الكتاب: كتاب الأم
المؤلف: الإمام الشافعي
الجزء: ٣
الوفاة: ٢٠٤
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤٠٣ - ١٩٨٣ م
المطبعة:
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
ردمك:
ملاحظات: الطبعة الأولى - ١٤٠٠ - ١٩٨٠ م

الأم
تأليف
الامام أبي عبد الله محمد بن إدريس
الشافعي
150 - 204
الجزء الثالث
دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع
1

حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى 1400 ه‍ 1980 م‍
الطبعة الثانية: 1403 ه‍ 1983 م‍
2

* (كتاب البيوع) *
أخبرنا الربيع. قال أخبرنا الشافعي رحمه الله: قال: قال الله تبارك وتعالى " لا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " وقال الله تعالى " وأحل الله البيع وحرم الربا " (قال
الشافعي) وذكر الله البيع في غير موضع من كتابه بما يدل على إباحته فاحتمل إحلال الله عز وجل البيع
معنيين أحدهما أن يكون أحل كل بيع تبايعه المتبايعان جائزي الامر فيما تبايعاه عن تراض منهما وهذا
أظهر معانيه (قال) والثاني أن يكون الله عز وجل أحل البيع إذا كان مما لم ينه عنه رسول الله صلى الله
عليه وسلم المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد فيكون هذا من الجمل التي أحكم الله فرضها بكتابه
وبين كيف هي على لسان نبيه، أو من العام الذي أراد به الخاص فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
أريد بإحلاله منه وما حرم، أو يكون داخلا فيهما، أو من العام الذي أباحه إلا ما حرم على لسان نبيه
صلى الله عليه وسلم منه وما في معناه كما كان الوضوء فرضا على كل متوضئ لا خفى عليه لبسهما على
كمال الطهارة، وأي هذه المعاني كان فقد ألزمه الله تعالى خلقه بما فرض من طاعة رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن بيوع تراضى بها المتبايعان استدللنا على أن الله عز وجل أراد بما أحل من البيوع ما لم يدل
على تحريمه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم دون ما حرم على لسان (قال الشافعي) فأصل البيوع كلها
مباح إذا كانت برضا المتبايعين الجائزي الامر فيما تبايعا إلا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها
وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم محرم بإذنه داخل في المعنى المنهى عنه، وما
فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى (قال الشافعي) وجماع ما يجوز من كل
بيع آجل وعاجل وما لزمه اسم بيع بوجه أنه لا يلزم البائع والمشترى حتى يجمعا أن يتبايعاه برضا منهما
بالتبايع به ولا يعقداه بأمر منهى عنه ولا على أمر منهى عنه وأن يتفرقا بعد تبايعهما عن مقامهما الذي
تبايعا فيه على التراضي بالبيع. فإذا اجتمع هذا لزم كل واحد منهما البيع ولم يكن له رده إلا بخيار أو
عيب يجده أو شرط يشرطه أو خيار رؤية وقال لا يجوز خيار الرؤية (قال الشافعي) أصل البيع بيعان لا
ثالث لهما بيع صفة مضمونة على بائعها، فإذا جاء بها خيار للمشترى فيما إذا كانت على صفته، وبيع
عين مضمونة على بائعها بعينها يسلمها البائع للمشترى فإذا تلفت لم يضمن سوى العين
التي باع ولا يجوز
بيع غير هذين الوجهين، وهذا مفترقان في كتاب البيوع.
3

باب بيع الخيار
(قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال " المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار " أخبرنا أبن
جريج قال أملى على نافع مولى ابن عمر أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
" إذا تبايع المتبايعان البيع فكل واحد منهما بالخيار من بيعه ما لم يتفرقا أو يكون بيعهما عن خيار " قال
نافع وكان عبد الله إذا ابتاع البيع فأراد أن يوجب البيع مشى قليلا ثم رجع (قال الشافعي) أخبرنا
سفيان بن عيينة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن حماد بن سلمة عن
قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله ابن الحرث عن حكيم بن حزام قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا وجبت البركة في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت البركة من
بيعهما " أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن حماد بن زيد عن جميل بن مرة (1) عن أبي الوضئ قال كنا
في غزاة فباع صاحب لنا فرسا من رجل فلما أردنا الرحيل خاصمه فيه إلى أبى برزة فقال له أبو برزة
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " (قال الشافعي) وفي الحديث
ما يبين هذا أيضا لم يحضر الذي حدثني حفظه وقد سمعته من غيره أنهما باتا ليلة ثم غدوا عليه فقال لا
أراكما تفرقتما وجعل له الخيار إذا باتا مكانا واحدا بعد البيع (قال) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن
جريج عن عطاء أنه قال إذا وجب البيع خيره بعد وجوبه قال يقول " اختر إن شئت فخذ وإن شئت
فدع " قال فقلت له فخيره بعد وجوب البيع فأخذ ثم ندم قبل أن يتفرقا من مجلسهما ذلك أتقيله منه لا
بد؟ قال لا أحسبه إذا خيره بعد وجوب البيع أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب بن أبي
تميمة عن محمد بن سيرين عن شريح أنه قال شاهدان ذوا عدل أنكما افترقتما بعد رضا ببيع أو خير
أحدكما صاحبه بعد البيع (قال الشافعي) وبهذا نأخذ وهو قول الأكثر من أهل الحجاز والأكثر من أهل
الآثار بالبلدان (قال) وكل متبايعين في سلف إلى أجل أو دين أو عين أو صرف أو غيره تبايعا وتراضيا
ولم يتفرقا عن مقامهما أو مجلسهما الذي تبايعا فيه فلكل واحد منهما فسخ البيع وإنما يجب على كل واحد
منهما البيع حتى لا يكون له رده إلا بخيار أو شرط خيار أو ما وصفت إذا تبايعا فيه وتراضيا وتفرقا بعد
البيع عن مقامهما الذي تبايعا فيه أو كان بيعهما عن خيار فإن البيع يجب بالتفرق والخيار (قال) واحتمل
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إلا بيع الخيار " معنيين أظهرهما عند أهل العلم باللسان وأولاهما
بمعنى السنة والاستدلال بها والقياس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جعل الخيار للمتبايعين فالمتبايعان اللذان عقدا البيع حتى يتفرقا إلا بيع الخيار فإن الخيار إذا كان لا ينقطع بعد عقد البيع في
السنة حتى يتفرقا وتفرقهما هو أن يتفرقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه كان بالتفرق أو بالتخيير وكان موجودا
في اللسان والقياس إذا كان البيع يجب بشئ بعد البيع وهو الفراق أن يجب بالثاني بعد البيع فيكون إذا
خير أحدهما صاحبه بعد البيع كان الخيار تجديد شئ يوجبه كما كان التفرق تجديد شئ يوجبه ولو لم
يكن فيه سنة بينة بمثل ما ذهب إليه كان ما وصفنا أولى المعنيين أن يؤخذ به لما وصفت من القياس مع

(1) عن أبي الوضئ: هو بالمعجمة امسه: عباد بن نسيب مصغرا كما في الخلاصة. كتبه مصححه.
4

أن سفيان ابن عيينة أخبرنا عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال خير رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا
بعد البيع فقال الرجل: عمرك الله ممن أنت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " امرؤ من قريش "
قال وكان أبى يحلف ما الخيار إلا بعد البيع (قال) وبهذا نقول وقد قال بعض أصحابنا يجب البيع
بالتفرق بعد الصفة ويجب بأن يعقد الصفقة على خيار وذلك أن يقول الرجل لك بسلعتك كذا بيعا
خيارا فقول قد اخترت البيع (قال الشافعي) وليس نأخذ بهذا وقولنا الأول: لا يجب البيع إلا بتفرقهما
أو تخيير أحدهما صاحبه بعد البيع فيختاره (قال) وإذا تبايع المتبايعان السلعة وتقابضا أو لم يتقابضا فكل
واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا أو يخير أحدهما صاحبه بعد البيع، فإذا خيره وجب البيع بما يجب به
إذا تفرقا وإن تقابضا وهلكت السلعة في يد المشترى قبل التفرق أو الخيار فهو ضامن لقيمتها بالغا ما بلغ
كان أقل أو أكثر من ثمنها لأن البيع لم يتم فيها (قال الشافعي) وإن هلكت في يد البائع قبل قبض
المشترى لها وقبل التفرق أو بعده انفسخ البيع بينهما ولا تكون من ضمان المشترى حتى يقبضها، فإن
قبضها ثم ردها على البائع وديعة فهو كغيره ممن أودعه إياها، وإن تفرقا فماتت فهي من ضمان المشترى
وعليه ثمنها وإن كان المشترى أمة فأعتقها المشترى قبل التفرق أو الخيار فاختار البائع نقض البيع كان له
ذلك وكان عتق المشترى باطلا لأنه أعتق ما لم يتم له ملكه وإذا أعتقها البائع كان عتقه جائزا لأنها لم
تملك عليه ملكا يقطع الملك الأول عنها إلا بتفرق بعد البيع أو خيار وأن كل ما لم يتم فيه ملك المشتري
فالبائع أحق به إذا شاء لأن أصل الملك كان له (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وكذلك لو عجل
المشترى فوطئها قبل التفرق في غفلة من البائع عنه فاختار البائع فسخ البيع كان له فسخه وكان على
المشترى مهر مثلها للبائع وإن أحبلها فاختار البائع رد البيع كان له رده وكانت الأمة له وله مهر مثلها
فأعتقنا ولدها بالشبهة وجعلنا على المشترى قيمة ولده يوم ولد وإن وطئها البائع فهي أمته والوطئ
كالاختيار منه لفسخ البيع (قال الشافعي) وإن مات أحد المتبايعين قبل أن يتفرقا قام ورثته مقامه وكان
لهم الخيار في البيع ما كان له وإن خرس قبل أن يتفرقا أو غلب على عقله أقام الحاكم مقامه من ينظر
له وجعل له الخيار في رد البيع أو أخذه. فأيهما فعل ثم أفاق الآخر فأراد نقض ما فعله ما لم يكن له أن
يمضى الحكم عليه به (قال الشافعي) وإن كان المشترى أمة فولدت أو بهيمة فنتجت قبل التفرق فهما
على الخيار فإن اختارا إنفاذ البيع أو تفرقا فولد للمشترى لأن عقد البيع وقع وهو حمل. وكذلك كل
خيار بشرط جائز في أصل العقد (1).
5

باب الخلاف فيما يجب به البيع
(قال الشافعي) رحمه الله فخالفنا بعض الناس فيما يجب به البيع فقال إذا عقد البيع وجب ولا
أبالي أن لا يخير أحدهما صاحبه قبل بيع ولا بعده ولا يتفرقان بعده (قال الشافعي) فقيل لبعض من
قال هذا القول إلى أي شئ ذهبت في هذا القول؟ قال أحل الله البيع وهذا بيع وإنما أحل الله عز
وجل منه للمشترى ما لم يكن يملك ولا أعرف البيع إلا بالكلام لا بتفرق الأبدان فقلت له أرأيت لو
عارضك معارض جاهل بمثل حجتك فقال مثل ما قلت أحل الله البيع ولا أعرف بيعا حلالا وآخر
حراما وكل واحد منهما يلزمه اسم البيع ما الحجة عليه؟ قال إذ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
بيوع فرسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد (قال الشافعي) قلت له ولك
بهذا حجة في النهى فما علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن سنة في البيوع أثبت من قوله
" المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا " فإن ابن عمر وأبا برزة وحكيم بن حزام وعبد الله بن عمرو بن العاص
يروونه ولم يعارضهم أحد بحرف يخالفه عن رسول الله صلى الله وسلم وقد نهى عن الدينار
بالدينارين، فعارض ذلك أسامة بن زيد بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه، فنهينا نحن وأنت
عن الدينار بالدينارين وقلنا هذا أقوى في الحديث ومع من خالفنا مثل ما احتججت به أن الله تعالى
أحل البيع وحرم الربا وأن نهيه عن الربا خلاف ما رويته ورووه أيضا عن سعد بن أبي وقاص وابن
عباس وعروة وعامة فقهاء المكيين فإذا كنا نميز بين الأحاديث فنذهب إلى الأكثر والأرجح وإن اختلف
فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فنرى لنا حجة على من خالفنا أفما نرى أن ما روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم مما لم يخالفه أحد برواية عنه أولى أن يثبت؟ قال بلى إن كان كما تقول قلت فهو كما أقول فهل
تعلم معارضا له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالفه؟ قال لا ولكني أقول إنه ثابت عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كما قلت وبه أقول ولكن معناه على غير ما قلت قلت فاذكر لي المعنى الذي ذهبت
إليه فيه قال المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا في الكلام قال فقلت له الذي ذهبت إليه محال لا يجوز في
اللسان قال وما إحالته؟ وكيف لا يحتمله اللسان؟ قلت إنما يكونان قبل التساوم غير متساومين ثم يكونان

(1) ضامنه: أي مضمونة، فهي فاعلة مفعولة. كما في كتب اللغة اه‍.
(2) قوله: وإن أصاب الخ كذا في النسخ، وانظر أين الفاعل؟ ولعله سقط من الناسخ لفظ " عيب " أو نحوه. كتبه
مصححه.
6

متساومين قبل التبايع ثم يكونان بعد التساوم متبايعين ولا يقع عليهما اسم متبايعين حتى يتبايعا ويفترقا
في الكلام على التبايع (قال) فقال فادللني على ما وصفت بشئ أعرفه غير ما قلت الآن (قال
الشافعي) فقلت له أرأيت لو تساومت أنا وأنت بسلعة رجل امرأته طالق إن كنتما تبايعتما فيها؟ قال فلا
تطلق من قبل أنكما غير متبايعين إلا بعقد البيع، قلت وعقد البيع التفرق عندك في الكلام عن البيع؟
قال نعم، قلت أرأيت لو تقاضيتك حقا عليك، فقلت والله لا أفارقك حتى تعطيني حقي متى
أحنث، قال إن فارقته ببدنك قبل أن يعطيك حقك، قلت فلو لم تعرف من لسان العرب شيئا إلا
هذا أما دلك على أن قولك محال وإن اللسان لا يحتمله بهذا المعنى ولا غيره؟ قال فاذكر غيره، فقلت
له، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه التمس صرفا بمائة دينار، قال
فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف منى وأخذ الذهب يقلبها في يده ثم قال حتى يأتي
خازني أو حتى تأتى خازنتي من الغابة (قال الشافعي) أن شككت وعمر يسمع قال عمر والله لا
تفارقه حتى تأخذ منه، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالورق ربا الا هاء وهاء،
قلت له أفبهذا نقول نحن وأنت إذا تفرق المصطرفان عن مقامهما الذي تصارفا فيه انتقض الصرف وما لم
يتفرقا لم ينتقض؟ فقال: نعم قلت له فما بان لك وعرفت من هذا الحديث أن التفرق هو تفرق الأبدان
بعد التبايع لا التفرق عن البيع لأنك لو قلت تفرق المتصارفان عن البيع قبل التقابض لبعض الصرف
دخل عليك أن تقول لا يحل الصرف حتى يتراضيا ويتوازنا ويعرف كل واحد منهما ما يأخذ ويعطى ثم
يوجبا البيع في الصرف بعد التقابض أو معه، قال لا أقول هذا، قلت ولا أرى قولك التفرق تفرق
الكلام إلا جهالة أو تجاهلا باللسان (قال الشافعي) قلت له أرأيت رجلا قال لك أقلدك فأسمعك تقول
المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا والتفرق عندك التفرق بالكلام وأنت تقول إذا تفرق المتصارفان قبل
التقابض كان الصرف ربا وهما في معنى المتبايعين غيرهما لأن المتصارفين متبايعان وإذا تفرقا عن الكلام
قبل التقابض فسد الصرف قال ليس هذا له، قلت فيقول لك كيف صرت إلى نقض قولك؟ قال إن
عمر سمع طلحة ومالكا قد تصارفا فلم ينقض الصرف ورأي أن قول النبي صلى الله عليه وسلم " هاء
وهاء " إنما هو لا يتفرقا حتى تقاضا قلت تفرقا عن الكلام، قال نعم: قلت فقال لك أفرأيت لو احتمل
اللسان ما قلت وما قال من خالفك أما يكون من قال بقول الرجل الذي سمع الحديث أولى أن يصار
إلى قوله لأنه الذي سمع الحديث فله فضل السماع والعلم بما سمع وباللسان؟ قال بلى قلت فلم لم تعط هذا
ابن عمر وهو سمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " فكان إذا
اشترى شيئا يعجبه أن يجب له فارق صاحبه فمشى قليلا ثم رجع ولم لم تعط هذا أبا برزة وهو سمع من
رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار وقضى به وقد تصادقا بأنهما تبايعا ثم كان معا لم لم يتفرقا
في ليلتهما ثم غدوا إليه فقضى أن لكل واحد منهما الخيار في رد بيعه؟ (قال الشافعي) فإن قال قائل
تقول إن قولي محال؟ قلت نعم قال فما أحسبني إلا قد اكتفيت بأقل مما ذكرت وأسألك قال فسل قلت
أفرأيت إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار " أليس قد جعل إليهما
الخيار إلى وقتين ينقطع الخيار إلى أيهما كان؟ قال لي قلت فما الوقتان؟ قال أن يتفرقا بالكلام، قلت فما
الوجه الثاني؟ قال لا أعرف له وجها فدعه، قلت أفرأيت ان بعتك بيعا ودفعته إليك، فقلت أنت
فيه بالخيار إلى الليل من يومك هذا وأن تختار إجازة البيع قبل الليل أجائز هذا البيع؟ قال نعم، قلت
فمتى ينقطع خيارك ويلزمك البيع فلا يكون لك رده؟ قال إن انقضى اليوم ولم اختر رد البيع انقطع
7

الخيار في البيع، أو اخترت قبل الليل إجازة البيع انقطع الخيار في الرد، قلت فكيف لا تعرف أن
هذا قطع الخيار في المتبايعين أن يتفرقا بعد البيع أو يخير أحدهما صاحبه؟ (قال الشافعي) فقال،
دعه، قلت نعم بعد العلم منى بأنك إنما عمدت ترك الحديث وأنه لا يخفى عليك أن قطع الخيار البيع
التفرق أو التخيير كما عرفته في جوابك قبله، فقلت له أرأيت إن زعمت أن الخيار إلى مدة، وزعمت
أنها أن يتفرقا في الكلام، أيقال للمتساومين أنتما بالخيار؟ قال نعم، السائم في أن يرد أو يدع،
والبائع في أن يوجب، أو يدع، قلت ألم يكونا قبل التساوم هكذا؟ قال بلى، قلت: فهل أحدث لهما
التساوم حكما غير حكمهما قبله أو يخفى على أحد أنه مالك لماله إن شاء أعطاه، وإن شاء منعه؟ قال
لا، قلت: فيقال لانسان أنت بالخيار في مالك الذي لم توجب فيه شيئا لغيرك فالسائم عندك لم
يوجب في ماله شيئا لغيره إنك لتحيل فيما تجيب فيه من الكلام، قال فلم لا أقول لك أنت بالخيار في
مالك؟ قلت لما وصفت لك، وإن قلت ذلك إلى مدة تركت قولك، قال وأين؟ قلت وأنت تزعم أن
من كان له الخيار إلى مدة فإذا اختار انقطع خياره كما قلت إذا جعلته بالخيار يوما، فمضى اليوم انقطع
الخيار، قال أجل وكذلك إذا أوجب البيع فهو إلى مدة، قلت لم ألزمه قبل إيجاب البيع شيئا فيكون
فيه يختار ولو جاز أن يقال أنت بالخيار في مالك ما جاز أن يقال أنت بالخيار إلى مدة، إنما يقال،
أنت بالخيار أبدا، قال فإن قلت المدة أن يخرجه من ملكه؟ قلت وإذا أخرجه من ملكه، فهو
لغيره، أفيقال، لاحد أنت بالخيار في مال غيرك؟ (قال الشافعي) فقلت أرأيت لو أن رجلا جاهلا
عارضك بمثل حجتك، فقال قد قلت المتساومان يقع عليهما اسم متبايعين، وقد قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم هما بالخيار ما لم يتفرقا والتفرق عندك يحتمل تفرق الأبدان والتفرق بالكلام، فإن تفرقا
بأبدانهما، فلا خيار لهما، وعلى صاحب المال أن يعطى بيعه ما بذل له منه، وعلى صاحب السلعة أن
يسلم سلعته له بما استام عليه ولا يكون له الرجوع عما بذلها به إذا تفرقا، قال ليس ذلك له، قلت ولا
لك (قال الشافعي) قال أفليس يقبح أن أملك سلعتك وتملك مالي ثم يكون لكل واحد منا الرد بغير
عيب أو ليس يقبح أن أبتاع منك عبدا، ثم أعتقه، قبل أن نتفرق، ولا يجوز عتقي وأنا مالك؟
(قال الشافعي) قلت ليس يقبح في هذا شئ، إلا دخل عليك أعظم منه، قال، وما ذلك؟ قلت
أرأيت إن بعتك عبدا بألف درهم وتقابضنا وتشارطنا أنا جميعا، أو أحدنا بالخيار إلى ثلاثين سنة؟
قال، فجائز، قلت ومتى شاء واحد منا نقض البيع نقضه، وربما مرض العبد ولم ينتفع به سيده،
وانتفع البائع بالمال، وربما المبتاع بالعبد حتى يستغل منه أكثر من ثمنه ثم يرده وإن أخذه بدين ولم
ينتفع البائع بشئ من مال المبتاع وقد عظمت منفعة المبتاع بمال البائع؟ قال نعم هو رضى بهذا،
قلت، وإن أعتقه المشترى في الثلاثين سنة لم يجز وإن أعتقه البائع جاز، قال نعم قلت فإنما جعلت له
الخيار بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يتفرقا، ولعل ذلك يكون في طرفة عين، أو لا يبلغ
يوما كاملا لحاجة الناس إلى الوضوء أو تفرقهم للصلاة وغير ذلك فقبحته، وجعلت له الخيار ثلاثين
سنة برأي نفسك فلم تقبحه؟ قال: ذلك بشرطهما، قلت فمن شرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم
أولى أن يثبت له شرطه ممن شرط له بائع ومشتر، وقلت له: أرأيت لو اشتريت منك كيلا من طعام
موصوف بمائة درهم؟ قال فجائز، قلت وليس لي ولا لك نقض البيع قبل تفرق؟ قال لا، قلت وإن
تفرقنا قبل التقابض انتقض البيع؟ قال نعم قلت أفليس قد وجب لي عليك شئ لم يكن لي ولا لك
نقضه ثم انتقض بغير رضا واحد منا بنقضه؟ قال نعم إنما نقضناه استدلالا بالسنة أن النبي صلى الله
8

عليه وسلم نهى عن الدين بالدين، قلت فإن قال لك قائل، أهل الحديث يوهنون هذا الحديث ولو
كان ثابتا لم يكن هذا دينا لأني متى شئت أخذت منك دراهمي التي بعتك بها إذا لم أسم لك أجلا
والطعام إلى مدته، قال: لا يجوز ذلك، قلت ولم وعليك فيه لمن طالبك أمران، أحدهما أنك تجيز
تبايع المتبايعين العرض بالنقد ولا يسميان أجلا ويفترقان قبل التقابض ولا ترى بأسا ولا ترى هذا دينا
بدين فإذا كان هذا هكذا عندك احتمل اللفظ أن يسلف في كيل معلوم بشرط سلعة وإن لم يدفعها
فيكون حالا غير دين بدين، ولكنه عين بدين قال: بل هو دين بدين قلت فإن قال لك قائل فلو كان
كما وصفت أنهما إذا تبايعا في السلف فتفرقا قبل التقابض انتقض البيع بالتفرق، ولزمك أنك قد
فسخت العقدة المتقدمة الصحيحة بتفرقهما بأبدانهما والتفرق عندك في البيوع ليس له معنى إنما المعنى
في الكلام، أو لزمك أن تقول في البيعين بالخيار ما لم يتفرقا إن لتفرقهما بأبدانهما معنى يوجبه كما كان
لتفرق هذين بأبدانهما، معنى ينقضه ولا تقول هذا (قال الشافعي) فقال، فإنا روينا عن عمر أنه
قال، البيع عن صفقة أو خيار، قلت أرأيت إذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وصفت لو
كان قال رجل من أصحابه قولا يخالفه ألا يكون الذي تذهب إليه فيه أنه لو سمع عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم شيئا لم يخالفه إن شاء الله تعالى، وتقول قد يعزب عن بعضهم بعض السنن؟
قال: بلى قلت أفترى في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة؟ فقال عامة من حضره:
لا قلت: ولو أجزت هذا خرجت من عامة سنن النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليك ما لا
تعذر منه، قال فدعه، قلت فليس بثابت عن عمر، وقد رويتم عن عمر مثل قولنا، زعم أبو يوسف
عن مطرف، عن الشعبي أن عمر قال البيع عن صفقة أو خيار (قال الشافعي) وهذا مثل ما
روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فهذا منقطع قلت وحديثك الذي رويت عن عمر غلط،
ومجهول، أو منقطع، فهو جامع لجميع ما ترد به الأحاديث، قال لئن أنصفناك ما يثبت مثله،
فقلت احتجاجك به مع معرفتك بمن حدثه وعمن حدثه ترك النصفة (قال الشافعي) وقلت له: لو
كان كما رويت، كان بمعنى قولنا أشبه وكان خلاف قولك كله، قال ومن أين؟ قلت أرأيت إذ زعمت
أن عمر قال البيع عن صفقة أو خيار أليس تزعم أن البيع يجب بأحد أمرين، إما بصفقة، وإما
بخيار؟ قال: بلى قلت أفيجب البيع بالخيار والبيع بغير خيار؟ قال نعم: قلت ويجب بالخيار، قال
تريد ماذا؟ قلت ما يلزمك قال وما يلزمني؟ قلت تزعم أنه يجب الخيار بلا صفقة لأنه إذا زعم أنه
يجب بأحد أمرين علمنا أنهما مختلفان كما تقول في المولى يفئ أو يطلق وفى العبد يجنى يسلم أو يفدى
وكل واحد منهما غير الآخر قال: ما يصنع الخيار شيئا إلا بصفقة تقدمه أو تكون معه والصفقة مستغنية
عن الخيار (1) فهي إن وقعت معها خيار أو بعدها أو ليس معها ولا بعدها وجبت قال نعم قلت وقد
زعمت أن قوله أو خيار لا معنى له قال فدع هذا قلت نعم بعد العلم بعلمك إن شاء الله تعالى بأنك
زعمت أن ما ذهبت إليه محال قال: فما معناه عندك (2)؟ قلت لو كان قوله هذا موافقا لما روى أبو

(1) قوله: فهي إن وقعت، كذا في النسخ التي بيدنا، ولعله سقط قبل " فهي " لفظ " قلت " فإن هذه العبارة من
كلام الشافعي رحمه الله كما هو واضح، وحرر. كتبه مصححه.
(2) قوله: قلت لو كان قوله هذا موافقا إلى قوله " أو خيار " كذا بالأصول التي بأيدينا وانظر، وحرر. كتبه
مصححه.
9

يوسف عن مطرف عن الشعبي عنه وكان مثل معنى قوله فكان مثل البيع في معنى قوله فكان البيع عن
صفقة بعدها تفرق أو خيار قال بعض من حضر ماله معنى يصح غيرها قال أما إنه لا يصح حديثه قلت
أجل فلم استعنت به؟ قال: فعارضنا غير هذا بأن قال فأقول إن ابن مسعود روى أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال البائع والمبتاع بالخيار (قال الشافعي) وهذا
الحديث منقطع عن ابن مسعود والأحاديث التي ذكرناها ثابتة متصلة فلو كان هذا يخالفها لم يجز للعالم
بالحديث أن يحتج به على واحد منها لأنه لا يثبت هو بنفسه فكيف يزال به ما يثبت بنفسه ويشده
أحاديث معه كلها ثابتة؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو كان هذا الحديث ثابتا لم يكن يخالف
منها شيئا من قبل أن هذين متبايعان إن تصادقا على التبايع واختلفا في الثمن فكل واحد منهما يختار أن
ينفذ البيع إلا أن تكون دعواهما مما يعقد به البيع مختلفة تنقض أصله ولم يجعل الخيار إلا للمبتاع في أن
يأخذ أو يدع وحديث البيع بالخيار جعل الخيار لهما معا من غير اختلاف في ثمن ولا ادعاء من واحد
منهما بشئ يفسد أصل البيع ولا ينقضه إنما أراد تحديد نقض البيع بشئ جعل لهما معا وإليهما إن شاءا
فعلاه وإن شاءا تركاه (قال الشافعي) ولو غلط رجل إلى أن الحديث على المتبايعين اللذين لم يتفرقا من
مقامهما لم يجز له الخيار لهما بعد تفرقهما من مقامهما فإن قال فما يغنى في البيع اللازم بالصفقة أو التفرق
بعد الصفقة؟ قيل لو وجب بالصفقة استغنى عن التفرق ولكنه لا يلزم إلا هما ومعنى خياره بعد الصفقة
كمعنى الصفقة والتفرق وبعد التفرق فيختلفان في الثمن فيكون للمشترى الخيار كما يكون له الخيار بعد
القبض وقبل التفرق وبعد زمان إذا ظهر على عيب ولو جاز أن نقول إنما يكون له الخيار إذا
اختلفا في الثمن لم يجز أن يكون له الخيار إذا ظهر على عيب وجاز أن يطرح كل حديث أشبه حديثا في
حرف واحد لحروف أخر مثله وإن وجد لهما محمل يخرجان فيه فجاز عليه لبعض المشرقيين ما هو أولى
أن يجوز من هذا فإنهم قالوا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التمر بالتمر إلا مثلا بمثل وعن المزابنة
وهي الجزاف بالكيل من جنسها وعن الرطب بالتمر فحرمنا العرايا بخرصها من التمر لأنها داخلة في هذا
المعنى وزعمنا نحن ومن قال هذا القول من أصحابنا أن العرايا حلال بإحلال النبي صلى الله عليه وسلم
ووجدنا للحديثين معنى يخرجان عليه ولجاز هذا علينا في أكثر ما يقدر عليه من الأحاديث (قال
الشافعي) وخالفنا بعض من وافقنا في الأصل أن البيع يجب بالتفرق والخيار فقال الخيار إذا وقع مع
البيع جاز فليس عليه أن يخير بعد البيع والحجة عليه ما وصفت من أن النبي صلى الله عليه وسلم خير
بعد البيع ومن القياس إذا كانت بيعا فلا يتم البيع إلا بتفرق المتبايعين وتفرقهما شئ غير عقد البيع يشبه
والله أعلم أن لا يكون يجب بالخيار إلا بعد البيع كما كان التفرق بعد البيع وكذلك الخيار بعده (قال
الشافعي) وحديث مالك بن أوس بن الحدثان (1) النصرى عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن
التفرق بين المتبايعين تفرق الأبدان ويدل على غيره وهو موضوع في موضعه قال وحديث النبي صلى الله
عليه وسلم " لا يبع أحدكم على بيع أخيه " يدل على أنه في معنى حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " المتبايعان بالخيار " لأني لو كنت إذا بعت رجلا سلعة تسوى مائة ألف لزم المشترى البيع حتى لا
يستطيع أن ينقضه ما ضرني أن يبيعه رجل سلعة خيرا منها بعشرة ولكن في نهيه أن يبيع الرجل على بيع

(1) النصرى: بنون فمهملة كما في الخلاصة. كتبه مصححه.
10

أخيه دلالة على أن يبيع على بيع أخيه قبل أن يتفرقا لأنهما لا يكونان متبايعين إلا بعد البيع ولا يضر بيع
الرجل على بيع أخيه إلا قبل التفرق حتى يكون للمشترى الخيار في رد البيع وأخذه فيها لئلا يفسد على
البائع ولعله يفسد على البائع ثم يختار أن يفسخ البيع عليهما معا ولو لم يكن هذا لم يكن للحديث معنى
أبدا لأن البيع إذا وجب على المشترى قبل التفرق أو بعده فلا يضر البائع من باع على بيعه، ولو جاز أن
يجعل هذا الحديث على غير هذا جاز أن لا يصير الناس إلى حديث إلا أحالهم غيرهم إلى حديث
غيره (1).
باب بيع الكلاب وغيرها من الحيوان غير المأكول
أخبرنا الربيع قال (الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن
ابن الحرث بن هشام عن أبي مسعود الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب
ومهر البغي وحلوان الكاهن (قال) قال مالك فلذلك أكره بيع الكلاب الضواري وغير الضواري.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال " من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو ضاريا نقص من عمله كل يوم قيراطان " أخبرنا الربيع قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يزيد بن خصيفة أن السائب بن يزيد أخبره أنه سمع سفيان بن أبي
زهير وهو رجل من شنوءة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول " من اقتنى كلبا نقص من عمله كل يوم قيراطا " قالوا أنت سمعت هذا من رسول الله
صلى الله عليه وسلم؟ قال: أي ورب هذا المسجد. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك
عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب (قال الشافعي) وبهذا نقول
لا يحل للكلب ثمن بحال وإذا لم يحل ثمنه لم يحل أن يتخذه إلا صاحب صيد أو حرث أو ماشية وإلا لم
يحل له أن يتخذه ولم يكن له إن قتله أخذ ثمن إنما يكون الثمن فيما قتل مما يملك إذا كان
يحل أن يكون له في الحياة ثمن يشترى به ويباع (قال) ولا يحل اقتناؤه إلا لصاحب صيد أو زرع أو
11

ماشية أو ما كان في معناه لما جاء فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر رسول صلى الله عليه
وسلم بقتل الكلاب يدل على أنها لو صلحت أن يكون لها أثمان بحال لما جاز قتلها ولكان لمالكها بيعها
فيأخذ أثمانها لتصير إلى من يحل له قنيتها (قال) ولا يحل السلم فيها لأنه بيع وما أخذ في شئ يملك فيه
بحال معجلا أو مؤخرا أو بقيمته في حياة أو موت فهو ثمن من الأثمان ولا يحل للكلب ثمن لما وصفنا من
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمنه ولو حل ثمنه حل حلوان الكاهن ومهر البغي (قال) وقد قال
النبي صلى الله عليه وسلم " من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية نقص كل يوم من عمله
قيراطان " وقال " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة " (قال) وقد نصب الله عز وجل الخنزير
فسماه رجسا وحرمه فلا يحل أن يخرج له ثمن معجل ولا مؤخر ولا قيمة بحال ولو قتله إنسان لم يكن فيه
قيمة وما لا يحل ثمنه مما يملك لا تحل قيمته لأن القيمة ثمن من الأثمان (قال) وما كان فيه منفعة في
حياته بيع من الناس غير الكلب والخنزير وإن لم يحل أكله فلا بأس بابتياعه وما كان لا بأس بابتياعه
لم يكن بالسلف فيه بأس إذا كان لا ينقطع من أيدي الناس ومن ملكه فقتله غيره فعليه قيمته في
الوقت الذي قتله فيه، وما كان منه معلما فقتله معلما فقيمته معلما كما تكون قيمة العبد معلما وذلك مثل
الفهد يعلم الصيد والبازي والشاهين والصقر وغيرها من الجوارح المعلمة ومثل الهر والحمار الانسي والبغل
وغيرها مما فيه منفعة حيا وإن لم يؤكل لحمه (قال) فأما الضبع والثعلب فيؤكلان ويباعان وهما مخالفان لما
وصفت يجوز فيهما السلف إن كان انقطاعهما في الحين الذي يسلف فيهما مأمونا الأمان الظاهر عند
الناس ومن قتلهما وهما لاحد غرم ثمنهما كما يغرم ثمن الظبي وغيره من الوحش المملوك غيرهما (قال
الشافعي) وكل ما لا منفعة فيه من وحش مثل الحدأة والرخمة والبغاثة وما لا يصيد من الطير الذي لا
يؤكل لحمه ومثل اللحكاء والقطا والخنافس وما أشبه هذا فأرى والله تعالى أعلم أن لا يجوز شراؤه ولا
بيعه بدين ولا غيره ولا يكون على أحد لو حبسه رجل عنده فقتله رجل له قيمة وكذلك الفأر والجرذان
والوزغان لأنه لا معنى للمنفعة فيه حيا ولا مذبوحا ولا ميتا فإذا اشترى هذا أشبه أن يكون أكل المال
بالباطل وقد نهى الله عز وجل عن أكل المال بالباطل لأنه إنما أجيز للمسلمين بيع ما انتفعوا به مأكولا
أو مستمتعا به في حياته لمنفعة تقع موقعا ولا منفعة في هذا تقع موقعا وإذا نهى عن بيع ضراب الفحل
وهو منفعة إذا تم لأنها ليست بعين تملك لمنفعة، كان مالا منفعة فيه بحال أولى أن ينهى عن ثمنه عندي
والله تعالى أعلم.
باب الخلاف في ثمن الكلب
(قال الشافعي) فخالفنا بعض الناس فأجاز ثمن الكلب وشراءه وجعل على من قتله ثمنه قلت له
أفيجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرم ثمن الكلب وتجعل له ثمنا حيا أو ميتا؟ أو يجوز أن
يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ولها أثمان يغرمها قاتلها أيأمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم بقتل ما يغرمه قاتله وكل ما غرمه قاتله أثم من قتله لأنه استهلاك ما يكون ما لا لمسلم ورسول الله
صلى الله عليه وسلم لا يأمر بمأثم (وقال قائل) فإنا إنما أخذنا أن الكلب يجوز ثمنه خبرا وقياسا قلت له
فاذكر الخبر قال أخبرني بعض أصحابنا عن محمد بن إسحاق عن عمران بن أبي أنس أن عثمان أغرم
رجلا ثمن كلب قتله عشرين بعيرا، قال وإذا جعل فيه مقتولا قيمة، كان حياله ثمن لا يختلف ذلك
(قال) فقلت له أرأيت لو ثبت هذا عن عثمان كنت لم تصنع شيئا في احتجاجك على شئ ثبت عن
12

رسول الله صلى الله عليه وسلم والثابت عن عثمان خلافه قال فاذكره قلت أخبرنا الثقة عن يونس عن
الحسن قال سمعت عثمان بن عفان يخطب وهو يأمر بقتل الكلاب (قال الشافعي) فكيف يأمر بقتل ما
يغرم من قتله قيمته؟ قال فأخذناه قياسا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه صاحب الزرع ولا
الماشية عن اتخاذه وذكر له صيد الكلاب فقال فيه ولم ينه عنه فلما رخص في أن يكون الكلب مملوكا
كالحمار حل ثمنه ولما حل ثمنه كانت قيمته على من قتله (قال) فقلت له فإذا أباح رسول الله صلى الله
عليه وسلم اتخاذه لصاحب الزرع والماشية ولم ينه عنه صاحب الصيد وحرم ثمنه فأيهما أولى بنا وبك
وبكل مسلم أن يتبعه في القولين فتحرم ما حرم ثمنه وتقتل الكلاب على من لم يبح له اتخاذها كما أمر
بقتلها وتبيح اتخاذها لمن أباحه له ولم ينهه عنه أو تزعم أن الأحاديث فيها تضاد؟ قال فما تقول أنت؟
قلت أقول الحق إن شاء الله تعالى إثبات الأحاديث على ما جاءت كما جاءت إذا احتملت أن تثبت
كلها ولو جاز ما قلت من طرح بعضها لبعض جاز عليك ما أجزت لنفسك قال فيقول قائل لا نعرف
الأحاديث قلت إذا كان يأثم بها من اتخذها لا أحل لاحد اتخاذها وأقتلها حيث وجدتها ثم لا يكون
أولى بالصواب منه قال أفيجوز عندك أن يتخذها متخذ ولا ثمن لها؟ قلت بل لا يجوز فيها غيره لو كان
أصل اتخاذها حلالا حلت لكل أحد كما يحل لك أحد اتخاذ الحمر والبغال ولكن أصل اتخاذها محرم
إلا بموضع كالضرورة لاصلاح المعاش لأني لم أجد الحلال يحظر على أحد وأجد من المحرم ما بياح
لبعض دون بعض (قال) ومثل ماذا؟ قلت الميتة والدم مباحان لذي الضرورة فإذا فارق الضرورة عاد
أن يكونا محرمين عليه بأصل تحريمهما والطهارة بالتراب مباحة في السفر لمن لم يجد ماء فإذا وجده حرم
عليه الطهارة بالتراب لأن أصل الطهارة إنما هي بالماء ومحرمة بما خالفه إلا في الضرورة بالاعواز والسفر
أو المرض ولذلك إذا فارق رجل اقتناء الكلب للصيد أو الزرع أو الماشية حرم عليه اتخاذها قال فلم لا
يحل ثمنها في الحين الذي يحل اتخاذها؟ قلت لما وصفت لك من أنها مرجوعة على الأصل فلا ثمن لمحرم
في الأصل وإن تنقلب حالاته بضرورة أو منفعة فإن إحلاله خاص لمن أبيح له قال فأوجدني مثل ما
وصفت قلت أرأيت دابة الرجل ماتت فاضطر إليها بشر أيحل لهم أكلها؟ قال نعم قلت أفيحل له بيعها
منهم أو لبعضهم إن سبق بعضهم إليها؟ قال إن قلت ليس ذلك له قلت فقد حرمت على مالك الدابة
بيعها وإن قلت نعم قلت فقد أحللت بيع المحرم قلت نعم قال فأقول لا يحل بيعها قلت ولو أحرقها رجل
في الحين الذي أبيح لهؤلاء أكلها فيه (1) لم يغرم ثمنها قال لا، قلت فلو لم يدلك على النهى عن ثمن
الكلب إلا ما وصفت لك انبغى أن يدلك قال أفتوجدني غير هذا أقوله؟ قلت نعم زعمت أنه لو كان
لك خمر حرم عليك اتخاذها وحل لك أن تفسدها بملح وماء وغير ذلك مما يصيرها خلا وزعمت أن
رجلا لو أهراقها وقد أفسدها قبل أن تصير خلا لم يكن عليه في ثمنها شئ لأنها لم تحل بعد عن المحرم
فتصير عينا غيره وزعمت أن ماشيتك لو موتت حل لك سلخها وحبس جلدها وإذا دبغتها حل ثمنها ولو
حرقها رجل قبل أن تدبغها لم يكن عليه فيها قيمة؟ قال إني لا أقول هذا ولكني أقول إذا صارت خلا
وصارت مدبوغة كان لها ثمن وعلى من حرقها قيمته قلت لأنها تصير عندك عينا حلالا لكل أحد؟ قال
نعم قلت أفتصير الكلاب حلالا لكل أحد؟ قال لا، إلا بالضرورة أو طلب المنفعة والكلاب بالميتة
أشبه لنا فيها ألزم قلت وهذا يلزمك في الحين الذي يحل لك فيه حبس الخمر والجلود، فأنت لا تجعل

(1) قوله: لم يغرم ثمنها كذا في النسخ ولعله تحريف من النساخ والوجه " أيغرم " بالاستفهام وانظر. كتبه مصححه.
13

في ذلك الحين لها ثمنا قال أجل (قال الشافعي) ثم حكى أن قائلا قال لا ثمن لكلب الصيد ولا الزرع
لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب جملة ثم قال وإن قتل إنسان لآخر كلبا غرم ثمنه لأنه
أفسد عليه ماله (قال الشافعي) وما لم يكن له ثمن حيا بان أصل ثمنه محرم كان ثمنه إذا قتل أولى أن
يبطل أو مثل ثمنه حيا وكل ما وصفت حجة على من حكيت قوله وحجة على من قال هذا القول وعليه
زيادة حجة من قوله من أنه إذا لم يحل ثمنها في الحال التي أباح النبي صلى الله عليه وسلم اتخاذها كان
إذا قتلت أحرى أن لا يكون بها حلالا قال فقال قائل: فإذا أخصى رجل كلب رجل أو جدعه؟ قلت
إذا لم يكن له ثمن ولم يكن على من قتله قيمة كان فيما أصيب مما دون القتل أولى ولم يكن عليه فيه غرم
وينهى عنه ويؤدب إذا عاد (1).
باب الربا - باب الطعام بالطعام (2)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان
النصرى أنه التمس صرفا بمائة دينار قال فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف منى وأخذ
الذهب يقلبها في يده، ثم قال حتى تأتى خازنتي أو خازني (قال الشافعي) أنا شككت بعدما قرأته
عليه وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يسمع فقال عمر لا والله لا تفارقه حتى تأخذ منه ثم قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر
ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا، إلا هاء وهاء " أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن
الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال " الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء
والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب
عن مسلم بن يسار ورجل آخر عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تبيعوا

(1) وفى اختلاف مالك والشافعي.
باب ثمن الكلب
سألت الشافعي رحمه الله عن الرجل يقتل الكلب للرجل؟ فقال ليس عليه غرم، فقلت: وما الحجة في
ذلك؟ قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبي مسعود الأنصاري
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن. قال مالك: وإنما يكره بيع الكلاب الضواري
بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب.
(2) ترجم هنا بلفظ " باب الربا " السراج البلقيني في نسخته وأتى عقبه بباب الطعام بالطعام والتراجم بعده
المتعلقة بالربويات وهي في سائر النسخ مؤخرة عن هذا الموضع وعلى ترتيب نسخته جرينا في هذا المطبوع، فليعلم،
كتبه مصححه.
14

الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء عينا
بعين يدا بيد ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر والتمر بالملح والملح
بالتمر يدا بيد كيف شئتم " قال ونقص أحدهما التمر أو الملح (قال الشافعي) رحمه الله وبهذا نأخذ وهو
موافق للأحاديث في الصرف وبهذا تركنا قول من روى أن لا ربا إلا في نسيئة وقلنا الربا من وجهين في
النسيئة والنقد وذلك أن الربا منه يكون في النقد بالزيادة في الكيل والوزن ويكون في الدين بزيادة
الأجل، وقد يكون مع الأجل زيادة في النقد (قال) وبهذا نأخذ والذي حرم رسول الله صلى الله عليه
وسلم الفضل في بعضه على بعض يدا بيد، الذهب والورق والحنطة والشعير والتمر والملح (قال)
والذهب والورق مباينان لكل شئ لأنهما أثمان كل شئ ولا يقاس عليهما شئ من الطعام ولا من غيره
(قال الشافعي) رحمه الله فالتحريم معهما من الطعام من مكيل كله مأكول (قال) فوجدنا المأكول إذا
كان مكيلا فالمأكول إذا كان موزونا في معناه لأنهما مأكولان معا وكذلك إذا كان مشروبا مكيلا أو
موزونا لأن الوزن أن يباع معلوما عند البائع والمشترى كما كان الكيل معلوما عندهما بل الوزن أقرب من
الإحاطة لبعد تفاوته من الكيل فلما اجتمعا في أن يكونا مأكولين ومشروبين وبيعا معلوما بمكيال أو
ميزان كان معناهما معنى واحدا فحكمنا لهما حكما واحدا، وذلك مثل حكم الذهب والفضة لأن مخرج
التحريم والتحليل في الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والنوى فيه لأنه لاصلاح له إلا به والملح واحد
لا يختلف. ولا نخالف في شئ من أحكام ما نصت السنة من المأكول غيره وكل ما كان قياسا عليها
مما هو في معناها وحكمه حكمها لم نخالف بين أحكامها وكل ما كان قياسا عليها مما هو في معناها حكمنا

(1) قوله: سول كذا رسم بالأصل بدون نقط ولعله محرف عن " يفوت " أو نحوه، وحرر. كتبه مصححه
15

له حكمها من المأكول والمشروب والمكيل والموزون وكذلك في معناها عندنا والله أعلم كل مكيل
ومشروب، بيع عددا، لأنا وجدنا كثيرا منها يوزن ببلدة ولا يوزن بأخرى ووجدنا عامة الرطب بمكة
إنما يباع في سلال جزافا، ووجدنا عامة اللحم إنما يباع جزافا ووجدنا أهل البدو إذا تبايعوا لحما أو لبنا
لم يتبايعوه إلا جزافا. وكذلك يتبايعون السمن والعسل والزبد وغيره، وقد يوزن عند غيرهم ولا يمتنع
من الوزن والكيل في بيع من باعه جزافا وما بيع جزافا أو عددا فهو في معنى الكيل والوزن من المأكول
والمشروب عندنا والله أعلم وكل ما يبقى منه ويدخر وما لا يبقى ولا يدخر سواء لا يختلف، فلو نظرنا
في الذي يبقى منه ويدخر ففرقنا بينه وبين مالا يبقى ولا يدخر وجدنا التمر كله يابسا يبقى غاية ووجدنا
الطعام كله لا يبقى ذلك البقاء ووجدنا اللحم لا يبقى ذلك البقاء ووجدنا اللبن لا يبقى ولا يدخر فإن
قال قد يوقط قيل وكذلك عامة الفاكهة الموزونة قد تيبس وقشر الأترج بما لصق فيه ييبس وليس فيما
يبقى ولا يبقى معنى يفرق بينه إذا كان مأكولا ومشروبا فكله صنف واحد والله أعلم وما كان غير
مأكول ولا مشروب لتفكه ولا تلذذ مثل الأسبيوش (1) والثفاء والبزور كلها، فهي وإن أكلت غير

(1) الآسبيوش هو البزرقطونا والثفاء بوزن هو الخردل أو الحرف كذا في كتب اللغة. كتبه مصححه.
(2) قوله: بأن الخيار له دون البائع كذا بالأصل هنا، وفى باب الغصب. ولعله تحريف من النساخ والوجه " بأن
الخيار دون المشترى " كما هو واضح اه‍ مصححه.
16

معنى القوت فقد تعد مأكولة ومشروبة وقياسها على المأكول القوت أولى من قياسها على ما فارقه مما
يستمتع به لغير الاكل ثم الأدوية كلها أهليلجها وايليلجها وسقمونيها وغاريقونها يدخل في هذا المعنى
والله أعلم (قال) ووجدنا كل ما يستمتع به ليكون مأكولا أو مشروبا يجمعه أن المتاع به ليؤكل أو يشرب
ووجدنا يجمعه أن الأكل والشرب للمنفعة ووجدنا الأدوية تؤكل وتشرب للمنفعة بل منافعها كثيرة
أكثر من منافع الطعام فكانت أن تقاس بالمأكول والمشروب أولى من أن يقاس بها المتاع لغير الاكل من
الحيوان والنبات والخشب وغير ذلك فجعلنا للأشياء أصلين أصل مأكول فيه الربا وأصل متاع لغير
المأكول لا ربا في الزيادة في بعضه على بعض فالأصل في المأكول والمشروب إذا كان بعضه ببعض
كالأصل في الدنانير بالدنانير والدراهم بالدراهم وإذا كان منه صنف بصنف غيره فهو كالدنانير
بالدراهم والدراهم بالدنانير لا يختلف إلا بعلة وتلك العلة لا تكون في الدنانير والدراهم بحال وذلك
أن يكون الشئ منه رطب بيابس منه وهذا لا يدخل الذهب ولا الورق أبدا (قال) فإن قال قائل
كيف فرقتم بين الذهب والورق وبين المأكول في هذه الحال؟ قلت الحجة فيه ما لا حجة معه من سنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لا يجوز أن تقيس شيئا بشئ مخالف له فإذا كانت الرطوبة موجودة
في غير الذهب والفضة فلا يجوز أن يقاس شئ بشئ في الموضع الذي يخالفه فإن قال قائل فأوجدنا
17

السنة فيه قيل إن شاء الله (1) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد
مولى الأسود بن سفيان أن زيدا أبا عياش أخبره أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت
فقال له سعد أيتهما أفضل؟ فقال البيضاء فنهى عن ذلك وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يسأل عن شراء التمر بالرطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أينقص الرطب إذا يبس؟ " فقالوا نعم
فنهى عن ذلك (قال) ففي هذا الحديث رأى سعد نفسه أنه كره البيضاء بالسلت فإن كان كرهها بسنة
فذلك موافق لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه نأخذ ولعله إن شاء الله كرهها لذلك فإن كان
كرهها متفاضلة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجاز البر بالشعير متفاضلا وليس في قول أحد
حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو القياس على سنة النبي صلى الله عليه وسلم أيضا (قال) وهكذا
كل ما اختلفت أسماؤه وأصنافه من الطعام فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولا خير فيه
نسيئة كالدنانير بالدراهم لا يختلف هو وهي وكذلك زبيب بتمر وحنطة بشعير وشعير بسلت وذرة بأرز
وما اختلف أصنافه من المأكول أو المشروب، هكذا. كله وفى حديثه عن رسول الله صلى الله عليه

(1) قوله أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي، كذا في النسخ، ولعل هذه العبارة من زيادة النساخ إذ لا محل لها هنا
كما لا يخفى.
(2) قوله: وثمن إن كان لها، كذا في جميع النسخ، ولعل وجه الكلام " وإن كان لها ثمن " فحرر. كتبه مصححه.
18

وسلم دلائل منها أنه سأل أهل العلم بالرطب عن نقصانه فينبغي للامام إذا حضره أهل العلم بما يرد عليه
أن يسألهم عنه وبهذا صرنا إلى قيم الأموال بقول أهل العلم والقبول من أهلها ومنها أنه صلى الله عليه وسلم
نظر في معتقب الرطب فلما كان ينقص لم يجز بيعه بالتمر لأن التمر من الرطب إذا كان نقصانه غير محدود
وقد حرم أن يكون التمر بالتمر إلا مثلا بمثل وكانت فيها زيادة بيان النظر في المعتقب من الرطب فدلت
على أنه لا يجوز رطب بيابس من جنسه لاختلاف الكيلين وكذلك دلت على أنه لا يجوز رطب برطب
لأنه نظر في البيوع في المعتقب خوفا من أن يزيد بعضها على بعض فهما رطبان معناهما معنى واحد فإذا
نظر في المعتقب فلم يجز رطب برطب لأن الصفقة وقعت ولا يعرف كيف يكونان في المعتقب وكان بيعا
مجهولا الكيل بالكيل ولا يجوز الكيل ولا الوزن بالكيل والوزن من جنسه إلا مثلا بمثل.

(1) قوله: عددتها ويكون الخ، كذا في النسخ ولفظ أبى داود " إن أحب أهلك أن أعدها عدة واحدة
وأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت " اه‍ كتبه مصححه.
19

باب جماع تفريع الكيل والوزن بعضه ببعض
(قال الشافعي) معرفة الأعيان أن ينظر إلى الاسم الأعم الجامع الذي ينفرد به من جملة ما مخرجه
مخرجها فذلك جنس فأصل كل ما أنبتت الأرض أنه نبات ثم يفرق به أسماء فيقال هذا حب ثم يفرق
بالحب أسماء والأسماء التي تفرق بالحب من جماع التمييز فيقال تمر وزبيب ويقال حنطة وذرة وشعير
وسلت فهذا الجماع الذي هو جماع التمييز وهو من الجنس الذي تحرم الزيادة في بعضه على بعض إذا
كان من صنف واحد وهو في الذهب والورق هكذا وهما مخلوقان من الأرض أو فيهما ثم هما تبر ثم يفرق

(1) قوله: من الفتن، كذا بالأصل بدون نقط ولعله محرف عن " المفتين " أو " المدنيين " وحرر اه‍ كتبه مصححه.
20

بهما أسماء ذهب وورق والتبر وسواهما من النحاس والحديد وغيرهما (قال الشافعي) رحمه الله والحكم
فيما كان يابسا من صنف واحد من أصناف الطعام حكم واحد لا اختلاف فيه كحكم الذهب
بالذهب والورق بالورق لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر تحريم الذهب والورق والحنطة والشعير
والتمر والملح ذكرا واحدا وحكم فيها حكما واحدا فلا يجوز أن يفرق بين أحكامها بحال وقد جمعها
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
باب تفريع الصنف من المأكول والمشروب بمثله
قال الربيع (قال الشافعي) الحنطة جنس وإن تفاضلت وتباينت في الأسماء كما يتباين الذهب
ويتفاضل في الأسماء فلا يجوز ذهب بذهب إلا مثلا بمثل وزنا بوزن يدا بيد قال وأصل الحنطة الكيل
وكل ما كان أصله كيلا لم يجز أن يباع بمثله وزنا بوزن ولا وزنا بكيل قال ولا بأس بالحنطة مثلا بمثل
ويدا بيدا ولا يفترقان حتى يتقابضا وإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع بينهما كما يكون ذلك في الذهب
بالذهب لا يختلف قال ولا بأس بحنطة جيدة يسوى مدها دينارا بحنطة رديئة لا يسوى مدها سدس
دينار ولا حنطة حديثة بحنطة قديمة ولا حنطة بيضاء صافية بحنطة سوداء قبيحة مثلا بمثل كيلا بكيل
يدا بيد ولا يتفرقان حتى يتقابضا إذا كانت حنطة أحدهما صنفا واحدا وحنطة بائعه صنفا واحدا وكل
ما لم يجز إلا مثلا بمثل يدا بيد فلا خير في أن يباع منه شئ ومعه شئ غيره بشئ آخر لا خير في مد
تمر عجوة ودرهم بمدى تمر عجوة ولا مد حنطة سوداء ودرهم بمدى حنطة محمولة حتى يكون الطعام
بالطعام لا شئ مع واحد منهما غيرهما أو يشترى شيئا من غير صنفه ليس معه من صنفه شئ.
باب في التمر بالتمر
(قال الشافعي) والتمر صنف ولا بأس أن يبتاع صاع تمر بصاع تمر يدا بيد ولا يتفرقان حتى يتقابضا
21

ولا بأس إذا كان صاع أحدهما صنفا واحدا وصاع الآخر صنفا واحدا أن يأخذه وإن كان بردى وعجوة
بعجوة أو بردى وصيحاني بصيحاني ولا خير في أن يكون صاع أحدهما من تمرين مختلفين وصاع الآخر
من تمر واحد ولا خير في أن يتبايعا التمر بالتمر موزونا في جلال كان أو قرب أو غير ذلك ولو طرحت عنه
الجلال والقرب لم يجز أن يباع وزنا وذلك أن وزن التمر يتباين فيكون صاع وزنه أرطال وصاع آخر وزنه
أكثر منها فلو كيلا كان صاع بأكثر من صاع كيلا وهكذا كل كيل لا يجوز أن يباع بمثله وزنا وكل وزن
فلا يجوز أن يباع بمثله كيلا، وإذا اختلف الصنفان فلا بأس أن يبتاع كيلا وإن كان أصله الوزن
وجزافا، لأنا إنما نأمر بيعه على الأصل كراهية التفاضل فإذا كان ما يجوز فيه التفاضل فلا نبالي كيف
تبايعاه إن تقابضاه قبل أن يتفرقا.
باب ما في معنى التمر
(قال الشافعي) وهكذا كل صنف يابس من المأكول والمشروب فالقول فيه كما وصفت في الحنطة
والتمر لا يختلف في حرف منه وذلك (1) يخالف الشعير بالشعير والذرة بالذرة والسلت بالسلت والدخن
بالدخن والأرز بالأرز وكل ما أكل الناس مما ينبتون أو لم ينبتوا مثل الفث (2) وغيره من حب الحنظل
وسكر العشر (3) وغيره مما أكل الناس ولم ينبتوا وهكذا كل مأكول يبس من أسبيوش بأسبيوش وثفاء
بثفاء وصعتر بصعتر فما بيع منه وزنا بشئ من صنفه لم يصرف إلى كيل وما بيع منه كيلا لم يصرف إلى
وزن لما وصفت من اختلافه في يبسه وخفته وجفائه قال وهكذا وكل مأكول ومشروب أخرجه الله من
شجر أو أرض فكان بحاله التي أخرجه الله تعالى بها إلى غيرها فأما ما لو تركوه لم يزل رطبا بحاله أبدا ففي
هذا الصنف منه علة سأذكرها إن شاء الله تعالى فأما ما أحدث فيه الآدميون تجفيفا من الثمر فهو شئ
استعجلوا به صلاحه وإن لم ينقلوه وتركوه جف وما أشبه هذا.
باب ما يجامع التمر وما يخالفه
(قال الشافعي) رحمه الله والزيتون مخلوق ثمرة لو تركها الآدميون صحيحة لم يخرج منها زيت ولما
عصروها خرجت زيتا فإنما اشتق لها اسم الزيت بأن شجرتها زيتون فاسم ثمرة شجرتها التي منها الزيت
زيتون فكل ما خرج من زيت الزيتون فهو صنف واحد يجوز فيه ما يجوز في الحنطة بالحنطة والتمر بالتمر
ويرد منه ما يرد من الحنطة والتمر لا يختلف وقد يعصر من الفجل دهن يسمى زيت الفجل قال وليس
مما يكون ببلادنا فيعرف له اسم بأمه ولست أعرفه يسمى زيتا إلا على معنى أنه دهن لا اسم له
مستعمل في بعض ما يستعمل فيه الزيت وهو مباين للزيت في طعمه وريحه وشجرته وهو زرع
والزيتون أصل قال ويحتمل معنيين فالذي هو أليق به عندي والله تعالى أعلم أن لا يحكم بأن يكون زيتا

(1) قوله: وذلك يخالف الخ كذا بالأصول التي بأيدينا، وانظره اه‍ مصححه.
(2) قوله: مثل الفث، هو نبت يختبز حبه في وقت الجدب اه‍ مصححه.
(3) قوله: العشر كصرد شجر له صمغ حلو وله سكر يخرج من شعبه وموضع زهره. وانظر اللسان اه‍ مصححه
22

ولكن يحكم بأن يكون دهنا من الادهان فيجوز أن يباع الواحد منه بالاثنين من زيت الزيتون وذلك
أنه إذا قال رجل أكلت زيتا أو اشتريت زيتا عرف أنه يراد به زيت الزيتون، لأن الاسم له دون
زيت الفجل وقد يحتمل أن يقال هو صنف من الزيت فلا يباع بالزيت إلا مثلا بمثل والسليط دهن
الجلجلان (1) وهو صنف غير زيت الفجل وغير زيت الزيتون فلا بأس بالواحد منه بالاثنين من كل
واحد منهما وكذلك دهن البزر والحبوب كلها، كل دهن منه مخالف دهن غيره دهن الصنوبر ودهن
الحب الأخضر ودهن الخردل ودهن السمسم ودهن نوى المشمش ودهن اللوز ودهن الجوز فكل دهن
من هذه الادهان خرج من حبة أو ثمرة فاختلف ما يخرج من تلك الثمرة أو تلك الحبة أو تلك العجمة
فهو صنف واحد فلا يجوز إلا مثلا بمثل يدا بيد وكل صنف منه خرج من حبة أو ثمرة أو عجمة فلا
بأس به في غير صنفه الواحد منه بالاثنين ما لم يكن نسيئة لا بأس بدهن خردل بدهن فجل ودهن
خردل بدهن لوز ودهن لوز بدهن جوز، أردد أصوله كله إلى ما خرج منه فإذا كان ما خرج منه
واحدا فهو صنف كالحنطة صنف وإذا خرج من أصلين مفترقين فهما صنفان مفترقان كالحنطة والتمر فعلى
هذا جميع الادهان المأكولة والمشروبة للغذاء والتلذذ لا يختلف الحكم فيها كهو في التمر والحنطة سواء
فإن كان من هذه الادهان شئ لا يؤكل ولا يشرب بحال أبدا لدواء ولا لغيره فهو خارج من الربا فلا
بأس أن يباع واحد منه بعشرة منه يدا بيد ونسيئة وواحد منه بواحد من غيره وباثنين يدا بيد ونسيئة إنما
الربا فيما أكل أو شرب بحال وفى الذهب والورق فإن قال قائل قد يجمعها اسم الدهن قيل وكذلك
يجمع الحنطة والذرة والأرز اسم الحب فلما تباين حل الفضل في بعضه على بعض يدا بيد وليس
للأدهان أصل اسم موضوع عند العرب إنما سميت بمعاني أنها تنسب إلى ما تكون منه فأما أصولها من
السمسم والحب الأخضر وغيره فموضوع له أسماء كأسماء الحنطة لا بمعان فإن قيل فالحب الأخضر بمعنى
فاسمه عند من يعرفه البطم والعسل الذي لا يعرف بالاسم الموضوع والذي إذا لقيت رجلا فقلت له
عسل علم أنه عسل النحل صنف وقد سميت أشياء من الحلاوة تسمى بها عسلا وقالت العرب للحديث
الحلو حديث معسول وقالت للمرأة الحلوة الوجه معسولة الوجه وقالت فيما التذت هذا عسل وهذا
معسول وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل لك حتى تذوقي عسيلته " يعنى يجامعها لأن الجماع
هو المستحلى من المرأة فقالوا لكل ما استحلوه عسل ومعسول على معنى أنه يستحلى استحلاء العسل قال
فعسل النحل المنفرد بالاسم دون ما سواه من الحلو فإنما سميت على ما وصفت من الشبه والعسل فطرة
الخالق لا صنعة للادميين فيه وما سواه من الحلو فإنما يستخرج من قصب أو ثمرة أو حبة كما تستخرج
الادهان فلا بأس بالعسل بعصير قصب السكر لأنه لا يسمى عسلا إلا على ما وصفت فإنما يقال عصير
قصب ولا بأس العسل بعصير العنب ولا برب العنب ولا بأس بعصير العنب بعصير قصب السكر لأنهما
محدثان ومن شجرتين مختلفتين وكذلك رب التمر برب العنب متفاضلا وهكذا كل ما استخرج من شئ
فكان حلوا فأصله على ما وصفت عليه أصول الادهان مثل عصير الرمان بعصير السفرجل وعصير
التفاح بعصير اللوز وما أشبه هذا، فعلى هذا الباب كله وقياسه ولا يجوز منه صنف بمثله إلا يدا بيد وزنا
بوزن إن كان يوزن وكيلا إن كان أصله الكيل بكيل ولا يجوز منه مطبوخ بنيئ بحال لأنه إذا كان إنما
يدخر مطبوخا فأعطيت منه نيئا بمطبوخ فالنيئ إذا طبخ ينقص فيدخل فيه النقصان في النيئ فلا يحل

(1) الجلجلان: بضم الجيمين، السمسم. وقيل حب الكزبرة. كما في اللسان اه‍ مصححه
23

إلا مثل بمثل ولا يباع منه واحد بآخر مطبوخين معا، لأن النار تبلغ من بعضه أكثر مما تبلغ من بعض
وليس للمطبوخ غاية ينتهى إليها يكون للتمر في اليبس غاية ينتهى إليها وقد يطبخ فيذهب منه جزء
من مائة جزء ويطبخ فيذهب منه عشرة أجزاء من أحد عشر جزءا فلا يجوز أن يباع منه مطبوخ بمطبوخ
لما وصفت ولا مطبوخ بنيئ ولا يجوز إلا نيئ بنيئ فإن كان منه شئ لا يعصر إلا مشوبا بغيره لم يجز أن
يباع بصنفه مثلا بمثل، لأنه لا يدرى ما حصة المشوب من حصة الشئ المبيع بعينه الذي لا يحل
الفضل في بعضه على بعض.
باب المأكول من صنفين شيب أحدهما بالآخر
(أخبرنا الربيع) قال: قال الشافعي وفى السنة خبر نصا ودلالة بالقياس عليها أنه إذا اختلف
الصنفان فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة وذلك في حديث عبادة بن
الصامت بين، وما سواه قياس عليه في مثل معناه ولا بأس بمد حنطة بمد شعير ومد حنطة بمدى أرز
ومد حنطة بمدى ذرة ومد حنطة بمدى تمر ومد تمر بمدى زبيب ومد زبيب بمدى ملح ومد ملح بمدى
حنطة والملح كله صنف ملح جبل وبحر وما وقع عليه اسم ملح وهكذا القول فيما اختلفت أجناسه فلا
بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة مثل الذهب بالفضة سواء لا يختلفان فعلى
هذا هذا الباب كله وقياسه وكل ما سكت عنه مما يؤكل أو يشرب بحال أبدا يباع بعضه ببعض صنف
منه بصنف فهو كالذهب بالذهب أو صنف بصنف يخالفه فهو كالذهب بالورق لا يختلفان في حرف
ولا يكون الرجل لازما للحديث حتى يقول هذا لأن مخرج الكلام فيما حل بيعه وحرم من رسول الله
صلى الله عليه وسلم واحد وإذا تفرق المتبايعان الطعام بالطعام قبل أن يتقابضا انتقض البيع بينهما قال
والعسل كله صنف واحد فلا بأس بواحد منه بواحد يدا بيد ولا خير فيه متفاضلا يدا بيد ولا مستويا ولا
متفاضلا نسيئة ولا يباع عسل بعسل إلا مصفيين من الشمع وذلك أن الشمع غير العسل فلو بيعا وزنا
وفى أحدهما الشمع كان العسل بأقل منه وكذلك لو باعه وزنا وفى كل واحد منهما شمع لم يخرجا من
أن يكون ما فيهما من العسل من وزن الشمع مجهولا فلا يجوز مجهول بمجهول وقد يدخلهما أنهما عسل
بعسل متفاضلا وكذلك لو بيعا كيلا بكيل ولا خير في مد حنطة فيها قصل أو فيها حجارة أو فيها
زوان (1) بمد حنطة لا شئ فيها من ذلك أو فيها تبن لأنها الحنطة بالحنطة متفاضلة ومجهولة كما وصفت
في العسل بالعسل وهكذا كل صنف من هذه خلطه غيره مما يقدر على تمييزه منه لم يجز بعضه ببعض إلا
خالصا مما يخلطه إلا أن يكون ما يخلط المكيل لا يزيد في كيله مثل قليل التراب وما دق من تبنه
فكان مثل التراب فذلك لا يزيد في كيله فأما الوزن فلا خير في شئ من هذا فيه لأن كل هذا يزيد
في الوزن وهكذا كل ما شابه غيره فبيع واحد منه بواحد من جنسه وزنا بوزن فلا خير فيه وإن بيع كيلا
بكيل فكان ما شابه ينقص من كيل الجنس فلا خير فيه مثل ما وصفت من الحنطة معها شئ بحنطة

(1) قوله: زوان كغراب بالهمز وتركه وبكسر الزاي مع الواو، الواحدة زوانة، وهو حب يخالط البر فيكسبه رداءة
وأهل الشأم يسمونه الشيلم كزينب، كما في المصباح اه‍ مصححه.
24

وهي مثل لبن خلطه ماء بلبن خلطه ماء أو لم يخلطه، وذلك أنه لا يعرف قدر ما دخله أو دخلها ما معا
من الماء فيكون اللبن باللبن متفاضلا.
باب الرطب بالتمر
(قال الشافعي) الرطب يعود تمرا ولا أصل للتمر إلا الرطب فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن الرطب بالتمر وكان في الخبر عنه أن نهيه عنه أنه نظر في المعتقب وكان موجودا في سنته تحريم التمر
بالتمر وغيره من المأكول إلا مثلا بمثل قلنا به على ما قاله وفسر لنا معناه فقلنا لا يجوز رطب برطب لأنه
إذا نظر فيه في المعتقب فلا يخرج من الرطب بالرطب أبدا من أن يباع مجهول الكيل إذا عاد تمرا ولا
خير في تمر بتمر مجهولي الكيل معا ولا أحدهما مجهول لأن نقصانهما أبدا يختلف فيكون أحد
التمرين بالآخر وأحدهما أكثر كيلا من الآخر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا (قال)
فإذا كان هذا هكذا لم يجز أن يباع رطب منه كيلا برطب لما وصفت قياسا على الرطب بالتمر والتمر بالتمر
واللحم كله صنف واحد وحشيه وطائره وإنسيه لا يحل الفضل في بعضه على بعض ولا يحل حتى يكون
مثلا بمثل وزنا بوزن ويكون يابسا ويختلف فيكون لحم الوحش بلحم الطير واحد باثنين وأكثر ولا خير
في تمر نخلة برطب نخلة بخرص ولا بتحر ولا غيره فالقسم والمبادلة وكل ما أخذ له عوض مثل البيع فلا
يجوز أن يقاسم رجل رجلا رطبا في نخله ولا في الأرض ولا يبادله به لأن كلاهما في معنى البيع ههنا إلا
العرايا المخصوصة وهكذا كل صنف من الطعام الذي يكون رطبا ثم ييبس فلا يجوز فيه إلا ما جاز في
الرطب بالتمر والرطب نفسه ببعض لا يختلف ذلك وهكذا ما كان رطبا فرسك (1) وتفاح وتين وعنب
وإجاص وكمثرى وفاكهة لا يباع شئ رطبا ولا رطب منها بيابس ولا جزاف منها بمكيل ولا
يقسم رطب منها على الأرض بكيل ولا وزن ولا في شجرها لأن حكمها كما وصفت في الرطب بالتمر
والرطب بالرطب وهكذا كل مأكول لو ترك رطبا ييبس فينقص وهكذا كل رطب لا يعود تمرا بحال
وكل رطب من المأكول لا ينفع يابسا بحال مثل الخربز والقثاء والخيار والفقوس والجزر والأترج لا يباع
منه شئ بشئ من صنفه وزنا بوزن ولا كيلا بكيل لمعنى ما في الرطوبة من تغيره اختلف الصنفان منه
فلا بأس ببطيخ بقثاء متفاضلا جزافا ووزنا وكيفما شاء إذا أجزت التفاضل في الوزن أجزت أن يباع
جزافا لأنه لا معنى في الجزاف يحرمه إلا التفاضل والتفاضل فيهما مباح وهكذا جزر بأترج ورطب بعنب في
شجره وموضوعا جزافا ومكيلا كما قلنا فيما اختلف أصنافه من الحنطة والذرة والزبيب والتمر سواء في
ذلك المعنى لا يخالفه وفى كل ما خرج من الأرض من مأكول ومن مشروب والرطب من المأكول
والمشروب وجهان أحدهما يكون رطبا ثم يترك بلا عمل من عمل الآدميين يغيره عن بنية خلقته مثل ما
يطبخ فتنقصه النار ويحمل عليه غيره فيذهب رطوبته ويغيره مثل الرطب يعود تمرا واللحم يقدد بلا
طبخ يغيره ولا عمل شئ حمل عليه غيره فكل ما كان من الرطب في هذا المعنى لم يجز أن يباع منه
رطب بيابس من صنفه وزنا بوزن ولا كيلا بكيل ولا رطب برطب وزنا بوزن ولا كيلا بكيل كما
وصفت في الرطب بالتمر ومثله كل فاكهة يأكلها الآدميون فلا يجوز رطب بيابس من صنفها ولا رطب
برطب من صنفها لما وصفته من الاستدلال بالسنة.

(1) الفرسك: كزبرج، الخوخ، أو ضرب منه. كما في القاموس اه‍ مصححه.
25

باب ما جاء في بيع اللحم
(قال الشافعي) رحمه الله وهكذا اللحم لا يجوز منه بيع لحم ضائن بلحم ضائن رطلا برطل
أحدهما يابس والآخر رطب ولا كلاهما رطب لأنه لا يكون اللحم ينقص نقصانا واحدا لاختلاف
خلقته ومراعيه التي يغتذى منها لحمه فيكون منها الرخص الذي ينقص إذا يبس نقصانا كثيرا والغليظ
الذي يقل نقصه ثم يختلف غلظهما باختلاف خلقته ورخصهما باختلاف خلقته فلا يجوز لحم أبدا إلا
يابسا قد بلغ إناه بيبسه وزنا بوزن من صنف واحد كالتمر كيلا بكيل من صنف واحد ويدا بيد ولا
يتفرقان حتى يتقابضا فإن قال قائل فهل يختلف الوزن والكيل فيما بيع يابسا؟ قيل يجتمعان ويختلفان
فإن قيل قد عرفنا حيث يجتمعان فأين يختلفان؟ قيل التمر إذا وقع عليه اسم اليبس ولم يبلغ إناه بيبسه
فبيع كيلا بكيل لم ينقص في الكيل شيئا وإذا ترك زمانا نقص في الوزن لأن الجفوف كلما زاد فيه كان
أنقص لوزنه حتى يتناهى قال وما بيع وزنا فإنما قلت في اللحم لا يباع حتى يتناهى جفوفه لأنه قد
يدخله اللحم باللحم متفاضل الوزن أو مجهولا وإن كان ببلاد ندية فكان إذا يبس ثم أصابه الندى
رطب حتى يثقل لم يبع وزنا بوزن رطبا من ندى حتى يعود إلى الجفوف وحاله إذا حدث الندى فزاد
في وزنه كحالة الأولى ولا يجوز أن يباع حتى يتناهى جفوفه كما لم يجز في الابتداء والقول في اللحمان
المختلفة واحد من قولين أحدهما أن لحم الغنم صنف ولحم الإبل صنف ولحم البقر صنف ولحم الظباء
صنف ولحم كل ما تفرقت به أسماء دون الأسماء الجامعة صنف فيقال كله حيوان وكله دواب وكله من
بهيمة الأنعام فهذا جماع أسمائه كله ثم تفرق أسماؤه فيقال لحم غنم ولحم إبل ولحم بقر ويقال لحم ظباء
ولحم أرانب ولحم يرابيع ولحم ضباع ولحم ثعالب ثم يقال في الطير هكذا لحم كراكي ولحم حباريات
ولحم حجل ولحم يعاقيب وكما يقال طعام ثم يقال حنطة وذرة وشعير وأرز وهذا قول يصح وينقاس فمن
قال هذا قال الغنم صنف ضأنها ومعزاها وصغار ذلك وكباره وإناثه وفحوله وحكمها أنها تكون مثل البر
المتفاضل صنفا والتمر المتباين المتفاضل صنفا فلا يباع منه يابس منتهى اليبس بيابس مثله إلا وزنا بوزن
يدا بيد وإذا جاز الفضل في بعضه على بعض يدا بيد وزنا بوزن لم يكن للوزن معنى إلا أن يعرف
المتبايعان ما اشتريا وباعا ولا بأس به جزافا وكيف شاء ما لم يدخله نسيئة كما قلنا في التمر بالزبيب
والحنطة بالذرة ولا يختلف ذلك ثم هكذا القول في لحم الأنيس والوحش كله فلا خير في لحم طير
بلحم طير إلا أن ييبس منتهى اليبس وزنا بوزن يدا بيد كما قلنا في لحم الغنم ولا بأس بلحم ظبي بلحم
أرنب رطبا برطب ويابسا بيابس مثلا بمثل وبأكثر وزنا بجزاف وجزافا بجزاف لاختلاف الصنفين وهكذا
الحيتان كله لا يجوز فيه أن أقول هو صنف لأنه ساكن الماء ولو زعمته زعمت أن ساكن الأرض كله
صنف وحشيه وأنسيه أو كان أقل ما يلزمني أن أقول ذلك في وحشية لأنه يلزمه اسم الصيد فإذا اختلف
الحيوان فكل ما تملكه ويصير لك فلا بأس برطل من أحدهما بأرطال من الآخر يدا بيد ولا خير فيه
نسيئة ولا بأس فيه يدا بيد وجزافا بجزاف وجزافا بوزن ولا خير في رطل لحم حوت تملكه رطب برطل
لحم تملكه رطب ولا أحدهما رطب والآخر يابس ولا خير فيه حتى يملح ويجفف وينتهى نقصانه
وجفوف ما كثر لحمه منه أن يملح ويسيل ماؤه فذلك انتهاء جفوفه فإذا انتهى بيع رطلا برطل وزنا
بوزن يدا بيد من صنف فإذا اختلف فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد، ولا خير فيه نسيئة
26

وما رق لحمه من الحيتان إذا وضع جف جفوفا شديدا فلا خير في ذلك حتى يبلغ إبانه من الجفوف
وبياع الصنف منه بمثله وزنا بوزن يدا بيد وإذا اختلف فالقول فيه كما وصفت قبله يباع رطبا جزافا
برطب جزاف ويابس جزاف ومتفاضل في الوزن فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه لا يختلف والقول
الثاني في هذا الوجه أن يقال اللحم كله صنف كما أن التمر كله صنف ومن قال هذا لزمه عندي أن
يقول في الحيتان لأن اسم اللحم جامع لهذا القول ومن ذهب هذا المذهب لزمه إذا أخذه بجماع اللحم
أن يقول هذا كجماع الثمر يجعل الزبيب والتمر وغيره من الثمار صنفا وهذا مما لا يجوز لاحد أن يقوله عندي
والله تعالى أعلم فإن ذهب إلى أن حالفا لو حلف أن لا يأكل لحما حنث بلحم الإبل حنثه بلحم الغنم
فكذلك لو حلف أن لا يأكل ثمرا حنث بالزبيب حنثه بالتمر وحنثه بالفرسك وليس الايمان من هذا
بسبيل الايمان على الأسماء والبيوع على الأصناف والأسماء الخاصة دون الأسماء الجامعة والله تعالى
أعلم.
باب ما يكون رطبا أبدا
(قال الشافعي) رحمه الله الصنف من المأكول والمشروب الذي يكون رطبا أبدا إذا ترك لم ييبس
مثل الزيت والسمن والشيرق والادهان واللبن والخل وغيره مما لا ينتهى بيبس في مدة جاءت عليه أبدا
إلا أن يبرد فيجمد بعضه ثم يعود ذائبا كما كان أو بأن ينقلب بأن يعقد على نار أو يحمل عليه يابس
فيصير هذا يابسا بغيره وعقد نار فهذا لصنف خارج من معنى ما يكون رطبا بمعنيين أحدهما أن رطوبة
ما يبس من التمر رطوبة في شئ خلق مستجسدا إنما هو رطوبة طراءة كطراءة اغتذائه في شجره وأرضه
فإذا زايل موضع الاغتذاء من منبته عاد إلى اليبس وما وصفت رطوبة مخرجة من إناث الحيوان أو ثمر
شجر أو زرع قد زايل الشجر والزرع الذي هو لا ينقص بمزايلة الأصل الذي هو فيه نفسه ولا يجف به
بل يكون ما هو فيه رطبا من طباع رطوبته والثاني أنه لا يعود يابسا كما يعود غيره إذا ترك مدة إلا بما
وصفت من أن يصرف بإدخال غيره عليه بخلطه وإدخال عقد النار على ما يعقد منه فلما خالفه بأن لم
تكن فيه الرطوبة التي رطوبته تفضى إلى جفوفه إذا ترك بلا عمل الآدميين لم يجز أن نقيسه عليه وجعلنا
حكم رطوبته حكم جفوفه لأنا كذلك نجده في كل أحواله لا منتقلا إلا بنقل غيره فقلنا لا بأس بلبن
حليب بلبن حامض وكيفما كان بلبن كان حليبا أو رائبا أو حامضا ولا حامض بحليب ولا حليب
برائب ما لم يخلط ماء فإذا خلطه ماء فلا خير فيه إذا خلط الماء أحد اللبنين أو كلاهما لأن الماء غش لا
يتميز فلو أجزناه أجزنا الغرر ولو تراضيا به لم يجز من قبل أنه ماء ولبن مختلطان لا تعرف حصة الماء من
اللبن فنكون أجزنا اللبن باللبن مجهولا أو متفاضلا أو جامعا لهما وما كان يحرم الفضل في بعضه على بعض
لم يجز أن يبتاع إلا معلوما كله كيلا بكيل أو وزنا بوزن فجماع علم بيع اللبن باللبن أنه يجوز كيفما كان اللبن
باللبن لم يخلط واحدا منهما ماء ويردان خلطهما ماء أو واحد منهما ولا يجوز إذا كان اللبن صنفا واحدا
إلا يدا بيد مثلا بمثل كيلا بكيل والصنف الواحد لبن الغنم ما عزه وضائنه والصنف الذي يخالفه البقر
دربانيه وعربيه وجواميسه والصنف الواحد الذي يخالفهما معا لبن الإبل أواركها وغواديها ومهريها وبختها
وعرابها وأراه والله تعالى أعلم جائز أن يباع لبن الغنم بلبن البقر ولبن البقر بلبن الإبل لأنها مختلفة متفاضلا
ومستويا وجزافا وكيف ما شاء المتبايعان يدا بيد لا خير في واحد منهما بالآخر نسيئة ولا خير في لبن مغلي
27

بلبن على وجهه لأن الاغلاء ينقص اللبن ولا خير في لبن غنم بأقط غنم من قبل أن الاقط لبن معقود
فإذا بعت اللبن بالأقط أجزت اللبن باللبن مجهولا ومتفاضلا أو جمعتهما معا فإذا اختلف اللبن والأقط
فلا بأس بلبن إبل بأقط غنم ولبن بقر بأقط غنم لما وصفت من اختلاف اللبنين يدا بيد ولا خير فيه نسيئة
قال ولا أحب أن يشترى زبدا من غنم بلبن غنم لأن الزبد شئ من اللبن وهما مأكولان في حالهما التي
يتبايعان فيها ولا خير في سمن بغنم بزبد غنم بحال لأن السمن من الزبد بيع متفاضلا أو مجهولا وهما
مكيلان أو موزونان في الحال التي يتبايعان ومن صنف واحد وإذا اختلف الزبد والسمن فكان زبد غنم
بزبد بقر أو سمن غنم بزبد بقر فلا بأس لاختلافهما بأن يباعا كيف شاء المتبايعان إذا تقابضا قبل ان يتفرقا
قال ولا بأس بلبن بشاة يدا بيد ونسيئة إذا كان أحدهما نقدا والدين منهما موصوفا قال وإن كانت الشاة
لبونا وكان اللبن لبن غنم وفى الشاة حين تبايعا لبن ظاهر يقدر على حلبه في ساعته تلك فلا خير في
الشراء من قبل أن في الشاة لبنا لا أدرى كم حصته من اللبن الذي اشتريت به نقدا وإن كان اللبن
نسيئة فهو أفسد للبيع فإن قال قائل وكيف جعلت للبن هو مغيب حصة من الثمن؟ قيل فإن رسول الله
صلى الله عليه وسلم جعل اللبن المصراة حصة من الثمن وإنما اللبن في الضروع كاللوز والجوز الرائع في
قشره فيستخرجه صاحبه إذا شاء وليس كمولود لا يقدر آدمي على إخراجه ولا ثمرة لا يقدر آدمي على
إخراجها فإن قال قائل كيف أجزت لبن الشاة بالشاة وقد يكون منها اللبن؟ قال فيقال إن الشاة نفسها
لا ربا فيها لأنها من الحيوان وليس بمأكول في حاله التي بياع فيها إنما تؤكل بعد الذبح والسلخ والطبخ
والتجفيف فلا تنسب الغنم إلى أن تكون مأكولة إنما تنسب إلى أنها حيوان، قال والآدام كلها سواء
السمن واللبن والشيرق والزيت وغيره لا يحل الفضل في بعضه على بعض يدا بيد إذا كان من صنف
واحد فزيت الزيتون وزيت الفجل صنف غيره ودهن كل شجرة تؤكل أو تشرب بعد الذي
وصفت واحد لا يحل في شئ منه الفضل في بعضه على بعض يدا بيد وإذا اختلف الصنفان منه حل
الفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولم يجز نسيئة ولا بأس بدهن الحب الأخضر بدهن الشيرق
متفاضلا يدا بيد ولا خير فيه نسيئة قال والادهان التي تشرب للدواء عندي في هذه الصفة دهن
الخروع ودهن اللوز المر وغيره من الادهان وما كان من الادهان لا يؤكل ولا يشرب بحال فهو خارج
من حد الربا وهو في معنى المأكول والمشروب لا ربا في بعضه على بعض يدا بيد ونسيئة ويحل أن
يباع إذا كانت فيه منفعة ولم يكن محرما فأما ما فيه سم أو غيره فلا خير في شرائه ولا بيعه إلا أن يكون
يوضع من ظاهر فيبرأ فلا يخاف منه التلف فيشترى للمنفعة فيه قال وكل ما لم يجز أن يبتاع إلا مثلا بمثل
وكيلا بكيل يدا بيد وزنا بوزن فالقسم فيه كالبيع لا يجوز أن يقسم ثمر نخل في شجره رطبا ولا يابسا ولا
عنب كرم ولا حب حنطة في سنبله ولا غيره مما الفضل في بعضه على بعض الربا وكذلك لا
يشترى بعضه ببعض ولا يبادل بعضه ببعض لأن هذا كله في معنى الشراء قال وكذلك لا يقتسمان
طعاما موضوعا بالأرض بالحزر حتى يقتسماه بالكيل والوزن لا يجوز فيه غير ذلك بحال ولست أنظر في
ذلك إلى حاجة رجل إلى ثمر رطب لأني لو أجزته رطبا للحاجة أجزته يابسا للحاجة وبالأرض للحاجة
ومن احتاج إلى قسم شئ لم يحلل له بالحاجة ما لا يحل له في أصله وليس يحل بالحاجة محرم إلا في
الضرورات من خوف تلف النفس فأما غير ذلك فلا أعلمه يحل لحاجة والحاجة فيه وغير الحاجة سواء
فإن قال قائل فكيف أجزت الخرص في العنب والنخل ثم تؤخذ صدقته كيلا ولا تجيز أن يقسم
بالخرص؟ قيل له إن شاء الله تعالى لافتراق ما تؤخذ به الصدقات والبيوع والقسم فإن قال فافرق بين
28

الصدقات وغيرها قلت أرأيت رجلين بينهما ثمر حائط لأحدهما عشرة والآخر تسعة أعشاره فأراد
صاحب العشر أن يأخذ عشره من وسط الطعام أو أعلاه أو أردئه أيكون له ذلك؟ فإن قال لا ولكنه
شريك في كل شئ منه ردئ أو جيد بالقسم قلنا فالجعرور ومصران الفأرة؟ فإن قال نعم قيل
فالمصدق لا يأخذ الجعرور ولا مصران الفأرة ويكون له أن يأخذ وسط التمر ولا يكون له أن يأخذ
الصدقة خرصا إنما يأخذها كيلا والمقتسمان يأخذان كل واحد منهما خرصا فيأخذ أحدهما أكثر مما يأخذ
الآخر ويأخذ كل واحد منهما مجهول الكيل أو رأيت لو كان بين رجلين غنم لأحدهما ربع عشرها وكانت
منها تسع وثلاثون لبونا وشاة ثنية أكان على صاحب ربع العشر إن أراد القسم أن يأخذ شاة ثنية قيمتها
أقل من قيمة نصف شاة من اللبن؟ فإن قال لا قيل فهذا على المصدق أو رأيت لو كانت المسألة بحالها
والغنم كلها أو أكثرها دون الثنية وفيها شاة ثنية أيأخذها؟ فإن قال لا يأخذ إلا شاه بقيمة ويكون شريكا
في منخفض الغنم ومرتفعه قيل فالمصدق يأخذها ولا يقاس بالصدقة شئ من البيوع ولا القسم المقاسم
شريك في كل شئ مما يقاسم أبدا إلا أن يكون مما يكال من صنف واحد أو بقيمته إذا اختلف
الأصناف مما لا يكال ولا يوزن ويكون شريكا فيما يكال أو يوزن بقدر حقه مما قل منه أو كثر، ولا
يقسم الرجلان الثمرة بلحا ولا طلعا ولا بسرا ورطبا. ولا تمرا بحال، فإن فعلا ففاتت طلعا أو بسرا أو
بلحا، فعلى كل واحد منهما قيمة ما استهلك، يرده ويقتسمانه قال: وهكذا كل قسم فاسد يرجع على
من استهلكه بمثل ما كان له مثل وقيمة، ما لم يكن له مثل. قال: ولو كانت بين رجلين نخل مثمرة
فدعوا إلى اقتسامها قيل لهما إن شئتما قسمنا بينكما بالكيل. قال: والبقل المأكول كله سواء، لا يجوز
الفضل في بعضه على بعض، فلا يجوز أن يبيع رجل رجلا ركيب هندبا، بركيب هندبا، ولا
بأكثر، ولا يصلح إلا مثلا بمثل، ولكن ركيب هندبا، بركيب جرجير، وركيب جرجير، بركيب
سلق، وركيب سلق، بركيب كراث، وركيب كراث، بركيب جرجير، إذا اختلف الجنسان،
فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض، يدا بيد، ولا خير فيه نسيئة، ولا يجوز أن يباع منه شئ
إلا يجز مكانه، فأما أن يباع على أن يترك مدة يطول في مثلها، فلا خير فيه، من قبل أنه لا يتميز
المبيع منه من الحادث الذي لم يبع ولا يباع إلا جزة جزة عند جزازها، كما قلنا في القصب.
باب الآجال في الصرف
(قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان
أنه أخبره أنه التمس صرفا بمائة دينار، قال: فدعاني طلحة بن عبيد الله، فتراوضنا حتى اصطرف
منى، وأخذ الذهب يقلبها في يده، ثم قال: حتى يأتي خازني من الغابة، أو حتى تأتى خازنتي من
الغابة، وعمر بن الخطاب يسمع، فقال عمر " لا والله لا تفارقه حتى تأخذ منه " ثم قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا
هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء " (قال الشافعي) قرأته على مالك صحيحا لا شك فيه ثم
طال على الزمان ولم أحفظ حفظا، فشككت في خازنتي أو خازني، وغيري يقول عنه: خازني
29

(أخبرنا) ابن عيينة عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب عن النبي
صلى الله عليه وسلم، مثل معنى حديث مالك. وقال: " حتى يأتي خازني من الغابة " فحفظته لا شك فيه (قال الشافعي): أخبرنا مالك عن نافع عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال " لا تبيعوا الذهب بالذهب، إلا مثلا بمثل، ولا تبيعوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق
بالورق إلا مثلا بمثل، ولا تبيعوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز " (قال الشافعي)
فحديث عمر ابن الخطاب وأبى سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدلان على
معان، منها تحريم الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، يدا بيد، ولا يباع منها غائب بناجز وحديث عمر
يزيد على حديث أبي سعيد الخدري، أن الذي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم فما سمى من
المأكول المكيل كالذي حرم في الذهب والورق، سواء لا يختلفان وقد ذكر عبادة عن النبي صلى الله
عليه وسلم مثل معناهما، وأكثر وأوضح (قال الشافعي): وإنما حرمنا غير ما سمى رسول الله صلى الله
عليه وسلم من المأكول والمكيل، لأنه في معنى ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وكذلك
حرمنا المأكول والموزون، لأن الكيل في معنى الوزن، لأنه بيع معلوم عند البائع والمشترى، بمثل ما
علم بالكيل أو أكثر، لأن الوزن أقرب من الإحاطة من الكيل (1) فلا يوجد في الكيل والوزن معنى
أقرب من الإحاطة منهما، فاجتمعا على أنه أريد بهما أن يكونا معلومين، وأنهما مأكولان، فكان
الوزن قياسا على الكيل في معناه، وما أكل من الكيل ولم يسم، قياسا على معنى ما سمى من الطعام،
في معناه (قال الشافعي): ولم يجز أن يقاس الوزن من المأكول على الوزن من الذهب لأن الذهب غير
مأكول، وكذلك الورق لو قسناه عليه وتركنا المكيل المأكول، قسنا على أبعد منه مما تركنا أن نقيسه
عليه، ولا يجوز عند أهل العلم أن يقاس على الابعد ويترك الأقرب. ولزمنا أن لا نسلم دينارا في
موزون من طعام أبدا ولا غيره، كما لا يجوز أن نسلم دينارا في موزون من فضة، ولا أعلم المسلمين
اختلفوا في أن الدنانير والدراهم يسلمان في كل شئ، إلا أن أحدهما لا يسلم في الآخر. لا ذهب في
ذهب، ولا ورق في ورق، إلا في الفلوس فإن منهم من كرهه (2).

(1) قوله: فلا يوجد في الكيل والوزن الخ كذا بالأصول التي بأيدينا. ولعل في الكلام استخداما، أراد
بالكيل والوزن، المكيل، والموزون، وأعاد الضمير عليهما بالمعنى المصدري. وانظر اه‍ مصححه.
(2) وترجم في سير الأوزاعي بيع الدرهم بالدرهمين في أرض الحرب (قال) أبو حنيفة: لو أن مسلما دخل أرض
الحرب بأمان فباعهم الدرهم بالدرهمين، لم يكن بذلك بأس، لأن أحكام المسلمين لا تجرى عليهم، فبأي وجه
أخذ أموالهم برضا منهم، فهو جائز (وقال) الأوزاعي: الربا عليه حرام في دار الحرب وغيرها، لأن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قد وضع ربا أهل الجاهلية ما أدركه الاسلام من ذلك، وكان أول ربا وضعه، ربا العباس بن عبد
المطلب، فكيف يستحل المسلم أكل الربا في قوم قد حرم الله عز وجل عليهم دمائهم وأموالهم، وقد كان المسلم
يبايع الكافر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يستحل ذلك (قال) أبو يوسف: القول ما قال الأوزاعي،
لا يحل هذا عندنا ولا يجوز، بلغتنا الآثار التي ذكر الأوزاعي في الربا، وإنما أحل أبو حنيفة هذا، لأن بعض
المشيخة حدثنا عن مكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا ربا بين أهل الحرب " وقال أبو يوسف:
وأهل الاسلام في قولهم: إنهم لم يتقابضوا ذلك حتى يخرجوا إلى دار الاسلام أبطله، ولكنه كان يقول: إذا
تقابضوا في دار الحرب قبل أن يخرجوا إلى دار الاسلام، فهو مستقيم (قال) الشافعي رحمه الله: القول كما قال
الأوزاعي وأبو يوسف، والحجة كما احتج الأوزاعي، وما احتج به أبو يوسف لأبي حنيفة، ليس بثابت، فلا حجة
فيه اه‍.
30

باب ما جاء في الصرف
(قال الشافعي) رحمه الله: لا يجوز الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا شئ من المأكول
والمشروب، بشئ من صنفه إلا سواء بسواء، يدا بيد. إن كان مما يوزن، فوزن بوزن. وإن كان مما
يكال، فكيل بكيل، ولا يجوز أن يباع شئ وأصله الوزن. بشئ من صنفه كيلا. ولا شئ أصله
الكيل بشئ من صنفه وزنا. لا يباع الذهب بالذهب كيلا، لأنهما قد يملآن مكيالا، ويختلفان في
الوزن. أو يجهل كم وزن هذا من وزن هذا؟ ولا التمر بالتمر وزنا، لأنهما قد يختلفان، إذا كان وزنها
واحدا في الكيل، ويكونان مجهولا من الكيل بمجهول. ولا خير في أن يتفرق المتبايعان بشئ من
هذه الأصناف من مقامهما الذي يتبايعان فيه حتى يتقابضا، ولا يبقى لواحد منهما قبل صاحبه من
البيع شئ، فإن بقي منه شئ، فالبيع فاسد، وسواء كان المشترى مشتريا لنفسه، أو كان وكيلا
لغيره. وسواء تركه ناسيا أو عامدا في فساد البيع، فإذا اختلف الصنفان من هذا، وكان ذهبا بورق أو
تمر بزبيب، أو حنطة بشعير، فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض، يدا بيد لا يفترقان من مقامهما
الذي تبايعا فيه حتى يتقابضا، فإن دخل في شئ من هذا تفرق قبل أن يتقابضا جميع المبيع، فسد
البيع كله ولا بأس بطول مقامهما في مجلسهما، ولا بأس أن يصطحبا من مجلسهما إلى غيره ليوفيه. لأنهما
حينئذ لم يفترقا. وحد الفرقة أن يتفرقا بأبدانهما. وحد فساد البيع، أن يتفرقا قبل أن يتقابضا. وكل
مأكول ومشروب من هذا الصنف قياسا عليه. وكلما اختلف الصنفان فلا بأس أن يباع أحدهما بالآخر
جزافا، لأن أصل البيع إذا كان حلالا بالجزاف، وكانت الزيادة إذا اختلف الصنفان حلال، فليس
في الجزاف معنى أكثر من أن يكون أحدهما أكثر من الآخر. ولا يدرى أيهما أكثر؟ فإذا عمدت أن لا
أبالي أيهما كان أكثر، فلا بأس بالجزاف في أحدهما بالآخر (قال الشافعي): فلا يجوز أن يشترى
ذهب فيه حشو، ولا معه شئ غيره بالذهب، كان الذي معه قليلا أو كثيرا لأن أصل الذي نذهب
إليه، أن الذهب بالذهب مجهول أو متفاضل، وهو حرام من كل واحد من الوجهين. وهكذا الفضة
بالفضة. وإذا اختلف الصنفان، فلا بأس أن يشترى أحدهما بالآخر، ومع الآخر شئ. ولا بأس أن
يشترى بالذهب فضة منظومة بخرز، لأن أكثر ما في هذا أن يكون التفاضل بالذهب والورق، ولا
بأس أن يشترى بالذهب فضة منظومة بخرز، لأن أكثر ما في هذا أن يكون التفاضل بالذهب
والورق، ولا بأس بالتفاضل فيهما، وكل واحد من المبيعين بحصته من الثمن (قال الشافعي): وإذا
صرف الرجل الدينار بعشرين درهما، فقبض تسعة عشر، ولم يجد درهما، فلا خير في أن يتفرقا قبل
أن يقبض الدرهم، ولا بأس أن يأخذ التسعة عشر بحصتها من الدينار ويناقصه بحصة الدرهم من
الدينار. ثم إن شاء أن يشترى منه بفضل الدينار مما شاء ويتقابضا قبل أن يتفرقا، ولا بأس أن يترك
فضل الدينار عنده، يأخذه متى شاء (قال الربيع): قال أبو يعقوب البويطي: ولا بأس أن يأخذ
الدينار حاضرا (قال الشافعي): وإذا صرف الرجل من الرجل دينارا بعشرة دراهم، أو دنانير
بدارهم، فوجد فيها درهما زائفا فإن كان زاف من قبل السكة أو قبح الفضة، فلا بأس على المشترى
أن يقبله، وله رده. فإن رده رد البيع كله، لأنها بيعة واحدة. وإن شرط عليه أن له رده، فالبيع
جائز وذلك له، شرطه أو لم يشرطه. وإن شرط أنه لا يرد الصرف فالبيع باطل، إذا عقد على هذا
عقدة البيع (قال) وإن كان زاف من قبل أنه نحاس أو شئ غير فضة، فلا يكون للمشترى أن يقبله،
31

من قبل أنه غير ما اشترى، والبيع منتقض بينهما، ولا بأس أن يصرف الرجل من الصراف دراهم،
فإذا قبضها وتفرقا، أودعه إياها. وإذا صرف الرجل شيئا لم يكن له أن يفارق من صرف منه حتى
يقبض منه ولا يوكل به غيره إلا أن يفسخ البيع ثم يوكل هذا بأن يصارفه ولا بأس إذا صرف منه
وتقابضا أن يذهبا فيزنا الدراهم وكذلك لا بأس أن يذهب هو على الانفراد فيزنها، وإذا رهن الرجل
الدينار عند رجل بالدراهم ثم باعه الدينار بدراهم وقبضها منه فلا بأس أن يقبضه منها بعد أن
يقبضها، وإذا كان للرجل عند الرجل دنانير وديعة فصارفه فيها ولم يقر الذي عنده الدنانير أنه
استهلكها حتى يكون ضامنا ولا أنها في يده حين صارفه فيها فلا خير في الصرف لأنه غير مضمون ولا
حاضر وقد يمكن أن يكون هلك في ذلك الوقت فيبطل الصرف (قال الشافعي) وإذا رهن الرجل عند
الرجل رهنا فتراضيا أن يفسخ ذلك الرهن ويعطيه مكانه غيره فلا بأس إن كان الرهن دنانير فأعطاه
مكانها دراهم أو عبدا فأعطاه مكانه عبدا آخر غيره وليس في شئ من هذا بيع فيكره فيه ما يكره في
البيوع، ولا نحب مبايعة من أكثر ماله الربا أو ثمن المحرم ما كان أو اكتساب المال من الغصب والمحرم
كله وإن بايع رجل رجلا من هؤلاء لم أفسخ البيع لأن هؤلاء قد يملكون حلالا فلا يفسخ البيع ولا
نحرم حراما بينا إلا أن يشترى الرجل حراما يعرفه، أو بثمن حرام يعرفه. وسواء في هذا المسلم والذمي
والحربي، الحرام كله حرام (وقال) لا يباع ذهب بذهب مع أحد الذهبين شئ غير الذهب ولا بأس
أن يباع ذهب وثوب بدارهم (قال الشافعي) وإذا تواعد الرجلان الصرف فلا بأس أن يشترى الرجلان
الفضة ثم يقرانها عند أحدهما حتى يتبايعاها ويصنعا بها ما شاءا (قال الشافعي) ولو اشترى أحدهما
الفضة ثم أشرك فيها رجلا آخر وقبضها المشترك ثم أودعها إياه بعد القبض فلا بأس، وإن قال أشركك
على أنها في يدي حتى نبيعها لم يجز (قال الشافعي) ومن باع رجلا ثوبا بنصف دينار ثم باعه ثوبا آخر
بنصف دينار حالين أو إلى أجل واحد فله عليه دينار فإن شرط عليه عند البيعة الآخرة أن له عليه دينارا
فالشرط جائز وإن قال دينارا لا يعطيه نصفين ولكن يعطيه واحدا جازت البيعة الأولى ولم تجز البيعة
الثانية، وإن لم يشترط هذا الشرط ثم أعطاه دينارا وافيا فالبيع جائز (قال الشافعي) وإذا كان بين
الرجلين ذهب مصنوع فتراضيا أن يشترى أحدهما نصيب الآخر بوزنه أو مثل وزنه ذهبا يتقابضانه قبل
أن يتفرقا فلا بأس، ومن صرف من رجل فلا بأس أن يقبض منه بعضه ويدفع ما قبض منه إلى
غيره أو يأمر الصراف أن يدفع باقيه إلى غيره إذا لم يتفرقا من مقامهما حتى يقبضا جميع ما بينهما أرأيت
لو صرف منه دينارا بعشرين وقبض منه عشرة، ثم قبض منه بعدها عشرة قبل أن يتفرقا، فلا بأس
بهذا (قال الشافعي) ومن اشترى من رجل فضة بخمسة دنانير ونصف فدفع إليه ستة وقال خمسة
ونصف بالذي عندي ونصف وديعه فلا بأس به (قال الشافعي) وإذا وكل الرجل الرجل بأن يصرف
له شيئا أو يبيعه فباعه من نفسه بأكثر مما وجد أو مثله أو أقل منه فلا يجوز لأن معقولا أن من وكل رجلا
بأن يبيع له فلم يوكله بأن يبيع له من نفسه كما لو قال له بع هذا من فلان فباعه من غيره لم يجز البيع لأنه
وكله بفلان ولم يوكله بغيره (قال الشافعي) وإذا صرف الرجل من الرجل الدينار بعشرة فوزن له عشرة
ونصفا فلا بأس أن يعطيه مكان النصف نصفه فضة إذا كان في بيعه غير الشرط الأول، وهكذا لو
باعه ثوبا دينار فأعطاه دينار وأعطاه صاحب الثوب نصف دينار ذهبا لم يكن بذلك بأس لأن
هذا بيع حادث غير البيع الأول ولو كان عقد عقدة البيع على ثوب ونصف دينار بدينار كان فاسدا لأن
الدينار مقسوم على نصف الدينار والثوب (قال الشافعي) ومن صرف من رجل دراهم بدنانير فعجزت
32

الدراهم فتسلف منه دراهم فأتمه جميع صرفه فلا بأس (قال الشافعي) ولا بأس أن يباع الذهب
بالورق جزافا مضروبا أو غير مضروب لأن أكثر ما فيه أن يكون أحدهما أكثر من الآخر وهذا لا بأس
به، ولا بأس أن تشترى الدراهم من الصراف بذهب وازنة ثم تبيع تلك الدراهم منه أو من غيره
بذهب وازنة أو ناقصة لأن كل واحدة من البيعتين غير الأخرى قال الربيع لا يفارق صاحبه في البيعة
الأولى حتى يتم البيع بينهما (قال الشافعي) حرم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الذهب بالذهب
وما حرم معه إلا مثلا بمثل وزنا بوزن يدا بيد، والمكيل من صنف واحد مع الذهب كيلا بكيل فلا خير
في أن يأخذ منه شيئا بأقل منه وزنا على وجه البيع معروفا كان أو غير معروف والمعروف ليس يحل بيعا
ولا يحرمه، فإن كان وهب له دينارا وأثابه الآخر دينارا أوزن منه أن أنقص فلا بأس (قال الشافعي)
فأما السلف فإن أسلفه شيئا ثم اقتضى منه أقل فلا بأس لأنه متطوع له بهبة الفضل، وكذلك إن تطوع
له القاضي بأكثر من وزن ذهبه فلا بأس لأن هذا ليس من معاني البيوع، وكذلك لو كان عليه سلف
ذهبا فاشترى منه ورقا فتقابضاه قبل أن يتفرقا، وهذا كله إذا كان حالا، فأما إذا كان له عليه ذهب
إلى أجل فجاءه بها وأكثر منها فلا بأس به، وكان ذلك عادة أو غير عادة، ومن كانت عليه دراهم
لرجل وللرجل عليه دنانير فحلت أو لم تحل فتطارحاها صرفا، فلا يجوز لأن ذلك دين بدين، وقال
مالك رحمه الله تعالى إذا حل فجائز، وإذا لم يحل فلا يجوز (قال الشافعي) ومن كان له على رجل
ذهب حالا فأعطاه دراهم على غير بيع مسمى من الذهب فليس ببيع والذهب كما هو عليه وعلى هذا
دراهم مثل الدراهم التي أخذ منه، وإن أعطاه دراهم بدينار منها أو دينارين فتقابضاه فلا بأس به،
ومن أكرى من رجل منزلا إلى أجل فتطوع له المكترى بأن يعطيه بعض حقه مما أكراه به وذلك ذهب
فلا بأس به، وإن تطوع له بأن يعطيه فضة من الذهب ولم يحل الذهب فلا خير فيه، ومن حل له على
رجل دنانير فأخرها عليه إلى أجل أو آجال فلا بأس به، وله متى شاء أن يأخذها منه لأن ذلك موعد
وسواء كانت من ثمن بيع أو سلف، ومن سلف فلوسا أو دراهم أو باع بها ثم أبطلها السلطان فليس له
إلا مثل فلوسه أو دراهمه التي أسلف أو باع بها (قال الشافعي) ولا بأس بالسلف في الفلوس إلى أجل
لأن ذلك ليس مما فيه الربا ومن أسلف رجلا دراهم على أنها بدينار أو بنصف دينار فليس عليه إلا مثل دراهمه
وليس له عليه دينار ولا نصف دينار وإن استسلفه نصف دينار فأعطاه دينارا فقال خذ لنفسك
نصفه وبع لي بدارهم ففعل ذلك كان له عليه نصف دينار ذهب، ولو كان قال له بعه بدراهم ثم خذ
لنفسك نصفه ورد على نصفه كانت له عليه دراهم لأنه حينئذ إنما أسلفه دراهم لا نصف دينار (قال
الشافعي) ومن باع رجلا ثوبا فقال أبيعكه بعشرين من صرف عشرين درهما بدينار فالبيع فاسد من
قبل أن صرف عشرين ثمن غير معلوم بصفة ولا عين (قال الشافعي) ومن كانت عليه دنانير منجمة أو
دراهم فأراد أن يقبضها جملة فذلك له، ومن كان له على رجل فأعطاه شيئا يبيعه له غير ذهب
ويقبض منه مثل ذهبه فليس في هذا من المكروه شئ إلا أن يقول لا أقضيك إلا بأن تبيع لي وما أحب
من الاحتياط للقاضي، ومن كان لرجل عليه دينار فكان يعطيه الدراهم تتهيأ عنده بغير مصارفة حتى
إذا صار عنده قدر صرف دينار فأراد أن يصارفه فلا خير فيه لأن هذا دين بدين وإن أحضره إياها
فدفعها إليه ثم باعه إياها فلا بأس، ولا بأس بأن ينتفع بالدراهم إذا لم يكن أعطاه إياها على أنها بيع
من الدينار وإنما هي حينئذ سلف له إن شاء أن يأخذ بها دراهم وإذا كانت الفضة مقرونة بغيرها خاتما
فيه فص أو فضة أو حلية للسيف أو مصحف أو سكين فلا يشترى بشئ من الفضة قل أو كثر بحال لأنها
33

حينئذ فضة بفضة مجهولة القيمة والوزن وهكذا الذهب ولكن إذا كانت الفضة مع سيف اشترى
بذهب وإن كان فيه ذهب اشترى بفضة وإن كان فيه ذهب وفضة لم يشتر بذهب ولا فضة واشترى
بالعرض (قال الربيع) وفيه قول آخر أنه لا يجوز أن يشترى شئ فيه فضة مثل مصحف أو سيف وما
أشبهه بذهب ولا ورق لأن في هذه البيعة صرفا وبيعا لا يدرى كم حصة البيع من حصة الصرف (قال
الشافعي) ولا خير في شراء تراب المعادن بحال لأن فيه فضة لا يدرى كم هي لا يعرفها البائع ولا
المشترى وتراب المعدن والصاغة سواء ولا يجوز شراء ما خرج يوما ولا يومين ولا يجوز شراؤه بشئ
ومن أسلف رجلا ألف درهم على أن يصرفها منه بمائة دينار ففعلا فالبيع فاسد حين أسلفه على أن يبيعه
منه ويترادان والمائة الدينار عليه مضمونة لأنها بسبب بيع وسلف (قال الشافعي) ومن أمر رجلا أن
يقضى عنه دينارا أو نصف دينار فرضى الذي له الدينار بثوب مكان الدينار أو طعام أو دراهم فللقاضي
على المقضى عنه الأقل من دينار أو قيمة ما قضى عنه ومن اشترى حليا من أهل الميراث على أن يقاصوه
من دين كان له على الميت فلا خير في ذلك (قال أبو يعقوب) معناها عندي أن يبيعه أهل الميراث وأن
لا يقاصوه عند الصفقة ثم يقاصوه بعد فلا يجوز لأنه اشترى أولا حليا بذهب أو ورق إلى أجل وهو قول
أبى محمد (قال الشافعي) ومن سأل رجلا أن يشترى فضة ليشركه فيه وينقد عنه فلا خير في ذلك
كان ذلك منه على وجه المعروف أو غير ذلك (قال الشافعي) الشركة والتولية بيعان من البيوع يحلهما ما
يحل البيوع ويحرمهما ما يحرم البيوع فإن ولى رجل رجلا حليا مصوغا أو أشركه فيه بعدما يقبضه المولى
ويتوازناه ولم يتفرقا قبل أن يتقابضا جاز كما يجوز في البيوع وإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد وإذا كانت
للرجل على الرجل الدنانير فأعطاه أكثر منها فالفضل للمعطى إلا أن يهبه للمعطى ولا بأس أن يدعه
على المعطى مضمونا عليه حتى يأخذه منه متى شاء أو يأخذ به منه ما يجوز له أن يأخذه لو كان دينا عليه
من غير ثمن بعينه ولا قضاء وإن أعطاه أقل مما له عليه فالباقي عليه دين ولا بأس أن يؤخره أو يعطيه به
شيئا مما شاء مما يجوز أن يعطيه بدينه عليه، وإن اشترى الرجل من الرجل السلعة من الطعام أو غيره
بدينار فوجد ديناره ناقصا فليس على البائع أن يأخذه إلا وافيا وإن تناقضا البيع وباعه بعدما يعرف
وزنه فلا بأس وإن أراد أن يلزمه البيع على أن ينقصه بقدره لم يكن ذلك على البائع ولا المشترى (قال
الشافعي) والقضاء ليس ببيع فإذا كانت للرجل على رجل ذهب فأعطاه أو وزن منها متطوعا فلا بأس
وكذلك إن تطوع الذي له الحق فقبل منه أنقص منها وهذا لا يحل في البيوع ومن اشترى من رجل ثوبا
بنصف دينار فدفع إليه دينار فقال اقبض نصفا لك وأقر لي النصف الآخر فلا بأس به ومن كان له على
رجل نصف دينار فأتاه بدينار فقضاه نصفا وجعل النصف الآخر في سلعة متأخرة موصوفة قبل أن
يتفرقا فلا بأس (قال الشافعي) في الرجل يشترى الثوب بدينار إلى شهر على أنه إذا حل الدينار أخذ به
دراهم مسماة إلى شهرين فلا خير فيه وهو حرام من ثلاثة وجوه من قبل بيعتين في بيعة وشرطين في
شرط وذهب بدراهم إلى أجل ومن راطل رجلا ذهبا فزاد مثقالا فلا بأس أن يشترى ذلك المثقال منه
بما شاء من العرض نقدا أو متأخرا بعد أن يكون يصفه ولا بأس بأن يبتاعه منه بدارهم نقدا إذا قبضها
منه قبل أن يتفرقا وإن رجحت إحدى الذهبين فلا بأس أن يترك صاحب الفضل منهما فضله لصاحبه
لأن هذا غير الصفقة الأولى فإن نقص أحد الذهبين فترك صاحب الفضل فضله فلا بأس وإذا جمعت
صفقة البيع شيئين مختلفي القيمة مثل تمر بردى وتمر عجوة بيعا معا بصاعي تمر وصاع من هذا بدرهمين
وصاع من هذا بعشرة دراهم فقيمة البردى خمسة أسداس الاثني عشر وقيمة العجوة سدس الاثني
34

عشر وهكذا لو كان صاع البردى وصاع العجوة بصاعي لون كل واحد منهما بحصته من اللون فكان
البردى بخمسة أسداس صاعين والعجوة بسدس صاعين فلا يحل من قبل أن البردى بأكثر من كيله
والعجوة بأقل من كيلها وهكذا ذهب بذهب كان مائة دينار مروانية وعشرة (محدية) (1) بمائة دينار
وعشرة هاشمية فلا خير فيه من قبل أن قيم المروانية أكثر من قيم المحدية وهذا الذهب بالذهب متفاضلا
لأن المعنى الذي في هذا في الذهب بالذهب متفاضلا ولا بأس أن يراطل الدنانير الهاشمية التامة
بالعتق الناقصة مثلا بمثل في الوزن وإن كان لهذه فضل وزنها وهذه فضل عيونها فلا بأس بذلك إذا
كان وزنا بوزن ومن كانت له على رجل ذهب بوزن فلا بأس أن يأخذ بوزنها أكثر عددا منها ولا يجوز
الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ويدا بيد وأقصى حد يدا بيد قبل أن يتفرقا فإن تفرقا قبل أن يتقابضا
فسد بيعهما إن كانا تبايعا مثلا بمثل والموازنة أن يضع هذا ذهبه في كفة وهذا ذهبه في كفة فإذا اعتدل
الميزان أخذ وأعطى فإن وزن له بحديدة واتزن بها منه كان ذلك لا يختلف إلا كاختلاف ذهب في كفة
وذهب في كفة فهو جائز ولا أحسبه يختلف وإن كان يختلف اختلافا بينا لم يجز فإن قيل لم أجزته؟ قيل
كما أجيز مكيالا بمكيالا وإذا كيل له مكيال ثم أخذ منه آخر وإذا اشترى رجل من رجل ذهبا بذهب
فلا بأس أن يشترى منه بما أخذ منه كله أو بعضه دراهم أو ما شاء وإذا باع الرجل الرجل بالسلعة بمائة
دينار مثاقيل فله مائة دينار مثاقيل أفراد ليس له أكثر منها ولا أقل إلا أن يجتمعا على الرضا بذلك وإذا
كانت لرجل على رجل مائة دينار عتق فقضاه شرا منها أكثر من عددها أو وزنها فلا بأس إذا كان هذا
متطوعا له بفضل عيون ذهبه على ذهبه وهذا متطوع له بفضل وزن ذهبه على ذهبه وإن كان هذا عن
شرط عند البيع أو عند القضاء فلا خير فيه لأن هذا حينئذ ذهب بذهب أكثر منها ولا بأس أن يبيع
الرجل الرجل الثوب بدينار إلا وزنا من الذهب معلوم ربع أو ثلث أو أقل أو أكثر لأنه باعه حينئذ
الثوب بثلاثة أرباع دينار أو ثلثي دينار ولا خير في أن يبيعه الثوب بدينار إلا درهم ولا دينار إلا مد
حنطة لأن الثمن حينئذ مجهول ولا بأس أن يبيعه ثوبا ودرهما يراه وثوبا ومد تمر يراه بدينار (قال الربيع)
فيه قول آخر أنه إذا باعه ثوبا وذهبا يراه فلا يجوز من قبل أن فيه صرفا وبيعا لا يدرى حصة البيع من
حصة الصرف فأما إذا باعه ثوبا ومد تمر بدينار يراه فجائز لأن هذا بيع كله (قال الشافعي) ولا خير في
أن يسلم إليه دينار إلا درهم ولكن يسلم دينارا ينقص كذا وكذا (قال الشافعي) من ابتاع بكسر درهم
شيئا فأخذ بكسر درهمه مثل وزنه فضة أو سلعة من السلع فلا بأس بذلك وكذلك من ابتاع بنصف
دينار متاعا فدفع دينارا وأخذ فضل ديناره مثل وزنه ذهبا أو سلعة من السلع فلا بأس بذلك وهذا في
جميع البلدان سواء ولا يحل شئ من ذلك في بلد يحرم في بلد آخر وسواء الذي ابتاع به قليل من
الدينار أو كثير ولا خير في أن يصارف الرجل الصائغ الفضة بالحلى الفضة المعمولة ويعطيه إجارته لأن
هذا الورق بالورق متفاضلا ولا خير في أن يأتي الرجل بالفص إلى الصائغ فيقول له اعمله لي خاتما
حتى أعطيك أجرتك وقاله مالك (قال الشافعي) ولا خير في أن يعطى الرجل الرجل مائة دينار
بالمدينة على أن يعطيه مثلها بمكة إلى أجل مسمى أو غير أجل لأن هذا لا سلف ولا بيع السلف ما كان
لك أخذه به وعليك قبوله وحيث أعطاكه والبيع في الذهب ما يتقاضاه مكانهما قبل أن يتفرقا فإذا
أراد أن يصح هذا له فليسلفه ذهبا فإن كتب له بها إلى موضع فقبل فقبضها فلا بأس وأيهما أراد أن

(1) قوله: (محدية) كذا بالأصول ولعله محرف عن " محمدية " بميمين، وحرر: كتبه مصححه.
35

يأخذها من المدفوع إليه لم يكن للمدفوع إليه أن يمتنع وسواء في أيهما كان له فيه المرفق أو لم يكن ومن
أسلف سلفا فقضى أفضل من ذلك في العدد والوزن معا فلا بأس بذلك إذا لم يكن ذلك شرطا بينهما
في عقد السلف ومن ادعى على رجل مالا وأقام به شاهدا ولم يحلف والغريم يجحد ثم سأله الغريم أن
يقر له بالمال إلى سنة فإن قال لا أقر لك به إلا على تأخير كرهت ذلك له إلا أن يعلم أن المال له عليه فلا
أكره ذلك لصاحب المال وأكرهه للغريم.
باب في بيع العروض
(قال الشافعي) رحمه الله قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أما الذي نهى عنه رسول الله صلى
الله تعالى عليه وسلم فهو الطعام أن يباع حتى يقبض وقال ابن عباس برأيه ولا أحسب كل شئ إلا مثله
وهذا كما قال ابن عباس والله تعالى أعلم لأنه ليس في الطعام معنى ليس في غيره من البيوع ولا معنى
يعرف إلا واحد وهو أني إذا ابتعت من الرجل شيئا فإنما أبتاع منه عينا أو مضمونا، وإذا ابتعت منه
مضمونا فليست بعين وقد يفلس فأكون قد بعت شيئا ضمانه على من اشتريته منه وإنما بعته قبل أن يصير
في تصرفي وملكي تاما ولا يجوز أن أبيع ما لا أملك تاما وإن كان الذي اشتريته منه عينا فلو هلكت تلك
العين انتقص البيع بيني وبينه فإذا بعتها ولم يتم ملكها إلى بأن يكون ضمانها منى بعته ما لم يتم لي ملكه
ولا يجوز بيع ما لم يتم لي ملكه ومع هذا أنه مضمون على من اشتريته منه فإذا بعت بعت شيئا مضمونا
على غيري فإن زعمت أني ضامن فعلى من الضمان ما على دون من اشتريت منه أرأيت إن هلك ذلك
في يدي الذي اشتريته منه أيؤخذ منى شئ؟ فإن قال لا، قيل فقد بعت ما لا تضمن ولا يجوز بيع ما
لا أضمن وإن قيل بل أنت ضامن فليس هكذا بيعه كيف أضمن شيئا قد ضمنته له على غيري؟ ولو لم
يكن في هذا شئ مما وصفت دلت عليه السنة وأنه في معنى الطعام (قال الشافعي) قال الله تعالى
" وأحل الله البيع وحرم الربا " وقال " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض
منكم " فكل بيع كان عن تراض من المتبايعين جائز من الزيادة في جميع البيوع إلا بيعا حرمه رسول
الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلا الذهب والورق يدا بيد والمأكول والمشروب في معنى المأكول فكل ما
أكل الآدميون وشربوا فلا يجوز أن يباع شئ منه بشئ من صنفه إلا مثلا بمثل إن كان وزنا فوزن وإن
كان كيلا فكيل يدا بيد وسواء في ذلك الذهب والورق وجميع المأكول فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد
البيع بينهما وكذلك بيع العرايا لأنها من المأكول فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع بينهما وإذا اختلف
الصنفان مما ليس في بعضه ببعض الربا فلا بأس بواحد منه باثنين أو أكثر يدا بيد ولا خير فيه نسيئة
وإذا جاز الفضل في بعضه على بعض فلا بأس بجزاف من بجزاف وجزاف بمعلوم وكل ما أكله
الآدميون دواء فهو في معنى المأكول مثل الإهليلج والثفاء وجميع الأدوية (قال) وما عدا هذا مما
أكلته البهائم ولم يأكله الآدميون مثل القرظ والقضب والنوى والحشيش ومثل العروض التي لا تؤكل
مثل القراطيس والثياب وغيرها ومثل الحيوان فلا بأس بفضل بعضه على بعض يدا بيد ونسيئة تباعدت
أو تقاربت لأنه داخل في معنى ما أحل الله من البيوع وخارج من معنى ما حرم رسول الله صلى الله
عليه وسلم من الفضل في بعضه على بعض وداخل في نص إحلال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم
أصحابه من بعده (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن الليث عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي
36

صلى الله عليه وسلم اشترى عبدا بعبدين (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه باع
بعيرا له بأربعة أبعرة مضمونة عليه بالربذة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن صالح بن كيسان
عن الحسن بن محمد بن علي أن علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه باع بعيرا يقال له عصيفير بعشرين
بعيرا إلى أجل (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه قال لا ربا في الحيوان
وإنما نهى من الحيوان عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب
أنه سئل عن بعير ببعيرين إلى أجل فقال لا بأس به (قال الشافعي) أخبرنا ابن علية إن شاء الله شك
الربيع عن سلمة بن علقمة شككت عن محمد بن سيرين أنه سئل عن بيع الحديد بالحديد فقال الله
أعلم أما هم فكانوا يتبايعون الدرع بالأدراع (قال الشافعي) ولا بأس بالبعير مثله وأكثر يدا بيد
ونسيئة فإذا تنحى عن أن يكون في معنى ما لا يجوز الفضل في بعضه على بعض فالنقد منه والدين سواء
ولا بأس باستسلاف الحيوان كله إلا الولائد وإنما كرهت استسلاف الولائد لأن من استسلف أمة كان له
أن يردها بعينها فإذا كان له أن يردها بعينها وجعلته مالكا لها بالسلف جعلته يطؤها ويردها وقد حاط الله
جل ثناؤه ثم رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم المسلمون الفروج فجعل المرأة لا تنكح والنكاح حلال
إلا بولي وشهود ونهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يخلو بها رجل في حضر أو سفر ولم يحرم
ذلك في شئ مما خلق الله غيرها جعل الأموال مرهونة ومبيعة بغير بينة ولم يجعل المرأة هكذا حتى
حاطها فيما أحل الله لها بالولي والشهود ففرقنا بين حكم الفروج وغيرها بما فرق الله ورسوله ثم المسلمون
بينهما وإذا باع الرجل غنما بدنانير إلى أجل فحلت الدنانير فأعطاه بها غنما من صنف غنمه أو غير صنفها
فهو سواء ولا يجوز إلا أن يكون حاضرا ولا تكون الدنانير والدراهم في معنى ما ابتيع به من العروض فلا
يجوز بيعه حتى يقبض ولا بأس بالسلف في الحيوان كله بصفة وأجل معلوم والسلف فيها اشتراء لها
وشراؤها غير استلافها فيجوز ذلك في الولائد ولا خير في السلف إلا أن يكون مضمونا على المسلف
مأمونا في الظاهر أن يعود ولا خير في أن يسلف في ثمر حائط بعينه ولا نتاج ماشية بعينها لأن هذا يكون
ولا يكون، ومن سلف في عرض من العروض أو شئ من الحيوان فلما حل أجلة سأله بائعه أن يشتريه
منه بمثل ثمنه أو أقل أو أكثر أو بعرض كان ذلك العرض مخالفا له أو مثله فلا خير في أن يبيعه بحال لأنه
بيع ما لم يقبض وإذا سلف الرجل في عرض من العروض إلى أجل فجعل له المسلف قبل محل الأجل
فلا بأس ولا خير في أن يعجله له على أن يضع عنه ولا في أن يعجله على أن يزيده المسلف لأن هذا
بيع يحدثانه غير البيع الأولى ولا خير في أن يعطيه من غير الصنف الذي سلفه عليه لأن هذا بيع يحدثه وإنما يجوز أن يعطيه من ذلك الصنف بعينه مثل شرطهما أو أكثر فيكون متطوعا وإن أعطاه من ذلك
الصنف أقل من شرطه على غير شرط فلا بأس كما أنه لو فعل بعد محله جاز وإن أعطاه على شرط فلا
خير فيه لأنه ينقصه على أن يعجله وكذلك لا يأخذ بعض ما سلفه فيه وعرضا غيره لأن ذلك بيع ما لم
يقبض بعضه ومن سلف في صنف فأتاه المسلف من ذلك الصنف بأرفع من شرطه فله قبضه منه وإن لم
يفعل فهو شراء ما لم يعلم كأنه سلفه على صاع إلا أن يتفاسخا البيع الأول ويشترى هذا شراء جديدا
لأنه إذا لم يفعل فهو شراء ما لم يعلم كأنه سلفه على صاع عجوة جيدة فله أدنى الجيد فجاءه بالغاية من
الجيد وقال زدني شيئا فاشترى منه الزيادة غير معلومة لا هي كيل زاده فيزيده ولا هي منفصلة
من البيع الأول فيكون إذا زاده اشترى ما لا يعلم واستوفى ما لا يعلم وقد قيل أنه لو أسفله في عجوة
فأراد أن يعطيه صيحانيا مكان العجوة لم يجز لأن هذا بيع العجوة بالصيحاني قبل أن تقبض وقد نهى
37

رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يقبض، وهكذا كل صنف سلف فيه من طعام أو
عرض أو غيره له أن يقبضه أدنى من شرطه وأعلى من شرطه إذا تراضيا لأن ذلك جنس واحدة وليس
له أن يقبض من غير جنس ما سلف فيه لأنه حينئذ بيع ما اشترى قبل أن يستوفيه (قال) ولا يأخذ إذا
سلف في جيد رديئا على أن يزداد شيئا والعلة فيه كالعلة في أن يزيده ويأخذ أجود وإذا أسلف رجل
رجلا في عرض فدفع المسلف إلى المسلف ثمن ذلك العرض على أن يشتريه لنفسه ويقبضه كرهت
ذلك فإذا اشتراه وقبضه برئ منه المسلف وسواء كان ذلك ببينة أو بغير بينة إذا تصادقا (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى ولا بأس بالسلف في كل ما أسلف فيه حالا أو إلى أجل إذا حل أن
يشترى بصفة نقدا وقد قال هذا ابن جريج عن عطاء ثم رجع عنه وإذا سلف رجل في
صوف لم يجز أن يسلف فيه إلا بوزن معلوم وصفة معلومة ولا يصلح أن يسلف فيه عددا لاختلافه ومن
اشترى من رجل سلعة فسأله أن يقيله فيها بأن يعطيه البائع شيئا أو يعطيه المشترى نقدا أو إلى أجل فلا
خير في الإقالة على ازدياد ولا نقص بحال لأنها إنما هي فسخ بيع وهكذا لو باعه إياها فاستقاله على أن
ينظره بالثمن لم يجز لأن النظرة ازدياد ولا خير في الإقالة على زيادة ولا نقصان ولا تأخير في كراء ولا
بيع ولا غيره وهكذا إن باعه سلعة إلى أجل فسأله أن يقيله فلم يقله إلا على أن يشركه البائع ولا خير فيه
لأن الشركة بيع وهذا بيع ما لم يقبض ولكنه إن شاء أن يقيله في النصف أقاله ولا يجوز أن يكون
شريكا له والمتبايعان بالسلف وغيره بالخيار ما لم يتفرقا من مقامهما الذي تبايعا فيه، فإذا تفرقا أو خير
أحدهما الآخر بعد البيع فاختار البيع فقد انقطع الخيار ومن سلف في طعام أو غيره إلى أجل فلما حل
الأجل أخذ بعض ما سلف فيه وأقال البائع من الباقي فلا بأس وكذلك لو باع حيوانا أو طعاما إلى أجل
فأعطاه نصف رأس ماله وأقاله المشترى من النصف وقبضه بلا زيادة ازدادها ولا نقصان ينقصه فلا
بأس (قال) ولا يجوز من البيوع إلا ثلاثة بيع عين بعينها حاضرة وبيع عين غائبة فإذا رآها المشترى فهو
بالخيار فيها ولا يصلح أن تباع العين الغائبة بصفة ولا إلى أجل لأنها قد تدرك قبل الأجل فيبتاع الرجل
ما يمنع منه وهو يقدر على قبضه وأنها قد تتلف قبل أن تدرك فلا تكون قبل الأجل فيبتاع الرجل ما يمنع
منه وهو يقدر على قبضه وأنها قد تتلف قبل أن تدرك فلا تكون مضمونة والبيع الثالث صفة مضمونة إذا
جاء بها صاحبها على الصفة لزمت مشتريها ويكلف أن يأتي بها من حيث شاء (قال أبو يعقوب) الذي
كان يأخذ به الشافعي ويعمل به أن البيع بيعان بيع عين حاضرة ترى أو بيع مضمون إلى أجل معلوم ولا
ثالث لهما (قال الربيع) قد رجع الشافعي عن بيع خيار الرؤية (قال الشافعي) رحمه الله تعلى ومن باع
سلعة من السلع إلى أجل من الآجال وقبضها المشترى فلا بأس أن يبيعها الذي اشتراها بأقل من الثمن
وزعم أن القياس في ذلك جائز ولكنه زعم تبع الأثر ومحمود منه أن يتبع الأثر الصحيح فلما سئل عن
الأثر إذا هو أبو إسحاق عن امرأته عالية بنت أنفع (1) أنها دخلت مع امرأة أبى السفر على عائشة رضي الله عنها
فذكرت لعائشة أن زيد بن أرقم باع شيئا إلى العطاء ثم اشتراه بأقل مما باعه به فقالت عائشة
أخبري زيد بن أرقم أن الله قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب (قال
الشافعي) فقيل له ثبت هذا الحديث عن عائشة فقال أبو إسحاق رواه عن امرأته فقيل فتعرف امرأته
بشئ يثبت به حديثها فما علمته قال شيئا قلت ترد حديث بسرة بنت صفوان مهاجرة معروفة بالفضل

(1) قوله: بنت أنفع كذا بالأصول التي بأيدينا. ولم نظفر به بعد المراجعة. كتبه مصححه.
38

بأن تقول حديث امرأة وتحتج بحديث امرأة ليست عندك منها معرفة أكثر من أن زوجها روى عنها ولو
كان هذا من حديث من يثبت حديثه هل كان أكثر ما في هذا إلا أن زيد بن أرقم وعائشة اختلفا
لأنك تعلم أن زيدا لا يبيع إلا ما يراه حلالا له ورأته عائشة حراما وزعمت أن القياس مع قول زيد
فكيف لم تذهب إلى قول زيد ومعه القياس وأنت تذهب إلى القياس في بعض الحالات فتترك به السنة
الثابتة؟ قال أفليس قول عائشة مخالفا لقول زيد؟ قيل ما تدرى لعلها إنما خالفته في أنه باع إلى العطاء
ونحن نخالفه في هذا الموضع لأنه أجل غير معلوم فأما إن اشتراها بأقل مما باعه بها فلعلها لم تخالفه فيه
قط لعلها رأت البيع إلى العطاء مفسوخا ورأت بيعه إلى العطاء لا يجوز فرأته لم يملك ما باع ولا بأس في
أن يسلف الرجل فيما ليس عنده أصله وإذا أرى الرجل الرجل السعلة فقال اشتر هذه وأربحك فيها كذا
فاشتراها الرجل فالشراء جائز والذي قال أربحك فيها بالخيار إن شاء أحدث فيها بيعا وإن شاء تركه
وهكذا إن قال اشتر لي متاعا ووصفه له أو متاعا أي متاع شئت وأنا أربحك فيه فكل هذا سواء يجوز
البيع الأول ويكون هذا فيما أعطى من نفسه بالخيار وسواء في هذا ما وصفت إن كان قال أبتاعه
وأشتريه منك بنقد أو دين يجوز البيع الأول ويكونان بالخيار في البيع الآخر فإن جدداه جاز وإن تبايعا
به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول فهو مفسوخ من قبل شيئين أحدهما أنه تبايعاه قبل يملكه البائع
والثاني أنه على مخاطرة أنك إن اشتريته على كذا أربحك فيه كذا وإن اشترى الرجل طعاما إلى أجل
فقبضه فلا بأس أن يبيعه ممن اشتراه منه ومن غيره بنقد وإلى أجل وسواء في هذا المعينين وغير
المعينين (1) وإذا باع الرجل السلعة بنقد أو إلى أجل فتسوم بها المبتاع فبارت عليه أو باعها بوضع أو
هلكت من يده فسأل البائع أن يضع عنه من ثمنها شيئا أو يهبها كلها فذلك إلى البائع إن شاء فعل وإن
شاء لم يفعل من قبل أن الثمن له لازم فإن شاء ترك له من الثمن اللازم وإن شاء لم يترك وسواء كان هذا
عن عادة اعتادها أو غير عادة وسواء أحدثا هذا في أول بيعة تبايعا به أو بعد بيعة ليس للعادة التي
اعتادها معنى يحل شيئا ولا يحرمه وكذلك الموعد، إن كان قبل العقد أو بعده فإن عقد البيع
على موعد أنه إن وضع في البيع وضع عنه فالبيع مفسوخ لأن الثمن غير معلوم وليس تفسد البيوع أبدا
ولا النكاح ولا شئ أبدا إلا بالعقد فإذا عقد عقدا صحيحا لم يفسده شئ تقدمه ولا تأخر عنه كما إذا
عقدا فاسدا لم يصلحه شئ تقدمه ولا تأخر عنه إلا بتجديد عقد صحيح وإذا اشترى الرجل من
الرجل طعاما بدينار على أن الدينار عليه إلى شهر إلا أن يبيع الطعام قبل ذلك فيعطيه ما باع من الطعام
فلا خير فيه لأنه إلى أجل غير معلوم ولو باعه إلى شهر ولم يشرط في العقد شيئا أكثر من ذلك ثم قال له
إن بعته أعطيتك قبل الشهر، كان جائزا وكان موعدا، إن شاء وفى له وإن شاء لم يف له لأنه لا يفسد
حتى يكون في العقد وإذا ابتاع رجل طعاما سمى الثمن إلى أجل والطعام نقد وقبض الطعام فلا بأس أن
يبيع الطعام بحداثة القبض وبعد زمان إذا صار من ضمانه من الذي اشترى منه ومن غيره وبنقد وإلى
أجل لأن البيعة الآخرة غير البيعة الأولى وإذا سلف رجل في العروض والطعام الذي يتغير إلى أجل
فليس عليه أن يقبضه حتى يحل أجله فإذا حل أجله جبر على قبضه وسواء عرضه عليه قبل أن يحل
الأجل بساعة أو بسنة وإن اجتمعا على الرضا بقبضه فلا بأس وسواء كان ذلك قبل أن يحل الأجل بسنة
أو بساعة وإذا ابتاع الرجل شيئا من الحيوان أو غيره غائبا عنه والمشترى يعرفه بعينه فالشراء جائز وهو

(1) قوله: وسواء في هذا المعينين الخ بالأصل ولعله " المعين وغير المعين " وحرر. كتبه مصححه.
39

مضمون من مال البائع حتى يقبضه المشترى فإذا كان المشترى لم يره فهو بالخيار إذا رآه من عيب ومن
غير عيب وسواء وصف له أو لم يوصف إذا اشتراه بعينه غير مضمون على صاحبه فهو سواء هو شراء
عين ولو جاء به على الصفة إذا لم يكن رآه لم يلزمه أن يأخذ إلا أن يشاء وسواء أدركتها بالصفة حية أو
ميتة ولو أنه اشتراه على صفة مضمونة إلى أجل معلوم فجاءه بالصفة لزمت المشترى أحب أو كره،
وذلك أن شراءه ليس بعين ولو وجد تلك الصفة في يد البائع فأراد أن يأخذها كان للبائع أن يمنعه
إياه إذا أعطاه صفة غيرها وهذا فرق بين شراء الأعيان والصفات الأعيان لا يجوز أن يحول الشراء منها
في غيرها إلا أن يرضى المبتاع والصفات يجوز أن تحول صفة في غيرها إذا أوفى أدنى صفة ويجوز النقد
في الشئ الغائب وفى الشئ الحاضر بالخيار وليس هذا من بيع وسلف بسبيل وإذا اشترى الرجل
الشئ إلى أجل ثم تطوع بالنقد فلا بأس وإذا اشترى ولم يسم أجلا فهو بنقد ولا ألزمه أن يدفع الثمن
حتى يدفع إليه ما اشترى وإذا اشترى الرجل الجارية أو العبد وقد رآه وهو غائب عنه وأبرأ البائع من
عيب به ثم أتاه به فقال قد زاد العيب فالقول قول المشترى مع يمينه ولا تباع السلعة الغائبة على أنها إن
تلفت فعلى صاحبها مثلها ولا بأس أن يشترى الشئ لغائب بدين إلى أجل معلوم والأجل من يوم تقع
الصفقة فإن قال أشتريها منك إلى شهر من يوم أقبض السلعة فالشراء باطل لأنه قد يقبضها في يومه
ويقبضها بعد شهر وأكثر.
باب في بيع الغائب إلى أجل
(قال الشافعي) رحمه الله وإذا باع الرجل من الرجل عبدا له غائبا بذهب دينا له على آخر أو
غائبة عنه ببلد فالبيع باطل (قال) وكذلك لو باعه عبدا ودفعه إليه إلا أن يدفعه إليه ويرضى الآخر
بحوالة على رجل فإما أن يبيعه إياه ويقول خذ ذهبي الغائبة على أنه إن لم يجدها فالمشترى ضامن لها
فالبيع باطل لأن هذا أجل غير معلوم وبيع بغير مدة ومحولا في ذمة أخرى (قال الشافعي) ومن أتى
حائكا فاشترى ثوبا على منسجه قد بقي منه بعضه فلا خير فيه، نقده أو لم ينقده، لأنه لا يدرى كيف
يخرج باقي الثوب وهذا لا بيع عين يراها ولا صفة مضمونة قال ولا بأس بشراء الدار حاضرة وغائبة
ونقد ثمنها ومذارعة وغير مذارعة (قال) ولا بأس بالنقد في بيع الخيار (قال) وإذا اشترى الرجل
بالخيار وقبض المشترى فالمشترى ضامن حتى يرد السلعة كما أخذها وسواء كان الخيار للبائع أو للمشترى
أو لهما معا وإذا باع الرجل السلعة وهو بالخيار فليس للذي عليه الخيار أن يرد إنما يرد الذي له الخيار
(قال) وبيع الخيار جائز من باع جارية فللمشتري قبضها وليس عليه وضعها للاستبراء ويستبرئها
المشترى عنده وإذا قبضها المشترى فهي من ضمانه وفى ملكه وإذا حال البائع بينه وبينها وضعها على
يدي عدل يستبرئها فهي من ضمان البائع حتى يقبضها المشترى ثم يكون هو الذي يضعها ويجوز بيع
المشترى فيها ولا يجوز بيع البائع حتى يردها المشترى أو يتفاسخا البيع ومن اشترى جارية بالخيار فمات
قبل أن يختار فورثته يقومون مقامه وإذا باع الرجل السلعة لرجل واستثنى رضا المبيع له ما بينه وبين
ثلاث فإن رضى المبيع له فالبيع جائز وإن أراد الرد فله الرد وإن جعل الرد إلى غيره فليس ذلك له إلا
أن يجعله وكيلا برد أو إجازة فتجوز الوكالة عن أمره (قال الشافعي) ومن باع سلعة على رضا غيره كان
للذي شرط له الرضا الرد ولم يكن للبائع فإن قال على أن أستأمر فليس له أن يرد حتى يقول قد
40

استأمرت فأمرت بالرد (قال الشافعي) ولا خير في أن يشترى الرجل الدابة بعينها على أن يقبضها بعد
سنة لأنها قد تتغير إلى سنة وتتلف ولا خير في أن يبيع الرجل الدابة ويشترط ركوبها قل ذلك أو كثر
(قال) ولا خير في أن يبيع الرجل الدابة ويشترط عقاقها (1) ولو قال هي عقوق ولم يشرط ذلك لم
يكن بذلك بأس وإذا باع الرجل ولد جاريته على أن عليه رضاعه ومؤنته سنة أو أقل فالبيع باطل لأنه
قد يموت قبل سنة فلو كان مضمونا للمشترى فضل الرضاع لم يجز لأنه وقع لا يعرف حصته من حصة
البيع ولو كان مضمونا من البائع كان عينا يقدر على قبضها ولا يقدر على قبضها إلا بعد سنة ويكون
دونها وبيع وإجارة.
باب ثمر الحائط يباع أصله
أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من باع نخلا قد
أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع (قال الشافعي) وهذا الحديث ثابت عندنا عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم وبه نأخذ وفيه دلالات إحداها لا يشكل في أن الحائط إذا بيع وقد أبر نخله فالثمرة لبائعه
إلا أن يشترطها مبتاعة فيكون مما وقعت عليه صفقة البيع ويكون لها حصة من الثمن (قال) والثانية أن
الحائط إذا بيع ولم يؤبر نخله فالثمرة للمشترى لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حد فقال " إذا أبر
فثمرته للبائع " فقد أخبر أن حكمه إذا لم يؤبر غير حكمه إذا أبر ولا يكون ما فيه إلا للبائع أو للمشترى لا
لغيرهما ولا موقوفا فمن باع حائطا لم يؤبر فالثمرة للمشترى بغير شرط استدلالا موجودا بالسنة (قال) ومن
باع أصل فحل نخل أو فحول بعد أن تؤبر إناث النخل فثمرها للبائع إلا أن يشترط المبتاع ومن باع
فحلا قبل أن تؤبر إناث النخل فالثمرة للمشترى (قال) والحوائط تختلف بتهامة ونجد والسقف فيستأخر
إبار كل بلد بقدر حرها وبردها وما قدر الله تعالى من إبانها فمن باع حائطا منها لم يؤبر فثمره للمبتاع وإن
أبر غيره لأن حكمه به لا لغيره وكذلك لا يباع منها شئ حتى يبدو صلاحه وإن بدا صلاح غيره وسواء
كان نخل الرجل قليلا أو كثيرا إذا كان في حظار واحد أو بقعة واحدة في غير حظار فبدا صلاح واحدة
منه، حل بيعه ولو كان إلى جنبه حائط له آخر أو لغيره فبدا صلاح حائط غيره الذي هو إلى جنبه لم
يحل بيع ثم حائطه بحلول بيع الذي إلى جنبه وأقل ذلك أن يرى في شئ منه الحمرة أو الصفرة وأقل
الابار أن يكون في شئ منه الابار فيقع عليه اسم أنه قد أبر كما أنه إذا بدا صلاح شئ منه وقع عليه
اسم أنه قد بدا صلاحه واسم أنه قد أبر فيحل بيعه ولا ينتظر آخره بعد أن يرى ذلك في أوله (قال)
والآبار التلقيح وهو أن يأخذ شيئا من طلع الفحل فيدخله بين ظهراني طلع الإناث من النخل فيكون له
بإذن الله صلاحا (قال) والدلالة بالسنة في النخل قبل أن يؤبر وبعد الابار في أنه داخل في البيع مثل
الدلالة بالاجماع في جنين الأمة وذات الحمل من البهائم، فإن الناس لم يختلفوا في أن كل ذات

(1) العقاق: كسحاب وكتاب: الحمل. وفرس عقوق كصبور حامل أو حائل. ضد، كما في القاموس. كتبه
مصححه.
41

حمل من بني آدم ومن البهائم بيعت فحملها تبع لها كعضو منها داخل في البيع بلا حصة من الثمن لأنه
لم يزايلها، ومن باعها وقد ولدت فالولد غيرها، وهو للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فيكون قد وقعت عليه
الصفقة، وكانت له حصة من الثمن ويخالف الثمر لم يؤبر الجنين في أن له حصة من الثمن لأنه ظاهر
وليست للجنين لأنه غير ظاهر ولولا ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك لما كان الثمر قد
طلع مثل الجنين في بطن أمه لأنه قد يقدر على قطعه، والتفريق بينه وبين شجره ويكون ذلك مباحا
منه والجنين لا يقدر على إخراجه حتى يقدر الله تعالى له ولا يباح لاحد إخراجه وإنما جمعنا بينهما
حيث اجتمعا في بعض حكمهما بأن السنة جاءت في الثمر لم يؤبر كمعنى الجنين في الاجماع فجمعنا
بينهما خبرا لا قياسا إذ وجدنا حكم السنة في الثمر لم يؤبر كحكم الاجماع في جنين الأمة وإنما مثلنا فيه
تمثيلا ليفقهه من سمعه من غير أن يكون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى أن يقاس
على شئ بل الأشياء تكون له تبعا (قال) ولو باع رجل أصل حائط، وقد تشقق طلع إناثه أو شئ
منه فأخر إباره وقد أبر غيره ممن حاله مثل حاله كان حكمه حكم ما تأبر لأنه قد جاء عليه وقت الابار
وظهرت الثمرة وريئت بعد تغييبها في الجف (1) قال وإذا بدأ في إبار شئ منه كان جميع ثمر الحائط المبيع
للبائع كما يكون إذا ريئت في شئ من الحائط الحمرة أو الصفرة حل بيع الثمرة وإن كان بعضه أو أكثره لم
يحمر أو يصفر (قال) والكرسف إذا بيع أصله كالنخل إذا خرج من جوزه ولم ينشق فهو للمشترى،
وإذا انشق جوزه فهو للبائع كما يكون الطلع قبل الابار وبعده (قال) فإن قال قائل فإنما جعل النبي
صلى الله عليه وسلم الثمرة للبائع إذا أبر فكيف قلت يكون له إذا استأبر وإن لم يؤبر؟ قيل له إن شاء الله
تعالى لا معنى للابار إلا وقته ولو كان الذي يوجب الثمرة للبائع أن يكون إنما يستحقها بأن يأبرها،
فاختلف هو والمشترى انبغى أن يكون القول قول المشترى لأن البائع يدعى شيئا قد خرج منه إلى المشترى
وانبغى إن تصادقا أن يكون له ثمر كل نخلة أبرها ولا يكون له ثمر نخلة لم يأبرها (قال) وما قلت من هذا
هو موجود في السنة في بيع الثمر إذا بدا صلاحه وذلك إذا احمر أو بعضه، وذلك وقت يأتي عليه،
وهذا مذكور في بيع الثمار إذا بدا صلاحها (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن
سالم عن ابن جريج أن عطاء أخبره أن رجلا باع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا مثمرا
ولم يشترط المبتاع الثمر ولم يستثن البائع الثمر ولم يذكراه فلما ثبت البيع اختلفا في الثمر فاحتكما فيه إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فقضى بالثمر للذي لقح النخل للبائع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول في العبد له المال وفى
النخل المثمر يباعان ولا يذكران ماله ولا ثمره هو للبائع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
سعد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت لو أن إنسانا باع رقبة حائط مثمر لم يذكر الثمرة
عند البيع لا البائع ولا المشترى أو عبدا له مال كذلك فلما ثبت البيع قال المبتاع إني أردت الثمر قال لا
يصدق والبيع جائز وعن ابن جريج أنه قال لعطاء أن رجلا أعتق عبدا له مال؟ قال نيته في ذلك إن
كان نوى في نفسه أن ماله لا يعتق معه فماله كله لسيده وبهذا كله نأخذ في الثمرة والعبد (قال) وإذا
بيعت رقبة الحائط وقد أبر شئ من نخله فثمرة ذلك النخل في عامه ذلك للبائع، ولو كان منه ما لم

(1) الجف: بضم الجيم، وعاء الطلع، كما في القاموس اه‍ مصححه.
42

يؤبر ولم يطلع لأن حكم ثمرة ذلك النخل في عامه ذلك حكم واحد كما يكون إذا بدا صلاحه ولم يؤبر
(قال) ولو أصيبت الثمرة في يدي مشترى رقبة الحائط بجائحة نأتى أو على بعضه فلا يكون للمشترى أن
يرجع بالثمرة المصابة ولا بشئ منها على البائع، فإن قال قائل ولم لا يرجع بها ولها من الثمن حصة؟ قيل
لأنها إنما جازت تبعا في البيع ألا ترى أنها لو كانت تباع منفردة لم يحل بيعها حتى تحمر فلما كانت تبعا
في بيع رقبة الحائط حل بيعها وكان حكمها حكم رقبة الحائط ونخله الذي يحل بيع صغيره وكبيره
وكانت مقبوضة لقبض النخل وكانت المصيبة بها كالمصيبة بالنخل، والمشترى لو أصيب بالنخل بعد أن
يقبضها كانت المصيبة منه، فإن ابتاع رجل حائطا فيه ثمر لم يؤبر كان له مع النخل أو شرطه بعدما
أبر، فكان له بالشرط مع النخل فلم يقبضه حتى أصيب بعض الثمر ففيها قولان أحدهما أنه بالخيار في
رد البيع لأنه لم يسلم له كما اشترى، أو أخذه بحصته من الثمن بحسب ثمن الحائط أو الثمرة فينظركم
حصة المصاب منها؟ فيطرح عن المشترى من أصل الثمن بقدره، فإن كان الثمن مائة والمصاب عشر
العشر مما اشترى طرح عنه دينار من أصل الثمن لا من قيمة المصاب، لأنه شئ خرج من عقدة البيع
بالمصيبة وهكذا كل ما وقعت عليه صفقة البيع بعينه من نبات، أو نخل، أو غيره، فما أصيب منه
شئ بعد الصفقة وقبل قبض المشترى، فالمشترى بالخيار في رد البيع لأنه لم يسلم إليه كما اشترى بكماله
أو أخذ ما بقي حصته من الثمن لأنه قد ملكه ملكا صحيحا وكان في أصل الملك أن كل واحد منه
بحصته من الثمن المسمى ولا يكون للمشترى في هذا الوجه خيار (قال) وهكذا الثمر يبتاع مع رقبة
الحائط، ويقبض فتصيبه الجائحة في قول من وضع الجائحة وفى القول الآخر الذي حكيت فيه قولا
يخالفه سواء لا يختلفان، والقول الثاني أن المشترى إن شاء رد البيع بالنقص الذي دخل عليه قبل
القبض وإن شاء أخذه منه بجميع الثمن لا ينقص عنه منه شئ لأنها صفقة واحدة (قال) فإن قال قائل
فكيف أجزتم بيع الثمرة لم يبد صلاحها مع الحائط وجعلتم لها حصة من الثمن ولم تجيزوها على الانفراد؟
قيل بما وصفنا من السنة فإن قال فكيف أجزتم بيع الدار بطرقها ومسيل مائها وأفنيتها وذلك غير معلوم؟
قيل أجزناه لأنه في معنى الثمرة التي لم يبد صلاحها تبع في البيع ولو بيع من هذا شئ على الانفراد لم
يجز، فإن قال قائل فكيف يكون داخلا في جملة البيع وهو أن بعضا لم يجز بيعه على الانفراد؟ قيل بما
وصفنا لك، فإن قال فهل يدخل في هذا العبد يباع؟ قلت نعم في معنى ويخالفه في آخر، فإن قال
فما المعنى الذي يدخل به فيه؟ قيل إذا بعناك عبدا بعناكه بكمال جوارحه، وسمعه، وبصره، ولو
بعناك جارحة من جوارحه تقطعها أو لا تقطعها لم يجز البيع، فهي إذا كانت فيه جازت، وإذا أفردت
منه لم يحل بيعها لأن فيها عذابا عليه وليس فيها منفعة لمشتريه ولم لم تقطع وهذا الموضع الذي يخالف فيه
العبد بما وصفنا من الطرق والثمر، وفى ذلك أنه يحل تفريق الثمر وقطع الطرق ولا يحل قطع الجارحة إلا
بحكمها (قال) وجميع ثمار الشجر في معنى ثم النخل إذا رئ في أوله النضج حل بيع آخره، وهما
يكونان بارزين معا ولا يحل بيع واحد منهما حتى يرى في أولهما النضج (قال) وتخالف الثمار من
الأعناب وغيرها النخل فتكون كل ثمرة خرجت بارزة ترى في أول ما تخرج كما ترى في آخره لا مثل
ثمر النخل في الطلعة يكون مغيبا وهو يرى يكون بارزا فهو في معنى ثمرة النخل بارزا فإذا باعه شجرا
مثمرا فالثمر للبائع إلا أن يشترط المبتاع لأن الثمر قد فارق أن يكون مستودعا في الشجر، كما يكون
الحمل مستودعا في الأمة ذات الحمل (قال) ومعقول في السنة إذا كانت الثمرة للبائع كان على المشترى
تركها في شجرها إلى أن تبلغ الجذاذ والقطاف واللقاط من الشجر (قال) وإذا كان لا يصلحها إلا
43

السقي فعلى المشترى تخلية البائع وما يكفي الشجر من السقي إلى أن يجد ويلقط ويقطع فإن انقطع الماء
فلا شئ على المشترى فيما أصيب به البائع في ثمره، وكذلك إن أصابته جائحة، وذلك أنه لم يبعه
شيئا فسأله تسليم ما باعه (قال) وإن انقطع الماء فكان الثمر يصلح ترك، حتى يبلغ، وإن كان لا
يصلح لم يمنعه صاحبه من قطعه ولا لو كان الماء كما هو، ولو قطعه، فإن أراد الماء لم يكن ذلك له إنما
يكون له من الماء ما فيه صلاح ثمره فإذا ذهب ثمره فلا حق له في الماء (قال) وإن انقطع الماء فكان
بقاء الثمرة في النخل وغيره من الشجر المسقوي يضر بالنخل ففيها قولان، أحدهما أن يسأل أهل ذلك
الوادي الذي به ذلك الماء فإن قالوا ليس يصلح في مثل هذا من انقطاع الماء إلا قطع ثمره عنه وإلا
أضر بقلوب النخل ضررا بينا فيها أخذ صاحبه بقطعه إلا أن يسقيه متطوعا وقيل قد أصبت وأصيب
صاحب الأصل بأكثر من مصيبتك فإن قالوا هو لا يضر بها ضررا بينا، والثمر يصلح إن ترك فيها وإن
كان قطعه خيرا لها ترك إذا لم يكن فيه ضرر بين، فإن قالوا لا يسلم الثمر إلا إن ترك أياما ترك أياما حتى
إذا بلغ الوقت الذي يقولون فيه يهلك، فلو قيل اقطعه لأنه خير لك ولصاحبك كان وجها، وله تركه
إذا لم يضر بالنخل ضررا بينا، وإن قال صاحب عنب ليس له أصله أدع عنبي فيه ليكون أبقى له أو
سفرجل، أو تفاح، أو غيره، لم يكن له ذلك إذا كان القطاف، واللقاط والجذاذ أخذ بجذاذ ثمره
وقطافه، ولقاطه، ولا يترك ثمره فيه بعد أن يصلح فيه القطاف، والجذاذ، واللقاط (قال) وإن
اختلف رب الحائط والمشترى في السقي حملا في السقي على ما لا غنى بالثمر، ولا صلاح إلا به، وما
يسقى عليه أهل الأموال أموالهم في الثمار عامة لا ما يضر بالثمر، ولا ما يزيد فيه مما لا يسقيه أهل
الأموال إذا كانت لهم الثمار (قال) فإن كان المبيع تينا أو غيره من شجر تكون فيه الثمرة ظاهرة، ثم
تخرج قبل أن تبلغ الخارجة ثمرة غيرها من ذلك الصنف، فإن كانت الخارجة المشتراة تميز من الثمرة
التي تحدث لم يقع عليها البيع فالبيع جائز للمشترى الثمرة الخارجة التي اشترى يتركها حتى تبلغ وإن
كانت لا تميز مما يخرج بعدها من ثمرة الشجرة، فالبيع مفسوخ لأن ما يخرج بعد الصفقة من الثمرة
التي لم تدخل في البيع غير متميز من الثمرة الداخلة في الصفقة والبيوع لا تكون إلا معلومة (قال
الربيع) وللشافعي في مثل هذا قول آخر إن البيع مفسوخ إذا كان الخارج لا يتميز إلا أن يشاء رب
الحائط أن يسلم ما زاد من الثمرة التي اختلطت بثمر المشترى يسلمه للمشترى فيكون قد صار إليه ثمره
والزيادة إذا كانت الخارجة لا تميز التي تطوع بها (قال الشافعي) فإن باعه على أن يلقط الثمرة أو
يقطعها حتى يتبين بها فالبيع جائز وما حدث في ملك البائع للبائع وإنما يفسد البيع إذا ترك ثمرته
فكانت مختلطة بثمرة المشترى لا تتميز منها (قال) وإذا باع رجل رجلا أرضا فيها شجر ورمان، ولوز
وجوز، ورانج، وغيره مما دونه قشر يواريه بكل حال فهو كما وصفت من الثمر البادى الذي لا قشر له
يواريه إذا ظهرت ثمرته، فالثمرة للبائع إلا أن يشترطها المبتاع، وذلك إن قشر هذا لا ينشق عما في
أجوافه وصلاحه في بقائه إلا أن صنفا من الرمان ينشق منه الشئ فيكون أنقص على مالكه لأن
الأصلح له أن لا ينشق لأنه أبقى له، والقول فيه كالقول في ثمر الشجر غير النخل من العنب والأترج
وغيره لا يخالفه والقول في تركه إلى بلوغه كالقول فيها وفى ثمر النخل لا يعجل مالكه عن بلوغ صلاحه
ولا يترك، وإن كان ذلك خيرا لمالكه إذا بلغ أن يقطف مثلها أو يلقط والقول في شئ إن كان يزيد
فيها كالقول في التين لا يختلف وكذلك في ثمر كل شجر وهكذا القول في الباذنجان وغيره من الشجر
الذي يثبت أصله وعلامة الأصل وذلك مثل القثاء والخربز والكرسف وغيره، وما كان إنماء ثمرته
44

مرة، فمثل الزرع (قال) ومن باع أرضا فيها زرع قد خرج من الأرض، فالزرع للبائع إلا أن يشترطه
المبتاع فإذا حصد فلصاحبه أخذه فإن كان الزرع مما يبقى له أصول في الأرض تفسدها فعلى صاحب
الزرع نزعها عن رب الأرض إن شاء رب الأرض. قال وهكذا إذا باعه أرضا فيها زرع يحصد مرة
واحدة (قال) فأما القصب فإذا باعه أرضا فيها قصب قد خرج من الأرض فلمالكه من القصب جزة
واحدة وليس له قلعه من أصله لأنه أصل (قال) وكل ما يجز مرارا من الزرع فمثل القصب في الأصل
والثمر ما خرج لا يخالفه (قال) وإذا باعه أرضا فيها موز قد خرج فله ما خرج من الموز قبل بيعه وليس
له ما خرج مرة أخرى من الشجر الذي بجنب الموز وذلك أن شجرة الموز عندنا تحمل مرة وينبت إلى
جنبها أربع فتقطع ويخرج في الذي حولها (قال) فإذا كان شجر الموز كثيرا وكان يخرج في الموز منه
الشئ اليوم وفى الأخرى غدا وفى الأخرى بعده حتى لا يتميز ما كان منه خارجا عند عقدة البيع مما خرج
بعده بساعة أو أيام متتابعة فالقول فيها كالقول في التين وما تتابع ثمرته في الأصل الواحد أنه لا يصلح
بيعه أبدا وذلك أن الموزة الحولي يتفرق ويكون بينه أولاده بعضها اشف من بعض فيباع وفى الحولي
مثله موز خارج فيترك ليبلغ ويخرج في كل يوم من أولاده بقدر إدراكه متتابعا، فلا يتفرق منه ما
وقعت عليه عقدة البيع مما حدث بعدها ولم يدخل في عقدة البيع والبيع ما عرف المبيع منه من غير
المبيع فيسلم إلى كل واحد من المتبايعين حقه (قال) ولا يصح بيعه بأن يقول له ثمرة مائة شجرة موز منه
من قبل أن ثمارها تختلف ويخطئ ويصيب وكذلك كل ما كان في معناه من ذي ثمر وزرع (قال)
وكل أرض بيعت بحدودها فلمشتريها جميع ما فيها من الأصل والأصل ما وصفت مما له ثمرة بعد ثمرة
من كل شجر وزروع مثمرة وكل ما يثبت من الشجر والبنيان وما كان مما يخف من البنيان مثل البناء
بالخشب فإنما هذا مميز كالنبات والجريد فهو لبائعه إلا أن يدخله المشترى في صفقة البيع فيكون له
بالشراء (قال) وكل هذا إذا عرف المشترى والبائع ما في شجر الأرض من الثمر وفى أديم الأرض من
الزرع (قال) فإن كانت الأرض غائبة عند البيع عن البائع والمشترى أو عن المشترى دون البائع فوجد
في شجرها ثمرا قد أبرأ وزرعا قد طلع فالمشترى بالخيار إذا علم هذا إن كان قد رأى الأرض قبل الشراء
ورضيها لأن هذا عليه نقصا بانقطاع الثمرة عنه عامه ذلك وحبس شجره بالثمرة وشغل أرضه بالزرع
وبالداخل فيها عليه إذا كانت له ثمرتها لأنه ليس له أن يمنعه الدخول عليه في أرضه لتعاهد ثمرته ولا
يمنع من يصلح له أرضه من عمل له فإن أحب أجاز البيع وإن أحب رده (قال) وإذا اشترى وهو عالم
بما خرج من ثمرها فلا خيار له وإذا باع الرجل الرجل أرضا فيها حب قد بذره ولم يعلم المشترى فالحب
كالزرع قد خرج من الأرض لا يملكه المشترى لأنه تحت الأرض وما لم يملكه المشترى بالصفقة فهو
للبائع وهو ينمى نماء الزرع فيقال للمشترى لك الخيار فإن شئت فأخر البيع ودع الحب حتى يبلغ
فيحصد كما تدع الزرع وإن شئت فانقض البيع إذا كان يشغل أرضك ويدخل عليك فيهابه من ليس
عليك دخوله إلا أن يشاء البائع أن يسلم الزرع للمشترى أو يقلعه عنه ويكون قلعه غير مضر بالأرض
فإن شاء ذلك لم يكن للمشترى خيار لأنه قد زيد خيرا لأن قال قائل كيف لم تجعل هذا كما لم يخرج
من ثمر الشجر وولاد الجارية؟ قيل له إن شاء الله تعالى، أما ثمر الشجر فأمر لا صنعة فيه للادميين هو
شئ يخلقه الله عز وجل كيف شاء، لا شئ استودعه الآدميون الشجر لم يكن فيها فأدخلوه فيها وما
خرج منه في عامه خرج في أعوام بعده مثله لأن خلقة الشجر كذلك والبذر ينثر في الأرض إنما هو
شئ يستودعه الآدميون الأرض ويحصد فلا يعود إلا أن يعاد فيها غيره ولما رأيت ما كان مدفونا في الأرض من
45

مال وحجارة وخشب غير مبنية كان للبائع لأنه شئ وضعه في الأرض غير الأرض لم يجز أن يكون البذر في
أن البائع يملكه إلا مثله لأنه شئ وضعه البائع غير الأرض فإن قال قائل كيف لا يخرج زرعه كما
يخرج ما دفن في الأرض من مال وخشب؟ قيل دفن تلك فيها ليخرجها كما دفنها لا لتنمى بالدفن
وإذا مر بالمدفون من الحب وقت فلو أخرجه لم ينفعه لقلب الأرض له وتلك لا تقلبها فأما ولد الجارية
فشئ لا حكم له إلا حكم أمه ألا ترى أنها تعتق ولا يقصد قصده بعتق فيعتق وتباع ولا يباع فيملكه
المشترى وأن حكمه في العتق والبيع حكم عضو منها وإن لم يسمه كان للمشترى الخيار لاختلاف الزرع
في مقامه في الأرض وإفساده إياها (قال) وإن كان البائع قد أعلم المشترى أن له في الأرض التي باعه
بذرا سماه لا يدخل في بيعه فاشترى على ذلك فلا خيار للمشترى وعليه أن يدعه حتى يصرم فإن كان
مما يثبت من الزرع تركه حتى يصرمه ثم كان للمشترى أصله ولم يكن للبائع قلعه ولا قطعه (قال) وإن عجل
البائع فقلعه قبل بلوغ مثله لم يكن له أن يدعه ليستخلفه وهو كمن جد ثمرة غضة فليس له أن ينتظر أخرى
حتى تبلغ لأنه وإن لم يكن له مما خرج منه إلا مرة فتعجلها فلا يتحول حقه في غيرها بحال والقول في الزرع
من الحنطة وغيرها مما لا يصرم إلا مرة أشبه أن يكون قياسا على الثمرة مرة واحدة في السنة
إلا أنه يخالف الأصل فيكون الأصل مملوكا بما تملك به الأرض ولا يكون هذا مملوكا بما
تملك به الأرض لأنه ليس بثابت فيها (قال) وما كان من الشجر يثمر مرارا فهو كالأصل الثابت
يملك بما تملك به الأرض وإن باعه وقد صلح وقد ظهر ثمره فيه فثمره للبائع إلا أن يشترطها المبتاع كما
يكون النخل الملقح (قال) وذلك مثل الكرسف إذا باعه وقد تشقق جوز كرسفه عنه فالثمرة للبائع كما
تشقق الطلعة فيكون للبائع ذلك حين يلقح فإن باعه قبل أن يتشقق من جوز كرسفه شئ فالثمرة
للمشترى وما كان من الشجر هكذا يتشقق ثمره ليصلح مثل النخل وما كان يبقى بحاله فإذا خرجت
الثمرة فخروجه كتشقق الطلع وجوز الكرسف فهو للبائع إلا أن يشترط المشترى (قال) وما أثمر منه في
السنة مرارا فبيع وفيه ثمرة فهي للبائع وحدها فإذا انقضت فما خرج بعدها مما لم تقع عليه صفقة البيع
فللمشتري الأصل مع الأرض وصنف من الثمرة فكان يخرج منه الشئ بعد الشئ حتى لا ينفصل ما
وقعت عليه صفقة البيع وهو في شجره فكان للبائع ما لم يقع عليه صفقة البيع وكان للمشترى ما حدث
فإن اختلط ما اشترى بما لم يشتر ولم يتميز ففيها قولان أحدهما لا يجوز البيع فيه إلا بأن يسلم البائع
للمشترى الثمرة كلها فيكون قد أوفاه حقه وزيادة أو يترك المشترى له هذه الثمرة فيكون قد ترك له حقه
(قال) ومن أجاز هذا قال هذا كمن اشترى طعاما جزافا فألقى البائع فيه طعاما غيره ثم سلم البائع
للمشترى جميع ما اشترى منه وزاده وما ألقاه في طعامه فلم يظلمه ولم ينقصه شيئا مما باعه وزاده الذي
خلط وإن لم يعرف المبيع منه من غير المبيع قال في الوجه الذي يترك فيه المبتاع حقه هذا كرجل ابتاع
من رجل طعاما جزافا فألقى المشترى فيه طعاما ثم أخذ البائع منه شيئا فرضى المشترى أن يأخذ ما بقي
من الطعام بجميع الثمن ويترك له حقه فيما أخذ منه فإن الصفقة وقعت صحيحة إلا أن فيها خيارا للمشترى
فأجيزها ويكون للمشترى ترك ردها بخياره والقول الثاني أنه يفسد البيع من قبل أنه وإن وقع صحيحا
قد اختلط حتى لا يتميز الصحيح منه الذي وقعت عليه صفقة البيع مما لم تقع عليه صفقة البيع (قال)
والقصب والقثاء وكل ما كان يصرم مرة بعد الأخرى من الأصول فللمشتري ملكه كما يملك النخل إذا
اشترى الأصل وما خرج فيه من ثمرة مرة فتلك الثمرة للبائع وما بعدها للمشترى، فأما القصب فللبائع
أول صرمة منه وما بقي بعدها للمشترى فعلى هذا، هذا الباب كله وقياسه وهكذا البقول كلها إذا
46

كانت في الأرض فللبائع منها أول جزة وما بقي للمشترى وليس للبائع أن يقلعها من أصولها وإن كانت
تجز جزة واحده ثم تنبت بعدها جزات فحكمها حكم الأصول تملك بما تملك به الأصول، من شراء
رقبة الأرض (قال) وما كان من نبات فإنما يكون مرة واحدة فهو كالزرع يترك حتى يبلغ ثم لصاحبه
من نبات الأرض مما لم ينبته الناس وكان ينبت على الماء فلصاحبه فيه ماله في الزرع، والأصل يأخذ
ثمرة أول جزة منه إن كانت تنبت بعدها ويقلعه من أصله إن كان لا ينفع بعد جزة واحدة لا يختلف
ذلك (قال) ولو باع رجل رجلا أرضا أو دارا فكان له فيها خشب مدفون أو حجارة مدفونة ليست
بمبنية إن ملك الموضوع كله للبائع لا يملك المشترى منه شيئا إنما يملك الأرض بما خلق في الأرض من
ماء وطين وما كان فيها من أصل ثابت من غرس أو بناء وما كان غير ثابت أو مستودع فيها فهو لبائعه،
وعلى بائعه أن ينقله عنه (قال) فإن نقله عنه كان عليه تسوية الأرض حتى تعود مستوية لا يدعها حفرا
(قال) وإن ترك قلعه منه ثم أراد قلعه من الأرض من زرعه لم يكن ذلك له حتى يحصد الزرع ثم يقلعه
إن شاء، وإن كان له في الأرض خشب أو حجارة مدفونة ثم غرس الأرض على ذلك ثم باعه الأصل
ثم لم يعلم المشترى بالحجارة التي فيها نظر، فإن كانت الحجارة أو الخشب تضر بالغراس وتمنع عروقه
كان المشترى بالخيار في الاخذ أو الرد لأن هذا عيب ينقص غرسه وإن كان لا ينقص الغراس
ولا يمنع عروقه وكان البائع إذا أراد إخراج ذلك من الأرض قطع من عروق الشجر ما يضر به قيل لبائع
الأرض أنت بالخيار بين أن تدع هذا وبين رد البيع، فإن أحب تركه للمشترى تم البيع وإن امتنع من
ذلك قيل للمشترى لك الخيار بين أن يقلعه من الأرض وما أفسد عليك من الشجر، فعليه قيمته إن
كانت له قيمة، أورد البيع.
باب الوقت الذي يحل فيه بيع الثمار
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى
الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله
ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمشترى
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول
الله صلى الله تعالى عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهى قيل يا رسول الله وما تزهى؟ قال حتى تحمر
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت " إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ "
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم نهى عن بيع ثمرة النخل حتى تزهو قيل وما تزهو؟ قال حتى تحمر (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الرجال عن عمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع
الثمار حتى تنجو من العاهة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي
ذئب عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن
47

بيع الثمار حتى تذهب العاهة، قال عثمان فقلت لعبد الله متى ذاك؟ قال طلوع الثريا (أخبرنا الربيع)
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي معبد قال الربيع أظنه عن ابن عباس
أنه كان يبيع الثمر من غلامه قبل أن يطعم، وكان لا يرى بينه وبين غلامه ربا (أخبرنا الربيع) قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء عن جابر إن شاء الله أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه قال ابن جريج فقلت أخص جابر النخل أو
الثمر؟ قال بل النخل ولا نرى كل ثمرة إلا مثله (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن
عيينة عن عمرو عن طاوس أنه سمع ابن عمر يقول لا يبتاع الثمر حتى يبدو صلاحه وسمعنا ابن عباس
يقول لا تباع الثمرة حتى تطعم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن حميد بن
قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نهى عن بيع
السنين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى
الله تعالى عليه وسلم مثله وبهذا كله نقول، وفى سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم دلائل، منها أن بدو
صلاح الثمر الذي أحل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعه أن يحمر أو يصفر ودلالة إذ قال " إذا منع الله
الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ " أنه إنما نهى عن بيع الثمرة التي تترك حتى تبلغ غاية إبانها إلا أنه
نهى عما يقطع منها وذلك أن ما يقطع منها لا آفة تأتى عليه تمنعه إنما منع ما يترك مدة تكون فيها الآفة
والبلح وكل ما دون اليسير يحل بيعه ليقطع مكانه لأنه خارج عما نهى عنه رسول الله صلى الله تعالى عليه
وسلم من البيوع داخل فيما أحل الله من البيع (قال) ولا يحل بيعه قبل أن يبدو صلاحه ليترك حتى يبلغ
إبانه لأنه داخل في المعنى الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يباع حتى يبلغه (أخبرنا
الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال لا يباع حتى يؤكل من
الرطب قليل أو كثير قال ابن جريج فقلت له أرأيت إن كان مع الرطب بلح كثير؟ قال نعم سمعنا إذا
أكل منه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء الحائط
تكون فيه النخلة فتزهى فيؤكل منها قبل الحائط والحائط بلح قال حسبه إذا أكل منه فليبع (أخبرنا
الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء وكل ثمرة كذلك لا تباع
حتى يؤكل منها؟ قال نعم قال ابن جريج فقلت من عنب أو رمان أو فرسك؟ قال نعم قال ابن جريج
فقلت له أرأيت إذا كان شئ من ذلك يخلص ويتحول قبل أن يؤكل منه أيبتاع قبل أن يؤكل منه؟
قال لا ولا شئ حتى يؤكل منه. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن
عطاء قال كل شئ تنبته الأرض مما يؤكل من خربز أو قتاء أو بقل لا يباع حتى يؤكل منه كهيئة النخل
قال سعيد إنما يباع البقل صرمة صرمة (قال الشافعي) والسنة يكتفى بها من كل ما ذكر معها غيرها فإذا
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر إلى أن يخرج من أن يكون غضا كله فأذن فيه إذا صار
منه أحمر أو أصفر فقد أذن فيه إذا بدا فيه النضج واستطيع أكله خارجا من أن يكون كله بلحا وصار
عامته منه وتلك الحال التي ان يشتد اشتدادا يمنع في الظاهر من العاهة لغلظ نواته في عامه وإن لم يبلغ
ذلك منه مبلغ الشدة وإن لم يبلغ هذا الحد فكل ثمرة من أصل فهي مثله لا تخالفه إذا خرجت ثمرة
واحدة يرى معها كثمرة النخل يبلغ أولها أن يرى فيه أول النضج حل بيع تلك الثمرة كلها وسواء كل
ثمرة من أصل يثبت أو لا يثبت لأنها في معنى ثمر النخل إذا كانت كما وصفت تنبت فيراها المشترى ثم
لا ينبت بعدها في ذلك الوقت شئ لم يكن ظهر وكانت ظاهرة لا كمام دونها تمنعها من أن ترى كثمرة
48

النخلة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء فما لا يؤكل منه
الحناء والكرسف والقضب؟ قال نعم لا يباع حتى يبدو صلاحه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء القضب يباع منه؟ قال لا إلا كل صرمة عند صلاحها
فإنه لا يدرى لعله تصيبه في الصرمة الأخرى عاهة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد
عن ابن جريج أن إنسانا سأل عطاء فقال الكرسف يجنى في السنة مرتين؟ فقال لا إلا عند كل إجناءة
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن زيادا أخبره عن ابن طاوس
عن أبيه أنه كان يقول في الكرسف تبيعه فلقة واحدة قال يقول فلقة واحدة إجناءة واحدة إذا فتح قال
ابن جريج وقال زياد والذي قلنا عليه إذا فتح الجوز بيع ولم يبع ما سواه قال تلك إجناءة واحدة إذا
فتح (قال الشافعي) ما قال عطاء وطاوس من هذا كما قالا إن شاء الله تعالى وهو معنى السنة والله تعالى
أعلم فكل ثمرة تباع من المأكول إذا أكل منها وكل ما لم يؤكل فإذا بلغ أن يصلح أن ينزع بيع، قال
وكل ما قطع من أصله مثل القضب فهو كذلك لا يصلح أن يباع إلا جزة عند صرامة وكذلك كل ما
يقطع من أصله لا يجوز أن يباع إلا عند قطعه لا يؤخره عن ذلك، وذلك مثل القضب والبقول
والرياحين والقصل وما أشبهه، وتفتيح الكرسف أن تنشق عنه قشرته حتى يظهر الكرسف ولا يكون له
كمام تستره وهو عندي يدل على معنى ترك تجويز ما كان له كمام تستره من الثمرة، فإن قيل كيف قلت لا
يجوز أن يباع القضب إلا عند صرامه؟ فصرامه بدو صلاحه قال فإن قيل فقد يترك الثمر بعد أن يبدو
صلاحه قيل الثمرة تخالفه في هذا الموضع فيكون الثمن إذا بدا صلاحه لا يخرج منه شئ من أصل
شجرته لم يكن خرج إنما يتزايد في النضج والقضب إذا ترك خرج منه شئ يتميز من أصل شجرته لم
يقع عليه البيع ولم يكن ظاهرا يرى، وإذا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الثمرة قبل أن يبدو
صلاحها وهي ترى كان بيع ما لم ير ولم يبد صلاحه أحرم لأنه يزيد عليها أن لا يرى وإن لم يبد صلاحه
فيكون المشترى اشترى قضبا طوله ذراع أو أكثر فيدعه فيطول ذراعا مثله أو أكثر فيصير المشترى أخذ مثل
ما اشترى مما لم يخرج من الأرض بعد ومما إذا خرج لم تقع عليه صفقة البيع وإذا ترك كان للمشترى
منه ما ينفعه وليس في الثمرة شئ إذا أخذت غضة (قال) وإذا أبطلنا البيع في القضب على ما وصفنا
كان أن يباع القضب سنة أو أقل أو أكثر أو صرمتين أبطل لأن ذلك بيع ما لم يخلق ومثل بيع جنين
الأمة وبيع النخل معاومة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وعن أن يجوز منه من الثمرة ثمرة
قد رؤيت إذا لم تصر إلى أن تنجو من العاهة (قال) فأما بيع الخربز إذا بدا صلاحه فللخربز نضج
كنضج الرطب فإذا رؤي ذلك فيه جاز بيع خربزه في تلك الحال وأما القثاء فيؤكل صغارا طيبا فبدو
صلاحه أن يتناهى عظمه أو عظم بعضه ثم يترك حتى تتلاحق صغاره إن شاء مشتريه كما يترك الخربز
حتى تنضج صغاره إن شاء مشتريه ويأخذه واحدا بعد واحد كما يأخذ الرطب ولا وجه لقول من قال لا
يباع الخربز ولا القثاء حتى يبدو صلاحهما ويجوز إذا بدا صلاحهما أن يشتريهما فيكون لصاحبهما ما ينبت
أصلهما يأخذ كل ما خرج منهما فإن دخلهما آفة بشئ يبلغ الثلث وضع عن المشترى (قال) وهذا عندي
والله تعالى أعلم من الوجوه التي لم أكن أحسب أحدا يغلط إلى مثلها، وقد نهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها لئلا تصيبها العاهة فكيف لا ينهى عن بيع ما لم يخلق قط
وما تأتى العاهة على شجره وعليه في أول خروجه وهذا محرم من مواضع من هذا ومن بيع السنين ومن
بيع ما لم يملك وتضمين صاحبه وغير وجه فكيف لا يحل مبتدأ بيع القثاء والخربز حتى يبدو صلاحهما
49

كما لا يحل بيع الثمر حتى يبدو صلاحه وقد ظهرا ورئيا ويحل بيع ما لم ير منهما قط ولا يدرى يكون أم لا
يكون ولا إن كان كيف يكون ولا كم ينبت أيجوز أن يشترى ثمر النخل قد بدأ صلاحه ثلاث سنين
فيكون له فإن كان لا يجوز إلا عند كل ثمرة وبعد أن يبدو وصلاحها لم يجز في القثاء والخربز إلا ذلك
وليس حمل القثاء مرة يحل بيع حمله ثانية ولم يكن حمله بعد ولحمل النخل أولى أن لا يخلف في
المواضع التي لا تعطش وأقرب من حمل القثاء الذي إنما أصله بقلة يأكلها الدود ويفسدها السمسوم
والبرد وتأكلها الماشية ويختلف حملها ولو جاز هذا جاز شراء أولاد الغنم وكل أنثى وكان إذا اشترى ولد
شاة قد رآه جاز أن يشترى ولدها ثانية ولم يره وهذا لا يجوز أو رأيت إذا جنى القثاء أول مرة ألف قثاء
وثانية خمسمائة وثالثة ألفا ثم انقطع أصله كيف تقدر الجائحة فيما لم يخلق بعد؟ أعلى ثلث اجتنائه مثل
الأول أو أقل بكم؟ أو أكثر بكم؟ أو رأيت إذا اختلف نباته كان ينبت في بلد أكثر منه في بلد وفى
بلد واحد مرة أكثر منه في بلد مرارا كيف تقدر الجائحة فيه؟ وكيف إن جعلنا لمن اشتراه كثير حمله مرة
أيلزمه قليل حمله في أخرى إن كان حمله يختلف؟ وقد يدخله الماء فيبلغ حمله أضعاف ما كان قبله
ويخطئه فيقل عما كان يعرف ويتباين في حمله تباينا بعيدا؟ قال في القياس ان يلزمه ما ظهر ولا يكون
له أن يرجع بشئ قلت أفتقوله؟ قال: نعم أقوله قلت وكذلك تقول لو اشتريت صدفا فيه اللؤلؤ بدنانير
فإن وجدت فيه لؤلؤة فهي لك وإن لم تجد فالبيع لازم؟ قال نعم هكذا أقول في كل مخلوق إذا
اشتريت ظاهره على ما خلق فيه وإن لم يكن فيه فلا شئ لي قلت وهكذا إن باعه هذا السنبل في التبن
حصيدا؟ قال نعم والسنبل حيث كان قلت وهكذا إذا اشترى منه بيضا ورائجا اشترى ذلك بما فيه فإن
كان فاسدا أو جيدا فهو له؟ قال لا أقوله قلت إذا تترك أصل قولك قال فإن قلت اجعل له الخيار في
السنبل من العيب؟ قال قلت والعيب يكون فيما وصفت قبله وفيه (قال) فإن قلت أجعل له الخيار
قلت فإذا يكون لمن اشترى السنبل ابدا الخيار لأنه لا يعرف فيه خفة الحمل من كثرته ولا يصل إلى
ذلك إلا بمؤنة لها إجارة فإن كانت الإجارة على كانت على في بيع لم يوفنيه وإن كانت على صاحبي
كانت عليه ولى الخيار إذا رأيت الخفة في أخذه وتركه لأني ابتعت ما لم أر ولا يجوز له أبدا بيعه في
سنبله كما وصفت (قال) فقال بعض من حضره ممن وافقه قد غلطت في هذا وقولك في هذا خطأ قال
ومن أين؟ قال أرأيت من اشترى السنبل بألف دينار أتراه أراد كمامه التي لا تسوى دينارا كلها؟ قال
فنقول أراد ماذا؟ قال أقول أراد الحب قال فنقول لك أراد مغيبا؟ قال نعم قال فنقول لك أفله الخيار
إذا رآه؟ قال نعم قال فنقول لك فعلى من حصاده ودراسه؟ قال على المشترى قال فنقول لك فإن اختار
رده أيرجع بشئ من الحصاد والدراس؟ قال لا وله رده من عيب وغير عيب قال فنقول لك فإن
أصابته آفة تهلكه قبل يحصده؟ قال فيكون من المشترى لأنه جزاف متى شاء أخذه كما يبتاع الطعام
جزافا فإن خلاه وإياه فهلك كان منه (قال الشافعي) فقلت له أراك حكمت بأن لمبتاعه الخيار كما يكون
له الخيار إذا ابتاع بزا في عدل لم يره وجارية في بيت لم يرها أرأيت لو احترق العدل أو ماتت الجارية
وقد خلى بينه وبينها أيكون عليه الثمن أو القيمة؟ قال فلا أقوله وأرجع فأزعم أنه من البائع حتى يراه
المشترى ويرضاه قال فقلت له فعلى من مؤنته حتى يراه المشترى؟ قلت أرأيت إن اشترى مغيبا أليس
عليه عندك أن يظهره؟ قال بلى قلت أفهذا عدل مغيب؟ قال فإن قلته؟ قلت أفتجعل ما لا مؤنة فيه
من قمح في غرارة أو بزفى عدل وإحضار عبد غائب كمثل ما فيه مؤنة الحصاد والدراس؟ قال لعلي
أقوله قلت فاجعله كهو قال غيره منهم ليس كهو وإنما أجزناه بالأثر قلت وما الأثر؟ قال يروى عن النبي
50

صلى الله عليه وسلم قلت أيثبت قال لا وليس فيما لم يثبت حجة قال ولكنا نثبته عن أنس بن مالك قلنا
وهو عن أنس بن مالك ليس كما تريد ولو كان ثابتا لاحتمل أن يكون كبيع الأعيان المغيبة يكون له
الخيار إذا رآها قال وكل ثمرة كانت ينبت؟ منها الشئ فلا يجنى حتى ينبت منها شئ آخر قبل أن يؤتى
على الأول لم يجز بيعها أبدا إذا لم يتميز من النبات الأول الذي وقعت عليه صفقة البيع بأن يؤخذ قبل
أن يختلط بغيره مما لم يقع عليه صفقة البيع وكل ثمرة وزرع دونها حائل من قشر أو كمام، وكانت إذا
صارت إلى مالكيها أخرجوها من قشرتها وكمامها بلا فساد عليها إذا أخرجوها فالذي اختار فيها أن لا
يجوز بيعها في شجرها ولا موضوعة للحائل دونها فإن قال قائل وما حجة من أبطل البيع فيه؟ قيل له
إن شاء الله تعالى الحجة فيه أني لا أعلم أحدا يجيز أن يشترى رجل لحم شاة وإن ذبحت إذا كان عليها
جلدها من قبل ما تغيب منه وتغيب الكمام الحب المتفرق الذي بينه حائل من حب الحنطة والفول
والدخن وكل ما كان في قرن منه حب وبينه شئ حائل من الحب أكثر من تغييب الجلد اللحم وذلك
أن تغيب الجلد اللحم إنما يجئ عن بعض عجفه وقد يكون للشاة مجسة تدل على سمانتها وعجفها
ولكنها مجسة لا عيان ولا مجسة للحب في أكمامه تدل على امتلائه وضمره وذلك فيه كالسمانة والعجف
ولا على عينه بالسواد والصفرة في أكمامه وهذا قد يكون في الحب ولا يكون هذا في لحم الشاة لأن
الحياة التي فيها حائلة دون تغير اللحم بما يحيله كما تحول الحبة عن البياض إلى السواد بآفة في كمامها،
وقد يكون الكمام يحمل الكثير من الحب والقليل ويكون في البيت من بيوت القرن الحبة ولا حبة في
الآخر الذي يليه وهما يريان لا يفرق بينهما ويختلف حبه بالضمرة والامتلاء والتغير فيكون كل واحد من
المتبايعين قد تبايعا بما لا يعرفان (قال الشافعي) ولم أجد من أمر أهل العلم أن يأخذوا عشر الحنطة في
أكمامها ولا عشر الحبوب ذوات الأكمام في أكمامها ولم أجدهم يجيزون أن يتبايعوا الحنطة بالحنطة في
سنبلها كيلا ولا وزنا لاختلاف الأكمام والحب فيها فإذا امتنعوا من أخذ عشرها في أكمامها وإنما العشر
مقاسمة عمن جعل له العشر وحق صاحب الزرع بهذا المعنى وامتنعوا من قسمتها بين أهلها في سنبلها
أشبه أن يمتنعوا به في البيع ولم أجدهم يجيزون بيع المسك في أوعيته ولا بيع الحب في الجرب والغرائر
ولا جعلوا لصاحبه خيار الرؤية ولم ير الحب ولو أجازوه جزافا فالغرائر لا تحول دونه كمثل ما يحول دونه
أكمامه ويجعلون لمن اشتراه الخيار إذا رآه ومن أجاز بيع الحب في أكمامه لم يجعل له الخيار إلا من عيب
ولم أرهم أجازوا بيع الحنطة في التبن محصودة ومن أجاز بيعها قائمة انبغى أن يجيز بيعها في التبن
محصودة ومدروسة غير منقاة، وانبغى أن يجيز بيع حنطة وتبن في غرارة فإن قال لا تتميز الحنطة
فتعرف من التبن فكذلك لا تتميز قائمة فتعرف في سنبلها فإن قال فأجيز بيع الحنطة في سنبلها وزرعها
لأنه يملك الحنطة وتبنها وسنبلها لزمه أن يجز بيع حنطة في تبنها وحنطة في تراب وأشباه هذا (قال
الشافعي) وجدت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ زكاة حمل النخل بخرص لظهوره ولا حائل دونه ولم
أحفظ عنه ولا عن أحد من أهل العلم أن شيئا من الحبوب تؤخذ زكاته بخرص ولو احتاج إليه أهله
رطبا لأنه لا يدرك علمه كما يدرك علم ثمرة النخل والعنب مع أشياء شبيهة بهذا (قال) وبيع التمر فيه
النوى جائز من قبل أن المشترى المأكول من التمر ظاهر وأن النواة تنفع وليس من شأن أحد أن يخرج
النوى من التمر وذلك أن التمرة إذا جنيت منزوعة النوى تغيرت بالسناخ والضمر ففتحت فتحا ينقص
لونها وأسرع إليها الفساد ولا يشبه الجوز والرطب من الفاكهة الميبسة وذلك أنها إذا رفعت في قشورها
ففيها رطوبتان رطوبة النبات التي تكون قبل البلوغ ورطوبة لا تزايلها من لين الطباع لا يمسك تلك
51

الرطوبة عليها إلا قشورها فإذا زايلتها قشورها دخلها اليبس والفساد بالطعم والريح وقلة البقاء وليس
تطرح تلك القشور عنها إلا عند استعمالها بالاكل وإخراج الدهن وتعجيل المنافع ولم أجدها كالبيض
الذي إن طرحت قشرته ذهب وفسد ولا إن طرحت وهي منضج لم تفسد والناس إنما يرفعون هذا
لأنفسهم في قشرة والتمر فيه نواه لأنه لا صلاح له إلا به وكذلك يتبايعونه وليس يرفعون الحنطة
والحبوب في أكمامها ولا كذلك يتبايعونه في أسواقهم ولا قراهم وليس بفساد على الحبوب طرح قشورها
عنها كما يكون فسادا على التمر إخراج نواه والجوز واللوز والرانج وما أشبهه يسرع تغيره وفساده إذا ألقى
ذلك عنه وادخر وعلى الجوز قشرتان قشرة فوق القشرة التي يرفعها الناس عليه، ولا يجوز بيعه وعليه
القشرة العليا ويجوز وعليه القشرة التي إنما يرفع وهي عليه لأنه يصلح بغير العليا ولا يصلح بدون
السفلى، وكذلك الرانج وكل ما كانت عليه قشرتان، وقد قال غيري يجوز بيع كل شئ من هذا إذا
يبس في سنبله، ويروى فيه عن ابن سيرين أنه أجازه وروى فيه شيئا لا يثبت مثله عمن هو أعلى من
ابن سيرين ولو ثبت اتبعناه ولكنا لم نعرفه ثبت والله تعالى أعلم ولم يجز في القياس إلا إبطاله كله والله
تعالى أعلم قال ويجوز بيع الجوز واللوز والرانج وكل ذي قشرة يدخره الناس بقشرته مما إذا طرحت عنه
القشرة ذهبت رطوبته وتغير طعمه ويسرع الفساد إليه مثل البيض والموز في قشوره فإن قال قائل ما فرق
بين ما أجزت في قشوره وما لم تجز منه؟ قيل له إن شاء الله تعالى إن هذا لا صلاح له مدخورا إلا
بقشرة ولو طرحت عنه قشرته لم يصلح أن يدخر وإنما يطرح الناس عنه قشرته عندما يريدون أكله أو
عصر ما عصر منه وليست تجمع قشرته إلا واحدة منه أو توأما لواحد وأن ما على الحب من الأكمام يجمع
الحب الكثير تكون الحبة والحبتان منها في كمام غير كمام صاحبتها فتكون الكمام منها ترى ولا حب فيها
والأخرى ترى وفيها الحب ثم يكون مختلفا أو يدق عن أن يكون تضبط معرفته كما تضبط معرفة البيضة
التي تكون ملء قشرتها والجوزة التي تكون ملء قشرتها واللوزة التي قلما تفصل من قشرتها لامتلائها وهذا
إنما يكون فساده بتغير طعمه أو بأن يكون لا شئ فيه وإذا كان هكذا رد مشتريه بما كان فاسدا منه على
بيعه وكان ما فسد منه يضبط والحنطة قد تفسد بما وصفت ويكون لها فساد بأن تكون مستحشفة ولو
قلت أرده بهذا لم أضبطه ولم أخلص بعض الحنطة من بعض لأنها إنما تكون مختلطة وليس من هذا
واحد يعرف فساده إلا وحده فيرد مكانه ولا يعرف فساد حب الحنطة إلا مختلفا وإذا اختلط خفى
عليك كثير من الحب الفاسد فأجزت عليه بيع ما لم ير وما يدخله ما وصفت (1)
52

باب الخلاف في بيع الزرع قائما
(قال الشافعي) رحمه الله فخالفنا في بيع الحنطة في سنبلها وما كان في معناها بعض الناس
يجتمعوا على إجازتها وتفرقوا في الحبوب في بعض ما سألناهم عنه من العلة في إجازتها فقلت
لبعضهم أتجيزها على ما أجزت عليه بيع الحنطة القائمة على الموضع الذي اشتريتها فيه أو حاضرة ذلك
الموضع غائبة عن نظر المشترى بغرارة أو جراب أو وعاء ما كان أو طبق؟ قال لا وذلك أني لو أجزتها
لذلك المعنى جعلت له الخيار إذا رآها قلت فبأي معنى أجزتها؟ قال بأنه ملك السنبلة فله ما كان مخلوقا
فيها إن كان فيها خلق ما كان الخلق وبأي حال معيبا وغير معيب كما يملك الجارية فيكون له ولدان كان
فيها وكانت ذات ولد أو لم تكن أو كان ناقصا أو معيبا لم أرده بشئ ولم أجعل له خيارا، فقلت له أما
ذوات الأولاد فمقصود بالبيع قصد أبدانهن يشترين للمنافع بهن وما وصفت في أولادهن كما وصفت
وفى الشجر كما وصفت أفي السنبلة شئ يشترى غير المغيب فيكون المغيب لا حكم له كالولد وذات
الولد والثمرة في الشجرة أم لا؟ قال وما تعنى بهذا؟ قلت أرأيت إذا اشتريت ذات ولد أليس إنما تقع
الصفقة عليها دون ولدها؟ فكذلك ذات حمل من الشجر فإن أثمرت أو ولدت الأمة كان لك بأنه لا
حكم له إلا حكم أمه، ولا للثمر إلا حكم شجرة ولا حصة لواحد منهما من الثمن وإن لم يكونا لم
ينقص الثمن وإن كان مثمرا كثيرا وسالما أو لم يكن أو معيبا فللمشتري أفهكذا الحنطة عندك في أكمامها؟
قال فإن قلت نعم؟ قلت فما المبيع؟ قال فإن قلت ما ترى؟ قلت فإن لم أجد فيما أرى شيئا قال يلزمني
أن أقول يلزمه كالجارية إذا لم يكن في بطنها ولد وليس كهى لأن المشترى الأمة لا حملها والمشترى
الحب لا كمامه فهما مختلفان هنا ومخالف للجوز وما أشبه لأن ادخار الحب بعد خروجه من أكمامه
وادخار اللوز وشبهه بقشره فهذا يدخله ما وصفت وليس يقاس بشئ من هذا ولكنا اتبعنا الأثر،
قلت: لو صح لكنا أتبع له.
53

باب بيع العرايا
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه وعن بيع التمر بالتمر قال عبد الله وحدثنا زيد بن ثابت أن
النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان
عن عمرو بن دينار عن إسماعيل الشيباني أو غيره قال بعت ما في رؤوس نخلى بمائة وسق إن زاد فلهم
وإن نقص فعليهم فسألت ابن عمر فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا إلا أنه أرخص
في بيع العرايا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن
ثابت أن رسول الله صلى الله تعالى وسلم أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرسها (أخبرنا الربيع) قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن دواد بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد بن أبي
هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أو سق أو في خمسة
أوسق، شك دواد قال خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق (قال الشافعي) وقيل لمحمود بن لبيد أو قال
محمود بن لبيد لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إما زيد بن ثابت وإما غيره ما عراياكم
هذه؟ قال فلان وفلان وسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الرطب
يأتي ولا نقد بأيديهم يتبايعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضول من قوتهم من التمر فرخص لهم
أن يتبايعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونها رطبا (قال) وحديث سفيان يدل على مثل
هذا الحديث (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن بشير بن
يسار قال سمعت سهل بن أبي حثمة يقول نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر
إلا أنه رخص في العرية أن تباع بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه سلم نهى عن المزابنة
والمزابنة بيع التمر بالتمر إلا أنه أرخص في العرايا (قال الشافعي) والأحاديث قبله تدل عليه إذا كانت العرايا
داخلة في بيع الرطب بالتمر وهو منهى عنه في المزابنة وخارجة من أن يباع مثلا بمثل بالكيل فكانت
داخلة في معان منهى عنها كلها خارجة منه منفردة بخلاف حكمه إما بأن لم يقصد بالنهي قصدها وإما
بأن أرخص فيها من جملة ما نهى عنه والمعقول فيها أن يكون أذن لمن لا يحل له أن يبتاع بتمر من
النخل ما يستجنيه رطبا كما يبتاعه بالدنانير والدراهم فيدخل في معنى الحلال أو يزايل معنى الحرام
وقوله صلى الله عليه وسلم يأكلها أهلها رطبا خبر أن مبتاع العرية يبتاعها ليأكلها يدل على أنه لا رطب له
في موضعها يأكله غيرها ولو كان صاحب الحائط هو المرخص له أن يبتاع العرية ليأكلها كان له
حائطه معها أكثر من العرايا فأكل من حائطه ولم يكن عليه ضرر إلى أن يبتاع العرية التي هي داخلة في
معنى ما وصفت من النهى (قال) ولا يبتاع الذي يشترى العرية بالتمر العرية إلا بأن تخرص العرية كما
تخرص للعشر فيقال فيها الآن وهي رطب كذا وإذا تيبس كان كذا ويدفع من التمر مكيلة حرزها تمرا
يؤدي ذلك إليه قبل أن يتفرقا فإن تفرقا قبل دفعه فسد البيع وذلك أنه يكون حينئذ تمر بتمر أحدهما
غائب والآخر حاضر وهذا محرم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع أكثر فقهاء المسلمين
(قال) ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن تباع العرايا إلا في خمسة أوسق أو دونها دلالة على
ما وصفت من أنه إنما رخص فيها لمن لا تحل له وذلك أنه لو كان كالبيوع غيره كان بيع خمسة ودونها
54

وأكثر منها سواء ولكنه أرخص له فيه بما يكون مأكولا على التوسع له ولعياله ومنع ما هو أكثر منه ولو كان
صاحب الحائط المرخص له خاصة لأذى الداخل عليه الذي أعراه وكان إنما أرخص له لتنحية الأذى
كان أذى الداخل عليه في أكثر من خمسة أوسق مثل أو أكثر من أذاه فيما دون خمسة أوسق فإذا حظر
عليه أن يشترى إلا خمسة أوسق لزمه الأذى إذا كان قد أعرى أكثر من خمسة أوسق (قال) فمعنى
السنة والذي أحفظ عن أكثر من لقيت ممن أجاز بيع العرايا أنها جائزة لمن ابتاعها ممن لا يحل له في
موضعها مثلها يخرصها تمرا وأنه لا يجوز البيع فيها حتى يقبض النخلة بثمرها ويقبض صاحب النخلة
التمر بكيله (قال) ولا يصلح أن يبيعها بجزاف من التمر لأنه جنس لا يجوز في بعضه ببعض الجزاف
وإذا بيعت العرية بشئ من المأكول أو المشروب غير التمر فلا بأس أن يباع جزافا ولا يجوز بيعها حتى يتقابضا
قبل أن يتفرقا وهو حينئذ مثل بيع التمر بالحنطة والحنطة بالذرة ولا يجوز أن يبيع صاحب العرية من
العرايا إلا خمسة أوسق أو دونها وأحب إلى أن يكون المبيع دونها لأنه ليس في النفس منه شئ (قال)
وإذا ابتاع خمسة أوسق لم أفسخ البيع ولم أقسط له وان ابتاع أكثر من خمسه أوسق فسخت العقدة
كلها لأنها وقعت على ما يجوز وما لا يجوز (قال) ولا بأس أن يبيع صاحب الحائط من غير واحد عرايا
كلهم يبتاعون دون خمسة أوسق لأن كل واحد منهم لم يحرم على الافتراق للترخيص له أن يبتاع هذه
المكيلة وإذا حل ذلك لكل واحد منهم لم يحرم على رب الحائط أن يبيع ماله وكان حلالا لمن ابتاعه ولو
أتى ذلك على جميع حائطه (قال) والعرايا من العنب كهى من التمر لا يختلفان لأنهما يخرصان معا
(قال) وكل ثمرة ظاهرة من أصل ثابت مثل الفرسك والمشمش والكمثرى والإجاص ونحو ذلك مخالفة
للتمر والعنب لأنها لا تخرص لتفرق ثمارها والحائل من الورق دونها وأحب إلى أن لا تجوز بما وصفت ولو
قال رجل هي وإن لم تخرص فقد رخص منها فيما حرم من غيرها أن يباع بالتحري فأجيزه كان مذهبا
والله أعلم (قال) فإذا بيعت العرايا بمكيل أو موزون من المأكول أو المشروب لم يجز أن يتفرقا حتى
يتقابضا والمعدود من المأكول والمشروب عندي بمنزلة المكيل والموزون لأنه مأكول وموزون يحل وزنه أو
كيله وموجود من يزنه ويكيله وإذا بيعت بعرض من العروض موصوف بمثل ثوب من جنس يذرع
وخشبة من جنس يذرع وحديد موصوف يوزن وصفر وكل ما عدا المأكول والمشروب مما تقع عليه
الصفقة من ذهب أو ورق أو حيوان وقبض المشترى العرية وسمى أجلا للثمن كان حلالا والبيع جائز فيها
كهو في طعام موضوع ابتيع بعرض وقبض الطعام ولم يقبض العرض إما كان حالا فكان لصاحبه قبضه
من بيعه متى شاء وإما كان إلى أجل فكان له قبضه منه عند انقضاء مدة الأجل (قال) ولا تباع العرايا
بشئ من صنفه جزافا لاتباع عرية النخل بتمره جزافا ولا بتمر نخلة مثلها ولا أكثر لأن هذا محرم إلا
كيلا بكيل إلا العرايا خاصة لأن الخرص فيها يقوم مقام الكيل بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ويباع تمر نخلة جزافا بثمر عنبة وشجرة غيرها جزافا لأنه لا بأس بالفضل في بعض هذا على بعض
موضوعا بالأرض والذي أذهب إليه أن لا بأس أن يبتاع الرجل العرايا فيما دون خمسة أوسق وإن كان
موسرا لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إذا أحلها فلم يستثن فيها أنها تحل لاحد دون أحد وإن كان
سببها بما وصفت فالخبر عنه صلى الله عليه وسلم جاء بإطلاق إحلالها ولم يحظره على أحد فنقول يحل
لك ولمن كان مثلك كما قال في الضحية بالجذعة تجزيك ولا تجزى غيرك وكما حرم الله عز وجل الميتة فلم
يرخص فيها إلا للمضطر وهي بالمسح على الخفين أشبه إذ مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم مسافرا فلم
يحرم على مقيم أن يمسح، وكثير من الفرائض قد نزلت بأسباب قوم فكان لهم وللناس عامة إلا ما بين
55

الله عز وجل أنه أحل لمعنى ضرورة أو خاصة (قال) ولا بأس إذا اشترى رجل عرية أن يطعم منها
ويبيع لأنه قد ملك ثمرتها ولا بأس أن يشتريها في الموضع من له حائط بذلك الموضع لموافقة ثمرتها أو
فضلها أو قربها لأن الاحلال عام لا خاص إلا أن يخص بخبر لازم (قال) وإن حل لصاحب العرية
شراؤها حل له هبتها وإطعامها وبيعها وادخارها وما يحل له من المال في ماله وذلك أنك إذا ملكت
حلالا حل لك هذا كله فيه وأنت ملكت العرية حلالا (قال) والعرايا ثلاثة أصناف هذا الذي وصفنا
أحدها وجماع العرايا كل ما أفرد ليأكله خاصة ولم يكن في جملة البيع من ثمر الحائط إذا بيعت جملته
من واحد والصنف الثاني أن يخص رب الحائط القوم فيعطى الرجل ثمر النخلة وثمر النخلتين وأكثر
عرية يأكلها وهذه في معنى المنحة من الغنم يمنح الرجل الرجل الشاة أو الشاتين أو أكثر ليشرب لبنها
وينتفع به وللمعرى أن يبيع ثمرها ويتمره ويصنع فيه ما يصنع في ماله لأنه قد ملكه (قال) والصنف
الثالث من العرايا أن يعرى الرجل الرجل النخلة وأكثر من حائطه ليأكل ثمرها ويهديه ويتمره ويفعل
فيه ما أحب ويبيع ما بقي من ثمر حائطه فتكون هذه مفردة من المبيع منه جملة (قال الشافعي) رحمه
الله وقد روى أن مصدق الحائط يأمر الخارص أن يدع لأهل البيت من حائطهم قدر ما يراهم يأكلون
ولا يخرصه ليأخذ زكاته، وقيل قياسا على ذلك أنه يدع ما أعرى للمساكين منها فلا يخرصه وهذا
موضوع بتفسيره في كتاب الخرص.
باب العرية
(قال الشافعي) رحمه الله والعرية التي رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعها أن قوما
شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يحضر وليس عندهم ما يشترون به من ذهب ولا
ورق وعندهم فضول تمر من قوت سنتهم فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتروا العربة
بخرصها تمرا يأكلونها رطبا ولا تشترى بخرصها إلا كما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تخرص رطبا
فيقال مكيلته كذا وينقص كذا إذا صار تمرا فيشتريها المشترى لها بمثل كيل ذلك التمر ويدفعه إليه قبل أن
يتفرقا فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فالبيع فاسد ولا يشترى من العرايا إلا أقل من خمسة أوسق بشئ ما
كان فإذا كان أقل من خمسة أوسق جاز البيع وسواء الغنى والفقير في شراء العرايا لأن رسول الله صلى
الله عليه وسلم لما نهى عن بيع الرطب بالتمر والمزابنة والعرايا تدخل في جملة اللفظ لأنها جزاف بكيل
وتمر برطب استدللنا على أن العرايا ليست مما نهى عنه غنى ولا فقير ولكن كان كلامه فيها جملة
عام المخرج يريد به الخاص وكما نهى عن صلاة بعد الصبح والعصر وكان عام المخرج ولما أذن في
الصلاة للطواف في ساعات الليل والنهار وامر من نسي صلاة أن يصليها إذا ذكرها، فاستدللنا على أن
نهيه ذلك العام إنما هو على الخاص، والخاص أن يكون نهى عن أن يتطوع الرجل فأما كل صلاة
لزمته فلم ينه عنه وكما قال " البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه " وقضى بالقسامة وقضى باليمين مع
الشاهد فاستدللنا على أنه إنما أراد بجملة المدعى والمدعى عليه خاصا وأن اليمين مع الشاهد والقسامة
56

استثناء مما أراد لأن المدعى في القسامة يحلف بلا بينة والمدعي مع الشاهد يحلف ويستوجبان حقوقهما
والحاجة في العرية والبيع وغيرهما سواء (قال الشافعي) ولا تكون العرايا إلا في النخل والعنب لأنه لا
يضبط خرص شئ غيره ولا بأس أن يبيع ثمر حائطه كله عرايا إذا كان لا يبيع واحدا منهم إلا أقل من
خمسة أوسق.
باب الجائحة في الثمرة
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن حميد بن قيس عن سليمان بن عتيق عن
جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين وأمر بوضع الجوائح (قال
الشافعي) سمعت سفيان يحدث هذا الحديث كثير في طول مجالستي له لا أحصى مما سمعته يحدثه من
كثرته لا يذكر فيه أمر بوضع الجوائح لا يزيد على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين ثم
زاد بعد ذلك وأمر بوضع الحوائج (قال الشافعي) قال سفيان وكان حميد يذكر بعد بيع السنين كلاما
قبل وضع الحوائج لا أحفظه فكنت أكف عن ذكر وضع الجوائح لأني لا أدرى كيف كان الكلام وفى
الحديث أمر بوضع الجوائح (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبي الزبير عن
جابر عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مثله (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي
الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة أنه سمعها تقول ابتاع رجل ثمر حائط في زمان رسول
الله صلى الله عليه وسلم فعالجه وأقام فيه حتى تبين له النقصان فسأل رب الحائط أن يضع عنه فحلف
أن لا يفعل فذهبت أم المشترى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم تألى أن لا يفعل خيرا فسمع بذلك رب المال، فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال يا رسول الله: هو له (قال الشافعي) قال سفيان في حديثه عن جابر عن النبي صلى الله عليه
وسلم في وضع الجوائح ما حكيت فقد يجوز أن يكون الكلام الذي لم يحفظه سفيان من حديث محمد
يدل على أن أمره بوضعها على مثل أمره بالصلح على النصف وعلى مثل أمره بالصدقة تطوعا حضا على
الخير لا حتما وما أشبه ذلك ويجوز غيره فلما احتمل الحديث المعنيين معا ولم يكن فيه دلالة على أيهما
أولى به لم يجز عندنا أن نحكم والله أعلم على الناس بوضع ما وجب لهم بلا خبر عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم يثبت بوضعه (قال الشافعي): وحديث مالك عن عمرة مرسل وأهل الحديث، ونحن لا
نثبت مرسلا (قال الشافعي) ولو ثبت حديث عمرة كانت فيه والله تعالى أعلم دلالة على أن لا توضع
الجائحة لقولها قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم تألى أن لا يفعل خيرا ولو كان الحكم عليه أن يضع
الجائحة لكان أشبه أن يقول ذلك لازم له حلف أو لم يحلف وذلك أن كل من كان عليه حق قيل هذا
يلزمك أن تؤديه إذا امتنعت من حق فأخذ منك بكل حال (قال) وإذا اشترى الرجل الثمرة فخلى بينه
وبينها فأصابتها جائحة فلا نحكم له على البائع أن يضع عنه من ثمنها شيئا (قال) ولو لم يكن سفيان
وهن حديثه بما وصفت وثبتت السنة بوضع الجائحة وضعت كل قليل وكثير أصيب من السماء بغير
جناية أحد عليه فأما أن يوضع الثلث فصاعدا ولا يوضع ما دون الثلث فهذا لا خبر ولا قياس ولا
معقول (قال) ولو صرت إلى وضع الجائحة ما كانت الحجة فيها إلا اتباع الخبر لو ثبت ولا أقول قياسا
على الدار إذا تكاراها سنة أو أقل فأقبضها على الكراء فتنهدم الدار ولم يمض من السنة إلا يوم أوقد
57

مضت إلا يوم، فلا يجب على إلا إجازة يوم أو يجب على إجارة سنة إلا يوم وذلك أن الذي يصل إلى
منفعة الدار ما كانت الدار في يدي فإذا انقطعت منفعة الدار بانهدامها يجب على كراء ما لم أجد السبيل
إلى أخذه فإن قال قائل فما منعك أن تجعل ثمرة النخل قياسا على ما وصفت من كراء الدار وأنت تجيز
بيع ثمر النخل فيترك إلى غاية في نخله كما تجيز أن يقبض الدار ويسكنها إلى مدة؟ (قال الشافعي) فقيل
له إن شاء الله تعالى الدار تكترى سنة ثم تنهدم من قبل تمام السنة مخالفة للثمرة تقبض من قبل أن
سكناها ليس بعين ترى إنما هي بمدة تأتى فكل يوم منها يمضى بما فيه وهي بيد المكترى يلزمه الكراء فيه
وإن لم يسكنها إذا خلى بينه وبينها والثمرة إذا ابتيعت وقبضت وكلها في يد المشترى يقدر على أن يأخذها
كلها من ساعته ويكون ذلك له وإنما يرى تركه إياها اختيارا لتبلغ غاية يكون له فيها أخذه قبلها وقد
يكون رطبا يمكنه أخذه وبيعه وتيبيسه فيتركه ليأخذه يوما بيوم ورطبا ليكون أكثر قيمة إذا فرقه في الأيام
وأدوم لأهله فلو زعمت أني أضع الجائحة بعد أن يرطب الحائط كله أو أكثره ويمكن فيه أن يقطع كله
فيباع رطبا وإن كان ذلك انقص لمالك الرطب أو ييبس تمرا وإن كان ذلك أنقص على مالكه زعمت
أني أضع عنه الجائحة وهو تمر وقد ترك قطعه وتمييزه في وقت يمكنه فيه إحرازه وخالفت بينه وبين الدار
التي إذا ترك سكناها سنة لزمه كراؤها كما يلزمه لو سكنها لأنه ترك ما كان قادرا عليه (قال) ولو جاز أن
يقاس على الدار بما وصفت جاز ذلك ما لم يرطب لأن ذلك ليس وقت منفعتها والحين الذي لا يصلح
أن يتمر فيه وأما بعد ما يرطب فيختلفان (قال) وهذا مما أستخير الله فيه ولو صرت إلى القول به صرت
إلى ما وصفت من وضع قبضة رطبا أو بسرا لو ذهبت منه كما أصير إلى وضع كراء يوم من الدار لو
انهدمت قبله وكما أصير إلى وضع قبضة حنطة لو ابتاع رجل صاعا فاستوفاه إلا قبضة فاستهلكه لم يلزمه
ثمن ما لم يصل إليه، ولا يجوز أن يوضع عنه الكثير بمعنى أنه لم يصل إليه ولا يوضع عنه القليل وهو في
معناه ولو صرت إلى وضعها فاختلفا في الجائحة فقال البائع لم تصبك الجائحة أو قد أصابتك فأذهبت
لك فرقا وقال المشترى بل أذهبت لي ألف فرق كان القول قول البائع مع يمينه لأن الثمن لازم للمشترى
ولا يصدق المشترى على البراءة منه بقوله وعلى المشترى البينة بما ذهب له (قال) وجماع الجوائح كل ما
أذهب الثمرة أو بعضها بغير جناية آدمي (قال) ويدخل على من وضع الجائحة من قبل أن المشترى لم
يقبض الثمرة زعم وأن جناية الآدميين جائحة توضع لأني إذا وضعت الجائحة زعمت أن البائع لا
يستحق الثمن إلا إذا قبضت كما لا يستحق الكراء إلا ما كانت السلامة موجودة في الدار وهي في يدي
وكان البائع ابتاع مهلك الثمرة بقيمة ثمرته أو يكون لمشتري الثمرة الخيار بين أن يوضع عنه أو لا يوضع
ويبيع مهلك ثمرته بما أهلك منها كما يكون له الخيار في عبد ابتاعه فجنى عليه قبل أن يقبضه وهذا قول
فيه ما فيه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن قال فهل من حجة لمن ذهب إلى أن لا توضع الجائحة؟
قيل نعم فيما روى والله أعلم من نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى ينجو من العاهة
ويبدو صلاحه وما نهى عنه من قوله " أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه " ولو كان
مالك الثمرة لا يملك ثمن ما اجتيح من ثمرته ما كان لمنعه أن يبيعها معنى إذا كان يحل بيعها طلعا وبلحا
ويلقط ويقطع إلا أنه أمره ببيعها في الحين الذي الأغلب فيها أن تنجو من العاهة لئلا يدخل المشترى
في بيع لم يغلب أن ينجو من العاهة ولم يلزمه ثمن ما أصابته الجائحة فجاز البيع على أنه يلزمه على
السلامة ما ضر ذلك البائع والمشترى (قال) ولو ثبت الحديث في وضع الجائحة لم يكن في هذا حجة
وأمضى الحديث على وجهه فإن قال قائل فهل روى في وضع الجائحة أو ترك وضعها شئ عن بعض
58

الفقهاء؟ قيل نعم لو لم يكن فيها إلا قول لم يلزم الناس فإن قيل فأبنه قيل أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن
جريج عن عمرو بن دينار فيمن باع ثمرا فأصابته جائحة قال ما أرى إلا أنه إن شاء لم يضع قال سعيد
يعنى البائع (قال الشافعي) وروى عن سعد بن أبي وقاص أنه باع حائطا له فأصابت مشتريه جائحة
فأخذ الثمن منه ولا أدرى أيثبت أم لا؟ قال ومن وضع الجائحة فلا يضعها إلا على معنى أن قبضها
قبض إن كانت السلامة ولزمه إن أصاب ثمر النخل شئ يدخله عيب مثل عطش يضمره أو جمح
يناله أو غير ذلك من العيوب أن يجعل للمشترى الخيار في أخذه معيبا أورده فإن كان أخذ منه شيئا
فقدر عليه رده وإن فات لزمه مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل وقال يحسب عليه ما أخذ
بحصته من الثمن ويرد ما بقي بما يلزمه من الثمن إلا أن يختار أن يأخذه معيبا فإن أصابته جائحة بعد
العيب رجع بحصته من الثمن لأن الجائحة غير العيب (قال) ولعله يلزمه لو غصب ثمرته قبل أن يقطعها
أو تعدى فيها عليه وال فأخذ أكثر من صدقته أن يرجع على البائع لأنه لم يسلم له كما لو باعه عبدا لم
يقبضه أو عبيدا قبض بعضهم ولم يقبض بعضا حتى عدا عاد على عبد فقتله أو غصبه أو مات موتا من
السماء كان للمشترى فسخ البيع وللبائع اتباع الغاصب والجاني بجنايته وغصبه ومات العبد الميت من
مال البائع وكان شبيها أن يكون جملة القول فيه أن يكون الثمر المبيع في شجره المدفوع إلى مبتاعه من
ضمان البائع حتى يستوفى المشترى ما اشترى منه لا يبرأ البائع من شئ منه حتى يأخذه المشترى أو يؤخذ
بأمره من شجره كما يكون من ابتاع طعاما في بيت أو سفينة كله على كيل معلوم فما استوفى المشترى
برئ منه البائع وما لم يستوف حتى يسرق أو تصيبه آفة فهو من مال البائع وما أصابه من عيب فالمشترى
بالخيار في أخذه أورده (قال) وينبغي لمن وضع الجائحة أن يضعها من كل قليل وكثير أتلفها ويخير
المشترى إن تلف منها شئ أن يرد البيع أو يأخذ الباقي بحصته من الثمن ما لم يرطب النخل عامة فإذا
أرطبه عامة حتى يمكنه جدادها لا يضع من الجائحة شيئا (قال) وكذلك كل ما أرطبت عليه فأصابتها
جائحة انبغى أن لا يضعها عنه لأنه قد خلى بينه وبين قبضها ووجد السبيل إلى القبض بالجداد فتركه
إذا تركه بعد أن يمكنه أن يجده فيها حتى يكون أصل قوله فيها أن يزعم أن الثمرة مضمونة من البائع
حتى يجتمع فيها خصلتان أن يسلمها إلى المشترى ويكون المشترى قادرا على قبضها بالغة صلاحها بأن
ترطب فتجد، لا يستقيم فيه عندي قول غير هذا وما أصيب فيها بعد إرطابه من مال المشترى (قال)
وهذا يدخله أنه المشترى قابض قادر على القطع وإن لم يرطب من قبل أنه لو قطعه قبل أن يرطب كان
قطع ماله ولزمه جميع ثمنه.
باب في الجائحة
(قال الشافعي) وإذا اشترى الرجل الثمر فقبضه فأصابته جائحة فسواء من قبل أن يجف أو بعد ما
جف ما لم يجده وسواء كانت الجائحة ثمرة واحدة أو أتت على جميع المال لا يجوز فيها إلا واحد من
قولين إما أن يكون لما قبضها وكان معلوما أن يتركها إلى الجداد كان في غير معنى من قبض فلا يضمن
إلا ما قبض كما يشترى الرجل من الرجل الطعام كيلا فيقبض بعضه ويهلك بعضه قبل أن يقبضه فلا
يضمن ما هلك لأنه لم يقبضه ويضمن ما قبض وإما أن يكون إذا قبض الثمرة كان مسلطا عليه إن شاء
قطعها وإن شاء تركها فما هلك في يديه فإنما هلك من ماله لا من مال البائع فأما ما يخرج من هذا
59

المعنى فلا يجوز أن يقال يضمن البائع الثلث إن أصابته جائحة فأكثر ولا يضمن أقل من الثلث وإنما
هو اشتراها بيعة واحدة وقبضها قبضا واحدا فكيف يضمن له بعض ما قبض ولا يضمن له بعضا؟
أرأيت لو قال رجل لا يضمن حتى يهلك المال كله لأنه حينئذ الجائحة أو قال إذا هلك سهم من ألف
سهم هل الحجة عليهما إلا ما وصفنا؟ (قال الشافعي) والجائحة من المصائب كلها كانت من السماء أو
من الآدميين (قال الشافعي) الجائحة في كل ما اشترى من الثمار كان مما ييبس أو لا ييبس وكذلك هي
في كل شئ اشترى فيترك حتى يبلغ أوانه فأصابته الجائحة دون أوانه فمن وضع الجائحة وضعه، لأن
كلا لم يقبض بكمال القبض وإذا باع الرجل الرجل ثمرة على أن يتركها إلى الجذاذ ثم انقطع الماء وكانت
لا صلاح لها إلا به فالمشترى بالخيار بين أن يأخذ جميع الثمرة بجميع الثمن وبين أن يردها بالعيب
الذي دخلها فإن ردها بالعيب الذي دخلها وقد أخذ منها شيئا كان ما أخذ منها بحصته من أصل الثمن
وإن اختلفا فيه فالقول قول المشترى وإذا ابتاع الرجل من الرجل ثمر حائط فالسقي على رب المال لأنه
لا صلاح للثمرة إلا به وليس على المشترى منه شئ فإن اختلفا في السقي فأراد المشترى منه أكثر مما
يسقى البائع لم ينظر إلى قول واحد منهما ويسأل أهل العلم به فإن قالوا لا يصلحه من السقي إلا كذا
جبرت البائع عليه وإن قالوا في هذا صلاحه وإن زيد كان أزيد في صلاحه لم أجبر البائع على الزيادة
على صلاحه وإذا اشترط البائع على المشترى أن عليه السقي فالبيع فاسد من قبل أن السقي مجهول ولو
كان معلوما أبطلناه من قبل أنه بيع وإجارة.
باب الثنيا
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ربيعة أن القاسم بن محمد كان يبيع ثمر
حائطه ويستثنى منه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن
عمرو أن جده محمد بن عمرو باع حائطا له يقال له الافراق بأربعة آلاف واستثنى منه بثمانمائة درهم
ثمرا أو تمرا أنا أشك (قال الربيع) أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الرجال عن أمه عمرة أنها
كانت تبيع ثمارها وتستثنى منها (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن
جريج أنه قال قلت لعطاء أبيعك حائطي إلا خمسين فرقا أو كيلا مسمى ما كان؟ قال لا: قال ابن
جريج فإن قلت هي من السواد سواد الرطب قال لا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال، قلت لعطاء أبيعك نخلى إلا عشر نخلات أختارهن قال لا إلا
أن تستثنى أيتهن هي قبل البيع تقول هذه وهذه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد
ابن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء أيبيع الرجل نخيله أو عنبه أو بره أو عبده أو سلعته ما كانت على
أني شريكك بالربع وبما كان من ذلك؟ قال لا بأس بذلك (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال قلت لعطاء أبيعك ثمر حائطي بمائة دينار فضلا عن نفقة الرقيق؟
فقال لا من قبل أن نفقة الرقيق مجهولة ليس لها وقت فمن ثم فسد (قال الشافعي) ما قال عطاء من هذا
كله كما قال إن شاء الله وهو في معنى السنة والاجماع والقياس عليهما أو على أحدهما وذلك أنه لا يجوز
بيع بثمن مجهول وإن اشترى حائطا بمائة دينار ونفقة الرقيق فالثمن مسمى غير معلوم والبيع فاسد وإذا
60

باع ثمر حائطه واستثنى مكيلة منه فليس ما باع منه بمعلوم وقد يكون يستثنى مدا ولا يدرى كم المد من
الحائط أسهم من ألف سهم أم مائة سهم أم أقل أم أكثر فإذا استثنى منه كيلا لم يكن ما اشترى منه بجزاف
معلوم ولا كيل مضمون ولا معلوم وقد تصيبه الآفة فيكون المد نصف ثمر الحائط وقد يكون سهما من
ألف سهم منه حين باعه وهكذا إذا استثنى عليه نخلات يختارهن أو يتشررهن فقد يكون في الخيار
والشرار النخل بعضه أكثر ثمنا من بعض وخيرا منه بكثرة الحمل وجودة الثمر فلا يجوز أن يستثنى من
الحائط نخلا لا بعدد ولا كيل بحال ولا جزءا إلا جزءا معلوما ولا نحلا إلا نخلا معلوما (قال) وإن باعه
الحائط إلا ربعه أو نصفه أو ثلاثة أرباعه أو الحائط إلا نخلات يشير إليهن فإنما وقعت الصفقة على ما لم
يستثن فكان الحائط فيه مائة نخلة استثنى منهن عشر نخلات فإنما وقعت الصفقة على تسعين بأعيانهن
وإذا استثنى ربع الحائط فإنما وقعت الصفقة على ثلاثة أرباع الحائط والبائع شريك بالربع كما يكون
رجال لو اشتروا حائطا مع شركاء فيما اشتروا من الحائط بقدر ما اشتروا منه (قال) ولو باع رجل ثمر
حائطه بأربعة آلاف واستثنى منه بألف فإن كان عقد البيع على هذا فإنما باعه ثلاثة أرباع الحائط فإن
قال: أستثنى ثمرا بالألف بسعر يومه لم يجز، لأن البيع وقع غير معلوم للبائع ولا للمشترى ولا لواحد
منهما (قال الشافعي) وهكذا من باع رجلا غنما قد حال عليها الحول أو بقرا أو إبلا فأخذت الصدقة
منها فالمشترى بالخيار في رد البيع لأنه لم يسلم له ما اشترى كاملا أو أخذ ما بقي بحصته من الثمن ولكن
إن باعه إبلا دون خمسة وعشرين فالبيع جائز وعلى البائع صدقة الإبل التي حال عليها الحول في يده
ولا صدقة على المشترى فيها (قال) ومثل هذا الرجل يبيع الرجل العبد قد حل دمه عنده يردة أو قتل
عمد أو حل قطع يده عنده في سرقة فيقتل فينفسخ البيع ويرجع بما أخذ منه أو يقطع فله الخيار في
فسخ البيع أو إمساكه لأن العيوب في الأبدان مخالفة نقص العدد ولو كان المشترى كيلا معينا كان هكذا
إذا كان ناقصا في الكيل أخذ بحصته من الثمن إن شاء صاحبه وإن شاء فسخ فيه البيع ولو قال أبيعك
ثمر نخلات تختارهن لم يجز، لأن البيع قد وقع على غير معلوم وليس يفسد إلا من هذا الوجه (1) فأما
أن يكون بيع ثمر بأكثر منه، فهو لم يجب له شئ فكيف يبيع ما لم يجب له ولكنه لا يصلح إلا معلوما؟
باب صدقة الثمر
(قال الشافعي) رحمه الله الثمر يباع ثمران ثمر فيه صدقة وثمر لا صدقة فيه فأما الثمر الذي لا صدقة
فيه فبيعه جائز لا علة فيه لأنه كله لمن اشتراه وأما ما بيع مما فيه صدقة منه فالبيع يصح بأن يقول أبيعك
الفضل من ثمر حائطي هذا عن الصدقة وصدقته العشر أو نصف العشر إن كان يسقى بنضح فيكون كما
وصفنا في الاستثناء كأنه باعه تسعة أعشار الحائط أو تسعة أعشار ثمره ونصف عشر ثمره (أخبرنا
الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قلت لعطاء أبيعك ثمر حائطي
هذا بأربعمائة دينار فضلا عن الصدقة فقال نعم لأن الصدقة ليست لك إنما هي للمساكين (قال
الشافعي) ولو باعه ثمر حائطه وسكت عما وصفت من أجزاء الصدقة وكم قدرها كان فيه قولان أحدهما
أن يكون المشترى بالخيار في أخذ ما جاوز الصدقة بحصته من ثمن الكل وذلك تسعة أعشار الكل أو

(1) قوله: فأما أن يكون بيع ثمر بأكثر منه الخ بالأصول التي بأيدينا، وتأمله. كتبه مصححه.
61

تسعة أعشار ونصف عشر الكل أو يرد البيع لأنه لم يسلم إليه كل ما اشترى والثاني إن شاء أخذ الفضل
عن الصدقة بجميع الثمن وإن شاء ترك (قال الربيع) وللشافعي فيه قول ثالث إن الصفقة كلها باطلة من
قبل أنه باعه ما ملك وما لم يملك فلما جمعت الصفقة حرام البيع وحلال البيع بطلت الصفقة كلها
(قال الشافعي) ولو قال بائع الحائط الصدقة على، لم يلزم البيع المشترى إلا أن يشاء وذلك أن
على السلطان أخذ الصدقة من الثمرة التي في يده وليس عليه أن يأخذ بمكيلتها ثمرا من غيرها قال
وكذلك الرطب لا يكون تمرا لأن السلطان أن يأخذ عشر الرطب فإن صار السلطان إلى أن يضمن عشر
رطبه ثمرا مثل رطبه لو كان يكون تمرا أو اشترى المشترى بعدها رجوت أن يجوز الشراء فأما إن اشترى
قبل هذا فهو كمن اشترى من ثمر حائط فيه العشر لما وصفت من أن يؤخذ عشره رطبا وإن من الناس
من يقول يأخذ عشر ثمن الرطب لأنه شريك له فيه فإذا كان هذا هكذا فالبيع وقع على الكل ولم يسلم
له وله في أحد القولين الخيار بين أن يأخذ تسعة أعشاره بتسعة أعشار الثمن أورده كله (قال) ومن
أصحابنا من أجاز البيع بينهما، إن كان قد عرف المتبايعان معا أن الصدقة في الثمرة فإنما اشترى هذا
وباع هذا الفضل عن الصدقة والصدقة معروفة عندهما (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
سعيد عن ابن جريج أن عطاء قال إن بعت ثمرك ولم تذكر الصدقة أنت ولا بيعك فالصدقة على المبتاع
قال إنما الصدقة على الحائط قال هي على المبتاع قال ابن جريج فقلت له: إن بعته قبل أو يخرص أو
بعدما يخرص؟ قال نعم (أخرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن
عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال في مثل ذلك مثل قول عطاء إنما هي على المبتاع (قال الشافعي)
وما قالا من هذا كما قالا إنما الصدقة في عين الشئ بعينه فحيثما تحول ففيه الصدقة ألا ترى أن رجلا لو
ورث أخذت الصدقة من الحائط وكذلك لو وهب له ثمره أو تصدق به عليه أو ملكه بوجه من الوجوه
(قال) وقد قيل في هذا شئ آخر: إن الثمرة إذا وجبت فيها الصدقة ثم باعها فالصدقة في الثمرة
والمبتاع مخير لأنه باعه ماله وما للمساكين في أخذ غير الصدقة بحصته من الثمن أورد البيع (قال) وأما
إذا وهبها أو تصدق بها أو ورث الثمرة عن أحد وقد أوجبت فيها الصدقة أو لم تجب فهذا كله مكتوب
في كتاب الصدقات بتفريعه (قال) وقد قال غير من وصفت قوله الصدقة على البائع والبيع جائز والثمرة
كلها للمبتاع (قال) وإذا كان للوالي أن يأخذ الصدقة من الثمرة فلم تخلص الثمرة له كلها وإن قال يعطيه
رب الحائط ثمرا مثلها فقد أحال الصدقة في غير العين التي وجبت فيه الصدقة والعين موجودة (قال)
ومن قال هذا القول فإنما يقول هو لو وجب عليه في أربعين دينارا دينار كان له أن يعطى دينارا مثله من
غيرها وكذلك قوله في الماشية وصنوف الصدقة (قال) قول الله عز وجل " خذ من أموالهم صدقة " يدل
على أنه إذا كان في المال صدقة والشرط من الصدقة فإنما يؤخذ منه لا من غيره فبهذا أقول، وبهذا
اخترت القول الأول من أن البيع لازم فيما لا صدقة فيه وغير لازم فيما فيه الصدقة إذا عرفت عرف
البائع والمشترى ما يبيع هذا ويشترى هذا (قال) وإذا سمى البائع للمشترى الصدقة وعرفاها فتعدى عليه
الوالي فأخذ أكثر من هذا فالوالي كالغاصب فيما جاوز الصدقة والقول فيها كالقول في الغاصب فمن لم
يضع الجائحة قال هذا رجل ظلم ماله ولا ذنب على بائعه في ظلم غيره وقد قبض ما ابتاع من وضع
الجائحة كان إنما يضعها بمعنى أنها غير تامة القبض يشبه أن يلزمه أن يضع عنه بقدر العدوان عليه
ويخيره بعد العدوان في رد البيع أو أخذه بحصته من الثمن لأنه لم يسلم إليه كما باعه (قال الشافعي) فإن
قال قائل المظلمة ليست بجائحة قيل وما معنى الجائحة؟ أليس ما أتلف من مال الرجل فالمظلمة
62

إتلاف فإن قال قل ما أصاب من السماء قيل أفرأيت ما ابتعت فلم أقبضه فأصابه من السماء شئ يتلفه
أليس ينفسخ البيع؟ فإن قال بلى قيل فإن أصابه من الآدميين فأنا بالخيار بين أن أفسخ البيع أو آخذه
وأتبع الآدمي بقيمته فإن قال نعم قيل فقد جعلت ما أصاب من السماء في أكثر من معنى ما أصاب من
الآدميين أو مثله لأنك فسخت به البيع وإن قال إذا ملكته فهو منك وإن لم تقبضه فإذا هلك هلك
منك بالثمرة قد ابتعتها وقبضتها فهي أولى أن لا توضع عنى بتلف أصابها.
باب في المزابنة
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نهى عن المزابنة والمزابنة بيع التمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا (أخبرنا الربيع) قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن دواد بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي
سعيد الخدري أو أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة والمزابنة اشتراه
التمر بالتمر في رؤوس النخل والمحاقلة استكراء الأرض بالحنطة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة
والمزابنة اشتراء التمر بالتمر والمحاقلة اشتراء الزرع بالحنطة واستكراء الأرض بالحنطة قال ابن شهاب
فسألت عن استكراء الأرض بالذهب والفضة فقال لا بأس بذلك (قال الشافعي) والمحاقلة في الزرع
كالمزابنة في التمر (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال
لعطاء ما المحاقلة؟ قال المحاقلة في الحرث كهيئة المزابنة في النخل سواء بيع الزرع وبالقمح قال ابن
جريج فقلت لعطاء أفسر لكم جابر في المحاقلة كما أخبرتني؟ قال: نعم (قال الشافعي) وتفسير المحاقلة
والمزابنة في الأحاديث يحتمل أن يكون عن النبي صلى الله عليه وسلم منصوصا والله تعالى أعلم ويحتمل
أن يكون على رواية من هو دونه والله تعالى أعلم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن
عيينة عن ابن جريج عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة والمحاقلة
والمزابنة والمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق حنطة والمزابنة أن يبيع التمر في رؤوس النخل بمائة فرق
والمخابرة كراء الأرض بالثلث والربع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن
جريج عن أبي الزبير أنه أخبره عن جابر بن عبد الله أنه سمعه يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن بيع الصبرة من التمر لا تعلم مكيلتها بالكيل المسمى من التمر (أخبرنا الربيع) قال أخبر الشافعي قال
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء سمعت من جابر بن عبد الله خبرا أخبرنيه أبو الزبير عنه في
الصبرة قال حسبت قال فكيف ترى أنت في ذلك؟ فنهى عنه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن طاوس أخبره عن أبيه أنه كان يكره أن تباع صبرة بصبرة من
طعام لا تعلم مكيلهما أو تعلم مكيلة إحداهما ولا تعلم مكيلة الأخرى أو تعلم مكيلتهما جميعا هذه بهذه
وهذه بهذه قال لا إلا كيلا بكيل يدا بيد (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن
جريج أنه قال لعطاء ما المزابنة؟ قال التمر في النخل يباع بالتمر فقلت إن علمت مكيلة التمر أو لم تعلم؟
قال: نعم قال ابن جريج فقال إنسان لعطاء أفبالرطب، قال سواء التمر والرطب ذلك مزابنة (قال
63

الشافعي) وبهذا نقول إلا في العرايا التي ذكرناها قبل هذا قال وجماع المزابنة أن تنظر كل ما عقدت
بيعه مما الفضل في بعضه على بعض يدا بيد ربا فلا يجوز فيه شئ يعرف كيله بشئ منه جزافا، لا
يعرف كيله ولا جزاف منه بجزاف وذلك لأنه يحرم عليه أن يأخذه إلا كيلا بكيل وزنا بوزن يدا بيد فإذا
كان جزافا بجزاف لم يستويا في الكيل وكذلك إذا كان جزافا بمكيل فلا بد أن يكون أحدهما أكثر
وذلك محرم فيهما عندنا لا يجوز لأن الأصل أن لا يكونا إلا كيلا بكيل أو وزنا بوزن فكل ما عقد على
هذا مفسوخ (قال) ولو تبايعا جزافا بكيل أو جزافا بجزاف من جنسه ثم تكايلا فكانا سواء كان البيع
مفسوخا لأنه عقد غير معلوم أنه كيل بكيل (قال) ولو عقدا بيعهما على أن يتكايلا هذين الطعامين
جميعا بأعيانهما مكيالا بمكيال فتكايلاه فكانا مستويين جاز وإن كانا متفاضلين ففيها قولان أحدهما أن
للذي نقصت صبرته الخيار في رد البيع لأنه بيع كيل شئ فلم يسلم له (1) لأنه لا يحل له أخذه أورد
البيع والقول الثاني ان البيع مفسوخ لأنه وقع على شئ بعضه حرام وبعضه حلال فالبيع مفسوخ وبهذا
أقول والقول الذي حكيت ضعيف ليس بقياس إنما يكون له الخيار فيما نقص مما لا ربا في زيادة بعضه
على بعض فأما ما فيه الربا فقد انعقد البيع على الكل فوجد البعض محرما أن يملك بهذه العقدة فكيف
يكون له الخيار في أن يأخذ بعض بيعة وفيها حرام؟ (قال) وما وصفت من المزابنة جامع لجميعها
كاف من تفريعها، ومن تفريعها أن أبتاع منك مائة صاع تمر بتمر مائة نخلة لي أو أكثر أو أقل فهذا
مفسوخ من وجهين أحدهما أنه رطب بتمر وجزاف بكيل من جنسه ومن ذلك أن آخذ منك تمرا لا
أعرف كيله بصاع تمر أو بصبرة تمر لا أعرف كيلها لأن الأصل أنه محرم الفضل في بعضه على بعض
وأنه لم يبح إلا مثلا بمثل يدا بيد (قال) وهكذا هذا في الحنطة وكل ما في الفضل في بعضه على بعض
الربا (قال) فأما ثمر نخل بحنطة مقبوضة كيلا، أو صبرة تمر بصبرة حنطة أو صنف بغير صنفه جزاف
بكيل أو كيل بجزاف يدا بيد مما لا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد فلا بأس (قال) فأمل
الرجل يقول للرجل وعنده صبرة تمر له أضمن لك هذه الصبرة بعشرين صاعا فإن زادت على عشرين
صاعا فلي فإن كانت عشرين فهي لك وإن نقصت من عشرين فعلى إتمام عشرين صاعا لك فهذا لا
يحل من قبل أنه من أكل المال بالباطل الذي وصفت قبل هذا وهذا بالمخاطرة والقمار أشبه وليس من
معنى المزابنة بسبيل ليس المزابنة إلا ما وصفت لا تجوازه (قال) وهذا جماعه، وهو كاف من
تفريعه، ومن تفريعه ما وصفت فأما أن يقول الرجل للرجل عد قثاءك أو بطيخك هذا المجموع فما
نقص من مائة فعلى تمام مائة مثله وما زاد فلي أو اقطع ثوبك هذا قلانس أو سراويلات على قدر كذا،
فما نقص، من كذا وكذا قلنسوة أو سراويل فعلى وما زاد فلي أو أطحن حنطتك هذه فما زاد على مد
دقيق فلي وما نقص فعلى فهذا كله مخالف للمزابنة ومحرم من أنه أكل المال بالباطل، لا هو تجارة عن
تراض، ولا هو شئ أعطاه مالك المال المعطى وهو يعرفه فيؤجر فيه أو يحمد ولا هو شئ أعطاه إياه
على منفعة فأخذها منه ولا على وجه خير من الوجه المأذون فيه دون غيره الذي هو من وجوه البر قال
ولا بأس بثمر نخلة بثمر عنبة أو بثمر فرسكة كلاهما قد طابت كان ذلك موضوعا بالأرض أو في شجرة
أو بعضه موضوعا بالأرض إذا خالفه وكان الفضل يحل في بعضه على بعض حالا وكان يدا بيد فإن

(1) قوله: لأنه لا يحل له أخذه أو رد البيع، كذا بالأصول، التي بأيدينا ولعل في العبارة سقطا من النساخ
فحرره، اه‍ مصححه.
64

دخلت النسيئة فسد أو تفرقا بعد البيع قبل أن يتقابضا فسد البيع (قال) وكذلك لا بأس أن يبيع ثمر
نخلة في رأسها بثمر شجرة فرسك في رأسها أو يبيع ثمر نخلة في رأسها بفرسك موضوع في الأرض أو
يبيع رطبا في الأرض بفرسك موضوع في الأرض جزافا (قال) وجماعة أن تبيع الشئ بغير صنفه يدا
بيد كيف شئت (قال الشافعي) وما كان بصفة واحدة لم يحل إلا مثلا مثل كيلا بكيل وزنا بوزن يدا
بيد ولا يتفرقان حتى يتقابضا ولا يباع منه رطب بيابس ولا رطب يبس برطب إلا العرايا خاصة (قال
الشافعي) وكذلك لا يجوز أن يدخل في صفقة شيئا من الذي فيه الربا في الفضل في بعضه على بعض
يدا بيد ومن ذلك أن يشترى صبرة تمر مكيلة أو جزافا بصبرة حنطة مكيلة أو جزافا ومع الحنطة من التمر
قليل أو كثير وذلك أن الصفقة في الحنطة تقع على حنطة وتمر بتمر وحصة التمر غير معروفة من قبل أنها
إنما تكون بقيمتها والحنطة بقيمتها والتمر بالتمر لا يجوز إلا معلوما كيلا بكيل (1).
باب وقت بيع الفاكهة
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله وقت بيع جميع ما يؤكل من ثمر الشجر أن يؤكل
من أوله الشئ ويكون آخره قد قارب أوله كمقاربة ثمر النخل بعضه لبعض فإذا كان هكذا حل بيع
ثمرته الخارجة فيه مرة واحدة والشجر منه الثابت الأصل كالنخل لا يخالفه في شئ منه إلا في شئ
سأذكره يباع إذا طاب أوله الكمثرى والسفرجل والأترج والموز وغيره إذا طاب منه الشئ الواحد فبلغ
أن ينضج بيعت ثمرته تلك كلها قال وقد بلغني أن التين في بعض البلدان ينبت منه الشئ اليوم ثم يقيم
الأيام ثم ينبت منه الشئ بعد حتى يكون ذلك مرارا والقثاء والخربز حتى يبلغ بعضه وفى موضعه من
شجر القثاء والخربز ما لم يخرج فيه شئ فكان الشجر يتفرق مع ما يخرج فيه ولم يبع ما لم يخرج فيه
فإن كان لا يعرف لم يجز بيعه لاختلاط المبيع منه بغير المبيع فيصير المبيع غير معلوم فيأخذ مشتريه كله أو
ما حمل مما لم يشتر فإن بيع وهو هكذا فالبيع مفسوخ (قال الشافعي) في موضع آخر إلا أن يشاء البائع
أن يسلم ما زاد على ما باع فيكون قد أعطاه حقه وزاده قال فينظر من القثاء والخربز في مثل ما وصفت
من التين فإن كان ببلد يخرج الشئ منه في جميع شجره فإذا ترك في شجره لتتلاحق صغاره خرج
من شجره شئ منه كان كما وصفت في التين إن أستطيع تمييزه جاز ما خرج أولا ولم يدخل ما خرج
بعده في البيع وإن لم يستطع تمييزه لم يجز فيه البيع بما وصفت قال وإن حل بيع ثمرة من هذا الثمر نخل
أو عنب أو قثاء أو خربز أو غيره لم يحل أن تباع ثمرتها التي تأتى بعدها بحال فإن قال قائل: ما الحجة
في ذلك؟ قلنا لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين ونهى عن بيع الغرر ونهى عن بيع
الثمر حتى يبدو صلاحه كان بيع ثمرة لم تخلق بعد أولى في جميع هذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو عن جابر قال نهيت ابن الزبير عن بيع النخل معاومة، قال فإذا
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل والتمر بلحا شديدا لم تر فيه صفرة لأن العاهة قد تأتى

(1) وترجم قبل الصلح باب المزابنة وفيه قال الشافعي والمزابنة جنس من الطعام عرف كيله اشترى بجنس مثله
مجهول الكيل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن هذا إلا مثلا بمثل وإذا كان مجهولا فلا خير فيه وليس هو مثلا
بمثل ولا كيلا بكيل ولا وزنا بوزن. ثم ذكر بعد ذلك مسائل تتعلق بالربا اه‍.
65

عليه كان بيع ما لم ير منه شئ قط من قثاء أو خربز أدخل في معنى الغرر وأولى أن لا يباع مما قد رؤي
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعه وكيف يحرم أن يباع قثاء أو خربز حين بدا قبل أن يطيب منه
شئ وقد روى رجل أن يبتاع ولم يخلق قط؟ وكيف أشكل على أحد أنه لا يكون بيع أبدا أولى بالغرر
من هذا البيع؟ الطائر في السماء، والعبد الآبق، والحمل الشارد، أقرب من أن يكون الغرر فيه
أضعف من هذا، ولان ذلك شئ قد خلق وقد يوجد وهذا لم يخلق بعد. وقد يخلق فيكون غاية في
الكثرة، وغاية في القلة وفيما بين الغايتين منازل. أو رأيت إن أصابته الجائحة بأي شئ يقاس؟ أبأول
حمله فقد يكون ثانيه أكثر وثالثه فقد يختلف ويتباين فهذا عندنا محرم بمعنى السنة والأثر والقياس
عليهما والمعقول، والذي يمكن من عيوبه أكثر مما حكينا وفيما حكينا كفاية إن شاء الله تعالى (قال)
فكل ما كيل من هذا أو وزن أو بيع عددا كما وصفت في الرطب بالتمر لا يحل التمر منه برطب ولا
جزاف منه بكيل ولا رطب برطب عندي بحال ولا يحل إلا يابسا بيابس، كيلا بكيل أو ما يوزن وزنا
بوزن، ولا يجوز فيه عدد لعدد، ولا يجوز أصلا إذا كان شئ منه رطب يشترى بصنفه رطب فرسك
بفرسك، وتبن بتبن، وصنف بصنفه، فإذا اختلف الصنفان فبعه كيف شئت يدا بيد، جزافا
بكيل. ورطبا بيابس، وقليله بكثيره، لا يختلف هو، وما وصفت من ثمر النخل والعنب في هذا
المعنى، ويختلف هو وثمر النخل والعنب في العرايا، ولا يجوز في شئ سوى النخل، والعنب العرية
بما يجوز فيه بيع العرايا من النخل والعنب، لا يجوز أن يشترى ثمر تينة في رأسها بمكيلة من التين
موضوعا بالأرض، ولا يجوز أن يشترى من غير تينة في رأسها بثمر منها يابس موضوع بالأرض ولا في
شجره أبدا جزافا ولا كيلا ولا بمعنى، فإن قال قائل فلم لم تجزه؟ قلت لأن رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذ سن الخرص في التمر، والعنب وفيهما أنهما مجتمعا الثمر لا حائل دونه يمنع الإحاطة وكان يكون
في المكيال مستجمعا كاستجماعه في نبته كان له معان لا يجمع أحد معانيه شئ سواه وغيره، وإن كان
يجتمع في المكيال فمن فوق كثير منه حائل من الورق ولا يحيط البصر به، وكذلك الكمثرى وغيره، وأما
الأترج الذي هو أعظمه فلا يجتمع في مكيال وكذلك الخربز، والقثاء، وهو مختلف الخلق لا يشبههما
وبذلك لم يجتمع في المكيال ولا يحيط به البصر إحاطته بالعنب، والتمر ولا يوجد منه شئ يكون
مكيلا يخرص بما في رؤوس شجره لغلظه وتجافى خلقته عن أن يكون مكيلا، فلذلك لم يصلح أن
يباع جزافا بشئ منه كما يباع غيره من النخل، والعنب إذا خالفه، ومن أراد أن يبتاع منه شيئا
فيستعريه ابتاعه بغير صنفه ثم استعراه كيف شاء.
باب ما ينبت من الزرع
(قال الشافعي) رحمه الله كل ما كان من نبات الأرض بعضه مغيب فيها وبعضه ظاهر فأراد
صاحبه بيعه لم يجز بيع شئ منه إلا الظاهر منه يجز مكانه، فأما المغيب فلا يجوز بيعه، وذلك مثل
الجزر، والفجل، والبصل، وما أشبهه فيجوز أن يباع ورقه الظاهر مقطعا مكانه، ولا يجوز أن يباع ما
في داخله، فإن وقعت الصفقة عليه كله لم يجز البيع فيه إذا كان بيع نبات، وبيع النبات بيع الايجاب
وذلك لو أجزت بيعه لم أجزه إلا على أحد معان إما على ما يجوز عليه بيع العين الغائبة فتلك إذا رآها
المشترى فله الخيار في أخذها أو تركها، فلو أجزت البيع على هذا فقلع جزرة أو فجلة، أو بصلة،
66

فجعلت للمشترى الخيار كنت قد أدخلت على البائع ضررا في أن يقلع ما في ركبيه وأرضه التي
اشترى ثم يكون له أن يرده من غير عيب فيبطل أكثره على البائع (قال) وهذا يخالف العبد يشترى
غائبا والمتاع وذلك أنهما قد يريان فيصفهما للمشترى من يثق به فيشتريهما ثم يكون له خيار الرؤية فلا
يكون على البائع ضرر في رؤية المشترى لهما كما يكون عليه ضرر فيما قلع من زرعه ولو أجزت بيعه على أن
لم يكن فيه عيب لزم المشترى كان فيه الصغير والكبير والمختلف الخلقة فكان المشترى اشترى ما لم ير
وألزمته ما لم يرض بشرائه قط، ولو أجزته على أن يبيعه إياه على صفة موزونا كنت أجزت بيع الصفات
غير مضمونة وإنما تباع الصفة مضمونة (قال) ولو أسلم إليه في شئ منه موصوف موزون، فجاء به
على الصفة جاز السلف، وذلك أنه مأخوذ به يأتي به حيث شاء لا من أرض قد يخطئ زرعها
ويصيب فلا يجوز في شئ من هذا بيع إلا بصفة مضمون موزون أو حتى يقلع فيراه المشترى (قال)
ولا يشبه الجوز، والبيض وما أشبهه هذا لا صلاح له في الأرض إلا بالبلوغ ثم يخرج فيبقى ما بقي منه
ويباع ما لا يبقى مثل البقل، وذلك لا صلاح له، إلا ببقائه في قشره، وذلك إذا رئي قشره استدل
على قدره في داخله وهذا لا دلالة على داخله وإن رئي خارجه قد يكون الورق كبيرا والرأس صغيرا
وكبيرا.
باب ما اشترى مما يكون مأكوله داخله
(قال الشافعي) من اشترى رانجا، أو جوزا، أو لوزا، أو فستقا أو بيضا فكسره فوجده فاسدا أو
معيبا فأراد رده والرجوع بثمنه ففيها قولان: أحدهما أن له أن يرده والرجوع بثمنه من قبل أنه لا يصل
إلى معرفة عيبه وفساده، وصلاحه إلا بكسره، وإذا كان المقصود قصده بالبيع داخله فبائعه سلطه
عليه، وهذا قول (قال) ومن قال هذا القول انبغى أن يقول على المشترى الكاسر أن يرد القشر على
البائع إن كانت له قيمة وإن قلت إن كان يستمتع به كما يستمتع بقشر الرانج ويستمع بما سواه أو
يرد (1) فإن لم يفعل أقيم قشرها فكانت للقشر قيمة منه وداخله على أنه صحيح وطرح عنه حصة ما لم
يرده من قشره من الثمن ويرجع بالباقي ولو كانت حصة القشر سهما من ألف سهم منه، والقول الثاني
انه إذا كسره لم يكن له رده إلا أن يشاء البائع، ويرجع بما بين قيمته صحيحا وقيمته فاسدا، وبيض
الدجاج كله لا قيمة له فاسدا لأن قشرة ليس فيه منفعة فإذا كسره رجع بالثمن، وأما بيض النعام
فلقشرته ثمن فيلزم المشترى بكل حال لأن قشرتها ربما كانت أكثر ثمنا من داخلها، فإن لم يرد قشرتها
صحيحة رجع عليه بما بين قيمتها غير فاسدة وقيمتها فاسدة، وفى القول الأول يردها ولا شئ عليه
لأنه سلطه على سرها إلا أن يكون أفسدها بالكسر، وقد كان يقدر على كسر لا يفسد، فيرجع بما بين
القيمتين ولا يردها (قال الشافعي) فأما القثاء والخربز وما رطب فإنه يذوقه بشئ دقيق من حديد أو
عود فيه فيعرف طعمه إن كان مرا أو كان الخربز حامضا فله رده، ولا شئ عليه في نقبه في
القولين لأنه سلطه على ذلك أو أكثر منه ولا فساد في النقب الصغير عليه. وكان يلزم من قال لا يرده

(1) " أو يرد " كذلك بالأصول، ولا يخفى استقامة الكلام بدونها، فلعلها من زيادة النساخ، وحرره اه‍.
مصححه.
67

إلا كما أخذه بأن يقول يرجع بما بين قيمته سالما من الفساد وقيمته فاسدا (قال) ولو كسرها لم يكن له
ردها ورجع عليه بنقصان ما بين قيمته صحيحا وفاسدا ما كان ذلك الفضل إلا أن يشاء البائع أن
يأخذه مكسورا. ويرد عليه الثمن لأنه قد كان يقدر على أن يصير إليه طعمه من ثقبه صحيحا ليس
كالجوز لا يصل إلى طعمه من نقبه وإنما يصل إليه ريحه لا طعمه صحيحا فأما الدود فلا يعرف بالمذاقة
فإذا كسره ووجد الدود كان له في القول الأول رده، وفى القول الثاني الرجوع بفضل ما بين
القيمتين. ولو أشترى من هذا شيئا رطبا من القثاء والخربز فحبسه حتى ضمر وتغير وفسد عنده ثم
وجده فاسدا بمرارة أو دود كان فيه فإن كان فساده من شئ يحدث مثله عند المشترى فالقول قول
البائع في فساده مع يمينه وذلك مثل البيض يقيم عند الرجل زمانا ثم يجده فاسدا وفساد البيض
يحدث. والله تعالى أعلم.
مسألة بيع القمح في سنبله
أخبرنا الربيع قال: قلت للشافعي إن علي بن معبد روى لنا حديثا عن أنس أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أجاز بيع القمح في سنبله إذا ابيض، فقال الشافعي: إن ثبت الحديث قلنا به فكان
الخاص مستخرجا من العام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر، وبيع القمح في
سنبله غرر لأنه لا يرى، وكذلك بيع الدار والأساس لا يرى، وكذلك بيع الصبرة بعضها فوق بعض
أجزنا ذلك كما أجازه النبي صلى الله عليه وسلم فكان هذا خاصا مستخرجا من عام وكذلك نجيز بيع
القمح في سنبله إذا ابيض إن ثبت الحديث كما أجزنا بيع الدار والصبرة.
باب بيع القصب والقرط
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في
القصب لا يباع إلا جزة أو قال صرمة (قال الشافعي) وبهذا نقول، لا يجوز أن يباع القرط إلا جزة
واحدة عند بلوغ الجزاز ويأخذ صاحبه في جزازه عند ابتياعه فلا يؤخره مدة أكثر من قدر ما يمكنه
جزازه فيه من يومه (قال الشافعي) فإن اشتراه ثابتا على أن يدعه أياما ليطول أو يغلظ أو غير ذلك فكان
يزيد في تلك الأيام فلا خير في الشراء، والشراء مفسوخ لأن أصله للبائع وفرعه الظاهر للمشترى.
فإن كان يطول فيخرج من مال البائع إلى مال المشترى منه شئ لم يقع عليه صفقة البيع فيملكه كنت
قد أعطيت المشترى ما لم يشتر وأخذت من البائع ما لم يبع ثم أعطيته منه شيئا مجهولا لا يرى بعين ولا
يضبط بصفة ولا يتميز ما للبائع فيه مما للمشترى فيفسد من وجوه (قال) ولو اشتراه ليقطعه فتركه
وقطعه له ممكن مدة يطول في مثلها كان البيع فيه مفسوخا إذا كان على ما شرط في أصل البيع أن يدعه لما
وصفت مما اختلط به من مال البائع مما لا يتميز، كما لو اشترى حنطة جزافا وشرط له أنها إن انهال له
عليها حنطة فهي داخلة في البيع فانهالت عليها حنطة للبائع لم يبعها انفسخ البيع فيها لأن ما اشترى لا
يتميز ولا يعرف قدره مما لم يشتر فيعطى ما اشترى ويمنع ما لم يشتر وهو في هذا كله بائع شئ قد كان
68

وشئ لم يكن غير مضمون على أنه إن كان دخل في البيع، وإن لم يكن لم يدخل فيه وهذا البيع مما لا
يختلف المسلمون في فساده لأن رجلا لو قال أبيعك شيئا إن نبت في أرضى بكذا فإن لم ينبت أو نبت
قليلا لزمك الثمن منك مفسوخا، وكذلك لو قال أبيعك شيئا إن جاءني من تجارتي بكذا وإن لم يأت
لزمك الثمن (قال) ولكنه لو اشتراه كما وصفت وتركه بغير شرط أياما وقطعه يمكنه في أقل منها كان
المشترى منه بالخيار في أن يدع له الفضل الذي له بلا ثمن أو ينقض البيع (قال) كما يكون إذا باعه
حنطة جزافا فانهالت عليها حنطة له، فالبائع بالخيار في أن يسلم ما باعه وما زاد في حنطته أو يرد
البيع لاختلاط ما باع بما لم يبع (قال) وما أفسدت فيه البيع فأصاب القصب فيه آفة تتلفه في يدي
المشترى فعلى المشترى ضمانه بقيمته وما أصابته آفة تنقصه فعلى المشترى ضمان ما نقصته والزرع لبائعه
وعلى كل مشتر شراء فاسدا أن يرده كما أخذه أو خيرا مما أخذه وضمانه إن تلف وضمان نقصه إن نقص
في كل شئ (1).
69

باب حكم المبيع قبل القبض وبعده (1)
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن
طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال " أما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع
حتى يقبض، الطعام " قال ابن عباس برأيه ولا أحسب كل شئ إلا مثله (قال الشافعي) وبهذا
نأخذ، فمن ابتاع شيئا كائنا ما كان فليس له أن يبيعه حتى يقبضه، وذلك أن من باع ما لم يقبض فقد
دخل في المعنى الذي يروى بعض الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعتاب بن أسيد حين
وجهه إلى أهل مكة " انههم عن بيع ما لم يقبضوا وربح ما لم يضمنوا " (قال الشافعي) هذا بيع ما لم
يقبض وربح ما لم يضمن، وهذا القياس على حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع
الطعام حتى يقبض، ومن ابتاع طعاما كيلا فقبضه أن يكتاله ومن ابتاعه جزافا فقبضه أن ينقله من
موضعه إذا كان مثله ينقل، وقد روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يتبايعون الطعام
جزافا فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأمرهم بانتقاله من الموضع الذي ابتاعوه فيه إلى موضع
غيره، وهذا لا يكون إلا لئلا يبيعوه قبل أن ينقل (قال الشافعي) ومن ملك طعاما بإجارة بيع من

(1) هذه الترجمة وضع السراج البلقيني، قال: وهو المترجم عليه بقية البيع، وترجم في هذه البقية تراجم
تتعلق بما سبق، فسقناها كما ذكرها الربيع اه‍.
70

البيوع فلا يبيعه حتى يقبضه، ومن ملكه بميراث كان له أن يبيعه، وذلك أنه غير مضمون على غيره
بثمن، وكذلك ما ملكه من وجه غير وجه البيع كان له أن يبيعه قبل أن يقبضه إنما لا يكون له بيعه
إذا كان مضمونا على غيره بعوض يأخذه منه إذا فات، والأرزاق التي يخرجها السلطان للناس يبيعها
قبل أن يقبضها ولا يبيعها الذي يشتريها قبل أن يقبضها لأن مشتريها لم يقبض، وهي مضمونة له على
بائعها بالثمن الذي ابتاعه إياها به حتى يقبضها أو يرد البائع إلى الثمن، ومن ابتاع من رجل طعاما
فكتب إليه المشترى أن يقبضه له من نفسه فلا يكون الرجل قابضا له من نفسه وهو ضامن عليه حتى
يقبضه المبتاع أو وكيل المبتاع غير البائع، وسواء أشهد على ذلك أو لم يشهد، وإذا وكل الرجل الرجل
أن يبتاع له طعاما فابتاعه ثم وكله أن يبيعه له من غيره فهو بنقد لا بدين حتى يبيح له الدين فهو جائز
كأنه هو ابتاعه وباعه، وإن وكله أن يبيعه من نفسه لم يجز البيع من نفسه، وإن قال قد بعته من غيري
فهلك الثمن أو هرب المشترى فصدقه البائع فهو كما قال، وإن كذبه فعليه البينة أنه قد باعه، ولا يكون
71

ضامنا لو هرب المشترى أو أفلس أو قبض الثمن منه فهلك لأنه في هذه الحالة أمين (قال الشافعي) ومن
باع طعاما من نصراني فباعه النصراني قبل أن يستوفيه فلا يكيله له البائع حتى يحضر النصراني أو وكيله
فيكتاله لنفسه (قال) ومن سلف في طعام ثم باع ذلك الطعام بعينه قبل أن يقبضه لم يجز، وإن باع
طعاما بصفة ونوى أن يقضيه من ذلك الطعام فلا بأس لأن له أن يقضيه من غيره لأن ذلك الطعام لو
كان على غير الصفة لم يكن له أن يعطيه منه، ولو قبضه وكان على الصفة كان له أن يحبسه ولا يعطيه
إياه، ولو هلك كان عليه أن يعطيه مثل صفة طعامه الذي باعه (قال) ومن سلف في طعام أو باع
طعاما فأحضر المشترى عند اكتياله من بائعه وقال أكتاله لك لم يجز لأنه بيع طعام قبل أن يقبض،
فإن قال، أكتاله لنفسي وخذه بالكيل الذي حضرت لم يجز لأنه باع كيلا فلا يبرأ حتى يكتاله من
يشتريه ويكون له زيادته وعليه نقصانه، وهكذا روى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى
عن بيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان (1) فيكون له زيادته وعليه نقصانه (قال الشافعي) ومن باع

(1) أي صاع البائع وصاع المشترى، وأفاد أنه لا يصح بيع المبيع قبل قبضه وعليه الشافعي، وقال أبو حنيفة إلا
العقار، وخص مالك المنع بالطعام عملا بظاهر الخبر، كذا في المناوي وغيره. كتبه مصححه.
72

طعاما مضمونا عليه فحل عليه الطعام فجاء بصاحبه إلى طعام مجتمع فقال: أي طعام رضيت من
هذا اشتريت لك فأوفيتك. كرهت ذلك له، وإن رضى طعاما فاشتراه له فدفعه إليه بكيله لم يجز لأنه
ابتاعه فباعه قبل أن يقبضه، وإن قبضه لنفسه ثم كاله له بعد جاز، وللمشتري له بعد رضاه به أن يرده
عليه إن لم يكن من صفته وذلك أن الرضا إنما يلزمه بعض القبض (قال الشافعي) ومن حل عليه طعام
فلا يعطى الذي له عليه الطعام ثمن طعام يشترى به لنفسه من قبل أنه لا يكون وكيلا لنفسه مستوفيا لها
قابضا لها منها وليوكل غيره حتى يدفع إليه، ومن اشترى طعاما فخرج من يديه قبل أن يستوفيه بهبة أو
صدقة أو قضاه رجلا من سلف أو أسلفه آخر قبل أن يستوفيه فلا يبيعه أحد ممن صار إليه على شئ من
هذه الجهات حتى يستوفيه من قبل أنه صار إنما يقبض عن المشترى كقبض وكيله (قال الشافعي) ومن
كان بيده ثمر فباعه واستثنى شيئا منه بعينه فالبيع واقع على المبيع لا على المشترى والمستثنى على مثل ما
كان في ملكه لم يبع قط، فلا بأس أن يبيعه صاحبه لأنه لم يشتره إنما يبيعه على الملك الأول (قال
الشافعي) ولا يصلح السلف حتى يدفع المسلف إلى المسلف الثمن قبل أن يتفرقا من مقامهما الذي تبايعا
فيه وحتى يكون السلف بكيل معلوم بمكيال عامة يدرك علمه ولا يكون بمكيال خاصة إن هلك لم
يدرك علمه أو بوزن عامة كذلك وبصفة معلومة جيد نقى وإلى أجل معلوم إن كان إلى أجل ويستوفى
في موضع معلوم ويكون من أرض لا يخطئ مثلها أرض عامة لا أرض خاصة ويكون جديدا طعام
عام أو طعام عامين ولا يجوز أن يقول أجود ما يكون من الطعام لأنه لا يوقف على حده ولا أردأ ما
يكون لأنه لا يوقف على حده فإن الردئ يكون بالغرق وبالسوس وبالقدم فلا يوقف على حده ولا
بأس بالسلف في الطعام حالا وآجلا، إذا حل أن يباع الطعام بصفة إلى أجل كان حالا، أو إلى أن
يحل (قال الشافعي) وإن سلف رجل دنانير على طعام إلى آجال معلومة بعضها قبل بعض لم يجز عندي
حتى يكون الأجل واحدا وتكون الأثمان متفرقة من قبل أن الطعام الذي إلى الأجل القريب أكثر قيمة
من الطعام الذي إلى الأجل البعيد، وقد أجازه غيري على مثل ما أجاز عليه ابتياع العروض المتفرقة،
وهذا مخالف للعروض المتفرقة لأن العروض المتفرقة نقد وهذا إلى أجل، والعروض شئ متفرق وهذا
من شئ واحد (قال الشافعي) وإذا ابتاع الرجلان طعاما مضمونا موصوفا حالا أو إلى أجل فتفرقا قبل
أن يقبض الثمن فالبيع مفسوخ لأن هذا دين بدين (قال الشافعي) وإن اشترى الرجل طعاما موصوفا
مضمونا عند الحصاد وقبل الحصاد وبعده فلا بأس، وإذا اشترى منه من طعام أرض بعينها غير
موصوف فلا خير فيه لأنه قد يأتي جيدا أو رديئا (قال) وإن اشتراه منه من الاندر مضمونا عليه فلا خير
فيه، لأنه قد يهلك قبل أن يذريه (قال الشافعي) ولا بأس بالسلف في الطعام إلى سنة قبل أن يزرع
إذا لم يكن في زرع بعينه (قال الشافعي) ولا خير في السلف في الفدادين القمح ولا في القرط لأن
ذلك يختلف (قال الشافعي) ومن سلف رجلا في طعام يحل فأراد الذي عليه الطعام أن يحيل صاحب
الطعام على رجل له عليه طعام مثله من بيع ابتاعه منه فلا خير فيه، وهذا هو نفس بيع الطعام قبل أن
يقبض، ولكنه إن أراد أن يجعله وكيلا يقبض له الطعام فإن هلك في يديه كان أمينا فيه وإن لم يهلك
وأراد أن يجعله قضاء جاز (قال) وكذلك لو ابتاع منه طعاما فحل فأحاله على رجل له عليه طعام أسلفه
إياه من قبل أن أصل ما كان له عليه بيع والإحالة بيع منه له بالطعام الذي عليه بطعام على غيره (قال
الشافعي) ومن ابتاع طعاما بكيل فصدقه المشترى بكيله فلا يجوز إلى أجل، وإذا قبض الطعام فالقول
في كيل الطعام قول القابض مع يمينه، وإن ذكر نقصانا كثيرا أو قليلا أو زيادة قليلة أو كثيرة، وسواء
73

اشتراه بالنقد كان أو إلى أجل، وإنما لم أجز هذا لما وصفت من حديث الحسن عن النبي صلى الله عليه
وسلم، وإني ألزم من شرط لرجل شرطا من كيل أو صفة أن يوفيه شرطه بالكيل والصفة فلما شرط له
الكيل لم يجز إلا أن يوفيه شرطه، فإن قال قائل فقد صدقة فلم لا يبرأ كما يبرأ من العيب؟ قيل لو كان
تصديقه يقوم مقام الابراء من العيب فشرط له مائة فوجد فيه واحدا لم يكن له أن يرجع عليه بشئ
كما يشترط له السلامة فيجد العيب فلا يرجع عليه به إذا أبرأه منه (قال الشافعي) وإذا ابتاع الرجل
الطعام كيلا لم يكن له أن يأخذه وزنا إلا أن ينقض البيع الأول ويستقبل بيعا بالوزن وكذلك لا يأخذه
بمكيال إلا بالمكيال الذي ابتاعه به إلا أن يكون يكيله بمكيال معروف مثل المكيال الذي ابتاعه به
فيكون حينئذ إنما أخذه بالمكيال الذي ابتاعه به، وسواء كان الطعام واحدا أو من طعامين مفترقين
وهذا فاسد من وجهين، أحدهما أنه أخذه بغير شرطه، والآخر أنه أخذه بدلا قد يكون أقل أو أكثر
من الذي له والبدل يقوم مقام البيع وأقل ما فيه أنه مجهول لا يدرى أهو مثل ما له أو أقل أو أكثر؟
(قال الشافعي) ومن سلف في حنطة موصوفة فحلت فأعطاه البائع حنطة خيرا منها بطيب نفسه أو
أعطاه حنطة شرا منها فطابت نفس المشترى فلا بأس بذلك وكل واحد منهما متطوع بالفضل وليس
هذا بيع طعام بطعام، ولو كان أعطاه مكان الحنطة شعيرا أو سلتا أو صنفا غير الحنطة لم يجز، وكان
هذا بيع طعام بغيره قبل أن يقبض، وهكذا التمر وكل صنف واحد من الطعام (قال الشافعي) ومن
سلف في طعام إلى أجل فعجله قبل أن يحل الأجل طيبة به نفسه مثل طعامه أو شرا منه فلا بأس،
ولست أجعل للتهمة أبدا موضعا في الحكم إنما أقضى على الظاهر (قال الشافعي) ومن سلف في قمح
فحل الأجل فأراد أن يأخذ دقيقا أو سويقا فلا يجوز، وهذا فاسد من وجهين أحدهما أني أخذ غير
الذي أسلفت فيه وهو بيع الطعام قبل أن يقبض، وإن قيل هو صنف واحد فقد أخذت مجهولا من
معلوم فبعت مد حنطة بمد دقيق ولعل الحنطة مد وثلث دقيق ويدخل السويق في مثل هذا، ومن
سلف في طعام فحل فسأل الذي حل عليه الطعام الذي له الطعام أن يبيعه طعاما إلى أجل ليقبضه إياه
فلا خير فيه إن عقدا عقد البيع على هذا من قبل أنا لا نجيز أن يعقد على رجل فيما يملك أن يمنع منه أن
يصنع فيه ما يصنع في ماله لأن البيع ليس بتام، ولو أنه باعه إياه بلا شرط بنقد أو إلى اجل فقضاه
إياه فلا بأس، وهكذا لو باعه شيئا غير الطعام، ولو نويا جميعا أن يكون يقضيه ما يبتاع منه بنقد أو
إلى أجل لم يكن بذلك بأس ما لم يقع عليه عقد البيع (قال الشافعي) وهكذا لو أسلفه في طعام إلى
أجل فلما حل الأجل قال له بعني طعاما بنقد أو إلى أجل حتى أقضيك فإن وقع العقد على ذلك لم يجز
وإن باعه على غير شرط فلا بأس بذلك كان البيع نقدا أو إلى أجل (قال الشافعي) ومن سلف في
طعام فقبضه ثم اشتراه منه الذي قضاه إياه بنقد أو نسيئة إذا كان ذلك بعد القبض فلا بأس، لأنه قد
صار من ضمان القابض وبرئ المقبوض منه، ولو حل طعامه عليه فقال له: اقضني على أن أبيعك
فقضاه مثل طعامه أو دونه لم يكن بذلك بأس وكان هذا موعدا وعده إياه إن شاء وفى له به وإن شاء لم
يف، ولو أعطاه خيرا من طعامه على هذا الشرط لم يجز، لأن هذا شرط غير لازم، وقد أخذ عليه
فضلا لم يكن له والله أعلم.
74

باب النهى عن بيع الكراع والسلاح في الفتنة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أصل ما أذهب إليه أن كل عقد كان صحيحا في الظاهر لم أبطله
بتهمة ولا بعادة بين المتبايعين وأجزته بصحة الظاهر وأكره لهما النية إذا كانت النية لو أظهرت كانت تفسد
البيع، وكما أكره للرجل أن يشترى السيف على أن يقتل به ولا يحرم على بائعه أن يبيعه ممن يراه أنه
يقتل به ظلما لأنه قد لا يقتل به ولا أفسد عليه هذا البيع، وكما أكره للرجل أن يبيع العنب ممن يراه
أنه يعصره خمرا ولا أفسد البيع إذا باعه إياه لأنه باعه حلالا، وقد يمكن أن لا يجعله خمرا أبدا،
وفى صاحب السيف أن لا يقتل به أحدا أبدا، وكما أفسد نكاح المتعة، ولو نكح رجل امرأة عقدا
صحيحا وهو ينوى أن لا يمسكها إلا يوما أو أقل أو أكثر لم أفسد النكاح إنما أفسده أبدا بالعقد الفاسد.
باب السنة في الخيار
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا بأس ببيع الطعام كله جزافا ما يكال منه وما يوزن وما يعد، كان
في وعاء أو غير وعاء، إلا أنه إذا كان في وعاء فلم ير عينه فله الخيار إذا رآه (قال الربيع) رجع
الشافعي فقال: ولا يجوز بيع خيار الرؤية ولا بيع الشئ الغائب بعينه لأنه قد يتلف ولا يكون عليه أن
يعطيه غيره، ولو باعه إياه جزافا على الأرض، فلما انتقل وجده مصبوبا على دكان أو ربوة أو حجر
كان هذا نقصا يكون للمشترى فيه الخيار إن شاء أخذه وإن شاء رده، ولا بأس بشراء نصف الثمار
جزافا ويكون المشترى بنصفها شريكا للذي له النصف الآخر، ولا يجوز إذا أجزنا الجزاف في الطعام
نسيئة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يجوز الجزاف في كل شئ من رقيق وماشية وغير
ذلك، إلا أن للمشترى الخيار في كل واحد منهم إذا رآه والرد بالعيب من قبل أن كل واحد منهم غير
الآخر والمكيل والموزون من الطعام إذا كان من صنف واحد كاد أن يكون مشتبها (قال) ولا بأس أن
يقول الرجل: أبتاع منك جميع هذه الصبرة كل إردب بدينار، وإن قال أبتاع منك هذه الصبرة كل
إردب بدينار على أن تزيدني ثلاثة أرادب، أو على أن أنقصك منها إردبا فلا خير فيه من قبل أني لا
أدرى كم قدرها فأعرف الأردب الذي نقص كم هو منها، والأرادب التي زيدت كم هي عليها (قال
الشافعي) ولا خير في أن أبتاع منك جزافا ولا كيلا ولا عددا ولا بيعا كائنا ما كان على أن أشترى منك
مدا بكذا، وعلى أن تبيعني كذا، بكذا حاضرا كان ذلك أو غائبا، مضمونا كان ذلك أو غير
مضمون، وذلك من بيعتين في بيعة ومن أني إذا اشتريت منك عبدا بمائة على أن أبيعك دارا بخمسين
فثمن العبد مائة وحصته من الخمسين من الدار مجهولة، وكذلك ثمن الدار خمسون وحصته من العبد
مجهولة، ولا خير في الثمن إلا معلوما (قال الشافعي) وإن كان قد علم كيله ثم انتقص منه شئ قل أو
كثر إلا أنه لا يعلم مكيلة ما انتقص فلا أكره له بيعه جزافا (قال الشافعي) ومن كان له على رجل طعام
حالا من غير بيع فلا بأس أن يأخذ به شيئا من غير صنفه إذا تقابضا من قبل أن يتفرقا من ذهب أو
ورق أو غير صنفه، ولا أجيزه قبل حلول الأجل بشئ من الطعام خاصة فأما بغير الطعام فلا بأس به
(قال الشافعي) ومن كان له على رجل طعام من قرض فلا بأس أن يأخذ بالطعام من صنفه أجود أو
أردا أو مثله إذا طابا بذلك نفسا ولم يكن شرطا في أصل القرض، وكذلك لا بأس أن يأخذ بالطعام
75

غيره من غير صنفه اثنين بواحد أكثر إذا تقابضا قبل أن يتفرقا ولو كان هذا من بيع لم يجز له أن يأخذ به
من غير صنفه لأنه بيع الطعام قبل أن يقبض فلا بأس أن يأخذ به من صنفه أجود أو أردأ قبل محل
الأجل أو بعده، إذا طاب بذلك نفسا (قال الشافعي) في الرجل يشترى من الرجل طعاما موصوفا
فيحل فيسأله رجل أن يسلفه إياه فيأمره أن يتقاضى ذلك الطعام فإذا صار في يده أسلفه إياه أو باعه
فلا بأس بهذا إذا كان إنما وكله بأن يقبضه لنفسه ثم أحدث بعد القبض السلف أو البيع وإنما كان أولا
وكيلا له وله منعه السلف والبيع وقبض الطعام من يده ولو كان شرطه له أنه إذا تقاضاه أسلفه إياه أو
باعه إياه لم يكن سلفا ولا بيعا وكان له أجر مثله في التقاضي (قال) ولو أن رجلا جاء إلى رجل له زرع
قائم فقال: ولني حصاده ودراسه ثم أكتاله فيكون على سلفا لم يكن في هذا خير وكان له أجر مثله في
الحصاد والدراس إن حصده ودرسه ولصاحب الطعام أخذ الطعام من يديه، ولو كان تطوع له
بالحصاد والدراس ثم أسلفه إياه لم يكن بذلك بأس، وسواء القليل في هذا والكثير في كل حلال
وحرام (قال الشافعي) ومن أسلف رجلا طعاما فشرط عليه خيرا منه أو أزيد أو أنقص فلا خير فيه،
وله مثل ما أسلفه إن استهلك الطعام، فإن أدرك الطعام بعينه أخذه، فإن لم يكن له مثل فله قيمته،
وإن أسلفه إياه لا يذكر من هذا شيئا فأعطاه خيرا منه متطوعا أو أعطاه شرا منه فتطوع هذا بقبوله فلا
بأس بذلك وإن لم يتطوع واحد منهما فله مثل سلفه (قال الشافعي) ولو أن رجلا أسلف رجلا طعاما
على أن يقبضه إياه ببلد آخر كان هذا فاسدا وعليه أن يقبضه إياه في البلد الذي أسلفه فيه (قال) ولو
أسلفه إياه ببلد فلقيه ببلد آخر فتقاضاه الطعام أو كان استهلك له طعاما فسأل أن يعطيه ذلك الطعام في
البلد الذي لقيه فيه فليس ذلك عليه، ويقال إن شئت فاقبض منه طعاما مثل طعامك بالبلد الذي
استهلكه لك أو أسلفته إياه فيه، وإن شئت أخذناه لك الآن بقيمة ذلك الطعام في ذلك البلد (قال
الشافعي) ولو أن الذي عليه الطعام دعا إلى أن يعطى طعاما بذلك البلد فامتنع الذي له الطعام لم يجبر
الذي له الطعام على أن يدفع إليه طعاما مضمونا له ببلد غيره، وهكذا كل ما كان لحمله مؤنة (قال
الشافعي) وإنما رأيت له القيمة في الطعام يغصبه ببلد فيلقى الغاصب ببلد غيره أني أزعم أن كل ما
استهلك لرجل فأدركه بعينه أو مثله أعطيته المثل أو العين، فإن لم يكن له مثل ولا عين أعطيته القيمة
لأنها تقوم مقام العين إذا كانت العين والمثل عدما فلما حكمت أنه إذا استهلك له طعاما بمصر فلقيه بمكة
أو بمكة فلقيه بمصر لم أقض له بطعام مثله لأن من أصل حقه أن يعطى مثله بالبلد الذي ضمن له
بالاستهلاك لما في ذلك من النقص والزيادة على كل واحد منهما وما في الحمل على المستوى فكان
الحكم هذا أنه لا عين ولا مثل له أقضى به وأجبره على أخذه فجعلته كما لا مثل له فأعطيته قيمته إذا
كنت أبطل الحكم له بمثله وإن كان موجودا (قال الشافعي) ولو كان هذا من بيع كان الجواب في
ذلك أن لا أجبر واحدا منهما على أخذه ولا دفعه ببلد غير البلد الذي ضمنه وضمن له فيه هذا، ولا
أجعل له القيمة من قبل أن ذلك يدخله بيع الطعام قبل أن يقبض وأجبره على أن يمضى فيقبضه أو
يوكل من يقبضه بذلك البلد وأؤجله فيه أجلا فإن دفعه إليه إلى ذلك الأجل وإلا حسبته حتى يدفعه
إليه أو إلى وكيله (قال الشافعي) السلف كله حال سمى له المسلف أجلا أو لم يسمه، وإن سمى له أجلا
ثم دفعه إليه المسلف قبل الأجل جبر على أخذه لأنه لم يكن له إلى أجل قط إلا أن يشاء أن يبرئه منه،
ولو كان من بيع لم يجبر على أخذه حتى يحل أجله، هذا في كل ما كان يتغير بالحبس في يدي صاحبه
من قبل أنه يعطيه إياه بالصفة قبل يحل الأجل فيتغير عن الصفة عند محل الأجل فيصير بغير الصفة،
76

ولو تغير في يدي صاحبه جبرناه على أن يعطيه طعاما غيره، وقد يكون يتكلف مؤنة في خزنه ويكون
حضور حاجته إليه عند ذلك الأجل، فكل ما كان لخزنه مؤنة أو كان يتغير في يدي صاحبه لم يجبر
على أخذه قبل حلول الأجل وكل ما كان لا يتغير ولا مؤنة في خزنه مثل الدراهم والدنانير وما أشبههما
جبر على أخذه قبل محل الأجل (قال الشافعي) في الشركة والتولية بيع من البيوع يحل بما تحل به البيوع
ويحرم بما تحرم به البيوع فحيث كان البيع حلالا فهو حلال وحيث كان البيع حراما فهو حرام،
والإقالة فسخ البيع فلا بأس بها قبل القبض لأنها إبطال عقدة البيع بينهما والرجوع إلى حالهما قبل أن
يتبايعا (قال) ومن سلف رجلا مائة دينار في مائة إردب طعاما إلى أجل فحل الأجل فسأله الذي عليه
الطعام أن يدفع إليه خمسين إردبا ويفسخ البيع في خمسين فلا بأس بذلك إذا كان له أن يفسخ البيع
في المائة كانت الخمسون أولى أن تجوز، وإذا كان له أن يقبض المائة كانت الخمسون أولى أن يقبضها
وهذا أبعد ما خلق الله من بيع وسلف، والبيع والسلف الذي نهى عنه أن تنعقد العقدة على بيع
وسلف، وذلك أن أقول أبيعك هذا لكذا على أن تسلفني كذا، وحكم السلف أنه حال فيكون البيع
وقع بثمن معلوم ومجهول والبيع لا يجوز إلا أن يكون بثمن معلوم وهذا المسلف لم يكن له قط إلا طعام
ولم تنعقد العقدة قط إلا عليه، فلما كانت العقدة صحيحة، وكان حلالا له أن يقبض طعامه كله وأن
يفسخ البيع بينه وبينه في كله كان له أن يقبض بعضه ويفسخ البيع بينه بينه في بعض، وهكذا قال
ابن عباس، وسئل عنه فقال هذا المعروف الحسن الجميل (قال الشافعي) ومن سلف رجلا دابة أو
عرضا في طعام إلى أجل فلما حل الأجل فسأله أن يقيله منه فلا بأس بذلك كانت الدابة قائمة بعينها أو
فائتة لأنه لو كانت الإقالة بيعا للطعام قبل أن يقبض لم يكن له إقالته فيبيعه طعاما له عليه بدابة للذي
عليه الطعام ولكنه كان فسخ البيع وفسخ البيع إبطاله لم يكن بذلك بأس كانت الدابة قائمة أو مستهلكة
فهي مضمونة وعليه قيمتها إذا كانت مستهلكة (قال الشافعي) ومن أقال رجلا في طعام وفسخ البيع
وصارت له عليه دنانير مضمونة فليس له أن يجعلها سلفا في شئ قبل أن يقبضها، كما لو كانت له
عليه دنانير سلف أو كانت له في يديه دنانير وديعة لم يكن له أن يجعلها سلفا في شئ قبل أن يقبضها،
ومن سلف مائة في صنفين من التمر وسمى رأس مال كل واحد منهما فأراد أن يقيل في أحدهما دون
الآخر فلا بأس لأن هاتين بيعتان مفترقتان، وإن لم يسم رأس مال كل واحد منهما فهذا بيع أكرهه،
وقد أجازه غيري، فمن أجازه لم يجعل له أن يقيل من البعض قبل أن يقبض من قبل أنهما جميعا صفقة
لكل واحد منهما حصة من الثمن لا تعرف إلا بقيمة والقيمة مجهولة (قال الشافعي) ولا خير في أن
أبيعك تمرا بعينه ولا موصوفا بكذا على أن تبتاع منى تمرا بكذا، وهذان بيعتان في بيعة لأني لم أملك
هذا بثمن معلوم إلا وقد شرطت عليك في ثمنه ثمنا لغيره فوقعت الصفقة على ثمن معلوم وحصة في
الشرط في هذا البيع مجهولة وكذلك وقعت في البيع الثاني، والبيوع لا تكون إلا بثمن معلوم (قال
الشافعي) ومن سلف رجلا في مائة أردب فاقتضى منه عشرة أو أقل أو أكثر ثم سأله الذي عليه الطعام
أن يرد عليه العشرة التي أخذ منه أو ما أخذ ويقيله، فإن كان متطوعا بالرد عليه تمت الإقالة فلا
بأس، وإن كان ذلك على شرط أني لا أرده عليك إلا أن تفسخ البيع بيننا فلا خير في، ومن
كانت له على رجل دنانير فسلف الذي عليه الدنانير رجلا غيره دنانير في طعام فسأله الذي له عليه
الدنانير أن يجعل له تلك الدنانير في سلفه أو يجعلها له تولية فلا خير في ذلك لأن التولية بيع وهذا بيع
الطعام قبل أن يقبض ودين بدين وهو مكروه في الآجل والحال (قال الشافعي) ومن ابتاع من رجل
77

مائة أردب طعام فقبضها منه ثم سأله البائع الموفى أن يقيله منها كلها أو بعضها فلا بأس بذلك، وقال
مالك لا بأس أن يقيله من الكل ولا يقيله من البعض (قال الشافعي) ولو أن نفرا اشتروا من رجل
طعاما فأقاله بعضهم وأبى بعضهم فلا بأس بذلك، ومن ابتاع من رجل طعاما كيلا فلم يكله ورضى
أمانة البائع في كيله ثم سأله البائع أو غيره أن يشركه فيه قبل كيله فلا خير في ذلك لأنه لا يكون قابضا
حتى يكتاله، وعلى البائع أن يوفيه الكيل، فإن هلك في يد المشترى قبل أن يوفيه الكل فهو مضمون
على المشترى بكيله، والقول في الكيل قول المشترى مع يمينه، فإن قال المشترى لا أعرف الكيل فأحلف
عليه، قيل للبائع إدع في الكيل ما شئت، فإذا ادعى قيل للمشترى إن صدقته فله في يديك هذا
الكيل، وإن كذبته فإن حلفت على شئ تسميه فأنت أحق باليمين، وإن أبيت فأنت راد لليمين عليه
حلف على ما ادعى وأخذه منك (قال الشافعي) الشركة والتولية بيع من البيوع يحل فيه ما يحل في
البيوع ويحرم فيه ما يحرم في البيوع فمن ابتاع طعاما أو غيره فلم يقبضه حتى أشرك فيه رجلا أو يوليه إياه
فالشركة باطلة والتولية، وهذا بيع الطعام قبل أن يقبض، والإقالة فسخ للبيع (قال الشافعي) ومن
ابتاع طعاما فاكتال بعضه ونقد ثمنه ثم سأله أن يقيله من بعضه فلا بأس بذلك (قال الشافعي) ومن
سلف رجلا في طعام فاستغلاه فقال له البائع أنا شريكك فيه فليس بجائز (قال الشافعي) ومن باع من
رجل طعاما بثمن إلى أجل فقبضه المبتاع وغاب عليه ثم ندم البائع فاستقاله وزاده فلا خير فيه من قبل
أن الإقالة ليست ببيع، فإن أحب أن يجدد فيه بيعا بذلك فجائز، وقال مالك لا بأس به وهو بيع
محدث (قال الشافعي) ومن باع طعاما حاضرا بثمن إلى أجل فحل الأجل فلا بأس أن يأخذ في ذلك
الثمن طعاما، ألا ترى أنه لو أخذ طعاما فاستحق رجع بالثمن لا بالطعام؟ وهكذا إن أحاله بالثمن على
رجل قال مالك لا خير فيه كله (قال الشافعي) ومن ابتاع بنصف درهم طعاما على أن يعطيه بنصف
درهم طعاما حالا أو إلى أجل أو يعطى بالنصف ثوبا أو درهما أو عرضا فالبيع حرام لا يجوز، وهذا من
بيعتين في بيعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو باع طعاما بنصف درهم الدرهم (1) نقدا أو إلى أجل
فلا بأس أن يعطيه درهما يكون نصفه له بالثمن ويبتاع منه بالنصف طعاما أو ما شاء إذا تقابضا من قبل
أن يتفرقا وسواء كان الطعام من الصنف الذي باع منه أو غيره، لأن هذه بيعة جديدة ليست في
العقدة الأولى (قال الشافعي) وإذا ابتاع الرجل من الرجل طعاما بدينار حالا فقبض الطعام ولم يقبض
البائع الدينار ثم اشترى البائع من المشترى طعاما بدينار فقبض الطعام ولم يقبض الدينار فلا بأس أن
يجعل الدينار قصاصا من الدينار، وليس أن يبيع الدينار بالدينار فيكون دينا بدين ولكن يبرئ كل
واحد منهما صاحبه من الدينار الذي عليه بلا شرط، فإن كان بشرط فلا خير فيه.
باب بيع الآجال
(قال الشافعي) وأصل ما ذهب إليه من ذهب في بيوع الآجال أنهم رووا عن عالية بنت أنفع أنها

(1) قوله بنصف درهم الدرهم، كذا بالأصول، وتأمله، ولعل لفظ " الدرهم " زائد من النساخ وحرره اه‍
مصححه.
78

سمعت عائشة أو سمعت امرأة أبى السفر تروى عن عائشة ان امرأة سألتها عن بيع باعته من زيد بن أرقم
بكذا وكذا إلى العطاء ثم اشترته منه بأقل من ذلك نقدا، فقالت عائشة: بئس ما اشتريت وبئس ما
ابتعت، أخبري زيد بن أرقم أن الله عز وجل قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن
يتوب (قال الشافعي) قد تكون عائشة لو كان هذا ثابتا عنها عابت عليها بيعا إلى العطاء لأنه أجل غير
معلوم، وهذا مما لا تجيزه، لا أنها عابت عليها ما اشترت منه بنقد وقد باعته إلى أجل، ولو اختلف
بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في شئ فقال بعضهم فيه شيئا وقال بعضهم بخلافه كان
أصل ما نذهب إليه أنا نأخذ بقول الذي معه القياس، والذي معه القياس زيد بن أرقم، وجملة هذا
أنا لا نثبت مثله على عائشة مع أن زيد بن أرقم لا يبيع إلا ما يراه حلالا، ولا يبتاع مثله، فلو أن
رجلا باع شيئا أو ابتاعه نراه نحن محرما وهو يراه حلالا لم نزعم أن الله يحبط من عمله شيئا، فإن قال
قائل فمن أين القياس مع قول زيد؟ قلت أرأيت البيعة الأولى أليس قد ثبت بها عليه الثمن تاما؟ فإن
قال بلى، قيل: أفرأيت البيعة الثانية أهي الأولى؟ فإن قال: لا قيل: أفحرام عليه أن يبيع ماله بنقد
وإن كان اشتراه إلى أجل؟ فإن قال: لا، إذا باعه من غيره، قيل، فمن حرمه منه؟ فإن قال: كأنها
رجعت إليه السلعة أو اشترى شيئا دينا بأقل منه نقدا، قيل إذا قلت: كان لما ليس هو بكائن، لم ينبغ
لاحد أن يقبله منك، أرأيت لو كانت المسألة بحالها فكان باعها بمائة دينار دينا واشتراها بمائة أو بمائتين
نقدا؟ فإن قال: جائز، قيل: فلا بد أن تكون أخطأت كان ثم أو ههنا لأنه لا يجوز له أن يشترى منه
مائة دينار دينا بمائتي دينار نقدا، فإن قلت: إنما اشتريت منه السلعة، قيل فهكذا كان ينبغي أن
تقول أولا ولا تقول كان لما ليس هو بكائن، أرأيت البيعة الآخرة بالنقد لو انتقضت أليس ترد السلعة
ويكون الدين ثابتا كما هو فتعلم أن هذه بيعة غير تلك البيعة؟ فإن قلت، إنما اتهمته، قلنا هو أقل تهمة
على ماله منك، فلا تركن عليه إن كان خطأ ثم تحرم عليه ما أحل الله له، لأن الله عز وجل أحل البيع
وحرم الربا وهذا بيع وليس بربا، وقد روى إجازة البيع إلى العطاء عن غير واحد، وروى عن غيرهم
خلافه، وإنما اخترنا أن لا يباع إليه لأن العطاء قد يتأخر ويتقدم، وإنما الآجال معلومة بأيام موقوتة أو
أهله وأصلها في القرآن، قال الله عز وجل " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج "،
وقال تعالى: " واذكروا الله في أيام معدودات " وقال عز وجل: " فعدة من أيام أخر "، فقد وقت
بالأهلة كما وقت بالعدة وليس العطاء من مواقيته تبارك وتعالى، وقد يتأخر الزمان ويتقدم وليس تستأخر
الأهلة أبدا أكثر من يوم، فإذا اشترى الرجل من الرجل السلعة فقبضها وكان الثمن إلى أجل فلا بأس
أن يبتاعها من الذي اشتراها منه ومن غير بنقد أقل أو أكثر مما اشتراها به أو بدين كذلك أو عرض من
العروض ساوى العرض ما شاء أن يساوى، وليست البيعة الثانية من البيعة الأولى بسبيل، ألا ترى أنه
كان للمشترى البيعة الأولى إن كانت أمة أن يصيبها أو يهبها أو يعتقها أو يبيعها ممن شاء غير بيعه بأقل أو
أكثر مما اشتراها به نسيئة؟ فإذا كان هكذا فمن حرمها على الذي اشتراها؟ وكيف يتوهم أحد؟ وهذا
إنما تملكها ملكا جديدا بثمن لها لا بالدنانير المتأخرة؟ أن هذا كان ثمنا للدنانير المتأخرة وكيف إن جاز
هذا على الذي باعها لا يجوز على أحد لو اشتراها؟ (قال الشافعي) المأكول والمشروب كله مثل الدنانير
والدراهم لا يختلفان في شئ وإذا بعت منه صنفا بصنفه، فلا يصلح الا مثلا بمثل يدا بيد، إن كان
كيلا فكيل، وإن كان وزنا فوزن، كما لا تصلح الدنانير بالدنانير إلا يدا بيد وزنا بوزن، ولا تصلح
كيلا بكيل وإذا اختلف الصنفان منه فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة
79

كما يصلح الذهب بالورق متفاضلا ولا يجوز نسيئة، وإذا اختلف الصنفان فجاز الفضل في أحدهما
على الآخر فلا بأس أن يشترى منه جزافا بجزاف لأن أكثر ما في الجزاف أن يكون متفاضلا والتفاضل
لا بأس به، وإذا كان شئ من الذهب أو الفضة أو المأكول أو المشروب فكان الآدميون فيه صنعة
يستخرجون بها من الأصل شيئا يقع عليه اسم دون اسم فلا خير في ذلك الشئ بشئ من الأصل
وإن كثرت الصنعة فيه، كما لو أن رجلا عمد إلى دنانير فجعلها طستا أو قبة أو حليا ما كان لم تجز
بالدنانير أبدا إلا وزنا بوزن، وكما لو أن رجلا عمد إلى تمر فحشاه في شن أو جرة أو غيرها نزع نواه أو
لم ينزعه لم يصلح أن يباع بالتمر وزنا بوزن لأن أصلهما الكيل، والوزن بالوزن قد يختلف في أصل الكيل،
فكذلك لا يجوز حنطة بدقيق لأن الدقيق من الحنطة وقد يخرج من الحنطة من الدقيق ما هو أكثر من
الدقيق الذي بيع بها وأقل ذلك أن يكون مجهولا بمعلوم من صنف فيه الربا، وكذلك حنطة بسويق
وكذلك حنطة بخبز، وكذلك حنطة بفالوذج إن كان نشأ سععه (1) من حنطة وكذلك دهن سمسم
بسمسم وزيت بزيتون لا يصلح هذا لما وصفت، وكذلك لا يصلح التمر المنثور بالتمر المكبوس لأن
أصل التمر الكيل (قال الشافعي) وإذا بعت شيئا من المأكول أو المشروب أو الذهب أو الورق بشئ من
صنفه فلا يصلح إلا مثلا بمثل، وأن يكون ما بعت منه صنفا واحدا جيدا أو ردئيا، ويكون ما
اشتريت منه صنفا واحدا، ولا يبالي أن يكون أجود أو أردأ مما اشتريته به، ولا خير في أن يأخذ
خمسين دينارا مروانية وخمسين (2) حدنا بمائة هاشمية ولا بمائة غيرها، وكذلك لا خير في أن يأخذ
صاع بردى وصاع لون بصاعي صيحاني، وإنما كرهت هذا من قبل أن الصفقة إذا جمعت شيئين
مختلفين فكل واحد منهما مبيع بحصته من الثمن، فيكون ثمن صاع البردى بثلاثة دنانير، وثمن صاع
اللون دينارا، وثمن صاع الصيحاني يسوى دينارين، فيكون صاع البردى بثلاثة أرباع صاعي
الصيحاني وذلك صاع ونصف وصاع اللون بربع صاعي الصيحاني وذلك نصف صاع صيحاني
فيكون هذا التمر بالتمر متفاضلا، وهكذا هذا في الذهب والورق وكل ما كان فيه الربا في التفاضل في
بعضه على بعض (قال الشافعي) وكل شئ من الطعام يكون رطبا ثم ييبس فلا يصلح منه رطب
بيابس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرطب بالتمر فقال " أينقص الرطب إذا يبس؟ "
فقال: نعم، فنهى عنه فنظر في المعتقب فكذلك ننظر في المعتقب فلا يجوز رطب برطب لأنهما إذا
تيبسا اختلف نقصهما فكانت فيهما الزيادة في المعتقب، وكذلك كل مأكول لا ييبس إذا كان مما ييبس
فلا خير في رطب منه برطب كيلا بكيل ولا وزنا بوزن ولا عددا بعدد، ولا خير في أترجة بأترجة ولا
بطيخة ببطيخة وزنا ولا كيلا ولا عددا، فإذا اختلف الصنفان فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض ولا خير فيه
نسيئة، ولا بأس بأترجة ببطيخة وعشر بطيخات وكذلك ما سواهما، فإذا كان من الرطب شئ لا
ييبس بنفسه أبدا مثل الزيت والسمن والعسل واللبن فلا بأس ببعضه على بعض، إن كان مما يوزن
فوزنا وإن كان مما يكال فكيلا مثلا بمثل، ولا تفاضل فيه حتى يختلف الصنفان، ولا خير في التمر
بالتمر حتى يكون ينتهى يبسه، وإن انتهى يبسه إلا أن بعضه أشد انتفاخا من بعض فلا يضره إذا
انتهى يبسه كيلا بكيل (قال الشافعي) وإذا كان منه شئ مغيب مثل الجوز واللوز وما يكون مأكوله في

(1) قوله " سععه " كذا بالأصل بدون نقط، وحرره. كتبه مصححه.
(2) " حدنا " كذا بالأصل بدون نقط، وحرره، كتبه مصححه.
80

داخله فلا خير في بعضه ببعض عددا ولا كيلا ولا وزنا، فإذا اختلف فلا بأس به من قبل أن مأكوله
مغيب وأن قشره يختلف في الثقل والخفة فلا يكون أبدا إلا مجهولا بمجهول، فإذا كسر فخرج مأكوله
فلا بأس في بعضه ببعض يدا بيد مثلا بمثل، وإن كان كيلا فكيلا وإن كان وزنا فوزنا، ولا يجوز
الخبز بعضه ببعض عددا ولا وزنا ولا كيلا من قبل أنه إذا كان رطبا فقد ييبس فينقص، وإذا انتهى
يبسه فلا يستطاع أن يكتال وأصله الكيل فلا خير فيه وزنا لأنا لا نحيل الوزن إلى الكيل (أخبرنا الربيع)
قال (قال الشافعي) وأصله الوزن والكيل بالحجاز، فكل ما وزن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
فأصله الوزن وكل ما كيل فأصل بالكيل، وما أحدث الناس منه مما يخالف ذلك رد إلى الأصل (قال
الشافعي) وإذا ابتاع الرجل ثمر النخلة أو النخل بالحنطة فتقابضا فلا بأس بالبيع لأنه لا أجل فيه،
وإني أعد القبض في رؤوس النخل قبضا كما أعد قبض الجزاف قبضا إذا خلى المشترى بينه وبينه لا
حائل دونه فلا بأس فإن تركته أنا فالترك من قبلي ولو أصيب كان على لأني قابض له ولو أني اشتريته
على أن لا أقبضه إلى غد أو أكثر من ذلك فلا خير فيه لأني إنما اشتريت الطعام بالطعام إلى أجل،
وهكذا اشتراؤه بالذهب والفضة لا يصلح أن أشتريه بهما على أن أقبضه في غد أو بعد غد لأنه قد يأتي
غد أو بعد غد فلا يوجد، ولا خير في اللبن الحليب باللبن المضروب لأن في المضروب ماء فهو ماء
ولبن، ولو لم يكن فيه ماء فأخرج زبده لم يجز بلبن لم يخرج زبده لأنه قد أخرج منه شئ هو من نفس
جسده ومنفعته، وكذلك لا خير في تمر قد عصر وأخرج صفوه بتمر لم يخرج صفوه كيلا بكيل من
قبل أنه قد أخرج منه شئ من نفسه، وإذا لم يغير عن خلقته فلا بأس به (قال الشافعي) ولا يجوز
اللبن باللبن إلا مثلا بمثل كيلا بكيل يدا بيد ولا يجوز إذا خلط في شئ منه ماء بشئ قد خلط فيه ماء
ولا بشئ لم يخلط فيه ماء لأنه ماء ولبن بلبن مجهول، والألبان مختلفة، فيجوز لبن الغنم بلبن الغنم
الضأن والمعز وليس لبن الظباء منه، ولبن البقر بلبن الجواميس والعراب وليس لبن البقر الوحش منه،
ويجوز لبن الإبل بلبن الإبل العراب والبخت، وكل هذا صنف: الغنم صنف، والبقر صنف، والإبل
صنف، وكل صنف غير صاحبه فيجوز بعضه ببعض متفاضلا يدا بيد ولا يجوز نسيئة، ويجوز أنسيه
بوحشيه متفاضلا وكذلك لحومه مختلفة يجوز الفضل في بعضها على بعض يدا بيد، ولا يجوز نسيئة،
ويجوز رطب بيابس إذا اختلف، ورطب برطب، ويابس، بيابس، فإذا كان منها شئ من صنف
واحد مثل لحم غنم بلحم غنم لم يجز رطب برطب ولا رطب بيابس، وجاز إذا يبس فانتهى يبسه
بعضه ببعض وزنا، والسمن مثل اللبن (قال الشافعي) ولا خير في مد زبد ومد لبن بمدى زبد، ولا
خير في جبن بلبن: لأنه قد يكون من اللبن جبن، إلا أن يختلف اللبن والجبن فلا يكون به بأس (قال
الشافعي) وإذا أخرج زبد اللبن فلا بأس بأن يباع بزبد وسمن لأنه لا زبد في اللبن ولا سمن، وإذا لم
يخرج زبده فلا خير فيه بسمن ولا زبد، ولا خير في الزيت إلا مثلا بمثل يدا بيد إذا كان من صنف
واحد، فإذا اختلف فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة، ولا بأس
بزيت الزيتون بزيت الفجل، وزيت الفجل بالشيرق متفاضلا (قال الشافعي) ولا خير في خل العنب
بخل العنب إلا سواء، ولا بأس بخل العنب بخل التمر، وخل القصب، لأن أصوله مختلفة، فلا
بأس بالفضل في بعضه على بعض. وإذا كان خل لا يوصل إليه إلا بالماء مثل خل التمر وخل الزبيب
فلا خير فيه بعضه ببعض من قبل أن الماء يكثر ويقل، ولا بأس به إذا اختلف، والنبيذ الذي لا يسكر
مثل الخل (قال الشافعي) ولا بأس بالشاة الحية التي لا لبن فيها حين تباع باللبن يدا بيد ولا خير فيها إن
81

كان فيها لبن حين تباع باللبن لأن للبن الذي فيه حصة من اللبن الموضوع لا تعرف وإن كانت مذبوحة لا
لبن فيها فلا بأس بها بلبن ولا خير فيها مذبوحة بلبن إلى أجل ولا بأس بها قائمة لا لبن فيها بلبن إلى أجل
لأنه عرض بطعام ولان الحيوان غير الطعام فلا بأس بما سميت من أصناف الحيوان بأي طعام شئت إلى
أجل لأن الحيوان ليس من الطعام ولا مما فيه ربا ولا بأس بالشاة للذبح بالطعام إلى أجل (قال
الشافعي) ولا بأس بالشاة باللبن إذا كانت الشاة لا لبن فيها، من قبل أنها حينئذ بمنزلة العرض بالطعام
والمأكول كل ما أكله بنو آدم وتداووا به حتى الإهليلج والصبر فهو بمنزلة الذهب بالذهب والورق
بالذهب وكل ما لم يأكله بنو آدم وأكلته البهائم فلا بأس ببعضه ببعض متفاضلا يدا بيد وإلى أجل
معلوم (قال الشافعي) والطعام بالطعام إذا اختلف بمنزلة الذهب بالورق سواء، يجوز فيه ما يجوز فيه،
ويحرم فيه ما يحرم فيه (قال الشافعي) وإذا اختلف أجناس الحيتان فلا بأس ببعضها ببعض متفاضلا
وكذلك لحم الطير إذا اختلف أجناسها ولا خير في اللحم الطري بالمالح والمطبوخ ولا باليابس على كل
حال ولا يجوز الطري ولا اليابس بالطري حتى يكونا يابسين أو حتى تختلف أجناسهما فيجوز على
كل حال كيف كان (قال الربيع) ومن زعم أن اليمام من الحمام فلا يجوز لحم اليمام بلحم الحمام متفاضلا
ولا يجوز إلا يدا بيد مثلا بمثل، إذا انتهى يبسه، وإن كان من غير الحمام، فلا بأس به متفاضلا (قال
الشافعي) ولا يباع اللحم بالحيوان على كل حال، كان من صنفه أو من غير صنفه (قال الشافعي)
أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع
الحيوان باللحم (قال الشافعي) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن القاسم بن أبي بزة قال قدمت المدينة
فوجدت جزورا قد جزرت فجزئت أجزاء كل جزء منها بعناق فأردت أن أبتاع منها جزءا فقال لي رجل
من أهل المدينة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع حي بميت فسألت عن ذلك الرجل
فأخبرت عنه خيرا قال أخبرنا ابن أبي يحيى عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس عن أبي بكر
الصديق أنه كره بيع الحيوان باللحم (قال الشافعي) سواء كان الحيوان يؤكل لحمه أو لا يؤكل (قال
الشافعي) سواء اختلف اللحم والحيوان أو لم يختلف ولا بأس بالسلف في اللحم إذا دفعت ما سلفت
فيه قبل أن تأخذ من اللحم شيئا وتسمى اللحم ما هو والسمانة والموضع والأجل فيه، فإن تركت من
هذا شيئا لم يجز ولا خير في أن يكون الأجل فيه إلا واحدا فإذا كان الأجل فيه واحدا ثم شاء أن يأخذ
منه شيئا في كل يوم أخذه وإن شاء أن يترك ترك (قال الشافعي) ولا خير في أن يأخذ مكان لحم ضأن
قد حل لحم بقر، لأن ذلك بيع الطعام، قبل أن يستوفى (قال الشافعي) ولا خير في السلف في
الرؤوس ولا في الجلود من قبل أنه لا يوقف للجلود على ذرع وأن خلقتها تختلف فتتباين في الرقة والغلظ
وأنها لا تستوى على كيل ولا وزن، ولا يجوز السلف في الرؤوس لأنها لا تستوى على وزن ولا تضبط
بصفة فتجوز كما تجوز الحيوانات المعروفة بالصفة، ولا يجوز أن تشترى إلا يدا بيد (قال الشافعي) ولا
بأس بالسلف في الطري من الحيتان إن ضبط بوزن وصفة من صغر وكبر وجنس من الحيتان مسمى لا
يختلف في الحال التي يحل فيها فإن أخطأ من هذا شيئا لم يجز (قال الشافعي) ولا بأس بالسلف في
الحيوان كله في الرقيق والماشية والطير إذا كان تضبط صفته ولا يختلف في الحين الذي يحل فيه وسواء
كان مما يستحيا أو مما لا يستحيا فإذا حل من هذا شئ وهو من أي شئ ابتيع لم يجز لصاحبه أن يبيعه
قبل أن يقبضه ولا يصرفه إلى غيره ولكنه يجوز له أن يقيل من أصل البيع ويأخذ الثمن ولا يجوز أن يبيع
الرجل الشاة ويستثنى شيئا منها جلدا ولا غيره في سفر ولا حضر ولو كان الحديث ثبت عن النبي صلى
82

الله عليه وسلم في السفر أجزناه في السفر والحضر (قال الشافعي) فإن تبايعا على هذا فالبيع باطل وإن
أخذ ما استثنى من ذلك وفات رجع البائع على المشترى فأخذ منه قيمة اللحم يوم أخذه (قال
الشافعي) ولا خير في أن يسلف رجل في لبن غنم بأعيانها، سمى الكيل أو لم يسمه كما لا يجوز أن
يسلف في طعام أرض بعينها، فإن كان اللبن من غنم بغير أعيانها فلا بأس وكذلك إن كان الطعام من
غير أرض بعينها فلا بأس (قال) ولا يجوز أن يسلف في لبن غنم بعينها الشهر ولا أقل من ذلك ولا أكثر
بكيل معلوم كما لا يجوز أن يسلف في ثمر حائط بعينه ولا زرع بعينه، ولا يجوز السلف بالصفة إلا في
الشئ المأمون أن ينقطع من أيدي الناس في الوقت الذي يحل فيه ولا يجوز أن يباع لبن غنم بأعيانها
شهرا يكون للمشترى ولا أقل من شهر ولا أكثر من قبل أن الغنم يقل لبنها ويكثر وينفذ وتأتى عليه
الآفة وهذا بيع ما لم يخلق قط وبيع ما إذا خلق كان غير موقوف على حده بكيل لأنه يقل ويكثر
وبغير صفة لأنه يتغير فهو حرام من جميع جهاته وكذلك لا يحل بيع المقاثئ بطونا وإن طاب البطن
الأول لأن البطن الأول وإن رئ فحل بيعه على الانفراد فما بعده من البطون لم ير، وقد يكون قليلا
فاسدا ولا يكون وكثيرا جيدا وقليلا معيبا وكثيرا بعضه أكثر من بعض فهو محرم في جميع جهاته ولا يحل
البيع إلا على عين يراها صاحبها أو بيع مضمون على صاحبه بصفة يأتي بها على الصفة ولا يحل بيع
ثالث (قال الشافعي) ولا خير في أن يكترى الرجل البقرة ويستثنى حلابها لأن ههنا بيعا حراما وكراء
(قال الشافعي) ولا خير في أن يشترى الرجل من الرجل الطعام الحاضر على أن يوفيه إياه بالبلد ويحمله
إلى غيره لأن هذا فاسد من وجوه، أما أحدها إذا استوفاه بالبلد خرج البائع من ضمانه وكان على
المشترى حمله فإن هلك قبل أن يأتي البلد الذي حمله إليه لم يدر، كم حصة البيع من حصة الكراء؟
فيكون الثمن مجهولا والبيع لا يحل بثمن مجهول فأما أن يقول هو من ضمان الحامل حتى يوفيه إياه بالبلد
الذي شرط له أن يحمله إليه فقد زعم أنه إنما اشتراه على أن يوفيه ببلد فاستوفاه ولم يخرج البائع من
ضمانه ولا أعلم بائعا يوفى رجلا بيعا إلا خرج من ضمانه ثم إن زعم أنه مضمون ثانية، فبأي شئ
ضمن بسلف أو بيع أو غصب فهو ليس في شئ من هذه المعاني فإن زعم أنه ضمن بالبيع الأول
فهذا شئ واحد بيع مرتين وأوفى مرتين والبيع في الشئ الواحد لا يكون مقبوضا مرتين (قال الشافعي)
ولا خير في كل شئ كان فيه الربا في الفضل بعضه على بعض وإذا اشترى الرجل السمن أو الزيت
وزنا بظروفه، فإن شرط الظرف في الوزن فلا خير فيه وإن اشتراها وزنا على أن يفرغها ثم يزن الظرف
فلا بأس وسواء الحديد والفخار والزقاق (قال الشافعي) ومن اشترى طعاما يراه في بيت أو حفرة (1) أو
هرى أو طاقة فهو سواء فإذا وجد أسفله متغيرا عما رأى أعلاه فله الخيار في أخذه أو تركه لأن هذا
عيب وليس يلزمه العيب إلا أن يشاء كثر ذلك أو قل (قال الشافعي) نهى رسول الله صلى الله لي عليه
وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فإذا كان الحائط للرجل وطلعت الثريا واشتدت النواة واحمر
بعضه أو أصفر، حل بيعه على أن يترك إلى أن يجد وإذا لم يظهر ذلك في الحائط لم يحل بيعه وإن ظهر
ذلك فيما حوله، لأنه غير ما حوله وهذا إذا كان الحائط نخلا كله ولم يختلف النخل، فأما إذا كان نخلا
وعنبا أو نخلا وغيره من الثمر فبدا صلاح صنف منه فلا يجوز أن يباع النصف الآخر الذي لم يبد

(1) قوله: أو هرى - بضم الهاء وسكون الراء المهملة - بيت كبير ضخم يجمع فيه طعام السلطان. كما في
اللسان كتبه مصححه.
83

صلاحه ولا يجوز شراء ما كان المشترى منه تحت الأرض مثل الجزر والبصل والفجل وما أشبه ذلك
ويجوز شراء ما ظهر من ورقه لأن المغيب منه يقل ويكثر ويكون ولا يكون ويصغر ويكبر وليس بعين
ترى فيجوز شراؤها ولا مضمون بصفة فيجوز شراؤه ولا عين غائبة فإذا ظهرت لصاحبها كان له الخيار
ولا أعلم البيع يخرج من واحدة من هذه الثلاث (قال الشافعي) وإذا كان في بيع الزرع قائما خبر
يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أجازه في حال دون حال فهو جائز في الحال التي أجازه فيها
وغير جائز في الحال التي تخالفه، وإن لم يكن فيه خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز بيعه
على حال لأنه مغيب يقل ويكثر ويفسد ويصلح كما لا يجوز بيع حنطة في جراب ولا غرارة وهما كانا
أولى أن يجوزا منه، ولا يجوز بيع القصيل إلا على أن يقطع مكانه إذا كان القصيل مما يستخلف، وإن
تركه انتقض فيه البيع لأنه يحدث منه ما ليس في البيع وإن كان القصيل مما يستخلف ولا يزيد لم يجز
أيضا بيعه إلا على أن يقطعه مكانه فإن قطعه أو نتفه فذلك له وإن لم ينتفه فعليه قطعه إن شاء رب
الأرض والثمرة له لأنه اشترى أصله ومتى ما شاء رب الأرض أن يقلعه عنه قلعه وإن تركه رب الأرض
حتى تطيب الثمر فلا بأس وليس للبائع من الثمرة شئ (قال) وإذا ظهر القرط أو الحب فاشتراه على أن
يقطعه مكانه فلا بأس وإذا اشترط أن يتركه فلا خير فيه، وإذا اشترى الرجل ثمرة لم يبد صلاحها على أن
يقطعها فالبيع جائز وعليه أن يقطعها متى شاء رب النخل وإن تركه رب النخل متطوعا فلا بأس
والثمرة للمشترى ومتى أخذه بقطعها قطعها فإن اشتراها على أن يتركه إلى أن يبلغ فلا خير في الشراء فإن
قطع منها شيئا فكان له مثل رد مثله ولا أعلم له مثلا، وإذا لم يكن له مثل رد قيمته والبيع منتقض ولا
خير في شراء التمر إلا بنقد أو إلى أجل معلوم والأجل المعلوم بوم بعينه من شهر بعينه أو هلال شهر بعينه
فلا يجوز البيع إلى العطاء ولا إلى الحصاد ولا إلى الجداد لأن ذلك يتقدم ويتأخر وإنما قال الله تعالى
" إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى " وقال عز وجل " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس
والحج " فلا توقيت إلا بالأهلة أو سنى الأهلة (قال) ولا خير في بيع قصيل الزرع كان حبا أو قصيلا
على أن يترك إلا أن يكون في ذلك خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن فيه خبر فلا خير فيه
(قال الشافعي) ومن اشترى نخلا فيها ثمر قد أبرت فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع، فإن اشترطها
المبتاع فجائز، من قبل أنها في نخله وإن كانت لم تؤبر فهي للمبتاع وإن اشترطها البائع فذلك جائز
لأن صاحب النخل ترك له كينونة الثمرة في نخله حين باعه إياها إذا كان استثنى على أن يقطعها فإن
استثنى على أن يقرها فلا خير في البيع لأنه باعه ثمرة لم يبد صلاحها على أن تكون مقرة إلى وقت قد
تأتى عليها الآفة قبله ولو استثنى بعضها لم يجز إلا أن يكون النصف معلوما فيستثنيه على أن يقطعه ثم إن
تركه بعد لم يحرم عليه والاستثناء مثل البيع يجوز فيه ما يجوز في البيع ويفسد فيه ما يفسد فيه (قال)
وإذا أبر من النخل واحدة فثمرها للبائع وإن لم يؤبر منها شئ فثمرها للمبتاع كما إذا طاب من النخل
واحدة يحل بيعه وإن لم يطب الباقي منه، فإن لم يطب منه شئ لم يحل بيعه ولا شئ مثل ثمر النخل
أعرفه إلا الكرسف فإنه يخرج في أكمامه كما يخرج الطلع في أكمامه ثم ينشق فإذا انشق منه شئ فهو
كالنخل يؤبر وإذا انشق النخل ولم يؤبر فهي كالابار لأنهم يبادرون به إبارته إنما يؤبر ساعة ينشق وإلا
فسد فإن كان من الثمر شئ يطلع في أكمامه ثم ينشق فيصير في انشقاقه فهو كالابار في النخل وما كان
من الثمر يطلع كما هو لا كمام عليه أو يطلع عليه كمام ثم لا يسقط كمامه فطلوعه كإبار النخل لأنه ظاهر فإذا
باعه رجل وهو كذلك فالثمرة له إلا أن يشترطه المبتاع ومن باع أرضا فيها زرع تحت الأرض أو فوقها بلغ
84

أو لم يبلغ فالزرع للبائع والزرع غير الأرض (قال الشافعي) ومن باع ثمر حائطه فاستثنى منه مكيلة،
قلت أو كثرت، فالبيع فاسد لأن المكيلة قد تكون نصفا أو ثلثا أو أقل أو أكثر فيكون المشترى لم يشتر
شيئا يعرفه ولا البائع، ولا يجوز أن يستثنى من جزاف باعه شيئا إلا ما لا يدخله في البيع وذلك مثل
نخلات يستثنين بأعيانهن فيكون باعه ما سواهن أو ثلث أو ربع أو سهم من أسهم جزاف فيكون ما لم
يستثن داخلا في البيع وما استثنى خارجا منه فأما أن يبيعه جزافا لا يدرى كم هو ويستثنى منه كيلا
معلوما فلا خير فيه لأن البائع حينئذ لا يدرى ما باع والمشترى لا يدرى ما اشترى، ومن هذا أن يبيعه
الحائط فيستثنى منه نخلة أو أكثر لا يسميها بعينها فيكون الخيار في استثنائها إليه فلا خير فيه لأن لها حظا
من الحائط لا يدرى كم هو، وهكذا الجزاف كله (قال الشافعي) ولا يجوز لرجل أن يبيع رجلا شيئا
ثم يستثنى منه شيئا لنفسه ولا لغيره إلا أن يكون ما استثنى منه خارجا من البيع لم يقع عليه صفقة البيع
كما وصفت وإن باعه ثمر حائط على أن له ما سقط من النخل فالبيع فاسد من قبل أن الذي يسقط منها
قد يقل ويكثر أرأيت لو سقطت كلها أتكون له؟ فأي شئ باعه إن كانت له؟ أو رأيت لو سقط
نصفها أيكون له النصف بجميع الثمن؟ فلا يجوز الاستثناء إلا كما وصفت (قال الشافعي) ومن باع ثمر
حائط رجل وقبضه منه وتفرقا ثم أراد أن يشتريه كله أو بعضه فلا بأس به (قال الشافعي) وإذا اكترى
الرجل الدار وفيها نخل قد طاب ثمره على أن له الثمرة فلا يجوز من قبل أنه كراء وبيع وقد ينفسخ الكراء
بانهدام الدار ويبقى ثمر الشجر الذي اشترى فيكون بغير حصة من الثمن معلوما (1) والبيوع لا تجوز إلا
معلومة الأثمان فإن قال قد يشترى العبد والعبدين والدار والدارين صفقة واحدة؟ قيل نعم فإذا انتقض
البيع في أحد الشيئين المشتريين انتقض في الكل وهو مملوك الرقاب كله والكراء ليس بمملوك الرقبة إنما
هو مملوك المنفعة والمنفعة ليست بعين قائمة، فإذا أراد أن يشترى ثمرا ويكترى دارا تكارى الدار على
حدة واشترى الثمرة على حدة ثم حل في شراء الثمرة ما يحل في شراء الثمرة بغير كراء ويحرم فيه ما يحرم
فيه (قال الشافعي) ولا بأس ببيع؟؟؟ (2) أحدهما بصاحبه استويا أو اختلفا إذا لم يكن فيها ثمر فإن
كان فيهما تمر فكان التمر مختلفا فلا بأس به إذا كان الثمر قد طاب أو لم يطب وإن كان ثمره واحدا فلا خير
فيه (قال الربيع) إذا بعتك حائطا بحائط وفيهما جميعا ثمر فإن كان الثمران مختلفين مثل أن يكون كرم فيه
عنب أو زبيب بحائط نخل فيه بسر أو رطب بعتك الحائط بالحائط على أن لكل واحد حائطا بما فيه فإن
البيع جائز وإن كان الحائطان مستويي الثمر مثل النخل ونخل فيهما الثمر فلا يجوز من قبل أني بعتك حائطا
وثمرا بحائط وثمر والثمر بالثمر لا يجوز (قال الربيع) معنى القصيل عندي الذي ذكره الشافعي إذا كان قد
سنبل فأما إذا لم يسنبل وكان بقلا فاشتراه على أن يقطعه فلا بأس (قال الشافعي) عامل رسول الله صلى
الله عليه وسلم أهل خيبر على الشطر وخرص بينهم وبينه ابن رواحة وخرص النبي صلى الله عليه وسلم تمر
المدينة وأمر بخرص أعناب أهل الطائف فأخذ العشر منهم بالخرص والنصف من أهل خيبر بالخرص
فلا بأس أن يقسم ثمر العنب والنخل بالخرص ولا خير في أن يقسم ثمر غيرهما بالخرص لأنهما
الموضعان اللذان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخرص فيهما ولم نعلمه أمر بالخرص في غيرهما

(1) قوله: معلوما، كذا بالأصول، ولعله حال من حصة بمعنى جزء من الثمن، وحرر. كتبه مصححه.
(2) قوله: الحانين، كذا بالأصول المعول عليها بأيدينا، بدون نقط. ولعله محرف عن " الحائطين " بدليل كلام
الربيع بعد. اه‍ مصححه.
85

وأنهما مخالفان لما سواهما من الثمر باستجماعهما وأنه لا حائل دونهما من ورق ولا غيره وأن معرفة خرصهما
تكاد أن تكون بائنة ولا تخطئ ولا يقسم شجر غيرهما بخرص ولا ثمرة بعدما يزايل شجره بخرص
(قال الشافعي) وإذا كان بين القوم الحائط، فيه الثمر لم يبد صلاحه فأرادوا اقتسامه فلا يجوز قسمه
بالثمرة بحال وكذلك إذا بدا صلاحها لم يجز قسمه من قبل أن للنخل والأرض حصة من الثمن وللثمرة
حصة من الثمن فتقع الثمرة بالثمرة مجهولة لا بخرص ولا بيع ولا يجوز قسمه إلا أن يكونا يقتسمان الأصل
وتكون الثمرة بينهما مشاعة إن كانت لم تبلغ أو كانت قد بلغت غير أنها إذا بلغت فلا بأس أن يقتسماها
بالخرص قسما منفردا وإن أرادا أن يكونا يقتسمان الثمرة مع النخل اقتسماها ببيع من البيوع فقوما كل
سهم بأرضه وشجره وثمره ثم أخذا بهذا البيع لا بقرعة (قال الشافعي) وإذا اختلف فكان نخلا وكرما
فلا بأس أن يقسم أحدهما بالآخر وفيهما ثمرة لأنه ليس في تفاضل الثمرة بالثمرة تخالفها ربا في يد بيد،
وما جاز في القسم على الضرورة جاز في غيرها وما لم يجز في الضرورة لم يجز في غيرها (قال الشافعي)
ولا يصلح السلم في ثمر حائط بعينه لأنه قد ينفذ ويخطئ ولا يجوز السلم في الرطب من الثمر إلا بأن
يكون محله في وقت تطيب الثمرة فإذا قبض بعضه ونفدت الثمرة الموصوفة قبل قبض الباقي منها كان
للمشترى أن يأخذ رأس ماله كله ويرد عليه مثل قيمة ما أخذ منه، وقيل يحسب عليه ما أخذ بحصته
من الثمن فكان كرجل اشترى مائة إردب فأخذ منها خمسين وهلكت خمسون فله أن يرد الخمسين وله
الخيار في أن يأخذ الخمسين بحصته من الثمن ويرجع بما بقي من رأس ماله وله الخيار في أن يؤخره
حتى يقبض منه رطبا في قابل بمثل صفة الرطب الذي بقي له ومكيلته كما يكون له الحق من الطعام في
وقت لا يجده فيه فيأخذه بعده (قال الشافعي) ولا خير في الرجل يشترى من الرجل له الحائط النخلة
أو النخلتين أو أكثر أو أقل على أن يستجنيها متى شاء على أن كل صاع بدينار لأن هذا لا بيع جزاف
فيكون من مشتريه إذا قبضه، ولا بيع كيل يقبضه صاحبه مكانه وقد يؤخره فيضمن إذا قرب أن يثمر
وهو فاسد من جميع جهاته (قال الشافعي) ولا خير في أن يشترى شيئا يستجنيه بوجه من الوجوه إلا
أن يشترى نخلة بعينها أو نخلات بأعيانهن ويقبضهن فيكون ضمانهن منه ويستجدهن كيف شاء ويقطع
ثمارها متى شاء أو يشتريهن وتقطعن له مكانه فلا خير في شراء إلا شراء عين تقبض إذا اشتريت لا
حائل دون قابضها أو صفة مضمونة على صاحبها وسواء في ذلك الأجل القريب والحال البعيد لا
اختلاف بين ذلك ولا خير في الشراء إلا بسعر معلوم ساعة يعقدان البيع وإذا أسلف الرجل الرجل في
رطب أو تمر أو ما شاء فكله سواء، فإن شاء أن يأخذ نصف رأس ماله ونصف سلفه فلا بأس إذا كان
له أن يقيله من السلف كله ويأخذ منه السلف كله فلم لا يكون له أن يأخذ النصف من سلفه والنصف
من رأس ماله؟ فإن قالوا كره ذلك ابن عمر فقد إجازة ابن عباس وهو جائز في القياس ولا يكون له
أن يأخذ نصف سلفه ويشترى منه بما بقي طعاما ولا غيره لأنه له عليه طعاما وذلك بيع الطعام قبل أن
يقبض ولكن يفاسخه البيع حتى يكون له عليه دنانير حالة وإذا سلف الرجل الرجل في رطب إلى أجل
معلوم فنفد الرطب قبل أن يقبض هذا حقه بتوان أو ترك من المشترى أو البائع أو هرب من البائع فالمشترى
بالخيار بين أن يأخذ رأس ماله لأنه معوز بماله في كل حال لا يقدر عليه وبين أن يؤخره إلى أن يمكن
الرطب بتلك الصفة فيأخذه به وجائز أن يسلف في ثمر رطب في غير أوانه إذا اشترط أن يقبضه في
زمانه ولا خير أن يسلف في شئ إلا في شئ مأمون لا يعوز في الحال التي اشترط قبضه فيها فإن سلفه
في شئ يكون في حال ولا يكون لم أجز فيه السلف وكان كمن سلف في حائط بعينه وأرض بعينها
86

فالسلف في ذلك مفسوخ وإن قبض سلفه رد عليه ما قبض منه وأخذ رأس ماله (1).
87

باب الشهادة في البيوع
قال الله تعالى: " وأشهدوا إذا تبايعتم " (قال الشافعي) رحمه الله فاحتمل أمر الله عز وجل
بالاشهاد عند البيع أمرين أحدهما أن تكون الدلالة على ما فيه الحظ بالشهادة ومباح تركها لا حتما
يكون من تركه عاصيا بتركه واحتمل أن يكون حتما منه يعصى من تركه بتركه والذي اختار أن لا يدع
المتبايعان الاشهاد وذلك أنهما إذا أشهدا لم يبق في أنفسهما شئ لأن ذلك إن كان حتما فقد أدياه وإن
كان دلالة فقد أخذا بالحظ فيها وكل ما ندب الله تعالى إليه من فرض أو دلالة فهو بركة على من فعله
ألا ترى أن الاشهاد في البيع إن كان فيه دلالة كان فيه أن المتبايعين أو أحدهما إن أراد ظلما قامت
البينة عليه فيمنع من الظلم الذي يأثم به وإن كان تاركا لا يمنع منه ولو نسي أو وهم فجحد منع من المأثم
على ذلك بالبينة وكذلك ورثتهما بعدهما، أو لا ترى أنهما أو أحدهما لو وكل وكيلا أن يبيع فباع هذا
رجلا وباع وكيله آخر ولم يعرف أي البيعين أول؟ لم يعط الأول من المشتريين بقول البائع ولو كانت بينة
فأثبتت أيهما أول أعطى الأول فالشهادة سبب قطع التظالم وتثبت الحقوق وكل أمر الله عز وجل ثم أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم الخير الذي لا يعتاض منه من تركه فإن قال قائل فأي المعنيين أولى بالآية
الحتم بالشهادة أم الدلالة؟ فإن الذي يشبه والله أعلم وإياه أسأل التوفيق أن يكون دلالة لا حتما يحرج
من ترك الاشهاد فإن قال ما دل على ما وصفت؟ قيل قال الله عز وجل " وأحل الله البيع وحرم الربا "
فذكر أن البيع حلال ولم يذكر معه بينة وقال عز وجل في آية الدين " إذا تداينتم بدين " والدين تبايع
وقد أمر فيه بالاشهاد فبين المعنى الذي أمر له به فدل ما بين الله عز وجل في الدين على أن الله عز
وجل إنما أمر به على النظر والاحتياط لا على الحتم قلت قال الله تعالى " إذا تداينتم بدين إلى أجل
88

مسمى فاكتبوه " ثم قال في سياق الآية " وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن
بعضكم بعضا فليؤد الذي ائتمن أمانته " فلما أمر إذا لم يجدوا كاتبا بالرهن ثم أباح ترك الرهن وقال " فإن
أمن بعضكم بعضا " دل على أن الأمر الأول دلالة على الحظ لا فرض منه يعصى من تركه والله أعلم،
وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بايع أعرابيا في فرس فجحد لاعرابي بأمر بعض المنافقين
ولم يكن بينهما بينة فلو كان حتما لم يبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا بينة وقد حفظت عن عدة
لقيتهم مثل معنى قولي من أنه لا يعصى من ترك الاشهاد وأن البيع لازم، إذا تصادقا لا ينقضه أن لا
تكون بينة كما ينقض النكاح، لاختلاف حكمهما (1).
باب السلف والمراد به السلم
(قال الشافعي) رحمه الله قال الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى
89

فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل - إلى قوله - وليتق الله ربه " (قال الشافعي) فلما أمر الله عز
وجل بالكتاب ثم رخص في الاشهاد إن كانوا على سفر ولم يجدوا كاتبا احتمل أن يكون فرضا وأن
يكون دلالة فلما قال الله جل ثناؤه " فرهان مقبوضة " والرهن غير الكتاب والشهادة ثم قال " فإن أمن
بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق الله ربه " دل كتاب الله عز وجل على أن أمره بالكتاب ثم
الشهود ثم الرهن إرشادا لا فرضا عليهم لأن قوله " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته "
إباحة لأن يأمن بعضهم بعضا فيدع الكتاب والشهود والرهن (قال) وأحب الكتاب والشهود لأنه
إرشاد من الله ونظر للبائع والمشترى وذلك أنهما إن كان أمينين فقد يموتان أو أحدهما فلا يعرف حق
90

البائع على المشترى فيتلف على البائع أو ورثته حقه وتكون التباعة على المشترى في أمر لم يرده، وقد يتغير
عقل المشترى فيكون هذا والبائع (1) وقد يغلط المشترى فلا يقر فيدخل في الظلم من حيث لا يعلم
ويصيب ذلك البائع فيدعى ما ليس له فيكون الكتاب والشهادة قاطعا هذا عنهما وعن ورثتهما ولم يكن
يدخله ما وصفت انبغى لأهل دين الله اختيار ما ندبهم الله إليه إرشاد ومن تركه فقد ترك حزما وأمرا لم
أحب تركه من غير أن أزعم أنه محرم عليه بما وصفت من الآية بعده (قال الشافعي) قال الله عز وجل
" ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " يحتمل أن يكون حتما على من دعى للكتاب فإن تركه تارك
كان عاصيا، ويحتمل أن يكون كما وصفنا في كتاب جماع العلم على من حضر من الكتاب أن لا يعطلوا
كتاب حق بين رجلين فإذا قام به واحدا أجزأ عنهم كما حق عليهم أن يصلوا على الجنائز ويدفنوها فإذا
قام بها من يكفيها أخرج ذلك من تخلف عنها من المأثم، ولو ترك كل من حضر من الكتاب خفت أن

(1) قوله: " والبايع " كذا بالأصل، ولعله مبتدأ والخبر محذوف، تقديره " والبايع كذلك " أي قد يموت أو يتغير
عقله، فيكون هذا. ويحتمل غير ذلك، فتأمل، اه‍ مصححه.
91

يأثموا بل كأني لا أراهم يخرجون من المأثم وأيهم قام به أجزأ عنهم (قال الشافعي) وهذا أشبه معانيه به
والله تعالى أعلم (قال الشافعي) وقول الله جل ذكره " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " يحتمل ما وصفت
من أن يأبى كل شاهد ابتدئ فيدعى ليشهد ويحتمل أن يكون فرضا على من حضر الحق أن يشهد
منهم من فيه الكفاية للشهادة فإذا شهدوا أخرجوا غيرهم من المأثم وإن ترك من حضر الشهادة خفت
حرجهم بل لا أشك فيه وهذا أشبه معانيه به والله تعالى أعلم، قال فأما من سبقت شهادته بأن أشهد
أو علم حقا لمسلم أو معاهد فلا يسعه التخلف عن تأدية الشهادة متى طلبت منه في موضع مقطع الحق
(قال الشافعي) والقول في كل دين سلف أو غيره كما وصفت، وأحب الشهادة في كل حق لزم من
بيع وغيره نظرا في المتعقب لما وصفت وغيره من تغير العقول (قال الشافعي) في قول الله عز وجل
" فليملل وليه بالعدل " دلالة على تثبيت الحجر وهو موضوع في كتاب الحجر (قال الشافعي) وقول الله
92

تعالى " إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى " يحتمل كل دين ويحتمل السلف خاصة، وقد ذهب فيه ابن
عباس إلى أنه في السلف (أخبرنا) الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أيوب عن قتادة عن أبي حسان
93

الأعرج عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله
الله تعالى في كتابه وأذن فيه ثم قال " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى " (قال
الشافعي) وإن كان كما قال ابن عباس في السلف قلنا به في كل دين قياسا عليه لأنه في معناه،
والسلف جائز في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار وما لا يختلف فيه أهل العلم علمته (قال
الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن ابن عباس أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين وربما قال السنتين والثلاث فقال
" من سلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم " (قال الشافعي) حفظته كما وصفت من
سفيان مرارا (قال الشافعي) وأخبرني من أصدقة عن سفيان أنه قال كما قلت وقال في الأجل إلى أجل
معلوم (أخبرنا) سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول لا
نرى بالسلف بأسا الورق في الورق نقدا (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو
ابن دينار أن ابن عمر كان يجيزه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أنه كان يقول لا بأس أن يسلف
الرجل في طعام موصوف بسعر معلوم إلى أجل مسمى (قال الشافعي) أخبرنا ابن علية عن أيوب عن
محمد بن سيرين أنه سئل عن الرهن في السلف فقال إذا كان البيع حلالا فإن الرهن مما أمر به (قال
الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه كان لا يرى بأسا بالرهن والحميل
في السلم وغيره (قال الشافعي) والسلم السلف وبذلك أقول لا بأس فيه بالرهن والجميل لأنه بيع من
البيوع وقد أمر الله جل ثناؤه بالرهن فأقل أمره تبارك وتعالى أن يكون إباحة له فالسلم بيع من البيوع
(قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بأسا ان يسلف الرجل في
شئ يأخذ فيه رهنا أو حميلا (قال الشافعي) ويجمع الرهن والحميل ويتوثق ما قدر عليه حقه (أخبرنا) سعيد
ابن سالم عن ابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند أبي
الشحم اليهودي رجل من بنى ظفر (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن يحيى بن سعيد عن نافع
عن ابن عمر أنه كان لا يرى بأسا أن يبيع الرجل شيئا إلى أجل ليس عنده أصله (قال) أخبرنا سعيد
ابن سالم عن ابن جريج عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر مثله (قال الشافعي) ففي سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم دلائل، منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز أن يسلف إذا كان ما يسلف فيه
كيلا معلوما ويحتمل معلوم الكيل ومعلوم الصفة، وقال ووزن معلوم وأجل معلوم أو إلى أجل معلوم
فدل ذلك على أن قوله ووزن معلوم إذا أسلف في كيل أن يسلف في كيل معلوم وإذا سمى أن يسمى
أجلا معلوما، وإذا سلف في وزن أن يسلف في وزن معلوم، وإذا أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم
السلف في التمر السنتين بكيل ووزن وأجل معلوم كله والتمر قد يكون رطبا، وقد أجاز أن يكون في
الرطب سلفا مضمونا في غير حينه الذي يطيب فيه لأنه إذا سلف سنتين كان بعضها في غير حينه
(قال) والسلف قد يكون بيع ما ليس عند البائع فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيما عن بيع
ما ليس عنده وأذن في السلف استدللنا على أنه لا ينهى عما أمر به، وعلمنا أنه إنما نهى حكيما عن
بيع ما ليس عنده إذا لم يكن مضمونا عليه، وذلك بيع الأعيان (قال) ويجتمع السلف وهو بيع
الصفات وبيع الأعيان في أنه لا يحل فيهما بيع منهى عنه، ويفترقان في أن الجزاف يحل فيما رآه
صاحبه ولا يحل في السلف إلا معلوم بكيل أو وزن أو صفة (قال الشافعي) والسلف بالصفة والأجل
ما لا اختلاف فيه عند أحد من أهل العلم حفظت عنه (قال الشافعي) وما كتبت من الآثار بعدما كتبت
94

من القرآن والسنة والاجماع ليس لأن شيئا من هذا يزيد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوة ولا لو
خالفها ولم يحفظ معها يوههنا بل هي التي قطع الله بها العذر ولكنا رجونا الثواب في إرشاد من سمع ما
كتبنا فإن فيما كتبنا بعض ما يشرح قلوبهم لقبوله ولو تنحت عنهم الغفلة لكانوا مثلنا في الاستغناء بكتاب
الله عز وجل سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما احتاجوا إذا أمر الله عز وجل بالرهن في الدين إلى أن
يقول قائل هو جائز في السلف لأن أكثر ما في السلف أن يكون دينا مضمونا (قال الشافعي) فإذا أجاز
رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الطعام بصفة إلى أجل كان - والله تعالى أعلم - بيع الطعام بصفة
حالا أجوز لأنه ليس في البيع معنى إلا أن يكون بصفة مضمونا على صاحبه فإذا ضمن مؤخرا ضمن
معجلا وكان معجلا أعجل منه مؤخرا، والأعجل أخرج من معنى الغرر وهو مجامع له في أنه مضمون
له على بائعه بصفة.
باب ما يجوز من السلف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا يجوز جماع السلف حتى يجمع خصالا، أن يدفع المسلف ثمن
ما سلف لأن في قول النبي صلى الله عليه وسلم " من سلف فليسلف " إنما قال فليعط ولم يقل ليبايع ولا
يعطى ولا يقع اسم التسليف فيه حتى يعطيه ما سلفه قبل أن يفارق من سلفه وأن يشرط عليه أن يسلفه
فيما يكال كيلا أو فيما يوزن وزنا وميكال وميزان معروف عند العامة، فأما ميزان يريه إياه أو مكيال يريه
فيشترطان عليه فلا يجوز وذلك لأنهما لو اختلفا فيه أو هلك لم يعلم ما قدره، ولا يبالي كان مكيالا قد
أبطله السلطان أو لا إذا كان معروفا وإن كان تمرا قال تمر صيحاني أو بردى أو عجوة أو جنيب أو صنف
من التمر معروف فإن كان حنطة قال شامية أو ميسانية أو مصرية أو موصلية أو صنفا من الحنطة موصوفا
وإن كان ذرة قال حمراء أو نطيس أو هما أو صنف منهما معروف وإن كان شعيرا قال من شعير بلد كذا
وإن كان يختلف سمى صفته وقال في كل واحد من هذا جيدا أو رديئا أو وسطا وسمى أجلا معلوما إن
كان لما سلف أجل وإن لم يكن له أجل كان حالا (قال الشافعي) وأحب أن يشترط الموضع الذي
يقبضه فيه (قال الشافعي) وإن كان ما سلف فيه رقيقا قال عبد نوبي خماسي أو سداسي أو محتلم أو
وصفه بشيته وأسود هو أو أصفر أو أسحم وقال نقى من العيوب وكذلك ما سواه من الرقيق بصفة وسن
ولون وبراءة من العيوب إلا أن يشاء أن يقول إلا الكي والحمرة والشقرة وشدة السواد والحمش (1) وإن
سلف في بعير قال بعير من نعم بنى فلان ثنى غير مودن نقى من العيوب سبط الخلق أحمر مجفر الجنبين
رباعي أو بازل وهكذا الدواب يصفها بنتاجها وجنسها وألوانها وأسنانها وأنسابها وبراءتها من العيوب إلا
أن يسمى عيبا يتبرأ البائع منه (قال) ويصف الثياب بالجنس من كتان أو قطن ونسج بلد وذرع من عرض
وطول وصفاقة ودقة وجودة أو رداءة أو وسط وعتيق من الطعام كله أو جديد أو غير جديد ولا عتيق
وأن يصف ذلك بحصاد عام مسمى أصح (قال) وهكذا النحاس يصفه أبيض أو شبها أو أحمر

(1) قوله: والحمش بالشين المعجمة دقة الساقين والمودن: بضم الميم، وفتح الدال المهملة: القصير. ومجفر الجنين: بضم الكيم وسكون الجيم وفتح الفاء: واسعهما، كما في القاموس. كتبه مصححه.
95

ويصف الحديد ذكرا أو أنيثا أو بجنس إن كان له والرصاص (قال) وأقل ما يجوز فيه السلف من هذا
أن يوصف ما سلف فيه بصفة تكون معلومة عند أهل العلم أن اختلف المسلف والمسلف وإذا كانت
مجهولة لا يقام على حدها أو إلى أجل غير معلوم أو ذرع غير معلوم أو لم يدفع المسلف الثمن عند التسليف
وقبل التفرق من مقامهما فسد السلف وإذا فسد رد إلى المسلف رأس ماله (قال) فكل ما وقعت عليه
صفة يعرفها أهل العلم بالسلعة التي سلف فيها جاز فيها السلف (قال) ولا بأس أن يسلف الرجل في
الرطب قبل أن يطلع للنخل الثمر إذا اشترط أجلا في وقت يمكن فيه الرطب وكذلك الفواكه المكيلة
الموصوفة وكذلك يسلف إلى سنة في طعام جديد إذا حل (1) حقه (قال الشافعي) والجدة في الطعام
والثمر مما لا يستغنى عن شرطه لأنه قد يكون جيدا عتيقا ناقصا بالقدم (قال الشافعي) ولو اشترط في
شئ مما سلف أجود طعاما كذا أو أردأ طعام كذا أو اشترط ذلك في ثياب أو رقيق أو غير ذلك من
السلع كان السلف فاسدا لأنه لا يوقف على أجوده ولا أدناه أبدا ويوقف على جيد وردئ لأنا نأخذه
بأقل ما يقع عليه اسم الجودة والرداءة.
باب في الآجال في السلف والبيوع
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سلف فليسلف في كيل
معلوم وأجل معلوم " يدل على أن الآجال لا تحل إلا أن تكون معلومة وكذلك قال الله جل ثناؤه " إذا
تداينتم بدين إلى أجل مسمى " (قال الشافعي) ولا يصلح بيع إلى العطاء ولا حصاد ولا جداد ولا عيد
النصارى وهذا غير معلوم لأن الله تعالى حتم أن تكون المواقيت بالأهلة فيما وقت لأهل الاسلام فقال
تبارك وتعالى " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج " وقال جل ثناؤه " شهر رمضان الذي
أنزل فيه القرآن " وقال عز وجل " الحج أشهر معلومات " وقال " يسألونك عن الشهر الحرام " وقال
" واذكروا الله في أيام معدودات " (قال الشافعي) فأعلم الله تعالى بالأهلة جمل المواقيت وبالأهلة
مواقيت الأيام من الأهلة ولم يجعل علما لأهل الاسلام إلا بها فمن أعلم بغيرها فبغير ما أعلم الله أعلم
(قال الشافعي) ولو لم يكن هكذا ما كان من الجائز أن تكون العلامة بالحصاد والجداد فخلافه وخلافه
قول الله عز وجل أجل مسمى والأجل المسمى ما لا يختلف والعلم يحيط أن الحصاد والجداد يتأخر
ويتقدمان بقدر عطش الأرض وريها وبقدر برد الأرض والسنة وحرها ولم يجعل الله فيما استأخر أجلا إلا
معلوما والعطاء إلى السلطان يتأخر ويتقدم وفصح النصارى عندي يخالف حساب الاسلام وما أعلم الله
تعالى به فقد يكون عاما في شهر وعاما في غيره فلو أجزناه إليه أجزناه على أمر مجهول فكره لأنه مجهول
وأنه خلاف ما أمر الله به ورسوله أن نتأجل فيه ولم يجز فيه إلا قول النصارى على حساب يقيسون فيه
أياما فكنا إنما أعلمنا في ديننا بشهادة النصارى الذين لا تجيز شهادتهم على شئ وهذا عندنا غير حلال
لاحد من المسلمين (قال الشافعي) فإن قال قائل فهل قال فيه أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلنا
ما نحتاج إلى شئ مع ما وصفت من دلائل الكتاب والسنة والقياس وقد روى فيه رجل لا يثبت حديثه
كل الثبت شيئا (أخبرنا) سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال

(1) قوله: - إذا حل حقه. كذا ببعض الأصول، وفي بعضها، بدون نقط، وحرر، اه‍ مصححه.
96

لا تبيعوا إلى العطاء ولا إلى الأندر ولا إلى الدياس (أخبرنا) سعيد بن سالم عن ابن جريج أن عطاء سئل
عن رجل باع طعاما فإن أجلت على الطعام فطعامك في قابل سلف قال لا إلا إلى أجل معلوم وهذان
أجلان لا يدرى إلى أيهما يوفيه طعامه (قال الشافعي) ولو باع رجل عبدا بمائة دينار إلى العطاء أو إلى
الجداد أو إلى الحصاد كان فاسدا ولو أراد المشترى إبطال الشرط وتعجيل الثمن لم يكن ذلك له لأن
الصفقة انعقدت فاسدة فلا يكون له ولا لهما إصلاح جملة فاسدة إلا بتجديد بيع غيرها (قال
الشافعي) فالسلف بيع مضمون بصفة فإن اختار أن يكون إلى أجل جاز وأن يكون حالا وكان الحال
أولى أن يجوز لامرين أحدهما أنه مضمون بصفة كما كان الدين مضمونا بصفة والآخر أن ما أسرع
المشترى في أخذه كان الخروج من الفساد بغرور وعارض أولى من المؤجل (أخبرنا) سعيد بن سالم عن
ابن جريج أنه سأل عطاء فقال له رجل سلفته ذهبا في طعام يوفيه قبل الليل ودفعت إليه الذهب قبل
الليل وليس الطعام عنده قال: لا من أجل الشف وقد علم كيف السوق وكم السعر قال ابن جريج
فقلت له لا يصلح السلف إلا في الشئ المستأخر قال لا إلا في الشئ المستأخر الذي لا يعلم كيف
يكون السوق إليه يربح أو لا يربح قال ابن جريج ثم رجع عن ذلك بعد (قال الشافعي) يعنى أجاز
السلف حالا (قال الشافعي) وقوله الذي رجع إليه أحب إلي من قوله الذي قاله أولا وليس في علم
واحد منهما كيف السوق شئ يفسد بيعا ولا في علم أحدهما دون الآخر أرأيت لو باع رجل رجلا ذهبا
وهو يعرف سوقها أو سلعة ولا يعلمه المشترى أو يعلمه المشترى ولا يعلمه البائع أكان في شئ من هذا ما
يفسد البيع؟ (قال الشافعي) ليس في شئ من هذا شئ يفسد بيعا معلوما نسيئة ولا حالا (قال
الشافعي) فمن سلف إلى الجداد أو الحصاد فالبيع فاسد (قال الشافعي) وما أعلم إما إلا والجداد
يستأخر فيه حتى لقد رأيته يجد في ذي القعدة ثم رأيته يجد في المحرم ومن غير علة بالنخل فأما إذا
اعتلت النخل أو اختلفت بلدانها فهو يتقدم ويتأخر بأكثر من هذا (قال) والبيع إلى الصدر جائز
والصدر يوم النفر من " منى " فإن قال وهو ببلد غير مكة إلى مخرج الحاج أو إلى أن يرجع الحاج فالبيع
فاسد لأن هذا غير معلوم فلا يجوز أن يكون الأجل إلى فعل يحدثه الآدميون لأنهم قد يعجلون السير
ويؤخرونه للعلة التي تحدث ولا إلى ثمرة شجرة وجدادها لأنه يختلف في الشهور التي جعلها الله علما
فقال " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا " فإنما يكون الجداد بعد الخريف وقد أدركت الخريف
يقع مختلفا في شهورنا التي وقت الله لنا يقع في عام شهرا ثم يعود في شهر بعده فلا يكون الوقت فيما
يخالف شهورنا التي وقت لنا ربنا عز وجل ولا بما يحدثه الآدميون ولا يكون إلا إلى ما لا عمل للعباد
في تقديمه ولا تأخيره مما جعله الله عز وجل وقتا (قال) ولو سلفه إلى شهر كذا فإن لم يتهيأ فإلى شهر كذا
كان فاسدا حتى يكون الأجل واحدا معلوما (قال) ولا يجوز الأجل إلا مع عقد البيع وقبل تفرقهما عن
موضعهما الذي تبايعا فيه فإن تبايعا وتفرقا عن غير أجل ثم القيا فجددا أجلا لم يجز إلا أن يجددا بيعا
(قال) وكذلك لو أسلفه مائة درهم في كيل من طعام يوفيه إياه في شهر كذا فإن لم يتيسر كله ففي شهر
كذا كان غير جائز لأن هذين أجلان لا أجل واحد فإن قال أوفيكه فيما بين أن دفعته إلى إلى منتهى
رأس الشهر كان هذا أجلا غير محدود حدا واحدا وكذلك لو قال أجلك فيه شهر كذا أوله وآخره ولا
يسمى أجلا واحدا فلا يصلح حتى يكون أجلا واحدا (قال الشافعي) ولو سلفه إلى شهر كذا فإن
حبسه فله كذا كان بيعا فاسدا وإذا سلف فقال إلى شهر رمضان من سنة كذا كان جائزا والأجل حين
يرى هلال شهر رمضان أبدا حتى يقول إلى انسلاخ شهر رمضان أو مضيه أو كذا وكذا يوما يمضى منه
97

(قال الشافعي) ولو قال أبيعك إلى يوم كذا لم يحل حتى يطلع الفجر من ذلك اليوم وإن قال إلى الظهر
فإذا دخل وقت الظهر في أدنى الأوقات ولو قال إلى عقب شهر كذا كان مجهولا فاسدا (قال الشافعي)
ولو تبايعا عن غير أجل ثم لم يتفرقا عن مقامهما حتى جددا أجلا فالاجل لازم وإن تفرقا قبل الأجل عن
مقامهما ثم جددا أجلا لم يجز إلا بتجديد بيع وإنما أجزته أولا لأن البيع لم يكن تم فإذا تم بالتفرق لم
يجز أن يجدداه إلا بتجديد بيع (قال) وكذلك لو تبايعا على أجل ثم نقضاه قبل التفرق كان الأجل
الآخر وإن نقضا الأجل بعد التفرق بأجل غيره ولم ينقضا البيع فالبيع الأول لازم تام على الأجل الأول
والآخر موعد، إن أحب المشترى وفى به وإن أحب لم يف به (قال الشافعي) ولا يجوز أن يسلفه مائة
دينار في عشرة أكرار خمسة منها في وقت كذا وخمسة في وقت كذا لوقت بعده لم يجز السلف لأن
قيمة الخمسة الاكرار المؤخرة أقل من قيمة الاكرار المقدمة فتقع الصفقة لا يعرف كم حصة كل
واحدة من الخمستين من الذهب فوقع به مجهولا وهو لا يجوز مجهولا والله تعالى أعلم (1).
(قال الشافعي) ولا يجوز أن يسلم ذهب في ذهب ولا فضة في فضة ولا ذهب في فضة ولا فضة
في ذهب ويجوز أن يسلم كل واحد منهما في كل شئ خلافهما من نحاس وفلوس وشبه ورصاص
وحديد وموزون ومكيل مأكول أو مشروب وغير ذلك من جميع ما يجوز أن يشترى (قال الشافعي)
وإنما أجزت أن يسلم في الفلوس بخلافه في الذهب والفضة بأنه لا زكاة فيه وأنه ليس بثمن للأشياء
كما تكون الدراهم والدنانير أثمانا للأشياء المسلفة فإن في الدنانير والدراهم الزكاة وليس في الفلوس زكاة
وإنما انظر في التبر إلى أصله وأصل النحاس مما لا ربا فيه فإن قال قائل فمن أجاز السلم في الفلوس؟
قلت غير واحد (قال الشافعي) أخبرنا القداح عن محمد بن أبان عن حماد بن إبراهيم أنه قال لا بأس
بالسلم في الفلوس وقال سعيد القداح لا بأس بالسلم في الفلوس والذين أجازوا السلف في النحاس
يلزمهم أن يجيزوه في الفلوس والله تعالى أعلم، فإن قال قائل فقد تجوز في البلدان جواز الدنانير
والدراهم قيل: في بعضها دون بعض وبشرط وكذلك الحنطة تجوز بالحجاز التي بها سنت السنن جواز
الدنانير والدراهم ولا تجوز بها الفلوس فإن قال الحنطة ليست بثمن لما استهلك قيل وكذلك الفلوس ولو
استهلك رجل لرجل قيمة درهم أو أقل لم يحكم عليه به إلا من الذهب والفضة لا من الفلوس فلو كان
من كرهها إنما كرهها لهذا انبغى له أن يكره السلم في الحنطة لأنها ثمن بالحجاز وفى الذرة لأنها ثمن
باليمن فإن قال قائل إنما تكون ثمنا بشرط فكذلك الفلوس لا تكون ثمنا إلا بشرط ألا ترى أن رجلا لو كان
له على رجل دانق لم يجبره على أن يأخذ منه فلوسا وإنما يجبره على أن يأخذ الفضة وقد بلغني أن أهل
سويقة في بعض البلدان أجازوا بينهم خرفا مكان الفلوس والخزف فخار يجعل كالفلوس أفيجوز أن
يقال يكره السلف في الخزف؟ (قال الشافعي) رحمه الله: أرأيت الذهب والفضة مضروبين دنانير أو
دراهم أمثلهما غير دنانير أو دراهم لا يحل الفضل في واحد منهما على صاحبه لا ذهب بدنانير ولا فضة
بدراهم إلا مثلا بمثل وزنا بوزن وما ضرب منهما وما لم يضرب سواء لا يختلف وما كان ضرب منهما ولم
يضرب منهما ثمن ولا غير ثمن سواء لا يختلف لأن الأثمان دراهم ودنانير لا فضة ولا يحل الفضل في
مضروبه على غير مضروبه الربا في مضروبه وغير مضروبه سواء فكيف يجوز أن يجعل مضروب الفلوس

(1) من هنا إلى آخر الباب بقية باب الآجال في الصرف السابق قدم منه السراج البلقيني في نسخته ما يتعلق
بالصرف وذكر الباقي هنا لتعلقه بالسلم، والباب برمته مذكور في هذا الموضع في جميع النسخ. كتبه مصححه.
98

مخالفا غير مضروبها؟ وهذا لا يكون في الذهب والفضة (قال الشافعي) وكل ما كان في الزيادة في
بعضه على بعض الربا فلا يجوز أن يسلم شئ منه في شئ منه إلى أجل ولا شئ منه مع غيره في شئ
منه وحده ولا مع غيره ولا يجوز أن يسلم شاة فيها لبن بلبن إلى أجل حتى يسلمها مستحلبا بلا لبن ولا
سمن ولا زبد لأن حصة اللبن الذي في الشاه بشئ من اللبن الذي إلى أجل لا يدرى كم هو لعله بأكثر
أو أقل واللبن لا يجوز إلا مثلا بمثل ويدا بيد وهكذا هذا الباب كله وقياسه (قال الشافعي) ولا يحل
عندي استدلالا بما وصفت من السنة والقياس أن يسلف شئ يؤكل أو يشرب مما يكال فيما يوزن مما
يؤكل أو يشرب ولا شئ يوزن فيما يكال لا يصلح أن يسلف مد حنطة في رطل عسل ولا رطل عسل
في مد زبيب ولا شئ من هذا وهذا كله قياسا على الذهب الذي لا يصلح أن يسلم في الفضة والفضة
التي لا يصلح أن تسلم في الذهب والقياس على الذهب والفضة أن لا يسلف مأكول موزون في مكيل
مأكول ولا مكيل مأكول في موزون مأكول ولا غيره مما أكل أو شرب بحال وذلك مثل سلف الدنانير
في الدراهم ولا يصلح شئ من الطعام بشئ من الطعام نسيئة (قال الشافعي) رحمه الله ولا بأس أن
يسلف العرض في العرض مثله إذا لم يكن مأكولا ولا مشروبا أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن
عطاء أنه قال لا بأس أن يبيع السلعة بالسلعة إحداهما ناجزة والأخرى دين أخبرنا سعيد بن سالم عن
ابن جريج عن عطاء أنه قال له أبيع السلعة بالسلعة كلتاهما دين؟ فكرهه قال وبهذا نقول لا يصلح أن
يبيع دينا بدين وهذا مروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه (قال الشافعي) وكل ما جاز بيع
بعضه ببعض متفاضلا من الأشياء كلها جاز أن يسلف بعضه في بعض ما خلا الذهب في الفضة
والفضة في الذهب والمأكول والمشروب كل واحد منهما في صاحبه فإنها خارجة من هذا المعنى ولا بأس
أن يسلف مد حنطة في بعير وبعير في بعيرين وشاة في شاتين وسواء اشتريت الشاة والجدي بشاتين يراد
بهما الذبح أو لا يراد لأنهما يتبايعان حيوانا لا لحما بلحم ولا لحما بحيوان وما كان في هذا المعنى وحشية
في وحشيتين موصوفتين ما خلا ما وصفت (قال الشافعي) وما أكل أو شرب مما لا يوزن ولا يكال
قياسا عندي على ما يكال ويوزن مما يؤكل أو يشرب فإن قال قائل فكيف قست ما لا يكال ولا يوزن
من المأكول والمشروب على ما يكال ويوزن منها؟ قلت وجدت أصل البيوع شيئين، شيئا في الزيادة
في بعضه على بعض الربا، وشيئا لا ربا في الزيادة في بعضه على بعض، فكان الذي في الزيادة في
بعضه على بعض، الربا، ذهب وفضة وهما (بائنان من كل شئ لا يقاس عليهما غيرهما لمباينتهما ما
قيس عليهما بما وصفنا من أنهما ثمن لكل شئ وجائز أن يشترى بهما كل شئ عداهما يدا بيد ونسيئة
وبحنطة وشعير وتمر وملح وكان مأكولا مكيلا موجودا في السنة تحريم الفضل في كل صنف منه على
الشئ من صنفه فقسنا المكيل والموزون عليهما ووجدنا ما يباع غير مكيل ولا موزون فتجوز الزيادة في
بعضه على بعض من الحيوان والثياب وما أشبه ذلك مما لا يوزن فلما كان المأكول غير المكيل عند العامة
الموزون عندها مأكولا فجامع المأكول المكيل الموزون في هذا المعنى ووجدنا أهل البلدان يختلفون فمنهم
من يزن وزنا ووجدنا كثيرا من أهل البلدان يزن اللحم وكثيرا لا يزنه ووجدنا كثيرا من أهل البلدان
يبيعون الرطب جزافا فكانت أفعالهم فيه متباينة واحتمل كله الوزن والكيل ومنهم من يكيل منه الشئ لا
يكيله غيره ووجدنا كله يحتمل الوزن ووجدنا كثيرا من أهل العلم يزن اللحم وكثيرا منهم لا يزنه ووجدنا
كثيرا من أهل العلم يبيعون الرطب جزافا وكانت أفعالهم فيه متباينة واحتمل كلها الوزن أو الكيل أو
كلاهما كان أن يقاس بالمأكول والمشروب المكيل والموزون) أولى بنا من أن يقاس على ما يباع عددا من
99

غير المأكول من الثياب وغيرها لأنا وجدناها تفارقه فيما وصفت وفي أنها لا تجوز إلا بصفة وذرع وجنس
وسن في الحيوان وصفة لا يوجد في المأكول مثلها (قال الشافعي) ولا يصلح على قياس قولنا هذا،
رمانة برمانتين عددا لا وزنا ولا سفرجلة بسفرجلتين ولا بطيخة ببطيختين ولا يصلح أن يباع منه جنس
بمثله إلا وزنا بوزن يدا بيد كما نقول في الحنطة والتمر وإذا اختلف فلا بأس بالفضل في بعضه على
بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة ولا بأس برمانة بسفرجلتين وأكثر عددا ووزنا كما لا يكون بأس بمد
حنطة بمد تمر وأكثر ولا مد حنطة بتمر جزافا أقل من الحنطة أو أكثر لأنه إذا لم يكن في الزيادة فيه
يدا بيدا الربا لم أبال أن لا يتكايلاه لأني إنما آمرهما يتكايلانه إذا كان لا يحل إلا مثلا بمثل فأما إذا جاز
فيه التفاضل فإنما منع إلا بكيل كي لا يتفاضل فلا معنى فيه إن ترك الكيل يحرمه وإذا بيع منه جنس
بشئ من جنسه لم يصلح عددا ولم يصلح إلا وزنا بوزن وهذا مكتوب في غير هذا الموضع بعلله (قال)
ولا يسلف مأكولا ولا مشروبا في مأكول ولا مشروب بحال كما لا يسلف الفضة في الذهب ولا يصلح
أن يباع إلا يدا بيد كما يصلح الفضة بالفضة والذهب بالذهب (قال الشافعي) ولا يصلح في شئ
من المأكول أن يسلم فيه عددا لأنه لا صفة له كصفة الحيوان وذرع الثياب والخشب ولا يسلف إلا وزنا
معلوما أو كيلا معلوما إن صلح أن يكال ولا يسلف في جوز ولا بيض ولا رانج ولا غيره عددا لاختلافه
وأنه لا حد له يعرف كما يعرف غيره (قال) وأحب إلى أن لا يسلف جزاف من ذهب ولا فضة ولا
طعام ولا ثياب ولا شئ ولا يسلف شئ حتى يكون موصوفا إن كان دينارا فسكته وجودته ووزنه وإن
كان درهما فكذلك وبأنه وضح (1) أو أسود أو ما يعرف به فإن كان طعاما قلت تمر صيحاني جيد كيله
كذا وكذلك إن كانت حنطة وإن كان ثوبا قلت مروى طوله كذا وعرضه كذا رقيق صفيق جيد وإن
كان بعيرا قلت ثنيا مهريا أحمر سبط الخلق جسميا أو مربوعا تصف كل ما أسلفته كما تصف كل ما
أسلفت فيه وبعت به عرضا دينا لا يجزئ في رأيي غيره فإن ترك منه شيئا أو ترك في السلف دينا خفت
أن لا يجوز وحال ما أسلفته غير حال ما أسلفت فيه وهذا الموضع الذي يخالف فيه السلف بيع الأعيان
ألا ترى أنه لا بأس أن يشترى الرجل إبلا قد رآها البائع والمشترى ولم يصفاها بثمر حائط قد بدا
صلاحه ورأياها وأن الرؤية منهما في الجزاف وفيما لم يصفاه من الثمرة أو المبيع كالصفة فيما أسلف فيه وأن
هذا لا يجوز في السلف أن أقول أسلفك في ثمر نخلة جيدة من خير النخل حملا أو أقله أو أوسطه من
قبل أن حمل النخل يختلف من وجهين أحدهما من السنين فيكون في سنة أحمل منه في الأخرى من
العطش ومن شئ لا يعلمه إلا الله عز وجل ويكون بعضها مخفا وبعضها موقرا فلما لم أعلم من أهل العلم
مخالفا في أنهم يجيزون في بيع الأعيان الجزاف والعين غير موصوفة لأن الرؤية أكثر من الصفة ويردونه
في السلف ففرقوا بين حكمهما وأجازوا في بيع العين أن يكون إلى غير أجل ولم يجيزوا في بيع السلف
المؤجل أن يكون كان والله تعالى أعلم أن يقول كما لا يكون المبيع المؤجل إلا معلوما بما يعلم به مثله من
صفة وكيل ووزن وغير ذلك فكذلك ينبغي أن يكون ما ابتيع به معروفا بصفة وكيل ووزن فيكون الثمن
معروفا كما كان المبيع معروفا ولا يكون السلم مجهول الصفة والوزن في مغيب لم ير فيكون مجهولا بدين
(قال الشافعي) ومن ذهب هذا المذهب ذهب إلى أن السلف إن انتقض عرف المسلف رأس ماله
ويكون معلوم الصفة بمعلوم الصفة ولا يكون معلوم الصفة بمعلوم الصفة عينا مجهولا ولا يكون معلوم

(1) قوله، وبأنه وضح، الوضح - بفتحتين - الدرهم الصحيح، كما في القاموس. كتبه مصححه.
100

الصفة عينا (قال الشافعي) وقد نجد خلاف من قال هذا القول مذهبا محتملا وإن كنا قد اخترنا ما
وصفنا وذلك أن يقول قائل إن بيع الجزاف إنما جاز إذا عاينه المجازف فكان عيان المجازف مثل الصفة
فيما غاب أو أكثر، ألا ترى أنه لا يجوز أن يبتاع ثمر حائط جزافا بدين ولا يحل أن يكون الدين إلا
موصوفا إذا كان غائبا فإن كان الثمر حاضرا جزافا كالموصوف غائبا؟ (قال الشافعي) ومن قال هذا
القول الآخر انبغى أن يجيز السلف جزافا من الدنانير والدراهم وكل شئ ويقول إن انتقض السلف
فالقول قول البائع لأنه المأخوذ منه مع يمينه كما يشترى الدار بعينها بثمر حائط فينتقض البيع فيكون
القول في الثمن قول البائع ومن قال القول الأول في أن لا يجوز في السلف إلا ما كان مقبوضا موصوفا
كما يوصف ما سلف فيه غائبا قال ما وصفنا (قال) والقول الأول أحب القولين إلى والله أعلم وقياس هذا
القول الذي اخترت أن لا يسلف مائة دينار في مائة صاع حنطة ومائة صاع تمر موصوفين إلا أن يسمى
رأس مال كل واحد منهما لأن الصفقة وقعت وليس ثمن كل واحد منهما معروفا (قال الشافعي) ولو
سلف مائتي صاع حنطة مائة بينهما إلى شهر كذا ومائة إلى شهر مسمى بعده لم يجز في هذا القول من قبل
أنه لم يسم لكل واحد منهما ثمنا على حدته وأنهما إذا أقيما كانت مائة صاع أقرب أجلا من مائة صاع أبعد
أجلا منها أكثر في القيمة وانعقدت الصفقة على مائتي صاع ليست تعرف حصة كل واحد منهما من
الثمن (قال الشافعي) وقد أجازه غيرنا وهو يدخل عليه ما وصفنا وأنه إن جعل كل واحد منهما بقيمة يوم
يتبايعان قومه قبل أن يحب على بائعه دفعه وإنما يقوم ما وجب دفعه وهذا لم يجب دفعه فقد انعقدت
الصفقة وهو غيره معلوم (قال) ولا يجوز في هذا القول أن تسلف أبدا في شيئين مختلفين ولا أكثر إذا
سميت رأس مال كل واحد من ذلك الصنف وأجله حتى يكون صفقة جمعت بيوعا مختلفة (قال) فإن
فعل فأسلف مائة دينار في مائتي صاع حنطة منهما مائة بستين دينار إلى كذا وأربعون في مائة صاع تحل
في شهر كذا جاز لأن هذه وإن كانت صفقة فإنها وقعت على بيعتين معلومتين بثمنين معلومين (قال
الشافعي) وهذا مخالف لبيوع الأعيان في هذا الموضع ولو ابتاع رجل من رجل بمائة دينار صاع
حنطة ومائة صاع تمرا ومائة صاع جلجلان ومائة صاع بلسن (1) جاز وإن لم يسم لكل صنف منه ثمنه
وكان كل صنف منه بقيمته من المائة ولا يجوز أن يسلف في كيل فيأخذ بالكيل وزنا ولا في وزن فيأخذ
بالوزن كيلا لأنك تأخذ ما ليس بحقك إما أنقص منه وإما أزيد لاختلاف الكيل والوزن عندما يدخل
في المكيال وثقله فمعنى الكيل مخالف في هذا المعنى الوزن (قال الشافعي) وهكذا إن أسلم إليه في
ثوبين أحدها هروى والآخر مروى موصوفين لم يجز السلف في واحد منهما حتى يسمى رأس مال كل
واحد منهما وكذلك ثوبين مرويين لأنهما لا يستويان ليس هذا كالحنطة صنفا ولا كالتمر صنفا، لأن هذا
لا يتباين وأن بعضه مثل بعض ولكن لو أسلم في حنطتين سمراء ومحمولة مكيلتين لم يجز حتى يسمى رأس
مال كل واحد منهما لأنهما يتباينان.
باب جماع ما يجوز فيه السلف وما لا يجوز والكيل
(قال الشافعي) رحمه الله وأصل ما بنيت عليه في السلف وفرقت بينه داخل في نص السنة

(1) قوله: بلسن بضم الموحدة وسكون اللام وضم السين المهملة: العدس، أو حب يشبهه. كما في القاموس.
101

ودلالتها والله أعلم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر بالسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل
معلوم فموجود في أمره صلى الله عليه وسلم أن ما أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يكون علم
البائع والمشترى في صفته سواء (قال) وإذا وقع السلف على هذا جاز وإذا اختلف علم البائع والمشترى
فيه أو كان مما لا يحاط بصفته لم يجز لأنه خارج من معنى ما أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما
تبايع الناس بالكيل والوزن على معنى ما وصفت بين أنه معلوم عندهم أن الميزان يؤدى ما ابتيع معلوما
والمكيال معلوم وكذلك أو قريب منه وأن ما كيل ثم ملأ المكيال كله ولم يتجاف فيه شئ حتى يكون يملا
المكيال ومن المكيال شئ فارغ جاز ولو جاز أن يكال ما يتجافى في المكيال حتى يكون المكيال يرى
ممتلئا وبطنه غير ممتلئ لم يكن للمكيال معنى وهذا مجهول لأن التجافي يختلف فيه يقل ويكثر فيكون
مجهولا عند البائع والمشترى والبيع في السنة والاجماع لا يجوز أن يكون مجهولا عند واحد منهما فإن لم يجز
بأن يجهله أحد المتبايعين لم يجز بأن يجهلاه معا (قال) وموجود في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذ نهاهم عن السلف إلا بكيل ووزن وأجل معلوم كما وصفت قبل هذا وأنهم كانوا يسلفون في التمر السنة
والسنتين والتمر يكون رطبا والرطب لا يكون في السنتين كلتيهما موجودا وإنما يوجد في حين من السنة
دون حين وإنما أجزنا السلف في الرطب في غير حينه إذا تشارطا أخذه في حين يكون فيه موجودا لأن
النبي صلى الله عليه وسلم أجاز السلف في السنتين والثلاث موصوفا لأنه لم ينه أن يكون إلا بكيل ووزن
وأجل ولم ينه عنه في السنتين والثلاث ومعلوم أنه في السنة والسنتين غير موجود في أكثر مدتهما ولا
يسلف في قبضة ولا مد من رطب من حائط بعينه إلى يوم واحد لأنه قد تأتى عليه الآفة ولا يوجد في
يوم وإذا لم يجز في أكثر من يوم وإنما السلف فيما كان مأمونا وسواء القليل والكثير ولو أجزت هذا في
مد رطب بمد النبي صلى الله عليه وسلم من حائط بعينه أجزته في ألف صاع إذا كان يحمل مثلها ولا
فرق بين الكثير والقليل في هذا.
باب السلف في الكيل
(قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال لا دق ولا
رذم (1) ولا زلزلة (قال الشافعي) من سلف في كيل فليس له أن يدق ما في المكيال ولا يزلزله ولا
يكنف بيديه على رأسه فله ما أخذ المكيال وليس له أن يسلف في كيل شئ يختلف في المكيال مثل ما
تختلف خلقته ويعظم ويصلب لأنه قد يبقى فيما بين لك خواء لا شئ فيه فيكون كل واحد منهما لا

(1) قوله: ولا رذم، هو أن يملا المكيال حتى يجاوز رأسه، كما في النهاية. كتبه مصححه.
102

باب السلف في الحنطة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى والسلف في البلدان كلها سواء، قل طعام البلدان أو أكثر، فإذا
كان الذي يسلف فيه في الوقت الذي يحل فيه لا يختلف ووصف الحنطة فقال محمولة أو مولدة أو
بوزنجانية وجيدة أو ردية من صرام عامها أو من صرام عام أول ويسمى سنته وصفاته جاز السلف وإن
ترك من هذا شيئا لم يجز من قبل اختلافها وقدمها وحداثتها وصفائها (قال الشافعي) ويصف الموضع
الذي يقبضها فيه والأجل الذي يقبضها إليه فإن ترك من هذا شيئا لم يجز (قال الشافعي) وقال غيرنا إن
ترك صفة الموضع الذي يقبضها فيه فلا بأس ويقبضها حيث أسلفه (قال الشافعي) وقد يسلفه في سفر
في بلدة ليست بدار واحد منهما ولا قربها طعام فلو يكلف الحمل إليها أضر به وبالذي سلفه ويسلفه في
سفر في بحر (قال) وكل ما كان لحمله مؤنة من طعام وغيره لم يجز عندي أن يدع شرط الموضع الذي
يوفيه إياه فيه كما قلت في الطعام وغيره لما وصفت وإذا سلف في حنطة بكيل فعليه أن يوفيه إياها نقية
من التبن والقصل والمدر والحصى والزوان والشعير وما خالطها من غيرها لأنا لو قضينا عليه أن يأخذها
وفيها من هذا شئ كنا لم نوفه مكيله قسطه حين خلطها بشئ من هذا لأن له موقعا من مكيال فكان لو
أجبر على أخذ هذا أجبر على أخذ أقل من طعامه بأمر لا يعرفه ومكيلة لم يسلف فيها من هذا لا يعرفها
(قال الشافعي) ولا يأخذ شيئا مما أسلف فيه متعيبا بوجه من الوجوه سوس ولا ما أصابه ولا غيره ولا مما
إذا رآه أهل العلم به قالوا هذا عيب فيه.
باب السلف في الذرة
(قال الشافعي) رحمه الله: والذرة كالحنطة توصف بجنسها ولونها وجودتها وردائتها وجدتها
وعتقها وصرام عام كذا أو عام كذا ومكيلتها وأجلها فإن ترك من هذا شيئا لم يجز (قال الشافعي) وقد
تدفن الذرة، وبعض الدفن عيب لهما فما كان منه لها عيبا لم يكن للبائع أن يدفعه إلى المبتاع وكذلك كل
عيب لها وعليه أن يدفع إليه ذرة برية نقية من حشرها (1) إذا كان الحشر عليها كما كمام الحنطة عليها
(قال الشافعي) وما كان منها إلى الحمرة ما هو بالحمرة لون لأعلاه كلون أعلى التفاح والأرز وليس
بقشرة عليه تطرح عنه لا كما تطرح نخالة الحنطة بعد الطحن، فأما قبل الطحن والهرس فلا يقدر على
طرحها، وإنما قلنا لا يجوز السلف في الحنطة في أكمامها وما كان من الذرة في حشرها لأن الحشر
والاكمام غلافان فوق القشرة التي هي من نفس الحبة التي هي إنما هي للحبة كما هي من خلقتها لا
تتميز ما كانت الحبة قائمة إلا بطحن أو هرس فإذا طرحت بهرس لم يكن للحبة بقاء لأنها كمال خلقتها
كالجلد تكمل به الخلقة لا يتميز منها والاكمام والحشر يتميز، ويبقى الحب بحاله لا يضر به طرح ذلك
عنه (قال) فإن شبه على أحد بأن يقول في الجوز واللوز يكون عليه القشر فالجوز واللوز مما له قشر لا
صلاح له إذا رفع إلا بقشرة لأنه إذا طرح عنه قشره ثم ترك عجل فساده والحب يطرح قشره الذي هو

(1) قوله: من حشرها، جمع حشرة - بالحاء المهملة والتحريك - القشرة التي تلى الحبة، والتي فوق الحشرة
يسمى القصرة محركة أيضا، كما في القاموس واللسان: - اه‍ مصححه.
103

غير خلقته فيبقى لا يفسد (قال الشافعي) والقول في الشعير كهو في الذرة تطرح عنه أكمامه وما بقي فهو
كقشر حبة الحنطة المطروح عنها أكمامها فيجوز أن يدفع بقشره اللازم لخلقته كما يجوز في الحنطة (قال
الشافعي) ويوصف الشعير كما توصف الذرة والحنطة إذا اختلف أجناسه ويوصف كل جنس من الحب
ببلده فإن كان حبه مختلفا في جنس واحد وصف بالدقة والحدارة لاختلاف الدقة والحدارة حتى يكون
صفة من صفاته إن تركت أفسدت السلف وذلك أن اسم الجودة يقع عليه وهو دقيق ويقع عليه وهو
حادر ويختلف في حاليه فيكون الدقيق أقل ثمنا من الحادر.
باب العلس
(قال الشافعي) رحمه الله العلس صنف من الحنطة يكون فيه حبتان في كمام فيترك كذلك لأنه
أبقى له حتى يراد استعماله ليؤكل فيلقى في رحى خفيفة فيلقى عنه كمامه ويصير حبا صحيحا ثم
يستعمل (قال الشافعي) والقول فيه كالقول في الحنطة في أكمامها لا يجوز السلف فيه إلا ملقى عنه
كمامه بخصلتين اختلاف الكمام وتغيب الحب فلا يعرف بصفة والقول في صفاته وأجناسه إن كانت له
وحدارته ودقته كالقول في الحنطة والذرة والشعير يجوز فيه ما يجوز فيها ويرد منه ما يرد منها.
باب القطنية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى لا يجوز أن يسلف في شئ من القطنية كيل في أكمامه حتى تطرح
عنه فيرى ولا يجوز حتى يسمى حمصا أو عدسا أو جلبانا أو ماشا وكل صنف منها على حدته وإن
اختلف ذلك وصف كل صنف منه باسمه الذي يعرف به جنسه كما قلنا في الحنطة والشعير والذرة ويجوز
فيه ما جاز فيها ويرد منه ما رد منها وهكذا كل صنف من الحبوب أرز أو دخن أو سلت أو غيره يوصف
كما توصف الحنطة ويطرح عنه كمامه وما جاز في الحنطة والشعير جاز فيها وما انتقض فيها انتقض فيه
(قال الشافعي) وكل الحبوب صنف بما يدخلها مما يفسدها أو يجبرها، وقشوره عليه كقشور الحنطة
عليها يباع بها، لأن القشور ليست بأكمام.
باب السلف في الرطب والتمر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى والقول في التمر كالقول في الحبوب لا يجوز أن يسلف في تمر حتى
يصفه برنيا أو عجوة أو صيحانيا أو برديا، فإذا اختلفت هذه الأجناس في البلدان فتباينت لم يجز أن
يسلف فيها حتى يقول من بردى بلاد كذا أو من عجوة بلا كذا ولا يجوز أن يسمى بلدا إلى بلدا من
الدنيا ضخما واسعا كثير النبات الذي يسلم فيه يؤمن بإذن الله تعالى أن تأتى الآفة عليه كله فتنقطع ثمرته
في الجديد إن اشترط جديده أو رطبه إذا سلف في رطبه (قال) ويوصف فيه حادرا أو عبلا ودقيقا
وجيدا ورديئا لأنه قد يقع اسم الجودة على ما فيه الدقة وعلى ما هو أجود منه ويقع اسم الرداءة على
الحادر فمعنى رداءته غير الدقة (قال الشافعي) وإذا سلف في تمر لم يكن عليه أن يأخذه إلا جافا لأنه لا
104

يكون تمرا حتى يجف وليس له أن يأخذ تمرا معيبا وعلامة العيب أن يراه أهل البصر به فيقولون هذا
عيب فيه ولا عليه أن يأخذ فيه حشفة واحدة لأنها معيبة وهي نقص من ماله ولا غير ذلك من
مستحشفه وما عطش وأضر به العطش منه لأن هذا كله عيب فيه ولو سلف فيه رطبا لم يكن عليه أن
يأخذ في الرطب بسرا ولا مذنبا (1) ولا يأخذ إلا ما أرطب كله ولا يأخذ مما أرطب كله مشدخا ولا
قديما قد قارب أن يثمر، أو يتغير لأن هذا إما غير الرطب وإما عيب الرطب وهكذا أصناف الرطب
والتمر كله وأصناف العنب وكل ما أسلم فيه رطبا أو يابسا من الفاكهة (قال الشافعي) ولا يصلح السلف
في الطعام إلا في كيل أو وزن فأما في عدد فلا، ولا بأس أن يسلف في التين يابسا وفى الفرسك يابسا
وفى جميع ما ييبس من الفاكهة يابسا بكيل كما يسلف في التمر ولا بأس أن يسلف فيما كيل منه رطبا كما
يسلم في الرطب والقول في صفاته وتسميته وأجناسه كالقول في الرطب سواء لا يختلف فإن كان فيه
شئ بعض لونه خير من بعض لم يجز حتى يوصف اللون كما لا يجوز في الرقيق إلا صفة الألوان (قال)
وكل شئ اختلف فيه جنس من الأجناس المأكولة فتفاضل بالألوان أو بالعظم لم يجز فيه إلا أن يوصف
بلونه وعظمه فإن ترك شئ من ذلك لم يجز وذلك أن اسم الجودة يقع على ما يدق ويعظم منه ويقع
على أبيضه وأسوده وربما كان أسوده خيرا من أبيضه وأبيضه خير من أسوده وكل الكيل والوزن يجتمع
في أكثر معانيه وقليل ما يباين به جملته إن شاء الله تعالى (قال الشافعي) ولو أسلم رجل في جنس من
التمر فأعطى أجود منه أو أردأ بطيب نفس من المتبايعين لا إبطال للشرط بينهما، لم يكن بذلك بأس
وذلك أن هذا قضاء لا بيع ولكن لو أعطى مكان التمر حنطة أو غير التمر، لم يجز لأنه أعطاه من غير
الصنف الذي له فهذا بيع ما لم يقبض بيع التمر بالحنطة (قال الشافعي) ولا خير في السلف في شئ
من المأكول عددا، لأنه لا يحاط فيه بصفة كما يحاط في الحيوان بسن وصفة وكما يحاط في الثياب بذرع
وصفة ولا بأس أن يسلم فيه كله بصفة ووزن فيكون الوزن فيه يأتي على ما يأتي عليه الذرع في الثوب
ولا بأس أن يسلف في صنف من الخربز بعينه ويسمى منه عظاما أو صغارا أو خربز بلد وزن كذا
وكذا، فما دخل الميزان فيه من عدد ذلك لم ينظر فيه إلى العدد إذا وقعت على ما يدخل الميزان أقل
الصفة ونظر إلى الوزن كما لا ينظر في موزون من الذهب والفضة إلى عدد وإذا اختلفا في عظامه
وصغاره فعليه أن يعطيه أقل ما يقع عليه اسم العظم وأقل ما يقع اسم صفته ثم يستوفيه منه موزونا
وهكذا السفرجل والقثاء والفرسك وغيره مما يبيعه الناس عددا وجزافا في أوعيته لا يصلح السلف فيه إلا
موزونا لأنه يختلف في المكيال وما اختلف في المكيال حتى يبقى من المكيال شئ فارغ ليس فيه شئ
لم يسلف فيه كيلا (قال) وإن اختلف فيه أصناف ما سلف من قثاء وخربز وغيره مما لا يكال سمى كل
صنف منها على حدته وبصفته لا يجزئه غير ذلك فإن ترك ذلك فالسلف فاسد والقول في إفساده
وإجازته إذا اختلف أجناسه كالقول فيما وصفنا قبله من الحنطة والتمر وغيرهما.
باب جماع السلف في الوزن
(قال الشافعي) رحمه الله والميزان مخالف للمكيال في بعض معانيه والميزان أقرب من الإحاطة

(1) قوله: مذنبا، قال في القاموس: ذنبت البسرة تذنيبا وكتت من ذنبها اه‍، ووكتت: نكتت، أي بدا
فيها الارطاب. كتبه مصححه.
105

وأبعد من أن يختلف فيه أهل العلم من المكيال لأن ما يتجافى ولم يتجاف في الميزان سواء لأنه إنما
يصار فيه كله إلى أن يوجد بوزنه والمتجافي في المكيال يتباين تباينا فليس في شئ مما وزن اختلاف
في الوزن يرد به السلف من قبل اختلافه في الوزن كما يكون فيما وصفنا من الكيل ولا يفسد شئ مما
سلف فيه وزنا معلوما إلا من قبل غير الوزن ولا بأس أن يسلف في شئ وزنا وإن كان يباع كيلا ولا في
شئ كيلا وإن كان يباع وزنا إذا كان مما لا يتجافى في المكيال مثل الزيت الذي هو ذائب إن كان
يباع بالمدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده وزنا فلا بأس أن يسلف فيه كيلا وإن كان
يباع كيلا فلا بأس أن يسلف فيه وزنا ومثل السمن والعسل وما أشبهه من الادام فإن قال قائل كيف
كان يباع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلنا الله أعلم أما الذي أدركنا المتبايعين به عليه فأما ما قل
منه فيباع كيلا والجملة الكثيرة تباع وزنا ودلالة الاخبار على مثل ما أدركنا الناس عليه. قال عمر رضي الله عنه
: لا آكل سمنا ما دام السمن يباع بالأواقي وتشبه الأواقي أن تكون كيلا ولا يفسد السلف
الصحيح العقد في الوزن إلا من قبل الصفة فإن كانت الصفة لا تقع عليه وكان إذا اختلف صفاته
تباينت جودته واختلفت أثمانه لم يجز لأنه مجهول عند أهل العلم به وما كان مجهولا عندهم لم يجز (قال
الشافعي) وإن سلف في وزن ثم أراد إعطاءه كيلا لم يجز من قبل أن الشئ يكون خفيفا ويكون غيره
من جنسه أثقل منه فإذا أعطاه إياه بالمكيال أقل أو أكثر مما سلفه فيه فكان أعطاه الطعام الواجب من
الطعام الواجب متفاضلا أو مجهولا وإنما يجوز أن يعطيه معلوما فإن أعطاه حقه فذلك الذي لا يلزمه
غيره وإن أعطاه حقه وزاده تطوعا منه على غير شئ كان في العقد فهذا نائل من قبله فإن أعطاه أقل
من حقه وأبرأه المشترى مما بقي عليه فهذا شئ تطوع به المشترى فلا بأس به، فأما أن لا يعمدا تفضلا
ويتجازفا مكان الكيل يتجازفان وزنا، فإذا جاز هذا جاز ان يعطيه أيضا جزافا، وفاء من كيل لا عن
طيب أنفس منهما عن فضل عرفه أحدهما قبل صاحبه.
تفريع الوزن من العسل
(قال الشافعي) رحمه الله أقل ما يجوز به السلف في العسل أن يسلف المسلف في كيل أو وزن
معلوم وأجل معلوم وصفة معلومة جديدا ويقول عسل وقت كذا، للوقت الذي يكون فيه فيكون يعرف
يوم يقبضه جدته من قدمه وجنس كذا وكذا منه (قال) والصفة أن يقول عسل صاف أبيض من عسل
بلد كذا أو رديئا (قال) ولو ترك قوله في العسل صافيا جاز عندي من قبل أنه إذا كان له عسل لم يكن
عليه أن يأخذ شمعا في العسل وكان له أن يأخذ عسلا والعسل الصافي، والصافي وجهان صاف من
الشمع وصاف في اللون (قال الشافعي) وإن سلف في عسل صاف فأتى بعسل قد صفى بالنار لم يلزمه
لأن النار تغير طعمه فينقص ثمنه ولكن يصفيه له بغير نار فإن جاءه بعسل غير صافي اللون فذلك عيب
فيه فلا يلزمه أخذه إذا كان عيبا فيه (قال الشافعي) فإن سلف في عسل فجاءه بعسل رقيق أريه أهل
العلم بالعسل فإن قالوا هذه الرقة في هذا الجنس من هذا العسل عيب ينقص ثمنه لم يكن عليه أن
يأخذه، وإن قالوا هكذا يكون هذا العسل وقالوا رق لحر البلاد أو لعلة غير عيب في نفس العسل لزمه
أخذه (قال) ولو قال عسل برأ وقال عسل صعتر أو عسل صرو أو عسل عشر ووصف لونه وبلده فأتاه
باللون والبلد وبغير الصنف الذي شرط له أدنى أو أرفع لم يكن عليه أخذه إنما يرده بأحد أمرين أحدهما
106

نقصان عما سلف فيه والآخر أن كل جنس من هذه قد يصلح لما لا يصلح له غيره أو يجزئ فيما لا
يجزى فيه غيره أو يجمعهما ولا يجوز أن يعطى غير ما شرط إذا اختلفت منافعهما (قال) وما وصفت من
عسل بر وصعتر وغيره من كل جنس من العسل في العسل كالأجناس المختلفة في السمن لا تجزئ إلا
صفته في السلف وإلا فسد السلف ألا ترى أني لو أسلمت في سمن ووصفته ولم أصف جنسه فسد من
قبل أن سمن المعزى مخالف سمن الضأن وأن سمن الغنم كلها مخالف البقر والجواميس فإذا لم تقع الصفة
على الجنس مما يختلف فسد السلف كما يفسد لو سلفته في حنطة ولم أسم جنسها فأقول مصرية أو يمانية
أو شامية وهكذا لو ترك أن يصفه العسل بلونه فسد من قبل أن أثمانها تتفاضل على جودة الألوان
وموقعها من الأعمال يتباين بها وهكذا لو ترك صفة بلده فسد لاختلاف أعمال البلدان كاختلاف طعام
البلدان وكاختلاف ثياب البلدان من مروى وهروى ورازي وبغدادي وهكذا لو ترك أن يقول عسل
حديث من عسل وقت كذا من قبل اختلاف ما قدم من العسل وحدث وإذا قال عسل وقت كذا
فكان ذلك العسل يكون في رجب وسمى أجله رمضان فقد عرف كم مر عليه وهذا هكذا في كل ما
يختلف فيه قديمه وجديده من سمن أو حنطة أو غيرهما (قال الشافعي) وكل ما كان عند أهل العلم به
عيب في جنس ما سلف فيه لم يلزمه السلف وكذلك كل ما خالف الصفة المشروطة منه فلو شرط عسلا
من عسل الصرو وعسل بلد كذا فأتى بالصفة في اللون وعسل البلد فقيل ليس هذا صروا خالصا وهذا
صرو وغيره لم يلزمه كما يكون سمن بقر لو خلطه بسمن الغنم لم يلزم من سلف واحدا من السمنين ولو قال
أسلمت إليك في كذا وكذا رطلا من عسل أو في مكيال عسل بشمعه كان فاسدا لكثرة الشمع وقلته
وثقله وخفته وكذا لو قال أسلم إليك في شهد بوزن أو عدد، لأنه لا يعرف ما فيه من العسل والشمع.
باب السلف في السمن
(قال الشافعي) رحمه الله: والسمن كما وصفت من العسل وكل مأكول كان في معناه كما وصفت
منه ويقول في السمن سمن: ماعز أو سمن ضأن أو سمن بقر. وإن كان سمن الجواميس يخالفها قال:
سمن جواميس لا يجزئ غير ذلك وإن كان ببلد يختلف سمن الجنس منه قال سمن غنم كذا وكذا كما
يقال بمكة: سمن ضأن نجدية وسمن ضأن تهامية، وذلك أنهما يتباينان في اللون والصفة والطعم والثمن
(قال) والقول فيه كالقول في العسل قبله، فما كان عيبا وخارجا من صفة السلف لم يلزم السلف،
والقديم من السمن يتبين من القديم من العسل لأنه أسرع تغير منه، والسمن منه ما يدخن ومنه ما لا
يدخن، فلا يلزم المدخن لأنه عيب فيه.
السلف في الزيت
(قال الشافعي) رحمه الله: والزيت إذا اختلف لم يجز فيه إلا أن يوصف بصفته وجنسه وإن كان
قدمه يغيره وصفه بالجدة أو سمى عصير عام كذا حتى يكون قد أتى عليه ما يعرفه المشترى والبائع،
والقول في عيوبه واختلافه كالقول في عيوب السمن والعسل (قال) والآدام كلها التي هي أو داك
السليط وغيره إن اختلف، نسب كل واحد منها إلى جنسه وإن اختلف عتيقها وحديثها نسب إلى
107

الحداثة والعتق فإن باينت العسل والسمن في هذا فكانت لا يقلبها الزمان ولا تغير قلت عصير سنة كذا
وكذا لا يجزئه غير ذلك والقول في عيوبها كالقول في عيوب ما قبلها كل ما نسبه أهل العلم إلى العيب
في جنس منها لم يلزم مشتريه إلا أن يشاء هو متطوعا (قال) ولا خير في أن يقول في شئ من الأشياء
أسلم إليك في أجود ما يكون منه لأنه لا يوقف على حد أجود ما يكون منه أبدا فأما أردأ ما يكون منه
فأكرهه ولا يفسد به البيع من قبل أنه إن أعطى خيرا من أردأ ما يكون منه كان متطوعا بالفضل وغير
خارج من صفة الرداءة كله (قال) وما اشترى من الآدام كيلا اكتيل وما اشترى وزنا بظروفه لم يجز
شراؤه بالوزن في الظروف لاختلاف الظروف وأنه لا يوقف على حد وزنها فلو اشترى جزافا وقد شرط
وزنا فلم يأخذ ما عرف من الوزن المشترى إلا أن يتراضيا، البائع والمشترى، بعد وزن الزيت في
الظروف بأن يدع ما يبقى له من الزيت وإن لم يتراضيا وأراد اللازم لهما وزنت الظروف قبل أن يصب
فيها الادام ثم وزنت بما يصب فيها ثم يطرح وزن الظروف وإن كان فيها زيت وزن فرغت ثم وزنت
الظروف ثم ألقى وزنها من الزيت وما أسلف فيه من الادام فهو له صاف من الرب والعكر وغيره مما خالف
الصفاء.
السلف في الزبد
(قال الشافعي) رحمه الله: السلف في الزبد كهو في السمن يسمى زبد ماعز أو زبد ضان أو زبد
بقر ويقول نجدي أو تهامي لا يجزئ غيره ويشرطه مكيلا أو موزونا ويشرطه زبد يومه لأنه يتغير في غده
بتهامة حتى يحمض ويتغير في الحر ويتغير في البرد تغيرا دون ذلك وبنجد يؤكل غير أنه لا يكون زبد
يومه كزبد غده، فإن ترك من هذا شيئا لم يجز السلف فيه وليس للمسلف أن يعطيه زبدا نجيخا وذلك
أنه حينئذ ليس بزبد يومه إنما هو زبد تغير فأعيد في سقاء فيه لبن مخض ليذهب تغيره فيكون عيبا في
الزبد لأنه جدده وهو غير جديد ومن أن الزبد يرق عن أصل خلقته ويتغير طعمه والقول فيما عرفه أهل
العلم به عيبا أنه يرد به كالقول فيما وصفنا قبله.
السلف في اللبن
(قال الشافعي) رحمه الله: ويجوز السلف في اللبن كما يجوز في الزبد ويفسد كما يفسد في الزبد
بترك أن يقول ماعز أو ضأن أو بقر وإن كان إبلا أن يقول لبن غواد أو أوراك أو خميصة ويقول في هذا
كله لبن الراعية والمعلفة لاختلاف ألبان الرواعي والمعلفة وتفاضلها في الطعم والصحة والثمن فأي هذا
سكت عنه لم يجز معه السلم ولم يجز إلا بأن يقول حليبا أو يقول لبن يومه لأنه يتغير في غده (قال
الشافعي) والحليب ما يحلب من ساعته وكان منتهى حد صفة الحليب أن تقل حلاوته فذلك حين
ينتقل إلى أن يخرج من اسم الحليب (قال) وإذا أسلف فيه بكيل فليس له أن يكيله برغوته لأنها تزيد
في كيله وليست بلبن تبقى بقاء اللبن ولكن إذا سلف فيه وزنا فلا بأس عندي أن يزنه برغوته لأنها لا
تزيد في وزنه فإن زعم أهل العلم أنها تزيد في وزنه فلا يزنه حتى تسكن كما لا يكيله حتى تسكن
108

(قال) ولا خير في أن يسلف في لبن مخيض لأنه لا يكون مخيضا إلا بإخراج زبده وزبده لا يخرج إلا
بالماء ولا يعرف المشترى كم فيه من الماء لخفاء الماء في اللبن وقد يجهل ذلك البائع لأنه يصب فيه بغير
كيل ويزيده مرة بعد مرة والماء غير اللبن فلا يكون على أحد أن يسلف في مد لبن فيعطى تسعة أعشار
المد لبنا وعشره ماء لأنه لا يميز بين مائه حينئذ ولبنه، وإذا كان الماء مجهولا كان أفسد له لأنه لا يدرى
كم أعطى من لبن وماء (قال) ولا خير في أن يسلف في لبن ويقول حامض لأنه قد يسمى حامضا بعد
يوم ويومين وأيام وزيادة حموضته زيادة نقص فيه ليس كالحلو الذي يقال له حلو فيأخذ له أقل ما يقع
عليه اسم الحلاوة مع صفة غيرها وما زاد على أقل ما يقع عليه اسم الحلاوة زيادة خير للمشترى وتطوع
من البائع وزيادة حموضة اللبن كما وصفت نقص على المشترى، وإذا شرط لبن يوم أو لبن يومين فإنما
يعنى ما حلب من يومه وما حلب من يومين فيشترط غير حامض وفى لبن الإبل غير قارص فإن كان ببلد
لا يمكن فيه إلا أن يحمض في تلك المدة فلا خير في السلف فيه بهذه الصفة لما وصفت من أنه لا
يوقف على حد الحموضة ولا حد قارص فيقال هذا أول وقت حمض فيه أو قرص فيلزمه إياه وزيادة
الحموضة فيه نقص للمشترى كما وصفنا في المسألة قبله ولا خير في بيع اللبن في ضروع الغنم وإن اجتمع
فيها حلبة واحدة لأنه لا يدرى كم هو ولا كيف هو لا هو بيع عين ترى ولا شئ مضمون على صاحبه
بصفة وكيل وهذا خارج مما يجوز في بيوع المسلمين (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن موسى عن
سليمان بن يسار عن ابن عباس أنه كان يكره بيع الصوف على ظهور الغنم واللبن في ضروع الغنم إلا
بكيل.
السلف في الجبن رطبا ويابسا
(قال الشافعي) رحمه الله والسلف في الجبن رطبا طريا كالسلف في اللبن لا يجوز إلا بأن يشرط
صفة جبن يومه أو يقول جبنا رطبا طريا لأن الطراء منه معروف والغاب منه مفارق للطري فالطراء فيه
صفة يحاط بها ولا خير في أن يقول غاب لأنه إذا زايل الطراء كان غابا وإذا مرت له أيام كان غابا
ومرور الأيام نقص له كما كثرة الحموضة نقص في اللبن لا يجوز أن يقال غاب لأنه لا ينفصل أول ما
يدخل في الغيوب من المنزلة التي بعدها فيكون مضبوطا بصفة والجو؟ فيه كالجواب في حموضة اللبن
ولا خير في السلف فيه إلا بوزن فأما بعدد فلا خير فيه لأنه لا يختلف فلا يقف البائع ولا المشترى منه
على حد معروف ويشترط فيه جبن ماعز أو جبن ضائن أو جبن بقر كما وصفنا في اللبن وهما سواء في هذا
المعنى (قال) والجبن الرطب لبن يطرح فيه الأنافح فيتميز ماؤه ويعزل خاثر لبنه فيعصر فإذا سلف فيه
رطبا فلا أبالي، أسمى صغارا أم كبارا ويجوز إذا وقع عليه اسم الجبن (قال) ولا بأس بالسلف في الجبن
اليابس وزنا على ما وصفت من جبن ضائن أو بقر فأما الإبل فلا أحسبها يكون لها جبن ويسميه جبن
بلد من البلدان لأن جبن البلدان يختلف وهو أحب إلي لو قال ما جبن منذ شهر أو منذ كذا أو جبن عامه
إذا كان هذا يعرف لأنه قد يكون إذا دخل في حد اليبس أثقل منه إذا تطاول جفوفه (قال) ولو ترك
هذا لم يفسده لأنا نجيز مثل هذا في اللحم واللحم حين يسلخ أثقل منه بعد ساعة من جفوفه والثمر في
أول ما ييبس يكاد يكون أقل نقصانا منه بعد شهر أو أكثر ولا يجوز إلا أن يقال جبن غير قديم فكل ما
أتاه به فقال أهل العلم به ليس يقع على هذا اسم قيم أخذه وإن كان بعضه أطرى من بعض لأن
109

السلف أقل ما يقع عليه اسم الطراءة والمسلف متطوع بما هو أكثر منه ولا خير في أن يقول جبن عتيق
ولا قديم لأن أقل ما يقع عليه اسم العتيق والقديم غير محدود وكذلك آخره غير محدود وكل ما تقدم في
اسم العتيق فازدادت الليالي مرورا عليه كان نقصا له كما وصفنا قبله في حموضة اللبن وكل ما كان عيبا
في الجبن عند أهل العلم به من إفراط ملح أو حموضة طعم أو غيره، لم يلزم المشترى.
السلف في اللبأ
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا بأس بالسلف في اللبا بوزن معلوم ولا خبر فيه إلا موزونا ولا يجوز
مكيلا من قبل تكبسه وتجافيه في المكيال والقول فيه كالقول في اللبن والجبن يصف ماعزا أو ضائنا أو
بقرا أو طريا فيكون له أقل ما يقع عليه اسم الطراءة ويكون البائع متطوعا بما هو خير من ذلك ولا
يصلح أن يقول غير الطري لأن ذلك كما وصفت غير محدود الأول والآخر والتزيد في البعد من الطراءة
نقص على المشترى.
الصوف والشعر (1)
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا خير في أن يسلم في صوف غنم بأعيانها ولا شعرها إلا كان ذلك
إلى يوم واحد فأكثر وذلك أنه قد تأتى الآفة عليه فتذهبه أو تنقصه قبل اليوم وقد يفسد من وجه غير
هذا ولا خير في أن يسلم في ألبان غنم بأعيانها ولا زبدها ولا سمنها ولا لبئها ولا جبنها وإن كان ذلك
بكيل معلوم ووزن معلوم من قبل أن الآفة تأتى عليها فتهلكها فينقطع ما أسلف فيه منها وتأتى عليها بغير
هلاكها فتقطع ما يكون منه ما أسلم فيه منها أو تنقصه وكذلك لا خير فيه ولو حلبت لك حين تشتريها
لأن الآفة تأتى عليها قبل الاستيفاء (قال الشافعي) وذلك أنا لو أجزنا هذا فجاءت الآفة عليها بأمر
يقطع ما أسلم فيه منها أو بعضه فرددناه على البائع بمثل الصفة التي أسلفه فيها كنا ظلمناه لأنه بائع صفة
من غنم بعينها فحولناها إلى غنم غيرها وهو لو باعه عينا فهلكت لم نحوله إلى غيرها ولم لم نحوله إلى غيرها
كنا أجزنا أن يشترى غير عين بعينها وغير مضمون عليه بصفة يكلف الاتيان به متى حل عليه فأجزنا في
بيوع المسلمين ما ليس منها، إنما بيوع المسلمين بيع عين بعينها يملكها المشترى على البائع أو صفة بعينها
يملكها المشترى على البائع ويضمنها حتى يؤديها إلى المشترى (قال) وإذا لم يجز أن يسلم الرجل إلى
الرجل في ثمر حائط بعينه ولا في حنطة أرض بعينها لما وصفت من الآفات التي تقع في الثمرة والزرع
كان لبن الماشية ونسلها كله في هذا المعنى تصيبها الآفات كما تصيب الزرع والثمر وكانت الآفات إليه في
كثير من الحالات أسرع (قال) وهكذا كل ما كان من سلك في عين بعينها تقطع من أيدي الناس ولا
خير في السلف حتى يكون في الوقت الذي يشترط فيه محله موجودا في البلد الذي يتشرط فيه لا
يختلف فيه بحال فإن كان يختلف فلا خير فيه لأنه حينئذ غير موصول إلى أدائه، فعلى هذا كل ما

(1) قال السراج البلقيني: المراد بالترجمة: أن يسلم في صوف غنم معينة أو شعرها، أو في غير معينة، غير
الصوف والشعر اه‍.
110

سلف وقياسه. ولا بأس أن تسلف في شئ ليس في أيدي الناس حين تسلف فيه إذا شرطت محله في
وقت يكون موجودا فيه بأيدي الناس.
السلف في اللحم
(قال الشافعي) رحمه الله: كل لحم موجود ببلد من البلدان لا يختلف في الوقت الذي يحل فيه
فالسلف فيه جائز وما كان في الوقت الذي يحل فيه يختلف فلا خير فيه وإن كان يكون لا يختلف في
حينه الذي يحل فيه في بلد ويختلف في بلد آخر جاز السلف فيه في البلد الذي لا يختلف وفسد
السلف في البلد الذي يختلف فيه إلا أن يكون مما لا يتغير في الحمل فيحمل من بلد إلى بلد مثل
الثياب وما أشبهها، فأما ما كان رطبا من المأكول وكان إذا حمل من بلد إلى بلد تغير لم يجز فيه السلف
في البلد الذي يختلف فيه، وهكذا كل سلعة من السلع إذا لم تختلف في وقتها في بلد جاز فيه السلف
وإذا اختلفت ببلد لم يجز السلف فيه في الحين الذي تختلف فيه إذا كانت من الرطب المأكول.
صفة اللحم وما يجوز فيه وما لا يجوز
(قال الشافعي) رحمه الله: من أسلف في لحم فلا يجوز فيه حتى يصفه يقول: لحم ماعز ذكر
خصى أو ذكر ثنى فصاعدا أو جدي رضيع أو فطيم وسمين أو منق ومن موضع كذا ويشترط الوزن أو
يقول لحم ماعزة ثنية فصاعدا أو صغيرة يصف لحمها وموضعها ويقول لحم ضائن ويصفه هكذا،
ويقول في البعير خاصة بعير راع من قبل اختلاف الراعي والمعلوف وذلك أن لحمان ذكورها وإناثها
وصغارها وكبارها وخصيانها وفحولها تختلف ومواضع لحمها تختلف ويختلف لحمها فإذا حد بسمانة كان
للمشترى أدنى ما يقع عليه اسم السمانة، وكان البائع متطوعا بأعلى منه إن أعطاه إياه وإذا حده منقيا
كان له أدنى ما يقع عليه اسم الانقاء والبائع متطوع بالذي هو أكثر منه، وأكره أن يشترطه أعجف
بحال وذلك أن الأعجف يتباين والزيادة في العجف نقص على المشترى والعجف في اللحم كما وصفت
من الحموضة في اللبن ليست بمحدودة الاعلى ولا الأدنى وإذا زادت كان نقصا غير موقوف عليه
الزيادة في السمانة شئ يتطوع به البائع على المشترى (قال) فإن شرط موضعا من اللحم وزن ذلك
الموضع بما فيه من عظم لأن العظم لا يتميز من اللحم كما يتميز التبن والمدر والحجارة من الحنطة، ولو
ذهب بميزه أفسد اللحم على آخذه وبقى منه على العظام ما يكون فسادا واللحم أولى أن لا يميز وأن
يجوز بيع عظامه معه لاختلاط اللحم بالعظم من النوى في التمر إذا اشترى وزنا لأن النواة تميز من التمرة
غير أن التمرة إذا أخرجت نواتها لم تبق بقاءها إذا كانت نواتها فيها (قال الشافعي) تبايع الناس على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر كيلا وفيه نواه ولم نعلمهم تبايعوا اللحم قط إلا فيه عظامه،
فدلت السنة إذا جاز بيع التمر بالنوى على أن بيع اللحم بالعظام في معناها أو أجوز فكانت قياسا وخبرا
وأثرا لم أعلم الناس اختلفوا فيه (قال) وإذا أسلف في شحم البطن أو الكلى ووصفه وزنا فهو جائز وإن
قال شحم لم يجز لاختلاف شحم البطن وغيره، وكذلك إن سلف في الاليات فتوزن، وإذا سلف في
شحم سمى شحما، صغيرا أو كبيرا، وماعز أو ضائنا.
111

لحم الوحش
(قال الشافعي) رحمه الله: ولحم الوحش كله كما وصفت من لحم الأنيس، إذا كان ببلد يكون
بها موجودا لا يختلف في الوقت الذي يحل فيه بحال جاز السلف فيه وإذا كان يختلف في حال ويوجد
في أخرى لم يجز السلف فيه إلا في الحال التي لا يختلف فيها قال ولا أحسبه يكون موجودا ببلد أبدا إلا
هكذا وذلك أن من البلدان ما لا وحش فيه وإن كان به منها وحش فقد يخطئ صائده ويصيبه
والبلدان وإن كان منها ما يخطئه لحم يجوز فيه في كل يوم أو بها بعض اللحم دون بعض فإن الغنم تكاد
أن تكون موجودة والإبل والبقر فيؤخذ المسلف البائع بأن يذبح فيوفي صاحبه حقه لأن الذبح له ممكن
بالشراء ولا يكون الصيد له ممكنا بالشراء والاخذ كما يمكنه الأنيس فإن كان ببلد يتعذر به لحم الأنيس
أو شئ منه في الوقت الذي يسلف فيه لم يجز السلف فيه في الوقت الذي يتعذر فيه ولا يجوز السلف في
لحم الوحش إذا كان موجودا ببلد إلا على ما وصفت من لحم الأنيس أن يقول لحم ظبي أو أرنب أو
تيتل أو بقر وحش أو حمر وحش أو صنف بعينه ويسميه صغيرا أو كبيرا ويوصف اللحم كما وصفت
وسمينا أو منقيا كما وصفت في اللحم لا يخالفه في شئ إلا أن تدخله خصلة لا تدخل لحم الأنيس إن
كان منه شئ يصاد بشئ يكون لحمه معه طيبا وآخر يصاد بشئ يكون لحمه معه غير طيب شرط
صيد كذا دون صيد كذا، فإن لم يشرط مثل أهل العلم به فإن كانوا يبينون في بعض اللحم الفساد
فالفساد عيب ولا يلزم المشترى، فإن كانوا يقولون ليس بفساد ولكن صيد كذا أطيب فليس هذا
بفساد ولا يرد على البائع ويلزم المشترى وهذا يدخل الغنم فيكون بعضها أطيب لحما من بعض ولا يرد
من لحمه إلا من فساد (قال) ومتى أمكن السلف في الوحش فالقول فيه كالقول في الأنيس فإنما يجوز
بصفة وسن وجنس ويجوز السلف في لحم الطير كله بصفة وسمانة وإنقاء ووزن غير أنه لا سن له وإنما
يباع بصفة مكان السن بكبير وصغير وما احتمل أن يباع مبعضا بصفة موصوفة وما لم يحتمل أن يبعض
لصغره وصف طائره وسمانته وأسلم فيه بوزن لا يجوز أن يسلم فيه بعدد وهو لحم إنما يجوز العدد في الحي
دون المذبوح والمذبوح طعام لا يجوز إلا موزونا، وإذا أسلم في لحم طير وزنا لم يكن عليه أن يأخذ في
الوزن رأسه ولا رجليه من دون الفخذين لأن رجليه لا لحم فيهما وأن رأسه إذا قصد اللحم كان معروفا
أنه لا يقع عليه اسم اللحم المقصود قصده.
الحيتان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الحيتان إذا كان السلف يحل فيها في وقت لا ينقطع ما أسلف
فيه من أيدي الناس بذلك البلد جاز السلف فيها وإذا كان الوقت الذي يحل فيه في بلد ينقطع ولا
يوجد فيه فلا خير في السلف فيها كما قلنا في لحم الوحش والأنيس (قال) وإذا أسلم فيها أسلم في مليح
بوزن أو طري بوزن معلوم ولا يجوز السلف فيه حتى يسمى كل حوت منه بجنسه فإنه يختلف اختلاف
اللحم وغيره ولا يجوز أن يسلف في شئ من الحيتان إلا بوزن فإن قال قائل فقد تجيز السلف في
الحيوان عددا موصوفا فما فرق بينه وبين الحيتان؟ قيل الحيوان يشترى بمعنيين أحدهما المنفعة به في الحياة
وهي المنفعة العظمى فيه الجامعة والثانية ليذبح فيوكل فأجزت شراءه حيا للمنفعة العظمى ولست أجيز
112

شراءه مذبوحا بعدد ألا ترى أنه إن قال أبيعك لحم شاة ثنية ما عزة ولم يشترط وزنا لم أجزه؟ لأنه لا
يعرف قدر اللحم بالصفة، وإنما يعرف قدره بالوزن ولان الناس إنما اشتروا من كل ما يؤكل ويشرب
الجراف مما يعاينون فأما ما يضمن فليس يشترونه جزافا (قال) والقياس في السلف في لحم الحيتان يوزن
لا يلزم. المشترى ان يوزن عليه الذنب من حيث يكون لا لحم فيه ويلزمه ما يقع عليه اسم ذنب مما
عليه لحم ولا يلزمه أن يوزن عليه فيه الرأس، ويلزمه ما بين ذلك إلا أن يكون من حوت كبير فيسمى
وزنا من الحوت مما أسلف فيه موضعا منه لا يجوز أن يسلف فيه إلا في موضع إذا احتمل ما تحتمل الغنم
من أن يكون يوجد في موضع منه ما سلف فيه ويصف لموضع الذي سلف فيه وإذا لم يحتمل كان كما
وصفت في الطير.
الرؤوس والأكارع
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا يجوز عندي السلف في شئ من الرؤوس من صغارها ولا كبارها
ولا الأكارع لأنا لا نجيز السلف في شئ سوى الحيوان حتى نجده بذرع أو كيل أو وزن فأما عدد منفرد
فلا وذلك أنه قد يكون يشتبه ما يقع عليه اسم الصغير وهو متباين وما يقع عليه اسم الكبير وهو متباين
فإذا لم نجد فيه كما حددنا في مثله من الوزن والذرع والكيل أجزناه غير محدود وإنما نرى الناس تركوا
وزن الرؤوس لما فيها من سقطها الذي يطرح ولا يؤكل مثل الصوف والشعر عليه ومثل أطراف مشافره
ومناخره وجلود خديه وما أشبه ذلك مما لا يؤكل ولا يعرف قدره منه غير أنه فيه غير قليل فلو وزنوه
وزنوا معه غير ما يؤكل من صوف وشعر وغيره ولا يشبه النوى في التمر لأنه قد ينتفع بالنوى ولا القشر في
الجوز لأنه قد ينتفع بقشر الجوز وهذا لا ينتفع به في شئ (قال) ولو تحامل رجل فأجازه لم يجز عندي
أن يؤمر أحد بأن يجيزه إلا موزونا. والله تعالى أعلم، ولإجازته وجه يحتمل بعض مذاهب أهل الفقه ما
هو أبعد منه (قال الشافعي) وقد وصفت في غير هذا الموضع أن البيوع ضربان أحدهما بيع عين قائمة
فلا بأس أن تباع بنقد ودين إذا قبضت العين أو بيع شئ موصوف مضمون على بائعه يأتي به لا بد
عاجلا أو إلى أجل وهذا لا يجوز حتى يدفع المشترى ثمنه قبل أن يتفرق المتبايعان وهذان مستويان إذا
شرط فيه أجل أو ضمان أو يكون أحد البيعين نقدا والاخر دينا أو مضمونا قال وذلك أني إذا بعتك
سلعة ودفعتها إليك وكان ثمنها إلى أجل فالسلعة نقد والثمن إلى أجل معروف وإذا دفعت إليه مائة دينار
في طعام موصوف إلى أجل فالمائة نقد والسلعة مضمونة يأتي بها صاحبها لا بد، ولا خير في دين
بدين ولو اشترى رجل ثلاثين رطلا لحما بدينار ودفعه يأخذ كل يوم رطلا فكان أول محلها حين دفع
وآخره إلى شهر وكانت صفقة واحدة كانت فاسدة ورد مثل اللحم الذي أخذ أو قيمته إن لم يكن له
مثل وذلك أن هذا دين بدين ولو اشترى رطلا منفردا وتسعة وعشرين بعده في صفقة غير صفقته كان
الرطل جائزا والتسعة والعشرون منتقضة وليس أخذه أولها إذا لم يأخذها في مقام واحد بالذي يخرجه
من أن يكون دينا، ألا ترى أنه ليس له أنه أن يأخذ رطلا بعد الأول إلا بمدة تأتى عليه؟ ولا يشبه هذا
الرجل يشترى الطعام بدين ويأخذ في اكتياله لأن محله واحد وله أخذه كله في مقامه إلا أنه لا يقدر
على أخذه إلا هكذا لا أجل له، ولو جاز هذا، جاز أن يشترى بدينار ثلاثين صاعا حنطة يأخذ كل
يوم صاعا (قال) وهذا هكذا في الرطب والفاكهة وغيرها كل شئ لم يكن له قبضه ساعة يتبايعانه معا
113

ولم يكن لبائعه دفعه عن شئ منه حين يشرع في قبضه كله لم يجز أن يكون دينا (قال) ولو جاز هذا في
اللحم جاز في كل شئ من ثياب وطعام وغيره (قال الشافعي) ولو قال قائل هذا في اللحم جائز وقال
هذا مثل الدار يتكاراها الرجل إلى أجل فيجب عليه من كرائها بقدر ما سكن (قال) وهذا في الدار
وليس كما قال، ولو كان كما قال أن يقيس اللحم بالطعام أولى به من أن يقيسه بالسكن لبعد السكن
من الطعام في الأصل والفرع فإن قال: فما فرق بينهما في الفرع؟ قيل أرأيتك إذا أكريتك دارا شهرا
ودفعتها إليك فلم تسكنها أيجب عليك الكراء؟ قال نعم قلت ودفعتها إليك طرفة عين إذا مرت المدة التي
اكتريتها إليها أيجب عليك كراؤها؟ قال نعم قلت أفرأيت إذا بعتك ثلاثين رطلا لحما إلى أجل ودفعت
إليك رطلا ثم مرت ثلاثون يوما ولم تقبض غير الرطل الأول أبرأ من ثلاثين رطلا كما برئت من سكن
ثلاثين يوما؟ فإن قال لا قيل لأنه يحتاج في كل يوم إلى أن يبرأ من رطل لحم يدفعه إليك لا يبرئه ما
قبله ولا المدة منه إلا بدفعه قال نعم ويقال له: ليس هكذا الدار فإذا قال لا قيل أفما تراها مفترقين في
الأصل والفرع والاسم؟ فكيف تركت أن تقيس اللحم بالمأكول الذي هو في مثل معناه من الربا
والوزن والكيل وقسته بما لا يشبهه؟ أو رأيت إذا أكريتك تلك الدار بعينها فانهدمت أيلزمني أن أعطيك
دارا بصفتها؟ فإن قال لا: قيل فإذا باعك لحما بصفة وله ماشية فماتت ماشيته أيلزمه أن يعطيك لحما
بالصفة؟ فإذا قال نعم قيل افتراهما مفترقين في كل أمرهما؟ فكيف تقيس أحدهما بالآخر؟ وإذا أسلف
من موضع في اللحم الماعز بعينه بوزن أعطى من ذلك الموضع من شاة واحدة فإن عجز ذلك الموضع
عن مبلغ ضفة السلم أعطاه من شاة غيرها مثل صفتها ولو أسلفه في طعام غيره فأعطاه بعض طعامه
أجود من شرطه لم يكن عليه أن يعطيه ما بقي منه أجود من شرطه إذا أوفاه شرطه وليس عليه أكثر
منه.
باب السلف في العطر وزنا
(قال الشافعي) رحمه الله: وكل ما لا ينقطع من أيدي الناس من العطر وكانت له صفة يعرف
بها ووزن جاز السلف فيه فإذا كان الاسم منه يجمع أشياء مختلفة الجودة لم يجز حتى يسمى ما أسلف فيه
منها كما يجمع التمر اسم التمر ويفرق بها أسماء تتباين فلا يجوز السلف فيها إلا بأن يسمى الصنف الذي أسلم
فيه ويسمى جيدا منه ورديئا فعلى هذا أصل السلف في العطر وقياسه فالعنبر منه الأشهب والأخضر
والأبيض وغيره ولا يجوز السلف فيه حتى يسمى أشهب أو أخضر جيدا ورديئا وقطعا صحاحا وزن كذا
وإن كنت تريده أبيض سميت أبيض وإن كنت تريده قطعة واحدة سميته قطعة واحدة وإن لم تسم
هكذا أو سميت قطعا صحاحا لم يكن لك ذلك مفتتا وذلك أنه متباين في الثمن ويخرج من أن يكون
بالصفة التي سلف وإن سميت عنبرا ووصفت لونه وجودته كان لك عنبر في ذلك اللون والجودة صغارا
أعطاه أو كبارا وإن كان في العنبر شئ مختلف بالبلدان ويعرف ببلدانه أنه لم يجز حتى يسمى عنبر بلد
كذا كما لا يجوز في الثياب حتى يقول مرويا أو هرويا (قال) وقد زعم بعض أهل العلم بالمسك أنه سرة
دابة كالظبي تلقيه في وقت من الأوقات وكأنه ذهب إلى أنه دم يجمع فكأنه يذهب إلى أن لا يحل
التطيب به لما وصفت (قال) كيف جاز لك أن تجيز التطيب بشئ وقد أخبرك أهل العلم أنه ألقى من
حي وما ألقى من حي كان عندك في معنى الميتة فلم تأكله؟ (قال) فقلت له قلت به خبرا واجماعا
114

وقياسا قال فاذكر فيه القياس قلت الخبر أولى بك قال سأسألك عنه فاذكر فيه القياس قلت قال الله
تبارك وتعالى " وإن لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا
للشاربين " فأحل شيئا يخرج من حي إذا كان من حي يجمع معنيين الطيب، وأن ليس بعضو منه
ينقصه خروجه منه حتى لا يعود مكانه مثله وحرم الدم من مذبوح وحى فلم يحل لاحد أن يأكل دما
مسفوحا من ذبح أو غيره فلو كنا حرمنا الدم لأنه يخرج من حي أحللناه من المذبوح ولكنا حرمناه
لنجاسته ونص الكتاب به مثل البول والرجيع من قبل أنه ليس من الطيبات قياسا على ما وجب غسله
مما يخرج من الحي من الدم وكان في البول والرجيع يدخل به طيبا ويخرج خبيثا ووجدت الولد
يخرج من حي حلالا ووجدت البيضة تخرج من بائضتها حية فتكون حلالا بأن هذا من الطيبات،
فكيف أنكرت في المسك الذي هو غاية من الطيبات، إذا خرج من حي أن يكون حلالا؟ وذهبت
إلى أن تشبهه بعضو قطع من حي والعضو الذي قطع من حي لا يعود فيه أبدا ويبين فيه نقصا وهذا يعود
زعمت بحاله قبل يسقط منه أفهو باللبن والبيضة والولد أشبه أم هو بالدم والبول والرجيع أشبه؟ فقال
بل باللبن والبيضة والولد أشبه إذا كانت تعود (1) بحالها أشبه منه بالعضو يقطع منها وإن كان أطيب من
اللبن والبيضة والولد يحل وما دونه في الطيب من اللبن والبيض يحل لأنه طيب كان هو أحل لأنه أعلى
في الطيب ولا يشبه الرجيع الخبيث (قال) فما الخبر؟ قلت (أخبرنا) الزنجي عن موسى بن عقبة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى للنجاشي أواقي مسك فقال لام سلمة " إني قد أهديت للنجاشي
أواقي مسك ولا أراه إلا قد مات قبل أن يصل إليه فإن جاءتنا وهبت لك كذا فجاءته فوهب لها
ولغيرها منه " (قال) وسئل ابن عمر عن السك أحنوط هو؟ فقال أو ليس من أطيب طيبكم؟ وتطيب
سعد بالمسك والذريرة وفيه المسك وابن عباس بالغالية قبل يحرم وفيها المسك ولم أر الناس عندنا اختلفوا
في إباحته (قال) فقال لي قائل خبرت أن العنبر شئ ينبذه حوت من جوفه فكيف أحللت ثمنه؟ قلت
أخبرني عدد ممن أثق به أن العنبر نبات يخلقه الله تعالى في حشاف في البحر فقال لي منهم نفر حجبتنا
الريح إلى جزيرة فأقمنا بها ونحن ننظر من فوقها إلى حشفة (2) خارجة من الماء منها عليها عنبرة أصلها
مستطيل كعنق الشاة والعنبرة ممدودة في فرعها ثم كنا نتعاهدها فنراها تعظم فأخرنا أخذها رجاء ان تزيد
عظما فهبت ريح فحركت البحر فقطعتها فخرجت مع الموج ولم يختلف على أهل العلم بأنه كما وصفوا
وإنما غلط من قال: إنه يجده حوت أو طير فيأكله للينه وطيب ريحه وقد زعم بعض أهل العلم أنه لا
تأكله دابة إلا قتلها فيموت الحوت الذي يأكله فينبذه البحر فيؤخذ فيشق بطنه فيستخرج منه قال فما
تقول فيما استخرج من بطنه؟ قلت يغسل عنه شئ أصابه من أذاه ويكون حلالا أن يباع ويتطيب به
من قبل أنه مستجسد غليظ غير منفر لا يخالطه شئ أصابه فيذهب فيه كله إنما يصيب ما ظهر منه كما
يصيب ما ظهر من الجلد فيغسل فيطهر ويصيب الشئ من الذهب والفضة والنحاس والرصاص
والحديد فيغسل فيطهر والأديم (قال) فهل في العنبر خبر؟ قلت لا أعلم أحدا من أهل العلم خالف في
أنه لا بأس ببيع العنبر ولا أحد من أهل العلم بالعنبر قال في العنبر إلا ما قلت لك من أنه نبات والنبات
لا يحرم منه شئ (قال) فهل فيه أثر؟ قلت نعم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان

(1) قوله: إذا كانت تعود بحالها الخ كذا بالأصول التي بأيدينا وتأمل اه‍ مصححه.
(2) قوله: إلى حشفة بالتحريك أي صخرة نابتة في البحر. كما في القاموس اه‍ مصححه.
115

عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس سئل عن العنبر فقال إن كان فيه شئ ففيه الخمس (أخبرنا
الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أذينة (1) أن ابن عباس قال
ليس في العنبر زكاة إنما هو شئ دسره البحر (قال الشافعي) ولا يجوز بيع السمك وزنا في فارة لأن
المسك مغيب ولا يدرى كم وزنه من وزن جلوده والعود يتفاضل تفاضلا كثيرا فلا يجوز حتى يوصف
كل صنف منه وبلده وسمته الذي يميزه به بينه وبين غيره كما لا يجوز في الثياب إلا ما وصفت من تسمية
أجناسه وهو أشد تباينا من التمر وربما رأيت المنامنة بمائتي دينار والمنامن صنف غيره بخمسة دنانير
وكلاهما ينسب إلى الجودة من صنفه وهكذا القول في كل متاع العطارين مما يتباين منه ببلد أو لون أو
عظم لم يجز السلف فيه حتى يسمى ذلك وما لا يتباين بشئ من هذا وصف بالجودة والرداءة وجماع
الاسم والوزن ولا يجوز السلف في شئ منه يخلطه عنبرا لا خليا من العنبر أو الغش الشك من الربيع
فإن شرط شيئا بترابه أو شيئا بقشوره وزنا إن كانت قشوره ليست مما تنفعه أو شيئا يختلط به غيره منه لا
يعرف قدر هذا من قدر هذا لم يجز السلف فيه (قال) وفى الفأر إن كان من صيد البحر مما يعيش في
البحر فلا بأس بها وإن كانت تعيش في البر وكانت فأرا لم يجز بيعها وشراؤها إذا لم تدبغ وإن دبغت
فالدباغ لها طهور فلا بأس ببيعها وشرائها وقال في كل جلد على عطر وكل ما خفى عليه من عطر ودواء
الصيادلة وغيره مثل هذا القول إلا أنه لا يحل بيع جلد من كلب ولا خنزير وإن دبغ ولا غير مدبوغ ولا
شئ منهما ولا من واحد منهما.
باب متاع الصيادلة
(قال الشافعي) رحمه الله: ومتاع الصيادلة كله من الأدوية كمتاع العطارين لا يختلف فما يتباين
بجنس أو لون أو غير ذلك يسمى ذلك الجنس وما يتباين ويسمى وزنا وجديدا وعتيقا فإنه إذا تغير لم
يعمل عمله جديدا وما اختلط منه بغيره لم يجز كما قلت في متاع العطارين ولا يجوز أن يسلف في شئ
منه إلا وحده أو معه غيره كل واحد منهما معروف الوزن ويأخذهما متميزين فأما أن يسلف منه في
صنفين مخلوطين أو أصناف مثل الأدوية المحببة أو المجموعة بعضها إلى بعض بغير عجن ولا تحبيب فلا
يجوز ذلك لأنه لا يوقف على حده ولا يعرف وزن كل واحد منه ولا جودته ولا رداءته إذا اختلط (قال
الشافعي) وما يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب إذا كان هكذا قياسا على ما وصفت لا يختلف وإذا اختلف
سمى أجناسه وإذا اختلف في ألوانه سمى ألوانه وإذا تقارب سمى وزنه فعلى هذا، هذا الباب وقياسه
(قال) وما خفيت معرفته من متاع الصيادلة وغيره مما لا يخلص من الجنس الذي يخالفه وما لم يكن
منها إذا رئ عمت معرفته عند أهل العلم العدول من المسلمين لم يجز السلف فيه ولو كانت معرفته عامة
عند الأطباء غير المسلمين والصيادلة غير المسلمين أو عبيد المسلمين أو غير عدول لم أجز السلف فيه وإنما
أجيزه فيما أجد معرفته عامة عند عدول من المسلمين من أهل العلم به وأقل ذلك أن أجد عليه عدلين
يشهدان على تمييزه وما كان من متاع الصيادلة من شئ محرم لم يحل بيعه ولا شراؤه وما لم يحل شراؤه لم

(1) قوله: عن أذينة كذا في نسختين وفى نسخة عن أبيه والذي في المسند عن ابن أذينة ولم نقف على ما يرجحه فيما
رجعنا إليه من الخلاصة والقاموس فراجع كتبه مصححه.
116

يجز السلف فيه لأن السلف بيع من البيوع ولا يحل أكله ولا شربه وما كان منها مثل الشجر الذي ليس
فيه تحريم إلا من جهة أن يكون مضرا فكان سما لم يحل شراء السم ليؤكل ولا يشرب فإن كان يعالج به
من ظاهر شئ لا يصل إلى جوف ويكون إذا كان طاهرا مأمونا لا ضرر فيه على أحد موجود المنفعة في
داء فلا بأس بشرائه ولا خير في شراء شئ يخالطه لحوم الحيات الترياق وغيره لأن الحيات محرمات
لأنهن من غير الطيبات ولأنه مخالطه ميتة ولا لبن ما لا يؤكل لحمه من غير الآدميين ولا بول ما لا
يؤكل لحمه ولا غيره والأبوال كلها نجسة لا تحل إلا في ضرورة فعلى ما وصفت هذا الباب كله وقياسه
(قال) وجماع ما يحرم أكله في ذوات الأرواح خاصة إلا ما حرم من المسكر ولا في شئ من الأرض
والنبات حرام إلا من جهة أن يضر كالسم وما أشبهه فما دخل في الدواء من ذوات الأرواح فكان محرم
المأكول فلا يحل وما لم يكن محرم المأكول فلا بأس.
باب السلف في اللؤلؤ وغيره من متاع أصحاب الجوهر
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا يجوز عندي السلف في اللؤلؤ ولا في الزبرجد ولا في الياقوت ولا
في شئ من الحجارة التي تكون حليا من قبل أني لو قلت سلفت في لؤلؤة مدحرجة صافية وزنها كذا
وكذا وصفتها مستطيلة ووزنها كذا كان الوزن في اللؤلؤة مع هذه الصفة تستوى صفاته وتتباين لأن منه
ما يكون أثقل من غيره فيتفاضل بالثقل والجودة وكذلك الياقوت وغيره فإذا كان هكذا فيما يوزن كان
اختلافه لو لم يوزن في اسم الصغير والكبير أشد اختلافا ولو لم أفسده من قبل للصفاء وإن تباين
وأعطيته أقل ما يقع عليه اسم الصفاء أفسد من حيث وصفت لأن بعضه أثقل من بعض فتكون الثقيلة
الوزن بينا وهي صغيرة وأخرى أخف منها وزنا بمثل وزنها وهي كبيرة فيتباينان في الثمن تباينا متفاوتا ولا
أضبط أن أصفها بالعظم أبدا إذا لم توزن لأن اسم العظم لا يضبط إذا لم يكن معه وزن فلما تباين
اختلافهما بالوزن كان اختلافهما غير موزونين أشد تباينا. والله تعالى أعلم.
باب السلف في التبر غير الذهب والفضة
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا بأس أن يسلف ذهبا أو فضة أو عرضا من العروض ما كان في تبر
نحاس أو حديد أو آنك بوزن معلوم وصفة معلومة والقول فيه كله كالقول فيما وصفت من الأسلاف فيه
إن كان في الجنس منه شئ يتباين في ألوانه فيكون صنف أبيض وآخر احمر وصف اللون الذي سلف
فيه وكذلك إن كان يتباين في اللون في أجناسه وكذلك إن كان يتباين في لينه وقسوته وكذلك إن كان
يتباين في خلاصه وغير خلاصه لم يجز أن يترك من هذه الصفة شيئا إلا وصفه فإن ترك منه شيئا واحدا
فسد السلف وكذلك إن ترك أن يقول جيدا أو رديئا فسد السلف وهكذا، هذا في الحديد والرصاص
والآنك والزاووق فإن الزاووق يختلف مع هذا في رقته وثخانته يوصف ذلك وكل صنف منه اختلف في
شئ في غيره وصف حيث يختلف كما قلنا في الأمر الأول وهكذا هذا في الزرنيخ وغيره وجميع ما
يوزن مما يقع عليه اسم الصنف من الشب والكبريت وحجارة الاكحال وغيرها القول فيها قول واحد
كالقول في السلف فيما قبلها وبعدها.
117

باب السلف في صمغ الشجر
(قال الشافعي) رحمه الله: وهكذا السلف في اللبان والمصطكي والغراء وصمغ الشجر كله ما كان
منه من شجرة واحدة كاللبان وصف بالبياض وأنه غير ذكر فإن كان منه شئ يعرفه أهل العلم به يقولون
له ذكر إذا مضغ فسد وما كان منه من شجر شتى مثل الغراء وصف شجره وما تباين منه وإن كان من
شجرة واحدة وصف كما وصفت في اللبان وليس في صغير هذا وكبيره تباين يوصف بالوزن وليس على
صاحبه أن يوزن له فيه قرفة أو في شجرة مقلوعة مع الصمغة لا توزن له الصمغة إلا محضة.
باب الطين الأرمني وطين البحيرة والمختوم
(قال الشافعي) رحمه الله: وقد رأيت طينا يزعم أهل العلم به أنه طين أرمني ومن موضع منها
معروف وطين يقال له طين البحيرة والمختوم ويدخلان معا في الأدوية وسمعت من يدعى العلم بهما يزعم
أنهما يغشان بطين غيرهما لا ينفع منفعتهما ولا يقع موقعهما ولا يسوى مائة رطل منه رطلا من واحد منهما
طينا عندنا بالحجاز من طين الحجاز يشبه الطين الذي رأيتهم يقولون: إنه أرمني (قال الشافعي) فإن
كان مما رأيت ما يختلط على المخلص بينه وبين ما سمعت ممن يدعى من أهل العلم به فلا يخلص فلا
يجوز السلف فيه بحال وإن كان يوجد عدلان من المسلمين يخلصان معرفته بشئ يبين لهما جاز السلف
فيه وكان كما وصفنا مما يسلف فيه من الأدوية والقول فيه كالقول في غيره إن تباين بلون أو جنس أو بلد
لم يجز السلف فيه حتى يوصف لونه وجنسه ويوصف بوزن معلوم.
باب بيع الحيوان والسلف فيه
(قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا فجاءته إبل من الصدقة فقال أبو رافع فأمرني رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن أقضى الرجل بكره فقلت يا رسول الله إني لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا
رباعيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء " (قال الشافعي)
أخبرنا الثقة عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهل عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم مثل معناه (قال الشافعي) فهذا الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه آخذ وفيه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمن بعيرا بصفة وفى هذا ما دل على أنه يجوز أن يضمن الحيوان كله
بصفة في السلف وفى بيع بعضه ببعض وكل أمر لزم فيه الحيوان بصفة وجنس وسن فكالدنانير بصفة
وضرب ووزن وكالطعام بصفة وكيل وفيه دليل على أنه لا بأس أن يقضى أفضل مما عليه متطوعا من غير
شرط وفيه أحاديث سوى هذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن
الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر قال جاء عبد فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهجرة
ولم يسمع أنه عبد فجاء سيده يريده فقال النبي صلى الله عليه وسلم " بعه " فاشتراه بعبدين أسودين ثم لم
يبايع أحدا بعده حتى يسأله: أعبد هو أم حر (قال) وبهذا نأخذ وهو إجازة عبد بعبدين وإجازة أن
118

يدفع ثمن شئ في يده فيكون كقبضه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم
عن ابن جريج أن عبد الكريم الجزري أخبره أن زياد ابن أبي مريم مولى عثمان بن عفان أخبره أن
النبي صلى الله عليه وسلم بعث مصدقا له فجاءه بطهر مسان فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال
" هلكت وأهلكت " فقال يا رسول الله: إني كنت أبيع البكرين والثلاثة بالبعير المسن يدا بيد وعلمت
من حاجة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الظهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم " فذاك إذن " (قال
الشافعي) وهذا منقطع لا يثبت مثله وإنما كتبناه أن الثقة أخبرنا عن عبد الله بن عمر بن حفص أو
أخبرنيه عبد الله ابن عمر بن حفص (قال الشافعي) قول النبي صلى الله عليه وسلم إن كان قال هلكت
وأهلكت أثمت وأهلكت أموال الناس يعنى أخذت منهم ما ليس عليهم (1) وقوله " عرفت حاجة النبي
صلى الله عليه وسلم إلى الظهر " يعنى ما يعطيه أهل الصدقة في سبيل الله ويعطى ابن السبيل منهم
وغيرهم من أهل السهمان عند نزول الحاجة بهم إليها والله تعالى أعلم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أنه سئل عن بعير ببعيرين فقال قد يكون
بعير خيرا من بعيرين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن صالح بن كيسان عن
الحسن بن محمد بن علي أن علي بن أبي طالب باع جملا له يدعى عصيفير بعشرين بعيرا إلى أجل
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه اشترى راحلة بأربعة
أبعرة مضمونة عليه يوفيها صاحبها بالربذة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك أنه
سأل ابن شهاب عن بيع الحيوان اثنين بواحد إلى أجل؟ فقال لا بأس به (أخبرنا الربيع) قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال لا ربا في الحيوان وإنما
نهى من الحيوان عن ثلاث عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة والمضامين ما في ظهور الجمال والملاقيح
ما في بطون الإناث وحبل الحبلة بيع كان أهل الجاهلية يتبايعونه كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج
الناقة ثم ينتج ما في بطنها (قال الشافعي) وما نهى عنه من هذا كما نهى عنه والله أعلم وهذا لا بيع عين
ولا صفة ومن بيوع الغرر ولا يحل وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع حبل الحبلة
وهو موضوع في غير هذا الموضع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج
عن عطاء أنه قال وليبتع البعير بالبعيرين يدا بيد وعلى أحدهما زيادة ورق والورق نسيئة قال وبهذا كله
أقول ولا بأس أن يسلف الرجل في الإبل وجميع الحيوان بسن وصفة وأجل كما يسلف في الطعام ولا
بأس أن يبيع الرجل البعير بالبعيرين مثله أو أكثر يدا بيد وإلى أجل وبعيرا ببعيرين وزيادة دراهم يدا
بيد ونسيئة إذا كانت إحدى البيعتين كلها نقدا أو كلها نسيئة ولا يكون في الصفقة نقد ونسيئة لا أبالي
أي ذلك كان نقدا ولا أنه كان نسيئة ولا يقارب البعير ولا يباعده لأنه لا ربا في حيوان بحيوان استدلالا
بأنه مما أبيح من البيوع ولم يحرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه خارج من معنى ما حرم مخصوص
فيه بالتحليل ومن بعده ممن ذكرنا وسكتنا عن ذكره (قال) وإنما كرهت في التسليم أن تكون إحدى
البيعتين مبعضة بعضها نقد وبعضها نسيئة لأني لو أسلفت بعيرين أحدا للذين أسلفت نقدا والآخر
نسيئة في بعيرين نسيئة كان في البيعة دين بدين ولو أسلفت بعيرين نقدا في بعيرين نسيئة إلى أجلين

(1) قوله: عرفت حاجة النبي. كذا بالأصول ولعله يشير إلى رواية أو حكى المعنى. وإلا فالذي صرح به قبل وعلمت
من حاجة النبي الخ. كتبه مصححه.
119

مختلفين كانت قيمة البعيرين المختلفين إلى الأجل مجهولة من قيمة البعيرين النقد لأنهما لو كانا على
صفة واحدة كان المستأخر منهما أقل قيمة من المتقدم قبله فوقعت البيعة المؤخرة لا تعرف حصة ما لكل
واحد من البعيرين منهما وهكذا لا يسلم دنانير في شئ إلى أجلين في صفقة واحدة وكذلك بعير
بعشرين بعيرا يدا بيد ونسيئة لا ربا في الحيوان ولا بأس أن يصدق الحيوان ويصالح عليه ويكاتب
عليه والحيوان بصفة وسن كالدنانير والدراهم والطعام لا يخالفه كل ما جاز ثمنا من هذا بصفة أو كيل أو
وزن جاز الحيوان فيه بصفة وسن ويسلف الحيوان في الكيل والوزن والدنانير والدراهم والعروض كلها
من الحيوان من صنفه وغير صنفه إلى أجل معلوم ويباع بها يدا بيد لا ربا فيها كلها ولا ينهى من بيعه
عن شئ بعقد صحيح إلا بيع اللحم بالحيوان اتباعا دون ما سواه (قال) وكل ما لم يكن في التبايع به
ربا في زيادته في عاجل أو آجل فلا بأس أن يسلف بعضه في بعض من جنس وأجناس وفى غيره مما
تحل فيه الزيادة. والله أعلم.
باب صفات الحيوان إذا كانت دينا
(قال الشافعي) رحمه الله: إذا سلف رجل في بعير لم يجز السلف فيه إلا بأن يقول: من نعم بنى
فلان كما يقول ثوب مروى وتمر بردى وحنطة مصرية لاختلاف أجناس البلاد واختلاف الثياب والتمر
والحنطة ويقول رباعي أو سداسي أو بازل أو أي سن أسلف فيها فيكون السن إذا كان من حيوان معروفا
فيما يسمى من الحيوان كالذرع فيما يذرع من الثياب والكيل فيما يكال من الطعام لأن هذا أقرب الأشياء
من أن يحاط به فيه كما الكيل والذرع أقرب الأشياء في الطعام والثوب من أن يحاط به فيه ويقول لونه
كذا لأنها تتفاضل في الألوان وصفة الألوان في الحيوان كصفة وشى الثوب ولون الخز والقز والحرير
وكل يوصف بما أمكن فيه من أقرب الأشياء بالإحاطة به فيه ويقول ذكر أو أنثى لاختلاف الذكر
والأنثى فإن ترك واحدا من هذا فسد السلف في الحيوان (قال) وأحب إلى أن يقول نقى من العيوب
وإن لم يقله لم يكن له عيب وأن يقول جسيما فيكون له أقل ما يقع عليه اسم صفة الجسيم وإن لم يقله
لم يكن له مودن لأن الايدان عيب وليس له مرض ولا عيب وإن لم يشترطه (قال) وإن اختلف نعم
بنى فلان كان له أقل ما يقع عليه صفة من أي نعمهم شاء فإن زادوه فهم متطوعون بالفضل وقد قيل
إذا تباين نعمهم فسد السلف إلا بأن يوصف جنس من نعمهم (قال) والحيوان كله مثل الإبل لا
يجزئ في شئ منه إلا ما أجزأ في الإبل (قال) وإن كان السلف في خيل أجزأ فيها ما أجزأ في الإبل
وأحب إن كان السلف في الفرس أن يصف شيته مع لونه فإن لم يفعل فله اللون بهيما وإن كان له شية
فهو بالخيار في أخذها وتركها والبائع بالخيار في تسليمها وإعطائه اللون بهيما (قال الشافعي) رحمه
الله: وهكذا. هذا في ألوان الغنم إن وصف لونها وصفتها غرا أو كدرا وبما يعرف به اللون الذي يريد
من الغنم وإن تركه فله اللون الذي يصف جملته بهيما وهكذا جميع الماشية حمرها وبغالها وبراذينها
وغيرها مما يباع فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه وهكذا، هذا في العبيد والإماء يصف أسنانهن بالسنين
وألوانهن وأجناسهن وتحليتهن بالجعودة والسبوطة (قال) وإن أتى على السن واللون والجنس أجزأه وإن
ترك واحدا من هذا فسد السلف والقول في هذا وفى الجواري والعبيد كالقول فيما قبله والتحلية أحب إلي
وإن لم يفعل فليس له عيب كما لا يكون له في البيع عيب إلا أنهما يختلفان في خصلة إن جعدت له
120

وقد اشتراها نقدا بغير صفة كان بالخيار في ردها إذا علم أنها سبطة لأنه اشتراها على أنه يرى أنها جعدة
والجعدة أكثر ثمنا من السبطة ولو اشتراها سبطة ثم جعدت ثم دفعت إلى المسلف لم يكن له ردها لأنها
تلزمه سبطة لأن السبوطة ليست بعيب ترد منه إنما في تقصير عن حسن أقل من تقصيرها بخلاف
الحسن عن الحسن والحلاوة عن الحلاوة (قال) ولا خير في أن يسلم في جارية بصفة على أن يوفاها
وهي حبلى ولا في ذات رحم من الحيوان على ذلك من قبل أن الحمل ما لا يعلمه إلا الله وأنه شرط (1)
فيها ليس فيها وهو شراء ما لا يعرف وشراؤه في بطن أمه لا يجوز لأنه لا يعرف ولا يدرى أيكون أم لا
ولا خير في أن يسلف في ناقة بصفة ومعها ولدها موصوفا ولا في وليدة ولا في ذات رحم من حيوان
كذلك (قال) ولكن إن أسلف في وليدة أو ناقة أو ذات رحم من الحيوان بصفة ووصف بصفة ولم يقل
ابنها أو ولد ناقة أو شاة ولم يقل ولد الشاة التي أعطاها جاز وسواء أسلفت في صغير أو كبير موصوفين
بصفة وسن تجمعهما أو كبيرين كذلك (قال) وإنما أجزته في أمة ووصيف يصفه لما وصفت من أنه يسلم
في اثنين وكرهت أن يقال ابنها وإن كان موصوفا لأنها قد تلد ولا تلد وتأتى على تلك الصفة ولا تأتى
وكرهته لو قال معها ابنها وإن لم يوصف لأنه شراء عين بغير صفة وشئ غير مضمون على صاحبه ألا
ترى أني لا أجيز أن أسلف في أولادها سنة لأنها قد تلد ولا تلد ويقل ولدها ويكثر والسلف في هذا
الموضع يخالف بيع الأيعان (قال) ولو سلف في ناقة موصوفة أو ماشية أو عبد موصوف على أنه خباز أو
جارية موصوفة على أنها ماشطة كان السلف صحيحا وكان له أدنى ما يقع عليه اسم المشط وأدنى ما
يقع عليه اسم الخبز إلا أن يكون ما وصفت غير موجود بالبلد الذي يسلف فيه بحال فلا يجوز (قال)
ولو سلف في ذات در على أنها لبون كان فيها قولان أحدهما أنه جائز وإذا وقع عليها أنها لبون كانت له
كما قلنا في المسائل قبلها وإن تفاضل اللبن كما يتفاضل المشي والعمل والثاني لا يجوز من قبل أنها شاة
بلبن لأن شرطه ابتياع له واللبن يتميز منها ولا يكون بتصرفها إنما هو شئ يخلقه الله عز وجل فيها كما
يحدث فيها البعر وغيره فإذا وقعت على هذا صفة المسلف كان فاسدا كما يفسد أن يقول أسلفك في ناقة
يصفها ولبن معها غير مكيل ولا موصوف وكما لا يجوز أن أسلفك في وليدة حبلى وهذا أشبه القولين
بالقياس والله أعلم (قال) والسلف في الحيوان كله وبيعه بغيره وبعضه ببعض هكذا لا يختلف مرتفعهم
وغير مرتفعهم والإبل والبقر والغنم والخيل والدواب كلها وما كان موجودا من الوحش منها في أيدي
الناس مما يحل بيعه سواء كله ويسلف كله بصفة إلا الإناث من النساء فإنا نكره سلفهن دون ما سواهن
من الحيوان ولا نكره أن يسلف فيهن إنما نكره أن يسلفن وإلا الكلب والخنزير فإنهما لا يباعان بدين
ولا عين (قال) وما لم ينفع من السباع فهو مكتوب في غير هذا الموضع وكل ما لم يحل بيعه لا يحل
السلف فيه والسلف بيع (قال) وكل ما أسلفت من حيوان وغيره وشرطت معه غيره فإن كان المشروط
معه موصوفا يحل فيه السلف على الانفراد جاز فكنت إنما أسلفت فيه وفى الموصوف معه وإن لم يكن
يجوز السلف فيه على الانفراد فسد السلف ولا يجوز أن يسلف في حيوان موصوف من حيوان رجل بعينه
أو بلد بعينه ولانتاج ماشية رجل بعينه ولا يجوز أن يسلف فيه إلا فيما لا ينقطع من أيدي الناس كما قلنا
في الطعام وغيره (قال الربيع) (قال الشافعي) ولا يجوز أن أقرضك جارية ويجوز أن أقرضك كل

(1) قوله: وأنه شرط فيها ليس فيها. كذا في نسخة وفى أخرى " وأنه شرطا فيها ليس مثلها " فحرر كتبه مصححه.
121

شئ سواها من دراهم ودنانير لأن الفروج تحاط بأكثر مما يحاط به غيرها فلما كنت إذا أسلفتك جارية
كان لي نزعها منك لأني لم آخذ منك فيه عوضا لم يكن لك أن تطأ جارية لي نزعها منك. والله أعلم.
باب الاختلاف في أن يكون الحيوان نسيئة أو يصلح منه اثنان بواحد
(قال الشافعي) رحمه الله فخالفنا بعض الناس في الحيوان فقال لا يجوز أن يكون الحيوان نسيئة
أبدا قال وكيف أجزتم ان جعلتم الحيوان دينا وهو غير مكيل ولا موزون والصفة تقع على العبدين وبينهما
دنانير وعلى البعيرين وبينهما تفاوت في الثمن؟ قال نقلناه قلنا بأولى الأمور بنا أن نقول به بسنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم في استسلافه بعيرا وقضائه إياه والقياس على ما سواها من سنته ولم يختلف أهل
العلم فيه (قال) فاذكر ذلك قلت أما السنة النص، فإنه استسلف بعيرا وأما السنة التي استدللنا بها فإنه
قضى بالدية مائة من الإبل ولم أعلم المسلمين اختلفوا أنها بأسنان معروفة وفى مضى ثلاث سنين وأنه
صلى الله عليه وسلم افتدى كل من لم يطب عنه نفسا من قسم له من سبى هوازن بإبل سماها ست أو
خمس إلى أجل (قال) أما هذا فلا أعرفه قلنا: فما أكثر ما لا تعرفه من العلم! قال أفثابت؟ قلت نعم
ولم يحضرني إسناده قال ولم أعرف الدية من السنة قلت وتعرف مما لا تخالفنا فيه أن يكاتب الرجل على
الوصفاء بصفة وأن يصدق الرجل المرأة العبيد والإبل بصفة؟ قال نعم وقال: ولكن الدية تلزم بغير
أعيانها قلت وكذلك الدية من الذهب تلزم بغير أعيانها ولكن نقد البلاد ووزن معلوم غير مردود فكذلك
تلزم الإبل إبل العاقلة وسن معلومة وغير معيبة ولو أراد أن ينقص من أسنانها سنا لم تجز فلا أراك إلا
حكمت بها مؤقتة وأجزت فيها أن تكون دينا وكذلك أجزت في صداق النساء لوقت وصفة وفى الكتابة
لوقت وصفة ولو لم يكن روينا فيه شيئا إلا ما جامعتنا عليه من أن الحيوان يكون دينا في هذه المواضع
الثلاث أما كنت محجوجا بقولك لا يكون الحيوان دينا وكانت علتك فيه زائلة؟ (قال) وإن النكاح
يكون بغير مهر؟ قلت له فلم تجعل فيه مهر مثل المرأة إذا أصيبت وتجعل الإصابة كالاستهلاك في السلعة
في البيع الفاسد تجعل فيه قيمته؟ قال فإنما كرهنا السلم في الحيوان لأن ابن مسعود كرهه قلنا فيخالف
السلم سلفه أو البيع به أم هما شئ واحد؟ قال بل كل ذلك واحد إذا جاز أن يكون دينا في حال جاز
أن يكون دينا في كل حال قلت قد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم دينا في السلف والدية ولم
تخالفنا في أنه يكون في موضعين آخرين دينا في الصداق والكتابة فإن قلت ليس بين العبد وسيده ربا
قلت أيجوز أن يكاتبه على حكم السيد وعلى أن يعطيه ثمرة لم يبد صلاحها وعلى أن يعطيه ابنه المولود
معه في كتابته كما يجوز لو كان عبدا له ويكون للسيد يأخذ ماله؟ قال ما حكمه حكم العبيد قلنا فقلما
نراك تحتج بشئ إلا تركته والله المستعان وما نراك أجزت في الكتابة إلا ما أجزت في البيوع فكيف
أجزت في الكتابة أن يكون الحيوان نسيئة ولم تجزه في السلف فيه؟ أرأيت لو كان ثابتا عن ابن مسعود
أنه كره السلم في الحيوان غير مختلف عنه فيه والسلم عندك إذا كان دينا كما وصفنا من إسلافه وغير ذلك
أكان يكون في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الناس حجة؟ قال لا قلت فقد جعلته
حجة على ذلك متظاهرا متأكدا في غير موضع وأنت تزعم في أصل قولك أنه ليس بثابت عنه قال
ومن أين؟ قلت وهو منقطع عنه ويزعم الشعبي الذي هو أكبر من الذي روى عنه كراهته أنه إنما أسلف
122

له في لقاح فحل إبل بعينه وهذا مكروه عندنا وعند كل أحد هذا بيع لملاقيح والمضامين أو هما وقلت
لمحمد بن الحسن أنت أخبرتني عن أبي يوسف عن عطاء بن السائب عن أبي البحتري أن بنى عم لعثمان
أتوا واديا فصنعوا شيئا في إبل رجل قطعوا به لبن إبله وقتلوا فصالها فأتى عثمان وعنده ابن مسعود فرضى
بحكم ابن مسعود فحكم أن يعطى بواديه إبلا مثل إبله وفصالا مثل فصاله فأنفذ ذلك عثمان فيروى عن
ابن مسعود أنه يقضى في حيوان بحيوان مثله دينا لأنه إذا قضى به بالمدينة وأعطيه بواديه كان دينا
ويزيد أن يروى عن عثمان أنه يقول بقوله وأنتم تروون عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال
أسلم لعبد الله بن مسعود في وصفاء أحدهم أبو زائدة مولانا فلو اختلف قول ابن مسعود فيه عندك فأخذ
رجل ببعضه دون بعض ألم يكن له؟ قال بلى قلت ولو لم يكن فيه غير اختلاف قول ابن مسعود؟ قال
نعم قلت فلم خالفت ابن مسعود ومعه عثمان ومعنى السنة والاجماع؟ قال فقال منهم قائل فلو زعمت أنه
لا يجوز السلم فيه ويجوز إسلامه وأن يكون دية وكتابة ومهرا وبعيرا ببعيرين نسيئة قلت فقله إن شئت قال
فإن قلته؟ قلت يكون أصل قولك لا يكون الحيوان دينا خطأ بحاله قال فإن انتقلت عنه؟ قلت فأنتم
تروون عن ابن عباس أنه أجاز السلم في الحيوان وعن رجل آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
قال إنا لنرويه قلت فإن ذهب رجل إلى قولهما أو قول أحدهما دون قول ابن مسعود أيجوز له؟ قال نعم
قلت فإن كان مع قولهما أو قول أحدهما القياس على السنة والاجماع؟ قال فذلك أولى أن يقال به قلت
أفتجد مع من أجاز السلم في الحيوان القياس فيما وصفت؟ قال نعم وما رديت لأي معنى تركه أصحابنا
قلت أفترجع إلى إجازته؟ قال أقف فيه قلت فيعذر غيرك في الوقف عما بان له؟ (قال) ورجع بعضهم
ممن كان يقول قولهم من أهل الآثار إلى إجازته وقد كان يبطله (قال الشافعي) قال محمد بن الحسن فإن
صاحبنا قال إنه يدخل عليكم خصلة تتركون فيها أصل قولكم إنكم لم تجيزوا استسلاف الولائد خاصة
وأجزتم بيعهن بدين والسلف فيهن قال قلت أرأيت لو تركنا قولنا في خصلة واحدة ولزمناه في كل شئ
أكنا معذورين؟ قال لا قلت لأن ذلك خطأ؟ قال نعم قلت فمن أخطأ قليلا أمثل حالا أم من أخطأ كثيرا؟
قال بل من أخطأ قليلا ولا عذر له قلت فأنت تقر بخطأ كثير وتأبى أن تنتقل عنه ونحن لم نخطئ أصل
قولنا إنما فرقنا بينه بما تتفرق الاحكام عندنا وعندك بأقل منه قال فاذكره قلت أرأيت إذا اشتريت منك
جارية موصوفة بدين أملكت عليك إلا الصفة؟ ولو كانت عندك مائة من تلك الصفة لم تكن في
واحدة منهن بعينها وكان لك أن تعطى أيتهن شئت فإذا فعلت فقد ملكتها حينئذ؟ قال نعم قلت ولا
يكون لك أخذها منى كما لا يكون لك أخذها لو بعتها مكانك وانتقدت ثمنها؟ قال نعم وكل بيع بيع
بثمن ملك هكذا قال نعم قلت أفرأيت إذا أسلفتك جارية إلى أخذها منك بعدما قبضتها من ساعتي
وفى كل ساعة؟ قال نعم قلت فلك أن تطأ جارية متى شئت أخذتها أو استبرأتها ووطئتها؟ قال فما فرق
بينها وبين غيرها؟ قلت الوطئ قال فإن فيها لمعنى في الوطئ ما هو في رجل ولا في شئ من البهائم
قلت فبذلك المعنى فرقت بينهما؟ قال فلم لم يجز له أن يسلفها فإن وطئها لم يردها ورد مثلها؟ قلت أيجوز
أن أسلفك شيئا ثم يكون لك أن تمنعني منه ولم يفت قال لا قلت فكيف تجيز إن وطئها أن لا يكون لي
عليها سبيل وهي غير فائتة، ولو جاز لم يصح فيه قول؟ قال وكيف إن أجزته لا يصحه فيه قول؟ قلت
لأني إذا سلطته على إسلافها فقد أبحت فرجها للذي سلفها فإن لم يطأها حتى يأخذها السيد أبحته
للسيد فكان الفرج حلالا لرجل ثم حرم عليه بلا إخراج له من ملكه ولا تمليكه رقبة الجارية غيره ولا
طلاق (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) وكل فرج حل فإنما يحرم بطلاق أو إخراج ما ملكه إلى
123

ملك غيره أو أمور ليس المستسلف في واحد منها قال أفتوضحه بغير هذا مما نعرف؟ قلت نعم قياسا على
أن السنة فرقت بينه قال فاذكره قلت أرأيت المرأة نهيت ان تسافر إلا مع ذي رحم محرم ونهيت أن يخلو
بها رجل وليس معها ذو محرم ونهيت عن الحلال لها من الترويج إلا بولي؟ قال نعم قلت أفتعرف في
هذا معنى نهيت له إلا ما خلق في الآدميين من الشهوة للنساء وفى الآدميات من الشهوة للرجال
فحيط في ذلك لئلا ينسب إلى المحرم منه، ثم حيط في الحلال منه لئلا ينسب إلى ترك الحظ فيه أو
الدلسة؟ قال ما فيه معنى إلا هذا أو في معناه قلت أفتجد إناث البهائم في شئ من هذه المعاني أو
ذكور الرجال أو البهائم من الحيوان؟ قال لا قلت فبان لك فرق الكتاب والسنة بينهن وأنه إنما نهى عنه
للحياطة لما خلق فيهن من الشهوة لهن؟ قال نعم قلت فبهذا فرقنا وغيره مما في هذا كفاية منه إن شاء الله
تعالى، قال أفتقول بالذريعة؟ قلت لا ولا معنى في الذريعة إنما المعنى في الاستدلال بالخبر اللازم أو
القياس عليه أو المعقول.
باب السلف في الثياب
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي، قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه سئل ابن
شهاب عن ثوب بثوبين نسيئة فقال لا بأس به ولم أعلم أحدا يكرهه (قال الشافعي) وما حكيت من أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل على أهل نجران ثيابا معروفة عند أهل العلم بمكة ونجران ولا أعلم
خلافا في أنه يحل أن يسلم في الثياب بصفة، قال والصفات في الثياب التي لا يستغنى عنها ولا يجوز
السلف حتى تجمع أن يقول لك الرجل أسلم إليك في ثوب مروى أو هروى أو رازي أو بلخي أو
بغدادي طوله كذا وعرضه كذا صفيقا دقيقا أو رقيقا فإذا جاء به على أدنى ما تلزمه هذه الصفة لزمه
وهو متطوع بالفضل في الجودة إذا لزمتها الصفة وإنما قلت دقيقا لأن أقل ما يقع عليه اسم الدقة غير
متباين الخلاف في أدق منه وأدق منه زيادة في فضل الثوب ولم أقل صفيقا مرسلة لأن اسم الصفاقة
قد يقع على الثوب الدقيق والغليظ فيكون إن أعطاه غليظا أعطاه شرا من دقيق وإن أعطاه دقيقا أعطاه
شرا من غليظ وكلاهما يلزمه اسم الصفاقة قال وهو كما وصفت في الأبواب قبله إذا ألزم أدنى ما يقع
عليه الاسم من الشرط شيئا وكان يقع الاسم على شئ مخالف له هو خير منه لزم المشترى لأن الخير
زيادة يتطوع بها البائع وإذا كان يقع على ما هو شر منه لم يلزمه لأن الشر نقص لا يرضى به المشترى
(قال) فإن شرطه صفيقا ثخينا لم يكن له أن يعطيه دقيقا وإن كان خيرا منه لأن في الثياب علة أن
الصفيق الثخين يكون أدفأ في البرد وأكن في الحر وربما كان أبقى فهذه علة تنقصه وإن كان ثمن
الأدق أكثر فهو غير الذي أسلف فيه وشرط لحاجته (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) وإن أسلم في
ثياب بلد بها ثياب مختلفة الغزل والعمل يعرف كلها باسم سوى اسم صاحبه لم يجز السلف حتى يصف
فيه ما وصفت قبل ويقول ثوب كذا وكذا من ثياب بلد كذا ومتى ترك من هذا شيئا لم يجز السلف لأنه
بيع مغيب غير موصوف كما لا يجوز في التمر حتى يسمى جنسه (قال) وكل ما أسلم فيه من أجناس
الثياب هكذا كله إن كان وشيا نسبه يوسفيا أو نجرانيا أو فارعا أو باسمه الذي يعرف به وإن كان غير وشى
من العصب والحبرات وما أشبهه وصفه ثوب حبرة من عمل بلد كذا دقيق البيوت أو متركا مسلسلا أو
صفته أو جنسه الذي هو جنسه وبلده فإن اختلف عمل ذلك البلد قال من عمل كذا للعمل الذي
124

يعرف به لا يجزئ في السلم دونه وكذلك في ثياب القطن كما وصفت في العصب قبلها وكذلك البياض
والحرير والطيالسة والصوف كله والابرسيم وإذا عمل الثوب من قزأ ومن كتان أو من قطن وصفه وإن لم
يصف غزله إذا عمل من غزول مختلفة أو من كرسف مروى أو من كرسف خشن لم يصح وإن كان إنما
يعمل من صنف واحد ببلده الذي سلف فيه لم يضره أن لا يصف غزله إذا وصف الدقة والعمل والذرع
وقال في كل ما يسلم فيه جيد أو ردئ ولزمه كل ما يقع عليه اسم الجودة أو الرداءة أو الصفة التي
يشترط قال وإن سلف في وشى لم يجز حتى يكون للوشي صفة يعرفها أهل العدل من أهل العلم ولا خير
في أن يريه خرقة ويتواضعانها على يد عدل يوفيه الوشى عليها إذا لم يكن الوشى معروفا كما وصفت لأن
الخرقة قد تهلك فلا يعرف الوشى.
باب السلف في الأهب والجلود
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا يجوز السلف في جلود الإبل ولا البقر ولا أهب الغنم ولا جلد ولا
إهاب من رق ولا غيره ولا يباع إلا منظورا إليه قال وذلك أنه لم يجز لنا أن نقيسه على الثياب لأنا لو
قسناه عليها لم يحل إلا مذروعا مع صفته وليس يمكن فيه الذرع لاختلاف خلقته عن أن يضبط بذرع
بحال ولو ذهبنا نقيسه على ما أجزنا من الحيوان بصفة لم يصح لنا وذلك أنا إنما نجيز السلف في بعير من نعم
بنى فلان ثنى أو جذع موصوف فيكون هذا فيه كالذرع في الثوب ويقول رباع وبازل وهو في كل سن
من هذه الأسنان أعظم منه في السن قبله حتى يتناهى عظمه وذلك معروف مضبوط كما يضبط الذرع
وهذا لا يمكن في الجلود لا يقدر على أن يقال جلد بقرة ثنية أو رباع ولا شاة كذلك ولا يتميز فيقال
بقرة من نتاج بلد كذا لأن النتاج يختلف في العظم فلما لم يكن الجلد يوقع على معرفته كما يوقع على
معرفة ما كان قائما من الحيوان فيعرف بصفة نتاج بلده عظمه من صغره خالفت الجلود الحيوان في هذا
وفى أن من الحيوان ما يكون السن منه أصغر من السن مثله والأصغر خير عند التجار فيكون أمشى
وأحمل ما كانت فيه الحياة فيشترى البعير بعشرين بعيرا أو أكثر كلها أعظم منه لفضل التجار للمشي
ويدرك بذلك صفته وجنسه وليس هذا في الجلود هكذا الجلود لا حياة فيها وإنما تفاضلها في ثخانتها
وسعتها وصلابتها ومواضع منها فلما لم نجد خبرا نتبعه ولا قياسا على شئ مما أجزنا السلف فيه لم يجز أن
نجيز السلف فيه والله تعالى أعلم. ورأيناه لما لم يوقف على حده فيها رددنا السلم فيه ولم نجزه نسيئة وذلك
أن ما بيع نسيئة لم يجز إلا معلوما وهذا لا يكون معلوما بصفة بحال.
باب السلف في القراطيس
(قال الشافعي) رحمه الله: إن كانت القراطيس تعرف بصفة كما تعرف الثياب بصفة وذرع وطول
وعرض وجودة ورقة وغلظ واستواء صنعة أسلف فيها على هذه الصفة ولا يجوز حتى تستجمع هذه
الصفات كلها وإن كانت تختلف في قرى أو رساتيق لم يجز حتى يقال صنعة قرية كذا أو كورة كذا أو
رستاق كذا فإن ترك من هذا شيئا لم يجز السلف فيه والقول فيها كالقول فيما أجزنا فيه السلف غيرها وإن
125

كانت لا تضبط بهذا فلا خير في السلف فيها ولا أحسبها بهذا إلا مضبوطة أو ضبطها أصح من ضبط
الثياب أو مثله.
باب السلف في الخشب ذرعا
(قال الشافعي) رحمه الله: من سلف في خشب الساج فقال ساج سمح طول الخشبة منه كذا
وغلظها كذا وكذا ولونها كذا فهذا جائز وإن ترك من هذا شيئا لم يجز وإنما أجزنا هذا لاستواء نبتته وأن
طرفيه لا يقربان وسطه ولا جميع ما بين طرفيه من نبتته وإن اختلف طرفاه تقاربا وإذا شرط له غلظا
فجاءه بأحد الطرفين على الغلط والآخر أكثر فهو متطوع بالفضل، ولزم المشترى أخذه، فإن جاء به
ناقصا من طول، أو ناقص أحد الطرفين من غلظ لم يلزمه لأن هذا نقص من حقه (قال) وكل ما
استوت نبتته حتى يكون ما بين طرفيه منه ليس بأدق من طرفيه وأحدهما من السمح أو تربع رأسه
فأمكن الذرع فيه أو تدور تدورا مستويا فأمكن الذرع فيه وشرط فيه ما وصفت في الساج جاز السلف
فيه وسمى جنسه فإن كان منه جنس يختلف فيكون بعضه خيرا من بعض مثل الدوم فإن الخشبة منه
تكون خيرا من الخشب مثلها للحسن لم يستغن عن أن يسمى جنسه كما لا يستغنى أن يسمى جنس
الثياب فإن ترك تسمية جنسه فسد السلف فيه وما لم يختلف أجزنا السلف فيه بالصفة والذرع على نحو ما
وصفت قال وما كان منه طرفاه أو أحدهما أجل من الآخر ونقص ما بين طرفيه أو مما بينهما لم يجز السلف
فيه لأنه حينئذ غير موصوف العرض كما لا يجوز أن يسلف في ثوب موصوف الطول غير موصوف العرض
قال فعلى هذا السلف في الخشب الذي يباع ذرعا كله وقياسه لا يجوز حتى تكون كل خشبة منه
موصوفة محدودة كما وصفت وهكذا خشب الموائد يوصف طولها وعرضها وجنسها ولونها (قال) ولا
بأس بإسلام الخشب في الخشب ولا ربا فيما عدا الكيل والوزن من المأكول والمشروب كله والذهب
والورق وما عدا هذا فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ونسيئة سلما وغير سلم كيف كان إذا
كان معلوما.
باب السلف في الخشب وزنا
(قال الربيع) (قال الشافعي) وما صغر من الخشب لم يجز السلف فيه عددا ولا حزما ولا يجوز
حتى يسمى الجنس منه فيقول ساسما أسود أو آبنوس يصف لونه بنسبته إلى الغلظ من ذلك الصنف أو
إلى أن يكون منه دقيقا أما إذا اشتريت جملة قلت دقاقا أو أوساطا أو غلاظا وزن كذا وكذا وأما إذا
اشتريته مختلفا قلت كذا وكذا رطلا غليظا وكذا وكذا وسطا وكذا وكذا رقيقا لا يجوز فيه غير هذا فإن
تركت من هذا شيئا فسد السلف وأحب لو قلت سمحا فإن لم تقله فليس لك فيه عقد لأن العقد تمنعه
السماح وهي عيب فيه تنقصه وكل ما كان فيه عيب ينقصه لما يراد له لم يلزم المشترى وهكذا كل ما
اشترى للتجارة على ما وصفت لك لا يجوز إلا مذروعا معلوما أو موزونا معلوما بما وصفت (قال) وما
اشترى منه حطبا يوقد به وصف حطب سمر أو سلم أو حمض أو أراك أو قرظ أو عرعر ووصف بالغلظ
والوسط والدقة وموزونا فإن ترك من هذا شيئا لم يجز ولا يجوز أن يسلف عددا ولا حزما ولا غير موصوف
126

موزون بحال ولا موزون غير موصوف بغلظه ودقته وجنسه فإن ترك من هذا شيئا فسد السلف (قال)
فأما عيدان القسي فلا يجوز السلف فيها إلا بأمر قلما يكون فيها موجودا فإذا كان فيها موجودا جاز وذلك
أن يقول عود شوحطة جذل من نبات أرض كذا السهل منها أو الجبل أو دقيق أو وسط طوله كذا
وعرضه كذا وعرض رأسه كذا ويكون مستوى النبتة وما بين الطرفين من الغلظ فكل ما أمكنت فيه هذه
الصفة منه جاز وما لم يكن لم يجز وذلك أن عيدان الأرض تختلف فتباين والسهل والجبل منها يتباين
والوسط والدقيق يتباين وكل ما فيه هذه الصفة من شريان أو نبع أو غيره من أصناف عيدان القسي جاز
وقال فيه خوطا أو فلقة والفلقة أقدم نباتا من الخوط والخوط الشاب ولا خير في السلفة في قداح النبل
شوحطا كانت أو قنا أو غير ذلك لأن الصفة لا تقع عليها وإنما تفاضل في الثخانة وتباين فيها فلا يقدر
على ذرع ثخانتها ولا يتقارب فنجيز أقل ما تقع عليه الثخانة كما نجيزه في الثياب.
باب السلف في الصوف
(قال الشافعي) رحمه الله: لا يجوز السلف في الصوف حتى يسمى صوف ضأن بلد كذا
لاختلاف أصواف الضأن بالبلدان ويسمى لون الصوف لاختلاف ألوان الأصواف ويسمى جيدا ونقيا
ومغسولا لما يعلق به مما يثقل وزنه ويسمى طوالا أو قصارا من الصوف لاختلاف قصاره وطواله ويكون
بوزن معلوم فإن ترك من هذا شيئا واحدا فسد السلف فيه وإذا جاء بأقل مما يقع عليه اسم الطول من
الصوف وأقل ما يقع عليه اسم الجودة وأقل ما يقع عليه اسم البياض وأقل ما يقع عليه اسم النقاء
وجاء به من صوف ضأن البلد الذي سمى لزم المشترى قال ولو اختلف صوف الإناث والكباش ثم كان
يعرف بعد الجزاز لم يجز حتى يسمى صوف فحول أو إناث وإن لم يتباين ولم يكن يتميز فيعرف بعد
الجزاز فوصفه بالطول وما وصفت جاز السلف فيه ولا يجوز أن يسلف في صوف غنم رجل بعينها لأنها
قد تتلف وتأتى الآفة على صوفها ولا يسلف إلا في شئ موصوف مضمون موجود في وقته لا يخطئ
ولا يجوز في صوف غنم رجل بعينها لأنه يخطئ ويأتي على غير الصفة ولو كان الأجل فيها ساعة من
النهار لأن الآفة قد تأتى عليها أو على بعضها في تلك الساعة وكذلك كل سلف مضمون لا خير في أن
يكون في شئ بعينه لأنه يخطئ ولا خير في أن يسلفه في صوف بلا صفة ويريه صوفا فيقول استوفيه
منك على بياض هذا ونقائه وطوله لأن هذا قد يهلك فلا يدرى كيف صفته فيصير السلف في شئ
مجهول قال وإن أسلم في وبر الإبل أو شعر المعزى لم يجز إلا كما وصفت في الصوف ويبطل منه ما يبطل
منه في الصوف لا يختلف.
باب السلف في الكرسف
(قال الشافعي) رحمه الله: لا خير في السلف في كرسف بجوزه لأنه ليس مما صلاحه في أن
يكون مع جوزه إنما جوزه قشرة تطرح عنه ساعة يصلح ولا خير فيه حتى يسمى كرسف بلد كذا وكذا
ويسمى جيدا أو رديئا ويسمى أبيض نقيا أو أسمر وبوزن معلوم وأجل معلوم فإن ترك من هذا شيئا واحدا
لم يجز السلف فيه وذلك أن كرسف البلدان يختلف فيلين ويخشن ويطول شعره ويقصر ويسمى ألوانها
127

ولا خير في السلم في كرسف أرض رجل بعينها كما وصفنا قبله ولكن يسلم في صفة مأمونة في أيدي
الناس وإن اختلف قديم الكرسف وجديده سماه قديما أو جديدا من كرسف سنة أو سنتين وإن كان
يكون نديا سماه جافا لا يجزئ فيه غير ذلك ولو أسلم فيه منقى من حبه كان أحب إلي ولا أرى بأسا أن
يسلم فيه بحبه وهو كالنوى في التمر.
باب السلف في القز والكتان
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا ضبط القز بأن يقال قز بلد كذا ويوصف لونه وصفاؤه ونقاؤه
وسلامته من العيب ووزنه فلا بأس بالسلف فيه ولا خير في أن يترك من هذا شيئا واحدا فإن لم يجز فيه
السلف وإن كان لا يضبط هذا فيه لم يجز فيه السلف وهكذا الكتان ولا خير في أن يسلف منه في شئ
على عين يأخذها عنده لأن العين تهلك وتتغير ولا يجوز السلف في هذا وما كان في معناه إلا بصفة
تضبط وإن اختلف طول القز والكتان فتباين طوله سمى طوله وإن لم يختلف جاء الوزن عليه وأجزأه إن
شاء الله تعالى وما سلف فيه كيلا لم يستوف وزنا لاختلاف الوزن والكيل وكذلك ما سلف فيه وزنا لم
يستوف كيلا.
باب السلف في الحجارة والأرحية وغيرها من الحجارة
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا بأس بالسلف في حجارة البنيان والحجارة تفاضل بالألوان
والأجناس والعظم فلا يجوز السلف فيها حتى يسمى منها أخضر أو أبيض أو زنبريا أو سبلانيا باسمه الذي
يعرف به وينسبه إلى الصلابة وأن لا يكون فيه عرق ولا كلا (1) والكلأ حجارة محلوقة مدورة صلاب لا
تجيب الحديد إذا ضربت تكسرت من حيث لا يريد الضارب ولا تكون في البنيان إلا غشا (قال)
ويصف كبرها بأن يقول ما يحمل البعير منها حجرين أو ثلاثة أو أربعة أو ستة بوزن معلوم وذلك أن
الأحمال تختلف وأن الحجرين يكونان على بعير فلا يعتدلان حتى يجعل مع أحدهما حجر صغير وكذلك
ما هو أكثر من حجرين فلا يجوز السلف في هذا إلا بوزن أو أن يشترى وهو يرى فيكون من بيوع
الجزاف التي ترى، قال وكذلك لا يجوز السلف في النقل والنقل حجارة صغار إلا بأن يصف صغارا
من النقل أو حشوا أو دواخل فيعرف هذا عند أهل العلم به ولا يجوز إلا موزونا لأنه لا يكال لتجافيه ولا
تحيط به صفة كما تحيط بالثوب والحيوان وغيره مما يباع عددا ولا يجوز حتى يقال صلاب وإذا قال
صلاب فليس له رخو ولا كذان ولا متفتت قال ولا بأس بشراء الرخام ويصف كل رخامة منه بطول
وعرض وثخانة وصفاء وجودة وإن كانت تكون لها تساريع (2) مختلفة يتباين فضلها منها وصف تساريع
وإن لم يكن اكتفى بما وصفت فإن جاءه بها فاختلف فيها أريها أهل البصر فإن قالوا يقع عليها اسم

(1) قوله: والكلأ حجارة الخ كذا بالأصول ولم نجده بهذا المعنى في كتب اللغة التي بأيدينا ولعله محرف عن
" الكدى " جمع كدية بالدال المهملة وزان " غرفة " وحرره اه‍ مصححه.
(2) قوله: تساريع الذي في كتب اللغة: - أساريع أي خطوط اه‍.
128

الجودة والصفاء وكانت بالطول والعرض والثخانة التي شرط لزمته وإن نقص واحد من هذه لم تلزمه
قال: ولا بأس بالسلف في الحجارة المرمر بعظم ووزن كما وصفت في الحجارة قبله وبصفاء فإن كانت
له أجناس تختلف وألوان وصفه بأجناسه وألوانه، قال ولا بأس أن يشترى آنية من مرمر بصفة طول
وعرض وعمق وثخانة وصنعة إن كانت تختلف فيه الصنعة وصف صنعتها ولو وزن مع هذا كان أحب
إلي وإن ترك وزنه لم يفسده إن شاء الله تعالى وإن كان من الأرحاء شئ يختلف بلده فتكون حجازة
بلد خيرا من حجارة بلد لم يجز حتى يسمى حجارة بلد ويصفها وكذلك إن اختلفت حجارة بلد وصف
جنس الحجارة.
باب السلف في القصة والنورة
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا بأس بالسلف في القصة والنورة ومتاع البنيان فإن كانت تختلف
اختلافا شديدا فلا يجوز السلف فيها حتى يسمى نورة أرض كذا أو قصة أرض كذا ويشترط جودة أو
رداءة أو يشترط بياضا أو سمرة أو أي لون كان إذا تفاضلت في ألوان ويشترطها بكيل معلوم ووزن معلوم
وأجل معلوم ولا خير في السلف فيها أحمالا ولا مكايل لأنها تختلف (قال الشافعي) ولا بأس أن يشتريها
احمالا ومكايل وجزافا في غير أحمال ولا مكايل إذا كان المبتاع حاضرا والمتبايعان حاضرين قال وهكذا
المدر لا بأس بالسلف فيه كيلا معلوما ولا خير فيه أحمالا ولا مكايل ولا جزافا ولا يجوز إلا بكيل وصفة
جيد أو ردئ ومدر موضع كذا فإن اختلف ألوان المدر في ذلك الموضع وكان لبعضها على بعض
فضل وصف المدر أخضر أو أشهب أو أسود قال وإذا وصفه جيدا أتت الجودة على البراءة من كل ما
خالفها فإن كان فيه سبخ أو كذان أو حجارة أو بطحاء لم يكن له لأن هذا مخالف للجودة وكذلك إن
كانت النورة أو القصة هي المسلف فيها لم يصلح إلا كما وصفت بصفة قال وإن كانت القصة والنورة
مطيرتين لم يلزم المشترى لأن المطير عيب فيهما وكذلك إن قدمتا قدما يضر بهما لم يلزم المشترى لأن هذا
عيب والمطر لا يكون فسادا للمدر إذا عاد جافا بحاله.
باب السلف في العدد
(أخبرنا الربيع) قال قال الشافعي رحمه الله: لا يجوز السلف في شئ عددا إلا ما وصفت من
الحيوان الذي يضبط سنه وصفته وجنسه والثياب التي تضبط بجنسها وحليتها وذرعها والخشب الذي
يضبط بجنسه وصفته وذرعه وما كان في معناه لا يجوز السلف في البطيخ ولا القثاء ولا الخيار ولا الرمان
ولا السفرجل ولا الفرسك ولا الموز ولا الجوز ولا البيض أي بيض كان دجاج أو حمام أو غيره وكذلك
ما سواه مما يتبايعه الناس عددا غير ما استثنيت وما كان في معناه لاختلاف العدد ولا شئ يضبط من
صفة أو بيع عدد فيكون مجهولا إلا أن يقدر على أن يكال أو يوزن فيضبط بالكيل والوزن.
129

باب السلف في المأكول كيلا أو وزنا
(قال الشافعي) رحمه الله: أصل السلف فيما يتبايعه الناس أصلان فما كان منه يصغر وتستوي
خلقته فيحتمله المكيال ولا يكون إذا كيل تجافى في المكيال فتكون الواحدة منه بائنة في المكيال
عريضة الأسفل دقيقة الرأس أو عريضة الأسفل (1) والرأس دقيقة الوسط فإذا وقع شئ إلى جنبها
منعه عرض أسفلها من أن يلصق بها ووقع في المكيال وما بينها وبينه متجاف ثم كانت الطبقة التي فوقه
منعه هكذا لم يجز أن يكال واستدللنا على أن الناس إنما تركوا كيله لهذا المعنى ولا يجوز أن يسلف فيه كيلا
وفى نسبته بهذا المعنى ما عظم واشتد فصار يقع في المكيال منه الشئ ثم يقع فوقه منه شئ معترضا وما
بين القائم تحته متجاف فيسد المعترض الذي فوقه الفرجة التي تحته ويقع عليه فوقه غيره فيكون من
المكيال شئ فارغ بين الفراغ وذلك مثل الرمان والسفرجل والخيار والباذنجان وما أشبهه مما كان في
المعنى الذي وصفت ولا يجوز السلف في هذا كيلا ولو تراضى عليه المتبايعان سلفا وما صغر وكان يكون
في المكيال فيمتلئ به المكيال ولا يتجافى التجافي البين مثل التمر وأصغر منه مما لا تختلف خلقته اختلافا
متباينا مثل السمسم وما أشبهه أسلم فيه كيلا (قال) وكل ما وصفت لا يجوز السلم فيه كيلا فلا بأس
بالسلم فيه وزنا وأن يسمى كل صنف منه اختلف باسمه الذي يعرف به وإن شرط فيه عظيما أو صغيرا
فإذا أتى به أقل ما يقع عليه اسم العظم ووزنه جاز على المشترى فأما الصغير فأصغره يقع عليه اسم
الصغر ولا أحتاج إلى المسألة عنه (قال) وذلك مثل أن يقول: أسلم إليك في خربز خراساني أو بطيخ
شامي أو رمان أمليسي أو رمان حراني ولا يستغنى في الرمان عن أن يصف طعمه حلوا أو مرا أو حامضا
فأما البطيخ فليس في طعمه ألوان ويقول عظام أو صغار ويقول في القثاء هكذا فيقول قثاء طوال وقثاء
مدحرج وخيار يصفه بالعظم والصغر والوزن ولا خير في أن يقول قثاء عظام أو صغار لأنه لا يدرى كم
العظام والصغار منه، إلا أن يقول كذا وكذا رطلا منه صغارا وكذا وكذا رطلا منه كبارا وهكذا الدباء
وما أشبهه فعلى هذا، هذا الباب كله وقياسه (قال الشافعي) ولا بأس بالسلف في البقول كلها إذا سمى
كل جنس منها وقال هندبا أو جرجيرا أو كراثا أو خسا وأي صنف ما أسلف فيه منها وزنا معلوما لا يجوز
إلا موزونا فإن ترك تسمية الصنف منه أو الوزن لم يجز السلف (قال الشافعي) وإن كان منه شئ
يختلف صغاره وكباره لم يجز إلا أن يسمى صغيرا أو كبيرا كالقنبيط تختلف صغاره وكباره وكالفجل
وكالجزر وما اختلف صغاره وكباره في الطعم والثمن (قال) ويسلف في الجوز وزنا وإن كان لا يتجافى
في المكيال كما وصفت أسلم فيه كيلا والوزن أحب إلي وأصح فيه قال وقصب السكر إذا شرط محله في
وقت لا ينقطع من أيدي الناس في ذلك البلد فلا بأس بالسلف فيه وزنا ولا يجوز السلف فيه وزنا حتى
يشترط صفة القصب إن كان يتباين وإن كان أعلاه مما لا حلاوة فيه ولا منفعة فلا يتبايع إلا أن يشترط
أن يقطع أعلاه الذي هو بهذه المنزلة وإن كان يتبايع ويطرح ما عليه من القشر ويقطع مجامع عروقه من
أسفله قال ولا يجوز أن يسلف فيه حزما ولا عددا لأنه لا يوقف على حده بذلك وقد رآه ونظر إليه
قال: ولا خير في أن يشترى قصبا ولا بقلا ولا غيره مما يشبهه بأن يقول: اشترى منك زرع كذا وكذا

(1) قوله: أو عريضة الأسفل والرأس الخ كذا في نسختين وفى أخرى بدله " أو عريضة الرأس دقيقة الأسفل
والوسط " اه‍ كتبه مصححه.
130

فدانا ولا كذا وكذا حزما من بقل إلى وقت كذا وكذا لأن زرع ذلك يختلف فيقل ويكثر ويحسن ويقبح
وأفسدناه لاختلافه في القلة والكثرة لما وصفت من أنه غير مكيل ولا موزون ولا معروف القلة والكثرة
ولا يجوز أن يشترى هذا إلا منظورا إليه وكذلك القصب والقرط وكل ما أنبتت الأرض لا يجوز السلف
فيه إلا وزنا أو كيلا بصفة مضمونة لا من أرض بعينها فإن أسلف فيه من أرض بعينها فالسلف فيه
منتقض (قال) وكذلك يجوز في قصب ولا قرط ولا قصيل ولا غيره بحزم ولا أحمال ولا يجوز فيه إلا
موزونا موصوفا وكذلك التين وغيره لا يجوز إلا مكيلا أو موزونا ومن جنس معروف إذا اختلفت أجناسه
فإن ترك من هذا شيئا لم يجز السلف فيه والله أعلم.
باب بيع القصب والقرط (1)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في
القصب لا يباع إلا جزة أو قال صرمة (قال الشافعي) وبهذا نقول لا يجوز أن يباع القرط إلا جزة
واحدة عند بلوغ الجزاز ويأخذ صاحبه في جزازه عند ابتياعه فلا يؤخره مدة أكثر من قدر ما يمكنه
جزازه فيه من يومه (قال الشافعي) فإن اشتراه ثابتا على أن يدعه أياما ليطول أو يغلظ أو غير ذلك فكان
يزيد في تلك الأيام فلا خير في الشراء والشراء مفسوخ لأن أصله للبائع وفرعه الظاهر للمشترى فإذا
كان يطول فيخرج من مال البائع إلى مال المشترى منه شئ لم تقع عليه صفقة البيع فيملكه كنت قد
أعطيت المشترى ما لم يشتر وأخذت من البائع ما لم يبع ثم أعطيته منه شيئا مجهولا لا يرى بعين ولا
يضبط بصفة ولا يتميز فيعرف ما للبائع فيه مما للمشترى فيفسد من وجوه (قال) ولو اشتراه ليقطعه
فتركه وقطعه ممكن له مدة يطول في مثلها كان البيع فيه مفسوخا إذا كان على ما شرط في أصل البيع
أن يدعه لما وصفت مما اختلط به من مال البائع مما لا يتميز كما لو اشترى حنطة جزافا وشرط له أنها إن
انهالت عليها حنطة له فهي داخلة في البيع فانهالت عليها حنطة للبائع لم يبتعها انفسخ البيع فيها لأن ما
اشترى لا يتميز ولا يعرف قدره مما لم يشتر فيعطى ما اشترى ويمنع ما لم يشتر، وهو في هذا كله بائع
شئ قد كان وشئ لم يكن غير مضمون. على أنه إن كان دخل في البيع وإن لم يكن لم يدخل معه
وهذا البيع مما لا يختلف المسلمون في فساده لأن رجلا لو قال أبيعك شيئا إن نبت في أرضى بكذا
فإن لم ينبت أو نبت قليلا لزمك الثمن كان مفسوخا وكذلك لو قال أبيعك شيئا إن جاءني من تجارتي
بكذا وإن لم يأت لزمك الثمن قال ولكنه لو اشتراه كما وصفت وتركه بغير شرط أياما وقطعه يمكنه في
أقل منها كان المشترى منه بالخيار في أن يدع له الفضل الذي له بلا ثمن أو ينقض البيع قال: كما يكون
إذا باعه حنطة جزافا فانهالت عليها حنطة له فالبائع بالخيار في أن يسلم ما باعه وما زاد في حنطته أو
يرد البيع لاختلاط ما باع بما لم يبع قال وما أفسدت فيه البيع فأصاب القصب فيه آفة تتلفه في يدي
المشترى فعلى المشترى ضمانه بقيمته وما أصابته آفة تنقصه فعلى المشترى ضمان ما نقصه والزرع لبائعه

(1) هذا الباب تقدم بحروفه بعد مسألة " بيع القمح في السنبلة " في نسخة السراج البلقيني وأعاده هنا تبعا لباقي
النسخ فليعلم كتبه مصححه.
131

وعلى كل مشتر شراء فاسدا أن يرده كما أخذه أو خيرا مما أخذه وضمانه إن تلف وضمان نقصه إن نقص
في كل شئ.
باب السلف في الشئ المصلح لغيره
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى كل صنف حل السلف فيه وحده فخلط منه شئ بشئ غير جنسه
مما يبقى فيه فلا يزايله بحال سوى الماء وكان الذي يختلط به قائما فيه وكان مما يصلح فيه السلف وكانا
مختلطين لا يتميزان فلا خير في السلف فيهما من قبل أنهما إذا اختلطا فلم يتميز أحدهما من الآخر لم أدر
كم قبضت من هذا وهذا؟ فكنت قد أسلفت في شئ مجهول وذلك مثل أن أسلم في عشرة أرطال
سويق لوز فليس يتميز السكر من دهن اللوز ولا اللوز إذا خلط به أحدهما فيعرف القابض المبتاع كم
قبض من السكر ودهن اللوز واللوز فلما كان هكذا كان بيعا مجهولا وهكذا إن أسلم إليه في سويق ملتوت
مكيل لأني لا أعرف قدر السويق من الزيت والسويق يزيد كيله باللتات ولو كان لا يزيد كان فاسدا من
قبل أني ابتعت سويقا زيتا والزيت مجهول وإن كان السويق معروفا (قال الشافعي) في أكثر من هذا
المعنى الأولى أن لا يجوز إن أسلم إليك في فالوذج ولو قلت ظاهر الحلاوة أو ظاهر الدسم لم يجز لأني لا
أعرف قدر النشاستق (1) من العسل والسكر والدهن الذي فيه سمن أو غيره ولا أعرف حلاوته أمن عسل
نحل كان أو غيره ولا من أي عسل وكذلك دسمه فهو لو كان يعرف ويعرف السويق الكثير اللتات كان كما
يخالط صاحبه فلا يتميز غير معروف وفى هذا المعنى لو أسلم إليه في أرطال حيس لأنه لا يعرف قدر
التمر من الاقط والسمن (قال) وفى مثل هذا المعنى اللحم المطبوخ بالأبزار والملح والخل وفى مثله
الدجاج المحشو بالدقيق والأبزار أو الدقيق وحده أو غيره لأن المشترى لا يعرف قدر ما يدخل من الابزار
ولا الدجاج من الحشو لاختلاف أجوافها والحشو فيها ولو كان يضبط ذلك بوزن لم يجز لأنه إن ضبط
وزن الجملة لم يضبط وزن ما يدخله ولا وكيله (قال) وفيه معنى يفسده سوى هذا وذلك أنه إذا اشترط
نشاستقا جيدا أو عسلا جيدا لم يعرف جودة النشاستق معمولا ولا العسل معمولا لقلب النار له
واختلاط أحدهما بالآخر فلا يوقف على حده أنه من شرطه هو أم لا (قال) ولو سلف في لحم مشوى
بوزن أو مطبوخ لم يجز لأنه لا يجوز أن يسلف في اللحم إلا موصوفا بسمانة وقد تخفى مشويا إذا لم تكن
سمانة فاخرة وقد يكون أعجف فلا يخلص أعجفه من سمينه ولا منقيه من سمينه إذا تقارب وإذا كان
مطبوخا فهو أبعد أن يعرف أبدا سمينه لأنه قد يطرح أعجفه مع سمينه ويكون مواضع من سمينه لا يكون
فيها شحم وإذا كان موضع مقطوع من اللحم كانت في بعضه دلالة على سمينه ومنقيه وأعجفه فكل ما
اتصل به منه مثله (قال) ولا خير في أن يسلم في عين على أنها تدفع إليه مغيرة بحال لأنه لا يستدل على
أنها تلك العين اختلف كيلها أو لم يختلف وذلك مثل أن يسلفه في صاع حنطة على أن يوفيه إياها دقيقا
اشترط كيل الدقيق أو لم يشترطه وذلك أنه إذا وصف جنسا من حنطة وجودة فصارت دقيقا أشكل
الدقيق من معنيين أحدهما أن تكون الحنطة المشروطة مائية فتطحن حنطة تقاربها من حنطة الشام وهو

(1) قوله: النشاستق ويقال فيه: النشاستة والنشاستج وهو " النشا " الذي هو لب الحنطة. كما في القاموس
وشرحه. كتبه مصححه.
132

غير المائي ولا يخلص هذا والآخر أنه لا يعرف مكيلة الدقيق لأنه قد يكثر إذا طحن ويقل وأن المشترى
لم يستوف كيل الحنطة وإنما يقبل فيه قول البائع (قال) وقد يفسده غيرنا من وجه آخر من أن يقول
لطحنه إجارة لها قيمة لم تسم في أصل السلف فإذا كانت له إجارة فليس يعرف ثمن الحنطة من قيمة
الإجارة فيكون سلفا مجهولا (قال الشافعي) وهذا وجه آخر يجده من أفسده فيه مذهبا والله تعالى أعلم
(قال) وليس هذا كما يسلفه في دقيق موصوف لأنه لا يضمن له حنطة موصوفة وشرط عليه فيها عملا
بحال إنما ضمن له دقيقا موصوفا وكذلك لو أسلفه في ثوب موصوف بذرع يوصف به الثياب جاز وإن
أسلفه في غزل موصوف على إن يعمله له ثوبا لم يجز من قبل أن صفة الغزل لا تعرف في الثوب ولا
تعرف حصة الغزل من حصة العمل وإذا كان الثوب موصوفا عرفت صفته (قال) وكل ما أسلم فيه
وكان يصلح بشئ منه لا بغيره فشرطه مصلحا فلا بأس به كما يسلم إليه في ثوب وشى أو مسير أو غيرهما
من صبغ الغزل وذلك أن الصبغ فيه كأصل لون الثوب في السمرة والبياض وأن الصبغ لا يغير صفة
الثوب في دقة ولا صفاقة ولا غيرهما كما يتغير السويق والدقيق باللتات ولا يعرف لونهما وقد يشتريان عليه
ولا طعمهما وأكثر ما يشتريان عليه ولا خير في أن يسلم إليه في ثوب موصوف على أن يصبغه مضرجا من
قبل أنه لا يوقف على حد التضريج وأن من الثياب ما يأخذ من التضريج أكثر مما يأخذ مثله في الذرع
وأن الصفقة وقعت على شيئين متفرقين أحدهما ثوب والآخر صبغ فكان الثوب وإن عرف مصبوغا
بجنسه قد عرفه فالصبغ غير معروف قدره وهو مشترى ولا خير في مشترى إلى أجل غير معروف وليس
هذا كما يسلم في ثوب عصب لأن الصبغ زينة له وأنه لم يشتر الثوب إلا وهذا الصبغ قائم فيه قيام
العمل من النسج ولون الغزل فيه قائم لا يغيره عن صفته فإذا كان هكذا جاز وإذا كان الثوب مشترى
بلا صبغ ثم أدخل الصبغ قبل أن يستوفى الثوب ويعرف الصبغ لم يجز لما وصفت من أنه لا يعرف غزل
الثوب ولا قدر الصبغ (قال الشافعي) ولا بأس أن يسلفه في ثوب موصوف يوفيه إياه مقصورا قصارة
معروفة أو مغسولا غسلا نقيا من دقيقه الذي ينسج به ولا خير في أن يسلم إليه في ثوب قد لبس أو
غسل غسلة من قبل أنه يغسله غسلة بعدما ينهكه وقبل فلا يوقف على حد هذا ولا خير في أن يسلم في
حنطة مبلولة لأن الابتلال لا يوقف على حد ما يريد في الحنطة وقد تغير الحنطة حتى لا يوقف على حد
صفتها كما يوقف عليها يابسة ولا خير في السلف في مجمر مطري ولو وصف وزن للتطرية لأنه لا يقدر
على أن يزن التطرية فيخلص وزنها من وزن العود ولا يضبط لأنه قد يدخله الغير بما يمنع له الدلالة
التطرية له على جودة العود وكذلك لا خير في السلف في الغالية ولا شئ من الادهان التي فيها
الأثقال لأنه لا يوقف على صفته ولا قدر ما يدخل فيه ولا يتميز ما يدخل فيه (قال) ولا بأس بالسلف
في دهن حب البان قبل أن ينش بشئ وزنا وأكرهه منشوشا لأنه لا يعرف قدر النش منه ولو وصفه
بريح كرهته من قبل أنه لا يوقف على حد الريح قال وأكرهه في كل دهن طيب قبل أن يستوفى
وكذلك لو سلفه في دهن مطيب أو ثوب مطيب لأنه لا يوقف على حد الطيب كما لا يوقف على الألوان
وغيرها مما ذكرت فيه أن أدهان البلدان تتفاضل في بقاء طيف الريح على الماء والعرق والقدم في الحنو
وغيره ولو شرط دهن بلد كان قد نسبه فلا يخلص كما تخلص الثياب فتعرف ببلدانها المجسية واللون وغير
ذلك قال: ولا بأس أن يسلفه في طست أو تور من نحاس أحمر أو أبيض أو شبه أو رصاص أو حديد
ويشترطه بسعة معروفة ومضروبا أو مفرغا وبصنعة معروفة ويصفه بالثخانة أو الرقة ويضرب له أجلا كهو
في الثياب وإذا جاء به على ما يقع عليه اسم الصفة والشرط لزمه ولم يكن له رده (قال) وكذلك كل
133

إناء من جنس واحد ضبطت صفته فهو كالطست والقمقم قال: ولو كان يضبط أن يكون مع شرط
السعة وزن كان أصح وإن لم يشترط وزنا صح إذا اشترط سعة كما يصح أن يبتاع ثوبا بصنعة وشئ
وغيره بصفة وسعة ولا يجوز فيه إلا أن يدفع ثمنه وهذا شراء صفة مضمونة فلا يجوز فيها إلا أن يدفع
ثمنها وتكون على ما وصفت (قال) ولو شرط أن يعمل له طستا من نحاس وحديد أو نحاس ورصاص لم
يجز لأنهما لا يخلصان فيعرف قدر كل واحد منهما وليس هذا كالصبغ في الثوب لأن الصبغ في ثوبه
زينة لا يغيره أن تضبط صفته وهذا زيادة في نفس الشئ المصنوع قال وهكذا كل ما استصنع ولا خير
في أن يسلف في قلنسوة محشوة وذلك أنه لا يضبط وزن حشوها ولا صفته ولا يوقف على حد بطانتها
ولا تشترى هذه إلا يدا بيد ولا خير في أن يسلفه في خفين ولا نعلين مخروزين وذلك أنهما لا يوصفان
بطول ولا عرض ولا تضبط جلودهما ولا ما يدخل فيهما وإنما يجوز في هذا أن يبتاع النعلين والشراكين
ويستأجر على الحذو وعلى خراز الخفين ولا بأس أن يبتاع منه صحافا أو قداحا من نحو معروف وبصفة
معروفة وقدر معروف من الكبر والصغر والعمق والضيق ويشترط أي عمل ولا بأس إن كانت من قوارير
ويشترط جنس قواريرها ورقته وثخانته ولو كانت القوارير بوزن مع الصفة كان أحب إلي وأصح للسلف
وكذلك كل ما عمل فلم يخلط بغيره والذي يخلط بغيره النبل فيها ريش ونصال وعقب ورومة والنصال
لا يوقف على حده فأكره السلف فيه ولا أجيزه قال ولا بأس أن يبتاع آجرا بطول وعرض وثخانة
ويشترط من طين معروف وثخانة معروفة ولو شروط موزونا كان أحب إلي وإن تركه فلا بأس إن شاء الله
تعالى وذلك أنه إنما هو بيع صفة وليس يخلط بالطين غيره مما يكون الطين غير معروف القدر منه إنما هو
يخلطه الماء والماء مستهلك فيه والنار شئ ليس منه ولا قائم فيه إنما لها فيه أثر صلاح وإنما باعه بصفة
ولا خير في أن يبتاع منه لبنا على أن يطبخه فيوفيه إياه آجرا وذلك أنه لا يعرف قدر ما يذهب في
طبخه من الحطب وأنه قد يتلهوج ويفسد فإن أبطلناه على المشترى كنا، قد أبطلنا شيئا استوجبه وإن
ألزمناه إياه ألزمناه بغير ما شرط لنفسه.
باب السلف يحل فيأخذ المسلف بعض رأس ماله وبعض سلفه
(قال الشافعي) رحمه الله: من سلف ذهبا في طعام موصوف فحل السلف قائما له طعام في ذمة
بائعه فإن شاء أخذه به كله حتى يوفيه إياه وإن شاء تركه كما يترك سائر حقوقه إذا شاء وإن شاء أخذ
بعضه وأنظره ببعض وإن شاء أقاله منه كله وإذا كان له أن يقيله من كله إذا اجتمعا على الإقالة كان له
إذا اجتمعا أن يقيله من بعضه فيكون ما أقاله منه كما لم يتبايعا فيه وما لم يقله منه كما كان لازما له بصفته
فإن شاء أخذه وإن شاء تركه ولا فرق بين السلف في هذا وبين طعام له عليه من وجه غير السلف وقال
ولكن إن حل له طعام فقال أعطيك مكان مالك من الطعام على طعاما غيره أو عرضا من العروض لم
يجز لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه " وإنما لهذا المسلف
طعام فإذا أخذ غيره به فقد باعه قبل أن يستوفيه وإذا أقاله منه أو من بعضه فالإقالة ليست ببيع إنما هي
نقض بيع تراضيا بنقض العقدة الأولى التي وجبت لكل واحد منهما على صاحبه فإن قال قائل ما
الحجة في هذا؟ فالقياس لمعقول مكتفى به فيه فإن قال فهل فيه أثر عن أحد من أصحاب رسول الله
134

صلى الله عليه وسلم؟ قيل روي عن ابن عباس وعن عطاء وعمرو بن دينار (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن عطاء كان لا يرى بأسا أن يقبل رأس ماله منه أو
ينظره أو يأخذ بعض السلعة وينظره بما بقي (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن
سالم القداح عن ابن جريج أنه قال لعطاء أسلفت دينارا في عشرة أفراق فحلت أفأقبض منه إن شئت
خمسة أفراق وأكتب نصف الدينار عليه دينا؟ فقال: نعم (قال الشافعي) لأنه إذا أقاله منه فله عليه
رأس مال ما أقاله منه وسواء انتقده أو تركه لأنه لو كان عليه مال حال جاز ان يأخذه وأن ينظره به متى
شاء (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار
أنه كان لا يرى بأسا أن يأخذ بعض رأس ماله وبعضا طعاما أو يأخذ بعضا طعاما ويكتب ما بقي من
رأس المال (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن سلمة بن موسى عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس قال ذلك المعروف أن يأخذ بعضه طعاما وبعضه دنانير (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء رجل أسلف بزا في طعام فدعا إلى ثمن البز
يومئذ فقال لا إلا رأس ماله أو بزه (قال الشافعي) قول عطاء في البز أن لا يباع البز أيضا حتى يستوفى
فكأنه يذهب مذهب الطعام (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه
قال لعطاء طعام أسلفت فيه فحل فدعاني إلى طعام غيره فرق بفرق ليس للذي يعطيني على الذي كان
لي عليه فضل قال لا بأس بذلك ليس ذلك ببيع إنما ذلك قضاء (قال الشافعي) هذا كما قال عطاء إن
شاء الله تعالى وذلك أنه سلفه في صفة ليست بعين فإذا جاءه بصفته فإنما قضاه حقه قال سعيد بن
سالم: ولو أسلفه في بر الشام فأخذ منه برا غيره فلا بأس به وهذا كتجاوزه في ذهبه (قال الشافعي)
وهذا إن شاء الله كما قال سعيد قال ولكن لو حلت له مائة فرق اشتراها بمائة دينار فأعطاه بها ألف
درهم لم يجز ولم يجز فيه إلا إقالته فإذا أقاله صار له عليه رأس ماله فإذا برئ من الطعام وصارت له
عليه ذهب تبايعا بعد بالذهب ما شاءا وتقابضا قبل أن يتفرقا من عرض أو غيره.
باب صرف السلف إلى غيره
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال روى عن ابن عمر وأبى سعيد أنهما قالا من سلف في بيع
فلا يصرفه إلى غيره ولا يبيعه حتى يقبضه قال وهذا كما روي عنهما إن شاء الله تعالى وفيه دلالة على أن
لا يباع شئ ابتيع حتى يقبض وهو موافق قولنا في كل بيع أنه لا يباع حتى يستوفى (أخبرنا الربيع)
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه سئل عن رجل ابتاع سلعة
غائبة ونقد ثمنها فلما رآها لم يرضها فأرادا أن يحولا بيعهما في سلعة غيرها قبل أن يقبض منه الثمن قال لا
يصلح قال كأنه جاءه بها على غير الصفة وتحويلهما بيعهما في سلعة غيرها بيع للسلعة قبل أن تقبض قال
ولو سلف رجل رجلا دراهم في مائة صاع حنطة وأسلفه صاحبه دراهم في مائة صاع حنطة وصفة
الحنطتين واحدة ومحلهما واحد أو مختلف لم يكن بذلك بأس وكان لكل واحد منهما على صاحبه مائة
صاع بتلك الصفة والى ذلك الأجل ولا يكون واحد منهما قصاصا من الآخر من قبل أني لو جعلت
الحنطة بالحنطة قصاصا كان بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع الدراهم بالدراهم لأن دفعهما في يومين
مختلفين نسيئة ومن أسلف في طعام بكيل أو وزن فحل السلف فقال الذي له السلف: كل طعامي
135

أوزنه واعزله عندك حتى آتيك فأنقله ففعل فسرق الطعام فهو من ضمان البائع ولا يكون هذا قبضا من
رب الطعام ولو كاله البائع للمشترى بأمره حتى يقبض أو يقبضه وكيل له فيبرأ البائع من ضمانه حينئذ.
باب الخيار في السلف
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا يجوز الخيار في السلف لو قال رجل لرجل أبتاع منك بمائة دينار
أنقدكها مائة صاع تمرا إلى شهر على أني بالخيار بعد تفرقنا من مقامنا الذي تبايعنا فيه أو أنت بالخيار أو
كلانا بالخيار لم يجز فيه البيع كما يجوز أن يتشارطا الخيار ثلاثا في بيوع الأعيان وكذلك لو قال أبتاع
منك مائة صاع تمرا بمائة دينار على أني بالخيار يوما إن رضيت أعطيتك الدنانير وإن لم أرض فالبيع
بيني وبينك مفسوخ لم يجز لأن هذا بيع موصوف والبيع الموصوف لا يجوز إلا بأن يقبض صاحبه ثمنه
قبل أن يتفرقا لأن قبضه ما سلف فيه قبض ملك وهو لو قبض مال الرجل على أنه بالخيار لم يكن قبضه
قبض ملك ولا يجوز أن يكون الخيار لواحد منهما لأنه إن كان للمشترى فلم يملك البائع ما دفع إليه وإن
كان للبائع فلم يملكه البائع ما باعه لأنه عسى أن ينتفع بماله ثم يرده إليه فلا يجوز البيع فيه إلا مقطوعا
بلا خيار وكذلك لا يجوز أن يسلف رجل رجلا مائة دينار على أن يدفع إليه مائة صاع موصوف إلى
أجل كذا فإذا حل الأجل فالذي عليه الطعام بالخيار في أن يعطيه ما أسلفه أو يرد إليه رأس ماله حتى
يكون البيع مقطوعا بينهما ولا يجوز أن يقول: فإن حبستني عن رأس مالي فلي زيادة كذا. فلا يجوز
شرطان حتى يكون الشرط فيهما واحدا معروفا.
باب ما يجب للمسلف على المسلف من شرطه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا أحضر المسلف السلعة التي أسلف فكانت طعاما فاختلفا فيه
دعى له أهل العلم به فإن كان شرط المشترى طعاما جيدا جديدا قيل هذا جيد جديد؟ فإن قالوا نعم
قيل ويقع عليه اسم الجودة؟ فإن قالوا نعم لزم المسلف أخذ أقل ما يقع عليه اسم الصفة من الجودة
وغيرها ويبرأ المسلف ويلزم المسلف أخذه وهكذا هذا في الثياب يقال هذا ثوب من وشى صنعاء
والوشى الذي يقال له يوسفي وبطول كذا وبعرض كذا ودقيق أو صفيق أو جيد أو هما ويقع عليه اسم
الجودة؟ فإذا قالوا نعم فأقل ما يقع عليه اسم الجودة يبرأ منه الذي سلف فيه ويلزم المسلف ويقال في
الدقيق من الثياب وكل شئ هكذا إذا ألزمه في كل صنف منه صفة وجودة فأدنى ما يقع عليه اسم
الصفة من دقة وغيرها واسم الجودة يبرئه منه وكذلك إن شرطه رديئا فالردئ يلزمه (قال الشافعي)
أخبرنا سعيد بن سالم القداح عن ابن جريج عن عطاء قال إذا أسلفت فإياك إذا حل حقك بالذي
سلفت فيه كما اشترطت ونقدت فليس لك خيار إذا أوفيت شرطك وبيعك (قال الشافعي) وإن جاء به
على غاية من الجودة أكثر من أقل ما يقع عليه اسم الجودة فهو متطوع بالفضل ويلزم المشترى لأن
الزيادة فيما يقع عليه اسم الجودة خير له إلا في موضع سأصف لك منه إن شاء الله تعالى.
136

باب اختلاف المتبايعين بالسلف إذا رآه المسلف
(قال الشافعي) رحمه الله: لو أن رجلا سلف رجلا ذهبا في طعام موصوف حنطة أو زبيب أو تمر
أو شعير أو غيره فكان أسلفه في صنف من التمر ردئ فأتاه بخير من الردئ أو جيد فأتاه بخير مما يلزمه
اسم الجيد بعد أن لا يخرج من جنس ما سلفه فيه إن كان عجوة أو صيحانيا أو غيره لزم المسلف أن
يأخذه لأن الردئ لا يغنى غناء إلا أغناه الجيد وكان فيه فضل عنه وكذلك إذا ألزمناه أدنى ما يقع
عليه اسم الجودة فأعطاه أعلى منها فالأعلى يغنى أكثر من غناء الأسفل فقد أعطى خيرا مما لزمه ولم
يخرج له مما يلزمه اسم الجيد فيكون أخرجه من شرطه إلى غير شرطه فإذا فارق الاسم أو الجنس لم يجبر
عليه وكان مخيرا في تركه وقبضه (قال الشافعي) وهكذا القول في كل صنف من الزبيب والطعام
المعروف كيله قال وبيان هذا القول أنه لو أسلفه في عجوة فأعطاه برديا وهو خير منها أضعافا لم أجبره
على أخذه لأنه غير الجنس الذي أسلفه فيه قد يريد العجوة لأمر لا يصلح له البردى وهكذا الطعام كله
إذا اختلفت أجناسه لأن هذا أعطاه غير شرطه ولو كان خيرا منه (قال الشافعي) وهكذا العسل ولا
يستغنى في العسل عن أن يصفه ببياض أو صفرة أو خضرة لأنه يتباين في ألوانه في القيمة وهكذا كل
ماله لون يتباين به ما خالف لونه من حيوان وغيره قال ولو سلف رجل رجلا عرضا في فضة بيضاء
جيدة فجاء بفضة بيضاء أكثر مما يقع عليه أدنى اسم الجودة أو سلفه عرضا في ذهب أحمر جيد فجاء
بذهب أحمر أكثر من أدنى ما يقع عليه أدنى اسم الجودة لزمه وكذا لو سلفه في صفر أحمر جيد
فجاءه بأحمر بأكثر مما يقع عليه أقل اسم الجودة لزمه ولكن لو سلفه في صفر أحمر فأعطاه أبيض
والأبيض يصلح لما لا يصلح له الأحمر لم يلزمه إذا اختلف اللونان فيما يصلح له أحد اللونين ولا يصلح
له الآخر لم يلزمه المشترى إلا ما يلزمه اسم الصفة وكذلك إذا اختلفا فيما تتباين فيه الأثمان بالألوان لم
يلزم المشترى إلا ما يلزمه بصفة ما سلف فيه فأما ما لا تتباين فيه بالألوان (1) مما لا يصلح له المشترى
فلا يكون أحدهما أغنى فيه من الآخر ولا أكثر ثمنا وإنما يفترقان لاسمه فلا أنظر فيه إلى الألوان.
باب ما يلزم في السلف مما يخالف الصفة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو سلفه في ثوب مروى ثخين فجاء برقيق أكثر ثمنا من ثخين لم
ألزمه إياه لأن الثخين يدفئ أكثر مما يدفئ الرقيق وربما كان أكثر بقاء من الرقيق ولأنه مخالف لصفته
خارج منها قال وكذلك لو سلفه في عبد بصفة وقال وضئ فجاءه بأكثر من صفته إلا أنه غير وضئ
لم ألزمه إياه لمباينته من أنه ليس بوضئ وخروجه من الصفة وكذلك لو سلفه في عبد بصفة فقال غليظ
شديد الخلق فجاء بوضئ ليس بشديد الخلق أكثر منه ثمنا لم يلزمه لأن الشديد يغنى غير غناء الوضئ
وللوضئ ثمن أكثر منه ولا ألزمه أبدا خيرا من شرطه حتى يكون منتظما لصفته زائدا عليها فأما إذا زاد

(1) قوله: مما لا يصلح له المشترى الخ كذا في النسخ ولعل الصواب " مما يصلح للمشترى الخ " فتأمل. كتبه
مصححه.
137

عليها في القيمة وقصر عنها في بعض المنفعة أو كان هذا خارجا منها بالصفة فلا ألزمه إلا ما شرط فعلى
هذا هذا الباب كله وقياسه.
باب ما يجوز فيه السلف وما لا يجوز
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا يجوز السلف في حنطة أرض رجل بعينها بصفة لأن الآفة قد
تصيبها في الوقت الذي يحل فيه السلف فلا يلزم البائع أن يعطيه صفته من غيرها لأن البيع وقع عليها
ويكون قد انتفع بماله في أمر لا يلزمه والبيع ضربان لا ثالث لهما بيع عين إلى غير أجل وبيع صفة إلى
أجل أو غير أجل فتكون مضمونة على البائع فإذا باعه صفة من عرض بحال فله أن يأخذ منها من حيث
شاء قال: وإذا كان خارجا من البيوع التي أجزت كان بيع ما لا يعرف أولى أن يبطل (قال الشافعي)
وهكذا ثمر حائط رجل بعينه ونتاج رجل بعينه وقرية بعينها غير مأمونة ونسل ماشية بعينها فإذا شرط
المسلف من ذلك ما يكون مأمونا أن ينقطع أصله لا يختلف في الوقت الذي يحل فيه جاز وإذا شرط
الشئ الذي الأغلب منه أن لا يؤمن انقطاع أصله لم يجز قال وهكذا لو أسلفه في لبن ماشية رجل بعينه
وبكيل معلوم وصفة لم يجز وإن أخذ في كيله وحلبه من ساعته لأن الآفة قد تأتى عليه قبل يفرغ من
جميع ما أسلف فيه ولا نجيز في شئ من هذا إلا كما وصفت لك في أن يكون بيع عين لا يضمن
صاحبها شيئا غيرها إن هلكت انتقض البيع أو بيع صفة مأمونة أن تنقطع من أيدي الناس في حين محله
فأما ما كان قد ينقطع من أيدي الناس فالسلف فيه فاسد (قال الشافعي) وإن أسلف سلفا فاسدا
وقبضه رده وإن استهلكه رد مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل ورجع برأس ماله فعلى هذا
هذا الباب كله وقياسه.
باب اختلاف المسلف والمسلف في السلم
(قال الشافعي) رحمه الله: ولو اختلف المسلف والمسلف في السلم فقال المشترى أسلفتك مائة
دينار في مائتي صاع حنطة وقال البائع أسلفتني مائة دينار في مائة صاع حنطة أحلف البائع بالله ما
باعه بالمائة التي قبض منه إلا مائة صاع فإذا حلف قيل للمشترى إن شئت فلك عليه المئة الصاع التي
أقر بها وإن شئت فاحلف ما ابتعت منه مائة صاع وقد كان بيعك مائتي صاع لأنه مدع عليك أنه ملك
عليك المائة الدينار بالمائة الصاع وأنت منكر؟ فإن حلف تفاسخا البيع (قال الشافعي) وكذلك لو
اختلفا فيما اشترى منه فقال أسلفتك مائتي دينار في مائة صاع تمرا وقال بل أسلفتني في مائة صاع ذرة
أو قال أسلفتك في مائة صاع بردى وقال بل أسلفتني في مائة صاع عجوة أو قال أسلفتك في سلعة
موصوفة وقال الآخر بل أسلفتني في سلعة غير موصوفة كان القول فيه كما وصفت لك يحلف البائع ثم
يخير المبتاع بين أن يأخذ بما أقر له البائع بلا يمين أو يحلف فيبرأ من دعوى البائع ويتفاسخان (قال
الربيع) (1) إن أخذه المبتاع وقد ناكره البائع فإن أقر المبتاع ثم قال البائع حل له أن يأخذها وإلا فلا

(1) قوله: قال الربيع إن أخذه المبتاع الخ عبارة الربيع هذه ثابتة هكذا في النسخ التي بأيدينا على ما فيها
فحرر. كتبه مصححه.
138

يحل له إذا أنكره والسلف ينفسخ بعد أن يتصالحا (قال الشافعي) وكذلك لو تصادقا في السلعة واختلفا
في الأجل فقال المسلف هو إلى سنة وقال البائع هو إلى سنتين حلف البائع وخير المشترى فإن رضى وإلا
حلف وتفاسخا فإن كان الثمن في هذا كله دنانير أو دراهم رد مثلها أو طعاما رد مثله فإن لم يوجد رد
قيمته وكذلك لو كان سلفه سلعة غير مكيلة ولا موزونة ففاتت رد قيمتها قال وهكذا القول في بيوع
الأعيان إذا اختلفا في الثمن أو في الأجل أو اختلفا في السلعة المبيعة فقال البائع بعتك عبدا بألف
واستهلكت العبد وقال المشترى اشتريته منك بخمسمائة وقد هلك العبد تحالفا ورد قيمة العبد وإن كانت
أقل من الخمسمائة أو أكثر من ألف (قال الشافعي) وهكذا كل ما اختلفا فيه من كيل وجودة وأجل
قال ولو تصادقا على البيع والأجل فقال البائع لم يمض من الأجل شئ أو قال مضى منه شئ يسير
وقال المشترى بل قد مضى كله أو لم يبق منه إلا شئ يسير كان القول قول البائع مع يمينه وعلى المشترى
البينة (قال الشافعي) رحمه الله ولا ينفسخ بيعهما في هذا من قبل تصادقهما على الثمن والمشترى والأجل
فأما ما يختلفان فيه في أصل العقد فيقول المشترى اشتريت إلى شهر ويقول البائع بعتك إلى شهرين
فإنهما يتحالفان ويترادان من قبل اختلافهما فيما يفسخ العقدة والأولان لم يختلفا (قال الشافعي)
وكرجل استأجر رجلا سنة بعشرة دنانير فقال الأجير قد مضت وقال المستأجر لم تمض فالقول قول
المستأجر وعلى الأجير البينة لأنه مقر بشئ يدعى المخرج منه.
باب السلف في السلعة بعينها حاضرة أو غائبة
(قال الشافعي) رحمه الله: ولو سلف رجل رجلا مائة دينار في سلعة بعينها على أن يقبض السلعة
بعد يوم أو أكثر كان السلف فاسدا ولا تجوز بيوع الأعيان على أنها مضمونة على بائعها بكل حال لأنه لا
يمتنع من فوتها ولا بان لا يكون لصاحبها السبيل على أخذها متى شاء هو لا يحول بائعها دونها إذا دفع
إليه ثمنها وكان إلى أجل لأنها قد تتلف في ذلك الوقت وإن قل فيكون المشتري قد اشترى غير مضمون
على البائع بصفة موجودة بكل حال يكلفها بائعها ولا ملكه البائع شيئا بعينه يتسلط على قبضه حين
وجب له وقدر على قبضه (قال الشافعي) وكذلك لا يتكارى منه راحلة بعينها معجلة الكراء على أن
يركبها بعد يوم أو أكثر لأنها قد تتلف ويصيبها ما لا يكون فيها ركوب معه ولكن يسلفه على أن يضمن له
حمولة معروفة وبيوع الأعيان لا تصلح إلى أجل إنما المؤجل ما ضمن من البيوع بصفة وكذلك لا يجوز
أن يقول أبيعك جاريتي هذه بعبدك هذا على أن تدفع إلى عبدك بعد شهر لأنه قد يهرب ويتلف
وينقص إلى شهر (قال الشافعي) وفساد هذا خروجه من بيع المسلمين وما وصفت وأن الثمن فيه غير
معلوم لأن المعلوم ما قبضه المشترى أو ترك قبضه وليس للبائع أن يحول دونه قال: ولا بأس أن أبيعك
عبدي هذا أو دفعه إليك بعبد موصوف أو عبدين أو بعير أو بعيرين أو خشبة أو خشبتين إذا كان ذلك
موصوفا مضمونا لأن حقي في صفة مضمونة على المشترى لا في عين تتلف أو تنقص أو تفوت فلا
تكون مضمونة عليه.
باب امتناع ذي الحق من أخذ حقه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حل حق المسلم وحقه حال بوجه من الوجوه فدعا الذي
139

عليه الحق الذي له الحق إلى أخذ حقه فامتنع الذي له الحق فعلى الوالي جبره على أخذ حقه ليبرأ ذو
الدين من دينه ويؤدى إليه ماله عليه غير منتقص له بالأداء شيئا ولا مدخل عليه ضررا إلا أن يشاء رب
الحق أن يبرئه من حقه بغير شئ يأخذه منه فيبرأ بإبرائه إياه (قال الشافعي) فإن دعاه إلى أخذه قبل
محله وكان حقه ذهبا أو فضة أو نحاسا أو تبرا أو عرضا غير مأكول ولا مشروب ولا ذي روح يحتاج إلى
العلف أو النفقة جبرته على أخذ حقه منه إلا أن يبرئه لأنه قد جاءه بحقه وزيادة تعجيله قبل محله ولست
أنظر في هذا إلى تغير قيمته فإن كان يكون في وقته أكثر قيمة أو أقل قلت للذي له الحق: إن شئت
حبسته وقد يكون في وقت أجله أكثر منه حين يدفعه وأقل (قال الشافعي) فإن قال قائل ما دل على ما
وصفت؟ قلت أخبرنا أن أنس بن مالك كاتب غلاما له على نجوم إلى أجل فأراد المكاتب تعجيلها
ليعتق فامتنع أنس من قبولها وقال لا آخذها إلا عند محلها فأتى المكاتب عمر بن الخطاب رضى الله
تعالى عنه فذكر ذلك له فقال عمر " إن أنسا يريد الميراث " فكان في الحديث فأمره عمر بأخذها منه
وأعتقه (قال الشافعي) وهو يشبه القياس (قال) وإن كان ما سلف فيه مأكولا أو مشروبا لا يجبر على
أخذه لأنه قد يريد أكله وشربه جديدا في وقته الذي سلف إليه فإن عجله ترك أكله وشربه (1) وأكله
وشربه متغيرا بالقدم في غير الوقت الذي أراد أكله أو شربه فيه (قال الشافعي) وإن كان حيوانا لا غناء
به عن العلف أو الرعى لم يجبر على أخذه قبل محله لأنه يلزمه فيه مؤنة العلف أو الرعى إلى أن ينتهى إلى
وقته فدخل عليه بعض مؤنة وأما ما سوى هذا من الذهب والفضة والتبر كله والثياب والخشب
والحجارة وغير ذلك فإذا دفعه برئ منه وجبر المدفوع إليه على أخذه من الذي هو له عليه (قال
الشافعي) فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه لا أعلمه يجوز فيه غير ما وصفت أو أن يقال لا يجبر أحد على
أخذ شئ هو له حتى يحل له فلا يجبر على دينار ولا درهم حتى يحل له وذلك أنه قد يكون لا حرز له
ويكون متلفا لما صار في يديه فيختار أن يكون مضمونا على ملئ من أن يصير إليه فيتلف من يديه
بوجوه منها ما ذكرت ومنها أن يتقاضاه ذو دين أو يسأله ذو رحم لو لم يعلم ما صار إليه لم يتقاضاه ولم
يسأله فإنما منعنا من هذا أنا لم نر أحدا خالف في أن الرجل يكون له الدين على الرجل فيموت الذي
عليه الدين فيدفعون ماله إلى غرمائه وإن لم يريدوه لئلا يحبسوا ميراث الورثة ووصية الموصى لهم
ويجبرونهم على أخذه لأنه خير لهم والسلف يخالف دين الميت في بعض هذا.
باب السلف في الرطب فينفد
(قال الشافعي) رحمه الله: إذا سلف رجل رجلا في رطب أو عنب إلى أجل يطيبان له فهو جائز
فإن نفد الرطب أو العنب حتى لا يبقى منه شئ بالبلد الذي سلفه فيه فقد قيل المسلف بالخيار فإن
شاء رجع بما بقي من سلفه كأن سلف مائة درهم في مائة مد فأخذ خمسين فيرجع بخمسين وإن شاء
أخذ ذلك إلى رطب قابل ثم أخذ بيعه بمثل صفة رطبه وكيله وكذلك العنب وكل فاكهة رطبة تنفد
في وقت من الأوقات وهذا وجه قال وقد قيل إن سلفه مائة درهم في عشرة آصع من رطب فأخذ

(1) قوله: فإن عجله ترك أكله وشربه كذا بالأصول التي بأيدينا. والمعنى على ترك أكله وشربه جديدا كما هو
معلوم مما بعده. كتبه مصححه.
140

خمسة آصع ثم نفذ الرطب كانت له الخمسة آصع بخمسين درهما لأنها حصتها من الثمن فانفسخ البيع
فيما بقي من الرطب فرد إليه خمسين درهما (قال الشافعي) وهذا مذهب والله تعالى تعالى أعلم ولو سلفه في
رطب لم يكن عليه أن يأخذ فيه بسرا ولا مختلفا وكان له أن يأخذ رطبا كله ولم يكن عليه أن يأخذه إلا
صحاحا غير منشدخ ولا معيب بعفن ولا عطش ولا غيره وكذلك العنب لا يأخذه إلا نضيجا غير
معيب وكذلك كل شئ من الفاكهة الرطبة يسلف فيها فلا يأخذ إلا صفته غير معيبة قال وهكذا كل
شئ أسلفه فيه لم يأخذه معيبا إن أسلف في لبن مخيض لم يأخذه رائبا ولا مخيضا وفى المخيض ماء لا
يعرف قدره والماء غير اللبن (قال الشافعي) ولو أسلفه في شئ فأعطاه إياه معيبا والعيب مما قد يخفى
فأكل نصفه أو أتلفه وبقى نصفه كأن كان رطبا فأكل نصفه أو أتلفه وبقى نصفه يأخذ النصف بنصف
الثمن ويرجع عليه بنقصان ما بين الرطب معيبا وغير معيب وإن اختلفا في العيب والمشترى قائم في يد
المشترى ولم يستهلكه فقال: دفعته إليك بريئا من العيب وقال المشترى: بل دفعته معيبا فالقول قول
البائع إلا أن يكون ما قال عيب لا يحدث مثله وإن كان أتلفه فقال البائع ما أتلفت منه غير معيب وما
بقي معيب فالقول قوله إلا أن يكون شيئا واحدا لا يفسد منه شئ إلا بفساده كله كبطيخة واحدة أو
دباءة واحدة وكل ما قلت القول فيه قوله فعليه فيه اليمين (1).
كتاب الرهن الكبير إباحة الرهن
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين
إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل " وقال عز وجل " وإن كنتم على سفر ولم تجدوا
كاتبا فرهن مقبوضة " (قال الشافعي) فكان بينا في الآية الامر بالكتاب في الحضر والسفر وذكر الله
تبارك اسمه الرهن إذا كانوا مسافرين ولم يجدوا كاتبا فكان معقولا والله أعلم فيها: أنهم أمروا بالكتاب
والرهن احتياطا لمالك الحق بالوثيقة والمملوك عليه بأن لا ينسى ويذكر لا أنه فرض عليهم أن يكتبوا ولا
أن يأخذوا رهنا لقول الله عز وجل " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته " فكان معقولا أن
الوثيقة في الحق في السفر والاعواز غير محرمة والله أعلم في الحضر وغير الاعواز ولا بأس بالرهن في
الحق الحال والدين في الحضر والسفر وما قلت من هذا مما لا أعلم فيه خلافا وقد روى أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم رهن درعه في الحضر عند أبي الشحم اليهودي وقيل في سلف والسلف حال (قال

(1) وترجم في اختلاف العراقيين " باب السلم " فإذا كان لرجل على رجل طعام أسلم إليه فيه فأخذ بعض طعامه
وبعض رأس ماله فإن أبا حنيفة كان يقول هو جائز. بلغنا عن عبد الله بن عباس أنه قال ذلك المعروف الحسن الجميل
وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا أخذ بعض رأس ماله فقد فسد السلم ويأخذ رأس ماله كله (قال الشافعي)
رحمه الله وإذا أسلف الرجل الرجل مائة دينار في مكيلة طعام موصوف إلى أجل معلوم فحل الأجل فتراضيا بأن
يتفاسخا البيع كله كان جائزا وإذا كان هذا جائزا جاز أن يتفاسخا نصف البيع ويثبتا نصفه وقد سئل عن هذا ابن
عباس فلم ير به بأسا وقال هذا المعروف الحسن الجميل وقول ابن عباس القياس وقد خالفه فيه غيره قال وإذا أسلم
الرجل في اللحم فإن أبا حنيفة كان يقول لا خير فيه لأنه غير معروف وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا بأس به ثم
رجع أبو يوسف إلى قول ابن أبي ليلى وقال إذا بين مواضع اللحم فقال أفخاذ وجنوب ونحو هذا فهو جائز (قال
الشافعي) وإذا أسلم الرجل الرجل في لحم بوزن وصفة وموضع ومن سن معلوم وسمى من ذلك الشئ فالسلف جائز.
141

الشافعي) أخبرنا الدراوردي عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال رهن رسول الله صلى الله
عليه وسلم درعه عند أبي الشحم اليهودي (قال الشافعي) وروى الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن
عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة (قال الشافعي) فأذن الله جل ثناؤه بالرهن في
الدين والدين حق لازم فكل حق مما يملك أو لزم بوجه من الوجوه جاز الرهن فيه ولا يجوز الرهن فيما لا
يلزم فلو ادعى رجل على رجل حقا فأنكره وصالحه ورهنه به رهنا كان الرهن مفسوخا لأنه لا يلزم
الصلح على الانكار ولو قال أرهنك داري على شئ إذا داينتني به أو بايعتني ثم داينه أو بايعه لم يكن
رهنا لأن الرهن كان ولم يكن للمرتهن حق وإذن الله عز وجل به فيما كان للمرتهن من الحق دلالة على
أن لا يجوز إلا بعد لزوم الحق أو معه فأما قبله فإذا لم يكن حق فلا رهن.
باب ما يتم به الرهن من القبض
قال الله عز وجل " فرهان مقبوضة " (قال الشافعي) فلما كان معقولا أن الرهن غير مملوك الرقبة
للمرتهن ملك البيع ولا مملوك المنفعة له ملك الإجارة لم يجز أن يكون رهنا إلا بما أجازه الله عز وجل به
من أن يكون مقبوضا وإذا لم يجز فللراهن ما لم يقبضه المرتهن منه منعه منه وكذلك لو أذن له في قبضه
فلم يقبضه المرتهن حتى رجع الراهن في الرهن كان ذلك له لما وصفت من أنه لا يكون رهنا إلا بأن
يكون مقبوضا وكذلك كل ما لم يتم إلا بأمرين فليس يتم بأحدهما دون الآخر مثل الهبات التي لا تجوز
إلا مقبوضة وما في معناها ولو مات الراهن قبل أن يقبض المرتهن الرهن لم يكن للمرتهن قبض الرهن
وكان هو والغرماء فيه أسوة سواء ولو لم يمت الراهن ولكنه أفلس قبل أن يقبض المرتهن الرهن كان
المرتهن والغرماء فيه أسوة لأنه لا يتم له ولو خرس الراهن أو ذهب عقله قبل أن يقبض المرتهن الرهن ولا
سلطه على قبضه لم يكن للمرتهن قبض الرهن ولو أقبضه الراهن إياه في حال ذهاب عقله لم يكن له
قبضه ولا يكون له قبض حتى يكون جائز الامر في ماله يوم رهنه ويوم يقبضه الراهن إياه ولو رهنه إياه
وهو محجور ثم أقبضه إياه وقد فك الحجر عنه فالرهن الأول لم يكن رهنا إلا بأن يجدد له رهنا ويقبضه
إياه بعد أن يفك الحجر عنه وكذلك لو رهنه وهو غير محجور فلم يقبضه حتى حجر عليه لم يكن له
قبضه منه ولو رهنه عبدا فلم يقبضه حتى هرب العبد وسلطه على قبضه فإن لم يقدر عليه حتى يموت
الراهن أو يفلس فليس برهن وإن لم يقدر على قبضه حتى رجع الراهن في الرهن لم يكن للمرتهن له
قبضه ولو رهنه عبدا فارتد العبد عن الاسلام فاقبضه إياه مرتدا أو أقبضه إياه غير مرتد فارتد فالعبد
رهن بحاله إن تاب فهو رهن وإن قتل على الردة قتل بحق لزمه وخرج من ملك الراهن والمرتهن ولو رهنه
عبدا ولم يقبضه حتى رهنه من غيره وأقبضه إياه كان الرهن للثاني الذي أقبضه صحيحا والرهن الذي
لم يقبض كما لم يكن وكذلك لو رهنه إياه فلم يقبضه حتى أعتقه كان حرا خارجا من الرهن وكذلك لو
رهنه إياه فلم يقبضه حتى كاتبه كان خارجا من الرهن وكذلك لو وهبه أو أصدقه امرأة أو أقربه لرجل
أو دبره كان خارجا من الرهن في هذا كله (قال الربيع) وفيه قول آخر أنه لو رهنه فلم يقبضه المرتهن
حتى دبره أنه لا يكون خارجا من الرهن بالتدبير لأنه لو رهنه بعد ما دبره كان الرهن جائزا لأن له أن
يبيعه بعد ما دبره فلما كان له بيعه كان له أن يرهنه (قال الشافعي) ولو رهن رجلا رجلا عبدا ومات
142

المرتهن قبل أن يقبضه كان لرب الرهن منعه من ورثته فإن شاء سلمه لهم رهنا ولو لم يمت المرتهن ولكنه
غلب على عقله فولى الحاكم ماله رجلا فإن شاء الراهن منعه الرجل المولى لأنه كان له منعه المرتهن وإن
شاء سلمه له بالرهن الأول كما كان له أن يسلمه للمرتهن ويمنعه إياه ولو رهن رجل رجلا جارية فلم
يقبضه إياها حتى وطئها ثم أقبضه إياها بعد الوطئ فظهر بها حمل أقر به الراهن كانت خارجة من
الرهن لأنها لم تقبض حتى حبلت فلم يكن له أن يرهنها حبلى منه وهكذا لو وطئها قبل الرهن ثم ظهر بها
حمل فأقر به خرجت من الرهن وإن كانت قبضت لأنه رهنها حاملا ولو رهنه إياها غير ذات زوج فلم
يقبضها حتى زوجها السيد ثم أقبضه إياها فالتزويج جائز وهي رهن بحالها ولا يمنع زوجها من وطئها
بحال وإذا رهن الرجل الرجل الجارية فليس له أن يزوجها دون المرتهن لأن ذلك ينقص ثمنها ويمنع إذا
كانت حاملا وحل الحق بيعها وكذلك المرتهن فأيهما زوج فالنكاح مفسوخ حتى يجتمعا عليه ولو رهن
رجلا رجلا عبدا وسلطه على قبضه فآجره المرتهن قبل أن يقبضه من الراهن أو غيره لم يكن مقبوضا
(قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء ارتهنت عبدا فآجرته قبل أن أقبضه
قال ليس بمقبوض (قال الشافعي) ليس الإجارة بقبض وليس برهن حتى يقبض وإذا قبض المرتهن
الرهن لنفسه أو قبضه له أحد بأمره فهو قبض كقبض وكيله له (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن
ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه قال: إذا ارتهنت عبدا فوضعته على يد غيرك فهو قبض (قال
الشافعي) وإذا ارتهن ولى المحجور له أو الحاكم للمحجور فقبض الحاكم وقبض ولى المحجور للمحجور
كقبض غير المحجور لنفسه وكذلك قبض الحاكم له وكذلك إن وكل الحاكم من قبض للمحجور أو
وكل ولى المحجور من يقبض له فقبضه له كقبض الرجل غير المحجور لنفسه وللراهن منع الحاكم وولى
المحجور من الرهن ما لم يقبضاه ويجوز ارتهان ولى المحجور عليه له ورهنهما عليه في النظر له وذلك أن
يبيع لهما فيفضل ويرتهن فأما أن يسلف مالهما ويرتهن فلا يجوز عليهما وهو ضامن لأنه لا فضل لهما في
السلف ولا يجوز رهن المحجور لنفسه وإن كان نظرا له كما لا يجوز بيعه ولا شراؤه لنفسه وإن كان نظرا
له.
قبض الرهن وما يكون بعد قبضه مما يخرجه من الرهن وما لا يخرجه.
(قال الشافعي) رحمه الله قال الله تعالى " فرهان مقبوضة " (قال الشافعي) إذا قبض الرهن مرة
واحدة فقد تم وصار المرتهن أولى به من غرماء الراهن ولم يكن للراهن إخراجه من الرهن حتى يبرأ مما
في الرهن من الحق كما يكون المبيع مضمونا من البائع فإذا قبضه المشترى مرة صار في ضمانه فإن رده
إلى البائع بإجارة أو وديعة فهو من مال المبتاع ولا ينفسخ ضمانه بالبيع وكما تكون الهبات وما في معناها
غير تامة فإذا قبضها الموهوب له مرة ثم أعارها إلى الواهب أو أكراها منه أو من غيره لم يخرجها من الهبة
وسواء إذا قبض المرتهن الرهن مرة ورده على الراهن بإجارة أو عارية أو غير ذلك ما لم يفسخ الراهن
الرهن أو كان في يده لما وصفت (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء
ارتهنت رهنا فقبضته ثم آجرته منه قال نعم هو عندك إلا أنك آجرته منه قال ابن جريج فقلت لعطاء
فأفلس فوجدته عنده؟ قال أنت أحق به من غرمائه (قال الشافعي) يعنى لما وصفت من أنك إذا
قبضته مرة ثم آجرته من راهنه فهو كعبد لك آجرته منه لأن رده إليه بعد القبض لا يخرجه من الرهن
143

قال: ولا يكون الرهن مقبوضا إلا أن يقبضه المرتهن أو أحد غير الراهن بأمر المرتهن فيكون وكيله في
قبضه فإن ارتهن رجل من رجل رهنا ووكل المرتهن الراهن أن يقبضه له من نفسه فقبضه له من نفسه لم
يكن قبضا ولا يكون وكيلا على نفسه لغيره في قبض كما لو كان له عليه حق فوكله بأن يقبضه له من
نفسه ففعل فهلك لم يكن بريئا من الحق كما يبرأ منه لو قبضه وكيل غيره ولا يكون وكيلا على نفسه في
حال إلا الحال التي يكون فيها وليا لمن قبض له وذلك أن يكون له ابن صغير فيشترى له من نفسه
ويقبض له أو يهب له شيئا ويقبضه فيكون قبضه من نفسه قبضا لابنه لأنه يقوم مقام ابنه وكذلك إذا
رهن ابنه رهنا فقبضه له من نفسه فإن كان ابنه بالغا غير محجور لم يجز من هذا شئ إلا أن يقبضه ابنه
لنفسه أو وكيل لابنه غير أبيه وإذا كان للرجل عبد في يد رجل وديعة أو دار أو متاع فرهنه إياه وأذن له
بقبضه فجاءت عليه مدة يمكنه فيها أن يقبضه وهو في يده فهو قبض فإذا أقر الراهن أن المرتهن قد
قبض الرهن فصدقه المرتهن أو ادعى قبضه فالرهن مقبوض وإن لم يره الشهود وسواء كان الرهن غائبا أو
حاضرا وذلك أن الرهن قد يقبضه المرتهن بالبلد الذي هو به فيكون ذلك قبضا إلا في خصلة أن
يتصادقا على أمر لم يمكن أن يكون مثله مقبوضا في ذلك الوقت وذلك أن يقول اشهدوا أني قد رهنته
اليوم داري التي بمصر وهما بمكة وقبضها فيعلم أن الرهن إن كان اليوم لم يمكن أن يقبض له بمكة من
يومه هذا وما في هذا المعنى ولو كانت الدار في يده بكراء أو وديعة كانت كهى لو لم تكن في يده لا
يكون قبضا حتى تأتى عليها مدة يمكن أن تكون في يده بالرهن دون الكراء أو الوديعة أو الرهن معهما أو
مع أحدهما وكينونتها في يده بغير الرهن غير كينونتها في يده بالرهن فأما إذا لم يؤقت وقتا وأقر بأنه رهنه
داره بمكة وقبضها ثم قال الراهن إنما رهنته اليوم وقال المرتهن بل رهنتيها في وقت يمكن في مثله أن
يكون قبضها قابض بأمره وعلم القبض فالقول قول المرتهن أبدا حتى يصدق الراهن بما وصفت من أنه
لم يكن مقبوضا ولو أراد الراهن أن احلف له المرتهن على دعواه بأنه أقر له بالقبض ولم يقبض منه فعلت
لأنه لا يكون رهنا حتى يقبضه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما يكون قبضا في الرهن ولا يكون، وما يجوز أن يكون رهنا
(قال الشافعي) رحمه الله: كل ما كان قبضا في البيوع كان قبضا في الرهن والهبات والصدقات
لا يختلف ذلك فيجوز رهن الدابة والعبد والدنانير والدراهم والأرضين وغير ذلك ويجوز رهن الشقص
من الدار والشقص من العبد ومن السيف ومن اللؤلؤة ومن الثوب كما يجوز أن يباع هذا كله والقبض فيه
أن يسلم إلى مرتهنه لا حائل دونه كما يكون القبض في البيع وقبض العبد والثوب ما يجوز أن يأخذه مرتهنه
من يد راهنه وقبض ما لا يحول من أرض ودار وغراس أن يسلم لا حائل دونه وقبض الشقص مما لا
يحول كقبض الكل أن يسلم لا حائل دونه وقبض الشقص مما يحول مثل السيف واللؤلؤة وما أشبههما أن
يسلم للمرتهن فيها حقه حتى يضعها المرتهن والراهن على يد عدل أو في يد الشريك فيها الذي ليس
براهن أو يد المرتهن فإذا كان بعض هذا فهو قبض وإن صيرها المرتهن إلى الراهن أو إلى غيره بعد القبض
فليس بإخراج لها من الرهن كما وصفت لا يخرجها إلا فسخ الرهن أو البراءة من الحق الذي به الرهن
وإذا أقر الراهن أن المرتهن قد قبض الرهن وادعى ذلك المرتهن حكم له بأن الرهن تام بإقرار الراهن
ودعوى المرتهن ولو كان الرهن في الشقص غائبا فأقر الراهن أن المرتهن قد قبض الرهن وادعى ذلك
144

المرتهن أجزت الاقرار لأنه قد يقبض له وهو غائب عنه فيكون قد قبضه بقبض من أمره بقبضه له ولو
كان لرجل عبد في يدي رجل بإجارة أو وديعة فرهنه إياه وأمره بقبضه كان هذا رهنا إذا جاءت عليه
ساعة بعد ارتهانه إياه وهو في يده لأنه مقبوض في يده بعد الرهن ولو كان العبد الرهن غائبا عن المرتهن
لم يكن قبضا حتى يحضره فإذا أحضره بعدما أذن له بقبضه فهو مقبوض كما يبيعه إياه وهو في يديه
ويأمره بقبضه فيقبضه بأنه في يديه فيكون البيع تاما ولو مات مات من مال المشترى ولو كان غائبا لم
يكن مقبوضا حتى يحضر المشترى بعد البيع فيكون مقبوضا بعد حضوره وهو في يديه ولو كانت له عنده
ثياب أو شئ مما لا يزول بنفسه وديعة أو عارية أو بإجارة فرهنه إياها وأذن له في قبضها قبل القبض
وهي غير غائبة عن منزله كان هذا قبضا وإن كانت غائبة عن منزله لم يكن قبضا حتى يحدث لها
قبضا (1) وإن كان رهنه إياها في سوق أو مسجد وهي في منزله وأذن له في قبضها لم يكن قبضا حتى
يصير إلى منزله وهي فيه فيكون لها حينئذ قابضا لأنها قد تخرج من منزله بخلافه إلى سيدها وغيره ولا
يكون القبض إلا ما حضره المرتهن لا حائل دونه أو حضره وكيله كذلك ولو كان الرهن أرضا أو دارا
غائبة عن المرتهن وهي وديعة في يديه وقد وكل بها فأذن له في قبضها لم يكن مقبوضا حتى يحضرها
المرتهن أو وكيله بعد الرهن مسلمة لا حائل دونها لأنها إذا كانت غائبة عنه فقد يحدث لها مانع منه فلا
تكون مقبوضة أبدا إلا بأن يحضرها المرتهن أو وكيله لا حائل دونها ولو جاءت عليه في هذه المسائل مدة
يمكنه أن يبعث رسولا إلى الرهن حيث كان يقبضه فادعى المرتهن أنه قبضه كان مقبوضا لأنه يقبض
له وهو غائب عنه وإذا رهن الرجل رهنا وتراضي الراهن والمرتهن بعدل يضعانه على يديه فقال العدل
قد قبضته لك ثم اختلف الراهن والمرتهن فقال الراهن لم يقبضه لك العدل وقال المرتهن قد قبضه لي
فالقول قول الراهن وعلى المرتهن البينة أن العدل قد قبضه له لأنه وكيل له فيه ولا أقبل فيه شهادته لأنه
يشهد على فعل نفسه ولا يضمن المأمور بقبض الرهن بغروره المرتهن شيئا من حقه وكذا لو أفلس غريمه
أو هلك الرهن الذي ارتهنه فقال قبضته ولم يقبضه لأنه لم يضمن له شيئا وقد أساء في كذبه ولو كان
كل ما ذكرت من الرهن في يدي المرتهن بغصب الراهن فرهنه إياه قبل أن يقبضه منه وأذن له في
قبضه فقبضه كان رهنا وكان مضمونا على الغاصب بالغصب حتى يدفعه إلى المغصوب فيبرأ أو يبرئه
المغصوب من ضمان الغصب ولا يكون أمره له بالقبض لنفسه براءة من ضمان الغصب وكذلك لو كان
في يديه بشراء فاسد لأنه لا يكون وكيلا لرب المال في شئ على نفسه ألا ترى أنه لو أمره أن يقبض
لنفسه من نفسه حقا فقبضه وهلك لم يبرأ منه ولكنه لو رهنه إياه وتواضعاه على يدي عدل كان الغاصب
والمشترى شراء فاسدا بريئين من الضمان بإقرار وكيل رب العبد أنه قد قبضه بأمر رب العبد وكان كإقرار
رب العبد أنه قد قبضه وكان رهنا مقبوضا؟ ولو قال الموضوع على يديه الرهن بعد قوله قد قبضته: لم
أقبضه لم يصدق على الغاصب ولا المشترى شراء فاسدا وكان بريئا من الضمان كما يبرأ لو قال رب العبد
قد قبضته منه وكان مقبوضا بإقرار الموضوع على يديه الرهن أنه قبضه ولو رهن رجل رجلا عبدين أو
عبدا وطعاما أو عبدا ودارا أو دارين فقبض أحدهما ولم يقبض الآخر كان الذي قبض رهنا بجميع الحق
وكان الذي لم يقبض خارجا من الرهن حتى يقبضه إياه الراهن ولا يفسد الذي قبض بأن لم يقبض

(1) قوله: وإن كان رهنه إياها الخ محترز قوله " مما لا يزول بنفسه الخ " كأنه قال " وإن كان رهنه إياها وهي مما
يزول بنفسه في سوق الخ " وتأمل. كتبه مصححه.
145

الذي معه في عقدة الرهن وليس كالبيوع في هذا وكذلك لو قبض أحدهما ومات الآخر أو قبض
أحدهما ومنعه الآخر كان الذي قبض رهنا والذي لم يقبض خارجا من الرهن وكذلك لو وهب له
دارين أو عبدين أو دارا وعبدا فأقبضه أحدهما ومنعه الآخر كان له الذي قبض ولم يكن له الذي منعه
وكذلك لو لم يمنعه ولكنه غاب عنه أحدهما لم تكن الهبة في الغائب تامة حتى يسلطه على قبضه فيقبضه
بأمره وإذا رهنه رهنا فأصاب الرهن عيب إما كان عبدا فاعور أو قطع أو أي عيب أصابه فأقبضه إياه
فهو رهن بحاله فإن قبضه ثم أصابه ذلك العيب عند المرتهن فهو رهن بحاله وهكذا لو كانت دارا
فانهدمت أو حائطا فتقعر نخله وشجره وانهدمت عينه كان رهنا بحاله وكان للمرتهن منع الراهن من بيع
خشب نخله وبيع بناء الدار لأن ذلك كله داخل في الرهن إلا أن يكون ارتهن الأرض دون البناء
والشجر فلا يكون له منع ما لم يدخل في رهنه ولو رهنه أرض الدار ولم يسم له البناء في الرهن أو حائطا
ولم يسم له الغراس في الرهن كانت الأرض له رهنا دون البناء والغراس ولا يدخل في الرهن إلا ما
سمى داخلا فيه ولو قال رهنتك بناء الدار كانت الدار له رهنا دون أرضها ولا يكون له الأرض والبناء
حتى يقول رهنتك أرض الدار وبناءها وجميع عمارتها ولو قال: رهنتك نخلى كانت النخل رهنا ولم
يكن ما سواها من الأرض ولا البناء عليها رهنا حتى يكتب: رهنتك حائطي بحدوده أرضه وغراسه
وبناءه وكل حق له فيكون جميع ذلك رهنا ولو قال رهنتك بعض داري أو رهنتك شقصا أو جزءا من
داري لم يكن هذا رهنا ولو أقبضه جميع الدار حتى يسمى كم ذلك البعض أو الشقص أو الجزء ربعا
أو أقل أو أكثر منه كما لا يكون بيعا وكذلك لو أقبضه الدار ولو قال: رهنتكها إلا ما شئت أنا وأنت منها
أو إلا جزءا منها لم يكن رهنا.
ما يكون إخراجا للرهن من يدي المرتهن وما لا يكون
(قال الشافعي) رحمه الله: وجماع ما يخرج الرهن من يدي المرتهن أن يبرأ الراهن من الحق الذي
عليه الرهن بدفع أو إبراء من المرتهن له أو يسقط الحق الذي به الرهن بوجه من الوجوه فيكون الرهن
خارجا من يدي المرتهن عائدا إلى ملك راهنه كما كان قبل أن يرهن أو بقول المرتهن قد فسخت الرهن أو
أبطلته أو أبطلت حقي فيه ولو رهن رجل رجلا أشياء مثل دقيق وإبل وغنم وعروض ودراهم ودنانير
بألف درهم أو ألف درهم ومائة دينار أو ألف درهم ومائتي دينار أو بعيرا وطعاما فدفع الراهن إلى
المرتهن جميع ماله في الرهون كلها إلا درهما واحدا أو أقل منه أو ويبة حنطة أو أقل منها كانت الرهون
كلها بالباقي وإن قل لا سبيل للراهن على شئ منها ولا لغرمائه ولا لورثته لو مات حتى يستوفى المرتهن
كل ماله فيها لأن الرهون صفقة واحدة لا يفك بعضها قبل بعض ولو رهن رجل رجلا جارية فقبضها
المرتهن ثم أذن للراهن في عتقها فلم يعتقها أو أذن له في وطئها فلم يطأها أو وطئها فلم تحمل فهي رهن
بحالها لا يخرجها من الرهن (1) إلا بأن يأذن له فيما وصفت كما لو أمره أن يعتق عبدا لنفسه فأعتقه عتق

(1) قوله: إلا بأن يأذن له فيما وصفت أي ويفعل بدليل قوله: كما لو أمره الخ وفى نسخة " لا يخرجها من
الرهن أن يأذن له " أي بدون أن يفعل كما هو واضح. كتبه مصححه.
146

وإن لم يعتقه فهو على ملكه بحاله وكذلك لو ردها المرتهن إلى الراهن بعد قبضه إياها بالرهن مرة واحدة
فقال استمتع من وطئها وخدمتها كانت مرهونة بحالها لا تخرج من الرهن فإن حملت الجارية من الوطئ
فولدت أو أسقطت سقطا قد بان من خلفه شئ فهي أم ولد لسيدها الراهن وخارجة من الرهن وليس
على الراهن أن يأتيه برهن غيرها لأنه لم يتعد في الوطئ، وهكذا لو أذن له في أن يضربها فضربها
فماتت لم يكن عليه أن يأتيه ببدل منها يكون رهنا مكانها لأنه لم يتعد عليه في الضرب وإذا رهن
الرجل الرجل أمة فآجره إياها فوطئها الراهن أو اغتصبها الراهن نفسها فوطئها فإن لم تلد فهي رهن
بحالها ولا عقر للمرتهن على الراهن لأنها أمة الراهن ولو كانت بكرا فنقصها الوطئ كان للمرتهن أخذ
الراهن بما نقصها يكون رهنا معها أو قصاصا من الحق إن شاء الراهن كما تكون جنايته عليها، وهكذا
لو كانت ثيبا فأفضاها أو نقصها نقصا له قيمة وإن لم ينقصها الوطئ فلا شئ للمرتهن على الراهن في
الوطئ، وهي رهن كما هي وإن حبلت وولدت ولم يأذن له في الوطئ ولا مال له غيرها ففيها قولان
أحدهما أنها لا تباع ما كانت حبلى، فإذا ولدت بيعت ولم يبع ولدها، وإن نقصتها الولادة شئ فعلى
الراهن ما نقصتها الولادة، وإن ماتت من الولادة فعلى الراهن أن يأتي بقيمتها صحيحة تكون رهنا
مكانها أو قصاصا متى قدر عليها ولا يكون إحباله إياها أكبر من أن يكون رهنا ثم أعتقها ولا مال له
غيرها فأبطل العتق وتباع بالحق وإن كانت تسوى ألفا وإنما هي مرهونة بمائة بيع منها بقدر المائة وبقي ما
بقي رقيقا لسيدها ليس له أن يطأها وتعتق بموته في قول من أعتق أم الولد بموت سيدها ولا تعتق قبل
موته، ولو كان رهنه إياها ثم أعتقها ولم تلد ولا مال له بيع منها بقدر الدين وعتق ما بقي مكانه وإن
كانت عليه دين يحيط بما له عتق ما بقي ولم يبع لأهل الدين، والقول الثاني أنه إذا أعتقها فهي حرة
أو أولدها فهي أم ولد له لا تباع في واحدة من الحالين لأنه مالك وقد ظلم نفسه ولا يسعى في شئ
من قيمتها وهكذا القول فيما رهن من الرقيق كلهم ذكورهم وإناثهم، وإذا بيعت أم الولد في الرهن بما
وصفت فملكها السيد فهي أم ولد له بذلك الولد ووطؤه إياها وعتقه بغير إذن المرتهن مخالف له بإذن
المرتهن ولو اختلفا في الوطئ والعتق فقال الراهن وطئتها أو أعتقتها بإذنك وقال المرتهن ما أذنت لك
فالقول قول المرتهن مع يمينه فإن نكل المرتهن حلف الراهن لقد أذن له ثم كانت خارجة من الرهن وإن
لم يحلف الراهن أحلفت الجارية فقد أذن له بعتقها أو وطئها وكانت حرة أو أم ولد وإن لم تحلف هي ولا
السيد كانت رهنا بحالها ولو مات المرتهن فادعى الراهن عليه أنه أذن له في عتقها أو وطئها وقد ولدت
منه أو أعتقها كانت عليه البينة فإن لم يقم بينة فهي رهن بحالها وإن أراد أن يحلف له ورثة الميت أحلفوا
ما علموا أباهم أذن له لم يزادوا على ذلك في اليمين ولو مات الراهن فادعى ورثة هذا أحلف لهم المرتهن
ما أذن للراهن في الوطئ والعتق كما وصفت أولا وهذا كله إذا كان مفلسا فأما إذا كان الراهن موسرا
فتؤخذ قيمة الجارية منه في العتق والايلاد ثم يخير بين أن تكون قيمتها رهنا مكانها وإن كان أكثر من
الحق أن قصاصا من الحق فإن اختار أن يكون قصاصا من الحق وكان فيه فضل عن الحق رد ما فضل
عن الحق عليه وإذا أقر المرتهن أنه أذن للراهن في وطئ أمته ثم قال هذا الحبل ليس منك هو من زوج
زوجتها إياه أو من عبد فادعاه الراهن فهو ابنه ولا يمين عليه لأن النسب لاحق به وهي أم ولد له
بإقراره ولا يصدق المرتهن على نفى الولد عنه وإنما منعني من إحلافه أنه لو أقر بعد دعوته الولد أنه ليس
منه ألحقت الولد به وجعلت الجارية أم ولد فلا معنى ليمينه إذا حكمت بإخراج أم الولد من الرهن ولو
اختلف الراهن والمرتهن فقال الراهن أذنت لي في وطئها فولدت لي وقال المرتهن ما أذنت لك، كان
147

القول قول المرتهن فإن كان الراهن معسرا والجارية حبلى لم تبع حتى تلد ثم يباع ولا يباع ولدها ولو
قامت بينة أن المرتهن أذن للراهن منذ مدة ذكروها في وطئ أمته وجاءت بولد يمكن أن يكون من
السيد في مثل تلك المدة فادعاه فهو ولده، وإن لم يمكن أن يكون من السيد بحال وقال المرتهن هو من
غيره بيعت الأمة ولا يباع الولد بحال ولا يكون الولد رهنا مع الأمة، وإذا رهن رجل رجلا أمة ذات
زوج أو زوجها بعد الرهن بإذن المرتهن لم يمنع زوجها من وطئها والبناء بها، فإن ولدت فالولد خارج
من الرهن وإن حبلت ففيها قولان أحدهما لا تباع حتى تضع حملها ثم تكون الجارية رهنا والولد خارجا
من الرهن، ومن قال هذا قال إنما يمنعني من بيعها حبلى وولدها مملوك أن الولد لا يملك بما تملك به
الام إذا بيعت في الرهن، فإن سأل الراهن أن تباع ويسلم الثمن كله للمرتهن فذلك له، والقول الثاني
أنها تباع حبلى وحكم الولد حكم الام حتى يفارقها فإذا فارقها فهو خارج من الرهن، وإذا رهن
الرجل الرجل جارية فليس له أن يزوجها دون المرتهن، لأن ذلك ينقص ثمنها ويمنع إذا كانت حاملا
وحل الحق من بيعها وكذلك ليس للمرتهن أن يزوجها لأنه لا يملكها وكذلك العبد الرهن، وأيهما
زوج العبد أو الأمة فالنكاح مفسوخ حتى يجتمعا على التزويج قبل عقدة النكاح، وإذا رهن الرجل
الرجل رهنا إلى أجل فاستأذن الراهن المرتهن في بيع الرهن فأذن له فيه فباعه فالبيع جائز وليس
للمرتهن أن يأخذ من ثمنه شيئا ولا أن يأخذ الراهن برهن مكانه وله ما لم يبعه أن يرجع في إذنه له
بالبيع فإن رجع فباعه بعد رجوعه في الاذن له فالبيع مفسوخ وإن لم يرجع وقال إنما أذنت له في أن
يبيعه على أن يعطيني ثمنه وإن كنت لم أقل له أنفذت البيع ولم يكن له أن يعطيه من ثمنه شيئا ولا أن
يجعل له رهنا مكانه ولو اختلفا فقال أذنت له وشرطت أن يعطيني ثمنه، وقال الراهن أذن لي ولم
يشترط حتى يجعلها رهنا مكانه، ولو تصادقا على أنه أذن له ببيعه على أن يعطيه ثمنه لم يكن له أن يبيعه
لأنه لم يأذن له في بيعه إلا على أن يعجل له حقه قبل محله ولو قامت بينة على أنه أذن له أن يبيعه
ويعطيه ثمنه فباعه على ذلك فسخت البيع من قبل فساد الشرط في دفعه حقه قبل محله بأخذ الرهن
فإن فات العبد في يدي المشترى بموت فعلى المشترى قيمته لأن البيع كان مردودا وتوضع قيمته رهنا
إلى الأجل الذي إليه الحق إلا أن يتطوع الذي عليه الحق بتعجيله قبل محله تطوعا مستأنفا لا على الشرط
الأول، ولو أذن له أن يبيعه على أن يكون المال رهنا لم يجز البيع وكان كالمسألة قبلها التي أذن له فيها أن
يبيعه على أن يقبضه ثمنه في رد البيع فكان فيه غير ما في المسألة الأولى أنه أذن له أن يبيعه على أن
يرهنه ثمنه وثمنه شئ غيره غير معلوم، ولو كان الرهن بحق حال فأذن الراهن للمرتهن أن يبيع الرهن
على أن يعطيه حقه فالبيع جائز وعليه ان يدفع إليه ثمن الرهن ولا يحبس عنه منه شيئا، فإن هلك في
يده أخذه بجميع الحق في ماله كان أقل أو أكثر من ثمن الرهن وإنما أجزناه ههنا لأنه كان عليه ما شرط
عليه من بيعه وإيفائه حقه قبل شرط ذلك عليه، ولو كانت المسألة بحالها فأذن له في بيع الرهن ولم
يشترط عليه أن يعطيه ثمنه كان عليه أن يعطيه ثمنه إلا أن يكون الحق أقل من ثمنه فيعطيه الحق ولو أذن
المرتهن للراهن في بيع الرهن ولم يحل كان له الرجوع في إذنه له ما لم يبعه فإذا باعه وتم البيع ولم
يقبض ثمة أو قبضه فأراد المرتهن أخذ ثمنه منه على أصل الرهن لم يكن ذلك له لأنه أذن له في البيع
وليس له البيع وقبض الثمن لنفسه فباع فكان كمن أعطى عطاء وقبضه أو كمن أذن له في فسخ الرهن
ففسخه وكان ثمن العبد مالا من مال الراهن يكون المرتهن فيه وغيره من غرمائه أسوة، ولو أذن له في
بيعه فهو على الراهن وله الرجوع في الاذن له إلا أن يكون قال قد فسخت فيه الرهن أو أبطلته، فإذا
148

قاله لم يكن الرجوع في الرهن وكان في الرهن كغريم غيره، وإذا رهن الرجل الرجل الجارية، ثم
وطئها المرتهن أقيم عليه الحد فإن ولدت فولده رقيق ولا يثبت نسبهم وإن كان أكرهها فعليه المهر وإن لم
يكرهها فلا مهر عليه وإن ادعى جهالة لم يعذر بها إلا أن يكون ممن أسلم حديثا أو كان ببادية نائية أو ما
أشبهه ولو كان رب الجارية أذن له وكان يجهل درئ عنه الحد ولحق الولد وعليه قيمتهم يوم سقطوا وهم
أحرار، وفى المهر قولان أحدهما أن عليه مهر مثلها والآخر لا مهر عليه لأنه أباحها ومتى ملكها لم تكن
له أم ولد وتباع الجارية ويؤدب هو والسيد للاذن (قال الربيع) إن ملكها يوما ما كانت أم ولد له
بإقراره أنه أولدها وهو يملكها (قال الشافعي) ولو ادعى أن الراهن المالك وهبها له قبل الوطئ أو باعه
إياها أو أعمره إياها أو تصدق بها عليه أو اقتصه كانت أم ولد له وخارجة من الرهن إذا صدقه الراهن
أو قامت عليه بينة بذلك كان الراهن حيا أو ميتا وإن لم تقم له بينة بدعواه فالجارية وولدها رقيق إذا
عرف ملكها للراهن لم تخرج من ملكه إلا ببينة تقوم عليه وإذا أراد المرتهن أحلف له ورثة الراهن على
علمهم فيما ادعى من خروجها من ملك الراهن إليه (قال الربيع) وله في ولده قول آخر أنه حر بالقيمة
ويدرأ عنه الحد ويغرم صداق مثلها.
جواز شرط الرهن
(قال الشافعي) رحمه الله: أذن الله تبارك وتعالى في الرهن مع الدين وكان الدين يكون من بيع
وسلف وغيره من وجوه الحقوق وكان الرهن جائزا مع كل الحقوق شرط في عقدة الحقوق أو ارتهن بعد
ثبوت الحقوق وكان معقولا أن الرهن زيادة وثيقة من الحق لصاحب الحق مع الحق مأذون فيها حلال
وأنه ليس بالحق نفسه ولا جزء من عدده فلو أن رجلا باع رجلا شيئا بألف على أن يرهنه من ماله
يعرفه الراهن والمرتهن كان البيع جائزا ولم يكن الرهن تاما حتى يقبضه الراهن المرتهن أو من يتراضيان به
معا ومتى ما أقبضاه إياه قبل أن يرفعا إلى الحاكم فالبيع لازم له وكذلك إن سلمه ليقبضه فتركه البائع
كان البيع تاما (قال الشافعي) وإن ارتفعا إلى الحاكم وامتنع الراهن من أن يقبضه المرتهن لم يجبره
الحاكم على أن يدفعه إليه لأنه لا يكون رهنا إلا بأن يقبضه إياه وكذلك لو وهب رجل لرجل هبة فلم
يدفعها إليه لم يجبره الحاكم على دفعها إليه لأنها لا تتم له إلا بالقبض وإذا باع الرجل الرجل على أن
يرهنه رهنا فلم يدفع الراهن الرهن إلى البائع المشترط له فللبائع الخيار في إتمام البيع بلا رهن أو رد البيع
لأنه لم يرض بذمة المشترى دون الرهن وكذلك لو رهنه رهونا فأقبضه بعضها ومنعه بعضها وهكذا لو
باعه على أن يعطيه حميلا بعينه فلم يحمل له بها الرجل الذي اشترط حمالته حتى مات كان له الخيار في
إتمام البيع بلا حميل أو فسخه لأنه لم يرض بذمته دون الحميل ولو كانت المسألة بحالها فأراد المشترى
فسخ البيع فمنعه الرهن أو الحميل لم يكن ذلك له لأنه لم يدخل عليه هو نقص يكون له به الخيار لأن
البيع كان في ذمته وزيادة رهن أو ذمة غيره فيسقط ذلك عنه فلم يزد عليه في ذمته شئ لم يكن عليه
ولم يكن في هذا فساد للبيع لأنه لم ينتقص من الثمن شئ يفسد به البيع إنما انتقص شئ غير الثمن
وثيقة للمرتهن لا ملك ولم يشترط شيئا فاسدا فيفسد به البيع وهكذا هذا في كل حق كان لرجل على
رجل فشرط له فيه رهنا أو حميلا فإن كان الحق بعوض أعطاه إياه فهو كالبيع وله الخيار في أخذ
149

العوض كما كان له في البيع وإن كان الرهن في أن اسلفه سلفا بلا بيع أو كان له عليه حق قبل أن يرهنه
بلا رهن ثم رهنه شيئا فلم يقبضه إياه فالحق بحاله وله في السلف أخذه متى شاء به، وفى حقه غير
السلف أخذه متى شاء إن كان حالا ولو باعه شيئا بألف على أن يرهنه رهنا يرضيه حميلا ثقة أو يعطيه
رضاه من رهن وحميل أو ما شاء المشترى والبائع أو ما شاء أحدهما من رهن وحميل بغير تسمية شئ
بعينه كان البيع فاسدا لجهالة البائع والمشترى أو أحدهما بما تشارطا ألا ترى انه لو جاءه بحميل أو رهن
فقال لا أرضاه لم يكن عليه حجة بأنه رضى رهنا بعينه أو حميلا بعينه فأعطاه ولو كان باعه بيعا بألف
على أن يعطيه عبدا له يعرفانه رهنا له فأعطاه إياه رهنا فلم يقبله لم يكن له نقض البيع لأنه لم ينقصه
شيئا من شرطه الذي عرفا معا وهكذا لو باعه بيعا بألف على أن يرهنه ما أفاد في يومه أو من قدم عليه
من غيبته من رقيقه أو ما أشبه هذا كان البيع مفسوخا بمثل معنى المسألة قبلها أو أكثر وإذا اشترى منه
شيئا على أن يرهنه شيئا بعينه ثم مات المشترى قبل أن يدفع الرهن إلى المرتهن لم يكن الرهن رهنا ولم
يكن على ورثته دفعه إليه وإن تطوعوا ولا وارث معهم ولا صاحب وصية فدفعوه إليه فهو رهن وله بيعه
مكانه لأن دينه قد حل وإن لم يفعلوا فالبائع بالخيار في نقض البيع أو إتمامه ولو كان البائع المشترط
الرهن هو الميت كان دينه إلى أجل إن كان مؤجلا أو حالا إن كان حالا وقام ورثته مقامه فإن دفع
المشترى إليهم الرهن فالبيع تام وإن لم يدفعه إليهم فلهم الخيار في نقض البيع كما كان لأبيهم فيه أو
إتمامه إذا كان الرهن فائتا (قال الشافعي) إذا كان الرهن فائتا أو السلعة المشتراة فائتة جعلت له الخيار
بين أن يتمه فيأخذ ثمنه أو ينقضه فيأخذ قيمته كما أجعله له لو باعه عبدا فمات فقال المشترى اشتريته
بخمسمائة وقال البائع بعته بألف وجعلت له إن شاء أن يأخذ ما أقر له به المشترى وإن شاء أن يأخذ
قيمته بعد أن يحلف على ما ادعى المشترى ولا أحلفه ههنا لأنه لا يدعى عليه المشترى براءة من شئ كما
ادعى هناك المشترى براءة مما زاد على خمسمائة (قال الشافعي) ولو باع رجل رجلا بيعا بثمن حال أو
إلى أجل أو كان له عليه حق فلم يكن له رهن في واحد منهما ولا شرط الرهن عند عقده واحد منهما ثم
تطوع له المشترى بأن يرهنه شيئا بعينه فرهنه إياه فقبضه ثم أراد الراهن إخراج الرهن من الرهن لأنه كان
متطوعا به لم يكن له ذلك إلا أن يشاء المرتهن كما لا يكون له لو كان الرهن بشرط وكذا لو كان رهنه
بشرط فأقبضه إياه ثم زاده رهنا آخر معه أو رهونا فأقبضه إياها ثم أراد إخراجها أو إخراج بعضها لم
يكن ذلك له ولو كانت الرهون تسوى أضعاف ما هي مرهونة به ولو زاده رهونا أو رهنه رهونا مرة واحدة
فأقبضه بعضها ولم يقبضه بعضها كان ما أقبضه رهنا وما لم يقبضه غير رهن ولم ينتقض ما أقبضه بما لم
يقبضه وإذا باع الرجل الرجل البيع على أن يكون المبيع نفسه رهنا للبائع فالبيع مفسوخ من قبل أنه لم
يملكه السلعة إلا بأن تكون محتبسة عن المشترى وليس هذا كالسلعة لنفسه برهنه إياها ألا ترى أنه لو
وهب له سلعة لنفسه جاز وهو لو اشترى منه شيئا على أن يهبه له لم يجز وسواء تشارطا وضع الرهن على
يدي البائع أو عدل غيره وإذا مات المرتهن فالرهن بحاله فلورثته فيه ما كان له وإذا مات الراهن فالرهن
بحاله لا ينتقض بموته ولا موتهما ولا بموت واحد منهما قال ولورثة الراهن إذا مات فيه ما للراهن من أن
يؤدوا ما فيه ويخرج من الرهن أو يباع عليهم بأن دين أبيهم قد حل ولهم أن يأخذوا المرتهن ببيعه
ويمنعوه من حبسه عن البيع لأنه قد يتغير في حبسه ويتلف فلا تبرأ ذمة أبيهم وقد يكون فيه الفضل عما
رهن به فيكون ذلك لهم ولو كان المرتهن غائبا أقام الحاكم من يبيع الرهن ويجعل حقه على يدي عدل
إن لم يكن له وكيل يقوم بذلك وإذا كان للرجل على الرجل الحق بلا رهن ثم رهنه رهنا فالرهن جائز
150

كان الحق حالا أو إلى أجل فإن كان الحق حالا أو إلى أجل فقال الراهن: أرهنك على أن تزيدني في
الأجل ففعل فالرهن مفسوخ والحق الحال حال كما كان والمؤجل إلى أجله الأول بحاله والأجل الآخر باطل
وغرماء الراهن في الرهن الفاسد أسوة المرتهن وكذلك لو لم يشترط عليه تأخير الأجل وشرط عليه أن
يبيعه شيئا أو يسلفه إياه أو يعمله له بثمن على أن يرهنه ولم يرهنه لم يجز الرهن ولا يجوز الرهن في حق
واجب قبله حتى يتطوع به الراهن بلا زيادة شئ على المرتهن ولو قال له: بعني عبدك بمائة على أن
أرهنك بالمائة وحقك الذي قبلها رهنا كان الرهن والبيع مفسوخا كله ولو هلك العبد في يدي المشترى
كان ضامنا لقيمته، ولو أقر المرتهن أن الموضوع على يديه الرهن قبضه جعلته رهنا ولم أقبل قول العدل:
لم أقبضه إذا قال المرتهن قد قبضه العدل.
اختلاف المرهون والحق الذي يكون به الرهن
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا كانت الدار أو العبد أو العرض في يدي رجل فقال رهنتيه فلان
على كذا وقال فلان ما رهنتكه ولكني أودعتك إياه أو وكلتك به أو غصبتنيه فالقول قول رب الدار
والعرض والعبد لأن الذي في يده يقر له بملكه ويدعى عليه فيه حقا فلا يكون فيه بدعواه إلا ببينة
وكذلك لو قال الذي هو في يديه رهنتنيه بألف وقال المدعى عليه لك على ألف ولم أرهنك به ما زعمت
كان القول قوله وعليه ألف بلا رهن كما أقر ولو كانت في يدي رجل داران فقال رهننيهما فلان بألف
وقال فلان رهنتك إحداهما وسماها بعينها بألف كان القول قول رب الدار الذي زعم أنها (1) ليست
برهن غير رهن وكذلك لو قال له رهنتك إحداهما بمائة لم يكن رهنا إلا بمائة ولو قال الذي هما في يديه
رهنتنيهما بألف وقال رب الدارين بل رهنتك إحداهما بغير عينها بألف لم تكن واحدة منهما رهنا وكانت
عليه ألف بإقراره بلا رهن لأنه لا يجوز في الأصل أن يقول رجل لرجل أرهنك إحدى داري هاتين ولا
يسميها ولا أحد عبدي هذين ولا أحد ثوبي هذين ولا يجوز الرهن حتى يكون مسمى بعينه ولو كانت
دار في يدي رجل فقال رهننيها فلان بألف ودفعها إلى وقال فلان رهنته إياها بألف ولم أدفعها إليه
فعدا عليها فغصبها أو تكاراها منى رجل فأنزله فيها أو تكاراها منى هو فنزلها ولم أدفعها إليه قبضا بالرهن
فالقول قول رب الدار ولا تكون رهنا إذا كان يقول ليست برهن فيكون القول قوله وهو إذا أقر بالرهن
ولم يقبضه المرتهن فليس برهن ولو كانت الدار في يدي رجل فقال رهننيها فلان بألف دينار وأقبضنيها
وقال فلان رهنته إياها بألف درهم أو ألف فلس وأقبضته إياها كان القول قول رب الدار ولو كان في
يدي رجل عبد فقال رهننيه فلان بمائة وصدقه العبد وقال رب العبد ما رهنته إياه بشئ فالقول قول
رب العبد ولا قول للعبد ولو كانت المسألة بحالها فقال ما رهنتكه بمائة ولكني بعتكه بمائة لم يكن العبد
رهنا ولا بيعا إذا اختلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه ولو أن عبدا بين رجلين فقال رجل رهنتمانيه
بمائة وقبضته فصدقه أحدهما وقال الآخر ما رهنتكه بشئ كان نصفه رهنا بخمسين ونصفه خارجا من
الرهن فإن شهد شريك صاحب العبد عليه بدعوى المرتهن وكان عدلا عليه أحلف المرتهن معه وكان
نصيبه منه رهنا بخمسين ولا شئ في شهادة صاحب الرهن يجر بها إلى نفسه ولا يدفع بها عنه فأرد بها

(1) قوله: أنها ليست برهن الخ كذا بالأصول التي عندنا بزيادة " غير رهن " وتأمل. كتبه مصححه.
151

شهادته ولا أرد شهادته لرجل له عليه شئ لو شهد له على غيره ولو كان العبد بين اثنين وكان في يدي
اثنين وادعيا أنهما ارتهناه معا بمائة فأقر الرجلان لأحدهما أنه رهن له وحده بخمسين وأنكرا دعوى
الآخر لزمهما ما اقرا به ولم يلزمهما ما أنكرا من دعوى الآخر ولو أقرا لهما معا بأنه لهما رهن وقالا هو رهن
بخمسين وادعيا مائة لم يلزمهما إلا ما أقرا به ولو قال أحد الراهنين لاحد المرتهنين رهناكه أنت بخمسين
وقال الآخر للآخر المرتهن رهناكه أنت بخمسين كان نصف حق كل واحد منهما من العبد وهو ربع
العبد رهنا للذي أقر له بخمسة وعشرين تجيز إقراره على نفسه ولا تجيز إقراره على غيره ولو كانا ممن تجوز
شهادته فشهد كل واحد منهما على صاحبه ونفسه أجزت شهادتهما وجعلت على كل واحد منهما خمسة
وعشرين دينارا بإقراره وخمسة وعشرين أخرى بشهادة صاحبه إذا حلف المدعى مع شاهده وإذا
كانت في يدي رجل ألف دينار فقال رهننيها بمائة دينار أو بألف درهم وقال الراهن رهنتكها دينار
واحد أو بعشرة دراهم فالقول قول الراهن لأن المرتهن مقر له بملك الألف دينار ومدع عليه حقا فالقول
قوله فيما ادعى عليه من الدنانير إذا كان القول قول رب الرهن المدعى عليه الحق في أنه ليس برهن
بشئ كان إقراره بأنه رهن بشئ أولى أن يكون القول قوله فيه وإذا اختلف الراهن والمرتهن فقال المرتهن
رهنتني عبدك سالما بمائة وقال الراهن بل رهنتك عبدي موفقا بعشرة حلف الراهن ولم يكن سالم رهنا
بشئ وكان لصاحب الحق عليه عشرة دنانير إن صدقه بأن موفقا رهن بها فهو رهن وإن كذبه وقال بل
سالم رهن بها لم يكن موفق ولا سالم رهنا لأنه يبرئه من أن يكون موفق رهنا ولو قال رهنتك داري بألف
وقال الذي يخالفه بل اشتريتها منك بألف وتصادقا على قبض الألف تحالفا وكانت الألف على الذي
أخذها بلا رهن ولا بيع وهكذا لو قال لو رهنتك داري بألف أخذتها منك وقال المقر له بالرهن بل
اشتريت منك عبدك بهذه الألف تحالفا ولم تكن الدار رهنا ولا العبد بيعا وكانت له عليه ألف بلا رهن
ولا بيع ولو قال رهنتك داري بألف وقبضت الدار ولم أقبض الألف منك وقال المقر له بالرهن وهو
المرتهن بل قبضت الألف فالقول قول الراهن بأنه لم يقر بأن عليه ألفا فتلزمه ويحلف ما أخذ الألف ثم
تكون الدار خارجة من الرهن لأنه لم يأخذ ما يكون به رهنا ولو كانت لرجل على رجل ألف درهم
فرهنه بها دارا فقال الراهن رهنتك هذه الدار بألف درهم إلى سنة وقال المرتهن بل بألف درهم حالة
كان القول قول الراهن وعلى المرتهن البينة وكذلك لو قال رهنتكها بألف درهم وقال المرتهن بل بألف
دينار فالقول قول الراهن وكل ما لم أثبته عليه إلا بقوله جعلت القول فيه قوله لأنه لو قال لم أرهنكها
كان القول قوله وإذا كان لرجل على رجل ألفان أحدهما برهن والآخر بغير رهن فقضاه ألفا ثم اختلفا فقال
القاضي قضيتك الألف التي بالرهن وقال المقتضى بل الألف التي بلا رهن فالقول قول الراهن القاضي
ألا ترى أنه لو جاءه بألف فقال هذه الألف التي رهنتك بها فقبضها كان عليه استلام رهنه ولم يكن له
حبسه عنه بأن يقول لي عليك ألف أخرى ولو حبسه عنه بعد قبضه كان متعديا بالحبس وإن هلك
الرهن في يديه ضمن قيمته فإذا كان هذا هكذا لم يجز أن يكون القول إلا قول دافع المال. والله أعلم.
جماع ما يجوز رهنه
(قال الشافعي) رحمه الله: كل من جاز بيعه من بالغ حر غير محجور عليه جاز رهنه ومن جاز له
152

أن يرهن أو يرتهن من الأحرار البالغين غير المحجور عليهم جاز له أن يرتهن على النظر وغير النظر لأنه يجوز
له بيع ماله وهبته بكل حال فإذا جازت هبته في ماله كان له رهنه بلا نظر ولا يجوز أن يرتهن الأب
لابنه ولا ولى اليتيم له إلا بما فيه فضل لهما فأما أن يسلف مالهما برهن فلا يجوز له وأيهما فعل فهو ضامن لما
أسلف من ماله ويجوز للمكاتب والمأذون له في التجارة أن يرتهنا إذا كان ذلك صلاحا لمالهما وازديادا فيه
فأما أن يسلفا ويرتهنا فلا يجوز ذلك لهما ولكن يبيعان فيفضلان ويرتهنان ومن قلت لا يجوز ارتهانه إلا فيما
يفضل لنفسه أو يتيمه أو ابنه من أبى ولد وولى يتيم ومكاتب وعبد مأذون له فلا يجوز أن يرهن شيئا لأن
الرهن أمانة والدين لازم فالرهن بكل حال نقص عليهم ولا يجوز أن يرهنوا إلا حيث يجوز أن يودعوا
أموالهم من الضرورة بالخوف إلى تحويل أموالهم وما أشبه ذلك ولا نجيز رهن من سميت لا يجوز رهنه إلا
في قول من زعم أن الرهن مضمون كله فأما ما لا يضمن منه فرهنه غير نظر لأنه قد يتلف ولا يبرأ
الراهن من الحق والذكر والأنثى والمسلم والكافر من جميع ما وصفنا يجوز رهنه ولا يجوز سواء ويجوز أن
يرهن المسلم الكافر والكافر المسلم ولا أكره من ذلك شيئا إلا أن يرهن المسلم الكافر مصحفا فإن فعل لم
أفسخه ووضعناه له على يدي عدل مسلم وجبرت على ذلك الكافر إن امتنع وأكره أن يرهن من الكافر
العبد المسلم صغيرا أو كبيرا لئلا يذل المسلم بكينونته عنده بسبب يتسلط عليه الكافر ولئلا يطعم الكافر
المسلم خنزيرا أو يسقيه خمرا فإن فعل فرهنه منه لم أفسخ الرهن قال وأكره رهن الأمة البالغة أو المقاربة
البلوغ التي يشتهى مثلها من مسلم إلا على أن يقبضها المرتهن ويقرها في يدي مالكها أو يضعها على
يدي امرأة أو محرم للجارية فإن رهنها مالكها من رجل، وأقبضها إياه لم أفسخ الرهن وهكذا لو رهنها
من كافر غير أني أجبر الكافر على أن يضعها على يدي عدل مسلم وتكون امرأة أحب إلي ولو لم تكن
امرأة وضعت على يدي رجل عدل معه امرأة عدل وإن رضى الراهن والمرتهن على أن يضعا الجارية
على يدي رجل غير مأمون عليها جبرتهما أن يرضيا بعدل توضع على يديه فإن لم يفعلا اخترت لهما عدلا
إلا أن يتراضيا أن تكون على يدي مالكها أو المرتهن فأما ما سوى بني آدم فلا أكره رهنه من مسلم ولا
كافر حيوان ولا غيره وقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه عند أبي الشحم اليهودي وإن كانت المرأة
بالغة رشيدة بكرا أو ثيبا جاز بيعها ورهنها وإن كانت ذات زوج جاز رهنها وبيعها بغير إذن زوجها وهبتها
له ولها من مالها إذا كانت رشيدة ما لزوجها من ماله وإن كانت المرأة أو رجل مسلم أو كافر حر أو عبد
محجورين لم يجز رهن واحد منهما كما لا يجوز بيعه وإذا رهن من لا يجوز رهنه فرهنه مفسوخ وما عليه وما
رهن كما لم يرهن من ماله لا سبيل للمرتهن عليه وإذا رهن المحجور عليه رهنا فلم يقبضه هو ولا وليه من
المرتهن ولم يرفع إلى الحاكم فيفسخه حتى يفك عنه الحجر فرضى أن يكون رهنا بالرهن الأول لم يكن
رهنا حتى يبتدئ رهنا بعد فك الحجر ويقبضه المرتهن فإذا فعل فالرهن جائز وإذا رهن الرجل الرهن
وقبضه المرتهن وهو غير محجور ثم حجر عليه فالرهن بحاله وصاحب الرهن أحق به حتى يستوفى حقه
ويجوز رهن الرجل الكثير الدين حتى يقف السلطان ماله كما يجوز بيعه حتى يقف السلطان ماله وإذا
رهن الرجل غير المحجور عليه الرجل المحجور عليه الرهن فإن كان من بيع فالبيع مفسوخ وعلى الراهن
رده بعينه إن وجد أو قيمته إن لم يوجد والرهن مفسوخ إذا انفسخ الحق الذي به الرهن كان الرهن
مفسوخا بكل حال وهكذا إن أكراه دارا أو أرضا أو دابة ورهن المكترى المكرى المحجور عليه بذلك
رهنا فالرهن مفسوخ والكراء مفسوخ وإن سكن أو ركب أو عمل له فعليه أجر مثله وكراء مثل الدابة
والدار بالغا ما بلغ وهكذا لو أسلفه المحجور مالا ورهنه غير المحجور رهنا كان الرهن مفسوخا لأن السلف
153

باطل وعليه رد السلف بعينه وليس له إنفاق شئ منه فإن أنفقه فعليه مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم
يكن له مثل وأي رهن فسخته من جهة الشرط في الرهن أو فساد الرهن أو فساد البيع الذي وقع به
الرهن لم أكلف الراهن أن يأتي برهن غيره بحال وكذلك إن كان الشرط في الرهن والبيع صحيحا
واستحق الرهن لم أكلف الراهن أن يأتي برهن غيره قال: وإذا تبايع الرجلان غير المحجورين البيع
الفاسد ورهن أحدهما به صاحبه رهنا فالبيع مفسوخ والرهن مفسوخ وجماع علم هذا أن ينظر كل حق
كان صحيح الأصل فيجوز به الرهن وكل بيع كان غير ثابت فيفسد فيه الرهن إذا لم يملك المشترى ولا
المكترى ما بيع أو أكرى لم يملك المرتهن الحق في الرهن إنما يثبت الرهن للراهن بما يثبت به عليه ما
أعطاه به فإذا بطل ما أعطاه به بطل الرهن وإذا بادل رجل رجلا عبدا بعبد أو دارا بدار أو عرضا ما
كان بعرض ما كان وزاد أحدهما الآخر دنانير آجلة على أن يرهنه الزائد بالدنانير رهنا معلوما فالبيع
والرهن جائز إذا قبض وإذا ارتهن الرجل من الرجل الرهن وقبضه لنفسه أو قبضه له غيره بأمره وأمر
صاحب الرهن فالرهن جائز وإن كان القابض ابن الراهن أو امرأته أو أباه أو من كان من قرابته وكذلك
لو كان ابن المرتهن أو واحدا ممن سميت أو عبد المرتهن فالرهن جائز فأما عبد الراهن فلا يجوز قبضه
للمرتهن لأن قبض عبده عنه كقبضه عن نفسه وإذا رهن الرجل الرجل عبدا فأنفق عليه المرتهن بغير
أمر الراهن كان متطوعا وإن رهنه أرضا من أرض الخراج فالرهن مفسوخ لأنها غير مملوكة فإن كان فيها
غراس أو بناء للراهن فالغراس والبناء رهن وإن أدى عنها الخراج فهو متطوع بأداء الخراج عنها لا
يرجع به على الراهن إلا أن يكون دفعه بأمره فيرجع به عليه ومثل هذا الرجل يتكارى الأرض من
الرجل قد تكاراها فيدفع المكترى الأرض كراءها عن المكترى الأول فإن دفعه بإذنه رجع به عليه وإن
دفعه بغير إذنه فهو متطوع به ولا يرجع به عليه ويجوز الرهن بكل حق لزم صداق أو غيره وبين الذمي
والحربي المستأمن والمستأمن والمسلم كما يجوز بين المسلمين لا يختلف وإذا كان الرهن بصداق فطلق قبل
الدخول بطل نصف الحق والرهن بحاله كما يبطل الحق الذي في الرهن إلا قليلا والرهن بحاله وإذا ارتهن
الرجل من الرجل رهنا بتمر أو حنطة فحل الحق فباع الموضوع على يديه الرهن بتمر أو حنطة فالبيع
مردود ولا يجوز بيعه إلا بالدنانير أو الدراهم ثم يشترى بها قمح أو تمر فيقضاه صاحب الحق ولا يجوز
رهن المقارض لأن الرهن غير مضمون إلا أن يأذن رب المال للمقارض يرهن بدين له معروف وكذلك
لا يجوز ارتهانه إلا أن يأذن له رب المال أن يبيع بالدين فإذا باع بالدين فالرهن ازدياد له ولا يجوز
ارتهانه إلا في مال صاحب المال فإن رهن عن غيره فهو ضامن ولا يجوز الرهن.
العيب في الرهن
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الرهن رهنان فرهن في أصل الحق لا يجب الحق إلا بشرطه
وذلك أن يبيع الرجل الرجل البيع على أن يرهنه الرهن يسميانه فإذا كان هكذا فكان بالرهن عيب في
بدنه أو عيب في فعله ينقص ثمنه وعلم المرتهن العيب قبل الارتهان فلا خيار له والرهن والبيع ثابتان وإن
لم يعلمه المرتهن فعله بعد البيع فالمرتهن بالخيار بين فسخ البيع وإثباته وإثبات الرهن للنقص عليه في
الرهن كما يكون هذا في البيوع والعيب الذي يكون له به الخيار كل ما نقص ثمنه من شئ قل أو كثر
حتى الأثر الذي لا يضر بعمله والفعل فإذا كان قد علمه فلا خيار له ولو كان قتل أو ارتد وعلم ذلك
154

المرتهن ثم ارتهنه كان الرهن ثابتا فإن قتل في يديه فالبيع ثابت وقد خرج الرهن من يديه وإن لم يقتل فهو
رهن بحاله وكذلك لو سرق فقطع في يديه كان رهنا بحاله ولو كان المرتهن لم يعلم بارتداده ولا قتله ولا
سرقته فارتهنه ثم قتل في يده أو قطع كان له فسخ البيع ولو لم يكن الراهن دلس للمرتهن فيه بعيب
ودفعه إليه سالما فجنى في يديه جناية أو أصابه عيب في يديه كان على الرهن بحاله ولو أنه دلس له فيه
بعيب وقبضه فمات في يديه موتا قبل أن يختار فسخ البيع لم يكن له أن يختار فسخه لما فات من الرهن
وليس هذا كما يقتل بحق في يديه أو يقطع في يديه وهكذا كل عيب في رهن ما كان حيوان أو غيره ولو
اختلف الراهن والمرتهن في العيب فقال الراهن رهنتك الرهن وهو برئ من العيب وقال المرتهن ما
رهنتنيه إلا معيبا فالقول قول الراهن مع يمينه إذا كان العيب مما يحدث مثله وعلى المرتهن البينة فإن
أقامها فللمرتهن الخيار كما وصفت وإذا رهن الرجل الرجل العبد أو غيره على أن يسلفه سلفا فوجد
بالرهن عيبا أو لم يجده فسواء وله الخيار في أخذ سلفه حالا وإن كان سماه مؤجلا وليس السلف كالبيع
ورهن يتطوع به الراهن وذلك أن يبيع الرجل الرجل البيع إلى أجل بغير شرط رهن فإذا وجب بينهما
البيع وتفرقا ثم رهنه الرجل فالرجل متطوع بالرهن فليس للمرتهن إن كان بالرهن عيب ما كان أن
يفسخ البيع لأن البيع كان تاما بلا رهن وله إن شاء أن يفسخ الرهن وكذلك له إن شاء لو كان في أصل
البيع أن يفسخه لأنه كان حقا له فتركه ويجوز رهن العبد المرتد والقاتل والمصيب للحد لأن ذلك لا
يزيل عنه الرق فإذا قتل فقد خرج من الرهن فإذا ارتد الرجل عن الاسلام ثم رهن عبدا له فمن أجاز
بيع المرتد أجاز رهنه ومن رد بيعه رد رهنه (قال الربيع) كان الشافعي يجيز رهن المرتد كما يجوز بيعه.
الرهن بجمع الشيئين المختلفين من ثياب وأرض وبناء وغيره
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا رهن الرجل الرجل أرضه ولم يقل ببنائها فالأرض رهن دون
البناء وكذلك إن رهنه أرضه ولم يقل بشجرها فكان فيها شجر مبدد أو غير مبدد فالأرض رهن دون
الشجر وكذلك لو رهنه شجرا وبين الشجر بياض فالشجر رهن دون البياض ولا يدخل في الرهن إلا ما
سمى وإذا رهنه ثمرا قد خرج من نخلة قبل يحل بيعه ونخله معه فقد رهنه نخلا وثمرا معها فهما رهن جائز
من قبل أنه يجوز له لو مات الراهن أو كان الحق حالا أن يبيعهما من ساعته وكذلك لو كان إلى أجل لأن
الراهن يتطوع ببيعه قبل يحل أو يموت فيحل الحق وإذا كان الحق في هذا الرهن جائزا إلى أجل فبلغت
الثمرة وبيعت خير الراهن بين أن يكون ثمنها قصاصا من الحق أو مرهونا مع النخل حتى يحل الحق ولو
حل الحق فأراد بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها دون النخل لم يكن له، وكذلك لو أراد قطعها وبيعها
لم يكن له إذا لم يأذن له الراهن في ذلك، ولو رهنه الثمرة دون النخل طلعا أو مؤبرة أو في أي حال
قبل أن يبدو صلاحها لم يجز الرهن كان الدين حالا أو مؤجلا إلا أن يتشارطا أن للمرتهن إذا حل
حقه قطعها أو بيعها فيجوز الرهن، وذلك أن المعروف من الثمرة أنها تترك إلى أن تصلح ألا ترى أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه لمعرفة الناس أنه يترك حتى يبدو صلاحه
وأن حلالا أن تباع الثمرة على أن تقطع قبل أن يبدو صلاحها لأنه ليس المعنى الذي نهى عنه النبي
صلى الله عليه وسلم، وهكذا كل ثمرة وزرع رهن قبل أن يبدو صلاحه ما لم يجز بيعه فلا يجوز رهنه إلا
155

على أن يقطع إذا حل الحق فيباع مقطوعا بحاله وإذا حل بيع الثمر حل رهنه إلى أجل كان الحق أو حالا
وإذا بلغ ولم يحل الحق لم يكن للراهن بيعه إذا كان يبس إلا برضا المرتهن فإذا رضى قيمته رهن إلا أن
يتطوع الراهن فيجعله قصاصا ولا أجعل دينا إلى أجل حالا أبدا إلا أن يتطوع به صاحب الدين وإذا
رهنه ثمرة فزيادتها في عظمها وطيبها رهن له، كما أن زيادة الرهن في يديه رهن له، فإن كان من الثمن
شئ يخرج فرهنه إياه وكان يخرج بعده غيره منه فلا يتميز الخارج عن الأول المرهون لم يجز الرهن في
الأول ولا في الخارج لأن الرهن حينئذ ليس بمعروف، ولا يجوز الرهن فيه حتى يقطع مكانه أو
يشترط أنه يقطع في مدة قبل أن تخرج الثمرة التي تخرج بعده أو بعدما تخرج قبل أن يشكل أهي من
الرهن الأول أم لا، فإذا كان هذا جاز، وإن ترك حتى تخرج بعده ثمرة لا يتميز حتى تعرف، ففيها
قولان، أحدهما أنه يفسد الرهن كما يفسد البيع لأني لا أعرف الرهن من غير الرهن، والثاني أن الرهن
لا يفسد، والقول قول الراهن في قدر الثمرة المرهونة من المختلطة بها كما لو رهنه حنطة أو تمرا فاختلطت
بحنطة للراهن، أو تمر كان القول قوله في قدر الحنطة التي رهن مع يمينه (قال الربيع) وللشافعي قول
آخر في البيع أنه إذا باعه ثمرا فلم يقبضه حتى حدثت ثمرة أخرى في شجرها لا تتميز الحادثة من المبيع
قبلها كان البائع بالخيار بين أن يسلم له الثمرة الحادثة مع المبيع الأول فيكون قد زاده خيرا أو ينقض
البيع لأنه لا يدرى كم باع مما حدث من الثمرة، والرهن عندي مثله فإن رضى أن يسلم ما زاد مع
الرهن الأول لم يفسخ الرهن وإذا رهنه زرعا على أن يحصده إذا حل الحق بأي حال ما كان فيبيعه فإن
كان الزرع يزيد بأن ينبت منه ما لم يكن نابتا في يده إذا تركه لم يجز الرهن لأنه لا يعرف الرهن منه
الخارج دون ما يخرج بعده، فإن قال قائل ما الفرق بين الثمرة تكون طلعا وبلحا صغارا، ثم تصير
رطبا عظاما وبين الزرع؟ قيل الثمرة واحدة، إلا أنها تعظم كما يكبر العبد المرهون بعد الصغر ويسمن
بعد الهزال وإذا قطعت لم يبق منها شئ يستخلف والزرع يقطع أعلاه، ويستخلف أسفله ويباع منه
شئ قصلة بعد قصلة فالخارج منه غير الرهن والزائد في الثمرة من الثمرة ولا يجوز أن يباع منه ما يقصل
إلا أن يقصل مكانه قصلة، ثم تباع القصلة الأخرى بيعة أخرى وكذلك لا يجوز رهنه إلا كما يجوز
بيعه، وإذا رهنه ثمرة فعلى الراهن سقيها وصلاحها وجدادها وتشميسها كما يكون عليه نفقة العبد،
وإذا أراد الراهن أن يقطعها قبل أوان قطعها أو أراد المرتهن ذلك منع كل واحد منهما ذلك حتى يجتمعا
عليه، وإذا بلغت إبانها جبر الراهن على قطعها لأن ذلك من صلاحها وكذلك لو أبى المرتهن جبر،
فإذا صارت تمرا وضعت على يدي الموضوع على يديه الرهن أو غيره فإن أبى العدل الموضوع على يديه
بأن يتطوع أن يضعها في منزله إلا بكراء قيل للراهن عليك لها منزل تحرز فيه لأن ذلك من صلاحها
فإن جئت به وإلا يكترى عليك منها ولا يجوز أن يرتهن الرجل شيئا لا يحل بيعه حين يرهنه إياه وإن
كان يأتي عليه مدة يحل بعدها وهو مثل أن يرهنه جنين الأمة قبل أن يولد على أنها إذا ولدته كان رهنا،
ومثل أن يرهنه ما ولدت أمته أو ماشيته أو ما أخرجت نخله على أن يقطعه مكانه، ولا يجوز أن يرهنه ما
ليس ملكه له بتام، وذلك مثل أن يرهنه ثمرة قد بدا صلاحها لا يملكها بشراء ولا أصول نخلها وذلك
مثل أن يتصدق عليه وعلى قوم بصفاتهم بثمرة نخل، وذلك أنه قد يحدث في الصدقة معه من ينقص
حقه ولا يدرى كم رهنه، ولا يجوز أن يرهن الرجل الرجل جلود ميتة لم تدبغ لأن ثمنها لا يحل ما لم
تدبغ ويجوز أن يرهنه إياها إذا دبغت لأن ثمنها بعد دباغها يحل ولا يرهنه إياها قبل الدباغ ولو رهنه
إياها قبل الدباغ ثم دبغها الراهن كانت خارجة من الرهن لأن عقدة رهنها كان وبيعها لا يحل، وإذا
156

وهب للرجل هبة أو تصدق عليه بصدقة غير محرمة فرهنها قبل أن يقبضها، ثم قبضها فهي خارجة
من الرهن لأنه رهنها قبل يتم له ملكها فإذا أحدث فيها رهنا بعد القبض جازت، قال: وإذا أوصى له
بعبد بعينه فمات الموصى فرهنه قبل أن تدفعه إليه الورثة فإن كان يخرج من الثلث فالرهن جائز لأنه
ليس للورثة منعه إياه إذا خرج من الثلث والقبض وغير القبض فيه سواء وللواهب والمتصدق منعه من
الصدقة ما لم يقبض وإذا ورث من رجل عبدا ولا وارث له غيره فرهنه فالرهن جائز لأنه مالك للعبد
بالميراث، وكذلك لو اشتراه فنقد ثمنه ثم رهنه قبل يقبضه، وإذا رهن الرجل مكاتبا له فعجز المكاتب
قبل الحكم بفسخ الراهن فالرهن مفسوخ لأني إنما أنظر إلى عقد الرهن لا إلى الحكم، وإن اشترى
الرجل عبدا على أنه بالخيار ثلاثا فرهنه فالرهن جائز وهو قطع لخياره، وإيجاب للبيع في العبد، وإذا
كان الخيار للبائع أو للبائع والمشترى فرهنه قبل مضى الثلاث وقبل اختيار البائع إنفاد البيع ثم مضت
الثلاث أو اختار المشترى إنفاذ البيع فالرهن مفسوخ لأنه انعقد وملكه على العبد غير تام ولو أن رجلين
ورثا رجلا ثلاثة أعبد فلم يقتسماهم حتى رهن أحدهما عبدا من العبيد الثلاثة أو عبدين، ثم قاسم
شريكه واستخلص منه العبد الذي رهن أو العبدين، كانت أنصافهما مرهونة له لأن ذلك الذي كان
يملك منهما وأنصافهما التي ملك بعد الرهن خارجة من الرهن إلا أن يجدد فيهما رهنا ولو استحق
صاحب وصية منهما شيئا خرج ما استحق منهما من الرهن وبقى ما لم يستحق من أنصافهما مرهونا (قال
الربيع) وفيه قول آخر أنه إذا رهن شيئا له بعضه ولغيره بعضه فالرهن كله مفسوخ لأن صفقة الرهن
جمعت شيئين ما يملك وما لا يملك فلما جمعتهما الصفقة بطلت كلها وكذلك في البيع (قال) وهذا
أشبه بجملة قول الشافعي ولو أن رجلا له أخ هو وارثه فمات أخوه فرهن داره وهو لا يعلم أنه مات ثم
قامت البينة بأنه كان ميتا قبل رهن الدار كان الرهن باطلا ولا يجوز الرهن حتى يرهنه وهو مالك له
ويعلم الراهن أنه مالك وكذلك لو قال قد وكلت بشراء هذا العبد فقد رهنتكه إن كان اشترى لي فوجد
قد اشترى له لم يكن رهنا، قال فإن ارتهن قد علم أنه قد صار له بميراث أو شراء قبل أن يرهنه أحلف
الراهن فإن حلف فسخ الرهن وإن نكل فحلف المرتهن على ما ادعى ثبت الرهن وكذلك لو رأى
شخصا لا يثبته فقال إن كان هذا فلانا فقد رهنتكه لم يكن رهنا وإن قبضه حتى يجدد له مع القبض أو
قبله أو بعده رهنا وهكذا إن رأى صندوقا فقال قد كانت فيه ثياب كذا، الثياب يعرفها الراهن والمرتهن
فإن كانت فيه فهي لك رهن فلا تكون رهنا وإن كانت فيه وكذلك لو كان الصندوق في يدي المرتهن
وديعة وفيه ثياب فقال قد كنت جعلت ثيابي التي كذا في هذا الصندوق فهي رهن وإن كانت فيه
ثياب غيرها أو ثياب معها فليس برهن فكانت فيه الثياب التي قال إنها رهن لا غيرها فليست برهن
وهكذا لو قال قد رهنتك ما في جرابي وأقبضه إياه والراهن لا يعرفه لم يكن رهنا وهكذا إن كان
الراهن يعرفه والمرتهن لا يعرفه ولا يكون الراهن أبدا إلا ما عرفه الراهن والمرتهن وعلم الراهن أنه ملك له
يحل بيعه ولا يجوز أن يرهنه ذكر حق له على رجل لأن ذكر الحق ليس بشئ يملك إنما هو شهادة على
رجل بشئ في ذمته والشئ الذي في ذمته ليس بعين قائمة يجوز رهنها إنما ترهن الأعيان القائمة ثم لا
يجوز حتى تكون معلومة عند الراهن والمرتهن مقبوضة ولو أن رجلا جاءته بضاعة أو ميراث كان غائبا عنه
لا يعرف قدره فقبضه له رجل بأمره أو بغير أمره ثم رهنه المالك القابض والمالك لا يعرف قدره لم يجز
الرهن وإن قبضه المرتهن حتى يكون عالما بما رهنه علم المرتهن. والله أعلم.
157

الزيادة في الرهن والشرط فيه
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا رهن رجل رجلا رهنا وقبضه المرتهن ثم أراد أن يرهن ذلك
الرهن من غير المرتهن أو فضل ذلك الرهن لم يكن ذلك له وإن فعل لم يجز الرهن الآخر لأن المرتهن
الأول صار يملك أن يمنع رقبته حتى تباع فيستوفى حقه ولو رهنه إياه بألف ثم سأل الراهن المرتهن أن
يزيده ألفا ويجعل الرهن الأول رهنا بها مع الألف الأولى ففعل لم يجز الرهن الآخر وكان مرهونا بالألف
الأولى وغير مرهون بالألف الآخرة لأنه كان رهنا بكماله بالألف الأولى فلم يستحق بالألف الآخرة من
منع رقبته على سيده ولا غرمائه إلا ما استحق أولا ولا يشبه هذا الرجل يتكارى المنزل سنة بعشرة ثم
يتكاراه السنة التي تليها بعشرين لأن السنة الأولى غير السنة الآخرة ولو انهدم بعد السنة الأولى رجع
بالعشرين التي هي حظ السنة الآخرة وهذا رهن واحد لا يجوز الرهنان فيه إلا معا لا مفترقين ولا أن
يرهن مرتين بشيئين مختلفين قبل أن يفسخ كما لا يجوز مرتين أن يتكارى الرجل دارا سنة بعشرة ثم
يتكاراها تلك السنة بعينها بعشرين إلا أن يفسخ الكراء الأول ولا يبتاعها بمائة ثم يبتاعها بمائتين إلا أن
يفسخ البيع الأول ويجدد بيعا فإن أراد أن يصح له الرهن الاخر مع الأول فسخ الرهن الأول وجعل
الرهن بألفين ولو لم يفسخ الرهن وأشهد المرتهن أن هذا الرهن بيده بألفين جازت الشهادة وكان الرهن
بألفين إذا لم يعرف كيف كان ذلك فإذا تصادقا بأن هذا رهن ثان بعد الرهن الأول لم يفسخ لما وصفت
وكان رهنا بالألف وكانت الألف الأخرى بغير رهن، ولو كانت لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بها
بعد شيئا جاز الرهن لأنها كانت غير واجبة عليه وكذلك لو زاده ألفا أخرى ورهنه بهما رهنا كان الرهن
جائزا ولو أعطاه ألفا ورهنه بها ثم قال له بعد الرهن اجعل لي الألف التي قبل هذا رهنا معها ففعل لم
يجز إلا بما وصفت من فسخ الرهن وتجديد رهن بهما معا ولو كانت لرجل على رجل ألف درهم بلا
رهن ثم قال له زدني ألفا على أن أرهنك بهما معا رهنا يعرفانه ففعل كان الرهن مفسوخا لأنه أسلفه
الآخرة على زيادة رهن في الأولى ولو كان قال بعني عبدا بألف على أن أعطيك بها وبالألف التي لك
على بلا رهن داري رهنا ففعل كان البيع مفسوخا وإذا شرط في الرهن هذا الشرط لم يجز لأنها زيادة
في سلف أو حصة من بيع مجهولة ولو أن رجلا ارتهن من رجل رهنا بألف وقبضه ثم زاده رهنا آخر مع
رهنه بتلك الألف كان الرهن الأول والآخر جائزا لأن الرهن الأول بكماله بالألف والرهن الآخر زيادة
معه، لم تكن للمرتهن حتى جعلها له الراهن فكان جائزا كما جاز أن يكون له حق بلا رهن ثم برهنه به
شيئا فيجوز.
باب ما يفسد الرهن من الشرط
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يروى عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه " الرهن مركوب
ومحلوب " وهذا لا يجوز فيه إلا أن يكون الركوب والحلب لمالكه الراهن لا للمرتهن لأنه إنما يملك
الركوب والحلب من ملك الرقبة والرقبة غير المنفعة التي هي الركوب والحلب وإذا رهن الرجل الرجل
عبدا أو دارا أو غير ذلك فسكنى الدار وإجارة العبد وخدمته للراهن وكذلك منافع الرهن للراهن ليس
للمرتهن منها شئ فإن شرط المرتهن على الراهن أن له سكنى الدار أو خدمة العبد أو منفعة الرهن أو
158

شيئا من منفعة الرهن ما كانت أو من أي الرهن كانت دارا أو حيوانا أو غيره فالشرط باطل وإن كان
أسلفه ألفا على أن يرهنه بها رهنا وشرط المرتهن لنفسه منفعة الرهن فالشرط باطل لأن ذلك زيادة في
السلف وإن كان باعه بيعا بألف وشرط البائع للمشترى أن يرهنه بألفه رهنا وأن للمرتهن منفعة الرهن
فالشرط فاسد والبيع فاسد لأن لزيادة منفعة الرهن حصة من الثمن غير معروفة والبيع لا يجوز إلا بما
يعرف، ألا ترى أنه لو رهنه دارا على أن للمرتهن سكناها حتى يقضيه حقه كان له أن يقضيه حقه من
الغد وبعد سنين ولا يعرف كم ثمن السكن وحصته من البيع وحصة البيع لا تجوز إلا معروفة مع فساده
من أنه بيع وإجارة ولو جعل ذلك معروفا فقال أرهنك داري سنة على أن لك سكناها في تلك السنة
كان البيع والرهن فاسدا من قبل أن هذا بيع وإجارة لا أعرف حصة الإجارة ألا ترى أن الإجارة لو
انتقضت بأن يستحق المسكن أو ينهدم فلو قلت تقوم السكنى وتقوم السلعة المبيعة بالألف فتطرح عنه
حصة السكنى من الألف واجعل الألف بيعا بهما ولا أجعل للمشترى خيارا دخل عليك أن شيئين ملكا
بألف فاستحق أحدهما فلم تجعل للمشترى خيارا في هذا الباقي وهو لم يشتره إلا مع غيره، أو لا ترى
أنك لو قلت بل أجعل له الخيار دخل عليك أن ينقص بيع الرقبة بأن يستحق معها كراء ليس هو ملك
رقبة؟ ألا ترى أن المسكن إذا انهدم في أول السنة فإن قومت كراء السنة في أولها لم يعرف قيمة كراء
آخرها لأنه قد يغلو ويرخص؟ وإنما يقوم كل شئ بسوق يومه ولا يقوم ما لم يكن له سوق معلوم؟ فإن
قلت بل أقوم كل وقت مضى وأترك ما بقي حتى يحضر فأقومه، قيل لك أفتجعل مال هذا محتبسا في
يد هذا إلى أجل وهو لم يؤجله؟ قال فإن شبه على أحد بأن يقول قد تجيز هذا في الكراء إذا كان منفردا
فيكترى منه المنزل سنة ثم ينهدم المنزل بعد شهر فيرده عليه بما بقي؟ قيل نعم ولكن حصة الشهر الذي
أخذه معروفة لأنا لا نقومه إلا بعد ما يعرف بأن يمضى وليس معها بيع وهي إجارة كلها، ولو رهن
رجل رجلا رهنا على أنه ليس للمرتهن بيعه عند محل الحق إلا بكذا، أو ليس له بيعه إلا بعد أن يبلغ
كذا أو يزيد عليه أو ليس له بيعه إن كان رب الرهن غائبا أو ليس له بيعه إلا أن يأذن له فلان أو يقدم
فلان، أو ليس له بيعه إلا بما رضى الراهن أو ليس له بيعه إن هلك الراهن قبل الأجل أو ليس له بيعه
بعد ما يحل الحق إلا بشهر كان هذا الرهن في هذا كله فاسدا لا يجوز، حتى لا يكون دون بيعه حائل
عند محل الحق (قال الشافعي) ولو رهنه عبدا على أن الحق إن حل والرهن مريض لم يبعه حتى يصح أو
أعجف لم يبعه حتى يسمن أو ما أشبه هذا كان الرهن في هذا كله مفسوخا ولو رهنه حائطا على أن ما
أثمر الحائط فهو داخل في الرهن أو أرضا على أن ما زرع في الأرض فهو داخل في الرهن أو ماشية على
أن ما نتجت فهو داخل في الرهن كان الرهن المعروف بعينه من الحائط والأرض والماشية رهنا، ولم
يدخل معه ثمر الحائط ولا زرع الأرض ولا نتاج الماشية إذا كان الرهن بحق واجب قبل الرهن (قال
الربيع) وفيه قول آخر إذا رهنه حائطا على أن ما أثمر الحائط فهو داخل في الرهن أو أرضا على أن ما
زرع في الأرض فهو داخل في الرهن فالرهن مفسوخ كله من قبل أنه رهنه ما يعرف وما لا يعرف وما
يكون وما لا يكون ولا إذا كان يعرف قدر ما يكون فلما كان هكذا كان الرهن مفسوخا (قال الربيع)
الفسخ أولى به (قال الشافعي) وهذا كرجل رهن دارا على أن يزيده معها دارا مثلها أو عبدا قيمته كذا
غير أن البيع إن وقع على شرط هذا الرهن فسخ الرهن وكان للبائع الخيار لأنه لم يتم له ما اشترط ولو
رهنه ماشية على أن لربها لبنها ونتاجها أو حائطا على أن لربه ثمره أو عبدا على أن لسيده خراجه أو دارا
على أن لمالكها كراءها كان الرهن جائزا لأن هذا لسيده وإن لم يشترطه (قال الشافعي) كل شرط
159

اشترطه المشترى على البائع هو للمشترى لو لم يشترطه كان الشرط جائزا كهذا الشرط وذلك أنه له لو لم
يشترطه.
جماع ما يجوز أن يكون مرهونا وما لا يجوز
(قال الشافعي) رحمه الله: الرهن المقبوض ممن يجوز رهنه ومن يجوز ارتهانه ثلاث أصناف
صحيح وآخر معلول وآخر فاسد فأما الصحيح منه فكل ما كان ملكه تاما لراهنه ولم يكن الرهن جنى
في عنق نفسه جناية ويكون المجني عليه أحق برقبته من مالكه حتى يستوفى ولم يكن الملك أوجب فيه
حقا لغير مالكه من رهن ولا إجارة ولا بيع ولا كتابة ولا جارية أولدها أو دبرها ولا حقا لغيره يكون
أحق به من سيده حتى تنقضي تلك المدة، فإذا رهن المالك هذا رجلا وقبضه المرتهن فهذا الرهن
الصحيح الذي لا علة فيه وأما المعلول فالرجل يملك العبد أو الأمة أو الدار فيجني العبد أو الأمة على
آدمي جناية عمدا أو خطأ أو يجنيان على مال آدمي فلا يقوم المجني عليه ولا ولى الجناية عليهما حتى
يرهنهما مالكيهما ويقبضها المرتهن فإذا ثبتت البينة على الجناية قبل الرهن أو أقر بها الراهن والمرتهن
فالرهن باطل مفسوخ وكذلك لو أبطل رب الجناية الجناية عن العبد أو الأمة أو صالحه سيدهما منهما على
شئ كان الرهن مفسوخا لأن ولى الجناية كان أولى بحق في رقابهما من مالكهما حتى يستوفى حقه في
رقابهما أرش جنايته أو قيمة ماله فإذا كان أولى بثمن رقابهما من مالكهما حتى يستوفى حقه في رقابهما لم
يجز لمالكهما رهنهما ولو كانت الجناية تسوى دينارا وهما يسويان ألوفا لم يكن ما فضل منهما رهنا وهذا أكثر
من أن يكون مالكهما رهنهما بشئ ثم رهنهما بعد الرهن بغيره فلا يجوز الرهن الثاني، لأنه يحول دون
بيعهما وإدخال حق على حق صاحبهما المرتهن الأول الذي هو أحق به مالكهما وسواء ارتهنهما المرتهن
بعد علمه بالجناية أو قبل علمه بها، أو قال أرتهن منك ما يفضل عن الجناية، أو لم يقله فلا يجوز
الرهن، وفى رقابهما جناية بحال وكذلك لا يجوز ارتهانهما وفى رقابهما رهن بحال ولا فضل من رهن
بحال ولو رهن رجل رجلا عبدا أو دارا بمائة فقضاه إياها إلا درهما ثم رهنها غيره لم تكن رهنا للآخر
لأن الدار والعبد قد ينقص ولا يدرى كم انتقاصه يقل أو يكثر، ولو رهن رجل رجلا عبدا أو أمة
فقبضهما المرتهن ثم أقر الراهن أنهما جنيا قبل الرهن جناية وادعى ذلك ولى الجناية ففيها قولان، أحدهما
أن القول للراهن لأنه يقر بحق في عنقه عبده ولا تبرأ ذمته من دين المرتهن وقيل يحلف المرتهن ما علم
الجناية قبل رهنه فإذا حلف وأنكر المرتهن أو لم يقر بالجناية قبل رهنه كان القول في إقرار الراهن بأن
عبده جنى قبل أن يرهنه واحدا من قولين أحدهما أن العبد رهن ولا يؤخذ من ماله شئ وإن كان موسرا
لأنه إنما أقر في شئ واحد بحقين لرجلين أحدهما من قبل الجناية والآخر من قبل الرهن وإذا فك من
الرهن وهو له فالجناية في رقبته بإقرار سيده إن كانت خطأ أو عمدا لا قصاص فيها وإن كانت عمدا
فيها قصاص لم يقبل قوله على العبد إذا لم يقر بها، والقول الثاني أنه إن كان موسرا أخذ من السيد
الأقل من قيمة العبد أو الجناية فدفع إلى المجني عليه لأنه يقر بأن في عنق عبده حقا أتلفه على المجني
عليه برهنه إياه وكان كمن أعتق عبده وقد جنى وهو موسر وقيل يضمن الأقل من قيمته أو الجناية وهو
رهن بحاله ولا يجوز أن يخرج من الرهن وهو غير مصدق على المرتهن وإنما أتلف على المجني عليه لا على
160

المرتهن وإن كان معسرا فهو رهن بحاله ومتى خرج من الرهن وهو في ملكه فالجناية في عنقه وإن خرج
من الرهن ببيع ففي ذمة سيده الأقل من قيمته أو الجناية ولو شهد شاهد على جنايتهما قبل الرهن والرهن
عبدان حلف ولى المجني عليه مع شاهده وكانت الجناية أولى بهما من الرهن حتى يستوفى المجني عليه
جنايته ثم يكون ما فضل من ثمنهما رهنا مكانهما ولو أراد الراهن أن يحلف لقد جنيا لم يكن ذلك له لأن
الحق بالجناية في رقابهما لغيره ولا يحلف على حق غيره ولو رهن رجل رجلا عبدا فلم يقبضه حتى أقر
بعتقه أو بجناية لرجل أو برهن فيه قبل الرهن فإقراره جائز لأن العبد لم يكن مرهونا تام الرهن إنما يتم
الرهن فيه إذا قبض ولو رهنه العبد وقبضه المرتهن ثم أقر الراهن بأنه أعتقه كان أكثر من إقراره بأنه جنى جناية
فإن كان موسرا أخذت منه قيمته فجعلت رهنا وإن كان معسرا وأنكر المرتهن بيع له منه بقدر حقه،
فإن فضل فضل عتق الفضل منه وإن برئ العبد من الرهن في ملك المقر بالعتق عتق وإن بيع فملكه
سيده بأي وجه ملكه عتق عليه لأنه مقر أنه حر ولو رهنه جارية وقبضها ثم أقر بوطئها قبل الرهن فإن لم
تأت بولد فهي رهن بحالها وكذلك لو قامت بينة على وطئه إياها قبل الرهن لم تخرج من الرهن حتى
تأتى بولد فإذا جاءت بولد وقد قامت البينة على إقراره بوطئه إياها قبل الرهن خرجت من الرهن وإن أقر
بوطئها قبل الرهن وجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم كان الرهن فهو ابنه وهي خارجة من الرهن
(قال الربيع) قال أبو يعقوب البويطي وكذلك عندي إن جاءت بولد لأكثر ما تلد له النساء وذلك
لأربع سنين ألحق به الولد وإن كان إقراره بالوطئ قبل الرهن قال الربيع: وهو قولي أيضا (قال
الشافعي) وإن جاءت بولد لستة أشهر من يوم كان الرهن أو أكثر فأقر الراهن بالوطئ كان كإقرار سيدها
بعتقها أو أضعف وهي رهن بحالها ولا تباع حتى تلد وولدها ولد حر بإقراره ومتى ملكها فهي أم ولد له
ولو لم يقر المرتهن في جميع المسائل ولم ينكر قيل إن أنكرت وحلفت جعلنا الرهن رهنك، وإن لم
تحلف أحلفنا الراهن، لكان ما قال قبل رهنك وأخرجنا الرهن من الرهن بالعتق والجارية بأنها أم ولد
له وكذلك إن أقر فيها بجناية فلم يحلف المرتهن على علمه كان المجني عليه أولى بها منه إذا حلف المجني
عليه أو وليه ولو اشترى أمة فرهنها وقبضت ثم قال هو أو البائع: إنك اشتريتها مني على شرط فذكر أنه
كان الشراء على ذلك الشرط فاسدا كان فيها قولان أحدهما أن الرهن مفسوخ لأنه لا يرهن إلا ما يملك
وهو لم يملك ما رهن وهكذا لو رهنها ثم أقر أنه غصبها من رجل أو باعه إياها قبل الرهن وعلى الراهن
اليمين بما ذكر للمرتهن وليس على المقر له يمين، والقول الثاني: أن الرهن جائز بحاله ولا يصدق على
إفساد الرهن. وفيما أقر به قولان أحدهما أن يغرم للذي أقر له بأنه غصبها منه قيمتها فإن رجعت إليه
دفعت إلى الذي أقر له بها إن شاء ويرد القيمة وكانت إذا رجعت إليه بيعا للذي أقر أنه باعها إياه
ومردودة على الذي أقر أنه اشتراها منه شراء فاسدا قال الربيع وهذا أصح القولين (قال الشافعي) ولو
رهن رجل رجلا عبدا أو أمة قد ارتدا عن الاسلام وأقبضهما المرتهن كان الرهن فيهما صحيحا ويستتابان
فإن تابا وإلا قتلا على الردة وهكذا لو كانا قطعا الطريق قتلا إن قتلا وهكذا لو كانا سرقا قطعا وهكذا لو
كان عليهما حد أقيم وهما على الرهن، في هذا كله لا يختلفان سقط عنهما الحد أو عطل بحال لأن هذا
حق لله تعالى عليهما ليس بحق لآدمي في رقابهم وهكذا لو أتيا شيئا مما ذكرت بعد الرهن لم يخرجا من
الرهن بحال ولو رهنهما وقد جنيا جناية كان صاحب الجناية أولى بهما من السيد الراهن فإن أعفاهما أو
فداهما سيدهما أو كانت الجناية قليلة فبيع فيها أحدهما فليس برهن من قبل أن صاحب الجناية كان أحق
بهما من المرتهن حين كان الرهن ولو كانا رهنا وقبضا ثم جنيا بعد الرهن ثم برئا من الجناية بعفو من المجني
161

عليه أو وليه أو صلح أو أي وجه برئا من البيع فيهما كانا على الرهن بحالهما لأن أصل الرهن كان صحيحا
وأن الحق في رقابهما قد سقط عنهما، ولو أن رجلا دبر عبده ثم رهنه كان الرهن مفسوخا لأنه قد أثبت
للعبد عتقا قد يقع بحال قبل حلول الرهن فلا يسقط العتق والرهن غير جائز فإن قال قد رجعت في
التدبير أو أبطلت التدبير ثم رهنه ففيها قولان أحدهما أن يكون الرهن جائزا وكذلك لو قال بعد الرهن قد
رجعت في التدبير قبل أن أرهنه كان الرهن جائزا ولو قال بعد الرهن قد رجعت في التدبير وأثبت
الرهن لم يثبت إلا بأن يجدد رهنا بعد الرجوع في التدبير والقول الثاني أن الرهن غير جائز وليس له أن
يرجع في التدبير إلا بأن يخرج العبد من ملكه ببيع أو غيره فيبطل التدبير وإن ملكه ثانية فرهنه، جاز
رهنه لأنه ملكه بغير الملك الأول ويكون هذا كعتق إلى غاية لا يبطل إلا بأن يخرج العبد من ملكه قبل
أن يقع وهكذا المعتق إلى وقت من الأوقات ولو قال إن دخلت الدار فأنت حر ثم رهنه كان هكذا ولو
كان رهنه عبدا ثم دبره بعد الرهن كان التدبير موقوفا حتى يحل الحق ثم يقال إن أردت إثبات التدبير
فاقض الرجل حقه أو أعطه قيمة العبد المدبر قضاء من حقه وإن لم ترده فارجع في التدبير بأن تبيعه
فإن أثبت الرجوع في التدبير بعد محل الحق أخذنا ملك قيمته فدفعناها إليه فإن لم نجدها بيع العبد المدبر
حتى يقضى الرجل حقه وإنما يمنعني أن آخذ القيمة منه قبل محل الحق أن الحق كان إلى أجل لو كان
العبد سالما من التدبير لم يكن للمرتهن بيعه ولم يكن التدبير عتقا واقعا ساعته تلك وكان يمكن أن يبطل
فتركت أخذ القيمة منه حتى يحل الحق فيكون الحكم حينئذ ولو رهن رجل عبده ثم دبره ثم مات
الراهن المدبر فإن كان له وفاء يقضى صاحب الحق حقه منه عتق المدبر من الثلث وإن لم يكن له ما
يقضى حقه منه ولم يدع مالا إلا المدبر بيع من المدبر بقدر الحق فإن فضل منه فضل عتق ثلث ما بقي
من المدبر بعد قضاء صاحب الحق حقه وإن كان له ما يقضى صاحب الحق بعض حقه قضيته وبيع له
من العبد الرهن المدبر بقدر ما يبقى من دينه وعتق ما يبقى منه في الثلث (قال الشافعي) ولو رهن رجل
رجلا عبدا له قد أعتقه إلى سنة أو أكثر من سنة كان الرهن مفسوخا للعتق الذي فيه وهذا في حال
المدبر أو أكثر حالا منه لا يجوز الرهن فيه بحال، ولو رهنه ثم أعتقه إلى سنة أو أكثر من سنة كان القول
فيه كالقول في العبد يرهنه ثم يدبره، وإذا رهنه عبدا اشتراه شراء فاسدا فالرهن باطل لأنه لم يملك ما
رهنه، ولو لم يرفع الراهن الحكم إلى الحاكم حتى يملك العبد بعد فأراد إقراره على الرهن الأول لم
يكن ذلك لهما حتى يجددا فيه رهنا مستقبلا بعد الملك الصحيح ولو أن رجلا رهن رجلا عبدا لرجل
غائب حي أو لرجل ميت وقبضه المرتهن ثم علم بعد ذلك أن الميت أوصى به للراهن فالرهن مفسوخ
لأنه رهنه ولا يملكه ولو قبله الراهن كان الرهن مفسوخا لا يجوز حتى يرهنه وهو يملكه ولو لم تقم بينة
وادعى المرتهن أن الراهن رهنه إياه وهو يملكه كان رهنا وعلى المرتهن اليمين ما رهنه منه إلا وهو يملكه فإن
نكل عن اليمين حلف الراهن ما رهنه وهو يملكه ثم كان الرهن مفسوخا ولو رهن رجل رجلا عصيرا
حلوا كان الرهن جائزا ما بقي عصيرا بحاله فإن حال إلى أن يكون خلا أو مزا أو شيئا لا يسكر كثيره
فالرهن بحاله وهذا كعبد رهنه ثم دخله عيب أو رهنه معيبا فذهب عنه العيب أو مريضا فصح فالرهن
بحاله لا يتغير بتغير حاله لأن بدن الرهن بعينه وإن حال إلى أن يصير مسكرا لا يحل بيعه فالرهن مفسوخ
لأنه حالي إلى أن يصير حراما لا يصح بيعه كهو لو رهنه عبدا فمات العبد ولو رهنه عصيرا فصب فيه
الراهن خلا أو ملحا أو ماء فصار خلا كان رهنا بحاله ولو صار خمرا ثم صب فيه الراهن خلا أو ملحا أو
ماء فصار خلا خرج من الرهن حين صار خمرا ولم يحل لمالكه ولا تحل الخمر عندي والله تعالى أعلم
162

أبدا إذا فسدت بعمل آدمي فإن صار العصير خمرا ثم صار خلا من غير صنعة آدمي فهو رهن بحاله ولا
أحسبه يعود خمرا ثم يعود خلا بغير صنعة آدمي إلا بأن يكون في الأصل خلا فلا ينظر إلى تصرفه فيما
بين أن كان عصيرا إلى أن كان خلا ويكون انقلابه عن الحلاوة والحموضة منزلة انقلب عنها كما أنقلب
عن الحلاوة الأولى إلى غيرها ثم يكون حكمه حكم مصيره إذا كان بغير صنعة آدمي ولو تبايعا الراهن
والمرتهن على أن يرهنه عصيرا بعينه فرهنه إياه وقبضه ثم صار في يديه خمرا خرج من أن يكون رهنا ولم
يكن للبائع أن يفسخ البيع لفساد الرهن كما لو رهنه عبدا فمات لم يكن له أن يفسخه بموت العبد ولو
تبايعا على أن يرهنه هذا العصير فرهنه إياه، فإذا هو من ساعته خمر كان له الخيار لأنه لم يتم له الرهن
ولو اختلفا في العصير فقال الراهن رهنتكه عصيرا ثم عاد في يديك خمرا، وقال المرتهن بل رهنتنيه
خمرا ففيها قولان أحدهما أن القول قول الراهن لأن هذا يحدث كما لو باعه عبدا فوجد به عيبا يحدث
مثله فقال المشترى بعتنيه وبه العيب، وقال البائع حدث عندك كان القول قوله مع يمينه ومن قال هذا
القول قال يهراق الخمر ولا رهن له والبيع لازم، والقول الثاني أن القول قول المرتهن لأنه لم يقر له أنه
قبض منه شيئا يحل ارتهانه بحال لأن الخمر محرم بكل حال وليس هذا كالعيب الذي يحل ملك العبد
وهو به والمرتهن بالخيار في أن يكون حقه ثابتا بلا رهن أو يفسخ البيع وإذا رهن الرجل الرجل الرهن
على أن ينتفع المرتهن بالرهن إن كانت دارا سكنها أو دابة ركبها فالشرط في الرهن باطل ولو كان اشترى
منه على هذا فالبائع بالخيار في فسخ البيع أو إقراره بالرهن ولا شرط له فيه ولا يفسد هذا الرهن إن
شاء المرتهن لأنه شرط زيادة مع الرهن بطلت لا الرهن (قال الربيع) وفيها قول آخر أن البيع إذا كان
على هذا الشرط فالبيع منتقض بكل حال وهو أصحهما (قال الشافعي) ولا بأس أن يرهن الرجل
الرجل الأمة ولها ولد صغير لأن هذا ليس بتفرقة منه.
الرهن الفاسد
(قال الشافعي) رحمه الله: والرهن الفاسد أن يرتهن الرجل من الرجل مكاتبه قبل أن يعجز ولو
عجز لم يكن على الرهن حتى يجدد له رهنا يقبضه بعد عجزه ولو ارتهن منه أم ولده كان الرهن فاسدا
في قول من لا يبيع أم الولد أو يرتهن من الرجل ما لا يحل له بيعه مثل الخمر والميتة والخنزير أو يرتهن
منه ما لا يملك فيقول أرهنك هذه الدار التي أنا فيها ساكن ويقبضه إياها، أو هذا العبد الذي هو في
يدي عارية أو بإجارة ويقبضه إياه على أني اشتريته ثم يشتريه فلا يكون رهنا ولا يكون شئ رهنا حتى
ينعقد الرهن والقبض فيه والراهن مالك لا يجوز بيعه قبل الرهن وبيعه معه ولو عقد الرهن وهو لا يجوز
له رهنه ثم أقبضه إياه وهو يجوز رهنه لم يكن رهنا حتى يجتمع الأمران معا، وذلك مثل أن يرهنه الدار
وهي رهن ثم ينفسخ الرهن فيها فيقبضه إياها وهي خارجة من الرهن الأول فلا يجوز الرهن فيها حتى
يحدث له رهنا يقبضها به وهي خارجة من أن تكون رهنا لرجل أو ملكا لغير الراهن ولا يجوز أن يرهن
رجل رجلا ذكر حق له على رجل، قبل ذلك الذي عليه، ذكر الحق أو لم يقبله لأن إذكار الحقوق
ليست بعين قائمة للراهن فيرهنها المرتهن وإنما هي شهادة بحق في ذمة الذي عليه الحق فالشهادة ليست
ملكا والذمة بعينها ليست ملكا فلا يجوز والله تعالى أعلم أن يجوز الرهن فيها في قول من أجاز بيع الدين
163

ومن لم يجزه أرأيت إن قضى الذي عليه ذكر الحق المرهون صاحب الحق حقه أما يبرأ من الدين؟ فإذا
برئ منه انفسخ المرتهن للدين بغير فسخه له ولا اقتضائه لحقه ولا إبرائه منه ولا يجوز أن يكون رهن إلى
الراهن فسخه بغير أمر المرتهن فإن قيل فيتحول رهنه فما اقتضى منه قيل فهو إذا رهنه مرة كتابا ومالا
والرهن لا يجوز إلا معلوما وهو إذا كان له مال غائب فقال أرهنك مالي الغائب لم يجز حتى يقبض والمال
كان غير مقبوض حين رهنه إياه وهو فاسد من جميع جهاته ولو ارتهن رجل من رجل عبدا وقبضه ثم
إن المرتهن رهن رجلا أجنبيا العبد الذي ارتهن أو قال حقي في العبد الذي ارتهنت لك رهن وأقبضه
إياه لم يجز الرهن فيه، لأنه لا يملك العبد الذي ارتهن وإنما له شئ في ذمة مالكه جعل هذا الرهن وثيقة منه
إذا أداه المالك انفسخ من عنق هذا، أو رأيت إن أدى الراهن الأول الحق أو أبرأه منه المرتهن أما
ينفسخ الرهن؟ (قال) فإن قال قائل فيكون الحق الذي كان فيه رهنا إذا قبضه مكانه، قيل فهذا إذا
مع أنه رهن عبدا لا يملكه رهن مرة في عبد وأخرى في دنانير بلا رضا المرتهن الآخر أرأيت لو رهن
رجل رجلا عبدا لنفسه ثم أراد أن يعطى المرتهن مكان العبد خيرا منه وأكثر ثمنا أكان ذلك له؟ فإن
قال ليس هذا له فإذا كان هذا هكذا لم يجز أن يرهن عبدا لغيره وإن كان رهنا له لأنه إذا اقتضاه ما فيه
خرج من الرهن وإن لم يقبض ارتهنه ماله فيه وإن قال رجل لرجل قد رهنتك أول عبد لي يطلع على
أو على عبد وجدته في داري فطلع عليه عبد له أو وجد عبدا في داره فأقبضه إياه فالرهن مفسوخ لا
يجوز الرهن حتى ينعقد على شئ بعينه وكذلك ما خرج من صدفي من اللؤلؤ وكذلك ما خرج من
حائطي من الثمر وهو لا ثمر فيه، فالرهن في هذا كله مفسوخ حتى يجدد له رهنا بعدما يكون عينا
تقبض ولو قال رهنتك أي دوري شئت أو أي عبيدي شئت فشاء بعضهم وأقبضه إياه لم يكن رهنا
بالقول الأول حتى يجدد فيه رهنا ولو رهن رجل رجلا سكنى دار له معروفة وأقبضه إياها لم يكن رهنا
لأن السكنى ليست بعين قائمة محتبسة وأنه لو حبس المسكن لم يكن فيه منفعة للحابس وكان فيه ضرر
على الرهن ولو قال رهنتك سكنى منزلي يعنى يكريه ويأخذ كراءه كان إنما رهنه شيئا لا يعرفه يقل
ويكثر ويكون ولا يكون ولو قال أرهنك سكنى منزلي يعنى يسكنه لم يكن هذا كراء جائزا ولا رهنا لأن
الرهن ما لم ينتفع المرتهن منه إلا بثمنه فإن سكن على هذا الشرط فعليه كراء مثل السكنى الذي سكن
ولو كان لرجل عبد فرهنه من رجل ثم قال لرجل آخر قد رهنتك من عبدي الذي رهنت فلانا ما فضل
عن حقه ورضى بذلك المرتهن الأول وسلم العبد فقبضه المرتهن الآخر أو لم يرض وقد قبض المرتهن
الآخر الرهن أو لم يقبضه فالرهن منتقض لأنه لم يرهنه ثلثا ولا ربعا ولا جزءا معلوما من عبد وإنما رهنه
ما لا يدرى كم هو من العبد ولا كم هو من الثمن ولا يجوز الرهن على هذا وهو رهن للمرتهن الأول ولو
رهن رجل رجلا عبدا بمائة ثم زاده مائة وقال اجعل لي الفضل عن المائة الأولى رهنا بالمائة الآخرة
ففعل كان العبد مرهونا بالمائة الأولى ولا يكون مرهونا بالمائة الأخرى وهي كالمسألة قبلها ولو أقر الراهن
أن العبد ارتهن بالمائتين معا في صفقة واحدة وادعى ذلك المرتهن أو أن هذين الرجلين ارتهنا العبد معا
بحقيهما وسمياه وادعيا ذلك معا أجزت ذلك فإذا أقر بأنه رهنه رهنا بعد رهن لم يقبل ولم يجز الرهن قال
ولو كانت لرجل على رجل مائة فرهنه بها دارا ثم سأله أن يزيده رهنا فزاده رهنا غير الدار وأقبضه إياه
فالرهن جائز وهذا كرجل كان له على رجل حتى بلا رهن ثم رهنه به رهنا وأقبضه إياه فالرهن جائز وهو
خلاف المسألتين قبلها ولو أن رجلا رهن رجلا دارا بألف فأقر المرتهن لرجل غيره أن هذا الدار رهن
بينه وبينه بألفين هذه الألف وألف سواها فأقر الراهن بألف لهذا المدعى الرهن المقر له المرتهن بلا رهن
164

وأنكر الراهن فالقول قول رب الرهن والألف التي لم يقر فيها بالرهن عليه بلا رهن في هذا الرهن
والأولى بالرهن الذي أقر به ولو كان المرتهن أقر أن هذه الدار بينه وبين رجل ونسب ذلك إلى أن الألف
التي باسمه بينه وبين الذي أقر له لزمه إقراره وكانت الألف بينهما نصفين وهو كرجل له على رجل حق
فأقر أن ذلك الحق لرجل غيره فذلك الحق لرجل غيره على ما أقر به ولو دفع رجل إلى رجل حقا فقال
قد رهنتكه بما فيه وقبضه المرتهن ورضى كان الرهن بما فيه إن كان فيه شئ منفسخا من قبل أن المرتهن
لا يدرى ما فيه أرأيت لو لم يكن فيه شئ أو كان فيه شئ لا قيمة له فقال المرتهن: قبلته وأنا أرى أن
فيه شيئا ذا ثمن ألم يكن ارتهن ما لم يعلم والرهن لا يجوز إلا معلوما وكذلك جراب بما فيه وخريطة بما فيها
وبيت بما فيه من المتاع ولو رهنه في هذا كله الحق دون ما فيه أو قال الحق ولم يسم شيئا كان الحق رهنا
وكذلك البيت دون ما فيه وكذلك كل ما سمى دون ما فيه وكان المرتهن بالخيار في فسخ الرهن والبيع
إن كان عليه أو ارتهان الحق دون ما فيه وهذا في أحد القولين والقول الثاني ان البيع إن كان عليه
مفسوخ بكل حال فأما الخريطة فلا يجوز الرهن فيها إلا بان يقول دون ما فيها لأن الظاهر من الحق
والبيت أن لهما قيمة والظاهر من الخريطة أن لا قيمة لها وإنما يراد بالرهن ما فيها قال ولو رهن رجل من
رجل نخلا مثمرا ولم يسم الثمر فالثمر خارج من الرهن كان طلعا أو بسرا أو كيف كان فإن كان قد خرج
طلعا كان أو غيره فاشترطه المرتهن مع النخل فهو جائز وهو رهن مع النخل لأنه عين ترى وكذلك لو
ارتهن الثمر بعدما خرج ورؤى جاز الرهن وله تركه في نخله حتى يبلغ وعلى الراهن سقيه والقيام بما لا بد
له منه مما لا يثبت إلا به ويصلح في شجره إلا به كما يكون عليه نفقة عبده إذا رهنه ولو رهن رجل
رجلا نخلا لا ثمرة فيها على أن ما خرج من ثمرها رهن أو ماشية لا نتاج معها على أن ما نتجت رهن
كان الرهن في الثمرة والنتاج فاسدا لأنه ارتهن شيئا معلوما وشيئا مجهولا ومن أجاز هذا في الثمرة لزمه والله
أعلم أن يجيز أن يرهن الرجل الرجل ما أخرجت نخله العام وما نتجت ماشيته العام ولزمه أن يقول
أرهنك ما حدث لي من نخل أو ماشية أو ثمرة نخل أو أولاد ماشية وكل هذا لا يجوز فإن ارتهنه على هذا
فالرهن فاسد وإن أخذ من الثمرة شيئا فهو مضمون عليه حتى يرد مثله وكذلك ولد الماشية أو قيمته إن لم
يكن له مثل ولا يفسد الرهن في النخل والماشية التي هي بأعيانها بفساد ما شرط معها في قول من أجاز
أن يرهنه عبدين فيجد أحدهما حرا أو عبدا أو زق خمر فيجيز الجائز ويرد المردود معه وفيها قول آخر أن
الرهن كله يفسد في هذا كما يفسد في البيوع لا يختلف فإذا جمعت صفقة الرهن شيئين أحدهما جائز
والآخر غير جائر فسدا معا وبه أخذ الربيع وقال هو أصح القولين (قال الشافعي) وإذا رهن الرجل
رجلا كلبا لم يجز لأنه لا ثمن له وكذلك كل ما لا يحل بيعه لا يجوز رهنه ولو رهنه جلود ميتة لم تدبغ لم
يجز الرهن ولو دبغت بعد لم يجز فإن رهنه إياها بعد ما دبغت جاز الرهن لأن بيعها في تلك الحال يحل
ولو ورث رجل مع ورثة غيب دارا فرهن حقه فيها لم يجز حتى يسميه نصفا أو ثلثا أو سهما من أسهم
فإذا سمى ذلك وقبضه المرتهن جاز وإذا رهن الرجل الرجل شيئا على أنه إن لم يأت بالحق عند محله
فالرهن بيع للمرتهن فالرهن مفسوخ والمرتهن فيه أسوة الغرماء ولا يكون بيعا له بما قال لأن هذا لا رهن
ولا بيع كما يجوز الرهن أو البيع ولو هلك في يدي المرتهن قبل محل الأجل لم يضمنه المرتهن وكان حقه
بحاله كما لا يضمن الرهن الصحيح ولا الفاسد وإن هلك بعد محل الأجل في يديه ضمنه بقيمته وكانت
قيمته حصصا بين أهل الحق لأنه في يديه ببيع فاسد ولو كان هذا الرهن الذي فيه هذا الشرط أرضا
فبنى فيها قبل محل الحق قلع بناءه منها لأنه بنى قبل أن يجعله بيعا فكان بانيا قبل أن يؤذن له بالبناء
165

فلذلك قلعه ولو بناها بعد محل الحق فالبقعة لراهنها والعمارة للذي عمر متى أعطى صاحب البقعة قيمة
العمارة قائمة أخرجه منها وليس له أن يخرجه بغير قيمة العمارة لأن بناءه كان بإذنه على البيع الفاسد ولا
يخرج من بنائه بإذن رب البقعة إلا بقيمته قائما وإذا دفع الرجل إلى الرجل المتاع ثم قال كل ما
اشتريت منك أو اشترى منك فلان في يومين أو سنتين أو أكثر أو على الأبد فهذا المتاع مرهون به فالرهن
مفسوخ ولا يجوز الرهن حتى يكون معلوما بحق معلوم وكذلك لو دفعه إليه رهنا بعشرة عن نفسه أو غيره
ثم قال كل ما كان لك على من حق فهذا المتاع مرهون به مع العشرة أو كل ما صار لك على من حق
فهذا مرهون لك به كان رهنا بالعشرة المعلومة التي قبض عليها ولم يكن مرهونا بما صار له عليه وعلى
فلان لأنه كان غير معلوم حين دفع الرهن به فإن هلك المتاع في يدي المدفوع في يديه قبل أن يشترى
منه شيئا أو يكون له على فلان شئ أو بعد فهو غير مضمون عليه كما لا يضمن الرهن الصحيح ولا
الفاسد إذا هلك ولو أنه دفع إليه دارا رهنها بألف ثم ازداد منه ألفا فجعل الدار رهنا بألفين كانت الدار
رهنا بالألف الأولى ولم تكن رهنا بالألف الآخرة وإن كان عليه دين بيعت الدار فبدى المرتهن بالألف
الأولى من ثمن الدار وحاص الغرماء بالألف الآخرة في ثمن الدار وفى مال إن كان للغريم سواها فإذا
أراد أن يصح له أن تكون الدار رهنا بألفين فسخ الرهن الأول ثم استأنف أن تكون مرهونة بألفين ولو
رهنه إياها بألف ثم تقارا على أنها رهن بألفين ألزمتهما إقرارهما لأن الرهن الأول مفسوخ وتجدد فيها رهن
صحيح بألفين وإذا كان الاقرار (1) ألزمته صاحبه قال وإذا رهن الرجل الرجل ما يفسد من يومه أو
غده أو بعد يومين أو ثلاثة أو مدة قصيرة ولا ينتفع به يابسا مثل البقل والبطيخ والقثاء والموز وما أشبهه
فإن كان الحق حالا فلا بأس بارتهانه ويباع على الراهن وإن كان الرهن إلى أجل يتباقى إليه فلا يفسد
فلا بأس وإن كان إلى أجل يفسد إليه الرهن كرهته ولم أفسخه وإنما منعني من فسخه أن للراهن بيعه
قبل محل الحق على أن يعطى صاحب الحق حقه بلا شرط وإن الراهن قد يموت من ساعته فيباع فإن
تشارطا في الرهن أن لا يبيعه إلى أن يحل الحق أو أن الراهن إن مات لم يبعه إلى يوم كذا وهو يفسد إلى
تلك المدة فالرهن مفسوخ ولو رهنه ما يصلح بعد مدة مثل اللحم الرطب ييبس والرطب ييبس وما
أشبهه كان الرهن جائزا لا أكرهه بحال ولم يكن للمرتهن تيبيسه حتى يأذن بذلك الراهن فإن سأل
المرتهن في المسائل كلها بيع الرهن خوف فساده إذا لم يأذن للمرتهن بتيبيس ما يصلح للتيبيس منه لم
يكن ذلك له إلا أن يأذن الراهن وكذلك كرهت رهنه وإن لم أفسخه.
زيادة الرهن
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا رهن الرجل الرجل الجارية حبلى فولدت أو غير حبلى فحبلت
وولدت فالولد خارج من الرهن لأن الرهن في رقبة الجارية دون ما يحدث منها وهكذا إذا رهنه الماشية
مخاضا فنتجت أو غير مخاض فمخضت ونتجت فالنتاج خارج من الرهن وكذلك لو رهنه شاة فيها لبن
فاللبن خارج من الرهن لأن اللبن غير لشاة (قال الربيع) وقد قيل اللبن إذا كان فيها حين رهنها فهو

(1) قوله: وإذا كان الاقرار ألزمته الخ كذا بالأصول التي بأيدينا وفيها سقط لا يخفى ولعل الأصل " وإذا كان
الاقرار من أحدهما ألزمته الخ " وحرر اه‍.
166

رهن معها كما يكون إذا باعها كان اللبن لمشتريها وكذلك نتاج الماشية إذا كانت مخاضا وولد الجارية إذا
كانت حبلى يوم يرهنها فما حدث بعد ذلك من اللبن فليس برهن (قال الشافعي) ولو رهنه جارية عليها
حلى كان الحلى خارجا من الرهن وهكذا لو رهنه نخلا أو شجرا فأثمرت كانت الثمرة خارجة من الرهن
لأنها غير الشجرة قال وأصل معرفة هذا أن للمرتهن حقا في رقبة الرهن دون غيره وما يحدث منه مما قد
يتميز منه غيره وهكذا لو رهنه عبدا فاكتسب العبد كان الكسب خارجا من الرهن لأنه غير العبد
والولاد والنتاج واللبن وكسب الرهن كله للراهن ليس للمرتهن أن يحبس شيئا عنه وإذا رهن الرجل
الرجل عبدا فدفعه إليه فهو على يديه رهن ولا يمنع سيده من أن يؤجره ممن شاء فإن شاء المرتهن أن
يحضر إجارته حضرها وإن أراد سيده أن يخدمه خلى بينه وبينه فإذا كان الليل أوى إلى الذي هو على
يديه وإن أراد سيده إخراجه من البلد لم يكن له إخراجه إلا بإذن المرتهن وهكذا إن أراد المرتهن
إخراجه من البلد لم يكن له إخراجه منه وإذا مرض العبد أخذ الراهن بنفقته وإذا مات أخذ بكفنه لأنه
مالكه دون المرتهن وأكره رهن الأمة إلا أن توضع على يدي امرأة ثقة لئلا يغب (2) عليها رجل غير
مالكها ولا أفسخ رهنها إن رهنها فإن كان للرجل الموضوعة على يديه أهل أقررتها عندهم وإن لم يكن
عنده نساء وسأل الراهن أن لا يخلو الذي هي على يديه بها أقررتها رهنا ومنعت الرجل غير سيدها
المغب عليها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلو الرجل بامرأة وقلت تراضيا بامرأة تغيب
عليها وإن أراد سيدها أخذها لتخدمه لم يكن له ذلك لئلا يخلو بها خوف أن يحبلها فإن لم يرد ذلك
الراهن فيتواضعانها على يدي امرأة بحال وإن لم يفعلا جبرا على ذلك ولو شرط السيد للمرتهن أن تكون
على يديه أو يد رجل غيره ولا أهل لواحد منهما ثم سأل إخراجها أخرجتها إلى امرأة ثقة ولم أجز أبدا أن
يخلو بها رجل غير مالكها وعلى سيد الأمة نفقتها حية وكفنها ميتة وهكذا إن رهنه دابة تعلف فعليه
علفها وتأوى إلى المرتهن أو إلى الذي وضعت على يديه ولا يمنع مالك الدابة من كرائها وركوبها وإذا
كان في الرهن در ومركب فللراهن حلب الرهن وركوبه (أخبرنا) سفيان عن الأعمش عن أبي صالح
عن أبي هريرة قال الرهن مركوب ومحلوب (قال الشافعي) يشبه قول أبي هريرة والله تعالى أعلم أن من
رهن ذات در وظهر لم يمنع الراهن درها وظهرها لأن له رقبتها وهي محلوبة ومركوبة كما كانت قبل الرهن
ولا يمنع الراهن برهنه إياها من الدر والظهر الذي ليس هو الرهن بالرهن الذي هو غير الدر والظهر
وهكذا إذا رهنه ماشية راعية فعلى ربها رعيها وله حلبها ونتاجها وتأوى إلى المرتهن أو الموضوعة على يديه
وإذا رهنه ماشية وهو في بادية فأجدب موضعها وأراد المرتهن حبسها فليس ذلك له ويقال له إن
رضيت أن ينتجع بها ربها وإلا جبرت أن تضعها على يدي عدل ينتجع بها إذا طلب ذلك ربها وإذا
أراد رب الماشية النجعة من غير جدب والمرتهن المقام قيل لرب الماشية ليس لك إخراجها من البلد
الذي رهنتها به إلا من ضرر عليها ولا ضرر عليه فوكل برسلها من شئت وإن أراد المرتهن النجعة من غير
جدب قيل له ليس لك تحويلها من البلد الذي ارتهنتها به وبحضرة مالكها إلا من ضرورة فتراضيا من
شئتما ممن يقيم في الدار ما كانت غير مجدبة فإن لم يفعلا جبرا على رجل تأوى إليه وإن كانت الأرض
التي رهنها بها غير مجدبة وغيرها أخصب منها لم يجبر واحد منهما على نقلها منها فإن أجدبت فاختلفت
نجعتهما إلى بلدين مشتبهين في الخصب فسأل رب الماشية أن تكون معه وسأل المرتهن أن تكون معه قيل
إن اجتمعتما معا ببلد فهي مع المرتهن أو الموضوعة على يديه وإن اختلفت داركما فاختلفتما جبرتما على
عدل تكون على يديه في البلد الذي ينتجع إليه رب الماشية لينتفع برسلها وأيهما دعا إلى بلد فيه عليها
ضرر لم يجب عليه الحق الراهن في رقابها ورسلها وحق المرتهن في رقابها وإذا رهنه ماشية عليها صوف

(2) قوله: لئلا يغب وكذا قوله بعد " المغب " وقوله " تغب عليها " كذا بالأصول بغين معجمة فرسم باء أو ياء
بدون نقط والمناسب للمعنى واللغة " المغب " بباء موحدة مشددة من " أغب " علينا أتى مرة بعد أخرى. وحرر اه‍
مصححه.
167

أو شعر أو وبر فإن أراد الراهن ان يجزه فذلك له لأن صوفها وشعرها ووبرها غيرها كاللبن والنتاج وسواء
كان الدين حالا أو لم يكن أو قام المرتهن ببيعه أو لم يقم كما يكون ذلك سواء في اللبن (قال الربيع) وقد
قيل إن صوفها إذا كان عليها يوم رهنها فهو رهن معها ويجز ويكون معها مرهونا لئلا يختلط به ما يحدث
من الصوف لأن ما يحدث للراهن (قال الشافعي) وإذا رهنه دابة أو ماشية فأراد أن ينزى عليها وأبى ذلك
المرتهن فليس ذلك للمرتهن فإن كان رهنه منها ذكرانا فأراد أن ينزيها فله أن ينزيها لأن إنزاءها من منفعتها ولا
نقص فيه عليها وهو يملك منافعها وإذا كان فيها ما يركب ويكرى لم يمنع ان يكريه ويعلفه وإذا رهنه عبدا
فأراد الراهن أن يزوجه أو أمة فأراد ان يزوجها فليس ذلك له لأن ثمن العبد أو الأمة ينتقص بالتزويج ويكون
مفسدة لها بينة وعهدة فيها وكذلك العبد ولو رهنه عبدا أو أمة صغيرين لم يمنع أن يعذرهما
لأن ذلك سنة فيهما وهو صلاحهما وزيادة في أثمانهما وكذلك لو عرض لهما ما يحتاجان فيه إلى فتح
العروق وشرب الدواء أو عرض للدواب ما تحتاج به إلى علاج البياطرة من توديج وتبزيغ وتعريب وما
أشبهه لم يمنعه وإن امتنع الراهن أن يعالجها بدواء أو غيره لم يجبر عليه فإن قال المرتهن أنا أعالجها وأحسبه
على الراهن فليس ذلك له وهكذا إن كانت ماشية فجربت لم يكن للمرتهن أن يمنع الراهن من
علاجها ولم يجبر الراهن على علاجها وما كان من علاجها ينفع ولا يضر مثل أن يملحها أو يدهنها في
غير الحر بالزيت أو يمسحها بالقطران مسحا خفيفا أو يسعط الجارية أو الغلام أو يمرخ قدميه أو يطعمه
سويقا قفارا أو ما أشبه هذا فتطوع المرتهن بعلاجها به لم يمنع منه ولم يرجع على الراهن به وما كان من
علاجها ينفع أو يضر مثل فتح العروق وشرب الأدوية الكبار التي قد تقتل فليس للمرتهن علاج العبد
ولا الدابة وإن فعل وعطبت ضمن إلا أن يأذن السيد له به وإذا كان الرهن أرضا لم يمنع الراهن من أن
يزرعها الزرع الذي يقلع قبل محل الحق أو معه وفيما لا ينبت من الزرع قبل محل الحق قولان أحدهما أن
يمنع الراهن في قول من لا يجيز بيع الأرض منزرعة دون الزرع من زرعها ما ينبت فيها بعد محل الحق
وإذا تعدى فزرعها بغير إذن المرتهن ما ينبت فيها بعد محل الحق لم يقلع زرعه حتى يأتي محل الحق فإن
قضاه ترك زرعه وإن بيعت الأرض مزروعة فبلغت وفاء حقه لم يكن له قلع زرعه وإن لم تبلغ وفاء حقه
إلا بأن يقلع الزرع أمر بقلعه إلا أن يجد من يشتريها منه بحقه على أن يقلع الزرع ثم يدعه إن شاء
متطوعا، وهذا في قول من أجاز بيع الأرض مزروعة والقول الثاني لا يمنع من زرعها بحال ويمنع من
غراسها وبنائها إلا أن يقول أنا أقلع ما أحدثت إذا جاء الأجل فلا يمنعه وإذا رهنه الأرض فأراد أن
يحدث فيها عينا أو بئرا فإن كانت العين أو البئر تزيد فيها أو لا تنقص ثمنها لم يمنع ذلك وإن كانت تنقص
ثمنها ولا يكون فيما يبقى منها عوض من نقص موضع البئر أو العين بأن يصير إذا كانا فيه أقل ثمنا منه قبل
يكونان فيه منعه، وإن تعدى بعمله فهو كما قلت في الزرع لا يدفن عليه حتى يحل الحق ثم يكون القول
فيه القول في الزرع والغراس وهكذا كلما أراد أن يحدث في الأرض المرهونة إن كان لا ينقصها لم يمنعه
وإن كان ينقصها منعه ما يبقى ولا يكون ما أحدث فيها داخلا في الرهن إلا أن يدخله الراهن فكان إذا
أدخله لم ينقص الرهن لم يمنعه وإن كان ينقصه منعه وإذا رهنه نخلا لم يمنعه أن يأبرها ويصرمها يعنى
يقطع جريدها وكرانيفها وكل شئ انتفع به منها لا يقتل النخل ولا ينقص ثمنه نقصا بينا ويمنع ما قتل
النخل وأضر به من ذلك وإن رهنه نخلا في الشربة منه نخلات فأراد تحويلهن إلى موضع غيره وامتنع
المرتهن سئل أهل العلم بالنخل فإن زعموا أن الأكثر لثمن الأرض والنخل أن يتركن لم يكن له تحويلهن
وإن زعموا أن الأكثر بثمن الأرض والنخل أن يحول بعضهن ولو ترك مات لأنهن إذا كان بعضهن مع
بعض قتله أو منع منفعته حول من الشربة حتى يبقى فيها ما لا يضر بعضه بعضا وإن زعموا أن لو حول
كله كان خيرا للأرض في العاقبة وأنه قد لا يثبت لم يكن لرب الأرض أن يحوله كله لأنه قد لا يثبت
وإنما له أن يحول منه ما لا نقص في تحويله على الأرض لو هلك كله وهكذا لو أراد أن يحول مساقيه
فإن لم يكن في ذلك نقص النخل أو الأرض ترك وإن كان فيه نقص الأرض أو النخل أو هما لم يترك
168

فإن كانت في الشربة نخلات فقيل الأكثر لثمن الأرض أن يقطع بعضهن، ترك الراهن وقطعه وكان
جميع النخلة المقطوعة جذعها وجمارها رهنا بحاله وكذلك قلوبها وما كان من جريدها لو كانت قائمة لم
يكن لرب النخلة قطعها وكان ما سوى ذلك من ثمرها وجريدها الذي لو كانت قائمة كان لرب النخلة
نزعه من كرانيف وليف لرب النخلة خارجا من الرهن وإذا قلع منها شيئا فثبته في الأرض التي هي
رهن فهو رهن فيها لأن الرهن وقع عليه وإذا أخرجه إلى أرض غيرها لم يكن ذلك له إن كان له ثمن
وكان عليه أن يبيعه فيجعل ثمنه رهنا أو يدعه بحاله، ولو قال المرتهن في هذا كله للراهن اقلع الضرر من
نخلك لم يكن ذلك عليه لأن حق الراهن بالملك أكثر من حق المرتهن بالرهن (قال الشافعي) وإذا رهنه
أرضا لا نخل فيها فأخرجت نخلا فالنخل خارج من الرهن وكذلك ما نبت فيها ولو قال المرتهن له اقلع
النخل وما خرج قيل إن أدخله في الرهن متطوعا لم يكن عليه قلعها بكل حال لأنها تزيد الأرض خيرا
فإن قال لا أدخلها في الرهن لم يكن عليه قلعها حتى يحل الحق فإن بلغت الأرض دون النخل حق
المرتهن لم يقلع النخل وإن لم تبلغه قيل لرب النخل إما أن توفيه حقه بما شئت من أن تدخل
معي الأرض النخل أو بعضه وإما أن تقلع عنه النخل وإن فلس بديون الناس والمسألة بحالها بيعت
الأرض بالنخل ثم قسم الثمن على أرض بيضاء بلا نخل وعلى ما بلغت قيمة الأرض والنخل فأعطى
مرتهن الأرض ما أصاب الأرض وللغرماء ما أصاب النخل وهكذا لو كان هو غرس النخل أو أحدث
بناء في الأرض وهكذا جميع الغراس والبناء والزرع ولو رهنه أرضا ونخلا ثم اختلفا فقال الراهن قد
نبت في هذه الأرض نخل لم أكن رهنتكه وقال المرتهن ما نبت فيه إلا ما كان في الرهن أريه أهل العلم
به فإن قالوا قد ينبت مثل هذا النخل بعد الرهن كان القول قول الراهن مع يمينه وما نبت خارج من
الرهن ولا ينزع حتى يحل الحق ثم يكون القول فيه كما وصفت فإن قالوا لا ينبت مثل هذا في هذا
الوقت لم يصدق وكان داخلا في الرهن لا يصدق إلا على ما يكون مثله وإذا ادعى أنه غراس لا
بواسطة منبت سئلوا أيضا فإن كان يمكن أن يكون من الغراس ما قال فهو خارج من الرهن وإن لم يكن
يمكن فهو داخل في الرهن، ولو كان ما اختلفا فيه بنيانا فإن كانت جاءت عليه مدة يمكن أن يكون
يبنى في مثلها بحال فالقول قول الراهن، وإن كانت لم تأت عليه مدة يمكن أن يكون يبنى في مثلها
بحال، فالبناء داخل في الرهن، وإن كانت جاءت عليه مدة يمكن أن يكون بعض البناء فيها،
وبعض لا يمكن أن يكون فيها كان البناء الذي لا يمكن أن يكون فيها داخلا في الرهن والبناء الذي
يمكن أن يكون فيها خارجا من الرهن مثل أن يكون جدار طوله عشرة أذرع يمكن أن يكون أساسه
وقدر ذراع منه، كان قبل الرهن وما فوق ذلك يمكن أن يكون بعد الرهن، وإذا رهنه شجرا صغارا
فكبر فهو رهن بحاله لأنه رهنه بعينه وكذلك لو رهنه ثمرا صغارا فبلغ كان رهنا بحاله، وإذا رهنه أرضا
ونخلا فانقطعت عينها أو انهدمت ودثر مشربها لم يجبر الراهن أن يصلح من ذلك شيئا ولم يكن للمرتهن
أن يصلحه على أن يرجع به على الراهن، كان الراهن غائبا أو حاضرا وإن أصلحه فهو متطوع
بإصلاحه وإن أراد إصلاحه بشئ يكون صلاحا مرة وفسادا أخرى فليس له أن يصلح به وعليه الضمان
إن فسد به لأنه متعد بما صنع منه، وإذا رهنه عبدا أو أمة فغاب الراهن أو مرض فأنفق عليهما فهو
متطوع ولا تكون له النفقة حتى يقضى بها الحاكم على الغائب ويجعلها دينا عليه، لأنه لا يحل ان
تمات ذوات الأرواح بغير حق ولا حرج في إماتة ما لا روح فيه من أرض ونبات، والدواب ذوات
الأرواح كلها كالعبيد إذا كانت مما تعلف فإن كانت سوائم رعيت ولم يؤمر بعلفها لأن السوائم هكذا
تتخذ ولو تساوكت هزلا وكان الحق حالا فللمرتهن أخذ الراهن ببيعها وإن كان الحق إلى أجل فقال
المرتهن مروا الراهن بذبحها فيبيع لحومها وجلودها لم يكن ذلك على الراهن لأن الله عز وجل قد يحدث
لها الغيث فيحسن حالها به، ولو أصابها مرض جرب أو غيره لم يكلف علاجها لأن ذلك قد يذهب
بغير العلاج ولو أجدب مكانها حتى تبين ضرره عليها كلف ربها النجعة بها إذا كانت النجعة موجودة
169

لأنها إنما تتخذ على النجعة ولو كان بمكانها عصم من عضاه تماسك بها وإن كانت النجعة خيرا لها لم
يكلف صاحبها النجعة بها لأنها لا تهلك على العصم، ولو كانت الماشية أو ارك أو خميصة أو غوادي
فاستؤنيت مكانها فسأل المرتهن الراهن أن ينتجع بها إلى موضع غيره لم يكن ذلك له على الراهن لأن
المرض قد يكون من غير المرعى فإذا كان الرعى موجودا لم يكن عليه إبدالها غيره وكذلك الماء، وإن
كان غير موجود كلف النجعة إذا قدر عليها إلا أن يتطوع بأن يعلفها فإذا ارتهن الرجل العبد وشرط ماله
رهنا كان العبد رهنا وما قبض من ماله رهن وما لم يقبض خارج من الرهن.
ضمان الرهن
(قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن ابن
المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يغلق الرهن الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه
وعليه غرمه " (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن يحيى بن أبي أنيسة عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو مثل معناه لا يخالفه (قال الشافعي) وبهذا نأخذ وفيه
دليل على أن جميع ما كان رهنا غير مضمون على المرتهن لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال
" الرهن من صاحبه الذي رهنه فمن كان منه شئ فضمانه منه لا من غيره " ثم زاد فأكد له فقال " له
غنمه وعليه غرمه " وغنمه سلامته وزيادته وغرمه عطبه ونقصه فلا يجوز فيه إلا أن يكون ضمانه من
مالكه لا من مرتهنه ألا ترى أن رجلا لو ارتهن من رجل خاتما بدرهم يسوى درهما فهلك الخاتم فمن
قال يذهب درهم المرتهن بالخاتم كان قد زعم أن غرمه على المرتهن لأن درهمه ذهب به وكان الراهن
بريئا من غرمه لأنه قد أخذ ثمنه من المرتهن ثم لم يغرم له شيئا وأحال ما جاء عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقوله والله تعالى أعلم " لا يغلق الرهن " لا يستحقه المرتهن بأن يدع الراهن قضاء حقه عند
محله ولا يستحق مرتهنه خدمته ولا منفعة فيه بارتهانه إياه ومنفعته لراهنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " هو من صاحبه الذي رهنه " ومنافعه من غنمه وإذا لم يخص رسول الله صلى الله عليه وسلم رهنا دون
رهن فلا يجوز أن يكون من الرهن مضمون ومنه غير مضمون لأن الأشياء لا تعدو أن تكون أمانة أو في
حكمها فما ظهر هلاكه وخفي من الأمانة سواء أو مضمونة فما ظهر هلاكه وخفى من المضمون سواء ولو
لم يكن في الرهن خبر يتبع ما جاز في القياس إلا أن يكون غير مضمون لأن صاحبه دفعه غير مغلوب
عليه وسلط المرتهن على حبسه ولم يكن له إخراجه من يديه حتى يوفيه حقه فيه فلا وجه لأن يضمن من
قبل أنه إنما يضمن ما تعدى الحابس يحبسه من غصب أو بيع عليه تسليمه فلا يسلمه أو عارية ملك
الانتفاع بها دون مالكها فيضمنها كما يضمن السلف والرهن ليس في شئ من هذه المعاني فإذا رهن
الرجل الرجل شيئا فقبضه المرتهن فهلك الرهن في يدي القابض فلا ضمان عليه والحق ثابت كما كان
قبل الرهن (قال الشافعي) لا يضمن المرتهن ولا الموضوع على يديه الرهن من الرهن شيئا إلا فيما
يضمنان فيه الوديعة والأمانات من التعدي فإن تعديا فيه فهما ضامنان وما لم يتعديا فالرهن بمنزلة
الأمانة، فإذا دفع الراهن إلى المرتهن الرهن ثم سأله الراهن أن يرده إليه فامتنع المرتهن فهلك الرهن في
يديه لم يضمن شيئا لأن ذلك كان له وإذا قضى الراهن المرتهن الحق أو أحاله به على غيره ورضى
170

المرتهن بالحوالة أو أبرأه المرتهن منه بأي وجه كان من البراءة ثم سأله الرهن فحبسه عنه وهو يمكنه أن
يؤديه إليه فهلك الرهن في يدي المرتهن فالمرتهن ضامن لقيمة الرهن بالغة ما بلغت إلا أن يكون الرهن
كيلا أو وزنا يوجد مثله فيضمن مثل ما هلك في يديه لأنه متعد بالحبس وإن كان رب الرهن آجره
فسأل المرتهن أخذه من عند من آجره ورده إليه فلم يمكنه ذلك أو كان الرهن غائبا عنه بعلم الراهن
فهلك في الغيبة بعد براءة الراهن من الحق وقبل تمكن المرتهن أن يرده لم يضمن وكذلك لو كان عبدا
فأبق أو جملا فشرد ثم برئ الراهن من الحق لم يضمن المرتهن لأنه لم يحبسه ورده يمكنه، والصحيح
من الرهن والفاسد في أنه غير مضمون سواء كما تكون المضاربة الصحيحة والفاسدة في أنها غير مضمونة
سواء ولو شرط الراهن على المرتهن أنه ضامن للرهن إن هلك كان الشرط باطلا، كما لو قارضه أو
أودعه فشرط أنه ضامن كان الشرط باطلا وإذا دفع الراهن الرهن على أن المرتهن ضامن فالرهن فاسد
وهو غير مضمون إن هلك، وكذلك إذا ضاربه على أن المضارب ضامن فالمضاربة فاسدة غير مضمونة
وكذلك لو رهنه وشرط له إن لم يأته بالحق إلى كذا فالرهن له بيع فالرهن فاسد والرهن لصاحبه الذي
رهنه، وكذلك إن رهنه دارا بألف على أن يرهنه أجنبي داره إن عجزت دار فلان عن حقه أو حدث
فيها حدث ينقص حقه لأن الدار الآخرة مرة رهن ومرة غير رهن ومرهونة بما لا يعرف ويفسد الرهن
لأنه إنما زيد معه شئ فاسد ولو كان رهنه داره بألف على أن يضمن له المرتهن داره إن حدث فيها
حدث فالرهن فاسد، لأن الراهن لم يرض بالرهن إلا على أن يكون له مضمونا وإن هلكت الدار لم
يضمن المرتهن شيئا.
التعدي في الرهن
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا دفع الرجل إلى الرجل متاعا له رهنا فليس له أن يخرجه من
البلد الذي ارتهنه به، إلا بإذن سيده فإن أخرجه بغير إذن سيد المتاع فهلك فهو ضامن لقيمته يوم
أخرجه لأنه يومئذ تعدى فيه فإذا أخذت قيمته منه خير صاحب المتاع أن تكون قصاصا من حقه عليه
أو تكون مرهونة حتى يحل حق صاحب الحق ولو أخرجه من البلد ثم رده إلى صاحبه ولم يفسخ الرهن
فيه برئ من الضمان وكان له قبضه بالرهن فإن قال صاحب المتاع دفعته إليك وأنت عندي أمين
فتغيرت أمانتك بتعديك بإخراجك إياه فأنا مخرجه من الرهن لم يكن له إخراجه من الرهن وقيل إن
شئت أن تخرجه إلى عدل تجتمع أنت وهو على الرضا به أخرجناه إلا أن يشاء أن يقره في يديه وهكذا
لو لم يتعد بإخراجه فتغيرت حاله عما كان عليه إذ دفع الرهن إليه إما بسوء حال في دينه أو إفلاس ظهر
منه ولو امتنع المرتهن في هذه الحالات من أن يرضى بعدل يقوم على يديه جبر على ذلك لتغيره عن
حاله حين دفع إليه إذا أبى الراهن أن يقره في يديه ولو لم يتغير المرتهن عن حاله بالتعدي ولا غيره مما
يغير الأمانة وسأل الراهن أن يخرج من يديه الرهن لم يكن ذلك له وهكذا الرجل يوضع على يديه
الرهن فيتغير حاله عن الأمانة فأيهما دعا إلى إخراج الرهن من يديه كان له، الراهن لأنه ماله أو المرتهن
لأنه مرهون بماله ولو لم يتغير حاله فدعا أحدهما إلى إخراجه من يديه لم يكن له ذلك إلا باجتماعهما عليه
ولو اجتمعا على إخراجه من يديه فأخرجاه ثم أراد رب الرهن فسخ الرهن لم يكن له فسخه أو أراد
المرتهن قبضه لم يكن له وإن كان أمينا لأن الراهن لم يرض أمانته وإذا دعوا إلى رجل بعينه فتراضيا به
171

أو اثنين أو امرأة فلهما وضعه على يدي من تراضيا به وإن اختلفا فيمن يدعوان إليه قيل لهما اجتمعا فإن لم
يفعلا اختار الحاكم الأفضل من كل من دعا واحد منهما إليه إن كان ثقة فدفعه إليه وإن لم يكن واحد
ممن دعوا إليه ثقة قيل ادعوا إلى غيره فإن لم يفعلا اختار الحاكم له ثقة فدفعه إليه وإذا أراد العدل الذي
على يديه الرهن الذي هو غير الراهن والمرتهن رده بلا علة أو لعلة والمرتهن والراهن حاضران فله ذلك ولا
يجبر على حبسه وإن كانا غائبين أو أحدهما لم يكن له إخراجه من يدي نفسه فإن فعل بغير أمر الحاكم
فهلك ضمن وإن جاء الحاكم فإن كان له عذر أخرجه من يديه وذلك أن يبدو له سفر أو يحدث له وإن كان
مقيما شغل أو علة وإن لم يكن له عذر أمره بحبسه إن كانا قريبا حتى يقدما أو يوكلا فإن كانا بعيدا
لم أر عليه أن يضطره إلى حبسه وإنما هي وكالة وكل بها بلا منفعة له فيها ويسأله ذلك فإن طابت نفسه
بحبسه وإلا أخرجه إلى عدل وغيره وتعدى العدل الموضوع على يديه الرهن في الرهن وتعدى المرتهن
سواء يضمن مما يضمن منه المرتهن إذا تعدى فإذا تعدى فأخرج الرهن فتلف ضمن وإن تعدى المرتهن
والرهن موضوع على يدي العدل فأخرج الرهن ضمن حتى يرده على يدي العدل فإذا رده على يدي
العدل برئ من الضمان كما يبرأ منه لو رده إلى الراهن لأن العدل وكيل الراهن وإذا أعار الموضوع على
يديه الرهن فهلك فهو ضامن لأنه متعد والقول في قيمته قوله مع يمينه فإن قال كان الرهن لؤلؤة صافية
وزنها كذا قيمتها كذا، قومت بأقل ما تقع عليه تلك الصفة ثمنا وأردئه فإن كان ما ادعى مثله أو أكثر
قبل قوله وإن ادعى ما لا يكون مثله لم يقبل قوله وقومت تلك الصفة على أقل ما تقع عليه ثمنا وأردئه
يغرمه مع يمينه وهكذا إن مات فأوصى بالرهن إلى غيره كان لأيهما شاء إخراجه لأنهما رضيا أمانته ولم
يجتمعا على الرضا بأمانة غيره وإن كان من أسند ذلك إليه إذا غاب أو عند موته ثقة ويجتمعان على من
تراضيا أو ينصب لهما الحاكم ثقة كما وصفت وإذا مات المرتهن فإن كان ورثته بالغين قاموا مقامه وإن
كان فيهم صغير قام الوصي مقامه وإن لم يكن وصى ثقة قام الحاكم مقامه في أن يصير الرهن على يدي
ثقة.
بيع الرهن ومن يكون الرهن على يديه
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا ارتهن الرجل من الرجل العبد وشرط عليه أن له إذا حل حقه
أن يبيعه لم يجز له بيعه إلا بأن يحضر رب العبد أو يوكل معه ولا يكون وكيلا بالبيع لنفسه فإن باع لنفسه
فالبيع مردود بكل حال ويأتي الحاكم حتى يأمر من يبيع ويحضره وعلى الحاكم إذا ثبت عنده ببينة أن
يأمر رب العبد أن يبيع فإن امتنع أمر من يبيع عليه وإذا كان الحق إلى أجل فتعدى الموضوع على يديه
الرهن فباعه قبل محل الحق فالبيع مردود وهو ضامن لقيمته إن فات ولا يكون الدين حالا كان البائع
المرتهن أو عدل الرهن على يديه ولا يحل الحق المؤجل بتعدي بائع له وكذلك لو تعدى بأمر الراهن ولو
كان الرهن على يدي عدل لا حق له في المال ووكله الراهن والمرتهن ببيعه كان له أن يبيعه ما لم يفسخا
وكالته وأيهما فسخ وكالته لم يكن له البيع بعد فسخ الوكالة وببيع الحاكم على الراهن إذا سأل ذلك
المرتهن وإذا باع الموضوع على يديه الرهن بإذن الراهن والمرتهن والحاكم بالبيع بما لا يتغابن أهل البصر به
فالبيع مردود وكذلك إن باع الحاكم بذلك فبيعه مردود وإذا باع بما يتغابن الناس بمثله بإذن الراهن
والمرتهن بالبيع فالبيع لازم وإن وجد أكثر مما باع به ولو باع بشئ يجوز فلم يفارق بيعه حتى يأتيه من
172

يزيده قبل الزيادة ورد البيع فإن لم يفعل فبيعه مردود لأنه قد باع له بشئ قد وجد أكثر منه وله الرد
وإذا حل الحق وسأل الراهن بيع الرهن وأبى ذلك المرتهن أو المرتهن وأبى الراهن أمرهما الحاكم بالبيع
فإن امتنعا أمر عدلا فباع وإذا أمر القاضي عدلا فباع أو كان الرهن على يدي غير المرتهن فباع بأمر
الراهن والمرتهن فهلك الثمن لم يضمن البائع شيئا من الثمن الذي هلك في يديه وإن سأل الموضوع على
يديه الرهن البائع أجر مثله لم يكن له، لأنه كان متطوعا بذلك كان ممن يتطوع مثله أو لا يتطوع ولا
يكون له أجر إلا بشرط وليس للحاكم إن كان يجد عدلا يبيع إذا أمره متطوعا أن يجعل لغيره أجرا وإن
كان عدلا في بيعه ويدعو الراهن والمرتهن بعدل وأيهما جاءه بعدل يتطوع ببيع الرهن أمره ببيعه وطرح
المؤنة وإن لم يجده استأجر على الرهن من يبيعه وجعل أجره في ثمن الرهن لأنه من صلاح الرهن إلا أن
يتطوع به الراهن أو المرتهن وإذا تعدى البائع بحبس الثمن بعد قبضه إياه أو باعه بدين فهرب المشترى أو
ما أشبه هذا ضمن قيمة الرهن، قال أبو يعقوب وأبو محمد: عليه في حبس الثمن مثله وفى بيعه
بالدين قيمته (قال الشافعي) وإذا بيع الرهن فالمرتهن أولى بثمنه حتى يستوفى حقه فإن لم يكن فيه وفاء
حقه حاص غرماء الراهن بما بقي من ماله غير مرهون وإذا أراد أن يحاصهم قبل أن يباع رهنه لم يكن
له ذلك ووقف مال غريمه حتى يباع رهنه ثم يحاصهم بما فضل عن رهنه وإن هلك رهنه قبل أن يباع
أو ثمنه قبل أن يقبضه حاصهم بجميع رهنه وإذا بيع الرهن لرجل فهلك ثمنه فثمنه من الراهن حتى
يقبضه المرتهن وهكذا لو بيع ما لغرمائه بطلبهم بيعه فوقف ليحسب بينهم فهلك هلك من مال المبيع
عليه دون غرمائه وهو من مال المبيع عليه حتى يستوفى غرماؤه وإذا رهن الرجل دارا بألف فمات الراهن
فطلب المرتهن بيعها فأمر الحاكم ببيعها فبيعت من رجل بألف فهلكت الألف في يدي العدل الذي
أمره الحاكم بالبيع وجاء رجل فاستحق الدار على الميت لا يضمن الحاكم ولا العدل من الألف التي
قبض العدل شيئا بهلاكها في يده لأنه أمين وأخذ المستحق الدار وكانت ألف المرتهن في ذمة الراهن
متى وجد مالا أخذها وكذلك ألف المشترى في ذمة الراهن لأنها أخذت بثمن مال له فلم يسلم له المال
فمتى وجد له مالا أخذها وعهدته على الميت الذي بيعت عليه الدار وسواء كان المبيعة عليه الدار لا يجد
شيئا غير الدار أو موسرا في أن العهدة عليه كهى عليه لو باع على نفسه وليس الذي بيع له الرهن بأمره
من العهدة بسبيل (قال الشافعي) وبيع الرباع والأرضين والحيوان وغيرها من الرهون سواء إذا سلط
الراهن والمرتهن العدل الذي لا حق له في الرهن على بيعها باع بغير أمر السلطان (قال الشافعي) ويتأنى
بالرباع والأرضين للزيادة أكثر من تأنيه بغيرها فإن لم يتأن وباع بما يتغابن الناس بمثله جاز بيعه وإن باع
بما لا يتغابن الناس بمثله لم يجز وكذلك لو تأنى فباع بما لا يتغابن الناس بمثله لم يجز وإن باع بما يتغابن
الناس بمثله جاز لأنه قد تمكنه الفرصة في عجلته البيع وقد يتأنى فيحابى في البيع والتأني بكل حال
أحب إلي في كل شئ بيع غير الحيوان وغير ما يفسد فأما الحيوان ورطب الطعام فلا يتأنى به وإذا باع
العدل الموضوع على يديه الرهن الرهن وقال قد دفعت ثمنه إلى المرتهن وأنكر ذلك المرتهن فالقول قول
المرتهن وعلى البائع البينة بالدفع ولو باعه ثم قال هلك الثمن من يدي كان القول قوله فيما لا يدعى فيه
الدفع ولو قيل له بيع ولم يقل له بع بدين فباع بدين فهلك الدين كان ضامنا لأنه تعدى في البيع
وكذلك لو قال له بع بدراهم والحق دراهم فباع بدنانير أو كان الحق دنانير فقيل له بع بدنانير فباع
بدراهم فهلك الثمن كان له ضامنا وإن لم يهلك فالبيع في هذا كله مفسوخ، لأنه بيع تعد ولا يملك
مال رجل بخلافه ولو اختلف عليه الراهن والمرتهن فقال الراهن بع بدنانير وقال المرتهن بع بدراهم لم
173

يكن له أن يبيع بواحد منهما لحق المرتهن في ثمن الرهن وحق الراهن في رقبته وثمنه وجاء الحاكم حتى
يأمره أن يبيع بنقد البلد ثم يصرفه فيما الرهن فيه إن كان دنانير أو دراهم ولو باع بعد اختلافهما بما الرهن
به كان ضامنا وكان البيع مردودا لأن لكليهما حقا في الرهن ولو باع على الأمر الأول ولم يختلفا بعد عليه
بما الحق به كان البيع جائزا ولو بعث بالرهن إلى بلد فبيع فيه واستوفى الثمن كان البيع جائزا وكان ضامنا
إن هلك ثمنه وإنما أجزت البيع لأنه لم يتعد في البيع إنما تعدى في إخراج المبيع فكان كمن باع عبدا
فأخرج ثمنه فيجوز البيع بإذن سيده ويضمن ثمنه بإخراجه بلا أمر سيده.
رهن الرجلين الشئ الواحد
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا رهن الرجلان العبد رجلا وقبضه المرتهن منهما فالرهن جائز
فإن رهناه معا ثم أقبضه أحدهما العبد ولم يقبضه الآخر فالنصف المقبوض مرهون والنصف غير المقبوض
غير مرهون حتى يقبض فإذا قبض كان مرهونا وإذا أبرأ المرتهن أخذ الراهنين من حقه أو اقتضاه منه
فالنصف الذي يملكه البرئ من الحق خارج من الرهن والنصف الباقي مرهون حتى يبرأ راهنه من
الحق الذي فيه وهكذا كل ما رهناه معا عبدا كان أو عبيدا أو متاعا أو غيره، وإذا رهناه عبدين رهنا
واحدا فهو كالعبد الواحد فإن تراضى الراهنان بأن يصير أحد العبدين رهنا لأحدهما والآخر للآخر
فقضاه أحدهما وسأل أن يفك له العبد الذي صار إليه لم يكن ذلك له ونصف كل واحد من العبدين
خارج من الرهن والنصف الآخر في الرهن لأنهما دفعا الرهن صفقة فكل واحد من الرهنين مرهون
النصف عن كل واحد منهما فليس لهما أن يقتسماه عليه ولا يخرجان حقه من نصف واحد منهما إلى غيره
وحظ القاضي منهما الرهن خارج من الرهن، فلو كان كل واحد منهما رهنه أحد العبدين على الانفراد
ثم تقارا في العبدين فصار الذي رهنه عبد الله ملكا لزيد والذي رهنه زيد ملكا لعبد الله فقضاه عبد الله
وسأله فك عبده الذي رهنه زيد لأنه صار له لم يكن ذلك له وعبد عبد الله الذي رهنه فصار لزيد
خارج من الرهن وعبد زيد الذي صار له مرهون بحاله حتى يفتكه زيد لأن زيدا رهنه وهو يملكه فلا
يخرج من رهن زيد حتى يفتكه زيد أو يبرأ زيد من الحق الذي فيه ولو كان عبدان بين رجلين فرهناهما
رجلا فقالا مبارك رهن عن محمد وميمون رهن عن عبد الله كانا كما قالا وأيهما أدى فك له العبد الذي
رهن بعينه ولم يفك له شئ من غيره ولو كانت المسألة بحالها وزاد فيها شرطا أن أينا أدى إليك قبل
صاحبه فله أن يفك نصف العبدين أو له أن يفك أي العبدين شاء كان الرهن مفسوخا لأن كل واحد
منهما لم يجعل الحق محضا في رهنه دون رهن صاحبه فكل واحد منهما في شرط صاحبه مرهون مرة على
الكمال وخارج من الرهن بغير براءة من راهنه من جميع الحق ولو كانت المسألة بحالها وشرط له الراهنان
أنه إذا قضى أحدهما ما عليه فلا يفك له رهنه حتى يقضى الآخر ما عليه كان الشرط فيه باطلا لأن
الحق أن يكون خارجا من الرهن إذا لم يكن فيه رهن غيره وأن لا يكون رهنا إلا بأمر معلوم لا أن يكون
مرهونا بأمر غير معلوم وشرط فيه مرة أنه رهن بشئ غير معلوم على المخاطرة فيكون مرة خارجا من
الرهن إذا قضيا معا وغير خارج من الرهن إذا لم يقض أحدهما ولا يدرى ما يبقى على الآخر وقد كانا
رهنين متفرقين ولو كانت المسألة بحالها فتشارطوا أن أحدهما إذا أدى ما عليه دون ما على صاحبه خرج
174

الرهنان معا وكان ما يبقى من المال بغير رهن كان الرهن فاسدا لأنهما في هذا الشرط رهن مرة وأحدهما
خارج من الرهين أخرى بغير عينه لأني لا أدرى أيهما يؤدى وعلى أيهما يبقى الدين ولو رهن رجل رجلا
عبدا إلى سنة على أنه إن جاءه بالحق إلى سنة وإلا فالعبد خارج من الرهن كان الرهن فاسدا وكذلك لو
رهنه عبدا على أنه إن جاءه بحقه عند محله وإلا خرج العبد من الرهن وصارت داره رهنا لم تكن الدار
رهنا وكان الرهن في العبد مفسوخا لأنه داخل في الرهن مرة وخارج منه أخرى بغير براءة من الحق
الذي فيه ولو رهنه رهنا على أنه إن جاءه بالحق وإلا فالرهن له بيع فالرهن مفسوخ لأنه شرط أنه رهن
في حال وبيع في أخرى.
رهن الشئ الواحد من رجلين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا رهن الرجل العبد من رجلين بمائة فنصفه مرهون لكل
واحد منهما بخمسين فإذا دفع إلى أحدهما خمسين فهي له دون المرتهن معه ونصف العبد الذي كان
مرهونا (1) عن القاضي منهما خارج من الرهن وكذلك لو أبرأ الراهن من حقه كانت البراءة له تامة دون
صاحبه وكان نصف العبد خارجا من الرهن ونصفه مرهونا وإذا دفع إليهما معا خمسين أو تسعين فالعبد
كله مرهون بما بقي لهما لا يخرج منه شئ من الرهن حتى يستوفى أحدهما جميع حقه فيه، فيخرج
حقه من الرهن أو يستوفيا معا فتخرج حقوقهما معا والاثنان الراهنان والمرتهنان يخالفان الواحد كما يكون
الرجلان يشتريان العبد فيجدان به عيبا فيريد أحدهما الرد بالعيب والآخر التمسك بالشراء فيكون ذلك
لهما، ولو كان المشترى واحدا فأراد رد نصف العبد وإمساك نصفه لم يكن له ذلك.
رهن العبد بين الرجلين
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا كان العبد بين الرجلين فأذنا لرجل أن يرهنه لرجلين بمائة فرهنه بها
ووكل المرتهنان رجلا يقبض حقهما فأعطاه الراهن خمسين على أنها حق فلان عليه فهي من حق فلان
ونصف العبد خارج من الرهن لأن كل واحد منهما مرتهن نصفه فسواء ارتهنا العبد معا أو أحدهما نصفه
ثم الآخر نصفه بعده وهكذا لو دفعها إلى أحدهما دون الآخر ولو دفعها إلى وكيلهما ولم يسم لمن هي ثم
قال هي لفلان فهي لفلان فإن قال هذه قضاء مما على ولم يدفعها الوكيل إلى واحد منهما ثم قال ادفعها
إلى أحدهما كانت للذي أمره أن يدفعها إليه وإن دفعها الوكيل إليهما معا فأخذاها ثم قال هي لفلان لم
يكن لأحدهما أن يأخذ من الآخر ما قبض من مال غريمه ألا ترى أنه لو وجد لغريمه مالا فأخذه لم
يكن لغريمه إخراجه من يديه وإذا كان المرتهن عالما بأن العبد لرجلين وكان الرهن على بيع لم يكن له
خيار في نقض البيع وإن افتك المرتهن حق أحدهما دون الآخر كما لو رهنه رجلان عبدا كان لأحدهما
أن يفتك دون الآخر ولا خيار للمرتهن وإن كان المرتهن جاهلا أن العبد لاثنين فقضاه الغريم ما قضاه
مجتمعا فلا خيار له وإن قضاه عن أحدهما دون الآخر ففيها قولان أحدهما أن له الخيار في نقض البيع

(1) قوله: عن القاضي منهما كذا بالأصول التي بيدنا. ولعله " عند القابض منهما " وحرره. كتبه مصححه.
175

لأن العبد إذا لم يفك إلا معا كان خيرا للمرتهن والآخر لا خيار له لأن العبد مرهون كله والله أعلم.
رهن الرجل الواحد الشيئين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا رهن الرجل الرجل عبدين أو عبدا ودارا أو عبدا ومتاعا
بمائة فقضاه خمسين فأراد أن يخرج من الرهن شيئا قيمته من الرهن أقل من نصف الرهن أو نصفه لم
يكن ذلك له ولا يخرج منه شيئا حتى يوفيه آخر حقه وهكذا لو رهنه دنانير أو دراهم أو طعاما واحدا
فقضاه نصف حقه فأراد ان يخرج نصف الطعام أو الدنانير أو الدراهم أو أقل من الدراهم لم يكن
ذلك له ولا يفك من الرهن شيئا إلا معا لأنه قد يعجل بالقضاء التماس فك جميع الرهن أو موضع
حاجته منه ولو كان رجلان رهنا معا شيئا من العروض كلها العبيد أو الدور أو الأرضين أو المتاع بمائة
فقضاه أحدهما ما عليه فأراد القاضي والراهن معه الذي لم يقض أن يخرج عبدا من أولئك العبيد
قيمته أقل من نصف الرهن لم يكن له ذلك وكان عليه أن يكون نصيبه رهنا حتى يستوفى المرتهن آخر
حقه ونصيب كل واحد مما رهنا خارج من الرهن وذلك نصيب الذي قضى حقه ولو كان ما رهنا دنانير
أو دراهم أو طعاما سواء فقضاه أحدهما ما عليه فأراد أن يأخذ نصف الرهن وقال الذي أدع في يديك
مثل ما آخذ منك بلا قيمة فذلك له ولا يشبه الاثنان في الرهن في هذا المعنى الواحد فإذا رهنا الذهب
والفضة والطعام الواحد فأدى أحدهما ورضى شريكه مقاسمته كان على المرتهن دفع ذلك إليه لأنه قد
برئت حصته كلها من الرهن وأن ليس في حصته إشكال إذ ما أخذ منها كما بقي وأنها لا تحتاج إلى أن
تقوم بغيرها ولا يجوز أن يحبس رهن أحدهما وقد قضى ما فيه برهن آخر لم يقض ما فيه.
إذن الرجل للرجل في أن يرهن عنه ما للآذن
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أذن الرجل للرجل أن يرهن عنه عبدا للآذن فإن لم يسم
بكم يرهنه أو سمى شيئا يرهنه فرهنه بغيره وإن كان أقل قيمة منه لم يجز الرهن ولا يجوز حتى يسمى
مالك العبد ما يرهنه به ويرهنه الراهن بما سمى أو بأقل منه مما أذن له به كان أذن له أن يرهنه بمائة دينار
فرهنه بخمسين لأنه قد أذن له بالخمسين وأكثر ولو رهنه بمائة دينار ودينار لم يجز من الرهن شئ
وكذلك لو أبطل المرتهن حقه من الرهن فيما زاد على المائة لم يجز وكذلك لو أذن له أن يرهنه بمائة دينار
فرهنه بمائة درهم لم يجز الرهن كما لو أمره أن يبيعه بمائة درهم فباعه بمائة دينار أو بمائة شاة لم يجز البيع
للخلاف ولو قال المرتهن: قد أذنت له أن يرهنه فرهنه بمائة دينار وقال مالك العبد ما أذنت له أن
يرهنه إلا بخمسين دينارا أو مائة درهم كان القول قول رب العبد مع يمينه والرهن مفسوخ ولو أذن له أن
يرهنه بمائة دينار فرهنه بها إلى أجل وقال مالك العبد لم آذن له إلا على أن يرهنه بها نقدا كان القول قول
مالك العبد مع يمينه والرهن مفسوخ وكذلك لو قال: أذنت له أن يرهنه إلى شهر فرهنه إلى شهر ويوم
كان القول قوله مع يمينه والرهن مفسوخ ولو قال ارهنه بما شئت فرهنه بقيمته أو أقل أو أكثر كان الرهن
مفسوخا، لأن الرهن بالضمان أشبه منه بالبيوع لأنه اذن له أن يجعله مضمونا في عنق عبده فلا يجوز أن
يضمن عن غيره إلا ما علم قبل ضمانه ولو قال ارهنه بمائة دينار فرهنه بها إلى سنة فقال أردت أن يرهنه
176

نقدا كان الرهن مفسوخا لأن له أن يأخذه إذا كان الحق في الرهن نقدا بافتداء الرهن مكانه وكذلك لو
رهنه بالمائة نقدا فقال أذنت له أن يرهنه بالمائة إلى وقت يسميه كان القول قوله والرهن مفسوخ لأنه قد
يؤدى المائة على الرهن بعد سنة فيكون أيسر عليه من أن تكون حالة ولا يجوز إذن الرجل للرجل بأن
يرهن عبده حتى يسمى ما يرهنه به والأجل فيما يرهنه به وهكذا لو قال رجل لرجل ما كان لك على
فلان من حق فقد رهنتك به عبدي هذا أو داري فالرهن مفسوخ حتى يكون علم ما كان له على فلان
والقول قوله أبدا وكل ما جعلت القول فيه قوله فعليه اليمين فيه ولو علم ماله على فلان فقال لك أي مالي
شئت رهن وسلطه على قبض ما شاء منه فقبضه كان الرهن مفسوخا حتى يكون معلوما ومقبوضا بعد
العلم لا أن يكون الخيار إلى المرتهن وكذلك لو قال الراهن قد رهنتك أي مالي شئت فقبضه ألا ترى أن
الراهن لو قال أردت أن أرهنك داري وقال المرتهن أردت أن أرتهن عبدك أو قال الراهن اخترت أن
أرهنك عبدي وقال المرتهن اخترت أن ترهنني دارك لم يكن الرهن وقع على شئ يعرفانه معا ولو قال:
أردت أن أرهنك داري فقال المرتهن: فأنا أقبل ما أردت لم تكن الدار رهنا حتى يجدد له بعد ما
يعلمانها معا فيها رهنا ويقبضه إياه وإذا أذن له أن يرهن عبده بشئ مسمى فلم يقبضه المرتهن حتى رجع
الراهن في الرهن لم يسكن له أن يقبضه إياه وإن فعل فالرهن مفسوخ (قال الشافعي) ولو أذن له
فأقبضه إياه ثم أراد فسخ الرهن لم يكن ذلك له وإن أراد الآذن أخذ الراهن بافتكاكه فإن كان الحق
حالا كان له أن يقوم بذلك عليه ويبيع في ماله حتى يوفى الغريم حقه وإن لم يرد ذلك الغريم أن يسلم
ما عنده من الرهن وإن كان أذن له أن يرهنه إلى أجل لم يكن له أن يقوم عليه إلى محل الأجل فإذا حل
الأجل فذلك له كما كان في الحال الأول.
الاذن بالأداء عن الراهن
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أدى الدين الحال أو الدين المؤجل بإذنه رجع به الآذن في
الرهن على الراهن حالا ولو أداه بغير إذنه حالا كان الدين أو مؤجلا كان متطوعا بالأداء ولم يكن له
الرجوع به على الراهن ولو اختلفا فقال الراهن الذي عليه الحق أديت عنى بغير أمري وقال الآذن له في
الرهن قد أديت عنك بأمرك كان القول قول الراهن المؤدى عنه لأنه الذي عليه الحق ولان المؤدى عنه
يريد أن يلزمه ما لا يلزمه إلا بإقراره أو ببينة تثبت عليه ولو شهد المرتهن الذي أدى إليه الحق على الراهن
الذي عليه الحق أن مالك العبد الآذن له في الرهن أدى عنه بأمره كانت شهادته جائزة ويحلف مع
شهادته إذا لم يبق من الحق شئ وليس ههنا شئ يجره صاحب الحق إلى نفسه ولا يدفع عنها فأرد
شهادته له وكذلك لو كان بقي من الحق شئ فشهد صاحب الحق المرتهن للمؤدى إليه أنه أدى بإذن
الراهن الذي عليه الحق جازت شهادته له وكان في المعنى الأول ولو أذن الرجل أن يرهن عبدا له بعينه
فرهن عبدا له آخر ثم اختلفا فقال مالك العبد: أذنت لك أن ترهن سالما فرهنت مباركا وقال الراهن
ما رهنت إلا مباركا وهو الذي أذنت لي به، فالقول قول مالك العبد ومبارك خارج من الرهن ولو
اجتمعا على أنه أذن له أن يرهن سالما بمائة حالة فرهنه بها وقال مالك العبد: أمرتك أن ترهنه من فلان
فرهنته من غيره كان القول قوله والرهن مفسوخ، لأنه قد يأذن في الرجل الثقة بحسن مطالبته ولا يأذن
في غيره وكذلك لو قال له: بعه من فلان بمائة فباعه من غيره بمائة أو أكثر لم يجز بيعه لأنه أذن له في
177

بيع فلان ولم يأذن له في بيع غيره وإذا أذن الرجل للرجل أن يرهن عبده فلانا وأذن لآخر أن يرهن
ذلك العبد بعينه فرهنه كل واحد منهما على الانفراد وعلم أيهما رهنه أولا فالرهن الأول جائز والآخر
مفسوخ وإن تداعيا المرتهنان في الرهن فقال أحدهما رهني أول، وقال الآخر رهني أول وصدق كل
واحد منهما الذي رهنه أو كذبه أو صدق الراهنان المأذون لهما بالرهن أحدهما وكذبا الآخر فلا يقبل قول
الراهنين ولا شهادتهما بحال، لأنهما يجران إلى أنفسهما ويدفعان عنها أما ما يجران إليها فالذي يدعى أن
رهنه صحيح يجر إلى نفسه جواز البيع على الراهن وأن يكون ثمن البيع في الرهن ما كان الرهن قائما دون
ماله سواء وأما الذي يدفع أن رهنه صحيح فإن يقول رهني آخر فيدفع أن يكون لمالك الرهن الآذن له
في الرهن أن يأخذه بافتكاك الرهن وإن تركه الغريم. وإن صدق مالك العبد المرهون أحد الغريمين
فالقول قوله لأن الرهن ماله وفى ارتهانه نقص عليه لا منفعة له وإن لم يعلم ذلك مالك العبد ولم يدر أي
الرهنين أولا فلا رهن في العبد ولو كان العبد المرهون حين تنازعا في أيديهما معا أو أقام كل واحد منهما
بينة أنه كان في يده ولم توقت البينتان وقتا يدل على أنه كان رهنا في يد أحدهما قبل الآخر فلا رهن
وإن وقتت وقتا يدل على أنه كان رهنا لأحدهما قبل الآخر كان رهنا للذي كان في يديه أولا، وأي
المرتهنين أراد أن أحلف له الآخر على دعواه أحلفته له، وإن أراد أن أحلف لهما المالك أحلفته على
علمه وإن أراد أو أحدهما أن أحلف له راهنه لم أحلفه لأنه لو أقر بشئ أو ادعاه لم ألزمه إقراره ولم آخذ
له بدعواه ولو أن رجلا رهن عبده رجلين وأقر لكل واحد منهما بقبضه كله بالرهن، فادعى كل واحد
منهما أن رهنه وقبضه كان قبل رهن صاحبه وقبضه ولم يقم لواحد منهما بينة على دعواه وليس الرهن في
يدي واحد منهما فصدق الراهن أحدهما بدعواه فالقول قول الراهن ولا يمين عليه للذي زعم أن رهنه
كان آخرا، ولو قامت بينة للذي زعم الراهن أن رهنه كان آخرا بأن رهنه كان أولا كانت البينة أولى من
قول الراهن ولم يكن على الراهن أن يعطيه رهنا غيره ولا قيمة رهن، ولو أن الراهن أنكر معرفة أيهما
كان أولا وسأل كل واحد منهما يمينه وادعى علمه أنه كان أولا أحلف بالله ما يعلم أيهما كان أولا وكان
الرهن مفسوخا وكذلك لو كان في أيديهما معا، ولو كان في يد أحدهما دون الآخر وصدق الراهن
الذي ليس الرهن في يديه كان فيها قولان أحدهما أن القول قول الراهن كان الحق الذي أقر له الراهن
في العبد أقل من حق الذي زعم أن رهنه كان آخرا أو أكثر، لأن ذمته لا تبرأ من حق الذي أنكر أن
يكون رهنه آخرا ولا تصنع كينونة الرهن ههنا في يده شيئا لأن الرهن ليس يملك بكينونته في يده،
والآخر أن القول قول الذي في يديه الرهن لأنه يملك بالرهن مثل ما يملك المرتهن غيره.
الرسالة في الرهن
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا دفع الرجل إلى الرجل متاعا فقال له: ارهنه عند فلان
فرهنه عنده فقال الدافع إنما أمرته أن يرهنه عندك بعشرة، وقال المرتهن جاءني برسالتك في أن
أسلفك عشرين فأعطيته إياها فكذبه الرسول فالقول قول الرسول والمرسل ولا أنظر إلى قيمة الرهن، ولو
صدقه الرسول فقال قد قبضت منك عشرين ودفعتها إلى المرسل وكذبه المرسل كان القول قول المرسل
مع يمينه ما أمره إلا بعشرة ولا دفع إليه إلا هي وكان الرهن بعشرة وكان الرسول ضامنا للعشرة التي أقر
178

بقبضها مع العشرة التي أقر المرسل بقبضها ولو دفع إليه ثوبا فرهنه عند رجل وقال الرسول امرتني برهن
الثوب عند فلان بعشرة فرهنته وقال المرسل أمرتك أن تستسلف من فلان عشرة بغير رهن ولم آذن لك
في رهن الثوب فالقول قول صاحب الثوب والعشرة حالة عليه ولو كانت المسألة بحالها فقال أمرتك
بأخذ عشرة سلفا في عبدي فلان وقال الرسول بل في ثوبك هذا أو عبدك هذا العبد غير الذي أقر به
الآمر فالقول قول الآمر والعشرة حالة عليه ولا رهن فيما رهن به الرسول ولا فيما أقر به الآمر لأنه لم يرهن
إلا أن يجددا فيه رهنا ولو كانت المسألة بحالها فدفع المأمور الثوب أو العبد الذي أقر الآمر أنه أمره برهنه
كان العبد مرهونا والثوب الذي أنكر الآمر أنه أمره برهنه خارجا من الرهن ولو أقام المرتهن البينة أن
الآمر أمر برهن الثوب وأقام الآمر البينة أنه أمر برهن العبد دون الثوب ولم يرهن المأمور العبد أو أنه نهى
عن رهن الثوب كانت البينة بينة المرتهن وأجزت له ما أقام عليه البينة رهنا لأني إذا جعلت بينهما صادقة
معا، لم تكذب إحداهما الأخرى لأن بينة المرتهن بأن رب الثوب أكره برهنه قد تكون صادقة بلا
تكذيب لبينة الراهن أنه نهى عن رهنه ولا أنه أمر رهن غيره لأنه قد ينهى عن رهنه بعد ما يأذن فيه
ويرهن فلا ينفسخ ذلك الرهن وينهى عن رهنه قبل يرهن ثم يأذن فيه، فإذا رهنه فلا يفسخ ذلك
الرهن، فإذا كانتا صادقتين بحال لم يحكم لهما حكم المتضادتين اللتين لا تكونان أبدا إلا وإحداهما
كاذبة.
شرط ضمان الرهن
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا رهن الرجل الرجل عبدا بمائة ووضع الرهن على يدي
عدل على أنه إن حدث في الرهن حدث ينقص ثمنه من المائة، أو فات الراهن أو تلف فالمائة مضمونة
على أجنبي أو ما نقص الرهن مضمون على أجنبي أو على الذي على يديه الرهن حتى يستوفى صاحب
الحق رهنه أو يضمن الموضوع على يديه الرهن أو أجنبي ما نقص الرهن كان الضمان في ذلك كله ساقطا
لأنه لا يجوز الضمان إلا بشئ معلوم، ألا ترى أن الرهن إن وفى لم يكن ضامنا لشئ وإن نقص
ضمن في شرطه فيضمن مرة دينارا ومرة مائتي دينار ومرة مائة وهذا ضمان مرة ولا ضمان أخرى وضمان
غير معلوم ولا يجوز الضمان حتى يكون بأمر معلوم ولو رهن رجل رجلا رهنا بمائة وضمن له رجل المائة
عن الراهن كان الضمان له لازما وكان للمضمون له أن يأخذه بضمانه دون الذي عليه الحق وقيل يباع
الرهن وإذا كان لرجل على رجل حق إلى أجل فزاده في الأجل على أن يرهنه رهنا فرهنه إياه فالرهن
مفسوخ والدين إلى أجله الأول.
تداعى الراهن وورثة المرتهن
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا مات المرتهن وادعى ورثته في الرهن شيئا، فالقول قول
الراهن وكذلك القول قوله لو كان المرتهن حيا فاختلفا وكذلك قول ورثة الراهن وإذا مات المرتهن
فادعى الراهن أو ورثته أن الميت اقتضى حقه أو برأه منه فعليهم البينة فالقول قول ورثة الذي له الحق
إذا عرف لرجل حقا أبدا فهو لازم لمن كان عليه لا يبرأ منه إلا بإبراء صاحب الحق له أو ببينة تقوم عليه
179

بشئ يثبتونه بعينه فيلزمه ولو رهن رجل رجلا رهنا بمائة دينار ثم مات المرتهن أو غلب على عقله فأقام
الراهن البينة على أنه قضاه من حقه الذي به الرهن عشرة وبقيت عليه تسعون فإذا أداها، فك له
الرهن وإلا بيع الرهن عند محله واقتضيت منه التسعون ولو قالت البينة قضاه شيئا ما نثبته أو قالت البينة
أقر عندنا المرتهن أنه اقتضى منه شيئا ما نثبته كان القول قول ورثته إن كان ميتا قبل أقروا فيها بشئ ما
كان واحلفوا ما تعلمون أنه أكثر منه وخذوا ما بقي من حقكم ولو كان الراهن الميت والمرتهن الحي كان
القول قول المرتهن فإن قال المرتهن قد قضاني شيئا من الحق ما أعرفه قيل للراهن إن كان حيا وورثته إن
كان ميتا ادعيتم شيئا تسمونه أحلفناه لكم فإن حلف برئ منه وقلنا أقر بشئ ما كان فما أقر به وحلف
ما هو أكثر منه، قبلنا قوله فيه.
جناية العبد المرهون على سيده وملك سيده عمدا أو خطأ
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا رهن الرجل عبده فجنى العبد على سيده جناية تأتى على
نفسه فولى سيده بالخيار بين القصاص منه وبين العفو بلا شئ في رقبته فإن اقتص منه فقد بطل الرهن
فيه وإن عفا عنه بلا شئ يأخذه منه فالعبد مرهون بحاله وإن عفا عنه بأخذ ديته من رقبته ففيها قولان
أحدهما أن جنايته على سيده إذا أتت على نفس سيده كجنايته على الأجنبي لا تختلف في شئ ومن
قال هذا قال: إنما منعني إذا ترك الولي القود على أخذ المال أن أبطل الجناية أن الجناية التي لزمت
العبد مال للوارث والوارث ليس بمالك للعبد يوم جنى فيبطل حقه في رقبته بأنه ملك له والقول الثاني
أن الجناية هدر من قبل أن الوارث إنما يملكها بعدما يملكها المجني عليه، ومن قال هذا قال لولا أن
الميت مالك ما قضى بها دينه ولو كان للسيد وارثان فعفا أحدهما عن الجناية بلا مال كان العفو في القول
الأول جائزا وكان العبد مرهونا بحاله وإن عفا الآخر بمال يأخذه بيع نصفه في الجناية وكان للذي لم
يعف ثمن نصفه إن كان مثل الجناية أو أقل وكان نصفه مرهونا وسواء الذي عفا عن المال والذي عفا
عن غير شئ فيما وصفت ولو كانت المسألة بحالها وللسيد المقتول ورثة صغار وبالغون وأراد البالغون قتله
لم يكن لهم قتله حتى يبلغ الصغار ولو أراد المرتهن بيعه عند محل الحق قبل أن يعفو أحد من الورثة لم
يكن ذلك له وكان له أن يقوم في مال الميت بماله قيام من لا رهن له فإن حاص الغرماء فبقي من حقه
شئ ثم عفا بعض ورثة الميت البالغين بلا مال يأخذه كان حق العافين من العبد رهنا له يباع له دون
الغرماء حتى يستوفى حقه، وإذا عفا أحد الورثة البالغين عن القود فلا سبيل إلى القود ويباع نصيب
من لم يبلغ من الورثة ولم يعف، إن كان البيع نظرا له في قول من قال إن ثمن العبد يملك بالجناية على
مالكه حتى يستوفوا مواريثهم من الدية إلا أن يكون في ثمنه فضل عنها فيرد رهنا ولو كانت جناية العبد
المرهون على سيده الراهن عمدا فيها قصاص لم يأت على النفس كان للسيد الراهن الخيار في القود أو
العفو فإن عفا على غير شئ فالعبد رهن بحاله وإن قال أعفو على أن أخذ آرش الجناية من رقبته فليس
له ذلك والعبد رهن بحاله ولا يكون له على عبده دين وإن كانت جنايته على سيده عمدا لا قود فيها أو
خطأ فهي هدر، لأنه لا يستحق بجنايته عليه من العبد إلا ما كان له قبل جنايته ولا يكون له دين عليه
لأنه مال له ولا يكون له على ماله دين وإن جنى العبد المرهون على عبد للسيد جناية في نفس أو ما
دونها فالخيار إلى السيد الراهن فإن شاء اقتص منه في القتل وغيره مما فيه القصاص وإن شاء عفا وبأي
180

الوجهين عفا فالعبد رهن بحاله إن عفا على غير شئ أو عفا على مال يأخذه فالعبد رهن بحاله ولا مال
له في رقبة عبده، ولو كانت جناية العبد المرهون على عبد للراهن مرهون عند آخر كان للسيد الخيار في
القود أو في العفو بلا شئ يأخذه فأيهما اختار فذلك له ليس لمرتهن العبد المجني عليه أن يمنعه من ذلك
وإن اختار العفو على مال يأخذه فالمال مرهون في يدي مرتهن العبد المجني عليه وإن اختار سيد العبد
عفو المال بعد اختياره إياه لم يكن ذلك له لحق المرتهن فيه (قال الشافعي) وبحق المرتهن أجزت للسيد
الراهن أن يأخذ جناية المرتهن على عبده من عتق عبده الجاني ولا يمنع المرتهن السيد العفو على غير
مال، لأن المال لا يكون على الجاني عمدا حتى يختاره ولى الجناية وإذا جنى العبد المرهون على أم ولد
للراهن أو مدبر أو معتق إلى أجل فهي كجنايته على مملوكه والعبد مرهون بحاله فإن جنى على مكاتب
السيد فقتله عمدا فللسيد القود أو العفو فإن ترك القود فالعبد رهن بحاله وإن كانت الجناية على المكاتب
جرحا فللمكاتب القود أو العفو على مال يأخذه وإذا عفاه عنه على مال بيع العبد الجاني فدفع إلى
المكاتب أرش الجناية عليه وإذا حكم للمكاتب بأن يباع له العبد في الجناية عليه ثم مات المكاتب قبل
بيعه أو عجز فلسيد المكاتب بيعه في الجناية حتى يستوفيها فيكون ما فضل من ثمنه أو رقبته رهنا، لأنه
إنما يملك بيعه عن مكاتبه بملك غير الملك الأول، ولو بيع والمكاتب حي ثم اشتراه السيد لم يكن عليه
أن يعيده رهنا، لأنه ملكه بغير الملك الأول وإذا جنى العبد المرهون على ابن للراهن أو أخ أو مولى
جناية تأتى على نفسه والراهن وارث المجني عليه فللراهن القود أو العفو على الدية أو غير الدية فإذا عفا
على الدية بيع العبد وخرج من الرهن فإن اشتراه الراهن فهو مملوك له لا يجبر أن يعيده إلى الرهن لأنه
ملكه بغير الملك الأول، وإن قال المرتهن أنا أسلم العبد وأفسخ الرهن فيه وحقى في ذمة الراهن قيل:
إن تطوعت بذلك وإلا لما تكره عليه وبلغنا الجهد في بيعه فإن فضل من ثمنه فضل فهو رهن لك وإن
لم يفضل فالحق أتى على رهنه وإن ملكه الراهن بشراء أو ترك منه للرهن لم يكن عليه أن يعيده رهنا
لأنه ملكه بملك غير الأول وبطل الأول وبطل الرهن بفسخك الرهن ألا ترى أن رجلا لو رهن رجلا
عبدا فاستحقه عليه رجل كان خارجا من الرهن وإن ملكه الراهن لم يكن عليه أن يعيده رهنا لمعنيين
أحدهما أنه إذا كان رهنه وليس له فلم يكن رهنا كما لو رهنه رهنا فاسدا لم يكن رهنا والآخر أن هذا
الملك غير الملك الأول وإنما يمنعني أن أبطل جناية العبد المرهون إذا جنى على ابن سيده أو على أحد
السيد وارثه أن الجناية إنما وجبت للمجني عليه والمجني عليه غير سيد الجاني ولا راهنه وإنما ملكها
سيده الراهن عن المجني عليه بموت المجني عليه وهذا ملك غير ملك السيد الأول ولو أن رجلا رهن
عبده ثم عدا العبد المرهون على ابن لنفسه مملوك للراهن فقتله عمدا أو خطأ أو جرحه جرحا عمدا أو
خطأ فلا قود بين الرجل وبين ابنه والجناية مال في عنق العبد المرهون فلا يكون للسيد بيعه بها ولا
إخراجه من الرهن لأنه لا يكون له في عنق عبده دين وهكذا لو كانت أمة فقتلت ابنها (1) ولو كان
الابن المقتول رهنا لرجل غير المرتهن للأب بيع العبد الأب القاتل فجعل ثمن العبد المرهون المقتول رهنا
في يدي المرتهن مكانه ولو كان الابن مرهونا لرجل غير مرتهن الأب بيع الأب فجعل ثمن الابن رهنا
مكانه ولم يكن للسيد عفوه لأن هذا لم يجب عليه قود قط إنما وجب في عتقه مال فليس لسيده أن

(1) قوله: ولو كان الابن المقتول الخ وقوله: ولو كان الابن مرهونا الخ كذا بجميع الأصول التي بأيدينا ولعله
تكرار من النساخ. فحرر اه‍ مصححه.
181

يعفوه لحق المرتهن فيه ولو كان الأب والابن مملوكين لرجل ورهن كل واحد منهما رجلا على حدة فقتل
الابن الأب كان لسيد الأب أن يقتل الابن أو يعفو عن القتل بلا مال وكذلك لو كان جرحه جرحا فيه
قود كان له القود أو العفو بلا مال فإن اختار العفو بالمال بيع الابن وجعل ثمنه رهنا مكان ما لزمه من
أرش الجناية وإذا كان هذا القتل خطأ والعبدان مرهونان لرجلين مفترقين فلا شئ للسيد من العفو
ويباع الجاني فيجعل ثمنه رهنا لمرتهن العبد المجني عليه لأنه لم يكن في أعناقهما حكم إلا المال لا خيار
فيه لولى الجناية أجنبيا كان أو سيدا وإن جنى العبد المرهون على نفسه جناية عمدا أو خطأ فهي هدر
وإن جنى العبد المرهون على امرأته أو أم ولده جناية فألقت جنينا ميتا فإن كانت الأمة لرجل فنكحها
العبد فالجناية لمالك الجارية يباع فيها الرهن فيعطى قيمة الجنين إلا أن يكون في العبد الرهن فضل عن
قيمة الجنين فيباع منه بقدر قيمة الجنين وجنايته على الجنين كجنايته على غيره خطأ ليس للسيد عفوها لحق
المرتهن فيها ويكون ما بقي منه رهنا وإذا جنى العبد المرهون عن حر جناية عمدا فاختار المجني عليه أو
أولياؤه العقل ببيع العبد المرهون بذهب أو ورق ثم اشترى بثمنه إبل فدفعت إلى المجني عليه إن كان حيا
أو أوليائه إن كان ميتا وكذلك إذا جناها خطأ وإن اختار أولياؤه العفو عن الجناية على غير شئ يأخذونه
فالعبد مرهون بحاله.
إقرار العبد المرهون بالجناية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن رهن الرجل الرجل عبدا وأقبضه المرتهن فادعى عليه المرتهن
أنه جنى عليه أو على رجل هو وليه جناية عمدا في مثلها قود فأقر بذلك العبد المرهون وأنكر الراهن
ذلك أو لم يقر به ولم ينكره فإقرار العبد لازم له وهو كقيام البينة عليه ولا يكون قبوله أن يرتهنه وهو
جان عليه إبطالا لدعواه لجناية كانت قبل الرهن أو بعده أو معه وله الخيار في أخذ القود أو العفو بلا
مال أو العفو بمال فإن اختار القود فذلك وإن اختار العفو بلا مال فالعبد مرهون بحاله وإن اختار المال
بيع العبد في الجناية فما فضل من ثمنه كان رهنا وإن أقر العبد بجناية خطأ أو عمدا لا قود فيها بحال أو
كان العبد مسلما والمرتهن كافرا فأقر عليه بجناية عمدا أو أقر بجناية على ابن نفسه وكل من لا يقاد منه
بحال بإقراره باطل لأنه أقر في عبوديته بمال في عنقه وإقراره بمال في عنقه كإقراره بمال على سيده لأن
عتقه وما بيعت به عتقه مال لسيده ما كان مملوكا لسيده وسواء كان ما وصفت من الاقرار على المرتهن أو
أجنبي غير المرتهن ولو كان مكان الأجنبي والمرتهن سيد العبد الراهن فأقر العبد بجناية على سيده قبل
الرهن أو بعده وكذبه المرتهن فإن كانت الجناية مما فيه قصاص جازت على العبد فإن اقتص فذلك وإن
لم يقتص فالعبد مرهون بحاله فإن كانت الجناية عمدا على ابن الراهن أو من الراهن وليه فأتت على
نفسه فأقر بها العبد المرهون فإقراره جائز ولسيده الراهن قتله أو العفو على مال يأخذه في عنقه كما يكون
ذلك له في الأجنبي والعفو على غير مال فإن عفا على غير مال فهو رهن بحاله ولا يجوز إقرار العبد الرهن
ولا غير الرهن على نفسه حتى يكون ممن تقوم عليه الحدود فإذا كان ممن تقوم عليه الحدود فلا يجوز
إقراره على نفسه إلا فيما فيه القود وإذا أقر العبد المرهون على نفسه بأنه جنى جناية خطأ على غير سيده
وصدقه المرتهن وكذبه مالك العبد فالقول قول مالك العبد مع يمينه والعبد مرهون بحاله وإذا بيع بالرهن
182

لم يحكم على المرتهن بأن يعطى ثمنه ولا شيئا منه للمجني عليه وإن كان في إقراره أنه أحق بثمن العبد
منه لأن إقراره يجمع معنيين أحدهما أنه أقر به في مال غيره ولا يقبل إقراره في مال غيره والآخر أنه إنما
أقر للمجني عليه بشئ إذا ثبت له فماله ليس في ذمة الراهن فلما سقط أن يكون ماله في ذمة الراهن
دون العبد سقط عنه الحكم بإخراج ثمن العبد من يديه والورع للمرتهن أن يدفع من ثمنه إلى المجني عليه
قدر أرش الجناية وإن جحده حل له أن يأخذ أرش ذلك من ثمن العبد ولا يأخذه إن قدر من مال
الراهن غير ثمن العبد وهكذا لو أنكر العبد الجناية وسيده أقر بها المرتهن ولو ادعى المرتهن أن العبد
المرهون في يديه جنى عليه جناية خطأ وأقر بذلك العبد وأنكر الراهن كان القول قوله ولم يخرج العبد
من الرهن وحل للمرتهن أخذ حقه في الرهن من وجهين من أصل الحق والجناية إن كان يعلمه صادقا
ولو ادعى الجناية على العبد المرهون خطأ لابن له هو وليه وحده أو معه فيه ولى غيره والجناية خطأ وأقر بذلك
العبد وأنكره السيد فالقول فيه قول السيد والعبد مرهون بحاله وهي كالمسألة في دعوى الأجنبي على
العبد الجناية خطأ وإقرار العبد والمرتهن بها وتكذيب المالك له.
جناية العبد المرهون على الأجنبيين
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا جنى العبد المرهون أو جنى عليه فجنايته والجناية عليه كجناية
العبد غير المرهون والجناية عليه ومالكه الراهن الخصم فيه فيقال له إن فديته بجميع أرش الجناية فأنت
متطوع والعبد مرهون بحاله وإن لم تفعل لم تجبر على أن تفديه وبيع العبد في جنايته وكانت الجناية أولى
به من الرهن كما تكون الجناية أولى به من ملكك فالرهن أضعف من ملكك لأنه إنما يستحق فيه شئ
بالرهن بملكك فإن كانت الجناية لا تبلغ قيمة العبد المرهون ولم يتطوع مالكه بأن يفيده لم يجبر سيده ولا
المرتهن على أن يباع منه إلا بقدر الجناية ويكون ما بقي منه مرهونا ولا يباع كله إذا لم تكن الجناية تحيط
بقيمته إلا باجتماع الراهن والمرتهن على بيعه فإذا اجتمعا على بيعه بيع فأديت الجناية وخير مالكه بين أن
يجعل ما بقي من ثمنه قصاصا من الحق عليه أو يدعه رهنا مكان العبد لأنه يقوم مقامه ولا يكون تسليم
المرتهن بيع العبد الجاني كله وإن كان فيه فضل كبير عن الجناية فسخا منه لرهنه ولا ينفسخ فيه الرهن
إلا بأن يبطل حقه فيه أو يبرأ الراهن من الحق الذي به الرهن ولا أحسب أحدا يعقل يختار أن يكون
ثمن عبده رهنا غير مضمون على أن يكون قصاصا من دينه وتبرأ ذمته مما قبض منه وإذا اختار أن يكون
رهنا لم يكن للمرتهن الانتفاع بثمنه وإن أراد الراهن قبضه لينتفع به لم يكن ذلك له وليس المنفعة
بالثمن الذي هو دنانير ودراهم كالمنفعة بالعبد الذي هو عين لو باعه لم يجز بيعه ورد بحاله وإذا بيع العبد
المرهون في الجناية أو بعضه لم يكلف الراهن أن يجعل مكانه رهنا لأنه بيع بحق لزمه لا إتلاف منه هو له
وإن أراد المرتهن أن يفديه بالجناية قيل له إن فعلت فأنت متطوع وليس لك الرجوع بها على مالك العبد
والعبد رهن بحاله وإن فداه بأمر سيده وضمن له: ما فداه به رجع بما فداه به على سيده ولم يكن رهنا
إلا أن يجعله له رهنا به فيكون رهنا به مع الحق الأول (قال الربيع) معنى قول الشافعي إلا أن يريد أن
ينفسخ الرهن الأول فيجعله رهنا بما كان مرهونا وبما فداه به بإذن سيده (قال الشافعي) وإن كانت
جناية العبد الرهن عمدا فأراد المجني عليه أو وليه أن يقتص منه فذلك له ولا يمنع الرهن حقا عليه في
عنقه ولا في بدنه ولو كان جنى قبل أن يرهن ثم قام عليه المجني عليه كان ذلك له كما يكون له لو جنى
183

بعد أن كان رهنا لا يختلف ذلك ولا يخرجه من الرهن أن يجنى قبل أن يكون رهنا ثم يرهن ولا بعد
أن يكون رهنا إذا لم يبع في الجناية وإذا جنى العبد المرهون وله مال أو اكتسب بعد الجناية مالا أو
وهب له فماله لسيده الراهن دون المرتهن وجنايته في عنقه كهى في عنق العبد غير المرهون ولو بيع العبد
المرهون فلم يتفرق البائع والمشترى حتى جنى كان للمشترى رده لأن هذا عيب حدث به وله رده بلا
عيب ولو جنى ثم بيع فعلم المشترى قبل التفرق أو بعده بجنايته كان له رده لأن هذا عيب دلس له ولو
بيع وتفرق المتبايعان أو خير أحدهما صاحبه بعد البيع فاختار إمضاء البيع ثم جنى كان من المشترى ولم
يرد البيع لأن هذا حادث في ملكه بعد تمام البيع بكل حال له ولو جنى العبد الرهن جناية عمدا كان
للمجني عليه أو وليه الخيار بين الأرش والقصاص فإن اختار الأرض كان في عنق العبد يباع فيه كما
يباع في الجناية خطأ وإن اختار القصاص كان له وإذا جنى العبد المرهون فلم يفده سيده بالجناية فبيع
فيها لم يكلف سيده أن يأتي برهن سواه لأنه بيع عليه بحق لا جناية للسيد فإن كان السيد أمر العبد
بالجناية وكان بالغا يعقل فهو آثم ولا يكلف السيد إذا بيع فيها أو قتل أن يأتي برهن غيره وإن كان العبد
صبيا أو أعجميا فبيع في الجناية كلف السيد أن يأتي بمثل قيمته ثمنا ويكون رهنا مكانه إلا أن يشاء أن
يجعلها قصاصا من الحق وإذا تم الرهن بالقبض كان المرتهن أولى به من غرماء السيد وورثته إن مات
وأهل وصاياه حتى يستوفى فيه ثم يكون لهم الفضل عن حقه وإذا أذن الرجل للرجل أن يرهن عبدا
للاذن فرهنه فجنى العبد المرهون جناية فجنايته في عنقه والقول في هل يرجع سيد العبد الآذن على
الراهن المأذون له بما لزم عبده من جنايته وبتلف إن أصابه في يديه قبل أن يفديه كما يرجع عليه لو أن
العبد المرهون عارية في يديه لا رهن أو لا يرجع؟ قولان أحدهما أنه عارية فهو ضامن له كما تضمن
العارية والآخر أنه لا يضمن شيئا مما أصابه ومن قال هذا قال: فليس كالعارية لأن خدمته لسيده
والرهن في عنقه كضمان سيده لو ضمن عن الراهن والعارية ما كانت منفعتها مشغولة عن معيرها ومنفعة
هذا له قائمة (1) ومن ضمن الراهن ضمن رجلا لو رهن الرجل عن الرجل متاعا له بأمر المرهون وكان
هذا عندي أشبه القولين. والله تعالى أعلم.
الجناية على العبد المرهون فيما فيه قصاص
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا رهن الرجل الرجل عبده وقبضه المرتهن فجنى على العبد المرهون
عبد للراهن أو للمرتهن أو لغيرهما جناية أتت على نفسه فالخصم في الجناية سيد العبد الراهن ولا ينتظر
الحاكم المرتهن ولا وكيله ليحضر السيد لأن القصاص إلى السيد دون المرتهن وعلى الحاكم إذا ثبت ما
فيه القصاص أن يخير سيد العبد الراهن بين القصاص وأخذ قيمة عبده إلا أن يعفو فإن اختار
القصاص دفع إليه قاتل عبده فإن قتله قتله بحقه ولم يكن عليه أن يبدل المرتهن شيئا مكانه كما لا يكون
عليه لو مات أن يبدله مكانه ولو عفا عنه بلا مال يأخذه منه كان ذلك له لأنه دم ملكه فعفاه وإن
اختار أخذ قيمة عبده أخذه القاضي بأن يدفعه إلى المرتهن إن كان الرهن على يديه أو من على يديه
الرهن إلا أن يشاء أن يجعله قصاصا من حق المرتهن عليه وإن اختار ترك القود على أخذ قيمة عبده ثم

(1) قوله: ومن ضمن الراهن إلى قوله " بأمر الرهون " كذا بالأصول التي عندنا وتأمل. كتبه مصححه.
184

أراد عفوا بلا أخذ قيمة عبده لم يكن ذلك له وأخذت قيمة عبده فجعلت رهنا وكذلك لو اختار أخذ
المال ثم قال أنا أقتل قاتل عبدي فليس ذلك له وإن اختار أخذ المال بطل القصاص لأنه قد أخذ أحد
الحكمين وترك الآخر وإن عفا المال الذي وجب له بعد اختياره أو أخذه وهو أكثر من قيمة عبده أو مثله
أو أقل لم يجز عفوه لأنه وهب شيئا قد وجب رهنا لغيره وإذا برئ من المال بأن يدفع الحق إلى المرتهن
من مال له غير المال المرهون أو أبرأه منه المرتهن رد المال الذي عفاه عن العبد الجاني على سيد الجاني
لأن العفو براءة من شئ بيد المعفو عنه فهو كالعطية المقبوضة وإنما رددتها لعلة حق المرتهن فيها فإذا
ذهبت تلك العلة فهي تامة لسيد العبد الجاني بالعفو المتقدم وإذا قضى المرتهن حقه مما أخذ من قيمة
عبده لم يغرم من المال الذي قضاه شيئا للمعفو عنه وإن فضل في يديه فضل عن حقه رده على سيد
العبد المعفو عنه الجناية والمال وإن أراد مالك العبد الراهن أن يهب للمرتهن ما فضل عن حقه لم يكن
ذلك له وإن قضى بقيمة العبد المقتول المرهون دراهم وحق المرتهن دنانير وأخذها الراهن فدفعها إلى
المرتهن فأراد الراهن أن يدعها للمرتهن بحقه ولم يرد ذلك المرتهن لم يكن ذلك له وبيعت فأعطى
صاحب الحق وسيد العبد العفو عنه ما فضل من أثمانها وإنما منعني لو كان الراهن موسرا أن أسلم عفوه
عن المال بعد أن اختاره وأصنع فيه ما أصنع في العبد لو أعتقه وهو موسر أن حكم العتق مخالف جميع
ما سواه أنا إذا وجدت السبيل إلى العتق ببدل منه أمضيته وعفو المال مخالف له فإذا عفا ما غيره أحق به
حتى يستوفى حقه كان عفوه في حق غيره باطلا كما لو وهب عبده المرهون لرجل وأقبضه إياه أو تصدق
به عليه صدقة محرمة وأقبضه إياه كان ما صنع من ذلك مردودا حتى يقبض المرتهن حقه من ثمن رهنه
والبدل من رهنه يقوم مقام رهنه لا يختلفان ولو جنى على العبد المرهون ثلاثة أعبد كان على الحاكم أن
يخير سيد العبد المقتول بين القصاص وبين أخذ قيمة عبده أو العفو فإن اختار القصاص فيهم فذلك له
في قول من قتل أكثر من واحد بواحد وإن اختار أن يقتص من أحدهم ويأخذ ما لزم الاثنين من قيمة
عبده كان له ويباعان فيها كما وصفت ويكون ثمن عبده من ثمنهما رهنا كما ذكرت وإن اختار أن يأخذ ثمن
عبده منهما ثم أراد عفوا عنهما أو عن أحدهما كان الجواب فيها كالجواب في المسألة قبلها في العبد الواحد
إذا اختار أخذ قيمة عبده من رقبته ثم عفاها وأحب أن يحضر الحاكم المرتهن أو وكيله احتياطا لئلا
يختار الراهن أخذ المال ثم يدعه أو يفرط فيه فيهرب العبد الجاني وإن اختار الراهن أخذ المال من
الجاني على عبده ثم فرط فيه حتى يهرب الجاني لم يغرم الراهن شيئا بتفريطه ولم يكن عليه أن يضع
رهنا مكانه، وكان كعبده لو رهنه رجلا فهرب ولا أجعل الحق حالا بحال وهو إلى أجل ولو تعدى فيه
الراهن، ولو جنى حر وعبد على عبد مرهون جناية عمدا كان نصف قيمة العبد المرهون على الحر في
ماله حالة تؤخذ منه فتكون رهنا إلا أن يتطوع الراهن بأن يجعلها قصاصا إذا كانت دنانير أو دراهم وخير
في العبد كما وصفت بين قتله أو العفو عنه أو أخذ قيمة عبده من عنقه فإن مات العبد الجاني فقد بطل
ما عليه من الجناية وإن مات الحر فنصف قيمته في ماله وإن أفلس الحر فهو غريم وكل ما أخذ منه كان
مرهونا والحق كله في ذمة الراهن لا يبرأ منه بتلف الرهن وتلف العوض منه بحال، ولو كانت الجناية
على العبد المرهون جناية دون النفس مما فيه القصاص كان القول فيها كالقول في الجناية في النفس لا
يختلف يخير السيد الراهن بين أخذ القصاص لعبده، أو العفو عن القصاص بلا شئ أو أخذ العقل
فإن اختار أخذ العقل كان كما وصفت، ولا خيار للعبد المجني عليه، إنما الخيار لمالكه لا له لأنه يملك
بالجناية مالا والملك لسيده دونه ولو كان الجاني على العبد المرهون عبدا للراهن أو عبدا له وعبدا لغيره
185

ابن أو غيره كان القول في عبد غيره ابنه كان أو غيره كالقول في المسائل التي قبله وخير في عبده الجاني
على عبده كما يخير في عبيد غيره بين القود أو العفو عن القود بلا شئ يأخذه لأنه إنما يدع قودا جعل
إليه تركه وإن لم يعف القود إلا على اختيار العوض من المال كان عليه أن يفدى عبده الجاني إن كان
منفردا بجميع أرش الجناية فإذا فعل خير بين أن يجعلها قصاصا أو يسلمها رهنا فإن كان أرش الجناية
ذهبا أو ورقا كالحق عليه فشاء أن يجعله قصاصا فعل وإن كانت إبلا أو شيئا غير الحق فشاء أن يبيعها
ويقضى المرتهن منها حتى يستوفى حقه أو لا يبقى من ثمنها شيئا فعل وإن شاء أن يبيعها ويجعل ثمنها
رهنا لم يكن له ذلك لأن البدل من العبد المرهون يقوم مقامه ولا يكون له أن يبيع البدل منه كما لا
يكون له أن يبيعه ويجعل ثمنه رهنا ولا يبدله بغيره فإن قضى بجناية العبد دنانير والحق دراهم كانت
الدنانير رهنا ولا يكون للمرتهن أن يجعل ثمن العبد المبيع في الجناية دراهم كالحق ثم يجعلها رهنا وعليه
أن يجعلها رهنا كما بيع عبده بهما فإذا كانت جناية عبد الراهن غير المرهون على عبده المرهون في شئ
فيه قصاص دون النفس فهكذا لا يختلف ولو أن رجلا رهن رجلا عبدا ورهن آخر عبدا فعدا أحد
عبديه على الآخر فقتله أو جنى عليه جناية دون النفس فيها قود فالقول فيها كالقول في عبد غير مرهون
وعبد أجنبي يجنى على عبده يخير بين قتله أو القصاص من جراحه أو العفو بلا أخذ شئ فإن عفا فالعبد
مرهون بحاله وإن اختار أخذ المال بيع العبد المرهون ثم جعلت قيمة العبد المرهون المقتول رهنا مكانه إلا
أن يشاء الراهن أن يجعلها قصاصا وإن كانت جرحا جعل أرش جرح العبد المرهون رهنا مع العبد
المرهون كشئ من أصل الرهن وإن كانت الجناية جرحا لا يبلغ قيمة العبد المرهون الجاني جبر الراهن
والمرتهن على أن يباع منه بقدر أرش الجناية ولم يجبرا على بيعه إلا أن يشاءا ذلك وكان ما يبقى من العبد
رهنا بحاله ولو رضى صاحب الحق المجني على رهنه وسيد العبد المرهون الجاني ومرتهنه بأن يكون سيد
العبد المجني عليه شريكا للمرتهن في العبد الجاني بقدر قيمة الجناية لم يجز ذلك لأن العبد المجني عليه
ملك للراهن لا للمرتهن وجبر على بيع قدر الرهن إلا أن يعفو المرتهن حقه وإذا رهن الرجل عبدا فأقر
العبد بجناية عمدا فيها القود وكذبه الراهن والمرتهن فالقول قول العبد والمجني عليه بالخيار في القصاص
أو اخذ المال وإن كانت عمدا لا قصاص فيها أو خطأ فإقرار العبد ساقط عنه في حال العبودية، ولو أقر
سيد العبد المرهون أو غير المرهون على عبده أنه جنى جناية فإن كانت مما فيه قصاص فإقراره ساقط عن
عبده إذا أنكر العبد وإن كانت مما لا قصاص فيه فإقراره لازم لعبده لأنها مال وإنما أقر في ماله (قال
أبو محمد) وفيها قول آخر أنه لا يخرج العبد من يدي المرتهن بإقرار السيد أن عبده قد لزمه جناية لا
قصاص فيها لأنه إنما يقر في عبد المرتهن أحق برقبته حتى يستوفى حقه فإذا استوفى حقه كان للذي أقر
له السيد بالجناية أن يكون أحق بالعبد حتى يستوفى جنايته.
الجناية على العبد المرهون فيما فيه العقل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا جنى أجنبي على عبد مرهون جناية لا قود فيها على الجاني
بحال مثل أن يكون الجاني حرا فلا يقاد منه مملوك أو يكون الجاني أب العبد المجني عليه أو جده أو أمه
أو جدته أو يكون الجاني لم يبلغ أو معتوها أو تكون الجناية مما لا قود فيه بحال مثل المأمومة والجائفة أو
186

تكون الجناية خطأ فمالك العبد المرهون الخصم في الجناية وان أحب المرتهن حضر الخصومة وإذا قضى
على الجاني بالأرش في العبد المرهون لم يكن لسيد العبد الراهن عفوها ولا أخذ أرش الجناية دون
المرتهن وخير الراهن بين أن يكون أرش الجناية قصاصا من الدين الذي في عنق العبد أو يكون موضوعا
للمرتهن على يدي من كان الرهن على يديه إلى أن يحل الحق ولا أحسب أحدا يعقل يختار أن يكون
أرش الجناية موضوعا غير مضمون على أن يكون قصاصا وسواء أتت الجناية على نفس العبد المرهون أو
لم تأت عليها إذا كانت جناية لها أرش لا قود فيها، وإن كان أرش الجناية ذهبا أو فضة فسأل الراهن أن
يتركه والانتفاع بها كما يترك خدمة العبد وركوب الدابة المرهونة وسكنى الدار وكراءها لم يكن ذلك له
لأن العبد والدابة والدارعين قائمة معلومة لا تتغير والعبد والدابة ينفعان بلا ضرر عليهما ويردان إلى
مرتهنهما والدار لا تحول ولا ضرر في سكنها على مرتهنها والدنانير والدراهم لا مؤنة فيها على راهنها ولا
منفعة لها إلا بأن تصرف في غيرها وليس للراهن صرف الرهن في غيره لأن ذلك ابداله ولا سبيل له
إلى إبدالها وهي تختلط وتسبك ولا تعرف عينها وإن كان صلحا برضا المرتهن كن أرش جنايته على إبل
وهي موضوعة على يدي من الرهن على يديه، وعلى الراهن علفها وصلاحها وله أن يكريها وينتفع بها
كما يكون ذلك له في إبل له لو رهنها، وإن سأل المرتهن أن تباع الإبل فتجعل ذهبا أو ورقا لم يكن
ذلك له لأن ذلك كعين رهنه إذ رضى به، كما لو سأل الراهن إبدال الرهن لم يكن ذلك له وإن أراد
الراهن مصالحة الجاني على عبده بشئ غير ما وجب له لم يكن ذلك له لأن ما وجب له يقوم مقامه
ومصالحته بغيره إبدال له كأن وجب له دنانير فأراد مصالحته بدراهم إلا أن يرضى بذلك المرتهن فإذا
رضى به فما أخذ بسبب الجناية على رهنه فهو رهن له، وإن أراد سيد العبد المرهون العفو عن أرش
الجناية على عبده لم يكن ذلك له إلا أن يبرئه المرتهن أو يوفيه الراهن حقه متطوعا به ولو كانت الجناية
على العبد أكثر من حق المرتهن مرارا لم يكن له أن يضع شيئا من الجناية كما لو زاد العبد في يديه لم يكن
له أن يخرج قيمة زيادته من رقبته إلا أن يتطوع مالك العبد الراهن بأن يدفع إلى المرتهن جميع حقه
في العبد حالا، فإن فعل فذلك له فإن أراد المرتهن ترك الرهن وأن لا يأخذ حقه حالا لم يكن ذلك له
وجبر على أخذه إلا أن يشاء إبطال حقه فيبطل إذا أبطله (قال) والجناية على الأمة المرهونة كالجناية
على العبد المرهون، لا تختلف في شئ إلا في الجناية عليها بما يقع على غيرها فإن ذلك في الأمة
وليس في العبد بحال وذلك مثل أن يضرب بطنها فتلقى جنينا فيؤخذ أرش الجنين ويكون لمالكه لا
يكون مرهونا معها وإن نقصها نقصا له قيمة بلا جرح له أرش يبقى أثره لم يكن على الجاني شئ سوى
أرش الجنين لأن الجنين المحكوم فيه، وإن جنى على الأمة جناية لها جرح له عقل معلوم أو فيه حكومة
وألقت جنينا أخذ من الجاني أرش الجرح أو حكومته فكان رهنا مع الجارية لأن حكمه بها دون الجنين
وكان عقل الجنين لمالكها الراهن لأنه غير داخل في الرهن والجناية على كل رهن من الدواب كهى على
كل رهن من الرقيق لا يختلف في شئ إلا أن في الدواب ما نقصها وجراح الرقيق في أثمانهم كجراح
الأحرار في دياتهم، وفى خصلة واحدة أن من جنى على أنثى من البهائم فألقت جنينا ميتا فإنما يضمن
الجاني عليها ما نقصتها الجناية عن قيمتها تقوم يوم جنى عليها وحين ألقت الجنين فنقصت، ثم يغرم
الجاني ما نقصها فيكون مرهونا معها وإن جنى عليها فألقت جنينا حيا، ثم مات مكانه ففيها قولان
أحدهما أن عليه قيمة الجنين حين سقط لأنه جان عليه ولا يضمن إن كان إلقاؤه نقص أمه شيئا أكثر
187

من قيمة الجنين إلا أن يكون جرحا يلزم عيبه فيضمنه مع قيمة الجنين كما قيل في الأمة لا يختلفان
والثاني أن عليه الأكثر من قيمة الجنين وما نقص أمه ويخالف بينها وبين الأمة يجنى عليها فيختلفان في
أنه لا قود بين البهائم بحال على جان عليها وللآدميين قود على بعض من يجنى عليهم وكل جناية على
رهن غير آدمي ولا حيوان لا تختلف (1) سواء فيما جنى على الرهن ما نقصه لا يختلف ويكون رهنا مع
ما بقي من المجني عليه إلا أن يشاء الراهن أن يجعله قصاصا وقيمة ما جنى على الرهن غير الآدميين
ذهب أو فضة إلا أن يكون كيل أو وزن يوجد مثله فيتلف منه شئ فيؤخذ بمثله وذلك مثل حنطة رهن
يستهلكها رجل فيضمن مثلها ومثل ما في معناها وإن جنى على الحنطة المرهونة جناية تضر عينها بأن
تعفن أو تحمر أو تسود ضمن ما نقص الحنطة تقوم صحيحة غير معيبة كما كانت قبل الجناية وبالحال
التي صارت إليها بعد الجناية ثم يغرم الجاني ما نقصها من الدنانير أو الدراهم وأي نقد كان الأغلب
بالبلد الذي جنى به جبر عليه ولم يكن له الامتناع منه إن كان الأغلب بالبلد الذي جنى به دنانير
بدنانير وإن كان الأغلب دراهم فدراهم وكل قيمة فإنما هي بدنانير أو بدراهم والجناية على العبيد كلها
دنانير أو دراهم لا إبل ولا غير الدنانير والدراهم إلا أن يشاء ذلك الجاني والراهن والمرتهن أخذ إبل
وغيرها بما يصح فيكون ما أخذ رهنا مكان العبد المجني عليه إن تلف أو معه إن نقص ويكون ما غرم
رهنا مع أصل الرهن إلا أن يشاء الراهن أن يجعله قصاصا كما وصفت وإذا جنى الراهن على عبده
المرهون كانت جنايته كجناية الأجنبي لا تبطل عنه بأنه مالك له لأن فيه حقا لغيره ولا تترك بنقص حق
غيره ويؤخذ بأرش الجناية على عبده وأمته كما يؤخذ بها الأجنبي فإن شاء أن يجعلها قصاصا من الحق
بطل عن المرتهن بقدر أرش الجناية وهكذا لو جنى ابن الراهن أو أبوه أو امرأته على عبده المرهون ولو
جنى عبد للراهن غير مرهون على عبده المرهون خير الراهن بين أن يفدى عبده بجميع أرش الجناية على
عبده المرهون متطوعا أو يجعلها قصاصا من الحق أو يباع عبده فيؤدى أرش الجناية على المرهون فيكون
رهنا معه ولا تبطل الجناية على عبده عن عبده لأن في ذلك نقصا للرهن على المرتهن إلا في أن يرهن
الرجل الرجل الواحد العبدين فيجني أحدهما على الآخر والجناية خطأ أو عمد لا قود فيه لأن الراهن
المالك لا يستحق من ملك عبده المرهون إلا ما كان له قبل الجناية وأن المرتهن لا يستحق من العبد
الجاني المرهون بالرهن إلا ما كان له قبل الجناية فبهذا صارت الجناية هدرا وهكذا لو أن رجلا رهن
عبدا له بألف درهم ورهنه أيضا عبدا له آخر بمائة دينار أو بحنطة مكيلة فجنى أحدهما على الآخر كانت
الجناية هدرا لأن المرتهن مستحق لهما معا بالرهن والراهن مالك لهما معا فحالهما قبل الجناية وبعدها في
الرهن والملك سواء ولو أن رجلا رهن عبدا له رجلا ورهن عبد ا له آخر رجلا غيره فجنى أحدهما على
الآخر كانت جنايته عليه كجناية عبد أجنبي مرهون ويخير السيد بين أن يفدى العبد الجاني بجميع رأس
جناية المجني عليه فإن فعل فالعبد الجاني رهن بحاله وإن لم يفعل بيع العبد الجاني فأديت الجناية وكانت
رهنا فإن فضل منها فضل كان رهنا لمرتهن الجاني وإن كان في الجاني فضل عن أرش الجناية فشاء
الراهن والمرتهن العبد الجاني بيعه معا بيع ورد فضله رهنا إلا أن يتطوع السيد أن يجعله قصاصا وإن دعا
أحدهما إلى بيعه كله وامتنع الآخر لم يجبر على بيعه كله إذا كان في ثمن بعضه ما يؤدى أرش الجناية وجناية
المرتهن وأب المرتهن وابنه من كان منه بسبيل وعبده على الرهن كجناية الأجنبي لا فرق بينهما وإن كان

(1) سواء فيما جنى على الرهن الخ هذه العبارة هكذا بالأصول التي بيدنا وحررها فلعل فيها نقصا اه‍ مصححه.
188

الحق حالا فشاء أن تكون جنايته قصاصا كانت وإن كان إلى أجل فشاء الراهن أن يجعله قصاصا فعل
وإن لم يشأ الراهن أخرج المرتهن قيمة جنايته فكانت موضوعة على يدي العدل الموضوع على يديه الرهن
وإن كان الرهن على يدي المرتهن فشاء الراهن أن يخرج الرهن وأرش الجناية من يديه وكانت الجناية
عمدا فذلك له لأن الجناية عمدا تغير من حال الموضوع على يديه الرهن وإن كانت خطأ لم يكن له
إخراجها من يديه إلا أن يتغير حاله عن حالة الأمانة إلى حال تخالفها وإذا كان العبد مرهونا فجنى عليه
فسواء برئ الراهن مما في العبد من الرهن إلا درهما أو أقل وكان في العبد فضل أو لم يبرأ من شئ منه
ولم يكن في العبد فضل لأنه إذا كان مرهونا بكله فلا يخرجه من الرهن إلا أن لا يبقى فيه شئ من
الرهن وكذلك لا يخرج شيئا من أرش الجناية عليه لأنها كهو وكذلك لو كانوا عبيدا مرهونين معا لا
يخرج شئ من الرهن إلا بالبراءة من آخر الحق ولو رهن رجل رجلا نصف عبده ثم جنى عليه الراهن
ضمن نصف أرش جنايته للمرتهن كما وصفت وبطل عنه نصف جنايته لأن الجناية على نصفين نصف
له لا حق لاحد فيه فلا يلزمه لنفسه غرم ونصف للمرتهن فيه حق فلا يبطل عنه وإن كان مالكه لحق
المرتهن فيه ولو جنى عليه أجنبي جناية كان نصفها رهنا ونصفها مسلما لمالك العبد ولو عفا مالك العبد
الجناية كلها كان عفوه في نصفها جائزا لأنه مالك لنصفه ولا حق لاحد معه فيه وعفوه في النصف
الذي للمرتهن فيه حق مردود ولو عفا المرتهن الجناية دون الراهن كان عفوه باطلا لأنه لا يملك الجناية
إنما ملكها للراهن وإنما ملك احتباسها بحقه حتى يستوفيه وسواء كان حق المرتهن حالا أو إلى أجل فإن
كان إلى أجل فقال أنا أجعل الجناية قصاصا من حقي لم يكن ذلك له لأن حقه غير حال وإن كان
حالا كان ذلك له إن كان حقه دنانير وقضى بالجناية دنانير أو دراهم فقضى بالجناية دراهم لأن ما
وجب لسيد العبد مثل ما للمرتهن وإن قضى بأرش الجناية دراهم والحق على الغريم دنانير فقال أجعل
الجناية قصاصا من حقي لم يكن ذلك له لأن الجناية غير حقه وكذلك لو قضى بالجناية دراهم وحقه
دنانير أو دنانير وله دراهم لم يكن له أن يجعل الجناية قصاصا من حقه لأن أرش الجناية غير حقه وإنما
يكون قصاصا ما كان مثلا فأما ما لم يكن مثلا فلا يكون قصاصا ولو كان حقه أكثر من قيمة أرش
الجناية إذا لم أكره أحدا على أن يبيع ماله بأكثر من قيمته لم أكره رب العبد أن يأخذ بدنانير طعاما
ولا بطعام دنانير وإذا جنى عبد على عبد مرهون فأراد سيد العبد الجاني أن يسلمه مسترقا بالجناية لم يكن
ذلك على الراهن إلا أن يشاء وإن يشاء الراهن ذلك ولم يشأه المرتهن لم يجبر على ذلك المرتهن وكذلك
لو شاء ذلك المرتهن ولم يشأه الراهن لم يجبر عليه لأن حقهم في رقبته أرش لا رقبة عبد ورقبة العبد
عرض وكذلك لو شاء الراهن والمرتهن أن يأخذ العبد الجاني بالجناية والجناية مثل قيمة العبد أو أكثر
اضعافا وأبى ذلك رب العبد الجاني لم يكن ذلك لهما لأن الحق في الجناية شئ غير رقبته وإنما تباع
رقبته فيصير الحق فيها كما يباع الرهن فيصير ثمنا يقضى منه الغريم حقه.
الرهن الصغير
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أصل إجازة الرهن في كتاب الله عز
وجل " وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كتابا فرهان مقبوضة " (قال الشافعي) فالسنة تدل على إجازة الرهن
189

ولا أعلم مخالفا في إجازته أخبرنا محمد بن إسماعيل بي أبن فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن
سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يغلق الرهن الرهن من صاحبه الذي رهنه له
غنمه وعليه غرمه " (قال الشافعي) فالحديث جملة على الرهن ولم يخص رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيما بلغنا رهنا دون رهن واسم الرهن يقع على ما ظهر هلاكه وخفى ومعنى قول النبي صلى الله عليه
وسلم والله تعالى أعلم " لا يغلق الرهن بشئ " أي إن ذهب لم يذهب بشئ وإن أراد صاحبه افتكاكه
ولا يغلق في يدي الذي هو في يديه كأن يقول المرتهن قد أوصلته إلى فهو لي بما أعطيتك فيه ولا يغير
ذلك من شرط تشارطا فيه ولا غيره والرهن للراهن أبدا حتى يخرجه من ملكه بوجه يصح إخراجه له
والدليل على هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الرهن من صاحبه الذي رهنه " ثم بينه وأكده
فقال " له غنمه وعليه غرمه " (قال الشافعي) وغنمه سلامته وزيادته وغرمه عطبه ونقصه (قال) ولو
كان إذا رهن رهنا بدرهم وهو يسوى درهما فهلك ذهب الدرهم فلم يلزم الراهن كان إنما هلك من مال
المرتهن لا مال الراهن لأن الراهن قد أخذ درهما وذلك ثمن رهنه فإذا هلك رهنه فلم يرجع المرتهن
بشئ فلم يغرم شيئا إنما ذهب له مثل الذي أخذ من مال غيره فغرمه حينئذ على المرتهن لا على الراهن
قال وإذا كان غرمه على المرتهن فهو من المرتهن لا من الراهن وهذا القول خلاف ما روى عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فلا أعلم بين أحد من أهل العلم خلافا في أن الرهن ملك للراهن
وأنه إن أراد إخراجه من يدي المرتهن لم يكن ذلك له بما شرط فيه وأنه مأخوذ بنفقته ما كان حيا وهو
مقره في يدي المرتهن ومأخوذ بكفنه إن مات لأنه ملكه (قال الشافعي) وإذا كان الرهن في السنة
وإجماع العلماء ملكا للراهن فكان الراهن دفعه لا مغصوبا عليه ولا بائعا له وكان الراهن إن أراد أخذه لم
يكن له وحكم عليه بإقراره في يدي المرتهن بالشرط فأي وجه لضمان المرتهن والحاكم يحكم له بحبسه
للحق الذي شرط له مالكه فيه وعلى مالكه نفقته وإنما يضمن من تعدى فأخذ ما ليس له أو منع شيئا
في يديه ملكه لغيره مما ملكه المالك غيره مما عليه تسليمه وليس له حبسه وذلك مثل أن يبتاع الرجل
العبد من الرجل فيدفع إليه ثمنه ويمنعه البائع العبد فهذا يشبه الغصب والمرتهن ليس في شئ من هذه
المعاني لا هو مالك للرهن فأوجب عليه فيه بيعا فمنعه من ملكه إياه وعليه تسليمه إليه وإنما ملك الرهن
للراهن فلا هو متعد بأخذ الرهن من الراهن ولا بمنعه إياه فلا موضع للضمان عليه في شئ من حالاته
إنما هو رجل اشترط لنفسه على مالك الرهن في الرهن شرطا حلالا لازما استوثق فيه من حقه طلب
المنفعة لنفسه والاحتياط على غريمه لا مخاطرا بالارتهان لأنه لو كان الرهن إذا هلك هلك حقه كان
ارتهانه مخاطرة إن سلم الرهن فحقه فيه وإن تلف تلف حقه ولو كان هكذا كان شرا للمرتهن في بعض
حالاته لأن حقه إذا كان في ذمة الراهن وفى جميع ماله لازما أبدا كان خيرا له من أن يكون في شئ
من ماله بقدر حقه فإن هلك ذلك الشئ بعينه هلك من المرتهن وبرئت ذمة الراهن قال ولم نر ذمة
رجل تبرأ إلا بأن يؤدى إلى غريمه ماله عليه أو عوضا منه يتراضيان عليه فيملك الغريم العوض ويبرأ به
غريمه وينقطع مالكه عنه أو يتطوع صاحب الحق بأن يبرئ منه صاحبه والمرتهن الراهن ليسا في واحد
من معاني البراءة ولا البواء (قال الشافعي) فإن قال قائل: ألا ترى أن أخذ المرتهن الرهن كالاستيفاء
لحقه قلت لو كان استيفاء لحقه وكان الرهن جارية كان قد ملكها وحل له وطؤها ولم يكن له ردها على
الراهن ولا عليه ولو أعطاه ما فيه إلا أن يتراضيا بأن يتبايعا فيها بيعا جديدا ولم يكن مع هذا للمرتهن أن
يكون حقه إلى سنة فيأخذه اليوم بلا رضا من الذي عليه الحق قال ما هو باستيفاء ولكن كيف؟ قلت
190

إنه محتبس في يدي المرتهن بحق له ولا ضمان عليه فيه فقيل له بالخير وكما يكون المنزل محتبسا بإجارة فيه
ثم يتلف المنزل بهدم أو غيره من وجوه التلف فلا ضمان على المكترى فيه وإن كان المكترى سلف الكراء
رجع به على صاحب المنزل وكما يكون العبد مؤجرا أو البعير مكرى فيكون محتبسا بالشرط ولا ضمان في
واحد منهما ولا في حر لو كان مؤجرا فهلك (قال الشافعي) إنما الرهن وثيقة كالحمالة فلو أن رجلا كانت
له على رجل ألف درهم فكفل له بها جماعة عند وجوبها أو بعده كان الحق على الذي عليه الحق وكان
الحملاء ضامنين له كلهم فإن لم يؤد الذي عليه الحق كان للذي له الحق أن يأخذ الحملاء كما شرط
عليهم ولا يبرأ ذلك الذي عليه الحق شئ حتى يستوفى آخر حقه ولو هلك الحملاء أو غابوا لم ينقص
ذلك حقه ورجع به على من عليه أصل الحق وكذلك الرهن لا ينقص هلاكه ولا نقصانه حق المرتهن
وأن السنة المبينة بأن لا يضمن الرهن ولو لم يكن فيه سنة كان أنا لم نعلم الفقهاء اختلفوا فيما وصفنا من
أنه ملك للراهن وأن للمرتهن أن يحبسه بحقه لا متعديا بحبسه دلالة بينة أن الرهن ليس بمضمون (قال
الشافعي) قال بعض أصحابنا قولنا في الرهن إذا كان مما يظهر هلاكه مثل الدار والنخل والعبيد وخالفنا
بعضهم فيما يخفى هلاكه من الرهن (قال الشافعي) واسم الرهن جامع لما يظهر هلاكه ويخفى وإنما
جاء الحديث جملة ظاهرا وما كان جملة ظاهرا فهو على ظهوره وجملته إلا أن تأتى دلالة عمن جاء
عنه أو يقول العامة على أنه خاص دون عام وباطن دون ظاهر ولم نعلم دلالة جاءت بهذا عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم فنصير إليها ولو جاز هذا بغير دلالة جاز لقائل أن يقول الرهن الذي يذهب به إذا
هلك هلك حق صاحبه المرتهن الظاهر الهلاك لأن ما ظهر هلاكه فليس في موضع أمانة فهو كالرضا
منهما بأنه بما فيه أو مضمون بقيمته وأما ما خفى هلاكه فرضى صاحبه بدفعه إلى المرتهن وقد يعلم أن
هلاكه خاف فقد رضى فيه أمانته فهو أمينه فإن هلك لم يهلك من مال المرتهن شئ فلا يصح في هذا
قول أبدا على هذا الوجه إذا جاز أن يصير خاصا بلا دلالة (قال الشافعي) والقول الصحيح فيه عندنا
ما قلنا من أنه أمانة كله لما وصفنا من دفع صاحبه إياه برضاه وحق أوجبه فيه كالكفالة ولا يعدو الرهن
أن يكون أمانة فلا اختلاف بين أحد أن ما ظهر وخفى هلاكه من الأمانة سواء غير مضمون أو أن
يكون مضمونا فلا اختلاف بين أحد أن ما كان مضمونا فما ظهر وخفى هلاكه من المضمون سواء أو
يفرق بين ذلك سنة أو أثر لازم لا معارض له مثله وليس نعرفه مع من قال هذا القول من أصحابنا
(قال الشافعي) وقد قال هذا القول معهم بعض أهل العلم وليس في أحد مع قول رسول الله صلى
الله عليه وسلم حجة (قال الشافعي) وخالفنا بعض الناس في الرهن فقال فيه إذا رهن الرجل رهنا بحق له
فالرهن مضمون فإن هلك الرهن نظرنا فإن كانت قيمته أقل من الدين رجع المرتهن على الراهن
بالفضل وإن كانت قيمة الرهن مثل الدين أو أكثر لم يرجع على الراهن بشئ ولم يرجع الراهن عليه
بشئ (قال الشافعي) كأنه في قولهم رجل رهن رجلا ألف درهم بمائة درهم فإن هلكت الألف فمائة
بمائة وهو في التسعمائة أمين أو رجل رهن رجلا مائة بمائة فإن هلكت المائة فالرهن بما فيه لأن مائة
ذهبت بمائة أو رجل رهن رجلا خمسين درهما بمائة درهم فإن هلكت الخمسون ذهبت بخمسين ثم
رجع صاحب الحق المرتهن على الراهن بخمسين (قال الشافعي) وكذلك في قولهم عرض يسوى ما
وصفنا بمثل هذا (قال الشافعي) فقيل لبعض من قال هذا القول هذا قول لا يستقيم بهذا الموضع عند
أحد من أهل العلم فقال من جهة الرأي لأنكم جعلتم رهنا واحدا مضمونا مرة كله ومضمونا مرة بعضه
ومرة بعضه بما فيه ومرة يرجع بالفضل فيه فهو في قولكم لا مضمونا بما يضمن به ما ضمن لأن ما
191

ضمن إنما يضمن بعينه فإن فات فقيمته ولا بما فيه من الحق فمن أين قلتم؟ فهذا لا يقبل إلا بخبر يلزم
الناس الاخذ به ولا يكون لهم إلا تسليمه؟ قالوا روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال
يترادان الفضل قلنا فهو إذا قال يترادان الفضل فقد خالف قولكم وزعم أنه ليس منه شئ بأمانة،
وقول على أنه مضمون كله كان فيه فضل أو لم يكن مثل جميع ما يضمن مما إذا فات ففيه قيمته (قال
الشافعي) فقلنا قد رويتم ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه وهو ثابت عندنا برواية أصحابنا فقد
خالفتموه قال فأين؟ قلنا زعمتم أنه قال يترادان الفضل وأنت تقول إن رهنه ألفا بمائة درهم فمائة بمائة
وهو في التسعمائة أمين والذي رويت عن علي رضي الله عنه فيه أن الراهن يرجع على المرتهن بتسعمائة
قال فقد روينا عن شريح أنه قال الرهن بما فيه وإن كان خاتما من حديد قلنا فأنت أيضا تخالفه قال
وأين؟ قلنا أنت تقول إن رهنه مائة بألف أو خاتما يسوى درهما بعشرة فهلك الرهن رجع صاحب الحق
المرتهن على الراهن بتسعمائة من رأس ماله وبتسعة في الخاتم من رأس ماله وشريح لا يرد واحدا منهما
على صاحبه بحال فقال قد روى مصعب بن ثابت عن عطاء أن رجلا رهن رجلا فرسا فهلك الفرس
فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ذهب حقك " (قال الشافعي) فقيل له أخبرنا إبراهيم عن مصعب بن
ثابت عن عطاء قال زعم الحسن كذا ثم حكى هذا القول قال إبراهيم كان عطاء يتعجب مما روى
الحسن وأخبرني به غير واحد عن مصعب عن عطاء عن الحسن وأخبرني بعض من أثق به أن رجلا من
أهل العلم رواه عن مصعب عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وسكت عن الحسن فقيل له
أصحاب مصعب يروونه عن عطاء عن الحسن فقال نعم وكذلك حدثنا ولكن عطاء مرسل اتفق من
الحسن مرسل (قال الشافعي) ومما يدل على وهن هذا عند عطاء إن كان رواه أن عطاء يفتى بخلافه
ويقول فيه بخلاف هذا كله ويقول فيما ظهر هلاكه أمانة وفيما خفى يترادان الفضل وهذا أثبت الرواية
عنه وقد روى عنه يترادان مطلقة وما شككنا فيه فلا نشك أن عطاء إن شاء الله تعالى لا يروى عن النبي
صلى الله عليه وسلم شيئا مثبتا عنده ويقول بخلافه مع أني لم أعلم أحدا روى هذا عن عطاء يرفعه إلا
مصعب والذي روى هذا عن عطاء يرفعه يوافق قول شريح " إن الرهن بما فيه " قال وكيف يوافقه؟ قلنا
قد يكون الفرس أكثر مما فيه من الحق ومثله وأقل ولم يرو أنه سأل عن قيمة الفرس وهذا يدل على أنه إن
كان قاله رأى أن الرهن بما فيه قال فكيف لم تأخذ به؟ قلنا لو كان منفردا لم يكن من الرواية التي تقوم
بمثلها حجة فكيف وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا بينا مفسرا مع ما فيه من الحجة التي
ذكرنا وصمتنا عنها قال فكيف قبلتم عن ابن المسيب منقطعا ولم تقبلوه عن غيره؟ قلنا لا نحفظ أن ابن
المسيب روى منقطعا إلا وجدنا ما يدل على تسديده ولا أثره عن أحد فيما عرفناه عنه إلا ثقة معروف
فمن كان بمثل حاله قبلنا منقطعه ورأينا غيره يسمى المجهول ويسمى من يرغب عن الرواية عنه ويرسل
عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن بعض من لم يلحق من أصحابه المستنكر الذي لا يوجد له شئ
يسدده ففرقنا بينهم لافتراق أحاديثهم ولم نحاب أحدا ولكنا قلنا في ذلك بالدلالة البينة على ما وصفناه
من صحة روايته وقد أخبرني غير واحد من أهل العلم عن يحيى بن أبي أنيسة عن ابن شهاب عن ابن
المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث ابن أبي ذئب قال فكيف لم تأخذوا
بقول على فيه؟ قلنا إذا ثبت عندنا عن علي رضي الله عنه لم يكن عندنا وعند أحد من أهل
العلم لنا ان نترك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما جاء عن غيره قال فقد روى عبد الاعلى
التغلبي عن علي بن أبي طالب شبيها بقولنا قلنا الرواية عن علي رضي الله عنه بأن يتردان الفضل أصح
192

عنه من رواية عبد الاعلى وقد رأينا أصحابكم يضعفون رواية عبد الاعلى التي لا يعارضها معارض
تضعيفا شديدا فكيف بما عارضه فيه من هو أقرب من الصحة وأولى بها؟! (قال الشافعي) وقيل لقائل
هذا القول قد خرجت فيه مما رويت عن عطاء يرفعه ومن أصح الروايتين عن علي رضي الله عنه وعن
شريح وما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى قول رويته عن إبراهيم النخعي وقد روى عن إبراهيم
خلافه وإبراهيم لو لم تختلف الرواية عنه فيه زعمت لا يلزم قوله وقلت قولا متناقضا خارجا عن أقاويل
الناس وليس للناس فيه قول إلا وله وجه وإن ضعف إلا قولكم فإنه لا وجه له يقوى ولا يضعف ثم لا
تمتنعون من تضعيف من خالف قول من قال يترادان الفضل أن يقول لم يدفعه أمانة ولا بيعا وإنما دفعه
محتبسا بشئ فإن هلك ترادا فضله وهكذا كل مضمون بعينه إذا هلك ضمن من ضمنه قيمته (قال
الشافعي) وهذا ضعيف إذ كيف يترادان فضله وهو إن كان كالبيع فهو بما فيه وإن كان محتبسا بحق فما
معنى أنه مضمون وهو لا غصب من المرتهن ولا عدوان عليه في حبسه وهو يبيح له حبسه؟ (قال
الشافعي) ووجه قول من قال الرهن بما فيه أن يقول قد رضى الراهن والمرتهن أن يكون الحق في الرهن
فإذا هلك هلك بما فيه لأنه كالبدل من الحق وهذا ضعيف وما لم يتراضيا تبين ملك الراهن على الرهن
إلى أن يملكه المرتهن ولو ملكه لم يرجع إلى الراهن (قال الشافعي) والسنة ثابتة عندنا والله تعالى أعلم بها
قلنا وليس مع السنة حجة ولا فيها إلا اتباعها مع أنها أصح الأقاويل مبتدأ ومخرجا (قال) وقيل لبعض
من قال هذا القول الذي حكينا: أنت أخطأت بخلاف السنة وأخطأت بخلافك ما قلت قال وأين
خالفت ما قلت؟ قلت عبت علينا أن زعمنا أنه أمانة وحجتنا فيه ما ذكرنا وغيرها مما فيما ذكرنا كفاية
منه فكيف عبت قولا قلت ببعضه؟ قال لي وأين؟ قلت زعمت أن الرهن مضمون قال نعم قلنا فهل
رأيت مضمونا قط بعينه فهلك إلا أدى الذي ضمنه قيمته بالغة ما بلغت؟ قال لا غير الرهن قلنا
فالرهن إذا كان عندك مضمونا لم لم يكن هكذا إذا كان يسوى ألفا وهو رهن بمائة؟ لم لم يضمن
المرتهن تسعمائة لو كان مضمونا كما ذكرت قال هو في الفضل أمين قلنا ومعنى الفضل غير معنى غيره؟
قال نعم قلنا لأن الفضل ليس برهن؟ قال إن قلت ليس برهن قلت أفيأخذه مالكه قال فليس لمالكه أن
يأخذه حتى يؤدى ما فيه قلنا لم؟ قال لأنه رهن قلنا فهو رهن واحد محتبس بحق واحد بعضه مضمون
وبعضه أمانة قال نعم قلنا أفتقبل مثل هذا القول ممن يخالفك فلو قال هذا غيرك ضعفته تضعيفا
شديدا فيما ترى وقلت وكيف يكون الشئ الواحد مدفوعا بالامر الواحد بعضه أمانة وبعضه مضمون
(قال الشافعي) وقلنا أرأيت جارية تسوى ألفا رهنت بمائة وألف درهم رهنت بمائة أليست الجارية
بكمالها رهنا بمائة والألف الدرهم رهن بكمالها بمائة؟ قال بلى قلنا الكل مرهون منهما ليس له أخذه ولا
إدخال أحد برهن معه فيه من قبل أن الكل مرهون بالمائة مدفوع دفعا واحدا بحق واحد فلا يخلص
بعضه دون بعض قال نعم قلنا وعشر الجارية مضمون وتسعة أعشارها أمانة ومائة مضمون وتسعمائة
أمانة؟ قال نعم قلنا فأي شئت عبت من قولنا ليس بمضمون وهذا أنت تقول في أكثره ليس بمضمون؟
(قال الشافعي) وقيل له إذا كانت الجارية دفعت خارجا تسعة أعشارها من الضمان والألف كذلك فما
تقول إن نقصت الجارية في ثمنها حتى تصير تسوى مائة؟ قال الجارية كلها مضمونة قيل فإن زادت
بعد النقصان حتى صارت تسوى الفين؟ قال تخرج الزيادة من الضمان ويصير نصف عشرها مضمونا
وتسعة عشر جزءا من عشرين سهما غير مضمون قلنا ثم هكذا إن نقصت أيضا حتى صارت تسوى
مائة؟ قال نعم تعود كلها مضمونة قال وهكذا جوار ولو رهن يسوين عشرة آلاف بألف كانت تسعة
193

أعشارهن خارجة من الرهن بضمان وعشر مضمون عنده فقلت لبعضهم لو قال هذا غيركم كنتم شبيها
أن تقولوا ما يحل لك أن تتكلم في الفتيا وأنت لا تدرى ما تقول كيف يكون رهن واحد بحق واحد
بعضه أمانة وبعضه مضمون ثم يزيد فيخرج ما كان مضمونا منه من الضمان لأنه إن دفع عندكم بمائة
وهو يسوى مائة كان مضمونا كله وإن زاد خرج بعضه من الضمان ثم إن نقص عاد إلى الضمان وزعمت
أنه إن دفع جارية رهنا بألف وهي تسوى ألفا فولدت أولادا يساوون آلافا فالجارية مضمونة كلها
والأولاد رهن كلهم غير مضمونين لا يقدر صاحبهم على أخذهم لأنهم رهن وليسوا بمضمونين ثم إن
ماتت أمهم صاروا مضمونين بحساب فهم كله مرة رهن خارجون من الضمان ومرة داخل بعضهم في
الضمان خارج بعض (قال الشافعي) فقيل لمن قال هذا القول ما يدخل على أحد أقبح من قولكم
أعلمه وأشد تناقضا أخبرني من أثق به عن بعض من نسب إلى العلم منهم أنه يقول لو رهن الجارية
بألف ثم أدى الألف إلى المرتهن وقبضها منه ثم دعاه بالجارية فهلكت قبل أن يدفعها إليه هلكت من
مال الراهن وكانت الألف مسلمة للمرتهن لأنها حقه فإن كان هذا فقد صاروا فيه إلى قولنا وتركوا جميع
قولهم وليس هذا بأنكر مما وصفنا وما يشبهه مما سكتنا عنه (قال الشافعي) فقال لي قائل من غيرهم نقول
الرهن بما فيه ألا ترى أنه لما دفع الرهن يعنى بشئ بعينه ففي هذا دلالة على أنه قد رضى الراهن
والمرتهن بأن يكون الحق في الرهن قلنا ليس في ذلك دلالة على ما قلت قال وكيف؟ قلنا إنما تعاملا
على أن الحق على مالك الرهن والرهن وثيقة مع الحق كما تكون الحمالة قال كأنه بأن يكون رضا أشبه؟
قلنا إنما الرضا بأن يتبايعانه فيكون ملكا للمرتهن فيكون حينئذ رضا منهما به ولا يعود إلى ملك الراهن إلا
بتجديد بيع منه وهذا في قولنا وقولكم ملك للراهن فأي رضا منهما وهو ملك للراهن بأن يخرج من
ملك الراهن إلى ملك المرتهن؟ فإن قلت إنما يكون الرضا إذا هلك فإنما ينبغي أن يكون الرضا عند
العقدة والدفع فالعقدة والدفع كان وهو ملك للراهن ولا يتحول حكمه عما دفع به لأن الحكم عندنا
وعندك في كل أمر فيه عقدة إنما هو على العقدة.
رهن المشاع
(قال الشافعي) رحمه الله: لا بأس بأن يرهن الرجل الرجل نصف أرضه ونصف داره وسهما من أسهم
من ذلك مشاعا غير مقسوم إذا كان الكل معلوما وكان ما رهن منه معلوما ولا فرق بين ذلك وبين البيوع
وقال بعض الناس لا يجوز الرهن إلا مقبوضا مقسوما لا يخالطه غيره وأحتج بقول الله تبارك وتعالى
" فرهان مقبوضة " (قال الشافعي) قلنا فلم لم يجز الرهن إلا مقبوضا مقسوما وقد يكون مقبوضا وهو مشاع
غير مقسوم؟ قال قائل فكيف يكون مقبوضا وأنت لا تدرى أي الناحيتين هو؟ وكيف يكون مقبوضا في
العبد وهو لا يتبعض؟ فقلت كان القبض إذا كان اسما واحدا لا يقع عندك إلا بمعنى واحد وقد يقع
على معان مختلفة قال بل هو بمعنى واحد قلت أو ما تقبض الدنانير والدراهم وما صغر باليد؟ وتقبض
الدور بدفع المفاتيح والأرض بالتسليم؟ قال بلى فقلت فهذا مختلف قال يجمعه كله أنه منفصل لا
يخالطه شئ قلت فقد تركت القول الأول وقلت آخر وستتركه إن شاء الله تعالى وقلت فكأن القبض
عندك لا يقع أبدا إلا على منفصل لا يخالطه شئ قال نعم قلت فما تقول في نصف دار ونصف أرض
194

ونصف عبد ونصف سيف اشتريته منك بثمن معلوم؟ قال جائز قلت وليس على دفع الثمن حتى تدفع
إلى ما اشتريت فأقبضه؟ قال نعم قلت فإني لما اشتريت أردت نقض البيع فقلت باعني نصف دار
مشاعا لا أدرى أشرقي الدار يقع أم غربيها ونصف عبد لا ينفصل أبدا ولا ينقسم وأنت لا تجيزني على
قسمه لأن فيه ضررا فأنا أفسخ البيع بيني وبينك قال ليس ذلك لك وقبض نصف الدار ونصف
الأرض ونصف العبد ونصف السيف أن يسلمه ولا يكون دونه حائل قلت أنت لا تجيز البيع إلا معلوما
وهذا غير معلوم قال هو وإن لم يكن معلوما بعينه منفصلا فالكل معلوم ونصيبك من الكل محسوب قلت
وإن كان محسوبا فإني لا أدري أين يقع قال أنت شريك في الكل قلت فهو غير مقبوض لأنه ليس
بمنفصل وأنت تقول فيما ليس بمنفصل لا يكون مقبوضا فيبطل به الرهن وتقول القبض أن يكون
منفصلا قال قد يكون منفصلا وغير منفصل قلت وكيف يكون مقبوضا وهو غير منفصل؟ قال لأن
الكل معلوم وإذا كان الكل معلوما فالبعض بالحساب معلوم قلت فقد تركت قولك الأول وتركت قولك
الثاني فلم إذا كان هذا كما وصفت يجوز البيع فيه والبيع لا يجوز إلا معلوما فجعلته معلوما ويتم بالقبض
لأن البيع عندك لا يتم حتى يقضى على صاحبه بدفع الثمن إلا مقبوضا فكان هذا عندك قبضا زعمت
أنه في الرهن غير قبض فلا يعدو أن تكون أخطأت بقولك لا يكون في الرهن قبضا أو بقولك يكون في
البيع قبضا (قال الشافعي) فالقبض اسم جامع وهو يقع بمعان مختلفة كيف ما كان الشئ معلوما أو كان
الكل معلوما والشئ من الكل جزء معلوم من أجزاء وسلم حتى لا يكون دونه حائل فهو قبض فقبض
الذهب والفضة والثياب في مجلس الرجل والأرض أن يؤتى في مكانها فتسلم لا تحويها يد ولا يحيط بها
جدار والقبض في كثير من الدور والأرضين إسلافها بأعلافها والعبيد تسليمهم بحضرة القابض والمشاع
من كل أرض وغيرها أن لا يكون دونه حائل فهذا كله قبض مختلف يجمعه اسم القبض وإن تفرق
الفعل فيه غير أنه يجمعه أن يكون مجموع العين والكل جزء من الكل معروف ولا حائل دونه فإذا كان
هكذا فهو مقبوض والذي يكون في البيع قبضا يكون في الرهن قبضا لا يختلف ذلك (قال الشافعي)
ولم أسمع أحدا عندنا مخالفا فيما قلت من أنه يجوز فيه الرهن والذي يخالف لا يحتج فيه بمتقدم من أثر
فيلزم اتباعه وليس بقياس ولا معقول فيغيبون في الاتباع الذي يلزمهم أن يفرقوا بين الشيئين إذا فرقت
بينهما الآثار حتى يفارقوا الآثار في بعض ذلك لأن يجزئوا الأشياء زعموا على مثال ثم تأتى أشياء ليس
فيها أثر فيفرقون بينها وهي مجتمعة بآرائهم ونحن وهم نقول في الآثار تتبع كما جاءت وفيما قلت وقلنا
بالرأي لا نقبل إلا قياسا صحيحا على أثر (قال الشافعي) وإن تبايع الراهن والمرتهن على شرط الرهن
وهو أن يوضع على يدي المرتهن فجائز وإن وضعاه على يدي عدل فجائز وليس لواحد منهما إخراجه من
حيث يضعانه إلا باجتماعهما على الرضا بأن يخرجاه (قال الشافعي) فإن خيف الموضوع على يديه فدعا
أحدهما إلى إخراجه من يديه فينبغي للحاكم إن كانت تغيرت حاله عما كان عليه من الأمانة حتى يصير
غير أمين أن يخرجه ثم يأمرهما أن يتراضيا فإن فعلا وإلا رضى لهما كما يحكم عليهما فيما لم يتراضيا فيه بما
لزمهما قال وإن مات الموضوع على يديه الرهن فكذلك يتراضيان أو يرضى لهما القاضي إن أبيا التراضي
(قال الشافعي) وإن مات المرتهن والرهن على يديه ولم يرض الراهن وصية ولا وارثه قيل لوارثه - إن
كان بالغا أو لوصيه إن لم يكن بالغا -: تراض أنت وصاحب الرهن فإن فعلا وإلا صيره الحاكم إلى
عدل وذلك أن الراهن لم يرض بأمانة الوارث ولا الوصي ولما كان للوارث حق في احتباس الرهن حتى
يستوفى حقه كان له ما وصفنا من الرضا فيه إذا كان له أمر في ماله (قال الشافعي) وإن مات الراهن
195

فالدين حال ويباع الرهن فإن أدى ما فيه فذلك وإن كان في ثمنه فضل رد على ورثة الميت وإن نقص
الرهن من الدين رجع صاحب الحق بما بقي من حقه في تركة الميت وكان أسوة الغرماء فيما يبقى من
دينه (قال الشافعي) وليس لاحد من الغرماء أن يدخل معه في ثمن رهنه حتى يستوفيه وله أن يدخل
مع الغرماء بشئ إن بقي له في مال الميت غير المرهون إذا باع رهنه فلم يف (قال الشافعي) وإذا كان
الرهن على يدي عدل فإن كانا وضعاه على يدي العدل على أن يبيعه فله بيعه إذا حل الأجل فإن باعه
قبل أن يحل الأجل بغير أمرهما معا فالبيع مفسوخ وإن فات ضمن القيمة إن شاء الراهن والمرتهن وكانت
القيمة أكثر مما باع به وإن شاء فللراهن ما باع به الرهن قل أو كثر ثم إن تراضيا أن تكون القيمة على
يديه إلى محل الأجل وإلا تراضيا أن تكون على يدي غيره لأن بيعه للرهن قبل محل الحق خلاف الأمانة
وإن باعه بعد محل الحق بما لا يتغابن الناس بمثله رد البيع إن شاء فإن فات ففيها قولان أحدهما يضمن
قيمته ما بلغت فيه فيؤدى إلى ذي الحق حقه ويكون لمالك الرهن فضلها والقول الآخر يضمن ما حط
مما لا يتغابن الناس بمثله لأنه لو باع بما يتغابن الناس بمثله جاز البيع فإنما يضمن ما كان لا يجوز له بحال
(قال الشافعي) وحد ما يتغابن الناس بمثله يتفاوت تفاوتا شديدا فيما يرتفع وينخفض ويخص ويعم
فيدعى رجلان عدلان من أهل البصر بتلك السلعة المبيعة فيقال أيتغابن أهل البصر بالبيع في البيع بمثل
هذا؟ فإن قالوا نعم جاز وإن قالوا: لا. رد إن قدر عليه وإن لم يقدر عليه فالقول فيه ما وصفت (قال
الشافعي) ولا يلتفت إلى ما يتغابن به غير أهل البصر وإلى ترك التوقيت فيما يتغابن الناس بمثله رجع
بعض أصحابه وخالفه صاحبه وكان صاحبه يقول حد ما يتغابن الناس بمثله العشرة ثلاثة فإن جاوز
ثلاثة لم يتغابن أهل البصر بأكثر من ثلاثة (قال الشافعي) وأهل البصر بالجوهر والوشى وعليه الرقيق
يتغابنون بالدرهم وأكثر ولا يتغابن أهل البصر بالحنطة والزيت والسمن والتمر في كل خمسين
بدرهم وذلك لظهوره وعموم البصر به مع اختلاف ما يدق وظهور ما يجل (قال الشافعي) وإن باع
الموضوع على يديه الرهن فهلك الثمن منه فهو أمين والدين على الراهن (قال الشافعي) وإن اختلف
مالك الرهن والمرتهن والمؤتمن والبائع فقال بعت بمائة وقال بعت بخمسين فالقول قوله ومن جعلنا القول
قوله فعليه اليمين إن أراد الذي يحالفه يمينه قال وإن اختلف الراهن والمرتهن في الرهن فقال الراهن
رهنتكه بمائة وقال المرتهن رهنتنيه بمئتين فالقول قول الراهن (قال الشافعي) وإن اختلفا في الرهن فقال
الراهن رهنتك عبدا يساوى ألفا وقال المرتهن رهنتني عبدا يساوى مائة فالقول قول المرتهن (قال
الشافعي) ولو قال مالك العبد رهنتك عبدي بمائة أو هو في يديك وديعة وقال الذي هو في يديه بل
رهنتنيه بألف في الحالين كان القول قول مالك العبد في ذلك لأنهما يتصادقان على ملكه ويدعى الذي
هو في يديه فضلا على ما كان يقر به مالكه فيه أو حقا في الرهن لا يقر به مالكه (قال الشافعي) وليس
في كينونة العبد في يدي المرتهن دلالة على ما يدعى من فضل الرهن (قال الشافعي) ولو قال رهنتكه
بألف ودفعتها إليك وقال المرتهن لم تدفعها إلى كان القول قول المرتهن لأنه يقر بألف يدعى منها البراءة
(قال الشافعي) ولو قال رهنتك عبدا فأتلفته وقال المرتهن مات كان القول قول المرتهن ولا يصدق
الراهن على تضمينه ولو قال رهنتك عبدا بألف وأتلفته وليس بهذا وقال المرتهن هو هذا فلا يصدق
الراهن على تضمين المرتهن العبد الذي ادعى ولا يكون العبد الذي ادعى فيه المرتهن الرهن رهنا لأن
مالك العبد لم يقر بأنه رهنه إياه بعينه ويتحالفان معا ألا ترى أنهما لو تصادقا على أن له عليه ألف درهم
وقال صاحب الألف رهنتني بها دارك وقال صاحب الدار لم أرهنك كان القول قوله (قال الشافعي)
196

ويجوز رهن الدنانير بالدنانير والدراهم بالدراهم كان الرهن مثلا أو أقل أو أكثر من الحق وليس هذا
ببيع (قال الشافعي) وإذا استعار رجل من رجل عبدا يرهنه فرهنه فالرهن جائز إذا تصادقا على ذلك
أو قامت به بينة كما يجوز لو رهنه مالك العبد فإن أراد مالك العبد أن يخرجه من الرهن فليس له ذلك
إلا أن يدفع الراهن أو مالك العبد متطوعا الحق كله (قال الشافعي) ولمالك الرهن أن يأخذ الراهن
بافتكاكه له متى شاء لأنه أعاره له بلا مدة كان ذلك محل الدين أو بعده (قال الشافعي) فإن أعاره
إياه فقال: أرهنه إلى سنة ففعل وقال أفتكه قبل السنة ففيها قولان أحدهما أن له أن يأخذه ببيع ماله
عليه في ماله حتى يعيده إليه كما أخذه منه ومن حجة من قال هذا أن يقول لو أعرتك عبدي يخدمك
سنة كان لي أخذه الساعة ولو أسلفتك ألف درهم إلى سنة كان لي أخذها منك الساعة والقول الآخر أنه
ليس له أخذه إلى السنة لأنه قد أذن له أن يصير فيه حقا لغيرهما فهو كالضامن عنه مالا ولا يشبه إذنه
برهنه إلى مدة عاريته إياه ولا سلفه له (قال الشافعي) ولو تصادقا على أنه أعاره إياه برهنه وقال أذنت
لك في رهنه بألف وقال الراهن والمرتهن أذنت لي بألفين فالقول قول مالك العبد في أنه بألف والألف
الثانية على الراهن في ماله للمرتهن (قال الشافعي) ولو استعاره رجلان عبدا من رجل فرهناه من رجل
بمائة ثم أتى أحدهما بخمسين فقال هذا ما يلزمني من الحق لم يكن واحد منهما ضامنا عن صاحبه وإن
اجتمعا في الرهن فإن نصفه مفكوك ونصفه مرهون (قال الشافعي) وإذا استعار رجل من رجلين عبدا
فرهنه بمائة ثم جاء بخمسين فقال هذه فكاك حق فلان من العبد وحق فلان مرهون ففيها قولان
أحدهما أنه لا يفك إلا معا، ألا ترى أنه لو رهن عبدا لنفسه بمائة ثم جاء بتسعين فقال فك تسعة
أعشاره وأترك العشر مرهونا لم يكن منه شئ مفكوكا وذلك أنه رهن واحد بحق واحد فلا يفك إلا معا
والقول الآخر أن الملك لما كان لكل واحد منهما على نصفه جاز أن يفك نصف أحدهما دون نصف
الآخر كما لو استعار من رجل عبدا ومن آخر عبدا فرهنهما جاز أن يفك أحدهما دون الآخر والرجلان
وإن كان ملكها في واحد لا يتجزأ فأحكامهما في البيع والرهن حكم مالكي العبدين المفترقين (قال
الشافعي) ولولى اليتيم أو وصيه أن يرهنا عنه كما يبيعان عليه فيما لابد له منه وللمأذون له في التجارة
وللمكاتب والمشترك والمستأمن أن يرهن ولا بأس أن يرهن المسلم عند المشرك والمشرك عند المسلم كل
شئ ما خلا المصحف والرقيق من المسلمين فإنا نكره أن يصير المسلم تحت يدي المشرك بسبب يشبه
الرق والرهن وإن لم يكن رقا فإن الرقيق لا يمتنع إلا قليلا من الذل لمن صار تحت يديه بتصيير مالكه
(قال الشافعي) ولو رهن العبد لم نفسخه ولكنا نكرهه لما وصفنا ولو قال قائل آخذ الراهن بافتكاكه
حتى يوفى المرتهن المشرك حقه متطوعا أو يصير في يديه بما يجوز له ارتهانه فإن لم يتراضيا فسخت البيع
كان مذهبا فأما ما سواهم فلا بأس برهنه من المشركين فإن رهن المصحف قلنا إن رضيت أن ترد
المصحف ويكون حقك عليه فذلك لك أو تتراضيان على ما سوى المصحف مما يجوز أن يكون في
يديك وإن لم تتراضيا فسخنا البيع بينكما لأن القرآن أعظم من أن يترك في يدي مشرك يقدر على
إخراجه من يديه وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسه من المسلمين إلا طاهر ونهى أن يسافر
به إلى بلاد العدو (أخبرنا) إبراهيم وغيره عن جعفر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند أبي
الشحم اليهودي (قال الشافعي) ويوقف على المرتد ماله فإن رهن منه شيئا بعد الوقف فلا يجوز في
قول بعض أصحابنا على حال وفى قول بعضهم لا يجوز إلا أن يرجع إلى الاسلام فيملك ماله فيجوز
الرهن وإن رهنه قبل وقف ماله فالرهن جائز كما يجوز للمشرك ببلاد الحرب ما صنع في ماله قبل أن
197

يؤخذ عنه وكما يجوز للرجل من أهل الاسلام والذمة ما صنع في ماله قبل أن يقوم عليه غرماؤه فإذا
قاموا عليه لم يجز ما صنع في ماله حتى يستوفوا حقوقهم أو يبرئوه منها (قال الشافعي) وليس للمقارض
أن يرهن لأن الملك لصاحب المال كان في المقارضة فضل عن رأس المال أو لم يكن وإنما ملك
المقارض الراهن شيئا من الفضل شرطه له إن سلم حتى يصير رأس مال المقارض إليه أخذ شرطه وإن لم
يسلم لم يكن له شئ قال وإن كان عبد بين رجلين فأذن أحدهما للآخر أن يرهن العبد فالرهن جائز
وهو كله رهن بجميع الحق لا يفك بعضه دون بعض وفيها قول آخر أن الراهن إن فك نصيبه منه فهو
مفكوك ويجبر على فك نصيب شريكه في العبد إن شاء ذلك شريكه فيه وإن فك نصيب صاحبه منه
فهو مفكوك صاحب الحق على حقه في نصف العبد الباقي وإن لم يأذن شريك العبد لشريكه في أن
يرهن نصيبه من العبد فرهن العبد فنصفه مرهون ونصف شريكه الذي لم يأذن له في رهنه من العبد غير
مرهون ألا ترى أن رجلا لو تعدى فرهن عبد رجل بغير إذنه لم يكن له رهنا وكذلك يبطل الرهن في
النصف الذي لا يملكه الراهن (قال الشافعي) ويجوز رهن الاثنين الشئ الواحد (قال الشافعي) فإن
رهن رجل رجلا أمة فولدت أو حائطا فأثمر أو ماشية فتناتجت فاختلف أصحابنا في هذا، فقال
بعضهم لا يكون ولد الجارية ولا نتاج الماشية ولا ثمرة الحائط رهنا ولا يدخل في الرهن شئ لم يرهنه
مالكه قط ولم يوجب فيه حقا لاحد وإنما يكون الولد تبعا في البيوع إذا كان الولد لم يحدث قط إلا في
ملك المشتري وإن كان الحمل كان في ملك البائع وتبعا في العتق لأن العتق كان ولم يولد المملوك فلم
يصر إلى أن يكون مملوكا لأنه لم يصر إلى حكم الحياة الظاهر إلا بعد العتق لامه وهو تبع لامه وثمر
الحائط إنما يكون تبعا في البيع ما لم يؤبر وإذا أبر فهو للبائع إلا أن يشترط المبتاع (قال الشافعي) والعتق
والبيع مخالف للرهن ألا ترى أنه إذا باع فقد حول رقبة الأمة والحائط والماشية من ملكه وحوله إلى ملك
غيره؟ وكذلك إن أعتق الأمة فقد أخرجها من ملكه لشئ جعله الله وملكت نفسها والرهن لم يخرجه
من ملكه قط هو في ملكه بحاله إلا أنه محول دونه بحق حبسه به لغيره أجازه المسلمون كما كان العبد له
وقد أجره من غيره وكان المستأجر أحق بمنفعته إلى المدة التي شرطت له من مالك العبد والملك له وكما لو
آجر الأمة فتكون محتبسة عنه بحق فيها وإن ولدت أولادا لم تدخل الأولاد في الإجارة فكذلك لم
تدخل الأولاد في الرهن والرهن بمنزلة ضمان الرجل عن الرجل ولا يدخل في الضمان إلا من أدخل
نفسه فيه وولد الأمة ونتاج الماشية وثمر الحائط مما لم يدخل في الرهن قط وقد أخبرنا مطرف بن مازن
عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أن معاذ بن جبل قضى فيمن ارتهن نخلا مثمرا فليحسب المرتهن
ثمرها من رأس المال وذكر سفيان بن عيينة شبيها به (قال الشافعي) وأحسب مطرفا قاله في الحديث
من عام حج رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وهذا كلام يحتمل معاني فأظهر معانيه أن
يكون الراهن والمرتهن تراضيا أن تكون الثمرة رهنا أو يكون الدين حالا ويكون الراهن سلط المرتهن على
بيع الثمرة واقتضائها من رأس ماله أو أذن له بذلك وإن كان الدين إلى أجل، ويحتمل غير هذا المعنى
فيحتمل أن يكونا تراضيا أن الثمرة للمرتهن فتأداها على ذلك فقال هي من رأس المال لا للمرتهن
ويحتمل أن يكونوا صنعوا هذا متقدما فأعلمهم أنها لا تكون للمرتهن ويشبه هذا لقوله من عام حج
رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنهم كانوا يقضون بأن الثمرة للمرتهن قبل حج النبي صلى الله عليه وسلم
وظهور حكمه فردهم إلى أن لا تكون للمرتهن فلما لم يكن له ظاهر مقتصرا عليه وصار إلى التأويل لم يجز
لاحد فيه شئ إلا جاز عليه وكل يحتمل معنى لا يخالف معنى قول من قال لا تكون الثمرة رهنا مع
198

الحائط إذا لم تشترط (قال الشافعي) فإن قال قائل وكيف لا يكون له ظاهر مخالفا يحكم به؟ قلت
أرأيت رجلا رهن رجلا حائطا فأثمر الحائط للمرتهن بيع الثمرة وحسابها من رأس المال فيكون بائعا لنفسه
بلا تسليط من الراهن وليس في الحديث أن الراهن سلط المرتهن على بيع الثمرة أو يجوز للمرتهن أن
يقبضها من رأس ماله إن كان الدين إلى أجل قبل محل الدين ولا يجيز هذا أحد علمته فليس وجه
الحديث في هذا إلا بالتأويل (قال الشافعي) فلما كان هذا الحديث هكذا كان أن لا تكون الثمرة رهنا
ولا الولد ولا النتاج أصح الأقاويل عندنا والله تعالى أعلم (قال الشافعي) ولو قال قائل إلا أن يتشارطا
عند الرهن أن يكون الولد والنتاج والثمر رهنا فيشبه أن يجوز عندي وإنما أجزته على ما لم يكن أنه ليس
بتمليك فلا يجوز أن يملك ما لا يكون وهذا يشبه معنى حديث معاذ والله تعالى أعلم وإن لم يكن بالبين
جدا كان مذهبا ولولا حديث معاذ ما رأيته يشبه أن يكون عند أحد جائزا (قال الربيع) وفيه قول آخر
أنه إذا رهنه ماشية أو نخلا على أن ما حدث من النتاج أو الثمرة رهن كان الرهن باطلا لأنه رهنه ما لا
يعرف ولا يضبط ويكون ولا يكون ولا إذا كان كيف يكون وهذا أصح الأقاويل على مذهب الشافعي
(قال الشافعي) وقال بعض أصحابنا الثمرة والنتاج وولد الجارية رهن مع الجارية والماشية والحائط لأنه
منه وما كسب الرهن من كسب أو وهب له من شئ فهو لمالكه ولا يشبه كسبه الجناية عليه لأن الجناية
ثمن له أو لبعضه (قال الشافعي) وإذا دفع الراهن الرهن إلى المرتهن أو إلى العدل فأراد أن يأخذه من
يديه لخدمة أو غيرها فليس له ذلك فإن أعتقه فإن مسلم بن خالد أخبرنا عن ابن جريج عن عطاء في
العبد يكون رهنا فيعتقه سيده فإن العتق باطل أو مردود (قال الشافعي) وهذا له وجه، ووجهه أن
يقول قائله إذا كان العبد بالحق الذي جعله فيه محولا بينه وبين أن يأخذه ساعة يخدمه فهو من أن يعتقه
أبعد فإذا كان في حال لا يجوز له فيها عتقه وأبطل الحاكم فيها عتقه ثم فكه بعد لم يعتق بعتق قد أبطله
الحاكم (وقال) بعض أصحابنا إذا أعتقه الراهن نظرت فإن كان له مال يفي بقيمة العبد أخذت قيمته
منه فجعلتها رهنا وأنفذت عتقه لأنه مالك قال وكذلك إن أبرأه صاحب الدين أو قضاه فرجع العبد
إلى مالكه وانفسخ الدين الذي في عتقه أنفذت عليه العتق لأنه مالك وإنما العلة التي منعت بها عتقه
حق غيره في عنقه فلما انفسخ ذلك أنفذت فيه العتق (قال الشافعي) وقد قال بعض الناس هو حر
ويسعى في قيمته والذي يقول هو حر يقول ليس لسيد العبد أن يبيعه وهو مالك له ولا يرهنه ولا يقبضه
ساعة وإذا قيل له لم وهو مالك قد باع بيعا صحيحا قال فيه حق لغيره حال بينه وبين أن يخرجه من
الرهن فقيل له فإذا منعته أن يخرجه من الرهن بعوض يأخذه لعله أن يوديه إلى صاحبه أو يعطيه إياه
رهنا مكانه أو قال أبيعه لا يتلف ثم أدفع الثمن رهنا فقلت لا إلا برضاء المرتهن ومنعته وهو مالك أن
يرهنه من غيره فأبطلت الرهن إن فعل ومنعته وهو مالك أن يخدمه ساعة وكانت حجتك فيه أنه قد
أوجب فيه شيئا لغيره فكيف أجزت له أن يعتقه فيخرجه من الرهن الاخراج الذي لا يعود فيه أبدا لقد
منعته من الأقل وأعطيته الأكثر فإن قال استسعيه فالاستسعاء أيضا ظلم للعبد وللمرتهن أرأيت إن كانت
أمة تساوى ألوفا ويعلم أنها عاجزة عن اكتساب نفقتها في أي شئ تسعى أو رأيت إن كان الدين حالا
أو إلى أي يوم فأعتقه ولعل العبد يهلك ولا مال له والأمة فيبطل حق هذا أو يسعى فيه مائة سنة ثم لعله
لا يؤدى منه كبير شئ ولعل الراهن مفلس لا يجد درهما فقد أتلفت حق صاحب الرهن ولم ينتفع برهة
فمرة تجعل الدين يهلك إذا هلك الرهن لأنه فيه زعيم ومرة تنظر إلى الذي فيه الدين فتجيز فيه عتق
صاحبه وتتلف فيه حق الغريم وهذا قول متباين وإنما يرتهن الرجل بحقه فيكون أحسن حالا ممن لم
199

يرتهن والمرتهن في أكثر قول من قال هذا أسوأ حالا من الذي لم يرتهن وما شئ أيسر على من يستخف
بذمته من أن يسأل صاحب الرهن أن يعيره إياه إما يخدمه أو يرهنه فإذا أبى قال لأخرجنه من يدك
فأعتقه فتلف حق المرتهن ولم يجد عند الراهن وفاء (قال الشافعي) ولا أدرى أيراه يرجع بالدين على
الغريم المعتق أم لا (قال الشافعي) فإن قال قائل لم أجزت العتق فيه إذا كان له مال ولم تقل ما قال فيه
عطاء؟ قيل له كل مالك يجوز عتقه إلا لعلة حق غيره فإذا كان عتقه إياه يتلف حق غيره لم أجزه وإذا
لم يكن يتلف لغيره حقا وكنت آخذ العوض منه وأصيره رهنا كهو فقد ذهبت العلة التي بها كنت مبطلا
للعتق وكذلك إذا أدى الحق الذي فيه استيفاء من المرتهن أو إبراء ولا يجوز الرهن إلا مقبوضا وإن رهنه
رهنا فما قبضه هو ولا عدل يضعه على يديه فالرهن مفسوخ والقبض ما وصفت في صدر الكتاب
مختلف قال وإن قبضه ثم أعاره إياه أو آجره إياه هو أو العدل، فقال بعض أصحابنا لا يخرجه هذا
من الرهن لأنه إذا أعاره إياه فمتى شاء أخذه وإذا آجره فهو كالأجنبي (1) يؤاجر الرهن إذا أذن له سيده
والإجارة للمالك فإذا كانت للمالك فلصاحب الرهن أن يأخذ الرهن لأن الإجارة منفسخة وهكذا نقول
(قال الشافعي) فإن تبايعا على أن يرهنه فرهنه وقبض أو رهنه بعد البيع فكل ذلك جائز وإذا رهنه
فليس له إخراجه من الرهن فهو كالضمان يجوز بعد البيع وعنده (قال الشافعي) فإن تبايعا على أن يرهنه
عبدا فإذا هو حر فالبائع بالخيار في فسخ البيع أو إثباته لأنه قد بايعه على وثيقة فلم تتم له وإن تبايعا على
رهنه فلم يقبضه فالرهن مفسوخ لأنه لا يجوز إلا مقبوضا.
جناية الرهن
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا جنى الأجنبي على العبد المرهون جناية تتلفه أو تتلف بعضه
أو تنقصه فكان لها أرش فمالك العبد الراهن الخصم فيها، وإن أحب المرتهن حضوره أحضره فإذا
قضى له بأرش الجناية دفع الأرش إلى المرتهن إن كان الرهن على يديه أو إلى العدل الذي على يديه
وقيل للراهن إن أحببت فسلمه إلى المرتهن قصاصا من حقه عليك وإن شئت فهو موقوف في يديه
رهنا، أو في يدي من على يديه الرهن إلى محل الحق (قال الشافعي) لا أحسب أحدا يعقل يختار أن
يكون من ماله شئ يقف لا يقبضه فينتفع به إلى محل الدين ولا شئ له بوجه من الوجوه موقوفا غير
مضمون إن تلف بلا ضمان على الذي هو في يديه وكان أصل الحق ثابتا كما كان عليه على أن يكون
قصاصا من دينه (قال الشافعي) فإن قال الراهن أنا آخذ الأرش لأن ملك العبد لي فليس ذلك له من
قبل أن ما كان من أرش العبد فهو ينقص من ثمنه وما أخذ من أرشه فهو يقوم مقام بدنه لأنه عوض من
بدنه والعوض من البدن يقوم مقام البدن إذا لم يكن لمالكه أخذ بدن العبد فكذلك لا يكون له أخذ
أرش بدنه ولا أرش
شئ منه (قال الشافعي) وإن جنى عليه ابن المرتهن فجنايته كجناية الأجنبي وإن
جنى عليه المرتهن فجنايته أيضا كجناية الأجنبي إلا أن مالك العبد يخير بين أن يجعل ما يلزمه من ثمن عقل

(1) قوله: يؤاجر الرهن، في نسخة " وأجر الرهن " وقوله: فلصاحب الرهن، كذا في النسخ التي عندنا ولعله
" فلصاحب الحق " وحرره اه‍ مصححه.
200

العبد قصاصا من دينه أو يقره رهنا في يديه إن كان الرهن على يديه وإن كان موضوعا على يدي عدل
أخذ ما لزمه من عقله فدفع إلى العدل (قال الشافعي) فإن جنى عليه عبد المرتهن قيل للمرتهن أفد
عبدك بجميع الجناية أو أسلمه يباع فإن فداه فالراهن بالخيار بين أن يكون الفداء قصاصا من الدين أو
يكون رهنا كما كان العبد وان أسلم العبد بيع العبد ثم كان ثمنه رهنا كما كان العبد المجني عليه (قال
الشافعي) وإن جنى عبد المرتهن على عبد الراهن المرهون جناية لا تبلغ النفس فالقول فيها كالقول في
الجناية في النفس يخير بين أن يفديه بجميع أرش الجناية أو يسلمه يباع فإن أسلمه بيع ثم كان ثمنه كما
وصفت لك (قال الشافعي) وإن كان في الرهن عبدان فجنى أحدهما على الآخر فالجناية هدر لأن
الجناية في عنق العبد لا في مال سيده فإذا جنى أحدهما على الآخر فكأنما جنى على نفسه لأن المالك
الراهن لا يستحق إلا ما هو له رهن لغيره فالسيد لا يستحق من العبد الجاني إلا ماله والمرتهن لا يستحق
من العبد الجاني أيضا إلا ما هو ملك لمن رهنه وما هو رهن له (قال الشافعي) وإن كان الرهن أمة فولدت
ولدا فجنى عليها ولدها كعبد للسيد، لو جنى عليها لأنه خارج من الرهن (قال الشافعي) وإن جنى
عبد للراهن على عبده المرهون قيل له قد أتلف عبدك عبدك وعبدك المتلف كله أو بعضه مرهون بحق
لغيرك فيه فأنت بالخيار في أن تفدى عبدك بجميع أرش الجناية فإن فعلت فأنت بالخيار في أن يكون
قصاصا من الدين أو رهنا مكان العبد المرهون لأن البدل من الرهن يقوم مقامه أو تسلم العبد الجاني
فيباع، ثم يكون ثمنه رهنا مكان المجني عليه (قال الشافعي) فإن جنى الراهن على عبده المرهون فقد
جنى على عبد لغيره فيه حق برهنه لأنه يمنع منه سيده ويبيعه فيكون المرتهن أحق بثمنه من سيده ومن
غرمائه فيقال أنت وإن كنت جنيت على عبدك فجنايتك عليه إخراج له من الرهن أو نقص له فإن
شئت فأرش جنايتك عليه ما بلغت قصاصا من دينك وإن شئت فسلمه يكون رهنا مكان العبد المرهون
قال وذلك إذا كان الدين حالا فأما إذا كان إلى أجل فيؤخذ الأرش فيكون رهنا إلا أن يتراضيا الجاني
الراهن والمرتهن بأن يكون قصاصا (قال الشافعي) وإن كانت الجناية من أجنبي عمدا فلمالك العبد
الراهن ان يقتص له من الجاني إن كان بينهما قصاص وإن عرض عليه الصلح من الجناية فليس يلزمه
أن يصالح وله أن يأخذ القود ولا يبدل مكانه غيره لأنه ثبت له القصاص وليس بمتعد في أخذه
القصاص وقال بعض الناس ليس له أن يقتص وعلى الجاني أرش الجناية أحب أو كره (قال الشافعي)
وهذا القول بعيد من قياس قوله هو يجيز عتق الراهن إذا أعتق العبد ويسعى العبد والذي يقول هذا
القول يقتص للعبد من الحر ويزعم أن الله عز وجل حكم بالقصاص في القتلى وساوى النفس بالنفس
ويزعم أن ولأي لقتيل لو أراد أن يأخذ في القتل العمد الدية لم يكن ذلك له من قبل أن الله عز وجل
أوجب له القصاص إلا أن يشاء ذلك القاتل وولى المقتول فيصطلحا عليه (قال الشافعي) فإذا زعم أن
القتل يجب فيه بحكم الله تعالى في القتل وكان وليه يريد القتل فمنعه إياه فقد أبطل ما زعم أن فيه حكما
ومنع السيد من حقه (قال الشافعي) فإن قال فإن القتل يبطل حق المرتهن فكذلك قد أبطل حق
الراهن وكذلك لو قتل نفسه أو مات بطل حق المرتهن فيه وحق المرتهن في كل حال على مالك العبد
فإن كان إنما ذهب إلى أن هذا أصلح لهما معا فقد بدأ بظلم القاتل على نفسه فأخذ منه مالا وإنما عليه
عنده قصاص ومنع السيد مما زعم أنه أوجب له وقد يكون العبد ثمنه عشرة دنانير والحق إلى سنة فيعطيه
به رجل لرغبته فيه ألف دينار فيقال لمالك العبد هذا فضل كثير تأخذه فتقضى دينك ويقول ذلك له
الغريم ومالك العبد محتاج فيزعم قائل هذا القول الذي أبطل القصاص للنظر للمالك وللمرتهن أنه لا
201

يكره مالك العبد على بيعه وإن كان ذلك نظرا لهما معا ولا يكره الناس في أموالهم على إخراجها من
أيديهم بما لا يريدون إلا أن يلزمهم حقوق للناس وليس للمرتهن في بيعه حق حتى يحل الأجل (قال
الشافعي) فإن جنى العبد الراهن جناية فسيده يخير بين أن يفديه بأرش الجناية فإن فعل فالعبد رهن
بحاله أو يسلمه يباع فإن أسلمه لم يكلف أن يجعل مكانه غيره لأنه إنما أسلمه بحق وجب فيه (قال
الشافعي) فإن كان أرش الجناية أقل من قيمة العبد المسلم فأسلمه فبيع دفع إلى المجني عليه أرش جنايته
ورد ما بقي من ثمن العبد رهنا (1).
202

التفليس
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن
عمرو بن حزام عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أيما رجل أفلس فأدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به "
(قال الشافعي) وأخبرنا عبد الوهاب الثقفي أنه سمع يحيى بن سعيد يقول أخبرني أبو بكر بن محمد بن
عمرو بن حزم أن عمر بن عبد العزيز حدثه أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام حدثه أنه
سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أدرك ماله بعينه عند رجل
قد أفلس فهو أحق به " (أخبرنا) محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب قال حدثني أبو
المعتمر بن عمرو بن رافع عن ابن خلدة الزرقي وكان قاضيا بالمدينة أنه قال جئنا أبا هريرة رضي الله عنه
في صاحب لنا قد أفلس فقال هذا الذي قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما رجل مات
أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه " (قال الشافعي) وبحديث مالك بن أنس وعبد
الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد وحديث ابن أبي ذئب عن أبي المعتمر في التفليس نأخذ وفى
حديث ابن أبي ذئب ما في حديث مالك والثقفي من جملة التفليس ويتبين أن ذلك في الموت والحياة
سواء وحديثاهما ثابتان متصلان وفى قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك ماله بعينه فهو أحق به "
بيان على أنه جعل لصاحب السلعة إذا كانت سلعته قائمة بعينها نقض البيع الأول فيها إن شاء كما جعل
للمستشفع الشفعة إن شاء، لأن كل من جعل له شئ فهو إليه إن شاء أخذه وإن شاء تركه وإن
أصاب السلعة نقص في بدنها عوار أو قطع أو غيره أو زادت فذلك كله سواء، يقال لرب السلعة:
أنت أحق بسلعتك من الغرماء إن شئت لأنا إنما نجعل ذلك إن اختاره رب السلعة نقضا للعدة الأولى
بحال السلعة الآن قال وإذا لم أجعل لورثة المفلس ولا له في حياته دفعه عن سلعته إذا لم يكن هو
برئ الذمة بأدائه عن نفسه لم أجعل لغرمائه أن يدفعوا عن السلعة إن شاءوا وما لغرمائه يدفعون عنه وما
يعدو غرماؤه أن يكونوا متطوعين للغريم بما يدفعون عنه فليس على الغريم أن يأخذ ماله من غير
صاحب دينه كما لو كان لرجل على رجل دين فقال له رجل أقضيك عنه لم يكن عليه أن يقتضى ذلك
منه وتبرأ ذمة صاحبه أو يكون هذا لهم لازما فيأخذه منهم وإن لم يريدوه فهذا ليس لهم بلازم ومن
قضى عليه أن يأخذ المال منهم خرج من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا لأنه قد وجد عين
ماله عند مفلس فإذا منعه إياه فقد منعه ما جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعطاه شيئا محالا
ظلم فيه المعطى والمعطى وذلك أن المعطى لو أعطى ذلك الغريم حتى يجعله مالا من ماله يدفعه إلى
203

صاحب السلعة فيكون عنده غير مفلس يحقه وجبره على قبضه فجاء غرماء آخرون رجعوا به عليه فكان
قد منعه سلعته التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم دون الغرماء كلهم وأعطاه العوض منها
والعوض لا يكون إلا لما فات والسلعة لم تفت فقضى ههنا قضاء محالا إذ جعل العوض من شئ قائم ثم
زاد أن قضى بأن أعطاه مالا يسلم له لأن الغرماء إذا جاءوا ودخلوا معه فيه وكانوا أسوته وسلعته قد
كانت له منفردة دونهم عن المعطى فجعله يعطى على أن يأخذ فضل السلعة ثم جاء غرماء آخرون
فدخلوا عليه في تلك السلعة فإن قال قائل لم أدخل ذلك عليه وهو تطوع به قيل له: فإذا كان تطوع به
فلم جعلت له فيما تطوع به عوض السلعة والمتطوع من لا يأخذ عوضا ما زدت على أن جعلته له بيعا لا يجوز
وغررا لا يفعل (قال الشافعي) وإذا باع الرجل من الرجل نخلا فيه ثمر أو طلع قد أبر استثناه المشترى
وقبضها المشترى وأكل الثمر ثم أفلس المشترى كان للبائع أن يأخذ حائطه لأنه عين ماله ويكون أسوة
الغرماء في حصة الثمر الذي وقع عليه البيع فاستهلكه المشترى من أصل الثمن يقسم الثمن على الحائط
والثمر فينظر كم قيمة الثمر من أصل البيع فإن كان الربع أخذ الحائط بحصته وهو ثلاثة أرباع الثمن ورجع
بقيمة الثمر وهو الربع وإنما قيمته يوم قبضه لا يوم أكله لأن الزيادة كانت في ماله ولو قبضه سالما والمسألة
بحالها ثم أصابته جائحة رجع بحصته من الثمن لأنها أصابته في ملكه بعد قبضه ولو كان باعه الحائط
والثمر قد أخضر ثم أفلس المشترى والثمر رطب أو ثمر قائم أو بسر زائد عن الأخضر كان له أن يأخذه
والنخل لأنه عين ماله وإن زاد كما يبيعه الجارية الصغيرة فيأخذها كبيرة زائدة ولو أكل بعضه وأدرك
بعضه زائدا بعينه أخذ المدرك وتبعه بحصة ما باع من الثمر يوم باعه إياه مع الغرماء (قال الشافعي)
وهكذا لو باعه وديا صغارا أو نوى قد خرج أو زرعا قد خرج أو لم يخرج مع أرض فأفلس وذلك كله
زائد مدرك أخذ الأرض وجميع ما باعه زائدا مدركا وإذا فات رجع بحصته من الثمن يوم وقع البيع كما
يكون لو اشترى منه جارية أو عبدا بحال صغر أو مرض فمات في يديه أو أعتقه رجع بثمنه الذي اشتراه
به منه ولو كبر العبد أو صح وقد اشتراه سقيما صغيرا كان للبائع أخذه صحيحا كبيرا لأنه عين ماله
والزيادة فيه منه لا من صنعة الآدميين وكذلك لو باعه فعلمه أخذه معلما ولو كسى المشترى العبد أو وهب
له مالا أخذ البائع العبد وأخذ الغرماء مال العبد وليس بالعبد لأنها غيره ومال من مال المشترى لا يملكه
البائع ولو كان العبد المبيع بيع وله مال استثناه المشترى فاستهلك المشترى ماله أو هلك في يد العبد فسواء
ويرجع البائع بالعبد فيأخذه دون الغرماء وبقيمة المال من البيع يحاص به الغرماء ولو باعه حائطا لا ثمر
فيه فأثمر ثم فلس المشترى فإن كان الثمر يوم فلس المشترى مأبورا أو غير مأبور فسواء والثمر للمشترى ثم
يقال لرب النخل إن شئت فالنخل لك على أن نقر الثمر فيها إلى الجداد وإن شئت فدع الخل وكن
أسوة الغرماء وهكذا لو باعه أمة فولدت ثم فلس كانت له الأمة ولم يكن له الولد ولو فلس والأمة حامل
كانت له الأمة والحمل تبع يملكها (1) كما يملك به الأمة ولو كانت السلعة أمة فولدت له أولادا قبل
إفلاس الغريم ثم أفلس الغريم رجع بالام ولم يرجع بالأولاد، لأنهم ولدوا في ملك الغريم وإنما
نقضت البيع الأول بالافلاس الحادث واختيار البيع نقضه لا بأن أصل البيع كان مفسوخا من الأصل
ولو كانت السلعة دارا فبنيت أو بقعة فغرست ثم أفلس والغريم رددت البائع بالدار كما كانت والبقعة كما

(1) قوله: يملكها كما يملك به الأمة، هكذا في النسخ التي بأيدينا، ولعل الصواب " يملكه بما يملك به الأمة "
كما هو واضح. كتبه مصححه.
204

كانت حين باعها، ولم أجعل له الزيادة لأنها لم تكن في صفقة البيع وإنما هي شئ متميز من الأرض
من مال المشترى ثم خيرته بين أن يعطى قيمة العمارة والغراس ويكون ذلك له أو يكون له ما كان من
الأرض لا عمارة فيها وتكون العمارة الحادثة تباع للغرماء سواء بينهم إلا أن يشاء الغرماء والغريم أن
يقلعوا البناء والغراس ويضمنوا لرب الأرض ما نقص الأرض القلع فيكون ذلك لهم ولو كانت السلعة
شيئا متفرقا مثل عبيد أو إبل أو غنم أو ثياب أو طعام فاستهلك المشترى بعضه ووجد البائع بعضه كان له
البعض الذي وجد بحصته من الثمن إن كان نصفا قبض النصف وكان غريما من الغرماء في النصف
الباقي وهكذا إن كان أكثر أو أقل قال وإذا جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الكل لأنه عين ماله
فالبعض عين ماله وهو أقل من الكل ومن ملك الكل ملك البعض إلا أنه إذا ملك البعض نقص من
ملكه والنقص لا يمنعه الملك ولو باع رجل من رجل أرضا فغرسها ثم فلس الغريم فأبى رب الأرض أن
يأخذ الأرض بقيمة الغراس وأبى الغريم أن يقلعوا الغراس ويسلموا الأرض إلى ربها لم يكن لرب
الأرض بالخيار إن شاء أن يأخذ أرضه ويبقى الثمر فيها إلى الجداد إن أراد الغريم والغرماء أن يبقوه فيها
إلى الجداد فذلك له وليس للغريم منعه وإن أراد أن يدعها ويضرب مع الغرماء بما كان له فعل وكذلك
لو باعه أرضا بيضاء فزرعها ثم فلس كان مثل الحائط يبيعه ثم يثمر النخل فإن أراد رب الأرض أو رب
النخل أن يقبلها ويبقى فيها الزرع إلى الحصاد والثمار إلى الجداد ثم عطبت النخل قبل ذلك بأي وجه ما
عطبت بفعل الآدميين أو بأمر من السماء أو جاء سيل فخرق الأرض وأبطلها فضمان ذلك من ربها الذي
قبلها لا من المفلس لأنه عندما قبلها صار مالكا لها إن أراد أن يبيع باع وإن أراد أن يهب وهب فإن
قيل ومن أين يجوز أن يملك المرء شيئا لا يتم له جميع ملكه فيه لأن هذا لم يملكه الذي جعلت له أخذه
ملكا تاما لأنه محول بينه وبين جمار النخل والجريد وكل ما أضر بثمر المفلس ومحول بينه وبين أن يحدث
في الأرض بئرا أو شيئا مما يضر ذلك بزرع المفلس؟ قيل له بدلالة قول النبي صلى الله عليه وسلم " من
باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع " فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يملك
المبتاع النخل ويملك البائع الثمر إلى الجداد قال ولو سلم رب الأرض الأرض للمفلس فقال الغرماء
أحصد الزرع وبعه بقلا، وأعطنا ثمنه وقال المفلس لست أفعل وأنا أدعه إلى أن يحصد لأن ذلك أنمى
لي والزرع لا يحتاج إلى الماء ولا المؤنة كان القول قول الغرماء في أن يباع لهم ولو كان يحتاج إلى السقي
والعلاج فتطوع رجل للغريم بالانفاق عليه فأخرج نفقة ذلك وأسلمها إلى من يلي الانفاق عليه وزاد
حتى ظن أن ذلك إن سلم لم يكن للغريم إبقاء الزرع إلى الحصاد وكان للغرماء بيعه وإذا جعل له رسول
الله صلى الله عليه وسلم الكل لأنه عين ماله فالبعض عين ماله وهو أقل من الكل ومن ملك الكل ملك
البعض إلا أنه إذا ملك البعض نقص من ملكه والنقص لا يمنعه الملك قال ولو كانت السلعة عبدا
فأخذ نصف ثمنه ثم أفلس الغريم كان له نصف العبد شريكا به للغريم ويباع النصف الذي كان للغريم
لغرمائه دونه على المثال الذي ذكرت ولا يرد مما أخذ شيئا لأنه مستوف لما أخذه ولو زعمت أنه يرد شيئا
مما أخذ جعلت له لو أخذ الثمن كله أن يرده ويأخذ سلعته ومن قال هذا فهذا خلاف السنة والقياس
عليها ولو كانا عبدين أو ثوبين فباعهما بعشرين فقبض عشرة وبقى من ثمنها عشرة كان شريكا فيهما
بالنصف يكون نصفهما له والنصف للغرماء يباع في دينه ولو كانت المسألة بحالها فاقتضى نصف الثمن
وهلك نصف المبيع وبقى أحد الثوبين أو أحد العبدين وقيمتهما سواء كان أحق به الغرماء من قبل أنه
عين ماله عند معدم، والذي قبض من الثمن إنما هو بدل، فكما كان لو كانا قائمين أخذهما ثم أخذ
205

بعض البدل وبقى بعض السلعة كان ذلك كقيامهما معا فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول البدل منهما معا
فقد أخذ نصف ثمن ذا ونصف ثمن ذا، فهل من شئ يبين ما قلت غير ما ذكرت؟ قيل نعم أن يكونا
جميعا ثمن ذا مثل ثمن ذا مستويي القيمة فيباعان صفقة واحدة ويقبضان ويقبض البائع من ثمنهما
خمسين ويهلك أحد الثوبين ويجد بالآخر عيبا فيرده بالنصف الباقي ولا يرد شيئا مما أخذ ويكون ما أخذ
ثمن الهالك منهما ولو لم يكونا بيعا وكانا رهنا بمائة فأخذ تسعين وفات أحدهما كان الآخر رهنا بالعشرة
الباقية وكذلك يكون لو كانا قائمين ولا يبعض الثمن عليهما ولكنه يجعل الكل في كليهما والباقي في كليهما
وكما يكون ذلك في الرهن لو كانوا عبيدا رهنا بمائة فأدى تسعين كانوا معا رهنا بعشرة لا يخرج منهم
أحد من الرهن ولا شئ منه حتى يستوفى آخر حقه فلما كان البيع في دلالة حكم النبي صلى الله عليه
وسلم موقوفا فإن أخذ ثمنه وإلا رجع بيعه فأخذه فكان كالمرتهن قيمته وفى أكثر من حال المرتهن في أنه
أخذه كله لا يباع عليه كما يباع الرهن فيستوفى حقه ويرد فضل الثمن على مالكه فكان في معنى السنة
(قال الشافعي) في الشريكين يفلس أحدهما: لا يلزم الشريك الآخر من الدين شئ إلا أن يقر أنه
أدانه له بإذنه أو هما معا فيكون كدين أدانه له بإذنه بلا شركة كانت، وشركة المفاوضة باطلة لا شركة
إلا واحدة.
قال الله تبارك وتعالى " وإن كان ذو عشرة فنظرة إلى ميسرة " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" مطل الغنى ظلم " فلم يجعل على ذي دين سبيلا في العشرة حتى تكون الميسرة ولم يجعل رسول الله صلى
الله عليه وسلم مطله ظلما إلا بالغنى فإذا كان معسرا فهو ليس ممن عليه سبيل إلا أن يوسر وإذا لم يكن
عليه سبيل فلا سبيل على إجارته لأن إجارته عمل بدنه وإذا لم يكن على بدنه سبيل وإنما السبيل على
ماله لم يكن إلى استعماله سبيل، وكذلك لا يحبس لأنه لا سبيل عليه في حاله هذه، وإذا قام الغرماء
على رجل فأرادوا أخذ جميع ماله ترك له من ماله قدر ما لا غناء به عنه، وأقل ما يكفيه وأهله يومه
من الطعام والشراب وقد قيل إن كان لقسمه حبس أنفق عليه وعلى أهله كل يوم أقل ما يكفيهم حتى
يفرغ من قسم ماله ويترك لهم نفقتهم يوم يقسم آخر ماله وأقل ما يكفيه من كسوته في شتاء كان ذلك أو
صيف فإن كان له من الكسوة ما يبلغ ثمنا كثيرا بيع عليه وترك له ما وصفت لك من أقل ما يكفيه منها
فإن كانت ثيابه كلها غوالي مجاوزة القدر اشترى له من ثمنها أقل ما يكفيه مما يلبس أقصد من هو في
مثل حاله ومن تلزمه مؤنته في وقته ذلك شتاء كان أو صيفا وإن مات كفن من ماله قبل الغرماء وحفر
قبره بأقل ما يكفيه ثم اقتسم فضل ماله ويباع عليه مسكنه وخادمه لأن له من الخادم بدا وقد يجد
المسكن قال وإذا جنيت عليه جناية قبل التفليس فلم يأخذ أرشها إلا بعد التفليس فالغرماء أحق بها منه
إذا قبضها لأنها مال من ماله لا ثمن لبعضه، ولو وهب له بعد التفليس هبة لم يكن عليه أن يقبلها فلو قبلها
كانت لغرمائه دونه وكذلك كل ما أعطاه أحد من الآدميين متطوعا به فليس عليه قبوله ولا يدخل ماله
شئ إلا بقبوله إلا الميراث، فإنه لو ورث كان مالكا ولم يكن له دفع الميراث وكان لغرمائه أخذه من
يده، ولو جنيت عليه جناية عمدا فكان له الخيار بين اخذ الأرش أو القصاص كان له أن يقتص ولم
يكن عليه أن يأخذ المال لأنه لا يكون مالكا للمال إلا بأن يشاء وكذلك لو عرض عليه من جنى عليه
المال ولو استهلك له شيئا قبل التفليس ثم صالح منه على شئ بعد التفليس فإن كان ما صالح قيمة ما
استهلك له بشئ معروف القيمة فأراد مستهلكة أن يزيده على قيمته لم يكن عليه أن يقبل الزيادة لأن
الزيادة في موضع الهبة فإن فلس الغريم وقد شهد له شاهد بحق على آخر فأبى أن يحلف مع شاهده
206

أبطلنا حقه إذا أحلفنا المشهود عليه ولم نجعل للغرماء أن يحلفوا لأنه لا يملك إلا بعد اليمين فلما لم يكن
مالكا لم يكن عليه أن يحلف وكذلك لو ادعى عليه فأبى أن يحلف ورد اليمين فامتنع المفلس من اليمين
بطل حقه وليس للغرماء في حال أن يحلفوا لأنهم ليسوا مالكين إلا ما ملك ولا يملك إلا بعد اليمين ولو
جنى هو بعد التفليس جناية عمدا أو استهلك مالا كان المجني عليه والمستهلك له أسوة الغرماء في ماله
الموقوف لهم، بيع أو لم يبع ما لم يقتسموه فإذا اقتسموه نظرنا فإن كانت الجناية قبل القسم دخل معهم
فيما اقتسموا لأن حقه لزمه قبل يقسم ماله وإن كانت الجناية بعد القسم لم يدخل معهم لأنهم قد ملكوا
ما قسم لهم وخرج عن ملك المفلس والجنابة والاستهلاك دين عليه سواء ولو أن القاضي حجر عليه وأمر
بوقف ماله ليباع فجنى عبد له جناية لم يكن له أن يفديه وأمر القاضي ببيع الجاني في الجناية حتى يوفى
المجني عليه أرشها فإن فضل فضل رده في ماله حتى يعطيه غرماءه وإن لم يفضل من ثمنه شئ ولم
يستوف صاحب الجناية جنايته بطلت جنايته لأنها كانت في رقبة العبد دون ذمة سيده ولو كان عبد
المفلس مجنيا عليه كان سيده الخصم له فإذا ثبت الحق عليه وكان الجاني عليه عبدا فله أن يقتص إن
كانت الجناية فيها قصاص وأن يأخذ الأرش من رقبة العبد الجاني فإن أراد الغرماء ترك القصاص وأخذ
المال فليس ذلك لهم لأنه لا يملك المال إلا بعد اختياره لهم وإن كانت الجناية مما لا قصاص فيه إنما
فيه الأرش لم يكن لسيد العبد عفو الأرش لأنه مال من ماله وجب له بكل حال فليس له هبته وهو
مردود في ماله يقضى به عن دينه وإذا باع الرجل من الرجل الحنطة أو الزيت أو السمن أو شيئا مما
كال أو يوزن فخلطه بمثله أو خلطه بأردأ منه من جنسه ثم فلس غريمه كان له أن يأخذ متاعه بعينه لأنه
قائم كما كان ويقاسم الغرماء بكيل ماله أو وزنه وكذلك إن كان خلطه فيما دونه إن شاء لأنه لا يأخذ
فضلا إنما يأخذ نقصا فإن كان خلطه بما هو خير منه ففيها قولان أحدهما أن لا سبيل له لأنا لا نصل إلى
دفع ماله إليه إلا زائدا بمال غريمه وليس لنا أن نعطيه الزيادة وكان هذا أصح القولين والله أعلم وبه
قول. قال ولا يشبه هذا، الثوب يصبغ ولا السويق يلت الثوب يصبغ والسويق يلت متاعه بعينه فيه
زيادة مختلطة فيه وهذا إذا اختلط انقلب حتى لا توجد عين ماله إلا غير معروفة من عين مال غيره
وهكذا كل ذائب. والقول الثاني أن ينظر إلى قيمة عسله وقيمة العسل المخلوط به متميزين ثم يخير
البائع بان يكون شريكا بقدر قيمة عسله من عسل البائع ويترك فضل كيل عسله أو يدع ويكون غريما
كأن عسله كان صاعا يسوى دينارين وعسل شريكه كان صاعا يسوى أربعة دنانير فإن اختار أن يكون
شريكا بثلثي صاع من عسله وعسل شريكه كان له وكان تاركا لفضل صاع ومن قال هذا قال ليس
هذا ببيع إنما هذا وضيعة من مكيلة كانت له ولو باعه حنطة فطحنها كان فيها قولان هذا أشبههما عندي
والله أعلم وبه أقول وهو أن له أن يأخذ الدقيق ويعطى الغرماء قيمة الطحن لأنه زائد على ماله وكذلك
لو باعه ثوبا فصبغه كان له ثوبه وللغرماء صبغه يكونون شركاء بما زاد الصبغ في قيمة الثوب وهكذا لو
باعه ثوبا فخاطه كان له أن يأخذ ثوبه وللغرماء ما زادت الخياطة وهكذا لو باعه إياه فقصره كان له أن
يأخذ ثوبه وللغرماء بعدما زادت القصارة فيه فإن قال قائل فأنت تزعم أن الغاصب لا يأخذ في
القصارة شيئا لأنها أثر قلنا المفلس مخالف للغاصب من قبل أن المفلس إنما عمل فيما يملك ويحل له
العمل فيه والغاصب عمل فيما لا يملك ولا يحل له العمل فيه ألا ترى أن المفلس يشترى البقعة فيبنيها
ولا يهدم بناؤه ويهدم بناء الغاصب ويشترى الشئ فيبيعه فلا يرد بيعة ويرد بيع الغاصب ويشترى العبد
فيعتقه فنجيز عتقه ولا نجيز عتق الغاصب (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها فأفلس الرجل وقد
207

قصر الثوب قصار أو خاطه خياط أو صبغه صباغ بأجرة فاختار صاحب الثوب أن يأخذ ثوبه أخذه فإن
زاد عمل القصار فيه خمسة دراهم وكانت إجارته فيه درهما أخذ الدرهم وكان شريكا به في الثوب
لصاحب الثوب وكان صاحب الثوب أحق به من الغرماء وكانت الأربعة الدراهم للغرماء شركاء بها
للقصار وصاحب الثوب وإن كان عمله زاد في الثوب درهما وإجارته خمسة دراهم كان شريكا
لصاحب الثوب بالدرهم وضرب مع الغرماء في مال المفلس بأربعة دراهم ولو كانت تزيد في الثوب
خمسة دراهم والإجارة درهم أعطينا القصار درهما يكون به شريكا في الثوب؟ وللغرماء أربعة يكونون
بها في الثوب شركاء فإن قال قائل كيف جعلته أحق بإجارته من الغرماء في الثوب فإنما جعلته أحق بها
إذا كانت زائدة في الثوب فمنعها صاحب الثوب لم يكن للغرماء أن يأخذوا ما زاد عمل هذا في الثوب
دونه لأنه عين ماله، فإن قالوا: فما بالها إذا كانت أزيد من إجارته لم تدفعها إليه كلها وإذا كانت
أنقص من إجارته لم تقتصر به عليها كما تجعلها في البيوع؟ قلنا إنها ليست بعين بيع يقع فاجعلها هكذا
وإنما كانت إجارة من الإجارات لزمت الغريم المستأجر فلما وجدت تلك الإجارة قائمة جعلته أحق بها
لأنها من إجارته كالرهن له ألا ترى أنه لو كان له رهن يسوى عشرة بدرهم أعطيته منها درهما والغرماء
تسعة ولو كان رهن يسوى درهما بعشرة دراهم أعطيته منها درهما وجعلته يحاص الغرماء بتسعة فإن قال
فما باله يكون في هذا الموضع أولى بالرهن منه بالبيع؟ قلت كذلك تزعم أنت في الثوب يخيطه الرجل
أو يغسله له أن يحبسه عن صاحبه حتى يعطيه أجره كما يكون له أن يحبسه في الرهن حتى يعطيه ما فيه
لأن لا فيه عملا قائما فلا يسلمه إليه حتى يوفيه العمل فإن قال قائل فما تقول أنت؟ قلت لا أجعل له حبسه
ولا لصاحب الثوب أخذه وآمر ببيع الثوب فأعطى كل واحد منهما حقه إذا أفلس فإن أفلس صاحب
الثوب كان الخياط أحق بما زاد عمله في الثوب فإن كانت إجارته أكثر مما زاد عمله في الثوب أخذ ما
زاد عمله في الثوب لأنه عين ماله وكانت بقية الإجارة دينا على الغريم يحاص به الغرماء وإن لم يفلس
وقد عمل له ثوب فلم يرض صاحب الثوب بكينونة الثوب في يد الخياط أخذ مكانه منهما حتى يقضى
بينهما بما وصفت أو يباع عليه الثوب فيعطى إجارته من ثمنه وبه أقول والقول الثاني أنه غريم في إجارته
لأن ما عمل في الثوب ليس بعين ولا شئ من ماله زائد في الثوب إنما هو أثر في الثوب وهذا يتوجه
قال وإذا استأجر الرجل أجيرا في حانوت أو زرع أو شجر بإجارة معلومة ليست مما استأجره عليه إما
بمكيلة طعام مضمون وإما بذهب أو ورق أو استأجر حانوتا يبيع فيه بزا أو استأجر رجلا يعلم له عبدا أو
يرعى له غنما أو يروض له بعيرا ثم أفلس فالأجير أسوة الغرماء من قبل أنه ليس لواحد من هؤلاء
الاجراء شئ من ماله مختلط بهذا زائد فيه كزيادة الصبغ والقصارة في الثوب وهو من مال الصباغ
وزيادة الخياطة في الثوب من مال الخياط وعمله وكل شئ من هذا غير ما استؤجر عليه وغير شئ
قائم فيما استؤجر عليه ألا ترى أن قيمة الثوب غير مصبوغ وقيمته مصبوغا وقيمته غير مخيط وغير مقصور
وقيمته محيطا ومقصورا معروفة حصة زيادة العامل فيه وليس في الثياب التي في الحانوت ولا في الماشية
التي ترعى ولا في العبد الذي يعلمه شئ قائم من صنعة غيره فيعطى ذلك صنعته أو ماله وإنما هو
غريم من الغرماء أو لا ترى أنه لو تولى الزرع كان الزرع والماء والأرض من مال المستأجر وكانت صنعته
فيه إنما هي إلقاء في الأرض ليست بشئ زائد فيه والزيادة فيه بعد شئ من قدر الله عز وجل ومن
مال المستأجر لا صنعة فيها للأجير أو لا ترى أن الزرع لو هلك كانت له إجارته والثوب لو هلك في يديه
لم يكن له إجارته لأنه لم يسلم عمله إلى من استأجره؟ ولو تكارى رجل من رجل أرضا واشترى من
208

آخر ماء ثم زرع الأرض ببذره ثم فلس الغريم بعد الحصاد كان رب الأرض ورب الماء شريكين للغرماء
وليسا بأحق بما يخرج من الأرض ولا بالماء وذلك أنه ليس لهما فيه عين مال الحب الذي نما من مال
الغريم لا من مالهما فإن قال قائل فقد نما بماء هذا وفى أرض هذا قلنا عين المال للغريم لا لهما والماء
مستهلك في الأرض والزرع عين موجودة والأرض غير موجودة في الزرع وتصرفه فيها ليس بكينونة منها
فيه فنعطيه عين ماله ولو عنى رجل فقال اجعلهما أحق بالطعام من الغرماء دخل عليه أنه أعطاهما غير
عين مالهما ثم أعطاهما عطاء محالا، فإن قال قائل فما المحال فيه؟ قلنا إن زعم أن صاحب الزرع
وصاحب الأرض وصاحب الماء شركاء فكم يعطى صاحب الأرض وصاحب الماء وصاحب الطعام؟
فإن زعم أنه لهما حتى يستوفيا حقهما فقد أبطل حصة الغرماء من مال الزارع وهو لا يكون أحق بذلك
من الغرماء إلا بعد ما يفلس الغريم فالغريم فلس وهذه حنطته ليست فيها أرض ولا ماء ولو أفلس
والزرع بقل في أرضه كان لصاحب الأرض أن يحاص الغرماء بقدر ما أقامت الأرض في يدي الزارع
إلى أن أفلس ثم يقال للمفلس وغرمائه ليس لك ولا لهم أن تستمتعوا بأرضه وله أن يفسخ الإجارة
الآن إلا أن تطوعوا فتدفعوا إليه إجارة مثل الأرض إلى أن يحصد الزرع فإن لم تفعلوا فاقلعوا عنه الزرع
إلا أن يتطوع بتركه لكم وذلك أنا نجعل التفليس فسخا للبيع وفسخا للإجارة فمتى فسحنا الإجارة كان
صاحب الأرض أحق بها إلا أن يعطى إجارة مثلها لأن الزارع كان غير متعد قال ولو باع رجل من
رجل عبدا فرهنه ثم فلس كان المرتهن أحق به من الغرماء يباع له منه بقدر حقه فإن بقي من العبد بقية
كان البائع أحق بها فإن قال قائل فإذا جعلت هذا في الرهن فكيف لم تجعله في القصارة والغسالة
كالرهن فتجعله أحق به من رب الثوب؟ قيل له لافتراقهما فإن قال قائل وأين يفترقان؟ قلنا القصارة
والغسالة شئ يزيده القصار والغسال في الثوب فإذا أعطيناه إجارته والزيادة في الثوب فقد أوفيناه ماله
بعينه فلا نعطيه أكثر في الثوب ونجعل ما بقي من ماله في مال غريمه قال ولو هلك الثوب عند القصار
أو الخياط لم نجعل له على المستأجر شيئا من قبل أنه إنما هو زيادة يحدثها فمتى لم يوفها رب الثوب لم
يكن له والرهن مخالف لهذا ليس بزيادة في العبد ولكنه إيجاب شئ في رقبته يشبه البيع فإن مات
العبد كان ذلك في ذمة مولاه الراهن لا يبطل بموت العبد كما تبطل الإجارة بهلاك الثوب فإن قال فقد
يجتمعان في موضع ويفترقان في آخر قيل نعم فنجمع بينهما حيث اجتمعا ونفرق بينهما حيث افترقا ألا
ترى أنه إذا رهن العبد فجعلنا المرتهن أحق به حتى يستوفى حقه من البائع والغرماء فقد حكمنا له فيه
ببعض حكم البيع ولو مات العبد رددنا المرتهن بحقه ولو كان هذا حكم البيع بكماله لم يرد المرتهن بشئ
فإنما جمعنا بينه وبين البيع حيث اشتبها وفرقنا بينهما حيث افترقا ولو استأجر رجل أرضا فقبض صاحب
الأرض إجارتها كلها وبقى الزرع فيها لا يستغنى عن السقي والقيام عليه وفلس الزارع وهو الرجل قيل
لغرمائه إن تطوعتم بأن تنفقوا على الزرع إلى أن يبلغ ثم تبيعوه وتأخذوا نفقتكم مع مالكم فذلك لكم
ولا يكون ذلك لكم إلا بأن يرضاه رب الزرع المفلس فإن لم يرضه فشئتم أن تطوعوا بالقيام عليه والنفقة
ولا ترجعوا بشئ فعلتم وإن لم تشاءوا وشئتم فبيعوه بحاله تلك لا تجبرون على أن تنفقوا على ما لا تريدون
قال وهكذا لو كان عبد فمرض بيع مريضا بحاله وإن قل ثمنه قال وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدا أو
دارا أو متاعا أو شيئا ما كان بعينه فلم يقبضه حتى فلس البائع فالمشترى أحق به بما باعه يلزمه ذلك
ويلزم له كره أو كره الغرماء ولو اشترى منه شيئا موصوفا من ضرب السلف من رقيق موصوفين أو إبل
موصوفة أو طعام أو غيره من بيوع الصفة ودفع إليه الثمن كان أسوة الغرماء فيما له وعليه ولو كان الثمن
209

لبعض (1) ما اشترى من هذا عبدا بعينه أو دارا بعينها أو ثيابا بعينها بطعام موصوف إلى أجل أو غيره
كان البائع للدار المشترى بها الطعام أحق بداره لأنه بائع مشتر ليس بخارج من بيعه وكذلك لو سلف
في الطعام فضة مصوغة معروفة أو ذهبا أو دنانير بأعيانها فوجدها قائمة يقر بها الغرماء أو البائع كان أحق
بها فإن كانت مما لا يعرف أو استهلكت فهو أسوة الغرماء وإذا اكترى الرجل من الرجل الدار ثم فلس
المكرى فالكراء ثابت إلى مدته ثبوت البيع مات المفلس أو عاش وهكذا قال بعض أهل ناحيتنا في
الكراء وزعم في الشراء أنه إذا مات فإنما هو أسوة الغرماء وقد خالفنا غير واحد من الناس في الكراء
ففسخه إذا مات المكترى أو المكرى لأن ملك الدار قد تحول لغير المكرى والمنفعة قد تحولت لغير المكترى
وقال ليس الكراء كالبيوع ألا ترى أن الرجل يكترى الدار فتنهدم فلا يلزم المكرى أن يبنيها ويرجع
المكترى بما بقي من حصة الكراء؟ ولو كان هذا بيعا لم يرجع بشئ فيثبت صاحبنا والله يرحمنا وإياه
الكراء الأضعف لأنا ننفرد به دون غيرنا في مال المفلس وإن مات يجعله للمكتري وأبطل البيع فلم
يجعله للبائع ولو فرق بينهما لكان البيع أو لن أن يثبت للبائع من الكراء للمكتري لأنه ليس بملك تام وإذا
جمعنا نحن بينهما لم ينبغ له أن يفرق بينهما قال وإذا تكارى الرجل من الرجل حمل طعام إلى بلد من
البلدان ثم أفلس المكترى أو مات فكل ذلك سواء يكون المكرى أسوة الغرماء لأنه ليس له في الطعام
صنعة ولو كان أفلس قبل أن يحمل الطعام كان له أن يفسخ الكراء لأنه ليس للمكتري أن يعطيه من
ماله شيئا دون غرمائه ولا أجبر المكرى أن يأخذ شيئا من غريم المفلس إلا أن يشاء غرماؤه ولو حمله
بعض الطريق ثم أفلس كان له بقدر ما حمله من الكراء يحاص به الغرماء وكان له أن يفسخ الحمولة في
موضعه ذلك إن شاء إن كان موضع لا يهلك فيه الطعام مثل الصحراء أو ما أشبهها وإذا تكارى النفر
الإبل بأعيانها من الرجل فمات بعض إبلهم لم يكن على المكرى أن يأتيه بإبل بدلها فإذا كان هذا هكذا
فلو أفلس المكرى ومات بعض إبلهم لم يرجع على أصحابه ولا في مال المكرى بشئ إلا بما بقي مما
دفع إليه من كرائه يكون فيه أسوة الغرماء وتكون الإبل التي اكتريت على الكراء فإذا انقضى كانت
مالا من مال المكرى المفلس ولو كانوا تكاروا منه حمولة مضمونة على غير إبل بأعيانها يدفع إلى كل
رجل منهم إبلا بأعيانها كان له نزعها من أيديهم وإبدالهم غيرها فإذا كان هذا هكذا فحقهم في ذمته
مضمون عليه فلو ماتت إبل كان يحمل عليها واحد منهم فأفلس الغريم كانوا جميعا أسوة فيما بقي من
الإبل بقدر حمولتهم لأنها مضمونة في ماله لا في إبل بأعيانها فيكون إذا هلكت لم يرجع وإن كان
معهم غرماء غيرهم من غرمائه بأي وجه كان لهم الدين عليه ضرب هؤلاء بالحمولة وهؤلاء بديونهم
وحاصوهم وإذا اكترى الرجل من الرجل الإبل ثم هرب فأتى المتكاري السلطان فأقام عنده البينة
على ذلك فإن كان السلطان ممن يقضى على الغائب أحلف المتكاري أن حقه عليه لثابت في الكراء ما
يبرأ منه بوجه من الوجوه وسمى الكراء والحمولة ثم تكارى له على الرجل كما يبيع له في مال الرجل إذا
كانت الحمولة مضمونة عليه وإن كانت الحمولة إبلا بأعيانها لم يتكار له عليه وقال القاضي للمكتري
أنت بالخيار بين أن تكترى من غيره وأردك بالكراء عليه لفراره منك أو آمر عدلا فيعلف الإبل أقل ما
يكفيها ويخرج ذلك متطوعا به غير مجبور عليه وأردك به على صاحب الإبل دينا عليه وما أعلف الإبل
قبل قضاء القاضي فهو متطوع به وإن كان للجمال فضل من إبل باع عليه وأعلف إبله إذا كان ممن

(1) قوله: ولو كان الثمن لبعض ما اشترى الخ كذا بالأصل، وتأمل اه‍ مصححه.
210

يقضى على الغائب ولم يأمر أحدا ينفق عليها ولم يفسخ الكراء إنما يفعل هذا إذا لم يكن فضل إبل
قال وإذا باع عليه فضلا من إبله ومالا له سوى الإبل ثم جاء الجمال لم يرد بيعه ودفع إليه ماله وأمره
بالنفقة على إبله قال والاحتياط لمن تكارى من جمال أن يأخذه بأن يوكل رجلا ثقة ويجيز أمره في بيع
ما رأى من إبله ومتاعه فيعلف إبله من ماله ويجعله مصدقا فيما أدان على إبله وعلفها به لازما له ذلك
ويحلفه لا يفسخ وكالته فإن غاب قام بذلك الوكيل قال وإذا تكارى القوم من الجمال إبلا بأعيانها ثم
أفلس فلكل واحد منهم أن يركب إبله بأعيانها ولا تباع حتى يستوفوا الحمولة وإن كانت بغير أعيانها
ودفع إلى كل إنسان بعيرا دخل بعضهم على بعض إذا ضاقت الحمولة كما يدخل بعضهم على بعض في
سائر ماله حتى يتساووا في الحمولة ودخل عليهم غرماؤه الذين لا حمولة لهم حتى يأخذوا من إبله بقدر
مالهم وأهل الحمولة بقيمة حمولتهم ومن أصدق امرأة عبدا بعينه فقبضته أو لم تقبضه ثم أفلس فهو لها
وكذلك لو باعه أو تصدق به صدقة محرمة وكذلك لو أقر أنه غصبه إياه أو أقر أنه له فإن وهبه لرجل أو
نحله أو تصدق به صدقة غير محرمة فلم يقبضه الموهوب له حتى فلس فليس له دفعه إليه ولا للموهوب له
قبضه فإن قبضه بعد وقف القاضي ماله كان مردودا لأن ملك هذا لا يتم إلا بالقبض من الهبة والصدقة
والنحل وإذا أفلس الغريم بمال لقوم قد عرفه الغريم كله وعرف كل واحد من الغرماء ما لكل واحد
منهم فدفع إلى غرمائه ما كان له قل أو كثر فإن كانوا ابتاعوا ما دفع إليهم من ماله بمالهم عليه أو أبرءوه مما
لهم عليه حين قبضوه منه فهو برئ بلغ ذلك من حقوقهم ما بلغ قليلا كان أو كثيرا ولكل واحد منهم
من ذلك المال بقدر ماله على الغريم فلصاحب المائتين سهمان ولصاحب المائة سهم وإن كان دفعه إليهم
ولم يتبايعوه ولم يبرئوه وبقى عليه مالا يبلغه ثمن ماله فهذا لا بيع لهم ولا رهن فإن لم يكن بيع فجاء
غرماء آخرون دخلوا معهم فيه وكذلك لو كان إنما أفلس بعد دفعه إليهم والمال ماله بحاله إلا أنهم
ضامنون له بقبولهم إياه على الاستيفاء له فإن لم يفت استؤنف فيه البيع ودخل من حدث من غرمائه
معهم فيه وإن كان بيع فالمفلس بالخيار بين أن يكون له جميع ما بيع به يقبضونه ومن حدث من
غرمائه داخل عليهم فيه أو يضمنهم قيمة المال إن كان فات يقاصهم به من دينه وما كان قائما بعينه
فالبيع مردود فيه إلا أن يكون وكلهم ببيعه فيجوز عليه البيع كما يجوز على من وكل بيع وكيله وإذا بيع
مال المفلس لغرماء أقاموا عليه بينة ثم أفاد بعد مالا واستحدث دينا فقام عليه أهل الدين الآخر وأهل
الدين الأول ببقايا حقوقهم فكلهم فيما أفاد من مال سواء قديمهم وحديثهم وكل دين ادانه قبل يحجر
عليه القاضي لزمه يضرب فيه كل واحد منهم بقدر ماله عليه وهكذا لو حجر عليه القاضي ثم باع ماله
وقضى غرماءه ثم أفاد مالا وادان دينا كان الأولون والآخرون من غرمائه سواء في ماله وليس بمحجور
عليه بعد الحجر الأول وبيع المال لأنه لم يحجر عليه لسفه إنما حجر في وقت لبيع ماله فإذا مضى فهو
على غير الحجر قال ولو كانت المسألة بحالها وحضر له غرماء كانوا غيبا داينوه قبل تفليسه الأول أدخلنا
الغرماء الذين داينوه قبل تفليسه الأول في ماله الأول على الغرماء الذين اقتسموا ماله بقدر ما لكل
واحد عليه ثم أدخلنا هؤلاء الذين كانوا والآخرين المدخل هؤلاء عليهم والغرماء الآخرين معا في المال
المستحدث الذي فلسناه فيه الثانية بقدر ما بقي لأولئك وما لهؤلاء عليه سواء وإذا باع الرجل الرجل
السلعة وقبضها المشترى على أنهما بالخيار ثلاثا ففلس البائع أو المشترى أو هما قبل الثلاث فذلك كله
سواء ولهما إجازة البيع ورده لأيهما شاء رده وإنما زعمت أن لهما إجازة البيع لأنه ليس ببيع حادث ألا
ترى أنهما لو لم يتكلما في البيع برد ولا إجازة حتى تمضى الثلاث جاز ولو لم يختارا ولم يردا ولا واحد
211

منهما حتى تمضى الثلاث كان البيع لازما كالبيع بلا خيار قال: ومن وجد عين ماله عند مفلس كان
أحق به إن شاء، وسواء كان مفلسا فتركه أو أراد الغرماء أخذه أو غير مفلس لأنه لا يملكه إلا أن يشاء
فلا أجبره على ملك ما لا يشاء إلا الميراث فإنه لو ورث شيئا فرده لم يكن له وكان للغرماء أخذه كما
يأخذون سائر ماله ولكل واحد منهما إجازة البيع ورده في أيام الخيار أحب ذلك الغرماء أو كرهوا لأن
البيع وقع على عين فيها خيار قال: ولو أسلف رجل في طعام أو غيره بصفة فحلت وفلس فأراد أخذه
دون الصفة لم يكن له إذا لم يرض ذلك الغرماء لأنه يأخذ ما لم يشتر قال ولو أعطى خيرا مما سلف عليه
فإن كان من غير جنس ما سلف عليه لم يكن عليه أخذه وإن أراد ذلك الغرماء لأن الفضل هبة وليس
عليه أن يتهب ولهم أن يأخذوا من الغريم ما عليه بعينه وإن كان من جنس ما سلف عليه لزمه أخذه إذا
رضى الغرماء وإن كره لأنه لا ضرر عليه في الزيادة وذلك في العبيد وغيرهم مما لا تكون الزيادة مخالفة
غير الزيادة خلافا لا تصلح الزيادة لما يصلح له النقص،
باب كيف ما يباع من مال المفلس
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ينبغي للحاكم إذا أمر بالبيع على المفلس أن يجعل أمينا يبيع
عليه ويأمر المفلس بحضور البيع أو التوكيل بحضوره إن شاء ويأمر بذلك من حضر من الغرماء فإن ترك
ذلك المبيع عليه والمبيع له أو بعضهم باع الأمين وما يباع من مال ذي الدين ضربان أحدهما مرهون قبل
أن يقام عليه والآخر غير مرهون فإذا باع المرهون من ماله دفع ثمنه إلى المرتهن ساعة يبيعه إذا كان قد
أثبت رهنه عند الحاكم وحلف على ثبوت حقه فإن فضل عن رهنه شئ وقفه وجميع ما باع مما ليس
برهن حتى يجتمع ماله وغرماؤه فيفرق عليهم قال وإذا باع الرجل رهنه فعجز عن مبلغ حقه دفع إليه ما
نقص من ثمن رهنه وكان فيما بقي من حقه أسوة الغرماء ولو كان ذو الدين رهن غريمه رهنا فلم يقبضه
المرتهن حتى قام عليه الغرماء كان الرهن مفسوخا وكان الغرماء فيه أسوة وكذلك لو رهنه رهنا وقبضه ثم
فسخه صاحب الحق أو رهنه رهنا فاسدا بوجه من الوجوه لم يكن رهنا وكان فيه أسوة الغرماء ولو رهنه
رجلين معا كانا كالرجل الواحد ولو رهنه رجلا فقبضه ثم رهنه آخر بعده فأعطى الأول جميع حقه
وبقيت من ثمن الرهن بقية لم يكن للآخر فيها إلا ما لسائر الغرماء لأنه لا يجوز له أن يرهن الآخر شيئا
قد رهنه فصار غير جائز لأمر فيه قال ولو رهن رجل رهنا فلم يقبضه المرتهن وأفلس الرجل الراهن فالرهن
مفسوخ وكل رهن مفسوخ بوجه فهو مال من مال المفلس ليس أحد من غرمائه أحق به من أحدهم فيه
معا أسوة، قال ولا يجوز رهن الثمر في رؤوس النخل ولا الزرع قائما لأنه لا يقبض ولا يعرف، ويجوز
بعد ما يجد ويحصد فيقبض.
باب ما جاء فيما يجمع مما يباع من مال صاحب الدين
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا ينبغي للحاكم أن يأمر من يبيع مال الغريم حتى يحضره ويحضر
من حضر من غرمائه فيسألهم فيقول ارتضوا بمن أضع ثمن ما بعت على غريمكم لكم حتى أفرقه عليكم
212

وعلى غريم إن كان له حق معكم فإن اجتمعوا على ثقة لم يعده وإن اجتمعوا على غير ثقة لم يقبله لأن
عليه أن لا يولى إلا ثقة لأن ذلك مال الغريم حتى يقضى عنه ولو فضل منه فضل كان له ولو كان فيه
نقص كان عليه ولعله يطرأ عليه دين لغيرهم كبعض من لم يرض بهذا الموضوع على يديه وإن تفرقوا
فدعوا إلى ثقتين ضمهما قال وكذلك أكثر إذا قبلوا ولم يكن منهم أحد يطلب على ذلك جعلا وإن طلبوا
جعلا جعله إلى واحد ليكون أقل في الجعل وكان عليه أن يختار خيرهم لهم ولغائب إن كان معهم
ويقول للغرماء: أحضروه فأحصوا أو وكلوا من شئتم ويقول ذلك للذي عليه الدين ويطلب أن يكون
الموضوع على يديه المال ضامنا بأن يسلفه سلفا حالا فإن فعل لم يجعله أمانة وهو يجد السبيل إلى أن يكون
مضمونا وإن وجد ثقة مليا يضمنه ووجد أوثق منه لا يضمنه دفعه إلى الذي ضمنه وإن لم يدعوا إلى
أحد أودعوا إلى غير ثقة اختار لهم قال وأحب إلى فيمن ولى هذا أن يرزق من بيت المال فإن لم يكن لم
يجعل له شيئا حتى يشارطوه هم فإن لم ينفقوا اجتهد لهم فلم يعطه شيئا وهو يجد ثقة يقبل أقل منه وهكذا
يقول لهم فيمن يصيح على ما يباع عليه بمن يزيد، وفى أحد إن كال منه طعاما أو نقله إلى موضع
بسوق وكل ما فيه صلاح المبيع إن جاء رب المال أو هم بمن يكفي ذلك لم يدخل عليهم غيرهم وإن لم
يأتوا استأجر عليه من يكفيه بأقل ما يجد وإذا بيع مال المفلس لغريم بعينه أو غرماء بأعيانهم فسواء هم
ومن ثبت معهم حقا عليه قبل أن يقسم المال ولا ينبغي أن يدفع من ماله شيئا إلى من اشتراه إلا بعد أن
يقبض منه الثمن وإن وقف على يدي عدل أو يدي البائع حتى يأتي المشترى بالثمن فهلك فمن مال
المفلس لا يضمنه المشترى حتى يقبضه فإن قبضه المشترى مكانه ولم يعلم البائع ثم هرب أو استهلكه
فأفلس فذلك من مال المفلس لا من أهل الدين وكذلك إن قبض العدل ثمن ما اشترى أو بعضه
فلم يدفعه إلى الغرماء حتى هلك فمن مال المفلس لا يكون من مال الغرماء حتى يقبضوه والعهدة فيما باع
على المفلس لأنه بيع له ملكه في حق لزمه فهو بيع له وعليه وأحق الناس بأن تكون العهدة عليه مالك
المال المبيع ولا يضمن القاضي ولا أمينه شيئا ولا عهدة عليهما ولا على واحد منهما وإن بيع للغريم من
مال المفلس شئ ثم استحق رجع به في مال المفلس.
باب ما جاء في العهدة في مال المفلس
(قال الشافعي) رحمه الله: من بيع عليه مال من ماله في دين بعد موته أو قبله أو في تفليسه أو
باعه هو فكله سواء (1) لا نراه لمن باع للميت إلا كهى لمن باع لحى والعهدة في مال الميت كهى في
مال الحي لا اختلاف في ذلك عندي ولو مات رجل أو أفلس وعليه ألف درهم وترك دارا فبيعت
بألف درهم فقبض أمين القاضي الألف فهلكت من يده واستحقت الدار فلا عهدة على الغريم الذي
باعها والعهدة على الميت المبيع عليه أو المفلس فإن وجد للميت أو المفلس مال بيع ثم رد على
المشترى المعطى الألف ألفه لأنها مأخوذة منه ببيع لم يسلم له وأعطى الغرماء حقوقهم وإن لم يوجد له
شئ فلا ضمان على القاضي ولا أمينه وترجع الدار إلى الذي استحقها ويقال للمشترى الدار: قد

(1) قوله: لا نراه لمن باع الخ كذا بالأصول بتذكير ضمير " نراه " وهو عائد على العهدة إما بمعنى الضمان أو
التأويل بالمذكور وإلا فحقه نراها بدليل قوله كهى فتأمل. كتبه مصححه.
213

هلكت ألفك فأنت غريم للميت والمفلس متى ما وجدت له مالا أخذتها ويقال للغريم لم تستوف فلا
عهدة عليك فمتى وجدت للميت مالا أعطيناك منه وإذا وجدتماه تحاصصتما فيه لا يقدم منكما واحد
على صاحبه.
باب ما جاء في التأني بمال المفلس
(قال الشافعي) رحمه الله: الحيوان أولى مال المفلس والميت عليه الدين أن يبدأ به ويعجل ببيعه
وإن كان ببلاد جامعة لم يتأن به أكثر من ثلاث ولا يبلغ به أناة ثلاث إلا أن يكون أهل العلم قد يرون
أنه إن تؤنى به ثلاث بلغ أكثر مما يبلغ في يوم أو اثنين وإن كان ذلك في بعض الحيوان دون بعض تؤنى
بما كان ذلك فيه ثلاث دون ما ليس ذلك فيه وينفق عليه من مال الميت لأنه صلاح له كما يعطى في
القيام عليه من مال الميت قال ويتأنى بالمساكن بقدر ما يرى أهل البصر بها أن قد بلغت أثمانها أو قاربتها
أو تناهت زيادتها على قدر مواضع المساكن وارتفاعها ويتأنى بالأرضين والعيون وغيرها بقدر ما وصفت
مما يرى أهل الرأي أنه قد استوفى بها أو قورب أو تناهت زيادتها وما ارتفع منها تؤنى به أكثر وإن كان
أهل بلد غير بلده إذا علموا زادوا فيه تؤنى به إلى علم أهل ذلك البلد وإذا باع القاضي على الميت أو
المفلس وفارق المشترى البائع من مقامهما الذي تبايعا فيه ثم زيد لم يكن له رد ذلك البيع إلا بطيب
نفس المشترى وأحب للمشترى لو رده أو زاد وليس ذلك بواجب عليه وللقاضي طلب ذلك إليه فإن لم
يفعل لم يظلمه وأنفذه له والبيع على الميت والمفلس في شرط الخيار وغيره وفى العهدة كبيع الرجل مال
نفسه لا يفترق.
باب ما جاء في شراء الرجل وبيعه وعتقه وإقراره
(قال الشافعي) رحمه الله: شراء الرجل وبيعه وعتقه وإقراره وقضاؤه بعض غرمائه دون بعض
جائز كله عليه مفلسا كان أو غير مفلس وذا دين كان أو غير ذي دين في إجازة عتقه وبيعه لا يرد من
ذلك شئ ولا مما فضل منه ولا إذا أقام الغرماء عليه حتى يصيروه إلى القاضي وينبغي إذا صيروه إلى
القاضي أن يشهد على أنه قد أوقف ماله عنه فإذا فعل لم يجز له حينئذ أن يبيع من ماله ولا يهب ولا
يتلف وما فعل من هذا ففيه قولان أحدهما أنه موقوف فإن قضى دينه وفضل له فضل أجاز ما صنع من
ذلك الفضل لأن وقفه ليس بوقف حجر إنما هو وقف كوقف مال المريض فإذا صح ذهب الوقف عنه
فكذلك هذا إذا قضى دينه ذهب الوقف عنه والثاني أن ما صنع من هذا باطل لأنه قد منه ماله
والحكم فيه قال ولا يمنعه حتى يقسم ماله نفقته ونفقة أهله وإذا باع ترك له ولأهله قوت يومهم ويكفن
هو ومن يلزمه أن يكفنه إن مات أو ماتوا من رأس ماله بما يكفن به مثله قال ويجوز له ما صنع في ماله
بعد رفعه إلى القاضي حتى يقف القاضي ماله وإذا أقر الرجل بعد وقف القاضي ماله بدين لرجل أو
حق من وجه من الوجوه وزعم أنه لزمه قبل وقف ماله ففي ذلك قولان أحدهما أن إقراره لازم له
ويدخل من أقر له في هذه الحال مع غرمائه الذين أقر لهم قبل وقف ماله وقامت لهم البينة ومن قال
هذا القول قال أجعله قياسا على المريض يقر بحق لزمه في مرضه فيدخل المقر له مع أهل الدين الذين
214

أقر لهم في الصحة وكانت لهم بينة فهذا يحتمل القياس ويدخله أنه لو أقر بشئ مما عرف له أنه لأجنبي
غصبه إياه أو أودعه أو كان له بوجه لزمه الاقرار ومن قال هذا قاله في كل من وقف ماله وأجاز عليه ما
أقر به ما في يديه وغير ذلك في حاله تلك كما يجيزه في الحال قبلها وبه أقول والقول الثاني أنه إن أقر
بحق لزمه بوجه من الوجوه في شئ في ذمته أو في شئ مما في يديه جعل إقراره لازما له في مال إن
حدث له بعد هذا وأحسن ما يحتج به من قال هذا أن يقول وقفي ماله هذا في حاله هذه لغرمائه
كرهنه ماله لهم فيبدءون فيعطون حقوقهم فإن فضل كان لمن أقر له وإن لم يفضل فضل كان مالهم
في ذمته ويدخل هذا القول أمر يتفاحش من أنه ليس بقياس على المريض يوقف ماله ولا على المحجور
فيبطل إقراره بكل حال ويدخله أن الرهن لا يكون إلا معروفا بمعروف ويدخل هذا أنه مجهول لأن من
جاءه من غرمائه أدخله في ماله وما وجد له من مال لا يعرفه ولا غرماؤه أعطاه غرماءه ويدخله أن
رجلا لو كان مشهودا عليه بالفقر وكان صائغا أو غسالا مفلسا وفى يده حلى ثمن مال وثياب ثمن مال
جعلت الثياب والحلى له حتى يوفى غرماءه حقوقهم ويدخل على من قال هذا أن يزعم هذا في دلالة
يوضع على يديها الجواري ثمن ألوف دنانير وهي معروفة أنها لا تملك كبير شئ فتفلس يجعل لها الجواري
ويبيعهن عليها ويدخل عليه أن يزعم أن الرجل يملك ما في يديه وإن لم يدعه وليس ينبغي أن يقول
هذا أحد فإن ذهب رجل إلى أن يترك بعض هذا ترك القياس واختلف قوله ثم لعله يلزمه لو بيع عليه
عبد فذكر أنه أبق فقال الغرماء أراد كسره لك يقبل قوله فيباع ماله وعليه عهدته ولا يصدق في قوله
وهذا القول مدخول كثير الدخل والقول الأول قولي وأسأل الله عز وجل التوفيق والخيرة برحمته (1).
باب ما جاء في هبة المفلس
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وهب الرجل هبة لرجل على أن يثيبه فقبل الموهوب له
وقبض ثم أفلس بعد الهبة قبل أن يثيبه فمن أجاز الهبة على الثواب خير الموهوب له بين أن يثيبه أو يرد
عليه هبته إن كانت قائمة بعينها لم تنتقص ثم جعل للواهب الخيار في الثواب فإن أثابه قيمتها أو أضعاف
215

قيمتها فلم يرض جعل له أن يرجع في هبته وتكون للغرماء وإن أثابه أقل من قيمتها فرضى أجاز رضاه وإن
كره ذلك الغرماء (قال الربيع) وفيه قول آخر أنه إذا وهب فالهبة باطلة من قبل أنه لم يرض أن يعطيه
إلا بالعوض فلما كان العوض مجهولا كانت الهبة باطلة كما لو باعه بثمن غير معلوم كان البيع باطلا فهذا
ملكه بعوض والعوض مجهول فكان بالبيع أشبه من قبل أن البيع بعوض وهذا بعوض فلما كان مجهولا
بطل (قال الشافعي) ولو فاتت الهبة في يدي الموهوبة له فما أثابه فرضى به فجائز وإن لم يرض فله قيمة
هبته ولو وهب رجل لرجل هبة ليثيبه الموهوبة له ثم أفلس الواهب والهبة قائمة بعينها فمن جعله على هبته
أو يثاب منها كان الثواب إلى الواهب فإن رضى بقليل وكره ذلك غرماؤه جاز عليهم وكذلك لو رضى
ترك الثواب وقال لم أهبها للثواب وإن لم يرض بقيمتها كان على هبته سواء نقصت الهبة أو زادت وفيها
قول آخر ليس له أن يرجع فيها وإن فاتت بموت أو بيع أو عتق فلا شئ للواهب لأنه ملكه إياها ولم
يشترط عليه شيئا وإذا كان على هبته ففاتت فلا شئ له لأن الذي قد كان له قد فات ولا يضمن له
شئ بعينه كما يكون على شفعته فتتلف الشفعة فلا يكون له شئ.
باب حلول دين الميت والدين عليه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا مات الرجل وله على الناس ديون إلى أجل فهي إلى أجلها
لا تحل بموته ولو كانت الديون على الميت إلى أجل فلم أعلم مخالفا عنه ممن لقيت بأنها حالة يتحاص فيها
الغرماء فإن فضل فضل كان لأهل الميراث ووصايا إن كانت له قال ويشبه والله أعلم أن يكون من حجة
من قال هذا القول مع تتابعهم عليه أن يقولوا لما كان غرماء الميت أحق بماله في حياته منه كانوا أحق
بماله بعد وفاته من ورثته فلو تركنا ديونهم إلى حلولها كما يدعها في الحياة كنا منعنا الميت أن تبرأ ذمته
ومنعنا الوارث أن يأخذ الفضل عن دين غريم أبيه ولعل من حجتهم أن يقولوا إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه دينه " (أخبرنا) إبراهيم بن سعد عن أبيه عن
عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نفس المؤمن معلقة
بدينه حتى يقضى عنه دينه " (قال الشافعي) فلما كان كفنه من رأس ماله دون غرمائه ونفسه معلقة
بدينه وكان المال ملكا له أشبه أن يجعل قضاء دينه لأن نفسه معلقة بدينه ولم يجز أن يكون مال الميت
زائلا عنه فلا يصير إلى غرمائه ولا إلى ورثته وذلك أنه لا يجوز أن يأخذه ورثته دون غرمائه ولو وقف إلى
قضاء دينه علق روحه بدينه وكان ماله معرضا أن يهلك فلا يؤدى عن ذمته ولا يكون لورثته فلم يكن
فيه منزلة أولى من أن يحل دينه ثم يعطى ما بقي ورثته.
باب ما حل من دين المفلس وما لم يحل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أفلس الرجل وعليه ديون إلى أجل فقد ذهب غير واحد
من المفتين ممن حفظت عنه إلى أن ديونه التي إلى أجل حالة حلول دين الميت وهذا قول يتوجه من أن ماله
وقف وقف مال الميت وحيل بينه وبين أن يقضى من شاء ويدخل في هذا أنهم إذا حكموا له حكم الميت
216

انبغى أن يدخلوا من أقر له بشئ مع غرمائه وكذلك يخرجون من يديه ما أقر به لرجل كما يصنعون
ذلك بالمريض يقر ثم يموت وقد يحتمل أن يباع لمن حل دينه ويؤخر الذين ديونهم متأخرة لأنه غير ميت
فإنه قد يملك والميت لا يملك والله تعالى أعلم. قال: وما كان للميت من دين على الناس فهو إلى أجله
لا يحل ماله بموته ولا بتفليسه.
باب ما جاء في حبس المفلس
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان للرجل مال يرى في يديه ويظهر منه شئ ثم قام أهل
الدين عليه فأثبتوا حقوقهم فإن أخرج مالا أو وجد له ظاهر يبلغ حقوقهم أعطوا حقوقهم ولم يحبس
وإن لم يظهر له مال ولم يوجد له ما يبلغ حقوقهم حبس وبيع في ماله ما قدر عليه من شئ فإن ذكر
حاجة دعى بالبينة عليها وأقبل منه البينة على الحاجة وأن لا شئ له إذا كانوا عدولا خابرين به قبل
الحبس ولا أحبسه ويوم أحبسه وبعد مدة أقامها في الحبس وأحلفه مع ذلك كله بالله ما يملك ولا يجد
لغرمائه قضاء في نقد ولا عرض ولا بوجه من الوجوه ثم أخليه وأمنع غرماءه من لزومه إذا خليته ثم لا
أعيده لهم إلى حبس حتى يأتوا ببينة أن قد أفاد مالا فإن جاءوا ببينة أن قد رئ في يديه مال سألته فإن
قال مال مضاربة لم أعمل فيه أو عملت فيه فلم ينض أو لم يكن لي فيه فضل قبلت ذلك منه وأحلفته
إن شاءوا وإن جحد حبسته أيضا حتى يأتي ببينة كما جاء بها أول مرة وأحلفته كما أحلفته فيها ولا أحلفه
في واحدة من الحبستين حتى يأتي ببينة وأسأل عنه أهل الخبرة به فيخبروني بحاجته ولا غاية لحبسه أكثر
من الكشف عنه فمتى استقر عند الحاكم ما وصفت لم يكن له حبسه ولا ينبغي أن يغفل المسألة عنه قال
وجميع ما لزمه من وجه من الوجوه سواء من جناية أو وديعة أو تعد أو مضاربة أو غير ذلك يحاصون في
ماله ما لم يكن لرجل منهم مال بعينه فيأخذه منه ولا يشركه فيه غيره ولا يؤخذ الحر في دين عليه إذا لم
يوجد له شئ ولا يحبس إذا عرف أن لا شئ له لأن الله عز وجل يقول " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى
ميسرة " وإذا حبس الغريم وفلس وأحلف ثم حضر آخر لم يحدث له حبس ولا يمين إلا أن يحدث له
يسر بعد الحبس فيحبس للثاني والأول وإذا حبس وأحلف وفلس وخلى ثم أفاد ما لا جاز له فيما أفاد ما
صنع من عتق وبيع وهبة وغيره حتى يحدث له السلطان وقفا آخر لأن الوقف الأول لم يكن وقفا لأنه
غير رشيد وإنما وقف ليمنعه ماله ويقسمه بين غرمائه فما أفاد آخر فلا وقف عليه وإذا فلس الرجل وعليه
عروض موصوفة وعين من بيع وسلف وجناية ومهر امرأة وغير ذلك مما لزمه بوجه فكله سواء يحاص
أهل العروض بقيمتها يوم يفلس فما أصابهم اشترى لهم به عرض من شرطهم فإن استوفوا حقوقهم فذاك
وإن لم يستوفوا أو استوفوا أنصافها أو أقل أو أكثر ثم حدث له مال آخرا فلاهل العروض أن يقوم لهم ما
بقي من عروضهم عند التفليسة الثانية فيشترى لهم لأن لهم أن يأخذوا عروضهم إذا وجدوا له مالا
وبعضها إذا لم يجدوا كلها إذا وجدوه.
باب ما جاء في الخلاف في التفليس
قلت لأبي عبد الله: هل خالفك أحد في التفليس؟ فقال نعم خالفنا بعض الناس في التفليس
217

فزعم أن الرجل إذا باع السلعة من الرجل بنقد أو إلى أجل وقبضها المشترى ثم أفلس والسلعة قائمة
بعينها فهي مال من مال المشترى يكون البائع فيها وغيره من غرمائه سواء فقلت لأبي عبد الله وما احتج
به؟ فقال قال لي قائل منهم أرأيت إذا باع الرجل أمة ودفعها إلى المشترى أما ملكها المشترى ملكا
صحيحا يحل له وطؤها؟ قلت بلى قال أفرأيت لو وطئها فولدت له أو باعها أو أعتقها أو تصدق بها ثم
أفلس أترد من هذا شيئا وتجعلها رقيقا؟ قلت لا فقال لأنه ملكها ملكا صحيحا. قلت نعم قال فكيف
تنقض الملك الصحيح؟ فقلت نقضته بما لا ينبغي لي ولا لك ولا لمسلم علمه إلا أن ينقضه له قال وما
هو؟ قلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفرأيت إن لم أثبت لك الخبر؟ قلت إذا تصير إلى
موضع الجهل أو المعاندة قال إنما رواه أبو هريرة وحده فقلت ما نعرف فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم
رواية إلا عن أبي هريرة وحده وإن في ذلك لكفاية تثبت بمثلها السنة قال أفتوجدنا أن الناس يثبتون
لأبي هريرة رواية لم يروها غيره أو لغيره؟ قلت نعم قال وأين هي؟ قلت قال أبو هريرة قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها؟ فأخذنا نحن وأنت به ولم يروه أحد عن
النبي صلى الله عليه وسلم تثبت روايته غيره قال أجل ولكن الناس أجمعوا عليها فقلت فذلك أوجب
للحجة عليك أن يجتمع الناس على حديث أبي هريرة وحده ولا يذهبون فيه إلى توهينه بأن الله عز
وجل يقول " حرمت عليكم أمهاتكم " الآية وقال " وأحل لكم ما وراء ذلكم " وقلت له وروى أبو
هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا " فأخذنا بحديثه
كله وأخذت بجملته فقلت الكلب ينجس الماء القليل إذا ولغ فيه ولم توهنه بأن أبا قتادة روى عن النبي
صلى الله عليه وسلم في الهرة أنها لا تنجس الماء ونحن وأنت نقول لا تؤكل الهرة فتجعل الكلب قياسا
عليها فلا تنجس الماء بولوغ الكلب ولم يروه إلا أبو هريرة فقال قبلنا هذا لأن الناس قبلوه قلت فإذا قبلوه
في موضع ومواضع وجب عليك وعليهم قبول خبره في موضع غيره وإلا فأنت تحكم فتقبل ما شئت
وترد ما شئت قال فقال قد عرفنا أن أبا هريرة روى أشياء لم يروها غيره مما ذكرت وحديث المصراة
وحديث الأجير وغيره أفتعلم غيره انفرد برواية؟ قلت نعم أبو سعيد الخدري روى أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " فصرنا نحن وأنت وأكثر المفتين إليه وتركت قول
صاحبك وإبراهيم النخعي " الصدقة في كل قليل وكثير أنبتته الأرض " وقد يجدان تأويلا من قول الله عز
وجل " وآتوا حقه يوم حصاده " ولم يذكر قليلا ولا كثيرا ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم " فيما سقى
بالسماء العشر وفيما بالدالية نصف العشر " قال أجل قلنا وحديث أبي ثعلبة الخشني أن النبي صلى
الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع لا يروى عن غيره علمته إلا من وجه عن أبي هريرة
وليس بالمشهور المعروف الرجال فقبلناه نحن وأنت وخالفنا المكيون واحتجوا بقول الله عز وجل " قل لا
أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه " الآية وقوله " وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما
اضطررتم إليه " وبقول عائشة وابن عباس وعبيد بن عمير فزعمنا أن الرواية الواحدة تثبت بها الحجة ولا
حجة في تأويل ولا حديث عن غير النبي صلى الله عليه وسلم مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال
أما ما وصفت فكما وصفت قلت فإذا جاء مثل هذا فلم تجعله حجة؟ قال ما كانت حجتنا في أن لا
نقول قولكم في التفليس إلا هذا قلنا ولا حجة لك فيه لأني قد وجدتك تقول وغيرك وتأخذ بمثله فيه
قال آخر إنا قد روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه شبيها بقولنا قلنا وهذا مما لا حجة فيه عندنا
وعندك لأن مذهبنا معا إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ أن لا حجة في أحد معه قال فإنا
218

قلنا لم نعلم أبا بكر ولا عمر ولا عثمان رضي الله عنهم قضوا بما رويتم في التفليس قلنا ولا رويتم أنهم ولا
واحد منهم قال ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ولا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها ولا تحريم كل
ذي ناب من السباع قال فاكتفينا بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا قلنا ففيه الكفاية المغنية
عما سواها وما سواها تبع لها لا يصنع معها شيئا إن وافقها تبعها وكانت به الحاجة إليها وإن خالفها ترك
وأخذت السنة قال وهكذا نقول قلنا نعم في الجملة ولا تفي بذلك في التفريع قال فانى لم أنفرد بما
عبت على قد شركني فيه غير واحد من أهل ناحيتك وغيرهم فأخذوا بأحاديث وردوا أخرى قلت فإن
كنت حمدتهم على هذا فاشركهم فيه قال إذا يلزمني أن أكون بالخيار في العلم قلت فقل ما شئت
فإنك ذممت ذلك ممن فعله فانتقل عن مثل ما ذممت ولا تجعل المذموم حجة قال فإني أسألك عن شئ
قلت فسل قال كيف نقضت الملك الصحيح؟ قلت أو ترى للمسألة موضعا فيما روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم؟ قال لا ولكني أحب أن تعلمني هل تجد مثل هذا غير هذا؟ قلت نعم أرأيت دارا بعتها لك
فيها شفعة أليس المشترى مالكا يجوز بيعه وهبته وصداقه وصدقته فيما ابتاع ويجوز له هدمه وبناؤه؟ قال
نعم قلت فإذا جاء الذي له الشفعة أخذ ذلك ممن هو في يديه؟ قال نعم قلت أفتراك نقضت لملك
الصحيح؟ قال نعم ولكني نقضته بالسنة وقلت أرأيت الرجل يصدق المرأة الأمة فيدفعها إليها والغنم
فتلد الأمة والغنم أليس إن مات الرجل أو المرأة قبل أن يدخل عليها كان ما أصدقها لها قبل موت واحد
منهما يكون لها عتق الأمة وبيعها وبيع الماشية وهي صحيحة الملك في ذلك كله؟ قال بلى قلت أفرأيت
إن طلقها قبل تفوت في الجارية ولا الغنم شيئا وهو في يديها بحاله؟ قال ينتقض الملك ويصير له نصف
الجارية والغنم إن لم يكن أولاد أو نصف قيمتها إن كان لها أولاد لأنهم حدثوا في ملكها قلنا فكيف
نقضت الملك الصحيح؟ قال بالكتاب قلنا فما نراك عبت في مال المفلس شيئا إلا دخل عليك في
الشفعة والصداق مثله أو أكثر قال حجتي فيه كتاب أو سنة قلنا وكذلك حجتنا في مال المفلس سنة
فكيف خالفتها؟ قلت للشافعي فإنا نوافقك في مال المفلس إذا كان حيا ونخالفك فيه إذا مات وحجتنا
فيه حديث ابن شهاب الذي قد سمعت (قال الشافعي) قد كان فيما قرأنا على مالك أن ابن شهاب
أخبره عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال أيما رجل باع
متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به فإن مات المشترى
فصاحب السلعة أسوة الغرماء فقال لي فلم لم تأخذ بهذا؟ قلت لأنه مرسل ومن خالفنا ممن حكيت قوله
وإن كان ذلك ليس عندي له به عذر يخالفه لأنه رد الحديث وقال فيه قولا واحدا وأنتم أثبتم الحديث
فلما صرتم إلى تفريعه فارقتموه في بعض ووافقتموه في بعض فقال فلم لم تأخذ بحديث ابن شهاب؟
فقلت الذي أخذت به أولى بي من قبل أن ما أخذت به موصول يجمع فيه النبي صلى عليه وسلم بين
الموت والافلاس وحديث ابن شهاب منقطع لو لم يخالفه غيره لم يكن مما يثبته أهل الحديث فلو لم يكن
في تركه حجة إلا هذا انبغى لمن عرف الحديث تركه من الوجهين مع أن أبا بكر بن عبد الرحمن يروى
عن أبي هريرة حديثا ليس فيه ما روى ابن شهاب عنه مرسلا إن كان روى كله فلا أدرى عمن رواه
ولعله روى أول الحديث وقال برأيه آخره (قال الشافعي) وموجود في حديث أبي بكر عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه انتهى بالقول فهو أحق به أشبه أن يكون ما زاد على هذا قولا من أبى
بكر لا رواية وإن كان موجودا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل يبيع السلعة من الرجل
فيكون مالكا للمبيع يجوز له فيها ما يجوز لذي المال في المال من وطئ أمة وبيعها وعتقها وإن لم يدفع
219

ثمنها فإذا أفلس والسلعة بعينها في يدي المشترى كان للبائع التسليط على نقض عقدة البيع. كما يكون
للمستشفع أخذ الشفعة وقد كان الشراء صحيحا فكان المشترى لما فيه الشفعة لو مات كان للمستشفع
أخذ الشفعة من ورثته كما له أخذها من يديه فكيف لم يكن هذا في الذي يجد عين ماله عند معدم
وإن مات كما كان لبائعه ذلك في حياة مالكه وكما قلنا في الشفعة وكيف يكون الورثة يملكون عن الميت
منع السلعة وإنما عنه ورثوها ولم يكن للميت منعها من أن ينقض بائعها البيع إذا لم يعط ثمنها كاملا فلا
يكون للورثة في حال ما ورثوا عن الميت إلا ما كان للميت أو أقل منه وقد جعلتم للورثة أكثر مما
للمورث الذي عنه ملكوها ولو جاز أن يفرق بين الموت والحياة كان الميت أولى أن يأخذ الرجل عين ماله
منه لأنه ميت لا يفيد شيئا أبدا والحي يفلس فترجى إفادته وأن يقضى دينه فضعفتم الأقوى وقويتم
الأضعف وتركتم بعض حديث أبي هريرة وأخذتم ببعضه قال فليس هذا مما روينا قلنا وإن لم ترووه فقد
رواه ثقة عن ثقة فلا يوهنه أن لا ترووه وكثير من الأحاديث لم ترووه فلم يوهنه ذلك.
بلوغ الرشد وهو الحجر (1)
(قال الشافعي) رحمه الله: الحال التي يبلغ فيها الرجل والمرأة رشدهما حتى يكونان يليان أموالهما قال
الله عز وجل " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا
تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا " (قال الشافعي) فدلت هذه الآية على أن الحجر ثابت على اليتامى
حتى يجمعوا خصلتين البلوغ والرشد، فالبلوغ استكمال خمس عشرة سنة الذكر والأنثى في ذلك سواء
إلا أن يحتلم الرجل أو تحيض المرأة قبل خمس عشرة سنة فيكون ذلك البلوغ ودل قول الله عز وجل
" فادفعوا إليهم أموالهم " على أنهم إذا جمعوا البلوغ والرشد لم يكن لاحد أن يلي عليهم أموالهم وكانوا
أولى بولاية أموالهم من غيرهم وجاز لهم في أموالهم ما يجوز لمن خرج من الولاية ممن ولى فخرج منها أو
لم يول وأن الذكر والأنثى فيهما سواه والرشد والله أعلم الصلاح في الدين حتى تكون الشهادة جائزة
وإصلاح المال وإنما يعرف إصلاح المال بأن يختبر اليتيم والاختبار يختلف بقدر حال المختبر فإن كان
من الرجال من يتبذل فيختلط الناس استدل بمخالطته الناس في الشراء والبيع قبل البلوغ وبعده حتى
يعرف أنه يحب توفير ماله والزيادة فيه وأن لا يتلفه فيما لا يعود عليه نفعه كان اختبار هذا قريبا وإن كان
من يصان عن الأسواق كان اختباره أبعد قليلا من اختبار الذي قبله (قال الشافعي) ويدفع إلى المولى
عليه نفقة شهر فإن أحسن إنفاقها على نفسه وأحسن شراء ما يحتاج إليه منها مع النفقة اختبر بشئ يسير
يدفع إليه فإذا أونس منه توفير له وعقل يعرف به حسن النظر لنفسه في إبقاء ماله دفع إليه ماله واختبار
المرأة مع علم صلاحها بقلة مخالطتها في البيع والشراء أبعد من هذا قليلا فيختبرها النساء وذوو المحارم بها
بمثل ما وصفنا من دفع النفقة وما يشترى لها من الادم وغيره فإذا آنسوا منها صلاحا لما تعطى من نفقتها
كما وصفت في الغلام البالغ فإذا عرف منها صلاح دفع إليها اليسير منه فإن هي أصلحته دفع إليها مالها
نكحت أو لم تنكح لا يزيد في رشدها ولا ينقص منه النكاح ولا تركه كما لا يزيد في رشد الغلام ولا

(1) كتب السراج البلقيني ما نصه " الحجر هو في الأصل بعد الخلاف في الحبس والصدقات الموقوفات وهذا
موضعه في الترتيب وفيه بلوغ الرشد " اه‍ نقله مصححه.
220

ينقص منه وأيهما نكح وهو غير رشيد وولد له ولى عليه ماله لأن شرط الله عز وجل أن يدفع إليه إذا
جمع الرشد مع البلوغ وليس النكاح بواحد منهما وأيهما صار إلى ولاية ماله فله أن يفعل في ماله ما
يفعل غيره من أهل الأموال وسواء في ذلك المرأة والرجل وذات زوج كانت أو غير ذات زوج وليس
الزوج من ولاية مال المرأة بسبيل ولا يختلف أحد من أهل العلم علمته أن الرجل والمرأة إذا صار كل
واحد منهما إلى أن يجمع البلوغ والرشد سواء في دفع أموالهما إليهما لأنهما من اليتامى فإذا صارا إلى أن
يخرجا من الولاية فهما كغيرهما يجوز لكل واحد منهما في ماله ما يجوز لكل من لا يولى عليه غيره. فإن
قال قائل المرأة ذات الزوج مفارقة للرجل لا تعطى المرأة من مالها بغير إذن زوجها قيل له كتاب الله عز
وجل في أمره بالدفع إلى اليتامى إذا بلغوا الرشد يدل على خلاف ما قلت لأن من أخرج الله عز وجل
من الولاية لم يكن لاحد أن يلي عليه إلا بحال يحدث له من سفه وفساد وكذلك الرجل والمرأة أو حق
يلزمه لمسلم في ماله فأما ما لم يكن هكذا فالرجل والمرأة سواء فإن فرقت بينهما فعليك أن تأتى ببرهان
على فرقك بين المجتمع فإن قال قائل فقد روى أن ليس للمرأة أن تعطى من مالها شيئا بغير إذن زوجها
قيل قد سمعناه وليس بثابت فيلزمنا أن نقول به والقرآن يدل على خلافه ثم السنة ثم الأثر ثم المعقول فإن
قال فاذكر القرآن قلنا الآية التي أمر الله عز وجل بدفع أموالهم إليهم وسوى فيها بين الرجل والمرأة ولا
يجوز أن يفرق بينهما بغير خبر لازم فإن قال أفتجد في القرآن دلالة على ما وصفت سوى هذا؟ قيل نعم
قال الله عز وجل " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن
يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفو أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما
تعملون بصير " فدلت هذه الآية على أن على الرجل أن يسلم إلى المرأة نصف مهرها كما كان عليه أن
يسلم إلى الأجنبيين من الرجال ما وجب لهم ودلت السنة على أن المرأة مسلطة على أن تعفو من مالها
وندب الله عز وجل إلى العفو وذكر أنه أقرب للتقوى وسوى بين المرأة والرجل فيما يجوز من عفو كل واحد
منهما ما وجب له يجوز عفوه إذا دفع المهر كله وكان له أن يرجع بنصفه فعفاه جاز وإذا لم يدفعه فكان
لها أن تأخذ نصفه فعفته جاز لم يفرق بينهما في ذلك. وقال عز وجل: " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة
فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " فجعل (1) في إيتائهن ما فرض لهن من فريضة
على أرواحهن يدفعونه إليهن دفعهم إلى غيرهم من الرجال ممن وجب له عليهم حق بوجه وحل للرجال
أكل ما طاب نساؤهم عنه نفسا كما حل لهم ما طاب الأجنبيون من أموالهم عنه نفسا وما طابوا هم
لأزواجهم عنه نفسا لم يفرق بين حكمهم وحكم أزواجهم والأجنبيين وغير أزواجهم فيما أوجبه من دفع
حقوقهن وأحل ما طبن عنه نفسا من أموالهن وحرم من أموالهن ما حرم من أموال الأجنبيين فيما ذكرت
وفى قول الله عز وجل " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه
شيئا " الآية وقال عز وجل " فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به " فأحله إذا
كان من قبل المرأة كما حل للرجل من مال الأجنبيين بغير توقيت شئ فيه ثلث ولا أقل ولا أكثر وحرمه
إذا كان من قبل الرجل كما حرم أموال الأجنبيين أن يغتصبوها قال الله عز وجل " ولكم نصف ما ترك
أزواجكم إن لم يكن لهن ولد " الآية فلم يفرق بين الزوج والمرأة في أن لكل واحد منهما أن يوصى في
ماله وفى أن دين كل واحد منهما لازم له في ماله فإذا كان هذا هكذا كان لها أن تعطى من مالها من

(1) قوله: فجعل في إيتائهن الخ كذا بالنسخ التي عندنا ولعل " في " زائدة من الناسخ اه‍ مصححه.
221

شاءت بغير إذن زوجها وكان لها أن تحبس مهرها وتهبه ولا تضع منه شيئا وكان لها إذا طلقها أخذ
نصف ما أعطاها لا نصف ما اشترت لها دونه إذا كان لها المهر كان لها حبسه وما أشبهه فإن قال قائل
فأين السنة في هذا؟ قلت (أخبرنا) مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أخبرته أن
حبيبة بنت سهل الأنصارية كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرج لصلاة الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" من هذه؟ " فقالت أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله فقال " ما شأنك؟ " فقالت لا أنا ولا ثابت بن
قيس لزوجها فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه حبيبة بنت سهل قد
ذكرت ما شاء الله أن تذكر " فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " خذ منها " فأخذ منها وجلست في أهلها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن مولاة
لصفية بنت أبي عبيد أنها اختلعت من زوجها بكل شئ لها فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر (قال
الشافعي) فدلت السنة على ما دل عليه القرآن من أنها إذا اختلعت من زوجها حل لزوجها الاخذ منها
ولو كانت لا يجوز لها في مالها ما يجوز لمن لا حجر عليه من الرجال ما حل له خلعها فإن قال قائل وأين
القياس والمعقول؟ قلت إذا أباح الله تعالى لزوجها ما أعطته فهذا لا يكون إلا لمن يجوز له ماله وإذا
كان مالها يورث عنها وكانت تمنعه زوجها فيكون لها فهي كغيرها من ذوي الأموال قال ولو ذهب
ذاهب إلى الحديث الذي لا يثبت أن ليس لها أن تعطى من دون زوجها إلا ما أذن زوجها لم يكن له
وجه لا أن يكون زوجها وليا لها ولو كان رجل وليا لرجل أو امرأة فوهبت له شيئا لم يحل له أن يأخذه
لأن هبتها له كهبتها لغيره لزمه أن يقول لا تعطى من مالها درهما ولا يجوز لها أن تبيع فيه ولا تبتاع ويحكم
لها وعليها حكم المحجور عليه ولو زعم أن زوجها شريك لها في مالها سئل أبا لنصف؟ فإن قال نعم قيل
فتصنع بالنصف الآخر ما شاءت ويصنع بالنصف ما شاء؟ فإن قال ما قل أو كثر؟ قلت فاجعل لها من
مالها شيئا فإن قال مالها مرهون له قيل له فبكم هو مرهون حتى تفتديه؟ فإن قال ليس بمرهون قيل له
فقل فيه ما أحببت فهو لا شريك لها في مالها وليس له عندك وعندنا أن يأخذ من مالها درهما وليس مالها
مرهونا فتفتكه وليس زوجها وليا لها ولو كان زوجها وليا لها وكان سفيها أخرجنا ولايتها من يديه وولينا
غيره عليها ومن خرج من هذه الأقاويل لم يخرج إلى أثر يتبع ولا قياس ولا معقول وإذا جاز للمرأة ان
تعطى من مالها الثلث لا تزيد عليه فلم يجعلها مولى عليها ولم يجعل زوجها شريكا ولا مالها مرهونا في يديه
ولا هي ممنوعة من مالها ولا مخلى بينها وبينه ثم يجيز لها بعد زمان إخراج الثلث والثلث بعد زمان حتى
ينفد مالها فما منعها مالها ولا خلالها وإياه والله المستعان فإن قال هو نكحها على اليسر فإن قال هو نكحها
على اليسر قيل أفرأيت إن نكحت مفلسة ثم أيسرت بعد عنده أيدعها ومالها؟ فإن قال نعم فقد أخرجها
من الحجر وإن قال لا فقد منعها ما لم تغره به أو رأيت إذا قال غرته فلا أتركها تخرج مالها ضرارا؟ قيل
أفرأيت إن غر فقيل هي جميلة فوجدها غير جميلة أو غير فقيل هي موسرة فوجدها مفلسة أينقص عنه
من صداقها أو يرده عليها بشئ؟ أو رأيت إذا قال هذا في المرأة فإذا كان الرجل دينا موسرا فنكح
شريفة وأعلمتنا أنها لم تنكحه إلا بيسره ثم خدعها فتصدق بماله كله فإذا جاز ذلك له فقد ظلمها
بمنعها من مالها ما أباح له وإن قال أجبرها بأن تبتاع له ما يتجهز به مثلها لأن هذا مما يتعامل به الناس
عندنا وذلك أن المرأة تصدق ألف درهم وتجهز بأكثر من عشرة آلاف وتكون مفلسة لا تجهز إلا بثيابها
وبساطها ومما يتعامل الناس به أن الرجل المفلس ذا المروءة ينكح الموسرة فتقول يكون قيما على مالي على
222

هذا تناكحا ويستنفق من مالها وما أشبه هذا مما وصفت ويحسن مما يتعامل الناس وللحاكم الحكم على
ما يجب ليس على ما يجمل ويتعامل الناس عليه (قال الشافعي) والحجة تمكن على ما خالفنا بأكثر مما
وصفت وفى أقل مما وصفت حجة ولا يستقيم فيها قول إلا معنى كتاب الله عز وجل والسنة والآثار
والقياس من أن صداقها مال من مالها وأن لها إذا بلغت الرشد أن تفعل في مالها ما يفعل الرجل لا فرق
بينها وبينه.
باب الحجر على البالغين (1)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الحجز على البالغين في آيتين من كتاب الله عز وجل وهما قول
الله تبارك وتعالى " فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي
عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل " (قال الشافعي) وإنما خاطب
الله عز وجل بفرائضه البالغين من الرجال والنساء وجعل الاقرار له فكان موجودا في كتاب الله عز
وجل أن أمر الله تعالى الذي عليه الحق أن يمل هو وأن إملاءه اقراره وهذا يدل على جواز الاقرار على
من أقر به ولا يأمر والله أعلم أحدا أن يمل ليقر إلا البالغ وذلك أن إقرار غير البالغ وصمته وإنكاره سواء
عند أهل العلم فيما حفظت عنهم ولا أعلمهم اختلفوا فيه. ثم قال في المرء الذي عليه الحق أن يمل
" فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليمل وليه بالعدل " وأثبت الولاية
على السفيه والضعيف والذي لا يستطيع أن يمل هو وأمر وليه بالاملاء عليه لأنه أقامه فيما لا غناء به عنه
من ماله مقامه (قال الشافعي) قد قيل والذي لا يستطيع أن يمل يحتمل أن يكون المغلوب على عقله وهو
أشبه معانيه والله أعلم. والآية الأخرى قول الله تبارك وتعالى " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن
آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم " فأمر عز وجل أن يدفع إليهم أموالهم إذا جمعوا بلوغا ورشدا قال
وإذا أمر بدفع أموالهم إليهم إذا جمعوا أمرين كان في ذلك دلالة على أنهم إن كان فيهم أحد الامرين
دون الآخر لم يدفع إليهم أموالهم وإذا لم يدفع إليهم فذلك الحجر عليهم كما كانوا لو أونس منهم رشد
قبل البلوغ لم يدفع إليهم أموالهم فكذلك لو بلغوا ولم يؤنس منهم رشد لم تدفع إليهم أموالهم ويثبت
عليهم الحجر كما كان قبل قبل البلوغ وهكذا قلنا نحن وهم في كل أمر يكمل بأمرين أو أمور فإذا نقص
واحد لم يقبل فزعمنا أن شرط الله تعالى " ممن ترضون من الشهداء " عدلان حران مسلمان فلو كان
الرجلان حرين مسلمين غير عدلين أو عدلين غير حرين أو عدلين حرين غير مسلمين لم تجز شهادتهما
حتى يستكملان الثلاث (قال الشافعي) وإن التنزيل في الحجر بين والله أعلم مكتفى به عن تفسيره وإن
القياس ليدل على الحجر أرأيت إذا كان معقولا أن من لم يبلغ ممن قارب البلوغ وعقل محجورا عليه
فكان بعد البلوغ أشد تقصيرا في عقله وأكثر افسادا لماله ألا يحجر عليه والمعنى الذي أمر بالحجر عليه
له فيه، ولو أونس منه رشد فدفع إليه ماله ثم علم منه غير الرشد أعيد عليه الحجر لأن حاله انتقلت إلى
الحال التي ينبغي أن يحجر عليه فيها كما يؤنس منه العدل فتجوز شهادته ثم تتغير فترد ثم إن تغير فأونس
منه عدل أجيزت وكذلك إن أونس منه إصلاح بعد إفساد أعطى ماله والنساء والرجال في هذا سواء

(1) هذه الترجمة نقلها هنا السراج البلقيني من تراجم المواريث التي جرت عليها نسخ الربيع. كتبه مصححه.
223

لأن اسم اليتامى يجمعهم واسم الابتلاء يجمعهم وأن الله تعالى لم يفرق بين النساء والرجال في أموالهم
وإن خرج الرجل والمرأة من أن يكونا موليين جاز للمرأة في مالها ما جاز للرجل في ماله ذات زوج
كانت أو غير ذات زوج سلطانها على مالها سلطان الرجل على ماله لا يفترقان (قال الشافعي) في قول
الله عز وجل " وابتلوا اليتامى " إنما هو اختبروا اليتامى قال فيختبر الرجال النساء بقدر ما يمكن فيهم
والرجل الملازم للسوق والمخالط للناس في الاخذ والاعطاء قبل البلوغ ومعه وبعده لا يغيب بعد البلوغ
أن يعرف حاله بما مضى قبله ومعه وبعده فيعرف كيف هو في عقله في الاخذ والاعطاء وكيف هو في
دينه والرجل القليل المخالطة للناس يكون اختباره أبطأ من اختبار هذا الذي وصفت فإذا عرفه خاصته
في مدة وإن كانت أطول من هذه المدة فعدلوه وحمدوا نظره لنفسه في الاخذ والاعطاء وشهدوا له أنه
صالح في دينه حسن النظر لنفسه في ماله فقد صار هذان إلى الرشد في الدين والمعاش ويؤمر وليهما
بدفع مالهما إليهما (قال الشافعي) وإذا اختبر النساء أهل العدل من أهلها ومن يعرف حالها بالصلاح في
دينها وحسن النظر لنفسها في الاخذ والاعطاء صارت في حال الرجلين وإن كان ذلك منها أبطأ منه من
الرجلين لقلة خلطتها بالعامة وهو من المخالطة من النساء الخارجة إلى الأسواق الممتهنة لنفسها أعجل
منه من الصائنة لنفسها كما يكون من أحد الرجلين أبعد فإذا بلغت المرأة الرشد والرشد كما وصفت في
الرجل أمر وليها بدفع مالها إليها (قال الشافعي) وقد رأيت من الحكام من أمر باختبار من لا يوثق بحاله
تلك الثقة بأن يدفع إليه القليل من ماله فإن أصلح فيه دفع إليه ما بقي وإن أفسد فيه كان الفساد في
القليل أيسر منه في الكل ورأينا هذا وجها من الاختبار حسنا والله أعلم وإذا دفع إلى المرأة مالها والرجل
فسواء كانت المرأة بكرا أو متزوجة عند زوج أو ثيبا كما يكون الرجل سواء في حالاته وهي تملك من
مالها ما يملك من ماله ويجوز لها في مالها ما يجوز له في ذلك عند زوج كانت أو غير زوج لا فرق في
ذلك بينها وبينه في شئ مما يجوز لكل واحد منهما في ماله فكذلك حكم الله عز وجل فيها وفيه ودلالة
السنة. وإذا نكحت فصداقها مال من مالها تصنع به ما شاءت كما تصنع بما سواه من مالها.
باب الخلاف في الحجر
(قال الشافعي) رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في الحجر فقال لا يحجر على حر بالغ ولا على
حرة بالغة وإن كانا سفيهين وقال لي بعض من يذب عن قوله من أهل العلم عند أصحابه أسألك من
أين أخذت الحجر على الحرين وهما مالكان لأموالهما؟ فذكرت لهم ما ذكرت في كتابي أو معناه أو بعضه
فقال فإنه يدخل عليك فيه شئ فقلت وما هو؟ قال أرأيت إذا أعتق المحجور عليه عبده؟ فقلت لا
يجوز عتقه قال ولم؟ قلت كما يجوز للملوك ولا للمكاتب أن يعتقا قال لأنه إتلاف لماله؟ قلت نعم قال
أفليس الطلاق والعتاق لعبهما وجدهما واحد؟ قلت ممن ذلك له وكذلك لو باع رجل فقالت لعبت أو
أقر لرجل بحق فقال لعبت لزمه البيع والاقرار وقيل له لعبك لنفسك وعليها قال أفيفترق العتق
والطلاق؟ قلت نعم عندنا وعندك قال وكيف وكلاهما إتلاف للمال؟ قلت له إن الطلاق وإن كان فيه
إتلاف المال فإن الزوج مباح له بالنكاح شئ كان غير مباح له قبله ومجعول إليه تحريم ذلك المباح ليس
تحريمه لمال يليه عليه غيره إنما هو تحريم يقول من قول أو فعل من فعله وكما كان مسلطا على الفرج دون
غيره فكذلك كان مسلطا على تحريمه دون غيره ألا ترى أنه يموت فلا تورث عنه امرأته ويهبها ويبيعها
224

فلا تحل لغيره بهبته ولا بيعه ويورث عنه عبده ويباع عليه فيملكه غيره ويلي نفسه فيبيعه ويهبه فيملكه
غيره فالعبد مال بكل حال والمرأة غير مال بحال إنما هي متعة لا مال مملوك ننفقه عليه ونمنع إتلافه ألا
ترى أن العبد يؤذن له في النكاح والتجارة فيكون له الطلاق والامساك دون سيده ويكون إلى سيده
أخذ ماله كله إذا لم يكن عليه دين لأن المال ملك والفرج بالنكاح متعة لا ملك كالمال وقلت له تأولت
القرآن في اليمين مع الشاهد فلم تصب عندنا تأويله فأبطلت فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم
وجدت القرآن يدل على الحجر على بالغين فتركته وقلت له أنت تقول في الواحد من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا قال قولا وكان في القرآن تنزيل يحتمل خلاف قوله في الظاهر قلنا بقوله وقلنا
هو أعلم بكتاب الله عز وجل ثم وجدنا صاحبكم يروى الحجر عن ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم فخالفهم ومعهم القرآن قال وأي صاحب؟ قلت أخبرنا محمد بن الحسن أو غيره من أهل
الصدق في الحديث أو هما عن يعقوب بن إبراهيم عن هشام بن عروة عن أبيه قال ابتاع عبد الله بن
جعفر بيعا فقال علي رضي الله عنه لآتين عثمان فلأحجرن عليك فأعلم بذلك ابن جعفر الزبير قال الزبير
أنا شريكك في بيعك فأتى على عثمان فقال احجر على هذا فقال الزبير أنا شريكه فقال عثمان أحجر
على رجل شريكه الزبير فعلي رضي الله عنه لا يطلب الحجر إلا وهو يراه والزبير لو كان الحجر باطلا قال
لا يحجر على حر بالغ وكذلك عثمان بل كلهم يعرف الحجر في حديث صاحبك قال فإن صاحبنا أبا
يوسف رجع إلى الحجر قلت ما زاده رجوعه إليه قوة ولا وهنه تركه إباه إن تركه وقد رجع إليه فالله أعلم
كيف كان مذهبه فيه فقال وما أنكرت قلت زعمت أنه رجع إلى أن الحر إذا ولى ماله برشد يؤنس منه
فاشترى وباع ثم تغيرت حاله بعد رشد أحدث عليه الحجر وكذلك قلنا ثم زعم أنه إذا أحدث عليه
الحجر أبطل كل بيع باعه قبله وشراء أفرأيت الشاهد يعدل فتجوز شهادته ثم تغير حاله أينقض الحكم
بشهادته أو ينفذ ويكون متغيرا من يوم تغير؟ قال قد قال ذلك فأنكرناه عليه (قال الشافعي) فقال فهل
خالف شيئا مما تقول في الحجر واليتامى من الرجال والنساء أحد من أصحابك؟ قلت أما أحد من
متقدمي أصحابي فلم أحفظ عن واحد منهم خلافا لشئ مما قلت وقد بلغني عن بعضهم مثل ما قلت
قال فهل أدركت أحدا من أهل ناحيتك يقول بخلاف قولك هذا؟ قلت قد روى لي عن بعض أهل
العلم من ناحيتنا أنه خالف ما قلت وقلت وقال غيرنا في مال المرأة إذا تزوجت رجلا قال فقال فيه
ماذا؟ قلت ما لا يضرك أن لا تسمعه ثم حكيت له شيئا كنت أحفظه وكان يحفظه فقال ما يشكل
الخطأ في هذا على سامع يعقل (قال الشافعي) فزعم لي زاعم عن قائل هذا القول أن المرأة إذا
نكحت رجلا بمائة دينار جبرت أن تشترى بها ما يتجهز به مثلها وكذلك لو نكحت بعشرة دراهم فإن
طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بنصف ما اشترت (قال الشافعي) ويلزمه أن يقاسمها نورة وزرنيخا
ونضوحا قال فإن قال قائل: فما يدخل على من قال هذا القول؟ قيل له يدخل عليه أكثر ما يدخل على
أحد أو على غيره فإن قال ما هو؟ قيل له قال الله عز وجل " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد
فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم " وما فرض ودفع مائة دينار فزعم قائل هذا القول أنه يرده بنصف
متاع ليس فيه دنانير وهذا خلاف ما جعل الله تبارك وتعالى له فإن قال قائل إنما قلنا هذا لأنا نرى أن
واجبا عليها (قال الربيع) يعنى أن واجبا عليها أن تجهز بما أعطاها وكان عليه أن يرجع بنصف ما
تجهزت به في قولهم وفى قول الشافعي لا يرجع إلا بنصف ما أعطاها دنانير كانت أو غيرها لأنه لا
يوجب عليها أن تجهز إلا أن تشاء وهو معنى قول الله تبارك وتعالى " فنصف ما فرضتم ".
225

الصلح
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أملى علينا الشافعي رحمه الله قال: أصل الصلح أنه بمنزلة البيع فما
جاز في البيع جاز في الصلح وما لم يجز في البيع لم يجز في الصلح ثم يتشعب ويقع الصلح على ما يكون
له ثمن من الجراح التي لها أرش وبين المرأة وزوجها التي لها عليه صداق وكل هذا يقوم مقام الأثمان ولا
يجوز الصلح عندي إلا على أمر معروف كما لا يجوز البيع إلا على أمر معروف وقد روى عن عمر رضي الله عنه
" الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا " ومن الحرام الذي يقع في
الصلح أن يقع عندي على المجهول الذي لو كان بيعا كان حراما وإذا مات الرجل وورثته امرأة أو ولد أو
كلالة فصالح بعض الورثة بعضا فإن وقع الصلح على معرفة من المصالح والمصالح بحقوقهم أو إقرار
بمعرفتهم بحقوقهم وتقابض المتصالحان قبل أن يتفرقا فالصلح جائز وإن وقع على غيره معرفة منهما بمبلغ
حقهما أو حق المصالح منهما لم يجز الصلح كما لا يجوز بيع ما امرئ لا يعرفه وإذا ادعى الرجل على
الرجل الدعوى في العبد أو غيره أو ادعى عليه جناية عمدا أو خطأ بما يجوز به البيع كان الصلح نقدا أو
نسيئة وإذا كان الدعي عليه ينكر فالصلح باطل وهما على أصل حقهما ويرجع المدعى على دعواه
والمعطى بما أعطى وسواء إذا أفسدت الصلح قال المدعى قد أبرأتك مما ادعيت عليك أو لم يقله من قبل
أنه إنما أبرأه على أن يتم له ما أخذ منه وليس هذا بأكثر من أن يبيعه البيع الفاسد فإذا لم يتم له الفساد
رجع كل واحد منهما على أصل ملكه كما كانا قبل أن يتبايعا فإذا أراد الرجلان الصلح وكره المدعى عليه
الاقرار فلا بأس أن يقر رجل أجنبي على المدعى عليه بما ادعى عليه من جناية أو مال ثم يؤدى ذلك
عنه صلحا فيكون صحيحا وليس للذي أعطى على الرجل أن يرجع على المصالح المدعى عليه ولا
للمصالح المدعى أن يرجع على المدعى عليه لأنه قد أخذ العوض من حقه إلا أن يعقدا صلحهما على
فساد فيكونون كما كانوا في أول ما تداعوا قبل الصلح قال ولو ادعى رجل على رجل حقا في دار فأقر له
بدعواه وصالحه من ذلك على إبل أو بقر أو غنم أو رقيق أو بز موصوف أو دنانير أو دراهم موصوفة أو
طعام إلى أجل مسمى كان الصلح جائزا كما يجوز لو بيع ذلك إلى ذلك الأجل ولو ادعى عليه شقصا من
دار فأقر له به ثم صالحه على أن أعطاه بذلك بيتا معروفا من الدار ملكا له أو سكنى له عدد سنين
فذلك جائز كما يجوز لو اقتسماه أو تكارى شقصا له في دار ولكنه لو قال أصالحك على سكنى هذا
المسكن ولم يسم وقتا كان الصلح فاسدا من قبل أن هذا لا يجوز كما لو ابتدأه حتى يكون إلى أجل معلوم
وهكذا لو صالحه على أن يكريه هذه الأرض سنين يزرعها أو على شقص من دار أخرى سمى ذلك
وعرف جاز كما يجوز في البيع والكراء وإذا لم يسمه لم يجز كما لا يجوز في البيوع والكراء (قال الشافعي)
ولو أن رجلا أشرع ظلة أو جناحا على طريق نافذة فخاصمه رجل ليمنعه منه فصالحه على شئ على أن
يدعه كان الصلح باطلا لأنه أخذ منه على ما لا يملك ونظر فإن كان إشراعه غير مضر خلى بينه وبينه
وإن كان مضرا منعه وكذلك لو أراد إشراعه على طريق لرجل خاصة ليس بنافذ أو لقوم فصالحه أو
صالحوه على شئ أخذوه منه على أن يدعوه يشرعه كان الصلح في هذا باطلا من قبل أنه إنما أشرع في
جدار نفسه وعلى هواء لا يملك ما تحته ولا ما فوقه فإن أراد أن يثبت خشبة ويصح بينه وبينهم الشرط
فليجعل ذلك في خشب يحمله على جدرانهم وجداره فيكون ذلك شراء محمل الخشب ويكون
الخشب بأعيانه موصوفا أو موصوف الموضع أو يعطيهم شيئا على أن يقروا له بخشب يشرعه ويشهدون
226

على أنفسهم أنهم أقروا له بمحمل هذا الخشب ومبلغ شروعه بحق عرفوه له فلا يكون لهم بعده أن
ينزعوه قال وإن ادعى رجل حقا في دار أو أرض فأقر له المدعى عليه وصالحه من دعواه على خدمة
عبد أو ركوب دابة أو زراعة أرض أو سكنى دار أو شئ مما يكون فيه الإجارات ثم مات المدعى
والمدعى عليه أو أحدهما فالصلح جائز ولورثة المدعى السكنى والركوب والزراعة والخدمة وما صالحهم
عليه المصالح (قال الشافعي) ولو كان الذي تلف الدابة التي صالح على ركوبها أو المسكن الذي صالح
على سكنه أو الأرض التي صولح على زراعتها فإن كان ذلك قبل أن يأخذ منه المصالح شيئا فهو على
حقه في الدار وقد انتقضت الإجارة وإن كان بعد ما أخذ منه شيئا تم من الصلح بقدر ما أخذ إن كان
نصفا أو ثلثا أو ربعا وانتقض من الصلح بقدر ما بقي يرجع به في أصل السكن الذي صولح عليه قال
وهكذا لو صالحه على عبد بعينه أو ثوب بعينه أو دار بعينها فلم يقبضه حتى هلك انتقض الصلح ورجع
على أصل ما أقر له به ولو كان صالحه على عبد بصفة أو غير صفة أو ثوب بصفة أو دنانير أو دراهم أو
كيل أو وزن بصفة تم الصلح بينهما وكان عليه مثل الصفة التي صالحه عليها ولو صالحه على ربع أرض
مشاع من دار معلومة جاز ولو صالحه على أذرع من دار مسماة وهو يعرف أذرع الدار ويعرفه المصالح جاز
وهذا كجزء من أجزاء وإن كان صالحه على أذرع وهو لا يعرف الذرع كله لم يجز من قبل أنه لا يدرى
كم قدر الذرع فيها ثلثا أو ربعا أو أكثر أو أقل ولو صالحه على طعام جزاف أو دراهم جزاف أو عبد
فجائز فإن استحق ذلك قبل القبض أو بعده بطل الصلح وإن هلك قبل القبض بطل الصلح ولو كان
صالحه على عبد بعينه ولم يرد العبد فله خيار الرؤية فإن اختار أخذه جاز الصلح وإن اختار رده رد
الصلح (قال الربيع) (قال الشافعي) بعد لا يجوز شراء عبد بعينه ولا غيره إلى أجل ويكون له خيار
رؤيته من قبل أن البيع لا يعدو بيع عين يراها المشترى والبائع عند تبايعهما وبيع صفة مضمون إلى أجل
معلوم يكون على صاحبها أن يأتي بها من جميع الأرض وهذا العبد الذي بعينه إلى أجل إن تلف بطل
البيع فهذا مرة يتم فيه البيع ومرة يبطل فيه البيع والبيع لا يجوز إلا أن يتم في كل حال (قال الشافعي)
وهكذا كل ما صالحه عليه بعينه مما كان غائبا فله فيه خيار الرؤية (قال الربيع) رجع الشافعي عن خيار
رؤية شئ بعينه (قال الشافعي) ولو قبضه فهلك في يديه وبه عيب رجع بقيمة العيب ولو لم يجد عيبا
ولكنه استحق نصفه أو سهم من ألف سهم منه كان لقابض العبد الخيار في أن يجيز من الصلح بقدر
ما في يديه من العبد ويرجع بقدر ما استحق منه أو ينقض الصلح كله (قال الربيع) الذي يذهب إليه
الشافعي أنه إذا بيع الشئ فاستحق بعضه بطل البيع كله لأن الصفقة جمعت شيئين حلالا وحراما
فبطل كله والصلح مثله (قال الشافعي) ولو ادعى رجل حقا في دار فأقر له رجل أجنبي على المدعى
عليه وصالحه على عبد بعينه فهو جائز وإن وجد بالعبد عيبا فرده أو استحق لم يكن له على الأجنبي
شئ ورجع على دعواه في الدار وهكذا لو صالحه على عرض من العروض ولو كان الأجنبي صالحه
على دنانير أو دراهم أو عرض بصفة أو عبد بصفة فدفعه إليه ثم استحق كان له أن يرجع عليه بمثل
تلك الدنانير والدراهم وذلك العرض بتلك الصفة ولو كان الأجنبي إنما صالحه على دنانير بأعيانها فهي
مثل العبد بعينه يعطيه إياها وإن استحقت أو وجد عيبا فردها لم يكن له على الأجنبي تباعة وكان له أن
يرجع على أصل دعواه والأجنبي إذا كان صالح بغير إذن المدعى عليه فتطوع بما أعطى عنه فليس له
أن يرجع به على صاحبه المدعى عليه وإنما يكون له أن يرجع به إذا أمره أن يصالح عنه قال ولو ادعى
رجل على رجل حقا في دار فصالحه على بيت معروف سنين معلومة يسكنه كان جائزا أو على سطح
227

معروف يبيت عليه كان جائزا فإن انهدم البيت أو السطح قبل السكنى رجع على أصل حقه وإن انهدم
بعد السكنى تم من الصلح بقدر ما سكن وبات وانتقض منه بقدر ما بقي ولو ادعى رجل حقا في دار
وهي في يد رجل عارية أو وديعة أو كراء تصادقا على ذلك أو قامت به بينة فلا خصومة بينه وبين من
الدار في يديه ومن لم ير أن يقضى على الغائب لم يقبل منه فيها بينة وأمره إن خاف على بينته الموت أن
يشهد على شهادتهم ولو أن الذي في يديه أقر له بدعواه لم يقض له بإقراره لأنه أقر له فيما لا يملك ولو
صالحه على شئ من دعواه فالصلح جائز والمصالح متطوع والجواب فيه كالجواب في المسائل قبلها من
الأجنبي يصالح عن الدعوى ولو ادعى رجل على رجل شيئا لم يسمه فصالحه منه على شئ لم يجز
الصلح وكذلك لا يجوز لو ادعى في شئ بعينه حتى يقر فإذا أقر جاز ولو أقر في دعواه التي أجملها
فقال: أنت صادق فيما ادعيت على فصالحه منه على شئ كان جائزا كما يجوز لو تصادقا على شراء لا
يعلم إلا بقولهما وإن لم يسم الشراء فقال هذا ما اشتريت منك مما عرفت وعرفت فلا تباعة لي قبلك بعد
هذا في شئ مما اشتريت منك ولو كانت الدار في يدي رجلين فتداعيا كلها فاصطلحا على أن لأحدهما
الثلث وللآخر الثلثين أو بيتا من الدار وللآخر ما بقي فإن كان هذا بعد إقرارهما فجائز وإن كان على
الجحد فلا يجوز وهما على أصل دعواهما ولو ادعى رجل على رجل دعوى فصالحه منها على شئ بعد ما
أقر له بدعواه غير أن ذلك غير معلوم ببينة تقوم عليه فقال المصالح للذي ادعى عليه: صالحتك من
هذه الأرض وقال الآخر بل صالحتك من ثوب فالقول قوله مع يمينه ويكون خصما له في هذه الأرض
(قال أبو محمد) أصل قول الشافعي أنهما إذا اختلفا في الصلح تحالفا وكانا على أصل خصومتهما مثل
البيع سواء إذا اختلفا تحالفا ولم يكن بينهما بيع بعد الايمان (قال الشافعي) ولو كانت دار بين ورثة
فادعى رجل فيها دعوى وبعضهم غائب أو حاضر فأقر له أحدهم ثم صالحه على شئ بعينه دنانير أو
دراهم مضمونة فالصلح جائز وهذا الوارث المصالح متطوع ولا يرجع على إخوته بشئ مما أدى عنهم
لأنه أدى عنهم بغير أمرهم إذا كانوا منكرين لدعواه ولو صالحه على أن حقه له دون إخوته فإنما اشترى
منه حقه دون إخوته وإن أنكر إخوته كان لهم خصما فإن قدر على أخذ حقه كان له وكانت لهم الشفعة
معه بقدر حقوقهم وإن لم يقدر على رجع عليه بالصلح فأخذه منه وكان للآخر فيما أقر له به نصيبه من
حقه (قال الشافعي) ولو أن دارا في يدي رجلين ورثاها فادعى رجل فيها حقا فأنكر أحدهما وأقر الآخر
وصالحه على حقه منها خاصة دون حق أخيه فالصلح جائز وإن أراد أخوه أن يأخذ بالشفعة مما صالح
عليه فله ذلك ولو أن رجلين ادعيا دارا في يدي رجل وقالا هي ميراث لنا عن أبينا وأنكر ذلك الرجل
ثم صالح أحدهما من دعواه على شئ فالصلح باطل قال: ولو أقر لأحدهما فصالحه من ذلك الذي أقر
له به على شئ كان لأخيه أن يدخل معه فيما أقر له بالنصف لأنهما نسبا ذلك إلى أنه بينهما نصفين ولو
كانت المسألة بحالها فادعى كل واحد منهما عليه نصف الأرض التي في يديه فأقر لأحدهما بالنصف
وجحد الآخر كان النصف الذي أقر به له دون المجحود وكان المجحود على خصومته ولو صالحه منه على
شئ كان ذلك له دون صاحبه ولو أقر لأحدهما بجميع الأرض وإنما كان يدعى نصفها فإن كان لم يقر
للآخر بأن له النصف فله الكل لا يرجع به عليه الآخر وإن كان في أصل دعواه أنه زعم أن له النصف
ولهذا كان له أن يرجع عليه بالنصف قال ولو ادعى رجلان على رجل دارا ميراثا فأقر لهما بذلك وصالح
أحدهما من دعواه على شئ فليس لأخيه أن يشركه فيما صالحه عليه وله أن يأخذ بالشفعة ولو ادعى
رجل على رجل دارا فأقر له بها وصالحه بعد الاقرار على أن يسكنها الذي في يديه فهي عارية إن شاء
228

أتمها وإن شاء لم يتمها وإن كان لم يقر له الاعلى أن يسكنها فالصلح باطل وهما على أصل خصومتها ولو
أن رجلا اشترى دارا فبناها مسجدا ثم جاء رجل فادعاها فأقر له بأنى المسجد بما ادعى فإن كان فضل
من الدار فضل فهو له وإن كان لم يتصدق بالمسجد فهو له ويرجع عليه بقيمة ما هدم من داره ولو
صالحه من ذلك على صلح فهو جائز قال وإن أنكر المدعى عليه فأقر الذين المسجد والدار بين أظهرهم
وصالحوه كان الصلح جائزا وإذا باع رجل من رجل دارا ثم ادعى فيها رجل شيئا فأقر البائع له وصالحه
فالصلح جائز وهكذا لو غصب رجل من رجل دارا فباعها أو لم يبعها وادعى فيها رجل آخر دعوى
فصالحه بعد الاقرار من دعواه على شئ كان الصلح جائزا وكذلك لو كانت في يده عارية أو وديعة
وإذا ادعى رجل دارا في يدي رجل فأقر له بها ثم جحده ثم صالحه فالصلح جائز ولا يضره الجحد
لأنها ثبتت له بالاقرار الأول إذا تصادقا أو قامت بينة بالاقرار الأول فإن أنكر المصالح الآخذ لثمن
الدار أن يكون أقر له بالدار وقال إنما صالحته على الجحد فالقول قوله مع يمينه والصلح مردود وهما على
خصومتهما ولو صالح رجل من دعوى أقر له بها على خدمة عبد سنة فقتل خطأ انتقض الصلح ولم يكن
على المصالح أن يشترى له عبدا غيره يخدمه ولا على رب العبد أن يشترى له عبدا غيره يخدمه قال
وهكذا لو كان له سكنى بيت فهدمه إنسان أو انهدم ولو كان الصلح على خدمة عبد بعينه سنة فباعه
المولى كان للمشترى الخيار إن شاء أن يجيز البيع ويكون لهذا الملك ولهذا الخدمة فعل وإن شاء أن يرد
البيع رده وبه نأخذ وفيه قول ثان أن البيع منتقض لأنه محول بينه وبينه ولو كانت المسألة بحالها فأعتقه
السيد كان العتق جائزا وكانت الخدمة عليه إلى منتهى السنة يرجع بها على السيد لأن الإجارة بيع من
البيوع عندنا لا ننقضه ما دام المستأجر سالما قال ولصاحب الخدمة أن يخدمه غيره ويؤاجره غيره في
مثل عمله وليس له أن يخرجه من المصر إلا بإذن سيده ولو ادعى رجل في دار دعوى فأقر بها المدعى
عليه وصالحه منها على عبد قيمته مائة درهم ومائة درهم والعبد بعينه فلم يقبض المصالح العبد حتى
جنى على حر أو عبد فسواء ذلك كله وللمصالح الخيار في أن يقبض العبد ثم يفديه أو يسلمه فيباع أو
يرده على سيده وينقض الصلح وليس له أن يجيز من الصلح بقدر المائة ولو كان قبضه ثم جنى في يديه
كان الصلح جائزا وكان كعبد اشتراه ثم جنى في يديه قال: ولو كان وجد بالعبد عيبا لم يكن أن يرده
ويحبس المائة لأنها صفقة واحدة لا يكون له أن يردها إلا معا ولا يجيزها إلا معا إلا أن يشاء ذلك
المردود عليه ولو كان استحق كان له الخيار في أن يأخذ المائة بنصف الصلح ويرد نصفه لأن الصفقة
وقعت على شيئين أحدهما ليس للبائع وليس للمشترى إمساكه وله في العيب إمساكه إن شاء (قال
الربيع) أصل قوله إنه إذا استحق بعض المصالح به أو البيع به بطل الصلح والبيع جميعا لأن الصفقة
جمعت شيئين حلالا وحراما فبطل ذلك كله (قال الشافعي) ولو كان الاستحقاق في العيب في
الدراهم وإنما باعه بالدراهم بأعيانها كان كهو في العبد ولو باعه بدراهم مسماة رجع بدراهم مثلها ولو
كان الصلح بعبد وزاده الآخذ للعبد ثوبا فاستحق العبد انتقض الصلح وكان على دعواه وأخذ ثوبه
الذي زاده الذي في يديه الدار إن وجده قائما أو قيمته إن وجد مستهلكا ولو كانت المسألة بحالها
وتقابضا وجرح العبد جرحا لم يكن له أن ينقض الصلح وهذا مثل رجل اشترى عبدا ثم جرح عنده،
قال ولو كانت المسألة بحالها في العبد والثوب فوجد بالثوب عيبا فله الخيار بين أن يمسكه أو يرده
وينتقض الصلح لا يكون له أن يرد بعض الصفقة دون بعض ولو استحق العبد انتقض الصلح إلا أن
يشاء أن يأخذ ما مع العبد ولا يرجع بقيمة العبد (قال الربيع) إذا استحق العبد بطل الصلح في معنى
229

قول الشافعي في غير هذا الموضع (قال الشافعي) ولو كان الصلح عبدا ومائة درهم وزاده المدعى عليه
عبدا أو غيره ثم خرج العبد الذي قبض أيهما كان حرا بطل الصلح وكان كرجل اشترى عبدا فخرج
حرا ولو كان العبد الذي استحق الذي أعطاه المدعى أو المدعى عليه قيل للذي استحق في يديه العبد:
لك نقض الصلح إلا أن ترضى بترك نقضه وقبول ما صار في يديك مع العبد فلا تكره على نقضه
وهكذا جميع ما استحق مما صالح عليه ولو كان هذا سلما فاستحق العبد المسلم في الشئ الموصوف إلى
الأجل المعلوم بطل السلم (قال الشافعي) ولو كان المسلم عبدين بقيمة واحدة فاستحق أحدهما كان
للمسلم إليه الخيار في نقض السلم ورد العبد الباقي في يديه أو إنفاذ البيع ويكون عليه نصف البيع
الذي في العبد نصفه إلى أجله (قال الربيع) يبطل هذا كله وينفسخ (قال الشافعي) وإذا كانت الدار
في يدي رجلين كل واحد منهما في منزل على حدة فتداعيا العرصة فالعرصة بينهما نصفين لأنها في
أيديهما معا وإن أحب كل واحد منهما أحلفنا له صاحبه على دعواه فإذا حلفا فهي بينهما نصفين ولو لم
يحلفا واصطلحا على شئ أخذه أحدهما من الآخر بإقرار منه بحقه جاز الصلح وهكذا لو كانت الدار
منزلا أو منازل، السفل في يد أحدهما يدعيه والعلو في يد الآخر يدعيه فتداعيا عرصة الدار كانت بينهما
نصفين كما وصفت وإذا كان الجدار بين دارين أحدهما لرجل والأخرى لآخر وبينهما جدار ليس بمتصل
ببناء واحد منهما اتصال البنيان إنما هو ملصق أو متصل ببناء كل واحد منهما فتداعياه ولا بينة لهما تحالفا
وكان بينهما نصفين ولا أنظر في ذلك إلى من إليه الخوارج ولا الدواخل ولا أنصاف اللبن ولا معاقد
القمط لأنه ليس في شئ من ذلك دلالة ولو كانت المسألة بحالها ولأحدهما فيها جذوع ولا شئ للآخر
فيها عليه أحلفتهما وأقررت الجذوع بحالها وجعلت الجدار بينهما نصفين لأن الرجل قد يرتفق بجدار
الرجل بالجذوع بأمره وغير أمره ولو كان هذا الحائط متصلا ببناء أحدهما اتصال البنيان الذي لا يحدث
مثله إلا من أول البنيان ومنقطعا من بناء الآخر جعلته للذي هو متصل ببنائه دون الذي هو منقطع من
بنائه ولو كان متصلا اتصالا يحدث مثله بعد كمال الجدار يخرج منه لبنة ويدخل أخرى أطول منها
أحلفتهما وجعلته بينهما نصفين وإن تداعيا في هذا الجدار ثم اصطلحا منه على شئ بتصادق منهما على
دعواهما أجزت الصلح وإذا قضيت بالجدار بينهما لم أجعل لواحد منهما ان يفتح فيه كوة ولا يبنى عليه
بناء إلا بإذن صاحبه ودعوتهما إلى أن نقسمه بينهما إن شاءا فإن كان عرضه ذراعا أعطيت كل واحد
منهما شبرا في طول الجدار ثم قلت له إن شئت أن تزيده من عرض دارك أو بيتك شبرا آخر ليكون لك
جدارا خالصا فذلك لك وإن شئت تقره بحاله ولا تقاسم منه فأقرره وإذا كان الجدار بين رجلين
فهدماه ثم اصطلحا على أن يكون لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه على أن يحمل كل واحد منهما ما شاء عليه
إذا بناه فالصلح فيه باطل وإن شاءا قسمت بينهما أرضه وكذلك إن شاء أحدهما دون الآخر وإن شاءا
تركاه فإذا بنياه لم يجز لواحد منهما أن يفتح فيه بابا ولا كوة إلا بإذن صاحبه (قال الشافعي) وإذا كان
البيت في يد رجل فادعاه آخر واصطلحا على أن يكون لأحدهما سطحه ولا بناء عليه والسفل للآخر
فأصل ما أذهب إليه من الصلح أن لا يجوز إلا على الاقرار فإن تقارا أجزت هذا بينهما وجعلت لهذا
علوه ولهذا سفله وأجزت فيما أقر له به الآخر ما شاء إذا أقر أن له أن يبنى عليه ولا نجيزه إذا بنى (1)
وسواء كان عليه علو لم أجزه إلا على إقراره ولو أن رجلا باع علو بيت لا بناء عليه على أن للمشترى أن

(1) قوله: ولا نجيزه إذا بنى وسواء كذا بالأصول التي عندنا، وتأمل. مصححه.
230

يبنى على جداره ويسكن على سطحه وسمى منتهى البناء أجزت ذلك كما أجيز أن يبيع أرضا لا بناء فيها
ولا فرق بينهما إلا في خصلة أن من باع دارا لا بناء فيها فللمشتري أن يبنى ما شاء ومن باع سطحا
بأرضه أو أرضا ورؤوس جدران احتجت إلى أن أعلم كم مبلغ البناء لأن من البناء ما لا تحمله الجدران
قال ولو كانت دار في يدي رجل في سفلها درج إلى علوها فتداعى صاحبا السفل والعلو الدرج
والدرج بطريق صاحب العلو فهي لصاحب العلو دون صاحب السفل بعد الايمان وسواء كانت الدرج
معقودة أو غير معقودة لأن الدرج إنما تتخذ ممرا وإن ارتفق بما تحتها ولو كان الناس يتخذون الدرج
للمرتفق ويجعلون ظهورها مدرجة لا بطريق من الطرق جعلت الدرج بين صاحب السفل والعلو لأن
فيها منفعتين إحداهما بيد صاحب السفل والأخرى بيد صاحب العلو بعدما أحلفهما وإذا كان البيت
السفل في يد رجل والعلو في يد آخر فتداعيا سقفه فالسقف بينهما لأنه في يد كل واحد منهما هو سقف
للسفل مانع له وسطح للعلو أرضه له فهو بينهما نصفين بعد أن لا تكون بينة وبعد أن يتحالفا عليه وإذا
اصطلحا على أن ينقض العلو والسفل لعلة فيهما أو في أحدهما أو غير علة فذلك لهما ويعيدان معا البناء
كما كان ويؤخذ صاحب السفل بالبناء إذا كان هدمه على أن يبنيه أو هدمه بغير علة وإن سقط البيت لم
يجبر صاحب السفل على البناء وإن تطوع صاحب العلو بأن يبنى السفل كما كان ويبنى علوه كما كان
فذلك له وليس له أن يمنع صاحب السفل من سكنه ونقض الجدران له متى شاء أن يهدمها ومتى
جاءه صاحب السفل بقيمة بنائه كان له أن يأخذه منه ويصير البناء لصاحب السفل إلا أن يختار الذي
بنى أن يهدم بناءه فيكون ذلك له وأصلح لصاحب العلو أن يبنيه بقضاء قاض وإن تصادقا على أن
صاحب السفل امتنع من بنائه وبناه صاحب العلو بغير قضاء قاض فجائز كهو بقضاء قاض وإذا كانت
لرجل نخلة أو شجرة فاستعلت حتى انتشرت أغصانها على دار رجل فعلى صاحب النخلة والشجرة
قطع ما شرع في دار الرجل منها إلا أن يشاء رب الدار تركه فإن شاء تركه فذلك له وإن أراد تركه على
شئ يأخذه منه فليس بجائز من قبل أن ذلك إن كان كراء أو شراء فإنما هو كراء هواء لا أرض له ولا
قرار ولا بأس بتركه على وجه المعروف وإذا تداعى رجلان في عينين أو بئرين أو نهرين أو غيلين دعوى
فاصطلحا على أن أبرأ كل واحد منهما صاحبه من دعواه في إحدى العينين أو البئرين أو النهرين أو ما
سمينا على أن لهذا هذه العين تامة ولهذا هذه العين تامة فإن كان بعد إقرار منهما فالصلح جائز كما يجوز
شراء بعض عين بشراء عين وإذا كان النهر بين قوم فاصطلحوا على إصلاحه ببناء أو كبس أو غير
ذلك على أن تكون النفقة بينهم سواء فذلك جائز فإن دعا بعضهم إلى عمله وامتنع بعضهم لم يجبر
الممتنع على العمل إذا لم يكن فيه ضرر وكذلك لو كان فيه ضرر لم يجبر والله أعلم ويقال لهؤلاء إن شئتم
فتطوعوا بالعمارة ويأخذ هذا ماءه معكم ومتى شئتم أن تهدموا العمارة هدمتموها وأنتم مالكون للعمارة دونه
حتى يعطيكم ما يلزمه في العمارة ويملكها معكم وهكذا العين والبئر، وإذا ادعى رجل عود خشبة أو
ميزاب أو غير ذلك في جدار رجل فصالحه الرجل من دعواه على شئ جاز إذا أقر له به ولو ادعى
رجل زرعا في أرض رجل فصالحه من ذلك على دراهم مسماة فذلك جائز لأن له أن يبيع زرعه
أخضر ممن يقصله ولو كان الزرع لرجلين فادعى رجل فيه دعوى فصالحه أحدهما على نصف الزرع لم
يجز من قبل أنه لا يجوز أن يقسم الزرع أخضر ولا يجيز هذا على أن يقطع منه شيئا حتى يرضى وإذا
ادعى رجل على رجل دعوى في دار فصولح منها على دار أو بعد أو غيره فله فيها خيار الرؤية كما يكون
في البيع فإن أقر أن قد رآه قبل الصلح فلا خيار له إلا أن يتغير عن حاله التي رآه عليها قال وإذا ادعى
231

رجل على رجل دراهم فأقر له بها ثم صالحه على دنانير فإن تقابضا قبل أن يتفرقا جاز وإن تفرقا قبل أن
يتقابضا كانت له عليه الدراهم ولم يجز الصلح ولو قبض بعضا وبقى بعض جاز الصلح فيما قبض
وانتقض فيما لم يقبض إذا رضى ذلك المصالح الآخذ منه الدنانير (قال الربيع) وفيه قول آخر أنه لا
يجوز شئ من الصلح لأنه صالحه من دنانير على دراهم يأخذها فكان هذا مثل الصرف لو بقي منه
درهم انتقض الصرف كله وهو معنى قول الشافعي في غير هذا الموضع وإذا ادعى رجل شقصا في دار
فأقر له به المدعى عليه وصالحه منه على عبد بعينه أو ثياب بأعيانها أو موصوفة إلى أجل مسمى فذلك
جائز وليس له أن يبيع ما صالحه من ذلك قبل أن يقبضه كما لا يكون له أن يبيع ما اشترى قبل أن
يقبضه والصلح بيع ما جاز فيه جاز في البيع وما رد فيه في البيع وسواء موصوف أو بعينه لا يبيعه
حتى يقبضه وهكذا كل ما صالح عليه من كيل أو عين موصوف ليس له أن يبيعه منه ولا من غيره حتى
يقبضه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام إذا ابتيع حتى يقبض وكل شئ ابتيع عندنا
بمنزلته وذلك أنه مضمون من مال البائع فلا يبيع ما ضمانه من ملك غيره وإذا ادعى رجل على رجل
دعوى فأقر له بها فصالحه على عبدين بأعيانهما فقبض أحدهما ومات الآخر قبل القبض فالمصالح
بالخيار في رد العبد ويرجع على حقه من الدار أو إجازة الصلح بحصة العبد المقبوض ويكون له نصيبه
من الدار بقدر حصة العبد الميت قبل أن يقبضه ولو كان الصلح على عبد فمات بطل الصلح وكان على
حقه من الدار ولو لم يمت ولكن رجل جنى عليه فقتله خير بين أن يجيز الصلح ويتبع الجاني أو يرد
الصلح ويتبعه رب العبد البائع له وهكذا لو قتله عبد أو حر ولو كان الصلح على خدمة عبد سنة فقتل
العبد فأخذ مالكه قيمته فلا يجبر المصالح ولا رب العبد على أن يعطيه عبدا مكانه فإن كان استخدمه
شيئا جاز من الصلح بقدر ما استخدمه وبطل من الصلح بقدر ما بطل من الخدمة ولو لم يمت العبد
ولكنه جرح جرحا فاختار سيده أن يدعه يباع كان كالموت والاستحقاق، ولو ادعى رجل على رجل
شيئا فأقر له به فصالحه المقر على مسيل ماء فإن سمى له عرض الأرض التي يسل عليها الماء وطولها
ومنتهاها فجائز إذا كان يملك الأرض لم يجز إلا بأن يقول يسيل الماء في كذا وكذا لوقت معلوم كما لا
يجوز الكراء إلا إلى وقت معلوم وإن لم يسم إلا مسيلا لم يجز ولو صالحه على أن يسقى أرضا له من نهر أو
عين وقتا من الأوقات لم يجز ولكنه يجوز له لو صالحه بثلث العين أو ربعها وكان يملك تلك العين وهكذا
لو صالحه على أن يسقى ماشية له شهرا من مائه لم يجز وإذا كانت الدار لرجلين لأحدهما منها أقل مما
للآخر فدعا صاحب النصيب الكثير إلى القسم وكرهه صاحب النصيب القليل لأنه لا يبقى له منه ما
ينتفع به أجبرته على القسم وهكذا لو كانت بين عدد فكان أحدهم ينتفع والآخرون لا ينتفعون أجبرتهم
على القسم للذي دعا إلى القسم وجمعت للآخرين نصيبهم إن شاءوا، وإذا كان الضرر عليهم جميعا
إنما يقسم إذا كان أحدهم يصير إلى منفعة وإن قلت (1).
232

الحوالة
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي إملاء قال والقول عندنا والله تعالى أعلم ما قال
مالك بن أنس: إن الرجل إذا أحال الرجل على الرجل بحق له ثم أفلس المحال عليه أو مات لم يرجع
المحال على المحيل أبدا فإن قال قائل ما الحجة فيه؟ قال مالك بن أنس أخبرنا عن أبي الزناد عن
الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مطل الغنى ظلم وإذا أتبع أحدكم على
ملئ فليتبع " فإن قال قائل وما في هذا مما يدل على تقوية قولك؟ قيل أرأيت لو كان المحال يرجع على
المحيل كما قال محمد بن الحسن إذا أفلس المحال عليه في الحياة أو مات مفلسا هل (1) يصير المحال على
من أحيل؟ أرأيت لو أحيل على مفلس وكان حقه نائبا عن المحيل هل كان يزداد بذلك إلا خيرا، إن
أيسر المفلس وإلا فحقه حيث كان ولا يجوز إلا أن يكون في هذا أما قولنا إذا برئت من حقك وضمنه
غيري فالبراءة لا ترجع إلى أن تكون مضمونة وإما لا تكون الحوالة جائزة فكيف يجوز أن أكون بريئا
من دينك إذا أحلتك لو حلفت وحلفت مالك على حق بررنا فإن أفلس عدت على بشئ بعد برئت
منه بأمر قد رضيت به جائزا بين المسلمين واحتج محمد بن الحسن بأن عثمان قال في الحوالة والكفالة
يرجع صاحبه لا توى على مال مسلم وهو في أصل قوله يبطل من وجهين ولو كان ثابتا عن عثمان لم
يكن فيه حجة إنما شك فيه عن عثمان ولو ثبت ذلك عن عثمان احتمل حديث عثمان خلافه وإذا أحال
الرجل على الرجل بالحق فأفلس المحال عليه أو مات ولا شئ له لم يكن للمحتال أن يرجع على
المحيل، من قبل أن الحوالة تحول حق من موضعه إلى غيره وما تحول لم يعد والحوالة مخالفة للحمالة ما
تحول عنه لم يعد إلا بتجديد عودته عليه ونأخذ المحتال عليه دون المحيل بكل حال (2).
233

باب الضمان (1)
(أخبرنا الربيع) (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا تحمل أو تكفل الرجل عن الرجل بالدين فمات
الحميل قبل يحل الدين فللمتحمل (2) عليه أن يأخذه بما حمل له به فإذا قبض ماله برئ الذي عليه
الدين والحميل ولم يكن لورثة الحميل أن يرجعوا على المحمول عنه بما دفعوا عنه حتى يحل الدين وهكذا
لو مات الذي عليه الحق كان للذي له الحق أن يأخذه من ماله فإن عجز عنه لم يكن له أخذه حتى يحل
الدين وقال في الحمالة.
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي قال إذا تحمل أو تكفل الرجل عن الرجل بدين
فمات المحتمل قبل أن يحل الدين فللمحتمل عنه أن يأخذه بما حمل له به، فإذا قبض ماله برئ الذي
عليه الدين والحميل ولم يكن لورثة الحميل أن يرجعوا على المحمول عنه بما دفعوا عنه حتى يحل الدين
وهكذا لو مات الذي عليه الحق كان للذي له الحق أن يأخذه من ماله فإذا عجز عنه لم يكن له أن
يأخذه حتى يحل الدين (قال الشافعي) وإذا كان للرجل على الرجل المال فكفل له به رجل آخر فلرب
المال أن يأخذهما وكل واحد منهما ولا يبرأ كل واحد منهما حتى يستوفى ماله إذا كانت الكفالة مطلقة
فإذا كانت الكفالة بشرط كان للغريم أن يأخذ الكفيل على ما شرط له دون ما لم يشرط له وإذا قال
الرجل للرجل ما قضى لك به على فلان أو شهد لك به عليه شهود أو ما أشبه هذا فأنا له ضامن، لم
يكن ضامنا لشئ من قبل أنه قد يقضى له ولا يقضى ويشهد له ولا يشهد له، فلا يلزمه شئ مما
شهد به بوجوه فلما كان هذا هكذا لم يكن هذا ضمانا وإنما يلزم الضمان بما عرفه الضامن فأما ما لم
يعرفه فهو من المخاطرة وإذا ضمن الرجل دين الميت بعدما يعرفه ويعرف لمن هو فالضمان له لازم ترك
الميت شيئا أو لم يتركه فإذا كفل العبد المأذون له في التجارة فالكفالة باطلة لأن الكفالة استهلاك مال لا
كسب مال فإذا كنا نمنعه أن يستهلك من ماله شيئا قل أو كثر فكذلك نمنعه أن يكفل فيغرم من ماله
شيئا، قل أو كثر، أخبرنا ابن عيينة عن هارون بن رياب عن كنانة بن نعيم عن قبيصة بن المخارق قال
حملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فقال " يا قبيصة المسألة حرمت إلا في ثلاث
رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة " وذكر الحديث (قال الشافعي) ولو أقر لرجل أنه كفل له بمال على
أنه بالخيار وأنكر المكفول له الخيار ولا بينة بينهما فمن جعل الاقرار واحدا أحلفه ما كفل له إلا على أنه
بالخيار وأبرأه والكفالة لا تجوز بخيار ومن زعم أنه ببعض عليه إقراره فيلزمه ما يضره ألزمه الكفالة بعد
أن يحلف المكفول له لقد جعل له كفالة بت لا خيار فيه والكفالة بالنفس على الخيار لا تجوز وإذا
234

جازت بغير خيار فليس يلزم الكافل بالنفس مال إلا أن يسمى مالا كفل له ولا تلزم الكفالة بحد ولا
قصاص ولا عقوبة لا تلزم الكفالة إلا بالأموال ولو كفل له بما لزم رجلا في جروح عمد فإن أراد
القصاص فالكفالة باطلة وإن أراد أرش الجراح فهو له والكفالة لازمة لأنها كفالة بمال وإذا اشترى
رجل من رجل دارا فضمن له رجل عهدتها أو خلاصها فاستحقت الدار رجع المشترى بالثمن على
الضامن إن شاء لأنه ضمن له خلاصها والخلاص مال يسلم، وإذا أخذ الرجل من الرجل كفيلا
بنفسه ثم أخذ منه كفيلا آخر بنفسه ولم يبرأ الأول فكلاهما كفيل بنفسه (1).
235

الشركة
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال: شركة المفاوضة باطل ولا أعرف شيئا من الدنيا يكون
باطلا إن لم تكن المفاوضة باطلا إلا أن يكونا شريكين يعدان المفاوضة خلط المال والعمل فيه
واقتسام الربح فهذا لا بأس به وهذه الشركة التي يقول بعض المشرقيين لها شركة عنان وإذا اشتركا
مفاوضة وتشارطا أن المفاوضة عندهما هذا المعنى فالشركة صحيحة وما رزق أحدهما من غير هذا المال
الذي اشتركا فيه من تجارة أو إجارة أو كنز أو هبة أو غير ذلك فهو له دون صاحبه وإن زعما أن المفاوضة
عندهما بأن يكونا شريكين في كل ما أفادا بوجه من الوجوه بسبب المال وغيره فالشركة بينهما فاسدة،
ولا أعرف القمار إلا في هذا أو أقل منه أن يشترك الرجلان بمائتي درهم فيجد أحدهما كنزا فيكون
بينهما، أرأيت لو تشارطا على هذا من غير أن يتخالطا بمال أكان يجوز؟ أو رأيت رجلا وهب له هبة أو
أجر نفسه في عمل فأفاد مالا من عمل أو هبة أيكون الآخر له فيه شريكا؟ لقد أنكروا أقل من
هذا (1).
236

الوكالة
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي إملاء قال: وإذا وكل الرجل الرجل بوكالة فليس للوكيل أن
يوكل غيره مرض الوكيل أو أراد الغيبة أو لم يردها لأن الموكل رضى بوكالته ولم يرض بوكالة غيره وإن
قال وله أن يوكل من رأى كان ذلك له برضا الموكل وإذا وكل الرجل الرجل وكالة ولم يقل له في
الوكالة أنه وكله بأن يقر عليه ولا يصالح ولا يبرئ ولا يهب فإن فعل فما فعل من ذلك كله باطل لأنه لم
يوكله به فلا يكون وكيلا فيما لم يوكله وإذا وكل الرجل الرجل بطلب حد له أو قصاص قبلت الوكالة
على تثبيت البينة فإذا حضر الحد أو القصاص لم أحدده ولم أقصص حتى يحضر المحدود له والمقتص له
من قبل أنه قد يعزله فيبطل القصاص ويعفو وإذا كان لرجل على رجل مال وهو عنده فجاء رجل
فذكر أن صاحب المال وكله به وصدقه الذي في يديه المال لم أجبره على أن يدفعه إليه فإذا دفعه إليه لم
يبرأ من المال بشئ إلا أن يقر صاحب المال بأنه وكله أو تقوم بينة عليه بذلك وكذلك لو ادعى هذا
الذي ادعى الوكالة دينا على رب المال لم يجبر الذي في يديه المال أن يعطيه إياه وذلك أن إقراره إياه به
إقرار منه على غيره ولا يجوز إقراره على غيره وإذا وكل الرجل الرجل عند القاضي بشئ أثبت القاضي
بينته على الوكالة وجعله وكيلا حضر معه الخصم أو لم يحضر معه، وليس الخصم من هذا بسبيل وإذا
شهد الرجل لرجل أنه وكله بكل قليل وكثير له ولم يزد على هذا فالوكالة غير جائزة من قبل أنه وكله
يبيع القليل والكثير ويحفظه ويدفع القليل والكثير وغيره فلما كان يحتمل هذه المعاني وغيرها لم يجز أن
يكون وكيلا حتى يبين الوكالات من بيع أو شراء أو وديعة أو خصومة أو عمارة أو غير ذلك (قال
الشافعي) وأقبل الوكالة من الحاضر من الرجال والنساء في العذر وغير العذر وقد كان علي رضي الله عنه
وكل عند عثمان عبد الله بن جعفر وعلى حاضر فقيل ذلك عثمان وكان يوكل قبل عبد الله بن جعفر عقيل
بن أبي طالب ولا أحسبه إلا كان يوكله عند عمر ولعل عند أبي بكر وكان على يقول إن للخصومة قحما
وإن الشيطان يحضرها (1).
237

جماع ما يجوز إقراره إذا كان ظاهرا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أقر ماعز عند النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا فرجمه وأمر أنيسا
أن يغدو على امرأة رجل " فإن اعترفت بالزنا فارجمها " (قال الشافعي) وكان هذا في معنى ما وصفت
من حكم الله تبارك وتعالى أن للمرء وعليه ما أظهر من القول وأنه امين على نفسه، فمن أقر من البالغين
غير المغلوبين على عقولهم بشئ يلزمه به عقوبة في بدنه من حد أو قتل أو قصاص أو ضرب أو قطع لزمه
ذلك الاقرار حرا كان أو مملوكا محجورا كان أو غير محجور عليه لأن كل هؤلاء ممن عليه الفرض في بدنه
ولا يسقط إقراره عنه فيما لزمه في بدنه لأنه إنما يحجر عليه في ماله لا بدنه ولا عن العبد وإن كان مالا
لغيره لأن التلف على بدنه بشئ يلزمه بالفرض كما يلزمه الوضوء للصلاة وهذا ما لا أعلم فيه من أحد
سمعت منه ممن أرضى خلافا وقد أمرت عائشة رضى الله تعالى عنها بعبد أقر بالسرقة فقطع وسواء كان
هذا الحد لله أو بشئ أوجبه الله لآدمي (قال الشافعي) وما أقر به الحران البالغان غير المحجورين في
أموالهما بأي وجه أقر به لزمهما كما أقرا به، وما أقر به الحران المحجوران في أموالهما لم يلزم واحدا منهما
في حال الحجر ولا بعده في الحكم في الدنيا ويلزمهما فيما بينهما وبين الله عز وجل تأديته إذا خرجا من
الحجر إلى من أقرا له به وسواء من أي وجه كان ذلك الاقرار إذا كان لا يلزم إلا أموالهما بحال وذلك
مثل أن يقرا بجناية خطأ أو عمد لا قصاص فيه أو شراء أو عتق أو بيع أو استهلاك مال فكل ذلك ساقط
عنهما في الحكم (قال الشافعي) وإذا أقرا بعمد فيه قصاص لزمهما ولولى القصاص إن شاء القصاص
وإن شاء أخذ ذلك من أموالهما من قبل أن عليهما فرضا في أنفسهما وإن من فرض الله عز وجل
القصاص فلما فرض الله القصاص دل على أن لولى القصاص ان يعفو القصاص ويأخذ العقل ودلت
عليه السنة فلزم المحجور عليهما البالغين ما أقرا به وكان لولى القتيل الخيار في القصاص وعفوه على مال
يأخذه مكانه وهكذا العبد البالغ فيما أقر به من جرح أو نفس فيها قصاص فلولي القتيل أو المجروح أن
يقتص منه أو يعفو القصاص على أن يكون العقل في عتق العبد وإن كان العبد مالا للسيد (قال
الشافعي) ولو أقر العبد بجناية عمدا لا قصاص فيها أو خطأ لم يلزمه في حال العبودية منها شئ ويلزمه
إذا عتق يوما ما في ماله (قال الشافعي) وما أقر به المحجوران من غصب أو قتل أو غيره مما ليس فيه
حد بطل عنهما معا فيبطل عن المحجورين الحرين بكل حال ويبطل عن العبد في حال العبودية ويلزمه
أرش الجناية التي أقر بها إذا عتق لأنه إنما أبطلته عنه لأنه ملك له في حال العبودية لا من جهة حجري
على الحر في ماله (قال الشافعي) وسواء ما أقر به العبد المأذون له في التجارة أو غير المأذون له فيها
والعاقل من العبيد والمقصر إذا كان بالغا غير مغلوب على عقله من كل شئ إلا ما أقر به العبد فيما وكل
به وأذن له فيه من التجارة (قال الشافعي) وإذا أقر الحران المحجوران والعبد بسرقة في مثلها القطع
قطعوا معا ولزم الحرين غرم السرقة في أموالهما والعبد في عنقه (قال الشافعي) ولو بطلت الغرم عن
المحجورين للحجر والعبد لأنه يقر في رقبته لم أقطع واحدا منهما لأنهما لا يبطلان إلا معا ولا يحقان إلا
238

معا (قال الشافعي) ولو أقروا معا بسرقة بالغة ما بلغت لا قطع فيها أبطلتها عنهم معا عن المحجورين
لأنهما ممنوعان من أموالهما وعن العبد لأنه يقر في عنقه بلا حد في بدنه وهكذا ما أقر به المرتد من هؤلاء
في حال ردته ألزمته إياه كما ألزمه إياه قبل ردته.
إقرار من لم يبلغ الحلم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أقر من لم يبلغ الحلم من الرجال ولا المحيض من النساء ولم
يستكمل خمس عشرة سنة بحق الله أو حق لآدمي في بدنه أو ماله فذلك كله ساقط عنه لأن الله عز
وجل إنما خاطب بالفرائض التي فيها الأمر والنهي العاقلين البالغين (قال الشافعي) ولا ننظر في هذا إلى
الاثبات والقول قول المقر إن قال لم أبلغ والبينة على المدعى (قال الشافعي) وإذا أقر الخنثى المشكل
وقد احتلم ولم يستكمل خمس عشرة سنة وقف إقراره فإن حاض وهو مشكل فلا يلزمه إقراره حتى يبلغ
خمس عشرة سنة وكذلك إن حاض ولم يحتلم لا يجوز إقرار الخنثى المشكل بحال حتى يستكمل خمس
عشرة سنة، وهذا سواء في الأحرار والمماليك إذا قال سيد المملوك أو أبو الصبي لم يبلغ وقال المملوك أو
الصبي قد بلغت فالقول قول الصبي والمملوك إذا كان يشبه ما قال فإن كان لا يشبه ما قال لم يقبل قوله
ولو صدقه أبوه، ألا ترى أنه لو أقر به والعلم يحيط أن مثله لا يبلغ خمس عشرة لم يجز أن أقبل إقراره
وإذا أبطلته عنه في هذه الحال لم ألزمه الحر ولا المملوك بعد البلوغ ولا بعد العتق في الحكم ويلزمهم فيما
بينهم وبين الله عز وجل أن يؤدوا إلى العباد في ذلك حقوقهم.
إقرار المغلوب على عقله
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: من أصابه مرض ما كان المرض، فغلب على عقله فأقر في حال
الغلبة على عقله فإقراره في كل ما أقر به ساقط لأنه لا فرض عليه في حاله تلك وسواء كان ذلك
المرض بشئ أكله أو شربه ليتداوى به فأذهب عقله أو بعارض لا يدرى ما سببه (قال الشافعي) ولو
شرب رجل خمرا أو نبيذا مسكرا فكسر لزمه ما أقر به وفعل مما لله وللآدميين لأنه ممن تلزمه الفرائض
ولان عليه حراما وحلالا وهو آثم بما دخل فيه من شرب المحرم ولا يسقط عنه ما صنع ولان رسول الله
صلى الله عليه وسلم ضرب في شرب الخمر (قال الشافعي) ومن أكره فأوجر خمرا فأذهب عقله ثم أقر
لم يلزمه إقراره لأنه لا ذنب له فيما صنع (قال الشافعي) ولو أقر في صحته أنه فعل شيئا في حال ضر
غلبه على عقله لم يلزمه في ذلك حد بحال، لا لله ولا للآدميين كأن أقر أنه قطع رجلا أو قتله أو سرقه
أو قذفه أو زنى فلا يلزمه قصاص ولا قطع ولا حد في الزنا ولولى المقتول أو المجروح إن شاء أن يأخذ من
ماله الأرش وكذلك للمسروق أن يأخذ قيمة السرقة وليس للمقذوف شئ لأنه لا أرش للقذف ثم
هكذا البالغ إذا أقر أنه صنع من هذا في الصغر لا يختلف ألا ترى أنه لو أقر في حال غلبته على عقله
وصغره فأبطلته عنه ثم قامت به عليه بينة أخذت منه ما كان في ماله دون ما كان في بدنه فإقراره بعد
البلوغ أكثر من بينة لو قامت عليه ولو أقر بعد الحرية أنه فعل من هذا شيئا وهو مملوك بالغ ألزمته حد
المملوك فيه كله، فإن كان قذفا حددته أربعين أوزنا حددته خمسين ونفيته نصف سنة إذا لم يجد قبل
239

إقراره أو قطع يد حر أو رجله عمدا اقتصصت منه إلا أن يشاء المقتص له أخذ الأرش وكذلك لو قتله
وكذلك لو أقر بأنه فعله بمملوك يقتص منه لأنه لو جنى على مملوك وهو مملوك فأعتق ألزمته القصاص إلا
أنه يخالف الحر في خصلة ما أقر به من مال ألزمته إياه نفسه إذا أعتق لأنه بإقرار كما يقر الرجل بجناية
خطأ فأجعلها في ماله دون عاقلته ولو قامت عليه بينة بجناية خطأ تلزم عنقه وهو مملوك ألزمت سيده
الأقل من قيمته يوم جنى والجناية لأنه أعتقه فحال بعتقه دون بيعه.
إقرار الصبي
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وما أقر به الصبي من حد لله عز وجل أو الآدمي أو حق في ماله
أو غيره فإقراره ساقط عنه وسواء كان الصبي مأذونا له في التجارة أذن له به أبوه أو وليه من كان أو
حاكم ولا يجوز للحاكم أن يأذن له في التجارة فإن فعل فإقراره ساقط عنه وكذلك شراؤه وبيعه
مفسوخ ولو أجزت إقراره إذا أذن له في التجارة أجزت أن يأذن له أبوه بطلاق امرأته فالزمه أو يأمره
فيقذف رجلا فأحده أو يجرح فأقتص منه فكان هذا وما يشبهه أولى أن يلزمه من إقراره لو أذن له في
التجارة لأنه شئ فعله بأمر أبيه وأمر أبيه في التجارة ليس بإذن بالاقرار بعينه ولكن لا يلزمه شئ من
هذا ما يلزم البالغ بحال.
الاكراه وما في معناه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان " الآية (قال
الشافعي) وللكفر أحكام كفراق الزوجة وأن يقتل الكافر ويغنم ماله فلما وضع الله عنه سقطت عنه
أحكام الاكراه على القول كله لأن الأعظم إذا سقط عن الناس سقط ما هو أصغر منه وما يكون حكمه
بثبوته عليه (قال الشافعي) والاكراه أن يصير الرجل في يدي من لا يقدر على الامتناع منه من
سلطان أو لص أو متغلب على واحد من هؤلاء ويكون المكره يخاف خوفا عليه دلالة أنه إن امتنع من
قول ما أمر به يبلغ به الضرب المؤلم أو أكثر منه أو إتلاف نفسه (قال الشافعي) فإذا خاف هذا سقط
عنه حكم ما أكره عليه من قول ما كان القول شراء أو بيعا أو إقرار لرجل بحق أو حد أو إقرارا بنكاح أو
عتق أو طلاق أو إحداث واحد من هذا وهو مكره فأي هذا أحدث وهو مكره لم يلزمه (قال الشافعي)
ولو كان لا يقع في نفسه أنه يبلغ به شئ مما وصفت لم يسع أن يفعل شيئا مما وصفت انه يسقط عنه
ولو أقر أنه فعله غير خائف على نفسه ألزمته حكمه كله في الطلاق والنكاح وغيره وإن حبس فخاف
طول الحبس أو قيد فخاف طول القيد أو أوعد فخاف أن يوقع به من الوعيد بعض ما وصفت أن
الاكراه ساقط به سقط عنه ما أكره عليه (قال الشافعي) ولو فعل شيئا له حكم فأقر بعد فعله أنه لم
يخف أن يوفى له بوعيد ألزمته ما أحدث من إقرار أو غيره (قال الشافعي) ولو حبس فخاف طول
الحبس أو قيد فقال ظننت أني إذا امتنعت مما أكرهت عليه لم ينلني حبس أكثر من ساعة أو لم ينلني
عقوبة خفت أن لا يسقط المأثم عنه فيما فيه مأثم مما قال (قال الشافعي) فأما الحكم فيسقط عنه من
قبل أن الذي به الكره كان ولم يكن على يقين من التخلص (قال الشافعي) ولو حبس ثم خلى ثم أقر
لزمه الاقرار وهكذا لو ضرب ضربة أو ضربات ثم خلى فأقر ولم يقل له بعد ذلك ولم يحدث له خوف له
240

سبب فأحدث شيئا لزمه وإن أحدث له أمر فهو بعد سبب الضرب والاقرار ساقط عنه قال وإذا قال
الرجل لرجل أقررت لك بكذا وأنا مكره فالقول قوله مع يمينه وعلى المقر له البينة على إقراره له غير
مكره (قال الربيع) وفيه قول آخر أن من أقر بشئ لزمه إلا أن يعلم أنه كان مكرها (قال الشافعي)
ويقبل قوله إذا كان محبوسا وإن شهدوا أنه غير مكره وإذا شهد شاهدان أن فلانا أقر لفلان وهو محبوس
بكذا أو لدى سلطان بكذا فقال المشهود عليه أقررت لغم الحبس أو لاكراه السلطان فالقول قوله مع
يمينه إلا أن تشهد البينة أنه أقر عند السلطان غير مكره ولا يخاف حين شهدوا أنه أقر غير مكره ولا
محبوس بسبب ما أقر له وهذا موضوع بنصه في كتاب الاكراه سئل الربيع عن كتاب الاكراه فقال لا
أعرفه.
جماع الاقرار
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يجوز عندي أن ألزم أحدا إقرارا إلا بين المعنى فإذا احتمل ما
أقر به معنيين ألزمته الأقل وجعلت القول قوله ولا ألزمه إلا ظاهر ما أقر به بينا وإن سبق إلى القلب غير
ظاهر ما قال وكذلك لا ألتفت إلى سبب ما أقر به إذا كان لكلامه ظاهر يحتمل خلاف السبب لأن
الرجل قد يجيب على خلاف السبب الذي كلم عليه لما وصفت من (1) أحكام الله عز وجل فيما بين
العباد على الظاهر (2).
الاقرار بالشئ غير موصوف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل لفلان على مال أو عندي أو في يدي أو قد

(1) قوله من أحكام الله، كذا بالأصول التي بيدنا ولعله سقط لفظ أن أو إجراء بعد من، وحرر اه‍
مصححه.
(2) باب من أقر لانسان بشئ فكذبه المقر له وليس في التراجم
وفي اختلاف العراقيين في " باب المواريث " لما ذكر إقرار بعض الورثة لوارث قال القياس أنه لا يأخذ شيئا من
قبل أنه إنما أقر له بحق عليه في ذلك الحق مثل الذي أقر له به لأنه إذا كان وارثا بالنسب كان موروثا به فإذا لم يثبت
النسب حتى يكون موروثا به لم يجز أن يكون وارثا به وذلك مثل الرجل يقر أنه باع داره من رجل بألف فجحده المقر
له بالبيع لم نعطه الدار وإن كان بائعها قد كان أقر بأنها صارت ملكا له وذلك أنه لم يقر أنها كانت ملكا له إلا وهو
مملوك عليه بها شئ فلما سقط أن تكون مملوكة عليه سقط الاقرار له (قال شيخنا) شيخ الاسلام أيده الله تعالى وهذا
النص يقتضى أنه لو أقر بدين عليه أو ان هذه الدار ملكه بهبة ونحوها أو مطلقا أنه لا يكون الحكم كذلك وقد اختلف
الأصحاب في هذه الصورة والأرجح عندهم إلغاء الاقرار وتترك العين في يد المقر وفى وجه آخر يأخذه القاضي
ويحفظه بناء على بقاء الاقرار وهذا الثاني قد يتعلق بالتعليل المذكور في نقض البيع والثالث يجبر المقر له على أخذه
وهذا مع ضعفه له شاهد من النص المذكور باعتبار أن الشافعي رضي الله عنه إنما ألغى الاقرار في صورة يكون فيها
تعلق من الجانبين له وعليه فإذا كان عليه لا له لا يلغى الاقرار وللذين رجحوا الأول أن يقولوا إنما ذكر الشافعي صورة
البيع ليقيس عليها إقرار بعض الورثة لوارث لا لأن تكذيب المقر في غير هذا يبقى الاقرار معه اه‍.
241

استهلكت مالا عظيما أو قال عظيما جدا أو عظيما عظيما فكل هذا سواء ويسأل ما أراد فإن قال أردت
دينارا أو درهما أو أقل من درهم مما يقع عليه اسم مال عرض أو غيره فالقول قوله مع يمينه وكذلك إن
قال مالا صغيرا أو صغيرا جدا أو صغيرا صغيرا من قبل أن جميع ما في الدنيا من متاعها يقع عليه قليل
قال الله تبارك وتعالى " فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل " وقليل ما فيها يقع عليه عظيم الثواب
والعقاب قال الله عز وجل " وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " وكل ما أثيب
عليه وعذب يقع عليه اسم كثير وهكذا إن قال له على مال وسط أو لا قليل ولا كثير لأن هذا إذا جاز
في الكثير كان فيما وصفت أنه أقل منه أجوز وهكذا إن قال له عندي مال كثير قليل ولو قال لفلان
عندي مال كثير إلا مالا قليلا كان هكذا ولا يجوز إذا قال له عندي مال إلا أن يكون بقي له عنده مال
فأقل المال لازم له ولو قال له عندي مال وافر وله عندي مال تافه وله عندي مال مغن كان كله كما
وصفت من مال كثير لأنه قد يغنى القليل ولا يغنى الكثير وينمي القليل إذا بورك فيه وأصلح ويتلف
الكثير (قال الشافعي) فإذا كان المقر بهذا حيا قلت له أعط الذي أقررت له ما شئت مما يقع عليه اسم
مال واحلف له ما أقررت له بغير ما أعطيته فإن قال لا أعطيه شيئا جبرته على أن يعطيه أقل ما يقع عليه
اسم مال مكانه ويحلف ما أقر له بأكثر منه فإذا حلف لم ألزمه غيره وإن امتنع من اليمين قلت للذي
يدعى عليه ادع ما أحببت فإذا ادعى قلت للرجل احلف على ما ادعى فإن حلف برئ وإن أبى قلت
له أردد اليمين على المدعى فإن حلف أعطيته وإن لم يحلف لم أعطه شيئا بنكولك حتى يحلف مع نكولك
(قال الشافعي) وإن كان المقر بالمال غائبا أقر به من صنف معروف كفضة أو ذهب فسأل المقر له أن
يعطى ما أقر له به قلنا إن شئت فانتظر مقدمه أو نكتب لك إلى حاكم البلد الذي هو به وإن شئت
أعطيناك من ماله الذي أقر فيه أقل ما يقع عليه اسم المال وأشهد بأنه عليك فإن جاء فأقر لك بأكثر منه
أعطيت الفضل كما أعطيناك وإن لم يقر لك بأكثر منه فقد استوفيت وكذلك إن جحدك فقد أعطيناك
أقل ما يقع عليه اسم مال وإن قال مال ولم ينسبه إلى شئ لم نعطه إلا أن يقول هكذا ويحلف أو يموت
فتخلف ورثته ويعطى من ماله أقل الأشياء قال وهكذا إن كان المقر حاضرا فغلب على عقله ويحلف
على هذا المدعى ما برئ مما أقر له به بوجه من الوجوه ويجعل الغائب والمغلوب على عقله على حجته إن
كانت له (قال الشافعي) ومثل هذا إن أقر له بهذا ثم مات واجعل ورثة الميت على حجته إن كانت
للميت حجة فيما أقر له به (قال الشافعي) وإن شاء المقر له أن تحلف له ورثة الميت فلا أحلفهم إلا أن
يدعى علمهم فإن ادعاه أحلفتهم ما يعلمون أباهم أقر له بشئ أكثر مما أعطيته.
الاقرار بشئ محدود
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو قال رجل لفلان على أكثر من مال فلان لرجل آخر وهو
يعرف مال فلان الذي قال له على أكثر من ماله أو لا يعرفه أو قال على أكثر مما في يديه من المال
وهو يعرف ما في يديه من المال أو لا يعرفه فسواء وأسأله عن قوله فإن قال أردت أكثر لأن ماله على
حلال والحلال كثير ومال فلان الذي قلت له على أكثر من ماله حرم وهو قليل لأن متاع الدنيا قليل
لقلة بقائه ولو قال قلت له على أكثر لأنه عندي أبقى فهو أكثر بالبقاء من مال فلان وما في يديه لأنه
242

يتلفه فيقبل قوله مع يمينه ما أراد أكثر في العدد ولا في القيمة وكان مثل القول الأول وإن مات أو
خرس أو غلب فهو مثل الذي قال له عندي مال كثير ولو قال لفلان على أكثر من عدد ما بقي في يديه
من المال أو عدد ما في يد فلان من المال كان القول في أن علمه أن عدد ما في يد فلان من المال كذا
قول المقر مع يمينه فلو قال علمت أن عدد ما في يده من المال عشرة دراهم فأقررت له بأحد عشر
حلف ما أقر له بأكثر منه وكان القول قوله ولو أقام المقر له شهودا أنه قد علم أن في يده ألف درهم لم
ألزمه أكثر مما قال إن علمت (1) من قبل أنه يعلم أن في يده ألفا فتخرج من يده وتكون لغيره وكذلك
لو أقام بينة أنه قال له أو أن الشهود قالوا له نشهد أن له ألف درهم فقال له على أكثر من ماله كان
القول قوله لأنه قد يكذب الشهود ويكذبه بما ادعى أن له من المال وإن اتصل ذلك بكلامهم وقد يعلم
لو صدقهم أن ماله هلك فلا يلزمه مما لغريمه إلا ما أحطنا أنه أقر به ولو قال قد علمت أن له ألف دينار
فأقررت له بأكثر من عددها فلوسا، كان القول قوله. وهكذا لو قال: أقررت بأكثر من عددها حب
حنطة أو غيره كان القول قوله مع يمينه ولو قال رجل لرجل لي عليك ألف دينار فقال لك على من
الذهب أكثر مما كان عليه أكثر من ألف دينار ذهبا فالقول في الذهب الردئ وغير المضروب قول المقر
ولو كان قال لي عليك ألف دينار فقال لك عندي أكثر من مالك لم ألزمه أكثر من ألف دينار وقلت له
كم ماله؟ فإن قال دينار أو درهم أو فلس ألزمته أقل من دينار أو درهم وفلس لأنه قد يكذبه بأن له
ألف دينار وكذلك لو شهدت له بينة بذلك فأقر بعد شهود البينة أو قبل لأنه قد يكذب البينة ولا ألزمه
ذلك حتى يقول قد علمت أن له ألف دينار فأقررت بأكثر منها ذهبا وإن قال له على شئ ألزمته أي
شئ قال ما يقع عليه اسم شئ مما أقر به.
الاقرار للعبد والمحجور عليه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أقر الرجل لعبد رجل مأذون له في التجارة أو غير مأذون له
فيها بشئ أو لحر أو لحرة محجورين أو غير محجورين لزمه الاقرار لكل واحد منهم وكان للسيد أخذ ما
أقر به لعبده ولولى المحجورين أخذ ما أقر به للمحجورين وكذلك لو أقر به (2) لمجنون أو زمن أو مستأمن
كان لهم أخذ، به فلو أقر لرجل ببلاد الحرب بشئ غير مكره ألزمته إقراره له وكذلك ما أقر به الاسرى
إذا كانوا مستأمنين ببلاد الحرب لأهل الحرب وبعضهم لبعض غير مكرهين ألزمتهم ذلك كما ألزمه
المسلمين في دار الاسلام قال وكذلك الذمي والحربي المستأمن يقر للمسلم والمستأمن والذمي ألزمه ذلك
كله.
الاقرار للبهائم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أقر الرجل لبعير لرجل أو لدابة له أو لدار له أو لهذا البعير أو

(1) قوله: إن علمت، كذا بالأصل، ولعله محرف عن " أن حلف " فتأمل، وحرر اه‍ مصححه.
(2) قوله: وكذلك لو أقر به المجنون أو زمن الخ كذا بالأصول التي عندنا ولعله تحريف من الناسخ والصواب
" لمجوسي أو ذمي الخ " وحرر اه‍ مصححه.
243

لهذه الدابة أو لهذه الدار على كذا لم ألزمه شيئا مما أقر به لأن البهائم والحجارة لا تملك شيئا بحال ولو قال
على بسبب هذا البعير أو سبب هذه الدابة أو سبب هذه الدار كذا وكذا لم ألزمه إقراره لأنه لا يكون
عليه بسببها شئ إلا أن يبين، وذلك مثل أن يقول على بسببها أن أحالت على أو حملت عنى أو
حملت عنها وهي لا تحيل عليه ولا يحمل عنها بحال ولو وصل الكلام فقال على بسببها أني جنيت فيها
جناية ألزمتني كذا وكذا كان ذلك إقرارا لمالكها لازما للمقر وكذلك لو قال لسيدها على بسببها كذا وكذا
ألزمته ذلك ولو لم يزد على هذا لأنه نسب الاقرار للسيد وأنه إياه لأنه يكون عليه بسبب ما في بطنها
شئ أبدا لأنه إن كان حملا فلم يجن عليه جناية لها حكم لأنه لم يسقط فإن لم يكن حمل كان أبعد
من أن يلزمه شئ بسبب ما لا يكون بسبب غرم أبدا.
الاقرار لما في البطن
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل هذا الشئ يصفه في يده عبد أو دار أو عرض
من العروض أو ألف درهم أو كذا وكذا مكيالا حنطة لما في بطن هذه المرأة لامرأة حرة أو أم ولد
لرجل ولدها حر فأب الحمل أو وليه الخصم في ذلك، وإن أقر بذلك لما في بطن أمة لرجل فمالك
الجارية الخصم في ذلك. فإذا لم يصل المقر إقراره بشئ فإقراره لازم له إن ولدت المرأة ولدا حيا
لأقل من ستة أشهر بشئ ما كان، فإن ولدت ولدين ذكرا وأنثى أو ذكرين أو أنثيين فما أقر به بينهما
نصفين، فإن ولدت ولدين حيا وميتا أقر به كله للحى منهما فإن ولدت ولدا أو ولدين ميتين سقط
الاقرار عنه، وهكذا إن ولدت ولدين حيا اثنين لكمال ستة أشهر من يوم أقر سقط الاقرار لأنه قد
يحدث بعد إقراره فلا يكون أقر بشئ (قال الشافعي) وإنما أجيز الاقرار إذا علمت أنه وقع لبشر قد
خلق وإذا أقر للحمل فولدت التي أقر لحملها ولدين في بطن، أحدهما قبل ستة أشهر والآخر بعد ستة
أشهر فالاقرار جائز لهما معا لأنهما حمل واحد قد خرج بعضه قبل ستة أشهر وحكم الخارج بعده حكمه
فإذا أقر لما في بطن امرأة فضرب رجل بطنها فألقت جنينا ميتا سقط الاقرار، وإن ألقته حيا ثم مات
فإن كانت ألقته بما يعلم أنه خلق قبل الاقرار ثبت الاقرار وإن أشكل أو كان يمكن أن يخلق بعد أن
يكون الاقرار سقط الاقرار (قال الشافعي) وإنما أجزت الاقرار لما في بطن المرأة لأن ما في بطنها يملك
بالوصية فلما كان يملك بحال لم أبطل الاقرار له حتى يضيف الاقرار إلى ما لا يجوز أن يملك به ما في
بطن المرأة وذلك مثل أن يقول أسلفني ما في بطن هذه المرأة ألف درهم أو حمل عنى ما في بطن هذه
المرأة بألف درهم فغرمها أو ما في هذا المعنى مما لا يكون لما في بطن المرأة بحال، قال: ولكنه لو قال
لما في بطن هذه المرأة عندي هذا العبد أو ألف درهم غصبته إياها لزمه الاقرار لأنه قد يوصى له بما أقر
له به فيغصبه إياه، ومثل هذا أن يقول ظلمته إياه ومثله أن يقول استسلفته لأنه قد يوصى إليه لما في
بطن المرأة بشئ يستسلفه وهكذا لو قال استهلكته عليه أو أهلكته له وليس هذا كما يقول أسلفنيه ما في
بطنها لأن ما في بطنها لا يسلف شيئا، ولو قال لما في بطن هذه المرأة عندي ألف أوصى له بها أبى
كانت له عنده، فإن بطلت وصية الحمل بأن يولد ميتا كانت الألف درهم لورثة أبيه ولو قال أوصى له
بها فلان إلى فبطلت وصيته كانت الألف لورثة الذي أقر أنه أوصى بها له، ولو قال لما في بطن هذه
المرأة عندي ألف درهم أسلفنيها أبوه أو غصبتها أباه كان الاقرار لأبيه فإن كان أبوه ميتا فهي موروثة
244

عنه، وإن كان حيا فهي له ولا يلزمه لما في بطن المرأة شئ، ولو قال له على ألف درهم غصبتها من
ملكه أو كانت في ملكه، فألزمته الاقرار فخرج الجنين ميتا فسأل وارثه أخذها المقر فإن جحد أحلفته
ولم أجعل عليه شيئا، وإن قال أوصى بها فلان له فغصبتها أو أقررت بغصبها كاذبا ردت إلى ورثة فلان
فإن قال قد وهبت لهذا الجنين داري أو تصدقت بها عليه أو بعته إياها لم يلزمه من هذا شئ لأن كل
هذا لا يجوز لجنين ولا عليه، وإذا أقر الرجل بها لما في بطن جارية فالاقرار باطل.
الاقرار بغصب شئ في شئ
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل غصبتك كذا في كذا يعتبر قوله في غير
المغصوب وذلك مثل أن يقول غصبتك ثوبا أو عبدا أو طعاما في رجب سنة كذا فأخبر بالحين الذي
غصبه فيه والجنس الذي أقر أنه غصبه إياه فكذلك إن قال غصبتك حنطة في بلد كذا أو في صحراء
أو في أرض فلان أو في أرضك فيعني الذي أصاب الغصب أن الذي فيه غير الذي أقر أنه غصبه إياه
إنما جعل الموضع الذي أصاب فيه دلالة على أنه غصبه فيه كما جعل الشهر دلالة على أنه
غصب فيه كقولك غصبتك حنطة في أرض وغصبتك حنطة من أرض وغصبتك زيتا في حب
وغصبتك زيتا من حب وغصبتك سفينة في بحر وغصبتك سفينة من بحر وغصبتك بعيرا في مرعى
وغصبتك بعيرا من مرعى وبعيرا في بلد كذا ومن بلد كذا وغصبتك كبشا في خيل وكبشا من خيل يعنى
في جماعة خيل وغصبتك عبدا في إماء وعبدا من إماء يعنى أنه كان مع إماء وعبدا في غنم وعبدا في
إبل وعبدا من غنم وعبدا من إبل كقوله غصبتك عبدا في سقاء وعبدا في رحى ليس أن السقاء والرحى
مما غصب ولكنه وصف أن العبد كان في أحدهما كما وصف أنه كان في إبل أو غنم وهكذا إن قال
غصبتك حنطة في سفينة أو في جراب أو في غرارة أو في صاع فهو غاصب للحنطة دون ما وصف أنها
كانت فيه وقوله في سفينة وفى جراب كقوله من سفينة وجراب لا يختلفان في هذا المعنى قال وهكذا
لو قال غصبتك ثوبا قوهيا في منديل أو ثيابا في جراب أو عشرة أثواب في ثوب أو منديل أو ثوبا في
عشرة أثواب أو دنانير في خريطة لا يختلف كل هذا قوله في كذا ومن كذا سواء فلا يضمن إلا ما أقر
بغصبه لا ما وصف أن المغصوب كان فيه له، قال وهكذا لو قال غصبتك فصافي خاتم أو خاتما في
فص أو سيفا في حمالة أو حمالة في سيف لأن كل هذا قد يتميز من صاحبه فينزع الفص من الخاتم
والخاتم من الفص ويكون السيف معلقا بالحمالة لا مشدودة إليه ومشدودة إليه فتنزع منه، قال وهكذا
إن قال غصبتك حلية من سيف أو حلية في سيف، لأن كل هذا قد يكون على السيف فينزع قال
وهكذا إن قال غصبتك شارب سيف أو نعله فهو غاصب لما وصفت دون السيف ومثله لو قال غصبتك
طيرا في قفص أو طيرا في شبكة أو طيرا في شناق كان غاصبا للطير دون القفص والشبكة والشناق
ومثله لو قال غصبتك زيتا في جرة أو زيتا في زق أو عسلا في عكة أو شهدا في جونة أو تمرا في قربة
أو جلة كان غاصبا للزيت دون الجرة والزق والعسل دون العكة والشهد دون الجونة والتمر دون القربة
والجلة وكذلك لو قال غصبتك جرة فيها زيت وقفصا فيه طير وعكة فيها سمن كان غاصبا للجرة دون
الزيت والقفص دون الطير والعكة دون السمن ولا يكون غاصبا لهما معا إلا أن يبين يقول غصبتك عكة
وسمنا وجرة وزيتا، فإذا قال هذا فهو غاصب للشيئين، والقول قوله إن قال غصبته سمنا في عكة أو
245

سمنا وعكة لم يكن فيها سمن فالقول قوله في أي سمن أقر به وأي عكة أقر له بها، وإذا قال غصبتك
سرجا على حمار أو حنطة على حمار فهو غاصب للسرج دون الحمار والحنطة دون الحمار، وكذلك لو قال
غصبتك حمارا عليه سرج أو حمارا مسرجا كان غاصبا للحمار دون السرج، وكذلك لو قال غصبتك
ثيابا في عيبة كان غاصبا للثياب دون العيبة، وهكذا لو قال غصبتك عيبة فيها ثياب كان غاصبا للعيبة
دون الثياب.
الاقرار بغصب شئ بعدد وغير عدد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل للرجل غصبتك شيئا لم يزد على ذلك فالقول
في الشئ قوله فإن أنكر أن يكون غصبه شيئا ألزمه الحاكم أن يقر له بما يقع عليه اسم شئ، فإذا
امتنع حبسه حتى يقر له بما يقع عليه اسم شئ، فإذا فعل فإن صدقه المدعى وإلا أحلفه ما غصبه إلا
ما ذكر ثم أبرأه من غيره، ولو مات قبل يقر بشئ فالقول قول ورثته ويحلفون ما غصبه غيره ويوقف
مال الميت عنهم حتى يقروا له بشئ ويحلفون ما علموا غيره وإذا قال غصبتك شيئا ثم أقر بشئ بإلزام
الحاكم له أن يقر به أو بغير إلزامه فسواء ولا يلزمه إلا ذلك الشئ، فإن كان الذي أقر به مما يحل أن يملك
بحال جبر على دفعه إليه، فإن فات في يده جبر على أداء قيمته إليه إذا كانت له قيمة، والقول في
قيمته قوله، وإن كان مما لا يحل أن يملك أحلف ما غصبه غيره ولم يجبر على دفعه إليه، وذلك مثل
أن يقر أنه غصبه عبد أو أمة أو دابة أو ثوبا أو فلسا أو حمارا فيجبر على دفعه إليه وكذلك لو أقر أنه
غصبه كلبا جبرته على دفعه إليه لأنه يحل ملك الكلب، فإن مات الكلب في يديه لم أجبره على دفع
شئ إليه لأنه لا ثمن له، وكذلك إن أقر أنه غصبه جلد ميتة غير مدبوغ جبرته على دفعه إليه، فإن
فات لم أجبره على دفع قيمته إليه لأنه لا ثمن له ما لم يدبغ فإن كان مدبوغا دفعه إليه أو قيمته إن فات
لأن ثمنه يحل إذا دبغ (قال الشافعي) وإذا أقر أنه غصبه خمرا أو خنزيرا لم أجبره على دفعه إليه،
وأهرقت عليه الخمر وذبحت الخنزير والغيته إذا كان أحدهما مسلما، ولا ثمن لهذين، ولا يحل أن
يملكا بحال، وإذا أقر أنه غصبه حنطة ففاتت رد إليه مثلها فإن لم يكن لها مثل فقيمتها، وكذلك كل
ماله مثل يرد مثله، فإن فات يرد قيمته (قال الشافعي) وإذا قال الرجل الكثير المال غصبت فلانا
لرجل كثير المال شيئا أو شيئا له بال فهو كالفقير يقر للفقير وأي شئ أقر به يقع عليه اسم شئ فلس أو
حبة حنطة أو غيره فالقول قوله مع يمينه، فإن قال غصبته أشياء قيل أد إليه ثلاثة أشياء لأنها أقل ظاهر
الجماع في كلام الناس وأي ثلاثة أشياء قال هي هي فهي هي مختلفة (1) فإن قال هي ثلاثة أفلس أو
هي فلس ودرهم وتمرة أو هي ثلاث تمرات أو هي ثلاثة دراهم أو ثلاثة أعبد أو عبد وأمة وحمار لأن كل
واحد من هذا يقع عليه اسم شئ اختلفت أو اتفقت فسواء، ولو قال غصبتك ولم يزد على ذلك أو
غصبتك ما تعلم لم ألزمه بهذا شيئا لأنه قد يغصبه نفسه فيدخله المسجد أو البيت لغير مكروه ويغصبه
فيمنعه بيته فلا ألزمه حتى يقول غصبتك شيئا، ولو قال غصبتك شيئا فقال عنيت نفسك لم أقبل منه
لأنه إذا قال غصبتك شيئا، فإنما ظاهره غصبت منك شيئا، ولو قال غصبتك وغصبتك مرارا كثيرة

(1) قوله: فهي هي مختلفة كذا بالأصول التي بأيدينا ولعله سقط من الناسخ لفظ " أو متفقة " اه‍ مصححه.
246

لم ألزمه شيئا لأنه قد يغصبه نفسه كما وصفت، قال ولو سئل فقال لم أغصبه شيئا ولا نفسه لم ألزمه شيئا
لأنه لم يقر بأنه غصبه شيئا.
الاقرار بغصب شئ ثم يدعى الغاصب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أقر الرجل أنه غصب الرجل أرضا ذات غراس أو غير
ذات غرس أو دارا ذات بناء أو غير ذات بناء أو بيتا فكل هذا أرض والأرض لا تحول، وإن كان
البناء والغراس قد يحول، فإن قال المقر بالغصب بعد قطعه الكلام أو معه إنما أقررت بشئ غصبتك
ببلد كذا فسواء القول قوله وأي شئ دفعه إليه بذلك البلد مما يقع عليه اسم ما أقر له به، فليس له
عليه غيره وإذا ادعى المقر له سواه أحلف الغاصب ما غصبه غير هذا والقول قوله، فإن مات الغاصب
فالقول قول ورثته فإن قالوا لا نعلم شيئا قيل للمغصوب ادع ما شئت من هذه الصفة في هذا البلد فإذا
ادعى قيل للورثة احلفوا ما تعلمونه هو، فإن حلفوا برئوا وإلا لزمهم أن يعطوه بعض ما يقع عليه اسم
ما أقر به الغاصب، فإن نكلوا حلف المغصوب واستحق ما ادعى وإن أبى المغصوب أن يحلف ولا
الورثة وقف مال الميت حتى يعطيه الورثة أقل ما يقع عليه اسم ما وصفت أنه أقر أنه غصبه ويحلفون ما
يعلمونه غصبه غيره ولا يسلم لهم ميراثه إلا بما وصفت، ولو كان الغاصب قال غصبته دارا بمكة ثم قال
أقررت له بباطل وما أعرف الدار التي غصبته إياها قيل إن أعطيته دارا بمكة ما كانت الدار وحلفت ما
غصبته غيرها برئت، وإن امتنعت وادعى دارا بعينها قيل أحلف ما غصبته إياها فإن حلفت برئت وإن
لم تحلف حلف فاستحقها، وإذا امتنع وامتنعت من اليمين حبست أبدا حتى تعطيه دارا وتحلف ما
غصبته غيرها (قال الشافعي) وإذا أقر أنه غصبه متاعا يحول مثل عبد أو دابة أو ثوب أو طعام أو ذهب
أو فضة فقال غصبتك كذا ببلد كذا بكلام موصول وكذبه المغصوب وقال ما غصبتنيه بهذا البلد فالقول
قول الغاصب لأنه لم يقر له بالغصب إلا بالبلد الذي سمى فإن كان الذي أقر أنه غصبه منه دنانير أو
دراهم أو ذهبا أو فضة أخذ بأن يدفعها إليه مكان لأنه لا مؤنة لحمله عليه وكذلك لو أسلفه دنانير أو
دراهم أو باعه إياها ببلد أخذ بها حيث طلبه بها (قال الشافعي) وكذلك فص ياقوت أو زبر جد أو لؤلؤ
أقر أنه غصبه إياه ببلد يؤخذ به حيث قام به فإن لم يقدر عليه فقيمته، وإن كان الذي أقر أنه غصبه إياه
ببلد عبدا أو ثيابا أو متاعا لحمله مؤنة أو حيوانا أو رقيقا أو غيره فلحمل هذا ومشابهه مؤنة جبر المغصوب
أو يؤكل من يقتضيه بذلك البلد، فإن مات قبض قيمته بذلك البلد أو يأخذ منه قيمته بالبلد الذي
أقر أنه غصبه إياه بذلك البلد الذي يحاكمه به ولا أكلفه لو كان طعاما أن يعطيه مثله بذلك البلد
لتفاوت الطعام إلا أن يتراضيا معا فأجيز بينهما ما تراضيا عليه (قال الشافعي) ومثل هذا الثياب وغيرها
مما لحمله مؤنة، قال ومثل هذا العبد يغصبه إياه بالبلد، ثم يقول المغتصب قد أبق العبد أو فات يقضى عليه
بقيمته ولا يجعل شئ من هذا دينا عليه وإذا قضيت له بقيمة الفائت منه عبدا كان أو طعاما أو غيره لم
يحل للغاصب أن يتملك منه شيئا وكان عليه أن يحضره سيده الذي غصبه منه، فإذا أحضره سيده
الذي غصبه منه جبرت سيده على قبضه منه ورد الثمن عليه فإن لم يكن عند سيده ثمنه قلت له بعه إياه
بيعا جديدا بما له عليك إن رضيتما حتى يحل له ملكه فإن لم يفعل بعت العبد على سيده، وأعطيت
المغتصب مثل ما أخذ منه فإن كان فيه فضل رددت على سيده وإن لم يكن فيه فضل فلا شئ يرد
247

عليه، وإن نقص ثمنه عما أعطاه إياه بتغير سوق رددته على سيده بالفضل (قال الشافعي) وإن كان
لسيده غرماء لم أشركهم في ثمن العبد لأنه عبد قد أعطى الغاصب قيمته، قال وهكذا أصنع بورثة
المغصوب إن مات المغصوب، وأحكم للغاصب العبد إلا أني إنما أصنع ذلك بهم في مال الميت لا
أموالهم وهكذا الطعام يغصبه فيحضره ويحلف أنه هو والثياب وغيرها كالعبد لا تختلف، فإن كان
أحضر العبد ميتا فهو كأن لم يحضره، ولا أرد الحكم الأول وإن أحضره معيبا أي عيب كان مريضا أو
صحيحا دفعته إلى سيده وحسبت على الغاصب خراجه من يوم غصبه وما نقصه العيب في بدنه وألزمته
ما وصفت (قال الشافعي) ولو أحضر الطعام متغيرا ألزمته الطعام وجعلت على الغاصب ما نقصه العيب
ولو أحضره قد رضه حتى صار لا ينتفع به ولا قيمة له ألزمته الغاصب وكان كتلفه وموت العبد وعليه
مثل الطعام إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل، ولو قال الحاكم إذا كان المغصوب من عبد
وغيره غائبا للغاصب أعطه قيمته ففعل ثم قال للمغصوب حلله من حبسه أو صيره ملكا له بطيبة نفسك
وللغاصب: اقبل ذلك كان ذلك أحب إلي، ولا أجبر واحدا منهما على هذا.
الاقرار بغصب الدار ثم ببيعها
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا قال الرجل غصبته هذه الدار وهذا العبد أو أي شئ كان من
هذا كتب إقراره وأشهد عليه وقد باعها قبل ذلك من رجل أو وهبها له أو تصدق بها عليه وقبضها أو
وقفها عليه أو على غيره ففيها قولان أحدهما أن يقال لصاحب الدار إن كان لك بينة على ملك هذه
الدار أو إقرار الغاصب قبل إخراجها من يده إلى من أخرجها إليه أخذ لك بها وإن لم يكن لك بينة لم
يجز إقرار الغاصب في ذلك لأنه لا يملكها يوم أقر فيها وقضينا المغصوب بقيمتها لأنه يقر أنه استهلكها
وهي ملك له وهكذا لو كان عبدا فأعتقه وهكذا لو ادعى عليه رجلان أنه غصب دارا بعينها فأقر أنه
غصبها من أحدهما وهو يملكها ثم أقر أنه غصبها منه وهو يملكها وأن الأول لم يملكها قط قضى بالدار
للأول لأنه قد ملكها بإقراره وقيمتها للآخر بأنه قد أقر أنه قد أتلفها عليه، قال وهكذا كل ما أقر أنه
غصبه رجلا، ثم أقر أنه غصبه غيره والقول الثاني أنهما إذا كانا لا يدعيان أنه غصبهما إلا الدار أو
الشئ الذي أقر به لهما فهو للأول منهما ولا شئ للمقر له الآخر بحال على الغاصب لأنهما يبرئانه من
عين (1) ما يقر به، ومن قال هذا قال أرأيت إن أقرانه باع هذا هذه الدار بألف ثم أقر أنه باعها الآخر
بألف والدار تسوى آلافا أتجعلها بيعا للأول وتجعل للآخر عليه قيمتها يحاصه بألف منها لأنه أتلفها، أو
أرأيت لو أعتق عبدا ثم أقر أنه باعه من رجل قبل العتق أتجعل للمشترى قيمته وينفذ العتق؟ أو رأيت
لو باع عبدا ثم أقر أنه كان أعتقه قبل بيعه أينقض البيع أو يتم؟ إنما يكون للعبد عليه ان يقول له قد
بعتني حرا فأعطني ثمني أرأيت لو مات فقال ورثته قد بعت أبانا حرا فأعطنا ثمنه أو زيادة ما يلزمك
بأنك استهلكته أكان عليه أن يعطيهم شيئا أو يكون إنما أقر بشئ في ملك غيره فلا يجوز إقراره في
ملك غيره ولا يضمن بإقراره شيئا؟

(1) قوله: من عين ما يقر به كذا بالأصول التي عندنا ولعل لفظ " عين " محرفا عن " غير " وحرر. كتبه
مصصحه.
248

الاقرار بغصب الشئ من أحد هذين الرجلين
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا أقر الرجل أنه غصب هذا العبد أو هذا الشئ بعينه من أحد
هذين وكلاهما يدعيه ويزعم أن صاحبه الذي ينازعه فيه لم يملك منه شيئا قط وسئل يمين المقر بالغصب
قيل له إن أقررت لأحدهما وحلفت للآخر فهو للذي أقررت له به ولاتباعه للآخر عليك وإن لم تقر لم
تجبر على أكثر من أن تحلف بالله ما تدرى من أيهما غصبته ثم يخرج من يديك فيوقف لهما ويجعلان
خصما فيه فإن أقاما معا عليه بينة لم يكن لواحد منهما دون الآخر لأن إحدى البينتين تكذب الأخرى
وكان بحاله قبل أن تقوم عليه بينة ويحلف كل واحد منهما لصاحبه أن هذا العبد له غصبه إياه فإن حلفا
فهو موقوف أبدا حتى يصطلحا فيه فإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان للحالف وإن أقام أحدهما عليه
بينة دون الآخر جعلته للذي أقام عليه البينة ولا تباعة على الغصاب في شئ مما وصفت ولو قال رجل
غصبت هذا الرجل بعينه هذا العبد أو هذه الأمة فادعى الرجل أنه غصبه إياهما معا قيل للمقر احلف
أنك لم تغصبه أيهما شئت وسلم له الآخر فإن قال أحلف ما غصبته واحدا منهما لم يكن ذلك له وقيل
أحدهما له بإقرارك فاحلف على أيهما شئت فإن أبى قيل للمدعى احلف على أيهما شئت فإن حلف فهو
له وإن قال أحلف عليهما معا قيل للمدعى عليه إن حلفت وإلا أحلفنا المدعى فسلمناهما له معا فإن فاتا
في يده أو أحدهما فالحكم كهو لو كانا حيين إلا أنا إذا ألزمناه أحدهما ضمناه قيمته بالفوت فأن أبيا معا
يحلفا وسأل المغصوب أن يوقفا له وقفا حتى يقر الغاصب بأحدهما ويحلف قال وإن أفر الغاصب
بأحدهما للمغصوب فادعى المغصوب أنه حدث بالعبد عنده عيب فالقول قول الغاصب مع يمينه إن
كان ذلك مما يشبه أن يكون عند المغصوب (1).
249

العارية
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال: العارية كلها مضمونة، الدواب والرقيق والدور والثياب
لا فرق بين شئ منها، فمن استعار شيئا فتلف في يده بفعله أو بغير فعله فهو ضامن له والأشياء لا تخلو
أن تكون مضمونة أو غير مضمونة فما كان منها مضمونا مثل الغصب وما أشبهه فسواء ما ظهر منها هلاكه
وما خفى فهو مضمون على الغصب والمستسلف جنيا فيه أو لم يجنيا أو غير مضمونة مثل الوديعة فسواء ما
ظهر هلاكه وما خفى فالقول فيها قول المستودع مع يمينه وخالفنا بعض الناس في العارية فقال لا
يضمن شيئا إلا ما تعدى فيه فسئل من أين قاله؟ فزعم أن شريحا قاله وقال ما حجتكم في تضمينها؟
قلنا استعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " عارية مضمونة
مؤداة " قال أفرأيت إذا قلنا فإن شرط المستعير الضمان ضمن وإن لم يشرطه لم يضمن؟ قلنا فأنت إذا
تترك قولك، قال وأين؟ قلنا أليس قولك أنها غير مضمونة إلا أن يشترط؟ قال بلى قلنا فما تقول في
الوديعة إذا اشترط المستودع أنه ضامن أو المضارب؟ قال لا يكون ضامنا قلنا فما تقول في المستسلف إذا
اشترط أنه غير ضامن؟ قال لا شرط له ويكون ضامنا قلنا ويرد الأمانة إلى أصلها والمضمون إلى أصله
ويبطل الشرط فيهما جميعا؟ قال نعم قلنا وكذلك ينبغي لك أن تقول في العارية وبذلك شرط النبي
صلى الله عليه وسلم أنها مضمونة ولا يشترط أنها مضمونة إلا ما يلزم قال فلم شرط؟ قلنا لجهالة صفوان
لأنه كان مشركا لا يعرف الحكم ولو عرفه ماضر الشرط إذا كان أصل العارية أنها مضمونة بلا شرط كما
لا يضر شرط العهدة وخلاص عقدك في البيع ولو لم يشترط كان عليه العهدة والخلاص أو الرد قبل
فهل قال هذا أحد؟ قلنا في هذا كفاية وقد قال أبو هريرة وابن عباس رضي الله عنهما " إن العارية
مضمونة " وكان قول أبي هريرة في بعير استعير فتلف أنه مضمون ولو اختلف رجلان في دابة فقال رب
الدابة أكريتها إلى موضع كذا وكذا فركبتها بكذا وقال الراكب ركبتها عارية منك كان القول قول
الراكب مع يمينه ولا كراء عليه (قال الشافعي) بعد القول قول رب الدابة وله كراء المثل ولو قال
أعرتنيها وقال رب الدابة غصبتنيها كان القول قول المستعير (قال الشافعي) (1) ولا يضمن المستودع إلا
أن يخالف فإن خالف فلا يخرج من الضمان أبدا إلا بدفع الوديعة إلى ربها ولو ردها إلى المكان الذي
كانت فيه لأن ابتداءه لها كان أمينا فخرج من حد الأمانة فلم يجدد له رب المال استئمانا لا يبرأ حتى
يدفعها إليه (2).
250

الغصب
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (قال الشافعي) إذا شق الرجل للرجل ثوبا شقا صغيرا أو كبيرا
يأخذ ما بين طرفيه طولا وعرضا، أو كسر له متاعا فرضه أو كسره كسرا صغيرا أو جنى له على مملوك
فأعماه أو قطع يده أو شجه موضحة فذلك كله سواء ويقوم المتاع كله والحيوان كله غير الرقيق صحيحا
ومكسورا وصحيحا ومجروحا قد برأ من جرحه ثم يعطى مالك المتاع والحيوان فضل ما بين قيمته
صحيحا ومكسورا ومجروحا فيكون ما جرى عليه من ذلك ملكا له نفعه أو لم ينفعه ولا يملك أحد
بالجناية شيئا جنى عليه ولا يزول ملك المالك إلا أن يشاء ولا يملك رجل شيئا إلا أن يشاء إلا في
الميراث فأما من جنى عليه من العبيد فيقومون صحاحا قبل الجناية ثم ينظر إلى الجناية فيعطون أرشها من
قيمة العبد صحيحا كما يعطى الحر أرش الجناية عليه من ديته بالغا من ذلك ما بلغ وإن كانت قيما كما
يأخذ الحر ديات وهو حي قال الله عز وجل " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن
تراض منكم " وقال " ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا " فلم أعلم أحدا من
المسلمين خالف في أنه لا يكون على أحد أن يملك شيئا إلا أن يشاء أن يملكه إلا الميراث فإن الله عز
وجل نقل ملك الاحياء إذا ماتوا إلى من ورثهم إياه شاءوا أو أبوا ألا ترى أن الرجل لو أوصى له أو
وهب له أو تصدق عليه أو ملك شيئا لم يكن عليه أن يملكه إلا أن يشاء ولم أعلم أحدا من المسلمين
اختلفوا في أن لا يخرج ملك المالك المسلم من يديه إلا بإخراجه إياه هو نفسه ببيع أو هبة أو غير ذلك
أو عتق أو دين لزمه فيباع في ماله وكل هذا فعله لا فعل غيره قال فإذا كان الله عز وجل حرم أن تكون
أموال الناس مملوكة إلا ببيع عن تراض وكان المسلمون يقولون فيما وصفت ما وصفت فمن أين غلط أحد
في أن يجنى على مملوكي فيملكه بالجناية وآخذ أنا قيمته وهو قبل الجناية لو أعطاني فيه أضعاف ثمنه لم
يكن له أن يملكه إلا أن يشاء ولو وهبته له لم يكن عليه أن يملكه إلا أن يشاء فإذا لم يملكه بالذي يجوز
ويحل من الهبة إلا بمشيئته ولم يملك على بالذي يحل من البيع إلا أن أشاء فكيف ملكه حين عصى الله
عز وجل فيه فأخرج من يدي ملكي بمعصية غيري لله وألزم غيري ما لا يرضى ملكه إن كان أصابه
خطأ وكيف إن كانت الجناية توجب لي شيئا واخترت حبس عبدي سقط الواجب لي وكيف إن كانت
الجناية تخالف حكم ما سوى ما وجب لي ولى حبس عبدي وأخذ أرشه ومتاعي وأخذ ما نقصه إذا كان
ذلك غير مفسد له فإن جنى عليه ما يكون مفسدا له فزاد الجاني معصية لله وزيد على في مالي ما يكون
مفسدا له سقط حقي حين عظم وثبت حين صغر وملك حين عصى وكبرت معصيته ولا يملك حين عصى
فصغرت معصيته ما ينبغي أن يستدل أحد على خلاف هذا القول لأصل حكم الله وما لا يختلف
المسلمون فيه من أن المالكين على أصل ملكهم ما كانوا أحياء حتى يخرجوا هم الملك من أنفسهم بقول
أو فعل بأكثر من أن يحكى فيعلم أنه خلاف ما وصفنا من حكم الله عز وجل وإجماع المسلمين والقياس
والمعقول ثم شدة تناقضه هو في نفسه قال وإذا غصب الرجل جارية تسوى مائة فزادت في يديه بتعليم
251

منه وسن واغتذاء من ماله حتى صارت تساوى ألفا ثم نقصت حتى صارت تساوى مائة ثم أدركها
المغصوب في يده أخذها وتسعمائة معها كما يكون لو غصبه إياها وهي تساوى ألفا فأدركها وهي تساوى
مائة أخذها وما نقصها وهي تسعمائة قال وكذلك إن باعها الغاصب أو وهبها أو قتلها أو استهلكها فلم
تدرك بعينها كانت على الغاصب قيمتها في أكثر ما كانت قيمة منذ غصبت إلى أن هلكت وكذلك
ذلك في البيع إلا أن رب الجارية يخير في البيع فإن أحب أخذ الثمن الذي باع به الغاصب كان أكثر
من قيمتها أو أقل لأنه ثمن سلعته أو قيمتها في أكثر ما كانت قيمة قط. (قال الشافعي) بعد: ليس له
إلا جاريته والبيع مردود لأنه باع ما ليس له وبيع الغاصب مردود فإن قال قائل وكيف غصبها بثمن
مائة وكان لها ضامنا وهي تساوى مائة ثم زادت حتى صارت تساوى ألفا وهي في ضمان الغاصب ثم
ماتت أو نقصت ضمنته قيمتها في حال زيادتها؟ قيل له إن شاء الله تعالى لأنه لم يكن غاصبا ولا
ضامنا ولا عاصيا في حال دون حال لم يزل غاصبا ضامنا عاصيا من يوم غصب إلى أن فاتت أو ردها
ناقصة فلم يكن الحكم عليه في الحال الأولى بأوجب منه في الحال الثانية ولا في الحال الثانية بأوجب
منه في الحال الآخرة لأن عليه في كلها أن يكون رادا لها وهو في كلها ضامن عاص فلما كان للمغصوب
أن يغصبها قيمة مائة فيدركها قيمة ألف فيأخذها ويدركها ولها عشرون ولدا فيأخذها وأولادها كان
الحكم في زيادتها في بدنها وولدها كالحكم في بدنها حين غصبها يملك منها زائدة بنفسها وولدها ما
ملك منها ناقصة حين غصبها ولا فرق بين أن يقتلها وولدها أو تموت هي وولدها في يديه من قبل أنه إذا
كان كما وصفت يملك ولدها كما يملكها لا يختلف أحد علمته في أنه لو غصب رجل جارية فماتت في
يديه موتا أو قتلها قتلا ضمنها في الحالين جميعا كذلك، قال وإذا غصب الرجل الرجل جارية فباعها
فماتت في يد المشترى فالمغصوب بالخيار في أن يضمن الغاصب قيمة جاريته في أكثر ما كانت قيمة
من يوم غصبها إلى أن ماتت فإن ضمنه فلا شئ للمغصوب على المشترى ولا شئ للغاصب على
المشترى إلا قيمتها إلا الثمن الذي باعها به أو يضمن المغصوب المشترى فإن ضمنه فهو ضامن لقيمة
جارية المغصوب لأكثر ما كانت قيمة من يوم قبضها إلى أن ماتت في يده ويرجع المشترى على الغاصب
بفضل ما ضمنه المغصوب من قيمة الجارية على قيمتها يوم قبضها المشترى وبفضل ممن إن كان قبضه
منه على قيمتها حتى لا يلزمه في حال إلا قيمتها، قال وإن أراد المغصوب إجازة البيع لم يجز لأنها
ملكت ملكا فاسدا ولا يجوز الملك الفاسد إلا بتجديد بيع وكذلك لو ماتت في يدي المشترى فأراد
المغصوب أن يجيز البيع لم يجز وكان للمغصوب قيمتها ولو ولدت في يدي المشترى أولادا فمات بعضهم
وعاش بعضهم خير المغصوب في أن يضمن الغاصب أو المشترى فإن ضمن الغاصب لم يكن له سبيل
على المشترى وإن ضمن المشترى وقد ماتت الجارية رجع عليه بقيمة الجارية ومهرها وقيمة أولادها يوم
سقطوا أحياء ولا يرجع عليه بقيمة من سقط منهم ميتا ورجع المشترى على البائع بجميع ما ضمنه
المغصوب لا قيمة الجارية ومهرها فقط ولو وجدت الجارية حية أخذها المغصوب رقيقا له وصداقها ولا
يأخذ ولدها، قال فإن كان الغاصب هو أصابها فولدت منه أولادا فعاش بعضهم ومات بعض أخذ
المغصوب الجارية وقيمة من مات من أولادها في أكثر ما كانوا قيمة والاحياء فاسترقهم وليس الغاصب
في هذا كالمشتري المشترى مغرور والغاصب لم يغره إلا نفسه وكان على الغاصب إن لم يدع الشبهة الحد
ولا مهر عليه (قال الربيع) فإن كانت الجارية أطاعت الغاصب وهي تعلم أنها حرام عليه وأنه زان بها
فلا مهر لأن هذا مهر بغى وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مهر البغى وإن كانت تظن هي
252

أن الوطئ حلال فعليه مهر مثلها وإن كانت مغصوبة على نفسها فلصاحبها المهر وهو زان وولده رقيق.
فإن قال قائل: أرأيت المغصوب إذا اختار إجازة البيع لم لم يجز البيع؟ قيل له إن شاء الله تعالى البيع
إنما يلزم برضا المالك والمشترى ألا ترى أن المشترى وإن كان رضى بالبيع فللمغصوب جاريته كما كانت
لو لم يكن فيها بيع وأنه لا حكم للبيع في هذا الموضع إلا حكم الشبهة وأن الشبهة لم تغير ملك المغصوب
فإذا كان للمغصوب أخذ الجارية ولم ينفع البيع المشترى فهي على الملك الأول للمغصوب وإذا كان
المشترى لا يكون له حبسها ولو علم أنه باعها غاصب غير موكل استرق ولده فلا ينبغي أن يذهب على
أحد أنه لا يجوز على المشترى إجازة البيع إلا بأن يحدث المشترى رضا بالبيع فيكون بيعا مستأنفا فإن شبه
على أحد بأن يقول إن رب الجارية لو كان أذن ببيعها لزم البيع فإذا أذن بعد البيع فلم لا يلزم؟ قيل له
إن شاء الله تعالى إذنه قبل البيع إذا بيعت يقطع خياره ولا يكون له رد الجارية وتكون الجارية لمن
اشتراها ولو أولدها لم يكن له قيمة ولدها لأنها جارية للمشترى وحلال للمشترى الإصابة والبيع والهبة
والعتق فإذا بيعت بغير أمره فله رد البيع ولا يكون له رد البيع إلا والسلعة لم تملك وحرام على البائع البيع
وحرام على المشترى الإصابة لو علم ويسترق ولده فإذا باعها أو أعتقها لم يجز بيعه ولا عتقه فالحكم في
الاذن قبل البيع أن المأذون له في البيع كالبائع المالك وأن الاذن بعد البيع إنما هو تجديد بيع ولا يلزم
البيع المجدد إلا برضا البائع والمشترى وهكذا كل من باع بغير وكالة أو زوج بغير وكالة لم يجز أبدا إلا
بتجديد بيع أو نكاح. فإن قال قائل لم ألزمت المشترى المهر ووطؤه في الظاهر كان عنده حلالا وكيف
رددته بالمهر وهو الوطئ؟ قيل له إن شاء الله تعالى: أما إلزامنا إياه المهر فلما كان من حق الجماع إذا
كان بشبهة يدرأ فيه الحد في الأمة والحرة أن يكون فيه مهر كان هذا جماعا يدرأ به الحد ويلحق به الولد
للشبهة، فإن قال فإنما جامع ما يملك عند نفسه قلنا قتلك الشبهة التي درأنا بها الحد ولم نحكم له فيها
بالملك لأنا نردها رقيقا ونجعل عليه قيمة الولد والولد إذا كانوا بالجماع الذي أراه له مباحا فألزمناه قيمتهم
كان الجماع بمنزلة الولد أو أكثر لأن الجماع لازم وإن لم يكن ولد فإذا ضمناه الولد لأنهم بسبب الجماع
كان الجماع أولى أن نضمنه إياه وتضمين الجماع هو تضمين الصداق فإن قال قائل وكيف ألزمته قيمة
الأولاد الذين لم يدركهم السيد إلا موتى؟ قيل له لما كان السيد يملك الجارية وكان ما ولدت مملوكا
بملكها إذا وطئت بغير شبهة فكان على الغاصب ردهم حين ولدوا فلم يردهم حتى ماتوا ضمن قيمتهم
كما يضمن قيمة أمهم لو ماتت ولما كان المشترى وطئها بشبهة كان سلطان المغصوب عليهم فيما يقوم
مقامهم حين ولدوا فقد ثبتت له قيمتهم فسواء ماتوا أو عاشوا لأنهم لو عاشوا لم يسترقوا قال وإذا
اغتصب الرجل الجارية ثم وطئها بعد الغصب وهو من غير أهل الجهالة أخذت منه الجارية والعقر وأقيم
عليه حد الزنا فإن كان من أهل الجهالة وقال كانت أراني لها ضامنا وأرى هذا محل عزر ولم يحد وأخذت
منه الجارية والعقر قال وإذا غصب الرجل الجارية فباعها فسواء باعها في الموسم أو على منبر أو تحت
سرداب حق المغصوب فيها في هذه الحالات سواء فإن جنى عليها أجنبي في يدي المشترى أو الغاصب
جناية تأتى على نفسها أو بعضها فأخذ هي في يديه أرش الجناية ثم استحقها المغصوب فهو بالخيار في
أخذ أرش الجناية من يدي من أخذها إذا كانت نفسا أو تضمينه قيمتها على ما وصفنا وإن كانت جرحا
فهو بالخيار في أخذ أرش الجرح من الجاني والجارية من الذي هي في يديه أو تضمين الذي هي في
يديه ما نقصها الجرح بالغا ما بلغ وكذلك إن كان المشترى قتلها أو جرحها فإن كان الغاصب قتلها
فلمالكها عليه الأكثر من قيمتها يوم قتلها أو قيمتها في أكثر ما كانت قيمة لأنه لم يزل لها ضامنا، قال
253

وإن كان المغصوب ثوبا فباعه الغاصب من رجل فلبسه ثم استحقه المغصوب أخذه وكان له ما بين
قيمته يوم اغتصبه وبين قيمته التي نقصه إياها اللبس كان قيمته يوم غصبه عشرة فنقصه اللبس خمسة
فيأخذ ثوبه وخمسة وهو بالخيار في تضمين اللابس المشترى أو الغاصب فإن ضمن الغاصب فلا سبيل
له على اللابس وهكذا إن غصب دابة فركبت حتى انضيت كانت له دابته وما نقصت عن حالها حين
غصبها ولست أنظر في القيمة إلى تغير الأسواق إنما أنظر إلى تغير بدن المغصوب فلو أن رجلا غصب
رجلا عبدا صحيحا قيمته مائة دينار فمرض فاستحقه وقيمته مريضا خمسون أخذ عبده وخمسين ولو
كان الرقيق يوم أخذه أغلى منهم يوم غصبه وكذلك لو غصبه صبيا مولودا قيمته دينار يوم غصبه فشب
في يد الغاصب وشل أو أعور وغلا الرقيق أو لم يغل فكانت قيمته يوم استحقه عشرين دينارا أخذه
وقومناه صحيحا وأشل أو أعور ثم رددناه على الغاصب بفضل ما بين قيمته صحيحا وأشل أو أعور لأنه
كان عليه أن يدفعه إليه صحيحا فما حدث به من عيب ينقصه في بدنه كان ضامنا له وهكذا لو غصبه
ثوبا جديدا قيمته يوم غصبه عشرة فلبسه حتى أخلق وغلت الثياب فصار يساوى عشرين أخذ الثوب
ويقوم الثوب جديدا وخلقا ثم أعطى فضل ما بين القيمتين، قال ولو غصبه جديدا قيمته عشرة ثم رده
جديدا قيمته خمسة لرخص الثياب لم يضمن شيئا من قبل أنه رده كما أخذه فإن شبه على أحد بأن
يقول قد ضمن قيمته يوم اغتصبه فالقيمة لا تكون مضمونة أبدا إلا لفائت والثوب إذا كان موجودا
بحاله غير فائت وإنما تصير عليه القيمة بالفوت، ولو كان حين غصب كان ضامنا لقيمته لم يكن
للمغصوب أخذ ثوبه وإن زادت قيمته ولا عليه أخذ ثوبه إن كانت قيمته سواء أو كان أقل قيمة قال
وإذا غصب الجارية فأصابها عيب من السماء أو بجناية أحد فسواء وسواء أصابها ذلك عند الغاصب أو
المشترى يسلك بما أصابها من العيوب التي من السماء ما سلك بها في العيوب التي يجنى عليها
الآدميون، قال وإذا غصب الرجل جارية فباعها من آخر فحدث بها عند المشترى عيب ثم جاء
المغصوب فاستحقها أخذها وكان بالخيار في أخذ ما نقصها العيب من الغاصب فإن أخذه منه لم
يرجع على المشترى بشئ ولرب الجارية أن يأخذ ما نقصه العيب الحادث في يد المشترى من المشترى
فإن أخذه من المشترى رجع به المشترى على الغاصب وبثمنها الذي أخذ منه لأنه لم يسلم إليه ما اشترى
وسواء كان العيب من السماء أو بجناية آدمي، قال وإذا غصب الرجل من الرجل دابة فاستغلها أو لم
يستغلها ولمثلها غلة أو دار فسكنها أو أكراها أو لم يسكنها ولم يكرها ولمثلها كراء أو شيئا ما كان مما له غلة
استغله أو لم يستغله انتفع به أو لم ينتفع به فعليه كراء مثله من حين أخذه حتى يرده إلا أنه إن كان
أكراه بأكثر من كراء مثله فالمغصوب بالخيار في أن يأخذ ذلك الكراء لأنه كراء ماله أو يأخذ كراء مثله
ولا يكون لاحد غلة بضمان إلا للمالك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قضى بها للمالك الذي كان
أخذ ما أحل الله له والذي كان إن مات المغل مات من ماله. وإن شاء أن يحبس المغل حبسه إلا أنه
جعل له الخيار إن شاء أن يرده بالعيب رده، فأما الغاصب فهو ضد المشترى الغاصب أخذ ما حرم الله
تعالى عليه ولم يكن للغاصب حبس ما في يديه ولو تلف المغل كان الغاصب له ضامنا حتى يؤدى قيمته
إلى الذي غصبه إياه ولا يطرح الضمان له لو تلف قيمة الغلة التي كانت قبل ان يتلف ولا يجوز إلا هذا
القول أو قول آخر وهو خطأ عندنا والله تعالى أعلم وهو أن بعض الناس زعم أنه إذا سكن أو اشتغل أو
حبس فالغلة والسكن له بالضمان ولا شئ عليه، وإنما ذهب إلى القياس على الحديث الذي ذكرت
فأما أن يزعم زاعم أنه إن أخذ غلة أو سكن رد الغلة وقيمة السكنى وإن لم يأخذها فلا شئ عليه فهذا
254

خارج من كل قول لا هو جعل ذلك له بالضمان ولا هو جعل ذلك للمالك إذا كان المالك مغصوبا
(قال الربيع) معنى قول الشافعي ليس للمغصوب أن يأخذ إلا كراء مثله لأن كراءه باطل وإنما على
الذي سكن إذا استحق الدار ربها كراء مثلها وليس له خيار في أن يأخذ الكراء الذي أكراها به
الغاصب لأن الكراء مفسوخ (قال الشافعي) ولو اغتصبه أرضا فغرسها نخلا أو أصولا أو بنى فيها بناء أو
شق فيها أنهارا كان عليه كراء مثل الأرض بالحال الذي اغتصبه إياها وكان على الباني والغارس أن يقلع
بناءه وغرسه فإذا قلعه ضمن ما نقص القلع الأرض حتى يرد إليه الأرض بحالها حين اخذها ويضمن
القيمة بما نقصها قال وكذلك ذلك في النهر وفى كل شئ أحدثه فيها لا يكون له أن يثبت فيها عرقا
ظالما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس لعرق ظالم حق ولا يكون لرب الأرض أن يملك مال
الغاصب ولم يملكه إياه كان ما يقلع الغاصب منه ينفعه أولا ينفعه لأن له منع قليل ماله كما له منع كثيره
وكذلك لو كان حفر فيها بئرا كان له دفنها وإن لم ينفعه الدفن وكذلك لو غصبه دارا فزوقها كان له قلع
التزويق وإن لم يكن ينفعه قلعه وكذلك لو كان نقل عنها ترابا كان له أن يرد ما نقل عنها حتى يوفيه
إياها بالحال التي غصبه إياها عليها لا يكون عليه أن يترك من ماله شيئا ينتفع به المغصوب كما لم يكن
على المغصوب أن يبطل من ماله شيئا في يد الغاصب فإن تأول رجل قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا
ضرر ولا ضرار " فهذا كلام مجمل لا يحتمل لرجل شيئا إلا احتمل عليه خلافه ووجهه الذي يصح
به: أن لا ضرر في أن لا يحمل على رجل في ماله ما ليس بواجب عليه ولا ضرار في أن يمنع رجل
من ماله ضررا ولكل ماله وعليه، فإن قال قائل: بل أحدث للناس في أموالهم حكما على النظر لهم
وأمنعهم في أموالهم على النظر لهم قيل له إن شاء الله تعالى أرأيت رجلا له بيت يكون ثلاثة أذرع في
ثلاثة أذرع في دار رجل له مقدرة أعطاه به ما شاء مائة ألف دينار أو أكثر وقيمة البيت درهم أو
درهمان وأعطاه مكانه دارا مع المال أو رقيقا هل يجبر على النظر له أن يأخذ هذا الكثير بهذا القليل؟ أو
رأيت رجل له قطعة أرض بين أراضي رجل لا تساوى القطعة درهما فسأله الرجل أن يبيعه منها ممرا بما
شاء من الدنيا هل يجبر على أن يبيع ما لا ينفعه بما فيه غناه؟ أو رأيت رجلا صناعته الخياطة فحلف
رجل أن لا يستخيط غيره ومنعه هو أن يخيط له فأعطاه على ما الإجازة فيه درهم مائة دينار أو أكثر
أيجبر على أن يخيط له؟ أو رأيت رجلا عنده أمة عمياء لا تنفعه أعطاه بها ابن لها بيت مال هل يجبر
على أن يبيعها؟ فإن قال لا يجبر واحد من هؤلاء على النظر له قلنا وكل هؤلاء يقول إنما فعلت هذا
إضرارا بنفسي وإضرارا للطالب إلى حتى أكون جمعت الامرين فإن قال وإن أضر بنفسه وضار غيره
فإنما فعل في ماله ماله أن يفعل قيل وكذلك حافر البئر في أرض الرجل والمزوق جدار الرجل وناقل
التراب إلى أرض الرجل إنما فعل ماله أن يفعل ومنع ماله أن يمنع من ماله، فإن كان في رد التراب
ودفن البئر ما يشغل الأرض عن ربها حتى يمنعه منفعة في ذلك الوقت، قيل للذي يريد رد التراب
أنت بالخيار في أن ترده ويكون عليك كراء الأرض بقدر المدة التي حبستها عن المنفعة أو تدعه، وقيل
لرب الأرض في البئر لك الخيار في أن تأخذ حافر البئر بدفنها على كال حال، ولا شئ لك عليه لأنه
ليس في موضعها منفعة حتى تكون مدفونة إلا أن يكون لموضعها لو كانت مستوية منفعة فيما بين أن
حكمنا لك بها إلى أن يدفنها فيكون لك أجر تلك المنفعة لأنه شغل عنك شيئا من أرضك (قال
الشافعي) وإن كان الغاصب نقل من أرض المغصوب ترابا كان منفعة للأرض لا ضرر عليها أخذ برده
فإن كان لا يقدر على رد مثله بحال أبدا قومت الأرض وعليها ذلك التراب، وقومت بحالها حين أخذها
255

ثم ضمن الغاصب ما بين القيمتين، وإن كان يقدر على رده بحال وإن عظمت فيه المؤنة كلفه، قال:
وإذا قطع الرجل يد دابة رجل أو رجلها أو جرحها جرحا ما كان صغيرا أو كبيرا، قومت الدابة مجروحة
أو مقطوعة، ثم ضمن ما بين القيمتين ولا يملك أحد مال أحد بجنابة أبدا، قال: وإذا أقام شاهدا أن
رجلا غصبه هذه الجارية يوم الخميس وشاهدا أنه غصبه إياها يوم الجمعة أو شاهدا أنه غصبه إياها
وشاهدا أنه أقر له بغصبه إياها أو شاهدا أنه أقر له يوم الخميس بغصبها وآخر أنه أقر له يوم الجمعة
بغصبها فكل هذا مختلف لأن غصب يوم الخميس غير غصب يوم الجمعة وفعل الغصب غير الاقرار
بالغصب والاقرار يوم الخميس غير الاقرار يوم الجمعة، فيقال له في هذا كله أحلف مع أي شاهديك
شئت واستحق الجارية فإن حلف استحقها، قال: ولو أن أرضا كانت بيد رجل فادعى آخر
أنها أرضه فأقام شاهدا فشهد له أنها أرضه اشتراها من مالك أو ورثها من مالك أو تصدق بها عليه
مالك أو كانت مواتا فأحياها فوصف ذلك بوجه من وجوه الملك الذي يصح وأقام شاهدا غيره أنها
حيزة لم تكن الشهادة بأنها حيزة شهادة ولو شهد عليها عدد عدول إذا لم يزيدوا على هذا شيئا لأن حيزه
يحتمل ما يجوز بالملك وما يجوز بالعارية والكراء ويحتمل ما يلي أرضه وما يلي مسكنه ويحتمل بعطية
أهلها فلما لم يكن واحد من هذه المعاني أولى بالظاهر من الآخر لم تكن هذه شهادة أبدا حتى يزيدوا
فيها ما يبين أنها ملك له وله أن يحلف مع الشاهد الذي شهد له بالملك ويستحق قال ولو شهد له الشاهد
الأول بما وصفنا من الملك وشهد له الشاهد الثاني بأنه كان يجوزها وقف فإن قال بحوزها بملك فقد
اجتمعا على الشهادة وإن قال يحوزها ولم يزد على ذلك لم يجتمعا على الشهادة ويحلف مع شاهد الملك
ويستحق قال وإذا غصب الرجل من الرجل الجارية فباعها من آخر وقبض الثمن فهلك في يديه ثم جاء
رب الجارية والجارية قائمة أخذ الجارية وشيئا إن كان نقصها ورجع المشترى على البائع بالثمن الذي
قبض منه موسرا كان أو معسرا، قال وإذا غصب الرجل الرجل دابة أو أكراه إياها، فتعدى
فضاعت في تعديه فضمنه رب الدابة المغصوب أو المكرى قيمة دابته ثم ظفر بالدابة بعد فإن بعض
الناس وهو أبو حنيفة قال لا سبيل له على الدابة ولو كانت جارية لم يكن له عليها سبيل من قبل أنه أخذ
البدل منها والبدل يقوم مقام البيع (قال الشافعي) وإذا ظهر على الدابة رددت عليه الدابة ورد ما قبض
من ثمنها إن كانت دابته بحالها يوم غصبها أو تعدى بها أو خيرها حالا فإن كانت ناقصة قبضها وما
نقصت ورد الفضل عن نقصانها من الثمن ولا يشبه هذا البيوع إنما البيوع بما تراضيا عليه فسلم له رب
السلعة سلعته وأخرجها من يديه إليه راضيا بإخراجها والمشترى غير عاص في اخذها والمتعدي عاص
في التعدي والغصب ورب الدابة غير بائع له دابته ألا ترى أن الدابة لو كانت قائمة بعينها لم يكن له
أخذ قيمتها فلما كان إنما أخذ القيمة على أن دابته فائتة ثم وجد الدابة كان الفوت قد بطل وكانت الدابة
موجودة ولو كان هذا بيعا ما جاز أن تباع دابته غائبة ولو جاز فهلكت الدابة كان للغاصب والمتعدي أن
يرجع بالثمن ولو وجدت معيبة كان له أن يردها بالعيب فإن قال رجل فهي لا تشبه البيوع ولكنها تشبه
الجنايات قيل له أفرأيت له أن رجلا جنى على عين رجل فابيضت فحكم له بأرشها ثم ذهب البياض
فقائل هذا يزعم أنه يرده بالأرش ويرده ولو حكم له في سن قلعت من صبي بخمس من الإبل ثم
نبتت رجع بالأرش الذي حكم به عليه فإن شبهها بالجنايات فهذا يلزمه فيه اختلاف القول وإن زعم
أنها لا تشبه الجنايات لأن الجنايات ما فات فلم يعد فهذه قد عادت فصارت غير فائتة ولو كان هذا بغير
قضاء قاض فاغتصب رجل لرجل دابة أو أكراه إياها فتعدى عليها فضاعت ثم اصطلحا من ثمنها على
256

شئ يكون أكثر من قيمة الدابة أو مثله أو أقل فالقول فيه كالقول في حكم القاضي لأنه إنما صالحه
على ما لزم الغاصب مما استهلك فلما كان ماله غير مستهلك كان الصلح وقع على غير ما علما أو علم رب
الدابة ولو كان الغاصب قال له أنا اشترتها منك وهي في يدي قد عرفتها فباعه إياها بشئ قد عرفه قل
أو كثر فالبيع جائز فإن جاء الغاصب بالدابة معيبة عيبا يحدث مثله فزعم أنه لم يكن رآه وأن البائع
دلس له به كان القول قول البائع مع يمينه إلا أن يقيم الغاصب البينة على أنه كان في يد المغصوب
البائع أو يكون العيب مما لا يحدث مثله فيكون له رد الدابة ويكون للمغصوب ما نقصها على الغاصب
فإن قال المتعدى بالغصب أو في الكراء إن الدابة ضاعت فأنا أدفع إليك قيمتها فقيل ذلك منه بغير
قضاء قاض فلا يجوز في هذا والله أعلم إلا واحد من قولين أحدهما أن يقال هذا بيع مستأنف
فلا نجيزه من قبل أنه لا يجوز بيع الموتى أو يقال هذا بدل إن كانت ضاعت أو تلفت فيجوز لأن ذلك
يلزمه في أصل الحكم فمن ذهب هذا المذهب لزمه إذا علم بأن الدابة لم تضع أن يكون لرب الدابة
أخذها وعليه رد ما أخذ من قبل أنه إنما أخذ ما كان يلزم له لو كانت ضائعة فلما لم تكن ضائعة كان على
أصل ملكه أو يقول قائل قولا ثالثا فيقول لما رضى بقوله وترك استحلافه كما كان الحاكم مستحلفه لو
ضاعت فلا يكون له الرجوع على حال فأما أن يقول قائل إن كانت عند الغاصب وإنما كذب ليأخذها
فللمشتري أخذها وإن لم تكن عند الغاصب ثم وجدها فليس للمشترى أخذها فهذا لا يجوز في وجه
من الوجوه لأن الذي انعقد إن كان جائزا بكل حال جاز ولم ينتقض وإن كان جائزا ما لم تكن موجودة
منتقضا إذا كانت موجودة فهي موجودة في الحالين فما بالها ترد في إحداهما ولا ترد في الأخرى؟ وإن
كان فاسدا فهو مردود بكل حال وهذا القول لا جائز ولا فاسد ولا جائز على معنى فاسد في آخر (قال
الشافعي) وإذا باع الرجل من الرجل الجارية أو العبد وقبضه منه ثم أقر البائع لرجل آخر أنه عبده
غصبه منه أو أمته غصبها منه قلنا للمقر له بالغصب إن أقمت بينة على الغصب دفعنا إليك أيهما أقمت
عليه البينة ونقضنا البيع وإن لم تقم بينة فإقرار البائع لك إثبات حق لك على نفسه وإبطال حق لغيرك
قد ثبت عليه قبل إقراره لك ولا يصدق في إبطال حق غيره ويصدق على نفسه فيضمن لك قيمة
أيهما أقر بأنه غصبكه إلا أن يجد المشترى العيب أو يكون له خيار فيرده بخياره في العيب وخياره في
الشرط فإذا رده كان على المقر أن يسلمه إليك وإن صدقه المشترى أنه غاصب رده ورجع عليه بالثمن
الذي أخذه منه إن شاء (قال الشافعي) وإذا اغتصب الرجل من الرجل عبدا فباعه من رجل ثم ملك
المغتصب البائع ذلك العبد بميراث أو هبة أو بشراء صحيح أو وجه ملك ما كان ثم أراد نقض البيع
الأول لأنه باع ما لا يملك فإن صدقه المشترى أو قامت بينة فالبيع منتقض أراده أو لم يرده لأنه باع ما
لا يجوز له بيعه وإن لم تقم بينة وقال المشترى إنما ادعيت ما يفسد البيع فالقول قول المشترى مع يمينه
فإن قال البائع بعتك ما أملك ثم قامت بينة أنه اغتصبه ثم ملكه ولم يصدقه المشترى ثبت البيع من قبل
أن البينة إنما تشهد في هذا الوقت للبائع لا عليه فتشهد له بما يرجع به العبد إلى ملكه فيكون مشهودا
له لا عليه وقد أكذبهم فلا ينتقض البيع في الحكم لاكذابه بينته وينبغي في الورع أن يجددا بيعا أو
يرده المشترى قال وإن كانت البينة شهدت فكان ذلك يخرجه من أيديهما جميعا قبلت البينة لأنها عليه
قال وإن باعه وقبضه المشترى ثم أعتقه فقامت بينة بغصب وكان المغصوب أو ورثته قياما رد العتق لأن
البيع كان فاسدا ويرد إلى المغصوب ولو لم تكن بينة وصدق الغاصب والمشترى المدعى أنه غصبه لم يقبل
قول واحد منهما في العتق ومضى العتق ورددنا المغصوب على الغاصب بقيمة العبد في أكثر ما كان قيمة
257

وإن أحب رددناه على المشترى المعتق فإن رددناه على المشترى المعتق رجع على الغاصب البائع بما أخذ
منه لأنه قد أقر أنه باع ما لا يملك والولاء موقوف من قبل أن المعتق يقر أنه أعتق ما لا يملك قال وإذا
غصب الرجل من الرجل الجارية فباعها من رجل والمشترى يعلم أنها مغصوبة ثم جاء المغصوب فأراد
البيع لم يكن البيع جائزا من قبل أن أصل البيع كان محرما فلا يكون لاحد إجازة المحرم ويكون له تجديد
بيع حلال هو غير الحرام فإن قال قائل أرأيت لو أن أمرا باع جارية له وشرط لنفسه فيها الخيار أما كان
يجوز البيع ويكون له أن يختار إمضاءه فيلزم المشترى بأن له الخيار دون البائع؟ قيل بلى فإن قال فما
فرق بينهما؟ قيل هذه باعها مالكها بيعا حلالا وكان له الخيار على شرطه وكان المشترى غير عاص لله
ولا البائع والغاصب والمشترى وهو يعلم أنها مغصوبة عاصيان لله وهذا بائع ما ليس له وهذا مشتر ما لا
يحل له فلا يقاس الحرام على الحلال لأنه ضده ألا ترى أن الرجل المشترى من رب الجارية جاريته لو
شرط المشترى الخيار لنفسه كان له الخيار كما يكون للبائع إذا شرطه؟ أفيكون للمشترى الجارية
المغصوبة الخيار في أخذها أو ردها؟ فإن قال لا قيل ولو شرط الغاصب الخيار لنفسه؟ فإن قال لا من
قبل أن الذي شرط له الخيار لا يملك الجارية قيل ولكن الذي يملكها لو شرط له الخيار جاز فإن قال
نعم قيل له أفلا ترى أنهما مختلفان في كل شئ فكيف يقاس أحد المختلفين في كل شئ على الآخر؟
قال وإذا غصب الرجل من الرجل الجارية فأقر الغاصب بأنه غصبه جارية وقال ثمنها عشرة وقال
المغصوب ثمنها مائة فالقول قول الغاصب مع يمينه ولا تقوم على الصفة من قبل أن التقويم على الصفة لا
يضبط قد تكون الجاريتان بصفة ولون وسن وبينهما كثير في القيمة بشئ يكون في الروح والعقل واللسان
فلا يضبط إلا بالمعاينة فيقال لرب الجارية إن رضيت وإلا فإن أقام بينة فأقام بينة أخذ له ببينته وإن لم
يقمها أحلف له الغاصب وكان القول قوله ولو أقام عليه شاهدين بأنه غصبه جارية فهلكت الجارية في
يديه ولم يثبت الشاهدان على قيمتها كان القول في قيمتها قول الغاصب مع يمينه ولو وصفها الشاهدان
بصفة أنها كانت صحيحة علم أن قيمتها أكثر مما قال الغاصب كان القول قول الغاصب لأنه قد يمكن
أن يكون ثم داء أو غائلة تخفى يصير بها ثمنها إلى ما قال الغاصب فإذا أمكن ما قال الغاصب بحال كان
القول قوله مع يمينه وهكذا قول من يغرم شيئا من الدنيا بأي وجه ما دخل عليه الغرم إذا أمكن أن
يكون القول قوله كان القول قوله ولا يؤخذ منه خلاف ما أقر به إلا ببينة ألا ترى أنا نجعل في الأكثر من
الدعوى عليه القول قوله؟ فلو قال رجل غصبني أولى عليه دين أو عنده وديعة كان القول قوله مع يمينه
ولم نلزمه شيئا لم يقر به فإذا أعطيناه هذا في الأكثر كان الأقل أولى أن نعطيه إياه فيه ولا تجوز القيمة
على ما لا يرى وذلك أنا ندرك ما وصفت من علم أن الجاريتان تكونان في صفة وإحداهما أكثر ثمنا من
الأخرى بشئ غير بعيد فلا تكون القيم إلا على ماعوين أو لا ترى ان فيما عوين لا نولي القيمة فيه إلا
أهل العلم به في يومه الذي يقومونه فيه؟ ولا تجوز لهم القيمة حتى يكشفوا عن الغائلة والأدواء ثم
يقيسوه بغيره ثم يكون أكثر ما عندهم في ذلك تآخى قدر القيمة على قدر ما يرى من سعر يومه فإذا كان
هذا هكذا لم يجز التقويم على المغيب فإن قال صفته كذا ولا أعرف قيمته قلنا لرب الثوب ادع في
قيمته ما شئت فإذا فعل قلنا للغاصب قد ادعى ما تسمع فإن عرفته فأده إليه بلا يمين وإن لم تعرفه فأقر
بما شئت نحلفك عليه وتدفعه إليه فإن قال لا أحلف قلنا فرد اليمين عليه فيحلف عليك ويستحق ما
ادعى إن ثبت على الامتناع من اليمين فإن حلف بعد أن بين هذا له فقد جاء بما عليه وإن امتنع أحلفنا
المدعى ثم ألزمناه جميع ما حلف عليه فإن أراد اليمين بعد يمين المدعى لم نعطه إياها فإن جاء ببينة على
258

أقل مما حلف عليه المدعى أعطيناه بالبينة وكانت البينة أولى من اليمين الفاجرة قال وإذا غصب رجل
من رجل طعاما حبا أو تمرا أو أدما فاستهلكه فعليه مثله إن كان يوجد له مثل بحال من الحال وإن لم
يوجد له مثل فعليه قيمته أكثر ما كان قيمة قط قال وإذا غصب رجل لرجل أصلا فأثمر أو غنما
فتوالدت وأصاب من صوفها وألبانها كان لرب الأصل والغنم وكل ماشية أن يأخذ ماشيته وأصله من
الغاصب إن كان بحاله حين غصبه أو خيرا وإن نقص أخذه والنقصان ورجع عليه بجميع ما أتلف من
الثمرة فأخذ منه مثلها إن كان لها مثل أو القيمة إن لم يكن لها مثل وقيمة ما أتلف من نتاج الماشية ومثل
ما أخذ من لبنها أو قيمته إن لم يكن له مثل ومثل ما أخذ من صوفها وشعرها إن كان له مثل وإلا قيمته
إن لم يكن له مثل قال وإن كان أعلفها أو هنأها وهي جرب أو استأجر عليها من حفظها أو سقى
الأصل فلا شئ له في ذلك (قال الشافعي) وأصل ما يحدث الغاصب فيما اغتصب شيئان أحدهما
عين موجودة تميز وعين موجودة لا تميز والثاني أثر لا عين موجودة فأما الأثر الذي ليس بعين موجودة
فمثل ما وصفنا من الماشية يغصبها صغارا والرقيق يغصبهم صغارا بهم مرض فيداويهم وتعظم نفقته
عليهم حتى يأتي صاحبهم وقد أنفق عليهم أضعاف أثمانهم وإنما ماله في أثر عليهم لا عين ألا ترى أن
النفقة في الدواب والأعبد إنما هو شئ صلح به الجسد لا شئ قائم بعينه مع الجسد وإنما هو أثر؟
وكذلك الثوب يغسله ويكمده وكذلك الطين يغصبه فيبله بالماء ثم يضربه لبنا فإنما هذا كله أثر ليس بعين
من ماله وجد فلا شئ له فيه لأنه ليس بعين تتميز فيعطاه ولا عين تزيد في قيمته ولا هو موجود
كالصبغ في الثوب فيكون شريكا له والعين الموجودة التي لا تتميز أن يغصب الرجل الثوب الذي قيمته
عشرة دراهم فيصبغه بزعفران فيزيد في قيمته خمسة فيقال للغاصب إن شئت أن تستخرج الزعفران
على أنك ضامن لما نقص من الثوب وإن شئت فأنت شريك في الثوب لك ثلثه ولصاحب الثوب ثلثاه
ولا يكون له غير ذلك وهكذا كل صبغ كان قائما فزاد فيه وإن صبغه بصبغ يزيد ثم استحق الصبغ فإنما
يقوم الثوب فإن كان الصبغ زائدا في قيمته شيئا قل أو كثر فهكذا وإن كان غير زائد في قيمته قيل له
ليس لك ههنا مال زاد في مال الرجل فتكون شريكا له به فإن شئت فاستخرج الصبغ على أنك
ضامن لما نقص الثوب وإن شئت فدعه قال وإن كان الصبغ مما ينقص الثوب قيل له أنت أضررت
بصاحب الثوب وأدخلت عليه النقص فإن شئت فاستخرج صبغك وتضمن ما نقص الثوب وإن شئت
فلا شئ لك في صبغك وتضمن ما نقص الثوب كل حال قال ومن الشئ الذي يخلطه الغاصب بما
اغتصب فلا يتميز منه أن يغصبه مكيال زيت فيصبه في زيت مثله أو خير منه فيقال للغاصب إن
شئت أعطيته مكيال زيت مثل زيته وإن شئت أخذ من هذا الزيت مكيالا ثم كان غير مزداد إذا كان
زيتك مثل زيته وكنت تاركا للفضل إذا كان زيتك أكثر من زيته ولا خيار للمغصوب لأنه غير منتقص
فإن كان صب ذلك المكيال في زيت شر من زيته ضمن الغاصب له مثل زيته لأنه قد انتقص زيته
بتصييره فيما هو شر منه وإن كان صب زيته في بان أو شيرق أو دهن طيب أو سمن أو عسل ضمن في
هذا كله لأنه لا يتخلص منه الزيت ولا يكون له أن يدع إليه مكيالا مثله وإن كان المكيال منه خيرا
من الزيت من قبل أنه غير الزيت ولو كان صبه في ماء إن خلصه منه حتى يكون زيتا لا ماء فيه وتكون
مخالطة الماء غير ناقصة له كان لازما للمغصوب أن يقبله وإن كانت مخالطة الماء ناقصة له في العاجل
والمتعقب كان عليه أن يعطيه مكيالا مثله مكانه (قال الربيع) ويعطيه هذا الزيت بعينه وإن نقصه الماء
ويرجع عليه بنقصه وهو معنى قول الشافعي (قال الشافعي) ولو اغتصب زيتا فأغلاه على النار فنقص
259

كان عليه أن يسلمه إليه وما نقص مكيلته ثم إن كانت النار تنقصه شيئا في القيمة كان عليه أن يغرم له
نقصانه وإن لم تنقصه شيئا في القيمة فلا شئ عليه ولو اغتصبه حنطة جديدة خلطها برديئة كان كما
وصفت في الزيت يغرم له مثلها بمثل كيلها إلا أن يكون يقدر على أن يميزها حتى تكون معروفة وإن
خلطها بمثلها أو أجود كان كما وصفت في الزيت قال ولو خلطها بشعير أو ذرة أو حب غير الحنطة كان
عليه أن يؤخذ بتمييزها حتى يسلمها إليه بعينها بمثل كيلها وإن نقص كيلها شيئا ضمنه قال ولو اغتصبه
حنطة جيدة فأصابها عنده ماء أو عفن أو أكلة أو دخلها نقص في عينها كان عليه أن يدفعها إليه وقيمة
ما نقصها تقوم بالحال التي غصبها والحال التي دفعها بها ثم يغرم فضل ما بين القيمتين قال ولو عصبه
دقيقا فخلطه بدقيق أجود منه أو مثله أو أردأ كان كما وصفنا في الزيت قال وإن غصبه زعفرانا وثوبا
فصبغ الثوب بالزعفران كان رب الثوب بالخيار في أن يأخذ الثوب مصبوغا لأنه زعفرانه وثوبه ولا
شئ له غير ذلك أو يقوم ثوبه أبيض وزعفرانه صحيحا فإن كانت قيمته ثلاثين قوم ثوبه مصبوغا
بزعفران فإن كانت قيمته خمسة وعشرين ضمنه خمسة لأنه ادخل عليه النقص قال وكذلك إن غصبه
سمنا وعسلا ودقيقا فعصده كان للمغصوب الخيار في أن يأخذه معصودا ولا شئ للغاصب في الحطب
والقدر والعمل من قبل أن ماله فيه أثر لا عين أو يقوم له العسل منفردا والسمن والدقيق منفردين فإن
كان قيمته عشرة وهو معصود قيمته سبعة غرم له ثلاثة من قبل أنه أدخل عليه النقص، ولو غصبه دابة
وشعيرا فعلف الدابة الشعير رد الدابة والعشير من قبل أنه هو المستهلك له وليس في الدابة عين من الشعير
يأخذه إنما فيها منه أثر قال ولو غصبه طعاما فأطعمه إياه والمغصوب لا يعلم كان متطوعا بالاطعام وكان
عليه ضمان الطعام وإن كان المغصوب يعلم أنه طعامه فأكله فلا شئ له عليه من قبل أن سلطانه إنما
كان على أخذه طعامه فقد أخذه قال ولو اختلفا فقال المغصوب أكلته ولا أعلم أنه طعامي وقال الغاصب
أكلته وأنت تعلمه فالقول قول المغصوب مع يمينه إذا أمكن أن يكون يخفى ذلك بوجه من الوجوه
(قال الربيع) وفيه قول آخر أنه إذا أكله عالما أو غير عالم فقد وصل إليه شيئه ولا شئ على الغاصب إلا
أن يكون نقص عمله فيه شيئا فيرجع بما نقصه العمل (قال الشافعي) وإن غصبه ذهبا فحمل عليه
نحاسا أو حديدا أو فضة أخذ بتمييزه بالنار وإن نقصت النار ذهبه شيئا ضمن ما نقصت النار وزن ذهبه
وسلم إليه ذهبه ثم نظرنا فإن كانت النار نقصت من ذهبه شيئا في القيمة ضمن له ما نقصته النار في
القيمة وقال ولو سبكه مع ذهب مثله أو أجود أو أردأ كان هذا مما لا يتميز وكان القول فيه كالقول في
الزيت قال ولو اغتصبه ذهبا فجعله قضيبا ثم أضاف إليه قضيبا من ذهب غيره أو قضيبا من نحاس أو
فضة ميز بينهما ثم دفع إليه قضيبه إن كان بمثل الوزن الذي غصبه به ثم نظر إليه في تلك الحال وإليه في
الحال التي غصبه إياه فيها معا فإن كانت قيمته حين رده أقل منها حين غصبه ضمن له فضل ما بين
القيمتين وإن كانت مثله أو أكثر أخذ ذهبه ولا شئ له غير ذلك ولا للغاصب في الزيادة لأن الزيادة
من عمل إنما هو أثر قال ولو غصبه شاة فأنزى عليها تيسا فجاءت بولد كانت الشاة وللولد للمغصوب
ولا شئ للغاصب في عسب التيس من قبل شيئين أحدهما أنه لا يحل ثمن عسب الفحل والآخر أنه
إنما هو شئ أقره فيها فانقلب الذي أقر إلى غيره والذي انقلب ليس بشئ يملكه إنما يملكه رب الشاة
قال ولو غصبه نقرة ذهب فضربها دنانير كان لرب النقرة أن يأخذ الدنانير إن كانت بمثل وزن النقرة
وكانت بمثل قيمة النقرة أو أكثر ولا شئ للغاصب في زيادة عمله إنما هو أثر وإن كانت ينقص وزنها
أخذ الدنانير وما نقص الوزن قال وإن كان قيمتها تنقص مع ذلك أخذ الدنانير وما نقص الوزن وما
260

نقص القيمة قال وان غصبه خشبة فشقها ألواحا أخذ رب الخشبة الألواح فإن كانت الألواح مثل قيمة
الخشبة أو أكثر أخذها ولا شئ للغاصب في زيادة قيمة الألواح على الخشبة من قبل أن ماله فيها أثر
لا عين وإن كانت الألواح أقل قيمة من الخشبة أخذها وفضل ما بين القيمتين قال ولو أنه عمل هذه
الألواح أبوابا ولم يدخل فيها شيئا من عنده كان هكذا ولو أدخل فيها من عنده حديدا أو خشبا غيرها
كان عليه أن يميز ماله من مال المغصوب ثم يدفع إلى المغصوب ماله وما نقص ماله إذا ميز منها خشبه
وحديده إلا أن يشاء أن يدع له ذلك متطوعا، قال وكذلك لو أدخل لوحا منها في سفينة أو بنى على
لوح منها جدارا كان عليه أن يؤخذ بقلع ذلك حتى يسلمه إلى صاحبه وما نقصه قال وكذلك الخيط
يخيط به الثوب وغيره فإن غصبه خيطا فخاط به جرح إنسان أو حيوان ضمن قيمته ولم يكن
للمغصوب أن ينزع خيطه من إنسان ولا حيوان حي فإن قال قائل ما فرق بين الخيط يخاط به الثوب
وفى إخراجه إفساد للثوب وفى إخراج اللوح إفساد للبناء والسفينة وفى إخراج الخيط من الجرح إفساد
للجرح (1) فإن زعمت أن أحدهما يخرج مع الفساد والآخر لا يخرج مع الفساد؟ قيل له إن هدم
الجدار وقلع اللوح من السفينة ونقض الخياطة ليس بمحرم على مالكها لأنه ليس في شئ منها روح
تتلف ولا تألم فلما كان مباحا لمالكها كان مباحا لرب الحق أن يأخذ حقه منها واستخراج الخيط من
الجرح تلف للمجروح وألم عليه ومحرم عليه أن يتلف نفسه وكذلك محرم على غيره أن يتلفه إلا بما أذن
الله تعالى به فيه من الكفر والقتل وكذلك ذوات الأرواح ولا يؤخذ الحق بمعصية الله تعالى وإنما يؤخذ بما
لم يكن لله معصية (قال الربيع) وفيه قول آخر إن كان الخيط في حيوان لا يؤكل فلا ينزع لأن النبي
صلى الله عليه وسلم نهى أن تصبر البهائم وإن كان في حيوان يؤكل نزع الخيط لأنه حلال له أن يذبحها
ويأكلها (قال الشافعي) قلت أرأيت إن كان الغاصب معسرا وقد صبغ الثوب صبغا ثم قال أنا أغسله
حتى أخرج صبغي منه لم نمكنه (2) أن يغسله فينقص على ثوبي وهو معسر بذلك قال وإذا جنى الحر
على العبد جناية تكون نفسا أو أقل حملتها عاقلة الحر، إن كانت خطأ وقامت بها بينة فإن قال قائل
وكيف ضمنت العاقلة جناية حر على عبد؟ قيل له لما كانت العاقلة تعقل بسنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم جناية الحر على الحر في النفس وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم جناية الحر على الجنين وهو
نصف عشر نفس دل ذلك على أن ما جنى الحر من جناية خطأ كانت على عاقلته وعلى أن الحكم في
جناية الحر خطأ مخالف للحكم في جناية الحر العمد وفيما استهلك الحر من عروض الآدميين فإن قال
قائل فلم لم تجعل العبد عرضا من العروض وإنما فيه قيمته كما يكون ذلك في العروض؟ قيل جعل الله
عز وجل على القاتل خطأ تحرير رقبة ودية مسلمة إلى أهل المقتول فكان ذلك في الآدميين دون العروض
والبهائم ولم أعلم مخالفا في أن على قاتل العبد تحرير رقبة كما هي على قاتل الحر ولا أن الرقبة في مال
القاتل خاصة فلما كانت الدية في الخطأ على العاقلة كانت في العبد دية كما كانت فيه رقبة وكان داخلا
في جملة الآية وجملة السنة وجملة القياس على الاجماع في أن فيه عتق رقبة فإن قال قائل فديته
ليست كدية الحر؟ قيل والديات مسنة الفرض في كتاب الله تعالى ومبينة العدد في سنة رسول الله صلى

(1) قوله: فإن زعمت، لعل صوابه: " كأنك زعمت " الخ وحرر. كتبه مصححه.
(2) قوله: لم نمكنه الخ كذا بالأصول والامر سهل.
261

الله عليه وسلم وفى الآثار (1) فإنما يستدرك عددها خبرا ألا ترى أن العاقلة تعقل دية الحر والحرة وهما
يختلفان ودية اليهودي والنصراني والمجوسي وهم عندنا مخالفوا المسلم؟ فكذلك تعقل دية العبد وهي
قيمته فإن قال قائل ما الفرق بين العبد والبهيمة في شئ غير هذا؟ قيل نعم بين العبيد عند العامة
القصاص في النفس وعندنا في النفس وفيما دونها وليس ذلك بين بعيرين لو قتل أحدهما صاحبه وعلى
العبيد فرائض الله من تحريم الحرام وتحليل الحلال وفيهم حرمة الاسلام وليس ذلك في البهائم فإن كان
الجاني عبدا على حر أو عبد لم تعقل عنه عاقلته ولا سيده وكانت الجناية في عنقه دون ذمة سيده يباع
فيها فيدفع إلى ولى المجني عليه ديته فإن فضل من ثمنه شئ رد على صاحبه فإن لم يفضل من ثمنه شئ
أو لم يبلغ الدية بطل ما بقي منه لأن الجناية إنما كانت في عنقه دون غيره وترك أن يضمن سيده عنه
والعاقلة في الحر والعبد مالا أعلم فيه خلافا وفيه دلالة على أن العقل إنما حكمة بالجاني لا بالمجني عليه
ألا ترى أنه لو كان بالمجني عليه ضمنت عاقلته لسيد العبد ثمن العبد إذا قتل الحر فلما كانت لا تضمن
ذلك عنه وكانت جنايته على الحر والعبد سواء في عنقه كانت كذلك جناية الحر على العبد والحر سواء
على عاقلته وكان الحر يعقل عنها كما تعقل عنه قال وإذا استعار الرجل من الرجل الدابة إلى موضع
فتعدى بها إلى غيره فعطبت في التعدي أو بعد ما ردها إلى الموضع الذي استعارها منه قبل أن تصل إلى
مالكها فهو لها ضامن لا يخرج من الضمان إلا بأن يوصلها إلى مالكها سالمة وعليه الكراء من حيث
تعدى بها مع الضمان قال وإذا تكارى الرجل من الرجل الدابة من مصر إلى أيلة فتعدى بها إلى مكة
فماتت بمكة وقد كان قبضها من ربها ثمن عشرة فنقصت في الركوب حتى صارت بأيلة ثمن خمسة ثم
سار بها عن أيلة فإنما يضمن قيمتها من الموضع الذي تعدى بها منه فيأخذ كراءها إلى أيلة الذي أكرها
به ويأخذ قيمتها من أيلة خمسة ويأخذ فيما ركب منها بعد ذلك فيما بين أيلة إلى مكة كراء مثلها لا على
حساب الكراء الأول، قال وإذا وهب الرجل للرجل طعاما فأكله الموهوب له أو ثوبا فلبسه حتى
أبلاه وذهب، ثم استحقه رجل على الواهب فالمستحق بالخيار في أن يأخذ الواهب لأنه سبب إتلاف
ماله فإن أخذه بمثل طعامه أو قيمة ثوبه فلا شئ للواهب على الموهوب له إذا كانت هبته إياه لغير
ثواب ويأخذ الموهوب له بمثل طعامه وقيمة ثوبه لأنه هو المستهلك له، فإن أخذه به فقد اختلف في أن
يرجع الموهوب له على الواهب، وقيل لا يرجع على الواهب لأن الواهب لم يأخذ منه عوضا فيرجع
بعوضه وإنما هو رجل غره من أمر قد كان له أن لا يقبله، قال وإذا استعار الرجل من الرجل ثوبا
شهرا أو شهرين فلبسه فأخلقه ثم استحقه رجل آخر أخذه وقيمة ما نقصه اللبس من يوم أخذه منه وهو
بالخيار في أن يأخذ ذلك من المستعير اللابس أو من الآخذ لثوبه، فإن أخذه من المستعير اللابس،
وكان النقص كله في يده لم يرجع به على من أعاره من قبل أن النقس كان من فعله ولم يغر من ماله
بشئ فيرجع به، وإن ضمنه المعير غير اللابس فمن زعم أن العارية مضمونة، قال للمعير أن يرجع به
على المستعير لأنه كان ضامنا، ومن زعم أن العارية غير مضمونة لم يجعل له أن يرجع على بشئ لأنه
سلطه على اللبس، وهذا قول بعض المشرقيين، والقول الأول قياس قول بعض أصحابنا الحجازيين
وهو موافق للآثار وبه نأخذ ولو كانت المسألة بحالها غير أن مكان العارية أن المستعير تكارى الثوب كان

(1) قوله: فإنما يستدرك الخ كذا في بعض الأصول، وفى بعضها فإنما " يستدل الخ " باللام وبعد فلتحرر.
كتبه مصححه.
262

الجواب فيها كالجواب في الأولى إلا أن المستكري إذا ضمن شيئا رجع به على المكرى لأنه غيره من
شئ أخذ عليه عوضا، وإنما لبسه على أن ذلك مباح له بعوض ويكون لرب الثوب أن يأخذ قيمة
إجارة ثوبه، قال: وإذا ادعى الرجل قبل الرجل دعوى فسأل أن يحلف له المدعى عليه أحلفه له
القاضي، ثم قبل البينة من المدعى فإن ثبتت عليه بينة أخذ له بها وكانت البينة العادلة أولى من اليمين
الفاجرة وسواء كانت بينة المدعى المستحلف حضورا بالبلد أو غيبا عنه فلا يعدو هذا واحدا من وجهين
إما أن يكون المدعى عليه إذا حلف برئ بكل حال قامت عليه بينة أو لم تقم وإما أن يكون إنما يكون
بريئا ما لم تقم عليه بينه فإذا قامت بينة فالحكم عليه أن يؤخذ منه بها وليس لقرب الشهود وبعدهم
معنى ولكن الشهود إن لم يعدلوا اكتفى فيه باليمين الأولى ولم تعد عليه يمين، وإنما أحلفناه أولا أن
الحكم في المدعى عليه حكمان أحدهما أن لا يكون عليه بينة فيكون القول قوله مع يمينه، أو يكون
عليه بينة فيزول هذا الحكم ويكون الحكم عليه أن يؤخذ منه بالبينة العادلة ما كان المدعى يدعى ما
شهدت به بينته أو أكثر منه، قال: وإذا غصب الرجل من الرجل قمحا فطحنه دقيقا نظر فإن كانت
قيمة الدقيق مثل قيمة الحنطة أو أكثر فلا شئ للغاصب في الزيادة ولا عليه لأنه لم ينقصه شيئا وإن
كانت قيمة الدقيق أقل من قيمة الحنطة رجع على الغاصب بفضل ما بين قيمة الدقيق والحنطة ولا شئ
للغاصب في الطحن لأنه إنما هو أثر لا عين (1)
263

مسألة المستكرهة
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال: في الرجل يستكره المرأة أو الأمة يصيبها أن
لكل واحدة منهما صداق مثلها ولا حد على واحدة منهما ولا عقوبة وعلى المستكره حد الرجم إن كان
ثيبا والجلد والنفي إن كان بكرا، وقال: محمد بن الحسن لا حد عليهما ولا عقوبة وعلى المستكره الحد
ولا صداق عليه ولا يجتمع الحد والصداق معا وكان الذي احتج فيه من الآثار عن قيس بن الربيع عن
جابر عن الشعبي وهو يزعم أن مثل هذا لا يكون حجة، وقد احتج بعض أصحابنا فيه أن مالكا أخبره
عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم قضى في امرأة استكرهها رجل بصداقها على الذي استكرهها،
وقال: الذي احتج بهذا أن مروان رجل قد أدرك عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان له علم
ومشاورة في العلم وقضى بهذا بالمدينة ولم يرفعه فزعم محمد بن الحسن أن قضاءه لا يكون حجة،
وقال: أبو حنيفة لو أن رجلا أصاب امرأة بزنا فأراد سقوط الحد عنه تحامل عليها حتى يفضيها يسقط
الحد وصارت جناية يغرمها في ماله وهذا يخالف الأول (قال الشافعي) وإذا كان زانيا يقام عليه الحد
قبل أن يفضيها وهو لم يخرج بالافضاء من الزنا ولم يزدد بالافضاء إلا ذنبا (قال الربيع) الذي يذهب
إليه الشافعي أنه إذا حلف ليفعلن فعلا إلى أجل فمات قبل الأجل أو فات الذي حلف ليفعلنه به قبل
الأجل فلا حنث عليه لأنه مكره وإذا حلف ليفعلن فعلا ولم يسم أجلا فأمكنه أن يفعل ذلك فلم يفعل
حتى مات أو فات الذي حلف ليفعلنه به أنه حانث.
انتهى الجزء الثالث، ويليه: الجزء الرابع.
وأوله: " كتاب الشفعة "
264