الكتاب: المجموع
المؤلف: محيى الدين النووي
الجزء: ١١
الوفاة: ٦٧٦
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

المجموع
شرح المهذب
للإمام أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 ه‍
الجزء الحادي عشر
دار الفكر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(باب بيع العرايا)
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(واما العرايا وهو بيع الرطب على النخل بالتمر على الأرض خرصا فإنه يجوز للفقراء فيخرص
ما على النخل من الرطب وما يجئ منه من التمر إذا جف ثم يبيع ذلك بمثله تمرا ويسلمه قبل التفرق
والدليل عليه ما روى محمود بن لبيد قال (قلت لزيد بن ثابت ما عراياكم هذه فسمى رجالا محتاجين
من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه
مع الناس وعندهم فضول من قوتهم من التمر فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يبتاعوا العرايا بخرصها
من التمر الذي في أيديهم يأكلونها رطبا). الوكيل في القبول أو النجاشي وظاهر ما في أبى داود والنسائي أن
2

(الشرح) حديث زيد بن ثابت في العرايا ثابت في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما ولفظ البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا وألفاظ أخر غير ذلك
(وأما) ما ذكره المصنف من رواية محمود بن لبيد فلم أرها الا في كلام الشافعي رضي الله عنه فيها فيما
ذكر محمود بن لبيد قال (سألت زيد بن ثابت عن عراهم هذه التي يحلونها فقال فلان وأصحابه شكوا إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يحضر وليس عندهم ذهب ولا ورق يشترون بها وعندهم فضل عن قوت
سنتهم فأرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتروا العرايا بخرصها من التمر يأكلونها رطبا) * وقال الشافعي
أيضا في كتاب البيوع من الام قيل لمحمود بن لبيد أو قال محمود بن لبيد لرجل من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم إما زيد بن ثابت وإما غيره ما عراياكم هذه قال فلان وفلان وسمى رجالا محتاجين من
الأنصار وذكر معنى ما تقدم ونقله البيهقي في المعرفة عن الشافعي كذلك معلقا لم يذكر له إسنادا
يتصل به وأشار ابن حزم إلى تضعيفه بقوله إن الشافعي ذكر فيه حديثا لا يدرى أحد منشأه
3

ولا مبدأه ولا طريقه وذكره أيضا بغير إسناد فبطل أن يكون فيه حجه يعنى في اختصاصها بالفقراء
وهذا سيأتي الكلام فيه والمقصود هنا أنها تجوز للفقراء وذلك لا نزاع فيه وقد ذكر الترمذي هذا
المعنى من غير تعيين رواية قال لما ذكر حديث العرايا في جامعه ومعنى هذا عند بعض أهل العلم أن النبي
صلى الله عليه وسلم أراد التوسعة عليهم في هذا لأنهم شكوا إليه وقالوا لا نجد ما نشتري من التمر الا بالتمر
فرخص لهم فيما دون خمسة أوسق ان يشتروها فيأكلوها رطبا. لكن يحتمل أن يكون مراد
الترمذي ببعض العلماء الشافعي وقال الماوردي ولم يسنده الشافعي لأنه نقله من السير وجعلت أولاد
الصحابة الذين ولدوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معدود أيضا من الصحابة على الصحيح فهو
صحابي ابن صحابي من كبار العلماء وقوله ما عراياكم هذه لان زيدا كان أكبر منه واعلم بسنن
النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يبينها له وقد رأيت في الوافي في شرح المهذب كلاما لولا تفرق النسخ لكنت
أزلته غيره قال سمعت فقيها يقول إن محمود بن لبيد ساعتئذ كان يهوديا فلذلك قال هذا الكلام وكان
الواجب أن يمحى هذا من الكتاب لولا تفرق النسخ فلا حول ولا قوة إلا بالله نعوذ بالله أن نقول
4

ما لا نعلم ولولا خشيت أن يطالعه بعض الضعفة فيعتقد صحته وينقله ما تعرضت له ولا نقلته لكن
نبهت عليه خوفا من أن يغتر به فيوقع بسببه في نسبة هذا الرجل العظيم إلى مثل هذا فنسأل الله
تعالى أن يعصمنا من الزلل بمنه وكرمه. والعرايا جمع عرية وهي تفرد صاحبها للاكل ووزن العرية
فعيلة واختلف في اشتقاقها على قولين قيل بمعنى فاعله وهو قول الأزهري وابن فارس ويكون من
عرى يعرى كأنها عريت من جملة النخيل فعريت أي خلت وخرجت كما يقال عرى الرجل إذا تجرد
من ثيابه وعلى هذا تكون لام الكلمة ياء كهدية وجمعه فعائل كصحيفة وصحائف كذلك عرية
وعراءي - بهمزة بعد المدة مكسورة وبعدها ياء - ثم فتحت هذه الهمزة العارضة في الجمع فصار عرائي
تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا فصار عراء ثم إنهم كرهوا اجتماع ألفين بينهما همزه مفتوحة
لان الهمزة كأنها الف فكأنه اجتمع ثلاث الفات فأبدلوا من الهمزة ياء فقالوا عرايا فليس وزنها فعالى لأن هذه
الياء ليست أصلية وإنما وزنه فعايل وهذه الابدال والعمل واجب وكل هذه القواعد محكمة
في علم التصريف ومثل هدية وهدايا وقد قالوا في جمعه أيضا هداوا فأكثر النحويين
جعلوا ذلك شاذا والأخفش قاس عليه وردوا عليه بأنه لم ينقل منه الا هذه اللفظة أعني هداوا فلم
يأت مثل عداوى وشبهه وإنما كتب بالياء كحنيه وحنايا ومنية ومنايا قال شيخنا الأستاذ أبو حيان
محمد بن يوسف بن حيان الأندلسي فسح الله في مدته لو ذهب ذاهب إلى أن وزن هذا الجمع كله
فعالى لكان مذهبا حسنا بعيدا من التكلف وإنما دعا النحويين إلى ذلك التقديرات حملهم جمع
المعتل على الصحيح فأجروا ذلك مجرى صحيفة وقد تكون أحكام للمعتل لا للصحيح وأحكام للصحيح
لا للمعتل ويقال هو عرو من هذا الامر أي خلو منه ويقال لساحل البحر العراء لأنه خلو من النبات
5

قال الله تعالى (فنبذناه بالعراء وهو سقيم) وقيل بمعنى مفعوله من عراه يعروه إذا أتاه وتردد إليه لان
صاحبها يتردد إليها ويقال أعريته النخلة أي أطعمته ثمرتها بعروها قال الخطابي كما يقال طلب إلى
فاطلبته وهذا قول أبى عبيد الهروي وجوز أيضا أن يكون بمعنى فاعله كما تقدم فعلى القول الثاني
تكون لامها واوا أصلها عريوة اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء ثم
أدغمت إحداهما في الأخرى ثم فعل بجمعه كما فعل به من غير فرق الا أنه على هذا القول يكون
كمطية لا كهدية وهذا الوزن متى كانت لامه واوا اعتلت في المفرد كان حكمه حكم ما لامه ياء بخلاف
الذي لامه واو صحت في المفرد فله حكم آخر والله أعلم. وأما المراد بها هنا فعندنا هو بيع الرطب على
رؤوس النخل بالتمر على وجه الأرض والعرايا نوع من المزابنة رخص فيه قال أهل اللغة الأزهري
والهروي وغيرهما إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة وهي بيع التمر في رؤس النخل بالتمر رخص من جملة
المزابنة فيما دون خمسة أوسق وهو أن يجئ الرجل إلى صاحب الحائط فيقول له بعني من حائطك
ثلاث نخلات بأعيانها بخرصها من التمر فيبيعه إياها ويقبض الثمن ويسلم إليه النخلات يأكلها ويتمرها
قال الشافعي رضي الله عنه في الام في كتاب البيوع في باب بيع العرايا بعد ما ذكر أحكام العرايا
بالتفسير المشهور والعرايا ثلاثة أصناف هذا الذي وصفنا أحدهما وجماع العرايا كلما أفرد ليأكله خاصة
ولم يكن في جملة البيع من ثمر الحائط إذا بيعت جملة من واحد. والصنف الثاني أن يخص رب الحائط
القوم فيعطى الرجل ثمر النخلة وثمر النخلتين وأكثر هدية يأكلها وهذه في معنى المنحة من الغنم
يمنح الرجل الرجل الشاة أو الشاتين وأكثر ليشرب لبنها وينتفع به وللمعرى أن يبيع ثمرها ويتمره
ويصنع فيه ما يصنع في ماله لأنه قد ملكه. والصنف الثالث أن يعرى الرجل الرجل النخلة وأكثر من
حائطه ليأكل ثمرها ويهديه ويتمره ويفعل فيه ما أحب ويبيع ما بقي من ثمر حائطه فتكون هذه
6

مفرد من المبيع منه جملة وقد روى أن مصدق الحائط يأمر الخارص أن يدع لأهل البيت من
حائطهم قدر ما يراهم يأكلون ولا يخرجه لتؤخذ زكاته وقيل قياسا على ذلك أن يدع ما أعرى
المساكين منها فلا يخرصه وهذا بتعبيره في كتاب الخرص انتهى كلام الشافعي رحمه الله تعالى
وهذا الذي ذكره الشافعي من كونه يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكلها أهله نقله الأصحاب في
كتاب الزكاة قولا ونقله النووي هناك عن نصه في البويطي في البيوع والقديم قال
أبو عبيد القاسم بن سلام العرية النخلة يعريها صاحبها رجلا محتاجا والاعراء أن يجعل له ثمرة عامها
فرخص لرب النخل أن يبتاع ثمر تلك النخلة من المعرى بتمر لدفع حاجته قال وقال بعضهم بل هو الرجل يكون
له النخلة في وسط نخل كثير لرجل آخر فيدخل رب النخلة إلى نخلته وربما كان مع صاحب النخل الكثير أهله
في النخل فيؤذيه بدخوله فرخص لصاحب النخل الكثير أن يشترى ثمر تلك النخلة من صاحبها قبل أن يجذه
7

بتمر لئلا يتأذى به قال أبو عبيد والتفسير الأول أجود لان هذا ليس فيه اعراء إنما هي نحلة يملكها ربها
فكيف تسمى عريه ومما يعين ذلك قول شاعر الأنصار يصف النخل
ليست بسنهاء ولا دجية * ولكن عرايا في السنين الجوائح
يقول أنا نعيرها الناس والسنهاء الخفيفة الحمل والدجية الثقيلة الحمل التي قد انحنت من ثقل
حملها قاله ابن الصباغ وروى أبو عبيد عن مكحول قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث الخراص
قال خففوا الخرص فان في المال العرية والوصية (قلت) وقد ورد في حديث زيد بن ثابت في معجم
الطبراني بسند صحيح رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرايا النخلة والنخلتين توهبان للرجل
فيبيعهما بخرصهما تمرا لكن ليس في ذلك تخصيص ان الذي يبتاعهما هو الواهب ولا أن ذلك لدفع حاجته
فهذا أولى ما يعتمد في تفسيرها وهو مخالف للقولين اللذين قالهما أبو عبيد. قال الماوردي العرايا ثلاثة
(مواساة) وهي ما يعطى للمساكين وذلك سنة (ومحاباه) وهي ما يتركها الخارص لمن يخرص نخله
8

ليأكلها علما أنه سيتصدق منه بأكثر من عشرها فذلك جائز لقوله صلى الله عليه وسلم (وإذا
خرصتم فدعوا لهم الثلث فدعوا الربع) (المراضات) اختلف الفقهاء فيها فقال الشافعي رضي الله عنه
بيع الرطب خرصا على النخيل بمكيله تمرا على الأرض في خمسة أوسق فأقل مع تعجيل القبض
وذكر مذهب مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما وسنذكرهما إن انشاء الله تعالى. والرخصة اثبات الحكم
على خلاف الدليل وقد ذكروا في حدها عبارات مختلفة أحسنها الاطلاق مع قيام المقتضى للمنع
لغرض التوسيع فقولنا الاطلاق نريد به إباحة الاقدام التي تشتمل الواجب والمندوب والمباح وقولنا
مع قيام المقتضي للمنع احتراز من قتل قاطع الطريق وشبه فإنه قد يقال إنه شرع مع الاسلام
المقتضى للمنع مما ليس كذلك فلا يسمى رخصة وزاد بعضهم في حال حريته احتراز من القصاص
فانهه قاعدة كلية لكن يرد عليه السلام والإجارة وما أشبههما. ثم الرخصة قد يكون سببها الضرورة
9

كأكل المضطر الميتة وقد يكون سببها الحاجة كالعرايا فلما كان الدليل قائما على تحريم بيع الرطب
بالتمر ووردت العرايا على خلافه سمى ذلك رخصة والخرص بكسر الخاء نص عليه ابن فارس والمراد
منه المخروص وأما الخرص بالفتح فهو المصدر وهو الحذر يقال خرص العبد يخرصه ويخرصه بضم الراء
وكسرها في المضارع خرصا وخرصا بالفتح والكسر حذره قاله ابن سيده ثم قال وقيل الخرص
المصدر والخرص الاسم والخراص الحذار (وأما) حكم المسألة فذلك مما لا خلاف فيه في المذهب وهو
مذهب أكثر أهل العلم منهم مالك وأهل المدينة والأوزاعي وأهل الشام وأحمد واسحق وأبو عبيد
وداود ومن تبعهم من أهل العلم كلهم ذهبوا إلى أن ذلك جائز وجعلوه مستثنى من وجهة نهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر وعن بيع الرطب بالتمر كذلك قال ابن المنذر وخالف في ذلك
أبو حنيفة وأصحابه ولمالك رحمه الله تعالى في ذلك بعض مخالفة سأذكرها إن شاء الله تعالى قال
الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب اختلاف الحديث وهو في الجزء السادس عشر من الام مخالفونا
10

معا في العرايا لا نجيز بيعها وقالوا نرد بيعها بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المزابنة ونهيه عن الرطب
بالتمر وهي داخلة في المعنيين قال الشافعي رحمه الله تعالى فقيل لبعض من قال هذا منهم فان أجاز
انسان بيع المزابنة بالعرايا لان النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز بيع العرايا قال ليس ذلك له قلنا هل الحجة عليه
الإلهي عليكم في أن يطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحل ما أحل ويحرم ما حرم وبحث
الشافعي رحمه الله تعالى في ذلك إلى أن قال قال فكيف نقول قلت أحل ما أحل من بيع العرايا
وأحرم ما حرم من بيع المزابنة وبيع الرطب بالتمر عن العرايا وان علم أن لم يرد بما حرم ما أحل ولا بما
أحل ما حرم فأطيعه في الامرين وما علمتك الا عطلت نص قوله في العرايا وعامة من روى النهى عن
المزابنة روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا فلم يكن للتوهم ههنا موضع فنقول الحديثان مختلفان
انتهى كلام الشافعي رحمه الله تعالى. وقال في الاملاء فلا موضع للتوهم في أن يكون أحد الامرين
قبل الآخر فيقال أحدهما ناسخ يعنى لان رواة أحدهما هم رواة الآخر. وقال في كتاب البيوع من الام
11

ما ملخصه إن العرايا داخلة في بيع الرطب بالتمر والمزابنة وذلك منهى عنه وخارجه منه منفردة بخلاف
حكمه إما بأن لم يقصد بالنهي قصدها واما بان أرخص فيها من جملة ما نهى عنه وكان الشافعي رحمه الله تعالى
أشار بهذا التأويل في كلامه إلى النهى عن بيع الرطب بالتمر وعن المزابنة هل هو عام مخصوص أو
عام أريد به الخصوص والله أعلم. والفرق بينهما أن الذي أريد به الخصوص يكون المراد فيه
متقدما على اللفظ ويكون ما ليس بمراد متأخرا والعام المخصوص يكون متأخرا عن اللفظ أو مقارنا ويكون
المراد باللفظ أكثر مما ليس بمراد ذكر ذلك الماوردي وأطلق على العام المخصوص أنه أريد به
العموم ولا يرد عليه أنه متى أريد عمومه كان الاخراج بعد ذلك نسخا لان المراد إرادة العموم
باللفظ ثم الاخراج منه كما يقول له على عشرة الا ثلاثة فأن العشرة مراده وليس هو كقوله سبعة
على المشهور والله أعلم. أشار الجوزي إلى أن قول الشافعي لم يقصد بالنهي قصدها أنها ليست
داخلة في المزابنة يعنى ويكون الاستثناء منقطعا وهو خلاف ما قاله الشافعي فإنه صرح مع ذلك أنها
12

داخلة وقال في باب آخر من الام أيضا انها يعنى المزابنة جملة عامة المخرج أريد به الخصوص ويحتمل
أن يكون التردد المذكور في كلام الشافعي في أن الرخصة هل وردت مع النهى عن المزابنة على
سبيل الاستثناء ووردت وحدها بغير ذلك كما سنذكر في ذلك احتمالين للأصحاب وعلى ذلك حمله
ابن الرفعة وعلى ذلك يدل كلامه في الرسالة فإنه قال إن أولى الوجهين عنده أن يكون أراد بها ما
سوى العرايا وأنه يحتمل أن يكون رخص فيما بعد دخولها في جملة النهى وإن كان مراد الشافعي
ذلك فلعله لم يبلغه حديث زيد الثابت في مسلم أن الرخصة كانت بعد ذلك وقد قال الشافعي ان
أولى الوجهين عنده أن يكون ما نهى عنه جملة أراد به ما سوى العرايا وحديث زيد يقتضى أن يكون
الثاني هو الأولى بل المتعين وعلى ما حملته عليه لا يدفعه حديث زيد لأنه تكون الرخصة بعد ذلك
13

مبينة للعام المتقدم وقد أعاد الشافعي الكلام في ذلك في اختلاف الحديث وهو في الجزء السادس
عشر من الام في باب بيع الرطب من الطعام باليابس وجزم القول بأن المزابنة من العام الذي
يراد به الخاص والعرايا لم تدخل في نهيه يعنى لم تدخل في الإرادة وجزم هناك بأنه لا يجوز الا أقل
من خمسة أوسق وأن الزائد منعه من مفهوم الحديث والتوقيت فيه قال ولو قال قائل هو داخل في
المزابنة لكان مذهبنا يصح عندنا. واعتلت الحنفية بأمور (منها) حمل العرية على الهبة كما هو التفسير
الثاني الذي يدل عليه شعر شاعر الأنصار قالوا فكأنه رخص لمن وهب ثمر نخلة لرجل ولم يقبض أن
يعطيه عوض ذلك تمرا ويرجع فيها وسماه بيعا لان ما دفع إليه من التمر كالعوض عما وهب به فتحمل
14

العرية على الحقيقة والبيع على المجاز واختلفوا على هذا في الرخصة فقيل إنها عائدة إلى المعرى لأنه وعد
فاخلف قال الدينيني (1) الحنفي يعزى ذلك إلى عيسى بن أبان وقيل إنها عائدة إلى المعرى لأنه أخذ
العوض عما لم يملكه قالوا وأنتم تحملون البيع على الحقيقة والعرية على المجاز وهذا ممنوع لأنه تقدم
أن للعرية تفسيرين فلا مجاز ولو سلم لوجب حمله على ما قلناه كما دل عليه كلام الشافعي وقاله المصنف
في النكت لوجوه (أحدها) أن المنهى عنه في أول الجزء البيع فيجب أن يكون المستثنى أيضا بيعا (والثاني)
أن الرخصة لا تكون إلا عن خطر والخطر في البيع لا في الرجوع في الهبة (والثالث) أنه قدر

(1) كذا بالأصل فحرر
15

بخمسة أوسق وما قالوه لا يختص (والرابع) ما تقدم من حديث محمود بن لبيد واعتلوا أيضا بأنه إذا لم يجز
البيع بالخرص وهو على الأرض فعلى النخل أولى لأنه أقرب إلى الغرور (وأجاب) المصنف في النكت
بأنه هنا تدعو الحاجة إليه وفى الأرض لا تدعو الحاجة إليه لأنه لا يمكنه أن يأكل الرطب مع الناس
. وقد يجوز مع كثرة الغرر للحاجة إليه وما لا يجوز مع قلة الغرر لعدم الحاجة كما قالوا في السلم المؤجل يجوز مع
كثرة الغرر ولا يجوز الحال مع قلة الغرر وقال الشيخ ولان في الأرض لم يجعل الخرص طريقا
لمعرفة المقدار وفى الشجر جعل الخرص طريقة لمعرفة المقدار ويعرف بها التساوي في حال الادخار
وهذا الجواب من المنصف يقتضى انه قائل بأنه لا يجوز بيع الرطب بالتمر في الأرض فيما دون خمسة
أوسق وهو الصحيح من المذهب وفيه خلاف تقدم عن صاحب التتمة وسأذكره إن شاء الله تعالى
واعتلوا أيضا بأن ذلك كان قبل تحريم الربا ويبطله استثناؤها من المزابنة وهذا يدل على أنه بعد تحريم
الربا ولأنه لو كان كذلك لم يحتج إلى الخرص واعتلوا أيضا بأمور أخر لا متعلق لهم بها (وأما) مالك
رحمه الله تعالى فهو وان وافق على مقتضى الحديث يفسر العرايا بتفسير أخص مما يقوله الشافعي وهو
16

أن يهب الرجل الرجل تمر نخله أو نخلات ثم يتضرر بمداخله الموهوب له فيشتريها بخرصها تمرا وهذه
الصورة عندنا من جملة العرايا لكن الخلاف معه في قصرها على ذلك فقال إنه لا يجوز بيعها من غير
صاحب البستان إلا بعرض أو نقد ونحن نقول يجوز وقال إنه يجوز ذلك نسيئة وزاد حتى قال
لا يجوز نقدا على ما يحكى عنه وعلى هذا لا تبقى صورة في العرايا يحصل فيها اتفاق بيننا وبينه لان ما دون
خمسة أوسق نجيزه نحن نقدا ولا نجيزه نسيئا في بعض الصور وجوز شراءها
لمعريها ولورثته وكذلك يجوز عنده شراء ثمرة نحلة أصلها لغيره في حائطه قال وليس بقياس ولكنه
موضع تخفيف ونقل الماوردي عنه أنه يجوز ذلك جبرا ويجريه مجرى الشفعة خوفا من سوء المشاركة
واختلفت المالكية في علة الجواب في منعها من المعرى فقيل لوجهين أم لدفع ضرر دخوله
وخروجه أو لمرفق في الكفاية وقال بعض كبار أصحاب مالك رحمه الله لا يجوز إلا لدفع الضرر
خاصة وأنه إذا أعرى خمسة أوسق أو دونها لم يجز أن يشترى بعض عريته لان الضرر الذي أرخص به قائم قاله قاله في تهذيبهم قال الشافعي في اختلاف الحديث ووافقنا بعض أصحابنا
في جملة قولنا في بيع العرايا ثم عاد فقال لاتباع إلا من صاحبها الذي أعراها إذا تأذى بدخول الرجل
عليه بتمر إلى الجذاذ قال الشافعي رضي الله عنه كما عليه أجلها فتحل لكل مشتر ولا أحرمها فنقول قول
من حرمها وزاد فقال تباع بتمر نسيئة والنسيئة عنده في الطعام حرام وزاد أن أجلها إلى الجذاذ فجعل
الطعام بالطعام إلى أجل مجهول لان الجذاذ مجهول واحتج المنتصرون لمالك رحمه الله في تفسير
العرية بذلك بقول ابن عمر كانت العرايا أن يعرى الرجل في ماله النخلة والنخلتين رواه البخاري
17

تعليقا عن محمد بن إسحاق وقال البخاري وقال يزيد عن سفيان بن حسين العرايا نخل كانت توهب
للمساكين فلا يستطيعون أن ينتظروا بها رخص لهم أن يبيعوا بما شاءوا من التمر وبشعر شاعر
الأنصار المتقدم (قلت) وقد وجدت لهم ما هو أولى بأن يتعلقوا به فمن ذلك وهو الحديث الذي تقدم
قريبا عن معجم الطبراني عن زيد بن ثابت قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرايا النخلة والنخلتين
يوهبان للرجل فيبيعانها بخرصها تمرا وليس فيه دليل لأنه لم يخص أن الواهب هو الذي يبتاع كما تقدم
وكما سنذكره إن شاء الله تعالى قال الإمام أبو الفتح بن دقيق العيد ويشهد لتأويل مالك أمران
أحدهما أن العرية مشهورة بين أهل المدينة متداولة بينهم وقد نقلها مالك هكذا (والثاني) قوله
رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها فإنه يشعر باختصاصه بصفة يتميز بها عن غيره وهي الهبة
الواقعة (قلت) أما الأول فإنه معارض بقول يحيى بن سعيد الأنصاري أحد شيوخ مالك وهو أيضا مدني
عالم ففي صحيح مسلم عن يحيى بن سعيد أنه قال العرية أن يشترى الرجل تمر النخلات بطعام أهله
رطبا بخرصها تمرا وهذا هو قولنا وأما الثاني فان الهبة هي التي يتميز بها عن غيره مختصة بمشترى
العرية لا ببائعها فلو كان كذلك لقال رخص لصاحب العرية أن يشتريها والحديث إنما قال أن
بيعها واما قول ابن عمر وحديث زيد بن ثابت الذي ذكرته لهم فليس فيه ما يدفع قولنا ونحن
18

نسلم أن العرية كانت تطلق على ذلك لان الاشتقاق حاصل فيها وهو كونها مفردة وأكثر ما كان
يقع الافراد بذلك السبب ولذلك جاءت الرخصة لأصحاب العرايا على ما هو الغالب ولكنه لم يقل أن
يبيعها من معريها بل أطلق فيبقى على اطلاقه وله ان يبيعها ممن شاء ولهذا في حديث سهل بن أبي
حثمة الذي في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص في بيع العرية النخلة والنخلتين يأخذها أهل البيت
بخرصها تمرا يأكلونها رطبا فقوله أهل البيت مطلق وليس في شئ من الأحاديث الواردة
في ذلك أن ذلك يختص ببيعها من المعرى فيتعين أن يكون جواز البيع مطلقا من كل أحد ولا يضرنا
أن نسلم أن أصحاب العرايا هم الذين وهبت له النخلات وردت الرخصة لهم في البيع (فأن قلت) فعلى هذا لا تكون
الرخصة للبائع والظاهر من حديث زيد وغيره أن الرخصة للمشترى الذي لا نقد بيده رخص له أن يشترى
الرطب لحاجته إليه بالتمر (قلت) الرخصة لكل منهما رخص للمشترى أن يشترى كذلك ورخص للبائع أن يبيع
لأنه كان ممنوعا قبل ذلك من بيع الرطب بالتمر وسبب الرخصة في حقه أمران (أحدهما) حاجة المشترى إليه وهو
الذي لا رطب عنده أعني الذي تقتضي العادة أنه يطلب شراء الرطب ويرشد إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (يأكلونها
رطبا) (والثاني) أن أصحاب العرايا هم المساكين الذين وهبت منهم وظاهر حالهم الحاجة وقد لا تصبر النفس
على أكل الرطب دائما وتطلب التمر الذي هو القوت المعتاد عندهم ولا كذلك أصحاب النخيل الذين
ليسوا من المساكين فأنهم مستغنون عن البيع في الحال جملة وظاهر حالهم الغنى عن شراء الرطب
والتمر معا فلذلك والله أعلم وردت الرخصة في حق أصحاب العرايا لأنهم مظنة البيع لا لان فيهم
19

معنى مصححا للبيع ليس في غيرهم فأصحاب العرايا هم البائعون والمشترى لم يرد في شئ من
الأحاديث فيه تقييد الا في حديث محمود بن لبيد عن زيد من ذكر المحاويج وليس أولئك بمقصودين
بأصحاب العرايا والله أعلم. ومما يبعد ما ذهبت إليه المالكية أنه لو كان الرخصة في ذلك لأجل
ضرر المداخلة لم تفترق الحال بين خمسة أوسق وما فوقها وقد سلمت المالكية اختصاصها بالخمسة
الأوسق كما في الحديث والله أعلم. واشترط الحرقي من الحنبلية كون العرية موهوبة من بائعها
كما قاله مالك والظاهر عندهم خلافه والله أعلم. وقد جمع الماوردي مرجحات المذهب في خمسة
أوجه استثناؤها عن المزابنة واثباتها بلفظ الرخصة المشعر بتقدم الخطر وبلفظ البيع المقتضى عوضها
واعتبار المساواة بالخرص وتقديرها بقدر مخصوص وبسط ذلك معلوم مما تقدم قال القاضي أبو الطيب
والمسألة مبنية على السنة ولا قياس فيها يتعول عليه. وقد أفاد كلام المصنف في التصوير شروطا كلها
موجودة في مختصر المزني (أحدها) أن يخرص ما على النخيل من الرطب أي رطبا ويخر ص
ما يجئ منه إذا جف فيأتي المتبايعان إلى النخل ويحررانها ويقولا فيها الآن وهي رطب ستة
أوسق مثلا وإذا يبست وجفت صارت أربعة أوسق فتباع بأربعة أوسق تمرا فأن زاده على الأربعة
مدا أو نقصه مدا لم يجز لظهور التفاضل ولا يضر كون الرطب الآن أكثر من خمسة أوسق فأما
خرصه رطبا فلابد منه وان يخرص ما يجئ منه جافا فسيأتي فيه شئ عن أحمد في الشرط الثالث
مما نحن نتكلم فيه أن شاء الله تعالى في كيفية الخرص مستوفى في باب زكاة النبات (الثاني) أن
يكون الثمن الذي يباع به معلوما بالكبل لقوله ثم يبيع ذلك بقدره وهذا خلاف فيه عند القائلين
20

بإباحة بيع العرايا ومستنده حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا
أن تباع بخرصها كيلا هذا لفظ البخاري ومسلم جميعا قال البخاري وقال ابن إدريس لا يكون إلا
بالكيل من التمر يدا بيد لا يكون بالجزاف ومما يقويه قول سهل بن أبي حثمة بالأوسق الموسقة هذا
لفظ البخاري يريد بذلك أن الأوسق لا تكون الا كيلا ولان الأصل اعتبار الكيل من الطرفين
سقط في أحدهما للتعذر فيجب في الآخر على الأصل وان ترك الكيل من الطرفين بكثرة الغرر
وفى تركه من أحدهما تقليل الغرر ولا حاجة إلى التطويل في ذلك فإنه لا خلاف فيه فلا يجوز بيع
تمر جزافا وقد صرح بذلك الشافعي في الام والروياني في البحر وابن إدريس الذي نقل البخاري
عنه هو عبد الله بن إدريس الأودي وعلى ذهني أن بعضهم قال إنه الشافعي ولم يحضرني موضعه
الآن والمشهور الأول (الثالث) أن يكون البيع بقدر ما يجئ منه تمرا ولا يضر كون الرطب الآن
أكثر من خمسة أوسق كما تقدم تمثيله وهذا هو المشهور عند القائلين بالعرايا ونقل حنبل عن أحمد
أنه قال بخرصها رطبا ويعطى تمرا خرصه قال ابن قدامة منهم وهذا يحتمل الأول أنه يشتريها بتمر
مثل الرطب الذي عليها لأنه بيع اشترطت المماثلة فيه فاعتبرت حال البيع كسائر البيوع ولان
الأصل اعتبار المماثلة في حال وأن لا يباع الرطب بالتمر خولف الأصل في بيع الرطب بالتمر فبقي
ما عداه على قصة الدليل والصحيح عندهم خلاف هذا والجواب عن الدليلين المذكورين لا يخفى
وعلى الاحتمال الآخر يكون خرصها تمرا لا حاجة إليه عندهم قال القاضي والأول أصح لأنه مبني على
خرص الثمار في العشر والصحيح ثم خرصه تمرا (الرابع) أن يتقابضا فمتى تفرقا قبل
21

التقابض فسد العقد نص عليه الشافعي رحمه الله تعالى والأصحاب من غير خلاف فيه والتقابض
في التمر ظاهر بالكيل والنقل (وأما) في الرطب الذي على النخيل فبالتخلية بين المشترى وبين النخلة
هكذا نص الشافعي والأصحاب وهذا المراد بقوله وليسلم إليه قبل التفرق قال الشافعي رحمه الله تعالى
في الام ولا يجوز البيع فيها حتى تقبض النخلة بثمرها ويقبض صاحب النخلة التمر بكيله
ولا خلاف عندنا وعند الحنابلة في ذلك وقد تقدم من حكاية الشافعي وعن مالك جواز ذلك إلى الجذاذ
وبحثه في ذلك كاف واستشكل ابن الرفعة الاكتفاء بالتخلية إذا قلنا بالقديم وهو أن التمرة تكون من
ضمان البائع إلى أن (1) القطع ولا يشترط حضور التمر عند تمر النخيل بل لو تبايعا بعد رؤية
التمرة والثمرة ثم خلى بينه وبين الثمرة ثم مشيا إلى التمر فسلمه جاز قاله القاضي أبو الطيب
وابن الصباغ والمتولي والبغوي قال الرافعي ويشترط في هذه المدة أن لا يفترقا قال الماوردي فإذا
افترقا لزمت العرية ولا خيار ثم للمشترى بعد ذلك أن يجتني ثمرة النخلة حالا بعد حال عند ادراكها
(فرع) لو باع الرطب على الأرض بالتمر هل يجرى حكم العرايا فيه فيصبح في خمسة أوسق
أو دونها قال المحاملي لا خلاف على المذهب أنه يجوز لان معنى العرايا لا يوجد فيه وبذلك جزم
كثيرون وقد حكى في طريق المراوزة وجهان حكاهما الفوراني والمتولي والامام وأما الزائد على
الخمسة فلا يصح جزما وقد تقدم التنبيه على ذلك.

(1) بياض بالأصل فحرر
22

(فرع) قال صاحب التتمة إذا اشترى الرطب بالتمر يعنى في العرايا فأن أكل الرطب ولم يجففه
فالعقد ماض على الصحة وإن جففه فكان بقدر التمر أو كان التفاوت بقدر ما بين الكيلين فالعقد
نافذ وإن ظهر بينهما تفاوت ظاهر يحكم ببطلان العقد ما يوجب الفساد جزم بذلك المتولي
ولم يحك فيه خلافا وذكره صاحب البحر عن بعض أصحابنا كما في التتمة وأقتصر عليه وكذلك في
تعليق القاضي حسين أنه قاله بعد السؤال في الدرس وفيه أنه يصح من الكثير بقدر القليل
ولمشتري الكثير الخيار حكاه البغوي والرافعي.
(فرع) يجوز أن يقع العقد على الذمة فيقول بعتك ثمرة هذه النخلة بكذا وكذا من التمر
ويصفه ويجوز أن يقع على معين فيكيل من التمر بقدر خرصها ثم يقول بعتك هذا بهذا فان باعه بمعين فقبضه
بنقله وان باعه بموصوف فقبضه باكتياله ولا يتفرقا قبل القبض قاله المحاملي وهو مذهب أحمد أيضا.
(فرع) قال الشافعي رحمه الله تعالى والحائجة في العرايا والبيع غيرهما سواء.
(فرع) قال الماوردي والروياني لا تجوز العرية الا فيما بدا صلاحه بسرا كان أو رطبا فنبه
بذلك على اشتراط بدو الصلاح وعلى أن حكم البسر حكم الرطب وقل من نبه عليه من الأصحاب وعلل
الروياني الأول بأنه وقت الحاجة (وأما) الثاني فلان الحاجة إلى البسر كالرطب والله أعلم. وقد
تقدم عن الماوردي الخلاف في بيع الطلع بالتمر وذلك في غير العرايا فهذا الكلام من هنا يجب أن
يكون تفريعا على القول بالمنع هناك ومتى جاز فيها بطريق أولى.
23

قال المصنف رحمه الله تعالى.
(وهل يجوز للأغنياء فيه قولان (أحدهما) لا يجوز وهو اختيار المزني لان الرخصة وردت
في حق الفقراء والأغنياء لا يشاركونهم في الحاجة فبقي في حقهم على الحظر (والثاني) أنه يجوز لما
روى سهل بن أبي حثمة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر الا أنه رخص في العرايا أن تبتاع
بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا ولم يفرق ولان كل بيع جاز للفقراء جاز للأغنياء كسائر البيوع).
(الشرح) حديث سهل هذا رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى وغيرهما ولفظ البخاري أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر ورخص في بيع العرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبا ولفظ مسلم قريب منه
وفى رواية الترمذي زيادة وعن بيع العنب بالزبيب وعن كل تمر بخرصه بعد قوله العرايا. واللفظ الذي ذكره
المصنف لفظ رواية الشافعي كذلك عنه في السنن من رواية المزني وفى المسند من رواية الربيع في السنن
العرايا وفى المسند العرية وفيهما يأكلها أهلها رطبا والأهل الذين يأكلونها رطبا هم المشترون بلا
شك وفى رواية البخاري الأخرى يبيعها أهلها فجعل الأهل بائعين ويصح اطلاق الأهل على كل منهما على
البائع قبل البيع وعلى المشترى بعده لكن قوله يأكلونها رطبا لا يصلح أن يعود على الأهل البائعين
لأنهم لا يأكلونها رطبا بل يأخذون الثمن فهو عائد على معلوم في النفس وان لم يجرى له ذكر أي يأكلها
الذين يبتاعونها رطبا وقد يتعسف متعسف فيجعل الأهل في قوله يبيعها أهلها منصوبا ويكونوا
مشترين لا بائعين أي يبيعها من أهلها ويصح عود الضمير عليه بعد ذلك إن كان باع لا يتعدى إلى
مفعولين لنفسه والله أعلم. والخرص بالكسر تقدم التنبيه عليه (وأما) حكم المسألة ففيها طريقان (أصحهما)
القطع بعموم الرخصة للأغنياء والفقراء وهذه الطريقة مقتضى كلام أبى حامد والمحاملي كما ستعرفه
ونسبها الماوردي إلى جمهور الأصحاب وهي الظاهرة من كلام الشافعي (والثانية) فيها قولان وهي التي
24

أوردها القاضي أبو الطيب والمصنف والعمراني والبغوي والرافعي وآخرون وحكاهما الفوراني وجهين
(أحدهما) يختص بالفقراء ولا يجوز للأغنياء وهو اختيار المزني والمشهور عن أحمد كما ذكره المصنف
وهذا نظر إلى حديث محمود قد تقدم أنه ليس في الكتب المشهورة لكني وجدت على حاشية نسخة
شيخنا الدمياطي من المهذب إشارة بخط غيره تقتضي نسبة ذلك إلى مسند أحمد فعلى هذا لأغنياء
لا يشاركونهم في ذلك فيبقى على الأصل من تحريم المزابنة المجمع عليه الثابت بالأحاديث المشهورة ولم
أر هذا القول منصوصا للشافعي ولكن المزني في المختصر قال اختلف ما وصف الشافعي في العرايا قال لم
الشيخ أبو حامد إنه يشير بذلك إلى أو أن الشافعي قال في موضع آخر يختص بذلك المحتاجون قال
الشيخ أبو حامد وليس الامر على ما قدره وإنما الشافعي تكلم على بطلان قول مالك حيث قال
ذلك في الواهب يشترى الرطب من الموهوب له بالتمر فقال لا يمكنك على هذا استعمال
قوله في الخبر (يأكلها أهلها رطبا (لان من يشترى الرطب على هذا الوجه لا يشتريه ليأكله
مع الناس فان جميع بستانه الرطب وإنما يشتريه ليدفع عن نفسه المضرة بدخول الموهوب له عليه
وعلى عياله والخبر يقتضى انه يشتريه ليأكله مع الناس فقصد هذا دون تخصيص أهل الحاجة باتباع
ذلك ومنع الأغنياء منه وهذا الذي قاله الشيخ أبو حامد صحيح ويؤيده أن المزني نقل ذلك عن
اختلاف الحديث والاملاء والذي فيهما ما ذكر دون القول بالمنع فينبغي أن يقطع بقول الجواز ولا
يعزى للشافعي غيره ويجعل قول المنع مذهبا للمزني والله أعلم. وهو مقتضى كلام أبى حامد
والمحاملي ونبه المصنف بقوله الأغنياء لا يشاركونهم في الحاجة على امتناع القياس لعدم المشاركة في
العلة لا لأجل ذلك واردا على سبيل الرخصة فان مذهبنا جواز القياس في الرخص إذا حصل
25

الاشتراك في العلة كغيرها وسيأتي في توجيه القول الثاني ما يظهر به الجواب عما قاله المزني
وقد تلقنه الشيخ أبو محمد عن الأصحاب فصحح هذا القول ونظر فيه لي حدوث محمود
ابن لبيد عن زيد مع أصل سنذكره عنه وجوابه إن شاء الله تعالى (والقول الثاني) يجوز
وهو ظاهر المذهب والمنصوص في الام قال الشافعي في الام والذي أذهب له أن لا بأس
أن يبتاع الرطب للعرايا فيما دون خمسة أوسق وإن كان مؤبرا وصححه جماعة منهم الامام
والرافعي والنووي وابن أبي عصرون وقد تقدم أن جماعة جزموا به ومن جملتهم سليم
في الكفاية وغيره لم يذكروا فيه خلافا وهو المختار ورواه إسماعيل بن سعيد عن أحمد بن حنبل
لاطلاق حديث سهل بن أبي حثمة فإنه لم يفرق بين الفقراء والأغنياء لأرحامه صلى الله عليه وسلم في العرايا من غير
تقييد بالضرورة ولأنه أنما يريد الرطب شهوة ولو اعتبرت الضرورة لرخص في صاع ونحوه بما يزيلها
وقد أبيح أكثر منه (فان قلت) إذا كانت الرخصة مطلقه في بعض الأحاديث مقيدة في بعضها فهلا حملتم
المطلق على المقيد (قلت) ليس ما نحن فيه من هذا القبيل لان الاطلاق والتقييد من عوارض الألفاظ
فإذا ورد لفظ مطلق ولفظ مقيد بقيد لفضى فهو الذي يحمل فيه المطلق على المقيد بشرطه وأما هنا
فليس في لفظ الشارع ذكر قيد الحاجة وإنما رخص لأقوام وقرينة الحال ما هم عليه وسؤالهم يقتضى
26

أن علة الرخصة لهم الحاجة فإذا ورد الترخيص مطلقا في موضع آخر لم يجب تقييدها بذلك المعنى الذي
ظنناه وهو الحاجة ليس معتبرا بل كانت الرخصة لهم لأنهم أصحاب الواقعة وغيرهم في حكمهم وأما أن
تكون حاجتهم اقتضت مشروعية ذلك لهم ولغيرهم فان الحكم قد ثبت عاما لمعنى موجود في بعض
الناس كقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) والمراد إما الصحابة والعرب وإما النفوس
الكريمة وعلى كل تقدير فهم بعض الأمة فما تنفر عنه طباعهم فهو الخبائث وما تميل إليه فهو الطيبات
وغيرهم تبع لهم في ذلك وقد يكون الحكم ثابتا لعلة توجد في الكثير قطعا وتعدم في القليل قطعا
كالاسكار وقد يكون ثابتا لعلة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ثم زالت كالرمل المشروع
لاظهار الجلد والقوة قال ابن عبد السلام (1) وبقاء هذا الحكم لسبب يخلف ذلك السبب الأول
وهو انا نتذكر في زماننا سبب هذا الفعل لان النفس طالبة للتعليل فنطلع على السبب الأول فنعلم حينئذ
أن الله تعالى كثرنا بعد القلة وأعزنا بعد الذلة وأن الاسلام أظهره الله على الدين كله ونتذكر أحوال
السلف الصالح وهذه فائدة جاءت استطرادا (فان قلت) لم يرد أيضا لفظ مطلق في الرخصة من الشارع
حتى يتمسك به وإنما الألفاظ التي وردت في ذلك كلها من الرواة يذكرون أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص
في العرايا وهذه حكاية حال لا عموم فيها ولا إطلاق فجاز أن يكون مرادهم بتلك الرخصة التي صدرت

(1) بياض بالأصل
27

منه صلى الله عليه وسلم للمحلويج وحينئذ لا يبقى دليل على ثبوتها لغيرهم (قلت) الجواب من وجهين (أحدهما) أن
المتعمد في الأصول أن الراوي إذا حكى واقعة حكى واقعة بلفظ عام كقوله نهى عن الغرر وقضى بالشفعة للجار
وما أشبهه أنه على العموم وأن الحجة في المحكى والحكاية معا خلافا لما قاله بعض المتأخرين فإنه لو
كان المراد قصة المحاويج لم يجز حكايتها بلفظ العموم لأنها رخصة في عرايا خاصة لا في كل العرايا فلما
أتى الراوي بلفظ عام وهو من أهل اللسان وجب اعتقاد أن المحكى مطابق له في العموم (والثاني) أن
معنا ههنا قرينة ترشد إلى أن القصة المنقولة غير قصة المحاويج وهو قوله رخص لصاحب العرية
وتلك الرخصة لم تكن لصاحب العرية بل للمحاويج الذين يشترون منه كما تقدمت الإشارة إليه
والله أعلم. قال الشافعي في الام وكثير من الفرائض قد نزلت بأسباب قوم فكان لهم وللناس عامة
إلا ما بين الله تعالى أنه أحل لضرورة أو خاصة ومن جهة القياس أن كل ما جاز ابتياعه للفقير جاز
للغنى كسائر الأشياء وقد أورد الشيخ تاج الدين عبد الرحمن أن الشافعي رضي الله عنه قطع القول
بالتقييد المذكور في حديث أبي هريرة من المقدار ولم يعتبر التقييد المذكورة من السبب في الحديث
28

محمود فلابد من التسوية أو الفرق ويعني ذلك على أنه من باب حمل المطلق على المقيد وقد
تقدم الجواب عنه في دعوى التقييد بالفقراء وأما التقييد بالمقدار فلان ذلك منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم
فلما كان التقييد من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم حملنا المطلق عليه وأما التقييد بالمحاويج فليس من لفظ النبي
صلى الله عليه وسلم كما تقدم تقريره فهذا هو الفرق والله أعلم. (فان قلت) قد قررت أن الراجح عند الأصوليين
أن قوله رخص في العرايا وأمثاله عام وإذا كان كذلك فيكون التقييد بالمقدار في حديث أبي هريرة
ذكرا لبعض أفراد العموم وذلك لا يقتضى التخصيص فتبقى الرخصة على عمومها (قلت) هذا غير سؤال
الاطلاق والتقييد الذي تعرض له ومع ذلك فالجواب عنه من وجهين (أحدهما) أن التخصيص ليس
بذكرا بعض الافراد بل بمفهوم قوله فيما دون خمسة أوسق أو خمسة أوسق والمفهوم تخصيص العموم
(والثاني) أنا لو أبحنا العرايا في القليل والكثير لزل تحريم المزابنة وجميع أحاديث الرخصة تقتضي
ورودها في شئ ولفظ العرية ينزل على انفرادها عن سائر الأشجار وذلك يشعر بالقلة
وليس في جميع الرطب بالتمر فلابد من الرجوع إلى مقدار وقد ثبت ذلك في حديث أبي هريرة
رضي الله عنه فتعين الحمل عليه بخلاف تعميمها في الفقراء والأغنياء فلم يصدنا عنه صاد ولا فيه مخالفة
بل هو أمر مقطوع به والله أعلم (فان قلت) فيجب على من يقول في الأصول بحمل المطلق على المقيد أن
29

لا يحمله ههنا وتبقى الرخصة على عمومها في القليل والكثير (قلت) يصدعن ذلك الوجه الثاني الذي ذكرته
الآن وأيضا فان المذاهب الثلاثة القائلين بالعرايا متفقون على المقيد هذا كله مع ما في
حديث محمود بن لبيد عن زيد الذي يتمسك به في الاختصاص بالفقراء من عدم الاتصال الموجب
لعدم الحكم عليه بالصحة والله أعلم. وبنى الغزالي الخلاف في ذلك على أن الخرص أصل بنفسه
يقام مقام الكل أو ليس كذلك فيتبع مورد النص فعلى الأول نلحق الأغنياء بهم وعلى الثاني تتردد
وهذا كما سأذكره إن شاء الله تعالى عن الامام في الحاق بقية الثمار بالرطب والبناء على ذلك المعنى
هناك متجه وأما هنا فبعيد والشيخ أبو محمد بناه في السلسلة على الأصل الذي سيحكيه عن الأصحاب
من أن العرايا هل أحلت بعد تحريم المزابنة أم لم تدخل في التحريم أصلا وسيأتي ذلك إن شاء الله
تعالى والله أعلم.
(فرع) إذا قلنا بالقول الأول فما ضابط المعنى المعتبر في ذلك لم يتعرض أكثرهم لذلك وقال
الجرجاني لما حكى القولين يختص ذلك بمن لا نقد بيده على القول الآخر وكذلك عبارة صاحب
30

التتمة فإنه قال بيع العرايا صحيح من الفقراء الذين لا نقد لهم يشترون به الرطب فاما الأغنياء فخلاف
وقال الروياني في البحر قال المزني لا يجوز إلا للمعرى المضطر وأصحابنا لم يمنعوا الكلام في ذلك لأن الصحيح
عندهم خلاف هذا القول وإنما يحتاج إلى ذلك الحنابلة فأن المشهور عندهم أنها لاطلاق
الرخصة والله أعلم. قال ابن قدامة الحنبلي متى كان غير محتاج إلى أكل الرطب أو كان محتاجا ومعه
من التمر ما يشترى به العرية لم يجز له شراؤها بالتمر.
(فرع) لا يشترط عندنا حاجة البائع إلى البيع جزما خلافا لبعض الحنابلة واشترطت
الحنابلة لبقاء العقد ان يأكلها أهلها رطبا فان تركها حتى تصير تمرا بطل العقد ونحن نخالفهم في ذلك
واشترط الخرقي من الحنابلة كونها موهوبة من بائعها كما تقدم عن المالك وقالت الحنابلة فيما إذا تركها
حتى صارت تمرا لا فرق بين تركه لغناه عنها أو تركها لعذر أو لغير عذر وأخذوا في ذلك بظاهر قوله
صلى الله عليه وسلم (يأكلها أهلها رطبا) ولا دليل لهم في ذلك لان المقصود بذلك ذكر الغاية المقصودة لا الاشتراط
ويلزمهم على ما قالوه أنه متى لم يأكلها بطل العقد وقد سلموا أنه لا يبطل الا بترك الاخذ ولا يبطل
بترك الاكل بعد الاخذ فلو أخذها رطبا بتركها عنده أو شمسها حتى صارت تمرا جاز عندهم وبهذا
يتبين ضعف ما اشترطوه.
(فرع) تلخص مما قلناه أنه لا يشترط عندنا حاجة البائع جزما ولا المشترى على الأصح
31

وعند بعض الحنابلة وعند مالك يشترط حاجة البائع وحده وعند أحمد يشترط حاجة المشترى وحده
قال ابن عقيل من الحنابلة يجوز لحاجة البائع أيضا كما يجوز لحاجة المشترى ويكون الشرط عنده أحدهما
لا بعينه فالأقسام الممكنة الأربعة كل منها قال به قائل ومجموع الشروط التي وجدت صح البيع باتفاق
القائلين بالعرايا حاجة البائع والمشترى وكونها موهوبة من البائع وكونها دون خمسه أوسق وأن
يأخذها المشترى رطبا وان لا يظهر نقصان يوجب التفاوت بعد ذلك فإذا اجتمعت هذه الشروط الستة صح
البيع باتفاق المذاهب الثلاثة القائلين بالعرايا وإذا وجد منها الثاني والرابع والسادس صح البيع باتفاق
مذهب الشافعي رضي الله عنه والشرطان الأخيران لا يشترط العلم بهما حالة العقد بل إذا فقد أبعد
ذلك فقد بينا بطلان البيع والله أعلم
(فرع) هل يجوز في العرايا أن يبيع جزءا مشاعا أو مبهما مما النخلة بالتمر بأن
يخرص الخارص أن كل وسق مما عليها يأتي إذا جف نصف وسق فيقول وسقا مما على النخلة بنصف
وسق تمرا ويخرص جميع ما عليها فيقول إنه يأتي جافا ثمانية أوسق فيبيع نصفه شائعا بأربعة أوسق
تمرا لم أر في ذلك نقلا.
قال المنصف رحمه الله تعالى
(وهل يجوز ذلك في الرطب بالرطب فيه ثلاثة أوجه (أحدهما) يجوز وهو قول أبى علي بن
خيران لما روى زيد بن ثابت قال رخص رسول صلى الله عليه وسلم في العرايا بالتمر والرطب ولم يرخص في غير
ذلك (والثاني) لا يجوز وهو قول أبي سعيد الإصطخري لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
32

لا تبايعوا ثمر النخل بثمر النخل ولان الخرص غرر وقد وردت الرخصة في جوازه في أحد العوضين
فلو جوزنا في الرطب بالرطب لجوزنا في العوضين وذلك غرر كثير زائد على ما وردت فيه الرخصة
فلم يجز كشرط الخيار فيما زاد على ثلاثة أيام (والثالث) وهو قول أبى اسحق أنه إن كان نوعا واحدا لم
يجز لأنه لا حاجة به إليه لان مثل ما يبتاعه عنده وإن كان نوعين جاز لأنه قد يشتهي كل واحد
منهما النوع الذي عند صاحبه فيكون كمن عنده تمر ولا رطب عنده).
(الشرح) حديث زيد المذكور بهذا اللفظ في سنن أبي داود بسند صحيح لكن فيه بحث
رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى فقالا فيه بيع العرية بالرطب أو بالتمر ولم يرخص في غير ذلك
هكذا ومع ذلك لا حجة فية لهذا الوجه لأنه يحتمل أن يكون شك من الراوي ولا يكون للتخيير
والرواية هكذا بأوفى الصحيحين من رواية عقيل عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه
عن زيد لكن النسائي رواه من جهة سالم عن أبيه عن زيد أيضا وقال فيه بالرطب وبالتمر هكذا
بالواو فنظرنا فوجدنا ذلك من رواية صالح وهو ابن كيسان عن الزهري وعقيل أحفظ منه فروايته
مقدمه على رواية صالح ثم وجدنا الرواية عن نافع متفقه على التمر كأحد روايتي سالم فرجحنا ذلك
على رواية صالح بن كيسان ثم رأينا الطبراني في المعجم الكبير روى رواية صالح بن كيسان كما رواها
النسائي وزاد فرواها أيضا من رواية الأوزاعي عن الزهري وقال فيه بالتمر والرطب كما قال المنصف
والأوزاعي وإن كان إماما لكنه غير متقن لحديث الزهري كاتقان عقيل وقد تابع عقيلا على ذلك
سليمان بن أبي داود عن الزهري كذلك في معجم الطبراني والزبيدي أيضا وهو من جملة أصحاب
33

الزهري فقال رخص بيع العرايا بخرصها من التمر اليابس رواه الطبري وهذا نص وتابعها معمر
عن الزهري فقال بخرصها تمرا ولم يرخص في غير ذلك رواه الطبراني وهذه الطرق كلها راجعة إلى
رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن زيد بن ثابت وقد روى أبو داود ذلك كما قدمته من
طريق يونس عن الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه وقال فيه بالتمر والرطب وهي الرواية
التي ذكرها المصنف والظاهر أنه نقلها من السنن فإنه سمعها وهذه طريقة قوية مقاومة لطريق عقيل
فان يونس في الزهري عظيم ثم أمعنت الطلب ونظرت الحديث من مسند ابن وهب الذي هو الأصل
فان أباه داود رواه من طريقة وجدته فيه بالتمر أو الرطب بألف ملحقة يخط كاتب الأصل والظاهر
أن ذلك غلط من الناسخ فان المتقدمين ذكروا رواية ابن وهب هذه مستدلين بها على الجواز ورواه
الطبراني من طريق ابن وهب بالجمع بينهما لكن بطريق ضعيفة ورواه الطبراني بالجمع بينهما أيضا
من طريق أسامة بن زيد عن الزهري عن خارجة بن زيد وفيه لا أدرى أذكره أباه أم لا وهذا يقتضى
الشك في اتصاله لكن طريقة لا تقاوم طريق أبى داود فالراجح حينئذ عن خارجة الجمع بينهما فبعد
ذلك يمكن أن يقال إن رواية ابن عمر عن زيد راجحة على رواية خارجة عن زيد كما لا يخفى
من صحبه ابن عمر وجلالته وكبره حين سماعه وخارجه كان عمره في زمن أبيه بضع عشرة سنة
ويمكن أن يقال أنه إذا صح ذلك عن خارجة وفى بعض روايات ابن عمر رضي الله عنهما كما تقدم
فينبغي أن يحكم بصحة اللفظين عن زيد ويحمل أو على التخيير ويكون زيد رضي الله عنه لما فهم ذلك
34

عبر عنه تارة بأو وتارة بالواو وهذه أولى من أن يحكم على بعض الرواية بالوهم مع ثقته وجلالته وعلى
هذا يصح استدلال ابن خيران بها على الجواز ويمكن أن يقال بالتعارض لقوة كل من الطرفين
والشك في ذلك يوجب الحكم بالمنع لان الباب باب رخصة فمتى شك في شرطها بطلت وأما ترجيح
رواية خارجة على رواية ابن عمر فغير ممكن والأقرب الحكم بالتعارض أو ترجيح رواية ابن عمر
من الطريق الكثيرة لكثرتها واعتضادها برواية نافع وأما حمل ذلك على التخيير فيبعده رواية
الزبيدي المتقدمة التي فيها تقييد التمر باليابس وذل يقتضى أن الرطب بخلافه وسندها في الطبراني
جيد ومن جملة المرجحات لحديث ابن عمر رضي الله عنهما كونه ثابتا في الصحيحين ورواية خارجه
ليست كذلك وإن كان سندها صحيحا فهذه طريقة في الترجيح يسلكها بعض المتأخرين من فقهاء
المحدثين هذا ما عندي في ذلك والله عز وجل أعلم. وحديث ابن عمر رضي الله عنهما المذكور في
رواية البيهقي في سننه الكبير ولفظه لا تتبايعوا التمر بالتمر تمر النخل بتمر النخل واسناده فيه محمد ابن
الحسين بن أحمد الفارسي عن أحمد بن سعيد الثقفي لم أعرفهما وقال في معرفة السنن والآثار هكذا
روى مقيدا يعنى تمر النخل بتمر النخل فاقتصر المصنف رحمه الله على اللفظ الأخير وهو البذل وترك
المبدل منه وهو قوله التمر بالثمر وذلك جائز لأنه لا يحيل المعنى. (وأما) حديث ابن عمر لا تبيعوا
التمر بالتمر فذلك ثابت في البخاري وقد تقدمت الإشارة إلى التوقف في هذا اللفظ فان ثبت أنه
بالثاء المثلثة فيهما فهو على الحديث بدون الزيادة التي فيه مبنية بالنخل. وقول المصنف هل يجوز
ذلك في الرطب بالرطب أي سواء كان على رؤوس النخل فبيعا خرصا أو كان أحدهما في الأرض
فبيع الذي على النخل خرصا بالذي على الأرض كيلا فالأوجه الثلاثة في المسألتين قاله القاضي
35

أبو الطيب وابن الصباغ والمحاملي والعمراني والأقرب في عبارة المصنف أن يكون مراده الرطب على
رؤوس النخل بالرطب على وجه الأرض لأنه قال هل يجوز ذلك وإشارة إلى المسألة السابقة وصورتها
إذا كان أحدهما في الأرض وكذلك القاضي أبو الطيب صور المسألة ثم ذكر فرع جريان الأوجه
الثلاثة في الصورة الأخرى والأوجه المذكورة مشهورة حكاها القاضي أبو الطيب والماوردي والمحاملي
والجرجاني والمتولي وابن الصباغ وآخرون وليس الشافعي نص في هذه المسألة على ما يقتضيه كلام ابن
سريج الآتي ذكره ولكنها أوجه للأصحاب (أحدها) أنه يجوز مطلقا أن يباع الرطب بالرطب خرصا
فيهما سواء كانا نوعا واحدا أو نوعين وهو قول أبى علي بن خيران واستدل بالحديث الذي ذكره
المصنف وذكره بأو وكأنه اعتقدها للتخيير وقد عرفت الجواب عنه جوابا متقنا محررا (والثاني) وهو
الصحيح أنه لا يجوز مطلقا ولا يجوز الا بالتمر وعراه الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي وابن
الصباغ والمصنف إلى الإصطخري وقال الماوردي ان هذا مذهب الشافعي وقال أبو حامد انه أشبه
بمذهب الشافعي وقال المحاملي في التجريد والمجموع مع ذلك إنه ظاهر المذهب وممن صححه الروياني
في البحر وقال صاحب التهذيب إنه المذهب واستدل له القاضي أبو الطيب بان الأصل تحريم المزابنة
36

الا ما استثنى منه والرخصة وردت مقيدة بالتمر كما تقدم فيبقى فيما عداه على الأصل وهو التحريم
والحديث الذي ذكره المصنف ان ثبت نص في ذلك وان لم يثبت فالتمثيل بالأصل المقتضى للتحريم
كاف في ذلك وأيضا الأصل في العقود الربوية التحريم كما تقدم غير مرة (فان قلت) المصنف رحمه
الله لم لا سلك هذه الطريقة التي سلكها شيخه وهي أقرب مما سلكه وهو التعليل بكثرة الغرر
وقياس ذلك على شرط الخيار فيما زاد على ثلاثة أيام فان التمسك بادراجها تحت نص خاص أولى من
قياس مستند إلى نص عام (قلت) ما فعله المصنف أولى لان المزابنة تقدم أنها مفسرة ببيع الرطب في
رؤوس النخل بالتمر وأما بيع الرطب بالرطب فهو وإن كان أكثر غررا وأحق بالبطلان لكن يمكن
النزاع في دخوله تحت اسم المزابنة نصا وإنما يدخل تحت حكمها اما بطريق أولى فيكون من مفهوم
الموافقة وأما بالقياس عند من يقارن بينهما وهو الصحيح وإذا ثبت ذلك فكل واحد من مفهوم الموافقة
والقياس شرطه بقاء أصله فمتى بطلت دلالة الأصل بطلت دلالة مفهومه والقياس عليه وههنا قد
بطلت دلالة مفهومه والقياس عليه وههنا قد بطلت دلالة الأصل فيما دون خمسة أوسق فيتبعها دلالة
المفهوم والقياس في ذلك العقد وان بقي في الزائد أصله فلذلك والله أعلم عدل المصنف عن
37

ذلك إلى ما ذكره ويحق له ذلك وهو المبرز في علم النظر فعلى قول المصنف المعتمد في ذلك النهى
عن الغرر ويجعل الرخصة الواردة في الرطب بالتمر مستثناة منه ولا يضره في ذلك كونها مستثناة من المزابنة لان
المزابنة نوع من الغرر والمستثنى من النوع مستثنى من الجنس والوصف المقتضى لا لحاقه بما زاد على الثلاثة مركب
من شيئين الغرر وكون ذلك على سبيل الرخصة وأحدهما بمجرده ليس كافيا في التعليل والله أعلم. وممن
صحح هذا القول القاضي أبو الطيب فيما حكى الشاشي عنه والروياني في البحر والبغوي والرافعي
ويقتضيه إيراد الجرجاني (والوجه الثالث) وهو قول أبى اسحق المروزي واختلفت عبارة الأصحاب عنه
فالذي قاله أبو الطيب وابن الصباغ والمصنف والمتولي أنه إن كانا نوعا واحدا لم يجز وإن كانا نوعين
يجوز كالرطب المعقلي بالتمر البرنى والرطب البرنى بالتمر المعقلي وما أشبهه وأطلقوا ذلك فيما إذا كانا على
النخل أو أحدهما
على الأرض وقال المحاملي وأبو حامد فيما حكي عنه صاحب العدة والروياني والماوردي يجوز إذا كان
الرطبان على رؤوس النخل وكانا نوعين أما إذا كان أحدهما على الأرض لا يجوز مطلقا وكذلك امام
الحرمين حكى الأوجه الثلاثة عن حكاية العراقيين كما حكاها المحاملي من غير تعيين أبى اسحق قال
امام الحرمين فإن كان الغرض الذي أشار إليه الخبر أن يستبدل رطبا على الشجر يأكله على مر الزمن
38

والرطب على الأرض بين أن يفسد وبين أن يجف وزاد الامام على المحاملي زيادة سأتعرض لها في
فرع مفرد قريبا إن شاء الله تعالى. وقد احتج أبو إسحاق لقوله بما ذكره المصنف وأجاب الشيخ
أبو حامد بان طعم أحد النوعين يقارب طعم الآخر فلا تدعو الحاجة إلى إجازة وروى هذه
الأوجه الثلاثة ووجه رابع أنه يجوز بيع الرطب على الأرض بالرطب على النخل بكل حال لأنه أدوم
نفعا أي سواء كانا نوعا أو نوعين ويجوز ما على النخل بما على النخل إذا كانا من نوعين ولا يجوز إذا
كانا من نوع واحد لفقد الفائدة ونقله الماوردي والروياني عن ابن أبي هريرة ذ وقد رأيت في تعليق
الطبري عن ابن أبي هريرة أطلق جواز بيع الرطب على النخل بالرطب على الأرض ولم يذكر إذا
كانا على النخل والله أعلم. فجملة الأوجه في المسألة أربعة وقد جمعها الماوردي وحكاها كذلك وتبعه
صاحب البحر وما نقله المحاملي والماوردي ومن تبعهما يمكن أن ينزل عليه كلام من أطلق فإن كان
الامر كذلك فيجب تقييد كلام المصنف في قوله وإن كانا نوعين جاز إذا كان على النخل ولكن
هذا التقييد ينافيه كلام أبى الطيب فإنه صرح في جريان الأوجه الثلاثة فيما إذا كان أحدهما على الأرض
فان جمعنا بين النقلين جاءت خمسة أوجه في المسألة وكذلك فعل ابن الرفعة في المطلب وفيه بعد لان
39

الشخص المنقول عنه واحد وهو أبو إسحاق فكيف يحكى ذلك وجهين الا أن يكون اختلف قوله في
وقتين والأقرب أن ذلك اختلاف علة من الناقلين وينبغي أن يقصد الجمع بينهما ويبقى تجويز النقل
أن يقول قيل كذا ولا يقول فيه وجهان لأنه لم يثبت أنهما وجهان وقد نقل في كل منهما أنه قيل وعبر
الغزالي في الوسيط بعبارة لا توجد في كلام غيره (والثاني) إن كان أحدهما موضوعا جاز وإن كان على الشجرة
فلا وهذا وهم بلا شك وكأنه مل القلم فأراد أن يكتب إن كان أحدهما على الأرض لم يجز وإن كانا
على الشجر جاز كما هو في النهاية فانقلب عليه هذا مالا أشك فيه وقال الجوزي إذا كان للرجل نوع
من الرطب جاز أن يشترى نوعا آخر من الرطب ليس عنده خرصا كالعرايا هذا جواب ابن خيران
وقال ابن سريج لم يتعرض الشافعي لهذا وإذا صح الحديث جاز والحديث صحيح وذكر حديث
خارجة بن زيد عن أبيه من طريق ابن وهب ومن طريق صالح بن كيسان وهذا من ابن سريج
والجوزي موافقة بن خيران أو اسحق.
(فرع) إذا قلنا بجواز بيع الرطب على النخل بالرطب على الأرض هل المعتبر فيه الخرص
40

أو الكيل كلام الرافعي رضي الله عنه يقتضى أنه الكيل والذي رأيته في تعليق الطبري عن ابن أبي
هريرة خلافه فإنه قال ويجوز أن يباع الرطب بالخرص بالرطب الموضوع بالأرض بالخرص إذا نقص
عن خمسة أوسق
(فرع) عرفت ان الأصح من الأوجه الثلاثة المنع مطلقا وقد شذ ابن أبي عصرون
فصحح قول أبى اسحق أنه إذا اختلف نوعهما صح.
(فرع) إذا كان الرطب بالرطب كلاهما على الأرض لم يجز جزم بذلك صاحب الشامل وصاحب
البحر وصاحب التهذيب لأنه يتسارع إليه الجفاف أو الفساد فلا يحصل المقصود وهو أكل الرطب
على الام وحكي القفل في شرح التخليص فيه وجهين وقال المتولي أن فيه الأوجه الثلاثة وقال
إمام الحرمين في حكاية الأوجه الثلاثة عن حكاية العراقيين في بيع الرطب بالرطب (الثالث) الفصل
بين أن يكون الرطبان أو أحدهما على الأرض فيمتنع أو يكونا على الشجر فيجوز وهذا يقتضى
أن أحد الأوجه قائل بالجواز مطلقا إذا كانا على الأرض أو أحدهما ولم أجد في طريق العراقيين من
نص على الجواز فيما إذا كانا على الأرض ولا حكى فيه خلافا وإنما الخلاف في ذلك في
41

طريقة الخراسانيين وممن حكى الأوجه الثلاثة فيه صاحب التتمة وإذا جوزنا ذلك يباع خرصا
أو كيلا الذي يقتضيه كلام القفال رضي الله عنه وصاحب التتمة الأول فإنه قال فأما بيع الرطب
بالرطب خرصا وهما موضوعان على الأرض أو بيع الرطب على رؤس الشجر بالرطب خرصا فعلى
وجهين (أحدهما) يجوز لان بيع الرطب بالتمر فيه وجهان خرصه رطبا ثم خرصه تمرا ومع ذلك يجوز
وإذا كان الرطب على الأرض فليس فيه إلا جهالة واحدة وهو أن يقول خرصها تمرا كذا ويعلم
مقدارها في الحال فهذا بالجواز أولى هذا ما رأيته في شرح التلخيص للقفال ونقل الرافعي رحمه الله
تعالى أن القفال ذكر في شرح التخليص أنه على الخلاف لأنه إذا جاز البيع وأحدهما أو كلاهما
على رؤس النخل خرصا واحتملت الجهالة فلان يجوز مع تحقق الكيل في الجانبين كان أولى فأوهم
هذا النقل أمرين (أحدهما) أن القفال جعل بيع الرطب بالرطب المقطوع على الأوجه الثلاثة وليس
في كلامه الا ذكر وجهين (والثاني) أنه يكون البيع في ذلك كيلا والقفال إنما قال خرصا وكذلك
صاحب التتمة نعم رطبا بل يخرص ما يجئ منهما تمرا فحسب والذي يقتضيه ذلك أنه إذا علم أن
كيل هذا الرطب الآن أربعة أوسق وكيل الرطب الآخر أربعة ونصف وخر ص ما يجئ منهما تمرا
42

فكانا سواء أنه يجوز البيع ولا اعتبار بالتفاضل في الكيل الآن فحينئذ تحقيق الكيل في الجانبين لا أثر له الا تخفيف غرر خرصه تمرا فإنه يكون حينئذ أقل خطأ فننبه لذلك فان ما نقله الرافعي
رضي الله عنه عن القفال يوهم أنه لو باع صاع رطب بصاع رطب مقطوعين صح من غير اعتبار الخرص
وليس في كلام القفال ذلك والله أعلم. وقد تابع الرفعي على ذلك ابن الرفعة فقال إن معياره
الكيل كما قاله الرافعي وهو وهم والمناقشة في هذا الفرع نقرب من المناقشة في الفرع المتقدم قريبا
في بيع الرطب على النخل بالرطب المقطوع على الأرض وقال القاضي حسين في تعليقه لا خلاف
أن بيع الرطب بالتمر كيلا على الأرض أو على الشجر من غير اعتبار المآل لا يجوز وهي المزابنة
فهذا نص القاضي أكبر تلامذة القفال وأعلم بكلامه وبالجملة فما أوهمه كلام الرافعي غير مقبول والله
سبحانه أعلم (فائدة) أربع مسائل تنبني على أصل واحد وهو أن العرية جوزت للحاجة أو
رخصة فعلى الأول لا تصح إلا في التمر والرطب على النخل للفقراء وعلى الثاني تصح مع
الأغنياء بالرطب على الأرض إذا كانا رطبين من الجانبين قالها القاضي حسين.
43

(فرع) بيع التمر بالرطب على الأرض قال المحاملي لا خلاف على المذهب أنه لا يجوز
وذلك ظاهر على طريقة العراقيين في اتفاقهم على منع البيع الرطب بالرطب وهما على الأرض أما المراوزة
فقد تقدم الخلاف عنهم في الرطب بالرطب وهما على الأرض فلا جرم ذكروا أيضا خلافا في الرطب
بالتمر قال القاضي حسين وجهان (أحدهما) لا يجوز لان المعنى الذي جوزت له العرية وهو الانتفاع
على مرور الأيام لا يتحقق لأنها لا تجف في الحال (والثاني) يجوز لأنه لما جاز على النخلة مع الخرص
فلان يجوز مع يبسه والإحاطة به أولى وقال الامام إن بنينا الباب على الاتباع امتنع وان جعلنا
الخرص أصلا سوغنا وسيأتي قول الإمام الذي ادعي فيه أن الخرص أصل مع تلوم وقد تقدم
التعرض لهذه المسألة والتنبيه على الجزم بأن ذلك لا يجرى في غير العرايا والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(ولا يجوز في العرايا فيما زاد على خمسة أوسق في عقد واحد لما روى جابر رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة) فالمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق من حنطة
والمزابنة أن يبيع الثمر على رؤس النخل بمائة فرق والمخابرة كراء الأرض بالثلث والربع).
44

(الشرح) حديث جابر رضي الله عنه رواه مسلم بهذا اللفظ وقال البيهقي إن البخاري رواه ولم
أره في البخاري إلا من رواية أبي سعيد الخدري وما ذكره المصنف ذكره الشافعي هكذا روينا
في مسند الشافعي من طريق الربيع عنه وكذلك هو في الام في باب المزابنة والتفسير يحتمل أن
يكون من قول جابر فان في مسلم في الرواية قال عطاء فسر لنا جابر قال أما المخابرة فالأرض البيضاء
يدفعها الرجل إلى الرجل فينفق فيها ثم يأخذ من التمر وزعم أن المزابنة بيع الرطب في النخل بالتمر كيلا
والمحاقلة في الزرع على نحو ذلك بيع الزرع القائم بالحب كيلا وفى رواية أخرى في مسلم المحاقلة أن يباع
الحقل بكيل من الطعام معلوم والمزابنة أن يباع النخل بأوساق من التمر والمخابرة الثلث والربع وأشباه
ذلك وفى هذه الرواية ذكر الحديث وهذا التفسير جملة ثم قال الراوي قلت لعطاء بن أبي رباح
أسمعت جابر بن عبد الله يذكر هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم وظاهره أن التفسير من قول النبي
صلى الله عليه وسلم وعندي فيه توقف لان الراوي الأول عن عطاء الذي ميز التفسير من الحديث أجل من راوي
الرواية الأخرى المحتملة وقوله بمائة فرق المقصود بذلك على جهة المثال لا أنه تحديد. والامام
45

الشافعي رضي الله عنه روى الام سؤال ابن جريج لعطاء وان جابرا فسرها لهم ثم قال الشافعي
وتفسير المحاقلة والمزابنة في الأحاديث يحتمل أن يكون على رواية من هو دونه والله أعلم. وقال
أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث سمعت غير واحد ولا أتبين من أهل العلم ذكر كل واحد منهم
طائفة من هذا التفسير فقالوا المحاقلة بيع الزرع وهو في سنبله بالبر وهو مأخوذ من الحقل والحقل هو
الذي يسميه أهل العراق القداح يعنى الأرض المعدة للزراعة كما اقتضاه كلام غيره وصرح به ابن باطيش
وهو في مصل يقال لا تنبت البقلة إلى الحقلة والمحقل السنبل قال الماوردي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى
عن بيع الطعام في محقله) يعنى في سنبله قالوا والمزابنة بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر. وقال أبو عبيد
في المخابرة هي المزارعة بالنصف والثلث والربع فأقل من ذلك وأكثر وهو الخير أيضا وكان أبو عبيدة
يقول بهذا سمى الأكار الخبير لأنه يخابر الأرض والمخابرة المذاكرة قال ابن باطيش وقيل أن أصلها
مشتق من خبير لان النبي صلى الله عليه وسلم أقر أهل خيبر عليها لما فتحها على أن لهم النصف من ثمارهم
وزرعهم
وعليهم العمل فقيل قد خابرهم أي عاملهم بخيبر وهذا التفسير مطابق لمذهب الشافعي رحمه الله تعالى
46

وذكر أصحابنا أن المحاقلة استكراء الأرض ببعض ما يخرج منها وهو المخابرة وقد يقال استكراء الأرض
بالحنطة واستدلوا على ذلك بما روى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمحاقلة
استكراء الأرض بالحنطة قال الشيخ أبو حامد وغيره وما قلناه أولى يعنى بعد تعارض الروايتين لان
اللغة تشهد له وذلك أن هذه اللفظة من الحقل وهو الزرع ويقال الحقل القداح المزروعة والحواقل
المزارع قال أبو الطيب وكذلك لا يصح إجارته بحال لأنه قال في شرح التلخيص إن الحقل الأرض
البيضاء وروى الشافعي رضي الله عنه ومسلم بن الحجاج في الصحيح عن سعيد بن المسيب في مرسلاته
تفسير المحاقلة بالأمرين جميعا قال الشيخ أبو حامد فثبت التفسير الذي ذكرنا يعنى أنه مستعمل في
ذلك فاما استعماله في المعنى الآخر فيمكن أن يقال إن ذلك مرسلا مخالف للقياس لان الأجرة
بدل من منافع الأرض وليس في كون الحب أجرة لمنافع الأرض معنى يوجب فساد العقد ويمكن
أن يقال إن هذا المرسل يعتضد بحديث أبي سعيد ونتكلم في وجه القياس في ذلك ومحل ذلك ينبغي
أن يكون في كتاب الإجارة وإنما نتكلم هنا في المزابنة قال الماوردي وغيره المزابنة في اللغة المدافعة
ولهذا سميت الزبانية لأنهم يدفعون إلى النار وقالوا زبنت الناقلة برجلها إذا دفعت قال الشاعر
ومستعجب مما يرى من آياتنا * ولو زبنت الحرب لم يتعجب
47

يملا فسمى بيع الرطب بالتمر مزابنة لأنه دفع التمر باسم المزابنة بالرطب وبيعه لا يجوز قال الأزهري
وإنما خصوا بيع التمر فرؤوس النخل بالتمر باسم المزابنة لأنه غرر لا يخص المبيع بكيل ولا وزن وخرصه
حدس وظن معنى لا يؤمن فيه من الربا المحرم وهذا يقتضى أن المزابنة تختص ببيع التمر على رؤوس
النخل وهو مقتضى التفسير الذي ذكره المصنف في الحديث عن جابر كذلك قال ابن الصباغ
وآخرون وقد تقدم في كلام أبى حامد وغيره مع الحنفية أن بيع الرطب بالتمر مطلقا يسمى مزابنة
وهو مقتضى كلام الماوردي الذي ذكرته الآن وكذلك قال الخطابي وقد جاء في رواية يحيى بن بكر
في الموطأ في حديث ابن عمر في تفسير المزابنة قال المزابنة الرطب بالتمر كيلا والمعنى واحد أو متقارب
وتبين ان صح أن المراد بالتمر الرطب والله أعلم. وقد ذكر رواية أيوب عن نافع عن ابن عمر أن المزابنة
أن يبيع الرجل ثمرته بكيل ان زاد فعلى وان نقص فعلى وهو قريب من الأول قال ابن عبد البر ولا
خلاف بين العلماء أن المزابنة ما ذكر في هذه الأحاديث تفسيره عن ابن عمر من قوله أو مرفوعا
وأقل ذلك أن يكون من قوله وهو راوي الحديث فنسلم له فكيف ولا مخالف له في ذلك وكذلك
كل ما كان في معناه من الجزاف بالكيل في الجنس الواحد المطعوم أو الرطب اليابس من جنسه
48

والفرق مكيال من المكاييل يسع ستة عشر رطلا والمشهور فيه فتح الراء وفيه لغة أخرى بإسكانها
حكاها ابن قابوس وابن سيده وأنكرها ثعلب فعلى المشهور مشترك بينه وبين الخوف والله أعلم.
وجمع الفرق على اللغتين فرقان كبطن وبطنان وحمل وحملان قاله ابن الأثير في شرح مسند الشافعي
والوسق - بفتح الواو وكسرها والفتح أفصح - يجمع على أوسق وأوساق ووسوق وقال المروزي قال شمر كل شئ
حملته وسقطه وقال غيره الوسق ضمك الشئ إلى الشئ بعضه إلى بعض وقال ابن سيده الوسق حمل
بغير وقيل هو ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وقيل هو العدل وقيل العدلان. وقد اتفق الأصحاب
على الحكم المذكور قال الشيخ أبو حامد والمحاملي لا خلاف أن فيما زاد على خمسة أوسق لا يجوز وهو
مذهب مالك وأحمد وقال محمد من المالكية انه يمضى إذا وقع قال ولو جوز ابتداء من غير كراهة
لكان أقيس يعنى إذا اشتراها بخرصها نقدا لان عند مالك الخمسة الأوسق فما دونها تباع بالستة كما
تقدم وهذا قول شاذ وقد تقدم عند الكلام في اقتضاء جوازها للأغنياء ما يمكن أن يتعلق به من
جهة حمل المطلق على المقيد وجوابه والصواب الأول والنص الصريح في النهى عن المزابنة دليل عليه
والمضرفية أنه بيع طعام بجنسه مجهول التساوي ولم يرد فيه رخصة ولا هو في معنى ما وردت فيه وكذلك
49

المحاقلة للنص والمعنى المذكور ومعنى آخر وهو أنه بيع طعام وتبن بطعام وذلك لا يجوز وأيضا لان من
دونه حائل قاله ابن أبي هريرة والأصحاب وليس هذا محل الكلام على المحاقلة والمخابرة وإنما نتكلم
هنا في المزابنة (فائدة) الفرق بين المحاقلة والعرايا حيث جوز في العرايا في القليل ولم يجوز في المحاقلة
في قليل ولا كثير والفرق ظاهر وهو الحاجة إلى أكل الرطب حال كونه رطبا بخلاف السنبل فإنه
لا يحتاج إليه والله أعلم. وقد اتفق الأصحاب على أنه إذا زاد على خمسة أوسق عقد واحد لا يصح
قال الماوردي (فان قبل) فهذا أبطلتموه فيما زاد على الخمسة وجوزتموه في الخمسة (قيل) لأنه بالزيادة على
الخمسة قد صار مزابنة والمزابنة كلها فاسدة وهذا الجواب لا يشفى فان الخمسة إذا كانت جائزة فضمت
مع غيرها فالقياس تخريجه على تفريق الصفقة والمزابنة قد استثني منها مقدار خمسة أوسق فلعل
مأخذ المنع من ذلك الاحتياط في عقود الربا وأنه بالزيادة صار العقد ربا والربا حرام بخلاف عقد
لم ينه عنه ورد على ما يجوز وما لا يجوز فلا يوصف بالحرمة المطلقة ولا بالحل المطلق بل هو بالنسبة إلى
ما يجوز حلال والى غيره حرام وأما عقود الربا فحرام من حيث هي لا لأمر يرجع إلى المعقود عليه
بل إلى نفس تلك المقابلة والله أعلم. وقد وفى الجوزي بمقتضى التخريج وحكى قولين فيما إذا عقد على
50

أكثر من خمسة أوسق (أحدهما) لا كمن نكح أختين (والثاني) يصح في الخمسة ويبطل في الزائد
وللمشتري الخيار (1) وقد علمت أن المزابنة بيع الرطب بالتمر والمحاقلة بيع الزرع بالحنطة ثم إن سائر الثمار
في شجرها بجنسها لا يجوز وسائر الزرع في سنبله كذلك فاختلف أصحابنا على ما حكاه الماوردي هل
ذلك لدخولها في اسم المزابنة أو قياسا عليها (فأخذ الوجهين) وهو ظاهر مذهب الشافعي أن ذلك
لدخول سائر الثمار في اسم المزابنة وسائر الزرع في اسم المحاقلة فكان تحريمه نصا لا قياسا (والوجه الثاني)
وهو مذهب أبي علي بن أبي هريرة أن النص في المحاقلة والمزابنة يختص بالحنطة والنخل وسائر
الزروع مقيسة على الحنطة في المحاقلة وسائر الثمار مقيسة على النخل في المزابنة فكان تحريمه قياسا
لا نصا قال القفال في شرح التلخيص المحاقلة بيع الزرع في الأرض بعد ما يعقد الحب بالحنطة وقال
القاضي حسين المحاقلة بيع الحنطة المنقاة بالحنطة في السنابل وذلك لا يجوز وهو مشتق من الحقل وذلك
اسم الأرض البيضاء والمزابنة بيع الرطب على الأشجار بالتمر على وجه الأرض فأما إذا باع الحنطة
على وجه الأرض بالقصل قبل أن يتسنبل أو قبل أن تشتد فيه الحبات فإنه يجوز لأنه بيع الحنطة
بالحشيش وكذا لو باع الحنطة على وجه الأرض بالشعير ففي سنبله جاز وأما إذا باع الشعير
على وجه الأرض بالقمح في سنبله ففيه قولان كما بيع الغائب وقال مالك رحمه الله صورة المحاقلة

(1) بياض بالأصل
51

والمزابنة أن يقول الرجل لآخر اضمن لي صبرتك بعشرين صاعا فما زاد فعلى وما نقص فعلى اتمامها
هذا كلام القاضي حسين وقولهم في تفسير المحاقلة بيع الزرع بالحنطة هكذا أطلقه جماعة وقال الماوردي
بيع الطعام في سنبله بالطعام المصفى وقيده المحاملي بأنه بيع الحنطة في سنبلها بالحنطة وهو الصواب
وقيده الصيمري في شرح الكفاية فقال بيع السنبل من البر قائما بالحنطة فتقييده بالبر لابد منه وكذلك
قيده الفوراني في الإبانة وقال القفال والقاضي أبو الطيب وصاحب التهذيب بيع الزرع بعد اشتداد
الحب بمثله نقيا وهذا يدخل فيه الشعير وغيره وتكون الحنطة على سبيل التمثيل قال الصيمري ولو
بيع بالدراهم لم يجز الا أنه غير المحاقلة وقال أبو داود لما ذكر التفسير المذكور قال إذا حذر الزرع
أنه يحصد منه مائة فرق فبيع بمائة فرق فلا يجوز فإن لم يكن فيه هذه الخرص وهذا التقدير فأولى
بالفساد والله أعلم.
(فرع) قول المصنف في عقد واحد مفهومه أنه يجوز في عقود متفرقة والامر كذلك يجوز
أن يبيع الرجل تمر بستانه كله لجماعة كل واحد منهم دون خمسة أوسق نص على ذلك الشافعي
والأصحاب وقال امام الحرمين انه لا خلاف فيه ويجوز أن يبيع أيضا للرجل الواحد في عقود كل
52

عقد دون خمسة أوسق أو خمسة إن جوزناها نص عليه الأصحاب القاضي أبو الطيب وابن الصباغ
والمحاملي ونفى الخلاف فيه امام الحرمين والمتولي قال النووي في الروضة لان الرخصة عامة في جميع
العقود وخالف في ذلك أحمد فقال لا يجوز أن يبيع أكثر من عربة واحدة ولا يشترى أكثر من
صفقة واحدة ومذهبه معروف في سد باب الحيل وقد أورد الأصحاب سؤالا وجوابه نقلهما القاضي
أبو الطيب عن أبي إسحاق أنه قال (فان قيل) إذا أجزتم ذلك فقد أبطلتم المزابنة وجعلتم للناس أن
يبيعوا جميع ثمارهم على رؤس النخل بالتمر (والجواب) أن المزابنة حكمها ثابت في العقد الواحد وقال ابن الرفعة
يظهر إذا قلنا باختصاصها بالفقراء أن لا يصح لأنه بالخمسة الأولى غنى شرعي واعتباره هنا أولى من
اعتبار الغنى العرفي (قلت) وجواب ذلك أن الخمسة الأولى قد يكون أكلها أو أزالها عن ملكه أولا
تسد كفايته واعتبار الكفاية في ذلك أولى من جعله مالكا لنصاب الزكاة وقد تقدم ما اقتضاه كلام
صاحب التتمة والجرجاني من أن المعتبر أن لا نقد بأيدهم وهو حاصل هنا والله أعلم.
(فرع) ويفهم منه أنه إذا باع ثمانية أوسق من رجلين صفقة واحدة جاز لاه بمنزلة الصفقتين
وإذا كانت ستة عشر وسقا بين رجلين فباعها من رجلين جاز لان كل واحد منهما باع حقه وهو
53

ثمانية أوسق من رجلين فيصير كأنه باع من كل واحد منهما أربعة أوسق وبذلك كله صرح القاضي
أبو الطيب والماوردي والقاضي حسين وابن الصباغ والرافعي وغيرهم ولا خلاف في المذهب فيه وفرضها
الماوردي في عشرين وسقا الا مدا وهو أبلغ في التمثيل ونقل ابن الصباغ وغيره خلاف أحمد في ذلك
قال لان البائع عنده لا يجوز أن يبيع أكثر من عرية واحدة وعندنا يجوز.
(فرع) إذا باع رجلان من رجل واحد أكثر من خمسة أوسق ففيه وجهان حكاهما الفوراني
وغيره من المراوزة (والصحيح) الجواز كما لو باع من رجلين لان الصفقة تتعدد بتعدد البائع جزما وفى
تعددها بتعدد المشترى وجه وقد جزمنا بأنه هنا تجوز الزيادة على الخمسة عند تعدد
المشترى واتحاد البائع فينبغي أن يكون عند تعدد البائع واتحاد المشترى أولى بالجواز
(والوجه الثاني) أنه لا يصح وهو اختيار صاحب التلخيص لأنه يدخل في ملكه أكثر من خمسة
أوسق بطريق الخرص دفعة واحدة وهو يخالف مقصود الخبر وفرق امام الحرمين بين هذا وبين الرد
بالعيب حيث يلاحظ فيه التعدد والاتحاد بأن المبيع خرج عن ملك البائع دفعة فلو رجع إليه بعضه لكان
خارجا بعيب عائدا بعيبين وإذا تعدد البائع يرد المشترى تمام ملك أحدهما عليه لم يتضمن تنقيصنا
54

عليه لم يكن قبل والمقصود في العرايا أن لا يملك الرجل دفعة واحدة خمسة أو أكثر من
خمسة وهذا الوجه ضعفه البغوي والروياني والرافعي وممن رجح الجواز في ذلك صاحب العدة والعمراني.
(فرع) فلو باع عشرين وسقا من أربعة فعلى القولين ان جوزنا العرايا في خمسة صح
وقال في الروضة وسواء في هذه الصورة كانت العقود في مجلس أو مجالس حتى لو باع الرجل الف
وسق في مجلس واحد بصفقات كل واحد دون خمسة أوسق جاز.
(فرع) لو باع الزرع قبل بدو الحب فيه بالحنطة جاز فان الزرع حشيش بعد غير معدود
من المطعومات قاله الامام والرافعي وكذلك قال الروياني في البحر يجوز بشرط القطع وفرضه فيما إذا
لم يشتد الحب وهو مراد الامام وكذلك صاحب التهذيب وقال سواء تسنبل أم لم يتسنبل فينبغي
أن يقيد اطلاق تفسير المزابنة بالزرع بالحنطة والا حرم قال الامام وجماعة ان معناها الحب في السنبل بالحنطة
لكن قول صاحب التهذيب أنه يجوز إذا تسنبل مشكل فإنه بيع قمح رطب مستتر مع تبنه بقمح
وذلك نوع من الفساد والرافعي قال قبل ظهور الحب فلا يرد عليه شئ.
(فرع) حكى أصحابنا عن مالك رحمه الله أنه فسر المزابنة بأن يكون لرجل صبرة من
طعام فيقول له رجل في صبرتك ستون وسقا فيقول صاحب الصبرة ليس فيها ستون وسقا فيقول له
55

الجاذر نكليها فأن نقصت تممتها وان زادت أخذت الزيادة وقد ذكر الشافعي رحمه الله تعالى هذه
المسألة في الام وقال إن ذلك قمار مخاطرة وليس بعقد وانه من باب أكل المال بالباطل وكذلك لو
قال رجل عد قثاءك أو بطيخك أو اطحن حنطتك فما زاد على كذا فعلى وما نقص فعلى وكذلك فيما
قال الماوردي لو أخذ ثوبا لرجل فقال أنا أقطعه لك قميصا فان نقص غرمته وان زاد أخذ ت الزيادة
فكل هذه الأشياء حرام بالاتفاق ولكن الاختلاف في أن ذلك داخل تحت المزابنة أولا فان هذا
مخاطرة موضوعة أن يدفع عند النقصان مالا يأخذ عوضه ويأخذ عند الزيادة مالا يعطى بدله فصار
بالقمار والمخاطرة أشبه منه بالبيع والمزابنة والذي حكاه أبو بكر بن العربي أن المزابنة بيع التمر في رؤس
النخل بالتمر فعلى هذا لا خلاف بيننا وبينهم قال ابن العربي ثم حمل على ذلك كل رطب بيابس
ونقل ابن العربي عن مالك أنه قال المزابنة كل شئ من الجزاف لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده
أتبيع بشئ من المسمى من الكيل والوزن والعدد واختصاره بيع المجهول بالمعلوم وهذا أيضا يوافق
تفسير الشافعي فان قال في المزابنة كل جنس من الطعام عرف كيله اشترى بجنس مثل مجهول
الكيل أي المزابنة المحرمة وليس مقصود تفسير ما جاء في الحديث والخلاف ان يثبت في تفسير
اللفظ لا في المعنى فان العقود المذكورة محرمة عندنا وعنده قال ما معناه ذلك وشذ الصيمري فجعل
المزابنة شراء الرطب في رؤس النخل بتمر في الأرض جزافا وعلى هذا لا يحتاج إلى استثناء العرايا
وهو يخالف قوله ورخص في العرايا.
56

(فرع) قال الشيخ أبو حامد في الرونق المحاقلة على ضربين (أحدهما) بيع الحنطة في سنبلها
وهو ممتنع كالجوز واللوز في قشرته (والثاني) بيع الحنطة مع التبن ففيه قولان بناء على خيار الرؤية
وهذا الكلام يقتضى أنه لا يشترط في المحاقلة أن يكون المبيع بالحنطة وهو خلاف المشهور وخلاف
ما صرح به الصيمري فيما تقدم وهذا اختلاف في التسمية والأحكام لا نزاع فيها وأما جزمه في
الأول بالبطلان وحكايته القولين في الثانية فينبغي أن يؤخر الكلام عليه إلى باب الأصول والثمار.
(فرع) اعتبار الخمسة ههنا هل هو تحديد أو تقريب صرح الماوردي على قولنا انه لا يجوز
إلا أقل من خمسة أوسق أنه لو باع خمسة إلا مدا أو إلا ربع مد صح فيما إذا اشترى أربعة
أنفس عشرين وسقا الا مدا ومقتضى ذلك أن الخمسة إذا نقصت ربع مد صح جزما وهذا يشعر
بالتحديد لان ربع مد رطل وثلث في الف وستمائة رطل قليل جدا والأصحاب أطلقوا الخمسة من
غير تعرض لتحديد ولا تقريب قال ابن الرفعة ولا يبعد تخريجه على أن الخمسة الأوسق في الزكاة
تحديد أو تقريب فقد حكى عن العراقيين أنه لا يضر لنقصان خمسة أرطال فينبغي أن يكون
النقص أكثر من خمسة أرطال (قلت) وقد صرح النووي بهذه المسألة وان ذلك على سبيل
التحديد في مجموع لطيف أسماه رؤس المسائل وتحفة طلاب الفضائل وذكر فيه مسألة في بيان
جملة من المقدرات الشرعية فذكر مما هو على سبيل التحديد عدد الذي تنعقد به الجمعة ومدة
مسح الخف وأحجار الاستنجاء ولو باع الكلب ونصيب الزكاة وقدر الواجب فيها وفى زكاة الفطر وفى
57

الكفارات وتعتبر سن البلوغ بخمسة عشر وتقدير الرخصة في بيع العرايا بخمسة أوسق إذا جوزنا في
خمسة أوسق ومنه الآجال في حول الزكاة والحرمة والعدة ودية الخطأ ونفى الزاني وانتظار العنين والمولى
وحول الرضا وجلد الزاني والقاذف وتخصيص الزيادة على الأربعين على سبيل التقدير بثمانين ونصاب
السرقة بربع وغير ذلك ومن التقدير الذي على سبيل التقريب سن الرقيق المسلم فيه والموكل في شرائه ومن
التقدير المختلف فيه تقدير العلتين وسن الحيض والمسافة بين الصفين ومسافة القصر ونصاب المعشرات
وفى كلها وجهان (الأصح) التقريب لأنه يجتهد في هذا التقدير وما قاربه وهو في معناه بخلاف المنصوص
على تحديده وفى كلام النووي الذي حكيته تقييد ذلك بما إذا جوزنا في خمسة أوسق ولا يتقيد بذلك
بل إذا قلنا إنه لا يجوز في الخمسة فنقص عنها نقصا يسيرا فإنه يجوز العقد عليها لأنا جعلنا ذلك تحديدا
وقد حصل النقص عليها فيمتنع والله أعلم.
(فرع) لو باع الحنطة في سنبلها بالشعير على وجه الأرض فان فيه القولان في بيع الغائب قال
ولو باع الشعير في سنبله بالحنطة على وجه الأرض أو الرطب على رأس النخل بجنس آخر من الثمار على
الشجر أو على وجه الأرض فلا بأس لكن يتقاصان بالتسليم فيما على وجه الأرض وبالتخلية فيما على
الشجر قاله الرافعي.
58

(فرع) هل يجوز ان يقع عقد العرية على جزء مشاع مما على النخل من الرطب إذا خرص
الجميع الذي لاشك فيه الجواز وذلك مقتضى نقل الأصحاب انه إذا باع من رجلين سبعة أو سق جاز
فالذي حصل لكل منهما مشاع ولا يقدح في ذلك التسليم فإنه يحصل بالتخلية ولا الانتفاع به فإنه يحصل
بالمقاسمة على قول الاقرار على الأصح (فائدة) الحقل قداح طين يزرع فيه قاله ابن سيده وغيره
قال وحكى بعضهم فيه الحقلة ومن أمثالهم لا ينبت الحقلة اللا البقلة وليست الحقلة بمعروفة واراهم انثوار
الحقلة في هذا المثل انتهى فالمحاقلة سميت بذلك لتعلقها بزرع في حقل المزابنة مأخوذة من الزين وهو
الدفع سميت بذلك لأنها مبنية على التخمين والغبن فيها مما يمكن من يد المغبون دفعه والغابن امضاءه
فيتدافعان ولا يمكن المعيار الشرعي وهو الكيل في السنابل والرطب على النخل والخرص فيها لا يكفي
قال الأئمة وفى المحاقلة شيئان آخران.
(فرع) إذا امتنع بيع الحنطة في سنبلها بالحنطة الظاهرة فامتناع بيعها بمثلها أولى وقد صرح
الشافعي رضي الله عنه بذلك وأشار إلى عدم الخلاف فيه فإنه قال ولم أجدهم يعنى أهل العلم يخيرون ان
يتبايعوا بيع الحنطة بالحنطة فس سنبلها كيلا ولا وزنا لاختلاف الأكمام والحب فيهما ذكر ذلك في
باب الوقت الذي يحل فيه بيع الثمار.
59

(فرع) وكذلك قال فيه أيضا ولم أرهم أجاز وأبيع الحنطة في التبن محصودة.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(ويجوز ذلك فيما دون خمسة أوسق لما روى أبو هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في
بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق).
(الشرح) الثابت في الصحيحين في حديث أبي هريرة فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة
أوسق هكذا على الشك من رواية داود كما سيأتي قريبا ان شاة الله تعالى وفى الترمذي فيما دون
خمسة أوسق أو كذا واما روايته بأحد اللفظين فقط كما ذكره المصنف فلم أره في شئ من كتب الحديث
الا في نسخة من سماعنا في مسند الشافعي وراجعت نسخة أصح منها فوجدته على الصواب مكملا
كالروايات المشهورة وكذلك رواية الشافعي رحمه الله في الام ومن عادة الشافعي ان رواياته في الحديث
الواحد لا تختلف ولو رواها في مواضع متعددة لشدة ضبطه واتقانه وتثبته فتبين أن رواياته فتبين أن السقوط في تلك
النسخة غلط من ناسخ فإن كان وقع للمنصف نسخة كذلك فهو اللائق بورعه وتجريه أنه لا يختصر
الحديث ولا يقال إن ذلك جائز فإنه ذكر بعض الحديث وليس فيه تعيين حكم لان ما دون الخمسة
محقق ومن ارخص في الخمسة فقد ارخص فيما دونها فالرخصة فيما دونها محققه لأنا نقول إن في الاقتصار
على ذلك خللا في اللفظ والمعني اما اللفظ فإنه لا تتحق مطابقته للفظ أبي هريرة فلائه على تقدير أن تكون
الرخصة في خمسه أوسق فلا يمكن نسبته إليه باللفظ واما بالمعني فلانه يصير موها أو مفها
60

بطريق المفهوم انه لا يجوز في الخمسة وذلك قادح في الرواية بالمعني والشيخ أجل عندنا من أن يستدرك
على روايته خلاه ينسب إليه والظاهر أن الشيخ وجده هكذا وأعتقده حديثا تاما وكلامه بعد هذا
بسطر يشعر بذلك ولا اعرف رواية في ذلك اقتصر فيها على ما دون خمسه أوسق الا ذلك ما تقدم في أول الباب
عن الترمذي من القصة التي نقلها بغير إسناد ولا تعيين فان ثبت ان ذلك حديث كامل فهو تص
فيما ادعاه والا فان الحكم المذكور ثابت بالأحاديث المشهورة المتقدمة فان ما دون الخمسة داخل في الخمسة
واباحه الشئ اباحته لما يتضمنه فالإباحة فيما دون الخمسة محققه اما نصا واما تضمنا والله أعلم. والحكم
المذكور لا خلاف فيه في المذهب كذا قال القاضي أبو الطيب والمحاملي.
(فرع) لا ضابط للنقص عن الخمسة بل متى كان أقل من الخمسة بشئ ما كان جائزا كذلك
نص الشافعي عليه وهو يدل على أن الخمسة تحديد وسنفرد له فرعا في المسألة التي بعدها واعلم أنا
إذا أطلقنا خمسه أوسق إنما نريد خمسه أوسق من التمر أي قبل ما يخرص فنعرف انه إذا جف كان
خمسه أوسق ولا نريد خمسه أوسق من الرطب والله أعلم. وقدم التنبيه على ذلك.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(وفى خمسه أوسق قولان (أحدهما) لا يجوز وهو قول المزني لان الأصل هو الحظر وقد ثبت جوار
ذلك فيما دون خمسه أوسق لحديث أبي هريرة رضي الله عنه وفى خمسه أوسق شك لأنه روى في
61

حديث أبي هريرة فيما دون خمسه أوسق أو في خمسه أوسق شك فيه داود بن الحصين فبقي على
الأصل ولان خمسه أوسق في حكم ما زاد بدليل انه تجب الزكاة في الجميع فإذا لم تجز فيما زاد على
خمسه أوسق لم تجز في خمسه أوسق والقول الثاني انه يجوز لعموم حديث سهل بن أبي حثمة).
(الشرح) الحديث المذكور رواه البخاري ومسلم رحمهما الله من حديث داود بن الحصين
عن أبي سفيان مولى بن أبي احمد عن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم رخص في بيع
العرايا في خمسه أوسق أو دون خمسه أوسق هذا لفظ البخاري ولفظ مسلم رخص في بيع العرايا
بخرصها دون خمسه أوسق أو في خمسه فشك داود وقال خمسه أو دون خمسه والقولان نص
عليها الشافعي رضي الله عنه في موضعين على ما سأذكره (أحد القولين) انه لا يجوز وهو مذهب احمد
وقول المزني والزم به الشافعي وقد رايته منصوصا للشافعي رحمه الله في كتاب الصرف وهو في الجزء
السادس من الام في باب العرية قال ولا يشترى من العرايا الا أقل من خمسه أوسق بشئ ما كان
فإذا كان أقل من خمسه أوسق جاز البيع وكذلك قال في محتصر البويطي أيضا العرية ان يشترى
الرجل الرطب بتمر نقدا ما كان خرصه أقل من خمسه أوسق يأكله رطبا ولكن ألزمه بحسب ما نقله
62

عنه في المختصر فان لفظه فيه وأحب إلى أن تكون العرية أقل من خمسه أوسق ولا أفسخه في الخمسة
أوسق لأنها شك وهذا النص منقول من الام من موضع آخر وتوجيهه ظاهر كما قاله المصنف وكثيرون
جزموا بهذا القول وتقدم التنبيه على أن طرق حديث أبي هريرة رضي الله عنه كلها على الشك
فالجواز فيما دون الخمسة حينئذ لأنه ثابت على التقديرين إن كان الثابت خمسه أو دون الخمسة
فدون الخمسة جائز اما نصا واما ضمنا والخمسة مشكوك فيها فتبقى على الأصل وهو التحريم الثابت
فالنهي عن المزابنة وعن الغرر وعن الربا ووجه القياس الذي أشار إليه المصنف ان الخمسة تردد الحاقها
بين الناقص عنها والزائد عليها وقد عهد من الشرع التسوية بينها وبين الزائد عليها في حكم الزكاة
وجعلها في حد الكثير فينبغي ان تلحق به ههنا ويكون أولى الحاقها بالناقص الذي لم يقدره
الشرع ولم يشهد له نظير وهذا الاستدلال نقله القاضي أبو الطيب عن أبي إسحاق وهو لو تجرد عن
الأصول المتقدمة كان كافيا في التحريم فكيف وقد اعتضد بها واحتج لهذا القول أيضا بما أشار إليه
أبو داود في بعض نسخ كتابه ورواه البيهقي من حديث جابر بن عبد الله رضى عنه قال نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة واذن لأصحابه العرايا ان يبيعوها بمثل خرصها ثم قال الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة
واحتج له الماوردي بما رواه أبو سعيد الخدري رضى الله ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا صدقه في العرية
63

والخمسة أوسق ثبت فيها الصدفة وهذا الحديث لا أعرفه وسأذكر ما يمكن أن يقال في مقابلة هذا
القول إنشاء الله تعالى وممن اختار هذا القول أبو بكر بن المنذر وأبو سليمان الخطابي ورجحه إمام
الحرمين وصححه الروياني في حليته والبغوي والشاشي وابن عصرون والغزالي البسيط والنووي
وهو الذي يقتضيه كلام القفال والقاضي حسين (تنبيه) نقل ابن الرفعة عن الرافعي أنه اختار
قول المنع ومستنده في ذلك أن الرافعي قال والثاني وهو المختار المنع والظاهر أن الرافعي نفسه إنما أراد
بذلك أنه مختار المزني في مقالة ما نقله عن الشافعي رحمه الله لا أنه مختار الرافعي نفسه وكلامه واستقاء عادته
يدلان على ذلك وأن كلامه فيما ما بعد يميل إلى ترجيح المنع فإنه قال إنه الأظهر عند صاحب التهذيب
والقاضي الروياني وغيرهما وهذه العبارة قد يوجد منها بعض ترجيح وعند التحقيق لا ترجيح فيها أيضا
والقول جزم به كثيرون انه يجوز وبه قال مالك رحمه الله ورواية عن أحمد وهو الصحيح عند المحاملي
وأبى حامد والغزالي في الوجيز وهو المنقول عن نصه في باب بيع العرايا من كتاب البيوع من الام
قال ولا يجوز ان يبيع صحاب العرية الا خمسة أوسق أو دونها وأحب أن يكون دونها لا ليس في النفس
منه شيئا ولعله في الام في موضع ولم أمعن الكشف وهذا الكلام مع كلام المختصر ليس صريحا
في القول بالجواز بل كأنه متوقف في ذلك للشك في الرواية وانه ان وقع لا يقول بفسخه لأجل الشك
64

فهذا هو التوفية بمقتضى الشك ان لا يجزم فيه بإباحة ولا تحريم وتكون أوفى كلامه للشك لا للتخيير
وقال أحب أن يكون أقل يعنى لئلا يقع في الحرام المحتمل ولكن الأصحاب جعلوا ذلك قولا بالجواز
وهو الصحيح عند المحاملي وكان الشافعي رضي الله عنه لم ينظر إلى الأصول المذكورة ولا إلى القياس
اما النهى عن المزابنة فلانه ورد مستثنى منه العرايا والعرايا قد وقع الشك في مقدارها يكون ذلك
كتخصيص العام بمجمل فإنه يمنع الاحتجاج به كذلك هنا يمتنع الاحتجاج بعموم النهى عن المزابنة
في الخمسة وهذه مسألة مقررة في أصول الفقه فالشك الذي في مقدار الرخصة يقتضى الشك في مقدار
المنهى عنه ويعدل إلى دليل اخر وقد نبه الأصحاب على ذلك ومثل ذلك ما قاله امام الحرمين فيما
إذا قال وقفت على أولادي وأولاد أولادي الا من يفسق منهم لما اعتقد أن ذلك مترددين عود الأشياء إلى الكل
أو إلى الأخير وحكم مع ذلك بأنه لا يصرف إلى الأولاد لأجل التردد ومثل ذلك بحيث جرى بيني
وبين شيخنا أي ابن الرفعة في قوله صلى الله عليه وسلم (المؤمنون عند شروطهم الا شرط أحل حراما أو حرم حلالا) ورام
الاستدلال بذلك على أنه متى شك في شرط وجب ادراجه في العموم والحكم بصحته حتى يقوم
دليل على منعه وليس بجيد لما ذكرته من المرجح عند الأصوليين نعم لو كان النهى عن المزابنة في
مجلس والترخيص المشكوك فيه في مجلس آخر لم يقدح في التمسك بالعموم ولم يعلم ذلك بل الراوي
65

قال الا انه ارخص في العرايا والراوي الاخر شك في مقدارها ولعلهما حكيا قصة واحدة فتطرق الشك
إلى عموم النهى فيعدل عن ذلك إلى عموم حديث شهل الا فيما قام الاجماع عليه واقتضاه النهى من
غير شك وهو الزائد على الخمسة وهذا أولى من التمسك بعموم النهى عن الغرر لأنه أخص منه مع تفاقم
أكثر الاغرار أبيحت وأخرجت من ذلك العموم وأولى من التمسك بكون الأصل في الربويات التحريم
لما ذكرنا انه أخص واما القياس المذكور فليس بأقوى ويمكن ان يعارض بان الخمسة عهد اعتبار
الشرع لها محللا لوجوب الزكاة فلنكن محلا لجواز البيع واما دون الخمسة فلم يعهد اعتباره والحاق الجواز
من المنع لان الوجوب جواز متأكد بالطلب ووجه العموم في حديث سهل قوله رخص في بيع العرايا
وهو شامل لما إذا كان عليها خمسة أوسق وأكثر خرج الأكثر بدليل يقينا فيما عداه على مقتضى
الحديث واما حديث جابر فإنه من رواية محمد بن إسحاق وفيه كلام وإن كان ضعيفا لكن قارن ذلك
66

أن منبه (1) ليس صريحا لأن الظاهر أن ذلك خرج على جهة التمثيل والا فيقتضى انه لا يجوز أكثر
من أربع والخصم لا يقول به (واعلم) ان كل ذلك تمحل والانصاف قول المزني وان ذلك يمتنع لان الأحاديث
الدالة على منع بيع الرطب بالتمر كثيرة وليس في كلها الاستثناء فيبقى الذي ليس فيه الاستثناء على عمومه حتى
يرد مبيح وكثرتها تقتضي الجزم فإنها أحاديث لا حديث واحد ورد الاستثناء معه وفى حديث زيد
الذي رواه مسلم المذكور فيما تقدم والذي يأتي عقيب هذا ما يدل على تأخر الرخصة عن النهى قال فيه
رخص بعد لذلك في بيع العرية بالرطب أو التمر يعنى بعد النهى عن بيع التمر بالتمر قال بعضهم لو أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح الخمسة لحفظه الله تعالى حتى يصل إلينا مثبتا وحكى القفال ان معنى القولين ههنا
يرجع إلى أن النهى عن المزابنة ورد أولا ثم رخص في العرايا أو لم يرد النهى الا والرخصة معه فعلى
الأول وهو الأظهر والأصح لا يجوز في الخمسة وعلى الثاني يجوز حكاه عن القفال جماعة منهم القاضي
الحسين وهذا يشير إلى ما قالته من البحث وهو أحسن في العبارة كما حكاه صاحب العدة عن الشيخ

(1) كذا بالأصل فحرر
67

أبى على أنه قال في الشرح ان الخبر يعنى خبر المزابنة هل مخصوص أو منسوخ يعنى في قدر العرية
فيه قولان (الأصح) الثاني ومرادهما واحد وإنما قلت إن الأول أحسن لان الرخصة وإن تأخرت لا يلزم
أن تكون نسخا بل قد تكون تخصيصا وان تأخر والله أعلم. على أن الذي رأيته في شرح التخليص
أن القفال نقل القولين في كون ذلك نسخا أو تخصيصا كما حكاه صاحب العدة عن علي وزعم الامام أن
ظاهر النص التصحيح في الخمسة وأن توجيهه عسير جدا وأخذ يتحيل بأن يحيل المزابنة على معاملة
صادرة عن التحري من غير تثبت في خرص وأن يتخيل الخرص متفاضلا في درك المقادير معتبر
في الزكاة سيما إذا جعلناه تضمينا والماهر يقل خطؤه والاخرق يتفاوت كيله والكيل بالإضافة إلى الوزن
كالخرص بالإضافة إلى الكيل وفى كل حالة تقدير معتاد لائق بها فليقم الخرص في الرطب الذي
لا يمكن كيله مقام الكيل وإذا احتمل الكيل ليسره مع امكان الوزن فليحتمل الخرص حيث
لا يتأتى الكيل والشافعي رحمه الله يمنع بيع الرطب بالتمر لما يتخيله من التفاوت عند الجفاف متمسكا
68

بقوله صلى الله عليه وسلم (أينقص الرطب إذا يبس) وهذه إشارة إلى المآل وما وراء الخمسة مردود بذكر الخمسة فان
التقدير نص في اقتضاء المفهوم قال فهذا اقتضى الامكان في توجيه النص وهو على نهاية الاشكال
(قلت) وقد تقدم توجيهه بغير ذلك مع أن ظاهر النصوص خلافه وعلى مساق بحث الامام وتخيله له
يكون الأصل الجواز بالخرص وأخرج من ذلك ما زاد على الخمسة على مقتضى
الأصل من الجواز وليس مع ذلك على نهاية الاشكال وقد تعرض الامام في كتاب الرهان في أصول
الفقه لهذا البحث عند الكلام في النقص قال الأصل الكيل أو الوزن وأثبت الشرع الخرص لحاجة
في قضية مخصوصة فهو من المستثناة قال ولكن ينقدح في هذا المجال أن الوزن أضبط من الكيل
ثم الكيل متعين في بعض الأشياء مع امكان الوزن فالخرص في محل الحاجة كالكيل في المكيل
بالإضافة إلى الوزن فلا يتضح خروج الخرص بالكلية عن القانون حسب ايضاح خروج حمل العاقلة
والكتابة الفاسدة وقال أبو الحسن علي بن إسماعيل بن حسن الصنهاجي ثم الأنباري المالكي في
69

شرحه كذلك اختلف الناس في الخرص في الموضع المسموع هل هو أصل منفرد بنفسه غير رخصة
أو هو معدود من الرخص ويظهر أثر هذا الاختلاف في مسائل (منها) أنه هل يجوز أن يجمع في عقد
واحد بين مكيل وجزاف أو يمنع ذلك كما يمنع البيع والقراض على رأى من منع ذلك والمشهور عندهم
على ما قاله المنع بناء على الرخصة فيما تشق معرفة مقداره هو الكيل أو الوزن وأما ما لا تشق فلا
يجوز الخرص فيه كالمعدود الا أن يكون كثيرا كالجوز واللوز مثلا أو متفاوت الاجرام ولذلك اختلفوا
في بيع العرايا في خمسة أوسق وهذا الاختلاف ينبني على أن الأصل جواز الخرص الا في موضع
تحقق المنع أو الأصل المنع الا في مواضع الإباحة قال (والأول) هو المذهب (والثاني) قول لبعضهم أي
لبعض الأصحاب معنى عندهم (قلت) وإذا أخذ الخرص حيث الجملة فيظهر ترجيح اعتباره وانه ليس
من الغرر المجنب لجواز ايراد العقد على الثمرة على رؤوس النخل بالدراهم واما الخرص في بيع الربوي
بجنسه فينبغي أن يترجح ان الأصل المنع لان المماثلة شرط والأصل عدمها والله أعلم.
70

(فرع) إذا قلنا يجب النقص عن الخمسة فهل يكفي أي قدر كان أم له ضابط الذي نص
عليه الشافعي والأصحاب منهم الماوردي الأول فإنه قال في باب العرية من الام ولا يشترى من العرايا
الا أقل من خمسة أوسق بشئ ما كان وقال الفوراني يجوز في الأربعة ولا يجوز في ستة وفى الخمسة
قولان وهذا وعلى جهة ضرب المثال ونقل جماعة عن ابن المنذر أنه قال وقد رواه جابر ما ينتهي به إلى
أربعة أوسق فهو المباح وما زاد عليه محظور ولم أر هذا الكلام في الاشراف وإنما أطلق فيه الإباحة فيما
دون الخمسة ولعله في الأوسط أو غيره من كتبه والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(وما جاز في الرطب بالتمر جاز في العنب بالزبيب لأنه يدخر يابسه ويمكن خرصه فأشبه الرطب
وفيما سوى ذلك من الثمار قولان (أحدهما) يجوز لأنه ثمرة فجاز بيع رطبها بيابسها خرصا كالرطب (والثاني)
لا يجوز لما روى زيد بن ثابت قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرايا بالتمر والرطب ولم يرخص في غير
ذلك ولان سائر الثمار لا يدخر يابسها ولا يمكن خرصها لتفرقها في الأغصان واستتارها في الأوراق
فلم يجز بيعها خرصا).
(الشرح) حديث زيد هذا رواه مسلم وقد تقدم ومضى الكلام عليه وقد نص الشافعي
على أن العرايا من العنب كهي من التمر واتفق أصحابه على ذلك وأنه يجوز أن يبيع العنب على أصوله
71

خرصا بالزبيب كيلا واستدلوا له بأن النبي صلى الله عليه وسلم سوى بين الرطب والعنب في ايجاب العشر وفى
سن الخرص فيهما قال الشافعي ان ألغينا قيد ظاهرة بادية كالأعذاق فيمكن خرصها والإحاطة بها
ولم يذكر المصنف هذين المعنيين وإنما ذكر ادخار اليابس منه وامكان الخرص لأنهما معنيين
مناسبين للحكم المذكور وكل منهما شرط في تصوير المسألة ووفقنا على الحاق العنب بالرطب المالكية
وبعض الحنابلة وخالف في ذلك الليث بن سعد وأحمد بن حنبل وداود الظاهري قال الماوردي
واختلف أصحابنا هل جازت في الكرم نصا وروينا عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في
العرايا
والعرايا بيع الرطب بالتمر والعنب بالزبيب والثاني وهو قول ابن أبي هريرة وطائفة من البغداديين
أنها جازت في الكرم قياسا (قلت) والمحاملي وبن الصباغ ممن جعلا ذلك نصا ولم أقف على النص الذي
ذكروه في شئ من الأحاديث بل في رواية الترمذي ما يشعر بخلاف في ذلك أيضا وقال إن ذلك من
باب القياس الجلي لان جميع المعاني الموجودة في النخيل موجودة في الكرم بل رواية الترمذي عن
سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة التمر بالتمر الا الأصحاب العرايا فإنه قد أذن لهم
72

وعن بيع العنب بالزبيب وعن كل تمر بخرصة فهذه الرواية تشعر بأن العنب لا يعطى حكم التمر لأنه
فصله من الاستثناء وجعله مع بقية التمر فالصواب أن ذلك إنما ثبت بالقياس وهو الذي يقتضيه كلام الشافعي فإنه
لم يذكر غيره والله أعلم. نعم في رواية مسلم في الصحيح من رواية ابن عمر وفيه المزابنة تمر النخل
بالتمر كيلا وبيع الزبيب بالعنب كيلا وعن كل تمر خرصة ثم ذكر من رواية جابر النهى عن أمور
منها المزابنة وقال في آخره الا العرايا ورواية الترمذي ماضية على ذلك ومثبتة لما يعود الاستثناء إليه
والله أعلم. واعلم أن قوله وعن كل تمر بخرصه في رواية مسلم والترمذي عام في العنب وغيره فيكون
الحاق العنب بالرطب تخصيصا للعموم بالقياس فمن يمنع منه ينبغي أن يتوقف عن الالحاق ههنا الا بدليل
والله أعلم. وأما غيرهما من الثمار التي تجفف مثل الخوخ والإجاص والكمثرى والتين والجوز واللوز
73

والمشمش فهل يجوز على شجره بخرصه جافا فيه طريقان (أحدهما) أن المسألة على قولين وهي التي
حكاها القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والمصنف واتباعه والجرجاني والفوراني وإمام الحرمين والمتولي
وصاحب العدة والرافعي وقال صاحب البيان انها المشهورة في كلام المحاملي وغيره لشبه ذلك بالمساقاة
تجوز في النخل والكرم قولا واحدا وفى غيرها من الثمار حكي قولين أحد القولين تجوز وهو مذهب
مالك وبعض الحنابلة لان النفس تدعو إلى أكلها في رطوبتها وهذه علة مناسبة لشبه الحاجة
التي شرع لها بيع الرطب بالتمر والعنب بالزبيب وأما قول المصنف رحمه الله لأنها ثمرة فتعليل لمجرد الاسم
وهو وإن كان جائزا عنده وعند جماعة من الأصوليين فغيره أولى منه فلو علل بهذه العلة التي ذكرتها كان
أولى وهي التي ذكرها القاضي أبو الطيب وفى كلام الشافعي تعليل ذلك بعلة تحتاج إلى النظر فيها
سأذكرها في آخر الكلام إن شاء الله تعالى (والثاني) لا يجوز وهو المنصوص عليه في باب العرية من
74

الام المنسوب إلى الصرف قال ولا تكون العرايا الا في النخل والعنب لأنه لا يضبط خرص شئ
غيره واقتصره في هذا الموضع على هذا وسيأتي عنه انه ذكر في موضع آخر تلويحا إلى القول الأول
وهذا القول أعني قول المنع هو الأصح عند الروياني في الحلية والبغوي والجرجاني وابن أبي عصرون
والرافعي وغيرهم واستدلوا له بالحديث الذي ذكره المصنف وفى الاستدلال به نظر لأنه ان أريد
أن النبي صلى الله عليه وسلم منع في غير ذلك فينبغي أن يمتنع العنب بالزبيب ويكون قياسه على الرطب حينئذ
في مقابلة النص وان أريد أن الرخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لم تتفق في غير ذلك فصحيح لكن لا يمتنع القياس
على مثل هذا وان أريد أن الصحابي ظهر له بقرينة الحال أن الرخصة مقصودة على ذلك وأوجبنا الاخذ
بذلك فينبغي أن لا يجوز العنب بالزبيب ولكن الأصحاب لما رأوا الحاق العنب بالرطب ظاهرا قويا
لم يتركوه بمجرد هذا اللفظ المحتمل لهذه الأمور ولما كان الحاق ما سوى ذلك من الثمار ليس بجلي
75

قدموا ذلك اللفظ عليه لان مثل ذلك لا يقال الا عند ظهور ما يدل عليه وقال امام الحرمين إن الأصحاب
بنوا الخلاف في ذلك على القولين في أن الخرص هل يجرى في ثمار سائر الأشجار (ان قلنا) لا يجرى
امتنع البيع للجهالة (وان قلنا) يجرى فينبني على أنا هل نقتصر في ذلك على الاتباع أو نتبع طريق
الرأي والقياس فمن سلك الاتباع منع ومن جوز الرأي سوغ وذكر الامام أنه قدم الخلاف في الخرص
في كتاب الزكاة وكذلك الغزالي رحمه الله قال قولان مذكوران في الزكاة واعترض بعض
الشارحين عليه وقال لم يتعرض لذلك في كتاب الزكاة ولا الامام ولا رأيته في موضع ما ولا يليق
ذكره في الزكاة لأنه لا زكاة في ذلك فليتنبه لهذا (قلت) والغزالي وإمامه مسبوقان بمثل هذا الكلام
من القاضي حسين لكن الاعتراض المذكور صحيح وقد يقال في جوابه إن ذلك يأتي على القول
القديم في وجوب الزكاة في الزيتون وما ذكر معه مما سوى الرطب والعنب وأما قول المصنف
76

لان سائر الثمار لا يدخر يابسها فاعلم أن القاضي أبا الطيب إنما فرض المسألة فيما يدخر يابسه فهو خلاف
الفرض لان صورة المسألة فيما يدخر يابسه كذلك فرضها القاضي أبو الطيب والامام في الجاف بالرطب
من سائر الثمار ويحتمل أن يكون مراده بالجاف ما هو على هيئة الادخار ولابد من ذلك لان العرايا
بيع رطب بيابس واليابس الذي لا يدخر لا يرغب فيه وقوله ولا يمكن خرصها ان أراد عدم الامكان
الشرعي بمعنى أنه لم يشرع فيها الخرص فصحيح قال الشافعي في باب الوقت الذي يحل فيه بيع
الثمار ولم أحفظ عنه يعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أهل العلم أن شيئا من الحبوب تؤخذ زكاته
يخرص ولو احتاج إليه أهله رطبا لأنه لا يدرك علمه كما يدرك علم ثمرة النخل والعنب وان أراد نفى
الامكان الحسى فقد يمنع (نعم) هو عسر لما ذكره المصنف من العلة فلذلك لم يدخل الخرص فيه شرعا
فان الغالب عليها الاستتار في الأوراق وعدم الظهور والذي علل به القاضي أبو الطيب أن العشر
77

لا يجب فيها ولا يسن الخرص فيها كما فعل في الجانب الآخر والله أعلم. وليس في كلام الشافعي
رضي الله عنه في الحاق العنب وقطع بقية الثمار عن الالحاق إلى كون العنب يخرص وهي لا تخرص
والله أعلم. وفى موضع آخر قال لأنه لا يضبط خرص شئ غيره وهذه العبارة أسلم عن الاعتراض
من عبارة المصنف (والطريق الثاني) أنه لا يجوز قولا واحدا وهو الصحيح عند المحاملي والروياني ونقله
العمراني عن حكاية صاحب المعتمد ومن الجازمين به سليم في الكفاية وفرق المحاملي بينه وبين
المساقاة بأن المعنى الذي لأجله جوزت المساقاة في الرطب والعنب أن صاحب النخل والكرم
يحتاج إلى من يقوم على ثمرته ويسقيها ويتعهدها فدعت الحاجة إلى جواز المساقاة عليها على أحد
القولين وليس كذلك بيع العرايا لأنه إنما يجوز ذلك في الرطب والعنب لأنه يمكن معرفة قدره
بالخرص وهذا المعنى لا يوجد في غيرها من الثمار فلذلك لم يجز البيع قولا واحدا والظاهر الطريقة
78

الأولى لان الشافعي قال في باب بيع العرايا من الام وكل ثمرة ظاهرة من أصل ثابت مثل الفرسك
والمشمش والكمثرى والإجاص وغير ذلك مخالفة للتمر والعنب لأنها لا تخرص لتفرق ثمارها والحائل
من الورق دونها وأحب إلى أنه لا يجوز بما وصفت ولو قال رجل هي وان لم تخرص فقد رخص منها
فيما حرم من غيرها أن يباع بالتحري فأجيزه كان مذهبا هذا لفظ الشافعي بحروفه وهذه الصيغة منه
تقتضي اثبات قول آخر بالجواز وإن كان الراجح عنده ما قدمه وهو المنع ومقتضى تجويز العرايا فيها
جواز الخرص فيها والا فكيف تباع العرايا وكيف ما قدر فالأصح المنع وممن صححه الروياني والبغوي
والجرجاني والرافعي وآخرون والله أعلم. وقول الشافعي رخص منها فيما حرم من غيرها أي ما يباع
بالتحري هكذا رأيته في نسخة معتمدة من الام ونسخة ثانية منها أيضا وفيه اشكال لان ظاهره أنه رخص
منها في شئ حرم من غيرها أن يباع بالتحري وإن كان مقتضى الجواز وذلك معنى لا ينساغ ولا فرق
بينها وبين وغيرها في أن بيعها بجنسها بالتحري غير جائز وبغير جنسها جائز ورأيت أبا بكر أحمد بن
79

بشرى المصري في كتابه المختصر المنبه من علم الشافعي نقل اللفظ المذكور بصيغة سالمة عن هذا
الاشكال قال ولو قال رجل هي وان لم تخرص فقد رخص فيما حرم من غيرها أن يباع بالتحري فأجيزه
كان مذهبنا فأسقط لفظة منها واستقام المعنى وصار المعنى لأنه كما رخص فيما هو حرام من غيرها أن
يباع بالتحري جاز فيها ولم يصرح بوجه الالحاق والله أعلم. وعبارة الشافعي فيما نقله الماوردي في
الحاوي ولو قائل يجوز التحري فيها كان مذهبنا وهذا لا اشكال في فهمه (فائدة) قال ابن الرفعة
ان قلت إنه يجب إذا منعنا القياس في الرخص كما هو قول الشافعي القديم وقول لغيره أن لا يقاس
العنب على الرطب ولا نعلم قائلا به في مذهبنا وأجاب بأن السؤال صحيح ان صح أن الشافعي كان يمنع
القياس في الرخص في القديم وجوابه لعله كان في القديم يرى أن اسم العرية لا يختص بالرطب (قلت)
وقد تقدم رد قول من جعل ذلك منصوصا وترجيح كونه ثابتا بالقياس وأما كون الشافعي له قول
80

يمنع القياس في الرخص حتى يلزم عليه ما لورده فلم أعلم للشافعي قولا بذلك ولا وقفت عليه في نقل
معتمد وليس عند الشافعي باب يمتنع فيه القياس إذا اجتمعت شروطه وقد ذكر الغزالي في المستصفى
قياس العرايا من قسم ما استثنى عن قاعدة سابقة ويتطرق إلى استثنائه معنى فقياس عليه كل مسألة
دارت بين المستقر ومشارك المستثنى في علة الاستثناء ومثل بالعرايا فإنه لم يرد ناسخا لقاعدة الربا
لكن استثني للحاجة فنقيس العنب لأنا نراه في معناه نعم لنا رخص لا يجوز القياس عليها لا لأجل
أنها رخص بل لأنه لم يوجد فيها شروط القياس كرخص السفر والمسح وأكل الميتة والعاقلة وأرش
الجناية والغرة والشفعة والقسامة ونظائرها وهذه أمثلة من قسم ترجم الغزالي عنه بالقواعد المبتدأة العديمة
النظر فهذا إنما امتنع القياس فيها لعدم نظيرها وليس كل رخصة كذلك فلعل من نقل عن الشافعي أنه لا
يقيس في الرخص المقيس عليه بذلك فلا يعرج على هذا النقل إلا بعد تثبت والله أعلم.
(فرع) قال الجرجاني لا تجوز العرية في الزرع بخلاف الكرم والنخل لان أعذاقها
وعناقيدها مجتمعة بارزة.
81

(فرع) لو باع الرطب على الشجر بجنس آخر من الثمار على الشجر وعلى الأرض يجوز
من غير خرص قل أو كثر ويتقابضان نص عليه الشافعي والأصحاب ولو بيعت العرايا بنقد أو
عرض موصوف من كل ما عدا المأكول والمشروب إلى أجل وقبض المشترى العرية جاز نص عليه
الشافعي رضي الله عنه.
(فرع) قال إمام الحرمين وحق الفقيه أن لا يغفل في تفاصيل المسائل عما مهدناه في كتاب
الزكاة من تفصيل القول في بيع الثمار وفيها حق المساكين أو لاحق فيها والتنبيه كاف يعنى أنه إذا باع من
في ملكه خمسة أوسق فصاعدا بحيث تجب عليه الزكاة فان الزكاة تتعلق بالثمرة يبدو الصلاح وبيع
المال وفيه حق الزكاة مذكور بأحكامه وتفاصيله في ذلك المكان وذلك بعينه جار هنا لأنه لا فرق
في ذلك بين أن يكون المبيع بتمر أو بنقد فيجئ إذا أطلقنا هنا المراد من حيث ما نحن نتكلم فيه وأما
تلك التفاصيل والأحكام فمعلومة في بابها والله أعلم. وقال الروياني في البحر قال أصحابنا هذا إنما يجوز
82

إذا خرص عليه الزكاة وقلنا الخرص تضمين حتى يجوز له التصرف في الجميع قال وهذه المسألة تدل
على صحة القول بالتضمين أو أراد إذا لم يبلغ ما في حائط قدرا تجب فيه الزكاة أو أراد الأقدر الزكاة
إذا قلنا الخرص غيره انتهى وهذا يوافق ما أشار إليه الامام واصل هذه التنبيه عن القفل كذلك
حكاه عنه تلميذه الفوراني وصاحب العدة ورأيته في كلام في شرح التخليص وأصله من كلام الشافعي
رضي الله عنه فإنه تعرض لذلك في باب صدقة التمر من الام ولا حقله هناك تفريق الصدقة إذا باع ثمر
حائطه وسكت عن الصدقة وقد تقدم من كلام الشافعي وروايته أن مصدق الحائط أمران يأمر الخارص
ان يدع لأهل البيت قدر ما يراهم يأكلونه ولا يخرصه لتؤخذ زكاته ومع ذلك فلا حاجة إلى
هذا الذي قاله هؤلاء الأئمة وتكون تلك العرية إذا فرضت على ما قاله الشافعي لا تتعلق الزكاة بها
كما ذكر والله أعلم. لكن قد تقدم أن الأصحاب نقلوا ذلك عن القديم وأن المشهور خلافه أما إذا
فرض البيع فيما تعلق حق الزكاة به فلا شك في جريان ما نبهوا عليه وهذا الفرع الذي نبه على الشافعي
83

من أنه يدع لأهل البيت من حائطهم قدر ما يراهم يأكلونه مستفاد غريب ثم فيه مباحثة من جهة
ان حق المساكين قبل الخرص هل تعلق الجميع أولا فإن كان الأول فكيف ينقطع بافراد الخارص
من غير أن يفرد حقهم فيما عدا ذلك الا أن يحمل على الوثوق بأن المشترى يتصدق بعشرة كما
تقدم وإن كان الثاني فيكون حقهم في نخلات مبهمة وحينئذ فهل ولاية اليقين للمالك التصرف فيها
بالاكل وغيره قبل التعيين فإذا باع تكوين كما لو باع الأربعين من الشياه التي تعلق بها الزكاة والله
أعلم فلا يجوز ولا يخرج على تفريق الصفقة على الأصح لأجل الابهام وأما اقتضاء كلام الرافعي
لترجيح الصحة في ذلك فيما عدا قدر الزكاة فبعيد فيجب تأويله وكذلك قال القفال في شرح التلخيص
لما ذكر القولين في ذلك هل يجبر بالقسط أو بالكل قال وهذان القولان يخرجان على القول الذي يقول إن
الزكاة تجب في الذمة لا في العين لان الزكاة إذا وجبت في الذمة فان البيع يكون صحيحا في جميع
الأربعين فإذا أخذ الساعي منها واحدا كان ذلك عيبا.
84

(فرع) قال الشافعي رحمه الله في الام ولا بأس أن يشتريها في الموضع من له حائط أي
بستان بذلك الموضع لموافقة ثمرتها وفصلها أو قرنها لان الحلال عام لا خاص الا أن يخص بجزء لازم
وان حل لصاحب العرية شراؤها حل له هبتها واطعامها وبيعها إذا حازها وما يحل له من المثال في
ماله انتهى وهذه الفروع كلها واضحة لا خلاف فيها بين الأصحاب وفى قول الشافعي لموافقة ثمرتها
إشارة إلى أن الاغراض في البياعات تختلف فلا يحصر الغرض في أن لا يكون لمالك الثمرة أو مثلها
عند المشترى بل قد يكون مثلها عنده ويريد ضمها إليه.
(فرع) قال الماوردي رحمه الله إن الخارص هنا يكفي فيه واحد بخلاف الزكاة على رأى والفرق
أنه هنا نازل منزلة الكيل عند تعذره ويكفي في الكيل واحد فكذلك هذا وهل يشترط أن يكون
غير المتعاقدين أو يكفي أحدهما قال القاضي أبو الطيب في كيفية الخرص أن ينظر المتبايعان إلى النخلة
ويحذر انها وذلك يقتضى الاكتفاء بهما ولا شك في ذلك كما أنهما لو علما المماثلة لا يشترط اخبار
85

غيرهما وإنما الكلام ههنا لو خرص أحدهما ولم يخرص الآخر وقال ابن الرفعة فيه احتمال يتخرج على
ما لو أذن من عليه التسليم بالكيل إلى مستحقه في كيله لنفسه هل يصح أم لا قال وفى ظني أنه مر
فيه كلام يلتف على اتحاد القابض والمقبض لان الكيل أحد أركان القبض صار بكيله مقبضا
وقابضا وأما الخرص ههنا فهو اخبار محض كما لو أخبر بمساواة هذه الصبرة لصبرته أو الدينار لديناره قد
تقدم أنه يصح لكن تقدم في القبض بناء على ذلك من غير كيل أو وزن كلام وأن الراجح أنه
لا يكفي حتى لو تفرقا قبل الكيل بطل العقد وههنا لا يتأتى قبض الرطب هنا الا بالتخلية ولا يشترط فيه
الكيل فظهر أن الخارص يكفي أن يكون واحدا وأنه يجوز أن يكون أحد المتعاقدين والله أعلم.
86

قال المصنف رحمه الله تعالى.
(ولا يباع منه ما ينزع نواه بما لم ينزع نواه لان أحدهما على هيئة الادخار والآخر على غير هيئة
الادخار ويتفاضلان حال الادخار فلم يجز بيع أحدهما بالآخر كالرطب بالتمر وهل يجوز بيع ما نزع نواه
بعضه ببعض فيه وجهان (أحدهما) يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تبيعوا التمر بالتمر الا سواء بسواء) (والثاني)
لا يجوز لأنه يتجافى في المكيال فلا يتحقق فيه التساوي ولأنه يجهل تساويها في حال الكمال
والادخار فأشبه بيع التمر بالتمر جزافا).
(الشرح) الحديث المذكور مختصر من حديث عبادة من رواية الشافعي في مختصر المزني
وغيره كما قدمته في الفصل الذي جمعت فيه الأحاديث الواردة في تحريم ربا الفضل فليس هذا اللفظ
الذي ذكره المصنف بكماله قطعه منه بل لفظه (لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر
ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح الا سواء بسواء) فاختصر المصنف منه هذه اللفظة وذلك
87

جائز عند من يجوز الرواية بالمعنى لا سيما في مثل هذا الموضع الذي يقصد به الاستدلال دون الرواية
فإنه يغتفر ذلك. (أما) حكم المسألة فقد سوى الشيخ أبو حامد بين المسألتين وجعل الوجهين مطلقا
سواء أباع ما نزع منه النوى بما لم ينزع منه أم بمثله كذلك فيما علقه البندنيجي عنه وفيما علقه سليم حكى
الوجهين في المسألة الأولى وسكت عن الثانية ويعلم جريانها فيها بطريق والمحاملي ونصر المقدسي حكيا
الوجهين في المسألتين أيضا وجزم البغوي في المسألتين بالمنع وكذلك الامام جزم بالمنع ثم حكى أن
العراقيين ذكروا وجها في المنزوع بالمنزوع فاستبعده جدا قال ثم جاءوا بما هو أبعد منه وذكروا خلافا
في بيع تمر منزوع النوى بتمر غير منزوع النوى وهذا ساقط لا يحتفل بمثله قال الفارقي تلميذ المصنف
رحمه الله معنى قوله يتفاضلان حال الادخار أنهما قبل نزع النوى إذا كيلا متساويين ثم نزع النوى من
أحدهما وكيلا ظهر التفاضل لأنه تنتفش أجزاؤه بالنزع وتتجافى في المكيال.
88

(فرع) المشمش والخوخ ونحوهما لا يبطل كما لها نزع النوى في أصح الوجهين لان الغالب
في تجفيفها نزع النوى قاله الرافعي وصاحب التهذيب وكلام الفوراني يقتضى أن الوجهين فيها تفريع
على منع بيع الثمر المنزوع النوى بعضه ببعض فإنه قاس المنع في ذلك على الثمرة ومن ذلك يعلم أن
الخلاف قريب ان جوزنا في التمر المنزوع النوى فهذا أولى والا فوجهان وكذلك أورده يعقوب بن
عبد الرحمن بن أبي عصرون فيما جمع من المسائل وللفرق بما ذكره الرافعي وفرق في الإبانة بأن الثمر
89

* إذا نزع نواه تسارع إليه الفساد وذكر الامام أن شيخه ذكر عن بعض الأصحاب وجها بعيدا في اشتراط
نزع النوى كما يشترط نزع العظم عن اللحم في ظاهر المذهب وقال إنه لم ير ذلك لغير شيخه وقال الامام
إن المراتب ثلاثة التمر نزع نواه يمنع بيعه واللحم في ظاهر المذهب يتعين نزع عظمه إذا حاولنا بيع
بعضه ببعض وبينهما المشمش وما في معناه فيجوز بيع بعضه ببعض مع النوى وفيه مع النزع
الخلاف المذكور (قلت) فتحصلنا في المشمش ونحوه على ثلاثة أوجه (أحدهما) أنه يشترط نزع
النوى (والثاني) أنه يفسد بنزع النوى (والثالث) وهو الصحيح أنه يجوز بيع بعضه ببعض في الحالتين
مع النوى ومن غير نوى قال الروياني إن الجواز قول القفال وقد تقدم في كلام الرافعي أنه الأصح. ويجوز
بيع لب الجوز بلب الجوز ولب اللوز بلب اللوز وفيه وجه جزم به القاضي حسين في التعليق أنه لا يجوز
بيع اللب باللب لخروجه عن حالة الادخار وبهذا أجاب في التتمة قاله الرافعي وهو ربوي قولا واحدا
قديما وجديدا للتقدير والطعم قاله الامام وقد تقدم أنه يجوز بيع الجوز بالجوز مع قشره على المذهب
وكذلك اللوز.
قال المصنف رحمه الله.
(ولا يجوز بيع نيئه بمطبوخه لان النار تعقد أجزاءه وتسخنه فان بيع كيلا لم يجز لأنهما لا
يتساويان في الكيل في حال الادخال وان بيع وزنا لم يجز لان أصله الكيل فلا يجوز بيعه وزنا ولا يجوز
بيع مطبوخه بمطبوخه لان النار قد تعقد من أجزاء أحدهما أكثر من الآخر فيجهل التساوي).
(الشرح) فيه مسألتان) (إحداهما) أن ما حرم فيه الربا لا يجوز بيع الجنس الواحد نيه بمطبوخه
90

قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر والام لا يجوز من الجنس الواحد مطبوخا بنئ منه بحال قال في
المختصر إذا كان إنما يدخر مطبوخا وقال في الام لأنه إذا كان إنما يدخر مطبوخا فأعطيت منه شيئا بمطبوخ
فالنئ إذا طبخ ينقص فيدخل فيه النقصان في النئ ومن أمثلة ذلك أن يبيع العنب أو العصير بالدبس
المتخذ منه وكذلك التمر بالدبس المتخذ منه لا يجوز قاله الصيمري والقاضي حسين واتفق الأصحاب على
أن النئ أو القديد بالمطبوخ أو بالمشوي لا يجوز ولا فرق بين أن يكون المطبوخ مما يدخر أو ما لا يدخر
(وأما) قوله في المختصر إذا كان إنما يدخر مطبوخا قال القاضي حسين إنه خطأ في النقل بل لا يختلف
الحكم فيه وقال القاضي الروياني قبل عبارة الشافعي ولا يجوز من الجنس الواحد مطبوخا منه بنئ بحال
ولا مطبوخ طبخ ليدخر مطبوخا فنقل المزني هذا وقدم بعض كلام واخر بعضه وعطف على المسألة
الأولى وقيل معنى ما نقل المزني وإن كان إنما يدخر مطبوخا وهو قول ابن داود وقصد به بيان أن هذا
ليس بعذر (قلت) وقد علمت أن ما نقله المزني موجود مثله في الام في تعليل الشافعي فالوجه تأويل ذلك
91

وعدم حمله على الخطأ من المزني وتأويله عسر بل هو قوى الدلالة على أن ما يدخر في حال كونه نيئا
وفى حال كونه مطبوخا يجوز بيع النئ منه بالمطبوخ والتأويل الذي نقله الروياني هو أقرب ما يتمحل
مع تكلف وقال أبو حنيفة رضي الله عنه بجواز ذلك على أصله في بيع الرطب بالتمر ولذلك والله أعلم
عدل المصنف عن قياسه على الرطب بالتمر لان الخصم يمنع الحكم فيه إلى ما ذكره والشيخ أبو حامد قاسه
على الحنطة بدقيقها والجامع أنهما على صفة يتفاضلا حالة الادخار ومن جملة أمثلة هذه المسألة بيع الدبس المتخذ
من العنب بخل العنب وهو ممتنع قال وحكى في التتمة والبحر وجه أنه يجوز بيع الدبس بالخل لأنهما
اختلفا في الاسم والصورة والطبع قال المتولي وعلى هذا لا تعتبر المماثلة بينهما وهذا الذي حكيناه موافق
للوجه الذي سيأتي عن حكاية الشيخ أبى محمد في أن عصير العنب وخله جنسان ومال إليه الامام هناك
وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى (المسألة الثانية) بيع مطبوخه بمطبوخه وقد نص عليه الشافعي
أيضا في المختصر قال تلو الكلام المتقدم ولا مطبوخا منه بمطبوخ لان النار تنقص من بعض أكثر
مما تنقص من بعض وليس له غاية ينتهى إليها كما يكون للتمر في اليبس غاية ينتهى إليها وقال معنى
92

ذلك في الام في باب ما يجامع التمر وما يخالفه مقصوده بذلك الفرق بين ذلك وبين التمر حيث يجوز
بيع بعضه ببعض وإن كانت الشمس قد أخذت من أحدهما ومنهما فربما يكون أخذها من أحدهما
أكثر من أخذها من الآخر لكن له غاية في اليبس ينتهى إليها والمطبوخ بخلافه وذكر الأصحاب فرقا
آخر بين العصير المطبوخ وبين التمر فان التمر قبل أن يصير تمرا لا يجوز بيع بعضه ببعض والرب أو الدبس
مثلا يجوز بيعه قبل هذه الحالة في كونه عصيرا فجرت حالة العصير بعد الطبخ لحالة التمر وهو رطب
فلا يجوز الدبس بالدبس قال القاضي حسين وان طبخا في قدر واحد وممن جزم بهاتين المسألتين كما
ذكره المصنف الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والماوردي والقاضي حسين وآخرون وفى معنى
الدبس عصير قصب السكر إذا عقد وصار عسلا وكذلك ماء الرطب وعصير الرمان والسفرجل والتفاح.
(فرع) قال ابن أبي الدم بيع الطلى بالدبس لا يجوز والطلاء أرق من الدبس وبيع الطلى
93

بمثله فيه وجهان وبيع الخل بالدبس فيه وجهان وبيع العصير بالخل ولا ماء فيهما فيه وجهان قال الماوردي
ولا يجوز بيع الزيت المطبوخ بالنئ ولا بالمطبوخ ويجوز بيعه بالمشوي والنئ والمطبوخ وكذلك لا يجوز
بيع المشوي بالمشوي ولا المطبوخ بالمشوي وممن صرح به القاضي أبو الطيب (1) والرافعي وجزموا به
ولا يجوز بيع الناطف بالناطف ولا الحنطة المقلية بالحنطة المقلية ولا بغير المقلية لتغيرها عن هيئتها واختلاف
الحبات في اليابس بالنار وكذلك لا يجوز الحنطة المطبوخة بالمطبوخة والمشوية بالمشوية والمقلية بالمبلولة
والمبلولة بالمشوية وأما بيع المبلولة بالمبلولة فإنه يمتنع لكنه ليس على مسائل هذا الفصل وقد تقدم في بيع
الرطب بالرطب صرح بجميع الأمثلة القاضي حسين وغيره وأكثر مسائل هذا الفصل لا خلاف فيها على
ما يقتضيه اطلاق أكثر الأصحاب الا الدبس فيه ثلاثة أوجه (أحدها) هو المشهور الذي ادعى الامام اتفاق
الأصحاب عليه أنه لا يجوز مطلقا وان طبخا في قدر واحد على ما صرح به القاضي حسين (والثاني) حكاه القاضي
حسين أنه ان طبخا في قدر واحد جاز وأبطله القاضي بان ما في أسفل القدر أسخن مما في أعلاه لكثرة

(1) بياض بالأصل
94

مماسة النار (والوجه الثالث) حكاه الرافعي الجواز وكلامه يقتضى أنه مطلقا لامكان ادخاره والذي عليه
التعويل في تعليل المنع مطلقا ان العصير كامل وإذا نظرنا إلى مقدار من الدبس مقابله مثله فلا يدرى كم
في أحدهما من أجزاء العصير وكم في الدبس منه فكان كالدقيق بالدقيق نظرا إلى توقع تفاوت في كمال
سبق للحب قال ولو قيل قد يخالف مكيال من الدبس مكيلا في الوزن لتفاوت في التعقيد لكان
كذلك لكن لا معول عليه فان المعقد يباع وزنا بالتعويل على ما قدمته من ملاحظة كما العصير لامكان
ادخاره ولتأثير مأخذ بعض العصير ليصير دبسا وقدر المأخوذ يختلف ومن فروع ما دخلته النار الحنطة
المقلوة بمثلها وبالنيئة والزيت المغلى بمثله وبالني كل ذلك لا يجوز.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(واختلف أصحابنا في بيع العسل الصفي بالنار بعضه ببعض فمنهم من قال لا يجوز لان النار تعقد
أجزاءه فلا يعلم تساويهما ومنهم من قال يجوز وهو المذهب لان نار التصفية نار لينة لا تعقد الاجزاء
95

وإنما تميزه من الشمع فصار كالعسل المصفى بالشمس).
(الشرح) العسل إذا أطلقه فالمراد به عسل النحل لا غير فكل ما يتخذ من تمر أو قصب أو
حب جنس آخر يجوز بيعه بعسل النحل متماثلا ومتفاضلا قال ابن سيده العسل لعاب النحل يذكر
ويؤنث الواحدة عسلة وجمعه أعسال وعسل وعسول وعسلان إذا أردت أنواعه قال الشافعي رحمه
الله في المختصر تلو الكلام السابق ولا يباع عسل نحل بعسل نحل الا مصفين من الشمع لأنهما لو
بيعا وزنا وفى أحدهما شمع وهو غير العسل كان العسل بالعسل غير معلوم وكذلك لو بيعا كيلا وكذلك
ذكر في الام وقال وكذلك لو باعه وفى كل واحد منهما شمع وقال الشافعي في الام فعسل النحل المنفرد
بالاسم دون ما سواه من الحلو وقال فلا بأس بالعسل بعصير السكر لأنه لا يسمى عسلا الاعلى
ما وصفت يعنى من جهة حلوا كالعسل وكذلك قال الشيخ أبو حامد في عسل الطبر زد وقال
وهو ما يبقى من السكر ثخيبا كالعكر فيجوز بيعه بعسل النحل متفاضلا وقال أبو الطيب
96

عسل الطبرزد ان يطبخ السكر ثم يطرح في إجانة فإذا جمد أميلت الإجانة على جانبها فخرج منها
العسل فيجوز بيعه بعسل النحل متفاضلا ولا يجوز بيع عسل الطبرزد بعسل القصب متفاضلا لأنهما
جنس واحد وهل يجوز متماثلا فيه وجهان لأجل الطبخ كما في السكر بالسكر حكاهما القاضي أبو الطيب
وغيره ووجه الجواز أن ناره خفيفة وحمل القول في بيع العسل النحل بعضه ببعض انه اما أن يباع بشمعه
أولا فان بيع بشمعه فلا يجوز بمثله ولا بالصافي وقد تقدم ذلك في قاعدة مدعجوة وتقدم الفرق بينه وبين اللحم
وفيه العظم وبين التمر وفيه النوى من وجهين أن بقاء ذلك من مصلحته بخلاف الشمع (والثاني) أن الشمع له
قيمة وان بيع العسل المصفى بمثله فاما أن تكون التصفية بالشمس أو بالنار فان صفى بالشمس فان ترك فيها حتى
ذاب وتميز الشمع من العسل جاز بيع بعضه ببعض قاله الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي
وغيرهم ولا خلاف في ذلك وان صفى بالنار فاما أن تكون النار كثيرة بحيث تأخذ منه وينعقد بها
واما أن تكون خفيفة بحيث يحميه بها ويصفيه من غير كثرة فإن كانت كثيرة أو ترك حتى انعقدت
97

أجزاؤه وثخن لم يجز بيع بعضه ببعض كما تقدم في الدبس والزيت وشبههما وإن كانت خفيفة بحيث
أذيب وأخذ أول ما ذاب قبل أن تنعقد أجزاؤه جزم الشيخ أبو حامد والمحاملي والجرجاني بالجواز هذه
طريقة الشيخ أبى حامد وتبعه المحاملي والجرجاني عليها وأما القاضي أبو الطيب فإنه قال إن صفى
بالنار اختلف أصحابنا فيه كما قال المصنف سواء حكما وتعليلا وأطلق القول في ذلك وكذلك الماوردي
والبغوي والرافعي وقال القاضي حسين ان قول المنع مخرج من قول الشافعي لا يجوز السلم في العسل
المصفى بالنار ورد القاضي ذلك بان السلم امتنع لأنه تعيب بدخول النار فيه والسلم في المعيب لا يجوز
وكذلك الفوراني رد ذلك بمثل ما قال القاضي حسين (وأظهر) الوجهين عند الرافعي الجواز ونسبه الماوردي
إلى سائر أصحابنا وهو الأصح عند ابن الصباغ والقاضي حسين (وقال) الروياني انه المذهب لان
المقصود من عصره تميز الشمع عنه ونار التمييز لينة لا تؤثر في التعقيد فأشبه المصفى بالشمس وممن صحح
الجواز ابن عصرون وصاحب التتمة وهو الذي يقتضيه كلام الفوراني فإنه أطلق الجواز ثم ذكر
98

عن بعض الأصحاب أنه فصل بين المصفى بالشمس والمصفى بالنار ومنع في المصفى بالنار قال وهذا ليس
بشئ كما رجحه الفوراني وما حكاهما الوجهان اللذان في الكتاب ويشبه أن يكونا هذان الوجهان
منزلين على ما ذكره الشيخ أبو حامد من التفصيل ويكون ذلك تحقيق مناط هل حصل نقص أولا
والله أعلم. وفرق الماوردي بين العسل والزيت المغلى حيث لا يجوز بيع الزيت المغلى بعضه ببعض
بأن النار دخلت في العسل بالصلاح وتمييزه من شمعه فلم تأخذ من أجزاء العسل شيئا وكذلك السمن
وإنما تأخذ النار فيما يدخل فيه الانعقاد واجتماع أجزائه قال حتى لو أن العسل المصفى أغلي بالنار لم يجز
بيع بعضه ببعض لان النار اذن لم تميزه من غيره (اعلم) أن المصنف تكلم أولا في المعروض على النار
عرض عقد واطبخ كاللحم والدبس وما أشبه ذلك وقد تقدم شرحه وهذا القسم في المعروض على
النار للتمييز والتصفية وذكر من أمثلة ذلك ما هو مختلف فيه وهو العسل الذي عتاب سرحه والسكر
وسيأتي وقد يكون منه ما لا خلاف فيه فلم يتعرض المصنف له كالذهب والفضة يعرضان على النار
لتمييز الغش ولا خلاف في جواز بيع بعضها ببعض وقال ابن الرفعة الذهب والفضة إذا دخلا النار
لا يمتنع بيع بعضهما ببعض لأنها لا تؤثر في جرمهما نعم لو خالطهما غش فادخلا النار لتخلصه فقد يقال بامتناع
بيع البعض بالبعض لأنها قد تؤثر في اخراجه في أحدهما أكثر مما تؤثر في الآخر وقد يقال بأنه يجوز
99

لان لأهل الصناعة في ذلك خبرة لا تحرقه ولا تغلبهم النار عليها بخلافها في السكر ونحوه (قلت)
واطلاق الأصحاب يقتضى الجواز وان لم يفصلوا هذا التفصيل بل في تصريحهم بالعرض لتمييز الغش
ما يدل لما قاله من النظر والله أعلم. وتقييد المصنف المصفي بالنار وقياسه على المصفى بالشمس يدل على
أن المصفى بالشمس يجوز بيع بعضه ببعض والامر كذلك بلا خلاف قال الامام فان قيل إذا صفى
العسل بشمس الحجاز فقد يكون أثر الشمس في تلك البلاد بالغا مبلغ النار فانا نرى شرائح اللحم
تعرض على رمضاء الحجارة فتنش نشيشا على الجمر قلنا هذا فيه احتمال (والأظهر) جواز البيع وان
أثر الشمس فيما أظن لا يتفاوت وإنما يتفاوت أثر النار لاضطرامها وقوتها وبعدها من المرجل والتعويل
على تفاوت الأثر بدليل أنه لو أغلى ما على النار أو خل ثقيف لم يمتنع بيع بعضها ببعض فان النار
لا تؤثر في هذه الأجناس بتعقيد حتى يعرض فيها التفاوت فيزيل بعض الاجزاء ويبقى الباقي على
استواء وقد قال ابن الرفعة في الكفالة ذهب بعض أصحابنا إلى أنه ان صفى بها يعنى الشمس في البلاد
المعتدلة الحر لا يجوز بيعه بما صفى بها في البلاد الشديدة الحر قال محكى وليس بشئ.
(فرع) ان منعنا بيع المصفى بالنار بمثله فلا شك أنه يمتنع بيعه بغيره من أنواع العسل
وممن صرح به الجرجاني لان النار إذا عقدت اجزاء أحدهما أدى إلى التفاضل أما إذا قلنا بجواز
100

بيع العسل المصفى بالنار بمثلة فهل يجوز بيعه بالمصفى بالشمس قال ابن الرفعة فيه نظر لان النار قد
يتقارب تفاوتها ويتباعد في الشمس تباعد ما بينه وبين الشمس (قلت) والذي يظهر الجواز لأنا
إنما نجوزه بناء على أن النار لطيفه تميز ولا تعقد الاجزاء وإذا كان كذلك فلا اثر لها في التماثل فلا
فرق بين ذلك وبين المصفى بالشمس.
(التفريع) حيث قلنا بجواز بيع العسل بالعسل اما أن يكون مصفى بالشمس واما بالنار
اللطيفة على الصحيح فيما تعتبر المماثلة فيه قال الشافعي رضي الله عنه في كتاب الصرف والعسل بالعسل
كيلا بكيل إن كان يباع كيلا أو وزنا بوزن إن كان يباع وزنا وقال في موضع آخر العسل والسمن
والسكر الوزن فيهما أحوط فالظاهر في هذا أنه موزون وعده في الرسالة في باب الاجتهاد مع الزيت
والسمن والسكر من الموزونات فلذلك قال أبو الطيب انه المنصوص عليه وقد تقدم في أول الكلام
قوله في المختصر لأنهما لو بيعا وزنا إلى آخره وقال أبو إسحاق لا يباع إلا كيلا بكيل وقد تقدم التعرض
لشئ من ذلك وقال الرافعي هو كالسمن والامر كما قال وهما جميعا موزونان خلافا لأبي إسحاق كما
تقدم وقد حمل الروياني قول الشافعي المذكور في الصرف على التوقف فيه قال وقيل أراد الشافعي
بقوله إنهما لو بيعا وزنا إذا انعقدا ببرد الهواء وغلظ لا يمكن كيله فيباع حينئذ وزنا فأما إذا أمكن كيله
101

فلا يباع إلا كيلا قال وهو قريب من قول أبى اسحق (والمذهب) المنصوص ما تقدم واعترض الأصحاب
على المزني في قوله لأنهما لو بيعا وزنا وفى أحدهما شمع وهو غير العسل كان العسل تارة غير معلوم
قالوا لأنه والحالة هذه معلوم المفاضلة فلا معنى لقوله غير معلوم وأنما يستقيم هذا التعليل في الشهد
بالشهد لأنهما بما فيهما من الشمع غير معلومي المماثلة قالوا والشافعي ذكر هذا التعليل هناك فاشتبهت
إحدى المسألتين بالأخرى وذكر الروياني أيضا أن قوله في المختصر يدل على تصحيح أحد الوجوه فيما
لم يعلم معياره يعنى الوجه القائل بالتخير وقد تقدم. وقال أبن داود لما ذكر كلام الشافعي فيه كالدليل
على أنه يجوز كيلا تارة ووزنا أخرى قال وهذا غريب قل ما يوجد له نظير (قلت) وليس الامر كما زعم بل المراد التوقف كما تقدم والله سبحانه وتعالى اعلم.
(فرع) قال صاحب التهذيب عسل الرطب وهو رب يسيل منه يجوز بيع بعضه ببعض
متساوين في الكيل ويجوز بيعه بعسل النحل متفاضلا وجزافا يدا بيد لأنهما جنسان مختلفان كما
يجوز بيع العسل بالدبس.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(واختلفوا في بيع السكر بعضه ببعض فمنهم من قال لا يجوز لان النار قد عقدت أجزاءه
ومنهم من قال يجوز لان ناره لا تعقد الاجزاء وأنما تميزه من القصب).
102

* (الشرح) الوجهان المذكوران حكاهما الشيخ أبو حامد وابن الصباغ والبغوي والامام
والرافعي وجعلهما الرافعي كالدبس ومقتضى ذلك أن الأصح عنده المنع في السكر أيضا وكذلك قال
في التهذيب ان الأصح أنه لا يجوز وكذلك نقل ابن الرفعة عن الارغاني أنه قال في فتاوى النهاية بالبطلان
في السكر والفانيد والعسل المميز بالنار قال ابن الرفعة وذلك قياس جزم العراقيين بمنع السلم في ذلك
فان باب الربا أحوط من باب السلم بدليل أنه يجوز السلم فيما لا يجوز بيع بعضه ببعض لأجل طلب
المماثلة وظاهر المذهب الجواز في السكر على ما ذكره الشيخ أبو حامد وقال القاضي حسين انه الصحيح
وكذلك يقتضيه إيراد الجرجاني ونقل ابن الرفعة عن البندنيجي أنه ظاهر المذهب وعن سليم أنه أظهر
الوجهين وجزم في التعليق عن أبي هريرة بالمنع وقال الماوردي إن كانت للتصفية وتمييزه من غيره جاز
وان دخلت لعقد الاجزاء لم يجز (واعلم) أنه قد يستشكل قول الشيخ وغيره أن نار السكر لينة لا تعقد
الاجزاء وإنما تميزه من القصب والسكر إنما يتميز من القصب بالعود الذي يعصر به فإذا وقع أحد
العودين على الآخر وانعصر القصب تميز وفى بعض ما تكلم به على المذهب تأويل ذلك بأنه لابد أن
يبقى في السكر شئ من أجزاء القصب ويكثر ذلك حتى يحتاج إلى استخراجه فإذا أغلى بالنار سهل إخراجه
فان ما يبقى من أجزاء القصب يعلو على السكر عند الغليان ويسهل استخراجه فهذا معنى التمييز الذي
103

قصده وعلل القاضي حسين الجواز بأن لدخول النار فيه حدا ونهاية وعلله الامام بأن الانعقاد من
طباع السكر كما حكيناه وقيده الماوردي فقال في السكر والفانيدان القي فيهما ماء أو لبن أو دقيق أو
غيره فلا يجوز بيع بعضه ببعض والا فينظر فان دخلت النار فيهما لتصفيتهما وتمييزهما من غيرهما جاز
وان دخلت لاجتماع اجزائه وانعقادها فلا (قلت) أما تقييده بما إذا لم يكن فيه ماء أو لبن أو دقيق
أو غيره فيمكن أن يكون اطلاق الأصحاب منزلا عليه لأنه حينئذ يصير بيع السكر وغيره بمثله قال ابن الرفعة
وما قاله فيه نظر لان السكر لامن إذابة أصله بالماء ليحل ثم يطبخ ونصب عليه بعد غليانه اللبن ليبيضه
ويزيل وسخه وذلك يقتضى منع بيع بعضه ببعض على طريقة (قلت) وكلام الماوردي يقتضى أنه لم
يتحدد عنده حال السكر ولا حال تأثير النار فيه فاما حكمه بالمنع عند اختلاطه بغيره وما ذكره ابن
الرفعة من أن ذلك لابد منه فهو يقتضى قوله بالمنع فيه وهو القياس فان الخليط الذي فيه من الدقيق
واللبن مانع من التماثل أما الماء ففيه نظر فأن الظاهر أنه لا يزيد في وزنه بعد الجفاف شيئا والله أعلم.
(فرع) بعد أن ذكر الامام ما ذكر في السكر قال وهذا الذي ذكرناه يعنى من الخلاف
جار في كل ما ينعقد كذا نقله عنه ابن الرفعة قال وقد صرح باجراء الخلاف في القند الفوراني وأجراه
الامام الغزالي في الفانيد وأجراه الغزالي رحمه الله أيضا القند وفى اللباء.
104

(فرع) إذا بيع السكر فالمعيار فيه الوزن نص عليه الشافعي ومن الأصحاب نصر المقدسي
وقد تقدم قول الجوزي وتنبيهه على أن ذلك لا خلاف فيه وقال ابن أبي الدم ان أبا إسحاق قال يباع
كيلا وجعل الوجهين فيه كالسمن ولم أر ذلك لغير ابن أبي الدم وعلل وجه أبى اسحق على ما زعم بأن
أصله الكيل وكأن يعني العصير فإنه مكيل وبيع الفانيد كبيع السكر بالسكر قاله الماوردي والقاضي
حسين والبغوي والامام والرافعي.
(فرع) قال نصر المقدسي في الكافي يجوز بيع السكر بالسكر وزنا إذا تساويا في اليبس والصفة
فأما اشتراطه اليبس فصحيح وأما اشتراطه التساوي في الصفة فمشكل لان ذلك غير شرط في الربويات
بدليل أنه يجوز بيع التمر من نوع بالتمر من نوع آخر وما أشبهه وظاهر كلام نصر هذا أنه لا يجوز بيع
السكر بالسكر إذا اختلفت صفتهما ولم أر من تعرض لذلك غيره ولا يجوز بيع قصب السكر بقصب
السكر ولا بالسكر كبيع الرطب بالتمر أو بالرطب قاله البغوي والرافعي وهو الصواب وقال الامام في
السكر والفانيد منهم من قال هما جنس وهذا بعيد ومنهم من قال جنسان فان قصبهما مختلف وليس
للفانيد عكر السكر وأما السكر الأحمر الذي يسمى القوالب فهو عكر السكر الأبيض ومن قصبه وفيه
مع ذلك تردد من حيث أنه يخالف صفة الأبيض مخالفة ظاهرة وقد يشتمل أصل واحد على مختلفات
105

كاللبن ولعل الأظهر من جنس السكر وقال القاضي حسين ان بيع قصب الفانيد بقصب الفانيد
جائز وبالفانيد لا يجوز وبقصب السكر هل يجوز أم لا إن كانا من أصل واحد لا يجوز متفاضلا وإن كانا
من أصلين يجوز متفاضلين وتابعه صاحب التهذيب على ذلك (قلت) وهذا كلام عجيب فان
القصب كله الذي يعمل منه السكر والفانيد جنس واحد.
(فرع) لما ذكر الماوردي حكم السكر والفانيد قال وكذلك دبس التمر ورب الفواكه.
(فرع) بيع الفانيد بالسكر قال القاضي حسين إن كان أصلهما واحد فهو كبيع الفانيد
بالفانيد وإن كان أصلهما مختلفا فيجوز كيف ما كان (قلت) وهذا مثل الأول فان أصل السكر والفانيد
قصب واحد والظاهر أن القاضي رحمه الله تعالى قال ذلك لأنه ليس القصب في بلادهم (فائدة)
قال ابن الرفعة أن النار في القتد فوق النار في السكر والفانيد لان عصير القصب يوضع في قدر كبير
كالخابية ويغلى عليه غليانا شديدا إلى أن تزول منه مائية كثيرة ويسمى ذلك صلقا ثم يطبخ في قدر
ألطف من ذلك بكثير وتقوى ناره إلى أن تذهب مائيته فيوضع في أوعية لطاف فوق الأوعية التي
يصب فيها السكر والنار فيه فوق النار في الذي يطبخ عسلا من ذلك الماء المصلوق في الخابية وكثيرا
ما تقوى نار الذي يطبخ عسلا فتصير أجزاؤه إذا برد قريبا من عقد أجزاء في القتد وعند ذلك يسمى بالجالس
106

ويطبخ منه السكر كما يطبخ من القتد لكن طعمهما متباين وقال في موضع آخر ومن عصير قصب
السكر يتخذ العسل المرسل ويتخذ القتد وعن القتد ينفصل العسل المسمى بالقصب وهو ما يقطر من أسفل
أنالينح القتد بعد أخذه في الجفاف والقتد يختلف في الجودة والرداءة بحسب تبريد القصب وجودة
الطبخ ومن الطيب من القتد يتخذ السكر وإذا جمد استقطر ما فيه من العسل من ثقب في أسفل
الإجانة التي يوضع فيها بعد طبخه وهذا العسل يسمى كما قال القاضي أبو الطيب بعسل الطبرزد ونحن
نسميه بالقطارة وهو يتنوع بحسب تنوع السكر الذي يستقطر منه وأنواع السكر ثلاثة الوسط
وهو أدونه ومن أعلا اناء يتجه يكون الآخر لان القطارة تنجس فيه والعال وهو فوق ذلك في الجودة
والمكرر هو أعلا الثلاثة لأنه يطبخ مرة ثانية من السكر الوسط والسكر النبات يطبخ من السكر
الوسط أيضا لكنه يجعل في قدر من الفخار قد صلب فيه عيدان من الجريد رقاق ليثبت فيها السكر
وما يخرج منه من عسل عند كمال نباته يسمى بقطر النبات والفانيد تارة من السكر غير النبات وتارة
من العسل المسمى بالمرسل المطبوخ من ماء القصب في أول أمره وطبعه مخلف طبع السكر ولونه يخالف
لونه الاسم مختلف لكن الأصل فيها واحد القصب وعند ذلك يتقرر الخلاف في الفانيد والسكر هل
هما جنس واحد باعتبار أصلهما كما في عسل القتد وعسل السكر المعبر عنه بالطبرزد أو جنسان باعتبار
107

اختلاف الصفة والاسم فهذا فصل مفيد من كلام ابن الرفعة فإنه كان عرافا بذلك وكلام القاضي
حسين وشبهه يدل على أنهم لم يحققوا الحال في ذلك لأنه ليس في بلادهم أو ليس لهم به خبرة والله
أعلم. قال ابن الرفعة أيضا وأما السكر الأحمر والأبيض والنبات فجنس واحد للاشتراك في الاسم
الخاص وقرب الطباع وهل يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا فيه الخلاف السابق والفانيد قد يجعل فيه
شئ من الدقيق وعند ذلك إذا قلنا هو والسكر جنسان لم يضر (وان قلنا) جنس واحد فلا يجوز بيعه
بالسكران لم ينظر إلى التأثير النار ولأنه من قاعدة مد عجوة وقال ومع تفاوت النار في القتد والسكر
والفانيد لم يذكر المصنف يعنى الغزالي فرقا بينهما كما لم يفرق الأصحاب بين ذلك في السكر بل جوزوه في
الجميع على رأى مرجح في الحاوي وممنوع على وجه جزم به العراقيون فوجه التسوية في الجميع ان
للنار في ذلك حدا بحسب العرف فأحيل الحكم عليه وعلى هذا فقد يقال الامر كذلك في النار التي
تدخل في الدبس وقد قطع فريق فيه بالمنع وان حكى الخلاف في السكر ونحوه تصلحه فلا يحترز عنها
فلذلك افترقا قال وإنما قلت ذلك لأني رأيت حكاية عن الأمالي أن تأثير النار في الشئ ان لم يكن
108

له نهاية كالدبس فكلما كثر النار كان أجود وليس له نهاية إلى أن يتلابس فلا يصح بيع بعضه
ببعض لان تأثير النار في تنقيص رطوبته تتفاوت وإن كان له نهاية كالسكر والفانيد فيه وجهان
(قلت) هذه الحكاية عن الأمالي وذكر الوجهين فيها لم أفهمه ولا يقع في كلام الشافعي رضي الله عنه
ذكر وجهين فليتأمل ذلك إلا أن يكون المراد أمال السرخسي.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(ولا يجوز بيع الحب بدقيقه متفاضلا لان الدقيق هو الحب بعينه وإنما فرقت أجزاؤه فهو
كالدنانير الصحاح بالقراضة فأما بيعه به متماثلا فالمنصوص أنه لا يجوز وقال الكرابيسي قال أبو عبد الله
يجوز فجعل أبو الطيب بن سلمة هذا قولا آخر وقال أكثر أصحابنا لا يجوز قولا واحدا ولعل الكرابيسي
أراد أبا عبد الله مالكا أو أحمد فان عندهما يجوز ذلك والدليل على أنه لا يجوز أنه جنس فيه ربا بيع
109

منه ما هو على هيئة الادخار بما ليس منه على هيئة الادخار على وجه يتفاضلان في حال الادخار فلم يصح
كبيع الرطب بالتمر).
(الشرح) الكرابيسي هو أبو علي الحسين بن علي البغدادي صاحب الشافعي
في العراق كان عالما في الفقه والحديث والأصول وله تصانيف في الجرح والتعديل وغيره
ومن جملتها كتاب الرد على المدلسين الذي رد عليه فيه أبو جعفر الطحاوي وقد وقفت على كلام أبى
جعفر توفى الكرابيسي سنة خمسة وأربعين وقيل ثمان وأربعين ومائتين وهو مذكور في المهذب في باب زكاة
التجارة وأبو الطيب محمد بن المفضل بميم في أوله ابن سلمة من كبار أصحابنا درس الفقه على ابن سريج وكان
مخصوصا بفرط الذكاء والشهامة فلذلك كان أبو العباس يقبل عليه غاية الاقبال ويميل إلى تعليمه كل
الميل صنف كتبا عدة مات شابا سنة ثمان وثلاثمائة وهو مذكور في المهذب في باب صلاة المسافر
110

وكذلك الامام مالك رحمه الله وهو أجل من أن ينبه على شئ من أخباره وأحمد بن حنبل رحمه الله لم
يتقدم له ذكر في المهذب فيما أظن وهو الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس
ابن عبد الله بن حبان بحاء مهملة وياء آخر الحروف ابن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن
ابن ذهل بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن
هنب بن أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن مضر بن معد بن عدنان مولده سنة (1)
وستين ومائة وتوفى سنة إحدى وأربعين ومائتين وفضائله ومناقبه علما وزهدا وورعا أكثر من أن
تحصى وأشهر ممن تذكر وهو معدود من أصحاب الشافعي رضي الله عنهم بالعراق وقول المصنف الحب
بدقيقه يشمل الحنطة والشعير وغيرهما وفيه احتراز عن بيعه بدقيق غيره كبيع الحنطة بدقيق الشعير والشعير

(1) بياض الأصل
111

بدقيق الحنطة وما أشبه ذلك فإنه جائز متماثلا ومتفاضلا على القول الصحيح المشهور الذي قطع به
قاطعون أن الأدقة أجناس والمقصود بيع القمح بدقيق القمح أو بيع الشعير بدقيق الشعير وما أشبه ذلك
وفى ذلك مسألتان (إحداهما) أن يباع متفاضلا وهذا لا يجوز عندنا وعند أكثر العلماء ونقل الشيخ
أبو حامد وأبو الطيب وغيرهما عن أبي ثور جوازه واحتج بأنهما جنسان لاختلاف الاسم ونقض
الأصحاب عليه باللحم بالحيوان وكثير من المطعومات وفيه نظر من الضابط الذي مهدوه في اختلاف
الجنس واتحاد ومذهب أبي ثور في ذلك موافق لمذهب داود وأنه ذهب هو وأصحابه إلى جواز
ذلك وعمم فقال يجوز بيع القمح بدقيقه وسويقه وخبزه وبيع الدقيق بالدقيق والسويق بالخبز
والسويق بالسويق وبالخبز والخبز بالخبز متفاضلا ومتماثلا قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر
ولا يجوز بيع الدقيق بالحنطة مثلا بمثل من قبل أنه يكون متفاضلا في نحو ذلك وكذلك نقله
112

الامام عن المزني في المنثور مع نقله فيه جواز بيع الدقيق بالدقيق كما سيأتي إن شاء الله تعالى وقال في
مختصر البويطي ولا يجوز أن يؤخذ دقيق بقمح وقال الشيخ أبو حامد وهو الصحيح من المذهب
وبه قال الحسن البصري ومكحول وأبو هشام وحماد بن أبي سليمان والثوري وأبو حنيفة وأصحابه
وذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه يجوز كيلا بكيل وبه قال قتادة وربيعة وإبراهيم النخعي وابن
سيرين وابن شبرمة والليث بن سعد وذهب الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه إلى أنه
يجوز وزنا بوزن والأكثرون على الامتناع من اثبات ما حكاه الكرابيسي قولا للشافعي منهم الشيخ
أبو حامد والعبد رى قال العبدري والصحيح أنه لا يحفظ عن الشافعي إلا المنع قال الشيخ أبو حامد لا يختلف
المذهب في أن ذلك لا يجوز وقال القاضي أبو الطيب لا يحفظ للشافعي في كتبه غير ذلك وكذلك
في تعليق الطبري عن ابن أبي هريرة أنه خطأ لا يحفظ عن الشافعي وغير من سمينا يقول ذلك قال
113

هؤلاء ولعله أراد بأبي عبد الله مالكا وأحمد لما سنحكيه من مذهبهما وجماعة من الأصحاب سكتوا
عنه لم يحكوا فيه خلافا منهم الفوراني وقال الروياني قال أكثر أصحابنا المسألة على قول واحد أنه لا
يجوز ولم يوجد في شئ من كتبه جوازه ومنهم من ذهب إلى اثباته قولا للشافعي وبه قال أبو الطيب
ابن سلمة فيما حكاه أكثر الأصحاب وابن الوكيل فيما حكاه المحاملي والقفال فإنه قال في شرح التلخيص
بعد قول صاحب التلخيص فإن كانا مطحونين أو أحدهما لم يجز قال القفال وقال في القديم يجوز
والمشهور من مذهبه أنه لا يجوز فاستفدنا من ذلك أن القفال من المعترفين باثبات هذا القول وان لم
ينسبه للكرابيسي والكرابيسي من رواة القديم ووجهوه بما سنذكره من حجة الملكية قال الرافعي
وعلى هذا فالمعيار الكيل وقد اختار أبو بكر بن المنذر في كتابه الاشراف منع بيع الحنطة بالدقيق
متفاضلا وجوازه مثلا بمثل قال ولا أعلم حجة تمنع من بيعه مثلا بمثل وجعل الامام منقول الكرابيسي
114

شيئا آخر وهو أن الدقيق والحنطة جنسان حتى يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا لاختلاف الصفة والاسم
والمنفعة قال الرافعي ويشبه أن يكون هو منفردا بهذه الرواية يعنى الامام (قلت) وليس منفردا بها بل
حكاها الماوردي في الحاوي كذلك وسوى بينهما وبين قول أبي ثور فاستدل الأصحاب بما ذكره
المصنف قالوا ولا فرق بين الموضعين إلا أن الرطب لم يبلغ حالة الادخار والدقيق زال عنها ولو قدر
عود الدقيق إلى حال كونه حنطة لفاتت المماثلة كما أنه إذا قدر الرطب تمرا تفوت المماثلة قال الأصحاب
حالة كمال الحب كونه حبا فإنه يصلح للبذر والطحن والادخار واستدلوا أيضا بأن الدقيق جنس فيه
الربا زال عن حال كمال البقاء كاللحم بالحيوان والشيرج بالسمسم واحترزوا بصنعة أدنى عن المستويين
واحتج من نصر قول مالك بأن الدقيق نفس الحنطة وإنما تفرقت أجزاؤه فأشبه بيع الدراهم الصحاح
بالمكسرة واحتج من نصر قول الأوزاعي وأحمد بأن الطحن لا يتغير به الوزن وإنما يختلف به الكيل
فإذا بيع أحدهما بالآخر وزنا كانا متساويين وأجاب الأصحاب عن حجة الملكية بأنه إذا كان حبا
115

كانت أجزاؤه منضمة مجتمعة فلا يأخذ من المكيال الموضع الذي يأخذه إذا طحن وتفرقت أجزاؤه
فمتى بيع أحدهما بالآخر كانا متفاضلين وعن حجة الأوزاعي وأحمد بأن المماثلة معتبرة كيلا فإذا قدر
عودهما إلى حالة كونهما طعاما أفضى إلى التفاضل كيلا وهذه المسائل وما بعدها من جملة قاعدة تعرض
لها الشافعي في باب بيع الآجال من الام قال فإذا كان شئ من الذهب أو الفضة أو المأكول أو المشروب
فكان الآدميون يصنعون فيه صنعة يستخرجون بها من الأصل شيئا يقع عليه اسم دونه اسم فلا خير في
ذلك الشئ لشئ من الأصل وان كثرت الصنعة فيه كما لو أن رجلا عمدا إلى دنانير فجعلها طستا
أو حليا ما كان لم يجز بالدنانير إلا وزنا بوزن وكما لو أن رجلا عمد إلى تمر فحشاه في شن أو
جرة أو غيرها نزع نواه أو لم ينزعه لم يصح أن يباع بالتمر وزنا بوزن فكذلك لا يجوز حنطة بدقيق
116

وكذلك حنطة بسويق أو بخبز أو بفالوذج إذا كان نشاه مشتقة من حنطة وكذلك دهن سمسم بسمسم
وزيت بزيتون وكذلك لا يصح التمر المنثور بالتمر المكبوس لان أصل التمر الكيل اه‍ ثم قال
الشافعي رحمه الله تعالى بعد ذلك بكثير وكذلك لا خير في تمر قد عصر وأخرج صفره بتمر لم يخرج صفره
كيلا بكيل من قبل انه قد أخرج منه شئ من نفسه وإذا تم بغيره عن خلقته فلا بأس به وقد روى
عن مجاهد باسناد حسن قال لا بأس بالحنطة بالسويق والدقيق بالحنطة والسويق وعن الشعبي أنه
سئل عن السويق بالحنطة فقال إن لم يكن ربا فهو ريبة ومما احتج به في منعهم القمح بالدقيق القياس
على بيع اللحم بالحيوان وهذا إنما يتم إذا جعلنا امتناع بيع اللحم بالحيوان معللا أما إذا جعلنا طريق
ذلك الاتباع والتعبد فيمتنع الالحاق.
قال المصنف رحمه الله.
(ولا يجوز بيع دقيقة بدقيقه وروى المزني عنه في المنثور أنه يجوز واليه أومأ في البويطي لأنهما
يتساويان في الحال ولا يتفاضلان في الثاني فجاز بيع أحدهما بالآخر كالحنطة بالحنطة والصحيح هو
الأول لأنه جهل التساوي بينهما في حال الكمال والادخار فأشبه بيع الصبرة بالصبرة جزافا).
117

(الشرح) المراد ههنا أيضا إذا كان الدقيقان من جنس واحد كدقيق القمح بدقيق القمح
ودقيق الشعير بدقيق الشعير فبيع الدقيق بالدقيق من الجنس الواحد لا يجوز سواء كانا ناعمين أو
أحدهما ناعما والآخر خشنا قال الشيخ أبو حامد هذا الذي نص عليه في الجديد والقديم وكذلك قال
ابن الصباغ وهذا هو المذهب كذلك قال الشيخ أبو حامد وقال أبو الطيب وابن الصباغ انه المشهور
وقال الماوردي ان مقابله خطأ وكثير من الأصحاب لم يحكوا فيه خلافا كالقاضي حسين وقال الروياني
انه نص عليه في القديم والجديد وفرقوا بينه وبين بيع الحنطة الصغيرة الحبات بالحنطة الكبيرة والحبات
بان أجزاء الحب ثم مجتمعة ورواية المزني في المنثور مشهورة نقلها الأصحاب كافة عن المزني في مسألة
المنثور عن الشافعي ونقله الامام عنه وعن نقل حرملة أيضا وأما ما أومأ إليه البويطي (فاعلم) أن الشافعي
قال في البويطي وكل شئ من الطعام الذي لا يجوز إلا مثلا بمثل من صنف واحد فلا يجوز أن يؤخذ
شئ مما يخرج منه بأصله متفاضلا إلا مثلا بمثل وهذا يقتضى منع بيع الدقيق بالقمح متفاضلا ويفهم
أنه يجوز بيعه به متماثلا وقد تقدم منع ذلك مع أنه بعد هذا بسطر في البويطي أطلق أنه لا يؤخذ
دقيق بقمح فإن كان المراد هذا النص الذي في البويطي فصحيح أنه يومئ إلى بيع الدقيق بالدقيق
لكن يومئ أيضا إلى بيعه بالقمح. وقال الشيخ أبو حامد انه حكاه في البويطي ولم ينقل أنه ايماء
فلعله في مكان آخر لم أقف عليه بعد وكذلك القاضي أبو الطيب والماوردي وابن الصباغ والرافعي
كلهم نقلوه عن البويطي وقاسه الرافعي بعد أن نقله عن البويطي والمزني في المنثور بيع الدهن بالدهن
يجوز وان امتنع بيعه بالسمسم فكذلك هذا يجوز وان امتنع بيعه بالحنطة وهذا ينهك على أن الخلاف
118

في هذا مفرع على المشهور انه لا يجوز بيع القمح بالدقيق أما على رواية الكرابيسي إذا أثبتناها قولا
فإنه يجوز بيع الدقيق بالدقيق لا محالة وقد أجاز الروياني في الحلية جواز بيع الدقيق بالدقيق إذا استويا
في النعومة ونقله عن بعض أصحابنا وقال إنه القياس ونقله مع بعض أصحابنا عن أبي حنيفة رضي الله عنه
(واعلم) أن الأصحاب أطلقوا هذه الحكاية عن الشافعي ولم يثبتوا اشتراط التساوي في النعومة والخشونة
وسيأتي مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وبعض أصحابنا أنه يشترط التساوي في أحدهما وكلام الروياني
في الحلية ذكر التساوي في النعومة عن أبي حنيفة وبعض أصحابنا واختاره فيحتمل أن يكون مراده
الاستواء في هذا أو في هذا وهو الظاهر وينزل كلام الشافعي المنقول عن المزني والبويطي عليه
لأنه لو اختلفا فكان أحدهما خشنا والآخر ناعما لم تحصل المماثلة وعن أحمد جواز بيع الدقيق بالدقيق
وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه يجوز إذا كانا ناعمين أو خشنين وعبارة بعضهم يشترط تساويهما
في النعومة والخشونة ووافق على امتناع الناعم بالخشن قالوا نحن نعتبر المساواة حالة العقد وأنتم تعتبرونها
تارة فيما كان كمسألة الدقيق وتارة فيما يكون كمسألة الرطب واعتبار حال العقد أولى فالجهالة تؤثر حالة
العقد فقط واستدل أصحابنا بما تقدم في بيع الدقيق بالقمح وقد وافقنا أبو حنيفة رضي الله عنه هناك مع
كون الحنطة والدقيق متساويين ووافقنا على امتناع الناعم بالخشى ولا متعلق في أن بينهما مفاضلة
فان ذلك متنقض بالحنطة إذا كان إحداهما أفضل من الأخرى وقال أصحابنا إنما نعتبر المساواة حالة
الادخار فحسب ثم ذلك يكون تارة فيما مضى وتارة فيما يكون ودليله ما تقدم في بيع الرطب بالتمر مع
سلامته على الانتقاص بخلاف ما اعتبروه قاله فيقان وان تساويا الآن فقد يكونان متفاوتين حالة
كونها حبا بأن يكون أحدهما من حنطة رزينة والآخر من حنطة خفيفة.
119

(فرع) قال الروياني بيع لب الجوز بلب الجوز حكمه حكم الدقيق بالدقيق (قلت) وليس
كذلك بل الصحيح جوازه وقد تقدم ذلك عند الكلام على بيع التمر المنزوع النوى والذي قاله
الروياني هو قول القاضي حسين وصاحب التتمة ويمكن حمله على اللب المدقوق وهو الذي يشبه الدقيق
والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(ولا يجوز بيع حبه بسويقه ولا سويقه بسويقه لما ذكرناه في الدقيق ولان النار قد دخلت
فيه وعقدت أجزاءه فمنع التماثل).
(الشرح) قال الشيخ أبو حامد وأبو الطيب السويق ضربان نقيع ومطبوخ فالنقيع ينقع
الطعام في الماء ليبرد ثم يجفف ثم يقلى ويجرش والمطبوخ يطبخ ثم يجفف ثم يقلى ويجرش فكل
واحد منهما قد أخذت النار بعضه فإنه إذا قلى يكون أصغر جرما مما كان قبل ذلك وهذا الذي أراده
المصنف بالعلة الثانية والعلة الأولى ظاهرة فإنه بمنزلة الدقيق وان لم نلاحظ دخول النار فيه فهما دليلان
جيدان وقياس قول أبي ثور أن يأتي ههنا فان اختلاف الاسم موجود وكذلك نقله ابن المنذر عنه
صريحا وعن مالك أنهما يقولان لا بأس به متفاضلا وأما قول أبى الطيب بن سلمة في منقول الكرابيسي
ان ثبت عن الشافعي فلا تتأتى هنا العلة الثانية وهي دخول النار وما ذكره هؤلاء الأئمة في تفسير
السويق مخالف للمعروف في بلادنا اليوم وممن نص على المسألتين اللتين ذكرهما المصنف كما ذكرهما
الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي والماوردي وغيرهم من العراقيين والقاضي حسين من
120

الخراسانيين ونقل القاضي أبو الطيب والمحاملي المنع من بيع الحنطة بسويق الحنطة عن نصه في
الصرف وقال الامام ان ابن مقلاص حكي أن الشافعي جعل السويق مخالفا لجنس الحنطة فإنه يخلفها
في المعنى والدقيق مجانس للحنطة فإنه حنطة مفرقة الاجزاء واعلم أن السويق في بلادنا اسم (1)
وكذلك قال ابن الرفعة في الكفاية لما حكى ما قاله أبو الطيب ان ذلك مخالف لما نعرفه في بلادنا
وجوز مالك بيع السويق بالقمح متفاضلا ففرق في ذلك بين السويق والدقيق وهو قول الليث بن
سعد وأبى يوسف وروى أبو يوسف ذلك عن أبي حنيفة رضي الله عنه وروى عنه أنه لا يجوز واحتج
من جوزه بأن السويق صار بالصنعة جنسا آخر فصار بمنزلة بيع جنس بجنس آخر ونقص أصحابنا
ذلك بالحنطة بالدقيق وتمسكوا باعتبار حالة الادخار.
(فرع) بيع السويق بالدقيق عندنا لا يجوز لأنه قوت زال عن هيئة الادخار بصنعة آدمي فلم يجز
كما لو كان أحدهما أخشن من الآخر صرح به جماعة من الأصحاب منهم الماوردي والقاضي حسين وعن أبي
حنيفة رضي الله عنه روايتان (أشهرهما) أنه لا يجوز وروى أبو يوسف رواية شاذة أنه يجوز كيلا بكيل
وعن مالك وأبى يوسف رحمهما الله أنه يجوز متفاضلا لأنهما جنسان لأنه لو حلف لا يأكل دقيقا فأكل
سويقا لم يحنث ونقله ابن المنذر عن أبي ثور أيضا وما ذكره منتقض بأنواع التمر كالمعقلي والبرني.

(1) بياض بالأصل فحرر
121

قال المصنف رحمه الله.
(ولا يجوز بيعه بخبزه لأنه دخله النار وخالطه الملح والماء وذلك يمنع التماثل ولان الخبز موزون
والحنطة مكيل فلا يمكن معرفة التساوي بينهما).
(الشرح) نص الشافعي رضي الله عنه في البويطي على أنه لا يجوز بيع الخبز بالحنطة
ونقله القاضي أبو الطيب وابن الصباغ عن نصه في الصرف وجزم به هو والشيخ أبو حامد والماوردي
والقاضي حسين والرافعي وغيرهم للعلتين ذكرهما المصنف وهما في الحقيقة متحدتان لان مخالطة الماء
ودخول النار كل منهما صالح لأن يكون علة للبطلان وحده. قالوا وربما خلط الخبز أيضا بورق
ولما نقل الامام رواية ابن مقلاص وجعلها في أن السويق مخالف للحنطة والدقيق مجانس لها قال
وعلى هذا الخبز يخالف الحنطة ويجب أن يخالف الدقيق والسويق أيضا فاقتضى هذا الكلام اثبات
خلاف في بيع الخبز وحكى عن أصحاب أبي حنيفة أنهم قالوا يجوز بيع الخبز بالحنطة متفاضلا وهو قياس
قول أبي ثور كما قاله في الحنطة بالدقيق.
(فرع) وهكذا الدقيق بالخبز لا يجوز وممن صرح به بخصوصه الفوراني وقد تقدم ما قلناه
من كلام الامام وكذلك نقل المنع في ذلك ابن المنذر عن الشافعي ونقل عن مالك والليث بن سعد
وأبى ثور واسحق وسفيان الثوري جوازه وقال احمد لا يعجبني.
122

(فرع) قال الرافعي يجوز بيع الحنطة وما يتخذ منها من المطعومات بالنخالة لأنها ليس مال
ربا وقبل الروياني بأن تكون النخالة صافية عن الدقيق وهذا هو المراد وكذا بيع المسوسة بالمسوسة
إذا لم يبق فيهما لب قاله في التتمة والبحر قال في البحر لأنه نخالة وقال في تعليق القاضي حسين
في أحد الوجهين وإن كان لا يجوز السلم فيها ولذلك يجوز بيع المسوسة التي لا لب فيها بغير المسوسة قاله
في (1) والبحر أيضا ومن الواضح أن شرط ذلك أن يكون للمسوسة قيمة والا فيمتنع بيعها مطلقا
وقال الامام ان الحنطة المسوسة إذا قربت من المفقودة ظاهر قول الأئمة جواز بيع بعضها ببعض وإنما
راعوا في هذه طرد النظر إلى طرد القول في الجنس لعسر النظر في تفصيل الحنطة التي تمادى زمان
احتكارها ولعل هذا قبل أن تتآكل فأما إذا تأكلت وخلت أجوافها ففيها نظر عندنا فان الأئمة
أطلقوا بيع المسوسة بالمسوسة هي التي بدا التآكل فيها والقياس القطع بالمنع إذ الحنطة المقلية
لا يباع بعضها ببعض لما فيها من التجافي الحاصل بالقلي انتهى وإذا تأملت ما قاله الامام وجدته لم
يلاحظ أن المسوسة خارجة عن الربا البتة بخلاف ما قاله المتولي والرافعي والتحقيق في ذلك أنه ان فرضت
المسوسة لا شئ في جوفها البتة فهذه مخالفة ولا ربا فيها وان فرض أن السوس كثير فيها بحيث قربت
123

من العفن فهذه الاختلاف فيها أشد من الاختلاف في الدقيق فيمتنع بيع بعضها ببعض وان فرض
أنه كما بدا التأكل فيها الذي لا يحصل معه تفاوت غالبا فيصح وتكون كالحنطة التي قد طال احتكارها
وينزل كلام الامام وما نقله عن الأئمة على هذا والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(ولا يجوز بيع خبزه بخبزه لان ما فيه من الماء والملح يمنع من العلم بالتماثل فمنع جواز العقد).
(الشرح) المراد الخبز بالخبز إذا كانا لينين فلا يجوز قال الشيخ أبو حامد بلا خلاف
على المذهب لما ذكره المصنف ولان أصل ذلك الكيل ولا يمكن اعتبار الكيل فيه. وافق
الأصحاب على ذلك القاضي أبو الطيب والمحاملي والماوردي والقاضي حسين والرافعي. وممن وافق
الشافعي على ذلك عبيد الله بن الحسن نقله ابن المنذر ونقل عن مالك انه إذا تحرى أن يكون مثلا
بمثل فلا بأس به وان لم يوزن وبه قال الأوزاعي وأبو ثور وحكي عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه لا
بأس به قرصا بقرصين ولذلك إذا كان أحدهما لينا والآخر يابسا لا يجوز أيضا وممن صرح به ابن
الصباغ في الشامل والجرجاني في البلعة والشافي ولك أن تدرجه في كلام المصنف رحمه الله تعالى فإنه
أطلق المنع في الخبز بالخبز ثم ذكر بعد هذا الخلاف في الجافين خاصة كما سيأتي فكان ما سوى ذلك
124

مندرجا في كلامه والله أعلم. وعن أحمد أنه يجوز بيع الخبز بالخبز متماثلين لان معظم منفعتهما في
حال رطوبتهما فصار كاللبن باللبن وفرق أصحابنا بالتفاوت في حال الكمال والادخار فإنه موجود في
الخبز بخلاف اللبن ولو كان الخبزان من جنسين جاز يدا بيد صرح به الصيمري في الكفاية والماوردي
في الحاوي ولم يلاحظا ما فيه من الماء والملح لاستهلاكه وليس ذلك من صورة مدعجوة الممتنعة كما
تقدم التنبيه عليه أنه إذا بيع الشئ بغير جنسه كالقمح بالشعير وفى كل منهما حبات من الآخر لا
تقصد يصح وإن كان ذلك مؤثرا في التماثل وحكي ابن الرفعة عن القاضي حسين ان الأصح الصحة
ولا مبالاة بما فيهما من الماء والملح لان ذلك مستهلك فيما قال ابن الرفعة وهذا الخلاف الذي
اقتضاه كلام القاضي لا وجه له والصواب الجزم كما في القمح بالشعير إذا كان في كل منهما شئ لا يقصد
من الآخر والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(وان جفف الخبز وجعل فتينا وبيع بعضه ببعض كيلا ففيه قولان (أحدهما) لا يجوز لأنه
لا يعلم تساويهما في حال الكمال فلم يجز بيع أحدهما بالآخر كالرطب بالرطب (والثاني) أنه يجوز لأنه
مكيل مدخر فجاز بيع بعضه ببعض كالتمر).
125

(الشرح) القولان نقلهما الشيخ أبو حامد وأبو الطيب والمحاملي ونصر المقدسي وابن
الصباغ وحكاهما الماوردي وجهين وعن القاضي أبى الطيب وابن الصباغ قول المنع إلى نصه في الصرف
وعزاه المحاملي إلى الام وعزاه الروياني إلى عامة كتبه وأما قول الجواز فرواه القاضي أبو الطيب
والمحاملي وابن الصباغ والروياني عن رواية حرملة قال الرافعي ورواه الشيخ أبو عاصم العبادي
وآخرون عن رواية ابن مقلاص (قلت) ونقله القاضي حسين عن القديم وفرضه في الكعك المدقوق
بالكعك المدقوق وقال ولعله إنما جوز ذلك رخصة للمساكين لأنه أغلب قوتهم وزادهم وأما رواية القاضي
حسين هذه فيحتمل أن تكون غير الرواية المنسوبة لحرملة ولا يلزم طردها في الحب كما قال القاضي ولا في
غير الشعير وأما رواية حرملة ونقل الشيخ أبى عاصم لها عن ابن مقلاص فإن كان ابن مقلاص هو عمر بن
عبد العزيز بن عمران بن مقلاص فلا تنافى فإنه توفى سنة خمس وثمانين ومائتين ولم يدرك الشافعي فلعله
من الرواة عن حرملة هذا إن كان المراد بابن مقلاص عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه المذكور
وهو الذي قاله في طبقات الفقهاء المنسوبة لابن الصلاح والنووي ونسب الرواية المذكورة إليه وقال
النووي في تهذيب الأسماء وإن كان أبوه عبد العزيز هو المراد وهو الأقرب فإنه صاحب الشافعي
وممن روى عنه فلعله وحرملة كلاهما روياه وجعل إمام الحرمين رواية ابن مقلاص أنه يجوز بيع الحنطة
126

بالسويق وجعلهما جنسين كما تقدم لكنه قال بعد ذلك وعلى هذا الخبز يخالف الحنطة وعلل الشيخ
أبو حامد والفوراني المنع بأنه طعام وملح بطعام وملح وذلك لا يجوز وهذا بعيد لان ما فيهما من الملح في
الكيل فهو كبيع القمح وفيهما حبات شعير يسيرة وذكر المحاملي أن المعنى الذي علل به المصنف
أصح لكنه جعل الأصل في ذلك الدقيق بالدقيق لخروجه نفسه وأما في علته وهو قوله صلى الله عليه وسلم
(أينقض الرطب إذا جف) والصحيح من القولين الأول وهو أنه لا يجوز وممن صحح ذلك المحاملي
في المجموع والماوردي ولولا أن الوجه الآخر مشهور من قول أصحابنا لكان إغفاله أولى لمخالفته النص
ومنافاة المذهب وكذلك قال في البحر انه المذهب قال وقال القفال يحتمل غير هذا على المذهب
ولعل ذلك قول مرجوع عنه والجمهور على إثبات القولين وقال الفوراني من أصحابنا من جعل المسألة
على قولين ومنهم من قال بل قول واحد لا يجوز ولا يثبت عن الشافعي جواز ذلك وهذا كله إذا دق
الخبز أما إذا كان جافا غير مدقوق فلا يجوز كما اقتضاه كلام المصنف والأصحاب وبه صرح الروياني وأغرب
الجرجاني في الشافي فقال إنه يجوز بيع يابسه بيابسه على أصح القولين ان لم يكن فيه ملح وهذا مع
غرابته وبعده محمول على ما إذا كان مدقوقا كما فرضه المصنف ليكون محل القولين والغرابة في تصحيحه
الجواز وجزم بأنه لا يجوز إذا كان فيهما أو في أحدهما ملح قد تقدم الكلام فيه مع الشيخ أبى حامد
127

وبيان أن ذلك لا يضر لأنه لا يؤثر في المكيال وأما قياسه على التمر فالفارق خروجه عن حالة الكمال
بخلاف التمر أما إذا كان الخبزان من جنسين فإنه يجوز لأنه قد تقدم الجواز في البنين المختلفي الجنس
ففي اليابس أولى ولا يضر ما فيهما من الملح لان ذلك غير مقصود بالمقابلة ومنعه من التماثل ان فرض
غير ضار لأجل اختلاف الجنس بخلاف ما إذا كان الجنس متحدا على ما تقدم من ملة الشيخ أبى
حامد (فائدة) قال الامام بعد أن ذكر النصوص التي حكاها المزني في المنثور وابن مقلاص
والكرابيسي اتفق أئمة المذهب على أنها لا تعد من متن المذهب وإنما هي ترددات جرت في القديم
وهي مرجوع عنها والمذهب ما مهدناه قبل هذا.
(فرع) لا يجوز بيع الحنطة بالجريش أو العجين أو الهريسة أو الزلابية أو النشا أو الفتيت
أو بشئ مما يتخذ منها ولا بيع شئ من هذه الأشياء بعضه ببعض كالعجين بالعجين والنشا بالنشا
ولا بالنوع الآخر كالدقيق بالسويق صرح بهذه الأمثلة القاضي حسين والماوردي ونصر المقدسي
وغيرهم كل منهم ببعضها ولا الحنطة بالفالوذج قال ابن عبد البر في التمهيد أجمعوا على أنه لا يجوز عندهم
العجين بالعجين لا متماثلا ولا متفاضلا لا خلاف بينهم في ذلك وكذلك العجين بالدقيق إذا طبخ
العجين وصار خبزا جاز بيعه عند مالك بالدقيق متفاضلا ومتساويا لان الصناعة قد كملت فيه وأخرجته
128

فيما زعم أصحابه عن جنسه وقول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله في بيع الدقيق بالخبز كقول
مالك رحمه الله ونقل العبدري عن مالك جواز بيع العجين بالخبز وكذا اللحم النئ بالمطبوخ.
(فرع) لا يجوز بيع الحنطة بالفالوذج نص عليه الشافعي والأصحاب قال الشيخ أبو حامد
وغيره ان الفالوذج نشأ وعسل ودهن فيكون قد باع طعاما وغيره بطعام ولا يختص ذلك بهذا المثال
بل كل ما عمل من المأكول لا يجوز بيعه بالمأكول نقله أبو الطيب عنه في الصرف وهي قاعدة
متفق عليها بين الأصحاب فلا يجوز بيع الحنطة بالزلابية والهريسة.
(فرع) نقل ابن عبد البر عن الشافعي لا يجوز بيع الشبرق بالشبرق.
(فرع) وهذا كله في الجنس الواحد وأما عند اختلاف الجنس فجائز يجوز بيع البر بدقيق
الشعير ودقيق البر بدقيق الشعير ودقيق أحدهما بسويق الآخر متفاضلا يدا بيد صرح به القاضي
حسين والماوردي وغيرهما وكذلك على المشهور في أن الادم أجناس كذلك يقتضيه تعليل القاضي
حسين وكذلك خبز البر بخبز الشعير جزم به الماوردي ولم يلاحظوا ما في الخبز من الماء والملح فيخرجوه
على قاعدة مد عجوة لأنه مستهلك فيه لا اعتبار به وفى تعليق القاضي حسين أن ذلك هو الصحيح
وان فيه وجهان أنه لا يجوز.
129

قال المصنف رحمه الله تعالى
(ولا يجوز بيع أصله بعصيره كالسمسم بالشيرج والعنب بالعصير لأنه إذا عصر الأصل نقص
عن العصير الذي بيع به).
(الشرح) امتناع بيع الشيرج بالسمسم كالمتفق عليه بين الأصحاب وكذلك كل دهن
بأصله والعنب بعصيره سواء كان العصير مثل ما في الأصل أو أكثر منه أو أقل وأصل ذلك قاعدة
مد عجوة وذلك المأخذ ظاهر في السمسم بالشيرج وفى السمسم بشيرج وكسب وهما مقصودان وأما
العنب فالتفل الذي يبقى بعد العصير فان السمسم فيه شيرج وكسب وهما مقودان فيكون بيعه
130

بالشيرج من قاعد مد عجوة والعنب كذلك فيه مائية وغيرها مقصودان وإن كان بعد العصير
لا يبقى التفل مقصودا والمصنف علل بمعنى يشمل ما يكون المقصود منه منحصرا في دهنه وعصيره
ولا يظهر هذا المعنى كل الظهور فيما جزآه مقصودان بل المانع تخريجه على قاعدة مد عجوة ومن أمثلة
المسألة بيع الجوز بما يتخذ منه من الدهن واللب والكسب لا يجوز ذكره القاضي حسين وكذلك
بيع دهن الجوز بلبه ذكر القاضي حسين أنه يجوز وهكذا دهن للوز بلبه يجب أن لا يجوز ورأيت
في تعليق القاضي حسين أنه يجوز وهو محمول على غلط النسخة التي رأيتها بيع الزيت بالزيتون وقد
صرح بمنعه في تعليق الطبري عن ابن أبي هريرة وغيره والحاوي وعله بأن فيه مائية فالتماثل معدوم وقال
ابن أبي هريرة وغيره عند أهل العراق ذلك جائز إذا كان الزيتون أكثر من الزيت قال وهذا
131

خطأ والا لجاز بيع تمر غليظ النوى بتمر رقيق النوى متفاضلا وبيع طحين السمسم بطحين السمسم
وفيهما الشيرج لا يجوز جزم به ابن أبي هريرة والماوردي وبيع الكسب إذا كان علفا للدواب مثل
كسب القرطم جاز متماثلا ومتفاضلا قاله أبن أبي هريرة وإن كان يأكله الناس جاز وكيل فأما موازنة وفصل
ابن أبي هريرة فقال يجوز جافا كيلا بكيل ولا يجوز وزنا ولا قبل الجفاف لان أصله الكيل وأطلق
الماوردي النقل عن أبي هريرة فقال حكى عنه جواز بيع بعضه ببعض وانه جوز بيع الكسب بالكسب
وزنا ثم رد عليه وقال لا يجوز بيعه لأمور لان أصله الكيل ويختلف عصره فربما بقي من دهن أحدهما
أكثر من الآخر وان الكسب ماء وملح وذلك يمنع المماثلة وألزمه في ذلك بما وافق عليه من امتناع
بيع طحين السمسم بمثله والذي رأيته في تعليق الطبري عن ابن أبي هريرة ما حكيته أولا فحينئذ لا يرد
عليه إلا كونه فيه ماء وملح وله أن يجيب عنه بأن الماء يزول بالجفاف وما فيه من الملح لا يضر كالخبز
132

الجاف فقد اختار الماوردي فيه وجه الصحة ولا فرق بينهما والرافعي لا يلزمه ذلك لأنه صحح في مسألة
الخبز الجاف أنه لا يجوز بيع بعضه ببعض وبيع التمر بعصير الرطب لا يجوز قاله الروياني فكذلك بالخل
من الرطب (قلت) وعلى قياس ذلك بيع العنب بخل الزبيب لا يجوز قال نصر وكذلك السمسم
بالطحينة والطحينة بالشريج لا يجوز. وكذلك لا يجوز بيع كسب السمسم بالسمسم قاله الرافعي ولا بيع دهن
الجوز بلب الجوز قاله الرافعي قال الرافعي وذكر الامام وذكر الامام اشكالا وطريق حله أما الاشكال فهو ان
السمسم جنس في نفسه لا أنه دهن وكسب اللبن جنس في نفسه لا انه سمن ومخيض ولهذا جاز بيع
السمسم بالسمسم واللبن باللبن وإن كان لا يجوز بيع الدهن والكسب بالدهن والكسب وبيع السمن
بالدهن كما يجوز بيع السمسم بالسمسم وأما الحل فإنه إذا قوبل السمسم بالسمسم واللبن باللبن فالعوضان
133

متجانسان في صفتهما الناجزة فلا ضرورة إلى تقدير تفريق الاجزاء وتصوير ما يكون حينئذ وإذا
قوبل السمسم بالدهن فلا يمكننا جعل السمسم مخالفا للدهن مع اشتمال السمسم على الدهن وإذا
ارتفعت المخالفة جاءت المجانسة ولا شك أن مجانستهما في الدهنية فنضطر إلى اعتبارها وإذا اعتبرناها
كان كل بيع دهن وكسب بدهن هكذا قال الامام وألم الماوردي بشئ من ذلك أيضا وفى النفس
وقفة من قبول هذا الجواب وما الضرورة الداعية إلى تقدير لا يدل عليه دليل (واعلم) أن هذه المسألة
كالمجزوم بها في المذهب وقال رأيت في تعليق الطبري عن ابن أبي هريرة بعد أن قال إن بيع الدقيق بالحنطة
لا يجوز قال وكذلك الزيت بالزيتون وحكي الكرابيسي عن الشافعي أنه جائز وظاهر هذا الكلام
أن منقول الكرابيسي عائد إلى المسألتين جميعا وأكثر الأصحاب إنما تلقوا حكاية الكرابيسي في
134

الدقيق فان ثبت ذلك في الزيت مع الزيتون فهو جار في الشيرج مع السمسم وكل دهن مع أصله
ووافقنا في المسألة وهي الشيرج بالسمسم والزيت والزيتون مالك وكذلك أبو حنيفة قال الا
أن يعين يقينا ما في الزيتون من الزيت أقل مما أعطى من الزيت قال ابن المنذر وقول الشافعي
أصح وكذلك لا يجوز العنب بالعصير ولا بالخل والدبس أو الناطف وغيرهما مما يتخذ منه قاله القاضي
حسين قال ابن حزم وما وجدنا عن أحد قبل مالك المنع من بيع الزيتون بالزيت ثم اتبعه عليه
الشافعي وإن كان لم يصرح به وفرق بينه وبين الرطب والتمر فان التمر هو الرطب بعينه إلا أنه يابس
وكذلك العنب والزبيب بخلاف الزيت فإنه شئ آخر غير الزيتون لكنه خارج منه خروج اللبن
من الغنم والتمر من النخل وبيع كل ذلك بما خرج منه جائز بلا خلاف.
135

(فرع) حب البان بالسيخة وهي (1) نقل ابن المنذر عن مالك أنه منع من ذلك
ثم ترك ذلك وقال لا بأس بحب البان بالبان المطيب وقال أبو ثور لا بأس بالزيتون بالزيت والدهن
بالسمسم والعصير بالعنب واللبن بالسمن.
(فرع) بيع لب الجوز بالجوز جائز قاله القاضي حسين وأما دهن الجوز بدهن اللوز فينبني
على أن الادهان جنس أو أجناس وبيع الجوز بلب اللوز أو بدهن اللوز قال القاضي حسين الصحيح
أنه لا يجوز بعد ما جزم أولا بالجواز كما تقدم الساعة والخلاف الذي أشار إليه لا وجه له لأنهما جنسان
ولا اشتراك بينهما وهو كما قاله في بيع الرطب بخل العنب والعنب بخل الرطب وقد وقع البحث معه
فيه ولا يجوز بيع الجوز بلبه قاله في التهذيب وهو ظاهر وحكم الجوز واللوز بما يتخذ منه حكم السمسم
بالشيرج ومن أمثلة المسألة بيع العنب بعصيره وخله ودبسه وغير ذلك مما يتخذ منه.

(1) بياض بالأصل فحرر
136

قال المصنف رحمه الله تعالى.
(ويجوز بيع العصير بالعصير إذا لم تنعقد أجزاؤه لأنه يدخر على صفته فجاز بيع بعضه ببعض
كالزبيب بالزبيب).
(الشرح) عصير الشئ وعصارته ما انحلت منه ويقال لعصير العنب المعصور تقول عصرت
العنب أعصره فهو معصور وعصير واعتصرته استخرجت ما فيه وقيل عصرته إذا وليت ذلك بنفسك
واعتصرته إذا عصر لك خاصة حكى ذلك ابن سيده قال الأصحاب العصير يكون من العنب
والسفرجل وعصير التفاح وقصب السكر وغير ذلك فإذا بيع بعضه ببعض فإن كانا جنسين كعصير
العنب بعصير القصب جاز متماثلا ومتفاضلا مطبوخا ونيئا وكيف كان يدا بيد وكذلك رب التمر برب
العنب وعصير الرمان بعصير السفرجل وعصير التفاح بعصير اللوز نص الشافعي والأصحاب على جميع ذلك
وهو يدل على أن العصير أجناس وهو المشهور وبه جزم المحاملي ولما حكى الرافعي الوجه البعيد في أن
الخلول والادهان جنس واحد قال ويجرى مثله في عصير العنب مع عصير الرطب فعلى هذا لا يجوز
التفاضل بينهما ولكن هذا الوجه ان ثبت فهو بعيد مردود وهذا إنما نذكره تجديدا للعهد بالنسبة إلى
من قد يغفل عنه ومقصد المصنف رحمه الله تعالى في هذه المسائل كلها ليس إلا الجنس الواحد فإذا بيع
العصير بالعصير من جنسه متماثلين كعصير العنب بعصير العنب وعصير التفاح بعصير التفاح وعصير السفرجل
بعصير السفرجل وعصير الرمان بعصير الرمان وعصير الرطب بعصير الرطب وعصير قصب السكر بعصير
قصب السكر وعصير سائر الثمار بجنسه (قلت) هذا ذكر جماعة من الأصحاب عصير الرطب وظني أن
الرطب لا عصير له والكلام في ذلك أن فرض وسيأتي تنبيه في مسألة الخلول على ما وقع في كلام بعض
137

الأصحاب في خل الرطب مما يجب التنبيه عليه فإن كانا مطبوخين أو أحدهما مطبوخا فقد تقدم حكمه
وأنه لا يجوز وإن كانا نيئين وهو مقصود المصنف جاز وبه جزم ابن القاص والشيخ أبو حامد والقاضي
أبو الطيب والمحاملي والقفال والامام لما ذكره المصنف ولان كمال منفعته في تلك الحالة فإنه يصلح لكل
ما يراد منه من الدبس والرب وغيرهما فكان كاللبن باللبن وحكى الرافعي وجها أنه لا يجوز وان العصير
ليس بحالة كمال والأصح عند الرافعي و (1) الأول قال القاضي حسين في بيع العصير بالعصير يعنى
عصير العنب بعصير العنب كنت أقول قبل هذا إنه يجوز وفى الآن عندي أنه لا لأنهما ما اتفقنا في حال
الكمال وكلام والقاضي هذا يجرى في جميع العصير لا فرق بين عصير وعصير في ذلك وقد ذكر الروياني
في عصير الرطب بعصير الرطب ولا ماء فيهما وجهين (أحدهما) لا كالرطب بالرطب (والثاني) يجوز كاللبن
باللبن وهكذا عصير الثمار من الرمان والتفاح وغيرهما ومراده ما يشمل عصير العنب وغيره وهو إشارة
إلى وجه القاضي حسين أو من وافقه والله أعلم.
(فرع) قال الشافعي في الام في باب المزابنة الذي قبل كتاب الصلح ولا يجوز بيع
الجلجلان بالشبرق إلى أجل ولا يدا بيد وفسر الأصحاب وأهل اللغة الجلجان بالسمسم وقال الجوهري
انه ثمرة الكزبرة وقال أبو الغوث هو السمسم في قشره قبل أن يحصد وأما الشبرق فقال ابن فارس
انه نبت وقال الجوهري وهو رطب الضريع.
(فرع) إذا بيع العصير بالعصير فالمعتبر في معياره الكيل جزم به المحاملي والشيخ أبو
محمد والرافعي والنووي.
(فرع) قول المصنف رحمه الله إذا لم تنعقد أجزاؤه يفهم أنه إذا حمى بالنار اللطيفة بحيث
لا تنعقد أجزاؤه يجوز بيع بعضه ببعض.

(1) بياض بالأصل فحرر
138

قال المصنف رحمه الله تعالى.
(ويجوز بيع الشيرج بالشيرج ومن أصحابنا من قال لا يجوز لأنه يخالطه الماء والملح وذلك يمنع التماثل فمنع العقد والمذهب الأول لأنه يدخر على جهته فجاز بيع بعضه ببعض كالعصير وأما الماء والملح
فإنه يحصل في الكسب ولا ينعصر لأنه لو انعصر في الشيرج لبان عليه).
(الشرح) الشيرج بكسر الشين. (1) والكسب (اما) حكم المسألة فهو كما ذكره المصنف
والقائل من أصحابنا بأنه لا يجوز أبو إسحاق المروزي وأبو علي بن أبي هريرة نقله الشيخ أبو حامد
والقاضي أبو الطيب ونصر المقدسي عن الأول المحاملي عن الثاني لما ذكره المصنف ورد الأصحاب
عليه بما ذكره المصنف وينوا ذلك بان الماء لو كان باقيا فيه لرسب إلى قرار الظرف الذي يكون
فيه الدهن ولا يصح بقاء الملح بين أجزاء الدهن وصرح القاضي أبو الطيب بأن الجواز هو المذهب
المنصوص عليه وجزم به جماعة منهم صاحب التهذيب. ثم إن المخالف ابن أبي هريرة أو غيره خصص
الخلاف في ذلك بالشيرج دون غيره من الادهان لأنه رأى أن المعنى المذكور الذي علل به ليس
في بقية الادهان قال الامام تخصيص هذا بالشيرج لا معنى له قال الشافعي رضي الله عنه في الام ولا
يجوز إلا نئ بنئ فإن كان منه شئ لا يعصر إلا مشوبا بغيره لم يجز أن يباع صنفه مثلا بمثل لأنه
لا يدري ما حظ المشوب من حظ الشئ المبيع بعينه الذي لا يحل الفضل في بعضه على بعض والصحيح
باتفاق الأصحاب الجواز وممن صححه نصر المقدسي.
(فرع) قال الامام لو اعتصر من اللحم ماؤه وتبقى من اللحم مالا ينعصر بفعلنا فالكل جنس
واحد وليس كالدهن والكسب فانا نعلم أن في السمسم دهنا وتفلا في الخلقة واللحم كله في الخلقة
شئ واحد.

(1) بياض بالأصل فحرر
139

(فرع) جعل القاضي حسين دهن السمسم مكيلا لأنه يستخرج من أصله مكيل وتبعه
على ذلك صاحب التهذيب وكذلك السمن وما تعرض لكلام الشافعي في مسألة السمن فإنه يقتضى
فيهما خلاف ما قاله.
(فرع) بيع دهن السمسم بدهن الجوز واللوز متفاضلا ينبني على أن الادهان جنس
أو أجناس قاله القاضي حسين وهو ظاهر لكني أردت أنبه على ذلك لأنه قد يتوهم أن الدهن
اختص باسم الشيرج والله أعلم. وجزم في التهذيب في ذلك بالجواز لأنه لم يفرع إلا على أن
الادهان أجناس.
(فرع) لا يجوز بيع الشيرج بالكسب قاله ابن الصباغ في الشامل وسيأتي الفرق بينه
وبين بيع السمن بالمخيض وقال البغوي في التهذيب يجوز بيع دهن السمسم بكسبه متفاضلين لأنهما
جنسان وكذلك قال الفوراني يجوز بيع الدهن بالكسب لأنهما جنسان وكذلك الامام فان كسب
السمسم يخالف جنس دهنه وفاقا كما يخالف المخيض السمن وكذلك الروياني في البحر مع تعرضه
للخلاف فقال يجوز بيع الدهن بالكسب لأنهما جنسان وقال بعض أصحابنا لا يجوز لأنهما لا تنفرد عن
الدهن وان قل فإن كان فيها دهن فلا يجوز وان يبق فيها الدهن فعلى ما ذكرنا يجوز وابن الرفعة
حكى عن ابن أبي هريرة وجها في منع بيع كسب السمسم بالشيرج وانه لا يطرد في غيره من الادهان
مع كسبه واستبعده الأصحاب وقال صاحب التتمة لا يجوز بيع الجوز بالكسب ولا بالدهن وبيع الدهن
بالكسب جائز.
140

(فرع) شرط جواز بيع الشيرج بالشيرج أن لا يكون مغليا فلو أغلى بالنار لم يجز بيعه بمثله
ولا بالنئ وكذلك الزيت لا يباع منه المغلى بمثله ولا بالنئ ويباع الزيت النئ بالشيرج المطبوخ يدا بيد
وصرح بذلك الصيمري.
(فرع) قال الرافعي الادهان المطيبة كدهن الورد والبنفسج والنيلوفر كلها مستخرجة
من السمسم فإذا قلنا يجرى الربا فيها جاز بيع بعضها ببعض إذا ربى السمسم فيها استخراج دهنه
وان استخرج الدهن ثم طرحت أوراقها فيه لم يجز.
(فرع) لا يجوز بيع طحين السمسم وغيره من الحبوب التي يتخذ منها الادهان بطحينها
وعبر الفوراني عن ذلك بعبارة أبين فقال السمسم المدقوق بالسمسم المدقوق لا يجوز كالدقيق بالدقيق
فهذا والله أعلم مرادهم بطحين السمسم وليس المراد الطحينة وإن كان ذلك أيضا لا يجوز كبيع الدقيق
بالدقيق قاله الرافعي وهي قبل ذلك في حالة كونها حبوبا كالأقوات.
(فرع) يجوز بيع كسب السمسم بكسب السمسم وزنا إن لم يكن فيه خلط فإن كان فيه خلط لم
يجز قاله البغوي والرافعي (قلت) أما إذا كان جافا فظاهر وأما إذا كان رطبا فإن كان فيه من الدهن مانعا
من التماثل لم يجز وإن كان غير مانع من التماثل يجوز وأما كون المعيار فيه الوزن فيعكره على ما أصلوه
من أن ما استخرج من مكيل فهو مكيل إلا أن يقال إن ذلك لا يمكن كيله وأنه يتجافى في المكيال.
(فرع) ويجوز بيع العصير بخل الخمر لأنهما يتساويا وإنما اختلفا من حيث الحموضة والحلاوة
فلا يمنع البيع كالتمر الطيب بالتمر غير الطيب قاله ابن الصباغ وخالف القاضي حسين فجزم بالمنع وقد
وقع في نسخة من نسخ المهذب هذه المسألة ولم تثبت في أكثرها وكتب في النسخة التي هي فيها
أنها زيادة (فائدة) الملح مؤنثة تصغيرها ملحية قاله يعقوب بن السكيت في كتابه ونقلته منه.
141

قال المصنف رحمه الله تعالى.
(ويجوز بيع خل الخمر بخل الخمر لأنه يدخر على جهته فجاز بيع بعضه ببعض كالزبيب بالزبيب
ولا يجوز بيع خل الخمر بخل الزبيب لان في خل الزبيب ماء وذلك يمنع من تماثل الخلين ولا
يجوز بيع خل الزبيب بخل الزبيب ولا بيع التمر بخل التمر لأنا ان قلنا أن الماء فيه ربا لم يجز
الجهل تماثل الماءين والجهل بتماثل الخلين وان قلنا لا ربا في الماء لم يجز للجهل بتماثل الخلين وان باع
خل الزبيب بخل التمر فان قلنا إن في الماء ربا لم يجز للجهل بتماثل الماء فيهما وان قلنا لا ربا في الماء
جاز لأنهما جنسان فجاز بيع أحدهما بالآخر مع الجهل بالمقدار كالتمر بالزبيب والله أعلم).
(الشرح) الكلام في الخلول يشتمل على مسائل ذكر المصنف منها خمس مسائل ونقدم
عليها أمورا (أحدها) أن الخلول أجناس على المشهور وحكي الماوردي عن ابن أبي هريرة أنه كان
يخرج قولا أنها جنس واحد وامتنع سائر الأصحاب من تخريج هذا القول وقد تقدم عن الشيخ أبى
حامد أنه غلط القائل بذلك والمشهور القطع بأنها أجناس والتفريع في هذه المسائل على هذا وأما إذا
فرعنا على أنها جنس واحد فلا حاجة إلى تعداد المسائل بل كل خلين فيهما أو في أحدهما ماء لا يجوز بيع
أحدهما بالآخر وان لم يكن في شئ منهما ماء جاز متماثلا ولا يجوز متفاضلا والمصنف والأصحاب إنما فرعوا على
المشهور (الأمر الثاني) ان الخل يتخذ من العنب والزبيب والتمر فهو ثلاثة فإذا أخذت كل صنف مع مثله
ومع قسيمه كانت الصور ستا خل العنب بخل العنب وخل العنب بخل الزبيب وخل العنب بخل
التمر وخل الزبيب بخل الزبيب وخل الزبيب بخل التمر وخل التمر بخل التمر ذكر المصنف منها خمسا
وترك خل العنب بخل التمر وزاد الرافعي في الخلول خل الرطب فصارت الخلول أربعة والصور الحاصلة
142

من تركيبها عشرة الست المذكورة وأربع من خل الرطب بخل الرطب وبخل العنب والزبيب والتمر
وليست الخلول منحصرة بل يتخذ الخل أيضا من القصب كما ذكره الشافعي ومن الجميز ومن البسر
ومن غير ذلك فتأتي الصور أضعاف هذه وطريقك في عدها وترتيبها أن تأخذ كل واحد مع نفسه
ومع ما بعده ولكن لا يتعلق بها غرض والمقصود حاصل من معرفة الحكم في خل العنب والزبيب
والتمر ونسبة الرطب إلى التمر كنسبة الزبيب إلى العنب لكن الرطب قد يتخذ خلا بغير ماء فيختلف
حكمه كما ستعرفه ونسبة الجميز إلى كل منهما كنسبة العنب إلى التمر فلا حاجة إلى تكثير الصور
ونشرح ما ذكروه خاصة والخل في اللغة كل ما حمض من عصير العنب وغيره قاله ابن سيده (الأمر الثالث
) أن التمر والرطب جنس واحد والعنب والزبيب جنس واحد وان الماء هل يجرى فيه الربا
فيه وجهان (المسألة الأولى) بيع خل الخمر بخل الخمر جائز اتفاقا قال الشافعي في المختصر ولا بأس
بخل العنب مثلا بمثل وممن نص على أنه لا خلاف فيه الشيخ أبو حامد وجزم به القاضي أبو الطيب
والمحاملي والماوردي من العراقيين والشيخ أبو محمد والرافعي وغيرهم لأنه لا ماء فيه وليس له غاية يبس
يقع فيها التفاوت وقد الفوراني وابن داود وغيرهما ذلك بان لا يكون في واحد منهما ماء وذلك صحيح
لابد منه وإنما سكت أكثر الأصحاب عنه لان الغالب في خل العنب أنه لا ماء فيه وقد يعمد في
بعض الأوقات ليسرع تخلله فلذلك التقييد حسن والاطلاق محمول على الغالب قال الأصحاب وللعنب
حالتان للادخار (إحداهما) أن يصير زبيبا (والأخرى) أن يصير خلا (المسألة الثانية) بيع خل الخمر
بخل الزبيب لا يجوز كذلك قال المصنف والشيخ أبو حامد وأبو الطيب والمحاملي والماوردي وذلك
143

واضح لان الزبيب من جنس العنب والزبيب ماء فكأنه باع عنبا بعنب وماء وذلك لا يجوز لانتفاء
التماثل ومع ذلك لا يحتاج إلى التعليل بقاعدة مد عجوة (المسألة الثالثة) بيع خل الخمر بخل التمر
ولم يذكره المصنف وليس هو مثل بيع خل الخمر بخل الزبيب لان التمر والعنب جنسان مختلفان
وقد نص الشافعي رضي الله عنه في الام والأصحاب على جوازه قال الشافعي في باب بيع الأجل ولا
بأس بخل العنب بخل التمر وخل القصب لان أصوله مختلفة فلا بأس بالفضل في بعضه ببعض وممن
جزم بالجواز فيه الشيخ أبو حامد والمحاملي والشيخ أبو محمد والرافعي فان خل العنب لا ماء فيه وخل
التمر وإن كان فيه ماء فهو جنس آخر وقد علمت أن التفريع على أن الخلول أجناس ونقل العبدري عن
مالك ان خل العنب وخل التمر جنس واحد كالقول الغريب عندنا فكأنه باع عنبا بتمر وماء وهو
جائز وسيأتي في خل الزبيب بخل التمر طريقة عن البغوي أنه يتخرج على الجمع بين مختلفي الحكم
وقياسه أن يأتي ههنا وسأتكلم عليها إن شاء الله تعالى (المسألة الرابعة والخامسة) بيع خل الزبيب
بخل الزبيب وخل التمر بخل التمر لا يجوز قال الشافعي في المختصر وأما خل الزبيب فلا خير في بيعه
ببعض مثلا بمثل من قبل أن الماء يقل فيه ويكثر وهذا تنبيه على العلة الثانية التي ذكرها
المصنف وممن صرح بحكم المسألتين كما ذكره المصنف الشيخ أبو حامد حكما وتعليلا والقاضي أبو
الطيب والماوردي والشيخ أبو محمد والقاضي حسين والرافعي ولا خلاف في ذلك أيضا سواء قلنا
الماء ربوي أولا لان الجنس متحد والمماثلة فيه مجهولة وكذلك خل الرطب بخل الرطب لأنه لا يصح
الا بالماء وليس كخل العنب بخل العنب وممن صرح بذلك الماوردي وهي المسألة السادسة لكن
144

الشيخ أبا محمد في السلسة جزم بالجواز في خل الرطب بخل الرطب وكذلك الرافعي والقاضي حسين
وينبغي أن يحمل ذلك على ما إذا لم يكن فيه ماء فليس هذا اختلافا بل كان خل الرطب بغير ماء
وان أمكن كما قال أبو محمد وصار كخل العنب وإن كان فيه ماء فالامر كما قال الرافعي والماوردي
(المسألة السابعة والثامنة) خل الزبيب بخل التمر جزم الصيمري بجوازه والمشهور ما ذكره المصنف
حكما وبناء وممن ذكره كذلك الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي والماوردي وابن الصباغ
من العراقيين والشيخ أبو محمد والقاضي حسين وعلله المحاملي بما علله به المصنف وعلله الشيخ أبو حامد
بأنه بيع ماء وشئ بماء وشئ (فان قلت) تعليل الشيخ أبى حامد ظاهر وأما تعليل المصنف بالجهل
بتماثل الماءين فإنه يوهم أن الماءين لو كانا معلومي التساوي صح وليس كذلك فان التفريع على أن
الماء ربوي فلا يجوز لقاعدة مدعجوة فلو علل بما علل به الشيخ أبو حامد كان أولى على أن هذا السؤال
وارد عليهما في المسألة الرابعة والخامسة وهذا السؤال الملقب في علم النظر بعدم التأثير وهو أن يوجد
الحكم بدون الوصف المدعى علة (قلت) بل ما فعله المصنف أولى لان الجهل بالممائلة هي العلة لمعتبرة
في البطلان المجمع عليها وقاعدة مدعجوة إنما بطلت عند من يقول بها لا (1) كما تقدم بيانه (فاما) أن
يقول بذلك فلا يرد السؤال (واما) أن يعترف بوروده فجوابه أن التأثير إنما يلزم في قياس العلة أما في
قياس الدلالة فلا كما ذلك مقرر في علم النظر وقياس الدلالة الذي لا يدعي فيه ان الحكم ثبت بذلك
الوصف وإنما يدعي أن ذلك الوصف دليل على الحكم لكن كلام المصنف هنا ظاهر في القليل
فالأولى دفع السؤال بما نبهت عليه أولا أو نقول إن ذلك سؤال العكس وهو وجود مثل الحكم بعلة

(1) بياض بالأصل فحرر
145

أخرى وذلك غير قادح ويمنع أنه من باب عدم التأثير والله أعلم. وهذه الطريقة التي سلكها المصنف
من البناء هي الصحيحة من المذهب قال الشيخ أبو حامد وقد قيل شئ عن هذا وليس بشئ
قال يعنى ذلك القائل وقول الشافعي ههنا فإذا اختلف الجنسان فلا بأس يقتضى أن لا ربا في الماء
لأنه لم يفصل والا فليس أن يكون فيه الربا لأنه مطعوم. وقول المصنف رحمه الله تعالى وان قلنا
لا ربا في الماء جاز إلى آخره هكذا صرح به الجمهور واقتضاه كلام الرافعي قال النووي وقيل فيه القولان
في الجمع بين مختلفي الحكم لان الخلين يشترط فيهما التقابض في المجلس بخلاف الماءين وممن ذكر
هذا الطريق البغوي في كتابه التعليق في شرح مختصر المزني وهذا الطريق هو الصواب ولعل
الأصحاب اقتصروا على أصح القولين وهو أنه يجوز جمع مختلفي الحكم والله أعلم. هذا كلام البغوي
(قلت) وقد تقدم نص الشافعي على جواز خل العنب بخل التمر وفيه الماء وهو يعضد جزم الجمهور
بالجواز هنا لأنه لا فرق بين أن يكون الماء في الطرفين في أحدهما فاما أن يكون ذلك تفريعا على الصحيح
في الجمع بين مختلفي الحكم كما قال النووي واما أن يقال أن الخلاف يجوز قاله الشيخ أبو محمد والرافعي
(المسألة التاسعة) خل الرطب بخل التمر لا يجوز لان فيهما ماء يمنع التماثل هكذا علله الماوردي ولا
خفاء به وذكر الرافعي مسألة خل العنب وخل الرطب بخل التمر وحكم بعدم الجواز فيهما وعلل بان
في أحدهما ماء ومراده بذلك خل العنب بخل الزبيب وأهمل تعليل الثانية فربما يطالعه من لا خبرة
له فيظن أن ذلك عائد إليهما وان خل الرطب لا ماء فيه وليس ذلك مراده لأنه لو كان كذلك لجاز
خل الرطب بخلل الرطب إلا أن يلاحظ ما قاله الشيخ أبو محمد وبالجملة فالأحكام التي ذكرها الرافعي
146

إنما تتم إذا فرض خل الرطب فيه ماء والتي ذكرها الشيخ أبو محمد على أنه فيه ماء فليعلم ذلك
(المسألة العاشرة) خل الرطب بخل العنب قال القاضي حسين لا خلاف أنه يجوز متساويا وهل يجوز متفاضلا
أو لا ينبني على أن الخلول جنس أو أجناس وفيه قولان (قلت) قوله إنه يجوز متساويا محمول على
أن خل الرطب لا ماء فيه أو أنه لم يلاحظ الجمع بين مختلفي الحكم والمنع من التفاضل خلاف النص
في خل العنب بخل التمر فان الشافعي رضي الله عنه نص على جواز التفاضل فيه وقال الفوراني له ثلاثة
أحوال (إحداها) أن لا يكون في واحد منهما ماء فيصح (الثانية) إذا كان في أحدهما ماء فيصح
أيضا (الثالثة) إذا كان فيهما ماء فعلى وجهين بناء على أنه هل في الماء ربا أم لا (ان قلنا) فيه ربا لا يصح
(قلت) وهذا التفصيل حسن ولم يلاحظ الجمع بين مختلفي الحكم وما ذكرته من البحث مع الفوراني
في التخريج على الجمع بين مختلفي الحكم رأيته بعد ذلك مرموزا إليه في كلام الإمام قال في آخر
الكلام في الخلول وفى الماء وكونه غير مقصود اشكال سنشرحه في باب الألبان وممن ذكر
خل الرطب بخل الرطب لا يجوز الروياني لكنه بعد ذلك قال وان لم يكن فيهما ماء يجوز
(المسألة الحادية عشرة) خل الرطب بخل الزبيب يجوز قاله الشيخ أبو محمد والرافعي والبغوي قال الرافعي
يجوز لأن الماء في أحد الطرفين والمماثلة بين الخلين غير معتبرة تفريعا على الصحيح في أنهما جنسان
(قلت) والصحيح خلافه وقياس كلام البغوي والنووي ان تأتى تلك الطريقة أيضا هنا والله أعلم
فاما الشيخ أبو محمد فإنه يلاحظ أنه لا ماء في خل الرطب كما تقدم فلا يتجه عنده (1) أن يكون
ذلك عنده كخل التمر بخل العنب حتى يأتي فيه البحث السابق في الجمع بين مختلفي الحكم إنما هو إذا جمع بين

(1) بياض بالأصل
147

عينين مستقلتين حتى يكون ذلك كالعقد فرتب على كل منهما مقتضاه وكذلك يقول الأصحاب جمع
بين عقدين مختلفي الحكم إنما الخل الذي فيه الماء فهو كعين واحدة ولو أفردنا ما فيه من الماء بحكم وما فيه من
الخل بحكم لزمه بطلان العقد لان كلا منهما مجهول وفى سائر صور الجمع بين مختلفي الحكم يوزع الثمن عليهما
ويعطى كل واحد حكمه وههنا لا يمكن القول بان بعض الثمن في مقابلة الماء وحده وبعضه في مقابلة
الخل بل كل جزء من الثمن مقابل بكل جزء من مجموع الخل المركب من الماء وغيره ويؤول ذلك أنه
لو اشترى ربويا رأى بعضه ولم ير بعضه فيه طريقان (أحدهما) القطع بالبطلان (والثاني) فيه قولا
بيع الغائب ولم يخرجوه على قولي الجمع بين مختلفي الحكم قال الشيخ أبو محمد في السلسلة لا يحتمل
تخريج القولين في هذه المسألة لان المشترى إذا رأى بعض الثوب ولم ير بعضه فحكم ما رأى أن العقد
فيه (1) الخيار فيه ثابت فربما يختار فسخ المبيع فيما لم يرد اجازته فيما رأى فيحتاج إلى قطع الثوب
وفى ذلك اتلاف لما ليس من ماله والله أعلم. وقد تقم بحث في خل التمر بخل الزبيب وخل العنب
عند الكلام في بيع المشور بالمشوب فليطالع هناك وكذلك في الدراهم المغشوشة إن شاء الله تعالى
وفى تعليق أبي على الطبري والقاضي حسين انه إذا قلنا لا ربا في الماء قولين في ذلك (أصحهما)
الجواز ولكنهما ليس القولين في الجمع بين مختلفي الحكم بل هما القولان المشهور والغريب في أن
الخلول جنس أو أجناس والمصنف وأكثر الأصحاب إنما تكلموا في ذلك تفريعا على المعروف أن
الخلول أجناس وضابط هذا الباب ان كل خلين اما أن يكون فيهما الماء أو لا يكون فيهما أو يكون
في أحدهما فإن كان فيهما الماء فإن كانا جنسا واحدا لم يجز قطعا كخل الزبيب بخل الزبيب وإن كانا

(1) بياض بالأصل فحرر
148

جنسين كخل التمر بخل الزبيب لم يجز على الأصح وان لم يكن فيهما ماء وهما من جنس واحد جاز
قطعا مثلا بمثل يدا بيد كخل العنب بخل العنب وإن كانا جنسين جاز متفاضلين قطعا يد بيد
كخل الرطب بخل العنب وإن كان في أحدهما فإن كانا في جنس واحد لم يجز كخل العنب بخل
الزبيب وإن كانا جنسين جاز متماثلا ومتفاضلا بشرط التقابض كخل العنب بخل التمر على المشهور
خلافا لطريقة البغوي وكل مسائل هذا الفصل مجزوم بها على المشهور إلا إذا كانا من جنسين وفيهما
الماء كخل التمر بخل الزبيب والله أعلم. وليس في المسائل العشرة مسألة جائزة قطعا في الجنس
الواحد الا خل العنب بخل العنب ولا في الجنسين الا خل الرطب بخل العنب وبقية ذلك اما
ممتنع قطعا في الجنس الواحد إذا كان فيه ماء واما مختلف فيه في الجنسين إذا كان فيهما أو في
أحدهما ماء وان شئت لخصته فقلت كل خلين لا ماء في واحد منهما فيجوز بيع أحدهما متماثلا في الجنس
ومتفاضلا في الجنسين وكل خلين فيهما الماء لا يجوز بيع أحدهما بالآخر قطعا ان اتحد الجنس وعلى
الأصح ان اختلف وكل خلين في أحدهما الماء لا يجوز بيع أحدهما بالآخر ان اتحد الجنس قطعا
ويجوز ان اختلف على المذهب وكلها يشترط فيها التقابض في المجلس والله أعلم.
(فرع) المعيار في الخل الكيل قاله القاضي حسين والرافعي وغيرهما وعلله القاضي حسين
بأنه يستخرج من أصل مكيل (تنبيه) جميع ما تقدم في الخلول التي فيها ما تفرع على الصحيح
المشهور أن الماء المحرز في الاناء مملوك وهذا الذي قطع به الماوردي ولنا وجه مذكور في باب احياء
الموات أنه لا يملك وان أخذ في إناء وقد صرح الأصحاب بان الماء على ذلك الوجه لا يجوز منعه فعلى
149

هذا كيف يرد البيع على الخل وهو مركب من مملوك وغير مملوك والذي يتجه تفريعا على هذا
الوجه امتناع بيع الخل الذي فيه الماء لأنه لا يمكن أن يرد العقد على الجميع لعدم الملك ولا على
المملوك منه ويكون الماء مباحا لعدم تميزه والعلم به ولكن لما كان هذا الوجه ضعيفا في النقل لم
يفرعوا عليه.
(فرع) قال الشافعي رضي الله عنه في الام بعد ذكر الخلول وبيع بعضها ببعض والنبيذ
الذي لا يسكر مثل الخل.
(فرع) يجوز بيع خل العنب بعصيره لأنه لا ينقص إذا صار خلا فهما متساويان في حال
الادخار قاله ابن الصباغ والروياني وخالف في ذلك القاضي حسين فجزم بالمنع وحكاه الروياني وجها وينبغي
أن يكون على (1) القاضي حسين في أن بيع العصير بالعصير لا يجوز فيكون أحدهما على حاله والآخر
ليس على حالة الادخار عنده وقد علل صاحب البحر الوجه المذكور بذلك وذكر الامام عن شيخه
الوجهين في عصير العنب وخله (أحدهما) أنه جنس ولكن حالت صفة العصير فكان كاللبن الحليب
مع العارض (والثاني) أنهما جنسان وهو الظاهر عندي لافراط التفاوت في الاسم والصفة والمقصود
والنئ لا يكون مأكولا فلا يكون ربويا فإذا كان تحول الصفات يؤثر هذا التأثير جاز أن يؤثر في
اختلاف الأجناس (قلت) وهذا ليس بجيد وقد بحثت معه في ذلك في مسألة بيع الرطب بالتمر
وبينت أن العصير والخل جنس واحد وقد تابع الامام في ذلك القاضي في الذخائر ويوافقه الوجه
الذي حكاه المتولي أنه يجوز بيع الخل بالدبس وأنه لا تعتبر المماثلة بينهما وقد تقدم التعرض لذلك عند
الكلام على بيع المطبوخ بالنئ.

(1) بياض بالأصل فحرر
150

(فرع) لا يجوز خل التمر بالتمر ولا خل عنب بعنب نص عليه في البويطي وقال ولا كل
شئ بشئ يخرج من أصله وكذلك قال ابن الصباغ لا يجوز بيع العنب بخله ولا بعصيره قال
القاضي حسين وكذلك بيع الرطب بما يتخذ منه من الخل والعصير والدبس والشيرج والناطف
وغيره لا يجوز.
(فرع) بيع الرطب بخل العنب أو بعصير العنب أو بيع العنب بخل الرطب أو بدبس
الرطب قال القاضي حسين الصحيح أنه يجوز (قلت) وما أشار إليه من الخلاف بعيد جدا ولا يمكن
أن يكون هو القائل بان الخلول جنس واحد فان ذاك لاشتراكها في الاسم والرطب وخل العنب لا اشتراك بينهما ولا أحدهما مستخرج من الآخر فينبغي القطع بالجواز وكذلك في العنب بخل
الرطب الا أن يكون فيه ماء.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(ولا يجوز بيع شاة في ضرعها لبن بلبن شاة لان اللبن يدخل في البيع ويقابله قسط من الثمن
والدليل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في مقابلة لبن المصراة صاعا من تمر ولان اللبن في الضرع كاللبن
في الاناء والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم لا يحلبن أحدكم شاة غيره بغير اذنه أيحب أحدكم أن تؤتى خزانته
فينتثل ما فيها فجعل اللبن كالمال في الخزانة فصار كما لو باع لبنا وشاة بلبن).
(الشرح) الحديث المذكور الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في مقابلة لبن المصراة صاعا
من تمر لم أجده بهذا اللفظ صريحا ولكنه يشير به الحديث المشهور الذي سنذكره إن شاء الله
151

تعالى في باب بيع المصراة وهو متفق عليه وله ألفاظ ورد بها أقر بها إلى المعني الذي ذكره المصنف
هنا قوله صلى الله عليه وسلم (فان رضيها أمسكها وان سخطها ففي حلبتها صاع من التمر (رواه البخاري وهو يفيد
مقصود المصنف فان قوله في حلبتها ظاهر في مقابلة اللبن والحديث الآخر حديث صحيح أخرجه
البخاري وغيره من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يحلبن أحد ماشية امرئ
الا باذنه أيحب أحدكم أن يؤتى مشربته فيكسر خزانته فينتثل طعامه فإنما يخزن لهم ضروع مواشيهم
لطعامهم فلا يحلبن أحد ماشية أحد الا باذنه) وقوله ينتثل أي يستخرج وهو - بياء مثناة من تحت
مضمومة ثم نون ساكنة ثم تاء مثناة من فوق ثم ثاء مثلثة مفتوحتين يقال نثل ما في كنانته إذا
صبها ونثرها وقد نثلت البئر نثلا وانتثلتها إذا استخرجت ترابها وروى ينقل بالقاف بدل الثاء المثلثة
أي يذهب وينقل عن الضرع والرواية الأولى أكثر وأشهر وهي التي فسرها أهل الغريب والمشربة
نضم الراء وفتحها الغرفة وجمعها مشارب وقول المصنف شاة أحدكم أن لفظ الشاة في شئ من الروايات.
وحكم المسألة نص عليه الشافعي رضي الله عنه قال في المختصر والام ولا خير في شاة فيها لبن يقدر
على حلبه بلبن من قبل أن في الشاة لبنا لا أدري كم حصنه من الثمن الذي اشتريته به نقدا وإن كان
نسيئة فهو أفسد للبيع وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للبن التصرية بدلا وإنما اللبن في الضرع كالجوز
واللوز المبيع في قشرة يستخرجه صاحبه إذا شاء وليس كالولد لا يقدر على استخراجه هذا لفظ المختصر
وقال في الام ولا بأس بلبن شاة يدا بيد ونسيئة إذا كان أحدهما نقدا والدين منهما موصوف في
152

الذمة وصرح في مواضع من الام بجواز ذلك نقدا ونسئا ثم قال فان قال قائل كيف اخترت لبن
الشاة بالشاة وقدمها اللبن فيقال إن الشاة نفسها لا ربا فيها إنما تؤكل بعد الذبح أو السلخ أو الطبخ
أو التجفيف فلا تنسب الغنم إلى أن تكون مأكولة إنما تنسب إلى أنها حيوان وقد اتفق الأصحاب
على هذين الحكمين وأن بيع الشاة التي في ضرعها لبن بلبن شاة باطل كما قرره الشافعي رضي الله عنه
من أن اللبن الذي في الضرع يقابله قسط من الثمن قال القاضي أبو الطيب قولا واحدا وإن كان
في الحمل قولان بدليل خبر المصراة ولولا أن اللبن يتقسط عليه الثمن لما ألزمه رد بدله كما لو اشترى
نخلة فأثمرت في يده أو شاة فحملت وولدت ثم ردها ولان ما في الضرع مثل ما في الخزانة بدليل
الحديث الذي ذكره المصنف وهذا الذي ذكرناه من أن اللبن يقابله قسط من الثمن هو المنصوص
المشهور الذي قطع به الأصحاب ههنا وسيأتي في باب المصراة ذكر وجه فيه والكلام عليه هناك ومع
هذا فلا خلاف في امتناع بيع الشاة اللبون باللبن والله أعلم. قال الأصحاب فوجب أنه لا يصح بيع
شاة في ضرعها لبن أصلا لان اللبن مجهول كما لو ضم إلى الشاة لبنا مغطى فالجواب أنه إن لم يجز البيع
هناك لان كلا من الشاة واللبن المضموم إليها مقصود بالبيع واللبن في الضرع تابع وإن كان له قسط
من الثمن بدليل دخوله إذا أطلق البيع في الشاة ويغتفر في التابع مالا يغتفر في غيره ولذلك صح بيعه
كأساس الحائط ورؤس الجذوع وطى البئر ونحو ذلك ولا يلزم من جعله تابعا في انتفاء الغرر أن
يكون تابعا في انتفاء الربا كالثمرة قبل بدو الصلاح إذا بيعت مع أصلها تابعة من غير شرط القطع
153

جاز ولو باع نخله مثمرة بتمر لم يصح فكان ربا فتبعت في انتفاء الغرر ولم تتبع في انتفاء الربا قال
القاضي حسين ولان اللبن مما يجرى فيه الربا وإن كان متصلا بالحيوان ولا يشبه الحمل لان الحمل
لا يمكن استخراجه متى شاء والفرق بين اللبن والحمل على أحد القولين القائل بأنه ليس له قسط من
التمن أن اللبن مقدور على تناوله بخلاف الحمل فأشبه الجوز واللوز في قشره وجوز أبو حنيفة رضي الله عنه
بيع الشاة ذات اللبن باللبن قال الشيخ أبو حامد وأبو الطيب والمحاملي وهكذا الحكم إذا ذبحت
هذه الشاة التي فيها لبن ثم بيعت بلبن وهو أفسد لأنه بيع لحم ولبن بلبن ولو باع الشاة التي في
ضرعها لبن بلبن إبل ونحوه من غير لبن الغنم (فان قلنا) ان الألبان صنف واحد لم يجز (وان قلنا)
أصناف جاز قال الشيخ أبو حامد وأبو الطيب وابن الصباغ وغيرهم فعلى هذا الصحيح الجواز لأن الصحيح أنها أجناس ولم يذكر الصيمري في شرح الكفاية غيره ولذلك احترز المصنف في قوله
بلبن الشاة فإنه إذا باع الشاة التي في ضرعها لبن من غير جنسها وقلنا إن الألبان أجناس قال المحاملي
فيكون بمنزلة أن يبيع طعاما ربويا بشعير فيصح البيع يعنى على الأصح في الجمع بين مختلفي
الحكم وكذلك قال الرافعي فيه قولا الجمع بين مختلفي الحكم وهو في ذلك تابع للقاضي
حسين وصاحب التهذيب فان ما يقابل اللبن من اللبن يشترط فيه التقابض وما يقابله
من الحيوان لا يشترط فيه التقابض (قلت) وفى التحريم نظر (1) في بيع خل التمر
بخل الزبيب وفى بيع الدراهم المغشوشة بعضها ببعض لأنه يمتنع افراد كل واحد بحكمه إذ
اللبن الذي في الضرع لا يمكن تسليمه وحده فلو نزل العقد عليه منزلة عقد مستقل لاقتضى البطلان

(1) بياض بالأصل فحرر
154

والله أعلم. ولأجل ذلك والله أعلم أطلق الماوردي القول بانا إذا قلنا الألبان أجناس صح العقد (والحكم
الثاني) إذا باع شاة غير ذات لبن قال الشيخ أبو حامد بان لا تكون ولدت قط جاز البيع اتفق
عليه الأصحاب أيضا تبعا للشافعي رضي الله عنه نقدا ونسيئة والتفرق قبل القبض قال الشيخ أبو حامد
وأبو الطيب ونص الشافعي رضي الله عنه في حرملة في التي لها لبن قد حلب ولم يستخلف بعد شئ
منه فباعها بلبن شاة يجوز وهذا لأنه لم يكن هناك لبن يجتمع والقليل الذي ينز لا تأثير له واتفق
الأصحاب أيضا على هذا الحكم وممن جزم به القاضي حسين والبغوي والرافعي وصرح الامام بالصحة
في اللبون إذا لم يكن في ضرعها لبن وقت البيع أو كان نذرا لا يقصد حلب مثله لقلته قال فان مثله
ليس مقصودا والحيوان مخالف لجنس اللبن فليلتحق ببيع المخيض بالزبد مع النظر إلى الرغوة وشبهه
بعضهم بالدار الذي ذهبت واستهلك الذهب إذا بيعت بدار مثلها أو بالذهب يجوز قال الشيخ أبو
حامد وأبو الطيب والمحاملي فان ذبحت هذه الشاة وسلخت وبيعت باللبن صح البيع لأنه لحم لا شئ
معه بلبن ويشترط التقابض ونقله القاضي أبو الطيب عن نصه في الصرف وقد أغرب الجيلي فحكي
فيما نقله ابن الرفعة عنه وجها أنه يجوز بيع اللبن بشاة في ضرعها لبن وهذا غريب جدا شاذ لا معول
عليه قال ابن الرفعة ويمكن أن يكون مأخذه ما حكاه الغزالي في المصراة أن اللبن في الضرع لا يقابله
قسط من الثمن على رأى.
(فرع) كما لا يجوز بيع الشاة التي فيها لبن بلبن كذلك لا يجوز بالزبد ولا بالسمن ولا
بالمصل ولا بالأقط كما لا يجوز اللبن بشئ من ذلك صرح به الماوردي.
155

(فرع) قال محمد بن عبد الرحمن الحضرمي في كتاب الاكمال كما وقع في التنبيه من
الاشكال والاجمال قال الشافعي رحمه الله ولو باع أمة ذات لبن بلبن آدمية جاز بخلاف شاة في ضرعها
لبن بلبن شاة والفرق بينهما ان لبن الشاة في الشرع له حكم العين فلهذا لا يجوز عقد الإجارة عليه
ولبن الآدمية ليس له حكم العين بل هو كالمنفعة ولهذا جوزنا عقد الإجارة عليه (قلت) وهذا النقل
غريب والتعليل حسن وفيه نظر وقد تقدم حكاية خلاف في أن لبن الآدمية هل يكون من جنس
الألبان (إذا قلنا) بان الألبان جنس واحد أم لا ولا يرد ذلك هنا لان الكلام هناك إذا كان منفصلا
فإنه يثبت له حكم الأعيان وهنا الألبان في الثدي هو الذي ادعي انه ليس له حكم العين بل حكم
المنفعة فلذلك قال يصح لأنه لم يضم إلى الجارية عينا أخرى ولم أجد هذا الفرع الا في هذا الكتاب
فلا أدري هل الفرق من كلامه أو من كلام الشافعي ويعضده المذهب المشهور في أن الجارية المصراة
لا يرد معها بدل اللبن وفيه وجه أنه يرد فعلى قياس ذلك الوجه قد يقال ينبغي أن يقال هنا بامتناعها
بلبن آدمي لأنه سلك به مسلك العين وان باعها بلبن شاة أو بقرة فعلى المذهب المشهور وما نقله
الحضرمي عن النص يكون الجواز من طريق الأولى وعلى الوجه الذي حكيناه في التصرية ينبغي
أن يتخرج على أن الألبان أجناس أولا (فان جعلناها) أجناسا جاز (وان جعلناها) جنسا فيتخرج على
خلاف تقدم في أن لبن الآدمي من جملتها أم لا (فان قلنا) لا جاز (وان قلنا) من جنسها فقياس
ذلك الوجه المنع (وأما) التمسك بجواز الإجارة عليه في كونه يسلك به مسلك المنافع ففيه وفى تسويغ
الإجارة عليه في باب الإجارة فالاستدلال بالحكم الثابت في التصرية أولى والله أعلم.
156

قال المصنف رحمه الله تعالى.
(فان باع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن ففيه وجهان قال أبو الطيب بن سلمة يجوز
كما يجوز بيع السمسم بالسمسم وإن كان في كل واحد منهما شيرج وكما يجوز بيع دار بدار وإن كان
في كل واحدة منهما بئر ماء وقال أكثر أصحابنا لا يجوز لأنه جنس فيه ربا بيع بعضه ببعض ومع
كل واحد منهما شئ مقصود فلم يجز كما لو باع نخلة مثمرة بنخلة مثمرة ويخالف السمسم لان
الشيرج في السمسم كالمعدوم لأنه لا يحصل إلا بطحن وعصر واللبن موجود في الضرع من غير فعل
ويمكن أخذه من غير مشقة وأما الدار فان قلنا إن الماء يملك ويحرم فيه الربا فلا يجوز بيع إحدى
الدارين بالأخرى).
(الشرح) والوجهان مشهوران حكاهما كذلك الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب
والماوردي وغيرهم ونسب الشيخ أبو حامد الثاني إلى عامة أصحابنا منهم أبو العباس وأبو إسحاق وكذلك
القاضي أبو الطيب نسبه إلى أصحابنا وقال نصر انه المذهب وقال المحاملي انه ظاهر المذهب وجزم به
في اللباب وأصح الوجهين الثاني وبه جزم ابن أبي هريرة لما ذكره المصنف ولأنه يشبه بيع شاة معها
لبن في إناء بشاة معها لبن في إناء ووافق أبو الطيب بن سلمة على امتناع بيع الشاة التي في ضرعها لبن
بلبن فلذلك شبه المسألة التي خالف فيها بالسمسم بالسمسم وتلك المسألة كالسمسم بالشيرج وفرق
الشيخ أبو حامد بين هذا وبين السمسم بالسمسم بفرقين (أحدهما) ما ذكره المصنف وغيره من
157

الأصحاب (والثاني) هذه وهو أن السمسم إذا بيع بالسمسم فالمقصود منه الشيرج فاما التفل الذي
يكون فيه فليس بمقصود وقد وجدت المماثلة بينهما كيلا فيصح البيع ولم يمنعه التفل كالتمر إذا
كان فيهما نوى حيث لم يكن مقصودا بخلاف الشاة باللبن فان الشاة مقصودة واللبن له قسط من
الثمن ولو باع لبونا بشاة لبون وهما مستفرغتا الضرع جاز قال القاضي حسين فلذلك قال المصنف
في ضرعها لبن احترازا عن هذا وافهم كلام المصنف أنا إذا قلنا إن الماء لا يملك أو قلنا بأنه يملك
ولكنه ليس بربوي لا يحتاج إلى الفرق ويسقط التمسك به (وان قلنا) بأنه مملوك ربوي منعنا
الحكم فلا يصح القياس عليه وبيان ذلك أنه ان قلنا لا يملك صح بيع الدار بالدار ولم يتناول
البيع الماء فإنه غير مملوك على هذا القول وإذا تخطى رجل إلى البئر واستقى منها ملكه ولا يجب عليه
رده مع عصيانه في دخوله الدار بغير اذن (وان قلنا) يملك وهو غير ربوي صح البيع وتناوله (وان
قلنا) ربوي امتنع البيع فعلى كل التقدير احتجاج أبى الطيب بن سلمة بذلك ساقط ومنع بيع إحدى
الدارين المذكورتين بالأخرى على القول بأن الماء مملوك ربوي قاله القاضي أبو الطيب وابن الصباغ
لكن ابن الصباغ قال في الباب الذي بعد هذا المترجم عنه بباب الحائط يباع أصله ان ماء البئر لا
يدخل في مطلق بيع الدار على الوجهين لأنه في أحدهما غير مملوك وفى الأخرى بماء ظاهر ولا يدخل
في البيع الا بالشرط كالطلع المؤبر (قلت) ومتى باعه وحده لم يصح على الوجهين كما قاله ابن الصباغ
أيضا في باب بيع الثمار وبأنه لا يملك في أحدهما وفى الآخر يكون مجهولا فيها ولا يمكن تسليمه
158

لأنه إلى أن يسلمه يختلط به غيره ومتى باع واشترط دخوله صح بلا خلاف لان الاختلاط ههنا
لا يضر لان الجميع ملك المشتري قال ابن الرفعة صرح بحكاية ذلك الامام وقال القاضي حسين إن كان
في موضع لا قيمة للماء فيه يجوز وإن كان في موضع للماء فيه قيمة ولم يسميا في العقد أيضا يجوز
وان سميا في العقد فإنه لا يجوز ويصير كمسألة مدعجوة وبني القاضي حسين ذلك على أصل قدمه
في بيع الدار التي فيها البئر مطلقا فصل فيه بين أن يكون للماء قيمة في ذلك المكان أولا فقال إن
كان مما لا قيمة له يدخل في العقد وقيل لا يدخل إلا بالتسمية كسائر المنقولات التي تكون في
البيت وحكى عن القاضي وجها آخر أنه يندرج كالثمار التي لم تؤبر (وإذا قلنا) بأنه غير مملوك اختص به
المشترى كما كان يختص به البائع وجزم الروياني في الحلية بان الماء الظاهر عند البيع لا يدخل يعنى
عند الاطلاق وكذا المعدن الظاهر كالنفط ونحوه وما ينبع بعده كان للمشترى والذي قاله الرافعي ان
الأصح الصحة تبعا وعلى هذا يشكل الفرق فان تبعية الماء للدار كتبعية اللبن للشاة والأظهر
عند الامام أيضا الصحة وعلله بان الماء الكائن في البئر ليس مقصودا ولا يرتبط به قصد
(وقوله) الكائن في البئر احتراز جيد فان ماء البئر من حيث الجملة مقصود في الدار ولكن
لا غرض في ذلك للقدر الكائن وقت العقد ومع قول الإمام ان هذا هو الظاهر فان الثاني هو
القياس وانه لا ينقدح للجواز وجه في القياس لكن عليه العمل ومعتمده سقوط القصد إلى الماء
الحاصل ثم أورد الامام سؤال وانفصل عنه أما السؤال فان خل التمر إذا بيع بخل الزبيب وقلنا إن الماء
ربوي امتنع البيع والماء ليس مقصودا في الخل كما أنه ليس مقصودا في مسألة الدار وانفصل عنه بان
159

الماء يستعمل على صفة الخل حتى كأنه انقلب خلا فلم يخرج مقدار الماء عن كونه مقصودا وإن كان
لا يقصد ماء وهذا لا يتحقق في البئر ومائها. وقد يقال كل من الشاة ولبنها مقصود بخلاف الماء الحاصل
وقت العقد في البئر فإنه غير مقصود وقد تقدم في مسألة مدعجوة الكلام في شئ من ذلك وقال
الماوردي إن قلنا لا ربا في الماء جاز مطلقا وان قلنا فيه ربا فإن كان الماء محرزا في الأحباب فهو مملوك
قطعا ولا يجوز البيع حينئذ خوف التفاضل وإن كان في الآبار فبعض أصحابنا يزعم أن ماء البئر يكون
ملكا لمالك البئر فعلى هذا يمتنع إلا أن يكون ملحا فيجوز لأن الماء الملح غير مشروب ولا ربا
فيه وذهب جمهور أصحابنا وهو ظاهر مذهب الشافعي رضي الله عنه ان ماء البئر لا يملك الا بالأخذ
والإجازة وكذلك ماء العين والنهر وإنما يكون لمالك البئر منع غيره من التصرف في بئره أو نهره
لان من اشترى دارا ذات بئر فاستعمل ماءها ثم ردها بعيب لم يلزمه للماء غرم ولو كان مملوكا لزمه
غرمه كما يغرم لبن الضرع ولان مستأجر الدار له أن يستعمل ماء البئر فعلى هذا يجوز بيع دار ذات
بئر فيها بدار ذات بئر فيها (قلت) وهذا الذي قاله فيه نظر فان الذي صححوه في احياء الموات أنه
يملك ماء البئر والله أعلم. وقال ابن الرافعة بعد حكايته كلام القاضي في بيع الدار التي فيها البئر هذا
لاشك فيه بناء على أصله في أن الماء لا يدخل في اطلاق العقد أما إذا قلنا يدخل كما هو وجه بعيد
فهو تابع وهل يعامل معاملة المقصود أم لا فهو محل الخلاف الذي ذكره الغزالي للامام فيما نظمه والله
أعلم. نعم لك أن تقول الجزم بصحة العقد مع عدم دخول ما في البئر من الماء نظر لا يمكن أخذه الا
160

مختلطا بملك المشتري فكما لم يصح بيع الجمة بمفردها حذرا من الاختلاط بملك البائع ينبغي أن لا
يصح إذا بيعت الجمة للبائع حذرا من الاختلاط بملك المشتري وان تخيل في الفرق ان الاختلاط لم
يمنع من تسليم عين المبيع وهو ههنا في غير المبيع فلا يمنع التسليم فلا يمنع الصحة (قلنا) ذلك يقتضي
صحة بيع الأصل وغلة ثمرة تكون للبائع ولا يتأتى تسليمها إلا بعد اختلاطها بالثمرة الحادثة على ملك المشتري
والمنقول فيها عدم الصحة لكن قد يفرق بين ذلك وما نحن فيه بان الثمار مقصود الأشجار
كما ستعرفه ثم ولا كذلك ماء البئر في بيع الدار وأما في بيع البئر ففيه وقفة في حال كون الماء له قيمة والله
أعلم. انتهى كلام ابن الرفعة. ومنع بيع النخلة المثمرة من جنسها باطل اتفق عليه الأصحاب
وممن صرح به ابن أبي هريرة وغيره فلو كان على إحداهما ثمرة ولا شئ على الأخرى جاز وكذلك الشاة
التي فيها لبن بالشاة التي لا لبن فيها صرح بهما ابن أبي هريرة والماوردي إلا أن تكون إحداهما مذبوحة
فذلك يمتنع لأمر آخر وهو بيع حيوان بلحم (فائدة) عرفت أن أبا الطيب بن سلمة قائل بالجواز
في بيع الشاة بالشاة والدار بالدار وقد صرح الغزالي في البسيط فقال في بيع الشاة اللبون بالشاة اللبون
وفى ضرعهما لبن حكى أصحابنا عن أبي الطيب بن سلمة أنه جوز ذلك وذكر مسألة الدارين وأطلق
الخلاف فيها ولم ينسب فيها إلى أبى الطيب بن سلمة شيئا وفى الوسيط ذكر لفظا مشكلا فقال بعد
161

أن جزم بالبطلان في مسألة اللبون وحكى الوجهين في مسألة الدارين وسوى بالمنع فيهما واستشكله
الفضلاء وتأويل كلامه في الوسيط وغاية مظهر لي في تأويله أن يكون المراد بالمنع منع الحكم المدعي
وهو البطلان الذي جزم به في مسألة الشاة اللبون لكن لا يستمر ذلك في مسألة الدارين فإنه اقتصر
على حكاية الخلاف من غير ترجيح البطلان ولعل ذلك وهم من ناسخ أو سبق قلم والله أعلم. وكذلك
قال ابن أبي الدم في كلامه على الوسيط ان ذلك غلط على أبى الطيب بن سلمة.
(فرع) بيع الشاة التي فيها لبن ببقرة فيها لبن فيه قولان حكاهما الماوردي مأخذهما أن الألبان
جنس أو أجناس وبالصحة جزم الصيمري في الكفاية كما تباع النخلة بالكرم وههنا بلبن الآدمي (ان
قلنا) الألبان أجناس (وان قلنا) جنس واحد فيبنيه على أن لبن الآدمي معها جنس أو جنسان
وفيه وجهان تقدما.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(ويجوز بيع اللبن الحليب بعضه ببعض لان عامة منافعه في هذه الحال فجاز بيع بعضه ببعض
كالتمر بالتمر ويجوز بيع اللبن الحليب بالرائب وهو الذي فيه حموضة لأنه لبن خالص وإنما تغير فهو
كتمر طيب بتمر غير طيب ويجوز بيع الرائب بالرائب كما يجوز بيع تمر متغير بتمر متغير)
162

(الشرح) الحليب قال الشافعي رضي الله عنه في كتاب السلم من الام هو ما يحلب من ساغية
وكان منتهى خاصية الحليب أن تقل حلاوته وذلك حين ينتقل إلى أن يخرج من اسم الحليب والرائب فسره
الأصحاب بأنه الذي حصل فيه قليل حموضة كما ذكره المصنف رحمه الله قال الامام فيما حكي عنه والرائب
الذي خثر بنفسه من غير نار قال ابن الرفعة أي ولا ألقيت فيه إنفحة ونحوها (أما) حكم المسألة فقد ذكر
المصنف ثلاث مسائل ومقصوده في جميعها جواز البيع من حيث الجملة وأما كونه متماثلا أو متفاضلا فذلك
معلوم من كون الألبان جنسا واحدا أو أجناسا ووجوب التماثل على الأول دون الثاني وقد تقدم ذلك
والمقصود هنا جواز البيع وان ذلك ليس من الرطب الذي يمتنع بيع بعضه ببعض لأنه لا ينتهى إلى
جفاف ولان معظم منفعته حال كونه لبنا ولا خلاف في جواز ذلك وقد تقدم أن الشافعي رضي الله عنه
نبه على هذا القسم وأفرد له بابا وذكر انه خارج من معنى ما يكون رطبا بما تقدم بيانه منه
قال الشافعي هناك وجعلنا حكم رطوبته حكم جفوفه لأنا لذلك نجده في كل أحواله لا منتقلا الا
بنقل غيره فقلنا لا باس بلبن حليب حامض وكيف ما كان بلبن كيف ما كان حليبا أو رائبا
أو حامضا ولا حامضا بحليب ولا حليبا برائب ما لم يخالطه ماء فإذا خالطه ماء فلا خير فيه وذكر
163

الشافعي رضي الله عنه مسألة الحامض هنا وهو المخيض وسيأتي في كلام المصنف مفردا بالذكر ثم
أن المصنف أفرد كل مسألة مفردة بعلة فذكر في مسألة الحليب ما يدل على أن ذلك هو حالة
الكمال لوجود غاية منافعه كالتمر والفرق بينه وبين الرطب من ثلاثة أوجه (أحدها) أن عامة المنافع
الرطب في حال كونه تمرا وتناوله في حالة الرطوبة يعد عجلة وتفكها (والثاني) قول الشافعي رضي الله عنه
ان الرطب يشرب من أصوله ويجف بنفسه يشير إلى أن اللبن في حال كماله والرطب ليس
كذلك بل ينتقل إليها (والثالث) فرق أبو إسحاق أن الرطوبة في اللبن من مصلحته وهي الحافظة لمنفعته
بخلاف الرطب لأنه بعد الجفاف كذلك وجاز بيع اللبن باللبن ولو كان في كل منهما زبد لان بقاء
الزبد فيه من كمال منفعته وهو أغلب الأحوال مأكول معه بخلاف الشمع في العسل. قال
الامام (فان قيل) اللبن مشتمل على السمن والمخيض وهما جنسان مختلفان (قلنا) اللبن يعد جنسا واحدا
كالسمسم بالسمسم وفيهما الدهن والتفل وكالتمر بالتمر وفيهما الطعم والنوى قال الامام وأوقع عبارة في
الفرق بين الشهد واللبن أن الشمع غير مخامر للعسل في أصله فان النحل ينسج البيوت من الشمع
المحض ثم يلقى في خلله العسل المحض فالعسل متميز في الأصل ثم مشتار العسل يخلطه بالشمع
164

بعض الخلط بالتعاطي والضغط وليس اللبن كذلك وهو الفرق الذي ذكره الامام في غاية الحسن
وفى مسألة الرائب بالحليب ذكر ما يندفع به توهم أنه خرج عن حالة الكمال بما حصل فيه التغيير كما أن
التمر المتغير لا يخرج عن حالة الكمال وممن جزم بذلك المحاملي والقاضي أبو الطيب لكنه لم يشبهه
بالرائب وإنما قال لبنا حليبا بلبن قد حمض وتغير طعمه يجوز وجزم ابن أبي هريرة بمسألة الرائب
بالرائب كما قال المصنف وكذلك القاضي حسين وذكر الماوردي جواز الحليب بالرائب والحامض
إذا لم يكن زبدهما ممخوضا لأنه بيع لبن فيه زبده بلبن فيه زبده فصار كبيع الحليب بالحليب هكذا
قال الماوردي ينبغي أن يحقق ما المراد بالرائب فان ابن أبي هريرة جزم بجواز بيعه بالزبد كما سيأتي
والمراد بالرائب هنا ما خثر بنفسه من غير نار كما قال الامام.
(فرع) والمعيار في اللبن الكيل نص عليه الشافعي والأصحاب قال الرافعي في كلامه ما يقتضى
تجويز الكيل والوزن جميعا (قلت) وإنما في كلام الامام ما يقتضى التردد فإنه قال فإن كان يوزن فكذا
وإن كان يكال فكذا وهذا يقتضى الشك وان لم يتحرر عندهم معياره وليس فيه حكم بتجويز
الامرين هكذا أطلقوا المسألة وكلام صاحب التهذيب صريح في أنه يباع اللبن باللبن كيلا سواء كانا حليبين
أو رائبين أو حامضين وهو ظاهر فيما عدا الرائب وأما الرائب الخاثر ففيه نظر لان الشافعي قال ففي اللبا
ما يقتضى أن المعيار فيه الوزن لا الكيل فقال إنه لا يجوز السلم في اللبا الا مكيالا من قبل تكبيسه وتجافيه
165

في المكيال اللبن الرائب فيه شبه من اللبا وقد يقال إن عقد اللبا أكثر فلذلك يتجافى بخلاف الرائب
وقد تعرض الامام لهذا الاشكال فاورد على نفسه أنه إذا خثر الشئ كان أثقل والذي يحويه المكيال من
الخاثر يزيد على الرقيق من جنسه بالوزن زيادة ظاهرة وأجاب بأن منع بيع الدبس بالدبس غير مبني على
التفاوت في الوزن مع التساوي في المكيال فانا لو اعتبرنا ذلك لجوزنا بيع الدبس بالدبس إذا كان يوزن ولكنا
اعتمدنا خروج الدبس عن حالة الكمال وأما الرائب الخاثر فقد قطع الأصحاب بجواز بيعه باللبن وجواز
بيع بعضه ببعض ويتجه في بيع بعضه بالبعض أن يقال الانعقاد جرى في اللبن على تساو ولا يربو في
الاناء إذا انعقد رائبا ولا ينقص فإنه طبيعة في نفس اللبن عقاده وليس من جهة ذهاب جزء وبقاء
جزء فأما بيع الخاثر باللبن فإن كان يوزن فيظهر تجويزه فإن كان يكال فبيع اللبن الحليب
بالرائب الخاثر كيلا فيه احتمال ظاهر في المنع ووجه التجويز تشبيه الخاثر بالحنطة الصلبة المغللة تباع
بالرخوة فالخاثر بالحليب يشبه الحنطة الصلبة بالرخوة انتهى كلام الامام. ومن هنا قال الرافعي إن
في كلام الامام ما يقتضى تجويز الكيل والوزن وأنت قد سمعت كلام الامام وليس فيه حكم بكيل
ولا وزن وإنما فيه انه تردد ركانه لم يتحر عنه هل هو مكيل أو موزون وقد صرح الرافعي
والأصحاب بأنه مكيل فتلخص من هذا أن بيع الرائب بالرائب كيلا جائز جزما وبيع الرائب
بالحليب كيلا جائز وفيه احتمال للامام وعند الاحتمال في المسألتين في الرائب بالرائب وفى الرائب
166

بالحليب لما ذكرته من كلام الشافعي في اللبا والله أعلم. وما ذكره الامام من انعقاد اجزائه على
تساويه ومن تشبيهه بالحنطة الصلبة والرخوة ممنوع وقال ابن الرفعة اللبن الخاثر يظهر أن يكون
كالسمن الرائب قال وفي كلام الامام ما يدل على أنه يجوز كيله ووزنه وكأنه تبع الرافعي فيما فهم
من كلام الامام.
(فرع) يشترط في بيع الحليب بالجبن ان يكيله ولا رغوة فيه فلو كان فيه رغوة فيهما أو في أحدهما
لم يصح حتى يسكن للجهل بالتماثل وحقيقة التفاضل وهذا مستفاد من قول الشافعي في السلم انه إذا
اسلف فيه مكيل فليس له أن يكيله برغوته لا تزيد فليست بلبن يبقى بقاء اللبن مع أن بيع الحليب
وعليه الرغوة لا يجوز مطلقا كيلا نص عليه الصيمري في شرح الكفاية للجهل بالمقصود فاما وزنا فلا
بأس إذا كان بغير جنسه.
167

(فرع) قال القاضي حسين وصاحب التهذيب الهريد بالهريد لا يجوز لتأثر لنار فيه
(قلت) والهريد (1).
(فرع) ويجوز بيع الخاثر بالحليب والرائب والحامض أيضا لان التفاوت بين الخاثر وغيره
في الوزن والوزن لا اعتبار به لان المعيار فيه الكيل قاله الرافعي.
(فرع) قال الشافعي رضي الله عنه في الام لا خير في لبن مغلى بلبن على وجهه لان
الاغلاء ينقص اللبن ووافقه الشيخ أبو حامد والمحاملي ونصر المقدسي والبغوي ولو كان مسخنا من
غير غليان صح قاله الروياني.
(فرع) شرط جواز بيع هذا اللبن باللبن أن لا يكون فيه ماء فاما إذا كان فيه ماء فلا
يجوز بيعه بمثله ولا بالخالص بلا خلاف.

(1) بياض بالأصل فحرر
168

(فرع) إذا حمى اللبن قليلا بحيث لا تأخذ النار منه فلا يمنع بيع بعضه ببعض قاله
الشيخ أبو حامد ونصر ويجوز بيع لبن الغنم بلبن البقر متفاضلا على الصحيح. والمشهور أنها أجناس
وكذلك يجوز بيع أحد الصنفين بما يتخذ من لبن الصنف الآخر وقد تقدم التنبيه على ذلك فان
فرعنا على أن الألبان جنس فلا يباع أحدهما بالآخر إلا على الوجه المذكور فيما تقدم وممن صرح بذلك
هنا صاحب التهذيب.
169

قال المصنف رحمه الله تعالى.
(ولا يجوز بيع اللبن بما يتخذ منه من الزبد والسمن لان ذلك مستخرج منه فلا يجوز بيعه
به كالشيرج بالسمسم ولا يجوز بيعه بالمخيض لان المخيض لبن نزع منه الزبد والحليب لم ينزع منه
الزبد فإذا بيع أحدهما بالآخر تفاضل اللبان ولا يجوز بيعه بالشيراز واللبأ والجبن لان أجزاءها قد
انعقدت فلا يجوز بيعها باللبن كيلا لأنهما يتفاضلان ولا يجوز بيعها وزنا لان اللبن مكيل فلا يباع
بجنسه وزنا).
170

(الشرح) قال القاضي أبو الطيب الذي يتخذ من اللبن أحد عشر شيئا كذا في النسخة
وصوابه اثنى عشر الزبد والسمن والمخيض واللبأ والأقط والمصل والجبن والسيرار والدجنين والكشك
والطينح والكواميخ قالها القاضي أبو الطيب وغيره والكبح قاله القاضي حسين والقول الجملي أن
اللبن لا يجوز بيعه بما يتخذ منه من جميع ذلك وفى التفصيل مسائل فنوردها كما أوردها المصنف واحدة
واحدة (المسألة الأولى) بيع اللبن بالزبد قال الشافعي في المختصر ولا خير في زبد غنم بلبن غنم لان
171

الزبد شئ من اللبن وقال في الام معني ذلك وقد اتفق الأصحاب على هذا الحكم واختلفوا في تعليله
فالأكثرون على ما يشعر به كلام الشافعي ان الزبد شئ من اللبن يعني فإذا باعه باللبن واللبن مشتمل
على الزبد فيكون قد باع زبدا بزبد متفاضلا وقال أبو إسحاق لان في الزبد شيئا من اللبن يعني
فيكون بيع لبن بلبن متفاضلا قال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي والماوردي والتعليل
الأول هو الصحيح قال أبو الطيب ولم يذكر أبو إسحاق ذلك في الشرح وهو باطل ببيع اللبن باللبن
172

(فان قيل) فاللبن باللبن في كل منهما زبد فهلا امتنع (فالجواب) عنه كما قيل في بيع السمسم بالسمسم
وهو مذكور في مسالة بيع الشيرج بالسمسم فان الجواب مذكور عنهما معا كذلك ذكره الشيخ
أبو حامد (المسألة الثانية) بيع اللبن بالسمن لا يجوز لما تقدم من تعليل الشافعي وجزم به الأصحاب
منهم (1) والرافعي قال الشيخ أبو حامد والمحاملي وههنا يبطل تعليل أبى اسحق لأنه لو كان المعنى
ما ذكره لجاز ههنا وهذا الالتزام نزل على أن أبا إسحاق غير مخالف في ذلك قال المحاملي وكان يجب

(1) بياض بالأصل فحرر
173

أن يقول اسحق ههنا انه لا يجوز بيع اللبن بالسمن ولا خلاف على المذهب ان ذلك لا يجوز قال
الامام (فان قيل) قد ذكرتم ان اللبن في حكم جنس واحد لا اختلاط فيه فجوزوا بيع اللبن بالسمن بناء
على أن اللبن جنس واحد (قلنا) هذا فيه بعض الغموض من التعليل ولكنه متفق عليه وفى
معناه بيع السمسم بالشيرج مع تجويز بيع السمسم بالسمسم وأقصى الممكن فيه ان اللبن إذا قوبل
بالسمن فلا يمكن ان يجعل مخالفا للسمن فإنما يجانسه بما فيه من السمن لا بصورته وطعمه وإذا اعتبرنا
174

السمن أنتظم منه انه يبيع سمنا بسمن ومخيض فاما اللبن باللبن فيعتمد تجانس اللبن في صفته الناجزة
ولا ضرورة تحوج إلى تقدير تفريق الاجزاء (قلت) وهذا كما تقدم له في بيع السمن بالشيرج ولو
قال قائل ما الضرورة الداعية إلى تقدير تفريق الاجزاء عند مقابلة اللبن بالسمن والسمسم بالشيرج
لاحوج إلى جواب غير هذا (المسألة الثانية) بيع اللبن بالمخيض وهو الردغ الذي استخرج منه
الزبد جزم به الأصحاب لا يجوز لما تقدم من تعليل الشافعي والمصنف أفرده بالعلة التي ذكرها لأنه مستعبد
175

ان يقال إن المخيض متخذ من اللبن بل هو نفس اللبن نزع منه الزبد لا سيما على العلة التي ذكرها
في الزبد والسمن أنه مستخرج من اللبن وجمع بذلك بينه وبين الشيرج مع السمسم فان ذلك
لا يصح ان يقال في المخيض فلهذا أفرده وكذلك القاضي أبو الطيب صنع كما صنع المصنف وقال أيضا
ولأنه لا يجوز بيع الكسب بالسمسم وإن كان أبو إسحاق في بيع اللبن بالزبد لا يجعل للزبد الكامن
في اللبن حكما فيلزمه ان يجوز اللبن بالمخيض لانتفاء العلة التي ذكرها في اللبن بالزبد فيرد عليه
176

هنا كما ورد عليه في اللبن بالسمن (المسألة الرابعة) بيعه بالشيرازي وهو (1) واللبأ والجبن والعلة في
الثلاثة ما ذكره المصنف وكذلك علل القاضي أبو الطيب وزاد هو وأبو حامد ان الجبن إنفحة
وملح فيكون بيع لبن وشئ بلبن وزاد أبو حامد ان النار قد اخذت منه وفى معناها بيع اللبن بالأقط
قال الشافعي رضي الله عنه في الام ولا خير في لبن غنم باقط من قبل ان الاقط لبن معقود فإذا
بعت اللبن بالأقط أجزت اللبن باللبن مجولا ومتفاضلا أو جمعتهما معا فإذا اختلف اللبن والأقط فلا
باس وصرح به الأصحاب كذلك وكذلك الطينح الذي يتخذ من اللبن لان اجزاءه مفقودة ومخالطة
غيره فلا يجوز يبعها بحليب قاله أبو الطيب وفصل ابن الصباغ فقال إن لم تنعقد اجزاءه وإنما سخن فإنه
يجوز بيع بعضه ببعض كالعسل المصفى بالسمن أو النار الخفيفة وان طبخ حتى انعقدت اجزاءه أو اختلط
معه غيره لم يجز ورأيت في شرح الكفاية للصيمري أنه يجوز بيع الحليب باللبأ متفاضلا يدا بيد
والظاهر أن ذلك غلط في النسخة وكذلك الاقط لا يجوز بيعه باللبن للعلة التي ذكرها وعلل القاضي
الروياني امتناع بيع اللبن باللبأ بان أصله الكيل واللبأ المعول للآكل لا يكال لان النار عقدت

(1) بياض بالأصل فحرر
177

اجزاءه فيؤدى إلى التفاضل وعلل في ذلك بالباقي بالجبن والمصل وشبههما وكذلك المصل لا يجوز بيعه
باللبن للعلة المذكورة وفيه أصح ملح أيضا قاله أبو حامد وأبو الطيب والمحاملي والمصل ماء الاقط على المشهور
عصارة الاقط حين يطبخ ويعصر وقيل ماء اللبن النئ وقيل المخيض وكذلك الكشك لهذه العلة وما
فيه من الحشائش قاله أبو الطيب وهو قريب من الكشك الذي يعمل في بلادنا فإنه يدش القمح
ويعجن باللبن الحامض أو غيره ويصير ذلك من قاعدة مد عجوة وقد وقع في كلام الامام اطلاق
الكشك يعنى آخر شرحه ابن الرفعة بالقمح المهروش المزال عنه القشر فقط الذي يعمل منه طعام
القمحية وليس ذلك المراد هنا وقد تقدم الكلام على ذلك وانه لا يجوز بيع بعضه ببعض وعدم جواز
الجبن باللبن نص عليه الشافعي في باب بيع لآجال من الام ولأصحاب ومحله إذا كانا من جنس
واحد (فائدة) قال الأصمعي أو اللبنين اللبأ مقصور مهموز.
(فرع) جزم ابن أبي هريرة في التعليق بان الرائب بالزبد جائز قال لان ما فيه تابع.
(فرع) بيع الحليب بالحليب أو بغيره من الألبان إنما يجوز إذا لم يكن في واحد منهما ماء
178

قال أبو الطيب وغيره قال الشافعي في الام ولا خير في الحليب بالمضروب لان في المضروب ماء
فإن كان يطرح فيه بالضرب فهذا معنى اخر فلا يجوز بيع الدوغ بالحليب لا انه يؤدى لأنه يؤدى إلى تفاضل
اللبنين
وحملوا قول الشافعي على المخيض الذي طرح فيه ماء للضرب.
(تنبيه) بيع الشئ بما يتخذ منه يمتنع في جميع المطعومات لا اختصاص له باللبن جائز في الذهب
والفضة كالمداخل والصوابي المصبوغة نقل المحاملي هذا الأصل عن نصه في الصرف والفرق بينهما ان
الذهب والفضة إذا اتخذ منه مصوغ فان ذلك المتخذ لا يستحيل بالصياغة بل هو ذهب وفضة على
ما كان عليه وما يتخذ من المطعومات يستحيل عن صفنه فإذا بيع بأصله كيلا بكيلا حصل التفاضل
بالنسبة إلى حالة الادخار.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(واما بيع ما يتخذ منه بعضه ببعض فإنه ان باع السمن بالسمن جاز لأنه لا يخالطه غيره قال
الشافعي رحمه الله والوزن فيه أحوط وقال أبو إسحاق يباع كيلا لان أصله الكيل).
179

(الشرح) يجوز بيع السمن بالسمن وممن جزم به ابن أبي هريرة والشيخ أبو حامد والقاضي
أبو الطيب والمحاملي والماوردي وابن الصباغ والقاضي حسين والرافعي لما ذكره المصنف ولأنه لا يدخر
ولا يتأثر بالنار وأطلق كثيرون المسألة ولم يحكوا فيها خلافا وحكى الماوردي وجها ان الجامد لا يباع
بعضه ببعض لان أصله الكيل وهو متعذر في هذه الحالة وهذا الوجه مردود مخالف لاطلاق الشافعي
والأصحاب وصورة المسألة في السمن بالسمن من جنس واحد كسمن الغنم بسمن الغنم اما سمن الغنم
بسمن البقر فقد حكينا خلافا في كون الاسمان جنسا أو أجناس فعلى الأول الحكم كذلك وعلى الثاني
يجوز يدا بيد وهو الذي أورده الصيمري في شرح الكفاية أي وإن كان متفاضلا وإذا بيع السمن
بالسمن يباع وزنا على الصحيح ونص عليه الشافعي كما قاله المصنف وقد صرح الشافعي رحمه الله
في باب الاجتهاد من كتاب الرسالة ان السمن والعسل والزيت والسكر موزونات وقال أبو عبيد في غريب
الحديث ان السمن عند أهل المدينة بالوزن واستدل هو والشافعي على ذلك بأثر نقلاه عن عمر
رضي الله عنه.
180

(فرع) قال الشافعي رضي الله عنه في الام في باب جماع السلف في الوزن لا بأس أن
يسلف في شئ وزنا وإن كان يباع كيلا وإن كان يباع وزنا إذا كان لا يتجافى
في المكيال مثل الزيت الذي هو ذائب إن كان يباع في المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده وزنا
فلا بأس أن يسلف فيه كيلا وان يباع كيلا فلا بأس أن يسلف فيه وزنا ومثل السمن والعسل وما
أشبهه من الأدام فان قال قائل فكيف كان يباع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قلنا الله أعلم. أما
الذي أدركنا المتبايعين به عليه فاما ما قل منه فيباع كيلا والجملة الكبيرة تباع وزنا ودلالة الاخبار
على مثل ما أدركنا الناس عليه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا أكل سمنا ما دام السمن يباع
بالأواقي وتشبه الأواقي أن تكون كيلا انتهى كلام الشافعي رضي الله عنه وفى قوله وتشبه الأواقي أن
تكون كيلا نظر وقد قال الشافعي في الام في باب الآجال ما يمكن أن يتمسك بظاهره في أن السمن
مكيل فإنه قال ولا يجوز اللبن باللبن إلا مثلا بمثل كيلا بكيل يدا بيد وتكلم في أجناس الألبان
وأحكامها ثم قال بعد ذلك والسمن مثل اللبن فظاهره أنه مثله في جميع الأحكام المذكورة ومن جملتها
181

الكيل لكن تصريح الشافعي الذي تقدمت حكايته مقدم على هذا الظاهر ومبين أن ذلك غير عائد
إلى جميع ما تقدم في كلام الشافعي والله أعلم. وفصل القاضي حسين بين أن يكون ذائبا أو جامدا
فإن كان جامدا يباع وزنا وإن كان ذائبا يباع كيلا وتبعه على ذلك صاحب التهذيب والرافعي وقال إنه توسط
بين وجهين أطلقهما العراقيون فحكوا عن المنصوص أنه يوزن وعن أبي إسحاق أنه يكال واستحسنه
في الشرح الصغير والماوردي جزم في الذائب بالكيل وحكى في الجامد وجهين (أحدهما) لا يجوز
بيع بعضه ببعض لان أصله الكيل (والثاني) يجوزه وزنا لان الوزن أخصر والكيل فيه متعذر.
(فرع) قال الشافعي في الام ولا خير في سمن غنم بزبد غنم بحال لان السمن من الزبد
يقع متفاضلا أو مجهولا وهما مكيلان أو موزونان في الحال التي يتبايعان ومن صنف واحد (فائدة)
الاسمان أجناس مختلفة نص عليه الشافعي في الام في تفريع الزيت من العسل وقد تقدم قول صاحب
الرونق في حكاية القولين فيها وقال الروياني ان سمن الغنم وسمن البقر يجب أن يكونا على قولين
كالألبان والذي قاله الروياني متعين لأنا إذا قلنا الألبان من جنس واحد لزمه أن تكون الاسمان كذلك
182

للاتحاد في الاسم والأصل وقد تقدم عن الذخائر أن السمن مخالف لسائر الادهان فلا خلاف أي
سواء قلنا الادهان جنس أو أجناس والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله.
(فان باع الزبد ففيه وجهان (أحدهما) يجوز بيع السمن بالسمن واللبن باللبن
(والثاني) لا يجوز لان الزبد فيه لبن فيكون بيع لبن وزبد بلبن وزبد).
(الشرح) جزم الشيخ أبو حامد والمحاملي بأنه لا يجوز بيع الزبد بالزبد لما ذكره المصنف
في تعليل ذلك ولأنهما أيضا على غير حالة الادخار وجزم في تعليق الطبري عن ابن أبي هريرة
بالجواز وأبو الطيب حكى الوجهين كما حكاهما المصنف والصيمري وابن الصباغ والرافعي والقاضي حسين
والامام حكاية عن الصيدلاني فأحد الوجهين الجواز قال الماوردي وهو أصح عندي وبه قال
ابن أبي هريرة كما تقدم عن تعليقه لان ما في الزبد من بقايا اللبن غير مقصود فكان كالنوى في التمر
وبيع الحليب بالحليب وقال الفوراني والروياني ان قول المنع حكاه القاضي أبو حامد المروزي عن
183

الشافعي والأكثرون إنما حكوا ذلك وجهين والأصح عند الرافعي المنع لان ما فيه من المخيض يمنع المماثلة وهو قريب مما علل به المصنف وشبه الامام ذلك ببيع الشهد بالشهد فان صفات السمن لائحة
من الزبد كما العسل في الشهد بخلاف اللبن باللبن فإنه في مدرك الجنس كالجنس الواحد (فان قلت)
الرغوة التي في الزبد غير مقصودة (قلت) وان لم تكن مقصودة الا أنها تؤثر في التماثل والجنس متحد
فيصير كبيع حنطة بحنطة مشتملة على حبات من الشعير تؤثر في الكيل فان ذلك باطل وان لم تكن
الحبات من الشعير مقصودة لأجل اتحاد الجنس. والمراد بالزبد إذا كان من جنس واحد كزبد
الغنم بزبد الغنم فلو اختلف الجنس جاز قاله الصيمري وغيره وما في كل منهما من اللبن والرغوة غير
مقصود والمماثلة غير واجبة.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(وان باع المخيض بالمخيض نظرت فإن لم يطرح فيه الماء جاز لأنه بيع لبن بلبن وان طرح
فيه ماء للضرب لم يجز لتفاضل المائين وتفاضل اللبنين).
184

(الشرح) تقدم في كلام المصنف أن المخيض لبن نزع منه الزبد فلذلك لم يحتج إلى تقييده
بأن يكون منزوع الزبد فإذا كان زبده فيه لا يجوز بيعه فلا يباع بمثله ولا بزبد ولا سمن. أما
المنزوع الزبد وهو الدوغ فيباع بالزبد والسمن نص عليه الشافعي والأصحاب. وأما بيعه بمثله فإن لم
يكن فيه ماء جاز المماثلة جزم بذلك الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي وابن الصباغ
والرافعي والقاضي حسين ومال المتولي إلى المنع لأنه ليس على حالة الادخار ولا على حال كمال المنفعة
فليكن كبيع الدقيق بالدقيق فإنه مجهول التساوي حالة الكمال وان طرح فيه ماء للضرب وهو (1)
لم يجز جزم به أبو الطيب والقاضي حسين وصاحب التتمة وقال إنه لا خلاف فيه كما ذكره المصنف
وهو مقتضى كلام الرافعي ولا فرق فيما فيه ماء بين أن يباع بمثله أو بالخالص وممن صرح بذلك القاضي
حسين. واعلم أن الشافعي رضي الله عنه نص على أنه لا يجوز السلف في المخيض قال لأنه لا يكون مخيضا إلا
باخراج زبده وزبده لا يخرج إلا بالماء ولا يعرف المشترى كم فيه من الماء لخفاء الماء في اللبن انتهى. وهذا
الكلام من الشافعي يقتضى أنه لا يجوز بيع المخيض بالمخيض مطلقا فإن كان في المخيض ما يتصور
نزع الزبد منه بغير ماء صح كلام الأصحاب ولزم القول بجواز السلم فيه وكذلك أطلق الصيمري أنه
لا يجوز بيع المخيض بالمخيض لأجل الماء وكذلك قال الماوردي انه لا يجوز بيع بعضه ببعض إلا أن
طريق اخراج الزبد بغير ماء فيجوز بيعه بمثله فينزل كلام المصنف على ذلك.

(1) بياض بالأصل فحرر
185

(فرع) قال أبو الطيب وأما ما بعد ذلك من الألبان المعقودة فلا يجوز بيع بعضها ببعض
لكون بعضه أشد انعقادا من بعض ولمخالطة بعضه للملح والإنفحة (قلت) ويجب حمل ذلك على ما
إذا كان يؤثر في كيله كما ستعرفه عن قرب.
(فرع) دخول الماء في اللبن مانع لبيعه مطلقا بجنسه وبغيره للجهل والمقصود فان الماء في
اللبن غير مقصود ومقداره مجهول وممن نص على ذلك الصيمري في شرح الكفاية هكذا أطلقوه وينبغي
أن يحمل ذلك على ما هو الغالب من الجهل بمقدار الخليط أما لو شاهد البائع والمشتري اللبن والماء
وعلما مقدارهما ثم خلطاهما وتبايعا فلا مانع من الصحة إذا كان البيع بنقد أو أشبهه أما إذا كان البيع
بلبن مثله أو خالص فينبغي أن يقال إن كان الماء يسيرا بحيث لا يؤثر في المكيال جاز لان اللبن مكيل
كما تقدم مثله في الحنطة المشوبة بحبات يسيرة من الشعير إذا بيعت بمثلها وكذلك يقتضيه كلام ابن
الصباغ فإنه قيد المخالط من الماء والملح بكونه يؤثر في كيله وعليه يحمل اطلاق غيره وإن كان كثيرا فإن كان
اللبنان جنسا واحدا امتنع لقاعدة مد عجوة وإن كانا جنسين فسأفرد لهما فرعا هنا قريبا إن شاء الله
تعالى ولا اختصاص لهذا الكلام بالمخيض بل هو جار في الحليب وغيره من أنواع اللبن والمصنف
إنما تكلم فيه إلى المخيض لأنه الذي يخالطه الماء غالبا والله تعالى أعلم.
(فرع) لو باع المخيض بعد اخراج الزبد منه بالزبد أو السمن قال الشافعي في المختصر فلا
بأس وممن نص عليه من الأصحاب نصر.
186

(فرع) لو باع لبن غنم بلبن بقر وفرعنا على الصحيح في أنهما جنسان جاز متماثلا ومتفاضلا
بشرط التقابض فإن كان أحدهما أو كلاهما مشوبا بالماء وكان الماء مجهول المقدار لم يصح للجهل بالمقصود
وإن كان معلوما كما فرضته فيما تقدم فينبغي على قياس ما تقدم أن يقال إن كان الماء يسيرا غير مقصود
صح كبيع الحنطة بالشعير وفى كل منهما حبات من الآخر غير مقصودة ولا يعتبر بأثرها في الكيل
لاختلاف الجنس وإن كان كثيرا بحيث يقصد (فان قلنا) الماء مملوك ربوي لم يجز لقاعدة مد عجوة
(وان قلنا) مملوك غير ربوي تأتى فيه الطريقة التي ذكرها البغوي في الحلول من التخريج على القولين
في الجمع بين مختلفي الحكم لان اللبنين يشترط التقابض فيهما بخلاف الماءين (وان قلنا) الماء ليس بمملوك
أصلا فيأتي فيه ما مر في مسألة الخلول فليطالع التنبيه الذي هناك وكذلك يجوز أن يباع لبن الغنم
بزبد البقر وزبد الغنم بسمن البقر وسمن الغنم بسمن البقر يدا بيد قاله الصيمري وقد تقدم ذلك معرفا
في مواضعه.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(وان باع الجبن أو الاقط أو المصل أو اللبأ بعضه ببعض لم يجز لان أجزائها منعقدة ويختلف
انعقادها ولان فيها ما يخالطه الملح والإنفحة وذلك يمنع التماثل).
(الشرح) الأحكام المذكورة جزم بها الشيخ أبو حامد رأس العراقين والقاضي حسين
رأس المراوزة وغيرهما والثلاثة الأولى جزم بها المحاملي والرافعي والقاضي حسين والبغوي وعلة انعقاد أجزائه
187

بالنار شاملة لجميعها اللبأ وغيره وكذلك علة مخالطتها لغيرها ففي الجبن الإنفحة وفى الاقط الملح وفى
المصل الدقيق وأما اللبأ فليس فيه الا التأثر بالنار وكذلك حكى الامام عن شيخه انه ذكر ان
أثر النار قريب وهو مشبه بالسكر في المعقودات وكذلك قال الرافعي ان في بيع اللبأ
باللبأ وجهين كما في السكر بالسكر وما ذكره الامام في تفسير اللبأ يحتاج إلى قيد آخر وهو
أن يكون محلوبا عقيب الولادة بحسب ما نعرفه في بلادنا ولعل ذلك مراد الامام من قوله
أول الحلبة من الدرة الأولى ونقل العجلي عن صاحب المعتمد أنه قال لو دق المصل حتى أمكن
كيله يجب أن يجوز بيع بعضه ببعض وبالبن ولعل مراده بالمصل مالا دقيق فيه أما إذا فرض فيه
الدقيق فيتمتع ولا يتجه فيه الجواب والله أعلم. وفى البحر أن بيع المصل بالمصل إنما لا يجوز لأنه لا يمكن
كيلها فان دقا جميعا حتى أمكن الكيل يجب أن يجوز بيع بعضه ببعض وبيعه بالبن أيضا قال
وهذا عندي إذا لم يخالطه ملح فان خالطه ملح فلا يجوز على ما ذكرنا بلا خلاف وادعى الامام
الاتفاق على امتناع بيع الجبن بالجبن وقال الماوردي ان الجبن بالجبن لا يجوز واختلف أصحابنا في
العلة المانعة فقال ابن سريج لان أصله الكيل وهو معتذر وقال غيره لان فيه الإنفحة يجمد بها
تمنع من التماثل فعلى هذا لو دق الجبن حتى صار فتيا وصار ناعما جاز بيع بعضه ببعض على قول ابن
سريج لامكان كيله ولم يجز على قوله غيره لبقاء الإنفحة فيه والله أعلم. قال الامام وأجمع الأصحاب
188

على منع بيع الاقط بالأقط وذلك أنه إن كان مختلطا بملح كثير يظهر له مقدار التحق ببيع المختلط
وان لم يكن فيه ملح فهو معروض على النار وللنار فيه تأثير عظيم فيلتحق الكلام فيه بالمنعقد
ولم يفصلوا بين أن يكون عقده بالنار أو الشمس الحامية (قلت) إذا كان عقده بالشمس الحامية ولا
ملح فيه فقد تقدم عن الامام في العسل إذا شمس كذلك بشمس الحجاز وبحث وقال إن النار تؤثر
تأثيرا مستويا فهلا قال ذلك هنا وجوز على مساقه بيع بعضه ببعض كالعسل إلا أن يقول إن
الكلام هنا في المنعقد ولا فرق في سببه بين النار والشمس إذا وجد الانعقاد والكلام هنا في
التصفية بدون الانعقاد.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(وأما بيع نوع منه بنوع آخر فإنه ينظر فيه فان باع الزبد بالسمن لم يجز لان السمن
مستخرج من الزبد فلا يجوز بيعه بما استخرج منه كالشيرج بالسمسم وان باع المخيض بالسمن
فالمنصوص أنه يجوز لأنه ليس في أحدهما شئ من الآخر قال شيخنا القاضي أبو الطيب الطبري
رحمه الله هما كالجنسين فيجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا بلا خلاف وان باع الزبد بالمخيض
فالمنصوص أنه يجوز وقال أبو إسحاق لا يجوز لان في الزبد شيئا من المخيض فيكون بيع زبد
ومخيض بمخيض وهذا لا يصلح لان الذي فيه من المخيض لا يظهر الا بالتصفية والنار فلم يكن له
حكم وما سوى ذلك لا يجوز بيع نوع منه بنوع آخر لأنه يؤدى إلى التفاضل).
189

(الشرح) فيه مسائل (إحداها) بيع الزبد بالسمن قال الشافعي في المختصر ولا خير في سمن
غنم بزبد غنم واتفق الأصحاب على ذلك الصيمري والشيخ أبو الحامد وأبو الطيب والمحاملي وابن
الصباغ والماوردي والرافعي وغيرهم لما ذكره المصنف ولتحقق المفاضلة سبب ما فيه من اللبن هكذا
علله الرافعي ولك أن تقول قد تقدم أن السمن قليل فإذا كان اللبن المختلط بالزبد يسيرا بحيث
لا يؤثر في المكيال أشبه التراب المختلط بالحنطة فينبغي أن يجوز على هذه العلة (وأما) العلة الأولى
التي ذكرها المصنف فان السمن حاصل في الزبد بالقصد حصول الدقيق في الحنطة (وأما) الشيرج
فكامن في السمسم لا ظاهر ولذلك يجوز بيع السمسم بالسمسم فلا يصح أن يقال أن السمن
مستخرج من الزبد إلا أن يقال إن ذلك من باب الأولى (1) بما هو كامن فيه فلا يمتنع بما
هو ظاهر فيه أولى وهو صحيح (المسألة الثانية) السمن بالمخيض جزم الشيخ أبو حامد ونصر المقدسي
والمحاملي والماوردي وابن الصباغ والقاضي حسين بالجواز كما نقله المصنف عن النص ونقله أبو الطيب
عن كتاب الصرف والاملاء وعن المزني هنا وقد رأيته في الصرف في بيع الضمان ونقله المحاملي
عن المختصر وما أظن فيه خلافا وما نقله المصنف عن أبي الطيب لم أره في تعليقه وهو زيادة على
الحكم المنقول عن النص فإنه أطلق الجواز فيحتمل أن يكون المراد متفاضلا كما قال القاضي
أبو الطيب وكذلك ابن الصباغ وصاحب التهذيب ويحتمل أن يراعى شرط التماثل وهو بعيد قال

(1) بياض بالأصل فحرر
190

ابن الصباغ (فان قيل) أليس قلتم يجوز بيع الشيرج بالكسب وهما بمنزلة الجنسين (قلنا) الكسب لا ينفرد
عن الشيرج ولابد أن يبقى معه شئ بخلاف اللبن فان المخيض لا يبقى فيه سمن ذكره مع السمن
في باب بيع الآجال وادعى الامام اتفاق الأئمة عليه (المسألة الثالثة) الزبد بالمخيض المنصوص للشافعي
أنه يجوز وقال أبو إسحاق والشيخ أبو حامد لا يجوز لما ذكره المصنف فأما أبو إسحاق فإنه بناه على تعليله السابق
والشيخ أبو حامد لم يوافقه على ذلك التعليل فكيف وافقه على هذا الحكم هنا وفى الحر ان أبا حامد
قال أجاب الشافعي بهذا ظنا منه لا لبن في الزبد وليس كما ظن فان الزبد لا ينفك من اللبن فلا يجوز
وهذا قياس المذهب قال وأجاب أصحابنا بان الشافعي إنما قال ذلك إذا لم يكن فيه اللبن ظاهرا وذلك القدر
يسير لا يتبين الا بالنار والتصفية فلا حكم له وقال القفال المذهب ما نص عليه لان المقصود من
الزبد السمن والمخيض ليس من جنس السمن إذا كان منزوع الزبد فهما جنسان مختلفان وهكذا
ذكر القاضي الطبري فيجوز متفاضلا انتهى كلام الروياني وقال الروياني أيضا قال الشيخ أبو محمد
الجويني في المنهاج المخيض الذي في الزبد قليل فلا حكم له كما لو باع حنطة لا شعير فيها بحنطة فيها حبات
شعير قليلة قال وهذا خلاف ما ذكر القفال وهو الأصح وحكى أبو الطيب عن أبي إسحاق الموافقة
في بيع السمن بالمخيض لأنه لا لبن فيه قال أبو الطيب وهذا التعليل صحيح الا ان المذهب انه يجوز
البيع في الزبد أيضا لأنه لا حكم لذلك إليه إذا كان لا يتبين الا بالتصفية بالنار.
191

(فرع) إذا بيع الزبد بالمخيض فهما جنسان حتى يجوز التفاضل بينهما كما قال أبو الطيب
في السمن بالمخيض ويدلك على ذلك ردهم على أبى اسحق ولو كان الزبد والمخيض جنسا واحدا لم
يحتاجوا إلى أن يغتفروه لقلته ولم يتجه لأبي إسحاق ما قاله وليس ما قاله أبو الطيب مخالفة للنص ولا
للأصحاب بل زيادة بيان على ما أجملوه وكذلك قول صاحب التهذيب والله أعلم. وقال صاحب
التهذيب يجوز بيع المخيض بالزبد كبالسمن وإن كان في الزبد قليل مخيض وفى المخيض قليل زبد
لان المقصودين مختلفان في الجنس كبيع الحنطة بالشعير وفى أحدهما قليل قصل أو زوان (قلت) يعنى
ان التماثل ليس شرطا فالخلط وان منع التماثل فهو غير مقصود فلا يضر وقال امام الحرمين لا خلاف
أن المخيض والسمن جنسان مختلفان لتباين الصفات واختلاف الاسم والغرض فقد تبين أن ما قاله
أبو الطيب لا خلاف فيه وكذلك نبه عليه صاحب الوافي في شرح المهذب قال قال شيخنا لا خلاف
فيه أنه يجوز بيع السمن بالمخيض متفاضلا والقاضي أبو الطيب رحمه الله ذكر هذا اخبارا عن ذلك
لا انه مذهب له مخالف فيه غيره. وقول المصنف رحمه الله وما سوى ذلك إلى آخره كذلك هو في
تعليق القاضي أبى الطيب وملخصه أنه لا يجوز في هذا الفصل الا بيع السمن بالمخيض والزبد بالمخيض
خلافا لأبي إسحاق والشيخ أبى حامد ويدخل فيه مسائل صرح بها الشيخ أبو حامد والمحاملي
والماوردي والقاضي حسين (1) وهو أنه لا يجوز بيع شئ من تلاقط والجبن والمصل واللبأ بالآخر
قال المحاملي ولا بالزبد وبالسمن ولا بالمخيض. قال امام الحرمين والأصحاب لما جوزوا بيع

(1) بياض بالأصل فحرر
192

المخيض بالزبد لم يفرقوا بين القليل والكثير وإذا كثر الزبد فالرغوة قد تبلغ مبلغا يطلب مثله في
جنس المخيض ولكن المرعى في الباب أن ما يميز من الزبد في الغالب تبدد ولا يعنى بجمعه وان كثر
الزبد فهذا هو المعني بقول الأصحاب الرغوة غير مقصودة. قال الامام إذا امتنع بيع الاقط بالأقط
امتنع بيعه بالمصل فإنهما من المخيض لا يتفاوتان في الصفات تفاوتا يختلف الجنس به ويمتنع بيع
المخيض بالأقط والمصل كما يمتنع بيع العصير بالدبس وبيع الجبن بالأقط ممتنع قال الإمام قال العراقيون
الاقط والمخيض والمصل والجبن حنس واحد (أما) المخيض والأقط والمصل فكما ذكروه (وأما) الجبن
ففيه ما يجانس المخيض وهو كقول القائل اللبن والأقط جنس واحد والوجه أن يقال في اللبن
جنس الاقط (قلت) وهذه بالمشاحة في العبارة ومقصودهم ما ذكروه وأنه يمتنع بيع أحدهما بالآخر
والله أعلم.
(فرع) بيع جبن الغنم بجبن البقر قال ابن الرفعة يشبه أن يكون فيه مثل الخلاف في بيع
خبز القمح بخبز الشعير (إذا قلنا) الأدقة أجناس.
193

(فرع) إذا قلنا بأن الألبان جنس فباع سمن البقر بلبن الإبل فيكون حكمه وليس في
لبن الإبل سمن يتميز بالمخض والعلاج قال الامام الظاهر أنا لا نجعل لبن الإبل مشتملا على سمن
تقديرا حتى يخالف هو بمثابة سمن البقر ثم إذا كان كذلك فوراءه احتمال في أن سمن البقر
هل يخالف جنس لبن الإبل والتفريع على تجانس الألبان فالظاهر أنه خلافه فيجوز بيعه به متفاضلا
والسبب فيه انا حكمنا بتجانس الألبان لاجتماعهما في الاسم الخاص وقد زال هذا المعنى ولم يقدر في لبن
الإبل سمنا والعلم عند الله تعالى.
(فرع) قال الامام الإنفحة الوجه القطع بطهارتها لاجماع المسلمين على طهارة الجبن وهو
في الغالب لا يخلو عن الإنفحة والذي إليه إشارة الأصحاب ان الإنفحة جنس على حيالها مخالف للبن
وكل ما يتخذ منه ولست أدرى أنها من المطعومات وحدها كالملح حتى تعتبر المماثلة في بيع بعضها
ببعض أم ليست من المطعومات.
194

قال المصنف رحمه الله تعالى.
(ولا يجوز بيع حيوان يؤكل لحمه بلحمه لما روى سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال لا يباع حي بميت وروى ابن عباس رضي الله عنه أن جزورا نحرت على عهد أبى بكر رضي الله عنه
فجاء رجل بعناق فقال أعطوني بها لحما فقال أبو بكر لا يصلح هذا ولأنه جنس فيه الربا بيع بأصله
الذي فيه مثله فلم يجز كبيع الشيرج بالسمسم).
(الشرح) حديث سعيد بن المسيب رواه أبو داود من طريق الزهيري عن سعيد كما
ذكره المصنف ورواه مالك في الموطأ والشافعي عنه في المختصر والام وأبو داود أيضا من طريق
زيد ابن أسلم عن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان هذا لفظ الشافعي
عن مالك وأبى داود عن القعنبي عن مالك وكذلك هو في موطأ ابن وهب ورأيت في موطأ القعنبي
عن بيع الحيوان باللحم والمعنى واحد وكلا الحدثين أعني روايتي الزهري وزيد بن أسلم مرسل
195

ولم يسنده واحد عن سعيد وقد روى من طرق أخر (منها) عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى عن أن أتباع الشاة باللحم رواه الحاكم بالمستدرك وقال رواية عن أخرهم أئمة حفاظ
ثقات وقد احتج البخاري بالحسن عن سمرة وله شاهد مرسل في الموطأ هذا كلام الحاكم ورواه
البيهقي في سننه الكبير وقال هذا اسناد صحيح ومن أثبت سماع الحسن بن سمرة عده موصولا ومن
لم يثبته فهو مرسل جيد انضم إلى مرسل سعيد ومن سيذكر. (ومنها) عن سهل بن سعد قال نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع اللحم بالحيوان رواه الدارقطني وقال تفرد به ابن مروان عن
مالك بهذا الاسناد ولم يتابع عليه وصوابه في الموطأ عن ابن المسيب مرسلا وذكره البيهقي أيضا في
سننه الصغير وحكم بان ذلك من غلط يزيد بن مروان ويزيد المذكور تكلم فيه يحيى بن معين
وقال ابن عدي وليس هذا بذلك المعروف (ومنها) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه
وسلم نهى عن بيع الحيوان باللحم قال عبد الحق خرجه البزار في مسنده من رواية ثابت بن زهير
196

عن نافع وثابت رجل من أهل البصرة منكر الحديث لا يستقل به ذكره أبو حاتم الرازي (قلت)
وفى الأولين غنية عنه واما سماع الحسن من سمرة فقد قال الترمذي انه صحيح ونقل ذلك في جامعه
عن علي بن المديني وغيره عند حديثه في النهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وغيره من الأحاديث
وقال في بعض المواضع وقد تكلم بعض أهل الحديث في رواية الحسن عن سمرة وقالوا إنما تحدث
عن صحيفة سمرة وقال الخطابي والحسن عن صحيفة مختلف في اتصاله عند أهل الحديث وروى بسنده
عن يحيى بن معين قال الحسن عن صحيفة سمرة وقال في باب الشفعة وقال غير يحيى بن معين قال
الحسن عن سمرة حديث العقبة حسب وعن البيهقي أن أكثر الحفاظ لا يثبتون سماع الحسن من سمرة من
غير حديث العقبة وقال ابن عبد البر لا أعلم حديث النهى عن بيع الحيوان باللحم يتصل عن النبي
صلى الله عليه وسلم من وجه ثابت وأحسن أسانيده مرسل سعيد بن المسيب وكأن ابن عبد البر لم
يطلع على حديث سمرة هذا وكذلك ابن المنذر فإنه قال واخذ الشافعي رحمه الله بحديث مرسل لا يثبت
197

(فان قلت) قد روى الحسن عن سمرة حديث النهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ولم يقل به
الشافعي فإن كان صحيح سماع الحسن من سمرة فيلزمه القول بهما (قلت) النهى عن بيع الحيوان
بالحيوان نسيئة عارضه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص انه كان يأخذ البعير بالبعير إلى أجل
فلذلك لم يقل به الشافعي وهذا الحديث في النهى عن بيع الحيوان باللحم لم يعارضه معارض بل عضده
مراسيل وآثار وعمل أكثر أهل العلم ومع ثبوت حديث سمرة لا يحتاج إلى تكلف تقدير التمسك بالمرسل
ولكن الشافعي رضي الله عنه لما ذكر المرسل في ذلك توجه اعتراض من الخصم بسبب ما اشتهر عن الشافعي
أنه لا يحتج بالمرسل فلذلك يكلم الأصحاب في ذلك في هذا الموضع وملخص القول في ذلك أنه لا خلاف
في مذهب الشافعي رحمه الله أن المرسل غير محتج به في الجملة وابن عباس عن أبي بكر رواه الشافعي أيضا
في المختصر وقال الامام أنا ابن أبي يحيى عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس عن أبي بكر الصديق
رضي الله عنهما أنه كره بيع الحيوان باللحم نقلت ذلك من نسخة معتمدة من الام بخط كاتب
198

الوزير وروى الشافعي في الام في باب بيع الآجال عن مسلم وهو ابن خالد عن ابن جريج عن
القاسم ابن أبي برة قال قدمت المدينة فوجدت جزورا قد حذرت أجزاء كل جزء منها بعناق فأردت ان
ابتاع منها جزءا فقال لي رجل من أهل المدينة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع حي بميت
فسألت عن ذلك الرجل فأخبرت عنه خيرا. السائل عن الرجل هو القاسم بن أبي برة فيما أظن
أما (حكم المسألة) فقول المصنف مفروض في بيع الحيوان المأكول بجنسه كالبقر بلحم البقر والغنم
بلحم الغنم وما أشبه ذلك ولا خلاف عندنا في منعه نقدا ونسأ للآثار المتقدمة وهو قول أبى بكر الصديق
رضي الله عنه وأربعة من الفقهاء السبعة كما سيأتي ومذهب مالك والأوزاعي والليث بن سعد وأحمد
ونقله الروياني عن الثلاثة الباقين من الفقهاء السبعة أيضا وهم سليمان بن بشار وخارجة وعبيد الله بن
عبد الله فان صح ذلك فالسبعة قائلون به كذلك نقله العبدري عن الفقهاء السبعة خلافا لأبي حنيفة
وأبى يوسف مطلقا ولمحمد بن الحسن في قوله يجوز إذا كان اللحم أكثر من اللحم الذي في الحيوان فيكون
199

فاضل اللحم في مقابلة الجلد والعظم والى مذهب أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله مال المزني وأطلق
جماعة من الأصحاب منهم القاضي أبو الطيب نسبة الخلاف إليه وكذلك الروياني في الحلية ونقل عن
الماوردي وقال إنه القياس والاختيار وفى اختياره مخالفة لما عليه الأصحاب والشافعي رضى عنه وقال إن
الخبر محمول على التنزيه والارشاد وهذا مخالف لما حكيناه أنهم كانوا يعدون ذلك من تيسير الجاهلية
(فان قلت) اما أن يتمسكوا في ذلك بحديث الحسن عن سمرة أو بمرسل سعيد بن المسيب فان تمسكتم
بحديث سمرة فقد روى عن سمرة فليس حجة عند الشافعي وان تمسكتم بالمرسل بالمرسل فكذلك الأثر عن أبي
بكر (قلت) أما حديث سمرة في النهى عن بيع الحيوان بالحيوان فله معارض وهو حديث عبد الله بن
عمرو مع ما فيه من الكلام وكون جماعة رووه موقوفا فلذلك لم نقل به الشافعي وحمله ان صح على
النسيئة من الجانبين جمعا بينه وبين حديث عبد الله بن عمرو واما النهى عن بيع الحيوان باللحم هنا
فليس له معارض بل له ما يعضده من المراسيل والآثار وقول أكثر أهل العلم وأما الاعتراض بان
المرسل ليس بحجة فقد روى ذلك عن الشافعي قوله في المختصر قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر
200

وكان القاسم وابن المسيب وعروة بن الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن يحرمون بيع اللحم عاجلا وآجلا
يعظمون ذلك ولا يرخصون فيه قال وبهذا نأخذ كان اللحم مختلفا أو غير مختلف وارسال ابن المسيب عندنا
حسن فهذا قول الشافعي في المراسيل على الاطلاق واما مراسيل سعيد بن المسيب فالمنقول عن الشافعي انه
كان في القديم يحتج بها فاما في الام فإنه لم يقل بها ولكنه قال ما قال في المختصر في هذا الموضع وارسال
ابن المسيب عندنا حسن ونقل بعض الناس عنه أنه قال تتبعتها فوجدتها مسندة قال الخطيب البغدادي
في الكفاية ومذهب كثير من الفقهاء بخلاف ذلك حتى قال محمد بن جرير الطبري ان التابعين
بأسرهم اجمعوا على قبول المرسل ولم يأت عنهم انكاره ولا عن أحد من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين
فإنه تعرض بان الشافعي رضي الله عنه أول من أبى قبول المراسيل وقال أبو داود السجستاني قريبا من
ذلك في رسالته التي كتبها إلى أهل الأمصار في سبب كتابة السنن وأما المراسيل فقد كان يحتج
بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي حتى جاء الشافعي فتكلم فيه وتابعه
أحمد بن حنبل وغيره فيحتاج إلى أن يذكر تحرير مذهب الشافعي في ذلك فاعلم أن المشهور عن
الشافعي رحمه الله عدم قبول المرسل وهو قول أكثر الأئمة من حفاظ الحديث ونقاد الأثر على ما
قاله الخطيب البغدادي بل كلهم ما يشير إليه كلام أبى عمر بن عبد البر في التمهيد وممن وافق الشافعي
على ذلك أحمد بن حنبل في أحد قوليه وأبو زرعة الداري وأبو حاتم وابنه عبد الرحمن وممن قال به
مع الشافعي يحيى بن سعيد القطان ووفاته مقدمة على وفاة الشافعي واما قول أبى بكر رضي الله عنه
فقد أشار الشافعي إلى وجه الاحتجاج به بقولة في المختصر ولا نعلم أن أحدا من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم خالف في ذلك أبا بكر قال الشيخ أبو حامد والظاهر إذا نحرت جزور وحضرها
امام الوقت أن يكون هناك أناس كثيرون وقد قال هذا ولم ينكر عليه أحد فقد اعتضد هذا لمرسل
201

بحديث أسد من وجه وقول أبى بكر مع عدم مخالفة بقية الصحابة وفتيا أكثر أهل العلم ممن بعدهم فان
مالكا رحمه الله روى في الموطأ عن أبي الزناد وقال كل من أدركت من الناس ينهون عن بيع
الحيوان باللحم قال أبو الزناد وكان ذلك يكتب في عهود العمال في زمان أبان بن عثمان وهشام بن
إسماعيل ينهون عن ذلك وفى الموطأ عن سعيد بن المسيب قال كان ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم
بالشاة والشاتين وقال الشافعي رضي الله عنه في المختصر في هذا الموضع وارسال ابن المسيب عندنا
حسن وقال الامام الجليل عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب المراسيل في قول الشافعي رضي الله عنه
ليس المنقطع بشئ ما عدا منقطع ابن المسيب فلا بأس أن يعتبر به وكذلك الشيخ أبو حامد حمل قول الشافعي
في المختصر على ذلك وأنه يعتبر بها ولا تكون حجة وقال الحافظ أبو بكر الخطيب في كتاب الكفاية
في معرفة أصول الرواية ونقلته من خطه اختلف الفقهاء من أصحاب الشافعي في قوله هذا فمنهم من قال
أراد الشافعي به أن مرسل سعيد بن المسيب حجة وأنما فعل ذلك لان مراسيل سعيد تتبعت فوجدت
كلها مسانيد عن الصحابة من جهة غيره ومنهم من قال لا فرق بين مرسل سعيد ومرسل غيره من
التابعين وإنما رجح الشافعي والتراجيح بالمراسل صحيح وإن كان لا يجوز أن يحتج به على إثبات الحكم
قال الخطيب وهذا هو الصحيح من القولين عندنا لان في مراسيل سعيد ما لم يوجد مسندا بحال من
وجه يصح (قلت) وهذا القول هو الصحيح كما قال الخطيب وإنما يفعل الشافعي ذلك في كتاب الرسالة
وتلخيص ما قاله فيها أن المنقطع مختلف فمن شاهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التابعين
202

فحدث حديثا منقطعا عن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر عليه بأمور أن يسنده غيره من الحفاظ
المأمورين بمثل معنى ما روى أو موافقة مرسل غيره وهي أضعف من الأولى أو موافقة قول صحابي أو
أقوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روى فإذا وجدت الدلائل لصحة حديثه بما وصفت أحببت أن
يقبل مرسله ولا يستطيع أن يزعم أن الحجة تثبت به ثبوتها بالمتصل فاما من يعد من كبار التابعين
الذين كثرت مشاهدتهم لبعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أعلم واحدا منهم يقبل مرسله
واعلم أن في قول الشافعي أحببت أن يقبل فيه إشكال لأنه لا تخيير في إثبات الأحكام بل اما أن
يظهر موجبها فيجب أولا فيحرم فإن كان المرسل إذا اقترن به شئ من ذلك حجة وجب العمل به
وان لم يكن حجة حرم العمل به فيحتمل أن يكون مراده أنه لا تثبت الحجة به ثبوتها بالمتصل أي
لا يكون مثل المتصل وإن كانت الحجة به ثابتة وتظهر فائدة ذلك فيما إذا عارضه فيقدم المتصل
عليه ويحتمل أن يكون مراده أنه لا يجب العمل به لمجرد اقترانه بمرسل آخر أو قول صحابي أو فتيا
أكثر أهل العلم ولا يرد معها أو يطلب دليل آخر مجرد كما لم يرد أصلا بل يجب النظر في ذلك وفيما
يعارضه أو يوافقه من بقية الأدلة كالقياس وشبهه والعمل بما يترجح من الظن والله أعلم * وقال الماوردي
إنه حكي عن الشافعي أنه أخذ بمراسيل سعيد في القديم وجعلها بانفرادها حجة لأنه لم يرسل حديثا
إلا وجد مسندا ولا يروي اخبار الآحاد ولا يحدث الا بما سمعه من جماعة أو عضده قول الصحابة أو
رواه منتشرا عند الكافة أو وافقه فعل أهل العصر كونه إنما أخذ عن أكابر الصحابة ومراسيله سبرت
203

فكانت مأخوذة عن أبي هريرة ومذهب الشافعي في الجديد أن مرسل سعيد وغيره ليس بحجة
(قلت) وهذه الأمور التي ذكرها الماوردي رحمه الله من كون سعيد لا يروى اخبار الآحاد ووجدت
مراسيله كلها مسانيد فلا يحدث الا بما سمعه من جماعة أو معتضدا أو منتشرا أو موافقا
فعل أهل العصر وكون مراسيله كلها عرف أنها عن أبي هريرة رضي الله عنه لا دليل على شئ
من ذلك بل هي أمور ضعيفة لم يثبت شئ منها فلا يعرف بل قد روى سعيد في الصحيح
عن أبيه المسيب فالصحيح ما قاله الخطيب كما تقدم وهو الذي نسبه الماوردي إلى الجديد ثم ذكر
الماوردي أن المرجحات للمرسل التي إذا اعتضد به واحد منها صار هو مع (1) اعتضد به حجة
على الجديد أحد سبعة أشياء قياس أو قول صحابي أو فعل صحابي أو قول للأكثرين أو ينتشر في الناس
من غير دافع له أو يعمل به أهل العصر أولا توجد دلالة سواه (قلت) وقد تقدم في كلام الشافعي
المنقول من الرسالة أربع مرجحات (منها) موافقه قول صحابي أو أقوام من أهل العلم وهما في كلام
الماوردي (ومنها) اعتضاده بمسند أو مرسل آخر وليسا في الكلام الماوردي فإذا جمعت بين الكلامين
كانت المرجحات تسعة ثم في بعضها أو أكثرها مشاحة (منها) قول الماوردي إنه لا يوجد دليل سواه
كأن المرسل إذا لم يكن في نفسه دليلا ولم يوجد دليل سواه كان المسألة لا دليل فيها أصلا ولا يجوز
اثبات حكم بشئ لا يعتقده دليلا لأنا لم نجد غيره وان قيل إنه في هذه الحالة دليل وفى غيرها
ليس بدليل فيقول إنه في غير هذه الحالة إذا كان هناك دليل غيره فاما أن يكون موافقا أو مخالفا

(1) بياض بالأصل فحرر
204

إن كان موافقا فالحكم ثابت بلا اشكال ولا غرض في اسناده إلى المرسل مع ذلك الدليل وحده
أو إليه مع المرسل وإن كان مخالفا فاما أن يكون راجحا عليه أو مرجوحا فإن كان راجحا قدم على المرسل
مع القول بأنه حجة وإن كان مرجوحا لم يقدم عليه وحينئذ ينبغي لمن يعمل به عند الدليل مطلقا أن
يعمل به ههنا لرجحانه وهو يصير إلى أن المرسل حجة والتفريع على خلافه ولا ينفع التعلل بأنه حجة
ضعيفة في أن يدفع بأدنى معارض وإن كان مرجوحا لان ذلك بحث جدلي لا طائل تحته (وأما) اعتضاده بمسند
فإذا كان المسند صحيحا كان العمل به لا بالمرسل (وأما) اعتضاده بمرسل آخر فإذا لم يكن المرسل حجة لم يفد اقترانه بما
ليس بحجة وكذلك قول الصحابي وفعله وقول الأكثرين والانتشار (وأما) القياس فإن كان قياسا صحيحا فهو حجة
في نفسه غير مفتقر إلى المرسل ولا يصير المرسل به حجة كما لو اقترن بالقياس الصحيح قياس فاسد وإن كان
ذلك القياس لا يجوز التمثيل به لو أنفرد فقد انضم ما ليس بحجة وغاية ما يتخيل أن الشافعي لم يلاحظ
في ذلك الا قوة الظن فان المرسل يثير ظنا ضعيفا وليس كالقياس الفاسد وما لا يثير ظنا أصلا فإذا اقترن
المرسل المثير للظن بأمر مقوم للظن جاز أن ينتهى إلى حد يتمسك به ثم ذلك الحد ليس مما يضبط بعبارة
شاملة بل هو موكول إلى نظر المجتهد وههنا تتفاوت رتب العلماء وتفارق المجتهدين من سواهم من
الجامدين على أمور كلية يطردونها في كل ورد وصدر وإنما جمد على ذلك أكثر المتأخرين لبعدهم
عن التكيف بفهم نفس الشريعة والتمييز بين مراتب الظنون وما يقتضي نفس الشارع في اعتباره
والغاية وهذه رتبة عزيزة سبق إليها المتقدمون ولو حاول محاول ضبط ما يحصل من اجتماع تلك الأمور
205

بالموازنة بينه وبين الظن المستفاد من قياس صحيح واحد من أول درجات القياس أو خبر لذلك قياسا واه
اعتبر وما نقص عنه الغى لم يكن مبعدا لكنه ليس كمال المعنى المشار إليه بل هو غاية ما تحيط به
العبارة لمن يبغي ضبط ذلك بقواعد كلية ويؤتى الله تعالى وراء ذلك لبعض عباده من الفهم ما
يقصر عنه الوهم ومن جد وجد ومن ذاق أعتقد (ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور) واحتج
الأصحاب من جهة القياس بأنه جنس فيه الربا بيع بأصله الذي فيه منه فلم يجز كما لو بيع الشيرج
بالسمسم وكان الشيرج المفرد أقل من الذي في السمسم أو مثله فان الحنفية سلموا امتناعه في هذه الصورة
وهذا الاحتجاج إنما يستمر في بيع اللحم بحيوان من جنسه إذا فرعنا على أن اللحوم جنس واحد
أما إذا فرعنا على الصحيح إنها أجناس وباعه بغير جنسه فلا يستمر هذا الاحتجاج واحتجوا أيضا
بان اللحم جنس فيه الربا وهو على غير حاله كمال الادخار فلم يجز بيعه بأصله الذي فيه منه أصله بيع الدقيق
بالحنطة وليس الامتناع فيه لكون الدقيق الذي يحصل من الحنطة مجهول القدر بدليل أن الحنطة
بالحنطة وأحدهما أجود وأكثر دقيقا من الأخرى جائز وأن كان يؤدى في الثاني إلى عدم التساوي
وهذا كله على ما قررناه أن المرسل يعتبر به فلا يكون حجة بمجرده وقد قال الروياني ان الشافعي قال
في كتاب الرهن الصغير من الام وارسال ابن المسيب عندنا حجة وقد نظرت في كتاب الرهون الصغير
من الام فلم أجد ذلك صريحا لكن فيه ما يدل عليه دلالة قوية ويمكن تأويله بتعسف على القول
الأول فإنه ذكر حديث سعيد بن المسيب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يعلف الزبير
من صاحبه الذي له غنمه وعليه غرمه) ثم ذكر من اعترض عليه فقال كيف قبلتم عن
206

ابن المسيب منقطعا ولم تقبلوه عن غيره فأجاب فقال قلنا لا يحفظ أن ابن المسيب رواه منقطعا إلا
وجدنا ما يدل على تشديده ولا أثره عن أحد فيما عرفنا عنه الا ثقة معروف فمن كان بمثل حاله قبلنا
منقطعه ورأينا غيره يسمى المجهول ويسمى من يرغب عن الرواية عنه ويرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم
وعن بعض من لم يلق من أصحابه المستنكر الذي لا يوجد له شئ يسدده ففرقنا بينهم لافتراق
أحاديثهم ولم نحاب أحدا ولكنا قلنا في ذلك بالدلالة البينة على ما وصفنا من صحة روايته ثم ذكر
الشافعي رواية من جهة يحيى بن أبي أنيسة إلى سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
بمثل ذلك ثم قال الشافعي بعد ذلك فالسنة ثابتة عندنا والله أعلم. بما قلنا وليس مع السنة حجة
ولا فيها الا اتباعا مع أنها أصح الأقاويل مبتدأ ومخرجا فهذا ما رأيته في كتاب الرهن الصغير وهو قوى
الدلالة على أن الحجة قائمة بذلك وتأويله ممكن على بعد وليس كما توهمه بعض الضعفاء من أنه
تتبعها فوجدها مسندة فيكون الاحتجاج بالمسند فان ذلك توهم ان الاسناد حاصل عنده في هذا
المرسل بعينه وليس كذلك بل لما كان حال صاحبها أنه لا يروى الا مسندا عن ثقة حمل هذا المرسل
على ما عرف من عادته فيحتج به لذلك وأشار ابن الرفعة إلى أن الرهن الصغير من القديم وإن كان من
كتب الام وتعلق في ذلك بان الماوردي وغيره قالوا عند الكلام في آجال الراهن وعتقه انه من
القديم قال وكذلك نسب الماوردي هنا قبول رواية ابن المسيب إلى القديم. قال المزني إذا لم
يثبت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالقياس عندي أنه جائز وذلك أنه إذا كان فصيلا
بجزور قائمين جاز ولا يجوز مذبوحين لأنهما طعامان لا يحلان الا مثلا بمثل وهذا اللحم وهذا حيوان
207

فهما مختلفان فلا بأس به في القياس إن كان فيه قول متقدم ممن يكون لقوله اختلاف الا أن
يكون الحديث ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنأخذ به وندع القياس. وقد قال المزني
في هذا الكلام إلى الجواز بشرطين أحدهما أن لا يكون الحديث ثابتا عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم والثاني أن يكون فيه قول متقدم يعني مخالف لأبي بكر وقد احتج المجوزون أيضا بأنه
لو كان فيها الربا لعسر كالدراهم مع الطعام جاز بلا خلاف فينبغي أن تكون مسألتنا وليس في الحيوان
ربا أجوز ويقاس ذلك على بيع اللحم بالثوب وبالجلد وبأنه لاعتبار باللحم الذي في الحيوان بدليل
جواز بيع الحيوان بالحيوان ولو أعتبر لما جاز ولكان يجوز بيعه بالدراهم أيضا لأنه غير مذكى فيكون
في معنى الميتة فلما أجمعوا على جواز بيعه دل على اعتباره. وقول المزني بمن يكون لقوله
اختلاف قال ابن داود يكون معناه ممن يعد خلافه خلافا حتى يثبت الاختلاف بقوله والجواب عن الأول
أن الحديث قد ثبت اعتمادا على تصحيح الحاكم والبيهقي وعن القياس على الثوب أن الثوب والجلد كل
منهما ليس بربوي ولا فيه ربوي والحيوان فيه ربوي وهو الملح والجلد فيشبه قشر الفستق يجوز بيعه بلب
الفستق ولا يحوز بيع الفستق في قشره بلبه وعن قولهم إن اللحم في الحيوان لا يعتبر ان ذلك إذا بيع بغير اللحم
أما إذا بيع باللحم فإنه يعتبر كالسمسم بالشيرج وذكر الأصحاب أسئلة يمكن أن نوردها من جهة الخصم
وأجوبتها (منها) حمل النهى على الكراهة وأجاب عنه بأن أبا حنيفة رضي الله عنه لا يقول بالكراهة على
أن النهى المطلق للتحريم (ومنها) لعل المراد بالحيوان الذي ذبح ولم يسلخ جلده وحينئذ لا يجوز بيعه باللحم
وأجاب الشيخ أبو حامد بأنه لا ينطلق عليه اسم حيوان (ومنها) على أثر أبى بكر رضي الله عنه حمل العناق
208

على المذبوحة وقد تقدم جوابه (ومنها) حمله على أن الحزور كانت للمساكين فنحرت لتفرق عليهم فلا يجوز
بيعها وأجابوا عنه بأنه خلاف الظاهر من قول ابن عباس فإنه يقتضى تعليق الحكم على ذلك الوصف
المذكور وعن قول أبى بكر هذا لا يصلح ولم يقل لا يجوز بيع هذا اللحم ولو كانت من إبل الصدقة لم
يخف أمرها على الناس وأنه لا يحوز بيعها وقد اعترض القاضي حسين على الخصم بأن المرسل عنده
حجة وهندنا هل المرسل حجة فقد اتفقنا على قبول هذا الحديث والعمل به (تنبيه) قول المصنف
بلحم ظاهره ليس بمراد وإنما المراد بلحم مثله فالمماثلة اما أن تكون مطلقا فيكون المراد بلحم حيوان
من جنسه واما أن يكون المراد المماثلة في الوصف الذي ذكره وهو كون يؤكل فيكون المراد بلحم
حيوان مأكول وهذا هو الظاهر من مراد المصنف فإنه لم يذكره بعد ذلك الا بيعه بغير المأكول
وحينئذ يندرج في قول المصنف صورتان (إحداهما) بيعه بحيوان يؤكل من جنسه وهو ممتنع بلا خلاف
عندنا كلحم الجزور بجزور ولحم شاة بشاة وما أشبه ذلك (الصورة الثانية) بيعه بجنس آخر من الحيوانات
المأكولة مثل لحم الجزور بالشاة (ان قلنا) اللحمان صنف واحد لم يجز قولا واحدا (وان قلنا) أصناف
فطريقان (إحداهما) لا يجوز قولا واحدا والى ذلك ذهب صاحب الافصاح فيما حكاه الروياني وهي
209

الصواب لما سنذكره (والثانية) فيها قولان حكاهما القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والفوراني والرافعي (أصحهما)
لا يجوز لعموم السنة (والثاني) يجوز لعدم الربا فيه وقاسه الرافعي على بيع اللحم باللحم وذكر أن ذلك
مذهب مالك وأحمد وقال الروياني في البحر وهو الصحيح وليس كما قال (تنبيه) قال صاحب
الذخائر أن هذا التفصيل لا يصح لأنه لا خلاف أن الحيوان أجناس وأنما الخلاف فيه إذا صار لحما لشمول
اسم اللحم للجميع وإذا كان لحم وحيوان يختلف أصل الجنس فلا يجوز أن يقال الجميع جنس واحد
فيكون على قولين من غير تفصيل. والشيخ أبو حامد جزم بالجواز قال فيما علق عنه سليم وينبغي
أن يكون غير جائز لان الاجماع الذي ذكرناه هو في هذا يعنى أثر أبى بكر رضي الله عنه وسكوت
الباقين والله أعلم بالصواب * وهذا الذي قاله الشيخ أبو حامد متعين وهو الذي جزم به في التهذيب
وهو نص الشافعي صريحا في الام قال ولا يباع اللحم بالحيوان على أي حال كان من صنفه أو من غير
210

صنفه ولا ينبغي التردد في ذلك على أصل الشافعي فيه فان المرسل على أصل الشافعي لا يعمل به وحده وإنما
عمل به لاعتضاده بأثر أبي بكر رضي الله عنه وإنما اعتضد به في بيع اللحم في المأكول من غير جنسه لكنا
نعديه إلى منعه بالحيوان من جنسه بطريق الأولى فلا يحسن أن يخرج مورد الأثر الذي
يقويه الاعتضاد.
(فرع) بيع اللحم بالسمك الحي فيه وجهان في الحاوي وغيره (أحدهما) لا يجوز لأنه بيع
اللحم بالحيوان (قلت) وهو قول ابن أبي هريرة (والثاني) يجوز لان حي السمك في حكم ميته (قلت)
فإذا كان في حكم ميته فينبغي أن يكون في حكم اللحم باللحم (ان قلنا) انه من جنسه لم يجز والا جاز
والروياني جعل الوجهين تفريعا على قوله السمك ليس من جنس اللحم (فان قلنا) من جنسه (1) (والثاني)
أنه يجوز لعدم الربا وقال الماوردي في جواز بيع الحيوان بالسمك وجهين من اختلاف أصحابنا في السمك
هل هو صنف من اللحم أو لا.
(فرع) بيع الحيوان بالسمك يجوز لأنه لا يسمى لحما على الاطلاق قال الماوردي فيه وجهان
من اختلاف أصحابنا في السمك هل هو صنف من اللحم أولا قال الروياني اختيار الماسرخسي (ان قلنا)
السمك (2) وقال القاضي أبو الطيب ان قلنا من سائر اللحوم لم يجز (وان قلنا) جنس آخر فقولان (قلت)

(1) بياض بالأصل فحرر
(2) كذا بالأصل فحرر
211

ومرادهما بذلك والله أعلم السمك الميت فلو باع حيوانا بسمك حي فينبغي أن يبني على الوجهين
السابقين ان راعينا أن حي السمك في حكم ميته فيكون كما لو باع حيوانا بلحم سمك فيجرى فيه الخلاف
الذي حكاه أبو الطيب والماوردي وان جعلنا السمك الحي كالحيوان صار ذلك كبيع حيوان بحيوان وهو
جائز وصورها الرافعي والقاضي حسين في لحم السمك بالشاة وهو أبين فإنه قد يتوقف اللحم على السمكة
الكاملة وإن كانت ميتة والأقرب اطلاقه عليه كالحيوان المذبوح وقال إن الأصح البطلان قال
القاضي حسين في ذلك (ان قلنا) إن السمك يسمى لحما فان راعينا الخبر لم يجز وان راعينا المعنى
يخرج على الوجهين يعنى في اختلاف الجنس (وان قلنا) السمك لا يسمى لحما جاز سواء راعينا الخبر
أو المعنى وهذا ترتيب حسن أعني ما سلكه القاضي حسين وحينئذ فان القول بالجواز قول ابن أبي
هريرة فال لأنه لا يطلق عليه لحم أي لا يدخل السمك في اسم اللحم على ما تقدم والمراد بذلك والله
أعلم ما قال أبو الطيب وقال ابن الصباغ ان باع لحما بسمكة حية أو لحم السمك بحيوان حي (فأن قلنا)
انه من جملة اللحوم كان كلحم غنم ببقر والا فقولان لوقوع اسم اللحم والحيوان عليه.
212

(فرع) بيع اللحم بالعظم جائز قاله الماوردي وكذلك اللبن بالحيوان قالة الماوردي وأيضا قال
في اللباب وأورد الماوردي على نفسه بأن الماوردي على نفسه بأن اللبن يسمى لحما روى أن نبيا شكى إلى الله تعالى الضعف
فأوحي إليه أن كل اللحم باللحم يعنى اللحم باللبن وقال الشاعر
يطعمها اللحم إذا عز الشجر * والخيل في إطعامها اللحم ضرر
يعنى أنه يطعمها اللبن عند عزة المرعى وأجاب بأن تسمية العرب اللبن لحما استعارة ومجاز لا حقيقة
ألا ترى أنه يجوز بيع اللحم باللبن متفاضلا ولا يحنث باللبن إذا حاف على اللحم.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(وفى بيع اللحم بحيوان لا يؤكل قولان (أحدهما) لا يجوز للخبر (والثاني) يجوز لأنه ليس فيه
مثله فجاز بيعه كاللحم بالثوب).
(الشرح) القولان حكاهما الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والماوردي وابن الصباغ والرافعي
والقفال والفوراني وصرح المحاملي انه منصوص عليهما وذكر الشيخ أبو حامد فيما علق عنه البندنيجي
أن قول المنع منصوص عليه في الصرف قال المحاملي في المجموع القياس الجواز وقال القفال في شرح
التلخيص ان قول الجواز قاله الربيع وان قول المنع هو الصحيح وكذلك قال البغوي في التعذيب ان الأصح
213

المنصوص في أكثر الكتب لا يجوز الخبر الظاهر (قلت) قوله إنه المنصوص في أكثر الكتب يعنى كتب
الشافعي وقد رأيت ذلك منصوصا في الام (1) من بيع الآجال قال الشافعي رحمه الله سواء كان يؤكل
لحمه أو لا يؤكل وقال الرافعي أصحهما عند القفال المنع لظاهر الخبر وقال في الشرح الصغير رجح منهما المنع
إشارة إلى ترجيح القفال وهو الذي جزم به الصيمري في شرح الكفاية والقول الثاني مذهب مالك
وأحمد وقال ابن أبي عصرون في الانتصار والجرجاني في الشافي أنه أصح القولين أعني الصحة وجزم
له في غيره من كتبه قال الشافعي رضي الله عنه في البويطي في باب حبل الحبلة ولا بأس من أن
يباع ما لا يؤكل لحمه من الاحياء باللحم الموضوع ثم قال فيه أيضا وقد قيل ولا يباع لحم بحيوان
مما يؤكل ومما لا يؤكل دليل ترجيحه وبين القولين ما ذكره المصنف والظاهر أن مراده به الخبر الذي
قدمته وفى الاستدلال به لذلك نظر لان المتقدم خبر سعيد المرسل على أثر أبي بكر وتقدم أن الشافعي
لا يحتج بالمرسل وإنما احتج بذلك لاعتضاده بالأثر والذي عضده الأثر فيه إنما هو في بيع العناق بلحم
الجزور وهما مما يؤكل لحمهما فتبقى دلالة المرسل على غير المأكول مجردة عما يعضدها ولا بعد في أن
يتمسك بدليل في بعض مدلوله تعاضد مثل ذلك في حديث عروة البارقي وشرائه الشاتين بدينار وبيعة
إحداهما بدينار وعمل في الحكم الموافق للقياس دون المخالف له لما كان مرسلا كما بين ذلك في

(1) بياض بالأصل فحرر
214

موضعه الا أنا نقول إن الاعتضاد وان امتنع بالأثر فهو حاصل بأمور أخرى (منها) قول أكثر أهل
العلم وانتشاره في الناس من غير دافع والقياس الذي تقدم في كلام الأصحاب فلهذا يصح التمسك بالخبر
على ما تمهد أولا وان ورد عليه ما ذكرته هناك فهو وارد عن الاعتضاد بالأكثر ولا يمكن التمسك
في ذلك بحديث سمرة ولو ثبت اتصاله وصحته لأنه إنما ورد في بيع الشاة باللحم مأكولة فليس
في لفظه عموم يدخل تحته الحيوان غير المأكول وقد يقال إن أثر أبى بكر عضده في منع بيعه بالمأكول
وإن كان من غير جنسه والمعنى الذي قد يتخيل في ذلك من جهة الربا مندفع باختلاف الجنس ولم
يظهر معنى آخر يعلل به فكان التمسك بعموم الخبر أولى وقال الشيخ أبو حامد يكون المعنى في ذلك
أنه حي بميت وعلى هذا المعنى أيضا يتعدى إلى غير المأكول لكن لا يظهر لهذا الوصف معنى مخيل وقال
الشيخ أبو حامد فيما علق عنه البندنيجي أن الاقيس الجواز وبالمنع جزم ابن سراقة في العلتين وبما يتبع حمله
وقال الماوردي إن القول الأول قال به من أصحابنا من زعم أن دليل المسألة اتباع السنة (والثاني) قال به من
أصحابنا من زعم أن دليل المسألة (وأعلم) أن تقدير هذا الأصل الذي أشار الماوردي من المهمات
فعليه تبتنى هذه المسألة وغيرها وبنى القاضي حسين على هذا الأصل الذي ذكره الماوردي الخلاف في بيع الشاة
بلحم البقر إذا قلنا إنها أجناس مختلفة وقد حكى الماوردي فيه طريقين لأصحابنا ولا ينبغي أن يفهم من قولنا الأصل
فيها اتباع القياس أن لا دليل في المسألة غير القياس بل المراد أن الحكم المذكور هل هو معقول المعنى والخبر
215

فيه على قياس أو هو تعبد يستند فيه إلى اتباع السنة فقط من غير ملاحظة معنى ومن فروع
ذلك أنا إن جعلناه تعبدا امتنع قياس غيره عليه والا أجاز ولابد هنا من ملاحظة أصل آخر وهو أن
النص العام إذا استنبط منه معنى يخصصه هل يجوز فان الخبر هام في المأكول وغيره والمعنى المستنبط
وهو ملاحظة الربا يقتضى تخصيصه بالمأكول وقد أشتهر في ذلك خلاف في المذهب وله نظائر (منها)
لمس ذوات المحارم داخل في عموم الآية والمعنى يقتضى إخراجه وسأذكر ذلك في آخر الكلام إن شاء الله
تعالى.
(فرع) لا يباع ما لا يؤكل لحمه بالشاة المذبوحة والطير المذبوح لأنه في حكم الغائب نص عليه
في البويطي ولا اختصاص له بذلك صرح الأصحاب بأنه لا يجوز بيع اللحم في الجلد مطلقا قبل السلخ
ولا الجلد أيضا ولو باع اللحم مع الجلد قال القاضي حسين في باب بيع الثمار الصحيح أنه لا يجوز قال
وبيع الأكارع يجوز لان المقاطع معلومة وبيع رأسها إن كان متدليا بجلدة رقيقة جاز وإن كان هناك
لحم كثير لم يجز لان المقاطع غير معلومة.
(فرع) بيع السمك الحي بالسمك الحي هل يجوز أم لا (ان قلنا) يحل ابتلاع السمك
حيا في حال صغره فلا يجوز (وأن قلنا) لا يحل فيجوز كما يجوز بيع الغنم بالغنم قاله يعقوب بن عبد الرحمن
ابن أبي عصرون في مجموعه.
(فرع) على القول الأول لا يجوز بيع لحم ببغل ولا بحمار ولا بعبد لا فرق في ذلك بين
العبد والبهيمة قاله أبو حامد وأبو الطيب والصيمري وغيرهم.
216

(فرع) لو باع شحم الغنم بحوت حي لم يجز قالة الصيمري وهو يوافق ما تقدم أن بيع
اللحم بالحوت الحي لا يجوز وعند ابن أبي هريرة أن الشحم كاللحم على الأصح.
(فرع) في بيع الشحم والألية والطحال والقلب والكبد والرئة بالحيوان وبيع السنام
بالإبل وجهان حكاهما الماوردي والرافعي (أحدهما) يجوز لان النهى في بيع اللحم بالحيوان (وأصحهما)
عند الرافعي المنع لأنه في معناه هكذا قال الرافعي وجزم صاحب التهذيب بالمنع في السنام والألية ولم
يذكر غيرهما قال الماوردي وهما مخرجان من القولين في أن أصل المسألة اتباع السنة أو القياس ففي الأول
يجوز وعلى الثاني لا يجوز لان الشحم وجميع هذه الأشياء في الحيوان وعلى هذا الأصل الذي قاله
الماوردي ينبغي أن يكون الصحيح جواز بيع هذه الأشياء بالحيوان لأن الصحيح في المسألة أتباع
السنة فلذلك كان الأصح منع بيع اللحم غير المأكول فالجمع بين تصحيح المنع في غير
المأكول والمنع في هذه الأشياء متضاد (قلت) تصحيح امتناع بيع اللحم بغير المأكول لا يدل على
كون الصحيح من المدركين التعبد بل نقول إن الحكم معقول المعنى ولكن فرق بين الحاق غير
المنصوص عليه بالمنصوص وبين إخراج بعض المنصوص عليه فان الأول قياس محض يعتبر فيه وجود
شرائط القياس لا غير (وأما الثاني) فهو تخصيص العموم بالقياس وقد تجد معنى مخيلا يمكن إحالة
الحكم عليه والقياس به لا ينهض في القوة إلى حيث يخص العموم فان دلالة العموم على أفراده
217

ظاهرة قوية بما هو أقوى منها بخلاف اثبات الحكم في محل مسكوت عنه لا معارض للمعنى
فيه فيتبع اللحم بغير المأكول تعارض فيه ظاهر العموم والمعنى المستنبط فتمسكنا بظاهر. وبيع الشحم
ونحوه بالحيوان وجد فيه المعنى بدون معارض فلذلك اعمل المعنى فيه وليس تنصيص الشارع على
اللحم نافيا لغيره لان تعليق الحكم بالاسم لا يدل على نفيه عما عداه وقال وعلى هذا الخلاف بيع الجلد
بالحيوان ان لم يكن مدبوغا وإن كان مدبوغا فلا منع وجزم الماوردي بجواز بيع اللحم بالجلد وأطلق وحكاه
الروياني عنه لأنه لا ربا في الجلد ثم قال الروياني وقيل في غير المذبوح وجهان وقال غير الحاوي إنه يجوز
بيعه بالعظم أيضا وجها واحدا وقال القاضي حسين ان باع جلد المذبوح من الشاة أو الوبر منه بالشاة ان راعينا
الخبر يجوز وان راعينا المعنى فوجهان (أحدهما) لا يجوز لأنه مال ربا (والثاني) يجوز لأنه ليس بمأكول
بدليل أنه يباح أكله (قلت) هذا كلام عجيب (وقوله) بدليل انه يباح أكله أعجب (وقوله) في الوبر
أعجب فان الجلد ان أمكن تمشية كونه ربويا ففرضه في جلد يؤكل والوبر كيف يمكن تمشية ذلك
فيه وقد تقدم اعتراض النووي على الرافعي اعتذاري عنه وذلك العذر لا يأتي ههنا والله أعلم. قال القاضي
فاما إذا باع جلد المذكاة بالشاة ان راعينا الخبر يجوز وأن راعينا المعنى فوجهان أولى بأن
218

لا يجوز بعد ذلك رأيت هذا الذي قلته في تعليق القاضي حسين قال إن راعينا الخبر لم يجز وان راعينا
المعنى (فان قلنا) السمك يسمى لحما وانه مع لحوم البرية صنف لم يجز والا جاز.
(فرع) قال الروياني انه لو اشترى الحيوان بالرأس والكراع لم يجز بحال قاله الروياني وهو
مشكل لأنه إذا كانت الرأس والكراع من غير جنس اللحم كان بيعها بالحيوان كبيع الشحم بالحيوان
وسائر الاجزاء المتقدمة وقد حكي هو وغيره فيها وجهين فما وجه الجزم في الرأس والكراع إلا أن
نقول إن فيها لحما فإنه يؤيد ما قدمته من البحث هنا فليراجع. ولو باع الألية بالمعز قال القاضي حسين
ان راعينا الخبر الصحيح أنه يجوز وان راعينا المعنى فهو مثله وفيه وجه آخر لا يجوز (إذا قلنا) الألية مع
اللحم جنس واحد وان باع الألية بالضأن ان راعينا الخبر فالصحيح أنه يجوز وان راعينا المعنى لا يجوز
قاله القاضي حسين وان باع الألية بالألية واللحم فيصير من قاعدة مد عجوة قاله القاضي حسين (قاعدة)
وهي التي وعدت بذكرها في آخر الكلام قال الامام الذي يجب التنبه له في مضمون هذا الباب
وأمثاله أن من الأصول ما يستند إلى الخبر أو إلى ظاهر القرآن ولكن ليس القياس يتطرق إليه من طريقة
الشريعة فلا يمنع التصرف في ظاهر القرآن والسنة بالأقيسة الجلية إذا كان التنزيل متسعا لا ينبو
219

نظر المنصف عنه والشرط في ذلك أن يكون صدر القياس من غير الأصل الذي فيه وأورد الظاهر
فإن لم يتجه قياس من غير مورد الظاهر لم يجز إزالة الظاهر بمعنى يستنبط منه يضمن تخصيصه وقصره
على بعض المسميات فأما مالا يتطرق إليه معنى مستمر صائر إلى السير فالأصل فيه التعلق بالظاهر وينزل
منزلة الوصف ولكن قد يلوح مع هذا مقصود الشارع بجهة من الجهات فيتعين النظر إليه وهذا له
أمثلة (منها) آية الملامسة ترد ونص الشافعي في لمس المحارم من جهة التعليل لا جريان له في الاحداث
الناقضة وما لا يجرى القياس فيه إثباته فلا يكاد يجرى في نفيه الشافعي رضي الله عنه إلى اتباع
اسم النساء وأصح قولية أن الطهارة لا تنتقض لان ذكر الملامسة المضافة إلى النساء مع سياق الاحداث
يشعر بلمس اللواتي يقصدن باللمس فإن لم يتجه معنى صحيح دلت القرينة على التخصيص ومن هذا
القبيل قوله صلى الله عليه وسلم (ليس للقاتل من الميراث شئ) فالحرمان لا سبيل فيه للتعليل كما ذكرنا في الخلاف
وإذا نسند مسلك التعليل اقتضى الحال المتعلق باللفظ فردد الشافعي نصه في القتل قصاصا فوجه الحرمان
التعلق بالظاهر مع حسم التعليل ووجه التوريث التطلع على مقصود الشارع وليس يخفى أن مقصوده
مضادة غرض المستعجل والذي نحن فيه من بيع اللحم بالحيوان خارج عن هذا القانون فمن عمم
220

تعلق بقول الشارع ومن فصل تشوف إلى درك مقصوده وهو أن في الحيوان لحما ومن تمسك بظاهر
اللفظ نقل ترتب كلامه فيقرب بعض المراتب ويبعد بعضها فالقتل قصاصا أقرب قليلا والقتل حدا سيما
إذا ثبت باقرار من عليه الحد بعيد ومن هذا القبيل منع بيع اللحم بالعبد ولو ادعى العلم في أن هذا
ليس مراد الشارع لم يكن بعيدا هذا آخر كلام الامام (فائدة) قوله في بعض ألفاظ الحديث
لا يباع حي بميت الميت في اللغة من فارقته الحياة فيشمل المذبوح وفى الشرع من مات حتف أنفه
ولكنه لما قوبل بالحي تعين أن المراد به المعنى الأول وأيضا فان الميت لا يباع بحي ولا بغيره
والله تعالى أعلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(ويجوز بيع اللحم بجنسه إذا تناهى جفافه ونزع منه العظم لأنه يدخر على هذه الصفة فجاز
بيع بعضه ببعض كالتمر وهل يجوز بيع بعضه ببعض قبل نزع العظم فيه وجهان قال أبو سعيد
الإصطخري يجوز كما يجوز بيع التمر بالتمر وفيه النوى ومن أصحابنا من قال لا يجوز كما لا يجوز بيع
العسل الذي فيه شمع بعضه ببعض ويخالف النوى في التمر فان فيه مصلحة له وليس في ترك العظم
في اللحم مصلحة له)
221

(الشرح) تقدم الكلام في أنه يجوز بيع اللحم الطري بالطري وشرع المصنف الآن
يذكر حكمه إذا جف وجواز بيعه جافا وأشترط التناهي في الجفاف متفق عليه بين الشافعي والأصحاب
وفسر الشافعي رحمه الله في الام انتهاء جفافه بأن يملح ويسيل ماؤه قال فذلك انتهاء جفوفه فإذا
انتهى بيع رطل برطل وزنا بوزن يدا بيد من صنف وقد تقدم شئ من كلام الشافعي هذا وجواز
بيع بعضه ببعض إذا نزع منه العظم لا خلاف فيه بين الأصحاب وممن نفى الخلاف فيه أبو الطيب
والروياني وفرقوا بينه وبين التمر إذا نزع منه النوى حيث لا يجوز على أحد الوجهين بأن التمر إذا نزع
منه النوى يتجافى في المكيال فلا يمكن اعتبار التماثل فيه بخلاف اللحم فان اعتبار التماثل فيه إذا نزع
منه العظم يكون أمكن وبأن بقاء النوى في التمر مصلحته وبقاء العظم في اللحم مفسد لأنه
يتغير بما في العظم من المخ فلا يصل إليه الملح ثم إن كثيرا من الأصحاب أطلقوا الجواز في ذلك
واستثنى القاضي حسين والرافعي من ذلك أن يكون في اللحمين أو أحدهما من الملح ما يظهر في
الوقت فإنه يمنع من بيع بعضه ببعض قال القاضي حسين إن كانا مملحين بالملح بأن ينثر عليهما الملح
أو شئ من الكزبرة أو غيره فإنه لا يجوز وان صب عليه ماء الملح فحينئذ يجوز. أما بيع بعضه ببعض
غير منزوع العظم فالوجهان حكاهما الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي والماوردي وابن الصباغ
222

والقاضي حسين والفوراني ونصر المقدسي وآخرون كما حكاهما المصنف وعزا القاضي أبو الطيب المنع
إلى أبى اسحق المروزي مع نقله الجواز عن الإصطخري وزعم الروياني أن القاضي الطبري نسب الجواز
إلى أكثر الأصحاب ولم أجد ذلك في تعليقه فليحمل ذلك على الوهم لان أكثر الأصحاب على خلافه
والله أعلم. والتوجيه مذكور في الكتاب قال القاضي حسين بل بقاء العظم يزيده فسادا (والأصح)
أنه لا يجوز وممن صرح بتصحيحه الماوردي في الحاوي ونصر المقدسي والروياني وقالوا إنه المذهب
والرافعي وقال إنه الأظهر عند الأكثرين وقال الامام ان إليه مثل الأكثرين وخالف صاحب
التهذيب فقال إن الأصح أنه يجوز على خلاف ما قال أبو إسحاق ولا يرد على صاحب التهذيب
جزم بأنه لا يجوز بيع التمر المنزوع بغير المنزوع ولا بمثله لان له أن يقول إن المنع هناك لخروجه بالنزع
عن حالة الكمال واللحم المقدد كامل سواء نزع منه العظم أم لم ينزع وممن وافق صاحب التهذيب
على تصحيح الجواز في ذلك الجرجاني في الشافي وقاسه على بيع التمر مع النوى وقد فرق بأن بقاء
النوى من مصلحة التمر وليس بقاء العظم من مصلحة اللحم كذلك وهذا إنما جره القول بالجواز (وأما)
بيع الجاف بالطري فقد تقدم أنه لا يجوز.
223

(فرع) إذا قلنا بالجواز إذا لم يكن منزوع العظم قال الرافعي فيجوز بيع الفخذ بالجنب ولا نظر
إلى تفاوت أقدار العظام كتفاوت النوى وقال الامام يجب ان يمتنع بيع العضو الذي يجئ منه مقدار صالح من
اللحم بعضو لم يقطع من لحمه شئ فان العظم الباقي في العضو لا يحتمل فان قل المقدار المقطوع بحيث لا يبالي
به فلا بأس وجزم صاحب التهذيب بأنه لو استخرج العظم من أحدهما ثم بيع بما فيه العظم لا يجوز.
(فرع) ما ذكره من بيع اللحم باللحم شرطه أن لا يكون عليه جلد أما لو كان عليه جلد قال
الماوردي إن كان غليظا لا يؤكل معه منع من بيعه باللحم أي لأنه يصير من بيع لحم بلحم مع جهل
المماثلة وإن كان رقيقا يؤكل كجلود الحداء والدجاج فوجهان كالعظم ولحوم الحيتان لا يجوز بيع
الصنف الواحد منها بعضه ببعض طريا ولا نديا ولا مملوحا لان الملح يمنع المماثلة ولكن يباع بعضه ببعض
إذا بلغ غاية يبسه غير مملوح فاما إذا اختلف جنسها فيجوز طريا ويابسا ومملوحا.
(فرع) قال الروياني وكذلك لا يجوز بيع الحوت بعضه طريا ولا نديا ولا مملحا ولكن
يجوز إذا بلغ غاية يبسه غير مملح.
(فرع) لو ضم عظما من عضو آخر إلى لحم وباعه بلحم آخر فيه عظم أولا عظم فيه لا يجوز
بلا خلاف قاله الروياني في البحر كما لو ضم النوى إلى تمر وباع بتمر لا يجوز.
224

قال المصنف رحمه الله تعالى.
(ولا يجوز بيع بيض الدجاج بدجاجة في جوفها بيض لأنه جنس فيه ربا بيع بما فيه مثله فلم
يجز كبيع اللحم بالحيوان).
(الشرح) الحكم المذكور جزم فيه القاضي وأبو الطيب وابن الصباغ والروياني ونقلوه عن الأصحاب
وقالوا انه لا يجوز قولا واحدا ومن المعلوم أن ذلك مفرع على القول الجديد وأن الربا يجري في البيض
. قال الماوردي ان المسألة على قولين مخرجين من اختلاف قوليه في الحمل هل يكون تبعا أو يأخذ
قسطا من الثمن لان البيض كالحمل (فان قيل) ان الحمل تبع جاز بيع الدجاجة التي فيها بيض بالبيض
(وان قلنا) ان الحمل يأخذ قسطا من الثمن لم يجز لان بيع البيض بالتبع لا يجوز على قوله الجديد وقال
الروياني علل والدي رحمه الله القول الأول بأنه كالمستهلك ما دام في جوفها وحكى صاحب التتمة
أيضا وجهين لان النهى ورد عن اللحم بالحيوان وليس هذا داخلا فيه قال ويخالف اللبن لان اللبن
225

يمكن حلبه في الحال والبيض لا يمكن فلا يقابله بالعوض كالحمل في البطن على أحد القولين فوافق
الماوردي فيما ذكره الا في تعبيره عن الخلاف بالوجهين وسوى الرافعي بين بيع البيض بالدجاج وبيع
اللبن بالشاة وبيع البيض بالدجاج الخالي عن البيض جائز وبياض البيض وصفاره جنس واحد
لا يجوز بيع بعضه ببعض قاله الروياني. وقول المصنف بيض الدجاج تنبيه على أن البيض جائز وهو الذي
قاله الصيمري وجعله كالألبان لأنه يفارق بائضه حيا وقد قال الرافعي بيض الطيور أجناس ان جعلنا اللحوم
أجناسا وان جعلناها واحدا فهي أجناس أيضا الخلاف كذلك
وجزم بأن بيض الطير ليس صنفا من لحمه وحكي الوجهين في أن بيض السمك هل هو نوع من لحم
السمك لأنه لا يؤكل معه حيا وميتا وقد تقدم ذلك عند الكلام في أن اللحوم جنس أو أجناس. وتقييد
المصنف بقوله في جوفها بيض يفهم أنه إذا لم يكن في جوفها بيض يجوز بيعها ببيض الدجاج وهو
226

كقولك ببيع الشاه التي لا لبن فيها وكذلك أطلق الرافعي رحمه الله أن بيع البيض بالدجاجة
كبيع اللبن بالشاة فيفهم من جميع تلك التفاصيل من غير حاجة إلى إعادة مثلها وكذلك جزم صاحب
التهذيب وصاحب التتمة بجواز بيع البيضة بالدجاج الذي ليس في جوفه بيض قال صاحب التهذيب
لان البيضة لم تكن حية فارقها وقصد بذلك الفرق بينها وبين اللحم حيث يمتنع بيعه بالحيوان.
(فروع) نختم بها باب الربا الهيلج والبليج والاملج والقمونها وسائر الأدوية ربوية بلا خلاف
على المذهب لأنها مطعوم مكيل أو موزون وطعمها لرد الصحة كما أن طعم غيرها لحفظ الصحة وفى التتمة
حكاية وجه في السقمونيا وكل ما يهلك كثيره ويستعمل قليله والطين الأرمني ربوي على الصحيح
خلافا لابن كج والخراساني ليس ربويا خلافا للشيخ أبى محمد نقله عنه الرافعي وحكم السير في حكم
الخراساني قاله المحاملي والطفل المصري ليس بربوي قاله نصر وغيره.
227

(فرع) قال القاضي أبو الطيب في الجواب عن اعتراض المالكية وقولهم إن كل شئ
له طعم قال إنا لا نعتبر حاله وإنما نعتبر ما يطعم غالبا. والاعتبار في الطعم بما يعد له في حال الاعتدال
والرفاهية دون سني الأزم والمجاعة قاله في مختصر النهاية.
(فرع) الربا يجرى في دار الحرب جريانه في دار الاسلام وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف
ومحمد بن الحسن وعن أبي حنيفة أن الربا في دار الحرب إنما يجرى بين المسلمين المهاجرين فاما بين
الحربيين وبين مسلمين لم يهاجرا أو أحداهما فلا ربا وقال إن الذميين إذا تعاقدا عقد الربا في دار الاسلام
فسخ عليهما فالاعتبار عنده بالدار وعندنا الاعتبار بالعاقد فإذا أربى الذي في بلاد الاسلام مع الذمي
لم يفسخ كذا قال القفال في شرح التلخيص قال وهكذا سائر البياعات الفاسدة والله أعلم. واحتج
أبو حنيفة رضي الله عنه بحديث مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا ربا بين مسلم وحربي في
دار الحرب) وبأن أموال أهل الحرب مباحة للمسلم بغير عقد فالعقد أولى ودليلنا عموم الأدلة المحرمة
للربا فلان كل ما كان حراما في دار الاسلام كان حراما في دار الشرك كسائر الفواحش والمعاصي ولأنه
228

عقد فاسد فلا تستباح به العقود عليه كالنكاح (قلت) وهذا الاستدلال إن كان أبو حنيفة يوافق
على فساده وأما حديث (1) فمرسل ان صح الاسناد إلى مكحول ثم هو محتمل لأن يكون نهيا فيكون
المقصود به تحريم الربا بين المسلم والحربي كما بين المسلمين واعتضد هذا الاحتمال بالعمومات وأما استباحة
أموالهم إذا دخل إليهم بأمان فممنوعة فكذا بعقد فاسد ولو فرض ارتفاع الأمان لم يصح الاستدلال
لان الحربي إذا دخل دار السلام يستباح ماله بغير عقد ولا يستباح بعقد فاسد ثم ليس كل ما استبيح
بغير عقد استبيح بعقد فاسد كالفروج تستباح بالسبي ولا تستباح بالعقد الفاسد. ومما استدلوا به على
أنه لا ربا في دار الحرب ان العباس بن عبد المطلب كان مسلما قبل فتح مكة فان الحجاج بن غلاط
لما قدم مكة عند فتح خيبر واجتمع به في القصة الطويلة المشهورة دل كلام العباس على أنه مسلم
حينئذ ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح (وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب)
فدخل في ذلك الربا الذي من بعد اسلامه إلى فتح مكة فلو كان الربا الذي بين المسلم والحربي موضوعا

(1) كذا بالأصل فحرر
229

لكان ربا العباس موضعا يوم أسلم (والجواب) أن العباس كان له ربا في الجاهلية من قبل اسلامه
فيكفي حمل اللفظ عليه وليس ثم دليل على أنه بعد اسلامه أستمر على الربا ولو أسلم استمراره عليه لأنه
قد لا يكون عالما بتحريمه فأراد النبي صلى الله عليه وسلم انشاء هذه القاعدة وتقريرها من يومئذ.
(فرع) جريان الربا فيما ليس بمقدر من المطعومات على القول الجديد اختلف أصحابنا هل
ثبت الربا بعلة الأصل أو بعلة الاشتباه فمن متقدمي أصحابنا من قال إنما جعل الشافعي فيه الربا بعلة
الاشتباه لأنه قال وإنما حرمنا غير ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المأكول المكيل والموزون
لأنه في معنى ما سمى فجعل في المكيل والموزون الربا بعد الأصل ثم قال بعد هذا وما خرج من
المكيل والموزون من المأكول والمشروب فقياسه على ما يؤكل ويكال أولى من قياسه على مالا
يكال ولا يؤكل فجعله ملتحقا بالأصل من حيث الشبه وقال آخرون بل بعلة الأصل وإنما قال الشافعي
ما احتج به الأولون ترجيحا للعلة (قلت) وهذا الذي قاله الآخرون هو الحق وهو مراد الشافعي
230

إن شاء الله ومقصوده بذلك بيان أن المأكول الموزون لا يقاس على الذهب والفضة بعلة
الوزن بل يقاس على المأكول المكيل فيكون الوزن ليس بعلة وذلك ظاهر لمن تأمله
من نصه المذكور في باب الآجال في الصرف وقد صرح في باب بيع الطعام بالطعام بأن
في معنى ما جاءت به السنة كل مكيل ومشروب بيع عددا والله أعلم. وهذان القولان حكاهما
الماوردي وقال الروياني قال الماسرخسي قال بعض أصحابنا ما رجع الشافعي رضي الله عنه عن علته في
القديم وأنما ألحق المطعومات من المعدودات بها من طريق عليه الشبه المسألة على قول واحد فأفاد
كلام الروياني أن الأولين يقولون بعدم رجوع الشافعي عن علته في القديم بل ألحق بها شئ آخر
والله أعلم وقد يعتضدون في ذلك بما يقول الشافعي في المختصر عقيب مذهب ابن المسيب وهذا
صحيح والظاهر أن ذلك من الجديد لان المزني لم يذكر في هذا الباب ان فيه شيئا من القديم وقول
ابن المسيب يشترط الكيل والوزن وقال ابن داود في الشرح المختصر مجيبا عن ذلك أن الشافعي رضى
231

الله عنه ما دام يجد زيادة تقريب واجتماع في المعاني بين الأصل والفرع قال بذلك وحيث
عدم الكيل والوزن قال بعلة الطعم العام ان وجده في مثل الأدوية وغيرها قال بالطعم
في الجملة على هذا التدريج (قلت) وهذا كلام فاسد ولا يلزم عليه التعليل بعلل مختلفة لمن تأمله والله
أعلم ونظيره ما قاله القاضي حسين ان المطعومات المكيلة مقيسة على الأربعة ثم نقيس المطعومات
الموزونة على المطعومات المكيلة والموزونات ثم نقيس المطعومات النادرة على المطعومات العامة التي
ليست بموزونة ولا مكيلة وإنما رتبنا هذا الترتيب لان الشئ إنما يقاس بالشئ إذا كان بينهما مشابهة
كثيرة أو مشابهة بأخص أوصافه إذا القياس تشبيه وتمثيل فنقيس المكيلات غير المنصوص عليها
لأنها تشبهها في جميع الوجوه ثم نقيس عليها الموازنات لأنها تشبهها في أن كلا منها مقدر شرعا وعلى
هذا القياس (فان قلت) وهذا الكلام الذي نقلتموه عن القاضي حسين وغيره يقتضى جواز القياس
على الأصل الثابت بالقياس منه المعنى الذي يثبت به ويقاس غيره عليه وهل يجوز أن يستنبط
فهل يجوز ذلك وليس ذلك مما نحن فيه (قلت) قال المصنف في اللمع أنه لا خلاف أنه يجوز أن يستنبط
منه معنى غير المعنى الذي قيس به على غيره ويقاس عليه غيره مثل قياس الأرز على البر بعلة الطعم
232

ثم يستنبط من الأرز أنه لا ينقطع الماء عنه فيقاس عليه النيلوفر فيه وجهان (من أصحابنا) من قال يجوز
(ومنهم) من قال لا يجوز وهو قول أبى الحسن الكرخي وقد بصرت في التبصرة جواز ذلك والذي
يصح عندي أنه لا يجوز هذا الذي قاله المصنف وهو الصواب وأطلق الإمام أبو علي عبد الله بن الخطيب
المنع من غير تفصيل قال لان العلة التي يلحق بها الأصل القريب بالأصل البعيد إن كانت هي التي
يلحق بها الفرع بالأصل القريب أمكن رد الفرع إلى الأصل البعيد فيصير القريب
لغوا وإن كانت غيرها لزم تعليل الأصل القريب بعلتين (أحدهما) عديمة الأثر وهي التي ليست
موجودة في الأصل البعيد ويمتنع التعليل سواء جوزنا التعليل بعلتين مستنبطين أولا وهذا الذي قاله
صحيح في القسم الثاني ويصلح أن يكون مقويا لما أختاره المصنف من الوجهين فأما القسم الأول فهو مثال
ما نحن فيه وقد نقل المصنف أنه لا خلاف فيه وقول أبى عبد الله بن الخطيب ان ذكر القريب يكون لغوا ممنوع
بل ذلك لقوة التقارب بينهما الذي هو المقصود في القياس فان ما بين المطعوم النادر الذي لا يكال ولا يوزن وبين
المطعوم غالبا لمكيل أو الموزون أبعد مما بينه وبين المطعوم العام الذي لا يكال ولا يوزن فكان الحاقه به أولى
نعم ما قاله
أبن الخطيب يقرر في حق المناظر الذي يقصد دفع خصمه بأقرب الطرق وما قلناه أقرب الطرق إلى طريقة
المناظر الذي يقصد تحقيق الأشياء وتقريب المأخذ مما أمكن والله تعالى أعلم. ثم ليس في كلام الشافعي
233

وابن داود الشارح له ما يقتضى ورود هذا السؤال عليه بل مقتضاه أنه الحق القريب من المنصوص
عليه به ثم الحق البعيد بهما لا بالثابت بالقياس وحده فان هذه العلل ليست منصوصة ولكنها مستنبطة
والمستنبط لا يدعي العبور على العلة قطعا فالحاق المطعوم المكيل بالمنصوص عليه لاشك أنه أقوى وأشد
شبها فيكون الظن الحاصل بثبوت الحكم فيه أتم والمطعوم غير المكيل قار فيه وصف يمكن أن يكون معتبرا
وإن كان قد ترجح خلافه فكذلك بعد نعم لو كانت العلة منصوصة لم يكن لهذا الترتيب معنى بل
حيث وجدت العلة المنصوصة الحق بالمحل المنصوص فيه والله عز وجل أعلم. (فائدة) قال
الروياني قيل حد ما يجرى فيه الربا كل ما يباح تناوله على الاطلاق على هيئة ما يقصد تناوله تغذيا
أو ائتداما أو تفكها أو تداويا وأنما اعتبرنا هذه الجهات الأربع لأنها تقصد لنفع البدن.
(فرع) ما يأكله بنو أدم والبهائم جميعا قال الماوردي الواجب أن يعتبر أغلب حاليه
فإن كان الأغلب أكل الآدميين ففيه الربا كالشعير وإن كان الأغلب أكل البهائم فلا قال الروياني
كالرطبة وان استوت حالتاه فقد اختلف فيه أصحابنا على وجهين (الصحيح) أن فيه الربا ولا ربما فيما
تأكله البهائم كالقرط والنوى والحشيش.
234

(فرع) لا ربا في الريحان والنيلوفر والنرجس والورد والبنفسج الا أن يذيب شئ منها بالسكر
أو العسل ولا في العود والصندل والكافور والمسك والعنبر ولا العصفر والحناء ولا في القرطم عند الصيمري
ولا في آس واذخر والخضروات التي تؤكل في الربيع ويثبت الربا في الأترج والليمون والنارنج واللبان
والعلك والمصطكي وفيه وجه في المجر قال وهو الأقيس واللوز والمر والحبة الخضراء والبلوط والقثاء وحب
الحنظل والهيلج والبيلج والشراملج قاله الصيمري والدخن الجاروس والخردل والشونيز والشهرابح
والبطم والزنجبيل المربى والسقمونيا وجه حكاه الروياني إنها ليست بربوية والطربون والجزر والثوم
والبصل والدآه والهنسل وفى السقمونيا ونحوه وفى ماء الورد والزعفران والقرطم وحب الكتان
والصمغ وبزر الجزر والبصل والفجل والسلجم والماء والأدهان المطببة والبرد ودهن السمك
وصغار السمك قاله ابن يونس والطين الذي يؤكل تفكها وهو الأرمني وفى كلام الامام بعض ميل
إلى أن دهن السمك مطعوم فيه واستشكل قول العراقيين أنه ليس بربوي
مع قولهم إن دهن البنفسج ربوي فلم ينظروا إلى العادة في انصرافه عن الطعم قال وهذا غامض عليهم
قال والوجه عندنا تخريج من هذا الفرع على الخلاف فإنه متردد بين الأصل المأكول وبين الانصراف
عن الأصل لغرض العادة قال الامام ان منعنا بلع السمكة حية فليس السمك مال ربا وان جوزنا بلعها فقد
235

تردد شيخي فيها قال الامام والوجه القطع بأنه لا ربا فيها لأنها لا تعد لهذا وفرق صاحب التهذيب بين الصغار
والكبار فان الصغار هي التي تبتلع فلذلك قصر ابن عبد السلام في الغاية الخلاف عليها وجزم في الكبار بأنها ليست
بربوية وهو مفهوم كلام الامام وجزم صاحب التتمة في السمك الصغير إذا جوزنا ابتلاعه وفى الجراد الحي بجريان
الربا فيهما قال الروياني وكذلك جرادة بجرادة يعني فيه وجهان قال ورأيت في الحاوي ما يدل على الوجهين في
السمك الكبار أيضا لان حي السمك في حكم ميته وفى الزعفران وجهان (أصحهما) كما رأيته في الحاوي في القرطم
وحب الكتان أنه ربوي وكذلك في البذور الأربعة وفى ماء الزنجيل وجهان في البحر ونقل في البحر
عن الحاوي أن الأصح لا ربا في القرطم وحب الكتان وفى الزنجبيل قال في البحر وعندي الأصح في
حب الكتان جريان الربا لأنه يؤكل عادة وليست (1) وقال في البحر الأظهر أن الصمغ ربوي
قال الصيمري لا ربا في دهن القرطم والقرع والبان والمحلب ولآس لان أصولها لا ربا فيها (قلت)
أما القرطم فقد تقدم عن الماوردي أن الأصح كونه ربويا (وأما) القرع فإنه مأكول فالذي ينبغي
القطع بأنه ربوي على الجديد وقد تقدم عده في الربويات عند الكلام على بيع ما لا يدخر يابسه
وقد جزم الصيمري في موضع آخر بأنه ليس بربوي صريحا وهو مشكل وفى الطين الذي يؤكل
تفكها تردد للشيخ أبى محمد وقال صاحب التقريب دهن البنفسج ربوي وفى دهن الورد وجهان
236

قال الامام ولست أفهم الفرق بينهما قال ابن الرفعة لعله لان دهن البنفسج يترك ضنة بخلاف
دهن الورد لا يترك للضنة وقد يقال إن مراده بدهن البنفسج المعلوف الذي يطبق بالسمسم ويعصر
وبدهن الورد الذي يلقى فيه الورد ويمتزج به والحق التسوية وقال ابن أبي الدم في شرح الوسيط
بعد أن نقل قول الإمام ولست أفهم الفرق بينهما قال لا يتجه بينهما فرق إلا بالنظر إلى العادة فلعل العادة
في بعض الأقطار وعرف الناس فيه أن دهن البنفسج يؤكل أو يستصلحونه للاكل ثم يتركون أكله
ضنة به فلهذا كان ربويا عند صاحب التقريب والعادة في دهن الورد مضطربة أو ليس مأكولا عند
غالب الناس فلهذا تردد فيه قال ابن أبي الدم وهذا الخلاف قريب من الخلاف المذكور فيما
يحرم على المحرم استعمال الطيب فانا ذكرنا خلافا في دهن البنفسج ودهن الورد ومنهم من رتب
الخلاف وفرق بعادة الناس. قال الامام وذكر الامام وجهين في اللبان ودهنه وقطع العراقيون بأن
دهن اللبان ليس بربوي والظاهر ما قالوه.
(فرع) الوزن عندنا ليس بعلة للربا فيجوز عندنا بيع رطل حديد برطلين وثوب بثوبين
ورطل نحاس برطلين وحيوان بحيوانين نقدا ونسئا ولا يشترط أن يكون بين المسلم فيه وبين رأس
السلم تفاوت على الصحيح من المذهب فيجوز أن يسلم ثوبا في ثوب مثله قاله في التهذيب.
237

(فرع) هل يحرم أكل الطين قال الروياني اختلف أصحابنا منهم من قال يحرم الطين قليله
وكثيره وهو اختيار مشايخ طبرستان الامام أبى عبد الله الحناطي وأبى على الزجاجي والإمامين جدي
ووالدي رحمهم الله واختاره القفال المروزي ومنهم من قال لا يحرم ولكن يكره وهو اختيار مشايخ
خراسان وهذا إذا لم يضر لقلته فإن كان كثيرا يضر فهو حرام وبه أفتى وسمعت الشيخ الحافظ البيهقي
بنيسابور يقول لم يصح نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم قليله وهذا هو الصحيح
عندي انتهى كلام الروياني في البحر. وذكر الأولون حديثا لم أستحسن نقله لنكارته ثم بدا لي
أن أقوله وأنبه عليه قال احتجوا بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (أكل الطين
حرام على أمتي) وروى (إذا أبغض الله عبدا ألهمه أكل الطين ونتف اللحية) (فائدة) أربع
مسائل خلافية ترجع إلى أصل واحد بيننا وبين أبي حنيفة بيع كف حنطة بكفي حنطة وسفرجلة
بسفرجلتين والجص بالجص متفاضلا والحديد بالحديد متفاضلا والمسألتان الأولتان ممتنعتان عندنا
جائزتان عنده والاخريان بالعكس وذلك أن العلة عنده في النقدين قيم الوزن وفى الأربع الكيل
فيتعدى إلى كل موزون ومكيل وعندنا العلة في النقدين كونهما قيم الأشياء غالبا فلا يتعدى إلى
غيرهما وفى الأربعة (1) فتعدت إلى المطعوم دون المكيل والله أعلم.
(فرع) الشعير في سنبله لا يقدر فإذا فرعنا على القديم الوجه عندي منع بيع
بعضه ببعض فإنه من جنس ما يقدر ولا ينظر إلى حاله هذه وليس كالجوز ما دام صحيحا وهذا تفريعا

(1) كذا بالأصل فحرر
238

* على القديم وأما الجديد فكل مطعوم وإن كان لا يقر يمتنع بيع بعضه ببعض عددا وهل يجوز
وزنا فيه وجها (أحدهما) وهو ظاهر المذهب أنه لا يجوز وهذان الوجهان هما اللذان ذكرهما الشيخ
في التنبيه (الأصح) كما قال الامام لا يجوز بيع بعضه ببعض فلو خيف ففيه خلاف مشهور وقد تقدم
239

(فوائد) قد تقدم عن الامام النووي رضي الله عنه أن الخلاف في علة الربا على مذاهب ويرجع
حاصل القول في النقدين والأشياء الأربعة إلى إن العلة في تحريم ربا الفضل في الأشياء الستة ما هو
مقصود من كل صنف والأربعة مجتمعة في مقصود الطعم على القول الجديد عندنا والنقدان مجتمعان
في جوهر النقدية لان التبر ليس نقدا في عينه وكذلك الحلى والأواني فان
الربا جار فيها لنصه صلى الله عليه وسلم على الذهب والفضة وهو يعم المطبوع وغير المطبوع. وعبارة
القاضي حسين في ذلك أحسن قال لخصت منها عبارة جامعة للكل وهو أن العلة في النقدين جوهر
يطبع منه قيم الأشياء. قال صاحب التتمة وقد قال طائفة من أصحابي إن الذهب والفضة ليسا بمعللين
والربا فيهما لعينهما لا لعلة فيهما وتعليل الشافعي رضي الله عنه بالثمنية إشارة إلى هذا لان الثمنية لا تعدوهما
وقد تقدم أن الربا ثلاثة أقسام وزاد صاحب التتمة ربا رابعا وهو كل قرض جر نفعا (فائدة) تعلق
من قال إن العلة الوزن في الموزون والكيل في المكيل بما روى عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة
أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءهم بتمر خبيث فذكر الحديث إلى أن قال
240

وقال في الميزان مثل ذلك وفى رواية وكذلك التمر ان قالوا أراد الموزون (والجواب) أن المراد بذلك
استواء الوزن في الأشياء التي بين الربا فيها في أحاديث أخر وورد في رواية وكذلك كل ما يمال أو يوزن
بسند ضعيف قد تقدم الكلام اه‍. وروى الدارقطني من حديث عبادة وأنس بن مالك أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال (ما وزن مثل بمثل إذا كان نوعا واحدا وما كيل فمثل ذلك فإذا اختلف النوعان فلا
بأس به) ولكنه ضعيف قال الدارقطني لم يروه عن أبي بكر عن الربيع هكذا وهو ابن صبح هكذا
وخالفه جماعة فرووه عن الربيع عن ابن سيرين عن عبادة وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ
غير هذا اللفظ. والربا بكسر الراء مقصور وعن القلعي أنه يفتح ويمد. قال ابن الرفعة الربا في الشرع
أخذ مال مخصوص بغير مال بإزائه ولا تقرب إلى الله سبحانه وتعالى ولا إلى الخلق قال فأخرجنا بخصوص
ما ليس من أموال الربا بلا تقرب إلى الله تعالى الصدقة والى الخلق الهدية والهبة (قلت) وهذا يرد
عليه القمار بل هذا هو حد القمار فإنهم ذكروا الفرق بين القمار وبين البيع أن القمار (1) وإنما الحد الصحيح
للربا في الشرع ما نقله الروياني في البحر وقد كتبته في غير هذا. والجاروس - بالجيم - والسين -
المهملة الحب الذي يعصر مثل الدخن وهو خير من الدخن في جميع أحواله وهو ثلاثة أصناف وهو
معرب كاورس حكي ذلك عن مجمع البحرين الفرغالي (فائدة) اشتهر عن مذهبنا التعليل بالعلة القاصرة
ومن أمثلتها تعليل تحريم الربا في النقدين بالنقدية وقال إمام الحرمين في البرهان إن كان كلام الشارع

(1) كذا بالأصل فحرر
241

نصا لا يقبل التأويل فلا يرى للعلة القاصرة وقعا ولكن يمتنع عن الحكم بفسادها وإنما تفيد إذا كان
قول الشارع ظاهرا يتأتى تأويلة ويمكن تقدير حمله على الكثير مثلا دون القليل فإذا سحبت عليه
توافق الظاهر عصمته من التخصيص بعلة أخرى لا تنزل مرتبتها عن المستنبطة القاصرة ثم فيه ريب
وهو أن الظاهر كان متعرضا للتأويل ولو أول لخرج بعض المسميات ولأزيل الظاهر إلى ما هو نص
فيه العلة في محل الظاهر كأنها ثابتة في مقتضى النص منه متعديه إلى ما اللفظ ظاهر فيه عاصمة له
عن التخصيص والتأويل فكان ذلك إفادة وان لم يكن تعديا حقيقيا ولا يتجه غير ذلك في العلة
القاصرة ثم قال (فان قيل) قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تبيعوا الورق بالورق) الحديث نص أو ظاهر
فان زعمتم أنه نص بطل التعليل بالنقدية وإن كان ظاهرا وإن كان ظاهرا فالأمة مجتمعة على إجرائه في القليل والكثير
فقد صار بقرينة الاجماع نصا (قلت) أما الحظ الأصولي فقد وفينا به والأصول لا تصح على الفروع فان
تخلفت مسألة فليمتحن بحقيقة الأصول فإن لم يصح فليطرح هذا كلام الامام واعترض عليه الأنباري
الشارح وقال إن القاصرة مقيدة مطلقا سواء كانت مستنبطة من ظاهر أو من نص وقول الإمام يلزم
242

منه ان المتقدمة المقتضية للتخصيص لا تقدم على القاصرة إلا إذا كانت مترقية في الرجحان عن رتبتها
وهذا غير ما يهيئوا لأن تكون معارضة للمتعدية والحق ان القاصرة مقيدة مطلقا كما أشار إليه الشارح
وقد ذكر الأصحاب من الأصوليين والفقهاء من قواعد العلة القاصرة الوقوف على حكمة النص
وكون حكمها متعد إلى غيرها وانه ربما حدث ما يشاركه في المعنى فيتعدى الحكم إليه فهذه ثلاث
فوائد والذي قاله الامام في منعها التخصيص في الظاهر فائدة أخرى جليلة لكنا نقول لا تنحصر الفائدة
فيها (وقوله) ان الأمة مجمعة على إجرائه في القليل والكثير فصار كالنص (يمكن) أن يقال إن القليل
إذا انتهى في القلة إلى حد لا يوزن لا تجمع الأمة عليه بل أبو حنيفة يخالف فيه كمخالفته في بيع تمرة بتمرتين
فيجوز عندهم بيع درة بدرة من الذهب والفضة كذا قال الفرغاني في شرح الهداية من كتبهم فيمكن
استعمال العلة وهي جنس الأثمان في ذلك ومنع تخصيص العموم فيه وتحصيل الفائدة التي حاولها
الامام والا فآخر كلامه المذكور في البرهان يشير إلى الامتناع من الحكم بصحة العلة المذكورة لعدم
الجريان على القانون الذي مهده وهو مع ذلك لا يرى أن يضيف الحكم إلى العلة المتعدية وهي الوزن
كما يقوله أبو حنيفة رضي الله عنه لان التعليل بالوزن باطل بوجوه تخصه (منها) أنه طرد لا مناسبة
243

فيه (ومنها) جواز إسلام الدراهم والدنانير في الموزونات فليس بطلان المتعدية هنا بمعارضة القاصرة
لها (وأما) في غير هذا الموضع فالأستاذ أبو إسحاق يرجح القاصرة على المتعدية لمعارضة النص لها والجمهور
يرجحون المتعدية وامتنع آخرون من الترجيح من جهة التعدي والقصور قال الأنباري وهو الصحيح
وهو اختيار القاضي وإنما ترجح العلل بقوتها في نفسها واضطرب كلام الامام في الربويات فتارة يميل
إلى التعبد وابطال التعليل وأخذ الربا في كل المطعومات من قوله (لا تبيعوا الطعام بالطعام) وتارة يميل
إلى القياس وكلامه في ذلك مضطرب وكأنه شوش عليه عدم ظهور فائدة العلة القاصرة في هذا المحل
وقد أبديناه في محل الاخلاف والله أعلم (فائدة) قال الرافعي رحمه الله وعن الأودني من
أصحابنا انه تابع ابن سيرين في أن العلة الجنسية حتى لا يجوز بيع مال بجنسه متفاضلا وقال النووي
رحمه الله في الروضة قال الأودني من أصحابنا لا يجوز بيع مال بجنسه متفاضلا ولا يشترط الطعم انتهى
ما قالاه وأنا أخشى أن يكون غلطا فان الذي نقله القاضي حسين عن الأودني أن العلة هي الجنسية
والطعم شرطها وجعل ذلك مقابلا لم قاله الحليمي وصححه القاضي من أن العلة الطعم والجنس محلها
244

والشرط عدم التساوي والمعلول فساد العقد ولما قاله بعض الأصحاب من أن العلة الطعم والشرط عدم
التساوي والمعلول الفضل فلعل من نقل عن الأودني اقتصر من قوله على أن الجنس علة وهو صحيح ثم
توهم من وقف على هذا الكلام بمجرده أنه لا يشترط الطعم وأنه موافق لابن سيرين والله تعالى أعلم.
(باب بيع الأصول والثمار)
الأصول ههنا المراد بها الأشجار وكل ما يثمر مرة بعد أخرى وأبعد من قال إن اسم
الأصل يشمل البناء والشجر وأبعد منه قول من قال أن المراد به الأرض والشجر معا والثمار.
والمقصود بهذا الباب أمران (أحدهما) بيان حكم الأصول إذا بيعت فيما يكون تابعا لها وفيما لا يكون
وفى حكم ذلك فان ذلك مما يطول النظر وقد بوب الشافعي رضي الله عنه على ذلك في الام باب ثمر
الحائط يباع أصله فهذه الترجمة حلها المصنف بقوله بيع الأصول (والثاني) الكلام في الثمار إذا بيعت
وما يختص بها من الشروط التي لا تشترط في غيرها من المبيعات فان شروط المبيع (منها) ما هو عام
وهي الخمسة التي ذكرها في باب ما يجوز بيعه (ومنها) ما يختص بالربوبات وأفرد له باب الربا
245

وقدمه على هذا الباب لعمومه لامكانه في كل وقت وشدة خطره لقيام الاجماع على (ومنها) ما يختص
بالثمار فافرده في هذا الباب وبدت علة الشافعي بأن الوقت الذي يحل فيه بيع الثمار وجعله عقيب
باب ثمر الحائط يباع أصله فجعله المصنف مع الأصول في باب واحد لتعلق كل منهما بالآخر وقدم
الأصول على الثمار تأسيا بالشافعي ولأنها متقدمة طبعا وقد قيل إن المقصود بالباب بيع الثمار لبيان شرطه
فلعله قدم بيع الأصول في مختصر التفريع بعده بمقصود الباب وليس كذلك ولم يقع الكلام في بيع
الأصول مختصرا بل طال أكثر من الكلام في بيع الثمار بل ذلك لما قدمته من تبويب الشافعي
وهما مقصودان واستلزم الكلام في الأصول الكلام في الأرض لان بيع الأصول قد يكون مستقلا
وقد يكون تبعا للأرض ولهذا قال المصنف في التنبيه بعد أن قال دخل البناء والغراس قال فإن كان
له حمل إلى آخره فنبه بذلك على أن تبعية الثمار للأصول لا يشترط فيها افراد الأصول بالعقد بل يشمل
صورة افرادها وصورة ما إذا كانت تابعة للأرض فإنه جعل الكلام فيما إذا كانت تابعة فيدل على
الصورة الأخرى بطريق أولى واستطرد من ذلك في المهذب إلى ما يتبع لفظ الأرض أو نحوها من
246

غير الثمار وان لم يكن ذلك في ترجمة الشافعي التي هي مقتصرة على الثمار كالزروع والخوابي والمعادن
وغيرها وقد تعرض الشافعي في مسائل الباب إليها وقدم المصنف الكلام في بيع الأرض لأنه مستلزم
لبيع الأصول المستلزم لبيع الثمار وهو في كلام الشافعي مذكور في أثناء الباب ولا يستنكر كون
الداخل في عقد البيع يسمى مبيعا لأنه إنما انتقل بحكم البيع والله أعلم. وقد رأيت الترجمة الأولى
وهي أن بيع الأصول لغير المصنف وهو أبو بكر أحمد بن بشري المصري في كتابه المسمى بالمختصر
المنبه من علم الشافعي.
قال المصنف رحمه الله.
(إذا باع أرضا وفيها بناء أو غراس نظرت فان أقل بعتك هذه الأرض بحقوقها دخل فيها
البناء والغراس لأنه من حقوقها وان لم يقل بحقوقها فقد قال في البيع يدخل وقال في الرهن لا يدخل
واختلف أصحابنا فيه على ثلاث طرق (فمنهم) من قال لا يدخل في البيع لان الأرض ليست بعبارة عن
الغراس والبناء وتأول قوله في البيع عليه إذا قال بحقوقها (ومنهم) من نقل جوابه في الرهن إلى لبيع
وجوابه في البيع إلى الرهن وجعلهما على قولين (أحدهما) لا يدخل في الجميع لان الأرض اسم للعرصة
247

دون ما فيها من الغراس والبناء (والثاني) يدخل لأنه متصل بها فدخل في العقد عليها كسائر أجزاء
الأرض (ومنهم) من قال في البيع يدخل وفى الرهن لا يدخل لان البيع عقد قوى يزيل الملك فدخل
فيه الغراس والبناء والرهن عقد ضعيف لا يزيل الملك فلم يدخل فيه الغراس والبناء).
(الشرح) الأرض مؤنثة وهي اسم جنس لم يأت واحده بالهاء والغراس يستعمل في الشجر
يقال غرست الشجر أغرسه ويقال للنخلة أول ما تنبت غريسة اله الجوهري وغيره (أما) الأحكام فقد
قال الأصحاب إذا قال بعتك هذه الأرض أو العرصة أو الساحة أو البقعة وكان فيها بناء أو غراس دون
ما فيها من الشجر والبناء لم يدخل ذلك في البيع بلا خلاف وان قال بما فيها من البناء والغراس
دخل البناء والغراس بلا خلاف وكذلك إذا قال بما فيها أو مع ما اشتملت عليه حدودها أو حوته
أقطارها وان قال بعتكها بحقوقها فالحكم كذلك على المشهور وصرح الشيخ أبو حامد بنفي الخلاف
فيه وكذلك يقتضيه ايراد أكثر الأصحاب لكن الامام حكى أن من أئمتنا من قال لا يدخل محتجا
بما قاله القاضي حسين قبله على سبيل الاشكال أن اسم الحقوق إنما يقع على الطريق ومجاري الماء وما
أشبههما ورأي الامام أن هذا أقيس وهو كما رأى الا أن يثبت عرف عام باستتباع الأرض للشجر أو
248

بدخولها تحت اسم الحقوق وهو بعيد وقد رأيت ابن حزم الظاهري ادعى الاجماع في كتابه المحلى
على أن من اشترى أرضا فهي له بكل ما فيها من بناء قائم أو شجر ثابت وهذه دعوى منكرة وهي
باطلاقها تشمل ما إذا قال بحقوقها ولما إذا لم يقل بل هي ظاهرة في الثاني والخلاف مشهور في
المذهب كما سيأتي ولم يبلغني في هذه المسألة شئ عن العلماء المتقدمين بل مذهب أبي حنيفة ومالك
استتباع الأرض للغراس والبناء كما نص عليه الشافعي والحنابلة صنعوا كصنع الشافعية ولعلهم تبعوهم
في ذلك فإن لم يكن في المسألة إجماع كما ادعاه ابن حزم فلا شك أن للنظر فيها مجالا والا فيلغو ما
أثبته الأصحاب من التخريج ولا تصير المسألة بذلك من مسائل الخلاف وإن كان القياس يقتضيه كما
نقوله فيما بعد وقاله الامام هنا وان لم يقل بحقوقها فقد اختلف الأصحاب على طرق (إحداهما) أن البناء
والغراس لا يدخلان في البيع ولا في الرهن لان اسم الأرض لا يشمل ذلك لغة ولا عرفا ولا دليل
على تبعيتها لها من عرف ولا غيره فلا وجه للدخول وهذا هو القياس وهي طريقة أبى العباس
249

ابن سريج لكنها خلاف ظاهر نص الشافعي فإنه قال في الام والمختصر وكل أرض بيعت فللمشتري جميع
ما فيها من بناء وأصل فاحتاج من ذهب إلى هذه الطريقة أن يحمل قول الشافعي في البيع على ما إذا
قال بحقوقها (وقوله) في الرهن على ما إذا أطلق لكن يتوجه على هؤلاء من الاشكال ما أورده القاضي
حسين وغيره أن ذلك إذا لم يدخل عند الاطلاق ينبغي أن لا يدخل وغيره أن ذلك إذا لم يدخل عند الاطلاق ينبغي أن لا يدخل ولو قال بحقوقهما لان اسم الحقوق
لا يشمله وإنما يشمل الممر ومسيل الماء ومطروح القمامات وما أشبهها وهو اشكال قوى وحينئذ تكون
هذه الطريقة مخالفة لنص الشافعي ولما نقلناه عن مذهبي أبى حيفة ومالك وما اقتضاه اطلاق من
نقل الاجماع ان ثبتت عن المتقدمين وقد جعل الامام الغزالي في الوسيط هذه الطريقة هي الأصح
وشذا في ذلك وأن كان القياس يقتضيه ولعمري إن لم يثبت اجماع أو نص فالحق ما قالاه وقد جهدت
250

في تطلب نفس هذه المسألة فلم أجد إلا نصه صلى الله عليه وسلم على أن من باع نخلا مثمرة فثمرتها للبائع
الا أن يشترط المبتاع والأصحاب يفرقون بأن البناء والغراس يراد للتأييد بخلاف الثمرة وقد يحتجون
به لأنه اقتضى بمفهومه دخول الثمرة غير المؤبرة في البيع ولا يشملها اسم النخلة ولكن لاتصالها بها
والبناء والغراس كذلك والطريقة الثانية نقل جوابه من البيع إلى الرهن ومن الرهن إلى البيع وتخريج
المسألتين على قولين (أحدهما) يدخل البناء والشجر عند الاطلاق في البيع والرهن لان البناء
والشجر بمنزله أجزاء الأرض وأجزاء الأرض تدخل عند الاطلاق فكذلك هذه والقول الثاني ان
الأرض مبيعة ومرهونة دون ما فيها لعدم تناول الاسم وهاتان الطريقتان مشتركتان في التسوية بين
البيع والرهن وعدم الفرق بينهما على خلاف ما يقتضيه نص الشافعي وايراد الحنابلة في كتبهم يوافق
251

هذه الطريقة الثانية فإنهم طروا وجهين والقول المنصوص مع المخرج وقد يسميان وجهين وهذه
الطريقة الثانية منقولة عن أبي الطيب بن سلمة وأبى حفص بن الوكيل وادعى الشاشي في الحلية أنها
أصح الطرق وان أصح القولين منها أنها تدخل في البيع والرهن جميعا وكذلك يقتضيه كلام الجرجاني
في التحرير قال إن أصح القولين دخوله في البيع والرهن والهبة والطريقة الثالثة أن المسألتين على
ظاهرهما إذا أطلق بيع الأرض تبعها ما فيها من البناء والشجر وإذا أطلق رهنها لم يتبعها والفرق من
وجهين (أحدهما) ان عقد البيع أقوى لأنه ينقل الملك فجاز أن يستتبع والرهن عقد ارفاق واستيثاق
(والثاني) أن المنافع الحادثة لما كانت للمشتري كذلك الموجود في الحال وليس كذلك الرهن لان
المنافع الحادثة لا تدخل وكذلك الثمرة الحادثة تكون للمشتري ولا تكون للمرتهن وهذه الطريقة
252

منقولة عن أبي أسحق المروزي ونقلها الماوردي والرافعي عن جمهور الأصحاب وقال القاضي أبو الطيب
والروياني انها الصحيحة وقد تعزى لابن أبي هريرة أيضا واعترض الامام وغيره على الفرق بالقوة
والضعف بأن المبيع الاسم يعني فلا معنى للقوة والضعف وممن ضعف هذا الفرق تلميذ المصنف قال
لان البيع إنما تظهر قوته فيما يتناوله ورد عليه أما مالا يتناوله فلا يؤثر فيه ولهذا إذ شرط أن لا يدخل
الغراس في البيع لم يدخل وإذا قال في الرهن بحقوقها دخل وما ذكره من أن المبيع في ذلك الاسم
ظاهر وكذلك الفرق الثاني لاغ فان المنافع الحادثة تبعتها لكونها حادثة في ملك المشتري ولا كذلك
الحاصلة عند البيع ألا ترى أن الثمرة الحادثة بعد البيع للمشتري قولا واحدا والثمرة الحاصلة المؤبرة
عند البيع لا تدخل قولا واحدا واعترض أبو العباس الغزاري على الفرق الأول بان البيع لما قوى
253

وأزال الملك وجب أن لا يؤثر الا فيما دل عليه اللفظ تقليلا لضرر البائع بتفويت الملك عليه بخلاف
الرهن فإنه أقل ضررا لبقاء الملك فيكون مقتضى الفرق عكس المدعى وأبدى ابن الرفعة فرقا واغتبط
به بحيث أنه ذكره في كتابه في غير هذا الموضع حذرا من اخترام المنية قبل الوصول في الشرح إليه
ثم لما وصل إليه هنا ذكره وهو أن لفظ الأرض يشمل الاس والمغرس فلو بقي البناء والشجر للبائع لخلا
الاس والمغرس عن المنفعة وتكون منفعتهما مستثناة لا إلى غاية معلومة فإنه لا يمكن قلع البناء والشجر
لأنه محترم يراد للبقاء ولا تبقيته بأجرة لأنه حين أحدثه أحدثه في ملكه فإذا كان الاس والمغرس
بهذه المثابة لا يصح بيعه مفردا باتفاق فوجب إذا ضم إلى مبيع خلا عن ذلك أن يبطل في الجميع
للجهالة بالثمن فلما أفضى محذور الاخراج إلى هذا حكم بالاندراج حرصا على تصحيح العقد كما أدرج
254

الحمل في البيع وان لم ينتظم اسم الشاة والجارية طلب للتصحيح وحذرا من الابطال بل للحمل غاية
تنتظر ومع ذلك أدرج ولا غاية ههنا تنتظر وهذا المعنى مفقود في الرهن لان المرتهن لا يستحق
شيئا من منافعه حتى يكون استيفاء البناء والغراس مخرجا للعقد عن وضعه ثم اعترض على نفسه بأنه
لا يجعل هذا المحذور مانعا من دخول المغرس والاس ويحمل البيع على ما سواهما طلبا للتصحيح وأجاب
بأن اللفظ يتناول المجموع وهذا يضعف عنه فلم يمكن ابطاله به وقد بقي عليه في هذا الكلام أمران
(أحدهما) ذكره وهو أن القائل بعدم دخول البناء والشجر يحتمل أن يقول بعدم دخول المغرس
والاس وقد ذكر صاحب التتمة فيما إذا باع الأرض خلا البناء والشجر أن المغرس والاس هل يبقى
على ملكه فيه وجهان كالوجهين في بيع البناء والغراس وذكرهما القاضي حسين ورتبتهما على بيع
255

الغراس (ان قلنا) يستتبع المغرس فههنا أولى والا فوجهان (والفرق) أن اللفظ ههنا توجه نحو البناء
والشجر فقوى على التبعية بخلافه فيما يتلف وكذلك قال الخوارزمي ان الأصح أنه لا يبقى فقد ظهر
مما قاله أن للمانع أن يمنع لو لم يدخل البناء والشجر لزوم المحذور المذكور (الثاني) أنه ليس يلزمه من
السوق إلى تصحيح العقود ادراج شئ في العقد لم يقتضه العقد لا لفظا ولا عرفا والحمل إنما دخل
لاقتضاء العرف له وأما هنا فان أدخلنا البناء والشجر أدخلنا ما لم يدل عليه لفظ العاقد لغة ولا عرفا
وان أخرجناه وأدخلنا المغرس لزم المحذور الذي أبداه على رأيه وان أخرجنا المغرس خالفنا لفظ العقد
وشموله له فلم سبق الا افساد العقد وقد يقال أن افساد العقد أيضا محذور ولم يصر إليه صائر فلم يبق الا
256

النظر في أخف المحذورات الثلاثة يلتزم والحكم بادخال البناء والغراس حكم باثبات أمر زائد على
مدلول لفظ العاقد لم يتعرض له باثبات ولا نفى فليس فيه مخالفة اللفظ نفى ما يقتضيه أو أثبات
ما ينفيه أما اثبات شئ لم يتعرض له اللفظ باثبات ولا نفى فلا يقال فيه مخالفة ولا موافقة أما الحكم
باخراج المغرس والاس فهو اخراج لبعض ما تناوله فكان مخالفا له فكان الأولى أولى وهو الحكم
بتبعية البناء والغراس هذا ان ثبت أنه لا يمكن ادخال الاس والمغرس مع اخراج البناء والشجر وهو
القسم الثالث بما أبداه وفيه نظر فإنه يمكن أن يقال إن الاس والمغرس كل منهما قابل للانتفاع
به في الجملة بحف سرب من تحت البناء وأخذ تراب ذلك المكان ووضع بدله بحيث لا يضر بالبناء
وأشباه ذلك فلم تعدم المنفعة بالكلية الا ترى أن القاضي حسين قال في فتاويه انه إذا باع عشرة
أذرع من أرض عمقا في عرض ذراع صح وللبائع أن ينتفع بأرضه ما جاوز عشر أذرع عمقا بأن
يحفر تحت عشر أذرع بئرا أو مبنيا على الوجه الذي يمكنه الانتفاع والله أعلم. وقوله إن الاس والمغرس
إذا كانا بهذه المثابة لا يصح بيعه باتفاق بناه على المقدمة التي أخذها مسألة وقد عرفت المنع المتجه
عليها وينبغي إذا تم ما قلناه في المنفعة من الوجه المذكور أن يصح البيع إذا كان ذلك المكان مرئيا
قبل ذلك الرؤية المعتبرة في البيع (فان قلت) انه غير مقدور على تسليمه لوجوب بقاء الشجر والبناء
257

(قلت) المذهب الصحيح صحة تسليم الأرض المزروعة مع بقاء الزرع فيها والوجه الآخر القائل بعدم صحة
تسليمها في تلك الحال لشبهها بالدار المشحونة بالأمتعة وفرقوا بينهما بأن تفريغ الدار ممكن في الحال
وهذا الوجه في الأرض المزروعة لا يأتي في الأرض المغروسة لان الزرع له أمد ينتظر فأشبه من بعض
الوجوه الأمتعة التي يمكن نقلها بخلاف الشجر فمقتضى المذهب أنه يصح تسليم الأرض المغروسة إذا
كان الغراس باقيا للبائع قولا واحدا وقد صرح صاحب التتمة أنه إذا باع الأرض واستثني الأشجار
بقيت الأشجار على ما هي عليه ولا يكلف القطع لأنها تراد للدوام وصرح الغزالي أيضا في الفتاوي بأنه
لا يلزمه تفريغ الأرض المبيعة عن الشجر عندما تكلم في وقف الأرض المشتملة على شجر وإذا ثبت
أنه لا يجب التفريغ فالتسليم ممكن على حالها فصح البيع إذا وجدت المنفعة والرؤية وقد عرفت بما
ذكرناه عن الغزالي وصاحب التتمة أن ابن الرفعة مساعد على دعواه أنه لا يلزم البائع قلع الشجر لو
بقيناه على ملكه على أنى وجدت النسخ من فتاوي الغزالي بذلك مختلفة وفى كثير منها أنه يلزمه
تفريغ الأرض باسقاط لا فكأنه غلط من ناسخ وقد نقله الرافعي عنه في كتاب الوقف باثبات لا وكلام
صاحب التتمة غير محتمل وأيضا فان الغزالي في الفتاوي إذا باع الدار دون النخلة التي فيها ويكون
للبائع حق الاجتياز إليها أنه يصح البيع وهذا صريح في مخالفة ما قاله ابن الرفعة من الحكم بعدم الصحة
258

على تقدير دخول الشجر وقال أبو الفضل عبد الملك بن إبراهيم المقدسي في المطارحات انه إذا
باع دارا فيها نخلة دون النخلة وشرط دخول منبتها في البيع صح ويستحق تبقية الشجرة من غير أجرة
فان اختار صاحب الدار تملك الشجرة بقيمتها أو قلعها بالتزام النقصان كان له وأما كونه لا تلزمه
الأجرة بتبقيته فكذلك لأنه لو كان مما يبقى بأجرة لكان إذا امتنع من الأجرة يلزم بالقلع فلما ثبت
أنه لا يلزم بالقلع استلزم عدم الأجرة نعم في عكس ذلك وهو ما إذا باع الشجرة الرطبة وقلنا بالأصح
قلنا إنه لا يدخل المغرس فليس للبائع قلع الشجرة مجانا وهل يجب عليه بقاؤها ما أراد المشتري أم له
قلعها بغير رضاه ويغرم ما نقص بالقلع كالعارية وجهان (أصحهما) الأول فيحتمل أن يقال بجريان
الوجه الآخر فيما نحن فيه ويحتمل أن يفرق ويقال إنا في كلا الموضعين قصرنا الحكم على ما دل عليه
لفظ المبيع ففي بيع الشجرة لا يستتبع حق الابقاء فكان له القلع على وجه وفى بيع الأرض كان
حق الابقاء ثابتا فلا يزال بالبيع فهذا فرق جمع والله أعلم. (فان قلت) إذا ألغيت هذه الفروق
كلها فما وجه المذهب (قلت) الراجح عندي ما ذهب إليه الامام والغزالي أن البناء والشجر
لا يدخلان في البيع ولا في الرهن إلا أن يثبت إجماع على الدخول فيتعين اتباعه ومتى لم يثبت
فالقياس ما قدمته وقد يعتضد الدخول بأمور ليست بالواضحة (منها) الثمار إذا لم تؤبر داخلة في بيع الشجر
259

بمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم (من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع) فقد دل هذا
المفهوم على استتباع الشجرة للثمرة غير المؤبرة وليست باقية على الشجرة دائما فاستتباع الأرض للشجر
وهو باق فيها دائما أولى وفى طرق هذا الحديث في البخاري عن نافع مولى بن عمر (أيما نخل بيعت
لم يذكر الثمر فالثمر للذي أبرها) وكذلك العبد والحرث فالحرث إن كان المراد به (1) (ومنها) أن
الأرض تطلق كثيرا ويراد بها الأرض مع ما فيها ألا ترى إلى قول عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم انى
أثبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه الحديث وليس مراده الأرض وحدها بل الأرض بما
فيها ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (حبس الأصل وسبل الثمرة) فإذا صار ذلك الاسم يطلق على
الجميع كثيرا فان وصل إلى حد الحقيقة العرفية فذاك والا فيحمل عليه بقرينة سكوت البائع عن
استثنائه فإنه لو كان مراده إخراج البناء والشجر مع كره استعمال الأرض مع دخولهما لنص على الاخراج
فلما لم ينص على ذلك دل أن مراده الشمول مع كون البائع معرضا عن البيع وقاطعا اطماعه عنه
بخلاف الراهن وكل من هذين الوجهين ليس بالقوى (أما) الأول فلان الثمرة غير المؤبرة شبيهة
بالجزء الحقيقي فهي كالحمل بخلاف البناء والشجر والأصحاب ومن يوافقهم يحاولون تشبيه البناء والشجر
بأجزاء الأرض لكونهما مرادين للبقاء وفى الاكتفاء بهذا الوصف مع المفارقة في أمور أخرى نظر
(وأما) الثاني فان الكثرة ممنوعة (وأما) الاطلاق على سبيل المجاز فلا يمتنع ومع ميلي في البحث كما

(1) بياض بالأصل فحرر
260

رأيت إلى موافقة الامام الغزالي لا أقدم على الجزم به ما لم يصح عندي أن أحدا من العلماء المتقدمين
ذهب إليه ولا أستحضر الآن عن أحد منهم قولا بذلك والله أعلم. وفى كلام الرافعي ميل إلى
ما اختاره الغزالي مع نقله عن عامة الأصحاب أن ظاهر المذهب دخولها وأبهم وأن أصح الطرق تقرير
النصين فهذا آخر كلامنا على هذه الطريقة وفى المسألة طريقة رابعة أن البناء والغراس يدخلان في
البيع وفى دخولهما في الرهن قولان حكاهما أبو الحسن الجوزي مع طريقة القولين قال ابن الرفعة
ويشهد لها أن الحمل والثمرة غير المؤبرة تندرج في البيع قولا واحدا وفى اندراج ذلك في الرهن قولان
(المنصوص) منهما في الام كما قال البندنيجي في الثمرة عدم التبعية (وفى القديم) نص على التبعية
ثم أغرب الجوزي فجعل القولين في الرهن في الأرض والدار جميعا معللا على أخد القولين بأن الدار
اسم للعرصة ثم قال وقد قيل إن الرهن والبيع سواء وفيهما قولان ومقتضى كلام الجوزي هذا اثبات
خلاف في دخول البناء في بيع الدار ورهنها وهذا في غاية البعد فان الدار اسم لمجموع البناء والأرض
وإنما الخلاف إذا ورد العقد على الأرض.
(فرع) فاما إذا باعه البناء والشجر ولم يتعرض لذكر الأرض فبياض الأرض الذي بين
البناء والشجر لا يدخل في البيع على المشهور والفرق أن الأرض أصل والبناء والشجر فرع والأصل
يستتبع الفرع وقال الامام في كتاب الرهن إن كان ما بين المغارس لا يتأتى افرادها بالانتفاع الا على
261

سبيل التبعية للأشجار فوجهان (وأما) ما كان من الأرض قرار للشجر والبناء ففي دخوله في البيع
تبعا للبناء والشجر وجهان حكاهما الماوردي هنا في قرار البناء والشجر معا وسيأتي حكايتهما في الشجر
عند الكلام في بيع الشجر إن شاء الله تعالى.
(فرع) من الشجر ما يغرس بذره في محل فإذا أطلع ينقل من ذلك المحل إلى محل آخر
ويغرس فيه ويسمى شتلا ويقال إن ذلك أنفع له وربما لو بقي في ذلك المكان الأول لم ينتفع كما
لو نقل فهذا النوع لم يوضع في مكانه الأول للدوام فهل يكون حكمه حكم الشجر الموضوع للدوام
فيكون تابعا للأرض أو يكون كالزرع هذا فيه نظر ولم أره منقولا وينبغي أن يقال إن كان ذلك
ينقل من بعض تلك الأرض إلى بعض فيدخل وإن كان ينقل إلى أرض أخرى ولا بقاء له في تلك
الأرض المبيعة فلا يدخل والله سبحانه وتعالى أعلم.
(فرع) حكم الهبة حكم البيع لأنها تزيل الملك ففيها وفى الرهن الطرق المتقدمة
ذكره الجرجاني.
262

(فرع) إذا باع الأرض وفيها شئ يابس هل يدخل في البيع كغيره أو لا يدخل لأنه لا يراد
للدوام ولهذا إذا باع الشجرة اليابسة لا يجب تبقيتها لم أر ذلك مصرحا به والأقرب إلى كلامهم الجزم
بالثاني ثم يكون حكمه حكم الحجارة المودعة في الأرض إذا علم المشتري بها في وجوب التفريغ والتسوية
وغير ذلك على ما سيأتي في الحجارة والله أعلم. فينبغي أن تستثنى الشجرة اليابسة من مطلق قولهم إنه
إذ باع أرضا ودخل الشجر كما في العبارة كثير من الأصحاب (وأما) عبارة المصنف في قول الغراس
فقد يقال أن الغراس لا يشمل عرفا الا الرطب والله أعلم.
(فرع) جزم صاحب الاستقصاء بدخول المسناة والسواقي وما بنى طوقها ومسار بها من
آجر وحجر وما صغر من الآكام والتلال الجارية مجرى الأرض في البيع والرهن وجعل محل الطرق
في البناء من قصر وغيره والغراس من نخل وغيره وهذا لم أره لغيره بل كلام الماوردي يقتضي جريان
الخلاف فيه فإنه قال إذا ثبت على الصحيح من المذهب أن البناء والشجر يدخلان في البيع فكذلك
كل ما كان في الأرض متصلا بها من مسناتها سواء كان آجرا أو حجارة أو ترابا وكذا تلال التراب
التي تسمى بالبصرة جبالا وخوخاتها وبيدرها والحائط الذي يحظرها وسواقيها التي تشرب الأرض
263

وأنهارها التي فيها وعين الماء إن كانت فيها وقال الرافعي لا تدخل مسائل الماء في بيع الأرض ولا يدخل
فيه سربها من النهر والقناة المملوكين الا أن يشترط أو يقول بحقوقها وكلام الرافعي هذا يجب حمله
على المسايل الخارجة عن الأرض التي يصل منها الماء إلى الأرض المبيعة وكذلك القناة والنهر (أما) الداخلة
فيها فإنه لاشك في دخول أرض النهر والقناة والمسيل (وأما) بناؤها فيدخل على المذهب كما ذكرناه
عن الماوردي ويجب أيضا تأويل كلام الماوردي في النهر والعين فان أرضهما داخلة بلا خلاف ولا يجرى
الخلاف فيهما الا في البناء إن كان ثم نقل الرافعي عن أبي عاصم العبادي أنه حكى وجها انه لا يكفي
ذكر الحقوق يعني في المسألة التي ذكرها في النهر والقناة ولا خلاف انه لا يدخل النخل المقطوع
والشجر المقطوع في بيع الأرض من غير شرط كالعبد والأمة إذا كانا في الأرض وكذلك ما فيها من
علف مخزون وتمر ملقوط وتراب منقول وسماد محمول فكل ذلك للبائع لا يدخل الا بالشرط أو يكون
التراب والسماد قد بسط على الأرض واستعمل قاله الماوردي والروياني وإن كان في الأرض دولاب
للماء ففيه ثلاثة أوجه (أحدهما) لا يدخل في البيع كبكرة الدولاب وخشبة الزرقوق والحبل والدلو
والبكرة وبه قال أبو حنيفة رضي الله عنه (والثاني) يدخل لاتصاله بها (والثالث) إن كان دولابا
264

صغيرا يمكن نقله صحيحا على حاله من غير مشقة لم يدخل وإن كان كبيرا لا يمكن نقله إلا بتفصيل بعضه
عن بعض ومشقة كبيرة دخل في البيع لأنه يصير للاستدامة والبقاء فأشبه الشجر والبناء حكى ذلك
الماوردي وإن كان فيها رحا الماء وقلنا يدخل البناء في بيع الأرض دخل فيه بيت الرحا وبناؤه وهل
يدخل الرحا في البيع فيه ثلاثة أوجه (قيل) لا يدخل شئ منه في البيع لا علوا ولا سفلا كخشبة الزرقوق
(وقيل) يدخل علوا وسفلا لأنها من تمام المنافع (وقيل) يدخل السفلى ولا يدخل العلوي حكي هذه الأوجه
الثلاثة الماوردي وقال صاحب الاستيفاء وقال الصيمري في الايضاح والصحيح أن يقال إن كان
ذلك مبنيا أو في حكم البناء دخل وإن كان بخلاف ذلك لم يدخل فيصير في المسألة أربعة أوجه قال الماوردي
وأما دولاب الرحا الذي يديره الماء فهو تابع للرحا يدخل في البيع بدخوله ويخرج منه بخروجه
والحاقه بالسفل أولى من إلحاقه بالعلو هذا كلام الماوردي وان قال بعتك هذا البستان أو المحرف أو
هذه الجنة دخل فيه الأشجار لأنه عبارة عن الأرض والشجر وفى العريش الذي يوضع عليه وجهان
(أحدهما) وهو الأصح أنه يدخل في البيع (والثاني) لا يدخل.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(فان قال بعتك هذه القرية بحقوقها لم تدخل فيها المزارع لان القرية اسم للأبنية دون المزارع).
(الشرح) القرية (1) أما الأحكام (2) قال الأصحاب إذا قال بعتك هذه القرية
وأطلق دخل في البيع الأبنية وما فيها من المساكن والدكاكين والحمامات والساحات والأرضون التي
يحيط بها السور والحصن الذي عليها وهو السور والسور المحيط بها والدروب فإن لم يكن سور فيدخل من

(1) بياض بالأصل فحرر
(2) بياض بالأصل فحرر
265

الأرض ما اختلط ببنيانها ومساكنها وما كان من أفنية المساكن وحقوقها وفى الأشجار التي في
وسطها الخلاف السابق في دخول الأشجار تحت اسم الأرض هكذا قال القاضي أبو الطيب وكثير
من الأصحاب منهم الرافعي والروياني وخالف الامام والغزالي هنا اختيارها فاختارا في هذه دخول الأشجار
تحت اسم القرية وان اختارا في اسم الأرض عدم الدخول وهو متجه لان أهل العرف يفهمون من
اسم القرية جميع ما فيها من بناء وشجر وكذلك جزم الماوردي بدخول ما في خلال المساكن من النخل
والشجر وهو الحق واستبعد الامام تردد العراقيين في دخول الأشجار ورأيي أن ذلك أبعد من التردد
في أشجار الدار لان الأشجار مألوفة في القرى ولا تستجد القرية بالأشجار اسما والدار تستجد اسم البستان
والأعدل ما قاله الماوردي من دخول الأشجار المتخللة للمساكن (وأما) البساتين الخارجة عن القرية
فمقتضى كلام الغزالي دخولها فإنه أطلق القول باستتباعها الأشجار وكذلك الامام حكي الخلاف في
الأشجار ولم يفصل وغيره يفيد جريان الخلاف فيها لخروجها عن القرية وصلاحيتها للتبعية وجزم
الماوردي بعدم دخولها وهذا الذي قاله الماوردي من دخول الأشجار المتخللة دون الخارجة توسط وهو
وجه ثالث إن صح أن الخلاف الأول في الجميع (وأما) المزارع فلا تدخل في البيع ألا ترى أنه لو حلف
لا يدخل القرية لم يحنث بدخول المزارع وقد يقول القائل ينبغي تخريج ذلك على أنه يشترط مجاوزتها
في القصر ولكن هذا الاحتمال مندفع فان المدرك في الرخصة خروجه عن حكم الإقامة فما دام في حقوق
البلد حكم الإقامة منسحب عليه عند ذلك القائل وإن كان خارجا عن البلد والمبيع ههنا الاسم
والقرية مأخوذة من الجميع والمزارع ليس بداخلة فيه بخلاف الأبنية وما أحاطت به وفى النهاية أن المزارع
تدخل وهو غريب وكذلك يدخل في بيع القرية ضياعها قاله الروياني هذا إذا أطلق (أما) إذا قال
266

بحقوقها فالجمهور على أنه لا تدخل المزارع أيضا بل لابد من النص على المزارع وممن جزم بذلك الشيخ
أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمصنف والماوردي وصاحب التتمة وغيرهم لان حقوقها ما فيها من البناء
والبيوت والطرق ونقل الرافعي عن القاضي ابن كج دخول المزارع فيما إذا قال بحقوقها وقال عنه وعما
قاله في النهاية إنهما غريبان وقال ابن الرافعة إنه يمكن تنزيل قول الإمام بدخولها على ما إذا كانت داخلة
في القرية توفيقا بين النقلين (أما) لو سمى المزارع دخلت قاله القاضي أبو الطيب وغيره وكذلك لو قال
بعتك القرية بأرضها أيضا دخلت المزارع حكى ذلك عن البندنيجي والمراد بالمزارع الأرضون التي تزرع
فيها الخارجة عن القرية (أما) الزرع نفسه فلا يدخل إلا أن يكون له بقاء فالحكم في تبعية هذا
كالحكم في تبعيته عند بيع الأرض وهو فيها وسيأتي حكم ذلك قال ابن الرفعة وجزموا يعني العراقيين
أنه إذا قال بحقوقها دخل الشجر قولا واحدا على أصلهم أنها تدخل في مثل هذا في بيع الأرض
وقد عرفت عن غيرهم خلافا في هذا في الأرض فلا يمكن مجيئه هنا لان القائل بهذا في الأرض
جازم بدخول الأشجار في اسم القرية من غير تعرض لذكر الحقوق (قلت) والخلاف في الأرض نقله
الامام فيما تقدم عن بعض أئمتنا ومال إليه وسبقه القاضي حسين إلى ذلك والامام هنا قد اختار دخول
الأشجار فلا يتأتى منه الخلاف كما قال ابن الرفعة لكن بعض الأئمة الذي نقل عنه الامام الخلاف
في الأرض لم يتعين حتى يحكم عليه حتى يعرف هل هو جازم بدخول الأشجار في القرية أولا والقاضي
حسين لم أقف له على كلام في مسألة القرية حتى أعرف هل هو من الجازمين بذلك كالامام أولا
لكن ما نبه عليه ابن الرفعة جيد في أنه لا يمكننا أثبات خلاف هنا لاحتمال أن يكون المخالف هناك
267

جازما هنا كالامام فمتى لم نتحقق من شخص معين الخلاف في المسألتين لم يجز إثبات الخلاف مع
الشك والله سبحانه وتعالى أعلم.
(فرع) الحكم المذكور في اسم القرية جار في اسم الدسكرة كما ذكره الخراسانيون والدسكرة
بناء كالقصر حوله بيوت.
قال المصنف رحمه الله.
(وان قال بعتك هذه الدار دخل فيها ما اتصل من الرفوف المسمرة والخوابي والأجاجين
المدفونة فيها للانتفاع بها وإن كان فيها رحا مبينة دخل الحجر السفلاني في بيعها لأنه متصب بها وفى
الفوقاني وجهان أحدهما أنه يدخل وهو الصحيح لأنه ينصب هكذا فدخل فيه كالباب والثاني
لا يدخل لأنه منفصل عن المبيع ويدخل الفلق المسمر في الباب وفى المفتاح وجهان أحدهما يدخل
فيه لأنه من مصلحته فلا ينفرد عنه والثاني لا يدخل لأنه منفصل فلم يدخل فيه كالدواء والبكرة وإن كان
في الدار شجرة فعلى الطرق الثلاثة التي ذكرناها في الأرض.
(الشرح) الخوابي والأجاجين بجيمين وهي الأواني التي تغسل فيها الثياب قال ابن معن
وتسمى المراحض والمقصود هنا كل ما ثبت من ذلك للصبغ أو الدبغ أو العجن أو لاخراج الشيرج
من كسب السمسم ونحو ذلك والفلق (1) والبكرة (2) أما الأحكام فقال الأصحاب إذا قال
بعتك هذه الدار دخلت في البيع الأرض والأبنية على تنوعها سفلها وعلوها حتى يدخل الحمام المعدود
من مرافقها وحكي عن نصه أن الحمام لا يدخل وحمله الأصحاب على حمامات الحجاز وهي بيوت من
خشب تنقل في الاسفار فما الحمامات المبنية من الطين والآجر إذا كان بحيث لا يمكن نقله فإنه يدخل
في العقد وحكوا أن الربيع حمله على ذلك وفصل الغزالي في الحمام فقال إن كان لا يستقل دون الدار

(1) بياض بالأصل فحرر
(2) بياض بالأصل فحرر
268

اندرج وان استقل فهو من الدار كالبناء من الدار كالبناء من البستان يعنى فيجرى فيه الخلاف في ذلك واختار ابن الرفعة
أن الحمام الخشب الذي لا ينقل لا يدخل لقول الشافعي رضي الله عنه وما كان مما يجب من البنيان
مثل البناء بالخشب فان هذا متميز كالنبات والحديد فهو لبائعه الا أن يدخله المشترى في
صفقة البيع وقال أنه لم ير أحدا من الأصحاب تعرض له وانه فقه ظاهر لان ما كان من أجزاء الأرض
إذا أثبت فيها وإذا تغيرت صفته كاللبن يجعل أجزاء أو لم يتغير كالأحجار واللبن يقرب أن يتبعها كما
لو كان متصلا من أصل الخلقة بخلاف ما إذا كان من خشب وإن كان الشجر الأخضر يتبع في بيع
الأرض لكنه ليس بجزء منها وإنما تبعها لأنه صار كالجزء المتصل بها ولهذا ينمو بها بخلاف البناء
(قلت) وقد رأيت النص المذكور في الام في باب تمر الحائط يباع أصله ولكني لم أعرف ما معنى
قوله بحب من البنيان ولا ضبط هذه الكلمة أيضا عني بحب غير أنه إذا كانت الحمام كلها من خشب
وهي مثبتة في الدار لا تنقل ولا تحول كانت كالسور الخشب المسمرة التي لا تحول وفى دخولها وجهان
(أصحهما) الدخول كما سيأتي وإذا كان كذلك فيكون ما قاله ابن الرفعة موافقا لاحد الوجهين وليس مما
انفرد به عن الأصحاب كما ظن لكن مأخذ الأصحاب القائلين بذلك غير المأخذ الذي ذكره وذلك
عندهم في كل متصل مثبت يمكن الانتفاع به بعد انفصاله ولا فرق في ذلك بين أن يكون من خشب
أو طين أو غيرهما وكذلك طردوه في صندوق رأس البئر وهي الحرزة التي على فوهتها والغالب إنما
تكون من حجر أو رخام وكذلك طردوه في معدن الجيار والغالب أنه يكون من فخار فهو كالاجر
الذي جعلة هو من جنس أجزاء الأرض وفرق بينه وبين الخشب وكذلك حجر الرحا وغير ذلك مما
269

ستأتي أمثلته حتى لو فرضنا حماما من حجر وهي مثبتة في الدار وكان يمكن أن تنقل وهي على حالها
وينتفع بها اقتضى أن يجرى فيها الخلاف المذكور في الأمثلة المذكورة ثم أن الشافعي رضي الله عنه
إنما ذكر النص المذكور في الأرض والمعنى الذي أبداه ابن الرفعة وهو اعتبار أجزاء الأرض إنما يتم
فيها والكلام هنا إنما هو في بيع الدار ومن المعلوم أن الدار في العرف غالبا يشتمل على أجناس من
أجزاء الأرض وغيرها ولا يلزم من القول بعدم دخول ما ليس من أجزاء الأرض تحت اسم الأرض
القول بعدم دخوله تحت اسم الدار والتحقيق ما قدمته من إلحاقها بالسرير ونحوه والله أعلم. هذا ما
يتعلق بالحمام (وأما) الآلات فهي على ثلاثة اضرب (أحدها) ما أثبت تتمة للدار ليدوم فيها ويبقى
كالسقوف والأبواب المنصوبة وما عليها متصلا بها من الأغاليق والحلق والسلاسل والضباب والجناح
والدرج والمراقي المعقود من الآجر والجص وغيره (والآخر) المغروس في الدار والبلاط والطوابيق يدخل
في البيع فإنها معدودة من أجزاء الدار (الثاني) ما هو مثبت فيها متصل بها ولكن لا على هذا الوجه كالرفوف
المتصلة وهي المسمرة أو التي أطرافها في البناء والخوابي وأحدثها خابية وهي الزير عند أهل مصر والأجاجين
والدنان المبنية للانتفاع بها في ترك الماء فيها أو غسل الثياب والسلالم المسمرة والأوتاد المثبتة للانتفاع بها في الأرض
والجدران والتحتاني من حجر الرحا المثبتة وخشب القصار ومعجن الخباز والسرر المسمرة والدرابزين وصندوق
رأس البئر وصندوق الطحان وفى جميع ذلك وجهان (أحدهما) وهو الذي جزم به المصنف أنها تدخل لثباتها
واتصالها (والثاني) لا تدخل لأنها إنما أثبتت لسهولة الارتفاق بها كيلا تتزعزع وتتحرك عند الاستعمال وعند
القاضي حسين المعلاق من هذا النوع الذي فيه وجهان وجعله في كل ما هو متصل ويمكن الانتفاع به بعد
270

الانفصال والأكثرون عدوا الأعاليق من القسم الأول وقد تقدم في حجارة رحا الماء عن صاحب
الحاوي وغيره أربعة أوجه ومحلها هناك في بيع الأرض وما نحن فيه في بيع الدار وفصل الماوردي في
الحباب المدفونة فقال إن كان دفنها استيداعا لها في الأرض لم تدخل في البيع وإن كان دفنها للانتفاع
بها على التأبيد كحباب الزياتين والبزارين والدهانين دخلت وهذا جزم منه بأحد الوجهين المتقدمين
كيلا يتزعزع ويتحرك عند الاستعمال (الضرب الثالث) المنقولات كالدلو والرشا والمجارف والسرر
والرفوف الموضوعة على الأوتاد والسلاليم التي لم تسمر ولم تطين والأقفال والكنوز والدفائن والصناديق
والمتاع ورحا اليد التي تنقل وتحول والخزائن المنفصلة وأقفالها ومفاتيحها والأبواب المقلوعة والحجارة
المدفونة والآجر الذي دفن ليخرج ويستعمل وكذا كل ما فصل من آلة البناء من آجر وخشب
فلم تستعمل أو كان أبوابا ولم تنصب وجزم الرافعي وجماعة بأن البكرة كالدلو من هذا النوع الذي
لا خلاف فيه وحكي القاضي حسين في البكرة وجهين وليس ببعيد فان البكرة كالمتصل وليست كالدلو
فلا يدخل شئ منها في البيع جزما وفى حجر الرحا الفوقاني إذا كان الرحا مبنيا وجهان (أصحهما) عند
المصنف وشيخه أبى الطيب والرافعي وهو اختيار أبي إسحاق الدخول ومقابله قول ابن أبي هريرة
وهما مفرعان على قولنا إن التحتاني يدخل (اما ان قلنا) بعدم الدخول فيه ففي الفوقاني أولى والاقيس عند
الامام أن لا يدخل واحد منهما وفى مفتاح المعلاق المثبت وجهان (أحدهما) أنه لا يدخل كسائر المنقولات
وهو قول ابن أبي هريرة (وأصحهما) عند الرافعي وغيره ويحكى عن صاحب التلخيص وأبى اسحق
المروزي أنه يدخل لأنه من توابع المعلاق المثبت قال صاحب الحاوي وهكذا كل ما كان متفصلا
271

لا يمكن الانتفاع به الا مع متصل بالدار فيه وجهان ورتب القاضي حسين الوجهين في المفتاح على
الوجهين في المتصل وأولى بعدم الدخول وفى ألواح الدكاكين مثل هذين الوجهين لأنها أبواب لها
وإن كانت تنقل وترد وقيل تدخل وجها واحدا لأنها كالجزء منها حكاه الروياني وهو المذكور
في التتمة قال الرافعي والذي يقتضيه العرف الدخول وهذا ميل منه إلى الطريقة التي حكاها الروياني
وان لم يذكرها وجزم ابن خيران في اللطيف بعدم دخول شريحة الدكان ودراباتها الا ما كان من
الدرابات مسمرا والبغوي صحح الدخول كما اقتضاه كلام الرافعي ولو جعل في الدار مدبغة وفيها
أجاجين مبنية فان قال بعتك هذه الدار ففي دخول الأجاجين خلاف مرتب على الخلاف المتقدم
فيها حيث لا تكون الدار مدبغة فالدخول ههنا أولى وان قال بعتك هذه المدبغة دخلت الأجاجين
قطعا فان لفظ المدبغة والمصبغة متضمنين للأجاجين المبنية فيها قال الامام ومراقي الخشب إذا أثبتت
اثبات تخليد فهي على الأصح كمرقى الآجر والجص بخلاف السلاليم وفى التتمة أن في أصل هذه المسائل
الخلاف في تجويز الصلاة إلى العصا المغروزة في سطح الكعبة ان جوزنا فقد عددناها من البناء
فتدخل والا فلا قال الرافعي وهذا يقتضى التسوية بين اسم الدار والمدبغة قال ابن الرفعة وفيه نظر
لان مأخذ الدخول على هذا ما يشير إليه اللفظ فتزل ذلك منزلة التصريح والدخول ويدخل في بيع
الدار التنور وعبر الشيخ أبو حامد عن هذا التقسيم بعبارة أخرى فقال ما يكون في الدار على ثلاثة
أضرب متصل ومنفصل لا يتعلق بمنفعة المتصل ومنفصل متعلق بالمتصل فالأول يدخل والثاني لا يدخل
والثالث فيه وجهان كالحجر الفوقاني من الرحا والمفتاح وذكر الروياني في توجيه القول بدخول الحجر
الفوقاني القياس على الأبواب مع أن الأبواب قائمة في الدورات غير مغروزة فيها والقائل الآخر
يفرق بأن الأبواب البقاء محيط بها وإنما تثبت منفصلة ليمكن ردها وفتحها.
272

(فرع) ذكر الامام أن هذا الخوف المذكور في الأجاجين المثبتة والحجر الأسفل من
الرحا والسلاليم المسمرة يجري في بيع الأرض إذا قلنا أنه يدخل في بيعها البناء والغراس.
(فرع) تقدم الخلاف في دخول الرحا مرتبا ومن ذلك يأتي فيهما ثلاثة أوجه وقال ابن
الرفعة انها مفرعة على النص في أن البناء والغراس يدخلان في بيع الأرض (أما) إذا قلنا بعدم الدخول
فلا يدخل واحد من الحجرين قولا واحدا وهذا منه رحمه الله إنما يحسن إذا كان الكلام في دخول
ذلك في الأرض ولم يجر لذلك ذكر وأنما كلامنا وحكاية الأصحاب لا وجه في ذلك في دخولها تحت
اسم الدار وحينئذ فيتجه الخلاف مطلقا لان الأبنية تندرج في بيع الدار إلا على ما قاله الجوزي وذلك
ضعيف جدا والله أعلم.
(فرع) الميزاب عده صاحب الحاوي مما يدخل فيحتمل أن يكون ملحقا بالأبواب
والضباب فيدخل جزما ويحتمل أن يكون ملحقا بالرفوف المتصلة فيجرى فيها الوجهان ويكون أطلق
القول فيه على رأى المصنف في دخولها ويدخل الاختصاص التي على السطح قاله صاحب التتمة.
(فرع) إذا كان في الدار بئر دخلت لبنها وآجرها قاله القاضي أبو الطيب وغيره ولا خلاف
في ذلك وممن صرح بعدم الخلاف فيه صاحب العدة في البئر وسيأتي الكلام في الماء أو صهريج
دخل البيع أيضا لأنه من جملة بنائها فهو كالخزائن والسقوف ذكره صاحب الاستقصاء ولو كان
وراء الدار بستان متصل بالدار لم يدخل في العقد وان قال بحقوقها لان اسم الحقوق لا يطلق على البستان
المتصل بالدار قاله القاضي حسين
273

(فرع) وأما حريم الدار فإن كانت في سكة غير نافذة دخل ولو كان في الحريم أشجار
ففي دخولها الخلاف في دخول الأشجار في الدار وإن كانت في سكة نافذة أو في طريق الشارع لم
يدخل الحريم قاله القاضي حسين وصاحب التهذيب والرافعي بل لا حريم لمثل هذه
الدار على ما سنذكر في إحياء الموات وقال المتولي ان الأشجار في الطريق النافذ لا تدخل إلا
بالتنصيص وفى غير النافذ إن أطلق العقد لم تدخل وان قال بحقوقها دخلت لان تلك البقعة وما فيها
من جملة حقوق تلك البقعة وهذا يقتضى أن الحريم في السكة غير النافذ لا يدخل إلا بالتنصيص وما
تقدم عن القاضي حسين والبغوي والرافعي أولى والله أعلم. وقال ابن خيران في اللطيف ان بئر المطر
إذا كانت في ملكه خارج الدار لم تدخل في البيع ولا شرط وهذا يوافق ما تقدم عن التتمة قاله
ابن الرفعة (قلت) قال في شرح الوسيط ثم يكتب بعده وهذا الذي ذكره ابن الرفعة صحيح وليس
اعتراض على كلام الأصحاب فان مقصودهم أنه حيث ثبت الحريم هل يدخل هو وأشجاره في بيع
الدار أم لا ولا شك أن الحريم ثابت في السكة المسندة إذا لم يكن فيها إلا تلك الدار وفى الصورة
التي فرضها ابن الرفعة أيضا والله أعلم. قال ابن الرفعة وحيث يدخل حريم الدار في بيع الدار ينبغي
أن يدخل حريم القرية في بيع القرية.
(فرع) إذا اتصل بالدار حجرة أو ساحة أو رحبة قال الماوردي وابن أبي عصرون لم يدخل
في البيع لخروج ذلك عن حدود الدار التي لا تمتاز عن غيرها الا بها ولا يصح العقد الا بذكرها
وهي أربعة حدود في الغالب فان استوفى ذكرها صح البيع وان ذكر حدا أو حدين لم يصح وان
274

ذكر ثلاثة فإن كانت الدار لا تتميز بالثلاثة بطل وان تميزت فالصحيح وفيه وجه أنه باطل
(قلت) وفى اشتراط ذكر الحدود إذا كانت الدار معلومة نظر والذي ينبغي الصحة إذا ذكر ما يميزها
ويمنعها من التباسها بغيرها وعلى ذلك ينبغي أن تتبعها الحجرة والساحة والرحبة المتصلة بها لاقتضاء
العرف ذلك (وأما) إذا ذكر الحدود وخرجت الأمور المذكورة عن الحدود فالامر كما قال الماوردي
وممن حكى الخلاف في مسألة الحدود تبعا للماوردي الشاشي في الحلية وقال ابن الرفعة ان الذي يظهر
من كلام الأصحاب الصحة إذا أطلق من غير ذكر الحدود وتميزت وحكى مع ذلك كلام الماوردي أيضا
والله أعلم بالصواب.
(فرع) حكاه الماوردي أيضا إذا اتصل بالدار ساباط على حائط من حدودها ففيه ثلاثة
أوجه (أحدها) أنه يدخل كالجناح (والثاني) لا يدخل الا بشرط كالحجرة والساحة (والثالث) وهو
تخريج أبى الفياض إن كان كل واحد من طرفي الساباط مطروحا على حائط لغيره هذه الدار لم يدخل
قال ابن عصرون وهو أصحهما وأطلق ابن خيران في اللطيف عدم دخول الساباط وذا باع دارا على
بابها ظلة مثبتة على جدارها دخل في مطلق بيع الدار خلافا لأبي حنيفة رحمه الله تعالى قال صاحب
العدة وقال لنا انها جزء من الدار وإذا دخل الميزاب فيه فهذا أولى.
(فرع) تقدم أن الأغاليق تدخل في المبيع والمفهوم ما كان مسمرا كالنصب المعهودة والدوار
المسمى بالكيلون وتقدم أن أقفال الخزائن المنفصلة ومفاتيحها وذلك ظاهر لان الخزائن
275

المنفصلة لا تدخل فهي أولى أما الأقفال الحديد المعهودة على الأبواب المثبتة فلا تدخل لأنها منقولة
كذلك يقتضيه كلام البغوي في التهذيب وغيره وأطلق ابن خيران في اللطيف وهو ظاهر لان العرف
لا يقتضى دخولها على الاطراد (تنبيه) يوجد في بعض المختصرات اطلاق القول بأن المفتاح
يدخل في بيع الدار (والصواب) ان ذلك محمول على مفتاح الغلق المثبت كالضبة والدوار كما نبهت
عليه (أما) مفتاح الغلق المنقول كالأقفال الحديد الذي ينقل فهو تابع للقفل فلا يدخل على ما تقدم
عن صاحب التهذيب وغيره قال أبن الرفعة انه لا خلاف في ذلك.
(فرع) تقدم عن أبي الحسين الجوزي أنه إذا رهن أرضا أو دارا ففي دخول البناء قولان
ونبهت هناك على غرابته وأنه على مسافة تقتضي جريان ذلك في البيع فان صح ذلك زال الحكم
بتبعية أكثر ما ذكرناه لأنه إذا لم يدخل البناء لا تدخل هذه الأشياء بطريق أولى لكن هذا بعيد
جدا لا يشهد له عرف وأما اللغة (1).
(فرع) وأما الشجر ففي دخولها في بيع الدار الطرق الثلاث التي مرت في دخولها في بيع
الأرض هكذا قال القاضي أبو الطيب والمحاملي والمصنف وغيرهم من العراقيين والقاضي حسين والرافعي
وكان يمكن أن يقال دخول الشجر هنا أولى من دخوله في بيع الأرض لان الدار أسم لجميع ما حواه
بناؤه من بناء وشجر وكذلك الأرض وحكى الامام والغزالي الخلاف في المسألة ثلاثة أوجه (ثالثها) انه
ان بلغت الأشجار مبلغها تجوز تسمية الدار بستانا لها لم تدخل في اسم الدار والا دخلت مالا وهذا

(1) كذا بالأصل فحرر
276

أعدل الوجوه وهذا منهما بناء على ما اختاراه أن الشجرة لا تدخل في بيع الأرض على الأصح عندهما
والا فمتى قيل بالتبعية في الأرض ففي الدار أولى واقتضى كلام الامام في الأوجه المذكورة أن التفريع
على اتباع الاسم أي على أن البناء والشجر لا يدخل في بيع الأرض وما قاله يؤيد ما ذكرته من الأولوية
وهو متجه في المعنى الا أن كلام أكثر الأئمة من العراقيين وغيرهم فإنه يمكن أن تكون الطرق
الجارية في استتباع الأرض للبناء والشجر جارية في استتباع الدار للشجر فعلى طريقة الاستتباع يدخل
الشجر ههنا وكذلك على القول بالاستتباع من طريقة طرد الخلاف (وأما) على طريقة تقدم الاستتباع
أو على القول الموافق لها من طريقة الخلاف فتجرى الأوجه الثلاثة التي ذكرها الامام في استتباع
الدار الشجر ومنشأها التردد في أن اسم الدار يشملها لا أنها تدخل تابعة فان التفريع على خلافه وليس
في ذلك الا زيادة على ما نقلوه وتفصيل لما أطلقوه وهو حسن وكيفما قدر فالأصح من المذهب الدخول
على غير طريقة الامام والغزالي والله أعلم. وقد وقع في التعبير عن الوجه الثالث تفاوت لطيف فعبارة
الامام ما قدمتها وكذلك الغزالي في البسيط وقال في الوسيط إن كان بحيث يمكن تسمية ذلك دون
الدار بستانا لم يندرج والا فيندرج وأولها ابن الرفعة على أن الشجر يسمى دون الدار بستانا وتكون
السدار داخلة تحت اسمه وحينئذ يوافق عبارة الامام والله أعلم.
(فرع) الباب إذا كان مغلوقا لا يدخل في بيع الدار والأرض الا بالشرط وكذلك ما استهدم
من البناء والخشب والآجر وغيره قاله ابن خيران في اللطيف وقد تقدم بعض ذلك عن غيره أيضا.
277

(فرع) باع سفينة قال الماوردي يدخل في البيع ما كان من البناء متصلا وفي دخول
مالا يستغنى عنه من آلتها المنفصلة وجهان يعني المتقدمين عن أبي إسحاق وابن أبي هريرة.
(فرع) تقدم الكلام في حجري الرحا ودخولهما تحت اسم الدار (وأما) لو قال بعتك هذه
الطاحونة قال الامام فالحجر الأسفل يدخل لا محالة وفي دخول الحجر الاعلى خلاف (والأظهر)
دخوله لان تعرضه باسمها للطحن والطحن لا يقع إلا بالحجر فهذا هو الذي لا يتجه غيره ولأجل هذا
الكلام من الإمام قال الغزالي في الوسيط انه لا خلاف في اندراجها تحت اسم الطاحونة أي لا خلاف
به احتفال وفي البسيط صرح بالخلاف كما ذكر الامام.
(فرع) إذا قال بعتك هذا الحانوت قال صاحب الاستقصاء قال الصيمري دخل في بيعها
الدر وندو العلج ولا يدخل في بيعها الدرايات لأنها منفصلة عنها فهي كالرفوف التي لم تسمر قال يعني
الصيمري (وأما) الشرائح فقد قيل تدخل في البيع وقيل لا تدخل (والصحيح) أنها إن كانت كالمبني
دخلت والا لم تدخل قال وما سوى ذلك فإن كان غير منصوب لم يدخل وإن كان منصوبا فقد قيل
يدخل كالباب المنصوب وقيل لا يدخل كالرفوف التي لم تسمر (قلت) وقد تقدم حكاية الوجهين
في الدراديب (وأما) المتصل بالحائط من الخشبة فإنه يدخل في البيع أيضا لاتصاله جزم به الماوردي.
(فروع) جرت عادة الأصحاب بذكرها في هذا الباب. لو باع العبد وفى أذنه حلق أو
في أصبعه خاتم أو في رجله حذاء لم يدخل في البيع لان ذلك ليس من أجزاء العبد وهل تدخل
278

ثيابه التي عليه في البيع فيه ثلاثة أوجه (أحدها) وهو الذي نسبه الماوردي إلى جميع الفقهاء لا لأنه
لا يدخل شئ من ذلك إلا بالتسمية. قال الروياني ولكن العادة جارية بالعفو عنها فيما بين التجار
(والثاني) وبه قال أبو حنيفة يدخل ذلك في مطلق البيع (والثالث) يدخل قدر ما يستر العورة
للضرورة كنعل الدابة وان باع دابة وعليها سرج ولجام لم يدخل ذلك في البيع وجها واحدا قاله
في الاستقصاء ولا يدخل في بيعها المقود والحبل قاله الروياني وحكى عن بعض الناس أنه يدخل في
بيعها المقود والحبل قال الماوردي وهو قول من أوجب في بيع العبد والأمة قدر ما تستر به العورة
ويدخل في بيع الدابة النعال المسمرة في أرجلها لأنها كالمتصلة بخلاف القرط في الاذن حيث لم يدخل
لان النعل يستدام والقرط لا يستدام قاله الماوردي وان باع سمكة فوجد في جوفها لؤلؤة أو جوهرة
لم تدخل في البيع ثم ينظر فإن كانت اللؤلؤة أو الجوهرة فيها أثر ملك من ثقب أو صنعة فهي لقطة
والا فهي ملك الصياد كما يملك من ما يأخذه من المعدة فان السمكة قد تمر بمعادن اللؤلؤ والجوهر
وربما ابتلعت شيئا منه قاله الماوردي. وان باع طيرا فوجد في جوفه جرادا أو سمكا قال الماوردي
دخل في البيع لأنه من أغذيته قال في الاستقصاء فهو كالحب في بطن الشاة قال الماوردي ولو وجد
في جوفها حماما لم يدخل في البيع وان ابتاع سمكة فوجد في جوفها سمكة جزم الماوردي بالدخول
لان السمك قد يتغذى بالسمك وحكي صاحب الاستقصاء أربعة أوجه (أحدها) هذا (والثاني)
لا يدخل بل هو على ملك البائع (والثالث) إن كان صغيرا دخل وإن كان كبيرا لم يدخل قال في
279

الاستقصاء قال الصيمري (والصحيح) أن يقال إن كان هذا الحوت مما يأكل الحيتان دخل في بيعه كما يدخل
في بيع الطير الذي يأكل الحيتان وإن كان مما لا يأكل لم يدخل الحيتان لم يدخل قال الماوردي قال الشافعي
ويؤكل الحوت والجراد الموجود في جوف الطائر قال الماوردي وهذا صحيح لكن بعد الغسل
لتنجسها بما في جوف الطائر فلو كان مأخوذا من جوف الحوت لم يجب غسله لان ما في جوف الحوت
ليس بنجس وما في جوف الطائر نجس (قلت) وما في جوف السمك وجهان (أظهرهما) عند
الرافعي النجاسة فعلى هذا يجب الغسل فيهما وان باع دجاجة وفى جوفها بيض دخل في البيع لأنه
من نماء الأصل فهو كالحمل قاله صاحب الاستقصاء.
(فرع) في مذاهب العلماء حكى عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال حقوق الدار
الخارجة منها لا تدخل في بيع الدار وإن كان متصلا بها وبهذا قال الشرطيون وكل حق هو لها
خارج منها احتراز من قوله وحكى عن زفر رحمه الله أنه قال إذا كان في الدار آلة وقماش دخل
في البيع ولهذا قال الشرطيون وكل حق هو لها ومنها احتراز من قوله قال ذلك صاحب الحاوي ورد
صاحب الحاوي على زفر بأنه لو دخل ذلك لدخل ما في الدار من عبيد وإماء وما أشبه ذلك وطعام
وما أحد قال هذا. قال الماوردي حكى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن جميع ما على العبد والأمة
من ثياب وحلي يدخل في البيع لأنه في يده.
280

قال المصنف رحمه الله تعالى.
(وأما الماء الذي في البئر فاختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحاق الماء غير مملوك لأنه لو كان
مملوكا لصاحب الدار لما جاز للمستأجر شربه لأنه اتلاف عين فلا يستحق بالإجارة كثمرة النخل
والواجب أن لا يجوز للمشتري رد الدار بالعيب بعد شربه كما لا يجوز رد النخل بعد أكل ثمرته فعلى
هذا لا يدخل في بيع الدار غير أن المشتري أحق به لثبوت يده على الدار وقال أبو علي ابن أبي
هريرة هو مملوك لمالك الدار وهو المنصوص في القديم وفى كتاب حرملة لأنه من ماء الأرض
فكان لمالك الأرض كالحشيش فإذا باع الدار فان الماء الظاهر للبائع لا يدخل في بيع الدار
من غير شرط وما يظهر بعد العقد فهو للمشتري فعلى هذا لا يصح البيع حتى يشترط أن الظاهر من
الماء للمشتري لأنه إذا لم يشترط اختلط ماء البائع بماء المشتري فينفسخ البيع.
281

(الشرح) قد تقدم أن بناء البئر والصهريج يدخلان في بيع الدار فاما الذي في البئر
فيحتاج إلى مقدمة وهي أن أصحابنا اختلفوا في أن الماء الذي في البئر هل يملك أو لا على وجهين
(أحدهما) وبه قال أبو إسحاق المروزي وهو اختيار الشيخ أبى حامد على ما حكاه صاحب البيان أن
الماء غير مملوك لأنه يجري تحت الأرض ويجئ إلى ملكه فهو بمنزلة الماء الذي يجري في النهر
إلى ملكه فإنه لا يملك بذلك هكذا قال القاضي أبو الطيب ولما ذكره المصنف أيضا وقياسه على
تمر النخل يعنى إذا استأجر الأرض يعنى فلما جاز للمستأجر شربه وجاز ردها بالعين بعد شربه دل
ذلك على أنه مباح غير مملوك وإنما منع منه قبل الإجارة لأنه لا يجوز له الدخول إلى ملك غيره
بغير حق فلو أن داخلا دخل واخذه ملكه واستدل أيضا بأنه إذا اشترى دارا واستقى من بئرها
ثم وجد بها عيبا كان له ردها (والثاني) وهو اختيار أبى على ابن أبي هريرة انه يملك ما ينبع في
أرضه من عين أو بئر لأنه نماء ملكه كلبن الشاة والبقرة والحشيش النابت ونقل هذا عن نصه في
282

القديم وعن كتاب حرمله وإنما جاز للمستأجر استعماله لأنه كالمأذون له بالعرف ولم يجب على المشتري
غرمه لان حكمه موضوع على التوسعة ومحل الوجهين فيهما إذا كان البئر مملوكة أما إذا قصد بحفرها الاستقاء
ولم يقصد التملك فالماء المجتمع فيها لا يكون ملكا بالاتفاق للأصحاب. إذا علم ذلك (فان قلنا) انه لا يملك
لم يدخل في بيع الدار وكل من استقاه وحازه ملكه (وإن قلنا) انه مملوك لم يدخل الموجود منه في
البيع لأنه ظاهر كالثمرة الظاهرة وما ظهر بعد العقد يكون للمشتري لأنه حدث في ملكه فعلى
هذا لا يصح بيع البئر أو الدار التي فيها البئر على أن الماء الموجود عند العقد للمشترى لأنه لو لم يشترط
كان باقيا على ملك البائع فيختلط بالماء الذي يحدث بعد العقد على ملك المشتري فيكون العقد
باطلا من أصله وهو يشبه ما إذا باع شجرة وعليها حمل ثمرة مؤبرة ويعلم أنه يحدث حمل آخر ويتلاحق
بالأول قبل امكان قطع الأول وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى ونقل الامام وغيره أن
من أصحابنا من اتبع الماء البئر وجعله كالثمرة غير المؤبرة وهذا الوجه غريب جدا ومع غرابته صححه
ابن أبي عصرون في الاستقصاء وقال إنه الأصح وانه يدخل في بيع الدار وان جهل المقدار منه كما يدخل
الحمل تبعا وجزم به في المرشد وهذا وإن كان خلاف المشهور فالفرق يقتضيه فليلخص من هذا أن
البيع على المشهور إذا أطلق في البئر والدار التي فيها لا يستتبع الماء لأنه باطل على قول ابن أبي هريرة
283

والباطل لا يستتبع وصحيح على قول أبى اسحق لكن الماء غير مملوك فلا يدخل في البيع فإذا
شرط دخوله على قول أبي هريرة كان ذلك بالشرط لا بالتبعية هذا ما ذكره العراقيون وقطعوا
به قال الامام ولست أرى قياسا ولا توفيقا يخالف ما ذكروه ولكن العادة عامة في المسامحة به فان
تناقلت (1) ناظر عن هذا فكذلك والامام لم يخالفهم في الحكم كما ترى وقد تقدم الوجه الذي نقله
هو في غير هذا الموضع ذكره في باب بيع الكلاب ولا يجوز بيع ماء البئر وحده باتفاق قال
الامام والماء الجاري أولى بالفساد (فان قلت) كيف صح اشتراطه وهو لو باع ماء البئر وحده لم يصح
أما على قول أبى اسحق فظاهر وأما على القول الآخر فلانه لا يمكن تسليمه كما في مسألة الثمار
ولا يجوز أن يبيعه جملة الماء الموجود والذي سيحدث لأنه مجهول معدوم وكذلك جزم القاضي
أبو الطيب وغيره هنا بأنه لا يجوز بيع ماء البئر (قلت) صحيح أن بيع ماء البئر وحده لا يجوز جزما
للعلة المذكورة وهي منتفية فيما إذا باعه مع البئر أو الدار لان الحادث حينئذ يكون على ملك المشتري فلا
يحصل اختلاط المبيع بغيره فقد أمنا من الفساد ويصح بيع البئر وما فيها من الماء كما قلنا في الدار
وقد اعترض زين الدين الحلبي شيخ صاحب الوافي على المصنف في قوله إنه إذا لم يشترط اختلاط
ماء البائع بماء المشتري فينفسخ البيع بان الماء الظاهر ليس يمنع فاختلاطه بماء المشتري لا يوجب

(1) كذا بالأصل فحرر
284

الفسخ وأجاب صاحب الوافي بأن الماء المجتمع حالة العقد في الأرض وهو غير ظاهر تابع للأرض
يدخل في العقد فيكون مبيعا فإذا اختلط بماء البائع فينفسخ العقد في قدر ذلك الماء المبيع لاختلاطه
قبل القبض بما لا يتميز منه فكان كالتالف قبل القبض وإذا تعذر القبض في أحد العينين المبيعين
هل يكون كالتعذر في الأخرى حتى يبطل في الجميع فيه خلاف ذكرناه في كتاب البيوع اه‍
ما أجاب به وأنا أقول إن اختلاط الماءين في هذه المسألة كاختلاط الثمرة الحادثة بالموجودة فيما إذا كان
المبيع هو الشجرة وسيأتي في آخر كلام المصنف أن الأكثرين على أنها على القولين في اختلاط الثمار
المبيعة بغيرها (والصحيح) عند المصنف من القولين المذكورين الانفساخ وإذا ثبت هناك أن اختلاط
الثمرة حيث تكون الشجرة مبيعة كاختلاط الثمرة حيث تكون نفسها مبيعة والثمرة هناك إذا علم تلاحقها
لا يصح البيع من أصله كما سيأتي فحيث تكون الشجرة مبيعة وعليها ثمرة مؤبرة يعلم تلاحقها بغيرها
ينبغي أن يكون كذلك ويبطل البيع من أصله وكذلك مسألة الماء في مسألتنا هذه فصح قول المصنف
بالانفساخ وليس معناه أن العقد ينعقد ثم ينفسخ بعد ذلك بالاختلاط ولكن هذا تعليل لبطلان
العقد من أصله لأنه إذا علمنا أن العقد لو أنعقد طرأ عليه ما يفسخه حكمنا ببطلانه من أصله لعدم الفائدة
فيه وهذا التصوير صحيح على رأي المصنف وغيره من الأصحاب فان الصحيح عنده وعند الأصحاب
285

فيما إذا كان اختلاط الثمار معلوما ببطلان البيع وإنما اختلف التصحيح فيما إذا كان الاختلاط نادرا
ثم وقع وأما ما أجاب به صاحب الوافي فلا يتجه لأن الصحيح عند المصنف وغيره أن تلف بعض
المعقود عليه قبل القبض لا يوجب البطلان في الباقي وإذا كان الصحيح عدم البطلان فكيف يخرج
عليه كلام المصنف هذا الذي جزم فيه بالانفساخ هذا فيما هو جزء كأحد المعنيين أما الماء الموجود
الكائن في الأرض عند البيع فقد يقال إنه ليس بمنزلة الجزء بل هو وصف متعذرة أو يبلغه قبل
القبض بمنزلة العيب الحادث قبل القبض يوجب الخيار ولا يقتضى البطلان جزما والله أعلم.
(فرع) وأما العيون المستنبعة والأودية والعين ففي تملك مائها أيضا وجهان وقرارها مملوك ولا
يجوز بيع مائها لم تقدم بلا خلاف لاختلاط المبيع بغير المبيع ويجوز بيع قرار العين أو سهم منها ويكون
لمشتري ذلك حق في الماء لثبوت يده على الأصل قاله الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وغيرهما ولا
يجوز أن يبيعه سهما من الماء وكذلك لا يصح أن يقول بعتك يوما أو ليلة أو كذا وكذا يوما من الماء لان
الزمان لا يصح بيعه والماء الذي في العيون والآبار لا يصح بيعه قاله صاحب البيان ولو باع العين قال الأصحاب
والحيلة فيمن أراد أن يشتري ماء العين أو سهما منه أن يشترى العين أو سهما منها فيكون ما يحدث من الماء على
ملكه على قول ابن أبي هريرة ويكون أحق به على قول أبى اسحق قال صاحب البيان هكذا ذكر أصحابنا
286

وعلى قياس ما ذكروا في بيع الدار التي فيها بئر ما إذا اشترى العين أو سهما منها (إذا قلنا) الماء مملوك
فيشترط أن يشترى مع العين الماء الظاهر وقت البيع لئلا يختلط ماء المشترى بماء البائع فينفسخ البيع
ويشترط رؤية الماء وقت البيع ولا تكفى الرؤية المتقدمة لأنها رؤية للماء الحادث وقت الرؤية لا لما
يحدث بعده قال المحاملي ولو باع العين والماء الذي فيها لم يجز لأنه بيع معلوم ومجهول هكذا قال وفيه
نظر لأنه إن كان مراده الماء الحاصل فيها فهو كبيع البئر ومائها وقد تقدم أنه جائز وإن كان مراده
الذي يحدث بعد البيع فيمكن أن يسلم له الحكم بالبطلان لكن بغير العلة التي ذكرها بل
لأنه بيع موجود ومعدوم ويمكن أن يقال إن ذلك يصح لأنه بيان لمقتضى العقد إذا كان الحادث
تابعا وان أراد الماء الموجود وان ذلك فيما إذا لم يعلم مقداره فمثله يجري في ماء البئر وشرط صحة
البيع في البابين العلم والله أعلم. ولو باع مائة منا من الماء الذي في البئر وقلنا الماء مملوك ففي صحة
البيع وجهان مبنيان في النهاية على ما إذا رأى المودجا من لبن الضرع (1) لان بعضه مرئي وبعضه
غير مرئي يشترط أن يكون المقدار المبيع من ماء البئر يعتقد بالتزايد فيه كما في لبن الضرع ولو باع مائة
منا من ماء نهر كان ممنوعا وجها واحدا ولو باع من النهر من غير تعرض للماء صح والقول في الماء كما
تقدم في البئر وان باع النهر مع مائه الجاري فيه وقلنا الماء غير مملوك وغير
مملوك مجهول وان قلنا مملوك فقد جمع بين مجهول ومعلوم والأصح في مثله بطلان البيع في الجميع.

(1) بياض بالأصل فحرر
287

(فرع) عن الامام لو كان في الأرض المبيعة نهر فالكلام في مائه كالكلام في ماء البئر
قال ابن الرفعة ولعل محله إذا كان واقفا فيه دون ما إذا كان جاريا فليتأمل (قلت) ويتعين حمله على
ذلك لما تقدم أن الجاري لا يجوز بيعه جزما.
(فرع) وأما الماء الذي يؤخذ من مطر أو نهر أو غيرهما ويجعل في صهريج قال في الاستقصاء
فقد قال أبو الفتح نصر المقدسي رحمه الله فعندي أنه يدخل في البيع إلا بالشرط ولا في الإجارة إلا
بلفظ الإباحة قال وهذا صحيح لأنه ليس من نماء الأرض فهو كسائر المائعات من الزيت وغيره إذا
خلط فيه.
(فرع) المياه الجارية في الأنهار كالفرات ودجلة وجيحون والنيل وغيرها من الأنهار الكبار
والصغار ليست مملوكة لاحد وجها واحدا لأنها تنبع من المواضع التي ليست مملوكة كالجبال
والشعاب ومن استقي شيئا منها وحازه ملكه وإذا جرى ماء من هذه الأنهار إلى ملك انسان كماء المد
يدخل في أرضه لم يملكه إلا بالحيازة بل يكون أحق به وإذا حفروا أنهارا فاجروا فيها من هذه الأنهار
ماء فليس أيضا بمملوك ولهذا يحل للعطشان أن يشرب منها بغير إذن مالك النهر قاله القاضي أبو
الطيب وغيره ولو باع مقدارا من ماء نهر جار أرضه مملوكه لم يصح لأنه لا يمكن تنزيل العقد على معين
فيه يمكن تسليمه قال صاحب البيان وعلى قياس هذا ما يقع في أرضه من ماء المطر فإنه لا يملكه
ولا يصح بيعه وجها واحدا لأنه إنما يملك ماء البئر على قول أبى على لأنه نماء أرضه وليس
هذا بنماء أرضه وإنما هو أحق به كما لو يوجد في أرضه صيد (قلت) وهذا ما لم تحصل حيازته (أما) إذا
أخذه وحازه ملكه وفى البيان أن أصحابنا أجمعوا على أنه لو احتاز ماء من نهر عظيم ثم أعاده إليه أنه
288

لا يختص بشركة في هذا النهر قال وان أتلف رجل على غيره ماء فهل يلزمه قيمته أو مثله فيه وجهان
(قلت) وهذا الخلاف على إطلاقه يقتضى الخلاف في أن الماء مثلي أو متقوم والمعروف أنه مثلي وأنه
إذا أخذه في مفازة ثم غرمه في البلد يغرم قيمته والبئر الذي ليس بمملوك بأن قصد حافره في الموات
الاستقاء منه وعدم تملكه فما فيه من الماء لا يملك قولا واحدا نقله الامام عن الشيخ أبي على فلا
يصح بيعه.
(فرع) فاما ما تولد في أنهار الأرض وعيونها من السمك فلا يملك على الوجهين وجه أبى
إسحاق ووجه ابن أبي هريرة الا بالحيازة كما لا يملك ما فرخ من الصيد في أرضه الا بأخذه وإنما له
منع الناس من ذلك لما فيه من دخول أرضه والتصرف في ملكه فان أخذوه ملكوه دونه
قاله الماوردي.
(فرع) ذكره الروياني في هذا الموضع وان لم يكن له به ذاك التعلق إذا قال بعتك جميع
حقي من هذه الدار وهو عشرة أسهم من عشرين سهما وكان حقه خمسة عشر وقع العقد على عشرة
أسهم (قلت) وقد يتخيل أن ذلك كما إذا قال بعتك هذه الصبرة على أنها عشرة آصع فخرجت أكثر
وليست مثلها فان الصبرة المشاهدة يتعلق الغرض الأعظم بعينها كلها وفى الجزء المشاع يتعلق الغرض
الأعظم بما يذكر من مقداره والله أعلم. (تنبيه) هذا القول الذي نقله المصنف عن أبي إسحاق
هل هو القول الذي يقول أن لا يملك قط لا بالإجارة ولا بغيرها أو غيره قال ابن أبي الدم هو غيره
ومذهب أبي إسحاق في ماء البئر خاصة قبل الإجارة وهو الخلاف المذكور في أن من حفر بئرا
289

في ملكه فاجتمع فيها ماء هل يملك ذلك الماء بمجرد كينونته في البئر أم لا يملكه حتى يحتازه باناء
أو ظرف وجهان مشهوران (قال) أبو إسحاق لا (قال) ابن أبي هريرة نعم ولا خلاف عندهما أنه يملك
بالإجازة (وأما) ذلك الوجه البعيد الذي حكاه الامام أن الماء لا يملك قط بالإجارة ولا غيرها فهو
مهجور غير مشهور قال لم أر أحدا حكاه سواه ولا تفريع عليه وهذان الوجهان ذكرهما المصنفون في
الطريقتين وفرعوا عليهما.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(وإن كان في الأرض معدن باطن كمعدن الذهب والفضة دخل في البيع لأنه من أجزاء
الأرض وإن كان معدنا ظاهرا كالنفط والقار فهو كالماء مملوك في قول ابن أبي هريرة وغير
مملوك في قول أبى اسحق والحكم في دخوله في البيع على ما بيناه في الماء وان باع أرضا وفيها ركاز
أو حجارة مدفونة لم تدخل في البيع لأنها ليست من أجزاء الأرض ولا هي متصلة بها فلم تدخل
في بيعها).
(الشرح) النفط (1) والقار (2) (أما) الأحكام ففيه مسألتان (إحداهما) المعدن على قسمين
باطن وظاهر وقال القاضي أبو الطيب والماوردي جامد وذائب (القسم الأول) الباطن قال صاحب
الاستقصاء أي غير متميز عن الأرض كالذهب والفضة والفيروزج والرصاص والنحاس وسماها القاضي
أبو الطيب والماوردي معادن الجامدات فيدخل في بيع الأرض جزما لما ذكره المصنف ولا فرق بين

(1) بياض بالأصل فحرر
(2) بياض بالأصل فحرر
290

المعدن المذكور وبقية أجزاء الأرض الا أن بعض الاجزاء أفخر من بعض ولا يجوز بيع معدن الذهب
بالذهب ولا معدن الفضة بالفضة ويجوز بغير الأثمان قولا واحدا وهل يجوز بيع معدن الذهب أو معدن
الفضة بالذهب فيه قولا الجمع بين بيع وصرف قاله الروياني (والقسم الثاني) المعدن الظاهر أي المتميز
عن الأرض وهي أعين للمائع كالنفط والقار والموميا والملح والكبريت والزئبق والكلام فيه كالكلام
المتقدم في الماء حرفا بحرف وممن ذكر المسألة كما ذكرها المصنف الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب
والماوردي والمحاملي والرافعي وغيرهم وجزم الغزالي في الوسيط بعدم الدخول فيه مع حكاية الخلاف في
الماء قال ابن الرفعة وحمله على ذلك قول الإمام إذا باع الأرض وفيها معدن فما يتجدد بعد البيع للمشترى
وما كان مجتمعا فهو للبائع ولا تردد فيه بخلاف الماء فان من الناس من قال لا يملك (قلت) فان أراد
الامام ان من الناس من لا يملك أصلا ولا بالحيازة كما هو وجه بعيد حكاه هو فصحيح ان ذلك
الوجه لا جريان له في المعدن لكن لا أثر لذلك في مسألتنا لان الكلام ما دام في مقره قبل الحوز
وان أراد به لا يملك ما دام في البئر فالمعدن كذلك عند أبي إسحاق القائل بذلك في الماء كما صرح به
المصنف هنا وغيره وهذا الذي ذكرناه في بيع الأرض المشتملة على المعدن جار بعينه في بيع الدار
المشتملة على المعدن وفى الدار فرض الغزالي المسألة في الوسيط (المسألة الثانية) إذا باع أرضا فيها
ركاز أي كنز مدفون من ذهب أو فضة أو خشب أو آجر أو حجارة مدفونة أو غير ذلك سواء كان
291

من دفين الجاهلية أو من دفين الاسلام لا يدخل في البيع ولا يحل للمشترى أخذه إذا وجده لان
ذلك ليس من أجزاء الأرض ولا من نمائها ولا متصلا بها فلم يدخل كمتاع البيت والطعام الذي فيه
(والظاهر) أنه لمن ملكت منه الدار فإذا ادعاه فهو له وان لم يدعه فهو لمن ملكه البائع منه وعلى
هذا أبدا. هكذا ذكر الشيخ أبو حامد والمحاملي وغيرهم من الأصحاب (المسألة الثانية) الأحجار على
ثلاثة أقسام (الأول) أن تكون مخلوقا في الأرض فتدخل في بيع الأرض كما يدخل قرار الأرض وطينها ثم هي على
ثلاثة أضرب (الأول) أن يضر بالزرع والغرس جميعا فهي عيب إذا كانت مما يقصد لذلك وفيه وجه
أنه ليس بعيب وإنما هو فوات فضيلة وشرط الماوردي والمتولي في كون ذلك عيبا أن تكون الأرض
مبيعة بغير الغراس والزرع قال المتولي فلو اشتراها للبناء فهي أصلح له فلا خيار وينبغي أن يحمل كلامهما
على ما إذا لم يكن مقصوده الزرع والا فالبيع لا يعين جهة المنفعة فيه وليس كالإجارة (الضرب الثاني)
يضر بالغراس دون الزرع لوصول عروق الغراس إليها دون الزرع فوجهان (أحدهما) أنه عيب (والثاني)
ويحكى عن أبي إسحاق المروزي أنه ليس بعيب ولا خيار فيه لان الأرض إذا كانت تصلح للغرس دون
الزرع أو الزرع دون الغرس لم يكن ذلك عيبا لكمال المنفعة بأحدهما قال الروياني وكذلك لو كانت
تصلح للغرس دون الزرع قال الماوردي (والأصح) عندي أن ينظر في أرض تلك الناحية فإن كانت
مرصدة للزرع أو بعضها للغرس وبعضها للزرع فليس هذا بعيب وإن كانت مرصدة للغرس فهذا عيب
لان العرف المعتاد يجرى مجرى الشرط قال ولعل اختلاف الوجهين محمول على هذا التفصيل فلا يكون
292

في الجواب اختلاف لكن ذكرت ما على وبينت ما اقتضته الدلالة عندي (قلت) وهذا حسن
ووافقه الغزالي فيه وهو يقتضى انها إذا كانت في موضع غير معد للزرع ولا للغرس كالأراضي بين
البنيان في كثير من المواضع فيكون فوات منفعة الزرع والغرس جميعا فيها ليس بعيب ولذلك شرطنا
في أول الكلام تبعا للرافعي أن تكون مقصودة للغراس والزرع واستثني هو أيضا أن تكون
الأرض مبيعة لغير الغراس والزرع والله أعلم. (الضرب الثالث) أن لا تكون مضرة بالغراس ولا
بالزرع لبعد ما بينهما وبين وجه الأرض فليس هذا بعيب ولا خيار للمشترى (القسم الثاني) من أحوال
الحجارة أن تكون مبنية في الأرض كالتي تكون في أثاثات الجدارات وما أشبهها فهي داخلة في البيع
أيضا لأنها موضوعة للاستدامة وهذا على المذهب في أن بيع الأرض يستتبع البناء والطرق التي تقدمت
في ذلك جارية فيه حرفا بحرف كما اقتضاه كلام الامام وغيره قال في البحر وكذلك إن كان البناء
منهدما أو كانت في طي بئر خراب وهذا الكلام في الدخول (وأما) كونها عيبا فقد جعلها الرافعي
(1) في كونها عيبا إذا كانت مضرة بالغراس والزرع كالمخلوقة (وأما) الماوردي فإنه قال إن
الغالب فيما بني على الأرض من حجر أنه غير مضر بزرع ولا غرس لان العروق جارية في مسناة
الأرض ومشاربها قال فإن كانت كذلك فلا خيار وإن كانت مبنية بخلاف العرف في موضع مضر
بالزرع فللمشتري الخيار على ما مضى الا أن يسهل قلعها لقصر المدة وقلة المؤنة فلا خيار (2) أثبتنا

(1) بياض بالأصل فحرر
(2) بياض بالأصل فحرر
293

الخيار فاختار اتمام البيع فإنه يمسك الأرض والحجارة بجميع الثمن (القسم الثالث) أن تكون مدفونة
فيها كما فرضه المصنف وقيل إن ذلك كان عادة أهل الحجاز ينحتون الأحجار ويدفنونها إلى وقت
الحاجة إليها ولا خلاف انها لا تدخل في بيع كالكنوز والأقمشة نص عليه الشافعي رضي الله عنه
والأصحاب وقول المصنف ليست من أجزاء الأرض احتراز من المعدن (وقوله) ولا هي متصلة بها احتراز
من البناء والغراس ثم لا يخلو المشترى اما أن يكون عالما بالحال أو جاهلا إن كان عالما فلا خيار له
في فسخ العقد وان تضرر بقلع التابع سواء كانت الأرض خالية عن غراس وبناء أو غير خالية ودخل
في العقد اما تبعا أو مع التصريح وللبائع النقل وان أضر بالمشتري بأن كان تنقص قيمة الأرض أو
الغراس أو الزرع الداخل في العقد أو الذي أحدثه المشترى بعده أو لم ينقص وان أبى البائع القلع
فللمشتري اجباره عليه سواء كان تبقيتها تضر أولا. وفى الوسيط حكاية وجهه أنه إذا لم يتضرر لم يجبره
على البقل وسيأتي مثله فيما إذا كان جاهلا (والصحيح) الأول وأن للمشترى اجبار البائع على القلع والنقل
تفريغا لملكه بخلاف الزرع فان له أمدا ينتظر ولا أجرة للمشترى في مدة القلع والنقل وان طالت
كما لو اشترى دارا فيها أقمشة وهو عالم بها لا أجرة له في مدة النقل والتفريغ ويجب على البائع إذا نقل
تسوية الأرض. وإن كان المشترى جاهلا بالحجارة فللحجارة بالنسبة إلى الضرر في قلعها وتركها أحوال
أربعة (أحدها) أن يكون تركها غير مضر لبعدها عن عروق الغراس والزرع وقلعها غير مضر لأنه
294

لم يحصل في الأرض غراس ولا زرع فالبيع لازم ولا خيار للمشترى وللبائع النقل وللمشتري اجباره
عليه على المذهب وحكى الامام وجها ضعيفا أنه لا يجبر والخيرة للبائع والمذهب الأول قال الأصحاب فلو
سمح بها للمشترى لم يلزمه القبول لأنها هبة محضة والرافعي أطلق تصوير المسألة في نفى الضرر فلم يحتج
إلى زيادة على ذلك والماوردي أراد بالضرر ضرر الزرع والغراس فلذلك قال ما نذكره ملخصا من كلامه
وكلام غيره وهو أنه إذا قلعها فإن كان المشترى عالما بالحجارة فلا أجرة له على البائع في مدة القلع
لان علمه بها يجعل قلعها مستثنى كتبقية ثمرة البائع على نخل المشترى وإن كان المشترى غير عالم
بالحجارة فإن كان زمان القلع يسيرا لا يكون لمثله أجرة كيوم أو بعضه قاله الماوردي وغيره فلا أجرة
على البائع وإن كان كثيرا كيومين وأكثر قاله البندنيجي فإن كان بعد قبض المشترى وجب على
البائع أجرة المثل على الصحيح لتفويته على المشترى منفعة تلك المدة وهل يجب عليه تسوية الأرض
واصلاح حفرها بقلع الحجارة فيه طريقان (أحدهما) القطع بالوجوب وهو قول الماوردي (والثانية)
على وجهين في التتمة ولا خيار وان للمشترى كما لو قطع البائع يد العبد المبيع بعد القبض وجب الأرش
ولا خيار وإن كان قبل قبض المشتري ففي وجوب الأجرة على البائع وجهان (أحدهما) نعم كما بعد
القبض (والثاني) ونسبه الماوردي إلى جمهور أصحابنا أنه لا أجرة عليه لان منفعة الأرض قبل القبض
مفوتة على المشترى بيد البائع على الأرض أخذا من أن جنايته كالآفة السماوية (فاما) تسوية الأرض
295

واصلاح حفرها ففيه طريقان قال الماوردي فلا يجب على البائع وجها واحدا لكن يجب بذلك
للمشترى خيار الفسخ لأنه عيب كما لو قطع البائع يد العبد المبيع قبل القبض وقال غيره فيه وجهان
(الحالة الثانية) أن يكون تركها مضرا لقربها من عروق الغراس والزرع وقلعها مضر لما في الأرض من
غراس وزرع فإن كان المشترى عالما بالحجارة وبضررها فلا خيار له في الفسخ ولا أجرة له في القلع
وأن كان جاهلا اما بالحجارة واما بضررها اما في القلع واما في الترك فله الخيار هكذا يقتضيه كلام
الأصحاب وقال الرافعي للمشترى الخيار سواء جهل أصل الأحجار أو كون قلعها مضرا
فأغفل قسما آخر لم يشمله كلامه وهو ما إذا كان عالما بالأحجار وبكون قلعها مضرا
ولكن جهل كون تركها مضرا فمفهوم كلامه أنه لا يثبت له الخيار وليس كذلك لأنه لا فرق بين ضرر
الترك وضرر القلع في ذلك وقد يطمع في أن البائع يتركها فلا يحصل ضرر. إذا علم ذلك فإذا ثبت
الخيار قال الأصحاب لا يسقط خياره بأن يترك البائع الأحجار لما في بقائها من الضرر وهل يسقط الخيار
بأن يقول للمشترك لا تفسخ لاغرم لك أجرة مدة النقل فيه فيه وجهان عن رواية صاحب التقريب (أصحهما)
عند الامام والرافعي لا كما لو قال البائع لا تفسخ لاغرم لك الأرش ثم إن فسخ رجع بالثمن والا فعلى البائع
النقل وتسوية الأرض سواء كان النقل قبل القبض أم بعده هكذا قال الرافعي وقد تقدم عن الماوردي أنه
إذا كان قبل القبض لا تجب التسوية وجها واحد بل يثبت به الخيار وكذلك صرح به ههنا هو
296

والشيخ أبو حامد ورجحه الروياني (أما) بعد القبض فتجب التسوية على المشهور وقد تقدم ذكر
وجهين في التتمة وفى أجرة النقل ثلاثة أوجه (ثالثها) وهو الأظهر وهو قول أبى اسحق المروزي على
ما نقله أبو الطيب الفرق بين أن يكون النقل قبل القبض فلا يجب أو بعده فيجب (والصحيح) عند
الشيخ أبى حامد أنها لا تجب مطلقا والكلام في وجوب الأجرة والتسوية في هذا القسم والذي قبله
297

واحد وكذلك لم يتكلم الرافعي عليه إلا في هذا القسم واعلم أن الرافعي رحمه الله تعالى أطلق الخلاف في
وجوب الأجرة هكذا ومن جملة أقسام ما فرضه أن يكون عالما بالحجارة جاهلا بضررها مع أن الرافعي أطلق
أولا أيضا أنه متى كان عالما بالحال فلا أجرة وقد يقع بين هذين الكلامين التباس فالصواب في بيان ذلك
وتحرير حمل وجوب الأجرة ما قاله والقاضي أبو الطيب والماوردي جعلا محله إذا كان جاهلا بالحجارة وبضررها
298

فإن كان عالما بالحجارة غير عالم بضررها فإنه يثبت له الفسخ لعدم علمه بالضرر ولا يستحق الأجرة وان أقام
لعلمه بالحجارة وان العلم بها يجعل زمان قلعها مستثنى وكذلك قال في القسم الذي تقدم وينبغي أن
ينزل كلام الرافعي على هذا التفصيل فإنه مع العلم بالحجارة يمنع ايجاب الأجرة كالثمرة المؤبرة وزمان
تفريغ الدار من القماش وما أشبه ذلك قال الرافعي ويجرى مثل هذا الخلاف في وجوب الأرش لو
299

بقي في الأرض بعد التسوية نقصان وعيب وكذا قاله القاضي حسين فسلكا بالأرش مسلك الأجرة
ولم يسلكا ولا من وافقهما فيما تقدم بالتسوية مسلك الأجرة بل أوجبوها مطلقا وكذلك الشافعي رضي الله عنه
في الام أطلق وجوب التسوية وهو الذي قاله المحاملي والقاضي حسين والامام وابن أبي هريرة
أيضا أوجب التسوية قبل القبض ولم يوجب الأجرة كما فعل الرافعي وقد يقال في الفرق إن المنافع
300

والأوصاف لا يقابلها شئ من الثمن فلذلك ثبت له الخيار فقط لأنه عيب ولم يضمن تخريجا على أن
جناية البائع كالآفة السماوية (وأما) الحفر في الأرض فإنه أذهب بعض أجزاء المبيع لان التراب بعض
الأرض فيجب عليه اعادتها ولذلك قال ابن الرفعة خيال ضعيف ثم هو غير مستمر لان التراب الذي
كان في موضع الحفر كان قد بان وسلك به مسلك الاجزاء فينبغي انفساخ العقد فيه وليس كذلك
301

وإن كان باقيا قد زاله عن ذلك الموضع عيب فرده من باب إزالة المعيب ولا يلزمه وايجاب عين أخرى
يسوى بها الحفر أبعد والله أعلم وممن صرح بأن الأرش كالأجرة صاحب التقريب فيما حكاه عنه
الامام أنه حكى في الأرش الأوجه الثلاثة التي في الأجرة وقد جعل صاحب التتمة حكم التسوية قبل
القبض مبنيا على جناية البائع (ان قلنا) كالآفة السماوية لم يجب وهذا يوافق ما ذكرناه عن الماوردي
302

وهو الصواب وحكى صاحب التتمة وجهين في وجوب التسوية بعد القبض لان التسليم في القدر
المتصل بملكه لم يتم كما يقوله فوضع الجوائح والشافعي رحمه الله تعالى في الام أطلق وجوب التسوية
ولم يفصل بين ما قبل القبض وبعده ولذلك قال ابن الرفعة ان الذي يقع في النفس صحته الجزم بوجوب
التسوية والاجبار عليها كما هو ظاهر النص وقول الجمهور ولا نظر إلى ما بعد القبض وقبله فان التسوية
عبارة عن الموضع الذي يجب تسليمه فيه إلى غيره وجب عليه إعادته إلى ذلك الموضع بلا خلاف
وعقب الطلب انتهى واعلم أن الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم المطلقين وجوب التسوية لم يبينوا
303

ما إذا كانت مواضع الأحجار تحتاج في تسويتها إلى تراب آخر هل يلزم البائع احضاره من خارج أو
تسويتها ببقية الأرض أو يعيد إلى تلك الحفر التراب الذي أخذ منها بالقلع خاصة وان لم يحصل به
سدها كما أشعر به كلام ابن الرفعة المتقدم لكن المفهوم من لفظ التسوية هذا القسم الآخر فإنه لا تسوية
فيه لا سيما إذا كان مواضع الحجارة حفرا كبارا والتراب الذي فوق الحجارة يسير فإذا قلعت الحجارة
بقي موضعها حفرا لا يسده ذلك التراب الذي فوقها ولا تتساوى ببقية الأرض فحمل التسوية على
هذا المعنى فيه بعد وعلى تقدير ارادته يتجه الجزم بوجوب التسوية وفاء بمقتضى العقد وتسليم المعقود
عليه على حاله وسواء في ذلك إذا لم يحصل بنقل التراب عن محله بالقلع عيب في الأرض أو حصل
304

ولكن أجاز المشترى فان الإجازة لا تمنع من المطالبة بتسليم عين أجزاء المبيع على حالها وعلى هذا
لو عدم ذلك التراب المنقول بالكلية وكان له قيمة ينبغي أن يكون كتلف بعض المعقود عليه وإن كان
المراد القسم الثاني وهو أن تسويته ببقية الأرض فبعيد لأنه لا يحصل بذلك إعادة المبيع إلى ما كان
بل يتغير كله وإن كان المراد التسوية بالتراب المقلوع قان لم يكف فبتراب جديد فحينئذ لا يتجه الجزم
بوجوبه لان الزام البائع بتراب جديد لم يضع يده على مثله مع إجازة المشتري العقد بعيد بل الذي
يتجه أن يقال إن البائع يجب عليه كمال التسليم بمقتضى العقد ومن ضرورته قلع الأحجار وإزالة التراب
اللازم ثم إعادته على ما كان فإن لم يحصل بذلك زيادة عيب فلا كلام وان حصل عيب قبل القبض
وكان المشترى قد أجبر البائع على القلع بعد اطلاعه على الأحجار وعلمه بالحال فلا شئ له غير رد
التراب لان اجباره على القلع رضا بما يحصل منه من العيب وان جهل الحال فان حصل ذلك قبل
القبض ثبت له الخيار فان فسخ فذاك وان أجاز وجب التراب خاصة وإن كان بعد القبض وكان
ذلك مع جهل المشترى بالحال فان العقد لم يتضمنه وجهل المشترى أثبت له الخيار فإذا أسقطه بالإجازة
لم يبق له شئ آخر ثم التعيب الحاصل من القلع إن فرض غايته أن يجعل لتقدم سببه كعيب حاصل
في يد البائع والمشترى قد رضي به لما ألزمه البائع بالقلع الذي ذلك التعيب من لوازمه فلا شئ له سواء
305

كان قبل القبض أم بعده ولعل ذلك مأخذ الشيخ أبي حامد ومن وافقه في قولهم بان التسوية لا تجب
مطلقا قبل القبض وبعده لكنه خلاف نص الشافعي رضي الله عنه وحينئذ اختار طريقة مفصلة
وهي أن إعادة التراب الزائل بالقلع واجبة والزائد على ذلك أن وقع ذلك قبل القبض وحصل به عيب
خرج على جناية البائع (والأصح) أنها كالآفة السماوية فيقتصر على اثبات الخيار وإن كان بعد القبض
فيتخرج على القطع في يد المشترى بالسرقة السابقة في يد البائع (والأصح) أنه من ضمان البائع فتجب
التسوية إن وقع بغير مطالبة المشتري وان وقع بمطالبة المشترى ففيه نظر وفي مأخذ الخلاف في الأرش
ولزوم التسوية مزيد كلام مذكور في الغصب هذا كله إذا كان لذلك الزمان أجرة والا فلا أجرة
على ما تقدم قال الماوردي وعلى جميع الأحوال ليس البائع أقدار الحجارة في الأرض ان أقام المشترى
على البيع (الحالة الثالثة) أن لا يكون في قلعها ضرر ويكون في تركها ضرر فيؤمر البائع بالقلع والنقل
ويجبر عليه ولا خيار للمشترى كما لو اشترى دارا فلحق سقفها خلل يسير يمكن تداركه في الحال أو
كانت منسدة البالوعة فقال أنا أصلحه وأنقيها لاخيار للمشتري (قلت) وههنا أولى بعد الخيار لان
البائع مأخود بدفع الضرر عنه وهناك لا يلزم البائع الاصلاح وإزالة الخلل ثم إن الماوردي على عادته
306

لما فسر الضرر بضرر الغراس والبناء قال ثم القول في الأجرة وتسوية الأرض على ما مضي فان أطلقت
الكلام كما صنع الرافعي لم يحتج إلى ذلك وقد ذكر المصنف هذه الحالة في باب الرد بالعيب وسنشرحها
هناك إن شاء الله تعالى (الحالة الرابعة) أن يكون في قلعها ضرر ولا يكون في تركها ضرر فللمشتري الخيار
إذا كان جاهلا فان أجاز نفى الأجرة ولأرش ما مر ولا يسقط خياره بأن يقول أقلع وأغرم الأجرة أو أرش
النقص قال صاحب التهذيب ويجئ فيه مثل الخلاف المذكور في الحالة الثالثة ولو رضي البائع بترك
الأحجار في الأرض سقط خيار المشترى ابقاء للعقد ثم ينظر إن اقتصر على قوله تركتها فهل هو
تمليك أو مجرد اعراض لقطع الخصومة فيه وجهان حكاهما الرافعي وهما كالوجهين في ترك النعل على
الدابة المردودة بالعيب (أحدهما) أنه تمليك ليكون في مقابلة ملك حاصل (وأظهرهما) أنه قطع
للخصومة لا غير وبالأول أجاب الماوردي وينبني على الوجهين ما لو قلعها يوما ما أو بدى للبائع
في تركها هل يمكن من الرجوع والأكثرون ان له ذلك ويعود خيار المشتري وهو القياس وقال
الماوردي والامام لا رجوع ويلزم الوفاء بالترك الا إذا جرت حالة يزول فيها المعنى المقتضى للترك قال
الماوردي لأنه يجري مجرى الابراء الذي لا يجوز الرجوع فيه ولا يعتبر فيه القبول وداعي الامام
307

أنه لا خلاف فيه وان قال وهبتها منك فان رآها قبل ووجدت شرائط الهبة حصل الملك ومنهم من
طرد الخلاف لانتفاء حقيقة الهبة وإنما المقصود دفع الفسخ وان لم توجد شرائط الهبة ففي صحتها
للضرورة (وجهان) إن صححناها ففي إفادة الملك ما ذكرنا في الترك قال أكثر هذا الكلام الامام
والرافعي رضي الله عنهما ولم يتعرض لان المشترى يجبر على ذلك أولا وقد قال القاضي أبو الطيب
البائع إذا قال وهبت الحجارة ففي إجبار المشترى على قبولها وجها مبنيان على القولين فيما إذا
باع ثمرة فحدث ثمرة أخرى واختلطت بالأولى فوهبها هل يجبر على قبولها فيه قولان (ان قلنا) لا يجبر
فلأنها هبة مجهولة فلا تصح وأيضا فلا يجبر على قبول ملك غيره (والثاني) يجبر لان بقبولها يزول
الضرر (فان قلنا) لا يجبر فعلى البائع نقلها فإن لم يسمح البائع بترك الأحجار ثبت للمشترى الفسخ
فان فسخ رجع بالثمن وان أقام فهل للبائع القطع نظر إن كانت الأرض بيضاء أو مغروسة بغرس
متقدم على البيع أو متأخر فله ذلك ثم الحكم فيه يأتي إن شاء الله تعالى. وإن كانت مزروعة بزرع
المشترى قال الماوردي فعلى البائع ترك الأحجار إلى انقضاء مدة الزرع لأنه زرع غير متعد به قلما يقلع
قبل حصاده فإذا حصد المشترى زرعه قلع البائع حينئذ حجارته ولزمه أجرة الحجارة بعد القبض
308

وتسوية الأرض ووافقه صاحب التهذيب فقال إذا كان فوق الأحجار زرع للبائع أو للمشترى
فإنه يترك إلى أو ان الحصاد لان له غاية بخلاف الغراس قال الرافعي ومنهم من سوى بينه
وبين الغراس.
(فرع) تقدم أنه إذا لم يكن في القلع ضرر أو كان فيه ضرر يسير يمكن تداركه عن قرب
أنه لاخيار للمشترى ومحل ذلك على ما يتقضيه كلامه إذا بادر البائع إليه فلو تقاعد عنه كان للمشترى
الخيار قال ابن الرفعة وقد يقال بل يجبر على ذلك كما يقتضيه كلام الغزالي وغيره تبعا لظاهر النص
يعني في وجوب تسوية الأرض على البائع لان في ذلك محافظة على اتمام العقد.
(فرع) في هذه الحالة فاما الغراس الذي وعدت بذكر حكمه إذا أقام المشترى على البائع
وليس فيها زرع وكان فيها غراس فان للبائع قلع حجارته مطلقا ثم لا يخلوا إما أن يكون ذلك الغرس
متقدما على البيع قد دخل وما أن يكون المشترى استجده فإن كان متقدما فان قلعها بعد القبض
فعليه الأجرة على الصحيح وأرش النقص وتسوية الأرض على ما تقدم وتعيب الأشجار بالأحجار
309

كتعيب الأرض في اثبات الخيار وسائر الأحكام وإن كان قبل القبض لم يلزمه التسوية ولا أرش
النقص على ما تقدم وقد مر في مثله كلام الرافعي ومن وافقه وفي الأجرة وجهان (أصحهما) لا ولو
سمع البائع بترك الأحجار وكان القلع والترك يضران ففي ثبوت الخيار وجهان حكاهما المحاملي
(أصحهما) الثبوت لأنه ابتاع أرضا على أن فيها غراسا فإذا خرجت على خلاف ذلك فقد لحقه نقص
وضرر هكذا قال وفي نظيرها فيما إذا كانت الأرض بيضاء لم يتقدم لنا خلاف في سقوط الخيار وقال
الامام في الأرض المغروسة فيما إذا كان القلع يضر دون الترك وسمح البائع بالترك حتى لا يتعيب
الغراس بالقلع لان الأئمة اجمعوا على أن الخيار يبطل وإن كان الغراس أحدثه المشترى بعد الشراء
310

فان أحدثه عالما بالأحجار فللبائع قلع الأحجار وليس عليه ضمان قلع الغراس وسقط خيار المشترى
وان أحدثه جاهلا ففي ثبوت الخيار وجهان (وجه) الثبوت ان الضرر ناشئ من ايداعه الأحجار في
الأرض (والأصح) ان لا يثبت لرجوع الضرر إلى غير المبيع وبناهما القاضي حسين على ما إذا باع شجرة
عليها ثمرة بعد بدو الصلاح ثم حدثت ثمرة أخرى واختلطت بالمبيعة قال الروياني فإن كان قلعها يضر
وتركها لا يضر وسمح البائع بالحجارة للمشترى أجبر على قبولها ولا خيار له فإن كانت الأرض تنقص
بالحجارة أيضا فإن لم يورث الغرس وقلع المغروس نقصانا في الأرض فله القلع والفسخ وان أورث القلع
أو الغرس نقصانا فلا خيار في الفسخ ذلا يجوز له رد المبيع ناقصا ولكن يأخذ الأرش وإذا قلع البائع
311

الأحجار فانتقص الغراس فعليه أرش النقص بلا خلاف هذا ما قاله الرافعي وقال المحاملي لا فرق بين
أن يغرس البائع ويبيع أو يبيع بلا غراس ثم يغرس المشترى وقال الماوردي وإن كان الغراس
استحدثه المشترى بعد البيع فهذا لا يكون الابعد القبض فليزمه يعني البائع الأجرة ونقص الغرس
وتسوية الأرض والتفصيل الذي قاله الرافعي أولى ما قاله الماوردي من أن ذلك لا يكون إلا بعد القبض
وكذلك قال في الزرع فكان ذلك محمول على الغالب والا فيكن أن يحصل للمشترى في الأرض
المبيعة قبل قبضها غرس أو زرع وحينئذ يعود الكلام في وجوب الأجرة وجميع ما سبق من الأحكام
التي تختلف قبل القبض وبعده وأما أرش نقص الغراس هنا فإنه واجب على كل تقدير لان الغراس
312

ليس بمبيع حتى يخرج على جناية البائع قبل القبض وهذه الأحكام التي ذكرتها في الغراس والزرع ذكرها
الماوردي في هذه الحالة الرابعة والرافعي ذكرها ذكر مالا اختصاص له بها ولا شك أنها قد تأتى
في غيرها كما لو لم يجبر المشترى البائع على القلع في الحالة الأولى أو في الحالة الثالثة فان القلع يكون جائزا
للبائع ويأتي فيه من التفصيل ما ذكر ههنا والله أعلم.
(فرع) تكلم الامام وقبله القاضي حسين في أنه لم أوجبوا تسوية الحفر على البائع وعلى
الغاصب إذا حفر في الأرض المغصوبة ولم يوجبوا على من هدم الجدار أن يعيده وإنما أوجبوا الأرش
وأجابا عنه بان طم الحفر لا يكاد يتفاوت وبنيان الأبنية يختلف ويتفاوت فشبه ذلك بذوات الأمثال
313

وهذا بذوات القيم حتى لو رفع لبنة أو لبنتين من رأس الجدار وأمكن الرد من غير اختلاف في الهيئة
كان ذلك كطم الحفر.
(فرع) ذكره المحاملي هنا قال أبو إسحاق إذا باع عبدا فقال المشترى هو آبق وقال البائع
أنا أحضره الساعة وأحضره لم يكن للمشترى خيار (قلت) وصورة ذلك كما صرح به غيره ما إذا اشترط
البائع الإباق ثم أبق في يد البائع قبل القبض فإذا أمكنه رده عن قرب لم يثبت الخيار.
(فرع) ذكر الامام في آخر كلامه كالضابط لما تقدم انه مهما فرض ضرر لا يندفع فإن كان
المشترى عالما فلا خيار ولا أرش فإن كان جاهلا ثبت الخيار فان فسخ فذاك وان أراد وأراد إلزام
البائع أرش النقص وان لم يتمكن البائع من دفع الضرر بترك الحجر وكان الضرر في تركه ونقله ففي
الأرش الأوجه من جهة أن المشترى يجد خلاصها بالفسخ فهو كاطلاعه حالة العقد وان النقص ظهر
بعد العقد بفعل منشؤه البائع اما قبل القبض أو بعده مستند إلى سبب متقدم كقتل العبد المرتد وان
314

تمكن من دفع الضرر بترك الحجر فلا يلزمه الترك ولكن لو فعل وظهر الضرر فمن أصحابنا من قال
في تغريم البائع ما تقدم من الخلاف ومنهم من يقطع بتغريمه في هذا القسم ثم ينتظم على هذا
تعطل المنافع من غير نقص في رقبة المبيع وقد ذكر والخلاف في الأجرة فما لوجه ترتبها والفرق
لائح فان المنافع ليست معقودا عليها ولو قيل القدر الذي يفرغ البائع فيه المبيع غير داخل في
استحقاق المشتري لم يكن بعيدا والمبيع كله مستحق للمشتري باجزائه وصفاته.
(فرع) تقدم أن الأصح في الأجرة أنها لا تجب قبل القبض وتجب بعده وان ذلك قول
أبي إسحاق المروزي على ما نقل أبو الطيب وفي البحر قال الماسرخسي قال اسحق في بغداد قبل
خروجه إلى مصر له الأجرة يعني قبل القبض قال القاضي الطبري وهذا محتمل عندي لأنه نص
في البويطي على أن البائع إذا قطع يد العبد المبيع فالمشترى بالخيار بين الفسخ والإجازة مع الأرش
فإذا نص في الأرش فالأجرة مثله وبني القفال ذلك على أن جناية البائع كالآفة السماوية أو
كجناية الأجنبي.
315

(فرع) تقدم الكلام في أن للمشتري الخيار عند وجود شروطه المتقدمة وان الأجرة
والأرش يفصل فيهما بين ما قبل القبض وبعده وهل يثبت خيار للمشترى بنقص الأرض بالقلع
تقدم عن الماوردي فما قبل القبض انه يثبت وذلك ظاهر لأنه عيب حدث قبل القبض وقال
الروياني انه إن كان بعد انقبض فيثبت أيضا لان سببه كان موجودا قبل القبض.
(فرع) إذا اختار المشتري الامساك فيما إذا كانت الأرض المذكورة مشتملة على شجر
داخل في البيع وكان قلع الحجارة يضر وتركها يضر فالحكم في التسوية والأجرة على ما تقدم وفي
أرش النقص طرق حكاها الروياني (أحدها) لا أرش لأنه رضى بالنقص وقال أبو إسحاق هو كالأجرة
إن كان قبل القبض لم يلزم وإن كان بعده لزم وقال ابن سريج بعد القبض يلزم قولا واحدا وقبله
قولان وقال بعض أصحابنا بخراسان فيه وجهان قبل القبض وبعد والأصح أنه يجب.
316

(فرع) قال الروياني فلو كان قلع الأشجار يضر وتركها لا يضر واختار البائع الترك لاخيار
للمشتري وهل تملك بالترك على ما تقدم وقال القفال لو قلع المشتري تلك الأحجار بعد ذلك فهل للبائع
قلع الأحجار وجهان مبنيان على ما لو أتلف حنطة فلم يوجد مثلها فغرم المثل ثم وجد المثل هل له رد
القيمة ومطالبته بالمثل وجهان وان اختار القلع فللمشتري الخيار لأنه يضر بالمبيع ولا فرق بين أن يقول
له البائع أن أعطيك أرش النقص أو لم يقل وليس كما إذا اختار الترك فإنه لا نقص في الترك فان
اختار المشترى الامساك فالحكم في التسوية والأجرة وأرش النقص على ما مضى.
(فرع) إذا غرس المشترى بعد العلم بالحجارة سقط رده كما تقدم ثم إن كان قلع الأحجار
وتركها مضران فللبائع القلع وللمشتري المطالبة به ثم إذا قلع قال الروياني يلزم البائع أرش النقص
قولا واحدا لأنه حول ملكه عن الأرض بادخال النقص على الغير فإن كان مراد الروياني نقص
الأرض فظاهر وإن كان المراد نقص الغراس فقد تقدم عن الرافعي خلافه وأنه لا يضمن نقصه وذلك
هو الظاهر فإنه متعد بالغرس والله أعلم. وإن كان قلعها يضر وتركها لا يضر فان اختار القلع قال الروياني
فعليه أرش النقص قولا واحدا والكلام فيه كما تقدم وليس مراده إلا الغراس فإنه قال عقيب ذلك
وكيفية التقويم أن يقال كم يساوي هذا الشجر ولا نقص فيقال مائة فيقال وكم يساوي وبه هذا النقص
317

فيقال تسعون فيقول نقص العشر فتلزم حصته من القيمة وان اختار البائع الترك فهل يملكها
المشترى فعلى ما ذكرنا.
(فرع) قال الروياني وغيره ولو كان البائع زرع فيها زرعا وباعها مع الزرع وتحتها أشجار
يعني والمشتري جاهل بها فليس للبائع أن يقلع الأحجار ما لم يحصد الزرع إذا كان قلعها يضر بالزرع
وان الزرع يختص بالبائع فالضرر يختص به والخيار إليه.
(فرع) قال الغزالي رحمة الله عليه فيما نقل ابن أبي الدم أن العراقيين نقلوا أنه يجب على
الغاصب أرش نقصان الحفر يريد به ولا يلزمه التسوية وفي مسألة البيع يلزمه التسوية ومعناه ولا يلزمه
أرش النقص واختلف الأصحاب في ذلك على طريقين منهم من قال يلزمه أرش النقص في المسألتين
دون تسوية الحفر فيهما ومنهم من قال يلزمه التسوية في المسألتين دون أرش النقص ومنهم من فرق
بعد وان الغاصب فيلزمه الأرش بخلاف البائع فيلزمه التسوية.
(فرع) زرع المشتري الأرض ولم يعلم أن تحتها حجارة وفي قلعها هلاك الزرع لم يمكن
البائع من قلعها لان للزرع غاية فيؤمر بالتوقف بخلاف الغراس قاله صاحب التتمة وغيره ونص عليه
الشافعي رضي الله عنه وكذلك فيما إذا علم المشتري بالحجارة وترك البائع القلع ثم أراده بعد زرع
318

المشترى لم يكن له ذلك حتى يحصده المشترى كما حمل ابن الرفعة نص الشافعي عليه قال الرافعي ومن
الأصحاب من يسوي في الحالتين بينه وبين الغراس.
(فرع) شبه المتولي الخلاف في ثبوت الخيار إذا اشترى الأرض وغرسها بعد الشراء ثم
ظهر فيما أحجار بما إذا باع الشجرة وبقى لنفسه الثمرة فحدثت ثمرة أخرى واختلطت بها فمن قال هناك
يجعل الحادثة كالمبيعة في حكم الاختلاط قال ههنا ان الضرر الذي يلحقه في الغراس الحادث كالضرر
الذي يلحقه في الأشجار المشتراة يعني لأنه استحق بالشراء أن يغرس فيها فجعلنا الضرر الذي يلحقه
في حق من حقوق المبيع كالضرر الذي يلحقه في نفس المبيع قال وأصل المسألتين إذا اشترى جارية
فوطئها ثم استحقت فغرم المهر هل يرجع بالمهر على البائع أم لا فعلى قول يرجع لأنه ضمن له سلامة
الوطئ فإذا لم يسلم يرجع عليه وكذا هنا ضمن له سلامة غراسه والثمار الحادثة فجعلنا الخلل الحاصل في
واحد منهما كالخلل في عين المبيع وفرض المتولي المسألة فيما إذا كان قلعها يضر بالغراس وتركها لا يضر
وقد تقدم حكاية الخلاف عن الرافعي في ثبوت الخيار مطلقا.
(فرع) قال الشيخ أبو محمد الجويني في المسلسل لما ذكر الوجهين في وجوب الأجرة على
البائع للمدة التي مضت في نقل الحجارة وبناهما على أن جناية البائع كالآفة السماوية وكجناية الأجنبي
319

قال فان قيل القبض هنا حاصل والمذهب لا يختلف أن جناية البائع بعد القبض كجناية الأجنبي وإنما
القولان قبل القبض (قلنا) البائع إذا سلم الأرض وفيها حجارة مستودعة مانعة من الانتفاع فإنها مانعة
من كمال صفة القبض فلذلك ألحقناها بالحالة الأولى وهذا الذي قاله الشيخ قد تقدمت الإشارة إليه
ولكني أجبت نقله من كلامه.
(فرع) من تتمة الكلام في المسائل المتقدمة لو كان الغراس داخلا في بيع الأرض ونقل
الحجارة مضر به قال الامام وليس لقائل أن يقول في حالة الجهل واضرار الغراس ونحوه أنه يمتنع عليه
النقل وفاء بموجب البيع وقياما بتسليم الأرض والأشجار له.
(فرع) قال الرافعي رحمه الله لو باع دارا في طريق غير نافذ دخل حريمها في البيع وفي دخول
الأشجار الخلاف الذي سبق وإن كان في طريق نافذ لم يدخل الحريم والأشجار في البيع بل لا حريم لمثل
هذه الدار كذا ذكرها الرافعي (1) إذا قال بعتك هذا البستان أو الباحة دخل في البيع الأرض والأشجار
والغراس وكل ماله من النبات أصل لا خلاف في المذهب في ذلك وفي دخول البناء الذي فيه ما سبق
في دخوله تحت الأرض وقال الغزالي إن الأظهر عدم الدخول جريا على قاعدته (وأما) على المذهب
فإنه يدخل ولو قيل بالجزم بالدخول كان له وجه فان البستان وإن كان قد يخلو عن البناء ولكنه

(1) بياض بالأصل
320

إذا كان مشتملا عليه تناول اسمه جميع ذلك وهو كالاحتمال الذي في دخول الشجر في بيع الدار وهو
ههنا أقوى لان اشتمال البساتين على البناء أكثر من اشتمال الدور على الأشجار غالبا ويندر أن يكون
بستان لأبناء فيه وجزم الرفعي بدخول الحائط ولا وجه لذلك بل هي من جملة الأبنية فالجزم فيها مع
طرد الخلاف في غيرها غير متجه ولا مساعد عليه عند الأكثرين هذا والماوردي أطلق طرد الخلاف
في البناء من غير تفصيل والروياني في البحر صرح بأن البناء والجدار المحيط على الطرق وان بعض
أصحابنا قال يدخل الجدار المحيط قولا واحدا وهو ضعيف عندي وجزم القاضي أبو الطيب بدخول
البناء في بيع البستان مع ذكر الخلاف في دخول النخلة والشجرة في بيع الدار وذلك يشهد لما قلته
الآن من الفرق وتقوية الجزم بالدخول في البستان وهو الذي يقتضيه العرف لا سيما في بلادنا هذه
التي الغالب على بساتينها أن تتخذ عليها الحوائط والاغلاق لشبه المساكن قال الامام والبناء عندي
بالإضافة إلى البستان كالشجرة بالإضافة إلى الدار فقد تلخص في دخول الأبنية في البستان طرق
(إحداها) أن الجدار المحيط يدخل جزما وفيما عداه الطرق وهو ما أورده الرافعي وضعفه الروياني
(والثانية) إجراء الخلاف في الجميع وهي قضية إطلاق الأكثرين (والثالثة) الجزم بدخول الجميع وهو
مقتضى كلام القاضي أبي الطيب وهي التي اقتضى كلامي أولا الميل إليها وليس لنا طريقة جازمة
321

بعدم دخول الأبنية هنا مع التردد في دخولها تحت اسم الأرض هذا مالا يمكن ولك أن تأخذ من
هذه الطرق ثلاثة أوجه في دخول الأبنية تحت اسم البستان والباحة والكرم (ثالثها) يدخل المحيط دون
ما إذا لم يكن على هيئة الجدار الموضوع للحفظ والإحاطة وكذلك فعل ابن الرفعة قال الرافعي وذكروا
أن لفظ الكرم كلفظ البستان لكن العادة في نواحينا إخراج الحائط عن مسمى الكرم وادخاله
في مسمى البستان ولكن لا يبعد أن يكون الحكم على ما استمر الاصطلاح به وذكر ابن الرفعة أن
هذا (1) كالعام وانه أن صح يكون وجها رابعا يعني (2) الكرم والبستان (3) ولو كانت
الشجرة حادثة لم تدخل في بيع البستان قاله ابن الرفعة أخذا مما سيأتي وفي العريش وهو المسمى في
بلادنا بالكرم (4) اللزوم تردد للشيخ أبي محمد رجح الامام والغزالي دخوله وجعل في الوسيط
محل التردد في دخوله تحت اسم الكرم والامام نقله في لفظ البستان والباحة وفي كلامه ما يدل على جريانه
في الكرم أيضا وفي كلام الامام ما يقتضى أن ذلك في العريش الذي ينقل فإنه قال والوجه عندنا
القطع بدخولها تنزيلا على المفهوم من اسم (5) أو البستان في مطلق العرف فإنه ينظم مع الكرم
عريشه وإن كان مجلد قال ابن الرفعة لكن هذه العبارة تفهم أن محل ذلك إذا كان العريش ينقل
(أما) إذا كانت تراد للدوام (6) في بلادنا فلا يأتي فيها التردد قال الرافعي ولو قال هذه الدار

(1) بياض بالأصل
(2) بياض بالأصل
(3) بياض بالأصل
(4) بياض بالأصل
(5) بياض بالأصل
(6) بياض بالأصل
322

بستان دخلت الأبنية والأشجار جميعا ولو قال هذا الحائط بستان أو هذا المحوطة دخل الحائط المحيط
وما فيه من الأشجار وفي البناء الذي في وسطه الخلاف السابق هكذا ذكره في التهذيب وهكذا قال
الروياني فيما إذا قال حائط بستان وفي لفظهما قلق والمراد أن يقول بعتك هذا الحائط البستان هذه
العبارة المستقيمة قال الرافعي ولا يتضح في لفظه المحوطة فرق بين الأبنية والأشجار فليدخلا أو ليكونا
على الخلاف قال ابن الرفعة هذا الذي ذكره الرافعي صحيح إن كانت الحوطة بغير ميم أما إذا كانت
في كلامهم بالميم فالإشارة تكون للميم وهو البستان فكأنه نطق به وعند نطقه تدخل الأرض والأشجار
والبناء المحيط وفي دخول ما فيه من البناء الخلاف عنده فلذلك الحق هذه اللفظة بالبستان (قلت)
وهذه اللفظة فيما وقفت عليه من نسخ المهذب والرافعي والروضة بالميم واخراج البناء عنها بعيد
وان أخرج فيما إذا نطق باسم البستان فان الإشارة إلى الجميع وتخصيصها بالميم دون غيره لم يقتضه
دليل وهي داخلة في مدلول اللفظ قطعا بخلاف البستان عند من يجعلها خارجة منه لان اسم البستان
323

صادق بدونها نعم قول الرافعي فليدخلا أو ليكونا على الخلاف لا وجه للتردد في ذلك بل يتعين الجزم
بدخولها (وأما) لفظ الحوطة بغير ميم فلم أره في كتاب غير كلام ابن الرفعة ولا أعلم معناه فإن كان
موضوعا للبستان فيتجه كلام صاحب التهذيب ولا يستقيم كلام الرافعي وإن كان موضوعا للحائط
الدائر على البستان فيتجه أن لا يدخل البناء ولا الشجر جميعا (والأقرب) ان حذف الميم تصحيف
وان اللفظ بالميم كما هو في الكتب وان الحكم فيها مخالف للحكم في لفظ البستان والحائط بمعناه
وانه لا يتجه فرق فيها بين البناء والشجر كما قاله الرافعي لكنه لا ينبغي التردد في ذلك كما تردد
بل ينبغي دخول البناء والشجر لوجود الإشارة إلى الجميع وعدم ما يتقضى اخراج شئ من ذلك
والله سبحانه وتعالى أعلم. قال ابن الرفعة وفي بعض الشروح أنه لو قال بعتك هذا المحوط دخل فيه
الحيطان والأرض وإن كان فيه غراس فعلى ما تقدم من الخلاف (قلت) وهذا عكس ما قاله صاحب
التهذيب وخلاف ما قاله الرافعي أيضا وبعيد من جهة المعني لا وجه له والله سبحانه وتعالى وأعلم.
324

(فرع) قول الغزالي في الوجيز إن الأظهر عدم الدخول يعني به الأظهر من الطرق فإنه
في الوسيط صرح بأن الخلاف فيه كما في اسم الأرض (وأصح) الطرق عنده في اسم الأرض عدم
الدخول كما تقدم فعلم أن مراده هنا الأظهر من الطرق والعجلي قال إن معناه الأظهر من الوجهين
وحمله على ذلك تسوية الامام بين البناء بالنسبة إلى البستان والشجر بالنسبة إلى الدار والذي حكاه
الامام والغزالي في استتباع الدار للشجر ثلاثة أوجه وأفهم كلام الامام فيها أن التفريع على أن اسم
الأرض لا يتناول البناء والشجر أي ان قلنا البناء والشجر داخلان في الأرض فههنا أولى (وان قلنا)
لا يدخل فههنا ثلاثة أوجه ويكون قول الغزالي الأظهر أي من هذه الأوجه ولا شك ان ما قاله
الامام نفيه. لكن الغزالي صرح في الوسيط بأن الخلاف فيه كالخلاف في الأرض فينبغي أن يحمل
كلامه في الوجيز على ذلك ويكون الأظهر من الطرق فإنه ليس في كلامه التسوية بين الدار والبستان
كما في كلام الامام وإن كانت التسوية متجهة وقد تقدم في استتباع الدار الأشجار بحث ويمكن
أن يعود مثله هنا في هذه الأوجه وتكون مفرعة على القول باتباع الاسم كما ذكره الامام هناك وان
325

لم يصرح به هنا لكن تسويته بين المسألتين يقتضيه ولو كان في البستان ماء فهل يدخل في العقد
فيه وجهان حكاهما القاضي حسين.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(وان باع نخلا وعليها طلع غير مؤبر دخل في بيع النخل وإن كان مؤبرا لم يدخل لما روى
ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع
إلا أن يشترطها المبتاع فجعلها للبائع بشرط أن تكون مؤبرة فدل على أنها إذا لم تكن مؤبرة فهي
للمبتاع ولان ثمرة النخل كالحمل لأنه نماء كامن لظهوره غاية كالحمل. ثم الحمل الكامن يتتع
الأصل في البيع والحمل الظاهر لا يتيع فكذلك الثمرة. قال الشافعي رحمه الله وما شقق في معنى
ما أبر لأنه نماء ظاهر فهو كالمؤبر).
326

(الشرح) حديث ابن عمر رضي الله عنه رواه البخاري ومسلم رحمهما الله ولفظهما (من باع
نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع) وفي لفظ لمسلم (من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر) وفي
لفظ آخر له (أيما نخل اشترى أصولها وقد أبرت فان ثمرتها للذي أبرها إلا أن يشترط الذي اشتراها (وفي
لفظ له أيضا (أيما امرئ أبر نخلا ثم باع أصلها فللذي أبر ثمر النخل إلا أن يشترط المبتاع) ورواه الشافعي
رضي الله عنه عن ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه وهذا من أصح الأسانيد وأحسنها كله أئمة علماء
ولفظه كلفظ المصنف لكنه قال أن يشترط المبتاع بغير هاء وكذلك في بقية الحديث من طريق سالم
ومن باع عبدا وله مال فالمال للبائع إلا أن يشترط المبتاع وجماعة الحفاظ يقولون هكذا بغير هاء في
الموضعين هكذا قال ابن عبد البر ونبه على أن المعني إلا أن يشترط المبتاع سائر ذلك فيدل على صحة
اشتراط نصف الثمرة أو جزء منها وكذلك في مال العبد وهو قول جمهور الفقهاء وسأتعرض لهذا في فرع
آخر الكلام إن شاء الله تعالى والغرض التنبيه على اسقاط الهاء من لفظ الحديث ولم أقف عليها في
شئ من طرق الحديث وقول المصنف نماء احتراز من الكنز والحجارة المدفونة والبذور (وقوله) كامن
327

احتراز من الزرع لأنه ظاهر من غير المؤبر كذلك وان التين والعنب ونحوه (وقوله) لظهوره غاية
احتراز من الجوز واللوز والرمان والموز والرانج لأنه لا غاية لخروجه من قشره وإنما يظهر بكسره فالرمان
والموز للبائع قولا واحدا والجوز واللوز والرانج له على الصحيح المنصوص فالثمرة المقصودة من دون
الأشياء لا تظهر إلا عند الاكل فهذا في معنى قولنا ليس لظهوره غاية وقد ورد في بعض الروايات من
باع وفي بعضها من اشترى وكلها صحيح سندا ومعنى قال ابن عبد البر لا يختلف أهل العلم بالحديث
في صحة هذا الحديث وهو عند جميعهم ثابت صحيح (وقوله) أبرت يجوز تشديده وتخفيفه يقال أبر
النخل مخففا يأبرها أبرا والتأبير هو التلقيح وهو أن ينتظر النخلة حتى إذا انشق طلعها وظهر ما في
بطنه وضع فيه شئ من طلع الفحال وقال بعضهم هو ان تشقق تؤخذ شئ من طلع الذكر فيدخل
بين ظهراني طلع الإناث فيكون ذلك بإذن الله تعالى صلاحا لها وهذه العبارة المحررة وقد يؤخذ سعف
328

الفحال فيضرب في ناحية من نواحي البستان عند هبوب الرياح فيحمل الريح أجزاء الفحال إلى
سائر النخيل فيمنعه التساقط وفي عبارة جماعة ما يوهم أن التشقق داخل في مسمى التأبير وسنبين لك
فيما سيأتي أنه ليس الامر كذلك (أما) الأحكام فبيع الشجر إن كان بشرط القطع جاز مطلقا رطبا
ويابسا وإن كان بشرط القلع فاطلاق الأكثرين يقتضي الجواز أيضا وقال الصيمري إن كان
كالفجل لم يجز لان أسفله غائب وإن كان كشجر العصفر وما حفر من التراب جاز لان الغائب منه غير
مقصود وأطلق الصيمري ذلك من غير تفصيل بين الرطب واليابس وغيره صرح بجواز شرط القلع
ويجعل المجهول تبعا وان باع بشرط التبقية فإن كانت الشجرة رطبة وليس الكلام فيما يشترط فيه
القطع من الباب وإن كانت يابسة قال المتولي فسد البيع وان أطلق فالمشهور الجواز وعلى مقتضى قول
الصيمري حيث لا يجوز شرط القطع ينبغي الحكم بالفساد. إذا عرف ذلك فقال الأصحاب يندرج في
329

مطلق بيع الشجرة أغصانها لأنها معدودة من أجزاء الشجرة فإن كان الغصن يابسا والشجرة رطبة
فالمشهور لا يدخل لان العادة فيه القطع كما في الثمار قال في التهذيب ويحتمل أن يدخل كالصوف على
ظهر الغنم قال ابن الرفعة أي إذا بيعت وقد استحق الجز ويدخل العرق أيضا في مطلق بيع الشجرة
وكدا الأوراق وفي ورق التوت ونحوه خلاف سيأتي تفصيله في كلام المصنف وفي أغصان الخلاف
التي تقطع أغصانه ويترك ساقه فإذا باع شجرته فالأغصان لا تدخل في العقد (أما) الخلاف الذي يقطع
في كل سنة من وجه الأرض فهو كالقصب ما ظهر منه للبائع وفي أصوله الخلاف الذي في أصول البقل
قال ذلك القاضي حسين وعن الامام أنه قال هنا انها تدخل أغصانها في البيع بلا خلاف وفي كتاب
الرهن حكى فيها خلافا وفي كتاب الوقف قال إنها بمنزلة الثمرة فتلخص أن الخلاف نوعان (نوع)
يقطع كل سنة من وجه الأرض فهو كالقصب (ونوع) يبقى وتقطع أغصانه ففي دخول أغصانه في بيعه
330

خلاف (الأصح) الدخول لأنها جزء منه ولا يدخل في بيع الشجرة الكرم الذي عليها قاله القاضي
حسين في الفتاوى ولو كانت الشجرة يابسة ثابتة فعلى المشترى تفريغ الأرض عنها للعادة ولا يدخل
مغرسها في العقد وجها واحدا قاله القاضي حسين وحكمها حكم سائر المنقولات ولا يشترط فيه القطع
قال القاضي حسين قال في التتمة فلو شرط إبقاءها فسد البيع كما لو اشترى الثمرة بعد التأبير وشرط عدم
القطع عند الجذاذ ولو باعها بشرط القطع جاز وتدخل العروق في البيع عند شرط القطع وإن كانت
مجهولة تبعا كذا قاله وقال الصيمري لا يجوز بيع النخلة بشرط القلع لان أسفلها غائب ولا يدخل عند
شرط القطع بل تقطع عن وجه الأرض. وإن كانت الشجرة رطبة فباعها بشرط الابقاء أو بشرط القلع
أو بشرط القطع اتبع الشرط وفيه عند شرط القلع ما تقدم عن الصيمري ولا يجب تسوية الأرض لأنه
شرط القلع قاله في الفتوى ولو أطلق جاز الابقاء أيضا للعادة كما لو اشترى بناء استحق ابقاءه وليس
331

كالزرع حيث يشترط القلع لان الشجرة تراد للبقاء ولا يجوز للبائع أن يقلعها على شرط أن يغرم
ما ينقصه القلع قال الامام وهو مما لا خلاف فيه وكذلك إذا باع بناء مطلقا قاله الامام وهل يدخل المغرس
في البيع فيه وجهان وقيل قولان (أحدهما) ويحكي عن أبي حنيفة نعم لأنه يستحق منفعته لا إلى غاية
وذلك لا يكون الاعلى سبيل الملك ولا وجه لتملكه الا دخوله في البيع (وأصحهما) عند الامام والرافعي
وغيرهما نعم لان اسم الشجرة لا يتناوله وقد يستحق غير المالك المنفعة لا إلى غاية كما لو أعار جداره
لوضع الجذوع وكذا الوجهان في دخول الاس في بيع البناء كما تقدم قال الامام وليس هذا كالخلاف
في استتباع الأرض أشجارها فان الفرع لا يستتبع الأصل ولكنه من جهة استحقاق لا محمل له الا
الملك يعني أن ذلك لا يكون إجارة للتأبيد ولا عارية لعدم جواز الرجوع وان بذل أرش النقص فلم
يبق الا جعله مبيعا تبعا فعلى الوجه الأول لو انقلعت الشجرة أو قلعها المالك كان له أن يغرس بدلها
332

وله أن يبيع المغرس وعلى الثاني ليس له ذلك وهل يكون ملكه لذلك من باب الإجارة أو الإعارة
قال ابن الرفعة يخرج فيه من مقتضى كلام الأصحاب وجهان (أحدهما) إجارة كما قيل بمثله في الصلح
ولا يخرج على الجمع بين بيع وإجارة لان هذا يقع ضمنا مع أن الصحيح جواز الجمع وهذا الوجه
يتخرج من قول جمهور الأصحاب ان البائع لا يتمكن من القلع وغرامة الأرش على ما يفرغ وقال بعض
الأصحاب فيما حكاه الامام في كتاب الرهن ان له القلع وغرامة ما ينقصه القلع كما يغرم المستعير في مثل
هذه الصورة وعلى المعير أن يكون استحقاق على سبيل العارية قال ذلك ابن الرفعة قال وبه يتم ما
أبديته تخريجا وهل يلزمه تسوية الحفر أو يخرج على الخلاف في العارية وقال ابن الرفعة يشبه أن
يقال (ان قلنا) الابقاء يستحق كالعارية فكالعارية والا فلا يلزمه وجها واحدا والخلاف في دخول
المغرس والاس في البيع مثل مذكور في الاقرار بهما وإقامة البينة كما حكاه الامام في كتاب الصلح
ونقله ابن الرفعة عنه ولو كانت الأرض غير مملوكة لبائع البناء والغراس فلا يتخيل فيها ملك الأرض
فان جهل المشترى الحال وقلنا بدخولها في البيع لو كانت للبائع قال ابن الرفعة فيشبه أن يقال يثبت
الخيار كما إذا قلنا الحمل يقابل بالثمن ثم بان أن لا حمل ولا يبطل البيع لان ذلك إنما وقع تبعا لا
333

مقصودا وهذا إذا كان الابقاء مستحقا له لطريق بإجارة أو غيرها (أما) إذا كان في أرض مغصوبة
فحكى الماوردي في كتاب الغصب في صحته وجهين (أحدهما) لا يصح لان الا (1) الابقاء وهو لا يستحقه
في هذه الحالة (والثاني) يصح ويثبت الخيار وظاهر كلامه أن ذلك تفريع على أن لا يملك عند
الاطلاق وإنما يستحق الابقاء وجريان مثله ذلك على قول المالك قابل ابن الرفعة والذي تعم به البلوى
ولم نقف فيه على نقل أن يبيع البناء والأرض مستأجر معه ولم تنقض مدة اجارته وعلم المشترى منه ذلك
فهل نقول يستحق الابقاء في بقية مدة اجارته بغير عوض كما لو كانت الأرض مملوكة له ولم يدخلها في
العقد أو يستحق الأجرة كما يستحقها مالك المنفعة عليه بعد فراغ المدة فيه نظر واحتمال قال والأشبه
الثاني والعمل عليه في العرف ولو كانت الأرض قد أوصى له بمنفعتها دون رقبتها وجاز له البناء والغراس
فيها ثم باع ذلك فيشبه أن تلحق هذه بما إذا كان مالكا للأرض حتى لا تستحق عليه أجرة لا في حال
حياته ولا بعد وفاته (إذا قلنا) لا تبطل الوصية بموته كما هو المذهب (أما) إذا قلنا تنتهي بموته حتى
لا تنتقل المنفعة لوارثه كما هو محكي في الإبانة والبحر فهو قريب من الإجارة والله أعلم. وهذه الأحكام

(1) بياض بالأصل
334

كلها جارية في جميع الشجر لا فرق بين النخل وغيره وقد استشكل ابن أبي الدم دخول المغرس في
بيع الشجر ورأي القول به في غاية البعد من جهة أن الأرض قد تكون كثيرة الشجر فتشتبك
عروقها في جميع الأرض فلا يبقى للأرض بياض على ظاهرها لتقارب الأشجار ولا في بطنها لاشتباك
العروق واثباتها يفضي إلى أن يملك مشترى الغراس بشرائه جميع الأرض أو معظمها وأيضا فاما أن يملكه
نازلا في طبقات الأرض على مسامتة العروق وفي جهة العلو إلى وجه الأرض على مسامتة العروق ولا نقول
إنه يملك من الأرض ما يستر العروق والبحث بها من الأرض والأول ظاهر البطلان لافضائه إلى ملك
الأرض بانتشار العروق (والثاني) باطل لأنه يؤدى إلى منع مالك من بيع أرضه من غير مالك
الغراس لان مالك الغراس قد ملك جملة من أجزائها وهي مجهولة وبيع المجهول باطل فقد أدى إلى
فساده تفريعه على فساد ويلزم عليه أيضا أنه إذا ملك شجرة صغيرة وملك مغرسها فلا شك في صغر
المغرس الآن لصغر الشجرة وقلة عروقها فإذا ابتلت الشجرة وسقيت انتشرت عروقها وامتدت إلى مواضع
لم تكن ممتدة إليها وقت الشراء ولا بعده بأشهر فيؤدى إلى أنه لم يكن مالكا لمواضع من الأرض وكلما
امتد عرق شبرا أو فترا في جزء من الأرض ملكه ملكا متجددا وهذا بدع في الشرع لا يصير إليه بجعل
انتهى ما قاله ابن أبي الدم وهو بحث جيد. إذا عرفت هذه المقدمة فإذا باع نخلا دخل جريدها وسعفها
335

وخوصها لا خلاف في ذلك (وأما) الطلع فإن كان غير مؤبر دخل وإن كان مؤبرا لم يدخل للحديث
الذي استدل به المصنف وهو يدل على الحكم الثاني بمنطوقه وعلى الأول بمفهومه وكلام المصنف يقتضي
أنه جعله مفهوم الشرط وكذلك فهمه صاحب الانتصار ويحتمل أن يكون من مفهوم الصفة فإنه جعل
التأبير صفة للنخل وكذلك جعله الغزالي في المستصفى وغيره من الأصوليين من أمثلة مفهوم الصفة
وكلاهما صحيح قال الشيخ أبو حامد الأسفراييني لنا من الحديث أدلة ثلاثة (أحدها) دليل الخطاب
هو دليل الشافعي رحمه الله تعالى منه وذلك أن الطلع له وصفان مؤبر وغير مؤبر فلما جعله النبي صلى
الله عليه وسلم إذا كان مؤبرا للبائع دل على أن غير المؤبر للمشترى كما نقوله في سائمة الغنم زكاة (والثاني) أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال (من باع نخلا بعد أن يؤبر فثمرتها للبائع) فجعلها للبائع بالشرط وهو أن تكون مؤبرة فعلم أنها
إذا كانت غير مؤبرة فليست للبائع لعدم الشرط فمن قال إنها للبائع في الحالين فقد خالف من وجهين
(أحدهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها للبائع إذا أبرت بهذا الشرط ولم يجعلها هو له بهذا الشرط
(الثاني) أنه أعني المخالف جعل غير المؤبرة للبائع مع عدم الشرط (والدليل الثالث) من الحديث أن
النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يكون ذكر التأبير بينها على أن غير المؤبر أولى بأن يكون للبائع
336

وإما أن يكون لتعيين أن غير المؤبر لا يكون للبائع لا سبيل إلى الأول لان المؤبر بائن ظاهر وغير المؤبر
كامن مستتر وما كان مستترا فهو أولى بالتبعية من الظاهر بدليل الحمل فتعين الثاني وهو أن يكون المقصود أن
لا يكون للبائع عند عدم التأبير وذكر الشيخ أبو حامد عن الشافعي من الاستدلال موجود في الام فإنه
قال لان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حد قال (إذا أبر فثمره للبائع) فقد أخبرنا بان حكمه إذا لم يؤبر غير
حكمه إذا أبر ولا يكون ما فيه الا للبائع أو للمشترى لا لغيرهما ولا موقوفا فمن باع حائطا لم يؤبر فالثمرة
للمشترى بغير شرط استدلالا موجودا بالسنة وقال قريبا من ذلك في الاملاء أيضا وقال في المختصر
إذا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الابار حد الملك للبائع فقد جعل ما قبله حد الملك للمشترى على أن كلام
الشافعي في الام يحتمل أن يكون جعله من مفهوم الشرط وكلا المفهومين حجة عندنا على أن كلام
الشيخ أبي حامد ومن تبعه يقتضي أنهم لم يريدوا بالوجه الثاني جعله من مفهوم الشرط بل أنه يدل عليه
باللفظ وبه صرح القاضي أبو الطيب وفيه بعد إلا أن يريدوا أن اللفظ دل على كونه شرطا والمخالف
يقول إنه ليس بشرط فهذا الذي أرادوه والله أعلم وهو بهذا التقدير صحيح ولم يريدوا أن اللفظ يدل
على عدم الحكم عند عدم الشرط ويمكن أن ينزل كلام المصنف على ما ذكروه وأن ذلك ليس من
باب المفهوم (وأما) الوجه الثالث الذي ذكره الشيخ أبو حامد فهو راجع إلى المفهوم وهو صالح لان
يستدل به في كل شرط أو صفة لكن القائلون بالمفهوم منهم من يجعله بمنزلة الملفوظ به وكأنه استقر
في اللغة أنه إذا خص المذكور بالذكر اقتضى هذا قيام قول آخر له يتضمن نفي الحكم عما عداه انتقاء
ظاهرا ومنهم من يجعل المفهوم مستندا إلى البحث عن طلب فوائد التخصيص فالوجه الأول ماش
على الطريقة الأولى ولذلك نسب الدلالة إلى اللفظ وكلام الشافعي الذي حكيته يشعر بذلك لكن
الأنباري في شرح البرهان نقل عن الشافعي أن اختياره الثاني مستمر على الطريقة
الثانية (وأما) الثاني فقد نبهت على مراد الأصحاب به وأنه ليس من باب المفهوم ولعل المصنف جعله من
337

مفهوم الشرط لأنه أقوى عند كثير من أصحابنا من مفهوم الصفة وقال به جماعة من المنكرين لمفهوم
الصفة. واعلم أن هذا الاستدلال يتجه عند من يرى المفهوم حجة وهم الأكثرون فقال بمفهوم الصفة
الشافعي ومالك وأكثر أصحابنا وأكثر المالكية ونسبه القاضي عبد الوهاب إلى مالك وممن قال به
أبو الحسن الأشعري وأنكره ابن سريج والقفال هنا وقال ابن سريج بمفهوم الشرط (وأما) الخصم المنكر لكل من
المفهومين فلا يمكن الاحتجاج عليه بدفع مخالفيه في الأصل وكذلك بعد أصحابنا ممن أنكر المفهومين معا فكيف
يمكنه التمسك في هذا الفرع به لكن الخصم في الحاق غير المؤبرة بالمؤبرة يحتاج إلى قياس ولن يجده
ومتى لم يثبت ذلك ولم يقم دليل على تبعية غير المؤبرة وجب كونها للمشترى تبعا للشجرة وكذلك
قال بذلك من ينكر المفهوم والقياس كداود (فان قلت) بل يجب كونها للبائع عملا بالأصل وبقائها
على ملكه (قلت) لابد في إدراجها في البيع من قياس أو عرف عند من ينكر القياس واعتضد الأصحاب
بما رواه الشافعي رضي الله عنه عن سعيد بن سالم عن ابان جريج أن عطاء أخبره أن رجلا باع على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا مثمرا ولم يشترط المبتاع التمر ولم يستثن البائع ولم يذكراه فلما ثبت البيع
اختلفا في التمر واحتكما فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى بالتمر للذي لقح النخل البائع وهذا من
مراسيل عطاء ففيه اعتضاد على أنه ليس أصرح من الأول بكثير فان قوله البائع دليل على أنه أراد
بالذي لقح المعهود لا العموم وحينئذ يعود إلى أن ذكر الصفة هل يدل على نفي الحكم عما عداه هذا
بحسب هذه الرواية ولم أجد غيرها فيه عموم بحيث أثق بصحته وروى ابن ماجة وعبد الله بن أحمد
ابن حنبل في مسنده عن عبادة بن الصامت قال (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر النخل لمن
أبرها إلا أن يشترط المبتاع وان مال المملوك لمن باعه إلا أن يشترط البائع) فاما رواية ابن ماجة ففي
سندها الفضيل بن سليمان وليس بالقوى وقال ابن معين ليس بثقة فالحديث نسبه ضعيف من هذا
الطريق وذكر القاضي أبو الطيب الحديث الذي ذكره الشافعي رضي الله عنه ولفظه (فجعل الثمر لمن
338

أبرها) وقال ذكر هذا الحديث أبو إسحاق في الشرح وأبو علي الطبري في المحر ونقله الشيخ أبو حامد
عن الساجي قال وهذا نص وليست في هذه الروايات زيادة على رواية مسلم المتقدمة إلا أنه ليس في
هذا الاستثناء اشتراط من المبتاع فالأولى أن يستدل برواية مسلم وتعليق الحكم فيها بالوصف ودلالته على
أن ذلك (1) وقال الماوردي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أنشد قول الاعرابي حين حرم عليه
بعض ملوك الجاهلية ثمرة نخلة له
جذذت جني نخلتي ظالما * وكان الثمار لمن قد أبرا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم وكان الثمار لمن قد أبر) وكان ذلك منه اثباتا لهذا الحكم كما
أنشد قول الأعشى. وهو سر غالب لمن غلب.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم. وهو سر غالب لمن غلب.
تثبيتا لهذا القول وهذه الوجود ذكرناها على جهة الاستئناس والاعتضاد لا أنه يقوم بها بمفردها
حجة والحجة ما تقدم وله تتمة تأتي في فرع مذاهب العلماء والله أعلم.
(فرع) في مذاهب العلماء. وافقنا على دخول الطلع والتفرقة بين ما قبل التأبير وبعده مالك
وأحمد والليث بن سعد وداود بن علي والطبري وقال ابن أبي ليلى يدخل الطلع في بيع النخل بكل حال
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه والكوفيون والأوزاعي لا يدخل بكل حال مؤبرا كان أو غير مؤبر الا
بالشرط فاخذ أبو حنيفة رضي الله عنه بالمنطوق دون المفهوم وأخذ الشافعي رضي الله عنه بالمنطوق والمفهوم
معا ولم يأخذ ابن أبي ليلى بالمنطوق ولا بالمفهوم واحتج من نصر قوله بأنه متصل بأصل الخلقة فأشبه
السقف والأغصان والصوف على ظهر الغنم (وأجاب) أصحابنا رحمهم الله بأن هذه الأشياء إنما دخلت
لأنها أجزاء وليست بنماء بدليل أن الحيوان يولد وعليه الصوف والنماء مالا يكون أصلا (وأما) الثمرة
فإنها نماء (وردوا) هذا القول بما تقدم من السنة والاستدلال (واحتجت) الحنفية ومن وافقهم بأنها ثمرة

(1) بياض بالأصل
339

* برزت عن شجرها وبأنها يجوز إفرادها بالعقد فلم تتبع الأصل كالمؤبرة وبالقياس على طلع الفحال وبأنها
نماء لها حال إذا انتهت إليه أخذت فلم تتبع الأصل كالزرع في الأرض وبان الزرع لا يتبع الأرض في
حالة ظهوره ولا في حالة كمونه فكذلك الطلع وبأنه لا يختلف قول من شرط التأبير أنها إذا لم تؤبر
حتى انتهت وصارت بلحا أو بسرا ثم بيع النخل أن الثمرة لا تدخل فيه قالوا فعلمنا أن المعنى في ذكر
التأبير ظهور الثمرة وبان الطلع لا يتبع في الرهن فكذلك في البيع كالمؤبرة (وأجاب) الأصحاب بعد
التمسك بالحديث عن الأول بمنع كونها برزت عن الأصل فإنها في غلافها (وعن) الثاني
بأنا لا نسلم جواز إفرادها بالعقد على رأى أبي إسحاق المروزي لان المقصود مغيب فيما لا يدخر
فيه فهو بمنزلة الجوز في القشرة العليا ولئن سلمنا فجواز الافراد لا يدل على عدم التبعية
ألا ترى أن من باع دارا فيها نخلة دخلت النخلة في البيع تبعا ويجوز افرادها بالبيع (وعن)
الثالث بان الصحيح عندنا ان طلع الفحال كطلع الإناث ولو سلم فالفرق ان طلع الإناث المقصود منه
ما في جوفه وطلع الفحال هو المقصود على وجهه (وعن الرابع) بان الزرع نماء برز عن الأصل بخلاف الثمرة
(وعن الخامس) بان الزرع ليس من أصل الخلقة فلذلك لم يتبع بخلاف الثمرة فإنها مستترة
في الشجرة من أصل الخلقة (والجواب) عن السادس أنها قبل التشقق غير ظاهرة لان الثمرة
المقصودة مستترة في الكلام فحيث ظهرت عن الكمام اما بالتأبير أو بغيره كانت للبائع
فمن جعلها للبائع من غير تأبير ولا ظهور كان مخالفا للفظ الحديث ومعناه (وعن السابع) من وجوه
(أحدها) ان الشافعي رضي الله عنه قال في القديم يدخل الطلع في الرهن تبعا للأصل (والثاني) ان الرهن
لا يزيل الملك والبيع يزيل الملك (والثالث) ان المعنى في المؤبرة انها أخذت شبها من الولد المنفصل
وشبها من الجنين فتعارضا وبقيت على حكم الأصل وهو ملك البائع ولا كذلك الكامنة
(تتمة) استدلال الأصحاب وقول المصنف رحمه الله ولان ثمره النخل كالحمل إلى آخره هو من كلام القاضي
340

أبي الطيب ولذلك الأصحاب قاسوه على الحمل الشيخ أبو حامد والماوردي وغيرهم وتقدمت الاحترازات
التي فيه لكن الشافعي رضي الله عنه في الام في هذا الموضع قال وتخالف الثمرة المؤبرة الجنين في أن
لها حصة من الثمن لأنه ظاهر وليست للجنين لأنه غير ظاهر ولولا ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك
لما كان الثمر مثل الجنين في بطن أمه لأنه يقدر على قطعه والتفريق بينه وبين شجره ويكون ذلك
مباحا منه والجنين لا يقدر على اخراجه حتى يقدر الله تعالى له ولا يباح لاحد اخراجه وإنما جمعنا بينهما
حيث اجتمعا في بعض حكمهما بان السنة جاءت في الثمر لم يؤبر بمعنى الجنين في الاجماع فجمعنا بينهما
خيرا لا قياسا إذا وجدنا حكم السنة في الثمر لم يؤبر كحكم الاجماع في جنين الأمة وإنما مثلنا فيه تمثيلا
ليفقهه من سمعه من غير أن يكون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى أن يقاس على شئ
بل الأشياء تكون له تبعا هذا كلام الشافعي رضي الله عنه وهو يقتضي الفرق بين الثمرة والحمل والاعتماد
في ذلك على الحديث وحده وكما دل الاجماع في الحمل على الفرق بين قبل ظهوره وما بعده كذلك
دلت السنة في الثمرة على الفرق بين ما قبل التأبير وما بعده وكلام الشافعي في هذا الموضع صريح
في أن الحمل لا يقابله قسط من الثمن على غير الأصح عن الأصحاب والأصحاب ذكروا في أن الثمرة هل
يقابلها قسط من الثمن طريقين (إحداهما) القطع بالمقابلة كما هو نص الشافعي (والثانية) تخريجها على قولين
كالحمل وهي ضعيفة لمخالفتها النص ورجحها الرافعي في باب الرد بالعيب وقصد الشافعي رضي الله عنه
بذلك تشبيهه قبل ظهوره بالثمرة غير المؤبرة ثم ذكر الفرق بينهما من جهة القدرة على فصل الثمرة
عن الشجرة بخلاف الحمل والأصحاب قاسوا عليه ولم ينظروا إلى هذا الفرق وذكروا اعتراضات على
341

القياس وانفصلوا عنها (اما) الاعتراضات فان المعني في الحمل لا يجوز افراده بالعقد فلذلك كان تبعا
وليس كذلك الثمرة لأنه يجوز افرادها بالعقد على رأى ابن أبي هريرة وهو الصحيح عند طائفة وهذا
قريب مما قاله الشافعي رضي الله عنه وليس إياه وبأنه لو كان الطلع كالحمل لوجب أن تكون الثمرة
للمشترى وإن كانت قد ظهرت لأنها متصلة بالأصل وبأنه لا يجوز للبائع استثناء الحمل لنفسه ويجوز له
استثناء الطلع لنفسه وانفصلوا عن الأول بأبواب الدار فإنه يجوز إفرادها بالعقد ومع ذلك تتبع وإنما لم
يجز العقد على الحمل وجاز على الثمرة لان الحمل جار مجرى أبعاض الام فلما لم يجز العقد على أبعاضها لم
يجز على حملها والثمرة قبل التأبير تجرى مجرى أغصان الشجرة فلما جاز العقد على أغصانها جاز على
ثمرها (وعن الثاني) بأنها إذا كانت كامنة في الطلع فهي بمنزلة الحمل لا أصل لها غيره فأما إذا ظهرت من
الطلع فقد أخذت شبها من الولد المنفصل عن الام لأنها ظاهرة كالولد وأخذت شبها من الجنين لأنها
متصلة بالأصل كاتصال الجنين بالأم وليس أحدهما أولى من الآخر فتعارضا وبقيت الثمرة على ملك
البائع كما كانت (وعن الثالث) أنه يجوز للبائع استثناء السقف والأغصان ومع ذلك إذا لم يستثن دخلت
في البيع (فائدة) كلام الشافعي رحمه الله المتقدم كالصريح في إفادة الاجماع على دخول الحمل في بيع
342

الام وقد روى عن محمد بن سيرين وغيره أنهم أجازوا بيع الأمة واستثناء ما في بطنها وليس مجرد
ذلك مصادما للاجماع المذكور ولكن ابن المغلس الظاهري قال عن أصحابهم ان تبعية الحمل للام
قول أكثر العلماء وان النظر يوجب أن يكون الحمل للبائع لأنه غيرها وليس كعضو منها الا أن
يمنع من ذلك ما يجب التسليم له فنسبة ابن المغلس ذلك إلى أكثر العلماء يشعر بخلاف إذ أنه رأى ذلك
من كلامهم ولم يعلم في المسألة اجماعا ومحل الجزم في دخول الحمل إذا كان مملوكا لرب الحيوان بشرط
أن يكون البيع قد وجد باختياره قال بان الرفعة وفي معناه كل تمليك جرى بالاختيار من المالك اما
بنفسه أو بوكيله وفي معنى ذلك ولى المحجور عليه لصغر أو سفه أو فلس وهل الاستتباع في هذا
لأجل رضاه بانتقال الملك في الام عنه القائم فيه مقامه وكيله أو وليله وكذا عند بيعه عليه قهرا أو لأجل
أنه لم ينتقل الملك فيها عنه الا بعوض فيه معنيان تخرج عليهما مسائل ذكرها الامام في باب الخراج
بالضمان (منها) لو وهبها حيث لا ثواب وهي حامل لا يتبعها الحمل الجديد كما قال لا والقديم أنه يتبعها كما
في البيع ومثلها جار فيما لو رهن الجارية الحامل لأنه في المسألتين راض بخروج الملك في الأولى وبتعلق
الحق في الثانية لكن لا بعوض أجريا أيضا فيما لو رهنها حائلا فحملت (ومنها) لو خرجت عن ملكه
343

بعوض لكن لا برضاه كما إذا رد عليه عوضها بعيب وكانت قد حملت في يده أو رجع فيها بائعها عند
فلسه وهي حامل وقد كانت حائلا عند ابتياعه لها هل يتبعها الحمل قولان (قلت) قضية المأخذين أن
الأب لو رجع في الجارية التي وهبها لابنه وهي حامل ثم حملت أن لا يتبعها الحمل قولا واحد لأنه
لا عوض ولا رضاء مع ذلك فقد حكى الامام في التبعية قولين قال الامام والفرق أن عقود الاجبار
بالعوض تستدعي بعد المبيع عن الغير ولو نفذنا البيع ونحوه على الجارية دون الحمل لجر ذلك عسرا
وما يجرى من الارتداد فهذا ليس في حكم العقود فجرى الامر في التبعية على التردد قال ابن الرفعة
وحيث نقول الحمل لا يتبع الام في الرد بالعيب ونحوه ظاهر كلامهم أن الرد صحيح لا يمنع
منه كما لم يمنع منه افضاؤه في التفريق بين الام والولد على رأى ولو كان الحمل حين البيع مملوكا
لغير البائع بوصية أو غيرها فلا يندرج الحمل في البيع وهل يصح البيع قال ابن الرفعة يشبه أن
يرتب على استثناء الحمل (ان قلنا) يصح فههنا أولى والا فوجهان قال القاضي حسين في كتاب أمهات
الأولاد قال إذا كان متزوجا بأمة فحملت منه وأوصى له بحملها جاز له أن يشترى الجارية على وجه
344

يعني لأنه صار جدا قال ولا خلاف أنه لا يجوز بيعها من غيره ومثل الوجه في بيعها منه إذا أوصى له
بحملها مذكور فيما إذا باعها من مالك الحمل والله أعلم (قاعدة) العقود التي يملك بها النخل والثمر
أربعة أضرب (أحدها) عقد معاوضة على وجه المراضاة كالبيع والصلح والصداق والخلع والإجارة كما
إذا أجر داره مدة بنخلة مطلقة فهذه العقود تتبعها الثمرة غير المؤبرة ولا تتبعها المؤبرة (الضرب الثاني)
ما ملك بمعاوضة على غير وجه المراضاة كما لو باعه نخلا فاطلعت في يد المشترى ثم أفلس فرجع البائع
في عين ماله فهل تكون الثمرة التي لم تؤبر تبعا له فيه وجهان (أصحهما) عند الروياني التبعية وكما إذا
رهن نخلا فأطلعت فحل الدين والطلع لم يؤبر فيبيع المرهون جبرا من غير رضا الراهن هل
يدخل الطلع في البيع أم لا فيه وجهان وقطع الروياني هنا بالتبعية لأنه وجد منه الرضا بهذا البيع
عند الرهن وقد أطلقوا على هذين القسمين أنهما من عقود المعاوضات التي على غير وجه المراضاة
وقد يتوقف في اطلاق العقد على الرجوع في الفلس والامر في ذلك قريب ومن عد ذلك في
عقود المعاوضات أراد به البيع الذي يرتب الرجوع عليه وحكى الجرجاني الوجهين أيضا في بيع
نخيل المفلس في دينه (الضرب الثالث) عقد على سبيل المراضاة من غير معاوضة كالهبة والوصية
هل تكون الثمرة التي لم تؤبر تبعا له على وجهين ومثل أن يهب نخلا لوله فيطلع فيرجع في هبته
هل يتبع الطلع النخل على وجهين (الصحيح) من المذهب ما قال الماوردي هنا أن الوالد لا يسترجع
الثمرة وعد هذا القسم أيضا من هذا الضرب اعتبارا بالعقد المبني عليه كما تقدم وعد هذان الوجهان في كل
هذه المسائل التي في الضربين قال الشيخ أبو حامد وغيره أصلها مسألة واحدة وهي إذا رهنه نخلا عليها
طلع لم يؤبر هل يدخل في الرهن باطلاق العقد أم على قولين قال القاضي أبو الطيب قال في الجديد
لا يدخل لان الرهن لا يزيل الملك وكأن يقول في القديم يدخل على الطريق البيع ثم رجع عنه في
الجديد (الضرب الرابع) ما لم يكن من عقود المعاوضات ولم يكن مأخوذا على وجه المراضاة كالطلاق
قبل الدخول إذا استرجع به نصف المهر وكان قد أصدقها نخلا لأطلع عليها ثم أطلعت وطلقها قبل
التأبير وقبل الدخول فههنا لا تتبع الثمرة الشجرة ولا ترجع إلى الزوج قولا واحدا قال الماوردي لا يختلف
المذهب فيه وقال الشيخ أبو حامد أنه ليس لنا موضع لا يتبع الطلع قبل الابار الأصل الا في هذه
المسألة يعني قولا واحدا وتعليله أن الصداق إذا كان زائدا زيادة متصلة غير متميزة كالسمن والكبر
والصنعة لا يرجع به وإنما يرجع بنصف قيمته يوم أصدقها فإذا لم يرجع بالزيادة التي لا تتميز فلان لا يرجع
345

بالطلع أولى فان أراد أن يرجع بنصف النخلة دون الطلع فان له ذلك ويترك الطلع إلى أوان الجذاذ
وجعل الماوردي من هذا لقسم الوالد إذا رجع فيما وهبه لولده لم يكن للوالد استرجاع الثمرة معه على
الصحيح من المذهب وفهم عنه الروياني القطع بذلك فقال وفي الحاوي وعلى هذا الوالد لا يسترجع
في الهبة من الولد غير المؤبرة قولا واحدا لأنه لا معاوضة ولا تراض.
(فرع) قال صاحب التلخيص في ما شذ عن أصول الكوفيين يعنى الحنفية أنه ان رهن
أرضا أو أقر بها دخلت الثمار يعنى عندهم وهذا يرد عليهم في كونهم يقولون لا يدخل في البيع ولا
في غيره الا في هاتين المسألتين.
(فرع) وأما قول المصنف رحمه الله قال الشافعي رحمه الله وما تشقق في معنى ما أبر لأنه
نماء ظاهر فهو كالمؤبر فهو كذلك في الام والمختصر وان لم يكن بلفظه والقياس الجلي ظاهر في ذلك
لأن الاعتبار بظهور الثمرة فلا فرق بين أن تظهر بعلاج أو بغير علاج أو تشقق بالرياح اللواقح وهو
أن يكون فحول النخل في ناحية الصبا فتهب في وقت الإبار فان الإبار تتأثر بروائح طلع الفحول قال
الشيخ أبو حامد بل ظهورها بنفسها أولى قال الشافعي رحمة الله عليه في البويطي الإبار في النخل إذا
انشق الخف وبدت الثمرة فهو وقت الإبار أبر أو أم يؤبر قال الماوردي وقد يكون من أنواع النخل
ما يكون ترك تلقيحه أصح للثمرة ومن كلام الشافعي والبويطي المذكور يستفاد أن التأبير اسم لوضع
طلع الفحال في الإناث بعد تشققها لا لنفس التشقق وهو معنى قول الأصحاب ان وقت
التأبير قائم مقام التأبير وان وضع الكش بعد تشقق الثمرة ليس بشرط في سلامة ذلك للبائع والتبعية
في المبيع وعدمها منوطة بالتشقق لا بوضع طلع الفحال فيها فيكون ذكر التأبير غالبا والنخل تارة
يتشقق بنفسه فيلقح بعد ذلك وتارة يبلغ أوان التشقق ولم يتشقق بعد ويشقق ويفعل ذلك به وقال
ابن الرفعة ما معناه انا إنما اتبعنا المعنى هنا ولم نتبع اللفظ ولا أجرينا فيه خلافا لان المعنى قوى بأصل
بقاء ملك البائع ولا يعارض ذلك بأن تركه التأبير عند إمكانه كالاعراض فنجعل تابعة لمقتضى مفهوم
الحديث لضعف عموم المفهوم وقال ابن عبد البر في التمهيد لم يختلف العلماء أن الحائط إذا تشقق طلع
إناثه فاخر إباره وقد أبر غيره ممن حاله مثل حاله ان حكمه حكم ما أبر لأنه قد جاء عليه وقت الإبار
وظهرت ثمرته بعد تغيبها في الخف وما ذكره هؤلاء الأئمة هو المعول عليه وقال ابن حزم الظاهري إنه
لو ظهرت ثمرة النخل بغير إبار لم يحل اشترطها أصلا وجمد جمودا عجيبا فقال لا يجوز في ثمرة النخل
346

إلا الاشتراط فقط (وأما) البيع فلا حتى يصير زهوا فإذا هو صار زهوا جاز فيه الاشتراط والبيع مع
الأصول ودونها وليس هذا الحكم إلا في النخل المأبور خاصة ولم يطرده في غير النخل من الشجر
ولا في النخلة الواحدة والنخلتين وهذا جمود عجيب ينكره الفهم وعدم طرده إياه في النخلة والنخلتين
بناء منه على أن النخل اسم جمع ولمخالفيه أن يقولوا انه اسم جنس فان العرب لم تلزمه تاء التأنيث
قال الله تعالى (اعجاز نخل من منقعر) وإذا كان اسم جنس شمل القليل والكثير كتمر وسائر ما مؤنثه
بالتاء مما لم تلزمه العرب كالتخم البهم بخلاف الرطب فإنهم قالوا هو الرطب كما لم تلتزم فيه العرب
التأنيث يصح أن يكون اسم جنس النخل من هذا القبيل والله أعلم.
(فرع) دل الحديث على أن الثمرة المؤبرة للبائع الا ان يشترط المبتاع أي كل الثمرة للبائع الا أن
يشترط المبتاع كلها أو شيئا منها كالنصف والثلث وأي جزء كان معلوما فلا تكون كلها للبائع بل على
حسب الشرط والعموم في الأول مأخوذ من الإضافة من قوله فثمرتها والاطلاق في الثاني مأخوذ من
عدم الهاء كما تقدم التنبيه عليه في لفظ الحديث وبه يقول جمهور العلماء ومنهم اشهب من المالكية
وقال مالك وابن القاسم لا يجوز ان يشرط بعضها وكذلك قال مالك وداود وفي مال العبد لا يجوز الآن
يشترطه كله أو يدعه كله.
(فرع) هذا الاشتراط هل حكمه حكم البيع أولا قد تقدم كلام الشافعي انه يقابله قسط من الثمن
فذلك يدل على أن حكمه حكم البيع عنده ومشهور مذهب مالك ان الثمرة إذا اشترطها مشترى الأصل
أو اشتراها بعد أنها لا حصة لها من الثمن ولو أجيحت كلها كانت من المشترى وتمسك ابن حزم في أن
هذا الاشتراط ليس يبيع بنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى تزهى وحمل هذا على عمومه
والقائلون بان الاشتراط بيع يحتاجون إلى تخصيص هذا الحديث أو تأويله على بيعها وحدها.
(فرع) قال أصحابنا يحصل تسليم الشجرة مع كون الثمار المؤبرة عليها للبائع وقال أبو حنيفة
رضي الله عنه لا يحصل الا بعد قطع الثمار وممن صرح بهذا الفرع القاضي حسين وفرقوا بينها وبين
الأرض المشغولة بالزرع على وجه منفعة الشجرة تافهة.
(فرع) فأما غير المؤبرة فقد علم أنها عند الاطلاق تكون للمشترى فلو اشترطها البائع فلا خلاف
في الجواز وان اختلفوا في جواز افرادها في البيع فان ذلك بيع حقيقي وهذا استجد فيصح قال القاضي
أبو الطيب قال في كتاب الصرف فذلك جائز لان صاحب النخل نزل عليه تسوية الثمرة في نخله
347

حين باعها إياه إذا كان استثناها على أن يقطعها فان استثني على أن يقرها فلا خير البيع لأنه باعه
ثمرة لم يبد صلاحها على أن تكون مفردة إلى وقت قد تأتى عليها الآفة قبله قال القاضي أبو الطيب وهذا الكلام
يقتضي ان من باع نخلا قبل التأبير واستثني الثمرة لنفسه لم يجز الا بشرط القطع وليس يقول بهذا أحد من
أصحابنا لأنه يجوز ان يشترط مطلقا وإنما شرط القطع في بيع الثمرة قبل بدو صلاحها (قلت) قد قال به بعض
الأصحاب تخريجا على أن المشرف على الزوال هل يجعل كالزائل فان الثمرة بالبيع قد أشرفت على زوالها عن
البائع وبالاستثناء كأنها رجعت إليه فأشبهت الداخلة في ملكه ابتداء فلذلك شرط شرط قلعها والوجهان
مشهوران في طريقة المراوزة حكاهما القاضي حسين وغيره وجعلوا هذه قاعدة ان ما أشرف على الزوال
هل يعطي حكم الزائل وخرجوا على ذلك مسائل (منها) إذا باع دارا واستثنى منفعتها لنفسه سنة هل يصح
كما لو باعها ثم استأجرها أولا يصح فيه الوجهان فان قلنا هناك يصح فههنا يجب القطع في الحال وان قلنا
هناك لا يصح فههنا يصح ولكن لا يجب القطع في الحال هكذا قال القاضي حسين (ومنها) إذا جنى المدبر جناية
تستغرق قيمته ثم مات الشيد ولم يخلف غيره ففداه الورثة حكمنا بنفوذ العتق وفي الولاء قولان (ان قلنا) المشرف
كالزائل العائد فالولاء للورثة والا فللمتوفى ومنهم من يؤول نص الشافعي على ما إذا باع الشجرة مطلقا
ثم اشترى من المشترى الطلع فإنه يجوز بشرط القطع هكذا قال القاضي حسين وغيره وممن جزم بظاهر
النص الماوردي على ما حكى الروياني عنه لكن أكثر العراقيين جازمون بانكار ذلك وان ما نقل عن
كتاب الصرف خطأ في النقل لان حرملة نقل إذا كان اشتراها على أن يقطعها فان اشتراها على أن
يقرها فلا خير في البيع فوقع الخطأ في النقل من قوله اشترى إلى قوله استثني ووافقهم القفال على هذا
والقاضي حسين أيضا صحيح خلاف ظاهر النص وحمله تأويله انه أراد به إذا باع النخل قبل التأبير
فكانت الأصول والثمرة للمشترى ثم اشترى البائع الثمرة منه قبل بدو الصلاح لم يجز الشراء الا بشرط القطع
ولكنا نعود إلى الكلام في ذلك عند بيع الثمار (واما) الحديث فليس فيه تعرض لذلك نعم قد يقال إذا كان
مقتضاه أن يكون للمشترى فينبغي إذا شرطت للبائع لا يصح كالحمل كما لا يصح استثناؤه لا يصح ههنا
فما وجه جزم الأصحاب بصحته ونظرهم بعد ذلك في أنه هل يشترط شرط القطع أم لا (والجواب) عن
هذا انها ليست كالحمل من كل وجه كما تقدم وقد تقدم خلاف في جواز افرادها بالبيع فان قلنا به فلا
اشكال في جواز استثنائها وان قلنا بقول أبي إسحاق المروزي وهو ان لا يجوز افرادها بالبيع فذلك لان
المقصود فيها مغيب ولا يلزم من ذلك أن لا يجوز استثناؤها فإنه لا يشترط في المستثني ما يشترط في المبيع
وقال المالكية ان شرطها البائع لم يجز وكان المشتري باعها قبل بدو صلاحها.
348

(فرع) إذا قلنا بأنه إذا استثني الثمرة يشترط شرط القطع فأطلق قال الامام دل كلام الأئمة ان
الاستثناء باطل والثمرة للمشتري قال وهذا مشكل جدا وان صرف الثمرة إليه مع التصريح باستثنائه
محال عندي فالوجه عد الاستثناء المطلق شرطا فاسدا مفسدا للعقد في الأشجار ويكون كاستثناء
الحمل وهذا الذي ذكره الامام هو الذي جزم به الماوردي وانه يفسد البيع تفريعا على هذا القول ولم
يذكر غير ذلك وذكر الماوردي أيضا تفريعا عليه انه لو استثني نصف الثمرة فسد العقد لتعذر
اشتراط القطع.
(فرع) إذا بقيت الثمار غير المؤبرة للبائع بالاستثناء قال الامام فإن لم نشترط التقييد يعني بشرط
القطع رأينا الابقاء وان شرطنا أو جبنا الوفاء ولا خلاف ان الثمار المؤبرة إذا بقيت ولم يبد الصلاح فيها
لا يستحق عليه قطعها وإن كان يشترط في صحة بيعها إذا أفردت شرط قطعها (قلت) لأنها لم تشرف على
الزوال فان العقد المطلق والحالة هذه لا يقتضي دخولها بخلاف ما قبل التأبير وكيف ما قدر فظاهر المذهب
ان لا يشترط في الاستثناء شرط القطع والله أعلم.
(فرع) قال الماوردي انه لو استثني البائع نصف الثمرة بطل العقد لتعذر اشتراط القطع به
وهذا منه بناء على أمرين (أحدهما) وجوب اشتراط القطع (والأصح) خلافه وقد تقدم الكلام فيه
قريبا (والثاني) أن امتناع القطع مبني على منع القسمة وسيأتي الكلام فيه في بيع نصف الثمرة شائعا
قبل بدو الصلاح والله أعلم.
(فرع) قد علمت أن هذه المؤبرة عند الاطلاق للمشترى فلو تلفت في يد البائع قبل
القبض ثبت للمشترى الخيار ان شاء فسخ البيع لتلف بعض المبيع قبل القبض وان شاء أجاز في
الأصول بجميع الثمن أو بحصته على القولين في تفريق الصفقة وليس كما إذا قطعت يد العبد فإنه إن
أجاز يجيز بجميع الثمن قولا واحدا على المشهور لان الثمن لا يتقسط على الأطراف ويتقسط على الثمرة كما
تقدم من نص الشافعي رضي الله عنه وممن صرح بهذه المسألة القاضي أبو الطيب والمحاملي والروياني
وكذلك لو كانت مؤبرة واشترطها المشتري لنفسه ثم تلفت وعن البويطي قول آخر في مسألة العبد
أنه يأخذه بحصته من الثمن وعن القاضي أبي حامد أن هذا لا يصح على مذهب الشافعي رضي الله
عنه ومن أصحابنا من خرج تلف الثمرة غير المؤبرة على القولين في أن الحمل هل يقابل بقسط من
الثمن وهو مردود لنص الشافعي رضي الله عنه على خلافه
349

(فرع) باع نخله مطلعة ولم يقل للمشتري انها مؤبرة ولم يعلم المشترى بتأبيرها ثم علم كان
الخيار قاله الشافعي رضي الله عنه والأصحاب القاضي أبو الطيب والروياني والمتولي وعللوه بأن
له بقاء الثمرة ربما أضر بالشجرة في سنة أخرى فان من الأشجار ما يحمل سنة ولا يحمل سنة أو يقل
في سنة ويكثر في سنة وأيضا فإنه يحتاج إلى الدخول في ملكه وربما يتأذى به قال ابن الرفعة
ولا يقدح ذلك في البيع قولا واحدا وان قدح في الزرع على وجه لأن هذه المنفعة تافهة بخلاف
منفعة الأرض.
(فرع) بيع الطلع في قشره مفردا مقطوعا على الأرض أو على النخل بشرط القطع فيه
وجهان (قال) أبو إسحاق لا يصح لان المقصود من الطلع ما في نفسه وهو مستور بما لا مصلحة له فيه (وقال)
ابن أبي هريرة يصح لان الجميع مأكول والمأكول إذا استتر بعضه ببعض جاز بيعه والأول أصح
عند المحاملي وصاحب العدة والشيخ أبي حامد فيما نقل عنه والثاني أصح عند الشيخ أبي حامد
والماوردي والقاضي الطبري والروياني والجرجاني وقال الامام إن معظم الأصحاب ذهبوا إليه وان صاحب
التفريب حكى فيه قولين وبناهما على بيع الحنطة في سنبلها ونقل ابن الصباغ عن أبي حامد أنه اختار
قول أبي إسحاق ثم المجوزون لذلك إنما يجوزونه بشرط القطع إذا كان على النخل كما دل عليه كلام
ابن الصباغ والروياني وغيرهما وهو ظاهر والمسألة مذكورة في الكتاب في باب النهي عن بيع الغرر
وشرحها النووي هناك ولا خلاف أن وقت التأبير لا يكون لوجود التأبير قال صاحب التتمة كما أن
الاعتبار بولادة الجارية لا بوقت الولادة وسيأتي في كلام الامام ما قد يتوهم منه خلاف ذلك ونذكر
تأويله هناك إن شاء الله تعالى وقال ابن الرفعة إذا شقق الطلع قبل أوان تشققه فهو للمشتري وان
شقق في أوانه فهو للبائع وان لم يتشقق بنفسه ولا شقق في أو انه فهل يكون للبائع إقامة لوقت
التشقق مقام التشقق أولا فيه نظر واحتمال (قلت) وهذا الاحتمال باطل والحكم كما مر مع الظهور
وجودا وعدما.
(فرع) قال الشيخ أبو محمد إذا أبر الطلع وحكمنا ببقائه للبائع فجزم الكمام للمشترى فإنه
يترك على النخلة نقله عنه في النهاية وجزم به في الروضة نقلا عن البسيط عند الكلام فيما يدخل
تحت اسم الشجرة.
350

(فرع) باع نخلة لم يخرج طلعها فإنه يخرج طلعها على ملك المشتري فلو استثناه البائع
بطل البيع قاله الخوارزمي في الكافي.
(فرع) لو شرط غير المؤبرة للمشترى قال في التتمة كان تأكيدا ولك ان تقول يصير كشرط
الحمل إذا صرح به وفيه خلاف وسيأتي نظيره فيما إذا باع الثمرة مع الشجرة قبل بدو الصلاح قالوا
فيها يصح وسيأتي البحث المذكور فيها وهو هنا أقوى لان المؤبرة التي لم يبد صلاحها يجوز بيعها
بمفردها قولا واحدا ولكن يشترط فيه شرط القطع وغير المؤبرة لنا في بيعها مفردة خلاف فمن
يقول بعدم الصحة يوجب الحاقها بالحمل فإذا صرح بدخولها كان كما لو صرح بدخول الحمل وفيه خلاف
(والأصح) عند الرافعي بطلانه والله أعلم.
(فرعان) ذكرهما أبو العباس بن سريج ونقلهما الشيخ أبو حامد في تعليقه عنه
(أحدهما) اشترى نخلة فأثمرت في يد البائع فالثمرة للمشترى ولا يكون شئ من الثمن مقابلا لها
وهي أمانة في يد البائع فان سلمها استقر البيع في النخلة وخرجت الثمرة من أمانته وان تلفتا
انفسخ البيع في النخلة وعليه رد ثمنها ولا شئ عليه لأجل الثمرة وان تلفت الثمرة سلم النخلة
وأخذ جميع الثمن وان سلمت الثمرة وتلفت النخلة سقط جميع الثمن عن المشترى وأخذ الثمرة ولا شئ
للبائع (الثاني) اشترى أرضا عليها نخيل مؤبرة واشترط كل ذلك وكانت قيمة الجميع متساوية
فحدثت ثمرة أخرى قبل ان يتسلمها فالثمرة الحادثة في ملك المشتري فان أكل البائع الثمرتين
جميعا كان عاصيا فيهما وعليه بدل الثمرة الخارجة إن كان اكلها رطبا فثمنه وإن كان اكلها تمرا
فمثله واما الخارجة فالمشترى بالخيار لأجلها فان فسخ البيع رجع بجميع الثمن وان أجاز فعلى القولين
في جناية البائع (ان قلنا) كالآفة السماوية أجاز في الأرض والنخل بحصتهما من الثمن (وان قلنا)
كالأجنبي أعطاه جميع الثمن ثم غرمه بدل الثمرة والله أعلم (فائدة) الغزالي رحمه الله تعالى في
المستصفى من المنكرين لهذا المفهوم ولكنه في كتبه الخلافية كالتحضير بالغ في اثبات ذلك وتقريره
وان عرف العرب في الاستعمال افهم أمورا تكاد تزيد فوائدها على موجب الأوضاع وان الاشكال
في المسكوت عنه والبقاء على النفي الأصلي فيه إنما كان قبل التخصيص أما بعد التخصيص ارتفع
351

الاشكال وصار ذلك معلوما بدليل من جهة الشرع والسر في الفرق بين هذه المفهومات وبين مفهوم
اللقب حيث لم يكن حجة على المختار أن التخصيص هو الطريق المستعمل عرفا للنفي والاثبات
بطريق الايجاز ومعنى التخصيص إيقاع الخصوص بقطع بعض الجملة عن الجملة والجملة إما أن تتمثل
في الذكر بقوله من باع نخلة فإنها تتناول المؤبر وغير المؤبر فإذا استدرك وقال بعد أن تؤبر كان ذلك
تخصيصا وقطعا عن جملة واما أن تتمثل في الوهم بأن يكون ذكر أحد القسمين مذكرا للآخر المقطوع
عنه بالضرورة كقوله الثيب أحق فإنه قطع عن البكر إذا الثيابة والبكارة صفتان يتقاطعان على التعاقب
وضعت كل واحدة منهما لفصل قسم عن قسم والعلف أيضا كذلك مع إثبات الثيابة بذكر الثيابة
والسوم بالضرورة واليوم في قوله (وأتموا الصيام إلى الليل) والتأثير نفى البكارة والعلف والليل والاستتار
وليس في إثبات البر نفى الزعفران والأدوية والفواكه وغيرها أولا اتصال بين البر وغيره حتى يكون
ذكره قطعا لذلك الاتصال نعم قد يدل على التخصيص بقرينة تنضم إلى الذكر القاصر فاما مجرد الذكر
فلا يدل والتخصيص دليل بالوضع العرفي فلا يخرج عن كونه دليلا إلا بقرينة فليدرك التفاوت بين
الرتبتين وهذا الذي ذكره الغزالي رحمه الله من نفيس الكلام لمن أنصف من نفسه وفهم بذوقه الفرق
بين الرتبتين فيعلم بهذا الكلام السبب في ذلك (أما) من لم يشهد ذوقه للتفرقة قال فهو جدير بأن
لا يكلم ومراده بالعرف عرف المحاورة في كلام العرب لأعرف طارئ بعدهم وهذا السر هو الموجب
لكوننا لم نقل بمفهوم قوله (فان خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ومفهوم
قوله صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذنها فنكاحها باطل) (أما) الأول فلان الخلع لا يتفق إلا
في حالة الشقاق ويستحيل بحكم العادة وقوعه في حالة المصافاة وما لا يقع عرفا فليس من غرض الشرع
بيانه فقد استوعب الشارع كل محل الحاجة ولم يقع البعض عن البعض وذكره اللحوق ذكره لمحل الحاجة
إلى البيان وهو كل محل الحاجة (وأما) الحديث فلان المرأة إما أن تفوض أمرها للولي لحيائها أو تستقل
لزوال حيائها (أما) المباشرة بإذن الولي فلا تقع في العادة فلم يكن من محل البيان في غرضه والله أعلم
352

(فائدة أخرى) في التأثير عن جابر عن عبد الله رضي الله عنه قال (أبصر النبي صلى الله عليه وسلم الناس
يلقحون النخل فقال ما للناس قالوا يلقحون فقال لا لقاح أولا أدرى اللقاح شيئا فقال فتركوا اللقاح
فخرج تمر الناس شيصا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما شأنه قالوا كنت نهيت عن اللقاح فقال ما
أنا بزارع ولا صاحب نخل لقحوا) أورد أبو بكر محمد بن موسى الحازمي هذا الحديث في كتابه
الناسخ والمنسوخ لتضمنه النهي عن اللقاح ثم الاذن فيه ونقل عن بعضهم أن قوله لا لقاح صيغة تدل
على النهى وأن للشارع أن يتحكم في أفعال العباد كيف أراد ولهذا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم كنت
نهيت عن اللقاح ولم ينكر عليهم ومال الحازمي إلى أن ذلك ليس بحكم شرعي ولقوله في رواية أخرى
(إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن ولكن إذا حدثتكم عن الله تعالى شيئا فخذوا به فإنني لن أكذب على
الله) ثم قال الحازمي وعلى الجملة الحديث يحتمل كلا المذهبين ولذلك أبقينا يعني في الناسخ والمنسوخ.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(وان باع فحالا وعليه طلع يتشقق ففيه وجهان أحدهما أنه لا يدخل في بيع الأصل لان جميع
الطلع مقصود مأكول وهو ظاهر فلم يتبع الأصل كالتين والثاني أنه يدخل في بيع الأصل وهو
الصحيح لأنه طلع لم يتشقق فدخل في بيع الأصل كطلع الإناث وما قاله الأول لا يصح لان المقصود
ما فيه وهو الكش الذي يلقح به الإناث وهو غير ظاهر فدخل في بيع الأصل كطلع الإناث)
(الشرح) الفحال بضم الفاء وحاء مهملة مشددة وآخره لام ذكر النخل وقال ابن فارس
الفحال فحال النخل وهو ما كان من ذكوره فحلا لإناثه قال ابن قتيبة وهو فحال النخل ولا يقال فحل
(1) ولذلك اعترض معترض على الشافعي رضي الله عنه فان الشافعي قال وإن كان فيها فحول
فقال هذا المعترض إن هذا خطأ لأنه لا يقال في النخل فحل ولا في جمعه فحول وإنما يقال فحال وجمعه
فحاحيل وأجاب الأصحاب بأن كل واحد منهما جائز في اللغة وقد ورد به الشعر. قال الشاعر
تأبدي يا خيرة العسل * بابدى من جيد فسلي * إذ ضن أهل النخل بالفحول
والكش بضم الكاف وبالشين المعجمة هو ما في بطون طلع الفحال الذي يلقح بها طلع الإناث

(1) بياض بالأصل
353

(أما) الأحكام فقال الأصحاب تبعا للشافعي إذا كان في النخل فحول فاما أن تفرد الفحول بالبيع واما
أن يبيعهما معا فان أفرد الفحول بالبيع فاما أن يكون قد تشقق شئ من طلعها أولا فان تشقق شئ
من طلعها فالثمرة للبائع بلا شبهة وان لم يكن تشقق شئ ثمن طلعها (فأحد) الوجهين أنه للمشترى هو الصحيح
وقال المصنف في التنبيه والشيخ أبو حامد في تعليقه انه المنصوص وادعى بعضهم أنه ليس في المسألة نص
(ومن أصحابنا) من قال للبائع مستدلا بأن ظهور طلع الفحال بمنزلة تشقق طلع الإناث لأنه ليس له ثمرة غيره
بخلاف طلع الإناث فان المقصود ما في جوفه فإذا لم يظهر بالتشقق يكون للمشترى وهذا أصح عند
الماوردي والجرجاني في التحرير ورد الأصحاب ذلك بأن المقصود من طلع الفحال ليس هو الاكل بل الكش
الذي يلقح به وهو غير ظاهر فهو كالإناث في التشقق سواء قال الماوردي هذان الوجهان مخرجان من اختلاف
أصحابنا في طلع الإناث هل يقاس على الحمل قياس تحقيق أو قياس تقريب قال بعضهم قياس تحقيق فعلى
هذا لا يصير طلع الفحال مؤبرا إلا بالتشقق وقال آخرون بل قياس تقريب اعتبارا بالعرف فعلى هذا
يصير طلع الفحال مؤبرا اعتبارا بالعرف اه‍ ولو كان قد تشقق شئ من طلع الإناث وأفرد الذكور
بالبيع وهي غير مؤبرة ففيها وجهان كالوجهين الآتيين فيما إذا أفرد ما لم يؤبر بالبيع قاله الفوراني وأما
إذا جمع في العقد بين الفحول والإناث فإن كان قد تشقق شئ من طلع الإناث فطلع الكل للبائع على
الوجهين اتفاقا (أما) على الصحيح فلان الكل كطلع الإناث وأما على الوجه الآخر فان طلع الإناث
تشقق وطلع الفحال له بكل حال وقد جزموا على الصحيح ههنا ان طلع الفحول يتبع طلع الإناث
وكان ينبغي أن يأتي فيها وجه بأن طلع الفحال للمشترى بناء على أن أحد النوعين لا يستتبع لآخر
كما سنحكيه عن القاضي حسين والامام في القسم الآخر لغير المشتق فيه فهو كجنس آخر وهذا الكلام منه
كالصريح بجريان الخلاف وقال الجوزي إذا كان فيها فحول فقد اختلف أصحابنا فقال أبو حفص
إنما جعلت الفحول تابعة لأنها للأقل فالنادر يدخل في الغاصب ولان الغرض من طلع الفحال
أكله غالبا فاستوى المؤبر منه وغيره إذا تشقق شئ من الإناث فباقي الحائط وذكوره وإناثه
354

تبع له وإذا تشقق شئ من الذكور فسائر ما بقي من الذكور والإناث تابع فهذا الكلام يقتضي أن
أبا حفص وهو ابن الوكيل هو القائل بان طلع الفحال للبائع بكل حال وانه عل تبعيتها للإناث عند
الاجتماع بهذه العلة وبعلة أخرى وهي النذرة غير أن التعليل بالنذور إنما يتم على ما هو المعهود غالبا فلو
فرض كثرة الفحول زالت هذه العلة وان لم يتشقق شئ منها أصلا لامن طلع الإناث ولا من طلع
الفحول فعلى الصحيح الكل للمشترى وعلى الوجه الآخر طلع الإناث للمشترى والفحال للبائع وقال
القاضي حسين على هذه الوجه فيه وجهان كما في طلع الإناث إذا كان من صنفين وتشقق البعض دون
البعض وجمع بينهما في العقد وكذلك الامام جعل تبعية الإناث للذكور كاستتباع النوع النوع
وكذلك حكي الوجهين وقال إن الأصح أن طلع الإناث لا يتبع طلع الفحول وإن كان طلع الفحول
يتبع طلع الإناث وقال المتولي انه على هذا الوجه يكون الفحول والإناث كالجنسين فلا يجعل الإناث
تبعا لها وإن كان قد تشقق شئ من طلع الفحول فقط فعلى الصحيح الطلع كله للبائع وحكى في الحاوي
وجها وصححه ان طلع الإناث لا يتبع طلع الذكور وإن كان طلع الذكور يتبع طلع الإناث لان مقصود
الثمار طلع الإناث وطلع الذكور يقصد لتلقيحه لا لنفسه وهذا الوجه وهو الذي يدل عليه نص الشافعي
رضي الله عنه كما سأبينه قريبا إن شاء الله تعالى فعلى هذا يكون حكمه كما سيأتي على الوجه الآخر
وعلى الوجه الآخر طلع الفحول للبائع بالظهور وطلع الإناث للمشترى وينبغي أن يأتي فيه وجه أن
طلع الإناث أيضا للبائع بناء على أن أحد النوعين يستتبع الآخر على قياس ما حكاه القاضي حسين
الا أن يتمسك بما تقدم عن صاحب التتمة أن الذكور مع الإناث على هذا الوجه كالجنسين وهو
بعيد واعلم أن عبارة المختصر وإن كان فيها فحول بعد أن تؤبر الإناث فثمرتها للبائع وظاهر هذه
العبارة إذا باع الفحول والإناث جميعا وقد أبرت الإناث فالكل للبائع وهي الصورة التي حكينا
الاتفاق فيها على ذلك وأبدينا فيها احتمال وجه وعبارة الشافعي في الام ومن باع أصل فحل
نخل أو فحول بعد أن تؤبر إناث النخل فتمرها للبائع الا أن يشترطه المبتاع وهذا يشبه عبارة
355

المختصر الا ان اطلاق عبارة الام تصدق على ما إذا باع الأصل وحده بعد تأبير الإناث وهذا لا يستمر
الا على الوجه القائل بأنه إذا أفرد ما لم يؤبر يجوز إذا كان تأبر شئ من غير نوعه من ذلك الجنس
ومفهومه يقتضي انه إذا باع الفحل قبل التأبير يكون طلعه للمشترى كما ادعى المصنف في التنبيه أنه
المنصوص وفي ظاهره اشكال لأنه يشمل ما إذا تأبر هو قبل تتأبر أن الإناث ولا يمكن القول بأن ذلك
للمشترى فلذلك عبارة المختصر أبين ثم قال الشافعي في الام ومن باع نخلا قبل ان تؤبر إناث النخل
فالثمرة للمشترى وهذا النص يقتضي أن ثمرة الإناث لا تتبع ثمره الفحول على خلاف ما قدمناه عن
الأصحاب أنه إذا تشقق شئ من طلع الفحول يكون الطلع كله للبائع على الصحيح ويشهد للاحتمال
الذي أبديته فيه هذا إن كان قول الشافعي نخلا بالنون والحاء المعجمة وإن كان بالفاء والحاء المهملة فاشذ
فإنه حينئذ يقتضي أن الفحال إذا أفرد بالبيع وقد أبر ولم تؤبر الإناث أن طلعه للمشترى ولا قائل بذلك
نعلمه من الأصحاب وإنما جوزت هذا الاحتمال في لفظ الشافعي لأنه أتى به في مقابلة من باع فحلا
بعد أن تؤبر الإناث فقسيمه من باع فحلا قبل ان يؤبر وإن كان ذلك ليس بلازم والله سبحانه وتعالى
وأعلم يؤيد ما قلته ان الشافعي قال أيضا في المختصر ولو تشقق طلع إناثه أو شئ منه فهو في معنى ما أبر
نخله فمفهوم هذا أنه لا يكتفي في ذلك بتشقق طلع الذكور (فائدة) أطلق المصنف الوجهين في هذا
الكتاب ولم ينسب شيئا منهما إلى النص وكذلك فعل القاضي أبو الطيب وفي التنبيه قال وقيل إن
ثمرة الفحال للبائع بكل حال وهو خلاف النص وكذلك فعل الشيخ أبو حامد فهذا أحد المواضع
التي يؤخذ منها ما اشتهر على السنة الفقهاء أن التنبيه مأخوذ من طريقة الشيخ أبي حامد والمهذب من
طريقة القاضي أبي الطيب وذلك غير مستمر فسيأتي في تقسيم الشجر تبع الشيخ أبا حامد ولم يتبع
أبا الطيب لكن ذلك في صنعة التصنيف لا في النقل وفي ذلك الموضع يأتي كلام في مخالفته أبا حامد
أو موافقته والظاهر عندي أنه لم يلتزم متابعة طريقة واحدة في كتاب منهما نعم إن كان ذلك في الأكثر
فربما ويترك ذلك في بعض الأوقات لما يترجح عنده ولم أقف من نص الشافعي في الفحال الا
356

ما حكيته عن الام والمختصر فيحتمل أن يكون الشيخ أبو حامد والمصنف وقفا على نص آخر أصرح
منهما ويحتمل أنهما أخذاه من ذلك والله أعلم.
(فرع) قال الماوردي إذا أخذ طلع الفحال جاز بيعه في قشره لأنه من مصلحته وكان
أبو إسحاق يمنع من بيعه حتى يصير بارزا قال وليس هذا بصحيح ونسب الامام والأول إلى معظم أصحابنا
وذكر عن صاحب التقريب أنه ذكر في ذلك قولين وأنه بناهما على بيع الحنطة في سنبلها قال الامام
وهذا مقدح حسن (فائدة أخرى) ادعى بعضهم أنه ليس في خصوص مسألة الفحال نص للشافعي
وأنه لا يمكن أخذه من إطلاقه أن الإبار حد لملك البائع لان الإبار عبارة عن إصلاح طلع الإناث بعد
تشققه أو شققه بالكش الذي في طلع الفحال فلا أبار في الفحال فلا دخول له في هذا ولا يمكن حمل
كلامه في التنبيه في قوله وهو خلاف النص على نص الحديث لان الحديث إنما يحمل على التأبير
اللغوي وهو إنما يكون للإناث على ما سبق وجعل التشقق في معناه حكم شرعي من الحاق الفقهاء
بالمنصوص عليه فهو بكلام الشافعي أولى
(فرع) باع فحالا لأطلع عليه ثم أطلع قبل لزوم العقد قال في الاستقصاء (فان قلنا) إنه
كطلع الإناث فهو للمشترى (وان قلنا) إنه كالمؤبرة وقلنا أنه يملك بالعقد أو موقوف فهو أيضا للمشترى
(وان قلنا) أنه لا يملك إلا بالعقد وانقضاء الخيار فهو للبائع لأنه حدث والبيع على ملكه.
قال المصنف رحمه الله.
(وان باع حائطا أبر بعضه دون بعض جعل الجميع كالمؤبر فيكون الجميع للبائع لأنا لو قلنا إن
ما أبر للبائع وما لم يؤبر للمشترى أدى إلى سوء المشاركة واختلاف الأيدي فجعل ما لم يؤبر تبعا للمؤبر
لان الباطن يتبع الظاهر ولم يجعل ما أبر تابعا لما لم يؤبر لأن الظاهر لا يتبع الباطن ولهذا جعلنا أساس
الدار تابعا لظاهرها في تصحيح البيع ولم نجعل ظاهرها تابعا للباطن في إفساد البيع).
357

(الشرح) الحائط وهو البستان من النخيل (1) (أما) الأحكام ففي هذه الجملة مسألتان (الأولى) إذا باع
حائطا أبر بعضه دون بعض جعل الجميع كالمؤبر وجعل ما لم يؤبر تابعا لما أبر (أما) إذا كان نوعا واحدا
فاتفق عليه الأصحاب تبعا للشافعي رضي الله عنه واستدلوا هم وغيرهم لذلك بأن تأبير البعض يحصل
للنخل اسم التأبير فيشمله قوله صلى الله عليه وسلم (من باع نخلا قد أبرت) قال ابن عبد البر وأصل
الإبار أن يكون في شئ منه الإبار فيقع عليه اسم أنه قد أبر كما لو بدا صلاح شئ منه وفيما ذكروه
من إطلاق اسم التأبير على الجميع بتأبير بعضها توقف لا يخفى لا سيما على ما يقوله أصحابنا أنه يكفي تأبير
نخلة واحدة في البستان بل طلعة واحدة ويصير الباقي تبعا فدعوى إطلاق التأبير على الجميع حقيقة
في غاية البعد وقد وقع في كلام ابن حزم ما يقتضي أن لفظ الحديث وفيها ثمرة قد أبرت فثمرتها
للبائع إلا أن يشترط المبتاع وهذا لو ثبت كان صريحا في المطلوب لكني لم أجده في شئ من ألفاظ
الحديث التي وقفت عليها وإنما فيها كلها جعل التأبير صفة للنخل المبيعة وحقيقة ذلك أن يكون في
الجميع واللفظ الذي ذكره ابن حزم لم يذكره باسناد بل أتى به في ضمن استدلال فلعله لم يتثبت فيه
نعم لا يشترط أن يوجد التأبير في كل طلع النخلة بل متى وجد في شئ منها صح أنها أبرت فيكون
جميع ثمرتها للبائع وإن كان بعضها غير مؤبرة استدلالا بالحديث ويعضد الأصحاب وغيرهم فيما اتفقوا عليه
من الاكتفاء بتأبير البعض أن العادة لم تجر بتأبير جميع النخل بل يكتفون بتأبير بعضها واستدل
أبو إسحاق المروزي لذلك بما ذكره المصنف وزاده المصنف بالاستشهاد بأساس الدار وهو جواب عن
سؤال مقدر أورده الشيخ أبو حامد والماوردي وغيرهما وأجابوا عنه وهو أنه هل لاجعل ما أبر تابعا لما لم
يؤبر في دخوله في البيع وأجابوا بأنه استقر في الشرع أن الباطن تبع للظاهر وليس الظاهر تبعا للباطن فان ما بطن
من أساس الحائط ورؤس الأجذاع تبع لما ظهر في جواز البيع وأيضا فإنه كان يلزم منه مخالفة منطوق
الحديث ولك أن تقول على الأول ان الحكم بتبعية الأساس أمر ضروري لصحة البيع ولا كذلك الثمار
ألا ترى أنه لو شرط أن تكون المؤبرة للبائع وغير المؤبرة للمشتري اتبع شرطه فإنها لو كانت كلها مؤبرة

(1) بياض بالأصل
358

وشرط بعضها اتبع شرطه وسوء المشاركة موجود فكأنهما رضيا به وأورداه العقد عليه وكل عقد فيه مشاركة
فهو مظنة الضرر ومع ذلك يصح كثير من العقود المقتضية للمشاركة واستدلوا أيضا بأن بدو الصلاح
في بعضها بمنزلة بدو الصلاح في جميعها فكذلك التأبير ولك أن تجيب بأن المعنى في الأصل أن الثمرة
متى تركت حتى يوجد الصلاح في جميعها أدى إلى أن لا يصح بيعها بحال فإنه إلى أن يتكامل
فيها يتساقط الأول فيؤدي إلى فساد الثمرة وتأذى مالكها وليس هذا المعنى موجودا هنا والله أعلم وفي
كلام الشافعي في الام إشارة إلى الدليلين اللذين استدل بهما الأصحاب (وأما) إذا كان الحائط أنواعا
فالمذهب أيضا أن ما لم يؤبر تابع لما أبر فان الشافعي قال إذا بيعت رقبة الحائط وقد أبر شئ
من نخلة فثمرة تلك النخل في عامه ذلك للبائع ولو كان منه ما لم يؤبر ولم يطلع لان حكم
ثمرة ذلك النخل في عامة ذلك حكم واحد كما يكون إذا بدا صلاحه ولم يؤبر قال صاحب التتمة
ويخالف الجارية الحامل بولدين وضعت أحدهما ثم باعها قبل وضع الآخر لا يجعل تبعا للمولود على
ظاهر المذهب لان الولد بعد الانفصال ليس له تعلق بالأم فيفرد كل واحد بحكمه والطلع بعد التأبير
متصل بالشجرة هذا الفرق ذكره صاحب التتمة في النخلة الواحدة يكون بعض طلعها مؤبرا وبعضها
غير مؤبر فأما إذا كان بعض النخيل مؤبرا وبعضها غير مؤبر ففرق بينه وبين الأغنام يبيعها وقد
نتج بعضها يبقى نتاجها للبائع والتي لم تنتج يدخل حكمها في العقد لان نتاج الأغنام لا يتفق في وقت
واحد بخلاف النوع الواحد من النخيل وقال أبو علي بن خيران لا يكون تأبيرا إلا في نوعه لان
الأنواع يختلف ادراكها وتتفاوت والنوع الواحد لا يتفاوت ورد الأصحاب عليه بما ذكره المصنف
وممن وافق الأصحاب على ذلك أبو علي بن أبي هريرة لكنه شرط في ذلك أن يكون اطلع حتى
يكون في حكم المؤبر وان اختلف النوع (أما) ما ظهر من الطلع بعد البيع فقال بأنه للمشترى لأنه
ظهر في ملكه وغلطوه في ذلك بالنص الذي قدمته عن الشافعي آنفا وحكمه بأن ثمرة ذلك العام للبائع
ولو كان فيه ما لم يؤبر ولم يطلع وهذا نص صريح وقول ابن أبي هريرة هذا صححه الماوردي وسيأتي
في كلام المصنف وإنما ذكرته هنا لتعلقه به فإنه ينتظم به فيما إذا باع نخلا وفيه ثمرة مؤبرة ثلاثة
أوجه (أحدها) وهو المذهب ان ثمرة جميع ذلك العام للبائع (والثاني) قول ابن خيران ليس للبائع
359

* الا المؤبر و (الثالث) قول ابن أبي هريرة ان للبائع المؤبر والمطلعة غير المؤبرة عند البيع وللمشتري ما أطلع
بعد البيع والله أعلم ولم يقل أحد من الأصحاب بأفراد المؤبر بحكمه ومذهب مالك رحمه الله أنه إذا
أبر أكثر الحائط فهو للبائع حتى يشترطه المبتاع وإن كان المؤبر أقله فكله للمبتاع واضطربوا
إذا أبر نصفه قال ابن عبد البر والأظهر من المذهب انه للمبتاع الا أن يكون النصف مفردا
فيكون للبائع.
(فرع) هذا كله فيما إذا باع الجميع أما إذا أفرد غير المؤبر بالبيع فسيأتي ذلك في كلام المصنف
رحمه الله تعالى إن شاء الله تعالى (المسألة الثانية) إذا كان له حائطان فأبر أحدهما دون الأخرى وباعهما
فان المؤبر للبائع وما لم يؤبر للمشترى ولا يتبع أحدهما الآخر لما ذكره المصنف هذا هو الصحيح المشهور
الذي جزم به القاضي أبو الطيب والماوردي الروياني كما فرقنا في الشفعة بين ما قسم وبين ما لم يقسم
وقاسه الشيخ أبو حامد أيضا على بدو الصلاح فان بدو الصلاح في أحد الحائطين لا يستتبع الآخر
وفيه وجه آخر ان البستان يتبع الآخر وجعل الرافعي الخلاف في البستانين مرتب على البستان الواحد
فحيث قلنا في البستان الواحد أن كل واحد من المؤبر وغير المؤبر يفرد بحكمه فههنا أولى وحيث قلنا بان غير
المؤبر يتبع فههنا وجهان (أصحهما) إن كان بستان يفرد حكمه الفرق أن لاختلاف البقاع تأثيرا في وقت
التأبير فاقتضي كلام الرافعي رحمه الله جريان الخلاف في البستانين في صور (إحداها) عند اتحاد النوع
360

والصفقة (والثانية) عند اختلاف النوع على المذهب (والثالثة) عند تعدد الصفقة إذا أفرد البستان
الذي لم يؤبر بالبيع فإنه يكون كما لو أفرد غير المؤبر في البستان الواحد ولنا فيه خلاف سيأتي الأصح
أنه لا يتبع فعلى الوجه الآخر مقتضى كلام الرافعي أن يأتي في البستانين خلاف إذا أفرد غير المؤبر
بالبيع وكلام المصنف يقتضي على الصورتين الأولتين ما اقتضاه كلام الرافعي من جريان خلاف عند
اتحاد النوع والصفقة موجود لغيره فان القاضي حسين حكي عنه في ذلك وجهين وأما عند اختلاف
النوع فغريب وقد جزم صاحب التتمة فيه بعدم التبعية وجعل محل الوجهين فيما إذا كان الصنف
واحد فأما إذا أفرد البستان الذي لم يؤبر بالبيع فأغرب لم أره لغير الرافعي لكنه يشبه ما ذكره
الأصحاب في بدو الصلاح والفرق واضح من جهة أن المطلوب يبدو الصلاح أمنها من العاهة وقد يقال إنه
حاصل بدخول وقته وإن لم تشمله صفقة والمطلوب تأثير أن يكون المبيع أو بعضه بارزا وهو مفقود
ههنا قال الرافعي وغيره ولا فرق بين أن يكون البستانان مثلا صفين أو متباعدين قال ابن الرفعة
يشترط أن يكونا في إقليم واحد بل في مكان طبعه واحد وما ذكره صحيح مأخوذ من كلام الشافعي
رضي الله عنه وعليه يحمل كلام الرافعي وغيره ثم اعلم أن المراد بالحائطين ما يكون أحدهما مثمرا
غير الآخر ولا يشترط أن يكون محوطا فان صاحب البيان ذكر المسألة فيما إذا كان له حائطان فيهما
نخيل أو قطعتان من الأرض فيهما نخيل لكن ينبغي أن يضبط ذلك بضابط فان قطعتي الأرض
المتجاورتين كالأرض الواحدة التي لها جانبان وجعل التأبير في أحد الجانبين دون الآخر ثم باع
الجميع فان ما لم يؤبر تابع لما أبر فإذا كان الأرضان غير متجاورتين كانا لذلك فينبغي أن يضبط ذلك
بأن يكون بينهما نوع من التمييز حتى يعدا في العرف مكانين ولا يعدان مكانا واحدا وأسباب ذلك
إما حاجز بينهما واما غير ذلك مما هو معلوم في العرف فان من الأراضي ما هي قطعة متجاورة ويحكم
أهل العرف بأنها أراضي لا أرض واحدة لنوع من التمييز بينها (وأما) القطعة الواحدة إذا أبر جانب
منها دون جانب ثم باع الجميع حصلت التبعية لان صاحب الحاوي قال (1) وقال الشيخ أبو حامد انه
لا يشترط الحاجز وإنما يعتبر أن يصدق عليهما اسم الانفراد وهو إشارة إلى ما قلناه.

(1) بياض بالأصل
361

(فرع) هذا الحكم المذكور من أول الفصل إلى هنا أن المؤبر لا يتبع النخلة المبيعة وغير
المؤبر يتبع لا فرق فيه بين أن يكون المبيع النخيل دون البستان أو معه وهذا وإن كان من الواضحات
فان صاحب العدة صرح به فذكرته تبعا له ورغبة في الايضاح والله سبحانه أعلم.
قال المصنف رحمه الله.
(وإن كان له حائط أطلع بعضه دون بعض فأبر المطلع ثم باع الحائط ثم أطلع الباقي ففيه وجهان
قال أبو علي بن أبي هريرة ما أطلع في ملك المشتري لا يتبع المؤبر بل يكون للمشترى لأنه حادث في
ملكه فلا يصير للبائع والثاني أنه يتبع المؤبر فيكون للبائع لأنه من ثمرة عامه فجعل تابعا له كالطلع
الظاهر في حال العقد فان أبر بعض الحائط دون بعض ثم أفرد الذي لم يؤبر بالبيع ففي طلعه وجهان
أحدهما أنه للبائع لأنا جعلناه في الحكم كالمؤبر بدليل أنه لو باع الجميع كان للبائع فصار كما لو أفرد
بعض المؤبر بالبيع والثاني أنه للمشتري لأنه إنما جعل كالمؤبر إذا بيع معه فيصير تابعا له فاما إذا أفرده
فليس بتابع للمؤبر فتبع أصله).
(الشرح) فيه مسألتان (المسألة الأولى) إذا باع جميع نخل البستان وقد أبر بعضها وبعضها لم يطلع
بعد فاطلع بعد البيع في ذلك المشترى فلا اشكال في أن المؤبر للبائع وأن ما كان وقت العقد مطلعا
غير مؤبر تابع له فيكون للبائع أيضا (أما) ما أطلع بعد ذلك فإن كان من طلع العام المستقبل فهو
للمشتري وليس محل الوجهين نبه عليه الماوردي وهو ظاهر من كلام المصنف وإن كان من طلع ذلك
العلم ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول ابن أبي هريرة وادعي الماوردي أنه الأصح وتبعه ابن أبي عصرون
أن ما أطلع في ملك المشتري لا يتبع المؤبر بل يكون للمشترى كحدوثه في ملكه وقد صحح ابن الصباغ
أيضا هذا الوجه عند الكلام في اختلاط ثمرة النخلة المبيعة بثمرة البائع (والثاني) وهو قول أبي حامد
الأسفراييني وقال إنه يتبع فيكون للبائع خوفا من سوء المشاركة كما نا جعلنا ما لم يؤبر تبعا لما أبر خوفا
من سوء المشاركة ووافق أبا حامد على تصحيح هذا الوجه جماعة منهم الرافعي وفرق الماوردي منتصرا
لقول ابن أبي هريرة بأن ما لم يؤبر يصح العقد عليه ويلزم فيه بالشرط فجاز أن يصير تبعا لما قد استثناه
362

العقد قال ولو كان التعليل المذكور صحيحا كان بيع عالم يخلق تبعا لما خلق كما يجوز بيع ما لم يبد صلاحه
تبعا لما بدا صلاحه قال وفيما ذكرنا من ذلك دليل على وهاء قوله وفساد تعليله يعني أبا حامد (قلت)
وقد تقدم أن قول ابن أبي هريرة الذي انتصر له الماوردي مخالف لنص الشافعي الصريح ويمكن
التمسك للنص بظاهر الحديث فإنه حكم بأن ثمرة النخل المؤبرة للبائع وثمرتها تشمل ما كان مطلعا
حين العقد وما لم يكن خرجنا عنه في ثمرة العام المستقبل بدليل فينبغي فيما عداه على ظاهر العموم إلا
أن يقال إن قوله فثمرتها لا يشمل إلا الثمرة الموجودة وهي المطلعة وليس ببعيد لكن سوء المشاركة
حاصل والحاجة داعية إلى ذلك وما ألزم به الماوردي من بيع ما لم يخلق تبع لما خلق فإنما يلزم لو كان كلما
يشترط في البيع يشترط في الاستثناء (وقوله) ان ما لم يؤبر يصح العقد عليه فرعه على رأيه ورأي غيره وقد
تقدم عن أبي إسحاق أن لا يصح بيعه وهو الأصح عند المحاملي وغيره فعلى هذا لا يصح الفرق المذكور
وفي التتمة ذكر نظير لهذه المسألة استنبط هذا الوجه منها وهي جارية المكاتب إذا أتت بولد من أحدهما
قبل الكتابة والآخر بعدها قال نص أن الولدين للسيد فاستنبط منها هذا الوجه ووجه في الجارية إذا
كانت حبلى بولدين فوضعت أحدهما ثم باعها فالولد الذي في البطن يبقى للبائع على ظاهر النص على
ما قاله الامام ورأي أن الصواب خلافه وأن الولد الثاني للمشترى وعن الخضري انه كان يحكي في ذلك
قولين (أحدهما) ما نسب إلى النص (والثاني) ما رأى الامام أنه الصواب قال ابن الرفعة ولو كان الخارج
بعض الولد ولم ينفصل كله إلا بعد البيع فستعرف في باب الجنايات وغيره أن المرجح في المذهب
أن حكمه حكم ما لم ينفصل منه شئ وفيه وجه أن حكمه حكم المنفصل فعلى هذا يكون للبائع وعلى
الأول ينبغي أن يقطع في هذه الحالة بمقابلته بجزء من الثمن لأنه قد علم وجوده ثم قال
الامام في الحالة الأولى ثم إذا حكمنا بأن الحمل للبائع فيجب أن يحكم بفساد البيع في الام على ظاهر
المذهب قال ابن الرفعة أو يصح على ظاهر المذهب لان هذا شبيه ببيع الجارية الحامل يجوز من
حيث إن البائع لم يستثنه وإنما الشرع استثناه وقد اختلف قوله يعنى الامام في أن المرجح فيه الصحة
أو البطلان (قلت) وتخريجه على بيع الجارية الحامل بحر حسن متعين وحكمه والتصحيح فيه معلوم
363

في موضعه ولقد تعجبت من صاحب البيان فإنه قال إن القول بان ما أطلع للمشترى لم يذكر الشيخ
أبو حامد غيره والموجود في تعليقه والمنقول عنه خلاف ذلك (المسألة الثانية) إذا أبر بعض الحائط
دون بعض فأفرد المؤبر بالبيع فلا اشكال في أن ثمرته للبائع وان أفرد الذي لم يؤبر بالبيع ففيه وجهان
كما ذكر المصنف نقلا وتعليلا وممن حكاهما القاضي أبو الطيب (وقوله) فصار كما لو أفرد بعض
المؤبر بالبيع يعني إذا ثبت بهذا البيع حكم التأبير صار كالمؤبر فإذا أفرده بالبيع صار كما لو أفرد
المؤبر بالبيع ونظير المسألة إذا بدا الصلاح في بعض الحائط فأفرد بالعقد الثمرة التي لم يبد صلاحها فيها
ففي صحته وجهان كالوجهين (والصحيح) أن الطلع للمشترى وممن صححه صاحب البيان وقال امام
الحرمين ان القائل بأن غير المؤبر هنا يتبع المؤبر يقول دخول وقت التأبير كالتأبير نفسه وهذا
الكلام من الامام قد يوهم ان من الأصحاب من يقول إن وقت التأبير كالتأبير نفسه كذلك
كلام الغزالي يقتضي ذلك وقد يوهم ذلك أن هذا القائل يكتفي بحضور الوقت أن يحصل تأبير أصلا ولم أعلم
من قال بذلك وإنما مراد الامام ومن أطلق العبارة إذا حصل تأبير في غير المبيع ولم يحصل في المبيع
وقد تقدم في ذلك كلام وجزم الفوراني بأنه إذ أفرد النوع الذي لم يؤبر بالبيع انه ليس حكمه حكم
المؤبر فيمكن أن يكون محل الوجهين اللذين ذكرهما المصنف وغيره فيما إذا أفرد ما لم يؤبر من نوع
واحد ويمكن أن يكونا مطلقا بناء على أن التأبير في أحد النوعين تأبير في الآخر وقد صرح
صاحب التتمة بذكر الوجهين فيما إذا أفرد الصنف الذي ليس بمؤبر على طريقة من يرى تبعية
النوع للنوع وهو المذهب فيصح ابقاء الوجهين في كلام المصنف على اطلاقهما.
قال المصنف رحمه الله.
قال الشافعي رحمه الله والكرسف إذا بيع أصله كالنخل وأراد به كرسف الحجاز فإنه شجر
يحمل في كل سنة وتجرج ثمرته في كمام وتتشقق عنه كالنخل فان باع وقد تشقق جوزه فهو للبائع وان لم
يتشقق فهو للمعترى وان تشقق بعضه دون بعض جعل الجميع للبائع كالنخل وأما ما لا يحمل الأسنة
وهو قطن العراق وخراسان فهو كالزرع ويجئ حكمه إن شاء الله تعالى).
364

(الشرح) الكرسف بضم الكاف وسكون الراء وضم السين المهملة بعدها فاء القطن ويقال
له الكرسف البرسف وهو على نوعين منه ما يبقي في الأرض سنين ويحمل كان سنة مثل كرسف
الحجاز وأبين وتهامة والشام والبصرة قال المحاملي والبلاد الحارة فهو شجر شبيه بالنخل ويتشقق
الجوز فيؤخذ القطن منه ويترك القشر على الشجر كما يترك كمام الطلع على الشجر وقيل إن بعضهم
شاهده يحمل في السنة ثلاث مرات ويعضد عليه كما بعضد على الشجر وقد عده الأصحاب مع النرجس
والبنفسج والمصنف أفرده بالذكر وهو أولى فان فيما وجها كما سيأتي بالحاقهما بالذرع وأما الكرسف
المذكور فلا نعلم خلافا في الحاقه بالنخل على أن من الأمثلة المذكورة مع النرجس والبنفسج
مالا خلاف فيه أيضا ولكن الكرسف كأنه أشبه بالشجر منه فلذلك أفرده بالذكر وكذلك الشافعي
رضي الله عنه أفرده بالذكر قال والكرسف إذا بيع أصله كالنخل قال الأصحاب في هذا النوع من
الكرسف انه إذا باع الأرض كان تابعا لها وان أفرده بالبيع جاز مطلقا ولا يشترط
شرط القطع وإذا باعه مفردا أو مع الأرض أو باع الأرض فدخل في بيعها وكان فيه جوز فإن كان
قد تشقق منه شئ كان الكل للبائع الا أن يشترط المشترى وان لم يتشقق منه شئ فالكل المبتاع
الا أن يشترط البائع كثمرة النخل سواء فالتشقق هنا بمنزلة التأبير في النخل وكلام المصنف
مصرح بأنه لو تشقق بعضه كان الجميع للبائع والأصحاب مساعدون له على ذلك ومن جملتهم صاحب
التهذيب وافق في أن الكرسف في ذلك كالنخل وسيأتي كلامه فيما سوى ذلك من الورد وغيره
365

(النوع الثاني) مالا يحمل الأسنة واحدة وهو قطن بغداد وخراسان لا يبقى أكثر من سنة واحدة
فحكمه حكم الزرع ان باع الأرض لم يدخل في العقد كالزرع الا أن يشترطه المشترى فيصح شرطه
ما لم يكن جوزا منعقدا غير متشقق فسيأتي أنه يمتنع على المشترى اشتراطه هذا إذا لم يكن اشتد فان
اشتد وقوى ولم يتشقق فلا يجوز بيعه أصلا مفردا ولا مع الأرض سواء ظهر بعضه أم لم يظهر شئ منه
لان المقصود منه مغيب فهو مجهول كالسنبل فان باعه مع الأرض بطل فيه وفي الأرض قولا تفريق
الصفقة وكذلك في الزرع مع الأرض سواء قاله القاضي أبو الطيب وان باعه وحده فإن كان حشيشا
لم ينعقد جوزه أو انعقد ولم يحصل فيه قطن جاز بيعه بشرط القطع وإن كان قد عقد جوزه واستحكم
قطنه لان المقصود منه القطن وهو مغيب كالسنبل فعلى هذا ان باعه مفردا بطل وان باعه مع الأرض
بطل فيه وفي الأرض قولا تفريق الصفقة وكذلك إذا باع الأرض واشترط المشترى أن يكون ذلك
له واقتصر الرافعي في ذلك على ما ذكر صاحب المهذب نقلا وفيما قال صاحب التهذيب موافقة لبعض
ما تقدم عن القاضي أبي الطيب فان تشقق وظهر القطن صح بيعه وحده ومع الأرض وجاز لمشتري
الأرض أن يشترطه وهل يدخل القطن في البيع قال صاحب التهذيب يدخل بخلاف الثمرة المؤبرة لا تدخل في
بيع الشجرة لان الشجرة مقصود كثمار سائر الأعوام ولا مقصود هنا سوى الثمرة الموجودة وقال القاضي
حسين انه يبقى للبائع ولا يدخل في البيع وشبه ابن الرفعة هذا الخلاف بالخلاف فيما إذا رهن خريطة
لا قمة لها وكان فيها شئ له قيمة هل يتبع اللفظ دون ما فيها أو يجعل المرهون ما فيها
لأنه المقصود عادة وفيه وجهان (أصحهما) الأول قلت وان لم يتشقق قال في التهذيب لم يصح
بيعه على الأصح وقال القاضي حسين يصح في الأصل ولا تدخل الثمرة وكل منهما بني على أصله قال
ابن داود فعلى قول اشتراط التشقق يشترط أن يكون في كله فلو تشقق بعضه لم يصح الا فيه بخلاف
ثمرة النخل وكرسف الحجاز واحتج من منع من بيعه قبل تشققه بان المقصود منه (1) وفي البيان أن
الشيخ أبا حامد منع من بيعه وان تشقق جوزه كالطعام في سنبله وهذا محمول على غلط في النسخة
التي وقعت لي وهذه الجملة التي ذكرتها هي قول أكثر الأصحاب وقال صاحب التتمة انه إذا تناهى

(1) بياض بالأصل
366

نهايته ولا يكون له نماء بعد ذلك وهو في آخر الخريف فبيعه جائز مطلقا ويكلف تفريغ الأرض
عنه على حسب العرف وما عليه من الحمل لا يتبعه سواء كان متشققا أم غير متشقق لان الشجرة ليست
بمقصودة وإنما المقصود الثمرة فلا تدخل في بيع البائع وهذا الذي قاله صاحب التتمة فيه تنبيه وعليه
استدراك أما التنبيه فأن استفيد مما ذكر أن شرط الحكم بجواز البيع فيه أن يكون تناهى ولا يتوقع
له نماء فلو لم يكن كذلك لم يصح الا بشرط القطع كما في شجر البطيخ إذا خاف اختلاطه أما بيعه مع
الأرض فلا حاجة فيه إلى ذلك (واما) الاستدراك فأن أصول هذا النوع من الكرسف لا تقصد وحدها بدون
حملها ولا يشتريها أحد الا والمقصود حملها فقوله إن حملها لا يتبع لان الشجرة ليست بمقصودة تعليله صحيح
وليس ينبغي أن يكون فيما إذا عنى أنه يشترى الأصول فقط أما إذا قال بعتك هذا القطن وهذا
الزرع دخل لأنه هو المقصود وليس دخوله تبعا وكلام الأصحاب المتقدم منزل على ذلك وذلك هو
المفهوم عند الاطلاق وكذلك إذا قال بعتك الأرض وما فيها من الزرع فأما بيع ثمره فأن تشقق وباع
ما تشقق منه صح ويؤمر بالالتقاط على العادة فلو تأخر الالتقاط حتى تشقق غيرها واختلط فعلى القولين وان لم
يكن تشقق ولا انعقد القطن فباعه على شرط التبقية لم يصح كثمرة لم يبد صلاحها وان باعه بشرط
القطع لم يصح لأنه لا منفعة فيه في تلك الحالة فاما ان انعقد القطن ولم يتشقق فحكمه حكم الحنطة في السنبل
هذا كلام صاحب التتمة قال فلو باع الجوز مع الشجرة قبل التشقق بشرط القطن فمن أصحابنا من
قال فيه قولا بيع الغائب والشجرة وإن كان قد رآها فهي تابعة فلا يجعل لها حكم ومنهم من قال في
الجوز قولا بيع الغائب إذا أبطلنا ففي الشجرة قولا تفريق الصفقة وقد ذكر صاحب البيان ان قطن
العراق كقطن الحجاز يبقى سنين والامر في ذلك يرجع إلى المشاهدة والفقه قد تبين.
قال المصنف رحمه الله.
(وان باع شجرا غير النخل والكرسف لم يخل اما أن يقصد منه الورد أو الورق أو الثمرة فإن كان
يقصد منه الورد فإن كان ورده يخرج في كمام ثم ينفتح منه كالور فهو كالنخيل فإن كان في الكمام
تبع الأصل في البيع كالطلع الذي لم يؤبر وإن كان خارجا من الكمام لم يتبع الأصل كالطلع المؤبر
367

وإن كان لا كمام له كالياسمين كان ما ظهر منه للبائع وما لم يظهر للمشترى وإن كان مما يقصد منه
الورق كالتوت ففيه وجهان أحدهما انه ان لم ينفتح فهو للمشترى وان تفتح فهو للبائع لان الورق
من هذا كالثمر من سائر الأشجار والثاني انه للمشترى تفتح أولم يتفتح لأنه بمنزلة الأغصان من سائر
الأشجار وليس كالثمر لان ثمرة التوت ما يؤكل منه).
(الشرح) الفصل معقود لبيان ما يلحق من الأشجار بالنخل فان الشافعي رحمه الله لما
ذكر حكم النخل المنصوص عليه واتبعه بالكرسف الذي هو في حكمه قال بعد ذلك ويخالف الثمار
من الأعناب وغيرها النخل واندفع في بيان ما يكون في معنى ثمر النخل وشرح الأصحاب ذلك فقسموا
الشجر النابت الذي له حمل في كل سنة إلى اقسام وأحسن تقسيم فيها ما سلكه الشيخ أبو حامد وتبعه
المصنف وهو ان الشجر ثلاثة اضرب ما يقصد منه الورد وما يقصد منه الورق وما يقصد منه الثمرة والذي
يقصد منه الثمرة على خمسة اضرب الأربعة التي ستأتي في كلام المصنف والخامس ما يظهر في كمام ثم
تتشقق عنه الكمام فتظهر الثمرة فتقوى بعد ذلك وتشتد وهي ثمرة النخل والمصنف لم يذكر هذا القسم
لأنه جعل تقسيمه فيما سوى النخل والكرسف فلا تأتى الأربعة كما ذلك والقاضي أبو الطيب جعل
الأقسام كلها خمسة فلم يأت في تقسيمه من الحسن والبيان ما في تقسيم الشيخ أبي حامد فلذلك عدل
المصنف عنه وذكر المصنف في هذه القطعة التي ذكرناها ههنا ضربين (الضرب الأول) ما يقصد منه الورد وهو
على نوعين (أحدهما) ما يخرج في ورق اخضر لا يشاهد منه شئ ثم بعد ذلك ينفتح فيشاهد ما تحته
كأنواع الورد الأحمر والأبيض والأخضر والنرجس فإن كان قد تفتح منه شئ عند البيع فجميعه
للبائع ما تفتح وما لم ينفتح هذا هو المشهور خلافا لما سنذكره عن صاحب التهذيب ومن تبعه ان
ما تفتح يكون للبائع وما لم ينفتح يكون للمشترى وأن ما لم يتفتح منه شئ يكون
للمشترى كالطلع حرفا بحرف هكذا قال أبو حامد وقال الروياني في البحر والشاشي في
الحلية وابن الصباغ والرافعي عن الشيخ أبي حامد أنه للبائع وإن كان في كمامه وان ذلك
368

ظاهر كلام الشافعي رضي الله عنه (قلت) وهذه الحكاية عن أبي حامد كان يغلب على ظني أنها وهم
فان الذي في تعليقه الجزم بالتفصيل المتقدم ولا أعلم خلافا في ذلك فلعله التبس على الحاكي هذه المسألة
بمسألة الثمرة التي عليها نور ووقع اختلاف في نقل الحكم مع ذلك لكن لما رأيتها ولا الأئمة نقلوا ذلك
(قلت) لعل الشيخ أبا حامد اختلف كلامه في ذلك. ويدخل شجر هذا النوع في بيع الأرض كسائر
الأشجار وقال البغوي في التهذيب والخوارزمي في الكافي إن الورد إذا تفتح بعضه فالذي تفتح للبائع
والذي لم يتفتح للمشترى بخلاف ما لو باع نخلة تشقق بعض ثمرها وعلله بأن ما تفتح من الورد يجتني
ولا يترك فان يتناثر ويقتل فلا يتلاحق البعض بالبعض فكان كل واحد في حكم المنفرد بخلاف الثمار
فإنها لا تجتنى حتى تتلاحق وكلام أبي حامد والجرجاني والمصنف في التنبيه وابن سراقة في بيان مالا
يسع جهله مصرح بخلافه (النوع الثاني) من هذا الضرب ما يبرز بنفسه لا يحول دونه حائل إلا أنه
يخرج على جهته ثم يتفتح كالياسمين فإن كان قد ظهر منه شئ فالجميع للبائع وان لم يظهر منه شئ
فهو للمشترى والظهور في هذا النوع بمنزلة التفتح في النوع الأول هذه طريقة الشيخ أبي حامد
وسلكها المصنف هنا والروياني والرافعي وغيرهم. واعلم أن عبارة المصنف رحمه الله تعالى هنا في الياسمين
خاصة وكذلك عبارة الجرجاني يوافقان بظاهرهما ما قاله صاحب التهذيب في الورد لكن عبارة المصنف
في التنبيه مصرحة بأن الياسمين كالورد وان ظهور بعضه كظهور كله فينبغي أن تحمل عبارته في المهذب
على ذلك لا على ما قاله صاحب التهذيب والله أعلم. وأطلق القاضي أبو الطيب في النوعين أنه إن
تفتح للبائع وان لم يتفتح للمشترى وكذلك قال المصنف في التنبيه لكن بلفظ الظهور لما قال أو بورا
تفتح كالورد والياسمين فإن كان ظهر ذلك أو بعضه فهو للبائع وان لم يظهر فهو للمشترى فان أراد
بالظهور التفتح وهو الظاهر فهو موافق للقاضي أبي الطيب وان أراد البروز وإن كان في الكمام لم يقل
به أحد إلا أن يتعسف في الاعتذار عنه بأن المراد الظهور وذلك في الورد وما يخرج في كمام بالتفتح
وبالياسمين وما يخرج في غير كمام بنفس الخروج فحينئذ يصح ويكون موافقا لما قاله في المهذب ولما
قاله الشيخ أبو حامد وأما اعتبار القاضي أبي الطيب التفتح فيما لا كمام له فلا معنى له وقال الروياني
369

إن البنفسج كالورد وعد جماعة البنفسج والنشرين من جنس الياسمين والحق سليم فيما نقل عنه
النشرين بالورد قال الفراري والمشاهد في بلادنا خروجه في كمام يتفتح عنه كالورد يعني الياسمين.
(فرع) لو باع كمام الورد قبل حصول الورد فيها وكذا الجوز قبل القطن بشرط القطع صح لان
الورد والقطن ليسا بمقصودين منهما فصارا مقصودين بأنفسهما لعلف الدواب قاله الخوارزمي
(الضرب الثاني) ما يقصد منه الورق كالتوت وشجره هو المسمى بالفرصاد ففيه وجهان (أحدهما) وهو
قول أبي إسحاق وصححه الروياني أنه إن كان قد ظهر من الورق شئ فالكل للبائع وإلا فللمشتري
هكذا عبارة الشيخ أبي حامد والشيخ في عبارته بالتفتح وعده تابع للقاضي أبي الطيب فإنه قال
كذلك وزاد ففرض المسألة فيما إذا باع أصل التوت وقد خرج ورقه ويرد عليهما في ذلك ما ورد عليهما
في اعتبار التفتح في الياسمين وان استبعدت حصول التفتح في ورق التوت فسيأتي في كلام الماوردي
والروياني ما يثبته وقد أخبرني من يخبر ذلك وأن ورق التوت يخرج منعقدا لم يتفتح (فائدة)
الياسمين بكسر السين والأشهر جعل النون حرف إعرابه وفيه لغة أنه يعرب إعراب قائمين بالواو
والياء والنون بياءين مثناتين هذا هو المشهور وقد قيل فيه لغة أن الأولى مثناة والثانية مثلثة
وأنكرها الجوهري ونسبها ابن قتيبة في أدب الكاتب إلى الفرس (والوجه الثاني) أنه للمشترى بكل
حال ونسبه الامام إلى الجماهير وصاحب البيان إلى اختيار الشيخ أبي حامد وقال في التهذيب انه
المذهب وهو الأصح عند الغزالي والرافعي والقاضي حسين وغيرهم لأنه ورق فأشبه سائر الأوراق ولما
ذكره المصنف ومنع صاحب هذا الوجه أن تكون ثمرة التوت منحصرة في ذلك أو أن ذلك من الثمر
بل ثمرته ما يؤكل منه من الثمرة الحلوة والمرة وجعل البغوي والرافعي وغيرهما محل الخلاف فيما إذا كان
في أوان الربيع أما في غيره فالكل للمشترى بلا خلاف على ما صرح به صاحب التتمة كسائر الأوراق
وفي المسألة وجه ثالث جزم به الماوردي وحكاه الروياني أنه إن كان شاميا يقصد ثمره دون ورقه فلا
اعتبار بظهور ورقه وإن كان يقصد وقفانه يبدو في عقده ثم يفتح عنها فإن كان في عقده تبع الأصل
وان انشقت العقدة وظهر ورقها لم يتبع الأصل وهو للبائع قال الروياني وهو قريب من قول أبي إسحاق
ورأي بعضهم أن الخلاف منزل على هذا التفصيل وأن لا معنى لذلك الخلاف وإن كان الشيخ قد
370

حكاه (قلت) وقد عرفت أن الشيخ لم ينفرد به بل كل الأصحاب ذكروا الخلاف ولم أر هذا التفصيل
لغير الماوردي وإن كان متجها فان النوع الذي يقصد ثمره ولا يقصد ورقه كالأحمر فيما قال بعضهم فإنه لا
يطعم ورقه للدود المقصود ثمره فهذا ورقه كورق سائر الأشجار أما التوت الأبيض الذي يقصد منه
الورق لطعمه الذود فيتجه فيه الخلاف قال ابن الرفعة ويلتحق بالأول ورق الذكر من الأبيض لأنه لا
يصلح لتربية الدود كما صرح به الأصحاب في كتاب المساقاة والله أعلم.
(فرع) الخلاف الذي يقطع أغصانه ويترك ساقه وطوله تقطع الأغصان من جوانبه
فحسب إذا باع شجرته قال القاضي الحسين والأغصان لا تدخل في العقد لأنه ينزل منزلة الثمار
في سائر الأشجار.
(فرع) قال الماوردي والروياني الحناء ورقه أيضا ويبدو ورقه بعد تقديح أغصانه من غير
أن يكون في عقدة تنفتح عنه فإذا بدا ورقه بعد التقديح ثم باع شجره كان في حكم النخل المؤبر فيكون
للبائع وقال صاحب البيان شجر الحناء والجوز والهرنس لا نص فيها فيحتمل أن يكون كالتوت على
الوجهين ويحتمل أن يكون البائع أحق بالورق إذا ظهرت وجها واحدا لأنه لا ثمرة لهذه
الأشجار غير الورق.
(فرع) شجر النبق قال صاحب التتمة المذهب كسائر الأشجار يتبعها ورقها وقيل إنها
كالتوت لان في ورقها منفعة مقصودة يغسل بها الرأس قال ابن الرفعة وهذا ينبغي أن يكون هو الأصح
في بلادنا لأنه مقصود بالثمرة وله طواحين معدة لطحنه وموضع يباع فيه بأبلغ ثمن لكثرته وفرق على
القول الآخر بينه وبين ورق التوت بأن منفعة غسل الرأس تافهة وغيره في المعني يشاركها فإنها تغسل
بالخطمى والطين وغير ذلك بخلاف ورق الفرصاد فإنه كل مقصوده.
قال المصنف رحمه الله.
(وإن كان مما يقصد منه الثمرة فهو على أربعة أضرب أحدها متا تخرج ثمرته ظاهرة من غير كمام
كالتين والعنب فما ظهر منه فهو للبائع لا يدخل في البيع من غير شرط وما يظهر بعد العقد فهو
للمشترى لأن الظاهر منه كالطلع المؤبر والباطن منه كالطلع الذي لم يؤبر).
371

(الشرح) بدأ في الضرب الثالث من أقسام الشجر وجعله على أربعة أضرب وقد تقدم
التنبيه على أن منها ضربا خامسا لم يدخل في تقسيمه ولم يلتزمه وهو النخل والكرسف لافراده
إياهما بالذكر وجعله مورد التقسيم فيما سواهما. إذا علم ذلك فهذا الضرب الذي يقصد منه الثمرة مما سوى
النخل والكرسف على أربعة أضرب (أحدها) ما تخرج ثمرته ظاهرة من غير كما لا ورق دونها ولا
حائل مثل التين والعنب فإذا باع أصل التين والعنب فإن كان قد خرجت الثمرة فهي للبائع الا أن
يشترط المبتاع وان لم تكن خرجت وإنما خرجت في ملك المشتري فهي للمشترى ويكون خروج
هذه الثمرة بمنزلة ظهور ثمرة النخل من الطلع وظهور القطن من الجوز قال الشيخ أبو حامد وأظن التوت
الشامي مثله أي مثل التين والامر كما قال فان ثمرة التوت تخرج بارزة من غير كمام وأظن مراده
بالشامي التوت الأحمر المر فإن المقصود منه ثمرته لا ورقه بخلاف التوت الذي قصد ورقه لتربية
الدود وإن كان الحكم في الثمرة واحدا وقد حكى عن الشيخ أبي حامد أنه قال في العنب عندي ان
له وردا ثم ينعقد قال المحاملي وشاهده قول الشافعي يعني الذي معناه أن سائر الثمار من العنب وغيره
تخرج ثمرتها وعليها ورد وهو يشاهد من بين ذلك الورد ويرى ويتساقط عنها النور ويبقى الثمر فتكبر
ولا كذلك لا نخل فإنها لا ترى من داخل الكمام وهذا وجه المخالفة قال ابن الرفعة وقد يقال على هذا
وجه المخالفة ان كمام ثمرة النخل شامل لحبات منه وكمام العنب شامل لكل حبه وكذا كمام غيره
من الثمار ولهذا المعنى أثر يظهر لك في بيع ماله قشران كالجوز واللوز وقد علل جعل العنب للبائع بان اشتمال
كل حبة على كمام يزايلها كاشتمال كل حبة من حبات ثمر النخل بعد التأبير ومع ذلك فهو للبائع فكذا
العنب يكون له والماوردي يزعم أن العنب نوعان منه ما يورد ثم ينعقد ومنه ما يبدو منعقدا قال ابن الرفعة
ولا أثر لهذا الاختلاف في الحكم لان من أثبت له نورا يقول إنه غير مانع من الرؤية فكان كالمعدوم
والله أعلم. واعلم أن كلام المصنف في هذا الضرب والضرب الذي بعده يقتضي أن ما يظهر بعد العقد
لا يكون تابعا لما كان عند العقد وانه لا يكون ظهور بعضه كظهور كله كالنخل وبذلك صرح صاحب
التهذيب وهو يوافق ما تقدم عن صاحب التهذيب في الورد والياسمين وما اقتضاه كلام المصنف وصرح
به صاحب التهذيب في هذا الضرب الذي بعده لم أجد في كتب الأصحاب ما يخالفه ونقل الرافعي ما قاله
صاحب التهذيب عنه في الورد والتين والعنب وقال إن الصورة الأخيرة يعني التين والعنب محل
التوقف قال صاحب الوافي ولو أجرى الوجه القائل بان ما يحدث من الطلع بعد ما تأبر منه البعض
372

يكون للبائع كالطلع غير المؤبر لأنه من ثمرة العام فيكون أيضا ما يحدث من التين للبائع تابعا لما
ظهر لأن الظاهر في حكم المؤبر من ثمرة النخل كان له اتجاه ظاهر ولم أجد للأصحاب نصافيه غير ما ذكره
الشيخ وان يكن فرق فمن حيث إن ظهور الشئ بعد الشئ في التين معتاد ثم حين بلوغ التين يؤخذ
فالذي يحدث بعده لا يختلط به حتى يفضي إلى سوء المشاركة بخلاف ثمرة النخل فإنها تترك إلى الجذاذ
فيصير الجميع على حد واحد في البلوغ فيختلط ولا يتميز فاحتجنا أن نجعله تابعا وفي هذه المسألة
لا حاجة إلى ذلك (قلت) وهذا اعتراض وجواب جيدان وقد علمت أن المصنف لم ينفرد بذلك
الفرق المذكور يعضد ما قاله صاحب التهذيب في الورد والياسمين ويمكن الفرق بأن الورد والياسمين
يسرع فيه التلاحق ولا يتميز فيفضي إلى المحذور بخلاف التين والعنب فان التمييز بينهما بين والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله.
(والثاني) يخرج في كمام لا يزال عنه الا عند الاكل كالرمان والموز فهو للبائع لان كمامه من
مصلحته فهو كاجزاء الثمرة).
(الشرح) هذا الضرب الثاني من الضرب الثالث الذي يكون المقصود فيه الثمرة والامر كما قال المصنف
حكما وتعليلا نص عليه الشافعي والأصحاب قال الشافعي في الام وإذا باع لأجل أرضا فيها شجر رمان ولوز وجوز
الارنج وغيرها مما دونه قشر يواريه أو ظهرت ثمرته فالثمرة للبائع إلا أن يشترطها المبتاع وذلك أن قشر
هذا لا تشقق عما في أجوافه واتفق الأصحاب على أن الحكم كذلك في الرمان والموز وذكروا في
ذلك معنيين (أحدهما) ان كمامه من مصلحته كما ذكره المصنف وهو الذي أشار إليه الشافعي (والثاني)
تقشر نفس الثمرة فإنه يدخر عليها فهو كالتين وفي كلام المصنف تصريح باطلاق الشجر على شجر
الموز وسيأتي تعرض لحكمه في فصل النبات غير الشجر وكلام الشافعي رضي الله عنه فيه قال ابن الرفعة
ولأجله قيل إنه لا تجوز المساقاة عليه وأما الجوز واللوز والرانج ففيه نزاع فلذلك أخره المصنف وجعله
من الضرب الثالث.
قال المصنف رحمه الله.
(والثالث ما يخرج وعليه قشرتان كالجوز واللوز والرانج فالمنصوص أنه كالرمان لا يدخل في
بيع الأصل لان قشره لا يتشقق عنه كما لا يتشقق قشر الرمان ومن أصحابنا من قال هو كثمرة النخل
الذي لم يؤبر لأنه لا يترك في القشر الاعلى كما لا تترك الثمرة في الطلع).
373

(الشرح) الرانج براء مهملة ونون بعد الألف مكسورة وجيم وهو الجوز الهندي وهو النار جيل
إذا علم ذلك فهذا الضرب وهو الثالث من الضرب الثالث فالجوز واللوز والرانج قد تقدم أن الشافعي
ذكره مع الرمان وحكم في الجميع بأنه للبائع الا أن يشترط المبتاع وبذلك قطع صاحب التقريب لان
قشوره لا تزول في الغالب إلا عند القطف وبعد القشرة العليا من الثمرة بخلاف الكمام فإنه يعد من
الشجرة ويترك الكمام عند القطع على الأشجار ونزل السعف والكرانيف وقشور الجوز ليست
كذلك قال الشيخ أبو حامد (أما) الذي لا إشكال فيه فالرمان والموز وقال في الجوز واللوز ظاهر قول
الشافعي أنه وان لم تتشقق القشرة الأولى فهو للبائع قال وقال أصحابنا إنما جعله بمنزلة الرمان إذا ظهرت
القشرة التي تلي اللب وظاهر هذا الكلام من الشيخ أبي حامد أن ذلك عن الأصحاب والقاضي أبو الطيب جعل
الشيخ أبا حامد هو المخالف في ذلك فقال وغلط الشيخ أبو حامد فقال الجوز يتشقق قشره الفوقاني عنه ويسقط
ويظهر السفلاني فيجب أن يكون ذلك بمنزلة النخل فإن لم يكن تشقق فهو للمشترى وان تشقق فهو للبائع قال
القاضي أبو الطيب وهذا خلاف نصه لان الشافعي رضي الله عنه قال تشقق القشرة من هذا ليس من
صلاحه إذا كان على رؤس الشجر لأنه كتشقق الرمان الذي ليس فيه صلاحه وكان ذلك هو الحامل
للمصنف على نسبة الخلاف إلى بعض الأصحاب مبهما من غير تعيين وقطع الماوردي ونصر المقدسي في
الكافي بما قاله أبو حامد وقال الروياني إنه الاقيس وقال المحاملي في المجموع قال الشيخ وقد ذكر
الشافعي رضي الله عنه أن حكم الجوز واللوز قشرة عليا وسفلي لأنه ليس بالحجاز شجر الجوز واللوز فحمل
أمره على أن له قشرة واحدة وأجراه مجرى الرمان والموز أو علم ذلك ولكنه فرض المسألة فيه إذا زالت
عنه القشرة العليا وبقيت السفلى والدليل على أنه أراد هذا أنه قال دونه حائل لا يزل عنه إلا في وقت
الحاجة إلى أكله وهذا صفة القشرة السفلى دون العليا (قلت) أما الاحتمال الأول فبعيد لان في مختصر
المزني في باب الوقت الذي يحل فيه بيع الثمار وكذلك في الام وهو بعد الموضع بشئ يسير أن على
الجوز قشرتان واحدة فوق القشرة التي يدفعها الناس عليه ولا يجوز بيعه وعليه القشرة العليا لأنه
يصلح أن يدفع بدون العليا وكذلك الرانج فلا يجوز أن ينسب إلى الشافعي أنه لم يكن يعرف حال
الجوز وأما الاحتمال الثاني فهو قريب ولا يأباه كلام الشافعي فان عبارته في الام وذلك أن قشر هذا
لا ينشق عما في أجوافه وصلاحه في بقائه هذا كلام الشافعي بحروفه وليس فيها ما يوجب أن يكون
374

المراد القشرة العليا دون السفلى بل تعليل الشافعي رضي الله عنه بأن صلاحه في بقائه يفهم أن ما ليس
صلاحه في بقائه لا يكون للبائع الا إذا زال عنه وقشرة الجوز واللوز العليا من هذا القبيل فإن كانت
تشقق عنه وهو على الشجر فينبغي أن يكون الامر كما قال الشيخ أبو حامد وتغليط القاضي
أبي الطيب غير متجه لكني أقول إن تشقق القشرة العليا من على الجوز واللوز إنما يكون بعد يبسه
ونهايته وكثيرا ما يؤخذ من على الشجر مع قشرته كاللوز العاقد والرانج أيضا كثيرا ما يؤخذ في
قشرته بعد نهايته بل العادة مطردة في كل ماله قشران فليس هو كثمرة النخل قبل
التأبير فينبغي أن يكون للمشترى كما يقتضيه إطلاق النص وإن كان للتأويل فيه محتمل والله أعلم.
واعلم أن اللوز إذا كان أخضر صغيرا يؤكل في قشرته ويجوز بيعه مع تلك القشرة كما ذكره القاضي
حسين لأنه مقصود كاللب سواء مع ذلك المنصوص كما تقدم أنه يدخل في بيع الأصل فكأنهم شبهوه
بالطلع في اللوز إذا كان صغيرا فإنه يؤكل كله ولا ينقطع من التبعية حتى يظهر من اللوز والله أعلم.
وقد نقل إما الحرمين عن العراقيين ما ذكرناه عن الشيخ أبي حامد وذكر عن صاحب التقريب
خلافه وكأنه لما وقف على كلام الشيخ أبي حامد نسب ذلك إلى العراقيين وقد عرفت كلامهم
وهذا وهم منه ونص الشافعي على خلاف ذلك وأورد ابن الرفعة على أبي حامد أنه يقول بأن ماله نور يكون
للبائع بخروج نوره وهذا منه فإذا انعقد كان للبائع بطريق الأولى قال إلا أن يقال في الجواب ان
ذلك قاله في ثمرة تخرج في جوف نور والجوز ليس كذلك فان البندنيجي قال إنه يورد أولا وردا
لا تخرج الثمرة من جوفه بل يذهب الورد وينعقد بعد ذهابه ثمرة كهيئة التين أول ما يطلع وسيأتي في
الضرب الرابع كلام عن البندنيجي يتعلق بهذا الضرب في اللوز.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(والرابع ما يكون في نور يتناثر عنه النور كالتفاح والكمثرى فاختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحاق
والقاضي أبو حامد هو كثمرة النخل إن تناثر عنه النور فهو للبائع وان لم يتناثر عنه فهو للمشترى وهو
ظاهر قوله في البويطي واختيار شيخنا القاضي أبي الطيب رحمه الله لان استتارها بالنور كاستتار الثمر
في الطلع وتناثر النور عنها كتشقق الطلع عن الثمرة فكان في الحكم مثلها وقال الشيخ أبو حامد
الأسفراييني هو للبائع وان لم يتناثر النور عنها لان الثمرة قد ظهرت بالخروج من الشجر واستتارها بالنور
375

كاستتار ثمرة النخل بعد التأبير بما عليها من القشر الأبيض ثم ثمرة النخل بعد خروجها من الطلع للبائع
مع استتارها بالقشر الأبيض فكذلك هذه الثمرة للبائع مع استتارها بالنور).
(الشرح) النور الزهر على أي لون كان وقيل النور ما كان أبيض والزهر ما كان أصفر
والكمثرى (1) (أما) الأحكام فإذا باع أصل التفاح والكمثرى والسفر جل والإجاص والخوخ
والمشمش وما جرى مجراه مما يخرج في نور ثم يتناثر عنه النور فالمشهور أنه إذا باع الأصل وقد خرج
وردها وتناثر وظهرت الثمرة فهي للبائع إلا أن يشترط المبتاع وان لم يتناثر وردها ولم تظهر الثمرة ولا بعضها
فهي للمشترى لان الثمرة مغيبة في الورد وتظهر بعد تناثره فهي في ذلك كثمرة النخل في التأبير وعدمه
وهو ظاهر قوله في البويطي لأنه قال في آخر باب السلف قبل باب الوديعة وحكم الإبار في التفاح
واللوز والفرسك إذا خرج منه وتحبب ونقل ذلك عن أبي إسحاق المروزي في الشرح والقاضي أبي
حامد في جامعه وأبي علي بن أبي هريرة وهو اختيار القاضي أبي الطيب كما قال المصنف قال في تعليقه
وغلط الشيخ أبو حامد الأسفراييني فقال ظهور الورد بمنزلة ظهور الثمرة واحتج بأن الشافعي رضي الله عنه
قال حكم كل ثمرة خرجت بارزة ترى في أول ما تخرج كما ترى في آخره فهو في معني ثمرة النخل
بارزا من الطلع وغلط فيه لان هذا أراد به مالا ورد له مثل العنب والتين لان هذا هو الذي يخرج
بارزا وأماما يخرج في الورد فليس ببارز وإنما هو في جوف الورد وقد فسر ذلك في الصرف وذكرت
لفظه فسقط قول هذا القائل انتهى كلام القاضي والذي ذكره من لفظ الشافعي في الصرف قال ما
كان من الثمر يطلع كما هو لام كمام عليه أو يطلع عليه كمام ثم لا يسقط كمامه فطلوعه كإبار النخل لأنه
ظاهر وهذا إنما يرد على الشيخ أبي حامد بمفهومه فان منطوقه يدل على أن مالا كمام عليه كالتين والعنب
أو عليه كمام لا تسقط كالموز والرمان فالطلوع في القسمين بمنزلة التأبير أما كون الطلوع في غيرهما ليس
بمنزلة التأبير فليس ذلك بالمنطوق بل قد يقال إنه يدل للشيخ أبي حامد لاطلاقه أن مالا كمام عليه
يكون طلوعه كالتأبير والذي يخرج في نور لا كمام عليه وإن كان مستترا بالنور غير أن هذا يبعده
قوله كما هو فإنه يشعر لأنه لا شئ عليه من كمام ولا غيره وقد ذكر الشيخ في تعليقه
ما نقله عن القاضي أبي الطيب فقال إن الذي ذهب إليه شيوخ أصحابنا أبو إسحاق
وأبو علي بن أبي هريرة وغيرهما أنها للمبتاع ولولا أني لا أحب مخالفة كان ظاهر

(1) بياض بالأصل
376

المذهب والأشبه بالسنة أن الأنوار إذا ظهرت للبائع الا أن يشترط المبتاع كالطلع إذا تشقق
أو أبر وذكر كلام الشافعي رضي الله عنه الذي تقدم ثم قال وأما معنى السنة فقوله عليه الصلاة والسلام
(من ابتاع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع) لما جعل ثمرة النخل للبائع إذا ظهر عند
الطلع وذلك الظاهر نور يتفتح فإذا تناثر انعقدت الثمرة بعده كانت الأنوار كالطلع لان النور يتناثر
ثم تنعقد الثمرة بعد ذلك وفيه نظر انتهى كلامه والحق ان لا حجة له في كلام الشافعي فان الشافعي
رضي الله عنه إنما حكم بذلك في الثمرة التي تخرج بارزة ترى في أولها كما ترى في آخرها وما يخرج في
نور ليس يرى في أوله كما يرى في آخره فكيف يحمل عليه أو يقال إنه مندرج فيه وما استدل به من
الحديث وما أشار إليه وذكره المصنف له من استتار ثمرة النخل بعد التأبير بما عليها من القشر الأبيض
فان ذلك يرجع إلى تحقيق مناط فان الشيخ أبا حامد يقول إن ثمرة النخل بالتأبير لا تظهر وإنما يظهر
ما يجرى مجرى ورد سائر الأشجار لأنه إذا تشقق الطلع ظهر ما فيه مثل الليف وفيه حب صغار مثل الذرة
وليس ذلك هو الثمرة وإنما الثمرة في جوف ذلك الحب ترى مثل الشعرة كما ترى ثمرة سائر الأشجار
من بين الورد فإن كان الامر كما قال الشيخ أبو حامد من أن ثمرة هذا الضرب الذي تحن فيه ترى من
بين الورد وان ثمرة النخل مثلها فينبغي أن يكون الحق معه والا فالحق مع القاضي أبي الطيب ومن
وافقه وهذا ليس اختلافا في فقه بل يرجع إلى أمر محسوس ومثله يقطع بادراك الصواب فيه والظاهر
الذي تدل عليه المشاهدة أن الامر كما قال أبو حامد وأراد المصنف من الاستتار بالقشر الأبيض
وبالنور ما حكيناه عن الشيخ أبي حامد والا فظاهره أنها مستترة كلها وذلك يخالف ما تقدم من الحاقها
قبل التأبير بالحمل لاستتارها وبعد التأبير بالولد المنفصل لظهورها والذي صححه الرافعي في ذلك أنها
للمشترى هكذا للمحرر والروضة ويشعر به كلامه في الشرح قال إن الآخر أرجح عند أبي القاسم
الكرخي وصاحب التهذيب وجعل أكثر الأصحاب الضابط في ذلك تناثر النور كما تقدم وقال القاضي
حسين عن الأصحاب ان ذلك يخرج أولا نورا ثم يتشقق ثم يتناثر ذلك ثم تنعقد الحبات كالمشمش والخوخ
والتفاح ونحوها قال فما لم تنعقد الحبات فيه يتبع الأصل في البيع وإذا انعقدت حباته لا يتبع الأصل في
البيع مطلقا ولا يدخل الا بالشرط وكان القاضي أخذ ذلك عن الفقال فان الروياني حكى عن القفال انه
إذا تحببت ثمارها فهي للبائع وإن كان النور باقيا عليها وان لم تتحبب فالنور كالورق. هذه عبارته
377

ويجئ من مجموع ذلك ثلاثة أوجه (الأول) أنها للبائع بمجرد الظهور وهو قول أبي حامد (والثاني) أن
الاعتبار بالتحبب وهو قول القفال (والثالث) أن الاعتبار بتناثر النور وهو المذهب لقول الشافعي رضي الله عنه
في البويطي إذا خرج من النور وتحبب وقد يقال ظاهر النص يقتضي اعتبار مجموع الامرين
لكن الظاهر أن التحبب يكون قبل التناثر فذكر التناثر يغني عنه وفي البحر أن الأصح ما قاله
القفال رضي الله عنه وكذلك قال الخوارزمي في الكافي أنه لا اعتبار بتناثر النور على الأصح وذكر
ابن الصباغ أن المحاملي في المجموع ذكر هذه الحكاية التي حكيناها عن أبي حامد وأنها ليست
مذكورة في التعليق الأخير عنه وهذا عجب من ابن الصباغ فان شيخه أبا الطيب ذكرها عنه فكان
ذكرها من جهته أولى وهي في التعليقة الموجودة عندنا واما عدم ذكرها في التعليقة الأخيرة
فلا يدل (تنبيه آخر) أكثر الأصحاب جعلوا المشمش والتفاح والخوخ من هذا القسم الذي نحن
فيه وتكلموا فيها كلاما واحدا كما تقدم وامام الحرمين سلك طريقة أخرى فجزم بأن الخوخ والمشمش
وما في معناه مما الأزهار محتوية عليه للمشترى في مطلق البيع والتفاح والكمثرى وما في معناه مما
لا تحتوي أزهاره على الثمار ولكنها تطلع والثمرة دونها قال فمما كان كذلك مال العراقيون إلى أنه للبائع
ومن أصحابنا من قال للمشترى لعدم الانعقاد قال وهذا هو الذي ذكره الصيدلاني وهذه الطريقة
التي ذكرها الامام مخالفة لما قاله أكثر الأصحاب ولنص الشافعي الذي نقلناه عن البويطي فإنه جعل
حكم الإبار في التفاح والفرسك شيئا واحدا والفرسك هو الخوخ والامام قد جعل حكمه مخالفا لحكم
التفاح ثم إن الامام نقل مثل العراقيين إلى أنه للبائع والعراقيون كما رأيت على أنه قبل تناثر النور
للمشترى إلا الشيخ أبا حامد ولعل الامام رأى كلام أبي حامد فنسب ذلك إلى العراقيين كما تقدم له
مثل ذلك في الجوز.
(فرع) قال القاضي الماوردي ان الكرم نوعان نوع منه يبدو منه أنوار ثم ينعقد ومعه
بما يبدو حبا منعقدا وقد تقدم الكلام في ذلك وعد الماوردي الرمان واللوز مع ذي النور قال تاج الدين
عبد الرحمن والمشاهد في بلادنا خلاف ذلك في الرمان فان نوره لا يكون سابقا له في أول الظهور وأما
اللوز فكذلك هو عندنا وقال الرافعي أن الرمان واللوز مما يخرج في نور يتناثر عنه النور وما ذكرناه
من الحكم فيما إذا بيع الأصل بعد تناثر النور عنه فان بيع قبله عاد الكلام السابق فيه يعني إما أن
378

يباع بعد الانعقاد أو بعد التناثر فكلام الرافعي موافق للماوردي في أن الرمان له نور ولعله نوعان كالكرم
وأطلق المتولي القول بأن العنب حكمه حكم النخيل قال وإن كان على حبه قشر لطيف يتفتق عنها
ويخرج منها نور لطيف لان مثل ذلك يوجد في غير النخيل بعد التأبير وقد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم
للبائع وهذا ملاحظة منه للمعني الذي لحظه أبو حامد فيما مضى وصاحب التتمة مال إلى موافقته فيه
أيضا وقال إن ثمرة هذه الأشجار تكون تحت غطاء ويفارقها ويخرج من تحتها النور والثمرة والنور على
رأس الثمرة لكنه قسمه قسمين قسم يكون له نور بغير كمام كالتفاح والكمثرى والسفرجل وهو الذي
حكى كلام أبى حامد فيه ومال إلى موافقته وقسم على ثمرها نور بغير وتكون الثمرة بين كمام كالجوز واللوز
والمشمش والإجاص قال فقبل ان يخرج من الكمام ويتناثر نوره حكمه حكم الطلع قبل التأبير وهذا
التفصيل قريب مما حكيناه عن الامام.
(فرع) تقدم في كلام الشافعي المحكي عن البويطي عد اللوز مع التفاح والفرسك
فاعترض البندنيجي بذلك على قول الأصحاب ان اللوز كالجوز قال وهو سهو منهم فيه قال ابن الرفعة
(فان قلت) هل للشيخ أبى حامد جواب عن نصه في البويطي (قلت) لعله يقول اللوز نوعان منه ما
ينشق عنه قشره الاعلى على الشجر وهو المذكور في الام ومنه مالا ينشق قشره على الشجر وهو المذكور
في البويطي وشاهد ذلك أنا نجد الفول وغيره كالفرك لا يمكن إزالة قشره عنه دون الأسفل ولا
كذلك غير الفرك.
(فرع) إذا باع أصلا عليه ثمرة ظاهرة وظهر ما في ثمرة العام بعد البيع ففيما حدث بعد
البيع وجهان ذكرناهما في التأبير قاله صاحب البيان يشير إلى الوجهين المتقدمين عن ابن أبي هريرة
وغيره وأنه لا فرق في ذلك بين النخل وغيره *
قال المصنف رحمه الله.
(وان باع أرضا وفيها نبات غير الشجر فإن كان مما له أصل يحمل مرة بعد أخرى كالرطبة والبنفسج
النرجس والنعنع والهندباء والبطيخ والقثاء دخل الأصل في البيع وما ظهر منه للبائع وما لم يظهر
فهو للمشترى كالأشجار وإن كان مما لا يحمل إلا مرة كالحنطة والشعير لم يدخل في بيع الأصل لأنه
نماء ظاهر لا يراد للبقاء فلم يدخل في بيع الأصل كالطلع المؤبر).
379

(الشرح) الرطبة بفتح الراء وفي كتاب ابن البردي عن شيخه أبى الغنائم بضم الراء وهو
غلط وهو القضب وهو القتب. (أما) الأحكام فقال أصحابنا الزرع النبات اسم لكل ما ينبت من
الأرض وينقسم إلى قسمين أصل وغير أصل فالأصل ضربان شجر وغير شجر فغير الأصل هو الزرع
وبعبارة أخرى النبات ضربان شجر وغير شجر فالشجر على ثلاثة أضرب ما يقصد منه الورد أو الورق
أو الثمر وقد مضى حكمها وأقسامها والنخل والكرسف داخلان في التقسيم وإن كان المصنف أفردهما
بالذكر أولا وغير الشجر ضربان أصل وغير أصل ولهذين الضربين عقد المصنف هذا الفصل فالضرب
(الأول) الأصل وهو ما يحمل مرة بعد أخرى (والثاني) هو الزرع هكذا قسم الشيخ أبو حامد وهو يقتضى
أن اسم الزرع مخصوص بما لا يحمل إلا مرة وهو ظاهر وكذلك يقتضيه إيراد جماعة وجعل الرافعي
رحمه الله الزرع ضربين فجعل ماله ثمرة يحمل مرة بعد أخرى ضربا من الزرع كالبنفسج والنرجس
وجعل الرطبة والنعنع والهندباء خارجا عن الزرع داخلا تحت اسم الأصول حيث قال الغزالي وأصول
البقول كالأشجار وجعل صاحب التهذيب اسم الزرع صادقا على الثلاثة الأضرب ما يثمر مرارا
كالنرجس وما يجذ مرارا كالنعنع وما لا يجذ مرارا وليست له ثمرة بعد ثمرة كالحنطة وكلام الشافعي
رضي الله عنه في المختصر يشهد لذلك فإنه أطلق الزرع على الضربين الأولين فهو أقرب مما سلكه
الرافعي في إطلاقه الزرع على الضرب الأول دون الثاني فإنه بحسب الحقيقة صادق على الجميع وبحسب العرف
قد يقال إنه لا يصدق عند الاطلاق الاعلى الأخير والامر في ذلك قريب أو هو راجع إلى اللفظ (وأما)
المعنى والأحكام فالأضرب الثلاثة فيه مختلفة والمصنف لم يذكر لفظ الزرع وإنما ذكر لفظ النبات ولا
شك أنه شامل للجميع لكنه جعلها في الحكم قسمين وجعل الرطبة والبنفسج من القسم الأول وأشعر
كلامه بأن حكمها متحد فأما في دخول الأصل فصحيح على ما سيأتي تفصيله وأما في كون ما ظهر منه
للبائع وما يظهر للمشترى فان ذلك مختلف فالبنفسج ما ظهر من ثمرته للبائع وما لم يظهر من ثمرته
للمشترى وأما أصله فحكمه حكم الشجر والرطبة ليس لها ثمرة فما ظهر منها نفسها يكون للبائع وما لم
يظهر للمشترى ولم يبين فلذلك يتعين أن يقسم القسم الأول في كلام المصنف إلى قسمين فيكون
مجموع الأقسام ثلاثة كما ذكرها البغوي والرافعي وان كنا نحن لم نطلق اسم الزرع على جميعها (القسم
الأول) الأصل الذي له ثمرة بعد ثمرة كالبنفسج والنرجس والبطيخ والقثاء والباذنجان وعد صاحب التهذيب
380

من ذلك الموز والكرسف الحجازي فاما الكرسف الحجازي فقد أفرده المصنف بالذكر فيما مضى
وأما الموز فذكره المصنف أيضا في القسم الثاني من أقسام الشجر فيما تقدم وهو الأقرب فإنه شجر لغة
وعرفا والكلام الآن في النبات الذي لا يسمى شجرا فلا يحسن عد الموز فيه. إذا عرفت ذلك فحكم
هذا القسم أن ثمرته الظاهرة حال البيع تبقى للبائع والأمثلة المذكورة مختلفة فمنها ما لا تخرج ثمرته إلا
ظاهرة كالبنفسج فان ورده أشبه الأشياء بالياسمين ليس في كمام فإن كان قد ظهر من ورده شئ فورد
تلك السنة للبائع الا أن يشترط المبتاع هكذا صرح به الشيخ أبو حامد وفي معنى ذلك البطيخ والقثاء
والباذنجان إذ لا فرق بينهما وأما النرجس فإنه كالورد الأبيض والأحمر يخرج عنه أوراق خضر لا يظهر
منه شئ ثم ينفتح فإن كان قد تفتح منه شئ فان ثمرة هذا العالم للبائع الا أن يشترط المبتاع
وأما أصوله ففيها الطرق السابقة في الأشجار حرفا بحرف سواء في ذلك ما ظهر منها على وجه الأرض
وما بطن فحينئذ حكم هذا القسم في تبعية الأصول للأرض وفى حكم الثمار حكم سائر الأشجار هذا هو
المشهور وحكي الرافعي وجها في النرجس والبنفسج أنهما كالحنطة والشعير وحكاه الروياني في البنفسج وعن
الشيخ أبي حامد أنه ضعف الوجه المذكور في النرجس وقال هذا كلام من لم يعرف النرجس فان النرجس
له أصل يبقى عشرين سنة وإنما يحول من موضع إلى موضع في كل سبع سنين لمصلحته ولا خلاف في هذا
القسم والذي بعده أن بيع الأرض صحيح وليس كبيع الأرض المزروعة زرعا يحصد مرة واحدة كما سيأتي في
القسم الثالث وممن صرح بنفي الخلاف صاحب التتمة (القسم الثاني) وهو بعض القسم الأول في كلام
المصنف الأصل الذي ليست له ثمرة بعد ثمرة ولكنه يجذ مرة بعد أخرى كالسداب والكراث والنعنع والهندباء
والطرخون والكرفس والقصب الفارسي وأشجار الخلاف التي تقطع من الأرض كل مرة والرطب وهي القضب
ويسميها أهل الشام الغصة بالصاد المهملة وألقت بالتاء المثناة وهو القرط قال الأزهري هو ألقت الذي
تسميه أهل العودي (1) وقد عطف المصنف القضب على الفت فيقتضى أنهما متغايران وكلام النووي يدل
على أن الغصب وألقت والقرط والرطبة شئ واحد ولذلك صرح به القاضي أبو الطيب ولكنه بلغة
العراق الرطبة وبلغة أهل بلادنا القرط وبلغه الشام الغصة والصواب أن ألقت والرطبة شئ واحد وان القرط
الذي ببلادنا شئ آخر والرطبة توجد أيضا في صعيد بلادنا والله أعلم. ففي هذا القسم إذا باع الأرض وفيها
شئ من ذلك ظاهر على الأرض فالجذة الظاهرة عند البيع للبائع لا خلاف في ذلك لأنها ظاهرة في الحال

(1) كذا بالأصل
381

لا تراد للبقاء فلم تدخل في البيع الا بالشرط كالثمرة المؤبرة وفي دخول أصولها الكامتة في الأرض في بيع الأرض
الخلاف الذي في الأشجار هكذا ذكره العراقيون والصيد لأني وغيرهم وعن الشيخ أبي محمد الجويني
القطع بالدخول هنا والفرق بينها وبين الشجر أن هذه كامنة في الأرض نازلة منزلة أجزائها بخلاف
الأشجار فإنها بادية ظاهرة مفارقة للأرض في صفتها هكذا حكى عنه في النهاية والبسيط والشرح
ووقع في الوسيط أن الشيخ أبا محمد قطع بأنه كالدرع يعني فلا يدخل وذلك خلاف المشهور عن الشيخ
أبي محمد قال ابن الرفعة ولو صح ذلك عن الشيخ لأمكن أن يقال في الفرق بينه وبين الشجر أن مدة
ابقائه في الأرض قد تعلم فلا يكون مراد للدوام بخلاف الشجر وأيد ذلك بالوجه الذي حكاه الرافعي
في البنفسج والنرجس أنهما كالحنطة والشعير إذ لا يظهر فرق بين هذين وبطريقة حكاها الماوردي في
البطيخ وما يوجد مرة بعد أخرى لكن في علم واحد أنه كالزرع فيكون للبائع قال فقد يحصل لما في
المسألة ثلاثة أوجه (قلت) يعني ثلاث طرق القطع بالدخول والقطع بعدم الدخول واجراء الخلاف
والله أعلم. لكن شرط إثبات هذه الطرق أن تتحقق نسبة الطريقة التي في الوسيط إلى قائل والأظهر
أن ذلك وهم ناسخ لمخالفتها ما في البسيط والنهاية وقد رأى الامام أن القياس طريقة إجراء القولين
وخالف ما نقله عن والده قال إذ لا يلوح فرق بينها وبين الغراس والأبنية وقول ابن الرفعة بأن مدت
بقاء أصولها قد تعلم أن سلم معارض بأن بعض الأشجار قد يكون كذلك ولكن تارة تطول مدته
وتارة تقصر نعم مقتضى الوجه الذي نقله الرافعي في البنفسج والنرجس انه يثبت ثلاثة أوجه بذلك
وان لم يثبت ما عندي إلى الشيخ أبي محمد من جعلها كالزرع (فان قلنا) بأن الأصول لا تدخل في بيع
الأرض فهي باقية على ملك البائع والخيرات كلها على ملكه الموجودة عند العقد والحادثة والكلام
في وجوب تبقيتها كما تقدم في الأشجار (وان قلنا) بظاهر المذهب وأن الأصول داخلة قال صاحب
التهذيب فلا يجوز حتى يشترط البائع على نفسه قطع ما هو ظاهر منه لأنه يزيد فيختلط
المبيع بغير المبيع وتبعه على ذلك الرافعي ولم يذكر فيه خلافا والذي ذكره الشيخ أبو حامد والقاضي أبو
الطيب والمتولي والقاضي حسين أن البائع يطالب في جذها الحال وليس له أن يتركها حتى تبلغ أو ان
الجذاذ لان تركها يؤدى إلى الاختلاط وسكتوا عن وجوب اشتراط القطع في العقد بل زاد الماوردي
على ذلك فحكى وجهين في أنه هل ينتظر به تناهي جذاذه (أحدهما) ينظر فإذا بلغ الحد الذي جرت
382

العادة بجذاذه عليه فقد انتهى ملك البائع ما بعد تلك الجذة بكمالها للمشترى قال وهذا قول من زعم
أن ما أطلع من ثمار النخل بعد العقد للبائع تبعا لما أطلع منها وأبر والوجه (الثاني) أنه لا ينظر به كمال جذاذه
بل يكون للبائع ما ظهر منه وقت العقد وليس له حق في غيره وبه قال أبو إسحاق المروزي ويؤمر
بجذاذه وان لم يستكمل ويكون الأصل الباقي وما يستخلف طلوعه بعد العقد تابعا للأصل وهذا قول من زعم أن
ما أطلع من ثمار النخل من بعد العقد يكون للمشترى ولا يكون تبعا لما أطلع منها وأبرو هذا البناء الذي أشار إليه
الماوردي يقتضي أن يكون الصحيح على طريقة أبي حامد الأسفرايني والرافعي أن القلع لا يجب عقيب العقد
حتى تتكامل تلك الجذة لأن الصحيح عندنا أن ما طلع بعد البيع تابع لما أبر قبل البيع فيكون للبائع وإن كان
الأصح عند الماوردي أنه للمشترى ولا يلزم الشيخ أبا حامد أن يقول بأنه لا يجب القطع الا أن يسلم البناء
المذكور ويفرق بين الصورتين بأن للطلع حدا وهو نهاية ذلك الحمل الذي اطلع بعضه وأبر وجرت العادة
بالتلاحق فيه بخلاف الرطبة فإنها كلها كالحمل الواحد وقد نص أبو حامد في تعليقه على هذا الفرق
لكن في التبعية فقال إن للطلع حدا ينتهى إليه وليس للرطبة حد هذا فرق الأصحاب وفرق من عند
نفسه بفرق آخر وهو أن لا منفعة للمشترى في قطع الثمرة والبائع منفعة في قطعها والرطبة في قطعها فائدة
وللمشتري وفي تركها فائدة للبائع لأنها تزيد انتهى وما قاله أبو حامد وصاحب التهذيب والرافعي لم
يلاحظوا فيه الوجه الذي نقله الماوردي من أنه ينتظر به تناهي جذاذه فان قلنا به فلا يجب القطع أصلا
هو بتعليله مصادم لقول أبي حامد أنه ليس للرطبة جد توجد عليه (وان قلنا) انه ليس للبائع الا ما كان
ظاهرا فيجب القطع واما كونه يشترط شرطه في العقد فقد يقال إنه لا حاجة إلى ذلك لأنه إذا
كان القطع واجبا بمقتضى العقد فلا حاجة إلى شرطه فأنا إنما يشترط القطع في الثمار لان مقتضى
الاطلاق فيها الابقاء وهذا هو الأقرب إلى كلام الروياني فإنه قال إذا باع الأرض مطلقا وهناك بيت ظاهر
فهو للبائع بالاطلاق العقد وعلى البائع نقله في الحال وهكذا عبارة صاحب التتمة وغيره ويحتمل أن
يقال لابد من شرط القطع كما أنه لابد من شرط القطع في بيع الثمرة التي يعلم أنها تتلاحق وتختلط
على ما سيأتي ولا يفرق بين اختلاط المبيع بغيره وبين اختلاط ثمرة المبيع بدليل أن الحكم مطرد فيما
إذا باع شجرة عليها ثمرة مؤبرة واختلطت بغيرها على الطريقة الصحيحة الا أن يقال إن الثمرة هي المقصود
الأعظم من الشجر أو كل المقصود وأما أصل الرطبة الموجود في الأرض فليس هو كل المقصود من
383

الأرض ولا معظمة وسأجمع إن شاء الله هذه المسائل جملة في آخر الباب عند الكلام فيما إذا باع ثمرة
يعلم اختلاطها بغيرها وقد انتظم في هذه المسألة ثلاثة أوجه (أحدها) أنه يجب شرط القطع في العقد وهو
ما قاله البغوي والرافعي (والثاني) لا يجب ولا يكلف به الا أن تتكامل الجذة فتكون كلها للبائع (والثالث)
ان البائع يكلف القطع حال العقد ولا نقول إن شرط ذلك واجب في العقد وهو مقتضى
كلام أبي حامد وأبي الطيب والمتولي والروياني فإن لم يجذ البائع حتى زادت في ملك المشتري واختلطت
فيخرج على القولين في الاختلاط قاله الفوراني والله أعلم.
(فرع) بني الماوردي على الوجهين اللذين ذكرهما ما إذا كان الزرع بذرا لم يظهر بعد قال
فمن أنتظر بها تناهي الجذاذ جعل ما ينبت من هذا البذر أول جذه للبائع ومن لم ينتظر به التناهي
وجعل حق البائع مقصورا على ما ظهر جعل البذر وجميع ما يظهر من نباته للمشترى ولك أن تقول الموجب
لانتظار تناهي الجذاذ كونه ملك الظاهر وتبعية الباطن من تلك الجذة للظاهر منها وهذا المعنى
مفقود فيما إذا لم يكن ظهر منها فينبني الجزم بأنها تكون للمشترى كالثمرة غير المؤبرة لكن هذا
الوجه مع بعده وغرابته هو مقتضى كلام الشافعي في الام إذ قال وان البائع قد أعلم المشترى
أن له في الأرض التي ابتاعها بذرا سماه لا يدخل في بيعه فاشترى على ذلك فلا خيار للمشترى
وعليه أن يدعه حتى بصرم فإن كان مما ينبت من الزرع تركه حتى تصرمه ثم كان للمشترى أصله
ولم يكن للبائع قلعه ولا قطعه وان عجل البائع ففعله قبل بلوغ مثله لم يكن له أن يدعه يستخلف
وهود لمن وجد ثمرة غضة فليس له أن ينتظر أخرى حتى يبلغ لأنه لم يكن له مما خرج منه الا
مرة واحدة فيعجلها ولا يتحول حقه في غيرها بحال ولذلك اطلاق صاحب التنبيه في قوله
والجذة الأولى للبائع يشمل بعمومه ما إذا كان منها شئ ظاهر وما إذا لم يكن وظن ابن الرفعة أنه لا
قائل بذلك من الأصحاب بعد حكايته نص الشافعي كأنه لم يقف على الخلاف الذي حكاه الماوردي
فإذا نص الشافعي واطلاق صاحب التهذيب موافق للوجه الذي حكاه الماوردي وليس لقائل أن يحمل
النص المذكور على ما إذا اشترط البائع واستثني ذلك لنفسه كانت الأصول وكل جذة تحصل له وقد صرح الشافعي بعدم
ذلك وانه ليس الا الجذة الأولى فان تعسف متعسف وحمله على ما إذا اشترط البائع ان الجذة الأولى له ففيه نظر
384

يحتمل أن يقال بالصحة كلو استثني الثمرة غير المؤبرة ويحتمل أن يقال بالفساد فإنه قد لا يتميز حق
البائع من حق المشترى بخلاف الشجر مع الثمر فإنها متميزان وبالجملة فالوجه المذكور ضعيف غريب
والصحيح المشهور أن البذر وجميع ما يظهر من المشترى ومن الواضح ان صورة المسألة فيما تتكرر ثمرته والله أعلم.
(فرع) باع الأرض وفيها البقول المذكور بعد جذها فليس على الأرض منها شئ ظاهر
يقال إنه للبائع وما في بطنها من العروق جزم القاضي أبو الطيب بدخوله في البيع وذلك بناء منه
على أن الشجر يدخل في البيع فالطرق الجارية فيه وفي أصول البقول إذا كان منها شئ ظاهر
جارية هنا من غير فرق وأما الوجهان اللذان ذكرهما الماوردي في البذر وتكلمت عليهما آنفا فالقياس
إجراؤهما هنا أيضا وإن كان الأصلح أن ذلك للمشترى لأنه ليس ثم شئ ظاهر يستتبع ما ليس بظاهر.
(فرع) إذا كان في الأرض أشجار خلاف يقطع من وجه الأرض كل مدة قال صاحب
التهذيب حكمها حكم القصب الفارسي وقال الرافعي حكمها حكم القصب والمراد واحد وهو أن حكمها
حكم القسم الثاني الذي فرغنا منه (أما) إذا كان فيها جذوع خلاف عليها قوائم فهي منزلة أغصان
سائر الأشجار.
(فرع) إذا قلنا بوجوب القطع فيما كان ظاهرا عند العقد من البقول (إما) على ما اختاره
الرافعي رضي الله عنه من وجوب شرط القطع (إما) على الوجه الثالث قال صاحب التتمة ثم الرافعي
عنه أنه لا فرق بين أن يكون ما ظهر قد بلغ أو ان الجذ أو لم يكن وأطلقا ذلك الحكم من غير تفريع
لأنهما لم يذكرا الوجه الثاني الذي ذكره الماوردي واستثنى من ذلك القصب فإنه لا يكلف قطعه إلا أن
يكون ما ظهر قدرا ينتفع به وكذلك قال الشيخ أبو حامد القصب الفارسي إذا كان للبائع لم يلزمه نقله
وتحويله إلى وقت قطعه في العادة وهو زمان الشتاء فإنه إن قطع قبل ذلك الوقت تلف ولا يصلح لشئ وكذلك
الروياني والجرجاني قالا إن البائع يمكن حتى يقطعه إذا جاء وقته لان له وقتا يقطع فيه ولك أن تقول إشكالا
على الرافعي انه إذا كان البيع يجب فيه شرط القطع فاما أن يكون ذلك عاما فيما ينتفع به ومالا ينتفع به أو لا
فإن كان عاما فيجب الوفاء به وإن كان محله فيما ينتفع به فلا وجه لاستثناء الغصب وحده بل كل مالا ينتفع به
والقول بوجوب شرط القطع فيما لا ينتفع به بعيد ألا ترى أن بيع الثمرة قبل بدو الصلاح إنما يجوز بيعها بشرط
385

القطع إذا كان المقطوع مما ينتفع به (فان قلت) ذاك لان المنفعة شرط في المبيع والمقطوع هنا غير مبيع (قلت)
لكنه فيه إضاعة مال فيمتنع شرطه لذلك نعم قد يقال إن هذا يجب قطعه وان لم يشترط لأنه يصير
في ملك المشتري على أصله فلا يلزمه إبقاؤه وإذا لم يلزم فيجوز اشتراط قطعه وفوات ماليته مقابل لما
يحصل للبائع من ثمن المبيع فقد يكون له غرض في اغتفار ذلك بإزائه وهذا الاشكال (الثاني) بعينه
لازم لصاحب التتمة والشيخ أبي حامد لكن الشيخ أبا حامد ليس في كلامه تصريح بقصر ذلك
على القصب فلعله يقول به في كل مالا ينتفع به إذا قطع بخلاف صاحب التتمة فان ظاهر كلامه الفرق
بينه وبين الزرع في ذلك وقد يؤخذ من كلام أبي حامد المتقدم جواب عن ذلك من قوله إن للقصب
وقتا يقطع فيه فان ذلك يقتضي تشبيهه بالزرع الذي يجب إبقاؤه لما قدمه الروياني في الفرق من المعني
أن له وقت نهاية والرطبة ليس لها وقت نهاية لكن ذلك بعيد لان كلا من الرطبة والقصب الفارسي
له وقت يؤخذ فيه في العادة ويزيد بعده بخلاف الزروع التي بعد وقت أخذها لا تزيد شيئا
والله تعالى أعلم.
(فرع) من البقول ما يبقى أصله سنين وهو الذي تجرى فيه الأحكام المتقدمة ومنه ما يبقى
سنة واحدة يجئ مدة بعد مدة في السنة قال الشيخ أبو حامد حكم هذا عندي حكم الزرع كله للبائع
إلا أن يشترط المبتاع فهذا ذكره الشيخ أبو حامد في هذا القسم الثاني وهو ما يجذ مرة بعد أخرى
وذكر الماوردي في نظيره من القسم الأول وهو ما يثمر مرة بعد أخرى لكن في عام واحد كالبطيخ
والخيار والقثاء ذكر فيها وجهين (أحدهما) وهو قول البغداديين أنه في حكم الشجر فيكون للبائع من
ثمرته ما قد ظهر وللمشتري الأصل وما يظهر (والوجه الثاني) وهو قول البصريين أنه في حكم الزرع
فيكون للبائع أصله وثمره لأنه زرع عام واحد وان تفرق لقاط ثمره والشجر ما بقي أعواما والحق به
ما بقي أعواما كالعلف ولم يلحق به ما بقي عاما واحدا والروياني جزم القول فيما يجذ دفعة بعد أخرى
بالتسوية بين ما يبقى مدة يسيرة كالهندباء والجرجير وما يبقى سنين ومقتضى كلامه أن ذلك منصوص
عليه في الام وحكى مع ذلك ما نقله الماوردي.
(فرع) ظهر لك مما تقدم أن الأقسام فيما لا يؤخذ مرة بعد أخرى أربعة (الأول) أصل له
ثمرة بعد ثمرة وأصله يبقى سنين في الأرض (الثاني) أصل له ثمرة بعد ثمرة يبقى عاما واحدا (الثالث) أصل
386

له ثمرة لكنه يجذ مرة بعد أخرى ويبقى أصله سنين في الأرض (الرابع) أصل يجذ مرة بعد أخرى
في عام واحد وهذا هو الذي نقلته فيما تقدم عن الشيخ أبي حامد وما ذكره الماوردي في القسم الثالث
من الخلاف يأتي فيه إذ لا فرق بينهما والله أعلم * وهذه الأقسام الأربعة كلها في القسم الأول من
القسمين اللذين ذكرهما المصنف وبذلك تعرف مراتب الأمثلة التي ذكرها فالبنفسج والنرجس من
القسم الأول والبطيخ والقثاء من القسم الثاني والنعنع والهندباء والرطبة منه ما يبقى سنين في الأرض
فهو من القسم الثالث ومنه ما يبقى سنة واحده كقرط بلادنا وكثير من بقولها فهو من القسم الرابع
والله عز وجل أعلم.
(فرع) الموز أصله لا يحمل إلا سنة واحدة ثم يموت بعد أن يستخلف مكانه فرخا يحمل
بعد ذلك فإذا باع الأرض وفيها شجر موز فلا شك أنه إذا كان عليه ثمر يكون الثمر للبائع فقد مر ذلك
في كلام المصنف والكلام ههنا في أن أصل الموز نفسه هل يدخل في بيع الأرض كما يدخل الشجر
أولا وقد تقدم عن صاحب التهذيب أنه عده في القسم الأول وأن الأصول تدرج على أصح الطرق
كالشجر وكأنه رأى أن اسم الشجر يطلق عليه فلذلك أجرى عليه حكمه والذي قاله الماوردي أن
الأصل الموجود وقت العقد لا يدخل في البيع كالزرع لأنه لا يبقى بعد سنة والفرخ الذي يستخلف
كالشجر يدخل في البيع (قلت) وقوله إن الفرخ يدخل في البيع إن فرض في فرخ يحدث بعد البيع فلا
معنى لتشبيهه بالشجر ولا يقال إنه دخل في عقد البيع بل ذلك كسائر ما يحدث يستحقه المشترى بحكم الملك
لا بحكم الدخول في العقد وان فرض في فرخ يكون حاصلا عند العقد فقد يقال ينبغي على قوله أن
لا يدخل لأنه لا يبقى لأنه ليس له أكثر من ثمرة واحدة كالزرع وقد قال الشافعي في الام بعد ذكر
بيع الأرض وفيها القصب إذا باع أرضا وفيها موز قد خرج فله ما خرج من الموز قبل بيعه وليس له
ما خرج مرة أخرى من الشجر الذي تحت الموز وذلك أن شجر الموز عندنا يحمل مرة وينبت إلى جنبها
أربع فيقطع ويخرج في الذي حولها وهذا الكلام محتمل لأن يكون المراد به أن ثمر الموز الموجود
عند العقد للبائع وما يحدث بعده للمشترى وهذا صحيح لا إشكال فيه وليس فيه ما يشهد لما قاله
الماوردي ولا لما قاله صاحب التهذيب فان سألت عن حكم الشجرة نفسها على هذا التفسير ويحتمل أن
387

يكون مراده به الشجرة نفسها وإن كان خارجا منها يكون للبائع وما نبت من فراخها يكون للمشترى
فيوافق كلام الماوردي وهو الذي فهمه ابن الرفعة ولم يترجح عندي هذا الاحتمال على الذي قبله
لكنه يؤخذ من كلام الشافعي أن الفرخ الحادث بعد البيع للمشترى لقوله إن ما خرج مرة أخرى
ليس للبائع فإن كان مراده الفرخ فذاك وإن كان المراد ثمرته فيلزم من كون الثمرة للمشترى أن
يكون الأصل له وهذا لاشك فيه في أن الفرخ الحادث بعد البيع للمشترى وإذا ثبت ذلك دل على أن
أصل شجر الموز الذي هو مستقر في الأرض يدخل في بيعها لان الفرخ الذي حكمنا بكونه للمشترى
يثبت منه (وأما) الفرخ الموجود وقت العقد وهو ينبني على الاحتمالين اللذين ذكرتهما في كلام
الشافعي رضي الله عنه في قوله فله ما خرج من الموز قبل بيعه إن كان مراده الثمرة فلا دلالة فيه
وإن كان مراده الشجرة نفسها فيشمل الام وفراخها وكلام الجوزي يشهد للتفسير الأول فإنه قال
في معرض نقل كلام الشافعي فان باعه أرضا وفيها موز للبائع ما خرج من الموز وليس له ما يخرج
بعد ذلك ولا ما لا تخرج أولاده التي إلى جنبه فقوله ولا ما تخرج أولاده يدل على أن الكلام في الثمرة فان
الحقنا ذلك بالرطبة اقتضى أن لا يدخل شئ بما ظهر في البيع لا الام ولا فراخها كما ذلك مقتضى
هذا الاحتمال ولذلك لا تجوز المساقاة عليه جزما كما يقتضيه كلام الماوردي في باب المساقاة وان ألحقناه
بالشجر اقتضى دخولهما وقد يقال تلحق الام بالرطبة لقرب قطعها وأما الفرخ فإنه يقصد بقاؤه حتى
تقطع الام ويكبر وتحدث ثمرته بعد ذلك فكذلك يقول إن الفرخ يدخل لشبه بالشجر في كونه
مقصود البقاء والام لا تدخل كما يقتضي ذلك كلام الماوردي فنظرت في هذه الاحتمالات الثلاث أيها
أرجح فوجدت أرجحها على مقتضى المذهب أنهما يدخلان الام والفراخ كما قاله صاحب التهذيب فان
الذي بلغني من حال الموز ممن له فيه معرفة يخالف حال الرطبة فان شجرة الموز ينبت إلى جانبها من
أصلها فراخ فإذا تكامل حمل الشجرة الأصلية قطع عرجون الموز مع شئ من رأس الشجرة ويبقى بقيتها
لأجل تربية الفرخ وانه متى قطعت كلها يموت الفرخ فتبقى لأجله حتى يتكامل الفرخ وتجف هي
وتتساقط بنفسها إلى الأرض فيخلفها ذلك الفرخ ويطرح الموز وهكذا على الترتيب لابد من بقاء الام
لتربية أولادها ولا يبقون من أولادها الا واحدا ويقطع الباقي لئلا يضر بأمه ويشرب ماءها. فإذا علمت
388

أن شجرة الموز لا يمكن قطعها من أصلها لافساد فرخها وان فرخها لا ينتج بدونها ظهر لك الفرق
بينها وبين الرطبة فإنه لو قلنا للبائع أن يقطع ما ظهر من الموز ويبقى الجذر في الأرض وحده لم ينبت
بعد ذلك منه شئ لم ينتفع به المشترى فلا يمكن القول بعدم دخولها في البيع لذلك لا يمكن
القول بعدم دخولها في الام ودخول الفرخ لأنه كأن يكون للبائع قطع الام فيتلف الفرخ فلا بد من
ابقائهما وهو قول صاحب التهذيب والله أعلم * والظاهر أن مراد الماوردي بالفرخ الذي يكون للمشترى
ما حدث بعد البيع وقد يطلق على مثل ذلك أنه داخل في العقد توسعا في العبارة ووقع في كلام
الماوردي أن الفرخ يحمل في العام القابل وقد أخبرني بعض أهل المعرفة بذلك أنه لا يقيم سنة بل تارة
تكون اقامته شهرين وتارة أكثر من ذلك فلعل مراد الماوردي بالسنة المدة التي تبقى فيها كما يقال سنة
الزرع وإن كان لا يراد حول كامل وقد ظهر أن الموز نوع غريب لم يشمله التقسيم لان له أصلا ثابتا
ولا يحمل الا مرة ويستمر جذره في الأرض سنين ولا يجذ كالرطبة والله أعلم.
(فرع) لو كان في الأرض جزر أو سلق أو ثوم أو فجل أو بصل قال صاحب التهذيب لا يدخل
شئ منها في بيع الأرض يعني ويكون ذلك من حكم التقسيم الذي سيأتي وهو الزرع الذي لا يحمل
الا مرة وكذلك الرافعي الا أنه لم يذكر البصل ولو باع أرضا فيها جزر أو فجل بجزرها وفجلها نقل الماوردي
عن الافصاح وجهين (أحدهما) لا يجوز (والثاني) يجوز تبعا.
(فرع) هذه الأحكام التي تقدمت كلها فيما إذا أطلق البيع أما لو باع الأرض وشرط ذلك
للمشترى ما يحصد مرة بعد أخرى كالبقول فللمشتري الفروع والعروق قاله صاحب التتمة وفرق بين
هذه حيث يقول عند الاطلاق لا يدخل ما ظهر منها وبين الشجر بأن هذه لا تراد للدوام وهي نماء ظاهر
فصارت كالثمرة المؤبرة والشجرة تراد للدوام فاستوى فرعها وأصلها وصار الجميع للمشترى (القسم الثاني) من
كلام المصنف وهو الثالث من التقسيم الذي ذكرته أولا ما لا يحمل الا مرة كالحنطة والشعير والباقلا والكتان
فلا خلاف أنه لم يدخل في الأرض الا بالشرط لما ذكره المصنف والطلع المؤبر الذي جعله مقيسا عليه ثبت حكمه
بالحديث المتقدم (من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع الا أن يشترط المبتاع) (1) وقوله نماء ظاهر احتراز من
الطلع الذي لم يؤبر (وقوله) لا يراد للبقاء احتراز من الغراس إذا قلنا يدخل في بيع الأرض على ظاهر المذهب

(1) بياض بالأصل
389

والرافعي رحمه الله اقتصر على التعليل بعدم الدوام والثبات قال الماوردي (فان قيل) الثمرة قبل التأبير مستبقاة
لكامل المنفعة لم تجنى وهي داخلة في البيع فهلا كان الزرع مثلها (قيل) الفرق بينهما أن الثمرة حادثة من خلقة
الأصل المبيع والزرع مستودع في الأرض بفعل الآدمي ألا ترى أن الأرض يدخل فيها المعدن لأنه خلقة في
الأرض ولا يدخل فيها الركاز لأنه مستودع فيها * واعلم أن الترجمة عن هذا القسم تشمل الموز لأنه نبات
لا يحمل الا مرة واحدة لكن لا قائل بأن جذره الثابت في الأرض لا يدخل بخلاف الحنطة والشعير
فالمراد حينئذ بهذا القسم مالا يحمل الا مرة ولس له أصل ثابت في الأرض وبذلك يخرج الموز فان له
أصلا ثابتا منه تنبت الفراخ وعلى هذا ينبغي أن يقال في القسيم الحاضر النبات اما أن يكون
له أصل ثابت في الأرض أولا فالأول اما أن يكون يحمل مرة واحدة كالموز أو مرات فأما في عام واحد
كالبطيخ أو في أكثر كالرطبة وسائر ما يجذ ويثمر مرات والذي لابقاء لأصله هو الزرع كالحنطة
والشعير وشبههما أو نقول النابت اما أن يثمر ويجذ مرات أو مرة واحدة فالأول اما في عام واحد
أو في أعوام والثاني اما أن يبقى أصله كالموز أو لا يبقى كالحنطة والشعير.
قال المصنف رحمه الله.
(وفي بيع الأرض طريقان من أصحابنا من قال فيه قولان لأنها في يد البائع إلى إلى أن يحصد
الزرع فكان في بيعها قولان كالأرض المستأجرة ومنهم من قال يصح بيع الأرض قولا واحدا لأن المبيع
في يد المشترى وإنما يدخل البائع للسقي أو الحصاد فجاز بيعه قولا واحدا كالأمة المزوجة).
(الشرح) الطريقان مشهوران والأولى منسوبة إلى أبي إسحاق المروزي وجمهور الأصحاب
على الطريقة الثانية وهي التي صححها الرافعي وغيره وقاسوها على بيع الدار المشحونة بأمتعة البائع وعلى
بيع الأمة المزوجة وفرقوا بينها وبين الدار المستأجرة بأن يد المستأجر حائلة بكل حال فكان كما لو أجر
أمته ثم باعها بطل البيع على أحد القولين ولو زوجها ثم باعها صح البيع قولا واحدا وذكر الشيخ أبو حامد
أن الأصحاب فرقوا بفرقين آخرين لا يتصحان لم نذكرهما ورد الجمهور طريقة التخريج على القولين بأنه
لو كان في معنى تلك الصورة لوجب القطع بالفساد لان مدة بقاء الزرع مجهولة ألا ترى أن بيع الدار
التي استحقت المعتدة سكناها إذا كانت العدة معلومة كالأشهر فيها قولان وإذا كانت مجهولة كالحمل
والأقراء بطل قولا واحدا وذكر ابن الرفعة سؤالا قد يعترض به على هذا وهو أن لأبي إسحاق
390

أن يقول مدة الزرع وان لم تعلم يقينا فالعرف الغالب يضبطها فان فرض مخالف فنادر وزمنه
يسير مغتفر والمنع من بيع دار المعتدة بالأقراء ليس لما ذكر بل لأنها قد تموت فتكون المنفعة عائدة
للمشترى ولهذا نقول على طريقة قاطعة لا يصح وإن كانت عدتها بالأشهر وهذا السؤال مندفع بمن لها
عادة مستقيمة في الأقراء والحمل فإنه لا يصح بيع الدار التي استحقت سكناها للعدة وإن كانت العادة
تضبطها فلما لم يغتفر ذلك كذلك لا يغتفر مثله في مدة الزرع (وقوله) ان المنع من بيع دار المعتدة بالأقراء
ليس لما ذكر إلى آخره لا يحسن فان الكلام إنما هو في القطع بالفساد ولا يجوز أن تكون العلة في
ذلك ما ذكره والا لقطعنا بالفساد في دار المعتدة بالأشهر فمستند القطع بالفساد في دار المعتدة الأقراء
والحمل وعدم إجراء الخلاف فيه إنما هو الجهالة (أما) قوله إن المنافع تكون عائدة للمشترى فاعلم أن
المنقول في توجيه الطريقة القاطعة التي ذكرها أن منفعة الدار المعتد فيها ليست مملوكة للمعتدة فإنه
لو ماتت كانت منافعها للزوج فيكون إذا باعها كمن باع دارا واستثني منفعتها لنفسه مدة معلومة والظاهر
فيه البطلان والذي يليق بهذه الطريقة إذا صححنا بيعها أن تكون المنافع باقية على ملك الزوج إن كان
مطلقا أو ورثته إن كان ميتا فإذا ماتت المعتدة بقيت منافع بقية المدة من الأشهر على الزوج أو ورثته
ولا تكون للمشترى وإنما تكون للمشترى لو نزلنا استحقاق المعتدة منزلة استحقاق المستأجر
فحينئذ يجئ فيه الخلاف المذكور فيما إذا عرض ما يفسخ الإجارة هل تكون منفعة بقية المدة
للمشترى أو للبائع فيه وجهان فقد تبين أن السؤال المذكور غير متوجه والله أعلم. (فان قلت) الحاق
بيع الأرض المزروعة بالدار المشحونة بالأمتعة غير متجه لامكان الاشتغال بتسليم الدار عقيب العقد
ووجوب ذلك فالمنفعة مستحقة للمشترى في تلك المدة بخلاف مدة بقاء الزرع والحاقها بالأمة المزوجة
أيضا غير متجه لان الأمة المزوجة يمكن تسليما الآن ووضع اليد عليها بخلاف الأرض المزروعة فان
التخلية التامة مع وجوب ابقاء الزرع غير حاصلة فوجب اما القطع بالبطلان الحاقا بدار المعتدة ولا قائل
به واما اجراء الخلاف الحاقا بالعين المستأجرة كما قال أبو إسحاق (قلت) شرط الحاق مسألة بأخرى
اشتراكهما في مناط الحكم مع عدم الفارق ولا يكفي الاشتراك فيما ليس مناط الحكم في الأصل ولا شك
أن بين المسائل الخمس قدرا مشتركا من جهة عدم حصول ملك المنفعة للمشترى عقيب العقد ولما
391

اتفقوا على صحة بيع الأمة المزوجة دل على أن ذلك غير مقتضى لابطال البيع وان مأخذ البطلان
ليس هو عدم حصول المنفعة للمشترى بل عدم القدرة على تسليم العين لثبوت يد المعتدة والمستأجر
الحائلتين بين المشترى وبينها وأما الأرض المزروعة والدار المشحونة والأمة المزوجة فثلاثتها مشتركة في أنه
لا يد حائله فالمقتضى للبطلان إذا أجرى فيه لعدم اشتراكهما في مناط الحكم والأرض المزروعة لها شبه من
كل من الدار المشحونة والأمة المزوجة تشبه الدار المشحونة من جهة أن لكل منهما أمدا ينتظر ويفترقان
في الاشتغال بالتسليم عقيب البيع في الدار دون الأرض وتشبه الأمة المزوجة في أن كلا منهما يستحق
فيه استيفاء ملك المنفعة على المشترى ولا يجب ازالتها عقيب العقد ويفترقان في أن الزرع له غاية بخلاف
النكاح فلذلك حسن قياسها عليها وقياسها على الأمة أرجح كما فعل المصنف فإنه قد يقال إن منفعة
الدار في مدة التفريغ مستحقة للمشترى ولذلك وجب على البائع تفريغها فلم يكن المبيع مسلوب المنفعة
بخلاف الأمة المزوجة والأرض المزروعة فان منفعتها غير مستحقتين للمشترى مدة بقائهما ولم أعلم أحدا
حكى في صحة بيع الدار المشحونة بالأمتعة خلافا وذكروا الطريقين في الأرض المزروعة قال الامام
ولا شك أن القياس يقتضى التسوية بينهما إذ لا فرق ويمكن ان نقول ما ذكرناه من تخصيص الخلاف
بالأرض المزروعة وحكى الامام في أن المشترى إذا كان جاهلا بان الدار مشحونة هل يثبت له الخيار
وجهان والمذهب ثبوته أما الأرض المزروعة فيثبت الخيار جزما عند الجهل سواء قلنا إن تسليمها يمكن
أم لا لعدم امكان الانتفاع بها في الحال الا أن يختار البائع قلع الزرع ويكون غير ضار بالأرض فلا خيار
كما سيأتي الوجه الذي نقله الامام في عدم ثبوت الخيار في الدار المشحونة بالأمتعة وان الغاصب في
العادة اشتمال الدار على أمتعة ثم إنها تفرغ بعد ذلك والله أعلم.
(التفريع) بائع الأرض المزروعة إذا خلى بينها وبين المشترى فهل يحكم بصيرورتها في يده
فيه وجهان (أحدهما) لا لأنها مشغولة بملك البائع كالدار المشحونة بالأمتعة (وأصحهما) على ما ذكره الامام
والغزالي والرافعي نعم لحصول التسليم في الرقبة وهي المبيعة وأما الدار المشحونة فالتسليم فيها متأت في
الحال فلا حاجة تدعو إلى التخلية قبله على أن الامام أورد فيها وجهان أن اليد لا تثبت فيها بخلاف الأرض
392

وجعل في المسألتين ثلاثة أوجه وادعي أن ظاهر المذهب ثبوت اليد فيهما وحكاه غير الامام أيضا وحكى
الغزالي في البسيط وجهان ان اليد تثبت في الدار ولا تثبت في الأرض فيجتمع من نقله ونقل الامام أربعة
أوجه ووجه الفرق على الوجه المحكى في البسيط ان التشاغل بالتفريغ ممكن فنزل الممكن الذي لاعسر فيه منزلة
الموجود قال ابن الرفعة ولعل القائل بأنه لا يحصل التسليم هو أبو إسحاق المروزي فلا يصح إبطال مذهبه
يعني في البيع إلا بإقامة الدليل على صحة القبض وهذان الوجهان في صحة تسليم الأرض المزروعة يؤخذان من
لفظ الكتاب فإنه ذكر في تعليل الطريقة الأولى أنه في يد البائع وفي تعليل الثانية أن المبيع في يد المشترى وقد
يقول الفقيه هذان التعليلان متصادمان (والجواب) أن ذلك يحتمل إذا كان في أحد الكلامين زيادة كما في هذه
السورة فان في تعليل الطريقة الثانية ما ينبه على دفع خيال التعليل الأول وتبين أن قوله إنها في يد
البائع ليس كذلك لأن المبيع هو العين والعين في يد المشترى ودخول البائع لأجل السقي والحصاد
المتعلقين بالزرع خاصة لا يمنع ثبوت اليد على العين والله أعلم (تنبيه) من قال بصحة تسليمها
مزروعة لاشك أنه يقول بصحة البيع ومن لم يقل به يحتمل أن يقول بتخريجها على العين المستأجرة
كما قال أبو إسحاق ويحتمل أن يجزم بالصحة ويفرق بما تقدم من أن العين المستأجرة عليها يد حائلة
والأرض المزروعة في يد بائعها لكنه قد يكون الزرع لغير البائع وهو مستحق الابقاء فيساوي
يد الإجارة.
(فرع) لو انقلع الزرع قبل المدة لحاجة أو جذه البائع قبل وقت حصاده وجب عليه تسليم
الأرض وليس له استبقاء الأرض ما بقي مدة الزرع لأنه إنما يستحق من الأرض ما كان صلاحا لذلك
الزرع قاله الماوردي والأصحاب ولو كان الزرع مما لو جذ قبل حصاده قوى أصله واستخلف وفرخ كالدخن
393

فجذه قبل حصاده كان له استبقاء الأصل الباقي إلى أوان الحصاد لأنه من جملة ذلك الزرع وليس له
استيفاء ما استخلف فرخ بعد الحصاد لأنه غير ذلك الزرع وعلى البائع قلعه ولا يملكه المشترى كما
يملك أصل ألقت الذي يجذ مرة لان ألقت أصل ثابت والزرع فرع زائل واستخلاف بعضه نادر
قال ذلك الماوردي.
(فرع) قال الرافعي كل زرع لا يدخل في البيع لا يدخل وان قال بعث الأرض بحقوقها يحكى
ذلك عن الشيخ أبي حامد قال الرافعي ورأيته لمنصور التميمي في المستعمل أيضا (قلت) وقد
رأيت ذلك في تعليق أبي حامد في بيع القرية أنه إذا قال بمزارعها دخلت المزارع وان قال
بحقوقها لم تدخل المزارع كما ذكره المصنف فيما تقدم (وأما) في الأرض فلم أقف عليه فيها.
(فرع) عندنا لا يؤمر البائع بقطع الزرع الذي له إبقاؤه إلى أوان الحصاد
خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه فعنده منفعة الأرض مستحقة للمشترى فلذلك أوجب القطع وعندنا
هي مستحقة للبائع فلذلك لم نوجبه وأوجبنا الابقاء وعند وقت الحصاد يؤمر بالقطع والتفريغ ويحبر البائع
عليه وعليه تسوية الأرض وعليه قلع العروق التي يضر بقاؤها بالأرض كعروق الذرة نص عليه كما إذا كان
في الدار المبيعة أمتعة لا يتسع لها باب الدار ينقض وعلى البائع ضمانه هكذا ذكروه وجزموا بوجوب
التسوية وسيأتي فيه وجه مذكور في مسألة الحجارة عن صاحب التتمة وقياسه أن يأتي هنا (وأما) ضمان
النقصان في باب الدار فقال القاضي أبو الطيب في موضع الحجارة ان أمكن تقويم ما نقص من قمية
ما انهدم لزم البائع ذلك وان لم يمكن لزمه تسوية حلقة الباب وقال هنا يحتمل أن يقال يلزمه بناؤه كما
يلزمه تسوية الأرض وهو مقتضى كلام المحاملي والقاضي حسين.
(فرع) لو كان المشترى جاهلا بالزرع بأن كان رأى الأرض قبل ذلك ثم اشتراها وبها
زرع ولم يرها حين العقد فله الخيار في فسخ البيع لان الزرع عيب يمنع منفعة الأرض فان فسخ رجع
بالثمن وإن أقر فللبائع ترك الزرع في الأرض إلى وقت حصاده كما نقوله في الثمرة المؤبرة وسيأتي ذلك
إن شاء الله تعالى فلو رضى البائع بتسليم الزرع فلا خيار له قاله الماوردي والأصحاب واتفقوا عليه وهذا
إذا لم يطرأ ما يقتضي تأخر الزرع عن وقت الحصاد المعتاد ولو طرأ ما يوجب ذلك ففيه كلام أذكره
قريبا في فرع وجوب الأجرة.
394

(فرع) في وجوب الأجرة على البائع في مدة بقاء الزرع في الأرض إن كان المشترى عالما
فلا أجرة قطعا وإن كان جاهلا فوجهان عن رواية صاحب التقريب والذي أورده المعظم أنه لا تجب
الأجرة وتقع تلك المدة مستثناة كما لو باع دارا مشحونة بأقمشة لا يستحق المشترى الأجرة لمدة التفريغ
وهذا ما جزم به الماوردي وخلافه (والأظهر) عند الغزالي والجرجاني والوجوب وجعل الامام محل الخلاف
فيما إذا كان جاهلا قال الروياني إنما تجب الأجرة إذا زرعها بعقد الإجارة أو بغير حق وهنا لم يوجد
واحد منهما ثم ههنا كلامان (أحدهما) أن هذا الخلاف هل محله إذا اكتفينا بالتخلية وجعلناها قبضا أراد ألم نكتف
بها أو هو على الاطلاق قال ابن الرفعة ما ذكر من التعليل يقتضي أن ذلك يختص بحالة عدم الاكتفاء
قال ولا شبه أن يقال إن اكتفينا بها فالخلاف متوجه وان لم نكتف بها (فان قلنا) الأجرة لا تجب أو اكتفينا
بالتخلية فههنا أولى (وان قلنا) تجب فههنا وجهان مبنيان على أن البائع إذا انتفع بالمبيع قبل اقباضه هل
تلزمه الأجرة أم لا وفيه خلاف (فان قلنا) لا لم تجب هنا (وان قلنا) نعم وجبت ولا ننظر إلى أنه ثم
متعد ولا تعدى منه ههنا لان باب الضمان لا يختلف وقال ابن الرفعة انه لولا تعليل الامام يعني تعليله
وجه عدم إيجاب الأجرة بقدرة المشترى عل الفسخ لولا هذا التعليل لأمكن أن يقال الوجهان في الرجوع
بالأجرة إنما هو قبل التخيلة أو بعدها وقلنا إنها لا تكفي ويكونان مبنين على جناية البائع فان قلنا
كالأجنبي ضمن الأجرة والا فلا قال الامام وللخلاف نظائر في الحجارة (قلت) والأشبه أن الخلاف في وجوب الأجرة
في مسألتنا هذه كما في مسألة الحجارة مطلق فيما إذا اكتفينا بالتخلية وفيما إذا لم نكتف بها ومأخذه
أن تفويت المنافع هل هو كالعيب أم لا بل المنافع مستقلة متميزة عن المبيع كما يشعر به تعليل الامام
والغزالي وجه الوجوب في هذه المسألة (فان قلنا) بالثاني ضمنا مطلقا ولا أثر للإجازة في إسقاطها ولا فرق
في ذلك بين أن نقول يكتفي بالتخلية أولا وهذا يوافق الوجه الذي يقول في مسألة الحجارة بوجوب الأجرة قبل القبض وبعده وان جعلنا تفويت المنافع بمنزلة التعييب اكتفت على أن جناية البائع على
المبيع كالآفة السماوية أو كجناية الأجنبي (إن قلنا) كجناية الأجنبي ضمنها مطلقا قبل التخلية
وبعدها اكتفينا بالتخلية وجعلناها قبضا أو إذا لم نكتف به أو هو على الاطلاق فإن كان ذلك قبل
التخلية لم تلزمه الأجرة وإن كان بعد التخلية فإن لم نكتف بها فكذلك وهذا قول من لا يوجب
395

الأجرة في مسألة الحجارة مطلقا وان اكتفينا بالتخلية والفرض أن الزرع الذي هو عيب حاصل قبل
القبض فلا تجب الأجرة أيضا لأنه بالإجارة رضى بذلك فإن لم يكن له أجرة كما ورضى بالعيب لم يكن
له أرش فقد تلخص أن الخلاف في وجوب الأجرة جار مطلقا اما قبل التخلية أو بعدها إذا لم
يكتف بها فمأخذ الوجوب أمران (أحدهما) إلحاق البائع بالأجنبي (والثاني) أن المنافع متميزة عن
المقصود فليس تفويتها بمنزلة العيب ومأخذ عدم الوجوب جعلها عيبا والحاق تعييب البائع بالآفة السماوية
(وأما) بعد التخلية والاكتفاء بها فمأخذ الوجوب أن المنافع متميزة غير معقود عليها كما تقدم أو الحاق
البائع بالأجنبي ومأخذ الاسقاط جعل تعييب البائع كالآفة السماوية فإذا أجاز المشترى سقط حقه من
الأرش لأنه قد رضي بالعيب كذلك هنا إذا أجاز سقط حقه من الأجرة بقية المدة لان سببه متقدم
قبل القبض وقد رضى به (فان قلت) مقتضى ما ذكرت أن يكون الصحيح عدم وجوب الأجرة
لان الأصح عند الأكثرين أن جناية البائع كالآفة السماوية وقد جزم الرافعي بأن استعمال
البائع المبيع يخرج على جنايته إن جعلناها كالآفة السماوية لم تجب والا وجبت فيخرج من ذلك
أن الأصح في مسألتنا أنه لا يجب الأجرة لا في مسألة الزرع ولا في مسألة الحجارة
لكن قد تقدم في مسألة الحجارة أن الأصح وجوبها بعد القبض وعدم وجوبها قبله وقد تقدم عن
الغزالي والجرجاني أنه الأصح عندهما في مسألتنا أيضا (قلت) أما الغزالي فان الأصح عنده أن جناية
البائع كالأجنبي فلا يرد عليه تصحيحه هنا الوجوب فان ذلك موافق وقد قدمنا عن الأكثرين في
مسألتنا أن الأصح عدم الوجوب وكذلك تقدم عن الشيخ أبي محمد في مسألة الحجارة (وأما) ما تقدم
عن الأكثرين في مسألة الحجارة من تصحيح الوجوب بعد القبض دون ما قبله فالفرق بينها وبين
مسألتنا هذه أنه هنا إذا رضى بالزرع يلزمه إبقاؤه إلى أوان الحصاد فالرضا بالزرع رضا بالابقاء الذي هو
من لوازمه وكذلك لا تجب الأجرة (وأما) الحجارة فإنه إذا رضى بها لا يلزمه إبقاؤها بل يجبر البائع على
قلعها لكن لك أن تقول ان مدة القلع أيضا قد رضى بها كما أن مدة قلع الزرع عند أوانه داخلة تحت
رضاه وإن كان القلع في ذلك الوقت واجبا فكان ينبغي أن لا تحب لها أجرة إلا إذا زاد وأخر البائع
فحينئذ تجب والله أعلم. (تنبيه) ما حكيته في مأخذ وجوب الأجرة من أن المنافع متميزة
396

عن المعقود عليه كذلك قاله الامام والغزالي وهو يقتضى أن البائع إذا انتفع بالعين المبيعة قبل القبض
تجب عليه الأجرة من غير تخريج على أن جنايته كجناية الأجنبي أولا والذي ذكره الرافعي هو طريقة
التخريج خاصة وما ذكروه ههنا يقتضي طريقة أخرى كما أشرت إليه وهي ظاهرة فان جناية البائع
والكلام فيها محله إذا ورد على المعقود عليه أو على بعضه من جزء أو صفة (أما) المنافع فللتردد في إلحاقها
بجزء المبيع أو صفته مجال ظاهر فان ثبت ذلك فيكون في استعمال البائع المبيع طريقان (أحدهما) وجوب الأجرة
(والثانية) تخريجها على جنايته والله أعلم.
(فرع) وهو الكلام الثاني تقدم أن الامام جعل محل الخلاف في وجوب الأجرة في حالة
الجهل (أما) في حالة العلم فلا تجب قطعا وكذلك تقدم في الخيار أنه لا يثبت الا في حالة الجهل (أما)
في حالة العلم فلا قال ابن الرفعة وهو ظاهر إذا لم يطرأ أمر يقتضي تأخر الزرع عن وقت حصاده المعتاد
فان التبقية إنما وطن المشترى نفسه عليها إلى ذلك الوقت (أما) إذا تأخر عن الوقت المعتاد فقد يقال إنه
يثبت له الخيار ويكون إذا أجاز في استحقاقه الأجرة الخلاف السالف وأصل ذلك أنه إذا علم
عيبا بالمبيع وأقدم عليه فلا خيار فلو زاد ثبت الخيار على المشهور ثم قال واطلاق الشافعي رضي الله عنه
يقتضي تركه إلى الحصاد سواء تأخر عن وقته المعتاد أم لم يتأخر ومراده بالحصاد أول أوقاته
لا حقيقة الحصاد.
(فرع) ما تقدم من وجوب الابقاء إلى أوان الحصاد محله عند الاطلاق أو اشتراط التبقية
إليه فلو شرط البائع قلع الزرع وتفريغ الأرض قال ابن الرفعة هنا ففي وجوب البقاء بهذا الشرط
تردد حكاه عن الأصحاب في أواخر كتاب الصلح ووجه وجوب الوفاء ظاهر (وأما) وجه عدم
الوجوب (1)
(فرع) يشترط في بيع الأرض المزروعة تقدم الرؤية على العقد فان موضع منابت الزرع
غير مرئي حالة العقد يدل على ذلك كلام الشافعي والأصحاب منهم الماوردي وغيره فإنه قيل في الفرع
المتقدم أن يكون رآها قبل ذلك قال المتولي إذا أدرك الزرع فعليه الحصد والنقل إلى مكان آخر فان
أراد أن يدرس الزرع في تلك الأرض وينقيه لم يكن له ذلك الا بالرضا وإن كان تلحقه بالنقل إلى
مكان مشقة والله أعلم.

(1) بياض بالأصل
397

(فرع) إذا شرط دخول الزرع في البيع فإن كان بقلا أو قصيلا لم يبلغ أوان الحصاد قال
الماوردي والمحاملي وغيرهما من المتقدمين والمتأخرين صح البيع في الأرض والزرع ولا يلزم في الزرع شرط
القطع لأنه دخل في العقد تبعا للأرض وصار كالثمرة التي لم يبد صلاحها إذا بيعت مع محلها وستأتي
هذه المسألة في الثمار وفيها بحث وإن كان الزرع قد اشتد واستحصد فإن كان مشاهد الحب كالشعير
فالبيع صحيح في الأرض والزرع وإن كان غير مشاهد كالحنطة والعدس ففي بيعه مفردا قولان فان
جوزنا فبيعه مع الأرض أولى وان منعنا ففي بيعه تبعا للأرض وجهان (أحدهما) يجوز كأساس البنيان
(والثاني) لا لأنه مقصود فإذا بطل ففي بطلانه في الأرض قولا واحدا للجهل بالحصة من اختلاف
أصحابنا في تعليل تفريق الصفقة.
(فرع) إذا اشترى أرضا رآها قبل البيع ولم يرها حين البيع فوجد فيها زرعا ثبت له الخيار
نص عليه الشافعي رضي الله عنه وبعض الأصحاب وقد تقدم (تنبيه) مراد المصنف بالأرض
المزروعة بزرع يحصد مرة واحدة كالحنطة والشعير فهي محل الخلاف في صحة بيعها أما المزروعة بزرع
يحصد مرة بعد أخرى كالبقول فالعقد صحيح قولا واحدا قاله صاحب التتمة وهو أظهر لأنها كالشجر
فينبغي أن ينبه لذلك لئلا يظن أن ذكر المصنف لها بعد تقدم القسمين مقتض لشمول الخلاف والله أعلم
(فائدة) قوله حتى يحصد يقال أحصد الزرع أي بلغ أوان الحصاد فقال ابن داود في قول الشافعي
وإن كان فيها زرع فهو للبائع حتى يحصد بكسر الصاد وقال إنه أفصح وأصح في المعني من فتحها
لأنه إذا بلغ أو ان الحصاد جذ (1) على حصده وما ذكره من كلام الشافعي ظاهر وأما قول
المصنف هنا والحكم ببقاء ملك البائع مستمر إلى وجود الحصاد فيصح ان يقال بضم الياء
وفتح الصاد ويصح بفتح الياء وكسر الصاد أي حين يحصد البائع الزرع ولا يصح حتى يحصد
بضم الياء وكسر الصاد هنا أي حتى يبلغ أوان الحصاد لان يده لا تزول بذلك فاليد مستحقة
للبائع إلى احصاد الزرع ويد البائع ثابتة إلى الحصاد والله أعلم

(1) بياض بالأصل
398

قال المصنف رحمه الله تعالى.
(وان باع أرضا فيها بذر لم يدخل البذر في البيع لأنه مودع في الأرض فلم يدخل في بيعها
كالركاز فان باع الأرض مع البذر ففيه وجهان أحدهما أنه يصح تبعا للأرض والثاني لا يصح وهو
المذهب لأنه لا يجوز بينه منفردا فلم يجز بيعه مع الأرض).
(الشرح) فصل الأصحاب في البذر مثل التفصيل المذكور في النبات فقالوا البذر الذي لا تفاوت
لنباته ويوجد دفعة واحدة لا يدخل في بيع الأرض ويبقى إلى أو ان الحصاد وللمشتري الخيار إن كان جاهلا
به فان أجاز أخذ الأرض بجميع الثمن لان النقص الذي في الأرض بترك الزرع إلى الحصاد لا يقسط
عليه الثمن فان تركه البائع له سقط خياره وعليه القبول ولو قال آخذه وأفرغ الأرض سقط خياره
أيضا ان أمكن ذلك وفعله في زمن يسير على وجه لا يفوت عليه الأرض وان اشتراها وهو عالم بالبذر
فلا خيار له وعليه ترك إلى أوان الحصاد والبذر الذي يدوم نباته كنوى النخل والجوز واللوز وبذر
الكراث والرطبة ونحوه من البقول حكمه في الدخول تحت بيع الأرض حكم الأشجار هكذا ذكر هذا
التفصيل الماوردي والقاضي أبو الطيب والروياني والرافعي رحمه الله وغيرهم وإذا علمت أن البذر الذي يدوم
حكمه حكم الشجر (فان قلنا) الشجر لا يدخل صار حكمه حكم بذر الزرع في ثبوت الخيار وعدمه بالنسبة
إلى حالة الجهل والعلم (وان قلنا) انه يدخل على المذهب فإن كان عالما فلا خيار وإن كان جاهلا فإن لم
يكن قلعه مضرا بالأرض فلا خيار وإن كان مصرا أو يمضي فيه مدة فإن كانت الأرض تملك بعد
بذلك بحيث يكون غرسها نقصا فيها فينبغي أن يثبت للمشترى الخيار ولم أر في ذلك نقلا
والله أعلم. هذا إذا باع الأرض وأطلق أما إذا باع الأرض مع البذر فإن كان من البذر الذي حكمنا
بدخوله في البيع قال صاحب التتمة كان تأكيدا ولك أن تقول ينبغي أن يكون كما لو قال بعتك
الجارية وحملها وإن كان من البذر الذي لا يدخل وهو الذي تكلم فيه المصنف ففيه وجهان (أحدهما)
يصح في تبعا كالحمل وادعى هذا القائل ان الشافعي رضي الله عنه نص على ذلك في كتاب التفليس
فقال لو باع زرعا مع أرض خرج أولم يخرج (والثاني) وهو الصحيح المشهور من المذهب أن البيع
لا يصح في البذر للجهالة ولأنه مقصود في نفسه فلم يجز بيعه مع الأرض كالركاز ويخالف الحمل فإنه
يتبع الام في المطلق وهؤلاء أولوا نصه في التفليس على أن المراد خرج السنبل أولم يخرج فعلى
هذا إذا بطل البيع في البذر ففي بطلانه في الأرض طريقان (أحدهما) أنه على قولي تفريق
399

الصفقة وهو الذي يقتضى ايراد الماوردي ترجيحها وجزم بها القاضي حسين والفارقي تلميذ المصنف
وغيرهما وهذا إنما يكون على قولنا بأنه يختر بجميع الثمن (والطريقة الثانية) القطع ببطلان بيع الأرض
ويقتضي ايراد القاضي أبي الطيب ترجيحها وهي المذهب عند الروياني وهي مقتضى المذهب في أنه
يختر بالقسط وجعل الروياني محل الخلاف إذا لم يجهل جنسه وصفته فان جهلهما لم يجز قولا واحدا وهذا
منه بناء على الطريقة المشهورة في بيع الغائب وفيه وجه أنه يجرى مع الجهل وذلك معروف في موضعه
فعلة الخلاف هنا مطلقا على أن أبا الفتوح العجلي أفاد ان الوجه القائل بالصحة ههنا وان منعنا بيع
الغائب فيكون محل الخلاف تفريعا على بيع الغائب (أما) على تجويز بيع الغائب قال فلا يبعد الحكم
بصحة البيع (قلت) ولابد فيه من ملاحظة التبعية فإنه لو باع البذر وحده وهو مستتر فلا شك أنه يمنعه
من منع بيع الغائب وكذا بعض من أجازه وإنما قلت ذلك لأنهم لما تكلموا في بيع الثمار المستترة
والحنطة في سنبلها ونحو ذلك قال الامام ان المنع فيها مفرع على منع بيع الغائب (أما) إذا جوزناه فإنه يصح
وحمل الرافعي كلام الوجيز على موافقته لكن الغزالي في الفتاوى في السؤال التاسع والعشرين في بيع السلجم
والجرز في الأرض قال إنه إن قضى ببطلان بيع الغائب فلا شك البطلان وان قضى بصحة بيع الغائب
اتجه ظاهرا ابطال هذا لان تسليمه لا يمكن الا بتقليب الأرض وهو تغير لعين المبيع فيضا هي بيع الجلد قبل السلخ
ليسلم بالسلخ وكذلك صاحب التهذيب وعلل بان بيع الغائب يمكن رد المبيع بعد الرؤية بصفته وههنا لا يمكن
وإذا علمت ذلك علمت أن اطلاق المصنف مراده منه البذر الذي لا نبات لاصله وكذلك الشافعي
رضي الله عنه في الامام أطلق كما فعل المصنف ومراده ذلك فإن كان البذر مما يصرم فصرمه البائع
كان للمشترى أصله ولم يكن للبائع قلعه ولا قطعه وان عجل البائع فقلعه قبل بلوغ مثله لم يكن له
أن يزرعه ليستخلفه نص عليه الشافعي رحمه الله وقد تقدم في أول الباب بحث في الغراس الذي
يشتد وهو يعود ههنا في البذر الذي وضع لذلك ولم يقصد به الدوام في محله والله أعلم. ولو باع
البذر وحده جزم صاحب التتمة بالبطلان *
قال المصنف رحمه الله.
(إذا باع أصلا وعليه ثمرة للبائع لم يكلف قطع الثمرة إلى أوان الجذاذ فإن كان مما يقطع بسرا
كالبسر الحيسواني والقرشي لم يكلف قطعه إلى أن يصيرا بسرا وإن كان مما لا يقطع الا رطبا لم
400

يكلف قطعه إلى أن يصير رطبا لان نقل المبيع على حسب العادة ولهذا إذا اشترى بالليل متاعا لم
يكلف نقله حتى يصبح وان اشتراه في المطر لم يكلف نقله حتى يسكن المطر والعادة في قطع الثمار
ما ذكرناه فلا يكلف القطع قبله.
(الشرح) الأصل المراد به الشجرة والجذاذ بكسر الجيم وفتحها حكاهما ابن قتيبة وأوان
الجذاذ بكسر الجيم زمان صرم النخيل إذا يبس ثمرها والجذاذ القطع يقال الجذاذ والصرام في
النخل القطاف في الكرم واللقاط فيما يتناثر كالخوخ والكمثرى وغيره فيلتقط والجيسوان بكسر
الجيم وياء تحتها نقطتان وآخره نون من غير إضافة قال ابن باطيش وابن التودى جنس من البسر أسود
اللون والقرش بضم القاف وفتح الراء وشين معجمة قال ابن باطيش هو الأحمر قال صاحب البيان
لا يقطع الا بسرا (أما) الأحكام فقال الشافعي والأصحاب إذا اشترى نخلا وعليه ثمرة للبائع أو كرسفا
وعليه قطن للبائع أو شجرا وعليه ثمرة أو وردا أو رد للبائع أرضا وفيها زرع للبائع لم يجبر على قطع الثمرة والورد
والزرع إلى أوان الجذاذ والحصاد إلى الوقت الذي جرت العادة تبقيتها فإن كان غيبا فعليه تبقيته إلى
أن يسود وتدور الحلاوة فيه ويقطع في العادة (فأما) إذا عقد وحصل فيه قليل حلاوة فليس له مطالبة
البائع بقطعه في تلك الحال وإن كان رطبا فعليه تبقيته إلى أن يرطب ويتكامل نضجه ثم يقطع وإن
كان بسرا فما جرت العادة بقطعه بسرا طولب بقطعه بسرا بعد نضجه واستكماله ثم بعد ذلك ليس له
أن يتركه على الشجر والنخل حتى يتكامل ويستحكم لكون ذلك أصلح له فيأخذه شيئا فشيئا كما إذا باع
دارا فيها متاع هي أحرز له لم يجب على المشترى تركه ولا يجب على المشترى السقي لأجل ثمرة البائع وإنما
عليه تركها والبائع يسقى وحكم جميع الثمار في ذلك حكم ثمرة النخيل لا خلاف في ذلك قال نصر المقدسي
رحمه الله في الكافي وكذلك الورد يعني بترك إلى أوان اخذه ووافقنا على أنه لا يجب على البائع القطع ويجوز له
التبقية إلى أوان الجذاذ مالك وأحمد وقال أبو حنيفة يجبر عليه عند مطالبة المشترى بذلك في الحال. دليلنا
ما ذكره المصنف وهكذا لو زرع المشترى الأرض فاستحقها الشفيع لم يجبر المشترى على قطع الزرع ونقله
حتى يبلغ أوان الحصاد لأنه وقت العادة في نقله (فان قيل) ينتقض بمن جذ ثمره وتركها في الأرض
تشمسها ثم باع الأرض فإنه يلزمه نقلها قبل جفافها وإن كانت العادة نقلها بعد جفافها (قلنا) لإعادة لذلك
401

في أرض بعينها بل يمكن تجفيفها في غيرها كما نقول في الزرع لا يجب نقله وهو في الأرض ولو حصده
وتركه في الأرض ثم باعها وجب نقله وقول المصنف لان نقل المبيع على حسب العادة جواب عن قول
الحنفية ان من باع شيئا كان عليه تسليمه ورفع يده عنه وان إبقاء الثمرة بعد البيع انتفاع بالنخل وأجاب
الأصحاب بما ذكره المصنف من أن ذلك إنما يجب على العادة ولهذا إذا اشترى دارا مملوءة طعاما إنما
يلزم البائع نقله على العادة ولا يلزمه أن يجمع الآن كل حمال في البلد وينقل الطعام عنها وأجابوا
عن كون ذلك انتفاعا بالنخل وان يشبه استثناء المنفعة بأن استثناء المنفعة إنما يبطل إذا وقع بالشرط أما
ما وقع بنفس العقد عرفا فلا بدليل الأمة المزوجة.
(فرع) قال الماوردي انه إنما يستحق الابقاء إذا بقيت الثمرة للبائع بالتأبير اما إذ صارت له
بالشرط والاستثناء قبل التأبير فعلى البائع قطعها في الحال لان الاستثناء إنما يصح على شرط القطع وهذا
الذي قاله الماوردي إنما يستقيم إذا شرطنا القطع في الاستثناء وقد تقدم أن الأصح خلافه وأيد بعضهم ما قاله
الماوردي ان استثناء المنفعة بالشرط مبطل بخلافه بالشرع وهذا التأييد ضعيف لان الشرط هنا إنما اقتضى
بقاء الثمرة للبائع فصار كما لو باع أرضا واستثني البناء الذي فيها كان له ابقاؤه بالشرع ولا نقول إن هذا
استثناء للمنفعة والله أعلم.
(فرع) قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى فإذا حصد الزرع فان بقي له أصول لا تضر
بالأرض كأصول الحنطة والشعير لم يلزمه نقلها لأنه لا ضرر على المشترى في تركها وإن كانت تضر بالأرض
كعروق الذرة والقطن لزمه نقلها من الأرض ونقل الروياني عن بعض الأصحاب الوجوب مطلقا
والصحيح الأول فإذا نقلها فان حصل في الأرض بنقلها حفر لزمه تسويتها كما لو كان في الأرض
حجارة مدفونة فنقلها ويخالف من غصب فصيلا وأدخله دارا ثم كبر الفصيل فان تسوية الباب لا تجب
على صاحب الفصيل لان الغاصب متعد والمشترى ليس بمتعد وهكذا لو كان في الدار المبيعة حب
لا يمكن إخراجه إلا بأن يوسع الباب بنقض شئ من الحائط فان له ذلك ويضمن قيمة ما نقص قال
القاضي أبو الطيب ويحتمل أن يقال يلزمه بناؤه كما يلزمه تسوية الأرض ههنا وقد صرح المحاملي في
المجموع بأنه يجب عليه بناء ذلك ورده إلى حالته فيما إذا باع دارا وفيها قماش لا يخرج إلا بنقض الباب
402

وهو الموافق لطريقة العراقيين فإنهم يختارون وجوب إعادة الجدار قال المحاملي هنا كل من حصل ملكه في
ملك غيره واحتيج في تخليصه إلى مؤنة فإن كان حصل ذلك بغير تفريط من صاحب الملك فالمؤنة على من
يتخلص ملكه مثل مسألة الزرع والحب والخابية والصدوق في الدار وإن كان بتفريط من صاحب
الملك مثل أن يغصب رجل رجلا على حب فلم يخرج من الباب أو على عجل صغير فكبر فلم يتمكن
من إخراجه إلا بهدم الباب فان الباب يهدم ولا يلزم صاحب المتاع بناؤه ومن فروع هذه القاعدة
إذا هربت دابته فدخلت دار رجل ولا يمكن إخراجها إلا بنقض شئ من الدار يغرم النقص صاحب
الدابة قاله الروياني وإذا وقع دينار في محبرة ولا يخرج إلا بكسرها كسرت ويجب ضمانها على صاحب
الدينار نقله الروياني عن بعض الأصحاب.
(فرع) لو أصابت الثمار آفة وصارت بحيث لا تنمو فهل للبائع تبقيتها ولا فائدة له في تبقيتها
أم للمشترى اجباره على قطعها. قال الامام ذكر صاحب التقريب قولين ولم يصحح الرافعي والنووي
شيئا منهما وقال ابن الرافعة إن الذي يقع في النفس صحته قول الاجبار لأنه انكشف الحال عما لو قارن
العقد لم يستحق التبقية لأجله فإنه لو باع الشجر بعد حصول الآفة بالثمار لم يستحق التبقية قال
لكن نصه في الام على خلافه ولو أنقطع الماء فلا شئ على المشترى فيما أصيب به البائع وكذلك ان
أصابته جائحة نص عليه الشافعي رضي الله عنه نقله عنه أحمد بن بشرى.
(فرع) لا يمنع البائع من الدخول في الحائط للسقي فإن لم يأمنه المشترى ينصب الحاكم
أمينا يسقيها والمؤنة على البائع. قاله الخوارزمي وكلام الخوارزمي يدل على أن الشجرة لا تصير مسلمة
حتى تفرغ من الثمرة قال ولهذا لو باع سفينة في البحر مملوءة بالأثقال لا يجرى تفريغها حتى تبلغ الشط
ومراده بهذا ان التسليم يكون على العادة.
(فرع) ولا يستحق المشترى على البائع أجرة الأرض في مدة إقامة الزرع في الأرض لأنه
ملك الأرض مسلوبة المنفعة في تلك المدة فلا يستحق لما أجرة.
(فرع) لو باع النخلة وعليها ثمرة مؤبرة بشرط القطع كلام الرافعي يصرح بالجواز وانه
يجب الوفاء بالشرط لكن الامام حكى في باب الصلح فيما إذا باع أرضا مزروعة بشرط قطع الزرع
403

ترددا في وجوب الوفاء به ويجب بمقتضى ذلك طرد التردد المذكور في الثمرة المؤبرة ولو قيل إنه لا يصح
البيع بشرط قطعها لان فيه تنقيص ماليتها لم يبعد.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(فان أصاب النخل عطش وخاف أن تشرب الثمرة الماء من أصل النخل فيهلك ففيه قولان
(أحدهما) لا يكلف البائع قطع الثمرة لان المشترى دخل في العقد على أن يترك الثمار إلى الجذاذ فلزمه
تركه (والثاني) أنه يكلف قطعه لان المشترى إنما رضى بذلك إذا لم يضر به فإذا أضر به لم يلزمه تركه
فان احتاج أحدهما إلى سقى ماله ولم يكن على الآخر ضرر جاز له أن يسقيه لان اصلاح لما له من غير
اضرار بأحد فجاز وإن كان على الآخر ضرر في السقي وتشاحا ففيه وجهان. قال أبو إسحاق يفسخ
العقد لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر في الاضرار فوجب أن يفسخ. وقال أبو علي بن أبي هريرة
يجبر الممتنع منهما لأنه حين دخل في العقد رضى بدخول الضرر عليه لأنه يعلم أنه لابد من السقي
ويجب أجرة السقي على من يسقى لان منفعته تحصل له).
(الشرح) تقدم أن الثمرة إذا بقيت للبائع لا يكلف قطعها إلى أوان الجذاذ ومن ضرورة
ذلك أن يمكن من سقيها فيلزم المشترى تمكينه وقد لا يسقي البائع فيحصل للمشترى الضرر وقد يحصل
الضرر من السقي أيضا وذكر المصنف تفصيل ذلك في هذا الفصل في مسألتين (المسألة الأولى) إذا
عطشت النخل وكان قد باعها وهي مؤبرة وبقينا الثمار للبائع فعطشت النخيل وانقطع الماء ولم يتمكن
من سقيها وكان تركها عل الأصول يضر بالأصول ولا يضر بالثمرة فإن كان الضرر ويسيرا أجبر المشترى
عليه هكذا قاله القاضي أبو الطيب وغيره ونص عليه الشافعي فرضي الله عنه في الام وإن كان كثيرا
بأن كان يخاف على الأصول الجفاف أو نقصان حملها في المستقبل نقصانا كثيرا وعلى ذلك يجب حمل
كلام المصنف ففيه قولان منصوصان في الام في هذا الموضع وحكاهما الأصحاب كما حكاهما المصنف
نقلا وتعليلا وعبارة الشافعي في الام ففيها قولان ثم ذكر قول الاجبار ولم أره ذكر القول الآخر فتأملت
كلامه إلى آخره تأملا كثيرا فلم أفهم الثاني منه فلعله تركه اما لوضوحه أو لضعفه (والأصح من القولين)
الثاني القائل بالاجبار وممن صححه الروياني وابن أبي عصرون والنووي ورجحه الروياني بأن ضرر الأصول
أكثر وجزم به الفوراني ونقل الرافعي تصحيحه عن الكرخي وصححه في المحرر وقد ذكر الماوردي
404

مسألة السقي وقسمها تقسيما حسنا وهي ان السقي اما أن يكون ممكنا أو متعذرا فإن كان متعذرا فاما
لاعواز الماء أو لفساد آلته فإن كان لاعواز الماء سقط حكم السقي ثم نزل الثمرة على أربعة أضرب
(الأول) أن يكون يضر بالثمرة والنخل جميعا فقطع الثمرة واجب ولصاحب النخل اجباره لان تركها
مضرة للنخل بلا منفعة له (الثاني) أن لا يضر واحدا منهما فله ترك الثمرة إلى أوان الجذاذ (الثالث) أن
يضر بالثمرة دون النخل المثمرة فالخيار (الرابع) أن يضر بالنخل دون الثمرة فقولان وهذا الضرب هو الذي
ذكره المصنف. وإن كان تعذر السقي لفساد الآلة أو المجاري أو طم الآبار فأيهما لحقه بتأخير السقي ضرر
كان له اصلاح ما يوصله إلى الماء فإن كان ذلك مضرا بالنخل وجب على مشترى النخل أن يزيل الضرر عن
نخله ولا يجبر رب الثمرة على قطع ثمرته وإن كان مضرا بالثمرة لزمه ذلك أو يقطعها وإن كان مضرا بهما
جميعا لزم صاحب الثمرة إلا أن يبادر إلى قطع ثمرته فيسقط عنه (وأما) إن كان السقي ممكنا فله أربعة أضرب
(أحدها) أن يكون نافعا لهما (والثاني) أن يكون ضارا لهما (والثالث والرابع) أن يكون ضارا لأحدهما
دون الآخر ونذكر ذلك مفصلا (المسألة الثانية) إذا احتاج أحدهما إلى سقى ماله ولم يكن على الآخر
ضرر جاز له أن يسقيه لما ذكره المصنف وفيها صورتان (أحدهما) أن يكون المحتاج البائع (الثانية)
أن يكون المحتاج المشترى وقول المصنف ولم يكن على الآخر ضرر يشمل ما إذا كان له نفع وما إذا
لم يكن والشيخ أبو حامد والماوردي ذكرا ما إذا كان لكل منهما نفع فقال الشيخ أبو حامد لا يجبر
الممتنع من السقي على السقي وللآخر أن يسقى والأجرة عليه وقال الماوردي للبائع أن يسقى وعلى
المشترى أن يمكنه ومؤنة السقي على البائع لما فيه من صلاح ثمرته وإن كان لنخل المشترى فيه صلاح
إلا أن الأغلب من حال السقي صلاح الثمرة والنخل تبع فلو امتنع البائع من السقي لم يجبر وقيل
للمشترى ان أردت سقى نخلك فاسقه ولا نجبرك عليه وما قاله الماوردي موافق في المعنى لما قاله الشيخ
أبو حامد والمصنف وعبارة المصنف أشمل كما تقدم التنبيه عليه والحكم واحد لا يختلف وإنما يختلف
التصوير فيجئ صور هذه المسألة باطلاق المصنف ثلاثا أن ينتفع البائع ولا يتضرر المشترى ولا ينتفع
أو ينتفع المشترى ولا يتضرر البائع ولا ينتفع أو ينتفعا جميعا وكلام هؤلاء الأئمة يقتضي أن البائع لا يجبر
على السقي ومن جملة الأقسام التي أطلقوها أما إذا كان السقي نافعا لهما وكان تركه ضارا بالمشتري
405

لامتصاص الثمار رطوبة الأشجار وقد جزم الامام في هذه الصورة في حال امكان السقي بأن البائع
يجبر من جهة المشترى على أحد الامرين اما أن يسقى واما أن يقطع الثمار إذا كان يضر بقاؤها وجعل
محل القولين اللذين حكاهما المصنف أولا فيما إذا كان السقي متعذرا ووجه القول الأول القائل بأنه
لا يكلف قطع الثمرة بأنها تنتفع بالتبقية وإنما على البائع أن لا يترك مجهودا يقدر عليه فإذا انقطع الماء فلا
تقصير منه وحق التبقية قائم له وهذا قاله الامام حسن يجب تنزيل كلامهم عليه وقال الامام ان
القولين يشيران إلى أن المراعي جانب البائع أو جانب المشترى قال ولم يقع التعرض لاستواء الحقين
يعني كما يقوله أبو إسحاق فيما إذا لم يكن على الآخر ضرر كما سيأتي قال ولابد من هذا الوجه ثم موجب
استواء الحقين الفسخ والله أعلم. وقول المصنف جاز له أن يسقيه وليس للآخر أن يمنعه فان منعه أجبر
على تمكينه وهذا مراد الروياني بقوله إذا كان السقي ينفعهما فأيهما طلب أجبر الآخر عليه لأنه لا فائدة
من الامتناع فيما ينفعه ولا يضره أي أجبر على التمكين منه لا على أن يسقى والله أعلم (المسألة الثالثة)
إذا احتاج أحدهما إلى السقي وكان على الآخر ضرر وفيها صورتان (أحداهما) أن يكون السقي يضر
بالنخل وينفع الثمرة فأراد البائع السقي فوجهان قال أبو إسحاق يقال للمشترى اسمح للبائع بالسقي فان
سمح فذاك والا قلنا للبائع اسمح بترك السقي فان سمح فذاك وان أبى فسخنا البيع بينهما وقال
ابن أبي هريرة يجبر المشترى على ذلك وللبائع ان يسقى والأجرة على البائع وحكى الامام وجها ثالثا
بمراعاة جانب المشترى لان البائع ألزم تسليم الشجرة على كمالها قال وحقيقة الأوجه تؤول إلى أن من
أصحابنا من يرعى جانب المشترى ومنهم من يرعى جانب البائع وأبو إسحاق لا يقدم أحد الحقين على
الآخر (الصورة الثانية) أن يكون السقي يضر بالثمرة وينفع الشجرة فأراد المشترى السقي قال أبو إسحاق
يقال للبائع اسمح في أن يسقي المشترى فان سمح فذاك والا قلنا للمشترى اسمح في ترك البائع فان سمح فذاك
وان أبى فسخنا البيع بينهما وقال ابن أبي هريرة أجبر البائع على ذلك وأوجب الأجرة على المشترى لأنه على
أن لا يضر بغيره وفيه الوجه الثالث الذي حكاه الامام ويكون بينا لمراعاة جانب البائع وفي كل من الصورتين
لو اتفقا على السقي أو تركه جاز قاله صاحب البيان وغيره وقد يخص المصنف هاتين الصورتين فيما ذكره
وتبين بهذا التفصيل أن قوله وتجب الأجرة على من يسقى من كلام ابن أبي هريرة واما مراده بمن يسقى البائع
406

في الصورة الأولى والمشترى في الصورة الثانية ويجوز أن يكون قوله وتجب أجرة السقي على من يسقي
كلاما مبتدأ غير مختص بابن أبي هريرة يعني حيث أوجبنا السقي فهو على من ينتفع له لا كمن باع
ثمرة بعد بدو الصلاح فإنه يسقى والمنفعة للمشترى ويشمل ذلك ما إذا سقى البائع أو المشترى أو هما
جميعا فتجب الأجرة عليهما كما صرح به الروياني وهو الظاهر والذي يسقى في الصورتين هو المطالب
الذي أجبرنا الممتنع لأجله ومعنى الاجبار إجباره على تمكين الآخر من السقي وقول المصنف لان منفعة
السقي تحصل له تعليل ظاهر في الطرفين وقد فهم ابن الرفعة من كلام الماوردي في هذه الصورة
الثانية وقوله أن لصاحب الثمرة منعه فإذا منعه كان لصاحب النخل فسخ البيع ففهم ابن الرفعة من ذلك
قولا آخر قال وبذلك يكمل أربعة أوجه (ثالثها) ان تراضيا على أحد الامرين فذاك والا فسخه الحاكم
(ورابعها) الامر كذلك إلا أن المتولي الفسخ البائع إن أراد وقد بقي من هذه المسائل مسألة ذكرها
الشيخ أبو حامد والماوردي وغيرهما وتركها المصنف لوضوحها ولا خلاف فيها وهي إذا كان السقي يضر
بالثمرة والنخل جميعا كان لكل منهما منع الآخر لأنه يدخل الضرر على صاحبه بغير منفعة تعود إليه
فهو سفه وتضييع قاله الروياني وهذا إنما يتصور في غير النخل (أما) النخل فينفعه السقي أبدا فلو قال
صاحب الثمرة أريد أن آخذ الماء الذي كنت استحقه لسقي ثمرتي فأسقى به غيرها من الثمار أو الزروع
لم يكن له ذلك وهكذا لو أخذ ثمرته قبل وقت جذاذها لم يكن له أن يأخذ الماء الذي كان يستحقه
إلى وقت الجذاذ لأنه إنما يستحق من الماء ما فيه صلاح تلك الثمرة دون غيرها فقد كملت المسائل التي
في أحوال السقي ستا شمل كلام المصنف خمسا وترك واحدة ومسائل ترك السقي سبعا ذكر المصنف
منها في آخر كلامه واحدة وترك ستا وكلها مندرجة في كلام الماوردي والله أعلم. (فائدة) قال
الشيخ أبو حامد وغيره قالوا هلا قلتم في هذه المسائل السقي على المشترى (1) صاحب الشجرة كمن باع
ثمره منفردة على الأصل بعد بدو الصلاح يجب عليه تسليم الثمرة كاملة وذلك
إنما يكون بالسقي وههنا الواجب على البائع تسليم النخل وقد سلمها ولم يملك الثمرة من جهة المشترى
فكان بخلافه قال ابن الرفعة وحيث نقول باجبار المشترى فلا خيار له أي في حال انتفاع الثمرة بالسقي.
407

(فرع) حيث جعلنا للبائع السقي قال الشافعي والأصحاب وإنما له أن يسقى القدر الذي فيه
صلاحه وليس له أن يسقى أكثر من المعهود بحيث يتضرر به صاحب النخل فإنه كما يحصل الضرر
بالعطش المفرط يحصل بالري المفرط فان اختلفا في ذلك فقال المشترى في كل عشرة أيام سقية وقال
البائع في كل خمسة أيام سقية فالمرجع في ذلك إلى أهل الخبرة فما احتاج إليه أجبر الآخر عليه ولو قال
أهل الخبرة ان الثمرة لا تفسد بترك السقي بل تسلم الثمرة من غير سقى غير أنها لو سقيت لظهرت زيادة
عظيمة والشجر يتضرر بها قال الامام فهذا فيه احتمال عندي يجوز أن يقال يمنع البائع فان الزيادات
لا تنضبط فالمرعي الاقتصاد ويجوز أن يقال له أن يسقى لمكان الزيادة على مذهب من يراعى جانبه
وهذا بين أن محل الخلاف المتقدم عن أبي إسحاق وابن أبي هريرة إذا كان السقي يضر أحدهما فعله
ويضر الآخر تركه وفي هذه المسألة لم يتعارض ضرران وإنما ضرر وزيادة نفع والذي ينبغي ترجيح
اجتناب الضرر ومنع البائع من السقي والله أعلم. وأطلق الرافعي احتمال الامام متى كان السقي
يضر بواحد وتركه يمنع حصول زيادة للآخر وذلك يشمل الصورة المذكورة وعكسها في كل منهما
هل يلحق ذلك بتقابل الضرر فيه احتمالان ولم أرهما في النهاية الا في الحالة الواحدة وجعل الغزالي
الاحتمالين المذكورين وجهين والمراد أنه على أحد الاحتمالين يأتي الخلاف السابق بين أبي إسحاق
وابن أبي هريرة وعلى الاحتمال الآخر يتعين السقي والله أعلم.
(فرع) القولان اللذان أطلقهما المصنف هل محلهما فيما إذا كان السقي متعذرا أو مطلقا
كلام الغزالي والامام يقتضى الأول وجزم في حالة الامكان بوجوب السقي أو القطع على البائع وكلام
الشافعي يقتضي الثاني لكنه في حالة انقطاع الماء المعد لذلك وامكان غيره ورأي ابن الرفعة كذلك
تنزيل القولين على حالة امكان السقي من غير الماء المعتاد وتنزيل الجزم بوجوب أحد الامرين على
ما إذا كان السقي ممكنا بالماء المعد لذلك واستنبطه من كلام الشافعي وقوله أخذ صاحبه بقطعه إلا أن
يسقيه متطوعا أخذ من ذلك أن الواجب عند امكان السقي القطع عينا وله أن يسقطه بالسقي الا أن
الواجب أحد الامرين كما يقول ذلك في المولى فإن لم يمكن السقي بحالة من الأحوال تعين وجوب
القطع لأنه لا مسقط له ولا جرم كان هو الأصح عند الكرخي وغيره وقال النووي ان هذين القولين
408

فيما إذا كان للبائع نفع في ترك الثمرة فإن لم يكن وجب القطع قولا واحدا كذا قاله الامام
وصاحب التهذيب.
(فرع) ظاهر كلام الأصحاب أنه يجب السقي بالماء الذي جرت العادة أن يسقى منه تلك
الأشجار ولو كان ملك المشتري بأن كان من بئر دخلت في العقد وقلنا بأنه يملك ماءها كما هو المذهب
ولما كان استحقاق البائع لذلك من جهة الشرع اغتفر بخلاف ما لو شرط لنفسه انتفاعا بملك المشتري
حيث يفسد العقد قال ابن الرفعة لكن هذا يقتضي عدم استحقاق السقي إذا كانت الثمرة غير مؤبرة
وشرطها البائع لنفسه فليتأمل (قلت) لا يقتضي ذلك فان شرطه الثمرة غير المؤبرة لنفسه يصيرها بمنزلة
الثمرة المؤبرة وحينئذ يكون وجوب السقي بالشرع ووجوب الابقاء وليس ذلك كما إذا شرط الانتفاع
بملك المشتري ومن كون السقي واجبا من الماء المعتاد وإن كان ملك المشتري يستفاد معنى قول المصنف
تجب أجرة السقي على من يسقي ولم يقل وتجب مؤنة السقي لأن الماء من جملة المؤنة وهو على المشترى
وفي الصورة المذكورة وإنما يجب على من يسقى بها الأجرة في نقله وما أشبهه نعم تجب عليه أيضا الآلات
التي يستقى بها المشترى وإنما يلزم بالتمكين من الماء خاصة والله أعلم.
(فرع) أما الأرجح من هذه الأوجه صحح الرافعي قول الفسخ كما هو قول أبى اسحق
وصحح الغزالي في الوسيط مراعاة جانب المشترى والذي يقتضيه اطلاق نص الشافعي يشهد لما قاله ابن
أبي هريرة فإنه قال وإذا كان لا يصلحها الا السقي فعلى المشترى تخلية البائع وما يكفي من السقي فهذا
في هذه الصورة موافق لابن أبي هريرة في اجبار المشترى فيحتمل أن يكون في عكسها يجبر البائع
كما يقوله ابن أبي هريرة وهو الأقرب ويحتمل أن يكون يقول بمراعاة جانب البائع مطلقا وقال ابن
الرفعة ان ظاهر النص على ما صححه في الوجيز.
قال المصنف رحمه الله.
(لا يجوز بيع الثمار والزرع قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع لما روى ابن عمر رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو وصلاحها وروى ابن عمر رضي الله عنه أيضا أن النبي
صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ثمرة النخل حتى تزهى والسنبل والزرع حتى يبيض ويأمن العاهة ولأن المبيع إنما
ينقل على حسب العادة ولهذا لو اشترى بالليل متاعا لم يكلف نقله حتى يصبح والعادة في الثمار تركها
409

إلى أوان الجذاذ فإذا باعها قبل بدو الصلاح لم يأمن أن يصيبها عاهة فتتلف وذلك غرر من غير حاجة
فلم يجز وان باعها بشرط القطع جاز لأنه يأخذ قبل أن يتلف فيأمن الغرر وإن باع الثمرة مع الأصل
والزرع مع الأرض قبل بدو الصلاح جاز لان حكم الغرر يسقط مع الأصل كالغرر في الحمل يسقط
حكمه إذا بيع مع الأصل وان باع الثمرة ممن يملك الأصل أو الزرع ممن يملك الأرض ففيه وجهان أحدهما
يصح لأنه يحصل لمالك الأصل فجاز كما لو باعها مع الشجر والأرض والثاني لا يصح لأنه أفرده بالبيع
قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع فأشبه إذا باعها من غير مالك الأصل).
(الشرح) حديث ابن عمر رضي الله عنهما الأول رواه بلفظه المذكور البخاري ومسلم
ولفظ مسلم الثمرة وفى الصحيحين أيضا من رواية ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تتبايعوا الثمرة حتى
يبدو صلاحها) زاد مسلم وتذهب عنه الآفة (وأما) حديث ابن عمر الثاني فرواه مسلم ولفظه عن بيع
النخل حتى يزهو وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة نهى البائع والمشترى وفى رواية الشافعي في
حديث ابن عمر قال الراوي فقلت لعبد الله متى ذلك قال طلوع الثريا وقد وردت أحاديث في الصحيحين
وفى غيرهما في المنع من بيع الثمار قبل بدو الصلاح (منها) حديث ابن عمر المذكور (ومنها) عن أنس أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى تزهو قال الراوي فقلنا لانس مازهوها قال تحمر وتصفر قال أرأيت
إذا منع الله الثمرة بم يستحل أحدكم مال أخيه رواه البخاري ومسلم وقد كثر الزهو في الحديث يقال
زها النخل يزهو قال الخطابي هكذا روى في الحديث يزهو والصواب في العربية يزهي وقال غيره
ليس هذا القول منه عند كل أحد فان اللغتين قد جاءا عند بعضهم ومنهم من قال زها النخل إذا طال
واكتهل وهذا القول مخلف لما جاء في الحديث من تفسير انس العارف بالعربية ولمعنى الحديث وقد
ورد في بعض روايات الشافعي لهذا الحديث (قيل يا رسول الله وما تزهي قال حتى تحمر) والزهو بفتح الزاي
وذكر ابن معين أن أهل الحجاز يضمون الزاي وهو غريب وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال (قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتبايعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها ولا تتبايعوا الثمر بالثمر) رواه مسلم وقوله يبدو
أي يظهر يقال بدا يبدو مثل دعا يدعو فأما بدأ يبدأ بالهمز فمن الابتداء وعن جابر أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم (نهى أن تباع الثمرة حتى يشقح قيل وما يشقح قال تحمار وتصفار ويؤكل منها) رواه البخاري
410

مسلم رحمهما الله تعالى وقوله يشقح بضم الياء المثناة من تحت واسكان الشين المعجمة وبعد القاف حاء
مهملة ويروى بفتح الشين وتشديد القاف يقال أشقح وشقح وروى يشقه بابدال الحاء هاء وقد فسره
في الحديث قال والاشقاه أن يحمر أو يصفر وفى رواية النسائي في هذا الحديث حتى يطعم وفى رواية
لمسلم حتى يطيب وعن ابن عباس قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل يأكل منه أو يؤكل
وحتى يوزن قال فقلت ما يوزن فقال رجل عنده حتى يحرز) رواه البخاري ومسلم وعن أنس (أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد) رواه أبو داود والترمذي
والحب الطعام واشتداده قوته وصلابته فهذه أحاديث من رواية خمسة من الصحابة تمنع من بيع الثمار
قبل بدو الصلاح وعن عمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا أنه نهى عن بيع الثمار حتى
تنجو من العاهة رواه مالك في الموطأ وألفاظ هذه الأحاديث مختلفة ومعانيها متفقة قال العلماء اما أن
يكون النبي صلى الله عليه وسلم قالها في أوقات مختلفة ونقل كل واحد من الرواة ما سمع واما أن يكون
قال لفظا في وقت ونقله الرواة بالمعنى وعن زيد بن ثابت قال كان الناس في عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم يتبايعون الثمار فإذا جذ الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع انه أصاب الثمر الذمان أصابه مراص
أصابه قشام عاهات يحتجون بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كثرت عنده الخصومة في ذلك
(أما لا فلا تبايعوا حتى يبدو صلاح الثمرة كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم) رواه البخاري الذمان
بفتح الذال وتخفيف الميم عفن يصيب النخل فيسود فينشق أول ما يبدو فيها من عفن وسواد والمراض
بضم الميم داء يقع في الثمرة فتهلك والقشام بضم القاف والشين المعجمة أن ينتقص ثمر النخل قبل أن
يصير بلحا (وقوله) اما لا أي إن لم تفعلوا هذا فليكن هذا وأصلها ان الشرطية زيدت عليها ما وأدغمت
فيها وأدخلت على لا النافية وقد يقال إن حديث زيد هذا يدل على أن النهي في الأحاديث
المتقدمة ليس على سبيل التحريم لقوله صلى الله عليه وسلم إما لا ولقول الراوي كالمشورة لهم
فان ذلك يدل على أنه ليس بمتحتم والتمسك على ذلك بقول الراوي كالمشورة ليس بالقوى فان
كل أوامره صلى الله عليه وسلم ونواهيه لمصالحهم الأخروية والدنيوية وأما التمسك بقوله اما لا فلانه
يقتضى أن النهى معلق على شرط وهو الذي نقدره محذوفا والذي نقدره محذوفا والذي يليق بهذا الموضع أن يكون التقدير
411

إن لا ترجعوا عن الخصومة أو ما في معنى ذلك فذلك وإن كانت صورته صورة التعليق فليس المراد منه
التعليق فان رجوعهم عن الخصومة في المستقبل في حق كل أحد لا يعلم ولا يمكن أن يبقى الحكم
موقوفا على ذلك فالمراد والله أعلم أنه أنشأ النهي لأجل ذلك وكأنه استعمل بمعنى إذ التي تستعمل
للتعليل ومما يرشد إلى أن النهي حتم قوله نهى البائع والمشترى فإنه تأكيد للمنع وإن كان لمصلحة المشترى
وقال ابن المنذر أجمع أهل العلم على القول بجملة هذا الحديث وقال أبو الفتح القشيري أكثر الأمة على
أن هذا النهى نهى تحريم وقوله في حديث أنس (أرأيت إن منع الله تعالى الثمرة فبم بأخذ أحدكم مال أخيه) وقد
ورد في بعض الروايات الصحيحة بيان أنه من كلامه صلى الله عليه وسلم وذلك من طريق مالك رحمه الله
والدراوردي وخالفهما
سفيان الثوري وإسماعيل بن جعفر عن حميد فجعلاه من كلام أنس واتقان مالك رحمه الله وضبطه مع كونه
لا تنافي بينه وبين ما رواه سفيان يقتضي الحكم بكون ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وبكون أنس قاله من كلامه
لم يأت فيه بالرفع وان عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم فروى عنه كذلك على الوجهين ويثبت كونه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد
زعم بعض شارحي التنبيه أن الشافعي رضي الله عنه انفرد عن جمهور المحدثين برفعه وليس كذلك فقد رواه جماعة
عن مالك غير الشافعي ورواه مع مالك عن حميد الدراوردي كما رأيت والله أعلم. (أما) الأحكام فقد قسم الشافعي
والأصحاب بيع الثمرة إلى قسمين (القسم الأول) أن يبيعها قبل بدو الصلاح وذلك على قسمين (الأول) أن تباع
مفردة عن الأشجار وذلك على قسمين (الأول) أن تكون الأشجار للبائع أو لغير المتعاقدين فبيع الثمرة حينئذ
على ثلاثة أقسام وهذا التقسيم أحسن وان شئت تقول وهو أقرب إلى كلام المصنف ان بيع الثمرة على قسمين
(الأول) أن يبيعها قبل بدو الصلاح وذلك على قسمين (الأول) أن تباع من غير مالك الأصل وذلك
على قسمين (الأول) أن تكون مفردة عن الأشجار وذلك على ثلاثة أقسام (الأول) أن يبيعها بشرط التبقية
فبيعها باطل بلا خلاف للأحاديث السابقة (الثاني) أن يبيعها بشرط القطع فالبيع صحيح بلا خلاف
لأنه بالقطع يزول المحذور من الآفة والعاهة وممن صرح بالاجماع في المسألتين الشيخ أبو حامد والرافعي
وغيرهما ونقل ابن حزم في كتابه المحكى عن سفيان الثوري وابن أبي ليلى منع بيع الثمرة قبل بدو
صلاحها جملة لا بشرط القطع ولا بغيره والشافعي رضي الله عنه أخذ جواز بيعها بشرط القطع من قوله
صلى الله عليه وسلم (أرأيت إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه) كذلك قال في الام فان الثمرة
412

التي تقطع لآفة تأتي عليها فإنما يمتنع ما يترك مدة تكون فيها الآفة وليس ذلك من باب تخصيص
العموم بعلة مستنبطة منه فان ذلك فيه خلاف وأما هذه العلة فمنصوصة ولا شك أن استفادة التعليل
منه هذا الكلام ظاهرة وهو من أقوى درجات الايماء الذي هو أحد أدلة العلة ولعل سفيان الثوري رحمه
الله إنما منع من ذلك لان في روايته أن التعليل المذكور من كلام أنس كما قدمته فلعله لذلك لم يأخذ
به لكن في الحديث ألفاظ أخر تدل على ذلك (منها) قوله حتى تنجو من العاهة (ومنها) قوله حتى يبدو
صلاحها يعني أنها بعد الصلاح تأمن من العاهات والجوائح غالبا لكبرها وغلظ نواها وقبل الصلاح
تسرع إليها العاهات لضعفها فإذا تلفت لم يبق شئ في مقابلة الثمن وكان ذلك من أكل المال بالباطل
فإذا شرط القطع عرف أن غرضه هو الحصرم وهو حاصل وقيل معني آخر ضعيف نقله الامام وهو
أنها قبل بدو الصلاح (1) أجزائها كبرا ظاهرا من أجزاء الشجرة وقد اتفق على القول بالجواز
الشافعية والمالكية والحنفية.
(فرع) إذا باع بشرط القطع وجب الوفاء به فلو سمح البائع بعد شرط القطع على المشترى
بترك الثمرة إلى بد والصلاح جاز لو طالبه بالقطع لزمه ذلك نص عليه الشافعي والصيمري والماوردي
والرافعي قال الرافعي ويكون بدو الصلاح ككبر العبد الصغير وعن أحمد أنه يبطل البيع وتعود الثمرة
إلى البائع وقد يقوى ذلك بأن الغرر إنما ينتفي بأخذها ولذلك قال المصنف رحمه الله لأنه يأخذه قبل
أن يتلف فمتى لم يؤخذ وإن كان بتراضيهما فالغرر باق ألا ترى أنه لو تراضيا على عدم شرط القطع لم
يصح وطريق الانفصال عن هذا السؤال أن المحذور آفة تمنع من التسليم المستحق بالعقد وهو في هذه
الصورة مأمون فان التسليم المستحق فيها التسليم عقيب العقد فإذا تراضيا على إبقائها وحصلت آفة بعد
ذلك لم تكن مانعة من التسليم المستحق بخلاف ما إذا أطلق أو شرط التبقية فان التسليم المستحق
بالعقد هو وقت الجذاذ فالآفة الحاصلة قبله مانعة منه وممن روى عنه من المتقدمين ما يشبه قولنا يحيى
ابن أبي كثير اليماني التابعي صح عنه أنه قال لا بأس ببيع الشعير للعلف قبل أن يبدو صلاحه إذا
كان يحصده من مكانه فان عفل عنه حتى يصير طعاما فلا بأس به.

(1) بياض بالأصل
413

(فرع) قال في التتمة إنما يجوز البيع بشرط القطع إذا كان المقطوع منتفعا به كالحصرم
واللوز والبلح والمشمش فاما مالا منفعة فيه كالجوز والسفرجل والكمثرى فلا يجوز بيعه بشرط القطع
أيضا وكذلك قال في البحر والرافعي فرع إذا باع بشرط القطع فلم يتفق القطع حتى مضت مدة فإن كان
قد طالبه البائع بالقطع فلم يقطع وجبت الأجرة والا فلا قاله الخوارزمي.
(فرع) التسليم في ذلك هل يكون بالتخلية كما هو تسليم الثمار فتكون مؤنة القطع على
المشترى أولا يكون الا بالنقل والتحويل فتكون مؤنة القطع على البائع الذي يظهر من كلامهم الثاني
ويظهر اثره فيما لو تلفت قبل قطعها هل يجرى فيها خلاف وضع الجوائح وسنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى
(القسم الثالث) ان يبيعها مطلقا لا بشرط القطع ولا بشرط التبقية فمذهبنا ان البيع باطل للأحاديث
وبه قال مالك وأحمد وإسحق وداود وقال أبو حنيفة رضي الله عنه البيع جائز صحيح ويؤخذ المشترى
بقطعها في الحال بناء على أصله في أن الاطلاق يقتضى القطع لان من حقوق العقد التسليم من غير
تأخير والتسليم لا يتم الا بالقطع وعندنا الاطلاق يقتضى التبقية فنحن نخالفه في المسألة وفي الأصل الذي بني
عليه ولهذا قال لا يصح البيع بشرط التبقية لا بعد الصلاح ولا قبله وبشرط القطع يصح فيهما والاطلاق
كشرط القذع ونحن نقول بشرط القطع يصح في الحالين وبشرط التبقية يصح بعده ولا يصح والاطلاق
كشرط التبقية واستدلوا بأن حمل العقد على الصحة أولى فينبغي ان تنزيله على القطع ليصح
وبالقياس على ما بدا صلاحها وعلى ما شرط قطعها وعلى رهنها وأجاب أصحابنا بأن النهى ورد مطلقا فلا يكون تنزيلا على شرط التبقية لا طلاقه ولا على شرط القطع للاجماع بيننا وبين
الخصم فتعين ان يحمل على البيع المطلق وأيضا ان النهى توجه إلى المعهود من البياعات والمعهود
من البيع اطلاق العقد دون تقييده بالشرط فصار النهى بالعرف متوجها إلى المطلق دون
المقيد ولان العرف في الثمار ان تؤخذ وقت الجذاذ فصار المطلق كالمشروط التبقية والتسليم الواجب
في العقد في كل شئ بحسبه وليس التسليم بالقطع والتحويل وإنما هو برفع اليد والتمكين وأما إطلاق
العقد وحمله على الصحة فغير مسلم بل يحمل على ما يقتضيه الاطلاق ثم يعتبر حكمه في الصحة والفساد
وقد يتقيد المطلق إذا كان هناك عرف يقيده لم يؤثر القيد إما في التصحيح واما في الافساد
414

وليس ذلك سعيا في التصحيح ولا في الافساد بل هو واقع من ضرورة القيد (وأما) القياس على ما بدا
صلاحها فلا يصح لوجهين (أحدهما) أنه يدفع النص (والثاني) أن ما بدا صلاحه يخامر العاهة والقياس
على المشروط القطع مردود بتقدير أن المطلق يقتضى التبقية والقياس على الرهن فجوابه أن لنا في رهنها
قبل بدو الصلاح قولين فان جوزنا فلان الرهن والهبة والوصية لا ضرر في عقدها قبل بدو الصلاح
لأنه لا عوض في مقابلتها بخلاف البيع فإنها إذا تلفت ضاع الثمن ثم اعترضوا بما قدمته من راوية زيد
ابن ثابت وقوله إن النهى كان كالمشورة وقد تقدم الكلام فيه وأجاب أصحابنا أيضا عنه بوجهين
(أحدهما) أن تأويل الراوي مرجوع إليه إذا احتمل الخبر أمرين والمراد أحدهما بالاجماع كتفسير التفرق
في خيار المتبايعين وكقوله إلاها وها تفسير عمر له (أما) في تخصيص العموم ومخالفة الظاهر فلا (والثاني)
أن ظاهر راوية زيد وقوله إنه حضر تقاضيهم انه كان قد وقع على شرط التبقية ولا يقال وقت التقاضي
بعد مدة إذا كان مشروطا وهذا الظاهر مشروط بالاجماع لأنه متى شرط التبقية بطل ثم لا وجه
لتمسك الحنفية به لأنهم يمنعون شرط التبقية بعد بدو الصلاح كما يمنعونه قبله والحديث المذكور
يقتضى الفرق بين الحالتين وحمل الغزالي في التحصين المشورة في ذلك على تعرف أحوال الثمرة
ونجاتها من العاهة وأن ذلك لا يحصل الا بالزهو فلما عرف العلة بالمشورة أثبت حكم الشرع بناء على
العلة كما قال للسائل (أينقص الرطب إذا جف) ودليله أنه لما ذكر حالة الاحتياج قال فبم يأخذ أحدكم
مال أخيه فهذا يدل على تحريم أخذ المال مع توقع الهلاك على قرب (قلت) وقد قدمت ما يرجح تأويله
غير ذلك وقد صح عن زيد بن ثابت أنه لم يكن يبيع ثمار أمواله حتى تطلع الثريا فيتبين الأحمر من
الأصفر وروى عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أنه لا يباع حتى يؤكل من الثمر قال الشيخ
أبو حامد ولا مخالف لهما من الصحابة والله أعلم.
(فرع) قد ذكرنا أن العقد المطلق محمول على شرط التبقية لأنها المعتاد فلو كان في البلاد الشديدة
البرد كرم لا تنتهي ثمارها إلى الحلاوة واعتاد أهلها قطع الحصرم ففي بيعها وجهان عن الشيخ أبي محمد أنه
يصح من غير شرط القطع تنزيلا لعادتهم الخاصة منزلة العادات العامة فيكون المعهود كالمشروط وامتنع
الأكثرون من ذلك ولم يروا تواطؤ قوم مخصوصين بمثابة العادات العامة وهذا الخلاف يجرى فيما
415

إذا جرت عادة قوم بانتفاع المرتهن بالمرهون والقفال يرى اطراد العادة فيه كشرط عقد في عقد فيفسد
الرهن وأشار امام الحرمين إلى تخريج ذلك على مهر السر والعلانية وان هذا أقرب من تلك المسألة
لان أعمال التواطؤ في تلك المسألة الغاء صريح اللغة الثابتة فقد لا يحتمل ومن نظائر ذلك ما إذا جرت
عادة شخص بأن يرد أجود مما استقرض فالمذهب جواز اقراضه وفيه وجه وهذه مسائل كلها متقاربة
المأخذ والمخالف في بعضها لعله يخلف في الباقي ولكني اتبعت في نقل مسألة الحصرم عن الشيخ أبي
محمد ومسألة الرهن على القفال ما في النهاية والرافعي نقل مسألة الحصرم عن القفال (فاما) لنسبة هذه
القاعدة إليه (واما) لنقل خاص عنده وفي الوسيط نسبة إلى المنع في المسألتين إلى القفال ونسبه إلى
ابن أبي الدم إلى الخلل والتهافت (أما) الخلل فلما ذكرته (وأما) التهافت ففي قوله المنع وتأويله أنه خالف
من أبطل في مسألة الحصرم وخالف من صحيح في مسألة الرهن قال ابن الرفعة كلام الشيخ أبي محمد
مباين لكلام القفال لان القفال اعتبر العادة وحدها والشيخ أبو محمد اعتبر العادة مع كون ذلك
لا ينتهي إلى الحلاوة فقد يحتمل ذلك حالة كما له حتى لو جرت عادة بقطع العنب الذي يجئ منه
عنب حصرم صح العقد عليه عند القفال بدون شرط القطع ومن ذلك يخرج في مسألة الحصرم ثلاثة
أوجه وهذا الذي قاله ابن الرفعة محتمل ولكن ظاهر كلام الناقلين عن الشيخ أبى محمد أنه إنما اعتبر
العادة وإنما فرضنا في ذلك لأنه الذي يعتاد قطعه حصرما (أما) ان ذلك معتبر عنده في الحكم فيحتاج
إلى نقل ومنهم من حمل قول الغزالي ومنع القفال في المسألتين على منع الصحة في مسألة الرهن ومنع وجوب
التبقية في الحصرم وحمل الحصرم على ما بدا صلاحه لقول الجوهري ان الحصرم أول العنب والمراد انه لا تجب
تبقيته إلى أوان الجذاذ كما يقتضيه اطلاق غيره من الأصحاب وهذا حمل حسن أيضا لكن الأقرب أن
الحصرم لم يبد صلاحه وقول الجوهري معناه أول الثمرة التي نهايتها عنب. وأعلم أن ههنا أمورا أربعة يجب التمييز
بينها (أحدها) العرف (والثاني) العادة وينقسم كل منهما إلى عام وخاص والعرف غير العادة فان المراد بالعرف
ما يكون سببا لتبادر الذهن من لفظ إلى معنى من اللفظ كما تقول الدابة حقيقة عرفية عامة في ذوات
الأربع والجوهر حقيقة عرفية خاصة في المعنى المصطلح عليه بين المتكلمين والمراد من العادة ما هو
مألوف من الافعال وما أشبهها فهذان قسمان متغايران العادة والعرف وقد تجعل العادة أعم وتقسم إلى
عادة قولية وهي ما سميناه بالعرف وعادة فعلية وهي مقابلة وقد يطلق العرف على الجميع والأمران الآخران
416

(أحدهما) الألفاظ التي تطلق في العقود وفي تقييد مطلقها وتفسير مجملها (والثاني) ما ينزل عليه العقد
من الأمور التي تجعل كأنها شرطت في العقد وهذان أمران مغايران أيضا فان الأول يرجع إلى تنزيل
لفظ مطلق جرى في العقد على معنى كحمل الدرهم على الدرهم المتعارف في البلد وحمل المسلم فيه على
السليم لأنه المتبادر إلى الذهن عند الاطلاق دون المعيب والثاني يرجع إلى تقدير شرط مضموم
إلى العقد كمسألتنا هذه فاعتبار العرف العام لاشك فيه في تقييد اللفظ المطلق كما لو قال اشتر لي دابة
لم يشتر إلا ذوات الأربع والعرف الخاص كالاصطلاح على تسمية الألف الفين في مهر السر ومهر
العلانية (وأما) العوائد الفعلية فإن كانت خاصة فلا اعتبار بها وان عمت واطردت فقد اتفق الأصحاب
على اعتمادها وذكروا لها أمثلة (منها) تنزيل الدراهم المرسلة في العقود على النقد الغالب وهذا إن قدمته
في قسم العرف فان هذه العادة أوجب اطرادها فهم أهل العرف ذلك النقد من اللفظ فالرجوع في
ذلك إلى ما يفهمه أهل العرف من اللفظ إلى العادة (ومنها) أنا لا نخرج المتكارس إلى ذكر المنازل
وتفصيل كيفية الاجزاء وهذا مثال صحيح وهي من قسم ما يرجع إلى تقدير شرط مضموم إلى العقد
وكثير من أحوال العقود يحمل على ذلك كالتسليم والقطع والتبقية كبقية أجزاء البهيمة المكراة
والمقدار الذي يطوى في كل يوم ووجوب تسليم الأكاف والثفر واللجام وجميع الأدوات عند استئجار
الدابة وضابطه لما غلب على وجه يسبق مقتضاه من اللفظ إلى الفهم سبق المنطوق به على وجه يعد
التعرض له مستقصيا مشتغلا بما لا حاجة إلى ذكره وكثيرا ما يسمى الفقهاء ذلك عرفا لعمومه ولان فهم
هذه الأشياء صار في العرف لمفهوم اللفظ فالتحق بالعادة القولية قال الامام وكل ما يتضح فيه اطراد
العادة فهو الحكم ومضمره كالمذكور صريحا وكل ما يتعارض للظنون بعض التعارض في حكم العادة
فيه فهو مثار الخلاف يعني ما تتعارض الظنون في اطراده واما مالا يطرد جزما فلا يعتبر وقد أطلق
الأصوليون أن العادة الفعلية لا تعتبر فلا تخصص عاما ولا تفيد مطلقا كما إذا حلف لا يأكل خبزا
ولا يلبس ثوبا فيحنث بأكل خبز الشعير ولبس الكتان وإن كانت عادته أن لا يأكل الا القمح ولا
يلبس الا الحرير والسبب في ذلك أن العرف القولي ناسخ للغة وناقل للفظ والفعل لا ينقل ولا ينسخ
417

ولا معارضة بينه وبين اللغة واطلاقهم في ذلك صحيح وما قدمناه غير معارض له والله سبحانه وتعالى
أعلم. ثم أشار الامام أيضا إلى تخريج مسألة قطع العنب حصرما على خلاف الأصحاب في أن الشئ
النادر إذا اطرد كدم البراغيث في بعض الأصقاع هل يعطي حكم العام فيعفي عنه وقطف العنب حصرما
في غاية الندور فان فرط اطراد عادة بقعة به فهو على ذلك الندور.
(فرع) لو باع ثمرة لم يبد صلاحها على شجرة مقلوعة * قال الروياني لا نص فيه (قال) وقد قال
أصحابنا يجوز بيعها مطلقا من دون شرط القطع لأنها لا تنمو ولا تأخذ من أجزاء الشجرة لو بقيت عليها
بخلاف غيرها (قلت) وهذا يشير إلى المعنى الذي نقله الامام واستضعفناه فيما تقدم ولكن ينبغي أن يقال لأنه
لا يخشى عليها العاهة التي ورد النهي لأجلها فان هذه لا يجب تبقيتها على الشجرة فيما يظهر لي. وإذا
كان كذلك فيجب قطعها في الحال والله أعلم * وممن نص على الصحة في ذلك أيضا الخوارزمي وعلله
بان العقد يحمل على العادة فيه القطع وكذلك صاحب التتمة والنووي في الروضة فهذا ما يتعلق
بالقسم الأول وهو ما إذا بيعت الثمار مفردة عن الأشجار من غير مالك الأشجار.
(فرع) إذا اشتراها قبل بدو الصلاح بشرط التبقية وقطع منها شيئا قال الشافعي فيما نقله أحمد
ابن بشرى من نصوصه إن كان له مثل رده ولا أعلم له مثلا فإذا لم يكن فقيمته (قلت) ومن هنا
أسندت فائدة عظيمة أن المبيع بالبيع الفاسد إذا كان مثليا يضمن بالمثل كما هو القياس وإن كان بعضهم
قال إنه يضمن بالقيمة واطلاق صاحب التنبيه يقتضيه فهذا النص استفدنا أنه يضمن بالمثل والله أعلم.
(فرع) إذا اشترى ذلك بشرط القطع فلم يتفق القطع حتى بدا الصلاح فإن كانت الثمرة
لا زكاة فيها فللبائع الاجبار على القطع كما كان قبل ذلك وإن كانت الزكاة تجب فيها فهل له ذلك
أو لايجاب إلى ذلك بل ينفسخ العقد فيه قولان وقيل بمجرد بدو الصلاح تعلقت الزكاة بها وبطل
البيع رواه القفال عن الشافعي لتعذر التسليم كما لو اشترى حنطة فانهالت عليها حنطة أخرى. قال
ابن الرفعة وهذا فيه نظر لان المستحق بعض المبيع وهو على الإشاعة فليكن البطلان ان قيل به في قدر
الزكاة كما إذا استحق بعض المبيع قال وجوابه أن ما فضل عن قدر الزكاة يجب قطعه لو بقي العقد فيه
418

وهو لا يمكن فلذلك تعذر تسليمه وكذلك يمنع من بيع بعض الثمار مشاعا قبل بدو الصلاح بناء على
منع القسمة لان الشركة تمنع من صحة شرط القطع لما في ذلك من تعيير عين المبيع (القسم الثاني)
بحسب ما اقتضاه كلام المصنف إذا بيعت الثمار مع الأشجار من غير شرط القطع فإنه يصح وقد نص
الشافعي رضي الله عنه على هذه المسألة نقلها القاضي أبو الطيب عن نصه في الرسالة وقد رأيتها في الام
أيضا في باب ثمرة الحائط يباع أصله قال فان قال قائل فكيف أجزتم بيع الثمرة لم يبد صلاحها مع الحائط
وجعلتم لها حصة من الثمن ولم يجيزوها على الانفراد (قيل) بما وصفنا من السنة وأراد الشافعي بالسنة الحديث
المذكور وهو قوله صلى الله عليه وسلم (لان أن يشترط المبتاع) وذكر الشافعي في الام في هذا الموضع
جواز بيع الدار بطرقها ومسيل مأنها وأفنيتها وذلك غير معلوم لأنه في معنى الثمرة التي لم يبد صلاحها
تتبع في البيع ولو بيع شئ من هذا على الانفراد لم يجز وكذلك العبد يباع بجملة جوارحه ولو أفرد
بعضها لم يجز فوافق في هذا وخالف في أنه لا يجوز افراد بعض جوارحه مع القطع أيضا. قال القاضي
أبو الطيب ولو كان القطع يعني في الثمرة إذا بيعت مع الأصل شرطا لقال يعني في الحديث الا أن يشترط
المبتاع القطع وفيه معنى وهو أنها متصلة بالأصل فعفى عن الغرر فيها كأساسات الدار وأصول الجذوع
وطي الآبار وغير ذلك وأيضا فإنه اجماع لا خلاف فيه هذا كلام القاضي أبى الطيب (وأما) ما ذكره
من المعنى فهو الذي ذكره المصنف وذكره غيره من الأصحاب أيضا ومرادهم ان الأصل غير متعرض
للعاهة والثمرة تابعة لكن المصنف عدل عن الأمثلة المذكورة إلى الحمل وكأنه لحظ في ذلك أن تلك
الأشياء أجزاء من المبيع حقيقة والثمرة والحمل كل منهما ليس بجزء حقيقي فكان قياسها عليه أولى ولك
أن تقول أما قياسها على الحمل فإن كان المراد ما إذا بيعت الام ودخل الحمل تبعا فالفرق ظاهر وإن كان
المراد ما إذا صرح بدخوله حتى يكون كمسألتنا هنا فقد قال الأصحاب انه إذا قال بعتك هذه الدابة
وحملها ففي صحة العقد وجهان (أصحهما) عند الرافعي وبه قال ابن الحداد والشيخ أبو علي انه لا يصح
(والثاني) وبه قال أبو زيد وهو مقتضي كلام القاضي أبي الطيب الصحة ومقتضي كلام القاضي أبي الطيب
في شرح الفروع أن قول الصحة مفرع على أن للحمل قسطا من الثمن والقول الآخر على أنه ليس له
419

قسط (وأما) قياسها على الأساس فإن كان كلام الأصحاب وإن كان يقتضي الصحة في بيع الدار وأساسها
لكنهم أجروا خلافا في بيع الجبة وحشوها فطريقة قاطعة بالصحة لأنه جزء بخلاف الحمل وطريقة مجرية
للخلاف فهلا جرى في الثمرة مثل هاتين الطريقين (فان قلت) مأخذ البطلان عند من يقول بها في
بيع الدابة وحملها والجبة وحشوها أنه جعل المجهول مبيعا مع المعلوم وكل واحد من الحمل والحشو يمتنع
افراده بالبيع والثمرة بعد التأبير وقبل بدو الصلاح يصح بيعها ولكن بشرط القطع ولا يلزم من ايجاب
هذا الشرط عندما تباع وحدها ايجابه إذا بيعت مع غيرها ولا من القول بالبطلان في مسألة الحمل الجبة
القول به هنا (قلت) يرد ذلك قول الشافعي رضي الله عنه الذي قدمته قريبا بجواز بيع الدار بطرقها
ومسيل مائها وأفنيتها وذلك غير معلوم لأنه في معنى الثمرة التي لم يبد صلاحها تتبع في البيع فهذا النص
يقتضي الصحة في الجميع وانه إذا قال بعتك الدابة وحملها يصح وهو رأي أبي زيد وأيضا فان الثمرة قبل
بدو الصلاح إذا امتنع البيع فيها مطلقا وهي منفردة صارت غير قابلة للبيع على هذه الصورة وما لا يجوز
بيعه وحده لا يجوز بيعه مقصودا مع غيره كالحمل وكيفما قدر لا يصح قياس الصحة في مسألة الثمرة على
الحمل إلا عند من يقول بالصحة فيما إذا قال بعتك الدابة وحملها (والمشهور) خلافه فكيف ساغ
للمصنف القياس عليه. وممن وافق المصنف على القياس على الحمل الرافعي رضي الله عنه والاشكال
عليه أشد فإنه صرح بان بيع الام وحملها لا يصح على الأصح (وأما) المصنف فلعله يرى الصحة فان
القاضي أبا الطيب في شرح الفروع قال إن أكثر أصحابنا على أنه يصح بيع الشاة ولبنها والجبة وقطنها
إذا علم أن الحشو قطن وقال إن مسألة الحمل مبنية على أن الحمل له قسط من الثمن أو لا يعني ان
قلنا له قسط صح والا فلا لعدم العلم به ويتفق وجوده واستشهد للصحة في بيع الشاة ولبها ببيع الدار وحقوقها
والجوز ولبه والرمان وحبه على أنه قال في آخر كلامه انه يجوز تخريجهما أعني الجوز ولبه والرمان وحبه
على الخلاف فبالجملة الرافعي غير معذور في القياس على الحمل وإنما يصح القياس ممن يرى
الصحة وكلام الشافعي في هذا الباب يدل على أن الحمل ليس له قسط من الثمن وذلك يعضد
القول بعدم الصحة في مسألة الحمل ويقوى الاشكال على القياس عليه وقد يترك القياس المذكور
420

لخفاء مأخذ الصحة في مسألة انتفاء المعنى الذي ذكرته عن الامام في منع البيع بغير شرط القطع وهو
امتصاصها من ملك البائع وهذا المعني مفقود فيما إذا باعها معها أو نقول بأنها إذا باعها مع الشجر حصل
تسليمها تاما فحصل الامن من العاهة في يد البائع بكل من المعنيين المقتضي لبطلان بيعها وحدها معقود
في بيعها مع الشجرة فتعليل الصحة بهذا المأخذ أسلم عن الاعتراض من التعليل بالتبعية لما عرفته (فان
قلت) ظاهر ما حكيته من نص الشافعي يقتضي الصحة في بيع الدار بمسيلها وأفنيتها وطرقها وهي غير
معلومة وكيف يقع العقد على أماكن لم يرها العاقد (قلت) يغتفر ذلك تبعا كالأساس والتحقيق في
ذلك كله أن ما دخل في مسمى البيع وكان جزأ فإنه يجوز أن يبيعه معه كحشو الجبة والأساس وما كان
خارجا عن مسماه وليس بجزء منه ظاهر النص الذي حكيته يقتضي الجواز فيه أيضا لان المسيل والطرق
خارجة وبه جزم القاضي أبو الطيب ولم يحك فيه خلافا في شرح الفروع فان صح ذلك فالحمل بطريق
أولى من جهة أنه كالجزء ويحتمل أن يبطل فيه وان صح في تبلك تخريجا على أن الحمل لا يعلم ولهذا
قال الشافعي في كتاب الصرف ولا خير في أن يبيع الرجل الدابة ويشترط عقابها هذا كله إذا جعله
مقصودا بأن قال بعنك النخلة وثمرتها أو الجارية وحملها هذا ما يتعلق بالمعنى الذي أبداه القاضي
أبو الطيب والمصنف (وأما) ما ادعاه القاضي أبو الطيب من الاجماع فان ذلك صحيح فيما إذا كان على
وجه الاشتراط كقوله بعتك هذه النخلة بشرط أن ثمرتها لك فان ذلك صحيح لاشك فيه للحديث
ما إذا أتى به على وجه البيع كقوله بعتك النخلة وثمرتها فإنه يجوز عندنا وعند المالكية لكن مذهب مالك
أنه لا حصة للثمرة من الثمن وكذلك مذهبه إذا اشتراها مشترى النخلة بعد شراء النخلة وهو بعيد وقال
ابن حزم الظاهري لا يجوز بيعها مع الأصول ولا فيها إلا بالاشتراط فقط أخذا بظاهر لفظ الحديث وللأولين
أن يقولوا انه لا معنى لادخالها بالشرط إلا إدخالها في البيع والا فهي لا تدخل عند الاطلاق ومتى أدخلها
في البيع بأي لفظ كان فقد صارت مبيعة مع الشجر نعم هل تقابل بقسط من الثمن أولا جزم الشافعي بقوله
هنا بأنها تقابل بقسط وقال في الحمل هنا انه لا يقابل بقسط مع أن الأصح من المذهب أنه يقابل أيضا.
421

(فرع) هذا الحكم الذي ذكرناه من جواز بيع الثمرة مع الأصول من غير شرط القطع
لا خلاف في المذهب فيه أعلمه قال الرافعي رحمه الله بل لا يجوز شرط القطع لما فيه من الحجر على
الشخص في ملكه وسبقه في ذلك صاحب التتمة وقال إنه لو شرطه بطل (قلت) يرد عليه إذا باع
الثمرة ممن يملك الأصل فان شرط القطع فيه حجر على الشخص في ملكه يعين ما قال ومع ذلك فقد
قال الرافعي ان الأصح عند الجمهور وجوبه وعلل الخوارزمي المنع بأنه يضر بمقتضى العقد إذ مقتضاه
الابقاء ثم استشكله بأن ما يحمل على مطلق العقد من العادة بين الناس لا يصير قضية لازمة كالاطلاق
يحمل على الحلول والنقد الغالب ثم لو عين نقدا لا أجلا صح وقال ابن الرفعة يشبه على طريقة الامام
والغزالي فيما إذا شرط في بيع العبد أن لا يكسوه إلا كذا أن يصح ويلغى الشرط وههنا القبض بالتخلية
بلا اشكال لان التخلية تحصل في الأصل والثمرة معا إذ الثمرة تابعة للشجرة في التسليم والله أعلم.
(فرع) اطلاق المصنف جواز بيع الثمرة مع الشجرة قبل بدو الصلاح يشمل ما إذا بدت من
أكمامها وكانت مرئية وأما إذا لم تكن كذلك وكذلك من وقفت على كلامهم من الأصحاب أطلقوا
المسألة ويشهد لذلك كلام الشافعي الذي قدمته في بيع الدار بمسيلها وطرقها وهي غير معلومة لان ذلك
بيع وذلك ظاهر إذا قلنا يجوز بيع الطلع في قشره وهو الأصح (أما) إذا منعناه فيحتمل أن يقال إنه
يجوز أيضا تبعا كما سقط شرط القطع ويحتمل أن لا كما لو باعها معها بعد الصلاح (القسم الثالث) إذا
باع الثمرة وحدها من مالك الأشجار بأن كان يملك أصلها ببيع متقدم أو هبة أو وصية أو كان قد
أوصى له بثمرة ومات الموصى فملكها وبقيت الأصول للورثة إذا باع الثمرة في هذه الصورة من مالك
الأصول هل يصح من غير شرط القطع فيه وجهان (أحدهما) يصح لما ذكره المصنف وهو الذي جزم
به المصنف في التنبيه وصححه الجرجاني والغزالي وادعي ابن التلمساني أن الأكثرين على ترجيحه
والبندنيجي أنه ظاهر المذهب لأنه لو شرط القطع لم يجب عليه أن يقطع ثمار نفسه عن أشجاره فعلى
هذا لو شرط القطع بطل العقد لأنه ينافي مقتضى العقد قاله القاضي حسين في الزروع واعترض على
القياس الذي ذكره المصنف بالفرق بأنه إذا باع الثمرة وحدها كانت العلة المذكورة في الحديث متوقعة
422

من أكل المال بالباطل (وأما) إذا باعها مع الشجرة فعلى تقدير تلف الثمرة يرجع إلى الأصل فلا يكون
أكل المال بالباطل (والثاني) وهو الأصح عند الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب والمحاملي والروياني
والشاشي وابن أبي عصرون والجمهور على ما حكاه الرافعي أنه لا يصح والفرق بينه وبين ما إذا جمعها عقد
واحد أن العقد إذا جمعها كانت الثمرة تابعة معفى عن الغرر فيها كالأساس بخلاف ما إذا أفردت وقال
الروياني مع تصحيحه لهذا الوجه ان الأول ظاهر المذهب وقال في إيجابه ان أعني أظهر القولين (1)
هو القياس وفي هذا الكلام أن الخلاف قولان لا وجهان.
(فرع) على هذا الوجه لا يجب الوفاء بهذا الشرط كما تقدم والخوارزمي في تعليله (2) وممن
صرح به النووي في المنهاج وأبدى ابن الرفعة فيه نظرا أخذا من قول القاضي حسين قال بعضهم ويمكن بناء
الوجهين على التعليلين في منع بيع الثمرة قبل بدو الصلاح ان علل بالمشار إليه في الحديث وهو أخذ الثمرة
بتقدير التلف بغير عوض اقتضى البطلان هنا وان علل بأن توقع التلف قبل الجذاذ يمنع تحقق التسليم
اقتضي الصحة لان التسليم متحقق فان الأصل في ملك المشتري فلا علقة لغيره في المبيع وقال ابن الرفعة بعد
أن ذكر عن بعضهم في تعليل هذا الوجه أن سبب التصحيح في بيعهما معا أن الأصل الشجر والثمار
فيها وان ذكرت تابعة لها فلا يضر تعرض العاهة لها ولا كذلك إذا بيعت منفردة قال وهذا القائل
تخير أن يقول إن التسليم لا يحصل بذلك والألم يصح له ما ذكر من التوجيه وهو مستمد من قول بعض
الأصحاب أن من في يده وديعة ونحوها إذا ابتاعها ووفر الثمن لابد من النقل والتحويل ليحصل القبض
وفارق ما إذا باع الثمرة مع النخل فان التسليم بالتخلية بينه وبين النخل شملهما وعن ابن الصباغ
والبندنيجي والمحاملي أن هذا الوجه القائل بأنه لا يصح إلا بشرط القطع أقيس وما ادعوه من القياس
فيه نظر والله أعلم. ولنرجع إلى كلام المصنف (قوله) ولا يجوز بيع الثمار والزروع من غير شرط القطع
شمل قسمين البيع بشرط التبقية المجمع على بطلانه والبيع المطلق الذي خالفنا فيه أبو حنيفة والاستدلال
بالحديث على القسمين ظاهر وكذلك بالمعنى الذي ذكره من قوله ولأن المبيع إنما ينقل على حسب
العادة إلى قوله وذلك غرر من غير حاجة فلم يجز وقد تقدم بسط ذلك وبيانه في ذكر حججنا وحجج

(1) بياض بالأصل
(2) بياض بالأصل
423

الخصم (وقوله) وان باعها بشرط القطع هو القسم الذي تكلمنا عليه ثانيا وادعى جماعة فيه الاجماع
وتقدم ما في ذلك (وقوله) لابد يأخذه قبل أن يتلف يستحق أخذه والا فقد يتراضيان على بقائه
وقد تقدم ان يجوز ذلك عندنا (وقوله) وان باع الثمرة مع الأصل أي سواء كان ذلك بصيغة الشرط
أم بصيغة البيع (وقوله) لان حكم الغرر يسقطه إشارة إلى أن الغرر لا ينتفي ولكن لا يكون له حكم
شرعا (وقوله) كالغرر في الحمل يسقط حكمه إذا بيع مع الأصل ظاهر ذلك أنه يختار الصحة فيما إذا باع
الجارية وحملها وكذلك يقتضيه كلام القاضي أبي الطيب في هذا الموضع (والأصح) في المذهب خلافه
كما تقدم (وقوله) وان باع الثمرة ممن يملك الأصل إلى آخره هو هذا القسم الثالث الذي شرحته
وقد تقدم وسيأتي القسم الآخر الذي بقي من أقسام بيع الثمار وهو أن يكون بعد بدو الصلاح في كلام
المصنف إن شاء الله تعالى.
(فرع) إذا باع الثمرة التي لم يبد صلاحها وأطلق ثم باع من مشتريها النخل بعد ذلك صح
بيعه النخل ولا يصح بيع الثمرة بل هو مقر على بطلانه وأبدى الامام في كتاب المساقاة تخريج وجه
فيه مما إذا زارعه على الأرض بين النخيل ثم ساقاه عليها أنه يصح ويتبين بالمساقاة بعدها صحة المزارعة على بعد
من استبعاده لهذا الوجه قال فإن كان لهذا الوجه صحة وثبوت فلا بد من طرده في بيع الثمار إذا تقدمت واستأجر
عنه بيع الأشجار هذا ما يتعلق بمسائل الثمار (وأما) الزروع فقد أدرجها المصنف مع الثمار وأجراهما مجرى
واحد والأقسام التي في الثمار عائدة بعينها في الزروع (القسم الأول) أن يبيعها مفردة عن الأرض من
غير مالك الأرض قبل الاشتداد فان باعها بشرط التبقية أو مطلقا بطل للحديث وهو قوله (وعن
السنبل حيت يبيض ويأمن العاهة) وفي الحديث الآخر (وعن بيع الحب حتى يشتد) وقياس مذهب
أبي حنيفة وتجويزه البيع في الثمار مطلقا أن يجوزه في الزروع أيضا وان باعها بشرط القطع جاز
عندنا وعند جمهور العلماء كما تقدم في الثمار وخالف سفيان الثوري وابن أبي ليلى كما خالفا هناك فقالا
لا يجوز مطلقا واتفق هؤلاء العلماء المشهورون وسفيان وابن أبي ليلى أيضا على أنه لا فرق في الزرع في
السنبل والفصيل يمتنع بيع الفصيل من غير شرط القطع وخالف ابن حزم الظاهري فجوزوه تمسكا
424

بأن النهي إنما ورد عن السنبل قال ولم يأت في منع بيع الزرع مذ ينبت إلى أن يسنبل نص أصلا
وروى عن أبي إسحاق الشيباني قال سألت عكرمة عن بيع القصيل فقال لا بأس فقلت إنه سنبل
فكرهه قال وهذا نفس قولنا وممن ذكر حكم هذه الأحوال الثلاث مع المصنف في الزرع الماوردي
والرافعي وغيرهما. ولو باع ألقت أو القصيل بشرط أنه يرعى دوابه لا يصح ولا يجعل هذا كشرط القطع
قاله الخوارزمي. (واعلم) أن الأصحاب اتفقوا فيما أعلم على اشتراط شرط القطع في هذا القسم وقال
الغزالي في الوسيط (أما) البقل إن بيع مع الأصول فلا يشترط القطع وان بيع دون الأصول ينزل
على القطع قال ابن أبي الدم يريد به أنه لابد من شرط القطع قال الامام لابد من شرط القطع فيه وهكذا
قال ابن يحيى في محيطه إنه لابد من شرط القطع وذكره الشيخ في البسيط في الزرع الأخضر وهكذا
ذكره الجماعة في الزرع الأخضر وكان يمكن أن يقال لا يشترط اشتراط القطع في هذا بل متى أطلق
نزل العقد على شرط القطع خوف من الاختلاط بخلاف الثمار ولفظ الشيخ في الوسيط يشعر به لكن
المنقول ما ذكرته هذا كلام ابن أبي الدم. وقال ابن الرفعة إن الأشبه الفرق بين أن يكون ذلك لم
ينته إلى الحالة التي يجذ فيها فلا يجوز بيعه إلا بشرط القطع أو أن ينتهي فيجوز كما ذكرنا عن
الماوردي وعليه ويحمل كلام الغزالي لأنه ذكره عند الكلام في بيع ما بدا صلاحه فظاهر نصه في
الام يدل على ذلك لقول الشافعي فيها لا يجوز أن يباع لقرط الا جذة واحدة عند بلوغ الجذاذ ويأخذ
صاحبه في جذاذ عند ابتياعه وقال في هذه الحالة انه إذا تركه من غير شرط في العقد أياما وقطعه
ممكن في أول منها كان المشترى منه بالخيار في أن يدع الفضل الذي له بلا ثمن أو ينقض البيع (قلت)
وهذا حمل حسن وعليه يدل كلام القاضي حسين ومراد ابن الرفعة بكلام الماوردي ما سيأتي عنه في
بدو الصلاح وأنه جعل لذلك النوع حالة إصلاح ولكن في كلام الشافعي الذي اعتضد به ابن الرفعة
ما يفهم أنه إذا شرط تركه لم يصح وهو ظاهر لأنه يؤدى إلى اختلاط فان ثبت ذلك وثبت أنه
لا يشترط فيه شرط القطع يكون هذا نوعا مما بدا صلاحه لا يجوز فيه شرط التبقية ويجوز فيه شرط
القطع والاطلاق لكن يكون هذا فيما يعتاد جذه حتى يكون ذلك صلاحا فيه (أما) الزرع الذي
يعتاد ابقاؤه فمتى باعه بغير شرط القطع فسد سواء كان بقلا أو قصيلا أو سنبلا ما لم يشتد وقال الشافعي
425

أيضا لا يجوز بيع القصيل الاعلى أن يقطع مكانه مما يستخلف أو لا يستخلف ولا يزيد وهذا
الص يحمل على ما لم يبد صلاحه ولا ينافي ما قاله ابن الرفعة وهذا القسم هو الذي نتكلم فيه
هنا (وأما) الأول الذي يكون وصل إلى حالة صلاح فسيأتي الكلام في بيع ما بدا صلاحه والله أعلم.
(القسم الثاني) أن لا يباع الزرع مع الأرض فيجوز من غير شرط القطع كما مر في الثمار مع الأشجار
وممن نص عليه مع المصنف الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والماوردي والمحاملي والرافعي وبقية
لأصحاب والمباحث المتقدمة هناك عائدة هنا (تنبيه) اطلاق المصنف جواز بيع الزرع والثمرة
مع الأرض والشجر يشمل ما إذا كان الزرع لم يتسنبل بعد أو تسنبل ولم يشتد ولذلك صرح به
الأصحاب وهو باطلاقه يشمل ما إذا كان الحب الذي في السنبل غير المشتد مرئيا كالشعير أو غير
مرئي كالحنطة وإنما فصلوا بين المرئي وغيره فيما بعد بدو الصلاح على ما سيأتي إن شاء الله تعالى فإن كانت
التبعية تقتضي المسامحة في ذلك فينبغي في الموضعين والا فما الفرق وقد تقدم مثل ذلك في الثمار أيضا (القسم
الثالث) إذا باع الزرع وحده من مالك الأرض فهو كبيع الثمرة من مالك الشجرة جزم المصنف في
التنبيه بالجواز وذكر ههنا الوجهين وقد تقدم ذكرهما ولم أر من صرح بهذه المسألة في الزرع غير
المصنف والقاضي حسين والروياني والجرجاني والمتولي ومقتضي نصه الذي نقلوه عن الرهن أيضا يدل
له وكثير من الأصحاب يقتصرون على حكم الثمار وكأنهم مكتفون بذلك عن ذكر حكم الزرع قال القاضي
حسين وغيره فعلى قولنا لا يحتاج إلى شرط القطع لو شرط فيه القطع بطل العقد لأنه ينافي مقتضى
العقد وفيه ضرر على المشترى.
(فرع) قول المصنف هنا إذا باع الزرع ممن يملك الأرض وقال في التنبيه من صاحب
الأصل فظاهره أيضا أنه المالك فلو باع الزرع من مستأجر الأرض وذلك يفرض في صور (منها) إذا
استأجر أرضا وزرعها وباع الزرع بشرط القطع وتراضيا على إبقائه ثم اشتراه البائع مطلقا هل يكون
كالمالك أو لو كان المالك غير مستحق للمنفعة بأن كانت مستأجرة مثلا هل يستمر الحكم المذكور
أو نقول إن المالك في هذا الوقت لا يد له ولا منفعة فهو كالأجنبي (وأما) الثمرة فلا يمكن فيها ذلك
لان الشجرة لا يجوز استئجارها كما صرح به بعض الأصحاب في هذا الباب.
426

(فرع) لو باع الزرع من مالك الأرض بالأرض لأنه يصح ويشترط فيه ذكر القطع قاله
القاضي حسين وصاحب التتمة الخوارزمي وهو ينبغي أن يكون تقييدا لما تقدم من الاطلاق وعلى
قياسه إذا باع الشجرة بالشجرة.
(فرع) قد تقدمت الأحاديث الواردة في المنع عن بيع الثمار قيل بدو الصلاح (ومنها) ما هو
مطلق (ومنها) ما هو وارد في النخل قال ابن عبد البر ولا خلاف بين العلماء أن جميع الثمار داخل في
معنى ثمر النخل وأنه إذا بدا صلاحه وطاب أوله حل بيعه.
(فرع) لا فرق في الثمار بين ما يجذ كالبلح والبسر أو يقطف كالحصرم والعنب أو يجمع
كالبطيخ والقثاء والخيار والباذنجان وكذلك التفاح والكمثرى والخوخ والجوز واللوز والرانج كلها
تجرى فيها الأقسام المتقدمة والآتية في بيعها قبل بدو الصلاح وبعده ومنفردة وتابعة والله أعلم.
(فرع) الفجل المغروس في الأرض والسلجم والجزر والسلق إذا اشترى ورقه فان شرط
القطع جاز أو التبقية أو أطلق لم يجز وان اشترى أصله المغروس في الأرض لم يجز سواء قلنا بيع الغائب
باطل أو صحيح لأنه لا يمكن رده إلى البائع على صفته قاله القاضي أبو الطيب والقاضي حسين وغيرهما.
(فرع) قال القاضي حسين إذا باع أصل الكراث مع الكراث صح العقد ويؤمر بالقلع
ولو باع العروق بدون الكراث لم يصح ويكون بيع الغائب وبيع المجهول ولو باع القصب الفارسي
وما يتكرر قطعه حكمه حكم الكراث وقال في الجوز ونحوه إذا كان الأرض ويكن بعضه ظاهر
من الأرض فإنه يجوز بيعه كالصبرة إذا رأى ظاهرها دون باطنها وسيأتي عن الامام أن البقول التي
تتزايد لا يجوز بيعها الا بشرط القطع مطلقا وليس لها حالة كمال بدو الصلاح.
(فرع) قال ابن الحداد في المولدات باع نصف ثمرة على رؤس النخل قبل زهو الثمرة فالبيع
باطل لأنه لا يمكن أن يقسم وكذلك ان باعه نصف زرعه بقلا وكذلك قاله القاضي حسين في
الزرع والروياني في الزرع والثمرة جميعا وقد ذكر هذا الفرع غير واحد من الأصحاب ونص عليه
الشافعي في الصلح أنه لا يجوز على نصف الزرع وذكره المزني آخر مسألة في كتاب الصلح قال الرافعي
وغيره وعللوه بأن البيع والحالة هذه يفتقر إلى شرط القطع ولا يمكن قطع النصف مشاعا الا بقطع
427

الكل فيتضرر البائع بنقصان عين المبيع فأشبه ما إذا باع نصفا معينا من سيف أو أسطوانة وعليها
سقف دار بحيث لا يمكن تسليمها الا بهدم الدار فإنه لا يصح العقد فيه وقال الرافعي وما ذكروه من
أن قطع النصف لا يمكن الا بقطع الكل إنما يستمر بتقدير دوام الإشاعة وامتناع القسمة (أما) إذا
جوزنا قسمة الثمار في حال الرطوبة بناء على أنها افراز فيمكن قطع النصف من غير قطع الكل بأن
يقسم أولا فليكن منع القول مبنيا على القول بامتناع القسمة لا مطلقا وعلى هذا يدل كلام ابن الحداد
قال القاضي أبو الطيب وهو الصحيح (قلت) قد قدمت في باب الربا في جواز قسمة الثمار على الأشجار
أنه في غير الرطب والعنب لا يجوز قطعا وفي العنب والرطب ثلاث طرق (أصحها) وهي التي رجحها
صاحب التهذيب والمحاملي أنه لا يجوز وان قلنا إنها إفراز (والثاني) تخريجها على القولين (والثالث)
يجوز وان قلنا إنها بيع ومحل الطرق الثلاث على ما نبه عليه المحاملي ما بعد بدو الصلاح (أما) قبل
بدو لاصلاح فلا يجوز جزما وإن كان كلام كثير من الأصحاب مطلقا وفتيا ابن الحداد هنا ومن وافقه
صحيحة في غير العنب والرطب جزما وفي الرطب والعنب إما جزما على ما قاله المحاملي واما على الأصح
إذا جعلنا الخلاف مطلقا وما صححه القاضي أبو الطيب من تخريجها على الخلاف في القسمة وإن كان
مخالفا لما قاله المحاملي فليس فيه تصحيح للجواز لأنه لم يذكر هنا اما الأصح عنده في القسمة وقد
صحح الرافعي في باب الربا أن قسمة ذلك تبع فيكون الأصح عنده على مقتضى ذلك أنه لا يجوز
قسمتها وإن كان في باب القسمة حكى اختلاف التصحيح في قسمة المتشابهات وهذا كله بناء على ما
أفهمه نقل الرافعي عن أبي الطيب من آخر الخلاف في ذلك والذي ادعاه ابن أبي الدم أنه لا خلاف
في البطلان وأن ابن الحداد علله بامتناع القسمة وغلطه الأصحاب في التعليل وأن أبا الطيب قال
الصحيح ما علل به ابن الحداد وقد نص الشافعي على هذه العلة فالتصحيح حينئذ في التعليل ولا
خلاف في الحكم وقد قال الشافعي رضي الله عنه في باب بيع الآجال من الام انه إذا كان بين القوم حائط
فيه التمر لم يبد صلاحه فأرادوا اقتسامه فلا يجوز قسمه بالثمرة بحال وكذلك لو بدا صلاحها لم يجز من قبل
أن للنخل والأرض حصة من الثمن وللثمرة حصة من الثمن فتقع الثمرة مجهوله لا بخرص ولا تبع
ولا تجوز قسمته إلا أن يقتسما الأصل وتكون الثمرة بينهما مشاعا إن كانت لم تبلغ أو كانت قد بلغت
428

غير أنها إذا بلغت لا بأس أن يقتسماها بالخرص قسما منفردا وان أرادا أن يقتسما الثمرة مع النخل اقتسماها
ببيع من البيوع فيقوما كل سهم بأرضه وشجره وثمره ثم أخذ بهذا البيع لا بقرعة وإذا اختلف فكان
نخلا وكرما فلا بأس أن يقسم إحداهما بالآخر وفيهما ثمرة لأنه ليس في تفاضل الثمرة بالثمرة تخالفها ربا في
يد بيد انتهى فهذا نص في امتناع القسمة قبل بدو الصلاح وأوله يقتضي امتناع القسمة بعد
بدو الصلاح أيضا لكن قوله غير أنها إذا بلغت فلا بأس أن يقتسماها بالخرص قسما منفردا يقتضي
جواز قسمها بعد بدو الصلاح فليتأمل. (واعلم) أن ابن الحداد علل المنع في ذلك بامتناع القسمة
كما رأيت وغلطه بعض الأصحاب في التعليل وقال ليس العلة أنه لا يصح قسمتها فان البيع لا يصح وان
قلنا قسمتها صحيحة وأن القسمة إفراز وإنما لم يصح ذلك لان اشتراط القطع لا يصح فيها لان نصفها مشاعا
لا يمكن قطعه قال القاضي أبو الطيب هذا الذي قاله هذا القائل ليس بصحيح والتعليل هو الذي
ذكره ابن الحداد ونص الشافعي كذلك قال في الصلح لو كان الزرع بين الرجلين وصالح أحدهما
على نصف الزرع لم يجز من قبل أن الزرع لا يجوز أن يقسم أخضر ولا يجبر شريكه على أن يقطع
منه شيئا ومقتضى هذا الكلام من أبي الطيب أن علة ابن الحداد هي الصحيحة وأن القول بذلك
مبني على امتناع القسمة وأن القائل الآخر خالفه في التعليل وعمم الحكم ثم قال القاضي أبو الطيب
بعد ذلك أنه إذا قلنا تصح قسمة الثمار صح بيعه لان شرط القطع يصح فيه فيبيع نصف الثمرة أو
نصف الزرع بشرط القطع لم يطالبه بالقسمة في الحال فيقاسمه ثم يقطعه (وأما) إذا قلنا لا تصح القسمة
فباع نصفها بشرط قطع الجميع لم يصح لان البائع لا يجبر على قطع ما لم يبع والشرط فيه لا يصح ولا
يمكن قطع المبيع منفردا لأنه مشاع وهذا الذي قاله القاضي بعد أن قرر أن العلة الصحيحة امتناع
القسمة وأن المسألة مبنية عليها وهو صحيح لكن قد ثبت أن الثمار لا تصح قسمتها وكفى بهذا النص
الذي في الصلح دليلا على امتناع قسمتها والله أعلم. ولم أر أحدا صرح بجواز بيعها غير القاضي
في هذا الكلام الذي قاله ويشبه أن يكون تفريعا من عنده على مقتضى البناء على القسمة وما أفهمه
نص الشافعي ولقائل أن يقول ليس التمسك بمفهوم ذلك على إثبات خلاف في هذه المسألة بأولى
من التمسك به على امتناع القسمة والجزم بامتناع البيع ههنا وكيف ما قدر فالمنع في هذه المسألة اما
429

أن يكون هو الصحيح أو يكون مجزوما به وإذا نظرت إلى كلام الرافعي بمجرده وما قاله فيما إذا
جوزنا قسمة الثمار الرطبة بناء على أنها افراز وما حكاه عن أبي الطيب أن تخريجها على ذلك هو
الصحيح وفي ذهنك أن قسمته المماثلات افراز توهمت من مجموع ذلك أن الصحيح الجواز في هذه
المسألة وليس كذلك بل الزرع لا يجوز جزما لأنه لا تجوز قمسته خرصا جزما الثمار غير الرطب والعنب
كذلك والرطب والعنب يجرى فيهما الخرص وفي قسمتهما خرصا خلاف المنقول عن نصه في الصرف
الجواز وذكر الرافعي أنه الأصح تفريعا على أن القسمة افراز لكنه ذكر في ذلك الموضع أن الأظهر
أنها بيع فيكون الأظهر امتناع البيع في ذلك العجب من القاضي أبي الطيب كيف صرح هنا يبيع الزرع
على قسمته مع أنه جزم في باب الربا أنه لا تجوز قسمة غير الرطب والعنب خرصا وإنما يتأتى ذلك
عند من يرى أنه تجوز قسمته خرصا ولا أعلم أحدا صرح بذلك إلا أن لنا وجها ضعيفا أن الخرص
يجرى في غير الرطب والعنب فيجئ على مقتضاه خلاف في قسمة ذلك خرصا قال ابن الرفعة (فان
قلت) الأصحاب قالوا في كتاب المساقاة إن بيع بعض الثمار مشاعا بعد بدو الصلاح يصح وان لم تجز
القسمة (قلت) صحيح لان التبقية تجب على البائع وهي تستلزم تبقية الباقي إذا لم تجز القمسة بالخرص
وليس فيها تغيير عين المبيع والله أعلم.
(فرع) من هذا الجنس لو باع نصف الثمرة مع نصف النخل صح وكانت الثمار تابعة قاله
الرافعي وغيره وكذا إذا باع نصف الثمرة مع جميع الشجرة قاله الخوارزمي فلو شرط القطع في ذلك احتمل
أن يكون اشتراطه في بيع كل الثمرة مع كل الأصل واحتمل أن يكون أولى بالفساد لأجل امتناع
القسمة ولو كانت الشجرة أو الأرض لواحد والثمرة أو الزرع لآخر فباع نصف الثمرة من مالك النخل
أو نصف الزرع من مالك الأرض فوجهان مبنيان على الوجهين في اشتراط القطع لو باع الثمرة كلها
من صاحب الأصل قاله القاضي حسين في الزرع والرافعي في الثمرة وقد تقدم الخلاف في الأصح من
الوجهين وان الأصح الاشتراط فيجئ عليه أن الأصح هنا عدم الصحة ولو كانت الثمار والأشجار أو
الزروع والأرض مشتركة بين رجلين فاشترى أحدهما نصيب صاحبه من الزرع أو الثمرة لم يصح
وقال الخوارزمي ان اشترى نصيب صاحبه من الزرع بنصيبه من الزرع لم يجز لا مطلقا
ولا بشرط القطع على الأصح فاشعر بخلاف ولعله الذي تقدم الكلام فيه في بيع نصف
430

الثمرة والزرع مشاعا على قولنا القسمة افراز ولو اشترى نصيب صاحبه من الثمرة بنصيبه من الشجرة
أو نصيب صاحبه من الزرع بنصيبه من الأرض فان باعه مطلقا لم يجز وإن كان بشرط القطع صح
لان جملة الثمار أو الزرع تصير للمشترى وجملة الشجر أو الأرض تصير للآخر وعلى مشترى الثمرة أو
الزرع قطع الكل لأنه التزم بهذه المعاملة قطع النصف المشترى بالشرط والتزم تفريغ الأشجار والأرض
لصاحبه وبيع الشجرة أو الأرض على أن يفرغها للمشترى جائز قاله القاضي حسين في الزروع والرافعي
في الثمار وكذلك القاضي أبو الطيب في شرح الفروع. ولو كانت الأشجار أو الأرض لواحد والثمرة
أو الزرع لاثنين فاشترى صاحب الشجرة نصيب صاحبه من الثمرة بنصف الشجرة أو اشترى صاحب
الأرض نصيب صاحبه من الزرع بنصف صاحبه من الزرع بنصف الأرض بشرط القطع صح قاله الرافعي وإن كان بغير شرط
القطع ففيه وجهان مبنيان على اشتراط القطع إذا باع الكل من صاحب الأصل قاله القاضي حسين
فأما إذا باع نصف الثمرة أو نصف الزرع من غير مالك الأرض فيشترط شرط القطع قولا واحدا
وقال الخوارزمي في الكافي لو كان الزرع لهما والأرض لأحدهما فباع أحدهما نصيبه من الزرع البقل
من صاحبه لا يجوز لا مطلقا ولا بشرط القطع كما لو باع من غيره ولو كانت الأرض لاثنين والزرع
لواحد عكس ما تقدم فان باع الزرع من أجنبي فالحكم واضح وان باعه من مالك الأرض فيخرج
على الوجهين وان باع الكل من أحدهما لم يصح وان باع النصف من أحدهما يخرج على الوجهين
إن قلنا لا يحتاج إلى شرط القطع جاز والا فلا قاله القاضي حسين ولو كان الزرع لواحد والأرض لآخر
فباع الزرع بالأرض فقد تقدم ولو باع صاحب الزرع زرعه من صاحب الأرض بنصف ارضه قال
في التتمة فان قلنا إنه إذا باع الزرع من مالك الأرض بشرط القطع فالعقد صحيح ويشترط القطع في
الكل لان كل الزرع مبيع (وان قلنا) لا يعتبر فيه شرط القطع فالعقد باطل لان شرط القطع في
النصف مبطل للعقد لان الأرض ملكه ولا يمكن افراز النصف بشرط القطع فيه لان النصف لا يعرف
إلا بالقسمة ولو اشترى جميع الأرض بنصف الزرع فيها فالعقد باطل قاله في التتمة واطلاق صدر
المسألة في أنه لا يجوز بيع نصف الزرع مشاعا يشمله ولو باع جميع الزرع مع نصف الأرض قال في التتمة
لا يجوز لان النصف الذي هو مبيع مع الأرض لا يجوز شرط القطع فيه والنصف الذي هو مبيع دون
431

الأرض لابد من شرط القطع وشرط القطع في النصف لا يمكن والله أعلم. ولو استثني نصف الثمرة
غير المؤبرة فقد في موضعه.
(فرع) رأيت في المطارحات لابن القطان أنه ان باع نصف الزرع مشاعا مع جميع الأرض
جاز فان باعه مع بعض الأرض أو دون الأرض لم يجز ولم يتضح لي ذلك ولعله غلط في النسخة.
(فرع) في رهن الثمرة وهبتها قبل بدو الصلاح خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى في موضعه
أن يسر الله ذلك.
(فرع) قال أحمد بن بشر عن نصه ولا بأس بشراء نصف الثمرة جزافا قال أحمد يشبه
أن يكون بعد بدو صلاحها.
(فرع) البطيخ له أحوال (الحالة الأولى) أن يبيعه مع الأرض فيستغني عن شرط القطع وتكون
الأرض كالشجرة (والحالة الثانية) ان يفرد أصول البطيخ بالبيع قال العراقيون والامام وغيرهم يجوز ولا
حاجة إلى شرط القطع إذ لم يخف الاختلاط ثم الحمل الموجود يبقى للبائع وما يحدث يكون للمشترى
قال ابن الرفعة ولم يخرجوه على ما إذا أطلعت النخلة بعد البيع وكان بعض ثمرتها مؤبرة حين البيع لأجل
أن ذلك يعد حملا واحدا وهذه بطون وان خيف اختلاط الحملين فلابد من شرط القطع فان شرط
فلم يتفق حتى وقع الاختلاط فطريقان سنذكر هما في نظيره إن شاء الله تعالى ولو باع الأصول قبل
خروج الحمل فلابد من شرط القطع أو القلع كالزرع الأخضر فإذا شرطه ثم اتفق بقاؤه حتى خرج الحمل
فهو للمشترى قال ابن الرفعة وفي صحة البيع نظر لان مثله لا ينتفع به الانتفاع المقصود (الحالة الثالثة) ان
يبيع البطيخ مع أصوله منفردا عن الأرض فالذي قاله القاضي أبو الطيب وغيره من العراقيين الصحة
وقال الامام والغزالي والمتولي لابد من شرط القطع لان البطيخ مع أصوله متعرض للعاهة بخلاف
الشجر مع الثمرة وذكر ابن الرفعة ان هذا من تفقه الامام وأن المنقول خلافه واعتمد في ذلك على فهمه
لكلام جماعة من العراقيين والرافعي أبدى ذلك تخريجا فقال قضية ما نقلناه في بيع الأصول وحدها
إذا لم يخف الاختلاط انه لا حاجة لشرط القطع فليعلم قول المصنف بالواو وكذلك وهذا الذي قاله الرافعي
متعين اما أن يقال بالجواز في المسألتين أو بالمنع فيهما والأول أقرب إلى كلام العراقيين (والثاني) مقتضى
432

كلام القاضي حسين والفوراني والامام يلزمه الفرق بين بيع الأصول وحدها وبيع الأصول وحدها وبيع الأصول مع البطيخ حيث
قال بالصحة في الأول ومنع في الثاني وكيف ما قدر فالصحيح ما فهم من كلام العراقيين من
اطلاق الصحة في الموضعين وفي كلام الشافعي في المختصر ما يمكن التمسك به في ذلك (الحالة الرابعة)
أن يبيع البطيخ وحده دون أصوله فإن كان قبل بدو الصلاح لم يصح وإن كان بدا الصلاح في
كله أو بعضه نظر إن كان يخاف خروج غيره فلا بد من شرط القطع فان شرط فلم يقطع ففي الانفساخ
للبيع قولان يأتي نظيرهما إن شاء الله تعالى. وقال ابن الرفعة قد يقال إن ذلك ظاهر على قولنا إن
الاختلاط إذا حصل يبطل البيع أما إذا قلنا لا يبطل فيصح ههنا والفرق بين ذلك وبين توقع التلف أن
المالية هناك تذهب كما يشير إليها الخبر ولا كذلك ههنا وإن كان لا يخاف خروج غيره جاز من غير
شرط القطع والباذنجان والقثاء والخيار ونحوه كالبطيخ في الأحوال المذكورة والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(وان بدا صلاحها جاز بيعها بشرط القطع لحديث ابن عمر رضي الله عنه ولأنه إذا جاز بيعه
بشرط القطع قبل بدو الصلاح فلان يجوز بعد بدو الصلاح أولى ويجوز بيعها مطلقا للخبر ولأنه أمن
من العاهة فجاز بيعتها مطلقا كسائر الأموال ويجوز بيعها بشرط التبقية إلى الجذاذ للخبر ولأن اطلاق
البيع يقتضي التبقية إلى أوان الجذاذ فإذا شرط التبقية فقد شرط ما يقتضيه الاطلاق فجاز).
(الشرح) القسم الرابع من الأقسام المتقدمة وان شئت قلت الثاني أن يبيع الثمار بعد
433

بدو الصلاح فإنه يجوز مطلقا وقسمه الأصحاب أيضا باعتبار شرط القطع والتبقية والاطلاق إلى ثلاثة
أحوال لأحكام تترتب على ذلك (الحالة الأولى) ان يبيعها بشرط القطع فهذا جائز اجماعا وممن ادعى
الاجماع فيه الماوردي ومستنده اما مفهوم حديث ابن عمر وشبهه من الأحاديث المتقدمة المتضمنة النهى عن
بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها فان مفهوم الغاية يقتضي جواز بيعها عند بدو الصلاح عند القائلين
بالمفهوم واما زوال الحالة المقتضية للتحريم فيرجع إلى أصل حل البيع عند من لا يقول بالمفهوم وهذا
لابد من الاعتضاد به فان في التمسك بالمفهوم في الأحوال الثلاثة بحثا من جهة ان المفهوم له عموم أولا
قال شارح البرهان في أصول الفقه ان استند المفهوم إلى طلب فوائد التخصيص لم يعم وان استند
إلى أن ذلك من جهة اللفظ عم وعزى الأول إلى الشافعي لكنا قدمنا عن الشافعي ما يقتضي خلاف
ذلك فان صح ما قدمناه عن الشافعي اتجه استدلال المصنف على مذهبه في الخبر في الحالتين ولا
احتياج إلى الاعتضاد بالأصل المذكور والقياس الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى على ما قبل بدو
الصلاح وقد تقدم الكلام في البيع بشرط القطع قبل بدو الصلاح والله أعلم. وفي هذه الحالة هل إذا
شرط القطع يجب قد تقدم فيما قبل بدو الصلاح أنه يجب ولو تراضيا على الترك جاز وكذلك يأتي ههنا
بطريق أولى قال الامام ولا شك ان هذه يعني جواز البيع بشرط القطع بعد بدو الصلاح مطرد في
ابتياع الشجرة على شرط القطع من المغرس وابتياع البناء كذلك (الحالة الثانية) ان يبيعها مطلقا فيجوز
أيضا بلا خلاف للخبر وقد تقدم ما في ذلك وبالقياس الذي ذكره المصنف قال الشافعي رضي الله عنه
434

والأصحاب وفي هذه الحالة للمشترى تركها إلى أوان الجذاذ وقال أبو حنيفة رضي الله عنه يجب على
المشترى قطعها في الحال بناء على أصله في أن اطلاق العقد يقتضي القطع واطلاقه عندنا يقتضي التبقية
بالعرف وبقوله صلى الله عليه وسلم في بيع الثمرة قبل بدو الصلاح (أرأيت إذا منع الله تعالى الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال
أخيه) قال القاضي أبو الطيب هذا التعليل يدل على أن بيع الثمرة مطلقا يوجب تبقيتها إلى أوان البلوغ
لأنه لو وجب قطعها في الحال لم تكن تعرض للجائحة والتلف وقال الحنيفة ان هذا كمن قال بعتك هذا
بألف ولم يتعرض لدراهم ولا لدنانير وكانت قيمته في العرف ألف درهم فالعرف يقتضي أن العاقد لا يشتريه
بألف دينار ومع ذلك العقد باطل وأجاب أصحابنا بان في العرف من أطلق الألف اتكالا على العرف
ينسب إلى الجهل ومن اشترى ثمرة ولم يتعرض للابقاء وطمع في الابقاء لا ينسب إلى الجهل ولا يعد مقصرا
بتركه (الحالة الثالثة) ان يبيعها بشرط التبقية فيصح عندنا وبه قال محمد بن الحسن ومالك وأحمد وداود
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله لا يصح تمسكا بان ذلك ينافي مقتضى هذا العقد الخاص
التبقية وعن الثاني بما إذا اشترى دارا وللبائع فيها متاع فإنه ينقله على حسب العادة وتمسك المصنف
وأصحابنا في ذلك بالخبر ومفهوم الغاية فيه وقد تقدم ما في ذلك لا سيما وأبو حنيفة ينكر مفهوم الغاية
وان اعترف به بعض المنكرين للمفهوم والتمسك بالقياس مبني على اقتضاء العرف لذلك والله عز
وجل أعلم.
(فرع) أطلق المصنف أنه إذا بدا صلاحها جاز بيعها ومراده بذلك ان المنع الذي كان
435

قبل بدو الصلاح يرتفع فيجوز البيع بشروطه المذكورة في مواضعها فالشعير يجوز بيعه لأنه مشاهد
في سنبله وكذلك كل ثمرة بارزة كالتفاح والمشمش والخوخ والكمثرى أو زرع بارز حبه في غير كمام
كالشعير والذرة وكذلك ما كان مستورا بقشرة واحدة ومصلحته في بقائه فيها كالرمان والباذنجان والأرز على
خلاف فيه وأما ما عليه قشرة يتحفظ بغيرها كالقطن والسمسم والعدس أو قشرتان أو كالفستق والبندق
والجوز واما كالباقلاء واللوز والرطب فلا يجوز وقد ذكر المصنف بيع الباقلاء وبيع الحنطة في سنبلها
في باب ما نهى عنه من بيع الغرر فلا حاجة إلى إعادة شرحه والله أعلم. وما أشرت إليه من المعنى بقولي
ان المنع الأول ارتفع ببدو الصلاح جواب على تمسك الخصم بالمفهوم ون قلنا إن له عموما فإنه يقتضي
ارتفاع ذلك النهي اما ارتفاع النهي بسبب آخر فلا كقوله (ألا لا توطأ حامل حتى تضع) فهي إذا وضعت
يرتفع النهى الذي لأجل النسب يبقى النهى لأجل الأذى حتى تغتسل.
(فرع) قال القاضي حسين بيع الزرع وحده إن كان بذرا لم يصح على الصحيح وقصيلا
جاز بشرط القطع أو بعد الاشتداد بارزا كان كالشعير والجاروش والدخن أو متسنبلا في كمام فقولا
بيع الغائب فان باع الأرض مع الزرع فإن كان أخضر صح فيهما أو مشتد الحبات بارزا فكذلك أو
مستترا فان أبطلنا البيع فيه عند الانفراد بطل ههنا فيه وفي الأرض قولا تفريق الصفقة وان صححنا
فيه مفردا ولكن نثبت خيار الرؤية فههنا قولا الجمع بين مختلفي الحكم.
(فرع) قصب السكر صلاحه في بقائه في قشره كالجوز في قشره الأسفل وقد صرح
436

الماوردي بجواز بيعه إذا بدت فيه الحلاوة قال ابن الرفعة ولولا جواز بيعه في قشره لما جاز بيعه عند
بدو صلاحه ويبقي إلى أوان قطعه.
(فرع) الكتان إذا بدا صلاحه قال ابن الرفعة يظهر جواز بيعه لان ما يغزل منه ظاهر
مرئي والشاش في باطنه كالنوى في التمر ونحوه لكن هذا لا يتميز في رأى العين بخلاف التمر
والنوى والله أعلم.
(فرع) البقل إذا بيع مع الأصول قال الغزالي لا يشترط القطع فان لا يتعرض لعاهة وقال
صاحب التهذيب لا يجوز بيع ألقت والبقول في الأرض دون الأرض إلا بشرط القلع أو القطع سواء
كان مما يجذ مرار أو لا يجذ الا مرة واحدة غير أنه إذا باع ما يجذ مرارا بشرط القطع لا يجوز قلعه
لأنه لم يملك الأصل وما لم يجذ إلا مرة واحدة يجوز وقال القاضي حسين إذا باع أصل الكراث
مع الكراث صح ويؤمر بالقلع ولو باع العروق بدون الكراث لم يصح ويكون بيع الغائب ولو
باع الأرض التي فيها الكراث أو الرطبة فأصولها تدخل في العقد كالصول الأشجار وما ظهر
لا يدخل ويؤمر البائع بجذه في الحال وكذلك القصب الفارسي وما يتكرر قطعه حكمه حكم الكراث
والفرق على رأى الغزالي بين البقل حيث قال إنه لا يجوز بيعه بأصوله إلا بدون شرط القطع وبين
البطيخ حيث قال إنه لا يجوز بيعه مع أصوله إلا بشرط القطع أن ما ظهر من أصول البطيخ هو الذي
تتكرر ثمرته دون ما بطن من عروقه ولهذا إذا قطع الظاهر لم يخلف وإذا كان كذلك فالآفة متعرضة لما
437

* ظهر من أصوله كتعرضها لنفس البطيخ ولهذا يؤثر فيها الحر والصقيع ونحوها كما يؤثر في البطيخ فلذلك
استويا في الحكم ولا كذلك ما يخلف من أصول البقول ونحوه فإنه الذي في الأرض ولا يخشى عليه
تلك الآفات التي تخشى على أصول البطيخ والله أعلم. وان بيع البقل دون الأصول قال الغزالي
يدل على القطع يعني لان العرف يقتضيه ولا يحتاج إلى شرط القطع بخلاف الزرع الأخضر فان العرف
فيه الابقاء لو لم يشترط القطع ومن الناس من رأى التسوية في ذلك واعترض على الغزالي في كلامه
بأن شرط القطع في ذلك ليس بواجب قال ابن الرفعة والأشبه أنه إن لم ينته إلى الحالة التي يجذ فيها
فلا يجوز بيعه إلا بشرط القطع وان انتهى جاز وعليه يحمل كلام الغزالي وظاهر نصه في الام
يدل على ذلك.
(فرع) فان باع الثمرة بعد بدو الصلاح مع الأصول والزرع بعد أن اشتد حبه مع الأرض
نظرت فإن كانت الثمرة ظاهرة أو كان الزرع كالشعير والذرة ونحوها والقطن إذا ظهر جميعه جاز لأنه
مبيع مشاهد وإن كانت الثمرة غير ظاهرة كالجوز واللوز والرانج في قشره وكان الحب غير ظاهر كالحنطة
والفول والحمص وما أشبهه (فان قلنا) يجوز بيعها مفردا جاز مع الشجر والأرض (وان قلنا) لا يجوز لم يصح
البيع فيها لأنه مبيع مجهول مقصود في نفسه وهل يصح البيع في الشجرة والأرض يبني على القولين
في تفريق الصفقة (فان قلنا) لا تفرق أو تفرق ولكن يجوز بالقسط بطل في الجميع (وان قلنا) يجوز بكل الثمن
صح البيع في الشجر والأرض وللمشتري الخيار بين أن يمسك الأصل بجميع الثمن وبين أن يرده ويأخذ
ما دفع وقد تقدم هذا التفصيل كله في بيع الزرع من كلام الماوردي.
438

(فرع) في مذاهب العلماء وافقنا مالك وأحمد على جواز البيع بشرط التبقية بعد بدو
الصلاح وقال أبو حنيفة لا يجوز واحتج له بأنه بيع وإجارة مجهولة فأشبه اشتراط ترك القماش في الدار
(قلنا) الشجرة لا تؤجر ولا أجرة لها بخلاف الدار.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(وبدو الصلاح في الثمار أن يطيب أكلها فإن كان رطبا بان يحمر أو يصفر وإن كان عنبا
أسود بان يتموه وإن كان أبيض بأن يرق ويحلو وإن كان زرعا بان يشتد وإن كان بطيخا بأن يبدو
فيه النضج وإن كان قثاء بأن يكبر بحيث يؤخذ ويؤكل والدليل عليه ما روى أنس رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الحب حتى يشتد وعن بيع العنب حتى بسود وعن الثمرة حتى تزهي)
(وروى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى تطعم)).
(الشرح) أما حديث أنس فروى البخاري منه ان النهى عن بيع الثمرة حتى تزهى وفي رواية ثمر النخل
وروى الترمذي منه النهى عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد وقال حسن غريب
لا يعرفه مرفوعا الا من حديث حماد بن سلمة وروي البيهقي الجميع كما ذكر المصنف لكن قدم ذكر
الثمرة على الحب والعنب (وأما) حديث جابر فرواه البخاري ومسلم رحمهما الله ولفظهما عن بيع الثمرة
حتى تطيب وعندهما في رواية أخرى واللفظ للبخاري رضي الله عنه (ان تباع الثمرة حتى تشقح فقيل وما
تشقح قال تحمار وتصفار ويؤكل منها) وعند مسلم في رواية (وعن بيع الثمرة حتى تطعم) كما ذكرها المصنف فإذا
أردت عز وحديث جابر الذي في الكتاب على الاطلاق قل رواية مسلم وقوله يتموه قال ابن أبي
439

عصرون يدور فيها الماء الحلو ويصفو لونها وقوله يشتد أي يصلب ويقوى وقد تقدم ذلك وقوله حتى
يطعم بضم الياء وكسر العين ويقال بفتح العين وضبطه ابن البدري انه بفتح التاء والعين أيضا وهي
خطأ قال معناه حتى تصير طعما وقيل تبلغ حين تطعم وقد ورد في الصحيح من حديث ابن عمر أن
النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع النخل حتى يزهو وعن السنبل حتى يبيض) ولا تنافي بين هذا وبين
حديث أنس المتقدم أنه نهى عن بيع الحب حتى يشتد لان وقت اشتداده وقت مبادي بياضه (اما)
الأحكام فقد اختلف الناس في تفسير بدو الصلاح فروى عن ابن عمر أن بدو الصلاح في الثمر
بطلوع الثريا وقد تقدم ذلك في الحديث عنه وحكي عن عطاء وجماعة ان بدو الصلاح ان يوجد في
الثمرة ما يؤكل قليل أو كثير قال ابن المنذر وروينا ذلك عن ابن عمر وابن عباس وروى عن النخعي ان بدو
الصلاح بقوة الثمرة واشتدادها وعندي ان ذلك ليس باختلاف محقق يرجع إلى معنى وكان ابن عمر نما
أطلق طلوع الثريا لأنه أوان طيب الثمرة غالبا عندهم في ذلك الوقت فتباين الألفاظ عن العلماء في
ذلك لا ينبغي ان يعتمد عليه في اثبات اختلاف ومذهبنا أن بدو الصلاح يرجع إلى تغير صفة في
الثمرة وذلك يختلف باختلاف الأجناس وهو على اختلافه راجع إلى شئ واحد مشترك بينهما وهو
طيب الاكل وفي ذلك جمع بين الحديثين اللذين ذكرهما المصنف فان حديث أنس اعتبر الاشتداد
في الحب والاسوداد في العنب والزهو في الثمرة وحديث جابر دل على اعتبار الطعم في
الثمرة وهي تشمل العنب وغيره فيكون اعتبار الاسوداد وشبهه لأنه وقت للطعم لا لعينه فلذلك
440

قال في الحديث حتى تطيب قال الأصحاب ولا يصح ضبطه بطلوع الثريا لان من البلاد ما يتأخر فيه
صلاح الثمر أو يتقدم بل البلد الواحد قد يتعجل في عام لاشتداد الحر ودوامه ويتأخر في آخر
لاشتداد البرد ودوامه وطلوع الثريا لا يختلف لأنها تطلع بعد ثمانية عشر يوما من بشنس قالوا وكذلك
اعتباره بالا كل لا يصح لان ثمار النخل تؤكل طلعا وبلحا والكرم يؤكل حصر ما وليس ذلك صلا حاله
ولا يصح اعتباره بالقوة لان قوة الثمرة قبل صلاحها وإذا صلحت لانت ونضجت وقد أشار الشافعي
رضي الله عنه إلى اختلاف بدو الصلاح في أجناس الثمار بقوله. وللحرير نضج كنضج الرطب فإذا
رأى ذلك فيه حل بيع حريره. والقثاء تؤكل صغارا طيبا فبدو صلاحه ان يتناهي عظمه أو عظم
بعضه (واعترض) عليه أبو بكر بن داود بأنه اما أن يكون الشافعي رضي الله عنه أراد ان يعلمنا أنه يحب
القصاء فلا فائدة في ذلك أو ان يعلمنا المحسوسات ولا يجوز أن يعلم الناس ذلك لأنهم يعلمونه ضرورة
(وأجاب) الأصحاب بان الشافعي قصد بهذا القول إن يفرق بين ما طعمه في الابتداء مخالف لما يكون في
النهاية وان القثاء بخلاف ذلك لأنه في ابتدائه وصغره طعمه كطعمه في حال كبره بخلاف بقية الثمار
فإنها تكون في ابتدائها حامضة أو مرة ثم تصير حلو وأكثر الأصحاب ل يذكروا البدو الصلاح ضابطا
كما فعل المصنف بل جعلوه مختلفا كما اقتضاه كلام الشافعي قال الماوردي وجلمة الثمار على ثمانية
أقسام (أحدها) ما يكون بدو الصلاح فيه باللون وذلك في النخل بالاحمرار والاصفرار وفي الكرم
بالحمرة أ السواد أو الصفاء والبياض (وأما) الفواكه المتلونة (فمنها) ما يكون صلاحه بالصفرة كالمشمش (ومنها)
441

ما يكون بالبياض كالتفاح (قلت) ومحل ذلك فيما يتلون عند الادراك بلون يخالف اللون السابق
وجعل القاضي أبو الطيب نوعا من التفاح يكون أخضر في حال كماله كما يكون في صغره قال فبدو
الصلاح فيه بطيب طعمه وحلاوته وكذلك جعل الشيخ أبو حامد العنب الأبيض وما قالاه ظاهر
(القسم الثاني) ما بدو صلاحه بالطعم فمنه ما يكون بالحلاوة كقصب السكر ومنه ما يكون بالحموضة كالرمان
فإذا زالت المرارة بالحموضة أو الحلاوة فقد بدا صلاحه (القسم الثالث) ما بدو صلاحه بالنضج
كلنين والبطيخ فإذا لانت صلابته بدا صلاحه وهذا معني قول غير الماوردي طيب أو الحلاوة العبارات
الثلاث متقاربة فان ذلك يحصل في وقت واحد وقال صاحب التتمة لما تكلم في البطيخ الخيار
والباذنجان حكمهما حم البطيخ الا في شئ واد وهو ان بدو الصلاح فيهما ليس ان يكبر ويتناهى لأنهما
لا يؤكلان في تبلك الحالة ولكن ان يصير إلى الحد الذي يقصد تناوله في تلك الحالة في العرف
والعادة فإذا كان في جملة الصفقة واحده قد بلغت الحد فهو وقت إباحة بيعه (الرابع) ما بدا صلاحه بالقوة
والاشتداد كالبر والشعير فإذا بدت قوته واشتد بدا صلاحه (الخامس) ما بدا صلاحه بالطول والامتلاء
كالعلف والبقول القصب فإذا تناهي طوله وامتلاؤه إلى الحد الذي يجذ عليه بدا صلاحه هكذا قال
الماوردي وسنذكر في آخر الكلام فرعا عن الامام في القرط وما في معناه من البقول يخالف ذلك
وما قاله الماوردي أولى لما سنذكر ونص الشافعي يدل لما قاله الماوردي والماوردي في اجازته بيع البقول
إذا بدا صلاحها من غير شرط القطع تابع للصيمري وقال ابن الرفعة متعذرا عن الماوردي في ذلك أن
442

القصب إذا انتهى إلى تلك الحال لا يبقى عرفا بل العرف قطعه فاكتفي به كما اكتفى به في التبيقة في
الثمرة لعدم (1) وهذا الاعتذار يقتضي ان القطع واجب وانا يترك شرطه اكتفاء بالعرف في ذلك
قال وفائدة ذلك أنه لو انتهى بعضه إلى هذا الحال جاز بيع جميعه من غير شرط القطع واستحق التبقية في
الباقي إلى أوان قطعه (السادس) ما بدو صلاحه بالعظم والكبر كالقثاء والخيار والباذنجان (السابع) ما بدو
صلاحه بانشقاق كمامه كالقطن والجوز فإذا تشقق جوز القطن وسقطت القشرة العليا عن جوز الاكل
بدا صلاحه ومقصود الماوردي من هذا انه إذا تشقق بعضه جاز بيع المشقق منه وغير المشقق إذا
نظمهما العقد وغيره كما تقدم وليس مراده ان يجوز بيعه قبل التشقق بشرط القطع لان ذلك ممتنع
لانتشاره وإنما سبق الكلام في المعني الأول (الثاني) ما بدو صلاحه بانفتاحه وانتشاره كالورد والنيلوفر
فإذا تفتح المنضم منه وانتشر فقد بدا صلاحه وورق التوت بدو صلاحه ان يصير كأرجل البط هكذا
قال عطاء والنخعي وجملة القول في بدو الصلاح ان تنتهي الثمرة أو بعضها إلى أدني أحوال كما لها هكذا
كلام الماوردي الا ما في ضمنه مما حكيناه عن غيره وما نقله في ورق التوت يوافق ما قاله صاحب
التهذيب فإنه قال إن بيع أوراق الفرصاد قبل تناهيها لا يجوز الا بشرط القطع وكذلك قال القاضي
حسين فلذلك رأى الرافعي ان يضبط حالة بدو الصلاح في هذه الأشياء بصيرورتها إلى الصفة التي
تطلب غالبا لكونها على تلك الصفة وهو موافق للضابط الذي قاله الماوردي وهو أسلم من ضابط
الماوردي فان الكمال بالمعني المذكور في باب الربا ليس مرادا ههنا واعتبار الماوردي أدني الأحوال أحسن

(1) بياض بالأصل
443

من عبارة الرافعي فإنه قد تكون الصفة المقصودة منه قالبا نهاية تلك الحالة أو وسطها ولا يعتبر في بدو الصلاح الا
أولها فينبغي أن يزاد هذا اللفظ في كلام الرافعي ليصير الضابط أو وضح مع أنه صحيح بدونها فان اللفظ منزل على
ذلك وقد حكى الروياني عن القاضي أبي حامد أنه قال في جامعه قد قيل ورق التوت يباع إذا خرج من
كمامه وبه يبدو صلاحه ثم نقل قول عطاء والنخعي المتقدم والله أعلم. وقد ظهر لك بما ذكرته أن قول المصنف
وبدو الصلاح في الثمار أن يطيب أكلها غير شامل لجميع أنواع بدو الصلاح إذ ليس فيه ذكر الورق
وكلام الشافعي رحمه الله تعالى في الام مصرح باعتبار بدو الصلاح في الحناء والكرسف والقصب
ظاهر اللفظ يرد عليه القثاء ونحوه فيجب أن يقال المراد ابتداء أكله المعتاد (فان قيل) البسر ليست
العادة أن يؤكل في أول احمراره أو اصفراره بل يؤخر إلى تناهيه ومع ذلك بدو الصلاح فيه أن يحمر ويصفر
كما صرح به الحديث ونص الشافعي قال امام الحرمين بين بدو الصلاح وبين الادراك وأوان القطاف
قريب من شهرين يعني فلأجل ذلك لا يشترط الغاية المطلوبة في الطيب (فالجواب) ما قاله الامام فإنه
أورد ما الذي أوجب الفرق بين القثاء والثمار وأجاب بأن لا فرق فان الزهو إذا ابتدأ الناس في الاكل
وقد يعقب تأخر المطعم إلى تمام الادراك كذلك القول في القثاء فان الصغار منه تبتدر ولكن عموم
الاكل يتأخر والذي يتناهي صغره لا يؤكل قصدا الا ان يتفق على شذوذ فرجع الحاصل إلى طيب
الاكل وابتداء الاعتياد فيه فعلامة ذلك في المتلونات التلون إلى جهة الادراك وفيما لا يتلون القوة وجريان
الحلاوة فأشار الامام إلى أن الذي لا يؤكل في العادة أصلا كالقثاء في حال تناهي صغره لم يبد صلاحه والذي
444

يؤكل في العادة بدا صلاحه وللاكل في العادة مراتب ابتداء ووسط وانتهاء والمعتبر ابتداؤها وهو حاصل
في البسر بالاحمرار دون القثاء في صغره وادخال المصنف الزرع في أصناف الثمر يشهد له قوله الله
تعالى (كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده) وكل ما ذكره المصنف واضح مما ذكرته الا
قوله أن صلاح العنب الأسود بأن يتموه والذي حكيته فيما تقدم من كلام الماوردي وهو الموجود في
كلام الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب ان صلاح العنب الأسود باسوداده وفي كلام الماوردي
أن الصلاح في الكرم بالتموه إلى الحمرة أو السواد والله أعلم. وقول المصنف رحمه الله تعالى في القثاء
حيث يؤخذ ويؤكل تنبيه على أن امكان الاكل موجود فيه من قبل ولكنه لا يؤخذ للا كل في
العادة وفي معني القثاء الخيار والباذنجان كما صرح به الروياني قال وفي الرمان بالحموضة أو الحلاوة وزوال
المرارة وفي الورد الانفتاح والانتشار.
(فرع) إذا باع أوراق الفرصاد مع الأغصان فان بلغ نهايته جاز من غير شرط ثم إن كانت
المقاطع معلومة فذاك والا بان يترك على الشحر سنة أو أكثر لم يجز ما لم يبين موضع القطع ويعلم عليه
علامة وكذلك إذا باع الأوراق وحدها قبل نهايتها بشرط القطع ولكن لا تقطع الأغصان معها قال
ذلك القاضي حسين.
(فرع) قال الشافعي والأصحاب إذا بدا صلاح ما خرج ما القثاء والبطيخ لم يجز بيع ما لم
يخلق منه تبعا لما خلق ووجب افراد العقد بالموجود وقال مالك يجوز بيع ما لم يخلق تبعا لما خلق لان
445

الحادث يختلط فدعت الضرورة إلى بيعه قبل وجوده تبعا وهي دعوى ممنوعة قال بعض الأصحاب
وطريق تحصيل ذلك أن يشترى هذا الشجر مع ثمرته وبدونها بشرط القطع ويستأجر منه الأرض
سنة أو سنتين فلا يملك مطالبته بالقطع.
(فرع) قال الشافعي رضي الله عنه ولا يجوز ان يستثني من الثمرة مدا وقسم الأصحاب
الاستثناء في البيع إلى أربعة أقسام (الأول) أن يكون الاستثناء معلوما والمبيع بعده معلوما وهذا على
ضربين مشاع ومحرز فالمحرز بعنك ثمرة هذه الحائط الا ثمرة هذه النخلات العشر بعينها فهذا جائز
بالاتفاق والمشاع بعتك ثمرة هذه الحائط الا ربعها صحيح أيضا ويكون المبيع ثلاثة أرباعها مشاعا وقال
الأوزاعي باطل لأنه بيع على شرط الشركة (والقسم الثاني) أن يكون الاستثناء مجهولا والمبيع بعده
مجهولا وهو ضربان مشاع ومخدود فالمشاع كقوله بعنك هذا الثمرة الا قوت سنتي أو قوت غلماني
باطل اتفاقا وما ورد من ذلك على ابن عمر رضي الله عنه محمول على أنه كان معلوما والمحدد كبيع الثمرة
الا عشر نخلات منها لا بعينها فهو باطل وقال مالك رحمه الله تعالى إن كان قدر ثالث الثمرة فما دون
جاز وكان له عشر نخلات وسط (والقسم الثالث) أن يكون الاستثناء معلوما والمبيع بعده مجهولا كقوله
بعتك هذه الثمرة الا صاعا منها فهو باطل وقال مالك جائز (والقسم الرابع) أن يكون الاستثناء مجهولا
والمبيع معلوما كقوله بعتك من هذه الثمرة مائة صاع والباقي لي فان علما ان فيها مائة صاع فصاعدا صح
ان أمكن كيل الثمرة وبطل ان لم يمكن كيلها ولا يصح الخرص فيها لان البيع بالخرص لا يجوز لأنه
446

تخمين وحدس وإنما يجوز في حق المساكين لأنه مواساة (قلت) الصحيح في العرايا انه لا يختص
بالمساكين والله أعلم وان لم يعلما أن في الثمرة مائة صاع كان البيع باطلا للجهل بوجود المبيع فلو كيلت
من بعد فكانت مائة صاع فصاعدا لم يصح البيع بعد فساده قال ذلك الماوردي وغيره من الأصحاب
ذكر الفرع ولكن لم يستوعبوا هذه الأقسام مبسوطة كاستيعابه والله أعلم.
(فرع) إذا باع ثمرة حائط بأربعة آلاف درهم إلا ما يخص ألفا منها قال الشافعي والأصحاب
يكون الاستثناء صحيحا لان ما يخص ألفا منها هو ربع الثمرة فان قال الا ما يخص قيمة ألف منها بسعر
اليوم لم يصح لأنه غير معلوم هكذا فرض القاضي أبو الطيب المسألة وهو غير ظاهر وقال الماوردي
فيها إن كان الاستثناء بسعر ما باع صح وإن كان بسعر يومه لم يجز ومراده ما قاله أبو الطيب وكلام
أبى الطيب أبين وأحسن.
(فرع) قال اشتريت منك هذا الثوب بهذه الدراهم الا خمسة دراهم لم يجز قاله الروياني ولو قال
بعتك قفيزا من هذه الصبرة الا مكوكا جاز لأنهما معلومان قاله الروياني.
(فرع) قال بعتك ثمرة هذا النخل إلا النوع المعقلي فان شاهد المعقلي المستثني وعلم قدره
صح البيع وان جهلاه فسد قاله الماوردي.
(فرع) باع شاة واستثني سواقطها قال في الصرف لا يصح وكذا إذا قال إلا رأسها ويديها
ولا فرق بين أن يكون البيع لمسافر أو لحاضر أو يكونا حاضرين أو مسافرين وبه قال أبو حنيفة
وقال مالك في حق المسافر يجوز قاله القاضي أبو الطيب.
447

(فرع) باع قطنا واستثنى حبه أو سمسما واستثنى كسبه أو شاة واستثنى جلدها كان البيع
في هذا كله باطلا قاله الماوردي.
(فرع) بيع الثمرة وفيها قدر مذكور في (1) ولكن يذكر هنا ما يتعلق بهذا
المكان وهو أنه لو قال بعتك الثمرة الا مقدار الزكاة يصح بشرط أن نذكر قدر الزكاة في البيع أهو
العشر أو نصف العشر وقال مالك يكتفى بالعلم به شرعا عن ذكره ورده أصحابنا فان أراد أن يدفع قدر
الزكاة من غير بلك الثمرة ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لأنه يحل محل البائع (والثاني) لا لأنه
كالوكيل فان استهلك المشترى الثمرة رطبا ففيما يطلب به من حق الزكاة وجهان (أحدهما) العشر
تمرا على الوجه الذي يجبر له دفع الزكاة من غيرها فيكون ذلك ضمانا لعشرها تمرا (والثاني) يطالب
بقيمة عشرها رطبا على الوجه الذي يمنع الزكاة من غيرها فعلى هذا ان نقصت قيمة عشرها
رطبا عن قيمة عشرها تمرا ففي الرجوع على البائع يفصل ما بينهما وجهان مخرجان من أن الزكاة وجبت
في الذمة أو في العين فعلى الأول يرجع وعلى الثاني لا يرجع عليه لزوال يده عن عين قال ذلك
الماوردي ولعل ذلك مفروض فيما إذا أمر البائع المشترى بأداء الزكاة وكذلك قاله الروياني نقلا
عن الماوردي.
(فرع) الزرع الذي يخلف كالقرط وما في معناه من البقول يكون متزايدا أبدا لا وقوف له
فإذا بيع منه جذة فلا بد من القطع ولا ينظر في هذا القسم إلى ما يقع في زمن العاهات دون

(1) بياض بالأصل
448

ولا إلى طيب الاكل لأجل الاختلاط قاله الامام وقد تقدم عن الماوردي ما يخالفه وقول الإمام انها لا تزال
لتزايده يمنع فان فرض كذلك فالامر كما قال كما سيأتي في كلام المصنف في بيع الثمار الذي يعلم اختلاطها.
(فرع) إذا اشترى الزرع الذي لا يخلف إما بعد بدو الصلاح وإما قبله شرط القطع وقد
ضننت تبقيته إما بعد بدو الصلاح وإما قبله باتفاقهما فالزيادة التي تحصل في الزرع للمشترى بالاتفاق
كنمو الثمرة إلى وقت اتفاق القطع وليست كزيادة الزرع المخلف قاله الامام والزرع الذي لا يخلف لو
قطع يملك المشتري ظاهره وعروقه المستترة بالأرض قاله الامام (قلت) فيجئ على ذلك أنه إذا حصد
وكانت عروقه تضر بالأرض كالذرة يجب على المشترى قلعها وتسوية الحفر الحاصلة بسببها كما تقدم
مثله إذا اشترى الأرض فإنه يجب على البائع ذلك وان لم يضر بالأرض لم يجب كما تقدم أيضا وسنذكر
في مسألة اختلاط الرطبة عن صاحب التتمة ما يخالف ما قاله الامام هنا إن شاء الله تعالى.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(فان وجديد والصلاح في بعض الجنس من حائط جاز بيع الجنس كله في ذلك الحائط لأنا لو قلنا لا يجوز
449

الا فيما بدا صلاحه فيه أدى إلى المشقة والضرر بسوء المشاركة ولا يجوز أن يبيع ما لم يبد فيه الصلاح
من جنس آخر ولا ما لم يبد فيه الصلاح في ذلك الجنس من حائط آخر لان المنع من ذلك لا يؤدي
إلى الضرر بسوء المشاركة فان بدا الصلاح في بعض الجنس في حائط فباع منه ما لم يبد فيه الصلاح
مفردا من غير شرط القطع ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لأنا جعلناه في حكم ما بدا فيه الصلاح فجاز افراده
بالبيع (والثاني) لا يجوز لأنه إنما جعل في حكم ما بدا فيه الصلاح تبعا لما بدا فيه الصلاح وما أجيز بيعه
تبعا لغيره لم بجز افراده بالبيع كالحمل).
(الشرح) في هذه الجملة ثلاث مسائل (إحداها) قال الشافعي رضي الله عنه والأصحاب إذا بدا
الصلاح في بعض الثمرة جاز بيع جميعها وذلك أن الله تعالى أجرى العادة بان الثمار لا تطيب دفعة واحدة
رفقا بالعباد فإنها لو طابت دفعة واحدة لم يكمل تفكههم بها وإنما تطيب شيئا فشيئا ولو اشترط في كل
ما يباع طيبه في نفسه لكان فيه ضرر فان العذق الواحد يطيب بعضه دون بعض وإلى أن الأخير
بتساقط الأول فكان يؤدى إلى أنه اما ان لا يباع واما أن يباع حبة حبة وفي كلا الامرين حرج ومشقة
وقد قال تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقال صلى الله عليه وسلم (بعثت بالحنيفية السمحة) وذكر
450

الشافعي رضي الله عنه في الام عن عطاء في الحائط تكون فيه النخلة فتزهى والحائط بلخ قال حسبه
إذا اكل منه فليبع ولا أعلم بين العلماء خلافا في أنه لاشتراط الصلاح في جميع المبيع وإنما اختلفوا في مقدار ما
يضبطونه به ومذهبنا ان يكفي بدو الصلاح في نخلة واحدة بل في بسرة واحدة ولا خلاف ان غير النخل من
الشجر حكمه حكم النخل. إذا عرفت هذه الجملة فقد قال الأصحاب إذا بدا الصلاح في بعض الثمرة
دون بعض نظر ان اختلف الجنس لم يكن بدو الصلاح في أحد الجنسين صلاحا في الجنس الآخر
حتى لو باع الرطب والعنب صفقة واحدة وبدا الصلاح في أحدهما دون الآخر وجب شرط القطع
في الجنس الذي لم يبد فيه لا خلاف في ذلك عندنا وقال الليث بن سعد يجوز ويكون ذلك صلاحا
لجميع أجناس الثمار في ذلك البلد. وان اتحد الجنس والنوع والبستان والصفقة والملك جاز البيع من
غير شرط القطع بلا خلاف وان اختلف شئ من هذه الأشياء ففيه صور (الأولى) ان
يختلف النوع كالمعقلي والبرني فيبيع النوع الذي بدا صلاحه والنوع الذي لم يبد صلاحه
من جنسه في ذلك البستان صفقة واحدة وفيه وجهان مشهوران في طريقتي العراقيين والخراسانيين
كالوجهين في نظير ذلك في التأبير (والأصح) عند الرافعي التبعية وان حكمه وحكم التأبير
451

واحد وذلك مقتضي اطلاق المصنف رحمه الله تعالى وهو قول ابن خيران وأبي على الطبري على
ما حكاه أبو الطيب عنهما وبه جزم البندنيجي فيما نقل عنه وهو الذي نص عليه الشافعي على ما حكاه
أحمد بن بشرى عن الاملاء أنه قال فيه إذا كان في حائط برني وعجوة وصيحاني فبدا صلاح جنس
جاز بيع الجميع (وأما) قوله في الصرف فإن كان نخلا وعنبا أو غيره وبد اصلاح صنف منه فلا يجوز أن يبيع
واحدا منهما بحاله فلا ينافيه فان معني هذا يفرده بالبيع ومعني الأول ان يبيع الأصناف جملة
فهذا النص المنقول عن الاملاء صريح لا يقبل التأويل لكن القاضي أبا الطيب قال إن
الصحيح الذي ذكره القاضي أبو حامد في الجامع ونص الشافعي عليه في البويطي
انه لا يكون بدو الصلاح في النوع الآخر لأنه قد نص ان الصلاح إذا بدا في الثمرة الصينية فإنه لا يكون
بدوا له في الثمرة الشتوية فكذلك في النوعين مثله سواء (قلت) ولا حجة في هذان لان الثمرة الشتوية
والصيفية يختلفان في الوقت اختلافا ظاهرا بعيدا والنوعان من الثمرة الواحدة متقاربان غالبا نهم ان فرض نوعان
أحدهما شتوي والآخر صيفي فينبغي أن يكون الامر كما قال القاضي أبو الطيب فانا إنما نعتبر بدو الصلاح لكونه
وقتا يغلب على الظن فيه أمنها من العاهة ولا شك ان بين صلاح الشتوية والصيفية من الزمان مالا
452

يوثق بذلك فيه وكلام الشافعي الذي قاله قال وصلاح الثمرة إذا احمرت أو اصفرت في الحائط نخلة واحدة
فقد جاز بيعه وإن كان بعضه شتويا وبعضه صيفيا فلا يجوز الا ان يبيع كل واحد منهما على حياله وظاهر
هذا الكلام انه في الجنس الواحد وأما حمله على الجنسين فبعيد وإذا كان في الجنس الواحد فلا وجه حينئذ
بأن يقال بأن بعض الأنواع تابع لبعض وإن كان بعضها شتويا وبعضها صيفيا لمختلفة نص الشافعي فاما
ان يقال إن ذلك شاهد لان اختلاف النوع يؤثر في قطع التبعية مطلقا كما قال القاضي أبو الطيب واما
ان يقال إنه يفرق في الأنواع بين ما يتقارب ادراكها فيحكم فيها بالتبعية وبين ما يتأخر فلا يحكم بل
لا ينظر إلى اختلاف الأنواع بل إلى تفاوت الزمان حتى لو كان نوع واحد معقلي مثلا منه ما يكون في
الصيف ومنه ما يكون في الشتاء لا يجعل أحدهما تابعا للآخر في الصلاح فهذا هو الأقرب لكلام الشافعي
المذكور والمعني والفقه يقتضيه كان المقصود هنا الامن من العاهة كما تقدم التنبيه عليه فالقول بان
اختلاف الأنواع لا أثر له وان اختلف الزمن مخالف لنص الشافعي في البويطي والحاقه بالتأبير غير
متجه لاختلاف المدرك في التأبير والقول بان اختلاف الأنواع مؤبر مطلقا مخالف لنصه المنقول عن الاملاء وهذا
الذي قلته يحسن أن يكون وجها ثالثا وبه يحصل الجمع بين النصوص التي نقلت عن الشافعي ويمكن
453

أن يحمل كلام الشافعي في الصيفي والشتوي على الجنسين ان لم يكن فيه ما يدفعه قال ابن أبي عصرون
وإذا كان في البستان جنسان يتباعد ادراكهما كالصيفي والشتوي وبدا صلاح الصيفي لا يتبعه الشتوي
والله تعالى أعلم. ومن العجب أن ابن خيران اختار فيما إذا أبر بعض الأنواع دون بعض أن غير المؤبر لا يتبع
المؤبر واختار أن النوع الذي لم يبد صلاحه يتبع الذي بدا صلاحه والقاضي أبو الطيب نقل ذلك عنه
في المسألتين وهو مشهور عنه في المسألة الأولى وقد قدمت الفرق بين التأبير وبدو الصلاح واختلاف
مأخذيهما فلذلك لا تناقض بين كلاميه وقال القاضي أبو الطيب انه ومن وافقه في مسألة بدو الصلاح
استدلوا بان هذه الأنواع تضم إل ما بدا صلاحه في الزكاة فمتى وجد منها وسقان ونصف ومن هذه التي
بدا صلاحها وسقان ونصف وجبت الزكاة قال وهذا الذي ذكروه ينتقض بما نص عليه الشافعي رضي الله عنه
من الثمرة الشتوية مع الصيفية فإنها لا تتبعها في بدو الصلاح وإن كانت تضم إليها في الزكاة فاطلاق
كلام المصنف رحمه الله تعالى يقتضي أنه لا فرق بين أن يختلف النوع أولا ولا فرق بين أن يختلف
الزمان أولا وقد علمت ما فيه والله أعلم. وقول المصنف ولا يجوز أن يبيع ما لم يبد فيه الصلاح من
جنس آخر قد قدمت أن ذلك لا خلاف فيه عندنا وان الليث بن سعد خالف فيه وردوا عليه بأنه
454

يلزمه بيع العنب قبل أن يسود وهو خلاف الحديث الصحيح (الصورة الثانية) أن يختلف البستان كما
إذا بدل الصلاح في جنس في بستان آخر فيه من ذلك الجنس لم يبد فيه الصلاح فباعهما
صفقة واحدة فالمشهور من المذهب انه لا يصح وان صلاح أحدهما لا يكون صلاحا للآخر وادعى القاضي
أبو الطيب أنه لا خلاف فيه وبذلك جزم الماوردي وجميع العراقيين ومال الإمام إلى خلاف ما قالوه
سيما إذا لم يتباعد وليس بينهما الا جدار ولأجل ذلك أثبت الغزالي في المسألة وجهين أخذا من تفقه
الامام وتبعه الرافعي وظاهر نص الشافعي يشهد لما قاله العراقيون فإنه قال في الام والحوائط تختلف
بتهامة وجد والسقيف فيستأخر أبار كل بلد بقدر حرها وبردها وما قدر الله من ابانها فمن باع حائطا منها لم
يؤبر فثمرته للمبتاع وان أبر غيره لان حكمه به لا بغيره ولذلك لا يباع منها شئ حتى يبدو صلاحه وان
بد اصلاح غيره وسواء كان نخل المؤجل قليلا أم كثيرا إذا كان في خطار واحدة وبقعة واحدة في غير خطار
فبدا صلاح واحدة منه حل بيعه ولو كان إلى جنبه حائط آخر له أو لغيره فبدا صلاح حائط غيره الذي
هو إلى جنبه لم يحل بيع ثمر حائطه بحلول بيع الذي إلى جنبه هذا كلام الشافعي رضي الله عنه وهو
صريح بعدم التبعية إذا اختلف البستان والملك وظاهر في عدم التبعية عند اختلاف البستان وحده وان
455

كان قد اقتصر على قوله حائط غيره ففي كلامه المذكور موضع ترشد إلى اطراد الحكم في حائطه الآخر
والله أعلم. فإذا قلنا بالمشهور فباعها فيجب اشتراطها فيجب اشتراط القطع في الذي لم يبد صلاحه فان باعها على
الاطلاق بطل فيما لم يبد صلاحه وفي الذي بدا صلاحه قولا تفريق الصفقة قاله الماوردي فاما إذا أفرد
البستان الذي لم يبد صلاحه بالبيع وقد بدا الصلاح في الذي إلى جانبه فقد تقدم أن كلام الرافعي
رحمه الله يقتضي جريان خلاف فيه ولم أقف عليه لغيره وصرح جماعة بالجزم بخلافه وقال الامام انه رأى
الطرق متفقة على خلافه وأن ذلك يشير إلى ما ذكره العراقيون من اعتبار اتحاد البستان (الصورة الثالثة)
ان تختلف الصفقة مع اتحاد البواقي كما إذا بدا الصلاح في نوع فباع من ذلك النوع في ذلك البستان ما لم يبد
صلاحه منفردا من غير شرط القطع ففيه وجهان مشهوران في طريقتي العراقيين والخراسانيين وبعضهم
يقول قولان (أحدهما) يجوز من غير شرط القطع لما ذكره المصنف (والثاني) وهو الصحيح عند
القاضي أبي الطيب وابن أبي عصرون والرافعي انه لا يصح ورتب القاضي حسين هذين الوجهين على
الوجهين فيما إذا جمع النوعين صفقة واحدة (وان قلنا) هناك لا يستتبع فههنا أولى والا ففيه وجهان.
(فرع) قال بعتك هذا بكذا وهذا بكذا فالظاهر أن الحكم كذلك نظرا لتفصيل الثمن
456

وجوز ابن الرفعة ان يأتي فيه وجه بالجزم بالصحة كما هو وجه أيضا فيما إذا قال بعت هذا بدرهم أجرتك
هذا بآخر فقال المخاطب قبلتهما نظار إلى الجمع في القبول (الصورة الرابعة) ان يختلف الملك مع اتحاد
الجنس والنوع والبستان قيل يجوز لمن لم يبد الصلاح في ملكه لأجل اتحاد البستان فان طباعه
واحدة وقد بدا الصلاح في ذلك النوع في الجملة أو لا يجوز نظرا إليه في نفسه فيه وجهان وقد علمت
في الصورة الثالثة ان الصحيح عدم الصحة لأجل افراد ما لم يبد صلاحه بالمبيع والمالك واحد فههنا
أولى بعد الصحة قال الرافعي رحمه الله تعالى وقياس ذكر الوجهين ههنا عند اتحاد البستان واختلاف
الملك أن يكونا في التأبير كذلك وان لم يجر لهما ذكر والظاهر أنه لا يعتبر في الموضعين اتحاد الملك
(الصورة الخامسة) ان يختلف البستان والنوع مع اتحاد البواقي فمقتضي كلام الرافعي اثبات خلاف
في ذلك ولم أره لغيره وكيف ما كان فالصحيح عدم التبعية عند تعدد البستان فعند تعدد البستان
والنوع أولى (الصورة السادسة) أن يختلف البستان والنوع والصفقة فيفرد النوع الذي لم يبد
صلاحه من أحد البستانين اعتمادا على بدو الصلاح في النوع الآخر من البستان الآخر الذي لم يبلغه
457

فمقتضى كلام الرافعي اثبات خلاف فيه أيضا ولم أره وهو في غاية البعد وقال الامام انه لم يختلف
علماؤنا فيه فلا يقال الوقت وقت بد الصلاح فتجعل الثمار المبيعة كأنها مزهبة هذا الا قائل به وكأنه أوجب
للرافعي ذلك اجمال الكلام وعدم افراد كل صورة بالذكر والله أعلم (الصورة السابعة) ان يختلف
البستان وتتعدد الصفقة مع اتحاد البواقي وقد تقدم ذكرها في آخر الصورة الثانية فهذه سبع صور
وقبلها صورتان وإذا اتحد الجميع واختلف الجنس فتصير تسعا (وأعلم) ان الصورة الممكنة من الاختلاف في
ذلك ستة عشر هذه التسع المذكورة وسبع أخرى وهي العاشرة (الأولى) ان يتحد الجميع (الثانية) ان
يخلف الجنس (الثالثة) ان يختلف النوع (الرابعة) ان يختلف البستان (الخامسة) ان تختلف الصفقة
(السادسة) ان يختلف الملك (السابعة) ان يختلف النوع والبستان وهذه السبع تقدمت (الثامنة) ان يختلف
النوع والصفقة فيبيع صاحب البستان نوعا لم يبد صلاحه منفردا اعتمادا على بدو الصلاح في
نوع آخر عنده وقد تقدم ان الصحيح عند تعدد الصفقة وحدها عدم التبعية فههنا أولى ولا يبعد ان
يجرى فيها خلاف إذا جعلنا النوعين كالنوع الواحد واطلاقهم يقتضي ذلك لكن الفوراني جزم بأنه
458

لا يكون حكمه حكم المؤبر وكذلك يقتضيه كلام الغزالي في البسيط وقد تقدم في التأبير بحث في اثبات
الخلاف فلينظر هناك (التاسعة) ان يختلف النوع والملك مع اتحاد الصفقة كما إذا باع عن
نفسه نوعا وعن موكله نوعا في بستان واحد بدا صلاح أحدهما ولم يبد صلاح الآخر وقلنا إن الصفقة
لاتعدد وفرعنا على أن مثل هذا مبيع يصح فهل يصح من غير شرط القطع اعتمادا على أن الصفقة
واحدة أولا اعتمادا على تعدد الملك لم أر فيه نقلا (العاشرة) ان يختلف البستان والصفقة فيفرد
الشخص من بستان له بيع ما لم يبد صلاحه اعتمادا على بدو الصلاح في ذلك النوع من بستان له
آخر وقد نقدم (الحادية عشرة) ان يختلف البستان والملك فيبيع شخص عن نفسه نوعا من بستانه
وعن موكله في ذلك النوع من بستان آخر وقد بدا الصلاح في أحدهما دون الآخر وفرعنا على صحة
مثل هذا البيع فلم أر في ذلك نقلا (الثانية عشرة) ان تخلف الصفقة والملك فيبيع ما لم يبد صلاحه اعتمادا
على بدو الصلاح في ملك غره من ذلك النوع في ذلك البستان ولم أر فيه نقلا (الثالثة عشرة) أن
يتحد النوع مع اختلاف الثلاثة فيفرد نوعا اعتمادا على بدو الصلاح في نوع آخر من بستان غيره
459

فان صح ما تقدم عن الرافعي في إفراد أحد البستانين فلا يبعد ان يأتي في هذه الصورة أيضا خلاف
والصحيح المنع (الرابعة عشرة) أن يتحد البستان مع اختلاف الثلاثة فيبيع نوعا اعتمادا على بدو الصلاح
في نوع آخر من ملك غيره في ذلك البستان ولا يبعد مجئ خلاف فيه والصحيح المنع (الخامسة عشرة)
أن تتحد الصفقة مع اختلاف الثلاثة (السادسة عشرة) ان يتحد الملك مع اختلاف الثلاثة ولم أر فيهما نقلا ولا
يخفي تخريجهما على ما تقدم والله أعلم. والمذهب في جميع الصور عدم التبعية الا فيما إذا اتحد الجميع
فيصح بلا خلاف أو اختلف النوع فقط وفي التصحيح خلاف كما تقدم وبقية الصور كلها لابد من شرط
القطع فيما لم يبد صلاحه اما جزما أو على المذهب والله أعلم (فائدة) النظر في هذه المسائل كلها
هل هو لسوء المشاركة أو لعسر التمييز كلام الجمهور يقتضي الأول ولا فرق في جميع ما ذكرناه بين الثمار
والزروع وإن كان كثير من الأصحاب إذا تكلموا إنما يذكرون البستان والثمار فليس الا على جهة ذكر
بعض افراد المسألة وممن صرح بذلك صاحب التتمة قال إنه إذا اشتد بعض السنابل كان كالثمار إذا
بدا الصلاح في بعضها لكنه فرض ذلك فيما إذا تسنبل جميع الحب والظاهر أن ذلك منه ليس على
460

سبيل الاشتراط فإنه لو تسنبل بعض الحب واشتد وبعضه إلى الآن بقل فقياس المذهب ان يبيع
ويحتمل ان يقال يجري فيه الخلاف فيما إذا أطلع بعد البيع هل يبيع المؤبر حالة البيع. ولو باع البطيخ
على أصوله بعد بدو النضج والادراك جاز مطلقا وبشرط التبقية كالثمار حتى لو أدرك بطيخة واحدة من
جملة الأرض التي زرع فيها البطيخ وباع الجميع جاز ويدخل في العقد كل ما هو موجود من ثمرة ويترك
حتى يلتحق الصغار بالكبار قاله صاحب التتمة. ولا يجوز بيع الجزر والفجل والسلق في الأرض لاستتاره
وجهالته ويخالف الغائب لأنه لا يمكن الاطلاع عليه الا بالقلع وذلك عيب فيه قاله في التتمة وغيرها وقد
تقدم. ويصح بيع القبيط في الأرض بشرط القطع ان لم يكن بلغ الحد الذي يقصد تناوله فيه وان بلغه
فيجوز مطلقا وبشرط التبقية يترك حتى تلتحق الصغار الكبار كالخيار والباذنجان لان ما هو المقصود
منه ظاهر وإنما المستتر بالأرض عروقه وهي غير مقصودة قاله في التتمة. والسلجم إن كان المعظم منه
ظاهرا فكالقبيط وإن كان في الأرض فكالفجل والسلق قاله في التتمة أيضا.
(فرع) إذا باع شيئا من ثمرة البطيخ والقثاء والخيار والباذنجان وما أشبه ذلك منفردا عن
461

الأصل نظرت فإن كان قبل بدو الصلاح فيها لم يجز الا بشرط القطع وإن كان بعد بدو الصلاح في
بعض الجنس جاز بيع جميع ذلك الجنس في ذلك القداح من غير شرط القطع لأنه في معني ثمرة
الشجرة فكان حكمه في ذلك حكمها قاله في الاستقصاء.
(فرع) ولا يجوز في شئ من ذلك أن يبيع ما ظهر من الثمرة أو الورد وما يظهر بعد ذلك
في سننه وبه قال أبو حنيفة وأحمد وقال مالك يجوز.
(فرع) لا خلاف انه لابد من وجود الصلاح في شئ وقول الغزالي اتفقوا على أن وقت بدو
الصلاح كاف محمول على ذلك وكذلك المراد في إقامة وقت التأبير مقام التأبير ونهت على ذلك
لئلا يتوهم من اعتبار الوقت انه لا يشترط وجو الصلاح بعد حضور وقته ولا قائل به وإنما أطلق الغزالي
هذه العبارة لان العادة ان الوقت إذا حضر فلابد ان يوجد في بعض والله أعلم.
462

(فرع) إذا كان بستانان فيهما زرع واحد فبدا الصلاح في أحدهما قال العبدري فإنه
لا يكون صلاحا في الآخر ويصح افراد هذا بالبيع دون الآخر لا يختلف المذهب فيه هذا قول العبدري
في الكفاية وذكر ذلك بيانا لحكم مثله في النخل فإن كان عنده أن النخل أيضا لا يختلف فيه فهو
المشهور الموافق لطريقة العراقيين كما تقدم وإن كان هذا في الزرع بخصوصه فيحتاج إلى فرق والله أعلم.
(فرع) قد تفهم من كلام بعض الأصحاب أن منهم من قال باعتبار وقت بدو الصلاح أو
وقت التأبير ويجعل ذلك بمثابة التأبير نفسه ومعني ذلك أنه إذا اتحد النوع واختلفت الصفقة أو
بالعكس مع حصول التأبير في الجملة أما اعتبار الوقت من غير تأبير أصلا فهذا لم يقل به أحد من أصحابنا
وكذلك في بدو الصلاح والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(إذا ابتاع زرعا أو ثمرة بعد بدو الصلاح لم يكلف قطعه قبل أوان الحصاد والجذاذ لان العادة فيها
تركها إلى الحصاد والجذاذ فلم يكلف نقله قبله كما نقول فيمن اشترى متاعا بالليل أنه لا يكلف نقله الا
بالنهار فان احتاجت الثمرة أو الزرع إلى السقي يلزم البائع ذلك لأنه يجب عليه تسليمها في حال الجذاذ
والحصاد وذلك لا يحصل الا بالسقي فلزمه).
463

(الشرح) اتفق الأصحاب على أنه يجب على البائع التخلية إلى أوان الحصاد في الزروع
والجذاذ في الثمر والمخالف في هذه المسألة أبو حنيفة رضي الله عنه لأنه يقول بيع الثمرة مطلقا ينزل على
القطع ويجب قطعها في الحال وقد تقدم الكلام معه قريبا فاغني عن اعادته وبينا أيضا فيما تقدم
ما يعتبر من العادة مالا يعتبر من العادة ومن جملة ما تمسكوا به مما يحسن ذكره هنا ان موجب الشرع
تفريغ ملك البائع وأجاب أصحابنا بان أصل التفريغ مقول به وكيفيته تتلقى من العرف بدليل ما ذكره
المصنف رحمه الله تعالى من أن من اشترى طعاما أو متاعا بالليل لا يكلف نقله الا في النهار وأما السقي فجمهور
جماعات الأصحاب أوجبه على البائع وجعلوه من تمام التسليم وقطع بذلك جماعات وقال القاضي حسين
فيه وجهان (أحدهما) على المشترى لان الثمرة له (والثاني) على البائع لان متصل بملكه قال ويمكن ان
يقال فيه وجهان بناء على ما لو اصابتها جائحة بعد التسليم (ان قلنا) يتلف من ضمان المشترى فالسقي عليه
وان قلنا من ضمان البائع فالسقي عليه (قلت) وكذلك الشاشي في الحلية حكى الوجهين في وجوب السقي
على البائع وجعل أصلهما القولين في وضع الجوائح لكن المذهب الجديد انها من ضمان المشترى
464

والمذهب ان السقي عل البائع وهو من جملة ما يستدل به للقديم كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى وقد
أطلق الأصحاب وجوب السقي فينبغي أن يكون ذلك إذا باعها مطلقا أو بشرط التبقية (أما) إذا باعها
بشرط القطع بعد الصلاح أو قبله فلا ويؤيد ذلك أنهم في وضع الجوائح حكوا طريقة قاطعة عن القفال
فيما إذا باعها بشرط القطع انها من ضمان المشترى قالوا إذ لا يجب السقي على البائع هنا فالاستدلال
بهذا وعدم رده يدل على أنه محل وفاق لكن لنا طريقة أخرى هناك قاطعة بأنها من ضمان البائع وطريقة
وهي الأظهر عند الرافعي انها على القولين فيحتمل أن يكون أصحاب هاتين الطريقين يوجبون
السقي أيضا وهو بعيد لأنه لم يلتزم له الابقاء فينبغي أن تكون صورة شرط القطع مستثناة من وجوب
السقي ويتعين القطع بهذا لأنه له المطالبة بالقطع فكيف نوجب عليه السقي الا ان يقال إنه يجب عليه
السقي في مدة طلب القطع إذا خيف من تركه الفساد لأنه من تتمة التسليم وهذا بعيد أيضا كما لو اشترى
حيوانا ولم يقبضه لا يجب على البائع في مدة طلبه بالتسليم القيام به ولا يجب على البائع نصب الناطور
كما سيأتي التنبيه عليه في مسألة وضع الجوائح.
(فرع) إلى متى ينتهى الزمان الذي يجب فيه السقي يجئ من مقتضى كلام القاضي
حسين والامام وغيرهما على ما سنحكيه في مسألة وضع الحوائج ثلاثة أوجه (أصحها) انه إلى أوان الجذاذ
(والثاني) يتأخر بعد ذلك زمانا لا ينسب المشترى فيه إلى توان بترك الثمار على الأشجار (والثالث)
بنفس الجذاذ وهذا لم يصرحوا به في السقي ولم يذكره الامام وإنما ذكره القاضي حسين في وضع
الجوائح وسيأتي ذلك مبينا هناك.
465

(فرع) لو شرط السقي على المشترى بطل البيع لان السقي مجهول نص عليه الشافعي
والأصحاب وعلله بعضهم بان السقي مجهول وعن القاضي أبي حامد انه ولو كان معلوما أبطلناه أيضا من قبل
انه بيع وجارة في أولى قوليه (قلت) وهذه علة الشافعي رحمه الله تعالى قال الخوارزمي والجذاذ على
المشترى على الأصح (قلت) وما أشار إليه من الخلاف يمكن بناؤه على الخلاف الذي سنذكره في
نهاية وضع الجوائح هل هو بوقت الجذاذ أو بنفس الجذاذ (ان قلنا) بالأول فعلى المشترى (وان قلنا)
بالثاني فعلى البائع لأنها لا تصير مسلم الا به.
(فرع) قال الشيخ أبو محمد في السلسة إذا اشترى ثمرة على رؤس الشجر بعد بدو الصلاح
فتركها عليها لي أوان الجذاذ فانقطع ماء الوادي فان ضر بقاء الثمرة بالشجرة لم يجبر صاحب الشجرة
على ترك الثمرة عليها وان لم يكن على الأشجار ضرر في التبقية ولا للثمار نفع في التبقية ولا ضرر على
الثمار بالقطع ولو تركت على الأشجار لم تزد على حالها ولو قطعت لم ينقص القطع شيئا من قيمتها
فطالب البائع المشترى بقطعها فهل يجبر على القطع فعلى قولين ينبنيان على ما إذا أسلم في شئ إلى أجل معلوم
فجاء به قبل المحل وليس في قبضه مزية فهل يجبر عل قبوله فعلى قولين (فان قلنا) لا يجبر على القبول فلا يجبر
المشترى على قطع الثمرة هنا والا فيجبر وهذا محمول على ما إذا حصلت هذه الحالة قبل أوان الجذاذ وعلى
ما إذا علم عدم عود الماء وعدم الانتفاع بالماء (اما) إذا توقع النفع فلا يجبر المشترى على القطع ومن
466

هنا أيضا نأخذ ان مجرد انقطاع من غير حصول عيب ولا ضرر لا يثبت خيارا للمشترى وان ما سيأتي
من كلا الصيد لأني في ذلك محمول على ما إذا كان الانقطاع يحصل به ضرر وقد تقدم من كلام الامام فيما
إذا باع أصلا وعليه ثمرة للبائع.
(فرع) قريب من هذا فيما إذا أصابت الثمار آفة بحيث لا نمو أو لا فائدة في تبقيتها هل
للبائع تبقيتها.
(فرع) باع الجمد في المجمد وكان طوله وعرضه وعمقه معلوما صح ويسلم بحسب الامكان وفيه
وجه ان يلزمه تسليما على العادة بأخذ الجمد منه كل يوم وقرا أو وقرين أو ثلاثة قال القاضي حسين
(والصحيح) الأول وقاسه على الدار والسفينة المشحونتين وقال الخوارزمي (الأصح) عندي انه لا يجب
تفريغها في الحال بل على مر الأيام على عادة تفريغ المجامد فعلى ما قاله القاضي حسين قد يورد هذا
الفرع اعتراضا على كلام المصنف قال القاضي وكذلك من اشترى حمل حطب فإنه يجب تسليمه في
موضع البيع ولا يلزمه حمله لأي بيته وإن كانت العادة قد تقضي بذلك
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(وإذا اشترى ثمرة على الشجر فلم يأخذ حتى حدث ثمرة أخرى واختلطت ولم تتميز أو اشترى
حنطة فلم يقبض حتى انثالت عليها حنطة أخري ففيه قولان (أحدهما م) ينفسخ البيع وهو الصحيح لأنه
تعذر التسليم المستحق بالعقد فان البائع لا يلزمه تسليم ما اختلط به من ماله فان رضى البائع بتسليم ماله
لم يلزم المشترى قبوله وإذا تعذر تسليم المعقود عليه بطل العقد كما لو تلف المبيع (والثاني) لا ينفسخ لأن المبيع
باق وإنما انضاف إليه زيادة فصار كما لو باع عبدا فسن أو شجرة فكبرت فان قلنا لا ينفسخ قلنا
للبائع ان سمحت بحقك أقر العقد وان لم تسمح فسخ العقد).
467

(الشرح) هذا الفصل معقود لحكم اختلاط الثمار وألحق به ما في معناه من اختلاط المبيع
بغيره وذلك على مراتب (المرتبة الأولى) وعليها اقتصرت في هذه القطعة من كلام المصنف أن تكون
الثمرة مبيعة فنخلط بغيرها وذلك اما فيما يحمل حملا واحد أو كان قد اشترى ما ظهر
منها إما بعد بدو الصلاح مطلقا أو قبله بشرط القطع ولم يتفق القطع ثم حدثت ثمرة أخرى فان الثمرة الحادثة
لصاحب الأصل فإذا كان ذلك قبل ان يلقط المشترى ثمره واختلطت الحادثة بالثمرة المبيعة فإن كانت
تتميز بالكبر والصغر أو نحو هما فان للمشترى المتقدمة وللبائع الحادثة نص عليه الشافعي والأصحاب رضي الله عنه
م من العراقيين والخراسانيين. وان لم تتميز أو اشتريت حنطة فلم تقبض حتى انثالت عليها حنطة
أخرى وكانت كل واحدة منهما غير معلومة القدر أو ما أشبه ذلك ففيه قولان اتفقت الطرق على
حكايتهما (أحدهما) ينفسخ البيع لما ذكره المصنف والمراد بالتسليم المستحق ما يجبر البائع عليه واما التسليم في
ضمن الجميع فلا يجبر البائع عليه ولو سمح به لا يجبر المشترى على قبولها كما لا يجبر على قبض ما اشتراه وعين
أخرى وإذا ثبت ان المشترى لا يجبر المبتاع على القبض نقول البيع باطل وهذا القول منقول عن
نصه في الام والاملاء على مسائل مالك رحمه الله فلو قال البائع إنما اسمح بحقي فلا اثر لذلك على هذا القول
والقول (الثاني) نقله الربيع وهو اختيار المزني انه لا ينفسخ وقال الغزالي والرافعي في المحرر انه الأظهر وكذلك
الجرجاني لما ذكره المصنف ولان الاختلاط بمنزلة العيب فإذا سمح البائع بتسليمه كان كزوال العيب
فيسقط خيار المشترى قال هؤلاء والتسليم غير متعذر فإنه يقبضه أكمل ما كان كما لو أسلم في طعام
جيد فأعطى أجود مما ذكروه وأردأ منه ومع ذلك يجب على المسلم قبوله وإنما لا يجب التسليم في العين
المضمومة إلى المبيع إذا كانت متميزة يمكن التسليم على الانفراد وقد قال المصنف رحمه الله ان الصحيح
468

الأول وكذلك قال القاضي أبو الطيب والشاشي وابن ألي عصرون وعن صاحب التقريب حكاية قول
ثالث ان العقد لا ينفسخ ولا خيار ويجعل الاختلاط قبل القبض كالاختلاط بعده واستبعده الامام وحكاه
الجوزي عن أبي سلمة والمروزي وحكى الروياني طريقة انه في مسألة الحنطة قبل القبض يبطل البيع
قولا واحدا لان الشافعي جعلها دليل أحد القولين في اختلاط الثمار قال وهذا أوضح (واعلم) ان ما ذكره
في تعليل كل من القولين يقتضي ان التسليم لم يوجد ومن المعلوم أن القبض في الثمار بالتخلية لكن
وان قلنا قبضها بالتخلية فليس ذلك بقبض تام فان البائع يجب عليه سقيها على المشهور من المذهب
فالتسليم التام إنما هو حين الجذاذ وشبه جماعة من الأصحاب رضي البائع بترك حقه بالاعراض عن
النعل فيما إذا اشترى دابة ونعلها ثم اطلع على عيب قال الامام ومسألة النعل ليست خالية عن خلاف
وهذه التي نحن فيها أولى بالخلاف من تلك فان الزام المشترى بطوق منه البائع فيه بعد وفي هبة
المجهول غوائل فالمسألة إذا مختلف فيها فان أجبرنا المشترى سقط خياره والا فهو على تخيره وقد حكى
الروياني فيما إذا انسالت حنطة على الحنطة المبيعة وسلم البائع الكل إلى المشترى وجهين في اجبار
المشترى على القبول وفيه تصريح بمساعدة الامام لكنه لم يحك خلافا في مسألة الثمرة ومع حكايته الوجهين
في الاجبار في مسألة الحنطة قال إنه لاخيار للمشترى وهذا كلام متيح والصواب أنا إذا لم نجبر المشترى
على القبول فخياره باق وانه لا فرق في ذلك بين الثمار والحنطة وقد صرح الامام في باب الخراج
بالضمان بالوجهين في الاجبار في هبة الضمان وقال إن الاقيس عدم الاجبار على القبول وحكى الرافعي
رحمه الله تعالى الوجهين هنا وقال إن الأصح سقوط خيار المشترى كما في مسألة النعل وقول
المصنف في الثمرة فلم يأخذ وفي الحنطة فلم يقبض له معني انبه عليه عن قرب وقوله حتى انثالت عليها
469

حنطة أخرى هو باطلاقه شامل لما إذا كانا معلومي القدر أولا لكن صوره المسألة فيما إذا لم يكونا معلومي
القدر على ما سيأتي التنبيه عليه في فرع عن الماوردي وقول المصنف رحمه الله تعالى (فان قلنا)
لا ينفسخ قلنا للبائع إن سمحت بحقك أقرى العقد وأجبرنا المشترى على القبول كذلك
صرح به الأصحاب الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وغيرهما وقد تقدم عن الامام ما فيه (وقوله) وان لم
يسمح البائع فسخ العقد أي يفسخه الحاكم بينهما كذلك صرح به الأصحاب منهم الماوردي والقاضي
أبو الطيب ولا يقال للمشترى ههنا أنكر تسليم المبيع والثمن جميعا إلى البائع لئلا يفوز البائع بالعوض والمعوض
وما ذكره المصنف من انفسخ عند امتناع البائع كالمتفق عليه بين الأصحاب على هذا القول وفي
تعليق القاضي حسين أنه يفصل الخصومة بينهما بالتداعي وهو يوافق ما تقدم عن صاحب التقريب.
(فرع) لو انثال على الحنطة المبيعة بعد قبضها حنطة أخرى فالبيع صحيح وهما مالان اختلطا
فان اصطلحا على شئ كان القول قول من الشئ في يده في قدر ما لصاحبه قال أبو إسحاق وصورته
أن يكون المشترى ترك الطعام وديعة عنده فاختلط وأما في مسألة الثمرة فالقولان جاريان سواء
اختلطت الحادثة بالخارجة بعد القبض بالتخلية أم قبله وقال المزني رحمه الله تعالى إنما القولان في
المسألتين قبل القبض فإن كان بعد القبض فالبيع صحيح فيهما قولا واحدا وغلطه الشيخ أبو
حامد وفرق هو والأصحاب بأن الطعام إذا قبض استقر العقد والثمرة ان قلنا بالقول الجديد انها
من ضمانه فان كمال القبض فيها على البائع بدليل ان عليه السقي وبدليل انها لو عطشت كان للمشترى
الخيار (قلت) ولهذا المعني قال المصنف في الثمرة فلم يأخذ وفي الحنطة فلم يقبض فلم يأت في الثمرة بلفظ
القبض بل بلفظ الاخذ والمراد به أخذها من على الشجرة واما القبض فمتقدم على ذلك
470

وان اختلطت الثمار بعد الجذاذ أو في الجرين أو غيره لم ينفسخ قولا واحدا وإنما القولان بعد التخلية لان
القبض لم يستقر ألا ترى ان الثمرة إذا عطشت ولم يتمكن البائع من السقي كان للمشترى ردها
بالعيب قاله القاضي أبو الطيب وغيره وهذا منهم بناء على الصحيح المشهور انه يجب على
البائع السقي وقد حكمي القاضي حسين رحمه الله فيه وجهين وبناهما على أن الحاجة من ضمان
البائع أو من ضمان المشترى وهو غريب في النقل ومثله في الغرابة ما ارتضاه الامام والغزالي من أن
الاختلاط في الثمار بعد التخلية مبني على وضع الجوائح (فان قلنا) توضع كان كما قبل القبض والا
فيتفاصلان بالخصومة أو الاصطلاح فعلى ذلك لا يأتي على الجديد الا ان البيع صحيح قولا واحدا كما ذهب
إليه المزني وهو خلاف ما أطبق عليه العراقيون فقد تلخص في اختلاط الثمار اه إن كان قبل التخلية
جرى القولان باتفاق الطرق وقياس الطريقة التي قالها الروياني في الحنطة ان يقال هنا انه يبطل
قولا واحدا وإن كان بعد الجذاذ فالبيع صحيح قطعا وإن كان بعد التخلية وقبل الاخذ فالمشهور
وهو طريقة العراقيين جريان القولين كما قبل التخلية واختار المزني والامام الغزالي على الجديد
أنه كما بعد الجذاذ فالمصنف حينئذ جرى على طريقة العراقيين وهي الصحيحة وممن اختارها القاضي
حسين من الخراسانيين وقد أغرب المتولي فحكى في كتاب الرهن أنه لا فرق في جريان القولين في
مسألة الحنطة بين ما قبل القبض وبعده وهذا ضعيف جدا ويلزمه طرد ذلك في الثمار بعد الجذاذ.
(فرع) لو باع الحنطة منه مكايلة وسلمها إليه جزافا ثم اختلطت بحنطة للبائع قال القاضي
حسين يخرج على القولين (فائدة) إذا انتهى الامر إلى الخصومة وقبول قول ذي اليد قال
الامام سبيله في الخصومة أن لا يتعرض للبيع فإنه إذا ادعي بيعا في الصاعين فسينكره البائع ثم برجع
الكلام إلى اختلاف المتبايعين في قدر المبيع.
471

(فرع) اليد في الثمار بعد التخلية وقبل القطاف للبائع أو للمشترى أولهما ثلاثة أوجه
نقلها الإمام قال ابن أبي الدم ومقتضاه أنا متى جعلنا الثمار في يد واحد فالقول قوله (وان قلنا) إنها
في يدهما فلم يذكر الامام ولا الغزالي ما يقتضيه هذا الوجه ومقتضاه أن يقسم القدر المتنازع بينهما نصفين
ولكل منهما تحليف صاحبه وفي كيفيته وجهان كالوجهين في عين في يد رجلين كل منهما يدعى جميعها
(أحدهما) يحلف على استحقاقه النصف الذي يسلم إليه (والثاني) على استحقاقه الكل والأول أصح
وهذه المسألة مذكورة في الدعاوي.
(فرع) قد تقدم حكاية الخلاف في التصحيح في هذه المسألة وان الغزالي والرافعي قالا
إن الأظهر عدم الانفساخ وفيه نظر لأنهما يوافقان على أنه لو باع الثمرة التي يغلب تلاحقها ان البيع
لا يصح فإن كان التلاحق الطارئ غير مانع من التسليم بل هو عيب فينبغي أن لا يبطل في صورة
العلم بطريانه وإن كان مانعا من التسليم فينبغي إذا طرأ قبل القبض ينفسخ العقد كتلف المبيع.
(فرع) قد تقدم أنه على القول بعدم الانفساخ يقال للبائع إن سمحت بحقك أقر العقد كما
قال المصنف وهكذا هو في مختصر المزني وقال إن البائع بالخيار والغزالي والرافعي لم يذكرا ذلك وإنما
قالا إنه يثبت للمشتري الخيار قال الرافعي فان قال البائع اسمح ففي سقوط خيار المشتري وجهان والمفهوم
من إثبات الخيار للمشترى أنه إذا لم يسمح البائع فالمشترى يفسح وقد قدمت عن أبي الطيب وغيره
أن الفاسخ هو الحاكم وأيضا قياس قول الرافعي ان ذلك من باب العيون فيكون على الفور الا أن
472

يسقطه البائع بترك حقه فلو لم يفعل وأخر المشترى الفسخ سقط حقه وهو خلاف ما يفهم من كلام
الأصحاب (فائدة) قال الامام ولو اعترفا والاختلاط بعد القبض بالالتباس ورضيا بأن لا يفسخ
العقد رجع الكلام إلى الوقف والاصطلاح فقوله ورضيا بأن لا يفسخ العقد لا حاجة إليه لأنه إن كان بعد
القبض التام فلا خيار ولا يفسخ وإن كان بعد القبض بالتخلية فعنده كذلك وإنما يأتي هذا الكلام
عند الأصحاب على أحد القولين بعد التخلية إذا قلنا بعدم الانفساخ فيحنئذ إذا رضيا بأن لا يفسخ العقد
يرجع الامر إلى الاصطلاح كما بعد القبض.
(فرع) هكذا الحكم في بيع الباذنجان في شجره إذا بلغ نهايته لم يحتج إلى شرط القطع ولو كان البعض صغارا
والبعض كبارا فإنه يترك حتى يتلا حق فإن كان الكل صغارا لم يجز الا بشرط القطع فلو باع في الحالتين ثم
ظهر شئ آخر واختلط بالمبيع جرى القولان وكذلك الخر بر وهو البطيخ وهكذا القثاء والخيار وكل ماله حمل
بعد حمل على ما ذكره المزني والأصحاب فلو كان المبيع شجر الباذنجان فسيأتي في الفصل الذي بعد هذا.
473

(فرع) فيه تنبيه على تقييد كلام المصنف. لو اختلط الطعام المبيع بغيره قبل القبض وكان
أحدهما معلوم القدر وذلك بأحد ثلاثة أوجه (اما) أن يكون كلا منهما معلوم الكيل (واما) أن يكون المبيع
منهما معلوما فيعلم بعد استيفاء كيل المبيع قدر ما ليس بمبيع (واما) أن يكون غير المبيع معلوما فيعلم بعد
استيفاء كيل ما ليس بمبيع قدر المبيع فإذا كان المبيع معلوم القدر بأحد هذه الوجوه الثلاثة فقد صار
مختلط العين متميز القدر وتميز والقدر يمنع من الجهل وهو أقوى المقصودين فصح البيع واختلاط العين مغير
للصفة مع تفاوت الاجزاء فصار عيبا يوجب الخيار فوجب أن يكون البيع جائزا وللمشتري الخيار فان
فسخ رجع بالثمن وان أقام صار شريكا للبائع على قدر الحصتين. وإن كان الطعام متماثلي القيمة تقاسماه
كيلا وإن كان مختلف القيمة بيع وكانا شريكين في ثمنه على قدر قيمة الطعامين الا ان يتراضيا بقسمة
ذلك كيلا على الحصص دون القمية فيجوز. ذكر هذا الفرع بكماله الماوردي وهو ينبه على أن محل
جريان الخلاف في الانفساخ إنما يكون عند الجهل بالمقدار ولذلك قيدت كلام المصنف فإنه مطلق
والله أعلم. وكذلك كلام كثير من المصنفين واما الثمار فلا تكون إلا مجهولة المقدار والله أعلم.
474

* (فرع) قد تقدم انه إذا كان اختلاط الطعام بعد القبض لا ينفسخ العقد والعقد صحيح بحاله
وكذلك الثمر إذا كان بعد الجذاذ فإن كان قدر الطعام أو الثمر معلوما بأحد الأوجه التي مضت تقاسماه
على ما تقدم وإن كان قدر الطعام مجهولا والفرض انه بعد القبض فلا ينفسخ العقد وإن تراضيا على شئ
واتفقا عليه جاز واقتسماه على ذلك وان اختلفا فإن كانت صبرة المشترى قد انثالت على صبرة البائع
فالقول قول البائع في قدر ماله مع يمينه لان اليد له وإن كانت صبرة البائع انثالت على صبرة المشترى
فالقول قول المشترى في قدر ماله من مال البائع مع يمينه وقال المزني القول قول البائع لان يده قد
كانت على الطعامين معا وكان اعرف بقدرهما من المشترى المستحدث اليد قال الماوردي وهذا خطأ
لان ما وجب اعتبار اليد فيه كانت اليد الثانية أولى أن تكون معتبرة من اليد المرتفعة كسائر الحقوق
(قلت) والصواب ما قاله الماوردي وقد قاله غيره وتقدم ذلك مختصرا وليس من لازم التصوير الذي
أطلقه المزني أن تكون اليد للبائع فقد تكون صبرته في يد غيره والله أعلم.
(فرع) لو صدر الخلط من البائع أو المشترى عن قصد كان الحكم كذلك كما يقتضيه
لفظ الشافعي رضي الله عنه في الام.
475

(فرع) قال القاضي حسين ان القولين في الانفساخ في مسألة اختلاط الثمار المبيعة بغيرها
ينبنيان على تلف المبيع في يد البائع قبل القبض لا خلاف انه ينفسخ العقد ولأي معنى ينفسخ
فيه معنيان (أحدهما) لتعذر التسليم (والثاني) لوقوع اليأس عن التسليم (ان قلنا) بالأول انفسخ
العقد ههنا (والا) فلا لأنه يمكنه تسليم الكل قال ويخرج على هذين المعنيين مسائل
(منها) إذا باع درة ووقعت قبل القبض في لجة البحر ينفسخ العقد لوجود المعنين وان وقعت
في وادي ان قلنا بالأول انفسخ والا فلا (ومنها) لو باع عصفورا ثم اختلط بعصافير البائع قبل
القبض أو حنطة فانثالت فيها حنطة أخرى للبائع ان قلنا بالأول انفسخ والا فلا (ومنها) إذا باع
عبدا فأبق قبل القبض عامة أصحابنا على أن البيع لا ينفسخ وقال أبو يعقوب كل الأبيوردي
ينفسخ قال القاضي ويكن تخريجه على المعنيين وكذا لو نهبه التركمان أو غاروا عليه قبل القبض (قلت)
وفي مسألة اختلاط الثمار والحنطة وشبهها لا يظهر فرق بين تعذر التسليم وبين اليأس منه فإنه إن أريد
به تسليم المبيع وحده متميزا فهو متعذر ومأيوس منه وان أريد تسليمه في الجملة فليس بمتعذر ولا
مأيوس منه (وأما) مسألة العصفور فقد قال الروياني في البحر انه لو باع شاة فاختلطت بقطيع لا تتميز
476

فالمذهب انه يبطل البيع قال وتفارق الحنطة لا ان هناك الإشاعة لم تمنع البيع وههنا الاشتباه مانع من
العقد وقيل لا يبطل لأنه يمكنه التسليم بان يقبض الكل ويكون حكمه حكم من اختلطت شاته بقطيع
الانسان قال وهذا لا يصح لان الشرط في القبض ان يتسلط به على المقبول ويتمكن من التصرف
وهذا لا يوجد بقبض الجملة (قلت) قوله المذهب انه يبطل البيع ان أراد الترجيح في الجملة فالحنطة
والثمرة كذلك وان أراد انه يبطل قطعا بخلاف الحنطة والثمرة لما لحظه من معنى الإشاعة والاشتباه
فقد يقال إن ذلك لا يستقيم لان الخلط ههنا لو اقتضى الا شاعة كما يقوله في باب الفلس وغيره لكان
المذهب هنا انه لا يفسخ العقد بالاختلاط لان المذهب هناك انه يصير مشتركا وأيضا فكان يفصل
هنا بين أن يكون الخلط بالمثل والأردأ أو بالوجود كما هو مفصل هناك لكن المذهب ههنا انه
ينفسخ العقد ولم يفصل أحد بين أن يكون الخلط بالأجود أو بالمثل فدل على الفرق بين البابين وان
الخلط إنما يقتضي الإشاعة إذا كان بعد القبض أما قبل القبض كمسألتنا هذه فالملك غير مستقر فيتأثر بالخلط
ولا يحكم بالإشاعة وما ذكره الروياني يوافق وجها في الفلس ان البائع لا يرجع في المبيع إذا خلط مطلقا
وهو مؤيد هناك بمسألة الاختلاط هنا والمذهب هناك خلافه وفرقوا بينهما بما ذكرناه ولو كان قول
477

* الإشاعة ملاحظا في مسألة اختلاط الثمرة والحنطة لكنا نقسم ذلك بين البائع والمشترى ولم يقل به
أحد ههنا فيما أعلم وإنما القائل بعد الانفساخ يقول بالتخيير نعم معنى الإشاعة يجب ان يلاحظ إذا
كان الاختلاط بعد القبض في الحنطة وبعد الجذاذ في الثمرة وكذلك على القول الذي حكاه
الامام عن صاحب التقريب وإن كان لم يتعرض للإشاعة ولا ينافي ذلك ما تقدم عن الأصحاب من
فصل الخصومة لان ذلك معرفة المقدار وبعد معرفة المقدار الذي لكل منهما يصير
مشتركا كما تقدم عن الماوردي فيما إذا كان المقدار معلوما ويصير حكمه حكم الاختلاط المذكور في غير
ذلك من الأبواب وفي المثليات بحكم الإشاعة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى في باب الفلس
والغصب والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(وإن اشترى شجرة عليها حمل للبائع فلم يأخذه حتى حدث حمل للمشترى واختلطت ولم
تتميز ففيه طريقان قال أبو علي بن خيران وأبو علي الطبري لا ينفسخ العقد قولا واحدا بل يقال إن
سمح أحد كما بترك حقه من الثمرة أقر العقد لأن المبيع هو الشجر ولم يختلط الشجر بغيره وإنما اختلط
ما عليها من الثمرة والثمرة غير مبيعة فلم ينفسخ البيع كما لو اشترى دارا وفيها طعام للبائع وطعام للمشترى
478

فاختلط أحد الطعامين بالآخر فان البيع لا ينفسخ في الدار وقال المزني وأكثر أصحابنا أنها على قولين
كالمسألة قبلها لان المقصود بالشجر هو الثمرة فكان اختلاطها كاختلاط المبيع وإن اشترى رطبة بشرط
القطع فلم يقطع حتى زادت وطالت ففيه طريقان (أحدهما) أنه لا يبطل البيع قولا واحدا بل يقال
للبائع ان سمحت بحقك أقر العقد وان لم تسمح فسخ العقد لأنه لم يختلط المبيع بغيره وإنما زاد المبيع
في نفسه فصار كما لو اشترى عبدا صغيرا فكبر أو هزيلا فسمن الثاني وهو الصحيح أنه على قولين
أحدهما لا ينفسخ البيع والثاني ينفسخ ويخالف السمن والكبر في العقد فان تلك الزيادة لا حكم
لها ولهذا يجبر البائع على تسليم العقد مع السمن والكبر لهذه الزيادة حكم ولهذا لا يجبر البائع على
تسليمها فدل على الفرق بينهما).
(الشرح) فيه مسألتان هما من بقية المراتب التي تقدم التنبيه عليها من مسائل الاختلاط
(إحداها) وهي المرتبة الثانية إذا اشترى شجرة أو أرضا فيها شجرة وعلى الشجرة المبيعة أو الداخلة في البيع
من الثمرة حمل. إذ اشترى شجر وعليها حمل للبائع بأن كان مؤبرا أو ما في معناه فلم يأخذها البائع حتى
حدث حمل المشترى واختلطت ولم تتميز وذلك إنما يكون فيما يحمل حملين أما ما يحمل مرة في العام
فقد تقدم أنه متى كان على النخلة شئ مؤبر كان جميع ثمرة ذلك العام للبائع. إذا عرف ذلك قال
الأصحاب فإن كان الحمل الحادث يتميز عن الأول كان الحمل الموجود حال العقد للبائع والحمل الحادث
للمشترى لأنه حدث في ملكه وان لم يتميز فقد نقل المزني عن الشافعي قولين كما تقدم في المرتبة الأولى
479

واختلف الأصحاب في ذلك على طريقين كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى (إحداهما) طريقة ابن خيران
وأبي على الطبري في الافصاح القطع بعدم الانفساخ ونقل الشيخ أبو حامد عن ابن خيران أن هذه
المسألة لا تعرف للشافعي رحمه الله تعالى ولا نص عليها ولا تجئ على مذهبه أيضا بل البيع صحيح بكل
حال قال وقد نكت ابن خيران وما قصر وهذا الكلام من الشيخ أبي حامد فيه ميل إلى ما قاله ابن
خيران وكذلك الماوردي قال إن ما قاله ابن خيران أصح جوابا وتعليلا وإن كان نقل المزني صحيحا
قال والاذعان للحق أولى من نصرة ما سواه وقال القاضي أبو الطيب عن ابن خيران والطبري أنهما
قالا إن الذي في مختصر المزني نقله في الام فوقع الغلط في النقل من مسألة بيع الثمرة إلى مسألة بيع الأصول واحتج
المنتصرون لهذه الطريقة بان الاختلاط ليس في المبيع فصار كما لو اشترى رجل ثمار أو تجددت ثمار في يد البائع وتعيبت
الثمار والمبيع في يد البائع فلا خيار بعيب الثمار قال الامام وهذا القياس الذي لا يسوغ غيره وممن صحح
هذه الطريقة الخوارزمي في الكافي (والطريقة الثانية) وبها قال المزني وأبو إسحاق المروزي ونسبها القاضي
أبو الطيب كما نسبها المصنف إلى أكثر أصحابنا انها على القولين قال هؤلاء ونحن وان لم نعلم نصه عليها
فان المزني ثقة فما نقله عنه وفي المسألة مالا يحتمل التأويل من وجهين (أحدهما) ان فيها يقال للمبتاع
أتسمح فان سمح والا قيل للبائع أتسمح فلو لا ان المعقود عليه هو نفس الشجر لما صح ان يقال لكل
منهما أتسمح (والثاني) أنه قال تكون الخارجة للبائع والحادثة للمشترى فدل على أن المعقود عليه هو
الشجر ثم المعنى يدل على ذلك فان المعقود عليه وإن كان هو الشجر فان المقصود منها الثمرة فإذا اختلطت
480

الخارجة بالحادثة فقد اختلط المقصود من المبيع بغير المبيع فهو كما لو اختلط المبيع بغيره قال الشيخ أبو حامد
وهذا قريب غير أن ابن خيران أسقط المسألة بالأصالة فلا معنى لقول هذا القائل ان فيها مالا يحتمل التأويل
(قلت) المراد أن المسألة غير قابلة للتأويل واما اسقاط ابن خيران فيجاب عنه بان المزني ثقة وقد نقلها
فلم يبق لابن خيران متعلق الآن ان تقول ان المزني أخطأ فيها وجوابه بما أبداه هذا القائل من المعنى فإنه
ينفي الجزم بخطائها واعلم أن هؤلاء الأئمة على جلالتهم واطلاعهم بين منكر لما نقله المزني ومقلد له فيه وقد
وقفت على القولين بما لا يتحمل التأويل إلا بتعسف عظيم فإنه قال في آخر باب تمر الحائط يباع أصله
وما أثمر في السنة مرارا فبيع وفيه ثمرة فهي للبائع وحدها فإذا انقضت فما خرج بعدها مما لم يقع عليه
صفقة البيع فلمشتري الأصل وصنف من الثمرة مكان يخرج منه الشئ بعد الشئ حتى لا ينفصل ما وقعت
عليه صفقة البيع وهو في شجره فكان للبائع ما لم تقع عليه صفقة البيع وكان للمشترى ما حدث فان اختلط
ما اشترى بما لم يشتر فلم يتميز ففيها قولان (أحدهما) لا يجوز البيع فيه الا بان يسلم البائع للمشترى الثمرة كلها
فيكون قد أوفاه حقه وزيادة أو يترك المشترى له هذه الثمرة فيكون قد ترك له حقه (والقول الثاني)
أنه يفسد البيع من قبل أنه وإن وقع صحيحا فقد اختلط حتى لا يتميز الصحيح منه الذي وقعت عليه
صفقة البيع ما لم يقع عليه وقد تكلف ابن الرفعة بحمل ذلك على ما إذا باع شجرة التين مثلا بعد أن
نتجت الأغصان ولم تبرز الثمرة فاشترط البائع لنفسه تلك الأغصان فإنه كالثمرة غير المؤبرة إذا
شرطها البائع لنفسه فيشترط فيها القطع على النص فيصح أن يقال إن المبيع قد اختلط بغيره وهذا تكلف
481

بعيد وقد أحسن المحاملي فاعترف بأن الشافعي رحمه الله تعالى نص على القولين في الام ورد على ابن
خيران مذهبا وحجاجا وذكر الامام عن القائلين بهذه الطريقة انهم فرقوا بين صورة الاختلاط وبين
تعيب الثمار المتحدة في يد البائع بأن الاختلاط سببه بقاء ثمرة البائع على الأشجار وعلى البائع في
الجملة تخلية المبيع للمشترى فقد حصل الاختلاط بسبب ما استقاه البائع لنفسه وقرب ذلك من نقل
الأحجار المودعة في الأرض ومن قلع باب الدار المبيعة لنقل ما فيها من الأمتعة وفي البحر أن ابن
خيران تأول ما نقله المزني على ما إذا ابتاع الشجرة وبقيت الثمرة للبائع ثم اشترى المشترى ثانيا
الثمرة ثم ظهرت الحادثة فاختلطت بها وهنا يختلط المبيع بغير المبيع فهي مسألة القولين وغلطه في هذا
التأويل بان هنا وان اختلط المبيع بغير المبيع الا أن كله للمشترى واختلط ملكه بملكه فلا يؤثر
في البيع أصلا والله أعلم (فائدة) قال الشيخ أبو حامد ولا أعرف شجرة تحمل حملين يتميز
أحدهما عن الآخر في سنة واحدة الا التين فإنه يحمل النوروذي ثم يحمل بعده في الوقت وقد قال
482

غيره ان النارنج والأترج والرانج أيضا يحمل حملين وقد بلغني عن نوع من التفاح والباذنجان والبطيخ
والقثاء ونحوها كالتين وأجاب الأصحاب عن كوننا لم نجعل الحادثة تابعة للخارجة كما في ثمرة النخل
حيث جعلنا الطلع الحادث تابعا على الصحيح بأن العادة في النخل انه يحمل حملا واحدا فإذا كان
بعض حمله للبائع كانت ثمرة ذلك العام كله له والتين يحمل حملين كل واحد منهما غير الآخر فالثاني
كثمرة النخل في العام القابل (قلت) والآخر كذلك غير أنه لا يطرد في شجر بعينه ولا نقول في ثمرة
النخل مطلقا ان ثمرة العام كلها للبائع فقد ورد ان نخل أنس بن مالك رضي الله عنه كانت تحمل في
السنة مرتين بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم له فالمعتبر حينئذ بالحمل على ما جرت العادة فإذا كان أحد الحملين
منفصلا عن الآخر انفصالا بينا غير متلاحق لم يتبع الثاني الأول وإن كانت عبارة الشافعي التي قدمتها
تقتضي اعتبار العام فينبغي أن يقول على ذلك سؤال قال الأصحاب (ان قيل) هلا قلتم الحمل الثاني تابع
للأول كما إذا باع نخلة مؤبرة فان الطلع الحادث للبائع تبعا للموجود (فالجواب) ان في لطلع وجهين
483

والفرق ان الطلع الحادث من جملة هذا الطلع الموجود لأنه ليس له الا حمل واحد يتقدم بعضه ويتأخر
بعضه وليس كذلك الحمل الثاني مع الحمل الأول.
(فرع) قال المتولي في هذه المسألة ان عدم الانفساخ هو الصحيح يعني من طريقة القولين
وفي مسألة اختلاط الثمار المبيعة بغيرها لم يصحح شيئا والذي صححه ابن أبي عصرون في هذه المسألة من
طريقة القولين القول بالانفساخ كما صحح ذلك في مسألة اختلاط الثمار المبيعة.
(فرع) إذا قلنا ينفسخ العقد فلا تفريع عليه (وان قلنا) ينفسخ قال القاضي أبو الطيب فمن
سمح منهما أجبر الآخر على قبوله وان امتنعا فسخ الحاكم بينهما كذلك قال القاضي أبو الطيب وهو
مفهوم المصنف رحمه الله قال الماوردي على ما يقتضيه مذهب ابن خيران ان تراضيا واتفقا على قدر
الحادثة من المتقدمة والا فالقول قول صاحب اليد ولا ينفسخ البيع لأنه لا يجعل لما حدث تأثيرا في
البيع وهذا الذي قاله الماوردي أحسن وأدخل في المعنى الذي لحظه ابن خيران لان الاختلاط في غير
484

المبيع لا أثر له وكذلك صرح به المحاملي بعبارة تقتضي أنه منقول عن ابن خيران فإنه قال وقال ابن
خيران المسألة على قول واحد ان البيع لا يبطل ولكن يقال لكل منهما اسمح بترك ثمرتك فان
سمح أجبر الآخر على القبول وان لم يسمح نظر فإن كان الشجرة والثمرة في يد البائع كان القول
قوله في قدر ما يستحقه المشترى منها وإن كانت في يد المشترى فالقول قوله في قدر ما يستحقه منها.
وكذلك الإمام قال إنه على هذه الطريقة لا يثبت الخيار وربما يظن بين كلام هؤلاء وكلام القاضي
أبي الطيب منافاة ولا منافاة بينهما فقد بين الروياني ذلك ونقل القول بالفسخ عن نصه في الام وعن
ابن خيران انه إذا لم يسمح واحد منهما فالقول قول من في يده كما قاله المصنف والقاضي أبو الطيب
تفريعا على القول بعدم الانفساخ من قولي طريقة الخلاف وما قاله الماوردي والمحاملي والامام تفريع
على طريقة ابن خيران فقط فكلام أبي الطيب لا يراد عليه الا من جهة كونه أطلق ذلك على قول
عدم الانفساخ وهو مشترك بين قول ابن خيران وحد قولي طريقة الخلاف وكلام المصنف الا يراد
485

عليه قوى لأنه نقل قول ابن خيران وفرع عليه انه يقال من سمح منكما أقر العقد فافهم انه إذا لم
يسمح واحد منهما لا يقر العقد ويفسخ وليس ذلك قول ابن خيران ولو أخر هذه الكلمة
بعد طريقة القولين وقالها تفريعا على عدم الانفساخ كان يتعذر عنه بما اعتذر عن القاضي أبي
الطيب والله أعلم.
(فرع) كلام المصنف هنا مشير إلى أنه لا مزية في غرض ترك الحق بين البائع والمشترى
وكلامه في التنبيه يقتضي انه يبدأ بالبائع وكلام الماوردي يقتضي البداءة بالمشتري والأقرب التسوية
كما أشار إليه في المهذب وان من بدأ بالقول البائع أو المشترى لم يقل ذلك على أنه متحتم بل على
جهة المثال وليس كذلك كالبداءة في التسليم فان ذلك مقصود يجبر عليه بخلاف هذا والله أعلم.
(فرع) أورد على الزام المشترى أو البائع قبول ما بذل له من الثمن لامضاء العقد ما إذا
سمح غرماء المفلس لصاحب السلعة المبيعة بتقديمه بتمام الثمن ليستمر عقد البيع فإنه لا يلزمه الإجابة وفيه
486

نظر (المسألة الثانية) وهي المرتبة الأخرى. إذا اشترى رطبة فان اشتراها بشرط القطع من أصلها
فلم يقلع فما حدث يكون للمشترى ان اشتراها بشرط القطع فلم يأخذها المشترى حتى طالت وعلت
فقد عطف المزني هذه على مسألة القولين فاختلف الأصحاب فمنهم من قال البيع صحيح قولا واحدا كما
ذكره المصنف حكما وتعليلا (1) ومنهم من قال هي على قولين كالمسألة الأولى وممن ذهب
إلى هذا أبو إسحاق المروزي وابن أبي هريرة والشيخ أبو حامد وجهور أصحابنا والامام الروياني والشاشي
قال الماوردي وجمهور أصحابنا وغلط الشيخ أبو حامد القائل والأول وأجاب هؤلاء عما تمسك به
القائل الأول من الكبر والسمن بان زيادة الكبر والسمن وصيرورة البلح بسر أو ما أشبه ذلك ليست بعين
بمعنى انه لم يزد في أطرافه ولا في عدده والرطبة إذا طالت تفرع لها أغصان وحدثت أعيان لتكن فهو
كالمسألة الأولى سواء وحسن المصنف هذا الجواب بقوله إن تلك الزيادة لا حكم لها فلم يقال إنها ليست
بعين فإنها عين قطعا ولهذا احتاج الأولون يفسرون ذلك بعدم زيادة أطرافه وعدده لكنها وإن كانت

(1) كذا بالأصل
487

عينا فلا حكم لها بدليل انه يجبر على التسليم معها فعبارة المصنف أسلم عن المشاححة وقد يفرض طول
الرطبة من غير تفرع أغصان ومما يدل على ذلك أنه لو باع الرطبة وطولها ذراع فاجبر في نصف طوله
قبل القبض سقط من الثمن بقدره بخلاف السمن فإنه لو هزل في يد البائع لم يسقط شئ وقال القاضي
أبو الطيب ان الزيادة في الرطبة حدثت في الأصول التي في الأرض فهي بمنزلة حدوث حمل آخر
من الثمرة وقال الماوردي انها عين متميزة بخلاف الكبر والسمن فإنه ليس متميزا (واعلم) ان هاتين الطريقتين
على ما ذكره المصنف متفقتان على أن الزيادة التي حصلت في الرطبة للبائع وليست للمشترى وكذلك
قال القاضي أبو الطيب والمحاملي والشيخ أبو حامد قبلها والقاضي حسين وذكر الماوردي في حكاية
الطريقة الجازمة بالصحة ان الزيادة للمشترى لأنها لا تتميز فان صح ذلك ففي المسألة ثلاث طرق
وقال ابن أبي عصرون ان الأصح من قولي أحد الطريقين الانفساخ كما ذكره في المسألتين السابقتين
وقول المصنف فسخ أي يفسخه الحاكم كذلك صرح به الماوردي وقوله على القولين أي القولين في
488

اختلاط الثمرة المبيعة (واعلم) أن في مسألة الرطبة ومسألة اختلاط الثمار المبيعة يقال للبائع ان سمحت بحقك أقر
العقد وان لم تسمح فسخ البيع كما قال المصنف هناك ولا يقال للمشترى ان سمحت بحق أقر العقد وفي مسألة
إذا باع الشجرة واختلطت الثمار الموجودة بالحادثة يقال لكل منهما ان سمحت بحقك أقر العقد
والفرق ان في المسألتين الأولتين إذا ترك المشترى حقه فاز البائع بالعوض والمعوض.
(فرع) باع شجرة الباذنجان ان بلغ نهايته فإن كان في الخريف لا يحتاج إلى شرط
القطع والا فيشرط القطع فإن كان عليه نور فهو للمشترى والا فهو للبائع كما في سائر الثمار ولا يدخل في
مطلق العقد الا بالشرط فلو ظهر باذنجان آخر واختلط بالأول بحيث لا يتميز ففيه طريقان كما ذكرنا
وهكذا في البطيخ والقثاء وما في معناها قاله القاضي حسين وقال الروياني في هذا الفرع ان باع الأصل
مع الثمرة لابد من شرط القطع فان شجر الخربز والباذنجان والقثاء زرع وقد تقدم في كلام الامام
ما يخالفه وقال الخوارزمي ان باع الأصول قبل خروج حملها لم يجز الا بشرط القطع وان باع بعد خروج
حملها فان باعها مع الحمل جاز مطلقا وإن باعها دون الحمل أو مطلقا فالحمل الموجود للبائع والحادث
489

للمشترى ومقتضى كلام القاضي حسين الذي حكيته انه إذا باع البطيخ مع أصوله لم يصح الا بشرط
القطع بخلاف النخل وكذلك قال الامام والغزالي قال ابن الرفعة وهو أفقه منه يعني من الامام
والمنقول الأول يعني كلاما عن البندنيجي وغيره يقتضي انه يجوز مطلقا (فائدة) إن قلت
ما وجه تأخير هذه المرتبة عن الرتبة الثانية فان في هذه المرتبة اختلط المبيع بغيره فهي أشبه بالمسألة
الأولى (قلت) المرتبتان الأولتان الاختلاط فيهما ظاهر اما اختلاط المبيع بغيره في الرتبة الأولى واما اختلاط
المقصود منه بغيره في الرتبة الثانية وفي هذه المرتبة القائل الأول يقول ليس فيها اختلاط وإنما هو زيادة
المبيع في نفسه ولو كان كما قال هذا القائل لأجبر البائع على تسليم الرطبة بكمالها ولم يقل به أحد كما
أشار إليه المصنف فالنزاع في المرتبة الثانية في المختلط فيها هل هو كالمختلط في المرتبة الأولى أولا
والنزاع في الاختلاط هل هو كذلك الاختلاط أو لا فذكر المصنف الاختلاط المحقق بقسميه ثم لما فرغ
منه ذكر ما يقبل النزاع في كونه اختلاطا أولا لكن اجراء القولين هنا أظنه أولى من اجرائهما في
490

المرتبة الثانية لان الاختلاط حقيقي وانكار ما فيه ارتكاب ضرب في المجاز أو القياس وكون المرتبة الثانية
كالأولى على العكس من ذلك وكذلك قلت في هذه المرتبة الأخرى ولم أقل الثالثة وذلك أن
جماعة من محققي الأصحاب كأبي حامد والماوردي اختاروا اجراء القولين هنا دون المرتبة الثانية. ولو
اشترى وديا فكبر فإنه للمشترى قولا واحدا لأنها زيادة غير مميزة قاله ابن أبي هريرة وغيره وجعله القاضي
حسين في تعليقه قاعدة عامة انه إذا اشترى شجرة وتركها حتى تكبر وتطول وتزداد كثيرا فإن كان
مما لا يتكرر قطعه مثل شجرة التفاح وأنواعه فيكون الكل للمشترى وإن كان مما يتكرر قطعه مثل
الخلاف والقصب يخرج على القولين وفي الفتاوى المنسوبة إليه فيما إذا اشترى شجرة بشرط القطع
فلم تقطع حتى نما وكبر اطلاق القولين في انفساخ العقد ثم قال جامعها بعد هذه المسألة ليست عن
القاضي وانه ينبغي أن تكون للمشترى ولا خيار له لأنه ملك أصلها كالثمرة ثم قال ورأيت للشيخ أبي
المعالي انه إن كانت الشجرة مما لا يخلف فللمشتري كالصنوبر والنخل وإن كان يخلف كالقت فقولان
(قلت) وسنذكر من كلام صاحب التتمة أنه إذا اشترى الزرع بشرط القطع ان المشترى لا يملك
أصوله وانها للبائع وقياس ذلك أن تكون الشجرة أيضا كذلك وأن تكون زيادتها كاختلاط المبيع
491

بغيره فيجرى القولان كما اقتضاه باقي الفتاوي والذي قاله في التعليقة وقال ابن أبي هريرة محمول على
ما إذا باع مطلقا فإنه فيما لا يستخلف لا يحتاج إلى شرط القطع وتكون أصوله للمشترى (فائدة)
هذه المسألة تنبهك على أن المشترى إذا اشترى جذة من الرطبة لا يملك منها الا الظاهر على وجه
الأرض وقد تقدم عن الماوردي حكاية خلاف في أن الجذة المراد بها الظاهر على الأرض أو ما جرت
العادة بجذه وهذا الوجه لا يجتمع مع كلامهم في هذه المسألة الا أن يكون قد عين في فرض هذه المسألة
ان لا يملك شيئا من الباطن.
(فرع) الزروع التي تحصد مرة واحدة إذا اشتراها بشرط القطع وتأخر القطع حتى زاد قال
صاحب التتمة فالزيادة للبائع والحكم على ما ذكرنا يعني في مسألة زيادة الرطبة واختلاطها قال حتى لو تسنبل
تكون السنابل للبائع اللهم الا أن يكون اشترى الزرع بشرط القطع وتأخر القطع حتى زاد فتكون
الزوائد له لأنه ملك أصول الزرع التي منها تحصل الزيادة هكذا قال صاحب التتمة (فاما) قوله الزيادة
للبائع والحكم كما في مسألة الاختلاط فهو مخالف لما تقدم عن الامام انها للمشترى بالاتفاق (واما) قوله
حتى لو تسنبل تكون السنابل للبائع ففيه نظر لان السنابل ليست حادثة من خاص ملكه بل هي منها
492

على رأيه وجعلها للمشترى أقرب (وأما) قوله اللهم إلى آخره فهكذا وجدته في النسخة والظاهر أنه
غلط (والصواب) القلع باللام وعلى هذا يصح فإنه إذا اشتراه بشرط القطع من أصوله كانت الأصول
ملكه فكلما حدث منه كان للمشترى لأنه زيادة ملكه والله أعلم. وقد صرح صاحب التهذيب بأنه
إذا باع القرط بشرط القلع فلم يقلع حتى ازداد يكون ما حدث للمشترى لأنه ملك أصله وقد تقدم
التنبيه على ذلك أول المسألة.
(فرع) إذا اشترى أصول البطيخ تقدم عن الامام والمتولي وغيرهما انه لا يجوز الا بشرط
القطع قال صاحب التتمة أو القلع وقال صاحب التتمة الا أنه إذا اشترى أصول النبات بشرط القلع ثم
استأجر الأرض أو استعار ولم تبلغ الأصول فما يحدث يكون ملكا له لأنه فرع أصل مملوك وهذا من
صاحب التتمة بناء على ما ذكره في الفرع المتقدم انه إذا اشترى الزرع بشرط القطع لا يملك أصوله وقد تقدم
عن الأصحاب ان الطريق إلى ملك ما يحدث من البطيخ أن يشترى الأصول بشرط القطع ويستأجر
الأرض فلا يجب عليه القطع وهذا الذي قاله المتولي ينبه على أنه لا يفيد اشتراط القطع بل لابد من
اشتراط القلع وينبغي أن يكون ذلك مجزوما به لان البطيخ مما يستخلف والله أعلم. ولو باع أصول النبات
493

مطلقا قال المتولي لا يدخل البطيخ الا بالتنصيص لأنها ثمرة ظاهرة حتى أن الذي هو يرى ولم ينعقد لا يتبع
الأصول بخلاف الثمرة التي لم تظهر تتبع الشجرة لان الشجرة أصل مقصود والنماء تبع له فجعل ما لم يظهر
من النماء تبعا له واما هنا أصل النبت ليس بمقصود وإنما المقصود المثار فلا يجعل المقصود تبعا.
(فرع) قال الشافعي رضى الله تعالى عنه ولا يجوز بيع القصيل الا على أن يقطع مكانه مما
يستخلف أولا يستخلف ثم قال فان اشتراه ليقطعه فتركه بغير شرطه وقطعه بمكنة فالبائع بالخيار في
ترك القصيل أو نقض البيع فهذا النص إن كان المراد به ما استخلف خاصة فهو أحد الطريقين أو القولين
اللذين نقلهما الأصحاب وإن كان شاملا لما يستخلف ولما يستخلف ولما لا يستخلف ففيه موافقة لما قاله صاحب التتمة
من أن الزيادة في الزرع الذي لا يستخلف للبائع ومخالفة لما قاله الإمام قال صاحب التهذيب انه لو باع
القصيل أو الشجر المخلف كالخلاف والقصب أو ورق الفرصاد في أول خروجه بشرط القطع في ذلك
كله فلم يقطع حتى زاد ففي انفساخ البيع قولان كالقت قال وعندي إن كانت المقاطع معلومة مثل
أغصان الفراصيد يبين مقاطعها فما يحدث من الأوراق وفوق المقطع والطول يكون للمشترى وفي ألقت والكراث
إنما ينفسخ لان ما يحدث من أصله الذي لم يبع غير متميز عما باع لأنه لا يعرف مقاطعها بعد الزيادة.
494

(فرع) في زيادات أبي عاصم العبادي إذا اشترى ورق الفرصاد مع أغصانه فتراخى القطع
حتى مضى الوقت فله القطع وان اشترى الورق فقط فتأخر فسد البيع في قول لأنه اختلط المبيع بغيره.
(فرع) مالا يجوز بيعه الا بشرط القطع كالرطبة والقصيل والقصب والطرفاء والخشب
والبردى في خرابزه ذكره ابن خيران في اللطيف.
قال المصنف رحمه الله تعالى.
(وإن كان له شجرة تحمل حملين فباع أحد الحملين بعد بدو الصلاح وهو يعلم أنه يحدث الحمل
الآخر ويختلط به ولا يتميز فالبيع باطل وقال الربيع فيه قول آخر أن البيع يصح ولعله أخذه من أحد
القولين فيمن باع جذة من الرطبة فلم يأخذ حتى حدث شئ آخر أن البيع يصح في أحد القولين
والصحيح هو الأول لأنه باع ما لا يقدر على تسليمه لان العادة فيها الترك فإذا ترك اختلط به غيره
فتعذر التسليم بخلاف الرطبة فإنه باعها بشرط القطع فلا يتعذر التسليم)
(الشرح) ضبط في الاستقصاء حملين بفتح الحاء قال في الاستقصاء وقال غيره الحمل
بالفتح ما كان في بطن أو على رأس شجرة وبالكسر ما كان على رأس أو ظهر وحمل الشجرة مرتين
495

يقال إن ذلك التين واللوز والرانج والأترج تحمل حملين وهذه المسألة كالتقييد لما تقدم وتبين ان
ما مضى من الكلام في اختلاط الثمار المبيعة إنما محله فيما إذا لم يكن الاختلاط غالبا أو كان غالبا
ولكن شرط القطع على المشترى فلم يتفق حتى وقع الاختلاط أما إذا كان الاختلاط غالبا ولم
يشترط القطع فالبيع باطل كما ذكره المصنف ههنا وهو الصحيح المشهور المنصوص في الام نص عليه
في باب ثمر الحائط يباع أصله قال الربيع هناك وللشافعي في مثل هذا قول انه ان
شاء رب الحائط ان يسلم ما زاد من الثمرة التي اختلطت بثمرة المشترى صح قال المحاملي وهذا
ليس بمنصوص وإنما أخذه الربيع من أحد القولين فيما إذا باع جذة من الرطبة فلم يجذه
المشترى حتى حدثت أعيان أخر فان الشافعي نص في تلك المسألة على قولين فخرج الربيع قولا آخر
في هذه المسألة بناء على تلك قال المحاملي وغلط في هذا والمذهب ان البيع يبطل قولا واحدا والفرق ان
الرطبة إنما تباع على شرط القطع فالمبيع معلوم مقدور على تسليمه وإنما يخاف تعذر التسليم بمعنى ربما
حدث وربما لم يحدث فصح العقد وههنا وقع العقد على الثمرة الموجودة والعقد يقتضي تبقيتها إلى وقت الجذاذ فإذا
496

علم اختلاطها في تلك الحالة فقد وقع العقد على ما يعلم تعذر تسليمه حال استحقاق التسليم انتهى وشبهوه
بشراء العبد الآبق وقد أطبق جماهير الأصحاب على ترجيح القول بالفساد ورد ما قاله الربيع قالوا وإنما
وزان مسألة الرطبة لو باع الثمرة بشرط القطع فلا يبطل البيع وقد نقل الامام قول الربيع المذكور
في الكتاب عن العراقيين قال وذكر العراقيون قولا بعيدا أن البيع موقوف فان سمح البائع ببذل
حقه تبينا انعقاد العقد وان لم يسمح تبينا ان العقد غير منعقد في أصله وهذا قول مزيف لا أصل له وهو
بمثابة المصير إلى وقف بيع العبد الآبق على تقدير فرض الاقتدار عليه وفاقا فان طردوا هذا فهو على
فساد مطرد وما أراهم يقولون ذلك وأراد الامام بالقول الذي نقله العراقيون ما ذكره المصنف عن
الربيع لكن ليس في كلامهم الذي رأيته ان ذلك من باب وقف العقود بل صرح المحاملي في حكاية
497

هذا القول إنه يقال للبائع اسمح بترك حقك فان سمح والا فسخ العقد ولكن عبارة الربيع في الام
التي حكيت بعضها في صدر كلامي محتملة لما قاله الامام والأولى ان يترك على ما قاله المحاملي وحينئذ
لا يكون من وقف العقود ولا يتبين انعقاد العقد أو عدم انعقاده واما الزامهم بالعبد الآبق فالفرق ان
الثمرة يمكن تسليمها بتسليم الجميع ولا كذلك الآبق لكن القول المذكور ضعيف بما ذكره المحاملي
والمصنف فان الرطبة لأجل شرط القطع يمكن تسليمها وههنا الابقاء بعد بدو الصلاح مستحق فلا
يمكن التسليم وكونه تسليمه بتسليم الجميع لا يكفي لان شرط العقد القدرة على التسليم الذي لو امتنع
منه أجبر عليه وهو لا يجبر على تسليم الجميع وقد أورد ابن الرفعة على الامام والغزالي إذ قالا أن الاختلاط
بعد التخلية لا يوجب الانفساخ أن يقولا بالصحة ههنا فان التسليم ممكن بالتخلية وللبائع اجبار
المشترى عليها إذا باع مطلقا لخروجه بذلك عن عهدة الضمان على هذا الرأي كما يكون ذلك في المنقول
498

وحينئذ تساوى مسألة الرطبة نعم لو كان التسليم لا يمكن في حال الا مع الاختلاط لم يصح ذلك وذلك
في جمة البئر إذا أفردت بالبيع وقلنا الماء يملك وأورد صاحب الوافي أنه إذا علم حدوث ما تختلط به
الثمرة المبيعة إذا تركها فينبغي أن يجب القطع للمعذر المفضي إلى ابطال البيع فيصح نقل الربيع (قلت)
وايجاب القطع بدون شرطه بعيد لان المشترى لم يلتزمه ولا هو مقتضى العقد والله أعلم. وحقيقة الخلاف
في هذه المسألة يرجع إلى أن المتوقع كالواقع أولا والجمهور على أن المتوقع كالواقع ولهذا منعوا الأب من
نكاح جارية ابن إذا قلنا لو أحبلها صارت أم ولد له وشاهده من السنة نهية صلى الله عليه وسلم (عن بيع الثمرة حتى
تزهى) وأورد ابن الرفعة على الامام أيضا في الزامهم العراقيين طرده ذلك في العبد الآبق أنه ابدى في
كتاب اللقيط احتمالا في جواز بيع العبد الآبق المنقطع الخبر مع عدم اتصال الرفاق وعدم اجزاء عتقه
499

عن الكفارة ظاهر ثم قال ومما يجب ذكره أنا إذا منعنا البيع فلو تبين بقاء العبد فالظاهر عندي نفوذ
البيع وإن كان يلتفت على الوقف ولكن إذا بان الامر من الملك والقدرة على التسليم فظن التعذر لا يبقى
أثره مع تبين خلافه وكان في المعاملات يضاهي صلاة الخوف مع سواد يحسبه عدوا ثم بان خلافه.
(فرع) إذا اشترى الشجرة المذكورة بعد ظهور أحد الحملين وتأبيره وهو يعلم أنه يحدث
الحمل الآخر ويختلط به فأطلق الرافعي وغيره ان البيع باطل الا بشرط القطع وقال إنه يجئ فيه
الخلاف يعني خلاف الربيع ولم يذكر أنه على طريقة ابن خيران كيف يكون الحكم وينبغي على
طريقة ابن خيران في المسألة المتقدمة بالصحة الحكم وعلى الطريقة المثبتة للخلاف يكون كما لو باع أحد
الحملين فالمشهور البطلان الا بشرط القطع والله أعلم. (1) إذا باع شجرة واستثني ثمرتها التي لم تؤبر

(1) بياض الأصل فحرر
500

فإنه لا يشترط شرط القطع على الصحيح (1) وإذا باع شجرة وبقيت ثمرتها المؤبرة للبائع قبل بدو
الصلاح لا يشترط قطعها جزما (2) وإذا باع ثمرة بعد بدو الصلاح فعلم اختلاطها بغيرها قبل الجذاذ
بطل العقد على أحد القولين ولو باع شجرة عليها ثمرة مؤبرة واختلطت بثمرة أخرى فكذلك على
المذهب (3) ولو باع رطبة أو شبهها مما ذكرناه هنا لم يجز الا بشرط القطع (4) ولو باع
الأرض وفيها رطبة تبقى للبائع ويعلم اختلاطها بغيرها فهو كما لو باع شجرة عليها ثمرة مؤبرة يعلم اختلاطها
بغيرها ومقتضى المذهب كما قدمته اشتراط القطع فكذلك هنا وظهر لك بجميع هذه المسائل ان اطلاقهم
عدم اشتراط القطع فيما إذا بقيت الثمرة للبائع قبل التأبير بالشرط أو بعد التأبير وقبل بدو الصلاح
بالعقد محمول على ما إذا لم يكن تلاحق المثار غالبا أما لو كان غالبا فمقتضى ما تقرر بطلانه كما إذا باع

(1) بياض بالأصل فليحرر
(2) بياض بالأصل فليحرر
(3) بياض بالأصل فليحرر
(4) بياض بالأصل فليحرر
501

ثمرة يعلم تلاحقها بغيرها وليس لك أن تفرق بأن الثمرة هناك مبيعة فتعذر تسليمها موجب للبطلان بخلاف
ما إذا بقيت للبائع فإنها ليست بمبيعة لأنا نقول إن هذا المعنى هو الذي لحظه ابن خيران فيما إذا باع
الشجرة وعليها ثمرة فاختلطت بغيرها وقد أبطله الأصحاب هناك ولو باع شجرة وعليها ثمرة غير مؤبرة
واستثناها البائع اما بشرط القطع ان شرطناه أو بدونه فحدث طلع آخر فهل يكون حكمه ما إذا بقيت
الثمرة المؤبرة للبائع وحدث طلع آخر فيجرى فيه الوجهان في أن الطلع يكون للبائع أو للمشترى أو
نقول هنا ان الطلع الحادث للمشترى قولا واحدا لان الثمرة غير المؤبرة إنما بقيت بالشرط فلا يستتبع
الطلب الحادث لم أر في ذلك نقلا (فان قلنا) ان الطلع للبائع تبعا للثمرة فلا كلام (وان قلنا) للمشترى
وكان الغالب تلاحقه فهل يصح من غير شرط فيصير كما لو باع شجرة عليها ثمرة مؤبرة يعلم اختلاطها
502

بغيرها وقياس المذهب فيها البطلان ولو اشترى شجرة القثاء والبطيخ ونحوه مع ثمرتها اشترط القطع لأنه
كالزرع ثم إن لم يتفق القطع حتى خرج شئ آخر فالخارج والموجود كله للمشترى وهذا هو الوجه في
تحصيل كل الثمرة الموجودة وغيرها للمشترى وان أراد الخلاص من مطالبته بالقطع استأجر منه الأرض سنة
أو سنتين فيحصل له منفعة تلك المدة ولا يملك صاحب الأرض مطالبته بالقطع قاله الروياني وغيره.
بعون الله تعالى قد تم طبع الجزء الحادي عشر..
503