الكتاب: منهاج الصالحين
المؤلف: الشيخ محمد إسحاق الفياض
الجزء: ١
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة ( فتاوى المراجع )
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع:
المطبعة: أمير – قم
الناشر: مكتب سماحة الشيخ محمد إسحاق الفياض
ردمك:
ملاحظات: ج١ : العبادات

منهاج الصالحين
العبادات
لسماحة آية الله العظمى الحاج الشيخ
محمد إسحاق الفياض
دام ظله
1

اسم الكتاب:... منهاج الصالحين / العبادات
المؤلف:... سماحة آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد إسحاق الفياض (دام ظله)
الناشر:... مكتب سماحة آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد إسحق الفياض (دام ظله) قم
المطبعة:... أمير
الطبعة:... الاولى
الكمية:... 1000 نسخه
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وآله الطيبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
3

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على خير خلقه
وأفضل بريته محمد وعترته الطاهرين
وبعد: فلما كانت رسالة " منهاج الصالحين " التي ألفها سماحة آية الله العظمى
السيد محسن الطباطبائي الحكيم (قدس سره) من أفضل الرسائل العملية المتداولة بين
المؤمنين في الفترة الأخيرة من جهة اشتمالها على أكثر المسائل الإبتلائية وأهمها
في العبادات والمعاملات، وقيام كثير من العلماء بتطبيقها على فتاواهم وعلى
رأسهم سيدنا الأستاذ سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي
- قدس الله نفسه الزكية -، وقد طلب مني جماعة من الفضلاء - دام توفيقهم -
باستعراض الأحكام الشرعية وفق ما وصل إليه نظري فقد استجبت لطلبهم
بتطبيق الرسالة المذكورة على فتاواى بتغيير موارد الخلاف مع الإضافات
الكثيرة اللازمة لملئ الفراغات وزيادة التوضيح والتبسيط في العبارة لتكون
أقرب إلى الاستفادة والفهم. فالعمل بهذه الرسالة الشريفة مجزئ ومبرئ للذمة
إن شاء الله تعالى.
5 / صفر / 1419 محمد إسحاق الفياض
5

التقليد
(مسألة 1): يجب على كل مكلف لم يبلغ رتبة الاجتهاد أن يكون
مقلدا في جميع عباداته ومعاملاته وسائر أفعاله وتروكه، أو محتاطا على أن
يستند في احتياطه إلى اجتهاده أو تقليده لمجتهد يسمح له بالاحتياط ويعلمه
كيف يحتاط، هذا في غير الأحكام البديهية المسلمة في الشرع كوجوب الصلاة
والصيام والحج وحرمة قتل النفس المحترمة والزنى وغيرها كالمسائل القطعية
التي لا يتوقف العلم بها على عملية الاجتهاد كبعض أحكام العبادات
والمعاملات وكثير من المستحبات وأكثر المباحات التي يعرف حكمها كثير من
الناس، فإن المجتهد والمقلد أمام هذه الأحكام على حد سواء.
(مسألة 2): عمل العامي بلا تقليد ولا احتياط في أحكام الله تعالى
باطل وغير مجزئ حتى ولو كان العامل جاهلا بوجوب التقليد أو الاحتياط؛
لأن الجهل هنا ليس بعذر. نعم، لو انكشف له أن عمله مطابق للواقع بالتمام أو
موافق لفتوى من يجب عليه تقليده فعلا، أو للاحتياط كفاه ولا شيء عليه.
(مسألة 3): الأقوى جواز ترك التقليد، والعمل بالاحتياط، سواء
اقتضى التكرار، كما إذا ترددت الصلاة بين القصر والتمام أم لا، كما إذا احتمل
وجوب الإقامة في الصلاة لكن معرفة موارد الاحتياط تحتاج إلى اطلاع فقهي
واسع وهو متعذر غالبا، أو متعسر على العوام.
(مسألة 4): التقليد هو الطريق الأكثر عملية لدى العقلاء؛ لأن رجوع
الناس في كل فن إلى ذوي الاختصاص والخبرة بذلك الفن قد أصبح عادة لهم،
وهو واجب على كل مكلف لا يتمكن من الاجتهاد ولا من الاحتياط.
7

(مسألة 5): التقليد هو العمل بقول المجتهد في الأحكام الشرعية، ولا
يتحقق إلا بالعمل.
(مسألة 6): يشترط في مرجع التقليد البلوغ، والعقل، والإيمان،
والذكورة، والاجتهاد، والعدالة، وطهارة المولد.
(مسألة 7): يصح التقليد من الصبي المميز، فإذا مات المجتهد الذي
قلده الصبي قبل بلوغه جاز له البقاء على تقليده، ولا يجوز له أن يعدل عنه إلى
غيره، إلا إذا كان الثاني أعلم، كما أن غيره إذا قلد مجتهدا ثم مات جاز البقاء
على تقليده، وإذا كان أعلم من الحي وجب.
(مسألة 8): إذا قلد مجتهدا فمات، فإن كان أعلم من الحي وجب البقاء
على تقليده مطلقا، أي من دون أدنى فرق بين ما تعلمه من أقوال المرجع وما لم
يتعلمه، وما عمل به وما لم يعمل، وإن كان الحي أعلم وجب العدول إليه، مع
العلم بالمخالفة بينهما، ولو إجمالا، وإن تساويا في العلم أو لم يحرز الأعلم منهما
جاز له البقاء ما لم يعلم بمخالفة فتوى الحي لفتوى الميت، وإلا وجب الأخذ
بأحوط القولين.
قد تسأل: هل يجوز تقليد الميت ابتداء؟
والجواب: لا يبعد جوازه شريطة إحراز أنه يفوق الأحياء في العلم بأن
يكون أعلم منهم بأحكام الشريعة، والأعرف والأقدر على تكوين القواعد
العامة، والأدق في مجال التطبيق والاستنباط.
وقد تسأل: أن لازم ذلك حصر المجتهد المقلد في جميع الأعصار والقرون
في شخص واحد، على أساس أن الأعلم من الأحياء والأموات منحصر بفرد،
فإذا فرضنا أنه الشيخ الطوسي (قدس سره) مثلا، فلازمه رجوع الجميع إليه في كل
عصر وهو خلاف الضرورة من مذهب الشيعة؟
8

والجواب: أن هذا مجرد افتراض وليس له واقع موضوعي؛ إذ لا شبهة في
أن الأعلم بالمعنى المشار إليه آنفا إنما هو بين العلماء المتأخرين بالنسبة إلى
المتقدمين، والشاهد على ذلك هو تطور علم الاصول وعلم الفقه بنحو قد
أصبحا أكثر عمقا واستيعابا وأكثر دقة وصرامة على أساس أنهما علمان
مترابطان بترابط متبادل على مستوى واحد في طول التأريخ، فكلما كان البحث
الأصولي النظري أكثر دقة وعمقا وأوسع شمولا كان يتطلب في مجال التطبيق
دقة أكبر والتفاتا أوسع وأشمل، ومن الواضح أنهما لم يكونا موجودين بهذه
الدرجة من التطور والسعة في الأزمنة السابقة، أجل قد يتفق ذلك في عصر
واحد، فإذا مات المرجع في التقليد يمكن أن يكون هو أعلم من جميع الأحياء
الموجودين فعلا. ثم إن وظيفة العامي هي الرجوع إلى المجتهد الحي الأعلم
وتقليده، ولكنه قد يسوغ للمقلد أن يستمر على تقليد المرجع الميت وقد يسوغ
له أن يقلده ابتداء، ولا يحق له أن يستمر على تقليده أو يقلده ابتداء بصورة
اعتباطية، وإنما يسوغ له ذلك بعد أن يتعرف على الأعلم من المجتهدين الأحياء
ويرجع إليه في التقليد فيسمح له بالاستمرار على ذلك أو الرجوع إليه ابتداء؛ إذ
لو لم يصنع ذلك كان كمن يعمل من دون تقليد.
وقد تسأل: أنه يعرف مما سبق أن المرجع في التقليد إذا مات، فإن كان
أعلم من كل الأحياء الموجودين بالفعل وجب البقاء على تقليده - كما لو كان
حيا - من دون أدنى فرق بين حال حياته وموته، وإذا كان الحي أعلم من الميت
وجب العدول إلى تقليده في كل المسائل من دون استثناء، فهل الأمر كذلك إذا
وجد في الأحياء من هو مساو للميت علما واجتهادا؟
والجواب: أن الميت إن كان أسبق من الحي في الأعلمية وجب البقاء على
9

تقليده ما لم تثبت أعلمية الحي، وإن كانا على مستوى واحد منذ البداية وجب
الأخذ في كل واقعة بمن كان قوله أقرب إلى الاحتياط إن أمكن، وإلا فالتخيير.
(مسألة 9): إذا تعدد المجتهدون الذين تتوفر فيهم شروط التقليد فإن
كانوا متفقين في آرائهم وفتاويهم فبإمكان العامي أن يرجع إلى أي واحد منهم،
وإن كانوا مختلفين في الآراء والفتاوي - كما هو الغالب - وعلم المقلد بذلك وجب
الرجوع إلى الأعلم منهم في هذه الحالة، وإن كانوا على مستوى واحد وجب
الأخذ بمن كان قوله مطابقا للاحتياط إن أمكن، وإلا تخير في الأخذ بقول أي
واحد منهم.
(مسألة 10): يجب على المكلف الفحص والبحث عن الأعلم في كل
مجال ومظنة ممكنة، وفي فترة الفحص والبحث يجب عليه أن يحتاط في أعماله
وإن استلزم التكرار.
وإذا وصل بالفحص والبحث إلى كون الأعلم أكثر من واحد بين المجتهدين،
أي اثنين - مثلا - وهما على مستوى واحد مقدرة وعلما وقد اختلفا في الفتوى
فهل هناك مرجح يوجب تقديم أحدهما على الآخر في التقليد؟
والجواب: ما مر من أن الواجب في هذه الحالة هو الأخذ بمن كان قوله
أقرب إلى الاحتياط إن أمكن، إلا إذا علم بسبق أعلمية أحدهما على الآخر.
(مسألة 11): إذا علم المكلف أن الأعلم متمثل في مجتهدين من الأحياء
هما زيد وعمرو - مثلا - ولكن لا يدري أنه متمثل في خصوص زيد أو
خصوص عمرو أو في كليهما معا على مستوى واحد، ففي مثل ذلك تارة يكون
المكلف على يقين بأن زيدا كان أعلم من عمرو، ولكن عمروا جد في تحصيل
العلم ونشط في البحث فترة غير قصيرة حتى احتمل أنه وصل إلى درجة زيد
10

في العلم أو تفوق عليه، وأخرى لا يكون على يقين من ذلك بل يشك في أعلمية
كل منهما بالنسبة إلى الآخر أو تساويه منذ البداية، فعلى الأول يجب تقليد زيد
وعلى الثاني يجب في كل واقعة الأخذ بمن كان قوله أقرب إلى الاحتياط.
لحد الآن قد تبين أن الواجب على كل مكلف تقليد المجتهد الأعلم
وتترتب على ذلك عدة فروع:
الأول: أن المكلف إذا قلد شخصا بتخيل أنه المجتهد الأعلم ثم تبين له
أنه ليس بأعلم وجب عليه العدول عنه إلى المجتهد الأعلم.
الثاني: إذا قلد شخصا بصورة اعتباطية دون البحث والفحص عن أنه
الأعلم متجاهلا ومتسامحا في ذلك، ففي هذه الحالة يجب عليه البحث والفحص
والرجوع إلى الأعلم.
الثالث: إذا قلد من ليس أهلا للفتوى إما باعتقاد أنه أهل لها أو من
باب التسامح واللامبالاة في الدين ففي هذه الحالة يتحتم عليه العدول عنه إلى من
هو أهل لها فورا.
الرابع: إذا قلد الأعلم على الموازين الشرعية، ثم وجد أن المجتهد الفلاني
صار أعلم منه، وجب عليه العدول من السابق إلى اللاحق، ومعنى هذا أن
التقليد يدور مع الأعلم كيفما دار وجودا وعدما، ومن هذا القبيل إذا مات
المرجع للتقليد ووجد الأعلم منه بين الأحياء وجب عليه العدول منه إليه،
فيكون العدول في هذين الموردين مستندا إلى مبرر شرعي.
(مسألة 12): إذا عدل المقلد فتارة يكون عدوله عن تقليد صحيح في
حينه، كمن قلد الأعلم، ثم يصبح غيره أعلم منه في حياته فيعدل إليه، أو
يموت مرجعه فيعدل إلى تقليد المجتهد الحي الأعلم، وأخرى يكون عدوله عن
11

تقليد باطل وغير صحيح، وقد مرت أمثلة ذلك في ضمن فروع، ومثل ذلك من
يعمل مدة من الزمن بدون تقليد، وفي كلتا الصورتين ماذا يصنع بما أداه من
فرائض وأعمال في هذه المدة؟
والجواب: أما في الصورة الاولى فلا يجب عليه قضاء تلك الواجبات التي
أداها وانتهى وقتها وإن كانت باطلة بنظر مرجعه الجديد، من دون فرق بين أن
يكون الاختلاف بينهما في الأجزاء والشرائط غير الرئيسية، أو يكون في
الأجزاء والشرائط الرئيسية كالأركان، فإن الجاهل بها وإن كان لا يعذر إلا أن
المكلف حين الإتيان بتلك الواجبات في ظرفها لم يكن جاهلا بها حيث أن إتيانه
بها كان مستندا إلى حجة شرعية في ذاك الحين، وأما إذا لم ينته وقتها بأن كان
العدول في أثناء الوقت كما إذا صلى صلاة الظهر - مثلا - وكان مقلدا للمجتهد
الأول ثم عدل عنه بحجة شرعية إلى المجتهد الجديد قبل أن ينتهي الوقت فيجب
عليه بعد الرجوع أن ينظر إلى صلاته على أساس رأي المجتهد الثاني فإن كانت
مطابقة لرأيه أيضا كانت صحيحة وإن كانت مخالفة له فالاختلاف على نحوين:
أحدهما: أن يكون الاختلاف في أمر يعذر فيه الجاهل كما إذا كان في
الأجزاء والشروط غير الرئيسية ففي مثل ذلك لا تجب إعادة الصلاة.
والآخر: أن يكون الاختلاف في أمر لا يعذر فيه الجاهل، كما إذا كان في
الأجزاء والشروط الرئيسية كأجزاء الوضوء أو شروطه أو الغسل أو التيمم كما
إذا رأى المجتهد الأول وجوب وضوء الجبيرة على الكسير أو الجريح في الكسر أو
الجرح المكشوف بوضع خرقة عليه ومسحها، ورأى المجتهد الثاني أن الوظيفة
في هذه الحالة التيمم دون وضوء الجبيرة وهكذا، وعلى هذا فإن كانت مخالفة
صلاته لرأي المجتهد الجديد على النحو الأول لم تجب إعادتها، وإن كانت على
12

النحو الثاني وجبت إعادتها، وأما في الصورة الثانية فلا يجب عليه القضاء إلا في
حالة واحدة، وهي ما إذا كانت صلاته مخالفة لرأي المجتهد الثاني فيما لا يعذر فيه
الجاهل كالأركان، فإن في هذه الحالة يجب عليه قضاؤها، باعتبار أن إتيانها
سابقا لم يكن مستندا إلى حجة شرعية، وأما في الحالات التالية فلا يجب
القضاء فيها:
الاولى: أن يعلم بأنها مطابقة لرأي مرجعه الجديد.
الثانية: أن يشك في أنها مطابقة مع رأي المرجع الجديد أو لا نظرا إلى
أنه لا يتذكر طريقة أدائه لها.
الثالثة: أن يعلم أنها مخالفة مع رأي المقلد الثاني ولكن في أمر يعذر فيه
الجاهل كغير الأركان من الأجزاء والشروط. نعم، إذا كان الاختلاف بينهما في
بعض الأحكام الوضعية، كما إذا رأى المجتهد الأول صحة النكاح مثلا بالفارسية،
ورأى المجتهد الثاني بطلانه واعتبار العربية في صحته، ففي مثل ذلك لو عقد
المكلف على امرأة بالفارسية اعتمادا على رأي المجتهد الأول، ثم عدل إلى المجتهد
الثاني الذي كان يرى بطلان النكاح بها، وجب عليه العمل بفتوى المجتهد الثاني
من حين الرجوع إليه وتجديد عقد النكاح.
(مسألة 13): إذا قلد مجتهدا، ثم شك في أنه كان جامعا للشرائط أم لا،
وجب عليه الفحص، فإن تبين له أنه جامع للشرائط بقي على تقليده، وإن تبين
أنه فاقد لها، أو لم يتبين له شيء عدل إلى غيره.
(مسألة 14): إذا بقي على تقليد الميت - غفله أو مسامحة - من دون أن
يقلد الحي في ذلك، كان كمن عمل من غير تقليد، وعليه الرجوع إلى الحي في
ذلك كما مر.
13

(مسألة 15): إذا قلد من لم يكن جامعا للشرائط من دون مبرر شرعي،
ثم التفت إليه بعد مدة، كان كمن عمل من غير تقليد، وأما إذا اعتقد لسبب أو
آخر أن فلانا هو المجتهد الأعلم، وبعد فترة أتضح له أن المجتهد الأعلم غيره،
فيجب عليه أن يعدل منه إليه، ويسمى هذا المقلد بالمشتبه.
(مسألة 16): لا يجوز العدول من الحي إلى الميت الذي قلده أولا، كما
لا يجوز العدول من الحي إلى الحي مهما كانت الظروف والأسباب، إلا بعد
الوثوق والاطمئنان بالمجوز الشرعي لذلك، بأن يفقد المرجع الفعلي بعض
الشروط الرئيسية، أو يوجد من هو أعلم منه.
(مسألة 17): إذا تردد المجتهد الأعلم في الفتوى، أو عدل من الفتوى إلى
التردد، فهل يجوز لمقلده أن يرجع إلى غيره مع ملاحظة الأعلم فالأعلم؟
والجواب: لا يجوز له ذلك إذا رأى الأعلم خطأ غير الأعلم في الفتوى.
(مسألة 18): إذا قلد مجتهدا يجوز البقاء على تقليد الميت، فمات ذلك
المجتهد لا يجوز البقاء على تقليده في هذه المسألة، ولا في غيرها، بل يجب عليه
الرجوع إلى الأعلم من الأحياء في بقائه على تقليد الميت.
وإذا قلد مجتهدا فمات، فقلد الأعلم من الأحياء، وهو أفتى بجواز العدول
إلى الحي أو بوجوبه، فعدل إليه، ثم مات فقلد من يقول بوجوب البقاء على
تقليد الميت إذا كان أعلم، فهل يرجع إلى التقليد الأول أو يستمر على التقليد
الثاني في غير مسألة وجوب العدول إلى الحي أو جوازه؟
والجواب: إن كان المجتهد الأول أعلم من الثاني أيضا، فالأقوى أن
وظيفته الرجوع إليه، على أساس ما استظهرناه من جواز الرجوع إلى المرجع
الميت ابتداء إذا كان أعلم من الأحياء، لا من جهة أن فتوى الثالث تكشف عن
14

أن عدوله منه إلى الثاني غير صحيح، إذ لا نعني بالعدول الصحيح إلا ما يكون
بمبرر شرعي، والمفروض أنه في ظرفه كان بمبرر شرعي، فلا يجوز حينئذ
الرجوع إليه مرة ثانية على المشهور؛ لأنه من التقليد الابتدائي، وإن كان الثاني
أعلم من الأول ومن الحي معا، وجب عليه البقاء على تقليده في غير مسألة
وجوب العدول أو جوازه.
(مسألة 19): يجب تعلم أجزاء العبادات الواجبة وشرائطها، ولا عذر
له في تركها والإتيان بها بصورة غير صحيحة جهلا منه بأجزائها وشروطها،
ويكفي أن يكون واثقا ومطمئنا أن عباداته جامعة لما يعتبر فيها من الأجزاء
والشرائط، ولا يلزم العلم بذلك تفصيلا، وإذا عرضت له في أثناء العبادة مسألة
لا يعرف حكمها، جاز له العمل على بعض الاحتمالات، ثم يسأل عنها بعد
الفراغ، فإن تبينت له الصحة اجتزأ بالعمل، وإن تبين البطلان أعاده.
(مسألة 20): يجب تعلم مسائل الشك والسهو، التي هي في معرض
الابتلاء، لئلا يقع في مخالفة الواقع. نعم، من كان واثقا ومطمئنا بعدم ابتلائه
بتلك المسائل فلا يجب عليه تعلمها.
(مسألة 21): تثبت عدالة المرجع في التقليد بأمور:
الأول: العلم الحاصل بالاختبار والممارسة.
الثاني: شهادة عادلين بها، ولا يبعد ثبوتها بشهادة العدل الواحد، بل
بشهادة مطلق الثقة أيضا، وهو من يعرف بصدق اللهجة والتحرز عن الكذب،
وإن لم يكن عادلا في كل سلوكه العملي.
الثالث: حسن الظاهر، والمراد به حسن المعاشرة والسلوك الديني بين
الناس، بمعنى أن يكون معروفا عندهم بالاستقامة والصلاح والتدين، فإن ذلك
15

دليل على العدالة وإن لم يفد الوثوق والاطمئنان. ويثبت اجتهاده - وأعلميته
أيضا - بالعلم الحاصل من الخبرة والممارسة الشخصية للمقلد إذا كان له من
الفضل والعلم ما يتيح له ذلك، وبالشياع المفيد للاطمئنان، وبالبينة، وبخبر الثقة،
ويعتبر في البينة وفي خبر الثقة - هنا - أن يكون المخبر من أهل الخبرة والفضل
القادرين على التقييم العلمي.
(مسألة 22): من ليس أهلا للمرجعية في التقليد يحرم عليه الفتوى، كما
أن من ليس أهلا للقضاء يحرم عليه القضاء، ولا يجوز الترافع إليه ولا الشهادة
عنده، والمال المأخوذ بحكمه حرام وإن كان الآخذ محقا. نعم، إذا انحصر
استيفاء الحق واستنقاذه بالترافع عنده، جاز ذلك، فإن حكم بالحق وكان
المحكوم به عينا خارجية أخذها صاحبها، وإن كان مالا في الذمة استأذن
الحاكم الشرعي في أخذه وتعيينه.
(مسألة 23): الظاهر أن المتجزئ في الاجتهاد يجوز له العمل بفتوى
نفسه، ولا يجوز للمكلف أن يقلده حتى فيما اجتهد من الأحكام الشرعية، إلا
إذا علم بأنه فيها قد أصبح أعلم من المجتهد المطلق.
(مسألة 24): إذا شك في موت المجتهد، أو في تبدل رأيه، أو عروض ما
يوجب عدم جواز تقليده، جاز البقاء على تقليده إلى أن يتبين الحال.
(مسألة 25): الوكيل في عمل يعمل بمقتضى تقليد موكله لا تقليد نفسه،
وكذلك الحكم في الوصي، إلا في حالة واحدة، وهي ما إذا كان نظر الوصي
مطابقا للاحتياط دون نظر الموصي، فإنه في هذه الحالة يعمل على طبق نظره
دون نظر الموصي.
(مسألة 26): المأذون، والوكيل، عن المجتهد في التصرف في الأوقاف
16

التي ليس لها متول خاص بنص الواقف، أو في أموال القاصرين ينعزل بموت
المجتهد، وينتهي دوره، وعليه أن يرجع إلى مجتهد حي، وأما المنصوب من قبله
وليا بمعنى منحه وجعله الولاية له على هذه الأوقاف والأموال، فهو يبقى نافذ
المفعول حتى بعد موت ذلك المجتهد، وأما القيمومة فهي إما أن ترجع إلى جعل
الوكالة للقيم، أو جعل الولاية له، وليست منصبا ثالثا غيرهما.
(مسألة 27): حكم الحاكم الجامع للشرائط نافذ، فلا يجوز نقضه حتى
لمجتهد آخر، إلا إذا علم مخالفته للواقع، أو كان صادرا عن تقصير في مقدماته.
(مسألة 28): الأقوى ثبوت الولاية للمجتهد المطلق الجامع للشروط
منها الأعلمية في حدود المصالح الدينية العامة، كما أن له ولاية القضاء، فمن
أجل ذلك يسمى بالحاكم الشرعي، وأما المجتهد المتجزئ فليست له الولاية
الشرعية، ولا ولاية القضاء.
(مسألة 29): إذا نقل ناقل خطأ ما يخالف فتوى المجتهد، فإن كانت
فتواه إباحة شيء في المسألة بالمعنى الأعم، وهو ينقل عنه حرمته أو وجوبه فيها،
لم يجب عليه إعلام من سمع منه ذلك.
وإن كانت فتواه في المسألة حرمة شيء وهو ينقل عنه إباحة ذلك الشيء، أو كانت
وجوب فعل وهو ينقل عنه جوازه، فهل يجب عليه إعلام من أوقعه في الخطأ؟
والجواب: أن وجوبه عليه لا يخلو عن إشكال وإن كان هو أحوط.
نعم، لو كان الخطأ منه فيما لا يعذر فيه الجاهل كما في الأجزاء الرئيسية
للصلاة، أو فيما قد اهتم الشارع به ولا يرضى بتركه إن كان واجبا، وبفعله إن
كان محرما، كان الإعلام واجبا عليه جزما، وكذلك الحال إذا أخطأ المجتهد في
بيان فتواه، وأما إذا تبدل رأيه برأي آخر مخالف للأول، فإن كان الرأي الأول
17

حكما إلزاميا، والرأي الثاني حكما ترخيصيا، لم يجب عليه إعلام مقلديه بذلك.
وإن كان الأمر بالعكس أو كان كلاهما حكما إلزاميا فهل يجب عليه الإعلام؟
والجواب: أن الرأي الثاني له إن كان مما يعذر فيه الجاهل لم يجب عليه
الإعلام، وإن كان مما لا يعذر فيه الجاهل فالأقرب وجوب الإعلام.
(مسألة 30): إذا أخبره ثقة بفتوى من مرجعه في التقليد، وأخبره ثقة
آخر بفتوى أخرى مخالفة للفتوى الاولى، فماذا يصنع المقلد؟
والجواب: أن الثقتين إن كانا يخبران عن زمن واحد فقد سقطا معا
بالتعارض، فلا يمكن للمقلد أن يعتمد على أي واحد منهما، بل وظيفته
الاحتياط إلى أن يتبين له الحال، وإن كانا يخبران عن زمنين مختلفين، بأن يخبر
أحدهما قبل سنة ويخبر الآخر قبل فترة قصيرة، وجب على المقلد العمل بما نقل
إليه من الفتوى في الزمن المتأخر.
(مسألة 31): العدالة المعتبرة في مرجع التقليد عبارة عن الاستقامة
الثابتة للإنسان العادل كالعادة، وهي التي يعصم الإنسان بها عن المزالق
والانحرافات في جادة الشريعة المقدسة، ويسلك فيها السلوك المستقيم الطبيعي،
ويضرها الانحراف عن الجادة عامدا وملتفتا بارتكاب المعاصي من دون عذر
شرعي، ولا فرق في المعاصي من هذه الجهة بين الصغيرة والكبيرة، وفي عدد
الكبائر خلاف. وقد عد من الكبائر الشرك بالله تعالى، واليأس من روح الله
تعالى، والأمن من مكر الله تعالى، وعقوق الوالدين وهو الإساءة إليهما، وقتل
النفس المحترمة، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم ظلما، والفرار من الزحف،
وأكل الربا، والزنى، واللواط، والسحر، واليمين الغموس الفاجرة وهي الحلف
بالله تعالى كذبا على وقوع أمر أو على حق امرئ أو منع حقه خاصة كما قد
18

يظهر من بعض النصوص، ومنع الزكاة المفروضة، وشهادة الزور، وكتمان
الشهادة، وشرب الخمر، ومنها ترك الصلاة أو غيرها مما فرضه الله متعمدا،
ونقض العهد، وقطيعة الرحم بمعنى ترك الإحسان إليه من كل وجه في مقام
يتعارف فيه ذلك، والتعرب بعد الهجرة إلى البلاد التي ينقص بها الدين، والسرقة،
وإنكار ما أنزل الله تعالى، والكذب على الله، أو على رسوله (صلى الله عليه وآله)، أو على
الأوصياء (عليهم السلام) هذا شريطة أن لا يكون القائل بذلك ملتفتا إلى الملازمة بين
إنكار ذلك وتكذيب الرسالة وإلا فهو كافر، بل مطلق الكذب، وأكل الميتة،
والدم، ولحم الخنزير، وما أهل به لغير الله، والقمار، وأكل السحت، كثمن الميتة
والخمر، والمسكر، وأجر الزانية، وثمن الكلب الذي لا يصطاد، والرشوة على
الحكم ولو بالحق، وأجر الكاهن، وما أصيب من أعمال الولاة الظلمة، وثمن
الجارية المغنية، وثمن الشطرنج، فإن جميع ذلك من السحت.
ومن الكبائر: البخس في المكيال والميزان، ومعونة الظالمين، والركون
إليهم، والولاية لهم، وحبس الحقوق من غير عسر، والكبر، والإسراف
والتبذير، والاستخفاف بالحج، والمحاربة لأولياء الله تعالى، والاشتغال بالملاهي
كالغناء، فإنه عبارة عن الحديث اللهوي المشتمل على الكذب، وهو قول الزور
المناسب للمجالس المعدة لذلك، كمجالس أهل التلهي والطرب، وضرب
الأوتار ونحوها مما يتعاطاه أهل الفسوق، والإصرار على الذنوب.
والغيبة، وهي: أن يذكر المؤمن بعيب في غيبته، سواء أكان بقصد
الانتقاص، أم لم يكن، وسواء أكان العيب في بدنه، أم في نسبه، أم في خلقه، أم
في فعله، أم في قوله، أم في دينه، أم في دنياه، أم في غير ذلك مما يكون عيبا
مستورا عن الناس، كما لا فرق في الذكر بين أن يكون بالقول، أو بالفعل
الحاكي عن وجود العيب، والظاهر اختصاصها بصورة وجود سامع يقصد
19

إفهامه وإعلامه، كما أن الظاهر أنه لابد من تعيين المغتاب، فلو قال: (واحد
من أهل البلد جبان) لا يكون غيبة وكذا لو قال: (أحد أولاد زيد جبان).
نعم، قد يحرم ذلك من جهة لزوم الإهانة والانتقاص، لا من جهة الغيبة، ويجب
عند وقوع الغيبة التوبة والندم، والأحوط - استحبابا - الاستحلال من الشخص
المغتاب إذا لم تترتب على ذلك مفسدة، أو الاستغفار له.
وقد تجوز الغيبة في موارد، منها: المتجاهر بالفسق، فيجوز اغتيابه في
غير العيب المستتر به، ومنها، الظالم لغيره، فيجوز للمظلوم غيبته والأحوط -
استحبابا - الاقتصار على ما لو كانت الغيبة بقصد الانتصار لا مطلقا، ومنها:
نصح المؤمن، فتجوز الغيبة بقصد النصح، كما لو استشار شخص في تزويج امرأة
فيجوز نصحه، ولو استلزم إظهار عيبها، بل لا يبعد جواز ذلك ابتداء من دون
استشارة، إذا علم بترتب مفسدة عظيمة على ترك النصيحة، ومنها: ما لو قصد
بالغيبة ردع المغتاب عن المنكر، فيما إذا لم يمكن الردع بغيرها، ومنها: ما لو
خيف على الدين من الشخص المغتاب، فتجوز غيبته، لئلا يترتب الضرر الديني،
ومنها: جرح الشهود، ومنها: ما لو خيف على المغتاب الوقوع في الضرر اللازم
حفظه عن الوقوع فيه، فتجوز غيبته لدفع ذلك عنه، ومنها: القدح في المقالات
الباطلة، وإن أدى ذلك إلى نقص في قائلها، وقد صدر من جماعة كثيرة من
العلماء القدح في القائل بقلة التدبر، والتأمل، وسوء الفهم ونحو ذلك، وكان
صدور ذلك منهم لئلا يحصل التهاون في تحقيق الحقائق، عصمنا الله تعالى من
الزلل، ووفقنا للعلم والعمل، إنه حسبنا ونعم الوكيل.
وقد يظهر من الروايات عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام): أنه يجب على سامع
الغيبة أن ينصر المغتاب، ويرد عنه، وأنه إذا لم يرد خذله الله تعالى في الدنيا
20

والآخرة، وأنه كان عليه كوزر من اغتاب.
ومن الكبائر: البهتان على المؤمن وهو ذكره بما يعيبه وليس هو فيه،
ومنها: سب المؤمن وإهانته وإذلاله، ومنها: النميمة بين المؤمنين بما يوجب
الفرقة بينهم، ومنها: القيادة وهي السعي بين اثنين لجمعهما على الوطء المحرم،
ومنها: الغش للمسلمين، ومنها: استحقار الذنب فإن أشد الذنوب ما استهان به
صاحبه، ومنها: الرياء، وغير ذلك مما يضيق الوقت عن بيانه.
(مسألة 32): ترتفع العدالة بمجرد وقوع المعصية، وتعود بالتوبة والندم
والرجوع إليه حقيقة، وقد مر أنه لا يفرق في ذلك بين الصغيرة والكبيرة.
(مسألة 33): الاحتياط المذكور في مسائل هذه الرسالة - إن كان
مسبوقا بالفتوى أو ملحوقا بها - فهو استحبابي يجوز تركه، وإلا فهو وجوبي
وعلى العامي أن يعمل به تبعا لمقلده. وكذلك موارد الإشكال والتأمل، فإذا قلنا:
يجوز على إشكال أو على تأمل فالاحتياط في مثله استحبابي، وإن قلنا: يجب
على إشكال، أو على تأمل فإنه فتوى بالوجوب، وإن قلنا المشهور: كذا، أو
قيل كذا، وفيه تأمل، أو فيه إشكال، فاللازم العمل بالاحتياط.
(مسألة 34): إن كثيرا من المستحبات المذكورة في أبواب هذه الرسالة
يبتني استحبابها على قاعدة التسامح في أدلة السنن، ولما لم تثبت عندنا فيتعين
الإتيان بها برجاء المطلوبية، وكذا الحال في المكروهات فتترك برجاء المطلوبية.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
21

كتاب الطهارة
وفيه مقاصد
23

المقصد الأول
أقسام المياه وأحكامها
وفيه فصول:
الفصل الأول
في انقسام الماء إلى مطلق ومضاف
ينقسم ما يستعمل فيه لفظ الماء إلى قسمين:
الأول: ماء مطلق، وهو ما يصح استعمال لفظ الماء فيه بلا مضاف إليه
كالماء الذي يكون في البحر، أو النهر، أو البئر، أو غير ذلك فإنه يصح أن يقال
له ماء، وإضافته إلى البحر - مثلا - للتعيين، لا لتصحيح الاستعمال.
الثاني: ماء مضاف، وهو ما لا يصح استعمال لفظ الماء فيه بلا مضاف إليه
كماء الرمان وماء الورد، فإنه لا يقال له ماء إلا مجازا، ولذا يصح سلب الماء عنه.
الفصل الثاني
في الماء المطلق
الماء المطلق إما لا مادة له، أو له مادة.
والأول: إما قليل لا يبلغ مقداره الكر، أو كثير يبلغ مقداره الكر، والماء
القليل ينفعل كله بملاقاة جانب منه لعين النجس، إلا إذا كان متدافعا بقوة
25

فالنجاسة تختص حينئذ بموضع الملاقاة فقط، ولا تسري إلى غيره سواء كان
جاريا من الأعلى إلى الأسفل كالماء المنصب من الميزاب على النجس في الأرض
فإن النجاسة تسري إلى محل الملاقاة فقط، ولا تسري إلى الماء الأعلى، فيبقى
على طهارته، ومثل ذلك ما إذا صب ماء من إبريق على نجس في مكان أسفل
فلا تسري النجاسة منه إلا إلى موضع الملاقاة فحسب، وإما الماء الأعلى وما في
الأبريق فيبقى على طهارته، أم كان متدافعا من الأسفل إلى الأعلى كالماء الخارج
من الفوارة يفور صاعدا كالعمود ويلاقي النجاسة في العلو، فإنه يتنجس الطرف
الأعلى من الماء القليل الملاقي، ولا تسري النجاسة إلى العمود وما دونه، وكذا
إذا كان متدافعا من أحد الجانبين إلى الآخر.
وهل يتنجس الماء القليل بملاقاة المتنجس الخالي عن عين النجس أو لا؟
والجواب لا يبعد عدم تنجسه، وبقائه على الطهارة، وإن كان الأحوط
والأجدر الاجتناب عنه، وأما الكثير الذي يبلغ الكر فلا ينفعل بملاقاة النجس،
فضلا عن المتنجس، إلا إذا تغير بلون النجاسة، أو طعمها، أو ريحها فإذا تغير
حكم بنجاسته.
(مسألة 35): إذا وقعت كمية من عين النجس في الماء الكثير، ولم يتغير
طعمه ولا لونه ولا رائحته، فلذلك صور:
الاولى: أن عدم تغير الماء مستند إلى سبب في عين النجاسة، كما إذا
كانت فاقدة لكل الخصائص والأوصاف من الطعم والرائحة واللون.
الثانية: أن عدم تغيره مستند إلى سبب في الماء، كما إذا كان أحمر اللون
بسبب وقوع كمية من الصبغ فيه.
الثالثة: أن عدم تغيره مستند إلى سبب خارجي، كبرودة الجو أو غيرها.
26

ففي جميع هذه الصور هل يتنجس الماء؟
والجواب: إما في الصورة الاولى فلا يتنجس الماء، ولا مقتضي لذلك،
وإما في الصورة الثالثة فالأمر كما في الصورة الاولى، لأن برودة الجو التي تمنع
عن تأثر الماء برائحة الجيفة النجسة بحيث لو كان الجو معتدلا أو حارا لحدث
التغير فيه، تمنع عن تنجسه بسبب منعها عن تحقق موضوعه في الخارج. وأما
في الصورة الثانية فيتنجس الماء، لأنه متغير بأحد أوصاف النجس واقعا، غاية
الأمر أنه لما كان ملونا باللون الأحمر كان ذلك مانعا عن ظهوره وبروزه خارجا.
(مسألة 36): إذا تغير الماء بغير اللون، والطعم والريح، بل بالثقل أو
الثخانة، أو نحوهما لم ينجس.
(مسألة 37): إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه بالمجاورة للنجاسة لم
ينجس أيضا.
(مسألة 38): إذا تغير الماء بوقوع المتنجس فيه لم ينجس، إلا أن يتغير
بوصف النجاسة التي هي موجودة في المتنجس، كالماء المتغير بالدم يقع في الكر
فيغير لونه، ويكون أصفر فإنه ينجس.
(مسألة 39): يكفي في حصول النجاسة التغير بوصف النجس في الجملة
ولو لم يطابق مع النجس، فإذا اصفر الماء بملاقاة الدم تنجس، إذ لا نعني بالتغير
الذي ينجس الماء الكثير أن يكتسب نفس لون النجس أو طعمه أو ريحه بالضبط.
والثاني: وهو ما له مادة لا ينجس بملاقاة النجاسة، إلا إذا تغير بأحد
أوصاف النجس، على النحو الذي مر في الماء الكثير الذي لا مادة له، بلا فرق
في ذلك بين ماء الأنهار، وماء البئر، وماء العيون وغيرها مما كان له مادة،
ولا بد في الماء من أن يبلغ الكر، ولو بضميمة ما له المادة إليه، فإذا بلغ ما في
27

الحياض في الحمام مع مادته كرا لم ينجس بالملاقاة.
(مسألة 40): يعتبر في عدم تنجس الجاري اتصاله بالمادة، فلو كانت
المادة من فوق تترشح وتتقاطر، فإن كان الماء المترشح والمتقاطر دون الكر
ينجس. نعم، إذا لاقى محل الرشح للنجاسة لا ينجس.
(مسألة 41): الراكد المتصل بالجاري كالجاري في عدم انفعاله بملاقاة
النجس والمتنجس، فالحوض المتصل بالنهر بساقية معتصم لا ينجس بالملاقاة،
وكذا أطراف النهر، وإن كان ماؤها راكدا.
(مسألة 42): إذا تغير بعض الجاري دون بعضه الآخر، فالطرف المتصل
بالمادة لا ينجس بالملاقاة وإن كان قليلا، والطرف الآخر حكمه حكم الراكد إذا
تغير تمام قطر ذلك البعض، وإلا فالمتنجس هو المقدار المتغير فقط؛ لاتصال
ما عداه بالمادة.
وإذا تغير بعض الماء الراكد الكثير، كما إذا وقع دم في جانب منه فاصفر
الماء في هذا الجانب، فهل يتنجس الماء في الجانب الآخر قبل أن يتسرب إليه
لون الدم؟
والجواب: لا يتنجس ما دام الجانب الآخر بقدر الكر.
(مسألة 43): إذا شك في أن للجاري مادة أم لا - وكان قليلا - ينجس
بالملاقاة.
(مسألة 44): ماء المطر بحكم ذي المادة لا ينجس بملاقاة النجاسة في
حال نزوله. أما لو وقع على شيء كورق الشجر، أو ظهر الخيمة أو نحوهما، ثم
وقع على النجس تنجس.
28

(مسألة 45): إذا اجتمع ماء المطر في مكان - وكان قليلا - فإن كان
يتقاطر عليه المطر فهو معتصم كالكثير، وإن انقطع عنه التقاطر كان بحكم القليل.
نعم، إذا كان وقوعه على ورق الشجر بنحو يمر منه إلى الأرض لا أنه يطفر منه
إليها فهو معتصم.
(مسألة 46): الماء النجس القليل كما يطهر بتقاطر ماء المطر - بمقدار
معتد به لا مثل قطرة أو قطرتين فقط - كذلك يطهر باتصاله بماء معتصم. مثال
ذلك: ماء قليل في وعاء تنجس بالملاقاة، فإذا اريد أن يطهر ذلك الماء يفتح
عليه أنبوب من أنابيب الماء الممتدة إلى البيوت في العصر الحاضر، فيطهر بمجرد
اتصاله به، من دون التوقف على انتشار ماء الأنبوب في كل جوانب الماء.
(مسألة 47): يعتبر في جريان حكم ماء المطر أن يصدق عرفا أن
النازل من السماء ماء مطر، فإذا صدق ذلك فهو معتصم، لا يتنجس بملاقاة عين
النجس، فلو أن قطرة من ماء المطر وقعت مباشرة على عين نجسة كالميتة - مثلا -
لم تتنجس سواء استقرت عليها أم انفصلت عنها ما دام المطر يتقاطر، ولو تجمع
ماء المطر في موضع من الأرض فوقع فيه نجس لم يتنجس ما دام المطر يتقاطر،
وكذلك الحكم إذا جرى ماء المطر على السطح - مثلا - وانحدر منه إلى الأرض
من ميزاب أو نحوه، فإن الماء الجاري من الميزاب معتصم، ولا ينفعل بملاقاة
عين نجسة في الأرض ما دام المطر يتقاطر من السماء، ومثل ذلك ماء المطر
المتساقط على أوراق الشجر والنازل منها إلى الأرض. نعم، إذا أصاب ماء المطر
سقف الغرفة، وتسربت رطوباته في السقف ثم ترشح منه إلى أرض الغرفة، فلا
يعتبر الماء المتساقط على أرض الغرفة معتصما، حتى ولو كان المطر لا يزال
يتقاطر على سقف الغرفة؛ لأن الصلة قد انقطعت بين ماء المطر والماء المتساقط
29

من سقف الغرفة إلى أرضها، وأما إذا وقعت عليه قطرة أو قطرتان فلا يصدق
على ذلك عرفا أن المطر قد أصابه.
(مسألة 48): الثوب أو الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر ونفذ في
جميعه طهر الجميع، وإذا وصل إلى بعضه دون بعض طهر ما وصل إليه دون
غيره، هذا إذا لم يكن فيه عين النجاسة، وإلا فلا يطهر إلا إذا تقاطر عليه بعد
زوال عينها. نعم، إذا كان الثوب متنجسا بالبول لم يطهر بإصبابة المطر عليه مرة
واحدة، بل لابد من التعدد عرفا، كما هو الحال في غسله بغير الماء الجاري.
(مسألة 49): الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها، بشرط أن
يكون من السماء ولو بإعانة الريح، وأما لو وصل إليها بعد الوقوع على محل آخر
- كما إذا ترشح بعد الوقوع على مكان، فوصل مكانا نجسا - لا يطهر. نعم، لو
جرى على وجه الأرض فوصل إلى مكان مسقف طهر.
(مسألة 50): إذا تنجس الماء الكثير بالتغير بعين النجس فلا يطهر إلا
بتوفر أمرين فيه:
أحدهما: أن يزول تغيره ويعود إلى حالته الطبيعية، سواء أكان ذلك
لمرور الزمن أم بمزجه بماء آخر.
والآخر: أن يوصل وهو سليم من التغير بالماء المعتصم كالكر، أو
الجاري، أو ماء المطر، ويمكن إنجاز كلا الأمرين معا بعملية واحدة بأن يفتح
أنبوبا من الماء على الماء المتغير فينتشر ماء الأنبوب في الماء المتغير إلى أن يزول
تغيره ويطهره باستمرار اتصاله به بعد ذلك، أو باتصاله بالماء الجاري أو الكر أو
المطر، فيبقى مستمرا إلى أن يزول تغيره، ويطهره بعد ذلك باستمرار اتصاله به.
30

(مسألة 51): إذا تقاطر على عين النجس، فترشح منها على شيء آخر
لم ينجس، ما دام متصلا بماء السماء بتوالي تقاطره عليه شريطة أن لا يكون
حاملا لعين النجس معه.
(مسألة 52): مقدار الكر وزنا بحقة الإسلامبول التي هي مائتان وثمانون
مثقالا صيرفيا (مائتان وأربعة وتسعون حقة ونصف حقة تقريبا) وبالكيلو
(ثلاثمائة وتسعة وتسعون كيلو) تقريبا، ومقداره في المساحة ما بلغ مكسره
اثنين وأربعين وسبعة أثمان شبر اعتيادي على الأظهر.
(مسألة 53): لا فرق في اعتصام الكر بين تساوي سطوحه واختلافها،
ولا بين وقوف الماء وركوده وجريانه. نعم، إذا كان ماء الكر جاريا ومتحركا
بدفع، كالماء الجاري من خزانات البيوت أو غيرها أو الحمامات إلى الحياض
الصغار تحت الأنابيب، ففي هذه الحالة إن كان الماء الموجود في الخزان بقدر الكر
كان معتصما، ولم يتنجس بملاقاة عين النجس، وكذلك ما في الحوض الصغير
ما دام الأنبوب مفتوحا عليه ويصب فيه، وإن لم يكن الماء الموجود في الخزان
بقدر الكر، ولكن بضميمة ما في الأنابيب وما انحدر إلى الحوض الصغير كان
الكل بقدر الكر وكان ما في الحوض الصغير معتصما ما دام متصلا بماء الخزان،
وأما ما في الخزان فليس معتصما، فإذا لاقته عين النجس تنجس، ولا يكفي في
اعتصامه اعتصام ما في الحوض، لأن كرية الماء المتدافع إليه وعدم تنجسه
بملاقاة النجس لا تكفي في اعتصام الماء المتدافع منه عرفا وارتكازا دون العكس،
فإن كرية الماء المتدافع منه أو كرية المجموع تكفي في اعتصام الماء المتدافع إليه.
(مسألة 54): لا فرق بين ماء الحمام وغيره في الأحكام، فما في الحياض
31

الصغيرة في الحمامات إذا كان متصلا بالمادة، وكانت المادة وحدها، أو بضميمة
ما في الحياض إليها كرا اعتصم، وأما إذا لم يكن متصلا بالمادة، أو لم تكن المادة
ولو بضميمة ما في الحياض إليها كرا لم يعتصم.
(مسألة 55): الماء الموجود في الأنابيب المتعارفة في زماننا بمنزلة المادة،
فإذا كان الماء الموضوع في أجانة ونحوها من الظروف نجسا، وجرى عليه ماء
الأنبوب طهر، بل يكون ذلك الماء أيضا معتصما، ما دام ماء الأنبوب جاريا
عليه، ويجرى عليه حكم ماء الكر في التطهير به، وهكذا الحال في كل ماء نجس،
فإنه إذا اتصل بالمادة طهر، إذا كانت المادة كرا.
(مسألة 56): ما يوضع في فوهة اتصال خزان الماء بالمادة التي يستمد
منها الخزان، ويسمى بالطوافة، يقطع اتصال ماء الخزان بالمادة في حالة امتلائه،
وحينئذ فإذا كان الخزان بقدر الكر كان معتصما، وإن كان دون الكر اعتبر ما في
الخزان ماء قليلا، ولكن بمجرد أن يبدأ الخزان بدفع الماء، وتنخفض الطوافة،
يعود الاتصال بالمادة، ويصبح الماء معتصما، وقد يوضع في فوهة الأنبوب
حاجز فيه ثقوب صغيرة متقاربة، ينفذ الماء من خلالها بقوة ودفع، ويسمى
بالدوش، وهذا الماء النازل من هذه الثقوب إذا كان ينزل بشكل قطرات
متلاحقة مع فواصل بينها ولو صغيرة بنظر العرف فهو ماء قليل غير معتصم، وإن
كان ينزل بنحو يشكل خطا متصلا في نظر العرف فهو معتصم لا ينفعل بالملاقاة.
32

الفصل الثالث
حكم الماء القليل
الماء القليل المستعمل في رفع الحدث الأصغر طاهر، ومطهر من الحدث
والخبث، والمستعمل في رفع الحدث الأكبر طاهر، ومطهر من الخبث،
والأحوط - استحبابا - عدم استعماله في رفع الحدث، إذا تمكن من ماء آخر،
وإلا جمع بين الغسل أو الوضوء به والتيمم، والمستعمل في رفع الخبث نجس، إذا
لاقى عين النجس، وإلا فهو طاهر.
الفصل الرابع
حكم الماء المشتبه
إذا علم - إجمالا - بنجاسة أحد الإنائين وطهارة الآخر لم يجز رفع الخبث
بأحدهما، ولا رفع الحدث، وأما الملاقي له فهو محكوم بوجوب الاجتناب دون
النجاسة، إلا إذا كانت الحالة السابقة فيهما النجاسة، وإذا اشتبه المطلق بالمضاف
جاز رفع الخبث بالغسل بأحدهما، ثم الغسل بالآخر، وكذلك رفع الحدث، وإذا
اشتبه المباح بالمغصوب، حرم التصرف بكل منهما، ولكن لو غسل نجسا بأحدهما
طهر، ولا يرفع بأحدهما الحدث، وإذا كانت أطراف الشبهة غير محصورة جاز
الاستعمال مطلقا، وضابط غير المحصورة أن تبلغ كثرة الأطراف حدا يوجب
ضعف احتمال ثبوت التكليف في كل واحد منها بدرجة يكون الإنسان واثقا
ومطمئنا بالعدم، فلذلك لا يجب فيها الاحتياط.
33

الفصل الخامس
الماء المضاف
الماء المضاف كماء الورد ونحوه، وكذا سائر المايعات ينجس القليل
والكثير منها بمجرد الملاقاة للنجاسة، إلا إذا كان متدافعا على النجاسة بقوة
كالجاري من العالي، والخارج من الفوارة، فتختص النجاسة حينئذ بالجزء
الملاقي للنجاسة، ولا تسري إلى العمود، وإذا تنجس المضاف لا يطهر أصلا،
وإن اتصل بالماء المعتصم، كماء المطر أو الكر. نعم، إذا استهلك في الماء المعتصم
كالكر فقد ذهبت عينه، ومثل المضاف في الحكم المذكور سائر المايعات.
(مسألة 57): الماء المضاف لا يرفع الخبث ولا الحدث.
(مسألة 58): الأسئار - كلها - طاهرة إلا سؤر الكلب والخنزير والكافر
غير الكتابي على الأحوط وجوبا، وأما الكتابي فالأقوى أنه طاهر. نعم،
يكره سؤر غير مأكول اللحم عدا الهرة، وأما المؤمن فإن سؤره شفاء، بل في
بعض الروايات المعتبرة أنه شفاء من سبعين داء.
34

المقصد الثاني
أحكام الخلوة
وفيه فصول:
الفصل الأول
أحكام التخلي
يجب حال التخلي بل في سائر الأحوال ستر بشرة العورة - وهي القبل
والدبر والبيضتان - عن كل ناظر مميز عدا الزوج والزوجة، وشبههما كالمالك
ومملوكته والأمة المحللة بالنسبة إلى المحلل له، فإنه يجوز لكل من هؤلاء أن ينظر
إلى عورة الآخر. نعم، إذا كانت الأمة مشتركة أو مزوجة أو محللة، أو معتدة لم
يجز لمولاها النظر إلى عورتها، وهي في الرجل عبارة عن القبل والدبر والبيضتان،
وفي حكمها ما بين السرة والركبة على الأظهر وفي النساء تمام بدنها حتى الوجه
والكفين على الأحوط. ويحرم على المتخلي استقبال القبلة واستدبارها حال
التخلي على الأحوط ويجوز حال الاستبراء والاستنجاء، وإن كان الأحوط استحبابا
الترك، ولو اضطر إلى أحدهما فالأقوى التخيير والأولى اجتناب الاستقبال.
(مسألة 59): لو اشتبهت القبلة لم يجز له التخلي على الأحوط، إلا بعد
اليأس عن معرفتها، وعدم إمكان الانتظار، أو كون الانتظار حرجيا أو ضرريا.
(مسألة 60): لا يجوز النظر إلى عورة غيره من وراء الزجاجة ونحوها،
ولا في المرآة، ولا في الماء الصافي.
35

(مسألة 61): لا يجوز التخلي في ملك غيره إلا بإذنه ولو بالفحوى حتى
الوقف الخاص بل في الطرق غير النافذة من دون إذن أربابها، وكذلك يحرم
التخلي على قبور المؤمنين إذا كان هتكا لهم.
(مسألة 62): يجوز على الأظهر التخلي في المدارس أو نحوها التي لا
يعلم كيفية وقفها، وأنه خاص للطلاب الساكنين فيها أو عام، وكذلك الحال
بالنسبة إلى الوضوء فيها أو الغسل.
الفصل الثاني
كيفية غسل موضع البول
يجب غسل موضع البول بالماء القليل مرتين على الأحوط وجوبا، وفي
الغسل بغير القليل يجزئ مرة واحدة على الأظهر، ولا يجزئ غير الماء، وأما
موضع الغائط فإن تعدى المخرج تعين غسله بالماء كغيره من المتنجسات، وإن لم
يتعد المخرج تخير بين غسله بالماء حتى ينقى ومسحه بالأحجار، أو الخرق، أو
نحوهما من الأجسام القالعة للنجاسة، والماء أفضل.
(مسألة 63): الأحوط - وجوبا - اعتبار المسح بثلاثة أحجار أو نحوها
إذا حصل النقاء بالأقل.
(مسألة 64): يجب أن تكون الأحجار أو نحوها طاهرة.
(مسألة 65): يحرم الاستنجاء بالأجسام المحترمة، وأما العظم والروث،
فلا يحرم الاستنجاء بهما، ولكن لا يطهر المحل بهما على الأظهر.
36

(مسألة 66): يجب في الغسل بالماء إزالة العين والأثر، ولا تجب إزالة
اللون والرائحة، ويجزئ في المسح إزالة العين، ولا تجب إزالة الأثر الذي لا
يزول بالمسح بالأحجار عادة.
(مسألة 67): إذا خرج مع الغائط أو قبله، أو بعده، نجاسة اخرى مثل
الدم، ولاقت المحل، لا يجزئ في تطهيره إلا الماء.
الفصل الثالث
مستحبات التخلي
يستحب للمتخلي - على ما ذكره العلماء (قدس سرهم) - أن يكون بحيث لا يراه
الناظر، ولو بالابتعاد عنه، كما يستحب له تغطية الرأس والتقنع، وهو يجزئ
عنها، والتسمية عند التكشف، والدعاء بالمأثور، وتقديم الرجل اليسرى عند
الدخول، واليمنى عند الخروج والاستبراء وأن يتكئ - حال الجلوس - على
رجله اليسرى، ويفرج اليمنى، ويكره الجلوس في الشوارع، والمشارع،
ومساقط الثمار، ومواضع اللعن: كأبواب الدور ونحوها من المواضع التي يكون
المتخلي فيها عرضة للعن الناس، والمواضع المعدة لنزول القوافل، واستقبال
قرص الشمس، أو القمر بفرجه، واستقبال الريح بالبول، والبول في الأرض
الصلبة، وفي ثقوب الحيوان، وفي الماء خصوصا الراكد، والأكل والشرب حال
الجلوس للتخلي، والكلام بغير ذكر الله، إلى غير ذلك مما ذكره العلماء (قدس سرهم).
(مسألة 68): ماء الاستنجاء نجس على الأقوى، وإن كان من البول
وتترتب عليه آثار النجاسة سوى انفعال الملاقي له فلا يجوز استعماله في الوضوء
أو الغسل ولا في رفع الخبث. نعم، إذا كان الماء متغيرا بالنجاسة، أو تجاوزت
37

نجاسة الموضع عن المحل المعتاد، أو فيه أجزاء متميزة من الغائط، أو خرج مع
البول أو الغائط نجاسة اخرى كالدم تنجس ملاقيه أيضا.
الفصل الرابع
كيفية الاستبراء
كيفية الاستبراء من البول أن يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا،
ثم منه إلى رأس الحشفة ثلاثا، ثم ينترها ثلاثا، وفائدته طهارة البلل الخارج
بعده إذا احتمل أنه بول، ولا يجب الوضوء منه، ولو خرج البلل المشتبه بالبول
قبل الاستبراء وإن كان تركه لعدم التمكن منه، أو كان المشتبه مرددا بين البول
والمني بنى على كونه بولا، فيحب التطهير منه والوضوء، ويلحق بالاستبراء
- في الفائدة المذكورة - طول المدة على وجه يقطع بعدم بقاء شيء في المجرى، ولا
استبراء للنساء، والبلل المشتبه الخارج منهن طاهر لا يجب له الوضوء. نعم،
الأولى للمرأة أن تصبر قليلا وتتنحنح وتعصر فرجها عرضا ثم تغسله.
(مسألة 69): فائدة الاستبراء تترتب عليه ولو كان بفعل غيره.
(مسألة 70): إذا شك في الاستبراء أو الاستنجاء بنى على عدمه، وإن
كان من عادته فعله. نعم، إذا أدت عادته إلى الوثوق والاطمئنان بذلك كفى، وإذا
شك من لم يستبرئ في خروج رطوبة بنى على عدمها وإن كان ظانا بالخروج.
(مسألة 71): إذا علم أنه استبرأ أو استنجى وشك في كونه على الوجه
الصحيح بنى على الصحة.
(مسألة 72): لو علم بخروج المذي، ولم يعلم استصحابه لجزء من البول
بنى على طهارته، وإن كان لم يستبرئ.
38

المقصد الثالث
الوضوء
وفيه فصول:
الفصل الأول
في أجزاء الوضوء وكيفيته
أجزاء الوضوء أربعة: غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين،
فهنا واجبات:
الواجب الأول: من أجزاء الوضوء غسل الوجه، وفيه أمور:
الأول: يجب غسل الوجه ابتداء من منابت الشعر إلى نهاية الذقن طولا،
وما اشتملت عليه الإصبع الوسطى والإبهام عرضا، والخارج عن ذلك ليس من
الوجه، وإن وجب إدخال شيء من الأطراف إذا لم يحصل العلم بإتيان الواجب
إلا بذلك، ويجب على الأحوط الابتداء بأعلى الوجه إلى الأسفل فالأسفل عرفا.
الثاني: يجب أن يقصد الوضوء عند إيصال الماء إلى الوجه، إما بإسالة
الماء عليه بالكف، وإمرار المتوضئ يده على وجهه لإيصال الماء إلى تمام الوجه،
أو بوضع الوجه تحت أنبوب الماء مبتدءا من الأعلى إلى الأسفل، أو بغمسه في
ماء حوض وغيره، مع مراعاة الابتداء من الأعلى إلى الأسفل على الأحوط،
ففي كل هذه الصور إذا كان ناويا الوضوء حين إيصال الماء إلى وجهه صح، وأما
39

إذا لم ينو الوضوء حين الإيصال، وإنما نواه بعد ذلك بما على وجهه من الماء، فلا
يصح، مثلا إذا وضع الإنسان وجهه تحت مطر أو ميزاب أو أنبوب، فإن قصد
الوضوء به حين وصول الماء إلى وجهه صح، وإن قصد الوضوء به حين يرى
وجود الماء على وجهه بطل، لأن وصول الماء إلى وجهه لم يكن بقصد الوضوء
من البداية، ومن هنا إذا وقف الإنسان تحت المطر بقصد الوضوء من البداية،
فإذا جرى الماء على كامل وجهه صح، وإن لم يستعمل كفه في غسل وجهه،
وبذلك يظهر أن الإنسان إذا أراد أن يتوضأ ارتماسا، فإن قصد الوضوء بإدخال
وجهه في الماء، مع مراعاة الابتداء من الأعلى إلى الأسفل صح وضوؤه، وأما إذا
قصد الوضوء حالة إخراج وجهه من الماء فهذا باطل، وكذلك إذا غمس الإنسان
وجهه في الماء بدون قصد الوضوء، ثم يقصد الوضوء بالماء الذي يغمر وجهه
فإنه باطل.
الثالث: أن يكون الماء بمقدار يستولي على الوجه، ويجرى عليه ويتحرك،
فإذا كان قليلا جدا واستعمله المتوضئ كما يستعمل الدهن للتدهين فلا يصح.
(مسألة 73): غير مستوى الخلقة لطول الأصابع أو لقصرها يرجع إلى
متناسب الخلقة المتعارف، وكذا لو كان أغما قد نبت الشعر على جبهته، أو كان
أصلعا قد انحسر الشعر عن مقدم رأسه فإنه يرجع إلى المتعارف، وأما غير مستوي
الخلقة - لكبر الوجه أو لصغره - فيجب عليه غسل ما دارت عليه الوسطى
والإبهام المتناسبتان مع ذلك الوجه، توضيحه: أن من كبر وجهه يتناسب أن
تكون أصابعه وكفه أيضا كذلك، فإذا اتفق في حالة اختلال هذا التناسب، فكان
الوجه كبيرا، والكف صغيرة، والأصابع قصيرة، فلا يكفيه ما اشتملت عليه إصبعه
الوسطى وإبهامه فقط، بل يجب عليه أن يغسل ما كانت إصبعاه تشتملان عليه
40

لو كانت أصابعه وكفه اعتيادية ومتناسبة مع كبر وجهه.
(مسألة 74): الشعر النابت فيما دخل في حد الوجه يجب غسل ظاهره،
ولا يجب البحث عن الشعر المستور فضلا عن البشرة المستورة. نعم، ما لا
يحتاج غسله إلى بحث وطلب يجب غسله، وكذا الشعر الرقيق النابت في البشرة
يغسل مع البشرة، ومثله الشعرات الغليظة التي لا تستر البشرة.
(مسألة 75): لا يجب غسل باطن العين، والفم، والأنف، ومطبق
الشفتين، والعينين.
(مسألة 76): الشعر النابت في الخارج عن الحد إذا تدلى على ما دخل
في الحد لا يجب غسله، وكذا المقدار الخارج عن الحد، وإن كان نابتا في داخل
الحد كمسترسل اللحية.
(مسألة 77): إذا بقي مما في الحد شيء لم يغسل ولو بمقدار رأس أبرة لا
يصح الوضوء، فيجب أن يلاحظ آماق وأطراف عينيه أن لا يكون عليها شيء
من القيح، أو الكحل المانع، وكذا يلاحظ حاجبه أن لا يكون عليه شيء من
الوسخ، وأن لا يكون على حاجب المرأة وسمة وخطاط له جرم مانع عن
وصول الماء، وكذلك يتأكد إذا كان على يقين بوجود شيء وشاك في أنه هل
يحجب ويمنع أو لا.
(مسألة 78): إذا تيقن وجود ما يشك في مانعيته عن الغسل أو المسح
يجب تحصيل اليقين أو الاطمئنان بزواله، ولو شك في أصل وجوده يجب
الفحص عنه إلا مع الاطمئنان بعدمه، ولا يكفي مجرد الظن بعدم الحاجز.
(مسألة 79): الثقبة في الأنف موضع الحلقة، أو الخزامة إن وصل الماء
41

إلى داخلها بطبعه وجب غسله كما إذا كانت وسيعة وإلا لم يجب، بل يكفي غسل
ظاهرها، سواء أكانت فيها الحلقة أم لا.
الواجب الثاني: غسل اليدين، يجب غسل اليدين من المرفقين إلى
أطراف الأصابع، ويجب الابتداء بالمرفقين ثم الأسفل منها فالأسفل عرفا إلى
أطراف الأصابع والمقطوع بعض يده يغسل ما بقي، ولو قطعت من فوق المرفق
فالأحوط لو لم يكن أقوى وجوب غسل ما بقي من العضد، ولو كان له ذراعان
دون المرفق وجب غسلهما، وكذا اللحم الزائد والإصبع الزائدة، ولو كان له يد
زائدة فوق المرفق فالأحوط وجوبا غسلها أيضا، ولو اشتبهت الزائدة بالأصلية
غسلهما جميعا ومسح بهما على الأحوط وجوبا.
(مسألة 80): المرفق مجمع عظمي الذراع والعضد، ويجب غسله مع اليد.
(مسألة 81): يجب غسل الشعر النابت في اليدين مع البشرة، حتى
الغليظ منه.
(مسألة 82): إذا دخلت شوكة في اليد لا يجب إخراجها إلا إذا كان ما
تحتها محسوبا من الظاهر، فيجب غسله حينئذ ولو بإخراجها، والشقوق التي
تحدث في ظهر الكف من أثر البرد أو غيره، يجب غسل جوفها وباطنها إذا
وصل إليه الماء بطبعه كما إذا اتسعت، وإلا لم يجب كما إذا كانت ضيقة، وإذا شك
في وصول الماء إليه لم يجب إحراز وصوله.
(مسألة 83): الوسخ الذي يكون على الأعضاء إذا كان معدودا جزءا
من البشرة لا تجب إزالته، وإن كان معدودا أجنبيا عن البشرة تجب إزالته.
(مسألة 84): ما هو المتعارف بين العوام من غسل اليدين إلى الزندين
والاكتفاء عن غسل الكفين حين الوضوء بالغسل المستحب قبل الوجه، باطل.
42

(مسألة 85): يجوز الوضوء برمس العضو في الماء من أعلى الوجه أو
من طرف المرفق، مع مراعاة غسل الأعلى فالأعلى، ولكن لا يجوز أن ينوي
الغسل لليسرى بإدخالها في الماء من المرفق، لأنه يلزم تعذر المسح بماء الوضوء،
وكذا الحال في اليمنى إذا لم يغسل بها اليسرى، وأما قصد الغسل بإخراج العضو
من الماء - تدريجا - فهو غير جائز.
(مسألة 86): الوسخ تحت الأظفار إذا لم يكن زائدا على المتعارف لا
تجب إزالته، إلا إذا كان ما تحته معدودا من الظاهر، وإذا قص أظفاره فصار ما
تحتها ظاهرا وجب غسله بعد إزالة الوسخ.
(مسألة 87): إذا انقطع لحم من اليدين غسل ما ظهر بعد القطع، ويجب
غسل ذلك اللحم أيضا ما دام لم ينفصل، وإن كان اتصاله بجلدة رقيقة، ولا يجب
قطعه ليغسل ما كان تحت الجلدة، وإن كان هو الأحوط وجوبا لو عد ذلك
اللحم شيئا خارجيا ولم يحسب جزءا من اليد.
(مسألة 88): ما ينجمد على الجرح عند البرء ويصير كالجلد لا يجب
رفعه، وإن حصل البرء، ويجزئ غسل ظاهره وإن كان رفعه سهلا.
(مسألة 89): يجوز الوضوء بماء المطر، إذا قام تحت السماء حين نزوله،
فقصد بجريانه على وجهه غسل الوجه، مع مراعاة الأعلى فالأعلى، وكذلك
بالنسبة إلى يديه، وكذلك إذا قام تحت الميزاب أو نحوه، ولو لم ينو من الأول،
لكن بعد جريانه على جميع محال الوضوء مسح بيده على وجهه بقصد غسله،
وكذا على يديه إذا حصل الجريان لم يكف كما مر.
(مسألة 90): لا أثر للشك في الشيء أنه من الظاهر حتى يجب غسله،
أو الباطن، لأن الواجب على المكلف هو غسل ما يصل إليه الماء بطبعه، ولو
43

بإمرار اليد عليه، إذا لم يكن هناك حاجز، وحينئذ فإن وصل إليه الماء فقد
غسل، وصح وضوؤه، وإلا لم يجب عليه غسله، سواء أعلم المتوضئ بذلك
تفصيلا أم لا.
(مسألة 91): يجب أن ينوي الوضوء عند وصول الماء إلى العضو لا بعد
ذلك، فإذا أدخل يده في الماء، وغمسها حتى المفصل، من دون قصد الوضوء،
ثم حركها، وأخرجها بقصد الوضوء، لم يصح ذلك، وكذلك إذا صب الماء على
يده، من دون أن يقصد الوضوء بإيصال الماء إليها، ثم يقصده بالمسح على الماء
الباقي في يده فإنه باطل.
ويجب أن يكون الماء بمقدار يستولي على البشرة، ويجري ويتحرك، ولا
يكفي ما هو دون ذلك مما يشبه المسح والتدهين.
الواجب الثالث: مسح مقدم الرأس، يجب مسح مقدم الرأس وهو ما
يقارب ربعه مما يلي الجبهة، ويكفي فيه المسمى طولا وعرضا، والأحوط
استحبابا أن يكون العرض قدر ثلاثة أصابع، والطول قدر طول إصبع،
والأحوط وجوبا أن يكون المسح من الأعلى إلى الأسفل، ويكون بنداوة الكف
اليمنى، بل الأحوط أن يكون بباطنها، وإن كانت لا يبعد كفاية المسح بظاهرها.
(مسألة 92): يكفي المسح على الشعر المختص بالمقدم، بشرط أن لا
يخرج بمده عن حده، فلو كان كذلك فجمع وجعل على الناصية لم يجزئ
المسح عليه.
(مسألة 93): لا تضر كثرة بلل الماسح إذا لم تضر بمفهوم المسح.
(مسألة 94): لو تعذر المسح بباطن الكف مسح بظاهرها، بل لا يبعد
جواز المسح بالظاهر مع التمكن من المسح بالباطن، فإن تعذر فالأحوط أن
يكون بالذراع.
44

(مسألة 95): يعتبر أن لا يكون على الممسوح بلل ظاهر، بحيث يختلط
ببلل الماسح بمجرد المماسة، ويمنع عن إسناد المسح عرفا إلى الأصيل.
(مسألة 96): لو اختلط بلل اليد ببلل أعضاء الوضوء، لم يجز المسح به
إذا منع من إسناد المسح إليه، وأما اختلاط بلل اليد اليمنى ببلل اليد اليسرى
الناشئ من الاستمرار في غسل اليسرى بعد الانتهاء من غسلها، إما احتياطا،
أو للعادة الجارية فهو لا يخلو عن إشكال إذا كان خارجا عن المتعارف.
(مسألة 97): لو جف ما على اليد من البلل لعذر، أخذ من بلل لحيته
إن أمكن، وإلا وجب إعادته.
وقد تسأل هل يجوز أخذ البلل من لحيته الخارجة عن حد الوجه؟
والجواب: لا يبعد جوازه شريطة أن لا تكون خارجة عن المتعارف.
(مسألة 98): لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح لحر أو مرض أو أي
شيء آخر، انتقل الأمر إلى التيمم.
(مسألة 99): لا يجوز المسح على العمامة، والقناع، أو غيرهما من
الحائل وإن كان شيئا رقيقا لا يمنع من وصول الرطوبة إلى البشرة.
الواجب الرابع: مسح القدمين، يجب مسح القدمين من أطراف الأصابع
إلى مفصل الساق طولا، وأما عرضا فيكفي المسح بأي مقدار أراد المتوضئ،
والأظهر مسح اليمنى باليمنى أولا، ثم اليسرى باليسرى، ولو قطع بعض القدم
مسح على الباقي، وإن قطعت القدم بالكامل سقط المسح، وإن كان الأحوط
والأجدر أن يمسح على الساق، وإن كانت له قدم زائدة، فإن اشتبهت بالأصلية
وجب مسح كليهما معا، وإن علم زيادتها فالأحوط مسحها أيضا، ويمسح ببلة
45

الكف، وإذا جفت أخذ من بلة لحيته، وحكم الاختلاط برطوبة اخرى، أو
الحائل هو عين الحكم في مسح الرأس باليد اليمنى.
(مسألة 100): لا يجب المسح على خصوص البشرة، بل يجوز المسح على
الشعر النابت فيها أيضا، إذا لم يكن خارجا عن المتعارف، وإلا وجب المسح
على البشرة.
(مسألة 101): لا يجزئ المسح على الحائل كالخف وإن كان تقية، كما
أنه لا يجزئ إذا كان لضرورة اخرى.
(مسألة 102): لو دار الأمر بين المسح على الخف، والغسل للرجلين
للتقية تعين اختيار الثاني.
(مسألة 103): يعتبر عدم المندوحة في مكان التقية على الأقوى، فلو
أمكنه ترك التقية وإراءة المخالف عدم المخالفة لم تشرع التقية، ولا يعتبر عدم
المندوحة في الحضور في مكان التقية وزمانها، كما لا يجب بذل مال لرفع التقية،
وأما في سائر موارد الاضطرار فيعتبر فيها عدم المندوحة مطلقا. نعم، لا يعتبر
فيها بذل المال لرفع الاضطرار، إذا كان ضرريا.
(مسألة 104): إذا زال السبب المسوغ للوضوء العذري وجبت إعادته،
وإن كانت في خارج الوقت، بدون فرق بين أن يكون السبب المذكور تقية أو
غيرها من الضرورات، لما مر من أن المسح على الحائل أو غيره لا يجزئ وإن
كان تقية. نعم، إذا كان الوضوء العذري صحيحا لم تجب إعادته، وإن زال
السبب المسوغ له في الوقت، كما إذا توضأ منكوسا، أو غسل رجليه بدل المسح
تقية، فإن هذا الوضوء صحيح واقعا ولا تجب إعادته وإن زالت التقية في الوقت.
(مسألة 105): لو توضأ على خلاف التقية فهل يصح؟
46

والجواب: أنه لا يصح؛ لأنه مبغوض فلا يمكن التقرب به. نعم، لو
كان مذهب من يتقي المكلف منه المسح على الحائل، وهو غسل رجليه بدل
المسح تقية صح، إذ لا يعتبر في صحة العمل تقية أن يكون على وفق مذهب من
يتقى منه.
(مسألة 106): يجب في مسح الرجلين أن يضع يده على رؤوس الأصابع
ويجرها شيئا فشيئا حتى المفصل، أو بالعكس فيضع يده على الكعبين ويجرها
إلى أطراف الأصابع تدريجا، ولا يكفي أن يضع تمام كفه على تمام ظهر القدم من
طرف الطول إلى المفصل، ويجرها قليلا بمقدار صدق المسح.
الفصل الثاني
الجبيرة
العضو المكسور أو المجروح إذا كانت عليه جبيرة أو عصابة فعليه وضوء
الجبيرة في ضمن شروط:
الأول: أن يكون العضو المكسور أو المجروح من أعضاء الوضوء.
الثاني: أن يتضرر باستعمال الماء.
الثالث: أن لا تكون الجبيرة أو العصابة نجسة بأن تكون طاهرة ولو
ظاهرها ولا تضر نجاسة ما هو داخل الجبيرة أو العصابة.
الرابع: أن لا تكون الجبيرة أو العصابة زائدة على الحد المألوف
والمعروف كما وحجما، والعادة جارية على أن الجبيرة أو العصابة أوسع من
موضع الإصابة بقدر ما، فإذا زادت على ذلك المقدار لم يكف المسح عليها، بل
47

يجب عليه تصغيرها إن أمكن، وإلا فوظيفته التيمم إذا لم تكن في الأعضاء
المشتركة، وإلا فوظيفته الجمع بينه وبين وضوء الجبيرة، وكذلك إذا كانت
العصابة أو الجبيرة مستوعبة لتمام الرأس أو اليد أو الرجل، فإن أمكن فكها
والوضوء بصورة اعتيادية وجب عليه ذلك، وإن لم يمكن، أو كان ضرريا، فإن
أمكن تصغيرها إلى الحد المألوف لزمه ذلك، ويأتي بالوضوء الجبيري.
الخامس: أن تكون مباحة، فلا يجوز المسح على الجبيرة أو العصابة
المغصوبة، وإلا فوظيفته التيمم.
فإذا توفرت هذه الشروط وجب عليه وضوء الجبيرة.
(مسألة 107): إذا كان الجرح أو الكسر في غير أعضاء الوضوء، فإن
كان يتضرر بغسل أعضاء الوضوء فوظيفته التيمم بدلا عن الوضوء، وإن لم
يكن يتضرر به فوظيفته الوضوء اعتياديا.
(مسألة 108): إذا كان العضو المصاب بالجرح أو القرح مكشوفا، فإن
أمكن غسله توضأ بصورة اعتيادية، وإن لم يمكن ذلك للضرر توضأ مقتصرا
على غسل أطرافه، هذا إذا كان في موضع الغسل، وأما إذا كان في موضع المسح،
وكان مستوعبا لتمام الموضع، فإن تمكن من المسح عليه وجب، وإن لم يتمكن
إما لضرر أو لنجاسة فوظيفته التيمم، وكذلك إذا كان غسل أطرافه ضرريا بأكبر
من المقدار المألوف، أو كان نجسا ولا يمكن غسله، فإن وظيفته في هاتين الحالتين
أيضا التيمم، وإذا كان العضو المصاب بالكسر مكشوفا، فإن كان غسل الموضع
المصاب ضرريا فوظيفته التيمم، دون الوضوء مقتصرا على غسل أطرافه، وإذا
كان الكسر المكشوف في موضع المسح، فإن أمكن المسح عليه توضأ اعتياديا،
وإلا فوظيفته التيمم أيضا، وبذلك يفرق الكسر المكشوف عن الجرح المكشوف.
48

(مسألة 109): إذا كان العضو المصاب بالجرح أو الكسر مكشوفا، وكان
الموضع المصاب طاهرا، وبالإمكان غسله بدون ضرر، فوظيفته الوضوء
بصورة اعتيادية، وإذا كان طاهرا ولكن كان معصبا أو مجبورا، وحينئذ فإن
كان متمكنا من حل العصابة وفكها عن ذلك العضو، والوضوء بدون ضرر
وجب عليه ذلك، ولا يصح منه وضوء الجبيرة، وإن لم يكن بإمكانه حلها؛
لأنها محكمة الشد، ولا يتيسر حلها إلا لمن له الخبرة بذلك وهو غير موجود،
ولا يتسرب الماء إلى العضو من دون حلها، وفي هذه الحالة يجب عليه التيمم إذا
لم يكن العضو المعصب من الأعضاء المشتركة بين الوضوء والتيمم، وإلا يتيمم
ويتوضأ معا، وإذا أمكن إيصال الماء إلى البشرة مع بقاء العصابة أو الجبيرة ولو
بغمسه في الماء مع مراعاة الترتيب مبتدئا من الأعلى إلى الأسفل، وجب عليه
الوضوء، وإيصال الماء إلى موضع الجرح أو الكسر. نعم، إذا كان الموضع من
مواضع المسح، لا يكفي إيصال الماء إلى البشرة بدلا عن المسح عليها، فإن
وظيفته في هذه الحالة فك العصابة إن أمكن، والوضوء بالطريقة الاعتيادية،
وإلا فوظيفته التيمم، وكذلك إذا كان الموضع نجسا بالدم - مثلا - ولا يمكن
تطهيره، فإن الوظيفة التيمم من دون فرق بين أن يكون الموضع المتنجس من
المواضع المشتركة بين الوضوء والتيمم، أو من المواضع المختصة بالوضوء.
(مسألة 110): الجبيرة أو العصابة قد تكون في الأعضاء المختصة
بالوضوء، وهي الوجه واليدان، وقد تكون في الأعضاء المختصة بالمسح، وهي
مقدم الرأس والقدمان، وقد تكون في الأعضاء المشتركة، وهي الكف، ففي
الحالة الاولى يكون المسح على الجبيرة بديلا شرعا عن غسل ما تخفيه من
البشرة وهو العضو المغسول، وفي الحالة الثانية يكون بديلا شرعا عن المسح
على ما تسترة من البشرة وهي العضو الممسوح، شريطة أن لا يبقى منه مقدار
49

مكشوف يكفي للمسح، والأحوط وجوبا ضم التيمم إليه أيضا، وفي الحالة
الثالثة يمسح على الجبيرة عند غسل العضو، ويمسح بها بعد ذلك بدلا عن المسح
بالبشرة إذا لم يبق منه مقدار مكشوف يكفي المسح به.
(مسألة 111): اللطوخ المطلي بها العضو للتداوي يجري عليها حكم
الجبيرة، وأما الحاجب اللاصق - اتفاقا - كالقير وأي حاجز آخر فإن أمكن
رفعه وجب، وإلا وجب التيمم، إذا لم يكن الحاجب في مواضعه، وإلا جمع بين
الوضوء والتيمم.
(مسألة 112): يختص الحكم المتقدم بالجبيرة الموضوعة على الموضع في
موارد الجرح، أو القرح، أو الكسر، وأما في غيرها كالعصابة التي يعصب بها
العضوء لألم أو ورم، ونحو ذلك، فلا يجزئ المسح على الجبيرة، بل يجب عليه
التيمم إذا لم يمكن غسل المحل لضرر ونحوه.
(مسألة 113): قد تسأل هل يجري حكم الجبيرة في الأغسال؟
والجواب: أنه لا يجري في غسل الميت، وأما في غيره فله حالات:
الاولى: أن المصاب بالكسر إذا كان جنبا - مثلا - وكان كسره مكشوفا،
فحينئذ إن كان غسل العضو المصاب المكشوف ضرريا، فوظيفته التيمم، وإن
كان الأحوط ضم الغسل مقتصرا بغسل أطراف الموضع المصاب إليه أيضا، وإن
لم يكن ضرريا وجب عليه الغسل بالطريقة الاعتيادية.
الثانية: إذا كان كسره مجبورا فوظيفته غسل ما ظهر مما ليس عليه
الجبيرة أو العصابة، شريطة أن يكون في قيام المكلف بما يتطلبه الغسل ضرر من
فك العصابة، وفصلها عن العضو المكسور، وتطهيره إذا كان نجسا، وغسله، أو
يكون في شيء من ذلك ضرر، أو يؤدي إلى تفاقم الكسر أو البطء في البرء،
50

والأحوط والأجدر في هذه الحالة ضم المسح على الجبيرة إليه أيضا.
الثالثة: إن القريح أو الجريح الجنب - مثلا - إذا كان جرحه أو قرحه
مكشوفا، وحينئذ فإن كان الغسل بصورته الاعتيادية ميسورا له، ولم يكن في
إيصال الماء إلى موضع الإصابة ضرر، وجب عليه أن يغتسل اعتياديا، وإن لم
يكن الغسل كذلك ميسورا له لضرر، فوظيفته التيمم دون الغسل، مقتصرا
بغسل ما حول موضع الإصابة، وإن كان الأولى والأجدر به ضمه إلى التيمم أيضا.
الرابعة: إذا كان جرحه أو قرحه معصبا أو مجبورا، وكان غسله مضرا،
أو مؤديا إلى تفاقم الجرح، أو البطء في البرء، فوظيفته الغسل مقتصرا على
غسل ما ظهر مما ليس عليه الجبيرة، ولا يجب عليه نزعها وفكها، إلا إذا توقف
غسل الأطراف عليه، كما إذا أشغلت الجبيرة حجما أكبر مما هو مألوف
ومتعارف، والأحوط والأجدر به أن يضم إليه المسح عليها أيضا.
الخامسة: إذا كان الموضع المصاب في العضو المشترك بين الغسل والتيمم،
فعندئذ إن كانت وظيفته الغسل مقتصرا على غسل ما حول الموضع المصاب،
فلا إشكال، وأما إذا كانت وظيفته التيمم، فإن تمكن من التيمم به أو عليه،
فأيضا لا إشكال، وإن لم يتمكن من ذلك لنجاسة الموضع المصاب بنجاسة
مسرية، أو لسبب آخر، فالأحوط أن يجمع بين الغسل مقتصرا على غسل
أطرافه، وبين وضع خرقة طاهرة عليه، والتيمم بها، أو عليها، ويصلي، ثم
يقضي في خارج الوقت بعد البرء.
(مسألة 114): لو كانت الجبيرة على العضو الماسح مسح ببلتها.
(مسألة 115): الأرمد إن كان يضره استعمال الماء تيمم، وإن أمكن
غسل ما حول العين فالأحوط - استحبابا - له الجمع بين الوضوء والتيمم.
51

(مسألة 116): إذا توضأ وضوء الجبيرة، ثم برئ، فإن كان برؤه في ضيق
الوقت، ولا يتمكن من الوضوء بصورة اعتيادية، وهو في الوقت، صح وضوؤه،
فإن صلى به صحت صلاته، وإلا فله أن يصلي به، وإن كان برؤه في سعة الوقت،
كان ذلك كاشفا عن بطلانه، ووظيفته أن يعيد الوضوء اعتياديا وصلاتة إن كان
قد صلى به.
(مسألة 117): إذا كان في عضو واحد جبائر متعددة، يجب الغسل أو
المسح في فواصلها.
(مسألة 118): إذا كان العضو المصاب معصبا أو مجبورا، فعليه وضوء
الجبيرة إذا توفرت شروطه.
وفي هذه الحالة إذا كان غسل أطراف الجبيرة ضرريا أيضا، فهل وظيفته
التيمم أو وضوء الجبيرة أيضا؟
والجواب: أن وظيفته التيمم، وإن كان الأحوط ضم وضوء الجبيرة
إليه أيضا.
(مسألة 119): لا فرق في حكم الجبيرة بين أن يكون الجرح، أو نحوه قد
حدث باختياره على وجه العصيان أم لا.
(مسألة 120): محل الفصد داخل في الجروح، فلو كان غسله مضرا يكفي
المسح على الوصلة التي عليه، إن لم تكن أزيد من المتعارف، وإلا حلها، وغسل
المقدار الزائد، ثم شدها، وأما إذا لم يمكن غسل المحل لا من جهة الضرر، بل لأمر
آخر، كعدم انقطاع الدم - مثلا - فلا بد من التيمم، ولا يجري عليه حكم الجبيرة.
(مسألة 121): إذا كان ما على الجرح من الجبيرة مغصوبا، لا يجوز
52

المسح عليه، بل يجب رفعه وتبديله، وإن كان ظاهره مباحا، وباطنه مغصوبا
فإن لم يعد مسح الظاهر تصرفا فيه فلا يضر، وإلا بطل.
(مسألة 122): لا يشترط في الجبيرة أن تكون مما تصح الصلاة فيه، فلو
كانت حريرا، أو ذهبا، أو جزء حيوان غير مأكول، لم يضر بوضوئه، فالذي
يضر هو نجاسة ظاهرها، أو غصبيتها.
(مسألة 123): ما دام خوف الضرر باقيا يجري حكم الجبيرة، وإن
احتمل البرء، وإذا زال الخوف وجب رفعها.
(مسألة 124): إذا أمكن رفع الجبيرة وغسل المحل، لكن كان موجبا
لفوات الوقت، فالأظهر العدول إلى التيمم.
(مسألة 125): الدواء الموضوع على الجرح ونحوه إذا اختلط مع الدم،
وصار كالشئ الواحد، ولم يمكن رفعه بعد البرء، بأن كان مستلزما لجرح المحل،
وخروج الدم فلا يجري عليه حكم الجبيرة، بل تنتقل الوظيفة إلى التيمم.
(مسألة 126): إذا كان العضو صحيحا، لكن كان نجسا، ولم يمكن
تطهيره، لا يجري عليه حكم الجرح بل يتعين التيمم.
(مسألة 127): لا يلزم تخفيف ما على الجرح من الجبيرة إن كانت على
المتعارف، كما أنه لا يجوز وضع شيء آخر عليها مع عدم الحاجة، إلا أن
يحسب جزءا منها بعد الوضع.
(مسألة 128): الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث.
(مسألة 129): يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة في أول الوقت إذا اعتقد أن
عذره باق ومستمر إلى آخر وقت الصلاة، أو ظن بذلك، أو برجاء استمرار
53

العذر، فإذا انكشف ارتفاعه في الوقت أعاد الوضوء والصلاة، وإذا اعتقد بأنه
سيبرأ في آخر الوقت، ويصبح متمكنا من الوضوء التام، وجب عليه أن ينتظر
إلى الفترة الأخيرة من الوقت حتى يبرأ، ويتوضأ اعتياديا، ويصلي، ولو
استعجل والحالة هذه وتوضأ وضوء الجبيرة وصلى لم يكفه ذلك.
(مسألة 130): إذا اعتقد الضرر في غسل البشرة لاعتقاده الكسر - مثلا -
فعمل بالجبيرة، ثم تبين عدم الكسر في الواقع، لم يصح الوضوء، وكذا إذا تحقق
الكسر فجبره، واعتقد الضرر في غسله فمسح على الجبيرة، ثم تبين عدم الضرر
في الواقع، فإن الظاهر عدم صحة وضوئه أيضا، وإذا اعتقد عدم الضرر فغسل،
ثم تبين أنه كان مضرا، وكان وظيفته الجبيرة صح وضوؤه، إلا إذا كان الضرر
ضررا خطيرا بحيث يكون تحمله حراما شرعا، وكذلك يصح لو اعتقد الضرر،
ولكن ترك الجبيرة وتوضأ، ثم تبين عدم الضرر، وإن وظيفته غسل البشره،
شريطة أنه كان قد اعتقد وجود الضرر اليسير، وأما إذا كان قد اعتقد وجود
الضرر الخطير المحرم بطل وضوؤه.
(مسألة 131): في كل مورد يشك في أن وظيفته الوضوء الجبيري أو
التيمم، الأحوط وجوبا الجمع بينهما.
الفصل الثالث
في شرائط الوضوء
منها: طهارة الماء وإطلاقه، وإباحته، ولا يشترط فيه إذا كان طاهرا
عدم استعماله في التطهير من الخبث، ولا في رفع الحدث الأكبر، ولا الأصغر،
وإذا كان هناك ماءان عند المكلف، أحدهما مطلق، والآخر مضاف، وكلاهما
54

طاهر، ولكنهما تشابها، ولم يميز بينهما، فعليه أن يتوضأ بكليهما معا، فإذا
توضأ بهما كذلك، علم بصحة وضوئه، وأما إذا كان أحدهما نجسا، والآخر
طاهرا، أو أحدهما مباحا، والآخر مغصوبا، فوظيفته التيمم، ووجب الاجتناب
عن كلا الماءين معا، إلا إذا علم المكلف بنجاسة أحدهما المعين المعلوم لديه
بالخصوص أو بغصبية أحدهما كذلك فعندئذ لا مانع من استعمال الآخر.
منها: إباحة الفضاء بالنسبة إلى مسح الرأس والقدمين، فإنه لابد أن يكون
في فضاء مباح، ولا تشترط إباحة الفضاء بالنسبة إلى غسل الوجه واليدين،
فلو غسل المكلف وجهه ويديه في مكان مغصوب، ومسح رأسه وقدميه في
مكان مجاور مباح، صح وضوؤه، وأما إذا غسل وجهه ويديه في مكان مباح،
ومسح رأسه ورجليه في مكان مغصوب مجاور، بطل وضوؤه، والأظهر عدم
اعتبار إباحة الإناء الذي يتوضأ منه مع عدم الانحصار به، بل مع الانحصار
- أيضا - وإن كانت الوظيفة مع الانحصار التيمم، لكنه لو خالف وتوضأ بماء
مباح من إناء مغصوب أثم، وصح وضوؤه، من دون فرق بين الاغتراف منه
دفعة، أو تدريجا وبين الصب منه. نعم، لا يصح الوضوء في الإناء المغصوب إذا
كان بنحو الارتماس فيه، شريطة أن يعد ذلك في العرف العام تصرفا فيه، كما أن
الأظهر أن حكم المصب إذا كان وضع الماء على العضو مقدمة للوصول إليه حكم
الإناء مع الانحصار وعدمه.
(مسألة 132): يكفي طهارة كل عضو حين غسله، ولا يلزم أن تكون
جميع الأعضاء - قبل الشروع - طاهرة، فلو كانت نجسة، وغسل كل عضو بعد
تطهيره، أو طهره بغسل الوضوء كفى، ولا يضر تنجس عضو بعد غسله، وإن
كان في أثناء الوضوء.
55

(مسألة 133): إذا توضأ من إناء الذهب، أو الفضة، بالاغتراف منه
دفعة، أو تدريجا، أو بالصب منه، صح وضوؤه، من دون فرق بين صورة
الانحصار وعدمه، ولو توضأ بالارتماس فيه، فالأقوى صحته أيضا.
ومنها: عدم المانع من استعمال الماء لمرض، أو عطش يخاف منه على
نفسه، أو على نفس محترمة. نعم، إذا كان المانع من استعمال الماء خوف العطش
على غيره، وحينئذ فإذا خالف وتوضأ به صح وضوؤه مطلقا، وإن كان يسبب
ضررا خطيرا عليه، وإن كان المانع منه تدهور صحته، أو الخوف على عطش
نفسه، فوقتئذ إن كان الوضوء يضر به ضررا خطيرا، وهو الضرر الذي يحرم
على المكلف أن يوقع نفسه فيه، حرم عليه، فإذا توضأ في هذه الحالة بطل
وضوؤه، وإن كان لا يضر به ضررا خطيرا لم يحرم عليه، فإذا توضأ والحال
هذه صح.
(مسألة 134): إذا توضأ في حال ضيق الوقت عن الوضوء، فإن قصد
أمر الصلاة الأدائي، بمعنى أنه يدعي أن الصلاة التي ضاق وقتها هي التي تفرض
عليه الوضوء، ولا تسمح له بالتيمم، مع أنه يعلم بأنها تفرض عليه التيمم
شرعا، لا الوضوء، ففي هذه الحالة يقع الوضوء باطلا للتشريع. وأما إذا توضأ
من أجل تلك الصلاة التي ضاق وقتها، وهو يجهل بأنها تستوجب التيمم، أو
توضأ من أجل غاية اخرى، أو من أجل استحبابه النفسي، فالوضوء صحيح.
(مسألة 135): لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف أو النجس، أو
مع الحائل، بين صورة العلم، والعمد، والجهل، والنسيان وكذلك الحال إذا كان
الماء مغصوبا، فإنه يحكم ببطلان الوضوء به حتى مع الجهل. نعم، يصح الوضوء
به مع اعتقاد عدم الغصب، وكذا مع النسيان إذا لم يكن الناسي هو الغاصب.
56

(مسألة 136): إذا نسي غير الغاصب وتوضأ بالماء المغصوب والتفت إلى
الغصبية في أثناء الوضوء، صح ما مضى من أجزائه، ويجب تحصيل الماء المباح
للباقي، ولكن إذا التفت إلى الغصبية بعد الغسلات، وقبل المسح، فجواز المسح
بما بقي من الرطوبة لا يخلو من قوة، وإن كان الأحوط استحبابا إعادة الوضوء.
(مسألة 137): لا يجوز الوضوء بماء الآخرين، إلا مع الإذن منهم
صراحة، أو بشاهد الحال، بأن كانت حالتهم تدل على الإذن، ومع الشك في
رضى المالك وعدمه، لا يجوز التصرف فيه.
(مسألة 138): يجوز الوضوء والشرب من الأنهار الكبار المملوكة،
والجداول، والعيون الغزيرة النابعة، وما إليها، مما جرت عليه عادة الناس، مع
عدم المنع والإنكار من أصحاب الماء، بل ليس لأصحاب الماء منع الآخرين من
ذلك، وكذلك الأراضي الوسيعة جدا أو غير المسورة، فيجوز الوضوء والجلوس،
والنوم، ونحوها فيها.
(مسألة 139): الحياض الواقعة في المساجد والمدارس - إذا لم يعلم كيفية
وقفها، من اختصاصها بمن يصلي فيها، أو على الطلاب الساكنين فيها، أو عدم
اختصاصها بهؤلاء - فهل يجوز لغيرهم الوضوء منها؟
والجواب: أنه يجوز ما لم يعلم بأن ماءها وقف خاص على المصلين في
المسجد، أو على الطلاب الساكنين في المدرسة. نعم، إذا علم بذلك لم يصح
الوضوء بماء المسجد من غير المصلين فيه، ولا بماء المدرسة من غير طلبتها.
(مسألة 140): إذا علم أن حوض المسجد وقف على المصلين فيه، لا
يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر، ولو توضأ بقصد الصلاة فيه، ثم
بدا له أن يصلي في مكان آخر، بطل وضوؤه، ويستأنفه من جديد، وكذلك إذا
57

توضأ بقصد الصلاة في ذلك المسجد، ثم تبين أنه لا يتمكن من الصلاة فيه.
وأما إذا توضأ قاطعا بالتمكن، ثم انكشف عدمه، أو توضأ منه غفلة، أو
باعتقاد عدم الاشتراط، فهل يصح وضوؤه في هذه الحالات؟
والجواب: الظاهر أنه غير صحيح في كل تلك الحالات.
(مسألة 141): إذا دخل المكان الغصبي غفلة وبلا إرادة، ثم عجز عن
الخروج منه، صح وضوؤه في ذلك المكان، وأما إذا دخل فيه غفلة وبلا إرادة،
ثم تمكن من الخروج، فيجب عليه أن يخرج فورا، وإذا توضأ أثناء الخروج،
وهو يمشي في طريقه للخروج بلا إبطاء، صح وضوؤه شريطة أن لا يوجب ذلك
المكث المنافي للتعجيل الواجب، وإذا دخل عصيانا، وخرج وتوضأ أثناء الخروج،
بطل وضوؤه، إلا إذا تاب وندم واستغفر ربه.
ومنها: النية، وهي أن يقصد الفعل، ويكون الداعي والباعث نحوه
مرضاة الله تعالى ومن أجله، من دون فرق بين أن يكون ذلك بداعي الحب له
سبحانه، أو رجاء الثواب، أو الخوف من العقاب، ويعتبر فيها الإخلاص، فلو
ضم إليها الرياء بطل، ولو ضم إليها غيره من الضمائم الراجحة، كالتنظيف من
الوسخ، أو المباحة كالتبريد أو نحوه، وما إلى ذلك مما هو من فوائد الوضوء
وثماره التابعة له، فلا يضر ما دام تابعا للباعث والداعي إلى طاعة الله،
والإخلاص له سبحانه وتعالى، وفي غير ذلك الفرض تقدح، والأظهر عدم
قدح العجب بنية القربة حتى المقارن، ولا يبطل الوضوء وإن كان موجبا لحبط
ثوابه، والعجب: هو أن يشعر الإنسان بالزهو والمنة على الله سبحانه وتعالى
بعبادته، وأنه أدى لربه كامل حقه، وهذا محرم شرعا، إلا أن العبادة لا تبطل
به، ولكن يذهب ثوابها، وبكلمة أن الوضوء عبادة، والنية معتبرة في العبادة
58

بتمام عناصرها الثلاثة:
1 - نية القربة، وهي الإتيان بالفعل من أجل الله تعالى وتقدس، ولا
فرق بين أن تكون هذه النية بسبب الخوف من النار، أو الطمع في الجنة، أو إيمانه
بأنه أهل للطاعة، فإذا اقترنت العبادة بنية القربة على أحد هذه الأوجه الثلاثة
وقعت صحيحة.
2 - نية الإخلاص، ونعني بذلك عدم الرياء، فالرياء هو الإتيان بالعمل
من أجل كسب مدح الناس وثنائهم وإعجابهم به، وهذا حرام في العبادات،
فأي عبادة يؤتى بها بهذا الداعي تقع باطلة، ويكون الفاعل آثما.
3 - قصد اسمها الخاص المميز لها شرعا، فإذا أتى المكلف بغسل الوجه
واليدين، ومسح الرأس والرجلين، فإن قصد بذلك الوضوء صح، وإلا بطل.
ولا بد أن تكون هذه العناصر الثلاثة مقارنة لكل جزء من أجزاء الوضوء،
من غسل الوجه إلى مسح الرجلين، وإذا تأخرت عن أول جزء من أجزائه بطل،
ولا يقصد من المقارنة أن المتوضئ يجب أن يكون منتبها إلى نيته انتباها كاملا
حال الوضوء، كما كان في اللحظة الاولى، فلو نوى وغسل وجهه، ثم ذهل عن
نيته، وواصل وضوءه على هذا الحال، صح وضوؤه ما دامت النية كامنة في
أعماق نفسه، على نحو لو سأله سائل: ماذا تفعل؟ لانتبه فورا إلى أنه يتوضأ
قربة إلى الله تعالى.
(مسألة 142): لا تعتبر نية الوجوب، ولا الندب، ولا غيرهما من الصفات
والغايات، ولو نوى الوجوب في موضع الندب، أو العكس - جهلا أو نسيانا -
صح، وكذا الحال إذا نوى التجديد وهو محدث، أو نوى الرفع وهو متطهر.
59

(مسألة 143): لو اجتمعت أسباب متعددة للوضوء كفى وضوء واحد،
ولو اجتمعت أسباب للغسل، أجزأ غسل واحد بقصد الجميع، وكذا لو قصد
الجنابة فقط، بل الأمر كذلك أيضا إذا قصد واحدا منها غير الجنابة.
أما لو قصد الغسل بقصد ما في الذمة قربة إلى الله تعالى من دون نية
الجميع، ولا واحد بعينه فهل يصح؟
والجواب: لا يبعد صحته وإن كان الأحوط والأجدر به أن ينوي الجميع
أو واحدا منها بعينه وباسمه.
ومنها: مباشرة المتوضئ للغسل والمسح، فلو وضأه غيره - على نحو لا
يسند إليه الفعل - بطل إلا مع الاضطرار، فيوضؤه غيره نيابة، ولكن هو الذي
يتولى النية دون الموضئ.
ومنها: الموالاة، وهي التتابع في الغسل والمسح، باعتبار أن الوضوء
عملية واحدة غير قابلة للتبعيض، فإذن العبرة إنما هي بصدق التبعيض وعدمه
عرفا، فإذا كان الفصل بين أعضائه على نحو يصدق التبعيض في عمل واحد
كان مبطلا له، وإلا فلا.
(مسألة 144): هل يجوز أخذ البلل من مسترسل اللحية الخارج عن
حد الوجه؟
والجواب: لا يبعد جوازه ما دام يصدق عليه أخذ البلل من اللحية.
ومنها: الترتيب بين الأعضاء بتقديم الوجه، ثم اليد اليمنى، ثم اليسرى،
ثم مسح الرأس، والأقوى لزوما تقديم الرجل اليمنى على اليسرى، وكذا يجب
الترتيب في أجزاء كل عضو على ما تقدم، ولو عكس الترتيب - سهوا - أعاد
60

على ما يحصل به الترتيب مع عدم فوات الموالاة، وإلا استأنف، وكذا لو عكس
- عمدا - إلا أن يكون قد أتى بالجميع عن غير الأمر الشرعي فيستأنف الوضوء
من جديد.
الفصل الرابع
في أحكام الخلل
(مسألة 145): من كان على يقين من الحدث، وشك في أنه هل توضأ أو
لا؟ بنى على بقاء الحدث، وعدم الوضوء، وكذا لو ظن الطهارة ظنا غير معتبر
شرعا، ومن كان على يقين من وضوئه، وشك في أنه هل أحدث وانتقضت
طهارته؟ بنى على بقاء الوضوء، وإن ظن الحدث ظنا غير معتبر شرعا.
(مسألة 146): من تيقن أنه قد أحدث، وأيضا تيقن أنه قد توضأ،
ولكن لا يدري هل الوضوء متأخر كي يكون الآن على طهر، أو الحدث متأخر
كي يكون الآن على حدث، فماذا يصنع؟
والجواب: أن وظيفته الوضوء سواء أكان عالما بالتأريخ الزمني للوضوء،
أو بالتأريخ الزمني للحدث، أو كان جاهلا بالتأريخ الزمني لكليهما معا.
(مسألة 147): إذا فرغ المصلي من صلاته، وشك في أنه هل كان على
وضوء؟ فصلاته محكومة بالصحة، شريطة احتمال أنه كان ملتفتا حين الدخول
في الصلاة إلى شروطها. نعم، عليه الوضوء للصلوات الآتية، إلا إذا علم بأن
الشك في الوضوء كان لسبب سابق على هذه الصلاة، وأنه قد غفل عنه حين
دخوله في الصلاة، ولو التفت إليه قبل أن يدخل فيها لشك فيه وكف عنها حتى
يتوضأ، ولذلك أمثلة كثيرة، منها: أن يعلم المصلي بعد الصلاة أنه كان قد
61

غسل وجهه ويديه، ولا يدري هل أن ذلك كان بقصد الوضوء، أو لمجرد
التنظيف، ولكن يعلم أنه بادر إلى الصلاة غافلا عن ذلك، وأنه لو التفت إلى
حاله وهو يصلي لشك أيضا بعين الشك بعد الفراغ منها، ففي هذه الحالة يجب
عليه الوضوء، وإعادة الصلاة وإن كان الشك بعد الفراغ، ومنها: أن يعلم المصلي
بعد الفراع من الصلاة أنه كان قد شك في وجود الحاجب في أعضاء الوضوء
حينما أراد أن يتوضأ ويصلي، ولكن يعلم أنه قبل أن يتأكد بعدم وجوده فيها
بادر إلى الوضوء، فتوضأ، وصلى غافلا عن ذلك، وأنه بحيث لو التفت إلى
حاله قبل الصلاة، أو في أثنائها، لشك في ذلك أيضا بعين الشك بعد الفراغ، ففي
هذا الفرض وما شاكله يجب الوضوء وإعادة الصلاة، هذا إذا حصل هذا الشك
في الوقت، وأما إذا حصل بعد انتهاء الوقت فلا يجب قضاؤها.
(مسألة 148): إذا شك في الوضوء أثناء الصلاة - مثلا - قطعها وتوضأ،
واستأنف الصلاة من الأول.
(مسألة 149): لو تيقن في أثناء الوضوء الإخلال بغسل عضو أو مسحه،
أتى به وبما بعده، مراعيا للترتيب والموالاة وغيرهما من الشرائط، مثال ذلك:
أن يشك المتوضئ في غسل وجهه - مثلا - وهو مشغول فعلا بغسل يده اليمنى أو
اليسرى، أو شك في غسل يده اليسرى، وهو يمسح فعلا على رأسه، أو شك في
أنه مسح على رأسه، وهو يمسح فعلا على قدميه، ففي كل هذه الحالات يجب
عليه أن يعود ويأتي بما شك فيه وبما بعده.
وأما إذا كان المتوضئ يعلم بأنه غسل يده اليمنى مثلا، ولكنه شك -
وهو لا يزال مشغولا بأفعال الوضوء - في أنه هل غسل يده بصورة صحيحة
من الأعلى إلى الأسفل، أو بصورة باطلة من الأسفل إلى الأعلى؟
62

والجواب: أن الصحة لا تخلو عن إشكال، والأحوط وجوبا أن يعود إلى
ما شك فيه، ويأتي به بصورة صحيحة. وإذا شك في الجزء الأخير، فإن كان
ذلك بعد الدخول في الصلاة ونحوها مما يتوقف على الطهارة، بنى على الإتيان به،
بل لا يبعد كفاية مطلق الدخول في عمل آخر في ذلك، كالتحرك من مكانه أو
غلق أنبوب الماء أو غير ذلك مما هو كاشف عن فراغه عن الوضوء، ومثل ذلك
ما إذا كان الشك بعد فوات الموالاة، وأما إذا كان ذلك قبل الدخول في عمل
آخر فيجب الإتيان به.
(مسألة 150): ما ذكرناه آنفا من لزوم الاعتناء بالشك، فيما إذا كان الشك
أثناء الوضوء، لا يفرق فيه بين أن يكون الشك بعد الدخول في الجزء المترتب
أو قبله، ولكنه يختص بغير الوسواسي، وأما الوسواسي - وهو من لا يكون
لشكه منشأ عقلائي، بحيث لا يلتفت العقلاء إلى مثله - فلا يعتني بشكه مطلقا.
(مسألة 151): من كان الوضوء واجبا عليه ظاهرا من جهة الشك في
الإتيان به بعد الحدث إذا نسي شكه وصلى، فلا إشكال في بطلان صلاته بحسب
الظاهر، فتجب عليه الإعادة إن تذكر في الوقت، والقضاء إن تذكر بعده.
(مسألة 152): إذا كان متوضئا، ثم توضأ وضوءا تجديديا مرة اخرى
وصلى، وبعد الصلاة علم ببطلان أحد الوضوءين، ولم يعلم أيهما، فلا إشكال في
صحة صلاته، ولا تجب عليه إعادة الوضوء للصلوات الآتية أيضا.
(مسألة 153): إذا توضأ وضوءين، وصلى بعدهما، ثم علم بحدوث
حدث بعد أحدهما، يجب الوضوء للصلاة الآتية؛ لأن الوضوء الأول معلوم
الانتقاض، والثاني غير محكوم ببقائه، للشك في تأخره وتقدمه على الحدث،
وأما الصلاة فيبني على صحتها لقاعدة الفراغ، إذا احتمل أنه كان ملتفتا إلى
الحدث وآثاره حين العمل، وإلا فتجب إعادتها.
63

(مسألة 154): إذا توضأ المكلف وضوءين وصلى بعد كل منهما صلاة، ثم
علم بأنه قد بال أو نام بعد أحدهما، وحينئذ فإن كان البول أو النوم بعد
الوضوء الأول، كانت الصلاة الاولى باطلة، والثانية صحيحة، وإن كان بعد
الوضوء الثاني، كانت الصلاة الثانية باطلة، والأولى صحيحة، وعلى هذا
فالمكلف بالنسبة إلى الوضوء الأول بما أنه يشك في بقائه فيستصحب، ويحكم
بصحة الصلاة بعده، وبالنسبة إلى الوضوء الثاني بما أنه يشك في أنه هل كان
بعد الحدث أو قبله، فلا يمكن استصحاب بقائه للمعارضة، فلا يحكم بصحة
الصلاة بعده، بل عليه أن يعيد الوضوء من أجل هذه الصلاة والصلوات الآتية.
(مسألة 155): إذا تيقن بعد الفراغ من الوضوء أنه ترك جزءا منه، ولا
يدري أنه الجزء الواجب، أو المستحب، فالظاهر الحكم بصحة وضوئه.
(مسألة 156): إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنه خالف في بعض أفعال
الوضوء، ومسح على العصابة التي تلف يده بدلا عن الغسل، أو غسل قدميه
بدلا عن المسح تقية، ولكن شك في أنه هل كان هناك مسوغ لذلك من جبيرة
أو تقية أو لا، بل كان على غير الوجه الشرعي، فالأظهر عدم وجوب الإعادة.
(مسألة 157): إذا تيقن أنه دخل في الوضوء، وأتى ببعض أفعاله،
ولكن شك في أنه أتمه على الوجه الصحيح، أو أنه عرضت له حاجة، فترك
وضوءه ولم يكمله فوضوؤه باطل. نعم، إذا شك في أنه عدل عنه اختيارا ولم
يكمله عامدا وملتفتا فالأظهر صحة وضوئه.
(مسألة 158): إذا شك بعد الوضوء في وجود الحاجب، أو شك في
حاجبيته كالخاتم، أو علم بوجوده ولكن شك بعده في أنه أزاله، أو أنه
أوصل الماء تحته، بنى على الصحة مع احتمال الالتفات حال الوضوء إلى حقيقة
64

الحاجب، وإلا فتجب عليه إعادة الوضوء، وكذا إذا علم بوجود الحاجب،
وشك في أن الوضوء كان قبل حدوثه أو بعده بنى على الصحة، شريطة احتمال
أنه كان ملتفتا إلى مانعية الحاجب حين الوضوء. نعم، إذا كان في إصبعه خاتم
مثلا، وعلم بأنه حينما توضأ لم ينزعه ولم يحركه غفلة منه، أو اعتقادا بأنه لا
يمنع الماء من الوصول إلى البشرة، ولكنه يشك الآن بعد الفراغ من الوضوء، في
أن الماء هل وصل إلى البشرة أو حجبه الخاتم عن ذلك؟ ففي هذه الحالة يجب
عليه إعادة الوضوء.
(مسألة 159): إذا كانت أعضاء وضوئه أو بعضها نجسا فتوضأ، وشك
بعده في أنه طهرها أم لا، بنى على بقاء النجاسة، فيجب غسله لما يأتي من
الأعمال المشروطة بالطهارة الخبثية، وأما الوضوء فهو محكوم بالصحة، شريطة
احتمال أنه كان ملتفتا إلى مانعية النجاسة حينما توضأ، وأما إذا علم بعدم
الالتفات إلى ذلك حين الوضوء فتجب عليه إعادته من جديد، وكذلك لو كان
الماء الذي توضأ منه نجسا، ثم شك بعد الوضوء في أنه طهره قبله أم لا، فإنه
يحكم بصحة وضوئه وبقاء الماء نجسا فيجب عليه تطهير ما لاقاه من ثوبه وبدنه.
الفصل الخامس
في نواقض الوضوء
وهي متمثلة في امور:
الأول والثاني: خروج البول والغائط، سواء أكان من الموضع المعتاد
بالأصل، أم بالعارض وسواء أكان بدفع طبيعي أم سحب بآلة، وأما إذا كان من
غير المكان الطبيعي بدون اعتياد، فإن كان خروجه بدفع طبيعي فهو ناقض،
65

وإن كان قد سحب بآلة اتفاقا لم يكن ناقضا، والبلل المشتبه الخارج قبل
الاستبراء بحكم البول ظاهرا فيكون ناقضا.
الثالث: خروج الريح من الموضع الطبيعي المعتاد، أو من مكان آخر
الذي فتح لخروج الغائط منه بعد سد الموضع الطبيعي لسبب من الأسباب، فإن
خروج الريح منه ناقض، ولا أثر شرعا لخروجه من موضع آخر.
الرابع: النوم الغالب على العقل، ويعرف بغلبته على السمع، بمعنى أنه لا
يبقى معه سمع ولا بصر ولا إدراك، من غير فرق بين أن يكون قائما أو قاعدا أو
مضطجعا، ومثله كل ما غلب على العقل من جنون، أو إغماء أو سكر، أو غير
ذلك على الأحوط وجوبا.
الخامس: الاستحاضة على تفصيل يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
(مسألة 160): إذا شك في طرو أحد النواقض بنى على العدم، وكذا إذا
شك في أن الخارج بول، أو مذي، فإنه يبني على عدم كونه بولا، إلا أن يكون
قبل الاستبراء، فيحكم بأنه بول، فإن كان متوضئا انتقض وضوؤه.
(مسألة 161): إذا خرج ماء الاحتقان، فإن كان معه شيء من الغائط
انتقض وضوؤه، وإن لم يكن معه شيء منه لم ينتقض، وكذا لو شك في خروج
شيء من الغائط معه.
(مسألة 162): لا ينتقض الوضوء بخروج المذي، أو الودي، أو الوذي.
والأول ما يخرج بعد الملاعبة، والثاني ما يخرج بعد خروج البول، والثالث ما
يخرج بعد خروج المني.
66

الفصل السادس
من استمر به الحدث
من استمر به الحدث في الجملة كالمبطون والمسلوس ونحوهما، فله
حالات أربع:
الاولى: أن تكون له فترة تسع الوضوء والصلاة الاختيارية، وحكمه
وجوب انتظار تلك الفترة، والوضوء والصلاة فيها.
الثانية: أن لا تكون له فترة أصلا، أو تكون له فترة يسيرة لا تسع الطهارة
وبعض الصلاة، ففي هذه الحالة يكون حكمه حكم المكلف الاعتيادي، فيتوضأ،
ويصلي، ولا ينتقض وضوؤه بما يخرج منه قهرا ومستمرا، فيجوز له أن يمارس
كل ما هو مشروط بالطهارة من صلاة وغيرها ما دام لم يصدر منه حدث آخر
اعتياديا من نوم أو بول كالإنسان المتعارف، فإذا صدر جدد الوضوء للصلوات
الآتية كغيره.
الثالثة: أن تكون له فترة تسع الطهارة وبعض الصلاة، ولا يكون عليه
- في تجديد الوضوء في الأثناء مرة أو مرات - حرج، وحكمه الوضوء والصلاة
في تلك الفترة، ولا يجب عليه إعادة الوضوء إذا فاجأه الحدث أثناء الصلاة،
وإن كان الأحوط الأولى أن يجدد الوضوء كلما فاجأه الحدث أثناء صلاته،
ويبني عليها، وإذا فاجأه الحدث بعد الصلاة فالأحوط الأولى أن يجدد الوضوء
للصلاة الاخرى.
الرابعة: نفس الصورة الثالثة، لكن يكون تجديد الوضوء - في الأثناء -
حرجا عليه، ففي هذه الحالة يكون حكمه الاجتزاء بالوضوء الواحد، ما لم
67

يحدث حدثا آخر، والأحوط الأولى أن يتوضأ لكل صلاة، ولا فرق في الحكم
بين المسلوس والمبطون في كل تلك الحالات.
(مسألة 163): كلما جاز للمسلوس والمبطون أن يصلى بوضوئه جاز له
أن يمارس كل ما هو مشروط بالطهارة كمس كتابة القرآن وغيره، ولا تترتب
عليه أحكام المحدث إلى أن ينتهي مفعول وضوئه بحدث آخر منه من نوم أو غيره.
(مسألة 164): يجب على المسلوس والمبطون التحفظ من تعدي النجاسة
إلى بدنه وثوبه مهما أمكن بوضع كيس أو نحوه، ولا يجب تغييره لكل صلاة.
الفصل السابع
أحكام الوضوء
لا يجب الوضوء لنفسه، وتتوقف صحة الصلاة - واجبة كانت، أو
مندوبة - عليه، وكذا أجزاؤها المنسية، بل سجود السهو على الأحوط
استحبابا، ومثل الصلاة الطواف الواجب، وهو ما كان جزءا من حجة أو عمرة،
دون المندوب وإن وجب بالنذر. نعم، يستحب له.
(مسألة 165): لا يجوز للمحدث مس كتابة القرآن، حتى المد والتشديد
ونحوهما ولا مس اسم الجلالة وسائر أسمائه وصفاته على الأحوط وجوبا،
والأولى إلحاق أسماء الأنبياء والأوصياء وسيدة النساء - صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين - به.
(مسألة 166): الوضوء مستحب لنفسه، فلا حاجة في صحته إلى جعل
شيء غاية له، وإن كان يجوز الإتيان به لغاية من الغايات المأمور بها مقيدة به،
فيجوز الإتيان به لأجلها، سواء أتوقف عليه صحتها، أم كمالها.
68

(مسألة 167): لا فرق في جريان الحكم المذكور بين كتابة المصحف
بالعربية والفارسية وغيرهما، ولا بين الكتابة بالمداد، والحفر، والتطريز
وغيرهما، كما لا فرق في الماس بين ما تحله الحياة، وغيره، بل لا يجوز على
الأحوط المس بالشعر غير التابع للبشرة.
(مسألة 168): الألفاظ المشتركة بين القرآن وغيره يعتبر فيها قصد
الكاتب، وإن شك في قصد الكاتب جاز المس.
وقد تسأل: أن الكلمة القرآنية، أو الآية إذا لم تكن في المصحف، بل كانت
في كتاب، أو رسالة، أو ورقة، تهنئة، أو تعزية، أو نقش خاتم، فهل يجوز مسها؟
والجواب: لا يجوز على الأحوط.
(مسألة 169): يجب الوضوء إذا وجبت إحدى الغايات المذكورة آنفا،
ويستحب إذا استحبت، وقد يجب بالنذر، وشبهه، ويستحب للطواف المندوب،
ولسائر أفعال الحج، ولطلب الحاجة، ولحمل المصحف الشريف، ولصلاة
الجنائز، وتلاوة القرآن، وللكون على الطهارة، ولغير ذلك.
(مسألة 170): إذا دخل وقت الفريضة يجوز الإتيان بالوضوء بقصد فعل
الفريضة، كما يجوز الإتيان به بقصد استحبابه النفسي، أو الكون على الطهارة،
وكذا يجوز، الإتيان به بقصد الغايات المستحبة الاخرى.
(مسألة 171): سنن الوضوء على ما ذكره العلماء (قدس سرهم) وضع الإناء الذي
يغترف منه على اليمين، والتسمية، والدعاء بالمأثور، وغسل اليدين من الزندين
قبل إدخالهما في الإناء الذي يغترف منه، لحدث النوم، أو البول مرة، وللغائط
مرتين، والمضمضة، والاستنشاق، وتثليثهما وتقديم المضمضة، والدعاء بالمأثور
69

عندهما، وعند غسل الوجه واليدين ومسح الرأس، والرجلين، وتثنية
الغسلات، والأحوط استحبابا عدم التثنية في اليسرى احتياطا للمسح بها، وكذلك
اليمنى إذا أراد المسح بها من دون أن يستعملها في غسل اليسرى، وكذلك الوجه
لأخذ البلل منه عند جفاف بلل اليد، ويستحب أن يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه
في الغسلة الاولى والثانية، والمرأة تبدأ بالباطن فيهما، ويكره الاستعانة بغيره في
المقدمات القريبة.
70

المقصد الرابع
الغسل
الغسل منه واجب وهو على قسمين:
1 - واجب لنفسه، كغسل الأموات، فإن وجوبه ليس من أجل شي آخر.
2 - واجب لغيره، وهو ما وجب من أجل القيام بواجب آخر، كغسل
الجنابة، والحيض، والاستحاضة، والنفاس، ومس الميت.
ومنه مستحب كالأغسال التي هي كثيرة، ولها أوقاتها الخاصة، ومواقعها
المخصوصة شرعا، وستأتي الإشارة إليها.
فهنا مباحث:
المبحث الأول
غسل الجنابة
وفيه فصول:
الفصل الأول
ما تتحقق به الجنابة
الجنابة أمر معنوي اعتباري شرعي، وسببه أمران:
الأول: خروج المني من الموضع المعتاد، وهو القبل، فإنه موجب
للغسل شرعا، سواء كان بالاختيار أم كان بغير الاختيار، في حال اليقظة أم في
النوم، قليلا كان أم كثيرا، بالجماع أو بغيره، مع لذة ودفق أو بدونهما، فإذا علم
71

الإنسان أنه مني لحقه حكمه سواء كان واجدا للصفات، أم كان بصفة اخرى،
وقد يخرج من غير القبل والموضع المعتاد، أو يخرج بلون أصفر لمرض أو سبب
آخر فيترتب عليه حكم المني المعتاد، شريطة أن يعلم ويتيقن بأنه مني، وأما
المرأة فإذا خرج منها ماء في حالة شهوة وتهيج جنسي فعليها الغسل، وإن كانت
محدثة بالأصغر قبل الغسل وجب عليها الجمع بين الوضوء والغسل، وإذا خرج
منها ماء من دون شهوة وتهيج فالظاهر عدم وجوب الغسل عليها وإن كان
الأولى والأجدر بها أن تغتسل.
(مسألة 172): إن عرف بأن الخارج منه مني فلا إشكال، وإن لم يعرف
فالشهوة والدفق، وفتور الجسد عقيب خروجه أمارة عليه، ومع انتفاء واحد
منها لا يحكم بكونه منيا، وفي المريض يرجع إلى الشهوة والفتور، ومع انتفاء
أحدهما لا يترتب عليه آثار المني.
(مسألة 173): من وجد على بدنه، أو ثوبه منيا وعلم أنه منه بجنابة لم
يغتسل منها، وجب عليه الغسل، وإعادة كل صلاة صلاها بعد الجنابة، سواء
كانت في الوقت أم كانت في خارج الوقت، وأما الصلاة المشكوكة التي لا يعلم
أنه أتى بها قبل الجنابة أو بعدها، ففي هذه الحالة إن كان زمان الجنابة معلوما،
وزمان الصلاة مجهولا، وجبت الإعادة إن كان ذلك الشك في الوقت، دون
القضاء إن كان في خارج الوقت، وإذا كان الأمر بالعكس، بأن كان زمان الصلاة
معلوما، وزمان الجنابة مجهولا، لم تجب الإعادة، لا في الوقت، ولا في خارجه،
وإن كان زمان كليهما مجهولا وجبت الإعادة في الوقت دون خارج الوقت.
(مسألة 174): إذا دار أمر الجنابة بين شخصين، يعلم كل منهما إما أنه
جنب أو صاحبه، كما إذا استعمل اثنان لباسا واحدا على التعاقب والتناوب،
ووجد فيه مني يعلم أنه من أحدهما جزما، ففي هذه الحالة تارة يكون كل
72

منهما عادلا وجديرا للاقتداء به، وفي هذا الفرض بما أن كلا منهما كان ينتفع
بغسل الآخر، فيكون العلم الإجمالي في المسألة إما بوجوب الغسل عليه، أو
بعدم جواز الاقتداء بالآخر منجزا، فيجب حينئذ الغسل على كل منهما،
وأخرى يكون أحدهما عادلا وجديرا للاقتداء به دون الآخر، ففي هذا الفرض
بما أن الثاني ينتفع بغسل الأول فيكون العلم الإجمالي له إما بوجوب الغسل عليه
أو بعدم جواز الاقتداء بالأول منجزا، فيجب عليه الغسل، والحاصل أن الغسل
إنما يجب في هذا الفرض على المنتفع خاصة.
نعم، إذا كان كل منهما غير واثق ومطمئن بجدارة صاحبه للاقتداء به في
الصلاة، فيجوز لكل منهما أن يصلي صلاته من دون غسل.
أما إذا كان هناك ثالث يطمئن بجدارة كل منهما للاقتداء به، فيجب عليه
أن لا يصلي خلف كل منهما ما لم يغتسل.
(مسألة 175): البلل المشكوك الخارج بعد خروج المني والاغتسال، فإن
كان بعد الاستبراء منه بالبول فلا شيء عليه، وإن كان قبله كان البلل بحكم
المني، وأعاد الغسل.
(مسألة 176): إذا خرج من المكلف بلل وعلم بأنه إما بول أو مني، فإن
كان متطهرا من الحدث الأكبر والأصغر وجب عليه الوضوء والغسل معا، وإذا
علم أنه بول توضأ ولا غسل عليه، وإذا علم بأنه مني وجب عليه الغسل ولا
وضوء عليه.
الثاني: الجماع ولو لم ينزل، ويتحقق بدخول الحشفة في قبل المرأة، إذا
كانت الحشفة سليمة، وإن كانت مقطوعة فمقدارها من الذكر.
وأما دبرها أو دبر الذكر أو البهيمة فهل يوجب الغسل؟
73

والجواب: أنه يوجب على الأحوط، وإذا كان محدثا بالأصغر قبل ذلك
فالأحوط وجوبا ضم الوضوء إليه أيضا.
وقد تسأل: أن إدخال بعض الحشفة هل يوجب الغسل؟
والجواب أنه يوجب على الأحوط.
وقد تسأل: أن حكم الإنسان الموطوء دبرا رجلا كان أم امرأة هل هو
حكم الواطئ في وجوب الغسل عليه احتياطا.
والجواب: أن حكمه حكم الواطئ في ذلك.
(مسألة 177): إذا تحقق الجماع تحققت الجنابة للفاعل والمفعول به، من
غير فرق بين الصغير والكبير، والعاقل والمجنون، والقاصد وغيره، بل الظاهر
ثبوت الجنابة للحي إذا كان أحدهما ميتا على الأحوط.
(مسألة 178): إذا خرج المني بصورة الدم، وجب الغسل بعد العلم
بكونه منيا.
(مسألة 179): إذا تحرك المني عن محله بالاحتلام ولم يخرج إلى الخارج لا
يجب الغسل؛ لأن المعيار في وجوب الغسل بسبب المني أن يخرج ويبرز في الخارج.
(مسألة 180): يجوز للشخص إجناب نفسه بمقاربة زوجته ولو لم يقدر
على الغسل، وكان بعد دخول الوقت. نعم، إذا لم يتمكن من التيمم أيضا لا
يجوز له ذلك، وأما في الوضوء فلا يجوز لمن كان متوضئا - ولم يتمكن من
الوضوء لو أحدث - أن يبطل وضوؤه إذا كان بعد دخول الوقت.
(مسألة 181): إذا شك في أنه هل حصل الدخول أم لا؟ لا يجب عليه
الغسل، وكذا لا يجب لو شك في أن المدخول فيه فرج، أو دبر، أو غيرهما.
74

(مسألة 182): الوطء في دبر الخنثى موجب للجنابة على الأحوط لزوما،
فيجب الجمع بين الغسل والوضوء إذا كان الواطئ، أو الموطوء محدثا بالأصغر
دون قبلها، إلا مع الإنزال، فيجب عليه الغسل دونها، إلا أن تنزل هي أيضا،
ولو أدخلت الخنثى، في الرجل، أو الأنثى مع عدم الإنزال، لا يجب الغسل على
الواطئ، ولا الموطوء، وإذا أدخل الرجل بالخنثى وتلك الخنثى بالأنثى، وجب
الغسل على الخنثى دون الرجل والأنثى. نعم، يعلم كل من الرجل والأنثى إجمالا
بأن أحدهما جنب، وحينئذ فإن ترتب أثر شرعي على جنابة أحدهما بالنسبة
إلى الآخر كان العلم الإجمالي منجزا، وكذلك إذا كان الرجل عادلا وجديرا
للاقتداء به، فإن العلم الإجمالي للأنثى حينئذ يكون منجزا على تفصيل تقدم في
(المسألة 174).
الفصل الثاني
فيما يتوقف صحته
أو جوازه على غسل الجنابة
وهو أمور:
الأول: الصلاة الواجبة والمستحبة أداء وقضاء وأجزاؤها المنسية،
وصلاة الاحتياط، وصلاة الطواف، ولا يجب لصلاة الجنائز.
الثاني: الطواف الواجب كما تقدم في الوضوء.
الثالث: الصوم، بمعنى أنه لو تعمد البقاء على الجنابة حتى طلع الفجر
بطل صومه، وكذا صوم ناسي الغسل، على تفصيل يأتي في محله إن شاء الله
تعالى في باب الصوم.
75

الرابع: مس كتابة القرآن الشريف، ومس اسم الله تعالى إذا كان في
القرآن على ما تقدم في الوضوء.
الخامس: اللبث والتواجد في المسجدين الحرمين الشريفين، فإنه حرام
بكل أشكاله على الجنب، ولا يسمح له بالمكث فيهما، ولا بمجرد المرور
والاجتياز، ولا أخذ شيء منهما، وأما التواجد في غيرهما من المساجد فهو أيضا
حرام في غير الحالتين التاليتين:
الاولى: الاجتياز فيها بالدخول من باب والخروج من باب آخر.
الثانية: أن يدخل فيها لأخذ شيء منها، كما إذا كان له كتاب، أو متاع
فيها، فيدخل ويأخذه من دون مكث، ولا يجوز وضع شيء فيها حال الاجتياز
ولا من خارجها، والأحوط وجوبا إلحاق المشاهد المشرفة بالمساجد في
الأحكام المذكورة دون الأروقة.
السادس: قراءة آية السجدة من سور العزائم، وهي (ألم السجدة، وحم
السجدة والنجم، والعلق) والأحوط استحبابا إلحاق تمام السورة بها حتى
بعض البسملة.
(مسألة 183): لا فرق في حرمة دخول الجنب في المساجد بين المعمور
منها، والخراب، وإن لم يصل فيه أحد ولم تبق آثار المسجدية وكذلك المساجد
في الأراضي المفتوحة عنوة إذا ذهبت آثار المسجدية بالمرة.
(مسألة 184): ما يشك في كونه جزءا من المسجد من صحنه وحجراته
ومنارته وحيطانه ونحو ذلك لا تجري عليه أحكام المسجدية، إلا إذا كانت هناك
سيرة للمسلمين من أهل البلد على ترتيب أحكام المسجد عليه.
76

(مسألة 185): إذا كان الجنب غير قادر على الغسل من الجنابة وكان
عالما بجنابته، لم يجز له أن يؤجر نفسه لتنظيف المسجد وكنسه، أو أي عمل
آخر مباح فيه، ولكن إذا صادف وجرى عقد الإجارة معه على شيء من ذلك
على أساس أنه كان مقدما على العصيان ولا يبالي بأن يمكث في المسجد وهو
جنب، فلا مانع من الحكم بصحته، واستحقاقه الأجرة المسماة، وإذا اعتذر
الأجير بعد ذلك عن القيام بالعمل بأنه جنب كان من حقه ذلك شرعا، إلا أنه
يثبت حينئذ للمستأجر خيار الفسخ.
(مسألة 186): إذا علم إجمالا بأن أحد هذين الشخصين جنب، وحينئذ
فإن كان الشخصان عالمين بجنابة أحدهما، ففي هذه الحالة إن كان كل منهما
جديرا للاقتداء به، كان العلم الإجمالي لكل منهما منجزا، فلا يجوز استئجارهما،
ولا لأحدهما على أساس أن كلا منهما يعلم إجمالا، أما أن تحرم عليه قراءة
العزائم مثلا، أو عدم جواز الاقتداء بالثاني، ومعه لا يقدر على تسليم العمل
المستأجر عليه، ومن دون ذلك فالإجارة باطلة، وإن كان أحدهما جديرا
للاقتداء به دون الثاني كان العلم الإجمالي للثاني منجزا دون الأول، فلا يصح
استئجاره فقط للدخول في المسجدين الحرمين، أو قراءة العزائم، وإن كان
كلاهما غير عادل، فلا أثر لعلم كل منهما أما بجنابة نفسه أو جنابة صاحبه،
فعندئذ يصح استئجارهما معا، وأما إذا كان أحدهما عالما إجمالا بجنابته، أو
جنابة رفيقه دون الثاني، فيصح إجارة الثاني، وأما إجارة العالم فإن كان لعلمه
الإجمالي أثر كان منجزا فلا يصح إجارته.
(مسأله 187): مع الشك في الجنابة والجهل بها لا يحرم شيء من
المحرمات المذكورة، إلا إذا كانت حالته السابقة هي الجنابة.
77

الفصل الثالث
ما يكره للجنب
قد ذكروا أنه يكره للجنب الأكل والشرب إلا بعد الوضوء أو المضمضة
والاستنشاق، ويكره قراءة ما زاد على سبع آيات من غير العزائم، بل الأحوط
استحبابا عدم قراءة شيء من القرآن ما دام جنبا، ويكره أيضا مس ما عدا
الكتابة من المصحف والنوم جنبا إلا أن يتوضأ أو يتيمم بدل الغسل.
الفصل الرابع
واجبات غسل الجنابة
منها: النية، ولا بد فيها من الاستدامة إلى آخر الغسل كما تقدم تفصيل
ذلك كله في الوضوء.
ومنها: غسل ظاهر البشرة على وجه يتحقق به مسماه، فلا بد من رفع
الحاجب وتخليل ما لا يصل الماء معه إلى البشرة إلا بالتخليل، ولا يجب غسل
الشعر، إلا ما كان من توابع البدن، كالشعر الرقيق، ولا يجب غسل الباطن
أيضا. نعم، الأحوط استحبابا غسل ما يشك في أنه من الباطن، أو الظاهر،
إلا إذا علم سابقا أنه من الظاهر، ثم يشك في تبدله. وقد مر أن الواجب هو
غسل ما يصل إليه الماء بطبعه أو بمعونة اليد، ولا قيمة لعنوان الظاهر والباطن.
ومنها: الإتيان بالغسل على إحدى كيفيتين:
أولاهما: الترتيب بأن يغسل أولا تمام الرأس، ومنه العنق ثم بقية البدن،
78

والأحوط الأولى أن يغسل أولا تمام النصف الأيمن، ثم تمام النصف الأيسر،
ولا بد في غسل كل عضو من إدخال شيء من الآخر من باب المقدمة، ولا
ترتيب هنا بين أجزاء كل عضو، فله أن يغسل الأسفل منه قبل الأعلى، كما أنه
لا كيفية مخصوصة للغسل هنا، بل يكفي المسمى كيف كان، فيجزئ رمس
الرأس بالماء أولا، ثم الجانب الأيمن، ثم الجانب الأيسر، كما يكفي رمس البعض
والصب على الآخر، ولا يكفي إذا كان العضو في داخل الماء أن يحركه وهو في
الماء، فإن تحريك العضو في داخل الماء ليس غسلا له، وإنما يحصل الغسل
بإدخاله فيه بقصد الغسل، أو صب الماء عليه.
ثانيتهما: الارتماس، وهو تغطية البدن في الماء تغطية واحدة، وهي أن
يرمس الجنب جميع بدنه في الماء بحيث يستوعب تمام أجزاء البدن، ويغمرها
بالكامل، وأن يكون هذا الرمس مرة واحدة بنظر العرف في مقابل الغسل الترتيبي،
وإذا كان الشعر كثيفا ومتراكما يفرقه بالتخليل حتى يعلم بوصول الماء إلى الكل
عند ارتماسه في الماء، ويرفع قدمه عن الأرض إن كانت موضوعة عليها.
(مسألة 188): النية لابد أن تبدأ بابتداء عملية الارتماس، ولا يكفي أن
تكون عند تغطية تمام البدن فقط.
(مسألة 189): يجب على المكلف أن يقصد الغسل عند إيصال الماء إلى
البدن من دون فرق بين أن يكون ذلك بإسالة الماء عليه، أو بإدخال البدن في
الماء بقصد الغسل، ولا يكفي إذا كان البدن أو العضو في داخل الماء أن يحركه
وهو في الماء بقصد الغسل، وعلى هذا فمن كان في حوض وغمره الماء، وأراد أن
يغتسل بذلك الحوض، فلا يكفي أن ينوى الغسل وهو تحت الماء بتحريك جسده،
بل عليه في هذه الحالة أن يخرج مقدارا من بدنه من الماء كرأسه ثم يعود إلى الماء
79

مرة ثانية بقصد الغسل، وإذا أراد في هذه الحالة أن يغتسل الغسل الترتيبي فيجب
عليه أن يخرج رأسه بكامله من الماء، وكذا رقبته، ثم يغمسهما في الماء بنية
الغسل، ثم يخرج سائر جسده كاملا من الماء فيرمسه فيه بقصد الغسل، ويجب
عليه أن يحرز عند الاغتسال عدم وجود حاجب وحاجز عن وصول الماء إلى
البشرة، وعند الشك فيه لابد من التحقيق والفحص حتى يعلم بعدم وجوده على
التفصيل المتقدم في الوضوء، وأن يكون الماء بنحو يجعله يستولي على البدن،
ويجري كما تقدم في الوضوء.
ومنها: إطلاق الماء، وطهارته، وإباحته، والمباشرة اختيارا، وعدم
المانع من استعمال الماء من مرض ونحوه، وطهارة العضو المغسول على نحو ما
تقدم في الوضوء، وقد تقدم فيه أيضا الكلام في اعتبار إباحة الإناء والمصب،
ونية القربة على التفصيل المتقدم في الوضوء، وأما الجبيرة في الغسل فقد تقدم
حكمها في الوضوء.
وكان من شروط صحة الوضوء أن يكون في مكان مباح عند المسح،
وحيث لا مسح في الغسل فليس هذا من شروط صحة الغسل، وكل ما تقدم
من شروط الوضوء وأحكام النية يجري هنا أيضا، منها اعتبار المباشرة بالمعنى
المتقدم في الوضوء.
(مسألة 190): الغسل الترتيبي أفضل من الغسل الارتماسي.
(مسألة 191): يجوز العدول من الغسل الترتيبي إلى الارتماسي.
(مسألة 192): يجوز الارتماس في ما دون الكر.
(مسألة 193): إذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت فتبين ضيقه فغسله صحيح.
80

(مسألة 194): ماء غسل المرأة من الجنابة، أو الحيض أو نحوهما عليها،
لا على الزوج.
(مسألة 195): يجب أن تكون النية مقارنة للغسل من البداية إلى النهاية،
ولا نعني بالمقارنة أن لا تتقدم النية على الغسل، بل أن لا تتأخر عن أول جزء
من أجزائه، كما أنه لا نعني من مقارنة النية لكل الأجزاء أن المغتسل لابد أن
يكون منتبها إلى نيته انتباها كاملا، كما كان في اللحظة الاولى فلو نوى وشرع
في غسل الرأس ثم ذهل عن نيته، وواصل غسله على هذه الحال من الذهول،
صح شريطة أن تكون النية موجودة في أعماق نفسه، بحيث لو سأله سائل: ماذا
تفعل؟ لانتبه فورا إلى أنه يغتسل قربة إلى الله تعالى، وعلى هذا فإذا خرج من
بيته بنية الغسل في الحمام، أو مكان آخر فدخل فيه وشرع في الغسل من دون
الانتباه إلى نيته كاملا، ولكن الداعي والباعث الواقعي للشروع فيه تلك النية
الموجودة في أعماقه، وإن لم يلتفت إليها تفصيلا كفى.
(مسألة 196): إذا كان قاصدا عدم إعطاء العوض للحمامي، أو كان
بناؤه على إعطاء الأموال المحرمة، أو على تأجيل العوض، فهل يبطل غسله؟
والجواب: أن الاغتسال في الحمام لقاء أجرة معينة، إن كان مرجعه إلى
المعاملات الإباحية، بمعنى أن الحمامي أباح الدخول في حمامه والتصرف فيه
لكل أحد لقاء أجر معين في ذمته، فإذا دخل فيه واغتسل، فإن أعطى الأجرة
برئت ذمته، وإن لم يعطها ظلت مشغولة، فإذا كان مرجعه إلى ذلك صح غسله،
وإن كان مرجعه إلى أن إذنه ورضاءه معلق على إعطاء الأجرة خارجا، بمعنى
أن المأذون في دخول الحمام والغسل فيه خصوص من يعطي الأجرة خارجا لا
مطلقا، بطل غسله، ولا يبعد الوجه الأول نظريا وإن كان الأحوط وجوبا
إعادة الغسل.
81

(مسألة 197): إذا ذهب إلى الحمام ليغتسل، وبعد الخروج شك في أنه
اغتسل أم لا بنى على العدم، ولو علم أنه اغتسل، لكن شك في أنه اغتسل
على الوجه الصحيح أم لا، بنى على الصحة.
(مسألة 198): إذا كان ماء الحمام مباحا، لكن سخن بالحطب المغصوب،
لا مانع من الغسل فيه.
(مسألة 199): يجوز الغسل في حوض المدرسة، إلا إذا علم بأنه وقف
خاص للساكنين فيها أو مباح لهم كذلك.
(مسألة 200): الماء الذي يسبلونه، يجوز الوضوء والغسل منه إلا مع
العلم بعدم الإذن فيه إلا للشرب.
(مسألة 201): لبس المئزر الغصبي حال الغسل وإن كان محرما في نفسه،
لكنه لا يوجب بطلان الغسل.
الفصل الخامس
مستحبات غسل الجنابة وأحكامه
قد ذكر العلماء (قدس سرهم) أنه يستحب غسل اليدين أمام الغسل، من المرفقين
ثلاثا، ثم المضمضة ثلاثا، ثم الاستنشاق ثلاثا، وإمرار اليد على ما تناله من
الجسد خصوصا في الترتيبي، بل ينبغي التأكد في ذلك، وفي تخليل ما يحتاج إلى
التخليل، ونزع الخاتم ونحوه، والاستبراء بالبول قبل الغسل.
(مسألة 202): الاستبراء بالبول ليس شرطا في صحة الغسل، لكن إذا
تركه واغتسل، ثم خرج منه بلل مشتبه بالمني، جرى عليه حكم المني ظاهرا،
فيجب الغسل له كالمني، سواء استبرأ بالخرطات، لتعذر البول أم لا، إلا إذا علم
82

بذلك، أو بغيره عدم بقاء شيء من المني في المجرى.
(مسألة 203): إذا بال بعد الغسل ولم يكن قد بال قبله، لم تجب إعادة
الغسل وإن احتمل خروج شيء من المني مع البول.
وقد تسأل: أنه إذا رأى رطوبة لا يعلم هل أنها مني قد تخلف في المجرى
أو لا؟
والجواب: إذا كان قد بال قبل أن يغتسل فلا شيء عليه، وإلا ترتب
عليها حكم المني كإعادة الغسل أو نحوها.
(مسألة 204): إذا دار أمر المشتبه بين البول والمني بعد الاستبراء بالبول
والخرطات، فإن كان متطهرا من الحدثين، وجب عليه الغسل والوضوء معا،
وإن كان محدثا بالأصغر وجب عليه الوضوء فقط.
(مسألة 205): يجزئ غسل الجنابة وغيره من الأغسال الواجبة عن
الوضوء، ويستثنى منها غسل المستحاضة بالاستحاضة الوسطى فإنه لا يجزئ،
بل يجزئ كل غسل ثبت استحبابه شرعا.
(مسألة 206): إذا خرجت رطوبة مشتبهة بعد الغسل، وشك في أنه
استبرأ بالبول، أم لا، بنى على عدمه، فيجب عليه الغسل.
(مسألة 207): لا فرق في جريان حكم الرطوبة المشتبهة، بين أن يكون
الاشتباه بعد الفحص والاختبار، أو يكون من أجل عدم إمكان الاختبار من
جهة العمى، أو الظلمة أو نحو ذلك.
(مسألة 208): لو أحدث المكلف بالأصغر أثناء الغسل من الجنابة،
فالأقوى عدم بطلانه. نعم، يجب عليه الوضوء بعده، إلا إذا عدل من الترتيبي
إلى الارتماسي، فإذا عدل أجزأه عن الوضوء أيضا، شريطة أن يكون الغسل
مجزئا عنه بمقتضى نوعه وأصله.
83

(مسألة 209): إذا أحدث أثناء سائر الأغسال بالحدث الأصغر أتمها
وتوضأ، ولكنه إذا عدل عن الغسل الترتيبي إلى الارتماسي، فلا حاجة إلى
الوضوء إلا في غسل الاستحاضة المتوسطة.
(مسألة 210): إذا أحدث بالأكبر في أثناء الغسل، فإن كان مماثلا
للحدث السابق، كالجنابة أثناء غسلها، أو المس أثناء غسله، فلا إشكال في
وجوب الاستئناف وإن كان مخالفا له، كما لو مس الميت في أثناء غسل الجنابة
فالأحوط له أن يتم الغسل الأول برجاء احتمال أن وظيفته الإتمام، ثم يعيد
باحتمال أن إعادته مطلوبة في الواقع شرعا، وله أن يقطع الغسل الأول ويأتي
بغسل جديد بقصد ما في الذمة، والخروج عن العهدة شرعا إذا كان الغسل
المستأنف ترتيبيا. نعم، إذا كان ارتماسيا فله أن ينوي بالمستأنف الجنابة، أو
مس الميت، أو كلا الأمرين، فإذا نوى كذلك أجزأ، ولا يجب عليه الوضوء
بعده أيضا.
(مسألة 211): إذا شك المكلف رجلا كان أو امرأة في غسل الرأس
والرقبة، أو في جزء منها قبل الدخول في غسل البدن، رجع وأتى به، وإن كان
بعد الدخول فيه لم يعتن، ويبني على الإتيان به على الأقوى، وأما إذا شك في
غسل الطرف الأيمن، فاللازم الاعتناء به حتى مع الدخول في غسل الطرف الأيسر.
(مسألة 212): إذا غسل أحد الأعضاء، ثم شك في صحته وفساده،
فالظاهر أنه لا يعتني بالشك، سواء كان الشك بعد دخوله في غسل العضو الآخر
أم كان قبله.
(مسألة 213): إذا شك في غسل الجنابة بنى على عدمه، وإذا شك فيه بعد
الفراغ من الصلاة، واحتمل أنه كان ملتفتا إلى عدم صحة الصلاة من دون
الغسل من الجنابة قبل الدخول فيها، فالصلاة محكومة بالصحة، لكنه يجب
84

عليه أن يغتسل للصلوات الآتية. هذا إذا لم يصدر منه الحدث الأصغر بعد
الصلاة، وقبل أن يغتسل، وإلا فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة ما دام وقتها باقيا،
ثم يتوضأ للصلوات الآتية أيضا، وأما إذا كان ذلك بعد خروج وقتها، فلا يجب
عليه قضاؤها، وإذا علم إجمالا بعد الصلاة ببطلان صلاته أو غسله، وجبت
عليه إعادة الصلاة فقط.
(مسألة 214): إذا اجتمع عليه أغسال متعددة واجبة، أو مستحبة، أو
بعضها واجب وبعضها مستحب، فقد تقدم حكمها في شرائط الوضوء في
(المسألة 143).
(مسألة 215): إذا اعتقد الجنب بأنه اغتسل فدخل في الصلاة، ثم شك
في أثنائها، هل أنه اغتسل؟ وجب عليه أن يغتسل ويستأنف الصلاة من جديد،
وإذا فرغ من الصلاة، ثم شك في أنه اغتسل، وهل كان اعتقاده بالغسل مطابقا
للواقع، وجب عليه الغسل وإعادة الصلاة.
(مسألة 216): إذا علم إجمالا أن عليه أغسالا، لكنه لا يعلم بعضها
بعينه، يكفيه أن يقصد جميع ما عليه، وإذا قصد البعض المعين كفى عن غير
المعين سواء كان ذلك المعين غسل الجنابة، أم غيره.
وقد تسأل: أن المكلف إذا علم بأن عليه غسلان أحدهما الجنابة،
والآخر مس الميت، فإن قصدهما معا بغسل واحد كفى، وإن قصد أحدهما بعينه
به كفى أيضا، وإذا اغتسل ولم يقصد شيئا منهما ولو بعنوان ما في الذمة بطل، وإذا
اغتسل وقصد بذلك ما في ذمته في الواقع بنية التقرب فهل يجزئ؟
والجواب: الأقرب، الإجزاء وإن كان الاحتياط في محله.
85

المبحث الثاني
غسل الحيض
وفيه فصول:
الفصل الأول
في سببه
وسببه خروج دم الحيض الذي تراه المرأة البالغة التي تعتاد قذفه في دورة
شهرية غالبا، وإذا انصب الدم من الرحم وتحرك منه إلى فضاء الفرج، فإن لم
يخرج منه إلى الخارج لم يجر عليه حكم الحيض، وإن خرج منه إلى الخارج ولو
قليلا في البداية جرى عليه حكم الحيض، وإن انقطع بعد ذلك وظل في فضاء الفرج.
(مسألة 217): إذا افتضت البكر فسال دم كثير وشك في أنه من دم
الحيض، أو من العذرة، أو منهما، أدخلت قطنة وتركتها مليا، ثم أخرجتها
إخراجا رفيقا، فإن كانت مطوقة بالدم، دون أن يستغرقها أو يستغرق أكثرها
فهو من العذرة، وإن كانت مستنقعة بالكامل أو أكثرها فهو من الحيض، ولا يصح
عملها بقصد الأمر الجزمي من دون ذلك.
(مسألة 218): إذا تعذر الاختبار المذكور عليها لسبب من الأسباب،
فإن كانت حالتها السابقة الحيض بنت عليه، وإن لم تكن أو كانت جاهلة بها
فعليها أن تحتاط بالجمع، بأن تفعل ما تفعله الطاهر، وتترك ما تتركه الحائض،
86

فتصلي وتصوم، ولا تمكث في المساجد، ولا تجتاز المسجدين الحرمين، ولا
تمس كتابة القرآن وهكذا.
الفصل الثاني
المرأة التي يمكن أن تحيض
كل دم تراه الصبية قبل إكمالها تسع سنين ولو بلحظة، لا تترتب عليه
أحكام الحيض. نعم، قد تكون رؤيتها هذه مؤدية إلى اليقين بأنها قد أكملت
تسع سنين، على أساس أن البنت لا ترى دم حيض عادة إلا بعد إكمال التاسعة،
وكذا المرأة إذا وصلت سن اليأس ورأت دما لم تعتبره حيضا، إلا إذا لم تعلم
أنها بلغت سن اليأس، كما إذا كانت لم تضبط عمرها دقيقا، فحينئذ اعتبرت
نفسها حائضا، ويتحقق اليأس ببلوغ ستين سنة على الأظهر، من دون فرق في
ذلك بين القرشية وغيرها، فإذا رأت دما قبل بلوغها ستين سنة اعتبرته حيضا،
وإذا رأت دما بعد إكمالها ستين لم تعتبره حيضا.
(مسألة 219): الأقوى اجتماع الحيض والحمل حتى بعد استبانته، فإذا
رأت المرأة الحامل دما، فإن كانت واثقة ومتأكدة بأنه دم حيض عملت ما تعمله
الحائض، وإن لم تكن واثقة بذلك فإن كان الدم في أيام العادة وكان بصفة الحيض
اعتبرته حيضا، وإن لم يكن في أيام العادة ولا بصفة الحيض اعتبرته استحاضة.
وإن كان في أيام العادة ولم يكن بصفة الحيض، أو كان بصفة الحيض ولم
يكن في أيام العادة، فهل تعتبره حيضا أو استحاضة؟
والجواب: أن عليها أن تحتاط في هذه الحالة، وتجمع بين تروك الحائض
وأعمال المستحاضة.
87

الفصل الثالث
أقل الحيض وأكثره
أقل الحيض وأدناه ما يستمر ثلاثة أيام ولو في باطن الفرج، شريطة
خروجه منه في البداية إلى الخارج، وليلة اليوم الأول كليلة اليوم الرابع خارجتان،
والليلتان المتوسطتان داخلتان، ولا يكفي وجوده في بعض كل يوم من الثلاثة،
فإذا رأته في ظهر يوم الخميس وجب أن يستمر إلى ظهر يوم الأحد ليلا ونهارا،
فإن استمر كذلك فهو حيض وإلا فلا. نعم، لا يضر بالاستمرار والاتصال عرفا
حصول فترات توقف قصيرة، إذا لم تتجاوز عن الحد المألوف لدى النساء،
ويكفي التلفيق من أبعاض اليوم، وأكثر الحيض وأقصاه عشرة أيام، فإذا تجاوز
العشرة فالزائد ليس بحيض، وأما الباقي ففيه تفصيل على ما يأتي شرحه.
أما أقل الطهر وهو فترة سلامة المرأة عن دم الحيض فالمشهور بين الفقهاء
أنه لا يقل عن عشرة أيام، ولكنه لا يخلو عن إشكال، والاحتياط لا يترك.
مثال ذلك إذا رأت المرأة دم حيض ثم انقطع، وبعد الانقطاع وقبل مرور عشرة
أيام من طهرها وسلامتها من دم الحيض رأت دما بصفة الحيض، ففي مثل هذه
الحالة يجب عليها أن تحتاط بالجمع بين ترك الأشياء التي تكون الحائض ملزمة
بتركها، والإتيان بالأعمال التي تكون المستحاضة ملزمة بالإتيان بها.
تنبيه
أن الشروط العامة لدم الحيض أربعة:
الأول: أن تكون المرأة قد أكملت تسع سنين، ولم تتجاوز عن ستين سنة.
88

الثاني: أن يكون الدم مستمرا إلى ثلاثة أيام.
الثالث: أن لا يتجاوز عن عشرة أيام.
الرابع: أن لا تكون فترة النقاء بين الحيضتين أقل من عشرة أيام
على الأحوط.
الفصل الرابع
ذات العادة
تصير المرأة ذات عادة بتكرر رؤية دم الحيض مرتين متواليتين من غير
فصل بينهما بحيضة مخالفة، فإن اتفقا في الزمان والعدد، بأن رأت في أول كل من
الشهرين المتواليين، أو آخره سبعة أيام - مثلا - فالعادة وقتية وعددية، وكذلك
إذا رأت بفاصل زمني معين مرتين متواليتين، كما إذا رأت دما بانتظام بعد
عشرين يوما من الحيضة الاولى، وإن اتفقا في الزمان خاصة دون العدد، بأن
رأت في أول الشهر الأول سبعة وفي أول الثاني خمسة فالعادة وقتية خاصة، وإن
اتفقا في العدد فقط بأن رأت الخمسة في أول الشهر الأول، والخمسة في آخر
الشهر الثاني - مثلا - فالعادة عددية فقط.
(مسألة 220): ذات العادة الوقتية - سواء أكانت عددية أم لا - تتحيض
بمجرد رؤية الدم في العادة أو قبلها، بيوم أو يومين وإن كان أصفر رقيقا، فتترك
العبادة، وتعمل عمل الحائض في جميع الأحكام، ولكن إذا انكشف أنه ليس
بحيض لانقطاعه قبل الثلاثة - مثلا - وجب عليها قضاء الصلاة.
(مسألة 221): غير ذات العادة الوقتية، سواء أكانت ذات عادة عددية
89

فقط، أم لم تكن ذات عادة أصلا كالمبتدئة، إذا رأت الدم وكان جامعا للصفات،
مثل الحرارة، والحمرة أو السواد، والخروج بحرقة، تتحيض أيضا بمجرد الرؤية،
ولكن إذا انكشف أنه ليس بحيض لانقطاعه قبل الثلاثة - مثلا - وجب عليها
قضاء الصلاة، وإن كان فاقدا للصفات فلا يحكم بكونه حيضا.
(مسألة 222): إذا تقدم الدم على العادة الوقتية بمقدار كثير أو تأخر عنها
فإن كان الدم جامعا للصفات تحيضت به أيضا، وإلا تجري عليه أحكام الاستحاضة.
(مسألة 223): هل تحصل العادة بالصفات؟ فإذا رأت المرأة الدم في
الشهر مرتين متعاقبتين من دون العلم بأنه حيض، ولكن بما أنه كان بصفة
الحيض تجعله حيضا على أساس الصفة، ثم رأت في الشهر الثالث في نفس
الوقت دما أصفر فاقدا لصفة الحيض فماذا تصنع هذه المرأة؟ هل تجعل نفسها
ذات عادة منتظمة، وتعتبر هذا الدم الأصفر حيضا، نظرا إلى أنها رأته في
عادتها على الرغم من أنه فاقد للصفة، أو تجعل نفسها مستحاضة وغير ذات
عادة ما دامت غير متأكدة من أن الدمين السابقين كانا حيضين؟
والجواب: أن العادة لا تحصل بالتمييز بالصفة، والمرأة تعتبر نفسها
مستحاضة وتعمل على أساس قاعدة الصفات.
وقد تسأل: أن العادة تحصل بتكرر دم الحيض في الشهر مرتين متواليتين،
فإذا رأت المرأة الدم في وقت معين من شهر، ثم رأته في نفس الموعد من الشهر
اللاحق مباشرة، وجب عليها أن تجعل الدم الذي تراه بعد ذلك في نفس الوقت
من الشهور الآتية حيضا ولو كان أصفر، فما هو الفارق بين المسألتين؟
والجواب:
أولا: أن الفارق بينهما النص، فإنه يدل على حصول العادة بتكرر دم
90

الحيض في الشهر مرتين متعاقبتين بانتظام، ولا نص على أنها تحصل على
أساس الصفات.
وثانيا: أن المرأة في مسألة الصفات لا تكون متأكدة على أن ما رأته من
الدم حيض، ولا تكون على يقين من ذلك، وإنما اعتبرته حيضا على أساس
أنه بصفة الحيض، وأما في مسألة العادة فهي متأكدة بأن ما رأته من الدم في
وقت معين من الشهر حيض، وكذا ما رأته في نفس الوقت من الشهر اللاحق
فلذلك ينتج العادة.
الفصل الخامس
في حكم رؤية الدم مرتين
كل دم تراه المرأة في أيام عادتها الوقتية يعتبر حيضا وإن كان صفرة
وفاقدا للصفات، وكل دم تراه في غير أيام عادتها الوقتية، ولم يكن بصفة
الحيض يعتبر استحاضة.
وإذا رأت المرأة الدم ثلاثة أيام - مثلا - ونقت بعد ذلك، ثم رأت دما
جديدا ثلاثة أيام اخرى أو أكثر، فهنا حالتان:
الحالة الاولى: أن مجموع الدمين مع فترة الانقطاع لا يتجاوز عشرة
أيام، ففي هذه الحالة إن كان كلا الدمين في أيام العادة، أو بصفات الحيض، أو
كان أحدهما في أيام العادة والآخر بصفات الحيض، اعتبر الكل حيضا، مثال
ذلك: امرأة رأت الدم من أول الشهر ثلاثة أيام، ثم انقطع الدم يومين، وبعد
ذلك عاد جديدا ثلاثة أيام اخرى، ثم نقت، فإن كانت المرأة ذات عادة وقتية
وعددية معا، وكانت عادتها ثمانية أيام مثلا من أول الشهر، كان كلا الدمين
91

حيضا وإن لم يكن بلون الحيض، وإن كانت عادتها ثلاثة أيام مثلا من أول
الشهر، فالدم الأول حيض وإن لم يكن بلون الحيض، والثاني حيض باعتبار
أنه بصفة الحيض، وإن لم تكن ذات عادة وقتية فمجموع الدمين بما أنه بلون
الحيض فيكون حيضا، وأما فترة الانقطاع فلا يبعد كونها طهرا، وإن كان
الأحوط والأجدر أن تجمع فيها بين أعمال الطاهر وتروك الحائض، وإن لم يكن
شيء من الدمين في أيام العادة فإن كان كل منهما فاقدا للصفات اعتبر الكل
استحاضة، وإن كان أحدهما واجدا للصفة دون الآخر اعتبر الواجد حيضا
دون الفاقد.
الحالة الثانية: أن مجموع الدمين مع فترة الانقطاع يتجاوز العشرة، مثال
ذلك: امرأة رأت الدم من بداية الشهر خمسة أيام، ونقت بعد ذلك ثلاثة أيام،
ثم رأت دما جديدا أربعة أيام، ففي هذه الحالة إن كان الدم الأول في أيام العادة
دون الثاني، وحينئذ فإن كان الثاني فاقدا للصفات اعتبر الأول حيضا والثاني
استحاضة، وإن كان الثاني واجدا للصفات فعلى المشهور أنه استحاضة أيضا،
على أساس أنه غير واجد للشرط العام للحيض، وهو أن لا تكون فترة الطهر
وسلامة المرأة من دم الحيض أقل من عشرة أيام، ولكنه لا يخلو عن إشكال،
فالأحوط والأجدر وجوبا أن تجمع المرأة بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة.
وقد تسأل: أن المرأة إذا رأت الدم في أيام عادتها، واستمر بعد العادة إلى
أن تجاوز العشرة، ترجع إلى عادتها، وتعتبرها حيضا، والباقي استحاضة،
فلماذا لا يكون الحكم كذلك في المقام؟
والجواب: أن المقام غير داخل في تلك الكبرى، فإنها تتمثل في امرأة
رأت الدم في أيام عادتها، واستمر بعدها بصفة الحيض إلى أن تجاوز العشرة بلا
انقطاع، فإنها تعتبر أيام عادتها حيضا، والزائد استحاضة، وأما إذا انقطع بعد
92

العادة، ثم عاد من جديد ولو بصفة الحيض إلى أن تجاوز العشرة، أو إذا استمر
بعدها بلا انقطاع، ولكن بصفة الاستحاضة، فلا يكون مشمولا لها، فلذلك لا
يكون المقام من صغرياتها، ومن هنا يظهر أن الحكم كذلك إذا كان الدم الثاني في
أيام العادة دون الأول.
وإن لم يكن شيء من الدمين في أيام العادة، ولو من جهة أن المرأة ليست
بذات عادة، فحينئذ إن كان أحدهما واجدا للصفة دون الآخر، اعتبر الواجد
حيضا، والفاقد استحاضة، وإن كان كل منهما فاقدا للصفة، اعتبر الكل
استحاضة، وإن كان الكل بصفة الحيض، وجب على المرأة أن تحتاط بالجمع
بين تروك الحائض ووظائف المستحاضة.
(مسألة 224): إذا تخلل بين الدمين أقل الطهر، كان كل منهما حيضا
مستقلا، إذا كان كل منهما في العادة، أو واجدا للصفات، أو كان أحدهما في العادة،
والآخر واجدا للصفات، وأما الدم الفاقد لها في غير أيام العادة، فهو استحاضة.
الفصل السادس
في الاستبراء والاستظهار
إذا انقطع دم الحيض لدون العشرة، فإن احتملت بقاءه في الرحم، فهل
يجب عليها الاستبراء واختبار حالها لكي تعرف أن الدم انقطع أو لا؟
والجواب: أنه واجب إذا لم يكن بإمكانها عقلا أو شرعا الاحتياط
وترك الاستبراء والاختبار، وحينئذ فإن استبرأت وخرجت القطنة ملوثة بقيت
على التحيض، كما سيأتي، وإن خرجت نقية اغتسلت وعملت عمل الطاهر
حتى مع ظن العود، إلا إذا اعتادت تخلل النقاء أثناء عادتها على وجه كانت
93

تعلم أو تطمئن بعوده، فإن عليها حينئذ الاحتياط في النقاء المتخلل، وترتيب
آثار الحيض على الدم إذا عاد، وإذا تركت الاستبراء لعذر من نسيان أو نحوه،
واغتسلت وصادف براءة الرحم صح غسلها واقعا، وأما إذا تركته - لا لعذر -
واغتسلت برجاء إدراك الواقع، فلا يمكن لها ترتيب آثار الصحة عليه ظاهرا،
إلا إذا ثبت لديها أنها كانت نقية، وإن لم تتمكن من الاستبراء تعين عليها أن
تجمع بين أعمال الطاهر - بأن تغستل رجاء، وتصلي وتصوم كذلك - وتروك
الحائض إلى أن تعلم بحصول النقاء فتعيد الغسل.
(مسألة 225): إذا استبرأت فخرجت القطنة ملوثة، فإن كانت مبتدئة،
أو لم تستقر لها عادة، أو عادتها عشرة، بقيت على التحيض إلى تمام العشرة، إلا
إذا حصل النقاء قبلها وإن كانت ذات عادة - دون العشرة - فإن كان ذلك
الاستبراء في أيام العادة، فلا إشكال في بقائها على التحيض، وإن كان بعد
انقضاء العادة بقيت على التحيض استظهارا بيوم واحد شريطة توفر أمرين:
أحدهما: أن يكون الدم بعد العادة مستمرا بلون واحد وهو لون الحيض.
والآخر: أن لا تكون متأكدة وواثقة بانقطاعه قبل العشرة، ولا بتجاوزه
عنها، بل كان كل من الأمرين محتملا لديها، فإذا توفر الأمران وجب عليها
الاستظهار بيوم واحد، ولها أن تضيف عليه يومين آخرين أو أكثر.
الفصل السابع
أقسام الحائض
1 - المرأة ذات العادة الوقتية والعددية معا.
2 - المرأة ذات العادة الوقتية فقط.
94

3 - المرأة ذات العادة العددية فقط.
4 - المرأة الناسية لوقتها وعددها معا، أو لوقتها فقط أو عددها كذلك.
5 - المرأة المبتدئة.
6 - المرأة المضطربة.
ذات العادة الوقتية والعددية معا
وهذه المرأة إذا رأت الدم في أيام موعدها الشهري فلها حالات:
الاولى: أن تكون المرأة مستحاضة قبل وقت العادة، وظل الدم مستمرا
في أيام العادة وما بعدها، ففي هذه الحالة إن كان الدم بعد أيام العادة بصفة
الاستحاضة أيضا، اعتبرت الدم منذ يومين قبل موعد العادة حيضا وإن لم يكن
بلون الحيض، وما تقدم وتأخر عنه استحاضة، هذا من دون فرق بين أن تكون
المرأة واثقة بتجاوز الدم العشرة أو بانقطاعه فيها، أو لا هذا ولا ذلك، وإن كان
الدم بصفة الحيض، فإن كانت المرأة متأكدة باستمراه إلى أن يتجاوز العشرة من
بداية العادة، اعتبرت الدم في أيام العادة حيضا وغيره مما تقدم وما تأخر عنه
استحاضة، وإن كانت واثقة بانقطاعه دون العشرة اعتبرت نفسها حائضا من
ابتداء العادة أو يوم أو يومين قبلها.
مثال ذلك: امرأة كانت وقت عادتها أول الشهر وعدد عادتها خمسة أيام
- مثلا - فإذا كانت مستحاضة قبل موعد عادتها وظل دمها مستمرا في أيام
العادة وما بعدها بصفة الحيض إلى أربعة أيام اخرى، ثم نقت، تجعل الدم منذ
يوم قبل العادة وما بعدها كله حيضا، وإذا استمر الدم بعد العادة ثلاثة أيام
- مثلا - تجعل منذ يومين قبل العادة وما بعدها حيضا.
95

الثانية: إذا كانت المرأة نقية قبل وقت العادة الشهرية، ورأت الدم في
أيام عادتها، واستمر بعدها، تجعل نفسها حائضا بما في العادة، ومستحاضة بما
بعدها، شريطة أن يكون الدم المرئي بعد العادة بلون أصفر، أو متجاوزا العشرة
وإن كان بلون الحيض، وأما إذا كان بلون الحيض، ولم يتجاوز العشرة،
فالجميع حيض.
الثالثة: إذا رأت المرأة الدم ثلاثة أيام، وهي أيام عادتها - مثلا - واستمر
بعدها بصفة الاستحاضة، ثم تحول الدم إلى صفة الحيض ثلاثة أيام، ولم يتجاوز
العشرة من ابتداء رؤية الدم، اعتبرت مجموع الدمين حيضا، وأما الدم الأصفر
بعد العادة، فالأحوط فيه الجمع بين تروك الحائض ووظيفة المستحاضة.
الرابعة: إذا رأت الدم ثلاثة أيام بصفة الحيض في غير أيام عادتها، ثم
انقطع ثلاثة أيام، وعاد مرة اخرى بصفة الحيض أيضا، ونقت قبل أن يتجاوز
العشرة من بداية رؤية الدم، جعلت مجموع الدمين حيضا، وأما فترة النقاء
فيظهر حكمها مما مر.
الخامسة: إذا رأت المرأة دما قبل عادتها بصفة الحيض بأيام، واستمر
إلى ما بعد انقضاء العادة، ثم انقطع الدم، فإن كان مع ما في العادة لا يزيد على
العشرة، فالمجموع حيض، أما الدم الأول، وهو ما رأته قبل العادة، فعلى
أساس الصفات، وأما الثاني فعلى أساس العادة، وإن زاد على العشرة جعلت ما
في عادتها حيضا، وما تقدم منه استحاضة، وتقضي ما تركته في الفترة المتقدمة.
السادسة: إذا رأت دما في أيام عادتها، واستمر بعدها بيومين بصفة
الحيض، ثم تحول إلى صفة الاستحاضة يوما أو يومين، ونقت بعد ذلك، ولم
يتجاوز العشرة من ابتداء رؤية الدم، اعتبرت ما في أيام عادتها وما رأته بعدها
96

بصفة الحيض حيضا، وما بصفة الاستحاضة استحاضة، وإذا تجاوز العشرة
فالحكم أيضا كذلك؛ لأن قاعدة أن ذات العادة إذا تجاوز دمها العشرة تجعل ما
في عادتها حيضا والزائد استحاضة لا تشمل المقام؛ لأن موردها ما إذا استمر
دمها بعد العادة بلون الحيض وتجاوز العشرة، وأما إذا كان يومين - مثلا - بعد
العادة بلون الحيض، ثم تحول إلى لون الاستحاضة، وتجاوز العشرة، فهو لا
يكون مشمولا لها.
السابعة: إذا رأت المرأة دما قبل موعد عادتها بصفة الاستحاضة
واستمر إلى ما بعد انتهاء العادة بأيام، فإن تجاوز العشرة من ابتداء رؤية الدم
تجعل منذ يومين قبل العادة إلى آخر العادة حيضا وما تقدم وما تأخر عنه
استحاضة، وإن لم يتجاوز العشرة تجعل أيام عادتها حيضا والباقي استحاضة.
الثامنة: إذا رأت المرأة دما استمر إلى شهر أو شهرين أو ثلاثة اعتبرت أيام
موعدها الشهري في كل شهر حيضا، والباقي استحاضة وإن كان بلون الحيض.
التاسعة: إذا رأت المرأة الدم في بعض أيام العادة وفي غير أيامها، وتجاوز
المجموع العشرة، مثاله: امرأة وقتها أول الشهر، وعدد أيام عادتها سبعة أيام،
فرأت الدم في اليوم الثالث من الشهر، واستمر الدم بصفة الحيض، وتجاوز
العشرة من بداية رؤية الدم، فهل تجعل الحيض من اليوم الثالث إلى اليوم السابع،
فيكون خمسة أيام، أو تجعل من اليوم الثالث إلى نهاية اليوم التاسع لكي يطابق
مع العدد الذي تعتاده في حيضها وهو سبعة أيام؟ والظاهر هو الأول، ومثل
ذلك ما إذا رأت المرأة الدم بصفة الحيض قبل أسبوع من أول الشهر، واستمر
إلى اليوم الخامس من الشهر، فإنها تجعل حيضها ما وقع من الدم في أيام عادتها،
فيكون خمسة أيام من ابتداء الشهر إلى اليوم الخامس، من دون أن تضم إلى
ذلك يومين من الأسبوع قبل الشهر، وأثر ذلك بالنسبة إلى المرأة أن عليها أن
97

تقضي ما تركته من العبادات في الأيام السابقة أو اللاحقة.
ذات العادة الوقتية فقط
وهي التي تستقيم عادتها وقتا لا عددا، كالمرأة التي ترى الدم في وقت
معين من كل شهر، كأوله مثلا ولكنها مضطربة من ناحية العدد، فإنها تراه في
شهر ثلاثة أيام، وفي آخر خمسة أيام، وفي ثالث ستة أيام، وهكذا، فلذلك
تسمى هذه مستقيمة الوقت مضطربة العدد، وهذه المرأة إذا رأت الدم في وقت
عادتها فلها حالات:
الاولى: إذا رأت الدم ثلاثة أيام بكاملها بصفة الأستحاضة، ثم تحول
إلى صفة الحيض ثلاثة أيام اخرى، ونقت بعد ذلك ففي هده الحالة تجعل مجموع
الدمين حيضا، إما الأول فعلى أساس العادة، وإما الثاني فعلى أساس الصفة.
الثانية: أن ما رأته من الدم إذا كان الجميع بصفة الاستحاضة اعتبرت ما
كان في موعدها الشهري المعتاد حيضا كثلاثة أيام مثلا والباقي استحاضة ولا
فرق في ذلك بين أن يتجاوز الدم العشرة أو لا.
الثالثة: إذا تجاوز الدم العشرة وكان بصفة الحيض، أمكنها أن تجعل
الحيض ستة أو سبعة أيام والباقي استحاضة.
الرابعة: إذا رأت الدم قبل موعدها الشهري بيومين أو أكثر، فحينئذ إن
استمر الدم بعد العادة بصفة الحيض، وكان المجموع لا يزيد على عشرة أيام،
فهو منذ يومين قبل وقت العادة حيض، وإن لم يكن بصفة الحيض، وما تقدم
منه على يومين يعتبر حيضا إن كان بصفة الحيض، وإلا فهو استحاضة.
98

ذات العادة العددية فقط
وهي التي تستقيم عادتها عددا لا وقتا كالمرأة التي ترى حيضتين
متماثلتين في العدد دون الوقت، بأن ترى الدم في كل شهر خمسة أيام ولكن مرة
تراها في أول الشهر وأخرى في وسطه وثالثة في آخره، فلذلك تسمى هذه
مستقيمة العدد ومضطربة الوقت، وهذه المرأة إذا رأت الدم بعدد أيام عادتها أو
أكثر فلها حالات:
الاولى: أن الدم إذا كان بصفة الحيض اعتبرته حيضا، وإلا اعتبرته
استحاضة على أساس أن صاحبة العادة العددية تلجأ إلى التمييز بالصفات، فما
كان بصفة الحيض تجعله حيضا سواء كان مساويا لعدد أيام عادتها أم أقل أم
أكثر، وما كان بصفة الاستحاضة تجعله استحاضة، وبذلك تفترق صاحبة
العادة الوقتية عن صاحبة العادة العددية، فإن الاولى تلجأ إلى الوقت فما كان في
الوقت تجعله حيضا وإن كان بصفة الاستحاضة، والثانية تلجأ إلى الصفات كما مر.
الثانية: أن صاحبة العادة العددية إذا رأت الدم بصفة الحيض أربعة أيام
مثلا ونقت، ثم عاد الدم بصفة الحيض وتجاوز العشرة من تأريخ رؤية الدم،
فحينئذ إن كان الدم الثاني أقل من عشرة أيام كالدم الأول وجب عليها أن
تحتاط فيه بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة، وأما فترة النقاء بين
الدمين فلا يبعد أن تكون طهرا، وإن كان الاحتياط أولى وأجدر، ولا فرق في
ذلك بين أن يكون عدد أيام عادتها مساويا لفترة الدم الأول أو لا، وإن كان
الدم الثاني يزيد على عشرة أيام تجعل الزائد على أيام العادة استحاضة، وتحتاط
في أيام العادة.
99

الثالثة: أن ترى ذات العادة العددية الدم بصفة الحيض أزيد من عدد أيام
عادتها من دون انقطاع، فإن لم يتجاوز العشرة جعلت الكل حيضا، وإن تجاوز
العشرة جعلت مقدار أيام عادتها حيضا والباقي استحاضة.
الرابعة: أن صاحبة العادة العددية إذا رأت الدم بصفة الحيض خمسة أيام،
ثم تحول إلى صفة الاستحاضة خمسة، وعاد بعد ذلك إلى صفة الحيض مرة
اخرى خمسة أيام، وجب عليها أن تحتاط في الدمين الأول والأخير بالجمع بين
الوظيفتين، ولا يبعد كون الدم ما بينهما استحاضة، وإن كان الاحتياط فيه أولى
وأجدر، ومثلها المرأة التي ليست لها عادة، فإنها إذا رأت دما خمسة أيام بصفة
الحيض، ثم تحول إلى صفة الاستحاضة خمسة أيام، وبعد ذلك عاد مرة اخرى
خمسة أيام بصفة الحيض، تحتاط في الدمين الأول والأخير بالامتناع عما كانت
الحائض ملزمة بالامتناع عنه، والعمل بما كانت المستحاضة ملزمة بالعمل به،
وقد مر حكم الدم في الفترة ما بينهما.
المرأة الناسية للعادة
وهي على أقسام:
القسم الأول:
ناسية الوقت دون العدد، ولها حالات:
الحالة الاولى: إذا رأت المرأة الدم ولم يتجاوز العشرة فإن كان بصفة الحيض
فهو حيض، وإن لم يكن بصفته، فإن علمت أن بعض أيام الدم يصادف أيام
العادة وجب عليها الاحتياط في تمام أيام الدم، وإن لم تعلم بذلك فهو استحاضة.
الحالة الثانية: إذا رأت الدم وتجاوز العشرة، ثم انقطع، فإن كان طيلة
100

المدة بصفة الحيض أو بصفة الاستحاضة أو مختلفا في لونه بأن يكون في فترة
بصفة الحيض وفي فترة اخرى بصفة الاستحاضة، وحينئذ فإن كانت لا تعلم
بمجيء موعدها الشهري خلال أيام الدم، فوظيفتها في الفرض الأول أن تعتبر
مقدار عدد أيام عادتها حيضا والباقي استحاضة، وفي الفرض الثاني تعتبر الدم
في تمام المدة استحاضة، وفي الفرض الثالث تعتبر ما بصفة الحيض حيضا
شريطة أن لا يقل عن ثلاثة أيام ولا يزيد على عشرة وما بصفة الاستحاضة
استحاضة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما بصفة الحيض بمقدار أيام عادتها
أو أقل أو أكثر، وإن كانت تعلم بمجيء موعدها الشهري خلال أيام الدم،
وليس بمقدورها أن تحدد تلك الأيام بالضبط، فعليها أن تحتاط في كل هذه
الفروض بالجمع بين تروك الحائض ووظائف المستحاضة في تمام أيام الدم، وإن
لم يكن بلون الحيض.
الحالة الثالثة: أن يكون دمها مستمرا إلى شهر أو أكثر، ففي هذا الحالة
يجب عليها أن تحتاط في تمام مدة الدم، مثال ذلك امرأة نسيت وقت عادتها
بالضبط ولا تدري أنه في العشرة الاولى أو الثانية أو الأخيرة، فإذا استمر دمها
إلى شهر أو أكثر كانت تعلم أن بعض أيام الدم يصادف وقت العادة، فإذا علمت
بذلك وجب عليها الاحتياط في تمام الشهر.
نعم، إذا علمت أن وقت عادتها إما في العشرة الثانية أو الأخيرة - مثلا -
خرجت العشرة الاولى عن أطراف العلم الإجمالي، وعلى هذا فما رأته من الدم
فيها إن كان بصفة الاستحاضة اعتبرته استحاضة، وإن كان بصفة الحيض
تحتاط فيه أيضا.
القسم الثاني:
ناسية العدد دون الوقت، وهذه المرأة إذا رأت دما في موعد عادتها
101

الشهرية اعتبرته حيضا وإن كان بصفة الاستحاضة، ولكن بما أنها نسيت عدد
أيامها ولا تدري أنها ثلاثة أيام أو أربعة أو خمسة وهكذا، فإن كان الدم بصفة
الاستحاضة جعلته حيضا في ثلاثة أيام، واحتاطت إلى أكبر الاحتمالات من
عدد أيام عادتها، مثال ذلك: امرأة تعلم بأن موعدها أول الشهر، ولكنها
نسيت عدد الأيام ولا تدري أنها ثلاثة أيام أو أكثر، فإذا رأت الدم في أول
الشهر بصفة الاستحاضة، واستمر إلى سبعة أيام، ثم انقطع، اعتبرته في ثلاثة
أيام من ابتداء رؤية الدم حيضا، واحتاطت بعدها إلى اليوم السادس إذا كان
اليوم السادس هو أكبر احتمالات عدد أيام العادة، وجعلت اليوم السابع - مثلا -
استحاضة، وإذا رأت الدم بصفة الحيض ولم يتجاوز العشرة اعتبرت الكل
حيضا سواء كان في موعدها الشهري أم لا، وإذا تجاوز العشرة أخذت بأكبر
الاحتمالات من عدد الأيام، كما إذا كانت لا تدري أن عدد أيام عادتها خمسة أو
ستة فتجعل أيام حيضها ستة. نعم، إذا لم تكن لها عادة عددية من الأول وإن
كانت لها عادة وقتية، فإذا حاضت وتجاوز دمها العشرة وكان الدم طيلة المدة
بصفة الحيض أمكنها أن تجعل الحيض ستة أو سبعة، واختيار ذلك موكول إليها.
القسم الثالث:
ناسية العدد والوقت معا، وهذه المرأة إذا رأت دما ولم يتجاوز العشرة،
وحينئذ فإن كان بصفة الحيض اعتبرته حيضا سواء كانت تعلم بأن بعض أيام
الدم يصادف وقت العادة أم لا، وإن كان بصفة الاستحاضة فاستحاضة شريطة
أن لا تعلم بأن بعض أيام الدم يصادف موعد العادة وإلا وجب الاحتياط، وإذا
تجاوز العشرة وكان بصفة الحيض، فوقتئذ إن كانت لا تعلم بمجيء أيام عادتها
خلال أيام الدم اعتبرت حيضها بمقدار أيام عادتها آخذة بأكبر الاحتمالات في
أيامها، والباقي استحاضة، وإن كانت تعلم بأن بعض أيام الدم يصادف وقت
102

العادة وجب عليها الاحتياط في تمام مدة الدم، مثال ذلك امرأة نسيت أيام
عادتها الشهرية وقتا وعددا ورأت الدم بصفة الحيض وتجاوز العشرة، وحينئذ
فإن كانت لا تعلم بمجيء أيام عادتها خلال أيام الدم جعلت حيضها أيام
عادتها مفترضة أكبر الاحتمالات كما إذا كانت لا تدري أن أيام عادتها خمسة أو
سبعة فتجعل حيضها سبعة أيام والباقي استحاضة، وإن كانت تعلم بمجيء أيام
عادتها خلال أيام الدم ولكن ليس بمقدورها أن تحدد تلك الأيام بالضبط وجب
عليها أن تحتاط بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة في تمام فترة الدم.
المرأة المبتدئة
وهي التي ترى الدم لأول مرة، وهذه المرأة إذا رأت الدم فلها حالات:
الاولى: أن لا يتجاوز دمها العشرة، ففي هذه الحالة إن كان الدم بصفة
الحيض اعتبرته حيضا وإلا فاستحاضة.
الثانية: أن يتجاوز دمها العشرة وكان طيلة المدة بلون الحيض، ففي هذه
الحالة وظيفتها أن ترجع إلى عادة أقاربها من النساء فتجعل مقدار عادتهن
حيضا والباقي استحاضة، وإذا لم توجد لها أقارب أو كن مختلفات في عادتهن
أمكنها أن تجعل الحيض ستة أو سبعة أيام والباقي استحاضة، واختيار الستة أو
السبعة موكول إليها، وإن كان الأحوط والأجدر بها أن تحتاط في الشهر الأول
من اليوم الثامن إلى العاشر وفي الشهر الثاني من اليوم الرابع إلى السادس بالجمع
بين تروك الحائض ووظائف المستحاضة.
الثالثة: أن يكون الدم طيلة المدة بصفة الاستحاضة، ففي هذه الحالة
تجعله استحاضة.
103

الرابعة: أن يكون الدم مختلفا في لونه بأن يكون في فترة من الزمن بلون
الحيض وفي فترة اخرى بلون الاستحاضة، ففي هذه الحالة تجعل ما بصفة
الحيض حيضا شريطة أن لا يقل عن ثلاثة أيام ولا يزيد على عشرة، وما
بصفة الاستحاضة استحاضة.
الخامسة: أن يكون الدم في فترة من الزمن أسود وفي فترة اخرى أصفر
وفي فترة ثالثة عبيطا فقط وفي فترة رابعة فاسدا كذلك وفي فترة حارا وله دفع
وفي اخرى فاقدا لهذه الصفات، ففي هذه الحالة تجعل الدم في الفترة الاولى
حيضا شريطة توفر الشروط العامة للحيض فيه، وإلا تجعل ما تتوفر فيه الشروط
العامة حيضا مع وجدانه صفة الحيض كالعبيط - مثلا - ومع عدم ذلك أيضا
تجعله استحاضة في جميع هذه الفترات.
السادسة: أن يكون الدم في فترة أسود من دون أن يكون له دفع أو
حرقة أو غير ذلك من صفات الحيض، وفي فترة اخرى أصفر يكون له دفع أو
حرقة، ففي هذه الحالة اعتبرت الاولى حيضا شريطة أن لا يكون أقل من ثلاثة
أيام ولا يزيد على عشرة والثاني استحاضة.
السابعة: أن يكون الدم في فترة حارا أصفر أو عبيطا أصفر وفي فترة
اخرى باردا أصفر، ففي هذه الحالة وإن كان الدم في الفترة الاولى أقرب إلى
الحيض من الدم في الفترة الثانية إلا أن ترتيب أحكام الحيض عليه لا يخلو عن
إشكال والاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة لا يترك.
المرأة المضطربة
وهي التي لا تستقيم لها عادة لا وقتا ولا عددا كالتي ترى الدم مرة خمسة
أيام في العشرة الاولى من الشهر ومرة اخرى ستة أيام في العشرة الأخيره وثالثة
104

أربعة أيام في العشرة الوسطى، ولها حالات:
الحالة الاولى: أن لا يتجاوز دمها العشرة ففي هذه الحالة إن كان الدم بصفة
الحيض اعتبرته حيضا شريطة أن لا يقل عن ثلاثة أيام، وإلا اعتبرته استحاضة.
الحالة الثانية: أن يتجاوز العشرة، ففي هذة الحالة إن كان الدم طيلة المدة
بصفة الحيض تلجأ إلى العدد وتجعل الحيض ستة أو سبعة أيام حسب اختيارها.
الحالة الثالثة: أن يكون الدم مختلفا في صفاتة ففي فترة بلون الأسود أو
الأحمر وفي فترة اخرى بلون الأصفر أو يكون الاختلاف في القرب والبعد
والشدة والضعف على نحو ما مر في المبتدئة، والحكم هو الحكم فيها.
وبذلك يظهر أن المضطربة تختلف عن المبتدئة في نقطة وهي أن المضطربة
إذا لم تتمكن من التمييز بالصفات ترجع إلى العدد مباشرة، بينما أن المبتدئة إذا لم
تتمكن من التمييز ترجع إلى عادة أقاربها، فإن لم تتمكن من ذلك ترجع إلى العدد.
(مسألة 226): لا تحصل العادة المركبة للحائض ونقصد بها ما يلي:
امرأة رأت الدم في الشهر الأول من أوله إلى اليوم الخامس، وفي الشهر
الثاني من اليوم العاشر إلى اليوم الخامس عشر، وفي الشهر الثالث في نفس
الموعد من الشهر الأول، وفي الشهر الرابع من نفس الموعد من الشهر الثاني،
فيكون الدم في الشهر الثالث مماثلا للدم في الشهر الأول وقتا وعددا، وفي الشهر
الرابع مماثلا للدم في الشهر الثاني كذلك. نعم، إذا استمرت هذه الطريقة بانتظام
إلى مدة تثق المرأة باستقرارها كعادة لها فحينئذ تصبح ذات عادة مركبة، ولا
مانع من العمل بها على أساس أنها إذا أصبحت كعادة تؤدي إلى الوثوق
والاطمئنان بالحيض.
وقد تسأل: أن العادة المركبة إذا لم تحصل فهل هناك مانع من الحكم بأن
105

ما رأته المرأة من الدم في الشهر الثالث في نفس الموعد من الشهر الأول وما رأته
من الدم في الشهر الرابع في نفس الموعد من الشهر الثاني حيض على أساس
قاعدة الإمكان وإن لم يكن بصفة الحيض، أو فقل: إن هذا الدم ليس بدم حيض
بملاك العادة لعدم حصولها على الفرض ولا بملاك الصفة لفرض أنه فاقد لها،
وحيث إنه يمكن أن يكون حيضا فلا مانع من الحكم بذلك بملاك قاعدة الإمكان؟
والجواب: أنه لا دليل على قاعدة الإمكان كقاعدة عامة في باب الحيض؛
لأن الثابت في هذا الباب قاعدتان شرعيتان: إحداهما العادة والاخرى الصفات،
فإن المرأة إذا كانت واثقة ومتأكدة بأن الدم الذي رأته دم حيض عملت ما
تعمله الحائض، وإن لم تدر أنه دم حيض أو استحاضة تلجأ إلى تطبيق إحدى
هاتين القاعدتين الشرعيتين لإثبات أنه دم حيض، فإن الدم إن كان في موعد
العادة اعتبرته حيضا على أساس العادة سواء كان بلون الحيض أم بلون
الاستحاضة، وإن لم يكن في موعد العادة فإن كان بصفة الحيض اعتبرتة حيضا
على أساس الصفات، وإن لم يكن بصفة الحيض اعتبرته استحاضة، فلذلك لا
يبقى مجال في المقام للجوء إلى قاعدة الإمكان، وبكلمة: أن المرأة التي رأت الدم
في الأشهر الأربعة بالكيفية المشار إليها لا تخلو إما أن تكون ذات عادة عددية
أو تكون مضطربة أو مبتدئة، إما إذا كانت ذات العادة العددية فهي تلجأ إلى
الصفات، فما كان بصفة الحيض تجعله حيضا وما كان بصفة الاستحاضة تجعله
استحاضة، وإذا تجاوز الدم العشرة وكان الكل بلون الحيض تجعل أيام عادتها
حيضا والباقي استحاضة، وإما المضطربة فهي أيضا ترجع إلى التمييز بالصفات
إن أمكن، وإن لم يمكن كما إذا كان الدم متجاوزا العشرة وكان بلون الحيض
ترجع إلى العدد، وإما المبتدئة فوظيفتها ابتداء أيضا الرجوع إلى الصفات وإن لم
يمكن فإلى عادة أقاربها، وإن لم يمكن ذلك أيضا فإلى العدد.
106

الفصل الثامن
في أحكام الحيض
(مسألة 227): يحرم على الحائض كل ما يحرم على الجنب كمس كتابة
القرآن وقراءة آيات السجدة والمرور والاجتياز بالمسجدين الحرمين والتواجد
فيهما وفي سائر المساجد وغير ذلك مما تقدم في مسائل الجنابة، كما لا يصح منها
كل ما هو مشروط بالطهارة من العبادات كالصلاة والصيام والطواف والاعتكاف.
(مسألة 228): يحرم على زوجها الاتصال بها بالجماع، كما يحرم عليها
ذلك، وإذا عصى زوجها وغلبته الشهوة فوطأها أثم ولا كفارة عليه ولا عليها،
وأما وطؤها دبرا فلا يجوز مطلقا على الأحوط لا في حال الحيض ولا في حال
الطهر، ولا بأس بالاستمتاع بها بغير ذلك، وإن كره بما تحت المئزر مما بين السرة
والركبة، وإذا نقيت من الدم جاز وطؤها وإن لم تغتسل، ولا يجب غسل فرجها
قبل الوطء وإن كان أحوط وأولى.
(مسألة 229): إذا جامع الزوج زوجته في حال الحيض اجتمع عليها أثر
الحيض وأثر الجنابة، فإذا اغتسلت من الجنابة حال الحيض صح غسلها وارتفع
أثر الجنابة وظل أثر الحيض.
(مسألة 230): لا يصح طلاق الحائض وظهارها، إذا كانت مدخولا بها
- ولو دبرا - وكان زوجها حاضرا أو في حكمه بمعنى أنه يتمكن من الاطلاع
عن حالها وأنها في طهر أو حيض، فالحاضر إذا لم يتمكن من الإطلاع عن
حالها كان في حكم الغائب، وأما إذا كان زوجها غائبا أو في حكمه أو كانت
حاملا أو غير مدخول بها فيجوز طلاقها.
107

وأما إذا طلقها على أنها حائض فبانت طاهرة فهل يصح؟
والجواب: إن كان على علم بأنها حائض وبأن طلاق الحائض لا أثر له
فالطلاق باطل، وإن كانت في طهر واقعا؛ لأنه مع العلم بأنه باطل ولا أثر له
لا يمكن أن يكون جادا فيه، وإن كان جاهلا بأن النقاء من الحيض شرط في
صحة الطلاق فالطلاق صحيح، وإن كان على يقين بأنها طاهرة وطلقها ثم بان
أنها حائض فالطلاق باطل.
(مسألة 231): يجب الغسل من حدث الحيض لكل ما هو مشروط
بالطهارة من الحدث الأكبر، ويستحب للكون على الطهارة، وهو كغسل الجنابة
في الكيفية من الارتماس والترتيب. والظاهر أنه يجزئ عن الوضوء كغسل الجنابة.
(مسألة 232): يجب عليها قضاء ما فاتها من الصوم في رمضان بل
والمنذور في وقت معين على الأقوى، ولا يجب عليها قضاء الصلاة اليومية
وصلاة الآيات والمنذورة في وقت معين.
(مسألة 233): تصح من الحائض الطهارة من الحدث الأكبر غير الحيض،
فإذا كانت جنبا واغتسلت عن الجنابة صح، وتصح منها الأغسال المندوبة،
وكذلك الوضوء.
(مسألة 234): يستحب لها التحشي والوضوء في وقت كل صلاة واجبة،
والجلوس في مكان طاهر مستقبلة القبلة ذاكرة لله تعالى، والأولى لها اختيار
التسبيحات الأربع.
(مسألة 235): يكره لها الخضاب بالحناء أو غيرها، وحمل المصحف
ولمس هامشه وما بين سطوره وتعليقه.
108

المبحث الثالث
الاستحاضة
(مسألة 236): دم الاستحاضة في الغالب أصفر بارد رقيق يخرج بلا لذع
وحرقة، عكس دم الحيض، وربما كان بصفاته ولا يشترط فيه شيء من الشرائط
العامة للحيض المتقدمة، ولهذا لا حد لكثيره ولا لقليله ولا للطهر المتخلل بين
أفراده، ويتحقق قبل البلوغ وبعده وبعد اليأس، وهو ناقض للطهارة بخروجه،
فإذا كانت المرأة على وضوء وخرج منها دم الاستحاضة ولو بمعونة القطنة بطل
وضوؤها، وعليها أن تتطهر بالغسل أو الوضوء على التفصيل الآتي، وإذا لم يظهر
دم الاستحاضة ولم يبرز إلى الخارج ولو بالواسطة فلا أثر له حتى لو تحرك من
مكانه إلى فضاء الفرج، فإن بقاءه في باطنه لا يكفي في بقاء حدثيته. نعم، إذا
خرج إلى الخارج ولو بالواسطة ثم انقطع وبقي في فضاء ذلك المكان الخاص كفى
ذلك في بقاء حدثيته وانتقاض الطهارة به، كما تقدم في الحيض.
(مسألة 237): الاستحاضة على ثلاثة أقسام: قليلة، ومتوسطة وكثيرة.
الاولى: ما يكون الدم فيها قليلا بحيث لا يغمس القطنة.
الثانية: ما يكون فيها أكثر من ذلك بأن يغمس القطنة ولا يسيل.
الثالثة: ما يكون فيها أكثر من ذلك بأن يغمسها ويسيل منها.
(مسألة 238): إذا شكت المرأة المستحاضة أن استحاضتها هل هي
109

الصغرى أو الوسطى فهل يجب عليها الاختبار لمعرفتها لكي تعمل عملها إن
أمكن وإلا فالاحتياط؟
والجواب: الأقرب وجوب الاختبار، وإذا لم يمكن فعليها الاحتياط بأن
تغتسل ثم تتوضأ فتصلي، وأما إذا دار أمرها بين الوسطى والكبرى فيجب
عليها الاختبار أيضا إن أمكن وإلا فالاحتياط، مثال ذلك: امرأة رأت الدم
بصفة الاستحاضة قبل صلاة الفجر - مثلا - ولكن لا تدري أن استحاضتها
الوسطى أو الكبرى فإن كانت الوسطى فوظيفتها أن تغتسل وتتوضأ لصلاة
الفجر، وإن كانت الكبرى فوظيفتها إن تغتسل وتصلي الفجر ولا وضوء عليها،
فتعلم المستحاضة حينئذ إجمالا إما بوجوب الغسل عليها أو الوضوء، ومقتضى
هذا العلم الإجمالي تكرار الصلاة مرة مع الوضوء وأخرى مع الغسل لاحتمال
انتهاء مفعول الوضوء لو أتت المستحاضة به أولا ثم الغسل واحتمال انتهاء مفعول
الغسل لو أتت به أولا ثم الوضوء.
(مسألة 239): حكم المستحاضة بالاستحاضة القليلة تبديل القطنة
وتطهير ظاهر المكان المعهود إذا تنجس وإلا فلا موجب للتبديل، ووجوب
الوضوء لكل صلاة فريضة دون أجزائها المنسية وصلاة الاحتياط، وأما
الوضوء للنوافل فهو لا يخلو عن إشكال وإن كان لا بأس به احتياطا.
(مسألة 240): حكم المرأة المستحاضة بالاستحاضة المتوسطة تبديل
القطنة وتطهير ظاهر المكان إذا تنجس وغسل واحد والوضوء لكل صلاة،
والأقرب أن يكون الوضوء بعد الغسل، وإذا أصبحت المرأة مستحاضة
بالاستحاضة الوسطى قبل صلاة الفجر وجب عليها أن تغتسل لصلاة الفجر ثم
تتوضأ فتصلي، وإن لم تغتسل لصلاة الصبح لسبب أو آخر فعليها أن تغتسل
لصلاة الظهرين، وهكذا كما أن عليها إعادة الصبح، وإذا أصبحت المرأة
110

مستحاضة بالاستحاضة الوسطى بعد صلاة الصبح وجب عليها أن تغتسل ثم
تتوضأ فتصلي الظهرين، وإذا أصبحت المرأة مستحاضة كذلك بعد صلاتي الظهر
والعصر وجب عليها أن تغتسل ثم تتوضأ فتصلي العشاءين، وإذا استمرت
الاستحاضة الوسطى إلى اليوم الثاني وجب الغسل قبل صلاة الصبح من اليوم
الثاني سواء كانت في اليوم الأول اغتسلت صباحا أو ظهرا أو مغربا أم لم تغتسل.
(مسألة 241): حكم المرأة المستحاضة بالاستحاضة الكثيرة تبديل
القطنة وتطهير ظاهر المكان والغسل لصلاة الصبح والغسل لصلاتي الظهرين
شريطة أن تجمع بينهما والغسل لصلاتي العشاءين كذلك.
وقد تسأل: هل تكفي أغسال الفرائض للنوافل؟
والجواب: الأقرب عدم الكفاية.
وهل تصح النوافل بأغسال مستقلة؟
والجواب: أن مشروعية الأغسال لها في حال استمرار حدث الاستحاضة
لغير الفرائض اليومية لا تخلو عن إشكال، ولا بأس بالاحتياط.
(مسألة 242): إذا صارت المرأة مستحاضة بالاستحاضة الكبرى بعد
صلاة الصبح وجب عليها غسل للظهرين شريطة أن تجمع بينهما وآخر
للعشاءين كذلك، وإذا حدثت بعد الظهرين وجب عليها غسل واحد للعشاءين
إذا جمعت بينهما، وإذا حدثت بعد صلاة الظهر وقبل صلاة العصر أو حدثت بعد
صلاة المغرب وقبل صلاة العشاء وجب عليها الغسل للصلاة المتأخرة.
(مسألة 243): إذا انقطع دم الاستحاضة وأصبحت المرأة نقية منه قبل
الأعمال من وضوء أو غسل وجب عليها أن تقوم بتلك الأعمال، وكذلك إذا
111

انقطع الدم أثناء عملية الطهارة أو أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها إذا كان الوقت
متسعا للطهارة والصلاة، فإنه يجب عليها في كل تلك الحالات أن تستأنف
وتعيد الطهارة والصلاة.
(مسألة 244): إذا علمت المستحاضة أن لها فترة تسع الطهارة والصلاة
وجب تأخير الصلاة إليها، وإذا صلت قبلها بطلت صلاتها، ولو مع الوضوء
والغسل، وإذا كانت الفترة في أول الوقت فأخرت الصلاة عنها - عمدا - عصت،
وعليها الصلاة بعد فعل وظيفتها، وأما إذا أخرت الصلاة عنها نسيانا أو لعذر
آخر فلا إثم، ولكن عليها أن تؤدي عملية الطهارة على الوجه المقرر لها شرعا
وتصلي، وإذا لم تكن المرأة على علم بهذه الفرصة فصلت وفقا لوظيفتها ثم انقطع
الدم لأمد معين يتسع للطهارة والصلاة وجب عليها أن تقوم بعملية الطهارة من
جديد وتصلي.
(مسألة 245): إذا انقطع دم الاستحاضة انقطاع برء وقامت المرأة بعملية
الطهارة اللازمة عليها، لم تجب المبادرة إلى فعل الصلاة إذا كان الوقت متسعا بل
حكمها - حينئذ - حكم الطاهرة في جواز تأخير الصلاة.
(مسألة 246): إذا اغتسلت المستحاضة الكثيرة لصلاة الظهرين ولم تجمع
بينهما عمدا أو لعذر وجب عليها تجديد الغسل للعصر، وكذا الحكم في العشاءين.
(مسألة 247): إذا انتقلت الاستحاضة من الأدنى إلى الأعلى كالقليلة إلى
المتوسطة أو إلى الكثيرة، وكالمتوسطة إلى الكثيرة، فإن كان قبل الشروع في
الأعمال فلا إشكال في أنها تعمل عمل الأعلى للصلاة الآتية، أما الصلاة التي
فعلتها قبل الانتقال فلا إشكال في عدم لزوم إعادتها، وإن كان بعد الشروع في
الأعمال فعليها الاستئناف وعمل الأعمال التي هي وظيفة الأعلى كلها، وكذا إذا
112

كان الانتقال في أثناء الصلاة فتعمل أعمال الأعلى وتستأنف الصلاة، بل يجب
الاستئناف حتى إذا كان الانتقال من المتوسطة إلى الكثيرة، فيما إذا كانت
المتوسطة محتاجة إلى الغسل وأتت به، فإذا اغتسلت ذات المتوسطة للصبح، ثم
حصل الانتقال أعادت الغسل، حتى إذا كان في أثناء الصبح، فتعيد الغسل،
وتستأنف الصبح، وإذا ضاق الوقت عن الغسل تيممت بدل الغسل وصلت، وإذا
ضاق الوقت عن ذلك أيضا فالأحوط وجوبا الاستمرار على عملها ثم القضاء.
(مسألة 248): إذا تحولت الاستحاضة من الأعلى إلى الأدنى فلها حالات:
الاولى: إذا تحولت من الكبرى إلى الصغرى عند صلاتي الظهرين وقبل
أن تقوم بعملية الطهارة والصلاة ففي هذه الحالة كما يجب عليها أن تغتسل من
حدث الاستحاضة الكبرى لغاية الصلاة، كذلك يجب عليها الوضوء لها بملاك
أنها مستحاضة بالاستحاضة الصغرى فعلا ووظيفتها الوضوء لكل صلاة.
الثانية: إذا تحولت من الكبرى إلى الصغرى في أثناء قيامها بعملية
الطهارة أو الصلاة، ففي هذه الحالة إن كان التحول أثناء عملية الغسل لم تبطل
وعليها الاستمرار بها، وإن كان التحول أثناء الصلاة بطلت بالحدث الأصغر
وهو الاستحاضة الصغرى.
الثالثة: إذا تحولت من الكبرى إلى الوسطى قبل أن تقوم بما يجب عليها
من الأعمال كعملية الطهارة والصلاة، ففي هذه الحالة يجب عليها أن تغتسل من
جهة حدث الاستحاضة الكبرى، وتغتسل ثم تتوضأ بلحاظ وظيفتها الحالية
وهي الاستحاضة الوسطى.
الرابعة: إذا تحولت في أثناء العمل، فإن كان في أثناء الغسل استمرت به
إلى أن يتم، ثم اغتسلت بلحاظ وظييفتها الحالية وهي الاستحاضة الوسطى قبل
113

الصلاة، وتوضأت بعد ذلك وتصلي، وإن كان في أثناء الصلاة بطلت صلاتها.
(مسألة 249): قد عرفت أنه يجب عليها المبادرة إلى الصلاة بعد الوضوء
والغسل، لكن يجوز لها الإتيان بالأذان والإقامة والأدعية المأثورة وما تجري
العادة بفعله قبل الصلاة، أو يتوقف فعل الصلاة على الإتيان به ولو من جهة
لزوم العسر والمشقة بدونه مثل الذهاب إلى المصلى، وتهيئة المسجد، ونحو ذلك،
وكذلك يجوز لها الإتيان بالمستحبات في الصلاة كالقنوت، فإذا تسامحت وتماهلت
ولم تبادر إلى الصلاة وتأخرت وجب عليها أن تعيد عملية الطهارة من جديد
وتبادر إلى الصلاة.
(مسألة 250): الظاهر أن صحة الصوم من المستحاضة بالاستحاضة
الكبرى تتوقف على فعل الأغسال النهارية كالغسل لصلاة الصبح والغسل لصلاة
الظهرين، وأما توقفها على غسل الليلة الماضية فيكون مبنيا على الاحتياط،
وأما في المتوسطة والقليلة فيصح صومها سواء قامت بعملية الوضوء أو الغسل
أم لا، وإذا اغتسلت المستحاضة بالاستحاضة الكبرى أو الوسطى جاز لزوجها
أن يقاربها ولا يقاربها من دون ذلك، وأما دخول المساجد وقراءة العزائم،
فالظاهر جوازهما مطلقا، ولا يجوز لها مس المصحف قبل الغسل والوضوء،
وإنما يجوز بعدهما أثناء الصلاة فقط، وأما بعدها فلا يجوز أيضا.
(مسألة 251): يجب على المرأة المستحاضة التحفظ من خروج الدم
بحشو المكان المعهود بقطنة وشده بخرقة ونحو ذلك، فإذا لم تفعل ذلك وخرج
الدم وتلوث ظاهر ذلك المكان وأطرافه وصلت في هذه الحالة بطلت صلاتها،
وأما غسلها فلا موجب لبطلانه إلا إذا أخرت الصلاة بعده فإنة حينئذ ينتهي
مفعوله ولا بد عندئذ من إعادته مرة اخرى.
114

المبحث الرابع
النفاس
(مسألة 252): دم النفاس هو دم يقذفه الرحم بالولادة معها أو بعدها،
على نحو يعلم استناد خروج الدم إليها، ولا حد لقليله على إشكال، والأحوط
إذا كان الدم أقل من ثلاثة أيام أن تجمع بين أحكام النفساء ووظائف
المستحاضة، وإذا مضت عشرة أيام من تأريخ الولادة ولم تر فيهن دما فلا نفاس
حتى ولو رأت بعد العشرة دما كثيرا، وأقصى حد النفاس عشرة أيام من حين
رؤية الدم لا من تأريخ الولادة، وعلى ذلك فإذا لم تر المرأة الدم إلا في اليوم
السادس - مثلا - كان اليوم السادس هو اليوم الأول من الأيام العشرة التي هي
الحد الأقصى للنفاس، وتكون نهايتها بنهاية اليوم السابع عشر من تأريخ الولادة.
ولا يعتبر فصل أقل الطهر بين النفاسين، كما إذا ولدت توأمين وقد رأت
الدم عند كل منهما بل النقاء المتخلل بينهما طهر، ولو كان لحظة، بل لا يعتبر
الفصل بين النفاسين أصلا، كما إذا ولدت ورأت الدم إلى عشرة، ثم ولدت آخر
على رأس العشرة، ورأت الدم إلى عشرة اخرى فالدمان جميعا نفاسان
متواليان، وإذا لم تر الدم حين الولادة، ورأته قبل العشرة، وانقطع عليها، فذلك
الدم نفاسها، وإذا رأته حين الولادة، ثم انقطع، ثم رأته قبل العشرة، وانقطع
عليها، فالدمان نفاس، وأما النقاء المتخلل بينهما فلا يبعد أن يكون طهرا وإن
كان الأحوط والأجدر أن تحتاط بالجمع بين تروك النفساء وأعمال الطاهرة.
115

(مسألة 253): إذا رأت المرأة الحامل الدم قبل ظهور الولد فإن كانت
واثقة ومتأكدة بأنه من دم الحيض عملت ما تعلمه الحائض، بلا فرق بين أن
يكون منفصلا عن الولادة بعشرة أيام أو أقل أو أكثر أو يكون متصلا بها، إذ لا
يعتبر أن يفصل بين دم الحيض ودم النفاس عشرة أيام جزما، وإن قلنا
باعتبارها بين حيضتين، وإذا لم تدر بأنه دم حيض أو دم استحاضة فإن كان
بصفة الحيض وفي أيام العادة اعتبرته حيضا وتتأكد من ذلك باستمراره ثلاثة
أيام، وإن لم يكن بصفة الحيض ولا في أيام العادة اعتبرته استحاضة.
وإن كان بصفة الحيض ولم يكن في أيام العادة أو كان في أيام العادة ولكن
من دون صفة الحيض فهل تعتبره حيضا؟
والجواب: أن عليها أن تحتاط كما مر.
(مسألة 254): المرأة النفساء تقسم حسب الحالات الطارئة عليها في
الحيض على أقسام:
القسم الأول: ذات عادة عددية.
القسم الثاني: ناسية للعدد.
القسم الثالث: مضطربة.
القسم الرابع: مبتدئة.
القسم الأول: امرأة كانت أيام عادتها أقل من العشرة اعتبرت أيام
العادة نفاسا، وحينئذ فإن استمر بها الدم وتجاوز عن تلك الأيام، فإن كانت
واثقة بانقطاعه دون العشرة اعتبرت الدم نفاسا في تمام الأيام، وإن كانت واثقة
بتجاوزه العشرة أنهت نفاسها واغتسلت واعتبرت نفسها مستحاضة، وإن
116

احتملت استمراره إلى ما بعد العشرة أضافت يومين أو أكثر إلى نفاسها حسب
اختيارها شريطة أن لا يزيد المجموع على عشرة، واعتبرت نفسها بعد ذلك
مستحاضة، على ما تقدم في باب الحيض من أن الاستظهار بيوم واحد واجب،
وبالزائد عليه مستحب، ولا فرق في ذلك بين الحائض والنفساء، وإن كانت أيام
عادتها عشرة فتقعد الأيام العشرة كلها إذا استمر الدم إلى العشرة.
القسم الثاني: امرأة كانت تعلم بأن عدد أيام عادتها أقل من عشرة
ولكنها نسيت أنها خمسة أو ستة مثلا، فحينئذ إن كانت واثقة بعدم تجاوزه
عن العشرة اعتبرت الجميع نفاسا، وإن كانت واثقة بتجاوزه عنها جعلت أكبر
الاحتمالات نفاسا وهو ستة أيام في المثال، وإن لم تثق لا بالانقطاع ولا بعدمه
أضافت إلى أكبر الاحتمالات يومين أو أكثر على الشرط المتقدم، وإن كانت لا
تعلم بذلك أيضا ولا تدري أن عدد أيامها ستة أو سبعة أو أكثر حتى العشرة،
فحينئذ إذا تجاوز الدم العشرة جعلت الدم نفاسا في تمام الأيام العشرة؛ لأنها
أكبر الاحتمالات في أيام عادتها.
القسم الثالث: امرأة مضطربة، فإذا نفست ورأت الدم بعد الولادة
فحينئذ إن لم يتجاور العشرة جعلت الكل نفاسا، وإن تجاوز العشرة اعتبرت
نفسها نفساء في جميع العشرة والباقي استحاضة ولا ترجع إلى العدد.
القسم الرابع: امرأة مبتدئة، فإذا رأت الدم بالولادة، فعندئذ إن لم
يتجاوز الدم العشرة جعلته كله نفاسا، وإن تجاوز العشرة فهل عليها أن ترجع
إلى عادة أقاربها وإن لم يمكن ذلك فإلى العدد أو لا؟
والجواب: الظاهر أنها لا ترجع إلى عادة أقاربها بل تعتبر نفسها نفساء
في كل الأيام العشرة، والزائد عليها استحاضة، وبكلمة إذا استمر الدم بالنفساء
117

وتجاوز العشرة فإن كانت ذات عادة عددية اعتبرت أيام عادتها نفاسا والباقي
استحاضة، وإن لم تكن ذات عادة عددية كالمضطربة والمبتدئة جعلت الأيام
العشرة كلها نفاسا.
(مسألة 255): إذا استمر الدم بالنفساء مدة طويلة إلى شهر أو شهرين
وعملت عمل المستحاضة فكيف تصنع بعادتها الشهرية؟ ومتى تعرف أن
عادتها الشهرية قد جاءتها بعد نفاسها؟
والجواب: أن هذه المرأة تلجأ في هذه الحالة إما إلى قاعدة العادة إذا كانت
ذات عادة وقتية أو إلى قاعدة الصفات.
فعلى الأول تعتبر الدم في أيام عادتها حيضا وإن لم يكن بلون الحيض.
وعلى الثاني تعتبره حيضا إذا كان بصفة الحيض، وإلا تعتبره استحاضة،
وإذا لم تكن المرأة ذات عادة وقتية ورأت الدم وتجاوز العشرة، فحينئذ إن كان
الدم كله بصفة الاستحاضة اعتبرته كله استحاضة، وإن كان كله بصفة الحيض
تجعل حيضها في كل شهر ستة أو سبعة أيام حسب اختيارها إذا كانت مضطربة،
وأما إذا كانت متبدئة فهي ترجع أولا إلى عادة أقاربها، وإن لم يمكن فإلى العدد
على تفصيل تقدم.
(مسألة 256): المرأة النفساء إذا رأت دما بعد الولادة فإن كانت ذات
عادة عددية وتجاوز الدم أيام عادتها، وحينئذ فإن انقطع الدم قبل العشرة
اعتبرت الدم كله نفاسا بقاعدة الإمكان، وإن تجاوز الدم العشرة فإن كان في
موعد العادة الوقتية اعتبرته حيضا، وإن لم تمر بها فترة طهر وسلامة من الدم لا
تقل عن عشرة أيام، وإن لم يكن في أيام العادة فإن كان بصفة الاستحاضة
تعتبره استحاضة، وإن كان بصفة الحيض فإن مرت بها فترة طهر لا تقل عن
118

عشرة أيام تعتبره حيضا بقاعدة الصفات، وإن لم تمر بها تلك الفترة من زمن
انقطاع نفاسها تحتاط بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة.
وقد تسأل: هل يجوز للنفساء أن تلتجأ إلى قاعدة الإمكان عند الشك
وقابلية الدم للنفاس؟
والجواب: يجوز لها ذلك وبذلك تفترق النفساء عن الحائض، فإن
الحائض في مقام الشك في حيضية الدم تلجأ إلى إحدى القاعدتين:
الاولى: قاعدة العادة وتعتبر ما في العادة حيضا وإن لم يكن بصفة الحيض.
الثانية: قاعدة الصفات، وتعتبر ما بصفة الحيض حيضا دون غيره. ولا
يبقى مجال للجوء إلى قاعدة الإمكان؛ لأن المرأة إذا رأت الدم وكان واجدا
للشروط العامة للحيض وشكت في أنه حيض أو لا، فإن كان في وقت العادة
كان حيضا، وإن لم يكن في وقت العادة، فإن كان بصفة الحيض كان حيضا،
وإن لم يكن بصفة الحيض كان استحاضة، فلا يبقى لها شك لكي تلتجئ في
علاجه إلى قاعدة الإمكان.
وأما النفساء فهي في مقام الشك والتحير تلجأ إلى قاعدة الإمكان دون
الصفات؛ لأنه لا معيار لها في باب النفاس، مثال ذلك: امرأة نفساء ذات عادة
عددية ورأت الدم بعد الولادة وتجاوز أيام عادتها وانقطع على العشرة، وفي
هذه الحالة تعتبر الدم في أيام عادتها نفاسا، وإذا شكت في الدم الزائد على العادة
تعتبر الزائد أيضا نفاسا على أساس قاعدة الإمكان حيث لا اعتبار للصفات فيه.
مثال آخر امرأة نفساء رأت الدم بعد الولادة بخمسة أيام واستمر الدم
وتجاوز العشرة من تأريخ الولادة وانقطع في اليوم الخامس عشر بعد الولادة،
وفي هذه الحالة إذا شكت في أن الدم المتجاوز عن العشرة من تأريخ الولادة هل
119

هو نفاس؟ فلها أن تلجأ إلى قاعدة الإمكان وتعتبره نفاسا؛ بناء على ما هو
الصحيح من أن مبدأ النفاس من تأريخ رؤية الدم وأقصاه عشرة أيام. نعم، إن
إمكان كون الدم الذي إذا رأته المرأة بعد الولادة نفاسا إلى عشرة أيام يكون من
تأريخ الولادة، بمعنى أن المرأة إذا رأت الدم بالولادة بعد ثمانية أو تسعة أيام - مثلا -
من تأريخ الولادة اعتبرتة نفاسا، وإذا استمر هذا الدم إلى عشرة أيام ثم انقطع
فبإمكانها أن تعتبره في الأيام العشرة كلها نفاسا، وإذا رأت الدم بعد تجاوز
عشرة أيام من تأريخ ولادتها لم يكن بإمكانها أن تعتبره نفاسا بل هو استحاضة.
(مسألة 257): إذا رأت الدم في اليوم الأول من الولادة، ثم انقطع، ثم
عاد في اليوم العاشر من الولادة أو قبله، ففيه صورتان:
الاولى: أن لا يتجاوز الدم الثاني اليوم العاشر من أول رؤية الدم، ففي
هذه الصورة كان الدم الأول والثاني كلاهما نفاسا على الأحوط، وأما النقاء
المتخلل بينهما فلا يبعد طهره، وإن كان الأحوط والأجدر أن تجمع فيه بين
تروك النفساء وأعمال الطاهرة.
الثانية: أن يتجاوز الدم الثاني اليوم العاشر من أول رؤية الدم، وهذا
على أقسام:
1 - أن تكون المرأة ذات عادة عددية في حيضها، وقد رأت الدم الثاني
في زمان عادتها، ففي هذه الصورة كان الدم الأول وما رأته في أيام العادة تعتبره
نفاسا على ما مر دون النقاء المتخلل بينهما، وما زاد على العادة استحاضة، مثال
ذلك امرأة كانت عادتها في الحيض سبعة أيام، فرأت الدم حين ولادتها يومين
فانقطع، ثم رأته في اليوم السادس واستمر إلى أن تجاوز اليوم العاشر من حين
الولادة، تعتبر اليومين الأولين واليوم السادس والسابع نفاسا، وتحتاط في النقاء
120

المتخلل استحبابا، وما زاد على اليوم السابع فهو استحاضة.
2 - أن تكون المرأة ذات عادة، ولكنها لم تر الدم الثاني حتى انقضت
مدة عادتها فرأت الدم وتجاوز اليوم العاشر، ففي هذه الصورة تعتبر نفاسها الدم
الأول، وتجعل الدم الثاني استحاضة، ويجري عليها أحكام الطاهرة في النقاء
المتخلل.
3 - أن لا تكون المرأة ذات عادة في حيضها كالمضطربة أو المبتدئة ورأت الدم
الثاني واستمر وتجاوز العشرة، ففي هذه الصورة تجعل نفاسها الأيام العشرة كلها.
ثم إن ما ذكرناه في الدم الثاني يجري في الدم الثالث والرابع وهكذا، مثال
ذلك المرأة إذا رأت الدم في اليوم الأول والرابع والسادس، ولم يتجاوز اليوم
العاشر، اعتبرت هذه الدماء كلها نفاسا، وحكم النقاء المتخلل بينها يظهر مما
سبق، وإذا تجاوز الدم اليوم العاشر في هذه الصورة، وكانت عادتها في الحيض
تسعة أيام، اعتبرت نفاسها اليوم الأول والرابع والسادس إلى اليوم التاسع، وما
زاد استحاضة، وإذا كانت عادتها خمسة أيام اعتبرت نفاسها اليوم الأول والرابع
واحتاطت في اليوم السادس إلى اليوم العاشر بالجمع بين الامتناع عما كانت
النفساء ممتنعة عنه والعمل بما كانت المستحاضة ملزمة بالعمل به، واعتبرت
الباقي استحاضة.
(مسألة 258): النفساء بحكم الحائض، في الاستظهار عند تجاوز الدم
أيام العادة، وفي لزوم الاختبار عند ظهور انقطاع الدم، وتقضي الصوم ولا
تقضي الصلاة، ويحرم وطؤها، ولا يصح طلاقها. والمشهور أن أحكام الحائض
من الواجبات، والمحرمات، والمستحبات، والمكروهات تثبت للنفساء أيضا،
ولكن جملة من الأفعال التي كانت محرمة على الحائض تشكل حرمتها على
121

النفساء، وإن كان الأحوط لزوما أن تجتنب عنها، وهذه الأفعال كما يلي:
1 - قراءة الآيات التي تجب فيها السجدة.
2 - الدخول في المساجد بغير قصد العبور.
3 - المكث في المساجد.
4 - وضع شيء فيها.
5 - دخول المسجد الحرام ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله) ولو كان بقصد العبور.
122

المبحث الخامس
غسل الأموات
وفيه فصول:
الفصل الأول
في أحكام الاحتضار
(مسألة 259): يجب كفاية على الأحوط لزوما توجيه المحتضر إلى القبلة،
بأن يلقى على ظهره، ويجعل وجهه وباطن رجليه إليها، بل الأحوط لزوما
وجوب ذلك على المحتضر نفسه إن أمكنه ذلك. ويعتبر في توجيه غير الولي إذن
الولي على الأحوط وجوبا، وذكر العلماء (قدس سرهم) أنه يستحب نقله إلى مصلاه إن
اشتد عليه النزع، وتلقينه الشهادتين، والإقرار بالنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، وسائر
الاعتقادات الحقة، وتلقينه كلمات الفرج، ويكره أن يحضره جنب أو حائض،
وأن يمس حال النزع، وإذا مات يستحب أن تغمض عيناه، ويطبق فوه، ويشد
لحياه، وتمد يداه إلى جانبيه، وساقاه، ويغطى بثوب، وأن يقرأ عنده القرآن،
ويسرج في المكان الذي مات فيه إن مات في الليل، وإعلام المؤمنين بموته
ليحضروا جنازته، ويعجل تجهيزه، إلا إذا شك في موته، فينتظر به حتى يعلم
موته، ويكره أن يثقل بطنه بحديد أو غيره، وأن يترك وحده.
123

الفصل الثاني
في الغسل
تجب إزالة النجاسة عن جميع بدن الميت قبل الشروع في الغسل على
الأحوط الأولى، والأقوى كفاية إزالتها عن كل عضو قبل الشروع فيه، بل
الأظهر كفاية الإزالة بنفس الغسل إذا لم يتنجس الماء بملاقاة المحل.
ثم إن الميت يغسل ثلاثة أغسال:
الأول: بماء السدر.
الثاني: بماء الكافور.
الثالث: بماء القراح.
كل واحد منها كغسل الجنابة الترتيبي ولا بد فيه من تقديم الأيمن على
الأيسر، ومن النية على ما عرفت في الوضوء.
(مسألة 260): إذا كان المغسل غير الولي فلا يجوز له أن يزاحم الولي،
وأما إذا لم يكن مزاحما له فهل يجب عليه أن يستأذن منه؟
والجواب: أن عدم الوجوب غير بعيد، وإن كان الأحوط والأجدر
الاستئذان من الزوج بالنسبة إلى الزوجة، ثم المالك، ثم الطبقة الاولى في الميراث
وهم الأبوان والأولاد، ثم الثانية وهم الأجداد والإخوة، ثم الثالثة وهم الأعمام
والأخوال، ثم المولى المعتق، ثم ضامن الجريرة، ثم الحاكم الشرعي.
(مسألة 261): البالغون في كل طبقة مقدمون على غيرهم، والذكور
مقدمون على الإناث، وفي تقديم الأب في الطبقة الاولى على الأولاد والجد على
124

الأخ، والأخ من الأبوين على الأخ من أحدهما، والأخ من الأب على الأخ من
الأم، والعم على الخال، إشكال، والأحوط الأولى الاستئذان من الطرفين.
(مسألة 262): إذا تعذر استئذان الولي لعدم حضوره مثلا، أو امتنع عن
الإذن وعن مباشرة التغسيل سقط إذنه، ووجب تغسيله على غيره ولو بلا إذن.
(مسألة 263): إذا أوصى أن يغسله شخص معين لم يجب عليه القبول،
لكن إذا قبل ولبى لم يحتج إلى إذن الولي، بل لا يجوز للولي أن يزاحمه في تنفيذ
الوصية، وإذا أوصى أن يتولى تجهيزه شخص معين جاز له الرد في حياة الموصي،
وإذا لم يرد إلى أن مات الموصي لم يكن له أن يرد حينئذ، وإذا قبل ذلك لم يجب
عليه أن يستأذن من الولي، بل لا يسمح للولي أو غيره في مباشرة التجهيز من
دون إذن الوصي.
شروط الغسل
وهي أمور:
الأول: النية بعناصرها الثلاثة:
1 - نية القربة بأمل أن يقبل الله تعالى منه.
2 - نية الإخلاص، ونعني بذلك عدم الرياء.
3 - قصد الاسم الخاص له المميز له شرعا، ولو تعاون اثنان أو أكثر على
الغسل فالمعتبر نية من باشر الغسل بالذات واستند إليه العمل بحيث يعد عرفا
هو الغاسل واحدا كان أو أكثر، وأخذ من يقوم بغسل الميت الأجرة لا يتنافى مع
نية القربة إذا كان ثمنا لماء الغسل وأجرة على تنظيف بدنه وغير ذلك، بل لا مانع
من أخذ الأجرة على الغسل، وإن كان الأحوط تركه.
125

الثاني: طهارة الماء.
الثالث: إباحته.
الرابع: إباحة السدر والكافور.
وأما الفضاء الذي يشغله الغسل، ومجرى الغسالة والسدة التي يغسل
عليها فمع عدم الانحصار يصح الغسل عليها، أما معه فيسقط الغسل، لكن إذا
غسل حينئذ صح الغسل، وكذلك التفصيل في ظرف الماء إذا كان مغصوبا.
(مسألة 264): يجزئ تغسيل الميت قبل برده.
(مسألة 265): إذا تعذر السدر والكافور فالأحوط وجوبا الجمع بين
التيمم بدلا عن كل من الغسل بماء السدر، والكافور، وبين تغسيله ثلاث مرات
بالماء القراح، وينوي بكل منهما البدلية عن الغسل بالسدر والكافور.
(مسألة 266): يعتبر في كل من السدر والكافور، أن لا يكون كثيرا
بمقدار يوجب خروج الماء عن الإطلاق إلى الإضافة، ولا قليلا بحيث لا يصدق
أنه مخلوط بالسدر والكافور، ويعتبر في الماء القراح أن يصدق خلوصه منهما،
فلا بأس أن يكون فيه شيء منهما إذا لم يصدق الخلط، ولا فرق في السدر بين
اليابس، والأخضر.
(مسألة 267): إذا تعذر الماء، أو خيف ثناثر لحم الميت بالتغسيل ييمم
ثلاث مرات، ينوي بواحد منها ما في الذمة.
(مسألة 268): يجب على الأحوط الجمع بين التيمم بيد الحي والتيمم
بيد الميت.
(مسألة 269): يشترط في الانتقال إلى التيمم الانتظار إذا احتمل تجدد
126

القدرة على التغسيل، فإذا حصل اليأس جاز التيمم، لكن إذا اتفق تجدد القدرة
قبل الدفن وجب التغسيل، وإذا تجددت بعد الدفن وخيف على الميت من الضرر
أو الهتك لم يجب الغسل، وإلا فالأظهر وجوب النبش والغسل، وكذا الحكم فيما
إذا تعذر السدر أو الكافور.
(مسألة 270): إذا تنجس بدن الميت بعد الغسل أو في أثنائه بنجاسة
خارجية أو منه وجب تطهيره ولو بعد وضعه في القبر. نعم، لا يجب ذلك بعد الدفن.
(مسألة 271): إذا خرج من الميت بول أو مني، لا تجب إعادة غسله،
ولو قبل الوضع في القبر.
(مسألة 272): يجوز أخذ الأجرة على تغسيل الميت على الأظهر، ولكن
الأحوط تركه.
شروط المغسل
وهي أمور:
الأول: البلوغ، فلا يجزئ غسل الميت من الصبي حتى وإن كان تغسيله
على الوجه الصحيح، ولا يمكن للبالغين الاكتفاء به.
الثاني: العقل، فلا يصح غسل المجنون.
الثالث: الإسلام، فلا يجزئ الغسل من الكافر، فإذا كان الميت مؤمنا
غسله المؤمنون ولا يجزئ غسل غير المؤمن على الأحوط، وإن كان الإجزاء
غير بعيد.
الرابع: المماثلة، بين الميت والغاسل في الذكورة والأنوثة، فلا يجوز
تغسيل الذكر للأنثى، ولا العكس، ويستثنى من ذلك صور:
127

الاولى: أن يكون الميت صبيا وإن تجاوز ثلاث سنين، فيجوز للذكر
وللأنثى تغسيله مطلقا حتى مع وجود المماثل ومجردا عن الثياب، وأما جواز
غسل الرجل الصبية فهو لا يخلو عن إشكال مع وجود المماثل.
الثانية: الزوج والزوجة، فإنه يجوز لكل منهما تغسيل الآخر، سواء أكان
مجردا أم من وراء الثياب، وسواء وجد المماثل أم لا، من دون فرق بين الحرة
والأمة، والدائمة والمنقطعة، وكذا المطلقة الرجعية إذا كان الموت في أثناء العدة،
والأحوط لو لم يكن أظهر عدم جواز نظر كل منهما إلى عورة الآخر.
الثالثة: المحارم بنسب أو رضاع أو مصاهرة والأحوط وجوبا اعتبار فقد
المماثل المؤمن، وكونه من وراء الثياب، والمراد بالمحارم هنا من يحرم التزاوج فيما
بين بعضهم البعض تحريما مؤبدا على أساس نسب أو رضاع أو مصاهرة.
(مسألة 273): إذا اشتبه ميت بين الذكر والأنثى، يقوم كل من الذكر
والأنثى بغسله من وراء الثياب، وإذا لم يتوفر المماثل المؤمن يغسله مسلم مماثل
وإن كان مختلفا معه في الإيمان.
(مسألة 274): إذا انحصر المماثل بالكافر الكتابي، أمره المسلم أن يتطهر
بالماء ويغتسل ثم يغسل الميت حسب إرشاد المؤمن العارف، ويتولى النية على
الأحوط كل من الآمر والمغسل، ولا فرق في ذلك بين تغسيله بالماء المعتصم
كالكر والجاري أو بالماء القليل، وإذا وجد المماثل المؤمن أو المسلم بعد ذلك
أعاد التغسيل.
(مسألة 275): إذا لم يوجد المماثل حتى المخالف والكتابي، سقط الغسل،
ولكن الأحوط استحبابا تغسيل المؤمن غير المماثل من وراء الثياب من غير
لمس ونظر، ثم ينشف بدنه بعد التغسيل وقبل التكفين.
128

(مسألة 276): إذا دفن الميت بلا تغسيل عمدا أو خطأ جاز بل وجب
نبشه لتغسيله أو تيممه، وكذا إذا ترك بعض الأغسال ولو سهوا أو تبين بطلانها
أو بطلان بعضها، كل ذلك إذا لم يلزم منه محذور هتكه أو الإضرار ببدنه وإلا لم يجز.
(مسألة 277): إذا كان الميت محدثا بالأكبر كالجنابة أو الحيض لا يجب
إلا تغسيله غسل الميت فقط.
(مسألة 278): إذا كان الميت محرما لا يجعل الكافور في ماء غسله الثاني
إلا أن يكون موته بعد السعي في الحج، وكذلك لا يحنط بالكافور، بل لا يقرب
إليه طيب آخر، ولا يلحق به المعتدة للوفاة والمعتكف.
(مسألة 279): يجب تغسيل كل مسلم حتى المخالف عدا صنفين:
الأول: الشهيد المقتول في المعركة مع الإمام أو نائبه الخاص، أو نائبه
العام المتمثل في الفقيه الجامع للشرائط منها الأعلميه، فإنه إذا رأى مصلحة في
الجهاد مع الكفار كما إذا توقف حفظ بيضة الإسلام على ذلك وتوفر شروطه
وجب عليه الحكم به، فإذا قتل شخص حينئذ في المعركة فهو شهيد ومقتول في
سبيل الله، ويشترط في ترتيب أحكام الشهيد عليه أمران:
أحدهما: أن يكون قتله في سبيل الله ومن أجل الإسلام.
والآخر: أن لا يدركه المسلمون وبه رمق.
فإذا توفر الأمران فيه ترتب عليه حكم الشهيد سواء كان موته في ساحة
المعركة أم في خارجها، وسواء أكانت الحرب قائمة أم لا، ولا يجوز تكفينه فوق
ثيابه. نعم، يجوز أن يغطيه برداء أو برد يماني احتراما وتجليلا له. وإذا كان في
المعركة مسلم وكافر، واشتبه أحدهما بالآخر، وجب الاحتياط بتغسيل كل
منهما وتكفينه، ودفنه.
129

الثاني: من وجب قتله برجم أو قصاص، فيجب عليه أن يغتسل غسل
الميت المتقدم تفصيله على الأحوط، ثم يقتل وبعد ذلك يغسل غسل الميت
احتياطا ويحنط ويكفن ثم يصلى عليه ويدفن.
(مسألة 280): قد ذكروا للتغسيل سننا، مثل أن يوضع الميت في حال
التغسيل على مرتفع، وأن يكون تحت الظلال، وأن يوجه إلى القبلة كحالة
الاحتضار، وأن ينزع قميصه من طرف رجليه وإن استلزم فتقه بشرط إذن
الوارث، والأولى أن يجعل ساترا لعورته، وأن تلين أصابعه برفق، وكذا جميع
مفاصله، وأن يغسل رأسه برغوة السدر وفرجه بالأشنان، وأن يبدأ بغسل
يديه إلى نصف الذراع في كل غسل ثلاث مرات ثم بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر،
ويغسل كل عضو ثلاثا في كل غسل، ويمسح بطنه في الأولين، إلا الحامل التي
مات ولدها في بطنها فيكره ذلك، وأن يقف الغاسل على الجانب الأيمن للميت،
وأن يحفر للماء حفيرة، وأن ينشف بدنه بثوب نظيف أو نحوه. وذكروا أيضا أنه
يكره إقعاده حال الغسل، وترجيل شعره، وقص أظفاره وجعله بين رجلي
الغاسل، وإرسال الماء في الكنيف، وحلق رأسه أو عانته، وقص شاربه، وتخليل
ظفره، وغسله بالماء الساخن بالنار أو مطلقا إلا مع الاضطرار، والتخطي عليه
حين التغسيل.
الفصل الثالث
في التكفين
يجب تكفين الميت بثلاث أثواب:
الأول: المئزر، ونقصد به مطلق ما يستر به بدن الميت كلا أو بعضا، ولا
أقل ما بين السرة والركبة.
130

الثاني: القميص، ويجب أن يكون ساترا ما بين المنكبين إلى نصف الساق.
الثالث: الإزار، ويجب أن يغطي تمام البدن، والأحوط وجوبا في كل
واحد منها أن يكون ساترا لما تحته غير حاك عنه، وإن حصل الستر بالمجموع.
(مسألة 281): لابد في التكفين من إذن الولي على نحو ما تقدم في
التغسيل، ولا يعتبر فيه نية القربة.
(مسألة 282): إذا تعذرت القطعات الثلاث فالأحوط لزوما الاقتصار
على الميسور، فإذا دار الأمر بينها يقدم الإزار، وعند الدوران بين المئزر
والقميص، يقدم القميص، وإن لم يكن إلا مقدار ما يستر العورة تعين الستر به،
وإذا دار الأمر بين ستر القبل والدبر، تعين ستر القبل.
(مسألة 283): يشترط في كل ثوب من أثواب الكفن للرجل كان أم
للمرأة أن يكون طاهرا حتى من النجاسة المعفو عنها في الصلاة على الأحوط،
وأن يكون مباحا فلا يجوز التكفين بالمغصوب إطلاقا، والأحوط أن لا يكون
حريرا، وأما التكفين بالمذهب أو بأجزاء ما لا يؤكل لحمه أو بجلد الحيوان
المأكول فلا يبعد جوازه، وإن كان الأحوط تركه ما دام بالإمكان التكفين بغيره،
وأما في حال الاضطرار فيجوز بالنجس والحرير، فإذا انحصر في واحد منها
تعين، وإذا تعدد ودار الأمر بين تكفينه بالمتنجس وتكفينه بالحرير تعين الثاني
إن لم يمكن الجمع بينهما، وإلا وجب، وإذا دار الأمر بين ثوب نجس من غير
الحرير بل من القطن والحرير المتنجس قدم الأول وكفن الميت به إن لم يمكن
الجمع بينهما وإلا فالأحوط الجمع.
(مسألة 284): لا يجوز التكفين بالمغصوب إطلاقا حتى مع الانحصار،
وفي جلد الميتة إشكال، والأحوط وجوبا مع الانحصار التكفين به.
131

(مسألة 285): يجوز التكفين بالحرير غير الخالص.
(مسألة 286): إذا تنجس الكفن بنجاسة من الميت، أو من غيره وجب
إزالتها ولو بعد الوضع في القبر، بغسل أو بقرض إذا كان الموضع يسيرا، وإن لم
يمكن ذلك وجب تبديله مع الإمكان، وإذا كفن الميت وشك بعد الفراغ من
التكفين في أن هذا التكفين هل يكون صحيحا ومطابقا لما هو الواجب في الشرع؟
بنى على الصحة.
(مسألة 287): القدر الواجب من الكفن يخرج من أصل التركة قبل الدين
والوصية، وكذا ما وجب من مؤنة تجهيزه ودفنه من السدر، والكافور، وماء
الغسل، وقيمة الأرض وأجرة الحمال، والحفار، وما تأخذه الحكومة ضريبة
على الدفن في الأرض المباحة أو غيره.
(مسألة 288): كفن الزوجة على زوجها وإن كانت صغيرة أو مجنونة أو
أمة أو غير مدخول بها، وكذلك المطلقة الرجعية والناشزة والمنقطعة، ولا فرق
في الزوج بين أن يكون عاقلا أو مجنونا أو غير ذلك من أحواله. نعم، إذا كان
صغيرا فالأظهر عدم وجوبه عليه.
(مسألة 289): يشترط في وجوب كفن الزوجة على زوجها تمكنه من ذلك
ولو ببيع ما هو من مؤنته أو الاقتراض من غيره شريطة أن لا يكون ذلك محرجا.
(مسألة 290): لا يجب على الزوج ما عدا كفن زوجته من سائر مؤن
التجهيز من السدر والكافور وغيرها.
(مسألة 291): الزائد على المقدار الواجب من الكفن، لا يجوز إخراجه
من الأصل إلا مع رضى الورثة، وإذا كان فيهم صغير، أو غير رشيد فيتعين
حينئذ إخراجه من حصة الكاملين برضاهم.
132

(مسألة 292): كفن واجب النفقة من الأقارب في ماله لا على من تجب
عليه النفقة.
(مسألة 293): إذا لم يكن للميت تركة بمقدار الكفن لا يبعد وجوب بذله
على المؤمنين أو على الحاكم الشرعي من بيت المال؛ لأن دفن المؤمن عاريا
هتك له وهدر لكرامته.
تكملة
فيما ذكروا من سنن هذا الفصل، يستحب في الكفن العمامة للرجل ويكفي
فيها المسمى، والأولى أن تدار على رأسه ويجعل طرفاها تحت حنكه على
صدره، الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن، والمقنعة للمرأة، ويكفي فيها
أيضا المسمى، ولفافة لثدييها يشدان بها إلى ظهرها، وخرقة يعصب بها وسط
الميت ذكرا كان أو أثنى، وخرقة اخرى للفخذين تلف عليهما، ولفافة فوق
الإزار يلف بها تمام بدن الميت، والأولى كونها بردا يمانيا، وأن يجعل القطن أو
نحوه عند تعذره بين رجليه، يستر به العورتان، ويوضع عليه شيء من الحنوط،
وأن يحشى دبره ومنخراه، وقبل المرأة إذا خيف خروج شيء منها، وإجادة
الكفن، وأن يكون من القطن، وأن يكون أبيض، وأن يكون من خالص المال
وطهوره، وأن يكون ثوبا قد أحرم، أو صلى فيه، وأن يلقى عليه الكافور
والذريرة، وأن يخاط بخيوطه إذا احتاج إلى الخياطة، وأن يكتب على حاشية
الكفن: (فلان ابن فلان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا
رسول الله - ثم يذكر الأئمة (عليهم السلام) واحدا بعد واحد - وأنهم أولياء الله وأوصياء
رسوله، وأن البعث والثواب والعقاب حق) وأن يكتب على الكفن دعاء
133

الجوشن الصغير، والكبير، ويلزم أن يكون ذلك كله في موضع يؤمن عليه من
النجاسة والقذاره، فيكتب في حاشية الإزار من طرف رأس الميت، وقيل:
ينبغي أن يكون ذلك في شيء يستصحب معه بالتعليق في عنقه أو يشد في يمينه،
لكنه لا يخلو من تأمل، ويستحب في التكفين أن يجعل طرف الأيمن من اللفافة
على أيسر الميت، والأيسر على أيمنه، وأن يكون المباشر للتكفين على طهارة
من الحدث، وإن كان هو المغسل غسل يديه من المرفقين بل المنكبين ثلاث
مرات، ورجليه إلى الركبتين، ويغسل كل موضع تنجس من بدنه، وأن يجعل
الميت حال التكفين مستقبل القبلة، والأولى أن يكون كحال الصلاة عليه.
ويكره قطع الكفن بالحديد، وعمل الأكمام والزرور له، ولو كفن في قميصه قطع
أزراره، ويكره بل الخيوط التي يخاط بها بريقه، وتبخيره، وتطييبه بغير الكافور
والذريره، وأن يكون أسود بل مطلق المصبوغ، وإن يكتب عليه بالسواد، وأن
يكون من الكتان، وأن يكون ممزوجا بإبريسم، والمماكسة في شرائه، وجعل
العمامة بلا حنك وكونه وسخا، وكونه مخيطا.
(مسألة 294): يستحب لكل أحد أن يهيئ كفنه قبل موته وأن يكرر
نظره إليه.
الفصل الرابع
في التحنيط
يجب إمساس مساجد الميت السبعة بالكافور، ويكفي المسمى، والأحوط
وجوبا أن يكون بالمسح باليد، بل بالراحة، والأفضل أن يكون وزنه سبعة
مثاقيل صيرفية ويستحب سحقه باليد، كما يستحب مسح مفاصله ولبته، وصدره،
134

وباطن قدميه، وظاهر كفيه.
(مسألة 295): محل التحنيط بعد التغسيل أو التيمم، قبل التكفين أو
في أثنائه.
(مسألة 296): يشترط في الكافور أن يكون طاهرا مباحا مسحوقا
له رائحة.
(مسألة 297): يكره إدخال الكافور في عين الميت، وأنفه، واذنه،
وعلى وجهه.
الفصل الخامس
في الجريدتين
يستحب أن يجعل مع الميت جريدتان رطبتان، إحداهما من الجانب
الأيمن من عند الترقوة ملصقة ببدنه، والاخرى من الجانب الأيسر من عند
الترقوة بين القميص والإزار، والأولى أن تكونا من النخل، فإن لم يتيسر فمن
السدر، فإن لم يتيسر فمن الخلاف، أو الرمان، والرمان مقدم على الخلاف، وإلا
فمن كل عود رطب.
(مسألة 298): إذا تركت الجريدتان للنسيان، أو نحوه، فالأولى جعلهما
فوق القبر، واحدة عند رأسه، والاخرى عند رجليه.
(مسألة 299): الأولى أن يكتب عليهما ما يكتب على حواشي الكفن مما
تقدم، ويلزم الاحتفاظ عن تلوثهما بما يوجب المهانة ولو بلفهما بما يمنعهما عن
ذلك من قطن ونحوه.
135

الفصل السادس
في الصلاة على الميت
تجب الصلاة وجوبا كفائيا على كل ميت مسلم ذكرا كان، أم أنثى، حرا
أم عبدا، مؤمنا أم مخالفا، عادلا أم فاسقا، ولا تجب على أطفال المسلمين إلا
إذا بلغوا ست سنين أو يعقلوا معنى الصلاة قبل هذا السن.
وإذا وجد ميتا في بلاد الإسلام وشك في أنه مسلم أو كافر فهل يترتب
عليه أحكام الإسلام؟
والجواب: الأحوط وجوبا ترتبها عليه. وكذا لقيط دار الإسلام، وأما إذا
وجد ميتا في دار الكفر وشك في أنه مسلم أو كافر فالأظهر عدم ترتب أحكام
الإسلام عليه، وإن كان أولى وأجدر، وكذا لقيط دار الكفر.
(مسألة 300): تعتبر في الصلاة على الميت أمور:
1 - النية على نحو ما تقدم في غسله.
2 - حضور الميت، فلا يصلي على الغائب.
3 - استقبال المصلي القبلة.
4 - أن يكون رأس الميت إلى جهة يمين المصلي، ورجلاه إلى جهة يساره.
5 - أن يكون مستلقيا على قفاه.
6 - وقوف المصلي خلفه محاذيا لبعضه، إلا أن يكون مأموما وقد
استطال الصف حتى خرج عن المحاذاة.
7 - أن لا يكون المصلي بعيدا عنه على نحو لا يصدق الوقوف عنده إلا
مع اتصال الصفوف في الصلاة جماعة.
136

8 - أن لا يكون بينهما حائل من ستر، أو جدار، ولا يضر الستر بمثل
التابوت ونحوه.
9 - أن يكون المصلي قائما، فلا تصح صلاة غير القائم، إلا مع عدم
التمكن من الصلاة قائما.
10 - الموالاة بين التكبيرات والأدعية.
11 - أن تكون الصلاة بعد التغسيل، والتحنيط، والتكفين، وقبل الدفن.
12 - أن يكون الميت مستور العورة بأكفانه، أو بشيء آخر إن تعذر الكفن.
13 - إباحة مكان المصلي على الأحوط الأولى.
14 - إذن الولي على ما تقدم، إلا إذا أوصى الميت بأن يصلي عليه شخص
معين، فإذا أوصى كذلك فلا يحق للولي أن يزاحمه، والمصلي على الميت عند توفر
الشروط ينوي القربة إلى الله تعالى ويكبر خمس تكبيرات، ويأتي بعد التكبيرة
الاولى بالشهادتين، وبعد الثانية بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) وبعد الثالثة بالدعاء
للمؤمنين والمؤمنات، وبعد الرابعة بالدعاء للميت، ثم يختم بالتكبيرة الخامسة.
(مسألة 301): لا يعتبر في الصلاة على الميت الطهارة من الحدث والخبث،
وإباحة اللباس، وستر العورة، وإن كان الأحوط الأولى اعتبار جميع شرائط
الصلاة، بل لا يترك الاحتياط وجوبا بترك الكلام في أثنائها والضحك
والالتفات عن القبلة.
وصورة الصلاة على الميت كما يلي:
1 - الله أكبر.
(أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له) إلها واحدا أحدا فردا
137

صمدا حيا قيوما دائما أبدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله جاء بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
2 - الله أكبر.
(اللهم صل على محمد وآل محمد) وبارك على محمد وآل محمد
وترحم على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على
إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
3 - الله أكبر.
(اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات) والمسلمين والمسلمات الأحياء
منهم والأموات وتابع بيننا وبينهم بالخيرات إنك على كل شيء قدير.
4 - الله أكبر.
(اللهم اغفر لهذا الميت) اللهم إن هذا المسجى قدامنا عبدك وابن
عبدك وابن أمتك وقد نزل بك وأنت خير منزول به وقد احتاج إلى رحمتك
وأنت غني عن عقابه اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا فإن كان
محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه واحشره مع خيرة عبادك
الصالحين وحسن أولئك رفيقا.
5 - الله أكبر.
ثم انصرف.
138

تنبيه
وينبغي التنبيه على امور:
الأول: أن بإمكان المصلي الاكتفاء بالفقرة بين القوسين بعد كل تكبيرة
وترك سائر الأدعية.
الثاني: أن هذه الصورة من صلاة الميت غير واجبة وبإمكان المصلي أن
يأتي بدعاء آخر بعد كل تكبيرة.
الثالث: أن الدعاء الخاص غير واجب فيها وبإمكان المصلي أن يأتي
بأي دعاء أراد وشاء بعد كل تكبيرة، كما أن له التقديم والتأخير في الأدعية
المذكورة بأن يأتي بالشهادتين - مثلا - بعد التكبيرة الثانية أو الثالثة وهكذا،
ويأتي بالصلاة على محمد وآله بعد التكبيرة الاولى أو الثالثة - مثلا - وهكذا
سائر الأدعية، ولكن مع هذا فالأولى والأجدر أن يختار الصلاة على الميت
بالصورة الآنفة الذكر.
(مسألة 302): إذا شك في أنه صلى على الجنازة أم لا، بنى على العدم،
وإذا صلى وشك في صحة الصلاة، وفسادها بنى على الصحة، وإذا علم ببطلانها
وجبت إعادتها على الوجه الصحيح، وكذا لو أدى اجتهاده أو تقليده إلى بطلانها.
(مسألة 303): الأظهر جواز تكرار الصلاة على الميت الواحد، إذا كان
من أهل الشرف والكرامة والمنزلة العليا في الدين، وأما على غيره فيجوز
تكرارها بقصد الرجاء واحتمال أن يكون ذلك مطلوبا شرعا.
(مسألة 304): لو دفن الميت بلا صلاة صحيحة، صلي على قبره ما لم
يتلاش بدنه على الأحوط وجوبا.
139

(مسألة 305): يستحب أن يقف الإمام والمنفرد عند وسط الرجل وعند
صدر المرأة.
(مسألة 306): إذا اجتمعت جنائز متعددة جاز تشريكها بصلاة واحدة،
فتوضع الجميع أمام المصلي على نحو يكون كل جنازة محاذية لجنازة اخرى،
والأولى مع اجتماع الرجل والمرأة أن يجعل الرجل أقرب إلى المصلي، ويجعل
صدرها محاذيا لوسط الرجل، ويجوز جعل الجنائز صفا واحدا متدرجا،
فتجعل رأس كل واحد عند ألية الآخر على نحو بشكل هندسة الدرج ويقف
المصلي وسط الصف، ويراعي في الدعاء بعد التكبير الرابع، تثنية الضمير وجمعه.
(مسألة 307): تجوز صلاة الميت جماعة وفرادى، وإذا صلى جماعة اعتبر
في الإمام أن يكون جامعا لشرائط الإمامة، من البلوغ، والعقل، والإيمان. نعم،
لا يعتبر فيه العدالة.
(مسألة 308): إذا حضر شخص في أثناء صلاة الإمام، كبر مع الإمام
وجعله أول صلاته وتشهد الشهادتين بعده، وهكذا يكبر مع الإمام ويأتي بما
هو وظيفة نفسه، فإذا فرغ الإمام أتى ببقية التكبير رجاء بلا دعاء، وإن كان
الدعاء أحوط وأولى.
(مسألة 309): لو صلى الصبي على الميت، لم تجز صلاته عن صلاة
البالغين، وإن كانت صلاته صحيحة.
(مسألة 310): إذا كان الولي للميت أمرأة، جاز لها مباشرة الصلاة
والإذن لغيرها ذكرا كان، أم أنثى.
(مسألة 311): لا يتحمل الإمام في صلاة الميت شيئا عن المأموم.
(مسألة 312): قد ذكروا للصلاة على الميت آدابا:
140

منها: أن يكون المصلي على طهارة، ويجوز التيمم مع وجدان الماء إذا
خاف فوت الصلاة إن توضأ، أو اغتسل.
ومنها: رفع اليدين عند التكبير.
ومنها: أن يرفع الإمام صوته بالتكبير والأدعية.
ومنها: اختيار المواضع التي يكثر فيها الاجتماع.
ومنها: أن تكون الصلاة بالجماعة.
ومنها: أن يقف المأموم خلف الإمام.
ومنها: الاجتهاد في الدعاء للميت وللمؤمنين.
ومنها: أن يقول قبل الصلاة: (الصلاة) ثلاث مرات.
الفصل السابع
في التشييع
يستحب إعلام المؤمنين بموت المؤمن ليشيعوه، ويستحب لهم تشييعه،
وقد ورد في فضله أخبار كثيرة، ففي بعضها: من تبع جنازة اعطي يوم القيامة
أربع شفاعات، ولم يقل شيئا إلا وقال الملك: ولك مثل ذلك، وفي بعضها: إن
أول ما يتحف به المؤمن في قبره، أن يغفر لمن تبع جنازته، وله آداب كثيرة
مذكورة في الكتب المبسوطة، مثل أن يكون المشيع ماشيا خلف الجنازة،
خاشعا متفكرا، حاملا للجنازة على الكتف، قائلا حين الحمل: (بسم الله وبالله
وصلى الله على محمد وآل محمد، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات) ويكره
الضحك واللعب واللهو، والإسراع في المشي، وأن يقول: ارفقوا به، واستغفروا
141

له، والركوب والمشي قدام الجنازة، والكلام بغير ذكر الله تعالى والدعاء
والاستغفار، ويكره وضع الرداء من غير صاحب المصيبة، فإنه يستحب له ذلك،
وأن يمشي حافيا.
الفصل الثامن
في الدفن
تجب كفاية مواراة الميت في الأرض، بحيث يؤمن على جسده من السباع،
وإيذاء رائحته للناس، ولا يكفي وضعه في بناء أو تابوت وإن حصل فيه الأمران،
ويجب وضعه على الجانب الأيمن موجها وجهه إلى القبلة، وإذا اشتبهت القبلة
عمل بالظن ومع تعذره يسقط وجوب الاستقبال إن لم يمكن التأخير، وإذا كان
الميت في البحر، ولم يمكن دفنه في البر ولو بالتأخير غسل وحنط وصلي عليه
ووضع في خابية واحكم رأسها وألقي في البحر، أو ثقل بشد حجر ونحوه
برجليه ثم يلقى في البحر، والأظهر اختيار الأول مع الإمكان، وكذلك الحكم إذا
خيف على الميت من نبش العدو قبره والتمثيل به.
(مسألة 313): لا يجوز دفن المسلم في مقبرة الكافرين، إذا كان هتكا له
ونقصا لكرامته، وكذلك العكس، وإلا فالجواز غير بعيد، وإن كان الأحوط تركه.
(مسألة 314): إذا ماتت الحامل الكافرة، ومات في بطنها حملها من
مسلم، دفنت في مقبرة المسلمين على جانبها الأيسر مستدبرة للقبلة على الأحوط.
(مسألة 315): لا يجوز دفن المسلم في مكان يوجب هتك حرمته كالمزبلة،
والبالوعة، ولا في المكان المملوك بغير إذن المالك، أو الموقوف لغير الدفن
كالمدارس، والمساجد، والحسينيات المتعارفة في زماننا، والخانات الموقوفة.
142

(مسألة 316): لا يجوز الدفن في قبر ميت قبل اندراسه وصيرورته ترابا.
نعم، إذا كان القبر منبوشا، جاز الدفن فيه على الأقوى.
(مسألة 317): يستحب حفر القبر قدر قامة، أو إلى الترقوة، وأن يجعل
له لحد مما يلي القبلة في الأرض الصلبة بقدر ما يمكن فيه الجلوس، وفي الرخوة
يشق وسط القبر شبه النهر ويجعل فيه الميت، ويسقف عليه ثم يهال عليه التراب،
وأن يغطى القبر بثوب عند إدخال المرأة، والذكر عند تناول الميت، وعند وضعه
في اللحد، والتحفي، وحل الأزرار وكشف الرأس للمباشرة لذلك، وأن تحل عقد
الكفن بعد الوضع في القبر من طرف الرأس، وأن يحسر عن وجهه ويجعل خده
على الأرض، ويعمل له وسادة من تراب، وأن يوضع شيئا من تربة الحسين (عليه السلام)
معه، وتلقينه الشهادتين والإقرار بالأئمة (عليهم السلام)، وأن يسد اللحد باللبن، وأن يخرج
المباشر من طرف الرجلين، وأن يهيل الحاضرون التراب بظهور الأكف غير ذي
الرحم، وطم القبر وتربيعه لا مثلثا، ولا مخمسا، ولا غير ذلك، ورش الماء
عليه دورا، يستقبل القبلة ويبتدأ من عند الرأس فإن فضل شيء صب على
وسطه، ووضع الحاضرين أيديهم عليه غمزا بعد الرش، ولا سيما إذا كان الميت
هاشميا، أو الحاضر لم يحضر الصلاة عليه، والترحم عليه بمثل: (اللهم جاف
الأرض عن جنبيه، وصعد روحه إلى أرواح المؤمنين في عليين، وألحقه
بالصالحين) وأن يلقنه الولي بعد انصراف الناس رافعا صوته، وإن يكتب اسم
الميت على القبر، أو على لوح، أو حجر وينصب على القبر.
(مسألة 318): يكره دفن ميتين في قبر واحد، ونزول الأب في قبر ولده،
وغير المحرم في قبر المرأة، وإهالة الرحم التراب، وفرش القبر بالساج من غير
حاجة، وتجصيصه وتطيينه وتسنيمه والمشي عليه والجلوس والاتكاء، وكذا
البناء عليه وتجديده إلا أن يكون الميت من أهل الشرف.
143

(مسألة 319): يكره نقل الميت من بلد موته إلى بلد آخر، إلا المشاهد
المشرفة، والمواضع المحترمة، فإنه يستحب، ولا سيما الغري والحائر، وفي بعض
الروايات أن من خواص الأول إسقاط عذاب القبر ومحاسبة منكر ونكير.
(مسألة 320): لا فرق في جواز النقل بين ما قبل الدفن وما بعده إذا اتفق
تحقق النبش، بل لا يبعد جواز النبش لذلك إذا كان بإذن الولي ولم يلزم هتك
حرمة الميت.
(مسألة 321): يحرم نبش قبر المؤمن على نحو يظهر جسده، إلا مع العلم
باندراسه، وصيرورته ترابا، من دون فرق بين الصغير والكبير والعاقل والمجنون،
ويستثنى من ذلك موارد:
منها: ما إذا كان النبش لمصلحة الميت، كالنقل إلى المشاهد المشرفة، كما
تقدم، أو لكونه مدفونا في موضع يوجب مهانة عليه كمزبلة، أو بالوعة، أو
نحوهما، أو في موضع يتخوف فيه على بدنه من سيل، أو سبع، أو عدو.
ومنها: لدفع فتنة لا يمكن دفعها وتفاديها إلا برؤية جسد الميت ومشاهدته.
ومنها: لدفع ضرر مالي، كما إذا دفن معه مال غيره، من خاتم ونحوه،
فينبش لدفع ذلك الضرر المالي، ومثل ذلك ما إذا دفن في ملك الغير من دون
إذنه، أو إجازته.
ومنها: ما إذا دفن بلا غسل، أو بلا تكفين أو تبين بطلان غسله، أو
بطلان تكفينه، أو لكون دفنه على غير الوجه الشرعي، لوضعه في القبر على
غير القبلة، أو في مكان أوصى بالدفن في غيره، أو نحو ذلك، فيجوز نبشه في
هذه الموارد إذا لم يلزم هتك لحرمته، وإلا فالجواز لا يخلو عن إشكال بل منع.
144

(مسألة 322): لا يجوز التوديع المتعارف عند بعض الشيعة (أيدهم الله تعالى)
بوضع الميت في موضع والبناء عليه، ثم نقله إلى المشاهد الشريفة، بل اللازم أن
يدفن بمواراته في الأرض مستقبلا بوجهه القبلة على الوجه الشرعي، ثم ينقل
بعد ذلك بإذن الولي على نحو لا يؤدي إلى هتك حرمته.
(مسألة 323): إذا وضع الميت في سرداب، جاز فتح بابه وإنزال ميت
آخر فيه، إذا لم يظهر جسد الأول، إما للبناء عليه، أو لوضعه في لحد
داخل السرداب.
وأما إذا كان بنحو يظهر جسده فهل يجوز؟
والجواب: أنه يجوز إذا لم يعد مجرد ذلك هتكا له، وإلا لم يجز.
(مسألة 324): إذا مات ولد المرأة الحامل المسلمة دون المرأة وخيف منه
على حياتها وجب إخراجه منها لإنقاذ حياتها بيد امرأة طبيبة من أهل
الاختصاص، وعلى الطبيبة أن ترفق بأم الجنين، فإن كان بإمكانها أن تخرج
الطفل سالما فعليها ذلك، وإلا جاز إخراجه مقطعا وإربا، ولو تعذر وجود
الطبيبة المختصة في ذلك وتوقفت عملية الإخراج على الرجوع إلى طبيب أجنبي
مختص وممارسته العملية مباشرة فلا مانع من الرجوع إليه شريطة الاقتصار
بمقدار ما تدعو إليه الحاجة والضرورة، وإن ماتت هي دونه شقت بطنها الطبيبة
المختصة أو الطبيب المختص لأخراج الطفل منها.
وقد تسأل: أن تعلم الطب إذا كان متوقفا على عملية التشريح لجثة
الإنسان المسلم، وكان عدد الأطباء الواجب تواجده في المجتمع الإسلامي كفاية
غير متوفر، ففي هذه الحالة هل تجوز تلك العملية ما دام المجتمع الإسلامي بحاجة
ماسة إلى العدد الوافي منهم؟
145

والجواب: أن الجواز في هذه الحالة غير بعيد.
(مسألة 325): إذا وجد بعض الميت وفيه الصدر، فإن صدق عليه عنوان
الميت عرفا ولو ناقصا وجب ترتيب جميع أحكام الميت عليه من تغسيله
وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، وإلا فترتيب تلك الأحكام عليه مبني
على الاحتياط، فإذا وجد الصدر أو بعضه فإنه وإن كان مشتملا على القلب
ولكن بما أن عنوان الميت لا يصدق عليه فالصلاة عليه مبنية على الاحتياط،
وإذا وجد غير عظم الصدر مجردا كان أو مشتملا عليه اللحم، غسل وحنط
ولف بخرقة ودفن على الأحوط ولم يصل عليه، وإن لم يكن فيه عظم لف بخرقة
ودفن على الأحوط.
(مسألة 326): السقط إذا استوت خلقته وإن كان قبل أربعة أشهر غسل
وحنط وكفن ولم يصل عليه، وإذا كان لدون ذلك لف بخرقة ودفن على الأحوط
وجوبا. نعم، لو ولجته الروح فقد استوت خلقته فيجب حينئذ تغسيله
وتكفينه ودفنه.
المبحث السادس
غسل مس الميت
يجب الغسل بمس الميت الإنساني بعد برده وقبل إتمام غسله، مسلما كان
أو كافرا، حتى السقط إذا استوت خلقته وولجته الروح، ولو غسله الكافر لفقد
المماثل أو غسل بالقراح لفقد الخليط فالأقوى عدم وجوب الغسل بمسه، ولو يمم
الميت للعجز عن تغسيله فالظاهر وجوب الغسل بمسه.
146

(مسألة 327): لا فرق في الميت الممسوس بين أن يكون كبيرا أو صغيرا
ذكرا أو أنثى عاقلا أو مجنونا، ظاهرا كاليد والوجه والرجل بل وحتى السن
والظفر وغيرها أو باطنا كاللسان ونحوه، حتى ولو كان سقطا ولجته الروح، كما
أنه لا فرق في العضو الماس بين أن يكون المس باليد أو الرجل أو بغيرها من
المواضع التي تتواجد فيها عادة حاسة اللمس، وأما ما لا تتواجد فيه حاسة
اللمس كالشعر فلا أثر له، بمعنى أن الإنسان الحي إذا أصاب بدن الميت ولاقاه
بشعره فقط فلا غسل عليه.
(مسألة 328): لا فرق بين العاقل والمجنون والصغير والكبير، والمس
الاختياري والاضطراري.
(مسألة 329): إذا مس الميت قبل برده، لم يجب الغسل بمسه. نعم،
يتنجس العضو الماس بشرط الرطوبة المسرية في أحدهما، وإن كان الأحوط
الأولى تطهيره مع الجفاف أيضا.
(مسألة 330): يجب على الأحوط الغسل بمس القطعة المبانة من الميت إذا
كانت مشتملة على العظم، دون الخالية منه، وأما القطعة المبانة من الحي
فالأظهر أن مسها لا يوجب الغسل، وإن كان الاحتياط أولى وأجدر، أما
العظم المجرد من الميت، أو السن منه، فالأحوط استحبابا الغسل بمسه.
(مسألة 331): إذا قلع السن من الحي وكان معه لحم يسير، لم يجب
الغسل بمسه.
(مسألة 332): يجوز لمن عليه غسل المس دخول المساجد والمشاهد
والمكث فيها، وقراءة العزائم. نعم، لا يجوز له مس كتابة القرآن ونحوها مما لا
يجوز للمحدث مسه، ولا يصح له كل عمل مشروط بالطهارة كالصلاة إلا
بالغسل، والأحوط ضم الوضوء إليه، وإن كان الأظهر عدم وجوبه.
147

المبحث السابع
الأغسال المندوبة
وهي زمانية، ومكانية، وفعلية:
الأول: الأغسال الزمانية، ولها أفراد كثيرة:
منها: غسل الجمعة، وهو أهمها حتى قيل بوجوبه لكنه ضعيف، ووقته
من طلوع الفجر الثاني يوم الجمعة إلى الغروب على الأقوى، وإذا فاته قضاه يوم
السبت إلى الغروب، ويجوز تقديمه يوم الخميس رجاء إن خاف إعواز الماء يوم
الجمعة، ولو اتفق تمكنه منه يوم الجمعة أعاده فيه، وإذا فاته حينئذ أعاده
يوم السبت.
(مسألة 333): يصح غسل الجمعة من الجنب والحائض، ويجزئ عن
غسل الجنابة والحيض إذا كان بعد النقاء على الأقوى.
ومنها: غسل يوم العيدين، ووقته من الفجر إلى الغروب على الأظهر،
والأولى الإتيان به قبل الصلاة لتكون صلاته مع الغسل، وغسل يوم عرفة
ووقته يمتد إلى الغروب، والأولى الإتيان به عند الزوال منه، ولا فرق فيه بين
من كان في عرفات أو في سائر البلدان، ويوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة
ووقته تمام اليوم، والليلة الاولى والسابعة عشرة والرابعة والعشرين من شهر
رمضان، وليالي القدر، والغسل عند احتراق قرص الشمس في الكسوف
وبكاملها.
148

(مسألة 334): جميع الأغسال الزمانية يكفي الإتيان بها في وقتها مرة
واحدة، ولا حاجة إلى إعادتها إذا صدر الحدث الأكبر أو الأصغر بعدها،
ويتخير في الإتيان بها بين ساعات وقتها.
الثاني: الأغسال المكانية، ولها أيضا أفراد كثيرة، كالغسل لدخول
الحرم، ولدخول مكة، ولدخول الكعبة، ولدخول حرم الرسول (صلى الله عليه وآله)،
ولدخول المدينة.
(مسألة 335): وقت الغسل في هذا القسم قبل الدخول في هذه الأمكنة
أو حين الدخول فيها.
الثالث: الأغسال الفعلية، وهي قسمان:
القسم الأول: ما يستحب لأجل إيقاع فعل كالغسل للإحرام، أو لزيارة
البيت، والغسل للذبح والنحر والحلق، والغسل للاستخارة والاستسقاء
والمباهلة مع الخصم والمولود والتوبة، والغسل لوداع قبر البني (صلى الله عليه وآله)، والغسل
لقضاء صلاة الكسوف إذا تركها متعمدا عالما به مع احتراق القرص كله.
القسم الثاني: ما يستحب بعد وقوع فعل منه كالغسل لمس الميت بعد تغسيله.
(مسألة 336): يجزئ في القسم الأول من هذا النوع غسل لأول النهار
ليومه، وأول الليل لليلته، ولا يخلو القول بالاجتزاء بغسل الليل للنهار
وبالعكس عن قوة، والظاهر انتقاضه بالحدث بينه وبين الفعل.
(مسألة 337): هذه الأغسال قد ثبت استحبابها بدليل معتبر، والظاهر
أنها تغني عن الوضوء، وهناك أغسال اخر ذكرها الفقهاء في الأغسال المستحبة،
ولكنه لم يثبت عندنا استحبابها ولا بأس بالإتيان بها رجاء، وهي كثيرة نذكر
جملة منها:
149

1 - الغسل في الليالي الفرد من شهر رمضان المبارك وجميع ليالي العشر
الأخيرة منه وأول يوم منه.
2 - غسل آخر في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك
قبيل الفجر.
3 - الغسل في يوم الغدير وهو الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام،
وفي اليوم الرابع والعشرين منه.
4 - الغسل يوم النيروز، وأول رجب، وآخره، ونصفه، ويوم المبعث
وهو السابع والعشرون منه.
5 - الغسل في اليوم النصف من شعبان.
6 - الغسل في اليوم التاسع، والسابع عشر من ربيع الأول.
7 - الغسل في اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة.
8 - الغسل لزيارة كل معصوم من قريب أو بعيد.
9 - الغسل لقتل الوزغ.
وهذه الأغسال لا يغني شيء منها عن الوضوء.
150

المقصد الخامس
التيمم
وفيه فصول:
الفصل الأول
في مسوغاته
وهي متمثلة في مسوغين رئيسين: الأول عدم وجدان الماء، والآخر عدم
التمكن من استعماله عقلا أو شرعا مع وجوده.
المسوغ الأول:
عدم وجدان الماء الذي يكفي للوضوء أو الغسل، ويتحقق ضمن إحدى
الحالات التالية:
الحالة الاولى: أن لا يجد المكلف الماء في بيته إذا كان حاضرا ولا في
مكان آخر الذي كان بوسعه الوصول إليه، وإذا كان مسافرا لا يجد في كل
أطرافه من مساحة الأرض التي يقدر على الوصول إليها من دون عائق والتحرك
ضمنها ما دام وقت الصلاة باقيا، ولا فرق في ذلك بين أن لا يوجد الماء فيها
أصلا، أو يوجد بمقدار لا يكفي للوضوء أو الغسل، أو يكفي ولكن هناك مانع
من استعماله كما إذا كان نجسا أو مغصوبا، ففي هذه الحالة وظيفته التيمم بديلا
عن الوضوء أو الغسل.
151

(مسألة 338): هل أن تلك المساحة من الأرض التي يجب على المكلف
أن يطلب الماء فيها محدودة بحدود معينة شرعا طولا وعرضا؟
والجواب: أن تحديدها من قبل الشرع بحدود معينة لم يثبت لا طولا ولا
عرضا، وأما ما ورد في بعض الروايات من تحديدها بمقدار رمية سهم في
الأرض الحزنة وسهمين في الأرض السهلة فهو غير ثابت لضعف الرواية، فإذن
يكون المعيار في وجوب الطلب ضمن تلك المساحة سعة وضيقا، إنما هو بعدم
استلزامه العسر، والحرج أو الضرر والخطر الجسدي.
(مسألة 339): إذا شهد شاهدان عدلان بعدم وجود الماء في تلك
المساحة من الأرض، كفى في عدم وجوب الفحص والطلب، بل تكفي شهادة
عدل واحد بل ثقة واحد.
الحالة الثانية: أن الماء موجود في بعض نقاط تلك المساحة ولكن
الوصول إليه يستلزم مشقة شديدة وحرجا، كما إذا كان الماء في نقطة بعيدة، أو
أنه كان ملكا لشخص لا يأذن بالتصرف فيه إلا بالالتماس والتذلل له بما يكون
محرجا، أو أن الوصول إليه محفوف بالمخاطر، كما إذا كان الطريق إليه غير مأمون،
أو كان في مقربة من الحيوانات المفترسة، ففي هذه الحالة تكون وظيفته التيمم في
كل هذه الفروض عوضا عن الوضوء أو الغسل.
الحالة الثالثة: أن يكون الماء موجودا في تلك المساحة ولكنه ملك
لغيره وهو لا يأذن بالتصرف فيه إلا بثمن مجحف بماله، أو أن الوصول إليه
يتوقف على ارتكاب امور محرمة، كما إذا كان الطريق إليه مغصوبا، أو الآلة التي
يستعملها في أخذ ذلك الماء مغصوبة، ففي هذه الحالة تكون وظيفته التيمم.
ونلاحط أن المكلف في الحالة الاولى بما أنه غير واجد للماء فلا يمكن أن
152

يتحقق منه الوضوء فالواجب عليه التيمم، وفي الحالتين التاليتين وهما الحالة
الثانية والثالثة، فيمكن للمكلف أن يتوضأ ولكنه لا يكون مأمورا بالوضوء
شرعا بل وظيفته التيمم، ولكن إذا أصر على الوضوء وحصل على الماء متحملا
كل الصعوبات من الحرج والضرر وجب عليه أن يتوضأ وصح منه.
(مسألة 340): إذا أخل بالطلب وتيمم برجاء إدراك الواقع، صح تيممه
إن صادف عدم الماء.
(مسألة 341): إذا علم أو اطمأن بوجود الماء في خارج الحد المذكور
وجب عليه السعي إليه وإن بعد، إلا أن يكون السعي إليه حرجيا ومشقة عظيمة.
(مسألة 342): إذا طلب الماء قبل دخول الوقت فلم يجده فهل تجب
إعادة الطلب بعد دخول الوقت، إذا احتمل العثور على الماء لو أعاده لاحتمال
تجدد وجوده؟
والجواب: الأظهر وجب إعادة الطلب في هذا الفرض. نعم، لو لم يتجدد
احتمال وجوده بعد دخول الوقت، لم تجب الإعادة.
(مسألة 343): إذا طلب بعد دخول الوقت لصلاة يكفي لغيرها من
الصلوات، فلا تجب إعادة الطلب عند كل صلاة، وأما إذا احتمل العثور مع
الإعادة لاحتمال تجدد وجوده فالأظهر عدم وجوبها وإن كان الاحتياط في محله.
(مسألة 344): يسقط وجوب الطلب في ضيق الوقت، كما يسقط إذا
خاف على نفسه، أو ماله من لص أو سبع أو نحو ذلك، وكذلك إذا كان في طلبه
حرج ومشقة لا تتحمل كما مر.
(مسألة 345): إذا ترك المكلف طلب الماء في المساحات المذكورة حتى
ضاق الوقت استحق العقوبة. وأما صلاته فهل هي صحيحة؟
153

والجواب: أنها صحيحة إذا كان شاكا في وجود الماء في تلك المساحات
والعثور عليه. وأما إذا كان عالما بوجوده فيها والعثور عليه إذا طلب فهل هي
صحيحة أيضا في هذه الحالة؟
والجواب: أن الصحة غير بعيدة.
(مسألة 346): إذا ترك الطلب في سعة الوقت فإن كان الماء موجودا في
أطرافه التي يتحرك ضمنها وأنه إذا طلب وسعى إليه وجده ومع ذلك إذا ترك
عامدا وملتفتا وتيمم وصلى بطلت صلاته، وإن لم يكن الماء موجودا فيها في
الواقع فحينئذ إذا ترك الطلب والسعي متعمدا وإن استحق العقوبة إلا أنه إذا
تيمم برجاء أنه مطلوب في الواقع وصلى صحت صلاته، وإذا اعتقد ضيق الوقت
عن الطلب فتركه وتيمم وصلى ثم تبين سعة الوقت فإن كان التبين في الوقت
وجب عليه الطلب فإن طلب وعثر على الماء كشف ذلك عن بطلان تيممه
وصلاته ووجوب الإعادة، وإن كان ذلك في خارج الوقت لم يجب القضاء.
(مسألة 347): إذا طلب الماء فلم يجد، فتيمم وصلى ثم تبين وجوده في
محل الطلب، فالأقوى وجوب الإعادة في الوقت. نعم، لا يجب القضاء إذا تبين
ذلك في خارج الوقت.
المسوغ الثاني:
عدم تمكن المكلف من استعمال الماء مع وجوده عنده، وهو يتحقق ضمن
إحدى الحالات التالية:
الحالة الاولى: خوف الضرر من استعمال الماء بحدوث مرض أو زيادته
أو طول أمده، أو على النفس، أو البدن، ومنه الرمد المانع من استعمال الماء، كما
154

أن منه خوف الشين الذي يعسر تحمله وهو الخشونة المشوهة للخلقة، والمؤدية
في بعض الأبدان إلى تشقق الجلد.
الحالة الثانية: خوف العطش على نفسه، أو على غيره الواجب حفظه
عليه، أو على نفس حيوان يكون من شأن المكلف الاحتفاظ به، والاهتمام
بشأنها، كدابته وشاته ونحوهما مما يكون تلفه موجبا للحرج أو الضرر.
الحالة الثالثة: أن يكون بدنه أو ثوبه نجسا وكان عنده ماء يكفي لإزالة
النجاسة فقط أو للوضوء كذلك، ففي هذه الحالة يجوز للمكلف أن يصرف الماء
في غسل بدنه أو ثوبه وإزالة النجاسة عنه ويتيمم للصلاة، كما يجوز له أن يتوضأ
ويصلي في الثوب النجس أو في البدن النجس.
الحالة الرابعة: ضيق الوقت عن استيعاب الوضوء والصلاة معا، فحينئذ
يجوز له أن يتيمم من أجل إدراك تمام الصلاة في الوقت.
(مسألة 348): إذا خالف المكلف عمدا فتوضأ في مورد يكون الوضوء
فيه حرجيا كالوضوء في شدة البرد - مثلا - صح وضوؤه، وإذا خالف في مورد
يكون الوضوء فيه محرما بطل وضوؤه كما إذا كان ضرره خطيرا وهو الضرر
الذي يحرم على المكلف أن يوقع نفسه فيه، وإذا خالف في مورد يجب فيه حفظ
الماء - كما في الحالة الثانية - فالظاهر صحة وضوئه، وفي الحالة الرابعة إذا عصى
وتوضأ صح شريطة أن لا يكون وضوؤه بقصد التشريع، بمعنى أنه لا يبني على
أن الصلاة التي ضاق وقتها هي التي تفرض عليه الوضوء، ولا تسمح له بالتيمم،
مع أنه يعلم بأنها تفرض عليه التيمم دون الوضوء.
(مسألة 349): إذا خالف فتطهر بالماء لعذر من نسيان، أو غفلة، صح
وضوؤه في جميع الموارد المذكورة، وكذلك مع الجهل إذا كان مركبا، أما إذا
155

توضأ في ضيق الوقت فإن نوى الأمر المتعلق بالوضوء فعلا صح، ولكنه أثم إذا
كان ذلك عامدا وملتفتا.
(مسألة 350): إذا آوى إلى فراشه لينام ذكر بعض الفقهاء أنه إذا لم يكن
على وضوء جاز له التيمم وإن تمكن من استعمال الماء ولكنه غير ثابت شرعا.
نعم، لا بأس به رجاء.
الفصل الثاني
ما يتيمم به
وهو الأرض وأجزاؤها فيصح التيمم بكل ما يسمى أرضا، سواء أكان
ترابا، أم رملا، أو مدرا، أم حصى، أم صخرا أملس، ومنه أرض الجص
والنورة قبل الإحراق بل بعده أيضا، فيصح التيمم بالجص والآجر والأسمنت ما
دامت موادها مأخوذة من الأرض، وإن أحرقت وصنعت، وكذلك يصح بما
يصنع من الاسمنت من قطع للبناء كالكاشي والموزائيك وغيرها شريطة أن لا
تكون مطلية بطلاء خارجي غير مأخوذ من الأرض، ويصح التيمم بالمرمر،
ولا فرق في صحة التيمم بين أن يكون في الأرض أو في الجدار والحائط، ولا
يعتبر علوق شيء منه باليد، فيصح التيمم بحجر نقي مصقول يابسا أم رطبا.
(مسألة 351): لا يجوز التيمم بما لا يصدق عليه اسم الأرض وإن كان
أصله منها، كالرماد والنبات، والمعادن، والذهب، والفضة ونحوها، مما لا
يسمى أرضا، وأما العقيق والفيروزج ونحوهما، من الأحجار الكريمة فالأحوط
أن لا يتيمم بها وإن كان جوازه غير بعيد، ولا يجوز التيمم بكل ما يؤكل ويلبس
ولا بالخشب والحطب.
156

(مسألة 352): لا يجوز التيمم بالنجس، ولا المغصوب، ولا الممتزج بما
يخرجه عن اسم الأرض كما إذا اختلط التراب بالملح على نحو لا يصدق عليه
اسم التراب. نعم، لا يضر إذا كان الملح مستهلكا فيه عرفا، ولو اكره على
المكث في المكان المغصوب فالأظهر جواز التيمم فيه.
(مسألة 353): إذا اشتبه التراب المغصوب بالمباح وجب الاجتناب عنهما،
وإذا اشتبه التراب بالرماد فتيمم بكل منهما صح، بل يجب ذلك مع الانحصار،
وكذلك الحكم إذا اشتبه الطاهر بالنجس.
(مسألة 354): إذا عجز عن التيمم بالأرض لسبب أو آخر وجب التيمم
بالغبار المجتمع على ثوبه، أو عرف دابته أو نحوهما، إذا كان غبار ما يصح التيمم
به دون غيره كغبار الدقيق ونحوه، وإذا أمكنه نفض الغبار وجمعه على نحو
يصدق عليه التراب تعين ذلك.
(مسألة 355): إذا عجز عن التيمم بالغبار تيمم بالوحل وهو الطين، وإذا
أمكن تجفيفه والتيمم به تعين ذلك.
(مسألة 356): إذا عجز عن الأرض والغبار والوحل كان فاقدا للطهور،
والأحوط له الصلاة في الوقت والقضاء في خارجه، وإن كان الأظهر عدم
وجوب الأداء، وإذا تمكن من الثلج فإن كان بإمكانه إذابته والوضوء به تعين
ذلك، وإلا فإن أمكنه مسح أعضاء الوضوء به على نحو يتحقق مسمى الغسل
وجب واجتزأ به، وإلا فهو فاقد الطهورين.
(مسألة 357): الأحوط استحبابا نفض اليدين بعد الضرب، ويستحب
أن يكون ما يتيمم به من ربى الأرض وعواليها، ويكره أن يكون من مهابطها،
وأن يكون من تراب الطريق.
157

الفصل الثالث
كيفية التيمم
وكيفية التيمم أن يضرب بيديه على الأرض، وأن يكون دفعة واحدة
على الأحوط وجوبا، وأن يكون بباطنهما، ثم يمسح بهما جميعا تمام جبهته
وجبينه، من قصاص الشعر إلى الحاجبين، وإلى طرف الأنف الأعلى المتصل
بالجبهة، والأحوط الأولى مسح الحاجبين أيضا، ثم مسح تمام ظاهر الكف
اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع بباطن اليسرى، ثم مسح تمام ظاهر الكف
اليسرى كذلك بباطن الكف اليمنى.
(مسألة 358): لا يجب المسح بكل من الكفين بكامله، بل يكفي المسح
ببعض كل منها على نحو يستوعب الجبهة والجبينين.
(مسألة 359): المراد من الجبهة الموضع المستوي، والمراد من الجبين ما
بينه وبين طرف الحاجب إلى قصاص الشعر.
(مسألة 360): الأظهر اعتبار تعدد الضرب في التيمم بأن يضرب ضربة
للوجه وضربة للكفين، بلا فرق في ذلك بين أن يكون التيمم بدلا عن الغسل أو
بدلا عن الوضوء.
وقد تسأل: هل يعتبر الترتيب بين الضربتين بمعنى أن على المكلف أن
يضرب كفيه على الأرض ويمسح بهما وجهه، ثم يضربهما عليها مرة اخرى ويمسح
بهما يديه من الزند إلى أطراف الأصابع، أو يكفي أن يضرب كفيه على الأرض
مرتين، ثم يمسح بهما أولا وجهه ثم يديه؟
والجواب: أن الأول لو لم يكن أظهر فلا أقل أنه أحوط.
158

(مسألة 361): إذا تعذر الضرب والمسح بالباطن، انتقل إلى الظاهر،
وكذا إذا كان نجسا بنجاسة متعدية ولم تمكن الإزالة، أما إذا لم تكن متعدية
ضرب به ومسح، بل الظاهر عدم اعتبار الطهارة في الماسح والممسوح مطلقا،
وإذا كان على الممسوح حائل لا تمكن إزالته فالأحوط وجوبا الجمع بين المسح
عليه والصلاة في الوقت وبين القضاء في خارج الوقت، وأما إذا كان الحائل على
باطن الكف فلا يبعد أن تكون الوظيفة في هذه الحالة ضرب ظاهر الكف
والمسح به، وإن كان الأحوط استحبابا ضم المسح بالباطن أيضا.
(مسألة 362): المحدث بالأصغر يتيمم بدلا عن الوضوء، والجنب يتيمم
بدلا عن الغسل، والمحدث بالأكبر غير الجنابة يتيمم عن الغسل، وإذا كان محدثا
بالأصغر أيضا، أو كان الحدث استحاضة متوسطة، وجب عليه أن يتيمم أيضا
عن الوضوء، وإذا تمكن من الوضوء دون الغسل أتى به وتيمم عن الغسل، وإذا
تمكن من الغسل أتى به وهو يغني عن الوضوء، إلا في الاستحاضة المتوسطة
فلابد فيها من الوضوء، فإن لم تتمكن تيممت عنه.
الفصل الرابع
شروط التيمم
يشترط في التيمم نية القربة والإخلاص؛ لأنه عبادة بلا فرق بين أن
يكون عوضا عن الغسل أو الوضوء، ولا يجب في نية التيمم شيء سوى القربة
إلى الله تعالى وليس من الواجب أن ينوي كونه بديلا عن الوضوء أو الغسل إلا
في مقام الاشتباه.
(مسألة 363): لا تجب فيه نية البدلية عن الوضوء أو الغسل، بل تكفي
159

نية الأمر المتوجه إليه قربة إلى الله تعالى، ومع تعدد الأمر لابد من تعيينه بالنية
كما إذا كان عليه تيممان أحدهما بدلا عن الغسل والآخر بدلا عن الوضوء،
فحينئذ يجب عليه أن يعينه ويميزه عن الآخر بأن ينوي بأحدهما التعويض عن
الغسل وبالآخر التعويض عن الوضوء وإلا لم يقع عن شيء منهما.
(مسألة 364): الأقوى أن التيمم كالوضوء رافع للحدث وطهور حال
الاضطرار. نعم، لا يجب فيه نية الرفع.
(مسألة 365): يشترط فيه المباشرة والموالاة حتى فيما كان بدلا عن
الغسل، ويشترط فيه أيضا الترتيب على حسب ما تقدم، والأحوط وجوبا
البدأة من الأعلى والمسح منه إلى الأسفل.
(مسألة 366): إذا كانت إحدى يدي شخص مقطوعة، فإن كانت
مقطوعة من الزند أو المرفق، فوظيفته أن يجمع بين التيمم باليد السالمة والمقطوعة،
يضربهما على الأرض ومسح الجبهة والجبينين بهما، ومسح اليد المقطوعة باليد
السالمة، ومسح اليد السالمة باليد المقطوعة، وبين الاستنابة في اليد المقطوعة بأن
يضرب النائب إحدى يديه مع اليد السالمة للأقطع على الأرض، ويمسح بهما
وجهه، ويمسح النائب ظهر يده السالمة بيده، والأحوط أن يضم الأقطع مسح
ظهر يده السالمة بالأرض أيضا بديلا عن مسحه بيده الاخرى إذا لم تكن مقطوعة،
وإن كانت مقطوعة من فوق المرفق أو اليد كاملة، فوظيفته الجمع بين الاستنابة
وضرب يده السالمة على الأرض ومسح وجهه بها، ثم مسح ظهرها بالأرض،
وإن كانت كلتا يديه مقطوعة بكاملها فوظيفته الاستنابة، وإن كانت كلتاهما
مقطوعة من الزند أو ما فوقها، فوظيفته الجمع بين الاستنابة وبين ضرب كلتا
يديه المقطوعتين على الأرض ومسح الوجه بهما ومسح إحداهما بالأخرى.
160

(مسألة 367): إذا كانت على الموضع الممسوح كالجبهة وظاهر الكفين
جبيرة أو عصابة فوظيفته أن يتيمم في الوقت، بأن يمسح على الجبيرة أو
العصابة ويصلي، وبعد برء الجرح وفك الجبيرة أو العصابة يقضي، وكذلك إذا
كان هناك حائل من دون جرح أو قرح.
(مسألة 368): إذا كانت للإنسان يد زائدة مشتبهة باليد الأصلية وجب
الجمع بين المسح بهما معا والمسح عليهما كذلك، وإذا لم تكن مشتبهة بها لم يجب
المسح بها ولا عليها، وأما إذا كان في مواضع التيمم لحم زائد فإن كان في
الممسوح مسح عليه وإن كان في الماسح مسح به.
(مسألة 369): العاجز ييممه غيره ولكن يضرب بيدي العاجز ويمسح
بهما مع الإمكان، ومع العجز يضرب المتولي بيدي نفسه، ويمسح بهما.
(مسألة 370): الشعر المتدلي على الجبهة يجب رفعه ومسح البشرة تحته،
وأما النابت فيها فالظاهر الاجتزاء بمسحه.
(مسألة 371): إذا خالف الترتيب بطل مع فوات الموالاة وإن كانت عن
جهل أو نسيان، أما إذا لم تفت صح إذا أعاد على نحو يحصل به الترتيب.
(مسألة 372): الخاتم حائل يجب نزعه حال التيمم.
(مسألة 373): الأظهر اعتبار إباحة الفضاء الذي يقع فيه التيمم، فإذا
غصب دار غيره وتيمم فيها بطل تيممه، وإن كان التراب الذي تيمم به مباحا أو
ملكا شخصيا، وإذا كان التراب في إناء مغصوب لم يصح الضرب عليه.
وقد تسأل أن التتابع بين الضرب بالكفين ومسح الأعضاء هل هو معتبر؟
والجواب: نعم أنه معتبر، كما أنه يعتبر الترتيب بين أفعال التيمم حسب
161

تسلسلها الطولي.
(مسألة 374): إذا شك في جزء منه بعد الفراغ لم يلتفت، ولكن الشك إذا
كان في الجزء الأخير ولم تفت الموالاة ولم يدخل في الأمر المرتب عليه من صلاة
ونحوها، فالأظهر وجوب الالتفات إلى الشك، ولو شك في جزء منه بعد
التجاوز عن محله لم يلتفت، كما إذا شك في مسح جبهته بعد أن يبدأ بمسح ظهر
كفه اليمنى أو في مسح ظهر كفه اليمنى بعد أن يبدأ بمسح ظهر كفه اليسرى، وهكذا
لم يلتفت إلى ما شك فيه وبنى على الإتيان به. نعم، لو شك في مسح الجبهة - مثلا -
قبل أن يدخل في مسح ظهر الكف اليمنى وهكذا، لابد من الالتفات والإتيان
بالمشكوك فيه.
الفصل الخامس
أحكام التيمم
تقدم أن الحالات التي يسوغ فيها التيمم بدلا عن الوضوء أو الغسل
متمثلة في سبع حالات منها ضيق الوقت وأثره إنما هو مسوغيته التيمم ومعوضيته
عن الوضوء أو الغسل بالنسبة إلى العمل الذي ضاق وقته فحسب دون غيره
سواء كان ذلك العمل فريضة واجبة أم كان عبادة مستحبة، وبذلك يمتاز ضيق
الوقت عن سائر المسوغات وأما في سعة الوقت فلا مسوغ للتيمم فيها فضلا
عنه قبل الوقت. نعم، يجوز التيمم قبل الوقت للكون على الطهارة أو بغاية
اخرى واجبة كانت أم مستحبة، وإذا تيمم من أجل ذلك وظل تيممه إلى أن
دخل عليه الوقت وهو متيمم وغير واجد للماء جاز له الدخول في الصلاة واقعا
وإن احتمل وجدان الماء في آخر الوقت، فإذا صلى صحت صلاته ولا إعادة
162

عليه حتى إذا صار واجدا للماء قبل انتهاء الوقت. نعم، إذا دخل الوقت ولم يكن
المكلف على تيمم سابق لم تجز له المبادرة إلى التيمم واقعا والصلاة في أول الوقت
مع احتمال ارتفاع العذر قبل الانتهاء منه، فلو تيمم وصلى ثم ارتفع العذر وجبت
عليه الإعادة، بل لو تيمم وصلى مع اليأس عن ارتفاع العذر ثم ارتفع اتفاقا
وجبت عليه الإعادة على الأظهر.
(مسألة 375): إذا تيمم لصلاة فريضة أو نافلة لعذر ثم دخل وقت صلاة
اخرى وهو متطهر بالتيمم السابق، جاز له المبادرة إلى تلك الصلاة في أول وقتها،
وإن احتمل ارتفاع العذر أثناء الوقت أو آخره، فإذا صلى والحال هذه صحت
صلاته وإذا ارتفع العذر بعد ذلك فلا إعادة عليه على الأقرب.
(مسألة 376): لو دخل وقت الصلاة الفريضة على المكلف وهو متطهر
بالتيمم السابق ودخل فيها، ثم وجد الماء في أثنائها، فإن كان بعد الدخول في
ركوع الركعة الاولى مضى في صلاته وصحت على الأقوى، وإن كان قبل
الدخول فيه استأنف من جديد. نعم، إذا كان واثقا ومتأكدا بوجدانه الماء
خلال الساعات المتأخرة من الوقت فالمبادرة إلى الصلاة في أول الوقت لا تخلو
عن إشكال، فالأحوط الإعادة عندئذ لو لم تكن أقوى.
وقد تسأل: أن الحكم بالمضي وعدم وجوب الإعادة إذا وجد الماء بعد
ركوع الركعة الاولى هل يختص بالفريضة أو يعم النافلة أيضا.
والجواب: لا يبعد اختصاصه بالفريضة.
(مسألة 377): إذا تيمم الجنب بدلا عن غسل الجنابة كفاه عن الوضوء
ما لم يصدر منه بعد التيمم ما يوجب الوضوء، فإذا صدر منه شيء من ذلك
وجب عليه الوضوء إن كان ميسورا وإلا تيمم بدلا عنه، وإذا كان التيمم بدلا
163

عن الحدث الأكبر غير الجنابة كمس الميت - مثلا - لم يكف عن الوضوء، وإذا
كان محدثا بالأصغر قبل المس توضأ إن أمكنه ذلك، وإلا تيمم بدلا عن الوضوء
أيضا، وإذا صدر منه حدث بعد التيمم بدل الغسل وجب عليه أن يتوضأ، وإن
لم يمكن ذلك تيمم بدلا عنه، وكل من كان على وضوء إذا مس ميتا لم ينتقض
وضوؤه، وإذا لم يتح له أن يغتسل فتيمم ولم يحتج إلى وضوء أو تيمم بدلا عنه.
(مسألة 378): لا تجوز إراقة الماء الكافي للوضوء أو الغسل بعد دخول
الوقت، وإذا تعمد إراقة الماء بعد دخول وقت الصلاة، وجب عليه التيمم مع
اليأس من الماء وأجزأ، ولكنه أثم، ولو تمكن بعد ذلك وجبت عليه الإعادة في
الوقت، ولا يجب القضاء إذا كان التمكن خارج الوقت، ولو كان على وضوء لا
يجوز إبطاله بعد دخول الوقت إذا علم بعدم وجود الماء أو يئس منه، ولو أبطله
والحال هذه وجب عليه التيمم وأجزأ أيضا ولكنه أثم ومستحق للإدانة. ولو
علم أنه إذا أراق الماء أو أبطل وضوءه قبل الوقت لم يتمكن فيه بعد الوقت فهل
يجوز ذلك؟
والجواب: الأظهر أنه يجوز. نعم، لو علم بأنه لو لم يتيمم قبل الوقت
أو أبطل تيممه لم يتمكن منه بعد الوقت وأصبح فاقد الطهورين، فلا يبعد وجوبه
في الفرض الأول، وعدم جواز إبطاله في الفرض الثاني.
(مسألة 379): يشرع التيمم لكل ما هو مشروط بالطهارة من الفرائض
والنوافل، وكذا كل ما يتوقف كماله على الطهارة إذا كان مأمورا به على الوجه
الكامل، كقراءة القرآن وصلاة الأموات فإنها صحيحة من دون طهارة، ولكنها
مع الطهارة أفضل وأكمل، ويشرع التيمم عوضا عن الوضوء أو الغسل لممارسة
ما يحرم على غير المتوضئ أو غير المغتسل كمس كتابة القرآن وقراءة آيات
164

السجدة ودخول المساجد والمكث فيها وغير ذلك، كما أنه يشرع للكون
على الطهارة.
(مسألة 380): إذا تيمم المحدث لغاية، جازت له كل غاية وصحت منه،
فإذا تيمم للكون على الطهارة صحت منه الصلاة، وجاز له دخول المساجد
والمشاهد وغير ذلك مما يتوقف صحته أو كماله على الطهارة المائية. نعم، لا
يجزئ ذلك فيما إذا تيمم لضيق الوقت، فإنه لا يسوغ إلا العمل الذي ضاق وقته
دون غيره مما لا يتوفر فيه هذا المسوغ، فإذا وجب على الجنب دخول المساجد
فورا لإنقاذ حياة مسلم يتعرض للخطر فيه ولم يكن الوقت متسعا للغسل فيتيمم
ويدخل فإن هذا التيمم لا يكون مسوغا إلا للعمل الذي ضاق وقته وهو الدخول
في المسجد دون غيره من الأعمال المشروطة بالطهارة.
(مسألة 381): إذا تمكن المتيمم من الطهارة المائية في وقت يتسع لها، فإذا
لم يمارسها فيه وتركها، انتقض تيممه سواء أتعذرت الطهارة عليه بعد ذلك أم لا،
وأما من كان متيمما بتيممين أحدهما بدلا عن الغسل والآخر بدلا عن الوضوء
فإذا وجد ماء فإن كان وافيا بالوضوء انتقض ما هو بدل عنه خاصة، وإن كان
وافيا بالغسل فبناء على أن غسل غير الجنابة لا يغني عن الوضوء بطل كلا
التيممين معا، فالنتيجة هي التخيير بين صرف الماء في الوضوء والتيمم بدلا عن
الغسل أو بالعكس، وأما بناء على ما هو الصحيح من أنه يغني عن الوضوء
فيتعين صرف الماء في الغسل؛ لأنه يتضمن الطهارة الغسلية والوضوئية معا
دون العكس.
(مسألة 382): إذا وجد جماعة متيممون ماء مباحا لا يكفي إلا لأحدهم،
فإن تسابقوا إليه جميعا ولم يسبق أحدهم الماء من جهة المزاحمة والممانعة، لم يبطل
165

تيمم أي واحد منهم، وإن سبق واحد منهم بطل تيمم السابق دون الآخرين،
وإن لم يتسابقوا إليه، بطل تيمم الجميع، وكذا إذا كان الماء مملوكا وأباحه المالك
للجميع، وإن أباحه لبعضهم بطل تيمم ذلك البعض لا غير.
(مسألة 383): حكم التداخل الذي مر سابقا في الأغسال يجري في
التيمم أيضا، فلو كان هناك أسباب عديدة للغسل يكفي تيمم واحد عن الجميع،
وحينئذ فإن كان من جملتها الجنابة لم يحتج إلى الوضوء أو التيمم بدلا عنه، وإلا
وجب الوضوء أو تيمم آخر بدلا عنه، إذا كان محدثا بالأصغر أيضا، أو كان من
جملتها غسل الاستحاضة المتوسطة.
(مسألة 384): إذا اجتمع جنب ومحدث بالأصغر وميت، وكان هناك ماء
لا يكفي إلا لأحدهم، فإن كان مملوكا لأحدهم تعين صرفه لنفسه، وإلا
فالمشهور أنه يغتسل الجنب، وييمم الميت، ويتيمم المحدث بالأصغر، ولكنه
لا يخلو عن إشكال بل منع؛ لأن الأمر إذا دار بين الجنب والميت فلا يبعد تقديم
الجنب على الميت على أساس أن الجنب لا يدري أن تكليفه في هذه الحالة هل
هو اغتساله بالماء من الجنابة أو صرفه في غسل الميت، فيقع التزاحم حينئذ بين
وجوب الصلاة مع الطهارة المائية ووجوب غسل الميت، وبما أنه لا يتمكن من
الجمع بينهما فلا يبعد ترجيح الأول على الثاني، وكذلك الحال إذا دار الأمر بين
المحدث بالحدث الأصغر وبين الميت من دون أدنى فرق بينهما من هذه الجهة،
وأما إذا دار الأمر بين الجنب والمحدث بالأصغر فعندئذ إن سبق أحدهما الآخر
في الاستيلاء على الماء فهو مأمور باستعماله والآخر بالتيمم، وإن لم يسبق من
جهة وقوع التزاحم والتمانع بينهما كان كل منهما مأمورا بالتيمم.
(مسألة 385): إذا شك في وجود حاجب في بعض مواضع التيمم فحاله
حال الوضوء والغسل في وجوب الفحص حتى يحصل اليقين أو الاطمئنان بالعدم.
166

المقصد السادس
الطهارة من الخبث
وفيه فصول:
الفصل الأول
في عدد الأعيان النجسة
وهي عشرة:
الأول، والثاني: البول والغائط من الإنسان ومن كل حيوان بريا كان أو
بحريا، وسواء أكان خروجهما من القبل والدبر أو من غيرهما بصورة اعتيادية
أو غير اعتيادية، ويستثنى من ذلك فضلات ثلاثة أصناف من الحيوان:
الأول: الحيوان المأكول لحمه شرعا، سواء كان من الطيور أم من سائر
الأصناف، كالغنم والبقر والإبل والخيل والبغال والدجاج وغير ذلك، شريطة
أن لا يصبح جلالا بالعيش على العذرة مدة، حتى يشتد لحمه، وإلا حرم أكله
وأصبح بوله نجسا ما دام على هذه الحالة، وموطوء الإنسان. نعم، الحكم بنجاسة
خرئهما، لا يخلو عن إشكال بل لا يبعد عدمها، وإن كان الاحتياط في محله.
الثاني: البول والخرء من الطيور بكل أصنافها من المأكول وغير المأكول.
الثالث: البول والخرء من الحيوان الذي ليس له دم سائل.
وقد تسأل: أن بول السمك المحرم الذي هو حيوان لحمي ولكن ليس له
167

دم سائل هل هو نجس أم لا؟
والجواب: أن نجاسة بوله غير بعيدة أو لا أقل من الاحتياط، وأما خرؤه
فالظاهر أنه طاهر.
(مسألة 386): قد تسأل أنه إذا أصاب ثوب الإنسان أو بدنه فضلة
حيوان ولم يدر أنها نجسة أو لا، فهل يحكم بنجاستها؟
والجواب: أن المكلف إذا كان لا يعلم بأنها من فضلة الحيوان الذي
يسوغ أكل لحمه أو من الحيوان الذي لا يسوغ أكل لحمه، ففي هذه الحالة يحكم
بطهارتها، وكذلك إذا كان لا يعلم بأنها من الحيوان الذي ليس له دم سائل، أو
من الحيوان الذي له دم سائل، فإن في هذه الحالة أيضا يحكم بطهارتها، وأما إذا
كان على يقين بأنها من الحيوان الذي لا يسوغ أكل لحمه، ولكنه لا يدري
بأنها من فضلات الطيور المحرمة أو من الحيوانات الاخرى، ففي هذه الحالة
يحكم بنجاستها.
الثالث: المني من الإنسان رجلا كان أم امرأة، ومن كل حيوان له نفس
سائلة وإن حل أكل لحمه، وأما مني الحيوان الذي ليست له نفس سائلة، بمعنى
لا يجري دمه من العروق بدفع وقوة، كالسمك والحشرات وغيرهما فهو طاهر.
الرابع: الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة وإن كان محلل الأكل، وكذا
أجزاؤها المبانة منها وإن كانت صغارا، ونقصد بالميتة كل حيوان مات من دون
تذكية شرعية سواء مات موتا طبيعيا أو قتلا أو خنقا أو ذبحا على وجه
غير شرعي.
(مسألة 387): الجزء المقطوع من الحي بمنزلة الميتة، ويستثنى من ذلك
الثالول، والبثور، وما يعلو الشفة والقروح ونحوها عند البرء، وقشور الجرب
168

ونحوه، والمتصل بما ينفصل من شعره، وما ينفصل بالحك ونحوه من بعض
الأبدان، فإن ذلك كله طاهر إذا فصل من الحي.
(مسألة 388): أجزاء الميتة إذا كانت لا تحلها الحياة طاهرة، وهي
الصوف، والشعر، والوبر، والعظم، والقرن، والمنقار، والظفر، والمخلب،
والريش، والظلف، والسن والبيضة إذا اكتست القشر الأعلى، وإن لم يتصلب،
سواء أكان ذلك كله مأخوذا من الحيوان الحلال أو الحرام، وسواء اخذ بجز، أو
نتف، أو غيرهما. نعم، يجب غسل المنتوف من رطوبات الميتة، ويلحق
بالمذكورات الإنفحة وهي تخرج من بطن الجدي إذا مات حال ارتضاعه، فإن
عادة أهل المواشي قد جرت على أنه إذا مات حال ارتضاعه استخرجوا معدته
وعصروها حتى تجمد كالجبن، ويسمى ذلك بالأنفحة، وكذلك اللبن في الضرع،
إذا كان من الحيوان الذي يؤكل لحمه، وأما إذا كان من الحيوان الذي لا يؤكل
لحمه فهو نجس، ولا ينجس بملاقاة الضرع، هذا كله في ميتة طاهرة العين، أما
ميتة نجسة العين فلا يستثنى منها شيء.
(مسألة 389): فأرة المسك طاهرة، إذا انفصلت من الظبي الحي، وهي
اسم لمادة منجمدة من دم الغزال يحوطها جلد يسمى بفأرة المسك.
أما إذا انفصلت من الميت، فهل هي طاهرة أو نجسة؟
والجواب: لا يبعد طهارتها وإن كان الاحتياط في محله، ومع الشك في
ذلك يبنى على الطهارة، وأما المسك فهو طاهر على كل حال وإن كان مأخوذا
من ميت بل وإن كان يعلم برطوبته المسرية حال موت الظبي.
(مسألة 390): ميتة ما لا نفس له سائلة طاهرة، كالوزغ، والعقرب
والسمك، ومنه الخفاش على ما قضى به الاختبار، وكذا ميتة ما يشك في أن له
نفسا سائلة أم لا.
169

(مسألة 391): المراد من الميتة ما استند موته إلى أمر آخر، غير التذكية
على الوجه الشرعي كما تقدم.
(مسألة 392): ما يؤخذ من يد المسلم، أو سوقهم من اللحم والشحم،
والجلد، إذا شك في تذكية حيوانه فهو محكوم بالطهارة والحلية ظاهرا، بل لا
يبعد ذلك حتى لو علم بسبق يد الكافر عليه إذا احتمل أن المسلم قد أحرز
تذكيته على الوجه الشرعي، وكذا ما صنع في أرض الإسلام، أو وجد مطروحا
في أرض المسلمين إذا كان عليه أثر الاستعمال منهم الدال على التذكية، مثل
ظرف الماء والسمن واللبن الكاشف عن أنه كان تحت أيديهم وفي حيازتهم.
(مسألة 393): المذكورات إذا أخذت من أيدي الكافرين محكومة
بالطهارة أيضا، إذا احتمل أنها مأخوذة من المذكى، لكنه لا يجوز أكلها، ولا
الصلاة فيها ما لم يحرز أخذها من المذكى، ولو من جهة العلم بسبق يد المسلم عليها.
(مسألة 394): السقط قبل ولوج الروح يعتبر ميتة على الأحوط، وكذا
الفرخ في البيض قبل أن تلجه الروح.
(مسألة 395): الإنفحة هي ما يستحيل إليه اللبن الذي يرتضعه الجدي،
أو السخل قبل أن يأكل كما مر.
الخامس: الدم من الحيوان ذي النفس السائلة، أما دم ما لا نفس له
سائلة كدم السمك، والبرغوث، والقمل، ونحوها فإنه طاهر، وكذا الدم الذي
يمتصه البرغوث أو القمل ونحوهما من الإنسان أو الحيوان فإنه طاهر.
(مسألة 396): إذا وجد في ثوبه - مثلا - دما لا يدري أنه من الحيوان
ذي النفس السائلة أو من غيره بنى على طهارته.
170

(مسألة 397): دم العلقة المستحيلة من النطفة نجس، والدم الذي قد
يتفق وجوده في البيضة فهو طاهر. نعم، إذا لم يستهلك فابتلاعه غير جائز.
(مسألة 398): كل دم يبقى في لحم الذبيحة وعروقها وكبدها وبطنها وما
شابه ذلك بعد خروج المقدار المعتاد من محل الذبح إلى الخارج فهو طاهر.
(مسألة 399): إذا خرج من الجرح، أو الدمل شيء أصفر يشك في أنه
دم أم لا، يحكم بطهارته، وكذا إذا شك من جهة الظلمة أنه دم، أم قيح، ولا
يجب عليه الاستعلام، وكذلك إذا حك جسده فخرجت رطوبة يشك في أنها دم،
أو ماء أصفر يحكم بطهارتها، وإذا علم أن على ثوبه دما ولكنه شك في أنه من
دم الغنم - مثلا - حتى يكون نجسا أو من السمك حتى يكون طاهرا فهو طاهر.
نعم، إذا علم أن على ثوبه دما ولكن لا يدري أنه من دم بدنه لكي يكون نجسا
أو هو من بعوضة امتصته منه أو من إنسان آخر أو حيوان له دم سائل لكي
يكون طاهرا فهو نجس.
(مسألة 400): الدم الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب، نجس
ومنجس له.
السادس، والسابع: الكلب والخنزير البريان بجميع أجزائهما من العظم
والشعر واللحم والسن والظفر سواء كانا حيين أم ميتين نجس ذاتا وعينا من
دون فرق بين أنواع الكلاب. نعم، لا تشمل النجاسة كلب البحر ولا خنزير
البحر وأما ما عداهما من الحيوانات فهو طاهر بكل أصنافها.
الثامن: المسكر المائع المتخذ من العنب وهو الخمر نجس عينا وذاتا دون
مطلق المسكر، سواء كان مائعا أم جامدا كالحشيشة فإنها طاهرة، وأما
المسكرات المائعة المتخذة من غير العنب فهي محرمة ولا تكون نجسة حتى النبيذ
171

على الأظهر، وبكلمة أن النجس عينا من المسكرات الخمر فحسب دون سائر
المسكرات سواء كانت مائعة أم جامدة.
(مسألة 401): العصير العنبي إذا غلى بالنار، فالظاهر بقاؤه على الطهارة
وإن صار حراما، فإذا ذهب ثلثاه بالنار صار حلالا، ولا يكفي ذهاب الثلين
بغير النار في الحكم بالحلية، وأما إذا غلى العصير العنبي بالنشيش ومن دون نار
فهو حرام ونجس؛ لأنه خمر مأخوذ من العنب، فإذن فرق بين العصير العنبي
المغلي بالنار والعصير العنبي المغلي بحرارة الشمش وبصورة تدريجية طبيعية
فالأول حرام وليس بنجس والثاني حرام ونجس.
(مسألة 402): العصير الزبيبي والتمري لا ينجس ولا يحرم بالغليان بالنار
ولا بغيرها، فيجوز وضع التمر والزبيب والكشمش في المطبوخات مثل المرق،
والمحشى والطبيخ وغيرها، وكذا دبس التمر المسمى بدبس الدمعة.
التاسع: الفقاع، وهو شراب مخصوص متخذ من الشعير، وليس ماء
الشعير منه.
العاشر: الكافر، وهو من لم ينتحل دينا أو انتحل دينا غير الإسلام أو
انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي، بحيث رجع جحده إلى
إنكار الرسالة، ولا فرق بين المرتد والكافر الأصلي والحربي والذمي، هذا في
غير الكتابي، أما الكتابي فالمشهور نجاسته ولكنه لا يخلو عن إشكال بل منع،
والأظهر طهارته، وأما الخوارج والغلاة والنواصب فالأظهر طهارتهم شرعا؛
لأن نجاستهم معنوية لا اعتبارية.
(مسألة 403): عرق الجنب من الحرام طاهر بل لا مانع من الصلاة فيه،
وإن كان الأحوط ترك الصلاة فيه والاجتناب عنه.
172

(مسألة 404): عرق الإبل الجلالة وغيرها من الحيوان الجلال طاهر،
ولكن لا تجوز الصلاة فيه.
الفصل الثاني
في كيفية سراية النجاسة إلى الملاقي
(مسألة 405): الجسم الطاهر إذا لاقى الجسم النجس لا تسري النجاسة
إليه، إلا إذا كان في أحدهما رطوبة مسرية، يعني: تنتقل من أحدهما إلى الآخر
بمجرد الملاقاة، فإذا كانا يابسين أو نديين جافين لم يتنجس الطاهر بالملاقاة،
وكذا لو كان أحدهما مائعا بلا رطوبة كالذهب والفضة ونحوهما من الفلزات،
فإنها إذا أذيبت في ظرف نجس لا تنجس.
(مسألة 406): الفراش الموضوع في أرض السرداب إذا كانت الأرض
نجسة، لا ينجس، وإن سرت رطوبة الأرض إليه وصار ثقيلا بعد أن كان خفيفا،
فإن مثل هذه الرطوبة غير المسرية لا توجب سراية النجاسة، وكذلك جدران
المسجد المجاور لبعض المواضع النجسة مثل الكنيف ونحوه فإن الرطوبة السارية
منها إلى الجدران ليست مسرية ولا موجبة لتنجسها، وإن كانت مؤثرة في الجدار
على نحو قد تؤدي إلى الخراب.
(مسألة 407): يشترط في سراية النجاسة في المائعات أن لا يكون المائع
جاريا بدفع وقوة من الأعلى إلى الأسفل، وإلا اختصت النجاسة بموضع الملاقاة،
ولا تسري إلى ما اتصل به من الأجزاء، فإن صب الماء من الإبريق على شيء
نجس من الأعلى إلى الأسفل لا تسري النجاسة إلى العمود المتصل بموضع
النجس فضلا عما في الإبريق، وكذا الحكم لو كان التدافع من الأسفل إلى الأعلى
173

كما في الفوارة أو من مكان من الأرض إلى مكان مواز له.
(مسألة 408): الأجسام الجامدة إذا لاقت النجاسة مع الرطوبة المسرية
تنجس موضع الاتصال فحسب، أما غيره من الأجزاء المجاورة له فلا تسري
النجاسة إليه، وإن كانت الرطوبة المسرية مستوعبة للجسم، فالخيار أو البطيخ
أو نحوهما إذا لاقته النجاسة يتنجس موضع الاتصال منه لا غير، وكذلك بدن
الإنسان إذا كان عليه عرق، ولو كان كثيرا فإنه إذا لاقى النجاسة تنجس الموضع
الملاقي لا غير، إلا أن يجري العرق المتنجس على الموضع الآخر فإنه ينجسه أيضا.
(مسألة 409): يشترط في سراية النجاسة في المائعات أن لا يكون المائع
غليظا، وإلا اختصت بموضع الملاقاة لا غير، فالدبس الغليظ إذا أصابته
النجاسة، لم تسر النجاسة إلى تمام أجزائه، بل يتنجس موضع الاتصال لا غير،
وكذا الحكم في اللبن الغليظ. نعم، إذا كان المائع رقيقا سرت النجاسة إلى تمام
أجزائه كالسمن والعسل، والدبس في أيام الصيف، بخلاف أيام البرد، فإن الغلظ
مانع من سراية النجاسة إلى تمام الأجزاء، والحد في الغلظ والرقة هو أن المائع
إذا كان بحيث لو اخذ منه شيء بقي مكانه خاليا حين الأخذ، وإن امتلأ بعد ذلك
فهو غليظ، وإن امتلأ مكانه بمجرد الأخذ فهو رقيق، هذا هو الفارق بين
الأشياء الطاهرة الجامدة والأشياء الطاهرة المائعة، فإن الاولى يتنجس منها محل
الملاقاة المباشر خاصة، والثانية تتنجس كلها بالملاقاة يعني عرضا وطولا وعمقا.
(مسألة 410): الجسم الطاهر إذا لاقى عين النجس تنجس بلا فرق بين
أن يكون ذلك الجسم الطاهر مائعا كالماء القليل أو نحوه، أو جامدا كالثوب أو
الفرش أو اليد أو غير ذلك، كما أنه لا فرق في ذلك بين أن تكون عين النجس
مائعة أو جامدة. نعم، إن الملاقي إن كان مائعا سرت النجاسة بالملاقاة إلى جميع
174

أجزائه، وإلا لم تسر إلا إلى محل الملاقاة فحسب كما مر، وإذا لاقى الجسم الطاهر
المتنجس الأول وهو المتنجس بملاقاة عين النجس مباشرة، فإن كان ذلك
المتنجس الأول مائعا كالماء والحليب وغيرهما تنجس الملاقي له من دون فرق
بين أن يكون ماء قليلا أو غيره، وإن كان جامدا ولم يكن فيه شيء من أجزاء
عين النجس فحينئذ إن كان الملاقي له الماء القليل لم يتنجس على الأظهر، وإن
كان غيره تنجس، وبكلمة أن الماء القليل يتنجس بملاقاة عين النجس مباشرة،
ولا يتنجس بملاقاة المتنجس الخالي عن عين النجس على الأظهر، وأما غير
الماء القليل فهو يتنجس بملاقاة المتنجس الأول كما يتنجس بملاقاة عين النجس.
(مسألة 411): قد تسأل أن المتنجس الثاني وهو المتنجس بواسطة
واحدة بينه وبين عين النجس هل ينجس ما يلاقيه؟
والجواب: أنه لا ينجسه على الأظهر، إذا كانت الواسطة بينه وبين عين
النجس من الجوامد لا من المائعات.
مثال الأول: ثوب لاقى برطوبته الميتة ثم لاقت يدك وهي رطبة الثوب
ولاقى الفراش بعد ذلك يدك برطوبة، فالثوب الذي تنجس بملاقاة عين النجس
هو المتنجس الأول، ويدك التي تنجست بملاقاة الثوب يعني بواسطة واحدة بينه
وبين عين النجس هي المتنجس الثاني بعد الأول في تسلسل المتنجسات.
وأما الفراش الذي لاقى برطوبة المتنجس الثاني وهو يدك في المثال فهل
يتنجس بذلك؟
والجواب: أنه لا يتنجس بذلك على الأظهر، إذ يكون بينه وبين عين
النجس واسطتان هما الثوب واليد، فلا تسري النجاسة إلى ما تفصله عن عين
النجس واسطتان، وهذا معنى قولنا إن المتنجس الأول ينجس، وإن المتنجس
175

الثاني لا ينجس، ونريد بالمتنجس الأول ما كان متنجسا بعين النجس مباشرة
ونريد بالمتنجس الثاني ما كان متنجسا بواسطة واحدة بينه وبين عين النجس.
مثال الثاني: ماء قليل لاقى الميتة ثم وقع الماء على الثوب ولاقى الثوب
بعد ذلك الفراش برطوبة، وعلى هذا فبين الفراش وبين عين النجس واسطتان
هما الماء القليل والثوب، وحيث أن الواسطة الاولى من المائعات فهي لا تحسب
واسطة، وكأن بين الفراش وعين النجس واسطة واحدة وهي الثوب، فتسري
النجاسة أي تمتد من عين النجس إلى ملاقيها بواسطة واحدة ولكن على الأحوط.
(مسألة 412): تثبت النجاسة بالعلم، وبشهادة العدلين، وبإخبار ذي
اليد، بل بإخبار مطلق الثقة أيضا على الأظهر.
(مسألة 413): لا يتنجس بدن الحيوان بملاقاة عين النجس، فإن التصق
ببدنه شيء من عين النجس كان الملتصق هو النجس دون بدنه، فإذا أزيل عنه
فلا مبرر للاجتناب عنه، ومن هذا القبيل باطن الإنسان فإنه لا يتنجس
بملاقاة النجس الخارجي، كما أن الجسم من الخارج إذا وصل إليه ولاقى النجس
فيه لا يتنجس.
(مسألة 414): ما يؤخذ من أيدي الكافرين من الخبز والزيت والعسل
ونحوها من المائعات والجامدات طاهر، إلا أن يعلم بالنجاسة، وكذلك ثيابهم
وأوانيهم وغيرها من متعلقاتهم.
176

الفصل الثالث
في أحكام النجاسة
(مسألة 415): يشترط في صحة الصلاة الواجبة والمندوبة وكذلك في
أجزائها المنسية طهارة بدن المصلي وتوابعه من شعره، وظفره، ونحوهما، وطهارة
ثيابه من غير فرق بين الساتر وغيره، والطواف الواجب والمندوب كالصلاة
في ذلك على الأحوط.
(مسألة 416): الغطاء الذي يتغطى به المصلي إيماء إن كان ملتفا به المصلي
بحيث يصدق أنه صلى فيه وجب أن يكون طاهرا، وإلا فلا.
(مسألة 417): يشترط في صحة الصلاة طهارة محل السجود، وهو ما
يحصل به مسمى وضع الجبهة، دون غيره من مواضع السجود، وإن كان اعتبار
الطهارة فيها أحوط استحبابا.
(مسألة 418): كل واحد من أطراف الشبهة المحصورة بحكم النجس، فلا
يجوز لبسه في الصلاة، ولا السجود عليه، بخلاف ما هو من أطراف الشبهة
غير المحصورة.
(مسألة 419): إذا كان ثوب المصلي أو بدنه أو مسجده نجسا وكان
جاهلا بمانعية النجاسة في الصلاة وصلى في هذه الحالة، فحينئذ إن كان جاهلا
مركبا حكم بصحة صلاته حتى ولو كان عن تقصير، وإن كان بسيطا فإن كان
معذورا فيه كما في موارد الجهل بالحكم بعد الفحص حكم بصحة صلاته أيضا،
وإن لم يكن معذورا فيه كالجهل بالمانعية أو الجزئية أو الشرطية قبل الفحص
حكم ببطلان صلاته ولزوم إعادتها، وعلى هذا فمن صلى في ثوب علم بوجود
177

دم فيه، ولكنه جاهل بنجاسته بمعنى أنه لا يعلم أنه نجس أو لا، أو عالم
بنجاسته ولكنه جاهل بمانعيتها عن الصلاة وشاك فيها، فحينئذ إن كان جهله
بذلك عن تقصير بطلت صلاته، وإلا صحت.
(مسألة 420): لو كان جاهلا بالنجاسة ولم يعلم بها حتى فرغ من صلاته
فلا إعادة عليه في الوقت، ولا القضاء في خارجه، وكذلك إذا كان معتقدا
بالطهارة وبعد الصلاة علم بالنجاسة، وأنه قد صلى بها جزما، فإنه لا شيء
عليه حتى ولو كان الوقت باقيا ولم يمض بعد.
(مسألة 421): لو علم في أثناء الصلاة بوقوع بعض الصلاة في النجاسة،
فإن كان الوقت واسعا بطلت واستأنف الصلاة من جديد، وإن كان الوقت ضيقا
حتى عن إدراك ركعة، فإن أمكن التبديل أو التطهير في الأثناء بلا لزوم المنافي
وجب عليه ذلك وأتم صلاته، وإلا صلى فيه والأحوط وجوبا القضاء.
(مسألة 422): لو عرضت النجاسة في أثناء الصلاة، فإن أمكن التطهير
أو التبديل، على وجه لا ينافي الصلاة فعل ذلك وواصل صلاته ولا إعادة عليه،
وإذا لم يمكن ذلك، فإن كان الوقت واسعا استأنف الصلاة بالطهارة من جديد،
وإن كان ضيقا فمع عدم إمكان النزع لبرد ونحوه ولو لعدم الأمن من الناظر المحترم
واصل صلاته ولا شيء عليه، ولو أمكنه النزع ولكن لا ساتر له غيره فالأظهر
وجوب الإتمام فيه، وإذا علم بالنجاسة في أثناء الصلاة ولكنه لا يدري أنها
قد طرأت عليه الآن أو كانت موجودة سابقا، فإنه يبني على أنها أصابته الآن
ويعمل كما تقدم.
(مسألة 423): إذا علم بأن على ثوبه أو بدنه نجاسة ثم ذهل عنها ونسي
وصلى فيه بطلت صلاته، وحينئذ فإن تذكر في الوقت أعادها فيه وإن تذكر بعد
الوقت قضاها.
178

(مسألة 424): إذا تذكر وهو في الصلاة أن ثوبه هذا الذي يصلي فيه الآن
نجس من قبل أن يبدأ بالصلاة، ولكن قد ذهل عن نجاسته ونسيها فصلاته باطلة،
ومثله من علم وهو في أثناء الصلاة أن ثوبه نجس من قبل أن يشرع في الصلاة،
ولكنه كان جاهلا بذلك حين دخل في صلاته، فإن صلاته باطلة كالناسي.
(مسألة 425): إذا طهر ثوبه النجس، وصلى فيه ثم تبين أن النجاسة باقية
فيه، لم تجب الإعادة ولا القضاء؛ لأنه كان جاهلا بالنجاسة.
(مسألة 426): إذا لم يجد إلا ثوبا نجسا، فإن لم يمكن نزعه لبرد ونحوه
صلى فيه بلا إشكال ولا يجب عليه القضاء.
وإن أمكن نزعه فهل وظيفته الصلاة في الثوب النجس أو الصلاة عاريا؟
والجواب: لا يبعد أن تكون وظيفته التخيير، وإن كان الأحوط اختيار
الصلاة في الثوب النجس، بل الأحوط الجمع بينهما.
(مسألة 427): إذا كان عنده ثوبان يعلم إجمالا بنجاسة أحدهما وجبت
الصلاة في كل منهما، ولو كان عنده ثوب ثالث يعلم بطهارته تخير بين الصلاة فيه
والصلاة في كل منهما.
(مسألة 428): إذا تنجس موضع من بدنه وموضع من ثوبه أو موضعان
من بدنه أو من ثوبه، ولم يكن عنده من الماء ما يكفي لتطهيرهما معا، لكن كان
يكفي لأحدهما وجب تطهير أحدهما مخيرا، إلا مع الدوران بين الأقل والأكثر
فيختار تطهير الأكثر.
(مسألة 429): يحرم أكل النجس وشربه، ويجوز الانتفاع به فيما لا
يشترط فيه الطهارة.
179

(مسألة 430): لا يجوز بيع الميتة والخمر والخنزير والكلب غير الصيود،
ولا بأس ببيع غيرها من الأعيان النجسة، والمتنجسة إذا كانت لها منفعة محللة
معتد بها عند العقلاء على نحو يبذل بإزائها المال.
وإن لم تكن لها منفعة محللة معتد بها كذلك، وإن كانت لها منفعة محللة
جزئية فهل يجوز بيعها؟
والجواب: لا يبعد جوازه وإن كان الاحتياط في محله.
(مسألة 431): يحرم تنجيس المساجد وبنائها، وسائر آلاتها وكذلك
فراشها وظروفها، وأما إذا تنجس شيء من ذلك فوجوب التطهير كفائيا مختص
بالمسجد وجدرانه ومواد بنائه، ولا يشمل الأشياء المنفصلة، بل يحرم إدخال
النجاسة العينية غير المتعدية إليه، إذا لزم من ذلك هتك حرمة المسجد، مثل
وضع العذرات والميتات فيه، ولا بأس به مع عدم الهتك، ولا سيما فيما لا يعتد به
لكونه من توابع الإنسان الداخل فيه، مثل أن يدخل الإنسان وعلى ثوبه أو بدنه
دم لجرح أو قرحة أو نحو ذلك.
(مسألة 432): تجب المبادرة إلى إزالة النجاسة من المسجد إذا استلزمت
هتك حرمته، وإلا فوجوبها مبني على الاحتياط، وبذلك يظهر حال المسائل
الآتية، وأما آلاته وفراشه فعلى الأحوط استحبابا، ولو دخل المسجد ليصلي فيه
فوجد فيه نجاسة وجبت المبادرة إلى إزالتها مقدما لها على الصلاة في سعة الوقت،
لكن لو صلى وترك الإزالة عصى وصحت الصلاة، أما في الضيق فتجب المبادرة
إلى الصلاة مقدما لها على الإزالة.
(مسألة 433): إذا توقف تطهير المسجد على تخريب شيء منه وجب
تطهيره إذا كان يسيرا لا يعتد به، وأما إذا كان التخريب مضرا بالوقف ففي
180

جوازه فضلا عن الوجوب إشكال، بل منع حتى فيما إذا وجد باذل لتعميره.
(مسألة 434): إذا كان تنجس المسجد أو شيء من توابعه بفعل شخص
معين وجب عليه تطهيره، مضافا إلى الوجوب الكفائي العام، وإذا امتنع عن
القيام بواجبه وقام غيره بذلك، وأنفق بإذن الحاكم الشرعي في سبيل تطهيره،
فله أن يطالب ذلك الشخص بالتعويض عما أنفقه على أساس أنه المسؤول
المباشر، وإذا امتنع عن التعويض فللحاكم الشرعي إجباره على ذلك، وإذا لم
يكن تنجيسه بفعل شخص خاص، وتوقف تطهيره على بذل مال وجب بذله كفاية،
وإذا كان ضرريا بحاله لم يجب عليه، وحينئذ فيجب على الكل القيام بذلك،
وإلا فعلى الحاكم الشرعي أن ينفق من بيت المال.
(مسألة 435): إذا توقف تطهير المسجد على تنجس بعض المواضع
الطاهرة وجب، إذا كان يطهر بعد ذلك.
(مسألة 436): إذا لم يتمكن الإنسان من تطهير المسجد وجب عليه إعلام
غيره، إذا احتمل حصول التطهير بإعلامه.
(مسألة 437): إذا تنجس حصير المسجد فقد تقدم أنه لا يجب تطهيره
لا على الشخص المنجس ولا على غيره وإن لم يستلزم الفساد.
(مسألة 438): لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا، وإن كان لا
يصلي فيه أحد، ويجب تطهيره إذا تنجس.
(مسألة 439): إذا علم إجمالا بنجاسة أحد المسجدين، أو أحد المكانين
من مسجد وجب تطهيرهما.
(مسألة 440): يلحق بالمساجد المصحف الشريف والمشاهد المشرفة
والضرائح المقدسة والتربة الحسينية بل تربة الرسول (صلى الله عليه وآله) وسائر الأئمة (عليهم السلام)
181

المأخوذة للتبرك، فيحرم تنجيسها إذا كان يوجب إهانتها وهدر كرامتها، وتجب
إزالة النجاسة عنها حينئذ.
(مسألة 441): إذا غصب المسجد وجعل طريقا أو دكانا أو خانا أو نحو
ذلك، ففي حرمة تنجيسه ووجوب تطهيره إشكال، والأقوى عدم وجوب
تطهيره من النجاسة الطارئة عليه بعد الخراب، وأما معابد الكفار فلا يحرم
تنجيسها، ولا تجب إزالة النجاسة عنها. نعم، إذا اتخذت مسجدا بأن يتملكها
ولي الأمر، ثم يجعلها مسجدا، جرى عليها جميع أحكام المسجد.
تتميم
فيما يعفى في الصلاة من النجاسات، وهو أمور:
الأول: دم الجروح والقروح في البدن واللباس ما لم يبرأ الجرح أو القرح،
قل هذا الدم أو كثر في الثوب أو البدن، ولا فرق في ذلك بين الجرح في ظاهر
البدن أو في باطنه كالبواسير الداخلية إذا خرج دمها وسرى إلى اللباس أو البدن،
وكذا الجرح أو القرح الباطني الذي هو في حكم الظاهر كالجرح في الفم أو الاذن.
نعم، لا يشمل العفو الدم الخارج من الجرح أو القرح في صدر الإنسان أو كبده
أو معدته، ولكن هذا العفو منوط بمشقة التطهير والإزالة أو التبديل نوعا، وإلا
فلا مبرر للعفو.
(مسألة 442): كما يعفى عن الدم المذكور، يعفى أيضا عن القيح المتنجس
به، والدواء الموضوع عليه عادة والعرق المتصل به، والأحوط - استحبابا - شده
إذا كان في موضع يتعارف شده.
(مسألة 443): إذا كانت الجروح والقروح المتعددة متقاربة، بحيث تعد
182

جرحا واحدا عرفا، جرى عليه حكم الواحد، فلو برأ بعضها لم يجب غسله،
بل هو معفو عنه حتى يبرأ الجميع.
(مسألة 444): إذا شك في الدم أنه دم جرح أو قرح أو لا، لا يعفى عنه،
وإذا شك الجريح أو القريح أن جرحه أو قرحه هل برأ أم لا، كما إذا كان جرحا
أو قرحا داخليا بنى على أنه باق، ولا يجب عليه تطهير ما رشح منه من الدم
ما لم يقطع بالبرء.
الثاني: الدم في البدن واللباس إذا كانت سعته أقل من الدرهم البغلي، ولم
يكن من دم نجس العين، ولا من الميتة، ولا من غير مأكول اللحم، وإلا فلا يعفى
عنه على الأظهر، والأحوط استحبابا إلحاق الدماء الثلاثة - الحيض والنفاس
والاستحاضة - بالمذكورات، ولا يلحق المتنجس بالدم به.
(مسألة 445): إذا تفشى الدم من أحد الجانبين إلى الآخر فهو دم واحد.
نعم، إذا كان قد تفشى من مثل الظهارة إلى البطانة، فهو دم متعدد فيلحظ التقدير
المذكور على فرض اجتماعه، فإن لم يبلغ المجموع سعة الدرهم عفي عنه، وإلا فلا،
وكذلك إذا كان الدم نقاطا صغيرة في مواضع متعددة من ثوب المصلي.
(مسألة 446): إذا اختلط الدم بغيره من قيح أو ماء أو غيرهما لم يعف عنه.
(مسألة 447): إذا تردد قدر الدم بين المعفو عنه، وهو ما دون الدرهم،
والأكثر وهو بقدر الدرهم، وما زاد بنى على العفو، وكذلك إذا كانت سعة الدم
أقل من الدرهم، وشك في أنه من الدم المعفو عنه أو من غيره، بنى على العفو
ولم يجب الاختبار، وإذا انكشف بعد الصلاة أنه من غير المعفو لم تجب الإعادة.
183

(مسألة 448): الظاهر أن الدرهم يساوي عقد السبابة في الرجل الذي
يعتبر اعتياديا في حجم أصابعه والسبابة.
الثالث: الملبوس الذي لا تتم به الصلاة وحده - يعني لا يستر العورتين -
كالخف، والجورب، والتكة، والقلنسوة، والخاتم، والخلخال، والسوار، ونحوها،
فإنه معفو عنه في الصلاة، إذا كان متنجسا ولو بنجاسة من غير المأكول، بشرط
أن لا يكون فيه شيء من أجزائه، وإلا فلا يعفى عنه، ولا يشمل هذا العفو
اللباس المتخذ من الميتة كجلدها، واللباس المتخذ من نجس العين كشعر الكلب
أو الخنزير، واللباس المتخذ من المتنجس بفضلات الحيوان الذي لا يؤكل لحمه،
وكان شيء منها لا يزال موجودا فيه، وكذلك إذا وجد عليه أي شيء من أجزائه.
(مسألة 449): الأظهر عدم العفو عن المحمول المتخذ من أجزاء ما لا
يؤكل لحمه، سواء أكان نجس العين كالكلب والخنزير، أو لا، كالأرنب والثعلب
ونحوهما، وكذلك عدم العفو عن المحمول المتخذ من أجزاء الميتة التي تحلها الحياة،
وأما المحمول المتنجس فهو معفو عنه حتى إذا كان مما تتم فيه الصلاة، فضلا عما
لا تتم الصلاة به كالساعة والدراهم والسكين والمنديل الصغير ونحوها.
الرابع: ثوب الأم المربية للطفل الذكر، فإنه معفو عنه إذا تنجس ببول
الطفل شريطة أن لا يكون عندها غيره، وأن تغسله في اليوم والليلة مرة، مخيرة
بين ساعاته، ولا يتعدى من الأم إلى مربية اخرى، ولا من الذكر، إلى الأنثى،
ولا من البول إلى غيره، ولا من الثوب إلى البدن، ولا من المربية إلى المربي،
ولا من ذات الثوب الواحد إلى ذات الثياب المتعددة، مع عدم حاجتها إلى لبسهن
جميعا، وإلا فهي كالثوب الواحد، هذا هو المشهور، ولكنه لا يخلو عن إشكال،
بل منع، والأظهر عدم العفو، غاية الأمر إذا كان ذلك حرجيا عليها، جاز لها أن
تصلي في الثوب المتنجس، كما هو الحال في سائر موارد ما إذا كان التطهير حرجيا.
184

الفصل الرابع
في المطهرات
وهي أمور:
الأول: الماء وهو مطهر لكل متنجس يغسل به على نحو يستولي على
المحل النجس، كما أنه مطهر للماء النجس أيضا بالاتصال به على تفصيل تقدم
في أحكام المياه. نعم، لا يطهر الماء المضاف في حال كونه مضافا، وكذا غيره
من المائعات.
(مسألة 450): يعتبر في التطهير بالماء أمور:
الأول: أن يكون الماء طاهرا، فلا يحصل التطهير بالماء النجس.
الثاني: أن لا يتنجس الماء خلال عملية الغسل بالتغير بأحد أوصاف
النجس أو بالملاقاة بعين النجس إذا كان الماء قليلا.
الثالث: أن يبقى الماء مطلقا إلى أن يكتمل الغسل، وأما إذا صار مضافا
خلال عملية التطهير وقبل اكتمالها فلا يكون مطهرا.
الرابع: إزالة عين النجاسة عن الشيء المتنجس، إما قبل الغسل أو
بنفس الغسل.
الخامس: استيلاء الماء على موضع النجس، وبه يتحقق مفهوم الغسل
عرفا، ولا يتوقف على انفصال الغسالة عن المتنجس.
هذه هي الشروط العامة للتطهير، من غير فرق بين أن يكون بالماء الكثير
أو القليل. نعم، يختلف التطهير بالماء القليل عن التطهير بالماء الكثير في موارد:
185

1 - الثوب المتنجس بالبول إذا غسل بالماء القليل اعتبر مرتين، وإذا
غسل بالماء الكثير كالجاري كفى مرة واحدة.
2 - الإناء الذي يستعمل في الطعام والشراب، إذا شرب الكلب منه أو
ولغ فيه، يغسل بالتراب الطاهر الممزوج بشيء من الماء أولا، ثم غسل بالماء،
فإن كان بالماء القليل فمرتين والأحوط ضم المرة الثالثة إليهما أيضا، ويلحق
بذلك لطع الكلب الإناء من دون شرب على الأحوط، وإن كان بالماء الكثير أو
الجاري فمرة واحدة.
3 - الأشياء التي تنفذ فيها النجاسة المائعة كالملابس والفراش والوسائد
وغيرها إذا تنجست بتلك النجاسة ونفذت في أعماقها، فإن غسلت بالماء القليل
وجب فركها ودلكها عند عملية الغسل والتطهير على الأحوط، وإن غسلت
بالماء الكثير كفى نفوذ الماء فيها.
4 - أواني الطعام والشراب إذا تنجست بصورة عامة، فإن غسلت بالماء
القليل فثلاث مرات، وإلا كفى مرة واحدة.
(مسألة 451): إذا تنجس مثل الصابون، والطين والخزف والخشب والخبز
ونحوها، ونفذت النجاسة في أعماقها، كفى في تطهير تلك الأعماق نفوذ الماء
وتسربه إليها، على الرغم من أن المتسرب من الماء إلى الأعماق ليس إلا مجرد
رطوبات، ولا يتحقق بذلك الغسل والاستيلاء، ولكن مع هذا يحكم بطهارة
أعماقها وبواطنها، على أساس ما هو المرتكز في أذهان العرف العام من أن تطهير
كل شيء وغسله بحسبه، وعليه فيمكن تطهير الباطن بأحد الطريقين: الأول
بوضعه في الماء حتى يتسرب إلى أعماقه، والآخر: أن يصب الماء عليه على نحو
يصل إلى ما وصل إليه النجس، ويزول بذلك الاستقذار العرفي لاستهلاك الأجزاء
186

المائية النجسة الداخلة فيه، وإن كان الأولى في هذه الحالة تجفيفه أولا ثم تطهيره
بما عرفت.
(مسألة 452): الثوب المصبوغ بالصبغ المتنجس يطهر بالغسل بالماء إذا
بقي الماء على إطلاقه إلى أن يتم غسله، ولا يضر صيرورته مضافا حين الإخراج.
(مسألة 453): العجين النجس يطهر إن خبز وجفف ووضع في الماء
الكثير، على نحو ينفذ الماء إلى أعماقه، ومثله الطين المتنجس إذا جفف ووضع
في الماء الكثير، حتى ينفذ الماء إلى أعماقه، فإن حكمه حكم الخبز المتنجس
الذي نفذت الرطوبة النجسة إلى باطنه.
(مسألة 454): الثوب المتنجس بالبول إذا طهر بالقليل غسل مرتين،
والمتنجس بغير البول ومنه المتنجس بالمتنجس بالبول يكفي في تطهيره غسلة
واحدة، هذا مع زوال العين قبل الغسل، أما لو أزيلت بالغسل، فإن كانت
الإزالة بالماء القليل وجب غسله مرة اخرى، وإن كان المتنجس بغير البول وإن
كانت بالماء الكثير أو الجاري كفى مرة واحدة وإن كان المتنجس بالبول.
(مسألة 455): الآنية إن تنجست بولوغ الكلب فيما فيها من ماء أو غيره
مما يصدق معه الولوغ، غسلت بالماء القليل ثلاثا أولاهن بالتراب ممزوجا بالماء،
وغسلتان بعدها بالماء، والأحوط ضم الغسلة الثالثة إليهما أيضا، وإذا غسلت في
الكثير أو الجاري تكفي غسلة واحدة بعد غسلها بالتراب ممزوجا بالماء.
(مسألة 456): إذا لطع الكلب الإناء أو شرب بلا ولوغ لقطع لسانه
فالأحوط أنه بحكم الولوغ في كيفية التطهير، وليس كذلك ما إذا باشره بلعابه،
أو تنجس بعرقه، أو سائر فضلاته، أو بملاقاة بعض أعضائه. نعم، إذا صب
الماء الذي ولغ فيه الكلب في إناء آخر جرى عليه حكم الولوغ.
187

(مسألة 457): الآنية التي يتعذر تعفيرها بالتراب الممزوج بالماء تبقى على
النجاسة، أما إذا أمكن إدخال شيء من التراب الممزوج بالماء في داخلها
وتحريكه بآلة بحيث يستوعبها، أجزأ ذلك في غسلها بالتراب، ثم يغسلها بالماء.
(مسألة 458): يجب أن يكون التراب الذي يعفر به الإناء طاهرا قبل
الاستعمال على الأحوط.
(مسألة 459): إذا كان الإناء متنجسا بسبب شرب الخنزير منه غسل
سبع مرات، وكذا إذا تنجس بسبب موت الجرذ فيه - وهو الكبير من الفأر
البري لا فئران البيوت الصغار - بلا فرق في ذلك بين الغسل بالماء القليل أو
الكثير، وإذا تنجس الإناء بغير ما ذكر وجب في تطهيره غسله ثلاث مرات
بالماء القليل، ويكفي غسله مرة واحدة في الكر أو الجاري، هذا في غير أواني
الخمر، وأما فيها فيجب غسلها ثلاث مرات، حتى إذا غسلت بالكثير أو الجاري،
والأولى أن تغسل سبعا.
(مسألة 460): الثياب ونحوها إذا تنجست بالبول يكفي غسلها في الماء
الجاري مرة واحدة، وفي غيره لابد من الغسل مرتين، ومر أن الغسل يتحقق
باستيلاء الماء على الشيء من دون اعتبار شيء آخر فيه.
(مسألة 461): التطهير بماء المطر يحصل بمجرد استيلائه على المحل النجس،
من غير حاجة إلى عصر ولا إلى تعدد، إناء كان أم غيره. نعم، الإناء المتنجس
لولوغ الكلب لا يسقط فيه الغسل بالتراب الممزوج بالماء وإن سقط فيه التعدد.
(مسألة 462): يكفي الصب في تطهير الثوب المتنجس ببول الصبي ما دام
رضيعا، ولم يتغذ، وإن تجاوز عمره الحولين، وكذلك الحكم في الصبية على
الأظهر، فلا فرق بينهما في ذلك.
188

(مسألة 463): يتحقق غسل الإناء بالقليل بأن يصب فيه شيء من الماء،
ثم يدار فيه إلى أن يستوعب تمام أجزائه، ثم يراق، فإذا فعل به ذلك ثلاث
مرات فقد غسل ثلاث مرات وطهر.
(مسألة 464): يعتبر في الماء المستعمل في التطهير طهارته قبل الاستعمال.
(مسألة 465): يعتبر في التطهير زوال عين النجاسة دون أوصافها، كاللون
والريح، فإذا بقي واحد منهما، أو كلاهما لم يقدح ذلك في حصول الطهارة بزوال العين.
(مسألة 466): الأرض الصلبة، أو المفروشة بالآجر، أو الصخر أو
الزفت، أو نحوها، إذا تنجست يمكن تطهيرها بالماء القليل بإسالة الماء عليها،
وكذلك يمكن تطهير الأرض الرخوة الخالية عن عين النجس أيضا، وذلك بأن
يصب الماء عليها على وجه يستولي الماء على المحل المتنجس ويصدق عليه
الغسل، حتى وإن تسرب الماء إلى أعماقها ولم يتجاوزها إلى غيرها.
(مسألة 467): لا يعتبر التوالي فيما يعتبر فيه تعدد الغسل، فلو غسل في
يوم مرة وفي آخر اخرى كفى ذلك.
(مسألة 468): ماء الغسالة إن كان من غسل المتنجس بالماء الكثير
والجاري فهو طاهر، حتى إذا كان مزيلا لعين النجاسة عنه، ما لم يتغير بأحد
أوصافها، وإن كان من غسله بالماء القليل، فحينئذ إن كان المتنجس خاليا عن
عين النجس فهو طاهر، وإن كانت فيه أجزاء عينية من النجس فهو نجس.
(مسألة 469): الأواني الكبيرة المثبتة، يمكن تطهيرها بالقليل بأن يصب
الماء فيها، ويدار حتى يستوعب جميع أجزائها، ثم يخرج حينئذ ماء الغسالة
المجتمع في وسطها بنزح أو غيره، ويجدد الغسل هكذا ثلاث مرات، ولا يقدح
الفصل بين الغسلات، ولا تقاطر ماء الغسالة حين الإخراج على الماء المجتمع
نفسه، والأحوط الأولى تطهير آلة الإخراج كل مرة من الغسلات.
189

(مسألة 470): الدسومة التي في اللحم، أو اليد، لا تمنع من تطهير المحل،
إلا إذا بلغت حدا تكون جرما حائلا، ولكنها حينئذ لا تكون دسومة بل شيئا آخر.
(مسألة 471): إذا تنجس اللحم أو الأرز أو الماش، أو نحوها، ولم تدخل
النجاسة في عمقها يمكن تطهيرها بوضعها في طشت وصب الماء عليها، على نحو
يستولي عليها، ثم يراق الماء ويفرغ الطشت مرة واحدة فيطهر النجس، وكذا إذا
اريد تطهير الثوب فإنه يوضع في الطشت ويصب الماء عليه، فإن كانت النجاسة
نافذة في أعماق الثوب وجب عند تطهيره في الطشت الفرك والدلك فقط، ولا
يعتبر العصر، وإن لم تكن نافذة في أعماقه لم يجب الفرك والدلك أيضا، وإذا
كانت النجاسة محتاجة إلى التعدد كالبول كفى الغسل مرة اخرى على النحو
المذكور، هذا كله فيما إذا غسل المتنجس في الطشت ونحوه، وأما إذا غسل في
الإناء فلا بد من غسل الإناء ثلاثا لو تنجس بذلك.
(مسألة 472): الحليب النجس يمكن تطهيره بأن يصنع جبنا ويوضع في
الماء الكثير حتى يصل الماء إلى أعماقه.
(مسألة 473): إذا غسل ثوبه النجس ثم رأى بعد ذلك فيه شيئا من
الطين، أو دقائق الأشنان، أو الصابون الذي كان متنجسا، لا يضر ذلك في
طهارة الثوب، بل يحكم أيضا بطهارة ظاهر الطين، أو الأشنان أو الصابون
الذي رآه، بل باطنه إذا نفذ فيه الماء على الوجه المعتبر.
(مسألة 474): الحلي الذي يصوغها الكافر محكومة بالطهارة، وإن علم
بملاقاته لها مع الرطوبة، إذا كان من أهل الكتاب. نعم، لو كان مشركا أو ملحدا
وعلم بملاقاته لها، تنجست على الأحوط، ويطهر ظاهرها بالغسل.
وإذا استعملت مدة وشك في ظهور الباطن الذي هو نجس على الأحوط
فهل يجب تطهيرها؟
190

والجواب: لا يجب.
(مسألة 475): الدهن المتنجس لا يمكن تطهيره بجعله في الكر الحار
ومزجه به، وكذلك سائر المائعات المتنجسة، فإنها لا تطهر إلا بالاستهلاك.
(مسألة 476): إذا تنجس التنور بكل جوانبه وأطرافه وأرضه، أي بتمام
سعته، يمكن تطهيره بصب الماء من الإبريق عليه، وبذلك يطهر ولا حاجة إلى
التعدد ولو كان متنجسا بالبول، وقد مر أن غسالة المتنجس الخالي من عين
النجاسة محكومة بالطهارة شرعا وإن كان غسله بالماء القليل.
الثاني: من المطهرات الأرض، فإنها تطهر باطن القدم، وما توقى به كالنعل
والخف والحذاء، ونحوها، بالمسح بها أو المشي عليها، بشرط زوال عين النجاسة
بهما، ولو زالت عين النجاسة قبل ذلك كفى مسمى المسح بها، أو المشي عليها،
ويشترط على الأقوى كون النجاسة حاصلة بالمشي على الأرض أو بالوقوف
عليها، وأما إذا حصل بطريقة اخرى فلا تكون الأرض مطهرة له.
(مسألة 477): المراد من الأرض مطلق ما يسمى أرضا، من حجر أو
تراب أو رمل، ولا يبعد عموم الحكم للآجر والجص والنورة، والأقوى اعتبار
طهارتها وكونها يابسة وجافة.
(مسألة 478): في إلحاق ظاهر القدم وعيني الركبتين واليدين، إذا كان
المشي عليها، وكذلك ما توقى به كالنعل وأسفل خشبة الأقطع وحواشي القدم
القريبة من الباطن، إشكال بل منع.
(مسألة 479): إذا شك في طهارة الأرض يبني على طهارتها فتكون
مطهرة حينئذ، إلا إذا كانت الحالة السابقة نجاستها، وإذا شك أن هذه النجاسة
هل أصابت القدم بالمشي أو الوقوف على الأرض أو بطريقة اخرى فلا يجوز
الاكتفاء في التطهير بالأرض، بل يجب غسلها بالماء عندئذ.
191

(مسألة 480): إذا كان في الظلمة ولا يدري أن ما تحت قدمه أرض أو
شيء آخر من فرش ونحوه، لا يكفي المشي عليه في حصول الطهارة، بل لابد
من العلم بكونه أرضا.
الثالث: الشمس، فإنها تطهر الأرض، وكل ما لا ينقل من الأبنية وما
اتصل بها من أخشاب وأعتاب وأبواب وأوتاد، وكذلك الأشجار والثمار
والنبات والخضراوات، وإن حان قطفها وغير ذلك على المشهور، ولكنه لا يخلو
عن إشكال، بل لا يبعد عدم مطهرية الشمس مطلقا، ولا يكتفى في شيء من
الموارد في التطهير بها، وبذلك يظهر حال المسائل الآتية جميعا.
(مسألة 481): يشترط في الطهارة بالشمس - مضافا إلى زوال عين
النجاسة وإلى رطوبة المحل - اليبوسة المستندة إلى الإشراق عرفا، وإن شاركها
غيرها في الجملة من ريح أو غيرها، على المشهور فيها وفي المسائل الآتية.
(مسألة 482): الباطن النجس يطهر تبعا لطهارة الظاهر بالإشراق.
(مسألة 483): إذا كانت الأرض النجسة جافة، وأريد تطهيرها صب
عليها الماء الطاهر أو النجس، فإذا يبست بالشمس طهرت.
(مسألة 484): إذا تنجست الأرض بالبول فأشرقت عليها الشمس حتى
يبست طهرت من دون حاجة إلى صب الماء عليها. نعم، إذا كان البول غليظا
له جرم لم يطهر جرمه بالجفاف، بل لا يطهر سطح الأرض الذي عليه الجرم.
(مسألة 485): الحصى والتراب والطين والأحجار المعدودة جزءا من
الأرض، بحكم الأرض في الطهارة بالشمس، وإن كانت في نفسها منقولة. نعم،
لو لم تكن معدودة من الأرض، كقطعة من اللبن في أرض مفروشة بالزفت أو
بالصخر أو نحوهما، فثبوت الحكم حينئذ لها محل إشكال.
192

(مسألة 486): المسمار الثابت في الأرض أو البناء بحكم الأرض، فإذا
قلع لم يجر عليه الحكم، فإذا رجع رجع حكمه، وهكذا.
الرابع: الاستحالة، وهي تبدل حقيقة الشيء وصورته النوعية التي حكم
الشارع عليها بالنجاسة إلى صورة اخرى، تغايرها بصورة أساسية، فإنها تطهر
النجس بل والمتنجس، كتحول الخشب رمادا، والماء المتنجس بخارا، أو بولا
لحيوان مأكول اللحم، والكلب ترابا، والنطفة حيوانا، وهكذا، وأما صيرورة
الطين خزفا بالنار أم آجرا أم جصا أم نورة، فهو باق على النجاسة، بل الأمر
كذلك إذا صار الخشب فحما، فإنه باق على نجاسته.
(مسألة 487): لو استحال الشيء بخارا، ثم استحال عرقا، فإن كان
متنجسا فهو طاهر، وإن كان نجسا فكذلك.
(مسألة 488): الدود المستحيل من العذرة أو الميتة طاهر، وكذا كل
حيوان تكون من نجس أو متنجس.
(مسألة 489): الماء النجس إذا صار بولا لحيوان مأكول اللحم أو عرقا
له أو لعابا فهو طاهر.
(مسألة 490): الغذاء النجس أو المتنجس إذا صار روثا لحيوان مأكول
اللحم، أو لبنا، أو صار جزء من الخضراوات، أو النباتات، أو الأشجار، أو
الأثمار، فهو طاهر، وكذلك الكلب إذا استحال ملحا، وكذا الحكم في غير ذلك
مما يعد المستحال إليه متولدا من المستحال منه، وموجودا جديدا بنظر العرف،
يحتل موضع الموجود القديم.
الخامس: الانقلاب، وهو تحول الخمر خلا أو إلى أي شيء آخر على
نحو لا يسمى خمرا، فإن هذا التحول يوجب ارتفاع موضوع النجاسة وتبديله
193

بموضوع آخر، فلذلك ترتفع النجاسة بارتفاع موضوعها، ولا فرق بين أن
يكون هذا التحول والانقلاب بنفسها أو يكون بعلاج خارجي.
وقد تسأل: أن إناء الخمر هل يتنجس بنجاسة اخرى، وعلى تقدير
تنجسه بنجاسة اخرى فهل يطهر بالانقلاب والتحول؟
والجواب عن الأول: إن لم يكن لنجاسة اخرى أثر زائد على نجاسة
الخمر فلا يتنجس بها؛ إذ لا معنى لاعتباره متنجسا بنجاسة اخرى زائدة على
تنجسه بنجاسة الخمر؛ لأنه لغو، وإن كان لها أثر زائد على نجاسة الخمر
تنجس بها؛ إذ لا يكون اعتباره متنجسا بها زائدا على تنجسه بنجاسة الخمر لغوا.
وأما الجواب عن الثاني: فلأن إناء الخمر لو تنجس بنجاسة اخرى فلا
يطهر بالتحول والانقلاب، وإلا فلا موضوع له.
السادس: الانتقال، فإنه مطهر للمنتقل، إذا اضيف إلى المنتقل إليه وعد
جزءا منه، كدم الإنسان الذي يشربه البق والبرغوث والقمل. نعم، لو لم يعد
جزءا منه أو شك في ذلك كدم الإنسان الذي يمصه العلق، فهو باق على النجاسة.
السابع: الإسلام، فإنه مطهر للكافر بجميع أقسامه حتى المرتد عن فطرة
على الأقوى، ويتبعه أجزاؤه كشعره وظفره وفضلاته من بصاقه ونخامته وقيئه
وغيرها، هذا على المشهور من أن الكافر بتمام أصنافه نجس، وإلا فلا موضوع
لهذا المطهر.
الثامن: المشهور أن ولد الكافر يتبع الكافر في النجاسة، فإذا أسلم الكافر
يتبعه ولده في الطهارة، أبا كان الكافر أم جدا أم أما أم جدة، والطفل المسبي
للمسلم يتبعه في الطهارة، إذا لم يكن مع الطفل أحد آبائه، ولكنه لا يخلو عن
إشكال بل منع، فإن النجاسة - على تقدير القول بها - ثابتة لعناوين خاصة
194

كعنوان اليهود والنصارى والمجوس والمشرك والملحد، فإن صدق أحد هذه
العناوين على ولد الكافر فهو نجس، وإلا فلا مقتضي له، وكذلك ولد المسلم
والطفل المسبي له، فإنه لا يتبعه في الطهارة وإن كان محكوما بالطهارة.
التاسع: زوال عين النجاسة عن بواطن الإنسان وجسد الحيوان الصامت،
فيطهر منقار الدجاجة الملوث بالعذرة، بمجرد زوال عينها ورطوبتها، وكذا بدن
الدابة المجروحة، وفم الهرة الملوث بالدم، وولد الحيوان الملوث بالدم عند الولادة،
بمجرد زوال عين النجاسة، وكذا يطهر باطن فم الإنسان إذا أكل نجسا أو شربه
بمجرد زوال العين، وكذا باطن عينه عند الاكتحال بالنجس أو المتنجس، بل في
ثبوت النجاسة لبواطن الإنسان وجسد الحيوان منع، بل وكذا المنع في سراية
النجاسة من النجس إلى الطاهر إذا كانت الملاقاة بينهما في الباطن، سواء أكانا
متكونين في الباطن، كالمذي يلاقي البول في الباطن، أو كان النجس متكونا في
الباطن والطاهر يدخل إليه كماء الحقنة، فإنه لا ينجس بملاقاة النجاسة في
الأمعاء، أم كان النجس في الخارج، كالماء النجس الذي يشربه الإنسان، فإنه
لا ينجس باطنه، وكذا إذا كانا معا متكونين في الخارج ودخلا وتلاقيا في
الداخل، كما إذا ابتلع شيئا طاهرا وشرب عليه ماء نجسا فإنه إذا خرج ذلك
الطاهر من جوفه حكم عليه بالطهارة.
العاشر: الغيبة، فإنها مطهرة للإنسان وثيابه وفراشه وأوانيه وغيرها من
توابعه بشروط:
أولا: أن يكون عالما بالنجاسة وملتفتا إليها.
ثانيا: أن يعلم باشتراط الصلاة بطهارة البدن والثوب، وعدم جواز أكل
النجس وشربه.
195

ثالثا: أن لا يكون ممن لا يبالي بالطهارة والنجاسة.
رابعا: أنه يستعملها فيما يعتبر فيه الطهارة.
فإذا توفرت هذه الشروط، حكم بالطهارة على أساس ظهور حاله فيها
عملا، فإنه كإخباره بها قولا، ومع انتفاء أحد هذه الشروط لا يحكم بالطهارة
ويبقى على اليقين السابق بالنجاسة.
الحادي عشر: استبراء الحيوان الجلال، فإنه مطهر له من نجاسة الجلل،
شريطة أن يزول عنه هذا الاسم، ومع هذا فالأحوط اعتبار مضي المدة المعينة له
شرعا، وهي في الإبل أربعون يوما، وفي البقرة عشرون، وفي الغنم عشرة، وفي
البطة خمسة، وفي الدجاجة ثلاثة، ومع عدم تعيين مدة شرعا يكفي زوال الاسم.
(مسألة 491): الظاهر قبول كل حيوان ذي جلد للتذكية عدا نجس العين،
فإذا ذكي الحيوان الطاهر العين جاز استعمال جلده، وكذا سائر أجزائه، فيما
يشترط فيه الطهارة.
(مسألة 492): تثبت الطهارة بالعلم، والبينة، وبإخبار ذي اليد إذا لم
تكن قرينة على إتهامه، بل بإخبار الثقة أيضا على الأظهر، وإذا شك في نجاسة
ما علم طهارته سابقا يبني على طهارته، كما إذا شك في طهارة ما علم نجاسته
سابقا يبني على نجاسته.
وأما إذا علم بطهارته في زمن، وبنجاسته في زمن آخر، ولم يعلم السابق
من اللاحق، فهل يحكم بالطهارة أو بالنجاسة؟
والجواب: أنه يحكم بالطهارة ظاهرا فعلا، إلى أن يتأكد من واقع الحال.
196

خاتمة
يحرم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب، ولا يحرم استعمالها
في الطهارة من الحدث والخبث وغيرها، وإن كان الأحوط استحبابا ترك
استعمالها فيها أيضا، ولا يحرم نفس المأكول والمشروب.
(مسألة 493): الظاهر توقف صدق الآنية على انفصال المظروف عن
الظرف، وكونها معدة لأن يحرز فيها المأكول أو المشروب أو نحوهما، فرأس
(الغرشة) ورأس (الشطب) وقراب السيف والخنجر والسكين و (قاب) الساعة
المتداولة في هذا العصر، ومحل فص الخاتم وبيت المرآة وملعقة الشاي وأمثالها،
خارج عن الآنية، فلا بأس باستعمالها في الأكل والشرب.
(مسألة 494): لا فرق في حكم الآنية بين الصغيرة والكبيرة، وبين ما
كان على هيئة الأواني المتعارفة من النحاس والحديد وغيرهما.
(مسألة 495): لا بأس بما يصنع بيتا للتعويذ من الذهب والفضة كحرز
الجواد (عليه السلام) وغيره.
(مسألة 496): يكره استعمال القدح المفضض، والأحوط استحبابا عزل
الفم عن موضع الفضة.
والله سبحانه العالم وهو حسبنا ونعم الوكيل
197

كتاب الصلاة
199

الصلاة هي إحدى الدعائم التي بني عليها الإسلام، وإن قبلت قبل ما
سواها، وإن ردت رد ما سواها، وهي من أهم الفرائض الإلهية والعبادات
الواجبة في الإسلام، وقد اهتم الإسلام بهذه الفريضة الكبيرة في الكتاب والسنة.
وهنا مقاصد:
المقصد الأول
أعداد الفرائض ونوافلها ومواقيتها
وجملة من أحكامها
وفيه فصول:
الفصل الأول
أعداد الصلوات
الصلوات الواجبة في هذا الزمان ست: اليومية، وتندرج فيها صلاة الجمعة،
فإن المكلف عند توفر شروطها مخير بين إقامتها أو صلاة الظهر يوم الجمعة،
وإذا أقيمت بشروطها الصحيحة أجزأت عن صلاة الظهر، وصلاة الطواف، والآيات،
والأموات، وما التزم بنذر أو نحوه أو إجارة، وقضاء ما فات عن الوالد والوالدة
بالنسبة إلى الولد الأكبر، أما اليومية فخمس: الصبح ركعتان والظهر أربع،
والعصر أربع، والمغرب ثلاث، والعشاء أربع، وفي السفر والخوف تقصر الرباعية
200

فتكون ركعتين، وأما النوافل فكثيرة أهمها الرواتب اليومية، ثمان ركعات لصلاة
الظهر يأتي بها قبلها، وثمان ركعتات لصلاة العصر يأتي بها قبلها، وأربع ركعات
نافلة صلاة المغرب يأتي بها بعدها، وركعتان من جلوس تعدان بركعة نافلة
العشاء يأتي بها بعدها، وثمان ركعات صلاة الليل، وبعدها ركعتا الشفع وركعة
الوتر بعد الشفع، وركعتا الفجر قبل الفريضة، وفي يوم الجمعة تزاد على الست
عشرة أربع ركعات قبل الزوال، ولها آداب مذكورة في محلها مثل كتاب مفتاح
الفلاح للمحقق البهائي (قدس سره).
(مسألة 497): يجوز الاقتصار على بعض النوافل المذكورة، كما يجوز
الاقتصار في نوافل الليل على الشفع والوتر، وعلى الوتر خاصة، وفي نافلة
المغرب على ركعتين.
(مسألة 498): يجوز الإتيان بالنوافل الرواتب وغيرها في حال الجلوس
اختيارا، ولكن الأولى حينئذ عد كل ركعتين بركعة، وعليه فيكرر الوتر مرتين،
كما يجوز الإتيان بها في حال المشي.
(مسألة 499): الصلاة الوسطى التي تتأكد المحافظة عليها هي صلاة الظهر.
الفصل الثاني
أوقات الفرائض اليومية ونوافلها
وقت صلاة الظهرين يمتد من الزوال إلى غروب الشمس وسقوط قرصها،
وهو منتصف الفترة الواقعة بين طلوع الشمس وغروبها، فإنها إذا قسمت إلى
قسمين متساويين حقيقة كان أول النصف الثاني منهما أول الوقت لصلاة الظهرين،
وتختص الظهر من أوله بمقدار أدائها، والعصر من آخره كذلك، والباقي مشترك
201

بينهما، ووقت العشاءين من المغرب إلى نصف الليل، ولا نقصد بالمغرب مجرد
اختفاء الشمس عن الافق وسقوطها، بل ذهاب الحمرة التي نراها في جهة الشرق
عند اختفاء قرص الشمس عن الأنظار، ويعبر عنها الفقهاء بالحمرة المشرقية،
ويجب تأخير صلاة المغرب على الأحوط إلى أن تتلاشى هذه الحمرة عن طرف
الشرق، ونقصد بنصف الليل نصف الفترة الواقعة بين غروب الشمس وطلوع
الفجر، وتختص المغرب من أوله بمقدار أدائها، والعشاء من آخره كذلك، والباقي
مشترك بينهما، فإذا انتهى النصف الأول من هذه الفترة فقد انتهى وقت صلاة
العشاءين، ويستثنى من ذلك المكلف المعذور في التأجيل كالحائض، أو الناسي
لصلاته، أو النائم طيلة الوقت، فإن الوقت يمتد بالنسبة إلى هؤلاء، ولا ينتهي
إلا بطلوع الفجر الصادق، وتختص العشاء من آخره بمقدار أدائها، ووقت الصبح
من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
(مسألة 500): الفجر الصادق، هو البياض المعترض والمنتشر في الافق
الذي يتزايد وضوحا وجلاء طولا وعرضا، وقبله الفجر الكاذب، وهو البياض
المستطيل من الافق صاعدا إلى السماء كالعمود، المحاط بالظلام من جانبيه، ثم
يأخذ هذا البياض في الانتشار أفقيا ويشكل ما يشبه الخيط الأبيض وهذا هو
الفجر الصادق.
(مسألة 501): الزوال، هو منتصف الفترة الواقعة بين طلوع الشمس
وغروبها، ويعرف ذلك بعدة طرق، منها زيادة ظل كل شاخص معتدل بعد
نقصانه، أو حدوث ظله بعد انعدامه، ومنها أن يضبط موعد طلوع الشمس
وموعد غروبها بالساعة ويعين نصف الفترة الواقعة بين الموعدين، ويكون هذا
النصف هو الزوال، ونصف الليل، هو منتصف الفترة الواقعة بين غروب الشمس
وطلوع الفجر، ويعرف الغروب بسقوط القرص واختفائه عن الأنظار، والأحوط
202

لزوما تأخير صلاة المغرب إلى ذهاب الحمرة المشرقية.
(مسألة 502): المراد من اختصاص الظهر بأول الوقت عدم صحة العصر
إذا وقعت فيه عمدا، وأما إذا صلى العصر في الوقت المختص بالظهر سهوا صحت،
ولكن الأحوط استحبابا أن يجعلها ظهرا ثم يأتي بأربع ركعات بقصد ما في
الذمة أعم من الظهر والعصر، بل وكذلك إذا صلى العصر في الوقت المشترك قبل
الظهر سهوا، سواء كان التذكر في الوقت المختص بالعصر أو المشترك، وإذا قدم
العشاء على المغرب سهوا صحت، ولزمه الإتيان بالمغرب بعدها.
(مسألة 503): وقت فضيلة الظهر من زوال الشمس إلى امتداد الظل الذي
يحدث لكل جسم ويمتد نحو المشرق بعد أن تزول الشمس، مثال ذلك: إذا فرض
أن جدارا بين الشمال والجنوب، فإن هذا الجدار يكون له ظل إلى المغرب عند
طلوع الشمس من المشرق، ويتقلص هذا الظل تدريجا بارتفاع الشمس من جانب
المغرب، وعند الظهر لا يبقى نهائيا، ثم يحدث الظل في جانب المشرق على
عكس ما كان في أول النهار، ويتزايد في جانب المشرق باستمرار إلى غروب
الشمس، والوقت المفضل لصلاة الظهر من الزوال إلى أن يبلغ امتداد ظل الجدار
في جانب المشرق بقدر ارتفاع ذلك الجدار، فإن كان ارتفاعه مترا، كان انتهاء
الوقت المفضل لصلاة الظهر ببلوغ الظل في جانب المشرق مترا، يعني مثله تماما
في الطول، وإذا كان ارتفاعه مترين، كان انتهاء الوقت المفضل لها ببلوغ الظل في
جانب المشرق مترين وهكذا، والوقت المفضل لصلاة العصر يبدأ من الزوال ويمتد
إلى أن يبلغ ظل الجدار الموهوم بين الشمال والجنوب في جانب المشرق ضعف
ارتفاع الجدار، يعني مثليه تماما في الامتداد، فإذا كان ارتفاع الجدار مترين - مثلا -
كان انتهاء الوقت المفضل ببلوغ الظل في جانب المشرق أربعة أمتار وهكذا،
وعلى هذا فكل أحد سواء أكان ساكنا في نقطة الشمال أم في نقطة الجنوب، قادر
203

على تحديد بداية الزوال بدقة وتحديد الوقت المفضل لصلاتي الظهرين، وذلك
بأن ينصب شاخصا بين المشرق والمغرب في أي موضع شاء، ولهذا الشاخص
ظل في طرف المغرب عند طلوع الشمس، ويتقلص هذا الظل تدريجيا بارتفاع
الشمس باستمرار إلى أن ينعدم نهائيا، فلا ظل له في هذا الآن لا في طرف المغرب؛
لأنه قد انتهى، ولا في طرف المشرق، لأنه بعد لم يحدث، وإن كان قد يحدث
له الظل إلى طرف الشمال أو الجنوب، فهذا الآن هو أول آن الزوال وابتداء الوقت
المفضل لصلاتي الظهر والعصر، ثم يحدث الظل للشاخص في طرف المشرق على
عكس ما كان تماما في بداية النهار ويتزايد باستمرار، فإذا بلغ بقدر امتداد
الشاخص كان ذلك انتهاء الوقت المفضل لصلاة الظهر، وإذا بلغ بقدر ضعف امتداد
الشاخص، كان ذلك انتهاء الوقت المفضل لصلاة العصر، فيكون مبدأ الوقت
المفضل لكلتا الصلاتين أول الزوال، ومنتهى الوقت المفضل لصلاة الظهر بلوغ
امتداد الظل بمقدار امتداد الشاخص، فإن كان مترا فهو متر وإن كان مترين فهو
متران، ومنتهى الوقت المفضل لصلاة العصر بلوغ الظل بمقدار ضعف امتداد
الشاخص، فإن كان مترا فهو متران وإن كان متران فهو أربعة أمتار وهكذا.
(مسألة 504): وقت نافلة الظهرين من الزوال إلى آخر أجزاء الفريضتين،
لكن الأولى تقديم فريضة الظهر على النافلة، بعد أن يبلغ الظل الحادث سبعي
الشاخص، كما أن الأولى تقديم فريضة العصر بعد أن يبلغ الظل المذكور أربعة
أسباع الشاخص، ووقت نافلة المغرب بعد الفراغ منها إلى آخر وقت الفريضة،
وإن كان الأولى عدم التعرض للأداء والقضاء بعد ذهاب الحمرة المغربية، ويمتد
وقت نافلة العشاء بامتداد وقتها، ووقت نافلة الفجر السدس الأخير من الليل
وينتهي بطلوع الحمرة المشرقية على المشهور، ويجوز دسها في صلاة الليل قبل
ذلك، ووقت نافلة الليل من منتصفه إلى الفجر الصادق وأفضله السحر، والظاهر
أنه الثلث الأخير من الليل.
204

(مسألة 505): يجوز تقديم نافلتي الظهرين على الزوال يوم الجمعة بل في
غيره أيضا إذا علم أنه لا يتمكن منهما بعد الزوال، فيجعلهما في صدر النهار،
وكذا يجوز تقديم صلاة الليل على النصف للمسافر إذا خاف فوتها إن أخرها، أو
صعب عليه فعلها في وقتها، وكذا الشاب وغيره ممن يخاف فوتها إذا أخرها، لغلبة
النوم أو طرو الاحتلام أو غير ذلك، غير المريض والشيخ إذا لم يكونا مسافرين،
فإنه لا يشرع لهما التقديم، وإن خافا الفوت إذا أخراها إلى ما بعد نصف الليل.
(مسألة 506): من أراد الإتيان بنافلتي الظهر والعصر، فالأفضل له أن
يأتي بنافلة الظهر إلى قدم، ثم يأتي بصلاة الظهر، وبنافلة العصر إلى قدمين، ثم
يأتي بصلاة العصر، ودونهما في الفضل الذراع والذراعان، ودونهما في الفضل
المثل والمثلان، ومن لم يرد الإتيان بالنافلة فالأفضل له الإتيان بالفريضة في أول
الوقت، كما أن الأفضل له الجمع بين الفريضتين دون التفريق بينهما، فإنه إنما هو
لمكان النافلة.
(مسألة 507): الوقت المفضل لصلاة المغرب يبدأ من بداية وقتها ويستمر
إلى زوال الحمرة المغربية في الافق، وأما صلاة العشاء فوقتها من غروب الشمس
إلى منتصف الليل، ولكن لا يجوز تقديمها على صلاة المغرب عامدا وملتفتا، كما
هو الحال في صلاة العصر بالنسبة إلى صلاة الظهر.
وهل لها وقت مفضل؟
والجواب: أنه ليس بإمكاننا إثبات أن لها وقتا مفضلا فإن لها وقتين
أحدهما: من الغروب إلى ثلث الليل، والآخر من الثلث إلى نصف الليل،
والمشهور جعلوا الوقت الأول الوقت المفضل لها، ولكنه لا يخلو عن إشكال،
وإن كان موافقا للاحتياط.
205

الفصل الثالث
أحكام الأوقات
إذا مضى من أول الوقت مقدار أداء نفس الصلاة الاختيارية ولم يصل، ثم
طرأ أحد الأعذار المانعة من التكليف وجب القضاء، وإلا لم يجب، وإذا ارتفع
العذر في آخر الوقت، فإن وسع الصلاتين مع الطهارة وجبتا جميعا، وكذا إذا
وسع مقدار خمس ركعات معها، وإلا وجبت الثانية، إذا بقي ما يسع ركعة معها،
وإلا لم يجب شيء.
(مسألة 508): لا تجوز الصلاة قبل دخول الوقت، بل لا تجزئ إلا مع
العلم به أو قيام البينة، ولا يبعد الاجتزاء بأذان الثقة العارف أو بإخباره، ولا
يجوز العمل بالظن في الغيم، وكذا في غيره من الأعذار النوعية، بل عليه التأخير
إلى أن يحصل العلم بدخول الوقت.
(مسألة 509): إذا أحرز دخول الوقت بالوجدان أو بطريق معتبر فصلى،
ثم تبين أنها وقعت قبل الوقت لزم إعادتها. نعم، إذا علم أن الوقت قد دخل
وهو في الصلاة، فالمشهور أن صلاته صحيحة، لكن الأظهر بطلانها ولزوم
إعادتها، وأما إذا صلى غافلا وتبين دخول الوقت في الأثناء، فلا إشكال في
البطلان. نعم، إذا تبين دخوله قبل الصلاة أجزأت، وكذا إذا صلى برجاء دخول
الوقت، وإذا صلى ثم شك في دخوله أعاد.
(مسألة 510): يجب الترتيب بين الظهرين بتقديم الظهر على العصر، وإذا
عكس عامدا وملتفتا أعاد، وإذا كان سهوا لم يعد، كما إذا اعتقد المكلف أنه أتى
بصلاة الظهر فبادر إلى صلاة العصر، وتذكر في أثناء الصلاة، وانتبه إلى أنه لم
206

يكن آتيا بها، وجب عليه أن ينوي صلاته التي بدأها باسم العصر ظهرا، فيتمها
بنية الظهر، ويصلي بعد ذلك صلاة العصر، وأما إذا استمرت غفلته إلى أن فرغ
من الصلاة، ثم التفت إلى أنه لم يأت بصلاة الظهر قبلا، صحت صلاة العصر منه،
سواء أكان قد صلاها في الوقت المختص أو في الوقت المشترك، ووجب عليه أن
يصلي أربع ركعات بقصد صلاة الظهر، ومثل ذلك من كان يعلم بأنه لم يصل
الظهر، ولكنه كان يعتقد بأن تقديم صلاة العصر على صلاة الظهر جائز، فقدمها،
ثم علم بأن هذا غير جائز، فلا تجب عليه إعادة تلك الصلاة، بل عليه أن يصلي
صلاة الظهر.
(مسألة 511): يعتبر الترتيب بين صلاة المغرب وصلاة العشاء، فلو أتى
بصلاة العشاء عامدا وملتفتا بأن هذا على خلاف الترتيب بطلت صلاته، ووجب
عليه أولا أن يصلي المغرب ثم العشاء، وأما لو صلى صلاة العشاء متوهما بأنه
أتى بصلاة المغرب، أو اعتقادا بأن ذلك جائز، فإن التفت في أثناء الصلاة إلى
أنه لم يصل صلاة المغرب، أو أن ذلك غير جائز، وجب عليه أن ينوي من الآن
صلاة المغرب ويتمها ويصلي بعدها صلاة العشاء، وأما إذا تنبه إلى واقع الحال
بعد دخوله في ركوع الركعة الرابعة، فتبطل صلاته، ويجب عليه عندئذ أن يصلي
صلاة المغرب أولا ثم صلاة العشاء، وإذا التفت إلى واقع الحال بعد إكمال صلاة
العشاء والفراغ منها صحت صلاة العشاء منه ولا يجب عليه أن يعيدها سواء أكان
قد صلاها في الوقت المختص للمغرب أم في الوقت المشترك بينهما، بل وظيفته
حينئذ أن يصلي صلاة المغرب فقط.
(مسألة 512): مر أنه يجب العدول من اللاحقة إلى السابقة، كما إذا قدم
العصر أو العشاء سهوا، وذكر في الأثناء، فإنه يعدل إلى الظهر أو المغرب، ولا
207

يجوز العكس، كما إذا صلى الظهر أو المغرب وفي الأثناء ذكر أنه قد صلاهما،
فإنه لا يجوز له العدول إلى العصر أو العشاء.
(مسألة 513): تقدم أن جواز العدول من العشاء إلى المغرب، إنما هو إذا
لم يدخل في ركوع الرابعة، وإلا بطلت العشاء ولزم استئنافها من جديد.
وأما إذا كان قبل ذلك وعدل إلى المغرب، متوهما بأنه لم يصلها ثم تبين
أنه قد صلاها، فهل يجوز له العدول إلى العشاء ثانيا؟
والجواب: أن العدول إلى المغرب من الأول غير متحقق، وهو بعد في
صلاة العشاء، غاية الأمر أنه نوى صلاة المغرب أثناء صلاة العشاء خطأ، فحينئذ
إن كان قد أتى في أثناء صلاة العشاء بجزء ركني باسم صلاة المغرب كالركوع أو
السجدتين بطلت العشاء، وليس بإمكانه إكمالها، وإن لم يأت باسمها إلا بجزء غير
ركني فلا موجب لبطلانها.
(مسألة 514): يجوز تقديم الصلاة في أول الوقت لذوي الأعذار مع
اليأس عن ارتفاع العذر، بل مع رجائه أيضا، لكن إذا ارتفع العذر في الوقت
وجبت الإعادة. نعم، في التقية يجوز البدار واقعا ولو مع العلم بزوال العذر، ولا
تجب الإعادة بعد زواله في الوقت.
(مسألة 515): الأقوى جواز التطوع بالصلاة لمن عليه أدائية أو قضائية
ما لم يتضيق وقتها.
(مسألة 516): إذا بلغ الصبي في أثناء الوقت وجب عليه الصلاة إذا أدرك
مقدار ركعة أو أزيد، ولو صلى قبل البلوغ، ثم بلغ في الوقت في أثناء الصلاة أو
بعدها، فالأقوى عدم كفايتها وتجب الإعادة.
208

المقصد الثاني
القبلة
يجب استقبال المكان الواقع فيه البيت الشريف، بامتداده عموديا إلى
الأعلى، وإلى الأسفل، في جميع الفرائض اليومية وتوابعها، من الأجزاء المنسية،
فمن كان يصلي في الطائرة كفاه أن يستقبل سماء الكعبة على نحو لو كانت هناك
مظلة واقفة فوق الكعبة بخط عمودي إلى الأعلى لكان مستقبلا لها، ومن صلى
في طوابق أرضية كفاه أن يستقبل أرضية الكعبة بخط عمودي إلى الأسفل، وأما
النوافل إذا صليت على الأرض في حال الاستقرار، فالأحوط لزوما أن يصليها
مستقبل الكعبة، وأما إذا صليت حال المشي أو الركوب أو في السفينة، فلا يجب
فيها الاستقبال، وإن كانت منذورة.
وقد تسأل: أن الأرض بحكم كرويتها فلا يمكن غالبا أن يكون بين
المصلي والكعبة خط مستقيم، بل خط منحن، فإذن ما هو المقياس في الاستقبال؟
والجواب: أن المقياس في الاستقبال عرفا، حينئذ إنما هو باختيار أقصر
خط من الخطوط المنحنية، فإذا كان المصلي واقفا في نقطة المشرق إلى طرف
المغرب، كانت المسافة التي تفصله عن الكعبة بمقدار ربع محيط الكرة، وإذا كان
واقفا إلى طرف المشرق كانت المسافة التي تفصله عن الكعبة بمقدار ثلاثة أرباع
209

محيط الكرة، فالخط المنحني الأول أقصر، وبه يتحقق الاستقبال العرفي، دون
الثاني، وكذلك إذا كان المصلي في الربع الشمالي.
(مسألة 517): قد تسأل أن الاستقبال الذي هو شرط لصحة الصلوات
الخمس اليومية بكامل أجزائها، حتى الأجزاء المنسية، هل يجب استقبال عين
الكعبة الشريفة أو يكفي استقبال الجهة العرفية؟
والجواب: يجب استقبال عين الكعبة لكن لا بخط مستقيم هندسي، بل
بمفهوم عرفي ساذج، بيان ذلك: أن المصلي إذا وقف أمام الكعبة كان مواجها
ومستقبلا نقطة معينة منها، وكلما ابتعد عنها متقهقرا إلى الخلف، توسعت نقطة
الاستقبال من كلا جانبي المصلي بنسبة معينة، لا تقل عن خمس المسافة بين
المصلي ونقطة الاستقبال، وعلى هذا فإذا فرض أن المصلي كان يستقبل الكعبة
من بعد ألف كيلومتر، كان ذلك يتطلب توسع منطقة الاستقبال من كلا جانبيه
بنسبة خمس المسافة تقريبا، فتكون سعة مجموع منطقة الاستقبال تبلغ أربعمائة
كيلومتر، ونسبته إلى محيط دائرة هذه المسافة نسبة السبع تقريبا، على أساس أن
نسبة قطر الدائرة إلى محيطها نسبة الثلث كذلك، وبما أن مسافة قطر الدائرة قد
فرضت هنا ألف كيلومتر، فبطبيعة الحال تكون مسافة محيطها ثلاثة ألآف
كيلومتر تقريبا، فإذا كانت الكعبة الشريفة واقعة في ضمن تلك المنطقة والمسافة،
كان المصلي مواجها لها حقيقة ومستقبلا إياها عينا. ويمكن تقريب ذلك بصيغة
اخرى، وهي أن المصلي إذا وقف متوجها إلى جانب الكعبة، كان يشكل دائرة
فيكون قطرها مترا ومحيطها ثلاثة أمتار وهي دائرة المصلي، وهنا دائرتان
أخريان: إحداهما دائرة رأس المصلي وهي أصغر من دائرة المصلي، والاخرى
دائرة الافق وهي أكبر من دائرة المصلي، وطبيعي أن دائرة الرأس موازية لدائرة
المصلي بكل خطوطها الموهومة، فنصفها لنصفها وثلثها لثلثها وسبعها لسبعها
210

وهكذا، وحيث إن سعة الجبهة لا تقل عن سبع دائرة الرأس، فهي موازية لسبع
دائرة المصلي، وهذا السبع يكون بحيال وجهه حقيقة، وهو معنى الاستقبال عرفا،
ودائرة المصلي بما أنها موازية لدائرة الافق تماما، فبطبيعة الحال يكون سبعها
موازيا لسبع دائرة الافق، فبالنتيجة أن المصلي مواجه لسبع دائرة الافق
ومستقبل له، فإذا افترضنا أن المسافة بين المصلي والكعبة خمسمائة كيلومتر، كان
سبع دائرة الافق الذي يستقبله المصلي لا يقل عن مائتي كيلومتر، فإذا كانت
الكعبة واقعة ضمن تلك المسافة كان المصلي مستقبلا لها حقيقة، فالنتيجة أن
الواجب على المكلف رجلا كان أم امرأة استقبال الكعبة في الجهة التي تكون
بحيال المصلي حقيقة، وعلى هذا فلا يضر الانحراف يمينا ويسارا بمقدار ما، ولا
يمكن أن يراد من استقبال الكعبة استقبالها بخط مستقيم هندسي، كما إذا فرض
مد خطين مستقيمين متقاطعين، أحدهما عن يمين المصلي إلى يساره، والآخر
يقطع ذلك الخط ويشكل زاويتين قائمتين، ويمتد الخط الثاني من أمام المصلي إلى
أن يلتقي الكعبة الشريفة مباشرة، وذلك:
أولا: أن الاستقبال بخط هندسي مستقيم خارج عن المعنى العرفي له
الساذج، الذي يفهمه كل إنسان اعتيادي بحسب فطرته، ومن الواضح أن المراد
من الاستقبال الواجب في الأدلة الشرعية هو الاستقبال بالمعنى العرفي الساذج،
الذي يفهمه كل إنسان اعتيادي، وأما الاستقبال الهندسي بالمعنى الدقيق فهو
خارج عن الفهم العرفي.
وثانيا: أن الأمر بالاستقبال بخط مستقيم هندسي، يكون من التكليف
بغير المقدور بالنسبة إلى من يبعد مسكنه وموطنه عن الكعبة بمئات الفراسخ.
(مسألة 518): يجب على كل مكلف رجلا كان أم امرأة حاضرا أم
211

مسافرا تحصيل العلم بالتوجه إلى القبلة، وتقوم مقامه البينة بل وإخبار الثقة،
وكذا قبلة بلد المسلمين في صلواتهم، وقبورهم ومحاريبهم، إذا لم يعلم بناؤها على
الغلط، ومع تعذر ذلك يبذل جهده في تحصيل المعرفة بها، ويعمل على ما تحصل
له ولو كان ظنا، ومع الجهل بها صلى إلى أي جهة شاء، والأحوط استحبابا أن
يصلي إلى أربع جهات مع سعة الوقت، وإلا صلى بقدر ما وسع، وإذا علم
عدمها في بعض الجهات اجتزأ بالصلاة إلى المحتملات الاخر.
(مسألة 519): من صلى إلى غير القبلة عامدا وملتفتا، أو جاهلا بالحكم،
أو ناسيا له، بطلت صلاته، وتجب عليه الإعادة في الوقت والقضاء في خارج
الوقت، ومن صلى إلى جهة معتقدا أنها القبلة ثم تبين الخطأ، فإن كان منحرفا
إلى ما بين اليمين والشمال صحت صلاته، وإذا التفت في الأثناء مضى ما سبق
واستقبل في الباقي، من غير فرق بين بقاء الوقت وعدمه، ولا بين المتيقن والظان
والناسي والغافل، وأما إذا تجاوز انحرافه عما بين اليمين والشمال، أعاد في الوقت
سواء كان التفاته أثناء الصلاة أو بعدها، ولا يجب القضاء إذا التفت خارج الوقت.
212

المقصد الثالث
الستر والساتر
وفيه فصول:
الفصل الأول
ما يجب ستره في الصلاة
يجب على المكلف رجلا كان أو امرأة ستر العورة في الصلاة وتوابعها من
الأجزاء المنسية وركعات الاحتياط دون سجود السهو، وإن لم يكن هناك ناظر
محترم، كما إذا صلى في مكان منفردا وليس معه أحد أو كان في ظلمة.
(مسألة 520): إذا بدت العورة لريح أو غفلة، أو كانت بادية من الأول
وهو لا يعلم، أو نسي سترها صحت صلاته، وإذا التفت إلى ذلك في الأثناء أعاد
صلاته على الأظهر، وكذلك إذا صلى متكشفا وهو لا يعرف أن الستر واجب
على المصلي، وعرف بذلك أثناء الصلاة فإنه يعيد صلاته.
(مسألة 521): عورة الرجل في الصلاة القضيب والأنثيان والدبر دون ما
بينهما. نعم، إذا توقف العلم بستر العورة على ستر أطرافها وجب، وعورة المرأة
في الصلاة جميع بدنها حتى الرأس والشعر، عدا الوجه بالمقدار الذي يغسل في
الوضوء، وعدا الكفين إلى الزندين، والقدمين إلى الساقين ظاهرهما وباطنهما،
ولا بد من ستر شيء مما هو خارج عن الحدود.
213

(مسألة 522): الأمة والصبية كالحرة والبالغة في ذلك، إلا في الرأس
وشعره والعنق فإنه لا يجب عليهما سترها.
(مسألة 523): إذا كان المصلي واقفا على شباك، أو طرف سطح، بحيث
لو كان ناظر تحته لرأى عورته، فالأقوى وجوب سترها من تحته. نعم، إذا كان
واقفا على الأرض لم يجب الستر من جهة التحت.
الفصل الثاني
ما يعتبر في لباس المصلي
وهو أمور:
الأول: الطهارة، إلا في الموارد التي يعفى عنها في الصلاة، وقد تقدمت في
أحكام النجاسات.
الثاني: الإباحة على الأحوط الأولى، والأظهر أنها ليست شرطا في
صحة الصلاة، فإنها صحيحة وإن كان الساتر مغصوبا، غاية الأمر أنه أثم، كما
إذا كانت سائر ملابس المصلي مغصوبة، فإن غصبيتها لا تضر بصحة صلاته
غير أنه مأثوم.
الثالث: أن لا يكون من أجزاء الميتة التي تحلها الحياة، سواء أكانت من
حيوان محلل الأكل أم محرمه، وسواء أكانت له نفس سائلة أم لم تكن، وقد تقدم
في النجاسات حكم الجلد الذي يشك في كونه مذكى أم لا، كما تقدم بيان ما لا
تحله الحياة من الميتة فراجع، والمشكوك في كونه من جلد الحيوان أو من غيره
لا بأس بالصلاة فيه.
214

الرابع: أن لا يكون مما لا يؤكل لحمه، ولا فرق بين ذي النفس وغيره
إذا كان من الحيوان اللحمي، ولا بين ما تحله الحياة من أجزائه وغيره، حتى فيما
إذا كان طاهرا، كما إذا ذكي بطريقة شرعية ما دام لم يجز أكل لحمه، بل لا فرق
أيضا بين ما تتم فيه الصلاة وغيره، بل لا يبعد المنع من مثل الشعرات الواقعة
على الثوب ونحوه، كما إذا صلى الإنسان وعلى ثوبه أو بدنه شعرة من قط أو نحوه،
بطلت صلاته على الرغم من أنها طاهرة، بل عموم المنع للمحمول في جيبه أيضا.
(مسألة 524): إذا صلى في غير المأكول جهلا به صحت صلاته، وكذا إذا
كان ناسيا، أو كان جاهلا بالحكم أو ناسيا له. نعم، تجب الإعادة إذا كان
جاهلا بالحكم عن تقصير إذا كان بسيطا لا مركبا.
(مسألة 525): إذا شك في اللباس أو فيما على اللباس من الرطوبة أو
الشعر، أو غيرهما في أنه من المأكول، أو من غيره، أو من الحيوان، أو من غيره،
صحت الصلاة فيه.
(مسألة 526): لا بأس بالشمع والعسل والحرير الممزوج، ومثل البق
والبرغوث والزنبور ونحوها من الحيوانات التي لا لحم لها، وكذا لا بأس بالصدف،
ولا بأس بفضلات الإنسان كشعره وريقه ولبنه ونحوها، وإن كانت واقعة على
المصلي من غيره، وكذا الشعر الموصول بالشعر المسمى بالشعر العارية، سواء
أكان مأخوذا من الرجل أم من المرأة.
(مسألة 527): يستثنى من الحكم المزبور جلد الخز والسنجاب ووبرهما،
وفي كون ما يسمى الآن خزا، هو الخز إشكالا، وإن كان الظاهر جواز الصلاة
فيه، وأما السمور والقماقم والثعالب والأرانب فلا تجوز الصلاة في أجزائها على
الأقوى، وأما الفنك فلا يبعد جواز الصلاة فيه كالسنجاب.
215

الخامس: أن لا يكون من الذهب للرجال ولو كان حليا كالخاتم، أما إذا
كان مذهبا بالتمويه والطلي على نحو يعد عند العرف لونا فلا بأس، ويجوز ذلك
كله للنساء، كما يجوز أيضا حمله للرجال كالساعة والدنانير. نعم، الظاهر عدم
جواز مثل زنجير الساعة إذا كان ذهبا ومعلقا برقبته، أو بلباسه على نحو يصدق
عليه عنوان اللبس عرفا. نعم، لا بأس بالزر من ذهب وبالشارات العسكرية
الذهبية التي تعلق على ملابس العسكريين وغيرهما، فإن كل ذلك ليس لبسا
للذهب، لأن المعيار في صدق اللبس عرفا، أن تكون للملبوس إحاطة باللابس
أو بجزء منه.
(مسألة 528): إذا صلى في الذهب جاهلا أو ناسيا، صحت صلاته، شريطة
أن يكون جهله بالمسألة مركبا، وإذا كان بسيطا كان معذورا فيه، وإلا لم تصح
صلاته.
(مسألة 529): لا يجوز للرجال لبس الذهب في غير الصلاة أيضا، وفاعل
ذلك آثم، والظاهر عدم حرمة التزين بالذهب فيما لا يصدق عليه اللبس، مثل
جعل مقدم الأسنان من الذهب، وأما شد الأسنان به أو جعل الأسنان الداخلة
منه فلا بأس به بلا إشكال.
السادس: أن لا يكون لباس المصلي من الحرير الطبيعي الخالص، إذا كان
رجلا على الأحوط وجوبا، ولا يجوز لبسه في غير حال الصلاة أيضا كالذهب.
نعم، لا بأس به في الحرب والضرورة كالبرد والمرض، كما لا بأس بحمله في
حال الصلاة وغيرها، وكذا افتراشه والتغطي به ونحو ذلك، مما لا يعد لبسا له،
ولا بأس بكف الثوب به، والأحوط استحبابا أن لا يزيد على أربع أصابع، كما
لا بأس بالأزرار منه والسفائف (والقياطين) وإن تعددت وكثرت، وأما ما لا
216

تتم فيه الصلاة من اللباس، فالأحوط وجوبا تركه.
(مسألة 530): لا يجوز جعل البطانة من الحرير وإن كانت إلى النصف.
(مسألة 531): لا بأس بالحرير الممتزج بالقطن أو الصوف أو غيرهما، مما
يجوز لبسه في الصلاة، لكن بشرط أن يكون الخلط، بحيث يخرج اللباس به عن
صدق الحرير الخالص، فلا يكفي الخلط بالمقدار اليسير المستهلك عرفا.
(مسألة 532): إذا شك في كون اللباس حريرا أو غيره جاز لبسه، وكذا
إذا شك في أنه حرير خالص أو ممتزج.
(مسألة 533): يجوز للولي إلباس الصبي الحرير أو الذهب، ولكن لا
تصح صلاة الصبي فيه على الأحوط.
الفصل الثالث
تعذر الساتر الشرعي
إذا لم يجد المصلي لباسا يلبسه في الصلاة، فإن وجد ساترا غيره كالحشيش
وورق الشجر والطين ونحوها، تستر به وصلى صلاة المختار، وإن لم يجد ذلك
أيضا، فإن أمن الناظر المحترم صلى قائما موميا إلى الركوع والسجود، والأحوط
لزوما وضع يديه على سوأته، وإن لم يأمن الناظر المحترم صلى جالسا، موميا إلى
الركوع والسجود، والأحوط الأولى أن يجعل إيماء السجود أخفض من إيماء
الركوع.
(مسألة 534): إذا انحصر الساتر بالمغصوب أو الذهب أو ما لا يوكل أو
الحرير أو النجس، فإن اضطر إلى لبسه صحت صلاته فيه، وإن لم يضطر صلى
217

عاريا في الأربعة الاولى، وأما في النجس، فالأحوط الأولى الجمع بين الصلاة
فيه والصلاة عاريا، وإن كان الأظهر الاجتزاء بالصلاة فيه، كما سبق في أحكام
النجاسات.
(مسألة 535): الأحوط لزوما تأخير الصلاة عن أول الوقت، إذا لم يكن
عنده ساتر واحتمل وجوده في آخر الوقت، وإذا يئس وصلى في أول الوقت
صلاته الاضطرارية بدون ساتر، فإن استمر العذر إلى آخر الوقت صحت
صلاته، وإن لم يستمر لم تصح.
(مسألة 536): إذا كان عنده ثوبان يعلم إجمالا أن أحدهما مغصوب أو
حرير، والآخر مما تصح الصلاة فيه، لا تجوز الصلاة في واحد منهما، بل يصلي
عاريا، وإن علم أن أحدهما من غير المأكول، والآخر من المأكول، أو أن أحدهما
نجس والآخر طاهر، صلى صلاتين في كل منهما صلاة.
218

المقصد الرابع
مكان المصلي
(مسألة 537): لا تجوز الصلاة فريضة أو نافلة، في مكان يكون أحد
المساجد السبعة فيه مغصوبا عينا، أو منفعة، أو لتعلق حق موجب لعدم جواز
التصرف فيه، ولا فرق في ذلك بين العالم بالغصب والجاهل به على الأظهر. نعم،
إذا كان معتقدا عدم الغصب، أو كان ناسيا له، ولم يكن هو الغاصب صحت
صلاته، وكذلك تصح صلاة من كان مضطرا أو مكرها على التصرف في
المغصوب كالمحبوس بغير حق، والأظهر صحة الصلاة في المكان الذي يحرم
المكث فيه لضرر على النفس، أو البدن، لحر أو برد أو نحو ذلك، وكذلك المكان
الذي فيه لعب قمار أو نحوه، كما أن الأظهر صحة الصلاة فيما إذا وقعت تحت
سقف مغصوب أو خيمة مغصوبة أو فضاء مغصوب بل في أرض مغصوبة، ولكن
بشرط أن يكون سجوده بتمام أعضائه السبعة على الأرض المباحة، كما إذا وقف
المصلي على منتهى الأرض المغصوبة ونوى الصلاة فيها، وكبر وقرأ وركع، وحين
أراد أن يسجد تقدم بضع خطوات فدخل في الأرض المباحة وسجد عليها، وكانت
أعضاء سجوده السبعة كلها على الأرض المباحة، فإن صلاته صحيحة؛ لأن
بطلان الصلاة وفسادها، بسبب غصب المكان، يدور مدار مكان المصلي حال
سجوده بأعضائه السبعة فإن كان مغصوبا بطلت صلاته، وإلا فهي صحيحة،
219

سواء كان مكانه حال القراءة أو الركوع أو التكبير مباحا، أم كان مغصوبا،
ونقصد بالمكان ما يضع المصلي جسمه وثقله عليه، دون الفضاء والسقف والحائط
والجدار وغير ذلك.
(مسألة 538): إذا اعتقد المصلي غصب المكان، فصلى فيه بطلت صلاته،
وإن انكشف الخلاف بسبب انتفاء قصد القربة منه، لعدم تمكنه من ذلك في هذه
الحالة، وإذا اعتقد المصلي أن المالك أجاز له التصرف في ملكه وصلى فيه، ثم تبين
له أن المالك لا يرضى بذلك فصلاته باطلة.
(مسألة 539): لا يجوز لأحد الشركاء الصلاة في الأرض المشتركة، إلا
بإذن بقية الشركاء، كما لا تجوز الصلاة في الأرض المجهول مالكها، إلا بإذن
الحاكم الشرعي.
(مسألة 540): إذا سبق واحد إلى مكان في المسجد، فغصبه منه غاصب
وصلى فيه، فهل هو آثم وتصح صلاته؟
والجواب: أنه آثم بذلك، ولكن تصح صلاته على أساس أن حقه في هذا
المكان، إنما هو ما دام متواجدا فيه، فإنه حينئذ لا يجوز مزاحمته في ذلك المكان،
وأخذه منه ظلما وعدوانا، ولكنه إذا أخذه منه، فإنه وإن كان آثما، إلا أنه بعد
الأخذ لا يبقى حق له، لكي تكون صلاته فيه تصرفا في حقه.
(مسألة 541): إنما تبطل الصلاة في المغصوب مع عدم الإذن من المالك في
الصلاة، ولو لخصوص زيد المصلي، وإلا فالصلاة صحيحة.
(مسألة 542): المراد من إذن المالك المسوغ للصلاة، أو غيرها من
التصرفات، أعم من الإذن الفعلي، بأن كان المالك ملتفتا إلى الصلاة - مثلا -
وأذن فيها، والإذن التقديري، بأن يعلم من حاله أنه لو التفت إلى التصرف لأذن
220

فيه، فتجوز الصلاة في ملك غيره مع غفلته إذا علم من حاله أنه لو التفت لأذن
بالصلاة فيه.
(مسألة 543): يعلم الإذن في الصلاة إما بالقول كأن يقول: (صل في بيتي)
أو بالفعل كأن يفرش له سجادة إلى القبلة، أو بشاهد الحال كما في المضائف
المفتوحة الأبواب ونحوها، وفي غير ذلك لا تجوز الصلاة ولا غيرها من التصرفات،
إلا مع العلم بالإذن ولو كان تقديريا، ولذا يشكل في بعض المجالس المعدة لقراءة
التعزية الدخول في المرحاض والوضوء بلا إذن، ولا سيما إذا توقف ذلك على
تغيير بعض أوضاع المجلس من رفع ستر، أو طي بعض فراش المجلس أو نحو
ذلك، مما يثقل على صاحب المجلس، ومثله في الإشكال كثرة البصاق على
جدران النزهة، والجلوس في بعض مواضع المجلس المعدة لغير مثل الجالس لما
فيها من مظاهر الكرامة المعدة لأهل الشرف في الدين - مثلا - أو لعدم كونها
معدة للجلوس فيها، مثل الغطاء الذي يكون على الحوض المعمول في وسط الدار،
أو على درج السطح، أو فتح بعض الغرف والدخول فيها، والحاصل أنه لابد من
إحراز رضا صاحب المجلس في كيفية التصرف وكمه وموضع الجلوس ومقداره،
ومجرد فتح باب المجلس لا يدل على الرضا بكل تصرف يشاء الداخل فيه.
(مسألة 544): الحمامات المفتوحة والخانات، لا يجوز الدخول فيها لغير
الوجه المقصود منها، إلا بالإذن، فلا يصح الوضوء من مائها والصلاة فيها، إلا
بإذن المالك أو وكيله، ومجرد فتح أبوابها لا يدل على الإذن في ذلك، وليست
هي كالمضائف المسبلة للانتفاع بها.
(مسألة 545): تجوز الصلاة في الأراضي الشاسعة المتسعة، والوضوء من
مائها والغسل فيها والشرب منها، مما جرت عليه عادة الناس مع عدم المنع
221

والإنكار من أصحاب الأراضي والمياه، وإن كان فيهم الصغير أو المجنون، وكذلك
الأراضي غير المحجرة، كالبساتين التي لا سور لها ولا حجاب، فيجوز الدخول
إليها والصلاة فيها مع عدم المنع والإنكار من أصحابها.
(مسألة 546): الأقوى صحة صلاة كل من الرجل والمرأة إذا كانا متحاذيين
حال الصلاة، أو كانت المرأة متقدمة على الرجل، شريطة أن يكون الفصل بينهما
بقدر شبر إنسان اعتيادي، وإن كان الأحوط استحبابا أن يتقدم الرجل بموقفه
على مسجد المرأة، أو يكون بينهما حائل، أو مسافة عشرة أذرع بذراع اليد،
ولا فرق في ذلك بين المحارم وغيرهم والزوج والزوجة وغيرهما. نعم، يختص
ذلك بصورة وحدة المكان، بحيث يصدق التقدم والمحاذاة، فإذا كان أحدهما في
موضع عال دون الآخر، على وجه لا يصدق التقدم والمحاذاة فلا بأس.
(مسألة 547): لا يجوز التقدم في الصلاة على قبر المعصوم (عليه السلام) لو كان
مستلزما للهتك وإساءة الأدب، ولا بأس به مع البعد المفرط أو الحاجب المانع
الرافع لسوء الأدب، ولا يكفي فيه الضرائح المقدسة ولا ما يحيط بها من غطاء
ونحوه. نعم، لو كان المصلي غافلا عن ذلك أو معتقدا بأنه ليس في تقدم الصلاة
على القبر الشريف أي إساءة أدب وهتك، صحت صلاته ولا شيء عليه.
(مسألة 548): تجوز الصلاة في بيوت من تضمنت الآية جواز الأكل فيها
بلا إذن، مع عدم العلم بالكراهة، كالأب، والأم، والأخ، والعم، والخال، والعمة،
والخالة، ومن ملك الشخص مفتاح بيته، والصديق، وأما مع العلم بالكراهة وعدم
الرضا فلا يجوز.
(مسألة 549): إذا دخل المكان المغصوب جهلا أو نسيانا بتخيل الإذن،
ثم التفت وعلم بعدم الإذن من المالك بالدخول فيه وأنه كان في خطأ، فإن كان
222

ذلك في سعة الوقت لا يجوز التشاغل بالصلاة فيه ويجب قطعها إن اشتغل بها،
وإن كان ذلك في ضيق الوقت يجوز الاشتغال بها حال الخروج مبادرا إليه سالكا
أقرب الطرق، مراعيا للاستقبال بقدر الإمكان ويومئ للسجود ويركع، إلا أن
يستلزم ركوعه تصرفا زائدا فيومئ له حينئذ، وتصح صلاته ولا يجب عليه
القضاء، والمراد بالضيق أن لا يتمكن من إدراك ركعة في الوقت على تقدير تأخير
الصلاة إلى ما بعد الخروج.
(مسألة 550): يعتبر في مسجد الجبهة - مضافا إلى ما تقدم من الطهارة -
أن يكون من الأرض أو نباتها أو القرطاس، والأفضل أن يكون من التربة الشريفة
الحسينية - على مشرفها أفضل الصلاة والتحية -، فقد ورد فيها فضل عظيم، ولا يجوز
السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن كالذهب والفضة وغيرهما،
ولا على ما خرج عن اسم النبات كالرماد والفحم، ويجوز السجود على الخزف
والآجر والجص والنورة بعد طبخها.
(مسألة 551): يعتبر في جواز السجود على النبات أن لا يكون مأكولا
كالحنطة والشعير والبقول والفواكه ونحوها من المأكولات، ولو قبل وصولها إلى
زمان الأكل، أو احتيج في أكلها إلى عمل من طبخ ونحوه. نعم، يجوز السجود
على قشورها ونواها وعلى التبن والقصيل والجت ونحوها.
وأما ما لم يتعارف أكله مع صلاحيته لذلك لما فيه من حسن الطعم
المستوجب لإقبال النفس على أكله، فهل يجوز السجود عليه؟
والجواب: نعم يجوز السجود عليه، ومثله عقاقير الأدوية كورد لسان الثور
وعنب الثعلب والخوبة ونحوها مما له طعم وذوق حسن، وأما ما ليس له ذلك،
فلا إشكال في جواز السجود عليه وإن استعمل للتداوي به، وكذا ما يؤكل عند
223

الضرورة والمخمصة، أو عند بعض الناس نادرا، فالمعيار إنما هو بما لا يؤكل في
الأغلب، ولا عبرة بما يؤكل نادرا وعند الضرورة القاهرة.
(مسألة 552): يعتبر أيضا في جواز السجود على النبات، أن لا يكون
ملبوسا كالقطن والكتان والقنب ولو قبل الغزل أو النسج، ولا بأس بالسجود
على خشبها وورقها، وكذا الخوص والليف ونحوهما مما لا صلاحية فيه لذلك،
وإن لبس لضرورة أو شبهها، أو عند بعض الناس نادرا، وبكلمة: أن المقياس
بما لا يلبس لدى الناس، إنما هو في الأغلب ولا عبرة بما يلبس نادرا، وعند
الضرورة، كما أن المراد بما يؤكل، وما يلبس ما يصلح لذلك، وإن لم يكن فعلا
مما يؤكل لحاجته إلى الطبخ، أو مما يلبس لحاجته إلى النسج والغزل.
(مسألة 553): الأظهر جواز السجود على القرطاس مطلقا، وإن اتخذ من
مادة لا يصح السجود عليها، وإن كان الأجدر احتياطا استحبابيا بالمصلي أن لا
يستعمل في سجوده القرطاس.
(مسألة 554): لا بأس بالسجود على القرطاس المكتوب، إذا كانت
الكتابة معدودة صبغا، لا جرما.
(مسألة 555): إذا لم يتمكن من السجود على ما يصح السجود عليه لتقية،
جاز له السجود على كل ما تقتضيه التقية، وأما إذا لم يتمكن لفقد ما يصح
السجود عليه، أو لمانع من حر أو برد، فالأظهر وجوب السجود على ثوبه، فإن
لم يمكن، فعلى أي شيء آخر مما لا يصح السجود عليه حال الاختيار.
(مسألة 556): لا يجوز السجود على الوحل، أو التراب اللذين لا يحصل
تمكن الجبهة في السجود عليهما، وإن حصل التمكن جاز، وإن لصق بجبهته شيء
منهما أزاله للسجدة الثانية، إذا كان حائلا، وإن لم يجد إلا الطين الذي لا يمكن
224

الاعتماد عليه صلى إيماء.
(مسألة 557): إذا كانت الأرض ذات طين بحيث يتلطخ بدنه أو ثيابه، إذا
صلى فيها صلاة المختار وكان ذلك حرجيا عليه، صلى موميا للسجود، ولا يجب
عليه الجلوس للسجود ولا للتشهد.
(مسألة 558): إذا اشتغل بالصلاة، وفي أثنائها فقد ما يصح السجود عليه،
قطعها في سعة الوقت، وفي الضيق ينتقل إلى البدل على الترتيب المتقدم شريطة
أن لا يتمكن من إدراك ركعة واحدة بتمام شروطها في الوقت، وإلا وجب عليه
أن يقطعها ويستأنفها من جديد ولو بإدراك ركعة منها في الوقت.
(مسألة 559): إذا سجد المصلي على ما لا يصح السجود عليه، كالنايلون
- مثلا - معتقدا بأنه مما يصح السجود عليه كالقرطاس أو غيره، وبعد أن يرفع
رأسه من السجدة الاولى أو الثانية انتبه إلى واقع الحال، وفي هذه الحالة له أن
يقطع الصلاة ويستأنفها من جديد، وله أن يتمها مراعيا أن يكون محل سجوده
في ما يأتي به بعد ذلك من سجدات مما يصح أن يسجد عليه ثم يعيد الصلاة،
وهذا هو الأحوط استحبابا.
(مسألة 560): يجب على المصلي أن يختار مكانا للصلاة مستقرا فيه،
ومتمكنا من أدائها بكل واجباتها بطمأنينة، أي لا يكون مضطربا، فإذا وجد
مكانا كذلك صلى فيه، وإلا فلا، ومن هنا لا تجوز الصلاة على الدابة السائرة
والأرجوحة والسيارة ونحوها، مما يفوت معه الاستقرار، وكذلك الحال في الطائرة
حال الطيران أو السفينة أو القطار، فإن تمكن المكلف من الصلاة فيها مستقرا
ومن دون اضطراب صلى فيها، وإلا فعليه تأجيل الصلاة إلى حين وقوفها، إذا
كان الوقت متسعا، وأما إذا علم بعدم وقوفها إلى انتهاء الوقت، فيجب عليه أن
225

يصلي حال الركوب مع مراعاة الاستقبال مع الإمكان، والحاصل أنه يجوز الصلاة
في حال الركوب إذا تمكن من الاستقرار والاستقبال، ولا تجوز بدون التمكن من
ذلك، إلا مع الضرورة، وإن لم يتمكن من الاستقبال، إلا في تكبيرة الإحرام
اقتصر عليه، وإن لم يتمكن من الاستقبال أصلا سقط، والأحوط استحبابا تحري
الأقرب إلى القبلة فالأقرب، وكذا الحال في الماشي وغيره من المعذورين.
(مسألة 561): قد تسأل أن المسافر ليلا إذا كان يعلم بأنه سيصل إلى
المحطة قبل طلوع الشمس بفترة قليلة، لا تسع إلا ركعة واحدة من صلاة الصبح،
وتقع الركعة الثانية بعد طلوع الشمس، فهل عليه أن يصلي في القطار أو الطائرة
غير مستقر، أو ينتظر الوصول إلى المحطة؟
والجواب: إن كان بإمكانه أن يصلي في القطار أو الطائرة مستقبلا للقبلة
وجب عليه ذلك، ولا يجوز له التأخير، وإلا فوظيفته الجمع.
(مسألة 562): الأقوى جواز إيقاع الفريضة في جوف الكعبة الشريفة
اختيارا، وإن كان الأحوط استحبابا تركه، أما اضطرارا فلا إشكال في جوازها،
وكذا النافلة ولو اختيارا.
(مسألة 563): تستحب الصلاة في المساجد، وأفضلها المسجد الحرام
والصلاة فيه تعدل ألف ألف صلاة، ثم مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) والصلاة فيه تعدل
عشرة آلاف صلاة، ثم مسجد الكوفة والأقصى والصلاة فيهما تعدل ألف صلاة،
ثم مسجد الجامع والصلاة فيه بمائة صلاة، ثم مسجد القبيلة وفيه تعدل خمسا
وعشرين، ثم مسجد السوق والصلاة فيه تعدل اثنتي عشرة صلاة، وصلاة
المرأة في بيتها أفضل، وأفضل البيوت المخدع.
(مسألة 564): تستحب الصلاة في مشاهد الأئمة (عليهم السلام)، بل قيل إنها أفضل
226

من المساجد، وقد ورد أن الصلاة عند علي (عليه السلام) بمائتي ألف صلاة.
(مسألة 565): يكره تعطيل المساجد، ففي الخبر: ثلاثة يشكون إلى الله
تعالى، مسجد خراب لا يصلي فيه أحد، وعالم بين جهال، ومصحف معلق قد
وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه.
(مسألة 566): يستحب التردد إلى المساجد، ففي الخبر من مشى إلى مسجد
من مساجد الله، فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشر حسنات،
ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، ويكره لجار المسجد أن يصلي
في غيره لغير علة كالمطر، وفي الخبر لا صلاة لجار المسجد إلا في مسجده.
(مسألة 567): يستحب للمصلي أن يجعل بين يديه حائلا، إذا كان في
معرض مرور أحد قدامه، ويكفي في الحائل عود أو حبل أو كومة تراب.
(مسألة 568): قد ذكروا أنه تكره الصلاة في الحمام، والمزبلة، والمجزرة،
والموضع المعد للتخلي، وبيت المسكر، ومعاطن الإبل، ومرابط الخيل والبغال
والحمير والغنم، بل في كل مكان قذر، وفي الطريق إذا أضرت بالمارة حرمت
وبطلت، وفي مجاري المياه، والأرض السبخة، وبيت النار كالمطبخ، وأن يكون
أمامه نار مضرمة ولو سراجا، أو تمثال ذي روح، أو مصحف مفتوح، أو كتاب
كذلك، والصلاة على القبر، وفي المقبرة، أو أمامه قبر، وبين قبرين، وإذا كان في
الأخيرين حائل أو بعد عشرة أذرع فلا كراهة، وأن يكون قدامه إنسان مواجه
له، وهناك موارد اخرى للكراهة مذكورة في محلها.
227

المقصد الخامس
أفعال الصلاة وما يتعلق بها
وفيه مباحث:
المبحث الأول
الأذان والإقامة
وفيه فصول
الفصل الأول
استحباب الأذان والإقامة
يستحب الأذان والإقامة استحبابا مؤكدا في الفرائض اليومية، أداء وقضاء،
حضرا وسفرا، في الصحة والمرض، للجامع والمنفرد، رجلا كان أو أمرأة، ويتأكد
هذا الاستحباب بالنسبة إلى الرجال خاصة، ويتأكدان في الأدائية منها، وخصوص
المغرب والغداة، وأشدهما تأكدا الإقامة، ولا يشرع الأذان ولا الإقامة في النوافل
ولا في الفرائض غير اليومية.
(مسألة 569): يسقط الأذان للعصر عزيمة يوم عرفة، إذا جمعت مع الظهر،
وللعشاء ليلة المزدلفة، إذا جمعت مع المغرب.
228

(مسألة 570): يسقط الأذان والإقامة جميعا في موارد:
الأول: في الصلاة جماعة إذا سمع الإمام الأذان والإقامة في الخارج.
الثاني: الداخل في الجماعة التي أذنوا لها وأقاموا وإن لم يسمع، أو في
الجماعة التي سمع امامها الأذان والإقامة من خارج الجماعة.
الثالث: الداخل إلى المسجد قبل تفرق الجماعة، سواء صلى جماعة إماما
أم مأموما، أم صلى منفردا بشرط الاتحاد في المكان عرفا، فمع كون إحداهما في
أرض المسجد والاخرى على سطحه يشكل السقوط، ويشترط أيضا أن تكون
الجماعة السابقة بأذان وإقامة، فلو كانوا تاركين لهما لاجتزائهم بأذان جماعة
سابقة عليها وإقامتها فلا سقوط، وأن تكون صلاتهم صحيحة، فلو كان الإمام
فاسقا مع علم المأمومين به فلا سقوط، واعتبار كون الصلاتين أدائيتين
واشتراكهما في الوقت.
وقد تسأل: أن هذا الحكم هل يجري على الأذان والإقامة للصلاة في
مكان آخر غير المسجد أو لا؟
والجواب: أن الجريان لا يخلو من إشكال، ولا يبعد عدم الجريان.
الفصل الثاني
فصول الأذان والإقامة
فصول الأذان ثمانية عشر " الله أكبر " أربع مرات، ثم " أشهد أن لا إله
إلا الله " ثم " أشهد أن محمدا رسول الله " ثم " حي على الصلاة " ثم " حي
على الفلاح " ثم " حي على خير العمل " ثم " الله أكبر " ثم " لا إله إلا الله " كل
229

فصل مرتان، وكذلك الإقامة، إلا أن فصولها أجمع مثنى مثنى، إلا التهليل في
آخرها فمرة واحدة، ويزاد فيها بعد الحيعلات قبل التكبير " قد قامت الصلاة "
مرتين فتكون فصولها سبعة عشر، وتستحب الصلاة على محمد وآل محمد عند
ذكر اسمه الشريف. وإكمال الشهادتين بالشهادة لعلي (عليه السلام) بالولاية وإمرة المؤمنين
في الأذان وغيره.
الفصل الثالث
شرائط الأذان والإقامة
يشترط فيهما أمور:
الأول: النية ابتداء واستدامة، ويعتبر فيها القربة؛ لأنهما عبادتان،
والتعيين بمعنى أن المصلي إذا أراد أن يصلي صلاة الصبح أذن وأقام باسم صلاة
الصبح وهكذا.
الثاني، والثالث: العقل والإيمان، وفي الاجتزاء بإقامة المميز إشكال،
ولا يبعد عدم الاجتزاء، وأما الاجتزاء بأذانه فهو لا يخلو عن قوة.
الرابع: الذكورة للذكور، فلا يعتد بأذان النساء وإقامتهن لغيرهن حتى المحارم
على الأظهر. نعم، يجتزئ بهما لهن، فإذا أمت المرأة النساء فأذنت وأقامت كفى.
الخامس: الترتيب بتقديم الأذان على الإقامة، وكذا بين فصول كل منهما،
فإذا قدم الإقامة أعادها بعد الأذان، وإذا خالف بين الفصول أعاد على نحو يحصل
الترتيب، إلا أن تفوت الموالاة فيعيد من الأول.
السادس: الموالاة بينهما وبين الفصول من كل منهما، وبينهما وبين الصلاة،
230

فإذا أخل بها أعاد.
السابع: العربية وترك اللحن.
الثامن: دخول الوقت فلا يصحان قبله. نعم، يجوز تقديم الأذان قبل
الفجر للإعلام.
الفصل الرابع
أحكام الأذان والإقامة
يستحب في الأذان الطهارة من الحدث، والقيام، والاستقبال، ويكره
الكلام في أثنائه، وكذلك الإقامة. نعم، الأظهر اعتبار الطهارة فيها، والقيام،
وتشتد كراهة الكلام بعد قول المقيم: " قد قامت الصلاة " ويستحب فيهما
التسكين في أواخر فصولهما مع التأني في الأذان والحدر في الإقامة، والإفصاح
بالألف والهاء من لفظ الجلالة، ووضع الإصبعين في الأذنين في الأذان، ومد
الصوت فيه، ورفعه إذا كان المؤذن ذكرا، ويستحب رفع الصوت أيضا في الإقامة،
إلا أنه دون الأذان، وغير ذلك مما هو مذكور في المفصلات.
(مسألة 571): في موارد يقل استحباب الأذان:
منها: إذا سمع الإنسان أذان آخر أمكنه الاكتفاء به، وإن أذن فلا ضير عليه.
ومنها: إذا كان على الإنسان صلوات فائتة عديدة، وأراد أن يأتي بها بصورة
متتابعة من دون وقفة في وقت واحد، كان له أن يكتفي بأذان واحد لها جميعا،
ويقيم لكل صلاة إقامة خاصة، وفي نفس الوقت يجوز له أن يؤذن لكل صلاة.
ومنها: إذا جمع الإنسان بين صلاتين كالظهر والعصر والمغرب والعشاء،
231

كان له أن يكتفي بأذان واحد للصلاتين معا، ولو أذن للثانية فلا ضير عليه، إلا
في موردين:
أحدهما: إذا جمع بين الظهر والعصر في عرفات يوم عرفة.
والآخر: إذا جمع بين المغرب والعشاء في المشعر ليلة اليوم العاشر من ذي
الحجة، فإن في كلا الموردين إذا جمع بين الصلاتين لا يجوز له أن يؤذن للثانية
كما تقدم.
الفصل الخامس
حكم من ترك الأذان والإقامة
من ترك الأذان والإقامة أو أحدهما عمدا، حتى أحرم للصلاة، لا يبعد
جواز قطعها واستئنافها بأذان وإقامة، وإن كان الأحوط والأولى أن لا يقطع
ويواصل صلاته، وأما إذا تركهما عن نسيان، فيستحب له القطع لتداركهما ما لم
يركع، وإذا نسي الإقامة وحدها، فالظاهر استحباب القطع لتداركها، إذا ذكر قبل
القراءة، ولا يبعد الجواز لتداركهما أو تدارك الإقامة مطلقا حتى بعد الركوع.
232

ايقاظ وتذكير
قال الله تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون)
وقال النبي والأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام كما ورد في أخبار كثيرة: أنه لا
يحسب للعبد من صلاته إلا ما يقبل عليه منها، وأنه لا يقدمن أحدكم على الصلاة
متكاسلا، ولا ناعسا، ولا يفكرن في نفسه، ويقبل بقلبه على ربه، ولا يشغله
بأمر الدنيا، وأن الصلاة وفادة على الله تعالى، وأن العبد قائم فيها بين يدي الله
تعالى، فينبغي أن يكون قائما مقام العبد الذليل، الراغب الراهب، الخائف الراجي
المسكين المتضرع، وأن يصلي صلاة مودع، يرى أن لا يعود إليها أبدا، وكان
علي بن الحسين (عليه السلام) إذا قام في الصلاة كأنه ساق شجرة، لا يتحرك منه إلا ما
حركت الريح منه، وكان أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما السلام) إذا قاما إلى الصلاة تغيرت
ألوانهما مرة حمرة ومرة صفرة، وكأنهما يناجيان شيئا يريانه، وينبغي أن يكون
صادقا في قوله: (إياك نعبد وإياك نستعين) فلا يكون عابدا لهواه، ولا
مستعينا بغير مولاه.
وينبغي إذا أراد الصلاة أو غيرها من الطاعات أن يستغفر الله تعالى،
ويندم على ما فرط في جنب الله، ليكون معدودا في عداد المتقين الذين قال الله
تعالى في حقهم: (إنما يتقبل الله من المتقين).
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وهو حسبنا ونعم الوكيل،
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
233

المبحث الثاني
فيما يجب في الصلاة
وهو أحد عشر:
النية، وتكبيرة الإحرام، والقيام، والقراءة، والذكر، والركوع، والسجود،
والتشهد، والتسليم، والترتيب، والموالاة، والأركان - وهي التي تبطل الصلاة
بنقيصتها عمدا وسهوا - أربعة: النية، والتكبير، والركوع، والسجود، وأما القيام
المتصل بالركوع فهو مقوم للركوع لا أنه ركن مستقل في مقابل الركوع، والقيام
حال تكبيرة الإحرام شرط لها، لا أنه ركن في مقابل التكبيرة، والبقية أجزاء
غير ركنية لا تبطل الصلاة بنقصها سهوا، وفي بطلانها بالزيادة تفصيل يأتي إن
شاء الله تعالى، فهنا فصول:
الفصل الأول
في النية
وهي شرط لكل صلاة، ونقصد بها أن تتوفر فيها العناصر الثلاثة التالية:
الأول: نية القربة، ونريد بها الإتيان بالفعل من أجل الله سبحانه وتعالى؛
لأنه الباعث نحو الفعل، ولا فرق بين أن تكون هذه النية ناشئة من الخوف عن
234

عقاب الله تعالى، أو رغبة في ثوابه، أو حبا وإيمانا بأنه أهل للعبادة، فالعبادة
تقع صحيحة إذا قترنت بنية القربة على أحد الأوجه الثلاثة، ولا يعتبر التلفظ بها،
ولا إخطار صورة العمل تفصيلا في الذهن، ولا نية الوجوب أو الاستحباب، ولا
التمييز بين الواجبات ولا بين أجزائها الواجبة والمستحبة، وهذا بخلاف الواجب
التوصلي، فإنه إذا أتى به بدافع خاص له، فقد دفع عن نفسه العقاب وصح،
ولكنه لم يستحق الأجر والثواب بلطفه تعالى، وإذا أتى به بدافع إلهي فقد استحق
الثواب والأجر بلطفه سبحانه، وإذا أتى به بدافع إلهي ودافع خاص له معا على
نحو لو لم يكن هناك دافع خاص لأتى به أيضا من أجل الله تعالى، فقد برئ من
استحقاق العقاب واستحق الثواب بلطف منه تعالى.
الثاني: قصد الإخلاص في النية، ونعني بذلك عدم الرياء، فالرياء في
الصلاة مبطل لها ومحرم شرعا، وعلى هذا فإذا صلى رياء بطلت صلاته، وكذلك
الحال في سائر العبادات الواجبة والمستحبة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون
الرياء في الابتداء أو في الأثناء، ومعنى الرياء هو الإتيان بالعمل من أجل كسب
ثناء الناس وإعجابهم، وهذا حرام في العبادات شرعا وموجب لبطلانها، فأي
عبادة أتى الإنسان بها بهذا الدافع تقع باطلة، ويعتبر الفاعل آثما، سواء كان آتيا
بالعمل من أجل كسب ثناء الناس وحدهم أو من أجلهم ومن أجل الله تعالى معا.
وقد تسأل: أن الرياء إذا كان في أصل الصلاة وأجزائها الواجبة فهو
مبطل لها، فهل الأمر كذلك إذا كان في مستحباتها وآدابها، كما إذا صلى الإنسان
لله على كل حال ولكنه حريص على أن يؤدي صلاته بآداب ومستحبات إضافية
رياء، كأداء صلاته في الجماعة أو في المسجد أو خلف الإمام الفلاني أو في الصف
الأول أو غير ذلك؟
235

والجواب: أن مستحباب الصلاة وآدابها على نوعين:
أحدهما: أنه فعل مستقل بوجوده ومتميز عن واجباتها كالقنوت مثلا:
والآخر: أنه حالة وصفة للصلاة، وتتصف الصلاة بها، من قبيل كونها
في المسجد أو إيقاعها في أول الوقت أو في الجماعة أو خلف الإمام الفلاني.
وحينئذ فإن كان الرياء في النوع الأول، فالظاهر أنه لا يبطل الصلاة، وإنما
يبطل ذلك الأمر المستحب إذا كان عباديا، ويأثم عليه من أجل ريائه.
وأما النوع الثاني: فتارة يكون المكلف قاصدا الرياء في حضوره في
المسجد وتواجده فيه فقط، أو في الجماعة أو أول الوقت صلى أو لم يصل؛ لأن
الدافع من وراء ذلك إيهام الناس بأنه من رواد المسجد وأهل الجماعة ومن
الحريصين على الصلاة في أول الوقت، وأراد كسب ثناء الآخرين وإعجابهم به
بالتدليس والتمويه لا بالصلاة، وفي هذه الحالة له أن يصلي لله، فإذا صلى والحال
هذه صحت صلاته، وبكلمة: أنه قصد الرياء في حضوره وتواجده هنا أو هناك،
لغاية كسب ثناء الناس ومدحهم، وقد وصل إلى هذه الغاية بالتمويه والتدليس
صلى أو لم يصل، فلو صلى فله أن يصلي لله تعالى.
وأخرى يكون قاصدا الرياء في اختيار أفضل أفراد الصلاة وهو الصلاة
في الجماعة أو المسجد أو الحرم الشريف أو أول الوقت أو غير ذلك، وغرضه من
الحضور والتواجد هنا أو هناك أن يظهر للناس رياء اهتمامه وحرصه على اختيار
الأفضل لصلاته، وعندئذ تكون صلاته باطلة.
الثالث: قصد الاسم الخاص للصلاة، التي يريد المكلف أن يصليها المميز
لها شرعا، إذا كان لها اسم وعنوان كذلك كصلاة الصبح والظهر والعصر والمغرب
والعشاء ونوافلها وصلاة الجمعة وصلاة الليل وصلاة الآيات وصلاة العيدين
236

وصلاة الاستسقاء وهكذا، ومن أراد أن يأتي بإحدى هذه الصلوات، فعليه أن
يقصد ذلك الاسم وإن كانت الصلاة فريدة من نوعها ولم تكن لها شريكة في
العدد والكم كصلاة المغرب.
وهذه العناصر الثلاثة للنية لابد أن تكون مقارنة للصلاة بكل أجزائها من
تكبيرة الإحرام إلى التسليم، ونعني بالمقارنة أن لا تتأخر عن أول جزء من
أجزائها، وإلا لكان ذلك الجزء من دون نية، كما أن المقصود من مقارنة النية
لكل الأجزاء ليس وجوب أن يكون المصلي منتبها إلى نيته انتباها كاملا، كما
كان في اللحظة الاولى، فلو نوى وكبر ثم ذهل عن نيته وواصل صلاته على هذه
الحالة من الذهول صحت صلاته ما دامت النية كامنة في أعماق نفسه ارتكازا على
نحو لو سأله سائل: ماذا تفعل؟ لانتبه فورا إلى أنه يصلي قربة إلى الله تعالى.
(مسألة 572): الضمائم الاخر غير الرياء إن كانت محرمة وموجبة لحرمة
العبادة أبطلت العبادة، وإلا فإن كانت راجحة أو مباحة، فالظاهر صحة العبادة
إذا كان داعي القربة صالحا للاستقلال في البعث إلى الفعل، بحيث يفعل للأمر به
ولو لم تكن تلك الضميمة، وإن لم يكن صالحا للاستقلال، فالظاهر البطلان.
(مسألة 573): لا تبطل الصلاة بالرياء في مقدماتها، كإزالة الخبث عن
البدن أو الثوب رياء، وكذلك في العمل الخارج عنها، كالتصدق أثناء الصلاة
رياء، وليس من الرياء ما إذا صلى الإنسان صلاته قربة إلى الله تعالى ولكنه كان
يعلم بأن الناس إذا رأوه بهذه الحالة لكانوا معجبين به ومادحين له، فإنه ما دام
لم يصل من أجل ذلك فلا رياء، كما أن مجرد خطور ذلك في القلب لا يضر بصلاته
ما دام لم يكن ذلك هو الدافع إليها.
وإذا كان مقصوده من العبادة أمام الناس مثل حضوره في الجماعة أو في
237

المسجد أو في الحرم الشريف أو غير ذلك، رفع التهمة والذم عن نفسه أو ضرر
آخر أو ترغيب الآخرين إلى الطاعة والعبادة أو تقريب دينه أو مذهبه في قلوبهم
فلا ضير عليه بل هو حسن.
والرياء المتأخر عن العبادة لا يكون مبطلا، كما إذا حاول المصلي بعد الفراغ
من صلاته أن يتحدث بها، لغرض كسب ثناء الناس ومدحهم بذلك، فإنه وإن
كان مكروها بل قد يكون محرما، إلا أنه لا يبطل عمله السابق.
(مسألة 574): العجب هو أن يشعر الإنسان بالفضل والمنة على الله
سبحانه وتعالى بعبادته، وأنه أدى لربه كامل حقه، وهذا محرم شرعا، إلا أن
العبادة لا تبطل بذلك، ولكن يذهب ثوابها به.
(مسألة 575): يعتبر تعيين الصلاة التي يريد الإنسان الإتيان بها، إذا كان
لها اسم خاص مميز لها شرعا، وإن كانت فريدة من نوعها ولم تكن لها شريكة في
العدد والكم. نعم، في بعض الموارد يكفي التعيين الإجمالي مثل عنوان ما اشتغلت
به الذمة إذا كان متحدا، كما إذا كانت في ذمته صلاتان أو أكثر من صلاة الصبح
أو الظهر فصلى صلاتين باسم صلاة الصبح، من دون أن يقصد تعيين أنها الاولى
أو الثانية، فإن ذلك يكفي، ولا يجب التعيين بعنوان ما اشتغلت به ذمته أولا - إذا
كان متعددا - أو نحو ذلك، وعلى هذا فإذا صلى المكلف - مثلا - صلاة ذات
ركعتين، فإن نواها باسم صلاة الفجر، صحت فجرا، وإن نواها باسم نافلة الفجر،
صحت نافلة، وإن لم ينو لا الاولى ولا الثانية لم تصح كل منهما. نعم، إذا نذر
نافلتين من دون أي اسم وعنوان خاص لكل منهما، كفى الإتيان بهما كذلك؛ لعدم
تعيين وتمييز بينهما في الواقع.
(مسألة 576): لا تجب نية القضاء ولا الأداء، فإذا علم أنه مشغول الذمة
238

بصلاة الظهر ولا يعلم أنها قضاء أو أداء صحت إذا قصد الإتيان بما اشتغلت به
الذمة فعلا، وإذا اعتقد أنها أداء فنواها أداء صحت أيضا، وإن كانت في الواقع
قضاء، وكذا الحكم في العكس. نعم، إذا كان عليه أداء وقضاء معا وجب التعيين،
وإلا لم يقع لا أداء ولا قضاء.
(مسألة 577): لا يجب الجزم بالنية في صحة العبادة، فلو صلى في ثوب
مشتبه بالنجس لاحتمال طهارته، وبعد الفراغ تبينت طهارته، صحت الصلاة،
وإن كان عنده ثوب معلوم الطهارة، وكذا إذا صلى في موضع الزحام، لاحتمال
التمكن من الإتمام، فاتفق تمكنه صحت صلاته، وإن كان يمكنه الصلاة في غير
موضع الزحام.
(مسألة 578): قد عرفت أنه لا يجب - حين العمل - الالتفات إليه تفصيلا
وتعلق القصد به، بل يكفي الالتفات إليه، وتعلق القصد به قبل الشروع فيه، وبقاء
ذلك القصد إجمالا، على نحو يستوجب وقوع الفعل من أوله إلى آخره عن داعي
الأمر، بحيث لو التفت إلى نفسه لرأى أنه يفعل عن قصد الأمر، وإذا سئل أجاب
بذلك، ولا فرق بين أول الفعل وآخره، وهذا المعنى هو المراد من الاستدامة
الحكمية للنية التفصيلية الحادثة في اللحظة الاولى، أما بلحاظ نفس النية فهي
استدامة حقيقية، لأنها موجودة في أعماق النفس.
(مسألة 579): إذا كان في أثناء الصلاة فنوى قطعها، أو نوى الإتيان
بالقاطع، وهو فعل ما لا يسوغ فعله في أثنائها، فإن أتم صلاته وهو على نية
القطع أو على نية فعل المنافي والمبطل بطلت صلاته، حتى ولو لم يفعل شيئا في
الخارج ينافيها، بل حتى ولو كان مترددا بين القطع والإتمام، وأما إذا أتى ببعض
أجزاء الصلاة بعد نية القطع، ثم عاد إلى نيته الاولى، فيلاحظ أنه في تلك الحالة
هل أتى بالركوع أو السجود أو أتى بشيء آخر من أفعال الصلاة، كالتشهد والفاتحة
239

والذكر وغيرها، فعلى الأول تبطل صلاته على كل حال، وعلى الثاني تبطل
الصلاة إن نوى بذلك التشهد أنه جزء من هذه الصلاة التي نوى قطعها، وإن لم
ينو ذلك وإنما أتى به كشئ مستقل عن هذه الصلاة، فبإمكانه إذا عدل عن نية
القطع أن يعيد ما أتى به، ويتدارك ويواصل صلاته ولا شيء عليه، كما أنه إذا
عاد إلى نيته الاولى، قبل أن يأتي بشيء من أجزائها ويواصلها ويتمها صحت
ولا شيء عليه.
(مسألة 580): إذا شك في الصلاة التي بيده أنه عينها ظهرا أو عصرا،
فإن لم يأت بالظهر قبل ذلك، نواها ظهرا وأتمها ثم أتى بالعصر، وإن أتى بالظهر
بطلت، وكذلك الحال إذا دخل في صلاة وشك في أنه نواها مغربا أو عشاء، فإنه
إن لم يكن قد أتى بالمغرب نواها مغربا ما لم يكن قد ركع الركوع الرابع، ثم أتى
بالعشاء، وإن كان قد صلى المغرب بطلت صلاته وأعادها من جديد بنية العشاء.
(مسألة 581): إذا نوى المصلي فريضة، وفي الأثناء غفل فأتمها بزعم أنها
نافلة صحت فريضة، وفي العكس تصح نافلة.
(مسألة 582): إذا قام لصلاة ثم دخل في الصلاة، وشك في أنه نوى ما
قام إليها أو غيرها، فالأظهر أنه لا يكتفي بهذه الصلاة ويستأنفها من جديد.
(مسألة 583): لا يجوز العدول عن صلاة إلى اخرى، إلا في موارد:
منها: ما إذا كانت الصلاتان أدائيتين مترتبتين كالظهرين والعشاءين، وقد
دخل في الثانية قبل الاولى، فإنه يجب أن يعدل إلى الأولى إذا تذكر في الأثناء.
ومنها: إذا كانت الصلاتان قضائيتين، فدخل في اللاحقة ثم تذكر أن عليه
سابقة، فإنه يجب أن يعدل إلى السابقة في المترتبتين، ويجوز العدول في غيرهما،
كما إذا دخل في الظهر وتذكر أن عليه قضاء صلاة الصبح أيضا جاز له العدول
إليها ما لم يتجاوز محل العدول، وإلا أتم الظهر ثم يأتي بصلاة الصبح.
240

ومنها: ما إذا دخل في الحاضرة فذكر أن عليه فائتة، فإنه يجوز العدول
إلى الفائتة كما مر. وانما يجوز العدول في الموارد المذكورة إذا ذكر قبل أن يتجاوز
محله، أما إذا ذكر في ركوع رابعة العشاء - مثلا - أنه لم يصل المغرب يتمها
عشاء، ثم يأتي بالمغرب قضاء.
ومنها: ما إذا نسي فقرأ في الركعة الاولى من فريضة يوم الجمعة غير
سورة الجمعة، ثم تذكر إلى واقع الحال، فإنه يستحب له العدول إلى النافلة ثم
يستأنف الفريضة ويقرأ سورتها.
ومنها: ما إذا دخل في فريضة منفردا ثم أقيمت الجماعة، فإنه يستحب له
العدول بها إلى النافلة مع بقاء محله، ثم يتمها ويدخل في الجماعة.
ومنها: ما إذا دخل المسافر في القصر ثم نوى الإقامة قبل التسليم، فإنه
يعدل بها إلى التمام، وإذا دخل المقيم في التمام فعدل عن الإقامة قبل ركوع الركعة
الثالثة عدل إلى القصر، وإذا كان بعد الركوع بطلت صلاته.
(مسألة 584): إذا عدل في غير محل العدول، فإن لم يفعل شيئا جاز له
العود إلى ما نواه أولا، وإن فعل شيئا فإن كان ذلك الشيء من أفعال الصلاة
كالفاتحة والتشهد ونحوهما جاز له العود إلى ما نواه أولا، ويعيد ما أتى به
ويواصل صلاته ويتمها ولا شيء عليه، وإن كان ذلك الشيء من أركان الصلاة
كالركوع أو السجدتين بطلت صلاته على أي حال، مثال ذلك: إذا عدل من العصر
- مثلا - إلى الظهر، ثم بان أنه أتى بالظهر ولا محل للعدول، وحينئذ فإن لم يأت
بشيء من أجزاء صلاة الظهر، جاز له العدول إلى ما نواه أولا وهو صلاة العصر،
وإن أتى بشيء من أجزاء صلاة الظهر باسمها الخاص، فإن لم يكن ذلك من الأركان
جاز له العود إلى العصر، ويعيد ما أتى به باسم الظهر عصرا ويواصل صلاته ويتمها
241

ولا شيء عليه، وإن كان من الأركان بطلت صلاة العصر على أي حال، فإنه إن
أعاد ما أتى به فهذه زيادة ركن فيها فتكون مبطلة، وإلا فهي فاقدة للركن.
(مسألة 585): الأظهر جواز ترامي العدول، فإذا كان في فائتة فذكر أن
عليه فائتة سابقة، فعدل إليها فذكر أن عليه فائتة اخرى سابقة عليها، فعدل إليها
أيضا صح.
الفصل الثاني
في تكبيرة الإحرام
وتسمى تكبيرة الافتتاح وصورتها: " الله أكبر " ولا يجزئ مرادفها بالعربية،
ولا ترجمتها بغير العربية، وإذا تمت حرم ما لا يجوز فعله من منافيات الصلاة،
وهي ركن تبطل الصلاة بنقصها عمدا وسهوا، وتبطل بزيادتها عمدا، فإذا جاء
بها ثانية بطلت الصلاة فيحتاج إلى ثالثة، فإن جاء بالرابعة بطلت أيضا واحتاج
إلى خامسة، وهكذا تبطل بالشفع، وتصح بالوتر، والظاهر عدم بطلان الصلاة
بزيادتها سهوا، ويجب الإتيان بها على النهج العربي مادة وهيئة، والجاهل يلقنه
غيره أو يتعلم، فإن لم يمكن اجتزأ منها بالممكن، فإن عجز جاء بمرادفها، وإن
عجز فبترجمتها.
(مسألة 586): الأحوط - وجوبا - عدم وصلها بما قبلها من الكلام دعاء
كان أو غيره، ولا بما بعدها من بسملة أو غيرها، وأن لا يعقب اسم الجلالة بشيء
من الصفات الجلالية أو الجمالية، فلا يجوز أن يقول المصلي: (الله العظيم أكبر)
أو: (الله الرحمن أكبر) وينبغي تفخيم اللام من لفظ الجلالة، والراء من أكبر.
(مسألة 587): يجب فيها القيام التام فإذا تركه - عمدا أو سهوا - بطلت،
242

من غير فرق بين المأموم الذي أدرك الإمام راكعا وغيره، بل يجب التربص في
الجملة حتى يعلم بوقوع التكبير تاما قائما، وأما الاستقرار في القيام المقابل
للمشي والتمايل من أحد الجانبين إلى الآخر، أو الاستقرار بمعنى الطمأنينة، فهو
وإن كان واجبا حال التكبير، لكن الظاهر أنه إذا تركه سهوا لم تبطل الصلاة.
(مسألة 588): الأخرس يأتي بها على قدر ما يمكنه، فإن عجز عن النطق
أشار بإصبعه، وأن يحرك بها لسانه إن أمكن.
(مسألة 589): يشرع الإتيان بست تكبيرات، مضافا إلى تكبيرة الإحرام
فيكون المجموع سبعا، ويجوز الاقتصار على الخمس وعلى الثلاث، والأولى أن
يقصد بالأخيرة تكبيرة الإحرام.
(مسألة 590): يستحب للإمام الجهر بواحدة والإسرار بالبقية،
ويستحب أن يكون التكبير في حال رفع اليدين إلى الأذنين أو مقابل الوجه أو
إلى النحر، مضمومة الأصابع حتى الإبهام والخنصر، مستقبلا بباطنهما القبلة.
(مسألة 591): من ترك تكبيرة الإحرام عامدا وعالما بالحكم أو جاهلا
أو ناسيا فلا صلاة له، وكذلك إذا ترك القيام حال التكبيرة فكبر جالسا. نعم،
من كبر قائما من دون طمأنينة واستقرار أو انتصاب في القيام فإن كان ذلك عن
نسيان أو جهل فصلاته صحيحة، وإن كان عن عمد والتفات بطلت صلاته، ومن
كبر للإحرام ثم كبر كذلك ثانية فقد زاد في صلاته، فإن كان عامدا وملتفتا إلى
الحكم الشرعي بطلت صلاته، وإن كان سهوا أو جهلا صحت ولا شيء عليه.
(مسألة 592): إذا كبر، ثم شك في أنها تكبيرة الإحرام، وأنه بعد لم
يأت بالقراءة أو للركوع، وقد أتى بها وفرغ منها بنى على الأول وعدم الإتيان
بالقراءة، وإن شك في صحتها بنى على الصحة، وإن شك في وقوعها وقد دخل
243

فيما بعدها من القراءة بنى على وقوعها.
(مسألة 593): يجوز الإتيان بالتكبيرات ولاء بلا دعاء، والأفضل أن
يأتي بثلاث منها ثم يقول: " اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت سبحانك
إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " ثم يأتي باثنتين
ويقول: " لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك والمهدي من
هديت لا ملجأ منك إلا إليك سبحانك وحنانيك تباركت وتعاليت سبحانك
رب البيت " ثم يأتي باثنتين ويقول: " وجهت وجهي للذي فطر السماوات
والأرض عالم الغيب والشهادة حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي
ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من
المسلمين " ثم يستعيذ ويقرأ سورة الحمد.
الفصل الثالث
في القيام
القيام في حال تكبيرة الإحرام مقوم لها لا أنه ركن مستقل في مقابلها،
كما أن القيام المتصل بالركوع مقوم للركن لا أنه ركن بحياله، فمن كبر للافتتاح
وهو جالس، بطلت صلاته وإن كان ذلك عن نسيان وسهو، وكذا إذا ركع جالسا
وإن كان سهوا، وإذا كان جالسا فنهض مقوسا ظهره حتى يصل إلى حالة الراكع
فيثبت نفسه فإنه لا يكفي وإن كان عن ذهول وغفلة؛ لأنه ركوع عن جلوس لا
عن قيام، وفي غير هذين الموردين يكون القيام الواجب واجبا غير مقوم للركن،
كالقيام بعد الركوع والقيام حال القراءة أو التسبيح، فإذا قرأ جالسا سهوا أو
سبح كذلك، ثم قام وركع عن قيام ثم التفت صحت صلاته، وكذا إذا نسي القيام
بعد الركوع حتى سجد السجدتين.
244

(مسألة 594): إذا هوى لغير الركوع، ثم نواه في أثناء الهوي لم يجزئ، ولم
يكن ركوعه عن قيام، فتبطل صلاته وإن كان ذلك عن نسيان وذهول أو جهل.
نعم، إذا لم يصل إلى حد الركوع انتصب قائما وركع عنه صحت صلاته ولا شيء
عليه، وكذلك إذا وصل ولم ينوه ركوعا.
(مسألة 595): إذا هوى المصلي قائما ومنتصبا إلى الركوع، وفي أثناء
الهوي غفل وهوى إلى السجود فسجد، ثم تذكر بالحال، فحينئذ إن كان واثقا
ومتأكدا أنه بعد تحقق مسمى الركوع قد غفل عن القيام منتصبا صحت صلاته،
سواء أكان تذكره بالحال بعد السجدة الثانية أم كان قبلها، وإن لم يكن واثقا
ومتأكدا بذلك، فإن كان تذكره بالحال بعد السجدة الاولى وقبل الثانية، قام منتصبا
وركع ثم سجد وأتم صلاته ولا إعادة عليه، وألغى تلك السجدة من الحساب،
وإن كان تذكره بعد السجدة الثانية بطلت صلاته، وعليه أن يعيد ويستأنف من
جديد، ومثل ذلك إذا ذهل المصلي عن الركوع وهوى توا إلى السجود فإن ذكر
بعد أن سجد السجدة الاولى وقبل أن يأتي بالثانية، قام منتصبا وركع ثم سجد
وأتم صلاته ولا إعادة عليه، وألغى السجدة الزائدة من حسابه، وإن ذكر بعد
السجدة الثانية فصلاته باطلة وعليه أن يستأنفها من جديد.
(مسألة 596): إذا كان المصلي واجدا نفسه قائما، وشك أنه هل قام من
ركوعه أو أنه لا يزال لم يركع وجب عليه الركوع، وإذا وجد نفسه راكعا وشك
أنه هل أتى بالذكر الواجب عليه في ركوعه وجب عليه الإتيان بالذكر.
(مسألة 597): إذا كان المصلي واجدا نفسه في السجود، وشك أنه هل
ركع قبل ذلك أو لا، لم يلتفت إلى شكه وبنى على أنه ركع شريطة احتمال أنه
كان يلتفت إلى وجوب الإتيان بالركوع قبل السجود، وأما إذا شك أنه هل ركع
245

وهو يهوي إلى السجود ولم يسجد بعد، وجب عليه أن يقوم منتصبا ثم يركع، وإذا
شك في صحة الركوع أو السجود بعد رفع الرأس، لم يلتفت إليه وبنى على الصحه،
وكذلك إذا شك أنه هل أتى بالذكر الواجب في ركوعه بعد رفع الرأس عنه، بنى
على أنه أتى به، وإذا شك أنه هل أتى به صحيحا أو لا بنى على الصحة.
(مسألة 598): يجب مع الإمكان الاعتدال والانتصاب في القيام، فإذا
انحنى أو مال إلى أحد الجانبين فقد خرج القيام عن الاعتدال والانتصاب، فإذا
خرج عن ذلك بطل، وكذا إذا فرج بين رجليه على نحو يخرج عن الاستقامة
والاعتدال عرفا. نعم، لا بأس بإطراق الرأس، وتجب أيضا في القيام غير المتصل
بالركوع الطمأنينة والأحوط - استحبابا - الوقوف على القدمين جميعا، فلا يقف
على أحدهما، ولا على أصابعهما فقط، ولا على أصل القدمين فقط، والظاهر
جواز الاعتماد على عصا أو جدار أو إنسان في القيام على كراهية، بل الأحوط
الأولى ترك ذلك مع الإمكان.
(مسألة 599): إذا قدر على ما يصدق عليه القيام عرفا، ولو منحنيا أو
منفرج الرجلين صلى قائما، وإن عجز عن ذلك صلى جالسا، ويجب الانتصاب
والاستقرار والطمأنينة على نحو ما تقدم في القيام. هذا مع الإمكان، وإلا اقتصر
على الممكن، فإن تعذر الجلوس حتى الاضطراري صلى مضطجعا على الجانب
الأيمن ووجهه إلى القبلة كهيئة المدفون، ومع تعذره فعلى الأيسر عكس الأول،
وإن تعذر صلى مستلقيا ورجلاه إلى القبلة كهيئة المحتضر، والأحوط - وجوبا -
أن يومئ برأسه للركوع والسجود مع الإمكان، وأن يجعل إيماء السجود أخفض
من إيماء الركوع، ومع العجز يومئ بعينيه.
(مسألة 600): إذا تمكن المصلي من القيام ولم يتمكن من الركوع قائما،
246

فوظيفته أن يكبر قائما ويقرأ قائما، ثم يجلس ويركع ركوع الجالس ويسجد
وهكذا ويتم صلاته، والأحوط والأجدر له حينئذ أن يضم إليها الصلاة قائما مع
الإيماء بدل الركوع أيضا.
(مسألة 601): إذا قدر على القيام في بعض الصلاة دون بعض، وجب أن
يقوم إلى أن يعجز فيجلس، وإذا أحس بالقدرة على القيام قام وهكذا، ولا يجب
عليه استئناف ما فعله حال الجلوس، فلو قرأ جالسا ثم تجددت القدرة على القيام
- قبل الركوع بعد القراءة - قام للركوع، وركع من دون إعادة للقراءة، هذا في ضيق
الوقت، وأما مع سعته فإن استمر العذر إلى آخر الوقت لا يعيد، وإن لم يستمر،
فإن أمكن التدارك كأن تجددت القدرة بعد القراءة وقبل الركوع استأنف القراءة
عن قيام ومضى في صلاته، وإن لم يمكن التدارك، فإن كان الفائت القيام في حال
تكبيرة الإحرام أو القيام المتصل بالركوع أعاد الصلاة، وإلا لم تجب الإعادة.
(مسألة 602): إذا دار الأمر بين القيام في الجزء السابق والقيام في الجزء
اللاحق فالترجيح للسابق، حتى فيما إذا لم يكن القيام في الجزء السابق ركنا وكان
في الجزء اللاحق ركنا.
(مسألة 603): يستحب في القيام إسدال المنكبين، وإرسال اليدين ووضع
الكفين على الفخذين قبال الركبتين اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى،
وضم أصابع الكفين، وأن يكون نظره إلى موضع سجوده، وأن يصف قدميه
متحاذيين مستقبلا بهما، ويباعد بينهما بثلاث أصابع مفرجات أو أزيد إلى شبر،
وأن يسوي بينهما في الاعتماد، وأن يكون على حال الخضوع والخشوع، كقيام
عبد ذليل بين يدي المولى الجليل.
247

الفصل الرابع
في القراءة
يعتبر في الركعة الاولى والثانية من كل صلاة فريضة أو نافلة، قراءة فاتحة
الكتاب، ويجب في خصوص الفريضة قراءة سورة على الأحوط.
وقد تسأل: هل وظيفة المصلي الإتيان بسورة كاملة بعد الحمد أو يسوغ
له الاكتفاء بقراءة بعضها؟
والجواب: أنه لا يبعد له الاكتفاء بقراءة بعضها، وإن كان الاحتياط بإكمال
السورة في موضعه.
(مسألة 604): إذا قدم السورة على الفاتحة عمدا، استأنف الصلاة على
الأحوط، وإذا قدمها - سهوا - وذكر قبل الركوع، فإن كان قد قرأ الفاتحة بعدها
فالأحوط إعادة السورة، وإن لم يكن قد قرأ الفاتحة قرأها وقرأ السورة بعدها كذلك،
وإن ذكر بعد الركوع مضى، وكذا إن نسيهما أو نسي إحداهما وذكر بعد الركوع.
(مسألة 605): تجب السورة في الفريضة على الأحوط وإن صارت نافلة
كالمعادة، ولا تجب كذلك في النافلة وإن صارت واجبة بالنذر ونحوه على الأقوى.
نعم، النوافل التي وردت في كيفيتها سور مخصوصة تجب قراءة تلك السور فيها
فلا تشرع بدونها، إلا إذا كانت السورة شرطا لكمالها لا لأصل مشروعيتها.
(مسألة 606): تسقط السورة في الفريضة عن المريض الذي يشق عليه
أن يقرأ السورة في صلاته ويضيق بذلك من أجل مرضه، والمستعجل في شأن
من شؤونه التي تهمه، والخائف من شيء إن قرأها، ومن ضاق وقته.
248

(مسألة 607): يجوز للمصلي أن يختار ما يشاء من السور الطوال والقصار،
شريطة أن لا يفوت الوقت مع اختيار السورة الطويلة، وإلا لم يجز، وأما لو
خالف واختارها في الوقت الضيق عامدا وملتفتا، فإن استمر على ذلك إلى انتهاء
الوقت بطلت صلاته، وإن عدل منها إلى سورة اخرى في الوقت صحت.
وإن قطعها قبل انتهاء الوقت، ويواصل صلاته ويتمها فيه مقتصرا على ما
قرأ منها من الآيات فهل تصح صلاته حينئذ؟
والجواب: لا يبعد صحتها، وإن كان الاحتياط بالإعادة في محله.
وإن كان ذلك سهوا وغفلة، ثم تذكر وجب عليه أن يعدل إلى سورة يسعها
الوقت، وإن استمرت غفلته إلى ما بعد الفراغ بطلت صلاته ووجب عليه القضاء.
(مسألة 608): لا يجوز للمصلي اختيار إحدى سور العزائم الأربع في
الصلاة؛ لأنه إذا اختارها يواجه أحد محذورين، إما بطلان صلاته إن سجد من
أجل تلك الآيات أو استحقاقه الإثم والإدانة إذا ترك السجود من أجلها، وعلى
الرغم من ذلك فإذا اختار قراءتها وقراءة الآية التي توجب السجود، فحينئذ إن
سجد بطلت صلاته ويعيدها من جديد، وإن ترك السجود فصلاته صحيحة
ولكنه آثم، وإن قرأها نسيانا وغفلة، فعندئذ إن ذكر قبل آية السجدة عدل إلى
غيرها على الأحوط وأتم صلاته ولا شيء عليه، وإن ذكر بعدها فإن سجد
نسيانا أتم صلاته وصحت؛ لأن زيادة سجدة واحدة سهوا لا تبطل الصلاة،
وإن ذكر قبل السجود فحينئذ إن سجد بطلت صلاته، وإلا فصلاته صحيحة
ولكنه آثم.
(مسألة 609): إذا استمع إلى آية السجدة وهو في الصلاة أومأ برأسه إلى
السجود وأتم صلاته، والأحوط - استحبابا - السجود أيضا بعد الفراغ من الصلاة،
249

والظاهر عدم وجوب السجود بالسماع من غير اختيار مطلقا.
(مسألة 610): تجوز قراءة سور العزائم في النافلة منفردة أو منضمة إلى
سورة اخرى، ويسجد عند قراءة آية السجدة، ثم يواصل صلاته فيتمها، وكذا
الحكم لو قرأ آية السجدة وحدها. وسور العزائم أربع: ألم السجدة، حم
السجدة، النجم، اقرأ باسم ربك.
(مسألة 611): البسملة جزء من سورة الفاتحة.
وهل هي جزء من السورة أيضا؟
والجواب: أن جزئيتها لها محل إشكال، ولكن الاحتياط بالإتيان بها في
كل سورة ما عدا سورة البراءة لا يترك، وإذا عينها لسورة لم تجز قراءة غيرها إلا
بعد إعادة البسملة لها، وإذا قرأ البسلمة من دون تعيين سورة وجب إعادتها
وتعيينها لسورة خاصة، وكذا إذا عينها لسورة ونسيها فلم يدر ما عين من
السورة، وإذا كان مترددا بين السور لم يجز له البسملة إلا بعد التعيين، وإذا كان
عازما من أول الصلاة على قراءة سورة معينة، أو كان من عادته ذلك ولكنه
بعد قراءة الفاتحة بسمل لسورة اخرى فقرأها كفى، ولم تجب إعادة السورة المعينة
أو المعتادة، كما أنه إذا كان من عادته أن يقرأ سورة معينة كسورة الإخلاص
- مثلا - فبسمل جريا على هذه العادة، كان ذلك تعيينا وإن لم يكن اسم سورة
الإخلاص حاضرا في ذهنه في تلك اللحظة، ولكنه كاشف عن وجوده في
أعماقه، وإذا نوى سورة معينة ولكن عندما بسمل سبق لسانه إلى قراءة سورة
اخرى، لم يضر أن يبقى على نيته الاولى ويقرأ تلك السورة المعينة.
(مسألة 612): لا بأس بالقران بين السورتين في الفريضة وفي النافلة.
250

(مسألة 613): المشهور أن سورتي الفيل والإيلاف سورة واحدة، وكذا
سورتي الضحى وألم نشرح، ولكنه لا يخلو عن إشكال، وعلى كلا التقديرين
فالأظهر كفاية قراءة إحداهما في الصلاة، وإن كان الاحتياط أولى وأجدر.
(مسألة 614): يجب أن تكون القراءة صحيحة، بمعنى أن تكون موافقة
لما هو مكتوب في المصحف الشريف أو لإحدى القراءات السبعة المشهورة،
فيجب على المصلي أداء حروف الكلمات وإخراجها من مخارجها على النحو
اللازم في لغة العرب، وأن تكون هيئة الكلمة موافقة للأسلوب العربي الصحيح
في الحركات والإعراب والبناء والسكون والحذف والقلب والإدغام والمد
الواجب وغير ذلك، فإن أخل بشيء من ذلك عامدا وملتفتا بطلت الصلاة.
(مسألة 615): يجب حذف همزة الوصل في الدرج مثل همزة: الله،
والرحمن، والرحيم، واهدنا، وغيرها، فإذا أثبتها بطلت القراءة، وكذا يجب
إثبات همزة القطع مثل: إياك، وأنعمت، فإذا حذفها بطلت القراءة.
(مسألة 616): الأحوط - استحبابا - ترك الوقوف بالحركة، بل وكذا
الوصل بالسكون.
(مسألة 617): يجب المد في الواو المضموم ما قبلها، والياء المكسور ما
قبلها، والألف المفتوح ما قبلها، بمقدار يظهر حرف الألف أو الواو أو الياء دون
أكثر من ذلك في مثل: ضالين وجاء، وجئ، وسوء.
(مسألة 618): الأحوط - استحبابا - الإدغام إذا كان بعد النون الساكنة
أو التنوين أحد حروف: (يرملون).
(مسألة 619): يجب إدغام لام التعريف إذا دخلت على التاء، والثاء،
والدال والذال، والراء، والزاء، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والطاء،
251

والظاء، واللام، والنون، وإظهارها في بقية الحروف، فتقول في: الله، والرحمن،
والرحيم، والصراط، والضالين بالإدغام، يعني يتوجب على القارئ أن لا
يتلفظ باللام في هذه الحالات، ويسمى ذلك إدغاما للام، فكأن الألف ترتبط
مباشرة بالحرف الأول من الكلمة مع تشديده الذي هو عوض عما سقط
بالإدغام، وعلى هذا فإن كان مبدأ الكلمة اللام كاسم الجلالة (الله)، فالإدغام
يسقط اللام الاولى عند التلفظ، وترتبط الألف حينئذ بأول حرف الكلمة وهو
اللام في المثال مباشرة مع تشديده، وإن كان مبدؤه الراء كصفة الجلالة (الرحمن
) أو (الرحيم) سقطت كلمة اللام عن التلفظ، وترتبط الألف مباشرة بالحرف
الأول من الكلمة وهو الراء مع تشديده وهكذا، وفي الحمد، والعالمين،
والمستقيم بالإظهار عند التلفظ.
(مسألة 620): يجب الإدغام في مثل مد ورد مما اجتمع مثلان في كلمة
واحدة، ولا يجب في مثل اذهب بكتابي، ويدرككم، مما اجتمع فيه المثلان في
كلمتين وكان الأول ساكنا، وإن كان الإدغام أحوط وأولى.
(مسألة 621): تجوز قراءة (مالك يوم الدين) و (ملك يوم الدين)
ويجوز في (الصراط) بالصاد والسين، ويجوز في (كفوا) أن يقرأ بضم الفاء
وبسكونها مع الهمزة أو الواو؛ لأن هذه الترتيبات كلها جاءت في القراءات
المشهورة المقبولة، وأما إذا لم تكن القراءة مشهورة في صدر الإسلام وعصر
الأئمة (عليهم السلام) فلا يجوز الاعتماد عليها.
(مسألة 622): إذا لم يقف على (أحد) في (قل هو الله أحد) ووصله
ب‍ (الله الصمد)، فالأحوط لزوما أن يقول أحدن الله الصمد، بضم الدال
وكسر النون.
252

(مسألة 623): إذا اعتقد كون الكلمة على وجه خاص من الإعراب أو
البناء أو مخرج الحرف، فصلى مدة على ذلك الوجه، ثم تبين أنه غلط، فالظاهر
الصحة.
(مسألة 624): تكفي القراءة بإحدى القراءات السبع المشهورة، وأما
الاكتفاء بغيرها من القراءات غير المشهورة والشاذة فلا يسوغ الاكتفاء بها،
كقراءة (ملك يوم الدين) بفعل ماض مبني على الفتح، فإنها قراءة شاذة لا
يمكن الاعتماد عليها.
(مسألة 625): يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح والأوليين من
المغرب والعشاء على الأحوط، ويجب عليهم الإخفات في الركعة الاولى والثانية
لصلاة الظهر والعصر، ويستثنى من وجوب الإخفات هذا البسملة، فإنه
يستحب الجهر فيها، أما صلاة الظهر في يوم الجمعة فيجوز فيها الجهر والإخفات
معا، وأما صلاة الجمعة، فالظاهر وجوب الجهر فيها بالقراءة على الإمام، وأما
في الركعتين الأخيرتين فيجب فيها الإخفات على الأحوط.
(مسألة 626): إذا جهر في موضع الإخفات، أو أخفت في موضع الجهر
- عمدا - بطلت صلاته، وإذا كان ناسيا أو جاهلا بالحكم من أصله، أو بمعنى
الجهر والإخفات صحت صلاته، وإذا لم يدر أن الواجب عليه في هذه الفريضة
خصوص الجهر أو الإخفات، فإذا أداها جهرا أو إخفاتا بأمل أن يكون ذلك
هو المطلوب عند الله تعالى في الواقع، ثم تبين له أن الأمر كان على العكس،
فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه، وإذا تذكر الناسي أو علم الجاهل في أثناء
القراءة مضى في القراءة، ولم تجب عليه إعادة ما قرأه، وكذلك الحال إذا قرأ
جالسا أو ملحونا أو بدون طمأنينة، فإنه إن كان ذلك عامدا وملتفتا بطلت
صلاته، وإن كان ناسيا أو جاهلا صحت.
253

(مسألة 627): لا جهر على النساء، بل يتخيرن بينه وبين الإخفات في
الجهرية، ويجب عليهن الإخفات في الإخفاتية، ويعذرن فيما يعذر الرجال فيه.
(مسألة 628): مناط الجهر والإخفات الصدق العرفي، لا سماع من بجانبه
وعدمه، ولا بعدم ظهور جوهر الصوت، فإنه لا يظهر في صوت المبحوح مع
أنه لا يصدق عليه الإخفات، والأحوط وجوبا في الإخفات أن يسمع نفسه
تحقيقا أو تقديرا، كما إذا كان أصم أو كان هناك مانع من سماعه.
(مسألة 629): من لا يقدر إلا على الملحون، ولو لتبديل بعض الحروف،
ولا يمكنه التعلم أجزأه ذلك، ولا يجب عليه أن يصلي صلاته مأموما، وكذا إذا
ضاق الوقت عن التعلم. نعم، إذا كان مقصرا في ترك التعلم، وجب عليه أن
يصلي مأموما إن أمكن، وإذا ترك الاقتداء مع الإمكان عامدا وملتفتا وصلى
منفردا بطلت صلاته. نعم، إذا تسامح وتماهل حتى ضاق الوقت، ولم يتمكن من
الاقتداء وجب عليه أن يقرأ ما يتيسر له وتصح صلاته، ولكنه يعتبر آثما
لتسامحه، وإذا تعلم بعض الفاتحة قرأه، والأحوط - استحبابا - أن يقرأ من سائر
القرآن عوض البقية، والأحوط - استحبابا - أن يكون بقدر الفاتحة، وإذا لم
يعرف شيئا من القرآن أجزأه أن يكبر ويسبح، والأحوط أن يكون بقدرها
أيضا، بل الأحوط الأولى الإتيان بالتسبيحات الأربع، وإذا عرف الفاتحة
وجهل السورة فالظاهر سقوطها مع العجز عن تعلمها.
(مسألة 630): يجوز أن يقرأ المصلي اختيارا من المصحف الشريف، أو
يتلقن القراءة ممن يحسنها ويتقنها، كما إذا لم يكن حافطا للفاتحة ولسورة اخرى،
أو من أجل المحافظة والاحتياط في القراءة على حركات الإعراب، وما هو مقرر
لكل حرف في اللغة العربية من ضم أو فتح أو كسر أو سكون أو غير ذلك.
254

(مسألة 631): يجوز العدول اختيارا من سورة إلى اخرى ما لم يبلغ ثلثي
السورة، ولا يجوز العدول بعد بلوغ الثلثين، هذا في غير سورتي الجحد
والتوحيد، وأما فيهما فلا يجوز العدول من إحداهما إلى غيرهما، ولا إلى
الاخرى مطلقا حتى قبل بلوغ النصف، والحالات التي لا يجوز العدول فيها لا
تشمل المضطر إلى العدول، كما إذا شرع بالسورة ونسي بعضها أو ضاق الوقت
عن إتمامها، أو كون الصلاة نافلة، ففي مثل ذلك يجوز العدول مهما كان نوع
السورة التي بدأ بها ومقدار ما قرأ منها.
(مسألة 632): يستثنى من الحكم المتقدم يوم الجمعة، فإن من كان بانيا
فيه على قراءة سورة (الجمعة) في الركعة الاولى وسورة (المنافقون) في الثانية
من صلاة الجمعة أو الظهر، فغفل وشرع في سورة اخرى، فإنه يجوز له العدول
إلى السورتين وإن كان من سورة التوحيد أو الجحد أو أي سورة كانت مطلقا
من دون التحديد ببلوغ النصف أو الثلثين، والأحوط استحبابا عدم العدول عن
(الجمعة) و (المنافقون) يوم الجمعة، حتى إلى السورتين (التوحيد والجحد) إلا
مع الضرورة فيعدل إلى إحداهما.
(مسألة 633): يتخير المصلي في ثالثة المغرب، وأخيرتي الرباعيات بين
الفاتحة والتسبيح مطلقا، أي بلا فرق بين الصلوات الجهرية والإخفاتية، وبلا
فرق بين كون المصلي إماما أو مأموما أو منفردا. نعم، الأظهر للمأموم في
الصلوات الجهرية اختيار التسبيح في صورة واحدة، وهي ما إذا قرأ الإمام فيهما،
وصورته: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر "، وتجب المحافظة
على العربية، ويجزئ ذلك مرة واحدة، والأحوط - استحبابا - التكرار ثلاثا،
والأفضل إضافة الاستغفار إليه، ويجب الإخفات في الذكر وفي القراءة بدله
255

والبسملة على الأحوط، إلا للإمام فإنه يجوز له أن يقرأ الحمد فيها جهرا إذا
كان في الصلوات الجهرية.
(مسألة 634): لا تجب مساواة الركعتين الأخيرتين في القراءة والذكر، بل
له القراءة في أحدهما والذكر في الاخرى.
(مسألة 635): إذا قصد المصلي أحدهما فسبق لسانه إلى الآخر، فالظاهر
عدم الاجتزاء به، وعليه الاستئناف له أو تبديله عن قصد، وإذا كان غافلا
وأتى به بقصد الصلاة اجتزأ به، وإن كان على خلاف عادته أو كان عازما في
أول الصلاة على الإتيان بغيره، وإذا قرأ الحمد بتخيل أنه في الأوليين فذكر أنه
في الأخيرتين اجتزأ، وكذا إذا قرأ سورة التوحيد - مثلا - بتخيل أنه في الركعة
الاولى فذكر أنه في الثانية.
(مسألة 636): إذا نسي القراءة والذكر، وتذكر بعد الوصول إلى حد
الركوع صحت الصلاة، وإذا تذكر قبل ذلك - ولو بعد الهوي - رجع وتدارك،
وإذا شك في قراءتها بعد الركوع مضى، وإذا شك قبل ذلك تدارك، وإن كان
الشك بعد الاستغفار بل بعد الهوي أيضا، وإذا شك أنه هل قرأ على الوجه
الصحيح أو لا، مضى ولم يلتفت إلى شكه، وكذلك الحال في الذكر، وإذا شك في
الآية الاولى وهو في الثانية، بنى على أنه قرأ الاولى، وإذا شك في الفاتحة وهو
في السورة، فالأحوط له وجوبا أن يقرأ فاتحة الكتاب، وإذا رأى نفسه ساكتا
وشك في أنه قرأ بعد التكبيرة الفاتحة والسورة، وجب عليه أن يقرأهما، وإذا
شك في شيء من ذلك بعد الركوع فلا يعتني به.
(مسألة 637): تستحب الاستعاذة قبل الشروع في القراءة في الركعة
الاولى بأن يقول: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " والأولى الإخفات بها،
256

والجهر بالبسملة في أوليي الظهرين، والترتيل في القراءة وتحسين الصوت بلا
غناء، والوقف على فواصل الآيات، والسكتة بين الحمد والسورة وبين السورة
وتكبير الركوع أو القنوت، وأن يقول بعد قراءة التوحيد " كذلك الله ربي " أو "
ربنا " وأن يقول بعد الفراغ من الفاتحة: " الحمد لله رب العالمين " والمأموم
يقولها بعد فراغ الإمام، وقراءة بعض السور في بعض الصلوات كقراءة: عم
وهل أتى وهل أتاك ولا اقسم بيوم القيامة في صلاة الصبح، وسورة الأعلى
والشمس ونحوهما في الظهر والعشاء، وسورة النصر والتكاثر في العصر
والمغرب، وسورة الجمعة في الركعة الاولى وسورة الأعلى في الثانية من العشائين
ليلة الجمعة، وسورة الجمعة في الاولى، والتوحيد في الثانية من صبحها، وسورة
الجمعة في الاولى والمنافقون في الثانية من ظهرها، وسورة هل أتى في الاولى
وهل أتاك في الثانية في صبح الخميس والاثنين، وتستحب في كل صلاة قراءة
القدر في الاولى والتوحيد في الثانية، وإذا عدل عن غيرهما إليهما لما فيهما من
فضل، اعطي أجر السورة التي عدل عنها مضافا إلى أجرهما.
(مسألة 638): يكره ترك سورة التوحيد في جميع الفرائض الخمس،
وقراءتها بنفس واحد، وقراءة سورة واحدة في كلتا الركعتين الأوليين، إلا
سورة التوحيد، فإنه لا بأس بقراءتها في كل من الركعة الاولى والثانية.
(مسألة 639): يجوز تكرار الآية والبكاء، وتجوز قراءة المعوذتين في
الصلاة وهما من القرآن، ويجوز إنشاء الخطاب بمثل: (إياك نعبد وإياك نستعين)
مع قصد القرآنية، وكذا إنشاء الحمد بقوله: (الحمد لله رب العالمين) وإنشاء
المدح بمثل (الرحمن الرحيم).
(مسألة 640): إذا أراد أن يتقدم أو يتأخر في أثناء القراءة، يسكت وبعد
الطمأنينة يرجع إلى القراءة، ولا يضر تحريك اليد أو أصابع الرجلين حال القراءة.
257

(مسألة 641): إذا تحرك في حال القراءة قهرا لريح، أو غيرها بحيث فاتته
الطمأنينة، فالأحوط - استحبابا - إعادة ما قرأ في تلك الحال.
(مسألة 642): يجب الجهر في جميع الكلمات، والحروف في القراءة
الجهرية.
(مسألة 643): تجب الموالاة بين حروف الكلمة في كلمات الصلاة
بالمألوف والمعروف، ونعني بذلك ما يتوقف عليه صدق الكلمة، فإذا فاتت
الموالاة - سهوا - بطلت الكلمة، وإذا كان عمدا، فعندئذ إن كان قاصدا
الاختلال بالموالاة وقطع الأوصال من البداية بطلت صلاته من الأساس، وأما
إذا تعمد ذلك في الأثناء لا من الأول وفعل، وجب عليه أن يعيد تلك الكلمة
وتصح صلاته، وكذا الموالاة بين الجار والمجرور وحرف التعريف ومدخوله ونحو
ذلك مما يعد جزء الكلمة، بل الموالاة بين المضاف والمضاف إليه والمبتدأ وخبره
والفعل وفاعله والشرط وجزائه والموصوف وصفته والمجرور ومتعلقه ونحو ذلك،
مما له هيئة خاصة، على نحو لا يجوز الفصل بينها وقطع أوصالها، فإن فعل ذلك
ساهيا بطلت الكلمة وحدها وأعادها صحيحة، وإن فعل ذلك متعمدا ففيه
تفصيل قد مر.
(مسألة 644): إذا شك في حركة كلمة أو مخرج حروفها وأنه من هنا أو
من هناك، لا يجوز له أن يقرأ بالوجهين، إذا لم يصدق على الآخر أنه ذكر ولو
غلطا، وأما إذا لم يوجب التردد الحاصل بين القراءتين خروج الكلمة عن كونها
ذكرا، جاز له أن يقرأ بالوجهين ولا شيء عليه، وإلا قرأ بوجه واحد رجاء،
وبعد الفراغ من الصلاة، فإن انكشف أن ما قرأه مطابق للواقع صحت صلاته
ولا إعادة عليه، وإلا أعادها.
258

الفصل الخامس
في الركوع
وهو واجب في كل ركعة مرة فريضة كانت أو نافلة، عدا صلاة الآيات
كما سيأتي، كما أنه ركن تبطل الصلاة بزيادته ونقيصته عمدا وسهوا، عدا
صلاة الجماعة، فلا تبطل بزيادته للمتابعة كما سيأتي، وعدا النافلة فلا تبطل
بزيادته فيها سهوا، ويجب فيه أمور:
الأول: الانحناء بقصد الخضوع لله تعالى قدر ما تصل أطراف الأصابع
إلى الركبتين، وإذا كانت اليد طويلة أو قصيرة غير مألوف ومعتاد، وجب عليه
أن ينحني بقدر ما ينحني غيره، ممن تكون يده معتادة ومألوفة؛ لأن الواجب
على كل فرد هو الانحناء بمقدار يصدق عليه عرفا أنه ركع، سواء أكانت يده
طويلة أو قصيرة أو معتادة.
الثاني: أن المصلي إذا كانت وظيفته الصلاة قائما اعتبر في ركوعه أمران:
أحدهما: أن يكون ركوعه في حالة القيام، ونعني بذلك صدور الركوع
منه وهو قائم على قدميه لا جالس.
والآخر: أن يكون ركوع هذا الراكع القيامي عقيب قيام منتصب منه،
فيركع عن قيام؛ لأن المصلي تارة يكون قائما منتصبا فيركع، وأخرى يكون
جالسا فينهض مقوسا ظهره حتى يصل إلى هيئة الراكع فيثبت نفسه، وفي كلا
الفرضين يعتبر الركوع ركوعا قياميا، فإنه صادر منه وهو قائم على قدميه، إلا
أنه في الفرض الأول يعتبر ركوعا عن قيام، وفي الفرض الثاني يعتبر ركوعا
عن جلوس، وظهر أن ركوع من وظيفته الصلاة قائما متقوم بأمرين:
259

أولهما: أن يكون عن قيام، في مقابل أن يكون عن جلوس.
ثانيهما: أن يكون في حالة القيام، في مقابل أن يكون في حالة الجلوس.
الثالث: الذكر: ويجزئ منه " سبحان ربي العظيم وبحمده " أو " سبحان
الله " ثلاثا، بل يجزئ مطلق الذكر، من تحميد وتكبير وتهليل وغيرها، إذا كان
بقدر الثلاث الصغريات مثل " الحمد لله " ثلاثا أو " الله أكبر " ثلاثا، ويجوز
الجمع بين التسبيحة الكبرى والثلاث الصغريات، وكذا بينهما وبين غيرهما من
الأذكار، ويشترط في الذكر العربية، وأداء الحروف من مخارجها، وعدم المخالفة
في الحركات الإعرابية والبنائية، والموالاة بأن لا ينطق بها بصورة منقطعة تفكك
الكلمة أو الجملة.
الرابع: الطمأنينة فيه بقدر الذكر الواجب، وأما الذكر المندوب فهو غير
معتبر في الصلاة، ولكن إذا أراد المصلي أن يأتي به كما ورد في الشرع، فعليه أن
يراعي تلك الخصوصيات، ولا يجوز الشروع في الذكر قبل الوصول إلى حد
الركوع عامدا وملتفتا، وأما مع الذهول والغفلة فلا يضر.
الخامس: رفع الرأس منه حتى ينتصب قائما.
السادس: أن يكون مطمئنا في حال قيامه وانتصابه بعد الركوع، وإذا لم
يتمكن لمرض أو غيره سقط اعتباره، وكذا أن يكون مطمئنا حال الذكر، وإلا سقط.
ولو ترك الطمأنينة في الركوع سهوا، بأن لم يبق في حده ورفع رأسه
بمجرد الوصول إليه، ثم ذكر بعد رفع الرأس فهل يكفي ذلك؟
والجواب: أن الكفاية غير بعيدة؛ لأن الركوع الركني متقوم بأمرين:
أحدهما: أن يكون عن قيام، في مقابل أن يكون عن جلوس.
260

والآخر: أن يكون في حالة القيام، في مقابل أن يكون في حال الجلوس،
وأما الطمأنينة فهي وإن كانت معتبرة فيه شرعا، إلا أنها ليست مقومة له،
ومع هذا فالأحوط والأجدر استحبابا الإعادة بعد الإتمام.
(مسألة 645): إذا تحرك - حال الذكر الواجب - لسبب قهري، وجب
عليه السكوت حال الحركة وإعادة الذكر حال السكون والاستقرار، وإذا ذكر
في حال الحركة بقصد الجزئية، فإن كان عامدا بطلت صلاته للزيادة العمدية،
وإن كان ساهيا فلا شيء عليه، وإن كان الأحوط استحبابا تدارك الذكر.
(مسألة 646): يستحب التكبير للركوع قبله، ورفع اليدين حالة التكبير،
ووضع الكفين على الركبتين اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى ممكنا كفيه
من عينهما، ورد الركبتين إلى الخلف، وتسوية الظهر، ومد العنق موازيا للظهر،
وأن يكون نظره بين قدميه، وأن يجنح بمرفقيه، وأن يضع اليمنى على الركبة قبل
اليسرى، وأن تضع المرأة كفيها على فخذيها، وتكرار التسبيح ثلاثا أو خمسا أو
سبعا أو أكثر، وأن يكون الذكر وترا، وأن يقول قبل التسبيح: " اللهم لك
ركعت ولك أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي خشع لك قلبي وسمعي
وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعصبي وعظامي وما أقلته
قدماي غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر " وأن يقول للانتصاب بعد
الركوع: " سمع الله لمن حمده " وأن يضم إليه: " الحمد لله رب العالمين "
وأن يضم إليه: " أهل الجبروت والكبرياء والعظمة والحمد لله رب العالمين "
وأن يرفع يديه للانتصاب المذكور، وأن يصلي على النبي (صلى الله عليه وآله) في الركوع.
ويكره فيه أن يطأطئ رأسه أو يرفعه إلى فوق، وأن يضم يديه إلى جنبيه،
وأن يضع إحدى الكفين على الاخرى ويدخلهما بين ركبتيه، وأن يقرأ القرآن
فيه، وأن يجعل يديه تحت ثيابه ملاصقا لجسده.
261

(مسألة 647): إذا عجز الانحناء التام بنفسه، اعتمد على ما يعينه عليه،
وإذا عجز الانحناء التام حتى بالواسطة، فحينئذ إن تمكن من الانحناء بدرجة
يصدق عليه أدنى مرتبة الركوع وجب عليه ذلك، وإلا صلى بالإيماء برأسه بدلا
عن الركوع. نعم، إذا تمكن من الانحناء قليلا، فالأحسن والأجدر ضمه إلى
الإيماء، وإذا دار أمره بين الركوع جالسا والإيماء إليه قائما، لا يبعد التخيير
نظريا، ولكن الأحوط وجوبا أن يجمع بينهما بتكرار الصلاة مرة قائما مع الإيماء
بدل الركوع، وأخرى قائما مع ركوع الجالس، بأن يكبر ويقرأ قائما ثم يجلس
ويركع، ولا بد في الإيماء من أن يكون برأسه إن أمكن، وإلا فبالعينين تغميضا له
وفتحا للرفع منه.
(مسألة 648): إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض، فإن أمكنه الانتصاب
التام للقراءة وللهوي للركوع وجب ولو بالاستعانة بعصا ونحوها، وإلا فإن
تمكن من رفع بدنه بمقدار يصدق على الانحناء بعده الركوع في حقه عرفا، لزمه
ذلك، وإلا أومأ برأسه، وإن لم يمكن فبعينيه.
(مسألة 649): حد ركوع الجالس أن ينحني بمقدار يساوي وجهه ركبتيه،
والأفضل الزيادة في الانحناء إلى أن يستوي ظهره، وإذا لم يتمكن من الركوع
انتقل إلى الإيماء كما تقدم.
(مسألة 650): إذا نسي الركوع فهوى إلى السجود، وذكر قبل وضع
جبهته على الأرض، رجع إلى القيام منتصبا ثم ركع، وكذلك إن ذكره بعد ذلك
وقبل الدخول في السجدة الثانية، والأحوط استحبابا حينئذ إعادة الصلاة بعد
الإتمام، وإن ذكره بعد الدخول في الثانية، بطلت صلاته واستأنف من جديد.
(مسألة 651): يجب أن يكون الانحناء بقصد الركوع، فإذا انحنى ليتناول
262

شيئا من الأرض أو نحوه، ثم نوى الركوع لا يجزئ، بل لابد من القيام منتصبا
ثم الركوع عنه.
(مسألة 652): يجوز للمريض وفي ضيق الوقت وسائر موارد الضرورة،
الاقتصار في ذكر الركوع على: " سبحان الله " مرة واحدة.
(مسألة 653): إذا ترك المصلي الركوع في ركعة من ركعات صلاته،
بطلت سواء كان عامدا وملتفتا أم كان جاهلا أو ناسيا وغافلا، وكذلك إذا ترك
الركوع في حالة القيام بأن ركع وهو جالس، أو ترك الركوع عن قيام بأن ركع
عن جلوس، ونفس الحكم إذا زاد ركوعا في صلاته، بأن ركع ركوعين في ركعة
واحدة.
(مسألة 654): إذا ترك المصلي الذكر في الركوع، فإن كان عامدا وملتفتا
إلى أنه واجب بطلت صلاته، وإن كان ناسيا أو جاهلا بالحكم، فإن التفت
قبل رفع الرأس أتى به، وإن التفت بعد رفع الرأس فلا شيء عليه وصحت
صلاته.
(مسألة 655): إذا أتى المصلي بالذكر في الركوع غير مطمئن ولا مستقر،
فإن كان ذلك عامدا وملتفتا إلى اعتباره بطلت صلاته، شريطة أن يقصد بهذا
الذكر أن يكون من واجبات صلاته، وإلا لم تبطل، وإن كان ذلك نسيانا أو
جهلا بالحكم الشرعي صحت صلاته، ولا يجب عليه إعادة الذكر، وإن انتبه
إلى واقع الحال قبل رفع الرأس من الركوع، وكذلك إذا صار مضطربا وغير
مطمئن بسبب قاهر.
263

الفصل السادس
في السجود
والواجب منه في كل ركعة سجدتان، وهما معا ركن تبطل الصلاة
بنقصانهما معا وبزيادتهما كذلك عمدا وسهوا، ولا تبطل بزيادة واحدة ولا
بنقصها سهوا، ويعتبر في تحقق مفهوم السجدة لله تعالى وضع الجبهة على
الأرض، وأن يكون بقصد العبودية له تعالى والخضوع والخشوع العبادي لمقام
مولويته الذاتية، وعلى هذا المعنى تدور زيادة السجدة ونقصانها، وواجباتها
أمور:
الأول: السجود على ستة أعضاء: الكفين، والركبتين، وإبهامي الرجلين،
ويجب في الكفين بسط باطنهما على الأرض، وإن تعذر بسط الباطن كفى بسط
ظاهرهما، وإن قطعت الكف فالأقرب إليها من الذراع فالأقرب على الأحوط
وجوبا، ولا يجزئ السجود على رؤوس الأصابع، وكذا إذا ضم أصابعه إلى
راحته وسجد على ظهرها، ولا يجب الاستيعاب في الجبهة بل يكفي المسمى،
ولا يعتبر أن يكون مقدار المسمى مجتمعا، بل يكفي وإن كان متفرقا، فيجوز
السجود على السبحة، إذا كان مجموع ما وقعت عليه بمقدار مسمى السجود، مع
كون أجزائها غير متباعدة، ويجزئ في الركبتين أيضا المسمى، ويعتبر إلصاقهما
معا بالأرض، وفي الإبهامين وضع ظاهرهما أو باطنهما، وإن كان الأحوط
والأجدر وضع طرفهما، ومن قطع إبهامه يضع ما بقي منه، وإن لم يبق منه شيء
أو كان قصيرا يضع سائر أصابعه، وإن قطع الجميع يضع ما بقي من قدميه، كل
ذلك على الأحوط وجوبا.
264

(مسألة 656): لابد في الجبهة من مماستها لما يصح السجود عليه من
أرض ونحوها، ولا يعتبر في غيرها من الأعضاء المذكورة.
الثاني: الذكر على نحو ما تقدم في الركوع، فإذا اختار التسبيحة الكبرى
فعليه أن يبدل العظيم بالأعلى.
الثالث: الطمأنينة فيه، كما في ذكر الركوع.
الرابع: كون المساجد في محالها حال الذكر ومستقرة، وإذا أراد رفع شيء
منها سكت إلى أن يضعه، ثم يرجع إلى الذكر.
الخامس: رفع الرأس من السجدة الاولى إلى أن ينتصب جالسا مطمئنا،
ثم يهوي إلى السجدة الثانية.
السادس: تساوي موضع جبهته وموقفه، إلا أن يكون الاختلاف بمقدار
لبنة، وقدر بأربعة أصابع مضمومة، ولا فرق بين الانحدار والتسنيم، فيما إذا كان
الانحدار ظاهرا، وأما في غير الظاهر فلا اعتبار بالتقدير المذكور، وإن كان هو
الأحوط استحبابا، ولا يعتبر ذلك في باقي المساجد على الأقوى.
السابع: أن يكون مسجد الجبهة طاهرا، ولا يعتبر هذا الشرط في سائر
المساجد، فلو صلى في مكان متنجس وكان موضع الجبهة طاهرا، كفى ذلك
وصحت صلاته، شريطة أن لا تكون نجاسته مسرية، وإلا بطلت صلاته من
جهة نجاسة الثوب أو البدن.
الثامن: يعتبر في مسجد الجبهة، أن يكون بدرجة من الصلابة تتيح
للمصلي أن يمكن جبهته عند وضعها عليه باسم السجود، فلا يجوز السجود على
مثل الطين الذي لا يتاح فيه ذلك، وأما إذا لم يجد المصلي موضعا للسجود عليه
265

كذلك، إلا الموضع الرخو الذي تغوص فيه الجبهة، يضع جبهته عليه من دون
ضغط واعتماد، والأحوط والأجدر وجوبا مراعاة هذا الشرط في تمام المواضع
السبعة لأعضاء السجود. نعم، إذا كان الموضع رخوا، بنحو إذا وضع المصلي
جبهته عليه تصل بالضغط إلى قرار ثابت تستقر عليه الجبهة وتتمكن، صح
السجود عليه.
التاسع: أن لا يكون موضع الجبهة مغصوبا، وكذلك سائر مواضع السجود.
العاشر: أن يكون السجود على الأرض ونباتها، مما لا يؤكل ولا يلبس غالبا.
الحادي عشر: أن يكون السجود بعد القيام المنتصب من الركوع.
(مسألة 657): إذا وضع جبهته على الموضع المرتفع أو المنخفض، فإن
كان ذلك عامدا وعالما وبقصد أنه من واجبات الصلاة وأجزائها بطلت صلاته
للزيادة العمدية، إذ لا يعتبر في صدق الزيادة أن يكون الزائد من جنس أجزاء
الصلاة، وإن لم يكن بقصد أنه من أجزاء الصلاة بل كشئ مستقل، وجب
عليه أن يرفع جبهته عنه ويضعها في الموضع المستوي ويواصل صلاته ويتمها
ولا شيء عليه، وإن كان ذلك سهوا، وجب عليه رفع الجبهة ووضعها في
الموضع السائغ ويواصل صلاته وتصح ولا إعادة عليه، وأما إذا وضعها على
المكان المرتفع أو المنخفض، بمقدار لا يمنع عن صدق السجود عليه أو وضعها
على ما لا يصح السجود عليه، فإن كان ذلك عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعي،
فصلاته باطلة، سواء كان ذلك بقصد أنه جزء الصلاة أم لا.
وإن كان ذلك سهوا، فهل يكفي جر الجبهة إلى الموضع المستوي أو ما
يصح عليه أن يسجد أو لا؟
والجواب: أن الجر لا يكفي، فإن الواجب على المصلي في السجدة الاولى
266

أن يهوي من القيام المنتصب بعد الركوع إلى الأرض، فإذا وصل وضع جبهته
عليها وبذلك تتحقق السجدة الاولى، ثم يرفع رأسه منها معتدلا منتصبا في
جلوسه ومطمئنا ثم يهوي عن الاعتدال والانتصاب في جلوسه إلى الأرض مرة
ثانية، فيضع جبهته عليها وبذلك تتحقق السجدة الثانية، وعلى هذا فإذا هوى
المصلي من القيام بعد الركوع إلى الأرض ووصل، ثم وضع جبهته على مكان
وبعد ذلك يجرها إلى مكان آخر كان سجوده على المكان الثاني إبقاء لسجوده
على المكان الأول، لا أنه إحداث له فيه، مع أن المعتبر في السجود المأمور به
هو إحداثه على ما يصح السجود عليه، لا الأعم منه ومن الإبقاء.
(مسألة 658): إذا هوى المصلي إلى السجود ووضع جبهته على الأرض
وتحقق منه ما يسمى سجودا، ولكن ارتفعت جبهته قهرا وفجأة قبل الذكر أو
بعده، اعتبرت السجدة الاولى قد انتهت بهذا الارتفاع القهري المفاجئ، وحينئذ
فإن كان بإمكانه الاحتفاظ بتوازنه وتمالك أعضائه، جلس معتدلا منتصبا
ومطمئنا وسجد ثانية ويتم صلاته، وإن لم يكن بإمكانه ذلك وعادت جبهته إلى
الأرض وسقطت عليها ثانية من دون قصد واختيار، فعليه أن يرفع رأسه
ويجلس معتدلا، ثم يسجد سجدة ثانية ويواصل صلاته ويكملها ولا شيء عليه،
وإن ارتفعت جبهته عن السجدة الثانية قهرا، فعندئذ إن كان بإمكانه الاحتفاظ
بتوازنه، فعليه ذلك ويتم صلاته، وإن لم يكن بإمكانه ذلك وسقطت جبهته ثانية،
رفع رأسه وواصل صلاته ولا إعادة عليه.
(مسألة 659): إذا عجز عن السجود التام، انحنى بالمقدار الممكن ورفع
المسجد إلى جبهته ووضعها عليه ووضع سائر المساجد في محالها، وإن لم يمكن
الانحناء أصلا، أو أمكن بمقدار لا يصدق معه السجود عرفا، وجب عليه الجمع
احتياطا بين الصلاة مع الإيماء برأسه إن أمكن، وإلا فبالعينين وبين الصلاة،
267

برفع ما يصح عليه السجود إلى جبهته، وإن لم يمكن ذلك، فالأولى أن يشير إلى
السجود باليد أو نحوها وينويه بقلبه.
(مسألة 660): إذا كان بجبهته قرحة أو نحوها، مما يمنعه من وضعها على
المسجد، فإن لم يستغرقها سجد على الموضع السليم ولو بأن يحفر حفيرة ليقع
السليم على الأرض، وإن استغرقها سجد على الذقن على الأظهر، والأحوط
استحبابا أن يجمع بينه وبين السجود على أحد الجبينين، بأن يصلي مرة مع
السجود على الذقن وأخرى مع السجود على أحد الجبينين، فإن تعذر السجود
على الذقن، جمع بين السجود على أحد الجبينين والإيماء بدلا عنه.
(مسألة 661): لا بأس بالسجود على غير الأرض ونحوها مثل، الفراش
في حال التقية، ولا يجب التخلص منها بالذهاب إلى مكان آخر يمكن أن يصلي
فيه من دون تقية.
(مسألة 662): إذا نسي السجدتين، فإن تذكر قبل الدخول في الركوع،
وجب العود إليهما وأتى بهما وألغى ما كان قد أتى به من قيام وغيره، وإن تذكر
بعد الدخول فيه بطلت الصلاة، وإن كان المنسي سجدة واحدة رجع وأتى بها إن
تذكر قبل الركوع، وإن تذكر بعده مضى وقضاها بعد السلام، وسيأتي في مبحث
الخلل التعرض لذلك.
(مسألة 663): إذا كان المصلي قائما وعرض عليه الشك، في أن قيامه
هذا هل هو لركعة جديدة - مثلا - بعد فراغه من السجدتين للركعة السابقة أو
أنه لا يزال في تلك الركعة وأن هذا القيام من ركوعها للهوي إلى السجود،
وجب عليه في هذه الحالة الاعتناء بهذا الشك ويهوي إلى السجود، فيسجد
سجدتين ثم يقوم للركعة الجديدة، وإذا كان جالسا وشك في أن جلوسه هذا هل
268

هو بعد السجدة الاولى أو أنه بعد السجدة الثانية، فوظيفته أن يبني على أنه
بعد السجدة الاولى، فيسجد سجدة ثانية ويواصل صلاته ويتمها ولا شيء عليه،
وكذلك الحال إذا نهض للقيام إلى الركعة اللاحقة وشك في ذلك حال النهوض
فعليه أن يرجع ويسجد ويواصل صلاته.
(مسألة 664): إذا قام المصلي لركعة جديدة، وفي حال القيام شك في أنه
هل أتى بالسجدتين للركعة السابقة وأن قيامه هذا في محله، لم يلتفت إلى شكه
وبنى على الإتيان بهما ويواصل صلاته، وكذلك إذا دخل في التشهد وشرع فيه في
الركعتين الثانية أو الرابعة أنه هل أتى بالسجدتين للركعة السابقة، لم يعتن بشكه.
(مسألة 665): إذا شك المصلي في صحة سجوده وفساده بعد رفع رأسه،
لم يعتن بشكه وبنى على أنه صحيح، وكذلك إذا شك في صحة ذكره بعد إكماله.
(مسألة 666): يستحب في السجود التكبير حال الانتصاب بعد الركوع،
ورفع اليدين حاله، والسبق باليدين إلى الأرض، واستيعاب الجبهة في السجود
عليها، والإرغام بالأنف، وبسط اليدين مضمومتي الأصابع حتى الإبهام حذاء
الأذنين، متوجها بهما إلى القبلة، وشغل النظر إلى طرف الأنف حال السجود،
والدعاء قبل الشروع في الذكر فيقول: " اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك
أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه
وبصره الحمد لله رب العالمين تبارك الله أحسن الخالقين " وتكرار الذكر،
والختم على الوتر، واختيار التسبيح، والكبرى منه، وتثليثها، والأفضل
تخميسها، والأفضل تسبيعها، وأن يسجد على الأرض، بل التراب، ومساواة
موضع الجبهة للموقف، بل مساواة جميع المساجد لهما، قيل: والدعاء في السجود
بما يريد من حوائج الدنيا والآخرة خصوصا الرزق فيقول: " يا خير المسؤولين
269

ويا خير المعطين ارزقني وارزق عيالي من فضلك فإنك ذو الفضل العظيم "،
والتورك في الجلوس بين السجدتين وبعدهما، بأن يجلس على فخذه اليسرى
جاعلا ظهر قدمه اليمنى على باطن اليسرى، وأن يقول في الجلوس بين
السجدتين: " استغفر الله ربي وأتوب إليه " وأن يكبر بعد الرفع من السجدة
الاولى بعد الجلوس مطمئنا، ويكبر للسجدة الثانية وهو جالس، ويكبر بعد
الرفع من الثانية كذلك، ويرفع اليدين حال التكبيرات، ووضع اليدين على
الفخذين حال الجلوس، اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى، والتجافي حال
السجود عن الأرض، والتجنح بمعنى أن يباعد بين عضديه عن جنبيه ويديه
عن بدنه، وأن يصلي على النبي وآله (صلى الله عليه وآله) في السجدتين، وأن يقوم رافعا ركبتيه
قبل يديه، وأن يقول بين السجدتين: " اللهم اغفر لي وارحمني وأجرني
وادفع عني إني لما أنزلت إلي من خير فقير تبارك الله رب العالمين " وأن
يقول عند النهوض: " بحول الله وقوته أقوم وأقعد وأركع وأسجد " أو: "
بحولك وقوتك أقوم وأقعد " أو: " اللهم بحولك وقوتك أقوم وأقعد "
ويضم إليه: " وأركع وأسجد " وأن يبسط يديه على الأرض معتمدا عليها
للنهوض، وأن يطيل السجود، ويكثر فيه من الذكر والتسبيح، ويباشر الأرض
بكفيه، وزيادة تمكين الجبهة، ويستحب للمرأة وضع اليدين بعد الركبتين عند
الهوي للسجود، وعدم تجافيهما بل تفرش ذراعيها، وتلصق بطنها بالأرض،
وتضم أعضاءها ولا ترفع عجيزتها حال النهوض للقيام، بل تنهض معتدلة.
ويكره الإقعاء في الجلوس بين السجدتين بل بعدهما أيضا وهو أن يعتمد
بصدر قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه، ويكره أيضا نفخ موضع السجود
إذا لم يتولد منه حرفان، وإلا لم يجز، وأن لا يرفع بيديه عن الأرض بين
السجدتين، وأن يقرأ القرآن في السجود.
270

(مسألة 667): الأحوط - استحبابا - الإتيان بجلسة الاستراحة، وهي
الجلوس بعد السجدة الثانية في الركعة الاولى والثالثة مما لا تشهد فيه.
تتميم
يجب السجود عند قراءة آياته الأربع في السور الأربع، وهي ألم تنزيل
عند قوله تعالى: (لا يستكبرون) وحم فصلت عند قوله تعالى: (تعبدون)
والنجم والعلق في آخرهما، وكذا يجب على المستمع إذا لم يكن في حال الصلاة، فإن
كان في حال الصلاة أومأ إلى السجود وسجد بعد الصلاة على الأحوط استحبابا.
ويستحب في أحد عشر موضعا: في سورة الأعراف عند قوله تعالى:
(وله يسجدون) وفي سورة الرعد عند قوله تعالى: (وظلالهم بالغدو
والآصال) وفي سورة النحل عند قوله تعالى: (ويفعلون ما يؤمرون) وفي
سورة بني إسرائيل عند قوله تعالى: (ويزيدهم خشوعا) وفي سورة مريم عند
قوله تعالى: (وخروا سجدا وبكيا) وفي سورة الحج في موضعين عند قوله
تعالى: (إن الله يفعل ما يشاء) وعند قوله تعالى: (لعلكم تفلحون) وفي
سورة الفرقان عند قوله تعالى: (وزادهم نفورا) وفي سورة النمل عند قوله
تعالى: (رب العرش العظيم) وفي سورة " ص " عند قوله تعالى: (خر
راكعا وأناب) وفي سورة الانشقاق عند قوله تعالى: (لا يسجدون) بل
الأولى السجود عند كل آية فيها أمر بالسجود.
(مسألة 668): ليس في هذا السجود تكبيرة افتتاح، ولا تشهد ولا
تسليم. نعم، يستحب التكبير للرفع منه، بل الأحوط - استحبابا - عدم تركه،
ولا يشترط فيه الطهارة من الحدث ولا الخبث، ولا الاستقبال ولا طهارة محل
271

السجود ولا الستر، ولا صفات الساتر، بل يصح حتى في المغصوب إذا لم يكن
السجود تصرفا فيه، ويعتبر فيه النية، وإباحة المكان، ووضع الأعضاء السبعة
على محالها، ووضع الجبهة على الأرض أو ما في حكمها، وعدم اختلاف المسجد
عن الموقف في العلو والانخفاض، ويستحب فيه الذكر الواجب في سجود الصلاة.
(مسألة 669): يتكرر السجود بتكرر السبب، وإذا شك بين الأقل
والأكثر جاز الاقتصار على الأقل، ويكفي في التعدد رفع الجبهة ثم وضعها ورفع
بقية المساجد ثم وضعها في مواضعها، وأما الجلوس بينهما فهو غير معتبر.
(مسألة 670): يستحب السجود - شكرا لله تعالى - عند تجدد كل نعمة،
ودفع كل نقمة، وعند تذكر ذلك، والتوفيق لأداء كل فريضة ونافلة، بل كل
فعل خير ومنه إصلاح ذات البين، ويكفي سجدة واحدة، والأفضل سجدتان،
فيفصل بينهما بتعفير الخدين أو الجبينين أو الجميع، مقدما الأيمن على الأيسر ثم
وضع الجبهة ثانيا، ويستحب فيه افتراش الذراعين، وإلصاق الصدر والبطن
بالأرض، وأن يمسح موضع سجوده بيده، ثم يمرها على وجهه ومقاديم بدنه،
وأن يقول فيه: " شكرا لله شكرا لله " أو مائة مرة " شكرا شكرا " أو مائة مرة
" عفوا عفوا " أو مائة مرة " الحمد لله شكرا " وكلما قاله عشر مرات قال:
" شكرا للمجيب " ثم يقول: " يا ذا المن الذي لا ينقطع أبدا ولا يحصيه غيره
عددا ويا ذا المعروف الذي لا ينفد أبدا يا كريم يا كريم يا كريم " ثم يدعو
ويتضرع ويذكر حاجته، وقد ورد في بعض الروايات غير ذلك، والأحوط فيه
السجود على ما يصح السجود عليه، والسجود على المساجد السبعة.
(مسألة 671): يستحب السجود بقصد التذلل لله تعالى، بل هو من أعظم
العبادات، وقد ورد أنه أقرب ما يكون العبد إلى الله تعالى وهو ساجد،
ويستحب إطالته.
272

(مسألة 672): يحرم السجود لغير الله تعالى، من دون فرق بين
المعصومين (عليهم السلام) وغيرهم، وما يفعله الشيعة في مشاهد الأئمة (عليهم السلام)، لابد أن
يكون لله تعالى، شكرا على توفيقهم لزيارتهم (عليهم السلام) والحضور في مشاهدهم،
جمعنا الله تعالى وإياهم في الدنيا والآخرة إنه أرحم الراحمين.
الفصل السابع
في التشهد
وهو واجب في الثنائية مرة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة من الركعة
الثانية، وفي الثلاثية والرباعية مرتين الاولى كما ذكر والثانية بعد رفع الرأس من
السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة، وهو واجب غير ركن، فإذا تركه - عمدا -
بطلت الصلاة، وإذا تركه - سهوا - أتى به ما لم يركع، وإلا قضاه بعد الصلاة على
الأظهر، وكيفيته " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله اللهم صل على محمد وآل محمد " ويجب أن يكون ذلك في
حال الجلوس، ويجب الطمأنينة والاستقرار فيه على الأحوط، وأن يكون على
النهج العربي مع الموالاة بين فقراته وكلماته، والعاجز عن التعلم إذا لم يجد من
يلقنه يأتي بما أمكنه، إن صدق عليه الشهادة مثل أن يقول: " أشهد أن لا إله
إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله " وإن عجز، فالأحوط وجوبا أن يأتي
بترجمته، وإذا عجز عنها أتى بسائر الأذكار بقدره.
(مسألة 673): إذا نسي المصلي التشهد في الركعة الثانية وقام للركعة
الثالثة، ثم تذكر بالحال، فما هو وظيفته؟
والجواب: أنه إذا تذكر قبل أن يركع للركعة الثالثة رجع إلى التشهد
273

وجلس وتشهد، ثم قام للركعة الثالثة وألغى ما كان قد أتى به من واجباتها قبل
أن يتذكر، وإن تذكر وهو في الركوع مضى في صلاته وأدى بعد إكمالها ما نسيه
من التشهد مع سجدتي السهو.
(مسألة 674): إذا وجد المصلي نفسه جالسا بعد السجدة الثانية وشك أنه
هل تشهد أو بعد لم يتشهد، وجب عليه أن يتشهد، وإذا شك في حالة النهوض
أنه تشهد أولا فوظيفته أن يتشهد، وإذا وقف قائما ثم شك في أنه تشهد أو لا،
بنى على أنه تشهد، وكذلك إذا بدأ بالتسليم الواجب في الركعة الأخيرة وشك
في أنه تشهد أو لا، وإذا تشهد وبعد الفراغ منه أو من جزء منه، شك في أنه أتى
به صحيحا بنى على صحته.
(مسألة 675): يكره الإقعاء فيه، بل يستحب فيه الجلوس متوركا كما
تقدم فيما بين السجدتين، وأن يقول قبل الشروع في الذكر " الحمد لله " أو يقول:
" بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله " أو " الأسماء الحسنى كلها لله "
وأن يجعل يديه على فخذيه منضمة الأصابع، وأن يكون نظره إلى حجره، وأن
يقول بعد الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله): " وتقبل شفاعته وارفع درجته " في التشهد
الأول، وأن يقول: " سبحان الله " سبعا بعد التشهد الأول، ثم يقوم، وأن يقول
حال النهوض عنه: " بحول الله وقوته أقوم وأقعد " وأن تضم المرأة فخذيها إلى
نفسها وترفع ركبتيها عن الأرض.
274

الفصل الثامن
في التسليم
وهو واجب في كل صلاة وآخر أجزائها، وبه يخرج عنها وتحل له
منافياتها، وله صيغتان:
الاولى: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ".
والثانية: " السلام عليكم " بإضافة " ورحمة الله وبركاته " على
الأحوط الأولى، والأظهر أن الواجب هو الاولى دون الثانية، وعلى هذا
فالمصلي يخرج عن الصلاة بالاولى وإن كان الأحوط ضم الثانية إليها أيضا،
وأما قول: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " فليس من صيغ
السلام، ولا يخرج به عن الصلاة، بل هو مستحب.
(مسألة 676): يجب على المصلي الإتيان بالتسليم على النهج العربي وهو
جالس، ويجب فيه الطمأنينة والاستقرار حاله على الأحوط، والعاجز عنه
كالعاجز عن التشهد في الحكم المتقدم.
(مسألة 677): إذا أحدث قبل التسليم بطلت الصلاة، وكذا إذا فعل غيره
من المنافيات عامدا وملتفتا، بل مطلقا حتى إذا كان سهوا، وإذا نسي التسليم
حتى وقع منه المنافي، فالظاهر صحة الصلاة، وإن كانت إعادتها أحوط وأجدر
استحبابا، وإذا نسي السجدتين حتى سلم أعاد الصلاة، إذا صدر منه ما ينافي
الصلاة عمدا وسهوا، وإلا ألغى ما كان قد أتى به من التشهد والتسليم وأتى
بالسجدتين، ثم بالتشهد والتسليم من جديد وبذلك قد تمت صلاته، وبعد ذلك
سجد سجدتي السهو لزيادة السلام.
275

(مسألة 678): إذا شك المصلي في أنه هل سلم في صلاته هذه أو لا، فإن
كان ذلك بعد فترة طويلة من الانصراف عن الصلاة تقطع الاتصال، لم يجب
عليه أن يسلم، وكذلك إذا كان الشك بعد صدور ما يبطل الصلاة مطلقا ولو كان
سهوا، وأما إذا لم يكن هذا ولا ذاك، فيجب عليه أن يأتي بالتسليم، وإذا أتى به
صحت صلاته ولا شيء عليه، وكذا إذا شك في التسليم بعد الشروع في التعقيب
منذ اللحظة الاولى، فإنه يرجع ويسلم ولا إعادة عليه.
(مسألة 679): يستحب فيه التورك في الجلوس حاله، ووضع اليدين
على الفخذين، ويكره الإقعاء كما سبق في التشهد.
الفصل التاسع
في الترتيب
يعتبر الترتيب والتسلسل بين أفعال الصلاة وأجزائها شرعا، على نحو ما
عرفت، ومن عكس الترتيب، فإن كان ذلك عامدا وملتفتا بطلت صلاته، وإن
كان ذلك سهوا أو جهلا مركبا بالحكم وإن كان عن تقصير، فإن قدم ركنا على
ركن بطلت، وإن قدم ركنا على غيره - كما إذا ركع قبل القراءة - مضى وفات
محل ما ترك، ولو قدم غير الركن عليه تدارك على وجه يحصل به الترتيب،
وكذا لو قدم غير الأركان بعضها على بعض.
276

الفصل العاشر
في الموالاة
وهي واجبة في أفعال الصلاة، بمعنى عدم الفصل بينها على وجه يوجب
محو صورة الصلاة في نظر أهل الشرع، وهي بهذا المعنى تبطل الصلاة بفواتها
عمدا وسهوا، ولا يضر فيها تطويل الركوع والسجود وقراءة السور الطوال،
وأما بمعنى توالي الأجزاء وتتابعها وإن لم يكن دخيلا في حفظ مفهوم الصلاة،
فوجوبها محل إشكال، والأظهر عدم الوجوب من دون فرق بين العمد والسهو.
الفصل الحادي عشر
في القنوت
وهو يستحب في جميع الصلوات فريضة كانت أو نافلة، على إشكال في
الشفع والأحوط الإتيان به فيها برجاء المطلوبية، ويتأكد استحبابه في الفرائض
الجهرية خصوصا في الصبح، والجمعة، والمغرب، وفي الوتر من النوافل،
والمستحب منه مرة بعد القراءة قبل الركوع في الركعة الثانية، إلا في الجمعة ففيها
قنوتان، قبل الركوع في الاولى وبعده في الثانية، وفي العيدين ففيهما خمسة
قنوتات في الاولى وأربعة في الثانية، وفي الآيات، ففيها قنوتان قبل الركوع
الخامس من الاولى وقبله في الثانية، بل خمسة قنوتات قبل كل ركوع زوج، كما
سيأتي إن شاء الله تعالى، وفي الوتر ففيها قنوتان قبل الركوع وبعده على إشكال
في الثاني.
277

نعم، يستحب بعده أن يدعو بما دعا به أبو الحسن موسى (عليه السلام) وهو: " هذا
مقام من حسناته نعمة منك وشكره ضعيف وذنبه عظيم وليس لذلك إلا
رفقك ورحمتك فإنك قلت في كتابك المنزل على نبيك المرسل (صلى الله عليه وآله) (كانوا
قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون) طال والله هجوعي
وقل قيامي وهذا السحر وأنا استغفرك لذنوبي استغفار من لا يملك لنفسه
ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا " كما يستحب أن يدعو في القنوت
قبل الركوع في الوتر بدعاء الفرج وهو: " لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا
الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما
فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين " وأن يستغفر
لأربعين مؤمنا أمواتا وأحياء، وأن يقول سبعين مرة: " استغفر الله ربي وأتوب
إليه " ثم يقول: " استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ذو الجلال
والإكرام لجميع ظلمي وجرمي وإسرافي على نفسي وأتوب إليه " سبع مرات،
وسبع مرات " هذا مقام العائذ بك من النار " ثم يقول: " رب أسأت وظلمت
نفسي وبئس ما صنعت وهذي يدي جزاء بما كسبت وهذي رقبتي خاضعة
لما أتيت وها أنا ذا بين يديك فخذ لنفسك عن نفسي الرضا حتى ترضى لك
العتبى لا أعود " ثم يقول: " العفو " ثلاثمائة مرة، ويقول: " رب اغفر لي
وارحمني وتب علي إنك أنت التواب الرحيم ".
(مسألة 680): لا يشترط في القنوت قول مخصوص، بل يكفي فيه ما
يتيسر من ذكر أو دعاء أو حمد أو ثناء، ويجزئ " سبحان الله " خمسا أو ثلاثا أو
مرة، والأولى قراءة المأثور عن المعصومين (عليهم السلام).
278

(مسألة 681): يستحب التكبير قبل القنوت، ورفع اليدين حال التكبير،
ووضعهما ثم رفعهما حيال الوجه، قيل: وبسطهما جاعلا باطنهما نحو السماء
وظاهرهما نحو الأرض، وأن تكونا منضمتين مضمومتي الأصابع إلا الإبهامين،
وأن يكون نظره إلى كفيه.
(مسألة 682): يستحب الجهر بالقنوت للإمام والمنفرد والمأموم، ولكن
يكره للمأموم أن يسمع الإمام صوته.
(مسألة 683): إذا نسي القنوت وهوى، فإن ذكر قبل الوصول إلى حد
الركوع رجع، وإن كان بعد الوصول إليه قضاه حين الانتصاب بعد الركوع، وإذا
ذكره بعد الدخول في السجود قضاه بعد الصلاة جالسا مستقبلا، والأحوط
لزوما ذلك فيما إذا ذكره بعد الهوي إلى السجود قبل وضع الجبهة، وإذا تركه
عمدا في محله أو بعدما ذكره بعد الركوع فلا قضاء له.
(مسألة 684): الظاهر أنه لا تؤدى وظيفة القنوت بالدعاء الملحون أو
بغير العربي، وإن كان لا يقدح ذلك في صحة الصلاة.
الفصل الثاني عشر
في التعقيب
وهو الاشتغال بعد الفراغ من الصلاة بالذكر والدعاء، ومنه أن يكبر ثلاثا
بعد التسليم، رافعا يديه على نحو ما سبق، ومنه - وهو أفضله - تسبيح
الزهراء (عليها السلام) وهو التكبير أربعا وثلاثين، ثم الحمد ثلاثا وثلاثين، ثم التسبيح
ثلاثا وثلاثين، ومنه قراءة الحمد، وآية الكرسي وآية شهد الله، وآية الملك،
ومنه غير ذلك مما هو كثير مذكور في الكتب المعدة له.
279

الفصل الثالث عشر
في صلاة الجمعة
وفيه فروع:
الأول: صلاة الجمعة ركعتان كصلاة الصبح، وتمتاز عنها بخطبتين قبلها،
ففي الاولى منهما يقوم الإمام ويحمد الله ويثني عليه ويوصي بتقوى الله ويقرأ
سورة من الكتاب العزيز ثم يجلس قليلا، وفي الثانية يقوم ويحمد الله ويثني عليه
ويصلي على محمد (صلى الله عليه وآله) وعلى أئمة المسلمين (عليهم السلام) ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات.
الثاني: لا يعتبر العربية في غير القرآن من عناصر الخطبة، وإذا كان
الحاضرون غير عارفين باللغة العربية، فعلى الإمام أن يعظهم باللغة التي
يفهمونها.
الثالث: صلاة الجمعة واجبة تخييرا، بمعنى: أن المكلف مخير يوم الجمعة
بين إقامة صلاة الجمعة، إذا توفرت شرائطها الآتية وبين الإتيان بصلاة الظهر،
فإذا أقام الجمعة مع الشرائط أجزأت عن الظهر.
الرابع: يعتبر في وجوب صلاة الجمعة أمور:
1 - دخول الوقت، وهو زوال الشمس على ما مر في صلاة الظهر إلى أن
يصير ظل كل شيء مثله.
2 - اجتماع خمسة أشخاص أحدهم الإمام.
3 - وجود الإمام الجامع لشرائط الإمامة من العدالة وغيرها، على ما
نذكرها في صلاة الجماعة.
280

الخامس: تعتبر في صحة صلاة الجمعة امور:
1 - الجماعة، فلا تصح صلاة الجمعة فرادى، ويجزئ فيها إدراك الإمام
في الركوع الأول، بل في القيام من الركعة الثانية أيضا، فيأتي مع الإمام بركعة
وبعد فراغه يأتي بركعة اخرى.
2 - أن لا تكون المسافة بينها وبين صلاة جمعة اخرى أقل من فرسخ،
فلو أقيمت جمعتان فيما دون فرسخ بطلتا جميعا، إن كانتا مقترنتين زمانا، وأما
إذا كانت إحداهما سابقة على الاخرى ولو بتكبيرة الإحرام، صحت السابقة
دون اللاحقة. نعم، إذا كانت إحدى الصلاتين فاقدة لشرائط الصحة، فهي لا
تمنع عن إقامة صلاة جمعة اخرى ولو كانت في عرضها أو متأخرة عنها، وعلى
هذا فمن شروط صحة صلاة الجمعة أن لا تسبقها ولا تقارنها في بدايتها صلاة
جمعة اخرى في مكان تقل المسافة بينهما عن فرسخ. نعم، إذا تقارنت صلاتا
جمعة في مكانين متقارنين، دون أن يعلم جماعة كل من الصلاتين بالصلاة
الاخرى وانتهتا في وقت واحد، كانت كلتا الصلاتين صحيحة، وكذا لو اتفق
ذلك غفلة ونسيانا.
3 - تقديم الخطبتين على الصلاة.
السادس: إذا أقيمت الجمعة في بلد واجدة لجميع شروطها، فهل يجب
الحضور فيها؟
والجواب: لا يجب تعيينا. نعم، هو أفضل فردي الواجب التخييري.
السابع: يعتبر في وجوب الحضور أمور:
1 - الذكورة، فلا يجب الحضور على النساء.
2 - الحرية، فلا يجب على العبيد.
281

3 - الحضور، فلا يجب على المسافر، سواء في ذلك المسافر الذي وظيفته
القصر ومن كانت وظيفته الإتمام، كالقاصد لإقامة عشرة أيام.
4 - السلامة من المرض والعمى، فلا يجب على المريض والأعمى.
5 - عدم الشيخوخة، فلا يجب على الشيخ الكبير.
6 - أن لا يكون الفصل بينه وبين المكان الذي تقام فيه الجمعة أزيد من
فرسخين، كما لا يجب على من كان الحضور له حرجيا، وإن لم يكن الفصل بهذا
المقدار، بل لا يبعد عدم وجوب الحضور عند المطر وإن لم يكن الحضور حرجيا.
الثامن: الأفضل أن لا يسافر بعد زوال الشمس يوم الجمعة من بلد تقام
فيه الجمعة واجدة للشرائط.
التاسع: لا يجوز التكلم أثناء اشتغال الإمام بالخطبة، والأحوط لزوما
الإصغاء إليها لمن يفهم معناها.
العاشر: الأحوط استحبابا ترك البيع والشراء في وقت إقامة صلاة
الجمعة، إذا كانا مانعين عن الحضور فيها.
الحادي عشر: إذا أقيمت صلاة الجمعة في يومها بتمام شروطها، فالمكلف
مخير بين أن يحضر فيها أو يصلي صلاة الظهر، وإن كان الأول أفضل وأجدر.
الثاني عشر: يجوز تقديم الخطبتين على الزوال. نعم، لا يجوز الابتداء
بالصلاة نفسها إلا بعد تحقق الزوال.
الثالث عشر: يجب أن يكون الخطيب حين إيراد الخطبة قائما.
الرابع عشر: الأظهر أن يكون المتصدى للخطبة هو الإمام، فلا يجوز أن
يكون الخطيب شخصا والإمام شخصا آخر.
282

المبحث الثالث
منافيات الصلاة
وهي أمور:
الأول: الحدث الصادر من المصلي أثناء الصلاة مبطل لها، سواء أكان من
الأحداث الصغيرة أم كان من الكبيرة، كما إذا مس ميتا أثناء الصلاة، وسواء
أكان في ابتداء الصلاة أم في أثنائها أو آخرها عمدا كان أم سهوا. نعم، إذا وقع
قبل السلام سهوا فقد تقدم أن الظاهر صحة صلاته، ويستثنى من الحكم
المذكور المسلوس والمبطون ونحوهما والمستحاضة كما تقدم.
الثاني: الالتفات بكل البدن عن القبلة، فإن كان ذلك متعمدا بطلت
الصلاة، وإن أدرك الموقف بأسرع ما يمكن وأعاد وجهه وبدنه إلى القبلة وإن لم
يكن متعمدا في ذلك بل كان ناسيا وغافلا، فحينئذ إن تذكر بالحال في الوقت
أعاد، إذا بلغ الانحراف إلى نقطة اليمين أو اليسار، وأما إذا كان أقل من ذلك لم
تجب عليه الإعادة في الوقت أيضا، وإن لم يتذكر إلا بعد الوقت فلا قضاء عليه،
ويلحق بالالتفات بالبدن، الالتفات بالوجه خاصة مع بقاء البدن على استقباله
إذا كان الالتفات فاحشا، على نحو صارت القبلة إلى يمينه أو يساره أو خلفه،
فيجري فيه ما ذكرناه من البطلان، في فرض العمد وعدم وجوب القضاء مع
السهو، إذا كان التذكر خارج الوقت، ووجوب الإعادة إذا كان التذكر في
283

الوقت، وأما إذا كان الالتفات بالوجه أقل من ذلك، فلا يجب الإعادة في الوقت
فضلا عن خارج الوقت. نعم، هو مكروه.
الثالث: ما إذا صدرت من المصلي أفعال وتصرفات لا تبقى معها صورة
الصلاة ولا اسمها، كالرقص والتصفيق والاشتغال بمثل الخياطة والنساجة
بالمقدار المعتد به ونحو ذلك، ولا فرق في البطلان به بين صورتي العمد والسهو،
ولا بأس بمثل حركة اليد والإشارة بها، والانحناء لتناول شيء من الأرض،
والمشي إلى إحدى الجهات بلا انحراف عن القبلة، وقتل الحية والعقرب، وحمل
الطفل وإرضاعه، ونحو ذلك مما لا يعد منافيا للصلاة وماحيا لصورتها.
(مسألة 685): الظاهر بطلان الصلاة فيما إذا أتى في أثنائها بصلاة اخرى،
وتصح الصلاة الثانية مع السهو، وكذلك مع العمد إذا كانت الصلاة الاولى نافلة،
وأما إذا كانت فريضة فالأظهر صحتها أيضا، وإذا أدخل صلاة فريضة في
اخرى سهوا وتذكر في الأثناء، فإن كان التذكر قبل الركوع أتم الاولى، إلا إذا
كانت الثانية مضيقة فيتمها، وإن كان التذكر بعد الركوع أتم الثانية، إلا إذا كانت
الاولى مضيقة، فيرفع اليد عما في يده ويستأنف الاولى.
(مسألة 686): إذا أتى بفعل كثير أو سكوت طويل، وشك في فوات
الموالاة ومحو الصورة، قطع الصلاة واستأنفها من جديد، والأحوط استحبابا أن
يتمها أولا ثم يعيدها.
الرابع: التكلم عمدا وإن كان بحرف واحد؛ إذ المعيار إنما هو بصدق
عنوان التكلم، فمن قال (ب) أو (ت) صدق أنه تكلم بحرف واحد ونطق به،
ومن هنا إذا قال صبي أول مرة (ب) فيقال إنه نطق بحرف، ولا فرق في ذلك
بين أن يكون الحرف موضوعا أو مهملا، ولا نعني بالتكلم إلا النطق.
284

(مسألة 687): لا تبطل الصلاة بالتنحنح والنفخ والأنين والتأوه ونحوها،
وإذا قال: آه، أو آه من ذنوبي، فإن كان ذلك شكاية إليه تعالى لم تبطل، وإلا بطلت.
(مسألة 688): لا فرق في التكلم المبطل عمدا، بين أن يكون مع مخاطب
أو لا، وبين أن يكون مضطرا فيه أو مختارا. نعم، لا بأس بالتكلم سهوا ولو
لاعتقاد الفراغ من الصلاة.
(مسألة 689): لا بأس بالذكر والدعاء وقراءة القرآن في جميع أحوال
الصلاة، وأما الدعاء بالمحرم فالظاهر عدم البطلان به وإن كانت الإعادة أحوط.
(مسألة 690): إذا كان الكلام ذكرا أو دعاء أو مناجاة فلا بأس به،
شريطة أن لا يخاطب به غير الله تعالى، فإذا قال المصلي: (غفر الله لك) بطلت
صلاته وإن كان هذا الكلام دعاء، لأنه خوطب به غير الله تعالى، وأما إذا
قال: (اغفر لي يا رب) أو: (غفر الله لأبي) لم تبطل صلاته.
(مسألة 691): الظاهر عدم جواز تسميت المصلي العاطس في حال
الصلاة، بأن يقول له: (يرحمك الله) أو: (يرحمكم الله)، فإذا قال كذلك بطلت
صلاته، فإنه وإن كان دعاء، إلا أنه خاطب به غير الله تعالى.
(مسألة 692): لا يجوز للمصلي أن يبتدئ بالسلام ولا غيره من أنواع
التحية، فإذا ابتدأ وقال: (السلام عليك) - مثلا - بطلت صلاته. نعم، يجوز رد
السلام بل يجب، وإذا لم يرد ومضى في صلاته صحت وإن أثم.
(مسألة 693): يجب أن يكون رد السلام في أثناء الصلاة بمثل ما سلم،
فلو قال المسلم: (سلام عليكم) يجب أن يكون جواب المصلي (سلام عليكم)،
بل الأظهر اعتبار المماثلة في التعريف والتنكير والإفراد والجمع أيضا.
285

وإذا سلم المسلم بصيغة الجواب بأن قال مثلا: (عليك السلام)، فهل
يجوز الرد بأي صيغة كان أو لابد أن يكون الرد بمثلها؟
والجواب: أن الرد في المقام أيضا لابد أن يكون بمثلها على الأظهر، وأما
في غير حال الصلاة فيستحب الرد بالأحسن فيقول في (سلام عليكم):
(عليكم السلام) أو بضميمة و (رحمة الله وبركاته).
(مسألة 694): إذا سلم بالملحون، فإن صدقت عليه صيغة السلام،
فبإمكان المصلي أن يجيب بنفس هذه الصيغة، كما أن بإمكانه أن يجيب بصيغة
صحيحة مماثلة لها.
(مسألة 695): إذا كان المسلم صبيا مميزا أو إمرأة فالظاهر وجوب الرد.
(مسألة 696): يجب إسماع رد السلام على الأحوط في حال الصلاة
وغيرها، إلا أن يكون المسلم أصم أو كان بعيدا ولو بسبب المشي سريعا،
وحينئذ فالأولى الجواب على النحو المتعارف في الرد.
(مسألة 697): إذا كانت التحية بغير السلام مثل: (صبحك الله بالخير)
لم يجب الرد، وإن كان أحوط وأولى، وإذا أراد الرد في الصلاة فالأحوط
- وجوبا - الرد بقصد الدعاء، على نحو يكون المخاطب به الله تعالى مثل: (اللهم
صبحه بالخير).
(مسألة 698): يكره السلام على المصلي.
(مسألة 699): إذا سلم واحد على جماعة كفى رد واحد منهم، وإذا سلم
واحد على جماعة منهم المصلي فرد واحد منهم لم يجز له الرد.
وأما إذا كان الراد صبيا مميزا، فهل يكفي ذلك ولا يجب على المصلي الرد؟
286

والجواب: أن كفايته لا تخلو عن إشكال بل منع، والأظهر أن على
المصلي الرد.
(مسألة 700): إذا سلم على شخص مردد بين شخصين، لم يجب على
واحد منهما الرد، سواء أكانا في الصلاة أم لا.
(مسألة 701): إذا تقارن شخصان في السلام وجب على كل منهما الرد
على الآخر.
(مسألة 702): إذا سلم سخرية أو مزاحا فالظاهر عدم وجوب الرد.
(مسألة 703): إذا قال: (سلام على المصلي) من دون عليكم، وجب أن
يرده بمثل ذلك.
(مسألة 704): إذا شك المصلي في أن السلام كان بأي صيغة، فالظاهر
جواز الجواب بكل من الصيغ الأربع المتعارفة.
(مسألة 705): يجب رد السلام فورا، فإذا أخر عصيانا أو نسيانا حتى
خرج عن صدق الجواب لم يجب الرد، وفي الصلاة لا يجوز لو قلنا بحرمة قطعها،
وإذا شك في الخروج عن الصدق لم يجب عليه الرد، والأحوط استحبابا على من
لم يكن في الصلاة الرد، وأما من كان في الصلاة فلا يجوز له ذلك، لو قلنا بحرمة
قطع الصلاة، وإلا فلا مانع منه ولكن لو رد فعليه إعادة الصلاة.
(مسألة 706): لو اضطر المصلي إلى الكلام في الصلاة لدفع الضرر عن
النفس أو غيره، تكلم وبطلت صلاته.
(مسألة 707): إذا ذكر الله تعالى في الصلاة أو دعا أو قرأ القرآن، بداعي
التنبيه على أمر لا بداعي القربة لم تبطل الصلاة؛ لأنه ذكر أو دعاء أو قرآن
وهو لا يكون مبطلا لها، غاية الأمر أن الداعي إلى ذلك والدافع إليه، تارة
287

يكون القربة وأخرى يكون التنبيه على أمر آخر. نعم، لو لم يقصد الذكر ولا
الدعاء ولا القرآن بل قصد معنى آخر أو جرى على لسانه التلفظ به من دون
القصد كان مبطلا.
الخامس: القهقهة، وهي شدة الضحك المشتمل على الصوت والترجيع،
ولا بأس بالتبسم وبالقهقهة سهوا.
(مسألة 708): لو امتلأ جوفه ضحكا واحمر وجهه ولكن حبس نفسه
عن إظهار الصوت لم تبطل صلاته، والأحوط - استحبابا - الإتمام والإعادة.
السادس: البكاء شريطة أن يكون مشتملا على صوت، وإلا فلا تبطل
الصلاة إذا دمعت عينا المصلي من دون صوت، وأن يكون الدافع إليه دافعا
شخصيا، كالبكاء على قريب له أو لأمر آخر من امور الدنيا، وأن يكون
المصلي ملتفتا في حال البكاء إلى أنه يصلي ولو كان مضطرا إلى ذلك، بأن لا
يملك نفسه من البكاء، وعلى هذا فإذا كان البكاء من دون صوت أو كان بدافع
الخوف من الله تعالى أو الشوق إلى رضوانه أو التذلل له تعالى ولو لقضاء حاجة
دنيوية فلا بأس به، وكذا ما كان منه على سيد الشهداء (عليه السلام)، إذا كان راجعا إلى
الآخرة، أو كان سهوا وغفلة عن أنه يصلي.
السابع: الأكل والشرب وإن كانا قليلين، إذا كانا ماحيين للصورة، أما
إذا لم يكونا كذلك ففي البطلان بهما إشكال، ولا بأس بابتلاع السكر المذاب في
الفم وبقايا الطعام، ولو أكل أو شرب سهوا، فإن بلغ حد محو الصورة بطلت
صلاته كما تقدم، وإن لم يبلغ ذلك فلا بأس به.
(مسألة 709): يستثنى من ذلك، ما إذا كان عطشانا مشغولا في دعاء
الوتر وقد نوى أن يصوم وكان الفجر قريبا، يخشى مفاجأته والماء أمامه أو
قريبا منه قدر خطوتين أو ثلاث، فإنه يجوز له التخطي والارتواء ثم الرجوع
288

إلى مكانه ويتم صلاته، والأحوط لزوما الاقتصار على الوتر المندوب دون ما
كان واجبا كالمنذور، ولا يبعد التعدي من الدعاء إلى سائر الأحوال، كما لا
يبعد التعدي من الوتر إلى سائر النوافل، ولا يجوز التعدي من الشرب إلى الأكل.
الثامن: التكفير، وهو وضع إحدى اليدين على الاخرى، كما يتعارف
عند غيرنا، فإنه مبطل للصلاة إذا أتى به بقصد الجزئية من الصلاة، وأما إذا لم
يقصد به الجزئية وأتى به بنية أنه يفرض عليه في الصلاة بقصد الخضوع
والتأدب والعبودية له تعالى، فلا شبهة في حرمته تشريعا، وأما بطلان الصلاة
فلا؛ لأن الحرام لا يكون متحدا مع الواجب، وإن كان الأجدر والأحوط
استحبابا الإتمام ثم الإعادة، هذا فيما إذا وقع التكفير عمدا وفي حال الاختيار،
وأما إذا وقع سهوا أو تقية أو كان الوضع لغرض آخر غير التأدب، من حك
جسده ونحوه، فلا بأس به ولا يكون مبطلا.
التاسع: تعمد قول " آمين " بعد تمام الفاتحة، إماما كان أو مأموما أو
منفردا أخفت بها أو جهر، فإنه مبطل إذا قصد به الجزئية، وأما إذا أتى به على
أساس أنه دعاء فلا يكون مبطلا، وكذا إذا أتى به سهوا أو تقية، بل قد يجب
الإتيان به تقية وإذا تركه اعتبر آثما.
(مسألة 710): إذا شك بعد السلام، في أنه أحدث في أثناء الصلاة أو
فعل ما يوجب بطلانها، بنى على العدم.
(مسألة 711): إذا علم أنه نام اختيارا وشك في أنه أتم الصلاة ثم نام،
أو نام في أثنائها غفلة عن كونه في الصلاة، بنى على صحة الصلاة، وأما إذا
احتمل أن نومه كان عن عمد وإبطالا منه للصلاة، فالظاهر وجوب الإعادة،
وكذلك إذا علم أنه غلبه النوم قهرا وشك في أنه كان في أثناء الصلاة أو بعدها،
كما إذا رأى نفسه في السجود وشك في أنه سجود الصلاة أو سجود الشكر.
289

(مسألة 712): لا يبعد جواز قطع الفريضة اختيارا، وإن كان الأحوط
والأجدر أن لا يقطعها من دون ضرورة دنيوية أو دينية، كحفظ المال، وأخذ
العبد من الإباق، والغريم من الفرار، والدابة من الشراد، ونحو ذلك، بل لأي
غرض يهتم به دينيا كان أو دنيويا وإن لم يلزم من فواته ضرر، فإذا صلى في
المسجد وفي الأثناء علم أن فيه نجاسة، جاز القطع وإزالة النجاسة كما تقدم،
ويجوز قطع النافلة مطلقا وإن كانت منذروة، لكن الأحوط استحبابا الترك.
(مسألة 713): إذا وجب القطع فتركه واشتغل بالصلاة، أثم وصحت صلاته.
(مسألة 714): يكره في الصلاة الالتفات بالوجه قليلا وبالعين، والعبث
باليد واللحية والرأس والأصابع، والقران بين السورتين، ونفخ موضع السجود،
والبصاق، وفرقعة الأصابع، والتمطي، والتثاؤب، ومدافعة البول والغائط والريح،
والتكاسل، والتناعس، والتثاقل، والامتخاط، ووصل إحدى القدمين بالأخرى
بلا فصل بينهما، وتشبيك الأصابع، ولبس الخف أو الجورب الضيق، وحديث
النفس، والنظر إلى نقش الخاتم والمصحف والكتاب، ووضع اليد على الورك
متعمدا، وغير ذلك مما ذكر في المفصلات.
ختام
تستحب الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) لمن ذكره أو ذكر عنده، ولو كان في
الصلاة، من دون فرق بين ذكره باسمه الشريف أو لقبه أو كنيته أو بالضمير.
(مسألة 715): إذا ذكر اسمه مكررا استحب تكرارها، وإن كان في أثناء
التشهد لم يكتف بالصلاة التي هي جزء منه.
(مسألة 716): الظاهر كون الاستحباب على الفور، ولا يعتبر فيها كيفية
خاصة. نعم، لابد من ضم آله (عليهم السلام) إليه في الصلاة عليه (صلى الله عليه وآله).
290

المقصد السادس
صلاة الآيات
وفيه مباحث:
المبحث الأول
وجوب صلاة الآيات
تجب هذه الصلاة على كل مكلف - عدا الحائض والنفساء - عند كسوف
الشمس وخسوف القمر ولو بعضهما، وكذا عند زلزال الأرض - على الأحوط
وجوبا - وأخاويف سماوية وهي حوادث اتفاقية تقع في الفضاء، التي توجب
قلق الناس ورعبهم عادة ونوعا، كالريح السوداء والحمراء والصفراء والظلمة
الشديدة والصاعقة، والنار التي تظهر في السماء وغيرها، وأما وجوبها عند
أخاويف أرضية، وهي حوادث استثنائية تقع في الأرض وتؤدي إلى قلق
الناس وخوفهم عادة، فهو لا يخلو عن إشكال بل منع، وإن كان الأحوط
والأجدر الإتيان بالصلاة عند ظهورها.
(مسألة 717): لا يعتبر في وجوب الصلاة للكسوف والخسوف والزلزلة
291

الخوف، ومتى حدثت هذه الأسباب الثلاثة وجبت صلاة الآيات، سواء حصل
منها الخوف والقلق لغالب الناس أم لا، ويعتبر في وجوبها للحوادث السماوية أن
تكون مثيرة للخوف والقلق لغالب الناس، وأما إذا لم تكن كذلك، فلا تجب
صلاة الآيات وإن كانت مثيرة للخوف بالنسبة إلى شاذ من الناس.
المبحث الثاني
وقت صلاة الآيات
وقت صلاة الكسوفين من حين الشروع في الانكساف إلى تمام الانجلاء،
وعليه تجوز المبادرة إلى هذه الصلاة بابتداء الكسوف والخسوف وتتضايق كلما
أوشك الانجلاء على التمام، والأولى الشروع في الصلاة من حين الحدوث، ولا
يجوز للمكلف أن يؤخرها إلى أن يضيق وقتها ولا يتسع إلا لركعة واحدة فقط،
ولكن لو أخرها عامدا أو معذورا وجبت عليه المبادرة فورا ويدرك وقتها
بإدراك ركعة منه، وإن لم يدرك إلا أقل من ذلك، صلاها من دون تعرض للأداء
والقضاء، هذا فيما إذا كان الوقت في نفسه واسعا، وأما إذا كان زمان الكسوف أو
الخسوف قليلا في نفسه ولا يسع مقدار الصلاة، ففي وجوب صلاة الآيات حينئذ
إشكال والاحتياط لا يترك، وأما سائر الآيات فوقت الصلاة فيها ممتد إلى مدة
تواجد تلك الآيات السماوية المثيرة للخوف النوعي، ويبدأ ذلك الوقت من الشروع
فيما وينتهي بزوالها، ويترتب على ذلك أن وقت الحادثة إذا كان قصيرا جدا على
نحو لا يتسع للصلاة فيه، سقط وجوب الصلاة بسقوط موضوعه، وإذا كان يتسع
لأكثر من صلاة لم تجب المبادرة إليها منذ وقوع الحادثة، وعليه فإذا تماهل
292

المكلف وتساهل وأخر الصلاة إلى أن فاتت منه بفوات وقتها وجب عليه قضاؤها،
وأما صلاة الزلزال فالأحوط وجوبا على المكلف أن يبادر إليها عند حصول
الزلزلة، وأما إذا لم يبادر إليها عامدا أو معذورا إلى فترة لا يصدق على الصلاة
فيها الصلاة عقيب الزلزلة عرفا، فيجب على الأحوط، أن يأتي بها بقصد ما في
الذمة والخروج منه من دون نية الأداء والقضاء.
(مسألة 718): تبين مما تقدم أن للصلاة من أجل الآيات السماوية المخيفة
وقتا محددا، وإذا كان ذلك الوقت متسعا للصلاة فيه ومع هذا، لو فاتت عن
المكلف بفوات وقتها وجب عليه القضاء، بلا فرق بين أن يكون فوتها عامدا
وملتفتا أو يكون ناسيا وغافلا أو جاهلا، وأما صلاة الزلزال، فقد مر الكلام
فيها آنفا.
(مسألة 719): إذا حدثت الآية السماوية المخوفة في بلد دون بلد آخر،
وفي منطقة دون منطقة اخرى، وجبت الصلاة على أهل ذلك البلد أو المنطقة التي
حدثت فيها الآية، وإذا امتد خوفها النوعي إلى المناطق القريبة منه أو بلد آخر
مجاور له، وجبت الصلاة على أهل تلك المناطق أو البلد المجاور أيضا، وإلا فلا.
(مسألة 720): إذا كان الكسوف أو الخسوف غير مستوعبين لكل قرص
القمر أو الشمس، وكان المكلف جاهلا حين وقوع الكسوف والخسوف بذلك،
ففي هذه الحالة لا يجب عليه القضاء.
(مسألة 721): إذا حصل الكسوف في وقت فريضة يومية واتسع وقتهما،
تخير في تقديم أيهما شاء، وإن ضاق وقت إحداهما دون الاخرى قدم المضيق،
وإن ضاق وقتهما قدم اليومية، وإن شرع في أحدهما فتبين ضيق وقت الاخرى
على وجه يخاف فوتها على تقدير إتمامها، قطعها وصلى الاخرى، لكن إذا كان
293

قد شرع في صلاة الآية، فتبين ضيق اليومية، فبعد القطع وأداء اليومية يعود إلى
صلاة الآية من محل القطع، إذا لم يقع منه مناف غير الفصل باليومية.
(مسألة 722): يجوز قطع صلاة الآية وفعل اليومية، إذا خاف فوت
فضيلتها ثم يعود إلى صلاة الآية من محل القطع.
المبحث الثالث
كيفية صلاة الآيات
صلاة الآيات ركعتان، في كل واحدة خمسة ركوعات ينتصب بعد كل
واحد منها، وسجدتان بعد الانتصاب من الركوع الخامس، ويتشهد بعدهما ثم
يسلم، وتفصيل ذلك، أن يحرم مقارنا للنية كما في سائر الصلوات، ثم يقرأ
الحمد وسورة، ثم يرفع رأسه منتصبا فيقرأ الحمد وسورة، ثم يركع، وهكذا
حتى يتم خمسة ركوعات، ثم ينتصب بعد الركوع الخامس ويهوي إلى السجود
فيسجد سجدتين، ثم يقوم ويصنع كما صنع أولا، ثم يتشهد ويسلم.
(مسألة 723): يجوز أن يفرق سورة واحدة على الركوعات الخمسة،
فيقرأ بعد الفاتحة في القيام الأول آية من سورة، ثم يركع ويرفع رأسه ويقرأ الآية
الثانية من تلك السورة، ولا يكتفي بقراءة بعض الآية على الأحوط، ثم يركع
ويرفع رأسه ويقرأ الآية الثالثة، ثم يركع ويرفع رأسه ويقرأ الآية الرابعة، ثم
يركع ويرفع رأسه ويقرأ الآية الخامسة، فإن تمت السورة بها فهو المطلوب، وإلا
فعليه أن يقرأ كل ما بقي من السورة ثم يركع خامسا ويقوم ويهوي إلى السجود
294

ويسجد سجدتين ويصنع في الركعة الثانية ما صنع في الركعة الاولى، فيكون قد
قرأ في كل ركعة فاتحة واحدة وسورة تامة موزعة على الركوعات الخمسة،
ويجوز أن يأتي في الركعة الاولى على النحو الأول وفي الثانية على النحو الثاني
ويجوز العكس، كما أنه يجوز تفريق السورة على أقل من خمسة ركوعات
كثلاثة - مثلا - ولكن حينئذ يجب عليه في القيام الرابع أن يقرأ الفاتحة من جديد،
ثم يبدأ بسورة بعد الفاتحة، سواء أكانت نفس السورة السابقة التي ختمها الآن
أم غيرها فيقرأ منها آية أو أكثر فيركع الركوع الرابع ويرفع رأسه قائما، ثم يركع
الركوع الخامس فيتم تلك السورة، إذا بقي منها أكثر من آية، ونتيجة ذلك أن
المعتبر في صلاة الآيات المخففة أمور:
الأول: أن لا يقرأ في كل ركوع أقل من آية على الأحوط وجوبا.
الثاني: لا يجوز للمصلي لهذه الصلاة أن يكتفي في كل ركعة بأقل من
سورة.
الثالث: إذا ختم السورة بعد الركوع الأول - مثلا - كما إذا وزعها على
ركوعين، ثم ركع الركوع الثاني ورفع رأسه منه، وجب عليه أن يستأنف قراءة
الفاتحة من جديد، ثم يبدأ بسورة أو آية منها وبعد ذلك يركع الركوع الثالث.
الرابع: أن لا يترك شيئا من السورة ناقصا، عندما يريد أن يركع الركوع
الخامس، بل لابد من إكمالها وإن كانت تلك السورة الثانية أو الثالثة.
(مسألة 724): حكم هذه الصلاة حكم الصلاة الثنائية في البطلان بالشك
في عدد الركعات، وإذا شك في عدد الركوعات بنى على الأقل، إلا أن يرجع إلى
الشك في الركعات، كما إذا شك في أنه الخامس أو السادس فتبطل.
(مسألة 725): ركوعات هذه الصلاة أركان تبطل بزيادتها ونقصها عمدا
295

وسهوا كاليومية، ويعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة اليومية من أجزاء وشرائط
وأذكار واجبة ومندوبة وغير ذلك، كما يجري فيها أحكام السهو والشك في المحل
وبعد التجاوز، ويشترط فيها نفس الشروط العامة التي يجب توفرها في كل
صلاة فريضة، من الستر واستقبال القبلة والطهارة من الحدث والخبث وغيرها.
(مسألة 726): يستحب فيها القنوت بعد القراءة قبل الركوع، في كل قيام
زوج، ويجوز الاقتصار على قنوتين في الخامس والعاشر، ويجوز الاقتصار على
الأخير منهما، ويستحب التكبير عند الهوي إلى الركوع وعند رفع الرأس عنه،
إلا في الخامس والعاشر فيقول: " سمع الله لمن حمده " بعد رفع الرأس من الركوع.
(مسألة 727): يستحب إتيانها بالجماعة أداء كان أو قضاء مع احتراق
القرص وعدمه، ويتحمل الإمام فيها القراءة لا غيرها كاليومية، وتدرك بإدراك
الإمام قبل الركوع الأول أو فيه من كل ركعة، أما إذا أدركه في غيره ففيه إشكال.
(مسألة 728): يستحب التطويل في صلاة الكسوف إلى تمام الانجلاء،
فإن فرغ قبله جلس في مصلاه مشتغلا بالدعاء أو يعيد الصلاة. نعم، إذا كان
إماما يشق على من خلفه التطويل خفف، ويستحب قراءة السور الطوال
ك‍ (ياسين والنور والكهف والحجر)، وإكمال السورة في كل قيام، وأن يكون
كل من الركوع والسجود بقدر القراءة في التطويل، والجهر بالقراءة ليلا أو نهارا،
حتى في كسوف الشمس على الأصح، وكونها تحت السماء، وكونها في المسجد.
(مسألة 729): يثبت الكسوف وغيره من الآيات بالعلم، وبشهادة العدلين،
بل بشهادة الثقة الواحد أيضا على الأظهر، ولا يثبت بإخبار الرصدي إذا لم
يوجب العلم أو الاطمئنان.
(مسألة 730): إذا تعدد السبب تعدد الواجب، والأحوط استحبابا
التعيين مع اختلاف السبب نوعا، كالكسوف والزلزلة.
296

المقصد السابع
صلاة القضاء
يجب قضاء الصلاة اليومية التي فاتت في وقتها عمدا، أو سهوا، أو جهلا،
أو لأجل النوم المستوعب للوقت، أو لغير ذلك، وكذا إذا أتى بها فاسدة لفقد
جزء أو شرط يوجب فقده البطلان كما إذا كان عن عمد والتفات أو كان من
الأركان، ولا يجب قضاء ما تركه المجنون في حال جنونه، أو الصبي في حال
صباه، أو المغمى عليه إذا لم يكن إغماؤه بفعله، أو الكافر الأصلي في حال كفره،
وكذا ما تركته الحائض أو النفساء مع استيعاب المانع تمام الوقت، أما المرتد
فيجب عليه قضاء ما فاته حال الارتداد بعد توبته، وتصح منه وإن كان عن
فطرة على الأقوى، والأظهر وجوب القضاء على المغمى عليه إذا كان بفعله.
(مسألة 731): إذا بلغ الصبي، وأفاق المجنون، والمغمى عليه، في أثناء
الوقت وجب عليهم الأداء إذا أدركوا مقدار ركعة مع الشرائط، فإذا تركوا وجب
القضاء، وأما الحائض أو النفساء إذا طهرت في أثناء الوقت، فإن تمكنت من
الصلاة والطهارة المائية وجب عليها الأداء، وإن فاتها وجب القضاء، وكذلك إن
لم تتمكن من الطهارة المائية لمرض، أو لعذر آخر وتمكنت من الطهارة الترابية،
وأما إذا لم تتمكن من الطهارة المائية لضيق الوقت، فالأحوط لزوما أن تأتي
بالصلاة مع التيمم، لكنها إذا لم تصل لم يجب القضاء.
297

(مسألة 732): إذا طرأ الجنون أو الإغماء بعدما مضى من الوقت مقدار
يسع الصلاة فقط، وجب القضاء فيما إذا كان متمكنا من تحصيل الشرائط قبل
الوقت، ويعتبر في وجوب القضاء فيما إذا طرأ الحيض أو النفاس ومضي مقدار
من الوقت يسع الصلاة والطهارة من الحدث معا.
(مسألة 733): المخالف إذا استبصر يقضي ما فاته أيام خلافه أو أتى به
على نحو كان يراه فاسدا في مذهبه، شريطة أن لا يكون على وفق مذهبنا، وإلا
فلا يبعد عدم وجوب القضاء عليه، ولا فرق في ذلك بين المخالف الأصلي وغيره.
(مسألة 734): يجب القضاء على السكران، من دون فرق بين الاختياري
وغيره والحلال والحرام.
(مسألة 735): يجب قضاء غير اليومية من الفرائض، عدا العيدين حتى
النافلة المنذورة في وقت معين على الأحوط.
(مسألة 736): يجوز القضاء في كل وقت من الليل والنهار، وفي الحضر
والسفر. نعم، يقضي ما فاته قصرا قصرا ولو في الحضر، وما فاته تماما تماما
ولو في السفر، وإذا كان في بعض الوقت حاضرا، وفي بعضه مسافرا قضى ما
وجب عليه في آخر الوقت.
(مسألة 737): إذا فاتت الصلاة عن المسافر في أماكن التخيير المعروفة،
بسبب الغفلة أو النوم أو غير ذلك، كما في مكة المكرمة أو المدينة المنورة، فهل
يجب عليه قضاؤها قصرا أو أنه مخير بينه وبين التمام، كما كان في الأداء؟
والجواب: أن التخيير بينهما لا يخلو عن قوة ولكن مع هذا فالأحوط
والأجدر به أن يقضيها قصرا.
298

(مسألة 738): يستحب قضاء النوافل الرواتب بل غيرها، ولا يتأكد
قضاء ما فات منها حال المرض، وإذا عجر عن قضاء الرواتب استحب له
الصدقة عن كل ركعتين بمد، وإن لم يتمكن فمد لصلاة الليل، ومد لصلاة النهار.
(مسألة 739): لا يعتبر الترتيب في قضاء الفوائت غير اليومية، لا بينها
وبين اليومية ولا بين بعضها مع بعضها الآخر، وأما الفوائت اليومية فيجب
الترتيب بينها إذا كانت مترتبة بالأصل كالظهرين أو العشائين، من يوم واحد
فإنه يجب أن يقضي الظهر قبل العصر وأن يقضي المغرب قبل العشاء، وأما إذا
لم تكن مترتبة كذلك فهو مخير في تقديم ما شاء وتأخير ما شاء، كما إذا فاتته
صبح وظهر ومغرب، وعلى هذا فمن كان عليه قضاء الصلوات اليومية سنة كاملة
- مثلا - أمكنه أن يقضي الصلوات بالترتيب في كل يوم من الصبح إلى العشاء
وأمكنه أن يختار طريقا آخر فيقضي - مثلا - صلوات الصبح كلها ثم صلوات
الظهر كلها ثم صلوات العصر كذلك، أو الظهر والعصر كلها معا ثم صلوات
المغرب كلها ثم صلوات العشاء كلها أو المغرب والعشاء كذلك، فالترتيب بينها
في القضاء على نحو الترتيب في الفوات، بأن يقضي الأول فواتا فالأول غير
معتبر من دون فرق بين العلم به والجهل، ثم إنه يأتي بالصلاة في خارج الوقت
بنفس الكيفية التي يأتي بها في الوقت، فما فات عنه وهو مسافر يقضيه قصرا
ولو كان حين القضاء حاضرا في بلدته، وما فات عنه وهو حاضر يقضيه تماما
وإن كان حين القضاء مسافرا، كما أن المعيار في وجوب القصر أو التمام إنما هو
بحال الفوت، فإن كان في هذه الحالة مسافرا قضاه قصرا وإن كان في أول
الوقت حاضرا وإن كان في تلك الحالة حاضرا قضاه تماما وإن كان في اول
الوقت مسافرا. مثال الأول إنسان دخل عليه الوقت وهو حاضر، ثم سافر ولم
يصل إلى أن انتهى الوقت، فإن عليه أن يقضيه قصرا. مثال الثاني إنسان دخل
299

عليه الوقت وهو مسافر ورجع إلى بلده قبل انتهاء الوقت ولكن لم يصل، فان
وظيفته أن يقضيه تماما.
(مسألة 740): إذا علم أن عليه إحدى الصلوات الخمس يكفيه صبح
ومغرب ورباعية بقصد ما في الذمة، مرددة بين الظهر والعصر والعشاء. وإذا كان
مسافرا يكفيه مغرب وثنائية بقصد ما في الذمة، مرددة بين الأربع، وإن لم يعلم
أنه كان مسافرا أو حاضرا، يأتي بثنائية مرددة بين الأربع، ورباعية مرددة
بين الثلاث، ومغرب، ويتخير في المرددة في جميع الفروض بين الجهر والإخفات.
(مسألة 741): إذا علم أن عليه اثنتين من الخمس، مرددتين في الخمس
من يوم، وجب عليه الإتيان بأربع صلوات، فيأتي بصبح، ثم رباعية مرددة
بين الظهر والعصر، ثم مغرب، ثم رباعية مرددة بين العصر والعشاء، وإن كان
مسافرا، يكفيه ثلاث صلوات، ثنائية مرددة بين الصبح والظهر والعصر ومغرب،
ثم ثنائية مرددة بين الظهر والعصر والعشاء، وإن لم يعلم أنه كان مسافرا أم
حاضرا، أتى بخمس صلوات، فيأتي بثنائية مرددة بين الصبح والظهر والعصر،
ثم برباعية مرددة بين الظهر والعصر، ثم بمغرب، ثم بثنائية مرددة بين الظهر
والعصر والعشاء، ثم برباعية مرددة بين العصر والعشاء.
(مسألة 742): إذا علم أن عليه ثلاثا من الخمس، وجب عليه الإتيان
بالخمس، وإن كان الفوت في السفر، يكفيه أربع صلوات، ثنائية مرددة بين الصبح
والظهر، وثنائية اخرى مرددة بين الظهر والعصر ثم مغرب، ثم ثنائية مرددة بين
العصر والعشاء، وإذا علم بفوات أربع منها، أتى بالخمس تماما، إذا كان في الحضر،
وقصرا إذا كان في السفر ويعلم حال بقية الفروض مما ذكرناه، والمدار في الجميع
على حصول العلم بإتيان ما اشتغلت به الذمة ولو على وجه الترديد.
300

(مسألة 743): إذا شك في فوات فريضة، أو فرائض لم يجب القضاء، وإذا
علم بالفوات وتردد بين الأقل والأكثر جاز له الاقتصار على الأقل، وإن كان
الأحوط استحبابا التكرار حتى يحصل العلم بالفراغ.
(مسألة 744): لا يجب الفور في القضاء، فيجوز التأخير ما لم يحصل
التهاون في تفريغ الذمة.
(مسألة 745): لا يجب تقديم القضاء على الحاضرة، فيجوز الإتيان
بالحاضرة لمن عليه القضاء ولو كان ليومه، بل يستحب ذلك إذا خاف فوت
فضيلة الحاضرة، وإلا استحب تقديم الفائتة، وإن كان الأحوط تقديم الفائتة،
خصوصا في فائتة ذلك اليوم، بل يستحب العدول إليها من الحاضرة إذا غفل
وشرع فيها.
(مسألة 746): يجوز لمن عليه القضاء الإتيان بالنوافل على الأقوى.
(مسألة 747): يجوز الإتيان بالقضاء جماعة، سواء أكان الإمام قاضيا
- أيضا - أم مؤديا بل يستحب ذلك، ولا يجب اتحاد صلاة الإمام والمأموم.
(مسألة 748): يجب لذوي الأعذار تأخير القضاء إلى زمان رفع العذر،
فيما إذا علم بارتفاع العذر بعد ذلك، ويجوز البدار إذا علم بعدم ارتفاعه إلى آخر
العمر، بل إذا احتمل بقاء العذر وعدم ارتفاعه أيضا، لكن إذا قضى ثم ارتفع
العذر، وجبت الإعادة فيما إذا كان الخلل الواقع منه في صلاته مما لا يعذر فيه
الجاهل، ولا تجب الإعادة إذا كان الخلل مما يعذر فيه الجاهل.
(مسألة 749): إذا كان عليه فوائت وأراد أن يقضيها في مجلس واحد،
أذن وأقام للأولى واقتصر على الإقامة في البواقي، والظاهر أن السقوط رخصة.
301

(مسألة 750): يستحب تمرين الطفل على أداء الفرائض، والنوافل
وقضائها، بل على كل عبادة والأقوى مشروعية عباداته، فإذا بلغ في أثناء
الوقت وقد صلى أجزأت.
(مسألة 751): يجب على الولي حفظ الطفل عن كل ما فيه خطر على
نفسه، وعن كل ما علم من الشرع كراهة وجوده ولو من الصبي كالزنى،
واللواط، وشرب الخمر، والنميمة، ونحوها، وفي وجوب الحفظ عن أكل
النجاسات، والمتنجسات، وشربها، إذا لم تكن مضرة، إشكال وإن كان الأظهر
الجواز ولا سيما في المتنجسات، ولا سيما مع كون النجاسة منهم، أو من مساورة
بعضهم لبعض، كما أن الظاهر جواز إلباسهم الحرير والذهب.
(مسألة 752): يجب على ولي الميت وهو الولد الذكر الأكبر حال الموت
أن يقضي ما فات أباه من الفرائض اليومية وغيرها، كالصيام لعذر من مرض
ونحوه، بل مطلقا على الأظهر وإن كان عامدا وملتفتا، كما إن الأظهر عدم الفرق
بين تمكنه من القضاء وعدم تمكنه منه، والأظهر إلحاق الأم بالأب في وجوب
قضاء صلواتها التي فاتت عنها على ولدها الأكبر وهو أولى الناس بميراثها
وصيامها الذي فات عنها في السفر دون الحيض والمرض.
(مسألة 753): إذا كان الولي حال الموت صبيا، أو مجنونا وجب عليه
القضاء إذا بلغ، أو عقل.
(مسألة 754): إذا تساوى الذكران في السن، كما لو كانا مولودين لأب
واحد من زوجتين في وقت واحد وجب عليهما على نحو الوجوب الكفائي، بلا
فرق بين إمكان التوزيع، كما إذا تعدد الفائت، وعدمه كما إذا اتحد، أو كان وترا.
(مسألة 755): إذا اشتبه الأكبر بين شخصين، أو أشخاص، فالأحوط
302

الأولى العمل على نحو الوجوب الكفائي.
(مسألة 756): لا يجب على الولي قضاء ما فات الميت، مما وجب عليه
أداؤه عن غيره بإجارة أو غيرها.
(مسألة 757): قيل: يجب القضاء على الولي ولو كان ممنوعا عن الإرث
بقتل، أو رق أو كفر ولكن لا يبعد اختصاص الوجوب بغيره.
(مسألة 758): إذا مات الأكبر بعد موت أبيه، لا يجب القضاء على غيره
من إخوانه الأكبر فالأكبر، ولا يجب إخراجه من تركته.
(مسألة 759): إذا تبرع شخص عن الميت سقط عن الولي وكذا إذا
استأجره الولي، أو الوصي عن الميت بالاستئجار من ماله وقد عمل الأجير،
أما إذا لم يعمل لم يسقط.
(مسألة 760): إذا شك في فوات شيء من الميت لم يجب القضاء، وإذا شك
في مقداره جاز له الاقتصار على الأقل.
(مسألة 761): إذا لم يكن للميت ولي فالأقوى عدم وجوب القضاء عنه
من صلب تركته، وإن كان القضاء أحوط استحبابا، بالنسبة إلى غير القاصرين
من الورثة.
(مسألة 762): المراد من الأكبر من لا يوجد أكبر منه سنا وإن وجد من
هو أسبق منه بلوغا، أو أسبق انعقادا للنطفة.
(مسألة 763): لا يجب الفور في القضاء عن الميت ما لم يبلغ حد الإهمال.
(مسألة 764): في أحكام الشك والسهو يراعي الولي تكليف نفسه
اجتهادا، أو تقليدا، وكذا في أجزاء الصلاة وشرائطها، إلا في حالة واحدة وهي
303

ما إذا كان نظر الميت موافقا للاحتياط اجتهادا أو تقليدا، ونظر الولي مخالفا له
كذلك من جهة ومبنيا على الأصل العملي كالبراءة من جهة اخرى، مثال ذلك
أن الميت كان يرى وجوب السورة في الصلاة اجتهادا أو تقليدا، والولي عدم
وجوبها كذلك، لكن لا بدليل اجتهادي بل بأصل عملي وهو أصالة البراءة عن
وجوب الأكثر في مسألة دوران الأمر بينه وبين الأقل، وحيث إن مفاد أصالة
البراءة التعذير لا الكشف عن عدم وجوب السورة في الواقع فلا تكشف عن عدم
اشتغال ذمة الميت بوجوب السورة في الصلاة، وعلى هذا الأساس فلا يمكن أن
يحصل للولي الوثوق والاطمئنان ببراءة ذمة الميت إذا اقتصر على الصلاة من
دون السورة ولم يأت بها.
(مسألة 765): إذا مات في أثناء الوقت فإن كان بعد مضي وقت يسع
للصلاة والطهارة من الحدث وجب على الولي قضاؤها وإلا فلا.
304

المقصد الثامن
صلاة الاستئجار
لا تجوز النيابة عن الأحياء في الواجبات ولو مع عجزهم عنها، إلا في
الحج إذا كان مستطيعا وكان عاجزا عن المباشرة ومنقطعا أمله في التمكن من
القيام بالحج كذلك، فيجب عليه حينئذ أن يستنيب من يحج عنه، وتجوز النيابة
عنهم في مثل الحج المندوب وزيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وقبور الأئمة (عليهم السلام)، بل تجوز
النيابة في جميع المستحبات رجاء، كما تجوز النيابة عن الأموات في الواجبات
والمستحبات، ويجوز إهداء ثواب العمل إلى الأحياء والأموات في الواجبات
والمستحبات، كما ورد في بعض الروايات، وحكي فعله عن بعض أجلاء أصحاب
الأئمة (عليهم السلام) بأن يطلب من الله سبحانه أن يعطي ثواب عمله لآخر حي أو ميت.
(مسألة 766): يجوز الاستئجار للصلاة وسائر العبادات عن الأموات،
وتفرغ ذمتهم بفعل الأجير من دون فرق بين كون النائب وصيا أو وليا أو وارثا
أو أجنبيا.
(مسألة 767): يعتبر في الأجير العقل، والإيمان والبلوغ، ويعتبر أن
يكون عارفا بأحكام القضاء على وجه يصح منه الفعل، ويجب أن ينوي بعمله
الإتيان بما في ذمة الميت من العمل العبادي بقصد التقرب إليه تعالى.
(مسألة 768): يجوز استئجار كل من الرجل والمرأة عن الرجل والمرأة،
305

وفي الجهر والإخفات يراعي حال الأجير، فالرجل يجهر بالجهرية وإن كان نائبا
عن المرأة، والمرأة لا جهر عليها وإن نابت عن الرجل.
(مسألة 769): لا يجوز استئجار ذوي الأعذار كالعاجز عن القيام أو عن
الطهارة الخبثية، أو ذي الجبيرة، أو المسلوس، أو المتيمم إلا إذا تعذر غيرهم،
بل الأظهر عدم صحة تبرعهم عن غيرهم، وإن تجدد للأجير العجز انتظر زمان
القدرة.
(مسألة 770): إذا حصل للأجير شك أو سهو يعمل بأحكامها بمقتضى
تقليده أو اجتهاده، ولا يجب عليه إعادة الصلاة، هذا مع إطلاق الإجارة، وإلا
لزم العمل بمقتضى الإجارة، فإذا استأجره على أن يعيد مع الشك أو السهو تعين
ذلك، وكذا الحكم في سائر أحكام الصلاة، فمع إطلاق الإجارة يعمل الأجير
على مقتضى اجتهاده أو تقليده، ومع تقييد الإجارة يعمل على ما يقتضيه التقييد.
(مسألة 771): إذا كانت الإجارة على نحو المباشرة لا يجوز للأجير أن
يستأجر غيره للعمل، ولا لغيره أن يتبرع عنه فيه، أما إذا كانت مطلقة جاز له
أن يستأجر غيره، ولكن لا يجوز أن يستأجره بأقل من الأجرة في إجارة نفسه،
إلا إذا أتى ببعض العمل، أو يستأجره بغير جنس الأجرة.
(مسألة 772): إذا عين المستأجر للأجير مدة معينة فلم يأت بالعمل كله
أو بعضه فيها، لم يجز الإتيان به بعدها، إلا بإذن من المستأجر، وإذا أتى به بعدها
من دون إذنه لم يستحق الأجرة وإن برئت ذمة المنوب عنه بذلك، لا الأجرة
المسماة لانتهاء العقد الأول وعدم تجديده عليها ثانيا ولا أجرة المثل وهي الأجرة
التي يتقاضاها الاجراء عادة على القيام بمثل ذلك العمل لعدم الإذن في ذلك.
(مسألة 773): إذا تبين بطلان الإجارة بعد العمل استحق الأجير أجرة
المثل، وكذا إذا فسخت لغبن أو غيره.
306

(مسألة 774): إذا لم تعين كيفية العمل من حيث الاشتمال على المستحبات،
يجب الإتيان به على النحو المتعارف.
(مسألة 775): إذا نسي الأجير بعض المستحبات وكان مأخوذا في
متعلق الإجارة نصا، نقص من الأجرة بنسبته.
(مسألة 776): إذا تردد العمل المستأجر عليه بين الأقل والأكثر جاز
الاقتصار على الأقل، وإذا تردد بين متباينين وجب الاحتياط بالجمع.
(مسألة 777): يجب تعيين المنوب عنه ولو إجمالا، مثل أن ينوي من
قصده المستأجر أو صاحب المال أو نحو ذلك.
(مسألة 778): إذا وقعت الإجارة على تفريغ ذمة الميت، فتبرع عن الميت
متبرع ففرغت ذمته، انفسخت الإجارة إن لم يمض زمان يتمكن الأجير فيه من
الإتيان بالعمل، وإلا كان عليه أجرة المثل، أما إذا كانت الإجارة على نفس
العمل عنه فلا تنفسخ فيما إذا كان العمل مشروعا بعد فراغ ذمته، فيجب على
الأجير العمل على طبق الإجارة.
(مسألة 779): يجوز اتيان صلاة الاستئجار جماعة إماما كان الأجير أم
مأموما، لكن يعتبر في صحة الجماعة، إذا كان الإمام أجيرا العلم باشتغال ذمة
المنوب عنه بالصلاة، فإذا كانت احتياطية كانت الجماعة باطلة.
(مسألة 780): إذا مات الأجير قبل الإتيان بالعمل المستأجر عليه
واشترطت المباشرة، فإن لم يمض زمان يتمكن الأجير من الإتيان بالعمل فيه
بطلت الإجارة، ووجب على الوارث رد الأجرة المسماة من تركته وإلا كان عليه
أداء أجرة مثل العمل من تركته وإن كانت أكثر من الأجرة المسماة، وإن لم
تشترط المباشرة وجب على الوارث الاستئجار من تركته، كما في سائر الديون
المالية، وإذا لم تكن له تركة لم يجب على الوارث شيء ويبقى الميت مشغول الذمة
307

بالعمل أو بالمال.
(مسألة 781): يجب على من عليه واجب من الصلاة والصيام، أن يبادر
إلى القضاء، إذا ظهرت أمارات الموت بل إذا لم يطمئن بالتمكن من الامتثال إذا لم
يبادر، فإن عجز وجب عليه الوصية به، ويخرج من ثلثه كسائر الوصايا، وإذا
كان عليه دين مالي للناس ولو كان مثل الزكاة والخمس ورد المظالم وجب عليه
المبادرة إلى وفائه، ولا يجوز التأخير وإن علم ببقائه حيا، وإذا عجز عن الوفاء
وكانت له تركة وجب عليه الوصية بها إلى ثقة مأمون ليؤديها بعد موته، وهذه
تخرج من أصل المال وإن لم يوص بها.
(مسألة 782): إذا آجر نفسه لصلاة شهر - مثلا - فشك في أن المستأجر
عليه صلاة السفر أو الحضر ولم يمكن الاستعلام من المؤجر وجب الاحتياط
بالجمع، وكذا لو آجر نفسه لصلاة وشك في أنها الصبح أو الظهر - مثلا - وجب
الإتيان بهما.
(مسألة 783): إذا علم أن على الميت فوائت ولم يعلم أنه أتى بها قبل
موته أو لا، استؤجر عنه.
(مسألة 784): إذا آجر نفسه لصلاة أربع ركعات من الزوال في يوم معين
إلى الغروب، فأخر حتى بقي من الوقت مقدار أربع ركعات ولم يصل عصر ذلك
اليوم وجب الإتيان بصلاة العصر، وللمستأجر حينئذ فسخ الإجارة والمطالبة
بالأجرة المسماة، وله أن لا يفسخها ويطالب بأجرة المثل، وإن زادت على
الأجرة المسماة.
(مسألة 785): الأحوط استحبابا اعتبار عدالة الأجير حال الإخبار،
بأنه أدى ما استؤجر عليه، وإن كان الظاهر كفاية كونه ثقة في تصديقه إذا أخبر
بالتأدية.
308

المقصد التاسع
الجماعة
وفيه فصول:
الفصل الأول
استحباب صلاة الجماعة
تستحب الجماعة استحبابا مؤكدا ووطيدا نصا وإجماعا في جميع الفرائض
اليومية خصوصا في الأدائية، ولا سيما في الصبح والعشائين ولها ثواب عظيم،
وقد ورد في الحث عليها والذم على تركها أخبار كثيرة، ومضامين عالية، لم يرد
مثلها في أكثر المستحبات بل أنها من أهم شعائر الإسلام.
(مسألة 786): تجب الجماعة في الجمعة والعيدين مع اجتماع شرائط
الوجوب وهي شرط في صحتها أيضا، ولا تجب بالأصل في غير ذلك. نعم، قد
تجب بالعرض لنذر أو نحوه، أو لضيق الوقت عن إدراك ركعة إلا بالإئتمام، أو
لعدم تعلمه القراءة مع قدرته عليها أو لغير ذلك.
(مسألة 787): المشهور عدم مشروعية الجماعة في النوافل الأصلية وإن
وجبت بالعرض من نذر أو نحوه، بلا فرق في ذلك بين النوافل الليلية والنهارية
وغيرهما ولكنه لا يخلو عن إشكال. نعم، تشرع الجماعة في صلاة العيدين على
الرغم من عدم توفر شروط وجوبها وصلاة الاستسقاء.
309

(مسألة 788): يجوز اقتداء من يصلي إحدى الصلوات اليومية بمن يصلي
الاخرى، فيقتدي من يصلي صلاة الصبح بمن يصلي صلاة الظهر وبالعكس،
ومن يصلي المغرب بمن يصلي العشاء، وكذا العكس، ومن يصلي الظهر بمن يصلي
العصر وبالعكس، ومن يصلي الحاضرة بمن يصلي الفائتة وبالعكس، فلا يمنع
من الاقتداء اختلاف تلك الصلوات في الكم والكيف والأداء والقضاء. نعم، من
يصلي إحدى الصلوات اليومية فلا يسوغ له أن يقتدي بمن يصلي صلاة الآيات
أو العيدين أو الأموات، كما أن من يريد أن يصلي صلاة العيدين أو الآيات أو
الأموات مأموما فلا يجوز له أن يقتدي إلا بمن يصلي نفس الصلاة، وكذلك من
يصلي صلاة العيدين فلا يسوغ له أن يقتدي بمن يصلي صلاة الأموات أو الآيات
وكذلك العكس، ومن يصلي صلاة الاستسقاء فلا يجوز له أن يقتدي بمن يصلي
غيرها وبالعكس، أجل إن من يصلي الكسوف مثلا يسوغ له أن يقتدي بمن
يصلي صلاة الزلزلة أو صلاة الآية السماوية المخوفة وهكذا، ما دام كل من الإمام
والمأموم يمارس صلاة واحدة واجبة من دون اختلاف لا في النوع ولا في الكيف
ولا في الكم.
وقد تسأل أن من يصلي احدى الفرائض اليومية هل يسوغ له أن يقتدي
بمن يصلي صلاة الطواف وكذلك العكس. والجواب: الأقرب عدم جواز اقتداء
كل منهما بالآخر مطلقا لا أصلا ولا عكسا. نعم، يسوغ لمن يصلي صلاة الطواف
أن يقتدي بمن يصلي نفس الصلاة.
(مسألة 789): لا يجوز لمن يصلي فريضة الوقت أن يقتدي بمن يصلي
نفس الفريضة احتياطا وجوبيا كان أم استحبابيا، ومن يصلي الفائتة احتياطا
بمن يصلي الفريضة، كما لا يجوز لمن يصلي فوائت مشكوكة أن يقتدي بمن يصلي
فوائت مشكوكة أيضا.
310

وقد تسأل: أن ذلك فيما إذا لم يكن منشأ الشك في صحة الصلاة لكل منهما
واحدا وأما إذا كان واحدا، كما إذا فرض أنهما قد توضئا من ماء واحد لصلاة
الظهر والعصر وقد صليا وبعد ذلك شكا في أن الماء الذي توضئا به معا هل كان
طاهرا أم نجسا وأرادا أن يحتاطا بالقضاء، فلا مانع في هذه الحالة من أن يقتدي
كل منهما بالآخر، على أساس أن المأموم كان يعلم بأنه في حالة كونه مدينا
بتلك الصلاة فإمامه أيضا مدين بها عينا؟
والجواب: أنه لا يجوز الاقتداء حتى في هذه الحالة، على أساس أن
اطلاق دليل مشروعية الجماعة افرادي لا الأعم منها ومن الأحوالي، فلا يشمل
مثل هذه الحالة. نعم، لا بأس بالاقتداء هنا وهناك رجاء، ومن هذا القبيل ما
إذا علم شخصان إجمالا إما بوجوب الصلاة عليهما قصرا أو تماما وكان منشأ
الشك والتردد لكل منهما نفس المنشأ للآخر، فمع ذلك لا يجوز أن يقتدي كل
منهما بالآخر فيهما بعين الملاك المتقدم إلا رجاء. ومن هنا يظهر أن من يصلي
صلاة الاحتياط علاجا للشك في عدد ركعات صلاته كالشك بين الثلاث والأربع
مثلا، فلا يسوغ له أن يقتدي بمن يصلي الفريضة ولا بمن يصلي ركعة احتياط.
وقد تسأل: أن من يقتدي بآخر في صلاة يومية كصلاة الظهر مثلا، ثم
يعرض على الإمام والمأموم معا الشك في عدد الركعات على نحو واحد، كما لو
شكا بين الثلاث والأربع وبنيا على الأكثر وفرغا من صلاتهما وقاما لأداء ركعة
الاحتياط، فهل يجوز للمأموم أن يواصل في اقتدائه بإمامه في ركعة الاحتياط
هذه على أساس علمه بأنه في حالة كونه مدينا بركعة الاحتياط واقعا فإمامه
أيضا مدين بها كذلك؟
والجواب: أنه لا يجوز.
311

(مسألة 790): أقل عدد تنعقد به الجماعة في غير الجمعة والعيدين اثنان،
أحدهما الإمام ولو كان المأموم امرأة أو صبيا على الأقوى، وأما في الجمعة
والعيدين فلا ينعقد إلا بخمسة أحدهم الإمام.
(مسألة 791): تنعقد الجماعة بنية المأموم للائتمام ولو كان الإمام جاهلا
بذلك غير ناو للإمامة فإذا لم ينو المأموم الإئتمام لم تنعقد. نعم، في صلاة الجمعة
والعيدين لابد من نية الإمام للإمامة، بأن ينوي الصلاة التي يجعله المأموم فيها
إماما، وكذا إذا كانت صلاة الإمام معادة جماعة.
(مسألة 792): لا يجوز الاقتداء بالمأموم لأمام آخر، ولا بشخصين ولو
اقترنا في الأقوال والأفعال، ولا بأحد شخصين على الترديد ولا تنعقد الجماعة إن
فعل ذلك، فإن المأموم لابد أن يعين شخصا معينا ينوي الائتمام به لكي يتحقق
معنى الجماعة والاقتداء به، المحدد من قبل الشرع المعول عليه في القراءة ولا
يتحقق ذلك إلا بالاقتداء بشخص معين، ولو بأن يشير إليه بقلبه إشارة محددة،
ككونه إمام هذه الجماعة أو ذلك الواقف أو من يسمع صوته، وإن تردد ذلك المعين
بين شخصين وأنه زيد أو عمرو، بعد تأكده بتوفر الشروط اللازمة فيه على أي
حال ولا يلزم تعيينه بالاسم.
(مسألة 793): إذا شك في أنه نوى الائتمام أم لا بنى على العدم وأتم
منفردا، وأما إذا علم أنه قام بنية الدخول في الجماعة وظهرت عليه أحوال
الائتمام من الإنصات ونحوه، فحينئذ إن حصل له الوثوق والاطمئنان بأنه
دخل في الجماعة ناويا لها بالدخول، بنى على الائتمام وإلا فلا.
(مسألة 794): إذا نوى الاقتداء بشخص على أنه زيد فبان عمرو، فإن
لم يكن عمرو عادلا بطلت جماعته، بل صلاته أيضا، إذا وقع فيها ما يبطل
312

الصلاة عمدا وسهوا، وإلا صحت صلاته، وإن كان عمرو عادلا صحت
جماعته وصلاته معا.
(مسألة 795): إذا صلى اثنان وعلم بعد الفراغ أن نية كل منهما كانت
الإمامة للآخر صحت صلاتهما، وأما إذا علم أن نية كل منهما الائتمام بالآخر فهل
تصح صلاتهما أيضا أو تبطل؟
والجواب: الأظهر صحة صلاتهما أيضا وإن كان الأحوط استحبابا
الإعادة.
(مسألة 796): لا يجوز نقل نية الائتمام من إمام إلى آخر اختيارا، إلا أن
يعرض للإمام ما يمنعه من إتمام صلاته من موت أو جنون أو إغماء أو حدث أو
تذكر حدث سابق على الصلاة، فيجوز للمأمومين تقديم إمام آخر وإتمام صلاتهم
معه، والأقوى اعتبار أن يكون الإمام الآخر منهم، بل الأقوى ذلك، ولو عرض
عليه ما يمنعه من إتمام الصلاة مختارا، كما إذا عجز عن القيام وأصبح فرضه
الصلاة جلوسا وحيث إنه لا يجوز لهم البقاء على الاقتداء به في هذه الحالة،
على أساس عدم جواز اقتداء القائم بالقاعد، فيجوز لهم تقديم إمام آخر بينهم.
(مسألة 797): لا يجوز للمنفرد العدول إلى الائتمام في الأثناء.
(مسألة 798): إذا انفرد المأموم عن الإمام أثناء صلاة الجماعة بطلت
جماعته، سواء كان ناويا للانفراد من بداية الصلاة أم لا. وأما صلاته منفردا
ففيها حالتان:
الحالة الاولى: أن المأموم لم ينو الانفراد من البداية وعازم على مواصلة
الائتمام وفي الأثناء فجأة بسبب أو آخر نوى الانفراد، فحينئذ إن كان هذا الانفراد
قبل الركوع من الركعة الاولى أو الثانية، وجب عليه أن يقرأ كما يقرأ المنفرد،
313

ولكن إذا ترك القراءة وركع وواصل صلاته، فإن كان ذلك متعمدا بطلت صلاته،
وإن كان معذورا فيه أو معتقدا أن هذا هو وظيفته صحت ولا شيء عليه. وإن كان
بعد الركوع فيمضي في صلاته ويتمها ولا شيء عليه، ما لم يتورط في فترة ائتمامه
بزيادة في الركن، وإلا بطلت من هذه الناحية، ولا فرق في صحة صلاته في هذا
الفرض بين أن يكون ملتفتا إلى بطلان جماعته بالانفراد أو لا يكون ملتفتا إلى
ذلك، فإنه على كلا التقديرين معذور في ترك القراءة وغير متمكن من تداركها.
الحالة الثانية: أن المأموم يكون ناويا الانفراد عن الإمام من الأول
وعازما على عدم مواصلة الائتمام به إلى النهاية، فحينئذ لا يسوغ له أن يقتدي
به ويعول عليه في القراءة، فإن اقتدى به وعول عليه في القراءة وعندما قنت
الإمام انفرد عنه وركع، فإن كان ملتفتا إلى أن وظيفته عدم جواز الاقتداء والتعويل
في هذه الحالة، بطلت صلاته وعليه أن يعيدها من جديد، وأما إذا لم يكن ملتفتا
إلى أن وظيفته ذلك وكان معتقدا حين الصلاة أنه يسوغ له الاقتداء كذلك، أو
كان معذورا فيه صحت صلاته ولا إعادة عليه.
(مسألة 799): لا يجوز لمن بدأ صلاته منفردا أن ينوي الائتمام في أثناء
صلاته، ويجوز له الائتمام في أثناء صلاة الإمام، كما يجوز له ذلك في بداية صلاته،
فإن للمأموم أن يلتحق بالإمام في الركعة الاولى متى شاء إلى أن يركع الإمام
فيلتحق به أثناء الركوع، بأن يكبر قائما منتصبا ناويا الاقتداء ثم يركع إذا كان
الإمام باقيا في الركوع إلى حين ركوعه، وله أن يلتحق به في الركعة الثانية أو
الثالثة أو الأخيرة، إذا كانت الصلاة رباعية، فإذا كان الإنسان يقتدي بركعة من
صلاته أو ركعتين لصلاة الإمام، فإذا انتهت صلاة الإمام قبل أن ينهي المأموم
صلاته انفرد في صلاته ويواصلها منفردا حتى يتمها.
314

(مسألة 800): إذا نوى الانفراد في أثناء قراءة الإمام وجبت عليه القراءة
من الأول، بل وكذلك إذا نوى الانفراد بعد قراءة الإمام قبل الركوع.
(مسألة 801): إذا نوى الانفراد صار منفردا ولا يجوز له الرجوع إلى
الائتمام، وإذا تردد في الانفراد وعدمه، ثم عزم على عدم الانفراد، فهل يجوز
البقاء على الائتمام؟
والجواب: أنه لا يجوز.
(مسألة 802): إذا شك في أنه عدل إلى الانفراد أو لا بنى على العدم.
(مسألة 803): لا يعتبر في الجماعة قصد القربة، لا بالنسبة إلى الإمام ولا
بالنسبة إلى المأموم، فإذا كان قصد الإمام أو المأموم غرضا دنيويا مباحا مثل
الفرار من الشك والوسوسة أو بدافع التأييد لإمام الجماعة وترغيب الناس
للحضور فيها، أو تعب القراءة، أو غير ذلك، صحت وترتبت عليها أحكام
الجماعة ولكن لا يترتب عليها ثواب الجماعة.
(مسألة 804): إذا نوى الاقتداء سهوا أو جهلا بمن يصلي صلاة لا اقتداء
فيها، كما إذا كانت نافلة، فإن تذكر عدل إلى الانفراد وصحت صلاته، شريطة
أن لا يكون متورطا في الإتيان بالمنافي لصلاة المنفرد كزيادة ركن أو نقصانه،
وكذا تصح إذا تذكر بعد الفراغ ولم يحصل منه ما يوجب بطلان صلاة المنفرد
عمدا وسهوا وإلا بطلت.
(مسألة 805): تدرك الجماعة بالدخول في الصلاة من أول قيام الإمام
للركعة إلى منتهى ركوعه، فإذا دخل مع الإمام في حال قيامه قبل القراءة أو في
أثنائها، أو بعدها قبل الركوع، أو في حال الركوع فقد أدرك الركعة، ولا يتوقف
إدراكها على الاجتماع معه في الركوع، فإذا أدركه قبل الركوع وفاته الركوع معه
315

سهوا أو غفلة أو لمانع خارجي كالزحام، فقد أدرك الركعة ووجبت عليه المتابعة
في غيره، ويعتبر في إدراكه في الركوع أن يصل إلى حد الركوع قبل أن يرفع
الإمام رأسه ولو كان بعد فراغه من الذكر. نعم، إذا اقترن الحد الأدنى من ركوع
المأموم مع ابتداء الإمام برفع رأسه وعدم خروجه عن حد الركوع بعد، فلا يقين
بكفاية ذلك وإن كانت الكفاية غير بعيدة.
(مسألة 806): إذا ركع المأموم معتقدا أنه يدرك الإمام راكعا فتبين عدم
إدراكه، صحت صلاته منفردا لا جماعة، وإذا شك المأموم حين ركع في أن الإمام
هل كان راكعا أو رافعا رأسه من الركوع تصح صلاته جماعة.
(مسألة 807): الظاهر جواز الدخول في الركوع مع احتمال ادراك الإمام
راكعا، فإن أدركه صحت الجماعة والصلاة، وإلا بطلت الجماعة وصحت الصلاة
منفردا.
(مسألة 808): إذا نوى وكبر فرفع الإمام رأسه قبل أن يصل إلى الركوع،
تخير بين المضي منفردا والعدول إلى النافلة، ثم الرجوع إلى الائتمام بعد إتمامها.
ها هنا فروع:
الأول: ما إذا أدرك المأموم الإمام وهو في التشهد الأخير، فإن بإمكانه
حينئذ إذا أراد أن يدرك فضيلة الجماعة وثوابها أن يكبر تكبيرة الإحرام ناويا
الائتمام وهو قائم، ثم يجلس مع الإمام ويتشهد بنية القربة باعتباره كلاما دينيا
محبوبا لله تعالى، فإذا سلم الإمام قام لصلاته من غير حاجة إلى تكرار تكبيرة
الإحرام فاتم صلاته منفردا.
الثاني: ما إذا أدرك الإمام وهو في التشهد الأول، فإن بإمكانه عندئذ أن
316

يكبر تكبيرة الإحرام ناويا الاقتداء به ولا يجلس مع الإمام، فإذا قام الإمام
يواصل المأموم صلاته معه جماعة.
الثالث: ما إذا أدرك الإمام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته، فإن
بإمكانه وقتئذ إذا أراد أن يدرك ثواب الجماعة أن يكبر تكبيرة الإحرام ناويا
الائتمام، ثم يهوي إلى السجود فيسجد والإمام ساجد ويتشهد مع الإمام، فإذا
سلم الإمام قام لصلاته منفردا، ولكن الأحوط وجوبا أن يكبر من جديد بقصد
الأعم من تكبيرة الإحرام والذكر المطلق.
(مسألة 809): إذا حضر المكان الذي فيه الجماعة فرأى الإمام راكعا
وخاف أن الإمام يرفع رأسه إن التحق بالصف، كبر للإحرام في مكانه وركع،
ثم مشى في ركوعه أو بعده، أو في سجوده، أو بين السجدتين أو بعدهما، أو حال
القيام للثانية والتحق بالصف، سواء أكان المشي إلى الأمام أم إلى الخلف، أم إلى
أحد الجانبين، بشرط أن لا ينحرف عن القبلة، وأن لا يكون مانع آخر غير البعد
من حائل وغيره وإن كان الأحوط استحبابا انتفاء البعد المانع من الاقتداء أيضا،
ويجب ترك الاشتغال بالقراءة وغيرها مما يعتبر فيه الطمأنينة حال المشي.
الفصل الثاني
ما يعتبر في انعقاد الجماعة
وهو أمور:
الأول: أن الجماعة تتشكل من اجتماع الإمام والمأمومين في موقف موحد
من بداية الاقتداء إلى نهايته، على نحو يصدق عليهم في نظر العرف أنهم
مجتمعون في صلاتهم، وعلى هذا فلا تنعقد الجماعة إذا كان بين الإمام والمأمومين
317

حائل كستار أو جدار، وكذلك إذا كان بين صفوفهم بعضها مع بعض، على نحو
يمنع عن صدق الاجتماع عرفا، ولا فرق في الحائل بين أن يكون ستارا أو جدارا
أو شجرة أو غير ذلك، لأن كل شيء يخل بصدق الاجتماع بين الإمام والمأمومين
في موقف موحد عرفا فهو مانع عن صحة الاقتداء، وإذا كان الجدار أو الستار
قصيرا، على نحو لا يكون مانعا عن صدق الاجتماع عرفا فلا أثر له، فالمدار في
تطبيق ذلك وتشخيصه إنما هو نظر العرف، هذا إذا كان المأموم رجلا، أما إذا
كان امرأة فلا بأس بالحائل بينها وبين الإمام أو المأمومين إذا كان الإمام رجلا،
أما إذا كان الإمام امرأة فالحكم كما في الرجل.
(مسألة 810): تجوز الجماعة إذا كان الحائل بين الإمام والمأمومين لا يمنع
عن الرؤية، أو بين بعض صفوفهم والبعض الآخر كالزجاج والشبابيك والجدران
المخرمة ونحوها، فإنها لا تمنع عن صدق اسم الاجتماع عرفا، ولا بأس بالنهر
والطريق إذا لم يكن فيهما البعد المانع عن صدق الاجتماع، كما أنه لا بأس بوجود
الظلمة والغبار وإن كان مانعا من الرؤية.
وقد تسأل: أن الحائل المتحرك وغير الثابت كمرور إنسان أو غير ذلك،
هل هو مانع عن صحة الجماعة؟
والجواب: أنه غير مانع.
الثاني: أن لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأموم علوا دفعيا
كالأبنية ونحوها بمقدار شبر أو أزيد، ولا بأس بالعلو أقل من شبر، فإذا كانت
أرض المسجد أعلى بمقدار شبر أو أزيد من ساحة المسجد أو أطرافه وكان
الإمام واقفا في أرض المسجد، لم يجز لمن كان واقفا في ساحة المسجد أو أطرافه
أن يقتدي به من مكانه بل تسريحا كسفح جبل منحدر بصورة محسوسة، فإن
318

الإمام إذا وقف في الأعلى لم يجز للمأموم أن يقف في نقطة منخفضة عن موقف
الإمام بشبر أو أكثر. نعم، لا بأس بالتسريحي الذي يصدق معه كون الأرض
منبسطة عرفا، كما لا بأس بالدفعي اليسير إذا كان دون الشبر، ولا بأس أيضا
بعلو موقف المأموم من موقف الإمام بمقدار يصدق معه الاجتماع عرفا.
الثالث: أن لا تكون الفواصل والفراغات بين الإمام والمأمومين وبين
صف وصف وبين المأمومين في كل صف أزيد مما لا يتخطاه الإنسان بخطوة
واسعة من أكبر خطوات الإنسان الاعتيادي، وحدد شرعا بمقدار مسقط جسد
الإنسان العادي إذا سجد، فإذا كانت الفراغات والفواصل بين صفوف المأمومين
أو بينهم وبين الإمام أو بين أنفسهم أزيد من ذلك لم تصح الجماعة.
(مسألة 811): البعد المذكور إنما يقدح في اقتداء المأموم، إذا كان البعد
متحققا في تمام الجهات، فبعد المأموم من جهة لا يقدح في جماعته إذا كان
متصلا بالمأمومين من جهة اخرى، فإذا كان الصف الثاني أطول من الأول
فطرفه وإن كان بعيدا عن الصف الأول، إلا أنه لا يقدح في صحة ائتمامه،
لاتصاله بمن على يمينه أو على يساره من أهل صفه، وكذا إذا تباعد أهل الصف
الثاني بعضهم عن بعض، فإنه لا يقدح ذلك في صحة ائتمامهم، لاتصال كل
واحد منهم بأهل الصف المتقدم. نعم، لا يأتي ذلك في أهل الصف الأول فإن
البعيد منهم عن المأموم الذي هو في جهة الإمام بما لا يتخطى، بما أنه لا يتصل
من الجهة الاخرى بواحد من المأمومين تبطل جماعته.
الرابع: أن لا يتقدم المأموم على الإمام في الموقف، وأما مساواتهما في
الموقف فهي تختلف باختلاف الحالات وذلك، لأن الإمام إذا كان رجلا وكان
المأموم متعددا لم يجز للمأمومين أن يساووه، فضلا عن أن يتقدموا عليه، وأما
319

إذا كان الإمام امرأة، فتجوز المساواة بينه وبين المأمومين في الموقف، وكذلك إذا
كان رجلا ولكن له مأموما واحدا، فإنه يقوم على يمين الإمام دون خلفه
ويجوز أن يقف مساويا للإمام.
(مسألة 812): الشروط المذكورة شروط في الابتداء والاستدامة، فإذا
حدث الحائل أو البعد أو علو الإمام أو تقدم المأموم في الأثناء، بطلت الجماعة
دون الصلاة فإنها تصح منفردا، وإذا شك في حدوث واحد منها بعد العلم بعدمه
بنى على العدم، وإذا شك مع عدم سبق العلم بالعدم، لم يجز الدخول إلا مع
إحراز العدم، وكذا إذا حدث شك بعد الدخول غفلة، وإن شك في ذلك بعد
الفراغ من الصلاة، بنى على الصحة، شريطة احتمال أنه كان ملتفتا حين
الدخول في الجماعة إلى شروط صحتها، وأما إذا علم بأنه دخل في الجماعة
غفلة عن ذلك، بطلت جماعته وأما صلاته فهي صحيحة منفردا، إلا إذا تورط
في فترة الائتمام بزيادة في الركن.
(مسألة 813): كما لا تقدح حيلولة المأمومين المتقدمين بين الإمام وبين
من خلفهم من المأمومين بعد دخولهم في الصلاة، كذلك لا تقدح قبل دخولهم
فيها، إذا كانوا متهيئين لتكبيرة الإحرام، فيسوغ حينئذ للمأموم المتأخر أن ينوي
الائتمام ويكبر.
(مسألة 814): إذا انفرد بعض المأمومين أو انتهت صلاته، كما لو كانت
صلاته قصرا فقد انفرد من يتصل به، باعتبار أن الفاصل بينه وبين الإمام
حينئذ أصبح أزيد مما لا يتخطاه الإنسان الاعتيادي. نعم، إذا تقدم فورا إلى
الأمام ويأخذ المكان المناسب ويواصل صلاته لم ينفرد وتصح جماعته.
(مسألة 815): لا بأس بالحائل غير المستقر كمرور إنسان ونحوه. نعم،
إذا اتصلت المارة بطلت الجماعة.
320

(مسألة 816): إذا كان الحائل مما يتحقق معه المشاهدة حال الركوع
لثقب في وسطه مثلا، أو حال القيام لثقب في أعلاه، أو حال الهوي إلى السجود
لثقب في أسفله، فالأقوى عدم انعقاد الجماعة، فلا يجوز الائتمام.
(مسألة 817): إذا دخل في الصلاة مع وجود الحائل وكان جاهلا به
لعمى أو نحوه لم تصح الجماعة، فإن التفت قبل أن يعمل ما ينافي صلاة المنفرد
ولو سهوا أتم منفردا وصحت صلاته، وكذلك تصح لو كان قد فعل ما لا ينافيها
عمدا وسهوا كترك القراءة.
(مسألة 818): الثوب الرقيق الذي يرى الشبح من ورائه حائل لا يجوز
الاقتداء معه.
(مسألة 819): لو تجدد البعد في الأثناء بطلت الجماعة وصار منفردا،
فإذا لم يلتفت إلى ذلك وبقي على نية الاقتداء، فإن أتى بما ينافي صلاة المنفرد من
زيادة ركوع أو سجود، مما تضر زيادته سهوا وعمدا بطلت صلاته، وإن لم
يأت بذلك أو أتى بما لا ينافي إلا في صورة العمد فقط، صحت صلاته كما تقدم
في (مسألة 814).
(مسألة 820): لا يضر الفصل بالصبي المميز إذا كان مأموما، فيما إذا
احتمل أن صلاته صحيحة عنده، وقد تسأل: أن المأموم المتأخر إذا علم
ببطلان صلاة المأموم المتقدم، الذي هو واسطة في الاتصال بينه وبين الإمام،
فهل يشكل ذلك حاجبا وفاصلا ويؤدي إلى انفراده وبطلان جماعته؟
والجواب: أنه لا يشكل حاجبا، وكذلك من كان يصلي في الصف الأول،
ويعلم ببطلان صلاة من يصلي بجانبه، وهو يتصل بإمامه من طريقه، فإنه لا
يشكل حاجبا وفاصلا.
321

(مسألة 821): إذا كان الإمام في محراب داخل في جدار أو غيره، لا يجوز
ائتمام من على يمينه ويساره لوجود الحائل، أما الصف الواقف خلفه فتصح
صلاتهم جميعا، وكذا الصفوف المتأخرة وكذا إذا انتهى المأمومون إلى باب،
فإنه تصح صلاة تمام الصف الواقف خلف الباب لاتصالهم بمن هو يصلي في
الباب، وإن كان الأحوط استحبابا الاقتصار في الصحة على من هو بحيال الباب
دون من على يمينه ويساره من أهل صفه.
الفصل الثالث
شرائط إمام الجماعة
يشترط في إمام الجماعة مضافا إلى الإيمان والعقل وطهارة المولد، أمور:
الأول: الرجولة إذا كان المأموم رجلا، فلا تصح إمامة المرأة إلا للمرأة،
وفي صحة إمامة الصبي لمثله إشكال، بل منع ولا بأس بها تمرينا.
الثاني: العدالة فلا تجوز الصلاة خلف الفاسق، ولا بد من إحرازها ولو
بالوثوق الحاصل من أي سبب كان، فلا تجوز الصلاة خلف المجهول الحال.
الثالث: أن يكون الإمام صحيح القراءة، إذا كان الائتمام في الأوليين،
سواء كان المأموم صحيح القراءة أم لا، وأما إذا كان الائتمام في الأخيرتين فلا
يعتبر في صحته أن تكون قراءة الإمام صحيحة، على أساس أن المأموم في
الركعتين الأوليين لا يقرأ الفاتحة والسورة ويعول في ذلك على الإمام، فإنه
يتحمل القراءة عنه وأما في الركعتين الأخيرتين فلا يتحمل الإمام القراءة عنه،
فإنه إن التحق فيهما بالإمام وهو راكع، سقطت القراءة عنه نهائيا، وإن التحق
به فيهما وهو قائم، فعليه أن يقرأ، فلذلك لا تعتبر في صحة الائتمام في هاتين
322

الركعتين صحة قراءة الإمام، بل المعتبر في صحته صحة صلاته واقعا.
الرابع: أن لا يكون أعرابيا وهو من تعرب بعد الهجرة، أي أعرض عن
أرض المسلمين وبلادهم بعد الهجرة إليها والانتقال إلى أرض الكفر وبلاده ثانيا،
ولا ممن جرى عليه الحد الشرعي.
(مسألة 822): لا بأس في أن يأتم الأفصح بالفصيح، والفصيح بغيره، إذا
كانت قرائته صحيحة.
(مسألة 823): لا تصح إمامة القاعد للقائم، ولا المضطجع للقاعد،
وتصح إمامة القائم للقائم والقاعد، كما تصح إمامة القاعد لمثله، وأما إمامة
القاعد أو المضطجع للمضطجع، فهل تصح أو لا؟
والجواب: أنها لا تصح. وتجوز إمامة المتيمم للمتوضئ وذي الجبيرة
لغيره. والمسلوس والمبطون والمستحاضة لغيرهم، والمضطر إلى الصلاة في
النجاسة لغيره.
(مسألة 824): إذا تبين للمأموم بعد الفراغ من الصلاة أن الإمام فاقد
لبعض شرائط صحة الصلاة أو الإمامة صحت صلاته، إذا لم يتورط فيها بزيادة
في الركن كالركوع مثلا وإلا أعادها، وإن تبين في الأثناء أتمها في الفرض الأول
وأعادها في الثاني.
(مسألة 825): إذا اختلف المأموم والإمام في أجزاء الصلاة وشرائطها
اجتهادا أو تقليدا، فإن كان الاختلاف بينهما في نقطة يعذر فيها الجاهل وتصح
صلاته واقعا فلا بأس بالاقتداء به، مثال ذلك إذا فرض أن رأي الإمام اجتهادا
أو تقليدا عدم تنجس الملاقي للمتنجس بالواسطة ورأي المأموم كذلك تنجسه،
وعليه فإذا صلى الإمام في ثوب كان ملاقيا للمتنجس بالواسطة جاز للمأموم
323

أن يقتدي به في صلاته هذه، ومثاله الآخر إذا فرض أن رأي الإمام كفاية
التسبيحات الأربع مرة واحدة في الركعتين الأخيرتين ورأي المأموم وجوب
قرائتها ثلاث مرات فيهما، فيجوز للمأموم الاقتداء به، وإن كان الاختلاف
بينهما في نقطة لا يعذر فيها الجاهل ولا تصح صلاته واقعا، فلا يسوغ للمأموم
أن يقتدي به إذا علم أنه غير معذور في رأيه اجتهادا كان أم تقليدا، بل ولو
احتمل ذلك ما دام متأكدا من اختلافه معه في الرأي، مثال ذلك إذا فرض أن
الإمام يرى اجتهادا أو تقليدا أن وظيفة الجريح أو الكسير إذا كان الجرح أو
الكسر مجبورا بجبيرة نجسة أو معصبا بعصابة كذلك وضع خرقة طاهرة على
الجبيرة أو العصابة النجسة والمسح عليها، والمأموم يرى أن وظيفته في هذه
الحالة التيمم دون وضوء الجبيرة، ففي هذه الحالة إذا صلى الإمام مع وضوء
الجبيرة فلا يجوز للمأموم أن يقتدي به، لأن صلاته بنظره بلا طهور وهي باطلة
واقعا. ومثاله الآخر إذا فرض أن رأي الإمام جواز الوضوء بماء الورد ورأي
المأموم عدم جواز ذلك، فيكون الاختلاف بينهما في نقطة لا يعذر فيها الجاهل
وهي الوضوء، وعلى هذا فلا يجوز للمأموم أن يقتدي به ما لم يثق بأنه لم
يتوضأ بماء الورد. هذا إذا كان الاختلاف بينهما في الشبهات الحكمية، وأما إذا
كان الاختلاف بينهما في الشبهات الموضوعية فأيضا تارة يكون في نقطة يعذر
فيها الجاهل وأخرى يكون في نقطة لا يعذر فيها الجاهل، مثال الأول هو ما إذا
فرض أن الإمام كان يعتقد بطهارة ثوب - مثلا - والمأموم يرى نجاسته، فإذا
صلى الإمام فيه جاز للمأموم أن يقتدي به، ومثال الثاني هو ما إذا فرض أن
الإمام كان يعتقد طهارة الماء والمأموم يرى أنه نجس، فإذا توضأ الإمام به وصلى
لم يجز للمأموم أن يقتدي به، وبكلمة موجزة أن الاختلاف بين الإمام والمأموم
إذا كان في الأركان فلا يسوغ للمأموم الاقتداء به، وإن كان في غيرها جاز الاقتداء.
324

الفصل الرابع
في أحكام الجماعة
(مسألة 826): لا يتحمل الإمام عن المأموم شيئا من أفعال الصلاة
وأقوالها غير القراءة في الأوليين إذا ائتم به فيهما فتجزيه قراءته، ويجب عليه
متابعته في القيام وإلا بطلت جماعته، ولا يجب عليه الطمأنينة حاله حتى في
حال قراءة الإمام.
(مسألة 827): لا يجوز للمأموم أن يقرأ القراءة في أوليي الإخفاتية بقصد
الجزئية، والأولى والأفضل له أن يقرأها بقصد تلاوة القرآن أو أن يشتغل بالذكر
والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) وأما في الأوليين من الجهرية فإن سمع صوت الإمام ولو
همهمة وجب عليه ترك القراءة والإنصات فيهما لقراءته، وإن لم يسمع حتى
الهمهمة جازت له القراءة سواء قصد بها مجرد أن يتلو القرآن أو قصد أن يكون
جزءا من صلاته في الواقع، وإذا شك في أن ما يسمعه صوت الإمام أو غيره
فالأقوى الجواز، ولا فرق في عدم السماع بين أسبابه من صمم أو بعد أو غيرهما.
(مسألة 828): إذا أدرك المأموم الإمام في الركعتين الأخيرتين فإن كان
الإمام لا يزال قائما وجب عليه أن يقرأ الحمد والسورة، وإن لزم من قراءة
السورة فوات متابعة الإمام في الركوع اقتصر على الحمد وإذا كان المأموم يخشى
أن تفوته المتابعة في الركوع إذا أكمل الفاتحة فلا يجوز له أن يقطعها بل عليه
تكميلها برجاء أن يدرك الإمام في الركوع فإن أدركه فيه فهو المطلوب وإلا انفرد
بصلاته عنه وأتم الفاتحة وقرأ سورة اخرى ثم ركع ويواصل صلاته ولا شيء
عليه، وإن كان الإمام راكعا سقطت القراءة عنه نهائيا فيهوي إلى الركوع
325

مباشرة ويتابع الإمام إلى أن يكمل هذه الركعة ثم يقوم المأموم إلى الركعة الثانية
له وعليه في هذه الركعة أن يقرأ الفاتحة إخفاتا وحينئذ فإن كان الإمام في الركعة
الرابعة فللمأموم أن يسرع في قراءة الحمد والسورة لإدراك الإمام في الركوع
وإلا فيواصل صلاته منفردا إلى أن يتمها.
(مسألة 829): يجب على المأموم الإخفات في القراءة سواء أكانت واجبة
كما إذا التحق بالإمام في الركعة الثانية أو الثالثة أم غير واجبة كما إذا التحق به في
الركعة الاولى إذا كانت القراءة مشروعة له كما في الصلوات الإخفاتية أو الجهرية
إذا لم يسمع صوت الإمام كما مر، وإن جهر نسيانا أو جهلا صحت صلاته، وإن
كان ذلك متعمدا بطلت.
(مسألة 830): يجب على المأموم متابعة الإمام في أفعال الصلاة كالقيام
والقعود والركوع والسجود فيركع بركوعه ويسجد بسجوده ويقف بوقوفه
ويجلس بجلوسه ومعنى المتابعة أن لا يسبقه في أي فعل من أفعال الصلاة سواء
كان من الأركان أم من غيرها، بل يأتي بعد الإمام ما فعله الإمام متتابعا وبلا
فاصل طويل أو مقارنا له ولا تجب متابعة الإمام في أقوال الصلاة كالقراءة
والذكر والتشهد وغير ذلك ما عدا تكبيرة الإحرام فإن المأموم لا يجوز له أن
يسبق إمامه فيها ويجوز له أن يسبقه في قراءة الفاتحة والتشهد ونحوهما من
الأقوال ولو سبقه فيها بطل ائتمامه وصار منفردا.
(مسألة 831): إذا ترك المتابعة عمدا لم يقدح ذلك في صلاته ولكن تبطل
جماعته فيتمها فرادى. نعم، إذا ركع قبل الإمام متعمدا في حال قراءة الإمام
بطلت صلاته، إذا لم يكن قرأ لنفسه، بل الحكم كذلك، إذا ركع سهوا في حال
قراءة الإمام إذا تفطن بعد ركوعه ولم يقم للالتحاق بإمامه في حال القراءة عامدا
فإنه حينئذ انفرد تاركا للقراءة عامدا وملتفتا.
326

(مسألة 832): إذا ركع أو سجد قبل الإمام عمدا انفرد في صلاته، ولا
يجوز له أن يتابع الإمام مرة ثانية فيأتي بالركوع أو السجود للمتابعة، وإذا انفرد
اجتزأ بما وقع منه من الركوع والسجود وأتم شريطة أن لا يكون ركوعه قبل
الإمام في الركعتين الأوليين، وإذا كان فيهما لابد أن يكون بعد فراغ الإمام عن
القراءة بأن ركع المأموم عند ما قنت الإمام وإلا بطلت صلاته كما مر، وإذا ركع
أو سجد قبل الإمام سهوا وجبت له المتابعة بالعودة إلى الإمام بعد الإتيان
بالذكر ولا يلزمه الذكر في الركوع أو السجود بعد ذلك مع الإمام وإذا لم يتابع
عمدا صحت صلاته وبطلت جماعته ولكن لا إثم عليه.
(مسألة 833): إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام عمدا،
فإن كان قبل الذكر بطلت صلاته إن كان متعمدا في تركه، وإلا صحت صلاته
وبطلت جماعته، وإن كان بعد الذكر صحت صلاته وأتمها منفردا، ولا يجوز له
أن يرجع إلى الجماعة فيتابع الإمام بالركوع أو السجود ثانيا، وإن رفع رأسه من
الركوع أو السجود سهوا رجع إليهما ثانيا، فإن زيادة الركوع أو السجود من
مثل هذا الساهي مغتفرة من أجل المتابعة للإمام، وإذا لم يرجع عمدا انفرد
وبطلت جماعته، وإن لم يرجع سهوا بمعنى أنه تفطن بعد أن كان الإمام قد رفع
رأسه صحت صلاته وجماعته، وإن رجع وركع للمتابعة فرفع الإمام رأسه قبل
وصوله إلى حد الركوع بطلت صلاته، لأن المغتفر هو زيادة الركوع من أجل
المتابعة لا مطلقا وهذا الركوع ليس ركوع المتابعة واقعا.
(مسألة 834): إذا هوى المأموم إلى الركوع أو السجود قبل الإمام سهوا
وركع أو سجد وذكر ثم انتبه والإمام لا يزال قائما أو جالسا رفع رأسه والتحق
بالإمام وركع أو سجد معه ثانية ولا ذكر عليه في هذا الركوع أو السجود المكرر
327

من أجل المتابعة، وإذا انتبه في حالة هوي الإمام إلى الركوع أو السجود بقي في
ركوعه أو سجوده وتابع إمامه.
(مسألة 835): إذا ركع الإمام أو سجد وتخلف المأموم عنه سهوا حتى
رفع الإمام رأسه ثم تذكر المأموم، فله أن يؤدي ما فاته من ركوع أو سجود
فورا ويواصل متابعته للإمام ولا شيء عليه، وإذا نهض الإمام والمأموم معا من
الركوع أو السجود ولكن انتصب المأموم قائما أو جالسا قبل أن ينتصب الإمام
غفلة أو باعتقاد أن الإمام قد انتصب، بقي على حاله إلى أن ينتصب الإمام
ويواصل متابعته معه في صلاته.
والمعيار العام في ذلك: أن ترك متابعة المأموم للإمام في أفعال الصلاة إن
كان متعمدا انفرد وليس بإمكانه بعد ذلك الائتمام به مرة ثانية، وإن كان سهوا
وغفلة فإن بإمكانه الائتمام به مرة اخرى.
جدول المفارقة بين صلاة الجماعة وصلاة الفرادى
في النقاط التالية:
الاولى: أن زيادة ركوع أو سجود مغتفرة للمأموم إذا كانت من أجل
المتابعة ولا تكون مبطلة، بينما تكون هذه الزيادة مبطلة في صلاة الفرادى وإن
كانت سهوا أو جهلا. نعم، الإمام كالمنفرد من هذه الناحية.
الثانية: أن وظيفة كل من الإمام والمأموم عند الشك في عدد الركعات
هي الرجوع إلى الآخر إذا كان حافظا وضابطا للعدد دون قاعدة العلاج، بينما
تكون وظيفة المنفرد البناء على الأكثر والالتجاء إلى قاعدة العلاج.
328

الثالثة: أن المأموم يعول على الإمام في القراءة، بأن تعوض قرائته عن
قراءة المأموم، بينما يجب على المنفرد أن يقرأ بنفسه.
الرابعة: أن القراءة إذا وجبت على المأموم كما إذا التحق بالإمام في الركعة
الثالثة في حال القيام، فوظيفته أن يقرأها إخفاتا حتى في الصلوات الجهرية، بينما
تكون وظيفة المنفرد فيها أن يقرأها جهرا لا إخفاتا.
الخامسة: يجب على المأموم احتياطا في الركعتين الأخيرتين التسبيحات
ولا سيما في صلاة المغرب والعشاء بينما يكون المنفرد فيهما مخيرا بين التسبيحات
والفاتحة.
(مسألة 836): إذا رفع رأسه من السجود فرأى الإمام ساجدا، فتخيل
أنه في الاولى فعاد إليها بقصد المتابعة، فتبين أنها الثانية اجتزأ بها، وإذا تخيل
الثانية فسجد اخرى بقصد الثانية فتبين أنها الاولى حسبت للمتابعة.
(مسألة 837): إذا زاد الإمام سجدة أو تشهدا أو غيرهما مما لا تبطل
الصلاة بزيادته سهوا لم تجب على المأموم متابعته، وإن نقص الإمام شيئا لا
يقدح نقصه في الصلاة سهوا لم يجز للمأموم أن يتابعه في ذلك.
(مسألة 838): يجوز للمأموم أن يأتي بذكر الركوع والسجود أزيد من
الإمام، وكذلك إذا ترك الإمام بعض الأذكار المستحبة، مثل تكبيرة الركوع والسجود
جاز للمأموم أن يأتي بها، وإذا ترك الإمام جلسة الاستراحة لعدم كونها واجبة
عنده لا يجوز للمأموم المقلد لمن يقول بوجوبها أو بالاحتياط الوجوبي أن
يتركها، وكذلك إذا اقتصر في التسبيحات على مرة مع كون المأموم مقلدا لمن
يوجب الثلاث لا يجوز له الاقتصار على المرة، وهكذا الحكم في غير ما ذكر.
329

(مسألة 839): إذا حضر المأموم الجماعة ولم يدر أن الإمام في الأوليين أو
الأخيرتين جاز أن يقرأ الحمد والسورة بقصد القربة المطلقة، فإن تبين كونه في
الأخيرتين وقعت في محلها، وإن تبين كونه في الأوليين لا يضره.
(مسألة 840): إذا أدرك المأموم ثانية الإمام تحمل عنه القراءة فيها
وكانت أولى صلاته ويتابعه في القنوت وكذلك في الجلوس للتشهد، ويستحب
أن يكون جلوسه متجافيا كما يستحب له التشهد، فإذا كان في ثالثة الإمام
تخلف عنه في القيام فيجلس ويتشهد ويسرع للنهوض ليتاح له أن يأتي
بالتسبيحات الثلاثة ويتابع الإمام في ركوعه ويكون هو في الركعة الثالثة وإمامه
في الركعة الرابعة، فإذا أكملا هذه الركعة فإمامه جلس يتشهد ويسلم وهو
بإمكانه أن يغادر الإمام جالسا وينهض للركعة الرابعة وبإمكانه أن يجلس
متابعة له ويتشهد حتى إذا سلم الإمام قام إلى الرابعة وأكمل صلاته منفردا.
(مسألة 841): يجوز لمن صلى منفردا أن يعيد صلاته جماعة إماما كان أم
مأموما، وكذا إذا كان قد صلى جماعة إماما أو مأموما، فإن له أن يعيدها في
جماعة اخرى إماما وأما إعادتها مأموما فهي محل إشكال بل منع، والأظهر
عدم صحة ذلك فيما إذا صلى كل من الإمام والمأموم منفردا، وأراد إعادتها
جماعة من دون أن يكون في الجماعة من لم يؤد فريضته.
(مسألة 842): إذا ظهر بعد الإعادة أن الصلاة الاولى كانت باطلة اجتزأ
بالمعادة.
(مسألة 843): لا تشرع الإعادة منفردا، إلا إذا احتمل وقوع خلل في
الاولى، وإن كانت صحيحة ظاهرا.
(مسألة 844): إذا دخل الإمام في الصلاة باعتقاد دخول الوقت والمأموم
330

لا يعتقد ذلك لا يجوز له الدخول معه، وإذا دخل الوقت في أثناء صلاة الإمام
فهل يجوز الدخول معه في تلك الصلاة؟
والجواب: الأظهر عدم جواز الدخول.
(مسألة 845): إذا كان في نافلة فأقيمت الجماعة وخاف من إتمامها عدم
إدارك الجماعة ولو بعدم إدراك التكبير مع الإمام، استحب له قطعها بل لا يبعد
استحبابه بمجرد شروع المقيم في الإقامة، وإذا كان في فريضة ولا يتمكن من
الالتحاق بالإمام في الركعة الاولى، فعندئذ يتخير المصلي بين أن يواصل صلاته
منفردا وبين أن يعدل إلى النافلة فينويها نافلة، وإن شاء يصليها بالكامل وإن
شاء قطع النافلة والتحق بالإمام في ركعة لاحقة.
(مسألة 846): إذا لم يحرز الإمام من نفسه العدالة فجواز ترتيبه آثار
الجماعة على الاجتماع بينه وبين المأمومين لا يخلو من إشكال، بل الأقوى عدم
الجواز، وفي كونه آثما بذلك إشكال، والأظهر العدم.
(مسألة 847): إذا شك المأموم بعد السجدة الثانية من الإمام، أنه سجد
معه السجدتين أو واحدة، يجب عليه الإتيان بأخرى إذا لم يتجاوز المحل.
(مسألة 848): إذا رأى الإمام يصلي ولم يعلم أنها من اليومية أو من
النوافل لا يصح الاقتداء به، وكذا إذا احتمل أنها من الفرائض التي لا يصح
اقتداء اليومية بها، وأما إن علم أنها من اليومية لكن لم يدر أنها أية صلاة من
الخمس، أو أنها قضاء أو أداء أو أنها قصر أو تمام فلا بأس بالاقتداء به فيها.
(مسألة 849): الصلاة إماما أفضل من الصلاة مأموما.
(مسألة 850): قد ذكروا أنه يستحب للإمام أن يقف محاذيا لوسط
331

الصف الأول، وأن يصلي بصلاة أضعف المأمومين فلا يطيل إلا مع رغبة
المأمومين بذلك، وأن يسمع من خلفه القراءة والأذكار فيما لا يجب الإخفات فيه،
وأن يطيل الركوع إذا أحس بدخول شخص في الجماعة عن جديد بمقدار مثلي
ركوعه المعتاد، وأن لا يقوم من مقامه إذا أتم صلاته حتى يتم من خلفه صلاته.
(مسألة 851): الأحوط لزوما للمأموم أن يقف عن يمين الإمام إن كان
رجلا واحدا ويقف خلفه إن كان امرأة، وإذا كان رجل وامرأة وقف الرجل
خلف الإمام والمرأة خلفه، وإن كانوا أكثر اصطفوا خلفه وتقدم الرجال على
النساء، ويستحب أن يقف أهل الفضل في الصف الأول، وأفضلهم في يمين
الصف، وميامن الصفوف أفضل من مياسرها، والأقرب إلى الإمام أفضل، وفي
صلاة الأموات الصف الأخير أفضل، ويستحب تسوية الصفوف وسد الفرج،
والمحاذاة بين المناكب، واتصال مساجد الصف اللاحق بمواقف السابق، والقيام
عند قول المؤذن: " قد قامت الصلاة " قائلا: " اللهم أقمها وأدمها واجعلني
من خير صالحي أهلها "، وأن يقول عند فراغ الإمام من الفاتحة: " الحمد لله
رب العالمين ".
(مسألة 852): يكره للمأموم الوقوف في صف وحده إذا وجد موضعا في
الصفوف، والتنفل بعد الشروع في الإقامة وتشتد الكراهة عند قول المقيم: " قد
قامت الصلاة " والتكلم بعدها، إلا إذا كان لإقامة الجماعة كتقديم إمام ونحو ذلك،
وإسماع الإمام ما يقوله من أذكار، وأن يأتم المتم بمصلي القصر، وكذا العكس.
332

المقصد العاشر
الخلل
من أخل بشيء من أجزاء الصلاة وشرائطها عمدا بطلت صلاته ولو كان
بحرف أو حركة من القراءة أو الذكر، وكذا من زاد فيها جزاء عمدا قولا أو فعلا،
من غير فرق في ذلك كله بين الركن وغيره، ولا بين كونه موافقا لأجزاء الصلاة
أو مخالفا، ولا بين أن يكون ناويا ذلك في الابتداء أو في الأثناء.
(مسألة 853): لا تتحقق الزيادة في غير الركوع والسجود إلا بقصد
الجزئية للصلاة، فإن فعل شيئا لا بقصدها مثل حركة اليد وحك الجسد ونحو
ذلك مما يفعله المصلي لا بقصد الصلاة لم يقدح فيها، إلا أن يكون ماحيا لصورتها.
(مسألة 854): من زاد جزءا سهوا فإن كان ركوعا أو سجدتين من
ركعة واحدة بطلت صلاته وإلا لم تبطل.
(مسألة 855): من نقص جزءا سهوا فإن التفت قبل فوات محله تداركه
وما بعده، كما إذا ترك من فاتحة الكتاب سهوا آية من ابتدائها أو وسطها أو من
السورة، وتذكر قبل الركوع من تلك الركعة وجب عليه أن يأتي بما تركه وما
بعده ويواصل صلاته، وكذلك إذا ترك شيئا مما يجب من التسبيحات في الركعة
الثالثة أو الرابعة، وإن كان بعد فوات محله، فإن كان ركنا بطلت صلاته وإلا
صحت، والأول كما إذا ترك ركوعا سهوا ودخل في السجدة الثانية من تلك
333

الركعة ثم تذكر فإن صلاته باطلة ولا يمكن تدارك ما فات وهو الركوع وما بعده،
والثاني كما إذا ترك من الفاتحة شيئا وتذكر بعد الدخول في الركوع فإن صلاته
صحيحة ولا شيء عليه غير قضاء المنسي إذا كان سجدة واحدة، وكذلك إذا
كان تشهدا كما سيأتي.
ويتحقق فوات محل الجزء المنسي بأمور:
الأول: الدخول في الركن اللاحق، كمن نسي قراءة الحمد أو السورة أو
بعضا منهما، أو الترتيب بينهما، والتفت بعد الوصول إلى حد الركوع فإنه يمضي
في صلاته، أما إذا التفت قبل الوصول إلى حد الركوع فإنه يرجع ويتدارك
الجزء المنسي وما بعده على الترتيب، وإن كان المنسي ركنا كمن نسي السجدتين
حتى ركع بطلت صلاته، وإذا التفت قبل الوصول إلى حد الركوع تداركهما، وإذا
نسي سجدة واحدة أو تشهدا أو بعضه أو الترتيب بينهما حتى ركع صحت صلاته
ومضى، وإن ذكر قبل الوصول إلى حد الركوع تدارك المنسي وما بعده على
الترتيب، وتجب عليه في بعض هذه الفروض سجدتا السهو، كما سيأتي تفصيله.
الثاني: الخروج من الصلاة، فمن نسي السجدتين حتى سلم وأتى بما ينافي
الصلاة عمدا وسهوا بطلت صلاته، وإذا ذكر قبل الإتيان بالمنافي رجع وأتى بهما
وتشهد وسلم ثم سجد سجدتي السهو للسلام الزائد، وكذلك من نسي إحداهما
أو التشهد أو بعضه حتى سلم ولم يأت بالمنافي فإنه يرجع ويتدارك المنسي ويتم
صلاته ويسجد سجدتي السهو، وإذا ذكر ذلك بعد الإتيان بالمنافي صحت صلاته
ومضى، وعليه قضاء المنسي والإتيان بسجدتي السهو على ما يأتي.
الثالث: الخروج من الفعل الذي يجب فيه فعل ذلك المنسي، كمن نسي
الذكر أو الطمأنينه في الركوع أو السجود حتى رفع رأسه فإنه يمضي، وكذا إذا
334

نسي وضع بعض المساجد الستة في محله. وإذا نسي القيام حال القراءة أو
التسبيح فقرأ أو سبح جالسا، وتفطن بعد أن أكمل القراءة أو التسبيح، فهل
يجب أن يتداركهما قائما إذا ذكر قبل الركوع أو لا؟
والجواب: لا يجب.
(مسألة 856): من نسي الانتصاب بعد الركوع حتى سجد أو هوى إلى
السجود وتجاوز عن حد الركوع ووصل إلى حد الجلوس ثم تفطن إلى الحال
فإنه يمضي في صلاته ويتمها ولا شيء عليه، وإذا نسي الانتصاب بين
السجدتين حتى جاء بالثانية مضى في صلاته ولا شيء عليه، وإذا ذكره حال
الهوي إليها رجع وتداركه على أساس أن الواجب هو انتصاب المصلي جالسا
بعد السجدة الاولى، فإذا رفع رأسه منها وقبل أن ينتصب هوى إلى السجدة
الثانية، وتفطن في حالة الهوي، وجب عليه أن يرجع منتصبا ثم يهوي إلى
السجدة الثانية، حيث يصدق على ذلك أنه انتصب بعد السجدة الاولى.
(مسألة 857): إذا نسي الركوع حتى سجد السجدتين أعاد الصلاة، وإن
ذكر قبل الدخول في السجدة الثانية، وجب عليه أن يرجع ويقوم منتصبا ثم
يركع ويواصل صلاته ويتمها، والأحوط والأجدر استحبابا أن يعيدها أيضا.
(مسألة 858): إذا ترك سجدتين وشك في أنهما من ركعة أو ركعتين،
فإن كان الالتفات إلى ذلك بعد الدخول في الركن فالأظهر التفصيل، فإن المصلي
إن علم بالحال بعد دخوله في الركن اللاحق بطلت صلاته، ووجب عليه إعادتها
من جديد، وإلا فالأقرب أن يأتي بالسجدتين ويتم الصلاة.
مثال ذلك: مصلي، بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة مثلا علم بأنه
ترك سجدتين، ولكنه لا يدري أن كلتيهما كانت من الركعة الاولى أو من
335

الركعة الثانية، أو أحدهما من الركعة الاولى والاخرى من الثانية، فحينئذ إن
كان يعلم المصلي بذلك بعد الدخول في الركن اللاحق أو بعد الفراغ من الصلاة
والإتيان بالمنافي، فوظيفته على الأظهر إعادة الصلاة من جديد، وإن كان يعلم
بذلك قبل الدخول في الركن اللاحق كما إذا علم بذلك قبل دخوله في ركوع
الركعة الثالثة، فوظيفته على الأظهر أن يأتي بالسجدتين من هذه الركعة
المشكوكة أي الركعة الثانية ويواصل صلاته ويتمها ولا شيء عليه، وإن كان قد
أتى بالتشهد والقيام ونحوهما ثم علم بالحال، ألغاه ويجلس ويأتي بالسجدتين
ويكمل صلاته ثم يسجد سجدتي السهو للزيادة على الأحوط.
(مسألة 859): إذا علم أنه فاتته سجدتان من ركعتين - من كل ركعة
سجدة - قضاهما وإن كانتا من الأوليين.
(مسألة 860): من نسي التسليم وذكره قبل فعل المنافي تداركه وصحت
صلاته، وإن كان بعده صحت صلاته، والأحوط استحبابا الإعادة.
(مسألة 861): إذا نسي ركعة من صلاته أو أكثر فذكر قبل التسليم قام وأتى
بها، وكذا إذا ذكرها بعد التسليم قبل فعل المنافي، وإذا ذكرها بعده بطلت صلاته.
(مسألة 862): إذا فاتت الطمأنينة في القراءة أو في التسبيح، أو في
التشهد سهوا مضى، والأحوط استحبابا تدارك القراءة أو غيرها بنية القربة
المطلقة، وكذلك إذا فاتت في ذكر الركوع أو السجود فذكر قبل أن يرفع رأسه.
(مسألة 863): إذا نسي الجهروالإخفات وذكر لم يلتفت ومضى، سواء كان
الذكر في أثناء القراءة، أم التسبيح، أم بعدهما، والجهل بالحكم يلحق بالنسيان
في ذلك إذا كان مركبا، وأما إذا كان بسيطا فبشرط أن يكون معذورا لا مطلقا.
(مسألة 864): واجبات الصلاة على نوعين:
336

أحدهما: الواجبات الركنية وهي التي تبطل الصلاة بتركها مطلقا حتى
من الناسي والجاهل، وهي متمثلة في الركوع والسجود والطهور والوقت والقبلة
وتكبيرة الإحرام، كما أنها تبطل بزيادتها، كذلك إذا كانت قابلة للزيادة ما عدا
تكبيرة الإحرام، فإن الصلاة لا تبطل بزيادتها من الناسي أو الجاهل.
والآخر: الواجبات غير الركنية وهي التي لا تبطل الصلاة بتركها، إلا في
حالة العمد والالتفات إلى الحكم الشرعي، كالفاتحة والتشهد والتسليم ونحوها.
ضابط عام
وهو أن كل واجب من واجبات الصلاة إذا كان مرتبطا بها مباشرة فهو
من أجزائها كذلك، كالركوع والسجود والقراءة والتشهد والتسليم والتكبيرة
وغيرها، وكل واجب من واجباتها إذا كان مرتبطا بجزء معين من أجزائها فهو
من واجبات الجزء وليس من واجبات الصلاة مباشرة، ومن
أمثلة واجبات الجزء الذكر في الركوع والسجود والقيام حال القراءة والجلوس
حال التشهد والجهر والإخفات في القراءة.
وعلى هذا الأساس فبإمكاننا أن نحدد القاعدة للتمييز بين ما إذا كان
الجزء المنسي من واجبات الصلاة مباشرة وما إذا كان من واجبات أجزائها
كذلك دون نفسها، فإذا كان المنسي من القسم الأول فله حالتان:
الحالة الاولى: حالة التدارك وهي كما يلي:
1 - إذا ترك المصلي الركوع وتذكر قبل أن يسجد من تلك الركعة، فإنه
يقوم منتصبا ثم يأتي بالركوع وما بعده ويواصل صلاته، وإذا ترك السجدتين
من ركعة أو السجدة الثانية منها فقط وتذكر قبل أن يركع في الركعة اللاحقة،
رجع إلى السجود وأتى به وبما بعده وواصل صلاته.
337

2 - إذا نسي التكبيرة وتفطن قبل أن يدخل في الركوع، رجع وأتى بها
وبما بعدها.
3 - إذا نسي فاتحة الكتاب أو بعضها أو السورة، وتذكر قبل أن يركع أتى
بها أو بما نسي منها وما بعدها، وإذا ترك التشهد في الركعة الثانية ونهض قائما
وتذكر قبل أن يركع، رجع وأتى بالتشهد وبما بعده.
4 - إذا نسي السجدتين من الركعة الأخيرة أو التشهد من تلك الركعة أو
التسليم، وتذكر قبل أن يصدر منه المنافي والمبطل للصلاة، رجع وأتى بما تركه
وما بعده.
الحالة الثانية: حالة عدم التدارك وهي كالآتي:
1 - إذا نسي القراءة أو أي جزء منها وتذكر بعد أن ركع، مضى ولم يجب
عليه التدارك ويواصل صلاته ويتمها ولا شيء عليه.
2 - إذا نسي الركوع وتفطن بعد أن سجد السجدة الثانية فلا يجب عليه
التدارك، وتبطل صلاته وعليه إعادتها من جديد، وكذلك إذا نسي السجدتين
وتذكر بعد أن ركع في الركعة اللاحقة.
3 - إذا نسي السجدة الثانية من أي ركعة أو التشهد وتذكر بعد أن ركع في
الركعة اللاحقة فلا يجب عليه التدارك، ويواصل صلاته ويتمها وعليه قضاء ما
نسيه من السجدة أو التشهد، وهكذا.
وإن كان المنسي من القسم الثاني وهو واجبات أجزاء الصلاة، فله حالة
واحدة وهي حالة عدم إمكان تداركه، وإن كان المحل الشكي أو السهوي باقيا
فإذا نسي الذكر في الركوع أو السجود وتذكر بعد أن رفع رأسه وخرج عن حالة
338

الركوع أو السجود فلا يتاح له التدارك ويواصل صلاته، لأنه إن ذكر من دون
ركوع أو سجود فلا أثر له، إذ الواجب إنما هو الذكر في الركوع أو السجود، وإن
ركع أو سجد مرة اخرى فلا قيمة له أيضا، لأن الذكر من واجبات الجزء والجزء
إنما هو الركوع أو السجود الأول دون الثاني، هذا إضافة إلى أنه يؤدي إلى
بطلان صلاته بزيادة الركن في المثال، وكذلك إذا نسي الطمأنينة في حال ذكر
الركوع أو السجود وتفطن بعد إكمال الذكر، ومن ذلك ما إذا نسي القيام في حال
القراءة أو الجهر والإخفات في حالها.
فالضابط العام أن المنسي إذا كان من واجبات الصلاة مباشرة، وكان
تفطن المصلي قبل التجاوز من المحل الشكي أو السهوي، وجب عليه أن يأتي به
وبما بعده، وأما إذا كان بعد التجاوز عن المحل السهوي والدخول في الركن
اللاحق فلا يتاح له التدارك، وإذا كان المنسي من واجبات أجزاء الصلاة
مباشرة لم يتح له التدارك، وإن كان التفاته قبل التجاوز عن المحل الشكي فضلا
عن السهوي.
فصل
في الشك
(مسألة 865): من شك ولم يدر أنه صلى أم لا، فإن كان في الوقت صلى،
وإن كان بعد خروج الوقت لم يلتفت، والظن بفعل الصلاة حكمه حكم الشك في
التفصيل المذكور، وإذا شك في بقاء الوقت بنى على بقائه، وحكم كثير الشك في
الإتيان بالصلاة وعدمه حكم غيره فيجري فيه التفصيل المذكور من الإعادة في
الوقت وعدمها بعد خروجه، وأما الوسواسي فيبني على الإتيان وإن كان في
339

الوقت. وإذا شك في الظهرين في الوقت المختص بالعصر فهل يمكن البناء على
وقوع الظهر والإتيان بالعصر؟ والجواب: إن وظيفته في هذه الحالة وإن كانت
وجوب الإتيان بالعصر إلا أنه ليس بإمكانه البناء على وقوع الظهر، لأن الشك
فيه ليس بعد مضي وقتها ولا بعد تجاوز محلها لكي يمكن البناء على وقوعها،
تطبيقا لقاعدة عدم الاعتناء بالشك بعد الوقت أو بعد تجاوز المحل، ولكن مع
ذلك لا يجب عليه قضاء الظهر تطبيقا لأصالة البراءة عن وجوبه، وإذا شك وقد
بقي من الوقت مقدار أداء ركعة أتى بالصلاة، وإذا كان أقل لم يلتفت، وإذا شك
في فعل الظهر وهو في العصر عدل بنيته إلى الظهر وأتمها ظهرا.
(مسألة 866): إذا شك في جزء أو شرط للصلاة بعد الفراغ منها لم يلتفت،
وإذا شك في التسليم فإن كان شكه في صحته لم يلتفت، وكذا إن كان شكه في
وجوده، وقد أتى بالمنافي حتى مع السهو، وأما إذا كان شكه قبل ذلك فاللازم
هو التدارك والاعتناء بالشك.
(مسألة 867): كثير الشك لا يعتني بشكه، سواء كان الشك في عدد
الركعات، أم في الأفعال، أم في الشرائط، فيبني على وقوع المشكوك فيه إلا إذا
كان وجوده مفسدا فيبني على عدمه، كما لو شك بين الأربع والخمس، أو شك
في أنه أتى بركوع أو ركوعين مثلا، فإن البناء على وجود الأكثر مفسد فيبني
على عدمه.
(مسألة 868): إذا كان كثير الشك في مورد خاص من فعل أو زمان أو
مكان، اختص عدم الاعتناء بذلك المورد ولا يتعدى إلى غيره.
(مسألة 869): المرجع في صدق كثرة الشك هو العرف العام. نعم، إذا كان
يشك في كل ثلاث صلوات متواليات مرة فهو كثير الشك، ويعتبر في صدقها أن
340

لا يكون ذلك من جهة عروض عارض من خوف أو غضب أو هم أو نحو ذلك،
مما يوجب اغتشاش الحواس وتشتت الأفكار ويؤدي إلى كثرة الشك ولكن مع
هذا لا يجري عليه حكم كثير الشك، بل حاله حال المصلي الاعتيادي، ويلجأ
في علاج شكه إلى سائر القواعد الشرعية.
(مسألة 870): إذا كان الإنسان كثير الشك، وشك في أنه هل أتى بهذا
الجزء أو بذاك مضى ولم يعتن وبنى على أنه أتى به، ثم إذا ظهر أنه لم يأت به،
فحينئذ إن كان ذلك الجزء ركنا كالركوع وكان انكشاف الخلاف بعد الدخول في
السجدة الثانية من تلك الركعة أو بعد ركوع الركعة اللاحقة فصلاته باطلة وعليه
إعادتها من جديد، وإن كان انكشاف الخلاف قبل الدخول في السجدة الثانية
رجع وأتى به وما بعده ويواصل صلاته ولا شيء عليه، وإن لم يكن ركنا
كالفاتحة والتشهد ونحوهما وكان انكشاف الخلاف بعد الدخول في الركن للركعة
اللاحقة يواصل صلاته ويتمها ولا شيء عليه، ما عدا قضاء ذلك الجزء المنسي
إذا كان له قضاء كالسجدة الواحدة أو التشهد، وإن كان قبل الدخول فيه رجع
وأتى به وما بعده ويواصل صلاته.
(مسألة 871): لا يجب عليه ضبط الصلاة بالحصى أو السبحة أو بالخاتم
أو بغير ذلك.
(مسألة 872): لا يجوز لكثير الشك الاعتناء بشكه، فإذا جاء بالمشكوك
فيه ثم انكشف أنه كان قد أتى به سابقا، فحينئذ إن كان الجزء المشكوك فيه
ركنا كالركوع أو السجدتين بطلت صلاته، وإلا صحت ولا شيء عليه.
(مسألة 873): لو شك في أنه حصل له حالة كثرة الشك بنى على العدم،
كما أنه إذا كان على يقين بأنه كثير الشك ثم شك في زوال هذه الحالة عنه بنى
على بقائها.
341

(مسألة 874): إذا شك امام الجماعة في عدد الركعات رجع إلى المأموم
الحافظ، عادلا كان أو فاسقا، ذكرا أو أنثى، وكذلك إذا شك المأموم فإنه
يرجع إلى الإمام الحافظ، والظان منهما بمنزلة الحافظ فيرجع الشاك إليه، وإن
اختلف المأمومون لم يرجع إلى بعضهم، وإذا كان بعضهم شاكا وبعضهم حافظا
رجع الإمام إلى الحافظ، وفي جواز رجوع الشاك منهم إليه إذا لم يحصل له الظن
إشكال، بل منع، لأن موضوع جواز رجوع كل من الإمام والمأموم إلى الآخر
هو الحافظ لعدد الركعات ولو ظنا وإلا فلا موضوع للرجوع، والظاهر أن جواز
رجوع المأموم إلى الإمام وبالعكس لا يختص بالشك في الركعات، بل يعم الشك
في الأفعال أيضا، فإذا علم المأموم أنه لم يتخلف عن الإمام وشك في أنه سجد
سجدتين أم واحدة والإمام جازم بالإتيان بهما، رجع المأموم إليه ولم يعتن بشكه،
وأما إذا شك المأموم في أنه هل سجد مع الإمام سجدتين أو تخلف عنه، فلم
يتابعه في السجدة الثانية فلا يفيد هنا حفظ الإمام ويقينه بالسجدتين ما دام
يحتمل تخلفه عنه، بل عليه أن يسجد السجدة الثانية، شريطة أن لا يتجاوز
المحل المقرر للسجود شرعا.
(مسألة 875): يجوز في الشك في ركعات النافلة البناء على الأقل والبناء
على الأكثر، إلا أن يكون الأكثر مفسدا فيبني على الأقل.
(مسألة 876): من شك في فعل من أفعال الصلاة فريضة كانت أو نافلة،
أدائية كانت الفريضة أم قضائية أم صلاة جمعة أم آيات، وقد دخل في الجزء
الذي بعده مضى ولم يلتفت، كمن شك في تكبيرة الإحرام وهو في القراءة أو في
الفاتحة وهو في السورة، أو في الآية السابقة وهو في اللاحقة أو في أول الآية
وهو في آخرها، أو في القراءة وهو في الركوع أو في الركوع وهو في السجود، أو
شك في السجود وهو في التشهد أو في القيام لم يلتفت، وكذا إذا شك في التشهد
342

وهو في القيام أو في التسليم، فإنه لا يلتفت إلى الشك في جميع هذه الفروض،
وإذا كان الشك قبل أن يدخل في الجزء الذي بعده وجب الإتيان به، كمن شك
في التكبير قبل أن يقرأ أو في القراءة قبل أن يركع، أو في الركوع قبل السجود،
وإن كان الشك حال الهوي إليه، أو في السجود أو في التشهد وهو جالس، أو في
حال النهوض إلى القيام، وكذلك إذا شك في التسليم وهو في التعقيب قبل أن
يأتي بما ينافي الصلاة عمدا وسهوا.
(مسألة 877): يعتبر في الجزء الذي يدخل فيه أن يكون من الأجزاء
الواجبة، فإذا شك في القراءة وهو في القنوت لزمه الالتفات والتدارك.
(مسألة 878): إذا شك في صحة الواقع بعد الفراغ منه لا يلتفت، وإن لم
يدخل في الجزء الذي بعده، كما إذا شك بعد الفراغ من تكبيرة الإحرام في
صحتها فإنه لا يلتفت، وكذا إذا شك في صحة قراءة الكلمة أو الآية.
(مسألة 879): إذا أتى بالمشكوك في المحل ثم تبين أنه قد فعله أولا لم
تبطل صلاته إلا إذا كان ركنا، وإذا لم يأت بالمشكوك بعد تجاوز المحل فتبين عدم
الإتيان به فإن أمكن التدارك به فعله، وإلا صحت صلاته إلا أن يكون ركنا.
(مسألة 880): إذا شك وهو في فعل هل أنه شك في بعض الأفعال
المتقدمة أو لا لم يلتفت، وكذا لو شك في أنه هل سها أم لا وقد جاز محل ذلك
الشيء الذي شك في أنه سها عنه أو لا. نعم، لو شك في السهو وعدمه وهو في
محل يتلافى فيه المشكوك فيه، أتى به على الأصح.
(مسألة 881): إذا شك المصلي في عدد الركعات فالأحوط له استحبابا
التروي يسيرا، فإن استقر الشك وكان في الثنائية أو الثلاثية أو الأوليين من
الرباعية بطلت، وإن كان في غيرها وقد أحرز الأوليين، بأن أتم الذكر في
السجدة الثانية من الركعة الثانية وإن لم يرفع رأسه فهنا صور:
343

منها: ما لا علاج للشك فيها فتبطل الصلاة فيها.
ومنها: ما يمكن علاج الشك فيها وتصح الصلاة حينئذ وهي تسع صور:
الاولى: الشك بين الاثنتين والثلاث بعد ذكر السجدة الأخيرة أو بعد رفع
الرأس منها، فإنه يبني على الثلاث ويأتي بالرابعة ويتشهد ويسلم وقبل أن يأتي
بأي مبطل ومناف للصلاة، يقوم ناويا أن يصلي صلاة الاحتياط قربة إلى الله
تعالى فيكبر تكبيرة الإحرام ويأتي بركعة واحدة من قيام إن كانت وظيفته
الصلاة قائما، وإن كانت وظيفته الصلاة جالسا احتاط بركعة جالسا، وحينئذ
فإن كانت صلاته في الواقع تامة اعتبرت صلاة الاحتياط نافلة وإلا فمكملة.
الثانية: الشك بين الثلاث والأربع في أي موضع كان، سواء كان في حال
القيام أم الركوع أم السجود أو بعد رفع الرأس من السجود، فيبني على الأربع
ويتم صلاته، ثم يقوم ويأتي بصلاة الاحتياط، وهل وظيفته في هذه الصورة
التخيير بين الإتيان بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس أو التعيين بالاحتياط
بركعتين من جلوس؟
والجواب: الأظهر هو التعيين، وإن كانت وظيفته الصلاة جالسا احتاط
بركعة جالسا.
الثالثة: الشك بين الاثنين والأربع بعد ذكر السجدة الأخيرة فيبني على
الأربع ويتم صلاته ثم يحتاط بركعتين من قيام، وإن كانت وظيفته الصلاة جالسا
احتاط بركعتين من جلوس.
الرابعة: الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد ذكر السجدة الأخيرة
فيبني على الأربع ويتم صلاته ثم يحتاط بركعتين من قيام وركعتين من جلوس،
344

والأقوى تأخير الركعتين من جلوس، وإن كانت وظيفته الصلاة جالسا احتاط
بركعتين من جلوس ثم بركعة جالسا.
الخامسة: الشك بين الأربع والخمس بعد ذكر السجدة الأخيرة، فيبني
على الأربع ويتم صلاته ثم يسجد سجدتي السهو.
السادسة: الشك بين الأربع والخمس حال القيام، فإنه يهدم قيامه
ويجلس فإذا جلس رجع شكه إلى الشك بين الثلاث والأربع، فيتم صلاته ثم
يحتاط كما سبق في الصورة الثانية.
السابعة: الشك بين الثلاث والخمس حال القيام، فإنه يهدم قيامه
ويرجع شكه حينئذ إلى الشك بين الاثنتين والأربع، فيتم صلاته ويحتاط كما
سبق في الصورة الثالثة.
الثامنة: الشك بين الثلاث والأربع والخمس حال القيام، فإنه يهدم
قيامه فإذا هدم رجع شكه إلى الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع، فيتم صلاته
ويحتاط كما سبق في الصورة الرابعة.
التاسعة: الشك بين الخمس والست حال القيام فإن عليه أن يهدم قيامه
فإذا هدم وجلس رجع شكه إلى الشك بين الأربع والخمس، ويتم صلاته
ويسجد للسهو، والأحوط وجوبا في هذه الصور الأربع أن يسجد سجدتي
السهو للقيام الزائد أيضا.
ويستثنى من قاعدة علاج الشك في عدد الركعات الحالات التالية:
الاولى: أن يكون المصلي كثير الشك ومفرطا فيه فإن وظيفته حينئذ أن
يلغي شكه، ويفترض أنه قد أتى بما شك فيه أي أنه يبني على الأكثر، فإذا
شك بين الثلاث والأربع بنى على الأربع وأتم صلاته ولا شيء عليه وهكذا.
345

الثانية: أن يكون الشك في عدد الركعات من الإمام إذا كان مأمومه
حافظا وضابطا للعدد ومن المأموم إذا كان إمامه كذلك.
الثالثة: أن يكون هناك ترجيح لأحد الاحتمالين، وهو ما يسمى بالوهم
والظن فإن المصلي حينئذ يعمل به ولا يلتجأ إلى قاعدة العلاج.
الرابعة: أن المصلي في صلاة النافلة إذا كان شاكا في عدد ركعاتها لم
يلتجأ إلى قاعدة العلاج بل يبني إما على الأقل ويكمل صلاته، أو على الأكثر إذا
لم يكن مبطلا.
(مسألة 882): إذا تردد المصلي بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث ثم
ضم إليها ركعة وسلم، وشك في أن بناءه على الثلاث كان من جهة الظن بالثلاث
أو عملا بالشك، فعليه صلاة الاحتياط، وإذا بنى في الفرض المذكور على
الاثنتين، وشك بعد التسليم أنه كان من جهة الظن بالاثنتين أو خطأ منه وغفلة
عن العمل بالشك، صحت صلاته ولا شيء عليه.
(مسألة 883): الظن بالركعات كاليقين، أما الظن بالأفعال فالظاهر أن
حكمه حكم الشك، فإذا ظن بفعل الجزء في المحل لزمه الإتيان به، وإذا ظن بعدم
الفعل بعد تجاوز المحل مضى وليس له أن يرجع ويتداركه والأحوط استحبابا
إعادة الصلاة في الصورتين.
(مسألة 884): في الشكوك المعتبر فيها إكمال الذكر في السجدة الثانية
كالشك بين الاثنتين والثلاث والشك بين الاثنتين والأربع والشك بين الاثنتين
والثلاث والأربع، إذا شك المصلي مع ذلك في الإتيان بالسجدتين أو واحدة فإن
كان شكه في حال الجلوس قبل الدخول في القيام أو التشهد بطلت صلاته، إذ
مضافا إلى أنه محكوم بعدم الإتيان بهما أو بإحداهما أنه ليس بإمكانه إحراز
346

الإتيان بهما شرعا بالالتجاء إلى إحدى القواعد الشرعية، لكي يكون شكه بعد
الاكمال ومشمولا لأدلة العلاج فإذن يكون من الشكوك المبطلة، وإن كان بعد
الدخول في القيام أو التشهد لم تبطل تطبيقا لقاعدة التجاوز.
(مسألة 885): إذا تردد المصلي في أن الحاصل له شك أو ظن كما يتفق
ذلك كثيرا لبعض الناس فهل يكون ذلك شكا؟
والجواب: الأظهر عدم ترتيب آثار الشك عليه من جهة عدم إحراز
اعتداله وتساوي طرفيه فلذلك، الأقرب في هذه الحالة وجوب إعادة الصلاة
من جديد وعدم إمكان تكميلها تطبيقا لقاعدة العلاج. وإذا كان المصلي يجد
نفسه وهو يتشهد في الركعة الرابعة وشك، في أنها ركعة بنائية على أساس
الشك بين الثلاث والأربع، أو بنى عليها على أساس الظن بها ففي هذه الحالة إن
كان ظانا فعلا، فله ترتيب آثار الظن والعمل به، وإن كان شاكا فعلا، فله
ترتيب آثار الشك والعمل بقاعدة العلاج بأن يتم صلاته ثم يأتي بركعة الاحتياط،
فالمعيار إنما هو بحالة المصلي فعلا، فإن كان ظانا فعلا ولم يعلم حالته السابقة
عمل على طبقه، وإن كان شاكا كذلك رتب آثاره حتى فيما إذا كان بعد التسليم
والفراغ من الصلاة، كما إذا شك المصلي بعدما سلم في أنه هل بنى على الركعة
الرابعة من جهة أنه كان ظانا بها أو متيقنا كي لا يكون عليه شيء بعده، أو
أنه كان قد بنى عليها من جهة الشك بين الثلاث والأربع كي تكون عليه صلاة
الاحتياط، فإن وظيفته في هذه الحالة هي العمل بالشك والإتيان بصلاة
الاحتياط، وكذا لو شك في شيء ثم انقلب شكه إلى الظن، أو ظن به ثم انقلب
ظنه إلى الشك، فإنه يلحظ الحالة الفعلية ويعمل عليها، فلو شك بين الثلاث
والأربع مثلا فبنى على الأربع، ثم انقلب شكه إلى الظن بالثلاث بنى عليه وأتى
347

بالرابعة، وإذا ظن بالثلاث ثم تبدل ظنه إلى الشك بينها وبين الأربع بنى على
الأربع ثم يأتي بصلاة الاحتياط.
(مسألة 886): تقدم أن الشك في سبع صور من الصور التسع التي تقدم
بيانها لا تبطل به الصلاة شريطة أن تعالج بصلاة الاحتياط، وهل صلاة
الاحتياط واجبة ولا يجوز أن يدعها ويعيد الصلاة بكاملها من الأول، أو يجوز
تركها وإعادة الصلاة بكل واجباتها من جديد؟
والجواب: الأقرب جواز ذلك، والأحوط أن تكون الإعادة بعد إكمال
الصلاة بفعل المنافي.
(مسألة 887): يعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة من الأجزاء والشرائط فلا بد
فيها من النية والتكبير للإحرام، وقراءة الفاتحة إخفاتا حتى في البسملة على
الأحوط الأولى والركوع والسجود والتشهد والتسليم، ولا تجب فيها سورة، وإذا
تخلل المنافي بينها وبين الصلاة بطلت الصلاة ولزم الاستئناف من جديد.
(مسألة 888): إذا تبين تمامية الصلاة قبل صلاة الاحتياط لم يحتج إليها،
وإن كان في الأثناء جاز تركها وإتمامها نافلة ركعتين.
(مسألة 889): إذا تبين له نقص الصلاة قبل الشروع في صلاة الاحتياط،
فعليه أن يقوم لإكمال صلاته بركعة أو أكثر لا يكبر لها تكبيرة الإحرام ويقرأ ما
يقرأه المصلي في الركعة الرابعة وألغى ما كان قد أتى به من التشهد والتسليم، وإذا
تبين له النقص في أثنائها وهو يؤديها من قيام، فإذا افترض أن ركعة الاحتياط
مطابقة للناقص فيفرضها مكملة لصلاته ولا شيء عليه. نعم، إذا تبين له النقص
في أثناء ركعة الاحتياط قبل أن يركع وهو يؤديها من جلوس، ألغى ما أتى به
من ركعة الاحتياط، ويقوم ويأتي بالركعة الناقصة لإتمام صلاته من دون
348

تكبيرة الإحرام ويقرأ ما يقرأه في الركعة الرابعة، وأما إذا كان التبين بعد الركوع
في ركعة الاحتياط وهو يؤديها من جلوس، فعليه أن يستأنف الصلاة من جديد،
وإذا تبين له النقص في أثناء ركعة الاحتياط وكان النقص بأقل من عدد ركعة
الاحتياط، كما إذا شك بين الاثنتين والأربع بنى على الأربع ويتشهد ويسلم ثم
يقوم بالاحتياط بركعتين من قيام، فإن تبين له النقص بركعة واحدة قبل دخوله
في ركوع الركعة الثانية من صلاة الاحتياط فله تكميل صلاته بضم ركعة
الاحتياط إليها بقصد الركعة الرابعة موصولة، وإن تبين له النقص كذلك بعد
دخوله في ركوع الركعة الثانية فليس بإمكانه تكميل صلاته بالضم، فلا محالة
تبطل ويعيدها من جديد، وإذا تبين ذلك بعد الفراغ منها أجزأت إذا تبين النقص
الذي كان يحتمله أولا، أما إذا تبين غيره ففيه تفصيل:
فإن النقص المتبين إذا كان أكثر من صلاة الاحتياط وأمكن تداركه لزم
التدارك وصحت صلاته، وفي غير ذلك يحكم بالبطلان ولزوم إعادة أصل
الصلاة، مثلا إذا شك بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع، وأتى بركعة واحدة
قائما للاحتياط ثم تبين له قبل الإتيان بالمنافي أن النقص كان ركعتين، فإن عليه
حينئذ إتمام الصلاة بركعة اخرى وسجود السهو مرتين لزيادة السلام في أصل
الصلاة، وزيادته في صلاة الاحتياط.
(مسألة 890): يجري في صلاة الاحتياط ما يجري في سائر الفرائض من
أحكام السهو في الزيادة والنقيصة، والشك في المحل أو بعد تجاوزه أو بعد الفراغ
وغير ذلك، وإذا شك في عدد ركعاتها لزم البناء على الأكثر إلا أن يكون مفسدا.
(مسألة 891): إذا شك في الإتيان بصلاة الاحتياط بنى على العدم إلا إذا
كان بعد خروج الوقت، أو بعد الإتيان بما ينافي الصلاة عمدا وسهوا.
349

(مسألة 892): إذا نسي من صلاة الاحتياط ركنا ولم يتمكن من تداركه
أعاد الصلاة، وكذلك إذا زاد ركوعا أو سجدتين في ركعة، وأما الشك الذي
تبطل به الصلاة فهو غير ما تقدم من ألوان الشك، فكل شك في عدد الركعات
مبطل للصلاة، وقد استثني من ذلك ما مر من الصور التسع، وعلى هذا فإذا لم
يدر المصلي كم صلى ولم يذهب ظنه على أي عدد من الركعات فصلاته باطلة،
وإذا شك في عدد الركعات في صلاة ثنائية أو ثلاثية بطلت وكذلك إذا شك في
الركعتين الأوليين من الصلوات الرباعية وفي الركعتين الأخيرتين منها إذا لم يكن
شكه من ألوان الشكوك الصحيحة.
(مسألة 893): إذا شك المصلي وهو يتشهد في أن تشهده هذا هل يكون
بعد الركعة الثانية والفراغ منها أو أنه حدث ووقع منه بعد الركعة الاولى خطأ
وغفلة، فلا مانع من البناء على أنه بعد الركعة الثانية، لأن احتمال أنه تشهد
بعد الركعة الاولى عامدا وملتفتا غير محتمل، لأنه خلف فرض كونه في مقام
الامتثال، واحتمال أنه فعل ذلك خطأ أو غفلة فهو خلاف الأصل العقلائي، فمن
أجل ذلك يعتبر نفس تشهده هذا قرينة على أنه قد أكمل الركعة الثانية تطبيقا
لقاعدة التجاوز، وكذلك إذا تشهد وفي أثنائه شك في أن تشهده هذا هل يكون
بعد إكمال الركعة الرابعة، أو أنه وقع منه بعد الثالثة خطأ وغفلة، فإنه يبني
على أنه بعد الرابعة تطبيقا لنفس القاعدة.
350

فصل
في قضاء الأجزاء المنسية
(مسألة 894): إذا نسي السجدة الواحدة ولم يذكر إلا بعد الدخول في
الركوع، وجب قضاؤها بعد الصلاة وبعد صلاة الاحتياط إذا كانت عليه، وكذا
يقضي التشهد إذا نسيه ولم يذكره إلا بعد الركوع، ويجري الحكم المزبور فيما إذا
نسي سجدة واحدة والتشهد من الركعة الأخيرة، ولم يذكر إلا بعد التسليم
والإتيان بما ينافي الصلاة عمدا وسهوا، وأما إذا ذكره بعد التسليم وقبل الإتيان
بالمنافي فاللازم تدارك المنسي والإتيان بالتشهد والتسليم ثم الإتيان بسجدتي
السهو للسلام الزائد، ولا يقضي غير السجدة والتشهد من الأجزاء، ويجب في
القضاء ما يجب في المقضي من جزء وشرط كما يجب فيه نية البدلية، ولا يجوز
الفصل بالمنافي بينه وبين الصلاة، وإذا فصل أعاد الصلاة، كما لا يجوز الفصل بين
قضاء السجدة والتشهد.
(مسألة 895): إذا شك في فعل بنى على العدم، إلا أن يكون الشك بعد
الإتيان بالمنافي عمدا وسهوا وإذا شك في موجبه بنى على العدم.
فصل
في سجود السهو
(مسألة 896): يجب سجود السهو للكلام ساهيا، وللشك بين الأربع
والخمس وللشك بين الثلاث والأربع شريطة أن يذهب وهمه إلى الأربع،
ولنسيان التشهد وللقيام في موضع الجلوس، كما إذا غفل المصلي عن جلوس
351

واجب وتفطن بعد إكمال الصلاة أنه لم يجلس جلسة الاستراحة بعد السجدة
الثانية في الركعة الاولى أو الركعة الثالثة في الصلوات الرباعية، أو الجلوس في
موضع القيام، كما إذا غفل عن قيام واجب وتفطن بعد إكمال الصلاة أنه هوى
من الركوع إلى السجود رأسا من دون أن يقوم منتصبا، والأحوط وجوبا
سجود السهو للسلام في غير محله ولنسيان السجدة بل لكل زيادة أو نقيصة.
(مسألة 897): يتعدد السجود بتعدد موجبه، ولا يتعدد بتعدد الكلام إلا
مع تعدد السهو بأن يتذكر ثم يسهو، أما إذا تكلم كثيرا وكان ذلك من سهو
واحد وجب سجود واحد لا غير.
(مسألة 898): لا يجب الترتيب فيه بترتيب أسبابه ولا تعيين السبب.
(مسألة 899): إذا فرغ المكلف عن الصلاة فعليه أن يأتي بسجدتي السهو
قبل أن يتكلم ويقوم من مكانه، وأما إذا لم يأت بهما كذلك وأخر هما إلى ما بعد
الكلام أو القيام من مكانه، فهل يجب الإتيان حينئذ؟
والجواب: يجب ذلك على الأحوط.
قد تسأل: هل يجوز تقديم سجدتي السهو على صلاة الاحتياط والجزء
المنسي أو لا؟
والجواب: لا يجوز، لأن محل السجدتين بعد الصلاة قبل أن يأتي بالمنافي
وأن يقوم من مكانه، ومن الواضح أنه لا يمكن إحراز ذلك إلا بالإتيان بصلاة
الاحتياط والجزء المنسي.
(مسألة 900): سجود السهو سجدتان متواليتان، وتجب فيه نية القربة
ولا يجب فيه تكبير، ويعتبر فيه وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ووضع
352

سائر المساجد، والأحوط استحبابا أن يكون واجدا لجميع ما يعتبر في سجود
الصلاة من الطهارة والاستقبال والستر وغير ذلك، ويستحب في كل سجدة ذكر
الله ونبيه (صلى الله عليه وآله) وصورته: " بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله
وبركاته " ويجب فيه على الأحوط التشهد بعد رفع الرأس من السجدة الثانية،
ثم التسليم والأحوط استحبابا اختيار التشهد المتعارف.
(مسألة 901): إذا شك في موجبه لم يلتفت، وإذا شك في عدد الموجب
بنى على الأقل، وإذا شك في إتيانه بعد العلم بوجوبه أتى به، وإذا اعتقد تحقق
الموجب - وبعد السلام شك فيه - لم يلتفت، كما أنه إذا شك في الموجب، وبعد
ذلك علم به أتى به، وإذا شك في أنه سجد سجدة أو سجدتين بنى على الأقل
وكذا إذا دخل في التشهد على الأحوط وجوبا، وإذا شك بعد رفع الرأس في
تحقق الذكر مضى، بل وكذا إذا علم بعدمه وإذا زاد سجدة لم يقدح.
(مسألة 902): تشترك النافلة مع الفريضة في أنه إذا شك في جزء منها
في المحل لزم الإتيان به، وإذا شك بعد تجاوز المحل لا يعتني به، وإذا نسي جزءا
منها لزم تداركه إذا ذكره قبل الدخول في ركن بعده، وتفترق عن الفريضة بأن
الشك في ركعاتها يجوز فيه البناء على الأقل والأكثر - كما تقدم - وأنه لا سجود
للسهو فيها، ولا قضاء للجزء المنسي لها إذا كان يقضي في الفريضة، ولا تقدح
زيادة الركن سهوا فيها، ومن هنا يجوز تدارك الجزء المنسي إذا ذكره بعد
الدخول في ركن أيضا.
353

المقصد الحادي عشر
صلاة المسافر
وفيه فصول:
الفصل الأول
تقصر الصلاة الرباعية بإسقاط الركعتين الأخيرتين منها في السفر بشروط:
الأول: قصد قطع المسافة، وهي ثمانية فراسخ امتدادية ذهابا أو إيابا
ملفقة من أربعة ذهابا وأربعة إيابا، سواء اتصل ذهابه بإيابه أم انفصل عنه
بمبيت ليلة واحدة أو أكثر، في الطريق أو في المقصد الذي هو رأس الأربعة، ما
لم تحصل منه الإقامة القاطعة للسفر أو غيرها من القواطع الآتية، وأما إذا كان
الذهاب خمسة فراسخ أو أكثر والإياب ثلاثة فراسخ أو أقل، فهل يكفي في
وجوب القصر أو لابد أن يكون الذهاب والإياب متساويين، بأن يكون كل
منهما أربعة فراسخ؟
والجواب: أن كفاية ذلك غير بعيدة، والمعيار إنما هو بقطع المسافة
بالكامل وإن كان ذلك في اتجاهين متعاكسين على نسبة مختلفة، وإن كان
الأحوط والأجدر استحبابا الجمع في هذه الصورة، ولا فرق في ذلك بين أن
تطوى تلك المسافة خلال يوم أو أكثر أو خلال بضع ساعات أو دقائق تبعا
لاختلاف وسائل النقل في السرعة والبطء.
354

(مسألة 903): الفرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد
الاعتيادية وهي أقصر أذرع الإنسان الاعتيادي وأدناها لا الجامع بين أفرادها،
إذ لا معنى للتحديد بالجامع بين الأقل والأكثر وهو من المرفق إلى طرف
الأصابع، فتكون المسافة ثلاثة وأربعين كيلومترا وخمس الكيلو متر الواحد.
(مسألة 904): إذا نقصت المسافة عن ذلك ولو يسيرا بقي على التمام،
وكذا إذا شك في بلوغها المقدار المذكور، أو ظن بذلك.
(مسألة 905): تثبت المسافة بالعلم، وبالبينة الشرعية، ولا يبعد ثبوتها
بخبر العدل الواحد بل بإخبار مطلق الثقة وإن لم يكن عادلا، وإذا تعارضت
البينتان أو الخبران تساقطتا ووجب التمام، ولا يجب الاختبار إذا لزم منه الحرج،
بل مطلقا، وإذا شك المسافر في مقدار المسافة - شرعا - بنحو الشبهة الحكمية
فإن كان مقلدا وجب عليه إما الرجوع إلى المجتهد والعمل على فتواه، أو
الاحتياط بالجمع بين القصر والتمام، وإن كان مجتهدا وجب عليه الرجوع إلى
أدلة المسألة أو احتاط فيها.
(مسألة 906): إذا اعتقد كون ما قصده مسافة فقصر فظهر عدمه أعاد،
وأما إذا اعتقد عدم كونه مسافة فأتم ثم ظهر كونه مسافة أعاد في الوقت دون
خارجه، وكذلك إذا شك في كونه مسافة فاتم ثم ظهر كونه مسافة.
(مسألة 907): إذا شك في كونه مسافة، أو اعتقد العدم كما إذا سافر نجفي
إلى الشامية مثلا مترددا أو معتقدا بعدم المسافة شرعا بينهما ثم تبين في أثناء
الطريق أن بينهما كانت مسافة كاملة، وجب عليه القصر على أساس أنه كان
ينوي طي المسافة من البداية وكان جادا فيه فمجرد تخيله عدم المسافة لسبب أو
آخر أو تردده فيه لا أثر له.
355

(مسألة 908): إذا كان للبلد طريقان، والأبعد منهما مسافة دون الأقرب،
فإن سلك الأبعد قصر، وإن سلك الأقرب أتم، ولا فرق في ذلك بين أن يكون
سفره من بلده إلى بلد آخر أو من بلد آخر إلى بلده أو غيره.
(مسألة 909): إذا كان الذهاب خمسة فراسخ والإياب ثلاثة فقد مر أنه
لا يبعد وجوب القصر، وكذا في جميع صور التلفيق كما إذا كان الذهاب يشكل
خطا شبه دائرة أو ضلعين لمثلث والإياب بخط مستقيم.
(مسألة 910): مبدأ حساب المسافة من سور البلد، ومنتهى البيوت فيما
لا سور له كبيرا كان البلد أم صغيرا.
(مسألة 911): لا يعتبر توالي السير على النحو المتعارف، بل يكفي قصد
السفر في المسافة المذكورة، ولو في أيام كثيرة شريطة أن يعتبر ذلك في العرف
العام سفرا ويقول الناس عمن طواها بأنه مسافر.
(مسألة 912): يجب القصر في المسافة المستديرة، ويكون الذهاب منها
إلى منتصف الدائرة والإياب منه إلى البلد، ولا فرق بين ما إذا كانت الدائرة في
أحد جوانب البلد، أو كانت مستديرة على البلد، فإذا كان محيط الدائرة باستثناء
ما تشغله سعة بلدته من مسافة تساوي المسافة المحددة شرعا، فإذا نوى المسافر
طي هذه المسافة بالسير على محيط الدائرة كفى ذلك في وجوب القصر.
(مسألة 913): لابد من تحقق القصد إلى المسافة في أول السير، فإذا قصد
نقطة ما دون المسافة وبعد بلوغه إلى تلك النقطة تجدد له القصد في السير إلى
نقطة اخرى وهكذا، وجب عليه التمام وإن قطع المسافة ما دامت لم تكن مقصودة
بالكامل. نعم، إذا شرع في الإياب إلى البلد وكانت المسافة ثمانية فراسخ قصر،
وإلا بقي على التمام، فطالب الضالة أو الغريم أو الآبق ونحوهم يتمون، إلا إذا
356

حصل لهم في الأثناء قصد ثمانية فراسخ امتداية أو ملفقه، ويكفي في القصد علم
المسافر بأنه يقطع المسافة ويطويها.
(مسألة 914): إذا خرج إلى ما دون أربعة فراسخ ينتظر رفقة - إن تيسروا
سافر معهم وإلا رجع - أتم، وكذا إذا كان سفره مشروطا بأمر آخر غير معلوم
الحصول. نعم، إذا كان مطمئنا بتيسر الرفقة أو بحصول ذلك الأمر قصر، فإن
المعيار إنما هو بكون الإنسان واثقا ومتأكدا أو عالما وجازما بأنه يطوي
المسافة خلال يوم أو أكثر أو أقل.
(مسألة 915): لا يعتبر في قصد السفر أن يكون مستقلا، فإذا كان تابعا
لغيره كالزوجة والعبد والخادم والأسير وجب التقصير، إذا كان قاصدا تبعا
لقصد المتبوع إذا كان عالما بأن متبوعه قاصدا السفر بمقدار المسافة شرعا. وإذا
شك في قصد المتبوع بقي على التمام، وإذا علم في الأثناء قصد المتبوع، فإن كان
الباقي مسافة ولو ملفقة قصر، وإلا بقي على التمام.
(مسألة 916): إذا كان التابع عازما على مفارقة المتبوع - قبل بلوغ
المسافة - أو مترددا في ذلك، بقي على التمام على أساس أن التبعية لا قيمة لها
إطلاقا، والعبرة إنما هي بقصد السفر فإذا عزم التابع على مفارقة المتبوع متى
سنحت الفرصة له أو تردد فيها كان ذلك يتنافى مع قصد السفر، وكذا إذا كان
عازما على المفارقة، على تقدير حصول أمر محتمل الحصول - سواء كان له
دخل في ارتفاع المقتضي للسفر أو شرطه مثل الطلاق أو العتق، أم كان مانعا
عن السفر مع تحقق المقتضي له وشرطه - فإذا قصد المسافة واحتمل احتمالا
عقلائيا حدوث مانع عن سفره أتم صلاته، وإن انكشف بعد ذلك عدم المانع.
(مسألة 917): الظاهر وجوب القصر في السفر غير الاختياري، كما إذا
357

ألقي في قطار أو سفينة بقصد إيصاله إلى نهاية المسافة، وهو يعلم ببلوغه المسافة.
الثاني: استمرار القصد، فإذا عدل المكلف عن قصده طي المسافة
الشرعية قبل بلوغه أربعة فراسخ والرجوع إلى وطنه، أو تردد في ذلك وجب
عليه التمام، والأقوى لزوم إعادة ما صلاه قصرا قبل العدول عن قصده في
الوقت بل في خارج الوقت أيضا، وإذا كان صائما فعليه الإمساك في بقية النهار،
وإن كان قد أفطر قبل ذلك تشبيها بالصائمين، وإذا كان العدول أو التردد بعد
بلوغ الأربعة - وكان عازما على العود قبل إقامة العشرة، بقي على القصر
واستمر على الإفطار.
(مسألة 918): يكفي في استمرار القصد بقاء قصد نوع السفر وإن عدل
عن الشخص الخاص، كما إذا قصد السفر إلى بلد معين بينه وبين بلده المسافة
وفي الطريق عدل عنه إلى بلد آخر يماثله في البعد والمسافة، يبقى على القصد إذا
كان ما مضى مع ما بقي إليه مسافة، وكذا إذا كان من أول الأمر قاصدا السفر إلى
أحد البلدين، من دون تعيين أحدهما، إذا كان السفر إلى كل منهما يبلغ المسافة.
(مسألة 919): إذا قصد المسافة من الابتداء وبعد أن قطع مقدارا منها،
تردد في راية أنه هل يواصل سفره أو يرجع، ثم عاد إلى الجزم ومواصلة السفر،
فهل وظيفته في هذه الحالة التقصير أو التمام؟
والجواب: أنه في حال تحيره وتردده إن لم يقطع شيئا من المسافة ظل
على القصد وإن لم يكن الباقي مسافة شرعية، وإن كان قد قطع شيئا من المسافة
في هذه الحالة، فحينئذ إن كان الباقي من الطريق يبلغ المسافة ولو بضم العود
والرجوع إلى بلده، يبقى على القصر وإن لم يبلغ المسافة فإنه يتم.
الثالث: أن لا يكون ناويا في أول السفر إقامة عشرة أيام قبل بلوغ
358

المسافة، فإذا كان ناويا الإقامة في الطريق أو مترددا فيها فمعناه أنه لم يكن
قاصدا من ابتداء الأمر السفر بقدر المسافة الشرعية، فلذلك يكون وظيفته التمام،
وكذلك إذا تردد في أنه هل يمكث في الطريق شهرا، ومن ذلك ما إذا كان ناويا
المرور بوطنه أو مقره أو مترددا في ذلك، فإن المرور بالوطن بما أنه قاطع للسفر
فإذا كان عازما عليه أو مترددا فيه فمعناه أنه لم يكن قاصدا من الأول السفر
بقدر المسافة، فإذن تكون وظيفته القصر.
قد تسأل أن المسافر إذا كان عازما على المرور في أثناء طي المسافة على
بلدته ووطنه، أو يشك في ذلك ولكنه لم يمر فعلا لسبب أو آخر وقطع المسافة
بكاملها فهل عليه أن يقصر أو يتم؟
والجواب: أنه يتم. وقد تسأل: أن المسافر إذا كان عازما في ابتداء
السفر على أن يقيم عشرة أيام في الطريق قبل بلوغ المسافة أو يمكث فيه شهرا
ولو من دون الإقامة أو يكون مترددا في ذلك ولكنه لمانع أو سبب انصرف عن
ذلك وأكمل المسافة، فهل عليه أن يقصر أو يتم؟
والجواب أنه يقصر.
الرابع: أن يكون السفر مباحا، فإذا كان حراما لم يقصر سواء أكان حراما
لنفسه، كإباق العبد، أم لغايته، كالسفر لقتل النفس المحترمة، أم للسرقة أم
للزنى، أم لإعانة الظالم، ونحو ذلك، ويلحق به ما إذا كانت الغاية من السفر ترك
واجب، كما إذا كان مديونا وسافر مع مطالبة الدائن، وإمكان الأداء في الحضر
دون السفر، فإنه يجب فيه التمام، إذا كان السفر بقصد التوصل إلى ترك الواجب
وهو الدين، وأما إذا كان الهدف من السفر والداعي إليه أمرا محللا في نفسه
كالنزهة أو غيرها، ولكن صادف فعل الحرام في أثناء السفر كالكذب أو الغيبة أو
شرب الخمر أو ترك الصلاة وغيرها من دون أن يكون الحرام أو ترك الواجب
359

غاية للسفر فيجب فيه القصر. نعم، قد لا يراد بالسفر التوصل إلى معصية أو
الفرار من واجب ولكنه حرام، بمعنى أن السفر نفسه عن بلدته حرام، كما إذا
أقسم يمينا على أن لا يخرج من البلد في يوم ماطر ولا يسافر فيه نهاه عن السفر
من يحرم عليه معصيته، فيكون السفر في اليوم الماطر حراما، وإذا سافر في ذلك
اليوم اعتبر سفره سفر معصية. ولا فرق في سفر المعصية بين كون السفر في نفسه
معصية أو الغاية منه معصية.
(مسألة 920): إذا كان السفر لغاية سائغة وجائزة ولكن ركب دابة أو
مشى على أرض مغصوبة فحكمه أن يقصر، لأنه وإن كان آثما ولكن سفره
ليس سفر معصية، فإن ابتعاده عن بلده لم يكن محرما في نفسه ولا من أجل
غاية محرمة وإنما استخدمت فيه واسطة محرمة أو طريق محرم. نعم، إذا سافر
على دابة مغصوبة بقصد الفرار بها عن المالك أتم، لأن الباعث على سفره غاية
محرمة وهي تمكين نفسه من أموال غيره.
(مسألة 921): إباحة السفر شرط في الابتداء والاستدامة، فإذا كان
ابتداء سفره مباحا - وفي الأثناء قصد المعصية - أتم حينئذ على الأظهر، وإن
كان الأحوط استحبابا الجمع بين القصر والتمام، وأما ما صلاه قصرا سابقا فلا
تجب إعادته إذا كان قد قطع المسافة، وإلا فعليه الإعادة في الوقت وخارجه،
وإذا رجع إلى قصد الطاعة، فإن كان ما بقي مسافة - ولو ملفقة - وشرع في
السير قصر، وإلا أتم صلاته. نعم، إذا شرع في الإياب - وكان مسافة - قصر.
(مسألة 922): إذا كان ابتداء سفره معصية فعدل إلى المباح، فإن كان
الباقي مسافة ولو ملفقة، فعليه أن يقصر إذا بدأ بالسفر المباح فعلا، وأما قبل أن
يبدأ به فيتم إذا أراد أن يصلي.
360

(مسألة 923): الراجع من سفر المعصية يقصر إذا كان الرجوع مسافة، وإن
لم يكن تائبا، وقد تسأل: أن من عدل من سفر الحرام إلى سفر مباح في الطريق
فما لم يبدأ بالسفر المباح ظل على التمام، وإذا بدأ به ولو بخطوة فعليه أن يقصر،
فهل الأمر كذلك إذا كان تحول نيته من الحرام إلى الحلال في البلد كمن سافر إلى
كربلاء بغاية محرمة وحين ما وصل إلى كربلاء تاب وأراد أن يرجع، فهل وظيفته
القصر متى بدأ بالسفر المباح وإن كان بعد في كربلاء أو بعد الخروج منه؟
والجواب: أن وظيفته القصر متى بدأ بالسفر المباح ولو بخطوة وإن كان
بعد في داخل البلد.
(مسألة 924): إذا سافر لغاية ملفقة من الطاعة والمعصية بمعنى أن تكون
الغاية مجموع الأمرين أتم صلاته، وإذا كانت المعصية تابعة وغير صالحة
للاستقلال في تحقق السفر فإنه يقصر، مثال ذلك شخص مسافر إلى بغداد مثلا
من أجل غاية مباحة، ولكنه يحدث نفسه بأنه إذا وصل إليه وحصلت الغاية
المنشودة له شرب كأسا من خمر، فيكون ذلك داعيا في طول السفر فلا يمكن أن
يكون محركا له.
(مسألة 925): إذا سافر للصيد مسافة شرعية بغاية اللهو والترف كما هو
متعارف بين أبناء الدنيا من الملوك والرؤساء المترفين، لا بغرض الاستفادة من
الصيد، فعليه أن يتم صلاته في ذهابه، وقصر في إيابه إذا كان وحده مسافة، أما
إذا كان الصيد لقوته وقوت عياله قصر، وكذلك إذا كان للتجارة على الأظهر،
ولا فرق في ذلك بين صيد البر والبحر.
(مسألة 926): التابع للجائر، إذا كان مكرها، أو بقصد غرض صحيح،
كدفع مظلمة عن نفسه أو غيره يقصر، وإلا فإن كان على وجه يعد من أتباعه
361

وأعوانه في جوره وظلمه وممتثلا لأوامره يتم، وإن كان سفر الجائر مباحا
فالتابع يتم والمتبوع يقصر.
(مسألة 927): إذا شك في كون السفر معصية أو لا، مع كون الشبهة
موضوعية فالأصل الإباحة فيقصر، إلا إذا كانت الحالة السابقة هي الحرمة، أو
كان هناك أصل موضوعي يحرز به الحرمة فلا يقصر.
(مسألة 928): إذا سافر الإنسان في شهر رمضان، وكان سفره في
الابتداء معصية، ونوى الصوم فيه ثم عدل في الأثناء إلى السفر الحلال بعد أن
قطع المسافة بكاملها، وحينئذ فإن كان عدوله قبل الزوال وكان الباقي مسافة
شرعية وجب عليه الإفطار، شريطة أن يكون بادئا بالسفر المباح قبل الزوال،
وإن كان عدوله بعد الزوال، وجب البقاء على الصوم إذا لم يكن الباقي مسافة
شرعية، وأما إذا كان الباقي مسافة فيسوغ له الإفطار وإن كان الاحتياط بالبقاء
على الصوم أجدر وأولى، وأما إذا عدل إلى السفر الحلال قبل أن يقطع المسافة
بالكامل، فإن كان قبل الزوال وكان الباقي مسافة شرعية وجب الإفطار. وإن لم
يكن الباقي مسافة فهل يجب الإفطار؟
والجواب: أن وجوبه غير بعيد وإن كان الأحوط والأجدر به الجمع بين
إتمام الصوم والقضاء، وإن كان بعد الزوال فالأظهر جواز الإفطار، شريطة أن
يكون الباقي مسافة، وإلا فالأحوط وجوبا هو الجمع بين إتمام الصوم والقضاء
بعد ذلك، وإذا كان سفره في الابتداء طاعة ثم تحول في الأثناء إلى سفر المعصية
فإن كان التحول قبل طي المسافة بالكامل، فالأظهر أن ينوي الصوم بمجرد
التحول في النية، بلا فرق في ذلك بين أن يكون قبل الزوال أو بعده شريطة عدم
إتيانه بالمفطر، وإن كان بعد طي المسافة بكاملها، لم يصح أن ينوي الصوم
بمجرد التحول في النية وإن كان قبل الزوال.
362

الخامس: أن لا يتخد نفس السفر عملا له أو مقدمة لعمله، والأول كالمكاري
والملاح والبحار والطيار والمضيف الذي يستأجره الشخص لمرافقة مسافريه في
الطائرة أو السيارة أو تستأجره الشركة لذلك، والثاني كالساعي والراعي والتاجر
الذي يدور في تجارته، وغيرهم ممن عمله في السفر إلى المسافة فما زاد، فإن
هؤلاء يتمون الصلاة في سفرهم، وإن استعملوه لأنفسهم، كحمل المكاري متاعه
أو أهله من مكان إلى آخر، أو حمل السائق أو الطيار أهله من بلد إلى بلد آخر،
وكما أن التاجر الذي يدور في تجارته يتم الصلاة، كذلك العامل الذي يدور في
عمله، كالنجار الذي يدور في الرساتيق لتعمير النواعير والكرود، والبناء الذي
يدور في الرساتيق لتعمير الآبار التي يستقى منها للزرع، والحداد الذي يدور في
الرساتيق والمزارع لتعمير الماكينات وإصلاحها، والنقار الذي يدور في القرى
لنقر الرحى، وأمثالهم من العمال الذين يدورون في البلاد والقرى والرساتيق
للاشتغال والعمل، مع صدق الدوران في حقهم عرفا، وأن يكون ذلك بمسافة
شرعية، ومثلهم الحطاب والجلاب الذي يجلب الخضر والفواكه والحبوب ونحوها
إلى البلد، فإنهم يتمون الصلاة، ويلحق بذلك من كان عمله ومهنته في بلد معين
يبعد من بلدته بقدر المسافة الشرعية، ويسافر إلى ذلك البلد لمزاولة عمله ومهنته
فيه صباحا ويرجع إلى بلدته مساء أو بعد يوم ويوم أو في كل أسبوع مرة واحدة
أو أكثر، من دون أن يتخذ ذلك البلد مقرا ووطنا له، فوظيفته عندئذ التمام في
الطريق ذهابا وإيابا وفي بلد عمله، وأما إذا اتخذ بلد عمله مقرا ووطنا له بأن
قرر أن يبقى فيه ثلاث أو أربع سنين أو أكثر، فحينئذ يعتبر ذلك البلد وطنا
اتخاذيا له ويترتب عليه تمام أحكام الوطن وتكون وظيفته فيه التمام، لا من
أجل أنه يمارس عمله فيه بل من أجل أنه متواجد في وطنه، وأما في الطريق
فوظيفته القصر حتى إذا كان ذهابه وإيابه بين يوم وآخر بل في كل يوم، ولمزيد
من التعرف على هذه المسائل نذكر الحالات التالية:
363

الاولى: أن المراد بالعمل والشغل الحرفة أو المهنة كالسياقة والملاحة
والمكاراة ونحوها، ومن يمارس السياقة في المسافة الشرعية كبين النجف وبغداد
مثلا، فوظيفته التمام في الطريق ذهابا وإيابا وفي المقصد، بلا فرق بين أن تكون
ممارسته لها بأجرة أو تبرعا، فإن من تبرع بالعمل كسائق لدى شخص تعتبر
السياقة له مهنة وعملا.
الثانية: أن من يكون عنده سيارة فيسوقها مستمرا ويقطع بها المسافات
كل يوم، ولكن لغاية التنزه وقضاء الوقت، أو يسافر بها لزيارة المشاهد المشرفة،
كمن كان ساكنا في النجف الأشرف ويسافر بسيارته إلى كربلاء كل يوم للزيارة،
فيزور ويرجع، فلا يعتبر السفر عملا ومهنة له، فإنه لو سئل ما هو عمل هذا
الشخص، لا يقال إن عمله التنزه أو الزيارة أو السياقة فلذا تكون وظيفته القصر.
الثالثة: أن من كانت مهنته السفر كالسائق، ويشتغل بسيارته بين النجف
وبغداد، فهل يعتبر في وجوب التمام عليه أن يمارس مهنته في كل يوم أو بين يوم
وآخر أو في كل أسبوع مرتين، أو يكفي أن يمارسها في كل أسبوع أو أسبوعين
مرة واحدة؟
والجواب: أنه يكفي أن يمارسها في كل أسبوع مرة واحدة.
الرابعة: أن تكون مهنته شيئا آخر غير السفر، ولكنه يسافر من أجل
أن يمارس عمله ومهنته في السفر، كما إذا كانت مهنته في بلدة اخرى تبعد عن
بلدته بقدر مسافة. مثال ذلك: بغدادي يشتغل في الحلة كطبيب أو مهندس أو
عامل أو موظف حكومي، فإنه إذا سافر إلى الحلة كل يوم لممارسة عمله فيها
ويرجع إلى بلدته في نفس اليوم بعد انتهاء عمله يتم في الحلة وفي الطريق ذهابا
وإيابا، وكذلك إذا مكث في الحلة أسبوعا ثم يعود في عطلة الأسبوع إلى بلدته،
364

وبعد انتهاء العطلة يسافر إلى الحلة من أجل ممارسة عمله وهكذا، فإن عليه أن
يتم في الحلة وفي سفره ذهابا وإيابا، وكذا الحال إذا كانت فترات مكثه في الحلة
أكثر من أسبوع، هذا شريطة أن لا يتخذ الحلة مقرا ووطنا له كالموظف من قبل
الحكومة إذا علم بأن فترة عمله هناك لا تتجاوز أكثر من سنة، وإذا قرر أن
يبقى فيها ثلاث أو أربع سنين فحينئذ تعتبر الحلة مقرا ووطنا له، ويترتب عليها
تمام أحكام الوطن منها وجوب التمام فيها، على أساس أنه متواجد في وطنه لا
أنه مسافر وعمله السفر، وأما في الطريق بين الحلة وبغداد ذهابا وإيابا فيقصر
حتى إذا كان سفره إلى الحلة كل يوم صباحا ورجوعه منها إلى بغداد مساء،
لأنه ما دام يعتبر في الحلة حاضرا لا مسافرا، فالسفر ليس هو الحالة العامة
لعمله فلا يكون موضوعا للتمام.
ومثال آخر لذلك قمي كانت مهنته في طهران، سواء كانت المهنة الطبابة أو
التدريس أو الدراسة أو حرفة اخرى، فإنه إذا قرر حسب متطلبات شغله
ومهنته أو ظروفه أن يبقى في طهران أربع سنوات أو أكثر وبنى على ذلك،
فعندئذ يعتبر طهران مقرا ووطنا له، فإذا سافر من قم ووصل إليه انقطع سفره
فيكون حاضرا ومتواجدا في وطنه الإتخاذي وحكمه التمام فيه، لا بملاك أن
السفر مهنته وشغله، بل بملاك أنه حاضر في وطنه، كما أنه إذا وصل إلى قم
من السفر انقطع سفره وانتهى، وأما حكمه في الطريق بين طهران وقم فهو القصر،
وإن كان سفره في الأسبوع أكثر من يومين بل في كل يوم، لأنه ما دام يعتبر في
طهران حاضرا في وطنه لا مسافرا، فالسفر ليس حالة عامة لعمله، ومن هنا
لو سئل ما هو عمل هذا الشخص، لا يقال إن عمله في السفر على أساس أن
عمله في وطنه وبلدته الثانية.
365

وأما إذا لم يقرر أن يتخذ طهران مقرا ووطنا له، إما على أساس أن فترة
مهنته تنتهي بعد سنة أو أقل، أو أنه لا يريد ذلك حسب رغبته، فيجب عليه
التمام في طهران وفي الطريق ذهابا وإيابا، على أساس أن السفر في هذا الفرض
حالة عامة لعمله، ولذا لو سئل ما هو عمل هذا الشخص فيقال إن عمله السفر.
ومن هذا القبيل من كان شغله في بلاد متفرقة، فيمارس في كل بلدة مدة
سنة أو أقل وينتهي، ثم في بلدة اخرى وهكذا، فإن وظيفته التمام في كل
الحالات من الذهاب والإياب والمقصد، ونفس الشيء نقول فيمن سافر إلى
طهران أو إلى بغداد لممارسة عمله ومهنته ويبقى فيه أسبوعا ثم يرجع إلى بلدته
يوم الجمعة وهكذا، فإنه يتم هناك وفي الطريق ذهابا وإيابا، ولا فرق فيه بين
الطالب الذي يسافر هناك من أجل دراسته وبين الطبيب والمهندس والموظف
والعامل والجندي.
الخامسة: أن من كان يسافر إلى بغداد مثلا من أجل مهنته وعمله هناك
فله حالتان:
أولاهما: أن يعود إلى وطنه وأهله مساء كل يوم أو في كل أسبوع مرة
واحدة ولا يبقى فيه عشرة أيام، ويظهر حكم هذه الحالة مما مر.
ثانيتهما: أن يعود إلى وطنه بعد عشرة أيام أو في كل أسبوعين مرة
واحدة أو في كل شهر أو أكثر، وفي هذه الحالة إذا كانت مدة عمله تنهتي في سنة
أو أقل، فهل عليه أن يتم في بغداد وفي الطريق ذهابا وإيابا، أو يتم في بغداد
فحسب دون الطريق، فإن وظيفته فيه القصر؟
والجواب: أنه يتم في الطريق أيضا. وقد تسأل: أن التمام في بغداد إنما
هو بملاك أنه مقيم فيه عشرة أيام، لا بملاك أن عمله السفر، والمسافر إذا نوى
366

الإقامة في مكان انقطع سفره وكان كمن نوى التوطن فيه، وعليه فليس سفره
حالة عامه لعمله؟
والجواب: أن قصد الإقامة ليس كقصد التوطن، لأن الأول قاطع لحكم
السفر لا لموضوعه وهو السفر فإنه مسافر مقيم، والثاني: قاطع للموضوع،
فإنه حاضر ومتواجد في وطنه لا أنه مسافر، وعليه فيكون سفره في المقام
حالة عامة لعمله ويكون التمام في كل حالته مستندا إليه، لا إلى إقامته فيه
عشرة أيام، فإن وظيفته ذلك، سواء كان ينوي الإقامة فيه عشرة أيام أم لا،
بل لو كان يبقى في بغداد من أجل ممارسة مهنته وعمله مدة سبعة أشهر أو سنة
أو أقل بشكل مستمر طيلة هذه المدة، كانت وظيفته التمام فيه وفي الطريق ذهابا
وإيابا من جهة أنه في تمام حالات عمله مسافر.
السادسة: إذا قرر طالب جامعة من بلدة النجف مثلا البقاء في بغداد
لإكمال دراسته سنتين، وشك في كفاية ذلك في كونه مقرا ووطنا له، أو أنه لا
يزال مسافرا فيه ولم يحسب من أهله، فهو على هذا يعلم إجمالا أن بقائه في تلك
المدة المحدودة في بغداد إن كفى في صيرورته مقرا ووطنا له عرفا، فعليه أن يقصر
في الطريق ذهابا وإيابا، وإن لم يكف بل هو لا يزال مسافرا، فوظيفته أن يتم في
الطريق كذلك كما يتم في بغداد، وبما أنه شاك في ذلك فيعلم إجمالا إما بوجوب
التمام عليه في الطريق أو بوجوب القصر فيه، فإذن وظيفته الاحتياط في الطريق
بالجمع بين القصر والتمام.
السابعة: أن السفر إذا لم يكن بنفسه شغلا ومهنة فهو إنما يكون موضوعا
لوجوب التمام إذا كان من أجل مهنته وشغله فيه، وأما إذا كان للتنزه أو للزيارة
أو نحوهما مما لا يعد عرفا شغلا ومهنة، فلا يعتبر ذلك عملا له لكي يكون
موضوعا لوجوب التمام، بل أنه سفر اعتيادي ووظيفته فيه القصر وإن كثر.
367

الثامنة: أنه لا يكفي في وجوب التمام أن يمارس مهنته في ضمن سفره
وتجوله من بلد إلى آخر أو مكان إلى مكان آخر للتنزه أو لزيارة المشاهد المشرفه،
ولكنه يقضي أوقاته في ضمن هذا السفر بالاشتغال بمهنته للتكسب أو الاتجار
بذلك من دون أن يكون لسفره علاقة بهذه المهنة، فإنه كما يزاولها في السفر
كذلك يزاولها في الحضر، وليس عمله مرتبطا بالسفر حتى يكون السفر عمله،
مثال ذلك: حداد يسافر بقدر مسافة للتنزه متجولا من مكان إلى مكان، ولكنه
في ضمن ذلك يشتغل وقت فراغه بالحدادية للتكسب بها، مع أنه لا علاقة
لسفره بهذه المهنة ولا يكون من أجلها، ومثل هذا الشخص يقصر في صلاته.
التاسعة: أن من كان السفر عمله إذا مارس، فعليه أن يتم في صلاته في
مقر العمل وفي الطريق ذهابا وإيابا، وكذلك يتم في صلاته في كل سفر مرتبط
بعمله ومهنته، كما إذا انكسرت سيارته في الطريق وتوقف إصلاحها على يد
عامل فني وهو في بلد بعيد عن هذا المكان بقدر المسافة، فإنه حينئذ بحاجة
إلى السفر إلى ذلك البلد، فإذا سافر إليه فوظيفته أن يتم في الذهاب والإياب،
على أساس أنه مرتبط بعمله ومهنته، وأما سفره الذي لا يرتبط به فهو سفر
اعتيادي له ووظيفته فيه القصر وإن كثر.
العاشرة: لا فرق في وجوب التمام على من يكون عمله السفر بين أن
يكون في طول السنة أو في أحد فصولها، لأن المعيار إنما هو بصدق أن هذا
السفر هو عمله ومهنته بل يكفي أن يكون في ضمن شهرين أو أقل إذا صدق أن
عمله ومهنته في السفر، ومن ذلك سفر الحملدار والمتعهد بقوافل الحجاج، فإنه
يمارس عمله في السفر في ضمن شهر أو أكثر في موسم الحج في طول السنة،
وحيث إن تلك السفرة بدرجة من الأهمية فيصدق أنه عمله ومهنته، ولذا لو
سئل ما هو عمله ومهنته فيقال إن مهنته الحملدارية.
368

الحادية عشر: أن المهن أو الحرف التي لا تتطلب السفر ولا تبتني عليه
كالوعظ والخطابة والتجارة ونحوها من الأعمال، فإنه كما يمكن القيام بها في
السفر كذلك يمكن القيام بها في الحضر، مثلا الخطيب قد يستدعى إلى بلدة تبعد
عن بلدته بقدر المسافة الشرعية ويسافر إليها كل يوم أو يومين إلى شهر أو
شهرين، وهذا السفر منه من السفر الاعتيادي ووظيفته فيه القصر، وكذلك
الحال في سائر أصحاب المهن والحرف، ولكن لو توقف ممارسة الخطيب أو
التاجر أو غيرهما مهنته على السفر ويزاولها فيه، بحيث يصدق عليه أن عمله
السفر، فيتم في صلاته، ولا فرق في ذلك بين أن يكون في معظم أوقات السنة أو
في بعضها كالخطيب، فإنه يمارس الخطابة والوعظ في بعض أوقات السنة
كشهري محرم وصفر.
الثانية عشر: تاجر ينشئ معملا في بلد آخر يبعد عن بلدته بقدر المسافة،
ويتردد على معمله في ذلك البلد يوميا أو يقيم هناك يومين أو أكثر أو أسبوعا
حسب متطلبات المعمل، ثم يرجع إلى أهله، فعليه أن يتم في معمله وفي الطريق
ذهابا وإيابا، هذا شريطة أن لا يتخذ معمله في البلد الذي أنشأ المعمل فيه مقرا
ووطنا له، وإلا فوظيفته القصر في الطريق.
يتلخص من مجموع ما ذكرناه المعايير التالية:
المعيار الأول: أن من كان نفس السفر عمله ومهنته كالسائق والطيار
والملاح وغيرهم، فوظيفته التمام ما دام يزاول مهنته.
المعيار الثاني: أن من كان عمله ومهنته يتوقف على السفر ومرتبط به،
فيسافر من أجل ممارسة مهنته وعمله فيه، فإنه يتم ما دام يزاول السفر من
أجل ذلك، وأما إذا تحول سفره من أجل العمل والمهنة إلى السفر للتنزه أو
369

الزيارة أو غيرهما مما لا يعد عرفا شغلا وعملا، فينقلب الموضوع ويصبح سفره
اعتياديا، وحينئذ فوظيفته القصر شريطة أن يكون الباقي مسافة، وإلا يبقى على
التمام، وكذلك كل سفر لا يكون مرتبطا بشغله ومهنته فإن عليه أن يقصر فيه.
المعيار الثالث: أن من كان له محل عمل يبعد عن بلدته بقدر المسافة
الشرعية أو أكثر، فيسافر للعمل هناك، فإنه يتم صلاته في الطريق ذهابا وإيابا
وفي محل عمله، شريطة أن لا يكون محل العمل مقرا ووطنا له، ولا عبرة بكثرة
السفر إذا لم ينطبق عليه أحد المعايير الثلاثة.
(مسألة 929): إذا اختص عمله بالسفر إلى ما دون المسافة، فإذا اتفق له
السفر إلى المسافة، وجب عليه القصر كالحداد أو النجار أو الطبيب الذي يشتغل
داخل البلد، ولكن قد يحدث له اتفاقا أن يسافر إلى بلد آخر يبعد عن بلده
بقدر المسافة. وقد تسأل: أن من يكون شغله داخل البلد، كالموظف ولكنه
يكلف في كل شهر يومين أو ثلاثة أيام أو أربعة بالشغل خارج البلد بقدر
المسافة بشكل منتظم، فهل يعتبر ذلك شغلا له في السفر؟
والجواب: لا يعتبر ووظيفته فيه القصر، وقد تسأل: أن الموظف مثلا إذا
استفاد من العطلة الأسبوعية الصيفية واشتغل بسيارته بأجرة، فهل يعتبر ذلك
شغلا له في السفر لكي يجب عليه التمام؟
والجواب: لا يعتبر ذلك شغلا له.
(مسألة 930): لا يعتبر في وجوب التمام تكرر السفر ثلاث مرات بل
يكفي كون السفر عملا له ولو في المرة الاولى.
(مسألة 931): إذا سافر من عمله السفر سفرا ليس من عمله، كما إذا
سافر المكاري للزيارة أو الحج وجب عليه القصر، ومثله ما إذا انكسرت
370

سيارته أو سفينته فتركها عند من يصلحها ورجع إلى أهله، فإنه يقصر في سفر
الرجوع، وكذا لو غصبت دوابه أو مرضت فتركها ورجع إلى أهله. نعم، إذا لم
يتهيأ له المكاراة في رجوعه فرجع إلى أهله بدوابه أو بسيارته أو بالسفينة خالية
من دون مكاراة، فإنه يتم في الرجوع، فالتمام يختص بالسفر الذي هو عمله،
أو متعلق بعمله.
(مسألة 932): إذا اتخذ السفر عملا له في شهور معينة من السنة أو فصل
معين منها، كالذي يكري دوابه بين مكة وجدة في شهور الحج أو يجلب الخضر
في فصل الصيف جرى عليه الحكم، وأتم الصلاة في سفره في المدة المذكورة، أما
في غيرها من الشهور فيقصر في سفره إذا اتفق له السفر وإن كثر.
(مسألة 933): المشهور أن المكاري إذا أقام في بلدة عشرة أيام، وجب
عليه القصر في السفرة الاولى دون الثانية، وكذلك إذا نوى إقامة عشرة أيام في
غير بلده، ولكنه لا يخلو عن إشكال بل منع، والأظهر التمام وإن كان الأحوط
والأجدر استحبابا أن يجمع بين القصر والتمام في السفرة الاولى.
السادس: أن لا يكون ممن بيته معه كأهل البوادي من العرب والعجم
الذين لا مسكن لهم معين من الأرض ولا يتخذون موطنا معينا ويدورون من
منطقة إلى اخرى تبعا لوجود العشب والماء ومعهم بيوتهم، فإن هؤلاء يتمون
صلاتهم، على أساس عدم صدق المسافر عليهم، فإن المناطق التي تكون بيوتهم
فيها بمثابة الوطن لهم. نعم، إذا سافر أحدهم من بيته لمقصد آخر كحج أو زيارة
أو شراء ما يحتاج من قوت أو حيوان أو نحو ذلك قصر، وكذا إذا خرج
لاختيار المنزل أو موضع العشب والماء، أما إذا سافر لهذه الغايات ومع بيته أتم.
(مسألة 934): السائح في الأرض يتم في صلاته إذا كانت السياحة مهنة
371

وعملا له، فإنه ما دام يزاول هذه المهنة والعمل فوظيفته التمام، سواء اتخذ وطنا
له على وجه الكرة أم لا. نعم، إذا تجول الإنسان في انحاء العالم بمجرد الترفه
والتنزه وزيارة البلدان ومعالمها الطبيعية ومناظرها وآثارها القديمة ومتاحفها
فإنه يقصر في صلاته، لأن سفره هذا سفر اعتيادي ولا ينطبق عليه شيء من
المعايير المتقدمة. نعم، من يتخذ ذلك مهنة وحرفة له يتم، وأما من أعرض عن
وطنه ولكنه لم يتخذ وطنا آخر له، على أساس أنه لا يستطيع أن يتحكم في
ظروف عمله كالموظف، فإنه يسكن في بلد من أجل شغله وعمله فيه إلى مدة
سنة أو أقل ثم ينتقل منه إلى بلد آخر، على أساس أن شغله يتطلب ذلك وهكذا
فهل عليه أن يتم أو يقصر؟
والجواب: أنه يتم في صلاته من جهة أن شغله في السفر.
السابع: أن يصل إلى حد الترخص، وهو المكان الذي يتوارى فيه
المسافر عن عيون أهل البيوت الكائنة في منتهى البلدان، وعلامة ذلك أنه لا
يرى أهل بلده، مثلا إذا وقف شخص في آخر بيوت البلد وكان يرى المسافر
يبتعد عنه إلى أن حجبت عنه رؤيته بحيث لا هو يرى المسافر ولا المسافر يراه
فيتوارى كل منهما عن الآخر، فحينئذ يجب عليه القصر سواء غابت عن عين
المسافر عمارات البلد وبناياته أيضا أم لا، وهذا معيار ثابت ولا يزيد ولا ينقص،
فإذا فرض أن الأرض منبسطة والجو صاف وهادئ والرؤية متمثلة في رؤية
أدنى فرد من الإنسان الاعتيادي وأقله، كان حجب المسافر عن نظره كاشفا
عن أنه حد الترخص واقعا، إذ لا يحتمل أن يختلف حد الترخص باختلاف
أفراد الإنسان المسافر من حيث قوة رؤيته وضعفها كما أنه لا يختلف باختلاف
قوة سامعة المسافر وضعفها، فإن المناط إنما هو بعدم سماع أدنى فرد الإنسان
الاعتيادي، وعلى هذا فإذا توارى المسافر عن نظر الواقف في آخر عمارة البلد
372

وبالعكس، ومع ذلك إذا سمع المسافر أذان البلد لم يكن متأكدا وواثقا بالوصول
إلى حد الترخص، إذ يحتمل أن عدم رؤيته كان مستندا إلى سبب داخلي أو
خارجي أو أن سماعه الأذان كان كذلك، فإن وظيفته حينئذ أن يتم.
(مسألة 935): المدار في السماع، سماع أدنى فرد المسافر الاعتيادي وأقله،
وكذلك في الصوت المسموع مع توفر سائر الشروط من انبساط الأرض
واعتدال الجو وغيرهما، وكذا الحال في الرؤية كما مر.
(مسألة 936): كما لا يجوز التقصير فيما بين البلد إلى حد الترخص في
ابتداء السفر، كذلك لا يجوز التقصير عند الرجوع إلى البلد، فإنه إذا تجاوز حد
الترخص إلى البلد وجب عليه التمام على المشهور، ولكنه لا يخلو عن إشكال
كما نشير إليه في المسألة الآتية.
(مسألة 937): إذا شك المسافر من بلدته في الوصول إلى حد الترخص
بنى على عدمه، فيبقى على التمام إلى أن يعلم بالوصول إليه، وأما في الرجوع إلى
بلدته فالأقوى عدم اعتبار حد الترخص فيه. وكذلك لا يعتبر حد الترخص
للمقيم عشرة أيام في بلد وللمتردد ثلاثين يوما في مكان، فإن حكمهما القصر
بمجرد الخروج عن محل الإقامة ومحل التردد والبدأ بقطع المسافة ولو بخطوة
واحدة، ولا يتوقف على الوصول إلى حد الترخص.
(مسألة 938): يعتبر كون الأذان في آخر البلد في ناحية المسافر إذا كان
البلد كبيرا، كما أنه يعتبر كون الأذان على مرتفع معتاد في أذان البلد غير
خارج عن المتعارف في العلو.
(مسألة 939): إذا اعتقد الوصول إلى نقطة تخيل أنها حد الترخص
فصلى فيها قصرا، ثم بان أنه لم يصل بطلت صلاته، وحينئذ فإن بنى على
373

إعادتها في هذه النقطة بالذات أعادها تماما، وإن أخرها إلى أن تجاوز حد
الترخص أتى بها قصرا ما دام الوقت باقيا، وإن لم يأت بها إلى أن مضى الوقت،
فإن مضى قبل أن يتجاوز حد الترخص قضاها تماما وإلا قصرا، وأما إذا عاد
إلى وطنه وصلى تماما في نقطة تخيل أنها حد الترخص ثم بان عدمه، فإن كان
ذلك في الوقت وجبت الإعادة، وإن كان في خارج الوقت فلا قضاء عليه، هذا
ولكن قد مر أن الأظهر أنه لا حد للترخص في الرجوع إلى بلده، وأن وظيفته
القصر إلى أن يدخل فيه.
الفصل الثاني
في قواطع السفر
وهي أمور:
الأول: الوطن وهو على نوعين: أحدهما مسقط رأس الإنسان وهو
مسكن آبائه وأجداده وعائلته، وحينما يراد أن ينسب الإنسان ينسب إلى هذا
الوطن، والآخر الوطن الاتخاذي بأن يقرر الشخص البقاء في بلده إلى مدة
حياته، كما إذا هاجر شخص عن وطنه الأصلي إلى النجف الأشرف ونوى البقاء
فيه تمام عمره، فتعتبر النجف وطنا له باتخاذه لها كذلك، ولا يعتبر في الوطن
الاتخاذي أن يكون له فيه ملك، وهناك وطن ثالث وهو المقر بأن يتخذ البلد
مقرا له فترة مؤقتة طويلة نسبيا، فلا يكون تواجده فيه سفرا كطالب علم في
النجف الأشرف، فإنه هاجر إليه لطلب العلم، وأراد البقاء فيه مدة مؤقتة
كأربع سنوات أو أكثر لا دائما.
(مسألة 940): يجوز أن يكون للإنسان وطنان، بأن يكون له منزلان في
374

مكانين أحدهما في النجف الأشرف مثلا والآخر في كربلاء، فيقيم في كل سنة
بعضا منها في هذا، وبعضها الآخر في الآخر، وكذا يجوز أن يكون له أكثر من
وطنين بمعنى الأعم من المقر.
(مسألة 941): الظاهر أنه يكفي في ترتيب أحكام الوطن نية التوطن في
بلدة والسكنى فيها واستقراره كسائر أهاليها.
(مسألة 942): الظاهر أن الوطن الشرعي بمعنى أن يكون للإنسان ملكا
في بلد قد استوطنه فيه ستة أشهر عن قصد ونية غير ثابت.
(مسألة 943): يكفي في صدق الوطن قصد التوطن ولو تبعا، كما في
الزوجة والعبد والأولاد، ونقصد بالتبعية أن التابع إذا علم أن متبوعه قصد
التوطن في هذه البلدة والبقاء فيها مدة حياته فهو أيضا قصد ذلك باختياره، كما
إذا كان بإمكانه الانفصال عنه أو أنه مضطر إلى ذلك، ومن هذا إذا علم ببقائه
في تلك البلدة مدة أربع سنوات أو أكثر، كان في حكم المتوطن وإن كان بقاؤه
فيها بغير اختياره.
(مسألة 944): إذا كان للإنسان وطن بأحد الأوجه المتقدمة، ثم تردد في
البقاء فيه أو الإعراض عنه، فلا يخرج عن كونه وطنا بمجرد التردد، ما لم يتخد
القرار بالإعراض عنه.
(مسألة 945): الظاهر أنه يشترط في صدق الوطن قصد التوطن فيه
ابدا، فلو قصد الإقامة في مكان مدة طويلة وجعله مقرا له كما هو ديدن
المهاجرين إلى النجف الأشرف، أو غيره من المعاهد العلمية لطلب العلم،
قاصدين الرجوع إلى أوطانهم بعد قضاء وطرهم لم يكن ذلك المكان وطنا له.
نعم، هو بحكم الوطن يتم الصلاة فيه، فإذا رجع إليه من سفر الزيارة - مثلا -
375

أتم وإن لم يعزم على الإقامة فيه عشرة أيام، كما أنه يعتبر في جواز القصر في
السفر منه إلى بلد آخر أن تكون المسافة ثمانية فراسخ امتدادية أو تلفيقية، فلو
كانت أقل وجب التمام، وكما ينقطع السفر بالمرور بالوطن ينقطع بالمرور بالمقر
أيضا فإنه بحكم الوطن، ثم إن المهاجر إلى النجف الأشرف إن كان عازما على
البقاء فيه مدة لا تقل عن ثلاث سنوات أو أكثر، فالنجف مقر له وحكمه حكم
الوطن، وإن كان عازما على البقاء فيه سنتين أو أقل، لم يكن النجف مقرا له بل
حكمه حكم المسافر.
تنبيه: إذا كان الإنسان وطنه النجف مثلا، وكان له محل عمل في الكوفة
يخرج إليه وقت العمل كل يوم ويرجع ليلا، فإنه لا يصدق عليه عرفا - وهو في
محله - أنه مسافر، فإذا خرج من النجف قاصدا محل العمل وبعد الظهر - مثلا -
يذهب إلى بغداد، يجب عليه التمام في ذلك المحل وبعد التعدي من حد الترخص
منه يقصر، وإذا رجع من بغداد إلى النجف ووصل إلى محل عمله أتم، وكذلك
الحكم لأهل الكاظمية، إذا كان لهم محل عمل في بغداد وخرجوا منها إليه لعملهم
ثم السفر إلى كربلاء مثلا، فإنهم يتمون فيه الصلاة ذهابا وإيابا، إذا مروا به.
الثاني: العزم على الإقامة عشرة أيام متوالية في مكان واحد أو العلم
ببقائه المدة المذكورة فيه وإن لم يكن باختياره، والليالي المتوسطة داخلة بخلاف
الاولى والأخيرة، ويكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر، فإذا نوى الإقامة
في بلد من زوال أول يوم وروده فيه إلى زوال اليوم الحادي عشر وجب التمام،
والظاهر أن مبدأ اليوم طلوع الشمس، فإذا نوى الإقامة من طلوع الشمس يكفي
في وجوب التمام نيتها إلى غروب اليوم العاشر. ثم إن الإقامة إذا تحققت انقطع
حكم السفر وهو القصر لا موضوعه، لأن الإقامة لا تكون قاطعة للسفر، فالمقيم
376

مسافر غاية الأمر أنه محكوم بحكم المتواجد في الوطن، وبذلك تفترق الإقامة
عن قصد التوطن، فإنه قاطع للسفر ورافع لحكمه بارتفاع موضوعه دونها.
(مسألة 946): يشترط وحدة محل الإقامة، ونقصد بها أن يكون مبيته
ومأواه ومحط رحله في بلد واحد أو قرية واحدة، وأن لا يمارس خلال هذه
المدة سفرا شرعيا، ولا بأس بالخروج إلى ما دون المسافة شريطة أن لا يبيت
فيه، لأن ذلك لا ينافي اعتبار وحدة المحل في الإقامة، فإن المنافي له أن ينوي
الإقامة في بلدين كالنجف الأشرف والكوفة أو قريتين، وعلى هذا فمن قصد
إقامة عشرة أيام في النجف جاز له أن يخرج إلى الكوفة للزيارة أو للتنزه كل
يوم شريطة أن لا يبقى فيه ليلا، وبكلمة أن القاطع للإقامة والهادم لها السفر
الشرعي، وأما الخروج عن محل الإقامة إذا لم يكن بقدر المسافة فلا يكون
قاطعا لها إذا لم يبق ليلا في بلد آخر غير بلد الإقامة، فإذن لا يكون الخروج إلى
مسجد الكوفة أو السهلة مضرا بالإقامة في النجف وإن كان زمان الخروج كثيرا،
ولا فرق فيه أن يكون ناويا ذلك من الأول أو تجدد له في الأثناء.
(مسألة 947): من أقام في بلد معين عشرة أيام من دون قصد الإقامة
والعزم عليها فلا ينقطع السفر، وكذلك من علق إقامته على ورود المسافر أو
انقضاء الحاجة، كمن علق بقاءه فيه على عدم اشتداد الحر في هذا البلد وبقي
عشرة أيام فيه نظرا إلى عدم اشتداد الحر، فلا أثر لذلك ويبقى على حكم القصر.
نعم، إذا نوى المسافر الإقامة في بلد من حين وروده فيه إلى يوم معين، وكانت
المدة المقامة فيه عشرة أيام في الواقع، ولكنه لا يعلم أنها عشرة أيام فحكمه
التمام، مثال ذلك مسافر ورد إلى النجف الأشرف - مثلا - ونوى الإقامة فيه من
حين وروده إلى يوم الجمعة الثانية، ولكنه كان مترددا في أن يوم وروده هل
كان يوم الثلاثاء أو يوم الأربعاء، وفرض أن هذه المدة الواقعة بين زمن وروده
377

فيه واقعا وبين يوم الجمعة الثانية عشرة أيام كاملة، ولكنه لا يدري بذلك،
وهذا لا يضر بعدما نوى الإقامة في واقع العشرة الذي هو الموضوع لوجوب
التمام دون اسمها، ومثل هذا يتم صلاته، وهذا بخلاف ما إذا علم المسافر يوم
وروده فيه وأنه زوال يوم الأربعاء، ولكنه متردد في أنه هل يبقى في البلد إلى
زوال يوم الجمعة الثانية أو زوال يوم السبت الثاني، فكان حكمه القصر وإن بقي
اتفاقا إلى يوم السبت، ومن هذا القبيل ما إذا نوى المسافر الإقامة من يوم
الواحد والعشرين إلى آخر الشهر، وتردد الشهر بين التام والناقص، فإنه لا
يكون عازما على إقامة عشرة أيام على كل تقدير بل على تقدير أن يكون
الشهر تاما لا مطلقا، باعتبار أنه ليس لعنوان آخر الشهر واقع معين في الخارج
بل هو مردد بين اليوم العاشر أو التاسع، وعليه فمن قصد الإقامة من يوم الواحد
والعشرين إلى آخر الشهر، فمعناه أنه قصد الإقامة إما إلى اليوم التاسع أو
العاشر فلذلك يكون باطلا.
(مسألة 948): تجوز الإقامة في البرية، ولا مانع من الخروج إلى ما دون
المسافة من الأماكن البعيدة شريطة أن لا يبيت فيها كما مر.
(مسألة 949): إذا نوى المسافر الإقامة في بلد ثم ذهل عن سفره وإقامته
لسبب أو آخر، وصلى الظهرين أو العشاء تماما لا من أجل أنه مسافر مقيم بل
لتخيله أنه في بلده وحاضر وليس بمسافر، فهل يكفي ذلك في البقاء على التمام؟
والجواب: أنه لا يكفي، لأن كفاية الصلاة تامة للبقاء على التمام إنما هي
فيما إذا كانت مستندة إلى قصد الإقامة، ومن هنا لا يكفي في البقاء على التمام إذا
صلى المقيم صلاة العشاء أو الظهرين تامة قضاء وبدلا عما فات عنه في الوقت
كذلك.
378

(مسألة 950): إذا عدل المقيم عشرة أيام عن قصد الإقامة، فإن كان قد
صلى فريضة تماما في الوقت من أجل أنه قصد الإقامة، بقي على الإتمام إلى أن
يسافر، وإلا رجع إلى القصر، سواء لم يصل أصلا أم صلى مثل الصبح والمغرب،
أو شرع في الرباعية ولم يتمها ولو كان في ركوع الثالثة، وسواء فعل ما لا يجوز
فعله للمسافر من النوافل والصوم، أو لم يفعل.
(مسألة 951): إذا صلى بعد نية الإقامة فريضة تماما نسيانا أو لشرف
البقعة غافلا عن نيته الإقامة، لم يكف في البقاء على التمام كما مر، وكذا أيضا إذا
فاتته الصلاة بعد نية الإقامة فقضاها خارج الوقت تماما، ثم عدل عنها فإنه رجع
إلى القصر، على أساس أن القضاء لا يكون مستندا إلى نية الإقامة كما عرفت آنفا.
(مسألة 952): إذا تمت مدة الإقامة لم يحتج في البقاء على التمام إلى إقامة
جديدة، بل يبقى على التمام إلى أن يسافر، وإن لم يصل في مدة الإقامة فريضة تماما.
(مسألة 953): لا يشترط في تحقق الإقامة كونه مكلفا، فلو نوى الإقامة
وهو غير بالغ ثم بلغ في أثناء العشرة، وجب عليه التمام في بقية الأيام، وإذا
صلى قبل البلوغ يصلي تماما، وإذا نواها وهو مجنون وكان تحقق القصد منه
ممكنا، أو نواها حال الإقامة ثم جن، يصلي تماما بعد الإفاقة في بقية العشرة،
وكذا إذا كانت حائضا حال النية فإنها تصلي ما بقي بعد الطهر من العشرة تماما،
بل إذا كانت حائضا تمام العشرة يجب عليها التمام ما لم تنشئ سفرا.
(مسألة 954): إذا صلى تماما، ثم عدل لكن تبين بطلان صلاته رجع إلى
القصر، وإذا صلى الظهر قصرا ثم نوى الإقامة فصلى العصر تماما ثم تبين له
بطلان إحدى الصلاتين فإنه يرجع إلى القصر، ويرتفع حكم الإقامة، وإذا
صلى بنية التمام، وبعد السلام شك في أنه سلم على الأربع أو الاثنين أو الثلاث،
379

كفى في البقاء على حكم التمام إذا عدل عن الإقامة بعد الصلاة، وكذا يكفي في
البقاء على حكم التمام، إذا عدل عن الإقامة بعد السلام الواجب وقبل فعل
المستحب منه، أو قبل الإتيان بسجود السهو، وأما إذا عدل بعد السلام وقبل
قضاء السجدة المنسية أو غيرها، فلا يبعد رجوعه إلى القصر وإن كان
الاحتياط بالجمع بينه وبين التمام أولى وأجدر.
(مسألة 955): إذا نوى المسافر الإقامة في بلد وصلى تماما ثم أراد
الخروج من محل الإقامة إلى ما دون المسافة لغرض، فهل يجوز له ذلك؟
والجواب: يجوز له ذلك، على أساس أن المراد بالإقامة في الأيام العشرة
في بلد واحد أن يكون مبيته ومأواه ومحط رحله ذلك البلد، وأن لا يمارس
خلال هذه المدة سفرا شرعيا، هذا شريطة أن لا يبيت فيما دون المسافة ليلا،
وأما إذا بات فيه ليلة أو أكثر، فحينئذ إن كان خروجه عن محل الإقامة بعد
عشرة أيام فيه لم يقدح المبيت هناك، وإن كان خروجه منه في أثناء العشرة كان
المبيت هناك هادما لإقامته، باعتبار أن الإقامة لابد أن تكون في بلد واحد
طيلة عشرة أيام، فإذا بات هناك ليلة أو أكثر فمعناه أنه لم يقم في بلد واحد تمام
العشرة، وعليه فهو مسافر غير مقيم فتقصر صلاته. نعم، إذا كان جاهلا
بالمسألة وصلى تماما صحت ولا شيء عليه، وإن لم يكن جاهلا بها ومع ذلك
صلى تماما ذاهلا وغافلا، فعندئذ إن انكشف له الحال في الوقت وجبت عليه
إعادتها، وإلا فلا قضاء عليه.
(مسألة 956): إذا دخل في الصلاة بنية القصر، فنوى الإقامة في الأثناء
أكملها تماما، وإذا نوى الإقامة فشرع في الصلاة بنية التمام فعدل في الأثناء، فإن
كان قبل الدخول في ركوع الثالثة، ألغى القيام ويجلس ويتم صلاته قصرا ولا
شيء عليه.
380

(مسألة 957): إذا عدل عن نية الإقامة، وشك في أنه هل صلى تماما
لكي يبقى ويستمر في صلاته على التمام أو لم يأت بالصلاة تماما، فالأصل عدم
الإتيان بها، ومعنى هذا أن حكمه القصر.
(مسألة 958): قد تسأل أن المسافر إذا عزم على الإقامة فنوى الصوم،
وعدل بعد الزوال قبل أن يصلي تماما فهل يبقى على صومه؟
والجواب: أن الحكم بالبقاء لا يخلو عن إشكال ولا يبعد بطلان صومه،
وأما الصلاة فيجب فيها القصر.
الثالث: أن يقيم في مكان واحد ثلاثين يوما من دون عزم على الإقامة
عشرة أيام، سواء عزم على إقامة تسعة أو أقل أم بقي مترددا، فإنه يجب عليه
القصر إلى نهاية الثلاثين، وبعدها يجب عليه التمام إلى أن يسافر سفرا جديدا.
(مسألة 959): المسافر المتردد في الأمكنة المتعددة يقصر، وإن بلغت
المدة ثلاثين يوما أو أكثر، على أساس أن انقطاع حكم السفر بالتردد إلى ثلاثين
يوما مشروط باتحاد المكان، وإلا فلا يكون من قواطع السفر.
(مسألة 960): يجوز خروج المسافر المتردد إلى ثلاثين يوما أثناء المدة
من مكان التردد إلى ما دون المسافة شريطة أن لا يبيت فيه، وإذا بات ليلة أو
ليلتين انقطع حكم المكث مترددا في مكان واحد كالمقيم عشرة أيام، فإنه إذا
خرج أثناء الأيام العشرة إلى ما دون المسافة وبات فيه ليلة أو أكثر انقطعت
اقامته. نعم، إذا خرج بعد ثلاثين يوما إلى مكان دون المسافة وبات فيه لم يضر
بالحكم على التمام، كما هو الحال في المقيم عشرة أيام، فإنه إذا خرج بعد انتهاء
عشرة أيام إلى ما دون المسافة وبات فيه، لم يضر بالحكم على التمام.
381

(مسألة 961): إذا تردد في مكان تسعة وعشرين يوما، ثم انتقل إلى
مكان آخر، وأقام فيه - مترددا - تسعة وعشرين، وهكذا، بقي على القصر في
الجميع إلى أن ينوي الإقامة في مكان واحد عشرة أيام، أو يبقى في مكان واحد
ثلاثين يوما مترددا.
(مسألة 962): يكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر هنا، كما تقدم في
الإقامة.
(مسألة 963): في كفاية الشهر الهلالي إشكال، بل الأظهر العدم إذا نقص
عن الثلاثين يوما.
الفصل الثالث
في أحكام المسافر
(مسألة 964): تسقط النوافل النهارية في السفر، وكذلك الوتيرة على
الأظهر، ويجب القصر في الفرائض الرباعية بالاقتصار على الأوليين منها فيما عدا
الأماكن الأربعة، كما سيأتي، وإذا صلاها تماما، فإن كان عالما بالحكم بطلت،
ووجبت عليه الإعادة أو القضاء، وإن كان جاهلا بالحكم من أصله - بأن لم
يعلم وجوب القصر على المسافر - لم تجب الإعادة، فضلا عن القضاء، وإن كان
عالما بأصل الحكم، وجاهلا ببعض الخصوصيات الموجبة للقصر، قبل انقطاع
عملية السفر بإقامة عشرة في البلد، ومثل أن العاصي في سفره يقصر إذا رجع
إلى الطاعة ونحو ذلك، أو تخيل أن الشريعة أرادت بالسفر معنى لا يشمل طي
المسافة تلفيقا أو كان جاهلا بالموضوع، بأن لا يعلم أن ما قصده مسافة - مثلا -
فأتم فتبين له أنه مسافة، أو كان ناسيا للسفر أو ناسيا أن حكم المسافر القصر
382

فأتم، فإن علم أو تذكر في الوقت أعاد، وإن علم أو تذكر بعد خروج الوقت
فالظاهر عدم وجوب القضاء عليه.
(مسألة 965): الصوم كالصلاة فيما ذكر فيبطل في السفر مع العلم ويصح
مع الجهل، سواء أكان الجهل بأصل الحكم أم كان بالخصوصيات أم بالموضوع.
(مسألة 966): إذا قصر من وظيفته التمام بطلت صلاته في جميع الموارد،
إلا في المقيم عشرة أيام إذا قصر جهلا بأن حكمه التمام، فإن الأظهر فيه الصحة.
(مسألة 967): إذا دخل الوقت وهو حاضر وتمكن من الصلاة تماما ولم
يصل، ثم سافر حتى تجاوز حد الترخص والوقت باق صلى قصرا، وإذا دخل
عليه الوقت وهو مسافر وتمكن من الصلاة قصرا ولم يصل حتى وصل إلى وطنه،
أو محل إقامته صلى تماما، فالمدار على زمان الأداء لا زمان حدوث الوجوب.
(مسألة 968): إذا فاتته الصلاة في الحضر قضى تماما ولو في السفر، وإذا
فاتته في السفر قضى قصرا ولو في الحضر، وإذا كان في أول الوقت حاضرا وفي
آخره مسافرا أو بالعكس، راعى في القضاء حال الفوات وهو آخر الوقت،
فيقضي في الأول قصرا وفي العكس تماما.
(مسألة 969): يتخير المسافر بين القصر والتمام في الأماكن الأربعة
الشريفة وهي: حرم الله وهو مكة المكرمة وحرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو المدينة
المنورة وحرم أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو الكوفة، ومن هنا لا يبعد كفاية التمام في بلد
الكوفة مطلقا وإن كان الأحوط الاقتصار على المسجد وحرم الحسين (عليه السلام)،
والتمام أفضل والقصر أحوط استحبابا، وفي تحديد الحرم الشريف إشكال
والظاهر جواز الإتمام في تمام الروضة المقدسة دون الرواق والصحن.
383

(مسألة 970): لا فرق في ثبوت التخيير في الأماكن المذكورة بين أرضها
وسطحها والمواضع المنخفضة فيها، كبيت الطشت في مسجد الكوفة وغيره.
(مسألة 971): لا يلحق الصوم بالصلاة في التخيير المذكور، فلا يجوز
للمسافر الذي حكمه القصر الصوم في الأماكن الأربعة.
(مسألة 972): التخيير المذكور استمراري، فإذا شرع في الصلاة بنية
القصر يجوز له العدول في الأثناء إلى الإتمام، وبالعكس.
(مسألة 973): لا يجري التخيير المذكور في سائر المساجد والمشاهد
الشريفة.
(مسألة 974): يستحب للمسافر أن يقول عقيب كل صلاة مقصورة
ثلاثين مرة: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ".
(مسألة 975): يختص التخيير المذكور بالأداء ولا يجري في القضاء.
خاتمة
في بعض الصلوات المستحبة
(منها): صلاة العيدين، وهي واجبة في زمان الحضور
مع اجتماع الشرائط، ومستحبة في عصر الغيبة جماعة وفرادى، ولا يعتبر فيها
العدد ولا تباعد الجماعتين، ولا غير ذلك من شرائط صلاة الجمعة. وكيفيتها:
ركعتان يقرأ في كل منهما الحمد وسورة، والأفضل أن يقرأ في الاولى
" والشمس " وفي الثانية " الغاشية " أو في الاولى " الأعلى " وفي الثانية
" والشمس " ثم يكبر في الاولى خمس تكبيرات، ويقنت عقيب كل تكبيرة،
384

وفي الثانية يكبر بعد القراءة أربعا، ويقنت بعد كل واحدة على الأحوط في
التكبيرات والقنوتات، ويجزئ في القنوت ما يجزئ في قنوت سائر الصلوات،
والأفضل أن يدعو بالمأثور، فيقول في كل واحد منها: " اللهم أهل الكبرياء
والعظمة وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والرحمة وأهل التقوى
والمغفرة أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد صلى
الله عليه وآله وسلم ذخرا ومزيدا أن تصلي على محمد وآل محمد كأفضل ما
صليت على عبد من عبادك وصل على ملائكتك ورسلك واغفر للمؤمنين
والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات اللهم إني
أسألك خير ما سألك به عبادك الصالحون وأعوذ بك من شر ما استعاذ بك
منه عبادك المخلصون "، ويأتي الإمام بخطبتين بعد الصلاة يفصل بينهما بجلسة
خفيفة، ولا يجب الحضور عندهما، ولا الإصغاء، ويجوز تركهما في زمان الغيبة
وإن كانت الصلاة جماعة.
(مسألة 976): لا يتحمل الإمام في هذه الصلاة غير القراءة.
(مسألة 977): إذا لم تجتمع شرائط وجوبها ففي جريان أحكام النافلة
عليها إشكال، والظاهر بطلانها بالشك في ركعاتها، ولزوم قضاء السجدة
الواحدة إذا نسيت، والأولى سجود السهو عند تحقق موجبه.
(مسألة 978): إذا شك في جزء منها وهو في المحل أتى به، وإن كان بعد
تجاوز المحل مضى.
(مسألة 979): ليس في هذه الصلاة أذان ولا إقامة، بل يستحب أن يقول
المؤذن: الصلاة - ثلاثا -.
(مسألة 980): وقتها من طلوع الشمس إلى الزوال، والأظهر سقوط
385

قضائها لو فاتت، ويستحب الغسل قبلها، والجهر فيها بالقراءة، إماما كان أو
منفردا، ورفع اليدين حال التكبيرات، والسجود على الأرض، والإصحار بها
إلا في مكة المعظمة، فإن الإتيان بها في المسجد الحرام أفضل، وأن يخرج إليها
راجلا حافيا لابسا عمامة بيضاء مشمرا ثوبه إلى ساقه، وأن يأكل قبل خروجه
إلى الصلاة في الفطر، وبعد عوده في الأضحى مما يضحي به إن كان.
(ومنها): صلاة ليلة الدفن، وتسمى صلاة الوحشة وهي ركعتان يقرا في
الاولى بعد الحمد آية الكرسي والأحوط الأولى قراءتها إلى: (هم فيها خالدون)
وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات، وبعد السلام يقول: " اللهم
صل على محمد وآل محمد وابعث ثوابها إلى قبر فلان " ويسمي الميت، وفي
رواية بعد الحمد في الاولى التوحيد مرتين، وبعد الحمد في الثانية سورة التكاثر
عشرا، ثم الدعاء المذكور، والجمع بين الكيفيتين أولى وأفضل.
(مسألة 981): لا بأس بالاستئجار لهذه الصلاة وإن كان الأولى ترك
الاستئجار ودفع المال إلى المصلي، على نحو لا يؤذن له بالتصرف فيه، إلا إذا
صلى.
(مسألة 982): إذا صلى ونسي آية الكرسي أو القدر أو بعضهما أو أتى
بالقدر أقل من العدد الموظف، فهي لا تجزي عن صلاة ليلة الدفن ولا يحل له
المال المأذون له فيه بشرط كونه مصليا إذا لم تكن الصلاة تامة.
(مسألة 983): وقتها الليلة الاولى من الدفن، فإذا لم يدفن الميت إلا بعد
مرور مدة أخرت الصلاة إلى الليلة الاولى من الدفن، ويجوز الإتيان بها في جميع
آنات الليل وإن كان التعجيل أولى.
(مسألة 984): إذا أخذ المال ليصلي فنسي الصلاة في ليلة الدفن لا يجوز
386

له التصرف بالمال إلا بمراجعة مالكه، فإن لم يعرفه ولم يمكن تعرفه جرى عليه
حكم مجهول المالك، وإذا علم من القرائن أنه لو استأذن المالك لأذن له في
التصرف في المال، لم يكف ذلك في جواز التصرف فيه بمثل البيع والهبة ونحوهما،
وإن جاز بمثل أداء الدين والأكل والشرب ونحوهما.
(ومنها): صلاة أول يوم من كل شهر، وهي: ركعتان يقرأ في الاولى بعد
الحمد سورة التوحيد ثلاثين مرة، وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر ثلاثين مرة
ثم يتصدق بما تيسر، يشتري بذلك سلامة الشهر، ويستحب قراءة هذه الآيات
الكريمة بعدها وهي:
(بسم الله الرحمن الرحيم وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها
ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين × بسم الله الرحمن الرحيم
وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل
شيء قدير × بسم الله الرحمن الرحيم سيجعل الله بعد عسر يسرا ما شاء الله
لا قوة إلا بالله حسبنا الله ونعم الوكيل × وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير
بالعباد × لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين × رب إني لما أنزلت
إلي من خير فقير × رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين).
(مسألة 985): يجوز إتيان هذه الصلاة في تمام النهار.
(ومنها): صلاة الغفيلة، وهي: ركعتان بين المغرب والعشاء، يقرأ في
الأول بعد الحمد: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى
في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له
ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين).
وفي الثانية بعد الحمد: (وعنده مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا هو
387

ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات
الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) ثم يرفع يديه ويقول: " اللهم
إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلي على محمد وآل
محمد وأن تفعل بي كذا وكذا " ويذكر حاجته، ثم يقول: " اللهم أنت ولي
نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحق محمد وآله عليه
وعليهم السلام لما (وفي نسخة إلا) قضيتها لي " ثم يسأل حاجته فإنها تقضى إن
شاء الله تعالى، وقد ورد أنها تورث دار الكرامة ودار السلام وهي الجنة.
(مسألة 986): يجوز الإتيان بركعتين من نافلة المغرب بصورة صلاة الغفيلة
فيكون ذلك من تداخل المستحبين.
(ومنها): الصلاة في مسجد الكوفة لقضاء الحاجة، وهي ركعتان يقرأ في
كل واحدة منهما بعد الحمد سبع سور، والأولى الإتيان بها على هذا الترتيب:
الفلق - أولا - ثم الناس ثم التوحيد، ثم الكافرون، ثم النصر، ثم الأعلى، ثم القدر.
ولنكتف بهذا المقدار من الصلوات المستحبة طلبا للاختصار.
والحمد لله ربنا وهو حسبنا ونعم الوكيل
388

كتاب الصوم
وفيه فصول
389

الفصل الأول
في النية
(مسألة 987): يشترط في صحة الصوم النية بتمام عناصرها الثلاثة:
1 - نية القربة 2 - نية الإخلاص ونعني بذلك عدم الرياء، فالرياء في
الصوم محرم ومبطل له 3 - قصد الاسم الخاص المميز له شرعا، كصوم القضاء
والكفارة وصوم الاستئجار والنذر واليمين وصوم يوم الغدير وصوم التعويض
وغير ذلك، فإذا كان على ذمة المكلف أنواع من الصيام، كصوم النذر واليمين
والكفارة والقضاء، فإن صام قاصدا واحدا منها باسمه الخاص المميز له شرعا
صح وإلا لم يقع عن شيء منها، وأما صوم شهر رمضان فلا يجب فيه أن يصوم
بقصد أنه من رمضان، لأن تمييزه عن غيره لا يتوقف على ذلك، باعتبار أنه
مميز بزمانه الخاص، فإذا صام في شهر رمضان صح، وإن كان غافلا عن كون
ذلك الشهر شهر رمضان، بل لو نوى صوما آخر فيه جاهلا أو غافلا لم يقع، بل
وقع صوم شهر رمضان. نعم، إذا نوى فيه صوما آخر عامدا وملتفتا إلى الحكم
الشرعي بطل، ولا يحسب من صوم شهر رمضان، وهذه العناصر الثلاثة لابد
أن تكون مقارنة لكل جزء من أجزاء العمل وداعية إلى الإتيان به.
وعلى هذا فقد تسأل: أن النية لا يمكن أن تكون داعية وباعثة على الصوم
وترك المفطرات في تمام الحالات، فإن الصائم الذي ينام تمام اليوم أو بعضه
أو يغفل عن المفطرات فليس الباعث على الصيام وتركه المفطرات أمر الله تعالى،
بل هو نومه أو غفلته، فإذن كيف يمكن الحكم بصحة صومه في هذه الحالات؟
والجواب: أنه يكفي في نية القربة في الصوم أن يكون في نفس المكلف
390

باعث ودافع إلهي يمنعه عن ممارسة المفطرات فيما إذا لم يكن نائما ولا غافلا،
فالنائم والغافل إذا علم من نفسه أنه حتى لو لم ينم أو لم يغفل لا يمارس شيئا من
المفطرات من أجل الله تعالى كفاه ذلك في نية الصوم ولا يعتبر فيها أكثر من ذلك.
(مسألة 988): لا يجب قصد الوجوب والندب، إما أداء صوم رمضان فقد
مر أنه لا يتوقف على قصد كونه من رمضان أو بعنوان الأداء، وإما قضاؤه فإن
كانت ذمة المكلف مشغولة به فقط فلا تتوقف صحته على الإتيان به قاصدا
كونه من قضاء صوم رمضان تفصيلا، بل يكفي الإتيان به بقصد ما في الذمة،
وإن كانت ذمته مشغولة به وبغيره معا، وجب قصد الاسم الخاص لكل منهما،
وإلا لم يقع لشيء منهما كما مر، وأما أداء واجب آخر كالصلاة مثلا، فلا يجب
قصده إلا في مقام التمييز كالقضاء.
(مسألة 989): يعتبر في القضاء عن غيره قصد النيابة عن الغير، على ما
تقدم في النيابة في باب الصلاة.
(مسألة 990): لا يجب العلم بالمفطرات على التفصيل، فإذا قصد الصوم
عن المفطرات - إجمالا - كفى.
(مسألة 991): لا يقع في شهر رمضان صوم غيره ما دام الإنسان مكلفا
به فعلا، وأما إذا لم يكن مكلفا به كذلك كما إذا كان مسافرا، فلا يبعد صحة
وقوع صوم آخر فيه كما إذا نذر أن يصوم في السفر، فإذا سافر في شهر رمضان
وصام الصوم النذري فيه فالصحة غير بعيدة، وأما إذا نوى غيره بطل، إلا أن
يكون جاهلا به أو ناسيا له، فيجزئ عن رمضان - حينئذ - لا عما نواه.
(مسألة 992): يكفي في صحة صوم رمضان القصد إليه ولو إجمالا، فإذا
نوى الصوم المشروع في غد وكان من رمضان أجزأ عنه، أما إذا قصد صوم غد
391

دون توصيفه بخصوص المشروع لم يجز، وكذا الحكم في سائر أنواع الصوم من
النذر أو الكفارة أو القضاء، فما لم يقصد المعين لا يصح. نعم، إذا قصد ما في
ذمته وكان واحدا أجزأ عنه، ويكفي في صحة الصوم المندوب العام، نية صوم
غد قربة إلى الله تعالى شريطة أن لا يكون عليه صوم واجب.
(مسألة 993): وقت النية في صوم شهر رمضان طلوع الفجر وكذلك في
الصوم الواجب بالنذر في يوم معين، فلا يجوز أن تتأخر عن الفجر الصادق،
وأما في سائر أقسام الصيام الواجب فيمتد وقت النية إلى الزوال فلا يجوز
تأخيرها عنه، بل يجب أن تحدث قبل الزوال، وأما في الصوم المندوب فيمتد
وقتها إلى أن يبقى من النهار ما يمكن فيه تجديد النية، كل ذلك شريطة أن لا
يمارس شيئا من المفطرات منذ الفجر لحد الآن وهو زمان النية.
(مسألة 994): يكفي في صوم شهر رمضان أن ينويه كله بنية واحدة قبل
الشهر والظاهر كفاية ذلك في غيره أيضا، كصوم الكفارة ونحوها، ونقصد بالنية
وجود الداعي والباعث الإلهي في نفس المكلف على نحو يمنعه عن ممارسة
المفطرات إذا لم يكن نائما أو غافلا عنها، فما دام هذا الداعي والباعث الإلهي
كامنا في أعماق نفسه لولا الغفلة أو النوم كفاه في صحة الصوم، ولا فرق في ذلك
بين صوم شهر رمضان وغيره من الصوم المنذور أو الكفارات أو نحو ذلك.
(مسألة 995): إذا لم ينو الصوم في شهر رمضان لنسيان الحكم أو
الموضوع، أو للجهل بهما ثم تفطن قبل أن يستعمل مفطرا، فعليه أن ينوي
الصيام بأمل التقرب إلى الله تعالى وأن يقبله منه ثم يقضيه بعد ذلك.
(مسألة 996): إذا صام يوم الشك بنية أنه من شعبان ندبا أو قضاء أو
نذرا أجزأ عن صوم شهر رمضان إن كان ذلك اليوم من رمضان في الواقع، وإذا
392

تبين أنه من رمضان قبل الزوال أو بعده جدد النية، وإن صامه بنية أنه من
رمضان بطل، وأما إن صامه بنية القربة المطلقة بقصد ما في الذمة فيصح ولا
شيء عليه، وإن كان مترددا في انطباق ما نواه على صوم يوم أنه من رمضان
أو صوم يوم أنه من شعبان، وكذلك إذا نوى صوم ذلك اليوم بعينه على أمل
أنه إن كان من شعبان كان ندبا أو قضاء وإن كان من رمضان كان فرضا،
فالترديد إنما هو في تطبيق المنوي على ما في الخارج لا في النية، ولا فرق بين
الصورتين في هذه الناحية.
(مسألة 997): إذا صام يوم الشك بقصد أنه من رمضان، فلا شبهة في
بطلانه، وأما إذا صام برجاء أنه من رمضان فهل يبطل أو يصح؟
والجواب: الأقرب أنه صحيح، وإذا أصبح المكلف يوم الشك ناويا
الإفطار فتبين أنه من رمضان قبل أن يمارس شيئا من المفطرات، فإن كان ذلك
بعد الزوال، لم يكف تجديد النية، ووجب عليه قضاء ذلك اليوم والإمساك فيه
تأدبا وتشبها بالصائمين. وإن كان قبل الزوال فهل يجب عليه تجديد النية؟
والجواب: لا يجب على الأظهر، وإن كان الأحوط والأجدر به أن
يواصل صوم اليوم ويتمه ثم يقضي بعد ذلك.
(مسألة 998): تجب استدامة النية إلى آخر النهار، فإذا نوى القطع فعلا
أو تردد بطل، وكذا إذا نوى القطع فيما يأتي أو تردد فيه أو نوى المفطر مع العلم
بمفطريته، ونقصد بنية القطع أن ينوي المكلف قطع التزامه النفسي بالإمساك عن
المفطرات، وبنية القاطع أن ينوي تناول شيء من المفطرات والحركة نحوه، ومن
هنا يظهر أن التردد في القطع أو القاطع مانع من جهة أنه يمنع عن نية الإمساك
عنها، والالتزام به جزما التي هي معتبرة في صحة الصوم، وإذا تردد للشك في
393

صحة صومه فالظاهر الصحة، هذا في الواجب المعين، أما الواجب غير المعين
فهل يكفي الرجوع إلى نيته قبل الزوال؟
والجواب: الأظهر عدم الكفاية.
(مسألة 999): لا يصح العدول من صوم إلى صوم، سواء أكانا واجبين
أو مستحبين أم كان أحدهما مستحبا والآخر واجبا، وأما إذا صام بنية شعبان
ثم بان أنه من رمضان فيجدد النية، ولكن ذلك ليس من باب العدول من صوم
شعبان إلى صوم رمضان بل هو يحسب من رمضان للنص.
الفصل الثاني
المفطرات
وهي أمور:
الأول، والثاني: الأكل والشرب مطلقا، ولو كانا قليلين حتى الأجزاء
الصغيرة من الطعام التي تتخلف بين الأسنان، فإنه لا يجوز للصائم ابتلاعها، أو
غير معتادين كابتلاع الحصى أو التراب، بل لا يجوز حتى ابتلاع الغبار المشتمل
على أجزاء ترابية ظاهرة للعيان.
الثالث: الجماع قبلا فاعلا ومفعولا به حيا وميتا، وأما الإيلاج في دبر
امرأة أو ذكر أو ميت أو بهيمة من دون إنزال فهو مبني على الاحتياط، فإذا فعل
الصائم ذلك في نهار شهر رمضان من دون إنزال عامدا وملتفتا، فالأحوط
والأجدر به وجوبا أن يجمع بين إتمام صيام ذلك اليوم والقضاء بعد ذلك، ولو
قصد الجماع قبلا وشك في الدخول أو بلوغ مقدار الحشفة بطل صومه، ولكن لم
394

تجب الكفارة عليه. ولا يبطل الصوم إذا قصد التفخيذ - مثلا - فدخل في أحد
الفرجين من غير قصد، وكذلك لا يبطل بإدخال الإصبع ونحوه لا بقصد الإنزال،
ولا يبطل بالجماع إذا كان نائما أو ناسيا، وأما إذا كان مكرها فإن كان الإكراه
على الجماع مباشرة على نحو لا يقدر على تركه فلا يكون مبطلا، وإن كان عليه
بسبب التوعيد بالقتل أو نحوه، فالجماع حينئذ وإن كان جائزا ولا كفارة عليه،
إلا أنه مبطل، باعتبار أنه كان باختياره، وإذا شك في الدخول أو شك في
بلوغ مقدار الحشفة لم يبطل صومه، شريطة أن لا ينوي الدخول من الأول، وإلا
بطل من جهة نية المفطر.
الرابع: الكذب على الله تعالى، أو على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو على الأئمة (عليهم السلام)،
بل الأحوط وجوبا إلحاق سائر الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) بهم، من غير فرق بين
أن يكون في الحلال والحرام أو في القصص والحكايات والمواعظ، وإذا أخبر
الصائم عن الله تعالى أو عن رسوله (صلى الله عليه وآله) أو عن أحد الأئمة الأطهار (عليهم السلام) قاصدا
الصدق وكان في الواقع كذبا لم يبطل بذلك صومه، وإذا كان قاصدا الكذب
وكان في الواقع صدقا بطل به صومه من جهة أنه قصد المفطر، ولا فرق في
بطلان الصوم بالكذب على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) أو على أحد الأئمة (عليهم السلام) بين أن
يرجع الكاذب عن كذبه بلا فصل أو ندم وتاب أو لا، كما أنه لا فرق في ذلك
بين أن يكون الخبر الكاذب مكتوبا في كتاب أو لا، فإنه مع العلم بكذبه لا
يجوز الإخبار به، بأن يقول قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كتاب الكافي كذا وكذا أو
قال الصادق (عليه السلام) في الوسائل كذا. نعم، إذا قال روي في الكتاب الفلاني عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) كذا وعن الصادق (عليه السلام) كذا أو هكذا ذكر في الكتاب الفلاني فلا
بأس به، ولا يبطل بذلك صومه، وأما مع الظن بالكذب أو احتماله، فلا يجوز له
الإخبار به على نحو الجزم، ولكن إذا أخبر به كذلك فهل يبطل صومه؟
395

والجواب: الأقرب عدم البطلان، وإن كانت مراعاة الاحتياط أولى وأجدر.
(مسألة 1000): إذا تكلم بالكذب غير موجه خطابه إلى أحد، أو موجها
إلى من لا يفهم ففي بطلان صومه إشكال، والاحتياط لا يترك.
الخامس: الارتماس وهو رمس تمام الرأس وبكامله في الماء دفعة أو
تدريجا، والأحوط والأجدر بالصائم وجوبا أن لا يصنع ذلك، ولا يقدح رمس
أجزائه على التعاقب وإن استغرق الجميع على دفعتين أو دفعات، بأن يغمس
نصف رأسه في الماء دون النصف الآخر وبعد إخراجه من الماء يغمس النصف
الآخر فيه، بحيث يتم غمس الرأس بالكامل على دفعتين، وكذا إذا ارتمس فيه
وعلى رأسه ما يقيه من الماء كزجاجة ونحوها كما يصنعه الغواصون.
(مسألة 1001): في إلحاق المضاف بالماء إشكال، والأحوط وجوبا الإلحاق.
(مسألة 1002): إذا ارتمس الصائم عمدا ناويا للاغتسال، فإن كان ناسيا
لصومه صح صومه وغسله، وأما إذا كان ذاكرا، فإن كان في شهر رمضان بطل
غسله وصومه على الأحوط، وكذلك الحكم في قضاء شهر رمضان بعد الزوال
على الأحوط لزوما، وأما في الواجب المعين غير شهر رمضان فيبطل صومه
على الأحوط بنية الارتماس، والظاهر صحة غسله إلا أن الاحتياط لا ينبغي
تركه، وأما في غير ذلك من الصوم الواجب أو المستحب فلا ينبغي الإشكال في
صحة غسله، وإن بطل صومه على الأحوط.
(مسألة 1003): إذا غمس الصائم رأسه في الماء بكامله سهوا لم يبطل
صومه ولا غسله، وكذلك إذا وقع في الماء قهرا ومن دون إرادة واختيار وغمس
رأسه فيه، وأما إذا اكره الصائم على الارتماس، فإن كان الإكراه عليه مباشرة
بأن أخذ بيده وألقاه في الماء فلا يكون ذلك مبطلا له، لأنه صدر منه قهرا ومن
396

دون قصد، وإن كان الإكراه عليه بسبب التوعيد بالقتل أو غيره إذا لم يفعل،
فحينئذ إن فعل وإن لم يكن آثما إلا أن صومه باطل على الأحوط، لأنه صدر
منه باختياره، وأما إذا اضطر إليه لإنقاذ غريق مثلا فحينئذ وإن كان جائزا، إلا
أن صومه يبطل بذلك على الأحوط.
(مسألة 1004): لا بأس بإفاضة الماء على رأسه، وإن اشتمل على جميع
أطرافه شريطة أن لا يصدق عليه عنوان الغمس، كما إذا اغتسل تحت أنبوب أو
ميزاب أو نحو ذلك، فإنه لا يصدق عليه أنه غمس رأسه بكامله في الماء. نعم،
إذا غمس رأسه أو تمام بدنه من الرأس إلى القدم في النهر الجاري من العالي إلى
السافل سواء كان على وجه التسنيم أو التسريح بطل صومه على الأحوط.
السادس: إيصال الغبار الغليظ وهو المشتمل على أجزاء ترابية للعيان،
وأما غير المشتمل عليها فلا يكون مفطرا، وإن كان الأحوط الاجتناب عنه،
والأحوط وجوبا أن لا يدخل الدخان في جوفه.
السابع: تعمد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر، والأظهر اختصاص
ذلك بشهر رمضان وقضائه، أما غيرهما من الصوم الواجب أو المندوب فلا
يقدح فيه ذلك.
(مسألة 1005): يبطل قضاء صوم شهر رمضان بالإصباح جنبا وإن كان
عن غير عمد، وأما في صوم رمضان فالأظهر أنه أيضا يبطل بذلك، إذا كان في
النومة الثانية لا مطلقا.
(مسألة 1006): لا يبطل الصوم - واجبا أو مندوبا، معينا أو غيره -
بالاحتلام في أثناء النهار، كما لا يبطل البقاء على حدث مس الميت - عمدا -
حتى يطلع الفجر.
397

(مسألة 1007): إذا أجنب نفسه متعمدا - ليلا - في وقت لا يسع الغسل
ولا التيمم ملتفتا إلى ذلك، فهو من تعمد البقاء على الجنابة وعليه القضاء
والكفارة وإمساك ذلك اليوم تشبها بالصائمين. وهل يجوز له إن أجنب نفسه
كذلك في وقت يسع للتيمم من دون الغسل؟
والجواب: أن الجواز غير بعيد وإن كان الأحوط ترك ذلك، وحينئذ فإن
تيمم صح صومه، والأحوط استحبابا قضاؤه، وإن ترك التيمم عامدا وملتفا
فعليه القضاء والكفارة مع إمساك هذا اليوم.
(مسألة 1008): إذا نسي غسل الجنابة - ليلا - حتى مضى يوم أو أيام من
شهر رمضان بل تمام الشهر بطل صومه، وعليه القضاء دون غيره من الواجب
المعين وغيره، والأقوى عدم إلحاق غسل الحيض والنفاس إذا نسيته المرأة
بالجنابة، وإن كان الإلحاق أحوط استحبابا وأولى.
(مسألة 1009): إذا كان المجنب لا يتمكن من الغسل لمرض ونحوه، وجب
عليه التيمم قبل الفجر، فإن تركه بطل صومه وعليه القضاء والكفارة إذا كان
متعمدا وصوم ذلك اليوم تأدبا، وإن تيمم فالأولى له أن يبقى مستيقظا إلى أن
يطلع الفجر.
(مسألة 1010): إذا ظن سعة الوقت للغسل فأجنب نفسه، فبان الخلاف
فلا شيء عليه، إذا اعتمد على حجة في بقاء الوقت كالاستصحاب، وإن لم
يعتمد عليها وحينئذ فإن كان باعتقاد أن ظنه حجة واعتمد عليه فلا شيء عليه
أيضا، وإلا فعليه القضاء والكفارة والإمساك طيلة النهار على أساس أنه أصبح
جبنا متعمدا.
ولمزيد من التعرف على فروع هذه المسألة تطبيقيا نذكر عدة مسائل:
398

الاولى: الجنب في شهر رمضان ليلا بجماع أو احتلام أو غيره، إذا كان
واثقا ومطمئنا بأنه إذا نام قبل أن يغتسل انتبه من النوم قبل أن يطلع الفجر،
يسمح له أن ينام تاركا للاغتسال معتمدا على الانتباه آخر الليل في وقت يسع
للغسل، وفي هذه الحالة إذا نام واستمر به النوم اتفاقا إلى أن طلع الفجر فلا
شيء عليه ويصح صومه.
الثانية: إذا لم يكن الصائم واثقا ومتأكدا بذلك، لا يسمح له أن ينام قبل
أن يغتسل، حيث يحتمل أنه إذا نام يفوت منه الغسل قبل طلوع الفجر باعتبار
أنه لا يكون معتادا على الانتباه آخر الليل، وفي هذه الحالة إذا نام ولم يغتسل
واستمر به النوم إلى أن طلع الفجر، فعليه أن يمسك ذلك اليوم ثم يقضي ويكفر.
الثالثة: إذا نام الجنب معتمدا على اطمئنانه ووثوقه بالانتباه، وانتبه في
أثناء الليل، وحينئذ فإذا أراد أن ينام ثانيا، فإن كان واثقا ومتأكدا بالانتباه
قبل طلوع الفجر، يسمح له أن ينام وإلا فلا، كما هو الحال في النوم الأول، وفي
هذه الحالة التي يسمح له بالنوم ثانيا إذا نام واثقا بالانتباه ولم ينتبه واستمر به
النوم إلى أن طلع الفجر، فالظاهر بطلان صومه وعليه إمساك هذا اليوم تأدبا
وقضاؤه بعد ذلك.
الرابعة: أن وجوب القضاء لا ينفك عن وجوب الكفارة في النومة الاولى،
فإن الصائم في هذه النومة إن كان مطمئنا بالانتباه قبل طلوع الفجر فنام ولم
ينتبه اتفاقا إلى الفجر، صح صومه ولا شيء عليه، وإن لم يكن مطمئنا بذلك
ومع هذا إذا نام ولم يغتسل متعمدا واستمر به النوم إلى الفجر فعليه أن يمسك
اليوم تشبها بالصائمين ثم يقضي ويكفر.
الخامسة: إذا احتلم في حالة النوم ليلا وصار جنبا، فإن لم يستيقظ من
399

النوم واستمر به إلى أن طلع الفجر فلا شيء عليه ويصح صومه، وإن أفاق من
نومه الذي احتلم فيه ونام ثانيا قبل أن يغتسل، وحينئذ فإن كان واثقا ومطمئنا
بالانتباه قبل طلوع الفجر من جهة أنه اعتاد ذلك، ولكن استمر به النوم اتفاقا
إلى أن طلع الفجر، فالأحوط والأجدر به وجوبا أن يصوم ذلك اليوم بأمل أن
يقبل الله تعالى منه رجاء ثم يقضي بعد ذلك، وإن لم يكن واثقا ومطمئنا بالانتباه
ولم ينتبه واستمر به النوم إلى الصبح، فعليه القضاء والكفارة والإمساك طيلة
النهار تأدبا، والحاصل أن المعيار العام لجواز نوم الجنب في شهر رمضان قبل أن
يغتسل إنما هو بالوثوق والاطمئنان بالانتباه قبل طلوع الصبح، في وقت يسع
للغسل بلا فرق فيه بين النوم الأول والثاني، والمراد بالنوم الثاني في مقابل الأول
أعم من الثالث والرابع، كما أن المعيار في وجوب الكفارة إنما هو بتعمد البقاء
على الجنابة إلى الفجر وإن كان في النومة الاولى، وأما وجوب القضاء فهو لا يدور
مدار عنوان التعمد بل قد يجب القضاء من دون صدق ذلك، كما إذا نام نومة ثانية
واثقا ومطمئنا بالانتباه قبل الفجر ولكن استمر به النوم اتفاقا إلى أن طلع الفجر
، بطل صومه وعليه أن يمسك طيلة النهار ثم يقضي ولا كفارة عليه.
(مسألة 1011): حدث الحيض كالجنابة في أن تعمد البقاء عليه مبطل
للصوم في رمضان دون غيره، وإذا حصل النقاء في وقت لا يسع الغسل ولا
التيمم أو لم تعلم بنقائها حتى طلع الفجر صح صومها، والأحوط الأولى إلحاق
النفساء بالحائض.
(مسألة 1012): تشترط صحة صوم المستحاضة بالاستحاضة الكبرى
بالغسل لصلاة الصبح والغسل للظهرين والغسل للعشائين في الليلة الماضية، فإن
غسل العشائين شرط في صحة صومها في الغد ولا يكون شرطا لصحة صومها
في اليوم الماضي، فإذا صامت المستحاضة الكبرى يوم الخميس فصحة صومها
400

في هذا اليوم مشروطة بالغسل للعشائين في ليلة الخميس، كما أنها مشروطة
بالغسل لصلاة الصبح ليوم الخميس وبالغسل للظهرين فيه، فإذا تركت أحد هذه
الأغسال بطل صومها، ولا يجب تقديم غسل الصبح على الفجر بل لا يجزي
لصلاة الصبح إلا مع وصلها به، وإذا اغتسلت لصلاة الليل لم تجتزئ به للصبح،
ولو مع عدم الفصل المعتد به، وأما صحة صوم المستحاضة الوسطى أو الصغرى
فلا تكون مشروطة بقيامها بأعمالها كما هو الحال في المستحاضة الكبرى.
(مسألة 1013): إذا أجنب في شهر رمضان ليلا ونام حتى أصبح، ففي هذه
الحالة إن كان واثقا ومطمئنا بالانتباه قبل الفجر في وقت يسع للغسل من جهة
أنه كان معتاد الانتباه فلا شيء عليه ويصح صومه، وإن لم يكن واثقا ومطمئنا
بذلك، فعليه القضاء والكفارة والإمساك طيلة النهار، بلا فرق فيه بين أن يكون
ناويا الغسل إذا استيقظ من النوم أو لا كما مر، وإن كان نومه هذا عن ذهول
وغفلة إلى أن طلع الفجر، فحينئذ إن كان الذهول والغفلة مستندا إلى تسامحه في
الدين وعدم مبالاته به بحيث لو كان ملتفتا لنام أيضا، فعليه القضاء والكفارة
والامساك ايضا، وإن لم يكن مستندا إلى تقصيره فلا شيء عليه ويصح صومه.
(مسألة 1014): يجوز النوم الأول والثاني مع الوثوق بالاستيقاظ على أثر
كونه معتاد الانتباه قبل الفجر، وإذا لم يكن معتاد الانتباه لم يجز، ومع هذا إذا نام
ولم يستيقظ إلى الفجر فعليه القضاء والكفارة كما مر.
(مسألة 1015): إذا احتلم في نهار شهر رمضان لا تجب المبادرة إلى الغسل
منه، ويجوز له الاستبراء بالبول، وإن علم ببقاء شيء من المني في المجرى،
ولكن لو اغتسل قبل الاستبراء بالبول، فالأحوط الأولى تأخيره إلى ما بعد
المغرب.
401

(مسألة 1016): لا يعد النوم الذي احتلم فيه ليلا من النوم الأول، بل إذا
أفاق ثم نام كان نومه بعد الإفاقة هو النوم الأول.
(مسألة 1017): الظاهر إلحاق النوم الثالث والرابع والخامس بالثاني.
(مسألة 1018): الأقوى عدم إلحاق الحائض بالجنب، فيصح صوم
الحائض إذا نقت من دم الحيض إذا لم تتوان في الغسل، وإن كان بقاؤها على
الحدث في النومة الثانية، أو الثالثة وأما إذا توانت أن تغتسل حتى أصبحت،
يبطل صومها وعليها قضاء ذلك اليوم، وهذا بخلاف الجنب، فإنه إذا بقي على
الجنابة مع عدم التواني في الغسل في النومة الثانية أو الثالثة بطل صومه وعليه
قضاؤه كما تقدم، وأما النفساء فلا يجب عليها أن تبادر إلى الغسل قبل الطلوع
الفجر، وإن كان الأحوط استحبابا ذلك.
الثامن: الاستمناء وهو إنزال المني باليد أو بآلة أو بالملاعبة والمداعبة،
فإذا انزل المني بممارسة شيء من تلك الأفعال، فإن كان قاصدا بها ذلك بطل
صومه وعليه القضاء والكفارة، وكذلك إذا كان غير واثق من نفسه عدم سبقه
المني إذا مارس شيئا من تلك الأفعال وإن كان غير قاصد ذلك. نعم، إذا مارس
شيئا منها ولم يكن قاصدا بذلك إنزال المني، وكان واثقا من نفسه عدم نزوله
ولكن سبقه المني فعليه القضاء دون الكفارة، والأحوط والأجدر به أن يواصل
صيامه بأمل التقرب إلى الله تعالى ثم يقضي، وقد تسأل: أن الصائم إذا تصور
صورة المواقعة أو تخيل صورة امرأة من دون ممارسة أي فعل خارجي بقصد
إنزال المني فأنزل، فهل يبطل صومه؟
والجواب: أن البطلان لا يخلو من إشكال، والأحوط وجوبا أن يواصل
صيامه بأمل أن يقبل الله تعالي منه ثم يقضي بعد شهر رمضان.
402

التاسع: الاحتقان بالمائع في المخرج المعتاد، فإنه يفسد الصيام دون
الاحتقان بالجامد.
(مسألة 1019): ما يصل إلى جوف الإنسان من غير طريق الحلق لا يكون
مبطلا لصومه، كما إذا وصل إليه من طريق صب دواء في جرح مفتوح في جسمه
أو زرق إبرة إلى بدنه مهما كان نوع الإبرة، ومن ذلك ما يسمى بالمغذي الذي
يزرق في جسم المريض مما لا يسمى أكلا أو شربا. نعم، إذا فرض إحداث منفذ
لوصول الغذاء إلى الجوف من غير طريق الحلق، فلا يبعد صدق الأكل والشرب
حينئذ فيفطر به، كما هو كذلك إذا كان بنحو الاستنشاق من طريق الأنف.
(مسألة 1020): لا يجوز ابتلاع ما يخرج من الصدر على الأحوط، وأما ما
ينزل من الرأس كالنخامة إذا وصل إلى فضاء الفم فلا يبعد جواز ابتلاعه، وإن
كان الأحوط استحبابا تركه، وأما ما لم يصل إلى فضاء الفم فلا بأس به.
(مسألة 1021): لا بأس بابتلاع البصاق المجتمع في الفم وإن كان كثيرا،
وكان اجتماعه باختياره كتذكر الحامض مثلا.
العاشر: تعمد القيء يفسد الصوم ويبطله وإن كان لضرورة من علاج مرض
ونحوه، غير أنه في هذه الحالة يجوز للصائم التقيء إذا كان العلاج متوقفا عليه
وإن بطل صومه. نعم، إذا كان القيء غير اختياري وكان اتفاقيا لم يضر بالصوم.
(مسألة 1022): إذا خرج بالتجشؤ شيء ثم نزل من غير اختيار لم يكن
مبطلا، وإذا وصل إلى فضاء الفم فابتلعه - اختيارا - بطل صومه وعليه الكفارة
على الأحوط لزوما.
(مسألة 1023): إذا ابتلع في الليل ما يوجب قيؤه في النهار بطل صومه
شريطة أن يريد القيء نهارا، وإلا فلا يبطل صومه على الأظهر، من غير فرق
403

في ذلك بين الواجب المعين وغير المعين، كما أنه لا فرق بين ما إذا انحصر إخراج
ما ابتلعه بالقيء وعدم الانحصار به.
(مسألة 1024): ليس من المفطرات مص الخاتم، ومضغ الطعام للصبي،
وذوق المرق ونحوها مما لا يتعدى إلى الحلق، أو تعدى من غير قصد، أو نسيانا
للصوم، أما ما يتعدى - عمدا - فمبطل وإن قل، ومنه ما يستعمل في بعض البلاد
المسمى عندهم بالنسوار، فإنه مبطل إذا تعدى إلى الحلق وإلا فلا، وكذا لا
بأس بمضغ العلك وإن وجد له طعما في ريقه، ما لم تتفتت أجزاؤه، ولا بمص
لسان الزوج والزوجة، والأحوط لزوما الاقتصار على صورة ما إذا لم تكن
عليه رطوبة.
(مسألة 1025): يكره للصائم ملامسة النساء وتقبيلها وملاعبتها إذا كان
واثقا من نفسه بعدم الإنزال، ويكره له الاكتحال بما يصل طعمه أو رائحته إلى
الحلق كالصبر والمسك، وكذا دخول الحمام إذا خشي الضعف، وإخراج الدم
المضعف، والسعوط مع عدم العلم بوصوله إلى الحلق، وشم كل نبت طيب الريح،
وبل الثوب على الجسد، وجلوس المرأة في الماء، والحقنة بالجامد، وقلع
الضرس بل مطلق إدماء الفم، والسواك بالعود الرطب، والمضمضة عبثا، وإنشاد
الشعر إلا في مراثي الأئمة (عليهم السلام) ومدائحهم. وفي الخبر: " إذا صمتم فاحفظوا
ألسنتكم عن الكذب، وغضوا أبصاركم ولا تنازعوا، ولا تحاسدوا ولا تغتابوا،
ولا تماروا، ولا تكذبوا، ولا تباشروا، ولا تخالفوا، ولا تغضبوا، ولا تسابوا،
ولا تشاتموا، ولا تنابزوا، ولا تجادلوا، ولا تباذوا، ولا تظلموا، ولا تسافهوا،
ولا تزاجروا، ولا تغفلوا عن ذكر الله تعالى " الحديث طويل.
404

تتميم
المفطرات العشرة إنما تفسد الصوم إذا وقعت من الصائم على وجه القصد
والالتفات، ولا فرق في ذلك بين العالم بالحكم والجاهل به، والظاهر عدم الفرق
في الجاهل بين القاصر والمقصر، بل الظاهر فساد الصوم بارتكاب المفطر حتى
مع الاعتقاد بأنه حلال وليس بمفطر كما في الجاهل المركب. نعم، إذا وقعت تلك
المفطرات من الصائم على غير وجه العمد، كما إذا صدر منه شيء معتقدا أنه
ليس من العشرة ولكنه كان في الواقع منها، فلا يبطل الصوم بذلك، ومثاله أن
يعتقد بأن المائع الخارجي الفلاني مضاف فارتمس فيه فتبين أنه ماء، أو أخبر
عن الله ما يعتقد أنه صدق فتبين كذبه، أو يدخل في جوفه شيء قهرا بدون
اختياره كما إذا فتح فم الصائم عنوة وقهرا وزرق ماء إلى جوفه أو غير ذلك،
ويستثنى من حالة عدم القصد موردان:
أحدهما: أن من تمضمض بالماء فسبقه ودخل في جوفه قهرا بطل صومه
وعليه القضاء، إلا إذا كان في وضوء لصلاة فريضة.
والآخر: أن الصائم إذا لزق بزوجته وهو واثق بعدم نزول المني منه، ولكن
سبقه المني وخرج من دون قصد، فعليه إتمام الصوم بنية القربة رجاء ثم القضاء.
(مسألة 1026): إذا أفطر مكرها بطل صومه، وكذا إذا كان لتقية سواء
كانت التقية في ترك الصوم، كما إذا أفطر في عيدهم تقية، أم كانت في أداء الصوم،
كالإفطار قبل الغروب، والارتماس في نهار الصوم، فإنه يجب عليه الإفطار
- حينئذ - ولكن يجب القضاء.
(مسألة 1027): إذا غلب على الصائم العطش وخاف الضرر من الصبر
405

عليه، أو كان حرجا، جاز أن يشرب بمقدار الضرورة، ويفسد بذلك صومه،
ويجب عليه الإمساك في بقية النهار إذا كان في شهر رمضان على الأظهر، وأما
في غيره من الواجب الموسع أو المعين فلا يجب.
الفصل الثالث
كفارة الصوم
تجب الكفارة بتعمد شيء من المفطرات إذا كان الصوم مما تجب فيه
الكفارة، وهو على أقسام:
الأول: صوم شهر رمضان.
الثاني: صوم النذر المعين.
الثالث: صوم الاعتكاف.
وأما قضاء شهر رمضان بعد الزوال فكفارته مبنية على الاحتياط.
ثم إن وجوب الكفارة مختص بمن يمارس شيئا من المفطرات عالما عامدا
بل جاهلا بسيطا إذا كان مقصرا. نعم، إذا كان قاصرا وجاهلا مركبا وإن كان
مقصرا فلا كفارة عليه. نعم، إذا كان عالما بحرمة ما يرتكبه، كالكذب على الله
سبحانه وجبت الكفارة أيضا، وان كان جاهلا بمفطريته.
(مسألة 1028): كفارة إفطار يوم من شهر رمضان مخيرة بين عتق رقبة،
وصوم شهرين متتابعين، وإطعام ستين مسكينا، لكل مسكين مد وهو يساوي
ثلاثة أرباع الكيلو تقريبا، وكفارة إفطار قضاء شهر رمضان بعد الزوال كفارة
نفس صوم شهر رمضان على الأحوط، فإن لم يتمكن فلا شيء عليه، وإن كان
406

الأولى والأجدر به أن يصوم ثلاثة أيام أو يتصدق بما يطيق، وكفارة إفطار
الصوم المنذور المعين كفارة يمين، وهي عتق رقبة، أو أطعام عشرة مساكين،
لكل واحد مد، أو كسوة عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام متواليات.
(مسألة 1029): تتكرر الكفارة بتكرر الموجب في يومين، لا في يوم واحد
إلا في الجماع والاستمناء، فإنها تتكرر بتكررهما، ومن عجز عن الخصال الثلاث
فالأقوى أن يتصدق بما يطيق، وإذا تمكن من التكفير بعد ذلك لزمه على الأظهر.
(مسألة 1030): لا يجب في الإفطار على الحرام كفارة الجمع بين الخصال
الثلاث المتقدمة، وإن كان الجمع أولى وأحوط.
(مسألة 1031): إذا أكره زوجته على الجماع في صوم شهر رمضان،
فالأحوط الأولى أن عليه كفارتين وتعزيرين، خمسين سوطا، ولا فرق في
الزوجة بين الدائمة والمنقطعة، ولا تلحق بها الأمة، كما لا تلحق بالزوج الزوجة
إذا أكرهت زوجها على ذلك.
(مسألة 1032): إذا علم أنه أتى بما يوجب فساد الصوم، وتردد بين ما
يوجب القضاء فقط، أو يوجب الكفارة معه، لم تجب عليه الكفارة، وإذا علم
أنه أفطر أياما ولم يدر عددها اقتصر في الكفارة على القدر المعلوم، وإذا شك
في أنه أفطر بالحلال أو الحرام كفاه إحدى الخصال وقد تقدم أنه لا يبعد
كفايتها، وإن علم أنه أفطر بالحرام، وإذا شك في أن اليوم الذي أفطره كان من
شهر رمضان أو كان من قضائه وقد أفطر قبل الزوال لم تجب عليه الكفارة، وإن
كان قد أفطر بعد الزوال كفاه إطعام ستين مسكينا.
(مسألة 1033): إذا أفطر عمدا ثم سافر قبل الزوال لم تسقط عنه الكفارة،
وكذلك إذا سافر قبل الزوال للفرار عنها بل وكذا لو بدا له السفر لا بقصد الفرار.
407

وأما إذا أفطر متعمدا ثم عرض عليه عارض قهري كالحيض أو النفاس أو
المرض أو غير ذلك من الأعذار، فهل تسقط عنه الكفارة؟
والجواب: الأظهر عدم سقوطها.
(مسألة 1034): إذا كان الزوج مفطرا لعذر، فأكره زوجته الصائمة على
الجماع، لم يتحمل الزوج عنها الكفارة، كما أنها لا تجب عليها، وهل عليه إثم
على ذلك؟
والجواب: أن إكراهها إن كان مستلزما لارتكاب حرام كالإيذاء أو
الضرب أو الشتم وغير ذلك لم يجز، ولو فعل فعليه الإثم، وإن لم يستلزم ذلك
فلا إثم عليه، لا بملاك نفس الإكراه ولا بملاك التسبيب.
(مسألة 1035): يجوز التبرع بالكفارة عن الميت صوما كانت أو غيره،
وفي جوازه عن الحي إشكال والأظهر عدمه. نعم، إذا كانت الكفارة متمثلة في
العتق أو الإطعام كانت قابلة للتوكيل عن الحي، وإذا كانت متمثلة في الصوم لم
تكن قابلة له أيضا، لأن المعتبر في الصوم المباشرة.
(مسألة 1036): وجوب الكفارة موسع، ولكن لا يجوز التأخير إلى حد
يعد توانيا وتسامحا في أداء الواجب.
(مسألة 1037): مصرف كفارة الإطعام، الفقراء إما بإشباعهم، وإما
بالتسليم إليهم، كل واحد مد، والأحوط استحبابا مدان، ويجزئ مطلق الطعام
من التمر والحنطة والدقيق والأرز والماش وغيرها مما يعتبر طعاما. نعم،
الأحوط لزوما في كفارة اليمين الاقتصار على الحنطة ودقيقها وخبزها.
(مسألة 1038): لا يجزئ في الكفارة إشباع شخص واحد مرتين أو أكثر،
أو إعطاؤه مدين أو أكثر، بل لابد من ستين نفسا.
408

(مسألة 1039): إذا كان للفقير عيال فقراء جاز إعطاؤهم بعددهم إذا كان
وليا عليهم، أو وكيلا عنهم في القبض، فإذا قبض شيئا من ذلك كان ملكا لهم،
ولا يجوز التصرف فيه إلا بإذنهم إذا كانوا كبارا، وإن كانوا صغارا صرفه في
مصالحهم كسائر أموالهم.
(مسألة 1040): زوجة الفقير إذا كان زوجها باذلا لنفقتها على النحو
المتعارف لا تكون فقيرة، ولا يجوز إعطاؤها من الكفارة، إلا إذا كانت محتاجة
إلى نفقة غير لازمة للزوج من وفاء دين ونحوه.
(مسألة 1041): تبرأ ذمة المكفر بمجرد ملك المسكين، ولا تتوقف البراءة
على أكله الطعام، فيجوز له بيعه عليه وعلى غيره.
(مسألة 1042): تجزئ حقة النجف - التي هي ثلاث حقق إسلامبول
وثلث - عن ستة أمداد، وكل مد ثلاثة أرباع الكيلو.
(مسألة 1043): في التكفير بنحو التمليك يعطى الصغير والكبير سواء، كل
واحد مد.
(مسألة 1044): يجب القضاء دون الكفارة في موارد:
الأول: نوم الجنب مرة ثانية واثقا ومتأكدا بالانتباه قبل طلوع الفجر في
وقت يسع للغسل، ولكن اتفاقا استمر به النوم إلى الصبح، فإن عليه القضاء
دون الكفارة على تفصيل قد مر.
الثاني: إذا أبطل صومه بالإخلال بالنية بالرياء أو بنية القطع أو القاطع،
من دون ممارسة شيء من المفطرات، فإنه يجب عليه القضاء دون الكفارة.
الثالث: إذا نسي غسل الجنابة يوما أو أكثر بل تمام الشهر، فإنه يجب
عليه القضاء دون الكفارة.
409

الرابع: أن الصائم إذا أكل أو شرب في وقت يشك في طلوع الفجر فيه
معتمدا على الاستصحاب تاركا الفحص والتأكد من عدم طلوعه، ثم تبين له أن
الفجر كان طالعا، فعليه أن يتم صومه تأدبا ويقضي يوما آخر بعد شهر رمضان،
وإذا أكل وشرب بعد الفحص والتأكد والاعتقاد بعدم الطلوع ثم ظهر له أن الفجر
كان طالعا، فلا شيء عليه.
الخامس: أن من أكل أو شرب واثقا ومعتقدا بقاء الليل وعدم طلوع الفجر،
من دون النظر والفحص ثم تبين له بعد ذلك أن الفجر كان طالعا حين أكل أو
شرب، فإنه وإن كان ليس بآثم حينما يفعل ذلك إلا أن صومه باطل، وعليه أن
يمسك ذلك اليوم تشبها بالصائمين والقضاء بعد شهر رمضان، ولا فرق فيه بين
أن يكون متمكنا من النظر والفحص ولم يفحص، وأن لا يكون متمكنا
كالأعمى والمحبوس ونحوهما.
السادس: أن من نظر إلى الفجر وتأكد ولكن لم يثق بعدم الطلوع، وكان
يبقى شاكا فيه ومع ذلك أكل أو شرب معتمدا على الاستصحاب، ثم تبين له بعد
ذلك أن الفجر كان طالعا حين أكل أو شرب، فإن عليه القضاء دون الكفارة،
وإذا حصل له الوثوق والاطمئنان من النظر بعدم طلوع الفجر فأكل أو شرب ثم
بعد ذلك تبين له أن الفجر كان طالعا حين أكل أو شرب فلا شيء عليه. ثم إن
هذا الحكم مختص بصوم شهر رمضان، وأما صوم غيره فيبطل بذلك، وإن كان
بعد النظر إلى الفجر والفحص عنه مباشرة وحصول الاعتقاد بعدم طلوعه.
السابع: أن من أكل أو شرب في آخر النهار اعتقادا منه بأن المغرب قد
دخل، ثم تبين له بعد ذلك أن النهار كان لا يزال باقيا حين أكل أو شرب، فإن
عليه القضاء بلا فرق بين أن يكون اعتقاده بدخول المغرب من جهة قيامه
بالنظر والتأكد منه بصورة مباشرة، أو من جهة اخرى، وإذا أكل أو شرب وهو
410

شاك في دخول المغرب وانتهاء النهار، من دون أن يكون واثقا ومطمئنا بدخوله
بشكل مباشر أو بإخبار ثقة أو بأذانه، فعليه القضاء والكفارة، وإن لم يتبين له
بعد ذلك أن النهار لا يزال باقيا حين أكل أو شرب. نعم، إذا اتضح له بعد ذلك
أن المغرب قد دخل حين أكل أو شرب، فلا شيء عليه وصيامه صحيح.
الثامن: أن من أفطر في آخر النهار ظانا أو معتقدا بأن الشمس قد غابت
من جهة وجود السحاب في السماء أو نحوه، ثم رأى الشمس بعد ذلك وأنها
كانت لا تزال باقية حين أفطر، فهل عليه قضاء أو لا؟
والجواب: أن عليه القضاء.
التاسع: إدخال الماء إلى الفم بمضمضة وغيرها، فيسبق ويدخل الجوف،
فإنه يوجب القضاء دون الكفارة، أما إذا نسي فابتلعه فلا قضاء عليه، وكذا إذا
كان في مضمضة وضوء صلاة الفريضة، وأما التعدي إلى النافلة فهو مشكل بل
لا يجوز.
العاشر: سبق المني بالملاعبة ونحوها اتفاقا، مع عدم قصده وكونه واثقا
من نفسه لعدم خروجه منه ولا من عادته ذلك، فإنه يوجب القضاء عليه دون
الكفارة.
(مسألة 1045): لا يسمح شرعا لمن بطل صيامه أثناء نهار شهر رمضان
أن يأكل أو يشرب أو يرتكب أي مفطر، آخر بل عليه أن يمسك عن جميع
المفطرات تشبها بالصائمين.
411

الفصل الرابع
شرائط وجوب الصوم
وهي امور:
1 - البلوغ 2 - العقل 3 - الخلو من الحيض والنفاس 4 - الأمن من
الضرر الصحي 5 - أن لا يكون محرجا له وموقعا في مشقة شديدة أمام مشكلة
حياته الاعتيادية 6 - عدم السفر 7 - الشيخوخة التي أضعفته على الصيام
8 - عدم الإصابة بداء العطش 9 - عدم كون المرأة حاملا مقربا ويضر الصوم
بحملها، فلا يجب على الصبي ولا على المجنون ولا على الحائض والنفساء، فإذا
بلغ أو عقل أثناء النهار لم يجب عليه الإمساك بقية النهار، وكذا إذا نقت الحائض
والنفساء، وإذا حدث الجنون أو الحيض أو النفاس - قبل الغروب - بطل الصوم.
(مسألة 1046): لا يكون الصوم مشروعا للمسافر إلا في ثلاثة مواضع:
أحدها: الأيام الثلاثة من عشرة أيام التي يصوم ثلاثة منها في مكة أو في
الطريق وسبعة منها إذا رجع بدل الهدي إذا عجز عنه.
ثانيها: صوم الثمانية عشر يوما، التي هي بدل الناقة كفارة لمن أفاض من
عرفات قبل الغروب.
ثالثها: الصوم المنذور إيقاعه في السفر أو الأعم منه ومن الحضر.
(مسألة 1047): الأقوى عدم جواز الصوم المندوب في السفر، إلا ثلاثة
أيام للحاجة في المدينة، والأقوى أن يكون ذلك في الأربعاء والخميس والجمعة.
(مسألة 1048): يصح الصوم من المسافر الجاهل بأنه لا صيام عليه، وإن
412

علم بذلك في الأثناء، وواصل صيامه فهو باطل، ولا يصح الصوم من الناسي
وإن لم يتفطن إلا بعد انتهاء الوقت.
(مسألة 1049): يصح الصوم من المسافر الذي حكمه التمام، كناوي
الإقامة والمسافر سفر معصية ومن كان عمله السفر ومن مضى عليه ثلاثون
يوما وهو متردد في مكان ما.
(مسألة 1050): لا يصح الصوم من المريض، ومنه الأرمد، إذا أدى طول
برئه أو شدته أو صداعا لا يحتمل عادة أو حمى عالية شريطة أن يكون ذلك
بمرتبة يهتم العقلاء بالتحفظ منها عادة، حيث إن الشدة وطول المرض والضرر
والخوف جميعا ذات مراتب ودرجات متفاوتة، وأما إذا أدى إلى مرتبة بسيطة
من الشدة أو طول المرض أو حدوث مرض ضئيل كحمى يوم - مثلا - إذا صام
تمام شهر رمضان، مما لا يراه العقلاء من الضرر الذي يكون مانعا عن ممارسة
صيامه فلا يوجب الإفطار.
(مسألة 1051): المرض المانع عن وجوب الصوم حدوثا أو بقاء، يختلف
باختلاف الأشخاص، فالإنسان السالم صحيا كالشاب صحيح البدن تكون
حمى يوم أو يومين بسيطة بالنسبة إليه ولا تمنعه عن القيام بواجباته الدينية،
والدنيوية ولكنها بالنسبة إلى الإنسان المتداعي صحيا شديدة وتمنعه عن القيام
بوظائفه، فكل إنسان مكلف بحسب حاله من القوة والطاقة هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى لا فرق بين أن يكون المكلف واثقا ومطمئنا بالضرر
الصحي أو ظانا به أو مجرد احتمال، شريطة أن يكون ذلك الاحتمال أو الظن
يبعث الخوف والخشية في النفس، كما إذا خاف من الصوم على عينه من الرمد أو
العمى أو نحو ذلك. نعم، إذا كان احتمال الضرر الصحي بمرتبة ضئيلة لا تبعث على
413

القلق والخوف فلا يجوز له الإفطار، إلا إذا قال الطبيب الماهر الثقة بعد فحصه
والتأكيد عليه أنه مريض ويضره الصوم، فإن عليه أن يعمل بقوله وإن لم يوجب
الخوف والقلق في نفسه على أساس حجية قوله بملاك أنه من أهل الخبرة.
(مسألة 1052): لا يكفي الضعف في جواز الإفطار، ولو كان مفرطا إلا أن
يكون حرجا فيجوز الإفطار ويجب القضاء بعد ذلك، وكذا إذا أدى الضعف إلى
العجز عن العمل الذي يرتزق منه، ولا يتمكن من الجمع بينه وبين الصوم،
فإنه يجوز له حينئذ ترك الصيام شريطة أن لا يكون بإمكانه تبديل عمله بعمل
آخر يتمكن من الجمع بينه وبين الصوم أو تأجيله إلى ما بعد شهر رمضان من
دون حرج، كما إذا كان عنده مال موفر أو دين يرتزق منه، وإلا سقط عنه
وجوب الصوم ويسمح له بالأكل والشرب وسائر المفطرات، والأحوط لزوما
الاقتصار في ذلك على مقدار الضرورة والإمساك عن الزائد.
(مسألة 1053): إذا صام لاعتقاد عدم الضرر الصحي فبان الخلاف أن
الصوم كان مضرا به، فالظاهر بطلانه وعدم صحته، وإذا صام باعتقاد الضرر
أو خوفه بطل، إلا إذا كان قد تمشى منه قصد القربة، كما إذا كان جاهلا بان
المريض لا يكون مكلفا بالصيام، فإنه حينئذ يحكم بصحة صيامه إذا بان عدم
الضرر بعد ذلك.
(مسألة 1054): قول الطبيب إذا كان يبعث على القلق والخوف كان مسوغا
للإفطار، وكذلك إذا كان حاذقا وثقة إذا لم يكن المكلف مطمئنا بخطئه، ولا
يجوز الإفطار بقوله في غير هاتين الصورتين، وإذا قال الطبيب لا ضرر في الصوم
وكان المكلف خائفا وجب الإفطار.
(مسألة 1055): إذا برئ المريض قبل الزوال ولم يتناول المفطر وجدد النية
414

لم يصح صومه، وإن لم يكن عاصيا بإمساكه وعليه أن يبقى ممسكا بقية النهار،
إلا في حالة واحدة لا يجب فيها الإمساك، وهي أنه ينوي شرب الدواء في
الساعات الاولى من النهار على أساس أنه وظيفته من أجل أن مرضه يتطلب
منه ذلك، غير أنه تماهل وتأخر شرب الدواء إلى أن شفى من مرضه، فإن في
هذه الحالة لا يجب أن يواصل إمساكه وله أن يأكل ويشرب في ذلك اليوم متى
شاء وأراد.
(مسألة 1056): يصح الصوم من الصبي كغيره من العبادات.
(مسألة 1057): لا يجوز التطوع بالصوم لمن عليه صوم واجب من قضاء
شهر رمضان وصوم الكفارة والتعويض وغيرهما، وإذا نسي أن عليه صوما
واجبا فصام تطوعا فذكر بعد الفراغ فهل يصح صومه؟
والجواب: أن الصحة لا تخلو عن إشكال بل منع، والظاهر جواز التطوع
لمن عليه صوم واجب استيجاري أو نذري أو ما شاكله، كما أنه يجوز إيجار
نفسه للصوم عن غيره إذا كان عليه صوم واجب.
(مسألة 1058): لو صام الصبي تطوعا وبلغ في الأثناء - ولو بعد الزوال -
لم يجب عليه الإتمام، والأحوط استحبابا الإتمام.
(مسألة 1059): لا يجب الصوم على المسافر إلا المقيم عشرة أيام أو
المتردد ثلاثين يوما في مكان واحد أو من يكون شغله السفر أو العاصي بسفره،
وإذا كان حاضرا فخرج إلى السفر، فإن كان قبل الزوال وجب عليه الإفطار،
وإذا كان بعد الزوال فعليه أن يواصل صومه ويتمه ثم يقضيه بعد شهر رمضان،
وإذا كان مسافرا فدخل بلده أو بلدا نوى فيه الإقامة، فإن كان قبل
الزوال ولم يتناول المفطر وجب عليه الصيام، وإن كان بعد الزوال، أو تناول
415

المفطر في السفر بقي على الإفطار. نعم، في فرض تناول المفطر يستحب له
الإمساك إلى الغروب.
(مسألة 1060): الظاهر أن المناط في الشروع في السفر قبل الزوال وبعده،
وكذا في الرجوع منه هو البلد لا حد الترخص، فإذا سافر وخرج من البلد قبل
الظهر، فلا يجب عليه صيام ذلك اليوم وإن كان وصوله إلى حد الترخص بعد
الزوال. نعم، لا يجوز الإفطار للمسافر إلا بعد الوصول إلى حد الترخص، فلو
أفطر - قبله - عالما بالحكم وجبت الكفارة.
(مسألة 1061): يجوز السفر في شهر رمضان - اختيارا - ولو للفرار من
الصوم، ولكن يفوت عليه أجرا عظيما، فلذلك يكون مكروها إلا إذا كان في
حج أو عمرة، أو غزو في سبيل الله، أو مال يخاف تلفه، أو إنسان يخاف هلاكه
أو يكون بعد مضي ثلاث وعشرين ليلة، وإذا كان على المكلف صوم واجب
معين كما إذا نذر أن يصوم يوم الجمعة جاز له السفر في ذلك اليوم وإن فات
الواجب عنه، ولكن يجب عليه قضاؤه بعد ذلك، وإذا كان في السفر وصادف
يوم الجمعة لم تجب عليه الإقامة لأدائه.
(مسألة 1062): يجوز للمسافر التملي من الطعام والشراب، وكذا الجماع في
النهار على كراهة في الجميع، والأحوط - استحبابا - الترك ولا سيما في الجماع.
الفصل الخامس
ترخيص الإفطار
وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص: منهم الشيخ والشيخة
إذا كانت شيخوختهما سببا لضعفهما وصعوبة الصوم عليهما وإن لم تبلغ حد الحرج،
وحينئذ فلهما الإفطار وترك الصوم والتعويض عنه بالفدية وهي عن كل يوم بمد
416

من الطعام، وذو العطاش وهو من كان مصابا بداء العطش وهو حالة مرضية تجعله
يشعر بعطش شديد، وكل من ابتلي بهذه الحالة المرضية وكان الصيام عليه من
أجل ذلك صعوبة ومشقة، فله أن يفطر ويترك الصوم ويعوض عنه بالفدية
الآنفة الذكر كما أن له أن يصوم. نعم، إذا تعذر الصوم على الشيخ والشيخة وذي
العطاش فلا فدية عليهم، والظاهر عدم وجوب القضاء على الشيخ والشيخة، إذا
تمكنا من القضاء، وكذلك لا يجب القضاء على ذي العطاش مع التمكن، ومنهم
الحامل المقرب التي يضر بها الصوم أو يضر حملها، والمرضعة القليلة اللبن إذا
أضر بها الصوم أو أضر بالولد، وعليهما القضاء بعد ذلك، كما أن عليهما الفدية
- أيضا - فيما إذا كان الضرر على الحمل أو الولد، ولا يجزئ الإشباع عن المد في
الفدية من غير فرق بين مواردها.
ثم إن الترخيص في هذه الموارد ليس بمعنى تخيير المكلف بين الصيام
والإفطار، بل بمعنى عدم وجوب الصيام فيها وإن كان اللازم عليهم الإفطار.
(مسألة 1063): لا فرق بين المرضعة في أن يكون الولد لها، وأن يكون
لغيرها، والأقوى الاقتصار على صورة عدم التمكن من إرضاع غيرها للولد، أو
لم يكن بإمكانها أن ترضع الولد من غير حليبها، أو من الحليب المعلب إذا لم
يتضرر الولد الرضيع بذلك.
الفصل السادس
ثبوت الهلال
يثبت الهلال بالطرق التالية:
الأول: بالعلم الوجداني إما برؤية الهلال بالعين المجردة الاعتيادية أو
بالتواتر.
417

الثاني: بالاطمئنان الحاصل للإنسان بالشياع الناشئ من الكثرة لا بما
هي كثرة، فإن الكثرة العددية وإن كانت عاملا أساسيا لحصول العلم أو
الاطمئنان إلا أنها ليست كل العامل، بل أن يؤخذ في الحساب عوامل اخرى
كأوصاف الشهود وحالتهم بالنظر إلى أنفسهم، كمدى صدقهم أو كذبهم أو خطئهم
أو مبالاتهم في الشهادة وبالنظر إلى الأشخاص الذين عجزوا عن الرؤية مع أن
ظروفهم كظروف الشهود من حيث صفاء الجو الصالح للرؤية ونحوه، أو غير ذلك
من العوامل التي لها دخل في حصول اليقين أو الاطمئنان، فلا بد من أخذ كل
العوامل في الحساب من العوامل الداخلية والخارجية التي لها دخل بشكل أو
بآخر في حصول العلم أو الاطمئنان للمكلف بالرؤية، منها الوسائل العلمية
الحديثة أو الحسابات الفلكية فإنها وإن لم تكن كافية لإثبات رؤية الهلال شرعا
، إلا أنها إذا كانت موافقة لأقوال الشهود فهي من العوامل الإيجابية التي تؤكد
الوثوق والاطمئنان الحاصل منها في نفس المكلف وتزيل الشكوك منها، وإذا
كانت مخالفة لها فهي من العوامل السلبية التي قد تزيل من نفس الإنسان الوثوق
والاطمئنان بها وتخلق الشكوك فيها.
الثالث: مضي ثلاثين يوما من هلال شهر شعبان على أساس أن الشهر
القمري الشرعي لا يكون أكثر من ثلاثين يوما، فإذا مضى منه ثلاثون يوما ولم
ير هلال شهر رمضان اعتبر الهلال موجودا في الافق وقابل للرؤية، وبذلك يبدأ
شهر رمضان، كما أن مضي ثلاثين يوما من شهر رمضان أمارة على دخول
شهر شوال.
الرابع: البينة، وهي شهادة رجلين عادلين برؤية الهلال، ويثبت الهلال
بها شريطة أن لا تكون هناك عوامل سلبية تؤدي إلى الوثوق بكذب البينة
ووقوعها في خطأ، كما إذا ادعى رجلان عادلان الرؤية من بين جمع غفير من
418

الناس، الذين استهلوا ولم يستطيعوا أن يروه رغم أنهم جميعا استهلوا في نفس
الجهة التي استهل إليها الشاهدان العدلان وعدم امتيازهما عنهم في القدرة البصرية
ولا في عوامل اخرى كصفاء الجو ونقاء الافق ونحوهما، ففي مثل هذه الحالة
يشكل الاعتماد على شهادتهما للاطمئنان بالخطأ، وكذلك إذا كان بينهما خلاف في
الشهادة في موضع الهلال ووضعه الطبيعي وحجمه وجلاء نوره وغير ذلك.
الخامس: حكم الحاكم الشرعي فإنه نافذ على الأظهر، شريطة أن
تتوفر فيه شروطه، ولا يجوز حينئذ لأي فرد أن ينقضه ويخالفه وإن لم يكن
مقلدا له، إلا إذا علم بأنه لا يكون جامعا للشروط أو علم بخطئه في الحكم،
وأما إذا لم يعلم بذلك فلا قيمة للاحتمال والظن، وقد تسأل: أن المكلف إذا كان
يعرف أن الشهود الذين شهدوا بالرؤية عنده ليسوا بعدول وإن كان الحاكم على
ثقة بأنهم عدول، فهل يجب عليه اتباعه في ثبوت الهلال؟
والجواب: نعم، يجب عليه الاتباع ما دام لم يعلم بأن الشهر لم يدخل، فإن
العلم بفسق الشهود لا يلازم العلم بكذبهم.
(مسألة 1064): لا يثبت الهلال بشهادة النساء ولا بشهادة عدل واحد ولو
مع ضم اليمين ولا بقول المنجمين ولا بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية.
وقد تسأل: هل يمكن إثبات الهلال بالوسائل الحديثة والطرق العلمية إذا
أكدت خروج القمر من المحاق وابتعاده عنه بدرجة هو قابل للرؤية بالعين
المجردة لو لم يكن هناك عائق كالغيم أو نحوه؟
والجواب: أنها إذا أكدت إلى جانب خروجه من المحاق بوجوده في
الافق بصورة يمكن أن يراه الإنسان بالعين المجردة إذا استهل ولم يكن هناك مانع،
فإذا أكدت على ذلك وحصل اليقين أو الاطمئنان كفى، ويبدأ بذلك شهر قمري
جديد.
419

وقد تسأل: أن تطويق الهلال وهو كونه ظاهرا في الافق على شكل دائرة
أو كبر حجمه وجلاء نوره أو ظهوره قرابة ساعة في الافق وغيابه بعد الشفق،
هل هو من الأمارات التي تؤكد على أنه ابن الليلة الثانية، وكان قد بدأ في
الليلة السابقة على الرغم من عدم رؤيته في تلك الليلة؟
والجواب: أن هذه الحالات الطارئة على الهلال لا تكون من الأمارات
الشرعية على أنه ابن الليلة الثانية. نعم، أنها أمارة على أنه تولد قبل فترة
طويلة كأربع وعشرين ساعة أو أكثر أو أقل على أساس أنه إذا خرج من المحاق
بعد زوال اليوم السابق لم يكن قابلا للرؤية في الليلة السابقة بالعين المجردة،
وحينئذ فبطبيعة الحال يبدو في الليلة اللاحقة التي هي بداية الشهر القمري
الجديد شرعا بصورة أكبر حجما وأكثر نورا وجلاء وأطول مدة في الافق
كقرابة ساعة أو أكثر، وقد يبدو مطوقا، وهذا بخلاف ما لو خرج من المحاق
قبل فترة قصيرة، فإنه لم يظهر بهذه الكيفية.
وقد تسأل: أن رؤية الهلال قبل زوال يوم الثلاثين هل هي دليل على أن
يوم الرؤية بداية للشهر اللاحق؟
والجواب: أنها دليل على ذلك. نعم، إذا رؤي الهلال بعد الزوال فلا
يكون دليلا عليه بل هو من الليلة الآتية.
إذا رؤي الهلال في بلد كفى في الثبوت في غيره مع اشتراكهما في الافق،
بحيث إذا رؤي في أحدهما رؤي في الآخر، بل الظاهر كفاية رؤية الهلال في بلد
ما في ثبوته للبلدان الاخرى وإن كانت متفاوتة معه في خطوط الطول والعرض،
بأن يكون الغروب في تلك البلدان قبل الغروب فيه بمدة طويلة، بيان ذلك أن
الشهر القمري تبدأ دورته الشهرية بخروج القمر من المحاق وقد تطول هذه
420

الدورة تسعة وعشرين يوما وقد تطول ثلاثين يوما وهي دورة القمر حول
الأرض، وبما أن نصفه يواجه الشمس فيكون مضيئا ونصفه الآخر لا يواجه
الشمس فيكون مظلما كالأرض، غاية الأمر أن الأرض تدور حول الشمس
وتطول دورتها سنة كاملة، وأما القمر فيدور حول الأرض وتطول دورته شهرا
كاملا وتنتهي بدخول المحاق، وهو ما يقع على الخط الفرضي بين مركزى
الأرض والشمس هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى أن خروج القمر من المحاق
طبيعيا لا يكفي شرعا في بداية الشهر القمري، فإن الشهر القمري لدى الشرع
مرتبط بتوفر أمرين:
أحدهما: خروج القمر من المحاق وشروعه في التحرك والابتعاد عن
الخط الفرضي الموصل بين مركزي الشمس والأرض، فيقابل عندئذ جزء من
نصفه المضيء الأرض.
والآخر: أن يكون ذلك الجزء المقابل للأرض قابلا للرؤية بالعين المجردة،
ومن ناحية ثالثة أن خروج القمر من المحاق طبيعيا وهو ابتعاده في تحركه عن
الخط الموصل بين مركزي الشمس والأرض أمر تكويني لا يختلف باختلاف
بقاع الأرض، فإنه ما دام يسبح في ذلك الخط الفرضي بين المركزين فهو في
المحاق وغائب عن أهل بقاع الأرض كلا، على أساس أن حجم الشمس الكبير
عدة مرات عن حجم الأرض يمنع عن مواجهة جزء من القمر لأي بقعة من بقاع
الأرض من أقصاها إلى أدناها، فإذا تحرك وابتعد عن ذلك الخط يسيرا خرج
عن المحاق، وهذا أمر كوني محدد لا يتأثر باختلاف بقاع الأرض، فلذلك لا
معنى لافتراض كون خروج القمر من المحاق أمرا نسبيا، وبكلمة أن الدورة
الطبيعية للقمر حول الأرض التي هي من المغرب إلى المشرق تنتهي بدخوله في
421

المحاق، وهو انطباق مركز القمر على الخط الفرضي بين مركزي الشمس
والأرض، وتبدأ دورته الجديدة الطبيعية بخروجه من المحاق أي الانطباق ولا
تتأثر ببقاع الأرض من بقعة لأخرى بل هي محدودة بداية ونهاية، فنهايتها
بانطباق مركز القمر على الخط الفرضي بمعنى أنه أثناء دورته يسبح في نقطة بين
الشمس والأرض، وفي تلك النقطة بالذات يكون مواجها لجميع بقاع الأرض
بوجهه المظلم تماما ومختفيا عنها وجهه المنير كاملا وبدايتها بتحركه عن هذه
النقطة وخروجه منها، ولا معنى لافتراض النسبة فيه هذا كله بالنسبة إلى
دورته الطبيعية حول الأرض التي تشكل الشهر القمري الطبيعي، وأما الشهر
القمري الشرعي فهو مرتبط مضافا إلى ذلك برؤية الهلال بالعين المجردة على ما
نطقت به الآية الشريفة والروايات كقوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر
فليصمه) وقوله (عليه السلام) " صم للرؤية وافطر للرؤية " وعلى هذا الأساس فبما أن
بقاع الأرض تختلف في خطوط الطول، فإن البلدان الواقعة في النصف الشرقي
من الكرة الأرضية كما تختلف عن البلدان الواقعة في النصف الغربي من الكرة في
الشروق والغروب بنسب متفاوتة، حيث أن الشمس قد تغرب في بلد بعد
غروبها عن بلد آخر بدقائق قليلة أو بساعة أو ساعات، كذلك تختلف في رؤية
الهلال باعتبار أن الهلال إذا خرج عن المحاق فكلما ابتعد عنه زاد الجزء المضيء
من القمر المواجه للأرض كما وكيفا إلى أن يصبح بعد ساعات ممكن الرؤية
بالعين المجردة، كما إذا خرج القمر عن المحاق قبل الغروب بزمن قليل في بلد
كباكستان مثلا، فإن الجزء الخارج لضآلته لا يمكن رؤيته ولكنه بعد ساعات
قابل للرؤية لازدياد ذلك الجزء نورا وحجما كلما ابتعد عن المحاق، فيمكن أن
لا يرى الهلال في بلد ويرى في بلد آخر يتأخر غروب الشمس فيه عن غروبها
في البلد الأول بأكثر من ساعات، فالنتيجة أن رؤية الهلال تختلف باختلاف
422

البلدان الواقعة في خطوط الطول بل ربما في العرض، فيمكن رؤية الهلال في
بعضها ولا يمكن في بعضها الآخر، فلا شبهة في أن إمكان رؤية الهلال من بلد
إلى بلد آخر معنى نسبي يختلف فيه بلد عن بلد وافق عن أفق.
وإنما الكلام في أن حلول الشهر القمري الشرعي هل هو معنى نسبي أيضا
يختلف فيه البلدان حسب اختلاف آفاقها، ويكون لكل بلد وافق شهره القمري
الخاص كطلوع الشمس الذي يختلف باختلاف البلدان والآفاق، أو أنه ظاهر
كوني مطلق لا يختلف باختلاف بقاع الأرض وبلدانها وآفاقها ولا يتأثر بذلك
نهائيا؟
والجواب: أن خروج القمر من المحاق وإن كان حادثا كونيا محددا مطلقا،
ولا يتأثر بأي عامل آخر، إلا أنه ليس مبدأ للشهر القمري الشرعي بل هو
مبدأ للشهر القمري الطبيعي، لأن مبدأ الأول مضافا إلى ذلك مرتبط شرعا
برؤية ذلك الجزء الخارج من المحاق بالعين المجردة، ومن الواضح أن الرؤية
بالعين المجردة غير ممكن بصرف خروجه عن المحاق، وإنما يمكن بعد ساعات
ليزداد حجما ونورا، والرؤية كما يمكن أن تأخذها كأمر نسبي تختلف باختلاف
بقاع الأرض وبلدانها، يمكن أن تأخذها كأمر مطلق لا تختلف باختلافها، فعلى
الأول يرتبط مبدأ الشهر القمري الشرعي في كل بلد بإمكان الرؤية في ذلك البلد
بالذات، فيكون لكل بلد شهر قمري خاص، فيبدأ في البلاد الواقعة في الافق
الغربي في ليلة سابقة وفي البلاد الواقعة في الافق الشرقي في ليلة متأخرة، فيختلف
شهر تلك البلاد عن شهر هذه البلاد بيوم واحد، وعلى الثاني يكون مبدأ الشهر
القمري واحدا بالنسبة إلى كل أهل بقاع الأرض، فإذا رؤي الهلال في بقعة من
الأرض كفى لسائر البقاع، فلا بد إذا للتوصل إلى معرفة ذلك من الرجوع إلى
الشرع وتحقيق حال نصوص باب الرؤية لنرى هل أنها ربطت بداية الشهر في كل
منطقة بإمكان الرؤية في تلك المنطقة بالذات، أو ربطت بداية الشهر في كل
423

المناطق والبلدان بإمكان الرؤية في أي منطقة أو بلدة كانت، والظاهر هو الثاني
وذلك لأمور:
الأول: أن السكوت العام الحاكم على روايات الرؤية البالغة من الكثرة
حد التواتر الإجمالي الواردة في مختلف الموارد والحالات بمختلف الألسنة عن
الإشارة إلى اختلاف البلدان في الافق أو تقاربها فيه، يؤكد أن بداية الشهر
القمري الشرعي واحدة لجميع بقاع الأرض، وإلا كان اللازم الإشارة فيها إلى
حدود اختلاف البلدان في الافق وعدم ثبوت الهلال في بلد إذا كان مختلفا مع بلد
الرؤية في الافق، مع أنه ليست في شيء منها الإشارة إلى ذلك لا تصريحا ولا
تلويحا، وهذه قرينة تؤكد على أن الشهر القمري الشرعي شهر واحد لكل
البلدان على وجه الأرض.
الثاني: أن المراد من تقارب البلدتين في الافق وقوعهما في منطقة من
الأرض يجعل عدم انفكاك إمكان الرؤية في أحدهما بالذات عن إمكان الرؤية في
الآخر كذلك، والمراد من اختلاف البلدين في الافق وقوع كل منهما في منطقة من
الأرض على نحو يجعل الرؤية في أحدهما ممكنة وفي الآخر غير ممكنة بذاتها، هذا
كله نظريا، وأما عمليا فلا يمكن تطبيق هذه النظرية تطبيقا كاملا على البلاد
الإسلامية ككل فضلا عن تمام بقاع الأرض، لاختلافها في الافق على نحو يجعل
الرؤية في بعضها ممكنة، وفي الآخر غير ممكنة بل على بلد واحد كأمريكا مثلا.
الثالث: يظهر من جملة من الروايات أن رؤية الهلال في بقعة ما على
الأرض تكفي لسائر بقاع الأرض وإن لم يمكن رؤيته فيها.
(مسألة 1065): اليوم الذي لم يثبت الهلال في ليلته بأحد الطرق الماضية
ويشك في أنه من رمضان أو شعبان، لا يجب عليه الصيام، وإذا أراد أن يصوم
424

فلا بد أن يكون بنية أنه من شعبان استحبابا أو قضاء أو بنية أنه إن كان من
شعبان كان استحبابا وإن كان من رمضان كان واجبا وتقدم الكلام في ذلك،
وأما إذا لم يصم ذلك اليوم ثم تبين أنه من رمضان، فإن كان التبين بعد الزوال
وجب عليه قضاؤه بعد شهر رمضان وإن كان قبل الزوال فإن أفطر فكذلك، وإن
لم يفطر فهل يكفي أن ينوي الصوم قبل الزوال ويصح ولا شيء عليه؟
والجواب: أن الكفاية لا تخلو عن إشكال، بل منع لغير المسافر الذي
دخل بلدته قبل الزوال.
(مسألة 1066): إذا كان في الافق غيم أو عائق آخر مانع من رؤية الهلال
واستمرت هذه الحالة إلى عدة شهور، اعتبر كل شهر ثلاثين يوما، إلا إذا علم
بالنقص، وإذا مضى ثلاثون يوما صام شهر رمضان وبعد ثلاثين يوما منه يفطر
بعنوان أول يوم من شوال.
(مسألة 1067): إذا لم يتمكن الأسير أو المحبوس من تحصيل العلم بشهر
رمضان، فحينئذ إن كان ظانا به عمل على طبقه ولا شيء عليه، وإن لم يكن
ظانا فوظيفته الاحتياط، ما لم يوجب العسر والحرج، وإلا اقتصر في تركه
بمقدار ما يدفع به العسر والحرج دون الأكثر.
الفصل السابع
أحكام قضاء شهر رمضان
(مسألة 1068): لا يجب على الإنسان رجلا كان أم امرأة قضاء ما فات
عنه في الحالات التالية:
1 - زمان الصبا 2 - الجنون 3 - الإغماء إذا أصيب به قبل أن ينوي
425

الصيام 4 - الكفر الأصلي 5 - الشيخوخة إذا أعجزته عن الصيام أو أضرته
ضررا صحيا 6 - ذو العطاش إذا بلغت حالته المرضية إلى درجة تعذر معها
الصيام عليه 7 - من ترك صيام شهر رمضان لمرض واستمر به المرض طيلة
السنة إلى إن أدركه رمضان الثاني.
ويجب عليه قضاء ما فات عنه في غير تلك الحالات، كالارتداد أو الحيض أو
النفاس أو النوم أو السكر أو المرض، شريطة أن لا يستمر به إلى رمضان الآتي.
(مسألة 1069): يفترق صوم قضاء شهر رمضان عن صوم نفس الشهر في
النقاط التالية:
الاولى: أن النية في صوم شهر رمضان لابد أن تكون مقارنة لطلوع
الفجر، ولا يجوز تأجيلها، وإلا بطل الصوم، وأما في قضاء شهر رمضان فيجوز
تأجيلها بعد طلوع الفجر، فإذا أصبح الإنسان وهو لا ينوي الصيام ثم وقع في
نفسه قبل الزوال أن يصوم قضاء، جاز له ذلك إذا لم يكن قد مارس شيئا من
المفطرات منذ الفجر، ومن هنا إذا نوى المكلف صيام قضاء شهر رمضان من
الفجر ثم بعد ذلك تردد في نيته أو صمم على الإفطار، ولكنه إذا تراجع قبل أن
يفطر مرة اخرى إلى نية الصوم صح، إذا كان تراجعه قبل الزوال، مع أن التردد
في أثناء النهار في صيام شهر رمضان مبطل، فضلا عن العزم على الإفطار.
الثانية: أن قصد القضاء معتبر في النية ولو إجمالا، فلو صام من دون
قصده لم يقع قضاء بل لابد له من أن يقصد قضاء شهر رمضان قربة إلى الله
تعالى، ولا يكفي أن ينوي صيام هذا النهار قربة إلى الله تعالى، وهذا بخلاف
صيام شهر رمضان، فلا يعتبر قصده في النية فلو نوى صيام واقع هذا الشهر
قربة إلى الله تعالى كفى، وإن كان غافلا عن كون هذا الشهر شهر رمضان.
426

الثالثة: أن من احتلم في نومه وأفاق بعد طلوع الفجر فلا يجوز له أن
يصوم قضاء شهر رمضان، وهذا بخلاف من احتلم في ليلة شهر رمضان وأفاق
بعد طلوع الفجر فإنه يصح منه الصوم.
الرابعة: أن من يصوم قضاء شهر رمضان، يجوز له أن يبطل صيامه
بتناول شيء من المفطرات قبل أن يحل الظهر، فإذا حل الظهر لم يجز، وبذلك
يفترق عن صيام شهر رمضان.
ومن كان أجيرا عن غيره فله أن يبطل صيامه متى شاء، سواء أكان قبل
الظهر أم بعده ولا كفارة عليه. نعم، إذا كان في يوم أو شهر معين لم يجز له إبطال
صيامه في ذلك اليوم أو في ذلك الشهر.
(مسألة 1070): يجب على المخالف إذا استبصر قضاء ما فات عنه، وأما ما
أتى به على وفق مذهبه فلا يجب عليه قضاؤه، وكذلك لا يجب عليه القضاء إذا
أتى به على وفق مذهب الحق صحيحا وإن كان باطلا على مذهبه، شريطة أن
يتمشى منه قصد القربة إذا كان ملتفتا.
(مسألة 1071): إذا شك في أداء الصوم في اليوم الماضي بنى على الأداء،
وإذا شك في عدد الفائت بنى على الأقل.
(مسألة 1072): لا يجب الفور في القضاء، وإن كان الأحوط - استحبابا -
عدم تأخير قضاء شهر رمضان عن رمضان الثاني، وإن فاتته أيام من شهر
واحد لا يجب عليه التعيين، ولا الترتيب، وإذا كان عليه قضاء من رمضان
سابق ومن لاحق لم يجب التعيين ولا يجب الترتيب، فيجوز قضاء اللاحق قبل
السابق، ويجوز العكس، إلا أنه إذا تضيق وقت اللاحق بمجيء رمضان الثالث
فالأحوط استحبابا قضاء اللاحق، وإن نوى السابق حينئذ صح صومه،
ووجبت عليه الفدية.
427

(مسألة 1073): لا ترتيب بين صوم القضاء وغيره من أقسام الصوم
الواجب كالكفارة والنذر، فله تقديم أيهما شاء.
(مسألة 1074): إذا فاتته أيام من شهر رمضان لمرض، ومات قبل أن
يبرأ لم يجب القضاء عنه، وكذا إذا فات بحيض أو نفاس ماتت فيه أو بعدما
طهرت قبل مضي زمان يمكن القضاء فيه.
(مسألة 1075): إذا فاته شهر رمضان، أو بعضه فهنا صور:
الاولى: أن يفوته بمرض واستمر به المرض طيلة السنة إلى أن أدرك
رمضان الثاني، ففي هذه الصورة يسقط عنه القضاء ويجب عليه التصدق عن كل
يوم بمد من الطعام.
الثانية: أن يفوته عنه لعذر غير المرض كالسفر أو نحوه، ولكن الموجب
لتأخير القضاء بعد شهر رمضان إلى رمضان الآتي هو المرض، كما إذا مرض بعد
رمضان واستمر به المرض طيلة السنة، ففي هذه الصورة هل عليه القضاء أو
الفدية؟
والجواب: الأقرب أن عليه الفدية دون القضاء، وإن كان الأحوط
والأجدر به أن يجمع بينها وبين القضاء.
الثالثة: أن يفوت عنه لمرض ولكن الموجب لتأخير القضاء طيلة المدة
إلى رمضان الثاني عذر آخر كالسفر أو نحوه، ففي هذه الصورة يجب عليه
القضاء دون الفدية وإن كان الأحوط استحبابا أن يجمع بينهما.
(مسألة 1076): إذا فاته شهر رمضان أو بعضه عن عذر كان أو عمد، وبعد
انتهاء الشهر وارتفاع العذر، أخر القضاء ولم يأت به طوال السنة إلى أن أدرك
رمضان الثاني فهاهنا صور:
428

الاولى: أنه إذا ترك القضاء طيلة السنة إلى أن أدرك رمضان الآتي
عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعي وعازما مصمما على التأخير، ففي هذه
الصورة عليه الفدية مضافا إلى القضاء، بلا فرق بين أن يكون فوت شهر
رمضان منه عن عذر أو عمد.
الثانية: أنه لم يكن عازما ومصمما على تأخير القضاء وتركه طيلة السنة،
ولكنه كان متسامحا ومتماهلا فيه، بمعنى أنه لم يكن في نفسه دافع قوي لإرادة
الفعل، فأخر شهرا بعد شهر إلى أن أدرك رمضان الثاني، ففي هذه الصورة أيضا
عليه الفدية مضافا إلى القضاء.
الثالثة: أنه يكون عازما ومصمما على الإتيان بالقضاء قبل أن يدرك
رمضان الثاني، ولكن اتفاقا طرأ عليه العذر ومنع عن الإتيان به، فهل عليه
الفدية في هذه الصورة أيضا مضافا إلى القضاء؟
والجواب: أن عليه الفدية أيضا على الأظهر إضافة إلى القضاء.
(مسألة 1077): إذا استمر المرض ثلاثة رمضانات وجبت الفدية مرة
للأول ومرة للثاني، وهكذا إن استمر إلى أربعة رمضانات، فتجب مرة ثالثة
للثالث، وهكذا ولا تتكرر الكفارة للشهر الواحد.
(مسألة 1078): يجوز إعطاء فدية أيام عديدة من شهر واحد ومن شهور
متعددة إلى شخص واحد فقير، شريطة أن لا تزيد عن مؤنة سنته.
(مسألة 1079): لا تجب فدية العبد على سيده، ولا فدية الزوجة على
زوجها، ولا فدية العيال على المعيل، ولا فدية واجب النفقة على المنفق.
(مسألة 1080): لا تجزئ القيمة في الفدية، بل لابد من دفع العين وهو
الطعام، وكذا الحكم في الكفارات.
429

(مسألة 1081): يجوز الإفطار في الصوم المندوب إلى الغروب، ولا يجوز
في قضاء صوم شهر رمضان بعد الزوال، إذا كان القضاء من نفسه، وإذا أفطر،
فهل عليه كفارة؟
والجواب: نعم على الأحوط، إما قبل الزوال فيجوز، وإما الواجب
الموسع غير قضاء شهر رمضان فالظاهر جواز الإفطار فيه مطلقا، وإن كان
الأحوط استحبابا ترك الإفطار بعد الزوال.
(مسألة 1082): يجب على ولي الميت - وهو الولد الذكر الأكبر - حال
الموت أن يقضي ما فات أباه من الصوم لعذر، من مرض أو سفر أو نحوهما، بل
الأقوى وجوب قضاء جميع ما فات عنه، وإن كان عن عمد أو أتى به فاسدا،
والأظهر إلحاق الأم بالأب في ذلك أيضا. نعم، ما لا يجب على الأب أو الأم
قضاؤه من الفوائت لا يجب قضاؤه عنه على وليه، وإذا تساوى اثنان من أولاده
في السن كان القضاء عليهما بنحو الوجوب الكفائي، فإن أدى أحدهما سقط عن
الآخر وإلا كانا آثمين معا، وإن أدى أحدهما قسما وأدى الآخر قسما آخر
تحقق المطلوب أيضا نظير ما تقدم في قضاء الصلاة.
(مسألة 1083): يجب التتابع في صوم الشهرين من كفارة الجمع وكفارة
التخيير، ويكفي في حصوله صوم الشهر الأول، ويوم من الشهر الثاني متتابعا.
(مسألة 1084): كل ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر لعذر، كالسفر الذي
اضطر إليه أو الحيض أو النفاس أو المرض بنى على ما مضى من الصيام عند
ارتفاع العذر، وإن كان العذر بفعل المكلف كالسفر إذا كان مضطرا إليه، أما إذا لم
يكن عن اضطرار وجب الاستئناف، ومن العذر ما إذا نسي النية إلى ما بعد
الزوال، أو نسي فنوى صوما آخر ولم يتذكر إلا بعد الزوال، ومنه ما إذا نذر
430

قبل تعلق الكفارة صوم كل خميس، فإن تخلله في الأثناء لا يضر في التتابع، بل
يحسب من الكفارة أيضا إذا تعلق النذر بصوم يوم الخميس على الإطلاق، ولا
يجب عليه الانتقال إلى غير الصوم من الخصال.
(مسألة 1085): إذا نذر صوم شهرين متتابعين جرى عليه الحكم المذكور،
إلا أن يقصد تتابع جميع أيامها.
(مسألة 1086): إذا وجب على المكلف صوم متتابع، لا يجوز له أن يشرع
فيه في زمان يعلم أنه لا يكمل لتخلل عيد أو نحوه، إلا في كفارة القتل في
الأشهر الحرم، فإنه يجب على القاتل أن يصوم شهرين متتابعين من تلك
الأشهر حتى يوم العيد وأيام التشريق، وصيام الأيام الثلاثة من عشرة أيام في
الجمع تعويضا عن الهدي فيه، فإنه لابد أن يكون بنحو التتابع بأن يصوم يوما
قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة، وإن لم يمكن ذلك يصوم الأيام الثلاثة
جميعا بعد أيام التشريق أما في مكة أو في الطريق أو في بلدته، ولا يكفي صوم
يوم التروية ويوم عرفة ويوما آخر بعد العيد. وقد تسأل: هل المراد من الشهر
الشهر الهلالي أو الأعم منه ومن ثلاثين يوما لكي يكفي التلفيق أيضا؟
والجواب: أن المراد منه خصوص الشهر الهلالي، فالواجب على القاتل في
الأشهر الحرم صوم شهرين هلاليين متتابعين من تلك الأشهر.
(مسألة 1087): إذا نذر أن يصوم شهرا أو أياما معدودة، فهل يجب
التتابع؟
الجواب: أنه تابع لقصد الناذر.
(مسألة 1088): إذا فاته الصوم المنذور المعين الواجب فيه التتابع،
فالأحوط الأولى التتابع في قضائه أيضا.
431

(مسألة 1089): الصوم من المستحبات المؤكدة وهو مستحب في كل الأيام
عدا ما يجب فيه الصيام كأيام شهر رمضان أو يحرم كما سوف نشير إليه، وقد
ورد أنه جنة من النار، وزكاة الأبدان، وبه يدخل العبد الجنة، وإن نوم الصائم
عبادة، ونفسه وصمته تسبيح، وعمله متقبل، ودعاؤه مستجاب، وخلوق فمه
عند الله تعالى أطيب من رائحة المسك، وتدعو له الملائكة حتى يفطر، وله
فرحتان فرحة عند الإفطار، وفرحة حين يلقى الله تعالى. وأفراده كثيرة والمؤكد
منه صوم ثلاثة أيام من كل شهر، والأفضل في كيفيتها أول خميس من الشهر،
وآخر خميس منه، وأول أربعاء من العشر الأواسط ويوم الغدير، فإنه يعدل
مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات، ويوم مولد النبي (صلى الله عليه وآله) ويوم بعثه،
ويوم دحو الأرض، وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة، ويوم عرفة لمن لا
يضعفه عن الدعاء مع عدم الشك في الهلال، ويوم المباهلة وهو الرابع والعشرون
من ذي الحجة، وتمام رجب وتمام شعبان، وبعض كل منهما على اختلاف
الأبعاض في مراتب الفضل، ويوم النوروز، وأول يوم محرم وثالثه وسابعه،
وكل خميس وكل جمعة إذا لم يصادفا عيدا، ثم إن استحباب الصيام على
الشخص منوط بتوفر شروط:
الأول: أن لا يكون مريضا أو لا يسبب له الصيام مرضا.
الثاني: أن لا يكون مسافرا، ويستثنى من ذلك صيام الأيام الثلاثة في
المدينة المنورة لقضاء الحاجة، وهي يوم الأربعاء والخميس والجمعة.
الثالث: النقاء من الحيض أو النفاس.
الرابع: أن لا يكون على المكلف صوم واجب على نفسه كقضاء شهر
رمضان وصوم الكفارة والتعويض ونحوهما، وأما ما كان واجبا بالنذر، فهو لا
يمنع عن الصيام المستحب.
432

(مسألة 1090): يكره الصوم في موارد: منها الصوم يوم عرفة لمن خاف
أن يضعفه عن الدعاء، والصوم فيه مع الشك في الهلال، بحيث يحتمل كونه عيد
أضحى، وصوم الضيف نافلة بدون إذن مضيفه، والولد من غير إذن والده.
(مسألة 1091): يحرم صوم العيدين، وصوم أيام التشريق على من كان
بمنى لممارسة مناسك الحج، ويوم الشك على أنه من شهر رمضان، ونذر
المعصية بأن ينذر الصوم على تقدير فعل الحرام شكرا، أما زجرا فلا بأس به،
وصوم الوصال، ولا بأس بتأخير الإفطار ولو إلى الليلة الثانية، إذا لم يكن عن
نية الصوم، والأحوط لزوما عدم صوم المملوك تطوعا من دون إذن السيد،
والأقوى في الزوجة الجواز إذا لم يمنع عن حق زوجها، وإن كان الأحوط
استحبابا الترك، ولا يترك الاحتياط بتركها الصوم إذا نهاها زوجها عنه.
والحمد لله رب العالمين
433

خاتمة
في الاعتكاف
وهو اللبث في المسجد والمكث فيه بقصد التقرب إلى الله تعالى ويكون
عبادة بذاته، فإن انضم إليه مزيد من الدعاء والصلاة وقراءة القرآن كان نورا
على نور، ويصح في كل وقت يصح فيه الصوم والأفضل شهر رمضان، وأفضله
العشر الأواخر.
(مسألة 1092): يشترط في صحته مضافا إلى العقل والإيمان أمور:
الأول: نية القربة، كما في غيره من العبادات، وتجب مقارنتها لأوله بمعنى
وجوب إيقاعه من أوله إلى آخره عن النية، وحينئذ يشكل الاكتفاء بتبييت
النية، بأن يذهب إلى المسجد ليلا وينوي أن يبدأ الاعتكاف من بداية نهار غد
وينام ويصبح معتكفا، وعليه فإما أن ينوي الاعتكاف عند طلوع الفجر بعد
الاستيقاظ من النوم أو من الليل ثم ينام.
(مسألة 1093): لا يجوز العدول من اعتكاف إلى آخر اتفقا في الوجوب
والندب أو اختلفا، ولا من نيابة عن شخص إلى نيابة عن شخص آخر، ولا
من نيابة عن غيره إلى نفسه وبالعكس.
الثاني: الصوم، فلا يصح بدونه ولا فرق في الصوم بين أن يكون صيام
قضاء شهر رمضان أو صيام كفارة أو صياما مستحبا إذا توفرت له الشروط،
بأن لا يكون عليه صوم واجب، فلو كان المكلف ممن لا يصح منه الصوم لسفر
أو غيره، لم يصح منه الاعتكاف.
434

الثالث: العدد، فلا يصح أقل من ثلاثة أيام، ويصح الأزيد منها وإن
كان يوما أو بعضه، أو ليلة أو بعضها، ويدخل فيه الليلتان المتوسطتان دون
الاولى والرابعة، وإن جاز إدخالهما بالنية، فلو نذره كان أقل ما يمتثل به ثلاثة.
ولو نذره أقل لم ينعقد، وكذا لو نذره ثلاثة معينة، فاتفق أن الثالث عيد لم ينعقد،
ولو نذر اعتكاف خمسة فإن نواها بشرط لا، من جهة الزيادة والنقصان بطل،
وإن نواها بشرط لا، من جهة الزيادة، ولا بشرط من جهة النقصان، وجب عليه
اعتكاف ثلاثة أيام، وإن نواها بشرط لا من جهة النقيصة، ولا بشرط من جهة
الزيادة، ضم إليها السادس، أفرد اليومين أو ضمهما إلى الثلاثة.
الرابع: أن يكون في أحد المساجد الأربعة، مسجد الحرام، ومسجد
المدينة، ومسجد الكوفة، ومسجد البصرة، أو في المسجد الجامع في البلد،
والأحوط استحبابا - مع الإمكان - الاقتصار على الأربعة.
(مسألة 1094): لو اعتكف في مسجد معين فاتفق مانع من البقاء فيه بطل،
ولا يجوز توزيعه بين مسجدين وإن تقاربا، وحينئذ فإن كان الاعتكاف واجبا
بالنذر أو نحوه، فعليه أن يعتكف من جديد في مسجد آخر أو في ذلك المسجد
بعد ارتفاع المانع إذا كان نذره مطلقا، وإن كان معينا قضاه على الأحوط، وإن لم
يكن واجبا فلا شيء عليه إذا فسد اعتكافه قبل مضي نهارين. نعم، إذا فسد
بعد مضيهما فالأحوط إعادته.
(مسألة 1095): يدخل في المسجد سطحه وسردابه، كبيت الطشت في
مسجد الكوفة، وكذا منبره ومحرابه، والإضافات الملحقة به.
(مسألة 1096): إذا قصد الاعتكاف في مكان خاص من المسجد لغي
قصده، ويجوز له التنقل في كل زاوية من زواياه.
435

الخامس: يعتبر في صحة اعتكاف العبد إذن سيده، وفي صحة اعتكاف
الزوجة إذن زوجها إذا كان منافيا لحقه لا مطلقا، وأما إذن الوالدين فهل هو
معتبر في صحة اعتكاف ولدهما إذا كان اعتكافه موجبا لايذائهما شفقة عليه،
فالظاهر عدم اعتباره وإن كان الأحوط له في هذه الحالة الترك.
السادس: استدامة اللبث في المسجد الذي شرع به فيه، فإذا خرج لغير
الأسباب المسوغة للخروج بطل، من غير فرق بين العالم بالحكم والجاهل، ولا
يبعد البطلان في الخروج نسيانا أيضا.
تتمثل موارد جواز خروج المعتكف من المسجد في الحالات التالية:
1 - أن يخرج لغسل الجنابة، شريطة أن لا يتمكن فيه أو بزمن أقل من
زمن خروجه من المسجد أو المساوي له، وإلا لم يجز.
2 - أن يخرج لغير غسل الجنابة من الأغسال الواجبة، كغسل الاستحاضة
ومس الميت أو المستحبة كغسل الجمعة أو نحوها أو لتطهير بدنه أو ثوبه، إذا لم
يمكن في المسجد أو لضرورة اخرى كالبول والغائط.
3 - أن يخرج لحضور صلاة الجمعة إذا أقيمت في غير المسجد مع توفر
شروطها.
4 - أن يخرج لقضاء حاجته أو حاجة مؤمن أو لعلاج مرض داهمه أو
نحو ذلك.
5 - أن يخرج لتشييع جنازة مؤمن، وما يرجع إليه من الصلاة عليه ودفنه
وكفنه.
6 - أن يخرج لعيادة مريض أو معالجته.
436

7 - أن يخرج مكرها عليه.
8 - أن يخرج لإقامة الشهادة إذا دعت الضرورة، بل لكل ما تقتضيه
الضرورة العرفية أو الشرعية، وأما إذا خرج من دون شيء من ذلك عالما أو
جاهلا، بأن ذلك يبطل اعتكافه أو ناسيا لاعتكافه، فعليه أن يعتبر اعتكافه
ملغيا وباطلا.
كما أنه إذا خرج لضرورة شرعية أو عرفية، وظل في الخارج مشغولا
بفترة زمنية طويلة تمحو بها صورة الاعتكاف، بطل وأصبح لاغيا، والأظهر أن
يراعي أقرب الطرق إلى المسجد إذا خرج لضرورة.
(مسألة 1097): إذا أمكنه أن يغتسل في المسجد، فالظاهر عدم جواز
الخروج لأجله، إذا كان الحدث مما لا يمنع من المكث في المسجد كمس الميت
والاستحاضة أو غسل الجمعة بل الجنابة، إذا لم يكن زمن الغسل أكثر من زمن
خروج الجنب من المسجد.
فصل
في أنواع الاعتكاف
الاعتكاف في نفسه عبادة مستحبة، وقد يجب بالنذر وشبهه، وحينئذ
فإن نذر الاعتكاف في أيام معينة، وجب عليه أن يواصل اعتكافه، ولا يجوز له
أن يهدمه، وأما إذا كان قد نذر أن يعتكف من دون أن يحدد أياما معينة، فله
إذا شرع في الاعتكاف أن يهدمه مؤجلا إلى وقت آخر، شريطة أن لا يمضي
عليه يومان من أيام الاعتكاف، وإلا فعليه أن يواصل اعتكافه ويكمله، ولا يجوز
له أن يهدمه وإن كان قد بدأه مستحبا إلا في حالة واحدة، وهي ما إذا شرط
437

بينه وبين ربه حين ما نوى الاعتكاف أن يرجع فيه ويهدمه متى شاء أو عند
عروض عارض، ففي هذه الحالة يجوز له أن يهدم اعتكافه وفقا لشرطه حتى
في اليوم الثالث، ثم إن هذا الشرط إنما يكون نافذا إذا كان مقارنا مع نية
الاعتكاف وإلا فلا أثر له.
(مسألة 1098): الظاهر أنه يجوز اشتراط الرجوع في الاعتكاف متى شاء،
وإن لم يكن هناك عارض.
(مسألة 1099): إذا شرط الرجوع والهدم حال نية الاعتكاف، ثم بعد
ذلك أسقط شرطه، فالظاهر عدم سقوط حكمه.
(مسألة 1100): إذا نذر الاعتكاف، وشرط في ضمن نذره الرجوع فيه
ففي جواز الرجوع والهدم إذا لم يشترط في ضمن نية الاعتكاف إشكال،
والأظهر جوازه، لأنه شرط مقارن للنية.
(مسألة 1101): إذا جلس في المسجد على فراش مغصوب لم يقدح ذلك في
الاعتكاف، وإن سبق شخص إلى مكان من المسجد فأزاله المعتكف من مكانه
وجلس فيه، ففي البطلان تأمل، والأظهر عدم البطلان.
فصل
في أحكام الاعتكاف
(مسألة 1102): لابد للمعتكف من ترك امور:
الأول: مباشرة النساء جماعا، والأحوط استحبابا ترك النساء لمسا أو
تقبيلا بشهوة، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة.
438

الثاني: الاستمناء وهو إنزال المني باليد أو بآلة على الأحوط.
الثالث: شم الطيب والريحان مع قصد التلذد، ولا أثر له إذا كان فاقدا
لحاسة الشم، كما أنه لا بأس به إذا لم يكن قاصدا به التلذد.
الرابع: البيع والشراء أثناء الاعتكاف بل مطلق التجارة على الأظهر،
ولا بأس بالاشتغال بالامور الدنيوية من المباحات، حتى الخياطة والنساجة
ونحوهما، وإن كان الأحوط - استحبابا - الاجتناب، وإذا اضطر إلى البيع
والشراء لأجل الأكل أو الشرب، مما تمس حاجة المعتكف به ولم يمكن التوكيل
والنقل بغيرهما، فعله.
الخامس: المماراة، ونقصد بها المجادلة والمنازعة في أمر ديني أو دنيوي
بداعي إثبات الغلبة وإظهار الفضيلة حبا بالظهور والغلبة على الآخرين، وإن
كانت وجهة نظره صحيحة بذاتها. نعم، لا مانع منها إذا كانت بداعي إظهار
الحق ورد الخصم عن الخطأ، فإنه من أفضل العبادات، والمدار على القصد.
(مسألة 1103): الأحوط - استحبابا - للمعتكف الاجتناب عما يحرم على
المحرم، وإن كان الأقوى خلافه، ولا سيما في لبس المخيط وإزالة الشعر، وأكل
الصيد، وعقد النكاح، فإن جميعها جائز له.
(مسألة 1104): الظاهر أن المحرمات المذكورة مفسدة للاعتكاف من دون
فرق بين وقوعها في الليل والنهار، وفي حرمتها تكليفا إذا لم يكن واجبا معينا
بالنذر أو بمضي يومين منه إشكال، والأحوط وجوبا الترك.
(مسألة 1105): إذا صدر منه أحد المحرمات المذكورة - جهلا أو سهوا -
فالأظهر أنه مبطل.
(مسألة 1106): إذا أفسد اعتكافه بأحد المفسدات، فإن كان واجبا معينا
439

وجب قضاؤه على - الأحوط وجوبا - وإن كان غير معين وجب استئنافه من
جديد، وكذا يجب القضاء على - الأحوط لزوما - إذا كان مندوبا، وكان
الإفساد بعد يومين، أما إذا كان قبلهما فلا شيء عليه.
(مسألة 1107): إذا باع أو تاجر وهو معتكف بطل اعتكافه، ولكن بيعه
وشراؤه وكذلك تجارته لم يبطل.
(مسألة 1108): إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع ولو ليلا، وجبت
الكفارة، والأقوى عدم وجوبها بالإفساد بغير الجماع، وهل كفارته ككفارة
صوم شهر رمضان أو ككفارة الظهار؟
والجواب: أن الأحوط وجوبا أن يكفر على نحو الترتيب ككفارة الظهار،
وإذا كان الاعتكاف في شهر رمضان وأفسده بالجماع نهارا وجبت كفارتان،
إحداهما لإفطار شهر رمضان والاخرى لإفساد الاعتكاف، وكذا إذا كان في
قضاء شهر رمضان بعد الزوال، وإن كان الاعتكاف المذكور منذورا وجبت
كفارة ثالثة لمخالفة النذر، وإذا كان الجماع لامرأته الصائمة في شهر رمضان وقد
أكرهها، وجبت كفارة رابعة عنها على الأحوط الأولى.
والحمد لله رب العالمين
440