الكتاب: فتح العزيز
المؤلف: عبد الكريم الرافعي
الجزء: ١٠
الوفاة: ٦٢٣
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

فتح العزيز
شرح الوجيز
وهو الشرح الكبير للامام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 ه‍
* *
الجزء العاشر
دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم
1

(كتاب الرهن)
قال (الباب الأول في أركانه وهي أربعة * الراهن والمرهون والمرهون به وصيغة الرهن
(الركن الأول) المرهون وفيه ثلاثة شرائط (الأولى) أن يكون عينا فلا يجوز رهن الدين؟ * لان
الرهن عبارة عن وثيقة دين في عين * وإذا كان عينا لم يشترط (ح) فيه الافراز بل يصح رهن الشائع
ويكون على المهايأة كما في شركاء الملك) *
أصل الرهن مجمع عليه والكتاب والسنة متعرضان له قال تعالى (فرهن مقبوضة)
(ورهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه من يهودي فتوفى وهي مرهونة عنده (1) * ووجه إدراج
حجة الاسلام كلام الكتاب في الأبواب الأربعة أن الرهن اما صحيح أو فاسد والصحيح منه إما
جائز أو لازم وكيفما كان فقد يتفق المتعاقدان على كيفية العقد الجاري بينهما وقد يتنازعان فيه
فالباب (الأول) فيما يعتبر في صحته (والثاني) في الرهن الجائز وأحكامه (والثالث) في اللازم وأحكامه
2

(والرابع) في التنازع * وقد عد أركان الرهن أربعة الراهن والمرهون به والصيغة والعاقد ولو جمع
بين المرهون والمرهون به وجعل ما يتعلق به العقد ركنا كما فعل في البيع وكما جعل من يصدر منه العقد
ركنا لجاز * ولو فصل الثمن عن المبيع كما فعل ههنا لجاز ومثل هذا يرجع إلى مجرد رسم وترتيب
والمقصود لا يختلف (الأول) المرهون وله شروط (أحدها) أن يكون عنيقا أما الدبن ففي جواز رهنه
وجهان (أحدهما) الجواز تنزيلا لما في الذمم منزلة الأعيان ألا ترى أنه يجوز شراء ما في الذمة وبيعه
سلما (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب المنع لان الدين غير مقدور على تسليمه * ومنهم من رتب
هذا الخلاف على الخلاف في بيع الدين والرهن أولى بالمنع لأنه لا يلزم الا بالقبض والقبض لا يصادف
ما تناوله العقد ولا مستحقا بالعقد والقبض في البيع يصادف مستحقا بالعقد لان البيع سبب الاستحقاق
ولا يشترط كون المرهون مفروزا بل يصح المرهون الشائع سواء رهن من شريكه أو غيره وسواء كان ذلك
مما يقبل القسمة أو لا يقبلها وبه قال مالك وأحمد وعند أبي حنيفة لا يجوز رهنه من غير الشريك وفى
3

رهنه من الشريك روايتان * لنا الحاق الرهن بالبيع والشائع بالمعزوز * ولو رهن نصيبه من بيت معين
من الدار المشتركة باذن الشريك صح وبغير إذنه وجهان عن ابن سريح (أصحهما) عند الامام أنه
يصح كما يصح بيعه (والثاني) لا لأنه ربما تتفق القسمة ويقع هذا البيت في نصيب صاحبه فيكون قد
رهن ملك غيره ويخلف البيع فإنه إذا باع زال ملكه عن البيت واستحالت المقاسمة معه وهذا أرجح
عند صاحب التهذيب وادعى أن الحكم في البيع مثله (وإذا قلنا بالوجه الأول) واتفقت القسمة كما
قررناه فهو كتلف المرهون أو يغرم قيمته فيه احتمالان للامام (أوجههما) الثاني إضافة للفوات إليه
وكيف ينزل منزلة الآفة السماوية وقد حصل له في قطر آخر من الدار مثل ما كان له في ذلك البيت
وعن الإمام محمد بن يحيى توسط بين الاحتمالين وهو أنه إن كان مختارا في القسمة غرم القيمة وإن كان
مجبرا فهو كالفوات * ثم القبض في الرهن المشاع بتسليم الكل فإذا حصل القبض جرت المهايأة
بين المرتهن والشريك في الرهن جريانها بين الشريكين ولا بأس بتبعيض اليد بحكم الشيوع كما لا بأس به لاستيفاء *
الراهن المنافع * واعلم أن لفظ العين الذي توجم به هذا الشرط يطلق بالمعنى المقابل للدين ويطلق
بالمعنى المقابل للمنفعة وكل واحد من المعنيين معتبر في المرهون (أما) بالمعنى الأول فقد عرفته (وأما)
بالثاني فقد ذكر ابن الصباغ وغيره أنه لو رهن بالدين سكنى دار مدة لم يصح لأنه إن كان
4

مؤجلا فالمنافع تتلف إلى حلول الأجل وإن كان حالا فبقدر ما يتأخر قضاء الدين بتلف جزء من المرهون
فلا يحصل الاستيثاق *
قال (الثانية ان لا يمتنع اثبات يد المرتهن عليه كرهن المصحف (ح) والعبد (ح) المسلم من
الكافر فيه خلاف مرتب على البيع وكذا رهن الجارية الحسناء ممن ليس بعدل فهو مكروه ولكن
ان جرى فالأصح صحته) *
فقه الشرط صورتان (الأولى) في رهن العبد المسلم من الكافر طريقان (أحدهما) وبه قال
أبو إسحاق والقاضي أبو حامد أنه على القولين في بيعه منه ان صححناه في يدي عدل من المسلمين
(والثاني) وبه قال صاحب الافصاح القطع بجوازه لأنه لا يد فيه للكافر ولا انتفاع وإنما هو مجرد
استيثاق والظاهر جوازه أثبت الخلاف أملا ورهن المصحف منه يترتب على رهن العبد ورهن السلاح
من الحربي يترتب على بيعه منه (الثانية) عن الشيخ أبي علي رواية قول أن رهن الجارية الحسناء
لا يجوز إلا أن تكون محرما للمرتهن والمذهب المشهور جواز رهن الجواري مطلقا ثم إن كانت صغيرة
لا تشتهي بعد فهي كالعبد والا فان رهنت من محرم أو امرأة فذاك وان رهنت من رجل أجنبي فإن كان ثقة وعنده
5

زوجته أو جاريته أو نسوة يؤمن معهن من الالمام بها فلا بأس أيضا والا فلتوضع عند محرم لها أو امرأة
ثقة أو عدل بالصفة المذكورة في المرتهن فان شرط وضعها عند غير من ذكرنا فهو شرط فاسد لما
فيه من الخلوة بالأجنبية وخوف الفتنة والحق الامام بالصغر الحسنة مع دمامة الصورة لكن الفرق
بينهما بين * ولو كان المرهون خنثى فهو كما لو كان جارية الا أنه لا يوضع عند المرأة (وقوله)
في الكتاب ممن ليس بعدل يشعر بجواز الرهن من العدل بلا كراهة ولفظ الوسيط كالمصرح بذلك
لكن المعظم ما قنعوا بالعدالة وشرطوا أن يكون معها ذا أهل كما سبق * وإذا عرفت الصورتين عرفت
أن اعتبار هذا الشرط مختلف فيه وفى العبارة المذكورة لترجمته نظر والله أعلم *
قال (الثالثة أن تكون العين قابلة للبيع عند حلول الأجل * فلا يجوز رهن أم الولد * والوقف *
وسائر أراضي العراق من عبادان إلى الموصل طولا * ومن القادسية إلى حلوان عرضا * فإنه وقف
على اعتقاد الشافعي رضي الله عنه أوقفها عمر رضي الله عنه على المسلمين بعد تملكها عنوة * وقال
ابن سريج هي ملك) *
مقصود الرهن أو من مقاصده استيفاء الحق من ثمن المرهون عند الحاجة فيشترط قبوله للبيع
6

وما لا يجوز بيعه كالحر وأم الولد والمكاتب والوقف لا يجوز رهنه وذكر الشافعي رضي الله عنه
والأصحاب رحمهم الله ههنا طرفا من الكلام في أرض الخراج ولا شك أنه دخيل في الباب وفى السير عودة
إليه فنؤخره إليه وتقتصر الآن على حظ الرهن منه فنقول: سواد العراق وقف على المسلمين على الأظهر
وكل أرض هي كذلك لا يجوز رهنها كسائر الوقوف وأبنيتها وأشجارها إن كانت من تربتها
وغروسها التي كانت قبل الوقف فهي كالأرض وان أحدثت فيها من غيرها جاز رهنها فان رهنت مع
الأرض فهو من صور تفريق الصفقة في الرهن في وكذا رهن الأرض مطلقا (ان قلنا) إن البناء
والغراس يدخلان فيه وإذا صح الرهن في البناء والغراس فلا خراج على المرتهن وإنما هو على الراهن
فإنه مضروب على الأرض فان أداه للمرتهن بغير اذنه فهو متبرع وإن أداه باذنه وبشرط الرجوع
رجع وإن لم يشترط الرجوع فوجهان جاريان في أداء دين الغير بإذنه مطلقا وظاهر النص الرجوع
(وقوله) عند حلول الأجل أي إذا كان الدين مؤجلا فإن كان حالا فالشرط أن يكون قابلا للبيع
في الحال (وقوله) وسائر أراضي العراق أي جميعها وقد مر نظيره *
قال (ويجوز رهن الام دون ولدها إذ لا تفرقة في الحال * وعند البيع تباع الام دون الولد على
رأي * ويقال هذه تفرقة ضرورية * وعلى رأي تباع معه * ثم يختص المرتهن بقيمة الام فتقوم الام
7

منفردة فإذا هي مائة ومع الولد فهي مائة وعشرون فنقول حصة الولد سدس كيفما اتفق البيع * وقيل إن
الولد أيضا يقدر قيمته مفردا حتى نقل قيمته فتكون عشرة مثلا فيقال هو جزء من أحد عشر جزأ
فيقسم على هذه النسبة) *
التفريق بين الام وولدها الصغير ممنوع منه وفى إفساده البيع قولان سبقا ويصح رهن
أحدهما دون الآخر قال الشافعي رضي الله عنه لان ذلك ليس بتفرقة بينهما قيل معناه أن
الرهن لا يوجب تفرقة لان الملك فيهما باق للراهن والمنافع له فيمكنه أن يأمرها بتعهد الولد وحضانته
وإذا كان كذلك وجب تصحيح الرهن * ثم ما يتفق بعده من بيع وتفريق فهو من ضرورة الجاء
الرهن إليه وقيل معناه أنه لا تفرقة في الحال وإنما التفرقة يقع عند البيع وحينئذ يحذر منها بأن يبيعهما
معا ومن قال بالأول لم يبال بأفراد أحدهما عن الآخر بالبيع إذا وقعت الحاجة إلى البيع (والأصح)
التفسير الثاني وأنهما يباعان جميعا ويوزع الثمن على قيمتهما وكيف يوزع قدم الامام على بيانه مسألة
هي مقصودة في نفسها فنأتم به في تقديمها ثم نعود إلى هذه (أما) تلك المسألة فهي ما إذا رهن
أرضا بيضاء ثم نبت فيها نخيل ولها حالتان (أحدهما) أن يرهن الأرض ثم يدفن فيها النوى
8

أو يحملها السيل أو الطير إليها فتنبت فهي للراهن ولا يجبر في الحال على قلعها فلعله يؤدي
الدين من موضع آخر فإذا مست الحاجة إلى بيع الأرض نظر إن وفى ثمن الأرض لو بيعت
وحدها بالدين بيعت وحدها ولم تقلع النخيل وكذا لو لم تف به الا قيمة الأرض وفيها الأشجار
كقيمتها بيضاء وإن لم تف به ونقصت قيمتها بالأشجار فللمرتهن قلعها لبيع الأرض بيضاء إلا أن يأذن
الراهن في بيعها مع الأرض فيباعان ويوزع الثمن عليهما * هذا إذا لم يكن الراهن محجورا بالافلاس
فإن كان كذلك فلا قلع بحال التعلق حق الغرماء بها بل يباعان ويوزع الثمن عليهما فما يقابل الأرض
يختص به المرتهن وما يقابل الأشجار يقسم بين الغرماء فان انتقصت قيمة الأرض بسبب الأشجار حسب
النقصان على الغرماء لان حق المرتهن في أرض فارغة وإنما منع من القلع لرعاية جانبهم فلا يهمل
جانبه بالكلية (الحالة الثانية) أن تكون النوى مدفونة في الأرض يوم الرهن ثم تنبت فإن كان المرتهن
جاهلا بالحال فله الخيار في فسخ البيع الذي شرط فيه هذا الرهن فان فسخ فذاك وإلا فهو كما لو كان
عالما وإن كان عالما فلا خيار * وإذا بيعت الأرض مع النخيل وزع الثمن عليهما والمعتبر في الحالة الأولى
قيمة ارض فارغة وفى الثانية قيمة ارض مشغولة لأنها كانت كذلك يوم الرهن * وفى كيفية اعتبار
قيمة الأشجار وجهان نقلهما الامام في الحالتين (أظهرهما) أن الأرض تقوم وحدها فإذا قيل هي
مائة قومت مع الأشجار فإذا هي مائة وعشرون فالزيادة بسبب الأشجار عشرون وهي سدس المائة
9

والعشرين فيراعى في ثمنها نسبة الأسداس (والثاني) انا كما قومنا الأرض وحدها نقوم الأشجار
وحدها ثانية فإذا قيل هي خمسون عرفنا أن النسبة بالأثلاث * واعلم أن في المثال المذكور لايضاح
الوجهين تكون قيمة الأرض ناقصة بسبب الاجتماع لأنا فرضنا قيمتها وحدها مائة وقيمة الأشجار
وحدها ثابتة خمسين وقيمة المجموع مائة وعشرين * عدنا إلى مسألة الام والولد * فإذا بيعا معا فأردنا
التوزيع قال الامام فيه طريقان (أحدهما أن التوزيع عليهما كالتوزيع على الأرض والأشجار فتعتبر
قيمة الام وحدها وفى الولد الوجهان (والثاني) أن الام لا تقوم وحدها بل تقوم مع الولد خاصة لأنها
رهنت وهي ذات ولد والأرض وهنت بلا أشجار وهذا ما أورده الأكثرون نعم لو حدث الولد بعد الرهن
والتسليم من نكاح أو زنا وبيعا معا فللمرتهن قيمة جارية لا ولد لها وصاحب الكتاب اقتصر على
رواية الطريق الأول لكن نقله الوجه الثاني ههنا وفى الوسيط يخالف منقول الامام لأنه قال تقدر قيمة
الولد أيضا مفردا والوجه ما نقله الامام كما تقدر قيمة الأشجار ثابتة لا مقلوعة؟ (وقوله) حتى تقل
قيمته أي هكذا يكون لكونه ضائعا وتمثيله المسألة بما إذا كانت قيمة الولد عشرة يناسب ما نقله ومثل
في الوسيط بما إذا كانت قيمة الولد خمسين وليس ذلك مع كون قيمتهما مائة وعشرين على ما فرضه الامام
في الوجه الأول فإذا كانت وحدهما مائة وكانت مع الولد مائة وعشرين استحال أن يكون الولد
وحده خمسين لضياعه *
10

قال (ورهن ما يتسارع إليه الفساد بدين مؤجل قبل حلول أجله صحيح ان شرط البيع وجعل
الثمن رهنا * وان شرط منعه فباطل * وان أطلق فقولان * ولا خلاف أنه لو طرأ ما يعرضه للفساد
أنه يباع ويجعل بدله رهنا) *
إذا رهن شيئا رطبا يتسارع إليه الفساد نظر إن أمكن تجفيفه كالرطب والعنب صح رهنه وجفف
وان لم يمكن كالثمرة التي لا يجفف والمرقة والريحان والجمد فرهنه إن كان بدين حال يصح ثم أن بيع
في الدين أو قضى الدين من موضع آخر فذاك والا بيع وجعل الثمن رهنا كيلا يضيع ولا تفوت الوثيقة
فلو تركه المرتهن حتى فسد قال في التهذيب إن كان الراهن أذن له في بيعه ضمن والا لم يضمن ويجوز
أن يقال عليه رفع الامر إلى القاضي ليبيعه * وإن كان رهنه بمؤجل فله ثلاثة أحوال (إحداهما) أن
يعلم حلول الأجل قبل فساده فهو كرهنه بدين حال (والثانية) أن يعلم عكسه فان شرط في الرهن
بيعه عند الاشراف على الفساد وجعل ثمنه رهنا صح ولزم الوفاء بالشرط وان شرط ألا يباع بحال قبل حلول الأجل
فهو فاسد مفسد للرهن لمناقضته مقصود الوثيقة وان لم يشترط هذا ولا ذاك فقولان (أحدهما)
وبه قال أبو حنيفة وأحمد يصح الرهن ويباع عند تعرضه للفساد كما لو شرطه لأن الظاهر أنه لا يقصد
فساد ماله (والثاني) لا يصح لأنه مرهون لا يمكن استيفاء الحق منه عند المحل والبيع قبله ليس من
مقتضيات الرهن وهذا أصح عند أصحابنا العراقيين وميل من سواهم إلى الأول وهو الموافق لنصه في
11

المختصر (والثالثة) أن لا يعلم واحد من الامرين وكانا محتملين ففي جواز الرهن المطلق قولان مرتبان
على القولين في القسم الثاني والصحة ههنا أظهر * ولو رهن ما لا يتسارع إليه الفساد فطر أما عرضه للفساد
قبل حلول الأجل كما إذا ابتلت الحنطة وتعذر التجفيف فلا ينفسخ الرهن بحال وان منع الصحة في
الابتداء على قول كما أن إباق العبد يمنع صحة العقد وإذا طرأ لم يوجب الانفساخ * ولو طرأ ذلك
قبل قبض المرهون ففي الانفساخ وجهان كما في عروض الجنون والموت وإذا لم ينفسخ يباع ويجعل
الثمن رهنا مكانه
قال (ويجوز رهن العبد المرتد كما يجوز بيعه ورهن العبد الجاني يبني على جواز بيعه ونص
الشافعي رضي الله عنه أن رهن المدبر باطل وفيه قول مخرج منفاس أنه صحيح وكذا رهن المعاق
عتقته على صفة وقيل إنه باطل إذا لا يقوى الرهن على دفع عتق جرى سببه) *
في الفصل أربع صور (إحداها) رهن العبد المرتد كبيعه وقد مر والمذهب صحتهما ثم إن كان المرتهن عالما
بردته فلا خيار له في فسخ البيع المشروط فيه الرهن وإن كان جاهلا فله الخيار فان قبل قبل القبض فله فسخ
البيع وان قبل بعده فهو من ضمان من؟ فيه وجهان مقرران في البيع فان جعلناه من ضمان الراهن فللمرتهن
فسخ البيع وان جعلناه من ضمان المرتهن فهو كما لو مات في يده فلا فسخ ولا أرش * ورهن العبد
المحارب كبيعه (وقوله) ويجوز رهن العبد المرتد كما يجوز بيعه معلمان بالواو لما قدمناه وبالزاي لان الموافق
12

ابن طاهر روي عن المزني المنع منهما (الثانية) رهن العبد الجاني مرتب على بيعه ان لم يصح بيعه فرهنه
أولى وإن صح ففي رهنه قولان وفرقوا بينهما بان الجناية العارضة في دوام الرهن تقتضي تقديم حق
المجني عليه فإذا وجدت أولا منعت من ثبوت حق المرتهن *
(التفريع) ان لم يصح الرهن ففداه السيد أو أسقط المجني عليه حقه فلا بد من استئناف رهن
وإن صححناه فقد قال المسعودي إنه يكون مختارا للفداء كما سبق في البيع وبمثله أجاب الامام لكن
ابن الصباغ قال لا يلزمه الفداء بخلاف ما في البيع والعتق لان محل الجنابة باق ههنا والجناية لا تنافى الرهن
ألا تري انه لو جنى وهو مرهون تعلقت الجناية به ولا يبطل الرهن وإذا صححنا الرهن والواجب
القصاص ومنعناه والواجب المال فرهن والواجب القصاص ثم عفا المستحق على مال فيبطل الرهن
من أصله أو هو كجناية تصدر من المرهون حتى يبقى الرهن لو لم يبع في الجناية فيه وجهان (اختار)
الشيخ أبو حامد أولهما وإذا قيل به فلو كان قد حفر بئرا في محل عدوان فتردى فيها انسان بعد ما رهن
ففي تبين الفساد وجهان والفرق أنه في الصورة الأولى رهن وهو جان وههنا بخلافه (الثالثة) قال
الشافعي رضي الله عنه ولو دبره ثم رهنه كان الرهن مفسوخا أي باطلا وللأصحاب في رهن المدبر
طرق (أحدها) وبه قال ابن سريج انه على قولين مبنيين على أن التدبير وصية أو تعليق عتق بصفة
(إن قلنا) بالأول صح الرهن (وإن قلنا) بالثاني لم يصح على الأصح كما لو رهن المعلق عتقه بصفة
13

يحتمل أن تتقدم على المحل ويحتمل ان تتأخر (والثاني) القطع بالمنع لان السيد قد يموت فجأة فيبطل
مقصود الرهن ولا يقف على موته ليبيعه قبله ومن قال بهذا قال التدبير وإن جعل وصية فهو آكد
من سائر الوصايا بدليل أنه يتنجز بالموت والرهن ليس بصريح في الرجوع فجاز أن يؤثر في سائر
الوصايا ولا يؤثر في التدبير (والثالث) القطع بجواز رهنه كبيعه *
(التفريع) إن صححنا الرهن بناء على أنه وصية فيبطل التدبير ويكون بالرهن راجعا عنه وهو اختيار المزني
وان أبطلناه بناء على أنه تعليق عتق بصفة فالتدبير باق بحاله ولا يحصل الرجوع الا بتصرف مزيل
للملك وكذا الحكم ان قلنا بالطريقة الثانية (وان قلنا) بالثالثة فالتدبير باق أيضا وهو مرهون مدبر
فان قضي الراهن الدين من غيره فذاك وان رجع في التدبير وباعه في الدين بطل؟ التدبير وان امتنع
من الرجوع فيه ومن بيعه فإن كان له مال آخر أجبر على قضائه منه وإلا فوجهان عن أبي إسحاق
(أصحهما) انه يباع في الدين ويفسخ التدبير (والثاني) انه يحكم بفساد الرهن ومن قال بهذا حمل
14

قول الشافعي رضي الله عنه وكان الرهن مفسوخا عليه * بقي الكلام في أن أظهر الطرق ماذا وفى أن
الأظهر من صحة الرهن وفساده ماذا (أما) الأول فالحق ما ذكره صاحب الشامل وهو أن الطريق
الأول أقرب إلي القياس (والثاني) أقرب إلى النص (والثالث) أبعد الثلاثة (أما) كون الأول أقرب
إلى القياس فلان في كون التدبير وصية أو تعليق عتق بصفة قولين معروفين وقضية كونه وصية صحة
الرهن (وأما) كون الثاني أقرب إلى النص فلان كلامه في الام كالصريح في القطع بالمنع لأنه قال
ولو دبره ثم رهنه كان الرهن مفسوخا ولو قال رجعت عن التدبير ثم رهنه فقولان فخص القولين
بما بعد الرجوع (وأما) الثاني فعامة الأصحاب مائلون إلى ترجيح البطلان كما نص عليه وربما
وجهوه بأن العتق مستحق بالتدبير فلا يقوي الرهن على دفعه واختار الامام وصاحب الكتاب ترجيح
الصحة قال الامام أما إذا قلنا إنه وصية فظاهر (وأما) إذا قلنا إنه تعليق عتق بصفة فلانه مع ذلك
محسوب من الثلث بخلاف العتق المعلق النازل في حياة المعلق والدين محسوب من رأس المال *
15

ولو مات ولم يخلف إلا هذا العبد والدين مستغرق ولا رهن لصرفناه إلى الدين ولم نبال ارتفاع العتق
فلا معنى لمنعه من الرهن لغرض العتق (وقوله) في الكتاب وفيه قول مخرج إنما سماه مخرجا لان
المنصوص البطلان وهذا مخرج من أن التدبير وصية وطريقة القولين هي التي أوردها في الكتاب
ويجوز الاعلام بالواو لغيرهما (الرابعة) المعلق عتقه بصفة نصوره على وجوه (أحدهما)
أن يرهن بدين حال أو مؤجل يتيقن حلوله قبل وجود الصفة فهو صحيح ويباع في الدين فلو لم يتفق
16

بيعه حتى وجدت الصفة فيبنى على القولين في أن أمر الاعتبار في العتق المعلق بحالة التعليق أم بحالة
وجود الصفة (ان قلنا) بالأول عتق وللمرتهن فسخ البيع المشروط فيه الرهن إن كان جاهلا (وان قلنا)
بالثاني فهو كاعتاق المرهون وسيأتي (والثاني) أن يرهن بدين مؤجل يتيقن وجود الصفة قبل حلوله
ففيه طريقان (عن صاحب الافصاح) أنه على القولين في رهن ما يتسارع إليه الفساد فعلى قول يباع إذا
قرب أوان وجود الصفة ويجعل ثمنه رهنا قال الامام وهذا البناء إنما ينتظم إذا قلبا بنفوذ العتق المعلق
قبل الرهن عند وجود الصفة حالة الرهن (أما) إذا لم نقل بذلك فلا نخاف تسارع الفساد إليه وفوات
الوثيقة فيوجه الخلاف بشئ آخر وهو أن الرهن هل يصلح دافعا للعتق المستحق بالتعليق فتارة
نقول نعم كالبيع وأخرى نقول لا لضعفه (والطريق الثاني) وهو المشهور القطع بالمنع لفوات مقصود
الرهن قبل المحل وليس ذلك كرهن ما يتسارع إليه الفساد لأن الظاهر من حال صاحب الطعام الرضا
بالبيع عند خوف الفساد كيلا يضيع والظاهر من حال المعلق امضاء العتق (والثالث) ان لا يتيقن واحد
من الامرين بل يجوز تقديم الصفة على حلول الدين وبالعكس فقولان (أصحهما) المنع لما فيه من الغرر
(والثاني) وبه قال أبو حنيفة وأحمد أنه يصح لان الأصل استمرار الرق وقال القاضي أبو الطيب هذا
17

مخرج من تجويز رهن المدبر بناء على أن التدبير تعليق عتق بصفة وعن صاحب الافصاح طريقة
قاطعة بالمنع ههنا فهذا كلام الأصحاب في المسألة وقد عرفت منه فتواهم بالبطلان وايراد صاحب الكتاب
يقتضي ترجيح الصحة ههنا والله أعلم *
قال (ويصح الثمار بعد بدو الصلاح (والأصح) جوازه أيضا قبل بدو الصلاح وان لم
يشترط القطع ولكن عند البيع يشترط القطع * وقيل لا يجوز الا بالتصريح بالاذن في شرط
القطع عند البيع) *
إذا رهن الثمار على الأشجار فاما أن يرهنها مع الأشجار أو وحدها (الحالة الأولى) أن
يرهنها مع الأشجار فينظر إن كانت الثمرة مما يمكن تجفيفها صح الرهن سواء بدا الصلاح فيها أو لم
يبد وسواء كان الدين حالا أو مؤجلا وإن كانت مما لا يمكن تجفيفها ولم نصحح رهن ما يتسارع
إليه الفساد فطريقان (أشبههما) أنه لا يصح في الثمار وفى الأشجار قولا تفريق الصفقة (والثاني)
يصح فيهما قولا واحدا وتكون الثمار تابعة للأشجار (الحالة الثانية) أن يرهنها وحدها فإن لم
يمكن تجفيفها فهو كرهن ما يتسارع إليه الفساد على وجه الأرض وإن أمكن تجفيفها فاما
18

أن يرهن قبل بدو الصلاح أو بعده (القسم الأول) أن يرهن قبل بدو الصلاح فان رهنها بدين حال
وشرط قطعهما وبيعها أو بيعها بشرط القطع جاز وان أطلق فقولان (أحدهما) لا يجوز كما لا يجوز بيعها مطلقا
(وأصحهما) الجواز لان حق المرتهن لا يبطل باجتياحها وحق المشتري يبطل وأيضا فان الحلول قرينة
نازلة منزلة شرط القطع * وان رهنها بدين مؤجل نظر إن كان يحل مع بلوغ الثمار أو ان الادراك أو
بعده فهو كما لو كان حالا وإن كان يحل قبل بلوغها أو ان الادراك فان رهنها مطلقا فقولان (أصحهما)
أنه لا يصح لان العادة في الثمار الا بقاء إلى الادراك فأشبه ما لو رهن شيئا على أن لا يبيعه عند المحل الا
بعد أيام (والثاني) يصح لان مقتضى الرهن البيع عند المحل فكأنه شرط بيعه عند المحل * وان رهنها
بشرط القطع عند المحل فطريقان (منهم) من طرد القولين ووجه المنع التشبيه بما إذا باع بشرط القطع بعد
مدة (ومنهم) من قطع بالجواز واليه أشار الشيخ أبو حامد وصاحب التهذيب * وعن صاحب القريب
طريقة قاطعة بالمنع فيما إذا رهنها مطلقا كما إذا باعها (والقسم الثاني) أن يرهن بعد بدو الصلاح فيجوز
بشرط القطع ومطلقا ان رهنها بدين حال أو مؤجل هو في معناه وان رهنها بمؤجل يحل قبل بلوغها أو ان
الادراك فعلى ما ذكرنا في القسم الأول * إذا وقفت على هذا التفصيل عرفت أن مطلق قوله في الكتاب
19

ويصح رهن الثمار بعد بدو الصلاح على ماذا يجب تنزيله (وقوله) وقبل هو القول الثاني * ومتى
صح رهن الثمار على الأشجار فمؤنة السقي والجذاذ والتجفيف على الراهن دون المرتهن فإن لم يكن له
شئ باع الحاكم جزءا منها وأنفقه عليها * ولو توافق الراهن والمرتهن على ترك السقي جاز بخلاف علف الحيوان
وحكى الروياني عن بعض الأصحاب انه يجبر عليه كما يجبر على علف الحيوان وادعى انه الأصح
وإذا أراد أحدهما قطع الثمرة قبل أوان الجذاذ فللاخر أن يمتنع منه وبعد أو ان الجذاذ ليس له ذلك بل
يباع في الدين ان حل وإلا أمسكه رهنا *
(فرعان) (أحدهما) الشجرة التي تثمر في السنة مرتين يجوز رهن ثمرتها الحاصلة بالدين
الحال والمؤجل الذي يحل قبل خروج الثمرة الثانية وقبل اختلاطها بالأولى وإلا فان شرط
أن لا تقطع عند خروج الثانية لم يصح وان شرط قطعها صح وان أطلق فقولان فان صححا
أو رهن بشرط القطع ثم لم يتفق القطع حتى حصل الاختلاط ففي بطلان الرهن قولان كالقولين
20

في البيع إذا عرضت هذه الحالة قبل القبض والرهن بعد القبض كالبيع قبله لان المرتهن إنما يتوثق
بعد القبض فهو والمرهون عنده كالبائع والمبيع محبوس عنده (فان قلنا) يبطل الرهن فذاك (وان قلنا)
لا يبطل فلو أنفق قبل القبض بطل وفيه وجه سيأتي نظيره فيما إذا تخمر العصير قبل القبض وان لم
يبطل فان رضى الراهن بأن يكون الكل رهنا أو توافقا على أن يكون الصف من الجملة مثلا رهنا
فذاك وإن تنازعا في قدر المرهون فالقول قول الراهن مع يمينه كما لو اختلطت الحنطة المرهونة بحنطة
أخرى للراهن * وقال المزني القول قول المرتهن مع يمينه لان اليد له كما لو تنازعا في ملك * وأجاب
الأصحاب بأن اليد تدل على الملك دون الرهن ألا ترى أنه لو قال من في يده المال رهنتنيه وأنكر
المالك كان القول قوله وذكر الروياني في مسألة الحنطة ان طرد الخلاف محتمل لتعذر الفرق (الثاني)
إذا رهن زرعا بعد اشتداد الحب نظر إن كان تري حباته من السنبلة صح وإلا فقولان كما في البيع
(والأصح) المنع * ولو رهنه وهو بقل فهو كما لو رهن الثمرة قبل بدو الصلاح وعن صاحب التلخيص أنه
21

لا يجوز إذا كان الدين مؤجلا قولا واحدا وان صرح بشرط القطع عند المحل لان الزرع لا يجوز بيعه إذا
تسنبل وقد يتفق الحلول في تلك الحالة ولان زيادة الزرع بالطول فهي كثمرة تحدث وتختلط بالمرهون
وزيادة الثمرة بكبر الحبة فهي كالسمن *
قال (فان قيل هل يشترط أن يكون المرهون ملكا للراهن (قلنا) لا فقد نص الشافعي على
أنه لو استعار الرهن جاز * وفى تغليب حقيقة الضمان أو العارية تردد قول * والأولى أن يقال هو
فيما يدور بين الراهن والمرتهن رهن محض وفيما بين المعير والمستعير رارية * وفيما بين المعير والمرتهن
حكم الضمان أغلب فيرجع فيه ما دام في يد الراهن * ولا يرجع بعد القبض على الأصح لأنه ضمن
له الدين في عين ملكه ويقدر على اجبار الراهن على فكه بأداء الدين لأنه معير في حقه إن كان الدين
حالا * وإن كان مؤجلا فقولان * ولا يباع في حق المرتهن إلا إذا أعسر الراهن * ولو تلف
في يد المرتهن فلا ضمان على أحد على الأصح * وان تلف في يد الراهن ضمن لأنه مستعير ولا صح
22

أنه يشترط في هذه الإعارة ذكر قدر الدين وجنسه ومن يرهن عنده لان معنى الضمان ظاهر فيه
والغرض يختلف به) *
لما كان حجة الاسلام يتكلم في هذا الركن في شرائط المرهون بحث عن أنه هل يشترط كون
المرهون ملكا للراهن والجواب الجملي أنه ليس بشرط على المذهب والتفصيلي أنه إذا استعار عبد الغير
ليرهنه بدينه فرهنه فسبيل هذا العقد سبيل العارية أو الضمان فيه قولان (أحدهما) سبيل العارية لأنه قبض
مال الغير بإذنه لينتفع به ضرب انتفاع بأشبه أو استعاره للخدمة (وأصحهما) أن سبيله سبيل الضمان
ومعناه أنه ضمن دين الغير في رقبة ماله كما لو أذن لعبده في ضمان دين غيره يصح وتكون ذمته فارغة
وكما ملك أن يلزم ذمته دين الغير وجب أن يملك التزامه في عين ماله لان كل واحد منهما محل حقه
وتصرفه * ولو قال المديون لغيره ارهن عبدك بديني من فلان فهو كما لو قبضه ورهنه (وقوله) في الكتاب
وفى تغليب حقيقة الضمان أو العارية تردد قول أشار به إلى ما ذكره الامام من أن في العقد شبها من
23

هذا وشبها من ذاك وليس القولان في أنه يتمحض عارية أو ضمانا وإنما هما في أن المغلب أيهما (وقوله)
والأولى أن يقال هو فيما يدور بين الراهن والمرتهن لبس للاشعار بتردد في هذه القضية ولكن أراد
أنه لا ينبغي أن نحكم بتغليب أحد الطرفين على الاطلاق بل نفصل التفصيل الذي ساقه (وقوله) وفيما
بين المعير والمستعير إلى آخره غير مساعد عليه بل على قول الضمان المعير ضامن في عين ماله
والمستعير مضمون عنه وليس ما بين المعير والمستعير عارية محضة على ما سنبين في التفريع إن شاء الله تعالى وذكر في
الوسيط ان القولين مستخرجان من تردد الشافعي رضي الله عنه في أحكام المسألة لكن الشيخ أبا حامد في
آخرين نقلوهما عن الرهن الصغير منصوصين ثم لهما فروع كثيرة ذكر بعضها في الكتاب فنشرحه
ونضم إليه ما يتفق (فمنها) أن على القولين جميعا هذا التصرف جائز ويخالف ما لو باع مال الغير لنفسه
لان البيع معاوضة فلا يملك الثمن من لا يملك المثمن والرهن استيثاق يحصل بما لا يملك كما يحصل
24

بالكفالة والاشهاد وعن ابن سريج أنا إذا جعلناه عارية لم يصح هذا التصرف لان الرهن
ينبغي أن يلزم بالقبض والعارية لا تلزم فعلى هذا يشترط في الرهن كون المرهون ملكا للراهن
والصحيح) الأول الكلام في أن هذه العارية هل تلزم سيأتي إن شاء الله تعالى * ثم العارية قد تلزم كما إذا أعار بقعة
لدفن ميت ودفن فيها (ومنها) لو أذن في رهن عبده ثم رجع عنه قبل الرهن أو بعده وقبل أن يقبضه المرتهن
كان له ذلك (أما) على قول العارية فظاهر (وأما) على قول الضمان فلانه بعد لم يلزم ألا ترى أن
المستعير مخير في فسخ الرهن قبل القبض وإذا لم يلزم في حقه وهو المديون فأولى أن لا يلزم في حق
غيره (وأما) بعد قبض المرتهن فلا رجوع على قول الضمان وعلى قول العارية وجهان (أحدهما) وبه
قطع الشيخ أبو محمد أن له أن يرجع جريا على مقتضى العارية (وأظهرهما) وبه قال القاضي لا يرجع والا لم
يكن لهذا الرهن معنى ولا يحصل به توئق * وعن صاحب التقريب انه إذا كان الدين مؤجلا ففي جواز
الرجوع قبل حلول الأجل وجهان لاقبيه الاذن بمدة كما لو أعار للغراس مدة * ومتى حكمنا بالرجوع
فرجع وكان الرهن مشروطا في بيع فللمرتهن فسخ البيع إذا كان جاهلا بالحال (ومنها) هل للمالك
25

اجبار الراهن على فك الرهن (أما) من قال له أن يرجع ويسترد المال متى شاء بناء على قول العارية
فلا حاجة عنده إلى هذا (وأما) من لم يقل بذلك فأن قلنا إنه عارية فله اجباره على الفك
(وان قلنا) انه ضمان فإن كان الدين حالا فكذلك لاستخلاص ملكه المشغول بوثيقة
الرهن ولا يحرج على الخلاف في أن الضامن هل يملك اجبار الأصيل على الأداء لتبرئة
ذمته بسببها للشغل الذي أثبته بأداء الدين وإن كان مؤجلا فليس له اجباره عليه كمن ضمن دينا
مؤجلا لا يطالب الأصيل بتعجيله لتبرأ ذمته * ثم إذا حل الأجل وأمهل المرتهن الراهن فللمالك أن
يقول إما أن ترده إلى أو تطالبه بالدين ليؤدي فينفك الرهن كما إذا ضمن دينا مؤجلا ومات الأصل
للضامن أن يقول اما أن تطالب بحقك من التركة أو تبرئني (وقوله) في الكتاب لأنه معير في حقه
إن كان الدين حالا هذا التعليل يقتضى القدرة على الاجبار سواء كان الدين حالا أو مؤجلا كما
عرفته فكان الأحسن أن يقدم ويؤخر فيقول إنه يقدر عليه إن كان الدين حالا لأنه معير في حقه
وإن كان مؤجلا فقولان وايراد الوسيط قريب من ذلك * ثم وجه أحد القولين بأنه معير (والثاني)
بأن فيه الزام أداء الدين قبل لزومه (ومنها) إذا حل أجل الدين أو كان حالا قال الامام (ان قلنا)
26

انه ضمان فلا يباع في حق المرتهن ان قدر الراهن على أداء الدين الا باذن مجدد وإن كان معسرا
فتباع وان سخط المالك (وان قلنا) انه عارية فلا يباع الا باذن مجدد سواء كان الراهن موسرا أو
معسرا قال وقياس طريق القاضي حيث حكم بلزوم الرهن على قول العارية تجويز بيعه عند الاعسار
من غير مراجعة كما على قول الضمان وتابعه المصنف على ما ذكره ليعلم قوله الا إذا أعسر الراهن لما
حكاه على قول العارية ولك أن تقول الرهن وان صدر من المالك فإنه لا يسلط على البيع الا باذن جديد
فان رجع ولم يأذن فحينئذ يباع عليه على ما سيأتي إن شاء الله تعالى فإذا المراجعة لابد منها * ثم إذا لم يأذن في البيع
فقياس المذهب أن يقال إن قلنا إنه عارية فيعود الوجهان في أنه هل يمكن من الرجوع (وان قلنا) انه
ضمان ولم يؤد الدين الراهن فلا يمكن من الاباء ويباع عليه معسرا كان الراهن أو موسرا كما لو ضمن
في ذمته يطالب موسرا كان الأصيل أو معسرا * ثم إذا اتفق بيعه في الدين نظر ان بيع بقدر قيمته
يرجع المالك على الراهن على القولين وان بيع بأقل قدرا تغابن الناس بمثله فعلى قول العارية يرجع بتمام
القيمة وعلى قول الضمان لا يرجع الا بما بيع لأنه لم يفض الضامن من الدين الا ذلك القدر وان بيع
27

بأكثر من القيمة يرجع بما بيع على قول الضمان وعلى قول العارية وجهان (ذهب الأكثرون) إلى أنه لا يرجع الا بالقيمة
لان العارية بها تضمن (وقال) القاضي أبو الطيب يرجع بما بيع لأنه ثمن ملكه وقد صرف إلى دين الراهن وهذا
أحسن واختاره ابن الصباغ والامام والقاضي الروياني (ومنها) لو تلف في يد المرتهن (ان قلنا) انه عارية فعلى الراهن
الضمان كما لو تلف في يده (وان قلنا) انه ضمان فلا شئ لأنه لم يسقط الحق عن ذمته ولا شئ
على المرتهن بحال لأنه يمسكه رهنا لا عارية * وان تلف في يد الراهن فقد أطاق في الكتاب أنه يضمن
لأنه مستعير وفى تعليق الشيخ أبى حامد بناؤه على القولين كما لو تلف في يد المرتهن * ولو جنى في يد
المرتهن فيبيع في الجناية (فان قلنا) انه عارية فعلى الراهن القيمة وقال الامام هذا (إذا قلنا) أن العارية
تضمن ضمان المغصوب والا فلا شئ عليه (وان قلنا) انه ضمان فلا شئ عليه في هذه الصورة
وأشار في المختصر إلى القولين والى ترجيح قول الضمان فقال رضي الله عنه فلو أذن له في الرهن فرهنه
فجنى فبيع في الجناية فأشبه الامرين أنه غير ضامن (ومنها) إذا قلنا إنه ضامن وجب بيان جنس
الدين وقدره وصفته في الحلول والتأجيل وغيرهما لاختلاف أغراض الضمان بذلك وذكر أبو علي
28

الزجاجي أنه أجاز في القديم السكوت عن ذكر الحلول والتأجيل وهل يجب بيان من يرهن عنده
عن صاحب التقريب فيه وجهان (والأصح) الوجوب وعلى القولين إذا عين شيئا من ذلك لم تجز
مخالفته نعم لو عين قدرا جاز أن يرهن بما دونه ولو زاد فمنهم من قال يبطل في الزائد وفى المأذون
قولا تفريق الصفقة والصحيح البطلان في الكل للمخالفة كما لو باع الوكيل بالغبن الفاحش لا نقول
يصح البيع في القدر الذي يساوى الثمن * وإذا قال المستعير أعرني لأرهنه بألف أو من فلان
فأعاره كان ذلك كتقييد المغير بنفسه على أظهر الوجهين تنزيلا للاسعاف على الالتماس (ومنها)
لو أعتقه المالك (فان قلنا) إنه ضمان فقد حكى الامام عن القاضي أنه ينفذ وتوقف فيما ذكره
وذكر في التهذيب أنه كاعتاق المرهون وان قلنا) إنه عارية فعن القاضي أنه على الخلاف من اعتاق
المرهون وهذا بناء على لزوم هذا الرهن على قول العارية وفى التهذيب أنه يصح ويكون رجوعا وهو
بناء على عدم اللزوم (ومنها) لو قال مالك العبد ضمنت ما لفلان عليك في رقبة عبدي هذا قال
القاضي يصح ذلك على قول الضمان ويكون كالإعارة للرهن قال الامام وفيه تردد من جهة أن
29

المضمون له لم يقبل ويجوز أن يعتبر القبول في الضمان المتعلق بالأعيان تقريبا له بالمرهون (وان قلنا)
انه لا يعتبر في الضمان المطلق في الذمة *
(فرع) لو قضى المالك الدين من مال نفسه انفك الرهن ثم رجوعه على الراهن يتعلق بكون
القضاء باذن الراهن أو عدمه وسيأتي ذلك في باب الضمان فان اختلفا في الاذن فالقول قول الراهن
ولو شهد المرتهن للمالك قبلت شهادته لأنه لا يجربه نفعا ولا يدفع ضررا ولو رهن عبده بدين الغير
دون اذنه جاز ولو بيع فيه فلا رجوع *
قال (الركن الثاني المرهون به وله ثلاثة شرائط أن يكون دينا ثابتا لازما * فلا يرهن بعين *
لم يثبت بعد كقوله رهنتك بما تقرضه مني أو بالثمن الذي التزمه بالشراء منك * ولو قال بعت منك
العبد بألف وارتهنت الثوب به فقال اشتريت ورهنت جاز على الأصح * لان شرط الرهن في البيع
جائز للحاجة فمزجه به أولى وآكد * ولكن ليتقدم من الخطابين والجوابين لفظ البيع * وليتأخر
لفظ الرهن حتى يتأخر تمام الرهن عند تمام البيع) *
30

يشترط في المرهون ثلاثة أمور (أحدهما) أن يكون دينا (أما) الأعيان المضمونة في يد الغير اما بحكم
العقد كالبيع أو بحكم ضمان اليد كالمغصوب والمستعار والمأخوذ على جهة السوم فالأصح انه لا يجوز بها لان
عرض الرهن بيع المرهون واستيفاء الحق من ثمنه عند الحاجة ويستحيل استيفاء تلك الأعيان من
ثمن المرهون ونقل الامام وجها انه يجوز الرهن بها بناء على تجويز ضمان الأعيان المضمونة والفرق على قول
المذهب أن الضمان التزام في الذمة فلو لم تتلف العين بالمضمونة لم يجز الالتزام ضررا وفى الرهن دوام
الحجر في المرهون يجز ضررا ظاهرا وعن مالك أن الرهن بالأعيان المضمونة جائز وعند أبي حنيفة
انه يجوز بكل عين تضمن بالمثل أو القيمة والثانية كونه ثابتا (أما) الذي لم يثبت بعد فلا يجوز الرهن به
كما إذا رهنه بما يستقرضه منه أو بثمن ما يشتريه منه لأنه وثيقة حق فلا تتقدم على الحق كالشهادة
وبهذا قال أحمد * وقال أبو حنيفة ومالك انه جائز وحكاه القاضي ابن كج وجها عن بعض الأصحاب
إذا عين استقرضه (منهم) من قال لو تراهنا بالثمن ثم لم يتفرقا حتى تبايعا صح الرهن الحاقا للحاصل
في المجلس المقترن بالايجاب والقبول وعلى المذهب لو ارتهن قبل ثبوت الحق وقبضه كان مأخوذا
على جهة سوم الرهن فإذا استقرض أو اشتري لم يصر رهنا الا بعقد جديد نص عليه الشيخ أبو حامد
وغيره وفيه وجه أنه يصير رهنا * ولو امتزج الرهن بسبب ثبوت الدين بان قال بعتك هذا العبد
بألف وارتهنت هذا الثوب فقال المشتري اشتريت ورهنت أو قال أقرضتك هذه الدراهم وارتهنت
بها عبدك فقال استقرضتها ورهنته فوجهان (أصحهما) وهو ظاهر النص صحة الرهن لان شرط الرهن في البيع
31

والقرض جائز لحاجة الوثيقة فكذلك مزجه بهما بل أولى لان الوثيقة ههنا آكد فان الشرط
ربما لا يفي به (والثاني) أنه فاسد وبه قال أبو إسحاق وهو القياس لان أحد شقي الرهن متقدم على ثبوت
الدين واحتج له بأنه لو قال لعبده كاتبتك على ألف درهم وبعت منك هذا الثوب بكذا فقال قبلت الكتابة
والبيع لا يصح البيع وأجيب عنه بفرقين (أحدهما) أن العبد لا يصير أهلا للمعاملة مع مولاه حتى
تتم الكتابة (والثاني) أن الرهن من مصالح البيع والبيع ليس من مصالح الكتابة * ولو قال البائع
ارتهنت وبعت وقال المشترى اشتريت ورهنت لم يصح لتقدم أحد شقي الرهن على أحد شقي البيع وكذا
لو قال ارتهنت وبعت وقال المشترى أرهنت واشتريت لتقدم شقي الرهن على أحد شقي البيع وبهذا
قال في الكتاب لكن يتقد الخطابين والجوابين إلى آخره معناه أن شرط الصحة تقدم
خطاب البيع على خطاب الرهن وتقدم جواب البيع على جواب الرهن وان شئت قلت الشرط أن يقع
أحد شقي الرهن بين شقي البيع والآخر بعد شقي البيع * ولو قال بعني عبدك بكذا ورهنت به هذا الثوب فقال البائع بعت
وارتهنت فيبنى على الخلاف في مسألة الاستيجاب والايجاب * ولو قال البائع بعتك بكذا على أن ترهنني
دارك به فقال المشترى اشتريت ورهنت فوجهان قال بعضهم يتم العقد بما جرى وذكر في التتمة أنه
ظاهر النص وقال القاضي لا يصح بل يشترط أن يقول بعده ارتهنت أو قبلت لان الذي وجد منه
شرط ايجاب الرهن لا استيجابه كما لو قال افعل كذا لتبيعني لا يكون مستوجبا للبيع وهذا أصح
عند صاحب التهذيب وللأول أن يقول الصورة المشبه بها لا تناظر هذه لأنه لم يصرح في تلك
32

الصورة بالالتماس وإنما أخبر عن السبب الداعي له إلى ذلك الفعل وهو الرغبة في البيع وههنا باع وشرط
عليه الرهن وهو مشتمل على الالتماس أو أبلغ منه الا ترى أن أبا العباس الروياني حكى في الجرجانيات
وجها أن شرط الرهن في البيع يغني عن استئناف رهن بعد البيع ويكون الشرط بمنزلة الايجاب
ولقبول ويجوز اعلام قوله في الكتاب وليتقدم وليتأخر بالواو للوجه المنقول عن رواية ابن كج
وللوجه القائل بوقوع البيع في مجلس الرهن *
قال (وكل دين لا مصير له إلى اللزوم كنجوم الكتابة لا يصح الرهن به * وما هو لازم
أو مصيره إلى اللزوم كالثمن في مدة الخيار جاز الرهن به * وما أصله على الجواز لكن قد يصير إلى
اللزوم كالجعل في الجعالة فيه وجهان * والأصح المنع لان سبب وجوده لم يتم قبل العمل فكأنه
غير ثابت) *
الأمر الثالث كونه لازما والديون الثابتة ضربان (أحدهما) مالا مصير له إلى اللزوم بحال كنجوم
33

الكتابة فلا يصح الرهن به لان الرهن للتوثيق والمكاتب بسبيل من اسفاط النجوم متى شاء فلا
معنى لتوثيقها وعند أبي حنيفة يصح الرهن بها (والثاني) غيره وهو ما لازم في حال الرهن أو غيره (والأول)
يصح الرهن به سواء كان موصوفا بحالة الجواز أو لم يكن وسواء كان مستقرا كالقرض وأرش الجناية
أو ثمن المبيع المقبوض أو غير مستقر كالثمن قبل قبض المبيع الأجرة قبل استيفاء المنفعة والصداق
قبل الدخول (وأما) الثاني فينظر إن كان الأصل في وصفه اللزوم كالثمن في مدة الخيار صح الرهن
به أيضا لقرب حاله من اللزوم وأيضا فان شرط الرهن في البيع جائز مع أن الثمن غير ثابت بعد
فههنا أولى قال الامام وهذا يتفرع على أن الخيار لا يمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع وأما إذا جعلناه
مانعا فالظاهر منع الرهن لوقوعه قبل ثبوت الدين ولا شك في أنه لا يباع المرهون في الثمن ما لم تمض
مدة الخيار * وإن كان الأصل في وصفه الجواز كالجعل في الجعالة فوجهان (أحدهما) يصح الرهن به
لانتهاء الامر فيه إلى اللزوم كالثمن في مدة الخيار (وأصحهما) المنع لان الموجب للجعل هو العمل
34

وبه يتم الموجب فكأنه لا ثبوت له قبل العمل وموضع الوجهين ما بعد الشروع في العمل وقبل تمامه
(أما) التقييد بما بعد الشروع فلانه لا ثبوت للجعل قبل الشروع بحال وكيف يتخيل ذلك وليس
ثم مستحق معين (وأما) التقييد بما قبل التمام فلان الجعل بعده لازم ثم لبان أو يبنى الوجهين على الوجهين في جواز
رجوع المالك بعد الشروع في العمل ويقول إن لم نجوز الرجوع فقد لزم الجعل من قبله فيصح الرهن
به فإن لم يصح الرهن به * والرهن بعوض المسابقة يبنى على أنها إجارة أو جعالة (ان قلنا)
بالأول فالرهن به كالرهن بالأجرة (وان قلنا) بالثاني فهو كالرهن بالجعل *
(فرع) يجوز الرهن بالمنافع المستحقة بالإجارة ان وردت على الذمة وتباع عند الحاجة
وتحصل المنفعة من ثمنه وإن كانت إجارة عين لم يجز لفوات الشرط الأول *
(فرع) لا يجوز رهن الغلال بالزكاة ولا العاقلة بالدية قبل تمام الخول لفوات الشرط الثاني
ويجوز بعده واعلم أن التوثيق بالرهن والضمان شديد التقارب فما يجوز الرهن به يجوز ضمانه وبالعكس
35

الا أن ضمان العهدة جائز ولا يجوز الرهن بها هذا ظاهر المذهب والفرق ما مر ومنهم من سوى بينهما
في العهدة أيضا ووفى بتمام التلازم أما في طرف الاثبات فعن القفال وجه أنه يجوز الرهن بها كالضمان
(واما) في طرف النفي فيأتي في باب الضمان *
قال ولا يشترط في الدين أن لا يكون به رهن بل تجوز الزيادة في قدر المرهون بدين
واحد * وفى الزيادة في الدين على مرهون واحد * قولان * واختيار المزني جوازه (ح)) *
ليس من شرط الدين أن لا يكون به رهن بل يجوز أن يرهن بالدين الواحد رهنا
بعد رهن ثم هو كما لو رهنهما معا ولو كان الشئ مرهونا بعشرة وأقرضه عشرة أخرى على أن يكون
مرهونا بها أيضا فقولان (القديم) وبه قال مالك والمزني أنه جائز كما تجوز الزيادة في الرهن بدين
واحد (والجديد) وبه قال أبو حنيفة أنه لا يجوز كما لا يجوز رهنه عند غير المرتهن وان وفى بالدينين
جميعا فان أراد توثيقهما فسخا وليستئنفا رهنا بالعشرين ويفارق الزيادة في الرهن بدين واحد لان
36

الدين شغل الرهن ولا ينعكس فالزيادة في الرهن شغل فارغ والزيادة في الدين شغل * ونقل
القاضي ابن كج وغيره أن له في الجديد قولا آخر كالقديم وسواء كان كذلك أم لا فالأصح المنع * ولو
جنى العبد المرهون ففداه المرتهن باذن الراهن على أن يكون العبد مرهونا بالفداء والدين الأول نص
في المختصر على جوازه وللأصحاب طريقان (أظهرهما) القطع بالجواز لأنه من مصالح الرهن من
حيث إنه يتضمن استيفاءه (والثاني) أنه على القولين وبناهما بانون على أن المشرف على الزوال
إذا استدرك وصين عن الزوال يكون استدراكه كإزالته وإعادته أو هو؟ حض استدامة وفيه خلاف
(إن قلنا) بالأول فكأنهما فكا الرهن واستأنفا (وان قلنا) بالثاني ففيه القولان وعلى هذا الأصل
خرجوا الخلاف فيما إذا كان على الشجرة ثمرة غير مؤبرة فباعها واستثنى الثمار لنفسه هل يحتاج إلى
شرط القطع وقد سبق * ولو اعترف الراهن بان المرهون بعشرين ثم ادعى أنه رهن أولا
بعشرة ثم رهن بعشرة أخري ونازعه المرتهن فان فرعنا على القديم فلا ثمرة لهذا الاختلاف (وان قلنا)
37

بالجديد فالقول المرتهن مع يمينه لان اعتراف الراهن يقوى جانبه ظاهرا * ولو قال المرتهن في جوابه
فسخنا الرهن الأول واستئانفنا بالعشرين رهنا فالقول قول المرتهن لاعتضاد جانبه بإقرار صاحبه
أو قول الراهن لان الأصل عدم الفسخ فيه وجهان ميل الصيدلاني إلى أولهما (والأصح) عند صاحب
التهذيب الثاني الثاني ورتب عليه فقال لو شهد شاهدان أنه رهن بألف ثم الفين فلا يحكم انه رهن بألفين
ما لم يصرح الشهود بان الثاني كان بعد فسخ الأول * ولو رهنه بعشرة ثم استقرض عشرة أخرى ليكون رهنا
بهما واشهد شاهدين أنه مرهون بالعشرين فإن لم يعلم الشاهدان كيفية الحال شهدا بما سمعا وحكم
الحاكم بأنه مرهون بالعشرين نعم لو قال عند الاشهاد كان مرهونا بعشرة فجعلته رهنا بعشرين ونقل
الشاهدان ما سمعاه فهل يحكم بكونه رهنا بالعشرين إذا كان الحاكم ممن يذهب إلى القول الجديد حكى
الامام عن صاحب التقريب فيه وجهين * وان عرفا كيفية الحال نظر إن كانا يعتقدان جواز الالحاق
فهل لهما أن يشهدا بأنه مرهون بالعشرين أو يشهدان بما عليه الامر في الباطن فيه وجهان وان
38

كانا يعتقدان امتناع الالحاق لم يشهدا الا بما جري في الباطن وفيه شئ بعيد وهذا التفصيل فيما إذا
كانا يشهدان على نفس الرهن وفيه صور الجمهور (أما) إذا كانا يشهدان على اقرار الراهن
فالوجه تجويزه مطلقا *
قال (الركن الثالث الصيغة، ولا يخفى اشتراط الايجاب والقبول فيه * وكل شرط قرن به مما
يوافق مقتضى مطلقة * أولا يتعلق به غرض أصلا فلا يقدح * وما يغير موجبه كشرط المنع من
معه في حقه فهو مفسد * وما لا يغير مطلقه ولكبر يتعلق به غرض كقوله بشرط أن ينتفع به المرتهن
فقولان في فساد الرهن) *
39

الايجاب والقبول معتبران في الرهن اعتبارهما في البيع والحلاف المذكور ثم في المعاطاة والاستيجاب
والايجاب عائد برمته ههنا ثم اعلم أن الرهن ينقسم إلي ما شرط في عقد كما لو باع أو أجر بشرط
الرهن بالثمن أو الأجرة أو أسلم بشرط الرهن بالمسلم فيه أو سمح؟ بشرط الرهن بالصداق والى
مالا يشترط ويسمي رهن التبرع والرهن المبتدأ في القسم الأول إذا قال بعتك داري بكذا على أن
ترهنني به عبدك فقال اشتريت ورهنت فقد قدمنا خلافا في أنه يتم الرهن أم لا بد وأن يقول
40

بعده ارتهنت فعلى الأول يقوم الشرط مقام القبول كما يقوم الاستيجاب مقامه ويجوز أن يعلم قوله في
الكتاب اشتراط الايجاب والقبول بالواو للخلاف المذكور في المعاطاة ولما حكيناه عن الجرجانيات أن
التشارط يغنى عن الايجاب والقبول * ثم يتعلق بالصيغة مسائل يشتمل الفصل على واحدة منها وهي أن
الشروط في الرهن على ضربين (أحدهما) ما هو من قضايا الرهن فلا يضر التعرض له لا في رهن التبرع
ولا في الرهن المشروط في العقد وإنما هو تصريح بمقتضى الرهن وذلك كقوله على أن يباع في دينك
41

وقت الحاجة أو يتقدم به عند تزاحم الغرماء أولا أبيعه الا باذنك (والثاني) ما ليس من قضاياه
وهو الذي يتعلق بمصلحة العقد كالاشهاد أو الذي لا يتعلق به غرض كقوله بشرط أن لا يأكل
الا الهريسة والحكم فيها على ما سبق في البيع واما غيرهما فهو على نوعين (أحدهما) ما يفع المرتهن
ويضر الراهن كما إذا رهن عبدا بشرط أن برهن منه غيره أو بشرط أن لا ينفك الرهن بعد أداء
الدين شهرا أو يكون منافع المرهون أو زوائده مملوكة للمرتهن فالشرط فاسد ثم إن كان الرهن
42

رهن تبرع فقولان (أصحهما) انه فاسد أيضا لما فيه من تغيير قضية العقد (والثاني) وبه قال أبو
حنيفة انه لا يفسد لان الرهن تبرع من الراهن وهذا الشرط فيه تبرع آخر واحد التبرعين لا يبطل
ببطلان الثاني كما لو اقرضه الصحاح بشرط رد المكرة يلغو الشرط ويصح لقرض * وإن كان الرهن
مشروطا في بيع نظران لم يحز الشرط جهالة الثمن كما إذا شرط في البيع رهنا عن انه يبقى محبوسا
عنده بعد أداء الثمن شهرا ففي إفساد الرهن القولان في رهن التبرع فان فسد نفى فساد البيع
43

القولان في أن الرهن وسائر العقود المستقلة إذا شرطت في البيع على نعت الفساد هل تفسد البيع
وقد ذكرناهما في باب البياعات المنهى عنها (فان قلنا) بصحة البيع فللبائع الخيار صح الرهن أو فسد لأنه
ان صح لا يسلم له الشرط وان لم يصح فلا يسلم له أصل الرهن ولو حاز الشرط جهالة الثمن كما إذا
شرط في البيع رهنا وشرط أن يكون منافعه وزوائده المرتهن فالبيع باطل لان المشروط استحقاقه
جزأ من الثمن وهو مجهول وإذا بطل البيع بطل الرهن والشرط لا محالة هذا ما نقله الربيع
44

واتفق عليه الجماهير * ووراءه كلامان (أحدهما) نقل المزني في المسألة أن للبائع الخيار في فسخ البيع
واثباته وحسبت انه ذهب إلى تصحيح العقد إذا حذف منه الشرط الفاسد واعترض عليه بأنه خلاف
أصله في أن الفاسد لاخيار فيه والأصحاب خطؤه في نتله؟ وحسبانه (والثاني) أن القاضي ابن كج حكى
طريقة أخرى في أن في فساد الرهن قولين وان فسد ففي فساد البيع قولان كما سبق وكلام ثالث
45

حسن استدركه أصحابنا العراقيون وهو أن الحكم بالبطلان فيما إذا أطلق وقال بعتك هذا العبد بألف
لترهن به دارك وتكون منفعتها لي فأما إذا قيد وقال تكون منفعتها لي سنة أو شهرا فهذا جمع بين
البيع والإجارة في صفقة واحدة وقد سبق حكمه (النوع الثاني) ما ينفع الراهن ويضر المرتهن كما لو قال
رهنتك بشرط أن لا تبيعه عند المحل أو لا تبيعه بعد المحل إلا إذا مضى شهر أو الا بما أرضى أو بأكثر
46

من ثمن المثل فهو فاسد مفسد للرهن وفى كتاب القاضي ابن كج ان ابن خيران قال يجئ في افساد
الرهن القولان المذكوران في النوع الأول وهو غريب والفرق على المذهب أن ما ينفع المرتهن يزيد
في الوثيقة ويؤكد ما وضع العقد له وما نصره يحل به فإن كان الرهن مشروطا في بيع عاد
لقول في فساده بفساد الرهن المشروط فإن لم يفسد فللبائع الخيار *
47

قال (وإذا قال رهنتك الأشجار بشرط أن تحدث الثمار مرهونة ففي صحة الشرط قولان *
ولو شرط عليه رهن في بيع فاسد فظن لزوم الوفاء به فرهن فله (و) والرجوع عنه * كما لو ظن
أن عليه دينا فأداه ثم تبين خلافه) *
48

في الفصل مسألتان (الأولى) زوائد المرهون غير مرهونة عند اطلاق الرهن كما سيأتي لكن
لو رهن الشجرة بشرط أن تحدث الثمرة مرهونة أو الشاة بشرط أن يحدث النتاج مرهونا فقولان
(قال في القديم) والرهن اللطيف يصح الشرط ويتعدى الرهن إلى الزوائد لان الرهن عند الاطلاق
49

إنما لا يسري إلى الزوائد لضعفه فإذا قوي بالشرط سري (وقال) في الام لا يصح وهو الأصح لأنها
معدومة مجهولة فلا يصح الرهن فيها ومنهم من قطع بهذا وأول الأول حكاه القاضي ابن كج رحمه الله *
(التفريع) ان صححناه ففي اكتساب العبد إذا شرط كونه مرهونا وجهان للشيخ أبى محمد
والأظهر المنع لأنها ليست من أجزاء الأصل (وان أفسدناه) ففي صحة الرهن خلاف له مخرجان (أحدهما)
50

القولان في فساد الرهن لفساد الشرط الذي ينفع المرتهن (وثانيهما) أنه جمع في هذا الرهن بين
معلوم ومجهول فيجئ فيه الخلاف الذي في تفريق الصفقة فإن كان الرهن بهذا الشرط مشروطا في بيع
فان صححنا الشرط أو أفسدناه وصححنا الرهن صح البيع وللبائع الخيار وإلا ففي البيع القولان
في أن إفساد الرهن المشروط في البيع هل يفسد البيع وإذا اختصرت قلت في المسألة أربعة أقوال
51

صحة الشرط والرهن والبيع وصحة البيع دونهما وصحتهما دون الشرط وبطلان الكل * ولو رهن وشرط
كون المانع مرهونة فالشرط باطل ولا يجري فيها القولان المذكوران في الزوائد *
(فرع) لو اقرض بشرط أن يرهن به شيئا وتكون منافعه مملوكة للمقرض فالقرض فاسد لأنه
جر منفعة وإذا بطل بطل الرهن وان شرط كون المنافع مرهونة أيضا فالشرط فاسد والقرض صحيح
لأنه لا يجر منفعة وفى صحة الرهن القولان اه‍ (المسألة الثانية) لو قال أقرضتك هذا الألف بشرط
أن ترهن به وبالألف الذي لي عليك كذا أو بذلك الألف وحده فالقرض فاسد على ما مر في بابه * ولو قال المستقرض
أقرضني ألفا على أن أرهن به وبالألف القديم الذي لك علي كذا أو بذلك الألف كذا فقد نقل الامام فيه ترددا
بناء على أن القول من المستقرض غير معتبر والأصح اعتباره والتسوية بين أن يصدر الشرط من
المقرض ويقبله المستقرض وبين عكسه وكذا لو باع بشرط أن يرهن بالثمن والدين القديم أو بذلك
الدين رهنا فالبيع باطل كما تقدم * إذا تذكرت ذلك فلو رهن المستقرض أو المشترى كما شرط لم يخل
اما أن يعلم فساد ما شرط أو يظن صحته فان علم الفساد فينظر ان رهن بالألف القديم صح وان رهن
52

بهما لم يصح بالألف الذي فسد قرضه لأنه لم يملكه وإنما هو مضمون في يده للمقرض والأعيان لا يرهن
بها وفى صحته بالألف القديم قولا تفريق الصفقة فان صح لم يوزع بل كان الكل مرهونا بالألف القديم
لان وضع الرهن على توثيق كل بعض من ابعاض الدين بجميع المرهون ولو تلف الألف الذي
فسد القرض فيه في يده صار دينا في ذمته وصح الرهن بالألفين حينئذ (وأما) عند ظن الصحة فإذا
رهن بالألف القديم فعن القاضي انه لا يصح الرهن كما لو أدي ألفا على ظن أنه عليه فتبين خلافه له
الاسترداد ويتبين بطلان الأداء وعن الشيخ أبي محمد وغيره صحته بخلاف صورة الاستشهاد لان أداء
الدين يستدعى سبق ثبوته وصحة الرهن لا تستدعى سبق الشرط * ولو رهن بالألفين وقلنا إن الصفقة
تفرق فصحته بالألف القديم على هذا الحلاف وكذا لو باع بشرط بيع آخر فأنشأ البيع الثاني ظانا
صحة الشرط وقد ذكرا هذه الصورة في موضعها وهذه الصورة والخلاف فيها تشبه بما إذا باع مال أبيه
على ظن أنه حي فكان ميتا على رأي يجعل ظنه مانعا صحة الاقدام لأنه ربما لم يبع لو عرف حقيقة
الحال (وقوله) في الكتاب ولو شرط عليه رهن في بيع فاسد أراد به صورة خلاف الشيخ والقاضي
53

على ما بينه في الوسيط لكنه اقتصر ههنا على جواب القاضي والمعني شرط عليه رهن في بيع فاسد
بدين قديم (وقوله) فظن لزوم الوفاء به ليس المراد اللزوم الذي يفيد الاجبار فان الرهن المشروط لا يجير
عليه بحال ولكن المراد صحة الشرط ولوازمها (وقوله) فله الرجوع يشعر بالصحة وتفويض الامر فيه
إلى خيرة الراهن وهذا الظاهر غير معمول به بل أحد القائلين يلغيه والثاني يجعل سبيله سبيل سائر
الرهون حتى يلزم ولا يتمكن الراهن من الرجوع عنه *
قال (ولو قال رهنتك الأرض ففي اندراج الأشجار تحته * وكذا في اندراج الاس تحت
الجدار * وفى اندراج المغرس تحت الشجرة قولان * وكذا في الثمار غير المؤبرة وفى الجنين واللبن
في الضرع خلاف * وكذا في الصوف المستجز على ظهر الحيوان * وفى الأغصان الخلاف * ووجه
الاخراج من اللفظ ضعف الرهن عن الاستتباع) *
نظر الفصل في جملة من الألفاظ المطلقة في المرهون وتمس الحاجة إلى البحث عما يدخل فيها
ويخرج وحاصله صور (أحدها) في اندراج الأبنية والأشجار التي في الأرض تحت رهن الأرض
مطلقا الخلاف الذي ذكرناه في البيع (الثانية) في دخول المغرس تحت رهن الشجر خلاف مرتب على
54

الخلاف في البيع والرهن أولى بالمنع لضعفه وفى معناه دخول الاس تحت الجدار وتدخل الثمرة
المؤبرة تحت رهن الشجرة بحال وفى غير المؤبرة قولان وقال في الوسيط وجهان (أحدهما) تدخل
كما في البيع (وأصحهما) أنها لا تدخل لان الثمار الحادثة بعد استقرار العقد لا يثبت فيها حكم الرهن
فالموجودة عند العقد أولى وبهذا يفارق البيع (ومنهم) من قطع بعدم الدخول ونفى الخلاف * وعن
أبي حنيفة تدخل الثمار في الرهن بكل حال بناء على أن رهن الشجرة دون الثمرة لا يصح ويجوز أن
يعلم قوله وكذا في الثمار غير المؤبرة - بالواو - للطريقة المذكورة بل يجوز اعلام قوله قولان - بالواو -
أيضا لان منهم من نفى الخلاف في المسائل كلها اما في اندراج الأشجار تحت رهن الأرض فقد سبق
في المبيع وأما في الاس والمغرس فللطريقة المتولدة من ترتيب الخلاف على الخلاف في البيع وقد صرح
بنقلها المتولي ولا يدخل البياض بين الأشجار تحت رهن الأشجار إن كان بحيث يمكن افراده بالانتفاع
وان لم ينتفع به الا بتبعية الأشجار فكذلك على أشهر الطريقين * وعن صاحب التقريب والشيخ أبى محمد
أنه على الوجهين في المغارس * ويدخل في رهن الأشجار الأغصان والأوراق نعم التي تفصل
55

غالبا كأغصان الخلاف وورق الآس والفرصاد فيها القولان المذكوران في الثمار التي لم تؤثر (الثالثة)
في اندراج الجنين تحت رهن الحيوان الحامل خلاف نعود لشرحه بعد والغرض من ذكره ههنا التنبيه على
تقارب مأخذ الخلاف فيه والخلاف في الثمار غير الموبرة وأحد الخلافين مرتب على الآخر والجنين
أولا بالاندراج لأنه لا يقبل التصرف على الانفراد فبالحري أن يكون تبعا وفى اللبن في الضرع طريقان
عن أبي الحسين القطع بأنه لا يدخل والمشهور انه على الخلاف * ثم هو عند بعضهم في مرتبه الجنين
وعند آخرين في مرتبة الثمار لتيقن وجوده وسواء أثبت الخلاف أم لا فالظاهر أنه لا يدخل في الرهن
وهو الذي أورده في التهذيب * وفى الصوف على ظهر الحيوان طريقان (أحدهما) القطع بدخوله الحاقا
بالاجزاء والأعضاء نقله في التتمة (وأظهرهما) انه على قولين (أحدهما) الدخول كالأغصان والأوراق
في الشجر (وأصحهما) المنع كما في الثمار لان العادة فيه الجز ونقل بعضهم بدل القولين وجهين
وزاد وجها ثالثا وهو الرفق بين الصوف القصير الذي لا يعتاد جزه وبين المنتهى إلي حد يجز والمستجز بكسر
الجيم - البالغ أو ان الجز (وقوله) ووجه الاخراج من اللفظ ضعف الرهن عن الاستتباع أي في كل
صوره فاق الرهن فيها البيع *
56

(فروع) لو قال رهنتك هذا الحق بما فيه أو هذه الخريطة بما فيها وما فيهما معلوم مرئي صح
الرهن في الظرف والمظروف والا لم يصح الرهن في المظروف وفى الحق والخريطة قولا تفريق
الصفقة وما نص عليه في المختصر من الصحة في الحق وعدمها في الخريطة فسببه انه وضع المسألة
في حق له قيمة يقصد مثله بالرهن وفى خريطة ليست لها قيمة تقصد بالرهن وحينئذ يكون المقصود
ما فيها وإن كان اللفظ مضافا إليهما جميعا وما فيهما بحيث لا يصح الرهن فيه يبطل فيهما جميعا وفى وجه
يصح الرهن فيهما جميعا وإن كانت قليلة القيمة اعتبارا باللفظ ولو عكست التصوير في الحق والخريطة كان
الحكم بالعكس مما نص عليه ولا فرق ولو قال رهنتك الظرف دون ما فيه صح الرهن فيه مهما كانت
له قيمة وان قلت لأنه إذا أفرده فقد وجه الرهن نحوه وجعله المقصود وان رهن الظرف ولم
يتعرض لما فيه نفيا أو اثباتا فإن كان بحيث يقصد بالرهن وحده فهو المرهون لا غير وإن كان لا يقصد
منفردا لكنه متمول فالمرهون الظرف وحده أو مع المظروف فيه وجهان حكاهما الامام (أصحهما) أولهما
ويجئ على قياسه وجهان فيما إذا لم يكن متمولا ان لرهن ينزل على المظروف أو يلغى *
57

قال (الركن الرابع العاقد فلا يصح الا ممن يصح منه البيع * وفيه زيادة شرط وهو كونه من أهل
التبرع * ولذلك لا يصح لولي الطفل أن يرهن ماله الا لمصلحة ظاهرة * وهو أن يشتري بمائة ما يساوي
مائتين ولا يساوي المرهون أكثر من مائة حتى لو تلف لم يكن فيه مالا يجبره المشتري * الا إذا كان
في وقت يجوز فيه الايداع خوفا من التهب فيجوز الرهن * وكذا المكاتب (و) والمأذون (و)
ويجوز للولي الارتهان عند عسر استيفاء الحق أو تأجيله مهما باع بنسيئة مع الغبطة * ويجوز ان يرهن
ستاره لحاجة ظاهرة في القوت حتى لا يفتقر إلى بيعه) *
يعتبر في المتعاقدين التكليف كما في البيع لكن الرهن تبرع فان صدر من أهل التبرع
في سأله فذاك والا فالشرط وقوعه على وفق المصلحة والاحتياط إذ مقصود هذه التوطئة التدرج إلى
الكلام في ثلاثة فصول (أولها) رهن الولي مال الصبي والمجنون والمحجور عليه بالسفه وارتهانه لهم مشترط
بالمصلحة والاحتياط فمن صور الرهن على وجه المصلحة أن يشتري للطفل ما يساوى مائتين بمائة نسيئة
ويرهن به ما يساوي مائة من ماله فيجوز لأنه إذا لم يعرض تلف ففيه غبطة ظاهرة وان تلف المرهون
58

كان في المشتري ما يخبره ولو لم يساعد البائع إلا برهن ما يزيد على مائة أعرض عن هذه العاملة لان
الرهن يمنع من التصرف وربما يتلف فيتضرر به الطفل نعم لو كان المرهون مالا يتلف في العادة
كالعقار فعن الشيخ أبى محمد الميل إلى تجويزه قال الامام وهو منقاس لكنه خلاف ظاهر المذهب
(ومنها) إذا كان الزمان زمان نهب أو وقع حريق وخاف الولي على ماله فله أن يشتري عقارا
ويرهن بالثمن شيئا من ماله إذا لم يتهيأ أداؤه في الحال ولم يبع صاحب العقار عقاره الا بشرط الرهن
وذلك لان الايداع المجرد في مثل هذه الحالة جائز ممن لا يمتد النهب إلى يده فهذه أولى * ولو استقرض
شيئا والحالة هذه ورهن به لم يجز قاله الصيدلاني لأنه يخاف التلف على ما يستقرضه خوفه على
ما يرهنه وأنت بسبيل من أن تقول إذا لم يجد من يأخذه وديعة ووجد من يأخذه رهنا وكان
المرهون أكثر من قيمة من الفرض وجب أن يجوز له الرهن (ومنها) أن يستقرض الولي له لحاجته
إلي النفقة أو الكسوة أو توفية ما يلزمه أولا صلاح ضياعه ومرمتها ارتقاء بالارتفاع علاته أو لحلول
مائه من الدين المؤجل أو النفاق؟ متاعه الكاسد فإن لم يرتقب شيئا من ذلك فيبيع ما تعذر رهنه أولى
59

من الاستقراض (وأما) الارتهان فمن صور المصلحة فيه أن يتعذر على الولي استيفاء دين الصبي
فيرتهن به إلى أن يتيسر الاستيفاء (ومنها) أن يكون دينه مؤجلا اما بأن ورثه كذلك أو باع الولي
ماله نسيئة بالغبطة ولا يجوز الاكتفاء بيسار المشترى بل لابد من الارتهان بالثمن وفى النهاية رمز إلى
خلاف ذلك أخذا من جواز ابضاع ماله وإذا ارتهن جاز ان يرتهن بجميع الثمن وفيه وجه انه لابد وان يستوفى
ما يساوي المبيع نقدا وإنما يرتهن ويؤجل بالإضافة إلى الفاضل (ومنها) ان يقرض ماله أو يبيعه لضرورة نهب
ويرتهن به أو بالثمن قال الصيدلاني والأولى الا يرتهن إذا كان المرهون مما يخاف تلفه لأنه قد يتلف
ويرفع الامر إلى حاكم يرى سقوط الدين بتلف الرهن وحيث جاز للولي الرهن فالشرط ان يرهن
من أمين يجوز الايداع منه ولا فرق في جميع ذلك بين الأب والجد والوصي والحاكم وأمينه نعم
حيث يجوز الرهن والارتهان فللأب والجد أن يعاملا نفسهما ويتوليا الطرفين وليس لغيرهما ذلك وإذا
60

وإذا تولى الأب الطرفين فكيفية القبض سنذكرها في رهن الوديعة من المودع (والفصل الثاني) رهن
المكاتب وارتهانه جائز ان بشرط النظر والمصلحة كما ذكرنا في حق الطفل (ومنهم) من قال لا يجوز
الرهن استقلالا وباذن السيد قولان بناء على أن الرهن تبرع وتفصيل صور الارتهان كما في الفصل الأول
وفيه وجه آخر أنه لا يجوز له الاستقلال بالبيع نسيئة بحال وباذن السيد يخرج على الخلاف في تبرعاته
(الفصل الثالث) في المأذون فان دفع إليه السيد مالا ليتجر فيه فهو كالمكاتب إلا من وجهين (أحدهما)
أن رهنه أولى بالمنع من جهة أن الرهن ليس من عقود التجارات وشبهه الامام بإجارة الرقاب وفى
نفوذها منه خلاف سبق في موضعه (والثاني) أن له البيع نسيئة باذن السيد بلا خلاف * وان قال له
انجر بجاهك ولم يدفع إليه مالا فله البيع والشراء في الذمة حالا ومؤجلا وكذا الرهن والارتهان إذ
لا ضرر فيه على السيد فان فضل في يده مال كان كما لو دفع إليه مالا (وقوله) في الكتاب إلا لمصلحة
ظاهرة يجوز اعلامه بالواو لان القاضي ابن كج حكى وجها أنه لا يجوز رهن مال الطفل بحال من
الأحوال (وقوله) الا إذا كان في وقت يجوز فيه الايداع هذا الاستثناء في نظم الكتاب يرجع
61

إلى اشتراط مساواة قيمة المرهون للدين فإنه يجوز أن يكون في زمان النهب أكثر من الدين بل هو
عذر يجوز الرهن على ما نلخص (وقوله) وكذا المكاتب والمأذون معلمان بالواو *
(الباب الثاني في القبض والطوارئ قبله)
قال (والقبض ركن في الرهن لا يلزم (م) الا به * وكيفيته في المنقول والعقار ما ذكرنا
في البيع * ولا يصح إلا من مكلف * ويجوز للمرتهن أن ينيب غيره إلا عبد الراهن ومتولدته
لان يدهما يد الراهن * ويستنيب مكاتب الراهن * وفى عبده المأذون خلاف) *
كلام الباب يقع في قسمين (أحدهما) بيان اعتبار القبض وانه بم يحصل وممن يصح (أما)
الاعتبار الأول فان القبض ركن في لزوم الرهن فلو رهن ولم يقبض كان له ذلك نعم لو كان مشروطا في
بيع فللبائع الخيار وقال مالك يلزم الرهن بنفسه وعن أحمد مثله الا في المكيلات والموزونات * لنا أنه
62

عقد إرفاق يحتاج إلى القبول فلا يلزم إلا بالقبض كالقرض (وأما) انه بم يحصل فسبيله في العقار المنقول ما تقرر
في البيع ويعود الخلاف المذكور في أن التخلية هل تكفى في المنقول أم لابد من النقل وعن القاضي القطع بأنه لا
يكفي التخلية في الرهن لان القبض مستحق في البيع وههنا بخلافه ويتعلق بهذا الأصل فروع مذكورة في الفصل
الذي بعد هذا الفصل (وأما) انه ممن يصح فهو الذي يصح منه العقد وتجرئ النيابة في القبض جريانها في العقد
لكن لا يجوز للراهن إنابة المرتهن لان الواحد لا يتولى طرفي القبض كما بينا في البيع وكما لا ينيبه لا ينيب
عبده ولا مدبره ولا أم ولده لان يدهم يده ولا بأس بإنابة مكاتبه لاستقلاله باليد والتصرف وفى عبده
المأذون وجهان (أحدهما) الجواز لانفراده باليد والتصرف (وأصحهما) المنع فإنه عبده القن وهو
متمكن من الحجر عليه وهذا كله قد أشرنا إليه في البيع وعن الشيخ أبى على حكاية وجه ثالث
63

وهو أن المأذون إن لم تركبه الديون لم يجز انابته وان ركبته جاز لانقطاع سلطنة السيد عما في يده
ومشابهته المكاتب *
قال (ولو رهن من المودع نص أنه يفتقر إلى إذن جديد * وفي الهبة من المودع نص انه
يلزم * فقيل قولان بالنقل والتخريج * وقيل بالفرق لضعف الرهن * ثم لابد (و) من مضي
زمان يمكن المسير فيه إلى المبيت الذي فيه الرهن حتى يلزم * ونص الشافعي رضي الله عنه أنه لا يكون
يبضا ما لم يصل إلى بيته * وقيل إن ذلك إنما يشترط عند التردد في بقائه ليتيقن وجوده * والأصح
(و) أنه لو باع من المودع دخل في ضمانه بمجرد البيع) *
64

في الفصل مسألتان (إحداهما) لو أودع مالا عند انسان ثم رهنه منه فظاهر نصه انه لابد من
اذن جديد في القبض ولو وهبه منه فظاهر نصه انه يحصل القبض من غير إذن جديد وللأصحاب
فيهما طريقان مشهوران وثالث غريب (أظهر) المشهورين أن فيهما قولين (أحدهما) أنه لا حاجة في
واحد من العقدين إلى الاذن في القبض بل انشاؤهما مع الذي في يده المال يتضمن الاذن في القبض
(وأصحهما) انه لابد منه وبه قال أبو إسحاق لان اليد الثابتة كانت غير جهة لرهن ولم يجز تمرض
للقبض بحكم الرهن (والثاني) تقرير النصين والفرق أن الهبة عقد تمليك ومقصوده الانتفاع والانتفاع
65

لا يتم الا بالقبض والرهن توثيق وانه حاصل دون القبض ولهذا لو شرط في الرهن كونه في يد
ثالث جاز ولو شرط مثله في الهبة فسد وكانت الهبة ممن المال في يده رضى بالقبض (والثالث) الغريب
حكاه القاضي ابن كج عن ابن خيران القطع باعتبار الاذن الجديد فيهما ومحاولة تأويل نصه في الهبة
وسواء شرط إذن جديد في القبض أو لم يشترط فلا يلزم العقد ما لم يمض زمان يتأتى فيه
القبض لكن إذا شرط الاذن فهذا الزمان يعتبر من وقت الاذن فإن لم يشترطه فهو معتبر من وقت
العقد وقال حرملة لا حاجة إلى مضي هذا الزمان ويلزم العقد بنفسه والمذهب الأول لأنا نجعل دوام
66

اليد كابتداء القبض فلا أقل من زمان يتصور فيه ابتداء القبض فعلى هذا لو كان المرهون منقولا
غائبا اعتبر مضي زمان يمكن المصير إليه ونقله وهل يشترط مع ذلك نفس المصير إليه ومشاهدته فيه
وجهان (أحدهما) نعم ليتعين حصوله وثبوته وهذا ظاهر النص (وأصحهما) لا ويكتفي بأن الأصل
بقاؤه واختلفوا في محل النص منهم من جعله احتياطا ومنهم من حمله على ما إذا كان المرهون مما يتردد
في بقائه في يده بأن كان حيوانا غير مأمون الانقلاب (أما) إذا نفيه فلا حاجة إليه ومن قال بهذا
جعله وجها ثالثا فارقا فان شرطنا الحضور والمشاهدة فهل يشترط النقل أيضا فيه وجهان (أحدهما) نعم
67

لان قبض المنقول به يحصل (والثاني) وهو أصحهما وقطع به طوائف من الأصحاب انه لا يشترط لان النقل إنما
يعتبر ليخرج من يد المالك وهو خارج ههنا وإذا شرطنا وراء مضى المدة شيئا اما الحضور وحده أو مع
النقل فهل يجوز أن يوكل فيه حكى الامام فيه وجهين (أصحهما) الجواز كما في ابتداء القبض ووجه
المنع أن ابتداء القبض وهو النقل وجد من المودع فليصدر بثمنه منه *
(فرعان) الأول لو ذهب إلى موضع المرهون فوجده قد خرج من يده نظر ان أذن له في
القبض بعد العقد فله اخذه حيث وجده وان لم يأذن له لم يأخذه حتى يقبضه الراهن سواء شرطنا
الاذن الجديد أو لم نشرطه هكذا قاله أبو الفضل بن عبدان وكأنه صور فيما إذا علم بخروجه من يده
قبل العقد (أما) إذا خرج بعده ولم نشترطه لاذن الجديد فقد جعلنا الرهن ممن في يده إذنا في
القبض فليكن بمثابة ما لو استأنف اذنا
(الثاني) إذا رهن الأب مال الطفل من نفسه أو ماله من الطفل
68

ففي اشتراط مضى زمان يمكن فيه القبض وجهان كالوجهين في اشتراط لفظي الايجاب والقبول وقد ذكرناهما
في البيع * ان شرطناه فهو كما لو رهن الوديعة من المودع فيعود الاختلاف المذكور وقصد الآن قبضا واقباضا
نازل
منزلة الاذن الجديد هناك (المسألة الثانية) إذا باع المالك الوديعة أو العارية ممن في يده فهل يعتبر زمان امكان القبض
لجواز التصرف وانتقال الضمان فيه وجهان (أصحهما) نعم ثم القول في اشتراط المشاهدة واشتراط النقل كما في
الرهن والهبة (والثاني) لا لان البيع يفيد الملك فلا معني مع اجتماع الملك واليد لاعتبار شئ آخر وهل
يحتاج إلي الاذن في القبض تفريعا على الوجه الأول نظر إن كان الثمن حالا ولم يوفه لم يحصل
القبض إلا إذا أذن البائع فيه فان وفاه أو كان مؤجلا فعن الشيخ أبى على رواية طريق انه كالرهن
69

(والمشهور أنه لا يحتاج إليه والفرق أن البيع يوجب القبض) فدوام اليد يقع عن القبض المستحق ولا
استحقاق في الرهن * ونعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) قولان بالنقل والتخريج المشهور عند
مثبتي القولين في العقدين انهما حاصلان عن ضرب أحد النصين بالآخر على ما هو سبيل النقل والتخريج
وروى ابن عبدان أنه نص في الهبة على قولين فعلى هذا التصرف مخصوص بالرهن (وقوله) لضعف الرهن
أراد به ما ذكرنا من تقاعده عن إفادة الملك (وقوله) ثم لابد من مضى زمان معلم - بالواو - لوجه حرملة
(وقوله) يمكن المسير ولم يسر يتنظم فيهما السين والصاد ولفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر
الصاد (وقوله) والأصح أنه لو باع من المودع إلى آخره يمكن حمله على الخلاف المذكور في أن مضى
الزمان هل يعتبر لكن الأقرب أنه أراد الخلاف المذكور في أن الاذن الجديد هل يعتبر لان ايراده
في الوسيط مشعر به وأيضا فإنه لو حمل على الأول لكان اختياره على خلاف اختيار المعظم لما ذكرنا
70

أنهم اعتبروا الزمان وعلى هذا فقوله مجرد البيع لم يرد به التجرد المطلق وأنما أراد البيع المجرد عن
الاذن الجديد والله تعالى اعلم *
قال (ولو رهن من الغاصب لم يبرأ (م ح ز) من ضمان الغصب * كما لو تعدي في المرهون
يجتمع الضمان والرهن * ولو أودع من الغاصب يبرأ * وفى براءته بالإجازة وتوكيله بالبيع وجهان
وكذلك في براءة المستعير * وكذا لو صرح بابراء الغاصب مع بقائه في يده) *
إذا رهن المالك ماله من الغاصب أو المستعير أو المستأجر أو الوكيل صح الرهن والقول في افتقار
لزومه إلى مضى زمان يتأتى فيه القبض والى اذن جديد في القبض على ما ذكرنا في رهن الوديعة
من المودع ومنهم من قطع في الغصب بافتقاره إلى اذن جديد لان يده غير صادرة عن اذن المالك أصلا
71

ثم الرهن من الغاصب لا يبرئه عن ضمان الغصب وان تم ولزم خلافا لأبي حنيفة وهو اختيار المزني
واحتج الأصحاب بأن الدوام أقوى من الابتداء ودوام الرهن لا يمنع ابتداء الضمان فان المرتهن إذا
تعدي في المرهون يصير ضامنا ويبقى الرهن بحاله فلان لا يرفع ابتداء الرهن دوام الضمان كان أولى *
إذا تقرر ذلك فلو أن المرتهن أراد البراءة عن الضمان فليرده إلى الراهن ثم له الاسترداد بحكم الرهن
ولو امتنع الراهن من قبضه فله أن يجبره عليه قال الامام وفى كلام الشيخ أبى على ما يدل على أن
للراهن أن يجبره على رده ثم يرده هو عليه ولكن القياس وبه قال القاضي انه ليس له ذلك إذ لا غرض
له في تبرئة ذمة المرتهن * ولو أودع الغاصب المال المغصوب فوجهان (أحدهما) أنه لا يبرأ من
الضمان كما في الرهن منه (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يبرأ لان مقصود الايداع الائتمان
72

والضمان والأمانة لا يجتمعان ولهذا لو تعدى المودع في الوديعة ارتفعت الوديعة ويخالف الرهن
لان الغرض منه التوثيق الا أن الأمانة من مقتضاه وهو مع الضمان قد يجتمعان على ما بينا * ولو أجر
العين المغصوبة منه فوجهان مرتبان على الايداع والإجارة أولى أن لا تفيد البراءة وهو الظاهر لأنه
ليس الغرض منها الائتمان بخلاف الوديعة * ولو وكله ببيع العبد المغصوب أو اعتاقه فوجهان مرتبان
على الإجارة وأولى بعدم إفادة البراءة لان في عقد الإجارة تسليطا على القبض والامساك والتوكيل
بخلافه ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب وجهان في مسألتي الإجارة والتوكيل - بالواو - للطريقة القاطعة
بالمنع المتولدة من ترتيب الخلاف على الخلاف واليها أشار الأكثرون وفى معني الإجارة والتوكيل
ما إذا قارضه على المال المغصوب أو كانت جارية فزوجها منه * ولو صرح بابراء الغاصب عن ضمان
الغصب والمال باق في يده ففي براءته وصيرورة يده يد أمانة وجهان مبنيان على القولين في الابراء
73

عما لم يجب ووجد سبب وجوبه لأن الغصب سبب وجوب القيمة عند التلف (والظاهر) عدم حصول
البراءة * وربما استشهد من قال بعدم البراءة في الصورة السابقة بهذه الصورة فقال إنشاء عقود الأمانات
ليس بآكد من التصريح بالابراء فإذا لم تحصل البراءة به فتلك العقود أولى (وأما قوله) وكذا في
براءة المستعير فصورته ما إذا رهن المعير العارية من المستعير ولزم الرهن كما سبق ففي البراءة عن ضمان
العارية وجهان عن حكاية صاحب التقريب (أصحهما) أنه لا يبرأ كما لا يبرأ عن ضمان الغصب (والثاني)
يبرأ لان ضمان العارية أخف أمرا من ضمان الغصب لان اليد فيها مستندة إلى رضي المالك * ورهن المقبوض
على سبيل السوام والشراء الفاسد من المستام والمشتري كرهن العارية من المستعير *
قال (أما الطوارئ قبل القبض * فكل ما يزيل الملك فهو رجوع * والتزويج ليس
برجوع * واجارته جوع (ان قلنا) إنها تمنع من البيع * والتدبير رجوع على النص * وعلى
التخريج لا) *
74

القسم الثاني من الباب القول في الطوارئ التي يتأثر العقد بطروها قبل القبض وهي ثلاثة أنواع
(الأول) ما ينشئه الراهن من التصرفات وكل ما يزيل الملك كالبيع والاعتاق والاصداق وجعله أجرة
في إجارة فإذا وجد قبل القبض فهو رجوع عن الرهن وفى معناه الرهن والهبة من غيره مع القبض
وكتابة العبد ووطئ الجارية من الاحبال والوطئ من غير احبال ليس برجوع وكذا التزويج إذ
لا تعلق له بمورد الرهن بل رهن المزوجة ابتداء جائز (وأما) الإجارة ان قلنا إن رهن المكري وبيعه
جائز فهو كالتزويج وإلا فهي رجوع وحكى الامام وجها آخر أنها ليست برجوع بحال كما لو دبر
العبد المرهون والنص أنه رجوع وخرج الربيع قولا أنه ليس برجوع ولهذا مأخذان (أحدهما) البناء على النص
والتخريج في رهن المدبر (والثاني) توجيه التخريج باسكان الرجوع عن التدبير ووجه النص وهو الأظهر بمنافاة
مقصود التدبير لمقصود الرهن واشعاره بالرجوع ولا يخفى عليك بعد معرفة هذه الصور ان (قوله)
في الكتاب وما لا يزيل كالتزويج ليس بوجوع غير معلول به على اطلاقه (وان قوله) وجارته
رجوع يجوز اعلامه - بالواو - والله تعالى أعلم *
75

قال (والنص أنه ينفسخ بموت الراهن ولا ينفسخ بموت المرتهن * فقيل قولان بالنقل والتخريج
لتردد الرهن بين البيع الجائز والوكالة * وقيل بالفرق لان ركن الرهن من جانب الراهن المعين
وهو متعلق حق الورثة والغرماء * وركنه من جانب المرتهن دينه وهو باق بحاله بعد وفاته
والأظهر أنه لا ينفسخ بجنون العاقدين * وبالحجر عليهما بالتبذير) *
(والنوع الثاني) ما يعرض للمتعاقدين من الحالات وفيه ثلاث صور (إحداها) نص في المختصر
أن الرهن لا يبطل بموت المرتهن قبل القبض ونقل نص أنه يبطل بموت الراهن وفيهما طرق (أظهرهما)
أن في موتهما قولين نقلا وتخريجا (أحدهما) أنه يبطل بموت كل واحد منهما لأنه عقد جائز والعقود
الجائزة ترتفع بموت العاقدين كالوكالة (وأصحهما) أنه لا يبطل لان مصيره إلى اللزوم فلا يتأثر
بموتهما كالبيع في زمان الخيار (والثاني) تقرير النصين وبه قال أبو إسحاق وفرقوا بأن المرهون بعد
موت الراهن ملك الورثة ومتعلق حق الغرماء إن كان له غريم أخر وفى استيفاء الرهن اضرار بهم
وفى صورة موت المرتهن يبقي الدين كما كان وإنما ينتقل الاستحقاق فيه إلي الورثة وهم محتاجون إلى
الوثيقة حاجة مورثهم (والثالث) القطع بعدم البطلان سواء مات الراهن أو المرتهن وبه قال القاضي
76

أبو حامد * ومن قال بهذا أول ما نقل في موت الراهن * وإذا أبقينا الرهن قام ورثة الراهن مقامه في
الاقباض وورثة المرتهن مقامه في القبض ووراء هذا في المسألة شيئان (أحدهما) اختلف المثبتون
للقولين في موضعهما فقال ابن أبي هريرة موضع القولين رهن التبرع (وأما) الرهن المشروط في
البيع فإنه لا يبطل بالموت قطعان لتأكده بالشرط واقترانه بالبيع اللازم فلا يبعد أن يكتسب منه صفة
اللزوم وقال أبو الطيب بن سلمة القولان جاريان في النوعين وهو المشهور وسواء قلنا بالبطلان أو قلنا
إنه لا يبطل ولم يتحقق الوفاء بالرهن المشروط فيثبت الخيار في البيع (والثاني) لك أن تستخرج
الخلاف في طرف موت الراهن من أصل سيأتي وهو أن التركة التي تعلقت بها الديون حكمها حكم
المرهون أم لا (إن قلنا) نعم فقد أخذ جميع التركة حكم المرهون ولغا العقد السابق (وان قلنا)
لا بقي الرهن لظهور فائدته ويجوز أن يعكس فيقال إن قلنا يأخذ حكم المرهون بقي الرهن لتأكده
بما عرض وان قلنا لالغا العقد السابق كيلا يتضرر الورثة * (الصورة الثانية) لو جن أحد المتعاقدين
77

أو أغمي عليه قبل القبض ترتب ذلك على الموت (إن قلنا) لا يؤثر الموت فالجنون أولي (وإن قلنا)
يؤثر ففي الجنون وجهان (فإذا قلنا) لا يبطل الرهن فان جن المرتهن قبض الرهن من ينصبه
القاضي قيما في ماله فإن لم يقبضه الراهن وكان الرهن مشروطا في بيع فعل ما فيه الحظ من الفسخ
والإجازة * وان جن الراهن فإن كان الرهن مشروطا في بيع وخاف القيم فسخ؟ المرتهن لو لم يسلمه
والحظ في الامضاء سلمه وان لم يخف أو كان الحظ في الفسخ لم يسلمه وكذا لو كان الرهن رهن
تبرع هكذا أطلقوه وهو محمول على ما إذا لم تكن ضرورة ولا غبطة لأنهما يجوزان رهن مال
المجنون ابتداء فالاستدامة أولي (الثالثة) لو طرأ الحجر على أحدهما لسفه أو فلس فهو لو كما طرأ
الجنون لكن الخلاف فيه بالترتيب لان السفه لا يوجب سقوط العبارة رأسا والجنون بوجه *
قال (وفى انفساخه بانقلاب العصير خمرا * وبإباق العبد وجنايته وجهان أيضا * ولا
يجوز اقباضه وهو خمر فلو انقلب خمرا بعد القبض خرج عن كونه مرهونا * فإذا عاد خلا عاد
مرهونا (و) *)
78

(النوع الثالث) ما يعرض في المرهون وفيه صور (إحداهما) أنه لو رهن عصيرا وأقبضه
فانقلب في يد المرتهن خمرا فلا نقول بأنها مرهونة وللأصحاب عبارتان قالت شرذمة يتوقف أن عاد
خلا بان أن الرهن لم يبطل والا بان انه يبطل وقال الجمهور يبطل الرهن لخروجه عن كونه الا ولا
خيار للمرتهن إن كان الرهن مشروطا في بيع لحدوثه في يده ثم إذا عاد خلا يعود الرهن كما يعود
الملك وحكى القاضي ابن كج عن أبي الطيب بن سلمة أنه يجئ فيه قول آخر أنه لا يعود الرهن
إلا بعقد جديد وادعى انه مذهب أبي حنيفة وكان هذا النقل لم يبلغ القاضي الحسين فقال على سبيل
الاحتمال يجوز أن يجعل هذا على قياس عود الخبث ويخرج فيه مثل ذلك الخلاف (والمذهب الأول)
وهو عود الرهن وتبين بذلك أنهم لم يريدوا؟ ببطلان الرهن اضمحلال أثره بالكلية وإنما أرادوا ارتفاع
حكمه ما دامت الخمرية * ولو رهن شاة فماتت في يد المرتهن فدبغ جلدها فوجهان (أحدهما) وبه قال
ابن خيران واختاره القاضي الروياني أنه يعود الرهن كما لو انقلبت الخمر خلا (وأظهرهما) عند
79

الأكثرين لا يعود لان ماليته مجلوبة بالصنعة والمعالجة وليس العائد ذلك المالك * ولو انقلب العصير
المرهون خمرا قبل القبض ففي بطلان الرهن البطلان الكلى وجهان (أحدهما) نعم لاختلال المحل
في حال ضعف الرهن وجوازه (والثاني) لا كما لو تخمر بعد القبض وقبضه ايرا - الأئمة ترجيح هذا
الوجه لأنهم قرنوا هذا الخلاف من الخلاف في صورة عروض الجنون أو بنوه عليه فقالوا ان ألحقنا
الرهن بالوكالة بطل بعروض الجنون وانقلابه خمرا قبل القبض وان ألحقناه بالبيع الجائز لم يبطل
وقد مر أن الثاني أظهر قال في التهذيب وعلى الوجهين لو كان الرهن مشروطا في بيع ثبت للمرتهن
الخيار لان الخل انقص من العصير ولا يصح الاقباض في حال الشدة ولو فعل وعاد خلا فعلى
الوجه الثاني لابد من استئناف قبض وعلى الأول لابد من استئناف عقد * ثم القبض فيه على ما ذكرنا
في انقلاب العصير المرهون خمرا قبل القبض *
80

(فرع) إذا انقلب المبيع خمرا قبل القبض فالكلام في انقطاع البيع وعوده إذا عاد
خلا على ما ذكرنا في انقلاب العصير المرهون خمرا بعد القبض (الصورة الثانية) إذا جنى العبد
المرهون قبل القبض وتعلق الأرش برقبته وقلنا رهن الجاني ابتداء فاسد فعن الشيخ أبى على
أن في بطلان الرهن وجهين الحاقا للجناية بتخمير العصير والجامع عروض الحالة المانعة من ابتداء
الرهن قبل استحكام العقد وهذه الصورة أولى بأنه لا يبطل الرهن فيها لدوام الملك في الجاني بخلاف الخمر (الثالثة)
إذا أبق العبد المرهون قبل القبض قال الامام يلزم على مساق ما سبق تخريج وجهين فيه لانتهاء المرهون إلى حالة
يمنع ابتداء الرهن فيها (وقوله) في الكتاب وجنايته وجهان يجوز أعلامه بالواو لان الخلاف في صورة الجناية
يتفرع على منع رهن الجاني (أما) إذا جوزناه لا يأتي هذا الخلاف بحال (وقوله) عاد مرهونا معلم بالواو لما قدمناه
* قال (والتخليل بالقاء الملح فيه (ح) حرام لحديث أبي طلحة * وبالامساك غير محرم * وكذا
بالنقل من ظل إلى شمس على الأصح) *
81

أشار في المختصر إلى منع التخليل في هذا الموضع وتأسى به أكثر الأصحاب فذكروا مسائله
ههنا وأول ما ينبغي أن يعرف أن الخمر قسمان خمر محترمة وهي التي اتخذ عصيرها لتصير خلا وإنما كانت
محترمة لان اتخاذ الخل جائز بالاجماع ولن ينقلب العصير إلى الحموضة الا بتوسط الشدة فلو لم تحترم
وأريقت في تلك الحالة لتعذر ايجاد الخل وخمرة غير محترمة وهي التي اتخذ عصيرها لغرض الخمرية
وفى كل واحد من القسمين ثلاث مسائل (إحداها) تخليل الخمر بطرح العصير أو الخل أو الخبز
الحار أو غيرها فيها حزام والخل الحاصل نجس وبه قال أحمد خلافا لأبي حنيفة وعن مالك روايتان
(إحداهما) كمذهبنا (والأخرى) انه يكره ولكن لو فعل جاز * لنا ما روى عن أنس رضي الله عنه
82

قال (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتخذ الخمر خلا قال لا) (1) وروى أن أبا طلحة رضي الله عنه
(سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عندي خمور لأيتام فقال ارقها فقال أفأخللها قال لا) (2) وإذا حرم
التخليل كان الخل الحاصل نجسا لان الفعل الحرام لا يستباح به الغير المحظور كاصطياد المحرم وأيضا
فان المطروح في الخمر ينجس بملاقاتها وتستمر نجاسته إذ لا مزيل لها ولا ضرورة إلى الحكم بانقلابه
طاهرا بخلاف آخر الدن ولا فرق في هذه المسألة بين المحترمة وغيرها وحكى الامام عن بعض الأصحاب
جواز تخليل المحترمة لأنها غير مستحقة للإراقة والمذهب الأول وفى حديث أبي طلحة رضي الله عنه
83

كانت تلك الخمور محترمة لأنها كانت مباحه متخذة قبل ورود التحريم وهل يفرق بين الطرح
بالقصد وبين أن يتفق بغير قصد كطرح ريح فيه اختلاف للأصحاب مبني على أن المعني تحريم
التخليل أو نجاسة المطروح فيه والا ظهر أن لا فرق هذا إذا كان الطرح في حال التخمير أما إذا
طرح في العصير بصلا أو ملحا واستعجل به الحموضة بعد الاشتداد فوجهان (أحدهما) انه إذا تخلل
كان طاهرا لان ما لاقاه إنما لاقاه قبل التخمير فطهر بطهارته كأجزاء الدن (والثاني) لا لان المطروح
فيه ينجس عند التخمير وتستمر نجاسته بخلاف اجزاء الدن للضرورة قال في التهذيب وهذا أصح
ولو طرح العصير على الخل وكان العصير غالبا ينغمر الخل فيه عند الاشتداد فهل يطهر إذا انقلب
خلا فيه هذان الوجهان ولو كان الغالب الخل وكان يمنع العصير من الاشتداد فلا بأس (المسألة
84

الثانية) امساك الخمر المحترمة إلى أن تصير خلا جائز والتي لا تحترم تجب اراقتها لكن لو لم يرقها حتى
تخللت فهي طاهرة أيضا لأن النجاسة والتحريم إنما ثبتا للشدة وقد زالت هذا ما به الفتوى وحكى
الامام رضي الله عنه عن بعض الخلافيين انه لا يجوز امساك الخمرة المحترمة بل يعرض عن العصير إلى
أن يصير خلا فان اتفقت منا اطلاعه وهو خمر ارقناه وذكر الحناطي وجها انه لو أمسك التي لا تحترم
حتى تخللت لم تحل ولم تطهر لان امساكها حرام فلا يستفاد به نعمة ومتى عادت الطهارة بالتخلل فتطهر
اجزاء الظرف أيضا للضرورة وفى البيان أن الداركي قال إن كان الظرف بحيث لا يتشرب شيئا من
الخمر كالقوارير طهر وإن كان مما يتشرب لم يطهر ولنذهب الأول وكما يطهر ما يلاقى الخل بعد التخليل
85

يطهر ما فوقه الذي أصابته الخمر في حالة الغليان ذكره القاضي الحسين وأبو الربيع الايلافى (الثالثة)
لو كان ينقلها من الظل إلى الشمس أو يفتح رأسها ليصيبها الهواء استعجالا للحموضة فوجهان (أحدهما)
لا تطهر كما لو طرح فيها شيئا وبهذا قال أبو سهل الصعلوكي (وأصحهما) أنه يطهر لزوال الشدة من
غير نجاسة تخلفها وهذا في غير المحترمة وفى المحترمة؟ أولى بالجواز * واعلم أنه ليس في لفظ الكتاب
تعرض لانقسام الخمر إلى محترمة وغيرها (وقوله) التخليل بالقاء الملح فيه حرام يمكن اجراؤه فيه على
اطلاقه على ما بيناه لان الامساك حرام في غير المحترمة والإراقة واجبة والكلام في أنه لو اتفق الامساك وتخللت
هل تطهر هذا هو المشهور والذي في طريق الصيدلاني من تجوز الامساك على قصد أن لا يصير
86

خلا وعدم وجوب الإراقة فهو مما يستغرب فإذا هو مخصوص بالمحترمة لكنه غير مستحسن من
جهة النظم لأنه على خلاف ما قبله وما بعده وليس في اللفظ ما يدل عليه *
(فرع) عن الشيخ أبى علي ذكر تردد في بيع الخمرة المحترمة بناء على التردد في طهارتها
وقد حكيناه في باب النجاسات والعناقيد إذا استحالت أجواف حباتها خمرا فعن القاضي وغيره ذكر
وجهين في جواز بيعها اعتمادا على طهارة طاهرها في الحال وتوقع فائدتها في المآل وطردوهما في البيضة
المستحيل باطنها دما والمذهب المنع *
87

* (الباب الثالث في حكم المرهون بعد القبض) *
قال (وهو وثيقة لدين المرتهن في عين الرهن تمنع الراهن من كل ما يقدح فيه والنظر في
أطراف ثلاثة (الأول) جانب الراهن * وهو ممنوع عن كل تصرف قولي يزيل الملك كالبيع
والهبة * أو يزاحم حقه كالرهن من غيره * أو ينقص كالتزويج * أو يقلل الرغبة كالإجارة التي
لا تنقضي مدتها قبل حلول الدين) *
صدر الباب يشير إلى مقدمة مرشده إلى ضبط الأطراف التي يتضمنها والى جهة اقتضاء الدين
لها وهي أن الرهن وثيقة لدين المرتهن في غير الرهن أو بدله وإنما تحصل الوثيقة بالحجر عن الراهن
وقطع سلطنة كانت له ليتحرك للأداء وتجدد سلطة المرتهن لم يكن ليتوسل بها إلى الاستيفاء ثم هذه
الوثيقة ليست دائمة بل لها غاية ينتهى عندها وكلام الباب فيما ينقطع من سلطنة الراهن وفيما يحدث
من سلطنة المرتهن وفى غاية الرهن فهي ثلاثة أطراف والذي يشتمل عليه الفصل من الطرف الأول
ان الراهن يمنع من كل تصرف يزيل الملك وتنقل لمال الغير كالبيع والهبة ونحوهما لأنا لو صححناها
لفاتت الوثيقة ومنع مما يزاحم المرتهن في مقصود الرهن وهو الرهن من غيره ومن كل تصرف ينقص
المرهون وتعلل؟ الرغبة فيه كالتزويج فان الرغبة في الجارية الخلية فوق الرغبة في المزوجة وعند أبي
88

حنيفة يجوز التزويج (واما) الإجارة فينظر فإن كان الدين حالا أو كان مؤجلا لكنه يحل قبل
انقضاء مدة الإجارة فعن بعض الأصحاب فيما رواه ابن القطان بناء صحة الإجارة على القولين في جواز
بيع المستأجر ان جوزناه صحت الإجارة والا فالمشهور بطلانها قطعا (أما) إذا لم نجوز بيع المستأجر فظاهر
(وأما) إذا جوزناه فلان الإجارة تبقى وان صح البيع وذلك مما يقلل الرغبة ثم القائلون بالمنع لم
يفصل الجمهور منهم وقال في التتمة يبطل في الأجل وفى الزائد على الأجل قولا تفريق الصفقة * وإن كان
الأجل يحل مع انقضاء مدة الإجارة أو بعدها صحت الإجارة ثم لو أتفق حلول الدين قبل انقضائها بموت
الراهن فوجهان (أحدهما) أن تنفسخ الإجارة رعاية لحق المرتهن فإنه أسبق ويضارب المستأجر
89

بالأجرة المدفوعة مع الغرماء (والثاني) وهو اختيار أبى الحسين أن المرتهن يصبر إلى انقضاء مدة الإجارة
كما يصبر الغرماء إلى انقضاء العدة لتستوفى المعتدة حق السكني جمعا بين الحقين وعلى هذا يضارب
المرتهن بدينه مع الغرماء في الحال * ثم إذا انقضت المدة وبيع المرهون قضى باقي دينه فان فضل
شئ فهو للغرماء * هذا كله فيما إذا أجر المرهون من غير المرتهن (أما) إذا أجره منه فيجوز ولا
يبطل به الرهن وكذا لو كان مكري منه ثم رهنه منه يجوز فلو كانت الإجارة قبل تسليم الرهن
ثم سلمه عنهما جميعا جاز ولو سلم عن الرهن وقع عنهما جميعا لان القبض في الإجارة مستحق كذا قاله
في التهذيب ولو سلمه عن الإجارة لم يحصل قبض الرهن وعند أبي حنيفة الرهن والإجارة لا يجتمعان
والمتأخر منهما يرفع المتقدم ويبطله * لنا أن الإعارة من المرتهن لا تبطل الرهن فكذا الإجارة
(وقوله) في الكتاب كل تصرف قولي أفهم بالقول ان ما يمنع منه الرهن من التصرفات بعضها قولي
وبعضها ليس بقولي فإنه قدم التصرفات القولية ثم تعرض لغيرها كالوطئ ويجوز اعلام قوله كالإجارة
90

التي لا تنقضي مدتها قبل حلول الدين بالواو للطريقة التي قدمناها وفى هذه اللفظة شئ فان الإجارة
التي لا تنقضي مدتها قبل حلول الدين تارة تنقضي مدتها بعد حلول الدين وتارة معه والثانية صحيحة
فكان الأولى أن يقول كالإجارة التي لا تنقضي مدتها بعد حلول الدين واعلم أن ما قدمناه من منع
الراهن من البيع ونحوه من التصرفات والحكم بابطالها هو المذهب الجديد وعلى القديم الذي يجوز
وقف العقود تكون هذه التصرفات موقوفة على الانفكاك وعدمه ومال الإمام إلى شئ آخر وهو تخريجها
على الخلاف في بيع المفلس ماله وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى *
قال (وفى الاعتاق (ح) ثلاثة أقوال يفرق في الثالث بين الموسر والمعسر * فان نفذنا غرمناه
وان لم ينفذ فالأقيس أن لا يعود العتق ان اتفق فكاك الرهن * وحكم التعليق مع الصفة في دوام
الرهن حكم الانشاء * فان وجدت الصفة بعد فكاك الرهن نفذ على الأصح) *
91

الفصل يتضمن مسألتين (مسألة) في اعتاق الراهن العبد المرهون منجزا (ومسألة) في تعليق اعتاقه
(أما) الأولى فالمنقول عن القديم ومختصر المزني الجزم بأنه لا ينفذ إن كان الراهن معسرا وقولان
إن كان موسرا وعن الجديد الجزم بنفوذه إن كان موسرا وإن كان معسرا فقولان فإذا ضرب البعض
بالبعض خرجت ثلاثة أقوال (أحدها) انه لا ينفذ بحال لان الرهن عقد لازم حجر به الراهن على
نفسه فلا يتمكن من ابطاله مع بقاء الدين (والثاني) ينفذ لأنه اعتاق صادف الملك فأشبه اعتاق
المستأجر والزوجة وبه قال أبو حنيفة وأحمد الا أن أبا حنيفة يقول يستبقى العبد في قيمته إن كان
الراهن معسرا (والثالث) وهو الأصح وبه قال مالك انه إن كان موسرا نفذوا لا فلا تشبيها لسريان العتق
إلى حق المرتهن بسريانه من نصيب أحد الشريكين إلى الآخر والمعني فيه ان حق الوثيقة لا يتعطل
ولا يتأخر إذا كان موسرا *
92

(التفريع) ان قلنا لا ينفذ فالرهن بحاله فلو انفك بابراء أو غيره فقولان أو وجهان (أظهرهما)
انه لا يحكم بنفوذه أيضا لأنه لا يملك اعتاقه فأشبه ما إذا أعتق المحجور عليه بالسفه ثم زال الحجر
(والثاني) يحكم بنفوذه لان المانع من النفوذ في الحال حق المرتهن وقد زال وقطع قاطعون بالثاني
والخلاف فيه كالخلاف فيما إذا أعتق المحجور عليه بالفلس عبدا ثم انفك الحجر عنه ولم يتفق بيع
ذلك العبد هل يعتق وان بيع في الذين ثم ملكه يوما لم يحكم بالعتق ومنهم من طرد فيه الخلاف
المذكور في الصورة الأولى وعن مالك أنه يحكم بنفوذ العتق في الصورتين وان قلنا ينفذ العتق
مطلقا فعلى الراهن قيمته باعتبار يوم الاعتاق ثم إن كان موسرا أخذت منه في الحال وجعلت رهنا مكانه
وإن كان معسرا انظر إلى اليسار فإذا أيسر أخذت منه وجعلت رهنا ان لم يحل الحق بعد وان حل
93

طولب به ولا معنى للرهن هكذا قاله أصحابنا العراقيون ولك أن تقول كما أن ابتداء الرهن قد
يكون بالحال وقد يكون بالمؤجل فكذلك قد تقتضي المصلحة أخذ القيمة رهنا وان حل الحق إلى
أن يتيسر استيفاؤه وبتقدير صحة التفصيل الذي ذكروه وجب أن يجرى مثله في القيمة التي تؤخذ
من الموسر ثم قال الامام ومهما بدل القيمة على قصد المغرم صارت رهنا ولا حاجة إلى عقد مستأنف
والأعيان مقصد المؤدى ومتى كان المعتق موسرا أو التفريع على القول الثاني أو الثالث ففي وقت
نفوذ العتق طريقان (أحدهما) وهو الذي أورده القاضي ابن كج أنه على الأقوال في وقت نفوذ
العتق في نصيب الشريك إذا أعتق الشريك نصيبه ففي قول يتعجل وفى قول يتأخر إلى أن يغرم
القيمة وفى قول يتوقف فإذا غرم أنفذنا العتق يقينا (وأظهرهما) القطع بنفوذه في الحال والفرق أن
العتق ثم يسرى إلى ملك الغير ولابد من تقدير انتقاله إلى المعتق فجاز أن يقول إنما ينتقل إذا استقر
ملك الشريك ويده على العوض واعتاق الراهن يصادف ملكه * (وأما المسألة الثانية) فينظر ان
علق عتق المرهون بفكاك الرهن نفذ عند الفكاك لان مجرد التعليق لا يضر بالمرتهن وحين ينزل
94

العتق لا يبقى له حق وان علق بصفة أخرى فان وجدت قبل فكاك الرهن ففيه الأقوال المذكورة
في التنجيز وان وجدت بعده فوجهان (أصحهما) النفوذ لأنه لا يبطل حق المرتهن (والثاني) لا ينفذ
أيضا لا للتعليق مطلقا كالتنجيز في قول والوجهان شبهتان بالخلاف فيما إذا قال العبد لزوجته ان
فعلت كذا فأنت طالق ثلاثا ثم عتق ثم فعلته هل تقع الطلقة الثالثة لكن ذلك الخلاف جار
وان علق بالعتق فقال إن عتقت فأنت طالق ثلاثا فلا خلاف في تعليق العتق بالفكاك أنه ينفذ
عند الفكاك قال الامام والفارق أن الطلقة الثالثة ليست مملوكة للعبد ومحل العتق مملوك
للراهن وإنما منع لحق المرتهن ولعلك لا تنقاد لهذا الفرق وتقول العتق غير مملوك للراهن
كما أن الطلقة الثالثة غير مملوكة للعبد ومحل الطلاق مملوك للعبد كما أن محل العتق مملوك للراهن
فلا فرق والله أعلم *
(فرعان) أحدهما لو رهن نصف عبده ثم أعتق نصفه نظر ان أضاف العتق إلى النصف
المرهون ففيه الخلاف وان أضافه إلى النصف الآخر أو أطلق عتق ما ليس بمرهون وهل يسرى إلى
95

المرهون ان جوزنا اعتاق المرهون فنعم والا فوجهان (أصحهما) انه يسرى أيضا لان أقصى ما في
الباب تنزيل المرهون منزلة ملك الغير والعتق يسرى إلى ملك الغير وعلى هذا هل يفرق بين
الموسر والمعسر قال في النهاية قال المحققون نعم وفى التتمة انه يسرى سواء كان له مال آخر أولم
يكن لأنه ملكه (الثاني) في وقف المرهون طريقان (أحدهما) أنه كالعتق لما فيه من الغرر والتعليق
الذي لا يقبل النقض (وأظهرهما) القطع بالمنع ويفارق العتق لقوة العتق بالسراية وغيرها وقال
المتولي (ان قلنا) الوقف لا يحتاج إلى القبول فهو كالعتق (وإن قلنا) يحتاج إليه فيعتق بالمنع وهذه
طريقة ثالثة والله أعلم *
قال (ويمنع من الوطئ خيفة الاحبال المنقص * والأحوط (و) حسم الباب وإن كانت صغيرة
(و) أو آيسة (و) * فان فعل فالولد نسيب * والاستيلاد مرتب (و) على العتق وأولى بالنفوذ
لأنه فعل * وقيل بنقيضه لان العتق منجز * ثم إذا انفك فالأصح عود الاستيلاد) *
عرفت من قبل أن المذهب الصحيح جواز رهن الجواري على الاطلاق وعلى هذا فلو كانت
الجارية المرهونة بكرا فليس للراهن وطؤها بحال لان الافتضاض ينقص قيمتها وإن كانت ثيبا
96

فكذلك في سن تحبل لأنهار ربما حبلت فتفوت الوثيقة أو تتعرض للهلاك في الطلق ولنقصان الولادة
فليس له أن يقول أطأ وأعزل لأن الماء قد يسبق وإن كانت في سن لا تحبل لصغر أو إياس فوجهان
(قال) أبو إسحاق له أن يطأها كسائر الانتفاعات التي لا تضر بالمرتهن وهذا اختيار القاضي ابن كج وقال
ابن أبي هريرة والأكثرون يمنع من وطئها احتياطا لجسم الباب إذ العلوق ليس له وقت معلوم وهذا
كما أن العدة تجب على الصغيرة والآيسة وإن كان القصد الأصلي استبراء الرحم ويجرى الوجهان فيما إذا
كانت حاملا من الزنا لأنه لا يخاف من وطئها الحبل نعم غشيان مثل هذه المرأة مكروه على الاطلاق
فلو خالف ما ذكرناه ووطئ فلا حد ولا مهر ولكن عليه أرش البكارة إذا افتض أما أنه لاحد ولا مهر
فلانه أصاب ملكه ويخالف ما لو وطئ المكاتبة حيث يغرم المهر لها لان المكاتبة قد استقلت
97

واضطرب الملك فيها أو زال ولهذا لو وطئها أجنبي كان المهر لها ولو وطئ المرهونة أجنبي كان المهر للسيد وأما وجوب
أرش البكارة فلان الافتضاض إتلاف جزء ثم إن شاء جعله رهنا وان شاء صرفه إلى أداء الدين وإذا أولدها فالولد نسيب
حر ولا قيمة عليه لان المرتهن لاحق له في ولد المرهونة بحال وهل تصير أم ولد له فيها الأقوال المذكورة في الاعتاق
ثم منهم من جعل الخلاف بالترتيب واختلفوا في كيفيته فقال أبو إسحاق والأكثرون الاستيلاد أولى
بالنفوذ لأنه فعل والافعال أقوى وأشد نفوذا ولهذا ينفذ استيلاد المجنون والمحجور عليه ولا ينفذ
إعتاقهما وينفذ استيلاد المريض من رأس المال وأعتقاه من الثلث وقال آخرون الاستيلاد أولى بعدم
النفوذ لأنه لا يفيد حقيقة العتق وإنما يثبت به حق العتق وحق العتق دون حقيقة العتق المنجزة فكان
العتق أولى بالنفوذ ومنهم من امتنع من الترتيب وسوى بينهما التعارض المعنيين وبه قال الشيخ أبو حامد
98

ويخرج من هذه الاختلافات ثلاثة طرق كما أفصح بها صاحب التتمة (أظهرها) طرد الخلاف
(والثاني) القطع بنفوذ الاستيلاد (والثالث) القطع بعدمه *
(التفريع) ان قلنا ينفذ الاستيلاد فعليه القيمة والحكم على ما مر في العتق وان قلنا لا ينفذ
فالرهن بحاله فلو حل الحق وهي حامل بعد لم يجز بيعها لأنها حامل بحر وفيه وجه آخر وقد ذكرنا
ذلك في البيع فإذا ولدت فلا تباع حتى تسقى ولدها اللبأ وإذا سقته ولم توجد مرضعة فلا تباع حتى
توجد مرضعة خوفا من أن يسافر بها المشترى لو بيعت فيهلك الولد وإذا وجدت مرضعة فتباع الجارية ولا يبالي
99

بالتفريق بين الام والولد للضرورة فان الولد حر وبيعه ممتنع * ثم إن كان الدين يستغرق قيمتها بيع؟ كلها
والا بيع منها بقدر الدين وان أفضى التشقيص إلى نقصان رعاية لحق الاستيلاد ويخالف ما إذا اتفق مثل
ذلك في العبد القن بأن كانت قيمته مائة وهو مرهون بخمسين وكان لا يشترى نصفه إلا بأربعين
ويشترى الكل بمائة حيث يباع الكل دفعا للضرر عن المالك وان لم يوجد من يشترى البعض
بيع الكل للضرورة * وإذا بيع منها بقدر الدين انفك الرهن عن الباقي واستقر الاستيلاد وتكون
النفقة على المشترى والمستولد بحسب النصيبين والكسب بينهما كذلك ومهما عادت إلى ملكه بعد
100

ما بيعت في الدين فهل يحكم بنفوذ الاستيلاد فيه طريقان (أظهرهما) أنه على قولين كما
لو استولد جارية الغير بالشبهة ثم ملكها اختار المزني أنه لا يحكم به (والمذهب) المنصوص انه يحكم
وفى مثل هذه الصورة في الاعتاق ذكرنا أن الأظهر عدم نفوذ العتق والفرق ان الاعتاق قول يقتضى
العتق في الحال فإذا رد لغا بالكلية والاستيلاد فعل لا يمكن رده وإنما منع حكمه في الحال لحق الغرماء
فإذا زال حق الغير عمل عمله (والطريق الثاني) القطع بنفوذ الاستيلاد لوقوعه في الملك بخلاف استيلاد
جارية الغير بالشبهة * ولو انفك الرهن عنها ولم يتفق بيعها بعد الاستيلاد ومنهم من خرجه على الخلاف
المذكور فيما إذا بيعت ثم عادت إليه وعلى الخلاف المذكور في نظيره من الاعتاق (والمذهب) الأول
ويفارق ما إذا بيعت وعادت لان الملك ههنا هو الملك الذي تصرف فيه ويفارق الاعتاق لما سبق
101

وليس للراهن أن يهب هذه الجارية للمرتهن وإنما تباع في الحق للضرورة وهذا معنى قول الأئمة ان
الاستيلاد ثابت في حق الراهن والخلاف في أنه أنه هل يثبت في حق المرتهن والله أعلم * (وقوله) في
الكتاب مرتب على العتق يجوز اعلامه بالواو للطريقة الثانية للترتيب وكذا قوله والأصح عود
الاستيلاد للطريقة النافية للخلاف وليس لفظ العود ههنا مستعملا في حقيقته فإنه يستدعى ثبوتا في الابتداء
وزوالا وليس الاستيلاد كذلك *
قال (ولو ماتت بالطلق فعليه القيمة لأنه مهلك بالاحبال * وكذا إذا وطئ أمة الغير بشبهة
ولا يضمن الزوج زوجته به * وكذلك الزاني بالحرة لان الاستيلاد كأنه اثبات يد وهلاك تحت اليد
المستولية على الرحم والحرة لا تدخل تحت اليد والا فمجرد السبب ضعيف * ولذلك قيل على رأى
يجب أقصى القيم من يوم الاحبال إلى الموت * وقيل يعتبر يوم الاحبال * وقيل يوم (ح) الموت
102

ولا يمنع من الانتفاع (ح) بسكنى الدار * أو استكساب العبد * أو استخدامه * أو انزاء الفحل
على الإناث ان لم ينقص قيمته) *
إذا ماتت الجارية التي أولدها الراهن بالولادة والتفريع على أن الاستيلاد غير نافذ فعليه قيمتها لتكون
رهنا مكانها لأنه تسبب إلى إهلاكها بالاحبال لاعن استحقاق والضمان كما يجب بالمباشرات يجب
بالأسباب كحفر البئر ونحوه وعن أبي على الطبري وغيره وجه أنه لا تجب عليه القيمة لان إضافة الهلاك
إلى الوطئ بعيدة واحالته على علل وعوارض تقتضي شدة الطلق أقرب وأظهر والمذهب المشهور الأول * ولو أولد
أمة الغير بالشبهة وماتت بالولادة ففي وجوب القيمة هذا الخلاف ولو كانت حرة ففي وجوب الدية
وجهان (قال) الامام أقيسهما الوجوب لان طريق وجوب الضمان لا يختلف بالرق والحرية (وأشهرهما) المنع
103

لان الوطئ سبب ضعيف وإنما أوجبنا الضمان في الأمة لان الوطئ استيلاء عليها والعلوق من آثاره
فادمنا به اليد والاستيلاء كما إذا نفر المحرم صيدا فبقي نفاره إلى التغير والهلاك والحرة لا تدخل تحت اليد
والاستيلاء ولو أولد امرأة بالزنا وهي مكرهة فماتت بالولادة فقد روي الشيخ أبو حامد في وجوب
الضمان قولين حرة كانت أو أمة (أحدهما) يجب لما سبق (وأصحهما) المنع لان الولادة في الزنا
لا تنضاف إلى وطئه لان الشرع قطع سبب الولد عنه ولا خلاف في عدم وجوب الضمان عند
موت الزوجة من الولادة لتولد الهلاك عن مستحق وحيث أوجبنا الضمان في الحرة فهو الدية
مضروبة على العاقلة وحيث أوجبنا القيمة فالاعتبار بأية قيمة فيه ثلاثة أوجه (أحدها)
بأقصى القيم من يوم الاحبال إلى الموت تنزيلا له منزلة الاستيلاد والغصب (وثانيها) وبه قال ابن
104

أبي هريرة بقيمة يوم الموت لان التلف حينئذ متحقق (وأصحهما) بقيمة يوم الاحبال لأنه سبب التلف
فصار كما لو جرح عبدا قيمته مائة وبقى مثخنا حتى مات وقيمته عشرة فان الواجب مائة ويقال إن
ابن أبي هريرة ألزم هذه المسألة فمنعها وطرد قياسه ولا يخفى بعده * ولو لم تمت الجارية ونقصت قيمتها
بالولادة فعليه الأرش ليكون رهنا معها وله ان يصرف القيمة أو الأرش إلى قضاء الحق ولا يرهن *
قال (ولا يمنع من الانتفاع (ح) بسكنى الدار أو استكساب العبد أو استخدامه أو انزاء
الفحل على الإناث ان لم ينقص قيمته) *
افتتح الكلام في نوع آخر من تصرفات الراهن وهو ما سوى الوطئ من الانتفاعات وجملته
أن المنافع التي لا يضر استيفاؤها بالمرتهن لا تعطل من المرهون بل هي مستوفاة للراهن خلافا
لأبي حنيفة حيث قال هي معطلة وروى في الشامل عن مالك مثل مذهبنا وعن أحمد
105

اختلاف رواية * لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (الظهر يركب إذا كان مرهونا
وعلى الذي يركبه نفقته) (1) وروى أنه قال (الراهن محلوب ومركوب) (2) وفى الفصل
صور (إحداها) يجوز السكني في الدار وركوب الدابة واستكساب العبد ولبس الثوب المرهونة إلا
إذا كان مما ينقص باللبس (الثانية) الفحل المرهون يجوز انزاؤه على الإناث كالركوب
إلا إذا أثر ذلك في القيمة والأنثى يجوز الانزاء عليها كذلك إن كان يحل الدين قبل ظهور الحمل أو
تلد قبل حلول الدين فأن كان يحل بعد ظهور الحمل وقبل الولادة فان قلنا الحمل لا يعرف جاز أيضا
لأنها تباع مع الحمل وان قنا بفرق وهو الصحيح لم يجز لأنه لا يمكن بيعها دون الحمل والحمد غير
مرهون (الثالثة) لبس للراهن أن يبني في الأرض المرهونة ولا أن يغرس لأنه ينقص قيمة الأرض
106

وفي النهاية ذكر وجه أنه يجوز إن كان الدين مؤجلا وزرع ما ينقص قيمة الأرض لاستيفاء قوتها
ممنوع وما لا ينقص إن كان بحيث يحصد قبل حلول الأجل فلا منع منه ثم إن تأخر الادراك لعارض ترك
إلى الادرك وإن كان بحيث يحصد بعد الحلول أو كان الدين حالا منع منه لنقصان الرغبة
في الأرض المزروعة وعن الربيع حكاية قول أنه لا يمنع منه لكن يجبر على القلع عند الحلول إن لم
يف بيعها مزروعة دون الزرع بالدين وفى هذا التفات إلى أن الأرض المزروعة هل يجوز بيعها أم لا ولو
خالف ما ذكرناه فغرس أو زرع حيث منعناه منه فلا يقلع قبل حلول الأجل فلعله يقضى الدين من موضع
آخر وفيه وجه أنه يقلعه وبعد حلول الدين ومساس الحاجة إلى البيع يقلع إن كانت قيمة الأرض
لا تفي بدينه وتزداد قيمتها بالقلع نعم لو صار الراهن محجوزا عليه بالافلاس ففي القلع وجهان
بخلاف ما لو نبت النخل من النوى في حميل السيل حيث جزمنا بأنه لا يقلع في مثل هذه الحالة لأنا منعناه
ههنا فخالف كذا قاله الامام *
107

قال (ويمنع عن المسافرة به لعظم الحيلولة كما يمنع زوج الأمة عن السفر بها * بخلاف الحر
فإنه يسافر بزوجته * وان أمكن استكساب العبد في يده لم ينتزع من يده جمعا بين الحقين * ومهما
انتزع فعليه الاشهاد * إلا أن يكون عدالته ظاهرة ففي تكليفه ذلك خلاف) *
أصل الفصل أن اليد على المرهون مستحقة المرتهن فإنها الركن الأعظم وفى التوثق مما
لا منفعة به مع بقاء عينه كالنقود والحبوب لا تزال يد المرتهن عنه وإن أمكن تحصيل الغرض مع
بقائه في يد المرتهن يصار إليه جمعا بين الحقين وإنما تزال يده عند اشتداد الحاجة إليه * إذا عرفت
ذلك فإن كان العبد محترفا وتيسر استكسابه هناك ولم يخرج من يده إن أراد الراهن الاستكساب
وان أراد استخدام أو الركوب أو شيئا من الانتفاعات التي يحوج استيفاؤها إلى إخراجه من يده
فعن رواية صاحب التقريب قول قديم أنه لا يخرج من يده ولا نوهن وثيقته والمشهور أنه يخرج
ثم ينظر إن استوفى تلك المنافع بإعارة من عدل أو إجارة بالشرط الذي سبق فله ذلك وأن أراد
استيفاءها بنفسه قال في الام له ذلك ومنع منه في القديم فحمل حاملون الأول على الثقة المأمون جحوده
والثاني على غيره فأجراهما مجرون قولين مطلقين ووجهوا الثاني بما يخاف من جحوده وخيانته لو سلم
108

إليه والأول بان ماله استيفاؤه بغيره له استيفاؤه بنفسه ويشبه أن يكون هذا أظهر ويتفرع عليه ما نقله
امام الحرمين وصاحب الكتاب وهو أنه ان وثق المرتهن بالتسليم فذاك والا أشهد عليه شاهدين
أنه يأخذه للانتفاع فإن كان مشهور العدالة موثوقا به عند الناس فوجهان (أشبههما) أنه يكتفى بظهور
حاله ولا يكلف الاشهاد في كل اخذه لما فيه من المشقة ويزداد في أخذ الجارية للاستخدام نظر
آخر وهو أن الراهن إنما يمكن منه إذا أمن غشيانه إياها بأن كانت محر ماله أو كان ثقة
وله أهل كما تقدم نظيره ثم إن كان اخراج المرهون من يد المرتهن لمنفعة يدام استيفاؤها فذاك
فإن كان لمنفعة تستوفى في بعض الأوقات كالاستخدام والركوب فتستوفى نهارا وترد إلى المرتهن
ليلا * وليس للراهن أن يسافر بالمرهون بحال طال سفره أم قصر لما فيه من الخطر والحيلولة القوية من
غير ضرورة ولمثل هذا منع زوج الأمة من المسافرة بها وإنما جاز لسيدها أن يسافر بها لحقه المتعلق
بالرقبة ولئلا يتكاسل في تزويجها ويجوز للحر أن يسافر بزوجته رعاية لمصالح النكاح التي لها فيها
109

الحظ * الوافر واعلم أن لفظ الكتاب ههنا وفى الوسيط يدل على أنه لا ينزع العبد من يد المرتهن
إذا أمكن استكسابه وان طلب الراهن منه الخدمة ولم يتعرض الأكثرون لذلك وقضية كلامهم
أن له أن يستخدم مع إمكان الاستكساب والله تعالى أعلم *
(فرع) لا تزال يد البائع عن العبد المحبوس بالثمن للانتفاع لان ملك المشتري غير مستقر قبل
القبض وملك الراهن مستقر وهل يستكسب في يده للمشترى أم تعطل منافعه فيه اختلاف للأصحاب *
قال (وكل ما منع منه فإذا أذن المرتهن جاز لان الحق لا يعدوهما * ثم إذا أذنه في العتق
سقط الغرم عنه * وفى البيع قبل حلول الأجل يمنع (ح) تعلقه بالثمن * وله الرجوع قبل البيع
وكذا إذا أذن في الهبة ووهب ولم يقبض فله الرجوع * ولو شرط في الاذن في البيع جعل المثن
رهنا لم يجز ذلك في الأصح لأنه نقل للوثيقة * ولو شرط أن يعجل حقه من الثمن فسد الاذن (و)
لأنه أذن بعوض فاسد * بخلاف ما لو شرط لوكيله أجرة من ثمن ما يبيعه إذ ليس العوض ههنا في
مقابلة الاذن) *
110

الفصل يشتمل على قاعدتين (إحداهما) التصرفات التي يمنع منها الراهن لحق المرتهن إذا
اقترنت بإذن المرتهن نفذت فإذا أذن له في الوطئ حل له الوطئ ثم إن وطئ ولم يحبل فالرهن بحاله
وان أحبل أو أعتق أو باع بالاذن نفذت هذه التصرفات وبطل الرهن * ويجوز أن يرجع المرتهن عن
الاذن قبل تصرف الراهن كما يجوز للمالك أن يرجع قبل تصرف الوكيل فإذا رجع فالتصرف
بعده كما لو لم يكن إذن ولو أذن في الهبة والاقباض ورجع قبل الاقباض صح وامتنع الاقباض لان تمام
الهبة بالاقباض ولو أذن في البيع فباع الراهن بشرط الخيار فرجع المرتهن فوجهان (أحدهما) يصح
رجوعه لأن العقد لم يلزم بعد كالهبة قبل الاقباض (وأصحهما) المنع لان مبنى البيع على اللزوم
والخيار دخيل وإنما يظهر أثره في حق من له الخيار وفى الهبة الركن الأقوى إنما هو الاقباض * ولو
111

رجع المرتهن ولم يعلم به الراهن فتصرف ففي نفوذه وجهان مبنيان على أن الوكيل هل ينعزل بالعزل
قبل بلوغ الخبر (الأصح) الانعزال * ومهما أحبل أو أعتق أو باع وقال فعلته بالاذن وأنكر المرتهن
فالقول قوله مع يمينه لان الأصل عدم الإذن وبقاء الرهن فان حلف فهو كما لو تصرف بغير اذنه
وان نكل فحلف الراهن فهو كما لو تصرف باذنه فان نكل فهل يرد اليمين على الجارية أو العبد
فيه طريقان (إحداهما) وبه قال ابن القطان فيه قولان كما لو نكل الوارث عن يمين الرد هل يحلف
الغرماء (وأشبههما) وبه قال أبو إسحاق وأبو حامد القطع بالرد لان الغرماء يثبتون الحق للميت
112

أولا والجارية والعبد يثبتان لأنفسهما ولو وقع هذا الاختلاف بين المرتهن وورثة الراهن حلفوا
يمين الرد على البت وهل يثبت اذن المرتهن برجل وامرأتين حكى القاضي ابن كج فيه وجهين والقياس
المنع كالوكالة والوصاية ولو حصل عند الجارية المرهونة ولد فقال الراهن قد وطئتها باذنك فأتت بهذا الولد
منى وهي أم ولد وقال المرتهن بل هو من زوج أو زنا فالقول قول الراهن بعد أن يسلم له المرتهن
أربعة أمور (أحدها) الاذن في الوطئ (والثاني) أنه وطئ (والثالث) أنها ولدت (والرابع) أنه
مضى مدة امكان الولد منه فإن لم يسلم الاذن فقد ذكرنا أن القول قوله وان لم يسلم أنه وطئ وسلم الاذن
فوجهان (الذي) ذكره المعظم أن القول قوله أيضا لان الأصل عدم الوطئ وبقاء الرهن (وقال) القاضي
113

ابن كج والامام الأصح أن القول قول الراهن لأنه أخبر عما ما يقدر على إنشائه وان سلمهما وقال
ما ولدته ولكن التقطته فالقول قوله وعلى الراهن البينة على الولادة أيضا ولو سلم الولادة وأنكر مضى الامكان
فالقول قوله أيضا ومهما سلم الأمور الأربعة فالقول قول الراهن من غير يمين لأنه إذا أقر بأن الولد
منه لم يقبل رجوعه فكيف يحلف عليه ولو لم يتعرض المرتهن لهذه الأمور منعا وتسليما واقتصر على أن
كار الاستيلاد فالقول قوله أيضا وعلى الراهن اثبات هذه الوسائط (الثانية) إذا أعتق أو وهب
بإذن المرتهن بطل حقه من الرهن سواء كان الدين حالا أو مؤجلا وليس عليه أن يجعل قيمته
رهنا مكانه ولو باع ما يلزمه والدين مؤجل فكذلك خلافا لأبي حنيفة حيث قال يلزمه أن يرهن ثمنه مكانه
أو يقضى الدين * لنا القياس على الاعتاق والهبة ولو كان الدين حالا قضى حقه من ثمنه وحمل إذنه المطلق
على البيع في عرضه لمجئ وقته ولو أنه في البيع بشرط أن يجعل الثمن رهنا مكانه فقولان سواء كان
الدين حالا أو مؤجلا (أحدهما) يصح الاذن والبيع وعلى الراهن الوفاء بالشرط وبهذا قال أبو حنيفة
والمزني وأصحاب أحمد لان الرهن قد ينتقل من العين إلى البدل شرعا كما لو أتلف المرهون فجاز أن ينتقل
إليه شرطا (وأصحهما) عند المحاملي وصاحب الكتاب أنها فاسدة (أما) الشرط فلان الثمن مجهول
عند الاذن فأشبه ما إذا أذن بشرط أن يرهن به مالا آخر مجهولا وإذا بطل الشرط بطل
114

الاذن فإنه وقف الاذن على حصول الوثيقة في البدل وإذا بطل الاذن بطل البيع ولو أذن
في الاعتاق وشرط جعل القيمة رهنا أو في الوطئ بهذا الشرط ان أحيل ففيه القولان
ولو أذن في البيع بشرط أن يعجل حقه من ثمنه وهو مؤجل فالمنصوص فساد الاذن والبيع
لفساد الشرط * وقال أبو حنيفة والمزني وأصحاب أحمد يصح الاذن والبيع ويجعل الثمن رهنا مكانه وعن أبي إسحاق
تخريج قول من المسألة السابقة واحتج المزني بأن فساد الشرط لا يوجب فساد الاذن
والبيع ألا ترى أنه لو وكل وكيلا ببيع عبده على أن له عشر ثمنه يصح الاذن والبيع مع أن الشرط
فاسد لكون الأجرة مجهولة ويرجع الوكيل إلى أجرة المثل وأجاب الأصحاب بأن الموكل لم يجعل
لنفسه في مقابلة الاذن شيئا وإنما شرط للوكيل جعلا مجهولا فاقتصر الفساد عليه وههنا المرتهن شرط لنفسه
شيئا في مقابلة إذنه وهو تعجيل الحق فإذا فسد فسد ما يقابله ولهذا المعنى قدح قادحون في تخريج أبى اسحق
وقالوا الشرط صحيح في المسألة الأولى على قول فصح الاذن المقابل له وههنا المرتهن شرط لنفسه
شيئا في مقابلة إذنه وهو تعجيل الحق فالشرط فاسد بالاتفاق فلا يمكن تصحيح ما يقابله ولو اختلفا فقال
المرتهن أذنت في البيع بشرط أن ترهن الثمن وقال الراهن بل أذنت مطلقا فالقول قول المرتهن كما لو
اختلفا في أصل الاذن * ثم إن كان الاختلاف قبل البيع فليس له البيع وإن كان بعده وحلف المرتهن
115

فان صححنا الاذن فعلى الراهن رهن الثمن والا فان صدق المشترى المرتهن فالبيع مردود وهو مرهون
كما كان وان كذبه نظر ان أنكر أصل الرهن حلف وعلى الراهن أن يرهن قيمته وان أقر بكونه
مرهونا وادعى مثل ما ادعاه الراهن فعليه رد المبيع ويمين المرتهن حجة عليه أيضا قال الشيخ أبو حامد ولو
أقام المرتهن بينة على أنه كان مرهونا فهو كما لو أقر المشترى به والله أعلم (وقوله) في الكتاب لأنه نقل للوثيقة
ليس تعليلا لقول المنع خاصة وإنما أشار به إلى كلام ذكره الامام وهو أن الخلاف في المسألة يترتب
على الخلاف في رهن ما يتسارع إليه الفساد بالدين المؤجل فان منعناه بذلك لصرنا إلى امتناع نقل
الوثيقة من عين إلى عين فعلى هذا لا يجوز الاذن بشرط النقل وان صححناه وقد احتملنا نقل الوثيقة
فيجوز شرطه فهذا ما أراده إلا أن لك أن تمنع قوله إذا منعنا رهنه بالدين المؤجل فذلك لمصيرنا إلى امتناع
نقل الوثيقة من عين إلى عين ونقول بل ذلك لامتناع النقل من غير التعرض للنقل ولهذا يصح رهنه
بالدين المؤجل بشرط البيع عند الاشراف على الفساد وههنا وجد التعرض للنقل *
(فرع) منقول عن الام لو أذن المرتهن للراهن في ضرب العبد المرهون فهلك في الضرب
فلا ضمان عليه لتولده من مأذون فيه كما لو أذن في الوطئ وأحبل بخلاف ما إذا ضرب الزوج زوجته
116

أو الامام انسانا تعزيرا لان المأذون فيه هناك ليس مطلق الضرب وإنما هو ضرب التأديب وههنا
أيضا لو قال أدبه فضربه حتى هلك فعليه الضمان *
قال (والتركة إذا تعلقت بالديون أنها كالمرهون في منع التصرف فيه * وقيل إنه
كالعبد الجاني * فان منع منه فظهر دين يرد العوض بالعيب بعد تصرف الورثة ففي بيعه
بالنقص خلاف) *
لا شك في أن الديون على المتوفى تتعلق بتركته وفى كون ذلك التعلق مانعا أو أمن الإرث خلاف
ذكرناه في الزكاة وبينا أن الأصح أنه لا يمنع وعلى هذا في كيفيته قولان ويقال وجهان (أحدهما)
أنه كتعلق الأرش برقبة الجاني لان كل واحد منهما يثبت شرعا من غير اختيار المالك (والثاني)
أنه كتعلق الدين بالمرهون لان الشارع إنما أثبت هذا التعلق نظر للميت لتبرأ ذمته فاللائق به
الا يسلط الوارث عليه وهذا أظهر فيما ذكره الامام وغيره فلو أعتق الوارث أو باع وهو معسر لم يصح
سواء جعلناه كالعبد الجاني أو كالمرهون ويجئ في هذا الاعتاق خلاف وإن كان موسرا نفذ في وجه بناء على أن
التعلق كتعلق الأرش ولم يبعد في وجه بناء على أن التعلق كتعلق الدين بالمرهون وحكى الشيخ أبو علي وجها ثالثا
وهو أنهما موقوفان ان قضى الوارث الدين تبينا النفوذ والا فلا ولا فرق بين أن يكون الدين مستغرقا للتركة أو أقل منها
117

على أظهر الوجهين كما هو قياس الديون والرهون (والثاني) أنه إن كان الدين أقل فقد تصرف
الوارث إلى أن لا يبقي الا قدر الدين لان الحجر في مال كثير بشئ حقير بعيد وإذا حكمنا ببطلان
تصرف الوارث فلو لم يكن في التركة دين ظاهر فتصرف ثم ظهر دين بأن كان قد باع شيئا
وأكل ثمنه فرد بالعيب ولزم رد الثمن أو تردى مترد في بئر كان قد احتفرها عدوانا فوجهان
(أحدهما) أنه يتبين فساد التصرف الحاقا لما ظهر من الدين بالدين المقارن لتقدم سببه (وأظهرهما)
أنه لا يتبين لأنه كان مسوغا لهم طاهرا فعلى هذا ان أدى الوارث الدين فذاك والا فوجهان (أظهرهما)
أنه يفسخ ذلك التصرف ليصل المستحق إلى حقه (والثاني) لا يفسخ ولكن يطالب الوارث
بالدين ويجعل كالضامن وعلى كل حال فللوارث ان يمسك عين التركة ويؤدى الديون من خالص
ماله نعم لو كانت الديون أكثر من التركة فقال الوارث أخذها بقيمتها والتمس الغرماء بيعها على
توقع زيادة راغب فوجهان بنوهما على أن السيد يفدى العبد الجاني بأرش الجناية أو بأقل الأمرين
من قيمته وأرش الجناية والأصح أن المجاب هو الوارث لأن الظاهر أنها لا تشترى بأكثر من القيمة
وفى تعلق حقوق الغرماء بزوائد التركة كالكسب والنتاج خلاف يتفرع على ما مر أن الدين هل
يمنع الميراث إن منعه نبت التعلق والا فلا (وقوله) ففي بيعه بالنقص خلاف أراد به أنا هل نتبين الفساد على
118

ما هو مبين الوسيط ويمكن حمله على الخلاف في أنا هل نفسخه تفريعا على الصحة واللفظ أقرب إليه
ولا يخفى أنه ليس لهذا الفصل كبير تعلق بباب الرهن ولا شبه منه بهذا الموضع لكن صاحب الكتاب
اقتدى بامام الحرمين في إبداع هذا الباب إلا أنه رسمه فرعا في آخره *
قال (الطرف الثاني * جانب المرتهن * وهو مستحق إدامة اليد ولا تزال يده الا لأجل
الانتفاع (ح) نهارا ثم يرد عليه ليلا * ولو شرط التعديل على يد ثالث ليثقوا كل واحد به جاز *
ثم ليس للعدل تسليمه إلى أحدهما دون إذن صاحبه * فان فعل ضمن للآخر * ولو تغير حاله بالفسق
أو بالزيادة فيه فلكل واحد طلب التحويل منه إلى عدل آخر) *
اليد في الرهن بعد لزومه مستحقة للمرتهن فان قوام التوثق بها ولا تزال يده للانتفاع كما سبق
ثم يرد إليه ليلا وإن كان العبد ممن يعمل بالليل كالحارس فيرد إليه نهارا ولو شرطا في الابتداء وضعه في
يد ثالث جاز فربما لا يثق أحدهما بالآخر يثقان به لو شرط وضعه عند اثنين فان نصا على أن لكل
واحد منهما الانفراد بالحفظ أو على أن يحفظاه معا في حرز اتبع الشرط وان أطلقا فوجهان لابن سريج
(أصحهما) أنه ليس لأحدهما أن ينفرد بالحفظ كما لو أوصي إلى رجلين أو وكل رجلين بشئ لا يستقل
أحدهما فعلي هذا يجعلانه في حرز لهما (والثاني) يجوز الانفراد كيلا يشق عليهما فعلى هذا ان اتفقا
119

على كونه عند أحدهما فذاك وان تنازعا والرهن مما ينقسم قسم وحفظ كل واحد نصفه وإن كان مما
لا ينقسم حفظه هذا مدة وهذا مدة ولو قسماه بالتراضي والتفريع على الوجه الثاني ثم أراد أحدهما أن يرد
ما في يده على صاحبه ففي جوازه وجهان لابن سريج وجه المنع أن المشقة قد اندفعت بما جرى وإذا
أراد العدل وضع الراهن عنده رده إليهما أو إلى وكيلهما فإن كان غائبين ولا وكيل فهو كرد
الوديعة وسيأتي وليس له دفعة إلى أحدهما دون إذن الآخر فان فعل ضمن واسترد منه إن كان باقيا
وان تلف في يد المدفوع له نظر ان دفعه إلى الراهن رجع المرتهن بكمال قيمته وان زادت على حقه
ليكون رهنا مكانه ويغرم من شاء من العدل والراهن والقرار على الراهن فان غرم العدل فله ان
يكلف الراهن قضاء الدين لفك المأخوذ منه وان دفعه إلى المرتهن فللراهن أن يغرم من شاء من العدل
والمرتهن قيمته ليكون رهنا والقرار على المرتهن فإن كان الحق حالا والدين من جنس القيمة وقع
الكلام في التقاض ولو غصب المرتهن الرهن من يد العدل ضمن فلو رده إليه برئ وحكى الامام في النهاية
وجها أنه لا يبرأ إلا بالرد إلى المالك أو بأذن جديد للعدل في أخذه والمذهب الأول وكذلك الجواب
لو غصب الوديعة من المودع أو العين المكراة من المكترى أو الرهن من المرتهن ثم رد إليهم ولو غصب
اللقطة من الملتقط لم يبرأ بالرد إليه ولو غصب من المستعير أو المستام ثم رد فوجهان لأنهما مأذونان من
120

جهة المالك لكنهما ضامنان ولو اتفق المتراهنان على نقل الرهن إلى يد عدل آخر جاز فأن طلبه
أحدهما فلا يجاب إلا أن يتغير حاله بفسق أو بضعف عن الحفظ أو يحدث بينه وبين أحدهما عداوة
فيطلب نقله فحينئذ ينقل إلى يد آخر يتفقان عليه فأن تشاحا وضعه الحاكم عند من يراه فلو كان
من وضعاه عنده فاسقا في الابتداء فازداد فسقا فهو كما لو كان عدلا ففسق وكذا لو مات وأراد أحدهما
اخراجه من يد وارثه وكذا لو كان في يد المرتهن فتغير حاله أو مات كان للراهن نقله وفى النهاية نقل
وجه أنه إذا مات المرتهن لا تزال يد ورثته ولكن إذا لم يرض الراهن بيدهم ضم القاضي إليهم مشرفا
121

وإذا ادعى العدل هلاك الرهن في يده أو رده فالقول قوله مع يمينه كالمودع ولو أتلف الرهن عمدا أخذت
منه القيمة ووضعت عند آخر ولو أتلفه مخطئا أو أتلفه غيره أخذت القيمة ووضعت عنده هكذا ذكره
الأكثرون وفرقوا بينه وبين ما إذا كان مأذونا في بيعه حيث لا يتمكن من بيع القيمة المأخوذة بان
122

المأذون في بيع شئ لا يكون مأذونا في بيع بدله والمستحفظ في شئ يكون مستحفظا في بدله
وهذا غير محل الكلام ولضعفه ذهب الامام إلى أنه لابد من استحفاظ جديد وقياسه أن يقال لو
كان الرهن في يد المرتهن فأتلف وأخذ بدله كان للراهن الا يرضى بيده في البدل (وقوله) في
123

الكتاب فان تغير حاله بالفسق لا يمكن صرف الكناية فيه إلى العدل في قوله ثم ليس للعدل
تسليمه لان العدل لا يكون فاسقا حتى يتغير حاله بالزيادة فيه بل هي منصرفة إلى الثالث في
قوله على يد ثالث وما أشبه ذلك *
124

قال (وللمرتهن استحقاق البيع تقدما به على الغرماء عند حلول الدين ولكن لا يستقل به
دون اذن الراهن * بل يرفع إلى القاضي حتى يطالب الراهن أو يكلفه البيع * ولو أذن للعدل
وقت الرهن في البيع لم يجب مراجعته ثانيا على الأصح * ولو ضاع الثمن في يد العدل فهو أمانة
125

فان سلم إلى المرتهن باذن الراهن ولكن أنكرا تسليمه فهو ضامن * فان صدقه الراهن ففي ضمانه
لتقصيره في الاشهاد خلاف * ولا يبيع العدل الا بثمن المثل * فان طلب بزيادة في مجلس
العقد حول العقد إلى الطالب) *
126

المرتهن يستحق بيع المرهون عند الحاجة ويتقدم بثمنه على سائر الغرماء وإنما يبيعه الراهن أو وكيله
بإذن المرتهن فلو لم يأذن المرتهن وإن أراد الراهن بيعه وأبى المرتهن قال له القاضي ائذن في بيعه وخذ حقك
من ثمنه أو أبرأه وإن طلب المرتهن البيع وأبى الراهن ولم يقبض الدين أجبره الحاكم على قضائه أو
127

البيع إما بنفسه أو بوكيله فان أصر باعه الحاكم وعند أبي حنيفة لا يبيعه ولكن يحبس الراهن حتى
يبيع ولو كان الراهن غائبا أثبت الحال عند الحاكم حتى يبيعه فإن لم تكن بينة أو لم يكن في البلد
حاكم فله بيعه بنفسه كما أن من ظفر بغير جنس حقه من مال المديون وهو جاحد ولا بينة له أن يبيع
128

ويأخذ حقه من ثمنه ثم في الفصل مسائل (إحداها) لو أذن الراهن للمرتهن في بيعه بنفسه فباع في
غيبة الراهن فوجهان (أحدهما) وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد أنه يصح البيع كما لو أذن له في
بيع مال آخر (وأصحهما) المنع لأنه يبيعه لغرض نفسه فيكون متهما في الاستعجال وترك النظر وان
باعه بحضوره صح لانقطاع التهمة هذا ظاهر النص حيث قال ولو شرط للمرتهن إذا حل الحق أن يبيعه
لم يجز أن يبيع لنفسه الا بأن يحضر رب الرهن وفيه وجه أنه لا يصح أيضا لأنه توكيل فيما يتعلق بحقه فعلى هذا
لا يصح توكيله ببيعه أصلا ويتفرع عليه أنه لو شرط ذلك في ابتداء الرهن فإن كان الرهن مشروطا في بيع فالبيع
باطل وإن كان رهن تبرع فعلى القولين في الشروط الفاسدة التابعة للمرتهن أنها هل تبطل الرهن وعلى الأول وهو
المذهب في نص لفظ الرهن في الاذن تفصيل مذكور في الكتاب من بعد * واذن الوارث لغرماء الميت في بيع التركة
كاذن الراهن للمرتهن وكذا اذن السيد للمجني عليه في بيع العبد الجاني قاله الشيخ أبو حامد والله أعلم * واعلم
أن صاحب الكتاب قدر صحة البيع في المرتهن مفروغا منه متفقا عليه وتكلم في أنه لا يستقبل به
المرتهن كذلك ساق الامام وأول النص الذي سبق على شئ آخر سنذكره إن شاء الله تعالى (الثانية)
إذ وضعا الرهن عند عدل بشرط أن يبيعه عند المحل جاز ثم في اشتراط مراجعة الراهن وتجديد اذنه
129

عند البيع وجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبي هريرة يشترط لأنه قدر يكون له غرض في استبقاء
المرهون ويريد قضاء الحق من غيره (وأصحهما) عند الامام وصاحب الكتاب وبه قال أبو إسحاق
لا يشترط لان الأصل دوام الاذن الأول (وأما) المرتهن فجواب العراقيين أنه لابد من مراجعته
ويحصل اذنه ثانيا ولم يجروا فيه الخلاف ووجهوه بان المرهون إنما يباع لا يصال حقه إليه وذلك يستدعى
مطالبته بالحق فراجع ليعرف أنه مطالب أو ممهل أو مبرأ وقال الامام لا خلاف في أن المرتهن
لا يراجع لان غرضه تقوية الحق بخلاف الراهن فإنه قد يستبقى العين لنفسه فتأمل بعد إحدى
الطريقين عن الأخرى ولو عزل الراهن العدل قبل البيع انعزل وبه قال أحمد كسائر الوكلاء في سائر الأعمال
* وقال مالك وأبو حنيفة لا ينعزل ولو عزله المرتهن فوجهان (أحدهما) وهو ظاهر النص أنه
ينعزل كما لو عزله الراهن لأنه يتصرف لهما جميعا (وأظهرهما) وبه قال أبو إسحاق لا ينعزل لأنه وكيل
الراهن إذ المرهون له واذن المرتهن شرط جواز التصرف ولا كلام في أنه لو منعه من البيع لم يبع
وكذلك لو مات أحدهما (وإذا قلنا) لا ينعزل بعزل المرتهن فلو عاد إلى الاذن جاز البيع ولم يشترط
تجديد توكيل من الراهن قال في الوسيط ومساق هذا أنه لو عزله الراهن ثم عاد ووكل افتقر إلى تجديد اذن
130

للمرتهن ويلزم عليه أن يقال لا يعتد بإذن المرتهن قبل توكيل الراهن ولا بأذن المرأة للوكيل
قبل توكيل الولي إياه والكل محتمل (والثالثة) إذا باع العدل وأخذ الثمن فهو أمين والثمن من
ضمان الراهن إلى أن يتسلمه المرتهن وبه قال أحمد خلافا لأبي حنيفة ومالك حيث قالا هو من ضمان
المرتهن * لنا أن الثمن ملك الراهن والعدل أمينه فما تلف في يده يكون من ضمان المالك ولو تلف الثمن في يد العدل
ثم خرج الرهن مستحقا فالمشترى بالخيار بين أن يرجع بالثمن على العدل وبين أن يرجع على الراهن * ولو كان العدل
قد باع بأذن الحاكم لموت الراهن أو غيبته وتلف الثمن وخرج المرهون مستحقا فللمشتري الرجوع في مال الراهن ولا
يكون العدل طريقا للضمان في أصح الوجهين لأنه نائب الحاكم والحاكم لا يطالب فكذلك نائبه (والثاني) يكون طريقا
كالوكيل والوصي * وإذا ادعى العدل تلف الثمن في يده قبل قوله مع يمينه فان ادعي تسليمه إلى المرتهن وأنكر المرتهن
فالقول قول المرتهن مع يمينه * وعن أبي حنيفة أن القول قول العدل مع يمينه وإذا حلف المرتهن أخذ
حقه من الراهن ويرجع الراهن على العدل وإن كان قد أذن له في التسليم نعم لو أذن أولا وصدقه
في التسليم فوجهان (أظهرهما) أنه يضمن أيضا لتقصيره بترك الاشهاد (والثاني) لا لاعتراف الراهن
بأنه امتثل ما أمره به والمرتهن ظالم فيما يأخذه وبهذا قال ابن الوكيل والوجهان فيما إذا أطلق الاذن في
131

التسليم (فاما) إذا شرط عليه الاشهاد فتركه ضمن بلا خلاف وإذا ضمن بترك الاشهاد فلو قال
أشهدت وماتت شهودي وصدقه الراهن فلا ضمان وان كذبه فوجهان نشرحهما مع ما يناسب هذه
الصورة في الضمان إن شاء الله تعالى (الرابعة) إذا جاز للعدل البيع لم يبع الا بثمن المثل أو بما دونه
في قدر ما تتغابن به الناس وليكن ذلك من نقد البلد حالا فان أجل بشئ من هذه الشروط لم يصح
البيع وعن القاضي أبى حامد حكاية وجه أنه لو باع نسيئة صح ولا اعتبار به ولو سلم إلى المشترى صار
ضامنا ثم للمبيع حالتان (إحداهما) أن يكون باقيا فيستردد ويجوز للعدل بيعه بالاذن السابق وان
صار مضمونا عليه فإذا باعه وأخذ الثمن لم يكن الثمن مضمونا عليه لأنه لم يتعد فيه (الثانية) أن يهلك
في يده فإن كان قد باع بغير نقد البلد أو نسيئة فالراهن بالخيار في تغريم من شاء من العدل أو المشترى
كمال قيمته وان باع بدون ثمن المثل فقولان (أصحهما) وبه قيل أبو إسحاق ان الحكم كذلك
لأنه أخرجه من يده على وجه غير متبوع (والثاني) أنه ان غرم العدل حط النقصان الذي كان
محتملا في الابتداء مثاله لو كان ثمن مثله عشرة وكان يتغابن فيه بدرهم فباعه بثمانية يغرم تسعة ويأخذ
الدرهم الباقي من المشترى هكذا نقلوه وغالب الظن طرد هذا الخلاف في البيع بغير نص نقد البلد والنسيئة
132

وان اتفق النص على القولين في الغبن ويؤيده أن صاحب التهذيب في آخرين جعلوا كبقية تغريم
الوكيل إذا باع على أحد هذه الوجوه وسلم على الخلاف وسووا بين الصور الثلاث ومعلوم أنه لا فرق
بين العدل في الرهن وبين سائر الوكلاء وعلى كل حال فالقرار على المشترى لحصول الهلاك عنده *
(فرع) لو قال أحد المتراهنين بعه بالدراهم وقال الآخر بالدنانير لم يبع بواحد منهما لاختلافهما
في الاذن لكن يرفعان الامر إلى الحاكم ليبيع بنقد البلد ثم إن كان الحق من جنس نقد البلد فذاك
وإلا صرف نقد البلد إليه ولو رأى الحاكم أن يبيعه بجنس حق المرتهن جاز (الخامسة) إذا باع بثمن المثل
ثم زاد راغب قبل التفرق فليفسخ العقد ولبيعه منه فإن لم يفعل فوجهان (أحدهما) أن البيع لا ينفسخ
لان حصول الزيادة غير موثوق به (وأصحهما) الانفساخ لان مجلس العقد كحالة العقد وليس له
أن يبيع بثمن المثل وهناك من يبذل زيادة فعلى هذا لو بدا للراغب نظر إن كان قبل التمكن من
البيع منه فالبيع الأول بحاله وإن كان بعده فقد ارتفع ذلك البيع فلا بد من بيع جديد وفى طريقة الصيدلاني
أنه إذا بدا له بان بان البيع بحاله كما لو بذل الابن الطاعة لأبيه في الحج وجعلناه مستطيعا به ثم رجع
من الطاعة قبل أن يحج أهل بلده فأنا نتبين عدم الوجوب ولو لم ينفسخ العقد في البيع الأول وباع من
الراغب ففي كونه فسخا لذلك البيع ثم في صحته في نفسه خلاف سبق في البيع وأشار الامام في المسألة
إلى شئ آخر وهو أن الوكيل بالبيع لو باع ثم فسخ البيع هل يمكن من البيع مرة أخرى فيه خلاف
133

والامر بالبيع من الراغب ههنا جواب على أنه يتمكن منه أو مفروض فيما إذا صرح بالاذن بذلك
وأكثر هذه المسائل يطرد في جميع الوكالات *
قال (وعلى الراهن مؤنة المرهون * وأجرة الإصطبل * وعلف الدابة * وسقى الأشجار * ومؤنة
الجذاذ من خاص ماله على الأصح وقيل إنه يباع فيه جزء من المرهون * فإن كان بحيث تهلكه
النفقة يباع كما يفعل بما يتسارع إليه الفساد * ولا يمنع الراهن من الفصد والحجامة والختان * ويمنع
من قطع سلعة فيه خطر) *
مؤونات الرهن التي بها يبقى الرهن كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابة على الراهن لما روى أنه
صلى الله عليه وسلم قال (لا يغلق الرهن من راهنه له غرمه وعليه غنمه (1)) قوله من راهنه أي من ضمان راهنه وفى معناه سقى
134

الأشجار والكروم ومؤونة الجذاذ وتجفيف الثمار وأجرة الإصطبل والبيت الذي يحفظ فيه المتاع المرهون
إذا لم يتبرع به المرتهن أو العدل وأجرة من يرد العبد من الإباق وما أشبه ذلك ثم حكى الامام والمتولي
وجهين في أن هذه المؤنات هل يجبر الراهن عليها حتى يقوم بها من خالص ماله (أصحهما) الاجبار
استبقاء لوثيقة المرتهن (والثاني) عن الشيخ أبى محمد وغيره أنه لا يجبر عند الامتناع ولكن يبيع
القاضي جزءا من المرهون بحسب الحاجة * وقد قرع الامام على هذا أن النفقة لو كانت تأكل الرهن
قبل الأجل ألحق بما يفسد قبل الأجل فيباع ويجعل ثمنه رهنا ولك أن تقول هذا اما أن يحلق بما
لا يتسارع إليه الفساد ثم عرض ما أفسده أو بما يتسارع إليه الفساد لا وجه للأول لان العارض ثم اتفاقي
غير متوقع والحاجة إلى هذه المؤنات معلومة محققة وإن كان الثاني لزم اثبات الخلاف المذكور في رهن
ما يتسارع إليه الفساد في رهن كل ما يحتاج إلى نفقة أو مكان يحفظ فيه وأنه بعيد وبه يظهر ضعف
الوجه من أصله وإذا قلنا بالأصح فلو لم يكن للراهن شئ أو لم يكن حاضرا باع بالحاكم جزءا من
المرهون واكترى به بيتا يحفظ فيه الرهن هكذا قاله الأئمة وقد مر في مؤنة السقي والجذاذ والتجفيف
مثله وأما المؤنات الدائمة فيشبه أن يقال حكمها حكم ما لو هرب الجمال وترك الجمال المكتراة أو
135

عجز عن الانفاق عليها هذه إحدى مسألتي الفصل (والثانية) أنه لا يمنع الراهن من أن يفعل
بالمرهون ما فيه منفعته كفصد العبد وحجامته وتوديج الدابة وبزغها والمعالجة بالأدوية والمراهم لكن
لا يجبر عليها بخلاف النفقة وأجرى صاحب التتمة الوجهين في المداواة ثم إن كانت المداواة فيما يرجى
نفعه ولا يخاف منه غائلة فذاك وإن كان يخاف فعن أبي إسحاق أن للمرتهن المنع منه وقال أبو علي
الطبري لا يمنع ويكتفى بأن الغالب منه السلامة واختاره القاضي أبو الطيب ويجرى الخلاف في قطع
اليد المتأكلة إذا كان في قطعها وتركها خطر فإن كان الخطر في الترك دون القطع فله القطع وليس
له قطع سلعة وإصبع لا خطر في تركها إذا خيف منه ضرر فإن كان الغالب السلامة ففيه الخلاف وله
أن يختن العبد والأمة في وقت اعتدال الهواء إن كان يندمل قبل حلول الأجل لأنه أمر لابد
منه والغالب فيه السلامة وان لم يندمل وكان فيه نقص لم يجز وكذلك لو كان به عارض يخاف
136

معه من الختان ووراء هذه صورتان (إحداهما) له تأبير النخل المرهونة ولو ازدحمت وقال أهل البصر
تحويلها أنفع جاز تحويلها وكذا لو رأى قطع بعض لصلاح الأكثر ثم ما يقطع منها لو يجف يبقى مرهونا
بخلاف ما يحدث من السعف ويجف فان الراهن يختص بها وينزل منزلة الثمار وما كان ظاهرا منها
عند الرهن قال في التتمة فهو مرهون وقال في الشامل لافرق (الثانية) لا يمنع من رعى الماشية في
وقت الامن وتاوي ليلا إلى يد المرتهن أو العدل وإذا أراد الراهن أن يبعد في طلب النجعة وبالقرب ما يبلغ
منها مبلغا فللمرتهن المنع والا فلا منع وتأي إلى يد عدل ينفقان عليه أو ينصبه الحاكم وان أراد
المرتهن ذلك وليس بالقرب ما يكفي فلا منع وكذا لو أراد نقل المتاع من بيت غير محرز إلى محرز
ولو بيعا بهما المكان وأرادا الانتقال نظر ان انتقلا إلى أرض واحدة فلا اشكال والا جعلت الماشية
مع الراهن وحتاط ليلا كما سبق (وقوله) في الكتاب وأجرة الإصطبل معلم بالحاء لان عنده مؤنة البيت
والاصطبل على المرتهن ان لم يزد الرهن على قدر الدين فان زاد فقسط الزيادة على الراهن وبمثله أجاب
في المداواة وأجرة رد الآبق (وقوله) على الأصح يتعلق به من خالص ماله لا بأصل لزوم المؤنة عليه
فالمقابل للأصح قوله وقيل يباع إلى آخره *
قال (والمرهون أمانة (ح) في يده * ولا يسقط (ح) بتلفه شئ من الدين * ولو أذن له
في الغراس بعد شهر فهو بعد الغراس عارية مضمونة * وان شرط أن يكون مبيعا منه بعد شهر بالدين
فهو بعد الشهر مضمون لأنه مبيع بيعا فاسدا * وللفساد حكم الصحة في ضمان العقود * لو ادعى المرتهن
تلفا أو ردا فهو كالمودع عند المراوزة * والقول قوله * وطردوا ذلك في المستأجر * وكل يد هي غير
مضمنة * وقال العراقيون يختص ذلك بالوديعة وبالوكيل بغير أجرة * ومن عداهما يطلب بالبينة قياسا لان
المودع وقع الاعتراف بصدقه وأمانته دون غيره * والمرتهن من الغاصب عند المراوزة كالمودع من
الغاصب يطالب ولا يستقر الضمان عليه وان تلف في يده * وكذا المستأجر بخلاف المستعير والمستام *
137

وعند العراقيين في مطالبتهم وجهان * ثم في قرار الضمان بعد المطالبة وجهان آخران) *
في الفصل أصلان وفروع (أحد) الأصلين أن المرهون أمانة في يد المرتهن لا يسقط بتلفه شئ من
الدين ولا يلزمه ضمانه إلا إذا تعدى فيه وبهذا قال أحمد * وقال أبو حنيفة هو مضمون بالأقل من قيمته
أو الدين فإن كانت قيمته أقل سقط بتلفه من الدين بقدر قيمته والا سقط الدين ولا يضمن الزيادة وقال
مالك ما يظهر هلاكه كالحيوان والعقار والأشجار أمانة وما يخفي هلاكه كالنقود والعروض مضمون
بالدين لأنه يتهم فيه * لنا أن بعض المرهون أمانة فكذلك كله كالوديعة وأيضا فان الرهن شرع وثيقة
الدين فهلاك محله لا يسقطه كموت الكفيل وإذا برئ الراهن عن الدين بأداء أو ابراء أو حوالة كان الرهن
أمانة أيضا في يد المرتهن ولا يصير مضمونا عليه الا إذا امتنع من الرد بعد المطالبة وقال ابن الصباغ
ينبغي أن يكون المرتهن بعد الابراء كمن طير الريح ثوبا إلى داره حتى يعلم المرتهن به أو يرده لأنه لم
يرض بيده إلا على سبيل الوثيقة (والأصل الثاني) أن كل عقد يقتضى صحيحه الضمان فكذلك فاسده
ومالا يقتضى صحيحه الضمان فكذلك فاسده (وأما) الطرف الأول فلان الصحيح إذا أوجب الضمان
فالفاسد أولى باقتضائه (وأما) الثاني فلان من أثبت اليد أثبته عن اذن المالك ولم يلزم بالعقد ضمانا
ولا يكاد يوجب التسليم والتسلم الا من معتقدي الصحة (وأما) الفروع فأربعة (أحدها) لو أعار المرهون من
138

المرتهن لينتفع به ضمنه وعند أبي حنيفة يخرج عن كونه مضمونا بناء على أن العارية غير مضمونة
ولو رهنه أرضا وأذن له في الغراس بعد شهر فهي بعد الشهر عارية وقبله أمانة حتى لو غرس قبله قلع
ولو غرس بعده فسيأتي الحكم في العارية (وقوله) في الكتاب وهو بعد الغراس عارية يجب تأويله
لأنه بعد الشهر عارية غرس أو لم يغرس (وثانيها) لو رهن منه مالا على أنه إذا حل الأجل فهو مبيع
منه أو على أن يكون مبيعا منه بعد شهر فالرهن والبيع فاسدان (أما) الرهن فلكونه مؤقتا (وأما) البيع
فلكونه مشروطا ويكون المال أمانة في يده قبل دخول وقت البيع وبعده مضمونا لان البيع عقد ضمان
ونقل وجها في النهاية أنه إنما يصير مضمونا إذا أمسكه عن جهة البيع أما إذا أمسكه عن موجب
الرهن فلا والمذهب الأول فلو كان أرضا فغرس فيه المرتهن أو بنى قبل دخول وقت البيع قلع مجانا وكذا
لو غرس بعده وهو عالم بفساد البيع وإن كان جاهلا لم يقلع مجانا لوقوعه بإذن المالك وجهله بعدم الجواز
فيكون الحكم كما لو غرس من المستعير ورجع المعير (وثالثها) إذا ادعى المرتهن تلف الرهن في يده
قبل قوله مع يمينه وعن مالك أنه ان خفى هلاكه لم يقبل * وان ادعى رده إلى الراهن فطريقة العراقيين
من أصحابنا أن القول قول الراهن مع يمينه ولا يقبل قول المرتهن الا ببينة لأنه أخذه لمنفعة نفسه
139

فأشبه المستعير ويخالف دعوى التلف لأنه لا يتعلق بالاختيار فلا يتساعد فيه البينة قالوا وكذا الحكم
في المستأجر إذا ادعى الرد * ويقبل قول المودع والوكيل بغير الجعل مع اليمين لأنهما أخذا المال بمحض
غرض المالك وقد ائتمنها فليصدقهما وفى الوكيل بالجعل والمضارب والأجير المشترك إذا لم يضمنه ذكرنا
وجهين (أحدهما) أنهم مطالبون بالبينة لأنهم أخذوا لغرض أنفسهم في الأجرة والربح (وأصحهما)
أنه يقبل قولهم مع ايمانهم لأنهم أخذوا العين لمنفعة المالك وانتفاعهم بالعمل في العين لا بالعين بخلاف
المرتهن والمستأجر وهذه الطريقة هي التي سلكها أكثر الأصحاب سيما قدماؤهم وتابعهم القاضي
الروياني وذهب بعض الخراسانيين من المراوزة وغيرهم أن كل أمين يصدق في دعوى الرد كالمودع
قالوا ولا عبرة بمنفعته في الاخذ كما لا عبرة بها في وجوب الضمان عند التلف بخلاف المستعير والمستام
واعرف في لفظ الكتاب من الفرع شيئين (أحدهما) أنه سوى بين التلف والرد وساق الطريقين
في دعواهما جميعا وليس كذلك بل الكل مطبقون على تصديقه في دعوى التلف وإنما الاختلاف
في الرد * واعلم أن قولنا يقبل قوله في التلف نريد به القبول في الجملة وله تفصيل نذكره في كتاب الوديعة
إن شاء الله تعالى (والثاني) أنه لم يحك طريقة العراقيين بتمامها ولم يستوعب مواضع الوفاق والخلاف بالذكر
ولفظه في تخصيص التصديق بالمودع والوكيل بغير جعل لا يستمر الا على أحد الوجهين الذين نقلوهما
(وقوله) لان المودع وقع الاعتراف بصدقه وأمانته لا يتضح به الفرق إذ لابعد في أن يقال كل أمين يقع
الاعتراف بصدقه وأمانته والذي ذكروه في الفرق أن الوديعة ائتمان محض لاغرض للآخذ فيها كما
140

مر (ورابعها) لو رهن الغاصب المغصوب من إنسان فتلف في يد المرتهن فللمالك تضمين الغاصب وفى
تضمين المرتهن طريقان قال العراقيون فيه وجهان لابن سريج (أحدهما) أنه لا يطالب بالضمان لان
يده يد أمانة (وأصحهما) أنه يطالب لتفرغ يده على يد الغاصب وعدم ائتمان المالك إياه وعلى هذا
فيستقر الضمان عليه أم يرجع على الغاصب فيه وجهان (أحدهما) يستقر لحصول التلف عنده فينزل
التلف منزلة الاتلاف في المغصوبات (وأظهرهما) أنه يرجع لتغرير الغاصب إياه وعدم التعدي منه
هذه طريقة وعن المراوزة القطع بالمطالبة وعدم الاستقرار والطريقان جاريان في المستأجر من الغاصب
والمودع منه والمضارب والذي دفع المغصوب إليه ووكله ببيعه وكل ذلك فيما إذا جهلوا كونه مغصوبا
فان علموا فهم غاصبون أيضا والمستعير منه والمستام فيطالبان ويستقر عليهما الضمان لان يد كل
واحد منهما يد ضمان وهذه الصور تعود في الغصب (وقوله) في الكتاب وعند العراقيين في مطالبتهم
وجهان يرجع إلى المرتهن والمستأجر والمودع دون المستعير والمستام (ومن) الفروع التي تندرج في
الفصل أنه لو رهن بشرط أن يكون مضمونا على المرتهن يفسد الشرط والرهن ثم لا يكون مضمونا
عليه (ومنها) لو قال خذ هذا الكيس واستوف حقك منه فهو أمانة في يده قبل أن يستوفى حقه فإذا استوفى
حقه منه كان مضمونا عليه ولو قال وفيه دراهم خذه بدراهمك وكانت الدراهم التي فيه مجهولة القدر أو كانت
أكثر من دراهمه لم يملكه ودخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد وإن كانت معلومة وبقدر حقه ملكها
ولو قال خذ هذا العبد بحقك ولم يكن سليما فقبل ملكه وان لم يقبله وأخذه دخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد *
141

قال (والمرتهن ممنوع من كل تصرف قولا وفعلا فان وطئ فهو زان * وان ظن الإباحة
فواطئ بالشبهة * فان أذن له الراهن وعلم التحريم فزان * وقيل مذهب عطاء في إباحة الجواري
بالاذن شبهة * وان ظن حلا فواطئ بالشبهة * وفى وجوب المهر عليه وقيمة الولد عليه وجهان
من حيث أن الاذن ضعيف الأثر في الوطئ بدليل المفوضة) *
ليس للمرتهن في المرهون سوى حق الاستيثاق (أما) البيع وسائر التصرفات القولية الانتفاعات
وسائر التصرفات العقلية فهو ممنوع من جميعها ولو وطئ الجارية المرهونة لم يخل إما أن يطأ
بدون اذن الراهن أو باذنه (الحالة الأولى) ان يطأ بدون اذنه فهو كما لو وطئ غير المرهونة وان ظنها
زوجته أو أمته فلا حد وعليه المهر والولد حر نسيب وعليه قيمته للراهن وان لم يظن ذلك ولم يدع
جهلا فهو زان يلزمه الحد كما لو وطئ المستأجر الجارية المكراة ويجب المهر إن كانت مكرهة وإن كان
ت مطاوعة لم يجب على الأصح وهذا الخلاف بتوجيهه مذكور في الغصب وان ادعى الجهل
بالتحريم لم يقبل إلا أن يكون حديث العهد بالاسلام أو نشأ في بادية بعبدة عن بلاد المسلمين فقبل
قوله لدفع الحد وحكى المسعودي في قبوله لثبوت النسب خلافا للأصحاب وأجرى مسألة في حرية
الولد ووجوب المهر والأصح ثبوت الكل لان الشبهة كما تدرأ الحد تثبت النسب والحرية وإذا سقط
الحد وجب المهر (والثانية) أن يطأ باذنه فان علم أنه حرام فظاهر المذهب أنه يجب عليه الحد وفيه
وجه أنه لا يجب لاختلاف العلماء فان عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه كان يجوز وطئ الجارية باذن
مالكها وان ادعي الجهل بالتحريم فوجهان (أحدهما) أنه لا يقبل إلا أن يكون حديث العهد
بالاسلام أو من في معناه كما في الحالة الأولى (وأصحهما) وبه قال القاضي أبو الطيب أنه يقبل ويرفع الحد
وان نشأ بين المسلمين لان التحريم بعد الاذن لما خفى على عطاء مع أنه من علماء التابعين لا يبعد
142

خفاؤه على العوام وإذا اندفع الحد فهل يلزمه المهر (أما) إذا كانت مطاوعة فلا لانضمام اذن المستحق
إلى طواعيتها (وأما) إذا كانت مكرهة فقولان (أحدهما) أنه لا يجب أيضا لان مستحق المهر
قد أذن فأشبه ما لو زنت الحرة (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة يجب لان وجوب المهر حيث لا يجب
الحد حق الشرع فلا يؤثر فيه الاذن كما أن المفوضة تستحق المهر بالدخول مع تفويضها وإن كان
قد أولدها بوطئه فالولد حر نسيب وفى وجوب قيمة الولد طريقان (أحدهما) أنه على القولين في المهر
(وأصحهما) الوجوب جزما والفرق أن الاذن في الوطئ رضا باتلاف المنفعة وليس رضا
بالاحبال جزما وأيضا فان الاذن لا أثر له في حرية الولد وإنما الموجوب له ظن الواطئ فحسب ولا تصير
الجارية أم ولد للمرتهن بحال وإن ملكها يوما من الدهر ففيه قولان إذا كانت الصورة صورة ثبوت
النسب (وقوله) في الكتاب فهو زان يمكن اعلامه بالحاء لأنه لا حد عليه في رواية عن أبي حنيفة
(وقوله) فان ظن إباحته فوطئ بالشبهة غير مجرى على اطلاقه بل المراد ما إذا كان حديث العهد
143

بالاسلام أو من في معناه (وأما) قوله وفى وجوب المهر وقيمة الولد وجهان ففيه نظران (أحدهما)
أن الخلاف في المهر قولان لا وجهان وقد نص عليهما في المختصر (والثاني) أنه أجاب بطريقة
اثبات الخلاف في القيمة والأصح عند الأئمة الطريقة النافية للخلاف ويجوز إعلام القيمة بالواو
إشارة إليها *
(فرع) زعم المرتهن بعد الوطئ أن الراهن قد باعها منه أو وهبها وأقبضها فأنكر الراهن
فالقول قوله مع يمينه فان حلف فهي والولد رقيقان له ثم لو ملكها يوما من الدهر فهي أم ولد له
والولد حر لا قراره السابق كما لو أقر بحرية عبد الغير ثم اشتراه فان نكل الراهن وحلف المرتهن
فالولد حر وهي أم ولد له *
قال (وهذه الأحكام تثبت في غير الرهن وبدله الواجب بالجناية على المرهون إذ يسرى
144

إليه حق الرهن حتى لا ينفذ ابراء الرهن استقلالا ولا ابراء المرتهن إذ لا دين له * ولا يسري إلى
الكسب والعقر (ح) والزيادات العينية (ح) كاللبن والولد (ح) والصوف والثمرة (ح) * فإن كان
الولد مجتنا حالة البيع والعقد كان تابعا * وإن كان مجتنا في إحدى الحالتين ففي تبعيته خلاف) *
مقصود هذه البقية بيان ما يتعلق به حق الوثيقة وتثبت فيه أحكامها ولا شك في تعلقه بعين
الرهن والكلام وراءها في بدل الرهن وزوائد المرهون *
(الفصل الأول) في بدله * ومهما جنى على المرهون وأخذ من الجاني الأرش انتقل حق
الرهن إليه كما ينتقل الملك لقيامه مقام الأصل ويجعل في يد من كان الأصل في يده من المرتهن أو
العدل والى ان يؤخذ هل يقال بأنه مرهون (قال) قائلون لا لأنه دين والديون لا تكون مرهونة فإذا
تعين صار مرهونا والحالة المتخللة كتخمر العصير وتخلله بعده وقال آخرون هو مرهون كما كان
لأنه مال بخلاف الخمر ومنعوا خروجه عن كونه مرهونا بخروجه عن كونه عنبا وإنما المسلم أنه لا يرهن
145

الدين ابتداء والخصم في بدل المرهون إنما هو الراهن لأنه المالك كما لو جني على العبد المستأجر أو المودع
يكون الخصم فيها المالك فلو قعد عن الخصومة فقولان في أن المرتهن هل يخاصم قال في التهذيب
(أصحهما) عند الأصحاب وبه قال القفل انه لا يخاصم قال ورأيت بخط شيخي أن للمرتهن أن يدعى
ويخاصم فيه وكذلك المستأجر إذا ادعى العين وقال لمن في يده انها ملك فلان اجرها منى وإنما
لا يدعى المستأجر القيمة لان حقه لا يتعلق بها قال وهو القياس وإذا خاصم فللمرتهن أن يحضر خصومته
لتعلق حقه بما يأخذه ثم إن أقربه الجاني أو أقام الراهن البينة أو حلف بعد نكول المدعى عليه ثبتت
الجناية وان نكل الراهن فهل يحلف المرتهن فيه قولان كما إذا نكل المفلس هل يحلف الغرماء
وإذا تبنت الجناية فإن كانت عمدا فللراهن ان يقبض ويبطل حق المرتهن وان عفا عن القصاص مطلقا
ثبت المال ان قلنا مطلق العفو يوجب المال والا لم يجب وهو الأصح هكذا قاله صاحب
146

التهذيب وان عفا على أن لا مال (فان قلنا) إن موجب العمد أحد الامرين لم يصح عفوه عن المال
وان قلنا) أن موجبه القود (فان قلنا) إن مطلق العفو لا يوجب المال لم يجب شئ (وان قلنا) يوجبه
فوجهان (أحدهما) يجب لحق المرتهن (وأصحهما) المنع لان القتل لم يوجبه وإنما يجب بعفوه المطلق
أو بعفوه على المال وذلك نوع اكتساب منه وليس عليه الاكتساب للمرتهن وان لم يقبض في الحال
ولم يعف ففي اجباره على أحدهما طريقان (أحدهما) يجبر ليكون المرتهن على ثبت من أمره (والثاني)
ان قلنا موجب العمد أحد الامرين أجبر (وان قلنا) موجبه القود لم يجبر لأنه يملك اسقاطه
فتأخيره أولى بان يملكه * وإن كانت الجناية خطأ أو عفا ووجب المال فعفا عن المال لم يصح عفوه لحق
المرتهن وفيه قول أن العفو موقوف ويؤخذ المال في الحال لحق المرتهن فان انفك الرهن رد إلى الجاني
وبان صحة العفو والا بان بطلانه ولو أراد الراهن أن يصالح عن الأرش الواجب على جنس آخر
لم يجز إلا بإذن المرتهن فإذا أذن صح وكان المأخوذ مرهونا هكذا نقلوه ولك أن تقول قد مر أنه إذا
أذن في البيع والدين مؤجل فباع يرتفع الرهن ولا يكون الثمن رهنا وأنه إذا اذن بشرط أن يكون الثمن
رهنا ففي كونه رهنا قولان وقياسه أن يكون المصالح عليه كذلك لان الصلح بيع ولو أبرأ المرتهن
الجاني لم يصح لأنه ليس بمالك وهل يسقط حقه عن الوثيقة بهذا الابراء فيه وجهان (أحدهما) نعم
147

ويخلص المأخوذ المراهن كما لو صرح باسقاط حق الوثيقة (وأصحهما) لا لأنه لم يصح ابراؤه فلا
يصح ما يتضمنه الابراء كما لو وهب المرهون من إنسان لم يصح ولا يبطل الرهن *
(الفصل الثاني) في زوائد المرهون وهي إما متصلة كسمن العبد وكبر الشجرة والثمرة فتتبع الأصل
في الرهن أو منفصلة كالثمرة والولد واللبن والبيض والصوف فلا يسرى إليها الرهن وبه قال أحمد
وعند أبي حنيفة يسرى وقال مالك الولد مرهون والثمرة غير مرهونة * لنا القياس على ولد الجارية الجانية فان
الأرش لا يتعلق به بالاتفاق وكما أن هذه الزوائد غير مرهونة فكذلك مهر الجارية إذا وطئت
بالشبهة بل أولى لأنه غير حاصل من نفس المرهون وعند أبي حنيفة هو مرهون أيضا ولا خلاف
في أن كسب العبد المرهون ليس بمرهون هذا في الزوائد الحادثة بعد الرهن ولو رهن حاملا أو مست
الحاجة إلى البيع وهي حامل بعد فيباع كذلك في الدين لأنا ان قلنا الحمل يعلم فكأنه صرح برهنها والا فقد
رهنا والحمل محض صفة ولو ولدت قبل البيع فهل الولد رهن فيه قولان مبنيان على أن الحمل هل
يعلم (ان قلنا) لا فهو كالحادث بعد العقد (وان قلنا) نعم فهو رهن يباع مع الام كما لو رهن شيئين وزاد
الشيخ أبو محمد فقال إن قلنا نعم ففي كونه مرهونا قولان لضعف الرهن عن الاستتباع وقد سبق
نظائره فان قلنا الولد لا يكون مرهونا فلو صرح في العقد وقال رهنتها مع حملها قال الامام فيه تردد
للأصحاب والظاهر أنه لا يكون مرهونا أيضا إذ لو جاز ذلك لجاز افراده ولو حبلت بعد الرهن
وكانت حاملا عند الحاجة إلى البيع (فان قلنا) الحمل لا يعلم بيعت حاملا وهو كزيادة متصلة (وان قلنا)
148

يعلم لم يكن الورد مرهونا وتعذر بيعها لان استثناء الحمل لا يمكن ولا سبيل إلى بيعها حاملا ويوزع الثمن على الام
والحمل لان الحمل لا تعرف قيمته * فلو رهن نخلة فاطلعت فطريقان (أحدهما) ان بيعها مع الطلع على قولين
كما في الحمل (والثاني) القطع بان الطلع غير مرهون لأنه يمكن افراده بالعقد فلا يجعل بيعا فإذا قلنا إنه غير مرهون
تباع النخلة ويستثني الطلع بخلاف الجارية الحامل ولو كانت مطلعة وقت الرهن ففي دخول الطلع ما سبق
في الباب الأول فان أدخلناه فجاء وقت البيع وهو طلع بعد بيع مع النخل ولو أبرت فطريقان (أحدهما) ان
الحكم كما إذا ولدت الحامل (والثاني) القطع ببيعه مع النخل لأنه معلوم مشاهد وقت الرهن (وقوله) في الكتاب
والزيادات العينية أراد به الزيادات الحادثة من العين لا كالكسب والمهر (وقوله) حالة الرهن
والبيع يقتضى اعتبار نفس العقد في مقارنة الولد وحدوثه بعده والامر على ما يدل عليه
ظاهره وكذا القول في سائر الزوائد وحكى الامام وجها آخر أن الاعتبار بحالة القبض لان
الرهن به يتم *
(فرع) أرش الجناية على المرهونة وافتضاض البكر مرهونان بدل جزء من المرهون
وليسا من الزوائد *
149

(فرع) لو ضرب الجارية المرهونة ضارب فألقت جنينا ميتا فعلى الضارب عشر قيمة الام
ولا يكون مرهونا لأنه بدل الولد وإن دخلها نقص لم يجب بسببه شئ آخر ولكن قدر أرش
النقصان من العشر يكون رهنا وان ألقته حيا ومات ففيما يجب على الجاني قولان (أصحهما)
قيمة الجنين حيا وأرش نقص الام ان انتفصت فعلى هذا القيمة للراهن والأرش مرهون (والثاني)
أكثر الامرين من أرش النقص أو قيمة الجنين فعلى هذا إن كان الأرش أكثر فالمأخوذ رهن
كله وإن كانت القيمة أكثر فقدر الأرش من المأخوذ رهن والبهيمة المرهونة إذا ضربت فألقت
جنينا ميتا فلا شئ على الضارب سوى أرش النقصان ان نقصت ويكون رهنا *
قال (الطرف الثالث في فك الرهن وهو حاصل بالتفاسخ * وفوات عين المرهون بآفة
سماوية * ويلتحق به ما إذا جني العبد وبيع في الدين فإنه فات بغير بدل * وكما يقدم حق المجني
عليه على حق المالك يقدم على حق المرتهن) *
الرهن ينفك بأسباب (أحدها) الفسخ منهما أو من المرتهن وحده فان الرهن جائز من جهته
(والثاني) تلف المرهون بآفة سماوية ولو جني العبد المرهون لم يبطل الرهن بمجرد الجناية ولكن
ينظر أتتعلق الجناية بأجنبي أم بالسيد (القسم الأول) أن تتعلق بأجنبي فيقدم حق المجني عليه
لان حقه متعين في الرقبة وحق المرتهن متعلق بذمة الراهن وبالرقبة وأيضا فان حق المجني عليه متقدم
150

على حق المالك فأولى أن يتقدم على حق المستوثق ثم إن أوجبت الجناية القصاص واقتص المجني عليه بطل الرهن وان
أوجبت المال أو عفا على مال بيع العبد في الجناية وبطل الرهن أيضا حتى لو عاد إلى مالك الراهن لم يكن هنا إلا بعقد
جديد * ولو كان الواجب دون قيمة العبد بيع منه بقدر الواجب وبقى الباقي رهنا فان تعذر بيع البعض أو انتقص
بالتشقيص بيع الكل وما فضل من الثمن عن الأرش يكون رهنا ولو عفى المجني عليه عن المال أو فداه الراهن بقي
العبد رهنا كما كان وكذا لو فداه المرتهن ثم في رجوعه على الراهن ما ذكرناه في رهن أرض الخراج
وعند أبي حنيفة ضمان جناية المرهون على المرتهن بناء على أن المرهون مضمون عليه فان فداه المرتهن
بقي رهنا ولا رجوع له بالفداء وان فداه السيد أو بيع في الجناية سقط دين المرتهن إن كان بقدر الفداء
أو دونه وهذا كله فيما إذا جنى العبد بغير اذن السيد أما إذا أمره السد بذلك نظر ان لم يكن مميزا
أو كان أعجميا يعتقد وجوب طاعة السيد في كل ما يأمره به فالجاني هو السيد وعليه القصاص أو
الضمان وهل يتعلق المال برقبته فيه وجهان يذكران في موضعهما والأظهر المنع (وإذا قلنا) يتعلق فبيع
في الجناية فعلى السيد أن يرهن قيمته مكانه وإذا جنى مثل هذا العبد فقال السيد أنا أمرته بذلك
لم يقبل قوله في حق المجني عليه بل يباع العبد فيها وعلى السيد القيمة لاقراره وإن كان العبد مميزا
يعرف أنه لا يطاع السيد فيه بالغا كان أو غير بالغ فهو كما لو لم يأذن السيد إلا أنه يأثم بما فعل
وإذا عرفت ما ذكرناه لم يخف عليك أن قوله وبيع في الدين أراد به دين الجناية فان الغرض
فيما إذا نسبت الجناية إلى السيد والا فلا يكون الفوات بغير بدل *
151

قال (فان جنى على عبد السيد أو السيد نفسه فله القصاص كما للأجنبي * وليس له الأرش
والبيع إذ لا يستحق شيئا على عبد نفسه * ولو جنى على عبد أبيه وانتقل إليه بموته ففي استحقاقه الفك
خلاف لأنه في حكم الدوام * وان جني على آخر له مرهون من غير هذا المرتهن فله قتله * وان فات
حق المرتهن فان عفا على مال تعلق حق مرتهن القتيل بالعبد * وان عفا بغير مال فهو كعفو المحجور عليه *
ولو أوجب أرشا فلمرتهن القتيل أن يطلب بيعه في حقه * وإن كان القتيل أيضا مرهونا عنده فهو
فوات محض في حقه إلا أن يكون القتيل مرهونا بدين آخر يخالف هذا الدين فله بيعه وجعل ثمنه
رهنا بالدين الآخر) *
(القسم الثاني) أن تتعلق الجناية بالسيد وفيه مسائل (إحداها) إذا جنى العبد المرهون على
طرف سيده عمدا فله القصاص للزخر والانتقام وهو أحوج إلى ذلك من الأجانب فان اقتص بطل الرهن
وان عفا على مال أو كانت الجناية خطأ فعن ابن سريج أنه يثبت المال ويتوصل الراهن به إلى فك
الرهن (والمذهب) أنه لا يثبت لان السيد لا يثبت له على عبده مال ويبقى الرهن كما كان وان جنى على
نفسه عمدا فللوارث القصاص فان عفا على مال أو كانت الجناية خطأ ففي ثبوت المال قولان
منقولان عن الام (أحدهما) يثبت لان الجناية ههنا حصلت في ملك غير الوارث فجاز أن يثبت
له المال كما ثبت للأجنبي (وأصحهما) أنه لا يثبت أيضا لأنه لو ثبت لثبت على مملوكه والقولان عند
152

أبي هريرة والشيخ أبى حامد مبنيان على أن الدية تثبت للوارث ابتداء أم يتلقاها الوارث من القتيل
(ان قلنا) بالأول ثبت المال لاستفادته في جناية على الغير (وان قلنا) بالثاني لا يثبت لأنه لم يثبت للقتيل
حق يتلقى منه وأبى الجمهور هذا البناء وقالوا قضية القولين أن لا يثبت شئ (أما) إذا قلنا بالتلقي
فظاهر (وأما) إذا قلنا بالقول الآخر فلانه كما يمنع ابتداء اثبات المال للمالك في ماله دما واما يمتنع ابتداؤه
للمالك ابتداء (الثانية) لو جنى على طرف من يرثه السيد كأبيه وابنه عمدا فله القصاص وله العفو على
مال ولو جنى خطأ ثبت المال فان مات قبل الاستيفاء وورثه السيد فوجهان (أصحهما) عند الصيدلاني
والامام أنه كما انتقل إليه سقط ولا يجوز أن يثبت له على عبده استدامة الدين كما لا يجوز له ابتداءه
والثاني وهو الذي أورده العراقيون أنه لا يسقط وله بيعه فيه كما كان للمورث ويحتمل في الاستدامة
مالا يحتمل في الابتداء وشبه الأصحاب الوجهين بالوجهين فيما إذا ثبت له دين على عبد غيره ثم ملكه
يسقط أو يبقى حتى يتبعه به بعد العتق واستبعد الامام هذا التشبيه وقال كيف يكون الاستحقاق الطارئ
153

على الملك بمثابة الملك الطارئ على الاستحقاق ثم أجاب بأن الدين إذا ثبت لغيره فنقله إليه بالإرث
إدامة لما كان كما أن ابقاء الدين الذي كان له على عبد الغير بعد ما ملكه إدامة لما كان فانتظم التشبيه من
هذا الوجه والى هذا المعنى أشار صاحب الكتاب بقوله لأنه في حكم الدوام * ولو كانت الجناية على
نفس مورثه وكانت عمدا فللسيد الاقتصاص فان عفا على مال أو كانت خطأ بنى ذلك على أن الدية
تثبت للوارث ابتداء أم يتلقاها عن المورث (ان قلنا بالأول) لم يثبت (وان قلنا) بالثاني فعلى الوجهين
فيما إذا جنى على طرفه ثم انتقل إليه بالإرث (الثالثة) لو قتل عبدا آخر للمراهن نظر ان لم يكن المقتول
مرهونا فهو كما لو جنى على السيد والحكم في القن والمدبر وأم الولد سواء وإن كان مرهونا أيضا فله حالتان
(إحداهما) أن يكون مرهونا عند غير مرتهن القاتل فان قتل عمدا فللسيد الاقتصاص ويبطل
الرهنان جميعا وان عفا على مال أو كان القتل خطأ وجب المال متعلقا برقبة العبد لحق مرتهن القتيل
فان السيد لو أتلف المرهون لغرم حق المرتهن فلان يتعلق الغرم بعبده كان أولى وان عفا بغير مال
(فان قلنا) موجب العمد أحد الامرين وجب المال ولم يصح عفوه عنه الا برضى المرتهن (وان قلنا)
موجبه القود (فان قلنا) مطلق العفو لا يوجب المال لم يثبت شئ (وان قلنا) يوجبه فوجهان قال
154

في التهذيب (أصحهما) أنه لا يثبت أيضا لان القتل غير موجب على هذا التقدير فعفوه المطلق أو على
مال نوع اكتساب للمرتهن وان عفا مطلقا (فان قلنا) مطلق العفو يوجب المال يثبت عليه المال كما لو عفا
على مال (وان قلنا) لا يوجبه صح العفو وبطل رهن مرتهن المقبول وبقى القاتل رهنا كما كان والحكم
في عفو المفلس المحجور عليه كالحكم في عفو الراهن والراهن محجور عليه في المرهون كما أن المفلس
محجور عليه في جميع أحواله ثم مهما وجب المال نظر إن كان الواجب أكثر من قيمة القاتل
أو مثلها فوجهان (أحدهما) أنه ينقل القاتل إلى يد مرتهن القتيل ولا يباع لأنه لا فائدة فيه (وأظهرهما)
وهو اختيار القاضي الحسين أنه يباع ويجعل الثمن في يده لان حقه في مالية العبد لا في العين وأيضا
فقد رغب راغب بزيادة فيتوثق مرتهن القاتل بتلك الزيادة وإن كان أكثر من قيمة القاتل فعلى
الوجه الأول ينقل من القاتل بقدر الواجب إلى مرتهن القتيل وعلى الثاني يباع منه قدر الواجب ويبقى
155

الباقي رهنا فان تعذر بيع البعض أو نقص بالتشقيص بيع الكل وجعل الزائد على الواجب عند مرتهن
القاتل * واعلم أن الوجهين إنما يظهر ان فيما إذا طلب الراهن النقل وطلب مرتهن القتيل البيع ففي وجه
يجاب هذا وفى وجه يجاب ذلك أما إذا طلب الراهن البيع ومرتهن القتيل النقل فالمجاب الراهن لأنه لا حق
لصاحبه في عينه ولو اتفق الراهن والمرتهنان على أحد الطريقين فهو المسلوك لا محالة ولو اتفق الراهن
ومرتهن القتيل على النقل قال الامام ليس لمرتهن القاتل المنافسة فيه وطلب البيع وقضية التوجيه الثاني
لأظهر الوجهين أن له ذلك (الحالة الثانية) أن يكون مرهونا عند مرتهن القاتل أيضا فإن كان العبدان
مرهونين بدين واحد بعد انتقصت الوثيقة ولا مستدرك كما لو مات أحدهما وإن كان مرهونين بدينين
نظر في الدينين أيختلفان حلولا وتأجيلا أم لا يختلفان (أما) في القسم الأول فله أن يتوثق لدين
القتيل بالقتيل لأنه إن كان الحال دين القاتل فقد يريد الوثيقة بالمؤجل ويطالب الراهن بالحال في الحال وإن كان
الحال دين المقتول فقد يريد استيفاءه من ثمنه في الحال وكذا الحكم لو كانا مؤجلين
وأحد الأجلين أطول (وأما) القسم الثاني فينظر أبين الدينين اختلاف في القدر أم لا ان لم يكن بينهما
اختلاف في القدر كعشرة وعشرة فإن كان العبدان مختلفا القيمة وكانت قيمة القتيل أكثر لم
156

تنقل الوثيقة وإن كانت قيمة القاتل أكثر نقبل منه قدر قيمة القتيل إلى دين القتيل وبقى الباقي
رهنا بما كان وإن كانا متساويين في القيمة بقي القاتل مرهونا بما كان ولا فائدة في النقل وإن كان بين
الدينين اختلاف كعشرة وخمسة نظر ان تساوى العبدان في القيمة أو كان القتيل أكثرهما قيمة
فإن كان المرهون بأكثر الدينين القتيل فله توثيقه بالقاتل وإن كان المرهون بأقلهما القتيل فلا فائدة
في نقل الوثيقة وإن كان القتيل أقلهما قيمة فإن كان مرهونا بأقل الدينين فلا فائدة في نقل الوثيقة
وإن كان مرهونا بأكثرهما نقل من القاتل قدر قيمة القتيل إلى الدين الآخر وحيث قلنا بنقل التوثيق
فيباع ويقام ثمنه مقام القتيل أو مقام عينه مقامه فيه الوجهان السابقان (وقوله) في الكتاب وله بيعه
وجعل ثمنه رهنا بالدين الآخر يوافق أظهر الوجهين منهما (وقوله) بدين يخالف هذا الدين قد يبحث
عنه فيقال ظاهره يقتضى تأثير اختلاف الدينين في الجنس كالاختلاف في القدر أو في الحلول والتأجيل
وكذلك يقتضى تأثير اختلافهما في الاستقرار وعدم الاستقرار كما إذا كان أحدهما عوض ما يتوقع رده
بالعيب أو صداقا قبل الدخول فهل الامر كذلك أم لا (الجواب) أما الأول فان صاحب الكتاب
صرح في الوسيط بتأثير اختلاف الجنس وهو متجه في المعني لكن الشافعي رضي الله عنه نص على
خلاف وبه قال الأصحاب على طبقاتهم وأما الثاني فإن كان القاتل مرهونا بالدين المستقر فلا معنى
لنقل الوثيقة وإن كان مرهونا بالآخر ففي الشامل ان أبا إسحاق حكى فيه وجهين والأكثرون لم
يعتبروا سوى ما قدمناه من وجوه الاختلاف والله أعلم *
(فرع) لو تساوى الدينان في الأوصاف وحكمنا بأن الوثيقة لا تنقل فلو قال المرتهن أنى لا آمنه
157

وقد جنى فبيعوه وضعوا ثمنه مكانه هل يجاب إليه روي الامام فيه وجهين *
(فرع) لو جني على مكاتب السيد ثم انتقل الحق إليه بموته أو عجزه فهو كما لو انتقل
من المورث وقد مر *
قال (وينفك الرهن أيضا بقضاء كل الدين * فان قضى بعضه بقي كل المرهون مرهونا ببقية
الدين * وكذا إذا رهن عبدين وسلم أحدهما كان مرهونا بجملة الدين (ح) * وكذا لو تلف
أحدهما إلا أن يتعدد العقد والصفقة أو مستحق الدين أو المستحق عليه فينفصل أحدهما عن
الآخر ولا ينظر إلى تعدد الوكيل واتحاده * وفى النظر إلى تعدد الملك في المرهون المستعار من
شخصين خلاف مهما قصد بقضائه فك نصيب أحدهما * وإذا مات الراهن فقضى أحد ابنيه نصف
المدين لم ينفك (و) نصيبه * ولو تعلق دين باقرار الورثة بالتركة فقضى واحد نصيبه ففي انفكاك
الحصة قولان) *
(الثالث) من أسباب انفكاك الرهن براءة الذمة عن الدين بتمامه اما بالقضاء أو الابراء
أو الحوالة أو الإقالة المسقطة للثمن المرهون به أو المسلم فيه المرهون به ولو اعتاض عن الدين عينا ارتفع
الرهن أيضا لتحول الحق من الذمة إلى العين ثم لو تلفت العين قبل التسليم بطل الاعتياض ويعود
الرهن كما عاد الدين قاله في التتمة ولا ينفك بالبراءة عن بعض الدين بعض الرهن كما أن حق الحبس
158

يبقى ما بقي شئ من الثمن ولا يعتق شئ من المكاتب ما بقي شئ من المال وهذا لان الرهن وثيقة لجميع الدين وكل
جزء منه كالشهادة ولو رهن عبدين وسلم أحدهما كان المسلم مرهونا بجميع الدين خلافا لأبي حنيفة رحمه الله أنه لو
سلمهما ثم تلف أحدهما كان الباقي رهنا بجميع الذين فيقس عليه ولو رهن دارا فانهدمت بعد القبض فالنقض
والعرصة مرهونان بجميع الدين وإنما الغرض انفكاك الرهن في بعض المرهون دون بعض بأحد أمور (أولها) تعدد
العقد كما أدارهن أحد نصفي العبد بعشرة في صفقة ونصفه الآخر في صفقة أخري (وقوله) وان تعدد العقد والصفقة
لفظان مترادفان وقد يؤكد بمثلهما (والثاني أن يتعدد المستحق للدين كما إذا رهن رجل من رجلين بدينهما عبدا
بينهما صفقة واحدة ثم برئت ذمته عن دين أحدهما بأداء أو ابراء ينفك من الرهن بقسط دينه خلافا لأبي حنيفة
حيث قال لا ينفك شئ ء حتى يؤدى دينهما جميعا ولا يخفى وجه قولنا في المسألة ويجوز أن يعلم قوله في
الكتاب أو مستحق الدين مع الحاء بالواو لان عن صاحب التقريب رواية وجه غريب أنه إذا اتحد
جهة الدينين كما لو أتلف عليهما مالا أو ابتاع منهما لم ينفك شئ ء بالبراءة عن دين أحدهما وإنما ينفك
إذا اختلفت الجهتان (والثالث) ان يتعدد من عليه الدين كما لو رهن رجلان من رجل بدينه عليهما فإذا
أدى أحدهما نصيبه أو برأه المستحق انفك نصيبه وعن أبي حنيفة فيما رواه الصيدلاني وغيره أنه لا ينفك
حتى يبرئا عن حقه جميعا وجوز هذا الرهن وان لم يجوز رهن المشاع (والرابع) لو وكل رجلان رجلا ليرهن
عبدهما من زيد بدينه عليهما فرهن ثم قضى أحد الموكلين ما عليه فعن بعض الأصحاب تخريجه على قولين
159

سنذكرهما على الأثر والصحيح الجزم بأنه ينفك نصيبه ولا نظر إلى اتحاد الوكيل وتعدده قال الامام لان
مدار الباب على اتحاد الدين وتعدده ومهما تعدد المستحق أو المستحق عليه فقد تعدد الدين ويخالف
ما نحن فيه البيع والشراء حيث ذكرنا خلافا في أن الاعتبار في تعداد الصفقة واتحادها بالمتبايعين أو الوكيل
لان الرهن ليس عقد ضمان حتى ينظر فيه إلى المباشر (الخامس) إذا استعار عبدا من مالكية
لرهنه فرهنه ثم أدى نصف الدين وقصد به الشيوع من غير تخصيص بحصة لم ينفك من الرهن شئ
وان قصد أداءه عن نصيب أحدهما بعينه لينفك نصيبه فقولان (أحدهما) لا ينفك كما لو استعاره من واحد
(والثاني) ينفك كما لو رهن رجلان من رجل ثم أدى أحدهما نصيبه والمعنى فيه النظر إلى تعدد الملك
وقطع النظر عن العاقد وفى عيون المسائل ما يدل على أن هذا أظهر القولين ولو كان لشخصين عبدان تماثلا
القيمة فاستعارهما للرهن فرهنهما ثم قضى نصف الدين ليخرج أحدهما عن الرهن فطريقان (قيل) يخرج
لانضمام تعدد المحل إلى تعدد المالك (والأصح) طرد القولين وإذا قلنا بالانفكاك فلو كان الرهن مشروطا
في بيع فهل للمرتهن الخيار إذا كان جاهلا بأنه لمالكين فيه رأيان نسبهما الأكثرون إلى ابن سريج
وحكاهما أبو بكر الفارسي قولين (أصحهما) أن له الخيار لان مقتضى الرهن المطلق أن لا ينفك
160

شئ منه إلا بعد أداء جميع الدين ولم يحصل ذلك ونقل المحاملي وغيره في أصل المسألة قولا ثالثا وهو
أن المرتهن إن كان عالما بأن العبد لمالكين فللراهن فك نصيبه بأداء نصف الدين وإن كان
جاهلا لم يكن للراهن فكه إلا بأداء الكل قال الامام ولا نعرف لهذا وجها فان عدم الانفكاك لاتحاد
الدين والعاقدين وهذا لا يختلف بالعلم والجهل وإنما أثر الجهل الخيار على ما بيناه * ولو استعار من رجلين
ورهن من رجلين كان نصيب كل واحد من المالكين مرهونا من الرجلين فلو أراد فك نصيب
أحدهما بقضاء نصف دين كل واحد منهما فعلى القولين ولو أراد فك نصف العبد بقضاء دين أحدهما
فله ذلك بلا خلاف ولو استعار اثنان من واحد ورهنا من واحد ثم قضى أحدهما ما عليه انفك
النصف لتعدد العاقد هذا هو المنقول وقد يخطر بالبال أنه إذا تعدد المالك واتحدد العاقد ينظر إلى
تعدد المالك على رأى فلم لا ينظر إلى اتحاده إذا اتحد المالك وتعدد العاقد ويجوز أن يجاب عنه بأنا إنما
نلاحظ جانبه بما ينفعه لا بما يضره *
161

(فرع) قال في التهذيب لو استعار ليرهن من واحد فرهن من اثنين أو بالعكس لا يجوز
(أما) في الصورة الأولى فلانه لم يؤذن (وأما) بالعكس فلانه إذا رهن من اثنين ينفك بعض الرهن بأداء
دين أحدهما وإذا رهن من واحد لا ينفك شئ إلا بأداء الجميع ونقل صاحب التتمة وغيره في الطرفين
الجواز والأول أصح (والسادس) لو رهن عبدا بمائة ثم مات عن اثنين فقضى أحدهما حصته من
الدين هل ينفك نصيبه من الرهن عن صاحب التقريب أنه على قولين (أحدهما) ينفك كما لو رهن في الابتداء اثنان
(وأصحهما) وبه قطع قاطعون أنه لا ينفك لان الرهن في الابتداء صدر من واحد وأنه إنما أثبت وثيقة قضيتها حبس
كل المرهون إلى أداء كل الدين فوجب ادامتها ولو مات من عليه الدين وتعلق الدين بتركته فقضى بعض الورثة
نصبيه من الدين قال الامام لا يبعد أن يخرج انفكاك نصيبه من الرهن على قولين بناء على أن أحد الورثة لو أقر
بالدين وأنكر الباقون هل يلزم المقر أداء جميع الدين من حصته من التركة وعلى هذا البناء فالأصح الانفكاك لان
الجديد لا يلزمه أداء جميع الدين مما في يده من التركة وأيضا فان تعلق الدين بالتركة إذا مات الراهن (إما) أن يكون
162

كتعلق الرهن أو كتعلق الأرش بالجاني (إن) كان الأول فهو كما لو تعدد الراهن (وان) كان الثاني) فهو
كما لو جني العبد المشترك فادى أحد الشريكين نصيبه ينقطع التعلق عنه (واعلم) أن الحكم بانفكاك
نصيبه إنما يظهر إذا كان ابتداء التعلق مع ابتداء تعلق الملاك ولو كان الموت مسبوقا بالمرض فيكون
التعلق سابقا على ملك الورثة فان للدين أثرا بينا في الحجر على المريض فيشبه أن يكون القول في
انفكاك نصيبه كما مر في الصورة السابقة (وقوله) في الكتاب باقرار الورثة قيد قد ذكره ههنا
وفي الوسيط وصورة المسألة غنية عنه فان التعلق لا يختلف بين أن يكون ثبوت الدين بالبينة أو بالاقرار
ولم يتعرض صاحب النهاية لهذا القيد *
قال (ومهما انفك نصيب أحدهما فله أن يستقسم المرتهن بعد اذن الشريك الراهن بناء على
الأصح في أن حكم القسمة في مثل هذا حكم الاقرار لا حكم البيع) *
إذا كان المرهون لمالكين وانفك الرهن في يصيب أحدهما بأداء أو ابراء وأراد الذي
انفك نصيبه القسمة نظر إن كان المرهون مما ينقسم بالاجزاء كالمكيلات والموزونات قال الشافعي
رضي الله عنه كان للذي انفك نصيبه أن يقاسم المرتهن باذن شريكه وإن كان مما لا ينقسم بالاجزاء
كالثياب والعبيد قال أصحابنا العراقيون لا يجاب إليه ومثاله أن يرهنا عبدين مشتركين متساويا
القيمة وانفك الرهن عن نصف كل عبد فأراد من أنفك نصيبه أن ينفرد بعبد وينحصر الرهن في عبد
فأن كان المرهون أرضا مختلفة الاجزاء كالدار وطالب من أنفك نصيبه القسمة قالوا على الشريك أن
163

يساعد وفى المرتهن وجهان (أظهرهما) أن له أن يمتنع لما في القسمة من التشقيص وقلة الرغبات وهذا
ما ضمنه العراقيون طرقهم وزاد آخرون منهم أصحاب القفال فقالوا تجويز القسمة حيث جوزناه مبنى على
أن القسمة افراز حق فاما إذا جعلناها بيعا فهي بيع المرهون بغيره وهو فيمتنع ثم إذا جوزنا القسمة
فسبيل الطالب أن يراجع الشريك فان ساعده فذاك والا رفع الامر إلى القاضي ليقسم ونقل الصيدلاني
وجها أنه لا حاجة إلى اذن الشريك في المتماثلات لان قسمتها قسمة اجبار والمذهب الأول * فلو قاسم
المرتهن وهو مأذون من جهة المالك أو الحاكم عند امتناع المالك جاز والا فلا وإذا منعناها فلو رضى
المرتهن فالمفهوم من كلام المعظم صحتها وقال الامام لا يصح ولو رضى لان رضاه إنما يؤثر في فك
الرهن أما في بيع الرهن بما ليس برهن ليصير رهنا فلا وهذا اشكال قوى (وقوله) في الكتاب
وله أن يستقسم المرتهن بعد اذن الشريك الآخر يوافق اللفظة التي نقلناها عن الشافعي رضي الله عنه
والقسمة في الحقيقة إنما تجرى مع الشريك لأنه المالك لكن لما كان المرهون في يد المرتهن وكان
فصل الامر معه أهون حسن القول بأنه يقاسمه بإذن المالك (وقوله) بناء على الأصح سيأتي في موضعه في أن حكم
القسمة في مثل هذا حكم الافراز يعنى بقوله في مثل هذا المكيلات والموزونات ونحوهما وفيه النص
164

الذي نقلناه وقد بين ذلك في الوسيط وكان في خاطره ههنا الا أنه أغفل ذكره ثم القول بأن
الأصح فيها قول الافراز غير مساعد عليه كما سيأتي في موضعه ثم أطبقوا على تجويز القيمة ههنا
وجعلوا تأثير قولنا إنها بيع في افتقارها إلى إذ المرتهن والله أعلم * ولو أراد الراهنان القسمة قبل
انفكاك شئ من المرهون فعلى التفصيل الذي بيناه ولو رهن واحد من اثنين وقضى نصيب أحدهما
ثم أراد القسمة ليمتاز ما بقي فيه الرهن ففي اشتراط رضى الذي بقي رهنه ما ذكرناه والله أعلم *
قال (ولو قال للمرتهن بع المرهون لي واستوف الثمن لي ثم استوفه لنفسك ففي استيفائه
لنفسه تردد من حيث اتحاد القابض والمقبض * وان قال بعه لي واستوف الثمن لنفسك فسد
استيفاؤه وكان مضمونا في يده لأنه استيفاء فاسد فأشبه الصحيح في الضمان * ولو قال بع
لنفسك بطل الاذن إذا كيف يبيع ملك غيره لنفسه * ولو قال بع مطلقا فالأصح صحته وتنزيله
على البيع للراهن) *
165

وجه انتظام هذه المسائل في هذا الموضع ان الدين تارة يقضي من غير المرهون وأثره الانفكاك
على ما تقرر وتارة يقضى منه بأن يباع فيه وقد مر بيان أنه متى يباع ومن يبيعه وأنه لو أذن الراهن
للمرتهن في بيعه ماذا حكمه ونتكلم الآن في صيغة اذنه ببيان صور (إحداها) لو قال للمرتهن بع المرهون
لي واستوف الثمن ثم استوفه لنفسك صح منه البيع والاستيفاء للراهن ثم لا يحصل الاستيفاء لنفسه بمجرد
إدامة اليد والامساك لان قوله ثم استوف لنفسك مشعر باحداث فعل فيه فلابد اذن من اذن جديد
لوكيل جديد على ما هو بيان القبض في المقدرات ولو كانت الصيغة ثم أمسكه لنفسك فلابد من
احداث فعل أيضا أم يكفي مجرد الامساك حكى الامام فيه وجهين وقال أولهما أظهرهما ثم إذا استوفاه
لنفسه ففيه وجهان ذكرناهما في نظائر المسألة في البيع لاتحاد القابض والمقبض فان صححناه برئت ذمة الراهن
166

عن الدين والمستوفى من ضمانه وان أفسدناه وهو الأصح لم يبرأ ولكن يدخل المستوفى في ضمانه أيضا لان القبض
الفاسد كالصحيح في اقتضاء الضمان (الثانية) لو قال بعه واستوف الثمن لنفسك صح البيع ولم
يصح استيفاء الثمن لأنه لما لم يصح قبض الراهن لا يتصور منه القبض لنفسه وههنا كما قبضه يصير
مضمونا عليه (الثالثة) لو قال بعه لنفسك فقولان (أصحهما) أن الاذن باطل ولا يتمكن من البيع
لأنه لا يتصور أن يبيع الانسان مال غيره لنفسه (والثاني) حكاه صاحب التقريب أنه يصح اكتفاء
بقوله بع والغاء لقوله لنفسك وأيضا فان السابق إلى الفهم منه الامر بالبيع لغرضه وهو التوسل به إلى
وفاء الدين (الرابعة) لو أطلق وقال بعه ولم يقل لي ولا لنفسك فوجهان (أصحهما) صحة الاذن
بالبيع ووقوعه للراهن كما لو قال لأجنبي بعه (والثاني) المنع وعللوه بمعنيين
(أحدهما) أن البيع
167

مستحق للمرتهن بعد حلول الحق والكلام مفروض فيه وإذا كان كذلك تقيد الاذن به وصار كأنه
قال بعه لنفسك (والثاني) أنه متهم في ترك النظر استعجالا للوصول إلى الدين وعلى التعليلين لو كان
الدين مؤجلا فقال بعه صح الاذن لعدم الاستحقاق والتهمة فان قال مع ذلك واستوف حقك من ثمنه
جاءت التهمة ولو قدر له الثمن لم يصح على التعليل الأول ويصح على الثاني وكذا لو كان الراهن حاضرا
عند البيع قال الامام ومن قال بالمنع أول قوله في المختصر ولو شرط للمرتهن إذا حل الحق أن يبيعه
لم يجز أن يبيع لنفسه إلا بأن يحضر رب الرهن وقال معناه إلا أن يحصره الراهن فيبيعه وهذا ما وعدت
أن أذكره من تأويله والله أعلم *
168

* (الباب الرابع في النزاع بين المتعاقدين) *
قال (وهو في أربعة أمور (العقد الأول) ومهما اختلفا فيه فالقول قول الراهن إذ الأصل
عدم الرهن * فلو ادعى المرتهن أن النخيل التي في الأرض مرهونة مع الأرض فللراهن أن ينكر
رهنها أو وجودها ويحلف ان لم يكذبه الحس في إنكار الوجود فان كذبه واستمر على إنكار الحس
جعل نا كلا عن اليمين ورد على المرتهن الا أن يعدل إلى نفى الرهن فيحلف عليه *
التنازع في باب الرهن يفرض في أمور (أحدها) أصل العقد فإذا قال رب الدين رهنتني
كذا وأنكر المالك أو رهنتني عبدك فقال بل ثوبي فالقول قول الراهن مع يمينه لان الأصل عدم
169

الرهن وكذا لو اختلفا في قدر المرهون به فقال الراهن رهنته بألف وقال المرتهن بل بألفين وبه قال
أبو حنيفة وأحمد وعن مالك أن القول قول من قيمة المرهون أقرب إلي ما يقوله * ولو اختلفا في قدر
المرهون فكذلك القول قول الراهن ومن صورة أن يرهن أرضا فيها أشجار ثم قال الراهن رهنت الأرض
دون ما فيها وقال المرتهن بل بما فيها وكذا لو قال هذه الأشجار مرهونة منى كالأرض وأنكر الراهن
ولو قال رهنتها مع الأرض يوم رهن الأرض وقال الراهن ان هذه الأشجار أو بعضها لم تكن يوم
رهن الأرض وإنما أحدثتها بعدها نظر إن كانت الأشجار بحيث لا يتصور وجودها يوم الرهن
فالمرتهن كاذب والقول قول الراهن بلا يمين وإن كانت بحيث لا يتصور حدوثها فالراهن كاذب
ثم إن سلم في معارضتها أنه رهن الأرض بما فيها كانت الأشجار مرهونة كما يقول المرتهن ولا حاجة
170

إلى التحليف فيها وان زعم رهن الأرض وحدها أو رهن ما سوى الأشجار المختلف فيها أو اقتصر على نفى
الوجود فلا يلزم من كذبه في إنكار الوجود كونها مرهونة فيطالب بجواب دعوى الراهن فان استمر
على إنكار الوجود واقتصر عليه جعل نا كلا وردت اليمين على المرتهن وان رجع إلى الاعتراف بالوجود
وأنكر رهنها قبل انكاره وعرض عليه اليمين لجواز كونه صادقا في نفي الرهن وان كذب في نفى
الوجود * ولو كانت الأشجار بحيث تتحمل الوجود يوم رهن الأرض والحدوث بعده فالقول قول الراهن
لما مر فإذا حلف هي كالشجرة الحادثة بعد الرهن في القلع وسائر الأحكام وقد بيناها من قبل وهذا كله
تفريع على الاكتفاء منه بانكار الوجود وهو الصحيح لان في إنكار الوجود يوم الرهن انكار
ما يدعيه المرتهن وهو رهنها مع الأرض وفيه وجه سيأتي في نظائر المسألة في الدعاوي أنه لابد من
انكار الرهن صريحا * واعلم أن الحكم بتصديق الراهن في هذه الصورة مفروض فيما إذا كان
اختلافهما في رهن تبرع (فاما) إذا اختلفا في رهن مشروط في بيع فالجواب أنهما يتحالفان كما في
سائر كيفيات البيع إذا وقع فيه الاختلاف (وأما) لفظ الكتاب فقوله فللراهن أن ينكر رهنها
أو وجودها لدى الرهن معناه أنه يقع منه بكل واحد من الانكارين ويعتد به جوابا ولك أن تعلم
قوله أو وجودها - بالواو - للوجه الذي حكيناه (وقوله) قبله فلو ادعي المرتهن أن النخل التي في الأرض
مرهونة مع الأرض أي رهنها يوم رهن الأرض والا فلو اقتصر على دعوى رهنها لم يكن انكار
وجودها يوم رهن الأرض يكتفى به الجواب إذ لا يلزم أن تكون موجودة يومئذ أن لا تكون
مرهونة (وقوله) فان كذبه واستمر على إنكار الحس أي اقتصر على كلامه الأول بعد ما طالبناه بجواب
دعوى الرهن على ما أوضحته *
171

قال (ولو ادعى على رجلين رهن عبدهما عنده فلأحدهما أن يشهد على الآخر إذا انفرد
بتكذيبه * ولو ادعى رجلان على واحد فصدق أحدهما فهل له أن يشهد للمكذب فيه وجهان ينبنيان
على أنه هل يشاركه فيما سلم له لو لم يشهد) *
إحدى صورتي الفصل أن يدعى رجل على رجلين أنهما رهنا منه عبدهما الفلاني بمائة واقبضاه
فان أنكر المدعى عليهما الرهن أو الرهن والدين والدين جميعا فالقول قولهما مع اليمين فان صدق أحدهما دون
الآخر فنصيب المصدق رهن بخمسين والقول في نصيب المكذب قوله مع يمينه فلو شهد المصدق
للمدعى على شريكه المكذب قبلت شهادته لأنها شهادة على الغير ليس فيها دفع ضرر ولاجلب
نفع فإذا شهد معه آخر أو حلف المدعى معه ثبت الرهن في الكل ولو زعم كل واحد منهما أنه ما رهن
نصيبه وأن شريكه رهن وشهد عليه فوجهان ويقال قولان (أحدهما) وبه قال الشيخ أبو حامد
أنه لا تقبل شهادة واتحد منهما لان المدعى يزعم أن كل واحد منهما كاذب ظالم بالجحود وطعن
المشهود له في الشاهد يمنع قبول شهادته له (والثاني) تقبل وبه قال الأكثرون ولأنهما ربما نسيا
وان تعمدا فالكذبة الواحدة لا توجب الفسق ولهذا لو تخاصم رجلان في شئ ثم شهدا في حادثة
تقبل شهادتهما وإن كان أحدهما كاذبا في ذلك التخاصم فعلى هذا إذا حلف مع كل واحد منهما أو أقام
شاهد آخر ثبت رهن الكل وعن أبي الحسن بن القطان الذي شهد أولا تقبل شهادته دون أن الذي
شهد آخرا لأنه انتهض خصما منتقما والثانية ادعى رجلان على واحد انك رهنتنا عبدك هذا بمائة
وأقبضناه فان صدقهما أو كذبهما لم يخف الحكم وان صدق أحدهما دون الآخر فنصف العبد
مرهون عند المصدق ويحلف الآخر وهل تقبل شهادة المصدق على المكذب للمكذب (أطلق) مطلقون انها
لا تقبل وقال القاضي ابن كج تقبل وحكى الامام وصاحب الكتاب فيه وجهين بناء على أن الشريكين
172

إذا ادعيا حقا أو ملكا بابتياع أو غيره فصدق المدعى على أحدهما دون الآخر يستبد المصدق بالنصف
المسلم أو يشاركه الآخر فيه وفيه وجهان (ان قلنا) إنه يستبد المصدق بالنصف قبلت شهادته للشريك
والا فلا لأنه يدفع بشهادته زحمة الشريك عن نفسه والكلام في الأصل المبنى عليه يذكر في
الصلح إن شاء الله تعالى والذي ينبغي أن يفتى به فيما نحن فيه القبول إن كان الحال لا يقتضي
الشركة والمنع أن اقتضت الشركة لأنه دافع وذكر في التهذيب أنه ان لم ينكر الا الرهن قبلت
شهادته للشريك وان أنكر الدين والرهن فحينئذ يفرق بين أن يدعى الإرث أو غيره ولك أن تقول
كما أن الاستحقاق في الدين يثبت بالإرث تارة وبغيره أخرى فكذلك استحقاق الرهن فليجز التفصيل
وان لم ينكر إلا الرهن *
(فرع) منصوص عليه في رواية الربيع ادعى زيد وعمرو على أبى بكر أنهما رهنا عبدهما
المشترك بينهما بمائة فصدق أحد المدعيين ثبت ما ادعاه وكان له على كل واحد منهما ربع المائة ونصف
نصيب كل واحد منهما مرهونا به وان صدق أحد الاثنين زيدا والآخر عمرا تبت الرهن في نصف
العبد لكل واحد من المدعيين في ربعه فربع المائة لان كل واحد منهما يدعى على الاثنين نصف
العبد ولم يصدقه إلا أحدهما ثم لو شهد أحد الاثنين على الآخر قبلت شهادته ولو شهد أحد المدعيين
للآخر فعلى ما ذكرناه في الصورة الثانية والمسألة ظاهرة من جهة المعني لكن في فهمهما وتصورها
تعقيد حكى الصيدلاني أن ابن سريج قال ما انتهيت إليها الا احتجت إلى الفكرة في تصورها حتى أثبتها على
حاشية الكتاب *
173

(فرع) منصوص عليه في المختصر ادعى رجلان على واحد فقال كل واحد منهما رهنتني عبدك هذا
وأقبضتنيه نظر ان كذبهما جميعا فالقول قوله ويحلف لكل واحد منهما يمينا وإن كذب أحدهما وصدق
الآخر قضى بالرهن للمصدق وهل للمكذب تحليفه فيه قولان (أصحهما) لا قاله في التهذيب وهما مبنيان على
أنه لو أقر بمال لزيد ثم أقر به لعمر وهل يغرم قيمته لعمر وفيه قولان وكذا لو قال رهنت هذا من زيد وأقبضته ثم قال
لا بل رهنته من عمرو وأقبضته هل يغرم قيمته للثاني ليكون رهنا عنده (إن قلنا) يغرم فله تحليفه فربما يقر ويأخذ
القيمة (وان قلنا) لا يغرم يبنى على أن النكول ورد اليمين بمثابة الاقرار أو البينة (إن قلنا) بالأول لم يحلف
لان غايته أن ينكل فيحلف وذلك مما لا يفيده شيئا كما لو أقر (وان قلنا) بالثاني حلفه فان نكل
فحلف اليمين المردودة ففيما يستفيد به وجهان (أحدهما) يقضى له بالرهن وينتزع من الأول وفاء
بجعله كالبينة (وأصحهما) انه يأخذ القيمة من المالك لتكون رهنا عنده ولا ينتزع المرهون من الأول
174

لأنا وان جعلناه كالبينة فإنما نجعل ذلك بالإضافة إلى المتداعيين ولا نجعله حجة على غيرهما وان
صدقهما جميعا نظر ان لم يدعيا السبق أو ادعاه كل واحد منهما وقال المدعى عليه لا أعرف السابق
منكما وصدقاه فوجهان (أحدهما) أنه يقسم الرهن بينهما كما لو تنازعا ملكا في يد ثالث واعترف
صاحب اليد لهما بالملك (وأصحهما) انه يحكم ببطلان العقد كما إذا زوج وليان من شخصين ولم يعرف السابق منهما
وان ادعى كل واحد منهما السبق وان الراهن علم بصدقه وانه بقي علمه بالسبق فالقول قوله مع يمينه
فان نكل ردت اليمين إليهما فان حلف أحدهما دون الآخر قضى له وان حلفا أو نكلا تعذر معرفة
السابق وعاد الوجهان وان صدق أحدهما في السبق وكذب الآخر قضى للمصدق وهل يحلفه المكذب
فيه القولان السابقان وحيث قلنا يقضى للمصدق فذلك إذا لم يكن العبد في يد المكذب فإن كان فقولان
175

(أحدهما) وهو اختيار المزني أخيرا أن يده ترجح على تصديق الراهن الآخر وتقتضي له بالرهن
(وأصحهما) أن المصدق مقدم لان اليد لا دلالة لها على الرهن ألا ترى أنه لا تجوز الشهادة بها على
الرهن ولو كان العبد في أيديهما معافا لمصدق مقدم في النصف الذي هو في يده وفى النصف
الأخير قولان والاعتبار في جميع ما ذكرناه بسبق القبض لا بسبق العقد حتى لو صدق هذا في سبق
العقد وهذا في سبق القبض فالمقدم الثاني *
(فرع) دفع متاعا إلى رجل وأرسله إلى غيره ليستقرض منه الدافع ويرهن المتاع به
ففعل ثم اختلفا فقال المرسل إليه استقرض مائة ورهن المتاع بها باذنك وقال المرسل لم آذن له الا في
176

خمسين نظر ان صدق الرسول المرسل فالمرسل إليه مدع عليهما على المرسل بالاذن وعلى الرسول
بالأخذ فالقول قولهما في نفى ما يدعيه وان صدق المرسل إليه فالقول في نفى الزيادة قول المرسل ولا يرجع
المرسل إليه على الرسول بالزيادة إن صدقه في الدفع إلى المرسل لأنه مظلوم بقوله وان لم يصدقه رجع
عليه هكذا ذكروه وفيه إشكال لان الرسول وكيل الرسل وبقبضه يحصل الملك للموكل حتى يغرم له
ان تندي فيه ويسلمه إليه إن كان باقيا وإذا كان كذلك فرجوع المرسل إليه إن كان بناء على توجه
العهدة على الوكيل فليرجع وان صدقه في دفع المال إلى المرسل كما يطالب البائع الوكيل بالشراء بالثمن
وان صدقه في تسلم المبيع إلى الموكل وإن كان الرجوع لان للمقرض أن يرجع في عين القرض ما دام
باقيا فهذا ليس بتعريض ورجوع ملف وإنما يسترد عين المدفوع فيحتاج إلى اثبات كونه في يده
ولا يكفي فيه عدم التصديق بالدفع إلى المرسل وإن كان غير ذلك فلم يرجع إذا لم يصدقه ولم يوجد منه
تعد عليه ولا على حقه والله أعلم
قال (الأمر الثاني في القبض والقول فيه أيضا قول الراهن * وكذا ان وجدناه في يد المرتهن
إذا قال الراهن غصبته (و) * ولو قال أخذته وديعة أو عارية أو بجهة أخرى مع الاذن فوجهان
وانه اعترف بقبض مأذون فيه من الراهن وأراد صرفه عنه * فلو أقيمت الحجة على إقراره بقبض
الرهن فقال كنت غلطت فيه تعويلا على كتاب الوكيل أو إقامة على رسم القبالة (و) فله أن يحلف
المرتهن على نفيه * وان قال تعمدت الكذب فلا يسمع (و) ولا يمكن من التحليف) *
الأمر الثاني مما يعرض فيه التنازع في القبض وفيه مسألتان (إحداهما) إذا تنازعا في قبض
177

المرهون نظر إن كان في يد الراهن وقت النزاع فالقول قوله مع يمينه كما في أصل الرهن وإن كان
في يد المرتهن وقال أقبضنيه عن الرهن وأنكر الراهن نظر ان قال غصبتنيه فالقول قوله أيضا
لان الأصل عدم لزوم الرهن وعدم إذنه في القبض وان ادعى قبضه عن جهة أخرى
مأذون فيها سوى الرهن فان قال أودعتكه أو أعرت أو اكتريت أو اكتريته من فلان ما كراه
منك فوجهان (أحدهما) أن القول قول المرتهن لأنهما اتفقا على قبض مأذون فيه وأراد الراهن أن
يصرفه إلى جهة أخرى والظاهر خلافه لتقدم العقد المحوج إلى القبض (أصحهما) وهو المنصوص
أن القول قول الراهن لان الأصل عدم اللزوم وعدم اذنه في القبض عن الرهن وفى النهاية حكاية
وجه بعيد فيما إذا قال غصبتنيه أيضا أن القول قول المرتهن استدلالا باليد على الاستحقاق كما يستدل بها على
الملك ويجرى مثل هذا التفصيل فيما إذا اختلف البائع والمشترى في القبض حيث كان للبائع حق
الحبس؟ إلا أن الأظهر ههنا الحكم بحصول القبض إذا كان المبيع عند المشترى وادعي البائع أنه إعارة
أو أودعه لتقوى اليد بالملك وهذا يتفرع على أن حق الحبس لا يبطل بالايداع والإعارة عند المشترى
وفيه وجهان ولو سلم الراهن أنه اذن له في قبضه عن جهة الرهن ولكن قال رجعت قبل أن قبضته
وقال المرتهن لم ترجع فالقول قوله لان الأصل عدم الرجوع ولو قال الراهن لم تقبضه بعد وقال المرتهن
قبضته فقد نقل فيه اختلاف نص عن الام واتفق الأصحاب على تنزيلهما على حالين إن كان المرهون
في يد الراهن فالقول قوله وإن كان في يد المرتهن فالقول قوله لان اليد قرينة دالة على صدقة (الثانية)
178

إقرار الراهن باقباض المرهون مقبول ملزم لكن بشرط الامكان حتى لو قال رهنته اليوم داري
بهمدان وأقبضتها إياه وهما بقزوين فهو لاغ ولو قامت الحجة على اقراره في محل الامكان فقال لم يكن
إقراري على حقيقته فحلفوه أنه قبض نظر ان ذكر لاقراره تأويلا كما إذا قال كنت
أقبضته بالقول وظننت أنه يكفي قبضا أو القى إلى كتاب عن سان وكيلي أنه أقبض ثم
خرج مزورا أو قال أشهدت على رسم القبالة قبل تحقيق القبض فله تحليفه وان لم يذكر تأويلا فوجهان
(عن) أبى اسحق أنه لا يمكن من التحليف ولا يلتفت إلى قوله الثاني لمناقضته الأول) وقال
ابن خيران وغيره يمكن منه وهو ظاهر النص لأنا نعلم أن الوثائق في الغالب يشهد عليها قبل تحقيق
ما فيها فأي حاجة إلى تلفظه بذلك وهذا أصح عند العراقيين والأول أصح عند المراوزة وهذا إذا قامت
الحجة على إقراره أما إذا أقر في مجلس القضاء بعد توجه الدعوى عليه فعن الشيخ أبى محمد عن القفال
أنه لا يمكن من التحليف وان ذكر لاقراره تأويلا لأنه
لا يكاد يقر عند القاضي الا عن تحقيق وقال
غيره لافرق لشمول الانكار ولو شهد الشهود على نفس الاقباض فليس له التحليف بحال
وكذا لو شهدوا على إقراره فقال ما أقررت لأنه تكذيب للشهود * ولو كان الرهن
مشروطا في البيع فقال المشترى وفيت وأقبضت ثم تلف الرهن فلا خيار لك في البيع وأقام على إقراره
بالقبض حجة فأراد المرتهن تحليفه فهو كما ذكرنا في اقراره الراهن وطلبه يمين المرتهن وقس على هذا
179

ما إذا قامت البينة على إقراره لزيد بألف فقال إنما أقررت وأشهدت ليقرضني ثم إنه لم يقرضني فحلفوه
وسائر النظائر (وقوله) في الكتاب فله أن يحلف المرتهن على نفيه قد أعلم بالواو لأنه روى في الوسيط
إذا كذب نفسه في إقراره ثلاثة أوجه المنع المطلق وتمكينه من التحليف مطلقا والفرق بين أن يذكر سببا
وتأويلا وبين أن يقول كذبت عمدا ولا يعتذر لكن المنع المطلق قل من رواه (وقوله) على نفيه أي
على نفى ما يدعيه من التأويل وليس ذلك على معنى أنه يتعين محلفا عليه بل له تحليفه على القبض
كما مرو ينبغي أن يكون التحليف على نفى ما يدعيه من التأويل فيما إذا نازعه المرتهن في تأويله ونفاه
أما إذا لم يتعرض له وأقتصر على قوله قبضت فيقنع منه بالحلف عليه وقوله فلا يسمع ولا يمكن من التحليف
يجوز اعلامه بالواو لأنه أراد ما إذا قال كذبت عمدا ولم يعتذر بشئ وقد بان الخلاف فيه *
قال (الأمر الثالث في الجناية فإذا اعترف الجاني وصدقه الراهن دون المرتهن أخذ الأرش
وفاز به * وان صدقه المرتهن أخذ الأرش وكان رهنا عنده إلى قضاء الدين * فإذا أقضى من موضع
آخر فهو مال ضائع لا يدعيه أحد * وان جنى العبد واعترف به المرتهن فالقول قول الراهن * ولو قال
180

الراهن أعتقته أو غصبته قبل أن رهنت أو كان قد جني وأضاف إلى معين مجنى عليه ففيه ثلاثة
أقوال * كما في تنفيذ عتقه لأنه مالك لا تهمة فيه * فان قلنا لا يقبل فيحلف المرتهن على نفى العلم *
فان حلف هل يغرم الراهن للمقر له يبتني على قولي الغرم بالحيلولة * وان نكل يرد اليمين على الراهن أو على
المقر له قولان * وكل واحد من المرتهن والمقر له مهما نكل فقد أبطل حق نفسه عن الغرم بنكوله *
وان رددنا * على الراهن فنكل فهل للمقر له الحلف لكيلا يبطل حقه بنكول غيره فيه قولان *
وان قلنا يقبل اقراره فهل للمرتهن تحليفه فيه وجهان * فان حلفناه فنكل وحلف المرتهن اليمين المردودة
ففائدة حلفه تقرير العبد في يده أو أن يغرم الراهن له قولان * ولو كان المقر به الاستيلاد فيزيد أن
المستولدة تحلف إذا نكل الراهن وان حرية الولد والنسب تثبت لا محالة) *
الثالث مما يتنازعان فيه الجناية إما على المرهون أو به (أما) القسم الأول فإذا جني على العبد
المرهون فجاء انسان وأقر بأنه الجاني فان صدقه المتراهنان أو كذباه لم يخف الحكم وان صدقه الراهن وحده اخذ
181

الأرش وفاز به وليس للمرتهن التوثق به وان صدقه المرتهن وحده أخذ الأرش وكان مرهونا فان
اتفق قضاء الدين من غيره أو أبرأ المرتهن فوجهان (أصحهما) أنه يرد الأرش إلى المقر (والثاني) يجعل
في بيت المال لأنه مال ضائع لا يدعيه أحد إذ المرتهن انقطعت علقته والراهن ينكر استحقاقه والمقر
معترف بان أداءه كان واجبا عليه وللصورة أخوات تذكر في مواضعها إن شاء الله تعالى (القسم الثاني)
الجناية من المرهون والنزاع في جنايته اما أن يقع بعد لزوم الرهن أو قبله (الحالة الأولى) ان يتنازعا
في جنايته بعد لزوم الرهن فإذا أقر المرتهن بأنه جنى وساعده العبد أو لم يساعده لم يقبل قوله على
الراهن بل القول قول الراهن مع يمينه لان الملك له وضرر الجناية يعود إليه وإذا بيع في دين المرتهن
لم يلزمه تسليم الثمن إليه باقراره السابق واحتجوا بان العبد ان لم يكن جانبا فلا حق فيه لغير المرتهن وإن كان
جانيا فلا يصح بيعه للمرتهن لتعلق حق المجني عليه به وإذا لم يصح بيعه كان الثمن باقيا على ملك المشتري
ولو أقر الراهن بجنايته وأنكر المرتهن فالقول قوله لان الأصل عدم الجناية وبقاء الرهن وإذا
بيع في الدين فلا شئ للمقر له على الراهن لان الراهن لا يغرم جناية المرهون ولم يتلف بالرهن شيئا
للمقر له لكون الرهن سابقا على الجناية وليس كما لو أقر بجناية أم الولد حيث يغرم للمقر له وان سبق
الاستيلاد الجناية لان السيد يغرم جناية أم الولد وذكر القاضي ابن كج وجها آخر أنه يقبل اقرار
الراهن ويباع العبد في الجناية ويغرم الراهن للمرتهن (الحالة الثانية) أن يتنازعا في جنايته قبل لزوم
182

الرهن وفيها مسألتان (إحداهما) أقر الراهن بأنه كان قد أتلف مالا أو جني على نفس جناية توجب
المال فينظر ان لم يعين المجني على أو عينه ولكنه لم يصدقه ولم يدع ذلك فالرهن مستمر بحاله وان
عينه وادعاه المجني عليه نظر ان صدقه المرتهن بيع في الجناية وللمرتهن الخيار إن كان ذلك الرهن
مشروطا في بيع وان كذبه فاصح القولين وبه قال أبو حنيفة واختاره المزني أنه لا يقبل قوله صيانة
لحق المرتهن (والثاني) يقبل لأنه مالك فيما أقر به فلا تنقدح تهمة في إقراره وقال من نصر الأول
فيه تهمة ومواطأة للمقر له والتدرج إلى دفع الرهن والقولان كالقولين فيما إذا أقر العبد بسرقة مال
ونفذناه في القطع هل ننفذه في المال لأنه بهذا الاقرار يضر بنفسه فلا ينفى التهمة ويجرى القولان
فيما لو قال كنت غصبته أو اشتريته شراء فاسدا أو بعته قبل أن رهنته أو وهبته وأقبضته وفيما
لو قال كنت أعتقته قال الشيخ أبو حامد ولا حاجة في هذه الصورة إلى تصديق العبد ودعواه
بخلاف سائر الصور وفى الاقرار بالعتق قول ثالث أنه إن كان موسرا نفذ والا فلا تنزيلا للاقرار
بالاعتاق منزلة الاعتاق ونقل امام الحرمين هذا القول الفارق في الصور كلها وجعلها على ثلاثة
أقوال وتابعه المصنف *
(التفريع) إن قلنا لا يقبل اقرار الراهن فالقول في بقاء الرهن قول المرتهن مع يمينه يحلف
على نفى العلم بالجناية وإذا حلف واستمر الرهن فهل يغرم الراهن للمجني عليه فيه قولان قال الأئمة (أصحهما)
أنه يغرم وهو اختيار المزني كما لو قتله لان حال بينه وبين حقه (والثاني) لا يغرم لأنه أقر في رقبة العبد
بما لم يقبل اقراره فكأنه لم يقر والقولان كالقولين فيما إذا أقر بالدار لزيد ثم أقر بها لعمرو هل يغرم؟
183

لعمر ويعبر عنهما بقولي الغرم للحيلولة لأنه بالاقرار الأول حال بين من اعترف باستحقاقه ثانيا وبين حقه
(فان قلنا) يغرم طولب في الحال إن كان موسرا وإن كان معسرا فإذا أيسر وفيما يغرم المجني عليه
طريقان (قال) أبو إسحاق وطائفة أصح القولين أنه يغرم الأقل من قيمته وأرش الجناية (وثانيهما) أنه
يغرم الأرش بالغا ما بلغ وقال الأكثرون ومنهم أبو الحسن يغرم الأقل بلا خلاف كما أن أم الولد
لا تفدى إلا بالأقل إذا جنت لامتناع البيع بخلاف العبد القن (وان قلنا) لا يغرم الراهن فان بيع في الدين
فلا شئ عليه لكن لو ملكه يوما فعليه تسليمه في الجناية وكذا لو انفك الرهن عنه فهذا إذا حلف
المرتهن فان نكل فعلى من ترد اليمين فيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) على الراهن لأنه المالك
للعبد والخصومة تجرى بينه وبين المرتهن (وأصحهما) على المجني عليه لان الحق فيما أقر له والراهن
لا يدعى لنفسه شيئا وهذا الخلاف عن الشيخ أبى محمد مبني على أنه لو حلف المرتهن هل يغرم الراهن
للمجني عليه (ان قلنا) نعم يرد على المجني عليه لان الراهن لا يستفيد باليمين المردودة شيئا والمجني عليه يستفيد بها
اثبات دعواه وسواء قلنا ترد اليمين على الراهن أو المجني عليه فإذا حلف المردود عليه بيع العبد في الجناية ولا خيار
للمرتهن في فسخ البيع إن كان الرهن مشروطا في بيع لان اقرار الراهن إذا لم يقبل لا يفوت عليه شيئا وإنما
يلزم الفوات من النكول ثم إن كان الأرش يستغرق قيمة العبد بيع كله والا بيع منه بقدر الأرش وهل
يكون الباقي رهنا فيه وجهان (أصحهما) لا لان اليمين المردودة كالبينة أو كاقرار المرتهن بأنه كان
184

جانيا في الابتداء فلا يصح الرهن في شئ وإذا رددنا على الراهن فنكل فهل يرد الآن على المجني
عليه فيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) نعم لان الحق له فلا ينبغي أن يبطل بنكول غيره (وأشبههما)
لا لان اليمين لا ترد مرة بعد مرة فعلى هذا نكول الراهن كحلف المرتهن في تقرير الرهن وهل يغرم
الراهن للمقر له فيه القولان وان رددنا على المجني عليه فنكل قال الشيخ أبو محمد وغيره تسقط دعواه
وتنتهي الخصومة وطرد العراقيون في الرد منه على الراهن الخلاف المذكور في عكسه وإذا لم يرد لم
يغرم له الراهن قولا واحدا ويحال بالحيلولة على نكوله هذا تمام التفريع على أحد القولين في أصل
المسألة وهو أن الراهن لا يقبل اقراره (أما) إذا قلنا إنه يقبل اقراره فهل يحلف أم يقبل قوله من غير
يمين فيه قولان أو وجهان (أحدهما) أنه لا يحلف وهو اختيار القاضي أبى الطيب لان اليمين للزجر
والتخويف ليرجع عن قوله إن كان كاذبا وههنا لا سبيل له إلى الرجوع (وأصحهما) عند الشيخ
أبى حامد ومن نحا نحوه أنه يحلف لحق المرتهن وعلى هذا فيحلف على البيت لأنه يحلف على الاثبات
وسواء قلنا لا يحلف أو قلنا يحلف فيباع العبد في الجناية إما كله أو بعضه على ما مر وللمرتهن الخيار
في فسخ البيع الذي شرط فيه هذا الرهن فان نكل حلف المرتهن لأنا إنما حلفنا الراهن لحقه فالرد
يكون عليه وما فائدة حلفه فيه قولان حكاهما الصيدلاني وغيره (أصحهما) أن فائدته تقرير الرهن
في العبد على ما هو قياس الخصومات (والثاني) أن فائدته أن يغرم الراهن قيمته ليكون رهنا مكانه
ويباع العبد في الجناية باقرار الراهن وإن قلنا بالأول فهل يغرم الراهن للمقر له لأنه بنكوله حال بنيه
185

وبين حقه فيه ما سبق من القولين وان قلنا بالثاني فهل للمرتهن الخيار في فسخ البيع الذي شرط فيه
هذا الرهن فيه وجهان ينظر في أحدهما إلى حصول الوثيقة في الثاني إلى غير المشروط لم يسلم وهو الأصح
وان نكل المرتهن بيع العبد في الجناية ولا خيار له في البيع ولا غرم على الراهن وإذا عرفت
تفريع القولين فيما لو أقر بالجناية فقس به تفريعهما وأقر بالبيع أو الغصب ونحوهما قبل الرهن ولو أقر بالعتق وقلنا
إنه لا يقبل اقراره فالمنصوص أنه يجعل ذلك كانشاء الاعتاق حتى تعود فيه الأقوال لان من ملك
186

انشاء أمر قبل اقراره فيه ونقل الامام في نفوذه وجهين وإن حكمنا بنفوذ الانشاء لأنه ممنوع من
الانشاء تبرعا وان نفذناه إذا فعل وهذا كما أن اقرار السفيه بالطلاق مقبول كانشائه ولو أقر باتلاف مال
ففي قبوله وجهان لأنه ممنوع من الاتلاف شرعا ففي مسألة الاقرار بالخيار كلامان (أحدهما) جميع
ما ذكرناه في المسألة مبنى على أن رهن الجاني لا يجوز أما إذا جوزناه فعن بعض الأصحاب أنه يقبل
اقراره لا محالة حتى يغرم للمجني عليه ويستمر الرهن وقال آخرون يطرد فيه القولان ووجه عدم القبول
أنه يحصل بلزوم الرهن لان المجني عليه يبيع المرهون لو عجز عن أخذ الغرامة من الراهن (والثاني) أنه
لو أقر بجناية توجب القصاص لم يقبل اقراره على العبد ولو قال ثم عفا على مال كما لو أقر بما يوجب
المال (المسألة الثانية) رهن الجارية الموطوءة جائز ولا يمنع من التصرف لاحتمال الحمل فإذا رهن جارية
فأتت بولد ينظر إن كان الانفصال لدون ستة أشهر من يوم الوطئ أو لأكثر من أربع سنين فالرهن
بحاله والولد مملوك له غير لاحق به وإن كان لستة أشهر فأكثر إلى أربع سنين فقال الراهن هذا الولد
منى وكنت وطئتها قبل لزوم الرهن نظر ان صدقه المرتهن أو قامت عليه به بينة فهي أم لود له والرهن
باطل وللمرتهن فسخ البيع الذي شرط فيه رهنها وان كذبه المرتهن ولا بينة ففي قبول اقراره لثبوت
الاستيلاد قولان كما لو أقر بالعتق ونظائره والتفريع كما مر وعلى كل حال فالولد حر ثابت النسب عند
187

الامكان ولو لم يصادف ولدا في الحال وزعم الراهن أنها ولدت منه قبل الرهن ففيه هذا التفصيل
والخلاف (وقوله) في الكتاب وكل واحد من المرتهن أو المقر له مهما نكل فقد أبطل حق نفسه
عن الغرم بنكوله هذا في حق المقر له مفرع على قول التغريم من قولي الغرم بالحيلولة (أما)
المرتهن فليس له غرم تفريعا على قولنا انه لا يقبل اقرار الراهن حتى يفرض بطلانه بنكوله نعم
على قولنا يقبل اقرار الراهن ينتهى التفريع إلى أن يغرم له الراهن القيمة على رأى كما سبق وذلك
هو الذي يبطل بنكوله فإذا كان الأحسن أن يذكر هذا بعد التفريع على القولين جميعا لا في
آخر التفريع على الأول (وقوله) فهل للمرتهن تحليفه وجهان ذكرنا أن بعضهم رواهما قولين وان قوله
قولان في المسألة بعدها يرويهما بعضهم وجهين والأولى أن يرويهما جميعا قولين أو وجهين
أو يروى في الأولى قولين وفى الثانية وجهين فاما تفريع القولين على الوجهين فهو مما يستبعد (وقوله)
188

مريدا ان المستولدة تحلف أي إذا فرعنا على أن المجني عليه يحلف في مسألة الجناية فههنا يحلف المستولدة
فإنها تقع في رتبته وفى العتق يحلف العبد *
(فرع) لو أقر بجناية ينقص أرشها عن قيمة العبد ومبلغ الدين فالقول في مقدار
الأرش على الخلاف السابق ولا يقبل فيما زاد على ذلك لظهور التهمة وقيل بطرد الخلاف فيه *
(فرع) لو باع عبدا ثم أقر بأنه كان قد غصبه أو باعه أو بأنه اشتراه شراء فاسدا لم يلتفت
إلى قوله لأنه اقرار في ملك الغير والاقرار في ملك الغير مردود ظاهر ويخالف اقرار الراهن فإنه في
ملكه وعن بعض الأصحاب اجزاء الخلاف فيه والمذهب الأول وحينئذ يكون القول قول المشترى
فان نكل فالرد على المدعى أو على المقر البائع حكى القاضي ابن كج فيه قولين * ولو اجر عبدا ثم
أقر بأنه كان قد باعه أو أجره أو أعتقه ففيه الخفا المذكور في الرهن لبقاء الملك * ولو كاتبه ثم أقر
بما لا يصح معه الكتابة فان القاضي ابن كج أجرى الخلاف فيه وقال الشيخ أبو حامد وغيره لا يقبل
بحال لان المكاتب بمنزلة من زال الملك عنه والله أعلم *
189

قال (الأمر الرابع فيما يفك الرهن فلو أذن المرتهن في البيع ثم ادعى الرجوع قبل البيع
فالقول قوله (و) لان الأصل أن لا يبيع ولا رجوع فيتعارضان ويبقى أن الأصل استمرار العقد *
ولو قال الراهن ما سلمته من المال كان عن جهة الدين الذي به الرهن فانفك وادعى المرتهن أنه عن
جهة غيره فالقول قول الراهن * وكذا في كل ما يدعيه من قصوده في الأداء فإنه أعرف بنية
نفسه * ولو قال لم أنو عند التسليم أحد الدينين فعلى وجه يوزع على الجهتين * وعلى وجه يقال له
اصرف الآن إلى ما شئت * وكذا في جميع نظائره) *
الأمر الرابع مما يتنازع فيه المتراهنان ما يفك الرهن وذكر فيه صورتين (إحداهما) إذا أذان المرتهن في
بيع الرهن وباع الراهن ورجع المرتهن عن الاذن ثم اختلفا فقال المرتهن رجعت قبل ان بعت فلم
190

يصح بيعك وبقى المال رهنا كما كان وقال الراهن بل رجعت بعد البيع فوجهان (أظهرهما) عند
الأكثرين أن القول قول الراهن لان الأصل عدم رجوع المرتهن في الوقت الذي يدعيه والأصل
عدم بيع الرهن في الوقت الذي يدعيه فيتعارضان ويبقى أن الأصل استمرار الرهن (؟ الثاني) أن القول
قول الراهن لتقوى جانبه بالاذن الذي سلمه المرتهن وتوسط في التهذيب بين الوجهين فقال إن قال
الراهن أولا تصرفت باذنك ثم قال المرتهن كنت رجعت قبله فالقول قول الراهن مع يمينه وان قال
المرتهن أولا رجعت عما أذنت فقال الراهن كنت تصرفت قبل رجوعك فالقول قول المرتهن مع
يمينه لان الراهن حين أخبر لم يكن قادرا على الانشاء ولو أنكر الراهن أصل الرجوع فالقول
قوله مع يمينه لان الأصل عدم الرجوع (الصورة الثانية) إذا كان عليه دينان بأحدهما رهن دون الآخر فسلم إليه
191

ألفا ثم اختلفا فقال من عليه الدين سلمته عما به الرهن وقال المستحق بل عن الآخر فالقول قول الدافع
مع يمينه لأنه أعرف بقصده وكيفية أدائه ولا فرق بين أن يختلفا في مجرد النية أو في اللفظ أيضا بان
يقول قد ذكرت أنه عن هذا الدين وخلفه الآخر وكذا الحكم لو كان بأحدهما كفيل أو كان
أحدهما حالا أو ثمن مبيع وهو محبوس به فقال سلمته عنه وأنكر صاحبه قال الأئمة والاعتبار في
أداء الدين بقصد المؤدى حتى لو ظن المستحق انه يودعه عنده وظن من عليه الدين الأداء تبرأ ذمته ويصير
المؤدى ملكا للمستحق فإن كان عليه دينان فادى عن أحدهما بعينه وقع عنه وان أدى عنهما يقسط على
الدينين وان لم يقصد في الحال شيئا فوجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبي هريرة أنه يوزع على الدينين
إذ ليس أحدهما أولى من الآخر (وأظهرهما) وبه قال أبو إسحاق انه يراجع حتى يصرفه إليهما أو إلى
192

أيهما شاء كما إذا كان له مالان حاضر وغائب ودفع دراهم إلى المستحقين ذكاة وأطلق له صرفها إلى من شاء
منهما وتردد الصيدلاني في حكاية الوجه الأول أنه يوزع على قدر الدينين أو على المستحقين بالسوية وعلى
هذا القياس نظائر المسألة كما إذا تبايع مشتركان درهما بدرهمين وسلم الفضل من التزمه ثم أسلما إن قصد
تسليمه عن الفضل فعليه الأصل وإن قصد تسليمه عن الأصل فلا شئ عليه وإن قصد تسليمه عنهما وزع عليهما
وسقط ما بقي من الفضل وان لم يقصد شيئا ففيه الوجهان * ولو كان لزيد عليه مائة ولعمر ومثلها فوكلا وكيلا
بالاستيفاء
فدفع المديون إلى الوكيل لزيد أو لعمرو فذاك وان أطلق فعلى الوجهين ولو قال خذه وادفعه إلى فلان أو إليهما
فهذا توكيل منه بالأداء وله التعبير ما لم يصل إلى المستحق ولو أبرأ مستحق الدينين المديون عن مائة وكل واحد
منهما مائة نظر ان قصد أحدهما أو قصدهما فالامر على ما قصد وان أطلق فعلى الوجهين ولو اختلفا
فقال المبرئ أبرأت عن الدين الخالي عن الرهن أو الكفيل وقال المديون بل عن الآخر فالقول قول
المبرئ مع يمينه والله أعلم * هذا شرح ما أورده في باب النزاع وقد يختلف المتراهنان في أمور أخر (منها)
ما اندرج فيما قبله من أبواب الرهن (ومنها) ما إذا اختلفا المتراهنان في قدم عيب الرهن وحدوثه إذا كان مشروطا
وقد ذكرناه في كتاب البيع * ومن فروع هذا الباب ما إذا رهنه عصيرا ثم اختلفا بعد القبض فقال المرتهن
193

قبضته وقد تخمر فلي الخيار في فسخ البيع المشروط فيه هذا الرهن وقال الراهن بل صار عندك خمرا فقولان
(أصحهما) ان القول قول الراهن مع يمينه لان الأصل بقاء المبيع والمرتهن يتدرج بما يقوله إلى الفسخ
(والثاني) وبه قال أبو حنيفة والمزني أن القول قول المرتهن مع يمينه لان الأصل عدم القبض الصحيح
ولو زعم المرتهن أنه كان خمرا يوم العقد وكان الشرط شرط رهن فاسد فمنهم من طرد القولين وعن
ابن أبي هريرة القطع بأن القول قول المرتهن ومأخذ الطريقين أن فساد الرهن هل يوجب فساد البيع
(ان قلنا) لا خرج على القولين (وان قلنا) نعم فالجواب ما قاله ابن أبي هريرة لأنه ينكر أصل البيع والأصل عدمه
ويمكن أن يخرج على الخلاف (وان قلنا) أن فساد الرهن يوجب فساد البيع على الخلاف فيما إذا اختلف المتبايعان
في شرط مفسد وقد مر ثم ههنا فائدتان (إحداهما) خرج مخرجون القولين على أن المدعى من يدعى أمرا خفيا
والمدعى عليه من يدعى أمرا جليا والمدعى من لو سكت ترك والمدعى عليه من لم لو سكت لم يترك هذا أصل معروف
في موضعه (فان قلنا) بالأول فالمدعى الراهن لأنه قد يدعى جريان القبض الصحيح والأصل عدمه فيكون القول
قول المرتهن (وان قلنا) بالثاني فالمدعى المرتهن لأنه لو سكت لترك والراهن لا يترك لو سكت فيكون القول قول
194

الراهن (والثانية) استنبط القاضي الحسين من القولين الجواب في فرعين (أحدهما) سلم العبد المشروط
رهنه ملفوفا في ثوب ثم وجد ميتا فقال الراهن مات عندك وقال المرتهن بل كان ميتا قال في المصدق
منهما القولان (والثاني) اشترى مائعا وجاء بظرف فضه البائع فيه فوجدت فيه فأرة ميتة فقال البائع
انها كانت في ظرفك وقال المشترى بل أقبضتنيه وفيه الفأرة فيمن يصدق القولان ولو زعم المشترى
أنها كانت فيه يوم البيع فهذا اختلاف في أن العقد جرى صحيحا أو فاسدا *
(خاتمة) ليس للراهن أن يقول أحضر المرهون وأنا أؤدي دينك من مالي بل لا يلزمه الاحضار
بعد الأداء أيضا وإنما عليه التمكين كالمودع والاحضار وما يحتاج إليه من مؤنه على رب المال ولو
احتاج إلى بيعه في الدين لم يكن عليه الاحضار أيضا بل يتكلف الراهن مؤنته ويحضره القاضي حتى يبيعه
والله تعالى أعلم *
195

قال * (كتاب التفليس) *
(التماس الغرماء الحجر بالديون الحالة الزائدة على قدر المال سبب لضرب الحجر (ح) على المفلس بدليل
الحديث وفى التماس المفلس دون الغرماء والتماس الغرماء بدين يساوى المال أو يقرب منه خلاف والديون
المؤجلة لاحجر بها (و) ولا يحل الأجل بالفلس على الأصح) *
التفليس النداء على المفلس واشهاره بصفة الافلاس ولفظ الافلاس مأخوذ من الفلوس وقولهم أفلس الرجل
كقولهم أخبث أي صار أصحابه خبثاء لان ماله صار فلوسا وزيوفا ولم يبق ماله خطر أو كقولهم أذل الرجل إذا صار
في حال يذل فيها لأنه صار إلى حالة يقال ليس معه فلس أو يقال فيها لم يبق معه إلا الفلوس أو كقولهم أسهل الرجل
وأحزن إذا وصل إلى السهل والحزن لأنه انتهى امره وتصرفه إلى الفلوس هذا في اللغة (وأما) في الشرع
فقد قال الأئمة رحمهم الله المفلس من عليه ديون لا يفي بها ماله ومثل هذا الشخص يجوز للحاكم الحجر
عليه بالشرائط التي نذكرها وإذا حجر عليه ثبت حكمان (أحدهما) تعلق الدين بماله حتى لا ينفذ
تصرفه فيه بما يضر الغرماء ولا تزاحمهم الديون الحادثة كما سيأتي إن شاء الله تعالى (والثاني) ان من وجد
عند المفلس عين ماله كان أحق به من غيره * ولو مات مفلسا قبل أن يحجر عليه تعلقت الديون بالتركة
على ما مر بيانه ولا فرق بين المفلس وغيره (وأما) الحكم الثاني فإنه يثبت ويكون بموته مفلسا كالحجر
عليه وقال مالك يحجر عليه وثبت التعلق والرجوع ولكنهما لا يثبتان بالموت وحكى أصحابنا عن
أحمد رضي الله عنه مثل مذهبنا ورأيت في كتب بعض أصحابه أن مذهبه كمذهب مالك (وأما)
أبو حنيفة فإنه قال ليس للحاكم الحجر عليه فان فعل وأمضاه حاكم نفذ في امتناع التصرف عليه
ولكن لا رجوع للبائع في عين متاعه * وجه المذهب ما روى عن كعب بن مالك رضي الله عنه (أنه
عليه الصلاة والسلام حجر على معاذ وباع عليه ماله) (1) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه
196

صلى الله عليه وسلم قال (إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها من الغرماء) (1) ويروى عنه أنه
قال (في مفلس أتوه به هذا الذي قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع
أحق بمتاعه إذا وجده بعينه) (2) ومن جهة المعنى أنه عقد معاوضة يدخله الفسخ بالإقالة فدخله الفسخ
بتعذر العوض كما لو تعذر المسلم واحترزوا بالوصف عن الحوالة والخلع ثم ههنا مباحثات (إحداها)
لاشك أن التعلق المانع من التصرف يفتقر ثبوته إلى توسط حجر القاضي عليه وهل الرجوع إلى
197

عين المبيع كذلك أو هو مستغن عن الحجر إن كان الأول فما وجه قوله صلى الله عليه وسلم (أيما رجل مات أو أفلس)
الحديث أثبت الأحقية بمجرد الافلاس وإن كان الثاني فلم جعل صاحب الكتاب الرجوع حكما للحجر
حيث قال ثم للحجر أحكام أربعة وهو أحدها وعلى هذا التقدير يكون الرجوع حكم الافلاس لا حكما للحجر
(والجواب) الذي يدل عليه كلام الأصحاب ههنا تعريضا وتصريحا افتقار الرجوع إلى توسط
الحجر كافتقار تعلق الديون بالمال ولفظ الكتاب مطابق له الا أن ما حكيناه في تفريع الأقوال عند
اختلاف المتبايعين في البداية بالتسليم يشعر باستغنائه عن الحجر فراجعه إن لم تتذكر والمعتمد الأول
والحديث يحتمل وجوها من التأويل (منها) أن يريد بالافلاس الحجر فعبر بالسبب عن المسبب فان
الافلاس سبب الحجر (ومنها) أن يضمر الحجر فيه (ومنها) أن يقال لفظ الحديث الأحقية وهذا اللفظ
يصدق بالتمكين من الرجوع بسلوك الأسباب المفضية إليه ومن جملتها طلب الحجر فإذا مجرد الافلاس
يفيد الأحقية (الثانية) فيما نقلناه عن الأئمة في تفسير المفلس قيدان (أحدهما) المديونية (والآخر) ان
198

يكون ماله قاصرا عن الوفاء بالديون والقيد الأول لابد منه لجواز الحجر وأما الثاني فيجوز أن يقال إنه
لا حاجة إليه بل مجرد الدين يكفي لجواز الحجر منعا له من التصرفات فيما عساه يحدث له باصطياد
واتهاب والظفر بركاز وغيرها فإن كان كذلك فليفسر المفلس بالذي ليس له مال يفي بديونه لينتظم
من لا مال له أصلا ومن له مال قاصر وإنما يراد بالمفلس في المشهور من لا مال له فإنه
بمجرده لا يؤثر في هذه الأحكام بحال (الثالثة) قوله صلى الله عليه وسلم أيما رجل مات أو أفلس يقتضى ظاهره ثبوت
الرجوع وإن كان مال الميت وافيا بالديون فهذا الظاهر هل هو معمول به أم لا (الجواب) أثبت
الإصطخري الرجوع بمجرد الموت أخذا بهذا الظاهر والمذهب المنع لتيسر الوصول إلى الثمن كما في
حال الحياة والخبر محمول على ما إذا مات مفلسا لأنه روى في بعض الروايات * أنه صلى الله عليه وسلم قال (أيما رجل
199

مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه ما لم يختلف وفاء) وإذا تقررت هذه التمهيدات
فالكلام بعد في أنه متى يحجر عليه قال حجة الاسلام التماس الغرماء الحجر بالديون الحالة الزائدة
على قدر المال سبب لضرب الحجر على المفلس وفيه قيود (أولها) الالتماس ولابد منه وليس للقاضي أن
يحجر عليه من غير التماس لان هذا الحجر لمصلحة الغرماء والمفلس وهم ناظرون لأنفسهم فلا يتحكم الحاكم
عليهم نعم لو كانت الديون لمجانين أو أطفال أو محجورين بالسفه لولي القاضي الحجر لمصلحتهم من
غير التماس ولا يحجر لدين الغائبين لأنه لا يستوفى مالهم في الذمم وإنما تحفظ أعيان أموالهم (وثانيها) كون
الالتماس من الغرماء وفيه مسألتان (إحداهما) لو التمس بعضهم دون بعض نظران كان دين الملتمس
قدرا يجوز الحجر عليه لذلك القدر أجيبوا ثم لا يختص الحجر بهم بل يعم أثره الكل وان لم يكن
فوجهان (الأظهر) المنع وعن الشيخ أبى محمد أنه يحجر ولا يضيع حقه بتكاسل غيره (الثانية) لو لم
يلتمس أحد منهم والتمسه المفلس فوجهان (أحدهما) لايجاب إليه لان الحرية والرشد ينافيان
الحجر وإنما يصار إليه إذا حقت طلبة الغرماء (وأظهرهما) الإجابة لان له غرضا فيه ظاهرا وقد روى (أن
الحجر على معاذ رضي الله عنه كان بالتماس منه دون طلب الغرماء) (وثالثها) كون الديون حالة فان
200

كانت مؤجلة فلا حجر بها سواء كان له ما يفي بها أو لم يكن لأنه لا مطالبة في الحال وربما يجد
الوفاء عند توجه المطالبة وإن كان البعض حالا والبعض مؤجلا نظر إن كان الحال قدرا يجوز
الحجر به حجر والا فلا وإذا حجر عليه فهل يحل ما عليه من الديون المؤجلة فيه قولان (أحدهما) نعم
وبه قال مالك لان الحجر يوجب تعلق الدين بالمال فيسقط الأجل كالمتوفى (وأصحهما) لا لان المقصود
من التأجيل التخفيف ليكتسب في مدة الأجل ما يقضى به الدين وهذا المقصود غير ثابت بخلاف
صورة الموت فان توقع الاكتساب قد يبطل وهذا ما اختاره المزني ونقله عن الاملاء وعن الشيخ
أبى محمد ترتيب هذين القولين على القولين في أن من عليه الدين المؤجل لو جن هل يحل عليه
الأجل وان الحلول في صورة الجنون أولى لان المجنون لا استقلال له كالميت وله قيم ينوب عنه
كما ينوب الوارث عن الميت ورأي الامام الترتيب بالعكس أولى لان قيم المجنون له أن
يبتاع له بثمن مؤجل عند ظهور المصلحة فإذا لم يمنع الجنون التأجيل ابتداء فلان لا يقطع الأجل
دواما كان أولى *
(التفريع) إذا قلنا بالحلول قسم المال بين أصحاب هذه الديون وأصحاب الديون الحالة في
الابتداء كما لو مات وإن كان في الديون المؤجلة ما كان ثمن متاع وهو قائم عند المفلس فلأصحابه
الرجوع إلى عين متاعه كما لو كان حالا في الابتداء وعن القاضي أبى الطيب أن أبا إسحاق قال فائدة
الحلول أن لا يتعلق بذلك المتاع حق غير بائعه ويكون محفوظا له إلى مضى المدة فان وجد المفلس
وفاء فذاك والا فحينئذ يفسخ وقيل لافسخ حينئذ أيضا بل لو باع بثمن مؤجل وحل الأجل ثم
أفلس المشترى وحجر عليه فليس للبائع الفسخ والرجوع إلى المبيع لأن المبيع بالثمن المؤجل يقطع حق
البائع عن المبيع بالكلية ولهذا لا يثبت فيه حق الحبس للبائع والأصح الأول (وان قلنا) بعدم
201

الحلول بيع ماله وقسم على أصحاب الديون الحالة ولا يدخر لأصحاب الديون المؤجلة شئ ولا يدام
الحجر بعد القسمة لأصحاب الديون المؤجلة كما لا يحجر بها ابتداء وهل يدخل في البيع الأمتعة المؤجلة
الأثمان فيه وجهان (أصحهما) نعم كسائر أموال المفلس وليس لبائعها تعلق بها. لأنه لا مطالبة في الحال
وعلى هذا فإن لم يتفق بيعها وقسمتها حتى حل الأجل ففي جواز الفسخ الآن وجهان (والثاني) أنها
لا تباع فإنها كالمرهونة بحقوق بائعها بل يتوقف إلى انقضاء الأجل فان انقضى والحجر باق ثبت حق
الفسخ وان أطلق فكذلك ولا حاجة إلى إعادة الحجر بل عزلها وانتظار حلول الأجل كابقاء الحجر
بالإضافة إلى البيع ونقل الامام وجها آخر أنه لا بد من إعادة الحجر ليثبت حق الفسخ وذكر أيضا تفريعا
على القول الأول وجهين في أنه لو لم يكن عليه إلا ديون مؤجلة وطلب أصحابها الحجر هل يجابون
(أحدهما) نعم فإنهم يتوسلون به إلى الحلول أو المطالبة (وأصحهما) لا لان طلب الحجر فرع طلب
الدين وعسر تخليصه فلا يتقدم عليه ويصح اعلام قوله في الكتاب والديون المؤجلة لا حجر بها بالواو
للوجه الأول (ورابعها) كون الديون زائدة على قدر أمواله فإن كانت متساوية والرجل كسوب ينفق
202

من كسبه فلا حجر وان ظهرت أمارات الافلاس بان لم يكن كسوبا وكان ينفق من ماله أو لم يف
كسبه بنفقته فوجهان (أحدهما) يحجر عليه كيلا يضيع ماله في النفقة والديون إذا ساوت المال فستزيد
عن قريب (والثاني) أنه لا يحجر لان الوفاء حاصل وهم متمكنون من المطالبة في الحال وهذا أصح
عند العراقيين وذكر الامام أن المختار هو الأول ويجرى الوجهان فيما إذا كانت الديون أقل وكانت
بحيث يغلب على الظن انتهاؤها إلى حد المساواة ومنه إلى الزيادة لكثرة النفقة وهذه الصورة أولى بالمنع
وإذا حجرنا في صورة المساواة فهل لمن وجد عين ماله عند المفلس والرجوع فيه وجهان (أصحهما)
نعم لاطلاق الحديث (والثاني) لا لتمكنه من استيفاء الثمن بكماله وهل تدخل هذه الأعيان في
حساب أمواله وأثمانها في حساب ديونه فيه وجهان (أصحهما) عند العراقيين الادخال وذكر في
التتمة أن الوجهين مبنيان على الوجهين في جواز الرجوع في الصورة السابقة ان لم يثبت الرجوع
أدخلت رجاء الوفاء وان أثبتناه فلا * والله أعلم
قال (ثم للحجر أربعة أحكام (الأول) منع كل تصرف مبتدأ يصادف المال الموجود عند
ضرب الحجر كالعتق * والبيع * والرهن * والكتابة * ولا يخرج عتقه على عتق الراهن لان
تنفيذه ابطال لما أنشئ الحجر له * ثم لو فضل العبد المعتق أو المبيع بعد قضاء الدين ففي الحكم
بنفوذه خلاف * فان قلنا ينفذ فليقض الدين من غيره ما أمكن * أما مالا يصادف المال كالنكاح
والخلع * واستيفاء القصاص * وعفوه * واستلحاق النسب * ونفيه باللعان * واحتطابه *
واتهابه * وقبوله الوصية فهي صحيحة * وكذا شراؤه على الأصح * وكذا اقراره * الا أن ما
يتعلق منه بالمال يؤاخذ به بعد فك الحجر ولا يقبل على الغرماء * ولو أقر في عين المال أنه وديعة
عنده أو غصب أو عارية ففيه قولان في القديم * ومنه خرج قول أن الاقرار المرسل بالدين أيضا
يوجب قضاءه في الحال من ماله إذ لا تهمة فيه) *
203

عرفت أن من حكم الحجر منع المفلس من التصرف والمستحب للحاكم إذا حجر عليه أن يشهد عليه ليحذر
الناس من معاملته ثم في السبط الذي ذكره صاحب الكتاب لما يمنع منه قيود (أحدها) كون التصرف مصادفا للمال
والتصرف ضربان انشاء وإقرار (الضرب الأول) الانشاءات وهي نوعان (أحدهما) ما يصادف المال وينقسم
إلى تحصيل كالاحتطاب والاتهاب وقبول الوصية ولا يخفى أنه لا يمنع عنه لأنه كامل الحال وغرض الحجر منعه
مما يضر الغرماء لا غير والى تفويت فينظر ان تعلق بما بعد الموت وهو التدبير والوصية صح فان فضل
المال نفذ والا فلا وإن كان غير ذلك فاما أن يكون مورده عين المال أو ما في الذمة (القسم الأول)
يكون مورده عين المال كالبيع والهبة والرهن والاعتاق والكتابة وفيها قولان (أحدهما) أنها موقوفة
فان فضل ما تصرف فيه عن الدين إما لارتفاع القيمة أو لابراء بعض المستحقين نفذناه والا بان أنه
كان لغوا ووجهه أنه محجور عليه لحق الغير فلا يلغى تصرفه كالمريض (وأصحهما) وبه قال مالك
واختاره المزني أنه لا يصح شئ منها لتعلق حق الغرماء بتلك الأموال كتعلق حق المرتهن وأيضا فإنه
محجور عليه بحكم الحاكم فلا يصح تصرفه على مراغمة مقصود الحجر كالسفيه وان شئت قلت هذه
التصرفات غير نافذة في الحال فان فضل ما تصرف فيه وانفك الحجر فهل ينفذ حينئذ فيه قولان
وايراد صاحب الكتاب يوافق هذه العبارة وجعل الشيخ أبو محمد الخلاف في هذه التصرفات
204

على الترتيب فقال العتق أولى بالنفوذ لقبوله الوقف وتعلقه بالاقرار وتليه الكتابة لما فيها من المعاوضة
ثم البيع والهبة لأنهما لا يقبلان التعليق واختلفوا في محل القولين فمن قاصرين لهما على ما إذا اقتصر
الحاكم على الحجر ولم يجعل ماله لغرمائه حيث وجدوه فان فعل ذلك لم ينفذ تصرفه قولا واحدا
واحتجوا بأن الشافعي رضي الله عنه قال إذا جعل ماله لغرمائه فلا زكاة عليه ومن طاردين لهما في
الحالتين وهو الأشهر قال هؤلاء وتجب الزكاة عليه على أظهر القولين ما دام ملكه باقيا والنص محمول على ما إذا
باعه منهم فان نفذناه بعد الحجر وجب تأخير ما تصرف فيه وقضاء الدين من غيره فلعله يفضل فإن لم يفضل نقضنا من
تصرفاته الأضعف فالأضعف والأضعف الرهن والهبة لخلوهما عن العوض ثم البيع ثم الكتابة ثم العتق قال الامام فلو لم
يوجد راغب في أموال المفلس إلا في العبد المعتق وقال الغرماء بيعوه ونجزوا حقنا ففيه احتمال وغالب الظن أنهم يجابون
وذكر الشيخ أبو إسحاق رحمه الله أنه يحتمل أن ينقض من تصرفاته للآخر كما في تبرعات المريض إذا زادت على الثلث
وأعلم أن ما ذكرنا في البيع مفروض في بيعه من غير الغرماء فان باع منهم فسيأتي (القسم الثاني) ما يرد على ما في الذمة كما
إذا اشترى بثمن في الذمة أو باع طعاما سلما فيصح ويثبت في ذمته وسنتكلم في أنه متى يؤدى وكيف يؤدى وروى
الامام قولا آخر أنه لا يصح شراؤه كالسفيه والمذهب المشهور الأول (النوع الثاني) مالا يصادف المال فلا يمنع منه
وذلك كالنكاح والطلاق والكلام في أن مؤنات نكاحه كيف توفى نذكر ذلك في موضعه وإذا صح منه الطلاق
مجانا صح الخلع منه بطريق الأولى وكذا يصح منه استيفاء القصاص والعفو عنه واستلحاق النسب ونفيه باللعان
والقول في استيفائه القصاص وعفوه عنه معاد في كتاب القصاص (الضرب الثاني) الأقارير فان أقر بمال لم يحل إما
أن يقر بمال في الذمة أو بعين مال إن كان الأول نظران أقر بدين لزمه قبل الحجر اما عن معاملة أو دين أو اتلاف لزمه
205

ما أقر به وفى قبوله في حق الغرماء قولان (وجه) عدم القبول وبه قال مالك ان حقهم تعلق بماله من المال وفى القبول
إضرار بهم لمزاحمته إياهم (ووجه) القبول وهو الأصح القياس على ما إذا ثبت بالبنية وعلى ما إذا أقر المريض بدين
يزاحم المقر له غرماء الصحة وهذا لان ضرر الاقرار في حقه أكثر منه في حق الغرماء فلا تهمة فيه *
وان أسنده إلى ما بعد الحجر نظر إن قال عن معاملة لم يقبل في حق الغرماء وان قال عن اتلاف
أو عن جناية فاصح الطريقين أنه كما لو أسند لزومه إلى ما قبل الحجر (والثاني) أنه كما لو قال عن
معاملة وان أقر بدين ولم يسنده فقياس المذهب التنزيل على الأقل وجعله كما لو أسنده لزومه إلى ما بعد
الحجر * وان أقر بعين مال بغيره وقال غصبته منه أو استعرته أو أخذته سوما فقولان كالقولين فيما لو
أقر بدين أسنده إلى ما قبل الحج لكن إذا قلنا تم فأثره أن يزاحم المقر له الغرماء وههنا يسلم المقر له بحاله
وعلى الثاني ان فصل سلم إليه والا فالغرم في ذمته والفرق بين الانشاءات حيث رددناها في الحال
جزما وقلنا الأصح أنه لا يحكم بنفوذها عند انفكاك الحجر أيضا وبين الأقارير حيث قبلناها في حق
المفلس جزما وفى حق الغرماء أيضا على أصح القولين أن مقصود الحجر منعه من التصرف فيناسبه
الغاء ما ينشئه والاقرار اخبار عما مضى والحجر لا يسلب العبارة عنه فلو أقر بما يوجب عليه قصاصا
أو حدا قبل وأجرى عليه حكمه فإن كان المقر به سرقة توجب القطع قبل في القطع وفى رد المسروق
القولان السابقان والقبول ههنا أولى لبعد الاقرار عن التهمة وإذا أقر بما يوجب القصاص فعفا المستحق
على مال قال في التهذيب هو كما لو أقر بدين جناية وقطع بعض شارحي المختصر بالقبول لانتفاء التهمة وهذا
القائل ينبغي أن يطرد ما ذكره في الصورة * الأولى
206

(فرع) لو ادعى مدع على المفلس مالا لزمه قبل الحج وأنكر المفلس ولم يحلف فحلف
المدعى (ان قلنا) النكول ورد اليمين كالبينة زاحم الحالف الغرماء (وان قلنا) كالاقرار فعلى القولين
ولنعد إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) ولا يخرج عتقه على عتق الراهن إلى آخره أراد به أن الخلاف
المذكور في نفوذ اعتاق الراهن في الحال لا يجئ ههنا لان الحجر لم ينشأ الا للمنع من تفويت المال
والتنفيذ يعكر على مقصود الحجر بالابطال وفى الرهن المقصود الأصلي توثيق حق المرتهن فإنه يحصل
ببدل المرهون كما يحصل بعينه (وقوله) أما مالا يصادف المال كالنكاح إلى أن قال واحتطابه واتهابه وقبول
الوصية ففيه كلام من جهة أن الاحتطاب والاتهاب وقبول الوصية يصادف المال لا محالة وكذا الشراء
وليس تصحيحها لأنها لا تصادف المال بل لأنها تحصل الملك لا إزالته وان قيل المراد أنها لا تصادف المال الموجود
عند الحجر فهذا صحيح ولكن يصادفه المال الموجود عند الحجر حينئذ يصير قيدا واحدا وذلك خلاف ما ذكره
في الوسيط وأورده ههنا وقوله في مسألة الاقرار بالعين ففيه قولان في القديم ومنه خرج قوله في أن الاقرار المرسل
بالدين الذي يوجب قضاؤه في الحال من ماله ادلاتهمة أراد به أن القولين جميعا مذكوران في كتبه القديمة وان
الأصحاب خرجوا في الاقرار بالدين مصل ذلك إذ لافرق وهذا شئ قلد فيه امام الحرمين فإنه كذلك أورده ولم
ينسب الجمهور القولين في الاقرار بالعين إلى القديم واما الحكم بالتخريج في الاقرار بالدين فعجيب مع
نصه في المختصر على القولين جميعا حيث قال وان أقر بدين وزعم أنه لزمه قبل الوقت ففيه قولان (أحدهما) أنه جائز
كالمريض يدخل على غرمائه وبه أقول (والثاني) أن اقراره لازم له في مال ان حدث له أو يفضل عن غرمائه وقد
207

تعرض للقولين في مسألة أخرى قبل هذه ومعلوم أن النص مغن عن التخريج (وقوله) الاقرار المرسل بالدين
أي المطلق لا كالاقرار بالعين فإنه يتعلق بمعين ولو حذف لفظ المرسل لم يضر *
قال (والمال الذي يتجدد بعد الحجر هل يتعدى إليه الحجر فيه خلاف * ومن باع بعد الحجر
منه شيئا ففي تعلقه بعين متاعه ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين أن يعلم إفلاسه أو يجهل * فان قلنا
لا يتعلق به فيصير على وجه إلى أن يقضى ثمنه بعد فك الحجر فإنه دين جديد فلا يقضى من المال
القديم كما يلزمه بضمان أو اقرار أو إتلاف * وعلى وجه يضارب به لان ثمن المبيع في مقابلة ملك جديد
استفيد منه * وأجرة الكيال والحمال وما يتعلق بمصلحة الحجر يقدم على سائر الديون) *
القيد الثاني كونه مصادفا للمال الموجود عند الحجر أما المتجدد بعد الحجر باصطياد أو اتهاب
أو قبول وصية ففي تعدى الحجر إليه ومنعه من التصرف وجهان نقلهما القاضي ابن كج والامام
(أحدهما) لا يتعدى لان الحجر على المفلس لقصر يده عن التصرف فيما عنده فلا يتعدى إلى غيره كما
حجر الراهن على نفسه في العين المرهونة لا يتعدى إلى غيرها (وأصحهما) التعدي ومقصود الحجر
إيصال حقوق المستحقين إليهم وهذا لا يختص بالموجود عند الحجر وإذا اشترى شيئا وفرعنا على
الصحيح وهو صحة شرائه ففيه مثل هذا الخلاف وهل للبائع الخيار والتعلق بغير متاعه فيه ثلاثة أوجه
(أحدها) نعم لتعذر الوصول إلى الثمن (والثاني) لا أما إذا كان عالما فكما لو اشترى سلعة وهو عالم
بعيبها وأما إذا كان جاهلا فلتقصيره بترك البحث مع سهولة الوقوف عليه فان الحاكم يشهر أمر المحجور عليه
208

(وأصحهما) أنه إن كان عالما فلا خيار له وإن كان جاهلا فله الخيار والرجوع إلى عين ماله ويقرب من هذا
ما إذا باع من عبد بغير اذن مولاه وفرعنا على صحة البيع من المفلس المحجور عليه هل يزاحم الغرماء
بالثمن فيه وجهان فان الثمن يتعلق بذمته يباع به بعد العتق فإن كان عالما ففي ثبوت الخيار وجهان
وإن كان جاهلا ثبت وإذا لم يثبت له الرجوع في البيع من المفلس المحجور عليه فهل يزاحم الغرماء بالثمن فيه وجهان
(أصحهما) لا لأنه حاث بعد الحجر برضا مستحقه والديون التي هذا شأنها لا يزاحم مستحقها الغرماء الأولين
فعلى هذا يصبر ان فضل منهم شئ أخذه والا فإلى أن يجد (والثاني) نعم لأنه وإن كان دينا جديدا فهو في مقابلة ملك
جديد فلما زاد المال جاز أن يزيد الدين بخلاف الصداق الذي لزمه بنكاح بعد الفلس ودين ضمنه فإنه لا مقابل له *
(فائدة) ذكر في النهاية والبسيط أن البائع يضارب الغرماء في المبيع المستفاد منه لا في جميع أموال المفلس لان
دينه ثبت مع ثبوت الملك فيه فلا أقل من المشاركة في هذا القدر * ثم إنه امتزج مقصود الفصل في نظم الكتاب
بالكلام في الديون الحادثة وكيفية أدائها وهي ثلاثة أقسام (أحدها) ما يلزم باختيار مستحقه فإن كان في مقابلته شئ
كثمن المبيع فقد ذكرناه والا فلا خلاف في أن مستحقه لا يضارب الغرماء بل يصبر إلى انفكاك الحجر (والثاني)
ما لزم بغير اختيار المستحق كأرش الجناية وغرامة الاتلاف فوجهان (أحدهما) ويحكى عن القاضي الحسين أنه
لا يضارب به لتعلق حقوق الآدميين الأولين بأعيان أمواله فصار كما لو جني الراهن ولا مال له غير المرهون ولا يزاحم
المجني عليه المرتهن (وأصحهما) ولم يورد العراقيون غيره أنه يضارب به لأنه لم يوجد منه تقصير فيبعد تكليفه الانتظار
(الثالث) ما يتجدد بسبب مؤنات المال كأجرة الكيال والوزان والحمال والمنادى والدلال وكرى البيت
الذي يوضع فيه المتاع فهذه المؤنات مقدمة على ديون الغرماء لأنها لمصلحة الحجر وايصال حقوق المستحقين إليهم
209

ولو لم نقدمها لما رغب أحد في تلك الأعمال وهذا إذا لم يوجد متبرع فان وجد أو كان في بيت
المال سعة لم يصرف مال المفلس إليها (وقوله) في الكتاب كما يلزم بضمان أو إقرار أو اتلاف هذا
في الاقرار جواب على عدم القبول في حق الغرماء وفى الاتلاف على الأول من الوجهين المذكورين
في غرامات المتلفات وقد مر أن الأصح عند الأكثرين في المسألتين خلاف ما أجاب به فأعلمهما بالواو
واعلم ما فيهما ثم في إضافة اللزوم إلى الاقرار نوع تساهل لان الاقرار اخبار ولا يلزم وإنما يظهر *
قال (ولو اشترى شيئا قبل الحجر فله رده بالعيب على وفق الغبطة * فإن كانت الغبطة
في ابقائه فلا كما في ولى الطفل * ولو حجر عليه في مدة الخيار فله التصرف بالفسخ والإجازة في
العقد المتقدم من غير تقييد (و) بشرط الغبطة لان الامر فيه لم يستقر بعد فليس تصرفا مبتدأ) *
القيد الثالث كون التصرف مبتدأ وفيه مسألتان (إحداهما) لو اشترى قبل الحجر شيئا فوجده
بعد الحجر معيبا فله رده إذا كانت الغبطة في الرد وليس ذلك كما لو باع وهو مغبوط لان الفسخ
210

ليس تصرفا مبتدأ وإنما هو من أحكام البيع السابق ولواحقه والحجر لا ينعطف على ما مضى فان
منع من الرد عيب حادث لزم الأرش ولم يملك المفلس اسقاطه وإن كانت الغبطة في ابقائه بأن كان
معيبا أكثر قيمة من الثمن لم يكن له الرد لما فيه من تفويت المال بغير عوض ولهذا نص الشافعي
رضي الله عنه على أنه إذا اشترى في صحته شيئا ثم مرض ووجده معيبا فامسكه والغبطة في رده كان
المقدار الذي ينقصه العيب معتبرا من الثلث وكذلك ولى الطفل إذا وجد ما اشتراه للطفل معيبا لا
يرده إذا كانت الغبطة في ابقائه ولا يثبت له الأرش في هذه الصورة لان الرد غير ممتنع في نفسه
وإنما المصلحة تقتضي الامتناع منه (الثانية) قال الشافعي رضي الله عنه لو تبايعا بالخيار ثلاثا فأفلسا أو أحدهما
فلكل واحد منهما إجازة البيع ورده دون الغرماء أي دون رضاهم وللأصحاب ثلاثة طرق (أظهرها)
الاخذ بظاهر النص وتجويز الفسخ والإجازة في الفسخ المتقدم سواء وقع على وفق الغبطة أو على
خلافها لأنه ليس بتصرف مستحدث وإنما يمنع المفلس من التصرفات المنشأة (والثاني) أن تجويز
211

كل واحد منهما مقيد بشرط الغبطة كما في الرد بالعيب وذكر القاضي ابن كج والمسعودي أنه
تخريج من نصه فيمن عقد بشرط الخيار ثم مرض مرضا مخوفا فأجاز أو فسخ على خلاف الغبطة يعتبر
ذلك من الثلث وان في تلك الصورة تخريجا مما نحن فيه أيضا وتحكى هذه الطريقة عن أبي علي
الطبري وابن القطان ومن نصر الأول فرق بين الرد بالعيب وبين الفسخ والإجازة بان العقد في
زمن الخيار متزلزل لاثبات له فلا يتعلق حق الغرماء بالمال إذ يضعف تعلقه به بخلاف ما إذا خرج
معيبا وإذا ضعف التعلق جاز أن لا يعتبر شرط الضبطة والفرق بينه وبين مسألة المريض أن حجر المريض
أقوى ألا ترى أن امضاء الورثة تصرف المريض قبل الموت لا يفيد شيئا وامضاء الغرماء واذنهم فيما
يفعله المفلس يفيده الصحة والاعتبار (والثالث) أن كل واحد منها ان وقع على وفق الغبطة فهو
صحيح والا فالنظر إلى الخلاف في الملك في رمن الخيار والى أن الذي أفلس أيهما فان أفلس المشترى
وقلنا الملك للبائع فللمشتري الإجازة و الفسخ اما الإجازة فلأنها جلب ملك (وأما) الفسخ فلا يمنع
دخول شئ في ملكه الا انه يزيل (وان قلنا) الملك للمشترى فله الإجازة لأنه يستديم
212

الشئ في ملكه وان فسخ لم يجز لما فيه من إزالة الملك فان أفلس البائع فان قلنا الملك له فله الفسخ
لأنه يستديم الملك وليس له الإجازة لأنه يزيله وان قلنا الملك للمشترى فللبائع الفسخ والإجازة كما
ذكرنا في طرف المشترى * واعلم أنه لو خرج مخرج من نصه في المسألة الثانية خلافا في المسألة
الأولى وقال لا يتقيد الرد بالعيب بشرط الغبطة لأنه ليس بعقد مستحدث لم يكن مبعدا *
قال (وإذا كان له دين وله شاهد واحد فيحلف * وكذا إذ ردت عليه اليمين * فان
نكل فالنص أن الغريم لا يحلف والمفلس حي * فلو كان ميتا فقولان منصوصان * فمنهم من
سوى ومهم؟ من فرق بان صاحب الحق قائم فنكوله يوهم أمرا) *
من مات وعليه دين فادعى وارثه دينا له على رجل وأقام عليه شاهدا وحلف معه ثبت الحق
وجعل في سائر تركاته وان لم يحلف معه أو لم يكن شاهد أو نكل المدعى عليه عن اليمين ولم يحلف
الوارث اليمين المردودة فهل يحلف الغرماء فيه قولان (القديم) نعم لأنه ذو حق في التركة فأشبه الوارث
(والجديد) لا لان حقه فيما يثبت للميت أما إثباته للميت فليس إليه ولهذا لو أوصى لانسان بشئ فمات
213

قبل القبول أو لم يقبله وارثه لم يكن للغريم القبول ولو ادعى المفلس المحجور عليه دينا والتصوير كما
ذكرنا ففي حلف الغرماء طريقان (أحدهما) طرد القولين (والثاني) القطع بالمنع والفرق من
وجهين (أحدهما) أن الحق للمفلس فامتناعه عن اليمين يورث ريبة ظاهرة وفى الصورة الأولى لم
يبق صاحب الحق وإنما يحلف الوارث بناء على معرفته بشأن الموروث وقد يكون الغرماء أعرف به
(والثاني) أن غرماء الميت أيسون عن حلفه فمكنوا من اليمين كيلا يضيع الحق وغرماء المفلس غير
آيسين عن حلفه قال الامام والطريقة الثانية أصح وحكى عن شيخه طرد الخلاف في ابتداء الدعوى
من الغرماء ونقل بعضهم مسألة عن القفال وعن الأكثرين القطع بمنع الدعوى ابتداء وتخصيص الخلاف باليمين
بعد دعوى الوارث في الصورة الأولى والمفلس في الثانية ولا فرق بين أن يكون المدعى عينا أو دينا قاله
214

القاصي ابن كج وفرع على قولنا ان الغرماء يحلفون فرعين (أحدهما) أنه لو حلف بعضهم دون
بعض استحق الحالفون بالقسط كما لو حلف بعض الورثة لدين الميت (والثاني) لو حلفوا ثم أبرؤا
عن ديونهم فالمحلوف عليه يكون لهم ويغلو الابراء ويكون للمفلس أو يبقى على المدعى عليه ولا
يستوفى أصلا فيه ثلاثة أوجه *
قال (ولو أراد سفر فلمن له دين حال منعه * وليس لمن له دين مؤجل منعه * ولا طلب
الكفيل ولا طلب الاشهاد (و) *
من عليه الدين إذا أراد أن يسافر نظر إن كان الدين حالا فلصاحبه منعه حتى يقضى حقه قال
الأئمة وليس هذا منعا من السفر كما يمنع السيد العبد والزوج الزوجة ولكن يشغله عن السفر برفعه
إلى مجلس الحكم ومطالبته حتى يوفى الحق وإن كان مؤجلا نظر ان لم يكن السفر مخوفا فلا منع
إذ لا مطالبة وليس له طلب رهن ولا كفيل أيضا وهو المضيع لحق نفسه حيث رضى بالتأجيل من
غير رهن ولا كفيل وليس له أن يكلفه الاشهاد أيضا ولا فرق بين أن يكون حلول الأجل قريبا أو
بعيدا فان أراد أن يسافر معه ليطالبه عند حلوله فله ذلك بشرط أن لا يلازمه ملازمة الرقيب وقال
مالك إذا علم حلول الأجل قبل رجوعه فله أن يطالبه بكفيل وعن صاحب التقريب نقل وجه أن
له طلب الاشهاد لان المستحق يتوثق به ولا ضرر فيه على المديون وإن كان السفر مخوفا كالجهاد
215

وركوب البحر ففيه وجوه (أصحها) أنه لا مانع أيضا إذ لا مطالبة في الحال (والثاني) ويحكى عن أبي
سعيد الإصطخري أنه يمنعه إلى أن يؤدى الحق أو يعطى كفيلا لأنه في هذا السفر بعرض نفسه
للهلاك فيضيع حقه (والثالث) ان لم يخلف وفاء ما عليه منعه وان خلفه فلا اعتماد أعلى حصول الحق منه
وفى سفر الجهاد وجه آخر ان المديون إن كان من غير المرتزقة منع وإن كان منهم لا يمنع لان وجوه
معايشهم وأكسابهم منه * واعلم أن القاضي الروياني اختار مذهب مالك فقال له المطالبة بالكفيل
في السفر المخوف وفى السفر البعيد عند قرب الحلول في هذا الزما لفساد الطرق وانقطاع القوافل
وعجز الحكام عن استيفاء الحقوق بالكتب الحكمية وإن شئت فاعلم قوله ولا طلب الكفيل مع
الميم بالواو *
قال (الحكم الثاني في بيع ماله وقسمته وعلى القاضي أن يبادر إليه كيلا تطول مدة الحجر *
ويقسم على نسبة الديون * ويبيع بحضرة المفلس * ولا يسلم مبيعا قبل قبض الثمن * ولا يكلف
الغرماء حجة على أن لا غريم له سواهم * ويعول على أنه لو كان لظهر مع استفاضة الحجر * فان ظهر
بعد القسمة فلا تنقض القسمة بل يرجع على كل واحد بحصة يقتضيها الحساب * ولو خرج المبيع
مستحقا فكذلك يرجع على كل واحد بجزء من الثمن * فإن كان قد بيع في حالة الفلس فيرد تمام
الثمن * أو يضارب فيه خلاف * ووجه الاكمال أنه من مصالح الحجر) *
هذا الحكم الثاني وإن كان ثابتا في حق المفلس المحجور عليه ولكن لا اختصاص له بالمحجور بل
كما يبيع الحاكم مال المفلس المحجور ويقسمه بين الغرماء فكذلك غيره من المديونين إذا امتنع من
قضاء الدين وبيع المال فيه يبيع الحاكم ماله ويقسمه بين الغرماء وعند أبي حنيفة لا يبيع الحاكم ماله
بل يحبسه حتى يبيع وسلم أن يصرف أحد النقدين في الآخر * لنا القياس على ما سلمه وأيضا حديث معاذ
216

رضي الله عنه الذي قدمناه وروى أن عمر رضي الله عنه خطب الناس وقال (ألا أن ألا سيفع أسيفع
جهينة قد رضى من دينه وأمانته أن يقال سبق الحاج فأدان معترضا فأصبح وقد رين به فمن كان له
عليه دين فليحضر فانا بايعوا ماله وقاسموه بين غرمائه هذا رجل من جهينة ذكر أنه كان يشترى
الرواحل ويسرع السير فيسبق الحاج فأفلس) (1) وقوله) أدان أي استقرض (وقوله) معترضا أي
اعترض الناس فاستدان ممن أمكنه (وقوله) رين أي وقع فيما لا يستطيع الخروج منه قال أبو عبيد كلما
غلبك فقد ران بك ورانك * إذا تقرر ذلك فإذا حجر الحاكم على المفلس فالمستحب أن يبادر إلى بيع
ماله وقسمته حتى لا تطول مدة الحجر ولا يفرط في الاستعجال كيلا يطمع فيه بثمن بخس ويستحب
أن يبيع بحضرة المفلس أو وكيله لأنه أنفى للتهمة وأطيب لقلب المفلس والمشترين وليخبر بصفات
المتاع وانه بكم اشتراه فتكون الرغبة فيه أكثر وليطلع على عيب إن كان به ليباع على وجه لا يرد
217

وكذلك يفعل إذا باع المرهون ويستحب أيضا إحضار مستحقي الدين ويقدم بيع المرهون في حق
المرتهن إن كان في ماله مرهون ويبيع العبد الجاني في حق المجني عليه ليعجل حقهما فان فضل شئ كان
مع سائر أمواله للغرماء وان بقي من دين المرتهن شئ ضرب به سائر الغرماء ويبيع من ماله أو لا ما يخاف
عليه الفساد كيلا يضيع ثم الحيوان لحاجته إلى النفقة وكونه عرضة للهلاك ثم سائر المنقولات ثم
العقارات وإنما يؤخرها لأنه لا يخشي عليها الهلاك والسرقة ويشهر بيعها فيظهر الراغبون ويبيع كل شئ
في سوقه فان طالبيه في سوقه أكثر ويجب أن يبيع ثمن المثل من نقد البلد حالا ثم إن كانت الديون
من غير جنس ذلك النقد ولم يرض المستحقون إلا بجنس حقهم صرفه إلى جنس حقهم والا جز صرفه
إليهم إلا أن يكون سلما ولا يسلم المبيع قبل قبض الثمن نص عليه الشافعي رضي الله عنه وقد ذكرنا
فيما إذا تنازع المتبايعان في البداءة بالتسليم أقوالا فعن ابن سريج أن ما ذكره ههنا جواب على قولنا
أن البداءة للمشتري ويجئ عند التنازع قول آخر وهما أنهما يخيران معا ولا يجئ قولنا لا يخير واحد
منهما حتى يبدأ أحدهما فان الحال لا يحتمل التأخير ولا قولنا إن البداءة بالبائع فان من يتصرف للغير
فلا بد وان يحتاط وعن أبي الحسين أنه تجب البداءة ههنا بتسليم الثمن بلا خلاف ثم لو خالف الواجب
وسلم المبيع قبل قبض الثمن ضمن وكيف يضمن سنذكره إن شاء الله تعالى وما يقبض الحاكم من أثمان
أمواله على التدريج إن كان يسهل قسمته عليهم فالأولى أن لا يؤخره وإن كان يعسر لقلته وكثرة
الديون فله أن يؤخر ليجمع فان أبو التأخير ففي النهاية إطلاق القول بأنه يجيبهم والظاهر خلافه فإذا تأخرت
القسمة فان وجد من يقترض منه فعل ويشترط فيه الأمانة واليسار وان لم يجد أودعه عند أمين
ولا يشترط فيه اليسار والتورع ممن يرضاه الغرماء فان اختلفوا أو عينوا من ليس بعدل فالرأي للحاكم
ولا يقنع بمن ليس بعد ولو تلف شئ من الثمن في يد العدل فهو من ضمان المفلس سواء كان في حياة
218

المفلس أو عند موته وعند أبي حنيفة ما تلف بعد موته فهو من ضمان الغرماء والله أعلم * بقي في الفصل مسألتان
(إحداهما) لا يكلف عند القسمة الغرماء إقامة البينة على أنه لا غريم سواهم ويكتفى بأن الحجر قد استفاض
واشتهر فلو كان ثم غيرهم لظهر وطلب حقه ويؤيده أن عمر رضي الله عنه اكتفى باشتهار أمر الجهني في خطبته
ولم يكلف الغرماء البينة هذا ما نقله الامام عن صاحب التقريب ثم قال لا فرق عندنا بين القسمة على
الغرماء والقسمة على الورثة (فإذا قلنا) في القسمة على الورثة لا بد من إقامة الشهادة على أن لا وارث
غيرهم كذلك في القسمة على الغرماء وللفارق أن يفرق بين البائعين بان الورثة على كل حال أضبط
من الغرماء وهذه شهادة على النفي يعسر مدركها فلا يلزم من اعتبارها حيث كان الضبط أسهل
اعتبارها حيث كان الضبط أعسر * وإذ أجرت القسمة ثم ظهر غريم آخر فالظاهر أن القسمة لا تنقض ولكن
يشاركهم من ظهر بالحصة لان المقصود يحصل به وفيه وجه أنها تنقض فيسترد المال ممن أخذ ويستأنف القسمة
وهذا كما لو اقتسم الورثة التركة ثم ظهر دين ففي نقض القسمة اختلاف (فان قلنا) بعدم النقض فلو
قسم ماله على غريمين لأحدهما عشرون وللآخر عشرة فاخذ الأول عشرة والثاني خمسة ثم ظهر غريم
ثالث بثلاثين استرد من كل واحد منهما نصف ما أخذ ولو كان دين كل واحد منهما عشرة وقسم
المال بينهما نصفين ثم ظهر غريم ثالث بعشرة رجع على كل واحد منهما
219

بثلث ما أخذ فان أتلف أحدهما ما أخذ وكان معسرا لا يحصل منه شئ فوجهان (أظهرهما) أن الغريم
الذي ظهر لا يأخذ من الآخر شطر ما أخذ وكأنه كل المال ثم لو أيسر المتلف أخذا منه ثلث ما أخذه
وقسماء بينهما (والثاني) أنه لا يأخذ منه الا ثلث ما أخذه وثلث ما أخذه المتلف دين له عليه ولو
أن الغريم الثالث ظهر وقد ظهر للمفلس مال قديم أو حادث بعد الحجر صرف منه إلى من ظهر
بقسط ما أخذه الأولان فان فضل شئ فهو مقسوم على الثلاثة بقسطه هذا كله إذا كان الغريم الذي ظهر
قديما فإن كان حادثا بعد الحجر فلا يشارك الأولين في المال القديم وإن ظهر مال قديم وحدث مال
باحتطاب وغيره فالقديم للقدماء خاصة والحادث للكل (المسألة الثانية) لو خرج شئ مما باعه المفلس
قبل الحجر مستحقا والثمن غير باق فهو كدين ظهر والحكم ما مضى وإن باع الحاكم ماله وظهر
الاستحقاق بعد قبض الثمن وتلفه فرجوع المشترى في مال المفلس ولا يطالب الحاكم به ولو نصب
الحاكم أمينا حتى باعه ففي كونه طريقا وجهان كما ذكرنا في العدل الذي نصبه القاضي لبيع الرهن
ثم رجوع المشترى في طريق المفلس ورجوع الأمين (إن قلنا) إنه طريق للضمان وغرم كيف يكون
220

فيه قولان (عن) رواية الربيع وحرملة انه يضارب مع الغرماء لأنه دين في ذمة المفلس كسائر الديون
(والثاني) أنه يتقدم على سائر الغرماء لأنا لو قلنا بالمضاربة لرغب الناس عن شراء مال المفلس
فكان التقديم من مصالح الحجر كأجرة الكيال ونحوها من المؤن ونسب الأكثرون هذا القول
إلى رواية المزني لكن منقولة في المختصر يشعر بالقولين جميعا وذكر المسعودي أن القولين مأخوذان
منه والثاني أرجح عند عامة الأصحاب ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب فيه خلاف بالواو لان الامام
حكى طريقة أخرى قاطعة بالتقديم وأيضا فان العراقيين حكوا طريقة أخرى وهي تنزيل الروايتين
على حالين إن كان الرجوع قبل قسمة المال بين الغرماء يقدم وإن كان بعد القسمة واستئناف الحجر
بسبب مال تجدد فهو أسوة الغرماء *
قال (ثم يترك عليه دست ثوب يليق بحاله حتى خفه وطيلسانه إن كان حطهما عنه يزرى
بمنصبه * ولا يترك مسكنه وخادمه * بل يبقي له سكني يوم واحد ونفقته ونفقة زوجته وأولاده *
وكذا ينفق عليهم مدة الحجر * ونص في الكفارة أنه يعدل إلى الصيام * وإن كان له مسكن
وخادم فقيل بمثله في الديون * والفرق أن الكفارة لها بدل وحقوق الله على المساهلة) *
مقصود الفصل الكلام فيما يباع على المفلس من أمواله وما يترك له وفيه مسائل (إحداها)
ينفق الحاكم على المفلس إلى الفراغ من بيع ماله وقسمته وكذا ينفق على من عليه مؤنته من الزوجات
والأقارب لأنه موسر ما لم يزل ملكه وكذا كسوتهم بالمعروف هذا إذا لم يكن له كسب يصرف إلى
هذه الجهات وكيف ينفق على زوجته قال الامام لا شك ان نفقته نفقة المعسرين وفى البحر للقاضي
الروياني أنه ينفق عليهن نفقة الموسرين وهذا قياس الباب ولو كان ينفق نفقة المعسرين لما أنفق على
الأقارب (الثانية) بيع مسكنه وخادمه وإن كان محتاجا إلى من يخدمه لزمانته أو كان منصبه يقتضى
221

خادما ونص في الكفارات المرتبة أنه يعدل إلى الصيام وإن كان له مسكن وخادم ولا يلزمه صرفهما
إلى الاعتاق فمنهم من خرج منه قولا في الديون والمذهب تقرير النصين والفرق من وجهين (أحدهما)
أن الكفارة لها بدل ينتقل إليه والدين بخلافه (وثانيهما) أن حقوق الله تعالى مبنية على المساهلة وحقوق
الآدميين على الشح والمضايقة قال الامام والمسكن أولى بالابقاء من الخادم فينتظم أن يرتب الخلاف
ويقال فيهما ثلاثة أوجه في الثالث يبقى المسكن دون الخادم (فان قلنا) بالابقاء فذلك إذا كان
لائقا بالحال دون النفيس الذي لا يليق به ويشبه أن يكون هذا هو المراد مما نقل عن الإصطخري
أنه إن كان ثمينا بيع والا فلا (الثالثة) يترك له دست ثوب يليق بحاله من قميص وسراويل ومنديل
ومكعب وإن كان في الشتاء زاد جبة وتترك له العمامة والطيلسان والخف ودراعة يلبسها فوق القميص
إن كان اللائق بحاله لبسها لان حطها عنه يزرى بمنصبه وتوقف الامام في الخف والطيلسان وقال إن
تركهما لا يخرم المروءة وذكر أن الاعتبار بما يليق بحاله في افلاسه لا في بسطته وثروته لكن المفهوم من
كلام الأصحاب أنهم لا يساعدونه عليه ويمنعون قوله إن تركهما لا يخرم المروءة ولو كان يلبس
قبل الافلاس فوق ما يليق بمثله رددناه إلى للائق بحاله ولو كان يلبس دون اللائق تقتيرا لم يزد عليه
في الافلاس ويترك لعياله من الثوب كما يترك له ولا يترك الفرش والبسط نعم يسامح باللبد والحصير
القليل القيمة قال الأئمة والفرق بين الثياب وبين الخادم والمسكن حيث لم يتركا عليه في ظاهر
المذهب أن الخادم عنه غنيمة (وأما) المسكن فإنه يسهل استئجاره وان تعذر سكن الرباط والمسجد
والثياب قلما تستأجر (الرابعة) يترك له قوت يوم القسمة وكذلك لمن عليه نفقته لأنه موسر في أوله ولا
يزيد على نفقة ذلك اليوم فإنه لا ضبط بعده وذكر في الكتاب أنه يبقى له سكني ذلك اليوم
222

أيضا وهذا مستمر على قياس النفقة وان لم يتعرض له غيره وكل ما يترك إذا وجد في ماله يشترى
إذا لم يوجد *
قال (ثم إن بقي شئ من الدين فلا يستكسب (م) * وفي إجارة مستولدته والضيعة الموقوفة
عليه خلاف مأخذه أن المنفعة ليست مالا عتيدا وإنما هو اكتساب) *
من قواعد الباب أن المفلس لا يؤمر بتحصيل ما ليس بحاصل وان لم يمكن من تفويت ما هو
حاصل حتى لو جنى على المفلس أو على عبده جان فله القصاص ولا يلزم العفو على المال قال وإن كان
ت الجناية موجبة للمال فليس له ولا لوارثه أن يقبل العفو دون إذن الغرماء ولو كان قد أسلم
في شئ فليس له أن يقبض مسامحا ببعض الصفات المقصودة المشروطة الا باذنهم ولو كان قد وهب
هبة تقتضي الثواب وقلنا إنها تقدر بما يرضى به الواهب فله أن يرضى بما شاء وتكليفه طلب الزيادة
تكليف بتحصيل ما ليس بحاصل (وان قلنا) إنه يتقدر بالمثل لم يجز الرضا بما دونه ولو زاد على المثل
لم يجب القبول * إذا تقرر ذلك فليس على المفلس أن يكتسب ويؤاجر نفسه ليصرف الأجرة
والكسب إلى بقية الديون * وقال أحمد رضي الله عنه يلزمه ذلك ولو امتنع اجره القاضي * وعن مالك
أنه إن كان ممن يعتاد إجارة نفسه لزمه * لنا قوله تعالى (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) حكم
223

بالانظار ولم يأمره بالاكتساب وأيضا فان النبي صلى الله عليه وسلم (لما حجر على معاذ رضي الله عنه لم يزد على بيع
ماله) (1) ولو كانت له أم ولد أو ضيعة موقوفة عليه فوجهان (أحدهما) أنهما يؤجران لان المنافع أموال كالأعيان
فيحصل بدلها للدين (والثاني) لا لان المنافع لا تعد أموالا حاضرة ولو كان كذلك لوجب
إجارة المفلس نفسه ولوجب بها الحج والزكاة فعلى الأول يؤاجر مرة بعد أخرى إلى أن ينقضي الدين
لان المنافع لا نهاية لها وقضية إدامة الحجر إلى فناء الدين ولان هذا كالمستعير ومال الإمام إلى ترجيح
الوجه الثاني لكن في تعاليق العراقيين ما يدل على أن الأول أظهر *
قال (ثم إذا لم يبق له مال واعترف به الغرماء فيفك الحجر * أم يحتاج إلى فك القاضي
فيه خلاف * وكذا لو تطابقوا على رفع الحجر لأن الظاهر أن الحق لا يعدوهم ولكن يحتمل أن
يكون وراءهم غريم * والأظهر أن بيعه ماله من غير الغرماء لا يصح وإن كان بادبهم * ولو باع
من الغريم بالدين ولا دين سواه ففيه خلاف لان سقوط الدين يسقط الحجر على رأى) *
إذا قسم الحاكم مال المفلس بين الغرماء فينفك الحجر أم يحتاج إلى فك القاضي فيه وجهان
224

(أحدهما) أنه ينفك لان الحجر لحفظ المال على الغرماء وقد حصل هذا الغرض فيزول الحجر (وأظهرهما)
أنه لابد من فك القاضي لأنه حجر لا يثبت الا باثبات القاضي ولا يرتفع الا برفعه كالحجر على
السفيه والمعنى فيه أنه يحتاج إلى نظر واجتهاد كحجر السفيه هذا إذا اعترف الغرماء بان لا مال
سواه أما إذا ادعوا مالا آخر فالجواب ما سيأتي إن شاء الله تعالى في الحكم الثالث * ولو اتفق الغرماء
على رفع الحجر عنه فقد حكى الامام في ارتفاعه مثل هذا الخلاف عن الأصحاب (وجه) الارتفاع أن
الحجر لهم فهم في أمواله كالمرتهن في حق المرهون (ووجه) عدم الارتفاع أنه يحتمل أن يكون وراءهم
غريم غائب فلابد فيه من نظر الحاكم واجتهاده * ولو باع المفلس ماله من غريمه يدينه ولا يعرف
له غريما سواه فوجهان (قال) صاحب التلخيص يصح بيعه لان الحجر عليه لدين ذلك الغريم فإذا
رضى وبرئت ذمته من الدين وجب أن يصح (والأظهر) وبه قال أبو زيد أنه لا يصح من غير مراجعة
القاضي لان الحجر على المفلس لا يقتصر على الغريم المفلس بل يثبت على العموم ومن
225

الجائز أن يكون له غريم آخر والوجهان مفرعان على أن بيع المفلس من الأجنبي لا يصح فان صح فهذا
أولى ولو حجر عليه بديون جماعة وباع أمواله منهم بديونهم فعلى هذا الخلاف ولو باع ماله من غريمه
الواحد بعين أو ببعض دينه فهو كما لو باع من الأجنبي لان ذلك لا يتضمن ارتفاع الحجر بخلاف ما إذا
باع بكل الدين فإنه يسقط الدين فإذا سقط الدين ارتفع الحجر * ولو باع من أجنبي باذن الغرماء لم
يصح أيضا وقال الامام يحتمل أن يصح كما يصح بيع المرهون بأذن المرتهن وأقام صاحب الكتاب ما ذكره وجها
فقال والأظهر أن بيع ماله من غير الغرماء أي من الوجهين (وقوله) لان سقوط الدين يسقط الحجر على
رأى هو الرأي الذاهب إلى أنه إذا فرقت أمواله وقبضت الديون ارتفع الحجر عنه فإذا قلنا بذلك
226

صححنا البيع من الغريم بالدين لتضمنه البراءة من الدين ولك أن تقول وجب أن لا تجزم بصحة البيع
وان قلنا بان سقوط الدين يسقط الحجر لان صحة البيع اما أن تفتقر إلى تقدم ارتفاع الحجر أم لا تفتقر
فان افتقرت وجب أن نجزم بعدم الصحة للدور فإنه لا يصح البيع ما لم يرتفع الحجر ولا يرتفع الحجر ما لم يسقط الدين
ولا يسقط الدين ما لم يصح البيع وان لم تفتقر فغاية الممكن اقتران صحة البيع وارتفاع الحجر
فلتخرج الصحة على الخلاف فيما إذا قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدا بعد ولد هل تطلق
بالثاني وفيما إذا قال العبد لزوجته ان مات سيدي فأنت طالق طلقتين وقال السيد لعبده إذا مت فأنت
حر ثم مات السيد فهل له نكاحها قبل الزوج وإصابة ولهما نظائر *
قال (الحاكم الثالث) حبسه إلى ثبوت إعساره * وللقاضي ضربه ان ظهر عناده باخفاء المال *
فان أقام بينة على إعساره سمع في الحال (ح م) * وأنظر إلي ميسرة * وليشهد من يخبر باطن حاله فإنه
شهادة على النفي قبلت للحاجة * ثم للخصم أن يحلفه مع الشهادة * فإن لم يطلب فهل يجب على القاضي
أدبا في قضائه في خلاف * وان لم يجد بينة وقد عهد له مال فلا يقبل قوله * وان لم يعهد فقيل إن القول
قوله لان الأصل عدم اليسار * وقيل لابل الأصل في الحر الاقتدار * وقيل ينظر ان لزمه الدين باختياره
فالظاهر أن لا يلتزم الا عن قدرة * فإن لم يقبل يمينه فإن كان غريبا فليوكل القاضي به من يسأل عن منشئه
227

ومنقلبه حتى يغلب على ظنه افلاسه فليشهد كيلا يتخلد الحبس عليه) *
هذا الحكم أيضا ليس من آثار الحجر وخواصه بل هو في حق غير المحجور أظهر على ما سنبينه إن شاء الله
تعالى * واعلم أن المديون إذا ثبت اعساره لم يجز حبسه ولا ملازمته بل يمهل إلى أن يوسر على ما قال الله تعالى
(فنظرة إلى ميسرة) وقال أبو حنيفة للغريم ملازمته ولكن لا يمنعه من التكسب * وإن كان له مال فقد ذكرنا
أنه يؤمر ببيع ماله وان امتنع باعه الحاكم عليه وهل يحجر عليه فيه وجهان (أظهرهما) أنه يحجر إذا التمسه
الغرماء كيلا يتلف ماله (والثاني) لا لان عمر رضي الله عنه لم يحجر على الجهيني * فان أخفى ماله حبسه
القاضي حتى يظهره روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته) (1) قال المفسرون أراد
بالعقوبة الحبس والملازمة فإن لم ينزجر بالحبس زاد في تعزيره بما يراه من الضرب وغيره وإن كان ماله ظاهرا
فهل يحبسه بامتناعه قال في التتمة فيه وجهان الذي عليه عمل القضاة الحبس ويدل عليه ما روى أنه صلى
الله عليه وسلم (حبس رجلا أعتق شقصا له من عبد في قيمة الباقي) (2) وان ادعى أنه قد تلف ماله وصار معسرا
228

فعليه البينة ثم إن شهد الشهود على التلف قبلت شهادتهم ولم يعتبر فيهم الخبرة الباطنة وان شهدوا على اعساره
قبلت بشرط خيرتهم الباطنة قال الصيدلاني ويحمل قولهم إنه معسر على أنهم وقفوا على تلف المال * وان
ادعى المديون أنه معسر لا شئ له أو قسم مال المحجوز على الغرماء وبقى بعض الديون وزعم أنه لا يملك
شيئا آخر وأنكر الغرماء نظر ان لزمه الدين في مقابلة مال كما إذا ابتاع أو استقرض أو باع سلما فهو كما لو ادعى
هلاك المال فعليه البينة وان لزم لا في مقابلة مال فثلاثة أوجه (أصحها) أنه يقبل قوله مع اليمين لان الأصل
العدم (والثاني) أنه لا يقبل ويحتاج إلى البينة لأن الظاهر من حال الحر أنه يملك شيئا قل أم كثر
(والثالث) أنه ان لزمه باختياره كالصداق والضمان لم يقبل قوله وعليه البينة وان لزمه لا باختياره كأرش
الجنايات وغرامة المتلفات قبل قوله مع اليمين والفرق ان الظاهر أنه لا يشغل ذمته ولا يلتزم مالا يقدر عليه
ثم الكلام في فصلين (أحدهما) في البينة القائمة على الاعسار وهي مسموعة وان تعلقت بالنفي لمكان
الحاجة كالبينة على أن لا وارث سوى هؤلاء وعن مالك أنها لا تسمع والنظر في أنها متى تسمع وما صفة
229

الشهود وعددهم وصيغة شهاداتهم أما متى تسمع فهي مسموعة وان قامت في الحال خلافا فالأبي حنيفة حيث
قال لا تسمع الابعد مدة ثم هي مقدرة في رواية بشهر وفى أخرى بشهرين وربما ضبطوا بما يغلب على الظن في مثلها أنه لو كان له مال لأظهره ويختلف ذلك باختلاف أحوال الناس وطباعهم (وأما) الصفة فما
يعتبر في الشهود مطلقا يذكر في الشهادات ويعتبر مع ذلك كون الشهود من أهل الخبرة الباطنة بطول
الجوار وكثرة المجالسة والمخالطة فان الأموال تخفى ولا يعرف تفصيلها الا بأمثال ذلك ثم إن عرف القاضي
أنهم من أهل الخبرة الباطنة فذاك والا جاز له أن يعتمد على قولهم أنا بهذه الصفة ذكره في النهاية
وأما العدد فشاهدان كما في سائر الأمور وفى كتاب الفوراني والمتولي أنه لا تقبل هذه الشهادة الا من ثلاثة
لما روى (أن رجلا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان جائحة أصابت ماله وسأله أن يعطيه من الصدقة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه) (1) والمذهب الأول والحديث
محمول على الاستظهار والاحتياط (وأما) الصيغة فهي أن يقولوا هو معسر لا يملك الا قوت يومه وثياب بدنه
ولو أضافوا إليه وهو ممن تحل له الصدقة جاز ولا يشترط قال في التتمة ولا يقتصرون على أنه لا ملك له
حتى لا تتمحض شهادتهم نفيا لفظا ومعني ويحلف المشهود له مع البينة لجواز أن له مالا في الباطن والشهود
230

اعتمدوا الظاهر وغالب الظن وعن أبي حنيفة أنه لا يحلف وبه قال أحمد وهذا التحليف مستحق أو
مستحب فيه قولان ويقال وجهان (الأصح) الاستحقاق وهو ظاهر نصه في المختصر (وقال) الشيخ أبو حامد
الأصح الاستحباب وهو ظاهر نصه في حرمله والاملاء وعلى التقديرين فهل يتوقف على استدعاء
الخصم فيه وجهان (أحدهما) لا كما لو كانت الدعوى على ميت أو غائب وعلى هذا فهو من آداب
القضاة (وأظهرهما) نعم كيمين المدعى عليه (الفصل الثاني) انا حيث قلنا يقبل قوله مع يمينه فيقبل في
لحال كما لو أقام البينة فتسمع في الحال قال الامام ويحتمل ان يقال يتأنى القاضي ويبحث عن باطن حاله ولا يقنع بقوله
بخلاف ما إذا أقام البينة وحيث قلنا لا يقبل قوله الا بالبينة فادعى ان الغرماء يعرفون إعساره فله تحليفهم على نفى المعرفة
فان نكلوا حلف وثبت اعساره وان حلفوا حبس ومهما ادعى ثانيا وثالثا انه بان لهم اعساره فله
تحليفهم قال في التتمة الا أن يظهر للقاضي انه يقصد الايذاء أو اللجاج وإذا حبسه فلا يغفل عنه بالكلية
فلو كان غريبا لا يتأتى له إقامة البينة فينبغي أن يوكل به القاضي من يبحث عن منشئه ومتقلبه
231

ويفحص عن أحواله بحسب الطاقة وإذا غلب على ظنه افلاسه شهد به عند القاضي كيلا تتخلد عليه
عقوبة الحبس ومتى ثبت الاعسار وخلاه الحاكم فعاد الغرماء بعد أيام وادعوا أنه استفاد مالا وأنكر
فالقول قوله وعليهم البينة فان أتوا بشاهدين قالا رأينا في يده مالا يتصرف فيه أخذه الغرماء فان
قال أخذته من فلان وديعة أو مضاربة وصدقه المقر ولا حق للغرماء فيه وهل لهم تحليفه على
أنه لم يواطئ المقر وأنه أقر عن تحقيق فيه وجهان (أصحهما) المنع لأنه لو رجع عن اقراره لم يقبل فلا معني
لتحليفه وان كذبه المقر له صرف إليهم ولا يلتفت إلى اقراره لانسان آخر وإن كان المقر له غائبا وقف حتى
يحضر الغائب فان صدقة أخذه والا أخذه الغرماء (وأما) لفظ الكتاب فقوله وان أقام بينة على اعساره
سمعت معلم - بالواو - وقوله في الحال - بالحاء - لما مر وقوله للخصم أن يحلفه مع الشهادة - بالحاء - والألف - ثم هو
جواب على أن اليمين مستحقه فيصح إعلامه - بالواو - أيضا ويوضحه قوله فهل يجب على القاضي أذنا في
قضائه فإنه جعل الوجوب معروفا عنه ونتكلم في أنه هل يشترط له طلب الخصم قال الامام والخلاف
فيما إذا سكت فاما إذا قال لست أطلب يمينه ورضيت باطلاقه فلا خلاف في أنه لا يحلف *
قال (والصحيح أنه يحبس في دين ولده لأنه لو لم يحبس فيؤدى إلى أن يفر ويمتنع عن الأداء
ويعجز عن الاستيفاء) *
في حبس الوالدين بدين الولد وجهان (أصحهما) عند صاحب الكتاب أنه يحبس والا لأقر وامتنع
عن الأداء وحينئذ يعجز الابن عن استيفاء الدين ويضيع حقه (الثاني) لا يحبس لان الحبس نوع عقوبة
232

ولا يعاقب الوالد بالولد قال في التهذيب وهذا أصح ولمن قال به أن يمنع عجز الابن عن الاستيفاء بل إذا ثبت له مال
عند القاضي أخذه قهرا وصرفه إلى دينه وعلى الوجهين لا فرق بين دين النفقة وغيرها ولا بين أن يكون الولد
صغيرا أو غيره وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يحبس الا في نفقة الولد إذا كان صغيرا أو زمنا فيمكن اعلام قوله
يحبس بالحاء لذلك *
قال (الحكم الرابع الرجوع (ح) إلى عين المبيع لقوله عليه السلام (أيما رجل مات أو أفلس
فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه) * ويتعلق الرجوع بثلاثة أركان (العوض) (والمعوض) (والمعاوضة)
(أما العوض) وهو الثمن فله شرطان (الأول) أن يتعذر استيفاؤه بالافلاس فلو وفى المال به فلا رجوع *
وإن قدمه الغرماء فله الرجوع لان فيه منة وغرر ظهور غريم آخر * ولا رجوع (و) إذا تعذر بامتناعه
بل يستوفيه القاضي * ولو انقطع جنسه ومنعنا الاعتياض عن الثمن فله الفسخ كما في انقطاع المسلم فيه
(الثاني) الحلول ولا رجوع الا إذا كان الثمن حالا ولا يحل الأجل بالفلس على الأصح) *
233

من حجر عليه بالافلاس ووجد من باع منه ولم يقبض الثمن وعين متاعه عنده فقد ذكرنا أن له أن
يفسخ البيع ويأخذ عين ماله وهل يكون هذا الخيار على الفور فيه وجهان (أحدهما) لا كخيار الرجوع
في الهبة من الولد (وأصحهما) نعم لأنه خيار فسخ ثبت لدفع الضرر فليكن على الفور كخيار العيب وخيار
الحلف فعلى هذا إذا علم الحجر ولم يفسخ بطل حقه من الرجوع وعن القاضي الحسين أنه لا يمنع تأقيته
بثلاثة أيام كما هو أحد الأقوال في خيار المعتقة تحت رقيق وفى الشفعة وهل يفتقر هذا الخيار إلى إذن
لحاكم أم يستبد به الفاسخ فيه وجهان (أحدهما) انه يفتقر إلى إذنه لأنه فسخ مختلف فيه كالفسخ بالاعسار
(وأشبههما) أنه لا حاجة إليه لأنه ثابت بالسنة الصحيحة فصار كخيار العنق ولوضوح الحديث ذهب
الإصطخري إلى أنه لو حكم حاكم بالمنع من الفسخ نقض حكمه ولا يحصل الفسخ ببيع البائع واعتاقه ووطئه الجارية
المبيعة على أصح الوجهين وتلغو هذه التصرفات وصيغة هذه التصرفات * وصيغة الفسخ كقوله فسخت البيع
234

ونقضته ورفعته لا يخفى * ولو اقتصر على قوله رددت الثمن أو فسخت البيع فقد حكي الامام فيه اختلافا
للأصحاب ووجه المنع بان حق الفسخ فيه أن يضاف إلى المرسل ثم إذا انفسخ العقد ثبت مقتضاه والأصح
الاكتفاء به ثم حق الرجوع للبائع لا يثبت على الاطلاق بل هو مشروط بشروط يجب معرفتها ولا
يختص الرجوع بالبيع بل يجرى في غيره من المعاوضات ويتبين الغرض بالنظر في العوض المتعذر تحصيله
والمعوض المسترجع والمعاوضة التي بها انتقل الملك إلى المفلس فلذلك قال ويتعلق الرجوع بثلاثة أركان
والعوض والمعوض والمعاوضة (وقوله) أما العوض فهو الثمن يعني في البيع ويقاس عليه العوض في سائر المعاوضات
ويعتبر فيه شيئان (أحدهما) أن يتعذر استيفاؤه بسبب الافلاس وفيه صور (أحدهما) إذا كان ماله وافيا
بالديون وحجر القاضي عليه تفريعا على جواز ذلك ففي ثبوت الرجوع وجهان (أحدهما) وهو المذكور
في الكتاب أنه لا يرجع لأنه يصل إلى الثمن (والثاني) يرجع لأنه لو رجع لما أمن أن يظهر غريم آخر يزاحمه
فيما اخذ (الثانية) لو قال الغرماء نفسخ لتقدمك بالثمن لم يلزمه الإجابة خلافا لمالك لان فيه تحمل منه
وأيضا فربما يظهر غريم آخر فيزاحمه فيما أخذ وفيه وجه أنه لا يبقى له الرجوع تخريجا مما إذا حجر عليه
الحاكم وفى ماله وفاء ولو قالوا نؤدي الثمن من خالص أموالنا أو تبرع به أجنبي فليس عليه الإجابة
أيضا ولو أجاب ثم ظهر غريم آخر لم يزاحمه في المأخوذ * ولو مات المشترى فقال الوارث لا ترجع حتى
أقدمك على الغرماء يلزمه القبول أيضا ولو قال أؤدي الثمن من مالي فوجهان (أحدهما) وبه أجاب في التتمة أن
عليه القبول وترك الفسخ لان الوارث خليفة المورث فله تخليص المبيع (الثلاثة) لو امتنع المشترى من تسليم الثمن مع
اليسار أو هرب أو مات مليئا وامتنع الوارث من التسليم فاصح الوجهين أنه لا فسخ لأنه لم يوجد عيب الافلاس
235

والتوصل إلى الاستيفاء بالسلطان ممكن فان فرض عجز عن النذور فذلك مما لا عبرة به (والثاني) له الفسخ لتعذر
الوصول إلى الثمن ولو كان قد ضمن الثمن ضامن فأن ضمن بأذن المشترى فليس له الرجوع على المشترى لأنه ليس
بمتبرع على المشترى والوصول من يده كالوصول من يد المشترى وان ضمن بغير إذنه فوجهان (في أحدهما) يرجع
كما لو تبرع متبرع بالثمن (وفى الثاني) لا لان الحق قد تقرر في ذمته وتوجهت المطالبة عليه بخلاف المتبرع *
ولو أعير من المشترى ما يرهنه بالثمن فرهنه فعلى الخلاف (وأما) قوله فلو انقطع جنسه ومنعناه الاعتياض
عن الثمن فله الفسخ كما في انقطاع المسلم فيه فاعلم أن هذه المسألة هي كالغريبة في الباب وأذكر
سبب ايرادها فيه بعد بيان فقهها أنا ذكرنا قولين في جواز الاستبدال عن الثمن في الذمة فان منعنا
الاستبدال عنه وانقطع جنسه كإن كانقطاع المسلم فيه وانقطاع المسلم فيه أثره ثبوت حق الفسخ في
أصح القولين والانفساخ في الثاني فكذلك ههنا وان جوزنا الاعتياض والاستبدال فلا تعذر في
استيفاء عوض عنه (وقوله) فله الفسخ اقتصار منه على ذكر أصح القولين (وأما) سبب الايراد في
هذا الموضع فامران (أحدهما) أنه لما جعل الشرط التعذر بسبب الافلاس تكلم في التعذر بغير
هذا السبب كامتناع المشترى وانقطاع جنس الثمن وبين حكم كل قسم منها (والثاني) أن الأصحاب
احتجوا على ثبوت حق الفسخ بالافلاس القياس على تعذر تحصيل المسلم فيه بالانقطاع والجامع أنه أحد
عوضي العقد فقيل لهم لو كان الثمن كالمسلم فيه لاقتضى انقطاعه ما يقتضى المسلم فيه فأجابوا
بما حكيناه أنه ان جاز الاستبدال فلا تعذر والا فلا فرق (الثاني) كون الثمن حالا فلا رجوع إذا
كان الثمن مؤجلا لأنه لا مطالبة في الحال (وقوله) ولا يحل الأجل بالفلس على الأصح مكرر قد ذكره مرة
في أول الباب (وقوله) ولو حل أجله قبل انفكاك الحجر فقد ذكرناه ثم وبينا أن من الأصحاب من
236

قال لو حل الأجل وهو محجور عليه لم يكن للبائع الفسخ والرجوع أيضا ويجوز أن يعلم قوله فلا
رجوع الا إذا ان الثمن حالا بالواو لوجه أثبتناه هناك تفريعا على أن الديون المؤجلة تحل بالفلس
وأعلم قوله في أول الفصل الرجوع إلى عين المبيع بالحاء لما مر من مذهب أبي حنيفة *
قال (وأما المعاوضة فلها شرطان (الأول) أن تكون معاوضة محضة فلا يثبت الفسخ في
النكاح والخلع والصلح بتعذر استيفاء العوض * ويثبت في الإجارة والسلم فيثبت الرجوع إلى
رأس المال عند الافلاس إن كان باقيا * والمضاربة بقيمة المسلم فيه إن كان تالفا * ثم يشترى
بقيمته جنس حقه * ولا يجوز الاعتياض عن المسلم فيه * وإذا أفلس المستأجر بالأجرة رجع
المكرى إلى عين الدابة أو الدار المكراة * فإن كان في بادية نقله إلى مأمن بأجرة مثله يقدم بها
على الغرماء * وإن كان قد زرع الأرض ترك زرعه بعد الفسخ بأجرة يقدم بها على الغرماء إذ
فيه مصلحة الزرع الذي هو حق الغرماء وان أفلس المكرى بعد تعين ما أكراه فلا فسخ بل
يقدم المستأجر بالمنفعة لتعلق حقه بعين الدابة كما يقدم المرتهن * وإن كانت الإجارة واردة على
الذمة فله الرجوع إلى الأجرة إذا بقيت بعينها أو المضاربة بقيمة المنفعة لتحصل له المنفعة) *
يعتبر في المعاوضة التي يملك بها المفلس شيئان (أحدهما) أن تتمحض معاوضة وقصد صاحب
الكتاب بهذا القيد اخراج بعض التصرفات وادخال بعضها أما المخرج فقد قال فلا يثبت الفسخ
في النكاح والخلع والصلح لتعذر استيفاء العوض وهذا قد يتجاوز عنه لاعتقاد أنه في غاية الوضوح
لكن فيه وقفة منكرة لأنه ان أراد به أن المرأة لا تفسخ النكاح بتعذر استيفاء الصداق ولا الزوج
237

الخلع ولا العافي الصلح بتعذر استيفاء العوض فهو مستمر في الصورتين الأخيرتين لكنه في النكاح ينبي
على الخلاف في أن الاعسار بالصداق هل يثبت الفسخ والقول في ذلك الخلاف والأصح منه موضعه
باب الاعسار وان أراد به ان الزوج لا يفسخ النكاح إذا لم تسلم نفسها وتعذر الوصول إليها فهذا واضح
لكن لا يفرض مثله في الخلع والعفو إذ ليس العوض في الخلع الا البينونة وفى العفو الا براءة الذمة
عن القصاص؟ وهذا لا يتصور فيه التعذر مع صحة الخلع والعفو * وأما المدخل فهو السلم والإجارة فإنهما معاوضتان
مخضتان أما السلم فإذا أفلس المسلم إليه قبل توفية المسلم فيه لم يخل اما أن يكون رأس المال باقيا أو
تالفا أو بعضه باقيا وبعضه تالفا (الحالة الأولى) أن يكون باقيا فللمسلم فسخ العقد والرجوع إلى رأس
المال كما ذكرنا في البائع فان أراد ان يضارب مع الغرماء بالمسلم فيه ولا يفسخ فسنتكلم في كيفية
المضاربة إن شاء الله تعالى (الثانية) أن يكون رأس المال تالفا فوجهان (أحدهما) ويحكى عن أبي إسحاق
أن للمسلم فسخ العقد والمضاربة مع الغرماء برأس المال لأنه تعذر عليه الوصول إلى
تمام حقه فليمكن من فسخ السلم كما لو انقطع جنس المسلم فيه وهذا ما أورده القاضي ابن كج والصيدلاني
وعلى هذا فهل يجئ قول حاكم بانفساخ السلم كما في انقطاع المسلم فيه (قيل) نعم اتماما للتشييه (وقيل)
لا لأنه ربما حصل باستقراض وغيره بخلاف صورة الانقطاع (وأصحهما) أنه لا ينفسخ كما لو أفلس
المشترى بالثمن والمبيع تالف وليس كالانقطاع لان ثم إذا فسخ رجع إلى رأس المال بتمامه وههنا
إذا فسخ ليس له الا المضاربة برأس المال ولو لم يفسخ لضارب بالمسلم فيه فإنه أنفع لان الغالب زيادة قيمة المسلم فيه على
رأس المال فعلى هذا يقول المسلم فيه ويضارب المسلم بقيمته مع الغرماء فإذا عرفت حصته نظر إن كان في المال من
جنس المسلم فيه صرف إليه والا اشتري بحصته منه وسلم إليه فان الاعتياض عن المسلم فيه ممتنع هذا إذا كان
رأس المال تالفا ولم يكن جنس المسلم فيه منقطعا فإن كان تالفا وانقطع جنس المسلم فيه ففي وجه
ليس للمسلم فسخ العقد أيضا لأنه لا بد من المضاربة فسخ أو لم يفسخ وان فسخ فبرأس المال
والا فبالمسلم فيه وإنما يفسخ بالافلاس حتى يتخلص عن المضاربة (والأصح) أنه يثبت حق الفسخ
238

ههنا لان الفسخ بالانقطاع يثبت في حق غير المحجور عليه وما يثبت في حق غيره يثبت في حقه
كالرد بالعيب وفيه فائدة فان ما يخصه لو فسخ لصرف إليه في الحال عن جهة رأس المال وما يخصه
لو لم يفسخ لا يصرف إليه بل يوقف إلى أن يعود المسلم فيه فيشترى به * ثم ههنا فرعان (أحدهما)
إذا قومنا المسلم فيه فوجدنا قيمته عشرين وأفرزنا من المال للمسلم عشرة لكون الديون ضعف
المال فرخص السعر قبل الشراء ووجدنا بالعشرة جميع المسلم فيه فوجهان (أحدهما) وهو ما أورده
ابن الصباغ أنا نرد الموقوف إلى ما يخصه باعتبار قيمته أجزاء فيصرف إليه خمسة والخمسة الباقية توزع
عليه وعلى سائر الغرماء وذلك لان الموقوف لم يدخل في ملك المسلم بل هو باق على ملك المفلس
وحق المسلم في الحنطة الا قى ذلك الموقوف فإذا صارت القيمة عشرة فليس دينه الا ذلك
(والثاني) وهو ما أورده في التهذيب أن يشترى به جميع حقه ويسلم إليه اعتبارا بيوم القسمة والموقوف
وان لم يملكه المسلم لكنه صار كالمرهون بحقه وانقطع حقه عن غيره من الحصص حتى لو تلف
قبل التسليم لم يتعلق بشئ مما عند الغرماء وكان حقه في ذمة المفلس ولا خلاف في أنه لو فضل
الموقوف عن جميع حق المسلم كان الفاضل للغرماء وليس له أن يقول ما زاد لي ولو وقفنا في الصورة
المعروضة عشرة فغلا السعر ولم نجد القدر الذي كنا نتوقعه الا بأربعين فعلى الوجه الأول بان أن
الدين أربعون فيسترجع من سائر الحصص ما تتم به حصص الأربعين وعلى الثاني لا يزاحمهم وليس
239

له ألاما وقف له وقد نسب صاحب النهاية الوجه (الثاني) إلى الجماهير والأول إلى القاضي الحسين
وعكس أبو سعد المتولي فنسب (الثاني) إلى القاضي والله أعلم * الثاني لو تضاربوا وأخذ المسلم بما خصه
قدرا من المسلم فيه وارتفع الحجر عنه ثم حدث له مال وأعيد الحجر واحتاجوا إلى المضاربة ثانيا قومنا
المسلم فيه فأن وجدنا كقيمته أولا فذاك وان زادت فالتوزيع الآن يقع باعتبار القيمة الزائدة وإن
نقصت فالاعتبار بالقيمة الثانية أم بالأولى فيه وجهان عن رواية صاحب التقريب (أصحهما)
الأول قال الامام ولا أعرف للثاني وجها ولو كان المسلم فيه ثوبا أو عبدا بحصة المسلم يشترى منه شقص
للضرورة وإن لم يوجد فللمسلم الفسخ (الحالة الثالثة) أن يكون بعض رأس المال باقيا وبعضه تالفا
فهو كما لو تلف بعض المبيع دون بعض وسنذكره إن شاء الله تعالى (وأما) الإجارة فنتكلم في افلاس
المستأجر ثم في افلاس المكرى (القسم الأول) افلاس المستأجر والإجارة على نوعين (أحدهما) الإجارة
الواردة على العين فإذا اجر أرضا أو دابة وأفلس المستأجر قبل تسليم الأجرة ومضت المدة فللمكرى
فسخ الإجارة تنزيلا للمنافع في الإجارة منزلة الأعيان في البيع وذكر الامام أن صاحب التقريب حكى قولا أنه لا يثبت
الرجوع في المنافع تترك منزلة الأعيان القائمة إذ ليس لها وجود مستقر والمذهب الأول فإن لم يفسخ واختار مضاربة
الغرماء فله ذلك وحينئذ إن كانت العين المستأجرة فارغة أجرها الحاكم على المفلس وصرف الأجرة إلى الغرماء ولو
كان التفليس بعد مضى بعض المدة فللمكرى فسخ الإجارة في المدة الباقية والمضاربة مع الغرماء بقسط المدة الماضية من
الأجرة المسماة بناء على أنه لو باع عبدين فتلف أحدهما ثم أفلس يفسخ البيع في الباقي ويضارب بثمن التالف وإذا
أفلس مستأجر الدابة في خلال الطريق وحجر عليه ففسخ المكرى لم يكن له ترك متاعه في البادية المهلكة ولكن
ينقله إلى مأمن بأجرة مثل يقدم بها على الغرماء لأنه لصيانة ماله وايصاله إلى الغرماء فأشبه أجرة الكيال والحمال
وكرى المكان المحفوظ فيه ثم في المأمن يضعه عند الحاكم ولو وضعه عند عدل من غير اذن الحاكم
فوجهان مذكوران في نظائره ولو فسخ والأرض المستأجرة مشغولة بزرع المستأجر نظر ان استحصد
240

الزرع فله المطالبة بالحصاد وتفريغ الأرض والا فان اتفق المفلس والغرماء على قطعه قطع وان اتفقوا
على التبقية إلى الادراك فلهم ذلك بشرط أن يقدموا المكرى بأجرة المثل لبقية المدة محافظة للزرع
على الغرماء وان اختلفوا فأراد بعضهم القطع والبعض التبقية فعن أبي إسحاق أنه يراعى ما فيه المصلحة
(والمذهب) أنه ينظر إن كان له قيمة لو قطع فيجاب من يريد القطع من المفلس والغرماء إذ ليس عليه
تنمية ماله لهم ولا عليهم الصبر إلى أن ينمو ماله فعلى هذا لو لم يأخذ المكرى أجرة المدة الماضية فهو
أحد الغرماء فله طلب القطع وان لم يكن له قيمة لو قطع فيجاب من يريد التبقية إذ لا فائدة لطلب
القطع فيه وإذا أبقوا الزرع بالاتفاق أو بطلب بعضهم حيث لم يكن للمقطوع قيمة فالسقي وسائر المؤن
ان تطوع الغرماء أو بعضهم أو اتفقوا عليها على أقدار ديونهم فذاك وان أنفق عليها بعضهم ليرجع
فلا بد من اذن الحاكم أو اتفاق الغرماء والمفلس وإذا حصل الاذن قدم المنفق بقدر النفقة لأنه
لا صلاح لزرع وكذا لو انفقوا على قدر الديون ثم ظهر غريم آخر قدم المنفقون بما
أنفقوا وهل يجوز الانفاق عليه من مال المفلس فيه وجهان (أظهرهما) الجواز (ووجه)
المنع أن حصول الفائدة موهوم (والنوع الثاني) الإجارة على الذمة ونزيد فيها النظر إلى
هذه الإجارة هل تعطى حكم السلم حتى يجب فيها تسليم رأس المال في المجلس أم لا (ان
قلنا) لا فهي كالإجارة على العين (وان قلنا) نعم فلا أثر للافلاس بعد التفرق لصيرورة الأجرة
مقبوضة قبل التفرق ولو فرض التفليس في المجلس فان أثبتنا خيار المجلس ففيه غنية عن هذه الخيار
والا فهي كما في إجارة العين (القسم الثاني) افلاس المكرى والكلام في إجارة العين ثم في الإجارة
على الذمة (أما) النوع الأول فإذا أجر دابة أو دارا من إنسان ثم أفلس فلا فسخ للمستأجر لان المنافع
المستحقة له متعلقة بعين ذلك المال فيقدم بها كما يقدم حق المرتهن وكما لو باع شيئا ثم أفلس فان المشترى أحق
بما اشتراه ثم إذا طلب الغرماء بيع العين المستأجرة يفرع ذلك على جواز بيع
المستأجر ان معناه لم يجبهم وعليهم الصبر إلى انقضاء المدة وان جوزناه أجيبوا ولا مبالاة بما ينقص من
241

ثمنه بسبب الإجارة إذ ليس على الغرماء الصبر إلى أن يزداد مال المفلس (وأما) النوع الثاني فإذا التزم
في ذمته نقل متاع من بلد إلى بلد ثم أفلس نظر إن كانت الأجرة باقية في يد المفلس فله
فسخ الإجارة والرجوع إلى عين ماله وإن كانت تالفة فلا فسخ كما لا فسخ والحالة هذه عند افلاس المسلم إليه
على الأصح ويضارب المستأجر الغرماء بقيمة المنفعة المستحقة وهي أجرة المثل كما يضارب المسلم بقيمة المسلم فيه
ثم إن جعلنا هذا النوع من الإجارة سلما فما يخصه بالمضاربة من مال المفلس لا يجوز تسليمه إليه
لامتناع الاعتياض عن المسلم فيه فينظر إن كانت المنفعة المستحقة قابلة للتبعيض كما إذا كان الملتزم
حمل مائة من فينقل بالحصة بعض المائة وان لم يقبل التبعيض كما إذا كان الملتزم قصارة ثوب أو
رياضة دابة أو حمل المستأجر إلى بلد ولو نقل إلى نصف الطريق لبقي ضائعا قال الامام للمستأجر الفسخ
بهذا السبب والمضاربة بالأجرة المبذولة وان لم يجعل هذا النوع من الإجارة سلما سلمت الحصة بعينها
إليه لجواز الاعتياض هذا إذا لم يسلم عينا لاستيفاء المنفعة الملتزمة منها فاما إذا التزم النقل في ذمته ثم سلمه
دابة لينقل بها ثم أفلس فيبني على أن الدابة المسلمة هل تتعين بالتعيين أم لا وفيه وجهان يذكران
في الإجارة (ان قلنا) تتعين فلا فسخ ويقدم المستأجر بمنفعتها كما لو كانت معينه في العقد (وان قلنا) لا
تتعين فهو كما لو لم يسلم (وأما) لفظ الكتاب فقوله فيثبت الرجوع إلى رأس المال أي في السلم
(وقوله) أو المضاربة بقيمة المسلم في إن كان تالفا يجوز اعلامه بالواو للوجه الذاهب إلى ثبوت الفسخ
عند التلف أيضا (وقوله) ثم يشترى بقيمته أي بحصة المسلم مضاربا بقيمته (وقوله) رجع المكرى
مرقوم بالواو بالواو لما مر (وقوله) ترك زرعه بعد الفسخ بأجرة أي إذا لم يستحصد واتفقوا على ابقائه كما أوضحناه
والمراد من الأجرة أجرة المثل (وقوله) أو المضاربة بقيمة المنفعة لتحصل له المنفعة أي لا يضارب ليأخذ
عين ما يخصه لكن ليصرف ما يخصه إلى المنفعة التي يستحقها وهذا جواب على تنزيل الإجارة في الذمة منزلة السلم
فإن لم يفعل ذلك لم يحتج إلى تحصيل المنفعة فيجوز أن يعلم بالواو لذلك وقياس ما مر في السلم مجئ
وجه في ثبوت حق الفسخ وإن كانت الأجرة تالفة لتعذر حصول المستحق بتمامه واعلام قوله أو
المضاربة بالواو *
242

(فرع) استقرض مالا ثم أفلس وهو باق في يده فللمستقرض الرجوع (أما) إذا قلنا إنه لا يملك
بالقبض فلانه بسبيل من الرجوع من غير حجر وافلاس فمعهما أولى (وأما) إذا قلنا إنه يملك فلانه
مملوك ببدل تعذر تحصيله فأشبه المبيع *
(فرع) باع مالا واستوفى ثمنه وامتنع من تسليم المبيع أو هرب هل للمشترى الفسخ كما
لو أبق العبد المبيع أم لا لأنه لا نقصان في نفس المبيع فيه وجهان منقولان في التتمة *
قال (الشرط الثاني للمعارضة أن تكون سابقة على الحجر * احترزنا به عما يجرى سبب
لزومه بعد الحجر كما إذا باع المفلس المحجور عليه هل يتعلق بعين ماله وقد ذكرناه * وكذلك
لو أفلس المكرى والدار في يد المكتري فانهدمت ثبت له الرجوع إلى الأجرة * وهل يزاحم
به الغرماء فيه وجهان وكذا لو باع جارية بعبد فتلفت الجارية في يد المفلس المحجور فرد بائعها
العبد بالعيب فله طلب قيمة الجارية قطعا * وهل يتقدم بالقيمة أو يضارب بها وجهان * والأصح أنه يضارب) *
هذا الشرط مغفول عنه في أكثر النسخ سيما في القديمة منها لكنه الحق بالكتاب من الوسيط لأنه وعد
به حيث قال أما المعاوضة فلها شرطان والصواب ان تثبت الملحق بالمتن على ما يناسب نظم الكتاب ثم نشرحه
(أما) الملحق فهو قد سبق الشرط الثاني أن تكون المعاوضة سابقة على الحجر فلو باع من المفلس المحجور شيئا فقد
ذكرنا الخلاف في تعلقه بعين متاعه ولو أفلس المكرى والدار في يد المشتري فانهدمت أفله الرجوع بالأجرة وفى
مزاحمته الغرماء بها وجهان * ولو باع جارية بعبد فتلفت في يد المفلس ورد بائعها العبد بعيب فله طلب قيمة
الجارية قطعا ويتقدم بها أو يضارب فيه وجهان (أصحهما) أن يضارب * (وأما) الشرح فاعلم أن فيه ثلاث مسائل
(الأولى) إذا باع شيئا من المفلس المحجور وصححناه فقد ذكرنا في ثبوت حق الفسح والرجوع خلافا (فان قلنا)
لا رجوع فقد شرطنا فيه سبق المعاوضة على الحجر (الثانية) إذا أجر دارا وسلمها إلى المكترى وقبض
الأجرة ثم أفلس وحجر عليه فقد ذكرنا ان الإجارة مستمرة بحالها فان انهدمت في أثناء المدة
انفسخت الإجارة فيما بقي منها ويضارب المستأجر مع الغرماء بحصة ما بقي منها إن كان الانهدام قبل
243

قسمة المال بينهم وإن كان بعد القسمة فوجهان (وجه) المنع أنه دين حدث بعد القسمة فصار كما لو
استقرض (ووجه) المضاربة وهو الأصح أنه دين أسند إلى عقد سبق الحجر وهو الإجارة فصار كما لو
انهدمت قبل القسمة (الثالثة) باع جارية بعبد وتقابضا ثم أفلس مشترى الجارية وحجر عليه وهلكت
الجارية في يده ثم وجد بائعها بالعبد عيبا ورده فله طلب قيمة الجارية لا محالة وكيف يطلب فيه
وجهان عن القاضي الحسين (أصحهما) أنه يضارب كسائر أرباب الديون (والثاني) أنه يتقدم على
سائر الغرماء بقيمتها لأنه أدخل في مقابلتها عبدا في مال المفلس وهذان الوجهان في الكيفية يخالفان
الوجهين في رجوع من باع منه بعد الحجر شيئا بالثمن (إذا قلنا) لا يتعلق بعين متاعه فانا في وجه
نقول يضارب وفى وجه نقول يصير إلى أن يستوفى الغرماء حقوقهم ولا نقول بالتقدم بحال وكان
الفرق أن الدين ثم حادث بعد الحجر وههنا مستند إلى سبب سابق على الحجر فإذا انضم إليه ادخال
شئ في ملك المفلس أثر في التقديم على رأى *
قال (أما العوض فله شرطان (الأول) أن يكون باقيا في ملكه * فلو هلك فليس له
الا المضاربة بالثمن * وكذا (و) لو زادت القيمة على الثمن * والخروج عن ملكه كالهلاك *
وتعلق حق الرهن والكتابة كزوال الملك * ولو عاد إلى ملكه بعد الزوال رجع إليه في
أظهر القولين) *
يعتبر في المبيع ليرجع البائع إليه شرطان (أحدهما) بقاؤه في ملك المفلس فلو هلك لم يرجع قال صلى الله
عليه وسلم (فصاحب المتاع أحق بمتاعه) إذا وجده بعينه جعل وجدانه شرطا في الأحقية ولا فرق بين أن يكون
الهالك بآفة سماوية أو بجناية جان وبين أن تكون قيمته مثل الثمن أو أكثر وليس له الا مضاربة الغرماء
بالثمن وعن رواية الشيخ أبى محمد وجه أنه إذا زادت القيمة ضارب بها دون الثمن واستفاد بها زيادة حصته ولو خرج
عن ملكه ببيع أو هبة أو اعتاق أو وقف فهو كما لو هلك وليس له فسخ هذه التصرفات بخلاف الشفيع له رد هذه
التصرفات لان حق الشفعة كان ثابتا حين تصرف المشترى لأنه يثبت بنفس البيع وحق الرجوع
لم يكن ثابتا حين تصرف لأنه إنما يثبت بالافلاس والحجر ولو كاتب العبد أو استولد الجارية فلا رجوع
أيضا ولو دبر أو علق العتق على صفة فله الرجوع وإن أجره فلا رجوع إن لم نجوز بيع المستأجر وإن
244

جوزناه فان شاء أخذه مسلوب المنفعة لحق المستأجر والاضارب بالثمن ولو رهنه قدم حق المرتهن ولا
رجوع وكذا لو جنى العبد المبيع فالمجني عليه أحق ببيعه فان قضى حق المرتهن أو المجني عليه ببيع
بعضه فالبائع واجد لباقي المبيع وسيأتي حكمه * وان انفك عن الرهن أو برئ عن الجناية فله الرجوع كما
لو اطلع المشترى على عيب في المبيع بعد رهنه ثم انفك الرهن له الرد * وتزويج الجارية لا يمنع الرجوع
وإحرام البائع يمنعه إذا كان المبيع صيدا ولو حجر عليه بعد ما زال ملكه ثم عاد نظر ان عاد بلا
عوض كالهبة والإرث والوصية ففي الرجوع وجهان (أحدهما) يرجع لأنه وجد متاعه بعينه (والثاني)
لا يرجع لان هذا الملك متلقي من غيره ولأنه تخللت حالة لو صادفها الافلاس والحجر لما رجع فليستصحب
حكمها وهذا الخلاف كما ذكرنا في مثله من الرد بالعيب وتعرضنا لهذه الصورة ونحوها هناك وفى سلسلة
الشيخ أبى محمد أن الوجهين فيما نحن فيه مبنيان على الوجهين في رجوع الواهب فيما إذا زال ملك الولد
وعاد وأنهما في الهبة مبنيان على الوجهين فيما إذا زال ملك المرأة وعاد هل يرجع المطلق بالنصف وأن
الخلاف فيهما جميعا مبني على قولين منصوصين فيما إذا قال لعبده إذا جاء رأس الشهر فأنت حر ثم
باعه واشتراه فجاء رأس الشهر هل يعتق ولك أن تقول بناء الوجهين على القولين المنصوصين
واستخراجهما منهما منقول قويم وأما بناء صورة من صور الوجهين على أخرى مع استوائهما في المعني
فليس بأولى من القلب والعكس وان عاد الملك إليه بعوض كما لو اشتراه نظر إن وفر الثمن على البائع الأول
والثاني فكما لو عاد بلا عوض وان لم يوفر وقلنا بثبوت الرجوع للبائع لو عاد بلا عوض فالأول أولى
بالرجوع لمسبق حقه أو الثاني لقرب حقه أو يستويان ويضارب كل واحد منهما بنصف الثمن فيه ثلاثة
أوجه وعجز المكاتب وعوده إلى الرق كانفكاك الرهن أو كعود الملك بعد زواله فيه طريقان (أجاب)
في البسيط منهما بالأول ووجه الثاني مشابهة الكتابة بزوال الملك وافادتها استقلال المكاتب
والتحاقه بالأحرار (وقوله) في الكتاب في أظهر القولين غير محمول على قولين منقولين في هذه المسألة
بخصوصها لاطباق النقلة على أن الخلاف فيها وجهان لا قولان لكن الأئمة فهموا من اختلاف قوله
245

في نظير المسألة قولين فيما يضبط المسائل وهو أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد فكأنه
أراد بالقولين ذلك والله أعلم *
قال (الثاني أن لا يكون متغيرا * فان تغير بطريان عيب فليس له أن يقنع أو يضارب
بالثمن * إلا أن يكون بجناية أجنبي فله المضاربة بجزء من الثمن على نسبة نقصان القيمة لا بأرش
الجناية إذ قد يكون ذلك كل القيمة عند قطع اليدين وذلك لا يعتبر في حق البائع * وجناية المشترى
كجناية الأجنبي على أحد الطريقين) *
ان لم يتغير المبيع عما كان فللبائع الرجوع لا محالة وان تغير فربما منع ذلك التغير الرجوع
وربما لم يمنع على ما سيتضح تفصيله ويبين بذلك أنه ليس الشرط انتفاء نفس التغير بل انتفاء بعض
التغيرات وبيان التفصيل المشار إليه أن التغير اما أن يكون بالنقصان أو بالزيادة (القسم الأول) التغير بالنقصان
وهو على ضربين (أحدهما) نقصان ما لا يتقسط الثمن عليه ولا يفرد بالعقد وهو المراد بالعيب وربما عبر
عنه بنقصان الصفة فينظر ان حصل ذلك بآفة سماوية فالبائع الخيار ان شاء رجع إليه ناقصا وقنع به
وان شاء ضارب مع الغرماء بالثمن كما لو تعيب المبيع في يد البائع يخير المشترى بين أخذه معيبا بجميع
الثمن وبين الفسخ والرجوع بالثمن ولا فرق بين أن يكون النقصان حسيا كسقوط بعض الأعضاء
والعمى أو غير حسي كنسيان الحرفة والإباق والزنا وفى كتاب القاضي ابن كج أن من
أصحابنا من أثبت قولا آخر أنه يأخذ المعيب ويضارب مع الغرماء بما نقص كما سنذكره في الضرب
الثاني من النقصان وهو غريب * وان حصل بجناية جان فذلك الجاني اما أجنبي أو البائع أو المشترى
إن كان الجاني أجنبيا فعليه الأرش اما غير مقدر أو مقدر بناء على أن جرح العبد مقدر وللبائع
أن يأخذه معيبا ويضارب الغرماء بمثل نسبه ما انتقص من القيمة من الثمن وإنما ضارب ههنا بشئ
لان المشترى أخذ بدلا من النقصان وكان ذلك مستحقا للبائع لو بقي فلا يحسن تضييعه عليه وإنما اعتبرنا
في حقه نقصان القيمة دون التقدير الشرعي لان التقدير إنما أثبته الشرع في الجنايات والأعواض
246

تتقسط بعضها على بعض باعتبار القيمة ولو اعتبرنا في حقه المقدر لزمنا أن نقول إذا قطع الجاني يديه
وغرم تمام القيمة يرجع البائع إلى العبد مع تمام القيمة أو تمام الثمن وهذا محال فننظر فيما انتقص من
قيمته بقطع اليدين ونقول يضارب البائع الغرماء بمثل نسبته من الثمن ولو قطع إحدى يديه وغرم
نصف القيمة وكان الناقص في السوق ثلث القيمة يضارب البائع بثلث الثمن ويأخذه وعلى هذا
القياس * وإن كان الجاني البائع فهو كما لو كان الجاني أجنبيا لان جنايته جناية على ما ليس بمملوك
له ولا هو في ضمانه وإن كان الجاني المشترى فطريقان (أظهرهما) عند الامام أن جنايته كجناية
الأجنبي أيضا لان اتلاف المشترى قبض واستيفاء منه على ما مر في موضعه وكأنه صرف جزءا من
المبيع إلى غرضه (والثاني) أن جنايته كجناية البائع على المبيع قبل القبض من حيث إنه مأخوذ
منه غير مقر في يده فعلى هذا يحصل في جنايته قولان (أحدهما) أنها كجناية الأجنبي (وأصحهما)
أنها كالآفة السماوية هذا ما أورده صاحب التهذيب وغيره ولا يخطر بالبال أن حق تشبيه جناية
المشترى هاهنا بجناية البائع قبل القبض تشبيه جناية البائع هاهنا بجناية المشترى حتى يقال كأنه استرجع بعض
المبيع إذ ليس له الفسخ والاسترجاع الا بعد حجر الحاكم عليه وليس قبل الحجر حق ولا ملك *
قال (وان تغير بفوات بعض المبيع كأحد العبدين رجع إلى القائم وضارب بثمن التالف *
ونقصان وزن الزيت بالاغلاء تغير صفة أو تلف جزء فيه وجهان) *
الضرب الثاني نقصان ما يقسط الثمن عليه ويصح افراده بالعقد كما لو اشترى عبدين أو ثوبين
247

فتلف أحدهما في يد المشترى ثم أفلس وحجر عليه فللبائع أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن ويضارب
مع الغرماء بحصته عن التالف بل لو بقي جميع المبيع وأراد البائع فسخ المبيع في نصفه مكن منه لأنه
أنفع للغرماء من الفسخ في الكل فهو كما لو رجع الأب في نصف ما وهب يجوز وعن القاضي
أبى حامد وأبى الحسين أن من الأصحاب من ذكر قولين في أنه إذا أخذ الباقي يأخذه بحصته من
الثمن أو يأخذه بجميع الثمن ولا يضارب بشئ وذكر الامام أن أصحاب هذه الطريقة طردوها في كل
مسألة تضاهيها حتى لو باع سيفا وشقصا بمائة يأخذ الشقص بجميع المائة على قول قال وهذا عندي
قريب من خرق الاجماع * هذا إذا تلف أحد العبدين ولم يقبض شيئا من الثمن أما إذ باع عبدين
متساويين في القيمة بمائة وقبض خمسين فتلف أحدهما في يد المشترى ثم أفلس فقولان (القديم) أنه
لا رجوع له إلى العين بل يضارب بباقي الثمن مع الغرماء لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (أيما رجل باع متاعا
فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به) (1) وإن كان قد اقتضى من ثمنه شيئا
فهو أسوة الغرماء (والجديد) أنه يرجع واحتج له بان الافلاس سبب يعود به كل العين إليه فجاز
أن يعود بعضه كالفرقة في النكاح قبل الدخول يرد بها جميع الصداق إلى الزوج تارة وبعضه
أخرى وأما الحديث فهو مرسل وعلى هذا فيما يرجع نص في الام أنه يرجع في جميع العبد الباقي بما بقي من الثمن
وله فيما إذا أصدقها أربعين شاة وحال عليها الحول فاخرج الشاة ثم طلقها قبل الدخول قولان
(أحدهما) يرجع بأربعين وهو قياس نصه ههنا (والثاني) أنه يأخذ نصف الموجود ونصف قيمة
الشاة المخرجة واختلفوا ههنا على طريقين (أحدهما) تخريج القول والثاني وطرد القولين ههنا وعلى هذا (فأظهرهما)
أنه يأخذ جميع العبد الباقي بما بقي من الثمن ويجعل ما قبضه من الثمن في مقابلة التالف كما لو رهن
248

عبدين بمائة وأخذ خمسين وتلف أحد العبدين كان الآخر مرهونا بما بقي من الدين والمعنى الجامع أن
له التعلق بكل العين إذا بقي كل الحق فليثبت له التعلق بالباقي من العين للباقي من الحق (والثاني) وهو
اختيار المزني أنه يأخذ نصف العبد الباقي بنصف الباقي من الثمن ويضارب الغرماء بنصفه لان الثمن
يتوزع على المبيع بالمقبوض والباقي يتوزع كل واحد منهما على العبدين (والطريق الثاني) القطع بالمنصوص
والفرق بينه وبين الصداق أن الزوج إذا لم يرجع إلى عين الصداق أخذ القيمة بتمامها والبائع ههنا لا يأخذ
الثمن بل يحتاج إلى المضاربة ولو قبض بعض الثمن ولم يتلف شئ من المبيع ففي الرجوع القولان القديم
والجديد وعلى الجديد يرجع إلى المبيع بقسط الباقي من الثمن فلو قبض نصف الثمن رجع في نصف
العبد المبيع أو العبدين المبيعين *
(فرعان) أحدهما قد ذكره في الكتاب إذا أغلى الزيت المبيع حتى ذهب بعضه ثم
أفلس فوجهان (أحدهما) أنه كما لو تعيب المبيع وكان الزائل صفة التفل (1) فعلى هذا يرجع إليه ويقنع به
(وأصحهما) أنه بمثابة تلف بعض المبيع كما لو أنضب فعلى هذا لو ذهب نصفه أخذ بنصف الثمن
وضارب مع الغرماء بالنصف وان ذهب ثلثه أخذ بثلثي الثمن وضارب معهم بالثلث ومن قال بالوجه
الأول فالشرط ان يطرده في اغلاء الغاصب الزيت المغصوب وليس له ذكر هناك بل لم يتعرض
له المعظم ههنا واقتصروا على الوجه الثاني نعم لو كان مكان الزيت العصير فقد أجابوا ههنا وفى
249

الغصب بوجهين ورجحوا التسوية بينه وبين الزيت ووجه الفرق أن الذاهب من العصير ماء لا مالية
له والذاهب من الزيت متمول وإذا قلنا بالتسوية فلو كان العصير المبيع أربعة أرطال قيمتها ثلاثة
دراهم فأغلاها حتى عادت إلى ثلاثة أرطال فيرجع إلى الباقي ويضارب بربع الثمن للذاهب ولا عبرة
بنقصان قيمة المغلى كما إذا عادت قيمته إلى درهمين وان زادت قيمته بان صارت أربعة فيبنى على
أن الزيادة الحاصلة بالصفة أثر أم عين (ان قلنا) أثر فاز البائع بما زاد (وان قلنا) عين فعن
القفال أن الجواب كذلك وعن غيره أن المفلس يكون شريكا له بالدرهم الزائد وان بقيت القيمة ثلاثة
كما كانت فيكون بقاؤها بحالها مع نقصان بعض العين لازدياد الباقي بالطبخ فان جعلنا هذه الزيادة
أثرا فاز بها البائع وان جعلناها عينا فكذلك عند القفال وقال غيره يكون المفلس شريكا بثلاثة
أرباع درهم لان هذا القدر هو قسط الرطل الذاهب وهو الذي زاد بالطبخ في الباقي هذا ما يستمر
على القواعد ولصاحب التلخيص في المسألة كلام غلطوه فيه *
(الفرع الثاني) لو كان المبيع دارا فانهدمت ولم يهلك شئ من النقص فهذا النقصان من قبيل الضرب الأول
كالعمى ونحوه ولو هلك بعضه باحراق أو غيره فهو من الضرب الثاني هكذا أطلقوه ولك أن تقول وجب
أن يطرد فيه الخلاف الذي ذكرناه في تلف سقف الدار المبيعة قبل القبض أنه كالتعيب أو تلف
أحد العبدين *
قال (أما التغير بالزيادة فالمتصلة من كل وجه لا حكم لها بل تسلم للبائع مجانا * والمنفصلة
من كل وجه كالولد لا يرجع فيه ولكن إن كان صغيرا فعليه أن يبذل قيمة الولد حذرا من التفريق
فان أبى بطل حقه على رأى من رأى الرجوع (و) * وبيعت الام الولد على رأى * وصرف
250

إليه نصيب الام على الخصوص * وإذا تفرخ البيض المشترى أو نبت البذر بالزراعة فقد فات
المبيع على الأظهر (و) وهذا موجود جديد) *
القسم الثاني التغير بالزيادة وهي نوعان (أحدهما) الزيادة الحاصلة لأمر خارج وهي على
ثلاثة أضرب (أحدها) المتصلة من كل وجه كالسمن وتعلم الحرفة وكبر الشجرة فلا عبرة بها وللبائع
الرجوع من غير أن يلتزم بالزيادة شيئا وعلى هذا حكم هذه الزيادة في جميع الأبواب الا في الصداق
فان الزوج لا يرجع إذا طلق قبل الدخول إلى النصف الزائد الا برضى المرأة وسبب مفارقة سائر
الأصول يذكر هناك (والثاني) الزيادة المنفصلة من كل وجه كثمرة الشجرة واللبن والولد
فيرجع في الأصل وتسلم الزوائد للمفلس نعم لو كان الولد صغيرا فوجهان (أحدهما) أنه ان بذل قيمة الولد
أخذه مع الام والا ضارب بالثمن وبطل حقه من الرجوع لامتناع التفريق (وأصحهما) أنه ان بذل قيمته فذاك
والا بيعا معا وصرف ما يخص الام إلى البائع وما يخص الولد المفلس وههنا مباحثة وهي انا ذكرنا وجهين فيما
إذا وجد الام معيبة وهناك ولد صغيرا أنه يترك الرد وينتقل إلى الأرش ويحتمل التفريق للضرورة وفيما إذا رهن
الام دون الولد أنهما يباعان معا ويحرم التفريق ولم يذكروا فيما نحن فيه احتمال التفريق وإنما احتالوا في دفعه فيجوز
أن يقال يجئ وجه التفريق ههنا أيضا لكنهم لم يذكروه اقتصارا على الأصح ويجوز أن يفرق بان مال المفلس
251

كله مصروف إلى الغرماء فلا وجه لاحتمال التفريق مع امكان المحافظة على جانب الراجع وكون ملك المفلس
مزلزلا من الأول ولو كان المبيع بذرا فزرعه المشترى ونبت أو بيضة فتفرخت في يده ثم أفلس فوجهان
(أحدهما) أنه ليس له الرجوع إليه لأن المبيع قد هلك وهذا شئ جديد له اسم جديد (والثاني)
يرجع لأنه حدث من عين ماله أو هو عين ماله اكتسب هيئة أخرى فصار كالودي إذا صار نخلا (والوجه
الأول) هو اختيار صاحب الكتاب وبه قال القاضي ابن كج وأبو الطيب والأصح عند أصحابنا العراقيين
وصاحب التهذيب الوجه الثاني وستري في كتاب الغصب ما يؤيده ويجرى مثل هذا الخلاف
في العصير ذا تخمر في يد المشتري ثم تخلل ولو اشترى زرعا أخضر مع الأرض ففلس وقد اشتد
الحب فقد قيل بطرد الوجهين وقيل بالقطع بالرجوع * واعلم أنا إذا قلنا بثبوت الرجوع في هذه
الصورة جعلنا هذه التغييرات من القسم الذي نحن فيه وإذا لم نقل بثبوته جعلنا هذه التغيرات خارجة
عن الأقسام المذكورة والتقسيم الحاوي لها أن يقال التغير ينقسم إلى ما يقلب المبيع عما هو عليه
ويجدد اسما ومسمى وإلى غيره وفيه تقع الأقسام المذكورة *
قال (وإن كانت الجارية المبيعة حاملا فولدت قبل الرجوع ففي تعلق الرجوع به قولان *
ولو حبلت بعد البيع فالصحيح تعدى الرجوع إلى الجنين * وحكم الثمرة قبل التأبير حكم الجنين
وأولى بالاستقلال) *
الضرب الثالث الزيادة المتصلة من وجه دون وجه كالحمل ووجه اتصاله ظاهر ووجه انفصاله
استقلاله وانفراده بالحياة والموت وكثير من الأحكام وجملة القول فيه أنه أن حدث الحمل بعد الشراء
252

وانفصل قبل الرجوع فحكم الولد ما مر في الفصل السابق وإن كانت حاملا عند الشراء وعند الرجوع
جميعا فهو كالسمن ويرجع البائع فيها حاملا وإن كانت حاملا عند الشراء وولدت قبل الرجوع ففي
تعدي الرجوع إلى الولد قولان بناهما الأصحاب على الخلاف في أن الحمل هل يعرف أم لا (ان قلنا) نعم وهو الأصح
رجع كما لو اشترى شيئين (وان قلنا) لا بقي الولد للمفلس وربما وجه قول التعدي بان الولد كان
موجودا عند العقد ملكه المشترى بالعقد فوجب أن يرجع إلى البائع بالرجوع وقول المنع بأنه ما لم
ينفصل تابع ملحق بالأعضاء فكذلك تبع في البيع أما عند الرجوع فهو شخص مستقل بنفسه فيفرد
بالحكم وكأنه وجد حين استقل وإن كانت حائلا عند الشراء حاملا عند الرجوع فقولان موجهان
بطريقين (أشهرهما) البناء على أن الحمل هل يعرف (ان قلنا) لا أخذها حاملا (وان قلنا) نعم ففي التهذيب وجه
انه لا رجوع له ويضارب الغرماء والأصح أنه له الرجوع في الام ولا حق له في الولد كما لو كان منفصلا (والثاني)
توجيه تعدى الرجوع فإلى الولد أن الحمل يتبع الجارية حال البيع فكذلك فذ حال الرجوع وتوجيه المنع بان البائع
يرجع إلى ما كان عند البيع أو حدث فيه من الزيادات المتصلة ولم يكن الحمل موجودا ولا سبيل إلى غيره من الزيادات
المنفصلة لاستقلاله وانفراده بكثير من الأحكام ثم قضية المأخذ الأول أن يكون الأصح اختصاص الرجوع بالأم
لان الأصح أن الحمل يعرف وكذلك ذكر بعض شارحي المفتاح الا أن الأكثرين مالوا إلى ترجيح القول الآخر
كما رجحه صاحب الكتاب وذكروا أنه المنصوص فليوجه بالمأخذ الثاني وإذا قلنا باختصاص الرجوع
بالأم فقد ذكر الشيخ أبو محمد أنه يرجع فيها قبل الوضع فإذا ولدت فالولد للمفلس وقال الصيدلاني
وغيره يصبر إلى انفصال الولد ولا يرجع في الحال ثم الاحتراز عن التفريق بين الام والولد طريقة ما مر
253

واعلم أن استتار الثمرة بالأكمة وظهورها بالتأبير قريبان من استتار الجنين وظهوره بالانفصال وفيها
الأحوال الأربع المذكورة في الجنين (أولها) أن يشترى نخيلا وعليها ثمرة غير مؤبرة وكانت عند الرجوع
غير مؤبرة (وثانيها) أن يشتريها ولا ثمار عليها غير مؤبرة ثم كانت لها ثمار عند الرجوع مؤبرة أو مدركة
أو مجذوذة فالحكم فيها كما ذكرنا في الحمل (وثالثها) إذا كانت ثمرتها عند الشراء غير مؤبرة وعند
الرجوع مؤبرة فطريقان (أحدهما) أن أخذ البائع الثمرة على القولين في أخذ الولد إذا كانت حاملا
عند البيع ووضعت قبل الرجوع (والثاني) القطع بأنه يأخذه الثمرة لأنها وإن كانت مستترة فهي مشاهدة
موثوق بها قابلة للافراد بالبيع فكانت أحد مقصودي العقد فيرجع فيها رجوعه في النخيل وان شئت
عبرت عن الطريقين بأنا ان قلنا يأخذ الولد فالثمرة أولى بالأخذ والا فقولان (ورابعها) إذا كانت
النخلة حائلا عند الشراء فاطلعت عند المشتري ثم جاء وقت الرجوع وهي غير مؤبرة فقولان (رواية) الربيع
أنه لا يأخذ الطلع لأنه يصح افراده بالبيع فلا يجعل تبعا كالثمار المؤبرة (ورواية) المزني وحرملة أنه يأخذه
مع النخيل لأنه يقع في البيع فكذلك في الفسخ وفيه طريقة أخرى قاطعة بأنه لا يأخذ الطلع لما ذكرنا
من الوثوق به واستقلاله قال الشيخ أبو حامد وعلى هذا القياس أمر الثمرة التي لم تؤبر فحيث
أزال الملك باختياره بعوض استتبع ما لم يؤبر من الثمار وان زال قهرا بعوض فهو كما في الشفعة والرد
بالعيب فالاستتباع على هذين القولين وان زال لا بعوض اختيارا أو قهرا كما في الرجوع في الهبة ففيه
القولان (وقوله) في الكتاب وحكم الثمرة قبل التأبير حكم الجنين وأولى بالاستقلال يشير إلى طريقة القطع
في الثمار تارة بالاثبات وأخرى بالنفي كما بيناه وحكم سائر الثمار وما يلتحق بالمؤبر وما يلتحق بغير المؤبرة قد
254

اتضح في البيع ويتفرع على منقول المزني وهو الأظهر أنه لو جرى التأبير وفسخ البائع البيع ثم قال البائع
فسخت قبل التأبير والثمار لي وقال المفلس بل بعده فالقول قول المفلس مع يمينه لان الأصل عدم
الفسخ حينئذ وبقاء الثمار له وعن أبي الحسين أن بعضهم ذكر قولا آخر أن القول قول البائع لأنه
أعرف بتصرفه وقال المسعودي يخرج قول إن المفلس يقبل قوله من غير يمين بناء على أن النكول
ورد اليمين كالاقرار وإنه لو أقر لما قبل اقراره والمذهب الأول وإنما يحلف على نفى العلم بسبق
الفسخ على التأبير لا على نفى السبق فان حلف بقيت الثمار له وان نكل فهل للغرماء ان يحلفوا فيه
الخلاف المذكور فيما إذا ادعى المفلس دينا على غيره وأقام شاهدا ولم يحلف معه هل يحلف الغرماء
(فان قلنا) لا يحلفون وهو الأصح أو قلنا يحلفون فنكلوا عرضت اليمين على البائع فان نكل فهو أحق كما لو
حلف المفلس وان حلف فان جعلنا اليمين المردودة بعد النكول كالبينة فالثمار له وان جعلناها كالاقرار
فيخرج على القولين في قبول اقرار المفلس في مزاحمة المقر له للغرماء فإن لم يقبله صرف الثمار إلى الغرماء
كسائر الأموال فان فضل شئ أخذه البائع بحلفه * هذا إذا كذب الغرماء البائع كما كذبه المفلس وان
صدقوه لم يقبل اقرارهم على المفلس بل إذا حلف بقيت الثمار له وليس لهم المطالبة بقسمتها لأنهم يزعمون
أنها ليست ملكا له وليس له التصرف فيها لمكان الحجر واحتمال أن يكون له غريم آخر نعم له إجبارهم
على أخذها إن كانت من جنس حقوقهم أو ابراء ذمته عن ذلك القدر على ظاهر المذهب كما لو جاء
المكاتب بالنجم فقال السيد إنه مغصوب فيقال له خذه أو أبره عنه وفيه وجه أنهم لا يجبرون على أخذها
بخلاف المكاتب لأنه يخاف العود إلى الرق لو لم يؤخذ منه وليس على المفلس كثير ضرر فإذا أجبروا
على أخذها فأخذوها فللبائع أخذها منهم لاقرارهم وان لم يجبروا وأقسم سائر أمواله فله طلب فك الحجر
255

إذا قلنا إنه لا يرتفع ولو كانت من غير جنس حقوقهم فبيعت وصرفت ثمنها إليهم تفريعا على
الاجبار لم يتمكن البائع من أخذه منهم لأنهم لم يقروا له بالثمن وعليهم رده على المشترى فإن لم يأخذ فهو مال
ضائع ولو كان في المصدقين عدلان شهدا للبائع على صيغة الشهادة وشرطها أو عدل واحد وحلف البائع
معه قبلت الشهادة وقضى له هكذا أطلق الشافعي رضي الله عنه وعامة الأصحاب وأحسن بعض الشيوخ الشارحين
للمختصر فحمله على ما إذا شهد الشهود قبل تصديق البائع أو بعده وقلنا إنهم لا يجبرون على اخذ الثمار والا فهم
يدفعون بالشهادة ضرر اخذها وصياعها عليهم بأخذ البائع ولو صدق بعض الغرماء البائع وكذبه بعضهم
فللمفلس تخصيص المكذبين بالثمار ولو أراد بعضهم قسمتها على الكل فوجهان (قال) أبو إسحاق رحمه الله
له ذلك لو صدقوه جميعا وقال الأكثرون لا لان من صدق البائع يتضرر بالأخذ لان البائع يتضرر بأخذ
ما أخذه منه والمفلس لا يتضرر بان لا يصرف إليه لامكان الصرف إلى المكذبين بخلاف ما إذا صدقه الكل وإذا
صرف إلى المكذبين ولم يف بحقوقهم فيضاربون المصدقين في سائر الأموال ببقية ديونهم مؤاخذة لهم بزعمهم
أو بجميع ديونهم لان زعم المصدقين أن سائر ديون المكذبين لم تتأد وفيه وجهان (أظهرهما)
وهو المنصوص أولهما وجميع ما ذكرناه فيما إذا كذب المفلس البائع أما إذا صدقه نظران صدقه الغرماء
أيضا قضى له وان كذبوه وزعموا أنه أقر عن مواطأة جرت بينهما فعلى القولين فيما إذا أقر بعين مال
أو بدين لغيره (وان قلنا) لا يقبل فللبائع تحليف الغرماء قبل أنهم لا يعرفون فسخه على التأبير ومنهم
256

من قال هو على القولين السابقين في أن الغرماء هل يحلفون والأول أصح لان اليمين ههنا توجهت
عليهم ابتداء وثم ينوبون عن المفلس واليمين لا تجري فيها النيابة (ذنابه) النظر في انفصال الجنين وفى
ظهور الثمار بالتأبير إلى حال الرجوع دون الحجر لان ملك المفلس باق إلى أن يرجع البائع *
قال (ولو بقيت الثمرة للمشترى فعلى البائع ابقاؤها إلى الجذاذ * وكذا ابقاء زرعه من غير
أجرة (و) * حيث يثبت الرجوع في الثمار فلو كانت قد تلفت فرجع في الشجرة فيطالب بجزء
من الثمن للثمرة بطريق المضاربة * ويعرف قدره باعتبار أقل (و) القيمتين من يوم العقد إلى
يوم القبض لان ما نقص قبل القبض لم يدخل في ضمان المشترى * ويعتبر للشجرة أكثر القيمتين
على الأظهر (و) تقليلا للواجب على المشترى) *
في الفصل مسألتان (إحداهما) مهما رجع البائع في الأشجار المبيعة وبقيت الثمار للمشترى إما
لحدوثها بعد البيع أو لظهورها قبل الرجوع أو على أحد القولين في الحالة الثالثة والرابعة فليس له
قطعها بل عليه إبقاء الثمرة إلى الجذاذ وكذا لو رجع في الأرض المبيعة وهي مزروعة بزرع المشترى
ترك الزرع إلى الحصاد لأنه لم يتعد بالزرع حتى يقلع زرعه وهذا كما إذا اشترى أرضا مزروعة ليس للمشترى
أن يكلف البائع قلع الزرع ثم إذا بقي الزرع أبقاه بغير أجرة بخلاف ما إذا اكترى أرضا وزرع فيها
المكترى ثم أفلس وفسخ المكرى الإجارة حيث قلنا يترك الزرع إلى الحصاد بأجرة المثل والفرق من وجهين
(أشهرهما) أن المستأجر دخل في الإجارة على أن يضمن للبائع المنافع فألزمناه بدلها والمشترى دخل في الشراء على
أن تحصل له المنافع بلا عوض فلم يحسن الزامه بدلها (وافقها) أن مورد البيع الرقبة وأنها تحصل له بالفسخ وان لم يأخذ
257

الأجرة ومورد الإجارة المنافع فإذا لم يتمكن من استيفائها ولم يمكن من أخذ بدلها خلا الفسخ عن الفائدة ولم يعد إليه
حقه وعن صاحب التقريب أن ابن سريج خرج قولا أن للبائع طلب أجرة المثل لمدة بقاء الزرع كما لو بنى المشترى
أو غرس كان للبائع الابقاء بالأجرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى ثم الكلام فيهما إذا طلب الغرماء أو
المفلس القطع قبل الجذاذ وقبل الحصاد على ما مر في فصل الإجارة (الثانية) إذا ثبت الرجوع في الثمار (إما) بالتصريح
ببيعها مع الأشجار وهي مؤبرة على أحد القولين في الحالة الثالثة والرابعة ثم تلفت الثمار بجائحة
أو بأكل المشترى ثم أفلس فالبائع يأخذ الأشجار بحصتها من الثمن ويضارب مع الغرماء بحصة الثمار
وسبيل التوزيع أن تقوم الأشجار وعليها الثمار فيقال قيمتها مائة وتقوم وحدها فيقال قيمتها تسعون فيضارب
بعشر الثمن فان اتفق في قيمتها انخفاض وارتفاع فالاعتبار في قيمة الثمار بالأقل من قيمتها يوم العقد
ويوم القبض لأنها إن كانت يوم القبض أقل فما نقص قبله من ضمان البائع فلا يحسب على المشترى
وإن كانت يوم العقد أقل فالزيادة حصلت في ملك المشتري وتلفت فلا تعلق للبائع بها نعم لو كانت العين
باقية رجع فيها تابعة للأصل وعن صاحب التقريب أن بعضهم قال باعتبار قيمة يوم القبض واحتسب
الزيادة للبائع بعد التلف كما أنها لو بقيت العين لحصلت له وهذا ظاهر نصه في المختصر إلا أن الجمهور
حملوه على ما إذا كانت قيمة يوم القبض أقل أو لم تختلف القيمة فبنوا اضافتها إلى هذا اليوم أو إلى هذا اليوم (وأما)
الأشجار ففيها وجهان (أظهرهما) عند صاحب الكتاب وهو الذي أورده الصيدلاني وغيره أن الاعتبار فيها
بأكثر القيمتين لأن المبيع بين العقد والقبض من ضمان البائع فنقصانه عليه وزيادته للمشترى ففيما يأخذه البائع
258

يعتبر الأكثر ليكون النقصان محسوبا عليه كما أن فيما يبقى للمشترى أو يضارب البائع بثمنه يعتبر الأقل ليكون
النقصان محسوبا عليه (والثاني) وهو الذي نقله صاحب التهذيب والتتمة أن الاعتبار بقيمة يوم العقد سواء كانت
أكثر القيمتين أو أقلهما أما إذا كانت أكثرهما فكما ذكرنا في الوجه الأول (وأما) إذا كانت أقلهما فلان ما زاد
بعد ذلك من جملة الزيادات المتصلة وعين الأشجار باقية فيفوز بها البائع ولا تحسب عليه قال الامام ولصاحب
الوجه الأول أن يقول نعم البائع يفوز ولكن يبعد ان يفوز بها وهي حادثة في ملك غيره ثم لا يحسبها من المبيع فإذا
فاز بها فليقدر كأنها وجدت يوم البيع ولنبين اختلاف قيمة الأشجار والثمار بالتمثيل فنقول كانت
قيمة الشجرة يوم البيع عشرة وقيمة الثمرة خمسة فلو لم تختلف القيمة لاخذ الشجرة بثلثي الثمن
فصارت الثمرة بالثلث ولو زادت قيمة الثمرة فكانت عشرة يوم القبض فكما لو كانت القيمة بحالها على المشهور
وعلى الوجه البعيد يضارب بنصف الثمن ولو نقصت فكانت يوم القبض درهمين ونصفا يضارب بخمس
الثمن ولو زادت قيمة الشجرة أو نقصت فالحكم على الوجه الثاني كما لو بقيت بحالها وعلى الأول كذلك
إن نقصت وان زادت فكانت خمسة عشر فيضارب بربع الثمن ثم ذيل الامام المسألة بكلامين مستفادين
(أحدهما) إذا اعتبرنا في الثمار أقل القيمتين فإن كانتا متساويتين لكن وقع بينهما نقصان نظر إن كان
بمجرد انخفاض السوق فلا عبرة به وإن كان لعيب طرأ وزال فكذلك على الظاهر كما أنه يسقط بزواله
حق الرد وان لم يزل العيب لكن عادت قيمته إلى ما كان بارتفاع السوق قال والذي أراه أن في
هذه الصورة تعتبر قيمة يوم العيب دون البيع والقبض لان النقصان الحاصل من ضمان البائع والارتفاع
بعده في ملك المشتري لا يصلح جائزا له (والثاني) إذا اعتبرنا في الأشجار أكثر القيمتين فلو كانت
قيمة الشجرة يوم العقد مائة ويوم القبض خمسين ويوم رجوع البائع مائتين فالوجه القطع باعتبار المائتين
259

ولو كانت قيمتها يوم العقد ويوم القبض ما ذكرنا ويوم الرجوع مائة اعتبرنا يوم الرجوع على أن
ما طرأ من زيادة وزال ليس ثابتا يوم العقد حتى نقول إنه وقت المقابلة لا يوم أخذ البائع حتى يحسب عليه ولك أن
تقول هذا ان استقام في طرف الزيادة تخريجا على ما سبق ان ما فاز به البائع من الزيادات الحادثة عند
المشترى يقدر كالموجود عند البيع فلا يستقيم في طرف النقصان لان النقصان الحاصل في يد المشترى
كعيب حدث في المبيع وإذا رجع البائع إلى العين المبيعة لزمه القناعة بها ولا يطالب المشترى للعيب بشئ
والله تعالى أعلم * وينبغي أن تعرف أن سبيل التوزيع في كل صورة تلف فيها أحد الشيئين المبيعين
واختلفت القيمة وأراد الرجوع في الباقي على ما ذكرنا في الأشجار والثمار بلا فرق *
قال (أما الزيادة الملتحقة بالمبيع من خارج ينظر إن كان عينا محضا كما لو بني المشترى أو
غرس فعلى ثلاثة أقوال * أحدها أنه فاقد عين ماله * والثاني أنه يباع الكل فيوزع به على نسبة
القيمة * والأصح أنه يرجع إلى العين ويتخير في الغراس بين أن يبذل قيمته وبين أن يغرم أرش
النقصان أو يبقى بأجرة) *
(النوع الثاني) من الزيادات هي الملحقة بالمبيع من خارج وتنقسم إلى عين محضة والى صفة محضة والى
ما يتركب منهما (القسم الأول) العين المحضة ولها ضربان (أحدهما) أن تكون قابلة للتمييز عن المبيع كما
إذا اشترى أرضا فغرس فيها أو بنى ثم أفلس قبل توفية الثمن * واعلم أن منقول المصنف وشيخه في المسألة يخالف
منقول جمهور الأصحاب على طبقاتهم فنذكر منقولهم الذي عليه الاعتماد ثم نعود إلى ما نقلاه قال الأصحاب
260

إذا اختار البائع الرجوع في الأرض نظر ان اتفق الغرماء والمفلس على القلع وتفريغ الأرض وتسليمها بيضاء رجع فيها
وهم يستقلون بالقلع وليس له أن يلزمهم أخذ قيمة الغراس والبناء لتملكها مع الأرض فإذا قلعوا الغراس والبناء
وجب تسوية الحفر من مال المفلس فان حدث في الأرض نقص بالقلع وجب أرش النقص في ماله ويضارب البائع
به أو يقدم على سائل الديون في المهذب والتهذيب أنه يقدم لأنه لتخليص ماله واصلاحه وذكر الشيخ أبو حامد انه
يضارب مع الغرماء * وان قال المفلس يقلع وقال الغرماء يأخذ القيمة من البائع لتملكه أو بالعكس أو وقع
هذا الاختلاف بين الغرماء قال القاضي ابن كج يجاب من في قوله المصلحة وان امتنعوا جميعا من
القلع لم يجبروا عليه لأنه حين بني وغرس لم يكن متعديا وحينئذ ينظر ان رجع على أن يتملك البناء
والغراس مع الأرض بقيمتها أو يقلع ويغرم أرش النقص فله ذلك لان الضرر يندفع عن الجانبين بكل
واحد من الطريقين والاختيار فيهما إليه وليس للمفلس والغرماء الامتناع من القبول لان مال المفلس
معرض للبيع فلا يختلف غرضهم بين أن يتملكه البائع أو يشتريه أجنبي ويخالف هذا ما إذا زرع
المشترى الأرض وأفلس ورجع البائع في الأرض حيث لا يتمكن من تملك الزرع بالقيمة ولا من القلع
وغرامة الأرش لان للزرع أمدا ينتظر يسهل انتظاره والغراس والبناء للتأبيد وان أراد الرجوع في الأرض
وحدها وابقاء البناء والغراس للمفلس والغرماء نقل المزني ان له الرجوع وأنه قال في موضع آخر
لا يرجع وللأصحاب طريقان (أصحهما) وبه قال المزني وابن سريج وأبو إسحاق أن في المسألة قولين
(أحدهما) وهو اختيار المزني أن له أن يرجع كما لو صبغ الثوب المشترى ثم أفلس يرجع البائع في
261

الثوب ويكون المفلس شريكا معه بالصبغ (وأصحهما) المنع لما فيه من الضرر فان الغراس بلا
أرض والبناء بلا مقرر ولا ممر ناقص القيمة ولرجوع إنما يثبت لدفع الضرر بخلاف مسألة الصبغ فان الصبغ كالصفة
التابعة للثوب (والثاني) تنزيل النصين على حالين وله طريقان (عن القاضي أبى حامد) في آخرين أنه قال حيث
يرجع أراد ما إذا كانت الأرض كثيرة القيمة والبناء والغراس مستحقرين بالإضافة إليها وحيث قال لا يرجع أراد ما إذا
وكانت الأرض مستحقرة بالإضافة إليهما والمعني في الطريقين اتباع الأقل للأكثر ومنهم من قال حيث قال يرجع أراد
ما إذا رجع في البياض المتخلل بين الأبنية والأشجار وضارب للباقي بقسطه من الثمن يمكن منه لأنه ترك بعض حقه
في العين فإذا فرعنا على طريقة القولين فان قلنا ليس له الرجوع في الأرض وإبقاء البناء والغراس للمفلس فالبائع
يترك الرجوع ويضارب مع الغرماء بالثمن أو يعود إلى بذل قيمتهما أو قلعهما مع غرامة رش النقس وان مكناه منه
فوافق البائع الغرماء وباع الأرض منهم حتى باعوا البناء والغراس فذاك وطريق التوزيع ما بيناه في
الرهن وان أبى فهل يخير فيه قولان (أحدهما) نعم كما في مسألة الصبغ (وأصحهما) لا لان
إفراد البناء والغراس بالبيع متأت بخلاف الصبغ وإذا لم يوافقهم فباعوا البناء والغراس بقي للبائع
ولاية التملك بالقيمة والقلع مع غرامة الأرش وللمشتري الخيار في البيع إن كان جاهلا بحال ما اشتراه
ذكره الصيدلاني وغيره هذه طريقة الجمهور واما الامام فان محصول ما ذكره في المسألة أربعة أقوال
(أحدها) انه فاقد عين ماله ولا رجوع بحال لان الرجوع في الأرض ينقص قيمة البناء والغراس
(والثاني) أن الأرض والبناء يباعان معا دفعا للخسران عن المفلس كما يفعل بالثوب المصبوغ
(والثالث) انه يرجع في الأرض ويتخير بين ثلاث خصال تملك البناء والغراس بالقيمة أو قلعهما
مع غرامة أرش النقصان أو ابقاؤهما بأجرة المثل يأخذها من ملكيهما وإذا عين واحدة من هذه الخصال
262

فاختار المفلس والغرماء غيرها أو امتنعوا من الكل فوجهان في أن يرجع إلى الأرض ويقلع مجانا أو
يجبرون على ما عينه (والرابع) حكاه عن رواية العراقيين انه إن كانت قيمة البناء أكثر فالبائع فاقد
عين ماله وإن كانت قيمة الأرض أكثر فواجد وتابعه صاحب الكتاب وغيره من أصحابه واقتصروا
على الأقوال الثالثة الأول وأنت إذا تأملت هذا الكلام بعد وقوفك على المذهب المعتمد وتصفحك
عن كتب علمائنا ورأيت ما بينهما من المخالفة الصريحة قضيت منه العجب وقلت ليت شعري من أين
أخذت هذه الأقوال ثم حفظت لسانك استعمالا للأدب والله أعلم وبه التوفيق *
(فرع) اشترى الأرض من رجل والغراس من آخر وغرسها فيها ثم أفلس فلكل واحد
منهما الرجوع إلى عين ماله ثم إذا رجعا فان أراد صاحب الغراس البيع مكن منه وعليه تسوية
الحفر وأرش نقص الأرض إن نقصت وان أراده صاحب الأرض فكذلك ان ضمن أرش النقص
263

والا فوجهان (أحدهما) المنع لأنه غرس بحق فلا يقلع من غير غرامة كما لو كان للمفلس (والثاني)
الجواز لأنه باع الغراس مقلوعا فيأخذها كذلك *
قال (فإن لم تقبل الزيادة التمييز كما لو خلط مكيلة زيت بمكيلة من جنسه أو أردأ
منه رجع (و) البائع إلى مكيلة واحدة * وان خلط بأجود فهو فاقد على قول * ويباع على قول
ويوزع على نسبة القيمة * وعلى قول يقسم المكيل على نسبة القيمة * والفرق بينه وبين الأردأ
أن ما حصل من نقصان الصفة يمكن أن يجعل عينا في حق البائع فيقال له اما أن تقنع بالمبيع بعيب
أو تضارب * وتضييع جانب المشترى لا وجه له هذا هو النص * ونقل عن ابن سريج لتسوية) *
(الضرب الثاني) ألا تكون الزيادة قابلة للتمييز كخلط ذوات الأمثال بعضها ببعض فإذا اشتري صاع
حنطة وخلطه بصاع حنطة أو مكيلة زيت وخلطه بمكيلة زيت ثم أفلس نظر إن كان المخلوط به مثل
المبيع فللبائع الفسخ وتملك مكيلته من المخلوط وطلب القسمة فان طلب البيع فهل يجاب إليه فيه
وجهان (أصحهما) لا كما لا يتمكن الشركاء من أن يطالب بعضهم بعضا بالبيع (والثاني) نعم لأنه لا يصل
بالقسمة إلى عين حقه وبالبيع يصل إلى بدل حقه وقد يكون له غرض فيه فيباع الكل ويصرف نصف الثمن إليه
264

وإن كان المخلوط أردأ من البيع فله الفسخ والرجوع إلى حقه من المخلوط أيضا ولكن في كيفيته
وجهان نقلهما العراقيون وتابعهم صاحب التهذيب (أحدهما) وبه قال أبو إسحاق ان المكيلتين
تباعان ويقسم الثمن بينهما على قدر القيمتين لأنه ان أخذ مكيلة منه نقص وان أخذ
أكثر من مكيلة لزم الربا فعلى هذا لو كان المبيع يساوى درهمين والمخلوط به درهما قسم الثمن بينهما
أثلاثا (وأصحهما) أنه ليس له إلا أخذ مكيلة منه والمضاربة مع الغرماء لأنه نقصان حصل في البيع فأشبه
تعيب العبد والثوب * وإن كان المخلوط به أجود فقولان (أحدهما) وهو اختيار المزني أن له الفسخ والرجوع
إلى حقه من المخلوط كالخلط بالمثل والأردأ وأيضا فإنه لو اشترى ثوبا وصبغه أو سويقا فلته لا ينقطع
حق الرجوع فكذلك ههنا (وأصحهما) أنه لا رجوع وليس له الا المضاربة بالثمن لان الرجوع إلى عين
المبيع متعذر ههنا حقيقة وحكما (أما) حقيقة فللاختلاط (وأما) حكما فلان في هذا الخلط لا يكمن من المطالبة
بالقسمة بأخذ مكيلة من المخلوط لما فيه من الاضرار بصاحب الأجود بخلاف ما إذا كان الخلط بالمثل
والأردأ فان المطالبة بالقسمة والمأخوذ بمثابة الأول حكما قال الشافعي رضي الله عنه في تقرير هذا القول
ولا يشبه يعني ما نحن فيه الثوب يصبغ والسويق يلت لان عين ماله فيه زيادة والذائب إذا اختلط
انقلب حتى لا توجد عين ماله ومعناه أن الاختلاط إذا حصل لم تكن الإشارة إلى شئ من المخلوط
بأنه المبيع فكأنه هلك بخلاف الثوب المصبوغ والسويق الملتوت ومن هذا الفرق خرج مخرجون
في الخلط بالمثل والأردأ قولا آخر أنه ينقطع به حق الرجوع وأيد ذلك بأن الحنطة المبيعة لو أنها الت
عليها حنطة أخرى قبل القبض ينفسخ العقد على قول تنزيلا له منزلة التلف والأظهر القطع بأن الخلط
بالمثل والأردأ لا يمنع الرجوع على ما سبق ويفارق اختلاط المبيع قبل القبض لان الملك غير
265

مستقر فلا يبعد تأثره بما لا يتأثر به الملك المستقر * وإذا فرعنا على الخلط بالأجود على قول الرجوع ففي
كيفيته قولان (أصحهما) أنه يكون شريكا كما في صبغ الثوب (والثاني) عن رواية الربيع والبويطي
أن نفس المكيلتين يقسم بينهما باعتبار القيمة فإذا كانت المكيلة المبيعة تساوى درهما والمخلوط
بهما درهمين أخذ من المكيلتين ثلثي مكيلة وربما يخرج هذا الخلاف على أن القسمة بيع أو افراز
حق (ان قلنا) بالأول لم يقسم عين الزيت لما في هذه القسمة من مقابلة مكيلة بثلثي مكيلة (وان قلنا) بالثاني
فيجوز وكأنه أخذ بعض حقه وترك بعضه ومن الأصحاب من ينقل بدل القولين الآخرين وجهين
وينسب الأول إلى أبى اسحق وإذا ترك الترتيب والتنزيل حصل في الخلط بالأجود ثلاثة أقوال
كما ذكر في الكتاب (أصحها) أنه فاقد عين ماله (والثاني) أنه يرجع فيباع الكل ويوزع
على نسبة القيمتين (والثالث) أنه يقسم المكيلتان على نسبة القيمتين (وأما) قوله ونقل عن ابن سريج
التسوية بين الخلط بالأجود والأردأ فالسابق إلي الفهم من ظاهره التسوية في طرد الأقوال الثلاثة
وليس المراد ذلك وإنما المراد التسوية في طرد القولين الآخرين حتى يقول إذا ساوى المبيع درهمين
والمخلوط به درهما يباعان على قول ويكون ثلثا الثمن للبائع والثلث للمفلس وفى قول يقسم عين
المخلوط فيصرف ثلثاه إلى البائع والثلث إلى المفلس والأول هو الذي قدمنا حكايته عن أبي إسحاق
ولا أقول إن القول بكونه فاقدا عين ماله لا مجال له في الخلط بالأردأ كيف وقد قدمنا أن بعضهم
خرجه ولكن لا تعلق له بابن سريج والمنقول عن في النهاية والوسيط ما بيناه والفرق بين طرف
الأجود حيث نظرنا فيه إلى الفسخ وبين طرف الأردأ حيث ألزمناه القناعة بمكيلة من المخلوط
على ظاهر المذهب وأصح في الكتاب * ونختم المسألة بذكر شيئين (أحدهما) قال الامام إذا قلنا
266

الخلط يلحق المبيع بالمفقود فلو كان أحد الخليطين كثيرا والآخر قليلا لا تظهر به زيادة في الحس
وبيع مثله بين المكيلين فإن كان الكثير للبائع فالوجه القطع بكونه واجدا عين ماله وإن كان الكثير
للمشترى فالظاهر كونه فاقدا (والثاني) لو كان المخلوط به من غير جنس المبيع كالزيت والشيرج فلا
فسخ وهو بمثابة ما لو تلف المبيع قال الامام وفيه احتمال سيما على قولنا ببيع المخلوط وقسمة الثمن *
قال (وإن كانت الزيادة عينا من وجه ووصفا من وجه كما لو صبغ الثوب فإن لم تزد قيمته
فلا أثر له * وان زاد فالمشترى شريك (ح) بذلك القدر الذي زاد * الا إذا كانت الزيادة
أكثر من قيمة الصبغ فالزيادة على قيمة الصبغ صفة محضة * وفى الصفة المحضة في طحن الحنطة
ورياضة الدابة وقصارة الثوب وكل ما يستأجر على تحصيله قولان * (أحدهما) أنه يسلم للبائع فهو
كالزيادة المتصلة من السمن وغيره * (والثاني) كالصبغ لأنها عمل محترم متقوم * بخلاف
ما لو صدر من الغاصب فإنه عدوان محض * فعلى هذا للأجير حق الحبس * ولو تلف الثوب في
يد القصار سقطت أجرته) *
هذا الفصل يشتمل على القسمين الباقيين من أقسام الثاني من الزيادات وتقديم
المؤخر منهما في لفظ الكتاب أليق بالشرح فنقدمه ونقول (القسم الثاني) الصفة المحضة فإذا اشترى
حنطة فطحنها أو ثوبا فقصره أو خاطه بخيوط من نفس الثوب ثم أفلس فللبائع الرجوع إلى عين
ماله ثم ينظر إن لم تزد قيمته فلا شركة للمفلس فيه وان نقصت قيمته فلا شئ للبائع معه وان زادت
فقولان (أحدهما) واختاره المزني أن الزيادة بهذه الأعمال تجرى مجرى الآثار ولا شركة للمفلس
فيها لأنها صفات تابعة حصلت بفعله فهي كسمن الدابة بالعلف وكبر الودي بالسقي والتعهد وأيضا
فان القصارة تزيل الوسخ وتكشف عما فيه من البياض فلا تقتضي الشركة كما لو كان المبيع لوزا
فكسره وكشف اللب وزادت به القيمة (وأصحهما) أنها تجرى مجرى الأعيان ويصير المفلس
شريكا فيها لأنها زيادة حصلت بفعل متقوم محترم فوجب الا تضيع عليه بخلاف الغاصب لان فعله
غير محترم ويخالف سمن الدابة بالعلف وكبر الودي بالسقي لان القصار إذا عمل عمله صار الثوب
267

مقصورا لا محالة والسقي والعلف يوجدان كثيرا ولا يحصل السمن والكبر فكان الأثر فيه غير منسوب
إلى فعله بل هو محض صنع الله عز وجل ولهذا لا يجوز الاستئجار على تسمين الدابة وتكبير الودي
ويجوز الاستئجار على القصارة ويجرى القولان فيما لو اشترى دقيقا فخبزه أو لحما فسواه أو شاة
فذبحها أو أرضا فضرب من تربتها لبنا أو عرصة وآلات البناء فبني فيها دارا ثم أفلس وعن أبي إسحاق
أن تعليم العبد القرآن والحرفة والكتابة والشعر المباح ورياضة الدابة لا تلحق بها ولا تجرى مجرى
الأعيان قطعا لأنه ليس بيد المعلم ولا الرائض الا التعليم وقد يجتهد فيه ولا يحصل الغرض فكان
كالتسمين ونحوه ويحكى هذا عن ابن أبي هريرة وابن القطان أيضا (والأصح) وبه قال ابن سريج
وصاحب التلخيص والقاضي أبو حامد أنها من صور القولين لأنها أعمال يجوز الاستئجار عليها
ومقابلتها بالعوض وضبط صور القولين أن يصنع بالمبيع ما لا يجوز الاستئجار عليه فيظهر به أثر
فيه وإنما اعتبرنا ظهور الأثر فيه لان حفظ الدابة وسياستها عمل يجوز الاستئجار عليه ولا تثبت به
الشركة لأنه لا يظهر بسببه أثر على الدابة ثم الأثر تارة يكون صفة محسوسة كالطحن والقصارة وتارة
يكون من قبيل الأخلاق كالتعليم والرياضة * إذا عرفت القولين ومحلهما (فان قلنا) بالأول أخذ البائع
المبيع وفاز بزيادته (وان قلنا) بالثاني فيباع ويكون للمفلس من الثمن بنسبة ما زاد في قيمته مثاله قيمة
الثوب خمسة وبلغت بالقصارة ستة يكون للمفلس سدس الثمن فلو ارتفعت القيمة بالسوق أو انخفضت
فالزيادة والنقصان بينهما على قدر هذه النسبة ولو ارتفعت قيمة الثوب دون القصارة بان صار مثل
ذلك الثوب لا يؤخذ غير مقصور الا بستة ويشترى مقصورا بسبعة فليس للمفلس الا سبع الثمن والزيادة
حصلت في الثوب ولو زادت قيمة القصارة دون الثوب بأن كان مثل هذا الثوب يشترى مقصورا
بسبعة ويؤخذ غير مقصور بخمسة فللمفلس سبعان من الثمن وعلى هذا القياس * ويجوز للبائع ان يمسك
المبيع ويمنع من بيعه ويبذل للمفلس ما زاد بسبب الأعمال كذا نقل صاحب التهذيب وغيره كما أنه
يبذل قيمة الغراس والبناء ومنع في التتمة منه لان الصفة لا تقابل بعوض (واما) قوله فعلى هذا
268

فللأخير حق الحبس إلى آخره فهو إشارة إلى فرعين لا تعلق لهما بالمفلس (أحدهما) إذا استأجر للقصارة أو
الطحن فعمل الأجير عمله هل له حبس الثوب المقصور والدقيق لاستيفاء الأجرة (فأن قلنا)
القصارة وما في معناها أثار فلا (وان قلنا) انها أعيان فنعم كما أن البائع يحبس المبيع لاستيفاء الثمن وهذا
ما اختاره الأكثرون واحتجوا به للقول الثاني موهمين كونه مجزوما به (والثاني) إذا تمم القصار
والطحان العمل وتلف محل العمل في يده (فان قلنا) بالأول استحق الأجرة وكأنه وقع مسلما
بالفراغ (وان قلنا) بالثاني لم يستحق لأنه تلف قبل التسليم كما يسقط الثمن بتلف المبيع في يد
البائع وهذا الفرع قد أعاده في الكتاب في باب الإجارة (القسم الثالث) ما هو عين من وجه وصفه من
وجه كصبغ الثوب ولت السويق وما أشبههما فإذا اشترى ثوبا وصبغه ثم أفلس نظر ان لم ترد القيمة
بالصبغ أو نقصت فالحكم على ما مر في القسم الثاني وان زادت فاما أن تزيد بقدر قيمة الصبغ كما
إذا كان الثوب يساوى أربعة الصبغ درهمين وكانت قيمته مصبوغا ستة فللبائع أن يفسخ البيع
في الثوب ويكون المفلس شريكا بالصبغ فيباع ويكون الثمن بينهما أثلاثا وكيف تنزيل الشركة
بينهما أنقول كل الثوب للبائع وكل الصبغ للمفلس كما لو غرس الأرض أو نقول يشتركان فيهما جميعا
بالأثلاث لتعذر التمييز كما في خلط الزيت حكى صاحب التهذيب فيه وجهين (الحالة الثانية) أن
تكون الزيادة أقل من قيمة الصبغ كما إذا كانت قيمته مصبوغا خمسة فالنقصان يحال على الصبغ لأنه
هالك في الثوب والثوب قائم بحاله إذا بيع قسم الثمن بينهما أخماسا أربعة أخماس للبائع وخمسة للمفلس
(الحالة الثالثة) أن تكون الزيادة أكثر من قيمة الصبغ كما إذا كانت قيمته مصبوغا مائة فما زاد على
قيمتها إنما زاد بصنعة الصبغ فيبنى على أن القصارة ونحوها من الأعمال آثار أم أعيان (ان قلنا)
إنها أعيان فالزيادة بالصبغ للمفلس وذلك مثل قيمة الثوب فيجعل الثمن بينهما نصفين (وان قلنا)
إنها آثار فقد حكى الامام أن الشيخ أبا على ذكر في الشرح أن البائع يفوز بها على ما هو سبيل
الزيادات المتصلة وحينئذ يكون الثمن بينهما أرباعا ثلاثة أرباع للبائع والرابع للمفلس قال وكنت
أود ان نقص أثر الصفة على الثوب والصبغ حتى يجعل الثمن بينهما أثلاثا ويكون ثلثاه للبائع والثلث
269

للمفلس لان الصفة اتصلت بالثوب والصبغ جميعا وهذا الذي قلناه هو الذي أورده الشيخ في
شرح القروع وصاحب التهذيب والأكثرون وفى كتاب ابن كج نقل الوجهين معا * ولو ارتفعت
القيمة بعد الصبغ فبلغت ستة عشر مثلا أو وجد من اشتراه بهذا المبلغ ففي كيفية القسمة هذه
الوجوه الثلاثة والربح بكل حال يقسم بحسب قسمة الأصل * وإذا عرف القدر الذي يستحقه المفلس من
الثمن فان شاء البائع تسلمه ليخلص له الثوب مصبوغا فله ذلك ومنع صاحب التتمة منه كما ذكرنا
في القسم الثاني * هذا كله فيما إذا صبغ الثوب المشترى بصبغ من عنده أما إذا اشترى ثوبا وصبغا من إنسان
وصبغه به ثم أفلس فللبائع فسخ البيع والرجوع إليهما الا أن تكون القيمة بعد الصبغ كقيمة الثوب بعدها
قبل الصبغ أو دونها فيكون فاقد الصبر وان زادت القيمة بأن كانت قيمة الثوب أربعة وقيمة
الصبغ درهمين والثوب مصبوغا يساوى ثمانية فعلى الخلاف في أن الصباغات آثار أم أعيان (ان
قلنا) بالأول أخذهما ولا شركة للمفلس (وان قلنا) بالثاني فالمفلس شريك بالربع * ولو اشترى الثوب
من واحد بأربعة وهي قيمته والصبغ من آخر بدرهمين وهما قيمته وصبغه به وأراد البائعان الرجوع
فإن كان الثوب مصبوغا لا يساوي أكثر من أربعة فصاحب الصبغ فاقد ماله وصاحب الثوب
واجد ماله بكماله ان لم ينقص عن أربعة وناقصا ان لم يبلغ وإن كانت قيمته بعد الصبغ ثمانية (فان قلنا)
ان الأعمال آثار فالشركة بين البائعين كما هي بين البائع والمفلس إذا صبغه بصنع نفسه تفريعا على هذا القول
(وان قلنا) أعيان فنصف الثمن لبائع الثوب وربعه لبائع الصبغ وربعه للمفلس * ولو اشترى صبغا وصبغ به
ثوبا كان له فللبائع الرجوع ان زادت قيمته مصبوغا على ما كانت قبل الصبغ والا فهو فاقد وإذا رجع
فالقول في الشركة بينهما على ما مر * واعلم أن جميع ما ذكرناه في القسمين مفروض فيما إذا باشر المفلس
القصارة والصبغ وما في معناه بنفسه أو استأجر أجيرا ووفاه الأجرة قبل التفليس أما إذا حصلها
بأجير ولم يوفه اجرته فسنذكر حكمه في الفصل الذي يلي هذا الفصل إن شاء الله تعالى *
(فرع) حكم صبغ الثوب كما في البناء والغراس ولو قال المفلس والغرماء نقلعه ونغرم نقصان
الثوب قال القاضي ابن كج لهم ذلك (وقوله) في الكتاب عند ذكر الصبغ وان زاد فالمشترى
270

شريك بذلك القدر الذي زاد يجوز إعلامه بالواو لان محل القطع بالشركة ما إذا كان الصبغ مما
يمكن فيه التمييز والاستخلاص اما إذ لم يمكن التمييز وصار مستهلكا فعن القاضي أبى حامد وجه
انه ينزل منزلة القصارة والطحن حتى يكون للبائع تبعا للثوب على أحد القولين *
قال (ولو كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة القصارة خمسة والأجرة درهم وأفلس قبل توفية
الأجرة فيقدم (و) الأجير بدرهم والبائع بعشرة وأربعة للغرماء وإن كانت الأجرة خمسة وقيمة القصارة
درهم اختص الأجير بالدرهم الزائد وضارب بالأربعة ولا يقال (و) للأجير اقنع بما وجدته من القصارة
أو ضارب بكل الأجرة فان القصارة وان شبهت بالصبغ فليست عينا يمكن ايراد الفسخ عليها) *
إذا اشترى ثوبا واستأجر قصارا فقصره ولم يوف أجرته حتى أفلس (فان قلنا) القصارة أثر فليس
للأجير الا المضاربة بالأجرة مع الغرماء وللبائع الرجوع في الثوب المقصور ولا شئ عليه لما زاد وعن
صاحب التلخيص أن عليه أجرة القصارة وكأنه استأجره وغلطه الأصحاب فيه (وان قلنا) انها عين
نظر ان لم تزد قيمته مقصورا على ما كان قبل القصارة فهو فاقد عين ماله وان زادت فلكل واحد
من البائع والأجير الرجوع إلى عين ماله فإن كانت قيمة الثوب عشرة والأجرة درهما والثوب المقصور
يساوى خمسة عشر رجعا وبيع بخمسة عشر وصرف منها عشرة إلى البائع ودرهم إلى الأجير والباقي للغرماء ولو
كانت الأجرة خمسة دراهم والثوب بعد القصارة يساوى أحد عشر فان فسخ الأجير الإجارة فعشرة للبائع ودرهم
للأجير ويضارب مع الغرماء بأربعة وان لم يفسخ فعشرة للبائع ودرهم للمفلس ويضارب مع الغرماء بخمسة ولا يخفي
من نظم الكتاب أن الجواب في الصورتين مقصور على قول العين وانهما معطوفتان على قوله من قبل فعلى هذا
للأجير حق الحبس ولو تلف الثوب في يد القصار سقطت أجرته (وقوله) ولا يقال للأجير إلى آخره إشارة إلى
سؤال وجواب مشهورين في هذا المقام (أما) السؤال فهو انا إذا جعلنا القصارة عينا فزادت بفعله
خمسة وجب أن يكون الكل له كما لو زاد المبيع زيادة متصلة وإن كانت أجرته خمسة ولم يحصل
بفعله الا درهم وجب ألا يكون له الا ذلك لان من وجد عين ماله ناقصة ليس له الا القناعة بها
والمضاربة مع الغرماء (والجواب) أنه لا شك في أن القصارة صفة تابعة للثوب ولا نعنى بقولنا ان القصارة
271

عين أنها في الحقيقة تفرد بالبيع والاخذ والرد كما يفعل بسائر الأعيان ولو كان كذلك جعلنا الغاصب
شريكا للمالك إذا قصر الثوب كما جعلناه شريكا إذا صبغه إنما المراد أنها مشبهة بالأعيان من بعض
الوجوه لان الزيادة الحاصلة بها متقومه مقابلة بالعوض فكما لا تضيع الأعيان على المفلس لا تضيع
الأعمال عليه وأما بالإضافة إلى الأجير فليست القصارة مورد الإجارة حتى يرجع إليها بل مورد
الإجارة فعله المحصل للقصارة وذلك الفعل يستحيل الرجوع إليه فيجعل الحاصل بفعله لاختصاصه به
متعلق حقه كالمرهون في حق المرتهن أو نقول هي مملوكة للمفلس مرهونة بحق الأجير ومعلوم أن الرهن
إذا أرادت قيمته على الدين لا يأخذ المرتهن منه الا قدر الدين وإذا نقصت لا يتأدى به جميع الدين * وأعلم قوله ولا يقال
للأجير اقنع بالواو لأنه حكي في الوسيط أن بعض الأصحاب قضى بأنه ليس له الا القناعة بالقصارة أو المضاربة على
ما هو قياس الأعيان ولم أعثر على هذا النقل لغير المصنف لكن ذكر القاضي ابن كج ان أبا الحسين خرج وجهين
في أنه لو قال الغرماء للقصار خذ أجرتك ودعنا نكون شركاء وصاحب هذا الثوب هل يجبر عليه وان الأصح
الاجبار وهذا بالقياس على البائع إذا قدمه الغرماء بالثمن فكان هذا القائل يعطى القصارة حكم
الأعيان من كل وجه * ولو كانت قيمة الثوب المشترى عشرة واستأجر صباغا فصبغه بصبغ قيمته درهم
وصارت قيمته خمسة عشر فالأربعة الزائدة على القيمتين حاصلة بصفة الصبغ فيعود فيه القولان في
أنها أثر أم عين فإذا رجع كل واحد من البائع والصباغ إلى ماله بيع بخمسة عشرة وقسم على أحد
عشر ان جعلناها أثرا فللبائع عشرة وللصباغ واحد لان الزيادة تابعه وهذا الأصح يطبق على قولنا
ان القصارة مرهونة بحقه إذ ليس للمرتهن التمسك بغير المرهون إذا أدي حقه بوجه طالبها وان
جعلناها عينا عشرة منها للبائع ودرهم للصباغ وأربعة للمفلس يأخذها الغرماء ولو كانت المسألة بحالها
وبيع بثلاثين لارتفاع السوق أو للظفر براغب قال ابن الحداد للبائع عشرون وللصباغ درهمان وللمفلس
ثمانية وقال غيره يقسم الكل على أحد عشر عشرة للبائع وواحد للصباغ ولا شئ للمشترى قال
الشيخ أبو علي الأول جواب على قولنا انها عين (والثاني) على أنها أثر وبمثله لو كانت قيمة
الثوب عشرة واستأجر على قصارته بدرهم وصارت قيمته مقصورا خمسة عشر ثم اتفق بيعه بثلاثين
272

ذكر الشيخ أبو محمد والصيدلاني وغيرهما تفريعا على قول العين أنه يتضاعف حق كل واحد
منهم كما قاله ابن الحداد في الصبغ واستدرك الامام فقال ينبغي أن يكون للبائع عشرون وللمفلس
تسعة وللقصار درهم كما كان ولا يضعف حقه لما مر أن القصارة غير مستحقة للقصار وإنما هي مرهونة
بحقه وقد أشار الشيخ أبو علي إلى مثل هذا المعني في مسألة الصبغ واعتذر عنه ابن الصباغ بأنه قال كأنه باع
الصبغ بدرهم فتوزع الزيادة على الصبغ والثوب وهذا العذر وان لم يكن واضحا كل الوضوح إذ
ليس استئجار الصباغ مجرد شراء الصبغ فلا مساغ له في القصارة فإذا الاستدراك الذي ذكره الامام فيه
فقيه والله أعلم *
(فرع) لو أخفى المديون بعض ماله ونقص الظاهر عن قدر الديون فحجر الحاكم عليه
ورجع أصحاب الأمتعة إلى أمتعتهم وقسم الحاكم ما بقي بين الغرماء ثم بان صنيعه لم ينقص شئ
من ذلك لان للقاضي بيع أموال الممتنع وصرف الثمن إلى ديونه والرجوع إلى عين المال بامتناع
273

المشترى من أداء الثمن فمختلف فيه فإذا اتصل به حكم حاكم نفذ قاله في التتمة وفيه توقف
لان القاضي ربما لا يعتقد جواز الرجوع بالامتناع فكيف يجعل حكمه بناء على ظن آخر حكما
بالرجوع بالامتناع *
(فرع) من له الفسخ بالافلاس لو ترك الفسخ على مال لم يثبت المال وهل يبطل حقه
من الفسخ إن كان جاهلا بجوازه فيه وجهان كما سبق نظيرهما في الرد بالعيب وبالله التوفيق *
274

(كتاب الحجر)
قال (أسباب الحجر خمسة الصبا والرق والجنون والفلس (ح) والتبذير (ح) * وحجر
الصبي ينقطع بالبلوغ مع الرشد) *
جرت العادة بذكر أصناف المحجورين ههنا وهو لائق بترجمة الباب فان الترجمة مطلق الحجر
وأحسن ترتيب فيه ما ساقه أصحابنا العراقيون ومن تابعهم، قالوا الحجر على الانسان نوعان (حجر) شرع
للغير (وحجر) شرع لمصلحة نفسه والنوع الأول خمسة أضرب (أحدها) حجر المفلس لحق الغرماء
(وثانيها) حجر الراهن لحق المرتهن (وثالثها) حجر المريض لحق الورثة (ورابعها) حجر العبد لحق
السيد والمكاتب لحق السيد وحق الله تعالى (وخامسها) حجر المرتد لحق المسلمين * وهذه الاضرب
بأسرها خاصة لا تعم جميع التصرفات بل يصح من هؤلاء المحجورين الاقرار بالعقوبات وكثير من
التصرفات ولها أبواب مفرقة مذكورة في مواضعها (والنوع الثاني) ثلاثة اضرب (أحدها) حجر
الجنون ويثبت بمجرد الجنون ويرتفع بالإفاقة وتسلب به الولايات واعتبار الأقوال رأسا ومن عامله
أو أقرضه فتلف المال عنده أو أتلفه فالمالك هو الذي ضيعه وما دام باقيا يجوز له استرداده قال في التتمة
من له أدنى تمييز ولم يكمل عقله فهو كالصبي المميز (والثاني) حجر الصبي والأصل الغاء تصرفاته
وعباراته ومنها ما يصح وفاقا أو خلافا كعباداته واسلامه واحرامه وتدبيره وعتقه ووصيته وايصاله الهدية
واذنه في دخول الدار فمنها ما مر بيان حكمه ومنها ما سيأتي (والثالث) حجر السفيه المبذر
والضرب الأول أعم من الثاني أعم من الثالث ومقصود الباب الكلام في هذه الاضرب
275

الثلاثة والثالث معظم المقصود والأصل فيها قوله تعالى (فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا
أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل) فالسفيه على ما قيل المبذر والضعيف الصبي والذي
لا يستطيع أن يمل المغلوب على عقله * وقال تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم
منهم رشدا) الآية * وقد روى (أن عبد الله بن جعفر اشترى أرضا سبخة بثلاثين ألفا فبلغ ذلك عليا
رضي الله عنه فعزم أن يسأل عثمان الحجر عليه فجاء عبد الله بن جعفر إلى الزبير فذكر له ذلك
فقال الزبير رضي الله عنه أنا شريكك فلما سأل على عثمان الحجر على عبد الله قال عثمان كيف
أحجر على من كان شريكه الزبير) (1) (قلت) دلت القصة على أنهم كانوا متفقين على جواز الحجر بالتبذير
وأنه كان مشهورا فيما بينهم (وقوله) في الكتاب والفلس والتبذير معلمان بالحاء (أما) الفلس فلما
سبق في التفليس (وأما) التبذير فلان عنده لا ينشأ الحجر على من بلغ رشيدا ثم صار سفيها *
276

وان بلغ مفسدا لماله لا يسلم المال إليه حتى يكمل خمسا وعشرين سنة فحينئذ يسلم (وقوله) وحجر
الصبي ينقطع بالبلوغ مع الرشد هكذا يطلقه بعض الأصحاب ومنهم من يقول حجر الصبي ينقطع
بمجرد البلوغ وليس ذلك خلافا محققا بل من قال بالأول أراد الاطلاق الكلى ومن قال بالثاني
أراد الحجر المخصوص بالصبي وهذا أولى لان الصبا سبب مستقل بالحجر وكذلك التبذير وأحكامهما
متغايرة ومن بلغ وهو مبذر فحكم تصرفه حكم تصرف السفيه لا حكم تصرف الصبي والقول في
أن الاطلاق الكلى متى يحصل إذا بلغ رشيدا أو سفيها سيأتي من بعد *
قال (والبلوغ باستكمال خمس عشرة سنة (ح م) للغلام والجارية * أو الاحتلام * أو
الحيض للمرأة (ح) * أو نبات (ح) العانة في حق صبيان الكفار فإنه أمارة فيهم (و) لعسر
الوقوف على سنهم * وفى صبيان المسلمين وجهان) *
للبلوغ أسباب (منها) ما يشترك فيه الرجال والنساء (ومنها) ما يختص بالنساء (أما) القسم الأول
فمنه السن فإذا استكمل المولود خمس عشرة سنة قمرية فقد بلغ * روى عن ابن عمر رضي الله عنهما
قال (عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يقبلني ولم يرني
بلغت وعرضت عليه من قابل عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فقبلني ورأني بلغت) (1) وعن
277

أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه وأقيمت عليه الحدود) (1)
وفيه وجه أن البلوغ يحصل بنفس الطعن في السنة الخامسة عشر وإن لم يستكملها لأنه حينئذ
يسمى ابن خمس عشرة سنة (والمذهب) الأول وهذا التوجيه ممنوع (وقوله) باستكمال خمس
عشرة سنة لفظ الاستكمال معلم بالواو لهذا الوجه (وقوله) خمس عشرة سنة بالحاء والميم (أما)
الحاء فلان عنده بلوغ الغلام بثماني عشرة سنة وفى الجارية روايتان (إحداهما) كذلك (والثانية) بسبع
عشرة سنة (وأما) الميم فلانه يروى عنه أن البلوغ لا يحصل بالسن وإنما النظر فيه إلى الاحتلام (والسبب
الثاني) الاحتلام قال الله تعالى (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا) وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (رفع
القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم) (2) والحلم لا يتعلق بخصوص الاحتلام بل هو منوط بمجرد
خروج المني ويدخل وقت امكانه باستكمال سبع سنين ولا عبرة بما ينفصل قبل ذلك وفيه وجهان
آخران ذكر الامام كل واحد منهما في موضع من كتابه (أحدهما) أنه يدخل بمضي ستة أشهر من
السنة العاشرة (والثاني) أنه إنما يدخل بتمام العاشرة وهذه الوجوه كالوجوه في أقل سن الحيض لكن
العاشرة ههنا بمثابة العاشرة ثم لان في النساء حدة في الطبيعة وتسارع إلى الادراك وهكذا يكون
النبات الضعيف بالإضافة إلى القوى والاعتماد فيه على الوجدان بعد البحث كما في الحيض * ولا
فرق في إفادة خروج المني البلوغ بين الرجال والنساء كما في السن وفيه وجه أنه لا يوجب بلوغهن لأنه
278

نادر فيهن ساقط العبرة * وعلى هذا قال الامام الذي يتجه عندي أن لا يلزمها الغسل لأنه لو لزم لكان
حكما بأن الخارج منى والجمع بين الحكم بأنه مني وبين الحكم بأنه لا يحصل به البلوغ متناقض * ولك أن
تقول إن كان التناقض مأخوذا من تعذر التكليف بالغسل مع القول بعدم البلوغ فنحن لا نعني بلزوم
الغسل سوي ما نعنيه بلزوم الوضوء على الصبي إذا أحدث فبالمعنى الذي أطلقنا ذلك ولا تكليف نطلق
هذا وإن كان غير ذلك فلا بد من بيانه * (واعلم) أنا إذا قلنا إن خروج المني لا يوجب البلوغ في حق النساء
صارت أسباب البلوغ ثلاثة أقسام المشتركة بين الرجال والنساء وما يختص بالرجال وما يختص بالنساء
وهو خروج المنى والله أعلم * (والسبب الثالث) إنبات العانة يقتضى الحكم بالبلوغ في حق الكفار
خلافا لأبي حنيفة * لنا ما روى (أن سعد بن معاذ حكم في بني قريظة فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم فكان
يكشف عن مؤتزر المراهقين فمن أنبت منهم قتل ومن لم ينبت جعل في الزراري) وعن عطية
279

القرظي قال (عرضنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلى سبيله وكنت
فيمن لم ينبت فخلى سبيلي) ثم هو بلوغ حقيقة أو هو دليل البلوغ وأمارته فيه قولان (أحدهما)
أنه بلوغ حقيقة كسائر الأسباب (وأظهرهما) على ما قاله الامام وهو الذي أورده صاحب الكتاب
أنه أمارة بلوغ لان البلوغ غير مكتسب وهذا شئ يستعجل بالمعالجة (فان قلنا) بالأول فهو بلوغ
في حق المسلمين أيضا كسائر الأسباب لا فرق فيها بين المسلم والكافر (وان قلنا) انه أمارة ففي حق
المسلمين وجهان (أظهرهما) أنه لا اعتبار به لان مراجعة الآباء في حق المسلمين والاعتماد على أخبارهم
عن تواريخ المواليد سهل بخلاف الكفار فأنهم لا اعتماد على قولهم ولان المسلمين ربما استعجلوا
بالمعالجة رفعا للحجر واستفادة الولايات والكفار لا يتهمون بمثله لأنهم حينئذ يقتلون أو تضرب عليهم
الجزية (والثاني) وبه قال مالك وأحمد أنه يجعل أمارة في حقهم أيضا لان الاشكال قد يقع في حق
المسلمين أيضا ويدل عليه ما روى (أن غلاما من الأنصار شبب بامرأة في شعره فرفع إلى عمر فلم
يجده أنبت فقال لو أنبت الشعر لحددتك) (2) ثم العبرة بالشعر الخشن الذي يحتاج في ازالته إلى
280

الحلق (وأما) الزغب والشعر الضعيف الذي قد يوجد في الصغر فلا أثر له * وفى شعر الإبط وجهان
(أحدهما) أن إنباته كنبات شعر العانة وبه قال القاضي الحسين وآخرون قال الامام لان إنبات العانة
يقع في أول تحرك الطبيعة في الشهوة ونبات الإبط يتراخى عن البلوغ في الغالب فكان أولى بالدلالة
على حصول البلوغ (والثاني) وهو الأصح على ما ذكره صاحب التتمة أنه لا أثر له في البلوغ لأنه
لو أثر لما كشفوا عن المؤتزر لحصول الغرض من غير كشف العورة * ونبات اللحية والشارب فيهما
هذان الوجهان لكن صاحب التهذيب فرق فألحق شعر الإبط بشعر العانة ولم يلحق به اللحية
والشارب * ولا أثر لثقل الصوت ونهود الثدي ونتوء طرف الحلقوم وانفراق الأرنبة كما لا أثر لاخضرار
الشارب وفى التتمة طرد الخلاف فيها (وأما) القسم الثاني وهو ما يختص بالنساء فشيئين (أحدهما)
الحيض في وقت الامكان بلوغ واحتج له بما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت أبي بكر (إن المرأة إذا بلغت
المحيض لا يصلح أن يرى منها الا هذا وأشار إلى الوجه والكفين) (1) علق وجوب الستر بالمحيض
281

وذلك نوع تكليف وبما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا تقبل صلاة حائض الا بخمار) (1) أشعر بأنها
بالحيض كلفت بالصلاة (والثاني) الحبل يوجب البلوغ لأنه مسبوق بالانزال لكن الولد لا يستيقن
ما لم تضع فإذا وضعت حكمنا بحصول البلوغ قبل الوضع بستة أشهر وشئ لان أقل مدة الحمل
ستة أشهر فأن كانت مطلقة فأتت بولد يلحق الزوج حكمنا ببلوغها قبل الطلاق *
(فرع) الخنثى المشكل إذا خرج من ذكره ماء وهو على صفة المنى ومن فرجه دم وهو على
صفة الحيض فهل نحكم ببلوغه فيه وجهان (أصحهما) نعم لأنه إما ذكر وقد أمني أو أنثى وقد حاضت
(والثاني) لا لتعارض الخارجين واسقاط حكم كل واحد منهما حكم الآخر ولهذا لا يحكم والحالة هذه
بالذكورة ولا بالأنوثة هذا ما نسبة القاضي ابن كج إلى ظاهر نص الشافعي * وان وجد أحد
الامرين دون الثاني أو أمنى وحاض من الفرج فجواب عامة الأصحاب أنه لا يحكم ببلوغه لجواز
ان يظهر من الفرج الآخر ما يعارضه وقال الامام وهو الحق ينبغي أن يحكم بالبلوغ بأحدهما كما يحكم
بالذكورة والأنوثة ثم إن ظهر خلافه غيرنا الحكم وكيف ينتظم منا أن نحكم بأنه ذكر أو أو أنثى ولا نحكم
بأنه قد بلغ *
282

قال (وأما الرشد فهو أن يبلغ صالحا في دينه مصلحا لدنياه * فإذا اختل أحد الامرين
استمر الحجر (م ح و) * ومهما حصل انفك الحجر (و) * فلو عاد أحد المعنيين لم يعد الحجر
لان الاطلاق الثابت لا يرفع الا بيقين كما أن الحجر الثابت لا يرفع إلى بيقين * فلو عاد الفسق
والتبذير جميعا يعود الحجر أو يعاد على أظهر الوجهين * ثم يلي القاضي امره أو وليه في الصبي فيه
وجهان * وكذا في الجنون الطارئ بعد البلوغ * وصرف المال إلى وجوه البر ليس بتبذير *
فلا سرف في الخير * وصرفه إلى الأطعمة النفيسة التي لا تليق بحاله تبذير (و) * فإذا انضم إليه
الفسق أوجب الحجر) *
أول ما ينبغي أن يعرف في الفصل أولا معني الرشد المذكور في قوله تبارك وتعالى (فان
آنستم منهم رشدا) وقد فسره الشافعي بالصلاح في الدين مع اصلاح المال ويدل عليه ما روى عن
ابن عباس أنه قال معناه (رأيتم منهم صلاحا في دينهم وحفظا لأموالهم) وروى مثله عن الحسن ومجاهد
والمراد من الصلاح في الدين أن لا يرتكب من المحرمات ما تسقط به العدالة ومن اصلاح المال أن
لا يكون مبذرا وصرف المال إلى وجود الخير في الصدقات وفك الرقاب وبناء المساجد والمدارس
وما أشبهها ليس بتبذير ولا سرف في الخير كما لا خير في السرف وعن الشيخ أبى محمد أن الصبي إذا
بلغ وهو مفرط في الانفاق في هذه الوجوه فهو مبذر وان عرض له ذلك بعد ما بلغ مقتصدا لم نحكم
283

بصيرورته مبذرا * وتضييع المال بالقائه في البحر أو باحتمال الغبن الفاحش في المعاملات ونحوها
تبذير وكذا الانفاق في المحرمات * وصرفه إلى الأطعمة النفيسة التي لا يليق اتخاذها بحاله هل
يكون سفها وتبذيرا (قال) الامام وصاحب الكتاب نعم للعادة (وقال) الأكثرون لا لان المال يطلب
لينتفع به ويلتذ به وكذا القول في التجمل بالثياب الفاخرة والا كثار من شراء الغانيات والاستمتاع
بهن وما أشبه ذلك * وبالجملة فالتبذير على ما نقله معظم الأصحاب محصور في التضيعات والانفاق في
المحرمات * ولا بد من اختبار الصبي ليغرف حاله في الرشد وعدمه ويختلف ذلك باختلاف طبقات
الناس فولد التاجر يختبر في البيع والشراء والمماكسة وولد الزارع في أمر الزراعة والانفاق على العوام
فيها والمحترف فيما يتعلق بحرفته والمرأة في أمر القطن والعزل وحفظ الأقمشة وصون الأطعمة عن الهرة
والفأرة وما أشبهها من مصالح البيت * ولا تكفى المرة الواحدة في الاختبار بل لا بد من مرتين
وأكثر على ما يليق بالحال ويفيد غلبة الظن بكونه رشيدا وفى وقت الاختبار وجهان (أحدهما) ما بعد
البلوغ لان تصرفه في الصبا غير نافذ (وأظهرهما) أنه قبله لقوله تعالى (وابتلوا اليتامى) واسم اليتيم
إنما يقع على غير البالغ وعلى هذا فكيف يختبر فيه وجهان (أصحهما) أنه يدفع إليه قدرا من المال
ويمتحنه في المماكسة والمساومة فإذا آل الامر إلى عقد عقده الولي لان تصرف الصبي لا ينفذ (والثاني)
284

يصح منه العقد أيضا في هذا الغرض للحاجة * وقد أشرنا في أول البيع إلى هذا * ولو تلف المال
المدفوع إليه للاختبار في يده فلا ضمان على الولي * إذا تقرر ذلك ننظر ان بلغ الصبي غير رشيد
إما لاختلاف الصلاح في الدين أو اصلاح المال بقي محجورا عليه ولم يدفع إليه المال * وقال أبو حنيفة
ان بلغ مفسدا للمال منع حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة كما سبق وان بلغ مصلحا لماله دفع المال
إليه ونفذ تصرفه وإن كان فاسقا وبه قال مالك فيمن بلغ فاسقا ونقل المتولي مثل مذهبهما
عن بعض أصحابنا * وجه ظاهر المذهب أن الآية اعتبرت الرشد والصلاح مأخوذ من تفسير الرشد * ثم
يتصرف في ماله ويستديم الحجر عليه من كان يتصرف قبل البلوغ أبا كان أو جدا أو وصيا أو حاكما *
وان بلغ رشيدا دفع إليه المال وينفك الحجر عنه بنفس البلوغ والرشد أو يحتاج إلى فك القاضي فيه
وجهان (أرجحهما) عند صاحب التهذيب أنه يحتاج إلى فك القاضي لان الرشد مما يعرف بالنظر والاجتهاد
ويروي هذا عن ابن أبي هريرة رضي الله عنه (والثاني) وبه أجاب صاحب الكتاب وهو الأصح
عند الامام والمتولي ويحكي عن ابن سريج أنه ينفك عنه لأنه حجر لم يثبت بالحاكم فلا يتوقف زواله
على إزالة الحاكم كحجر المجنون يزول بمجرد الإفاقة وهذا أولى والا لاطبق الناس على طلب الفك
في أوائل البلوغ ولا يجدوه أهم مهماتهم ثم قال المفرعون على الوجه الأول أنه كما ينفك بفك القاضي
ينفك بفك الأب والجد وفى الوصي والقيم وجهان وهذا يطعن في توجيههم إياه بالحاجة إلى النظر
والاجتهاد (وإذا قلنا) لا يزول حتى يزال فتصرفه قبل إزالة الحجر كتصرف من أنثى الحجر عليه
بالسفه الطارئ بعد البلوغ ويجرى الخلاف فيما إذا بلغ غير رشيد ثم صار رشيدا وإذا حصل الرشد
285

فلا فرق بين الرجل والمرأة وبين أن تكون المرأة مزوجة أو لا تكون وقال مالك رحمه الله لا يدفع
المال إلى المرأة حتى تنكح فإذا نكحت دفع إليها باذن الزوج ولا ينفذ تبرعها بما زاد على الثلث إلا
باذن الزوج ما لم تصر عجوزا * ولو عاد التبذير بعد ما بلغ رشيدا لم يطلق ولم يمكن من التصرف وكيف
الحال فيه وجهان (أحدهما) أنه يعود الحجر بنفس التبذير كما لو جن (وأصحهما) أنه لا يعود ولكن
يعاد ومن الذي يعيده لا خلاف في أن للقاضي أن يعيده وعن أبي يحيى البلخي فيما نقل ابن كج رحمه
الله تعالى أنه يعيده الأب والجد أيضا والمشهور تخصيصه بالقاضي لأنه في محل الاجتهاد * ولو عاد الفسق
دون الاتفاق في المعاصي وسائر وجوه التبذير (فان قلنا) اقتران الفسق بالبلوغ لا يقتضى إدامة
الحجر وهي الطريقة المنقولة على وفاق أبي حنيفة ومالك رحمهما الله فلا يحجر (وان قلنا) يقتضيها
فوجهان (أحدهما) وبه قال ابن سريج أنه يحجر عليه كما يستدام به الحجر وكما لو عاد التبذير (وأصحهما)
وبه قال أبو إسحاق لا يحجر لان الأولين لم يحجروا على الفسقة ويخالف الاستدامة لان الحجر ثم كان ثابتا والأصل
بقاء وههنا ثبت الاطلاق والأصل بقاءه فلا يلزم من الاكتفاء بالفسق للاستصحاب الاكتفاء به لبراءة
الأصل ويخالف التبذير فانا نتحقق به تضييع المال وبالفسق لا يتحقق فإنه ربما لا ينفق المال إلا فيما يسوغ وإن كان
فاسقا ومقصود هذا الحجر صيانة المال ولا يجئ في عود الفسق الوجه الذاهب إلى مصيره محجورا
بنفس التبذير قال الامام رحمه الله فإذا حجر على من طرأ عليه السفه ثم عاد رشيدا (فان قلنا)
الحجر عليه لا يثبت الا بضرب القاضي فلا يرفع إلا برفعه (وان قلنا) يثبت بنفسه ففي زواله الخلاف
المذكور فميا إذا بلغ رشيدا * ومن الذي يلي أمر من حجر عليه بالسفه بالطارئ (ان قلنا) انه لا بد
من ضرب القاضي فهو الذي يليه (وان قلنا) أنه يصير محجورا عليه بنفس السفه فوجهان شبيهان بالوجهين
فيما إذا طرأ عليه الجنون بعد البلوغ (أحدهما) أنه يلي أمره الأب ثم الجد كما في حالة الصغر
وكما إذا بلغ مجنونا (والثاني) يليه القاضي لأن ولاية الأب قد زالت فلا تعود والأول أصح في صورة
286

عروض الجنون والثاني أصح في صورة عروض السفه فلان السفه وزواله مجتهد فيه يحتاج إلى نظر
الحاكم * ونعود إلى ما يتعلق بألفاظ الكتاب (قوله) فان اختل أحد الامرين استمر الحجر ينتظم اعلامه
بالميم والحاء والواو لما ذكرنا فيما إذا بلغ مصلحا لماله فاسقا (وقوله) مهما حصل أي كلاهما انفك
الحجر معلم بالواو للوجه الصائر إلى أنه لا بد من فكه وكذا قوله لم يعد الحجر للوجه الذي مر في
عود الحجر عند عود التبذير (وقوله) لأن اطلاق الثابت لا يرتفع الا بتيقن الرشد ولا يتيقن الرشد مع
واحد من الامرين والاطلاق ههنا متيقن فلا يعاد الحجر الا بتيقن احتلال الرشد وذلك يعود
للمعنيين جميعا وهذا قريب من لفظه في الوسيط وقضية خروج الصلاح في الدين واصلاح المال عن
أن يكون حقيقة الرشد واعتبارهما للاستدلال بهما على حصول الرشد * واعلم أن كلام المصنف ههنا وفى الوسيط
مصرح بأن عود مجرد الفسق والتبذير لا أثر له وإنما المؤثر في عود الحجر أو اعادته عود الفسق والتبذير جميعا وليس
الامر كذلك بل الأصحاب رضي الله عنهم مطبقون على أن عود التبذير وحده كاف في عود الحجر أو اعادته كما سبق
بيانه (وقوله) ثم يلي أمره القاضي أو وليه في الصبي فيه وجهان موضع الوجهين ما إذا قلنا إن الحجر يعود بنفسه
أما إذا قلنا إن القاضي هو الذي يعيده فهو الذي يلي امره بلا خلاف (وقوله) فصرف المال إلى
وجوه الخير ليس بتبذير يمكن اعلامه بالواو للتفصيل المنقول عن الشيخ أبى محمد (وقوله)
في الصرف إلى الأطعمة النفيسة انه تبذير يجب اعلامه بالواو ومعرفته ان الأظهر عند
287

الأئمة رحمهم الله خلاف ما ذكره (وقوله) فإذا انضم الفسق إليه أوجب الحجر
بناه على ما قدمه من اعتبار اجتماع الامرين وقد عرفت أن الصحيح المعتمد خلافه *
(فرع) ولو كان يغبن في بعض التصرفات خاصة فهل يحجر عليه حجرا خاصا في ذلك
النوع فيه وجهان لبعد اجتماع الحجر والاطلاق في الشخص الواحد
(فرع) الشحيح على نفسه جدا مع اليسار قال في البيان فيه وجهان عن الصيمري والا صحح المنع *
قال (ثم فائدة الحجر سلب استقلاله في التصرفات المالية كالبيع والشراء (و) والاقرار بالدين
(م) وكذا الهبة وفى سلب عبارته عند التوكيل به خلاف وعليه يبتنى صحة قبوله الوصية والهبة
ولا حجر عليه فيما لا يدخل تحت الحجر كالطلاق والظهار والخلع واستلحاق النسب ونفيه والاقرار
بموجب العقوبات لأنه مكلف والولي لا يتولى ذلك فلا بد وأن يتولاه بنفسه (والأصح) أنه لا يقبل
اقراره باتلاف مال الغير كالصبي وينعقد احرامه بالحج ثم يمنع الزاد ان لم يكن فرضا عليه ثم حكمه
حكم المحصر أو المحرم المفلس حتى لا يتحلل الا بلقاء البيت فيه خلاف) *
الغرض الآن الكلام فيما ينفذ من السفيه المحجور عليه من التصرفات ومالا ينفذ وفى مسائل
(إحداها) لا يصح منه العقود التي هي مظنة الضرر المالي كالبيع والشراء والاعتاق والكتابة والهبة والنكاح
ولا فرق بين أن يشترى بعين ماله أو في الذمة وفى شرائه في الذمة وجه ضعيف تخريجا من شراء العبد بغير
اذن مولاه والمذهب الأول لان هذا الحجر إنما يشرع نظرا للمبذر وذلك يقتضى الرد حالا ومالا والحجر
على العبد لحق المولى فلا يمتنع التصحيح بحيث لا يضر بالمولى وإذا باع وأقبض استرد من المشتري فلو تلف
288

في يده ضمن فلو اشترى وقبض واستقرض فتلف المأخوذ في يده أو أتلفه فلا ضمان عليه ومن أقبضه فهو الذي ضيعه
ولوليه استرداد الثمن إن كان قد أقبضه ولا فرق بين أن يكون من عامله عالما بحاله أو جاهلا إذ كان من حقه أن
يتجنب ولا يعامل الا عن بصيرة وكما لا يجب الضمان في الحال لا يجب بعد رفع الحجر لان هذا الحجر ضرب
لمصلحته فأشبه الصبي لكن الصبي لم يأثم والسفيه يأثم لأنه تكلف وفيما إذا أتلفه بنفسه وجه أنه يضمن عند رفع
الحجر عنه وهذا كله فيما إذا استقل بهذه التصرفات أما إذا اذن له الولي نظر ان أطلق الاذن فهو لغو وأن
عين له تصرفا أو قدر العوض فوجهان (أصحهما) عند المصنف أنه يصح كما لو أذن له في النكاح وهذا
لان المقصود أن لا يضر بنفسه ولا يتلف ماله فإذا أذن الولي أمن من المحذور (والثاني) وهو الأصح
عند صاحب التهذيب المنع كما إذا أذن للصبي ويخالف النكاح لان المال فيه تبع ومقصود الحجر
حفظ المال عليه على أن الامام رحمه الله أشار إلى طرد بعضهم الخلاف في النكاح (فان قلنا) لا يصح
فقد سلبنا بالحجر عبارته (وان قلنا) يصح فالمسلوب هو الاستقلال وعلى الوجهين يخرج ما إذا وكله
غيره بشئ من هذه التصرفات هل يصح عقده للموكل وبما إذا اتهب وقبل الهبة لنفسه ولو أودعه
انسان شيئا فلا ضمان عليه لو تلف عنده ولو أتلفه فقولان كما لو أودع صبيا (الثانية) لو أقر بدين معاملة
لم يقبل سواء أسنده إلى ما قبل الحجر أو بعده كالصبي وفيما إذا أسنده إلى ما قبل الحجر وجه أنه يقبل
تخريجا من الخلاف في أن المفلس إذا أقر بدين سابق على الحجر هل يزاحم المقر له الغرماء ولو أقر باتلاف
مال أو جناية توجب المال فقولان (أحدهما) يقبل لأنه لو أثبتنا الغصب أو الاتلاف يضمن فإذا أقر
به يقبل (وأصحهما) الرد كما لو أقر بدين معاملة ولا يؤاخذ بعد فك الحجر عنه بما أقر به ورددناه ولو أقر
بما يوجب عليه حدا أو قصاصا قبل لأنه مكلف ولا تعلق لهذا الاقرار بالمال متى يتأثر بالحجر ولو أقر
بسرقة توجب القطع قبل قوله في القطع وفى المال قولان كالعبد إذا أقر بسرقة هذا إن قلنا لا يقبل
اقراره بدين الاتلاف (فان قلنا) فأولى أن يقبل ههنا ولو أقر بقصاص فعفى المستحق على مال فالصحيح
ينوب المال لأنه يتعلق باختيار الغير لا باقراره ولو أقر بنسب ثبت النسب وينفق على الولد
289

الذي استلحقه من بيت المال ولو ادعى عليه دين معامله لزمه قبل الحجر وأقام عليه بينة سمعت وان
لم يكن بينة (فان قلنا) أن النكول ورد اليمين كالبينة سمعت (وان قلنا) كالاقرار فلا لان غايته
أن يقروا قراره غير مقبول (الثالثة) يصح منه الطلاق لأنه لا يدخل تحت حجر الولي وتصرفه الا ترى
ان الولي لا يطلق أصلا بل المحجور عليه يطلق بنفسه إذا كان مكلفا كالعبد وأيضا فأن الحجر
لابقاء ماله عليه والبضع ليس بمال ولا هو جار مجري الأموال الا ترى أنه لا ينتقل إلى الورثة ولا يمنع
المريض من إزالة المال عنه وإذا صح الطلاق مجانا فالخلع أولى بالصحة وكذلك يصح منه الظهار والرجعة
ونفى النسب باللعان وما أشبهه لأن هذه العقود لا تعلق لها بمال ولو كان السفيه مطلاقا مع حاجته
إلى النكاح سري بجارية فان تبرم منها أبدلت (الرابعة) حكم السفيه في العبادات حكم الرشيد لكنه
لا يفرق الزكاة بنفسه فلو أحرم بغير اذن الولي انعقد احرامه ثم ينظر ان أحرم بحج التطوع وزاد
ما يحتاج إليه للسفر على نفقته المعهودة ولم يكن له في الطريق كسب يفي بتلك الزيادة فللولي منعه ثم
كيف سبيله نقل الامام رحمه الله وجهين (الأصح) الذي أورده الأكثرون أنه كالمحصر حتى يتحلل
بالصوم إذا جعلنا لدم الاحصار بدلا لأنه محجور في المال (والثاني) أن عجزه عن النفقة لا يلحقه
بمحصر بل هو كالمفلس الفاقد للزاد والراحلة لا يتحلل الا تلفاء البيت وان لم يزد ما يحتاج إليه على النفقة
المعهودة أو كان يكتسب في الطريق ما يفي بالزيادة لم يمنعه الولي بل ينفق عليه من ماله ولا يسلمه
إليه بل إلى ثقة لينفق عليه في الطريق وان أحرم بحجة مفروضة كحجة الاسلام والحجة المنذورة قبل
الحجر أنفق عليه الولي كما ذكرنا قال في التتمة والحجة المنذورة بعد الحجر كالمنذورة قبله إن سلكنا
بالنذر مسلك واجب الشرع والا فهي كحجة التطوع ولو نذر التصدق بعين مال لم ينعقد وفى الذمة
ينعقد ولو حلف انعقد يمينه ويكفر عند الحنث بالصوم كالرقيق *
قال (وولى الصبي أبوه أو جده وعند عدمهما الوصي فإن لم يكن فالقاضي ولا ولاية للام (و)
ولا يتصرف الولي الا بالغبطة ولا يستوفى قصاصه (ح) ولا يعفو عنه ولا يعتق ولا يطلق بعوض
290

وغير عوض ولا يعفو عن حق شفعته الا لمصلحته فلو ترك فليس له الطلب بعد البلوغ على الأصح
(و) وله أن يأكل بالمعروف من ماله إن كان فقيرا وإن كان غنيا فليستعفف) *
هذه البقية لسائر من يلي أمر الصبي وفى معناه المجنون وانه كيف يتصرف أما الذي يليه فهو
الأب ثم الجد كما في ولاية النكاح فإن لم يكونا فالولي المنصوب من جهتهما فإن لم يكن فالولاية
للقاضي أو من ينصبه القاضي (وظاهر) المذهب أن لا ولاية للام كما ليس لها ولاية النكاح وعن أبي
سعيد الإصطخري رحمه الله أن لها ولاية المال بعد الأب لجد وتقدم على وصيهما لزيادة
شفقتها (وأما) كيفية التصرف فالقول الجملي فيه اعتبار الغبطة وكون التصرف على وجه النظر
والمصلحة وفى الفصل صور (منها) يجوز للولي أن التجارة لما فيها
من الاخطار وانحطاط الأسعار فإن لم يكن فيه مصلحة لنقل الخراج أو جور السلطان أو أشراف
الموضع على البوار لم يجز ويجوز أن يبني له الدور والمساكن ويبنى بالاجر دون اللبن والجص ولا
يبنى باللبن والطين لقلة بقائه وذكر القاضي الروياني رحمه الله أن كثيرا من الأصحاب رحمهم الله
جوزوا البناء له على عادة البلد كيف كانت قال وهو الاختبار ولا يبيع عقاره الا للحاجة مثل أن لا يكون
له ما يصرفه إلى نفقته وكسوته وقصرت غلته عن الوفاء بهما ولم يجد من يقرضه أو لم ير المصلحة فيه
والغبطة مثل أن يكون يقبل الخراج أو يرغب شريك أو جار بأكثر من ثمن المثل وهو يجد
مثله ببعض ذلك الثمن وله بيع ماله نسيئة وبالعرض إذا رأى المصلحة فيه فإذا باع نسيئة زاد على ثمنه
نقدا وأشهد عليه وارتهن به رهنا وافيا فإن لم يفعل ضمن هكذا قاله المعظم وروى الامام وجها في
صحة البيع إذا لم يترهن وكان المشترى مليا وقال الأصح الصحة ويشبه أن يذهب القائل بالصحة إلى
أنه لا يضمن ونجوزه اعتمادا على ذمة الملي ولا يحتاج الأب إذا باع مال ولده من نفسه نسيئة أن يرتهن
من نفسه بل يؤتمن في حق ولده وإذا باع الأب والجد عقاره فيرفع الامر إلى القاضي أسجل على بيعه ولم يكلفه
أثبات الحاجة أو الغبطة فإذا بلغ الصبي وادعى على الأب أو الجد بيع ماله من غير مصلحة فالقول قولهما مع اليمين
291

وعليه البينة وان ادعاه على الوصي أو الأمين فالقول قوله في العقار وعليهما البينة وفى غير العقار وجهان (أظهرهما)
أنها كالعقار والفرق عسر كالاشهاد في كل قليل وكثير يبيعه ومنهم من أطلق وجهين من غير فرق بين ولى وولى
وبين العقار وغيره ودعواه على المشترى من الولي كهي على الولي وليس للوصي والأمين بيع ماله من نفسه ومال
نفسه منه روى أنه صلى الله عليه وسلم (قال لا يشترى الوصي من مال اليتيم) (1) وللأب والجد ذلك وبيع مال أحد الصغيرين
من الآخر وهل يشترط أن يقول بعت واشتريت كما لو باع من غيره أم يكتفى بأحدهما فيقوم مقامهما
كما أقيم الشخص الواحد مقام اثنين فيه وجهان تعرضنا لهما في أول البيع وإذا اشترى الولي للطفل
فليشتر من ثقة وحيث أمر بالارتهان لم يقم أخذ الكفيل مقامه (ومنها) لا يستوفى القصاص المستحق
له لأنه ربما يرغب في العفو ولا يعفو لأنه ربما يختار الاستيفاء تشفيا ولا يعتق عبيده لا بعوض
ولا مجانا ولا يكاتبهم ولا يهب أمواله لا بشرط الثواب ولا دونه إذ لا يقصد بالهبة العوض ولا يطلق زوجته
لا مجانا ولا بعوض ولو باع شريكه شخصا مشفوعا فيأخذ ويترك بحسب المصلحة فان ترك بحكم
المصلحة ثم بلغ الصبي وأراد أخذه فوجهان (أصحهما) انه لا يمكن كما لو أخذ بحكم المصلحة ثم بلغ
الصبي وأراد رده (والثاني) يمكن لأنه لو كان بالغا لكان له الاخذ وافق المصلحة أو خالف والاخذ
المخالف للمصلحة لم يدخل تحت ولاية الولي فلا يفوت عليه في تصرف الولي (ومنها) ليس للولي أخذ
أجرة ولا نفقة من المال الصبي إن كان غنيا وإن كان فقيرا فان قطع بسببه عن اكتسابه فله أخذ قدر
نفقته قال الله تعالى (ومن كان غنيا فليستعفف) الآية وفى تعليق الشيخ أبى حامد رحمه انه يأخذ
أقل الأمرين من قدر النفقة وأجرة المثل والقول في أنه هل يستبد بالأخذ يأتي في كتاب النكاح
292

إن شاء الله تعالى * وهل عليه الضمان فيما أخذ كالمضطر إذا أكل الطعام أم كالامام إذا أخذ الرزق
من بيت المال فيه قولان وللولي أن يخلط ماله بمال الصبي ويواكله قال الله تعالى (فان تخالطوهم
فإخوانكم) وقاس ابن سريج على ما إذا خلط المسافرون أزوادهم وتناهدوا وقال لعل هذا أولى بالجواز
وان تفاوتوا في الاكل لان كلا منهم من أهل المسامحة هذه صور الكتاب وشرحها (ومنها) يجب عليه
أن ينفق عليه ويكسوه بالمعروف ويخرج من ماله الزكاة وأرش الجنايات وان لم تطلب ونفقة
القريب بعد الطلب (ومنها) أن دعت ضرورة حريق أو نهب إلى المسافرة بماله سافر وإذا كان الطريق
مخوفا لم يسافر به وإن كان امنا فوجهان (الذي) أورده الأصحاب رحمهم الله من العراقيين المنع كالمسافرة
بالوديعة (والثاني) وهو الأصح الجواز لان المصلحة تقتضي ذلك والولي مأمور بالنظر بخلاف المودع
وإذا كان له أن يسافر كان له أن يبعثه على يد أمين (ومنها) أنه ليس لغير القاضي اقراض مال الصبي الا
عند ضرورة نهب أو حريق وإذا أراد سفرا ويجوز للقاضي الاقراض وان لم يعرض شئ من ذلك لكثرة
اشغاله وسوى أبو عبد الله الحناطي رحمه الله بين القاضي وغيره ولا يجوز ايداعه مع امكان الاقراض في أصح
الوجهين فان عجز عنه فله الايداع ويشترط فيمن يودع عنده الأمانة وفيمن يقرضه الأمانة واليسار
جميعا وإذ أقرض فان رأى أن يأخذ به رهنا أخذ والا تركه والله أعلم *
293

(كتاب الصلح)
(وفيه ثلاثة فصول)
قال (الفصل الأول في أركانه وهو معاوضة له حكم البيع إن جرى على غير المدعى فالصلح
لا يخالف البيع الا في ثلاث مسائل (الأولى) قال صاحب التلخيص يجوز الصلح على ارض الجنايات
ولا يصح بلفظ البيع وأنكر الشيخ أبو علي وغيره وقال إن كان معلوم القدر والصفة جاز باللفظين
والا امتنع (ح) باللفظين وان علم القدر دون الوصف كأقل الدية ففي كلا اللفظين خلاف (الثانية)
أن يصالح عن بعض المدعى فهو جائز فيكون بمعنى هبة البعض ولفظ البيع لا ينوب منابه في هذا
المقام وقيل أنه بلفظ الصلح أيضا لا يصح (الثالثة) إذا قال ابتداء لغيره من غير سبق خصومة
صالحني من دارك هذه على ألف ففيه خلاف إذ لفظ البيع واقع فيه ولا يطلق لفظ الصلح لا في الخصومة) *
فسر الأئمة رحمهم الله الصلح في الشريعة بالعقد الذي ينقطع به خصومة المتخاصمين وليس ذلك على سبيل
التحديد ولكنهم أردوا ضربا من التعريف مشيرين إلى أن هذه اللفظة تستعمل عند سبق المخاصمة غالبا
والمخاصمات والمزاحمات المحوجة إلى المصالحة تارة تقع في الاملاك وتارة في المشتركات كالشوارع وغيرها والتعامل
تارة يقع بالصلح وتارة بظهور جانب أحد المتنازعين باختصاصه بما يشعر بالاستحقاق فلاشتباك هذه
الأمور بعضها ببعض نسلك في الباب في كلام الشافعي رضي الله عنه للأصحاب رحمهم الله مع أحكام
الصلح المعقود لها الفصل (الأول) بيان المشتركات التي يقع فيها التزاحم صور يترجح فيها جانب أحد
المتنازعين أو يظن رجحانه وقد عقد صاحب الكتاب لهما الفصل الثاني والثالث والأصل في
الصلح ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا
أحل حراما أو حرم حلالا) (1) ووقفه على عمر رضي الله عنه أشهر وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن
294

عوف المزني عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (المؤمنون عند شروطهم الا شرطا أحل حراما
أو حرم حلالا والصلح جائز) (1) إذا عرفت ذلك فالصلح إما أن يجرى بين المتداعيين أو بين المدعي
وأجنبي والقسم الأول على وجهين (أحدهما) صلح المعاوضة وهو الذي يجرى على غير العين المدعاة
كما إذا ادعى دارا فأقر بها المدعى عليه وصالحه بها على عبد أو ثوب وهذا الضرب حكمه حكم البيع
وان عقد بلفظ الصلح وتتعلق به جميع أحكام البيع كالرد بالعيب والشفعة والمنع من التصرف قبل
القبض واشتراط القبض إن كان المصالح عنه والمصالح عليه متوافقين في علة الربا واشتراط التساوي
في معيار الشرع إن كانا من جنس واحد من أموال الربا وجريان التخالف عند الاختلاف ويفسد
بالغرر والجهل والشروط الفاسدة فساد البيع وكذا إذا صالح منها على منفعة غير معلومة جاز وكان هذا الصلح
إجارة كأنه استأجر الدار والعبد بالعين المدعاة فيثبت فيه أحكام الإجارات (الضرب الثاني) صلح الحطيطة
وهو الجاري على بعض العين المدعاة كما إذا صالح من الدار المدعاة على نصفها أو ثلثها أو من العبدين
على أحدهما فهذا هبة بعض المدعى ممن هو في يده فيشترط القبول ومضى امكان مدة القبض وفى
اشتراط الاذن الجديد في القبض الخلاف المذكور في باب الرحمن ويصح بلفظ الهبة ما في معناها
وهل يصح بلفظ الصلح فيه وجهان (أحدهما) لا لان الصلح يتضمن المعاوضة ومحال أن يعامل
الانسان ملك نفسه ببعضه (وأظهرهما) الصحة لان الخاصية التي يفتقر إليها لفظ الصلح هو سبق الخصومة
295

وقد حصلت ثم هو منزل في كل موضع ما يقتضيه الحال كلفظ التمليك ولا يصح هذا الضرب بلفظ
البيع وهذه إحدى المسائل الثلاث التي ذكر صاحب الكتاب أن الصلح يخالف البيع فيها وذلك
على الوجه الأظهر (وأما) إذا قلنا إنه لا يصح بلفظ الصلح أيضا فلا فرق بين اللفظين (والمسألة الثانية)
ذكر ابن القاص في التلخيص انه إذا صالحه من أرش الموضحة على شئ معلوم جاز إذا علما قدر
أرشها ولو باع لم يجز وخالفه معظم الأصحاب في افتراق اللفظين وقالوا إن كان الأرش مجهولا كالحكومة
التي لم تقدر ولم تضبط لم يجز الصلح عنه ولا بيعه وإن كان معلوم القدر والصفة كالدراهم والدنانير إذا
ضبطت في الحكومة جاز الصلح عنها وجاز بيعها ممن عليه وإن كان معلوم القدر دون الصفة على
الحد المعتبر في السلم كالإبل الواجبة في الدية ففي جواب الاعتياض عنها بلفظ الصلح وبلفظ البيع
جميعا وجهان ويقال قولان (أحدهما) انه يصح كما لو اشترى عينا ولم يعرف صفاتها (وأظهرهما) فيما ذكر
الشيخ أبو الفرج السرخسي المنع كما لو أسلم في شئ ولم يصفه وهذا في الجراحة التي لا توجب القود أما
في النفس أو فيما دونها فالصلح عنها مبني على الخلاف في أن موجب العمد ماذا وسيأتي في
موضعه إن شاء الله تعالى (والمسألة الثالثة) لاشك انه لو قال من غير سبق خصومة بعني دارك هذه
بكذا فباع يصح ولو قال والحالة هذه صالحني عن دارك هذه بألف فعن الشيخ أبى محمد فيه ذكر
وجهين (أحدهما) الصحة لان مثل هذا الصلح معاوضة فسواء عقد بهذه الفظة أو بهذه اللفظة (وأظهرهما)
المنع لان مثل هذا الصلح معاوضة لا يطلق ولا يستعمل الا إذا سبقت خصومة فعلى
هذا يخالف الصلح البيع وكأن هذا الخلاف مفروض فيما إذا استعملا لفظ الصلح ولم ينويا
أو أحدهما شيئا فاما إذ استعملا ونويا البيع فإنه يكون كناية بلا شك ويكون على الخلاف المشهور في
انعقاد البيع بالكنايات والقياس عود مسائل الاستثناء في الصلح الذي ذكرنا انه إجارة بلا فرق
وأعود الآن إلى البحث عن لفظ الكتاب ونظمه (قوله) الفصل الأول في أركانه أركان الصلح
على المعهود من كلام صاحب الكتاب المتصالحان والمصالح عليه والمصالح عنه وليس في الفصل
296

تعرض لها ولشروطها وإنما الذي يتضمنه بيان الصحيح والفاسد وان الصحيح منه من أي
قبيل هو فاذن الفصل ببيان الأحكام أشبه منه بالأركان وقوله والصلح لا يخالف البيع الا في
ثلاث مسائل (اما) أن يحمل على كل صلح أو على الصلح المذكور قبل هذا الكلام وهو الصلح الجاري
على غير المدعى وظاهر أن الأول غير مراد لأنواع الصلح التي ليست بنوع ولو أراد ذلك لما احتاج
إلى تقييد ما قبله بقوله إن جرى على عين المدعى والثاني فيه توقف أيضا لان إحدى المسائل
الثلاث ما إذا صالح على بعض المدعى والصلح على بعض المدعى لا يندرج في الصلح على غير
المدعى حتى يستثني منه الا أن يراد بالعين كلما يصدق ان يقال إنه ليس هو دون الخارج عن الذات
لكنه بعيد عن الفهم في مثل هذه المواضع وربما يوجد في مض النسخ ان جرى على عين المدعى
297

بدل غير المدعى وهو فاسد لان الصلح على كل المدعى لا معني له وعلى بعضه لا يكون بيعا البتة ولو
كان مكانها ان جرى على العين المدعاة ليكون قسيما لقوله من بعد وان صالح عن الدين ويتضح
استثناء المسألة المذكورة لكان أحسن لكن الصلح في مسألة الصلح عن الأرش صلح عن الدين فلا
يدخل حينئذ حتى يستثني مخالفة الصلح البيع لأنه لا ينحصر في الصور الثلاث بل من صورها الصلح
عن القصاص فإنه صحيح ولا مجال للفظ البيع فيه (ومنها) قال صاحب التلخيص لو صالحنا أهل الحرب
من أموالهم على شئ نأخذه منهم جاز ولا يقوم مقامه البيع واعترض عليه القفال بأن تلك المصالحة
ليست مصالحة عن أموالهم على شئ نأخذه وإنما نصالحهم ونأخذ منهم للكف عن دمائهم وأموالهم
وهذا قويم لكنه لا يخدش مخالفة اللفظين لان لفظ البيع لا يجرى في أمثال تلك المصالحات (وقوله)
فأنكر الشيخ أبو علي ذلك هذا قد ذكره الشيخ على أحسن وجه كما هو دأبه لكنه ليس مبتدئا
بهذا الكلام حتى ينسب إليه بل الأئمة رحمهم الله ذكروه قبله منهم الشيخ القفال و (قوله) والا امتنع باللفظين
يجوز إعلامه بالحاء لان عند أبي حنيفة يجوز الصلح عن المجهول أرشا كان أو غيره وبه قال أحمد رحمه الله * لنا
القياس على المصالح عليه فإنه لا بد وأن يكون معلوما بالاتفاق (وقوله) وقيل إنه بلفظ الصلح أيضا لا
يصح أي لابد من لفظ الهبة لأنه غير صحيح أصلا *
قال (وأما الصلح عن الدين فهو كبيع الدين فان صالح على بعضه فهو ابراء (و) عن البعض
ولو صالح من حال على مؤجل أو مؤجل على حال أو صحيح على مكسر أو مكسر على صحيح فهو
فاسد لأنه وعد من المستحق أو المستحق عليه لا يلزم الوفاء به ولو صالح من ألف مؤجل على خمسمائة
حال فهو فاسد لأنه نزل عن القدر للحصول على زيادة صفة ولو صالح عن ألف حال على خمسمائة
مؤجل فهو ابراء عن خمسمائة ووعد في الباقي لا يلزم) *
(النوع الثاني) عن الدين وله ضربان (أحدهما) صلح المعاوضة وهو الجاري على غير الدين المدعى فينظران
298

صالح على بعض أموال الربا على ما يوافقه في العلة فلابد من قبض العوض في المجلس ولا يشترط تعيينه في
نفس الصلح على أصح الوجهين وإن كان دينا صح الصلح في أصح الوجهين ولكن يشترط التعيين في المجلس
ولا يشترط القبض بعد التعيين في أصح الوجهين وكل ما ذكرناه موجها في البيع للدين ممن عليه الدين (وقوله)
في الكتاب فهو كبيع الدين إشارة إلى هذه الجملة (والضرب الثاني) صلح الحطيطة وهو الجاري على بعض
الدين المدعى فهو ابراء عن بعض الدين فان استعمل لفظ الابراء أوما في معناه كما إذا قال أبرأتك
عن خمسمائة من الألف الذي عليك وصالحتك عن الباقي برئت ذمته عن ما أبرأه منه ولم يشترط
القبول وفيه وجه بعيد مضطرد في كل ابراء ولا يشترط قبض الباقي في المجلس وان اقتصر
على لفظ الصلح فقال صالحتك عن الألف الذي لي عليك على خمسمائة فوجهان كتغيرها في
صلح الحطيطة في العين (والأصح) الصحة ثم هل يشترط القبول فيه وجهان كالوجهين
فيما إذا قال لمن عليه الدين وهبته منك والأظهر اشتراطه لان اللفظ في وضعه يقتضيه ولو صالح منه
على خمسمائة معينة فالوجهان جاريان ورأي الامام وجه الفساد ههنا أظهر لان بعض الخمسمائة يقتضى؟
299

كونها عوضا وكون العقد معاوضة فيصير بائعا لألف بخمسمائة ولصاحب الوجه الأول أن يمنعه ويقول
الصلح منه على البعض المعين إبراء واستيفاء للباقي ولا يصح هذا الضرب بلفظ البيع كما في نظيره من
الصلح عن العين ولو صالح من ألف حال على ألف مؤجل أو من الف مؤجل على الف حال فهو لاغ
لأنه في الصورة الأولى وعد من رب المال بالحاق الأجل وفى الثانية من المديون بإسقاط
الأجل والأجل لا يلحق ولا يسقط نعم لو عجل من عليه المؤجل وقبله المستحق سقط الأجل بما جرى
من الايفاء والاستيفاء وكذلك الحكم في الصحيح والمكسر * ولو صالح من ألف مؤجل على خمسمائة
حالة فهذا الصلح فاسد لأنه نزل عن بعض المقدار لتحصيل الحلول في الباقي والصفة بانفرادها لا تقابل
بالعوض ثم صفة الحلول لا تلتحق بالمال المؤجل وإذا لم يحصل ما نزل عن القدر لتحصيله لم يصح النزول
ولو صالح عن ألف حال على خمسمائة مؤجلة فهذا ليس فيه شائبة المعاوضة ولكنه مسامحة من
وجهين (أدهما) حط بعض القدر (والثاني) الحاق الأجل بالباقي والأول سائغ فيبرأ عن خمسمائة
والثاني وعد لا يلزم فله أن يطالبه بالباقي في الحال *
(فروع) (أحدها) قال أحد الوارثين لصاحبه تركت نصيبي من التركة إليك فقال قبلت لم يصح
ويبقى حقه كما كان لأنها إن كانت أعيانا فلا بد فيها من تمليك وقبول وإن كان فيها دين عليه فلا
بد من ابراء ولو قال صالحتك من نصيبي على هذا الثوب فإن كانت التركة أعيانا فهو صلح عن
العين وإن كانت ديونا عليه فصلح عن الدين وإن كانت على سائر الناس فهو بيع الدين من غير من
عليه فالصلح باطل في الدين وفى العين قولا تفريق الصفقة *
(الثاني) له في يد غيره ألف درهم وخمسون دينارا فصالحه منه على الفي درهم لا يجوز كذا لو مات عن اثنين
والتركة ألفا درهم ومائة دينار وهي في يد أحدهما فصالحه الآخر عن نصيبه على الفي درهم يجوز الفرق انه إذا كان
الحق في الذمة فلا ضرورة إلى تقدير المعاوضة فيه فيجعل مستوفيا لاحد الألفين معتاضا بالآخر عن الدنانير وإذا كان
معينا كان الصلح عنه اعتياضا وكأنه باع ألف درهم وخمسين دينارا بألفي درهم وهو من صور مدعجوة
300

ونقل الامام عن القاضي الحسين في صورة الدين أيضا المنع تنزيلا له على المعاوضة
(الثالث) صالحه عن الدار المدعاة على أن يسكنها سنة فهو إعارة الدار منه يرجع عنها متى شاء وليس
بمعاوضة لان الرقبة والمنافع ملكه ومحال أن يعتاض بملكه عن ملكه وإذا رجع عن الإعارة لم يستحق
أجرة المدة التي مضت كما هو قضية العارية ونقل القاضي ابن كج وجها انه يستحق لأنه جعل سكني
الدار في مقابلة رفع اليد عنها وانه عوض فاسد فيرجع إلى أجر المثل ولو صالحه عنها على أن يسكنها
سنة بمنفعة عبده سنة فهو كما لو اجر داره بمنفعة عبده سنة *
(الرابع) صالحة عن الزرع الأخضر بشرط القطع جاز ودون هذا الشرط لا يجوز ولو كانت المصالحة عن
الزرع مع الأرض فلا حاجة إلى شرط القطع في أصح الوجهين ولو كان التنازع في نصف الأرض ثم أقر المدعى
عليه وتصالحا عنه على شئ لم يجز وان شرطه القطع كما لو باع نصف الزرع مشاعا لا يحرز شرط القطع أو لم يشترط *
قال (هذا كله في الصلح على الاقرار فأما الصلح على الانكار فال يصح (ح) كما إذا قال
صالحني على دعواك الكاذبة أو عن دعواك أو صالحني مطلقا فان قال بعني الدار التي تدعيها فهو
اقرار فيصح وان قال صالحني عن الدار فالظاهر أنه ليس باقرار والصلح باطل وفى صلح الحطيطة على
الانكار في العين وجهان لأنه في حكم الهبة للبعض بزعم صاحب اليد وكذا الخلاف في صلح
الحطيطة في الدين) *
(الوجه الثاني) من وجهي الصلح الجاري بين المتداعيين هو الصلح الجاري
على الانكار فينظر ان جري على غير المدعى باطل خلافا لأبي حنيفة ومالك وأحمد *
301

لنا القياس على ما إذا أنكر الخلع والكتابة ثم تصالحا على شئ وصورة الصلح على الانكار
أن يدعي عليه دارا مثلا فينكر ثم يتصالحان على ثوب أو دين ولا يكون طلب الصلح
منه اقرار لأنه ربما يريد قطع الخصومة هذا إذا قال صالحني مطلقا وكذا لو قال صالحني عن
دعواك الكاذبة أو قال صالحني عن دعواك بل الصلح عن الدعوى لا يصح مع الاقرار أيضا لان
مجرد الدعوى لا يعتاض عنها ولو قال بعد الانكار صالحني عن الدار التي ادعيتها فوجهان (أحدهما)
انه اقرار لأنه طلب منه التمليك وذلك يتضمن الاعتراف بالملك فصار كما لو قال ملكني (وأصحهما)
انه ليس باقرار لان الصلح في الوضع هو الرجوع إلى الموافقة وقطع الخصومة فيجوز أن يكون المراد
قطع الخصومة في المدعى لاغير فعلى هذا يكون الصلح بعد هذا الالتماس صلحا على الانكار ولو
قال بعنيها أو هبها منى فالمشهور انه اقرار ودونه صريح في التماس التمليك وعن الشيخ أبى حامد
انه كقوله صالحني وفى معناه ما إذا كان التنازع في جارية فاق زوجنيها ولو قال اجرني أو أعرني
فأولى أن لا يكون اقرار ولو أبرأ المدعى المدعي عليه وهو منكر وقلنا لا يفتقر الابراء إلى القبول صح الابراء
بخلاف الصلح لأنه مستقل بالابراء فلا حاجة فيه إلى تصديق الغير ولهذا لو أبرأه بعد التحليف صح
ولو صالحه لم يصح * وان جرى الصلح على الانكار على بعض العين المدعاة وهو صلح الحطيطة في
العين فوجهان (أحدهما) وبه قال القفال انه صحيح لان المتصالحين متوافقان على أن النصف مستحق
للمدعى اما المدعى فإنه يزعم استحقاق الكل وأما المدعى عليه فإنه سلم والنصف له بحكم همته منه
وتسليمه إليه فاذن الخلاف بينهما في جهة الاستحقاق (والثاني) وبه قال الأكثرون انه باطل كما
لو كان على غير المدعى قالوا ومهما اختلف القابض والدافع في الجهة فالقول قول الدافع ألا ترى
أنه لو دفع إليه دراهم وقال دفعتها عن الدين الذي به الرهن وأنكر القابض أو دفع إلى زوجته دراهم
وقال دفعتها عن الصداق وقالت بل هي هدية فالقول قول الدافع وإذا كان كذلك فالدافع يقول
302

إنما بذلت النصف الدفع الأذى حتى لا يرفعني إلى القاضي ولا يقيم على بينة زور * وإن كان المدعى
دينا وتصالحا على بعضه على الانكار نظر ان صالحه عن الف على خمسمائة مثلا في الذمة لم يصح
لان في التصحيح تقدير الهبة وايراد الهبة على ما في الذمة ممتنع وان أحضر خمسمائة وتصالحا من المدعى
عليها فهو مرتب على صلح الحطيطة في العين ان لم يصح ذلك فهذا أولى وان صح ففيه وجهان والفرق
أن ما في الذمة ليس ذلك المحضر المعين وفى الصلح عليه معنى المعاوضة ولا يمكن تصحيحه معاوضة
مع الانكار واتفق الناقلون على أن وجه البطلان هاهنا أرجح * ولو تصالحا ثم اختلفا في أنهما تصالحا
على الانكار أو على الاقرار ذكر القاضي ابن كج أن القول قول من يدعى الانكار لان الأصل
أن لا عقد ولك أن تخرجه على الخلاف الذي سبق في نزاع المتعاقدين في أن العقد الجاري بينهما كان
صحيحا أو فاسدا *
قال (وان جاء أجنبي وصالح من جهة المدعى عليه وقال هو مقر صخ نظرا إلى توافق المتعاقدين
وان قال هو منكر ولكنه مبطل في الانكار فالنظر إلى مباشر العقد وهو مقر أو إلى من له العقد
وهو منكر فيه خلاف ولو صالح لنفسه وزعم أنه قادر على الانتزاع فالأظهر (و) الصحة) *
(القسم الثاني) من قسمي الصلح ما يجرى بين المدعى وبين الأجنبي وذلك اما أن يكون مع اقرار المدعى
عليه ظاهرا أو دونه (الحالة الأولى) أن يكون مع اقراره ظاهرا فاما أن يكون المدعي عينا أو دينا إن كان عينا
303

وقال الأجنبي ان المدعى عليه وكلني في مصالحتك له على نصف المدعى أو على هذا العبد من ماله
فتصالحا عليه صح الصلح وكذا لو قال وكلني لمصالحتك عنه على عشرة في ذمته ثم إن كان صادقا
في الوكالة صار المدعى للمدعى عليه والا فهو شراء الفضولي وقد سبق حكمه وتعريفه وان قال أمرني
بالمصالحة له على هذا العبد من ملكي فصالحه عليه فهو كما لو اشترى لغيره بمال نفسه باذن ذلك الغير
وقد مر الخلاف في أنه يصح أو لا يصح وان صح فما يعطيه قرض أو هبة ولو صالح الأجنبي لنفسه بعين
ماله أو بدين في ذمته صح كما لو اشتراه وعن الشيخ أبى محمد انه على وجهين كما إذا قال ابتداء لغيره
من غير سبق دعوى ولا جواب صالحني من دارك هذه على الف لأنه لم يجر مع الأجنبي خصومة
فيه قال وهذه الصورة أولى بالصحة لان اللفظ مرتب على دعوى وجواب فيكتفى فيه في استعمال
لفظ الصلح * وإن كان المدعي دينا وقال وكلني المدعى عليه بمصالحتك على نصفه أو على هذا الثوب
من ماله فصالحه وصح ولو قال على هذا الثوب وهو ملكي فوجهان (أحدهما) انه لا يصح لأنه يبيع
دينا بعين (والثاني) يصح ويسقط الدين كما لو ضمن دينا وأدى عنه عوضا * ولو صالح لنفسه على عين أو
دين في ذمته فهو ابتياع دين في ذمة الغير وقد بينا حكمه في موضعه (والثانية) أن يكون انكاره ظاهرا
فإذا جاء الأجنبي وقال أقر المدعى عليه عندي ووكلني في مصالحتك له الا أنه لا يظهر اقراره خيفة
أن تنتزعه فصالحه صح لان قول الانسان في دعوى الوكالة مقبول في البيع والشراء وسائر المعاملات
وان قال الأجنبي هو منكر ولكنه مبطل في الانكار فصالحني له على عبدي هذا لتنقطع الخصومة
304

بينكما فصالحه فوجهان (أظهرهما) على ما قاله الامام أنه غير صحيح لأنه صلح دافع لمنكر (والثاني) يصح
لان المتعاقدين متوافقان والاعتبار في شرائط العقد بمن يباشر العقد هذا إذا كان المدعى عينا فإن كان
دينا فطريقان (أحدهما) انه على الوجهين (وأصحهما) القطع بالصحة والفرق انه لا يمكن تمليك الغير بغير
إذنه وان قال هو منكر وأنا أيضا لا أعلم صدقك وصالحه مع ذلك لم يصح سواء كان المصالح عليه له
أو للمدعى عليه كما لو جرى الصلح مع المدعى عليه وهو منكر وان قال هو منكر ومبطل في الانكار
فصالحني لنفسي بعبدي هذا أو بغيره في ذمتي لاخذ منه فإن كان المدعى دينا فهو ابتياع دين في ذمة
الغير وإن كان عينا فهو شراء غير الغاصب المغصوب فينظر في قدرته على الانتزاع وعجزه وحكم
الجانبين مبين في أول البيع فلو صالحه وقال إنا قادر على الانتزاع فوجهان (أظهرهما) انه يصح اكتفاء
بقوله (والثاني) لا لان الملك في الظاهر للمدعى عليه وهو عاجز عن انتزاعه قال الامام والوجه أن
يفصل فيقال إن كان الأجنبي كاذبا فالعقد باطل باطنا وفى مؤاخذته في الظاهر لالتزامه الوجهان وإن كان
صادقا حكم بصحة العقد باطنا وقطع بمؤاخذته لكن لا تزال يد المدعى عليه الا بحجه (وقوله) في الكتاب
وإن جاء أجنبي وصالح من جهة المدعى عليه وقال هو مقر صح نظرا إلى توافق العاقدين أراد
305

الحالة الثانية وهي أن يكون الصلح مع انكار المدعى عليه ظاهرا على ما أفصح به في الوسيط ويمكن حمله من جهة
اللفظ على الحالة الأولى أيضا (وقوله) في المسألة بعده ففيه خلاف محمول على ما إذا كان المدعي عينا وان أراد
تعميم الخلاف في العين والدين كان جوابا على أحد الطريقين ويجوز اعلام قوله خلاف - بالواو - لما سبق *
(فرع) جار مجرى المثال لما ذكرنا * ادعى مدع على ورثة ميت دارا من تركته وزعم أن الميت
غصبها منه وأقروا به جاز لهم مصالحته فان دفعوا إلى واحد منهم ثوبا مشتركا بينهم ليصالح عليه
جاز وكان عاقدا لنفسه ووكيلا عن الباقين ولو قالوا لواحد صالحه عنا على ثوبك فصالح عنهم فإن لم
يسمهم في الصلح فالصلح يقع عنه وان سماهم فوجهان في أن التسمية هل تلغى ان لم تلغ فالصلح
يقع عنهم والثوب هبة منهم أو قرض عليهم فيه وجهان وان صالحه أحدهم على مال دون اذن الباقين
ليملك جميع الدار جاز وان صالح لتكون الدار له ولهم جميعا لغى ذكرهم وعاد الوجهان في أن الكل
يقع له أو يبطل في نصيبهم ويخرج في نصيبه على الخلاف في التفريق والله أعلم *
قال (وإذا أسلم الكافر على عشر نسوة ومات قبل التعيين صح اصطلاحهن في قسمة الميراث
مع التفاوت في المقدار وكان مسامحة وصح مع الجهل للضرورة ولا يصح الصلح على غير التركة
لأنه معاوضة من غير ثبت في استحقاق المعوض) *
إذا أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة يختار أربعا منهن على ما سيأتي في موضعه إن شاء
الله تعالى فان مات قبل الاختيار والتعيين يوقف الميراث بينهن فان اصطلحن على الاقتسام على
تفاوت أو تساومكن منه * واحتج مجوزو الصلح على الانكار بهذه المسألة لان كل واحدة منهن
تنكر نكاح من سواها وسوى ثلاث معها فالصلح الجاري بينهن صلح على الانكار قال الأصحاب
هن بين أمرين إن اعترفن بشمول الاشكال فليست واحدة منهن بمنكرة لغيرها ولا مدعية
لنفسها في الحقيقة وأنما تصح القسمة والحالة هذه مع الجهل بالاستحقاق للضرورة وتعدر التوقف لا
306

إلى نهاية وان زعمت كل واحدة منهن الوقوف على اختيار الزوج إياها فكل من أخذت شيئا تقول
الذي أخذته بعض حقي وسامحت الباقيات بالباقي وتبرعت والمالك غير ممنوع من التبرع وقد ذكرنا
فيما إذا ادعى على غيره عينا فأنكر ثم تصالحا على حطيطة من قبل وجهين فمن صححه احتج بهذه
المسألة وقال إن الاقتسام الجاري بينهن صلح على الحطيطة ومن لم يصححه فرق بان المال في يد المدعى
عليه وفصل الامر ممكن بتحليفه وههنا استوت الاقدام ولا طريق إلى فصل الامر سوى اصطلاحهن
ولو اصطلحن على أن تأخذ ثلاث أو أربع منهن المال الموقوف ويبذلن للباقيات عوضا من خالص مالهن
لم يجز لان الصلح هكذا بذل عوض مملوك في مقابلة ما لم يثبت ملكه ومن أخذ عوضا في معاوضة
لابد وأن يكون مستحقا للمعوض فإذا لم يكن الاستحقاق معلوما لم يجز أخذ العوض عليه ولا يخفى
عليك مما أجريته في المسألة السبب الداعي إلى ايرادها في هذا الموضع * واعلم أن جميع ما ذكرناه مبني
على وقف الميراث لهن وفيه كلام آخر مذكور في نكاح المشركات وفى نظائر المسألة ما إذا طلق
إحدى امرأتيه ومات قبل البيان وقفنا لهما الربع أو الثمن واصطلحتا وما إذا ادعى اثنان وديعة في يد
الغير وقال المودع لا أدرى انه لايكما وما إذا تداعيا دارا في يدهما وأقام كل واحد منهما بينة ثم اصطلحا
أو في يد ثالث وقلنا لا تتساقط البينتان بالتعارض فاصطلحا *
قال (الفصل الثاني في التزاحم على الحقوق في الطريق والحيطان والسقوف (أما) الطرق
فالشوارع على الإباحة كالموات الا فيما يمنع الطروق فلكل واحد (ح) أن يتصرف في هوائه بما
لا يضر بالمارة ولا يمنع الجمل مع الكنيسة وكذلك يفتح إليه الأبواب والأظهر (و) جواز غرس
شجرة وبناء دكة إذا لم يضيق الطريق أيضا) *
307

غرض الفصل الكلام في المزاحمات والتصرفات الواقعة في المشتركات إما اشتراك عموم كالطرق
أو خصوص كالجدران والسقوف (أما) الطريق فينقسم إلى نافذ وغيره (القسم الأول) النافذ وهو
الذي أراده بالتنازع فالناس كلهم يستحقون المرور فيه وليس لاحد أن يتصرف فيها بما يبطل المرور
لا أن يشرع جناحا أو يتخذ على جدرانه ساباطا يضر بالمارة وان لم يضر فلا يمنع منه وبه قال مالك
وقال أبو حنيفة لا اعتبار بالضرر وعدمه ولكن ان خاصمه إنسان فيه نزع وان لم يضر والا ترك
وقال أحمد لا يجوز اشراع الجناح بحال الا إذا أذن فيه الامام * لنا اتفاق الناس على اشراع الأجنحة في
جميع الأعصار من غير انكار وأيضا (فان النبي صلى الله عليه وسلم نصب بيده ميزابا في دار العباس رضي الله عنه)
(1) فنقيس الجناح عليه ونرجع في الضرر وعدمه إلى حال الطريق فإن كان ضيقا لا يمر فيه الفرسان
والقوافل فينبغي أن يكون مرتفعا بحيث يمر المار تحته منتصبا وإن كانوا يمرون فيه فلينته الارتفاع
إلى حد يمر تحته الراكب منتصبا بل المحمل مع الكنيسة على رأسه على البعير لأنه وإن كان نادرا
فقد يتفق ولا يشترط الزيادة عليه على الصحيح وقال أبو عبيد بن حربوية يشترط أن يكون بحيث يمر الراكب
منصوب الرمح وضعفه النقلة بالاتفاق وقالوا وضع أطراف الرماح على الأكتاف ليس بعسير * ويجوز
لكل أحد أن يفتح إلى الشارع من ملكه الأبواب كيف شاء (وأما) نصب الدكة وغرس الشجرة
فان تضيق الطريق به وضر بالمارة فهو ممنوع منه وإلا فوجهان (أحدهما) الجواز كالجناح الذي لا يضر بهم
(والثاني) المنع لان المكان المشغول بالبناء والشجر لا يتأتى فيه الطروق وقد تزدحم المارة ويعسر عليهم
308

المراقبة فيصطكون بهما وأيضا فإنه إذا طالت المدة أشبه مكان البناء والغراس الاملاك وانقطع أثر
استحقاق الطروق فيه بخلاف الأجنحة ويحكى الوجه الأول عن اختيار القاضي وهو أظهر عند المصنف
ولم يورد في التهذيب سواه لكن أصحابنا العراقيون والشيخ أبا محمد أجابوا بالثاني واليه مال الإمام
وهو أقوى في المعنى ولا يجوز أن يصالح عن اشراع الجناح على شئ أما إذا صالحه الامام فلان الهواء
لا يفرد بالعقد وإنما يتبع القرار كالحمل مع الام وأيضا فلانه إن كان مضرا فما يمنع الضرر لا يجوز بالعوض كالبناء
الرفيع في الطريق وان لم يكن مضرا فهو جائز وما يستحقه الانسان في الطريق لا يجوز أن يؤخذ منه عوض
كالمرور وأما إذا صالحه واحد من الرعية فللمعنى الأول وأيضا فلانه ليس بالمستحق ولا هو نائب المستحقين * ولو أشرع
جناحا لا ضرر فيه ثم انهدم أو هدمه فاشرع آخر في محاذاته جناحا لا يمكن معه إعادة الأول جاز كما لو قعد في طريق
واسع ثم انتقل عنه يجوز لغيره الارتفاق به هكذا قالوه ولك أن تقول المرتفق بالعقود لمعاملة لا يبطل حقه بمجرد
الزوال عن ذلك الموضع وإنما يبطل بالسفر والاعراض عن الحرفة كما سيأتي في إحياء الموات فقياسه أن لا يبطل
حقه بمجرد الانهدام والهدم بل يعتبر اعراضه عن ذلك الجناح ورغبته عن اعادته * اما لفظ الكتاب
فقوله والشوارع على الإباحة كالموات معناه أنها منفكة عن الملك والاختصاص كالموات والأصل
فيها الإباحة وجواز الانتفاع الا فيما يقدح في مقصودها وهو الطريق ويستوي في الحكم الجواد
الممتدة في الصحارى والبلاد قال الامام وصيرورة الموضع شارعا له طريقان (أحدهما) أن يجعل
الانسان ملكه شارعا وسبيلا مسبلا (والثاني) أن يحيى جماعة خطة قرية أو بلدة ويتركوا مسلكا
نافذا بين الدور والمساكن ويفتحوا إليه الأبواب ثم حكى عن شيخه ما يقتضى طريقا ثالثا وهو
أن يصير موضع من الموات جادة ميتا يطرقها الرفاق فلا يجوز تغييره وانه كان يتردد في بيان
الطريق التي يعرفها الخواص ويسلكونها وكل موات يجوز استطراقه ولكن لا يمنع من احيائه وصرف
الممر عنه فليس له حكم الشوارع (وقوله) فما لا يضر بالمارة لك فيه مباحثة وهي أن هذه
اللفظة ولفظ عامة الأصحاب تقتضي المنع من كل ما يضر بالمرور ثم الأكثرون في الفرق بين المضر
309

وغير المضر لم يتعرضوا الا للانخفاض والارتفاع ومعلوم أن جهة الا ضرار لا تنحصر في الارتفاع
والانخفاض بل منع الضياء واظلام الموضع يضر بالمرور أيضا فهل هو مؤثر أم لا والجواب أن طائفة من
الأئمة منهم ابن الصباغ ذكروا أنه غير مؤثر لكن قضية المعني وظاهر لفظ الشافعي رضي الله عنه
وأكثر الأصحاب تأثيره وقد نص عليه منصور التميمي في المستعمل حيث قال ووجه اضراره يعني
الجناح شدة تطامنه أو منعه الضياء وفى التتمة أنه ان انقطع الضوء بالكلية أثر وإن انتقص
فلا مبالاة به (وقوله) ولا يمنع المحمل مع الكنيسة في بعض النسخ الجمل مع الكنيسة وهو صحيح أيضا
أي مع الكنيسة فوق المحمل المحمول على الجمل *
قال (والسكة المنسدة الأسفل عند العراقيين كالشوارع وعند المراوزة هي ملك مشترك بين سكان
السكة وشركة كل ساكن هل ينحط من باب داره إلى أسفل السكة فيه تردد ولا يجوز اشراع
الجناح وفتح باب جديد الا برضاهم ورضاهم إعارة يجوز الرجوع عنه ولو فتح باب دار أخرى في
داره التي هي في سكة مفسدة الأسفل أو فتح من تلك الدار بابا ثانيا في السكة فوق الباب الأول
تردد لأنه يكاد يكون زيادة على الانتفاع المستحق وأما فتح السكوفة فلا منع منه) *
القسم الثاني غير النافذ كالسكة المنسدة الأسفل ونتكلم فيها في ثلاثة أمور (أولها) اشراع الجناح ولا خلاف في
أن اشراع الجناح إليها غير جائز لغير أهل السكة وفيهم وجهان قال الشيخ أبو حامد ومن تابعه لكل
منهم الاشراع إذا لم يضر بالباقين لان كلا منهم له الارتفاق بقرارها فليكن له الارتفاق
بهوائها كالشارع وعلى هذا فلو كان مضرا ورضى أهل السكة جاز لان الحق لهم بخلاف مثله في الشارع فان رضى
جميع المسلمين متعذرا لتحصيل وذكر الأكثرون منهم القاضي أبو حامد وأبو الطيب الطبري انه لا يجوز
الا برضاهم تضرروا أم لا لان السكة مخصوصة بهم فلا يتصرف فيها دون رضاهم وهذا كما أنه لا يجوز
اشراع الجناح إلى دار الغير رضاه وان لم يتضرر ويحكى هذا عن أبي حنيفة وعلى الوجهين لا يجوز لهم أن
يصالحوه على شئ لما مر أن الهواء تابع فلا يفرد بالمال صلحا كما لا يفرد به بيعا وكذا الحكم في صلح ملك
صاحب الدار عن الجناح المشروع إليها ونعني باهل السكة كل من له باب نافذ إليها دون من يلاصق جداره
310

السكة من غير نفوذ باب وهل الاستحقاق في جميعها لجميعهم أو شركة كل واحد مختص بما بين رأس السكة
وباب داره ولا يتخطى عنه فيه وجهان (أظهرهما) وهو الذي أورده القاضي ابن كج اختصاص كل واحد منهما بما بين
رأس السكة وباب داره لان ذلك القدر هو محل تردده ومروره وما عداه فحكمه فيه حكم غير أهل السكة ووجه
(الثاني) أنهم ربما احتاجوا إلى التردد والارتفاق بجميع الصحن لطرح الأثقال عند الاخراج والادخال
وهذا الخلاف يظهر تأثيره على الصحيح في منع اشراع الجناح الا برضاهم فعلي القول باشتراك
الكل في الكل يجوز لكل واحد من أهل السكة المنع وعلى الوجه الآخر إنما يجوز المنع لمن يوضع
الجناح بين بابه ورأس السكة دون من بابه بين موضع الجناح ورأس السكة ويظهر تأثيره على قول
الشيخ أبى حامد أيضا في أن الذي يستحق المنع إذا كان الجناح مضرا من هو لكنهم لم يذكروه *
ولو اجتمع المستحقون فسدوا باب السكة فجواب المعظم لا منع لأنهم يتصرفون في ملكهم وقال
أبو الحسن العبادي يحتمل أن يقال يمنعون لان أهل الشارع يفزعون إليها إذا عرضت زحمة ولا شك
في أنه لو امتنع بعضهم لم يكن للباقين السد ولو سدوا متوافقين لم يستقل بعضهم بالفتح ولو اتفقوا على
قسمة صحن السكة بينهم جاز ولو أراد أهل رأس السكة قسم رأس السكة بينهم منعوا لحق من يليهم ولو
أراد أهل الأسفل قسمة الأسفل فوجهان بناء على أن أهل الرأس هل يشاركونهم في الأسفل ثم
ما ذكرنا من سد الباب وقسمة الصحن مفروض فيما إذا لم يكن في السكة مسجد فإن كان فيها مسجد
قديم أو حديث فالمسلمون كلهم يستحقون الطروق إليه فلا يمنعون منه استدركه القاضي ابن كج
وعلى قياسه لا يجوز الاشراع عند الضرر وإن رضى أهل السكة لحق سائر الناس (وثانيها) فتح
الباب وليس لمن لا باب له في السكة احداث باب إلا برضاء أهل السكة كلهم لتضررهم اما
311

بمرور الفاتح عليهم أو بمرورهم على الفاتح فلو قال افتح إليها بابا للاستضاءة دون الاستطراق أو قال
افتحه واسمره فوجهان (أصحهما) عند أبي القاسم الكرخي أنه يمكن لان منه لأنه لو رفع جميع الجدار لتمكن منه
فلان يمكن من رفع بعضه كان أولى (والثاني) لا يمكن لان الباب يشعر بثبوت حق الاستطراق
فعساه يستدل به على الاستحقاق ولو كان له فيها باب وأراد أن يفتح غيره نظر إن كان ما يفتحه
أبعد من رأس السكة فلمن الباب المفتوح بين رأس السكة وداره المنع وفيمن داره بين الباب ورأس
السكة وجهان بناء على كيفية الشركة لما مر في الجناح وإن كان ما يفتحه أقرب إلى رأس السكة فان
سد الأول وجعل مكانه الباب المفتوح فلا منع لأنه ينقص حقه وان لم يسد فعلى ما ذكرنا فيما إذا
كان المفتوح أبعد من رأس السكة لان الباب الثاني إذا انضم إلى الأول أورث زيادة زحمة الناس
وروث الدواب في السكة فيتضررون به وفى النهاية طرد طريقة أخرى جازمة بأنه لأمنع للذين يقع
الباب المفتوح بين دراهم ورأس السكة لان الفاتح لا يمر عليهم وهذا ينبغي أن يطرد فيما إذا كان
المفتوح أبعد من رأس السكة وتحويل الميزاب من موضع إلى موضع كفتح باب وسد باب * ولو
كانت له داران تنفذ إحداهما إلى الشارع وباب الأخرى إلى سكة منسدة فأراد فتح باب من
312

أحديهما إلى الأخرى هل لأهل السكة منعه فيه وجهان (أظهرهما) لا لان المرور مستحق له
في السكة ورفع الحائل بين الدارين يصرف مصارف الملك فلا يمنع (والثاني) نعم لأنه يثبت للدار
الملاصقة للشارع ممرا في السكة ويزيد فيما استحقه من الانتفاع ولو كان باب كل واحد من الدارين
في سكة غير نافذة وأراد فتح الباب من إحداهما إلى الأخرى جرى الوجهان في ثبوت المنع لأهل
السكتين هكذا نقل الامام * وأعلم أن موضع الوجهين ما إذا سد باب إحدى الدارين وفتح الباب بينهما
لغرض الاستطراق أما إذا قصد اتساع ملكه ونحوه فلا منع وحيث منعنا من فتح الباب إلى السكة
المنسدة فصالحه على مال جاز بخلاف الصلح على اشراع الجناح لأنه بذل مال في مقابلة الهواء المجرد
ثم قال في التتمة إن قدروا مدة فهو إجارة وإن أطلقوا أو شرطوا التأبيد فهو بيع جزء شائع من
السكة وتنزيله منزلة أحدهم وهو كما لو صالح غيره عن إجراء نهر في أرضه على مال يكون ذلك تمليكا للنهر ولو أراد فتح باب من داره في دار غيره فصالحه عنه مالك الدار على مال ويكون ذلك
تمليكا للنهر ولو أراد فتح باب من داره في دار غيره فصالحه عنه مالك الدار على مال يصح ويكون
ذلك كالصلح عن إجراء الماء على السطح ولا يملك شيئا من الدار والسطح لان السكة لا تراد الا
للاستطراق فاثبات الاستطراق فيها يكون نقلا للملك والدار والسطح ليس القصد منه الاستطراق
وإجراء الماء والله أعلم * (وثالثها) فتح المنافذ والكوات للاستضاءة لأمنع منه بحال لمصادفة الملك بل له أن
يرفع جداره ويجعل مكانه شباكا * ولنعد إلى لفظ الكتاب (قوله) والسكة المنسدة الأسفل عند العراقيين
كالشوارع إلى آخره يقتضي الحاق العراقيين لها بالشوارع في الانفكاك عن الملك وجواز إشراع الجناح وذهب
المراوزة إلى أنها ملك السكان وليس الامر على الظاهر فان أئمتنا العراقيين لم يلحقوها بالشارع من كل وجه وكيف
وطرقهم ناصة على اختصاصها بالسكان وأنها ملكهم وعلى أنه يجوز اشراع الجناح المضر إليها
باذن السكان والحكم في الشارع بخلافهم فاذن هو محمول على تجويزهم اشراع الجناح الذي لا يضر
إليها من غير اعتبار الرضا والمراوزة يمنعون منه ومع هذا التأويل فليس العراقيون مطبقين على تجويزه
بل هل منقسمون إلى مجوز ومانع ألا ترى أن القاضي أبا الطيب منعه وهو عراقي (وقوله) لا يجوز اشراع
313

الجناح وفتح باب جديد الا برضاهم أي برضا من أثبتنا له الشركة في السكة وقصد بهذا الكلام
التفريغ على الرأي الذي نسبه إلى المراوزة على ما بينه في الوسيط لكن لا يخلو إما أن يكون المراد
فتح باب من الدار التي لها باب في هذه السكة أو الفتح من الدار التي لها في السكة باب قديم
إن كان الثاني فقد ذكره من بعد حيث قال أو فتح من تلك الدار بابا ثانيا في السكة وإن كان
الأول فالعراقيون لا يخالفون فيه حتى يجعل ذلك تفريعا على أحد الوجهين وكذا إشراع الجناح إنما
يجوز دونه لمن له حق الطروق في السكة لا لغيره (وقوله) ورضاهم إعارة يجوز الرجوع فيه أراد به
ما ذكره الامام لأنه لو فتح من لا باب له في السكة بابا برضا أهلها كان لأهلها الرجوع مهما شاءوا
ولا يلزمون بالرجوع شيئا بخلاف ما لو أعار الأرض للبناء ثم رجع فإنه لا يقلع البناء مجانا وهذا لم
أجده لغيره والقياس أن لافرق والله أعلم (وقوله) فوق الباب الأول أراد مما يلي رأس السكة على
ما ذكره في الوسيط وموضع الخلاف فيه ما إذا لم ينسد الباب القديم ويمكن حمله على ما إذا كان فوقه
مما يلي آخر السكة على ما مر *
(فرع) قال القاضي الروياني في التجربة إذا كان بين داريه طريق نافذ يحفر تحته سردابا
من أحدهما إلى الأخرى وأحكم الأرج لم يمنع قال وبمثله أجاب الأصحاب فيما إذا لم يكن نافذا لان
لكل واحد دخول هذا الزقاق كطروق الدرب النافذ وغلط من قال بخلافه واعتذر الامام عن جواز
دخولها بأنه من قبيل الإباحات المستفادة من قرائن الأحوال *
قال (أما الجدار إن كان ملك أحدهما فلا يتصرف الآخر فيه الا بأمره فان استعاره لوضع
جذعه لا يلزمه (م) الإجابة في القول الجديد فان رضى فمهما رجع كان له النقص بشرط أن يغرم
النقص وقيل فائدة الرجوع المطالبة بالأجرة للمستقبل) *
الجدار بين الملكين قد يختص بأحد المالكين وقد يملكه المالكان على الاشتراك (القسم
الأول) الجدار المخصوص بأحد المالكين هل للآخر وضع الجذوع عليه من إذن مالكه فيه
314

قولان (القديم) وبه قال مالك وأحمد نعم يجبر عليه لو امتنع لما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبه على جداره قال فنكس القوم رؤوسهم
فقال أبو هريرة رضي الله عنه مالي أراكم عنها معرضين والله لأرمينها بين أكتافكم) (1) أي لأضعن هذه
السنة بين أظهركم (والجديد) وبه قال أبو حنيفة أنه ليس له ذلك ولا يجبر المالك لو امتنع لأنه انتفاع
بملك الغير فأشبه البناء في أرضه والحمل على بهيمته والحديث يحمل على الاستحباب لما روى أنه
صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفس منه) (2) (التفريع) الاجبار على القديم مشروط
بشروط (إحداها) أن لا يحتاج مالك الجدار إلى وضع الجذوع عليه (الثاني) أن لا يزيد الجار في
315

ارتفاع الجدار ولا يبنى عليه أزجا ولا يضع عليه ما لا يحتمله الجدار أو يضربه (والثالث) أن لا يملك
شيئا من جدران البقعة التي يريد تسقيفها أولا يملك الا جدارا واحدا فان ملك جدارين فليسقف
عليهما وليس له اجبار صاحب الجدار وصاحب النهاية لم يعتبر هذا الشرط هكذا ولكن قال الشرط
أن تكون الجوانب الثلاثة من البيت لصاحب البيت وهو يحتاج إلى جانب رابع (فاما) إذا كان
الكل للغير فإنه لا يضع الجذوع عليها قولا واحدا ثم نقل عن بعض الأصحاب انه لم يعتبر هذا
الشرط هكذا واعتبر في التتمة مثل ما ذكره الامام وحكى الوجهين فيما إذا لم يملك الا جانبا
أو جانبين أيضا والمشهور ما تقدم (وإن قلنا) بالجديد فلا بد من رضا المالك وإذا رضى فاما أن
يرضى من غير عوض أو بعوض إن رضى بغير عوض فهو إعارة يمكن من الرجوع عنها قبل وضع
الجذوع والبناء عليه وبعده وجهان (أصحهما) أن له الرجوع أيضا كما في سائر العواري وإذا رجع فلا كلام
316

في أنه لا يمكن من القلع مجانا وفائدة رجوعه فيه وجهان مذكوران في الكتاب (أظهرهما) انه يخير
بين أن يبقى بأجرة وبين أن يقلع ويضمن أرش النقصان كما لو أعاره أرضا للبناء قال في التهذيب
إلا أن في إعارة الأرض له خصلة أخرى وهي تملك البناء بالقيمة وليس لمالك الجدار ذلك لان
الأرض أصل فجاز أن يستتبع البناء والجدار تابع فلا يستتبع والذي رواه الامام عن حكاية القاضي
انه ليس له الا الأجرة ولا يمكن من القلع أصلا لان ضرورة القلع تتداعى إلى ما هو خالص مال
المستعير لان الجذوع إذا ارتفعت أطرافها من جدار لم تستمسك على الجدار الثاني (والوجه الثاني) وبه
أجاب العراقيون انه ليس له الرجوع أصلا ولا يستفيد به القلع ولا طلب الأجرة للمستقيل لان مثل
هذه الإعارة إنما يراد بها التأبيد فأشبه ما إذا أعار لدفن ميت لا يمكن من نبشه ولا من طلب الأجرة
فعلى هذا لو رفع صاحب الجذوع الجذوع هل له إعادتها من غير اذن جديد فيه وجهان نقلهما الشيخ
أبو حامد وأصحابه ولو سقطت بنفسها فكذلك والأصح المنع وكذا لو سقط الجدار فبناه صاحبه بتلك
الآلة لان الاذن لا يتناول الا مرة واحدة وان بناه بغير تلك الآلة فلا خلاف في أنه لا يعيد إلا باذن
جديد لأنه جدار آخر وان رضى بعوض فذلك قد يكون على سبيل البيع وقد يكون على سبيل
الإجارة وسنتكلم فيهما من بعد * ولو صالحه على مال لم يجز ان فرعنا على قول الاجبار لان من ثبت
له حق لا يؤخذ منه عوض عليه وان فرعنا على القول الآخر صح وليس ذلك كالصلح عن إشراع
الجناح لأنه صلح على الهواء المجرد *
قال (وإن كان مشتركا فلكل واحد منع صاحبه من الانتفاع دون رضاه فلو تراضيا على
القسمة طولا أو عرضا جاز ولا يجبر على القسمة في كل الطول ونصف العرض إذ يتعذر الانتفاع
بوضع الجذوع وكذا في نصف الطور (و) وكل العرض وإذا جرت بالتراضي أقرع في الصورة
الأخيرة والأولى التخصيص لكل وجه بصاحبه في الصورة الأولى حتى لا تقضى القرعة بخلافه ولا
مانع (و) في الأساس من الاجبار على قسمته) *
317

(القسم الثاني) الجدار المشترك والكلام في ثلاثة أمور يشتمل الفصل على اثنين منها (الأول)
الانتفاع به وليس لاحد الشريكين أن يتد فيه وتدا أو يفتح فيه كوة أو يترب الكتاب بترا به دون
اذن الشريك كسائر الاملاك المشتركة لا يستقل أحد الشريكين بالانتفاع بها ويستثنى من الانتفاعات
ضربان (أحدهما) لو أراد أحدهما أعني الشريكين وضع الجذوع عليه ففي اجبار الآخر الخلاف
المذكور في القسم الأول بطريق الأول (والثاني) مالا يقع فيه المضايقة من الانتفاعات لكل واحد
منهما الاستقلال به كالاستناد واسناد المتاع عليه يجوز مثله في الجدار الخالص للجار وهو كالاستضاءة
بسراج الغير والاستظلال بجدار الغير ولو منع أحدهما الآخر من الاستناد فهل يمتنع عن الأصحاب فيه
ترددا لأنه عناد ومن الضرب الثاني ما إذا بنى في ملكه جدارا متصلا للجدار المشترك بحيث لا يقع
ثقله عليه (الثاني) قسمته اما في كل الطول ونصف العرض أو في نصف الطول وكل العرض ولا يفهم
من الطول ارتفاعه عن الأرض فذلك سمك وإنما طول الجدار امتداده من زاوية البيت إلى الزاوية
الأخرى مثلا والعرض البعد الثالث فإذا كان طوله عشرة أذرع والعرض ذراعا فقسمته في كل الطول
ونصف العرض هكذا ليكون لكل واحد نصف ذراع في طول عشر وقسمته بالعكس أن يجعل هكذا
ليصير لكل واحد خمسة أذرع في عرض ذراع وأي واحد من النوعين تراضيا عليه جاز لكن كيف يقسم نقل
بعض شارحي المختصر فيه وجهين (أحدهما) انه يعلم بعلامة ويخط برسم (والثاني) انه يشق وينشر بالمناشير
وينطبق على هذا الثاني ما ذكره العراقيون انهما لو طلبا من الحاكم القسمة بالنوع الأول لم يجبهما
إلى ذلك لان شق الجدار في الطول اتلاف له وتضييع ولكنهما يباشران القسمة بأنفسهما ان شاءا
وهو كما لو هدماه واقتسما النقض وان طلب أحدهما القسمة وامتنع الآخر نظر ان طلب النوع الأول
من القسمة فظاهر المذهب انه لا يجاب إليها وذكر الامام وطائفة أن له معنيين (أحدهما) انا لو أجبرنا
لأقرعنا والقرعة ربما تغير الشق الذي يلي دار يد لعمرو وبالعكس فلا يتمكن واحد منهما من
الانتفاع بما صار له (والثاني) انه لا يتأتى فيه فصل محقق لان غايته رسم خطين بين الشقين ومع ذلك
318

فإذا بني أحدهما على ما صار له تعدى الثقل والتحامل إلى الشق الآخر وضعف الامام المعنى الثاني بما
مر أن هذه القسمة جائزة بالتراضي وذلك يدل على أن رسم الخط كاف في القسمة والمفاضلة وما ذكره
توجيها واعتراضا مبنى على الاكتفاء بالعلامة وترك الشق والقطع وهو الأول من الوجهين المنقولين
في حالة التراضي وعن صاحب التقريب وجه أنه يجاب الطالب ويجبر الممتنع لكن لا يقرع بل
يخصص كل واحد بما يليه (وأما) النوع الثاني وهو قسمة نصف الطول في كل العرض فجائز بالتراضي
أيضا وفى الاجبار عليه وجهان أما الذين اعتبروا الشق والقطع فإنهم وجهوا أحدهما بأن القطع يوجب
اتلاف بعض الجدار ولا اجبار مع الاضرار (والثاني) أن الضرر والنقصان في هذا النوع هين فأشبه
قسمة الثوب الصفيق (وأما) المكتفون برسم الخط والعلامة فبنوهما على المعنيين السابقين (إن قلنا) بالأول
جرى الاجبار لان كل واحد منهما يتأتى له الانتفاع بما يصير إليه (وإن قلنا) بالثاني فلا لتعذر المفاضلة
المحققة والأشبه من الوجهين كيف فرض التوجيه مع الاجبار وهو الذي أورده في الكتاب هذا في
قسمة الجدار نفسه (أما) إذا انهدم وظهرت العرصة أو كان بينهما عرصة جدار لم يبن عليها بعد فطلب
أحدهما قسمتها في كل الطول ونصف العرض (فان قلنا) في الجدار أن الطالب لمثل هذه القسمة يجاب
ويخصص كل واحد بالشق الذي يليه من غير قرعة فكذلك ههنا وبه قال أبو الطيب بن سلمة
(وإن قلنا) لايجاب ثم فههنا وجهان بنوهما على المعنيين السابقين (إن قلنا) بالأول لم يجب (وان قلنا) بالثاني
أجيب وان طلب قسمتها في نصف الطول وكل العرض أجيب لفقد المعاني المذكورة في الجدار وإذا
بني الجدار وأراد أن يكون عريضا زاد فيه من عرض بيته والله أعلم بالصواب * وإذا عرفت ذلك فاعلم قوله في
الكتاب ولا يجبر على القسمة في كل الطول ونصف العرض - بالواو - وكذا قوله وكذا في نصف الطول وكل
العرض (وأما) قوله إذا جرت بالتراضي أقرع في الصورة الأخيرة والأولى تخصيص كل وجه بصاحبه
في الصورة الأولى وفى الصورة الأخيرة القسمة في نصف الطول وكل العرض والأولى هي القسمة
في كل الطول ونصف العرض ولا يفهم من قوله الأولى التخصيص بعينه على رأى ذهابا إلى أن
319

المراد من الأولى من خلاف في المسألة فان أحدا لم يذكر فيها خلافا بل أطلقوا الجواز للقسمة عند
التراضي والمعود في القسمة القرعة فان ما أراد الارشاد إلى أن الشريكين ينبغي أن يصيرا إلى
التخصيص من غير قرعة فبيع كل واحد منهما ماله في الشق الذي يلي صاحبه بما لصاحبه في الشق
الذي يليه تحرزا عن تضييع المال (وأما) قوله ولا مانع في الأساس من الاجبار على قسمته فالمراد من
الأساس عرصة الجدار وجوابه واضح في القسمة في نصف الطول وكل العرض وأما في الطول
ونصف العرض فالذي أجاب به أحد الوجهين وفيه وجه آخر كما قدمنا والأصح عند العراقيين وغيرهم
ما أجاب به والله أعلم *
قال (والقول الجديد أنه لا يجبر (م ح) على العمارة في الاملاك المشتركة لأنه ربما يتضرر
بتكليفه العمارة نعم لو انفرد الشريك الآخر فلا يمنع لأنه عناد محض ثم إن أعاد الجدار بالنقض المشترك
عاد ملكا مشتركا كما كان ولو تعاونا على العمل فكمثل ولو انفرد أحدهما وشرط له الآخر أن يكون
ثلثا الجدار له صح وكان سدس النقض عوضا عن عمله المصادق لملك الشريك وإذا انهدم العلو
والسفل وقلنا ليس لصاحب العلو اجبار صاحب السفل على العمارة فله أن يعمر بنفسه فان عمر فليس
(و) له منع صاحب السفل من الانتفاع بسفله ولا أن يغرمه (و) قيمة ما بناه من الجدار والسقف
ومن له حق إجراء الماء في ملك الغير فلا يجبر على العمارة بحال) *
(الأمر الثالث) العمارة فإذا هدم أحد الشريكين الجدار المشترك من غير اذن صاحبه لاستهدامه أو من غير
استهدامه ففي التهذيب وغيره أن النص اجبار الهادم على اعادته وان القياس أنه يغرم النقصان ولا
يجبر على البناء لان الجدار ليس بمثلي ولو استهدم الجدار بنفسه أو هدماه معا اما لاستهدامه أو لغير
استهدامه ثم امتنع أحدهما عن العمارة فقولان (القديم) وبه قال مالك واحمد في المشهور عنهما أنه يجبر
الممتنع على العمارة دفعا للضرر عن الشركاء وصيانة للاملاك المشتركة عن التعطيل (والجديد) أنه لا يجبر
كما لا يجبر على زراعة الأرض المشتركة وكما أن طالب العمارة قد يتضرر بامتناع الشريك فالشريك
320

يتضرر بتكليف العمارة ويجرى القولان في النهر المشترك والقناة والبئر المشتركين إذا امتنع أحد
الشركاء من التنقية والعمارة وهل يجبر وعند أبي حنيفة يجبر في النهر والقناة والبئر ولا يجبر في الجدار
ولو كان علو الدار لواحد وسفلها لآخر فانهدمت فليس لصاحب السفل اجبار صاحب العلو على
اعادته وهل لصاحب العلو اجبار صاحب السفل على إعادة السفل ليبني عليه فيه القولان ومنهم
من قال القولان فيما إذا انهدم أو هدماه من غير شرط أما إذا استهدم فهدمه صاحب السفل بشرط
ان يعيده أجبر عليه قولا واحدا ويجرى الخلاف فيما إذا طلب أحدهما اتخاذ سترة بين سطحيهما
هل يجبر الاخر على مساعدته *
(التفريع) إن قلنا بالقديم وأصر الممتنع أنفق الحاكم عليه من ماله فإن لم يكن له مال
استقرض عليه أو أذن للشريك في الانفاق عليه من ماله ليرجع على الممتنع إذا وجد له مال فان
استقل به هل له الرجوع أشار المزني فيه إلى قولين وعن الأصحاب فيه طرق (أظهرها) وبه قال
ابن خيران وابن الوكيل القطع بعدم الرجوع وحمل الرجوع على ما إذا أنفق بالاذن (والثاني) أن
القول بعدم الرجوع تفريع على القديم الذي عليه نفرع وبه قال ابن القطان (والثالث) أنا إن
قلنا بالقديم رجع لا محالة (وان قلنا) بالجديد فقولان ونقل الامام وجها فارقا بين أن يمكنه عند البناء
مراجعة الحاكم فلا يرجع أولا يمكنه فيرجع والى هذا منعوه ثم إذا أعاد الطالب البناء نظر إن أعاده
بالآلة القديمة فالجدار بينهما كما كان في السفل في الصورة الأخرى لصاحب السفل كما كان وليس
لصاحب العلو نقضه ولا منعه من الانتفاع بملكه وان بناه بآلة من عنده فالبناء له ويتمكن من
نقضه ولو قال الشريك لا تنقض وأنا أغرم لك نصف القيمة لم يجر له النقض لأنا على هذا القول نجبر
الممتنع على ابتداء العمارة فلان نجبره على الاستدامة كان أولى (وان قلنا) بالجديد فلو أراد الشريك
المطالب الانفراد بالعمارة نظر إن أراد عمارة الجدار بالنقض المشترك وأراد صاحب العلو إعادة السفل
بنقض صاحب السفل أو بآلة مشتركة بينهما فللآخر منعه وان أراد بناءه بآلة من عنده فله ذلك
321

ليصل إلى حقه كما لو سقطت جدوعه الموضوعة على الجدار المشترك ينفرد بإعادتها ثم المعاد ملكه يضع
عليه ما شاء وينقضه إذا شاء فلو قال شريكه لا تنقض الجدار لاغرم لك نصف القيمة أو قال صاحب
السفل لا تنقض لاغرم لك القيمة لم تلزمه اجابته على هذا القول كابتداء العمارة ولو قال صاحب
السفل انقض ما أعدته لابنيه بآلة نفسي فإن كان قد طالبه بالبناء فلم يجب لم يجب الآن إلى ما يقوله
وان لم يطالبه وقد بني علوه عليه فكذلك لايجاب ولكن له أن يتملك السفل بالقيمة ذكره في
المهذب وان لم يبن عليه العلو بعد أجيب صاحب السفل ومهما بني الثاني بآلة نفسه فله منع صاحبه
من الانتفاع بالعلو بفتح كوة وغرز وتد ونحوهما وليس له منع صاحب السفل من السكني فان العرصة
ملكه وعن صاحب التقريب وجه في المنع من السكني أيضا والمذهب الأول * ولو أنفق على البئر
والنهر فليس له منع الشريك من سقى الزرع والانتفاع بالماء وله منعه من الانتفاع بالدولاب والبكرة المحدثين ولو
كان للممتنع على الجدار الذي انهدم جذوع وأراد عادتها بعد ما بناه الطالب بآلة نفسه فعلى الثاني تمكينه أو نقض
ما أعاده يبني معه الممتنع ويعيد جذوعه والله أعلم * بقي في الفصل صورتان (إحداها) إذا بان أن الجدار المشترك
لو انفرد أحدهما بأعدته بالنقض المشترك يعود مشتركا كما كان فلو تعاونا على اعادته كئن أولى أن يعود
مشتركا فلو شرطا مع التعاون زيادة لأحدهما لم يجز لأنه شرط عوض من غير معرض فإنهما متساويان في العمل
وفى الجدار وعرصته وعن صاحب التقريب وجه أنه يجوز ذلك لتراضيهما حتى لو باع أحد شريكي الدار على السواء
نصيبه من الدار بثلث الدار من نصيب صاحبه قال يصح وتصير الدار بينهما أثلاثا واستبعد الامام ما ذكره
وقال لو باع أحدهما نصفه بنصف صاحبه لم يقدر ذلك بيعا ولم ترتب عليه أحكام البيع وهذه الصورة
قذ ذكرناها في البيع وبينا أن الأظهر فيها الصحة وقياسه صحة بيع أحدهما نصفه بالثلث من نصف
الآخر ولا يلزم منه صحة الشرط فيما نحن فيه لان الموجود هو البناء بشرط الزيادة لأحدهما ومجرد
الشرط والرضى بالتفاوت لا يغير كيفية الشركة القديمة الا أن البناء بالاذن والشرط يقام مقام البيع
والإجارة للمسائل المذكورة على الأثر ولو انفرد أحد الشريكين بالبناء بالنقض المشترك باذن
صاحبه بشرط أن يكون له الثلثان جاز والسدس الزائد يكون في مقابلة عمله في النصف الآخر هكذا
322

أطلقوه واستدرك الامام فقال هذا مصور فيما إذا شرط له سدس النقض في الحال لتكون الأجرة
عتيدة فاما إذا شرط السدس الزائد له بعد البناء لم يصح فان الأعيان لا تؤجل ولك أن تزيد فتقول
التصوير وان وقع فيما ذكره وجب أن يكون الحكم فيه كالحكم فيما إذا شرط للمرضع جزءا من
الرقيق المرتضع في الحال والقاطف الثمار جزءا من الثمار المقطوفة في الحال ونظائرهما لان عمله يقع على
ما هو مشترك بينه وبين غيره وسيأتي الكلام فيها في الإجارة ولو بناه أحدهما بآلة نفسه باذن
الآخر بشرط أن يكون ثلثا الجدار له فقد قابل ثلثا الآلة المملوكة له وعمله فيه بسدس العرصة المبني
عليها وفى صحة هذه المعاملة قولان لجمعهما بين مختلفي الحكم وهما البيع والإجارة ولا يخفي أن شرط
الصحة العلم بالآلات وبصفات الجدار فإنه يعود فيها النظر إلى شرط ثلث النقض في الحال أو بعد
البناء (الثانية) إذا كان له حق اجراء الماء في ملك الغير فانهار ذلك الملك لم يجب على مستحق
الاجراء مشاركته في العمارة لان العمارة تتعلق بتلك الأعيان وهي لمالكها لا يشترك المستحق الاجراء
فيها وإن كان الانهدام بسبب الماء ففيه احتمال عند الإمام قال والظاهر أنه لا عمارة عليه أيضا لأنه
ليس بمالك والانهدام تولد من مستحق ولنتكلم الآن فيما يحتاج إليه من ألفاظ الكتاب (قوله)
لا يجبر على العمارة في الاملاك المشتركة يجوز اعلامه بالميم والألف بل بالحاء أيضا لما قدمناه من
مذاهبهم (وقوله) نعم لو انفرد الشريك الآخر فلا يمنع يشعر بتمكينه من العمارة سواء عمر بالنقض المشترك
أو بخاص ملكه وقد صرح بذلك في الوسيط وكذا الامام لكن الظاهر من النقل ما قدمناه وهو
أنه ان أعاد بآلة نفسه فلا منع وان أراد العمارة بالنقض المشترك فلصاحبه المنع إذا فرعنا على الجديد
وهو المتواتر من جهة المعنى فإنه المالك وقد يريد صرفه إلى غير تلك العمارة (وقوله) وشرط له الآخر
أن يكون ثلثا الجدار له ظاهره التصوير فيما إذا شرط السدس الزائد بعد البناء لأنه حينئذ يسمى
جدارا لكن عرفت في المباحثة التي مرت أن ذلك غير جائز فليؤول اللفظ (وقوله) وإذا انهدم
السفل والعلو وقلنا ليس لصاحب العلو اجبار صاحب السفل إشارة إلى أن القولين في الاجبار على
323

العمارة في الاملاك المشتركة يجريان في أن صاحب السفل هل يجبر على إعادة السفل الخالص له
(وقوله) فله أن يعمر بنفسه فيه مثل هذا الكلام الذي ذكرناه في قوله نعم لو انفرد الشريك
الآخر فلا منع (وقوله) فليس له منع صاحب السفل من الانتفاع بسفله إن حمل على ما إذا أعاد
بالنقض المشترك فذاك وان أجرى إطلاقه فليحمل الانتفاع على السكني في عرصته فان الانتفاع
بالجدار غير سائغ على ما تقدم ثم ليعلم بالواو للوجه المحكى عن صاحب التقريب (وقوله) ولان أن
يغرمه مفرع عن نظم الكتاب على القول الجديد في مسألة السفل والعلو والحكم بعدم الرجوع
على ظاهر المذهب لا يختلف بالقولين *
قال (أما السقف الحائل بين العلو والسفل يجوز لصاحب العلو الجلوس عليه وإن كان مشتركا
للضرورة وكذا إن كان مستخلصا لصاحب السفل وإنما يتصور ذلك بأن يبيع صاحب السفل حق
البناء على سقفه من غيره فيصح (ز) هذه المعاملة وهي بيع فيها مشابه الإجارة ولا يجوز بيع حق
الهواء لاشراع جناح من غير أصل يعتمده البناء ويجوز بيع حق مسيل الماء ومجراه وحق الممر وكل الحقوق
المقصودة على التأبيد ويجب أن يذكر قدر البناء وكيفية الجدار لاختلاف العرض في تثاقله ولو باع
حق البناء على الأرض لم يجب (و) ذكر ذلك ومهما هدم صاحب السفل السفل لم ينفسخ البيع
لأنه مخالف للإجارة ولكن يغرم له قيمة البناء للحيلولة فإذا أعاد السفل استرد القيمة) *
كما أن الجدار الحائل بين مالكين تارة يكون مشتركا بين المالكين وتارة يكون خالصا لأحدهما
فكذلك السقف الحائل بين العلو والسفل المملوك كل واحد منهما لواحد قد يكون مشتركا بينهما
وقد يكون خالصا لأحدهما وحكم القسمين في الانتفاع يخالف حكمهما في الجدار فيجوز لصاحب العلو
الجلوس ووضع الأثقال عليه على الاعتياد ولصاحب السفل الاستظلال والاستكنان به لأنا لو لم
نجوز ذلك لعظم الضرر وتعطلت المنافع وهل لصاحب السفل تعليق الأمتعة فيه (أما) ما ليس ثقيلا
يتأثر السقف به كالثوب ونحوه فلا منع به بل هو كالاستناد إلى الجدار (وأما) غيره ففيه وجهان
324

(أحدهما) أنه غير جائز إذ لا ضرورة فيه بخلاف الاستظلال (وأظهرهما) انه يجوز على الاعتياد تسوية بين صاحب
العلو وصاحب السفل في تجويز تثقيل السقف وعلى هذا فوجهان (أحدهما) أن التعليق الجائز هو الذي لا يحتاج إلى
إثبات وتد في السقف (وأظهرهما) أنه لا فرق وقال الشيخ أبو محمد (فان قلنا) إنه ليس له اثبات الوتد والتعليق منه
فليس لصاحب العلو غرز الوتد في الوجه الذي يليه إذ لا ضرورة إليه وإن جوزناه لصاحب السفل
ففي جوازه لصاحب العلو وجهان لندرة حاجته إليه بخلاف التعليق * إذا تقرر ذلك فتصوير القسم
الأول هو أن يكون السقف مشتركا بينهما وأما إذا كان خالصا لأحدهما فصورة خلوصه لصاحب
العلو أن يكون لرجل جداران متقابلان فيأذن لغيره في وضع الجذوع عليهما والبناء على تلك الجذوع
بعوض أو غير عوض فإذا فعل ذلك كان السقف لصاحب العلو وصورة خلوصه لصاحب السفل أن
يأذن لغيره في البناء على سقف ملكه بعوض أو بغير عوض فيبني عليه والى هذا أشار بقوله وإنما
يتصور ذلك أن يبيع صاحب السفل حق البناء على سقفه من غيره ولما جري ذكر هذا التصرف
وهو من المسائل المقصودة في الباب اندفع في بيانه وبيان ما يناسبه ونحن نشرحه في مسألتين ولا
نبالي بما يحتاج إليه من تقدير مؤخر في سياق الكتاب وتأخير مقدم (المسألة الأولى) اذن المالك لغيره
في البناء على ملكه قد يكون بغير عوض وهو الإعارة وقد يكون بعوض فمن صوره أن يكرى
أرضه أو رأس جداره أو سقفه مدة معلومة بأجرة معلومة فتجوز وسبيله سبيل سائر الإجارات (ومنها)
أن يأذن فيه بصيغة البيع ويبين الثمن فهو صحيح خلافا للمزني ولأبي حنيفة أيضا فيما حكاه القاضي
الروياني ثم يتصور ذلك بلفظتين (إحداهما) أن يبيع سطح البيت أو علوه للبناء عليه بثمن معلوم (والثانية)
ان يبيع حق البناء على ملكه والأولى هي لفظة الشافعي وعامة الأصحاب رحمهم الله والثانية
لفظة الامام وصاحب الكتاب ويتلخص الغرض بمباحثتين (إحداهما) أن المراد من اللفظتين شئ واحد
وإن كان ظاهر اللفظ يشعر بالمغايرة لان بيع العلو للبناء أما أن يراد به جملة السقف فليخرج على
325

التفصيل الذي مر في البيع وأيضا فإنهم صوروا فيما إذا اشترى ليبنى عليه ومن اشترى شيئا انتفع به
بحسب الامكان ولم يحتج إلى التعرض للانتفاع به (والثانية) ما حقيقة هذا العقد أبيع هو أم إجارة
إن كان بيعا فليعد ملك عين كسائر البيوع فإن كان إجارة فليشترط التأقيت كسائر الإجارات (والجواب)
أن الأصحاب اختلفوا فيه فقال قائل هو بيع ويملك المشتري به مواضع رؤس الأجذاع وهذا يدفع
الالزام لكنه مشكل لما ذكرنا في المباحثة الأولى (والصحيح) أنه لا تملك به عين وعلى هذا فوجهان
(أحدهما) أنه إجارة وإنما لم يشترط تقدير المدة لأن العقد الوارد على المنفعة تتبع فيه الحاجة
وإذا اقتضت الحاجة التأبيد أبد على خلاف سائر الإجارات والتحق بالنكاح ونسب صاحب البيان
هذا الوجه إلى ابن الصباغ (وأظهرهما) أنه ليس بإجارة محضة ولكن فيه شائبة الإجارة وهي أن المستحق
به منفعة وشائبة البيع وهي أن الاستحقاق فيه على التأبيد فكأن الشرع نظر إلى أن الحاجة
تمس إلى ثبوت الاستحقاق المؤبد في مرافق الاملاك وحقوقها مساسها إلى ثبوت الاستحقاق المؤبد
في الأعيان فجوز هذا العقد وأثبت فيه شبها من البيع وشبها من الإجارة وهذا معنى قوله في الكتاب
وهي بيع فيه مشابهة الإجارة وإذا قلنا إنه لا تملك به عين فلو عقد بلفظ الإجارة ولم يتعرض للمدة
فوجهان (أشبههما) أنه ينعقد أيضا لأنه يخالف في قضية كما يخالف الإجارة في أخرى فإذا
عقد بلفظ الإجارة في أخرى فإذا
انعقد بلفظ البيع لتوافقهما في قضية انعقد بلفظ الإجارة لتوافقهما في أخرى فإذا جرت هذه المعاملة وبنى المشترى
عليه لم يكن للبائع أن يكلفه النقض ليغرم له أرش النقصان * ولو انهدم الجدار والسقف بعد بناء المشترى
عليه وأعاد مالكه فللمشتري إعادة البناء بتلك الآلات أو بمثلها ولو انهدم قبل البناء فللمشتري البناء
عليه إذا أعاده وهل يجبره على إعادته فيه الخلاف السابق ولو هدم صاحب السفل أو غير السفل
قبل بناء المشترى فعلى الهادم قيمة حق البناء لأنه حال بينه وبين حقه بالهدم فإذا أعاد مالك السفل
استرد الهادم القيمة لان الحيلولة قد ارتفعت فلا يغرم أجرة البناء لمدة الحيلولة ولو كان الهدم بعد
326

البناء فالقياس أن يقال (إن قلنا) إن من هدم جدار الغير يلزمه اعادته فعليه إعادة السفل والعلو
(وان قلنا) يلزمه أرش النقص فعليه أرش نقص الآلات وقيمة حق البناء للحيلولة بالجملة فلا تنفسخ
هذه المعاملة بما يعرض من الهدم والانهدام من جهة التحاقها بالبيوع ثم سواء جرى الاذن في البناء
بعوض أو لا بعوض فيجب بيان قدر الموضع المبنى على طولا وعرضا ويجب مع ذلك إن كان البناء
لي الجدار أو والسطح بيان سمك البناء وطوله وعرضه وكون الجدران منسدة أو خالية الا جواف
وكيفية السقف المحمول عليها لان الغرض يختلف ولا يحتمل الجدار أو السقف كل شئ وحكى القاضي
الروياني وجها أنه إذا أطلق ذكر البناء كفى وحمل على ما يحمله المبنى على ولا يشترط التعرض
لوزن ما يبنيه على لان الاعلام في كل شئ على ما يليق به ويعتاد فيه وعن الشيخ أبى محمد أن
بعضهم يشترطه ولو كانت الآلات حاضرة أغنت مشاهدتها عن كل وصف وتعريف وان أذن في
البناء على أرضه لم يجب ذكر سمك البناء وكيفيته لان الأرض تحمل كل شئ وفيه وجه آخر يذكر
مع الأول في باب الإجارة أنه يجب لان بتقدير القلع والتفريغ عند انقضاء مدة الإجارة أو الرجوع
عن الإعارة تطول مدة التفريغ وتقصر بحسب كبر النقض وقلته ويختلف الغرض بذلك *
(فرع) ادعى بيتا في يد غيره فأقر له به وتصالحا على أن يبنى المقر على سطحه جاز ذلك
وقد أعاره المقر له سطح بيته للبناء ولو كان تنازعهما في سفله والعلو مسلم للمدعى عليه فاقر للمدعى
بما ادعى وتصالحا على أن يبنى المدعى على السطح ويكون السفل للمدعى عليه جاز وذلك بيع
السفل بحق البناء على العلو (المسألة الثانية) من احتاج إلى اجراء ماء في أرض الغير لم يكن له
اجبار صاحب السطح والأرض عليه وروى البندنيجي وغيره عن القديم قولا أنه يجبر والمذهب
الأول فان أذن فيه بإعارة أو بيع أو إجارة جاز ثم في السطح لابد من بيان الموضع الذي يجرى
327

عليه الماء والسطوح التي ينحدر منها لماء إليه ولا باس بالجهل بالقدر من ماء المطر لان ذلك مما
لا يمكن معرفته وهذا عقد جوز للحاجة وإذا أذن وبين ثم بنى على سطحه ما يمنع الماء فإن كان عارية
فهو رجوع وإن كان بيعا أو إجارة فللمشتري أو المستأجر ثقب البناء واجراء الماء فيه وأما في الأرض
فقد قال في التهذيب لا حاجة في العارية إلى بيان لأنه إذا شاء رجع والأرض تحمل ما يحمل وان أجر
وجب بيان موضع الساقية وطولها وغرضها وعمقها وتقدير المدة قال في الشامل ولابد وأن تكون
الساقية محفورة فان المستأجر لا يملك الحفر وان باع وجب بيان الطول والعرض وفى العمق وجهان
بناء على أن المشترى يملك موضع الجريان أو لا يملك الأحق الاجراء وايراد الناقلين يميل إلى ترجيح الأول
وهذا إذا كان لفظ البيع بعت منك مسيل الماء فان قال حق مسيل الماء فكذلك صور الففال فهو كبيع حق
البناء ويجئ في حقيقة العقد ما مر في بيع حق البناء وفى المواضع كلها ليس له دخول الأرض بغير اذن مالكها
الا أن يريد تنقية النهر وعليه أن يخرج من أرضه ما يخرج من النهر والمأذون في اجراء ماء المطر ليس له القاء الثلج
ولا أن يترك الثلج حتى يذوب ويسيل إليه ولا أن يجرى فيه ماء يغسل به ثيابه وأوانيه بل لا يجوز أن يصالح على ترك
الثلوج على السطح أو اجراء الغسالات على مال لان الحاجة لا تدعوا إلى مثله وفى الأرض ضرر ظاهر
(والثاني) مجهول والمأذون في القاء الثلج ليس له اجراء الماء وتجوز المصالحة على قضاء الحاجة في
حق الغير على مال وكذا على جمع الرمل والقمامة في ملكه وهي إجارة يراعى فيها شرائطها وكذا
المصالحة عن البيتوتة على سطح الجار ثم لو باع مستحق البيتوتة منزله فليس للمشترى أن يبيت عليه
بخلاف ما إذا باع مستحق اجراء الماء على سطح الغير مدة بقاء داره فإنه يستحق المشترى الاجراء
بقية المدة لان اجراء الماء من مرافق الدار دون البيتوتة (وقوله) في الكتاب ولا يجوز بيع حق
الهواء لاشراع الجناح هذه المسألة احتج بها المزني للمنع من بيع حق البناء وفرق الأصحاب بان ذاك
اعتياض عن مجرد الهواء وحق البناء تعلق بعين الموضع المبنى عليه حتى لو صالحه عن موضع الجذوع
المشرعة على جداره صح ولهذا يجوز اكراء المالك للبناء بالاتفاق ولا يجوز اكراء الهواء وكل حق
328

يتعلق بغير مجرى الماء والممر فهو كحق البناء بلا فرق (وقوله) حق مسيل الماء ومجراه اللفظتان
متقاربان ويمكن حمل المسيل على الموضع الذي ينحدر إليه الماء ويقف إلى النضوب والمجرى على
الموضع الذي يجرى فيه الماء (وقوله) وكل الحقوق المقصودة على التأبيد فيه اشعار بان الحقوق
المتعلقة بالأعيان لما كانت مقصودة على التأبيد ألحقت بالأعيان حتى استغنى العقد الوارد عليها
عن التأفيت.
(فرع) خرجت أغصان شجرته إلى هواء ملك الجار * للجار أن يطالبه بإزالتها فإن لم يفعل
فله تحويلها عن ملكه فإن لم يمكن فله قطعها ولا يحتاج فيه إلى اذن القاضي وفيه وجه ضعيف ولو
صالحه على ابقائها بعوض لم يجز أن يستند الغصن إلى شئ لأنه اعتياض عن مجرد الهواء وان استند
إلى جدار فإن كان بعد الجفاف جاز وإن كان رطبا فلا لأنه يزيد ولا يعرف قدر ثقله وضرره وعن
طائفة من بصريي أصحابنا أنه يجوز وما ينموا يكون تابعا وانتشار العروق كانتشار الأغصان وكذلك
ميل الجدار إلى هواء الجار قاله الإصطخري *
قال (الفصل الثالث في التنازع وفيه ثلاث مسائل (الأولى) لو ادعى على رجلين دارا وهي
في يدهما فكذبه أحدهما وصدقه الآخر فصالح المصدق على مال فأراد المكذب أخذه بالشفعة
ان ادعى عليهما عن جهتين جاز وان ادعى عن جهة واحدة من أرث أو شراء فلا لأنه كذبه في
استحقاقه فالصلح باطل بقوله وفيه وجه أنه يأخذ) *
كلام الفصل في ثلاث مسائل (الأولى) إذا ادعى رجل على رجلين دارا في أيديهما فصدقه
أحدهما وكذبه الآخر ثبت له النصف باقرار المصدق والقول قول المكذب في إنكاره فلو صالح
المدعى المقر على مال فأراد المكذب أخذه بالشفعة هل له ذلك اختلف طرق الناقلين في الجواب
329

قال الشيخ أبو حامد وقوم ان ملكها في الظاهر بسببين مختلفين فله ذلك لأنه لا تعلق لاحد الملكين
بالآخر وان ملكها بسبب واحد من إرث أو شراء فوجهان (أحدهما) المنع لان الدار يزعم المكذب
أنها ليست للمدعى فان في ضمن إنكاره تكذيب المدعى في نصيب المقر أيضا وحينئذ يكون
الصلح باطلا (وأظهرهما) ان له الاخذ لحكمنا في الظاهر بصحة الصلح وانتقال الملك إلى المقر ولا يبعد
انتقال نصيب أحدهما إلى المدعى دون الآخر ان ملكاه بسبب واحد وهذا الطريق هو الذي
أورده الامام والمصنف في الوسيط لكنهما جعلا أظهر الوجهين المنع وفى أصل الطريقة أشكال لأنا
لا نحكم بالملك الا بظاهر اليد ولا دلالة لليد على اختلاف السبب وايجاده فيما يعرف الحاكم الاختلاف
والاتحاد والى قول من يرجع ومن الذي يقيم البينة عليه وقال صاحب الكتاب ههنا ان ادعى عليهما
من جهتين فللمكذب الاخذ بالشفعة وان ادعى عن جهة واحده ففيه الوجهان وفيه وقفات أيضا
وقصور عن الوفاء بالجواب لان المدعى ليس من شرطه التعرض لسبب الملك وبتقدير تعرضه فلا
يلزم من تكذيبه المدعى في قوله ورثت هذه الدار زعم أنه لم يرث نصفها وقال ابن الصباغ ان اقتصر
المكذب على أنه لا شئ لك في يدي أولا يلزمني تسليم شئ إليك أخذ بالشفعة وان قال مع ذلك
وهذه الدار ورثناها ففيه الوجهان وهذا أقرب الطرق على أن قوله ورثناها لا يقتضى بقاء نصيب
الشريك في ملكه بل يجوز انتقاله إلى المدعى فليقطع بجواز الاخذ بالشفعة الا أن يتعرض لكون
الشريك مالكا في الحال * هذا إذا ادعى رجل على رجلين ولو ادعى رجلان دارا في يد رجل فأقر
لأحدهما بنصفها نظر ان ادعيا أنهما ورثاها شارك المكذب المصدق فيما سلمه المدعى عليه لان الإرث
يقتضى شيوع التركة بين الورثة فما يخلص يكون بينهما وصار كما لو تلف بعض التركة وحصل
البعض هذا إذا لم يتعرضا لقبض الدار أما إذا قالا قبضناها وورثناها ثم غصبتها منا فوجهان (منهم)
من قال يشاركه أيضا لان ايجاب الإرث الشيوع لا يختلف ويحكى هذا عن أبي حنيفة ومالك رضي الله عنهما
لان الشركة إذا حصلت في يد الورثة صار كل واحد منهم قابضا لحقه وانقطع حقه عنه عما في
330

يد الآخرين ألا ترى انه يجوز أن يطرأ الغصب على نصيب أحدهما خاصة بان تزال يده فان المغصوب
لا يكون مشتركا بينهما وان ادعيا الاستحقاق بجهة غير الإرث من شراء وغيره ان لم يقولا اشترينا
معا أو اتهبنا معا لم يشارك المكذب المصدق بل هو كما لو عين هذا جهة وهذا غيرها وان قالا اشترينا معا أو
اتهبنا
معا وقبضنا فوجهان (أظهرهما) وبه قال الشيخ أبو حامد وأصحابه وتابعهم القاضي الحسين إن الحكم
كما ذكرنا في الإرث (والثاني) ويحكى عن أبي علي بن أبي هريرة والطبري وبه قال القاضي ابن
كج والشيخ أبو محمد انه لا يشركه لان تعدد المشترى يقتضى تعدد العقد فهو كما لو ملكا بعقدين ولو
لم يتعرضا لسبب الاستحقاق أصلا فلا شركة بحال نص عليه في المختصر وحيث قلنا بالشركة في هذه
الصورة فلو صالح المصدق المدعى عليه عن المقربة على مال نظر ان صالح باذن الشريك صح والا
بطل في نصيب الشريك وفى نصيبه قولا تفريق الصفقة وعن بعض الأصحاب تصحيح الصلح في
جميع المقربة لنوافق المتعاقدين وتقارهما وهو ضعيف ولو ادعيا دارا في يده فأقر لأحدهما بجميعها
فالجواب انه ان وجد من المقر له في الدعوى ما يتضمن اقرارا لصاحبه بان قال هذه الدار بيننا وما أشبه
ذلك شاركه صاحبه فيها وان لم يوجد بل اقتصر على دعوى النصف نظر ان قال بعد اقرار المدعى
عليه بالكل الكل لي سلم الكل له ولا يلزم من ادعائه النصف إلا يكون الباقي المحواران (كذا بالأصل فحرر) لا تساعده
البينة في الحال الا على النصف أو يخاف الجحود الكلى لو ادعى الكل وان قال النصف الآخر
لصاحبي سلم إليه وان لم يثبته لنفسه ولا لصاحبه فيترك في يد المدعى عليه أو يحفظه القاضي أو يسلم إلى
صاحبه الذي يدعيه فيه أوجه (أصحها) أولها وهي بتوجيهها تذكر في موضعها *
قال (الثانية تنازعا جدارا حائلا بين ملكيهما فهو في أيديهما فلو كان وجه الجدار أو الطافات
أو معاقد القمط إلى أحدهما لم يجعل (م) صاحب يد لان كونه حائلا بينهما علامة ظاهرة للاشتراك
فلا يغير بمثله وكذلك (ح) لو كان لأحدهما عليه جذوع بخلاف ما لو شهدت بينة لأحدهما بالملك
في الجدار يصير (و) صاحب يد في الاس إذ ليس فيه علامة الاشتراك وكذا راكب الدابة مع
331

المتعلق بلجامها مختص باليد إذ ليس ثمت علامة قوية في الاشتراك فالركوب ظاهر في التخصيص
أما وضع الجذوع فزيادة انتفاع فهو كزيادة الأقمشة في الدار وكذلك إذا تنازع صاحب العلو والسفل
في السقف فهو في يدهما (ح م) الا إذا كان بحيث لا يمكن احداثه بعد بناء العلو فيكون متصلا
بجدار صاحب السفل اتصال ترصيف وهو علامة اليد وكذا الجدار المتنازع فيه إذا اتصل بأحدهما
اتصال ترصيف كان هو صاحب اليد) *
في المسألة صورتان (إحداهما) إذا تنازعا جدارا حائلا بين ملكيهما فله حالتان
(الأولى) أن يكون متصلا ببناء أحدهما دون الآخر اتصالا لا يمكن احداثه بعد بنائه فيرجح جانبه
لان اتصاله به امارة ظاهرة على يده وتصرفه وصورته أن يدخل نصف لبنات من الجدار المتنازع فيه في جداره
الخاص ونصف من جداره الخاص في المتنازع فيه ويتبين ذلك في الزوايا وكذلك إذا كان لأحدهما
أزج لا يتصور احداثه بعد تمام الجدار بان أميل من مبدأ ارتفاعه عن الأرض قليلا قليلا وإذا ترجح
جانبه حلف وحكم بالجدار له الا أن تقوم بينة على خلافه ولا يحصل الرجحان بان يوجد الترصيف
المذكور في مواضع معدودة من طرف الجدار لامكان احداثه بعد بناء الجدار بنزع طوبة وادراج
أخرى ولو كان الجدار المتنازع مبنيا على خشبة طرفها في ملك أحدهما وليس منها في ملك الثاني
شئ فالخشبة لمن طرفها في ملكه والجدار المبنى عليها تحت يده ظاهرا قال الامام وليس المسألة خالية
عن الاحتمال (والثانية) أن لا يكون متصلا ببناء أحدهما خاصة بل يكون متصلا ببنائهما جميعا أو
منفصلا عنهما فهو في أيديهما فان أقام أحدهما بينة قضى له والا حلف كل واحد منهما للاخر فان
حلفا أو نكلا جعل الجدار بينهما بظاهر اليد وان حلف أحدهما ونكل الاخر قضى للحالف بالكل
وعلى (كذا بالأصل فحرر)؟ م يحلف كل واحد منهما على النصف الذي يسلم له أو على الجميع لأنه ادعى الجميع فيه وجهان
(أظهرهما) الأول وتكلم الشافعي رضي الله عنه في هذا الموضع في أمرين عدهما بعضهم من أسباب
ترجيح أحدهما قال: ولا نظر إلى من إليه الخوارج والدواخل ولا انصاف اللبن ولا معاقد القمط *
332

قال المفسرون لكلامه المراد بالخوارج الصور والكتابات المتخذة في ظاهر الجدار بلبنات تخرج
بجص أو آجر وبالداخل الطاقات والمحاريب في باطن الجدار وبانصاف اللبن أن يكون الجدار من
لبنات مقطعة فتجعل الأطراف الصحاح إلى جانب وموضع الكسر إلى جانب ومعاقد القمط يكون
في الجدران المتخذة من القصب أو الحصر وأغلب ما يكون ذلك في الستور بين السطوح فتشد بحبال
أو خيوط وربما تجعل عليها خشبة معترضة ويكون العقد من جانب والوجه المستوى من جانب وبه
قال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله * وقال مالك رحمه الله يثبت الترجيح بالخوارج والدواخل وبان تلي
الأطراف الصحيحة من اللبنات ملكه (وأما) في معاقد القمط فنقل الشيخ الصيدلاني والمسعودي عن مذهبه
أنه يرجح جانب من يلي ملكه الوجه المستوى منها لأنه أحسن وهذا قياس ما ذكرنا من أنصاف
اللبنات ونقل غيرهما أنه يرجح جانب من يلي معاقد القمط ملكه وربما وجهوه بأنه إذا كان المعاقد
إليه فالظاهر أنه وقف في ملكه وعقده * لنا أن كونه حائلا بين الملكين علامة قوية في الاشتراك
فلا تعير بهيئة الأسباب الضعيفة التي معظم القصد منها الزينة كالتجصيص والتزويق (والثاني) لو
كان لاحد هما عليه جذوع لم يرجح جانبه به وبه قال أحمد خلافا لأبي حنيفة ومالك * واحتج لهما بأن
الجارين لو تنازعا في الجدار وشهدت بينة لأحدهما وقضى بها يصير المشهود له صاحب يد في الاس
فإذا اقتضى الجدار على الأساس الترجيح ففي الأساس وجب أن يقتضى الجذوع على الجدار
الترجيح في الجدار وأيضا فان صاحب الجذوع مسؤول عن الجدار يدا وتصرفا فرجح جانبه وإن كان
للاخر تعلق به كما لو تنازعا دابة وأحدهما راكبها والاخر اخذ بلجامها أو ثوبا وأحدهما
لابسه والآخر آخذ بطرفه * لنا أن وضع الجذوع لا يدل على اليد والملك لوجهين (أحدهما) أن
من العلماء من جوز وضع الجذوع على جدار الغير بغير اذن المال فلعل مفتيا أفتى به له (والثاني) أنه
لو دل عليهما لاستوى فيه القليل والكثير ألا ترى أن كون جميع الثوب في يد الانسان وكون طرف
منه في يد واحد وبالعكس مالا يدل عليهما يستوى فيه القليل والكثير كالتحصيص والتزويق وقد
333

سلم أبو حنيفة رضي الله عنه أن الجذع الواحد لا يقتضى الترجيح وفى الجذعين الخلاف عنه * إذا
تقرر ذلك كان وضع الجذوع زيادة انتفاع من أحدهما كما إذا تنازعا دارا في يدهما وأقمشة أحدهما
فيه أكثر لا يرجح جانبه (وأما) مسألة الاس فان الامام وصاحب الكتاب صوراها كما ذكرنا ولم
ينقلا فيها خلافا والعراقيون احتجوا لأبي حنيفة بأنهما إذا تنازعا في العرصة يعنى بالعرصة ههنا الاس وهما متفقان
على أن الجدار لأحدهما حيث يجعل صاحب الجدار صاحب اليد في العرصة فاعلم أن غرض الاحتجاج
حاصل بهذا القدر وتصور إقامة البينة مستغنى عنه ثم أنهم في الجواب نقلوا في المسألة وجهين للأصحاب
فان منعنا فذاك وان سلمنا وهو الأظهر فالفرق من وجهين (أحدهما) أن الجدار على العرصة دليل
اليد والملك فيها لأنه لم يجوز أحد البناء في عرصة الغير ووضع الجذوع بخلافه على ما مر (والثاني) أن
علامة الاشتراك ظاهرة في الجدار فإنه كالجزء من كل واحد من الدارين فليس في العرصة علامة
لاشتراك فاذن مسألة الاس كما لو تنازعا دارا لا يسكنانها ولأحدهما فيها أمتعة ومسألة وضع الجذوع
كما لو تنازعا دارا يسكنانها ولأحدهما فيها أمتعة زائدة (وأما) مسألة الدابة فهي ممنوعة بل هما سواء
على قول أبى اسحق وعلى التسليم وهو المذهب فالفرق أن الركوب يقتضى البد والملك وهو أقوى
فاقتضى الترجيح ووضع الجذوع قد بينا أنه لا يقتضى اليد والازج المبنى على رأس الجدار بعد تمامه
على الامتداد كالسقف لامكان احداثه بعد بناء الجدار فإذا جعلنا الجدار في أيديهما وحلفا لم ترفع الجذوع
بل تترك بحالها لاحتمال أنها وضعت بحق (الصورة الثانية) السقف المتوسط بين علو أحدهما وسفل
الآخر كالجدار المتوسط بين الملكين فإذا تداعيا نظر ان لم يمكن احداثه بعد بناء العلو كالأزج الذي
لا يمكن عقده على وسط الجدار بعد امتداده في العلو فيجعل في يد صاحب السفل لاتصاله ببنائه
على سبيل الترصيف فان أمكن احداثه بعد بناء العلو بأن يكون السقف عاليا فيثقب وسط الجدار
وتوضع رؤس الجذوع في الثقب فيصير البيت بيتين فهو في أيديهما لاشتراكهما في الانتفاع به
فإنه أرض لصاحب العلو وسماء لصاحب السفل وبهذا قال أحمد * وقال أبو حنيفة هو لصاحب السفل
334

وبه قال مالك في رواية والأشهر عنه أنه لصاحب العلو (وأما) لفظ الكتاب فقوله في أول المسألة
فهو في أيديهما يعنى إذا لم يتصل بملك أحدهما اتصال ترصيف وقد استدرك ذلك وبينه في آخر
صورة التنازع في السقف (وقوله) لم يجعل صاحب اليد معلم بالميم ويمكن أن يقرأ قوله أو معاقد
القمط بالرفع عطفا على الوجه وبالجر عطفا على الجدار ولا يختلف الحكم عندنا لكن إذا حاولنا
الإشارة إلى مذهب مالك وأخذنا برواية المسعودي والصيدلاني فالوجه أن يقرأ بالجر (وقوله) وكذلك
لو كان لأحدهما عليه جذوع بالحاء (وقوله) يصير صاحب يد في الاس يجوز اعلامه بالواو لان
الخلاف الذي أورده العراقيون في الصورة التي ذكرناها جار ههنا بلا فرق وكذلك قوله مختص
باليد للوجه المنقول عن أبي إسحاق (وقوله) في مسألة السقف فهو في أيديهما معلم بالحاء والميم
لما مر من مذهبهما *
قال (الثالثة علو الخان لواحد وسفله لآخر وتنازعا في العرصة إن كان المرقى في أسفل الخان
فالعرصة في يدهما وإن كان في دهليز الخان فوجهان) *
علو الخان لواحد وسفله لآخر وتنازعا في العرصة أو الدهليز لم يخل أما أن يكونا المرقى في صدر الخان
أو الدار أو الدهليز أو الوسط أو خارجه والخان والدار بجانب العرصة جعلت العرصة والدهليز بينهما
لان لكل واحد منهما فيها يدا وتصرفا من الطروق ووضع الأمتعة وغيرهما قال الامام وكان لا يبعد
أن يقال ليس لصاحب العلو الأحق الممر وتجعل الرقية لصاحب السفل ولكن لم يصر إليه أحد من
الأصحاب وإن كان المرقى في الدهليز أو في الوسط فمن أول الباب إلى المرقى بينهما وفيما وراء ذلك
وجهان (أصحهما) أنه يجعل لصاحب السفل لانقطاع الآخر عنه واختصاصه بصاحب السفل يدا وتصرفا
(والثاني) إنه يجعل بينهما لأنه قد ينتفع به صاحب العلو بالقاء الأمتعة فيه وطرح القمامات وإن كان
المرقى خارجا عن خطة الخان والدار فلا تعلق لصاحب العلو بالعرصة بحال ولو كانت المسألة بحالها
فتنازعا في المرقى وهو غير خارج فينظر إن كان في بيت لصاحب السفل فهو في يده وإن كان في
335

غرفة لصاحب فهو في يده وإن كان منصوبا في موضع المرقى فقد حكى القاضي ابن كج ان
الأكثرين صاروا إلى أنه لصاحب العلو لعود منفعته إليه وان ابن خيران ذهب إلى أنه لصاحب
السفل وهذا هو الوجه كسائر منقولات الدار وان ثبت الأول فليخرج وجه في اندراج السلم الذي
لم يسمر تحت تبع الدار وإن كان المرقى مثبتا في موضعه كالسلم المسمر والأخشاب المعقودة فهو
لصاحب العلو لعود فائدته إليه وكذا إذا كان مثبتا من لبن أو آجر إذا لم يكن تحته شئ وإن كان
تحته بيت فهو بينهما كسائر السقوف وإن كان تحته موضع حب أو جرة فوجهان (عن) أبى اسحق
وابن أبي هريرة وغيرهما أنه كما لو كان تحته بيت والأصح انه يجعل لصاحب العلو لظهور بنائه
لغرض صاحب العلو وضعف منفعة صاحب السفل والله عز وجل أعلم *
336

(كتاب الحوالة)
قال (وهي معاملة صحيحة (لقوله صلى الله عليه وسلم مطل الغني ظلم فإذا أحيل أحدكم على ملى فليحتل)
والنظر في شرائطها وأحكامها * أما الشرائط (فالأول) رضا المستحق للدين والمستحق عليه (و)
ايجابا وقبولا * ورضا المحال عليه لا يشترط (ح) لأنه محل التصرف * وهل يشترط أن يكون
على المحال عليه دين فيه وجهان * فإن لم يشترط فحقيقة تجويز الضمان بشرط براءة الأصيل *
وعند ذلك يشترط رضاه لا محالة) *
أصل الحوالة مجمع عليه ويدل عليه من جهة الخبر ما روى الشافعي رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (مطل الفني ظلم فإذا اتبع أحدكم على ملي فليتبع) ويروى (وإذا أحيل أحدكم على
ملي
فليحتل) (1) وهو معني اللفظ الأول قال في الصحاح ويقال اتبع فلان بفلان إذا أحيل له عليه والتبيع
الذي لك عليه مال ثم الأشهر من الرواية (فإذا أحيل أحدكم) بالفاء فعلى التقدير الأول هو مع قوله
(مطل الغني ظلم) جملتان لا تعلق للثانية بالأولى لقوله صلى الله عليه وسلم (العارية مردودة والزعيم الغارم) (2) وعلى الثاني
يجوز أن يكون المعنى في الترتيب انه إذا كان المطل ظلما من الغنى فإذا أحيل بدينه فان الظاهر أنه
يحترز عن الظلم ولا يمطل ثم الامر في قوله فليتبع أو فليحتل أمر استحباب وعن أحمد رضي الله عنه
انه للوجوب * واعلم أنه إذا كان لزيد عليك عشرة ولك على عمرو مثلها فأحلت زيدا على عمرو فأنت محيل
337

وزيد محتال وعمرو محال عليه وقد كان لزيد عليك دين ولك على عمرو دين وجرت بينك وبين زيد مراضاة بها
انتقل حقه إلى عمرو فهذه ستة أمور لا بد منها في وجود الحوالة ويشترط في صحتها أمور (منها) ما يرجع للدينين
(ومنها) ما يتعلق بالأشخاص الثلاثة وصاحب الكتاب حاول جمع الشروط واعرض عن تفصيل ما يفتقر إليه
وجود الحوالة لوضوحه واكتفى بما بينه في سائر العقود * وأول ما نذكره أصل شديد التوغل في مسائل الكتاب
وهو أن الحوالة استيفاء حق أو بيع أو اعتياض وفيه وجهان أو قولان منسوبان إلى ابن سريج وغيره
(أحدهما) أنها استيفاء حق كأن المحتال استوفى ما كان له على المحيل وأقرضه المحال عليه ووجهه
أنها لو كانت معاوضة لجاز أن يحيل بالشئ على أكثر منه أو أقل ولما جاز التفريق قبل القبض إذا
كانا طعامين أو نقدين (وأظهرهما) وقد نص عليه في باب بيع الطعام أنها بيع لأنها تبديل مال بمال
فان كل واحد من المحيل والمحتال يملك بها ما لم يملكه وهذا حقيقة المعاوضة وليس فيها استيفاء حق
ولا اقراض محقق فلا يقدران وعلى هذا فهو بيع ماذا بماذا في كتاب القاضي ابن كج أن القاضي أبا
حامد خرجه على وجهين (أحدهما) أنها بيع عين بعين والا بطلت للنهي عن بيع الدين بالدين وكأن
هذا القائل نزل استحقاق الدين على الشخص منزلة استحقاق منفعة تتعلق بعينه كالمنافع في إجارات
الأعيان (والثاني) وهو المنقول أنها بيع الدين بالدين فان حق الدين لا يستوفى من غير الشخص
ولغيره أن يؤديه عنه واستثني هذا العقد عن النهى لحاجة الناس مسامحة وارفاقا ولهذا المعني لم يعتبر
فيه التقابض كما في القرض ولم يجز فيه الزيادة والنقصان لأنه ليس بعقد مماكسة كالقرض وقال
الامام وشيخه لا خلاف في اشتمال الحوالة على المعنين (الاستيفاء والاعتياض) والخلاف في أن أيهما
أغلب إذا عرفت ذلك فشرح الشرط الأول إن تقول لا تصح الحوالة ألا برضى المستحق للدين وهو
المحتال وللمستحق عليه وهو المحيل (أما) رضى المحتال عليه فلان حقه في ذمه المحيل فلا ينفك الا
برضاه كما إن الأعيان المستحقة للشخص لا تبدل إلا برضاه (وأما) رضى المحيل فلان له ايفاء الحق
من حيت شاء فلا نعين عليه بعض الجهات قهرا وهل يشترط رضى المحال عليه ينظر إن كانت
338

الحوالة على من عليه دين للمحيل فوجهان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة يشترط رضاه لأنه أحد
أركان الحوالة فأشبه المحيل والمحتال لان الناس يختلفون في الايفاء والاستيفاء وبهذا قال الإصطخري
والزبيري وعن أبن القاص أنه منصوص عليه في الام (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب وبه قال
مالك وأحمد لا حاجة إلى رضى المحال عليه لأنه محل الحق والتصرف فصار كما إذا باع عبدا لا يشترط
رضاه لان الحق للمحيل عليه فله أن يستوفيه بنفسه وبغيره كما لو وكل في الاستيفاء وكيلا وبنوا
الوجهين على أن الحوالة اعتياض واستيفاء (فان قلنا) بالأول فلا يشترط لأنه حق المحيل فلا يحتاج
فيه إلى رضى الغير (وان قلنا) الثاني فيشترط تعذر اقراضه من غير رضاه وإن كانت الحوالة على
من لا دين عليه لم تصح دون رضاه لأنا لو صححناها لألزمناه قضاء دين الغير قهرا وان رضى ففي صحة
الحوالة وجهان بناهما الجمهور على الأصل المذكور (وان قلنا) انها اعتياض لم تصح لأنه ليس على
المحال عليه شئ حتى نجعله عوضا عن حق المحيل (وان قلنا) استيفاء فتصح كأنه أخذ المحتال حقه
وأقرضه من المحال عليه وبهذا قال ابن الحداد وقال الامام الصحيح عندي تخريجه على الخلاف في
أنه هل يصح الضمان بشرط براءة الأصيل بل هذه الصورة عين تلك الصورة فان الحوالة تقتضي
براءة المحيل فإذا قبل الحوالة فقد التزم على أن يبرئ المحيل وهذا ذهاب منه إلى براءة المحيل
وجعلها أصلا مفروغا عنه لكن فيه وجهان نقلهما القاضي ابن كج (أحدهما) أنه يبرأ على قياس
الحوالات وهذا ما أورده الصيدلاني وأخذ به الامام (والثاني) هو الذي أورده الأكثرون أنه لا يبرأ
وقبول الحوالة ممن لا دين عليه ضمان مجرد ثم فرعوا فقالوا (ان قلنا) لا تصح هذه الحوالة فلا شئ
على المحال عليه فان تطوع وأداه كان كما لو قضى دين الغير (وان قلنا) يصح فهو كما لو ضمن فيرجع
على المحيل ان أدي باذنه وكذلك ان أدى بغير اذنه على أظهر الوجهين لجريان الحوالة باذنه وقبل
الأداء هل يرجع على المحيل فيه وجهان بناء على أن المحيل هل يبرأ (ان قلنا) يبرأ فنعم لانتقال
الملك إلى ذمته بمجرد الحوالة (وان قلنا) لا يبرأ فلا ضمان كما أن الضامن لا يرجع على المضمون
339

عنه قبل الأداء وان طالبه المحتال بالأداء فله مطالبة المحبل بتخليصه وهل له ذلك قبل مطالبة المحتال
فيه وجهان كالوجهين في مطالبة الضامن ولو أبرأ المحتال لم يرجع على المحيل بشئ ولو قبضه المحتال
ثم وهبه منه ففي الرجوع وجهان ينظر في أحدهما إلى أن الغرم لم يستقر عليه وفى الثاني إلى أنه عاد
إليه بتصرف مبتدأ قبل الدخول ولو ضمن عنه ضامن لم يرجع على المحيل حتى يأخذ المحتال منه
المال أو من ضامنه ولو أحال المحتال على غيره نظر ان أحاله على من عليه دين رجع على محيله
بنفس الحوالة لحصول الأداء بها وان أحال على من لا دين عليه لم يرجع ما لم يرجع عليه الذي أحال
عليه (وأما) لفظ صاحب الكتاب فقوله المستحق عليه أعلمه بعضهم بالواو لأنا إذا جوزنا الحوالة على
من لا دين عليه فلو قال من لا دين عليه للمستحق أحلت بالدين الذي لك على فلان على نفسي فقبلت
صحت الحوالة فاذن لا يشترط ههنا رضى المحيل وإنما يشترط رضى المحال والمحال عليه (وقوله)
ايجابا أشار به إلى أن المعتبر وإن كان هو الرضى الا أن طريق الوقف على تراضيهما إنما هو الايجاب
والقبول على ما مر في البيع ولو قال المحتال احلني على فلان فقال أحلت ففيه الخلاف المذكور
في نظيره في بيان الاستحباب والايجاب في البيع وفى جرجانيات أبى العباس الروياني طريقة أخرى
قاطعة بالانعقاد لان الحوالة أجيزت رفقا بالناس فيتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها ورضى المحال
عليه لا يشترط معلم بالحاء والواو (وقوله) فإن لم يشترط تحقيقه تجويز الضمان بشرط براءة الأصيل
إلى حقيقة عدم الاشتراط فلو صرفنا الكناية إلى هذا العقد لكان الوجه أن يقال فحقيقته الضمان
بشرط براءة الأصيل لان حقيقة العقد لا تكون تجويز الضمان بل لو كانت لكانت نفس الضمان *
قال (الثاني أن يكون الدين لازما أو مصيره إلى اللزوم * فتصح (و) الحوالة على الثمن
في مدة الخيار فان فسخ البيع انقطعت الحوالة * وفى نجوم الكتابة خلاف * قيل يحال بها
ولا يحال عليها) *
340

الدين ينقسم إلى ما ليس بلازم والى ما هو لازم أما غير اللازم ففيه مسألتان مذكورتان في الكتاب
(إحداهما) الثمن في مدة الخيار هل تجوز الحوالة به بان يحيل المشترى البائع على رجل وعليه بان
يحيل البائع رجلا على المشترى فيه وجهان (أحدهما) ويحكي عن القاضي أبى حامد انه لا يجوز لأنه
ليس بلازم (وأصحهما) الجواز لأنه صائر إلى اللزوم والخيار عارض فيه فيعطى حكم اللازم وفى التتمة أن
هذا الخلاف مبنى على أن الحوالة معاوضة أو استيفاء (أن قلنا) معاوضة فهي كالتصرف في المبيع في
زمان الخيار (وان قلنا) استيفاء فتجوز (وان قلنا) بالمنع فهل ينقطع به الخيار فيه وجهان نقلهما
الشيخ أبو علي في شرح الفروع (أحدهما) لا لحكمنا ببطلانه وبتنزيلنا إياه منزلة العدم (وثانيهما)
نعم لان التصرف في عوض العقد يتضمن الرضا وابطال الخيار (وان قلنا) بالجواز فالذي أورده الامام
وصاحب الكتاب أنه لا يبطل الخيار ولو اتفق فسخ البيع انقطعت الحوالة لأنها إنما صحت على تقدير
اقتضاء البيع إلى اللزوم فإذا لم يقصد إليه ارتدت الحوالة ومنقول الشيخ ومختاره بطلان الخيار لان
قضية الحوالة اللزوم فلو بقي الخيار لما صادفت الحوالة مقتضاها وكانت هذه الحوالة كالحوالة على
النجوم * واعلم أنا إذا قضينا ببطلان الخيار ففيما إذا أحال البائع المشترى على ثالث بطل خيارهما جميعا
لتراضيهما وفيما إذا أحال البائع رجلا على المشترى لا يبطل خيار المشترى الا إذا فرض منه قبول ورضى
(الثانية) إذا أحال السيد غريما له على مكاتبة بالنجوم ففيه وجهان (أحدهما) وبه قال الحليمي أن
الحوالة جائزة لان النجوم دين ثابت على المكاتب فأشبه سائر الديون (وأصحهما) المنع لان النجوم
غير لازمة على المكاتب وله اسقاطها متى شاء فلا يمكن الزامه الدفع إلى المحتال ولو أحال المكاتب
السيد على إنسان فجواب الأكثرين صحة الحوالة لان ما أحاله عليه مستقر والكتابة لازمة من جهة
السيد فمتى أدى المحال عليه وجب على السيد القبول وقيل بالمنع من هذا الطرف أيضا إذا جمعت
بين الصورتين حصلت ثلاثة أوجه على ما ذكر في الكتاب (أحدها) جواز إحالة المكاتب
بالنجوم وإحالة السيد على النجوم وهذا منسوب في النهاية إلى ابن سريج (وثانيها) منعهما جميعا
341

وبه قال القاضي ولم يذكر في التهذيب غيره (وأظهرها) جواز إحالة المكاتب بها ومنع إحالة السيد
عليها ولو كان للسيد على مكاتبة دين معاملة فاحالة عليه قال في التتمة ينبني على أنه لو عجز نفسه
هل يسقط ذلك الدين (ان قلنا) نعم لم يصح والا صحت ومما يدخل في هذا القسم الجعل في الجعالة
والقياس أن يجئ في الحوالة به وعليه ولا فرق بين أن ينفق الدينان في سبب الوجوب أو يختلفان
كما إذا كان أحدهما ثمنا والآخر أجرة أو قرضا أو بدل متلف وكل دين جوزنا الحوالة به وعليه من القسمين
فذلك إذا كان مثليا كالأثمان؟ والحبوب وإن كان متقوما كالثياب والعبيد فوجهان (أصحهما)
وبه قال ابن سريج أنه كالمثلي لثبوته في الذمة ولزومه (والثاني) المنع لان المقصود من الحوالة ايصال
المستحق إلى الحق من غير تفاوت وهذا الغرض لا يتحقق فيها لا مثل له ولابد من العلم بقدر المحال
به وعليه وصفتهما نعم لو أحال بأقل الدية أو عليها وفرعنا على جواز الحوالة في المتقومات فوجهان أو
قولان بناء على جواز المصالحة والاعتياض عنها والأصح المنع للجهل بصفاتها *
قال (الثالث أن يكون ما على المحال عليه مجانسا لما على المحيل قدرا ووصفا * فلو كان
بينهما تفاوت يفتقر في أدائه عنه إلى المعاوضة لم يجر * وان لم يفتقر بل أجبر على قبوله كأداء الجيد
عن الردئ جاز (و) * وان افتقر إلى الرضا دون المعاوضة ففيه خلاف (و) *
كان الفصل السابق مسوقا لبيان الصفات المشروطة في كل واحد من الدينان فالغرض الآن
بيان الشروط بالدينين وفيه صور (إحداها) يجب أن يكون الدينان من جنس واحد ولو أحال
بالدراهم على الدنانير أو بالعكس لم يصح (أما) إذا جعلنا الحوالة استيفاء فلان مستحق الدراهم إذا
استوفاها وأقرضها فمحال أن ينتقل حقه إلى الدنانير (وأما) إذا جعلناها معاوضة فلأنها وإن كانت
معاوضة فليس هي على حقيقة المعاوضات التي يقصد بها تحصيل ما ليس بحاصل من جنس مال أو
زيادة قدر أو صفة وإنما هي معاوضة ارفاق ومسامحة للحاجة فاشتراط فيها التجانس والتساوي في القدر
والصفة كما في القرض قال صاحب التتمة ونعني بقولنا ان هذه الحوالة غير صحيحة أن الحق لا بتحول
342

بها من الدنانير إلى الدراهم وبالعكس ولكنها إذا جرت فهي حوالة على من لا دين عليه والحكم
فيها ما مر (والثانية) يجب أن يتساويا في القدر فلا يحال بخمسة على عشرة ولا بعشرة على خمسة
لما ذكرنا أن هذا العقد لم يوضع لتحصيل زيادة أو حط شئ وإنما وضع ليصل كل واحد من المستحقين
إلى حقه وفى الا حالة بالقليل على الكثير وجه أنها جائزة وكأن المحيل تبرع بالزيادة (والثالثة) في
اشتراط تساويهما في الحلول والتأجيل وجهان (أصحهما) الاشتراط الحاقا للوصف بالقدر (والثاني) يجوز
أن يحيل بالمؤجل على الحال لان للمحيل أن يجعل ما عليه فإذا أحال به على الحال فقد عجل ولا يجوز
أن يحيل بالحال على المؤجل لان حق المحتال حال وتأجل الحال لا يلزم ولو كانا متأجلين بأجلين
مختلفين لم تجز الحوالة بينهما على الوجه الأول وعلى الثاني يحال بالمكسر على الصحيح ويكون المحيل
متبرعا بقيد الصحة ولا يحال بالصحيح على المكسر والا كان المحتال تاركا صفة الصحة رتبوه
ليحيله المحيل ويخرج على هذا حوالة الأردأ على الأجود وبالعكس في كل جنس (وقوله) في الكتاب
فلو كان بينهما تفاوت إلى آخره تفصيل ما أجمله بقوله أن يكون ما على المحال عليه مجانسا لما على المحيل
قدرا ووصفا ومثال ما يفتقر في أدائه عنه إلى المعاوضة أن يختلف الجنس فيكون على أحدهما دراهم
وعلى الآخر دنانير فان الاستبدال بأحد الجنسين عن الآخر اعتياض محض (وقوله) وان لم يفتقر
بل أجبر على قبوله كأداء الجيد عن الردئ فهو مثل أداء الصحيح عن المكسر وتعجيل المؤجل
حيث يجبر المستحق على القبول وهذا الكلام يتفرع على الصحيح في أن المديون إذا أتى بأجود مما
عليه من ذلك النوع يجبر المستحق على قبوله وفيه خلاف قد سبق في باب السلم (وقوله) ان افتقر
إلى الرضا دون المعاوضة فهو كأداء الردئ عن الجيد فإنه يجوز قبوله ولا يكون ذلك معاوضة هذا
بيان ما ذكره وفيه رواية خلاف للأصحاب في جواز الحوالة بالجيد على الردئ والإشارة إلى الجزم
تجوز حوالة الردئ على الجيد وهو يخالف نقل الجمهور في الطرق وربما تجد في كتاب ابوافقه *
قال (أما حكمها فبراءة المحيل (ح) عن دين المحال وتحول الحق إلى المحال عليه وبراءة ذمة
المحال عليه من دين المحيل * فلو أفلس المحال (ح) عليه أو جحد لم يكن (ح) للمحتال الرجوع
343

على المحيل إذا حصلت البراءة مطلقة * ولو كان الافلاس مقرونا بالحوالة وهو جاهل فالأظهر ثبوت الخيار) *
إذا جرت الحوالة بشرطها برئ المحيل عن دين المحتال وتحول حق المحتال إلى ذمة المحيل
عليه وبرئ المحال عليه عن دين المحيل حتى لو أفلس المحال عليه ومات أو لم يمت أو جحد وحلف
لم يكن للمحتال الرجوع على المحيل كما لو اخذ عوضا عن الدين وتلف في يده وبهذا قال مالك
وأحمد وذهب أبو حنيفة إلي أنه يرجع فيما إذا مات مفلسا وفيما إذا جحد وحلف * واحتج الشافعي رضي الله عنه
بوجهين (أحدهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المروى في أول الباب تعرض للملاءة فقال
(إذا أحيل أحدكم على ملئ فليحتل) ولا يمكن المحتال من الرجوع لما كان فتأخره للملاءة كبير فائدة
(والثاني) أن الحوالة اما أن يتحول بها الحق عن المحيل أو لا يتحول ان تحول فقد برئت ذمته
فوجب ألا يعود إليه كما لو أبرأه وان لم يتحول فلتدم المطالبة كما في الضمان فلو شرط في الحوالة
الرجوع بتقدير الافلاس والجحود ففي صحة الحوالة وجهان وان صحت ففي صحة الشرط وجهان حكاهما
القاضي ابن كج * هذا إذا طرأ الافلاس أما إذا كان مقرونا بالحوالة وجهله المحتال نظر إن لم تجر بشرط
الملاءة فالمشهور أنه لا رجوع للمحتال ولا خيار له وما يلحقه من الضرر فهو نتيجة ترك التفحيص
فصار كما لو اشترى شيئا وكان مغبونا فيه ونقل الامام وجها انه يثبت له الخيار تداركا لما لحقه من
الخسران كما لو اشترى شيئا فبان معيبا وبهذا قال مالك وان شرط ملاءة المحال عليه فبان مفلسا فان
قلنا بثبوت الخيار عند الاطلاق فههنا أولى وان منعنا ثم فما الحكم نقل المزني انه لا يرجع فأنكره ابن
سريج من قول الشافعي رضي الله عنه وقال يرجع كما لو اشترى عبدا بشرط انه كاتب فبان خلافه
ثبت له الخيار وعامة الأصحاب على صحة نقل المزني واختاروا عدم الرجوع لأنه لو ثبت الرجوع بالحلف
في شرط اليسار لثبت الرجوع عند الاطلاق لان الاعسار نقص في الذمة كالعيب في المبيع يثبت
الخيار سواء شرطت السلامة عنه أو لم تشترط ويخالف شرط الكتابة فان فواتها ليس بنقيصة وإنما
هو عدم فضيلة وإذا جمع بين صورتي الاطلاق والاشتراط حصل في ثبوت الخيار ثلاثة أوجه
(ثالثها) الفرق بين الصورتين وقد جمع الامام الوجوه هكذا وقرب التردد في المسألة من التردد في أن
344

الحوالة استيفاء أو اعتياض فقول صاحب الكتاب فالأظهر من ثبوت الخيار أراد من هذه الوجوه
على ما هو مبين في الوسيط وترجيح الوجه الصائر إلى ثبوت الخيار يخالف اختيار علمة الأصحاب سيما
في حالة الاطلاق فاعرف ذلك (فرعان) أحدهما صالح مع أجنبي عن دين على عين ثم جحد الأجنبي
وحلف هل يعود إلى من كان عليه الدين قال القاضي الحسين نعم ويفسخ الصلح وعن حكاية الشيخ
أبى عاصم انه لا يعود *
(الثاني) خرج المحال عليه عبدا فإن كان لأجنبي وللمحيل دين في ذمته صحت
الحوالة كما لو أحال على معسر وتبعه المحتال بعد العتق وهل له الرجوع على المحيل فيه خلاف
مرتب على ما إذا بان معسرا وأولى بان يرجع وإن كان عبدا للمحيل فإن كان له في ذمته دين بان
ثبت قبل أن يملكه وفرعنا على أنه لا يسقط إذا ملكه فهو كما لو كان لأجنبي وان لم يكن
في ذمته فالحوالة عليه حوالة على من لا دين عليه فان صححتاها وقلنا إنها ضمان فهذا ضمان العبد *
عن سيده باذنه وسيأتي حكمه في الضمان ولا يخفى فيما ذكرنا حكم ما لو كان لأجنبي ولم يكن للمحيل
عليه دين *
قال (ولو أحال المشترى بالثمن على إنسان فرد عليه المبيع ففي انفساخ الحوالة قولان (و) أظهرهما
أنها تنقطع فإن كان ذلك قبل قبض المبيع فأولى بأن تنقطع وإن كان بعد قبض المحتال مال
الحوالة فأولى بأن لا تنقطع فلو أحال البائع على المشترى فأولى بأن لا ينقطع وهو الظاهر لأنه تعلق
الحق بثالث ومنشأ الخلاف تردد الحوالة بين مشابه الاستيفاء والاعتياض فان قلنا لا ينفسخ فللمشتري
(و) مطالبة البائع بتحصيله ليغرم له بدله أو بتسليم بدله إليه في الحال إذا لم يكن قد قبض البائع بعد
مال الحوالة * وإن قلنا ينفسخ ولم يكن قد قبض فليس له القبض فأن فعل فالأصح (و) أنه لا يقع عن
المشترى لان الحوالة انفسخت والاذن الذي كان ضمنا له لا يقوم بنفسه) *
المسائل المذكورة من هذا الموضع إلى آخر الباب من تخريجات المزني على أصول الشافعي رضي الله عنه
وتحريه وصورة مسألة الفصل ما إذا اشترى عبدا بمائة مثلا وأحال المشترى البائع بالثمن على رجل ثم
345

اطلع على عيب قديم العبد فرده. قال المزني في المختصر تبطل الحوالة ونقل عنه في الجامع الكبير انها لا تبطل
وللأصحاب ثلاثة طرق (أحدها) ان في بطلان الحوالة قولين (أظهرهما) عند القاضي ابن كج وصاحب الكتاب
وغيرهما أنها تبطل وتنقطع وهما مبنيان على أن الحوالة استيفاء أو اعتياض (أن قلنا) أنها استيفاء انقطعت
لان الحوالة على هذا التقدير نوع ارفاق ومسامحة فإذا بطل الأصل بطل هبة الارفاق التابعة له كما
لو اشترى شيئا بدراهم مكسرة وتطوع بأداء الصحاح ثم رده بالعيب فإنه يسترد الصحاح ولا يقال
يطالب بمثل الكسر ليبقى التربع بصفة الصحة (فان قلنا) انها اعتياض لم تبطل كما لو استبدل من
الثمن ثوبا ثم رد المبيع بالعيب فإنه لا يبطل الاستبدال بل يرجع بمثل الثمن على أن القاضيين أبا
الطيب والروياني منعا هذه المسألة وجعلاها كمسألة الحوالة وقد تقدمت المسألة في فصول الرد بالعيب
(والطريق الثاني) وبه قال أبو إسحاق وابن أبي هريرة وأبو الطيب بن سلمة القطع بالبطلان وتكلم
هؤلاء فيما نقل عن الجامع الكبير فعن القاضي أبى حامد أنه قال نظرت في نسخ منه فلم أجد
خلاف ما في المختصر (والثالث) وبه قال صاحب الافصاح القطع بعدم البطلان وربما أول أصحاب
الطريقين الأخيرين وجمعوا بين نصي المزني بوجوه (أحدها) حمل ما في المختصر على ما إذا كان
العيب بحيث لا يمكن حدوثه في يد المشترى أو كان يمكن حدوثه الا أن البائع أقر بعدمه وحمل
ما في الجامع على ما إذا ثبت قدمه بالبينة ورده والفرق أن في الحالة الأولى اعترف البائع بسقوط الثمن
عند الفسخ (وأما) في الحالة الثانية فإنه يزعم بقاء حقه واستمرار الحوالة فلا يمنع من مطالبة المحال
عليه بدعوى المشترى (والثاني) حمل الأولى على ما إذا تذكر ذلك فإنه إذا لم يذكر لا ينبغي أن يعود
إليه لبراءة ذمته عن حقه ظاهرا (والثالث) أن نص البطلان مفرع على أن الحوالة تفتقر إلى رضى
المحال عليه فان الحوالة له حينئذ تتم بالثلاثة فلا تنقطع بموافقة اثنين (والرابع) حمل نص البطلان
على ما إذا كانت الحوالة على من لا دين عليه ورضي المحال عليه فإنه إذا سقط الثمن أنقطع تطوعه
وسقطت المطالبة عنه ثم ههنا نظران (أحدهما) هل تفترق الحال بين ما إذا كان الرد بالعيب بعد
346

قبض المبيع أو قبله حكى صاحب النهاية عن بعض الأصحاب أن محل الخلاف ما إذا كان الرد بعد
قبض المبيع فإن كان قبله انقطعت الحوالة بلا خلاف لكون المبيع معرض للانفساخ وعدم تأكده
ولهذا جعلنا الفسخ قبل القبض ردا للعقد من أصله على رأي ثم زيف ذلك وقضي بطرد القولين
في الحالين وهذا قضية إطلاق عامة الأصحاب * واعلم أن قضية الطريقين معا تجويز الإحالة بالثمن
قبل قبض المبيع لكنه قبل القبض غير مستقر وقد اشتهر في كتب السلف من أئمتنا أن من شرط
الحوالة استقرار ما يحال به ويحال عليه وللمسعودي إشارة إلى منع الحوالة بالثمن قبل قبض المبيع لأنه
غير مستقر واستشهد عليه أن المزني تعرض في صورة المسألة للمبيع واشتراطه وإنما فعل ذلك لهذا
المعني والله أعلم (النظر الثاني) هل تفترق الحال بين أن يتفق الرد بعد قبض المحتال مال الحوالة
أو قبله وفيه طريقان (أحدهما) أن الحوالة لا تنقطع إذا اتفق الرد بعد القبض جزما والخلاف مخصوص
بما إذ كان ذلك قبض القبض والفرق تأكد الامر بالقبض فتبرأ ذمة المحال عليه وهذا ما أورده
أصحابنا العراقيون والشيخ أبو علي (والثاني) طرد القولين في الحالين وهو اختيار صاحبي التهذيب
والتتمة والأكثرين وهذا كله فيما إذا أحال المشترى البائع على رجل ولو أحال البائع رجلا على
المشترى فمنهم من طرد القولين وقطع الجمهور بأنه لا تنقطع الحوالة وسواء قبض المحتال مال الحوالة
من المشتري أو لم يقبضه والفرق أن الحوالة ههنا تعلق بها حق غير المتعاقدين وصار كما لو اشترى عبدا
بجارية وقبضه وباعه ثم وجد بائع العبد بالجارية عيبا فردها لا ينفسخ البيع الثاني لأنه تعلق به حق
ثالث فاذن القولان مخصوصان بالصورة السابقة ولنفرع عليهما (ان قلنا) لا تبطل الحوالة فلا يطالب
المشترى أن يحال عليه بحال ولكن يرجع على البائع فيطالبه إن كان قد قبض مال الحوالة ولا
يتعين حقه فيما أخذ بل له ابداله لبقاء الحوالة صحيحة وان لم يقبضه فله أن يقبضه وهل للمشترى
الرجوع عليه قبل قبضه فيه وجهان (أحدهما) نعم لان الحوالة كالمقبوضة الا ترى أن المشترى إذا
أحال البائع بالثمن سقط حق الحبس والزوج إذا أحال المرأة بالصداق سقط حق حبسها (وأصحهما) عند
347

الصيدلاني وغيره أنه لا يرجع لأنه لم توجد حقيقة القبض وإن كان للحوالة حكم القبض والغرامة إنما
تكون بحسب القبض (فان قلنا) لا يرجع المشترى عليه قبل أن يقبض فله مطالبته بتحصيل مال
الحولة لنرجع عليه لان البائع إنما يملك مطالبة المحال عليه من جهته فكيف يمنعه من المطالبة مطلقا وفيه وجه
بعيد أنه لا يملك المطالبة بالتحصيل أيضا (وان قلنا) تبطل الحوالة فإن كان قد قبض المال من
المحال عليه فليس له رده عليه لأنه قبض باذن المشترى ولو رده لم تسقط مطالبة للمشترى عنه بل حقه الرد
على المشترى ويتعين حقه فيما قبضه فإن كان تالفا فعليه بدله وان لم يكن قبضه فليس له قبضه لأنه
عاد إلى ملك المشتري كما كان ولو خالف وقبض لم يقع عنه وفى وقوعه عن المشترى وجهان
عن الشيخ أبي محمد (أحدهما) يقع لأنه كان مأذونا في القبض بجهة فان بطلت
تلك الجهة بقي أصل الاذن (وأصحهما) المنع لان الحوالة قد بطلت والوكالة عقد آخر يخالفها وإذا بطل
عقد لم ينعكس عقدا آخر وقرب الشيخ هذا الخلاف من الخلاف الذي مر في أن من يحرم بالظهر
قبل الزوال هل تنعقد صلاته نفلا (وأما) في صورة إحالة البائع على المشترى إذا فرعنا على الصحيح
وهو أن الحوالة لا تبطل برد المشترى المبيع بالعيب فإن كان المحتال قد قبض الحق من المشترى
رجع المشترى على البائع وان لم يقبضه يرجع المشترى علمه أولا يرجع الا بعد القبض فيه الوجهان
السابقان * ثم نتكلم فيما تحتاج إليه من ألفاظ الكتاب (قوله) في صورة المسألة ورد عليه المبيع
يشتمل؟ الرد بالعيب والمخالف والإقالة وغيرها وهو مستمر على اطلاقه فلا فرق بين الرد بالعيب وغيره وقيل
قولان يجوز اعلامه بالواو للطريقين النفيين للخلاف (وقوله) فأولى أن لا ينقطع أشار بالترتيب
المذكور في الصورتين إلى ما شرحنا من الطريقين (وقوله) فيما إذا أحال البائع على المشترى فأولى بان لا ينقطع
وهو الظاهر مع قوله فلولى أن لا ينقطع لما قدمنا في مواضع لان أولوية الترتيب لا تفيد الرجحان وإنما تفيد كون
الحكم الموصوف بالأولوية أرجح منه في الصورة المرتب عليها (وقوله) ومنشأ الخلاف تردد الحوالة بين مشابهة
الاستيفاء والاعتياض يوافق ما ذكره الامام أن فيها شبها من كل واحد منهما والكلام في التغليب
348

(وقوله) فان قلنا لا يصح أي في المسألة الأولى وهو إحالة المشتري البائع بالثمن (وقوله) فللمشتري
مطالبة البائع بتحصيله إلى آخره يمكن نفسه من عزله أو يقول أغرم لي وله أو يقول تسهيلا خذ ثم أغرم
لي وأريد أن لا رجوع قبل أن يقبض مال الحوالة بوجهين (أحدهما) أن يقال المعنى أن له أن يطالبه
بأحد أمرين (أما) التحصيل ليغرم وأما الغرم في الحال وهذا يخرج متفقا عليه من الخلاف الذي
رويناه (فان قلنا) له الرجوع قبل أن يقبض البائع مال الحوالة فله أن يقول خذه لتغرم لي وان
رضيت بذمته فشأنك فاغرم لي (والثاني) هو الأشبه أن معناه أن له مطالبته بتحصيله (ان قلنا) لا رجوع
عليه قبل أن يقبض أو يتسلم بدله إليه في الحال (ان قلنا) انه يرجع إليه قبل القبض وعلى التقديرين
فيصح اعلام قوله فللمشتري مطالبة البائع بالواو لما قدمنا من الوجه البعيد (وقوله) لان الحوالة
انفسخت بالاذن الذي كان ضمنا لا يقوم بنفسه ظاهر هذا التوجيه ربما يشكل بما إذا فسدت الشركة
أو لو كأنه فالاذن الضمني يبقى ويصح التصرف على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى ويمكن أن
يقال الحوالة تنقل الحق إلى المحتال فإذا صار الحق له ملكا قبضه لنفسه بالاستحقاق لا للمحيل بالاذن
وهما عقدان مختلفان فبطلان أحدهما لا يفيد حصول الآخر بخلاف الشركة والوكالة فان التصرف
هناك واقع للاذن فان بطل خصوص الاذن جار أن يبقى عمومه هذا ما سبقت الإشارة إليه *
(فرع) قال ابن الحداد في المولدات إذا أحال الزوج زوجته على غريمه بالصداق ثم طلق
قبل الدخول لم تبطل الحوالة وللزوج أخذها بنصف المهر قال من شرح كتابه المسألة تترتب على
ما إذا أحال المشترى البائع على غريمه (ان قلنا) لا تبطل الحوالة هناك فههنا أولى (وان قلنا) تبطل
ففي البطلان في نصف الصداق ههنا وجهان والفرق أن البطلان سبب حادث ولا استناد له إلى
ما تقدم بخلاف الفسخ والصداق أثبت من غيره ولهذا لو زاد الصداق زيادة متصلة لم يرجع في نصفه
إلا برضاها بخلاف معا إذا كانت في المبيع ولو أحالها ثم ارتدت قبل الدخول أو فسخ أحدهما النكاح بعيب
آخر ففي بطلان الحوالة هذان الوجهان والأظهر لا تبطل ويرجع الزوج عليها بنصف الصداق في
صورة الطلاق وبجميعه في الردة والفسخ بالعيب وإذا قلنا بالبطلان فليس لها مطالبة المحال عليه
349

وتطالب الزوج بالنصف في الطلاق أي ولا تطالب بشئ في الردة ولا بالعيب كذا قاله الشيخ
أبو علي والمسألة جميعها من كلامه *
قال (ولو كان المبيع عبدا فأحيل بالثمن على المشترى فقال العبد أنا حر الأصل وصدقوه جميعا بطلت
الحوالة وإن صدقه البائع والمشترى دون المحتال لم يكن قولهما حجة عليه فتبقى الحوالة في حقه) *
صورتها أن يبيع عبدا ويحيل غريمه بالثمن على المشترى ثم يتصادق المتبايعان على أنه حر الأصل
أما ابتداء أو زعم العبد أنه حر فصدقاه نظران وافقهما المحتال بطلت الحوالة لاتفاقهم على بطلان
البيع وإذا لم يكن بيع لم يكن على المشترى ثمن وإذا بطلت الحوالة رد المحتال ما أخذ على المشترى
وبقى حقه على البائع كما كان وان كذبهما المحتال فاما أن تقوم بينة على الحرية أولا تقوم فان قامت
بطلت الحوالة كما لو تقارروا وهذه البينة يتصور ان يقيمها العبد ويتصور أن تبتدئ الشهود على
سبيل الحسبة قال صاحب التهذيب ولا يتصور أن يقيمها المتبايعان لأنهما كذباها بالدخول في البيع
وكذلك ذكر القاضي الروياني وان لم تكن بينة فلهما تحليف المحتال على نفى العلم فان حلف بقيت
الحوالة في حقه ولم يكن تصادقهما عليه حجة فإذا نفيت الحوالة فله أخذ المال من المشتري وهل يرجع
المشترى على البائع المحيل في التهذيب أنه لا يرجع لأنه يقول ظلمني المحتال بما أخذ والمظلوم لا يرجع
الا على من ظلمه وقال الشيخ أبو حامد والقاضي ابن كج والشيخ أبو علي يرجع لأنه قضى دينه باذنه
وعلى هذا فيرجع إذا دفع المال إلى المحتال وهل يرجع قبله فيه الوجهان السابقان فان نكل
المحتال حلف المشترى ثم إن جعلنا اليمين كالاقرار بطلت الحوالة وان جعلناها كالبينة فالحكم كما لو
حلف لأنه ليس للمشترى إقامة البينة وما ذكرناه في صورة الاقرار من المحال وقيام البينة من
بطلان الحوالة مفروض فيما إذا وقع التعارض لكون الحوالة بالثمن فإن لم يقع وزعم البائع ان الحوالة
بدين آخر له على المشترى نظران أنكر المشتري أصل الدين فالقول قوله مع يمينه وان سلمه
وأنكر الحوالة به فهل نعتبر قول من يدعى جريان الحوالة على الصحة أو قول من يدعى فسادها
فيه خلاف مذكور في نظائره *
350

قال (فرع إذا جرى لفظ الحوالة وتنازعا فقال أحدهما أردنا بها الوكالة وقال الآخر بل
الحوالة فقولان في أن القول قول من * ينظر في أحدهما إلى ظاهر اللفظ * وفى الثاني إلى تصديق
من يدعى إرادة نفسه ونيته فإنه أعلم بها * ولو لم يتفقا على جريان لفظ ولكن قال مستحق الدين
أحلتني وقال من عليه الدين وكلتك باستيفاء ديني منه فالقول قول من عليه الدين في نفى الحوالة *
ثم إن لم يكن قد قبض فليس له ذلك لأنه انعزل بانكار الوكالة واندفعت الحوالة بانكار من عليه
الدين * وله مطالبته بالمال إذا اندفعت الحوالة حتى لا يضيع حقه * وفيه وجه آخر أنه لا يطالب
لأنه اعترف ببراءته بدعوى الحوالة * أما إذا قال المستحق وكلتني فقال لا بل أحلتك فإن لم
يكن قد قبض فقد امتنع عليه القبض * وإن كان بعد القبض فالصحيح (و) أنه يتملكه الآن
وان لم يملك عند القبض) *
إذا كان لزيد عليك مائة ولك على عمرو مثلها فوجد زيد منك ما يمكنه من قبض ما على
عمرو ثم اختلفتما فله صورتان (أحدهما) أن تقول لزيد وكلتك بقبضه لي وقال زيد بل أحلتني عليه
فينظر ان اختلفتما في أصل اللفظ فزعمت الوكالة بلفظها وزعم زيد الحوالة بلفظها فالقول قولك مع
يمينك لان الأصل استمرار حق زيد عليك وحقك على عمرو وان اتفقتما على جريان لفظ الحوالة
وقلت أردت به التسليط بالوكالة فوجهان (المنسوب) إلى ابن سريج أن القول قول زيد مع يمينه لشهادة
لفظ الحوالة (وقال) المزني وساعده عليه أكثر الأصحاب ان القول قولك مع يمينك ويحكى هذا عن أبي حنيفة
ووجهه ما ذكرناه في الصورة الأولى وأيضا فان اللفظ محتمل لما يقوله وأنت اعرف بنيتك فأشبه ما إذا قلت
له أقبض ثم اختلفتما في المراد فان القول قولك وعن القاضي الحسين القطع بالوجه الأول وحمل كلام
المزني على ما إذا اختلفتما في أصل اللفظ وذكرهما إذا قلت له اقبض وفسرته بالوكالة انك لا تحتاج
إلى اليمين لاشعار اللفظ بالنيابة قال الأئمة وموضع الوجهين ما إذا كان اللفظ الجاري بينكما أحلتك
بمائة على عمرو فأما إذا قلت بالمائة التي لك على بالمائة التي على عمرو فهذا لا يحتمل الا حقيقة الحوالة
351

فالقول قول زيد بلا خلاف
(التفريع) ان جعلنا القول قول زيد فإذا حلف ثبتت الحوالة وبرئت
ذمته وإذا جعلنا القول قولك في الصورة الأولى أو يقرا معا على الوجه الآتي في الصورة الثانية فحلفت
نظر أقبض زيد ما على عمرو أم لا أن قبضه برئت ذمة عمرو لتسليمه ما عليه إلى الوكيل أو المحتال
وحكى الامام وجها ضعيفا عن رواية صاحب التقريب انه لا يبرؤ في صورة اتفاقكما على جريان
لفظ الحوالة والمشهور الأول ثم ينظر إن كان المقبوض باقيا فعليه تسليمه إليك وهل له أن يطالبك
بحقه فيه وجهان (أحدهما) لا واختاره الشيخ أبو حامد لاعترافه ببراءتك بدعوى الحوالة (وأصحهما)
عند ابن الصباغ وصاحب التتمة وغيرهما أن له المطالبة لأنه إن كان وكيلا فحقه باق عليه وإن كان
محتالا فقد استرجعت ماله ظلما فلا وجه لتضييع حقه قال الشيخ أبو حامد وما ذكرنا من وجوب
التسليم والوجهين في الرجوع من حيث الظاهر فاما بينه وبين الله تعالى فإنه إذا لم يصل إلى حقه منك
فله امساك المأخوذ لأنه ظفر بجنس حقه من ملكك وأنت ظالم له وإن كان المقبوض تالفا فمنقول
الأكثرين انه إذا لم يكن التلف بتقصير منك لا يضمن لأنه وكيل بقولك والوكيل أمين وليس له
أن يطالبك بحقه لأنه قد استوفاه بزعمه وهلك عنده وقال في التهذيب انه يضمن لأنه قد
ثبتت وكالته والوكيل إذا أخذ المال لنفسه ضمن وان لم يقبض زيد ما على عمرو فليس له القبض
بعد حلفك لان الحوالة قد اندفعت بيمينك وصار زيد معز ولا عن الوكالة بانكاره ولك ان تطالب
عمرا بما كان لك عليه وهل لزيد مطالبتك بحقه فيه الوجهان ان المذكور فيما إذا كان قد قبض وسلم
المقبوض إليك واستدرك صاحب البيان فقال ينبغي أن لا يطالب هنا وجها واحدا لاعترافه بان
حقه على عمرو وان ما تقبضه أنت من عمرو ليس حقا له بخلاف ما إذا كان قد قبض فان حقه قد تعين في المقبوض
فإذا أخذته أخذت ماله (الصورة الثانية) أن تقول لزيد أحلتك على عمرو ويقول زيد بل وكلتني بقبض ما عليه
وحقي باق ويظهر تصوير هذا الاختلاف عند افلاس عمرو فينظر ان اختلفتما في أصل اللفظ
فالقول قول زيد مع يمينه وان اتفقتما على لفظ الحوالة جرى الوجهان ان المذكوران في الصورة
352

الأولى ههنا على العكس فعلى المنسوب إلى ابن سريج القول قولك مع يمينك وعلى القول المنسوب
إلى المزني وغيره القول قول زيد والتوجيه ما مر فإذا قلنا أن القول قولك فحلفت برئت ذمتك من
دين زيد ولزيد مطالبة عمرو أما بالوكالة أو الحوالة وما يأخذه يكون له لأنك تقول انه حقه وعلى
زعمه هو لك وحقه عليك فيأخذه بحقه وحيث قلنا أن القول قول زيد فحلف نظر ان لم يكن قبض
المال من عمرو فليس له القبض لان قول الموكل ما وكلتك يتضمن عزله لو كان وكيلا وله
مطالبتك بحقه وهل لك الرجوع إلى عمرو فيه وجهان لأنك اعترفت بتحول ما كان عليه إلى زيد
ووجه قولنا نعم وهو اختيار القاضي ابن كج أن زيدا إن كان وكيلا فإن لم يقبض بقي حقك وإن كان
محتالا فقد ظلمك بأخذ المال منك وما على عمرو حقه فلك أن تأخذه عوضا عما ظلمك به وإن كان قد
قبض المال من عمرو فقد برئت ذمة عمرو ثم إن كان المقبوض باقيا فقد حكى في الوسيط وههنا وجهين
(أحدهما) أنه يطالبك بحقه ورد المقبوض عليك (والثاني) وهو الصحيح أنه يملكه الآن وان لم
يملكه عند القبض لأنه حبس حقه وصاحبه يزعم أنه ملكه ويشبه أن لا يكون فيه خلاف محقق
بل له أن يرده ويطالب بحقه وله أن يأخذه بحقه وإن كان تالفا نظر إن كان قد تلف بتفريط منه
353

فلك عليه الضمان وله عليك حقه وربما يقع في التقاص وان لم يكن منه تقصير فلا ضمان لأنا إذا
صدقناه في نفي الحوالة كانت يده يد وكالة والوكيل أمين وروى الامام وجها آخر أنه يضمن لان
الأصل فيما يتلف في يد الانسان من ملك غيره الضمان ويلزم من تصديقه في نفي الحوالة ليبقى
حقه تصديقه في تثبيت الوكالة ليسقط عنه الضمان وهذا كما أنه إذا اختلف المتبايعان في قدم العيب
وحدوثه وصدقنا البائع بيمينه السابقة والله أعلم (وقوله) في الكتاب في أول الفرع إذا جرى لفظ الحوالة إلى قوله
فقولان يتضمن الصورتين جميعا فعلى رأى يتبع فيهما ظاهر اللفظ وعلى رأى يصدق من أخبر عن نيته وارادته أما
في طرف الايجاب أو القبول ويجوز أن يعلم قوله فقولان بالواو كما سبق عن القاضي الحسين وقد حكي في الصورة الآتية
أيضا القطع بمقتضى من تمسك بمطابقة اللفظ له ثم قوله فقولان أي للأصحاب وليس للشافعي في المسألتين
نص (وقوله) في آخره أما إذا قال المستحق وكلتني فقال لا بل أحلتك فإن لم يكن قبض فالقول قول المستحق
ثم في تفريعه انه ان لم يكن قبض إلى آخر ونختم الباب بصور وفروع (منها) إذا أحلت زيدا على عمرو ثم أحال
عمرو زيدا على بكر ثم أحال بكر على آخر جاز وقد تعدد المحال عليهم وزيد المحتال واحد ولو أخلت زيدا على
عمرو ثم أحال زيدا بكرا على عمرو ثم أحال بكر آخر على عمرو جاز والتعدد ههنا في المحتالين وعمرو
354

المحال عليه واحد ولو أحلت زيدا على عمرو ثم ثبت لعمرو عليك مثل ذلك الدين فأحال زيد عليك
جاز (ومنها) لك على رجلين مائة على كل واحد خمسون وكل واحد ضامن عن صاحبه فأحالك
أحدهما بالمائة على إنسان برئا جميعا وان أحلت على أحدهما بالمائة برئ الثاني لان الحوالة كالقبض
وان أحلت عليهما على أن يأخذ المحتال من كل واحد خمسون جاز ويبرأ كل واحد مما ضمن وان
أحلت عليهما على أن يأخذ المائة من أيهما شاء فعن ابن سريج فيه وجهان (وجه) المنع انه لم يكن له الا
مطالبة واحد فلا يستفيد بالحوالة زيادة كما لا يستفيد بها زيادة قدر وصفة (ومنها) لك على رجل
دين فلما طالبته به قال قد أحلت فلانا على وفلان غائب فأنكرت فالقول قولك مع يمينك فلو أقام
بينة سمعت وسقطت مطالبتك عنه وهل تثبت الحوالة في حق الغائب حتى لا يحتاج إلى إقامة بينة
إذا قدم فيه وجهان *
كتاب الضمان وفيه بابان
(الباب الأول في أركانه)
قال (وهي خمسة الأول المضمون عنه ولا يشترط رضاه لأنه يجوز لغيره أن يؤدى دينه
بغير اذنه * ويصح (ح) الضمان على الميت المفلس * وأصح الوجهين أنه لا يعتبر معرفته) *
355

الاجماع والاخبار متعاضدة على صحة الضمان روى عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (العارية مؤادة والدين مقضى والزعيم غارم) (1) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال (كنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما وضعت قال صلى الله عليه وسلم هل على صاحبكم من دين قالوا نعم درهمان قال
صلوا على صاحبكم فقال علي كرم الله وجهه هما على يا رسول الله وأنا لهما ضامن فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصلى عليه ثم أقبل على على فقال جزاك الله عن الاسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك) (2)
356

وروي أنه صلى الله عليه وسلم أتى بجنازة فقال هل على صاحبكم من دين قالوا نعم ديناران فقال أبو قتادة
رضي الله عنه هما على يا رسول الله فصلى الله النبي صلى الله عليه وسلم) (1) ثم نقل العلماء أن هذا كان في أول الاسلام
ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصلى على من لم يخلف وفاء من المديونين لان صلاته صلى الله عليه وسلم شفاعة موجبة للمغفرة ولم
يكن حينئذ في الأموال سعة فلما فتح الله الفتوح قال النبي صلى الله عليه وسلم أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (2)
357

ونقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته (من خلف مالا أو حقا فلورثته ومن خلف كلا أو
دينا فكله إلى ودينه على قيل يا رسول الله وعلى كل امام بعدك قال وعلى كل امام بعدي) (1) وقد
ضمن حجة الاسلام مسائل الضمان في بابين (أحدهما) في أركان صحة الضمان (والثاني) في أنه إذا صح
فما حكمه وهذا ترتيبه في أغلب الأبواب (أما) الأركان فأولها المضمون عنه وهو الأصيل ولا يشترط
رضاه لصحة الضمان وفاقا إذ يجوز أداء دين الغير بغير اذنه فالتزامه في الذمة أولى بالجواز ويدل عليه
أنه يصح الضمان عن الميت ومعلوم أنه لا يتصور منه الرضا والدليل على صحته ما قدمناه من ضمان على
وأبى قتادة رضي الله عنهما ولا فرق بين أن يخلف الميت وفاء أولا يخلف فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يبحث
عن ذلك وبهذا قال مالك وأحمد * وعند أبي حنيفة لا يصح الا إذا خلف وفاء أو كان به ضامن
وساعدنا فيما إذا ضمن عنه في حياته ثم مات وهو معسر أنه لا يبطل الضمان وهل يشترط معرفة
المضمون عنه لصحة الضمان فيه وجهان (أحدهما) أنه لا يشترط كما لا يشترط ليعرف حاله ولأنه هل يستحق اصطناع
المعروف إليه وهذا اما أورده الصيدلاني (وأصحهما) أنه لا يشترط كما لا يشترط رضاه * واعلم أن الشافعي رضي الله عنه
قال في مسألة ضمان الميت ولو ضمن دين ميت بعد ما تعرفه وتعرف لمن هو فالضمان في ذلك لازم
واختلفوا فيما يعودالها إليه في قوله بعد ما يعرفه بحسب اختلافهم في اشتراط معرفة المضمون عنه فمن
شرطها قال هي عائدة إلى الميت المضمون عنه ومن لم يشترطها قال هي عائدة إلى الدين إذ لابد
358

من معرفة جنسه وقدره وهو الصحيح ويدل على أنا أبا بكر الفارسي نقل هذا النص بعينه في عيون
المسائل وأنه قال في توجيهه لأنه عرف ما ضمنه ولمن ضمنه *
قال (الركن الثاني المضمون له وفى اشتراط معرفته وجهان * فان شرطت ففي اشتراط
رضاه وجهان * فان شرط ففي اشتراط قبوله وجهان * وهذا لأن الضمان تجديد سلطة له لم تكن
فلم يجز الا باذنه بخلاف المضمون عنه) *
المضمون له هو مستحق الدين وفى اشتراط معرفته وجهان (أحدهما) أنه لا يشترط لأنه لم يقع
التعرض والبحث عنه في ضمان على وأبى قتادة رضي الله عنهما (أصحهما) أن لابد أن يعرف الضامن
لان الناس يتفاوتون في الاقتضاء والاستيفاء تشديدا وتسهيلا والأغراض تختلف بذلك والضمان مع
اهماله غرر وضرر من غير ضرورة وعلى هذا ففي اشتراط رضاه وجهان (قال) الأكثرون لا يشترط
لأن الضمان محض التزام وليس موضوعا على قواعد المعاقدات وقال صاحب الافصاح والقاضي ابن
كج يشترط لأن الضمان يجدد له سلطنة وولاية لم تكن ويبعد أن يتملك بتمليك الغير شيئا من
غير رضاه وبهذا قال أبو حنيفة الا أنه قال لو التمس المريض من الورثة أن يضمنوا دينه فأجابوا
صح وان لم يرض المضمون له (وإذا قلنا) باشتراط رضاه ففي اشتراط قبوله وجهان (وجه) الاشتراط
أنه يملك في مقابلة تمليك الضامن فيعتبر فيه القبول كسائر التمليكات والتملكات
(والأصح) أنه لا يشترط وفرقوا بينه وبين سائر التملكات بأن الضمان لا يثبت ملك
شئ جديد وإنما يتوثق به الدين الذي كان مملوكا وهذا يشكل بالرهن فإنه لا يفيد
الا التوثيق ويعتبر فيه القبول وعن الشيخ أبى محمد تقريب هذا الخلاف من الخلاف في اشتراط
القبول في الوكالة لان كل واحد منهما يجدد سلطة لم تكن فان شرطنا القبول فليكن بينه وبينه وبين
الضمان مثل ما بين الايجاب والقبول في سائر العقود وإن لم نشترط فيجوز أن يتقدم الرضي على
الضمان وان تأخر عنه فهو إجازة أن جوزنا وقف العقود ذكره الامام وفرع على قولنا لا يشترط
رضاه فقال إذا ضمن بغير رضاه فينظر إن ضمن بغير اذن المضمون عنه فالمضمون له بالخيار ان شاء طالب الضامن
359

وان شاء تركه وإن كان الضمان باذنه فحيث قلنا يرجع الضامن على المضمون عنه يتخير المضمون له على قبوله
لان ما يؤديه في حكم ملك المضمون عنه وحيث قلنا لا يرجع فهو كما لو قال لغيره أد ديني ولم يشترط
الرجوع وقلنا إنه لا يرجع وهل لمستحق الدين والحالة هذه أن يمتنع من القبول فيه وجهان بناء
على أن المؤدى يقع فداء أو موهوبا ممن عليه الدين (ان قلنا) بالثاني لم يكن له الامتناع وهو الأشهر
هذا بيان الخلاف في اشتراط معرفة المضمون له دون معرفة المضمون عنه لأنه لا معاملة بينه وبين الضامن
وزاد الامام وجها رابعا وهو اشتراط معرفة المضمون عنه دون المضمون له وفى طريفة الصيدلاني
ما يقتضيه وهو غريب *
قال (الركن الثالث الضامن ويشترط فيه صحة العبارة وأهلية التبرع * ويصح (م)
ضمان الزوجة دون اذن الزوج * وفي ضمان الرقيق دون اذن السيد وجهان * فان صح فيتبع به
إذا عتق * فان ضمن بالاذن فيتعلق بكسبه في وجه * ولا يتعلق به في وجه ويفرق بين المأذون
في التجارة وغيره في وجه) *
ضبط من يصح ضمانه بأن يكون صحيح العبارة أهلا للتبرع (أما) صحة العبارة فيخرج عنه الصغير
والمجنون والمغمى عليه والمبرسم الذي يهذي فلا يصح ضمانهم كسائر التصرفات ولو ضمن ضامن
ثم قال كنت صبيا يوم الضمان وكان محتملا فالقول قوله مع يمينه وكذا لو قال كنت مجنونا وقد عرف
له جنون سابق أو أقام عليه بينة والا فالقول قول المضمون له مع يمينه وفى ضمان السكران الخلاف
في سائر تصرفاته لا يصح ضمانه والأخرس الذي أشارته مفهومه والأخرس الذي ليست له إشارة مفهومة يصح
ضمانه بها كبيعه وسائر تصرفاته وعن أبي الحسين أن من الأصحاب من أبطله وقال لا ضرورة إلى الضمان
بخلاف سائر التصرفات ولو ضمن بالكتابة فوجهان سواء أحسن الإشارة أم لا (أظهرهما) الصحة وذلك عند
وجود القرينة المشعرة بالمقصود ويجرى الوجهان في الناطق وفى سائر التصرفات (وأما) أهلية التبرع فإنه قصد بها
التحرز عن المحجور عليه بالسفه ونحافيه نحو الامام بحيث قال المحجور عليه وإن كان تصح عبارته عند اذن وليه
فضمانه مردود من قبل أنه تبرع وتبرعات المبذر مردودة ولا يصح من الولي الاذن فيها * واعلم أن
القول بكون الضمان تبرعا إنما يظهر حيث لا يثبت الرجوع فاما حيث ثبت فهو اقراض لا محض تبرع ويدل
360

عليه ان القاضي الروياني حكى في البحربه عن نص الشافعي رضي الله عنه انه إذا ضمن في مرض الموت بغير اذن من عليه الحق فهو محسوب من ثلثه وان ضمن باذنه فهو محسوب من رأس المال لان للورثة ان
يرجعوا على الأصيل وهو وان لم يكن تبرعا فلا يصح من المحجور كالبيع وسائر التصرفات المالية
فان أذن فيه الولي فليكن كما لو أذن في البيع (أما) المحجور عليه بالفلس فضمانه كشرائه ثم في الفصل
مسألتان (إحداهما) ضمان المرأة صحيح خلية كانت أو مزوجة ولا حاجة إلى اذن الزوج كما في سائر
تصرفتها وعن مالك انه لا بد من اذنه (الثانية) في ضمان العبد بغير اذن سيده مأذونا كان في التجارة
أو لم يكن وجهان عن ابن سريج (أحدهما) وبه قال أبو إسحاق انه صحيح ويتبع به بعد العتق
لأنه لا ضرر فيه على السيد فصار كما لو أقر باتلاف مال وكذبه السيد (وأصحهما) وبه قال الإصطخري انه
باطل لأنه اثبات مال في الذمة بعقد فأشبه النكاح وان ضمن باذن سيده صح ثم إن قال اقضه مما
تكتسبه أو قال للمأذون اقضه من المال الذي في يدك قضى منه وان عين مالا أمر بالقضاء منه
فكمثل وان اقتصر على الاذن في الضمان فإن لم يكن العبد مأذونا له في التجارة فوجهان (أحدهما)
أنه يكون في ذمته إلى أن يعتق لأنه إنما اذن في الالتزام دون الأداء (وأظهرهما) انه يتعلق بما
يكتسبه بعد الاذن كما لو اذن له في النكاح يتعلق المهر باكتسابه وعن الشيخ أبى على حكاية
وجه غريب انه يتعلق برقبته وإن كان مأذونا له في التجارة فيتعلق بذمته أم كيف الحال فيه وجهان
رتبهما الامام على الوجهين في غير المأذون وأولى بان لا يحال على الذمة لاشعار ظاهر الحال بخلافه وعلى
هذا فيتعلق بما يكتسبه من بعد اذنه وبما في يده من الربح الحاصل أم بهما وبرأس المال أيضا فيه
وجوه أشبهها الثالث والوجوه التي وردهما صاحب الكتاب فيما إذا ضمن بالاذن تخرج من الترتيب
الذي أشار إليه الامام فعلى رأى إن كان مأذون له تعلق بكسبه والا لم يتعلق الا بالذمة وحيث
قلنا يؤدى مما في يده فلو كان عليه ديون ففيه ثلاثة أوجه عن ابن سريج (أحدهما) أن المضمون
له يشارك الغرماء لأنه دين لزم بإذن المولى فأشبه سائر الديون (والثاني) أن الضمان لا يتعلق بما في
يده أصلا لأنه كالمرهون بحقوق الغرماء (والثالث) أنه يتعلق بما فضل عن حقوقهم رعاية للجانبين
361

وهذا إذا لم يحجز القاضي عليه فان حجز باستدعاء الغرماء لم يتعلق الضامن بما في يده لا محالة والمدبر
وأم الولد كالقن في الضمان وكذا من بعضه حر وبعضه رقيق وان لم يكن بينه وبين السيد مهايأة
أو كانت وضمن في نوبة السيد وان لم يكن بينهما مهايأة كما لو اشترى بنفسه شيئا ويجوز ان يخرج على الخلاف
في المؤن والأكساب النادرة أنها هل تدخل في المهايأة وضمان المكاتب بغير إذن السيد كضمان
القن وبالاذن قالوا هو على الحلاف في تبرعاته *
(فرع) إذا ضمن العبد باذن السيد وأدى مال الضمان في رقه فحق الرجوع للسيد وان أداه
بعد ما عتق فحق الرجوع لعبد في أصح الوجهين ووجه الثاني أن مال الضمان كالمستثنى عن اكتسابه
فلا يستحقها بالعتق ولو ضمن العبد شيئا لسيده عن أجنبي لم يصح لأنه يؤديه من كسبه وكسبه
لسيده فهو كما لو ضمن المستحق لنفسه ولو ضمن لأجنبي عن سيده فإذا لم يأذن السيد فهو كما لو ضمن
عن أجنبي وان ضمن باذنه صح ثم إن أدى قبل العتق فلا رجوع له وان أدى بعده ففي رجوعه
على السيد (وجهان) بناء على الوجهين فيما لو أجر عبده ثم أعتقه ففي أثناء المدة هل يرجع بأجرة المثل
لبقية المدة *
قال (الركن الرابع المضمون به وشرطه أن يكون حقا ثابتا (م ح و) لازما (م ح و) معلوما
(م ح و) واحترزنا بالثابت عن ضمان دين سيلزم ببيع أو قرض بعده فإنه لا يصح (م ح) في الجديد
وفى ضمان ما سبق سبب وجوبه ولم يجب كنفقة الغد للمرأة قولان في الجديد * وضمان العهدة للمشتري
صحيح (و) بعد قبض الثمن لأجل الحاجة إلى معامل الغرباء وكذلك ضمان نقصان الصنجة ورداءة
الجنس في المبيع * وفى صحة ضمان عهدة تلحق بالعيب أو بالفساد من جهة أخرى لا بخروجه مستحقا
وجهان * فان صحح صريحا ففي اندراجه تحت مطلق ضمان العهدة وجهان) *
يشترط في الحق المضمون ثلاث صفات كونه ثابتا ولازما ومعلوم الصفة (الأولى) الثبوت وفيه
362

مسائل (إحداها) إذا ضمن دينا لم يجب بعد ويستحب كقرض أو بيع وما أشبههما ففيه طريقان
حكاهما الشيخ أبو حامد وغيره (وأشهرهما) وبه قال ابن سريج أنه على قولين (القديم) أنه يصح
لأنه قد تمس الحاجة إليه وهذا كما أنه جوز في القديم ضمان نفقة يوم المستقبل؟ وبهذا قال أبو حنيفة
ومالك (والجديد) المنع وبه قال أحمد لأن الضمان لو تبعه الحق فلا يسبق وجوب الحق كالشهادة
(والثاني) وهو اختيار الشيخ أبى حامد القطع بالمنع ويخالف ضمان النفقة على القديم تجب
بالعقد فضمانها ضمان واجب لا غير واجب والمذكور في الكتاب هو الطريقة الأولى ويجوز اعلام
قوله على الجديد بالواو للثانية واعلام قوله لا يصح بالحاء والميم لما ذكرنا وذكر الامام أمورا مفرعة على
القديم (أحدها) إذا قال ضمنت لك ما تبيع من فلان فباع الشئ بعد الشئ كان ضامنا للكل
لان (ما) من أدوات الشرط فتقتضي التعميم بخلاف ما إذ قال إذا بعت من فلان فانا ضامن من حيث
لا يكون ضامنا الا ثمن ما باعه أولا لان (إذا) ليست من أدوات الشرط (الثاني) إن شرطنا معرفة المضمون
له عند ثبوت الدين فههنا أولى والا فوجهان وكذا معرفة المضمون عنه (الثالث) لا يطالب الضامن
ما لم يلزم الدين على الأصيل وليست له الرجوع بعد لزومه (وأما) قبله فعن ابن سريج أن له أن يرجع
وقال غيره لا لان وضع الضمان على اللزوم (وإذا قلنا) بالجديد فلو قال أقرض فلانا كذا وعلي ضمانه
فأقرضه قال القاضي الروياني في المذهب أنه لا يجوز وعن ابن سريج تجويزه لأنه ضمان مقرون بالقرض
(المسألة الثانية) ضمان نفقة المدة الماضية للزوجة صحيحة سواء كانت نفقة الموسرين أو المعسرين وكذا ضمان
الادام ونفقة الخادمة وسائر المؤن ولو ضمن نفقة اليوم فكمثل لأنها تجب بطلوع الشمس وفى ضمان
نفقة الغد والشهر المستقبل قولان بناء على أن النفقة تجب بالعقد أو بالتمكين (ان قلنا) بالأول وهو
القديم صح (وان قلنا) بالثاني فلا وهو الأصح هكذا نقل عامة الأصحاب وأشار الامام إلى أنه على
قولين مع تفريعنا على أن ضمان مالا يجب باطل لان سبب وجوب النفقة على تعاقب الأيام ناجز
363

وهو النكاح وهذا ما أورده المصنف وقال وفى ضمان ما سبق سبب وجوبه ولم يجب إلى آخره وفيه
اشكال لان سبب وجوب النفقة إما النكاح أو التمكين في النكاح إن كان الأول فالنفقة واجبة
فكيف قال ولم يجب وإن كان الثاني فالسبب غير موجود ويجوز أن يقال في الجواب المراد من
سبب الوجوب ههنا ما تقرر به الوجوب بل المراد منه الامر الذي إذا وجد استعقب الوجوب ظاهرا
عند وجود أمر آخر وبيان ذلك بأنهم نقلوا قولين فيما إذا ضمن أرش الجناية وما يتولد منها ومعلوم
أن الجناية ليست سببا لما يتولد منها الا على هذا التفسير اما عند قولنا سبب الوجوب النكاح
والتمكين فنعني به ما يقترن به الوجوب فإذا جوزنا ضمان نفقة المستقبل فله شرطان (أحدهما) أن
يقدر مدة أما إذا أطلق لم يصح فيما بعد الغد وفيه وجهان أخذا من الخلاف فيما إذا قال أجرتك كل
شهر بدرهم ولم يقدر هل يصح في الشهر الأول (والثاني) أن يكون المضمون في نفقة المعسرين وإن كان
المضمون عنه موسرا أو متوسطا لأنه ربما يعسر وفي التتمة وجه آخر أنه يجوز ضمان نفقة
الموسرين والمتوسطين لأن الظاهر استمرار ماله وضمان نفقة القريب للمدة المستقبلة لا يجوز وفى ضمان
نفقة اليوم وجهان والفرق أن سبيلها سبيل البر والصلة لا سبيل الديون ولهذا تسقط بمضي الزمان
وضيافة الغير (المسألة الثالثة) من باع شيئا فخرج مستحقا فعليه رد الثمن ولا حاجة فيه إلى شرط
والتزام قال القفال ومن الحماقة اشتراط ذلك في العيالات (1) وان ضمن عنه ضمن ليرجع المشترى عليه بالثمن
لو خرج المبيع مستحقا فهذا ضمان العهدة ويسمى ضمان الدرك أيضا (أما) ضمان العهدة فقد
قال في التتمة إنما سمى به لالتزامه ما في عهدة البائع رده ويجوز أخذه من شيئين آخرين
(أحدهما) قال في الصحاح يقال في الامر عهدة أي لم يحكم بعد وفى عقله عهدة أي ضعف فكأن
364

الضامن ضمن ضعف العقد والتزم ما يحتاج فيه من غرم (والثاني) قال العهدة الرجعة يقال أبيعك
الملسى لا عهدة أي تتملس وينقلب فلا يرجع إلى الضامن التزم رجعة المشترى عليه عند الحاجة (وأما)
الدرك فقد قال في الصحاح الدرك التبعة تسكن وتحرك وفى التتمة انه سمى ضمان الدرك لالتزامه
الغرامة عند إدراك المستحق من ماله وفى صحة هذا الضمان طريقان (أظهرهما) أنها على قولين (أحدهما)
خرجه ابن سريج وغيره أنه لا يصح لأنه ضمان ما لم يجب ولأنه لا يجوز الرهن به فكذلك الكفيل
(وأصحهما) وهو نصه في آخر كتاب الاقرار أنه صحيح وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد لاطباق الناس عليه
وإيداعه الصكوك في جميع الأعصار والمعني فيه أن الحاجة تمس إلى معاملة من لا يعرف من الغرماء ولا
يوثق بيده وملكه ويخاف عدم الظفر به لو ظهر الاستحقاق فيحتاج إلى التوثق (والثاني) القطع
بالصحة حكاه القاضي ابن كج عن أبي إسحاق وابن القطان وأجيب عن توجيه قول المنع بأنه إذا بان
الاستحقاق بان ان رد الثمن كان واجبا ألا انا كنا لا نعرفه (وأما) الرهن فالكلام فيه قد مر في
كتاب الرهن *
(التفريع) ان قلنا بالصحة فذاك إذا ضمن بعد قبض الثمن أما قبله فوجهان (أحدهما)
الصحة لان الحاجة تدعوا إليه إذ ربما لا يثق المشترى بتسليم الثمن الا بعد الاستيثاق (وأصحهما) المنع
لأن الضمان إنما يضمن ما يدخل في ضمان البائع ويلزمه رده وقبل القبض لم يتحقق ذلك وكما يصح
ضمان العهدة للمشترى يصح ضمان نقصان الصنجة للبائع بان جاء المشترى بصنجة ووزن بها الثمن فاتهمه
البائع فيها فضمن ضامن النقصان إن كانت ناقصة وكذا ضمان رداءة الثمن إذا شك البائع في أن المؤدى
هل هو من الضرب الذي يستحقه فإذا خرج ناقصا أو رديئا طالب البائع الضامن بالنقصان وبالضرب
المستحق إذا رد المقبوض على المشترى ولو اختلف البائع والمشترى في نقصان الصنجة صدق البائع
بيمينه فإذا حلف طالب المشتري بالنقصان ولا يطالب الضامن على أقيس الوجهين لان الأصل براءة
ذمته فلا يطالب الا إذا اعترف بالنقصان أو قامت بينة عليه ولو اختلف البائع والضامن في نقصانها
فالمصدق الضامن على أصح الوجهين لان الأصل براءة ذمته بخلاف المشترى فان ذمته كانت
365

مشغولة بحق البائع والأصل بقاء الشغل * واعلم أن الأئمة صوروا ضمان نقصان الصنجة والرداءة في الثمن
كما أوردناه قالوا هذا الضمان للبائع كضمان العهدة للمشترى وحكى هذا صاحب الكتاب في الوسيط
فاما ههنا فإنه قال وكذا ضمان نقصان الصنجة ورداءة الجنس في المبيع فصور ضمان الرداءة في المبيع
وهذا يمكن فرضه فيما إذا باع وشرط كونه من نوع كذا فخرج المبيع من نوع أردأ منه ثبت
للمشترى الخيار والرجوع بالثمن وإذا ضمن ضامن كان له الرجوع على الضامن أيضا وكذا نقصان
الصنجة يمكن تصوير ضمانه في المبيع بان باع بشرط أنه كذا منا فإنه إذا خرج دونه يبطل المبيع على
قول ويثبت للمشترى الخيار على قول كما مر فإذا ضمنه ضامن رجع بالثمن عليه وفى الصورتين يكون
الضمان للمشتري كضمان العهدة ولو ضمن عهدة الثمن لو خرج المبيع معيبا فرده أو بان فساد المبيع
بسبب غير الاستحقاق لتخلف شرط معتبر في المبيع واقتران شرط فاسد ففيه وجهان (أحدهما)
أنه لا يصح (أما) في خروجه معيبا فلان وجوب رد الثمن على البائع ههنا بسبب حادث وهو الفسخ
فالضمان سابق عليه فيكون ضمان ما لم يجب (وأما) في ظهور الفساد بغير الاستحقاق فلان هذا
الضمان إنما جوز للحاجة وإنما تظهر الحاجة في الاستحقاق ولان التحرز عند ظهور الاستحقاق لا
يمكن والتحرز عن سائر أسباب الفساد ممكن (والثاني) يصح لان الحاجة قد تمس إليه أيضا في
معاملة الغرماء ومن لا يوثق بالظفر به كما تمس إلى الضمان بسبب الاستحقاق وذكر في التتمة أن
المذهب هو الوجه الأول لكن أصحابنا العراقين أجابوا بالثاني ورووه عن ابن سريج ونفى صاحب
البيان الخلاف فيه (فان قلنا) بالصحة إذا ضمن ذلك صريحا فقد حكى الامام وصاحب الكتاب
وجهين في اندراجه تحت مطلق ضمان العهدة ونحن تجمع ما يطالب به ضامن العهدة في فصل محتوش
بفصلين ويضمن ثلاثتها بقية مسائل الباب *
(فصل أول) من ألفاظ هذا الضمان أن تقول للمشترى ضمنت لك عهدته أو دركه أو
خلاصك منه ولو قال ضمنت لك خلاص المبيع لم يصح لأنه لم يستقل بتخليصه بعد ظهور الاستحقاق
366

ولو ضمن عهدة الثمن وخلاص المبيع معالم يصح ضمان الخلاص وفى العهدة قولا تفريق الصفة ولو
شرط في المبيع كفيلا بخلاص المبيع بطل بخلاف ما لو شرط كفيلا بالثمن ويشترط أن يكون قدر
الثمن معلوما للضامن فإن لم يكن فهو كما لو لم يكن قدر الثمن معلوما في المرابحة ويجوز ضمان المسلم فيه للمسلم إليه لو
خرج رأس المال مستحقا بعد تسليم المسلم فيه وقبله لا يجوز في أصح الوجهين ولا يجوز ضمان رأس المال للمسلم
لو خرج المسلم فيه مستحقا لان المسلم فيه في الذمة والاستحقاق لا يتصور فيه وإنما يتصور في المقبوض
وحينئذ يطالب المسلم بمثله لا برأس المال *
(فصل ثان) إذا ظهر الاستحقاق فالمشترى يطالب من شاء من البائع والضامن ولا فرق في
الاستحقاق بين أن يخرج مغصوبا وبين أن يخرج شقصا قد ثبت فيه الشفقة ببيع سابق فاخذه
الشفيع بذلك المبيع ولو بان فساد البيع بشرط أو غيره ففي مطالبة الضامن وجهان (أحدهما)
يطالب كما لو خرج مستحقا (والثاني) لا للاستغناء عنه بامكان حبس المبيع إلى استرداد الثمن لان
السابق إلى الفهم من ضمان العهدة هو الرجوع بسبب الاستحقاق ولو خرج المبيع معيبا فرده
المشترى ففي مطالبة الضامن بالثمن وجهان وأولى بان لا يطالب وبه قال المزني وابن سريج لان الرد
ههنا سبب حادث وهو مختار فيه فأشبه ما إذا فسخ بخيار شرط أو مجلس أو تقايلا وهذا
إذا كان العيب مقرونا بالعقد أما إذا حدث في يد البائع بعد العقد ففي التتمة انه لا يطالب الضامن
بالثمن وجها واحد لأنه لم يكن سبب رد الثمن مقرونا بالعقد ولم يوجد من البائع تفريط فيه وفى العيب
الموجود عند البيع سبب الرد مقرونا بالعقد والبائع مفرط بالاخفاء وما لحق بالاستحقاق على
رأى المبيع قبل القبض وبعد قبض الثمن وانفسخ العقد فهل يطالب الضامن بالثمن إن قلنا إنه ينفسخ
من أصله فهو كظهور الفساد بغير الاستحقاق وان قلنا من حينه كالرد بالعيب ولو خرج بعض المبيع
مستحقا ففي صحة البيع في الباقي قولا تفريق الصفقة ان قلنا يصح فاختار المشترى إن قلنا يختر بجميع
367

الثمن لم يطالب الضامن بشئ وان قلنا يختر بالحصة طالبه بحصة المستحق من الثمن وان فسخ طالب
بحصة المستحق من الثمن ومطالبته بحصة الباقي من الثمن كمطالبته عند الفسخ بالعيب وان قلنا لا يصح
ففي مطالبته بالثمن طريقان (أحدهما) انه كما لو بان فساد العقد بشرط ونحوه (والثاني) القطع
بتوجيه المطالبة لاستناد الفساد إلى الاستحقاق وهذا كله فيما إذا كانت صيغة الضمان شيئا مما ذكرنا
في الفصل الأول أما إذا كان قد عين جهة الاستحقاق فقال ضمنت لك الثمن متى خرج المبيع
مستحقا لم يطالب بجهة أخرى *
(فصل ثالث) اشترى أرضا وبني فيها أو غرس ثم خرجت مستحقة وقلع المستحق البناء
والغراس فهل يجب أرش النقصان على البائع وهو ما بين قيمته قائما ومقلوعا فيه خلاف مذكور في
الكتاب في آخر الغصب والظاهر وجوبه وهو الذي حكاه القاضي أبو القاسم الصيمري عن الشافعي
رضي الله عنه في علل الشروط * وحكى عن أبي حنيفة إن كان البائع حاضرا رجع المشترى بقيمة البنا والغراس
عليه قائما ثم المستحق ان شاء أعطى البائع قيمته مقلوعا وان شاء أمره بقلعه وإن كان البائع غائبا قال المستحق
للمشترى ان شئت أعطيتك قيمته مقلوعا والا فاقلعه رجع على المشترى بقيمته على البائع
مقلوعا لأنه سلمه إليه مقلوعا وإذا قلنا بوجوب الأرش على البائع فلو ضمنه ضامن نظر إن كان
قبل ظهور الاستحقاق لم يصح لأنه مجهول ولأنه ضامن ما ليس بواجب وإن كان بعد الاستحقاق
وقبل القلع فكمثل * وقال أبو حنيفة يصح في الصورتين وان ضمنه بعد القلع وكان قدره معلوما صح
وان ضمن ضامن عهدة الأرض وأرش نقص البناء والغراس في عقدة واحدة لم يصح في الأرش
وفى العهدة قولا تفريق الصفقة ولو كان البيع بشرط أن يعطيه كفيلا فهو كما لو شرط في البيع رهنا
فاسدا وذكر جماعة من الأصحاب أن ضمان نقص البناء والغراس كما لا يصح من غير البائع لا يصح
من البائع وهذا ان أريد به أنه لغو كما لو ضمن العهدة لوجوب الأرش عليه من غير الزام فهو
مستمر على ظاهر المذهب والا فهو ذهاب منه إلى أنه لا أرش عليه والله أعلم *
368

قال (واحترزنا باللازم عن نجوم الكتابة فلا يصح ضمانها * ويصح (و) ضمان الثمن في مدة
الخيار إذ مصيره إلى اللزوم * وفى ضمان الجعل في الجعالة وجهان) *
(الصفة الثانية) اللزوم في الديون والديون الثابتة ضربان (أحدهما) مالا مصير له إلى اللزوم بحال
مثل نجوم الكتابة فلا يصح ضمانها كما لا يصح الرهن بها هذا هو المشهور وفيه وجه أنه يصح وبه
قال أبو حنيفة ومم أجد هذا الوجه عن الشيخ أبى محمد أن ابن سريج خرجه على ضمان ما لم يجب
ووجد سبب وجوبه وذكر القاضي ابن كج أنه مأخوذ من تجويز ضمان الجعل في الجعالة على أحد
الرأيين ولو ضمن إنسان عن المكاتب عين نجوم الكتابة نظر ان ضمنه لأجنبي صح وإذا غرم
رجع على المكاتب إذا كان الضمان باذنه وان ضمنه لسيده يبني ذلك على أن الدين هل يسقط
بعجزه وهو على وجهين (إن قلنا) نعم لم يصح الضمان للنجوم في الأصح (والضرب الثاني) ماله مصير
إلى اللزوم فينظر إن كان لازما في حال الضمان صح ضمانه سواء كان مستقرا أو لم يكن كالمهر
قبل الدخول والثمن قبل قبض المبيع لحاجة التوثيق ولا نظر إلى احتمال سقوطه كما لأنظر إلى احتمال
سقوط المستقر بالابراء والرد بالعيب وما أشبههما وان لم يكن لازما حال الضمان فهو على قسمين (أحدهما)
ما الأصل في وضعه اللزوم كالثمن في مدة الخيار في ضمانه وجهان (أحدهما) المنع لأنه ليس بلازم
(وأصحهما) وقد قطع به بعضهم الجواز لأنه ينتهى إلى اللزوم بنفسه عن قريب فيحتاج فيه إلى التوثيق
ثم فيه نظران (أحدهما) أن الخلاف على ما ذكره صاحب التتمة مفروض فيما إذا كان الخيار للمشترى
أولهما أما إذا كان للبائع وحده صح ضمانه بلا خلاف لان الدين لازما في حق من عليه (والثاني)
أشار الامام إلى أن تصحيح الضمان مفرع على أن الخيار لا يمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع (اما)
إذا منعه فهو ضمان ما لم يثبت بعد وقد ذكر مثل هذا الاستدراك في الرهن على ما مر (والثاني) ما
الأصل في وضعه الجواز كالجعل في الجعالة فيه وجهان كما ذكرنا في صحة الرهن به وموضع الوجهين
بعد الشروع في العمل وقبل تمامه على ما بيناه ثم وضمان مال المسابقة يبني على أنها جعالة أو إجارة
إن كان إجارة صح والا فهو كضمان الجعل *
369

قال (واحترزنا بالمعلوم عن ضمان المجهول وهو باطل (ح) على الجديد * وكذلك الابراء
(ح) عن المجهول * والصحيح جواز ضمان أبل الدية كما يجوز الابراء عنها * ولو قال ضمنت من
واحد إلى عشرة فأشهر القولين الصحة) *
(الصفة الثالثة) كونه معلوما وفيها صور (إحداها) في ضمان المجهول طريقان كالطريقين
المذكورين في ضمان ما لم يجب ووجه الجديد أنه اثبات مال في الذمة بعقد فأشبه البيع والإجارة
(وإذا قلنا) بالقديم وبه قال أبو حنيفة ومالك فالشرط أن تتأتى الإحاطة به بأن يقول أنا ضامن
لثمن ما بعت من فلان وهو جاهل به فان معرفته متيسرة (أما) إذا قال ضمنت لك شيئا مما لك
على فلان فهو باطل لا محالة والقولان في صحة ضمان المجهول جاريان في صحة الابراء عن المجهول
بطريق الأولى لأن الضمان التزام والابراء اسقاط وذكروا في الابراء مأخذين (أحدهما)
الخلاف في صحة شرط البراء من العيوب فان العيوب مجهولة الأنواع والاقدار (والثاني) أن
الابراء محض اسقاط كالاعتاق أو هو تمليك للمديون ما في ذمته ثم إذا ملكه سقط وفيه رأيان (ان
قلنا) اسقاط صح الابراء عن المجهول وهو قول أبي حنيفة ومالك (وان قلنا) تمليك لم يصح وهو
ظاهر المذهب وخرجوا على هذا الأصل مسائل (منها) لو عرف المشترى قدر الدين ولم يعرف المبرأ
عنه وسنذكره في الوكالة فان في الكتاب تعرضا له هناك (ومنها) لو كان له دين على هذا ودين
على هذا فقال أبرأت أحدكما (ان قلنا) انه اسقاط صح وأخذ بالبيان (وإن قنا) تمليك لم يصح كما لو كان
في يد كل واحد منهما عبد فقال ملكت أحدهما العبد الذي في يده (ومنها) لو كان لأبيه دين
على إنسان فأبرأه هو ولا يعلم موت مورثه (وان قلنا) انه اسقاط صح كما لو قال لعبد أبيه أعتقتك هو
يعلم موت الأب (وان قلنا) تمليك فهو كما لو باع مال أبيه على ظن أنه حي وهو ميت (ومنها) أنه
لا يحتاج إلى القبول ان جعلناه اسقاطا وان جعلناه تمليكا فنص ابن سريج انه لابد من القبول وظاهر
المذهب أنه لا حاجة إليه لأنه إن كان تمليكا فالمقصود منه الاسقاط وقد نص على هذا في كتاب
370

الايمان فان اعتبرنا القبول ارتد بالرد وان لم نعتبره ففي ارتداده بالرد وجهان وهذه المسائل مخرجة
على المأخذ المذكور أوردها صاحب التتمة مع أخوات لها واحتج للرأي الذاهب إلى كونه
تمليكا بأنه لو قال للمديون ملكتك ما في ذمتك صح وبرئت ذمته عن غير نية وقرينة ولولا أنه
تمليك لافتقر إلى نية أو قرينة كما إذا قال لعبده ملكتك رقبتك أو لزوجته ملكتك نفسك يحتاج
إلى النية *
(فرع) لو جاء المغتاب إلى من اغتابه فقال إني اغتبتك فاجعلني في حل ففعل وهو لا يدرى
بما اغتابه فوجهان (أحدهما) انه يبرأ لان هذا اسقاط محض فصار إذا كما عرف أن عبدا قطع عضوا
من عبده ولم يعرف عين العضو المقطوع فعفي عن القصاص يصح (والثاني) لا لان المقصود حصول
رضاه والرضا بمجهول لا يمكن وتخالف مسألة القصاص لان العفو على القصاص مبني على التغليب
والسراية واسقاط المظالم غير مبني عليه (الصورة الثانية) ضمان أروش الجنايات صحيح إن كان دراهم
أو دنانير وفى ضمان إبل الدية إذا لم نجوز ضمان المجهول وجهان ويقال قولان (أحدهما) المنع لأنها
مجهولة الصفة واللون (والثاني) انه صحيح أيضا لأنها معلومة السن والعدد والرجوع في اللون والصفة إلى
غالب إبل البلد ولأن الضمان تلو الابراء والابراء عنها صحيح فكذا الضمان وهذا الأظهر ومنهم من
قطع به ثم إذا كان الضمان بحيث يقتضى الرجوع فيرجع بالحيوان أو بالقيمة قال الامام لا يمتنع ان
يجرى فيه الخلاف المذكور في اقراض الحيوان ولا يجوز ضمان الدية على العاقلة قبل تمام السنة
لأنها غير ثابتة بعد (الثالثة) إذا منعنا ضمان المجهول فلو قال ضمنت مالك على فلان من درهم إلى عشرة ففيه
قولان على ما رواه الغزالي والصيدلاني ووجهان على ما رواه الامام وآخرون (أحدهما) أنه لا يصح لما فيه من الجهالة
(وأظهرهما) الصحة لان المنع من ضمان المجهول لما فيه من الغرر وإذا ثبتت الغاية الملتزمة فقد وطن نفسه عليها
وانتفي الغرر (وإذا قلنا) بالصحة وكان له عليه عشرة أو أكثر يلزمه عشرة ادخالا للطرفين في الملتزم أو
ثمانية اخراجا لهما أو تسعة ادخالا للطرف الأول لأنه مبدأ الالتزام فيه أوجه سيعود مثلها في
371

الاقرار قال في التهذيب والأصح الأول ولو قال ضمت لك ما بين درهم وعشرة فان عرف أن دينه
لا ينقص عن عشرة صح وكان ضامنا لثمانية وان لم يعرف ففي صحته في الثمانية قولان أو الوجهان ولو
قال ضمنت لك الدراهم التي لك على فلان وهو لا يعرف مبلغها فهل يصح في ثلاثة لدخولها في اللفظ
على كل حال فيه وجهان كما لو قال أجرتك كل شهر بدرهم هل يصح في الشهر الأول وهذه المسائل
بعينها جارية في الابراء فإذا عرفت ما ذكرنا لم يخف عليك أن قوله في أول الركن ثابتا لازما معلوما
ينتظم أعلام ثلاثتها - بالحاء والميم والواو - وأنه يدخل في الضبط المذكور في الزكاة فيجوز ضمانها عمن
هي عليه وفى تجربة الروياني ذكر وجه آخر أنه لا يجوز لأنها حق الله تعالى فأشبه الكفالة بندب
الشاهد لأداء الشهادة وعلى الصحيح هل يعتبر الاذن عند الأداء قال فيه وجهان (أظهرهما) الاعتبار
ويجوز ضمان المنافع الثابتة في الذمم كالأموال *
قال (ويصح (و) كفالة البدن عن كل من وجب عليه الحضور بمجلس الحكم من زوجة
أو عبد آبق أو من عليه عقوبة لآدمي على الأظهر لأنه حق كالدين فلا يشترط كونه مالا * وكذلك
ضمان عين المغصوب والمبيع * وكل ما يجب مؤنة تسليمه دون الوديعة والأمانات * وتصح كفالة
البدن ممن ادعى عليه وان لم تقم عليه البينة بالدين إذ الحضور مستحق عليه * ومعناها الزام احضاره
وتصح الكفالة ببدن الميت إذ قد يستحق احضاره لأداء الشهادة على صورته) *
الكلام في هذا الموضع إلى آخر الركن في كفالة البدن وتسمى كفالة الوجه أيضا وأنما أوردها
في هذا الموضع لاستغنائها عن المضمون فان الشئ المضمون قد يكون حقا على الشخص وقد يكون
نفس الشخص ولفظ الكتاب في أول الباب عند ذكر الأركان في بعض النسخ وهي ستة وذلك على
عد كفالة البدن ركنا برأسها وكذلك أورد في الوسيط ركن الصيغة هو الركن السادس وفى بعض
النسخ وهي خمسة وركن الصيغة هو الركن الخامس وهذا أحسن * وفقه الفصل أن الشافعي رضي الله عنه
نص في أكثر المواضع على أن كفالة البدن صحيحة وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم
الله وذكر في الدعوى والبينات أن كفالة البدن ضعيفة وللأصحاب طريقتان (أشهرهما) وبها قال
372

المزني وأبو إسحاق أن فيها قولين (أصحهما) الصحة لاطباق الناس عليها في الاعصار ومساس الحاجة
إليها (الثاني) المنع لأنها ضمان ما لا يدخل تحت اليد ولا يقدر على تسليمه (والثانية) القطع بالصحة
وحمل ما ذكره في الدعاوي على ضعفها من جهة القياس ويتفرع على القول بصحتها مسائل وتفريعات
يشتمل الفصل منها على مسألتين (إحداهما) فيمن يتكفل ببدنه وتجوز الكفالة ببدن من عليه مال
ولا يشترط العلم بمبلغ ذلك المال لان الكفالة بالبدن لا بالمال وفيه وجه أنه يشترط بناء على أنه لو
مات غرم الكفيل ما عليه ويشترط أن يكون ذلك المال بحيث لو ضمنه لصح حتى لو تكفل انسان
ببدن المكاتب للنجوم التي عليه لم يصح لأنه لو ضمن النجوم لم يصح فالكفالة بالبدن للنجوم
أولى أن تصح ذكره العراقيون وغيرهم (أما) إذا كان عليه عقوبة فينظر إن كانت من حقوق الآدميين
كالقصاص وحد القذف فقد نص في اللعان أنه لا يضمن رجل في حد ولا لعان وعن نقل المزني في
الجامع الكبير أنه قال تجوز الكفالة بمن عليه حق أوحد واختلف الأصحاب فيه على طرق
(أظهرها) ويحكي عن ابن سريج أنه على قولين (أحدهما) الجواز لأنه حق لازم فأشبه المال ولان
الحضور مستحق عليه فجاز التزام احضاره (والثاني) المنع لان العقوبات مبنية على الدفع فتقطع
الذرائع المؤدية إلى توسعها وعن الشيخ أبى حامد بناء القولين على أنه إذا مات المكفول ببدنه هل يغرم
الكفيل ما عليه من الدين (ان قلنا) نعم لم تصح الكفالة ههنا لأنه لم يمكن مؤاخذته بما عليه (وان
قلنا) لاصحت كما لو تكفل ببدن من عليه مال وقضية هذا البناء أن يكون قول التصحيح أظهر وهو
اختيار القفال وصاحب الكتاب وادعى القاضي الروياني أن المذهب المنع (والطريق الثاني) القطع
بالجواز وحمل ما ذكره في اللعان على الكفالة بنفس الحد (والثالث) القطع بالمنع لأنه لا تجوز
الكفالة بما عليه فلا تجوز الكفالة ببدنه رواه القاضي الروياني في اللعان وإن كانت العقوبة من
حدود الله تعالى فالمشهور أنه لا تصح الكفالة ببدنه لأنها للتوثيق وحدود الله تعالى يسعى في دفعها
ما أمكن وعن أبي الطيب بن سلمة وابن خيران طرد القولين فيه والخلاف في هذا الباب شبيه
373

بالخلاف في ثبوت العقوبات بالشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي * هذا حكم من عليه
مال أو عقوبة وضبط الامام والمصنف من يكفل ببدنه بما يدخل فيه هذان وغيرهما فقال حاصل
كفالة البدن التزام احضار المكفول ببدنه وبكل من يلزمه حضوره مجلس الحكم عند الاستعداء
أو يستحق احضاره تجوز الكفالة ببدنه ويخرج على هذا الضبط صور (منها) الكفالة ببدن امرأة
يدعى رجل زوجيتها صحيحة لان الحضور مستحق عليها وكذلك الكفالة بها لمن ثبتت زوجيته
وقال في التتمة الظاهر أن حكم هذه الكفالة حكم الكفالة ببدن من عليه القصاص لان المستحق
عليها لا يقبل النيابة (ومنها) لو تكفل ببدن عبد آبق لمالكه عن ابن سريج أنه يصح ويلزمه السعي
في رده ويجئ فيه مثل ما حكيناه في الزوجة (ومنها) الميت قد يستحق احضاره ليقيم الشهود الشهادة
على صورته إذا تحملوها كذلك ولم يعرفوا اسمه ونسبه وإذا كان كذلك فتصح الكفالة ببدنه ولو
تكفل ببدن حي فمات فسيأتي إن شاء الله تعالى (ومنها) الصبي والمجنون قد يستحق احضارهما
لإقامة الشهادة على صورتهما في الاتلافات وغيرها فتجوز الكفالة بها ثم إن كفل باذن وليهما فله
مطالبة الولي باحضارهما عند الحاجة وان تكفل بغير اذنه فهو كالكفالة ببدن العاقل البالغ بغير اذنه
(ومنها) قال الامام لو تكفل رجل ببغداد ببدن رجل بالبصرة فالكفالة باطلة لان من بالبصرة لا
يلزمه الحضور ببغداد في الخصومات والكفيل فرع المكفول ببدنه فإذا لم يجب عليه الحضور
لا يمكن إيجاب الاحضار على الكفيل واعلم أن الحق الذي تجوز بسببه الكفالة إن ثبت
على المكفول ببدنه باقرار أو بينة فذاك وان لم يثبت لكنه ادعى عليه فلم ينكر
وسكت صحت الكفالة أيضا وان أنكر فوجهان (أحدهما) أنها لا تصح لان الأصل أن لاحق عليه
وقد تأيد ذلك بصريح انكاره والكفالة ببدن من لاحق عليه باطلة (وأصحهما) الجواز لان
الحضور مستحق عليه فجاز التزام احضاره ومعظم الكفالات في الخصومات إنما يتفق قبل ثبوت
الحقوق وتجوز الكفالة ببدن الغائب والمحبوس وان تعذر تحصيل الغرض في الحال كما يجوز للمعسر
374

ضمان المال * وقال أبو حنيفة لا يجوز ويجب أن يكون المكفول ببدنه معينا فلو كفل ببدن أحد هذين
لم يصح كما لو ضمن أحد الدينين (المسألة الثانية) في ضمان الأعيان - إذا ضمن عينا لمالكها وهي
في يد غيره نظر إن كانت مضمونة عليه كالمغصوب والمستعار والمستام والأمانات إذا خان فيها فله تصويران
(أحدهما) أن يضمن رد أعيانها (والمشهور) تخرجه على قولي كفالة الأبدان ومنهم من قطع بالجواز مع
اثبات الخلاف في كفالة الأبدان والفرق أن حضور الخصم ليس مقصودا في نفسه وإنما هو ذريعة
إلى تحصيل المال فالتزام المقصود أولى بالصحة من التزام لذريعة وان جوزنا وبه قيل أبو حنيفة وأحمد
فردها برئ من الضمان وان تلفت وتعذر ردها فهل عليه قيمتها فيه وجهان كالوجهين في وجوب
الغرم على الكفيل إذا مات المكفول ببدنه فان أوجبنا فيجب في المغصوب أقصي القيم أم قيمته
يوم التلف لان الكفيل لم يكن متعديا حكى الامام فيه وجهين ولو ضمن تسليم المبيع وهو بعد بيد البائع
جرى الخلاف في الضمان ان صححناه وتلف انفسخ البيع فإن لم يوف المشترى الثمن لم يطالب الضامن
بشئ وإن كان قد وفاه عاد الوجهان في أن الضامن هل يغرم فان غرمناه فيغرم الثمن أو أقل الأمرين
من الثمن وقيمة لمبيع فيه وجهان (أظهرهما) أولهما (والتصوير الثاني) أن يضمن قيمتها لو تلفت قال في التهذيب
يبني ذلك على أن المكفول ببدنه إذا مات هل يغرم الكفيل الدين (إن قلنا) نعم صح ضمان القيمة لو تلفت العين
والألم يصح وهو الأصح وأيضا فان القيمة قبل تلف العين ليست بواجبة فيكون ضمان ما لم يجب وان لم تكن
مضمونة العين على صاحب اليد كالوديعة ومال الشركة والمال في يد الوكيل والوصي لم يصح ضمانها لأنها غير
العين مضمونة ولا مضمون الرد وإنما الذي يجب على الأمين مجرد التخلية ولو تكفل ببدن العبد الجاني جناية
توجب المال فهو كما لو ضمن عينا من الأعيان (ومنهم) من جزم بالمنع والفرق أن العين المضمونة مستحقة
ونفس العبد ليست بمستحقة وإنما المقصود تحصيل الأرش من بدله وبدله مجهول ولو باع ثوبا بشئ أو درهم معينة
فضمن ضامن عهدة المبيع حتى إذا خرج مستحقا رد عليه الثمن وهو قائم في يد البائع فهذا من صور ضمان الأعيان
وان تلف في يد البائع فضمن قيمته فهو كما لو كان الثمن في الذمة وضمن العهدة ولو رهن ثوبا من إنسان ولم يقبضه
فضمن رجل تسليمه لم يصح لان ضمانه ضمان ما ليس بلازم (أما) لفظ الكتاب فقد وقع في ترتيبه بعض
375

التغيير لا عن غفلة لكنه اكتفى بالشرح (وقوله) وتصح كفالة البدن معلم - بالواو - (وقوله)
عن كل من وجب عليه حضور مجلس الحكم هو الضبط الذي ذكره الامام (وقوله) على الأظهر
أي في من عليه عقوبة لآدمي ولم يقصد صرف الخلاف إلى الزوجة والعبد الآبق على ما هو واضح
في الوسيط كما أسلفنا فيهما ما يقتضى الخلاف فيجوز اعلام الزوجة والعبد - بالواو - (وقوله) من عليه
عقوبة لآدمي يصح اعلامه - بالألف - لان أحمد لا يجوز الكفالة ببدنه (وقوله) ولا يشترط كونه ما لا ليس
مسألة أخرى بل هو تتمة وايضاح لما سبق (وقوله) وكذا ضمان عين المغصوب معلم - بالواو - *
قال (ويخرج الكفيل عن العهدة بتسليمه في المكان الذي شرط أراده المستحق أو أباه الا
أن يكون دونه يد جليلة مانعة فلا يكون تسليما * ويلزمه اتباعه في غيبته أن عرف مكانه * فان
مات أو هرب أو اختفى فالصحيح انه لا يلزمه شئ * وقيل يلزمه الدين ان قامت به البينة (فان قلنا)
لا يلزمه شئ سوى الاحضار فلا تجوز الكفالة دون رضا المكفول ببدنه وتجوز الكفالة ببدن الكفيل
كما يجوز ضمان الضامن * فإذا مات المكفول له انتقل الحق إلى ورثته على الأظهر * ومهما حضر
بنفسه برئ الكفيل كما لو أدى الأصيل الدين) *
في الفصل مسائل مفرعة على صحة الكفالة بعضها مصرح به وبعضها مشار إليه (الأولى) ان عين في
الكفالة مكانا للتسليم تعين وان أطلق ففي التتمة أنه كما لو أطلق السلم ولم يعين مكان التسليم وقال
الامام وغيره يحمل على مكان الكفالة ولا يجئ فيه ذلك الخلاف وسواء جاء الخلاف أم لا فالظاهر جوازه
وحمله على ذلك المكان فلو أتى الكفيل بالمكفول به في غير المكان المستحق جاز قبوله وله أن
يمتنع إن كان له فيه غرض بأن كان قد عين مجلس الحكم أو بقعة يجد فيها من يعينه على خصمه
فسلمه الكفيل في مكان آخر وان لم يختلف الغرض فالظاهر أنه يلزمه قبوله فان امتنع رفعه إلى الحاكم
ليستلم عنه فإن لم يكن حاكم اشهد عليه شاهدين أنه سلمه إليه (الثانية) يخرج الكفيل عن العهدة
376

بتسليمه في المكان الذي وجب فيه التسليم طلبه المستحق أو لم يطلبه بل أباه بشرط أن لا يكون
هناك حائل كيد سلطان أو متغلب وحبس الحاكم بالحق لا يمنع صحة التسليم لامكان احضاره
ومطالبته بالحق ولو حضر المقر له به وقال سلمت نفسي إليك عن جهة الكفيل برئ الكفيل كما
يبرأ الضامن بأداء الأصيل الدين ولو لم يسلم نفسه عن جهة الكفيل لم يبرأ الكفيل لأنه لم يسلمه إليه ولا
أحدا من جهته حتى قال القاضي الحسين لو ظفر به المكفول له في مجلس الحكم وادعى عليه لم يبرأ
الكفيل وكذا لو سلمه أجنبي لا عن جهة الكفيل ولو سلمه عن جهة الكفيل فإن كان باذنه فهو كما
لو سلمه بنفسه وإن كان بغير إذنه فليس على المكفول له القبول لكن لو قبل برئ الكفيل ولو كفل برجل
لرجلين فسلمه إلى أحدهما لم يبرأ عن حق الآخر كما لو ضمن لشخصين دينين فأدى دين أحدهما ولو كفل رجلان
لرجل فجاء به أحدهما وسلمه إلى المكفول له نقل صاحب التهذيب انهما ان كفلا على الترتيب وقع تسليمه عن المسلم
دون صاحبه سواء قال سلمت عن صاحبي أو لم يقل وان كفلا معا فوجهان قال المزني يبرأ صاحبه
كما يبرأ المسلم أما إذا أدى أحد الضامنين الدين يبرآن جميعا وقال ابن سريج والأكثرون لا يبرآ كما
لو كان بالدين رهنان فانفك أحدهما لا ينفك الآخر ويخالف أداء أحدهما الدين فإنه يوجب براءة
الأصيل وإذا برئ الأصيل برئ كل ضامن وإن كانت المسألة بحالها وكفل كل واحد من الكفيلين
ببدن صاحبه ثم أحضر أحدهما المكفول به وسلمه فعلى ما ذكره المزني يبرءا كل واحد منهما عن كفلة
صاحبه وكفالة الذي كفلا به وعلى ما ذكره ابن سريج يبرأ المسلم عن كفالة صاحبه وكفالة الذي كفلا
به ولما يخرج الكفيل عن العهدة بالتسليم يبرأ أيضا بإبراء المكفول له المكفول به ولو قال المكفول
له لاحق لي قبل المكفول به أو عليه فوجهان عن ابن سريج (أحدهما) أنه يبرأ الأصيل والكفيل
(والثاني) أنه يراجع فأن فسر بنفي الدين فذاك وان فسر بنفي الشركة والوديعة ونحوهما قبل قوله
فأن كذباه حلف (الثالثة) إذا غاب المكفول ببدنه نظر ان غاب غيبة منقطعة والمراد منها أن لا يعرف
موضعه وينقطع خبره فلا يكلف الكفيل بإحضاره لعدم الامكان وإن عرف موضعه فأن كان دون
377

مسافة القصر فعليه إحضاره لكنه يمهل مدة الذهاب والإياب ليتبعه فأن مضت المدة ولم يحضره
حبس حينئذ وإن كان على مسافة القصر فوجهان (أظهرهما) أنه كما لو كان دون مسافة القصر وكما
لو كان مال المديون غائبا إلى هذه المسافة يؤمر بإحضاره (الثاني) أنه لا يطلب به الحاقا لهذه الغيبة
بالغيبة المنقطعة كما أنه لو غاب غيبة منقطعة * ولو كان غائبا حين كفل فالحكم في إحضاره كما لو غاب
بعد الكفالة وما حكينا عن الامام في كفالة من بالبصرة جواب على أنه لا يلزم الاحضار لان الكفالة
حينئذ لا فائدة فيها فتبطل ولو مات المكفول به ففي انقطاع طلب الاحضار عن الكفيل وجهان
(أصحهما) انه لا ينقطع بل عليه إحضاره ما لم يدفن إذا أراد المكفول له إقامة الشهادة على صورته
كما لو تكفل ابتداء ببدن الميت (والثاني) ينقطع حملا للاحضار الملتزم على حال الحياة فإنه الذي
يخطر بالبال غالبا وهل يطلب الكفيل بمال فيه وجهان (أصحهما) لا وبه قال أبو حنيفة لأنه لم يلتزمه
وهذا كما لو ضمن ضامن المسلم فيه فانقطع لا يطالب برد رأس المال (والثاني) وبه قال ابن سريج
ويحكي عن مالك أنه يطالب لان الكفالة وثيقة فيستوفى الحق منها إذا تعذر تحصيله ممن عليه كالرهن
وعلى هذا فالمطالبة بالدين أو بالأقل من الأرش وقيمة العبد وإن هرب المكفول به إلى حيث لا يعلم أو
توارى فالخلاف في مطالبة الكفيل بالمال مرتب على حال الموت وأولى بأن لا يطالب إذا لم يحصل
اليأس عن إحضاره ولو تكفل ببدن رجل وشرط عليه أنه إذا عجز عن تسليمه غرم الدين (فأن قلنا)
إنه يغرم عند الاطلاق فلا بأس والا بطلت الكفالة (الرابعة) ظاهر المذهب أن الكفالة بغير رضا
الكفول به لا تصح ومنهم من قال تصح والخلاف مبنى على أن الكفيل هل يغرم عند العجز (إن
قلنا) لا لم تصح لأنه إذا تكفل بغير إذنه لا يمكنه إحضاره إذ لا يلزم الإجابة فلا تفضى الكفالة إلى مقصودها
وان قلنا نعم صحت ويغرم المال عند العجز فتظهر فائدة الكفالة وعن صاحب التقريب حكاية وجه
أنها تصح (وان قلنا) إنه لا يغرم عند العجز وسنبينه إن شاء الله تعالى في التفريع وتصح الكفالة
378

من غير رضا المكفول له ويجرى فيه الوجه المذكور في اعتبار رضا المضمون له في ضمان المال قال
الامام إذا تقرر ذلك فان كفل برضا المكفول به وأراد احضاره بطلب المكفول له نظر ان قال أحضر
خصمي فللكفيل مطالبته بالحضور وعليه الإجابة لا بسبب الكفالة ولكن لأنه قد وكله باحضاره وان لم
يقل ذلك ولكن قال اخرج عن حقي فهل له مطالبته المكفول به فيه وجهان عن ابن سريج (أحدهما)
لا كما لو ضمن بغير اذنه مالا وطلب المضمون له الضامن فإنه لا يطالب الأصيل وذكر على هذا أنه
يحبس واستبعده الأئمة لأنه حبس على مالا يقدر عليه (والثاني) نعم لان المطالبة بالخروج عن العهدة
تضمن التوكيل والاحضار ومن هذا خرج الذي حكاه صاحب التقريب فإنه إذا طالب الكفيل
المكفول بالحضور فتظهر الفائدة (الخامسة) لو تكفل ببدن الكفيل كفيل جاز لأنه تكفل ببدن
من عليه حق لازم وكذا لو تكفل بذلك الكفيل الكفيل آخر ولا حصر كما في ضمان المال ثم مهما
برئ الكفيل الأول برئ كل من بعده ولو برئ الآخر لم يبرأ من قبله ولو برئ بعض الكفلاء
المتوسطين برئ من بعده دون من قبله (السادسة) في موت المكفول له ثلاثة أوجه عن ابن سريج
(أظهرها) ابقاء الكفالة وقيام ورثته مقامه كما لو ضمن له المال (والثاني) أنها تنقطع لأنها ضعيفة فلا
نحكم بثبوتها (والثالث) إن كان له وصى أو عليه دين بقيت الكفالة لان الوصي نائبه وتمس حاجته
إلى قضاء الدين وان لم يكن وصى ولا دين انقطعت (وقوله) في الكتاب ويلزمه اتباعه في عينه يجوز
إعلامه - بالواو - لاحد الوجهين المذكورين فيما إذا كانت الغيبة إلى مسافة القصر (وقوله) لا يلزمني شئ
يجوز إعلامه - بالميم - وكذا اعلام قوله يلزمه الدين - بالحاء - (وقوله) فان قلنا لا يلزمه شئ سوى الاحضار
فلا يجوز - بالواو - للوجه الذي حكاه صاحب التقريب أنها جائرة دون رضاه (وان قلنا) لا يجب على
على الكفيل شئ سوى الاحضار (وقوله) ومهما حضر بنفسه برئ الكفيل يحتاج إلى تقييد معني
حضر وسلم نفسه عن جهة الكفيل *
379

قال (الركن الخامس الصيغة وهي قوله ضمنت وتكفلت وتحملت * وما ينبئ عن اللزوم *
ولو قال أؤدي أو أحضر لم يكن ضامنا ولو شرط الخيار في الضمان فسد * ولو علقه بمجئ الشهر
فسد * (ح) * ولو علق الكفالة بالبدن بمجئ الشهر أو بوقت الحصاد ففيه خلاف لأنه بني على المصلحة
ولا يجوز تعليق الابراء كما لا يجوز تعليق ضمان المال * ولو نجز كفالة البدن وشرط التأخير في الاحضار شهرا
جاز للحاجة * ولو شرط الأجل في ضمان المال الحال ففيه خلاف * ولو ضمن المؤجل حالا ففي فساد
الشرط وجهان * فان فسد ففي فساد الضمان وجهان * ولو تكفل بعضو من بدنه صح في الكل على
وجه * وفسد على وجه * وصح إن كان العضو لا يبقى البدن دونه على وجه والا فلا) *
المقصود الكلام في صيغة الضمان وما يقترن بها من الشروط والتعليقات وفيه مسائل نضرب
فيها كل واحد من ضمان المال وكفالة البدن بسهم (الأولى) لابد من صيغة دالة على التزام كقوله ضمنت
لك ما على فلان وأنا بهذا المال أو باحضار هذا الشخص كفيل أو ضامن أو زعيم أو حميل أو قبيل وفى البيان
وجه في لفظ القبيل أنه ليس بصريح ويطرد في الحميل وما ليس بمشهور ولو قال حل عن فلان والدين الذي لك
عندي فهذا ليس بصريح في الضمان خلافا لأبي حنيفة فيما رواه صاحب البيان وذكر وجهين فيما إذا قال دين
فلان إلى ولو قال أؤدي المال أو أحضر الشخص فهذا بالتزام وإنما هو وعد ولو كان قد تكفل ببدن انسان
فأبرأه المكفول له ثم وجده ملازما للخصم فقال خله وأنا على ما كنت عليه من الكفالة حكم ابن
سريج بكونه كفيلا لأنه اما مبتدئ بالكفالة بهذا اللفظ أو مخبر عن كفالة واقعة بعد البراءة (الثانية)
لو شرط الضامن الخيار لنفسه لم يصح لأنه ينافي مقصود الضمان ولا حاجة إليه فان الضامن على يقين
من الغرم ولو شرط الخيار للمضمون له لم يضر لان الخيرة في لابراء والمطالبة إليه أبدا وكذا
الحكم في الكفالة وعن أبي حنيفة أن شرط الخيار لا يبطلها لكنه يلغو ولو علق الضمان بوقت أو
غيره فقال إذا جاء رأس الشهر فقد ضمنت أو ان لم يؤد ما لك غدا فانا ضامن لم يصح لأنه عقد من
العقود فلا يقبل التعليق كالبيع ونحوه وهذا كما أنه لا يقبل التأقيت بأن يقول أنا ضامن إلى شهر فإذا
مضى ولم أغرم فانا برئ وعن ابن سريج أنه إذا جاز على القديم ضمان المجهول وما لم يجب جاز التعليق لان
380

من ضرورة الضمان قبل الوجوب تعليق المقصود بالوجوب وبه قال أبو حنيفة فيما رواه صاحب البيان قال الامام
ويجئ في تعليق الابراء القولان بطريق الأولى فان الابراء اسقاط قال وكان لا يمتنع من جهة القياس
المسامحة به في الجديد أيضا لان سبب امتناع التعليق في العقود المشتملة على الايجاب والقبول خروج
الخطاب والجواب بسببه عن النظم اللائق بهما فإذا لم يشترط فيه القبول كان بمثابة الطلاق والعناق
فإذا فرعنا على القديم فلو قال إذا بعت عبدك بألف فانا ضامن للثمن فباعه بألفين فعن أبي يوسف أنه
يصير ضامنا لألف لان مقصود الضامن أن الزيادة على الألف غير ملزمة ولا غرض له في قدر الثمن
وجعله صاحب التقريب وجها لنا قال ابن سريج لا يكون ضامنا لشئ لان الشرط وهو البيع بألف
لم يتحقق ولو باعه بخمسمائة ففي كونه ضامنا لها الوجهان ولو قال إذا أقرضته عشرة فانا ضامن لك
فأقرضه خمسة عشر فهو ضامن لعشرة على الوجهين لان من أقرض خمسة عشر فقد أقرض عشرة
والبيع بخمسة عشر ليس بيعا بعشرة وان أقرضه خمسة فعن ابن سريج تسليم كونه ضامنا لها قال الامام
وهو خلاف قياسه لان الشرط لم يتحقق ولو علق كفالة البدن لمجئ الشهر فان جوزنا تعليق
ضمان المال فهذا أولى وان منعنا منه ففيه وجهان كالخلاف في تعليق الوكالة والفرق أن الكفالة مبنية
على المصلحة والحاجة فتتبع فيها الحاجة وان علقها بحصاد الزرع فالوجهان بالترتيب وأولى بالمنع لانضمام الجهالة
لوقت حصوله إلى التعليق فان علقها بقدوم زيد فالوجهان بالترتيب وأولى بالمنع للجهل بأصل حصول
القدوم والحصاد يحصد تقدم أو فأخر فان جوزنا فإذا وجد الشرط المعلق عليه صار كفيلا
وهذه الصورة وترتيبها عزاها الامام إلى ابن سريج ولو أقت كفالة البدن فقال أنا كفيل به إلى شهر
فإذا مضى برأت فيه وجهان وفى التهذيب قولان (أظهرهما) المنع كما في ضمان المال ولو نجز الكفالة وشرط التأخير
في الاحضار شهرا جاز للحاجة وكذا في الوكالة وتوقف الامام فيه من جهة أن المعتد في الباب الحضور
والحضور ناجز إذ المدعى مهما أراد أحضره فكان شرط التأخير فيه كشرط التأجيل في ضمان المال الحال
وسنذكره على الأثر إن شاء الله تعالى وسياق المصنف ما رآه وجها في الوسيط فاعلم بذلك قوله ههنا
381

جاز للحاجة - بالواو - وإذا قلنا بظاهر المذهب فلو أحضره قبل مضى المدة وسلمه وامتنع المكفول له من قبوله
فينظر هل له غرض من الامتناع مثل أن تكون بينته غائبة أو دينه مؤجلا أم لا وحكم القسمين
على ما ذكرنا فيما إذا سلمه في غير المكان المعين ولو شرط لاحضاره أجلا مجهولا كالحصاد ففي صحة
الكفالة وجهان نقلهما العراقيون (أصحهما) المنع (وبالثاني) قال أبو حنيفة (الثالثة) لو ضمن الدين
الحال حالا أو أطلق لزمه الدين حالا وان ضمن الدين المؤجل مؤجلا بذلك الأجل أو أطلق لزمه
كذلك فأن ضمن الحال مؤجل إلى أجل معلوم فوجهان (أحدهما) أنه لا يصح الضمان لكون الملتزم
مخالفا لما على الأصيل (وأصحهما) الصحة لأن الضمان تبرع فيحتمل فيه اختلاف الدينين في الكيفية
للحاجة وعلى هذا فالذي يوجد لعامة الأصحاب انه يثبت الأجل ولا يطالب الا كما الزم ولا يقول
التحق الأجل بالدين الحال وإنما يثبت عليه مؤجل ابتداء ولا يبعد الحلول في حق الأصل دون
الكفيل كما لو مات الأصيل وعليه الدين المؤجل وادعى الامام اجماع الأصحاب على أن الأجل لا يثبت وان في
فساد الضمان لفساده وجهان (أظهرهما) الفساد ولو كان الدين مؤجل إلى شهرين
فهو كما لو ضمن مؤجلا إلى ولو ضمن المؤجل حالا والتزم التبرع بالتعجيل مضموما
إلى التبرع بأصل الضمان فوجهان كما في عكسه والأصح الصحة وعلى هذا فهل عليه الوفاء بشرط
التعجيل فيه وجهان (أحدهما) نعم كأصل الضمان (وأشبههما) لا كما لو التزم الأصيل التعجيل وأيضا فأن
الضامن فرع الأصيل فينبغي أن يكون بالذمة مضاهيا لما على الأصيل وعلى هذا فالأجل يثبت في
حقه مقصودا أم تبعا لقضاء حق المشابهة نقل في النهاية فيه وجهين وتظهر فائدتهما فيما لو مات الأصيل
والحالة هذه وعكس صاحب التقريب فقال في صحه شرط التعجيل وجهان فأن فسد ففي إفساد الضمان وجهان
وهو قريب وله نظائر في الشرط الفاسد * ولو ضمن المؤجل إلى شهرين فهو كما لو ضمن المؤجل حالا (وقوله)
382

في الكتاب وشرط الأجل في ضمان المال الحال فيه خلاف أي في إفساده الضمان هذا إذا راعينا طريقة الأكثرين
وحكي في الوسيط وجهين في ثبوت الأجل ووجهين في فساد الضمان به إذا لم يثبت الأجل كما حكاهما
الامام فيمكن على طريقته أن يريد بقوله فيه خلاف أي في ثبوته (الرابعة) لو تكفل ببدن فلان
أو نفسه أو جسمه صح وكذا لو قال بروحه ذكره في التهذيب ولو تكفل بعضو من أعضائه ففيه
ثلاثة أوجه (أحدها) وبه قال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب واختاره ابن الصباغ أنه باطل
كما لو أضاف البيع والإجارة إلى بعض الأعضاء ويخالف الطلاق والعتاق لأنهما مبنيان على الغلبة
والسراية (والثاني) أنه يصح لأنه لا يمكن تسليمه بحال إلا بتسليم الكل ويجوز أن يحتمل فيه مالا
يحتمل في البيع ونحوه للحاجة (وثالثها) إن كان عضوا لا يبقى البدن دونه كالرأس والقلب والكبد
والدماغ صح وإن كان مما يبقى البدن دونه كاليد والرجل لم يصح قال في التهذيب وهذا أصح
(رابعها) إنما يعبر به عن جميع البدن كالرأس والرقبة إذا تكفل به صح وما لا يعبر به عن الجميع
كاليد والرجل إذا أضاف به لم يصح أورده القفال في شرح التلخيص وقال إنه الأصح وفى قوله لا
يعبر باليد عن الجملة في أحد الوجهين كما سيأتي في موضعه والوجه بمثابة سائر الأعضاء فيما أورده المعظم
وفى النهاية تصح الإضافة إليه جزما لشهرة هذا العقد بكفالة الوجه والجزء الشائع كالنصف والثلث
كالجزء الذي لا يبقي البدن دونه فيجئ فيه وجهان والله أعلم * ونختم الباب بفروع هي منهانته
ونراعي الاختصار * ضمن عن رجل ألفا وشرط للمضمون له أن يدفع إليه كل شهر درهما ولا يحسبه
من مال الضمان فالشرط باطل وفى بطلان الضمان وجهان ذكرهما القاضي ابن كج ولو كفل دينا
383

أو كفل ببدن انسان ثم ادعى أنه كفل ولا حق على المضمون عنه أو المكفول به فالقول قول
المكفول له لأن الضمان والكفالة لا تكون الا بعد ثبوت الحق وهل يحلف أم يقبل قوله من غير يمين فيه
وجهان عن ابن سريج (فان قلنا) بالأول فنكل حلف الكفيل وسقطت المطالبة عنه ولو أقر أنه
ضمن أو كفل وأنكر المضمون له الشرط بنى ذلك على تبعيض الاقرار (ان قلنا) لا يتبعض فالقول
قول الضامن مع يمينه (وان قلنا) يتبعض فالقول قول المضمون له ولو ادعى الكفيل أن المكفول به
برئ من الحق وارتفعت الكفالة وأنكره المكفول له فالقول قول المكفول له مع يمينه فان نكل وحلف
الكفيل برئ وان لم يبرأ بيمينه المكفول به ولو قال تكفلت ببدن زيد فان جئتك به وإلا فانا
كفيل ببدن عمرو لم يجز (أما) كفالة زيد فلانه لم يلتزمها وكأنه قال كفلت ببدن هذا أو ذاك
(أما) كفالة عمرو فبناء على أنها معلقة ولو قال قائل للمكفول له أبرئ الكفيل وأنا كفيل بمن تكفل
به فعن ابن سريج أنه يصح لأنه نقل الضمان إلى نفسه كما لو أحال الضامن المضمون له على غيره
وقال الأكثرون لا يصح لأنه تكفل بشرط ابراء الكفيل وأنه فاسد والكفالة ببدن الأجير المعين
صحيحة ومن غرم الكفيل عند العجز عن التسليم لم يصححها لأنه إذا مات انفسخ العقد وسقط
لحق قاله في التتمة والله أعلم
(الباب الثاني في حكم الضمان الصحيح)
قال (وله أحكام (الأول) يجوز (م) مطالبة الضامن من غير انقطاع الطلبة عن المضمون
عنه * ومهما أبرئ الكفيل * وان أبرئ الكفيل لم يبرأ الأصيل * ولو كان
الدين مؤجلا فمات الأصيل لم يطالب الكفيل لأنه حي) *
384

مقصود الباب بيان ما يترتب على الضمان الصحيح من الآثار والأحكام (فمنها) أنه يتجدد للمضمون
له جواز مطالبة الضامن ولا تنقطع مطالبته عن المضمون عنه بل يختر في مطالبتهما ومطالبة واحد منهما
لان غرض العقد التوثيق وعن مالك رضي الله عنه أنه لا يطالب الضامن الا إذا عجز عن تحصيله
من الأصيل لغيبة أو اعسار هذا إذا أطلق الضامن (أما) إذا ضمن بشرط براءة الأصيل ففي صحته
وجهان عن ابن سريج (أشبههما) المنع لأنه قرن به شرطا يخالف مقتضى الضامن (والثاني) يصح كما
روى أنه لما ضمن أبو قتادة رضي الله عنه الدينارين عن الميت قال النبي صلى الله عليه وسلم (هما عليك حق
الغريم وبرئ الميت فقال نعم فصلى عليه) (فان قلنا) بالصحة ففي صحة الشرط وجهان يشتمل
الخلاف في براءة المحيل إذا أحال على من لا دين عليه وصححنا هذه الحوالة وقد مر ذلك وقد يعكس
الترتيب فيقال في صحة الشرط إن فسد ففي فساد الضمان وجهان وإذا صححنا العقد والشرط برئ
الأصيل وكان للضامن الرجوع عليه في الحال ان ضمن باذنه لأنه حصل براءة ذمته كما لو أدي
ومهما أبرأ مستحق الدين الأصيل برئ الضامن لسقوط الحق كما لو أدى الأصيل الدين أو أحال الأصيل
مستحق الدين على إنسان أو أحال المستحق غريمه عليه وكذلك يبرأ ببراءة ضامن الضامن ولو أبرأ
الضامن لم يبرأ الأصيل لان ابراءه اسقاط للوثيقة وذلك لا يقتضى سقوط أصل الدين كفك الرهن ويبرأ
الضامن من الضمان بابراء المضمون له ولا يبرأ الضامن بابراء ضامن الضامن كما ذكرنا في الضامن
والأصيل * ولو ضمن دينا مؤجلا فمات الأصيل وحل عليه الدين لم يحل على الضامن لأنه حي يرتفق
بالأجل وخرج ابن القطان أنه يحل على الضامن أيضا لأنه فرع الأصيل وعلى المذهب لو أخر
385

المستحق المطالبة كان الضامن أن يطالبه بأخذ حقه من تركة الأصيل في الحال أو ابراء ذمته لأنه قد
تهلك التركة فلا يجد مرجعا إذا غرم وعن رواية الشيخ أبى على وجه أنه ليس للضامن هذه
المطالبة ولو مات الضامن حل عليه الدين فان أخذ المستحق المال من تركته لم يكن لورثته
الرجوع على المضمون عنه قبل حلول الأجل ونقل القاضي ابن كج وجها آخر أنه لا يحل على الضامن كما
لا يحل على الأصيل *
قال (الثاني أن للضامن اجبار الأصيل على تخليصه ان طولب * وفى مطالبته بالتخليص
قبل أن يطالب خلاف * وكذا في قدرته على المطالبة بتسليم المال إليه حتى يؤديه بنفسه فيخرج
عن العهدة) *
أصل مسائل الفصل وجهان خرجهما ابن سريج في أن مجرد الضمان هل يثبت حقا للضامن
على الأصيل ويوجب علقة بينهما أم لا ففي وجه يوجب لأنه اشتغلت ذمته بالحق كما ضمن فليثبت
له عوضه على الأصيل وفيه وجه لا لأنه لا يفوت عليه قبل الغرم شئ فلا يثبت له شئ إلا بالغرم *
إذا عرفت ذلك فلو طالب المضمون له الضامن بأداء المال كان له إن يطالب الأصيل بتحصيله ان
ضمن بالاذن كما أنه يغرمه إذا غرم وعن القفال وجه أنه لا يملك مطالبته والمشهور الأول * وهل يطالبه
بالتخليص قبل أن يطالب فيه وجهان (أحدهما) نعم كما لو استعار عبد الغير للرهن ورهنه كان
للمالك المطالبة بالفك (وأصحهما) لا لأنه لم يغرم شيئا ولا توجهت عليه طلبة ويخالف الرهن فإنه
محبوس بالدين وفيه ضرر ظاهر ومعني التخليص أن يؤدى دين المضمون له ليبرأ ببراءته الضامن وفى
386

تمكن الضامن من تغريم الأصيل قبل أن يغرم حيث ثبت له الرجوع وجهان ذكرهما الشيخ أبو محمد
والامام بناء على الأصل المذكور إن أثبتنا له حقا على الأصيل بمجرد الضمان فله أخذه والا فلا
(وقوله) في الكتاب وكذا في قدرته على المطالبة بتسليم المال إليه حتى يؤديه بنفسه فيخرج عن
العهدة محمول على هذه الصورة وأنه يستظهر بالمأخوذ ويؤدى الدين إما منه أو من غيره فيخرج
عن العهدة وظاهر اللفظ يشعر بأخذه منه ليباشر أداءه نيابة عنه ويستفيد بعين البراءة لكن الحمل
عليه بعيد لبعد الخلاف في الاخبار على الإنابة وأيضا فإنه ليس له ذكر في كتب الأئمة ولكن
الوجهان في تمكينه من التغريم مفرعا على أن ما يأخذه عوضا عما يقضى به دين الأصيل هل يملكه
فيه وجهان بناء على الأصل السابق فان دفعه الأصيل ابتداء من غير اجبار ومطالبة (فان قلنا)
يملكه فله التصرف فيه كالفقير إذا أخذ الزكاة المعجلة لكن لا يستقر ملكه عليه الا بالغرم حتى لو
أبرأه المستحق كان عليه رد ما أخذه كرد الزكاة المعجلة إذا هلك المال قبل الحول (فان قلنا) لا يملكه
فعليه رده ولو هلك عنده ضمن كالمقبوض بالشرط الفاسد ولو دفعه إليه وقال اقصد به ما ضمنت
عنى فهو وكيل الأصيل والمال أمانة في يده ويخرج على ذلك الأصل صور أخرى (منها) أن الضامن
هل يحبس الأصيل إذا حبس المضمون له الضامن أن أثبتنا العلقة بين الضامن والأصيل يجوز
للضامن حبسه وبه قال أبو حنيفة وإلا فلا وهو الأصح (ومنها) لو أبرأ الضامن الأصيل عما سيغرم
387

ان أثبتنا العلقة في الحال صح الابراء والاخراج على الابراء عما لم يجب ووجد سبب وجوبه (ومنها)
لو صالح الضامن الأصيل عن العشرة التي سيغرمها على خمسة ان أثبتناها في الحال صح الصلح وكأنه
اخذ عوض بعض الحق وأبرأ عن الباقي والألم يصح (ومنها) لو ضمن ضامن عن الأصيل للضامن
شيئا مما ضمن والأصح في الكل المنع ولو شرط في ابتداء الضمان أن يعطيه الأصيل ضامنا ففي صحة
الشرط الوجهان ان صح فان وفى الأصيل وأعطاه ضامنا فذاك والا فلا فسخ للضمان وان فسد فسد
به الضمان على أصح الوجهين *
قال (الثالث الرجوع ومن أدى دين غيره بغير اذنه لم يرجع * وان أدى بشرط الرجوع
واذنه رجع * وان أدى بالاذن دون شرط الرجوع فوجهان * والضامن يرجع ان ضمن وأدى
بالاذن * وان استقل بهما لم يرجع * وان ضمن دون الاذن وأدى بالاذن فالصحيح أنه لا يرجع
وان ضمن بالاذن وأدى بغير الاذن عن مطالبة فيرجع (و) وان ابتدأ فوجهان) *
الغرض الآن بيان الموضع الذي يستحق الضامن الرجوع على الأصيل بالمغروم والذي لا يستحق
وقدم عليه الكلام في أن من أدى دين الغير من غير ضمان متى يرجع وتفصيله أنه ان أداه بغير
إذن المديون لم يكن له الرجوع لأنه متبرع بما فعل ويخالف ما لو أوجر طعامه للمضطر حيث يرجع
عليه وان لم يأذن المضطر لأنه ليس متبرعا بل يجب عليه اطعام المضطر استبقاء لمهجته ويخالف الهبة
فان في اقتضائها الثواب خلاف يذكر في موضعه لان الهبة متعلقة باختيار المتهب ولا اختيار للمديون
ههنا وعن مالك يثبت له الرجوع الا إذا أدى العدو دين العدو فإنه يتخذه ذريعة إلى ايذائه بالمطالبة
388

وأن أداه باذن المديون فان جرى بينهما شرط الرجوع والا فوجهان (أحدهما) لا رجوع
لأنه لم يوجد منه الا الاذن في الأداء وليس من ضرورة الأداء الرجوع (وأصحهما) الرجوع بناء على المعتاد في
مثله من المعاملات وأفاد الشيخ أبو محمد ههنا كلامين (أحدهما) تقريب هذا الخلاف من الخلاف في أن
الهبة المطلقة هل تقتضي الثواب وترتيبه عليه والحكم بالرجوع أولى من الحكم بالثواب ثم لان
الهبة مصرحة بالتبرع والأداء خلافه ولان الواهب مبتدئ بالتبرع والأداء ههنا مستوف بالاستدعاء
الذي هو كالقرينة المشعرة بالرجوع (والثاني) أن في الهبة فارقا بين أن يكون الواهب ممن يطمع
مثله في ثواب مثل المتهب أولا يكون فيخرج وجه ثالث مثله ههنا (وأما) الضامن فله أربعة أحوال
(أولها) أن يضمن باذن الأصيل ويؤدى باذنه فيرجع عليه لأنه صرف مال إلى منفعة الغير بأمره
فأشبه ما إذا قال اعلف دابتي فاعلفها وعن أبي حنيفة أنه يرجع إذا قال اضمن عني وادعنى (أما) إذا
لم يقل عنى فلا يرجع الا إذا كان بينهما مخلطة شركة أو زوجية أو نحوهما ولافرق في ثبوت الرجوع
بين أن يشترط الرجوع أولا يشترط قال الامام ويحتمل في القياس أن ينزل الاذن في الضمان والأداء
منزلة الاذن في الأداء من غير ضمان حتى يقول إن شرط الرجوع ثبت والا فعلى الخلاف وفى كلام
صاحب التقريب رمز إليه (وثانيها) أن يضمن ويؤدى بغير اذنه فلا رجوع له على الأصيل خلافا
لمالك وأحمد * واحتج الأصحاب بحديث على وأبى قتادة (بان النبي صل الله عليه وسلم صلى على الميت بعد ضمانهما ولو
كان لهما الرجوع لما صلى لبقاء الدين) وأيضا فإنه عليه السلام قال (الآن بردت جلدته عن النار) ولو
بقي الدين لما حصل التبريد (وثالثها) أن يضمن بغير اذنه ويؤدى بأذنه ففي وجه يرجع لأنه اسقاط
الدين عن الأصيل باذنه (والأصح) المنع لان اللزوم بالضمان ولم يأذن فيه ورتب الوجهين في النهاية
389

على الوجهين فيما إذا أدي دين الغير بإذنه من غير ضمان ومن غير شرط الرجوع وقال هذه الصورة
أولى بان يمتنع الرجوع لان الاذن في الأداء بعد اللزوم بالضمان في حكم اللغو وأبدي احتمالين
فيما إذا أذن في الأداء بشرط الرجوع والحالة هذه (أحدهما) يرجع كما لو أذن في الأداء بهذا الشرط
من غير ضمان ووجه الثاني أن الأداء استحق الضمان والمستحق بلا عوض لا يجوز أن يقابل بعوض
كسائر الحقوق (والرابعة) أن يضمن بالاذن ويؤدى بغير الاذن ففيه وجهان عن ابن سريج ووجه
ثالث عن أبي إسحاق (أحد) وجهي ابن سريج وهو الأصح المنصوص أنه يرجع لان لأصل في
الباب الالتزام وقد صادفه الاذن فيلتقي به (والثاني) لا يرجع لان الغرم حصل بغير اذن الأصيل وإنما
لم يقصد الا التوثيق بالضمان (والثالث) وهو الذي ذكره أبو إسحاق أنه ان أدى من غير مطالبة
أو عن مطالبة ولكن أمكنه مراجعة الأصيل واستئذانه فلم يفعل لم يثبت له الرجوع لأنه لم يكن
مضطرا إلى الأداء وان لم يمكن مراجعته لكونه غائبا أو محبوسا فله الرجوع (وأما) ما ذكره في
الكتاب أنه إن كان الأداء عن مطالبة فيرجع فان ابتدأ فوجهان فان فقهه ما ذكرناه في الوجه الثالث
الا أنه رأى الرجوع فيما إذا كان الأداء عن مطالبة كالظاهر المقطوع به وتخصيص ذكر الخلاف
بما إذا ابتدأ بالأداء وعلم أن العرف غير منوط بمجرد كونه مطالبا أو مبتدئا بل المطالب الذي يحضر
في المراجعة كالمبتدئ على ما سبق فليضم في قوله عن مطالبة العبد المحتاج إليه *
(فرع) حوالة الضامن رب الدين على إنسان وقبوله حوالة رب الدين عليه ومصالحتهما عن
الدين على عوض وصيرورة الدين ميراث للضامن كالأداء في ثبوت الرجوع وعدمه *
390

قال (ولو صالح المأذون في الأداء بشرط الرجوع على غير جنس الدين رجع على الأصح * ولو
صالح الضامن عن الف بعبد يساوى تسعمائة يرجع بتسعمائة على وجه وعلى وجه بالألف لان المسامحة جرت معه
ولو سومح الضامن بخط قدر من الدين أو صفته لم يرجع الا بما بذل) *
قد بان في الفصل السابق موضع أصل الرجوع والنظر بعده فيما يرجع به فإن كان ما دفعه إلى
رب الدين من جنس الدين وعلى صفته رجع به وان اختلف الجنس فالكلام في المأذون في الأداء
من غير ضمان ثم في الضمان (أما) الأول فالمأذون بشرط الرجوع أو دونه إذا أثبتنا له الرجوع لو
صالح رب المال على غير جنسه فهل له الرجوع أو لا فيه ثلاثة أوجه (أصحها) نعم لان مقصوده
أن يبرئ ذمته وقد فعل (وثانيها) لا لأنه إنما أذن في الأداء دون المصالحة (وثالثها) الفرق بين أن يقول
أد ما على من الدنانير مثلا فال يرجع وبين أن يقتصر على قوله أد ديني أو ما على فيرجع (فان قلنا)
بالرجوع فيما يرجع حكمه ما يذكر في الضمان (أما) الضامن فلو صالح على غير الجنس يرجع بلا
خلاف لان بالضمان ثبت الحق في ذمته ثبوته في ذمة الأصيل والمصالحة معاملة مبنية عليه بخلاف المأذون من
غير ضمان ثم ينظر إن كانت قيمة المصالح عليه أكثر من قدر الدين لم يرجع بالزيادة لأنه متطوع
بها وان لم تكن أكثر كما لو صالح من ألف على عبد يساوى تسعمائة فوجهان وقيل قولان (أصحهما)
أنه لا يرجع الا بتسعمائة لأنه لم يغرم سواها (والثاني) يرجع بالألف لأنه قد حصل براءة الذمة بما فعل
391

ومسامحة رب الدين جرت معه ولو أنه باع العبد بألف وتقاصا فالرجوع بلا خلاف لأنه ثبت
في ذمته الف ذكره في التهذيب ولو قال للمضمون له بعت منك هذا العبد بما ضمنته لك عن
فلان ففي صحة البيع وجهان حكاهما الأستاذ أبو منصور البغدادي فان صححنا فيرجع بما ضمنه
أم بالأقل مما ضمنه ومن قيمة العبد قال فيه وجهان (وأما) الصفة فإن كان المؤدى خيرا كما لو أدى
الصحاح عن المكسرة لم يرجع بالصحاح وإن كان بالعكس ففيه الخلاف المذكور في خلاف الجنس
عن الشيخ أبى محمد القطع بأنه يرجع بما أدى وهذا ما يقتضيه نظم الكتاب والفرق أن غير الجنس
يقع عوضا والمكسرة لا تقع عوضا عن الصحاح فلا يبقى الا عارية حق الايفاء والاستيفاء قاله الامام
ويتعلق بالرجوع مسائل أخر نوردها موجزين (منها) لو ضمن عشرة وادى خمسة وأبرأه رب الدين
عن الباقي لم يرجع الا بالخمسة المغرومة وتبقى الخمسة الأخرى على الأصيل لما مر أن ابراء الضامن لا
يوجب براءة الأصيل ولو صالحه من العشرة على الخمسة فلا يرجع الا بالخمسة أيضا لكن يبرأ الضامن
والأصيل عن الباقي وإن كان صلح الحطيطة أبرأ في الحقيقة لان لفظ الصلح يشعر بقناعة المستحق
392

بالقليل عن الكثير بخلاف ما إذا صرح بلفظ الابراء هكذا أورده الشيخان الفراء والمتولي ولو قال
قائل لفظ الصلح يتضمن القناعة بالقليل ممن يجرى الصلح معه أم على الاطلاق (والثاني) ممنوع لم
يتضح الجواب (ومنها) ضمن ذمي لذمي دينا عن مسلم ثم تصالحا على خمر فهل يبرأ المسلم لان المصالحة
بين الذميين أولا يبرأ كما لو دفع الخمر بنفسه فيه وجهان (ان قلنا) بالأول ففي رجوع الضامن على
المسلم وجهان ان اعتبرنا بما أدى لم يرجع بشئ وان اعتبرنا بما أسقط رجع بالدين (ومنها) ضمن عن
الضامن وأدى الثاني فرجوعه على الأول كرجوع الضامن على الأصيل فيراعى الاذن وعدمه وإذا لم
يكن له الرجوع على الأول لم يثبت بأدائه الرجوع للأول على الأصيل لأنه لم يغرم ولو ثبت له الرجوع
على الأول فرجع رجع الأول على الأصيل إذا وجد شرطه فلو أراد الثاني أن يرجع على الأصيل ويترك
الأول نظر إن كان الأصيل قد قال له اضمن عن ضامني ففي رجوعه عليه وجهان كما لو قال لانسان
أد ديني فادى وليس هذا كما لو قال لانسان أد ديني فادى وليس هذا كما لو قال لانسان اقض دين
فلان ففعل حيث لا يرجع على الآمر لان الحق لم يتعلق بذمته وان لم يقل له اضمن عن ضامني فإن كان
الحال بحيث لا يقتضى الرجوع للأول على الأصيل لم يرجع الثاني عليه وإن كان يقتضيه فكذلك
في أصح الوجهين لأنه لم يضمن عن الأصيل ولو أن الثاني ضمن عن الأصيل أيضا فلا رجوع لاحد
الضامنين على الآخر وإنما الرجوع للمؤدى على الأصيل ولو ضمن عن الأول والأصيل جميعا فإذا أدى
كان له أن يرجع على أيهما شاء وان رجع بالبعض على هذا وبالبعض على ذاك تم للأول الرجوع
393

على الأصيل بما غرم إذا وجد شرطه (ومنها) على زيد عشرة ضمنها اثنان كل واحد منهما خمسة وضمن أحدهما
عن الآخر فلرب الدين مطالبة كل واحد منهما بالعشرة نصفها على الأصيل ونصفها على الضامن الآخر فان أدى
أحدهما جميع العشرة رجع بالنصف على الأصيل وبالنصف على صاحبه وهل له الرجوع بالكل على الأصل إذا
كان لصاحبه الرجوع عليه لو غرم فيه الوجهان وان لم يؤد الا خمسة فينظر ان أداها عن الأصيل أو عن صاحبه أو
عنهما يثبت الرجوع بخمسة (ومنها) ضمن الثمن فهلك المبيع قبل القبض أو وجد به عيبا فرده أو ضمن
الصداق فارتدت المرأة قبل الدخول أو فسخت بعيب نظر إن كان ذلك قبل أن يؤدى الضامن
برئ الضامن والأصيل وإن كان بعده فإن كان بحيث يثبت له الرجوع رجع بالمغروم على الأصيل
وضمن رب الدين للأصيل ما أخذ إن كان هالكا وإن كان باقيا يرد عينه وهل له امساكه ورد
بدله فيه الخلاف المذكور فيما إذا رد المبيع بعيب وعين دراهمه عند البائع فأراد امساكها ورد مثلها
(والأصح) المنع وإنما يغرم الأصيل دون الضامن لان في ضمن الأداء عنه اقراضه وتمليكه إياه وإن كان
بحيث لا يثبت له الرجوع فلا شئ للضامن على الأصيل وعلى المضمون له رد ما أخذه وعلى من
يرد هو كما لو تبرع بالصداق وطلق الزوج قبل الدخول ويجئ حكمه في موضعه (ومنها) أدى الضامن
الدين ثم وهبه رب المال منه ففي رجوعه على الأصيل وجهان مبنيان على القولين فيما لو وهبت
الصداق من الزوج ثم طلقها قبل الدخول (ومنها) له على رجلين عشرة وضمن كل واحد منهما
394

للآخر ما عليه فلا شك أن رب الدين يطالبهما أو شاء منهما بالعشرة فان أدى أحدهما جميع
العشرة برئا جميعا وللمؤدي الرجوع بالخمسة إن كان التصوير في حالة ثبوت الرجوع وان أدى
كل واحد منهما خمسة عما عليه فلا رجوع وان أداها عن الآخر فلكل واحد الرجوع على الآخر
ويجئ خلاف التقاص فان أدي أحدهما خمسة ولم يؤد الاخر شيئا فان أداها عن نفسه برى المؤدى عما
كان عليه وصاحبه عن ضمانه وبقي على صاحبه ما كان عليه ضامنا له وان أداها
عن صاحبه رجع عليه بالمغروم وبقى عليه ما كان صاحبه ضامنا له وان أداها عنهما فلكل واحد
نصف حكمه وإن أدى ولم يقصد شيئا فيقسط عليهما أو يقال اصرفه إلى ما شئت فيه وجهان سبق
نظيرهما في آخر الرهن ومن فوائد الوجهين أن يكون بنصيب أحدهما رهن فإذا قلنا له صرفه إلى
ما شاء فصرفه إلى نصيبه انفك الرهن والألم ينفك ولو اختلفا فقال المؤدى أديت عما على وقال رب الدين
بل أديت عما على صاحبك فالقول قول المؤدى مع يمينه فإذا حلف برئ عما كان عليه لكن لرب الدين
مطالبته بخمسة لأنه اما صادق فالأصل باق على أو كاذب فالضمان باق وعن بعض الأصحاب أنه لا مطالبة
له لأنه إما أن يطالب عن جهة الأصالة وقد صدق الشرع المؤدى في البراءة عنها أو عن جهة الضمان
وقد اعترف رب الدين بأنه أدى عنها * هذا حكم الأداء في المسألة ولو أبرأ رب الدين أحدهما عن جميع
العشرة برئ الأصيل والضامن ويبرأ الاخر عن الضمان دون الأصيل ولو أبرأ أحدهما عن خمسة
نظر إن أبرأه عن الأصيل برئ عنه وبرئ صاحبه عن ضمانه وبقى عليه ضمان ما على صاحبه وان أبرأه عن
الضمان برئ عنه وبقى عليه الأصل وبقى على صاحبه الأصل والضمان وان أبرأه عن الخمسة عن
395

الجهتين جميعا سقط عنه نصف الأصل ونصف الضمان وعن صاحبه نصف الضمان وبقى عليه الأصل
ونصف الضمان فيطالبه بسبعة ونصف ويطالب المبرأ عنه بخمسة وان لم ينو عند الابراء شيئا فيحمل
على النصف أو يخير ليصرف إلى ما شاء فيه الوجهان ولو قال المبرئ أبرأت عن الضمان وقال المبرأ عنه
بل عن الأصل فالقول قول المبرئ (ومنها) ادعى على رجل أن له عليه وعلى فلان الغائب ألف درهم
عن ثمن عبد باعه منهما واقبضه أو عن جهة أخرى وان كل واحد منهما ضمن عن الآخر ما عليه
وأقام على ذلك بينة واخذ الألف من الحاضر قال المزني في المختصر يرجع الحاضر بنصف الألف على
الغائب (واعترض) عليه بان البينة اما تقام عندا الانكار وإذا أنكر كان مكذبا للبينة زاعما ظلم المدعى
عليه بما اخذه وكيف يرجع على الغائب بما ظلم به (وأجاب) الأصحاب عنه بان لا نسلم بأن البينة إنما تقام عند
الانكار بل يجوز ان يقر الحاضر ويقيم المدعى البينة للاثبات على الغائب ثم هب انه لم يقر
لكن البينة لا تستدعى الانكار بخصوصه بل للانكار أو ما يقوم مقامه وهو السكوت فلعله كان
ساكتا ثم هب استدعاءها للانكار لكن لا تستدعى الانكار منه بخصوصه بل يكفي صدور
الانكار من وكيله في الخصومات فلعل البينة أقيمت في وجه وكيله المنكر ثم هب انه أنكر لكنه
ربما أنكر الضمان وسلم البيع وهذا الانكار لو كإن كان مانعا لكان مانعا للرجوع بجهة غرامة المضمون
ومن الجائز أن يكون هذا الرجوع باعتبار ان المدعى ظلمه واخذ ما على الغائب منه وللظالم مثل
المأخوذ على الغائب فيأخذ حقه بما عنده والذاهبون إلى شئ من هذه التأويلات سلموا انه لو وجد
التكذيب القاطع لكل احتمال يمتنع الرجوع وهو الأصح على ما ذكره المسعودي والامام (ومنهم)
396

من قال لا يمتنع الرجوع وان وجد صريح التكذيب وبه قال ابن خيران لان البينة أبطلت حكم
انكاره فكأنه لم ينكر وهذا كما لو اشترى عبدا فادعى مدع انه ملكه وان بائعه غصبه فقال
في الجواب لابل كان ملكا لبائعي وانه الآن ملكي فأقام المدعى بينة يرجع المشترى على البائع
وان أقر بالملك على أن في هذه الصورة أيضا خلاف وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى *
قال (هذا الكلام إذا أشهد على الأداء * فان قصر في الاشهاد ولم يصدق لا يرجع وان صدقه
المضمون عنه فلا يرجع أيضا في وجه لأنه لم ينفعه أداؤه * وان صدقه المضمون له رجع في أظهر
الوجهين لان اقراره أقوى من البينة مع انكاره * ولو أشهد رجلا وامرأتين جاز * وفى رجل واحد ليحلف
معه خلاف خوفا من قاض حنفي * وفى المستورين خلاف * ولو ادعى موت الشهود وأنكر المضمون
عنه أصل الاشهاد فوجهان في أن القول قول من لتقابل القولين) *
كل ما مر من رجوع المأذون في الأداء والضامن على الأصيل مفروض فيما إذا أشهد على الأداء
ولافرق بين اشهاد رجلين أو رجل وامرأتين ولو شهد واحد اعتمادا على أن يحلف معه فوجهان
(أصحهما) أنه يكفي لان الشاهد مع اليمين حجة كافية لاثبات الأداء (والثاني) لا لأنهما قد يترافعان
إلى حنفي لا يقضى بشاهد ويمين فكان ذلك ضربا من التقصير ولو أشهد مستورين فبانا فاسقين
فوجهان (أحدهما) أنه كما لو لم يشهد لان الحق لا يثبت بشهادتهما (وأولاهما) الاكتفاء لأنه لا اطلاع له على
الباطن فكان معذورا أو لا يكفي اشهاد من يعرف ظعنه عن قريب لأنه لا يفضى إلى المقصود (أما) إذا
397

أدى من غير اشهاد فينظر ان أدى في غيبة الأصيل فهو مقصر بترك الاشهاد إذ كان من حقه
الاحتياط وتمهيد طريق الاثبات لو جحد رب الدين ولا رجوع له على الأصيل ان كذبه وان صدقه
فوجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبي هريرة أنه يرجع لاعترافه بأنه أبرأ ذمته باذنه (وأظهرهما) منع
الرجوع وبه قال أبو إسحاق لأنه لم يؤد بحيث ينتفع به الأصيل فان رب الدين منكر وطلبته بحالها
وهل يحلف الأصيل إذا كذبه قال في التتمة ينبنى على أنه لو صدقه هل يرجع عليه (ان قلنا) نعم
حلف على نفى العلم بالأداء (وان قلنا) لا فينبني على أن النكول ورد اليمين كالاقرار أو كالبينة (ان
398

قلنا) بالأول لم يحلف لان غايته أن ينكل فيحلف الضامن فيكون كما لو صدقه وذلك لا يفيد الرجوع
(وان قلنا) بالثاني حلفه طمعا في أن ينكل ويحلف فيكون كما إذا أقام البينة ولو كذبه الأصيل وصدقه رب المال
فوجهان (أحدهما) انه لا رجوع له ولا ينهض قول رب المال حجة على الأصيل (وأظهرهما) ثبوت الرجوع لسقوط
لطلبة باقراره واقراره أقوى من البنية مع انكاره فان أدى في حضور الأصيل فقد حكى الشيخ أبو حامد وآخرون
وجها انه لا يرجع كما لو ترك الاشهاد في غيبته وظاهر المذهب المنصوص انه يرجع لأنه في الغيبة مستبد بالامر فعليه
الاحتياط والتوثيق فإذا كان الأصيل حاضرا فهو أولى بالاحتياط والتقصير وترك الاشهاد منسوب
إليه وإذا توافق الأصيل والضامن على أنه اشهد ولكن مات الشهود أو غابوا ثبت له الرجوع لأنه
اتى بما عليه ونقل الامام وجها بعيدا انه لا رجوع إذا لم ينتفع بأدائه إذ القول قول رب الدين في نفى
الاستيفاء ولو قال الضامن أشهدت وماتوا فأنكر الأصيل الاشهاد ففيه وجهان (أصحهما) ان القول
قول الأصيل لان الأصل عدم الاشهاد (والثاني) ان القول قول الضامن لان الأصل عدم التقصير
ولأنه قد يكون صادقا وعلى تقدير الصدق يكون منعه من الرجوع اضرارا فليصدق للضرورة كما
يصدق الصبي في دعوى البلوغ إذ لا يعرف الا من جهته ولو قال أشهدت فلانا وفلانا فكذباه فهو كما
لو لم يشهد ولو قالا لا ندري وربما نسينا ففيه تردد للامام ومتى لم يقم البينة على الأداء وحلف رب
المال بقيت مطالبته بحالها فان أخذ المال من الأصيل فذاك وان أخذه من الكفيل مرة أخرى لم
يرجع بهما لأنه مظلوم باخذها ولا يرجع الا على من ظلمه وبم يرجع فيه وجهان (أحدهما) أنه لا يرجع
بشئ (أما) بالمبلغ الأول فلانه قصر عند أدائه بترك الاشهاد (وأما) الثاني فلاعترافه بأنه مظلوم
399

(وأظهرهما) أنه يرجع لأنه غرم لابراء ذمته فعلى هذا هل يرجع بالأول لأنه المبرئ للذمة أو بالثاني لأنه المسقط
للمطالبة فيه وجهان (خاتمة) قال في التخليص لو كان على رجل تسعون درهما فجاء مريض فضمن عنه بأمره ولا
مال له غيره ومات من عليه الحق ولم يترك الا خمسة وأربعين درهما ومات الضامن كان لصاحب الحق بمطالبة
ورثة الضامن بستين درهما ويرجع ورثة الضامن على الميت بثلاثين ويرجع صاحب الحق على الميت بخمسة
عشر درهما هذا لفظه * واعلم أن الضمان في مرض الموت إذا كان بحيث يثبت الرجوع ووجد الضامن مرجعا فهو
محسوب من رأس المال وإن كان بحيث لا يثبت الرجوع أو لم يجد مرجعا كموت الأصيل معسرا فهو محسوب
من الثلث وهذا قد مر طرف منه في أوائل الضمان وبه تعرف أنه لم يشترط في صورة المسألة موت الأصيل ومتى
وفت تركة الأصيل بثلثي الدين فلا دور لان صاحب الحق ان أخذ الحق من تركة الضامن رجع ورثته بثلثيه في
تركة الأصيل وان أخذ تركة الأصيل وفضل شئ أخذه من تركه الضامن ويقع تبرعا لان ورثة الضامن لا يجدون
مرجعا وان لم تف التركة بالثلثين فقد يتفق الدور في المسألة كالصورة المنقولة عن التلخيص وهي أن يضمن المريض
تسعين ويموت وليس له الا تسعون ويموت الأصيل وليس له الا خمسة وأربعون فصاحب الحق
بالخيار ان شاء أخذ تركة الأصيل بتمامها وحينئذ لا يقع دور أيضا وله مطالبة ورثة الضامن بثلاثين
درهما ويقع تبرعا إذا لم يبق للأصيل تركة حتى يفرض فيها رجوع فان أراد الاخذ من تركة الضامن
لزم الدور لان ما يغرمه ورثة الضامن يرجع إليهم بعضه من جهة أنه يصير المغروم دينا لهم على الأصيل فيضاربون
به مع صاحب الحق في تركته ويلزم من رجوع بعضه زيادة التركة ومن زيادة التركة زيادة المغروم
ومن زيادة المغروم زيادة الراجع وطريق استخراجه أن يقال يأخذ صاحب الحق من ورثة الضامن
شيئا ويرجع إليهم مثل نصفه لان تركة الأصيل نصف تركة الضامن فيبقى عندهم تسعون الا
400

نصف شئ وهو يعدل مثلي ما تلف ناقصان والتالف نصف شئ ومثلا شئ فإذا تسعون الا نصف
شئ يعدل شيئا فإذا اخترنا وقابلنا عدل تسعون شيئا ونصفا فيكون الشئ شيئين فبان لنا أن المأخوذ
ستون وحينئذ يكون الستون دينا لهم على الأصيل وقد بقي لصاحب الحق ثلاثون فيتضاربون في
تركته بسهمين وسهم وتركته خمسة وأربعون يأخذ منها للورثة ثلاثين وصاحب الحق خمسة عشر
ويتعطل باقي دينه وهو خمسة عشر ويكون الحاصل للورثة ستين ثلاثون بقيت عندهم وثلاثون
أخذوها من تركة الأصيل وذلك مثلا ما تلف ووقع تبرعا وهو ثلاثون ولو كان التصوير كما مر لكن
تركة الأصيل ثلاثون لقلنا يأخذ صاحب الحق شيئا ويرجع إلى ورثة الضامن مثل ثلثه لان تركة
الأصيل ثلث تركة الضامن فبقي عندهم تسعون ناقصة ثلثي شئ يعدل مثلي التالف بالضمان وهو
ثلثا شئ فمثلاه شئ وثلث فاذن تسعون الا ثلثي شئ يعدل شيئا وثلثا فإذا اخترنا وقابلنا عدل
تسعون شيئين فيكون الشئ جميعه خمسة وأربعون وذلك ما أخذه صاحب الحق صار دينا لورثة
الضامن على الأصيل وبقى لصاحب الحق عليه خمسة وأربعون أيضا فيضاربون في تركته بسهم
وسهم يحصل بينهما مناصفة ولو كان تركة الأصيل ستين فلا دور بل لصاحب الحق أخذ
تركة الضامن كلها بحق الرجوع ويقع الباقي تبرعا ثم قال في التلخيص ولو كانت المسألة بحالها
401

وكان قد ضمن أيضا عن الضامن ضامن ثان ومات الضامن الثاني ولم يترك الا ستين درهما أيضا
كان لصاحب الحق أن يطالب ورثة أيهما شاء فان طالب به ورثة الضامن الأول كان كالمسألة الأولى
يأخذ منه ستين ومن ورثة من كان عليه أصل المال خمسة عشر ويرجع ورثة الضامن الثاني على
ورثة الذي كان عليه الحق بثلاثين وان طالب ورثة الضامن الثاني أخذ منهم سبعين درهما ومن ورثة
من كان عليه الأصل خمسة عشر ويرجع ورثة الضامن الثاني على الضامن الأول بأربعين درهما
ويرجع الضامن الأول في مال من عليه أصل الحق بثلاثين (أما) قوله إن طلب ورثة الضامن الأول
كان كالمسألة الأولى معناه أنه لا يأخذ منهم الا ستين ويأخذ من تركة الأصيل خمسة عشر كما في
الصورة السابقة لكن لا يتلف من ماله شئ ههنا بل يطالب بالباقي وهو خمسة عشر ورثة الضامن
الثاني (أما) جوابه فيما إذا طلب ورثة الضامن الثاني فقد غلطه الأصحاب فيه من جهة أنه أتلف من مال
الثاني ثلاثين لأنه أخذ منهم سبعين وأثبت لهم الرجوع بأربعين وكان الباقي عندهم عشرين فالمجموع
ستون ولم يتلف من مال الأول الا عشرة لأنه أخذ منهم أربعين وأثبت لهم الرجوع بثلاثين ومعلوم
أن الضامن الثاني إنما ضمن لهم تسعين عمن يملك تسعين والأول ضمن تسعين عمن يملك خمسة
وأربعين وكيف يؤخذ من الثاني أكثر مما يؤخذ من الأول ثم اختلفوا في الصواب فقال الأستاذ
أبو منصور في الوصايا يأخذ صاحب الحق من ورثة الضامن الثاني خمسة وسبعين ويرجعون بمثلها
على ورثة الأول ويرجع ورثة الأول على ورثة الأصيل بتركته وهو خمسة وأربعون فيكون جملة ما معهم
ستين خمسة عشر من الأصيل والباقي من العوض وذلك مثلا الثلاثين التالفة عليهم ولم يثبت
402

لصاحب الحق مطالبة ورثة الثاني بكمال الدين وقال القفال والأكثرون له مطالبة ورثة الثاني بجميع
الدين ثم هم يرجعون على ورثة الأول بخمسة وسبعين يتلف عليهم خمسة عشر للضرورة ويرجع ورثة
الأول بها على ورثة الأصيل بتركته كما ذكره الأستاذ وقال الامام رحمه الله كأن الأستاذ اعتقد أن الضمان
الأول لا يصلح الا في قدر لو رجع معه في تركة الأصيل لما زاد التالف من تركته على ثلثها وإذا لم
يصح ضمانه فيما زاد لم يصح ضمان الثاني عنه والآخرون قالوا إنما لا يؤخذ أكثر من الثلث بحق الورثة
لكنه صحيح في الجميع متعلق بذمته فيكون ضمان الثاني عنه فيما زاد كالضمان عن المعسر
ويجب أن يكون هذا الخلاف جاريا في مطالبتهم بتتمة التسعين إذا طالب أولا
ورثة الضامن الأول وان لم يذكر ثم وإن أخذ المستحق أولا تركة الأصيل برئ
الضامنان عن نصف الدين ثم المستحق على جواب الأكثرين ان شاء أخذ من ورثة الأول ثلاثين
ومن ورثة الثاني خمسة عشرون أخذ الكل من ورثة الأول ولا رجوع وان شاء أخذها من
ورثة الثاني وهم يرجعون على ورثة الأول بثلاثين فيصل إلى تمام حقه بالطريقين وعلى جواب الأستاذ
ليس له من الثاني الا ثلاثين ان شاء أخذها من ورثة الأول ولا يرجع وان شاء أخذ من ورثة الثاني
وهم يرجعون على ورثة الأول *
403

(كتاب الشركة)
قال (شركة العنان معاملة صحيحة وأركانها ثلاثة (الأول) العاقدان ولا يشترط فيهما الا أهلية
التوكيل والتوكل فان كل واحد متصرف في مال نفسه ومال صاحبه باذنه) *
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يقول الله تعالى انا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما
صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما) (1) يعني ان البركة تنزع من ماليهما وروى (ان السائب كان شريك
النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث وافتخر بشركته بعد المبعث فلم ينكر عليه وأن البراء بن عازب وزيد بن أرقم
كانا شريكين) (2) واعلم أن كل حق ثابت بين شخصين فصاعدا على الشيوع يقال إنه مشترك بينهم وذلك
404

ينقسم إلى ما لا يتعلق بمال كالقصاص وحد القذف وكمنفعة كلب الصيد المتلقى من مورثهم والى
ما يتعلق بمال وذلك اما عين مال ومنفعة كما لو غنموا مالا أو اشتروه أو ورثوه (واما) مجرد المنفعة كما لو
استأجروا عبدا أو وصى لهم بمنفعة كما لو ورثوا عبدا موصى بمنافعه (واما) حق يتوصل
به إلى مال كالشفعة الثابتة بجماعة وكل شركة اما أن تحدث بلا اختيار كما في الإرث أو باختيار في الشراء وليس
مقصود الباب الكلام في كل شركة بل في الشركة التي تحدث باختيار ولا في كل ما تحدث بالاختيار بل
في التي تتعلق بالتجارات وتحصيل الفوائد والأرباح وهي أربعة أنواع (منها) شركة العنان ومما أخذت
اللفظة (قيل) من عنان الدابة اما لاستواء الشريكين في ولاية الفسخ والتصرف واستحقاق الربح على
قدر رأس المال كاستواء طرفي العنان (واما) لان الآخذ بعنان الدابة حبس إحدى يديه على العنان
والأخرى مطلقة يستعملها كيف شاء كذلك الشريك منع بالشركة نفسه عن التصرف في المشترك
كما يشتهى وهو مطلق اليد والتصرف في سائر أمواله (وقيل) هي من قولهم عن الشئ إذا ظهر اما لأنه
ظهر لكل واحد منهم مال صاحبه وأما لأنه أظهر وجوه الشركة ولذلك اتفقوا على صحتها وقيل من
المعانة وهي المعاوضة لان كل واحد منهما يخرج ماله في معاوضة اخراج الآخر ثم تكلم صاحب الكتاب
على عادته في أركان هذه الشركة ثم في أحكامها (فأحدها) المتعاقدان والمعتبر فيهما أهلية التوكيل
والتوكل على ما سيذكر في باب الوكالة فان كل واحد من الشريكين متصرف في جميع المال في ماله بحق
الملك وفى غيره بحق اذنه فهو وكيل عن صاحبه وموكل له بالتصرف وتكره مشاركة الذمي ومن
لا يحترز عن الربا *
قال (الثاني الصيغة وهي ما تدل على الاذن في التصرف والأظهر أنه يكفي قولهما اشتركتا إذا
كان يفهم المقصود منه عرفا) *
405

لا بد من لفظ يدل على الاذن في التصرف والتجارة فان اذن كل واحد منهما لصاحبه صريحا فذاك
ولو قالا اشتركنا واقتصر عليه فهل يكفي ذلك لتسلطهما على التصرف من الجانبين فيه وجهان (أحدهما)
ويحكى عن أبي على الطبري نعم لفهم المقصود عرفا وبهذا قال أبو حنيفة (والثاني) لا لقصور اللفظ عن
الاذن واحتمال كونه اخبارا عن حصول الشركة في المال ولا يلزم من حصول الشركة جواز
التصرف الا ترى أنهما لو ورثا مالا لا يتصرف فيه أحدهما الا باذن صاحبه والوجه الأول
أظهر عند صاحب الكتاب (والثاني) أصح عند القاضي ابن كج وصاحب التهذيب والأكثرين
ولو أذن أحدهما للآخر في التصرف في جميع المال ولم يأذن الآخر تصرف المأذون في جميع المال
ولم يتصرف الآخر الا في نصيبه وكذا لو أذن لصاحبه في التصرف في الجميع وقال أنا لا تصرف الا في نصيبي
ولو شرط أحدهما على الآخر أن لا يتصرف في نصيبه لم يصح العقد لما فيه من الحجر على المالك في ملكه ثم ينظر في
المأذون فيه ان عين جنسا لم يصح تصرف المأذون في نصيب الآذن من غير ذلك الجنس وان قال تصرف واتجر
فيما شئت من أجناس الأموال جاز وفيه وجه أنه لا يجوز الاطلاق بل لا بد من التعيين *
406

قال (الثالث المال وإشارة النص إلى أنه لا بد وأن يكون نقدا كالقراض لان مقصوده التجارة
والا قيس أنه يجوز في كل مال مشترك * والاشتراك بالشيوع هو الأصل ويقوم مقامه الخلط
الذي يعسر معه التمييز فإنه يوجب الشيوع * ولا يكفي (ح) خلط الصحيح بالقراضة * ولا السمسم
بالكتان * ولا عند (ح) اختلاف السكة * وكذا (ح) كل اختلاف يمكن معه التمييز فان الشيوع
لا يحصل معه * وليتقدم (ح) الخلط على العقد * فلو تراخى ففيه خلاف * ولا يشترط (و) تساوى
المالين في القدر ولا العلم بالمقدار حالة العقد) *
الركن الثالث المال المعقود عليه وفيه مسائل (إحداها) لا خلاف في جواز الشركة في النقدين
(وأما) سائر الأموال فالمتقومات لا تجوز الشركة عليها وفى المثليات قولان وقيل يقال وجهان
(أحدهما) المنقول عن رواية البويطي وأبي حنيفة أنه لا يجوز كما لا يجوز في المتقومات وكما لا يجوز
القراض الا في النقدين (وأصحهما) وبه قال ابن سريج وأبو إسحاق يجوز لان المثلى إذا اختلط
بجنسه ارتفع معه التمييز فأشبه النقدين وليس المثلى كالمتقوم لأنه لا يمكن الخلط في المتقومات وربما
يتلف مال أحدهما ويبقى مال الآخر فلا يمكن الاعتداد بتلفه عنهما وفى المثليات يكون التالف بعد
الخلط تالفا عنهما جميعا ولان قيمتهما ترتفع وتنخفض وربما تنقص قيمة مال أحدهما دون الآخر
وتزيد فيؤدى إلى ذهاب الربح في رأس المال أو دخول بعض رأس المال في الربح ويخالف القراض
لان حق العامل محصور في الربح فلا بد من تحصيل رأس المال لتوزيع الريح وفى الشركة لا حاجة
بل كل المال موزع عليهما على قدر ماليهما ولفظ النقدين عند اطلاقنا تجوز الشركة فيهما نعنى به الدراهم
والدنانير المضروبة وأما غير المضروبة من التبر والحلي والسبائك فقد أطلقوا منع الشركة فيها وبمثله أجاب
407

القاضي الروياني في الدراهم المغشوشة وحكى فيها خلاف أبي حنيفة لكن يجوز بناء الحكم في التبر
على أنه مثلي أم لا وفيه خلاف ستعرفه ومأخذه في كتاب الغصب فان جعل متقوما لم تجز الشركة عليه
والا ففيه الخلاف في المثليات (وأما) الدراهم المغشوشة فقد حكى صاحب التتمة في جواز القراض
عليها خلافا مبنيا على جواز التعامل بها فقد الحقنا المغشوش بالخالص فإذا جاء الخلاف في القراض
ففي الشركة أولى على أن صاحب العدة ذكر أن الفتوى أنه تجوز الشركة فيها إذا استمر في البلد
رواجها * واعلم أن ما ذكرنا في المسألة من تجويز الشركة ومنعها نريد فيما إذا أخرج هذا قدرا من
ماله وذاك قدرا جعلاهما رأس المال ويمكن فرض الشركة على غير هذا الوجه في جميع الأموال على
ما سيأتي (المسألة الثانية) إذ أخرج رجلان كل واحد منهما قدار من المال الذي تجوز الشركة فيه فارادا
الشركة فلا بد أن يخلطا المالين لا يتأتى معه التمييز والا فلو تلف مال أحدهما قبل التصرف تلف
على صاحبه ويقدر اثبات الشركة في الباقي فلا تجوز الشركة عند اختلاف الجنس أن يكون من أحدهما
دراهم والآخر دنانير ولا عند اختلاف الصفة كما إذا اختلفت السكة أو أخرج أحدهما صحاحا والآخر
مكسرة أو صحاحا متقومة أو أخرج أحدهما دراهم عتيقة أو بيضاء والاخر جديدة أو سوداء وفى البيض
والسود وجه عن الإصطخري وإذا جوزنا الشركة في المثليات وجب تساويهما جنسا ووصفا أيضا
فلا تكفى خلطة الحنطة البيضاء بالحمراء لامكان التمييز وان عسر وعن الشيخ أبى على أن الأستاذ
أبا إسحاق ذكر وجها في الاكتفاء به لعد الناس مثل ذلك خلطا وينبغي أن يقدم الخلط على العقد
والاذن فان تأخر فالأظهر المنع إذ لا اشتراك عند العقد (والثاني) يجوز إذا وقع في مجلس العقد لان
المجلس كنفس العقد فان تأخر لم يجر على الوجهين ومال الإمام رحمه الله إلى تجويزه لما سبق أن
408

الشركة توكيل وتوكل ولو وجد التوكيل والتوكل والملكان متميزان ثم فرض الاختلاط لم تنقطع
الوكالة نعم لو قيد الاذن بالتصرف في المال المنفرد فلا بد من تجديد الاذن ولو ورثا عروضا أو اشترياها
فقد ملكاها شائعة وذلك أبلغ من الخلط بل الخلط إنما اكتفى به لإفادة الشيوع فإذا انضم إليه
الاذن في التصرف تم العقد ولهذا قال المزني والأصحاب الحيلة في الشركة في العروض المتقومة ان
أيبيع كل واحد منهما نصف عرضه بنصف عرض صاحبه تجانس العرضان أو اختلفا ليصير كل واحد
منهما مشتركا بينهما فيتقابضان ويأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف وفى التتمة أنه يصير
العرضان مشتركين ويملكان التصرف بحكم الاذن الا أنه لا تثبت أحكام الشركة في الثمن حتى
يستأنفا عقدا وهو ناض وقضية اطلاق الجمهور ثبوت الشركة وأحكامها على الاطلاق وهو المذهب
ولو لم يتبايعا العرضين ولكن باعاهما بعرض أو نقد ففي صحة البيع قولان قد مر ذكرهما في تفريق
الصفقة ويعودان بأكثر من ذلك الشرح في الصداق فان صاحب الكتاب ذكر المسألة هناك
409

فان صححنا كان الثمن مشتركا بينهما إما على التساوي أو التفاوت بحسب قيمة الغرضين فاذن كل
واحد منهما للآخر في التصرف (الثالثة) ظاهر المذهب أنه لا يشترط تساوى المالين في القدر بل
تثبت الشركة مع التفاوت على نسبة المالين وعن الأنماطي أنه يشترط التساوي لان الربح يحصل بالمال
والعمل وكما لا يجوز الاختلاف في الربح مع تساوى المالين لا يجوز الاختلاف في الربح مع التساوي
في العمل وهل يشترط العلم حالة العقد بمقدار النصيبين بأن يعرف أن المال بينهما نصفان أو على
نسبة أخرى فيه الوجهان (أظهرهما) أنه لا يشترط إذا أمكن معرفة من بعد وهو المذكور في الكتاب
ومأخذ الخلاف انه إذا كان بين رجلين مال مشترك وكل واحد منهما جاهل بقدر حصته فاذن
كل واحد متهما لصاحبه في التصرف في جميع المال أو في نصيبه هل يصح الاذن فيه وجهان
(أحدهما) لا لأنه لا يدرى فيما يأذن والمأذون لا يدرى ماذا يستفيد بالاذن (وأظهرهما) نعم لان الحق
لا يعدوهما وقد تراضيا وعلى هذا تكون الأثمان بينهما مبهمة كالمثمنات (واما) لفظ الكتاب فقوله
410

وإشارة النص الا أنه لا بد وأن يكون نقدا يجوز حمله على ما قدمنا ذكره في رواية البويطي رحمه الله الا أن
الظاهر أنه قصد به ما ذكره الامام من أن منقول المزني المنع والمراد منه قوله في المختصر والذي يشبه
مذهب الشافعي رضي الله عنه أن الشركة لا تصح في العروض ولا فيما يرجع عند المفاضلة إلى قيمته
وهذا له اشعار بالمنع لكن بعضهم حمل لفظ العروض على المتقومات وعلى هذا الكلام ذهاب إلى
411

جواز الشركة في المثليات لأنه يرجع عند المفاضلة إلى مثله لا إلى القيمة (وقوله) والاقيس أنه يجوز في
كل مال مشترك أي عروض كانت أو غيرها وأراد بالمشترك ما يثبت فيه الحقان على الشيوع وذلك
تارة يثبت ابتداء كما في الموروث بالخلط الدافع للتمييز لايجابه الشيوع ولو كان لهما ثوبان
والتبسا عليهما لم يكف ذلك لعقد الشركة فان المالين متميزان وإنما أبهم الامر بينهما (وقوله) فلو
تراخا ففيه خلاف والأشبه أنه لم يرد به الوجهين فيما إذا وقع الخلط في المجلس وإنما أراد إقامة وجهين
مما ذكره المعظم ومال إليه الامام رحمه الله لأنه لم يتعرض للمجلس ههنا ولا في الوسيط ولا له ذكر
في النهاية *
412

(فرع) قال أصحابنا العراقيون ومن تابعهم إذا جوزنا الشركة في المثليات فان استوت القيمتان
كانا شريكين على السواء وان اختلفا كما إذا كان لأحدهما كر حنطة قيمته مائة والآخر قيمته خمسون
فهما شريكان الثلثين والثلث وهذا مبني على قطع النظر في المثليات عن تساوى الاجزاء في القيمة
والا فليس هذا الكر مثلا فذلك الكر والكلام في المثليات مستوفى في الغصب *
(فرع) لأحدهما دنانير ولآخر دراهم وابتاعا شيئا بهما يقوم ما ليس بنقد البلد منهما بما هو
نقد البلد فان استويا في القيمة فالشركة على التساوي والا فعلى الاختلاف *
قال (ولا تصح شركة الأبدان (م ح) وهي شركة الدلالين والحمالين إذ كل واحد متميز
بملك منفعته فاختص بملك بدلها، ولا شركة المفاوضة (ح م) وهي أن يشتركا فيما يكتسبان من
مال ويلتزمان من غرم بغصب أو بيع فاسد إذ كل من اختص بسبب اختص بحكمه غرما وغنما *
413

ولا شركة الوجوه (ح) وهي أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون له بعضه * بل كل
الثمن لمالك المثمن * وله أجر المثل) *
غرض الفصل الكلام فيما سوى شركة العنان من الشرك وهي ثلاثة (أحدها) شركة الأبدان
وهي أن يشترك الدلالان أو الحمالان أو غيرهما من المحترفة على ما يكتسبان ليكون بينهما على تساو أو
تفاوت وهي باطلة سواء اتفقا في الصنعة أو اختلفا كالخياط والنجار لان كل واحد منهما مميز ببدنه
ومنافعه فيختص بفوائده وهكذا لو اشتركاه في ماشيتهما وفى متميزة ليكون الدر والنسل بينهما فإنه
لا يصح وعند أبي حنيفة يصح اتفقت الصنعتان أو اختلفتا وعن صاحب التقريب أن لبعض
الأصحاب وجها كمذهبه وقال مالك رحمه الله تصح بشرط اتحاد الصنعة وسلم أبو حنيفة
414

ومالك أنه لا تجوز الشركة في الاصطياد والاحتطاب وأحمد جوزهما أيضا وإذا قلنا بظاهر المذهب وهو
البطلان فإذا اكتسبا شيئا نظر إن انفرد عمل أحدهما عن الآخر فلكل واحد منهما كسبه وإلا فالحاصل
مقسوم بينهما على قدر أجرة المثل لا كما شرط (الثانية) شركة المفاوضة وهي أن يشتركا ليكون بينهما
ما يكتسبان ويربحان ويلزمان من غرم ويحصل لهما من غنم وهي باطلة خلافا لأبي حنيفة رحمه الله حيث
قال تصح بشرط أن يستعملا لفظ المفاوضة فيقولا تفاوضنا أو اشتركنا شركة المفاوضة وإن استويا في
الدين والحرفة فلو كان أحدهما مسلما والآخر ذميا أو أحدهما حرا والاخر مكاتبا لم يصح وإن استويا في
قدر رأس المال وأن لا يملك واحد منهما من جنس رأس المال الا ذلك القدر ثم حكمها عنده أن
ما اشتراه أحدهما يقع مشتركا إلا ثلاثة أشياء قوت يومه وثياب بدنه وجارية يتسرى بها وإذا ثبت
لأحدهما شفعة شارك صاحبه وما ملكه أحدهما بإرث أو هبة لا يشاركه الآخر فيه فإن كان فيه شئ من
جنس رأس المال فسدت شركة المفاوضة وانقلبت إلى شركة العنان وما لزم أحدهما بغصب أو بيع فاسد
أو اتلاف كان مشتركا الا الجناية على الحر وكذا بدل الخلع والصداق إذا لزم أحدهما لم يؤاخذ به الآخر ووجه
المذهب في المسألة ظاهر قال الشافعي رضي الله عنه في اختلاف العراقيين ولا أعرف شيئا في الدنيا
يكون باطلا ان لم تكن شركة المفاوضة باطلة يعني لما فيها من أنواع الغرر والجهالة الكثيرة
415

(فرع) لو استعملا لفظ المفاوضة وأراد اشركة العنان جاز نص عليه وهذا يقوى تصحيح العقود
بالكنايات (الثالثة) شركة الوجوه وقد فسرت بمعان (أشهرها) أن صورتها أن يشترك رجلان وجيهان
عند الناس ليبتاعا في الذمة إلى أجل على أن ما يبتاعه كل واحد منهما يكون بينهما فيبتعاه ويؤديا
الأثمان فما حصل فهو بينهما (والثاني) أن يبتاع وجيه في الذمة ويفوض بيعه إلى خامل وشرط أن
يكون الربح بينهما (والثالث) أن يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه
والمال من الخامل ويكون المال في يده ولا يسلمه إلى الوجيه والربح بينهما وهذا تفسير القاضي ابن
كج والامام ويقرب منه ما ذكره صاحب الكتاب وهو أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح
ليكون بعض الربح له وهي على المعاني باطلة إذ ليس بينهما مال مشترك يرجع إليه عند المفاصلة ثم
ما نشتريه أحدهما في الصورة الأولى والثانية فهو له يختص به وربحه وخسر انه ولا يشاركه فيه الاخر
الا إذا كان قد صرح بالاذن في الشراء بما هو شرط التوكيل في الشراء وقصد المشترى توكيله وعند
416

أبي حنيفة رحمه الله يقع المشترى مشتركا بمجرد الشركة وان لم يوجد قصد من المشتري ولا اذن من
صاحبه (وأما) الصورة الثالثة فهي ليست بشركة في الحقيقة وإنما هي قراض فاسد لاستبداد المالك
باليد فإن لم يكن المال نقدا زاد الفساد وجها آخر وأما ما أورده في الكتاب فحاصله الاذن في البيع
بعوض فاسد فيصح البيع من المأذون ويكون له أجرة المثل وجميع الثمن للمالك واعلم أنه إنما عقب
أركان شركة العنان بذكر أنواع الشركة الفاسدة لأنه قد تبين في خلال الأركان اشتراط شيوع
رأس المال وارتفاع التمييز فأراد الإشارة إلى فساد هذه الأنواع لاختلال هذا الشرط وتميز ما هو رأس
المال فيها أو ما هو في شبه رأس المال ويتعلق بهذه القاعدة صور اخر مغصوصة في البويطي (منها)
417

لواحد بغلة ولآخر راوية تشار كامع ثالث ليسقى الثالث الماء ويكون الحاصل بينهم؟ فهو فاسد لأنها منافع
أبدان متميزة فلو جروا عليه وأسقى الثالث الماء فلمن يكون الماء نقل صاحب التخليص وآخرون
فيه اختلاف قول ولم يحمد المعظم تلك الطريقة وإنما ارتضوا تفصيلا ذكره ابن سريج وهو إن كان
الماء مملوكا للمستقى أو مباحا لكنه قصد به نفسه فهو له وعليه لكل واحد من صاحبيه أجرة المثل أيضا
وان قصد به الشركة فهو على الخلاف في جواز النيابة في تملك المباحات وسنذكره في الوكالة فإن لم
تجوز فهو للمستقى وعليه أجرة المثل لصاحبه أيضا وان جوزنا وهو الأصح فالماء بينهم وفى كيفية
الشركة وجهان (أحدهما) أنه يقسم بينهم على نسبة أجور أمثالهم لأنه حصل بالمنافع المختلفة وهذا
418

ما أورده الشيخ أبو حامد ويحكى عن نصه في البويطي (وأصحهما) عند الشيخ أبى على ولم يورد القفال غيره
انه يقسم بينهم بالسوية اتباعا لقصده فعلى هذا للمستقى أن يطالب كل واحد من صاحبيه بثلث أجرة
منفعته لأنه لم ينصرف منها إليه الا الثلث وكذلك يرجع كل واحد من صاحبي البغلة والزاوية على كل
واحد من الأخير والمستقى بثلث أجرة منفعة ملكه وعلى الوجه الأول لا تراجع بينهم في الأجرة ولو
استأجر رجل راويته من صاحبها والبغلة من صاحبها والمستقى يحمل الماء وهو مباح نظر ان انفرد
كل واحد بعقد صح والماء للمستأجر وان جمع بين الكل في عقد واحد ففي صحة الإجارة قولان
كما لو اشترى عرضا لرجل وعرضا لآخر منهما يثمن؟ واحد ان صححنا وزعت الأجرة المسماة على أجور
419

الأمثال والا فلكل واحد أجرة المثل عليه ويكون الماء للمستأجر صححنا الإجارة أو أفسدناها (أما)
إذا صححناها فظاهر (وأما) إذا أفسدناها فلان منافعهم مضمونة بأجرة المثل ذكره الامام فان نوى
المستقى نفسه وفرعنا على فساد الإجارة فعن الشيخ أبى على أنها تكون للمستأجر أيضا وتوقف
الامام فيه لان منفعته غير مستحقة للمستأجرين وقد قصد نفسه فليكن الحاصل له وموضع القولين
ما إذا وردت الإجارة على عين المستقي والبغلة والراوية فأما إذا ألزم ذمتهم نقل الماء صحت الإجارة
لا محالة إذ ليست ههنا أعيان مختلفة يفرض جهالة في أجورها وإنما على كل واحد منهم ثلث العمل
(ومنها) لو اشترك أربعة لأحدهم بيت ولآخر حجر رحا ولآخر بغلة تديره والرابع يعمل في الرحا على
420

أن الحاصل من أجرة الطحن بينهم فهو فاسد ثم إن أستأجر مالك الحنطة العامل والآلات من
مالكها وأفرد كل واحد بعقد لزمه ما سمى لكل واحد منهم وان جمع بين الكل في عقد واحد
فان ألزم ذمتهم الطحن صح العقد وكانت الأجرة بينهم أرباعا يتراجعون بأجرة المثل لان المنفعة
المملوكة لكل واحد منهم قد استوفى ربعها حيث أخذ ربع المسمى وانصرف ثلاثة أرباعها إلى أصحابه
يأخذ منهم ثلاثة أرباع أجرة المثل وان استأجر عين العامل وأعيان الآلات ففيه القولان المذكوران
في أن الصورة السابقة إن أفسدنا الإجارة فلكل واحد أجرة مثله وان صححناها وزع المسمى عليهم
ويكون التراجع بينهم على ما سبق وان ألزم المالك للحنطة ذمة العامل الطحن لزمه وعليه إذا استعمل
421

ما لأصحابه أجرة المثل لهم إلا أن يستأجرها بعقد صحيح فعليه للمسمى (ومنها) لواحد البذر
ولآخر آلة الحرث ولآخر الأرض واشتركوا مع رابع ليعمل ويكون الزرع بينهم فالزرع لصاحب
البذر وعليه لأصحابه أجرة المثل قال في التتمة فلو أصاب الزرع آفة ولم يحصل من الغلة شئ فلا شئ
لهم لأنهم لم يحصلوا له شيئا ولا يخفى عدول هذا الكلام عن القياس الظاهر *
قال (وحكم الشركة تسليط كل واحد على التصرف بشرط الغبطة مع الجواز حتى يقدر كل
واحد على العزل * وتنفسخ بالجنون والموت) *
هذا أول القول في أحكام الشركة والفصل ينظم حكمين (أحدهما) أن الشركة بالمعني المعقود
لهذا الباب إذا تمت ووجد الاذن من الطرفين تسلط كل واحد من الشريكين على التصرف وسبيل
تصرف الشريك كسبيل تصرف الوكيل فلا يبيع نسيئة ولا بغير نقد البلد ولا يبيع ولا يشترى
بالغبن الفاحش إلا إذا اذن الشريك فان خالف وباع بالغبن الفاحش لم يصح في نصيب الشريك
422

وفى نصيبه قولا تفريق الصفقة إن لم نفرقها بقي المبيع على ملكهما والشركة بحالها وان فرقناها
انفسخت الشركة في المبيع وصار مشتركا بين المشترى والشريك الذي بطل في نصيبه وان اشترى
بالغبن نظر ان اشترى بعين مال الشركة فهو كما لو باع وان اشترى في الذمة لم يقع وعليه توفير الثمن من خالص
ماله * وليس لأحدهما أن يسافر بمال الشركة ولا أن يبضعه بغير اذن صاحبيه فان فعل ضمن (الثاني)
الشركة جائزة ولكل واحد منهما فسخها متى شاء لما سبق أن حقيقتها التوكل فلو قال
أحدهما للآخر عزلتك عن التصرف أولا تتصرف في نصيبي انعزل المخاطب ولا ينعزل العازل عن
التصرف في نصيب المعزول ولو قال فسخت الشركة انفسخ العقد قال الامام ينعزلان عن التصرف
لارتفاع العقد وأشار إلى أن ذلك مجزوم به لكن صاحب التتمة ذكر ان انعزالهما مبنى على أنه
يجوز التصرف بمجرد عقد الشركة أم لا بد من التصريح بالاذن (ان قلنا) بالأول فإذا ارتفع العقد
انعزلا (وان قلنا) بالثاني وكانا قد صرحا بالاذن فلكل واحد منها التصرف إلى أن يعزلا وكيف
ما كان فالأئمة متطابقون على ترجيح القول بانعزالهما وأيد الامام الوجه الذاهب إلى أن لفظ
423

الشركة يمجرده يسلطهما على التصرف فيه وكما تنفسخ الشركة بالفسخ بموت أحد المتعاقدين
وجنونه واغمائه كالوكالة ثم في صورة الموت ان لم يكن على الميت دين ولا هناك وصية فللوارث
الخيار بين القسمة وتقرير الشركة إن كان بالغا رشيدا وإن كان موليا عليه لصغر أو جنون فعلى وليه
ما فيه الحظ والمصلحة من الامرين وإنما يقرر الشركة بعقد مستأنف وإن كان على الميت دين فليس
للوارث تقرير الشركة الا إذا قضى الدين من موضع آخر وإن كان هناك وصية نظر إن كانت
الوصية لمعين فهو كأحد الورثة وإن كانت لغير معين كالفقراء لم يجز تقرير الشركة حتى تخرج الوصية
ثم هو كما لو لم تكن وصية *
قال (ويتوزع الربح والخسران على قدر المال * فلو شرطا تفاوتا بطل الشرط وفسد العقد *
ومعنى الفساد أن كل واحد يرجع على صاحبه بأجرة عمله في ماله ولو صح لما رجع * ولو شرط زيادة
ربح لمن اختص بمزيد عمل ففي صحة الشرط خلاف * ومن حكمها كون كل واحد أمينا القول
قوله فيما يدعيه من تلف وخسران * إلا إذا ادعى هلاكا بسبب ظاهر فعليه إقامة البنة على السبب *
ثم هو مصدق في الهلاك به * والقول قوله فيما اشتراه اقصد به نفسه أو مال الشركة * (فان
قال) كان من مال الشركة فخلص لي بالقسمة فالقول قول صاحبه في إنكار القسمة *
424

من أحكام الشركة كون الربح بينهما على قدر المالين شرطا أو لم يشرطا تساويا في العمل أو تفاوتا
فان شرطا التساوي في الربح مع التفاوت في المال فهو فاسد وكذا لو شرطا التفاوت في الربح مع
التساوي في المال نعم لو اختص أحدهما بمزيد عمل وشرط له مزيد ربح ففيه وجهان (أحدهما)
صحة الشركة ويكون القدر الذي يناسب ملكه له بحق الملك والزائد يقع في مقابلة العمل ويتركب
425

العقد من الشركة والقراض (وأصحهما) المنع كما لو شرطا التفاوت في الخسران فإنه يلغو أو يتوزع
الخسران على المال ولا يمكن جعله مشتركا وقراضا فان العمل في القراض بيع مختص بمال المالك وههنا
يتعلق بملكه وملك صاحبه * وعند أبي حنيفة رضي الله عنه يجوز تغيير نسبة الربح بالشرط ويكون
الشرط متبعا لنا القياس على طرود الخسران فإنه يسلم توزيعه على قدر المالين وان شرط خلافه وإذا
426

فسد لم يؤثر ذلك في فساد التصرفات لوجود الاذن ويكون * الربح على نسبة المالين ويرجع كل
واحد منهما على صاحبه بأجرة مثل عمله في ماله على ما ذكره في الكتاب وتفصيله أنهما إما أن
يكونا متساويين في المالين أو متفاوتين ان تساويا فاما أن يتساويا في العمل أيضا فنصف عمل كل
واحد منهما يقع في ماله فلا يستحق به أجرة والنصف الآخر الواقع في مال صاحبه يستحق عليه
427

مثل بدله عليه فيقع في التقاص وان تفاوتا في العمل بأن كان عمل أحدهما يساوى مائة وعمل الآخر
مائتين فإن كان عمل المشروط له الزيادة أكثر فنصف عمله مائة ونصف عمل صاحبه خمسون فبقي
له خمسون بعد التقاص وإن كان عمل صاحبه أكثر ففي رجوعه بالخمسين على المشروط
له الزيادة وجهان (أحدهما) الرجوع وهو ظاهر ما أجاب به الشيخ أبو حامد كما لو فسد القراض
428

فيستحق العامل أجرة المثل (وأصحهما) المنع ويحكى عن أبي حنيفة رحمه الله لأنه عمل وجد
من أحد الشريكين لم يشترط عليه عوض والعمل في الشركة لا يقابله عوض بدليل ما إذا كانت
الشركة صحيحة فزاد عمل أحدهما فإنه لا يستحق على الآخر شيئا ويجرى الوجهان فيما إذا فسدت
الشركة واختص أحدهما بأصل التصرف والعمل هل يرجع بنصف أجرة عمله على الآخر (وأما)
429

إذا تفاوتا في المال بأن كان لأحدهما الف ولآخر الفان فاما أن يتفاوتا في العمل أو يتساويا فان تفاوتا بان
كان عمل صاحب الأكثر أكثر بأن كان عمله يساوى مائتين وعمل الآخر مائة فثلثا عمله في
ماله وثلثه في مال صاحبه وعمل صاحبه على العكس فيكون لصاحب الأكثر ثلث المائتين على صاحب
الأقل ولصاحب الأقل ثلث المائة على صاحب الأكثر وقدرهما واحد فيقع في التقاص فإن كان عمل
430

صاحب الأقل في ماله وثلثاه في مال شريكه وثلثا عمل صاحبه الأكثر في ماله وثلثه في مال شريكه
فلصاحب الأقل ثلثا المائتين على صاحب الأكثر وهو مائة وثلاثة وثلاثون درهما وثلث درهم ولصاحب
الأكثر ثلث المائة على صاحب الأقل وهو ثلاثة وثلاثون وثلث فيبقى بعد التقاص لصاحب
الأقل مائة على الآخر وان تساويا في العمل فلصاحب الأقل ثلثا المائة على صاحب الأكثر
431

ولصاحب الأكثر ثلث المائة عليه فيكون الثلث بالثلث قصاصا يبقى لصاحب ثلث المائة ثلاثة
وثلاثون وثلث (وقوله) في الكتاب فلو شرطا تفاوتا بطل الشرط معلم بالحاء لما عرفت أن
أبا حنيفة رحمه الله يصححه (وقوله) فسد العقد هذا المشهور ونقل الامام رحمه الله اختلافا للأصحاب
432

رحمهم الله في أن الشركة تقصد بهذا الشرط أو يطرح الشرط والشركة بحالها لنفوذ التصرفات
ويوزع الربح على المالين ولم يتعرض غيره لحكاية الخلاف بل جزموا بنفوذ التصرفات ويوزع الربح
على المالين ولوجوب الأجرة في الجملة ولعل الخلاف راجع إلى الاصطلاح فبعضهم يطلق
433

لفظ الفساد وبعضهم يمنع منه لبقاء أكثر الأحكام (وقوله) ومعني الفساد إلى آخره أشار به
إلى أن أثر الفساد بالرجوع بالأجرة فان الشركة لو كانت صحيحة لما ثبت استحقاق الأجرة ويجوز إعلام
قوله يرجع بالأجرة بالحاء لان عنده لا رجوع بها لصحة الشرط وما ذكرنا من معني الفساد عند تعيين
434

نسبة الربح جار في سائر أسباب الشركة نعم قال الامام رحمه الله لو لم يكن بين المالين شيوع وخلط
فلا شركة ههنا على التحقيق وثمن كل واحد من المالين يختص بمالكه ولا يقع مشتركا والكلام
في الصحة والفساد إنما يكون بعد حصول تعيين الشركة فان جرى توكيل من الجانبين لم يخف
حكمه وينبني على الخلاف المذكور فيما إذا شرط زيادة ربح لمن اختص بمزيد عمل *
435

(فرعان) أحدهما إذا جوزنا ذلك فلو لم يشترطاه ولا اشترط توزيع الربح على قدر المالين بل
أطلقا فعن صاحب التقريب والشيخ أبى محمد ذكر خلاف في أن الربح يتوزع على المالين وتكون
زيادة العمل تبرعا منه أو يثبت للزيادة أجرة تخريجا على ما إذا استعمل صانعا ولم يذكر له أجرة
436

(الثاني) إذا شرطا زيادة ربح لمن زاد عمله ففي اشتراط استبداده باليد وجهان وكذا لو شرطا انفراد
أحدهما بالعمل في وجه يشترط كما في القراض وفى وجه لا جريا على قضية الشركة والخلاف في جواز
اشتراط زيادة ربح بمن زاد عمله جار فيما إذا اشترطا انفراد أحدهما بالتصرف وجعلا له زيادة ربح
وفى وجه يجوز ههنا ولا يجوز فيما إذا اشتركا في أصل العمل لأنه لا يدري بأي عمل حصل فيحال به
على المال أورده في الوسيط *
437

قال (ومن حكمها كون كل واحد أمينا القول قوله فيما يدعيه من تلف وخسران * الا إذا ادعى
هلاكا بسبب ظاهر فعليه إقامة البينة على السبب * ثم هو مصدق في الهلاك به * والقول قوله فيما
اشتراه أقصد به نفسه أو مال الشركة * فان قال كان من مال الشركة فخلص لي بالقسمة فالقول
قول صاحبه في إنكار القسمة) *
438

في الفصل مسألتان (إحداهما) من أحكام الشركة أن يد كل واحد من الشريكين يد أمانة كيد المودع
والوكيل ولو ادعى رد المال إلى شريكه قبل قوله كالمودع والوكيل بغير جعل ولو ادعى خسرانا أو تلفا
فكذلك كالمودع إذا ادعي التلف وكل واحد من الشريكين والمودع إذا أسند التلف إلى سبب ظاهر طولب بالبينة
439

عليه فلو أقاماها صدقا في الهلاك به وسيأتي ذكره في الوديعة فإذا ادعى أحد الشريكين خيانة على
الآخر لم تسمع الدعوى حتى يبين قدر ما خان به فإذا تبين سمعت والقول قول المنكر مع يمينه (الثانية)
في يد أحد الشريكين مال واختلفا فقال من في يده انه لي وقال الآخر بل هو من مال الشركة وهذا
440

يقع عند ظهور الريح فيه أو قال المشترى اشتريته من الشركة وقال الآخر بل لنفسك وهذا يقع
عند ظهور الخسران فالصدق المشتري لأنه أعرف بمقصده ولو قال صاحب اليد قسمنا مال الشركة
وهذا مختص بي وقال الآخر لم نقسم بعد وهو مشترك فالقول قول نافى القسمة لان الأصل بقاء الشركة وعلى
مدعى القسمة البينة ولو كان في أيديهما أو في أيديهما أو في يد أحدهما مال وقال كل واحد منهما هذا نصيبي من
441

مال الشركة وأنت أخذت نصيبك حلف كل واحد منهما وجعل المال بينهما فان حلف أحدهما دون
الآخر قضى له *
قال (وإذا باع أحد الشريكين باذن الآخر عبدا مشتركا ثم أقر الذي لم يبع أن البائع قبض
الثمن كله وهو جاحد فالمشترى برئ من نصيب المقر لاقراره * وللبائع طلب نصيبه من المشترى * فان
استحلفه المقر فحلف أنه لم يقبض سلم له ما قبض * وان نكل حلف الخصم واستحق * ولو كانت
442

المسألة بحالها ولكن أقر البائع أن الذي لم يبع قبض الثمن كله لم يقبل اقرار الوكيل على الموكل
وبرئ المشترى من مطالبة المقر بان شريكي قبض إذا كان شريكه أيضا مأذونا من جهته * ولم يبرأ
من مطالبة الجاحد فله أخذ نصيبه من المشترى) *
إذا كان بين اثنين عبد فباعه أحدهما باذن الآخر وكان البائع مأذونا في قبض الثمن أيضا أو
قلنا إن الوكيل بالبيع يملك قبض الثمن ثم اختلف الشريكان في القبض فذلك يصور على وجهين
443

(أحدهما) أن يقول الشريك الذي لم يبع للذي باع قبضت الثمن كله فسلم إلى نصيبي ويساعد المشترى
على أن البائع قبض وينكر البائع فيبرأ المشتري عن نصيب الذي لم يبع لاعترافه بأن البائع الذي
هو وكله بالقبض قد قبض ثم ههنا خصومة بين البائع والمشترى وخصومة بين الشريكين وربما
تقدمت الأولى على الثانية وربما تأخرت فان تقدمت خصومة البائع والمشترى فطالب البائع المشترى
بنصيبه من الثمن وادعي المشترى أنه أداه نظر ان قامت للمشترى بينة على الأداء اندفعت المطالبة عنه
فان شهد له الشريك الذي لم يبع لم تقبل شهادته في نصيبه لأنه لو ثبت ذلك لطالب المشهود عليه
444

بحقه وذلك جر نفع ظاهر وفى قبولها نصيب الآخر قولان بناء على أن الشهادة هل تتبعض كما لو
شهد أنه قذف أمه وأجنبية هل تقبل في حق الأجنبية وان لم تكن بينة فالقول قول البائع مع يمينه أنه لم يقبض
فان حلف أخذ نصيبه من المشترى ولا يشاركه الذي لم يبع فيه لاقراره بأنه أخذ الحق من قبل وزعمه أن ما أخذه
الآن أخذه ظلما وان نكل وحلف المشترى انقطعت الطلبة عنه وان نكل المشترى أيضا فعن ابن القطان وجه أنه
لا يؤاخذه بنصيب البائع لأنا لا نحكم بالنكول والمذهب خلافه وليس هذا حكم بالنكول وأن ما هو
مؤاخذة له باقراره بلزوم المال بالشراء ابتداء ثم إذا انفصلت خصومة البائع والمشترى فلو جاء الشريك
445

الذي لم يبع يطالب الذي باع بحقه بزعمه أنه قبض الثمن فعليه البينة ويصدق البائع أنه لم يقبض
الا نصيبه بعد الخصومة الجارية بينهما فان نكل البائع حلف الذي لم يبع وأخذ منه نصيب نفسه ولا
يرجع البائع به على المشترى لان بزعمه أن شريكه ظلمه بما فعل ولا يمنع البائع من الحلف ونكوله عن
اليمين في الخصومة مع المشترى لأنها خصومة أخرى مع خصم آخر هذا إذا تقدمت خصومة البائع
والمشترى وتلتها خصومة الشريكين فإذا تقدمت خصومة الشريكين فادعي الذي لم يبع قبض
الثمن على البائع وطالبه بحقه فعليه البينة ولا تقبل شهادة المشترى له بحال لأنه يدفع عن نفسه فإن لم
446

يكن له بينة حلف البائع أنه ما قبض فان نكل حلف الذي لم يبع وأخذ نصيبه من البائع ثم إذا
انفصلت خصومة الشريكين فلو طالب البائع المشترى بحقه وادعى المشترى الأداء فعليه البينة فإن لم
تكن بينة حلف البائع وقبض حقه فان نكل حلف المشتري وبرئ ولا يمنع البائع من أن يحلف
ويطلب من المشترى حقه نكوله في الخصومة الأولى مع شريكه وعن حكاية الشيخ أبى على أنه
يمنعه بناء على أن يمين الرد كالبينة أو كاقرار المدعى عليه إن كانت كالبينة فكأنه قامت البينة على
قبضة جميع الثمن وإن كانت كالاقرار فكأنه أقر بقبض جميع الثمن وعلى التقديرين يمتنع عليه مطالبة
المشتري وهذا ضعيف باتفاق الأئمة لان اليمين إنما تجعل كالبينة أو كالاقرار في حق المتخاصمين وفيما
فيه تخاصمهما لا غير ومعلوم أن الشريك إنما يحلف على أنه قبض نصيبه فإنه الذي يطالب به فكيف
447

يؤثر يمينه في غيره وعلى ضعفه فقد قال الامام رحمه الله القياس طرده فيما إذا تقدمت خصومة البائع
والمشتري ونكل البائع وحلف المشترى اليمين المردودة حتى يقال ثبت للذي لم يبع مطالبة البائع
بنصيبه من غير تجديد خصومة لكون يمين الرد بمنزلة البينة أو الاقرار والله أعلم * فهذا أحد وجهي
اختلاف الشريكين في القبض (والوجه الثاني) أن يقول الشريك البائع للذي لم يبع قبضت الثمن
كله وصدقه المشترى فأنكر الذي لم يبع فله حالتان (إحداهما) أن يكون الذي لم يبيع مأذونا من جهة
البائع في قبض الثمن فيبرأ المشترى عن نصيب البائع لاعترافه بأن وكيله قد قبض ثم تعرض
خصومتان كما في النزاع الأول فأن تخاصما الذي لم يبع والمشترى فالقول قول الذي لم يبع في نفى القبض
فيحلف ويأخذ نصيبه ويسلم له المأخوذ وان تخاصم البائع والذي لم يبع حلف الذي لم يبيع فان نكل
حلف البائع وأخذ منه نصيبه ولا رجوع له على المشترى وكل ذلك كما مر في النزاع الأول ولو شهد
البائع للمشترى على القبض لم تقبل لأنه يشهد لنفسه على الذي لم يبع والحالة الثانية أن لا يكون
الذي لم يبع مأذونا من جهة البائع في القبض فلا تبرأ ذمة المشتري عن شئ من الثمن أما عن حق
الذي لم يبع فلانه منكر في القبض ومصدق في إنكاره بيمينه وأما عن الذي باع فلانه لم يعترف
448

بقبض صحيح ثم لا يخلو إما أن يكون البائع مأذونا من جهة الذي لم يبع في القبض أولا يكون
مأذونا أيضا (القسم الأول) أن يكون مأذونا فله مطالبة المشترى بنصيبه من الثمن ولا يتمكن من مطالبته
بنصيب الذي لم يبع لأنه لما أقر بقبض الذي لم يبع نصيبه فقد صار معزولا عن وكالته ثم إذا تخاصم
الذي لم يبع والمشتري فعلى المشترى البينة على القبض وان لم تكن البينة فالقول قول الذي لم يبع
فإذا حلف ففيمن يأخذ حقه منه وجهان (قال) المزني وابن القنص وآخرون إن شاء أخذ تمام حقه
من المشترى وان شاء شارك البائع في المأخوذ وأخذ الباقي من المشترى لان الصفقة واحدة فكل جزء
من الثمن شائع بينهما فان أخذ بالحصة الثانية لم يبق مع البائع إلا ربع الثمن ويفارق هذا ما إذا كان
الذي لم يبع مأذونا في القبض حيث لا يشاركه البائع فيما يأخذه من المشترى لان زعمه أن الذي لم
449

يبع ظالم فيما أخذه فلا يشاركه فيما ظلم به قال ابن سريج وغيره ليس له الا أخذ حقه من المشتري
ولا يشارك البائع فيما أخذه لان البائع قد انعزل عن الوكالة بإقراره وأن الذي لم يبع قبض حقه
فما يأخذه بعد الانعزال يأخذه لنفسه خاصة وهذا الكلام استحسنه الشيخ أبو حامد والشيخ أبو علي لكن
أبو علي قال إنه وان انعزل فالمسألة تحتمل وجهين بناء على أن مالكي السلعة إذا باعاها بصفقة واحدة
هل ينفرد أحدهما بقبض حصته من الثمن وجهان (أحدهما) لا بل إذا انفرد بأخذ شئ يشاركه
450

الاخر فيه كما أن الحق الثابت للوراثة لا ينفرد بعضهم باستيفاء حصته منه ولو فعل شاركه الآخرون
فيه وكذلك لو كاتبا عبدهما صفقة واحدة لم ينفرد أحدهما بأخذ حقه من النجوم (والثاني) نعم كما لو
باع كل واحد منهما نصيبه بعقد مفرد ويخالف الميراث والكتابة فإنهما لا يثبتان في الأصل بصفة
التجزئ إذ لا ينفرد بعض الورثة ببعض أعيال التركة ولا تجوز كتابة بعض العبد فلذلك لم يجز
التجزئ في القبض ولو شهد البائع للمشترى على أن الذي لم يبع قد قبض الثمن فعلى المزني
451

لا تقبل شهادته لان يدفع بها شركة صاحبه فيما أخذه وعلى ما ذكره ابن سريج تقبل (والقسم الثاني)
أن لا يكون البائع مأذونا في القبض قال أصحابنا العراقيين للبائع مطالبة المشترى بحقه ههنا وما
يأخذه يسلم له وتقبل ههنا شهادة البائع للمشترى على الذي لم يبع وقياس البناء الذي ذكره
الشيخ أبو علي عود الخلاف في مشاركة صاحبه فيما أخذه تخريج قبول الشهادة على الخلاف
ويجوز أن يستفاد من جوابهم ترجيح الوجه الصائر إلى الأصل المبني عليه أن كل شريك ينفرد بقبض
452

حصته على أنى رأيت في فتاوي الحناطي حكاية وجه أن أحد الموارثين أيضا إذا قبض من الدين قدر
حصته لم يشاركه الآخر الا أن يأذن له المديون في الرجوع عليه أولا يجد ما لا سواه هذا فقه المسألة
واعلم أن المزني أجاب في الوجه الثاني من اختلاف الشريكين بان المشترى يبرأ من نصف الثمن
باقرار البائع أن شريكه قد قبض لأنه في ذلك أمين وظاهر هذا يشعر بسقوط نصيب الذي لم يبع
453

كما أن في الوجه الأول من اختلافهما يسقط نصيب الذي لم يبع والأصحاب فيما أطلقه فرقتان فغلطه
فرقة منها ابن سريج وأبو إسحاق وقالت إنه نقل هذه المسألة من كتب أهل العراق فإنهم يقبلون
إقرار الوكيل على الموكل باستيفاء الثمن والبائع وكيل الذي لم يبع فيسقط باقراره أن الموكل قد قبض
حقه (فأما) قول أصل الشافعي رضي الله عنه فان اقرار الوكيل على الموكل غير مقبول فلا يسقط باقرار
البائع حق لدى لم يبع (وفرقة) أولت كلامه وهم قو لان عن ابن أبي هريرة وغيره أنه ما أراد بقوله
برئ المشترى من نصف الثمن البراءة المطلقة وإنما أراد براءة المطلقة وإنما أراد براءة مطالبة البائع بالنصف لان زعمه أن
شريكه قد قبض حقه فلا يمكنه المطالبة به (ومنهم) من حمله على ما إذا كان الذي لم يبع مأذونا من
جهة البائع في القبض أيضا فإذا أقر البائع بان شريكه قبض وقد أقر بقبض وكيله فعلى هذا فالنصف
الساقط هو نصيب المقر كما في الاختلاف الأول * واعلم أن المسألة لا اختصاص لها بالشركة المعقود لها
الباب وإنما هي موضوعة في مطلق الشركة (وقوله) في الكتاب فان نكل حلف الخصم واستحق
454

أي نكل البائع وحلف الذي لم يبع واستحق نصيبه على شريكه (وقوله) في الصورة الثانية لم يقبل اقرار
الوكيل على الموكل الوكيل ههنا هو الذي باع والموكل هو الذي لم يبع وقوله برئ المشترى من مطالبة
المقر بان شريكي قبض إلى آخره قد يوهم مغايرة هذه اللفظة لقوله في الصورة السابقة المشترى يبرأ
من نصيب المقر لاقراره فرق بينهما في هذا الحكم ولا فرق وليس في تغاير اللفظين فقه (وقوله) ولم يبرأ
من مطالبة الجاحد كالشرح والايضاح لما مر والا ففي قوله لم يقبل اقرار الوكيل على الموكل ما يفيده
فإنه إذا لم يقبل اقرار البائع عليه ففي حقه ومطالبته بحالهما ويجوز أن يقال قوله يقبل اقرار الوكيل
على الموكل إشارة إلى القاعدة الكلية في الوكلاء والموكلين (وقوله) ولم يبرأ من مطالبة الجاحد بيان
قياس تلك القاعدة وثمرتها فيما نحن فيه *
455

(فرع) نتأسى في ختم الكتاب به المزني والأصحاب وإن لم يكن له كبير اختصاص بالباب
عبد بين رجلين غصب غاصب نصيب أحدهما بأن نزل نفسه منزلته وأزال يد صاحبه يصح من
الذي لم يغصب نصيبه بيع نصيبه ولا يصح من الاخر بيع نصيبه إلا من الغاصب ولو باع
الغاصب والذي لم يغصب نصيبه جميع العبد في عقد واحد بطل في نصيب الغاصب وصح في نصيب
المالك لا يخرج على الخلاف في تفريق الصفقة لان الصفقة تتعدد بتعدد البائع وسهم من قال ينبني
القول في نصيب المالك على أن أحد الشريكين إذا باع نصف العبد مطلقا ينصرف إلى نصيبه
أو يشيع وفيه وجهان وهذه المسألة مذكورة في الكتاب في باب العتق (فأن قلنا) ينصرف إلى نصيبه
صح بيع المالك في نصيبه (وإن قلنا) بالشيوع يبطل البيع في ثلاثة أرباع العبد وفى ربعه قولان
ولا ينظر إلى هذا البناء فيما إذا باع المالكان معا وأطلقا ولا يجعل كما إذا أطلق واحد منهما بيع
نصف العبد لان هناك تناول العقد الصحيح جميع العبد *
456