الكتاب: فتح المعين
المؤلف: المليباري الهندي
الجزء: ٤
الوفاة: ٩٨٧
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٨ - ١٩٩٧ م
المطبعة:
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

فتح المعين
لشرح
قرة العين بمهمات الدين
لزين الدين بن عبد العزيز المليباري الفناني
الجزء الرابع
دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع
3

جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر
الطبعة الأولى 1418 ه‍ / 1997 م
حارة حربك - شارع عبد النور - برقيا: فكسي - صحب 7061 / 11
تلفون: 838305 / 838202 / 838136 فاكس 009611837898
دولي: 009611860962
4

بسم الله الرحمن الرحيم
فصل في الطلاق
وهو لغة: حل القيد. وشرعا حل عقد النكاح باللفظ الآتي وهو إما واجب: كطلاق مول لم يرد الوطئ، أو
5

مندوب: كأن يعجز عن القيام بحقوقها ولو لعدم الميل إليها، أو تكون غير عفيفة ما لم يخش الفجور بها أو
سيئة الخلق: أي بحيث لا يصبر على عشرتها عادة، فيما استظهره شيخنا، وإلا فمتى توجد امرأة غير سيئة
الخلق. وفي الحديث: المرأة الصالحة في النساء كالغراب الأعصم كناية عن ندرة وجودها: إذ الأعصم هو
أبيض الجناحين، أو يأمره به أحد والديه: أي من غير تعنت أو حرام كالبدعي، وهو طلاق مدخول بها في نحو
6

حيض بلا عوض منها أو في طهر جامعها فيه، وكطلاق من لم يستوف دورها من القسم، وكطلاق المريض
بقصد الحرمان من الإرث، ولا يحرم جمع ثلاث طلقات، بل يسن الاقتصار على واحدة أو مكروه بأن سلم
الحال من ذلك كله، للخبر الصحيح: أبغض الحلال إلى الله الطلاق وإثبات بغضه تعالى له المقصود منه
زيادة التنفير عنه لا حقيقته لمنافاتها لحله إنما (يقع لغير بائن) ولو رجعية لم تنقض عدتها فلا يقع لمختلعة
7

ورجعية انقضت عدتها (طلاق) مختار (مكلف) أي بالغ عاقل، فلا يقع طلاق صبي ومجنون (ومتعد بسكر) أي
بشرب خمر وأكل بنج أو حشيش لعصيانه بإزالة عقل، بخلاف سكران لم يتعد بتناول مسكر كأن أكره عليه أو
لم يعلم أنه مسكر فلا يقع طلاقه إذا صار بحيث لا يميز لعدم تعديه وصدق مدعي إكراه في تناوله بيمينه إن
وجدت قرينة عليه، كحبس وإلا فلا بد من البينة، ويقع طلاق الهازل به بأن قصد لفظه دون معناه أو لعب به بأن
8

لم يقصد شيئا ولا أثر لحكاية طلاق الغير وتصوير الفقيه وللتلفظ به بحيث لا يسمع نفسه. واتفقوا على وقوع
طلاق الغضبان، وإن ادعى زوال شعوره بالغضب، (لا) طلاق (مكره) بغير حق (بمحذور) مناسب كحبس
طويل، وكذا قليل لذي مروءه وصفعة له في الملا وكإتلاف مال يضيق عليه، بخلاف نحو خمسة دراهم في حق
9

موسر وشرط الاكراه قدرة المكره على تحقيق ما هدد به عاجلا بولاية أو تغلب وعجز المكره عن دفعه بفرار أو
استغاثة وظنه أنه إن امتنع فعل ما خوفه به ناجزا فلا يتحقق العجز بدون اجتماع ذلك كله، ولا يشترط التورية بأن
ينوي غير زوجته أو يقول سرا عقبه إن شاء الله، فإذا قصد المكره الايقاع للطلاق وقع، كما إذا أكره بحق: كأن
10

قال مستحق القود طلق زوجتك وإلا قتلتك بقتلك أبي، أو قال رجل لآخر طلقها أو لأقتلنك غدا فطلق فيقع فيهما
(ب‍) - صريح وهو ما لا يحتمل ظاهره غير الطلاق ك‍ (- مشتق طلاق) ولو من عجمي عرف أنه موضوع لحل عصمة
11

النكاح أو بعده عنها وإن لم يعرف معناه الأصلي، كما أفتى به شيخنا، (وفراق وسراح) لتكررها في القرآن
كطلقتك وفارقتك وسرحتك أو زوجتي، وكأنت طالق أو مطلقة، بتشديد اللام، المفتوحة ومفارقة ومسرحة أما
مصادرها فكناية كأنت طلاق أو فراق أو سراح.
تنبيه: ويشترط ذكر مفعول مع نحو طلقت ومبتدأ مع نحو طالق فلو نوى أحدهما لم يؤثر كما لو قال: طالق
ونوى أنت أو امرأتي ونوي لفظ طالق إلا إن سبق ذكرها في سؤال في نحو طلق امرأتك فقال: طلقت بلا مفعول
12

أو فوض إليها بطلقي نفسك فقالت: طلقت ولم تقل: نفسي فيقع فيهما (وترجمته) أي مشتق ما ذكر بالعجمية
فترجمة الطلاق صريح على المذهب وترجمة صاحبيه صريح أيضا على المعتمد، ونقل الأذرعي عن جمع
الجزم به (و) منه (أعطيت) أو قلت (طلاقك وأوقعت) أو ألقيت أو وضعت (عليك الطلاق) أو طلاقي ويا طالق
ويا مطلقة - بتشديد اللام - لا أنت طلاق ولك الطلاق بل هما كنايتان: كإن فعلت كذا ففيه طلاقك أو فهو طلاقك
- فيما استظهر شيخنا - لان المصدر لا يستعمل في العين إلا توسعا، ولا يضر الخطأ في الصيغة إذا لم يخل
بالمعنى كالخطأ في الاعراب.
فروع: لو قالت له طلقني فقال: هي مطلقة فلا يقبل إرادة غيرها لان تقدم سؤالها يصرف اللفظ إليها، ومن
13

ثم لو لم يتقدم لها ذكر رجع لنيته في نحو أنت طالق وهي غائبة أو هي طالق وهي حاضرة. قال البغوي: ولو قال ما
كدت أن أطلقك كان إقرارا بالطلاق انتهى. ولو قال لوليها زوجها فمقر بالطلاق، قال المزجد: لو قال: هذه
زوجة فلان حكم بارتفاع نكاحه وأفتى ابن الصلاح فيما لو قال رجل: إن غبت عنها سنة فما أنا لها بزوج بأنه
إقرار في الظاهر بزوال الزوجية بعد غيبته السنة فلها بعدها ثم بعد انقضاء عدتها تزوج لغيره.
ولو قال لآخر: أطلقت زوجتك ملتمسا الانشاء؟ فقال: نعم أو إي وقع وكان صريحا، فإذا قال:
طلقت فقط كان كناية لان نعم متعينة للجواب، وطلقت مستقلة، فاحتملت الجواب والابتداء. أما إذا قال له ذلك
14

مستخبرا فأجاب بنعم فإقرار بالطلاق ويقع عليه ظاهرا إن كذب ويدين وكذا لو جهل حال السؤال. فإن قال:
أردت طلاقا ماضيا وراجعت صدق بيمينه لاحتماله، ولو قيل: لمطلق أطلقت زوجتك ثلاثا؟ فقال طلقت وأراد
واحدة صدق بيمينه لان طلقت محتمل للجواب والابتداء، ومن ثم لو قالت: طلقني ثلاثا فقال طلقتك ولم ينو
عددا فواحدة ولو قال لام زوجته: ابنتك طالق وقال: أردت بنتها الأخرى صدق بيمنه، كما لو قال لزوجته:
وأجنبية إحداكما طالق وقال: قصدت الأجنبية لتردد اللفظ بينهما فصحت إرادتها - بخلاف ما لو قال: زينب
15

طالق واسم زوجته زينب وقصد أجنبية اسمها زينب فلا يقبل قوله ظاهرا بل يدين ولو قال عامي أعطيت
تلاق فلانة بالتاء أو طلاكها - بالكاف - أو دلاقها - بالدال - وقع به الطلاق وكان صريحا في حقه إن لم يطاوعه
لسانه إلا على هذا اللفظ المبدل أو كان ممن لغته كذلك - كما صرح به الجلال البلقيني - واعتمده جمع
متأخرون، وأفتى به جمع من مشايخنا، وإلا فهو كناية لان ذلك الابدال له أصل في اللغة (و) يقع (بكناية) وهي
16

ما يحتمل الطلاق وغيره إن كانت (مع نية) لايقاع الطلاق (مقترنة بأولها) أي الكناية وتعبيري بمقترنة بأولها هو ما
رجحه كثيرون، واعتمده الأسنوي والشيخ زكريا تبعا لجمع محققين ورجح في أصل الروضة الاكتفاء بالمقارنة
لبعض اللفظ ولو لآخره وهي (كأنت علي حرام) أو حرمتك أو حلال الله علي حرام ولو تعارفوه طلاقا - خلافا
للرافعي - ولو نوى تحريم عينها أو نحو فرجها أو وطئها لم تحرم، وعليه مثل كفارة يمين وإن لم يطأ. ولو
قال:
17

هذا الثوب أو الطعام حرام علي فلغو لا شئ فيه (و) أنت (خلية) أي من الزوج فعيلة بمعنى فاعلة أو بريئة منه
(وبائن) أي مفارقة، (و) كأنت (حرة) ومطلقة بتخفيف اللام أو أطلقتك، (و) أنت (كأمي) أو بنتي أو أختي (و)
ك‍ (- بنتي) لممكنة كونها بنته باحتمال السن وإن كانت معلومة النسب، (و) ك‍ (- أعتقتك وتركتك) وقطعت
18

نكاحك (وأزلتك وأحللتك) أي للأزواج، وأشركتك مع فلانة وقد طلقت منه أو من غيره (و) ك‍ (- تزوجي) أي
لأني طلقتك وأنت حلال لغيري بخلاف قوله للولي: زوجها فإنه صريح (واعتدي) أي لأني طلقتك وودعيني من
الوداع: أي لأني طلقتك (و) ك‍ (- خذي طلاقك، ولا حاجة لي فيك) أي لأني طلقتك ولست زوجتي إن لم يقع
في جواب دعوى، وإلا فإقرار (و) ك‍ (- ذهب طلاقك أو سقط طلاقك) إن فعلت كذا (و) ك‍ (- طلاقك واحد)
وثنتان فإن قصد به الايقاع وقع، وإلا فلا، وكلك الطلاق أو طلقة، وكذا سلام عليك على ما قاله ابن صلاح،
ونقله شيخنا في شرح المنهاج، (لا) منها (كطلاقك عيب أو نقص ولا قلت) أو أعطيت (كلمتك أو حكمك) فلا
19

يقع به الطلاق وإن نوى بها المتلفظ الطلاق لأنها ليست من الكنايات التي تحتمل الطلاق بلا تعسف ولا أثر
لاشتهارها في الطلاق في بعض القطر، كما أفتى به جمع من محققي مشايخ عصرنا، ولو نطق بلفظ من هذه
الألفاظ الملغاة عند إرادة الفراق فقال له الآخر: مستخبرا أطلقت زوجتك؟ فقال: نعم ظانا وقوع الطلاق باللفظ
الأول لم يقع، كما أفتى به شيخنا.
وسئل البلقيني عما لو قال لها: أنت علي حرام وظن أنها طلقت به ثلاثا فقال لها: أنت طالق ثلاثا ظانا
وقوع الثلاث بالعبارة الأولى.
فأجاب بأنه لا يقع عليه طلاق، بما أخبر به ثانيا على الظن المذكور. اه‍. ويجوز لمن ظن صدقه أن لا
يشهد عليه.
فرع لو كتب صريح طلاق أو كنايته ولم ينو إيقاع الطلاق فلغو ما لم يتلفظ حال الكتابة أو بعدها بصريح ما
20

كتبه نعم: يقبل قوله أردت قراءة المكتوب لا الطلاق لاحتماله، ولا يلحق الكناية بالصريح طلب المرأة الطلاق
ولا قرينة غضب ولا اشتهار بعض ألفاظ الكنايات فيه (وصدق منكر نية) في الكناية (بيمينه) في أنه ما نوى بها
طلاقا، فالقول في النية: إثباتا ونفيا قول: الناوي إذ لا تعرف إلا منه، فإن لم تمكن مراجعة نيته بموت أو فقد لم
يحكم بوقوع الطلاق لان الأصل بقاء العصمة.
21

فروع قال في العباب: من اسم زوجته فاطمة مثلا فقال: ابتداء أو جوابا لطلبها الطلاق فاطمة طالق وأراد
غيرها لم يقبل، ومن قال لامرأته: يا زينب، أنت طالق واسمها عمرة طلقت للإشارة، ولو أشار إلى أجنبية وقال:
يا عمرة أنت طالق واسم زوجته عمرة لم تطلق، ومن قال: امرأتي طالق مشيرا لاحدى امرأتيه وأراد الأخرى قبل
بيمينه، ومن له زوجتان اسم كل واحدة منهما فاطمة بنت محمد وعرف أحدهما بزيد فقال: فاطمة بنت محمد
طالق ونوى بنت زيد قبل. انتهى. قال شيخنا: لم يقبل في المسألة الأولى أي ظاهرا بل يدين. نعم: يتجه قبول
إرادته لمطلقة له اسمها فاطمة اه‍. ولو قال: زوجتي عائشة بنت محمد طالق وزوجته خديجة بنت محمد طلقت
22

لأنه لا يضر الخطأ في الاسم، ولو قال لابنه المكلف قل لامك: أنت طالق ولم يرد التوكيل يحتمل التوكيل فإذا
قاله لها: طلقت كما تطلق به لو أراد التوكيل، ويحتمل أنها تطلق وكون الابن مخبرا لها بالحال قال الأسنوي:
ومدرك التردد أن الامر بالامر بالشئ إن جعلناه كصدور الامر من الأول كان الامر بالاخبار بمنزلة الاخبار من
الأب فيقع وإلا فلا. اه‍. قال الشيخ زكريا: وبالجملة فينبغي أن يستفسر فإن تعذر استفساره عمل بالاحتمال
الأول حتى لا يقع الطلاق بقوله: بل بقول الابن لامه: لان الطلاق لا يقع بالشك. (ولو قال: طلقتك ونوى
23

عددا) اثنتين أو واحدة (وقع منوي) ولو في غير موطوءة فإن لم ينوه وقع طلقة واحدة ولو شك في العدد الملفوظ أو
المنوي فيأخذ بالأقل ولا يخفى الورع.
فرع لو قال: طلقتك واحدة وثنتين فيقع به الثلاث - كما هو ظاهر - وبه أفتى بعض محققي علماء عصرنا.
ولو قال للمدخول بها: أنت طالق طلقة بل طلقتين فيقع ثلاث، كما صرح به الشيخ زكريا في شرح الروض،
24

(ويقع طلاق الوكيل) في الطلاق (بطلقت) فلانة ونحوه وإن لم ينو عند الطلاق أنه مطلق لموكله (ولو قال لآخر:
أعطيت) أو جعلت بيدك (طلاق زوجتي) أو قال له: رح بطلاقها وأعظها (فهو توكيل) يقع الطلاق بتطليق الوكيل
لا بقول الزوج هذا اللفظ بل تحصل الفرقة من حين قول الوكيل: متى شاء طلقت فلانة لا بإعلامها الخبر بأن
فلانا أرسل بيدي طلاقك ولا بإعلامها أن زوجك طلق، وإذا قال له: لا تعطه إلا في يوم كذا فيطلق في اليوم
الذي عينه أو بعده لا قبله، ثم إن قصد التقييد بيوم طلق فيه لا بعده. (ولو قال لها) أي الزوجة المكلفة منجزا
25

(طلقي نفسك إن شئت فهو تمليك) للطلاق لا توكيل بذلك وبحث أن منه قوله: طلقيني فقالت: أنت طالق
ثلاثا، لكنه كناية، فإن نوى التفويض إليها طلقت وإلا فلا. وخرج بتقييدي بالمكلفة غيرها لفساد عبارتها،
وبمنجز المعلق، فلو قال: إذا جاء رمضان فطلقي نفسك لغا، وإذا قلنا أنه تمليك (فيشترط) لوقوع الطلاق
المفوض إليها (تطليقها) ولو بكناية (فورا) بأن لا يتخلل فاصل بين تفويضه وإيقاعها نعم، لو قال: طلقي نفسك
فقالت: كيف يكون تطليق نفسي؟ ثم قالت: طلقت وقع لأنه فصل يسير (بطلقت) نفسي أو طلقت فقط لا
بقبلت، وقال بعضهم: - كمختصري الروضة - لا يشترط الفور في متى شئت فتطلق متى شاءت. وجزم به
26

صاحبا التنبيه والكفاية، لكن المعتمد، كما قال شيخنا: أنه يشترط الفورية وإن أتى بنحو متى، ويجوز له الرجوع
قبل تطليقها كسائر العقود.
فائدة: يجوز تعليق الطلاق كالعتق بالشروط ولا يجوز الرجوع فيه قبل وجود الصفة. ولا يقع قبل وجود
27

الشرط. ولو علقه بفعله شيئا ففعله ناسيا للتعلق أو جاهلا بأنه المعلق عليه لم تطلق. ولو علق الطلاق على
ضرب زوجته بغير ذنب فشتمته فضربها لم يحنث إن ثبت ذلك، وإلا صدقت فتحلف.
مهمة: يجوز الاستثناء بنحو إلا بشرط أن يسمع نفسه، وأن يتصل بالعدد الملفوظ: كطلقتك ثلاثا إلا
28

اثنتين فيقع طلقه أو إلا واحدة فطلقتان ولو قال: أنت طالق إن شاء الله لم تطلق. (وصدق مدعي إكراه) على
طلاق (أو إغماء) حالته (أو سبق لسان) إلى لفظ الطلاق (بيمينه إن كان ثم قرينة) كحبس وغيره في دعوى كونه
مكرها وكمرض واعتياد صرع في دعوى كونه مغشيا عليه وككون اسمها طالعا أو طالبا في دعوى سبق اللسان
(وإلا) تكن هناك قرينة (فلا) يصدق إلا بيمينه.
تتمة من قال لزوجته: يا كافرة مريدا حقيقة الكفر جرى فيها ما تقرر في الردة أو الشتم فلا طلاق وكذا إن لم
29

يرد شيئا لأصل بقاء العصمة، وجريان ذلك الشتم كثيرا مرادا به كفر النعمة.
(فرع في حكم المطلقة بالثلاث، حرم لحر من طلقها) ولو قبل الوطئ (ثلاثا ولعبد من طلقها ثنتين) في
نكاح أو أنكحة (حتى تنكح) زوج غيره بنكاح صحيح ثم يطلقها وتنقض عدتها منه كما هو معلوم (ويولج) بقبلها
(حشفة) منه أو قدرها من فاقدها مع افتضاض لبكر، وشرط كون الايلاج (بانتشار) للذكر، أي معه وإن قل أو
30

أعين بنحو إصبع، ولا يشترط إنزال، وذلك للآية. والحكمة في اشتراط التحليل التنفير من استيفاء ما يملكه من
الطلاق (ويقبل قولها) أي المطلقة (في تحليل) وانقضاء عدة عند إمكان (وإن كذبها الثاني) في وطئه لها لعسر
إثباته (و) إذا ادعت نكاحا وانقضاء عدة وحلفت عليهما جاز (ل‍) - لزوج (الأول نكاحها) وإن ظن كذبها لان العبرة
31

في العقود بقول أربابها ولا عبرة بظن لا مستند له. ولو ادعى الثاني الوطئ وأنكرته لم تحل للأول ولو قالت: لم
أنكح ثم كذبت نفسها وادعت نكاحا بشرطه جاز للأول نكاحها إن صدقها (ولو أخبرته) أي المطلقة زوجها الأول
(أنها تحللت ثم رجعت) وكذبت نفسها (قبلت) دعواها (قبل عقد) عليها للأول فلا يجوز له نكاحها (لا بعده):
أي لا يقبل إنكارها التحليل بعد عقد الأول، لان رضاها بنكاحه يتضمن الاعتراف بوجود التحليل فلا يقبل منها
خلافه (وإن صدقها الثاني) في عدم الإصابة لان الحق تعلق بالأول فلم تقدر هي ولا مصدقها على رفعه كما
أفتى به جمع من مشايخنا المحققين.
تتمة إنما يثبت الطلاق كالاقرار به بشهادة رجلين حرين عدلين فلا يحكم بوقوعه بشهادة الإناث ولو مع
32

رجل أو كن أربعا ولا بالعبيد ولو صلحاء ولا بالفساق، ولو كان الفسق، بإخراج مكتوبة عن وقتها بلا عذر
ويشترط للأداء والقبول أن يسمعاه ويبصر المطلق حين النطق به فلا يصح تحملها الشهادة اعتمادا على الصوت
من غير أن يريا المطلق لجواز اشتباه الأصوات وأن يبينا لفظ الزوج من صريح أو كناية ويقبل فيه شهادة أبي
المطلقة وابنها إن شهدا حسبة. ولو تعارضت بينتا تعليق وتنجيز قدمت الأولى لان معها زيادة علم بسماع
التعليق.
33

فصل في الرجعة
هي لغة المرة من الرجوع وشرعا رد المرأة إلى النكاح من طلاق غير بائن في العدة (صح رجوع مفارقة
34

بطلاق دون أكثره) فهو ثلاث لحر وثنتان لعبد (مجانا) بلا عوض (بعد وطئ) أي في عدة وطئ (قبل انقضاء عدة)
فلا يصح رجوع مفارقة بغير طلاق كفسخ ولا مفارقة بدون ثلاث مع عوض كخلع لبينونتها ومفارقة قبل وطئ: إذ
لا عدة عليها ولا من انقضت عدتها لأنها صارت أجنبية. ويصح تجديد نكاحهن بإذن جديد وولي وشهود ومهر
آخر ولا مفارقة بالطلاق الثلاث فلا يصح نكاحها إلا بعد التحليل، وإنما يصح الرجوع (براجعت) أو رجعت
35

(زوجتي) أو فلانة وإن لم يقل: إلي نكاحي أو إلي لكن يسن أن يزيد أحدهما مع الصيغة: ويصح برددتها إلى
نكاحي وبأمسكتها، وأما عقد النكاح عليها بإيجاب وقبول فكناية تحتاج إلى نية. ولا يصح تعليقها كراجعتك إن
شئت. ولا يشترط الاشهاد عليها بل يسن.
فروع يحرم التمتع برجعية ولو بمجرد نظر ولاحد إن وطئ، بل يعزر وتصدق بيمينها في انقضاء العدة
36

بغير الأشهر من أقراء أو وضع إذا أمكن وإذا أنكره الزوج أو خالفت عادتها لأن النساء مؤتمنات على أرحامهن ولو
37

ادعى رجعة العدة وهي منقضية ولم تنكح، فإن اتفقا على وقت الانقضاء كيوم الجمعة وقال: راجعت قبله فقالت
بل بعده حلفت أنها لا تعلم أنه راجع فتصدق لان الأصل عدم الرجعة قبله، فلو اتفقتا على وقت الرجعة كيوم
الجمعة وقالت: انقضت يوم الخميس وقال: بل انقضت يوم السبت صدق بيمينه أنها ما انقضت يوم الخميس
لاتفاقهما على وقت الرجعة والأصل عدم انقضاء العدة قبله. (ولو تزوج) رجل (مفارقته) ولو بخلع (بدون ثلاث
ولو بعد) أن نكحت ل‍ (- زوج آخر) ودخوله بها (عادت) إليه (ببقيته): أي بقية الثلاث فقط من ثنتين أو واحدة.
38

فصل
الايلاء خلف زوج يتصور وطؤه على امتناعه من وطؤه زوجته مطلقا أو فوق أربعة أشهر كأن يقول: لا أطوك
39

أو لا أطوك خمسة أشهر أو حتى يموت فلان، فإذا مضت أربعة أشهر من الايلاء بلا وطئ فلها مطالبته بالفيئة وهي
40

الوطئ أو بالطلاق، فإن أبى طلق عليه القاضي وينعقد الايلاء بالحلف بالله تعالى وبتعليق طلاق أو عتق أو التزام
قربة، وإذا وطئ مختارا بمطالبة أو دونها لزمته كفارة يمين إن حلف بالله.
41

فصل
42

إنما يصح الظهار ممن يصح طلاقه وهو أن يقول لزوجته أنت كظهر أمي ولو بدون علي. وقوله أنت كأمي
كناية وكالام محرم لم يطرأ تحريمها. وتلزمه كفارة ظهار بالعود وهو أن يمسكها زمنا يمكن فراقها فيه.
43

فصل في العدة
هي مأخوذة من العدد لاشتمالها على عدد أقراء وأشهر غالبا وهي شرعا مدة تتربص فيها المرأة لمعرفة
براءة رحمها من الحمل أو للتعبد. وهو اصطلاحا ما لا يعقل معناه عبادة كان أو غيرها ولتفجعها على زوج مات.
45

وشرعت أصالة صونا للنسب عن الاختلاط (تجب عدة لفرقة زوج حي) بطلاق أو فسخ نكاح حاضر أو غائب
مدة طويلة (وطئ) في قبل أو دبر، بخلاف ما إذا لم يكن وطئ وإن وجدت خلوة (وإن تيقن براءة رحم) كما
في صغيرة وصغير. (ولوطئ) حصل مع (شبهة) في حله كما في نكاح فاسد وهو كل ما لم يوجب حدا على
الواطئ.
46

فرع: لا يستمتع بموطوءة بشبهة مطلقا ما دامت في عدة شبهة حملا كانت أو غيره حتى تنقضي بوضع أو
غيره لاختلال النكاح بتعلق حق الغير. قال شيخنا: ومنه يؤخذ أنه يحرم عليه نظرها ولو بلا شهوة والخلوة بها،
وإنما يجب لما ذكر عدة (بثلاثة قروء) والقرء هنا طهريين دمي حيضتين أو حيض ونفاس فلو طلق من لم تحض
47

أولا ثم حاضت لم يحسب الزمن الذي طلق فيه قرءا: إذ لم يكن بين دمين، بل لا بد من ثلاثة أطهار بعد الحيضة
المتصلة بالطلاق ويحسب بقية الطهر طهرا في غيرها، وتجب العدة بثلاثة أقراء (على حرة تحيض) لقوله
تعالى: * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * فمن طلقت طاهرا وقد بقي من الطهر لحظة انقضت
عدتها بالطعن في الحيضة الثالثة لاطلاق القرء على أقل لحظة من الطهر وإن وطئ فيه أو حائضا وإن لم يبق من
زمن الحيض إلا لحظة فتنقضي عدتها بالطعن في الحيضة الرابعة وزمن الطعن في الحيضة ليس من العدة بل
يتبين به انقضاؤها. (و) تجب عدة (بثلاثة أشهر) هلالية ما لم تطلق أثناء شهر، وإلا تمم المنكسر ثلاثين (إن لم
48

تحض) أي الحرة أصلا (أو) حاضت أولا ثم انقطع و (يئست) من الحيض ببلوغها إلى سن تيأس فيه النساء من
الحيض غالبا، وهو اثنتان وستون سنة، وقيل خمسون ولو حاضت من لم تحض قط في أثناء العدة بالأشهر
اعتدت بالأطهار أو بعدها أو تستأنف العدة بالأطهار، بخلاف الآيسة (ومن انقطع حيضها) بعد أن كانت تحيض
(بلا علة) تعرف (لم تتزوج حتى تحيض أو تيأس) ثم تعتد بالأقراء أو الأشهر وفي القديم وهو مذهب مالك
49

وأحمد أنها تتربص تسعة أشهر ثم تعتد بثلاثة أشهر ليعرف فراغ الدم: إذ هي غالب مدة الحمل، وانتصر له
الشافعي بأن عمر رضي الله عنه قضى به بين المهاجرين والأنصار ولم ينكر عليه، ومن ثم أفتى به سلطان العلماء
عز الدين ابن عبد السلام والبارزي والريمي وإسماعيل الحضرمي واختاره البلقيني وشيخنا ابن زياد رحمهم الله
تعالى. أما من انقطع حيضها بعلة تعرف كرضاع ومرض فلا تتزوج اتفاقا حتى تحيض أو تيأس وإن طالت المدة
(و) تجب العدة (لوفاة) زوج حتى (على) حرة (رجعية وغير موطوءة) لصغر أو غيره، وإن كانت ذات أقراء
50

(بأربعة أشهر وعشرة أيام) ولياليها للكتاب والسنة. وتجب على المتوفي عنها زوجها العدة بما ذكر (مع إحداد)
يعني يجب الاحداد عليها أيضا بأي صفة كانت، للخبر المتفق عليه: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن
تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا أي فإنه يحل لها الاحداد عليه هذه المدة: أي يجب
51

لان ما جاز بعد امتناعه واجب وللاجماع على إرادته إلا ما حكي عن الحسن البصري، وذكر الايمان للغالب أو
لأنه أبعث على الامتثال، وإلا فمن لها أمان يلزمها ذلك أيضا ويلزم الولي أمر موليته به.
تنبيه: الاحداد الواجب على المتوفي عنها زوجها ولو صغيرة ترك لبس مصبوع لزينة وإن خشن. ويباح
إبريسم لم يصبغ، وترك التطيب ولو ليلا، والتحلي نهارا بحلي ذهب أو فضة. ولو نحو خاتم أو قرط أو تحت
الثياب للنهي عنه، ومنه مموه بأحدهما ولؤلؤ ونحوه من الجواهر التي تتحلى بها، ومنها العقيق وكذا نحو نحاس
52

وعاج إن كانت من قوم يتحلون بهما وترك الاكتحال بإثمد إلا لحاجة وإن كانت سوداء، ودهن شعر رأسها لا
سائر البدن وحل تنظف بغسل، وإزالة وسخ وأكل تنبل وندب إحداد لبائن بخلع أو فسخ أو طلاق ثلاث لئلا
يفضي تزيينها لفسادها، وكذا الرجعية إن لم ترج عودة بالتزين فيندب. وتجب على المعتدة بالوفاة وبطلاق بائن
53

أو فسخ ملازمة مسكن كانت فيه عند الموت أو الفرقة إلى انقضاء عدة ولها الخروج نهارا لشراء نحو طعام وبيع
غزل ولنحو احتطاب لا ليلا ولو أوله، خلافا لبعضهم لكن لها خروج ليلا إلى دار جاره الملاصق لغزل وحديث
54

ونحوهما لكن بشرط أن يكون ذلك بقدر العادة وأن لا يكون عندها من يحدثها ويؤنسها على الأوجه وأن ترجع
وتبيت في بيتها. أما الرجعية فلا تخرج إلا بإذنه أو لضرورة لان عليه القيام بجميع مؤنها كالزوجة، ومثلها بائن
حامل وتنتقل من المسكن لخوف على نفسها أو ولدها أو على المال ولو لغيرها كوديعة وإن قل وخوف هدم أو
حرق أو سارق. أو تأذت بالجيران أذى شديدا، وعلى الزوج سكنى المفارقة ولو بأجرة ما لم تكن ناشزة وليس له
55

مساكنتها ولا دخول محل هي فيه مع انتفاء نحو المحرم فيحرم عليه ذلك ولو أعمى وإن كان الطلاق رجعيا لان
ذلك يجر إلى الخلوة المحرمة بها، ومن ثم لزمها منعه إن قدرت عليه (و) كما تعتد حرة بما ذكر (تعتد غيرها) أي
غير الحرة (بنصف) من عدة الحرة لأنها على النصف في كثير من الأحكام (وكمل الطهر الثاني) إذ لا يظهر
56

نصفه إلا بظهور كله فلا بد من الانتظار إلى أن يعود الدم (وتعتدان) أي الحرة والأمة لوفاة أو غيرها وإن كانتا
تحيضان (بوضع حمل) حملتا لصاحب العدة ولو مضغة تتصور لو بقيت لا بوضع علقة.
فرع: يلحق ذا العدة الولد إلى أربع سنين موقت طلاقه لا إن أتت به بعد نكاح لغير ذي العدة وإمكان
57

لان يكون منه بأن أتت به لستة أشهر بعد نكاحه. (وتصدق) المرأة (في) دعوى (انقضاء عدة) بغير أشهر إن
(أمكن) انقضاؤها وإن خالفت عدتها أو كذبها الزوج، إذ يعسر عليها إقامة البينة بذلك ولأنها مؤتمنة على ما في
رحمها وإمكان الانقضاء بالولادة ستة أشهر ولحظتان وبالأقراء لحرة طلقت في طهر اثنان وثلاثون يوما ولحظتان
وفي حيض سبعة وأربعون يوما ولحظة.
فائدة: ينبغي تحليف المرأة على انقضاء العدة (ولا يقبل دعواها) أي المرأة (عدم انقضائها) أي العدة
(بعد تزوج الآخر) لان رضاها بالنكاح يتضمن الاعتراف بانقضاء العدة، فلو ادعت بعد الطلاق الدخول فأنكر
58

صدق بيمينه لان الأصل عدمه وعليها العدة مؤاخذة لها بإقرارها وإن رجعت وكذبت نفسها في دعوى الدخول لان
الانكار بعد الاقرار غير مقبول.
فرع: لو انقضت عدة الرجعية ثم نكحت آخر فادعى مطلقها عليها أو على الزوج الثاني الرجعية قبل
انقضاء العدة فأثبت ذلك ببينة أو لم يثبت لكن أقرا: أي الزوجة، والثاني له به أخذها لأنه قد ثبت بالبينة أو الاقرار
ما يستلزم فساد النكاح ولها عليه بالوطئ مهر المثل، فلو أنكر الثاني الرجعة صدق بيمينه في إنكارها لان النكاح
وقع صحيحا والأصل عدم الرجعة أو أقرت هي دون الثاني فلا يأخذها لتعلق حق الثاني حتى تبين من الثاني، إذ
لا يقبل إقرارها عليه بالرجعة ما دامت في عصمته لتعلق حقه بها، أما إذا بانت منه فتسلم للأول بلا عقد وأعطت
وجوبا الأول قبل بينونتها مهر المثل للحيلولة الصادرة منها بينه وبين حقه بالنكاح الثاني حتى لو زال أخذت
المهر لارتفاع الحيلولة، ولو تزوجت امرأة كانت في حيالة زوج بأن ثبت ذلك ولو بإقرارها به قبل نكاح الثاني
59

فادعى عليها الأول بقاء نكاحه وأنه لم يطلقها وهي تدعي أنه طلقها وانقضت عدتها منه قبل أن تنكح الثاني ولا
بينة بالطلاق فحلف أنه لم يطلقها أخذها من الثاني لأنها أقرت له بالزوجية وهو إقرار صحيح، إذ لم يتفقا على
الطلاق (وتنقطع عدة) بغير حمل (بمخالطة) مفارق لمفارقة (رجعية فيها) لا بائن ولو بخلع كمخالطة الزوج
زوجته بأن كان يختلي بها، ويتمكن عليها ولو في الزمن اليسير سواء أحصل وطئ أم لا فلا تنقضي العدة لكن إذا
زالت المعاشرة بأن نوى أنه لا يعود إليها كملت على ما مضى، وذلك لشبهة الفراش كما لو نكحها حائلا في
60

العدة فلا يحسب زمن استفراشه عنها بل تنقطع من حين الخلوة ولا يبطل بها ما مضى فتبني عليه إذا زالت ولا
يحسب الأوقات المتخللة بين الخلوات، (و) لكن (لا رجعة) له عليها (بعدها) أي بعد العدة بالأقراء أو الأشهر
على المعتمد وإن لم تنقض عدتها لكن يلحقها الطلاق إلى انقضائها، والذي رجحه البلقيني أنه لا مؤنة لها
61

بعدها. وجزم به غيره فقال: لا توارث بينهما ولا يحد بوطئها.
تتمة: لو اجمتع عدتا شخص على امرأة بأن وطئ مطلقته الرجعية مطلقا أو البائن بشبهة تكفي عدة أخيرة
منهما فتعتد هي من فراغ الوطئ وتندرج فيها بقية الأولى فإن كرر الوطئ استأنفت أيضا لكن لا رجعة حيث لم يبق
من الأولى بقية.
فرع: في حكم الاستبراء وهو شرعا تربص بمن فيها رق عند وجود سبب مما يأتي للعلم ببراءة رحمها أو
62

للتعبد. (يجب استبراء) لحل تمتع أو تزويج (بملك أمة) ولو معتدة بشراء أو إرث أو وصية أو هبة مع قبض أو
63

سبي بشرطه من القسمة أو اختيار تملك (وإن تيقن براءة رحم) كصغيرة وبكر وسواء أملكها من صبي أم امرأة أم
من بائع استبرأها قبل البيع فيجب فيما ذكر بالنسبة لحل التمتع (وبزوال فراش) له (عن أمة موطوءة) غير
مستولدة (أو مستولدة بعتقها): أي بإعتاق السيد كل واحدة منهما أو موته لا إن استبرأ قبيل إعتاق غير مستولدة
64

ممن زال عنها الفراش فلا يجب بل تتزوج حالا. إذ لا تشبه هذه منكوحة بخلاف المستولدة. (و) يحرم بل (لا
يصح تزويج موطوءته) أي المالك (قبل) مضي (استبراء) حذر من اختلاط الماءين، أما غير موطوءته فإن كانت
غير موطوءة لاحد فله تزويجها مطلقا أو موطوءة غيره فله تزويجها ممن الماء منه وكذا من غيره إن كان الماء غير
محترم أو مضت مدة الاستبراء منه. ولو أعتق موطوءته فله نكاحها بلا استبراء (وهو) أي الاستبراء (لذات أقراء
حيضة) كاملة فلا تكفي بقيتها الموجودة حالة وجوب الاستبراء ولو وطئها في الحيض فحبلت منه، فإن كان قبل
65

مضي أقل الحيض انقطع الاستبراء وبقي التحريم إلى الوضع كما حبلت من وطئه وهي طاهرة وإن حبلت بعد
مضي أقله كفى في الاستبراء لمضي حيض كامل لها قبل الحمل (ولذات أشهر) من صغيرة أو آيسة (شهر
ولحامل لا تعتد بالوضع) أي بوضع الحمل وهي التي حملها من الزنا أو المسبية الحامل أو التي هي حامل من
السيد وزال عنها فراشه بعتق سواء الحامل المستولدة وغيرها (وضعه) أي الحمل.
66

فرع: لو اشترى نحو وثنية أو مرتدة فحاضت ثم بعد فراغ الحيض أو في أثنائه ومثله الشهر في ذات
الأشهر أسلمت لم يكف حيضها أو نحوه في الاستبراء لأنه لا يستعقب حل التمتع الذي هو القصد في الاستبراء
(وتصدق) المملوكة بلا يمين (في قولها) حضت لأنه لا يعلم إلا منها (وحرم في غير مسبية تمتع) ولو بنحو نظر
بشهوة ومس (قبل) تمام (استبراء) لأدائه إلى الوطئ المحرم ولاحتمال أنها حامل بحر فلا يصح نحو بيعها نعم
67

تحل له الخلوة بها، أما في المسبية فيحرم الوطئ لا الاستمتاع بغيره من تقبيل ومس لأنه (ص) لم يحرم منها غيره
مع غلبة امتداد الأعين والأيدي إلى مس الإماء سيما الحسان، ولان ابن عمر رضي الله عنه قبل أمة وقعت في
سهمه من سبايا أوطاس، وألحق الماوردي وغيره بالمسبية في حل الاستمتاع بغير الوطئ كل من لا يمكن حملها
كصبية وآيسة وحامل من زنا.
فرع: لا تصير أمة فراشا لسيدها إلا بوطئ منه في قبلها ويعلم ذلك بإقراره به أو ببينة، فإذا ولدت للامكان
من وطئه ولدا لحقه وإن لم يعترف به.
68

فصل في النفقة
من الانفاق وهو الاخراج (يجب) المد الآتي وما عطف عليه (لزوجة) أو أمة ومريضة (مكنت) من
الاستمتاع بها ومن نقلها إلى حيث شاء عند أمن الطريق والمقصد ولو بركوب بحر غلبت فيه السلامة، فلا تجب
70

بالعقد خلافا للقديم وإنما تجب بالتمكين يوما فيوما ويصدق هو بيمينه في عدم التمكين وهي في عدم النشوز
والانفاق عليها، وإذا مكنت من يمكن التمتع بها ولو من بعض الوجوه وجبت مؤنها ولو كان الزوج طفلا لا يمكن
جماعه: إذ لا منع من جهتها وإن عجزت عن وطئ بسبب غير الصغر كرتق أو مرض أو جنون، لا إن عجزت
بالصغر، بأن كانت طفلة لا تحتمل الوطئ فلا نفقة لها وإن سلمها الولي إلى الزوج. إذ لا يمكن التمتع بها
71

كالناشزة، بخلاف من تحتمله ويثبت ذلك بإقراره وبشهادة البينة به أو بأنها في غيبته باذلة للطاعة ملازمة للمسكن
ونحو ذلك ولها مطالبته بها إن أراد سفرا طويلا (ولو رجعية) وإن كانت حائلا أي يجب لها ما ذكر ما عدا آلة
التنظيف لبقاء حبسه لها وقدرته على التمتع بها بالرجعة ولامتناعه عنها لم يجب لها آلة التنظيف ويسقط مؤنتها ما
يسقط مؤنة الزوجة كالنشوز، وتصدق في قدر أقرائها بيمين إن كذبها وإلا فلا يمين، وتجب النفقة أيضا لمطلقة
72

حامل بائن بالطلاق الثلاث أو الخلع أو الفسخ بغير مقارن وإن مات الزوج قبل الوضع ما لم تنشز ولو أنفق بظنه
فبان عدمه رجع عليها أما إذا بانت الحامل بموته فلا نفقة، وكذا لا نفقة لزوجة تلبست بعدة شبهة بأن وطئت
بشبهة وإن لم تحبل لانتفاء التمكين. إذ يحال بينه وبينها إلى انقضاء العدة، ثم الواجب لنحو زوجة ممن مر (مد
طعام) من غالب قوت محل إقامتها لا إقامته ويكفي دفعه من غير إيجاب وقبول كالدين في الذمة. قال شيخنا:
73

ومنه يؤخذ أن الواجب هنا عدم الصارف لا قصد الأداء، خلافا لابن المقري ومن تبعه (على معسر) ولو بقوله ما
لم يتحقق له مال وهو من لا يملك ما يخرجه عن المسكنة (ولو مكتسبا) وإن قدر على كسب واسع (و) على
(رقيق) ولو مكاتبا وإن كثر ماله (ومدان على موسر) وهو من لا يرجع بتكليفه مدين معسرا (ومد ونصف على
74

متوسط) وهو من يرجع بذلك معسر، وإنما تجب النفقة وقت طلوع فجر كل يوم فيوم (إن لم تؤاكله) على
العادة برضاها وهي رشيدة، فلو أكلت معه دون الكفاية وجب لها تمام الكفاية على الأوجه، وتصدق هي في قدر
75

ما أكلته ولو كلفها مؤاكلته من غير رضاها أو واكلته غير رشيدة بلا إذن ولي فلا تسقط نفقتها به، وحينئذ هو متطوع
فلا رجوع له بما أكلته، خلافا للبلقيني ومن تبعه، ولو زعمت أنه متطوع وزعم أنه مؤد عن النفقة صدق بيمينه
على الأوجه. وفي شرح المنهاج: لو أضافها رجل إكراما له سقطت نفقتها ويكلف من أراد سفرا طويلا طلاقها
وتوكيل من ينفق عليها من مال حاضر ويجب ما ذكر (بأدم) أي مع أدم اعتيد وإن لم تأكله كسمن وزيت وتمر ولو
76

تنازعا فيه أو في اللحم الآتي قدره قاض باجتهاده مفاوتا في قدر ذلك بين الموسر وغيره، وتقدير الحاوي كالنص
بأوقية زيت أو سمن تقريب ويجب أيضا لحم اعتيد قدرا ووقتا بحسب يساره وإعساره وإن لم تأكله أيضا، فإن
اعتيد مر في الأسبوع فالأولى كونه يوم الجمعة أو مرتين فالجمعة والثلاثاء والنص أيضا رطل لحم في الأسبوع
على المعسر ورطلان على الموسر محمول على قلة اللحم في أيامه بمصر فيزاد بقدر الحاجة بحسب عادة
المحل، والأوجه أنه لا أدم يوم اللحم إن كفاها غذاء وعشاء وإلا وجب (و) مع (ملح) وحطب (وماء شرب)
77

لتوقف الحياة عليه (و) مع (مؤنة) كأجرة طحن وعجن وخبز وطبخ ما لم تكن من قوم اعتادوا ذلك بأنفسهم، كما
جزم به ابن الرفعة والأذرعي، وجزم غيرهما بأنه لا فرق (و) مع (آلة) لطبخ وأكل وشرب كقصعة وكوز وجرة
وقدر ومغرفة وإبريق من خشب أو خزف أو حجر، ولا يجب من نحاس وصيني وإن كانت شريفة (و) يجب لها
على الزوج ولو معسرا أول كل ستة أشهر كسوة تكفيها طولا وضخامة. فالواجب (قميص) ما لم تكن ممن اعتدن
78

الإزار والرداء فيجبان دونه على الأوجه (وإزار) وسراويل (وخمار) أي مقنعة ولو لامة (ومكعب) أي ما يلبس في
رجلها ويعتبر في نوعه عرف بلدها. نعم قال الماوردي إن كانت ممن يعتدن أن لا يلبسن في أرجلهن شيئا في
البيوت لا يجب لأرجلها شئ ويجب ذلك لها (مع لحاف للشتاء) يعني وقت البرد ولو في غير الشتاء ويزيد في
الشتاء جبة محشوة. أما في غير وقت البرد ولو في وقت الشتاء في البلاد الحارة فيجب لها رداء أو نحوه إن كانوا
ممن يعتادون فيه غطاء غير لباسهم أو ينامون عرايا كما هو السنة، فإن لم يعتادوا لنومهم غطاء لم يجب ذلك ولو
79

اعتادوا ثوبا للنوم وجب، كما جزم به بعضهم، ويختلف جودة الكسوة وضدها بيساره وضده ويجب عليه توابع
ذلك من نحو تكة سراويل وزر نحو قميص وخيط وأجرة خياط وعليه فراش لنومها ومخدة ولو اعتادوا على السرير
وجب.
80

فرع: يجب تجديد الكسوة التي لا تدوم سنة بأن تعطاها كل ستة أشهر من كل سنة، ولو تلفت أثناء الفصل
ولو بلا تقصير لم يجب تجديدها، ويجب كونها جديدة (و) لها عليه (آلة تنظف) لبدنها وثوبها وإن غاب عنها،
لاحتياجها إليه كالادم، فمنها سدر ونحوه (كمشط) وسواك وخلال (و) عليه (دهن) لرأسها وكذا لبدنها إن اعتيد
من شيرج أو سمن فيجب الدهن كل أسبوع مرة فأكثر بحسب العادة، وكذا دهن لسراجها وليس لحامل بائن ومن
81

زوجها غائب إلا ما يزيل الشعث والوسخ على المذهب ويجب عليه الماء للغسل الواجب بسببه كغسل جماع
ونفاس لا حيض واحتلام وغسل نجس ولا ماء وضوء إلا إذا نقضه بلمسه (لا) عليه (طيب) إلا لقطع ريح
كريه ولا كحل (ودواء) لمرضها وأجرة طبيب، ولها طعام أيام المرض وأدمها وكسوتها وآلة تنظفها وتصرفه
للدواء وغيره.
82

تنبيه: يجب لها في جميع ما ذكر من الطعام والادم وآلة ذلك والكسوة والفرش وآلة التنظيف أن يكون
تمليكا بالدفع دون إيجاب وقبول وتملكه هي بالقبض فلا يجوز أخذه منها إلا برضاها أما المسكن فيكون إمتاعا
حتى يسقط بمضي الزمان لأنه لمجرد الانتفاع كالخادم وما جعل تمليكا يصير دينا بمضي الزمان ويعتاض عنه
83

ولا يسقط بموت أثناء الفصل، (و) لها (عليه مسكن) تأمن فيه لو خرج عنها على نفسها ومالها - وإن قل - للحاجة
بل للضرورة إليه (يليق بها) عادة وإن كانت ممن لا يعتادون السكنى (ولو معارا) ومكترى. ولو سكن معها في
منزلها بإذنها أو لامتناعها من النقلة معه أو في منزل منحو أبيها بإذنها لم يلزمه أجرة لان الاذن العرى عن ذكر
84

العوض ينزل على الإعارة والإباحة، (و) عليه ولو معسرا، خلافا لجمع، أو قنا (إخدام حرة) بواحدة لا أكثر لأنه
من المعاشرة بالمعروف، بخلاف الأمة وإن كان جميلة (تخدم) أي يخدم مثلها عادة عند أهلها، فلا عبرة بترفهها
في بيت زوجها، وإنما يجب عليه الاخدام ولو بحرة صحبتها أو مستأجرة أو بمحرم أو مملوك لها ولو عبدا أو
85

بصبي غير مراهق، فالواجب للخادم الذي عينه الزوج مد وثلث على موسر، ومد على معسر ومتوسط مع كسوة
أمثال الخادم من قميص وإزار ومقنعة، ويراد للخادمة خف وملحفة إذا كانت تخرج وإن كانت قنة اعتادت كشف
الرأس، وإنما لم يجب الخف والملحفة للمخدومة، على المعتمد، لان له منعها من الخروج والاحتياج إليه
لنحو الحمام نادر.
تنبيه: ليس على خادمها إلا ما يخصها وتحتاج إليه. كحمل الماء للمستحم والشرب وصبه على بدنها
86

وغسل خرق الحيض والطبخ لاكلها أما ما لا يخصها كالطبخ لاكله وغسل ثيابه فلا يجب على واحد منهما بل
هو على الزوج، فيوفيه بنفسه أو بغيره.
مهمات: من شرح المنهاج لشيخنا: لو اشترى حليا أو ديباجا لزوجته وزينها به لا يصير ملكا لها بذلك،
ولو اختلفت هي والزوج في الاهداء والعارية صدق ومثله وارثه، ولو جهز بنته بجهاز لم تملكه إلا بإيجاب وقبول
والقول قوله في أنه لم يملكها. ويؤخذ مما تقرر أن ما يعطيه الزوج صلحة أو صباحية، كما اعتيد ببعض البلاد،
لا تملكه إلا بلفظ أو قصد إهداء، خلافا لما مر عن فتاوى الحناطي وإفتاء غير واحد بأنه لو أعطاها مصروفا
87

للعرس ودفعا وصباحية فنشزت استرد الجميع غير صحيح، إذ التقييد بالنشوز لا يتأتى في الصباحية لما قررته فيها
أنها كالصلحة لأنه إن تلفظ بإهداء أو قصده ملكته من غير جهة الزوجية، وإلا فهو ملكه وأما مصروف العرس
فليس بواجب فإذا صرفته بإذنه ضاع عليه، وأما الدفع، أي المهر، فإن كان قبل الدخول استرده، وإلا فلا لتقرره
به فلا يسترد بالنشوز. (وتسقط) المؤن كلها (بنشوز) منها إجماعا: أي بخروج عن طاعة الزوج وإن لم تأثم
88

كصغيرة ومجنونة ومكرهة (ولو ساعة) أو ولو لحظة فتسقط نفقة ذلك اليوم وكسوة ذلك الفصل ولا توزع على
زماني الطاعة والنشوز، ولو جهل سقوطها بالنشوز فأنفق رجع عليها إن كان ممن يخفى عليه ذلك، وإنما لم
يرجع من أنفق في نكاح أو شراء فاسد وإن جهل ذلك لأنه شرع في عقدهما على أن يضمن المؤن بوضع اليد ولا
كذلك ههنا، وكذا من وقع عليه طلاق باطنا ولم يعلم به فأنفق مدة ثم علم فلا يرجع بما أنفقه - على الأوجه -
89

ويحصل النشوز (بمنع) الزوجة الزوج (من تمتع) ولو بنحو لمس أو بموضع عينه (لا) إن منعته عنه (لعذر) ككبر
آلته بحيث لا تحتمله ومرض بها يضر معه الوطئ وقرح في فرجها وكنحو حيض، ويثبت كبر آلته بإقراره أو
برجلين من رجال الختان ويحتالان لانتشار ذكره بأي حيلة، غير إيلاج ذكره في فرج محرم أو دبر أو بأربع نسوة
فإن لم يمكن معرفته إلا بنظرهن إليهما مكشوفي الفرجين حال انتشار عضوه جاز ليشهدن.
فرع: لها منع التمتع لقبض الصداق الحال أصالة قبل الوطئ بالغة مختارة. إذ لها الامتناع حينئذ فلا
90

يحصل النشوز ولا تسقط النفقة بذلك، فإن منعت لقبض الصداق المؤجل أو بعد الوطئ طائعة فتسقط فلو منعته
لذلك بعد وطئها مكرهة أو صغيرة ولو بتسليم الولي فلا. ولو ادعى وطأها بتمكينها وطلب تسليمها إليه فأنكرته
وامتنعت من التسليم صدقت (وخروج من مسكن) أي المحل الذي رضي بإقامتها فيه ولو بيتها أو بيت أبيها ولو
لعيادة وإن كان الزوج غائبا بتفصيله الآتي (بلا إذن) منه ولا ظن لرضاه فخروجها بغير رضاه ولو لزيارة صالح أو
عيادة غير محرم أو إلى مجلس ذكر عصيان ونشوز، وأخذ الأذرعي وغيره من كلام الإمام أن لها اعتماد العرف
الدال على رضا أمثاله بمثل الخروج الذي تريده قال شيخنا: وهو محتمل ما لم تعلم منه غيره تقطعه عن أمثاله
في ذلك.
91

تنبيه: يجوز لها الخروج في مواضع منها إذا أشرف البيت على الانهدام، وهل يكفي قولها خشيت
انهدامه أو لا بد من قرينة تدل عليه عادة؟ قال شيخنا: كل محتمل، والأقرب الثاني. ومنها إذا خافت على نفسها
أو مالها من فاسق أو سارق، ومنها إذا خرجت إلى القاضي لطلب حقها منه، ومنها خروجها لتعلم العلوم العينية أو
للاستفتاء حيث لم يغنها الزوج الثقة أو نحو محرمها، فيما استظهره شيخنا، ومنها إذا خرجت لاكتساب نفقة
بتجارة، أو سؤال أو كسب إذا أعسر الزوج، ومنها إذا خرجت على غير وجه النشوز في غيبة الزوج عن البلد بلا
92

إذنه لزيارة أو عيادة قريب لا أجنبي أو أجنبية على الأوجه لان الخروج لذلك لا يعد نشوزا عرفا. قال شيخنا:
وظاهر أن محل ذلك إن لم يمنعها من الخروج أو يرسل إليها بالمنع (وبسفرها) أي بخروجها وحدها إلى محل
يجوز القصر منه للمسافر ولو لزيارة أبويها أو للحج (بلا إذن) منه ولو لغرضه ما لم تضطر كأن جلا جميع أهل
البلد وبقي من لا تأمن معه (أو) بإذنه ولكن (لغرضها) أو لغرض أجنبي فتسقط المؤن على الأظهر لعدم
التمكين، ولو سافرت بإذنه لغرضهما معا فمقتضى المرجح في الايمان فيما إذا قال لزوجته إن خرجت لغير
93

الحمام فأنت طالق فخرجت لها ولغيرها أنها لا تطلق عدم السقوط هنا لكن نص الام والمختصر يقتضي السقوط
(لا) بسفرها (معه) أي الزوج بإذنه ولو في حاجتها ولا بسفرها بإذنه لحاجته ولو مع حاجة غيره فلا تسقط المؤن
لأنها ممكنة وهو المفوت لحقه في الثانية. وفي الجواهر وغيرها عن الماوردي وغيره لو امتنعت من النقلة معه لم
تجب النفقة إلا إن كان يتمتع بها في زمن الامتناع فتجب ويصير تمتعه بها عفوا عن النقلة حينئذ. انتهى. قال
شيخنا: وقضيته جريان ذلك في سائر صور النشوز وهو محتمل. وتسقط المؤن أيضا بإغلاقها الباب في وجهه
وبدعواها طلاقا بائنا كذبا، وليس من النشوز شتمه وإيذاؤه باللسان، وإن استحقت التأديب.
94

مهمة: لو تزوجت زوجة المفقود غيره قبل الحكم بموته سقطت نفقتها ولا تعود إلا بعلمه عودها إلى
طاعته بعد التفريق بينهما.
فائدة: يجوز للزوج منعها من الخروج من المنزل ولو لموت أحد أبويها أو شهود جنازته، ومن أن تمكن
من دخول غير خادمة واحدة لمنزله ولو أبويها أو ابنها من غيره، لكن يكره منع أبويها حيث لا عذر، فإن كان
المسكن ملكها لم يمنع شيئا من ذلك إلا عند الريبة.
95

تتمة: لو نشزت بالخروج من المنزل فغاب وأطاعت في غيبته بنحو عودها للمنزل لم تجب مؤنها ما دام
غائبا في الأصح لخروجها عن قبضته فلا بد من تجديد تسليم وتسلم ولا يحصلان مع الغيبة، فالطريق في عود
الاستحقاق أن يكتب الحاكم إلى قاضي بلده ليثبت عودها للطاعة عنده. فإذا علم وعاد أو أرسل من يتسلمها له أو
ترك ذلك لغير عذر عاد الاستحقاق، وقضية قول الشافعي في القديم أن النفقة تعود عند عودها للطاعة لان
الموجب في القديم العقد لا التمكين. وبه قال مالك. وصرحوا أن نشوزها بالردة يزول بإسلامها مطلقا لزوال
96

المسقط، وأخذ منه الأذرعي أنها لو نشزت في المنزل ولم تخرج منه كأن منعته نفسها فغاب عنها ثم عادت
للطاعة عادت نفقتها من غير قاض وهو كذلك على الأصح، ولو التمست زوجة غائب من القاضي أن يفرض لها
فرضا عليه اشترط ثبوت النكاح وإقامتها في مسكنه وحلفها على استحقاق النفقة وأنها لم تقبض منه نفقة مدة
مستقبلة فحينئذ يفرض لها عليه نفقة المعسر إلا إن ثبت يساره.
97

فرع في فسخ النكاح: وشرع دفعا لضرر المرأة يجوز (لزوجة مكلفة) أي بالغة عاقلة لا لولي غير مكلفة
(فسخ نكاح من) أي زوح (أعسر) مالا وكسبا لائقا به حلالا (بأقل نفقة) تجب وهو مد (أو) أقل (كسوة) تجب
كقميص وخمار وجبة شتاء، بخلاف نحو سراويل ونعل وفرش ومخدة والأواني لعدم بقاء النفس بدونهما فلا
98

فسخ بالاعسار بالادم وإن لم يسغ القوت ولا بنفقة الخادم ولا بالعجز عن النفقة الماضية كنفقة الأمس وما قبله
لتنزيلها منزلة دين آخر (أو) أعسر (بمسكن) وإن لم يعتادوه (أو) أعسر (بمهر) واجب حال لم تقبض منه شيئا
حال كون الاعسار به (قبل وطئ) طائعة فلها الفسخ للعجز عن تسليم العوض مع بقاء المعوض بحاله وخيارها
99

حينئذ عقب الرفع إلى القاضي فوري فيسقط الفسخ بتأخيره بلا عذر كجهل ولا فسخ بعد الوطئ لتلف المعوض
به وصيرورة العوض دينا في الذمة، فلو وطئها مكرهة فلها الفسخ بعده أيضا. قال بعضهم: إلا إن سلمها الولي
له وهي صغيرة بغير مصلحة فتحبس نفسها بمجرد بلوغها فلها الفسخ حينئذ إن عجز عنه ولو بعد الوطئ لان
وجوده هنا كعدمه. أما إذا قبضت بعضه فلا فسخ لها على ما أفتى به ابن الصلاح واعتمده الأسنوي والزركشي
وشيخنا، وقال البارزي كالجوهري لها الفسخ أيضا واعتمده الأذرعي.
تنبيه: يتحقق العجز عما مر بغيبة ماله لمسافة القصر، فلا يلزمها الصبر إلا إن قال أحضر مدة الامهال أو
100

بتأجيل دينه بقدر مدة إحضار ماله الغائب بمسافة القصر أو بحلوله مع إعسار المدين ولو الزوجة لأنها في حالة
الاعسار لا تصل لحقها والعسر منظر وبعدم وجدان المكتسب من يستعمله إن غلب ذلك أو بعروض ما يمنعه عن
الكسب.
فائدة: إذا كان للمرأة على زوجها الغائب دين حال من صداق أو غيره وكان عندها بعض ماله وديعة فهل
لها أن تستقل بأخذه لدينها بلا رفع إلى القاضي ثم تفسخ به أو لا؟ فأجاب بعض أصحابنا ليس للمرأة المذكورة
الاستقلال بأخذ حقها بل ترفع الامر إلى القاضي لان النظر في مال الغائبين للقاضي. نعم. إن علمت أنه لا يأذن
لها إلا بشئ يأخذه منها جاز لها الاستقلال بالأخذ وإذا فرغ المال وأرادت الفسخ بإعسار الغائب، فإن لم يعلم
101

المال أحد ادعت إعساره وأنه لا مال له حاضر ولا ترك نفقة وأثبتت الاعسار وحلفت على الأخيرين ناوية بعدم
ترك النفقة عدم وجودها الآن وفسخت بشروطه وإن علم المال فلا بد من بينة بفراغه أيضا. انتهى. (فلا فسخ)
على المعتمد (بامتناع غيره) موسرا أو متوسطا من الانفاق حضر أو غاب (إن لم ينقطع خبره) فإن انقطع خبره ولا
مال له حاضر جاز لها الفسخ لان تعذر واجبها بانقطاع خبره كتعذر ربالاعسار، كما جزم به الشيخ زكريا، وخالفه
102

تلميذه شيخنا. واختار جمع كثيرون من محققي المتأخرين في غائب تعذر تحصيل النفقة منه الفسخ، وقواه ابن
الصلاح، وقال في فتاويه: إذا تعذرت النفقة لعدم مال حاضر مع عدم إمكان أخذها منه حيث هو بكتاب حكمي
وغيره لكونه لم يعرف موضعه أو عرف ولكن تعذرت مطالبته عرف حاله في اليسار والاعسار أو لم يعرف فلها
الفسخ بالحاكم والافتاء بالفسخ هو الصحيح. انتهى ونقل شيخنا كلامه في الشرح الكبير، وقال في آخره
وأفتى بما قاله جمع من متأخري اليمن. وقال العلامة المحقق الطنبداوي في فتاويه، والذي نختاره، تبعا للأئمة
المحققين، أنه إذا لم يكن له مال، كما سبق، لها الفسخ وإن كان ظاهر المذهب خلافه لقوله تعالى: * (وما جعل
عليكم في الدين من حرج) * ولقوله (ص): بعثت بالحنيفية السمحة ولان مدار الفسخ على الاضرار ولا شك
أن الضرر موجود فيها إذا لم يمكن الوصول إلى النفقة منه وإن كان موسرا. إذ سر الفسخ هو تضرر المرأة وهو
موجود، لا سيما مع إعسارها فيكون تعذر وصولها إلى النفقة حكمه حكم الاعسار. انتهى. وقال تلميذه شيخنا
خاتمة المحققين ابن زياد في فتاويه: وبالجملة فالمذهب الذي جرى عليه الرافعي والنووي عدم جواز الفسخ،
103

كما سبق، والمختار الجواز، وجزم في فتيا له أخرى بالجواز و (لا) فسخ بإعسار بنفقة ونحوها أو بمهر (قبل ثبوت
إعساره) أي الزوج بإقراره أو بينة تذكر إعساره الآن، ولا تكفي بينة ذكرت أنه غاب معسرا. ويجوز للبينة اعتماد
في الشهادة على استصحاب حالته التي غاب عليها من إعسار أو يسار، ولا تسئل من أين لك أنه معسر الآن، فلو
صرح بمستنده بطلت الشهادة (عند قاض) أو محكم فلا بد من الرفع إليه فلا ينفذ ظاهرا ولا باطنا قبل ذلك ولا
يحسب عدتها إلا من الفسخ. قال شيخنا: فإن فقد قاض ومحكم بمحلها أو عجزت عن الرفع إلى القاضي.
كأن قال لا أفسخ حتى تعطيني مالا استقلت بالفسخ للضرورة وينفذ ظاهرا وكذا باطنا، كما هو ظاهر، خلافا
104

لمن قيد بالأول لان الفسخ مبني على أصل صحيح وهو مستلزم للنفوذ باطنا ثم رأيت غير واحد جزموا بذلك.
انتهى. وفي فتاوي شيخنا ابن زياد: لو عجزت المرأة عن بينة الاعسار جاز لها الاستقلال بالفسخ. انتهى. وقال
الشيخ عطية المكي في فتاويه: إذا تعذر القاضي أو تعذر الاثبات عنده لفقد الشهود أو غيبتهم فلها أن تشهد
بالفسخ، وتفسخ بنفسها - كما قالوا - في المرتهن إذا غاب الراهن وتعذر إثبات الرهن عند القاضي أن له بيع
الرهن دون مراجعة قاض، بل هذا أهم. وأهم وقوعا. اه‍. (ف‍) - إذا توفرت شروط الفسخ من ملازمتها
المسكن الذي غاب عنها وهي فيه وعدم صدور نشوز منها وحلفت عليهما وعلى أن لا مال له حاضر ولا ترك نفقة
105

وأثبتت الاعسار بنحو النفقة على المعتمد أو تعذر تحصيلها على المختار (يمهل) القاضي أو المحكم وجوبا
(ثلاثة) من الأيام وإن لم يستمهله الزوج ولم يرج حصول شئ في المستقبل ليتحقق إعساره في فسخ لغير
إعساره بمهر فإنه على الفور، وأفتى شيخنا أنه لا إمهال في فسخ نكاح الغائب، (ثم) بعد إمهال الثلاث بلياليها
(يفسخ هو) أي القاضي أو المحكم أثناء الرابع، لخبر الدارقطني والبيهقي في الرجل لا يجد شيئا ينفق على
امرأته يفرق بينهما وقضى به عمر وعلي وأبو هريرة رضي الله عنهم. قال الشافعي رضي الله عنه: ولا أعلم أحدا
من الصحابة خالفهم. ولو فسخت بالحاكم على غائب فعاد وادعى أن له مالا بالبلد لم يبطل، كما أفتى به
106

الغزالي، إلا إن ثبت أنها تعلمه ويسهل عليها أخذ النفقة منه بخلاف نحو عقار وعرض لا يتيسر بيعه فإنه كالعدم
(أو) تفسخ (هي بإذنه) أي القاضي بلفظ فسخت النكاح فلو سلم نفقة الرابع فلا تفسخ بما مضى لأنه صار دينا.
ولو أعسر بعد أن سلم نفقة الرابع بنفقة الخامس بنت على المدة ولم تستأنفها. وظاهر قولهم أنهم لو أعسر بنفقة
السادس استأنفتها وهو محتمل، ويحتمل أنه إن تخللت ثلاثة وجب الاستئناف، أو أقل فلا كما قاله شيخنا ولو
تبرع رجل بنفقتها لم يلزمها القبول بل لها الفسخ.
فرع: لها في مدة الامهال والرضا بإعساره الخروج نهارا قهرا عليه لسؤال نفقة أو اكتسابها وإن كان لها
107

مال وأمكن كسبها في بيتها وليس له منعها لان حبسه لها إنما هو في مقابلة إنفاقه عليها، وعليها رجوع إلى مسكنها
ليلا لأنه وقت الايواء دون العمل، ولها منعه من التمتع بها نهارا وكذلك ليلا لكن تسقط نفقتها عن ذمته مدة
المنع في الليل. قال شيخنا: وقياسه أنه لا نفقة لها زمن خروجها للكسب اه‍.
فرع: لا فسخ في غير مهر لسيد أمة وليس له منعها من الفسخ بغيره ولا الفسخ به عند رضاها بإعساره أو
108

عدم تكليفها لان النفقة في الأصل لها بل له إلجاؤها إليه بأن لا ينفق عليها ويقول لها إفسخي أو جوعي دفعا
للضرر عنه، ولو زوج أمته بعبده واستخدمه فلا فسخ لها ولا له إذ مؤنتها عليه، ولو أعسر سيد المستولدة عن نفقتها
قال أبو زيد: أجبر على عتقها أو تزويجها.
فائدة: لو فقد الزوج قبل التمكين فظاهر كلامهم أنه لا فسخ ومذهب مالك رحمه الله تعالى لا فرق بين
109

الممكنة وغيرها إذا تعذرت النفقة وضربت المدة وهي عنده شهر للتفحص عنه ثم يجوز الفسخ.
تتمة: يجب على موسر ذكر أو أنثى ولو بكسب يليق به بما فضل عن قوته وقوت ممونة يومه وليلته وإن لم
يفضل عن دينه كفاية نفقة وكسوة مع أدم ودواء لأصل وإن علا ذكر أو أنثى وفرع وإن نزل. كذلك إذا لم يملكاها
110

وإن اختلفا دينا لا إن كان أحدهما حربيا أو مرتدا. قال شيخنا في شرح الارشاد: ولا إن كان زانيا محصنا أو تاركا
للصلاة، خلافا لما قاله في شرح المنهاج، ولا إن بلغ فرع وترك كسبا لائقا ولا أثر لقدرة أم أو بنت على النكاح
111

لكن تسقط نفقتها بالعقد، وفيه نظر، لان نفقتها على الزوج إنما تجب بالتمكين، كما مر، وإن كان الزوج
معسرا ما لم تفسخ ولا تصير مؤن القريب بفوتها دينا عليه إلا باقتراض قاض لغيبة منفق أو منع صدر منه لا بإذن
منه ولو منع الزوج أو القريب الانفاق أخذها المستحق ولو بغير إذن قاض.
فرع: من له أب وأم فنفقته على أب، وقيل هي عليهما لبالغ، ومن له أصل وفرع فعلى الفرع وإن نزل، أو
112

له محتاجون من أصول وفروع ولم يقدر على كفايتهم قدم نفسه ثم زوجته وإن تعددت، ثم الأقرب فالأقرب.
نعم، لو كان له أب وأم وابن قدم الابن الصغير ثم الام ثم الأب ثم الولد الكبير. ويجب على أم إرضاع ولدها
اللبأ وهو اللبن أول الولادة ومدته يسيرة، وقيل يقدر بثلاثة أيام وقيل سبعة. ثم بعده إن لم توجد إلا هي أو أجنبية
وجب إرضاعه على من وجدت ولها طلب الأجرة ممن تلزمه مؤنته، وإن وجدتا لم تجبر الام خلية كانت أو في
نكاح أبيه، فإن رغبت في إرضاعه فليس لأبيه منعها إلا إن طلبت فوق أجرة المثل، وعلى أب أجرة مثل لام
113

لارضاع ولدها حيث لا متبرع بالرضاع، وكمتبرع راض بما رضيت.
114

فصل الحضانة
والأولى بالحضانة وهي تربية من لا يستقل إلى التمييز أم لم تتزوج بآخر، فأمهاتها وإن علت، فأب فأمهاته
115

فأخت فخالة فبنت أخت فبنت أخ فعمة والمميز إن افترق أبواه من النكاح كان عند من اختاره منهما ولأب اختير
116

منع الأنثى لا الذكر زيارة الام ولا تمنع الام عن زيارتها على العادة والام أولى بتمريضهما عند الأب إن رضي
وإلا فعندها وإن اختارها ذكر فعندها ليلا وعنده نهارا أو اختارتها أنثى فعندها أبدا ويزورها الأب على العادة ولا
117

يطلب إحضارها عنده ثم إن لم يختر واحدا منهما فالأم أولى وليس لأحدهما فطمه قبل حولين من غير رضا الآخر
ولهما فطمه قبلهما إن لم يضره، ولأحدهما بعد حولين ولهما الزيادة في الرضاع على الحولين حيث لا ضرر،
لكن أفتى الحناطي بأنه يسن عدمها إلا لحاجة ويجب على مال كفاية رقيقة إلا مكاتبا ولو أعمى أو زمنا ولو غنيا أو
118

أكولا نفقة وكسوة من جنس المعتاد لمثله من أرقاء البلد ولا يكفي ساتر العورة وإن لم يتأذ به، نعم، إن اعتيد ولو
ببلاد العرب على الأوجه، كفى: إذ لا تحقير حينئذ، وعلى السيد ثمن دوائه وأجرة الطبيب عند الحاجة، وكسب
الرقيق لسيده ينفقه منه إن شاء، ويسقط ذلك بمضي الزمان كنفقة القريب. ويسن أن يناوله مما يتنعم به من طعام
وأدم وكسوة، والأفضل إجلاسه معه للاكل، ولا يجوز أن يكلفه كالدواب على الدوام عملا لا يطيقه وإن رضي.
119

إذ يحرم عليه إضرار نفسه فإن أبى السيد إلا ذلك بيع عليه: أي إن تعين البيع طريقا، وإلا أوجر عليه. أما في
بعض الأوقات فيجوز أن يكلفه عملا شاقا ويتبع العادة في إراحته وقت القيلولة والاستمتاع وله منعه من نفل
صوم وصلاة، وعلى مالك علف دابته المحترمة، ولو كلبا محترما، وسقيها إن لم تألف الرعي ويكفها وإلا كفى
120

إرسالها للرعي والشرب حيث لا مانع، فإن لم يكفها الرعي لزمه التكميل، فإن امتنع من علفها أو إرسالها أجبر
على إزالة ملكه أو ذبح المأكولة، فإن أبى فعل الحاكم الأصلح من ذلك ورقيق كدابة في ذلك كله، ولا يجب
علف غير المحترمة، وهي الفواسق الخمس، ويحلب مالك الدواب ما لا يضر بها ولا بولدها، وحرم ما ضر
أحدهما، ولو لقلة العلف، والظاهر ضبط الضرر بما يمنع من نمو أمثالهما، وضبطه فيه بما يحفظه عن الموت
121

توقف فيه الرافعي، فالواجب الترك له قدر ما يقيمه حتى لا يموت، ويسن أن لا يبالغ الحالب في الحلب بل يبقى
في الضرع شيئا، وأن يقص أظفار يديه، ويجوز الحلب إن مات الولد بأي حيلة كانت. ويحرم التهريش بين
البهائم ولا يجب عمارة داره أو قناته، بل يكره تركه إلى أن تخرب بغير عذر كترك سقي زرع وشجر دون ترك
122

زارعة الأرض وغرسها ولا يكره عمارة لحاجة وإن طالت، والأخبار الدالة على منع ما زاد على سبعة أذرع
محمولة على من فعل ذلك للخيلاء والتفاخر على الناس. والله سبحانه وتعالى أعلم.
123

باب الجناية
من قتل وقطع وغيرهما. والقتل ظلما أكبر الكبائر بعد الكفر وبالقود أو العفو لا تبقى مطالبة أخروية.
124

والفعل المزهق ثلاثة: عمد، وشبه عمد، وخطأ (لا قصاص إلا في عمد) بخلاف شبهه والخطأ (وهو قصد فعل)
ظلما (و) عين (شخص) يعني الانسان: إذ لو قصد شخصا ظنه ظبيا فبان إنسانا كان خطأ (بما يقتل) غالبا جارحا
125

كان كغرز إبرة بمقتل كدماغ وعين وخاصرة وإحليل ومثانة وعجان وهو ما بين الخصية والدبر أو لا: كتجويع
وسحر (وقصدهما) أي الفعل والشخص (بغيره) أي غير ما يقتل غالبا (شبه عمد) سواء أقتل كثيرا أم نادرا كضربة
يمكن عادة إحالة الهلاك عليها، بخلافها بنحو قلم أو مع خفتها جدا فهدر ولو غرز إبرة بغير مقتل، كألية وفخذ،
126

وتألم حتى مات فعمد وإن لم يظهر أثر ومات حالا فشبه عمد ولو حبسه كأن أغلق بابا عليه ومنعه الطعام والشراب
أو أحدهما والطلب لذلك حتى مات جوعا أو عطشا، فإن مضت مدة يموت مثله فيها غالبا جوعا أو عطشا فعمد
لظهور قصد الاهلاك به. ويختلف ذلك باختلاف حال المحبوس والزمن قوة وحرا، وحد الأطباء الجوع المهلك
غالبا باثنين وسبعين ساعة متصلة، فإن لم تمض المدة المذكورة ومات بالجوع: فإن لم يكن به جوع أو عطش
سابق فشبه عمد فيجب نصف ديته لحصول الهلاك بالامرين، ومال ابن العماد فيمن أشار لانسان بسكين تخويفا
127

له فسقطت عليه من غير قصد إلى أنه عمد موجب للقود. قال شيخنا: وفيه نظر، لأنه لم يقصد عينه بالآلة فالوجه
أنه غير عمد. انتهى.
تنبيه: يجب قصاص بسبب كمباشرة فيجب على مكره بغير حق بأن قال اقتل هذا وإلا لأقتلنك فقتله،
وعلى مكره أيضا، وعلى من ضيف بمسموم يقتل غالبا غير مميز، فإن ضيف به مميزا أو دسه في طعامه الغالب
128

أكله منه فأكله جاهلا فشبه عمد فيلزمه ديته ولا قود لتناوله الطعام باختياره وفي قول قصاص لتغريره وفي قول لا
شئ تغليبا للمباشرة، وعلى من ألقى في ماء مغرق لا يمكنه التخلص منه بعوم أو غيره وإن التقمه حوت ولو قبل
وصوله الماء، فإن أمكنه تخلص بعوم أو غيره ومنعه منه عارض كموج وريح فهلك فشبه عمد ففيه ديته، وإن
أمكنه فتركه خوفا أو عنادا فلا دية.
129

فرع: لو أمسكه شخص ولو للقتل فقتله آخر فالقصاص على القاتل دون الممسك، ولا قصاص على من
أكره على صعود شجرة فزلق ومات، بل هو شبه عمد إن كانت مما يزلق على مثلها غالبا وإلا فخطأ (وعدم قصد
أحدهما) بأن لم يقصد الفعل كأن زلق فوقع على غيره فقتله أو قصده فقط، كأن رمى لهدف فأصاب إنسانا ومات
(فخطأ. ولو وجد) بشخص (من شخصين معا) أي حال كونهما مقترنين في زمن الجناية بأن تقارنا في الإصابة
(فعلان مزهقان) للروح (مذففان) أي مسرعان للقتل (كحز) للرقبة (وقد) للجثة (أو لا) أي غير مذففين (كقطع
130

عضوين) أي جرحين أو جرح من واحد وعشرة مثلا من آخر فمات منهما (فقاتلان) فيقتلان: إذ رب جرح له
نكاية
باطنا أكثر من جروح، فإن ذفف أي أسرع للقتل أحدهما فقط فهو القاتل فلا يقتل الآخر، وإن شككنا في تذفيف
جرحه، لان الأصل عدمه، والقود لا يجب بالشك (أو) وجدا به منهما (مرتبا ف‍) - القاتل (الأول إن أنهاه إلى
حركة مذبوح) بأن لم يبق فيه إدراك وإبصار ونطق وحركة اختياريات ويعزر الثاني وإن جنى الثاني قبل إنهاء
الأول إليها وذفف كحز به بعد جرح فالقاتل الثاني، وعلى الأول قصاص العضو أو مال بحسب الحال وإن لم
131

يذفف الثاني أيضا ومات المجني بالجنايتين كأن قطع واحد من الكوع والآخر من المرفق فقاتلان لوجود السراية
منهما.
فرع: لو اندملت الجراحة واستمرت الحمى حتى مات فإن قال عدلا طب إنها من الجرح فالقود، وإلا فلا
ضمان (وشرط) أي للقصاص في النفس في القتل كونه عمدا ظلما فلا قود في الخطأ وشبه العمد وغير الظلم
و (في قتيل عصمة) بإيمان أو أمان يحقن دمه بعقد ذمة أو عهد فيهدر الحربي والمرتد وزان محصن قتله مسلم
132

ليس زانيا محصنا سواء أثبت زناه ببينة أم بإقرار لم يرجع عنه. وخرج بقولي ليس زانيا محصنا الزاني المحصن
فيقتل به ما لم يأمره الإمام بقتله. قال شيخنا: ويظهر أن يلحق بالزاني المحصن في ذلك كل مهدر كتارك صلاة
وقاطع طريق متحتم قتله.
(والحاصل) أن المهدر معصوم على مثله في الاهدار وإن اختلفا في سببه ويد السارق مهدرة إلا على مثله
سواء المسروق منه وغيره، ومن عليه قصاص كغيره في العصمة في حق غير المستحق. فيقتل قاتله ولا قصاص
على حربي وإن عصم بعد لعدم التزامه ولما تواتر عنه (ص) عن أصحابه من عدم الاقادة ممن أسلم كوحشي قاتل
حمزة رضي الله عنهما، بخلاف الذمي فعليه القود وإن أسلم (و) شرط في قاتل تكليف فلا يقتل صبي ومجنون
133

حال القتل والمذهب وجوبه على السكران المتعدي بتناول مسكر فلا قود على غير متعد به، ولو قال كنت وقت
القتل صبيا وأمكن صباه فيه أو مجنونا وعهد جنونه فيصدق بيمينه (ومكافأة) أي مساواة حال جناية بأن لا يفضل
قتيله حال الجناية (بإسلام أو حرية أو أصالة) أو سيادة فلا يقتل مسلم ولو مهدرا بنحو زنا بكافر ولا حر بمن فيه
134

رق وإن قل ولا أصل بفرعه وإن سفل، ويقتل الفرع بأصله، (ويقتل جمع بواحد) كأن جرحوه جراحات لها دخل
في الزهوق وإن فحش بعضها أو تفاوتوا في عددها وإن لم يتواطأوا أو كأن ألقوه من عال أو في بحر لما روى
الشافعي رضي الله عنه وغيره أن عمر رضي الله عنه قتل خمسة أو سبعة قتلوا رجلا غيلة أي خديعة بموضع خال
وقال ولو تمالا عليه أهل صنعاء لقتلهم به جميعا، ولم ينكر عليه فصار إجماعا. وللولي العفو عن بعضهم على
135

حصته من الدية باعتبار عدد الرؤوس دون الجراحات ومن قتل جمعا مرتبا قتل بأولهم.
فرع: لو تصارعا مثلا ضمن بقود أو دية كل منهما ما تولد في الآخر من الصراعة لان كلا لم يأذن فيما يؤدي
إلى نحو قتل أو تلف عضو، قال شيخنا: ويظهر أنه لا أثر لاعتياد أن لا مطالبة في ذلك بل لا بد في انتفائها من
صريح الاذن.
تنبيه: يجب قصاص في أعضاء حيث أمكن من غيره ظلم كيد ورجل وأصابع وأنامل وذكر وأنثيين وأذن
136

وسن ولسان وشفة وعين وجفن ومارن أنف - وهو ما لان منه - ويشترط لقصاص الطرف والجرح ما شرط
للنفس، ولا يؤخذ يمين بيسار وأعلى بأسفل وعكسه، ولا قصاص في كسر عظم، ولو قطعت يد من وسط ذراع
اقتص في الكف، وفي الباقي حكومة، ويقطع جمع بيد تحاملوا عليها دفعة واحدة بمحدد فأبانوها، ومن قتل
بمحدد أو خنق أو تجويع أو تغريق بماء اقتص إن شاء بمثله، أو بسحر فبسيف (موجب العمد قود) أي قصاص،
137

سمي ذلك قودا لأنهم يقودون الجاني بحبل وغيره. قاله الأزهري. (والدية) عند سقوطه بعفو عنه عليه أو بغير
عفو (بدل) عنه. فلو عفا المستحق عنه مجانا أو مطلقا فلا شئ (وهي) أي الدية لقتل حر مسلم ذكر معصوم
138

(مائة بعير مثلثة في عمد وشبهه) أي ثلاثة أقسام، فلا نظر لتفاوتها عددا (ثلاثون حقه وثلاثون جذعة وأربعون
خلفة) أي حاملا بقول خبيرين (ومخمسة في خطأ من بنات مخاض و) بنات (لبون وبني لبون وحقاق وجذاع)
من كل منها عشرون، لخبر الترمذي وغيره، (إلا) إن وقع الخطأ (في) حرم (مكة أو) في (أشهر حرم) ذي القعدة
139

وذي الحجة والمحرم ورجب (أو محرم رحم) بالإضافة كأم وأخت (فمثلثة) كما فعله جمع من الصحابة رضي
الله عنهم وأقرهم الباقون ولعظم حرمة الثلاثة زجر عنها بالتغليظ من هذا الوجه ولا يلحق بها حرم المدينة ولا
الاحرام ولا رمضان ولا أثر لمحرم رضاع ومصاهرة. وخرج بالخطأ ضداه فلا يزيد واجبهما بهذه الثلاثة اكتفاء
بما فيهما من التغليظ وأما دية الأنثى والخنثى فنصف دية الذكر (ودية عمد على جان معجلة) كسائر أبدال
140

المتلفات (و) دية (غيره) من شبه عمد وخطأ وإن تثلثت (على عاقلة) للجاني (مؤجلة بثلاث سنين) على الغني
منهم نصف دينار والمتوسط ربع كل سنة، فإن لم يفوا فمن بيت المال فإن تعذر فعلى الجاني لخبر الصحيحين،
والمعنى في كون الدية على العاقلة فيهما أن القبائل في الجاهلية كانوا يقومون بنصرة الجاني منهم ويمنعون
أولياء الدم أخذ حقهم، فأبدل الشرع تلك النصرة ببذل المال وخص تحملهم بالخطأ وشبه العمد لأنهما مما
يكثر لا سيما في متعاطي الأسلحة فحسنت إعانته لئلا يتضرر بما هو معذور فيه وأجلت الدية عليهم رفقا بهم.
وعاقلة الجاني عصباته المجمع على إرثهم بنسب أو ولاء إذا كانوا ذكورا مكلفين غير أصل وفرع، ويقدم منهم
141

الأقرب فالأقرب، ولا يعقل فقير، ولو كسوبا، وامرأة خنثى وغير مكلف (ولو عدمت إبل) في المحل الذي يجب
تحصيلها منه حسا أو شرعا بأن وجدت فيه بأكثر من ثمن المثل أو بعدت وعظمت المؤنة والمشقة (ف‍) - الواجب
(قيمتها) وقت وجوب التسليم من غالب نقد البلد وفي القديم الواجب عند عدمها في النفس الكاملة ألف
مثقال ذهبا أو اثنا عشر ألف درهم فضة.
نبيه: وكل عضو مفرد فيه جمال ومنفعة إذا قطعه وجبت فيه دية كاملة مثل دية صاحب العضو إذا قتله،
142

وكذا كل عضوين من جنس إذا قطعهما ففيهما الدية وفي أحدهما نصفها، ففي قطع الاذنين الدية، وفي
إحداهما النصف، ومثلهما العينان والشفتان والكفان بإصبعهما والقدمان بإصبعهما، وفي كل إصبع عشر من
الإبل، وفي كل سن خمس (و) يثبت (القود للورثة) العصبة وذي الفروض بحسب إرثهم المال ولو مع بعد
143

القرابة كذي رحم إن ورثناه أو مع عدمها كأحد الزوجين والمعتق وعصبته.
تنبيه: يحبس الجاني إلى كمال الصبي من الورثة بالبلوغ وحضور الغائب أو إذنه، فلا يخلي بكفيل لأنه
144

قد يهرب فيقوت الحق والكلام في غير قاطع الطريق، أما هو إذا تحتم قتله فيقتله الإمام مطلقا ولا يستوفي القود
إلا واحد من الورثة أو من غيرهم بتراض منهم أو من باقيهم، أو بقرعة بينهم إذا لم يتراضوا. ولو بادر أحد
المستحقين فقتله عالما تحريم المبادرة فلا قصاص عليه إن كان قبل عفو منه أو من غيره، وإلا فعليه القصاص،
ولو قتله أجنبي أخذ الورثة الدية من تركة الجاني لا من الأجنبي ولا يستوفي المستحق القود في نفس أو غيرها إلا
بإذن الإمام أو نائبه فإن استقل به عزر.
145

تتمة: يجب عند هيجان البحر وخوف الغرق إلقاء غير الحيوان من المتاع لسلامة حيوان محترم وإلقاء
الدواب لسلامة الآدمي المحترم إن تعين لدفع الغرق وإن لم يأذن المالك. أما المهدر، كحربي وزان محصن،
فلا يلقى لأجله مال مطلقا، بل ينبغي أن يلقى هو لأجل المال، كما قاله شيخنا، ويحرم إلقاء العبيد للأحرار
والدواب لما لا روح له، ويضمن ما ألقاه بلا إذن مالكه، ولو قال لرجل ألق متاع زيد وعلي ضمانه إن طالبك
ففعل ضمنه الملقى - لا الآمر -.
146

فرع: أفتى أبو إسحاق المروزي بحل سقى أمته دواء ليسقط ولدها ما دام علقة أو مضغة، وبالغ الحنفية
فقالوا يجوز مطلقا. وكلام الاحياء يد على التحريم مطلقا قال شيخنا وهو الأوجه.
خاتمة: تجب الكفارة على من قتل من يحرم قتله خطأ كان أو عمدا وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام
شهرين متتابعين.
147

باب في الردة
(الردة) لغة الرجوع، وهي أفحش أنواع الكفار ويحبط بها العمل إن اتصلت بالموت فلا يجب إعادة
149

عباداته التي قبل الردة. وقال أبو حنيفة تجب، وشرعا: (قطع مكلف) مختار، فتلغو من صبي ومجنون ومكره
عليها إذا كان قلبه مؤمنا (إسلاما بكفر عزما) حالا أو مآلا فيكفر به حالا (أو قولا أو فعلا باعتقاد) لذلك الفعل أو
القول أي معه (أو) مع (عناد) من القائل أو الفاعل (أو) مع (استهزاء) أي استخفاف، بخلاف ما لو اقترن به ما
150

يخرجه عن الردة كسبق لسان أو حكاية كفر أو خوف قال شيخنا كشيخه وكذا قول الولي حال غيبته أنا الله ونحوه
مما وقع لائمة من العارفين كابن عربي وأتباعه بحق وما وقع في عبارتهم مما يوهم كفرا غير مراد به ظاهره كما لا
يخفى على الموفقين. نعم، يحرم على من لم يعرف حقيقة اصطلاحهم وطريقتهم مطالعة كتبهم فإنها مزلة قدم
151

له، ومن ثم ضل كثيرون اغتروا بظواهرها. وقول ابن عبد السلام: يعزر ولي قال أنا الله؟ فيه نظر، لأنه إن قاله
وهو مكلف فهو كافر لا محالة، وإن قاله حال الغيبة المانعة للتكليف فأي وجه للتعزير. اه‍. وذلك (كنفي صانع
و) نفي (نبي) أو تكذيبه (وجحد مجمع عليه) معلوم من الدين بالضرورة من غير تأويل وإن لم يكن فيه نص
152

كوجوب نحو الصلاة المكتوبة وتحليل نحو البيع والنكاح وتحريم شرب الخمر واللواط والزنا والمكس وندب
الرواتب والعيد بخلاف مجمع عليه لا يعرفه إلا الخواص ولو كان فيه نص كاستحقاق بنت الابن السدس مع
البنت وكحرمة نكاح المعتدة للغير، كما قاله النووي وغيره، وبخلاف المعذور كمن قرب عهده بالاسلام
(وسجود لمخلوق) اختيارا من غير خوف ولو نبيا وإن أنكر الاستحقاق أو لم يطابق قلبه جوارحه لان ظاهر حاله
يكذبه وفي الروضة عن التهذيب من دخل دار الحرب فسجد لصنم أو تلفظ بكفر ثم ادعى إكراها فإن فعله في
خلوته لم يقبل أو بين أيديهم وهو أسير قبل قوله أو تاجر فلا وخرج بالسجود الركوع لان صورته تقع في العادة
153

للمخلوق كثيرا، بخلاف السجود. قال شيخنا: نعم يظهر أن محل الفرق بينهما عند الاطلاق، بخلاف ما لو
قصد تعظيم مخلوق بالركوع كما يعظم الله تعالى به فإنه لا شك في الكفر حينئذ. اه‍. وكمشي إلى الكنائس
بزيهم من زنار وغيره وكإلقاء ما فيه قرآن في مستقذر، قال الروياني أو علم شرعي، ومثله بالأولى ما فيه اسم
معظم (وتردد في كفر) أيفعله أو لا، وكتكفير مسلم لذنبه بلا تأويل لأنه سمي الاسلام كفرا، وكالرضا بالكفر:
154

كأن قال لمن طلب منه تلقين الاسلام اصبر ساعة فيكفر في الحال في كل ما مر لمنافاته الاسلام، وكذا يكفر من
أنكر إعجاز القرآن أو حرفا منه أو صحبة أبي بكر أو قذف عائشة رضي الله عنها، ويكفر في وجه حكاه القاضي من
155

سب الشيخين أو الحسن والحسين رضي الله عنهم، لا من قال لمن أراد تحليفه لا أريد الحلف بالله بل بالطلاق
مثلا أو قال رؤيتي إياك كرؤية ملك الموت.
تنبيه: ينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه لعظم خطره وغلبة عدم قصده سيما من العوام، وما
زال أئمتنا على ذلك قديما وحديثا. (ويستتاب) وجوبا (مرتد) ذكرا كان أو أنثى لأنه كان محترما بالاسلام وربما
عرضت له شبهة فتزال (ثم) إن لم يتب بعد الاستتابة (قتل) أي قتله الحاكم ولو بنائبه بضرب الرقبة لا بغيره (بلا
156

إمهال) أي تكون الاستتابة والقتل حالا لخبر البخاري: من بدل دينه فاقتلوه، فإذا أسلم صح إسلامه وترك وإن
تكررت ردته لاطلاق النصوص. نعم يعزر من تكررت ردته لا في أول مرة إذا تاب، خلافا لما زعمه جهلة
القضاة.
تتمة: إنما يحصل إسلام كل كافر أصلي أو مرتد بالتلفظ بالشهادتين من الناطق فلا يكفي ما بقلبه من
الايمان، وإن قال به الغزالي وجمع محققون ولو بالعجمية، وإن أحسن العربية على المنقول المعتمد، لا بلغة
157

لقنها بلا فهم ثم بالاعتراف برسالته (ص) إلى غير العرب ممن ينكرها فيزيد العيسوي من اليهود محمد رسول الله
إلى جميع الخلق أو البراءة من كل دين يخالف دين الاسلام، فيزيد المشرك كفرت بما كنت أشركت به وبرجوعه
عن الاعتقاد الذي ارتد بسببه ومن جهل القضاة أن من ادعى عليه عندهم بردة أو جاءهم يطلب الحكم بإسلامه
يقولون له تلفظ بما قلت وهذا غلط فاحش، فقد قال الشافعي رضي الله عنه إذا ادعى على رجل أنه ارتد وهو
مسلم لم اكشف عن الحال وقلت له قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وأنك برئ من كل
دين يخالف دين الاسلام. اه‍. قال شيخنا: ويؤخذ من تكريره رضي الله عنه لفظ أشهد أنه لا بد منه في صحة
158

الاسلام وهو ما يدل عليه كلام الشيخين في الكفارة وغيرها، لكن خالف فيه جمع، وفي الأحاديث ما يدل
لكل. اه‍. ويندب أمر كل من أسلم بالايمان بالبعث ويشترط لنفع الاسلام في الآخرة، مع ما مر تصديق القلب
بوحدانية الله تعالى. ورسله وكتبه واليوم الآخر، فإن اعتقد هذا ولم يأت بما مر لم يكن مؤمنا وإن أتى به بلا
اعتقاد ترتب عليه الحكم الدنيوي ظاهرا.
159

باب الحدود
أو أولها حد الزنا، وهو أكبر الكبائر، بعد القتل، وقيل هو مقدم عليه. (يجلد) وجوبا (إمام) أو نائبه دون
غيرهما خلافا للقفال (حرا مكلفا زنى) بإيلاج حشفة أو قدرها من فاقدها في فرج آدمي حي قبل أو دبر ذكر أو
161

أنثى مع علم تحريمه، فلا حد بمفاخذة ومساحقة واستمناء بيد نفسه أو غير حليلته، بل يعزر فاعل ذلك. ويكره
بنحو يدها كتمكينها من العبث بذكره حتى ينزل لأنه في معنى العزل، ولا بإيلاج في فرج بهيمة أو ميت، ولا
يجب ذبح البهيمة المأكولة، خلافا لمن وهم فيه، وإنما يجلد من ذكر (مائة) من الجلدات (ويغرب عاما) ولاء
162

لمسافة قصر فأكثر (إن كان) الواطئ أو الموطوءة حرا (بكرا) وهو من لم يطأ أو توطأ في نكاح صحيح (لا) إن
زنى (مع ظن حل) بأن ادعاه وقد قرب عهده بالاسلام أو بعد عن أهله (أو مع تحليل عالم) يعتد بخلافه لشبهة
إباحته وإن لم يقلده الفاعل كنكاح بلا ولي كمذهب أبي حنيفة، أو بلا شهود، كمذهب مالك، بخلاف الخالي
163

عنهما، وإن نقل عن داود. وكنكاح متعة نظرا لخلاف ابن عباس ولو من معتقد تحريمه. نعم: إن حكم حاكم
بإبطال النكاح المختلف فيه حد لارتفاع الشبهة حينئذ قاله الماوردي، ويحد في مستأجرة للزنا بها إذ لا شبهة
164

لعدم الاعتداد بالعقد الباطل بوجه، وقول أبي حنيفة أنه شبهة ينافيه الاجماع على عدم ثبوت النسب بذلك،
ومن ثم ضعف مدركه ولم يراع خلافه، وكذا في مبيحة لان الإباحة هنا لغو ومحرمة عليه لتوثن أو لنحو بينونة
كبرى وإن كان قد تزوجها خلافا لأبي حنيفة لأنه لا عبرة بالعقد الفاسد، أما مجوسية تزوجها فلا يحد بوطئها
للاختلاف في حل نكاحها، ولا يحد بإيلاج في قبل مملوكة حرمت عليه بنحو محرمية أو شرب لغيره فيها أو توثن
أو تمجس ولا بإيلاج في أمة فرع ولو مستولدة لشبهة الملك فيما عدا الأخيرة وشبهة الاعفاف فيها، وأما حد ذي
165

رق محصن أو بكر ولو مبعضا فنصف حد الحر وتغريبه فيجلد خمسين ويغرب نصف عام، ويحد الرقيق الإمام أو
السيد (ويرجم) أي الإمام أو نائبه بأن يأمر الناس ليحيطوا به فيرموه من الجوانب بحجارة معتدلة إن كان
(محصنا) رجلا أو امرأة حتى يموت إجماعا لأنه (ص) رجم ماعزا والغامدية. ولا يجلد مع الرجم عند جماهير
العلماء، وتعرض عليه توبة لتكون خاتمة أمره، ويؤمر بصلاة دخل وقتها، ويجاب لشرب، لا أكل، ولصلاة
166

ركعتين، ويعتد بقتله بالسيف، لكن فات الواجب والمحصن مكلف حر وطئ أو وطئت بقبل في نكاح صحيح
ولو في حيض فلا إحصان لصبي أو مجنون أوقن وطئ في نكاح ولا لمن وطئ في ملك يمين أو نكاح فاسد ثم
زنى (وأخر) وجوبا (رجم) كقود (لوضع حمل وفطام) لا لمرض يرجى برؤه منه وحر وبرد مفرطين. نعم،
يؤخر الجلد لهما ولمرض يرجى برؤه منه أو لكونه حاملا لان القصد الردع لا القتل (ويثبت) الزنا (بإقرار)
167

حقيقي مفصل نظير ما في الشهادة ولو بإشارة أخرس إن فهمها كل أحد ولو مرة ولا يشترط تكرره أربعا، خلافا
لأبي حنيفة، (وبينة) فصلت بذكر المزني بها وكيفية الادخال ومكانه ووقته كاشهد أنه أدخل حشفته في فرج فلانة
بمحل كذا وقت كذا على سبيل الزنا (ولو أقر) بالزنا (ثم رجع) عن ذلك قبل الشروع في الحد أو بعده بنحو
كذبت أو ما زنيت. وإن قال بعد كذبت في رجوعي أو كنت فأخذت فظننته زنا وإن شهد حاله بكذبه فيما استظهره
شيخنا بخلاف ما أقررت به لأنه مجرد تكذيب للبينة الشاهدة به (سقط) الحد لأنه (ص) عرض لماعز بالرجوع
168

فلولا أنه لا يفيد لما عرض له به، ومن ثم سن له الرجوع. وكالزنا في قبول الرجوع عنه كل حد لله تعالى كشرب
وسرقة بالنسبة للقطع. وأفهم كلامهم أنه إذا ثبت بالبينة لا يتطرق إليه رجوع وهو كذلك لكنه يتطرق إليه السقوط
بغيره كدعوى زوجية وملك أمة وظن كونها حليلة، وثانيها حد القذف وهو من السبع الموبقات (وحد قاذف)
مكلف مختار ملتزم للأحكام عالم بالتحريم (محصنا) وهو هنا مكلف حر مسلم عفيف من زنا ووطئ دبر حليلته
169

(ثمانين) جلدة إن كان القاذف حرا وإلا فأربعين. ويحصل القذف بزنيت أو يا زاني أو يا مخنث أو بلطت أو لاط
بك فلان أو يا لائط أو يا لوطي، وكذا بياقحبة، لامرأة، ومن صريح قذف المرأة أن يقول لابنها من زيد مثلا لست
ابنه أو لست منه لا قوله لابنه لست ابني ولو قال لولده أو ولد غيره يا ولد الزنا كان قذفا لامه (ولا يحد أصل) لقذف
170

فرع بل يعزر كقاذف غير مكلف. ولو شهد بزنا دون أربعة من الرجال أو نساء أو عبيد حدوا ولو تقاذفا لم يتقاصا،
ولقاذف تحليف مقذوفه أنه ما زنى قط. وسقط بعفو من مقذوف أو ووارثه الحائز ولا يستقل المقذوف باستيفاء
الحد، ولزوج قذف زوجته التي علم زناها وهي في نكاحه ولو بظن ظنا مؤكدا مع قرينة، كأن رآها وأجنبيا في
171

خلوة، أو رآه خارجا من عندها مع شيوع بين الناس بأنه زنى بها، أو مع خبر ثقة أنه رآه يزني بها أو مع تكرر رؤيته
لهما كذلك مرات، ووجب نفي الولد إن تيقن أنه ليس منه وحيث لا ولد ينفيه فالأولى له الستر وعليها، وأن
172

يطلقها إن كرهها، فإن أحبها أمسكها، لما صح: أن رجلا أتى النبي (ص) فقال امرأتي لا ترد يد لامس، فقال
طلقها، قال: إني أحبها، قال أمسكها.
فرع: إذا سب شخص آخر فللآخر أن يسبه بقدر ما سبه مما لا كذب فيه ولا قذف: كيا ظالم ويا أحمق.
ولا يجوز سب أبيه وأمه وثالثها حد الشرب (ويجلد) أي الإمام أو نائبه (مكلفا) مختارا (عالما) بتحريم الخمر
173

(شرب) لغير تداو (خمرا) وحقيتها عند أكثر أصحابنا المسكر من عصير العنب وإن لم يقذف بالزبد فتحريم
غيرها قياسي: أي بفرض عدم ورود ما يأتي، وإلا فسيعلم منه أن تحريم الكل منصوص عليه، وعند أقلهم كل
مسكر، ولكن لا يكفر مستحل المسكر من عصير غير العنب للخلاف فيه، أي من حيث الجنس، لحل قليله
على قول جماعة. أما المسكر بالفعل فهو حرام إجماعا، كما حكاه الحنفية فضلا عن غيرهم - بخلاف مستحله
من عصير العنب الصرف الذي لم يطبخ ولو قطرة لأنه مجمع عليه ضروري، وخرج بالقيود المذكورة فيه
175

أضدادها فلا حد على من اتصف بشئ منها من صبي ومجنون ومكره وجاهل بتحريمه أو بكونه خمرا إن قرب
إسلامه أو بعد عن العلماء. ولا على من شرب لتداو، وإن وجد غيرها، كما نقله الشيخان عن جماعة، وإن حرم
التداوي بها.
فائدة: كل شراب أسكر كثيره من خمر أو غيرها حرم قليله وكثيره، لخبر الصحيحين: كل شراب أسكر
فهو حرام وخبر مسلم: كل مسكر خمر، وكل خمر حرام ويحد شاربه وإن لم يسكر: أي متعاطيه. وخرج
بالشراب ما حرم من الجامدات فلا حد فيها، وإن حرمت وأسكرت، بل التعزير: ككثير البنج والحشيشة
176

والأفيون ويكره أكل يسير منها من غير قصد المداومة، ويباح لحاجة التداوي (أربعين) جلدة (إن كان حرا) ففي
مسلم عن أنس: كان (ص) يضرب في الخمر بالجريد والنعال أربعين جلدة وخرج بالحر الرقيق ولو مبعضا،
فيجلد عشرين جلدة، وإنما يجلد الإمام شارب الخمر إن ثبت (بإقراره أو شهادة رجلين) لا بريح خمر وهيئة
سكر وقئ وحد عثمان رضي الله عنه بالقئ اجتهاد له. ويحد الرقيق أيضا بعلم السيد دون غيره.
177

تتمة: جزم صاحب الاستقصاء بحل إسقائها للبهائم، وللزركشي احتمال أنها كالآدمي في حرمة إسقائها
لها، ورابعها قطع السرقة. (ويقطع) أي الإمام وجوبا بعد طلب المالك وثبوت السرقة (كوع يمين بالغ) ذكرا
178

كان أو أنثى (سرق) أي أخذ خفية (ربع دينار) أي مثقال ذهبا مضروبا خالصا وإن تحصل من مغشوش (أو
179

قيمته) بالذهب المضروب الخالص وإن كان الربع لجماعة فلا يقطع بكونه ربع دينار سبيكة أو حليا لا يساوي
ربعا مضروبا (من حرز) أي موضع يحرز فيه مثل ذلك المسروق عرفا ولا قطع بما للسارق فيه شركة ولا بملكه
وإن تعلق به نحو رهن، ولو اشترك اثنان في إخراج نصاب فقط لم يقطع واحد منهما. وخرج بسرق ما لو اختلس
معتمدا الهرب أو انتهب معتمدا القوة فلا يقطع بهما لخبر الصحيح به ولامكان دفعهم بالسلطان وغيره، بخلاف
السارق لاخذه خفية فشرع قطعه زجرا (لا) حال كون المال (مغصوبا) فلا يقطع سارقه من حرز الغاصب وإن لم
180

يعلم أنه مغصوب لان مالكه لم يرض بإحرازه به (أو) حال كونه (فيه) أي في مكان مغصوب فلا قطع أيضا بسرقة
من حرز مغصوب لان الغاصب ممنوع من الاحراز به بخلاف نحو مستأجر ومعار ويختلف الحرز باختلاف
الأموال والأحوال والأوقات فحرز الثوب والنقد الصندوق المقفل والأمتعة الدكاكين وثم حارس ونوم بمسجد أو
شارع على متاع ولو بتوسده حرز له لا إن وضعه بقربه بلا ملاحظ قوي يمنع السارق بقوة أو استغاثة أو انقلب عنه
181

ولو بقلب السارق فليس حرزا له (ويقطع بمال وقف) أي بسرقة مال موقوف على غيره (و) مال (مسجد) كبابه
وساريته وقنديل زينة (لا) بنحو (حصره) وقناديل تسرج وهو مسلم لأنها أعدت للانتفاع بها (ولا بمال صدقة)
أي زكاة (وهو مستحق لها) بوصف فقر أو غيره ولو لم يكن له فيه حق كغني أخذ مال صدقة وليس غارما لاصلاح
ذات البين ولا غازيا قطع لانتفاء الشبهة (و) لا بمال (مصالح) كبيت المال وإن كان غنيا لان له فيه حقا لان ذلك
182

قد يصرف في عمارة المساجد والرباطات فينتفع به الغني والفقير من المسلمين (و) لا بمال (بعض) من أصل أو
فرع (وسيد) لشبهة استحقاق النفقة في الجملة (والأظهر قطع أحد الزوجين بالآخر) أي بسرقة ماله المحرز عنه
(فإن عاد) بعد قطع يمناه إلى السرقة ثانيا (ف‍) - تقطع (رجله اليسرى) من مفصل الساق والقدم (ف‍) - إن عاد ثالثا
فتقطع (يده اليسرى) من كوعها (ف‍) - إن عاد رابعا فتقطع (رجله اليمنى ثم) إن سرق بعد قطع ما ذكر (عزر) ولا
183

يقتل، وما روي من أنه (ص) قتله منسوخ أو مؤول بقتله لاستحلال بل ضعفه الدارقطني وغيره، وقال ابن عبد البر
أنه منكر لا أصل له. ومن سرق مرارا بلا قطع لم يلزمه إلا حد واحد - على المعتمد - فتكفي يمينه عن الكل
لاتحاد السبب فتداخلت (وتثبت) السرقة (برجلين) كسائر العقوبات غير الزنا وإقرار من سارق بعد دعوى عليه
مع تفصيل في الشهادة والاقرار بأن تبين السرقة والمسروق منه وقدر المسروق والحرز بتعيينه (و) تثبت السرقة
أيضا خلافا لما اعتمده جمع (بيمين رد) من المدعى عليه على المدعي لأنها كإقرار المدعى عليه (وقبل رجوع
مقر) بالنسبة لقطع بخلاف المال فلا يقبل رجوعه فيه لأنه حق آدمي (ومن أقر بعقوبة لله تعالى) أي بموجبها كزنا
184

وسرقة وشرب خمر ولو بعد دعوى (فلقاض) أي يجوز له، كما في الروضة وأصلها، لكن نقل في شرح مسلم
الاجماع على ندبه، وحكاه في البحر عن الأصحاب وقضية تخصيصهم القاضي بالجواز حرمته على غيره. قال
شيخنا: وهو محتمل، ويحتمل أن غير القاضي أولى منه لامتناع التلقين عليه (تعريض) له (برجوع) عن الاقرار
أو بالانكار فيقول لعلك فأخذت أو أخذت من غير حرز أو ما علمته خمرا لأنه (ص) عرض لماعز وقال لمن أقر عنده
بالسرقة ما إخالك سرقت وخرج بالتعريض التصريح كارجع عنه أو اجحده فيأثم به لأنه أمر بالكذب ويحرم
185

التعريض عند قيام البينة. ويجوز للقاضي أيضا التعريض للشهود بالتوقف في حد الله تعالى إن رأى المصلحة
في الستر، وإلا فلا، وبه يعلم أنه لا يجوز له التعرض ولا لهم التوقف إن ترتب على ذلك ضياع المسروق أو حد
الغير كحد القذف.
خاتمة: في قاطع الطريق لو علم الإمام قوما يخيفون الطريق ولم يأخذوا مالا ولا قتلوا نفسا عزرهم وجوبا
186

بحبس وغيره وإن أخذ القاطع المال ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى، فإن عاد فرجله اليمنى ويده
اليسرى، وإن قتل قتل حتما - وإن عفا مستحق القود - وإن قتل وأخذ نصابا قتل ثم صلب بعد غسله وتكفينه
والصلاة عليه ثلاثة أيام حتما ثم ينزل، وقيل يبقى وجوبا حتى يتهرى ويسيل صديده، وفي قول يصلب حيا قليلا
ثم ينزل فيقتل.
187

فصل في التعزير
(ويعزر) أي الإمام أو نائبه (لمعصية لا حد لها ولا كفارة) سواء كانت حقا لله تعالى أم لآدمي كمباشرة
أجنبية في غير فرج وست ليس بقذف وضرب لغير حق (غالبا) وقد يشرع التعزير بلا معصية كمن يكتسب باللهو
الذي لا معصية فيه، وقد ينتفي مع انتفاء الحد والكفارة: كصغيرة صدرت ممن لا يعرف بالشر لحديث صححه
ابن حبان: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود وفي رواية: زلاتهم وفسرهم الشافعي رضي الله عنه بمن
188

ذكر، وقيل: هم أصحاب الصغائر، وقيل: من يندم على الذنب ويتوب منه. وكقتل من رآه يزني بأهله على ما
حكاه ابن الرفعة لأجل الحمية والغضب، ويحل قتله باطنا. وقد يجامع التعزير الكفارة كمجامع حليلته في نهار
رمضان ويحصل التعزير (بضرب) غير مبرح أو صفع وهو الضرب بجمع الكف (أو حبس) حتى عن الجمعة أو
189

توبيخ بكلام أو تغريب أو إقامة من مجلس ونحوها مما يراها المعزر جنسا وقدار لا بحلق لحية. قال شيخنا:
وظاهر حرمة حلقها وهو إنما يجئ على حرمته التي عليها أكثر المتأخرين أما على كراهته التي عليها الشيخان
وآخرون فلا وجه للمنع إذا رآه الإمام. انتهى. ويجب أن ينقص التعزير عن أربعين ضربة في الحر وعن عشرين
في غيره (وعزر أب) وإن علا وألحق به الرافعي الام وإن علت (ومأذونه) أي من أذن له في التعزير كالمعلم
190

(صغيرا) وسفيها بارتكابهما ما لا يليق زجرا لهما عن سئ الأخلاق وللمعلم تعزير المتعلم منه (و) عزر (زوج)
زوجته (لحقه) كنشوزها لا لحق الله تعالى وقضيته أنه لا يضر بها على ترك الصلاة. وأفتى بعضهم بوجوبه.
والأوجه - كما قال شيخنا - جوازه، وللسيد تعزير رقيقه لحقه، وحق الله تعالى وإنما يعزر من مر بضرب غير
مبرح، فإن يفد تعزيره إلا بمبرح ترك لأنه مهلك وغيره لا يفيد. (وسئل) شيخنا عبد الرحمن بن زياد رحمه الله
191

تعالى عن عبد مملوك عصى سيده وخالف أمره ولم يخدمه خدمة مثله. هل لسيده أن يضربه ضربا غير مبرح أم
ليس له ذلك؟ وإذا ضربه سيده ضربا مبرحا، ورفع به إلى أحد حكام الشريعة، فهل للحاكم أن يمنعه عن
الضرب المبرح أم ليس له ذلك؟ وإذا منعه الحاكم مثلا ولم يمتنع، فهل للحاكم أن يبيع العبد ويسلم ثمنه إلى
سيده أم ليس له ذلك؟ وبماذا يبيعه، بمثل الثمن الذي اشتراه به سيده، أو بما قاله المقومون، أو بما انتهت إليه
الرغبات في الوقت؟ (فأجاب) إذا امتنع العبد من خدمة سيده الخدمة الواجبة عليه شرعا فللسيد أن يضربه على
الامتناع ضربا غير مبرح إن أفاد الضرب المذكور، وليس له أن يضربه ضربا مبرحا، ويمنعه الحاكم من ذلك،
فإن لم يمتنع من الضرب المذكور فهو كما لو كلفه من العمل ما لا يطيق، بل أولى إذ الضرب المبرح ربما يؤدي
إلى الزهوق بجامع التحريم. وقد أفتى القاضي حسين بأنه إذا كلف مملوكه ما لا يطيق أنه يباع عليه بثمن
192

المثل، وهو ما انتهت إليه الرغبات في ذلك الزمان والمكان. انتهى.
193

فصل في الصيال
وهو الاستطالة والوثوب على الغير (يجوز) للشخص (دفع) كل (صائل)، مسلم وكافر، مكلف وغيره
(على معصوم) من نفس أو طرف أو منفعة أو بضع ومقدماته كتقبيل ومعانقة، أو مال وإن لم يتمول على ما
194

اقتضاه إطلاقهم كحبة بر، أو اختصاص كجلد ميتة سواء كانت للدافع أم لغيره وذلك للحديث الصحيح أن:
من قتل دون دمه أو ماله أو أهله فهو شهيد ويلزم منه أن له القتل والقتال: أي وما يسري إليهما كالجرح (بل
يجب) عليه إن لم يخف على نفسه أو عضوه الدفع (عن بضع) ومقدماته ولو من غير أقاربه (ونفس) ولو مملوكة
(قصدها كافر) أو بهيمة أو مسلم غير محقون الدم كزان محصن، وتارك صلاة، وقاطع طريق تحتم قتله، فيحرم
الاستسلام لهم فإن قصدها مسلم محقون الدم لم يجب الدفع، بل يجوز الاستسلام له، بل يسن للامر به ولا
195

يجب الدفع عن مال لا روح فيه لنفسه (وليدفع) الصائل المعصوم (بالأخف) فالأخف (إن أمكن) كهرب فزجر
بكلام فاستغاثة أو تحصن بحصانة فضرب بيده فبسوط فبعصا فقطع فقتل لان ذلك جوز للضرورة ولا ضرورة
للأثقل مع إمكان الأخف، فمتى خالف وعدل إلى رتبة مع إمكان الاكتفاء بدونها ضمن بالقود وغيره. نعم: لو
التحم القتال بينهما واشتد الامر عن الضبط سقط مراعاة الترتيب، ومحل رعاية الترتيب أيضا في غير الفاحشة فلو
رآه قد أولج في أجنبية فله أن يبدأه بالقتل وإن اندفع بدونه لأنه في كل لحظة مواقع لا يستدرك بالأناة قاله
196

الماوردي والروياني والشيخ زكريا. وقال شيخنا: وهو ظاهر في المحصن، أما غيره فالمتجه أنه لا يجوز قتله إلا
إن أدى الدفع بغيره إلى مضي زمن وهو متلبس بالفاحشة. انتهى. وإذا لم يمكن الدفع بالأخف كأن لم يجد إلا
نحو سيف فيضرب به، أما إذا كان الصائل غير معصوم فله قتله بلا دفع بالأخف لعدم حرمته.
فرع: يجب الدفع عن منكر كشرب مسكر وضرب آلة لهو وقتل حيوان ولو للقاتل. (ووجب ختان)
للمرأة والرجل حيث لم يولدا مختونين لقوله تعالى: * (أن اتبع ملة إبراهيم) * ومنها الختان، إختتن وهو ابن
197

ثمانين سنة، وقيل واجب على الرجال، وسنة للنساء. ونقل عن أكثر العلماء. (ببلوغ) وعقل إذ لا تكليف
قبلهما فيجب بعدهما فورا. وبحث الزركشي وجوبه على ولي مميز وفيه نظر. فالواجب في ختان الرجل قطع
ما يغطي حشفته حتى تنكشف كلها، والمرأة قطع جزء يقع عليه الاسم من اللحمة الموجودة بأعلى الفرج فوق
ثقبة البول تشبه عرف الديك وتسمى البظر بموحدة مفتوحة فمعجمة ساكنة ونقل الأردبيلي عن الإمام ولو كان
ضعيف الخلقة بحيث لو ختن خيف عليه لم يختن إلا أن يغلب على الظن سلامته، ويندب تعجيله سابع يوم
198

الولادة للاتباع، فإن أخر عنه ففي الأربعين، وإلا ففي السنة السابعة لأنها وقت أمره بالصلاة ومن مات بغير ختان
لن يختن في الأصح. ويسن إظهار ختان الذكر وإخفاء ختان الأنثى، وأما مؤنة الختان في مال المختون ولو غير
ملف، ثم على من تلزمه نفقته. ويجب أيضا قطع سرة المولود بعد ولادته بعد نحو ربطها لتوقف إمساك الطعام
عليه. (وحرم تثقيب) أنف مطلقا (وأذن) صبي قطعا، وصبية على الأوجه لتعليق الحلق - كما صرح به الغزالي
وغيره - لأنه إيلام لم تدع إليه حاجة وجوزه الزركشي واستدل بما في حديث أم زرع في الصحيح، وفي فتاوى
199

قاضيخان من الحنفية أنه لا بأس به لأنهم كانوا يفعلونه في الجاهلية فلم ينكر عليهم رسول الله (ص)، وفي الرعاية
للحنابلة يجوز في الصبية لغرض الزينة. ويكره في الصبي. انتهى. ومقتضى كلام شيخنا في شرح المنهاج
جوازه في الصبية لا الصبي لما عرف أنه زينة مطلوبة في حقهن قديما وحديثا في كل محل. وقد جوز (ص) اللعب
لهن بما فيه صورة للمصلحة، فكذا هذا أيضا. والتعذيب في مثل هذه الزينة الداعية لرغبة الأزواج إليهن سهل
محتمل ومغتفر لتلك المصلحة. فتأمل ذلك فإنه مهم.
تتمة: من كان مع دابة يضمن ما أتلفته ليلا ونهارا. وإن كانت وحدها فأتلفت زرعا أو غيره نهارا لم يضمن
202

صاحبها. أو ليلا ضمن إلا أن لا يفرط في ربطها. وإتلاف نحو هرة طيرا أو طعاما عهد إتلافها ضمن مالكها ليلا
ونهارا إن قصر في ربطه، وتدفع الهرة الضارية على نحو طير أو طعام لتأكله كصائل برعاية الترتيب السابق. ولا
203

تقتل ضارية ساكنة - خلافا لجمع لامكان التحرز عن شرها.
204

باب الجهاد
205

(هو فرض كفاية كل عام) ولو مرة إذا كان الكفار ببلادهم، ويتعين إذا دخلوا بلادنا كما يأتي: وحكم
فرض الكفاية أنه إذا فعله من فيهم كفاية سقط الحرج عنه وعن الباقين. ويأثم كل من لا عذر له من المسلمين إن
تركوه وإن جهلوا. وفروضها كثيرة (كقيام بحجج دينية) وهي البراهين على إثبات الصانع سبحانه وما يجب له
206

من الصفات ويستحيل عليه منها وعلى إثبات النبوات وما ورد به الشرع من المعاد والحساب وغير ذلك. (وعلوم
شرعية) كتفسير وحديث وفقه زائد على ما لا بد منه وما يتعلق بها بحيث يصلح للقضاء والافتاء للحاجة إليهما
(ودفع ضرر معصوم) من مسلم وذمي ومستأمن جائع لم يصل لحالة الاضطرار أو عار أو نحوهما. والمخاطب
به كل موسر بما زاد على كفاية سنة له ولممونة عند احتلال بيت المال وعدم وفاء زكاة (وأمر بمعروف) أي
207

واجبات الشرع والكف عن محرماته فشمل النهي عن منكر - ي المحرم - لكن محله في واجب أو حرام
مجمع عليه، أو في اعتقاد الفاعل والمخاطب به كل مكلف لم يخف على نحو عضو ومال وإن قل ولم يغلب
على ظنه أن فاعله يزيد فيه عنادا وإن علم عادة أنه لا يفيده بأن يغيره بكل طريق أمكنه من يد فلسان فاستغاثة
بالغير فإن عجز أنكره بقلبه. وليس لاحد البحث والتجسس واقتحام الدور بالظنون. نعم: إن أخبره ثقة بمن
208

اختفى بمنكر لا يتدارك كالقتل والزنا لزمه ذلك. ولو توقف الانكار على الرفع للسلطان لم يجب لما فيه من
هتك حرمة وتغريم مال. قاله ابن القشيري. قال شيخنا: وله احتمال بوجوبه إذا لم ينزجر إلا به هو الأوجه،
وكلام الروضة وغيرها صريح فيه. انتهى. (وتحمل شهادة) على أهل له حضر إليه المشهود عليه أو طلبه إن عذر
209

بعذر جمعة (وأدائها) على من يحملها إن كان أكثر من نصاب وإلا فهو فرض عين (وكإحياء كعبة) بحج وعمرة
كل عام وتشييع جنازة (ورد سلام) مسنون (عن جمع) أي اثنين فأكثر، فيسقط الفرض عن الباقين ويختص
210

بالثواب، فإن ردوا كلهم - ولو مرتبا - أثيبوا ثواب الفرض كالمصلين على الجنازة. ولو سلم جمع مرتبون على
واحد فرد مرة قاصدا جميعهم، وكذا لو أطلق على الأوجه أجزأه ما لم يحصل فصل ضار. ودخل في قولي
مسنون سلام امرأة على امرأة أو نحو محرم أو سيد أو زوج وكذا على أجنبي وهي عجوز لا تشتهى. ويلزمها في
هذه الصورة رد سلام الرجل. أما مشتهاة ليس معها امرأة أخرى فيحرم عليها رد سلام أجنبي، ومثله ابتداؤه ويكره رد سلامها، ومثله ابتداؤه
أيضا. والفرق أن ردها وابتداءها يطمعه لطمعه فيها أكثر - بخلاف ابتدائه ورده.
قاله شيخنا. ولو سلم على جمع نسوة وجب رد إحداهن إذ لا يخشى فتنة حينئذ. وخرج بقولي عن جمع الواحد
211

فالرد فرض عين عليه ولو كان المسلم صبيا مميزا. ولا بد في الابتداء والرد من رفع الصوت بقدر ما يحصل به
السماع المحقق ولو في ثقيل السمع. نعم: إن مر عليه سريعا بحيث لم يبلغه صوته فالذي يظهر - كما قاله
شيخنا - أنه يلزمه الرفع وسعيه دون العدو خلفه. ويجب اتصال الرد بالسلام كاتصال قبول البيع بإيجابه. ولا
بأس بتقديم عليك في رد سلام الغائب لان الفصل ليس بأجنبي. وحيث زالت الفورية فلا قضاء - خلافا لما
يوهمه كلام الروياني. ويجب في الرد على الأصم أن يجمع بين اللفظ والإشارة ولا يلزمه الرد إلا إن جمع له
212

المسلم عليه بين اللفظ والإشارة (وابتداؤه) أي السلام عند إقباله أو انصرافه على مسلم غير نحو فاسق أو مبتدع
حتى الصبي المميز وإن ظن عدم الرد (سنة) عينا للواحد وكفاية للجماعة كالتسمية للاكل لخبر: أن أولى
213

الناس بالله من بدأهم بالسلام. وأفتى القاضي بأن الابتداء أفضل كما أن إبراء المعسر أفضل من
إنظاره وصيغة ابتدائه السلام عليكم أو سلام عليكم، وكذا عليكم السلام أو سلام، لكنه مكروه للنهي عنه ومع ذلك
يجب الرد فيه - بخلاف وعليكم السلام بالواو - إذ لا يصلح للابتداء والأفضل في الابتداء والرد الاتيان بصيغة
الجمع حتى في الواحد لأجل الملائكة والتعظيم وزيادة ورحمة الله وبركاته ومغفرته. ولا يكفي الافراد
214

للجماعة ولو سلم كل على الآخر فإن ترتبا كان الثاني جوابا: أي ما لم يقصد به الابتداء وحده كما بحثه بعضهم
وإلا لزم كلا الرد.
فروع: يسن إرسال السلام للغائب ويلزم الرسول التبليغ لأنه أمانة ويجب أداؤها. ومحله ما إذا رضي
بتحمل تلك الأمانة. أما لو ردها فلا وكذا إن سكت. وقال بعضهم: يجب على الموصى به تبليغه ومحله - كما
قال شيخنا - إن قبل الوصية بلفظ يدل على التحمل ويلزم المرسل إليه الرد فورا باللفظ في الارسال وبه أو
بالكتابة فيها. ويندب الرد أيضا على المبلغ والبداءة به فيقول عليك وعليه السلام، للخبر المشهور فيه. وحكى
215

بعضهم ندب البداءة بالمرسل. ويحرم أن يبدأ به ذميا ويستثنيه وجوبا بقلبه إن كان مع مسلم. ويسن لمن دخل
محلا خاليا أن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ولا يندب السلام على قاضي حاجة بول أو غائط أو
جماع أو استنجاء ولا على شارب وآكل في فمه اللقمة لشغله ولا على فاسق بل يسن تركه على مجاهر بفسقه
216

ومرتكب ذنب عظيم لم يتب منه ومبتدع إلا لعذر أو خوف مفسدة ولا على مصل وساجد ومؤذن ومقيم وخطيب
ومستمعه ولا رد عليهم إلا مستمع الخطيب فإنه يجب عليه ذلك بل يكره الرد لقاضي الحاجة والجامع
والمستنجي ويسن للآكل وإن كانت اللقمة بفيه. نعم: يسن السلام عليه بعد البلع وقبل وضع اللقمة بفيه،
ويلزمه الرد ويسن الرد لمن في الحمام وملب باللفظ ولمصل ومؤذن ومقيم بالإشارة، وإلا فبعد الفراغ أي إن
217

قرب الفصل، ولا يجب عليهم. ويسن عند التلاقي سلام صغير على كبير وماش على واقف وراكب عليهم
وقليلين على كثيرين.
فوائد: وحتى الظهر مكروه. وقال كثيرون حرام. وأفتى النووي بكراهة الانحناء بالرأس وتقبيل نحو
رأس أو يد أو رجل لا سيما لنحو غني لحديث: من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه. ويندب ذلك لنحو صلاح أو
218

علم أو شرف لان أبا عبيدة قبل يد عمر رضي الله عنهما. ويسن القيام لمن فيه فضيلة ظاهرة من نحو صلاح أو
علم أو ولادة أو ولاية مصحوبة بصيانة. قال ابن عبد السلام أو لمن يرجى خيره أو يخشى شره ولو كافرا
خشي
منه ضررا عظيما. ويحرم على الرجل أن يحب قيامهم له. ويسن تقبيل قادم من سفر ومعانقته للاتباع (كتشميت
عاطس) بالغ (حمد الله تعالى) بيرحمك الله أو رحمكم الله وصغير مميز حمد الله بنحو أصلحك الله فإنه سنة
على الكفاية إن سمع جماعة وسنة عين إن سمع واحد إذا حمد الله العاطس المميز عقب عطاسه بأن لم يتخلل
219

بينهما فوق سكتة تنفس أوعى فإنه يسن له أن يقول عقبه الحمد لله وأفضل منه الحمد لله رب العالمين، وأفضل
منه الحمد لله على كل حال. وخرج بقولي حمد الله من لم يحمده عقبه فلا يسن التشميت له. فإن شك قال
يرحم الله من حمده. ويسن تذكيره الحمد وعند توالي العطاس يشمته لثلاث ثم يدعو له بالشفاء ويسر به
220

المصلي ويحمد في نفسه إن كان مشغولا بنحو بول أو جماع ويشترط رفع بكل بحيث يسمعه صاحبه. ويسن
للعاطس وضع شئ على وجهه وخفض صوته ما أمكنه، وإجابة مشمته بنحو يهديكم الله ويصلح بالكم أو يغفر
الله لكم للامر به ويسن للمتثائب رد التثاؤب طاقته وستر فيه - ولو في الصلاة - بيده اليسرى. ويسن إجابة الداعي
بلبيك. (والجهاد) فرض كفاية (على) كل مسلم (مكلف) أي بالغ عاقل لرفع القلم عن غيرهما (ذكر)
221

لضعف المرأة عنه غالبا (حر) فلا يجب على ذي رق ولو مكاتبا ومبعضا وإن أذن له سيده لنقصه (مستطيع له
سلاح) فلا يجب على غير مستطيع كأقطع وأعمى وفاقد معظم أصابع يده، ومن به عرج بين أو مرض تعظم
مشقته، وكعادم مؤن ومركب في سفر قصر فاضل ذلك عن مؤنة من تلزمه مؤنته - كما في الحج - ولا على من
ليس له سلاح لان عادم ذلك لا نصرة به (وحرم) على مدين موسر عليه دين حال لم يوكل من يقضي عنه من ماله
222

الحاضر (سفر) لجهاد وغيره، وإن قصر وإن لم يكن مخوفا أو كان لطلب علم رعاية لحق الغير، ومن ثم جاء في
مسلم: القتل في سبيل الله يكفر كل شئ إلا الدين. (بلا إذن غريم) أو ظن رضاه وهو من أهل الاذن. ولو
كان الغريم ذميا أو كان بالدين رهن وثيق أو كفيل موسر. قال الأسنوي في المهمات: أن سكوت رب الدين ليس
بكاف في جواز السفر، معتمدا في ذلك على ما فهم من كلام الشيخين هنا. وقال ابن الرفعة والقاضي أبو
الطيب والبندنيجي والقزويني: لا بد في الحرمة من التصريح بالمنع، ونقله القاضي إبراهيم بن ظهيرة ولا
يحرم السفر، بل ولا يمنع منه إن كان معسرا أو كان الدين مؤجلا وإن قرب حلوله بشرط وصوله لما يحل له فيه
القصر وهو مؤجل (و) حرم السفر لجهاد وحج تطوع بلا إذن (أصل) مسلم أب وأم وإن عليا ولو أذن من هو
223

أقرب منه، وكذا يحرم بلا إذن أصل سفر لم تغلب فيه السلامة لتجارة (لا) سفر (لتعلم فرض) ولو كفاية كطلب
النحو ودرجة الفتوى فلا يحرم عليه وإن لم يأذن أصله (وإن دخلوا) أي الكفار (بلدة لنا تعين) الجهاد (على
أهلها) أي يتعين على أهلها الدفع بما أمكنهم وللدفع مرتبتان. إحداهما أن يحتمل الحال اجتماعهم وتأهبهم
للحرب فوجب الدفع على كل منهم بما يقدر عليه حتى على من لا يلزمه الجهاد نحو فقير وولد ومدين وعبد
وامرأة فيها قوة بلا إذن ممن مر. ويغتفر ذلك لهذا الخطب العظيم الذي لا سبيل لاهماله. وثانيتهما أن يغشاهم
224

الكفار ولا يتمكنون من اجتاع وتأهب فمن قصده كافر أو كفار وعلم أنه يقتل إن أخذه فعليه أن يدفع عن نفسه بما
أمكن وإن كان ممن لا جهاد عليه لامتناع الاستسلام لكافر.
فروع: وإذا لم يمكن تأهب لقتال وجوز أسرا وقتلا فله قتال واستسلام إن علم أنه إن امتنع منه قتل وأمنت
المرأة فاحشة إن أخذت وإلا تعين الجهاد، فمن علم أو ظن أنه إن أخذ قتل عينا امتنع عليه الاستسلام كما مر
آنفا. ولو أسروا مسلما يجب النهوض إليهم فورا على كل قادر لخلاصه إن رجى. ولو قال لكافر أطلق أسيرك
وعلي كذا فأطلقه لزمه ولا يرجع به على الأسير إلا إن أذن له في مفاداته فيرجع عليه وإن لم يشترط له الرجوع (و)
تعين على (من دون مسافة قصر منها) أي من البلدة التي دخلوا فيها وإن كان في أهلهم كفاية لأنهم في حكمهم،
225

وكذا من كان على مسافة القصر إن لم يكف أهلها ومن يليهم، فيصير فرض عين في حق من قرب وفرض كفاية
في حق من بعد. (وحرم) على من هو من أهل فرض الجهاد (انصراف عن صف) بعد التلاقي وإن غلب على
ظنه أنه إذا ثبت قتل لعده (ص) الفرار من الزحف من السبع الموبقات. ولو ذهب سلاحه وأمكن الرمي بالحجارة
لم يجز له الانصراف على تناقض فيه. وجزم بعضهم بأنه إذا غلب ظن الهلاك بالثبات من غير نكاية فيهم وجب
الفرار (إذا لم يزيدوا) أي الكفار (على مثلينا) للآية. وحكمة وجوب مصابرة الضعف أن المسلم يقاتل على
226

إحدى الحسنيين: الشهادة والفوز بالغنيمة مع الاجر، والكافر يقاتل على الفوز بالدنيا فقط. أما إذا زادوا
على المثلين كمائتين وواحد عن مائة فيجوز الانصراف مطلقا. وحرم جمع مجتهدون الانصراف مطلقا إذا بلغ
المسلمون اثني عشر ألفا لخبر: لن يغلب إثنا عشر ألفا من قلة وبه خصت الآية. ويجاب بأن المراد من
الحديث أن الغالب على هذا العدد الظفر فلا تعرض فيه لحرمة فرار ولا لعدمها - كما هو واضح - وإنما يحرم
الانصراف إن قاومناهم إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة يستنجد بها على العدو ولو بعيدة (ويرق ذراري كفار)
وعبيدهم ولو مسلمين كاملين (بأسر) كما يرق حربي مقهور لحربي بالقهر أي يصيرون بنفس الأسر أرقاء لنا
ويكونون كسائر أموال الغنيمة. ودخل في الذراري الصبيان والمجانين والنسوان ولا حد إن وطئ غانم أو أبوه أو
227

سيده أمة في الغنيمة ولو قبل اختيار التملك لان فيها شبهة ملك ويعزر عالم بالتحريم لا جاهل به إن عذر لقرب
إسلامه أو بعد محله عن العلماء.
فرع: يحكم بإسلام غير بالغ ظاهرا وباطنا: إما تبعا للسابي المسلم ولو شاركه كافر في سبيه، وإما تبعا
لاحد أصوله وإن كان إسلامه قبل علوقه فلو أقر أحدهما بالكفر بعد البلوغ فهو مرتد من الآن (ولإمام) أو أمير
228

(خيار في) أسير (كامل) ببلوغ وعقل وذكورة وحرية (بين) أربع خصال من (قتل) بضرب الرقبة لا غير (ومن)
عليه بتخلية سبيله (وفداء) بأسرى منا أو مال فيخمس وجوبا أو بنحو سلاحا ويفادى سلاحهم بأسرانا على
الأوجه لا بمال (واسترقاق) فيفعل الإمام أو نائبه وجوبا الاحظ للمسلمين لاجتهاده، ومن قتل أسيرا غير كامل
229

لزمته قيمته أو كاملا قبل التخيير فيه عزر فقط (وإسلام كافر) كامل (بعد أسر يعصم دمه) من القتل لخبر
الصحيحين: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا قالوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا
بحقها ولم يذكر هنا وماله لأنه لا يعصمه. إذا اختار الإمام رقه ولا صغار أولاده للعلم بإسلامهم تبعا له وإن كانوا
230

بدار الحرب أو أرقاء وإذا تبعوه في الاسلام وهم أحرار لم يرقوا لامتناع طرو الرق على من قارن إسلامه حريته.
ومن ثم أجمعوا على أن الحر المسلم لا يسبى ولا يسترق أو أرقاء لم ينقص رقهم. ومن ثم لو ملك حربي صغيرا
ثم حكم بإسلامه تبعا لاصله جاز سبيه واسترقاقه ويبقى الخيار في باقي الخصال السابقة من المن أو الفداء أو
الرق. ومحل جواز المفاداة مع إرادة الإقامة في دار الكفر إن كان له ثم عشيرة يأمن معها على نفسه ودينه (و
)
إسلامه (قبله) أي قبل أسر بوضع أيدينا عليه (يعصم دما) أي نفسا عن كل ما مر (ومالا) أي جميعه بدارنا أو
دارهم وكذا فرعه الحر الصغير والمجنون عند السبي عن الاسترقاق لا زوجته فإذا سبيت ولو بعد الدخول انقطع
231

نكاحه حالا. وإذا سبي زوجان أو أحدهما انفسخ النكاح بينهما لما في خبر مسلم أنهم لما امتنعوا يوم أوطاس
من وطئ المسبيات المتزوجات نزل * (والمحصنات) * أي المتزوجات * (من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) *. (1) فحرم الله تعالى المتزوجات إلا المسبيات.
فرع: لو ادعى أسير قد أرق إسلامه قبل أسره لم يقبل في الرق ويجعل مسلما من الآن ويثبت بشاهد
وامرأتين ولو ادعى أسير أنه مسلم، فإن أخذ من دارنا صدق بيمينه أو من دار الحرب فلا (وإذا أرق) الحربي
232

(وعليه دين) لمسلم أو ذمي (لم يسقط) وسقط إن كان لحربي، ولو اقترض حربي من حربي أو غيره أو اشترى
منه شيئا ثم أسلما أو أحدهما يسقط لالتزامه بعقد صحيح. ولو أتلف حربي على حربكي شيئا أو غصبه منه
فأسلما أو أسلم المتلف فلا ضمان لأنه لم يلتزم شيئا بعقد حتى يستدام حكمه ولان الحربي لو أتلف مال مسلم
أو ذمي لم يضمنه فأولى مال الحربي.
233

فرع: لو قهر حربي دائنه أو سيده أو زوجه ملكه ارتفع الدين والرق والنكاح وإن كان المقهور كاملا، وكذا
إن كان القاهر بعضا للمقهور ولكن ليس للقاهر بيع مقهوره البعض لعتقه عليه خلافا للسمهودي.
مهمة: قال شيخنا في شرح المنهاج: قد كثر اختلاف الناس وتأليفهم في السراري والأرقاء المجلوبين
من الروم والهند. وحاصل معتمد مذهبنا فيهم أن من لم يعلم كونه غنيمة لم تتخمس ولم تقسم يحل شراؤه
وسائر التصرفات فيه لاحتمال أن آسره البائع له أولا حربي أو ذمي فإنه لا يخمس عليه وهذا كثير لا نادر، فإن
تحقق أن آخذه مسلم بنحو سرقة أو اختلاس لم يجز شراؤه إلا على الوجه الضعيف أنه لا يخمس عليه فقول
جمع متقدمين ظاهر الكتاب والسنة والاجماع على منع وطئ السراري المجلوبة من الروم والهند إلا أن ينصب
234

من يقسم الغنائم ولا حيف يتعين حمله على ما علم أن الغانم له المسلمون وإنه لم يسبق من أميرهم قبل
الاغتنام من أخذ شيئا فهو له لجوازه عند الأئمة الثلاثة. وفي قول الشافعي بل زعم التاج الفزاري أنه لا يلزم
الإمام قسمة الغنائم ولا تخميسها، وله أن يحرم بعض الغانمين، لكن رده المصنف وغيره بأنه مخالف للاجماع
وطريق من وقع بيده غنيمة لم تخمس ردها لمستحق علم، وإلا فللقاضي كالمال الضائع - أي الذي لم يقع
اليأس من صاحبه - وإلا كان ملك بيت المال فلمن له فيه حق الظفر به على المعتمد. ومن ثم كان المعتمد كما
مر أن من وصل له شئ يستحقه منه حل له أخذه وإن ظلم الباقون. نعم: الورع لمريد التسري أن يشتري ثانيا
235

من وكيل بيت المال لان الغالب عدم التخميس واليأس من معرفة مالكها فيكون ملكا لبيت المال. انتهى.
تتمة: يعتق رقيق حربي إذا هرب ثم أسلم ولو بعد الهدنة أو أسلم ثم هرب قبلها وإن لم يهاجر إلينا لا
عكسه بأن أسلم بعد هدنة ثم هرب فلا يعتق لكن لا يرد إلى سيده فإن لم يعتقه باعه الإمام من مسلم أو دفع
236

لسيده قيمته من مال المصالح وأعتقه عن المسلمين والولاء لهم وإن أتانا بعد الهدنة. وشرط رد من جاء منهم
إلينا حر ذكر مكلف مسلما، فإن لم تكن له ثم عشيرة تحميه لم يرد وإلا رد عليهم بطلبهم بالتخلية بينه وبين طالبه
بلا إجبار على الرجوع مع طالبه. وكذا لا يرد صبي ومجنون وصفا الاسلام أم لا وامرأة وخنثى أسلمتا: أي لا
يجوز ردهم ولو لنحو الأب لضعفهم ويغرمون لنا قيمة رقيق ارتد دون الحر المرتد.
237

باب القضاء
بالمد: أي الحكم بين الناس. والأصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى: * (وأن احكم بينهم بما أنزل
الله) * وقوله: * (فاحكم بينهم بالقسط) * وأخبار كخبر الصحيحين: إذا حكم حاكم - أي أراد الحكم -
فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر. وفي رواية بدل الأولى: فله عشرة أجور
قال في شرح مسلم: أجمع المسلمون على أن هذا في حاكم عالم مجتهد. أما غيره فآثم بجميع أحكامه،
وإن وافق الصواب لان إصابته اتفاقية. وصح خبر: القضاة ثلاثة: قاض في الجنة، وقاضيان في النار وفسر
239

الأول بأنه عرف الحق وقضى به، والأخيران بمن عرف وجار في الحكم ومن قضى على جهل. وما جاء في
التحذير عنه كخبر: من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين محمول على عظم الخطر فيه، أو على من يكره له
القضاء، أو يحرم (هو) أي قبوله من متعددين صالحين له (فرض كفاية) في الناحية بل أسنى فروض الكفايات
240

حتى قال الغزالي: أنه أفضل من الجهاد، فإن امتنع الصالحون له منه أثموا. أما تولية الإمام أو نائبه لأحدهم في
إقليم ففرض عين عليه، ثم على ذي شوكة. ولا يجوز إخلاء مسافة العدوي عن قاض.
فرع: لا بد من تولية من الإمام أو مأذونه ولو لمن تعين للقضاء، فإن فقد الإمام فتولية أهل الحل والعقد
في البلد أو بعضهم مع رضا الباقين ولو ولاه أهل جانب من البلد صح فيه دون الآخر. ومن صريح التولية وليتك
241

أو قلدتك القضاء. ومن كفايتها عولت واعتمدت عليك فيه. ويشترط القبول لفظا وكذا فورا في الحاضر. وعند
بلوغ الخبر في غيره. وقال جمع محققون: الشرط عدم الرد ومن تعين في ناحية لزمه قبوله وكذا طلبه ولو ببذل
مال وإن خاف من نفسه الميل فإن لم يتعين فيها كره للمفضول القبول والطلب إن لم يمتنع الأفضل، ويحرم
طلبه بعزل صالح له ولو مفضولا (وشرط قاض كونه أهلا للشهادات) كلها بأن يكون مسلما مكلفا حرا ذكرا
242

عدلا سميعا ولو بالصياح بصيرا، فلا يولي من ليس كذلك ولا أعمى وهو من يرى الشبح ولا يميز الصورة وإن
قربت - بخلاف من يميزها إذا قربت بحيث يعرفها ولو بتكلف ومزيد تأمل، وإن عجز عن قراءة المكتوب.
واختير صحة ولاية الأعمى (كافيا) للقيام بمنصب القضاء، فلا يولى مغفل ومختل نظر بكبر أو مرض (مجتهدا)
فلا يصح تولية جاهل ومقلد وإن حفظ مذهب إمامه لعجزه عن إدراك غوامضه. والمجتهد من يعرف بأحكام
243

القرآن من العام والخاص والمجمل والمبين والمطلق والمقيد والنص والظاهر والناسخ والمنسوخ والمحكم
والمتشابه وبأحكام السنة من المتواتر - وهو ما تعددت طرقه - والآحاد - وهو بخلافه - والمتصل باتصال رواته
إليه صلى الله عليه وسلم ويسمى المرفوع، أو إلى الصحابي فقط ويسمى الموقوف. والمرسل وهو قول التابعي
244

قال رسول الله (ص) كذا، أو فعل كذا، أو بحال الرواة قوة وضعفا وما تواتر ناقلوه. وأجمع السلف على قبوله. لا
يبحث عن عدالة ناقليه وله الاكتفاء بتعديل إمام عرف صحة مذهبه في الجرح والتعديل ويقدم عند التعارض
الخاص على العام، والمقيد على المطلق، والنص على الظاهر، والمحكم على المتشابه، والناسخ والمتصل
والقوي على مقابلها. ولا تنحصر الأحكام في خمسمائة آية ولا خمسمائة حديث خلافا لزاعمهما وبالقياس
بأنواعه الثلاثة من الجلي وهو ما يقطع فيه بنفي الفارق كقياس ضرب الولد على تأفيفه، أو المساوي وهو ما يبعد
فيه انتفاء الفارق كقياس إحراق مال اليتيم على أكله، أو الأدون وهو ما لا يبعد فيه انتفاء الفارق كقياس الذرة
245

على البر في الربا بجامع الطعم وبلسان العرب لغة ونحوا وصرفا وبلاغة وبأقوال العلماء من الصحابة فمن
بعدهم ولو فيما يتكلم فيه فقط لئلا يخالفهم. قال ابن الصلاح: اجتماع ذلك كله إنما هو شرط للمجتهد المطلق
الذي يفتي في جميع أبواب الفقه، أما مقيد لا يعدو مذهب إمام خاص فليس عليه غير معرفة قواعد إمامه
وليراع فيها ما يراعيه المطلق في قوانين الشرع فإنه مع المجتهد كالمجتهد مع نصوص الشرع، ومن ثم لم
يكن له عدول عن نص إمامه كما لا يجوز الاجتهاد مع النص. انتهى. (فإن ولى سلطان) ولو كافرا أو (ذو
شوكة) غيره في بلد بأن انحصرت قوتها فيه (غير أهل) للقضاء كمقلد وجاهل وفاسق، أي مع علمه بنحو
فسقه
246

وإلا بأن ظن عدالته مثلا، ولو علم فسقه لم يوله فالظاهر - كما جزم به شيخنا - لا ينفذ حكمه وكذا لو زاد فسقه أو
ارتكب مفسقا آخر على تردد فيه. انتهى. وجزم بعضهم بنفوذ توليته وإن ولاه غير عالم بفسقه وكعبد وامرأة
وأعمى (نفذ) ما فعله من التولية وإن كان هناك مجتهد عدل على المعتمد فينفذ قضاء من ولاه للضرورة ولئلا
تتعطل مصالح الناس وإن نازع كثيرون فيما ذكر في الفاسق وأطالوا وصوبه الزركشي. قال شيخنا: وما ذكر في
المقلد محله إن كان ثم مجتهد وإلا نفذت تولية المقلد ولو من غير ذي شوكة، وكذا الفاسق. فإن كان هناك عدل
اشترطت شوكة وإلا فلا - كما يفيد ذلك قول ابن الرفعة - الحق أنه إذا لم يكن ثم من يصلح للقضاء نفذت تولية
247

غير الصالح قطعا، والأوجه أن قاضي الضرورة يقضي بعلمه ويحفظ مال اليتيم ويكتب لقاض آخر خلافا
للحضرمي وصرح جمع متأخرون بأن قاضي الضرورة يلزمه بيان مستنده في سائر أحكامه ولا يقبل قول حكمت
بكذا من غير بيان مستنده فيه ولو طلب الخصم من القاضي الفاسق تبيين الشهود التي ثبت فيها الامر لزم القاضي
بيانهم وإلا لم ينفذ حكمه.
فرع: يندب للإمام إذا ولى قاضيا أن يأذن له في الاستخلاف وإن أطلق التولية استخلف فيما لا يقدر عليه
لا غيره في الأصح. (مهمة) يحكم القاضي باجتهاده إن كان مجتهدا أو باجتهاد مقلده إن كان مقلدا. وقضية
كلام الشيخين أن المقلد لا يحكم بغير مذهب مقلده. وقال الماوردي وغيره: يجوز. وجمع ابن عبد السلام
248

والأذرعي وغيرهما بحمل الأول على من لم ينته لرتبة الاجتهاد في مذهب إمامه وهو المقلد الصرف الذي لم
يتأهل للنظر ولا للترجيح والثاني على من له أهلية. لذلك. ونقل ابن الرفعة عن الأصحاب أن الحاكم المقلد إذا
بان حكمه على خلاف نص مقلده نقض حكمه ووافقه النووي في الروضة والسبكي، وقال الغزالي: لا ينقض،
وتبعه الرافعي بحثا في موضع. وشيخنا في بعض كتبه.
فائدة: إذا تمسك العامي بمذهب لزمه موافقته، وإلا لزمه التمذهب بمذهب معين من الأربعة لا غيرها ثم
249

له وإن عمل بالأول الانتقال إلى غيره بالكلية، أو في المسائل بشرط أن لا يتتبع الرخص بأن يأخذ من كل
مذهب بالأسهل منه فيفسق به على الأوجه. وفي الخادم عن بعض المحتاطين. الأولى لمن ابتلي بوسواس
الاخذ بالأخف والرخص لئلا يزداد فيخرج عن الشرع، ولضده الاخذ بالأثقل لئلا يخرج عن الإباحة. وأن لا
يلفق بين قولين يتولد منهما حقيقة مركبة لا يقول بها كل منهما. وفي فتاوي شيخنا: من قلد إماما في مسألة لزمه
أن يجري على قضية مذهبه في تلك المسألة وجميع ما يتعلق بها، فيلزم من انحرف عن عين الكعبة وصلى إلى
250

جهتها مقلدا لأبي حنيفة مثلا أن يمسح في وضوئه من الرأس قدر الناصية وأن لا يسيل من بدنه بعد الوضوء دم
وما أشبه ذلك، وإلا كانت صلاته باطلة باتفاق المذهبين فليتفطن لذلك. انتهى. ووافقه العلامة عبد الله أبو
مخرمة العدني وزاد فقال: قد صرح بهذا الشرط الذي ذكرناه غير واحد من المحققين من أهل الأصول والفقه:
منهم ابن دقيق العيد والسبكي، ونقله الأسنوي في التمهيد عن العراقي. قلت: بل نقله الرافعي في العزيز عن
القاضي حسين. انتهى. وقال شيخنا المحقق ابن زياد رحمه الله تعالى في فتاويه: إن الذي فهمناه من أمثلتهم
أن التركيب القادح إنما يمتنع إذا كان في قضية واحدة. فمن أمثلتهم. إذا توضأ ولمس تقليدا لأبي حنيفة واقتصد
تقليدا للشافعي ثم صلى فصلاته باطلة لاتفاق الإمامين على بطلان ذلك. وكذلك إذا توضأ ومس بلا شهوة
تقليدا للإمام مالك ولم يدلك تقليدا للشافعي ثم صلى فصلاته باطلة لاتفاق الإمامين على بطلان طهارته
- بخلاف ما إذا كان التركيب من قضيتين، فالذي يظهر أن ذلك غير قادح في التقليد، كما إذا توضأ ومسح بعض
رأسه ثم صلى إلى الجهة تقليدا لأبي حنيفة فالذي يظهر صحة صلاته لان الإمامين لم يتفقا على بطلان طهارته،
فإن الخلاف فيها بحاله، لا يقال اتفقا على بطلان صلاته لأنا نقول هذا الاتفاق ينشأ من التركيب في قضيتين.
251

والذي فهمناه أنه غير قادح في التقليد ومثله ما إذا قلد الإمام أحمد في أن العورة السوأتان وكأن ترك المضمضة
والاستنشاق أو التسمية الذي يقول الإمام أحمد بوجوب ذلك، فالذي يظهر صحة صلاته إذا قلده في قدر العورة
لأنهما لم يتفقا على بطلان طهارته التي هي قضية واحدة، ولا يقدح في ذلك اتفاقهما على بطلان صلاته فإنه
تركيب من قضيتين وهو غير قادح في التقليد كما يفهمه تمثيلهم. وقد رأيت في فتاوي البلقيني ما يقتضي أن
التركيب بين القضيتين غير قادح. انتهى. ملخصا.
تتمة: يلزم محتاجا استفتاء عالم عدل عرف أهليته ثم إن وجد مفتيين فإن اعتقد أحدهما أعلم تعين
تقديمه. قال في الروضة: ليس لمفت وعامل على مذهبنا في مسألة ذات وجهين أو قولين أن يعتمد أحدهما بلا
252

نظر فيه فلا خلاف، بل يبحث عن أرجحهما بنحو تأخره وإن كانا لواحد. انتهى. (ويجوز تحكيم اثنين) ولو من
غير خصومة كما في النكاح (رجلا أهلا لقضاء) أي من له أهلية القضاء المطلقة لا في خصوص تلك الواقعة
فقط. خلافا لجمع متأخرين ولو مع وجود قاض أهل خلافا للروضة. أما غير الأهل فلا يجوز تحكيمه - أي مع
وجود الأهل - وإلا جاز، ولو في النكاح، وإن كان ثم مجتهد، كما جزم به شيخنا في شرح المنهاج تبعا لشيخه
253

زكريا. لكن الذي أفتاه أن المحكم العدل لا يزوج إلا مع فقد القاضي ولو غير أهل. ولا يجوز تحكيم غير
العدل مطلقا ولا يفيد حكم المحكم إلا برضاهما به لفظا لا سكوتا فيعتبر رضا الزوجين معا في النكاح، نعم:
يكفي سكوت البكر إذا استؤذنت في التحكيم ولا يجوز التحكيم مع غيبة الولي ولو إلى مسافة القصر إن كان ثم
قاض - خلافا لابن العماد - لأنه ينوب عن الغائب بخلاف المحكم: ويجوز له أن يحكم بعلمه على الأوجه.
(وينعزل القاضي) أي يحكم بانعزاله ببلوغ خبر العزل له ولو من عدل (و) ينعزل (نائبه) في عام أو خاص بأن
254

يبلغه خبر عزل مستخلفه له أو الإمام لمستخلفه إن أذن له أن يستخلف عن نفسه أو أطلق (لا) حال كون النائب
نائبا (عن إمام) في عام أو خاص بأن قال للقاضي استخلف عني فلا ينعزل بذلك وإنما انعزل القاضي ونائبه
(بخبره) أي ببلوغ خبر العزل المفهوم من ينعزل لا قبل بلوغه ذلك لعظم الضرر في نقض أقضيته لو انعزل،
بخلاف الوكيل فإنه ينعزل من حين العزل ولو قبل بلوغ خبره. ومن علم عزله لم ينفذ حكمه له إلا أن يرضى
بحكمه فيما يجوز التحكيم فيه (و) ينعزل أيضا كل منهما بأحد أمور (عزل نفسه) كالوكيل (وجنون) وإغماء وإن
قل زمنهما (وفسق) أي ينعزل بفسق من لم يعلم موليه بفسقه الأصلي أو الزائد على ما كان حال توليته وإذا زالت
255

هذه الأحوال لم تعد ولايته إلا بتولية جديدة في الأصح. ويجوز للإمام عزل قاض لم يتعين بظهور خلل لا
يقتضي انعزاله ككثرة الشكاوي فيه وبأفضل منه وبمصلحة كتسكين فتنة سواء أعزله بمثله أو بدونه وإن لم يكن
شئ من ذلك لم يجز عزله لأنه عبث ولكن ينفذ العزل. أما إذا تعين بأن لم يكن ثم من يصلح غيره فيحرم على
موليه عزله ولا ينفذ، وكذا عزله لنفسه حينئذ بخلافه في غير هذه الحالة فينفذ عزله لنفسه وإن لم يعلم موليه (ولا
ينعزل قاض بموت إمام) أعظم ولا بانعزاله لعظم شدة الضرر بتعطيل الحوادث وخرج بالإمام القاضي
256

فينعزل نوابه بموته (ولا يقبل قول متول في غير محل ولايته) وهو خارج عمله (حكمت بكذا) لأنه لا يملك
إنشاء الحكم حينئذ فلا ينفذ إقراره به وأخذ الزركشي من ظاهر كلامهم أنه إذا ولي ببلد لم يتناول مزارعها
وبساتينها فلو زوج وهو بأحدهما من هي بالبلد أو عكسه لم يصح، قيل، وفيه نظر قال شيخنا والنظر واضح بل
الذي يتجه أنه إن علمت عادة بتبعية أو عدمها فذلك وإلا اتجه ما ذكره اقتصارا على ما نص له عليه وأفهم قول
المنهاج أنه في غير محل ولايته كمعزول أن لا ينفذ منه فيه تصرف استباحه بالولاية كإيجار وقف نظره للقاضي
وبيع مال يتيم وتقرير في وظيفة. قال شيخنا وهو ظاهر (ك‍) - ما لا يقبل قول (معزول) بعد انعزاله ومحكم بعد
257

مفارقة مجلس حكمه حكمت بكذا لأنه لا يملك إنشاء الحكم حينئذ فلا يقبل إقراره به ولا يقبل أيضا شهادة كل
منهما بحكمه لأنه يشهد بفعل نفسه إلا إن شهد بحكم حاكم ولا يعلم القاضي أنه حكمه فتقبل شهادته إن لم
يكن فاسقا، فإن علم القاضي أنه حكمه لم تقبل شهادته كما لو صرح به ويقبل قوله بمحل حكمه قبل عزله
حكمت بكذا، وإن قال بعلمي لقدرته على الانشاء حينئذ حتى لو قال على سبيل الحكم نساء هذه القرية: أي
المحصورات طوالق من أزواجهن قبل إن كان مجتهدا ولو في مذهب إمامه ولا يجوز لقاض أن يتبع حكم قاض
258

قبله صالح للقضاء (وليسو القاضي بين الخصمين) وجوبا في إكرامهما وإن اختلفا شرفا وجواب سلامهما والنظر
إليهما والاستماع للكلام وطلاقة الوجه والقيام فلا يخص أحدهما بشئ مما ذكر. ولو سلم أحدهما انتظر الآخر
ويغتفر طول الفصل للضرورة أو قال له سلم ليجيبهما معا ولا يمزح معه وإن شرف بعلم أو حرية والأولى أن
يجلسهما بين يديه.
259

فرع: لو ازدحم مدعون قدم الأسبق فالأسبق وجوبا كمفت ومدرس فيقدمان وجوبا بسبق، فإن استووا أو
جهل سابق أقرع وقال شيخنا، وظاهر أن طالب فرض العين مع ضيق الوقت يقدم كالمسافر. ويستحب كون
مجلسه الذي يقضي فيه فسيحا بارزا ويكره أن يتخذ المسجد مجلسا للحكم صونا له عن اللغط وارتفاع
260

الأصوات. نعم إن اتفق عند جلوسه فيه قضية أو قضيتان فلا بأس بفصلها (وحرم قبوله) أي القاضي (هدية من لا
261

عادة له بها قبل ولاية) أو كان له عادة بها لكنه زاد في القدر أو الوصف (إن كان في محله) أي محل ولايته (و)
هدية (من له خصومة) عنده أو من أحس منه بأنه سيخاصم وإن اعتادها قبل ولايته لأنها في الأخيرة تدعو إلى
الميل إليه وفي الأولى سببها الولاية وقد صحت الأخبار الصحيحة بتحريم هدايا العمال (وإلا) بأن كان من
عادته أنه يهدى إليه قبل الولاية ولو مرة فقط أو كان في غير محل ولايته أو لم يزد المهدي على عادته ولا خصومة
262

له حاضرة ولا مترقبة جاز قبوله ولو جهزها له مع رسوله وليس له محاكمة ففي جواز قبوله وجهان: رجح بعض
شراح المنهاج الحرمة وعلم مما مر أنه لا يحرم عليه قبولها في غير عمله وإن كان المهدي من أهل عمله ما لم
يستشعر بأنها مقدمة لخصومة. ولو أهدى له بعد الحكم حرم القبول أيضا إن كان مجازاة له وإلا فلا. كذا أطلقه
بعض شراح المنهاج. قال شيخنا: ويتعين حمله على مهد معتاد أهدى إليه بعد الحكم وحيث حرم القبول أو
الاخذ لم يملك ما أخذه فيرده لمالكه إن وجد وإلا فلبيت المال وكالهدية الهبة والضيافة وكذا الصدقة على
263

الأوجه وجوز له السبكي في حلبياته قبول الصدقة ممن لا خصومة له ولا عادة وخصه في تفسيره بما إذا لم يعرف
المتصدق أنه القاضي، وبحث غيره القطع بحل أخذه الزكاة. قال شيخنا: وينبغي تقييده بما ذكر. وتردد
السبكي في الوقف عليه من أهل عمله والذي يتجه فيه، وفي النذر أنه إن عينه باسمه وشرطنا القبول كان كالهدية
له. ويصح إبراؤه عن دينه إذ لا يشترط فيه قبول. ويكره للقاضي حضور الوليمة التي خص بها وحده وقال
جمع: يحرم أو مع جماعة آخرين ولم يعتد ذلك قبل الولاية بخلاف ما إذا لم يقصد بها خصوصا كما لو اتخذت
للجيران أو العلماء وهو منهم أو لعموم الناس. قال في العباب: يجوز لغير القاضي أخذ هدية بسبب النكاح إن
264

لم يشترط، وكذا القاضي حيث جاز له الحضور ولم يشترط ولا طلب. اه‍. وفيه نظر.
تنبيه: يجوز لمن لا رزق له في بيت المال ولا في غيره وهو غير متعين للقضاء وكان عمله مما يقابل بأجرة
أن يقول لا أحكم بينكما إلا بأجرة أو رزق على ما قاله جمع وقال آخرون يحرم وهو الأحوط لكن الأول أقرب
265

(ونقض) القاضي وجوبا (حكما) لنفسه أو غيره إن كان ذلك الحكم (بخلاف نص) كتاب أو سنة أو نص مقلده
أو قياس جلي وهو ما قطع فيه بإلحاق الفرع للأصل (أو إجماع) ومنه ما خالف شرط الواقف. قال السبكي:
266

وما خالف المذاهب الأربعة كالمخالف للاجماع (أو بمرجوح) من مذهبه فيظهر القاضي بطلان ما خالف ما
ذكر وإن لم يرفع إليه بنحو نقضته أو أبطلته.
تنبيه: نقل العراقي وابن الصلاح الاجماع على أنه لا يجوز الحكم، بخلاف الراجح في المذهب،
وصرح السبكي بذلك في مواضع من فتاويه وأطال وجعل ذلك من الحكم - بخلاف ما أنزل الله - لان الله تعالى
أوجب على المجتهدين أن يأخذوا بالراجح وأوجب على غيرهم تقليدهم فيما يجب عليهم العمل به. ونقل
الجلال البلقيني عن والده أنه كان يفتي أن الحاكم إذا حكم بغير الصحيح من مذهبه نقض. وقال البرهان بن
ظهيرة: وقضيته والحالة هذه أنه لا فرق بين أن يعضده اختيار لبعض المتأخرين أو بحث.
تنبيه ثان: إعلم أن المعتمد في المذهب للحكم والفتوى ما اتفق عليه الشيخان، كما جزم به النووي
267

فالرافعي فما رجحه الأكثر فالأعلم فالأورع. قال شيخنا: هذا ما أطلق عليه محققو المتأخرين والذي أوصى
باعتماده مشايخنا، وقال السمهودي: ما زال مشايخنا يوصوننا بالافتاء بما عليه الشيخان وأن نعرض عن أكثر ما
خولفا به. وقال شيخنا ابن زياد: يجب علينا في الغالب ما رجحه الشيخان وإن نقل عن الأكثرين خلافه (ولا
يقضي) القاضي أي لا يجوز له القضاء (بخلاف علمه) وإن قامت به بينة كما إذا شهدت برق أو نكاح أو ملك من
يعلم حريته أو بينونتها أو عدم ملكه لأنه قاطع ببطلان الحكم به حينئذ والحكم بالباطل محرم (ويقضي) أي
268

القاضي ولو قاضي ضرورة على الأوجه (بعلمه) إن شاء: أي بظنه المؤكد الذي يجوز له الشهادة مستندا إليه وإن
استفاد قبل ولايته. نعم لا يقضي به في حدود أو تعزير لله تعالى كحد الزنا أو سرقة أو شرب لندب الستر في
أسبابها. أما حدود الآدميين فيقضي فيها به سواء المال والقود وحد القذف. وإذا حكم بعلمه لا بد أن يصرح
بمستنده فيقول علمت أن له عليك ما ادعاه وقضيت أو حكمت عليك بعلمي. فإن ترك أحد هذين اللفظين لم
ينفذ حكمه كما قاله الماوردي وتبعوه. (ولا) يقضي لنفسه ولا (لبعض) من أصله وفرعه ولا لشريكه في المشترك
269

ويقضي لكل منهم غيره من إمام وقاض آخر ولو نائبا عنه دفعا للتهمة (ولو رأى) قاض وكذا شاهد (ورقة فيها
حكمه) أو شهادته (لم يعمل به) في إمضاء حكم ولا أداء شهادة (حتى يتذكر) ما حكم أو شهد به لامكان التزوير
ومشابهة الخط ولا يكفي تذكره أن هذا خطه فقط. وفيهما وجه إن كان الحكم والشهادة مكتوبين في ورقة مصونة
عندهما ووثق بأنه خطه ولم يداخله فيه ريبة أنه يعمل به (وله) أي الشخص (حلف على استحقاق) حق له على
270

غيره أو أدائه لغيره (اعتمادا) على إخبار عدل و (على خط) نفسه على المتعمد وعلى خط مأذونه ووكيله وشريكه
و (مورثه إن وثق بأمانته) بأن علم منه أنه لا يتساهل في شئ من حقوق الناس اعتضادا بالقرينة.
تنبيه: والقضاء الحاصل على أصل كاذب ينفذ ظاهرا لا باطنا فلا يحل حراما ولا عكسه. فلو حكم
271

بشاهدي زور بظاهر العدالة لم يحصل بحكمه الحل باطنا سواء المال والنكاح. أما المرتب على أصل صادق
فينفذ القضاء فيه باطنا أيضا قطعا. وجاء في الخبر: أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر. وفي شرح
المنهاج لشيخنا: ويلزم المرأة المحكوم عليها بنكاح كاذب الهرب بل والقتل وإن قدرت عليه كالصائل على
البضع ولا نظر لكونه يعتقد الإباحة، فإن أكرهت فلا إثم (والقضاء على غائب) عن البلد وإن كان في غير عمله
272

أو عن المجلس بتوار أو تعزز (جائز) في غير عقوبة الله تعالى (إن كان لمدع حجة ولم يقل هو) أي الغائب
(مقر) بالحق بل ادعى جحوده وأنه يلزمه تسليمه له الآن وأنه مطالبه بذلك فإن قال هو مقر وأنا أقيم الحجة
استظهارا مخافة أن ينكر أو ليكتب بها القاضي إلى قاضي بلد الغائب لم تسمع حجته لتصريحه بالمنافي
لسماعها، إذ لا فائدة فيها مع الاقرار نعم لو كان للغائب مال حضر وأقام البينة على دينه لا ليكتب القاضي به إلى
حاكم بلد الغائب، بل ليوفيه منه فتسمع وإن قال هو مقر وتسمع أيضا إن أطلق (ووجب) إن كانت الدعوى بدين
273

أو عين أو بصحة عقد أو إبراء كأن أحال الغائب على مدين له حاضر فادعى إبراءه (تحليفه) أي المدعي يمين
الاستظهار إن لم يكن الغائب متواريا ولا متعززا (بعد) إقامة (بنية أن الحق) في الصورة الأولى ثابت (في ذمته)
إلى الآن احتياطا للمحكوم عليه لأنه لو حضر لربما ادعى بما يبرئه. ويشترط مع ذلك أن يقول أنه يلزمه تسليمه
إلي وأنه لا يعلم في شهوده قادحا كفسق وعداوة. قال شيخنا في شرح المنهاج، وظاهر كما قال البلقيني أن هذا
لا يأتي في الدعوى بعين بل يحلف فيها على ما يليق بها وكذا نحو الابراء، أما لو كان الغائب متواريا أو متعززا
فيقضي عليهما بلا يمين لتقصيرهما قال بعضهم: لو كان للغائب وكيل حاضر لم يكن قضاء على غائب ولم يجب
274

يمين (كما لو ادعى) شخص (على) نحو (صبي) لا ولي له (وميت) ليس له وارث خاص حاضر فإنه يحلف لما
مر. أما لو كان لنحو الصبي ولي خاص أو للميت وارث خاص حاضر كامل إعتبر في وجوب التحليف طلبه، فإن
سكت عن طلبها لجهل عرفه الحاكم ثم إن لم يطلبها قضى عليه بدونها.
فرع: لو ادعى وكيل الغائب على غائب أو نحو صبي أو ميت فلا تحليف بل يحكم بالبينة لان الوكيل لا
275

يتصور حلفه على استحقاقه ولا على أن موكله يستحقه ولو وقف الامر إلى حضور الموكل لتعذر استيفاء الحقوق
بالوكلاء. ولو حضر الغائب وقال للوكيل أبرأني موكلك أو وفيته فأخر الطلب إلى حضوره ليحلف لي أنه ما
أبرأني لم يجب. وأمر بالتسليم له ثم يثبت الابراء بعد إن كان له به حجة لأنه لو وقف لتعذر الاستيفاء بالوكلاء.
نعم. له تحليف الوكيل إذا ادعى عليه علمه بنحو الابراء أنه لا يعلم أن موكله أبرأه مثلا لصحة هذه الدعوى عليه
(وإذا ثبت) عند حاكم (مال على الغائب) أو الميت وحكم به (وله مال) حاضر في عمله أو دين ثابت على حاضر
276

في عمله (قضاه) الحاكم (منه إذا طلبه المدعي) لان الحاكم يقوم مقامه ولو باع قاض مال غائب في دينه فقدم
وأبطل الدين بإثبات إيفائه أو بنحو فسق شاهد استرد من الخصم ما أخذه وبطل البيع للدين على الأوجه خلافا
للروياني (وإلا) يكن له مال في عمله ولم يحكم (فإن سأل المدعي إنهاء الحال إلى قاضي بلد الغائب أجابه)
وجوبا وإن كان المكتوب إليه قاضي ضرورة مسارعة بقضاء حقه (فينهي إليه سماع بينته) ثم إن عدلها لم يحتج
المكتوب إليه إلى تعديلها وإلا احتاج إليه ليحكم بها ثم يستوفي الحق وخرج بها علمه فلا يكتب به لأنه شاهد
277

الآن لا قاض. ذكره في العدة وخالفه السرخسي واعتمده البلقيني لان علمه كقيام البينة وله على الأوجه أن
يكتب سماع شاهد واحد ليسمع المكتوب إليه شاهدا آخر أو يحلفه ويحكم له (أو) ينهي إليه (حكما) إن حكم
(ليستوفي) الحق لان الحاجة تدعو إلى ذلك (والانهاء أن يشهد) ذكرين (عدلين بذلك) أي بما جرى عنده من
ثبوت أو حكم ولا يكفي غير رجلين ولو في مال أو هلال رمضان. ويستحب كتاب به يذكر فيه ما يتميز به
278

المحكوم عليه من اسم أو نسب وأسماء الشهود وتاريخه والانهاء بالحكم من الحاكم يمضي مع قرب المسافة
وبعدها وسماع البينة لا يقبل إلا فوق مسافة العدوي. إذ يسهل إحضارها مع القرب وهي التي يرجع منها مبكرا
إلى محله ليلا فلو تعسر إحضار البينة مع القرب بنحو مرض قبل الانهاء.
فرع: قال القاضي وأقره لو حضر الغريم وامتنع من بيع ماله الغائب لوفاء دينه به عند الطلب ساغ للقاضي
279

بيعه لقضاء الدين وإن لم يكن المال بمحل ولايته، وكذا إن غاب بمحل ولايته كما ذكره التاج السبكي والغزي
وقالا بخلاف ما لو كان بغير محل ولايته لأنه لا يمكن نيابته عنه في وفاء الدين حينئذ وحاصل كلامهما جواز البيع
إذا كان هو أو ماله في محل ولايته ومنعه إذا خرجا عنها.
مهمة: لو غاب إنسان من غير وكيل وله مال حاضر فأنهى إلى الحاكم أنه إن لم يبعه اختل معظمه لزمه
بيعه إن تعين طريقا لسلامته وقد صرح الأصحاب بأن القاضي إنما يتسلط على أموال الغائبين إذا أشرفت على
280

الضياع أو مست الحاجة إليها في استيفاء حقوق ثبتت على الغائب وقالوا ثم في الضياع تفصيل فإن امتدت
الغيبة وعسرت المراجعة قبل وقوع الضياع ساغ التصرف وليس من الضياع اختلال لا يؤدي لتلف المعظم ولم
يكن ساريا لامتناع بيع مال الغائب لمجرد المصلحة والاختلال المؤدي لتلف المعظم ضياع، نعم الحيوان
يباع لمجرد تطرق اختلال إليه. لحرمة الروح ولأنه يباع على مالكه بحضرته إذا لم ينفق عليه ولو نهي عن
التصرف في ماله امتنع إلا في الحيوان.
فرع: يحبس الحاكم الآبق إذا وجده انتظارا لسيده فإن أبطأ سيده باعه الحاكم وحفظ ثمنه فإذا جاء سيده
فليس له غير الثمن.
281

باب الدعوى والبينات
الدعوى لغة، الطلب وألفها للتأنيث وشرعا: إخبار عن وجوب حق على غيره عند حاكم. وجمعها
دعاوي بفتح الواو وكسرها كفتاوى. والبينة شهود سموا بها لان بهم يتبين الحق وجمعوا لاختلاف أنواعهم.
والأصل فيها خبر الصحيحين: ولو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم لكن اليمين على
283

المدعى عليه. وفي رواية: البينة على المدعي واليمين على من أنكر (المدعي من خالف قوله الظاهر) وهو براءة
الذمة (والمدعى عليه من وافقه) أي الظاهر. وشرطهما تكليف والتزام للأحكام فليس الحربي ملتزما للأحكام
بخلاف الذمي. ثم إن كانت الدعوى قودا أو حد قذف أو تعزيرا وجب رفعها إلى القاضي ولا يجوز للمستحق
284

الاستقلال باستيفائها لعظم الخطر فيها وكذا سائر العقود والفسوخ كالنكاح والرجعة وعيب النكاح والبيع.
واستثنى الماوردي من بعد عن السلطان فله استيفاء حد قذف أو تعزير (وله) أي للشخص (بلا خوف فتنة) عليه
أو على غيره (أخذ ماله) استقلالا للضرورة (من) مال مدين له مقر (مماطل) به أو جاحد له أو متوار أو متعزز وإن
285

كان على الجاحد بينة أو رجا إقراره لو رفعه للقاضي لاذنه (ص) لهند لما شكت إليه شح أبي سفيان أن تأخذ ما
يكفيها وولدها بالمعروف ولان في الرفع للقاضي مشقة ومؤنة وإنما يجوز له الاخذ من جنس حقه ثم عند تعذر
جنسه يأخذ غيره. ويتعين في أخذ غير الجنس تقديم النقد على غيره ثم إن كان المأخوذ من جنس ماله يتملكه
ويتصرف فيه بدلا عن حقه فإن كان من غير جنسه فيبيعه الظافر بنفسه أو مأذونه للغير لا لنفسه اتفاقا ولا لمحجوره
لامتناع تولي الطرفين وللتهمة. هذا إن لم يتيسر علم القاضي به لعدم علمه ولا بينة أو مع أحدهما لكنه يحتاج
لمؤنة ومشقة وإلا اشترط إذنه ولا ببيعه إلا بنقد البلد (ثم إن كان جنس حقه تملكه) وإلا اشترط جنس حقه وملكه
286

ولو كان المدين محجورا عليه بفلس أو ميتا وعليه دين لم يأخذ إذ قدر حصته بالمضاربة إن علمها وإلا احتاط وله
الاخذ من مال غريم غريمه إن لم يظفر بمال الغريم وجحد غريم الغريم أو ماطل وإذا جاز الاخذ ظفرا جاز له
كسر باب أو قفل ونقب جدار للمدين إن تعين طريقا للوصول إلى الاخذ وإن كان معه بينة فلا يضمنه كالصائل
وإن خاف فتنة أي مفسدة تفضي إلى محرم كأخذ ماله لو اطلع عليه وجب الرفع إلى القاضي أو نحوه لتمكنه من
الخلاص به ولو كان الدين على غير ممتنع من الأداء طالبه ليؤدي ما عليه فلا يحل أخذ شئ له لان له الدفع من
287

أي ماله شاء فإن أخذ شيئا لزمه رده وضمنه إن تلف ما لم يوجد شرط التقاص.
فرع: له استيفاء دين له على آخر جاحد له بشهود دين آخر له عليه قضى من غير علمهم وله جحد من
جحده إذا كان له على الجاحد مثل ماله عليه أو أكثر فيحصل التقاص للضرورة فإن كان له دون ما للآخر عليه
جحد من حقه بقدره (وشرط للدعوى) أي لصحتها حتى تسمع وتحوج إلى جواب (بنقد) خالص أو مغشوش
288

(أو دين) مثلي أو متقوم (ذكر جنس) من ذهب أو فضة (ونوع) وصحة وتكسر إن اختلف بهما غرض (وقدر)
كمائة درهم فضة خالصة أو مغشوشة أشرفية أطالبه بها الآن لان شرط الدعوى أن تكون معلومة وما علم وزنه
كالدينار لا يشترط التعرض لوزنه ولا يشترط ذكر القيمة في المغشوش ولا تسمع دعوى دائن مفلس ثبت فلسه
أنه وجد مالا حتى يبين سببه كإرث واكتساب وقدره (و) في الدعوى (بعين) تنضبط بالصفات كحبوب وحيوان
289

ذكر (صفة) بأن يصفها المدعي بصفات سلم ولا يجب ذكر القيمة فإن تلفت العين وهي متقومة وجب ذكر القيمة
مع الجنس كعبد قيمته كذا (و) في الدعوى (بعقار) ذكر (جهة) ومحلة (وحدود) أربعة فلا يكفي ذكر ثلاثة منها
إذا لم يعلم إلا بأربعة فإن علم بواحد منها كفى بل لو أغنت شهرته عن تحديده لم يجب (و) في الدعوى (بنكاح)
على امرأة ذكر صحته وشروطه من نحو (ولي وشاهدين عدول) ورضاها إن شرط بأن كانت غير مجبرة فلا يكفي
290

فيه الاطلاق فإن كانت الزوجة أمة وجب ذكر العجز عن مهر حرة وخوف العنت وأنه ليس تحته حرة (و) في
الدعوى (بعقد مالي) كبيع وهبة ذكر صحته ولا يحتاج إلى تفصيل كما في النكاح لأنه أحوط حكما منه (وتلغو)
الدعوى (بتناقض) فلا يطلب من المدعى عليه جوابها (كشهادة خالفت) الدعوى كأن ادعى ملكا بسبب فذكر
الشاهد سببا آخر فلا تسمع لمنافاتها الدعوى وقضيته أنه لو أعادها على وفق الدعوى قبلت وبه صرح الحضرمي
291

واقتضاه كلام غيره ولا تبطل الدعوى بقوله شهودي فسقة أو مبطلون فله إقامة بينة أخرى والحلف (ومن قامت
عليه بينة) بحق (ليس له تحليف المدعي) على استحقاق ما ادعاه بحق لأنه تكليف حجة بعد حجة فهو كالطعن
في الشهود نعم له تحليف المدين مع البينة بإعساره لجواز أن له مالا باطنا ولو ادعى خصمه مسقطا له كأداء له أو
إبراء منه أو شرائه منه فيحلف على نفي ما ادعاه الخصم لاحتمال ما يدعيه وكذا لو ادعى خصمه عليه علمه بفسق
292

شاهده أو كذبه ولا يتوجه حلف على شاهد أو قاض ادعى كذبه قطعا لأنه يؤدي إلى فساد عام. ولو نكل عن هذه
اليمين حلف المدعى عليه وبطلت الشهادة (وإذا) طلب الامهال من قامت عليه البينة (أمهله) القاضي وجوبا
لكن بكفيل وإلا فبالترسيم عليه إن خيف هربه (ثلاثة) من الأيام (ليأتي بدافع) من نحو أداء أو إبراء ومكن من
سفره ليحضره إن لم تزد المدة على الثلاث لأنها لا يعظم الضرر فيها (ولو ادعى رق بالغ) عاقل مجهول النسب
293

(فقال أنا حر أصالة) ولم يكن قد أقر له بالملك قبل وهو رشيد (حلف) فيصدق بيمينه وإن استخدمه قبل إنكاره
وجرى عليه البيع مرارا أو تداولته الأيدي لموافقته الأصل وهو الحرية ومن ثم قدمت بينة الرق على بينة الحرية
لان الأولى معها زيادة علم بنقلها عن الأصل وخرج بقولي أصالة ما لو قال أعتقتني، أو أعتقني من باعني لك فلا
يصدق إلا ببينة وإذا ثبتت حريته الأصلية بقوله رجع مشتريه على بائعه بثمنه وإن أقر له بالملك لأنه بناه على ظاهر
294

اليد (أو) ادعى رق (صبي) أو مجنون كبير (ليس في يده) وكذبه صاحب اليد (لم يصدق إلا بحجة) من بينة أو
علم قاض أو يمين مردودة لان الأصل عدم الملك. فلو كان الصبي بيده أو بيد غيره وصدقه صاحب اليد حلف
لخطر شأن لحرية ما لم يعرف لقطه ولا أثر لانكاره إذا بلغ لان اليد حجة فإن عرف لقطه لم يصدق إلا ببينة.
فرع: لا تسمع الدعوى بدين مؤجل إذ لم يتعلق بها إلزام ومطالبة في الحال ويسمع قول البائع المبيع
وقف وكذا ببينة. إن لم يصرح حال البيع بملكه وإلا سمعت دعواه لتحليف المشتري أنه باعه وهو ملكه.
295

فصل في جواب الدعوى وما يتعلق به
(إذا أقر المدعى عليه ثبت الحق) بلا حكم (وإن سكت عن الجواب أمره القاضي به) وإن لم يسأل
المدعي (فإن سكت فكمنكر) فتعرض عليه اليمين، (فإن سكت) أيضا ولم يظهر سببه (فنأكل) فيحلف المدعي
وإن أنكر اشترط إنكار ما ادعى عليه وأجزائه إن تجزأ (فإن ادعى) عليه (عشرة) مثلا (لم يكف) في الجواب (لا
تلزمني) العشرة (حتى يقول ولا بعضها وكذا يحلف) إن توجهت اليمين عليه لان مدعيها مدع لكل جزء منها فلا
297

بد أن يطابق الانكار واليمين دعواه، فإن حلف على نفي العشرة واقتصر عليه فنأكل عما دونها فيحلف المدعي
على استحقاق ما دون العشرة ويأخذه لان النكول عن اليمين كالاقرار (أو) ادعى (مالا) مضافا لسبب كأقرضتك
كذا (كفاه) في الجواب (لا تستحق) أنت (علي شيئا) أو لا يلزمني تسليم شئ إليك، ولو اعترف به وادعى
مسقطا طولب بالبينة. ولو ادعى عليه وديعة فلا يكفي في الجواب لا يلزمني التسليم بل لا تستحق علي شيئا
ويحلف كما أجاب ليطابق الحلف الجواب. ولو ادعى عليه مالا فأنكر وطلب منه اليمين فقال لا أحلف وأعطى
المال لم يلزمه قبوله من غير إقرار وله تحليفه.
298

فرع: لو ادعى عليه عينا فقال ليست لي أو هي لرجل لا أعرفه أو لابني الطفل أو وقف على الفقراء أو
مسجد كذا وهو ناظر فيه فالأصح أنه لا تنصرف الخصومة عنه ولا تنزع العين منه بل يحلفه المدعي أنه لا يلزمه
التسليم للعين رجاء أن يقر أو ينكل فيحلف المدعي وتثبت له العين في الأولين والبدل للحيلولة في البقية أو يقيم
299

المدعي بينة أنها له. ولو أصر المدعى عليه على سكوت عن جواب للدعوى فنأكل إن حكم القاضي بنكوله
(وإذا ادعيا) أي اثنان أي كل منهما (شيئا في يد ثالث) لم يسنده إلى أحدهما قبل البينة ولا بعدها (وأقاما) أي كل
منهما (بينة) به (سقطتا) لتعارضهما ولا مرجح فكان كما لا بينة فإن أقر ذو اليد لأحدهما قبل البينة أو بعدها
رجحت بينته (أو) ادعيا شيئا (بيدهما) وأقاما بينتين (فهو لهما) إذ ليس أحدهما أولى به من الآخر أما إذا لم يكن
300

بيد أحد وشهدت بينة كل له بالكل فيجعل بينهما. ومحل التساقط إذا وقع تعارض حيث لم يتميز أحدهما
بمرجح وإلا قدم وهو بيان نقل الملك ثم اليد فيه للمدعي أو لمن أقر له به أو انتقل له منه ثم شاهدان مثلا على
شاهد ويمين ثم سبق ملك أحدهما بذكر زمن أو بيان أنه ولد في ملكه مثلا ثم بذكر سبب الملك (أو) ادعيا شيئا
(بيد أحدهما) تصرفا أو إمساكا (قدمت بينته) من غير يمين وإن تأخر تاريخها أو كانت شاهدا ويمينا وبينة
301

الخارج شاهدين أو لم تبين سبب الملك من شراء وغيره ترجيحا لبينة صاحب اليد بيده ويسمى الداخل وإن
حكم بالأولى قبل قيام الثانية أو بينت بينة الخارج سبب ملكه. نعم لو شهدت بينة الخارج بأنه اشتراه منه أو من
بائعه مثلا قدمت لبطلان اليد حينئذ ولو أقام الخارج بينة بأن الداخل أقر له بالملك قدمت ولم تنفعه بينته بالملك
إلا إن ذكرت انتقالا ممكنا من المقر له إليه (هذا إن أقامها بعد بينة الخارج) بخلاف ما لو أقامها قبلها لأنها إنما
تسمع بعدها لان الأصل في جانبه اليمين فلا يعدل عنها ما دامت كافية.
302

فروع: لو أزيلت يده ببينة ثم أقام بينة بملكه مستندا إلى ما قبل إزالة يده واعتذر بغيبة شهوده أو جهله بهم
سمعت وقدمت إذ لم تزل إلا لعدم الحجة وقد ظهرت فينقض القضاء، لكن لو قال الخارج هو ملكي اشتريته
منك فقال الداخل بل هو ملكي وأقاما بينتين بما قالا قدم الخارج لزيادة علم بينته بانتقال الملك وكذا قدمت بينته
لو شهدت أنه ملكه وإنما أودعه أو أجره أو أعاره للداخل أو أنه أو بائعه غصبه منه وأطلقت بينة الداخل. ولو
تداعيا دابة أو أرضا أو دارا لأحدهما متاع فيها أو الحمل أو الزرع قدمت بينته على البينة الشاهدة بالملك المطلق
303

لانفراده بالانتفاع فاليد له فإن اختص المتاع ببيت فاليد له فيه فقط. ولو اختلف الزوجان في أمتعة البيت ولو بعد
الفرقة ولا بينة ولا اختصاص لأحدهما بيد فلكل تحليف الآخر، فإذا حلفا جعل بينهما وإن صلح لأحدهما فقط
أو حلف أحدهما قضى له كما لو اختص باليد وحلف (وترجح) البينة (بتاريخ سابق) فلو شهدت البينة لاحد
المتنازعين في عين بيدهما أو يد ثالث أو لا بيد أحد بملك من سنة إلى الآن وشهدت بينة أخرى للآخر بملك لها
304

من أكثر من سنة إلى الآن كسنتين فترجع بينة ذي الأكثر لأنها أثبتت الملك في وقت لا تعارضها فيه الأخرى
ولصاحب التاريخ السابق أجرة وزيادة حادثة من يوم ملكه بالشهادة لأنها فوائد ملكه وإذا كان لصاحب متأخرة
التاريخ يد لم يعلم أنها عادية قدمت على الأصح. ولو ادعى في عين بيد غيره أنه اشتراها من زيد من منذ سنتين
فأقام الداخل بينة أنه اشتراها من زيد من منذ سنة قدمت بينة الخارج لأنها أثبتت أن يد الداخل عادية بشرائه من
زيد ما زال ملكه عنه ولو اتحد تاريخهما أو أطلقتا أو إحداهما قدم ذو اليد ولو شهدت بينة بملك أمس ولم تتعرض
للحال لم تسمع كما لا تسمع دعواه بذلك حتى نقول ولم يزل ملكه أولا نعلم له مزيلا أو تبين سببه كأن تقول
305

اشتراها من خصمه أو أقر له به أمس لان دعوى الملك السابق لا تسمع فكذا البينة. ولو قال من بيده عين اشتريتها
من فلان من منذ شهر وأقام به بينة فقالت زوجة البائع منه هي ملكي تعوضتها منه من منذ شهرين وأقامت به بينة،
فإن ثبت أنها بيد الزوج حال التعويض حكم بها لها وإلا بقيت بيد من هي بيده الآن (و) ترجح (بشاهدين)
وشاهد وامرأتين وأربع نسوة فيما يقبلن فيه (على شاهد مع يمين) للاجماع على قبول من ذكر دون الشاهد
واليمين (لا) ترجح (بزيادة) نحو عدالة أو عدد (شهود) بل تتعارضان لان ما قدره الشرع لا يختلف بالزيادة
306

والنقص ولا برجلين على رجل وامرأتين ولا على أربع نسوة (ولا) بينة (مؤرخة على) بينة (مطلقة) لم تتعرض
لزمن الملك حيث لا يد لأحدهما واستويا في أن لكل شاهدين ولم تبين الثانية سبب الملك فتتعارضان. نعم لو
شهدت إحداهما بدين والأخرى بالابراء رجحت بينة الابراء لأنها إنما تكون بعد الوجوب. والأصل عدم تعدد
الدين ولو شهدت بينة بألف وبينة بألفين يجب ألفان ولو أثبت إقرار زيد له بدين فأثبت زيد إقراره بأنه لا شئ له
عليه لم يؤثر لاحتمال حدوث الدين بعد.
307

فروع: لو أقام بينة بملك دابة أو شجرة من غير تعرض بملك سابق بتاريخ لم يستحق ثمرة ظاهرة ولا
ولدا منفصلا عند الشهادة ويستحق الحمل والثمر غير الظاهر عندها تبعا للام والأصل، فإذا تعرضت لملك
سابق على حدوث ما ذكر فيستحقه ولو اشترى شيئا فأخذ منه بحجة غير إقرار رجع على بائعه الذي لم يصدقه ولا
أقام بينة بأنه اشتراه من المدعي ولو بعد الحكم به بالثمن بخلاف ما لو أخذ منه بإقراره أو بحلف المدعي بعد
308

نكوله لأنه المقصر ولو اشترى قنا وأقر بأنه قن ثم ادعى بحرية الأصل وحكم له بها رجع بثمنه على بائعه ولم يضر
اعترافه برقه لأنه معتمد فيه على الظاهر. ولو ادعى شراء عين فشهدت بينة بملك مطلق قبلت لأنها شهدت
بالمقصود ولا تناقض على الأصح. وكذا لو ادعى ملكا مطلقا فشهدت له به مع سببه لم يضر وإن ذكر سببا وهم
سببا آخر ضر ذلك للتناقض بين الدعوى والشهادة.
فرع: لو باع دارا ثم قامت بينة حسبة أن أباه وقفها عليه ثم على أولاده انتزعت من المشتري ورجع بثمنه
على البائع ويصرف له ما حصل في حياته من الغلة إن صدق البائع الشهود وإلا وقفت، فإن مات مصرا
صرفت
309

لأقرب الناس إلى الواقف. قاله الرافعي كالقفال.
فرع: تجوز الشهادة بل تجب إن انحصر الامر فيه بملك الآن للعين المدعاة استصحابا لما سبق من إرث
وشراء وغيرهما اعتمادا علي الاستصحاب لان الأصل البقاء وللحاجة لذلك وإلا لتعسرت الشهادة على الاملاك
السابقة إذا تطاول الزمن ومحله إن لم يصرح بأنه اعتمد الاستصحاب وإلا لم تسمع عند الأكثرين (ولو ادعيا) أي
كل من اثنين (شيئا بيد ثالث) فإن أقر به لأحدهما سلم إليه وللآخر تحليفه (و) إن ادعيا شيئا على ثالث و (أقام كل)
منهما (بينة أنه اشتراه) منه وسلم ثمنه (فإن اختلف تاريخهما حكم للأسبق) منهما تاريخا لان معها زيادة علم
310

(وإلا) يختلف تاريخهما بأن أطلقتا أو إحداهما أو أرختا بتاريخ متحد (سقطتا) لاستحالة أعمالهما ثم إن أقر لهما
أو لأحدهما فواضح، وإلا حلف لكل يمينا ويرجعان عليه بالثمن لثبوته بالبينة ولو قال كل منهما والمبيع في يد
المدعى عليه بعتكه بكذا وهو ملكي وإلا لم تسمع الدعوى فأنكر وأقاما بينتين بما قالاه وطلباه بالثمن فإن اتحد
تاريخهما سقطتا وإن اختلف لزمه الثمنان. ولو قال أجرتك البيت بعشرة مثلا فقال بل أجرتني جميع الدار بعشرة
وأقاما بينتين تساقطتا فيتحالفان ثم يفسخ العقد.
تنبيه: لا يكفي في الدعوى كالشهادة ذكر الشراء إلا مع ذكر ملك البائع إذا كان غير ذي يد أو مع ذكر يده
311

إذا كانت اليد له ونزعت منه تعديا (ولو ادعوا) أي الورثة كلهم أو بعضهم (مالا) عينا أو دينا أو منفعة (لمورثهم)
الذي مات (وأقاموا شاهدا) بالمال (وحلف) معه بعضهم على استحقاق مورثه الكل (أخذ نصيبه ولا يشارك
فيه) من جهة البقية لان الحجة تمت في حقه وحده وغيره قادر عليها بالحلف وأن يمين الانسان لا يعطى بها غيره
فلو كان بعض الورثة صبيا أو غائبا حلف إذا بلغ أو حضر وأخذ نصيبه بلا إعادة دعوى وشهادة ولو أقر بدين لميت
فأخذ بعض ورثته قدر حصته ولو بغير دعوى ولا إذن من حاكم فللبقية مشاركته ولو أخذ أحد شركائه في دار أو
منفعتها ما يخصه من أجرتها لم يشاركه فيه بقية الورثة كما قاله شيخنا.
312

فصل في الشهادات
جمع شهادة. وهي إخبار الشخص بحق على غيره بلفظ خاص. (الشهادة لرمضان) أي لثبوته بالنسبة
للصوم فقط. (رجل) واحد لا امرأة وخنثى (ولزنا) ولواط (أربعة) من الرجال يشهدون أنهم رأوه أدخل مكلفا
313

مختارا حشفته في فرجها بالزنا. قال شيخنا: والذي يتجه أنه لا يشترط ذكر زمان ومكان إلا ن ذكره أحدهم فيجب
سؤال الباقين لاحتمال وقوع تناقض يسقط الشهادة ولا ذكر رأينا كالمرود في المكحلة بل يسن ويكفي للاقرار
به اثنان كغيره (ولمال) عينا كان أو دينا أو منفعة (وما قصد به مال) من عقد مالي أو حق مالي (كبيع) وحوالة
وضمان ووقف وقرض وإبراء (ورهن) وصلح وخيار وأجل (رجلان أو رجل وامرأتان أو رجل ويمين) ولا يثبت
314

شئ بامرأتين ويمين (ولغير ذلك) أي ما ليس بمال ولا يقصد منه مال من عقوبة لله تعالى كحد شرب وسرقة أو
لآدمي كقود وحد قدف ومنع إرث بأن ادعى بقية الورثة على الزوجة أن الزوج خالعها حتى لا ترث منه (ولما
يظهر للرجال غالبا كنكاح) ورجعة (وطلاق) منجز أو معلق وفسخ نكاح وبلوغ (وعتق) وموت وإعسار
315

وقراض ووكالة وكفالة وشركة ووديعة ووصاية وردة وانقضاء عدة بأشهر ورؤية هلال غير رمضان وشهادة على
شهادة وإقرار بما لا يثبت إلا برجلين (رجلان) لا رجل وامرأتان لما روى مالك عن الزهري: مضت السنة من
رسول الله (ص) أنه لا يجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق وقيس بالمذكورات غيرها
مما يشاركها في المعنى (ولما يظهر للنساء) غالبا (كولادة وحيض) وبكارة وثيابة ورضاع وعيب امرأة تحت
316

ثيابها (أربع) من النساء (أو رجلان أو رجل وامرأتان) لما روى ابن أبي شيبة عن الزهري: مضت السنة بأنه يجوز
شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن من ولادة النساء وعيوبهن وقيس بذلك غيره ولا يثبت ذلك برجل ويمين.
(وسئل) بعض أصحابنا عما إذا شهد رجلان أن فلانا بلغ عمره ست عشرة سنة فشهدت أربع نسوة أن
فلانة يتيمة ولدت شهر مولده أو قبله أو بعده بشهر مثلا فهل يجوز تزويجها اعتمادا على قولهن أو لا يجوز إلا بعد
ثبوت بلوغ نفسها برجلين.
317

(فأجاب) نفعنا الله به: نعم يثبت ضمنا بلوغ من شهدن بولادتها كما يثبت النسب ضمنا بشهادة النساء
بالولادة فيجوز تزويجها بإذنها للحكم ببلوغها شرعا. اه‍.
فرع: لو أقامت شاهدا بإقرار زوجها بالدخول كفى حلفها معه ويثبت المهر أو أقامه هو على إقرارها به لم
يكف الحلف معه لان قصده ثبوت العدة والرجعة وليسا بمال (وشرط في شاهد تكليف وحرية ومروءة وعدالة)
وتيقظ فلا تقبل من صبي ومجنون ولا ممن به رق لنقصه ولا من غير ذي مروءة لأنه لا حياء له ومن لا حياء له يقول
ما شاء وهي توقى الأدناس عرفا فيسقطها الأكل والشرب في السوق والمشي فيه كاشفا رأسه أو بدنه لغير سوقي
318

وقبلة الحلية بحضرة الناس وإكثار ما يضحك بينهم أو لعب شطرنج أو رقص بخلاف قليل الثلاثة ولا من فاسق
واختار جمع منهم الأذرعي والغزي وآخرون قول بعض المالكية إذا فقدت العدالة وعم الفسق قضى الحاكم
319

بشهادة الأمثل فالأمثل للضرورة والعدالة تتحقق (باجتناب) كل (كبيرة) من أنواع الكبائر كالقتل والزنا
والقذف به وأكل الربا ومال اليتيم واليمين الغموس وشهادة الزور وبخس الكيل أو الوزن وقطع الرحم
والفرار من الزحف بلا عذر وعقوق الوالدين وغصب قدر ربع دينار وتفويت مكتوبة وتأخير زكاة عدوانا ونميمة
320

وغيرها من كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة (و) اجتناب (إصرار على صغيرة) أو صغائر
321

بأن لا تغلب طاعاته صغائره فمتى ارتكب كبيرة بطلت عدالته مطلقا. أو صغيرة أو صغائر داوم عليها أولا خلافا
لمن فرق. فإن غلبت طاعته صغائره فهو عدل، ومتى استويا أو غلبت صغائره طاعاته فهو فاسق. والصغيرة كنظر
322

الأجنبية ولمسها ووطئ رجعية وهجر المسلم فوق ثلاث وبيع خمر ولبس رجل ثوب حرير وكذب لا حد فيه
ولعن ولو لبهيمة أو كافر وبيع معيب لا ذكر عيب وبيع رقيق مسلم لكافر ومحاذاة قاضي الحاجة الكعبة بفرجه
323

وكشف العورة في الخلوة عبثا ولعب بنرد لحصة النهي عنه وغيبة وسكوت عليها. ونقل بعضهم الاجماع على
أنها كبيرة لما فيها من الوعيد الشديد محمول على غيبة أهل العلم وحملة القرآن لعموم البلوى بها، وهي ذكرك
324

- ولو نحو إشارة - غيرك المحصور المعين ولو عند بعض المخاطبين بما يكره عرفا. واللعب بالشطرنج بكسر
325

أوله وفتحه معجما ومهملا - مكروه إن لم يكن فيه شرط مال من الجانبين أو أحدهما أو تفويت صلاة ولو بنسيان
بالاشتغال به أو لعب مع معتقد تحريمه وإلا فحرام، ويحمل ما جاء في ذمه من الأحاديث والآثار على ما ذكر
326

وتسقط مروءة من يداومه فترد شهادته وهو حرام عند الأئمة الثلاثة مطلقا. ولا تقبل الشهادة من مغفل ومختل نظر
ولا أصم في مسموع ولا أعمى في مبصر كما يأتي. ومن التيقظ ضبط ألفاظ المشهود عليه بحروفها من غير
زيادة فيها ولا نقص. قال شيخنا: ومن ثم لا تجوز الشهادة بالمعنى. نعم: لا يبعد جواز التعبير بأحد الرديفين
عن الآخر حيث لا إبهام (و) شرط في الشاهد أيضا (عدم تهمة) بجر نفع إليه أو إلى من لا تقبل شهادته له أو دفع
327

ضر عنه بها (فترد) الشهادة (لرقيقه) ولو مكاتبا ولغريم له مات وإن لم تستغرق تركته الديون بخلاف شهادته
لغريمه الموسر وكذا المعسر قبل موته فتقبل لهما (و) ترد (لبعضه) من أصل وإن علا أو فرع له وإن سفل. (لا)
ترد الشهادة (عليه) أي لا على أحدهما بشئ إذ لا تهمة. ولا على أبيه بطلاق ضرة أمه طلاقا بائنا وأمه تحته، أما
328

رجعي فتقبل قطعا. هذا كله في شهادة حسبة أو بعد دعوى الضرة. فإن ادعاه الأب لعدم نفقة لم تقبل شهادته
للتهمة وكذا لو ادعته أمه. قال ابن الصلاح: لو ادعى الفرع على آخر بدين لموكله فأنكر فشهد به أبو الوكيل قبل
وإن كان فيه تصديق ابنه. وتقبل شهادة كل من الزوجين والأخوين والصديقين للآخر (و) ترد الشهادة (بما هو
محل تصرفه) كأن وكل أو أوصى فيه لأنه يثبت بشهادته ولاية له على المشهود به نعم: لو شهد به بعد عزله ولم
يكن خاصم قبله قبلت، وكذا لا تقبل شهادة وديع لمودعه ومرتهن لراهنه لتهمة بقاء يدهما. أما ما ليس وكيلا أو
329

وصيا فيه فتقبل. ومن حيل شهادة الوكيل ما لو باع فأنكر المشتري الثمن أو اشترى فادعى أجنبي بالمبيع فله
أن يشهد لموكله بأن له عليه كذا أو بأن هذا ملكه إن جاز له أن يشهد به للبائع ولا يذكر أنه وكيل وصوب الأذرعي
حله باطنا لان فيه توصلا للحق بطريق مباح. وكذا لا تقبل ببراءة من ضمنه الشاهد أو أصله أو فرعه أو عبده لأنه
يدفع به الغرم عن نفسه أو عمن لا تقبل شهادة له (و) ترد الشهادة (من عدو) على عدوه عدواة دنيوية لا له. وهو
330

من يحزن بفرحه وعكسه. فلو عادى من يريد أن يشهد عليه وبالغ في خصومته فلم يجبه قبلت شهادته عليه.
تنبيه: قال شيخنا ظاهر كلامه قبولها من ولد العدو ويوجه بأنه لا يلزم من عداوة الأب عداوة الابن.
فائدة: حاصل كلام الروضة وأصلها أن من قذف آخر لا تقبل شهادة كل منهما على الآخر وإن لم يطلب
المقذوف حده وكذا من ادعى على آخر أنه قطع عليه الطريق وأخذ ماله فلا تقبل شهادة أحدهما على الآخر. قال
شيخنا: يؤخذ من ذلك أن كل من نسب آخر إلى فسق اقتضى وقوع عداوة بينهما فلا تقبل الشهادة من أحدهما
331

على الآخر. نعم يتردد النظر فيمن اغتاب آخر بمفسق يجوز له غيبته به وإن أثبت السبب المجوز لذلك.
فرع: تقبل شهادة كل مبتدع لا نكفره ببدعته وإن سب الصحابة رضوان الله عليهم كما في الروضة
332

وادعى السبكي والأذرعي أنه غلط. (و) ترد (من مبادر) بشهادته قبل أن يسألها بعد الدعوى لأنه متهم نعم لو
أعادها في المجلس ولو بعد الاستشهاد قبلت (إلا) في شهادة حسبة وهي ما قصد بها وجه الله فتقبل قبل
الاستشهاد ولو بلا دعوى (في حق مؤكد لله) تعالى وهو ما لا يتأثر برضا الآدمي (كطلاق) رجعي أو بائن (وعتق)
واستيلاد ونسب وعفو عن قود وبقاء عدة وانقضائها وبلوغ وإسلام وكفر ووصية ووقف لنحو جهة عامة وحق
333

لمسجد وترك صلاة وصوم وزكاة بأن يشهد بتركها وتحريم رضاع ومصاهرة.
تنبيه: إنما تسمع شهادة الحسبة عند الحاجة إليها فلو شهد اثنان أن فلانا أعتق عبده أو أنه أخو فلانة من
الرضاع لم يكف حتى يقولا أنه يسترقه أو أنه يريد نكاحها. وخرج بقولي في حق لله تعالى حق الآدمي كقود
وحد قذف وبيع فلا تقبل فيه شهادة الحسبة وتقبل في حد الزنا وقطع الطريق والسرقة (وتقبل) الشهادة (من
فاسق بعد توبة) حاصلة قبل الغرغرة وطلوع الشمس من مغربها (وهي ندم) على معصية من حيث أنها معصية لا
334

لخوف عقاب ولو اطلع عليه أو لغرامة مال (ب‍) - شرط (إقلاع) عنها حالا إن كان متلبسا أو مصرا على معاودتها.
ومن الاقلاع رد المغصوب (وعزم أن لا يعود) إليها ما عاش (وخروج عن ظلامة آدمي) من مال أو غيره
فيؤدي الزكاة لمستحقيها ويرد المغصوب إن بقي وبدله إن تلف لمستحقه ويمكن مستحق القود وحد القذف من
الاستيفاء أو يبرئه منه المستحق للخبر الصحيح: من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحله
335

اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، فإن كان له عمل يؤخذ منه بقدر مظلمته وإلا أخذ من سيئات صاحبه فحمل
عليه وشمل العمل الصوم كما صرح به حديث مسلم خلافا لمن استثناه، فإذا تعذر رد الظلامة على المالك أو
وارثه سلمها لقاض ثقة، فإن تعذر صرفها فيما شاء من المصالح عند انقطاع خبره بنية الغرم له إذا وجده فإن
أعسر عزم على الأداء إذا أيسر فإن مات قبله انقطع الطلب عنه في الآخرة إن لم يعص بالتزامه. فالمرجو من
فضل الله الواسع تعويض المستحق. ويشترط أيضا في صحة التوبة عن إخراج صلاة أو صوم أو وقتهما
336

قضاؤهما وإن كثر وعن القذف أن يقول القاذف قذفي باطل وأنا نادم عليه ولا أعود إليه وعن الغيبة أن يستحلها من
المغتاب إن بلغته ولم يتعذر بموت أو غيبة طويلة وإلا كفى الندم والاستغفار له كالحاسد واشترط جمع متقدمون
أنه لا بد في التوبة من كل معصية من الاستغفار أيضا واعتمده البلقيني. وقال بعضهم يتوقف في التوبة في الزنا
على استحلال زوج المزني بها إن لم يخف فتنة، وإلا فليتضرع إلى الله تعالى في إرضائه عنه. وجعل بعضهم
337

الزنا مما ليس فيه حق آدمي فلا يحتاج فيه إلى الاستحلال والأوجه الأول. ويسن للزاني - ككل مرتكب
معصية - الستر على نفسه بأن لا يظهرها ليحد أو يعزر لا أن يتحدث بها تفكها أو مجاهرة فإن هذا حرام قطعا،
وكذا يسن لمن أقر بشئ من ذلك الرجوع عن إقراره به قال شيخنا: من مات وله دين لم يستوفه ورثته يكون هو
338

المطالب في الآخرة على الأصح (و) بعد (استبراء سنة) من حين توبة فاسق ظهر فسقه لأنها قلبية وهو متهم لقبول
شهادتهم وعود ولايته فاعتبر ذلك لتقوي دعواه، وإنما قدرها الأكثرون بسنة لان الفصول الأربعة في تهييج
النفوس بشواتها أثرا بينا فإذا مضت وهو على حاله أشعر بذلك بحسن سريرته، وكذا لا بد في التوبة من خارم
المروءة الاستبراء كما ذكره الأصحاب.
فروع: لا يقدح في الشهادة جهله بفروض نحو الصلاة والوضوء اللذين يؤديهما ولا توقفه في المشهود به
339

إن عاد وجزم به فيعيد الشهادة ولا قوله لا شهادة لي في هذا إن قال نسيت أو أمكن حدوث المشهود به بعد قوله
وقد اشتهرت ديانته ولا يلزم القاضي استفساره إن اشتهر ضبطه وديانته بل يسن كتفرقة الشهود وإلا لزم الاستفسار
(وشرط لشهادة بفعل كزنا) وغصب ورضاع وولادة (إبصار) له مع فاعله فلا يكفي فيه السماع من الغير، ويجوز
تعمد نظر فرج الزانيين لتحمل شهادة، وكذا امرأة تلد لأجلها (و) لشهادة (بقول كعقد) وفسخ وإقرار (هو) أي
340

إبصار (وسمع) لقائله حال صدوره فلا يقبل فيه أصم لا يسمع شيئا ولا أعمى في مرئي لانسداد طرق التمييز مع
اشتباه الأصوات ولا يكفي سماع شاهد من وراء حجاب وإن علم صوته لان ما أمكن إدراكه بإحدى الحواس لا
341

يجوز أن يعمل فيه بغلبة ظن لجواز اشتباه الأصوات قال شيخنا: نعم لو علمه ببيت وحده وعلم أن الصوت ممن
في البيت جاز اعتماد صوته وإن لم يره وكذا لو علم اثنين ببيت لا ثالث لهما وسمعهما يتعاقدان وعلم الموجب
منهما من القابل لعلمه بمالك المبيع أو نحو ذلك فله الشهادة بما سمعه منهما. اه‍. ولا يصح تحمل شهادة
على منتقبة اعتمادا على صوتها كما لا يتحمل بصير في ظلمة اعتمادا عليه لاشتباه الأصوات. نعم، لو سمعها
342

فتعلق بها إلى القاضي وشهد عليها جاز كالأعمى بشرط أن تكشف نقابها ليعرف القاضي صورتها. وقال جمع لا
ينعقد نكاح منقبة إلا إن عرفها الشاهدان اسما ونسبا وصورة (وله) أي للشخص (بلا معارض شهادة على نسب)
ولو من أم أو قبيلة (وعتق) ووقف وموت ونكاح (وملك بتسامع) أي استفاضة (من جمع يؤمن كذبهم) أي
343

تواطؤهم عليه لكثرتهم فيقع العلم أو الظن القوي بخبرهم ولا يشترط حريتهم ولا ذكورتهم ولا يكفي أن يقول
سمعت الناس يقولون كذا بل يقول أشهد أنه ابنه مثلا (و) له الشهادة بلا معارض (على ملك به) أي بالتسامح
ممن ذكر (أو بيد وتصرف تصرف ملاك) كالسكنى والبناء والبيع والرهن والإجارة (مدة طويلة) عرفا فلا تكفي
الشهادة بمجرد اليد لأنها لا تستلزمه ولا بمجرد التصرف لأنه قد يكون بنيابة ولا تصرف بمدة قصيرة نعم إن انضم
344

للتصرف استفاضة أن الملك له جازت الشهادة به وإن قصرت المدة ولا يكفي قول الشاهد رأيت ذلك سنين.
واستثنوا من ذلك الرقيق فلا تجوز الشهادة بمجرد اليد والتصرف في المدة الطويلة إلا إن انضم لذلك السماع من
ذي اليد أنه له كما في الروضة للاحتياط في الحرية وكثرة استخدام الأحرار واستصحاب لما سبق من نحو إرث
وشراء وإن احتمل زواله للحاجة الداعية إلى ذلك ولان الأصل بقاء الملك، وشرط ابن أبي الدم في الشهادة
بالتسامع أن لا يصرح بأن مستنده الاستفاضة، ومثلها الاستصحاب ثم اختار وتبعه السبكي وغيره أنه إن ذكره
345

تقوية لعلمه بأن جزم بالشهادة. ثم قال مستندي الاستفاضة أو الاستصحاب سمعت شهادته وإلا كأن قال شهدت
بالاستفاضة بكذا فلا، خلافا للرافعي واحترز بقولي بلا معارض عما إذا كان في النسب مثلا طعن من بعض
الناس لم تجز الشهادة بالتسامع لوجود معارض.
تنبيه: يتعين على المؤدي لفظ أشهد فلا يكفي مرادفه كأعلم لأنه أبلغ في الظهور ولو عرف الشاهد السبب
كالاقرار هل له أن يشهد بالاستحقاق؟ وجهان أشهرهما لا، كما نقله ابن الرفعة عن ابن أبي الدم. وقال ابن
الصباغ كغيره تسمع وهو مقتضى كلام الشيخين (وتقبل شهادة على شهادة) مقبول شهادته (في غير عقوبة لله)
346

تعالى مالا كان أو غيره كعقد وفسخ وإقرار وطلاق ورجعة ورضاع وهلال رمضان ووقف على مسجد أو جهة
عامة وقود وقذف بخلاف عقوبة لله تعالى. كحد زنا وشرب وسرقة وإنما يجوز التحمل (ب‍) - شروط (تعسر أداء
أصل) بغيبة فوق مسافة العدوي أو خوف حبس من غريم وهو معسر أو مرض يشق معه حضوره وكذا بتعذره
بموت أو جنون (و) ب‍ (- استرعائه) أي الأصل أي التماسه منه رعاية شهادته وضبطها حتى يؤديها عنه لان الشهادة
347

على الشهادة نيابة فاعتبر فيها إذن المنوب عنه أو ما يقوم مقامه (فيقول أنا شاهد بكذا) فلا يكفي أنا عالم به
(وأشهدك) أو أشهدتك أو أشهد (على شهادتي) به فلو أهمل الأصل لفظ الشهادة فقال أخبرك أو أعلمك بكذا فلا
يكفي كما لا يكفي ذلك في أداء الشهادة عند القاضي، ولا يكفي في التحمل سماع قوله لفلان على فلان كذا أو
عندي شهادة بكذا (و) ب‍ (- تبيين فرع) عند الأداء (جهة تحمل) كأشهد أن فلانا شهد بكذا وأشهدني على شهادته
348

أو سمعته يشهد به عند قاض، فإذا لم يبين جهة التحمل ووثق الحاكم بعلمه لم يحب البيان فيكفي أشهد على
شهادة فلان بكذا لحصول الغرض (وبتسميته) أي الفرع (إياه) أي الأصل تسمية تميزه وإن كان عدلا لتعرف
عدالته، فإن لم يسمه لم يكف لان الحاكم قد يعرف جرحه لو سماه. وفي وجوب تسمية قاض شهد عليه
وجهان، وصوب الأذرعي الوجوب في هذه الأزمنة لما غلب على القضاة من الجهل والفسق. ولو حدث
بالأصل عداوة أو فسق لم يشهد الفرع. فلو زالت هذه الموانع احتيج إلى تحمل جديد.
349

فرع: لا يصح تحمل النسوة ولو على مثلهن في نحو ولادة لان الشهادة مما يطلع عليه الرجال غالبا
(ويكفي فرعان لأصلين) أي لكل منهما فلا يشترط لكل منهما فرعان، ولا تكفي شهادة واحد على هذا وواحد
على آخر، ولا واحد على واحد في هلال رمضان.
فرع: لو رجعوا عن الشهادة قبل الحكم منع الحكم أو بعده لم ينقض ولو شهدوا بطلاق بائن أو رضاع
350

محرم. وفرق القاضي بين الزوجين فرجعوا عن شهادتهم دام الفراق لان قولهما في الرجوع محتمل والقضاء لا
يرد بمحتمل ويجب على الشهود حيث لم يصدقهم الزوج مهر مثل ولو قبل وطئ أو بعد إبراء الزوجة زوجها عن
المهر لأنه بدل البضع الذي فوتوه عليه بالشهادة إلا أن ثبت أن لا نكاح بينهما بنحو رضاع فلا غرم إذ لم يفوتوا
شيئا ولو رجع شهود مال غرموا للمحكوم عليه البدل بعد غرمه لا قبله وإن قالوا أخطأنا موزعا عليهم بالسوية.
351

تتمة: قال شيخ مشايخنا زكريا كالغزي في تلفيق الشهادة لو شهد واحد بإقراره بأنه وكله في كذا وآخر بأنه
أذن له في التصرف فيه أو فوضه إليه لفقت الشهادتان لان النقل بالمعنى كالنقل باللفظ، وبخلاف ما لو شهد
واحد بأنه قال وكلتك في كذا وآخر قال بأنه قال فوضته إليك أو شهد واحد باستيفاء الدين والآخر بالابراء منه فلا
يلفقان. انتهى. قال شيخ مشايخنا أحمد المزجد: لو شهد واحد ببيع والآخر بإقرار به أو واحد بملك ما ادعاه
وآخر بإقرار الداخل به لم تلفق شهادتهما، فلو رجع أحدهما وشهد كالآخر قبل لأنه يجوز أن يحضر الامرين.
ومن ادعى ألفين وأطلق فشهد له واحد وأطلق وآخر أنه من قرض ثبت أو فشهد له واحد بألف ثمن مبيع وآخر
352

بألف قرضا لم تلفق وله الحلف مع كل منهما. ولو شهد واحد بالاقرار وآخر بالاستفاضة حيث تقبل لفقا. انتهى.
(وسئل) الشيخ عطية المكي نفعنا الله به عن رجلين سمع أحدهما تطليق شخص ثلاثا والآخر الاقرار به
فهل يلفقان أو لا؟.
(فأجاب) بأنه يجب على سامعي الطلاق والاقرار به أن يشهدا عليه بالطلاق الثلاث بتا ولا يتعرضا لانشاء
ولا إقرار وليس هذا من تلفيق الشهادة من كل وجه، بل صورة إنشاء الطلاق والاقرار به واحدة في الجملة والحكم
يثبت بذلك كيف كان وللقاضي بل عليه سماعها. انتهى.
353

خاتمة في الايمان
354

لا ينعقد اليمن إلا باسم خاص بالله تعالى أو صفة من صفاته: كوالله والرحمن والاله ورب العالمين
355

وخالق الخلق. ولو قال وكلام الله أو وكتاب الله أو وقرآن الله أو والتوراة أو والإنجيل فيمين. وكذا والمصحف
إن لم ينو بالمصحف الورق والجلد. وإن قال وربي وكان عرفهم تسمية السيد ربا فكناية، وإلا فيمين ظاهرا إن
لم يرد غير الله ولا ينعقد بمخلوق كالنبي والكعبة للنهي الصحيح عن الحلف بالآباء وللامر بالحلف بالله وروى
الحاكم خبرا: من حلف بغير الله فقد كفر وحملوه على ما إذا قصد تعظيمه كتعظيم الله تعالى، فإن لم يقصد
ذلك أثم عند أكثر العلماء - أي تبعا لنص الشافعي الصريح فيه - كذا قاله بعض شراح المنهاج. والذي في
356

شرح مسلم عن أكثر الأصحاب الكراهة، وهو المعتد، وإن كان الدليل ظاهرا في الاثم. قال بعضهم وهو
الذي ينبغي العمل به في غالب الاعصار لقصد غالبهم به إعظام المخلوق به ومضاهاته لله - تعالى الله عن ذلك
علوا كبيرا - وإذا حلف بما ينعقد به اليمين ثم قال لم أرد به اليمين لم يقبل، ولو قال بعد يمينه إن شاء الله وقصد
اللفظ والاستثناء قبل فراغ اليمين واتصل الاستثناء بها لم تنعقد اليمين فلا حنث ولا كفارة. وإن لم يتلفظ
بالاستثناء بل نواه لم يندفع الحنث ولا الكفارة ظاهرا بل يدين. ولو قال لغيره أقسمت عليك بالله
357

أو أسألك بالله لتفعلن كذا وأراد يمين نفسه فيمين ومتى لم يقصد يمين نفسه بل الشفاعة أو يمين المخاطب أو أطلق فلا تنعقد
لأنه لم يحلف هو ولا المخاطب ويكره رد السائل بالله تعالى أو بوجهه في غير المكروه وكذا السؤال بذلك ولو
358

قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني فليس بيمين لانتفاء اسم الله أو صفته ولا كفارة وإن حنث نعم يحرم
ذلك كغيره ولا يكفر بل إن قصد تبعيد نفسه عن المحلوف أو أطلق حرم ويلزمه التوبة فإن علق أو أراد الرضا
بذلك إن فعل كفر حالا وحيث لم يكفر سن له أن يستغفر الله تعالى ويقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وأوجب
صاحب الاستقصاء ذلك ومن سبق لسانه إلى لفظ اليمين بلا قصد كلا والله وبلا والله في نحو غضب أو صلة
359

كلام لم ينعقد والحلف مكروه إلا في بيعة الجهاد والحث على الخير والصادق في الدعوى ولو حلف في ترك
واجب أو فعل حرام عصى ولزمه حنث وكفارة أو ترك مستحب أو فعل مكروه سن حنثه وعليه كفارة أو على ترك
360

مباح أو فعله كدخول دار وأكل طعام كلا آكله أنا فالأفضل ترك الحنث إبقاءا لتعظيم الاسم.
361

فرع: يسن تغليظ يمين من المدعي والمدعى عليه وإن لم يطلبه الخصم في نكاح وطلاق ورجعة وعتق
362

ووكالة وفي مال بلغ عشرين دينارا لا فيما دون ذلك لأنه حقير في نظر الشرع نعم لو رآه الحاكم لنحو جراءة
الحالف فعله. والتغليظ يكون بالزمان وهو بعد العصر وعصر الجمعة أولى وبالمكان وهو للمسلمين عند المنبر
وصعودهما عليه أولى وبزيادة الأسماء والصفات ويسن أن يقرأ على الحالف آية آل عمران: * (إن الذين يشترون
363

بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) *. وأن يوضع المصحف في حجره ولو اقتصر على قوله والله كفى. ويعتبر في
الحلف نية الحاكم المستحلف فلا يدفع إثم اليمين الفاجرة بنحو تورية كاستثناء لا يسمعه الحاكم إن لم يظلمه
خصمه كما بحثه البلقيني أما من ظلمه خصمه في نفس الامر كأن ادعى على معسر فيحلف لا تستحق علي شيئا
أي تسليمه الآن فتنفعه التورية والتأويل لان خصمه ظالم إن علم أو مخطئ إن جهل فلو حلف إنسان ابتداء أو
364

حلفه غير الحاكم اعتبر نية الحالف ونفعته التورية وإن كانت حراما حيث يبطل بها حق المستحق واليمين يقطع
الخصومة حالا لا الحق فلا تبرأ ذمته إن كان كاذبا فلو حلفه ثم أقام بينة بما ادعاه حكم بها كما لو أقر الخصم بعد
حلفه والنكول أن يقول أنا نأكل أو يقول له القاضي إحلف فيقول لا أحلف. واليمين المردودة وهي يمين المدعي
بعد النكول كإقرار المدعى عليه لا كالبينة فلو أقام المدعى عليه بعدها بينة بأداء أو إبراء لم تسمع لتكذيبه لها
بإقراره وقال الشيخان في محل تسمع وصحح الأسنوي الأول والبلقيني الثاني وقال شيخنا والمتجه الأول. فرع: يتخير في
كفارة اليمين بين عتق رقبة كاملة مؤمنة بلا عيب يخل بالعمل أو الكسب ولو نحو
365

غائب علمت حياته. أو إطعام عشرة مساكين كل مسكين مد حب من غالب قوت البلد. أو كسوتهم بما يسمى كسوة
366

كقميص أو إزار أو مقنعة أو منديل يحمل في اليد أو الكم لا خف فإن عجز عن الثلاثة لزمه صوم ثلاثة أيام ولا
يجب تتابعها خلافا لكثيرين.
367

باب في الاعتاق
هو إزالة الرق عن الآدمي والأصل فيه قوله تعالى: * (فك رقبة) * وخبر الصحيحين أنه (ص) قال: من
أعتق رقبة مؤمنة - وفي رواية امرأ مسلما - أعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار حتى الفرج بالفرج
368

وعتق الذكر أفضل. وروي أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أعتق ثلاثين ألف نسمة أي رقبة
وختمنا كالأصحاب بباب العتق تفاؤلا (صح عتق مطلق تصرف) له ولاية ولو كافرا فلا يصح من صبي ومجنون
ومحجور بسفه أو فلس ولا من غير مالك بغير نيابة: (بنحو أعتقتك أو حررتك) كفككتك وأنت حر أو عتيق
369

وبكناية مع نية كلا ملك أو لا سبيل لي عليك أو أزلت ملكي عنك وأنت مولاي وكذا يا سيدي على المرجح وقوله
أنت ابني أو هذا أو هو ابني أو أبي أو أمي إعتاق إن أمكن من حيث السن وإن عرف نسبه مؤاخذة له بإقراره أو
يا ابني كناية فلا يعتق في النداء إلا إن قصد به العتق لاختصاصه بأنه يستعمل في العادة كثير الملاطفة وحسن
المعاشرة كما صرح به شيخنا في شرح المنهاج والارشاد وليس من لفظ الاقرار به قوله لا عتق لعبد فلان لأنه لا
370

يصلح موضوعه لاقرار ولا إنشاء وإن استعمل عرفا في العتق كما أفتى به شيخنا رحمه الله تعالى (ولو بعوض)
أي معه فلو قال أعتقتك على ألف أو بعتك نفسك بألف فقبل فورا عتق ولزمه الألف في الصورتين والولاء للسيد
فيهما (ولو أعتق حاملا) مملوكة له هي وحملها (تبعها) أي الحمل في العتق وإن استثناه لأنه كالجزء منها، ولو
أعتق الحمل عتق إن نفخت فيه الروح دونها، ولو كانت لرجل والحمل لآخر بنحو وصية لم يعتق أحدهما بعتق
371

الآخر (أو) أعتق (مشتركا) بينه وبين غيره أي كله (أو) أعتق (نصيبه) منه كنصيبي منك حر (عتق نصيبه) مطلقا
(وسرى الاعتاق) من موسر لا معسر لما أيسر به من نصيب الشريك أو بعضه ولا يمنع السراية دين مستغرق بدون
حجر واستيلاد أحد الشريكين الموسر يسري إلى حصة شريكه كالعتق وعليه قيمة نصيب شريكه وحصته من مهر
المثل لا قيمة الولد أي حصته ولا يسري التدبير (ولو ملك) شخص (بعضه) من أصل أو فرع وإن بعد (عتق
372

عليه) لخبر مسلم. وخرج بالبعض غيره كالأخ فلا يعتق بملك (ومن قال لعبده أنت حر بعد موتي) أو إذا مت
373

فأنت حر أو أعتقتك بعد موتي وكذا إذا مت فأنت حرام أو مسيب مع نية (فهو مدبر يعتق بعد وفاته) من ثلث ماله
بعد الدين (وبطل) أي التدبير (بنحو بيع) للمدبر فلا يعود وإن ملكه ثانيا ويصح بيعه (لا برجوع) عنه (لفظا)
374

كفسخته أو عقصته ولا بإنكار للتدبير ويجوز له وطئ المدبرة ولو ولدت مدبرة ولدا من نكاح أو زنا لا يثبت للولد
حكم التدبير. فلو كانت حاملا عند موت السيد فيتبعها جزما، ولو دبر حاملا ثبت التدبير للحمل تبعا لها إن لم
يستثنه وإن انفصل قبل موت سيدها لا إن أبطل قبل انفصاله تدبيرها والمدبر كعبد في حياة السيد. ويصح تدبير
مكاتب وعكسه، كما يصح تعليق عتق مكاتب ويصدق المدبر بيمين فيما وجد معه وقال كسبته بعد الموت وقال الوارث بل قبله لان اليد له (الكتابة) شرعا عقد عتق بلفظها معلق بمال منجم بنجمين فأكثر وهي (سنة) لا واجبة
375

وإن طلبها الرقيق كالتدبير (بطلب عبد أمين مكتسب) بما يفي مؤنته ونجومه فإن فقدت الشروط أو أحدها فمباحة
(وشرط في صحتها لفظ يشعر بها) أي بالكتابة (إيجابا ككاتبتك) أو أنت مكاتب (على كذا) كمائة (منجما مع)
376

قوله (إذا أديته فأنت حر وقبولا كقبلت) ذلك (و) شرط فيها (عوض) من دين أو منفعة. (مؤجل) هنا ليحصله
377

ويؤديه (منجم بنجمين فأكثر) كما جرى عليه أكثر الصحابة رضوان الله عليهم ولو في مبعض (مع بيان قدره) أي
العوض (وصفته) وعدد النجوم وقسط كل نجم (ولزم سيدا) في كتابة صحيحة قبل عتق (حط متمول منه) أي
العوض لقوله تعالى: * (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) * فسر الايتاء بما ذكر لان القصد منه الإعانة على
378

العتق وكونه ربعا فسبعا أولى (ولا يفسخها) أي يجوز فسخ السيد الكتابة (إلا إن عجز مكاتب عن أداء) عند
المحل لنجم أو بعضه (أو امتنع عنه) عند ذلك مع القدرة عليه (أو) غاب عند ذلك وإن حضر ماله أو كانت غيبة
المكاتب دون مسافة القصر فله فسخها بنفسه وبحاكم متى شاء لتعذر العوض عليه وليس للحاكم الأداء من
379

مال المكاتب الغائب (وله) أي للمكاتب (فسخ) كالرهن بالنسبة للمرتهن فله ترك الأداء والفسخ وإن كان معه
وفاء (وحرم عليه تمتع بمكاتبة) لاختلال ملكه ويجب بوطئه لها مهر لا حد والولد حر (وله) أي للمكاتب (شراء
إماء لتجارة لا تزوج إلا بإذن سيده ولا تسر) ولو بإذنه يعني لا يجوز وطئ مملوكته وما وقع للشيخين في موضع
مما يقتضي جوازه بالاذن مبني على الضعيف أن القن غير المكاتب يملك بتمليك السيد. قال شيخنا: ويظهر أنه
ليس له الاستمتاع بما دون الوطئ أيضا ويجوز للمكاتب بيع وشراء وإجارة لا هبة وصدقة وقرض بلا إذن سيده.
380

فرع: لو قال السيد بعد قبضه المال كنت فسخت الكتابة فأنكر المكاتب صدق بيمينه لان الأصل عدم
الفسخ وعلى السيد البينة. ولو قال كاتبتك وأنا صبي أو مجنون أو محجور علي فأنكر المكاتب حلف السيد إن
عرف له ذلك وإلا فالمكاتب لان الأصل عدم ما ادعاه السيد (إذا أحبل حر أمته) أي من له فيها ملك وإن قل ولو
381

كانت مزوجة أو محرمة لا إن أحبل أمة تركة مدين وارث معسر (فولدت) حيا أو ميتا أو مضغة مصورة بشئ من
خلق الآدميين (عتقت بموته) أي السيد من رأس المال مقدما على الديون والوصايا وإن حبلت في مرض موته
382

(كولدها) الحاصل (بنكاح أو زنا بعد وضعها) ولدا للسيد فإنه يعتق من رأس المال بموت السيد وإن كانت أمه
قبل ذلك (وله وطئ أم ولد) إجماعا واستخدامها وإجارتها وكذا تزويجها بغير إذنها (لا تمليكها) لغيره ببيع أو
هبة فيحرم ذلك ولا يصح وكذا رهنها (كولدها متابع لها) في العتق بموت السيد فلا يصح تمليكه من غيره كالأم
383

بل لو حكم به قاض نقض على ما حكاه الروياني عن الأصحاب وتصح كتابتها وبيعها من نفسها ولو ادعى ورثة
سيدها مالا له بيدها قبل موته فادعت تلفه أي قبل الموت صدقت بيمينها كما نقله الأذرعي فإن ادعت تلفه بعده
لم تصدق فيه كما قاله شيخنا رحمه الله تعالى رحمة واسعة وأفتى القاضي فيمن أقر بوطئ أمته فادعت أنها
أسقطت منه ما تصير به أم ولد بأنها تصدق إن أمكن ذلك بيمينها فإذا مات عتقت أعتقنا الله تعالى من النار،
384

وحشرنا في زمرة المقربين الأخيار الأبرار وأسكننا الفردوس من دار القرار، ومن علي في هذا التأليف وغيره
385

بقبوله وعموم النفع به وبالاخلاص فيه ليكون ذخيرة لي إذا جاءت الطامة وسببا لرحمة الله الخاصة والعامة.
386

الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. وصلى الله وسلم أفضل صلاة وأكمل سلام على أشرف مخلوقاته
محمد وآله وأصحابه وأزواجه عدد معلوماته ومداد كلماته وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله
387

العلي العظيم. يقول المؤلف عفا الله عنه وعن آبائه ومشايخه: فرغت من تبييض هذا الشرح ضحوة يوم
388

الجمعة الرابع والعشرين من شهر رمضان المعظم قدره سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة وأرجو الله سبحانه وتعالى
أن يقبله وأن يعم النفع به ويرزقنا الاخلاص فيه ويعيذنا به من الهاوية، ويدخلنا به في جنة عالية، وأن يرحم امرءا
389

نظر بعين الانصاف إليه، ووقف على خطأ فأطلعني عليه أو أصلحه الحمد لله رب العالمين. اللهم صل وسلم
على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه كلما ذكرك وذكره الذاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون. وعلينا معهم
برحمتك يا أرحم الراحمين.
390