يعتبر فيه التعيين الذي يعتبر في البيع ونحوه من المعاوضات،
فيكفي مشاهدة عين حاضرة وان جهل كيله أو وزنه أو عده أو ذرعه كصبرة من
الطعام وقطعة من الذهب وطاقة مشاهدة من الثوب وصبرة حاضرة من الجوز
وأمثال ذلك.
مسألة 4 - ذكر المهر ليس شرطا في صحة العقد الدائم، فلو عقد عليها ولم
يذكر مهرا أصلا - بان قالت الزوجة للزوج مثلا " زوجتك نفسي " أو قال وكيلها
"
455

زوجت موكلتي فلانة " فقال الزوج " قبلت " - صح العقد، بل لو صرحت
بعدم المهر - بان قالت " زوجتك نفسي بلا مهر " فقال " قبلت " - صح، ويقال
لهذا اي لايقاع العقد بلا مهر " تفويض البضع " وللمرأة التي لم يذكر في
عقدها مهر " مفوضة البضع ".
مسألة 5 - إذا وقع العقد بلا مهر لم تستحق المرأة قبل الدخول شيئا، الا
إذا طلقها حينئذ فتستحق عليه ان يعطيها شيئا بحسب حاله من الغني والفقر
واليسار والاعسار من دينار أو درهم أو ثوب أو دابة أو غيرها، ويقال لذلك
الشئ " المتعة ". ولو انفسخ العقد قبل الدخول بأمر غير الطلاق لم تستحق لا
مهر ولا متعة، وكذا لو مات أحدهما قبله، واما لو دخل بها استحقت عليه بسبب
الدخول مهر أمثالها.
مسألة 6 - الأحوط في مهر المثل هنا ان زاد على مهر السنة التصالح وفي
غيره مما يحكم بمهر المثل ملاحظة حال المرأة وصفاتها من السن والبكارة
والنجابة والعفة والعقل والأدب والشرف والجمال والكمال وأضدادها، بل يلاحظ
كل ماله دخل في العرف والعادة في ارتفاع المهر ونقصانه، فتلاحظ أقاربها
وعشيرتها وبلدها وغير ذلك أيضا.
مسألة 7 - لو أمهر مالا يملكه أحد كالحر أو ما لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير
صع العقد وبطل المهر واستحقت عليه مهر المثل بالدخول، وكذلك الحال فيما إذا
جعل المهر شيئا باعتقاد كونه خلا فبان خمرا أو شخصا باعتقاد كونه عبدا فبان حرا
، بل وكذا الحال فيما إذا جعل المهر مال الغير باعتقاد كونه ماله فبان خلافه
.
مسألة 8 - لو شرك أباها في المهر - بان سمي لها مهرا ولأبيها شيئا معينا -
تعين ما سمي لها مهرا لها وسقط ما سمي لأبيها، فلا يستحق الأب شيئا.
456

مسألة 9 - ما تعارف في بعض البلاد من انه يأخذ بعض أقارب البنت كأبيها
أو أمها أو أختها من الزوج شيئا وهو المسمي في لسان بعض ب‍ (شيربها) وفي
لسان بعض آخر بشئ آخر، ليس بعنوان المهر وجزء منه بل هو شي آخر يؤخذ
زائدا على المهر، وحكمه انه ان كان اعطاؤه واخذه بعنوان الجعالة لعمل
مباح - كما إذا أعطى شيئا للأخ لان يتوسط في البين ويرضي أخته ويسعي في
رفع بعض الموانع - فلا اشكال في جوازه وحليته، بل في استحقاق القريب له
وعدم سلطنة الزوج على استرجاعه بعد اعطائه، وان لم يكن بعنوان الجعالة
فان كان اعطاء الزوج للقريب بطيب نفس منه وان كان لأجل جلب خاطره
وتحبيبه وارضائه حيث ان رضاه في نفسه مقصود أو من جهة ان رضي البنت
منوط برضائه فبملاحظة هذه الجهات يطيب خاطر الزوج ببذل المال، فالظاهر
جواز اخذه للقريب لكن يجوز للزوج استرجاعه ما دام موجودا، واما مع عدم
الرضي من الزوج وانما أعطاه من جهة استخلاص البنت حيث ان القريب مانع
عن تمشية الامر مع رضائها بالتزويج بما بذل لها من المهر فيحرم اخذه واكله
، ويجوز للزوج الرجوع فيه باقيا كان أو تالفا.
مسألة 10 - إذا وقع العقد بلا مهر جاز ان يتراضيا بعد العقد على شي، سواء
كان بقدر مهر المثل أو أقل منه أو أكثر، ويتعين ذلك مهرا وكان كالمذكور في
العقد.
مسألة 11 - يجوز ان يجعل المهر كله حالا - اي بلا اجل - ومؤجلا، وان
يجعل بعضه حالا وبعضه موجلا، وللزوجة مطالبة الحال في كل حال بشرط
مقدرة الزوج واليسار، بل لها ان تمتنع من التمكين وتسليم نفسها حتى تقبض
مهرها الحال، سواء كان الزوج موسرا أو معسرا. نعم ليس لها الامتناع فيما لو
كان المهر موجلا كله أو بعضه وقد اخذت بعضه الحال.
مسألة 12 - يجوز ان يذكر المهر في العقد في الجملة ويفوض تقديره وتعيينه
457

إلى أحد الزوجين، بان تقول الزوجة مثلا " زوجتك نفسي على ما تحكم
أو احكم من المهر " فقال " قبلت "، فان كان الحاكم الذي فوض اليه تقدير
المهر في العقد هو الزوج جاز ان يحكم بما شاء ولم يتقدر بقدر لا في طرف
الكثرة ولا في طرف القلة ما دام متمولا، وان كان الحكم إليها كان لها
الحكم في طرف القلة بما شاءت، واما في طرف الكثرة فلا يمضي حكمها فيما زاد
على مهر السنة وهو خمسمائة درهم.
مسألة 13 - إذا طلق قبل الدخول سقط نصف المهر المسمي وبقي نصفه، فان كان
دينا عليه ولم يكن قد دفعه برئت ذمته من نصفه، وان كان عينا
صارت مشتركة بينه وبينها، ولو كان دفعه اليه استعاد نصفه ان كان باقيا،
وان كان تالفا استعاد نصف مثله ان كان مثليا ونصف قيمته ان كان قيميا.
وفي حكم التلف نقله إلى الغير بناقل لازم، واما لو كان انتقاله منها إلى
الغير بناقل جائز كالبيع بخيار فالأحوط ان طالبها الزوج بالعين الرجوع ودفع
نصف العين اليه.
مسألة 14 - إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول فالمشهور استحقاق المرأة تمام
المهر وهو الأقوى، وقيل بان الموت كالطلاق يكون سببا لتنصيف المهر.
مسألة 15 - الصداق تملكه المرأة بنفس العقد وتستقر ملكية تمامه بالدخول
، فإذا طلقها الزوج قبل الدخول عاد اليه النصف وبقي للمرأة النصف، فلها
التصرف فيه بعد العقد بأنواع التصرفات. ولو حصل له نماء كان لها خاصة،
وبعد ما طلقها قبل الدخول كان له نصف ما وقع عليه العقد، ولا يستحق من
النماء السابق شيئا.
مسألة 16 - لو أبرأته من الصداق الذي كان عليه ثم طلقها قبل الدخول
رجع بنصفه إليها، وكذا لو كان الصداق عينا فوهبته إياها رجع بنصف مثلها إليها
أو قيمة نصفها.
458

مسألة 17 - الدخول الذي يستقر به تمام المهر هو مطلق الوطي ولو دبرا،
وإذا اختلف الزوجان بعدما طلقها فادعت وقوع المواقعة وأنكرها فالقول قوله
بيمينه، وله ان يدفع اليمين عن نفسه بإقامة البينة على العدم ان أمكن
، كما إذا ادعت المواقعة قبلا وكانت بكرا وكانت عنده بينة على بقاء بكارتها.
أو تشهد البينة بعدم ملاقاتها بعد العقد لكونه مسافرا أو مجبوبا أو غيره من
الموانع.
مسألة 18 - إذا اختلف الزوجان في أصل المهر فادعته الزوجة وانكر الزوج
، فان كان قبل الدخول فالقول قوله بيمينه، وان كان بعد الدخول كلفت
بالتعيين، بل لا يبعد عدم سماع الدعوى منها ما لم تفسر وانه لا يسمع منها مجرد
قولها لي عليه المهر ما لم تبين المقدار، فإذا فسرت وقالت اني اطلب منك
مهري وهو المبلغ الفلاني ولم يكن أزيد من مهر المثل حكم لها عليه بما
تدعيه ولا يسمع منه انكار أصل المهر. نعم لو قال في جوابها نعم قد كان
على كذا الا انه قد سقط عني إما بالأداء أو الابراء، يسمع منه ذلك الا انه
يحتاج إلى الاثبات، فان أقام البينة على ذلك ثبت مدعاه والا فله عليها
اليمين، فان حلفت على نفي الأداء أو الابراء ثبتت دعواها، وان نكلت سقطت
ولها رد اليمين على الزوج، فان حلفت على الابراء أو الأداء سقطت دعواها،
وان نكل عن اليمين ثبتت. هذا لو كان ما تدعيه بمقدار مهر المثل أو أقل،
وان كان أكثر كان عليها الاثبات والا فلها على الزوج اليمين.
مسألة 19 - إذا توافقا على أصل المهر واختلفا في مقداره كان القول قول
الزوج بيمينه الا إذا أثبتت الزوجة بالموازين الشرعية، وكذا إذا ادعت كون
عين من الأعيان كدار أو بستان مهرا لها وانكر الزوج فان القول قوله بيمينه
وعليها البينة.
مسألة 20 - إذا اختلفا في التعجيل والتأجيل فقالت المرأة انه حال معجل
وقال الزوج انه موجل ولم يكن بينة كان القول قولها بيمينها، وكذا لو
اختلفا في زيادة الاجل، كما إذا ادعت انه سنة وادعي انه سنتان.
459

مسألة 21 - لو توافقا على المهر وادعي تسليمه ولا بينة فالقول قولها بيمينها.
مسألة 22 - لو دفع إليها قدر مهرها ثم اختلفا بعد ذلك فقالت: دفعته هبة وقال: بل دفعته صداقا فالقول قوله بيمينه.
مسألة 23 - إذا زوج ولده الصغير فان كان للولد مال فالمهر على الولد، وان
لم يكن له مال فالمهر في عهدة الوالد، فلو مات الوالد اخرج المهر من أصل
تركته سواء بلغ الولد وأيسر أم لا.
مسألة 24 - لو دفع الوالد المهر الذي كان عليه من جهة اعسار الولد ثم
بلغ الصبي فطلق قبل الدخول استعاد الولد نصف المهر وكان له دون والده.
(خاتمة)
في الشروط المذكورة في عقد النكاح
مسألة 1 - يجوز ان يشترط في ضمن عقد النكاح كل شرط سائغ، ويجب
على المشروط عليه الوفاء به كما في سائر العقود، لكن تخلفه أو تعذره لا يوجب
الخيار في عقد النكاح بخلاف سائر العقود. نعم لو كان الشرط الالتزام بوجود
صفة في أحد الزوجين - مثل كون الزوجة باكرة أو كون الزوج حرا أو مؤمنا غير
مخالف - فتبين خلافه أوجب الخيار كما مرت الإشارة اليه في ضمن بعض
المسائل السابقة.
مسألة 2 - إذا اشترط في عقد النكاح ما يخالف المشروع مثل ان لا يعطي
حق ضرتها من المضاجعة أو المواقعة أو النفقة ونحو ذلك بطل الشرط لكن صح
العقد والمهر وان قلنا بان الشرط الفاسد يفسد العقد، فبهذا أيضا يمتاز عقد
النكاح عن سائر العقود.
460

مسألة 3 - لو شرط ان لا يفتضها لزم الشرط، ولو اذنت بعد ذلك جاز من غير فرق
في ذلك بين النكاح الدائم والمنقطع.
مسألة 4 - إذا شرط ان لا يخرجها من بلدها أو ان يسكنها في بلد معلوم أو منزل
مخصوص يلزم العمل بالشرط.
(فصل)
في القسم والنشوز والشقاق
لكل واحد من الزوجين حق على صاحبه يجب عليه القيام به وان كان
حق الزوج أعظم. ومن حقه عليها ان تطيعه ولا تعصيه ولا تخرج من بيتها الا
باذنه ولوالي أهلها ولو لعيادة والدها أو في عزائه، بل ورد انه ليس لها
امر مع زوجها في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها الا باذن
زوجها الا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة قرابتها، بل أيما امرأة قالت
لزوجها: ما رأيت منك خيرا قط أو من وجهك خيرا، فقد حبط عملها، وأيما امرأة
باتت وزوجها ساخط عليها في حق لم تقبل منها صلاة حتى يرضي عنها، وان
خرجت من غير اذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب
وملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها، وتفصيل ذلك موكول إلى محله.
واما حقها فهو ان يشبعها ويكسوها، وان يغفر لها إذا جهلت ولا يقبح لها
وجها، وفي الخبر عن سيد البشر صلي الله عليه وآله: أوصاني جبرئيل بالمرأة
حتى ظننت انه لا ينبغي طلاقها الا من فاحشة مبينة، وعيال الرجل إسراؤه
وأحب العباد إلى الله تعالي أحسنهم صنعا إلى إسرائه. وجاء في الخبر:
المؤمن يأكل باشتهاء أهله والمنافق يأكل باشتهاء نفسه. وعن النبي صلي
الله عليه وآله خيركم خيركم لنسائه وانا خيركم لنسائه وجامع ذلك كله
قوله تعالي: وعاشروهن بالمعروف.
461

مسألة 1 - من كانت له زوجة واحدة ليس لها على زوجها حق المبيت
عندها والمضاجعة معها في كل ليلة، بل ولا في كل اربع ليال ليلة على
الأقوى، بل القدر اللازم ان لا يهجرها ولا يذرها كالمعلقة لا هي ذات بعل
ولا مطلقة. نعم لها عليه حق المواقعة في كل أربعة اشهر مرة كما مر. نعم
ان كانت عنده أكثر من واحدة إذا بات عند إحداهن يجب عليه ان يبيت عند
غيرها أيضا، فإذا كن اربع وبات عند إحداهن طاف عليهن في اربع ليال لكل
منهن ليلة ولا يفضل بعضهن على بعض، وإذا كانت عنده ثلاث فإذا بات عند
إحداهن يجب عليه ان يبيت عند الأخريين في ليلتين، وإذا كانت عنده زوجتان
وبات عند إحداهما بات في ليلة أخرى عند الأخرى وبعد ذلك ان شاء ترك المبيت
عند الجميع وان شاء شرع فيه على النحو المقدم.
والمشهور انه إذا كانت عنده زوجة واحدة كانت لها في كل اربع ليال ليلة
وله ثلاث ليال، وإذا كانت عنده زوجات متعددة يجب عليه القسم بينهن في
كل اربع ليال، فإذا كانت عنده اربع كانت لكل منهن ليلة، فإذا تم الدور
يجب عليه الابتداء بإحداهن واتمام الدور وهكذا، فليس له ليلة بل يكون
جميع لياليه لزوجاته. وإذا كانت له زوجتان فلهما ليلتان من كل اربع ليال
وليلتان له، وإذا كانت له ثلاث كانت لهن ثلاث والفاضل له. والعمل بهذا
القول أحوط، خصوصا في أكثر من واحدة، ولكن الأقوى ما قدمناه خصوصا في
الواحدة.
مسألة 2 - يختص وجوب المبيت والمضاجعة فيما قلنا به بالدائمة،
فليس للمتمتع بها هذا الحق، سواء كانت واحدة أو متعددة.
مسألة 3 - في كل ليلة كان للمرأة حق المبيت يجوز لها ان ترفع اليد عنه
وتهبه للزوج بلا عوض أو مع العوض ليصرف ليله فيما يشاء وان تهبه لضرتها
فصار الحق لها.
462

مسألة 4 - تختص البكر أول عرسها بسبع ليال والثيب بثلاث تتفضلان بذلك على
غيرهما، ولا يجب عليه أو يقضي تلك الليالي لنسائه القديمة.
مسألة 5 - لا قسمة للصغيرة ولا للمجنونة المطبقة وان كان الأحوط عدم
ترك القسمة لها إذا كانت ملتفتة تنتفع بها، الا ان لا يكون مأمونا من
البيتوتة عندها ولا قسمة أيضا للناشزة، وتسقط القسمة وحق المضاجعة بالسفر
وليس عليه القضاء.
مسألة 6 - إذا شرع في القسمة بين نسائه كان له الابتداء باي منهن شاء،
وان كان الأولي والأحوط التعيين بالقرعة سيما ما عدا الأولي.
مسألة 7 - تستحب التسوية بين الزوجات في الانفاق والالتفات واطلاق الوجه
والمواقعة، وان يكون في صبيحة كل ليلة عند صاحبتها، وان يأذن لها
في حضور موت أبيها وأمها، وان كان له منعها عن ذلك وعن عيادة أبيها وأمها
فضلا عن غيرهما وعن الخروج من منزله الا لحق واجب.
(الفصل)
القول في النشوز
وهو في الزوجة خروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها، من عدم تمكين نفسها
وعدم إزالة المنفرات المضادة للتمتع والالتذاذ بها، بل وترك
التنظيف والتزيين مع اقتضاء الزوج لها، وكذا خروجها من بيته من دون اذنه
وغير ذلك ولا يتحقق النشوز بترك طاعته فيما ليست بواجبة عليها، فلو امتنعت
من خدمات البيت وحوائجه التي لا تتعلق بالاستمتاع من الكنس أو الخياطة أو
الطبخ أو غير ذلك حتى سقي الماء وتمهيد الفراش لم يتحقق النشوز.
مسألة 1 - إذا ظهرت منها امارات النشوز والطغيان بسبب تغيير عادتها معه
في القول أو الفعل - بان تجيبه بكلام خشن بعد ما كان بكلام لين أو ان
تظهر عبوسا
463

وتقطبا في وجهه وتثاقلا ودمدمة بعد ان كانت على خلاف ذلك وغير
ذلك - يعظها فإن لم تؤثر وحصل منها النشوز فخالفته إذا أراد الاستمتاع منها
ولم تبذل نفسها له جاز هجرها في المضجع اما بان يحول إليها ظهره في الفراش
أو يعتزل فراشها، فإن لم يؤثر ذلك فيها جاز له ضربها، ويقتصر على ما يؤمل
معه رجوعها، فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به، والا تدرج إلى
الأقوى فالأقوى ما لم يكن مدميا ولا شديدا مؤثرا في اسوداد بدنها أو احمراره،
واللازم ان يكون ذلك بقصد الاصلاح لا التشفي والانتقام، ولو حصل بالضرب
جناية وجب الغرم.
مسألة 2 - وكما يكون النشوز من طرف الزوجة يكون من طرف الزوج أيضا بتعديه
عليها وعدم القيام على حقوقها الواجبة، فإذا ظهر منه النشوز بمنع حقوقها من
قسم ونفقة ونحوهما فلها المطالبة بها ووعظها إياه، فان لم يؤثر رفعت
أمرها إلى الحاكم فيلزمه بها، وليس لها هجره ولا ضربه، وإذا اطلع الحاكم
على نشوزه وتعديه نهاه عن فعل ما يحرم عليه وأمره بفعل ما يجب، فان
نفع والا عزره بما يراه، وله أيضا الانفاق من ماله مع امتناعه من ذلك ولو
ببيع عقاره إذا توقف عليه.
مسألة 3 - إذا ترك الزوج بعض حقوقها غير الواجبة أو هم بطلاقها لكراهته
لها لكبر سنها أو غيره أو هم بالتزويج عليها فبذلت له مالا أو بعض حقوقها
الواجبة من قسم أو نفقة استمالة له صح وحل له ذلك، واما لو ترك بعض
حقوقها الواجبة أو آذاها بالضرب أو الشتم وغير ذلك فبذلت مالا أو تركت بعض
حقوقها ليقوم بما ترك من حقها أو ليمسك عن أذيتها أو ليخلعها فتخلص من يده
حرم عليه ما بذلت وان لم يكن من قصده الجاؤها بالبذل على الأقوى.
مسألة 4 - إذا وقع نشوز من الزوجين ومنافرة وشقاق بين الطرفين وانجر أمرهما
إلى الحاكم بعث حكمين حكما من جانبه وحكما من جانبها للاصلاح
464

ورفع الشقاق
بما رأياه من الصلاح من الجمع أو الفراق، ويجب عليهما البحث والاجتهاد في
حالهما وفيما هو السبب والعلة لحصول الشقاق بينهما ثم يسعوان في أمرهما فكلما
استقر عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين ويلزم عليهما الرضا به بشرط
كونه سائغا، كما لو شرطا على الزوج ان يسكن الزوجة في البلد الفلاني أو في
مسكن مخصوص أو عند أبويها أو لا يسكن معها في الدار أمه أو أخته ولو في بيت
منفرد أو لا تسكن معها ضرتها في دار واحدة ونحو ذلك، أو شرطا عليها ان تؤجله
بالمهر الحال إلى اجل أو ترد عليه ما قبضته قرضا ونحو ذلك، بخلاف ما إذا
كان غير سائغ كما إذا شرطا عليه ترك بعض حقوق الضرة من قسم أو نفقة أو
رخصة المرأة في خروجها من بيته حيث شاءت وأين شاءت ونحو ذلك.
مسألة 5 - إذا اجتمع الحكمان على التفريق ليس لهما ذلك الا إذا شرطا
عليهما حين بعثهما بأنهما ان شاءا جمعا وان شاءا فرقا، وحيث ان التفريق لا
يكون إلا بالطلاق فلابد من وقوعه عند اجتماع شرائطه، بان وقع في طهر لم
يواقعها فيه وعند حضور العدلين وغير ذلك.
مسألة 6 - الأولي بل الأحوط ان يكون الحكمان من أهل الطرفين، بان
يكون حكم من أهله وحكم من أهلها، فان لم يكن لهما أهل أو لم يكن أهلهم
اهلا لهذا الأمر تعين من غيرهم. ولا يعتبر ان يكون من جانب كل منهما حكم
واحد، بل لو اقتضت المصلحة بعث أزيد تعين.
مسألة 7 - ينبغي للحكمين اخلاص النية وقصد الاصلاح، فمن حسنت نيته فيما
تحراه اصلح الله مسعاه، كما يرشد إلى ذلك قوله جل شانه في هذا المقام "
ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما ".
465

(فصل)
في احكام الأولاد والولادة
مسألة 1 - انما يلحق ما ولدته المرأة بزوجها مع الشك بشروط ثلاثة:
الدخول قبلا أو دبرا مع احتمال الانزال في الفرج أو في حواليه بحيث يحتمل
حصول مائه فيه أو بادخال الماء فيه بالتلقيح المصنوعي ولا يكفي احتمال ذلك
بدون الدخول، ومضي ستة اشهر أو أكثر من حين الوطي إلى زمن الولادة، وان
لا يتجاوز عن أقصي مدة الحمل وكونه تسعة اشهر لا السنة محل اشكال. فلو لم
يدخل بها أصلا لم يلحق به قطعا، بل يجب نفيه عنه ان لم يحتمل كونه منه
، وكذا لو دخل بها وجاءت بولد حي كامل لأقل من ستة اشهر من حين الدخول،
أو جاءت به وقد مضى من حين وطيه إياها أزيد من سنة، كما إذا اعتزلها أو
غاب عنها سنة أو أكثر وولدت بعدها.
مسألة 2 - إذا تحققت الشروط الثلاثة لحق الولد به، ولا يجوز له نفيه
وان وطئها واط فجورا فضلا عما لو اتهمها بالفجور، ولا ينتفي عنه لو نفاه ان
كان العقد دائما الا باللعان، بخلاف ما إذا كان العقد منقطعا وجاءت بولد أمكن
الحاقه به، فإنه وان لم يجز له نفيه لكن لو نفاه ينتفي منه ظاهرا من
غير لعان، لكن عليه اليمين مع دعواها أو دعوى الولد النسب.
مسألة 3 - لا يجوز نفي الولد لمكان العزل، فلو نفاه لم ينتف الا باللعان.
مسألة 4 - الموطوءة بشبهة - كما إذا وطي أجنبية بظن انها زوجته - يلحق
ولدها بالواطي، بشرط ان تكون ولادته لستة اشهر من حين الوطي أو أكثر وان
لا يتجاوز عن أقصى الحمل وبشرط ان لا يكون لها زوج أمكن ان يكون الولد
منه.
مسألة 5 - إذا اختلفا في الدخول الموجب لالحاق الولد وعدمه فادعته
المرأة
466

ليلحق الولد به وانكره، أو اختلفا في ولادته فنفاها الزوج وادعي
انها أتت به من خارج، فالقول قوله بيمينه. واما لو اتفقا في الدخول
والولادة واختلفا في المدة فادعي ولادتها لدون ستة اشهر أو لأزيد من أقصى
الحمل وادعت هي خلافه فالقول قولها بيمينها، ويلحق الولد به ولا ينتفي عنه
الا باللعان.
مسألة 6 - لو طلق زوجته المدخول بها فاعتدت وتزوجت ثم أتت بولد، فان لم
يمكن لحوقه بالثاني وأمكن لحوقه بالأول - كما إذا ولدته لدون ستة اشهر
من وطي الثاني ولتمامها من غير تجاوز عن أقصى الحمل من وطي الأول - فهو
للأول وتبين بطلان نكاح الثاني لتبين وقوعه في العدة وحرمت عليه مؤبدا
لوطيه إياها، وان انعكس الامر - بان أمكن لحوقه بالثاني دون الأول - لحق
بالثاني، بان ولدته لأزيد من أكثر الحمل من وطي الأول ولأقل الحمل إلى
الأقصى من وطي الثاني، وان لم يمكن لحوقه بأحدهما - بان ولدته لأزيد من
أقصى الحمل من وطي الأول ولدون ستة اشهر من وطي الثاني - انتفي منهما،
وان أمكن الحاقه بهما - بان كان ولادته لستة اشهر من وطي الثاني ولدون
أقصى الحمل من وطي الأول - فهو للثاني.
مسألة 7 - لو طلقها ثم بعد ذلك وطئت بشبهة ثم أتت بولد فهو كالتزويج
بعد العدة، فتجئ فيه الصور الأربع المتقدمة حتى الصورة الأخيرة، وهي ما
إذا أمكن اللحوق بكل منهما فإنه يلحق بالأخير هنا أيضا.
مسألة 8 - إذا كانت تحت زوج ووطئها شخص آخر بشبهة ثم أتت بولد فان أمكن
لحوقه بأحدهما دون الآخر يلحق به، وان لم يمكن اللحوق بهما انتفي عنهما،
وان أمكن لحوقه بكل منهما أقرع بينهما.
467

القول في احكام الولادة وما يلحق بها
للولادة والمولود سنن وآداب بعضها واجبة وبعضها مندوبة نذكر مهماتها في ضمن
مسائل:
مسألة 1 - يجب استبداد النساء في شؤون المرأة حين ولادتها دون الرجال
إذا استلزم امدادهم النظر أو اللمس المحرم عليهم هذا عند الاختيار واما
عند الاضطرار فلا باس بل قد يجب. نعم لا باس بالزوج وان وجدت النساء.
مسألة 2 - يستحب غسل المولود عند وضعه مع الامن من الضرر، والاذان
في اذنه اليمني والإقامة في اليسرى فإنه عصمة من الشيطان الرجيم،
وتحنيكه بماء الفرات وتربة الحسين (عليه السلام)، وتسميته بالأسماء المستحسنة،
فان ذلك من حق الولد على الوالد، وأفضلها ما يتضمن العبودية لله جل شانه
كعبد الله وعبد الرحيم وعبد الرحمن ونحو ذلك، ويليها أسماء الأنبياء والأئمة
عليهم السلام، وأفضلها اسم محمد صلي الله عليه وآله، بل يكره ترك
التسمية به إذا ولد له أربعة أولاد، فعن النبي صلي الله عليه وآله قال:
من ولد له أربعة أولاد ولم يسم أحدهم باسمي فقد جفاني. ويكره ان يكنيه
أبا القاسم إذا كان اسمه محمد، ويستحب ان يحلق راس الولد يوم السابع وان
يتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة، ويكره ان يحلق من رأسه موضع ويترك موضع.
مسألة 3 - تستحب الوليمة عند الولادة، وهي أحدي الخمس التي سن
فيها الوليمة، كما ان إحداها عند الختان، ولا يعتبر في الوليمة ايقاعها في
يوم الولادة، فلا باس بتأخيرها عنه بأيام قلائل، والظاهر انه ان ختن في
اليوم السابع أو قبله فأولم في يوم الختان بقصدهما تتأدى السنتان.
مسألة 4 - يجب ختان الذكور، بل ربما يعد من الضروريات، ويستحب ايقاعه في
اليوم السابع، ويجوز التأخير عنه، وان تأخر إلى ما بعد البلوغ يجب عليه
ان يختن نفسه، حتى ان الكافر إذا اسلم غير مختون يجب عليه الختان وان
طعن
468

في السن. وهل يجب على الولي ان يختن الصبي فلا يجوز له تأخيره إلى
ما بعد بلوغه الا لعذر، فان اخره اليه بدون عذر عصي الولي وان وجب حينئذ
على الصبي، أم لا؟ قولان المشهور والأقوى الثاني، والأحوط الأول.
مسألة 5 - الختان واجب لنفسه وشرط لصحة طوافه في حج أو عمرة واجبين أو
مندوبين، وليس شرطا في صحة الصلاة على الأقوى فضلا عن سائر العبادات.
مسألة 6 - الظاهر ان الحد الواجب في الختان ان تقطع الجلدة الساترة
للحشفة المسماة بالغلفة بحيث تظهر ثقبة الحشفة ومقدار من بشرتها وان لم
تستأصل تلك الجلدة ولم يظهر تمام الحشفة، وبعبارة أخرى قطعها بحيث لم
يصدق عليه الأغلف الذي ورد ان الأرض تضج من بوله أربعين صباحا.
مسألة 7 - لا باس بكون الختان كافرا حربيا أو ذميا، فلا يعتبر فيه الاسلام.
مسألة 8 - لو ولد الصبي مختونا سقط الختان وان استحب امرار الموس على المحل
لإصابة السنة.
مسألة 9 - ومن المستحبات الأكيدة العقيقة للذكر والأنثى، ويستحب ان
يعق عن الذكر ذكرا وعن الأنثى أنثى، وان يكون يوم السابع، وان تأخر عنه
لعذر أو لغير عذر لم يسقط، بل لو لم يعق عن الصبي حتى بلغ وكبر عق عن
نفسه، بل لو لم يعق عن نفسه في حياته يستحب ان يعق عنه بعد موته.
ولابد ان تكون من أحد الأنعام الثلاثة: الغنم ضأنا كان أو معزا، والبقر،
والإبل. ولا يجزي عنها التصدق ثمنها.
ويستحب ان تجتمع فيها شروط الأضحية من كونها سليمة من العيوب لا يكون سنها
أقل من خمس سنين كاملة في الإبل وأقل من سنتين في البقر وأقل من
سنة كاملة في المعز وأقل من سبعة شهور في الضان، ويستحب ان تخص القابلة
منها
469

بالرجل والورك ولو لم تكن قابلة أعطي الام تتصدق به.
مسألة 10 - يتخير في العقيقة بين ان يفرقها لحما أو مطبوخا أو تطبخ
ويدعي عليها جماعة من المؤمنين، ولا أقل من عشرة، وان زاد فهو أفضل
يأكلون منها ويدعون للولد، وروي ان أفضل ما يطبخ به ماء وملح، ولا باس
بإضافة شي إليها من الحبوب كالحمص وغيره.
مسألة 11 - لا يجب على الام ارضاع ولدها لا مجانا ولا بالأجرة مع
عدم الانحصار بها، كما انه لا يجب عليها ارضاعه مجانا وان انحصر بها، بل
لها المطالبة بأجرة رضاعها من مال الولد إذا كان له مال ومن مال أبيه إذا
لم يكن له مال وكان الأب موسرا. نعم لو لم يكن للولد مال ولم يكن الأب
والجد وان علا موسرين تعين على الام ارضاعه مجانا اما بنفسها أو باستيجار
مرضعة أخرى وتكون اجرتها عليها من حيث وجوب انفاقه عليها.
مسألة 12 - الام أحق بارضاع ولدها من غيرها إذا كانت متبرعة أو تطلب
ما تطلب غيرها أو انقص، واما لو طلبت زيادة أو تطلب الأجرة ووجدت
متبرعة كان للأب نزعه منها وتسليمه إلى غيرها، وهل يسقط حينئذ حق الحضانة
الثابت للام أيضا؟ أقواهما العدم لعدم التنافي بين سقوط حق الارضاع وثبوت
حق اخر، لامكان كون الولد في حضانة الام مع كون رضاعه من امرأة أخرى،
اما بحمل الام الولد إلى المرضعة عند الاحتياج إلى اللبن أو باحضار المرضعة
عنده مثلا.
مسألة 13 - لو ادعي الأب وجود متبرعة وأنكرت الام ولم يكن له بينة
على وجودها فالقول قولها بيمينها.
مسألة 14 - يستحب ان يكون رضاع الصبي بلبن أمه، فإنه أبرك من غيره
الا إذا اقتضت بعض الجهات أولوية غيرها من حيث شرافتها وطيب لبنها
وخباثة الام.
470

مسألة 15 - كمال الرضاع حولان كاملان اربع وعشرون شهرا، ويجوز ان ينقص عن
ذلك إلى ثلاثة شهور، بان يفطم على أحد وعشرين شهرا، ولا يجوز ان ينقص عن
ذلك، ولو نقص عن ذلك مع الامكان ومن غير ضرورة كان جورا على الصبي كما
في الخبر.
مسألة 16 - الام إذا كانت حرة مسلمة عاقلة أحق بحضانة الولد وتربيته
وما يتعلق بها من مصلحة حفظه مدة الرضاع - اعني حولين كاملين - ذكرا كان
أو أنثى، سواء أرضعته هي بنفسها أو بغيرها، فلا يجوز للأب ان يأخذه في هذه
المدة منها، فإذا فصل وانقضت مدة الرضاع فالأب أحق بالذكر بشرط ان يكون
حرا عاقلا وأن يكون مسلما إذا كان الولد مسلما. والام أحق بالأنثى حتى تبلغ
سبع سنين من عمرها، ثم يكون الأب أحق بها. وان فارق الام بفسخ أو طلاق
قبل ان تبلغ سبع سنين لم يسقط حق حضانتها ما لم تتزوج بالغير، فلو تزوجت
سقط حقها وكانت الحضانة للأب، ولو فارقها الثاني فهل تعود حضانتها أم لا؟
وجهان بل قولان، لا يخلو ثانيهما من رجحان، والأحوط لهما التصالح والتسالم.
مسألة 17 - لو مات الأب بعد انتقال الحضانة اليه أو قبله كانت الام
أحق بحضانة الولد وان كانت مزوجة - ذكرا كان الولد أو أنثى - من وصي أبيه
وكذا من باقي أقاربه حتى أبي أبيه وأمه فضلا عن غيرهما، كما انه لو ماتت
الام في زمان حضانتها كان الأب أحق بها من وصيها ومن أبيها وأمها فضلا عن
باقي أقاربها، وإذا فقد الأبوان فالحضانة لأبي الأب، وإذا عدم ولم يكن
وصي له ولا للأب كانت الحضانة لأقارب الولد على ترتيب مراتب الإرث الأقرب
منهم يمنع الابعد، ومع التعدد والتساوي في المرتبة والتشاح أقرع بينهم،
وإذا وجد وصي لأحدهما ففي
471

كون الامر كذلك أو كون الحضانة للوصي ثم إلى
الأقارب وجهان بل قولان، فلا يترك الاحتياط بالتصالح والتسالم والأحوط
منه الاستيذان من الحاكم أيضا.
مسألة 18 - تنتهي الحضانة ببلوغ الولد رشيدا، فإذا بلغ الرشد ليس لاحد
حق الحضانة عليه حتى الأبوين فضلا عن غيرهما، بل هو مالك لنفسه وكان
اليه الخيار في الانضمام إلى من شاء منهما، أو من غيرهما ذكرا كان أم أنثى.
(فصل)
في النفقات
انما تجب النفقة بأحد أسباب ثلاثة: الزوجية، والقرابة، والملك.
مسألة 1 - تجب نفقة الزوجة على الزوج بشرط ان تكون دائمة، فلا
نفقة للمنقطعة، وان تكون مطيعة للزوج فيما يجب إطاعتها له فلا نفقة
للناشزة، وقد مربيان ما يتحقق به النشوز سابقا، ولا فرق بين ان تكون مسلمة
أو ذمية وان تكون حرة أو أمة.
مسألة 2 - لو نشزت ثم عادت إلى الطاعة لم تستحق النفقة حتى تظهرها
وعلم بها وانقضى زمان أمكن الوصول إليها.
مسألة 3 - لو ارتدت سقطت النفقة وان عادت في العدة عادت.
مسألة 4 - الظاهر انه لا نفقة للزوجة الصغيرة غير القابلة للاستمتاع منها
على زوجها، خصوصا إذا كان صغيرا غير قابل للتمتع والتلذذ، وكذا للزوجة
الكبيرة إذا كان زوجها صغيرا غير قابل لان يستمتع منها. نعم لو كانت الزوجة
مراهقة وكان الزوج مراهقا أو كبيرا أو كان الزوج مراهقا وكانت الزوجة كبيرة
لم يبعد استحقاق الزوجة للنفقة مع تمكينها له من نفسها على ما يمكنه من
التلذذ والاستمتاع منها.
472

مسألة 5 - لا تسقط نفقتها بعدم تمكينها له من نفسها لعذر شرعي أو عقلي
من حيض أو احرام أو اعتكاف واجب أو مرض أو غير ذلك، وكذا لا تسقط إذا سافرت
باذن الزوج، سواء كان في واجب أو مندوب أو مباح، وكذا لو سافرت في واجب
مضيق كالحج الواجب بغير اذنه، بل ولو مع منعه ونهيه، بخلاف ما لو سافرت
بغير اذنه في مندوب أو مباح فإنه تسقط نفقتها، بل الامر كذلك لو خرجت من
بيته بغير اذنه ولو لغير سفر فضلا عما كان له لتحقق النشوز المسقط للنفقة.
مسألة 6 - تثبت النفقة والسكنى لذات العدة الرجعية ما دامت في العدة
كما تثبت للزوجة، من غير فرق بين كونها حائلا أو حاملا، ولو كانت ناشزة
وطلقت في حال نشوزها لم تثبت لها النفقة كالزوجة الناشزة، فإن رجعت في
العدة إلى التمكين فالظاهر وجوب النفقة. واما ذات العدة البائنة فتسقط
نفقتها وسكناها، سواء كانت عن طلاق أو فسخ، الا إذا كانت عن طلاق وكانت
حاملا فإنها تستحق النفقة والسكنى حتى تضع حملها. ولا تلحق بها المنقطعة
الحامل الموهوبة أو المنقضية مدتها، وكذا الحامل المتوفي عنها زوجها، فإنه
لا نفقة لها مدة حملها لامن تركة زوجها ولا من نصيب ولدها على الأقوى.
مسألة 7 - لو ادعت المطلقة بائنا انها حامل مستندة إلى وجود الامارات
التي يستدل بها على الحمل عند النسوان صدقت وانفق عليها يوما فيوما إلى ان
يتبين الحال، فان تبين الحمل والا استعيد منها ما صرف إليها، وفي جواز
مطالبتها بكفيل قبل تبين الحال وجهان بل قولان، لا يخلو ثانيهما من رجحان.
مسألة 8 - لا تقدير للنفقة شرعا، بل الضابط القيام بما تحتاج اليه المرأة
من طعام وإدام وكسوة وفراش وغطاء واسكان وإخدام وآلات تحتاج إليها
لشربها وطبخها وتنظيفها وغير ذلك، فاما الطعام فكميته بمقدار ما يكفيها لشبعها،
وفي
473

جنسه يرجع إلى ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها والموالم لمزاجها وما
تعودت به بحيث تتضرر بتركه. واما الادام فقدرا وجنسا كالطعام يراعي ما هو
المتعارف لأمثالها في بلدها وما يوالم مزاجها وما هو معتاد لها، حتى انه لو
كانت عادة أمثالها أو الموالم لمزاجها دوام اللحم مثلا لوجب، وكذا لو اعتادت
بشئ خاص من الادام بحيث تتضرر بتركه، بل الظاهر مراعاة ما تعارف اعتياده
لأمثالها من غير الطعام والإدام كالشاي والقهوة ونحوهما، وأولي بذلك المقدار
اللازم من الفواكه الصيفية التي تناولها كاللازم في الأهوية الحارة،
وكذلك الحال في الكسوة فيلاحظ في قدرها وجنسها عادة أمثالها وبلد سكناها
والفصول التي تحتاج إليها شتاءا وصيفا ضرورة شدة الاختلاف في الكم والكيف
والجنس بالنسبة إلى ذلك، بل لو كانت من ذوات التجمل وجب لها زيادة على
ثياب البدن ثياب له على حسب أمثالها، وهكذا الفراش والغطاء فان لها ما
تفرشها على الأرض وما تحتاج إليها للنوم من لحاف ومخدة وما تنام عليها،
ويرجع في قدرها وجنسها ووصفها إلى ما ذكر في غيرها. وتستحق في الاسكان ان
يسكنها دارا يليق بها بحسب عادة أمثالها وكانت لها من المرافق ما تحتاج إليها
، ولها ان تطالبه بالتفرد بالمسكن عن مشاركة غير الزوج ضرة أو غيرها من دار
أو حجرة منفردة المرافق اما بعارية أو إجارة أو ملك، ولو كانت من أهل
البادية كفاها كوخ أو بيت شعر منفرد يناسب حالها. واما الاخدام فإنما يجب ان
كانت ذات حشمة وشان ومن ذوي الاخدام والا خدمت نفسها، وإذا وجبت الخدمة
فالزوج بالخيار بين ان يبتاع خادمة لها أو يستأجرها لها أو يأمر مملوكته بان
تخدمها أو يخدمها بنفسه على اشكال في الأخير. واما الآلات والأدوات المحتاج
إليها فهي أيضا تلاحظ ما هو المتعارف لأمثالها بحسب حاجات بلدها التي تسكن
وتتعيش بها ضرورة اختلافها بحسبها اختلافا فاحشا.
مسألة 9 - الظاهر انه من الانفاق الذي تستحقه الزوجة اجرة الحمام
عند
474

الحاجة، سواء كان للاغتسال أو للتنظيف إذا كانت في بلدها لم يتعارف
الغسل والاغتسال في البيت أو يتعذر أو يتعسر ذلك لها لبرد أو غيره، ومنه
أيضا الفحم والحطب في زمان الاحتياج اليهما، وكذا الأدوية المتعارفة التي
يكثر الاحتياج إليها بسبب الأمراض والآلام التي قلما يخلو الشخص منها في
الشهور والأعوام. نعم الظاهر انه ليس من الدواء ما يصرف في المعالجات
الصعبة التي يكون الاحتياج إليها من باب الاتفاق، خصوصا فيما إذا احتاج إلى
بذل مال خطير، وهل يكون منه اجرة الفصد والحجامة عند الاحتياج اليهما؟
فيه تأمل واشكال إلا إذا كان ذلك متعارفا بين الناس.
مسألة 10 - تملك الزوجة على الزوج نفقة كل يوم من الطعام والإدام
وغيرهما مما يصرف ولا يبقي عينه في صبيحته، فلها ان تطالبه بها عندها، فلو
منعها وانقضى اليوم استقرت في ذمته وكانت دينا عليه وليست لها مطالبة نفقة
الأيام الآتية. ولو مضت أيام ولم ينفق عليها فيها اشتغلت ذمته بنفقة تلك
المدة، سواء طالبته بها أو سكتت عنها، وسواء قدرها الحاكم وحكم بها أم لا
؟ وسواء كان موسرا أو معسرا، غاية الامر انه مع الاعسار ينظر في المطالبة إلى
اليسار.
مسألة 11 - لو دفعت إليها نفقة أيام كأسبوع أو شهر مثلا وانقضت المدة
ولم تصرفها على نفسها إما بان أنفقت من غيرها أو انفق عليها أحد كانت ملكا
لها وليس للزوج استردادها، وكذا لو استفضلت منها شيئا بالتقتير على نفسها
كانت الزيادة ملكا لها فليس له استردادها. نعم لو خرجت عن الاستحقاق قبل
انقضاء المدة بموت أحدهما أو نشوزها أو طلاقها بائنا يوزع المدفوع على الأيام
الماضية والآتية ويسترد منها بالنسبة إلى ما بقي من المدة، بل الظاهر ذلك
فيما إذا دفع لها نفقة يوم وعرضت أحد تلك العوارض في أثناء اليوم، فيسترد
الباقي من نفقة ذلك اليوم.
475

مسألة 12 - كيفية الانفاق بالطعام والإدام: اما بمواكلتها مع الزوج في
بيته على العادة كسائر عياله، واما بتسليم النفقة لها. وليس له الزامها
بالنحو الأول، فلها ان تمتنع من المواكلة معه وتطالبه بكون نفقتها بيدها
تفعل بها ما تشاء، الا انه إذا اكلت وشربت معه على العادة سقطت ما على
الزوج من النفقة، فليس لها ان تطالبه بها بعد ذلك.
مسألة 13 - ما يدفع لها للطعام والإدام اما عين المأكول كالخبز والتمر
والطبيخ واللحم المطبوخ مما لا يحتاج في اعداده للاكل إلى علاج ومزاولة
ومؤنة وكلفة، واما عين يحتاج في ذلك إلى ذلك كالحب والأرز والدقيق ونحو
ذلك، والظاهر ان الزوج بالخيار بين النحوين إذا كان النحوان متعارفين
موافقين للامساك بالمعروف وليس للزوجة الامتناع والزامه بالنحو الأول. نعم
لو اختار النحو الثاني واحتاج اعداد المدفوع للاكل إلى اجرة أو إلى مؤنة
كالحطب وغيره كان عليه.
مسألة 14 - إذا تراضيا على بذل الثمن وقيمة الطعام والإدام وتسلمت
ملكته وسقط ما هو الواجب على الزوج وليس لكل منهما الزام الآخر به.
مسألة 15 - انما تستحق بالكسوة على الزوج ان يكسوها بما هو ملكه أو
بما استأجره أو استعاره، ولا تستحق عليه ان يدفع إليها بعنوان التمليك،
ولو دفع إليها كسوة لمدة جرت العادة ببقائها إليها فكستها فخلقت قبل تلك
المدة أو سرقت وجب عليه دفع كسوة أخرى إليها، ولو انقضت المدة والكسوة
باقية ليس لها مطالبة كسوة أخرى، ولو خرجت في أثناء المدة عن الاستحقاق
لموت أو نشوز أو طلاق تسترد إذا كانت باقية، وكذلك الكلام في الفراش والغطاء
واللحاف والآلات التي دفعها إليها من جهة الانفاق مما ينتفع بها مع بقاء
عينها، فإنها كلها باقية على ملك الزوج تنتفع بها الزوجة، فله استردادها
إذا زال استحقاقها الا مع التصريح بانشاء التمليك لها.
476

مسألة 16 - إذا اختلف الزوجان في الانفاق وعدمه مع اتفاقهما على الاستحقاق،
فان كان الزوج غائبا أو كانت الزوجة منعزلة عنه فالقول قولها بيمينها إذا
لم يكن له بينة، وان كانت في بيته داخلة في عيالاته فالظاهر ان القول
قول الزوج بيمينه إذا لم يكن لها بينة.
مسألة 17 - إذا كانت الزوجة حاملا ووضعت وقد طلقت رجعيا واختلفا في وقوع
زمان الطلاق، فادعي الزوج انه قبل الوضع وقد انقضت عدتها بالوضع فلا نفقة
لها الان، وادعت هي انه بعده لتثبت لها النفقة ولم تكن بينة، فالقول
قولها مع اليمين، فان حلفت ثبت لها استحقاق النفقة. لكن يحكم عليه
بالبينونة وعدم جواز الرجوع من جهة اعترافه بأنها قد خرجت من العدة بالوضع.
مسألة 18 - إذا طالبته بالانفاق وادعي الاعسار وعدم الاقتدار ولم تصدقه
بل ادعت عليه اليسار فالقول قوله بيمينه إذا لم يكن لها بينة، الا إذا
كان مسبوقا باليسار وادعي تلف أمواله وصيرورته معسرا وأنكرته فان القول
قولها بيمين إذا لم يكن بينة.
مسألة 19 - لا يشترط في استحقاق الزوجة النفقة فقرها واحتياجها، فلها
على زوجها الانفاق وبذل مقدار النفقة وان كانت من أغني الناس.
مسألة 20 - إذا لم يكن له مال يفي بنفقة نفسه وزوجته وأقاربه واجبي
النفقة فهو مقدم على زوجته وهي على أقاربه، فما فضل من قوته صرفه إليها
ولا يدفع إلى الأقارب الا ما يفضل من نفقتها.
القول في نفقة الأقارب
مسألة 1 - يجب الانفاق على الأبوين وآبائهما وأمهاتهما وان علوا،
وعلي الأولاد وأولادهم وان نزلوا ذكورا وإناثا صغيرا كانوا أو كبيرا مسلما كانوا
أو كافرا، ولا تجب على غير العمودين من الأقارب كالاخوة والأخوات
والأعمام
477

والعمات والأخوال والخالات وغيرهم، وان استحب خصوصا الوارث منهم.
مسألة 2 - يشترط في وجوب الانفاق على القريب فقره واحتياجه، بمعني عدم
وجدانه لما يتقوت به فعلا، فلا يجب انفاق من قدر على نفقته فعلا وان
كان فقيرا لا يملك قوت سنة وجاز له اخذ الزكاة ونحوها. واما غير الواجد لها
فعلا القادر على تحصيلها، فان كان ذلك بغير الاكتساب كالاقتراض
والاستعطاء والسؤال لم يمنع ذلك عن وجوب الانفاق عليه بلا اشكال، فإذا لم
يكن للأب مثلا ما ينفق على نفسه لكن يمكن له الاقتراض أو السؤال وكان
بحيث لو اقترض يقرضونه ولو سال يعطونه وقد تركهما فالواجب على ولده الموسر
نفقته، وان كان ذلك بالاكتساب، فان كان ذلك بالاقتدار على تعلم صنعة
بها امرار معاشه كالبنت تقدر على تعلم الخياطة المكفية عن معيشتها والابن
يقدر على تعلم الكتابة أو الصياغة أو النجارة المكفية عن نفقته وقد تركا
التعلم فبقيا بلا نفقة فلا اشكال في وجوب الانفاق عليه في حال عجزه، وكذا
الحال لو أمكن له التكسب بما يشق عليه تحمله كحمل الأثقال أو لا يناسب
شانه كبعض الاشغال لبعض الاشخاص ولم يتكسب لذلك فإنه يجب على قريبه
الانفاق عليه، وان كان قادرا على التكسب بما يناسب حاله وشأنه كالقوي
القادر على حمل الأثقال والوضيع اللائق بشأنه بعض الاشغال ومن كان كسوبا
وله بعض الاشغال والصنائع وقد ترك ذلك طلبا للراحة فالظاهر عدم وجوب
الانفاق عليه. نعم لو فات عنه زمان اكتسابه بحيث صار محتاجا فعلا بالنسبة
إلى يوم وأيام غير قادر على تحصيل نفقتها وجب الانفاق عليه وان كان ذلك
العجز قد حصل باختياره، كما انه إذا ترك التشاغل بالاكتساب لا لطلب الراحة
بل لاشتغاله بأمر دنيوي أو ديني مهم كطلب العلم الواجب لم يسقط بذلك
التكليف بوجوب الانفاق عليه.
مسألة 3 - إذا أمكن للمرأة التزويج بمن يليق بها ويقوم بنفقتها دائما أو
منقطعا فهل
478

تكون بحكم القادر فلا يجب على أبيها أو ابنها الانفاق عليها أم لا؟ وجهان أوجههما الثاني
مسألة 4 - يشترط في وجوب الانفاق على القريب قدرة المنفق على نفقته بعد
نفقة نفسه ونفقة زوجته لو كانت له زوجة دائمة، فلو حصل له قدر كفاية
نفسه خاصة اقتصر على نفسه، ولو فرض انه فضل منه شي وكانت له زوجة
فلزوجته، فلو فضل منه شي فللأبوين والأولاد.
مسألة 5 - المراد بنفقة نفسه المقدمة على نفقة زوجته مقدار قوت يومه
وليلته وكسوته اللائقة بحاله وكل ما اضطر اليه من الآلات للطعام والشراب
والفراش والغطاء وغيرها، فان زاد على ذلك شي صرفه إلى زوجته ثم إلى
قرابته.
مسألة 6 - لو زاد عن نفقته شي ولم تكن عنده زوجة، فان اضطر إلى
التزويج بحيث يكون في تركه عسر وحرج شديد أو مظنة فساد ديني فله ان يصرفه
في التزويج وان لم يبق لقريبه شي، وان لم يكن كذلك ففي جواز صرفه في
الزواج وترك انفاق القريب تأمل واشكال. ولا يترك الاحتياط بصرفه على
القريب.
مسألة 7 - لو لم يكن عنده ما ينفقه على نفسه وجب عليه التوسل إلى
تحصيله باي وسيلة حتى بالاستعطاء والسؤال فضلا عن الاكتساب اللائق بالحال،
واما لو لم يكن عنده ما ينفقه على زوجته أو قريبه فلا ينبغي الاشكال في
انه يجب عليه تحصيله بالاكتساب اللائق بشأنه وحاله، ولا يجب عليه التوسل
إلى تحصيله بمثل الاستيهاب والسؤال. نعم لا يبعد وجوب الاقتراض إذا أمكن
من دون مشقة وكان له محل الايفاء فيما بعد، وكذا الشراء نسيئة بالشرطين
المذكورين.
مسألة 8 - لا تقدير في نفقة الأقارب، بل الواجب قدر الكفاية من
الطعام والإدام والكسوة والمسكن مع ملاحظة الحال والشأن والزمان والمكان
حسبما مر في نفقة الزوجة.
479

مسألة 9 - لا يجب إعفاف من وجبت نفقته ولدا كان أو والدا بتزويج أو
إعطاء مهر له وان كان أحوط مع حاجته إلى النكاح وعدم قدرته على التزويج
وبذل الصداق خصوصا في الأب.
مسألة 10 - يجب على الولد نفقة والده دون أولاده لأنهم اخوته ودون زوجته
، ويجب على الوالد نفقة ولده دون زوجته. نعم يجب عليه نفقة أولاده أيضا
لأنهم أولاده.
مسألة 11 - لا تقضي نفقة الأقارب ولا يتداركه لو فات في وقته وزمانه
ولو بتقصير من المنفق، ولا يستقر في ذمته بخلاف الزوجة كما مر. نعم لو لم
ينفق عليه لغيبته أو امتنع عن انفاقه مع يساره ورفع المنفق عليه امره
إلى الحاكم فأمره بالاستدانة عليه فاستدان عليه اشتغلت ذمته بما استدانه
ووجب عليه قضاؤه، وان تعذر الحاكم فالظاهر انه يرجع امره إلى العدول فلو
استدان عليه بأمرهم وجب عليه قضاؤه كما إذا امره الحاكم.
مسألة 12 - قد ظهر مما مر ان وجوب الانفاق ثابت بشروطه في عمودي النسب -
اعني بين الأصول والفروع دون الحواشي كالاخوة والأعمام والأخوال - فليعلم
ان لوجوب الانفاق ترتيب من جهتين: من جهة المنفق، ومن جهة المنفق عليه
. اما من جهة الأولي فتجب نفقة الولد ذكرا كان أو أنثى على أبيه، ومع
عدمه أو فقره فعلي جده للأب، ومع عدمه أو اعساره فعلي جد الأب، وهكذا
متعاليا الأقرب فالأقرب. ولو عدمت الاباء أو كانوا معسرين فعلي أم الولد،
ومع عدمها أو اعسارها فعلي أبيها وأمها وأبي أبيها وأم أبيها وأبي أمها وأم
أمها وهكذا الأقرب فالأقرب، ومع التساوي في الدرجة يشتركون في الانفاق
بالسوية، وان اختلفوا
480

في الذكورة والأنوثة. وفي حكم آباء الام وأمهاتها أم
الأب وكل من تقرب إلى الأب بالام كأبي أم الأب وأم أم الأب وأم أبي
الأب وهكذا، فإنه تجب عليهم نفقة الولد مع فقد آبائه وأمه مع مراعاة
الأقرب فالأقرب إلى الولد، فإذا كان له أب وجد موسران كانت نفقته على
الأب، وإذا كان له أب مع أم كانت نفقته على الأب، وإذا كان له جد لأب
مع أم كانت نفقته على الجد، وإذا كان له جد لام مع أم كانت نفقته على
الام، وإذا كان له جد وجدة لام تشاركا في الانفاق عليه بالسوية،
وإذا كانت له جدة لأب مع جد وجدة لام تشاركوا فيه أثلاثا.
هذا كله في الأصول اعني الاباء والأمهات، واما الفروع اعني الأولاد
فتجب نفقة الأب والام عند الاعسار على الولد مع اليسار ذكرا كان أم أنثى،
ومع فقده أو اعساره فعلي ولد الولد - اعني ابن ابن أو بنت وبنت ابن أو
بنت - وهكذا الأقرب فالأقرب، ومع التعدد والتساوي في الدرجة يشتركون
بالسوية، فلو كان له ابن أو بنت مع ابن ابن مثلا كانت نفقته على الابن
أو البنت، ولو كان له ابنان أو بنتان أو ابن وبنت اشتركا في الانفاق
بالسوية، وإذا اجتمع الأصول مع الفروع يراعي الأقرب فالأقرب، ومع التساوي
يتشاركون، فإذا كان له أب مع ابن أو بنت تشاركا بالسوية، وإذا كان له أب
مع ابن ابن أو ابن بنت كانت نفقته على الأب، وإذا كان له ابن وجد لأب
كانت على الابن، وإذا كان له ابن ابن مع جد لأب تشاركا بالسوية. وإذا
كانت له أم مع ابن ابن أو ابن بنت مثلا كانت نفقته على الام. ويشكل
الأمر فيما إذا اجتمعت الام مع الابن أو البنت، والأحوط التراضي والتصالح
على الاشتراك بالتسوية، بل الأحوط التراضي والتصالح في أكثر الفروع
المذكورة مما لم يكن فيه وجه صحيح لتقدم بعض على بعض.
واما من الجهة الثانية فإذا كان عنده زائدا على نفقته ونفقة زوجته ما
يكفي لانفاق جميع أقاربه المحتاجين وجب عليه نفقة الجميع، وإذا لم يكف
الا لانفاق بعضهم ينفق على الأقرب فالأقرب منهم، فإذا كان عنده ابن أو
بنت مع ابن ابن
481

وكان عنده ما يكفي أحدهما ينفق على الابن أو البنت دون
ابن ابن، وإذا كان عنده أبواه مع ابن ابن وابن بنت أو مع جد وجدة لأب
أو لام أو بالاختلاف وكان عنده ما يكفي اثنين ينفق على الأبوين وهكذا.
واما إذا كان عنده قريبان أو أزيد في مرتبة واحدة وكان عنده ما لا يكفي
الجميع فالأقرب انه يقسم بينهم بالسوية ان أمكن انتفاعهم منه والا فيرجع
إلى القرعة.
مسألة 13 - لو كان له ولدان ولم يقدر الا على نفقة أحدهما وكان له أب
موسر، فان اختلفا في قدر النفقة وكان ما عنده يكفي لأحدهما بعينه كالأقل
نفقة اختص به وكان نفقة الآخر على أبيه جد الولدين، وان اتفقا على مقدار
النفقة فان توافق مع الجد في ان يشتركا في انفاقهما أو تراضيا على ان يكون
أحدهما المعين في نفقة أحدهما والاخر في نفقة آخر فهو، والا رجعا إلى القرعة.
مسألة 14 - لو دافع وامتنع من وجبت عليه النفقة عن الانفاق أجبره الحاكم
، ومع عدمه فعدول المؤمنين، وان لم يمكن اجباره فان كان له مال أمكن
للمنفق عليه ان يقتص منه مقدار نفقته، جاز له والأحوط ان يكون باذن
الحاكم، والا امره الحاكم بالاستدانة عليه، ومع تعذر الحاكم وتعذر العدول
جاز له ذلك.
مسألة 15 - تجب نفقة المملوك رقيقا كان أو غيره حتى النحل ودود القز
على مالكه، ومولي الرقيق بالخيار بين الانفاق عليه من خالص ماله أو من
كسبه، بان يرخصه في ان يكتسب ويصرف ما حصله في نفقته وما زاد لسيده،
فلو قصر كسبه عن نفقته كان على المولي اتمامه، ولا تقدير لنفقته بل
الواجب قدر الكفاية من طعام وادام وكسوة، ويرجع في جنس ذلك إلى عادة
مماليك أمثال السيد مع أهل بلده، كما انه لا تقدير لنفقة البهيمة، بل
الواجب القيام بما يحتاج اليه من اكل وسقي ومكان رحل ونحو ذلك، واما
مالكها بالخيار بين علفها واطعامها وبين تخليتها ترعي في خصب الأرض، فان
اجتزأت بالرعي والا علفها بمقدار كفايتها.
482

مسألة 16 - لو امتنع المولي من الانفاق على رقيقه أجبر على بيعه أو غيره
مما يزيل ملكه عنه أو الانفاق عليه، كما انه لو امتنع المالك من الانفاق
على البهيمة ولو بتخليتها للرعي الكافي لها أجبر على بيعها أو الانفاق عليها أو
ذبحها ان كانت مما يقصد بذبحها اللحم.
483

كتاب الطلاق
485

كتاب الطلاق
وله شروط ولواحق وأحكام
القول في شروطه
مسألة 1 - يشترط في الزوج المطلق العقل وكذا البلوغ على الأحوط، فلا
يصح طلاق المجنون مطبقا أو أدوارا؟ حال جنونه ويلحق به السكران ونحوه ممن
زال عقله وكذا لا يصح طلاق الصبي على الأحوط لا بالمباشرة ولا بوكيل الغير
وان كان مميزا وله عشر سنين.
مسألة 2 - كما لا يصح طلاق الصبي بالمباشرة والتوكيل لا يصح طلاق وليه
عنه كأبيه وجده فضلا عن الوصي والحاكم. نعم لو بلغ فاسد العقل طلق عنه
وليه (الأب أو الجد) مع مراعاة الغبطة والصلاح، فان لم يكن له أب وجد
أو طرا عليه الجنون بعد البلوغ فالامر إلى الحاكم، والأحوط للأب والجد
الاستيذان من الحاكم وللحاكم في صورة طرو الجنون بعد البلوغ مع كون
أحدهما الاستيذان منه.
مسألة 3 - ويشترط في الزوج المطلق القصد والاختيار، بمعني عدم
الاكراه والاجبار، فلا يصح طلاق غير القاصد كالنائم والساهي والغالط، بل
الهازل الذي لا يريد وقوع الطلاق جدا بل يتكلم بلفظه هزلا. وكذا لا يصح طلاق
المكره الذي قد الزم على ايقاعه مع التوعيد والتهديد على تركه.
487

مسألة 4 - الاكراه هو حمل الغير على ايجاد ما يكره ايجاده مع التوعيد
على تركه بايقاع ما يضر بحاله عليه أو بحال منسوبيه ممن يجري مجري نفسه
كالولد والوالد والزوجة نفسا أو عرضا أو مالا، بشرط كون الحامل قادرا على
ايقاع ما توعد به مع العلم أو الظن بايقاعه أو الخوف به على تقدير عدم
امتثاله. ويلحق به موضوعا أو حكما ما إذا امره بايجاد ما يكرهه مع خوف
المأمور به من عقوبته والاضرار عليه لو خالفه خوفا عقلائيا وان لم يقع منه
توعيد أو تهديد. ولا يلحق به موضوعا ولا حكما ما لو أوقع الفعل مخافة إضرار
الغير عليه بتركه من دون الزام منه عليه، فلو تزوج على امرأة ثم رأي
انه لو بقيت في حباله لوقعت عليه وقيعة من بعض متعلقيها كأبيها أو أخيها
فالتجأ إلى طلاقها فطلقها فإنه يصح طلاقها.
مسألة 5 - لو قدر المأمور على دفع ضرر الأمر ببعض التفصيات مما ليس فيه ضرر
عليه ولم يكن شاقا عليه كالفرار والاستعانة بالغير لم يتحقق الاكراه،
فلو أوقع الطلاق حينئذ وقع صحيحا. نعم لو قدر على التورية وأوقع الطلاق من
دون تورية مع عدم الالتفات إليها لدهشة ونحوها. فالظاهر وقوعه مكرها عليه
وباطلا.
مسألة 6 - لو أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه فطلق إحداهما المعينة وقع مكرها
عليه، ولو طلقهما معا ففي وقوع طلاق إحداهما مكرها عليه فيعين بالقرعة أو
صحة كليهما وجهان لا يخلو أولهما من رجحان، واما لو أكرهه على طلاق كلتيهما
فطلق إحداهما فالظاهر انه وقع مكرها عليه.
مسألة 7 - لو أكرهه على ان يطلق زوجته ثلاث طلقات بينهما رجعتان
فطلقها واحدة أو اثنين ففي وقوع ما أوقعه مكرها عليه اشكال، الا إذا كان
ذلك بقصد احتمال التخلص عن المكروه وانه لعل المكره اقتنع بما أوقعه
واغمض عما لم يوقعه.
مسألة 8 - لو أوقع الطلاق عن اكراه ثم تعقبه الرضا لم يفد ذلك في صحته،
488

وليس كالعقد المكره عليه الذي تعقبه الرضا.
مسألة 9 - لا يعتبر في الطلاق اطلاع الزوجة عليه فضلا عن رضاها به.
مسألة 10 - يشترط في المطلقة ان تكون زوجة دائمة فلا يقع الطلاق
على المتمتع بها، وان تكون طاهرا من الحيض والنفاس فلا يصح تطليق
الحائض والنفساء، والمراد بهما ذات الدمين فلو نقتا من الدمين ولما تغتسلا من
الحدث صح طلاقهما، نعم لا يترك الاحتياط بترك الطلاق في المتخلل، وان
وقع فيه فلابد من مراعاة الاحتياط بعدم الاكتفاء بالطلاق فيه للتسريح وعدم
الامساك بعده الا بعقد جديد. ويشترط في المطلقة أيضا ان لا تكون في طهر
واقعها فيه زوجها.
مسألة 11 - انما يشترط خلو المطلقة من الحيض في المدخول بها الحائل دون غير
المدخول بها ودون الحامل بناءا على مجامعة الحيض للحمل كما هو الأقوى
، فإنه يصح طلاقهما في حال الحيض. وكذا يشترط ذلك فيما إذا كان
الزوج حاضرا، بمعني كونهما في بلد واحد حين الطلاق، واما إذا كان غائبا فيصح
طلاقها وان وقع في حال الحيض، لكن إذا لم يعلم حالها من حيث الطهر
والحيض وتعذر أو تعسر عليه استعلامها، فإذا علم انها في حال الحيض ولو من
جهة علمه بعادتها الوقتية على الأظهر أو تمكن من استعلام حالها وطلقها فتبين
وقوعه في حال الحيض بطل الطلاق.
مسألة 12 - إذا غاب الزوج، فان خرج في حال حيضها لم يجز طلاقها الا
بعد مضي مدة قطع بانقطاع ذلك الحيض، فان طلقها بعد ذلك في زمان لم يعلم
بكونها حائضا في ذلك الزمان صح طلاقها وان تبين وقوعه في حال الحيض، وان
خرج في حال الطهر الذي لم يواقعها فيه طلقها في اي زمان لم يعلم بكونها
حائضا وصح طلاقها وان صادف زمان الحيض، واما ان خرج في الطهر الذي واقعها
فيه
489

ينتظر مضي زمان انتقلت بمقتضى العادة من ذلك الطهر إلى طهر آخر
ويكفي تربص شهر والأحوط ان لا ينقص عن ذلك، والأولى تربص ثلاثة اشهر،
فإذا أوقع الطلاق بعد التربص لم يضر مصادفة الحيض في الواقع، بل الظاهر
انه لا يضر مصادفته للطهر الذي واقعها فيه، بان طلقها بعد شهر مثلا ثم تبين
انها لم تخرج من الطهر الأول إلى ذلك الزمان.
مسألة 13 - الحاضر الذي يتعذر أو يتعسر عليه معرفة حال المرأة من حيث الطهر
والحيض كالغائب، كما ان الغائب لو فرض امكان علمه بحالها كان كالحاضر.
مسألة 14 - يجوز الطلاق في الطهر الذي واقعها فيه في اليائسة والصغيرة
وفي الحامل والمسترابة وهي المرأة التي كانت في سن من تحيض وهي لا ترى
الحيض لخلقة أو عارض، لكن يشترط في الأخيرة - يعني المسترابة - مضي
ثلاثة أشهر من زمان المواقعة، فإذا أراد تطليق هذه المرأة اعتزلها ثلاثة
اشهر ثم طلقها، فلو طلقها قبل مضي ثلاثة اشهر من حين المواقعة لم يقع
الطلاق.
مسألة 15 - لا يشترط في تربص ثلاثة اشهر في المسترابة ان يكون
اعتزاله عنها لأجل ذلك وبقصد ان يطلقها بعد ذلك، فلو واقعها ثم لم يتفق له
المواقعة بسبب من الأسباب إلى ان مضي ثلاثة اشهر ثم بدا له ان يطلقها صح
طلاقها في الحال ولم يحتج إلى تجديد الاعتزال.
مسألة 16 - لو واقعها في حال الحيض لم يصح طلاقها في الطهر الذي بعد
تلك الحيضة، بل لابد من ايقاعه في طهر آخر بعد حيض آخر، لان ما هو شرط
في الحقيقة هو كونها مستبرأة بحيضة بعد المواقعة لا مجرد وقوع الطلاق في طهر
غير طهر المواقعة.
490

مسألة 17 - يشترط في صحة الطلاق تعين المطلقة، بان يقول " فلانة طالق "
أو يشير إليها بما يرفع الابهام والاجمال، فلو كانت له زوجة واحدة فقال
" زوجتي طالق " صح، بخلاف ما إذا كانت له زوجتان أو أكثر وقال " زوجتي
طالق "، فإنه لا يصح الا إذا نوي في نفسه معينة، ويقبل تفسيره بمعينة من
غير يمين.
القول في الصيغة القول في الصيغة
مسألة 1 - لا يقع الطلاق الا بصيغة خاصة، وهو قوله " أنت طالق " أو "
فلانة أو هذه " أو ما شاكلها من الالفاظ الدالة على تعيين المطلقة، فلا
يقع بقوله " أنت أو هي مطلقة " أو " طلقت فلانة " فضلا عن بعض الكنايات
كقوله " أنت خلية أو برية أو حبلك على غاربك أو الحقي باهلك " وغير ذلك،
فإنه لا يقع به الطلاق وان نواه، حتى قوله " اعتدي " المنوي به الطلاق على
الأقوى.
مسألة 2 - يجوز ايقاع طلاق أكثر من زوجة واحدة بصيغة واحدة، فلو كانت عنده
زوجتان أو ثلاث فقال " زوجتاي طالقان أو زوجاتي طوالق " صح طلاق الجميع.
مسألة 3 - لا يقع الطلاق بما يرادف الصيغة المزبورة من لغة غير عربية
مع القدرة على ايقاعه بتلك الصيغة، واما مع العجز عنها فيجزي ايقاعه بما
يرادفها بأي لغة كان، وكذا لا يقع بالإشارة ولا بالكتابة مع القدرة على
النطق، واما مع العجز عنه كما في الأخرس يصح منه ايقاعه بهما، والأحوط
تقديم الكتابة لمن يعرفها على الإشارة.
مسألة 4 - يجوز للزوج ان يوكل غيره في تطليق زوجته بنفسه بالمباشرة
أو بتوكيل غيره، سواء كان الزوج غائبا أو حاضرا، بل وكذا له ان يوكل نفس
الزوجة في تطليق نفسها بنفسها أو بتوكيل غيرها.
491

مسألة 5 - يجوز ان يوكلها على انه لو طال سفره أزيد من ثلاثة شهور مثلا
أو سامح في انفاقها أزيد من شهر مثلا طلقت نفسها، لكن يشترط ان يكون
الشرط قيدا للموكل فيه لا تعليقا في الوكالة فتبطل كما مر في كتاب الوكالة.
مسألة 6 - يشترط في صيغة الطلاق التنجيز، فلو علقه بشرط بطل، سواء كان مما
يحتمل وقوعه كما إذا قال " أنت طالق ان جاء زيد " أو مما يتيقن حصوله
كما إذا قال " إذا طلعت الشمس ". نعم لا يبعد جواز تعليقه بما يكون معلقا
عليه في الواقع كما إذا قال " ان كانت فلانة زوجتي فهي طالق "، سواء كان
عالما بأنها زوجته أو جاهلا به.
مسألة 7 - لو كرر صيغتي الطلاق ثلاثا فقال " هي طالق، هي طالق، هي
طالق " من دون تخلل رجعة في البين قاصدا تعدد الطلاق تقع واحدة ولغت
الاخريان، ولو قال " هي طالق ثلاثا " لم تقع الثلاث قطعا، وهل تقع واحدة
كالصورة السابقة أو يبطل الطلاق ولغت الصيغة بالمرة قولان، أقواهما الثاني
ان أراد بهذا اللفظة ايقاع ثلاث طلقات وان كان الأشهر هو الأول، وعند
العامة وقوع الثلاث في الصورتين فتبين منه وحرمت عليه حتى تنكح زوجا
غيره.
مسألة 8 - لو كان الزوج من العامة ممن يعتقد بوقوع الثلاث مرسلة أو
مكررة وأوقع الطلاق ثلاثا بأحد النحوين الزم بذلك، سواء كانت المرأة شيعية
أو مخالفة ونرتب نحن عليها آثار المطلقة ثلاثا، فلو رجع إليها نحكم ببطلانه
فنتزوج بها بعد انقضاء العدة، وكذلك الزوجة إذا كانت شيعية جاز لها التزويج
بالغير. ولا فرق في ذلك بين الطلاق ثلاثا وغيره مما هو صحيح عندهم فاسد عندنا
كالطلاق المعلق والحلف بالطلاق والطلاق في طهر المواقعة والحيض وبغير شاهدين،
فان المذكورات وان كانت فاسدة عندنا فإذا وقعت من رجل منا لا نرتب على
492

زوجته آثار المطلقة، ولكن إذا وقعت من أحد المخالفين القائلين بصحتها نرتب
على طلاقه بالنسبة إلى زوجته آثار الطلاق الصحيح فنتزوج بها بعد انقضاء
العدة. وهذا الحكم جار في غير الطلاق أيضا، فنأخذ بالعول والتعصيب منهم
الميراث مثلا مع انهما باطلان عندنا، والتفصيل لا يسع هذا المختصر.
مسألة 9 - يشترط في صحة الطلاق زائدا على ما مر الاشهاد، بمعني ايقاعه بحضور
عدلين ذكرين يسمعان الانشاء، سواء قال لهما اشهدا أو لم يقل،
ويعتبر اجتماعهما حين سماع الانشاء، فلو شهد أحدهما وسمع في مجلس ثم كرر
اللفظ وسمع الاخر في مجلس آخر بانفراده لم يقع الطلاق. نعم لو شهدا
باقراره بالطلاق لم يعتبر اجتماعهما لا في تحمل الشهادة ولا في أدائها. ولا
اعتبار بشهادة النساء وسماعهن لا منفردات ولا منضمات بالرجال.
مسألة 10 - لو طلق الوكيل عن الزوج لا يكتفي به مع عدل آخر في
الشاهدين، كما انه لا يكتفي بالموكل مع عدل آخر.
مسألة 11 - المراد بالعاد في هذا المقام هو المراد به في غير المقام، وهو
من كانت له حالة رادعة عن ارتكاب الكبائر والاصرار على الصغائر، وهي
التي تسمي بالملكة، والكاشف عنها حسن الظاهر، بمعني كونه عند الناس
حسن الافعال، بحيث لو سألوا عن حاله قالوا في حقه هو رجل خير لم نر منه
الا خيرا، ومثل هذا الشخص ليس عزيز المنال.
مسألة 12 - لو كان الشاهدان عادلين في اعتقاد المطلق أصيلا كان أو
وكيلا فاسقين في الواقع يشكل ترتيب آثار الطلاق الصحيح لمن يطلع على
فسقهما وكذلك إذا كانا عادلين في اعتقاد الوكيل دون الموكل فإنه يشكل جواز
ترتيب آثار الطلاق على طلاقه، بل الامر فيه أشكل من سابقه.
القول في اقسام الطلاق القول في اقسام الطلاق
الطلاق نوعان: بدعي، وسني. فالأول هو غير الجامع للشرائط المتقدمة، وهو
493

على اقسام فاسدة عندنا صحيحة عند غيرنا، والثاني ما جمع الشرائط
في مذهبنا، وهو قسمان بائن ورجعي، فالبائن ما ليس للزوج الرجوع إليها بعده
، سواء كانت لها عدة أم لا، وهو ستة:
الأول - الطلاق قبل الدخول.
الثاني - طلاق الصغيرة اعني من لم تبلغ التسع وان دخل بها.
الثالث - طلاق اليائسة وهذه الثلاث ليس لها عدة كما يأتي.
الرابع والخامس - طلاق الخلع والمباراة مع عدم رجوع الزوجة فيما بذلت والا
كانت له الرجعة.
السادس - الطلاق الثالث إذا وقع منه رجوعان في البين بين الأول
والثاني وبين الثاني والثالث وان كان الرجوع بعقد جديد واما إذا وقع الثلاث
متوالية بلا رجعة صحت ووقعت واحدة كما مر.
مسألة 1 - إذا طلقها ثلاثا مع تخلل رجعتين حرمت عليه ولو بعقد جديد، ولا تحل
له الا بعد ان تنكح زوجا غيره، فإذا نكحها غيره ثم فارقها بموت أو
طلاق وانقضت عدتها جاز للأول نكاحها.
مسألة 2 - كل امرأة حرة وان كانت تحت عبد إذا استكملت الطلاق ثلاثا
مع تخلل رجعتين في البين حرمت على المطلق حتى تنكح زوجا غيره، سواء
واقعها بعد كل رجعة وطلقها في طهر آخر غير طهر المواقعة وهذا يقال له " طلاق
العدة " أو لم يواقعها، سواء وقع كل طلاق في طهر أو وقع الجميع في طهر واحد
، فلو طلقها مع الشرائط ثم راجعها ثم طلقها ثم راجعها في مجلس واحد حرمت
عليه، فضلا عما إذا طلقها ثم راجعها ثم تركها حتى حاضت وطهرت ثم طلقها
وراجعها ثم تركها حتى حاضت وطهرت ثم طلقها. هذا في الحرة واما في الأمة
فإذا طلقت
494

طلاقين بينهما رجعة حرمت على زوجها حتى تنكح زوجا غيره وان كانت
تحت حر.
مسألة 3 - العقد الجديد بحكم الرجوع في الطلاق، فلو طلقها ثلاثا بينها
عقدان مستأنفان حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، سواء لم تكن لها عدة، كما
إذا طلقها قبل الدخول ثم عقد عليها ثم طلقها ثم عقد عليها ثم طلقها أو كانت
ذات عدة وعقد عليها بعد انقضاء العدة.
مسألة 4 - المطلقة ثلاثا إذا نكحت زوجا آخر وفارقها بموت أو طلاق حلت للزوج
الأول وجاز له العقد عليها بعد انقضاء العدة من الزوج الثاني، فإذا
طلقها ثلاثا حرمت عليه أيضا حتى تنكح زوجا آخر وان كان ذاك الزوج الثاني
في الثلاثة الأولي، فإذا فارقها حلت للأول، فإذا عقد عليها وطلقها ثلاثا حرمت
عليه حتى تنكح زوجا غيره، وهكذا تحرم عليه بعد كل طلاق ثالث وتحل له
بنكاح الغير بعده وان طلقت مائة مرة. نعم لو طلقت تسعا طلاق العدة
بالتفسير الذي أشرنا اليه حرمت عليه ابدا، وذلك بان طلقها ثم راجعها ثم
واقعها ثم طلقها في طهر آخر ثم راجعها ثم واقعها ثم طلقها في طهر آخر، وهذا
هو طلاق العدة، فإذا حلت للمطلق بنكاح زوج آخر وعقد عليها ثم طلقها ثلاثا
كالثلاثة الأولي ثم حلت له بمحلل ثم عقد عليها ثم طلقها ثلاثا كالأوليين
حرمت عليه ابدا.
وبالجملة انما توجب تسع طلقات الحرمة الموبدة إذا وقع طلاق العدة
ثلاث مرات، ويعتبر فيه أمران:
أحدهما - تخلل رجعتين، فلا يكفي وقوع عقدين مستأنفين ولا وقوع رجعة وعقد
مستأنف في البين.
الثاني - وقوع المواقعة بعد كل رجعة، فطلاق العدة مركب من ثلاث
طلقات اثنتان منها رجعية وواحدة منها بائنة، فإذا وقعت ثلاثا منه حتى كملت تسع
495

طلقات حرمت عليه ابدا. هذا والأحوط الاجتناب عن المطلقة تسعا مطلقا
وان لم يكن الجميع طلاق العدة.
مسألة 5 - انما يوجب التحريم الطلقات الثلاث إذا لم تنكح في البين زوجا آخر، واما ان تزوجت للغير انهدم حكم ما سبق وتكون كأنها غير مطلقة،
ويتوقف التحريم على ايقاع ثلاث طلقات مستأنفة.
مسألة 6 - قد مر ان المطلقة ثلاثا تحرم على المطلق حتى تنكح زوجا
غيره ويعتبر في زوال التحريم به أمور ثلاثة:
الأول - ان يكون الزوج المحلل بالغا، فلا اعتبار بنكاح غير البالغ وان
كان مراهقا.
الثاني - ان يطأها قبلا وطيا موجبا للغسل بغيبوبة الحشفة أو مقدارها
من مقطوعها، وهل يعتبر الانزال؟ فيه اشكال، الأحوط اعتباره.
الثالث - ان يكون العقد دائما لا متعة.
مسألة 7 - لو طلقها ثلاثا وانقضت مدة فادعت انها تزوجت وفارقها الزوج الثاني
ومضت العدة واحتمل صدقها صدقت ويقبل قولها بلا يمين، فللزوج الأول ان
ينكحها بعقد جديد وليس عليه الفحص والتفتيش، والأحوط الاقتصار على ما إذا
كانت ثقة أمينة.
مسألة 8 - إذا دخل المحلل فادعت الدخول ولم يكذبها صدقت وحلت للزوج الأول
، وان كذبها لا يبعد قبول قولها أيضا، لكن الأحوط الاقتصار على صورة حصول
الاطمئنان بصدقها. ولو ادعت الإصابة ثم رجعت عن قولها، فان كان قبل ان
يعقد الأول عليها لم تحل له، وان كان بعد العقد عليها لم يقبل رجوعها.
مسألة 9 - لا فرق في الوطي المعتبر في المحلل بين المحرم والمحل، فلو وطأها
496

محرما كالوطي في الاحرام أو في الصوم الواجب أو في الحيض ونحو ذلك
كفي في حصول التحليل للزوج الأول.
مسألة 10 - لو شك الزوج في ايقاع أصل الطلاق على زوجته لم يلزمه الطلاق
بل يحكم ظاهرا ببقاء علقة النكاح، ولو علم بأصل الطلاق وشك في عدده بني
على الأقل، سواء كان الطرف الأكثر الثلاث أو التسع، فلا يحكم مع الشك
بالحرمة الغير موبدة في الأول وبالحرمة الأبدية في الثاني. نعم لو شك
بين الثلاث والتسع يشكل البناء على الأول بحيث تحل له بالمحلل.
القول في العدد القول في العدد:
انما يجب الاعتداد بأمور ثلاثة: الفراق بين الزوج والزوجة بطلاق أو فسخ
أو انفساخ في العقد الدائم وانقضاء مدة أو بذلها في المتعة، وموت الزوج،
ووطي الشبهة.
(فصل)
في عدة الفراق طلاقا كان أو غيره
مسألة 1 - لا عدة على من لم يدخل بها ولم يدخل مائه في فرجها ولا
على الصغيرة، وهي من لم تكمل التسع وان دخل بها، ولا على اليائسة،
سواء بانت في ذلك كله بطلاق أو فسخ أو هبة مدة أو انقضائها.
مسألة 2 - يتحقق الدخول بايلاج تمام الحشفة قبلا أو دبرا وان لم ينزل،
بل وان كان مقطوع الأنثيين.
مسألة 3 - يتحقق الياس ببلوغ ستين قمرية في القرشية وخمسين في غيرها
، والأحوط مراعاة الستين مطلقا بالنسبة إلى التزويج بالغير وخمسين كذلك
بالنسبة
497

إلى الرجوع إليها.
مسألة 4 - لو طلقت ذات الأقراء قبل بلوغ سن الياس ورأت الدم مرة أو
مرتين ثم يئست أكملت العدة بشهر أو شهرين، وكذلك ذات الشهور إذا اعتدت
شهرا أو شهرين ثم يئست أتمت ثلاثة.
مسألة 5 - المطلقة ومن ألحقت بها ان كانت حاملا فعدتها مدة حملها،
وتنقضي بان تضع حملها ولو بعد الطلاق بلا فصل، سواء كان تاما أو غير تام،
ولو كان مضغة أو علقة ان تحقق انه حمل.
مسألة 6 - انما تنقضي المدة بالوضع إذا كان الحمل ملحقا بمن له العدة، فلا
عبرة بوضع من لم يلحق به في انقضاء عدته، فلو كانت حاملا من زنا قبل
الطلاق أو بعده لم تخرج من العدة بالوضع، بل يكون انقضاؤها بالأقراء
والشهور كغير الحامل، فوضع هذا الحمل لا اثر له أصلا لا بالنسبة إلى الزاني
لأنه لا عدة له ولا بالنسبة إلى المطلق لان الولد ليس له. نعم إذا حملت
من وطي الشبهة قبل الطلاق أو بعده بحيث يلحق الولد بالواطي لا بالزوج
فوضعه سبب لانقضاء العدة، لكن بالنسبة إلى الواطي لا بالنسبة إلى الزوج
المطلق.
مسألة 7 - لو كانت حاملا باثنين مثلا فالأقوى حصول البينونة بعد وضع
الثاني فللزوج الرجوع قبل وضع الثاني ولكن الاحتياط حسن.
مسألة 8 - لو وطئت شبهة فحملت والحق الولد بالواطي لبعد الزوج عنها أو
لغير ذلك ثم طلقها الزوج، أو طلقها ثم وطئت شبهة على نحو الحق الولد
بالواطي كانت عليها عدتان عدة لوطي الشبهة تنقضي بالوضع وعدة للطلاق
تستأنفها فيما بعده وكان مبدئها بعد انقضاء نفاسها، نعم لو تأخر النفاس عن
الوضع فالنقاء بعد الولادة يحسب طهرا للعدة الثانية.
498

مسألة 9 - إذا ادعت المطلقة الحامل انها وضعت فانقضت عدتها وانكر الزوج، أو
انعكس فادعي الوضع وأنكرت هي، أو ادعت الحمل وانكر، أو ادعت
الحمل والوضع معا وأنكرهما، يقدم قولها في الجميع بيمينها بالنسبة إلى بقاء
العدة وانقضائها.
مسألة 10 - لو اتفق الزوجان على ايقاع الطلاق ووضع الحمل واختلفا
في المتقدم والمتأخر فقال الزوج مثلا " وضعت بعد الطلاق فانقضت عدتك "
وقالت الزوجة " وضعت قبل الطلاق والطلاق وقع وانا غير حامل فبعد انا في
العدة " أو انعكس فقال الزوج " وضعت قبل الطلاق فأنت في العدة " ويريد
الرجوع إليها، وادعت الزوجة خلافه، فالظاهر انه يقدم قول من يدعي بقاء
العدة، سواء كان هو الزوج أو الزوجة، من غير فرق بين ما لم يتفقا على زمان
أحدهما كما إذا ادعي أحدهما ان الطلاق كان في شعبان والوضع في رمضان وادعي
الاخر العكس أو اتفقا على زمان أحدهما كما إذا اتفقا على ان الطلاق وقع في
رمضان واختلفا في زمان الوضع فقال أحدهما انه كان في شوال وادعي الاخر
انه كان في شعبان أو اتفقا ان الوضع كان في رمضان واختلفا في ان الطلاق
كان في شوال أو شعبان.
مسألة 11 - إذا طلقت الحائل أو انفسخ نكاحها، فان كانت مستقيمة الحيض
- بان تحيض في كل شهر مرة كما هو المتعارف في الأغلب - كانت عدتها
ثلاثا قروء، وكذا إذا تحيض في كل شهر أزيد من مرة أو تري الدم في كل
شهرين مرة. وبالجملة كان الطهر الفاصل بين حيضتين منها أقل من ثلاثة اشهر
، وان كانت لا تحيض وهي في سن من تحيض اما لكونها صغيرة السن لم تبلغ
الحد الذي تري الحيض غالب النساء واما لانقطاع حيضها لمرض أو حمل أو رضاع
كانت عدتها ثلاثة اشهر. وتلحق بها من تحيض لكن الطهر الفاصل بين حيض وحيض
منها ثلاثة اشهر أو أزيد.
499

هذا في الحرة وان كانت تحت عبد، واما الأمة وان كانت تحت حر فعدتها قرءان
في الأول وخمسة وأربعون يوما في الثاني.
مسألة 12 - المراد بالقروء والقراين الأطهار والطهرين، ويكفي في الطهر
الأول مسماه ولو قليلا، فلو طلقها وقد بقيت من طهرها لحظة يحسب ذلك طهرا،
فإذا رأت طهرين آخرين تامين بتخلل حيضة بينهما في الحرة وطهر آخر تام
بين حيضتين في الأمة انقضت العدة، فانقضاؤها بروية الدم الثالث أو الثاني
. نعم لو اتصل آخر صيغة الطلاق بأول زمان الحيض صح الطلاق، لكن لابد من
انقضاء العدة من أطهار تامة، فتنقضي بروية الدم الرابع في الحرة وروية
الدم الثالث في الأمة.
مسألة 13 - بناءا على كفاية مسمي الطهر في الطهر الأول ولو لحظة وامكان
ان تحيض المرأة في شهر واحد أزيد من مرة فأقل زمان يكفي ان تنقضي عدة
الحرة ستة وعشرون يوما ولحظتان - بان كان طهرها الأول لحظة ثم تحيض ثلاثة
أيام ثم تري أقل الطهر عشرة أيام ثم تحيض ثلاثة أيام ثم تري أقل الطهر
عشرة أيام ثم تحيض - فبمجرد روية الدم الأخير لحظة من أوله انقضت العدة،
وهذه اللحظة الأخيرة خارجة عن العدة، وانما يتوقف عليها تمامية الطهر
الثالث. هذا في الحرة واما في الأمة فأقل ما يمكن انقضاء عدتها لحظتان
وثلاثة عشر يوما.
مسألة 14 - عدة المتعة في الحامل وضع حملها، وفي الحائل إذا كانت
تحيض قرءان، والمراد بهما هنا حيضتان على الأقوى، وان كانت لا تحيض وهي
في سن من تحيض فخمسة وأربعون يوما. ولا فرق بين كون المتمتع بها حرة أو
أمة، والمراد من الحيضتين الكاملتان، فلو وهبت مدتها أو انقضت في أثناء
الحيض لم تحسب بقية تلك الحيضة من الحيضتين.
مسألة 15 - المدار في الشهور على الهلالي، فان وقع الطلاق في أول
روية
500

الهلال فلا اشكال، واما ان وقع في أثناء الشهر ففيه خلاف واشكال،
ولعل الأقوى في النظر جعل الشهرين الوسطين هلاليين واكمال الأول من
الرابع بمقدار ما فات منه.
مسألة 16 - لو اختلفا في انقضاء العدة وعدمه قدم قولها بيمينها، سواء
ادعت الانقضاء أو عدمه، وسواء كانت عدتها بالأقراء أو الأشهر.
القول في عدة الوفاة
مسألة 1 - عدة الحرة المتوفي عنها زوجها وان كانت تحت عبد أربعة أشهر وعشرة
أيام إذا كانت حائلا صغيرة كانت أو كبيرة، يائسة كانت أو غيرها،
وسواء كانت مدخولا بها أو غيرها ودائمة كانت أو منقطعة وكانت من ذوات الأقراء
أو غيرها. واما ان كانت حاملا فعدتها ابعد الأجلين من وضع الحمل
والمدة المزبورة، فلو وضعت قبل تلك المدة لم تنقض العدة، وكذا لو تمت
المدة ولما وضعت بعد.
مسألة 2 - المراد بالأشهر هي الهلالية، فان مات عند روية الهلال اعتدت
بأربعة اشهر هلاليات وضمت إليها من الشهر الخامس عشرة أيام. وان مات في
أثناء الشهر فالأظهر انها تجعل ثلاثة اشهر هلاليات في الوسط وأكملت الأول
بمقدار ما مضي منه من الشهر الخامس حتى صارت ثلاثة اشهر هلاليات وشهرا
ملفقا وتضيف إليها من الشهر الخامس عشرة.
مسألة 3 - لو طلقها ثم مات قبل انقضاء العدة، فان كان رجعيا بطلت
عدة الطلاق واعتدت به من حين موته عدة الوفاة، فان كانت حائلا اعتدت
أربعة أشهر وعشرا إذا لم تكن مسترابة والا فالأحوط ان تعتد بأبعد الأجلين من
عدة المتوفي عنها زوجها والمطلقة المسترابة. وان كانت حاملا اعتدت بأبعد
الأجلين منها ومن
501

وضع الحمل كغير المطلقة، وان كانت بائنا اقتصرت على
اتمام عدة الطلاق ولا عدة عليها بسبب الوفاة.
مسألة 4 - يجب على المرأة في حالة وفاة زوجها الحداد ما دامت في العدة
، والمراد به ترك الزينة في البدن بمثل التكحيل والتطيب والخضاب وتحمير
الوجه والخطاط ونحوها، وفي اللباس بلبس الأحمر والأصفر والحلي ونحوها
. وبالجملة ترك كل ما يعد زينة يتزين به للزوج في الأوقات المناسبة له
في العادة كالأعياد والأعراس ونحوها، ويختلف ذلك بحسب الاشخاص والأزمان
والبلاد، فيلاحظ في كل بلد ما هو المعتاد والمتعارف فيه للتزين. نعم لا بأس
بتنظيف البدن واللباس وتسريح الشعر وتقليم الأظفار ودخول الحمام والافتراش
بالفراش الفاخر والسكنى في المساكن المزينة وتزين أولادها وخدمها.
مسألة 5 - الأقوى ان الحداد ليس شرطا في صحة العدة، بل هو تكليف عليحده
في زمانها، فلو تركته عصيانا أو جهلا أو نسيانا في تمام المدة أو بعضها
لم يجب عليها استينافها أو تدارك مقدار ما اعتدت بدونه.
مسألة 6 - لا فرق في وجوب الحداد بين المسلمة والذمية، كما انه لا فرق
على الظاهر بين الدائمة والمنقطعة. نعم لا يبعد عدم وجوبه على من قصرت
مدة تمتعها كيوم أو يومين أو ساعة أو ساعتين، وهل يجب على الصغيرة
والمجنونة أم لا؟ قولان أشهرهما الوجوب، بمعني وجوبه على وليهما، فيجنبهما
عن التزيين ما دامتا في العدة، وفيه تأمل وان كان أحوط.
مسألة 7 - لا حداد على الأمة لا من موت سيدها ولا من موت زوجها إذا
كانت مزوجة.
مسألة 8 - يجوز للمعتدة بعد الوفاة ان تخرج من بيتها في زمان عدتها
والتردد
502

في حوائجها، خصوصا إذا كانت ضرورية عرفا أو كان خروجها لأمور
راجحة كالحج والزيارة وعيادة المرضي وزيارة أرحامها ولا سيما والديها. نعم
ينبغي بل الأحوط ان لا تبيت الا في بيتها الذي كانت تسكنه في حياة زوجها
أو انتقلت إليه بعد موته للاعتداد فيه، بان تخرج بعد الزوال وترجع عند
العشي أو تخرج بعد نصف الليل وترجع صباحا.
مسألة 9 - لا اشكال في ان مبدأ عدة الطلاق من حين وقوعه حاضرا كان الزوج
أو غائبا بلغ الزوجة الخبر أم لا، فلو طلقها غائبا ولم يبلغها الا بعد مدة
ولو كانت سنة أو أكثر فقد انقضت عدتها وليس عليها عدة بعد بلوغ الخبر إليها.
ومثل عدة الطلاق عدة الفسخ والانفساخ على الظاهر، وكذا عدة وطي الشبهة،
وان كان الأحوط الاعتداد من حين ارتفاع الشبهة، بل هذا الاحتياط لا يترك.
واما عدة الوفاة فإذا مات الزوج غائبا فعدتها من حين بلوغ الخبر إليها، ولا
يبعد عدم اختصاص الحكم بصورة غيبة الزوج، بل يعم صورة حضوره أيضا إذا
خفي عليها موته لمرض أو حبس أو غير ذلك، فتعتد من حين اخبارها بموته.
مسألة 10 - لا يعتبر في الاخبار الموجب للاعتداد من حينه كونه حجة
شرعية، فلا يعتبر ان يكون من عدلين بل ولا عدل واحد إذا كان الخبر بحيث
يعتمد عليه العقلاء، نعم لا يجوز لها التزويج بالغير ما لم تقم حجة شرعية
على موته، ولا تكتفي بمجرد بلوغ الخبر، وفائدته إذا لم يكن حجة انه بعد
ما ثبت موته شرعا يكتفي بالاعتداد من حين البلوغ ولا يحتاج إلى الاعتداد من
حين الثبوت.
مسألة 11 - لو علمت بالطلاق ولم تعلم وقت وقوعه حتى تحسب العدة من ذلك
الوقت اعتدت من الوقت الذي تعلم بعدم تأخره عنه، والأحوط ان تعتد
من حين بلوغ الخبر إليها.
مسألة 12 - إذا فقد الرجل وغاب غيبة منقطعة ولم يبلغ منه خبر ولا ظهر منه اثر
503

ولم يعلم موته ولا حياته، فان بقي له مال تنفق به زوجته أو كان له
ولي يتولي أموره ويتصدى لانفاق عليها أو متبرع للانفاق عليها وجب عليها الصبر
والانتظار، ولا يجوز لها ان تتزوج ابدا حتى تعلم بوفاة الزوج أو طلاقه، وان
لم يكن له مال ولا من ينفق عليها فان صبرت فلها ذلك وان لم تصبر وأرادت
الزواج رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي فيؤجلها اربع سنين من حين رفع الامر
اليه ثم يتفحص عنه في تلك المدة، فان لم يتبين لا موته ولا حياته فان
كان للغائب ولي - اعني من كان يتولي أموره بتفويضه أو توكيله - يأمر
الحاكم بطلاق المرأة، وان لم يقدم على الطلاق ولم يمكن اجباره عليه طلقها
الحاكم ثم تعتد أربعة اشهر وعشرا عدة الوفاة، فإذا تمت هذه الأمور جاز لها
التزويج بلا اشكال، وان كان اعتبار بعضها محل التأمل والنظر الا ان الجميع
هو الأحوط، هذا كله فيما إذا لم يعلم موته ولا حياته والا فان علم حياته
وجب على زوجته الصبر إلى ان يعلم موته أو طلاقه.
مسألة 13 - ليست للفحص والطلب كيفية خاصة، بل المدار على ما يعد طلبا وفحصا
وتفتيشا، ويتحقق ذلك ببعث من يعرف المفقود رعاية باسمه وشخصه أو بحليته
إلى مظان وجوده للظفر به وبالكتابة ونحوها كالتلغراف المتداول في
هذه الاعصار إلى من يعرفه ليتفقد عنه في بلده، وبالالتماس من المسافرين
كالزوار والحجاج والتجار وغيرهم بان يتفقدوا عنه في مسيرهم ومنازلهم ومقامهم
، وبالاستخبار منهم إذا رجعوا من أسفارهم.
مسألة 14 - لا يشترط في المبعوث والمكتوب اليه والمستخبرين منهم
من المسافرين العدالة بل تكفي الوثاقة.
مسألة 15 - لا يعتبر ان يكون الفحص بالبعث أو الكتابة ونحوها من الحاكم،
بل يكفي كونه من كل أحد حتى نفس الزوجة إذا كان بأمره بعد رفع الامر
اليه، فإذا رفعت امرها اليه فقال تفحصوا عنه إلى ان تمضي اربع سنين ثم
تصدت الزوجة أو
504

تصدي بعض أقاربها للفحص والطلب حتى مضت المدة كفي.
مسألة 16 - مقدار الفحص بحسب الزمان أربعة أعوام، ولا يعتبر فيه
الاتصال التام، بل هو على الظاهر نظير تعريف اللقطة سنة كاملة يكفي فيه
تصدي الطلب عنه بحيث يصدق عرفا انه قد تفحص عنه في تلك المدة.
مسألة 17 - المقدار اللازم من الفحص هو المتعارف لأمثال ذلك وما هو المعتاد،
فلا يعتبر استقصاء الممالك والبلاد، ولا يعتني بمجرد امكان وصوله إلى مكان
ولا بالاحتمالات البعيدة، بل انما يتفحص عنه في مظان وجوده فيه ووصوله
اليه وما احتمل فيه ذلك احتمالا قريبا.
مسألة 18 - إذا علم انه قد كان في بلد معين في زمان ثم انقطع اثره
يتفحص عنه أولا في ذلك البلد على المعتاد، فيكتفي التفقد عنه في جوامعه
ومجامعه وأسواقه ومنتزهاته ومستشفياته وخاناته المعدة لنزول الغرباء ونحوها،
ولا يلزم استقصاء تلك المحال بالتفتيش أو السؤال، بل يكتفي بالاكتفاء
بالبعض المعتد به من مشتهراتها، وينبغي ملاحظة زي المفقود وصنعته وحرفته،
فيتفقد عنه في المحال المناسبة له ويسأل عنه من أبناء صنفه وحرفته. مثلا
إذا كان من طلبة العلم فالمحل المناسب له المدارس ومجامع العلم وينبغي
ان يسال عنه من العلماء والطلبة، بخلاف ما إذا كان من غيرهم، كما إذا
كان جنديا مثلا.
فإذا تم الفحص في ذلك البلد ولم يظهر منه اثر ولم يعلم موته ولا حياته،
فان لم يحتمل انتقاله منه إلى محل آخر بقرائن الأحوال سقط الفحص والسؤال
واكتفي بانقضاء مدة التربص اربع سنين، وان احتمل الانتقال فان تساوت
الجهات في احتمال انتقاله منه إليها تفحص عنه في تلك الجهات ولا يلزم
الاستقصاء بالتفتيش في كل قرية قرية ولا في كل بلدة بلدة، بل يكفي
الاكتفاء ببعض المحال المهمة والمشتهرة في كل جهة مراعيا للأقرب ثم الابعد
إلى البلد الأول، وان كان
505

الاحتمال في بعضها أقوي جاز جعل محل الفحص ذلك
البعض والاكتفاء به، خصوصا إذا بعد احتمال انتقاله إلى غيره، وإذا علم انه
قد كان في مملكة كالهند أو إيران أو العراق أو سافر إليها ثم انقطع اثره كفي
ان يتفحص عنه مدة التربص في بلادها المشهورة التي تشد إليها الرحال، وان
سافر إلى بلد معين من مملكة كالعراقي سافر إلى خراسان يكفي الفحص عنه في
البلاد والمنازل الواقعة في طريقه إلى ذلك البلد وفي نفس ذلك البلد ولا
ينظر إلى الأماكن البعيدة عن الطريق فضلا عن البلاد الواقعة في أطراف
المملكة. وإذا خرج من منزله مريدا للسفر أو هرب ولا يدري إلى أين توجه
وانقطع اثره تفحص عنه مدة التربص في الأطراف والجوانب مما يحتمل قريبا
وصوله اليه ولا ينظر إلى ما بعد احتمال توجهه اليه.
مسألة 19 - قد عرفت ان الأحوط ان يكون الفحص والطلاق بعد رفع امرها
إلى الحاكم، فإذا لم يمكن الوصول اليه فان كان للحاكم وكيل ومأذون في
التصدي للأمور الحسبية فلا يبعد قيامه مقامه في هذا الامر، واما مع عدمه
فقيام عدول المؤمنين مقامه محل اشكال.
مسألة 20 - إذا علم ان الفحص لا ينفع ولا يترتب عليه اثر فالظاهر
سقوط وجوبه، وكذا لو حصل الياس من الاطلاع على حاله في أثناء المدة،
فيكفي مضي المدة في جواز طلاقها وزواجها.
مسألة 21 - يجوز لها اختيار البقاء على الزوجية بعد رفع الامر إلى الحاكم
قبل ان تطلق ولو بعد تحقق الفحص وانقضاء الاجل، فليست هي ملزومة
باختيار الطلاق، ولها ان تعدل عن اختيار البقاء إلى اختيار الطلاق، وحينئذ لا
يلزم تجديد ضرب الاجل والفحص بل يكتفي بالأول.
مسألة 22 - الظاهر ان العدة الواقعة بعد الطلاق عدة طلاق وان كانت بقدر
عدة الوفاة أربعة اشهر وعشرا، ويكون الطلاق رجعيا فتستحق النفقة في أيامها
وإذا
506

ماتت يرثها لو كان في الواقع حيا ومع ذلك لا يترك الاحتياط في
النفقة والتوارث بالمصالحة، وإذا تبين موته فيها ترثه وليس عليها حداد بعد
الطلاق.
مسألة 23 - إذا تبين موته قبل انقضاء المدة أو بعده قبل الطلاق وجب
عليها عدة الوفاة، وإذا تبين بعد انقضاء العدة اكتفي بها، سواء كان التبين
قبل التزويج أو بعده، وسواء كان موته المتبين وقع قبل العدة أو بعدها أو
في أثنائها أو بعد التزويج، واما لو تبين موته في أثناء العدة فهل يكتفي
باتمامها أو تستأنف عدة الوفاة من حين التبين؟ وجهان بل قولان، أحوطهما
الثاني لو لم يكن الأقوى.
مسألة 24 - إذا جاء الزوج بعد الفحص وانقضاء الاجل، فان كان قبل الطلاق فهي
زوجته، وان كان بعد ما تزوجت بالغير فلا سبيل له عليها، وان كان في
أثناء العدة فله الرجوع إليها، كما ان له ابقاءها على حالها حتى تنقضي
عدتها وتبين عنه. واما ان كان بعد انقضاء العدة وقبل التزويج ففي جواز
رجوعها إليها وعدمه قولان أقواهما الثاني.
مسألة 25 - إذا حصل لزوجة الغائب بسبب القرائن وتراكم الامارات
العلم بموته جاز لها بينها وبين الله ان تتزوج بعد العدة من دون حاجة إلى
مراجعة الحاكم، وليس لاحد عليها اعتراض ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم.
نعم في جواز الاكتفاء بقولها واعتقادها لمن أراد تزويجها وكذا لمن يصير وكيلا
عنها في ايقاع العقد عليها اشكال، والأحوط ان تتزوج ممن لم يطلع بالحال
ولم يدر ان زوجها قد فقد ولم يكن في البين الا دعواها بأنها عالمة بموته،
بل يقدم على تزويجها مستندا إلى دعواها انها خلية وبلا مانع، وكذلك توكل
من كان كذلك.
القول في عدة وطي الشبهة
والمراد به وطي الأجنبية بشبهة انها حليلته، اما لشبهة في الموضوع كما
إذا
507

وطي امرأة باعتقاد انه زوجته فتبين انها أجنبية، واما لشبهة في الحكم
كما إذا عقد على أخت الموطوء معتقدا صحته ودخل بها.
مسألة 1 - لا عدة على المزني بها سواء حملت من الزنا أم لا على الأقوى،
وأما الموطوءة شبهة فعليها العدة سواء كانت ذات بعل أو خلية وسواء كانت
الشبهة من الطرفين أو من طرف الواطي خاصة، واما ان كانت من طرف
الموطوءة خاصة ففيه قولان، أحوطهما لزوم العدة.
مسألة 2 - عدة وطي الشبهة كعدة الطلاق بالأقراء والشهور وبوضع الحمل لو حملت
من هذا الوطي على التفصيل المتقدم، ومن لم يكن عليها عدة الطلاق كالصغيرة
واليائسة ليس عليها هذه العدة أيضا
مسألة 3 - إذا كانت الموطوءة شبهة ذات بعل لا يجوز لزوجها وطيها في
مدة عدتها، وهل يجوز له سائر الاستمتاعات منها أم لا؟ قولان أحوطهما
الثاني وأقواهما الأول، والظاهر انه لا تسقط نفقتها في أيام العدة وان قلنا
بحرمة جميع الاستمتاعات عليه.
مسألة 4 - إذا كانت خلية يجوز لواطيها ان يتزوج بها في زمن عدتها،
بخلاف غيره فإنه لا يجوز له ذلك على الأقوى.
مسألة 5 - لافرق في حكم وطي الشبهة من حيث العدة وغيرها بين ان
يكون مجردا عن العقد أو يكون بعد العقد، بان وطي المعقود عليها بشبهة صحة
العقد مع فساده واقعا.
مسألة 6 - إذا كانت معتدة بعدة الطلاق أو الوفاة فوطئت شبهة أو وطئت
ثم طلقها أو مات عنها زوجها فعليها عدتان عند المشهور، وهو الأحوط لو لم
يكن الأقوى فان كانت حاملا من أحدهما تقدم عدة الحمل، فبعد وضعه تستأنف
العدة
508

الأخرى أو تستكمل الأولي، وان كانت حائلا يقدم الأسبق منهما، وبعد
تمامها استقبلت عدة أخرى من الاخر.
مسألة 7 - إذا طلق زوجته بائنا ثم وطأها شبهة اعتدت على الأحوط عدة أخرى
على التفصيل المتقدم في المسالة السابقة.
مسألة 8 - الموجب للعدة أمور: الوفاة، والطلاق باقسامه، والفسخ بالعيوب
، والانفساخ بمثل الارتداد أو الاسلام أو الرضاع، والوطي بالشبهة مجردا عن
العقد أو معه وانقضاء المدة أو هبتها. ويشترط في الجميع كونها مدخولا بها،
عدا الأول والوطي بالشبهة.
مسألة 9 - قد مر سابقا انه لا عدة على من لم يدخل بها، فليعلم انه إذا
طلقها رجعيا بعد الدخول ثم رجع ثم طلقها قبل الدخول لا يجري عليه حكم
الطلاق قبل الدخول حتى لا يحتاج إلى العدة، من غير فرق بين كون الطلاق
الثاني رجعيا أو بائنا. وكذا إذا طلقها بائنا ثم جدد نكاحا في أثناء العدة ثم
طلقها قبل الدخول فلا يجري عليها حكم الطلاق قبل الدخول وبحكمه ما إذا عقد
عليها بالعقد المنقطع ثم وهب مدتها بعد الدخول ثم تزوجها ثم طلقها قبل
الدخول، فلا يتوهم بذلك جواز الاحتيال في نكاح جماعة في يوم واحد بل في
مجلس واحد امرأة شابة ذات عدة مع دخول الجميع بها، بان يتمتع بها أحدهم
ثم يهب مدتها بعد الدخول ثم يعقد عليها ثم يطلقها قبل الدخول ثم يفعل بها
الثاني ما فعل بها الأول وهكذا، بزعمهم انه لا عدة عليها اما من العقد
الأول فبسبب وقوع العقد الثاني واما من العقد الثاني فلانه طلقها قبل
الدخول.
مسألة 10 - المطلقة بالطلاق الرجعي زوجة أو بحكم الزوجة ما دامت في
العدة، فيترتب عليها آثار الزوجية من استحقاق النفقة والسكنى والكسوة إذا لم
تكن ولم
509

تصر ناشزة، ومن التوارث بينهما لو مات أحدهما في العدة، وعدم
جواز نكاح أختها والخامسة، وكون كفنها وفطرتها عليه. واما البائنة كالمختلعة
والمباراة والمطلقة ثلاثا، فلا يترتب عليها آثار الزوجية أصلا لا في زمن
العدة ولا بعده لانقطاع العصمة بينهما بالمرة. نعم إذا كانت حاملا من زوجها
استحقت النفقة والكسوة والسكنى عليه حتى تضع حملها كما مر في باب النفقات
من كتاب النكاح.
مسألة 11 - قد عرفت انه لا توارث بين الزوجين في الطلاق البائن مطلقا
وفي الرجعي بعد انقضاء العدة، لكنه إذا طلقها مريضا ترثه الزوجة ما بين
الطلاق وبين سنة، بمعني انه لو مات الزوج بعد ما طلقها في حال المرض به
لا بسبب آخر فان كان موته بعد سنة من حين الطلاق ولو يوما أو أقل لا ترثه،
وان كان بمقدار سنة وما دونها ترثه، سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا، وذلك
بشروط ثلاثة:
الأول - ان لا تتزوج المرأة، فلو طلقها في حال المرض وتزوجت بعد
انقضاء العدة ثم مات الزوج قبل انقضاء سنة لم ترثه.
الثاني - ان لا يبرأ الزوج من المرض الذي طلقها فيه، فلو بري من
ذلك المرض ثم تمرض ثم مات في أثناء السنة لم ترثه، الا إذا كان موته في
أثناء العدة الرجعية.
الثالث - ان لا يكون الطلاق بالتماس منها، فلا ترث المختلعة والمباراة،
لان الطلاق انما هو بالتماس منهما.
مسألة 12 - لا يجوز لمن طلق رجعيا ان يخرج المطلقة من بيته حتى
تنقضي عدتها، الا ان تأتي بفاحشة توجب الحد أو بما يوجب النشوز، وكذا لا
يجوز لها الخروج بدون اذن الزوج الا لضرورة أو لأداء واجب مضيق.
510

القول في الرجعة
وهي رد المطلقة في زمان عدتها إلى نكاحها السابق، فلا رجعة في البائنة
ولا في الرجعية بعد انقضاء العدة.
مسألة 1 - الرجعة إما بالقول وهو كل لفظ دل على انشاء الرجوع كقوله
" راجعتك أو رجعتك أو ارتجعتك إلى نكاحي " أو دل على الامساك بزوجيتها كقوله
" رددتك إلى نكاحي أو أمسكتك في نكاحي " ويجوز في الجميع اسقاط قوله إلى
نكاحي وفي نكاحي. ولا يعتبر فيه العربية، بل يقع بكل لغة إذا كان
بلفظ أفاد المعني المقصود في تلك اللغة. وإما بالفعل، بان يفعل بها ما
يحل فعله للزوج بحليلته كالوطي والتقبيل واللمس بشهوة أو بدونها.
مسألة 2 - لا يتوقف حلية الوطي وما دونه من التقبيل واللمس على
سبق الرجوع لفظا ولا على قصد الرجوع به، لما عرفت سابقا من ان المطلقة
الرجعية زوجة أو بحكم الزوجة، فيستباح منها للزوج ما يستباح منها. وهل
يعتبر في كونه رجوعا ان يقصد به الرجوع؟ قولان أقواهما العدم، بل الأقوى
ان غشيانها رجوع إليها وان قصد العدم، لكن الحاق غيره من التقبيل واللمس
اليه محل اشكال. نعم لا عبرة بفعل الغافل والساهي والنائم ونحوها مما لا
قصد فيه للفعل، كما لا عبرة بالفعل المقصود به غير المطلقة، كما لو واقعها
باعتقاد انها غيرها.
مسألة 3 - لو انكر أصل الطلاق وهي في العدة كان ذلك رجوعا وان علم كذبه.
مسألة 4 - لا يعتبر الاشهاد في الرجعة وان استحب دفعا لوقوع
التخاصم والنزاع، وكذا لا يعتبر فيها اطلاع الزوجة عليها، فان راجعها عند
نفسه من دون اطلاع أحد صحت الرجعة وعادت إلى النكاح السابق واقعا، لكن
لو ادعاها بعد انقضاء العدة ولم تصدقه الزوجة لم تسمع دعواه، غاية الامر
له عليها يمين نفي
511

العلم لو ادعي عليها العلم بذلك، كما انه لو ادعي
الرجوع الفعلي كالوطي وأنكرته، كان القول قولها بيمينها لكنه على البت لا
على نفي العلم.
مسألة 5 - إذا اتفقا على الرجوع وانقضاء العدة واختلفا في المتقدم
منهما فادعي الزوج ان المتقدم هو الرجوع وادعت الزوجة ان المتقدم انقضاء
العدة فان تعين زمان الانقضاء وادعي الزوج ان رجوعه كان قبله فوقع في
محله وادعت هي وقوعه بعده فوقع في غير محله فقيل: إن الأقرب ان
القول قول الزوج بيمينه حملا للرجوع المتفق عليه على الصحة. وفيه ان
اصالة الصحة في ذلك محكومة بكون العدة إليها وكونها لا تعرف الا من قبلها.
لا يقال إن ما جعل لها هو انقضاء العدة اما وقوع الرجعة قبل الانقضاء أو
بعده أو تقدم الانقضاء على الرجوع أو تأخره عنه فلم يجعل لها.
فإنه يقال ما جعل لها هو العدة الذي منه قولها: قد انقضت عدتي قبل
زمان الرجوع من غير فرق بين اتفاقهما على زمان انقضاء العدة واختلافهما في
زمان الرجوع وبين اتفاقهما على وقت الرجعة واختلافهما في زمان الانقضاء
وعدم اتفاقهما على ذلك.
وبعد ذلك يمكن ان يقال: إن العدة انما جعلت لها لأنها لا تعرف الا من
قبلها فإذا اتفقا على زمان الرجوع واختلفا في زمان الانقضاء أو لم يتفقا على
زمانيهما، فالامر إليها واخبارها بوقوع الرجعة بعد انقضاء العدة يؤخذ به، واما
إذا اتفقا على زمان الانقضاء فليس وقوع الرجعة بعده أو قبله مما لا يعرف الا
من قبلها وجعل لها، بل يمكن ان يقال: إن ذلك للزوج لولا الاتفاق على
عدم اعتبار قوله بعد انقضاء العدة، فعلي هذا يصح الرجوع إلى اصالة الصحة
في الرجوع الذي اتفقا عليه وهي حاكمة على استصحاب عدم وقوع الرجوع إلى
زمان الانقضاء.
هذا واما ان كان الامر بالعكس فاتفقا في زمان الرجوع واختلفا في
زمان
512

الانقضاء فقد قيل: إن القول قوله بيمينه. ولكن كأنه ليس له وجه
الا اصالة بقاء العدة إلى بعد زمان الرجوع وهي محكومة باعتبار قولها في
العدة فالقول قولها بيمينها عكس الصورة الأولي.
ثم انه قال بعض المعاصرين الاعلام: وإذا علم بالرجوع وانقضاء العدة
وشك في المتقدم والمتأخر فادعي الزوج تقدم الرجوع وادعت الزوجة تأخره
كان القول قول الزوج سواءا كان تاريخ انقضاء العدة معلوما وتاريخ الرجوع
مجهولا أم كان بالعكس أم كانا مجهولي التاريخ.
أقول لم نتحقق وجها لتقديم قول الزوج إذا كان زمان الرجوع معلوما
وزمان الانقضاء مجهولا فالمتيقن من اعتبار إخبار المرأة عن حالها اخبارها عن
كونها في هذا الزمان المعين في العدة أو خارجة عنها.
مسألة 6 - لو طلق وراجع فأنكرت هي الدخول بها قبل الطلاق لئلا تكون
عليها عدة ولا تكون له الرجعة وادعي هو الدخول كان القول قولها مع يمينها.
مسألة 7 - الظاهر ان جواز الرجوع في الطلاق الرجعي حكم شرعي غير
قابل للاسقاط وليس حقا قابلا للاسقاط كالخيار في البيع الخياري، فلو قال
الزوج أسقطت ما كان لي من حق الرجوع لم يسقط وكان له الرجوع بعد ذلك،
وكذلك إذا صالح عنه بعوض أو غير عوض.
513

كتاب الخلع والمباراة
515

كتاب الخلع والمباراة
مسألة 1 - الخلع هو الطلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها، فهو قسم
من الطلاق. ويعتبر فيه جميع شروط الطلاق المتقدمة، ويزيد عليها بأنه يعتبر
فيه كراهة الزوجة لزوجها خاصة، فان كانت الكراهة من الطرفين كان مباراة
وان كان من طرف الزوج خاصة لم يكن خلعا ولا مباراة.
مسألة 2 - الظاهر وقوع الخلع بكل من لفظي الخلع والطلاق مجردا كل منهما عن
الاخر أو منضما، فبعد ما أنشأت الزوجة بذل الفدية ليخلعها مثلا يجوز ان يقول
" خلعتك على كذا أو أنت مختلعة على كذا " ويكتفي به أو يتبعه بقوله "
فأنت طالق على كذا " أو يقول " أنت طالق على كذا " ويكتفي به أو يتبعه
بقوله " فأنت مختلعة على كذا " ولكن الاحتياط بالجمع بينهما لا ينبغي تركه
.
مسألة 3 - الخلع وان كان قسما من الطلاق وهو من الايقاعات الا انه
يشبه العقود في الاحتياج إلى طرفين وإنشائين: بذل شي من طرف الزوجة
ليطلقها الزوج وانشاء الطلاق من طرف الزوج بما بذلت، ويقع ذلك على نحوين:
الأول ان يقدم البذل من طرفها على ان يطلقها، فيطلقها على ما بذلت.
الثاني ان يبتدي الزوج بالطلاق مصرحا بذكر العوض فتقبل الزوجة بعده،
والأحوط ان يكون الترتيب على النحو الأول، بل هذا الاحتياط لا يترك.
517

مسألة 4 - يعتبر في صحة الخلع عدم الفصل بين انشاء البذل والطلاق بما
يخل بالفورية العرفية، فلو أخل بها بطل الخلع ولم يستحق الزوج العوض،
ولكن لم يبطل الطلاق إذا كان ايقاعه بلفظ الطلاق مجردا أو منضما بالخلع،
ووقع رجعيا مع فرض اجتماع شرائطه والا كان بائنا.
مسألة 5 - يجوز ان يكون البذل والطلاق بمباشرة الزوجين أو بتوكيلهما الغير أو
بالاختلاف، ويجوز ان يوكلا شخصا واحدا ليبذل عنها ويطلق عنه، بل الظاهر أنه
يجوز لكل منهما ان يوكل الاخر فيما هو من طرفه، فيكون أصيلا فيما يرجع اليه
ووكيلا فيما يرجع إلى الاخر.
مسألة 6 - يصح التوكيل في الخلع من الزوج في جميع ما يتعلق به من
شرط العوض وتعيينه وقبضه وايقاع الطلاق، ومن المرأة في جميع ما يتعلق بها
من استدعاء الطلاق وتقدير العوض وتسليمه.
مسألة 7 - إذا وقع الخلع بمباشرة الزوجين فإما ان تبدأ الزوجة وتقول "
بذلت لك أو أعطيتك ما عليك من المهر أو الشئ الفلاني لتطلقني " فيقول فورا
" أنت طالق أو مختلعة - بكسر اللام - على ما بذلت أو على ما أعطيت " وإما
ان يبتدي الزوج بعد ما تواطئا على الطلاق بعوض فيقول " أنت طالق أو مختلعة
بكذا أو على كذا " فتقول فورا " قبلت أو رضيت " وان وقع من وكيلين يقول
وكيل الزوجة مخاطبا لوكيل " الزوج عن قبل موكلتي فلانة بذلت لموكلك ما
عليه من المهر أو المبلغ الفلاني ليخلعها وليطلقها " فيقول وكيل الزوج فورا "
زوجة موكلي طالق على ما بذلت " أو يقول " عن قبل موكلي خلعت موكلتك على
ما بذلت ". وان وقع من وكيل أحدهما مع الاخر كوكيل الزوجة مع الزوج يقول
وكيلها مخاطبا للزوج " عن قبل موكلتي فلانة أو زوجتك بذلت لك ما عليك من
المهر أو الشئ الفلاني على ان تطلقها " فيقول الزوج فورا " هي أو زوجتي
طالق على ما بذلت "،
518

أو يبتدي الزوج مخاطبا لوكيلها " موكلتك أو زوجتي فلانة
طالق على كذا " فيقول " عن قبل موكلتي قبلت ذلك ". وان وقع ممن كان
وكيلا عن الطرفين يقول " عن قبل موكلتي فلانة بذلت لموكلي فلان الشئ
الفلاني ليطلقها " ثم يقول فورا " زوجة موكلي طالق على ما بذلت "، أو يبتدي
من طرف الزوج ويقول " زوجة موكلي طالق على الشئ الفلاني "، ثم يقول من
طرف الزوجة " عن قبل موكلتي قبلت ". ولو فرض ان الزوجة وكلت الزوج في
البذل يقول " عن قبل موكلتي زوجتي بذلت لنفسي كذا لأطلقها " ثم يقول فورا
" هي طالق على ما بذلت " ولا ينبغي ترك الاحتياط في جميع الصور المذكورة
بالجمع بين الصيغتين.
مسألة 8 - يجوز ان يكون البذل من طرف الزوجة باستدعائها الطلاق من الزوج
بعوض معلوم، بان تقول له " طلقني أو اخلعني بكذا " فيقول فورا " أنت طالق
أو مختلعة بكذا " فيتم الخلع، والأحوط وجوبا اتباعه بالقبول منها بان
تقول بعد ذلك " قبلت ".
مسألة 9 - يشترط في تحقق الخلع بذل الفداء عوضا عن الطلاق، ويجوز
الفداء بكل متمول من عين أو دين أو منفعة قل أو كثر وان زاد عن المهر
المسمي، فان كان عينا حاضرا يكفي فيه المشاهدة، وان كان كليا في الذمة
أو غائبا ذكر جنسه ووصفه وقدره، فلو جعل الفداء الف ولم يذكر المراد فسد
الخلع. ويصح جعل الفداء ارضاع ولده لكن مشروطا بتعيين المدة، وإذا جعل
كليا في ذمتها يجوز جعله حالا ومؤجلا مع تعيين الاجل بما لا اجمال فيه.
مسألة 10 - يصح بذل الفداء منها ومن وكيلها، بان يبذل وكالة عنها من
مالها الموجود أو بمال في ذمتها، وهل يصح ممن يضمنه في ذمته باذنها فيرجع
إليها بعد البذل، بان تقول لشخص " اطلب من زوجي ان يطلقني بألف درهم
مثلا عليك " وبعد ما دفعتها اليه ارجع إلى، ففعل ذلك وطلقها الزوج على ذلك
، وجهان بل
519

قولان لا يخلو ثانيهما من رجحان. كما انه لا يصح من المتبرع
الذي يبذل من ماله من دون رجوع إليها، فلو قالت الزوجة لزوجها " طلقني
على دار زيد أو الف في ذمته " فطلقها على ذلك وقد اذن زيد في ذلك أو أجاز
بعد ذلك لم يصح الخلع ولا الطلاق إذا لم يوقعه بلفظ الطلاق، وكذا لو وكلت
زيدا على ان يطلب من زوجها ان يطلقها على ذلك فطلقها على ذلك.
مسألة 13 - إذا قال أبوها " طلقها وأنت بري من صداقها " وكانت بالغة
رشيدة فطلقها صح الطلاق بشرائطه والشرط المذكور في المسئلة السابقة وكان
رجعيا، ولم تبرا ذمته بذلك ما لم تبري، ولم يلزم عليها الابراء ولا يضمنه
الأب.
مسألة 14 - لو جعلت الفداء مال الغير أو ما لا يملكه المسلم كالخمر مع
العلم بذلك بطل البذل فبطل الخلع وكان الطلاق رجعيا بالشرط المذكور في
المسائل السابقة، واما لو جعلته مال الغير مع الجهل بأنه مال الغير
فالمشهور صحة الخلع وضمانها للمثل أو القيمة، وفيه تأمل.
مسألة 15 - يشترط في الخلع ان تكون الزوجة كارهة للزوج من دون عكس كما
مر، والأحوط ان تكون الكراهة شديدة بحيث يخاف من قولها أو فعلها أو غيرهما
الخروج عن الطاعة والوقوع في المعصية.
مسألة 16 - الظاهر انه لا فرق بين ان تكون الكراهة المشترطة في الخلع
ذاتية ناشئة من خصوصيات الزوج كقبح منظره وسوء خلقه وفقره وغير ذلك،
وبين ان تكون ناشئة من بعض العوارض مثل وجود الضرة وعدم ايفاء الزوج
بعض الحقوق المستحبة أو الواجبة كالقسم والنفقة. نعم ان كانت الكراهة
وطلب المفارقة من جهة ايذاء الزوج لها بالسب والشتم والضرب ونحوها فتريد
تخليص نفسها منه فبذلت شيئا ليطلقها فطلقها لم يتحقق الخلع وحرم عليه ما
يأخذه منها، ولكن الطلاق صح رجعيا.
520

مسألة 17 - لو طلقها بعوض مع عدم الكراهة وكون الاخلاق ملتئمة لم
يصح الخلع ولم يملك العوض ولكن صح الطلاق، فان كان مورد الطلاق الرجعي
كان رجعيا والا كان بائنا.
مسألة 18 - طلاق الخلع بائن لا يقع فيه الرجوع ما لم ترجع المرأة فيما
بذلت، ولها الرجوع فيه ما دامت في العدة، فإذا رجعت كان له الرجوع إليها
.
مسألة 19 - الظاهر اشتراط جواز رجوعها في المبذول بامكان رجوعه بعد رجوعها،
فلو لم يجز له الرجوع - كالمطلقة ثلاثا وكما إذا كانت المختلعة ممن ليست لها
عدة كاليائسة وغير المدخول بها - لم يكن لها الرجوع في البذل، بل لا يبعد
عدم صحة رجوعها فيما بذلت مع فرض عدم علمه بذلك إلى انقضاء محل رجوعه،
فلو رجعت عند نفسها ولم يطلع عليه الزوج حتى انقضت العدة لا أثر لرجوعها.
مسألة 20 - المباراة قسم من الطلاق، فيعتبر فيه جميع شروطه المتقدمة
، ويعتبر فيه ما يشترط في الخلع من الفدية والكراهة، فهي كالخلع طلاق بعوض
ما تبذله المرأة، وتقع بلفظ الطلاق مجردا، بان يقول الزوج بعد ما بذلت
المرأة له شيئا ليطلقها " أنت طالق على ما بذلت " وبلفظ " بارئتك " متبعا
بلفظ الطلاق، بان يقول الزوج " بارئتك على كذا فأنت طالق "، ولا يقع بلفظ
بارئتك مجردا.
مسألة 21 - المباراة وان كانت كالخلع لكنها تفارقه بأمور ثلاثة:
أحدها - انها تترتب على كراهة كل من الزوجين لصاحبه، بخلاف الخلع
فإنه يترتب على كراهة الزوجة خاصة كما مر.
ثانيها - انه يشترط ان لا تكون الفداء أكثر من مهرها، بل الأحوط ان
يكون أقل منه، بخلاف الخلع فإنه فيه على ما تراضيا به ساوي المهر أو زاد
عليه أو نقص عنه.
521

ثالثها - انه إذا أوقعت بلفظ " بارئت " يجب فيه اتباعه بالطلاق بقوله "
فأنت أو هي طالق "، بخلاق الخلع، إذ يجوز ان يوقعه بلفظ " الخلع " مجردا
كما مر، وان قيل فيه أيضا بوجوب اتباعه بالطلاق لكن الأقوى خلافه كما مر.
مسألة 22 - طلاق المباراة بائن كالخلع ليس للزوج فيه رجوع الا ان
ترجع الزوجة في الفدية قبل انقضاء العدة، فله الرجوع حينئذ إليها كما تقدم
في الخلع.
522

كتاب الظهار والايلاء واللعان
523

كتاب الظهار والايلاء واللعان
القول في الظهار:
الذي كان طلاقا في الجاهلية وموجبا للحرمة الأبدية، وقد غير شرع
الاسلام حكمه وجعله موجبا لتحريم الزوجة المظاهرة ولزوم الكفارة بالعود،
كما ستعرف تفصيله.
مسألة 1 - صيغة الظهار ان يقول الزوج مخاطبا للزوجة " أنت على كظهر أمي
" أو يقول بدل أنت " هذه " مشيرا إليها أو " زوجتي فلانة " ويجوز تبديل "
على " بقوله " مني أو عندي أو لدي " بل الظاهر عدم اعتبار ذكر لفظة "
على " وأشباهها أصلا، بان يقول " أنت كظهر أمي "، ولو شبهها بجزء آخر من
اجزاء الام غير الظهر كرأسها أو يدها أو بطنها ففي وقوع الظهار قولان: أحوطهما
ذلك بل لا يخلو من قوة، ولو قال " أنت كأمي أو أمي " قاصدا به التحريم
لا علو المنزلة والتعظيم أو كبر السن وغير ذلك، لم يقع وان كان الأحوط
خلافه، بل لا يترط الاحتياط.
مسألة 2 - لو شبهه بإحدى المحارم النسبية غير الام كالبنت والأخت فمع
ذكر الظهر بان قال مثلا " أنت على كظهر أختي " يقع الظهار على الأقوى،
وبدونه كما إذا قال " كأختي " أو " كراس أختي " لم يقع على اشكال فلا يترك
الاحتياط.
مسألة 3 - الظهار الموجب للتحريم ما كان من طرف الرجل، فلو قالت
المرأة
525

لزوجها " أنت على كظهر أبي أو أخي " لم يؤثر شيئا.
مسألة 4 - يشترط في الظهار وقوعه بحضور عدلين يسمعان قول المظاهر كالطلاق،
وفي المظاهر البلوغ والعقل والاختيار والقصد فلا يقع من الهازل والسكران
والنائم ولا من الصبي والمجنون ولا المكره والساهي، بل ولا مع الغضب
السالب للقصد، وفي المظاهرة خلوها عن الحيض والنفاس وكونها في طهر لم
يواقعها فيه على التفصيل المذكور في الطلاق، وفي اشتراط كونها مدخولا بها
قولان أصحهما ذلك.
مسألة 5 - الأقوى عدم اعتبار دوام الزوجية في المظاهرة، بل يقع على
المتمتع بها بل وعلي المملوكة.
مسألة 6 - إذا تحقق الظهار بشرائطه حرم على المظاهر وطي المظاهرة، ولا يحل
له حتى يكفر فإذا كفر حل له وطيها، ولا تلزم كفارة أخرى بعد وطيها،
ولو وطئها قبل ان يكفر كانت عليه كفارتان، وهل يحرم عليه قبل التكفير غير
الوطي من سائر الاستمتاعات كالقبلة والملامسة؟ فيه اشكال، هذا إذا لم يكن
مشروطا والا فالحرمة تترتب عليه بعد حصول الشرط.
مسألة 7 - إذا طلقها رجعيا ثم راجعها لم يحل له وطيها حتى يكفر، بخلاف
ما إذا تزوجها جديدا بعد انقضاء العدة أو في العدة إذا كان الطلاق بائنا، فإنه
يسقط حكم الظهار ويجوز له وطيها بلا تكفير.
مسألة 8 - كفارة الظهار كما مر في كتاب الكفارات أحد أمور ثلاثة مرتبة:
عتق رقبة، وإذا عجز عنه فصيام شهرين متتابعين، وإذا عجز عنه فاطعام ستين
مسكينا.
مسألة 9 - إذا صبرت المظاهرة على ترك وطيها فلا اعتراض، وان لم تصبر رفعت
امرها إلى الحاكم، فيحضره ويخيره بين الرجعة بعد التكفير وبين طلاقها،
526

فان
اختار أحدهما والا انظره ثلاثة اشهر من حين المرافعة، فان انقضت المدة
ولم يختر أحد الامرين حبسه وضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يختار أحدهما
، ولا يجبره على خصوص أحدهما ولا يطلق عنه.
القول في الايلاء
القول في اللعان
القول في الايلاء القول في الايلاء
وهو الحلف على ترك وطي الزوجة الدائمة المدخول بها ابدا أو مدة تزيد
عن أربعة اشهر للاضرار بها، فلا يتحقق الايلاء بالحلف على ترك وطي المملوكة
ولا المتمتع بها ولا لغير المدخول بها ولا بالحلف على ترك وطيها مدة لا تزيد
عن أربعة اشهر ولا فيما إذا كان لملاحظة مصلحة كاصلاح لبنها أو كونها مريضة
أو غير ذلك، وان انعقد اليمين في جميع ذلك ويترتب عليه آثاره إذا اجتمع
شروطه.
مسألة 1 - لا ينعقد الايلاء - كمطلق اليمين - الا باسم الله تعالي المختص به
أو الغالب اطلاقه عليه، ولا يعتبر فيه العربية ولا اللفظ الصريح في كون
المحلوف عليه ترك الجماع في القبل كادخال الفرج في الفرج، بل المعتبر
صدق كونه حالفا على ترك ذلك العمل بلفظ له ظهور في ذلك، فيكفي قوله " لا
أطئك أو لا أجامعك أو لا امسك "، بل وقوله " لا جمع رأسي ورأسك وسادة أو
مخدة " إذا قصد بذلك ترك الجماع.
مسألة 2 - إذا تم الايلاء بشرائطه فان صبرت المرأة مع امتناعه عن
المواقعة فلا كلام، والا فلها المرافعة إلى الحاكم، فيحضره وينظره أربعة
اشهر، فان رجع وواقعها في هذه المدة فهو والا أجبره على أحد الامرين اما
الرجوع أو الطلاق، فان فعل أحدهما والا ضيق عليه وحبسه حتى يختار أحدهما،
ولا يجبره على أحدهما معينا.
مسألة 3 - المشهور ان الأربعة التي ينظر فيها ثم يجبر على أحد الامرين
بعدها
527

هي من حين الترافع، وقيل من حين الايلاء، فلو لم ترافع حتى انقضت
المدة ثم ترافع ألزمه بأحد الامرين من دون امهال وانتظار مدة، ولكن
الأقوى هو ما عليه المشهور.
مسألة 4 - يزول حكم الايلاء بالطلاق البائن، فلو عقد عليها جديدا في العدة أو
بعدها كانت كان لم يول عليها، بخلاف ما إذا طلقها رجعيا فإنه وان خرج
بذلك من حقها فليست لها المطالبة والترافع إلى الحاكم لكن لا يزول حكم
الايلاء الا بانقضاء العدة، فلو راجعها في العدة عاد إلى الحكم الأول، فلها
المطالبة بحقها والمرافعة.
مسألة 5 - متي وطئها الزوج بعد الايلاء لزمته الكفارة، سواء كان في
مدة التربص أو بعدها أو قبلها لو جعلناها من حين المرافعة، لأنه قد حنث
اليمين على كل حال وان جاز له هذا الحنث بل وجب بعد انقضاء المدة
ومطالبتها وامر الحاكم به يخييرا بينه وبين الطلاق، وبهذا يمتاز هذا اليمين
عن سائر الايمان، كما انه يمتاز عن غيره بأنه لا يعتبر فيه ما يعتبر في
غيره من كون متعلقه مباحا تساوي طرفاه أو كان راجحا دينا أو دنيا.
القول في اللعان
وهي مباهلة خاصة بين الزوجين، اثرها دفع حد أو نفي ولد كما تعرف تفصيله.
مسألة 1 - انما يشرع اللعان في مقامين: أحدهما فيما إذا رمي الزوج
زوجته بالزنا، الثاني فيما إذا نفي ولدية من ولد في فراشه مع امكان لحوقه
به.
مسألة 2 - لا يجوز للرجل قذف زوجته بالزنا مع الريبة ولا مع غلبة
الظن ببعض الأسباب المريبة، بل ولا بالشياع ولا باخبار شخص ثقة. نعم يجوز
مع اليقين لكن لا يصدق إذا لم تعترف به الزوجة ولم تكن بينة، بل يحد حد
القذف مع
528

مطالبتها، الا إذا أوقع اللعان الجامع للشروط الآتية فيدرأ عنه الحد.
مسألة 3 - يشترط في ثبوت اللعان بالقذف ان يدعي المشاهدة، فلا لعان
فيمن لم يدعها ومن لم يتمكن منها كالأعمى فيحدان مع عدم البينة، وان لا
يكون له بينة فان كانت له بينة تتعين اقامتها لنفي الحد ولا لعان.
مسألة 4 - يشترط في ثبوت اللعان ان تكون المقذوفة زوجة دائمة بالغة
عاقلة سالمة من الصمم والخرس. فلا لعان في قذف الأجنبية بل يحد القاذف
مع عدم البينة، وكذا في المنقطعة على الأقوى، وان تكون مدخولا بها فلا
لعان فيمن لم يدخل بها، وان تكون غير مشهورة بالزنا والا فلا لعان، بل
ولا حد حتى يدفع باللعان، بل عليه التعزير لو لم يدفعه عن نفسه بالبينة
ولم تكن مشهورة متجاهرة بالزنا.
مسألة 5 - لا يجوز للرجل ان ينكر ولدية من تولد في فراشه مع امكان
لحوقه به، بان دخل بأمه أو فعل ما يمكن به جذب رحمها مائه وقد مضي منه
إلى زمان وضعه ستة اشهر فصاعدا ولم يتجاوز عن أقصي مدة الحمل حتى فيما إذا
فجر أحدبها فضلا عما إذا اتهمها، بل يجب عليه الاقرار بولديته، فعن النبي
صلي الله عليه وآله " أيما رجل جحد ولده وهو ينظر اليه احتجب الله منه
وفضحه على رؤوس الخلائق ". نعم يجب عليه على الأحوط ان ينفيه ولو
باللعان مع علمه بعدم تكونه منه من جهة علمه باختلال شروط الالتحاق به
إذا كان بحسب ظاهر الشرع لحوقه به لولا نفيه، لئلا يلحق بنسبه من ليس
منه فيترتب عليه حكم الولد في الميراث والنكاح ونظر محارمه وغير ذلك.
مسألة 6 - إذا نفي ولدية من ولد في فراشه فان علم انه دخل بأمه دخولا
يمكن معه لحوق الولد به أو أقر هو بذلك ومع ذلك نفاه لا يسمع منه هذا
النفي ولا ينتفي منه لا باللعان ولا بغيره، واما لو لم يعلم ذلك ولم يقر
به وقد نفاه - اما مجردا عن
529

ذكر السبب بان قال: هذا ليس ولدي أو مع ذكر
السبب كما إذا انكر دخولا يمكن تكونه منه فحينئذ وان لم ينتف عنه بمجرد
نفيه لكن باللعان ينتفي عنه.
مسألة 7 - انما يشرع اللعان لنفي الولد إذا كانت المرأة منكوحة بالعقد
الدائم، واما ولد المتمتع بها فينتفي بنفيه من دون لعان، وان لم يجز له
نفيه ولم يعلم بالانتفاء. نعم لو علم انه قد دخل بها دخولا يمكن تكون الولد
منه أو أقر بذلك ومع ذلك قد نفاه لم ينتف عنه بنفيه ولم يسمع منه ذلك،
كما هو كذلك في الدائمة، فالفرق بين الدائمة والمتمتع بها انما هو فيما إذا
كانت المرأة تحتها وولدت ولدا ولم يعلم دخول الرجل بها دخولا يمكن تكون
الولد منه ولم يقر الزوج بذلك وقد نفاه الزوج واحتمل صدقه وكذبه، ففي ولد
الدائمة لم ينتف عنه الا باللعان ويشرع اللعان لنفيه، وفي ولد المتمتع
بها ينتفي عنه بمجرد نفيه بحسب ظاهر الشرع ولا يشرع فيه اللعان.
مسألة 8 - لا فرق في مشروعية اللعان لنفي الولد بين كونه حملا أو منفصلا.
مسألة 9 - من المعلوم ان انتفاء الولد عن الزوج لا يلازم كونه ولد زنا
لاحتمال تكونه عن وطي شبهة أو غيره، فلو علم الرجل بعدم التحاق الولد به
ولم يعلم انه من الزنا، وان جاز له بل وجب عليه على الأحوط نفيه عن
نفسه، لكن لا يجوز له ان يرميها بالزنا وينسب ولدها بكونه ولد زنا.
مسألة 10 - لو أقر بالولد لم يسمع انكاره له بعد ذلك، سواء كان اقراره
بالصريح أو بالكناية مثل ان يبشر به ويقال له: بارك الله لك في مولودك
فيقول: آمين أو انشاء الله تعالي، بل قيل انه إذا كان الزوج حاضرا وقت
الولادة ولم ينكر الولد مع ارتفاع العذر لم يكن له انكاره بعد ذلك، بل
نسب ذلك إلى المشهور لكنه مشكل الا إذا كان هناك امارة على تصديقه.
530

مسألة 11 - لا يقع اللعان الا عند الحاكم الشرعي وفي وقوعه عند المنصوب منه
لذلك اشكال الا إذا كان الحاكم الامام أو نائبه الخاص، وصورته ان
يبدأ الرجل ويقول بعد ما قذفها أو نفي ولدها " اشهد بالله اني لمن الصادقين
فيما قلت من قذفها أو من نفي ولدها " يقول ذلك اربع مرات، ثم يقول مرة
واحدة " لعنة الله علي ان كنت من الكاذبين " ثم تقول المرأة بعد ذلك
اربع مرات " اشهد بالله انه لمن الكاذبين في مقالته من الرمي بالزنا أو
نفي الولد " ثم تقول مرة واحدة " ان غضب الله على ان كان من الصادقين "
.
مسألة 12 - يجب ان تكون الشهادة واللعن على الوجه المذكور، فلو قال
أو قالت: احلف أو اقسم أو شهدت أو انا شاهد أو بدلا لفظ الجلالة بالرحمن أو
بخالق البشر أو بصانع الموجودات أو قال الرجل: اني صادق أو لصادق أو من
الصادقين من غير ذكر اللام أو قالت المرأة: انه لكاذب أو كاذب أو من
الكاذبين لم يقع، وكذا لو ابدل الرجل اللعنة بالغضب والمرأة بالعكس.
مسألة 13 - يجب ان يكون اتيان كل منهما باللعان بعد القاء الحاكم إياه
عليه، فلو بادر به قبل ان يأمر الحاكم به لم يقع.
مسألة 14 - يجب ان يكون النطق بالعربية مع القدرة، ويجوز بغيرها مع
التعذر.
مسألة 15 - يجب ان يكونا قائمين عند التلفظ بألفاظهما الخمسة، وهل يعتبران
يكونا قائمين معا عند تلفظ كل منهما أو يكفي قيام كل منهما عند تلفظه
بما يخصه؟ أحوطهما الأول بل لا يخلو من قوة.
مسألة 16 - إذا وقع اللعان الجامع للشرائط منهما يترتب عليه احكام أربعة:
الأول - انفساخ عقد النكاح والفرقة بينهما.
الثاني - الحرمة الأبدية، فلا تحل له ابدا ولو بعقد جديد. وهذان الحكمان
531

ثابتان في مطلق اللعان سواء كان للقذف أو لنفي الولد.
الثالث - سقوط حد القذف عن الزوج بلعانه وسقوط حد الزنا عن الزوجة بلعانها،
فلو قذفها ثم لاعن ونكلت هي اللعان تخلص الرجل عن حد القذف وتحد المرأة حد
الزانية، لان لعان الرجل بمنزلة البينة في اثبات زنا الزوجة.
الرابع - انتفاء الولد عن الرجل دون المرأة ان تلاعنا لنفيه، بمعني انه
لو نفاه وادعت الزوجة كون الولد له فتلاعنا لم يكن توارث بين الرجل والولد
فلا يرث كل منهما عن الاخر، وكذا بين الولد وكل من انتسب اليه بالأبوة
كالجد والجدة والأخ والأخت للأب، وكذا الأعمام والعمات، بخلاف الام ومن
انتسب اليه بها، حتى ان الاخوة للأب والام بحكم الاخوة للام.
مسألة 17 - إذا كذب نفسه بعدما لاعن لنفي الولد لحق به الولد فيما عليه لا
فيما له، فيرثه الولد ولا يرثه الأب ولا من يتقرب به ولا يرث أقارب أبيه
باقراره الا إذا أقروا به أيضا، كما انهم لا يرثونه الا باقراره.
532

كتاب الميراث
533

كتاب الميراث
وهو مشتمل على مقدمة ومقاصد ولواحق اما المقدمة فتشتمل على أمور
الامر الأول - في موجبات الإرث وأسبابه على الاجمال الامر الأول - في
موجبات الإرث وأسبابه على الاجمال، وهو ثلاثة:
الأول النسب، وهو ثلاث طبقات مرتبة لا يرث واحد من المرتبة اللاحقة
مع وجود وارث من المرتبة السابقة:
الطبقة الأولي - وهي صنفان الأبوان من غير ارتفاع، والأولاد ذكرا أو أنثى
بلا واسطة أو معها.
الطبقة الثانية - وهي أيضا صنفان الأجداد والجدات لأب أو أم وان علوا
، والاخوة والأخوات وأولادهم وان نزلوا لأب كانوا أو لام أو لهما.
الطبقة الثالثة - الأعمام والعمات والأخوال والخالات وان علوا وأولادهم
وان نزلوا، ويعد من في هذه الطبقة كلهم صنفا واحدا.
الثاني الزوجية، وبها يرث الزوجان كل من الاخر.
الثالث الولاء، وهو ثلاثة مرتبة: ولاء العتق، ثم ولاء ضامن الجريرة، ثم
ولاء الإمامة.
535

الامر الثاني الوارث إما يرث بالفرض الامر الثاني الوارث إما يرث بالفرض،
واما يرث بالقرابة.
والمراد بالفرض هو السهم المقدر والكسر المعين الذي سماه الله تعالي في
كتابه الكريم، والفروض ستة وأربابها ثلاثة عشر: النصف لبنت واحدة إذا لم
يكن معها ابن، وأخت واحدة لأبوين أو لأب إذا لم يكن معها أخ كذلك،
والزوج إذا لم يكن للزوجة ولد ولو بالواسطة. والربع للزوج إذا كان للزوجة
ولد ولو بالواسطة، وللزوجة إذا لم يكن للزوج ولد ولو بالواسطة. والثمن
للزوجة إذا كان للزوج ولد ولو بالواسطة. والثلث للام مع عدم الولد للميت
ولو بالواسطة ولا الاخوة بالشرائط الآتية، وللأخ والأخت مع الام مع التعدد
. والثلثان للبنتين فصاعدا مع عدم وجود الابن، وللأختين فصاعدا لأبوين مع
وجود الأخ للأبوين أو لأب مع وجود الأخ من الأب. والسدس للأب مع وجود
الولد ولو بالواسطة، وللأم مع الولد ولو بالواسطة أو وجود الاخوة للميت
بالشروط الآتية، وللأخ أو الأخت للام مع عدم التعدد.
مسألة 1 - قد ظهر مما مر ان أهل الطبقة الثالثة من ذوي الأنساب لا فرض
لهم وانما يكون إرثهم بالقرابة وان الزوجين وراثتهما بالفرض مطلقا، واما
الطبقة الأولي والثانية فبعضهم لا فرض له أصلا كالابن والأخ للأبوين أو
لأب، وبعضهم ذو فرض مطلقا كالأم، وبعضهم ذو فرض على حال دون حال كالأب
، فإنه ذو فرض مع وجود الولد للميت وليس له فرض مع عدم الولد، وكالبنت
والبنتين، وكذا الأخت والأختان لأب أو أبوين، فان لهن الفرض إذا لم يكن
معهن ذكر وليس لهن فرض إذا كان معهن ذكر.
مسألة 2 - ظهر مما ذكر ان من كان له فرض على قسمين:
أحدهما - من ليس له الا فرض واحد ولا ينقص ولا يزيد فرضه بتبدل الأحوال،
كالأب فإنه يكون ذا فرض في صورة وجود الولد وفرضه ليس الا السدس مطلقا،
وكذلك البنت الواحدة والبنتان فصاعدا مع عدم الابن، وكذا
536

الأخت والأختان لأب أو أبوين مع عدم الأخ، فان فرضهن النصف أو الثلثان مطلقا، وهؤلاء
وان كانوا ذوي فرض على حال دون حال الا ان فرضهم لا يزيد ولا ينقص بتبدل
الأحوال. وقد يكون من كان له فرض على كل حال لا يتغير فرضه بتبدل
الأحوال، وذلك كالأخ أو الأخت للام، فمع الوحدة كان فرضه السدس ومع
التعدد الثلث، ولا يزيد على ذلك ولا ينقص في جميع الأحوال.
الثاني - من كان فرضه يتغير بتبدل الأحوال، كالأم فان لها الثلث
تارة والسدس أخرى، وكذا الزوجان فان للزوج نصف مع عدم الولد والربع مع
وجوده وللزوجة الثمن مع وجود الولد والربع مع عدمه.
الامر الثالث في موانع الإرث الامر الثالث في موانع الإرث، وهي ثلاثة:
الأول الكفر بأصنافه أصليا كان أو عن ارتداد، فلا يرث الكافر من المسلم أصلا
وان كان قريبا وانما يختص ارثه بالمسلم وان كان بعيدا، فلو كان له ابن
كافر وللابن ابن مسلم يرثه ابن الابن لا الابن، وكذا لو كان له ابن كافر
واخ أو عم أو ابن عم مسلم يرثه المسلم دونه، بل وكذا لو لم يكن له
وارث من ذوي الأنساب وكان له معتق أو ضامن جريرة مسلم يختص ارثه بهما
دونه، وإذا لم يكن له وارث مسلم في جميع الطبقات من ذوي الأنساب
وغيرهم كان ممن لا وارث له واختص ارثه بالامام عليه السلام ولم يرث
ابنه الكافر منه شيئا.
مسألة 3 - إذا مات الكافر أصليا أو مرتدا عن فطرة أو ملة وله وارث
مسلم وكافر ورثه المسلم وان كان بعيدا كالمعتق وضامن الجريرة دون الكافر
وان كان قريبا كالأب والابن، وان لم يكن له وارث مسلم بل كان جميع
ورثته كفارا يرثونه على قواعد الإرث، الا إذا كان مرتدا فطريا أو مليا فان
ميراثه للامام دون ورثته الكفار.
مسألة 4 - لو مات مسلم أو كافر وكان له وارث كافر ووارث مسلم غير
الامام
537

واسلم بعد موته وارثه الكافر، فإن كان وارثه المسلم واحدا وهو غير
الزوجة اختص بالإرث ولم ينفع لمن اسلم اسلامه اما إذا كان وارث الواحد
المسلم هي الزوجة، فإنه ان اسلم الوارث الكافر قبل تقسيم الإرث بينها
وبين الامام يأخذ نصيبه، فلو كان ولدا فللزوجة نصيبها الأدنى والا فالأعلى،
واما ان كان الوارث منحصرا بالامام عليه السلام فان اسلم الكافر من الورثة
فهو اولي منه (عليه السلام). وكذا لا ينفع اسلام من اسلم ان كان الوارث
المسلم متعددا وكان اسلام من اسلم بعد قسمة الميراث بينهم، واما لو اسلم
قبل القسمة شاركهم في الإرث ان ساواهم في المرتبة واختص بالإرث وحجبهم
عنه ان تقدم عليهم، كما إذا كان ابنا للميت وهم إخوته.
مسألة 5 - لو اسلم الوارث بعد قسمة بعض التركة دون بعض كان لكل
منهما حكمه، فلم يرث فيما قسم واختص بالإرث أو شارك فيما لم يقسم.
مسألة 6 - لو مات مسلم عن ورثة كفار ليس بينهم مسلم فاسلم بعضهم بعد
موته اختص هو بالإرث ولم يرثه الباقون ولم ينته الامر إلى الامام عليه
السلام، وكذا الحال لو كان الميت مرتدا وخلف ورثة كفارا واسلم بعضهم بعد
موته فان الإرث يختص به.
مسألة 7 - لو مات كافر أصلي ولم يخلف الا ورثة كفارا ليس بينهم مسلم
فاسلم بعضهم بعد موته فالظاهر انه لا اثر لاسلامه وكان الحكم كما قبل
اسلامه، فان تقدمت طبقته على طبقة الباقين كما إذا كان ابنا للميت وهم
اخوته اختص الإرث به، وان ساواهم في الطبقة شاركهم، وان تأخرت طبقته
كما إذا كان عما للميت وهم اخوته اختص الإرث بهم. ويحتمل ان تكون
مشاركته مع الباقين في صورة مساواته معهم في الطبقة انما هو فيما إذا كان
اسلامه بعد قسمة التركة بينه وبينهم، واما إذا كان قبلها اختص الإرث به،
وكذا اختصاص الطبقة السابقة بالإرث في صورة تأخر طبقة من اسلم انما هو فيما
إذا كان من الطبقة السابقة واحدا أو متعددا
538

وكان اسلام من اسلم بعد قسمة
التركة بينهم، واما إذا كان اسلامه قبل القسمة اختص الإرث به.
مسألة 8 - المراد بالمسلم والكافر وارثا وموروثا وحاجبا ومحجوبا أعم منهما حقيقة
ومستقلا أو حكما وتبعا، فكل طفل كان أحد أبويه مسلما حال انعقاد نطفته مسلم
حكما وتبعا فيلحقه حكمه وان ارتد بعد ذلك المتبوع فلا يتبعه الطفل
في الارتداد الطاري. نعم يتبعه في الاسلام إذا اسلم أحد أبويه قبل بلوغه
بعد ما كانا كافرين حين انعقاد نطفته. وكل طفل كان أبواه معا كافرين
أصليين أو مرتدين أو مختلفين حين انعقاد نطفته بحكم الكافر حتى يسلم أحدهما
قبل بلوغه أو أظهر الإسلام هو بعد بلوغه، فعلي ما ذكرنا لو مات كافر وله
أولاد كفار وله أطفال أخ مسلم أو أخت مسلمة يرثه أولئك الأطفال دون
الأولاد، ولو كان له ابن كافر وطفل ابن مسلم يرثه طفل ابنه دون ابنه،
ولو مات مسلم وله طفل ثم مات ذلك الطفل وليس له وارث مسلم في جميع
الطبقات كان وارثه الامام (عليه السلام) كما هو الحال في الميت المسلم، ولو
مات طفل بين كافرين وله مال وكان ورثته كلهم كفارا ليس بينهم مسلم ورثه
الكفار على ما فرض الله دون الامام. هذا إذا كان أبواه كافرين أصليين،
واما إذا كانا مرتدين فهل لهذا الطفل حكم الكفر الارتدادي حتى يكون وارثه
الامام أو حكم الكافر الأصلي حتى يرثه ورثته الكفار؟ وجهان لا يخلو ثانيهما
من قوة.
مسألة 9 - المسلمون يتوارثون وان اختلفوا في المذاهب والأصول والعقائد
، فيرث المحق منهم عن مبطلهم وبالعكس ومبطلهم عن مبطلهم. نعم
الغلاة والخوارج والنواصب ومن انكر ضروريا من ضروريات الدين كوجوب
الصلاة وصوم شهر رمضان كفار أو بحكمهم، فيرث منهم المسلمون وهم لا يرثون
منهم.
مسألة 10 - الكفار يتوارثون وان اختلفوا في الملل والنحل، فيرث
النصراني
539

من اليهودي وبالعكس، بل ويرث الذمي من الحربي وبالعكس، لكن
يشترط في ارث الكافر من الكافر فقد الوارث المسلم، فان وجد وان كان بعيدا
يحجب الكافر وان كان قريبا كما تقدم تفصيله.
مسألة 11 - المرتد - وهو من خرج عن الاسلام واختار الكفر بعد ما كان مسلما -
على قسمين فطري وملي:
والأول من كان أحد أبويه مسلما حال انعقاد نطفته ثم اظهر الاسلام بعد
بلوغه ثم خرج عنه،
والثاني من كان أبواه كافرين حال انعقاد نطفته ثم اظهر الكفر بعد البلوغ
فصار كافرا أصليا ثم اسلم ثم عاد إلى الكفر كنصراني اسلم ثم عاد إلى
نصرانيته.
فالفطري ان كان رجلا تبين منه زوجته وينفسخ نكاحها بغير طلاق وتعتد
عدة الوفاة ثم تتزوج بالغير ان أرادت، ويقسم أمواله التي كانت له حين
ارتداده بين ورثته بعد أداء ديونه كالميت، ولا ينتظر موته ولا تفيد توبته
ورجوعه إلى الاسلام في رجوع زوجته وماله اليه. نعم تقبل توبته باطنا
على الأقوى، بل ظاهرا أيضا بالنسبة إلى بعض الاحكام، فيطهر بدنه وتصح
عباداته ويملك الأموال الجديدة بأسبابه الاختيارية كالتجارة والحيازة
والقهرية كالإرث، ويجوز له التزويج بالمسلمة، بل له تجديد العقد على
زوجته السابقة.
وان كان امرأة بقيت أموالها على ملكها ولا تنتقل إلى ورثتها الا بموتها
وتبين من زوجها المسلم في الحال بلا اعتداد ان كانت غير مدخول بها ومع
الدخول وقف الانفساخ على الانقضاء العدة، فان تابت وهي في العدة عادت
الزوجية وان لم تتب حتى انقضت العدة بانت من زوجها.
واما الملي سواء كان رجلا أو امرأة فلا تنتقل أمواله إلى ورثته الا بالموت، وينفسخ النكاح بين المرتد وزوجته المسلمة وكذا بين المرتدة وزوجها المسلم
540

بمجرد الارتداد بدون اعتداد مع عدم الدخول ومع الاعتداد عدة الطلاق
مع الدخول، فان تاب أو تابت قبل انقضاء العدة عادت الزوجية والا فلا كما
عرفت في المرأة المرتدة عن فطرة.
الثاني من موانع الإرث القتل.
مسألة 12 - لا يرث القاتل من المقتول إذا كان القتل عمدا ظلما، ويرث منه
إذا قتله بحق، كما إذا كان قصاصا أو حدا أو دفاعا عن نفسه أو عرضه أو ماله
وكذا إذا كان خطا محضا كما إذا رمي إلى طائر فأخطأ وأصاب قريبه، فإنه يرثه.
نعم لا يرث من ديته التي تتحملها العاقلة على الأقوى. واما شبه العمد - وهو
ما إذا كان قاصدا لايقاع الفعل على المقتول غير قاصد للقتل وكان الفعل مما
لا يترتب عليه القتل في العادة كما إذا ضربه ضربا خفيفا للتأديب فادي إلى
قتله - ففي كونه كالعمد المحض مانعا عن الإرث أو كالخطأ المحض؟ قولان
أقواهما ثانيهما.
مسألة 13 - لا فرق في القتل العمدي الظلمي في مانعيته من الإرث بين ما
كان بالمباشرة كما إذا ذبحه أو رماه بالرصاص، وبين ما كان بالتسبيب كما إذا
رماه في مسبعة فافترسه السبع، أو حبسه في مكان زمانا طويلا بلا قوت فمات
جوعا، أو احضر عنده طعاما مسموما بدون علم منه فاكله إلى غير ذلك من
التسبيبات التي ينسب ويسند معها القتل إلى المسبب. نعم بعض التسبيبات
التي قد يترتب عليها التلف مما لم ينسب ولم يسند التلف إلى المسبب - كحفر
البئر والقاء المزالق والمعاثر في الطرق والمعابر وغير ذلك - وان أوجب الضمان
والدية على مسببها إذا تلف أحد بسببها كما هو مذكور في كتابي الغصب والديات،
الا انها غير مانعة من الإرث، فيرث حافر البئر في الطريق عن قريبه الذي
وقع ومات فيه.
مسألة 14 - كما ان القاتل ممنوع عن الإرث من المقتول كذلك لا يكون
حاجبا عمن هو دونه في الدرجة ومتأخر عنه في الطبقة، فوجوده كالعدم، فلو قتل
541

شخص أباه وكان له ابن ولم يكن لأبيه أولاد غير القاتل، ورث ابن
القاتل من جده، وكذا إذا انحصر أولاد المقتول في ابنه القاتل وله إخوة
كان ميراثه لاخوته دون ابنه، بل لو لم يكن غير القاتل قريب وكان له
معتق أو ضامن جريرة كان ميراثه لهما، وان لم يكونا له أيضا ورثه الامام عليه السلام.
مسألة 15 - الدية في حكم مال المقتول يقضي منها ديونه ويخرج منها
وصاياه أولا قبل الإرث ثم يورث الباقي كسائر الأموال، سواء كان القتل
عمدا وصالحوا عن القصاص بالدية أو كان شبه عمد أو خطا محضا، ويرثها كل مناسب
ومسابب حتى الزوجين في القتل العمدي وان لم يكن لهما حق القصاص، لكن
إذا وقع الصلح والتراضي بالدية ورثا نصيبهما منها. نعم لا يرث الأخ والأخت
للام من الدية شيئا والأحوط في غيرهما كالخولة والجدودة من قبلها التصالح
وان كان لا يبعد الحاقهم بهما.
مسألة 16 - الظاهر انه لا فرق في منع القتل من الإرث بين كون القاتل
واحدا أو متعددا وفي صورة التعدد لا فرق بين كون جميعهم وارثا للمقتول أو
بعضهم دون البعض.
الثالث من الموانع الرق.
فالرقية مانعة عن الإرث في الوارث والموروث، فلا يرث الرق من الحر
وكذا العكس وان قلنا بقابلية الرق للملك، فان ملكه بعد موته لمولاه. فمن
مات وله وارث حر ووارث مملوك فالميراث للحر وان كان بعيدا كضامن الجريرة
دون المملوك وان كان قريبا كالوالد والولد، وليس يحجب الرق من كان تقربه
بالميت بسببه، فلو كان الوارث رقا وله ولد حر لم يمنع الولد عن الإرث برق
أبيه بل يكون هو الوارث دونه، وتفصيل فروع هذا المانع يطلب من مظانه في
كتب الأصحاب.
الامر الرابع - في لواحق أسباب المنع وهي أربعة:
542

الأول اللعان
مسألة 17 - اللعان الجامع للشرائط إذا وقع بين الزوجين يقطع التوارث
بينهما، وإذا وقع في مقام نفي الولد يقطع التوارث بين الأب والولد، وكذا
التوارث بين الولد وكل من تقرب اليه بواسطة الأب كالجد والجدة للأب
والأعمام والعمات وأولادهم، فينحصر التوارث بين الولد والام وبينه وبين من
تقرب اليه بالام كالأخ والأخت للام والأخوال والخالات وأولادهم، حتى انه
لو كان له أخ للأب والام واخ للام كان كمن له اخوان للام فيرثان
بالسوية، وان اعترف الأب بعد اللعان بولديته يرثه الولد دون العكس الا إذا
أقر الولد به أيضا.
الثاني الحمل
مسألة 18 - الحمل يرث ويورث إذا انفصل حيا وان مات من ساعته،
ويعرف حياته بعد انفصاله قبل موته من ساعته بان يتحرك أو يصيح بعد سقوطه
. ولا يشترط ولوج الروح فيه حين موت المورث، بل يكفي انعقاد نطفته حينه،
فإذا مات أحد وتبين الحمل في زوجته بعد موته وكان بحيث يلحق به شرعا يرثه
إذا انفصل حيا. ولا يعتبر في وارثيته ومورثيته الصياح بعد السقوط بعد ما
علم سقوطه حيا بالحركة البينة وغيرها.
مسألة 19 - الحمل ما دام حملا لا يرث ولكن يحجب من كان متأخرا عنه
في المرتبة أو في الطبقة، فلو كان للميت حمل وله أحفاد وإخوة يحجبون عن
الإرث ولم يعطوا شيئا حتى يتبين الحال، فان سقط حيا اختص بالإرث، وان
سقط ميتا يرثوا. ولو كان للميت وارث آخر في مرتبة الحمل وطبقته - كما إذا
كان له أولاد أو أبوان - يعزل للحمل نصيب ذكرين ويعطي الباقي للباقين،
ثم بعد تبين الحال ان سقط ميتا يعطي ما عزله للوارث الاخر، ولو تعدد وزع
بينهم على ما فرض الله، فلو كان للميت ابن واحد يعطي الثلث ويعزل للحمل
الثلثان، ولو كانت له بنت
543

واحدة أعطيت الخمس وعزل للحمل أربعة أخماس،
ولو كان له ابن وبنت تقسم التركة سبع حصص تعطي البنت حصة ويعطي الابن
حصتين وتعزل للحمل اربع حصص.
مسألة 20 - لو علم بالآلات المستحدثة حال الحمل من كونه ذكرا أو أنثى،
أو واحدا أو أكثر يعزل نصيبه به فان علم انه الأنثى يعزل له نصيب البنت،
وان علم انه اثنان أو أكثر يعزل النصيب بهذا الحساب.
مسألة 21 - فيما إذا لم يعلم حال الحمل وعزل نصيب اثنين وقسمت بقية
التركة فتولد أكثر استرجعت التركة من سائر الورثة بمقدار نصيب الزايد.
الثالث الغيبة:
مسألة 22 - من غاب غيبة منقطعة فيها آثاره واخباره فلم يعلم حياته ولا
موته لا يجوز لورثته التصرف في ماله وتقسيم تركته بل يتربص بماله حتى
يتحقق موته بالعلم أو البينة أو مضي مدة يعلم بان مثله لا يعيش أكثر منها
، وبعد ذلك يكون المال لورثته الموجودين حال زمان علم بعدم حياته فيه
أو يثبت ذلك بالبينة، ولافرق في ذلك الحكم بين كون الغائب من الورثة أو
لم يكن وأما الولاية على ماله في زمان التربص فلا ريب انه للحاكم.
الرابع التولد من الزنا
مسألة 23 - الزنا إذا كان من الطرفين يمنع من التوارث بين الطفل وبينهما،
بينه وبين المنتسبين اليهما، وبينهما وبين المنتسبين اليه كأولاده، وإذا
كان من أحدهما يختص الحكم به دون الاخر.
الخامس الحجب:
وهو على قسمين حجب الحرمان وحجب النقصان،
544

فالأول ما يكون من أصل الإرث بالكلية كحجب
الولد ذكرا كان أو أنثى ولد الولد ذكرا كان أو أنثى. والثاني هو ما يوجب نقص
ما يرثه المحجوب بالرد أو الفرض لولا الحاجب.
والحمد لله أولا وآخرا وصلي الله على محمد وآله الطاهرين سيما
مولانا بقية الله في الأرضين. تم في التاسع من شهر ربيع الأول 1418 وانا
أقل الناس وأحقر عباد الله
لطف الله صافي غفر له
والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله عليه محمد وآله الطاهرين.
545