الكتاب: فتح العزيز
المؤلف: عبد الكريم الرافعي
الجزء: ٤
الوفاة: ٦٢٣
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

فتح العزيز
شرح الوجيز
وهو الشرح الكبير للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 ه‍
الجزء الرابع
دار الفكر
1

قال * (الباب الخامس) *
* (في شرائط الصلاة وهي ستة) *
(الأول) الطهارة عن الحدث فلو أحدث عمدا أو سهوا بطلت صلاته ولو سبقه الحدث بطلت (ح)
على الجديد وعلى القديم يتوضأ ويبني بشرط أن لا يتكلم ولا يحدث عمدا) *
ترجم الباب بشروط الصلاة ولم يرد جميع شروطها لان منها الاستقبال وقد سبق له باب
2

منفرد ومنها ايقاع الصلاة بعد العلم بدخول وقتها أو بعد غلبة الظن به وقد صار ذلك مذكورا
في باب المواقيت ولكن الغرض ههنا الكلام في ستة شروط سوى ما سبق (أحدها) طهارة الحدث
وقد تبين في كتاب الطهارة أنها كيف تحصل فلو لم يكن عند الشروع في الصلاة متطهرا لم تنعقد
صلاته بحال سواء كان عامدا أو ساهيا ولو شرع فيها وهو متطهر ثم أحدث نظر إن أحدث
3

باختياره بطلت صلاته لأنه قد بطلت طهارته " وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة
الا بطهارة " (1) ولا فرق بين أن يكون ذاكرا للصلاة أو ناسيا لها وهو المراد من قوله في الكتاب
فلو أحدث عمدا أو سهوا بطلت صلاته وان أحدث بغير اختياره كما لو سبقه الحدث فلا خلاف
في بطلان طهارته وهل تبطل صلاته فيه قولان (الجديد) انها تبطل لأنه لا صلاة إلا بطهارة ولما روى
4

عن علي بن أبي طالب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف
وليتوضأ وليعد الصلاة " (1) وبهذا قال احمد ويروى عن مالك أيضا (والقديم) وبه قال أبو حنيفة انها
لا تبطل بل يتوضأ ويبنى على صلاته وهو أشهر الروايتين عن مالك لما روى أنه صلى الله عليه
وسلم قال " من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم
يتكلم " (2) وليس المراد ما إذا فعل ذلك باختياره بالاجماع فيتعين السبق مرادا فان فرعنا على القديم
5

فلا فرق بين الحدث الأصغر والأكبر كما إذا غلب عليه النوم في صلاته فاحتلم فإنه يغتسل ويبنى وقال
أبو حنيفة تبطل صلاته ههنا وكيف يبنى أيعود إلى الركن الذي سبقه الحدث فيه أم يشتغل بما
بعده قال الصيدلاني لو سبقه الحدث في الركوع فيعود إلى الركوع لا يجزئه غيره قال ووافقنا
أبو حنيفة فيه وفصل امام الحرمين فقال إن سبقه الحدث قبل أن يطمئن في ركوعه فلا بد من العود إليه
وإن كان بعد أن يطمئن فالظاهر أنه لا يعود إليه لان ركوعه قد تم في الطهارة وهذا التفصيل هو
الذي أورده المصنف في الوسيط فيجوز أن يجزى كلام الصيدلاني على اطلاقه ويقال لابد من
العود إليه وان اطمأن قبل الحدث لينتقل منه إلى الركن الذي بعده فان الانتقال من الركن
إلى الركن واجب وقد قدمنا له نظائر ويجب على المصلي إذا سبقه الحدث وأراد أن يتوضأ
6

ويبنى أن يسعى في تقريب الزمان وتقليل الافعال بحسب الامكان فليس له أن يعود إلى الموضع
الذي كان يصلي فيه بعد ما تطهر أن كان يقدر على الصلاة في موضع أقرب منه الا إذا كان إماما لم
يستخلف أو مأموما يبغي فضيلة الجماعة فهما معذوران في العود ذكره في التتمة وما لا يستغنى عنه
من السعي إلى الماء والاستقاء وما أشبه ذلك فلا بأس به ولا يؤمر بالعود والبدار الخارج عن
7

الاقتصاد ويشترط أن لا يتكلم على ما ورد في الخبر (1) الا إذا احتاج إليه في تحصيل الماء وهل يشترط
أن يمتنع عن أسباب الحدث عمدا إلى أن يتوضأ حكى أصحابنا العراقيون وغيرهم عن نص الشافعي
رضي الله عنه تفريعا على القديم انه لو سبقه البول فخرج واستتم الباقي لم يضر ذلك لان طهارته
قد بطلت بما سبق ولم تتأثر الصلاة به فالبول بعده يطرأ على طهارة باطلة فلا يؤثر وقال امام الحرمين
تبطل صلاته بما فعله إذا أمكنه التماسك لان الفعل الكثير يبطل صلاته إذا كان مستغنى عنه فكذلك
الحدث إذا كان مختارا فيه وهذا هو الذي أورده في الكتاب فقال ولا يحدث عمدا والذي أورده
الجمهور هو الأول ونقل صاحب البيان هذه الصورة وحكمها عن النص قال واختلفوا في المعنى
8

فمنهم من علل بحاجته إلى اخراج البقية ومنهم من علل بان الطهارة قد بطلت بالقدر الذي سبقه
فلا أثر لما بعده فعلى الأول لا يجوز ان يحدث حدثا آخر مستأنفا وعلى الثاني يجوز ولا يخفى ان
جميع ما ذكرناه في طهارة الرفاهية فاما صاحب طهارة الضرورة كالمستحاضة فلا اثر لحدثه المتجدد
لا عند الشروع ولا في أثناء الصلاة *
9

قال (ويجرى هذا القول في دفع كل مناقض لا تقصير منه فيه كما إذا انحل ازاره فرده سريعا أو وقع
عليه نجاسة يابسة فدفعها في الحال وانقضاء مدة المسح منسوب إلى تقصيره وفى تخرق الخف تردد لتقصيره
بالذهول عنه) *
ما سوى الحدث من الأسباب المناقضة للصلاة إذا طرأت في الصلاة باختياره بطلت صلاته كما لو أحدث
باختياره وكل ما يبطل الصلاة إذا طرأ باختياره يبطلها أيضا إذا طرأ لا باختياره لكن إذا كان منتسبا فيه إلى تقصير
كما لو كان ماسحا على الخف فانقضت مدة مسحه في أثناء الصلاة واحتاج في ذلك إلى غسل القدمين أو استئناف
الوضوء فتبطل صلاته ولا يخرج على قول سبق الحدث لأنه مقصر بايقاع الصلاة في الوقت الذي تنقضي
10

مدة المسح في أثنائها فأشبه المختار في الحدث وقضية هذا أن يقال لو شرع في الصلاة على مدافعة الأخبثين
وهو يعلم أنه لا تبقى له قوة التماسك في أثنائها ووقع ما علمه تبطل صلاته لا محالة ولا يخرج على القولين
ولو تخرق خف الماسح في صلاته وظهر شئ من محل الفرض فوجهان (أحدهما) أنه تبطل الصلاة بلا خلاف
لأنه مقصر من حديث ذهل عن الخف ولم يتعهده ليعرف قوته وضعفه فأشبه انقضاء المدة (وأظهرهما) أنه على
قولي سبق الحدث لان الانسان لا يتعهد الخف كل ساعة فلا يعد مقصرا بترك البحث عنه وقد يفجأ الخرق
لبعض العوارض أيضا أما إذا حدث مناقض في الصلاة لا باختياره ولا تقصير منه فان أمكن ازالته على
الاتصال بحدوثه كما لو انكشف عورته فرد الثوب في الحال أو وقعت عليه نجاسة يابسة فنفض ثوبه
وسقطت في الحال فلا يقدح في صحة الصلاة وكذا لو القى الثوب الذي وقعت عليه النجاسة في الحال صحت
11

صلاته ولا يجوز أن ينحيها بيده أو كمه هكذا نقل صاحب التهذيب وغيره وان احتاج في الدفع إلى زمان
يتخلل بين عروضه واندفاعه ففيه القولان المذكوران في سبق الحدث: وقوله يجرى هذا القول في
دفع كل مناقض لا تقصير منه فيه يعني به هذه الحالة وإن كان اللفظ مطلقا فاما إذا دفعه في الحال فالصلاة
صحيحة بلا خلاف ومثال ما يحتاج في دفعه إلى زمان ما إذا تنجس ثوبه أو بدنه واحتاج إلى الغسل أو
12

طيرت الريح ثوبه وأبعدته ولو أصاب المصلي جرح وخرج منه دم على سبيل الدفق ولم يلوث البشرة فقد قال
في التتمة لا تبطل صلاته بحال لان المنفصل منه غير مضاف إليه ولعل هذا فيما إذا لم يمكن غسل موضع الانفتاق
أو كان ما أصابه قليلا وقلنا القليل من الدم معفو عنه كما سيأتي والا فقد صار ذلك من الطاهر
فيجب؟ له *
13

قال (الشرط الثاني طهارة الخبث وهي واجبة في الثوب والبدن والمكان أما الثوب فان أصاب
أحد كميه نجاسة فادى اجتهاده إلى أحدهما فغسله لم تصح صلاته على أحد الوجهين لأنه استيقن
نجاسة الثوب ولم يستيقن طهارته) *
النجاسة قسمان (أحدهما) النجاسة التي لا تقع في مظنة العذر والعفو (والثاني) التي تقع فيها أما الأول
فيجب الاحتراز عنه في ثلاثة أشياء في الثوب والبدن والمكان ويجوز ان يعلم قوله فهي واجبة بالميم لان
أصحابنا نقلوا عن مالك ان إزالة النجاسة عنده لا تجب للصلاة وإنما يستحب ويدل على وجوب طهارة
14

الثوب قوله تعالي (وثيابك فطهر) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء رضي الله عنها " حتيه ثم
اقرضيه ثم اغسليه بالماء ثم صلى فيه " فان اصابه نجاسة وعرف موضعها منه فطريق ازالتها بالغسل كما سبق
15

ولو قطع موضع النجاسة حصل الغرض ويلزمه ذلك إذا تعذر الغسل وأمكن ستر العورة بالطاهر منه
ولم ينقص من قيمته بالقطع أكثر من اجرة مثل الثوب لو استأجره وان لم يعرف موضع النجاسة من الثوب
وكان يجوزه في كل جزء منه وجب غسل جميعه وكذلك في البدن ولا يجوز الاقتصار على غسل البعض
لا بالتحري ولا دونه وان أفاد ذلك الشك في نجاسة الباقي لان حصول النجاسة في هذا الثوب متيقن واليقين
16

لا يدفع بالشك ولو شقه نصفين لم يجز التحريم فيهما لجواز أن يكون الشق في موضع النجاسة فيكونا نجسين
ولو أصاب شئ رطب طرفا من هذا الثوب لا نحكم بنجاسته لأنا لا نتيقن نجاسة موضع الإصابة ولو غسل أحد
نصفيه ثم غسل النصف الثاني فهو كما لو تيقن نجاسة لكل وغسله هكذا وفيه وجهان (أحدهما) انه لا يطهر حتى
يغسل الكل دفعة واحدة (وأظهرهما) انه ان غسل مع النصف الثاني القدر الذي يجاوره من الأول طهر
الكل وان لم يغسل الا النصف في الدفعة الثانية طهر الطرفان وبقى المنتصف نجسا في صورة التيقن
ونجسا في الصورة الأولى ولو نحس واحد من موضعين منحصرين أو مواضع وأشكل عليه كما لو تنجس
أحد الكمين فادى اجتهاده إلى نجاسة أحدهما فغسله وصلي فيه فهذه مسألة الكتاب وفى صحة صلاته
17

وجهان (أحدهما) وينسب إلى ابن سريج أنها تصح لحصول غلبة الظن بالطهارة (وأصحهما) عند معظم
الأصحاب أنها لا تصح لان الثوب واحد وقد تيقن نجاسته ولم يتيقن الطهارة فيستصحب اليقين وصار
كما لو خفى موضع النجاسة ولم تنحصر في بعض المواضع ولو فصل أحد الكمين عن الثوب واجتهد فيهما
فهما كالثوبين ان غسل ما ظنه نجسا وصلي فيه جاز وان صلى فيما ظنه طاهرا جاز أيضا لأنه لم يستيقن نجاسته
18

أصلا فاجتهاده متأيد باستصحاب أصل الطهارة بخلاف ما قبل الفصل ويجرى الوجهان فيما إذا نجس
إحدى يديه أو إحدى أصابعه وغسل النجس عنده وصلى وكذلك فيما لو اجتهد في ثوبين وغسل
النجس عنده وصلي فيهما معا لأنه استيقن النجاسة في المجموع ولم يستيقن الطهارة لكن الأظهر
ههنا الجواز وفرقوا بأن محل الاجتهاد الاشتباه بين الشيئين فاما إذا اشتبه عليه اجزاء الشئ الواحد
19

فلا يؤمر فيه بالاجتهاد ولهذا لا يجتهد إذا خفى عليه موضع النجاسة ولم ينحصر في موضعين أو مواضع مخصوصة
وإذا كان كذلك فتأثير الاجتهاد فيه أضعف ولو غسل إحدى الكمين بالاجتهاد وفصله عن الباقي فجواز
الصلاة فيما لم يغسله وحده على الخلاف وإذا غسل أحد الثوبين بالاجتهاد تجوز الصلاة في كل
20

واحد منهما وحده بلا خلاف ولو اشتبه عليه ثوبان طاهر ونجس أو أثواب بعضها طاهر وبعضها نجس
فيجتهد كما سبق في الأواني فإن لم يغلب على ظنه شئ وأمكنه غسل واحد ليستصحبه في صلاته لزمه
ذلك والا فهو كما لو لم يجد الا ثوبا نجسا وسيأتي حكمه في الشرط الثالث ولو غلب على ظنه طهارة أحد
الثوبين واستصحبه ثم تغير اجتهاده عمل بمقتضى الاجتهاد الثاني في أظهر الوجهين كما في القبلة بخلاف
21

الأواني حيث لا يعمل فيها بالاجتهاد الثاني على النص لما سبق انه يلزم منه نقض الاجتهاد بالاجتهاد *
قال (ولو القى طرف عمامته على نجاسة بطلت صلاته وإن كان لا يتحرك بحركته ولو قبض طرف
حبل ملقى على نجاسة بطلت صلاته إن كان الملاقي للنجاسة يتحرك بحركته والا فوجهان ولو كان على
ساجور كلب أو عنق حمار عليه نجاسة فوجهان مرتبان وأولي بالجواز ولو كان رأس الحبل
تحت رجله فلا بأس لأنه ليس حاملا
ما لبسه المصلي يجب أن يكون طاهرا سواء كان يتحرك بحركته في قيامه وقعوده أو كان يتحرك بعض
أطرافه كذبابة العمامة وكما لا يجوز أن يكون شئ من ملبوسه نجسا لا يجوز أن يكون ملاقيا للنجاسة فلو القى طرف
عمامته على ارض نجسة أو عين نجسة بطلت صلاته وان لم يتحرك بحركته لأنها ملبوسة له ومعدودة من ثيابه فصار كما
لو لبس قميصا طويلا لا يرتفع ذيله بارتفاعه وكان نجسا لا تصح صلاته وذكر الصيدلاني وآخرون
ان عند أبي حنيفة ان لم يتحرك طرف العمامة الملقى على النجاسة بحركته جازت صلاته فليكن قوله
22

وإن كان لا يتحرك بحركته معلما بالحاء لذلك ولو قبض طرف حبل أو ثوب وطرفه الآخر نجس
أو ملقي على نجاسة فإن كان يتحرك ذلك الطرف بارتفاعه وانخفاضه بطلت صلاته لأنه حامل للشئ
النجس أو لما هو متصل بالنجاسة وإن كان لا يتحرك فوجهان (أحدهما) تبطل صلاته كما في العمامة لأنه
حامل لشئ متصل بالنجاسة (والثاني) أنها لا تبطل لان الطرف الملاقي للنجاسة ليس محمولا له فإنه
لا يرتفع بارتفاعه بخلاف العمامة فإنها منسوبة إليه لبسا والمصلى مأخوذ بطهارة ثيابه وكلام الأكثرين
يدل على أن الوجه الأول أرجح عندهم ولو كان طرف الحبل ملقى على ساجور كلب أو مشدودا به
فوجهان مرتبان على الصورة السابقة وهذه الصورة أولي بصحة الصلاة لان بين الكلب وطرف
الحبل واسطة وهي الساجور فيكون أبعد عن النجاسة ولو كان طرف الحبل على الكلب فهو
والصورة السابقة سواء ولو كان طرف الحبل على موضع طاهر من حمار وعليه نجاسة في موضع
آخر فالخلاف فيه مرتب وهذه الصورة أولي بالصحة من صورة الساجور لان الساجور قد يعد من توابع
الحبل واجزائه بخلاف الحمار هكذا رتب المسائل امام الحرمين وصاحب الكتاب في الوسيط
وأشار ههنا إلى معظم الغرض وإذا تركت الترتيب وقلت أخذ بطرف حبل طرفه الآخر نجس
أو متصل بنجاسة حصل في الجواب ثلاثة أوجه (أحدها) تصح (والثاني) لا (والثالث) إن كان الطرف
23

الآخر نجسا أو متصلا بعين النجاسة كما لو كان في عنق كلب فلا تصح وإن كان متصلا بشئ
طاهر وذلك الطاهر متصل بنجاسة كما لو كان مشدودا في ساجور أو خرقه وهما في عنق كلب أو كان
عنق حمار وعليه حمل نجس فلا بأس وهكذا أورد الخلاف الصيدلاني وتابعه صاحب التهذيب ثم
أعرف ههنا أمورا (أحدها) أن فرض صاحب الكتاب الصورة فيما إذا قبض بيده على طرف الحبل ليس
لتخصيص الحكم بالقبض بل لو شده في يده أو رجله أو في وسطه كان كما لو قبض عليه على أن صاحب
24

التهذيب جعل صورة الشد أولي بالمنع حيث الحقها بمسألة العمامة ولم يحك فيها خلافا وفي القبض باليد
روى الوجوه الثلاثة (الثاني الفرق بين أن يكون الطرف الملقى على النجاسة يتحرك بحركته وبين أن
لا يتحرك في الجزم بالمنع في الحالة الأولى وتخصيص الخلاف بالحالة الثانية لم أره إلا للمصنف وإمام
الحرمين ومن تابعهما وعامة الأصحاب أرسلوا الكلام إرسالا سواء منهم من جزم بالمنع ومن أثبت
الخلاف (الثالث) أطلق الكلام في الكلب وهكذا فعل الشيخ أبو محمد والصيدلاني وابن الصباغ وفصل
الأكثرون وقالوا إن كان الكلب صغيرا أو ميتا وطرف الحبل مشدود عليه بطلت صلاته بلا خلاف
لأنه حامل للنجاسة ويعنون به انه لو مشى لجره وإن كان الكلب كبيرا حيا فأصح الوجهين أنها تبطل
أيضا لأنه حامل لشئ متصل بالنجاسة والثاني لا لأنه يمشى باختياره وله قوة الامتناع وإذا كان مشدودا
في سفينة وموضع الشد طاهر وفى السفينة نجاسة فإن كانت صغيرة تنجر بالجر فهي كالكلب وإن كانت
كبيرة فلا بأس كما لو كان مشدودا في باب دار فيها نجاسة وحكوا وجها بعيدا في السفينة الكبيرة أيضا
ويعرف من هذا الفصل صحة قولنا من قبل إن قضية كلام الأكثرين ترجيح وجه البطلان (الرابع) قوله على
ساجور كلب أو عنق حمار عليه نجاسة يفهم ان الشد ليس بشرط بل يجرى الخلاف عند حصول الاتصال
والالتقاء والعراقيون من أصحابنا أطبقوا على التصوير في الشد ولعل السبب فيه انهم ينظرون إلى
الانجرار عند الجر ولا يكون ذلك إلا بتقدير الشد ثم اتفقت الطوائف على أنه لو جعل رأس الحبل تحت
رجله صحت صلاته في الصور جميعها لأنه ليس حاملا لنجاسة ولا لما هو متصل بنجاسة وما تحت قدمه
25

طاهر فأشبه ما لو صلى على بساط طرفه الآخر نجس *
قال (واما البدن فيجب تطهيره كما سبق في الطهارة وفيه مسألتان (أحداهما) إذا وصل عظمه بعظم نجس
وجب (ح و) نزعه وإن كان يخاف الهلاك على المنصوص ولكن إذا كان متعديا في الجبر بان وجد عظما طاهرا وإذا
لم يكتس العظم باللحم فان استتر سقط حكم النجاسة عنه فان مات قبل النزع لم ينزع على النص لأنه ميت كله وفيه
قول مخرج انه لا ينزع عند خوف الهلاك) *
قوله فيجب تطهيره كما سبق في الطهارة لا اختصاص له بالبدن بل حكم إزالة النجاسة فيه وفى
الثوب والمكان واحد فلو ذكر هذا الكلام عند قوله وهي واجبة في الثوب والبدن والمكان لكان
أحسن الا أن يريد به الإشارة إلى الاستنجاء أيضا فان النجاسة التي تصيب البدن تنقسم إلى ما يزال
26

بالماء لا غير وإلى ما يخفف بالحجر ونحوه وهذا من خاصية البدن ثم تكلم ههنا في مسألتين (أحداهما)
وصل العظم ومن انكسر عظم من عظامه فجبره بعظم طاهر فلا بأس وإن جبره بعظم نجس وينبغي
أن يتذكر أولا ان هذا يتفرع على ظاهر المذهب في نجاسة العظام فينظر ان احتاج إلى الجبر ولم يجد
عظما طاهرا يقوم مقامه فهو معذور للضرورة وليس عليه نزعه وإن لم يحتج إليه أو وجد طاهرا يقوم
مقامه فيجب عليه النزع إن كان لا يخاف الهلاك ولا تلف عضو من أعضائه ولا شيئا من المحذورات
المذكورة في التيمم فإن لم يفعل أجبره السلطان عليه ولم تصح صلاته معه لأنه حامل لنجاسة يمكنه
ازالتها وقد تعدى بحملها ولا عبرة بالألم الذي يلحقه ولا يخاف منه ولا فرق بين ان يكتسي باللحم
وبين ان لا يكتسي خلافا لأبي حنيفة حيث قال إذا اكتسى باللحم لم يجب النزع وإن كان لا يخاف
الهلاك: لنا أنه حامل لنجاسة اصابته من خارج ولم تحصل في معدن النجاسة فيلزمه الإزالة عند القدرة
كما لو كانت على ظاهر البدن ومال امام الحرمين إلى ما ذكره أبو حنيفة وذكر القاضي ابن كج أن أبا الحسين
حكاه عن بعض الأصحاب وان خاف من النزع الهلاك أو ما في معناه ففي وجوب النزع وجهان
(أحدهما) يجب لتفريطه ولو لم ينزع لكان مصليا عمره مع النجاسة ونحن نحتمل سفك الدم في ترك
صلاة واحدة (والثاني) وهو المذهب انه لا يجب ابقاء للروح كما لو كان عليه نجاسة يخاف من غسلها
التلف لا يجب عليه غسلها بل يحرم وهذا في حالة الحياة اما لو مات قبل النزع فهل ينزع منه العظم
الذي يجب نزعه في الحياة فيه وجهان أظهرهما وهو الذي نص عليه في المختصر وغيره انه لا ينزع
لان فيه مثلة وهتكا لحرمة الميت ولان النزع في حالة الحياة إنما أمر به محافظة على شرائط الصلاة فإذا
مات زال التكليف وسقط التعبد (والثاني) انه ينزع لئلا يلقى الله تعالى حاملا للنجاسة ومنهم من
خصص هذا الوجه بما إذا لم يستتر باللحم وقطع بنفي النزع بعد الموت عند استتاره ولنعد إلى
ما يتعلق بلفظ الكتاب قوله وجب نزعه وإن كان يخاف الهلاك على المنصوص الخلاف في وجوب
النزع يرجع إلى حالة خوف الهلاك وليس هو مختلفا فيه على الاطلاق وقوله ولكن إذا كان متعديا
27

في الجبر لا يختص بقولنا يوجب النزع عند خوف الهلاك بل حيث وجب النزع أما وفاقا وهو
حالة عدم الخوف أو على أحد المذهبين في حالة الخوف فشرطه أن يكون متعديا في الجبر وقوله
في آخر المسألة وفيه قول مخرج أنه لا ينزع عند خوف الهلاك هو المقابل لقوله ههنا وإن كان
يخاف الهلاك على المنصوص ولا تعلق له بقوله لم ينزع على النص لأنه ميت كله وتعبيره عن الخلاف
في وجوب النزع بالقولين المنصوص والمخرج من تفرداته وسائر الأصحاب لم يطلقوا في المسألة
إلا وجهين كما قدمنا ورجحوا القول بعدم الوجوب وإيراده يشعر بترجيح الوجوب ويجوز أن
يقال إنما عبر عن وجوب النزع بالمنصوص لان الشافعي رضي الله عنه قال في المختصر ولا يصل
ما انكسر من عظمه الا بعظم ما يؤكل لحمه ذكيا وان رقعه بعظم ميتة أجبره السلطان على قلعه وهذا
مطلق يتناول حالة الخوف وعدمه ولك ان تعلم قوله وإن كان يخاف الهلاك بالحاء لان الصيدلاني
روى عن أبي حنيفة أنه لا ينزع عند خوف الهلاك سواء التحم أو لم يلتحم وعند الالتحام لا ينزع
خيف الهلاك أم لم يخف وقوله بان وجد عظما طاهرا معناه عظما طاهرا يقوم مقام العظم النجس
عند الحاجة إلى الجبر وإلا فالتعدي لا يحصل بمجرد وجدان العظم الطاهر وقوله وإذا لم يستتر العظم
باللحم فان استتر سقط حكم نجاسته جواب عن الوجه الذي ذكرنا أن إمام الحرمين مال إليه
والظاهر عند الجمهور انه لا فرق بين ان يستتر أو لا يستتر حيث أوجبنا النزع فليكن قوله وإذا لم
يستتر معلما بالواو لأنه جعله مشروطا وكذا قوله سقط حكم نجاسته وقوله فان مات قبل النزع لم
ينزع على النص لعلك تقول ما معنى قوله لم ينزع معناه انه لا يجوز النزع أم انه لا يجب والجواب أن
28

قضية التعليل بهتك الحرمة انه لا يجوز وقضية التعليل الثاني انه لا يجب وقد اختلف كلام الناقلين
في الوجه المقابل له وهو انه ينزع منهم من روى الوجوب ومنهم من قال الأولى النزع وقوله لأنه
ميت كله لفظ الشافعي رضي الله عنه قال في المختصر فان مات صار ميتا كله والله حسيبه أي محاسبه
فان شاء عفا عنه وان شاء عذبه واختلفوا في معنى قوله صار ميتا منهم من قال أراد أنه صار نجسا
كله مثل ذلك العظم فلا معنى لقلعه واستخرجوا من هذا اللفظ أن له قولا في نجاسة الادمي بالموت
ومنهم من قال أراد انه سقط عنه حكم التكليف بالموت وكنا نأمره بالقلع لحق الصلاة فلا حاجة
إلى النزع الآن واعلم أن مداواة الجرح بالدواء النجس والخيط النجس كالوصل بالعظم النجس
فيجب النزع حيث يجب نزع العظم النجس وكذا لو شق موضعا من بدنه وجعل فيه دما وكذا لو وشم يده
بالنؤورة أو العظلم فإنه ينجس عند الغرز وحكى عن تعليق الفراء انه يزال الوشم بالعلاج فإن لم يمكن
إلا بالجرح لا يجرح ولا اثم عليه بعد التوبة *
قال (الثانية قال صلى الله عليه وسلم " لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والواشرة
والمستوشرة وعلة تحريم الوصل ان الشعر أما أن يكون نجسا أو شعر أجنبي لا يحل النظر إليه وإن كان
29

مبانا على أحد الوجهين فإن كان شعر بهيمة ولم تكن المرأة ذات زوج فهي متعرضة للتهمة وإن كانت
ذات زوج فهي ملبسة عليه فإن كان باذن الزوج لم يحرم على أقيس الوجهين وفى تحمير الوجنة
تردد في الحاقه بالوصل) *
المسألة الثانية وصل الشعر والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لعن الله
الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والواشرة والمستوشرة " (1) قال علماء العرب الواصلة هي التي
تصل الشعر بشعر آخر والمستوصلة هي التي تسأل أن يفعل بها ذلك والوشم غرز ظهر الكف
ونحوه بالإبرة واشباعه بالعظلم ونحوه حتى يخضر والواشمة هي التي تفعل ذلك والمستوشمة هي
التي تفعل بها والواشرة التي تشر الأسنان حتى يكون لها أشر وهو التحدد والرقة في طرف
30

الأسنان تفعله الكبيرة تشبها بالصغائر ويروى بدل المستوشمة والمستوشرة المتوشمة والمتوشرة
والمعنى واحد وإذا عرفت ذلك فاعلم أن وصل الشعر حرام وفاقا في بعض الأحوال وخلافا في
بعضها ثم قد يحرم لمعنى واحد وقد يجتمع له معان وتفصيله ان الشعر أما نجس وأما طاهر وهذا التقسيم
مفرع على ظاهر المذهب وهو ان الشعر قد ينجس بالموت فاما الشعر النجس فيحرم وصله لأنه لا يجوز استصحابه
في الصلاة وفى غير الصلاة يكون مستعملا للشئ النجس العين في بدنه استعمال اتصال وذلك حرام
في أصح القولين ومكروه في الثاني الا عند ضرورة أو حاجة حاقة ونظيره الادهان بالدهن النجس
ولبس جلد الميتة والكلب والخنزير والامتشاط بمشط عاج كل ذلك حرام على الأصح وأما غير
النجس فينقسم إلى شعر الآدمي وغيره وهذا التقسيم مفرع على ظاهر المذهب وهو ان شعر
الادمي لا ينجس بالموت والإبانة فاما شعر الادمي فيحرم وصله لان من كرامته أن لا ينتفع بشئ
منه بعد موته وانفصاله عنه بل يدفن وأيضا فلانه إن كان شعر رجل فيحرم على المرأة استصحابه
والنظر إليه وإن كان شعر امرأة فيحرم على زوجها أو سيدها النظر إليه وهذا بتقدير أن يكون شعر
31

رجل أجنبي عنها أو شعر امرأة أجنبية عن زوجها أو سيدها وبتقدير أن يتفرع على أن العضو المبان
يحرم النظر إليه ومسه وفيه وجهان فإن كان شعر رجل من محارمها أو شعر امرأة من محارم زوجها
أو لم يكن لها زوج أو فرعنا على جواز النظر إلى العضو المبان فلا تكاد تطرد هذه العلة الأخيرة ويثبت
التحريم بظاهر الخبر وبالمعنى الأول ولا فرق في تحريم الوصل بالشعر النجس وشعر الادمي بين أن
تكون المرأة خلية أو ذات زوج وأما شعر غير الادمي فينظر فيه إلى حال المرأة ان لم يكن لها زوج
ولا سيد فلا يجوز لها وصله للخبر ولأنها تعرض نفسها للتهمة ولأنها تغر الطالب وذكر الشيخ
أبو حامد وطائفة انه يكره ولا يحرم والأول أظهر وبه قال القاضي ابن كج والأكثرون فإن كان
لها زوج أو سيد فلا يجوز لها الوصل بغير اذنه لأنه تغرير له وتلبيس عليه وان وصلت باذنه فوجهان
(أحدهما) المنع أيضا لعموم الخبر (وأقيسهما) وأظهرهما الجواز كسائر وجوه الزينة المحببة إلى الزوج وقال
الشيخ أبو حامد ومتبعوه لا يحرم ولا يكره إذا كان لها زوج ولم يفرقوا بين أن يأذن أو لا يأذن
32

وسوى ابن كج بين حالتي الاذن وعدمه وحكي في الجواز وجهين فيهما هذا حاصل المسألة وقوله
وعلة تحريم الوصل يوهم الجزم بالتحريم على الاطلاق ورد الكلام إلى العلة لكنه لم يرد ذلك الا تراه
يقول آخر ألم يحرم على أقيس الوجهين وإنما أراد أن يبين مواضع التحريم خلافا ووفاقا مع التعرض للمعاني
الموجبة للتحريم فقوله اما أن يكون نجسا أي فيحرم وهو إشارة إلى قسم النجس من الشعور وغير النجس على
ما ذكرناه أما شعر الآدمي وقوله أو شعر أجنبي إشارة واليه وأما شعر غيره وهو قوله أو شعر بهيمة
وإنما قال أو شعر أجنبي لأنه أراد التعليل بالمعني الثاني على سبق دون المعنى الأول وهو كرامة
الآدمي والشعر الموصول مبان فبين أن في تحريم النظر إلى العضو المبان وجهين ليعرف أن التحريم معللا بهذا
المعنى إنما يستمر على قولنا بتحريم النظر واعلم أنه نص في هذا الموضع على وجهين في تحريم النظر والذي
أجاب به في أول كتاب النكاح إنما هو التحريم حيث قال والعضو المبان كالمتصل وسنشرح المسألة ثم إن
شاء الله تعالى (وقوله) فهي متعرضة للتهمة أي فيحرم عليها وكذا قوله فهي ملبسة عليه وكأنه حذف ذكر
التحريم اكتفاء بقوله أو لا وعلة تحريم الوصل ولا بأس لو أعلمت قوله اما أن يكون نجسا بالحاء والواو
لان عنده الشعر لا يكون نجسا أصلا وهو قول لنا وأما قوله وفى تحمير الوجنة تردد فاعلم أن الصيدلاني والقاضي
الحسين ذكرا في طريقهما ان تحمير الوجنة كوصل الشعر الطاهر فلا يجوز إن كانت المرأة خلية ولا إذا كانت
ذات زوج ولم يأذن لها وان فعلته باذنه ففيه وجهان واستبعد امام الحرمين قدس الله روحه الخلاف فيما
33

إذا كان بأذن الزوج وخصه بالوصل لأنه ورد فيه النهي وفيه تغيير للخلقة وليس في التحمير نهى
ولا تغيير ظاهر إذ الوجنة قد تحمر لعارض غضب أو فرح فعلى هذا لا يلتحق تحمير الوجنة بوصل الشعر الطاهر
على الاطلاق بل هو جائز عند الاذن بلا خلاف وعلى الأول يلتحق به مطلقا فهذا تنزيل التردد المذكور
في الكتاب ومعناه ونسب في الوسيط التردد في المسألة إلى الصيدلاني وليس في كلامه ما يقتضي
ذلك ولا حكاه امام الحرمين عنه والخضاب بالسواد وتطريف الأصابع الحقوه بالتحمير قال في
النهاية ويقرب منه تجعيد الشعر ولا بأس بتصفيف الطرة وتسويد الأصداغ وأطلقوا القول باستحباب
الخضاب بالحناء لها بكل حال وقد تنازع معنى التعرض للتهمة في بعض هذه الأحوال إذا كانت
خلية فليكن الامر على تفصيل سنحكيه في فصل سنن الاحرام إن شاء الله تعالى واما الوشم المذكور في
الخبر فلا يجوز بحال والوشر كوصل الشعر الطاهر *
قال (وأما المكان فليكن كل ما يماس بدنه طاهرا (ح) وما لا يماس فلا بأس بنجاسته الا ما يحاذي صدره في
السجود ففيه وجهان لأنه كالمنسوب إليه) *
يجب أن يكون ما يلاقى بدن المصلي وثيابه من موضع الصلاة طاهرا خلافا لأبي حنيفة حيث قال
لا يشترط الا طهارة موضع القدمين وفي رواية طهارة موضع القدمين والجبهة ولا يضر نجاسة ما عداه الا أن
يتحرك بحركته لنا النهى عن الصلاة في المزبلة والمجزرة كما سيأتي ولا سبب له الا نجاستهما وكما يعتبر ذلك
في جهة السفل يعتبر في جهة العلو والجوانب المحيطة به حتى لو وقف بحيث يحتك في صلاته بجدار نجس بطلت
34

صلاته ولو صلى على بساط تحته نجاسة أو على طرف آخر منه نجاسة أو على سرير قوائمه على نجاسة لم
يضر
خلافا لأبي حنيفة حيث قال إن كان يتحرك ذلك الموضع بحركته لم يجز وإذا نجس أحد البيتين تحرى كما في
الثياب والأواني وإذا اشتبه مكان من بيت أو بساط فوجهان (أصحهما) انه لا يجزى كما لو خفى موضع
النجاسة من الثوب الواحد والثاني نعم كما لو اشتبه ذلك في الصحراء يتحرى ويصلي ولو كان
ما يلاقى بدنه وثيابه من موضع الصلاة طاهر لكن كان ما يحاذي صدره أو بطنه أو شيئا من بدنه في السجود
نجسا فهل تصح صلاته فيه وجهان (أحدهما) لا لان القدر الذي يوازيه منسوب إليه بكونه مكان صلاته
فيعتبر طهارته كقميصه الفوقاني الذي لا يلاقى بدنه لما كان منسوبا إليه نعتبر طهارته (وأصحهما) ان صلاته
صحيحة لأنه ليس حاملا للنجاسة ولا ملاقيا لها فصار كما لو صلى على بساط أحد طرفيه نجس تصح صلاته
وان عد ذلك مصلاه ونسب إليه وقوله فليكن كل ما يماس بدنه طاهرا ينبغي ان يعلم بالحاء وكذا قوله فلا
بأس بنجاسته لما ذكرناه والمراد ما يماس بدنه وثيابه وقوله وما لا يماس أي لا يماسهما وفى لفظ المماسة
إشارة إلى أنه لو كان تحت البساط الذي يصلي عليه نجاسة لم يضر وإن كان يصلي على نجاسة لأنه لا مماسة
ولو بسط على النجاسة ثوبا مهلهل النسيج وصلى عليه فإن كان يحصل المماسة والالتقاء في الفرج لم
35

تصح الصلاة وإن كان لا يحصل الالتقاء لكن النجاسة تحاذي من الفرج يده الموضوعة عليه في السجود
أو سائر بدنه فهذا على الوجهين السابقين في نجاسة ما يحاذي صدره *
قال (وقد نهى عليه السلام عن الصلاة في سبعة مواطن المزبلة والمجزرة وقارعة الطريق
وبطن الوادي والحمام وظهر الكعبة وأعطان الإبل * أما مسلخ الحمام ففيه تردد * وأعطان
الإبل مجتمعها عند الصدر عن المنهل إذ لا يؤمن نفارها هذا حكم النجاسات التي لا عذر
في استصحابها) *
مما يتعلق بمكان الصلاة الكلام في الأماكن التي ورد النهى عن الصلاة فيها وقد روى
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن الصلاة في سبعة مواطن
المزبلة والمجزرة وقارعة الطريق وبطن الوادي والحمام ومعاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله تعالى
ويروى بدل بطن الوادي المقبرة (1) فاما المزبلة والمجزرة فالنهي فيهما لنجاسة المكان فلو فرش عليه
ثوبا أو بساطا طاهرا فللنهي معنيان (أحدهما) غلبة النجاسة في الطرق والثاني ان مرور الناس يشغله
عن الصلاة قال في التتمة اختلفوا في أن العلة ماذا وبنى عليه الصلاة في جوار الطرق في البراري ان
36

قلنا النهي للمعنى الأول يثبت فيها أيضا وان قلنا للمعنى الثاني فلا وفى صحة الصلاة في الشوارع مع
غلبة النجاسات فيها القولان اللذان ذكرناهما في باب الاجتهاد لتعارض الأصل والغالب فان صححناها
فالنهي للتنزيه وإلا فللتحريم فلو بسط شيئا طاهرا صحت لا محالة وتبقى الكراهة بسبب الشغل: وأما
بطن الوادي فسبب النهى فيه خوف السيل السالب للخشوع فإن لم يتوقع السيل ثم فيجوز ان يقال
لا كراهة ويجوز ان يتبع ظاهر النهي: وأما الحمام فقد اختلفوا في سبب النهي فيه: منهم من قال
سببه انه يكثر فيه النجاسات والقاذورات فيخاف إصابة الرشاش إياه ومنهم من قال بل سببه انه
مأوى الشيطان فلا يصلى فيه وفي المسلخ وجهان مبنيان على هذين المعنيين ان قلنا بالأول فلا تنكره
الصلاة فيه وان قلنا بالثاني فتكره وأيضا فان دخول الناس يشغله وهذا الوجه أظهر وتصح الصلاة
بكل حال في المسلخ وغيره إذا علم طهارة الموضع خلافا لأحمد: وأما ظهر الكعبة فحكمه ما سبق
في باب الاستقبال وأما أعطان الإبل فقد فسرها الشافعي رضي الله عنه بالمواضع التي تنحى إليها الإبل
الشاربة ليشرب غيرها فإذا اجتمعت استبقت وهو المراد من قوله مجتمعها عند الصدر من المنهل
وليس النهي فيها لمكان النجاسة فإنه لا كراهة في مراح الغنم وأمر النجاسة لا يختلف روى أنه
صلى الله عليه وسلم قال " إذا أدركتكم الصلاة وأنتم في مراح الغنم فصلوا فيها فإنها سكينة وبركة وإذا
أدركتكم وأنتم في أعطان الإبل فاخرجوا منها وصلوا فإنها جن خلقت من جن (1) ألا ترى إذا نفرت
37

كيف تشمخ بأنفها " والفرق من وجهين (أحدهما) قال الشافعي رضي الله عنه يبين الخبر انها خلقت من
الجن والصلاة تكره في مأوى الجن والشياطين ولهذا قال صلى الله عليه وسلم " اخرجوا من هذا الوادي
فان فيه شيطانا " (1) والثاني انه يخاف من نفارها وذلك يبطل الخشوع وهذا المعنى لا يوجد في الغنم
ومراح الغنم هو مأواها ليلا وقد يصور في الغنم مثل ما صور في أعطان الإبل وحكمهما واحد
ومأوى الإبل ليلا كالموضع المعبر عنه بالعطن نظرا إلى أنها مخلوقة من الجن ويخاف منها أيضا نعم
النفار في الموضع الذي تقف فيه صادرة من المنهل أقرب لاجتماعها وازدحامها جائية وذاهبة فتكون
الكراهة فيه أشد وكل واحد من العطن والمراح ا أكان نجسا بالأبوال والأبعار لم تجز الصلاة
فيه وإن كانا طاهرين صحت مع افتراقهما في الكراهة وقال احمد لا تصح الصلاة في العطن بحال
وأما المقبرة فالصلاة فيها مكروهة بكل حال روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " الأرض كلها
مسجد الا المقبرة والحمام " (2) ثم إن كانت جديدة لم تنبش أو فرش على نبشها ثوبا طاهرا وصلى صحت
38

صلاته خلافا لأحمد وإن صلى في مقبرة يعلم أن موضع الصلاة منها منبوش لم تصح الصلاة لاختلاط
صديد الموتى به وإن شك في نبشه فقولان سبقا في نظائر المسألة أظهرهما الجواز لان الأصل
الطهارة وبه قال مالك وابن أبي هريرة والثاني المنع لان الغالب في المقابر النبش وبه قال أبو إسحاق
ويكره استقبال القبور في الصلاة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم " نهى ان تتخذ القبور محاريب " (1) هذا تمام
الكلام في النجاسات التي ليست هي في مظنة العفو والعذر *
قال (اما مظان الاعذار فخمسة الأولى الأثر على محل النجو ولو حمل المصلى من استجمر لم يجز
على أصح الوجهين لان العفو في محل نجو المصلي للحاجة ولو حمل طيرا جاز وما في البطن ليس له حكم النجاسة
39

قبل الخروج لأنها مستترة خلقة وما على منفذه لا مبالاة به على الأظهر وفى الحاق البيضة المذرة بالحيوان
تردد لأن النجاسة مستترة خلقة والقارورة المصممة الرأس ليست كالبيضة (و) *
القسم الثاني من النجاسات النجاسات الواقعة في مظنة العذر والعفو وقد جعل مظان العذر خمسا (إحداها) الأثر
على محل النجو إذا استنجى بالحجر فهو معفو عنه وإن كان ذلك المحل نجسا اما كونه معفوا عنه فلما سبق
من جواز الاقتصار على الحجر واما كونه نجسا فلان المطهر هو الماء فلو خاض في ماء قليل نجس الماء لان
العفو رخصة وتخفيف والخوض في الماء مما تندر الحاجة إليه ولو حمل المصلي من استنجى بالحجر ففي صحة
صلاته وجهان (أحدهما) تصح لان ذلك الأثر واقع في محل العفو فلا عبرة به كما لو صلى المحمول معه وكما يعفى عنه
من الحامل (وأصحهما) انها لا تصح لان العفو عنه من المستجمر إنما كان للحاجة ولا حاجة به إلى حمل الغير فصار
كما لو حمل شيئا آخر نجسا وينسب الوجه الأول إلى الشيخ أبي على والثاني إلى القفال ويجرى الوجهان فيما إذا
حمل المصلي من على ثوبه نجاسة معفو عنها ويقرب منهما الوجهان فيما لو عرق وتلوث بمحل النجو غيره
لكن الأصح ههنا العفو لتعذر الاحتراز بخلاف حمل الغير ولو حمل طيرا أو حيوانا آخر لا نجاسة عليه
صحت صلاته ولا نظر إلى ما في بطنه من النجاسة لأنها في معدنها الخلقي فلا يعطى لها حكم النجاسة
كما في جوف المصلي وما قدمناه من الفرق بين المصلي والمحمول ينقدح ههنا لكن روى أن النبي صلى الله عليه
وسلم حمل امامة بنت أبي العاص في صلاته وهي بنت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب (1)
40

فلذلك قلنا بالصحة وهذا إذا كان الحيوان المحمول طاهر المنفذ فإن لم يكن فهو جزء طاهر تنجس بما يخرج
من النجاسة فهل تصح الصلاة فيه وجهان (أظهرهما) عند المصنف أنها تصح ولا مبالاة بذلك القدر اليسير
(والثاني) لا تصح كما لو كان جزء آخر منه نجسا وهذا أظهر عند امام الحرمين ولم يورد في التتمة سواه والوجهان
جاريان فيما لو وقع هذا الحيوان في ماء قليل أو مائع آخر وخرج حيا هل يحكم بنجاسته لنجاسة المنفذ
لكن الظاهر ثم العفو لان الحمل لا تعرض الحاجة إليه الا على سبيل الندور وصيانة الماء وسائر المائعات
عنها مما يشق وأيضا فان الطيور لم تزل تغوص في المياه الكثيرة والقليلة وكان الأولون لا يحترزون
عنها ولو حمل بيضة صار حشوها دما وظاهرها طاهر ففي صلاته وجهان حكاهما القفال وغيره (أحدهما)
تصح صلاته كما لو حمل حيوانا طاهر الظاهر لأن النجاسة في الصورتين مستترة خلقة (وأظهرهما) أنها لا تصح
كالنجاسات الطاهرة إذا حملها بخلاف باطن الحيوان لان للحيوان اثرا في درء النجاسات الا ترى انها إذا
زالت نجس جميع الأجزاء وأما البيضة فهي جماد ويجرى هذا الخلاف فيما إذا حمل عنقودا استحال
باطن حباته خمرا ولا رشح على ظاهرها وكذلك في كل استتار خلقي ولو حمل قارورة مصممة الرأس
بصفر ونحوها وفيها نجاسة فظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب ان صلاته تبطل لان الاستتار ههنا
ليس بخلقي بخلاف البيضة والحيوان وعن أبي علي بن أبي هريرة أنها تصح لأن النجاسة باطنة لا يخرج منها شئ
فأشبهت ما في البيضة وباطن الحيوان ولو حمل حيوانا مذبوحا بعد غسل الدم عن موضع الذبح فالذي
قاله الأئمة أن الصلاة باطلة بخلاف الحمل في حال الحياة ولم يذكروا ههنا الخلاف المذكور في البيضة
ونحوها وذلك جواب منهم على ظاهر المذهب والا فالنجاسة مستترة ههنا أيضا خلقة ويجوز أن يجعل
منافذ الحيوان فارقا والله أعلم وقوله في مسألة حمل الطير لأنها مستترة خلقة ظاهر اللفظ إنما هو التعليل
بمجرد الاستتار خلقة ولو كان كذلك لوجب ان لا يقع التردد في البيضة لوجود العلة لكن في الحيوان
وجد أمران الاستتار الخلقي وكونه في باطن الحيوان فكأن بعضهم جعل العلة مجموع الامرين ومنع
من حمل البيضة وبعضهم اكتفى بالوصف الأول وجوز حمل البيضة فإذا قوله لأنها مستترة خلقة
إشارة إلى الوصف الذي لابد منه ثم يبقى الكلام في أنه مؤثر وحده أو مع شئ آخر وأراد بالبيضة
المذكورة التي صار حشوها دما والا فهي كالمح المنتن وهو طاهر وقوله القارورة المصممة الرأس
41

يعنى بالصفر والنحاس وما أشبه ذلك أما التصميم بالخرقة ونحوها فلا يغنى كلف النجاسة في الخرقة
والشمع عند بعضهم كالخرقة والحقة القاضي ابن كج بالرصاص *
قال (الثانية يعذر من طين الشوارع فيما يتعذر الاحتراز عنه غالبا وكذا ما على الخف
في حق من يصلى معه) *
طين الشوارع ينقسم إلى ما يغلب على الظن اختلاطه بالنجاسات والي ما يستيقن والي غيرهما فاما
42

غيرهما فلا بأس به واما ما يغلب على الظن اختلاطه بالنجاسات ففيه قولان سبق ذكرهما في باب
الاجتهاد وأما ما تستيقن نجاسته فيعفى عن القليل منه لان الناس لابد لهم من الانتشار في
حوائجهم وكثير منهم لا يملك الا ثوبا واحدا فلو أمروا بالغسل لعظم العناء والمشقة واما الكثير
فلا يعفي عنه سائر النجاسات والقليل هو الذي يتعذر الاحتراز عنه والرجوع في الفرق بينه وبين
الكثير إلى العادة ويختلف الامر فيه بالوقت وبموضعه من البدن وذكر الأئمة له تقريبا فقالوا
القليل المعفو عنه هو الذي لا ينسب صاحبه إلى سقطة أو نكبة أو قلة تحفظ فان نسب إلى شئ
43

من ذلك فهو كثير وقوله ويعذر من طين الشوارع أراد به القسم الثالث وهو المستيقن النجاسة على
ما صرح به في الوسيط ثم الذي يغلب على الظن نجاسته في معناه ان فرعنا على العمل بالغالب واما قوله وكذا
ما على الخف في حق من يصلي معه فاعلم أولا أن أصحابنا حكوا عن الشافعي رضي الله عنه قولين في أنه إذا أصابت
أسفل خفه أو نعله نجاسة فدلكه بالأرض حتى ذهب أجزاؤها هل تجوز صلاته فيه قالوا وهما؟؟ على أنه
لا يطهر والكلام في العفو أحدهما وهو القديم أنه تجوز صلاته فيه وبه قال أبو حنيفة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال
" إذا أصاب أحدكم أذى فليدلكه بالأرض " (1) ولأن النجاسة تكثر في الطرق وغسله كل مرة
44

مما يشق فعفى عنه فاكتفى بالمسح كمحل النجو والثاني وهو الجديد أنه لا يجوز الصلاة فيه ما لم يغسل
كالثوب إذا أصابته نجاسة والأذى في الخبر محمول على المستقذرات وذكروا للقولين شروطا (أحدها)
أن يكون تنجسه بنجاسة لها جرم يلتصق به أما البول ونحوه فلا يكفي فيه الدلك بحال (والثاني) ان يقع
الدلك في حال الجفاف فاما ما دام رطبا فلا يغنى الدلك بلا خلاف (والثالث) حكى عن الشيخ أبي محمد
ان الخلاف فيما إذا كان يمشى في الطريق فأصابته النجاسة من غير تعمد منه فاما إذا تعمد تلطيخ
الخف بها وجب الغسل لا محالة ثم قال الأصحاب الفتوى على الجديد ولم يفرقوا في حكاية القولين بين
45

القليل والكثير من طين الشوارع المستيقن نجاسته ومن سائر النجاسات الغالبة في الطرق واعلم
ثانيا ان قوله وكذا ما على الخف يعني من طين الشوارع وسائر النجاسات الغالبة في الطرق كالروث
وغيره لان لفظه في الوسيط وكذا ما على الخف من نجاسة لا يخلو الطريق عن مثلها وإذا عرفت
ذلك فلك ان تقول (ان قلنا) بالقديم فيحتمل نجاسة الخف ويكتفى بانتشار جرم النجاسة عنه بالدلك
بعد الجفاف وان قلنا بالجديد فلا يحتمل ذلك فما معني قوله وكذا ما على الخف أهو جواب على القديم
أم كيف الحال والجواب ان خروجه على القديم واضح لا ينكر ووراءه احتمالان أقربهما أن يكون
القولان مفروضين في الكثير الذي لا يعفى عنه من النجاسات هل يجب غسله إذا أصاب الخف
أم يكفي فيه الدلك ويكون المراد مما ذكره في الكتاب القليل من الطين المستيقن نجاسته ومن
46

الروث وغيره فيعفى عنه في الخف كما في الثوب والبدن من غير غسل ولا دلك بل العفو فيه لان
الاحتراز أشق وكذلك يكتفى فيه بالدلك على قول ولا يكتفى به في الثوب والبدن بحال فعلى هذا
لا يتعين كلام الكتاب جوابا على القديم بل القليل معفو عنه بلا خلاف والأثر الباقي على القديم
أيضا فينتظم فيهما الحكم بالعفو مما على الخف والاحتمال الثاني ان يؤخذ باطلاق القولين ويطرد
في القليل والكثير من هذه النجاسات ويجوز ان يفرق على هذا بين الخف والثوب بأن الحاصل
على الثوب لطخات قليلة والحاصل على الخف قدر كبير وأيضا فان الخف ينزع في الغالب ولا يحتاج
إلى استصحابه بخلاف الثياب فعلى هذا يتعين كلام الكتاب جوابا على القديم ومتى وقع التفريع
على القديم مرادا سواء كان ذلك كل المراد أو من المراد فيجب ان يريد بقوله وكذا ما على الخف
47

اثر النجاسات المذكورة بعد الجفاف دون عينها فإنه لو بقي العين فلا يحتمل على القديم أيضا كما لا يحتمل
على الجديد وعلى الاحتمال الأول ينبغي ان يعفى عن اللوث الحاصل على جميع أسفل الخف وأطرافه
ويعد ذلك قليلا بخلاف ما لو كان على الثوب والبدن وكذا يعفى عن اللوث في حال الرطوبة كما في
الثوب والبدن بخلاف ما إذا فرعنا على القديم فان العفو يختص بالأثر الباقي بعد الجفاف والدلك ثم
48

العفو بكل حال فيما يحصل من غير قصد منه اما لو تعمد التلطيخ فلا وهكذا يكون الحكم في الثوب
والبدن ولهذا قال في باب الاستقبال الماشي المتنفل لو مشي على نجاسة قصدا بطلت صلاته ولا تجب
المبالغة في التحفظ عند كثرة النجاسات في الطرق (فان قلت) حكيتم ثم عن امام الحرمين أنه لو مشى
على نجاسة رطبة بطلت صلاته سواء كان قاصدا إليها أو لم يكن وهذا يخالف ما ذكرتم الآن (قلنا)
ذاك إذا جرينا على الاحتمال الأول الأقرب محمول على ما إذا حصل تلويث كثير لا يقع في حد العفو
واعلم أن قوله في باب المسح على الخفين يمسح أعلى الخف وأسفله إلا أن يكون على أسفله نجاسة
إن كان تجويزا للصلاة معه وعفوا فتنزيله على قضية القولين كما ذكرنا في قوله وكذا ما على الخف
49

ويمكن أن يقال ليس الغرض ثم سوى أنه لا يمسح على الأسفل إذا كان عليه نجاسة كما قدمناه *
قال (الثالثة دم البراغيث معفو عنه إلا إذا كثر كثرة يندر وقوعها ويختلف ذلك بالأوقات
والأماكن فان وقع كثرته في محل الشك فالاحتياط أحسن والترخص به جائز أيضا) *
50

دم البراغيث ينقسم إلى قليل وكثير فالقليل معفو عنه في الثوب والبدن جميعا لأنه مما
تعم البلوى به ويشق الاحتراز عنه فعفي عنه نفيا للحرج واما الكثير ففيه وجهان أصحهما
عند العراقيين والقاضي الروياني وغيرهم انه يعفي عنه أيضا لأنه من جنس ما يتعذر الاحتراز عنه
والغالب في هذا الجنس عسر الاحتراز فيلحق غير الغالب منه بالغالب كما أن المسافر يترخص
وإن لم يلحقه في سفره مشقة اعتبارا بالغالب ولان الحاجة إلى الفرق والتمييز بين القليل والكثير
مما توجب المشقة والوجه الثاني انه لا يعفي عنه لان الأصل اجتناب النجاسات وإنما خالفنا في القليل
لعموم البلوى به وهذا أصح عند امام الحرمين وهو المذكور في الكتاب وفى معنى دم البراغيث
دم القمل والبعوض وما أشبه ذلك وكذا ونيم الذباب وبول الخفاش ولو كان قليلا فعرق وانتشر اللطخ
51

بسببه ففيه الوجهان المذكوران في الكثير واختيار القاضي الحسين انه لا يعفى عنه لمجاوزته محله
واختيار أبى عاصم العبادي العفو لتعذر الاحتراز ثم بماذا يفرق بين القليل والكثير في دم البراغيث
وغيره حكى فيه قولان قديمان أحدهما ان القليل قدر دينار فما دونه وان زاد عليه فهو كثير والثاني
ان القليل ما دون قد الكف والجديد انه لا عبرة بذلك واختلفوا فيما يضبط به على قياسه في الجديد
على وجهين أحدهما انه إذا بلغ حد يظهر للناظر من غير تأمل وامعان طلب فهو كثير وإن كان
دونه فهو قليل لان المقصود من الاحتراز عن النجاسات تعظيم أمر الصلاة وأداؤها على الهيئة
52

الحسني وإذا صارت النجاسة بحيث تظهر للناظرين فقد اختل معنى التعظيم وأظهرهما ان الرجوع فيه
إلى العادة فما يقع التلطيخ به غالبا وتعسر الاحتراز عنه فهو قليل وان زاد عليه فهو كثير وذلك لان
أصل العفو إنما أثبتناه لتعذر الاحتراز عن هذه النجاسة فينظر في الفرق بين القليل والكثير إليه
أيضا فعلى الوجه الأول لا يختلف الحال بالأماكن والأوقات وعلى الوجه الثاني هل يختلف فيه وجهان
53

أحدهما لا بل يعتبر الوسط المعتدل ولا ينظر في الأزمنة والأمكنة إلى ما يندر فيه ذلك ولا إلى ما يتفاحش
فيه وأظهرهما انه يختلف الامر باختلاف الأوقات والأماكن لان لها تأثيرا ظاهرا في سهولة الاحتراز
وعسرة فعلى هذا يجتهد المصلى فيه وينظر أهو قليل أم كثير وإذا فرعنا على ما ذكره في الكتاب
وهو أن الكثير لا يعفي عنه فلو شك في أن ما اصابه قليل أو كثير فقد ذكر امام الحرمين فيه احتمالين
54

أحدهما انه لا يعفى عنه لان الأصل اجتناب النجاسة والرخصة إنما تثبت في القليل فإذا شككنا في أنه
قليل أم لا فقد شككنا في المرخص والثاني انه يعفى لان الأصل في هذه النجاسة العفو الا إذا تيقنا
الكثرة وهذا هو الذي رجحه وذكره في الكتاب حيث قال والترخص جائز أيضا والأول هو الاحتياط
55

ولنبين المواضع المستحقة للعلامات من هذا الفصل قوله الا إذا كثر ينبغي ان يعلم بالواو للوجه الصائر
إلى العفو في الكثير والقليل وكذلك بالحاء والألف لان الحكاية عن أبي حنيفة ان دم البراغيث
طاهر وبه قال أحمد في أصح الروايتين فلا فرق بين القليل والكثير وهذا مذهبهما في الرطوبة
56

المنفصلة عن كل ما ليس له نفس سائلة كونيم الذباب ونحوه وقوله كثرة يندر وقوعها بالواو إشارة
إلى القولين القديمين فإنهما لا ينظران إلى غلبة الوقوع وندرته ولا يعتبران الكثرة بندرة الوقوع
وقوله ويختلف ذلك بالأوقات والأماكن للوجه الصائر إلى مراعاة الظهور والوجه المعتبر للوسط
أيضا وقوله والترخص جائز أيضا ينبغي ان يعلم أيضا للاحتمال الأول على ما سبق
قال (الرابعة دم البثرات وقيحها وصديدها معفو عنه وان أصابه من بدن غيره فوجهان
ولطخات الدماميل والفصدان دام غالبا فكدم الاستحاضة وان لم يدم ففي الحاقها بالبثرات تردد)
دم البثرات كدم البراغيث لان الانسان قلما يخلو عن بثرة يترشح منها شئ فلو وجب
الغسل كل مرة لشق بل ليس دم البراغيث الا رشحات تمصها البراغيث من بدن الانسان ثم
57

تمجها والا فليس لها دماء في نفسها ذكره امام الحرمين وغيره ولذلك عدت البراغيث مما ليس
له نفس سائلة إذا تمهد ذلك فالقليل منه معفو عنه بلا خلاف وفى الكثير وجهان كما في دم البراغيث
ولفظ الكتاب ههنا وإن كان مطلقا الا انه أراد به القليل لوجهين (أحدهما) أنه أجاب
بعدم العفو في دم البراغيث إذا كان كثيرا والخلاف في الدمين واحد فلا ينتظم أن نحكم ههنا
58

بالعفو في الكثير والثاني أنه قال متصلا به وان أصابه من بدن الغير فوجهان والخلاف
فيما يصيبه من بدن الغير في القليل دون الكثير على ما سيأتي وإذا كان مراده القليل
فلا حاجة إلى اعلامه بالواو من حديث أن اللفظ يتناول الكثير وهو مختلف فيه لان القلة مضمرة
فيه لكن يجوز ان يعلم بالواو من جهة انه يشمل ما إذا عصر البثرة قصدا واخرج ما فيها وقد
59

نقل صاحب التتمة في هذه الصورة وجهين لأنه مستغنى عنه والأظهر العفو على ما يقتضيه اطلاق
الكتاب لما روى أن ابن عمر رضي الله عنهما عصر بثرة على وجهه ودلك بين أصابعه بما خرج
منها وصلي ولم يغسله ولو اصابه دم من بدن غيره من آدمي أو بهيمة أو غيرهما نظر إن كان كثيرا
60

فلا عفو عنه لأنه قدر فاحش والاحتراز عنه سهل وإن كان قليلا وهو المراد من لفظ الكتاب
فقد حكى فيه وجهين وكذلك فعل الصيدلاني وجماعة والجمهور حكوهما قولين أحدهما وهو نصه
في الاملاء انه لا يعفى عنه لأنه لا يشق الاحتراز عنه فأشبه القليل من الخمر وسائر النجاسات والثاني
وهو نصه في القديم وفى الام انه يعفي عنه لان جنس الدم يتطرق إليه العفو فيقع القليل منه في محل
61

المسامجة والأصح منهما عند العراقيين إنما هو العفو وتابعهم صاحب التهذيب وعند امام الحرمين
وجماعة عدم العفو وهو الأحسن ولو أصابه شئ من دم نفسه ولكن لا من البثرات بل من
62

الدماميل والقروح ومن موضع الفصد والحجامة ففيه وجهان (أحدهما) ويحكى عن ابن سريج انه
كدم البثرات لأنها وان لم تكن غالبة فليست بنادرة أيضا وإذا وجدت دامت وعسر الاحتراز
63

عن لطخها ولان الفرق بين البثرات والدماميل الصغار قد يعسر والثاني انها لا تلحق بدم البثرات
64

لان البثرات لا يخلو معظم الناس عنها في معظم الأحوال بخلاف الدماميل والجراحات وعلى هذا فينظر إن كان
مثلها مما يدوم غالبا فهي كدم الاستحاضة وحكمه ما سبق في الحيض وإن كان مما لا يدوم غالبا
65

فيلحق بدم الأجنبي حتى لا يعفى عن كثيره بحال وفى قليله الخلاف الذي سبق والوجه الأول هو قضية كلام
الأكثرين حيث لم يفرقوا في الدم الخارج من البدن بين ان يخرج من البثرات أو غيرها والوجه الثاني
وهو اختيار القاضي ابن كج والشيخ أبى محمد وامام الحرمين رحمهم الله وهو الأولى وإذا أردت تلخيص
حكم الدماء بعد دم البراغيث فطريقه على قضية الوجه الأول أن نقول ما سوى دم البراغيث
ينقسم إلى الخارج من بدنه فهو كدم البراغيث والى غيره فلا يعفي عن كثيره وفى قليله الخلاف
وعلى قضية الوجه الثاني أن نقول ما سوى دم البراغيث ينقسم إلى الخارج من بدنه على وجه
يعم وهو دم البثرات فهو كدم البراغيث والي غيره ويدخل فيه ما يخرج من بدنه وعلى وجه لا يعم وما
يخرج من غيره فلا يعفي عن كثيره وفى قليلة الخلاف وحكم القيح والصديد حكم الدم في جميع
ما ذكرناه لأنهما دما مستحيلان إلى نتن وفساد وأما ماء القروح والنفطات فإن كان له رائحة
كريهة فهو نجس كالقيح والصديد والا ففيه طريقان (أحدهما) القطع بطهارته تشبيها له بالعرق (والثاني)
66

فيه قولان (أحدهما) هذا (وأظهرهما) النجاسة كالصديد الذي لا رائحة له ويحكى هذا عن الشيخين أبي
محمد وأبى على وأما ما يتعلق بلفظ الكتاب فمنه ما اندرج في أثناء الكلام ومنه ان قوله وان أصابه
من بدن الغير راجع إلى أول كلامه وهو دم البثرات لكن الخلاف في دم الغير لا يختص بالخارج
من بثراته بل يستوى فيه الخارج من البثرات وغير البثرات وقوله ولطخات الدماميل والفصد وقد
يقرأ بعضهم بدل الفصد العقد ولا بأس به فموضع الفصد والحجامة والدماميل كلها في الحكم
سواء وقوله إن دام غالبا أي أن دام مثلها غالبا وكذا قوله وان لم يدم أي مثلها أو ما أشبه ذلك والا
فلا يمكن أن يكون قوله دام ولم يدم صفة الدماميل ولا صفة اللطخات لان منها ما هو دائم ومنها ما هو
غير دائم فلا يجوز وصف كلها لا بالدوام ولا بعدم الدوام ثم لك ان تستدرك فتقول نظم الكتاب
يقتضى أن يكون التردد في الحاقها بدم البثرات مخصوصا بلطخات الدميل التي لا تدوم وأن تكون
67

لطخات الدماميل الدائمة ملحقة بدم الاستحاضة من غير تردد وليس الامر كذلك بل حكى
امام الحرمين وغيره في الحاقها بدم البثرات وجهين مطلقا كما قدمنا ثم يفصل على وجه عدم الالحاق
فيقال ما يدوم منها كدم الاستحاضة وما لا يدوم كدم الأجنبي وايراده في الوسيط محتمل لما ذكره
في الوجيز ولما هو الحق *
قال (الخامسة الجاهل بنجاسة ثوبه فيه قولان الجديد وجوب القضاء فإن كان عالما ثم نسي فقولان
مرتبان وأولى بالوجوب (م) ومثار التردد انه من قبيل المناهى فيكون النسيان عذرا فيه أو من قبيل الشروط
كطهارة الحدث) *
68

إذا صلى وعلى ثوبه أو بدنه أو موضع صلاته نجاسة غير معفو عنهما وهو لا يدرى
نظر ان لم يعلم بها أصلا ثم تبين الامر له ففي وجوب القضاء قولان الجديد وبه قال أبو حنيفة
انه يجب كما لو بان له بعد الفراغ من الصلاة انه كان محدثا والقديم انه لا يجب لما روى أنه صلى الله عليه
وسلم " خلع نعله في الصلاة فخلع الناس نعالهم فلما قضى صلاته قال ما حملكم على ما صنعتم
قالوا رأيناك ألقيت نعلك فألقينا نعالنا فقال إن جبريل أتاني وأخبرني أن فيها قذرا " (1) والاستدلال
انه بعد تبين الحال مضى في صلاته ولم يستأنف ولو علم بالنجاسة ثم نسي فصلى ثم تذكر فطريقان
(أحدهما) القطع بوجوب القضاء لتفريطه (والثاني) أنه على القولين لان النسيان عذر كالجهل ويقال
69

ان القول بعدم وجوب الإعادة مخرج من القول القديم في نسيان الماء في الرحل ولا يمكن اعتبارها
بالحدث فان العفو إلى النجاسات أسرع منه إلى الحدث فيجوز ان يعد الجهل والنسيان فيها من الاعذار
ثم إذا أوجبنا الإعادة فيجب إعادة كل صلاة تيقن أنه صلاها مع تلك النجاسة وان احتمل انها
حدثت بعد ما صلى فلا شئ عليه وعن أبي حنيفة إن كانت النجاسة رطبة أعاد صلاة واحدة وإن كانت
يابسة وكان في الصيف فكذلك وإن كان في الشتاء أعاد صلاة يوم وليلة إذا عرفت ذلك فاعلم أن
قوله الجاهل بنجاسة ثوبه المراد منه النجاسة التي لا يعفي عنها والخلاف لا يختص بالثوب بل البدن
والمكان في معناه وإنما ذكر الثوب مثالا فقوله الجديد وجوب القضاء اعلم لفظ الوجوب بالميم لان
المنقول عن مالك انه كان الوقت باقيا يعيد والا فلا قال الشيخ أبو حامد ومهما قال مالك ذلك
70

فلا يوجب الإعادة ولكن يستحبها في الوقت وحكى امام الحرمين مثل ذلك عن أئمة مذهبه ويجوز
ان يعلم بالألف أيضا لأنه روى عن أحمد روايتان في المسألة كالقولين وقوله فقولان مرتبان في الصورة
الثانية يشير إلى أن فيها طريقين كما رويناهما وقوله وأولي بالوجوب يجوز ان يعلم لفظ الوجوب
بالميم والألف إشارة إلى مذهبهما والحكم عندهما واحد في الصورتين وقوله ومثار التردد إلى آخره
شرحه ان خطاب الشارع قسمان (أحدهما) خطاب التكليف بالامر أو النهي والنسيان يؤثر في هذا
القسم الا يرى أن الناس لا يأثم بترك المأمور ولا بفعل المنهى لأنه لم يبق مكلفا عند النسيان بل
التحق بالمجنون وبسائر من لا يخاطب والقسم الثاني خطاب الاخبار وهو ربط الأحكام بالأسباب
وجعل الشئ شرطا من هذا القبيل فان معناه أن يقول إذا لم يوجب كذا في كذا فهو غير معتد به
والنسيان لا يؤثر في هذا القسم ولهذا يجب الضمان على من أتلف مال الغير ناسيا لأنه مأخوذ من
قوله من أتلف ضمن واختلاف القولين مستند إلى أن استصحاب النجاسة من قبيل المناهي في الصلاة
71

حتى إذا كان ناسيا يعذر ولا يعد مقصرا مخالفا أو الطهارة عنها من قبيل الشروط فلا يؤثر الجهل
والنسيان كما في طهارة الحدث وقد ورد في الباب ألفاظ ناهية نحو قوله صلى الله عليه وسلم " تنزهوا
من البول " (1) وقوله تعالى والزجر فاهجروا ألفاظ شارطة نحو ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال
" تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم ": (2) فهذا بيان ما ذكره واعلم أن هذا الكلام يوجب أن يكون
72

قوله من قبل الشرط الثاني طهارة الحدث بناء على قوله الجديد وأن يكون القول القديم منازعا فيه
ثم لك أن تقول انه عد ترك الكلام من الشروط ومعلوم ان الكلام ناسيا لا يضر بلا خلاف
بيننا فإن كانت الشروط لا تتأثر بالنسيان فمن الواجب ان لا يعده شرطا وحيث أدرجه في الشروط فكأنه
73

أراد بالشروط عند عد الأشياء الستة ما لا بد منه في الصلاة عند العلم وأراد بالشروط في قوله ههنا
ومن قبيل الشروط ما لا بد منه مطلقا وما لا بد منه عند العلم قد يكون بحيث لا بد منه على
الاطلاق وقد لا يكون كذلك ثم بتقدير أن يكون استصحاب النجاسة من المناهي في الصلاة فلم تبطل
الصلاة إذا استصحبها عالما أيلزم ذلك من نفس النهي أم يؤخذ من دليل زائد فيه كلام أصولي
74

لا أطول منها بذكره خاتمة لهذا الشرط قوله في أول القسم الثاني اما مظان الاعذار فخمس يشعر
بانحصارها في الخمس المذكورة لكن للعذر مظان أخر منها النجاسة التي تستصحبها المستحاضة وسلس
البول في صلاته ومنها ما إذا كان على جرحه دم كثير يخاف من ازالته ومنها تلطخ
سلاحه بالدم في صلاة شدة الخوف ومنها الشعر الذي ينتف ولا يخلوا عنه ثوبه
75

وبدنه وحكمه حكم دم البراغيث ومنها القدر الذي لا يدركه الطرف من البول والخمر وغير الدم من
النجاسات ففيه خلاف ذكرناه في الطهارة وقال أبو حنيفة النجاسة قسمان مغلظة ومخففة فالمغلظة
76

كالخمر والعذرة وبول ما لا يؤكل لحمه فيعفى عنها في الثوب والبدن والمكان بقدر الدرهم البغلي
فما دونه فان زاد لم يجز والمخففة كبول ما يؤكل لحمه فتجوز الصلاة معه ما لم يتفاحش وهو ان
لا يبلغ ربع الثوب ومنهم من قال التفاحش الشبر في الشبر *
77

قال (الشرط الثالث ستر العورة وهو واجب في غير الصلاة وفى وجوبه في الخلوة تردد
والمصلي في الخلوة يلزمه الستر في الصلاة) *
وجوب ستر العورة عند القدرة لا يختص بحالة الصلاة بل يجب في غير حالة الصلاة أيضا
لما روى أنه صلى الله عليه وسلم " قال لا تكشف فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت " (1) وروى
78

" لا تبرز فخذك " وهذا إذا كان معه غيره فاما إذا كان في الخلوة فوجهان أحدهما وبه قال الشيخ أبو محمد
لا يجب إذ ليس ثم من ينظر إليه وروى هذا عن أبي حنيفة واحمد وأصحهما وبه قال الشيخ أبو علي
79

يجب لظاهر الخبر وللتستر عن الجن والملائكة وأيضا فان الله تعالى أحق ان يستحيي منه (1) واما في
حالة الصلاة فهو شرط للصحة فلو تركه مع القدرة بطلت صلاته سواء كان في خلوة أو معه غيره
80

خلافا لمالك حيث قال إنه ليس بشرط لكنه واجب في الصلاة وغيرها وروى بعضهم عن مذهبه أن
الستر شرط عند الذكر ولا يشترط حالة النسيان لنا قوله تعالي خذوا زينتكم عند كل مسجد عن
ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال يعنى الثياب عند الصلاة وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " لا يقبل الله
صلاة الحائض الا بخمار " (1) والمراد بالحائض البالغة فلك أن تعلم قوله الشرط الثالث ستر العورة بالميم
81

لما حكينا عن مذهب مالك وقوله يلزمه الستر في الخلوة إن كان المراد منه الاشتراط فكذلك ينبغي أن
يعلم بالميم وإن كان المراد منه الوجوب فلا ويجوز أن يعلم قوله ستر العورة بالحاء والألف أيضا لأنه يشير
إلى أن ستر الكل شرط فإنه لو كان البعض مكشوفا فاصح أن يقال ما ستر عورته إنما ستر بعضها وعند
أبي حنيفة لو ظهر من العورة المغلظة قدر درهم بطلت صلاته ولا باس بظهور ما دونه ولو ظهر من العورة
المخففة قدر ربع عضو بطلت الصلاة ولا باس بظهور ما دونه قال والمغلظة السوأتان والمخففة ما سواهما
82

على تفاوته بين الرجل والمرأة كما سيأتي وعند أحمد لو ظهر اليسير من العورة لم يضر ولم يقدر كما فعله
أبو حنيفة رحمه الله *
قال (وعورة الرجل ما بين السرة والركبة وعورة الحرة جميع بدنها الا الوجه واليدين إلى الكوعين
وظهر القدم عورة في الصلاة وفى أخمصها وجهان أما الأمة فما يبدو منها في حال المهنة ليس بعورة وما
هو عورة من الرجل فهو عورة منها وما بينهما) *
83

ترجمة هذا الشرط الثالث إنما هي ستر العورة فيجب بيان العورة وبيان كيفية الستر وانه بم يحصل
وهذا الفصل لبيان حد العورة وهي من الرجل حرا كان أو عبدا ما بين السرة والركبة وليست السرة
من العورة ولا الركبة على ظاهر المذهب لما روى عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال " ما فوق الركبة ودون السرة عورة " وروى أنه قال " عورة الرجل ما بين سرته
84

وركبته " (1) وليكن قوله ما بين السرة والركبة معلما بالحاء لان عند أبي حنيفة الركبة غير خارجة عن حد العورة
وإن كانت السرة خارجة وبالميم لان عن مالك الفخذ ليس بعورة وبالواو لأمور ثلاثة (أحدها) انهم
حكوا وجها عن بعض الأصحاب أنهما جميعا من العورة (والثاني) أن أبا عبد الله الحناطي حكى عن
85

الإصطخري أن عورة الرجل هي القبل والدبر فقط (والثالث) أن أبا عاصم العبادي حكي عن بعضهم
أن الركبة من العورة دون السرة وليكن معلما بالألف أيضا لان عن أحمد رواية أن عورته القبل والدبر
86

لا غير وعنه رواية أخرى مثل مذهبنا وهي أظهر عندهم وأيضا فان المراد من العورة ههنا ما يجب ستره في
الصلاة وعنده يجب ستر المنكب في الصلاة المفروضة وهو خارج عما بين السرة والركبة اما المرأة فإن كان
ت حرة فجميع بدنها عورة الا الوجه واليدين لقوله تعالي (ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها) قال
87

المفسرون هو الوجه والكفان وليس المراد الراحة وحدها بل اليدان ظهرا وبطنا إلى الكوعين
خارجتان عن حد العورة ولا يكاد يفرض ظهور باطن اليدين دون ظاهرهما ولا يستثنى ظهور قدميها
88

خلافا لأبي حنيفة حيث قال القدمان من العورة وبه قال المزني لنا ما روى صلى الله عليه وسلم
" سئل عن المرأة تصلي في درع وخمار من غير ازار فقال لا باس إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها " (1)
وهل يستثني أخمصا القدمين حكي صاحب الكتاب وطائفة فيه وجهين وجعلهما آخرون قولين منهم
القفال (أحدهما) انهما ليستا من العورة لان النبي صلى الله عليه وسلم خص ظهور القدمين بالذكر فاشعر
ذلك بان تغطية باطن القدمين لا تجب (وأصحهما) انهما من العورة تسوية بين ظاهرهما وباطنهما كما يسوى
89

بين ظاهر اليدين وباطنهما في الخروج عن حد العورة: ولك ان تعلم قوله واليدين بالألف لان أصحابنا
حكوا عن أحمد انه لا يستثنى الا الوجه ويدها عورة وقوله وظهر القدمين عورة في الصلاة كالمستغنى عنه
ولو اقتصر على قوله الا الوجه واليدين وفى أخمصي قدميها وجهان لحصل الغرض لأنه إذا لم يستثن الا
الوجه واليدين بقي ظهر القدمين داخلا في المستثنى منه وإذ ذكره فليعلم بالحاء والزاي لما قدمناه
وقوله عورة في الصلاة أشار به إلى أن العورة قد تطلق لمعنى آخر وهو ما يحرم النظر إليه وكلامنا
90

الآن فيما يجب ستره في الصلاة فاما ما يجوز النظر إليه وما لا يجوز فيذكر في أول كتاب النكاح
هذا ما قصده لكن هذه الإشارة لا اختصاص لها بظهر القدم فلو تعرض لها في أول ما ذكر العورة لكان
أحسن واما الأمة فقد جعل بدنها على ثلاث مراتب (إحداها) ما هو عورة من الرجل فلا شك في كونه عورة
منها (والثانية) ما يبدو وينكشف في حال المهنة فليس بعورة منها وهو الرأس والرقبة والساعد وطرف
الساق لأنها تحتاج إلى كشفه ويعسر عليها ستره وفيه وجه ان جميع ذلك عورة كما في حق الحرة
سوى الرأس لان عمر رضي الله عنه رأى أمة سترت رأسها فمنعها عن ذلك وقال أتتشبهين بالحرائر
فليكن قوله مما يبدو منها في حال المهنة معلما بالواو لهذا الوجه (والثالثة) ما عداهما كالظهر والصدر وفيه
وجهان أحدهما انه عورة كما في حق الحرة وإنما احتملنا الكشف فينا يظهر عند المهنة لان الحاجة تدعو
إليه وأصحهما انه ليس بعورة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يشترى الأمة
" لا باس أن ينظر إليها الا إلى العورة وعورتها بين معقد إزارها إلى ركبتها " (1) وحكم المكاتبة والمدبرة
والمستولدة ومن بعضها رقيق حكم الأمة وحكم الخنثى المشكل إن كان رقيقا وقلنا بظاهر المذهب وهو
ان عورة الأمة كعورة الرجل فلا يلزمه أن يستر في صلاته الا ما بين السرة والركبة وإن كان حرا أو
رقيقا وقلنا إن عورة الأمة أكثر من عورة الرجل وجب عليه ستر الزيادة على عورة الرجل أيضا
لجواز الأنوثة فلو خالف ولم يستر الا ما بين السرة والركبة فهل تجزيه صلاته فيه وجهان نقلهما في
البيان أحدهما نعم لان كون الزيادة عورة مشكوك فيه والثاني لا لاشتغال ذمته بفرض الصلاة والشك
في براءتها *
91

قال (وأما الساتر فكل ما يحول بين الناظر وبين البشرة ولا يكفي الثوب السخيف ولا الماء الصافي ويكفى
الماء الكدر والطين وفى وجوب التطيين عند فقد الثوب وجهان وإذا كان القميص متسع الذيل فلا باس وإن كان
متسع الجيب لم يجز الا إذا كانت كثافة لحيته تمنع من الرؤية عند الركوع فيجوز على أحد الوجهين وكذا
لو ستر باليد بعض عورته) *
في الفصل مسألتان (أحداهما) في صفة الساتر ويجب ان يستر عورته بما يحول بين الناظر ولون البشرة
فلا يكفي الثوب الرقيق الذي يشاهد من ورائه سواد البشرة وبياضها وكذا الغليظ المهلهل النسج
الذي تظهر بعض العورة من فرجه فان مقصود الستر لا يحصل بذلك اما لو ستر اللون ووصف حجم
الأعضاء فلا باس كما لو لبس سروالا ضيقا أو ثوبا ضيقا ووقف في الشمس وكان حجم أعضائه يبدو
92

من ورائه ولو وقف في ماء صاف لم تصح صلاته لأنه لا يحول بين الناظر ولون البشرة الا إذا غلبت
الخضرة لتراكم الماء فان خاض فيه إلى عنقه ومنعت الخضرة من رؤية لون البشرة فحينئذ يجوز وقوله ولا
الماء الصافي المراد منه غير هذه الحالة وإن كان اللفظ مطلقا ولو وقف في ماء كدر وصلي فهل يجزئه فيه
وجهان أصحهما وهو المذكور في الكتاب انه يجزئه لأنه يمنع مشاهدة اللون فأشبه ورق الشجر والجلد
وغيرها والثاني لا يجزئه لأنه لا يعد ساتر حكي هذا عن الحاوي ونقله أبو الحسن العبادي عن القفال أيضا
وإنما تفرض الصلاة في الماء إذا قدر على الركوع والسجود على الأرض أو كان في صلاة الجنازة حتى
لا يحتاج إلى الركوع والسجود ولو طين عورته واستتر اللون أجزأه وان قدر على الستر بالثياب لحصول
مقصود الستر هذا هو المشهور وذكر امام الحرمين انه متفق عليه بين الأصحاب لكن صاحب العدة قال
93

فيه وجه آخر انه لا يجوز لأنه إذا جف تشقق فلا يحصل به الستر وهذا قريب من الوجه المحكي في الماء
الكدر فان الستر بهما مما لا يعتاد بحال فليكن كل واحد من اللفظين الماء الكدر والطين معلما بالواو
وإذا فرعنا على الظاهر فلو لم يجد ثوبا ونحوه وأمكنه التطيين فهل يجب عليه ذلك فيه وجهان أحدهما لا
وبه قال أبو إسحاق لما فيه من المشقة والتلويث وأصحهما نعم لحصول الستر وإذا طين فإن كان الطين
ثخينا وأمكن الاحتراز عن مس الفرج بثخنه فذاك وإن كان رقيقا فليلف خرقة على اليد ان وجدها
وله ان يستعين فيه بغيره وكل هذا إذا عجز عن تقديم التطيين على الوضوء (المسألة الثانية) في كيفية الستر
قال الأصحاب الستر يرعى من الجوانب ومن فوق ولا يرعي من أسفل الإزار والذيل حتى لو صلى
في قميص متسع الذيل وإن كان على طرف سطح يرى عورته من نظر من الأسفل لان الستر إنما
94

يلزم من الجهة التي جرت العادة بالنظر منها والعادة لم تجر بالنظر من أسفل وتوقف امام الحرمين وصاحب
المعتمد في صورة الواقف على طرف السطح لان الستر من الأسفل إنما لا يراعي إذا كان على وجه
الأرض فان التطلع من تحت الإزار لا يمكن الا بحيلة وتعب أما إذا كان على طرف السطح فالأعين تبتدر
ادراك السوءة فليمتنع ذلك ولو صلى في قميص واسع الجيب ترى عورته من الأعلى في حال من أحوال
الصلاة اما في الركوع والسجود أو غيرهما لم تصح الصلاة لما روى عن سلمة بن الأكوع قال " قلت يا رسول
الله انى رجل اصيد أفأصلي في القميص الواحد قال نعم وازرره بشوكة " (1) وطريقه عند سعة الجيب أن يزره
95

كما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم أو يشد وسطه بخيط أو يستر موضع الجيب بشئ يلقيه على
عاتقه أو ما أشبه ذلك وكذا لو لم يكن واسع الجيب لكن كان على صدر القميص أو ظهره خرق تبدو
منه العورة فلا بد من شئ مما ذكرناه ولو كان القميص بحيث يرى من سعة جيبه شئ من العورة عند
الركوع والسجود لكن منع منها لحيته أو شعر رأسه ففيه وجهان أحدهما لا تجزيه صلاته لان الساتر
لا بد وأن يكون غير المستتر فلا يجوز أن يكون بعضه لباسا له وهذا ما ذكره القاضي ابن كج والروياني
وأصحهما أنه يجوز لحصول مقصود الستر كما لو ستره بمنديل وكما لو كان على ازاره ثقبة فجمع عليها الثوب
بيده ولو ستر باليد الثقبة ففيه الوجهان ولا يخفى أن الكلام فيما إذا لم تمس السوءة ولو كان القميص
بحيث تظهر منه العورة عند الركوع ولا مانع وكان لا يظهر شئ منها في القيام فهل تنعقد صلاته ثم
إذا انحنى بطل أو لا تنعقد أصلا قال امام الحرمين فيه هذا الوجهان لان سبب عدم التكشف
التصاق صدره في القيام بموضع أزراره وتظهر فائدة الخلاف فيما لو اقتدى به غيره قبل الركوع وفيما
لو القى ثوبا على عاتقه قبله ويتبين بما ذكرناه أن قوله الا إذا كانت كثافة لحيته مانعة من الرؤية ليس
لحصر الاستثناء في هذه الصورة بل لو صلى في قميص متسع الجيب وشد وسطه أو أتى بطريق آخر
يمنع الرؤية كما سبق جاز وكذا لو ستر باليد بعض عورته في جريان الوجهين والأصح منهما (واعلم)
أنه يشترط في الستر أن يكون الساتر شيئا يشتمل الستور عليه اما باللبس كالثوب والجلد أو بغير
96

اللبس كما في صورة التطيين فأما الفسطاط الضيق ونحوه فلا عبرة به لأنه لا يعد مشتملا عليه وإنما
يقال هو داخل فيه ولو وقف في جب وصلي على جنازة فإن كان واسع الرأس تظهر منه العورة لم يجز
وإن كان ضيق الرأس فقد قال في التتمة يجوز ذلك ومنهم من قال لا يجوز لأنه لا يعد ذلك سترا *
قال (ولو وجد خرقة لا تكفى الا لإحدى السوأتين لم يستر بها الفخذ ويخير بين السوأتين
على أعدل الوجوه إذ لا ترجيح ولو عتقت الأمة في أثناء الصلاة تسترت واستمرت فإن كان الحمار
بعيدا فعلى قولي سبق الحدث) *
97

في الفصل مسألتان نذكرهما وما يليق بهما في قاعدتين (إحداهما)
إذا لم يجد المصلى ما يستر به العورة صلى عاريا والقول في أنه كيف يصلى وإذا صلى هل يقضى قد
سبق في آخر كتاب التيمم ولو حضر جمع من العراة فلهم أن يصلوا جماعة وينبغي أن يقف امامهم
وسطهم كالنسوة إذا عقدن الجماعة وهل يسن لهم إقامة الجماعة أم الأولى ينفردوا فيه قولان
القديم أن الانفراد أولى ويحكى عن أبي حنيفة ولو كان فيهم لابس فليؤمهم وليقفوا صفا
واحدا خلفه فان خالفوا فأم عار واقتدى به اللابس جاز خلافا لأبي حنيفة حيث قال لا يجوز اقتداء
اللابس بالعاري ولو اجتمع رجال ونساء فلا يصلون معا لا في صف ولا في صفين بل يصلي الرجال
أولا والنساء جالسات خلفهم مستدبرات للقبلة ثم يصلي الرجال والنساء جالسون خلفهن كذلك ولو
وجد المصلي ما يستر به بعض العورة فعليه أن يستر به القدر الممكن بلا خلاف لا كمن يجد من الماء
98

ما لا يكفيه لطهارته فان فيه خلافا قدمناه لان للماء بدلا ينتقل إليه والستر بخلافه ثم إن كان ما وجده يكفي
للسوأتين بدأ بهما ولو كان لا يكفي الا أحدهما لم يعدل إلى ستر غيرهما كالفخذ لان ما سوى
السوأتين كالتابع والحريم لهما فسترهما أهم وأولي وفيهما ثلاثة أوجه أصحها عند جمهور الأصحاب
وحكوه عن نص الشافعي رضي الله عنه أنه يستر القبل رجلا كان أو امرأة لأنه لا حائل دون
القبل ودون الدبر حائل وهو الأليتان والثاني انه يستر الدبر لأنه أفحش عند الركوع والسجود
والثالث انه يتخير لتعارض هذين المعنيين حكى هذا الوجه القاضي ابن كج وغيره وهو أرجح
عند المصنف وأعدل لتقابل الامرين وانتفاء الترجيح لكن من صار إلى الوجه الأول ذكر شيئا
آخر وهو انه يستقبل بالقبل القبلة فيكون ستره أهم تعظيما لها وهذا كله في واضح الذكورة والأنوثة
99

أما الخنثى المشكل ان وجد ما يستر به قبله ودبره قدم سترهما فإن لم يف الموجود بهما وفرعنا على أنه
يقدم القبل فيستر قبليه فإن كان لا يكفي الا لأحدهما ستر أيهما شاء والأولى ان يستر آلة الرجال
إن كان ثم امرأة وآلة النساء إن كان ثم رجل ثم ما ذكرناه من تقديم السوأتين أو إحداهما على الفخذ
وغيره ومن تقديم إحدى السوأتين على الأخرى على الخلاف الذي فيه كلام في الاستحقاق أو في
الأولوية والاستحباب قال امام الحرمين لا يمتنع ان يقال الكلام في الأولوية وله ستر ما شاء لان
الفخذ وما دون السرة من العورة ولا فرق عندنا بين السوءة وغيرها في وجوب الستر وأبو حنيفة
100

رحمه الله هو الذي يفصل ويقسم العورة إلى مغلظة ومخففة قال وفى كلام الأصحاب ما يدل على أنه في
التحتم نظر إلى عرف الناس فان من ستر فخذه وترك السوءة بادية يعد منكشفا (واعلم) أن الأول
من هذين الاحتمالين هو الذي أورده طائفة منهم القاضي الروياني وردوا الكلام إلى الأولوية
صريحا والثاني قضية كلام الأكثرين وهو الأولى وقوله في الكتاب لم يستر بها الفخذ: إن كان
المراد منه أحد الاحتمالين فليعلم بالواو لمكان الثاني وإن كان المراد المشترك بينهما وهو الظاهر
101

فذاك (الثانية) لو كانت الأمة تصلي مكشوفة الرأس فعتقت في خلال الصلاة نظر ان لم تقدر على الستر
مضت في صلاتها كالعاجز يأتي بجميع الصلاة في العرى وإن كانت قادرة على الستر لكنها لم تشعر
بقدرتها عليه أو لم تشعر بالعتق حتى فرغت من الصلاة ففي وجوب القضاء عليها القولان المذكوران
فيما إذا صلى جاهلا بنجاسة ثوبه ومنهم من قطع بالوجوب ههنا لأنها كانت متمكنة من الستر قبل
الشروع في الصلاة وان شعرت بهما فإن كان الخمار قريبا منها فطرحته على رأسها أو طرحه غيرها
عليها مضت في صلاتها وكان ذلك بمثابة ما لو كشف الريح عورته فرد الثوب في الحال وإن كان بعيدا
أو احتاجت في التستر إلى أفعال كثيرة ومضي مدة في التكشف ففيه القولان المذكوران في سبق
الحدث فان فرعنا على القديم فلها ان تسعى في طلب الساتر كما يسعى في طلب الماء وان وقفت حتى أتيت
به نظر ان وصل إليها في المدة التي كانت تصل إليه لو سعت فلا باس وان زادت المدة فوجهان
102

أحدهما يجوز ذلك لما فيه من ترك المشي والافعال وأظهرهما لا يجوز وتبطل صلاتها لزيادة المدة
وكثره الافعال لا باس بها على القول الذي يفرع عليه وينبغي أن يطرد هذا التفصيل والخلاف في
طلب الماء عند سبق الحدث وان لم نذكره ثم هو لو شرع العاري في الصلاة ثم وجد السترة في
أثنائها فحكمه على ما ذكرنا في الأمة تعتق وهي واجدة السترة: ونختم الكلام في هذا الشرط بفروع
مهمة (منها) أنه ليس للعاري أخذ الثوب من مالكه قهرا ولو وهبه منه لم يلزمه قبوله وحكى فيه
وجهان آخران أحدهما أنه يلزمه القبول والصلاة فيه ثم له الرد والثاني عليه القبول وليس له الرد
ولو اعاره منه فعليه القبول فلو لم يقبل وصلي عريانا لم تصح صلاته ولو باعه أو آجره منه فهو كما لو
بيع الماء منه وقد ذكرناه في التيمم واقراض الثوب كاقراض الثمن ولو احتاج إلى شراء الثوب
103

والماء ولم يقدر على شرائهما يقدم شراء الثوب (ومنها) لو أوصى بثوبه لأولى الناس به في ذلك الموضع
فالمرأة أولي من الرجل والخنثى أولى من الرجل (ومنها) لو لم يجد الا ثوبا نجسا ولم يجد ما يغسله به
فقولان أحدهما يصلي فيه تسترا عن أعين الناس كما أنه يجب التستر به خارج الصلاة وعلى هذا
تجب الإعادة وأصحهما انه يصلي عاريا ولا يلبسه فإن لم يجد الا ثوب حرير فاصح الوجهين أنه يصلي
فيه لان لبس الحرير يباح للحاجة (ومنها) يستحب أن يصلي الرجل في أحسن ما يجده من ثيابه يتعمم
ويتقمص ويرتدى فان اقتصر على ثوبين فالأفضل قميص ورداء أو قميص وسراويل فان اقتصر
على واحد فالقميص أولي ثم الإزار ثم السراويل وإنما كان الإزار أولي لأنه يتجافى ثم في الثوب
الواحد إن كان واسعا التحف به وخالف بين طرفيه كما يفعل القصار في الماء وإن كان ضيقا عقده
104

فوق سرته ويجعل على عاتقه شيئا ويستحب ان تصلي المرأة في قميص سابغ وخمار وتتخذ جلبابا
كثيفا فوقا ثيابها ليتجافي عنها ولا يتبين حجم أعضائها
قال (الشرط الرابع ترك الكلام والعمد منه مع العلم بتحريمه مبطل للصلاة قل أو كثر فتبطل
الصلاة بالحرف الواحد إن كان مفهما وان لم يكن مفهما فلا تبطل الا بتوالي حرفين وفى حرف بعده مدة
تردد والتنحنح بغير ضرورة مبطل في أصح الوجوه وان تعذرت القراءة الا به لم يضر وان
تعذر الجهر فوجهان) *
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (1) " ان صلاتنا هذه لا يصح فيها شئ من كلام الآدميين
105

إنما هي للتسبيح والتكبير وتلاوة القرآن " وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " ان الله يحدث من أمره
ما يشاء وان مما أحدث ان لا تتكلموا في الصلاة " (1) للمتكلم في الصلاة حالتان (أحداهما) أن لا يكون
معذورا فيه (والثانية) أن يكون معذورا وهذا الفصل مسوق لبيان الحالة الأولى فينظر ان نطق
بحرف واحد لم تبطل صلاته الا إذا كان مفهما اما انه لا تبطل إذا لم يكن مفهما فلان أقل ما بنى عليه
الكلام حرفان والحرف الواحد ليس من جنس الكلام واما انه تبطل إذا كان مفهما فلاشتماله على
مقصود الكلام والاعراض به عن الصلاة ومثال الحرف الواحد المفهم ق وش من وقى ووشي وما أشبه
106

ذلك فإنه يفهم وإن كان ينبغي أن يسكت عليها بالهاء وان نطق بحرفين بطلت صلاته سواء أفهما
أم لا لان ذلك من جنس الكلام والكلام ينقسم إلى مفيد وغير مفيد ولو اتي بحرف ومدة بعده
فهل هما كالحرفين فيه وجهان أحدهما لا لأنها قد تتفق لاشباع الحركة ولا يعد حرفا وأظهرهما نعم
لان المدة الف أو ياء أو واو وهي حروف مخصوصة فضمها إلى الحرف كضم حرف آخر إليه ومال
امام الحرمين إلى رفع هذا الخلاف بحمل الوجه الأول على ما إذا أتبعه بصوت غفل لا يقع على صورة المدات
والجزم بالمنع إذا أتبعه بحقيقة المد وفى التنحنح ثلاثة أوجه أظهرها انه ان لم يبن منه حرفان فلا تبطل
الصلاة والا فيبطلها كما لو اتي بحرفين على وجه آخر والثاني انه لا تبطل وان بان منه حرفان لأنه ليس من
جنس الكلام ولا يكاد يتبين منه حرف محقق فأشبه الصوت الغفل وحكي هذا عن نص الشافعي
رضي الله عنه والثالث ذكر القفال انه إن كان مطبقا فمه لم يضر وإن كان فاتحا فمه ننظر حينئذ هل
يبين منه حرفان أم لا والفرق انه إن كان مطبقا شفتيه كان التنحنح كقرقرة في التجاويف فإذا
فرعنا على الأول وهو الذي قطع به الجمهور فذلك إذا أتى به قصدا من غير حاجة فاما إذا كان
مغلوبا فلا باس ولو تعذرت القراءة الا به تنحنح وهو معذور وان أمكنه القراءة لكن تعذر
عليه الجهر لو لم يتنحنح ففيه وجهان أحدهما أنه يعذر به إقامة لشعار الجهر ولان التنحنح في أثناء
القراءة لا يعد منقطعا عن القراءة بل يعد من توابعها وأظهرهما أنه ليس بعذر لان الجهر أدب وسنة
ولا ضرورة إلى احتمال التنحنح له ولو تنحنح الامام وظهر منه حرفان فهل للمأموم أن يدوم على
متابعته فيه وجهان ذكرهما القاضي الحسين أحدهما لا بل يفارقه لان الأصل سلامته وصدور
107

أفعاله عن اختياره وأظهرهما أن له أن يدوم على متابعته لان الأصل بقاء العبادة والظاهر من حاله
الاحتراز عن مبطلات الصلاة فيحمل على كونه مغلوبا والضحك والبكاء والنفخ والأنين
كالتنحنح ان بان منها حرفان بطلت صلاته والا فلا ولا فرق بين أن يكون بكاؤه لأمر الدنيا أو
الآخرة وعند أبي حنيفة إن كان الأنين والبكاء لأمر الجنة أو النار لم يضر وإن كان لمرض ونحوه
بطلت صلاته بكل حال إذا عرفت ذلك فعد إلى ألفاظ الكتاب واعلم أن قوله والعمد منه مبطل
للصلاة الغرض منه بيان حكم الكلام في غير المعذور لإدارة الحكم على وصف العمدية فإنه قد
يتكلم عامدا ولا تبطل صلاته على ما سيأتي في الاعذار لكن الوصف المقابل للعمدية وهو
النسيان أشهر الاعذار فكني بالعامد عن غير المعذور وقوله فتبطل الصلاة بالحرف الواحد إلى
آخره إشارة إلى حد القليل معناه ما قل هو الحرف الواحد إن كان مفهما أو حرفان كيفما كانا وقوله
والتنحنح لغير ضرورة مبطل في أصح الوجوه مطلق والمراد منه ما إذا ظهر منه حرفان فان قلت لو
لم يظهر الا حرف واحد لم يقع عليه اسم التنحنح وقد تعرض في الكتاب للتنحنح فلا حاجة إلى
التقييد المذكور فالجواب أن انتقاء ظهور الحرفين قد يكون لانحصار ما ظهر في الحرف الواحد
وقد يكون لاسترسال سعال لا يبين منه حرف أصلا فلا بد من التقييد (وقوله) لغير ضرورة كأن
المراد بالضرورة الحاجة والا فيدخل في قوله والتنحنح لغير ضرورة مبطل ما إذا تعذرت القراءة الا
به لأنه يمكنه الصبر فلعلها تتيسر على قرب وحينئذ يكون ما ذكره حكما بالبطلان في تلك الصورة
ومعلوم انه ليس كذلك *
108

قال (ولا تبطل الصلاة بسبق اللسان ولا بكلام الناسي (ح) ولا بكلام الجاهل (ح) بتحريمه إن كان
قريب العهد بالاسلام وهل تبطل بكلام المكره فيه قولان ومصلحة الصلاة ليست عذرا (م) في الكلام) *
غرض هذا الفصل القول في اعذار الكلام فمنها سبق اللسان إلى الكلام عن غير قصد
منه لا يقدح في الصلاة بحال لأنا سنبين ان الناسي معذور فهذا أولي لان الناسي يتكلم قاصدا إليه
وإنما غفل عن الصلاة وهذا غير قاصد إلى الكلام وكذلك لو غلبه الضحك أو السعال لم يضر وان
بان منه حرفان ومنها النسيان فلا تبطل الصلاة بكلام الناسي للصلاة خلافا لأبي حنيفة حيث قال
كلام الناسي ككلام العامد وسلم أبو حنيفة أن سلام الناسي لا يبطلها وعن أحمد روايتان أحداهما
مثل مذهبه والأشهر مثل مذهبنا لنا ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال " صلى بنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم العصر وسلم في ركعتين فقال ذو اليدين فقال أقصرت الصلاة أم نسيت فقال كل ذلك لم يكن فقال قد كان
بعض ذلك فاقبل على الناس فقال أصدق ذو اليدين فقيل نعم فأتم ما بقي من الصلاة وسجد للسهو " (1) ووجه
109

الاستدلال انه تكلم معتقدا انه ليس في الصلاة ثم بني عليها وأيضا القياس على السلام ناسيا وعلى الاكل في الصوم
ناسيا ومنها الجهل بتحريم الكلام على المصلى لما روى عن معاوية بن الحكم قال " لما رجعت من الحبشة
صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس بعض القوم فقلت يرحمك الله فحدقني الناس بابصارهم
فقلت ما شأنكم تنظرون إلى فضربوا بأيديهم على أفخاذهم يسكتونني فسكت فلما فرغ رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال يا معاوية ان صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هي التسبيح
والتكبير وقراءة القرآن " (1) وهذا عذر في حق قريب العهد بالاسلام فإن كان بعيد العهد به بطلت صلاته
110

لأنه مقصر بترك التعلم ولو علم أن الكلام حرام في الصلاة ولكن لم يعلم أنه مبطل لها لم يكن ذلك عذرا
كما لو علم أن شرب الخمر حرام ولم يعلم أنه يوجب الحد بخلاف ما لو لم يعلم التحريم والسبب فيه انه بعد
ما عرف التحريم حقه الامتناع وقال في الوسيط عقيب هذه المسألة الجهل بكون التنحنح أو ما يجرى مجراه
مبطلا فيه تردد يعنى وجهين والأصح انه عذر ويبعد أن يكون التصوير فيما إذا جهل كون التنحنح مبطلا
بعد العلم بتحريمه فانا إنما اكتفينا في المسألة السابقة بالعلم بالتحريم من حيث إنه إذا علم التحريم فينبغي
أن يمتنع عن الحرام ولا حاجة إلى العلم بكونه مبطلا وهذا موجود في التنحنح فلا يظهر بينهما فرق مع التسوية
في الحرمة والقول بكونهما مبطلين ولكن الأقرب شيئان أحدهما أن يكون هذا التردد في الجاهل بكون
التنحنح مبطلا بعد العلم بكون الكلام مبطلا أو حراما لا التنحنح وان بان منه حرفان لا يعد كلاما فلا
يلزم من العلم بالمنع عن الكلام العلم بالمنع منه والتردد على هذا التنزيل قريب من التردد فيما إذا علم أن
جنس الكلام محرم ولم يعلم أن ما أتي به هل هو محرم أم لا والظاهر في الصورتين أنه معذور والثاني
أن يكون التردد في حق بعيد العهد بالاسلام إذا جهل كون التنحنح مبطلا هل يعذر أم لا فعلى رأى لا كما إذا
111

جهل كون الكلام مبطلا وعلى رأى نعم لان ذلك مشهور لا يكاد يجهله مسلم وهذا مما يختص بمعرفته الفقيه
والله أعلم ومنها الاكراه فلو أكره حتى تكلم هل تبطل صلاته فيه قولان كالقولين فيما لو أكره الصائم على الاكل
أحدهما لا تبطل صلاته الحاقا للاكراه بالنسيان وفى الخبر " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " (1)
وأصحهما ولم يذكر في التهذيب سواه انها تبطل لأنه أمر نادر بخلاف النسيان وصار كما لو أكره على أن يصلى بلا
وضوء أو قاعدا تجب عليه الإعادة ولا يكون عذرا ثم جميع هذه الاعذار في الكلام اليسير فاما إذا كثر ففي
صورة النسيان وجهان مشهوران (أحدهما) انه لا يبطل الصلاة لأنه لو أبطلها لأبطلها القليل كما في حالة التعمد
وبهذا قال أبو إسحاق وأظهرهما عند الجمهور انها تبطل وعليه يدل كلام الشافعي رضي الله عنه في المختصر
وذكروا له معنيين أحدهما ان الاحتراز عن الكثير سهل غالبا لان النسيان فيه يبعد ويندر وما يقع
نادرا لا يعتد به والثاني انه يقطع نظم الصلاة وهيئتها والقليل يحتمل لقلته ورتبوا على هذه المسألة
بطلان الصوم بالاكل الكثير ناسيا ان قلنا لا تبطل الصلاة فالصوم أولي بان لا يبطل وان قلنا
ببطلان الصلاة ففي الصوم وجهان مبنيان على المعنيين ان قلنا بالمعني الأول يبطل وان قلنا بالثاني فلا
إذ ليس في الصوم أفعال منظومة حتى يفرض انقطاعها وإنما هو انكفاف مجرد واجري صاحب
المهذب وغيره هذا الخلاف في حالة الجهل أيضا وكذلك في سبق اللسان: وما الحد الفارق بين القليل
والكثير حكى في البيان عن الشيخ أبي حامد ان الكلام اليسير حده الكلمة والكلمتان والثلاث
ونحوها وعن ابن الصباغ ان اليسير هو القدر الذي تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذي
اليدين وكل واحد منهما للتمثيل أصلح منه للتحديد والأظهر فيه وفى نظائره الرجوع إلى العادة
على ما سيأتي إذا عرفت ذلك عرفت أن قوله ولا تبطل بسبق اللسان ولا بكلام الناسي إلى
آخره المراد منه الكلام اليسير وإن كان اللفظ مطلقا الا أن يريد الجواب على الوجه المنسوب إلى أبى
اسحق فحينئذ لا حاجة إلى التقييد ويحتاج إلى الاعلام بالواو والظاهر أنه ما أراد الا اليسير وقوله
ولا بكلام الناسي معلم بالحاء والألف لما قدمنا ولك ان تعلم قوله ولا بكلام الجاهل بالحاء أيضا لان
112

في كلام أصحابنا حكاية الخلاف عن أبي حنيفة في صورة الجهل أيضا (وقوله) بأن كان قريب العهد
بالاسلام في بعض النسخ إن كان قريب العهد وهو أولى لان الغرض تقييد الجاهل وإنما يقال بأن يكون
كذا في موضع التفسير والبيان (وقوله) ومصلحة الصلاة ليست عذرا في الكلام الغرض منه بيان انه لا
113

فرق بين أن يتكلم لمصلحة الصلاة مثل أن يقول لامامه الساهي بالقيام اقعد أو بالقعود قم أو
تكلم لا لمصلحتها وكونه لمصلحتها ليس من جملة الاعذار خلافا لمالك رضي الله عنه وهو رواية
عن أحمد في حق الامام خاصة * لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم " قال الكلام ينقض الصلاة
ولا ينقض الوضوء " (1) وهذا مطلق * واحتج الأصحاب أيضا بان المأموم إذا أراد تنبيه الامام
على سهوه فالسنة له أن يسبح إن كان رجلا وأن تصفق إن كانت امرأة فلو جاز أن ينبهه بالكلام
لما أمر بالعدول إلى التسبيح وغيره واعرف ههنا شيئين (أحدهما) ان التسبيح والتصفيق لا اختصاص
لهما بحالة تنبيه الامام بل متى ناب الرجل شئ في صلاته كما إذا رأى أعمى يقع في بئر واحتاج إلى
تنبيهه أو استأذنه انسان في الدخول أو أراد اعلام غيره أمرا فالسنة له ان يسبح والمرأة تصفق
في جميع ذلك لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " إذا ناب أحدكم شئ في صلاته
فليسبح فإنما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء " (2) (والثاني) ان المراد من التصفيق ان تضرب بطن
كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر وقيل إن تضرب أكثر أصابعها اليمني على ظهر أصابعها اليسرى
وقيل هو ضرب إصبعين على ظهر الكف والمعاني متقاربة والأول أشهر ولا ينبغي ان تضرب
بطن الكف على بطن الكف فان ذلك لعب ولو فعلت ذلك على اللعب بطلت صلاتها وإن كان
114

ذلك قليلا لان اللعب ينافي الصلاة فهذا شرح مسائل الكتاب وينخرط في سلك الاعذار سوى
ما ذكره أمور (منها) ما يقع جوابا للرسول صلى الله عليه وسلم فإذا خاطب مصليا في عصره وجب
عليه الجواب ولم تبطل بذلك صلاته (1) (ومنها) لو أشرف انسان على الهلاك فأراد انذاره وتنبيهه ولم
يحصل ذلك الا بالكلام فلا بد له من أن يتكلم وهل تبطل صلاته فيه وجهان (أحدهما) وبه قال
أبو إسحاق واختاره جماعة من الأصحاب لا كإجابة النبي صلى الله عليه وسلم (وأصحهما) عند
الأكثرين نعم للنصوص المطلقة ويستثني جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لشرفه ولهذا
أمر المصلي بأن يقول سلام عليك أيها النبي ولا يجوز أن يقول ذلك لغيره (ومنها) ما حكى المحاملي وغيره
انه لو قال آه من خوف النار لم تبطل صلاته والمشهور خلافه *
قال (ولو قال ادخلوها بسلام على قصد القراءة لم يضر وان قصد التفهيم فإن لم يقصد الا التفهيم
بطلت وفي السكوت الطويل في أثناء الصلاة وجهان)
الكلام الذي يقدح في الصلاة عند عدم الاعذار هو ما عدا القرآن والأذكار وما في معناها
فاما القرآن فإذا أتي بشئ من نظمه قاصدا به القراءة لم يصر وان قصد مع القراءة شيئا آخر كتنبيه
الامام أو غيره والفتح على من ارتج عليه وتفهيم أمر من الأمور مثل أن يقول لجماعة يستأذنون
في الدخول ادخلوها بسلام آمنين أو يقول يا يحيى خذ الكتاب وما أشبه ذلك ولا فرق بين أن
يكون منتهيا في قراءته إلى تلك الآية أو ينشئ قراءتها حينئذ وقال أبو حنيفة إذا قصد شيئا آخر
سوى القراءة بطلت صلاته الا أن يريد تنبيه الامام أو المار بين يديه وكذا لو اتي بذكر وتسبيح
في الصلاة وقصد به مع الذكر شيئا آخر ففيه هذا الخلاف وذلك مثل أن يحمد الله تعالى على عطاس
115

أو بشارة يبشر بها أو يخبر بما يسوءه فيقول إنا لله وانا إليه راجعون لنا ما روى عن علي رضي الله عنه
قال " كانت لي ساعة ادخل فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان في الصلاة سبح
وذلك أذنه وإن كان في غير الصلاة أذن " (1) ولأنه قصد الافهام والاعلام بشئ مشروع في الصلاة
فلا يضر كما لو قصد تنبيه الامام والمار بين يديه ونقل صاحب البيان وغيره وجها عن بعض
أصحابنا أيضا انه إذا قصد مع التلاوة شيئا آخر بطلت صلاته فليكن قوله وان قصد التفهيم معلما
بالحاء والواو كذلك وان لم يقصد الا الافهام والاعلام فلا خلاف في بطلان الصلاة كما لو افهم
116

بعبارة أخرى ولو أتى بكلمات لا توجد في القرآن على نظمها وتوجد مفرداتها مثل أن يقول يا إبراهيم
سلام كن بطلت صلاته ولم يكن لها حكم القرآن بحال واما الأذكار والتسبيحات والأدعية بالعربية
فلا تقدح أيضا سواء المسنون وغير المسنون منها نعم ما فيه خطاب مخلوق غير رسول الله صلى الله عليه
وسلم يجب الاحتراز منه فلا يجوز أن يقول للعاطس يرحمك الله وعن يونس بن عبد الاعلي عن
الشافعي رضي الله عنه انه لا يضر ذلك وصحح القاضي الروياني هذا القول والمشهور الأول ويدل
عليه ما قدمنا من حديث معاوية بن الحكم ولم ينقل خلاف في أنه لا يجوز أن يسلم ولا ان يرد
السلام لفظا ويرده بالإشارة بيده أو برأسه خلافا لأبي حنيفة ولو قال يرحمه الله أو عليه السلام لم
يضر هذا هو الكلام في إحدى مسألتي الفصل وما يتعلق بها (والثانية) السكوت اليسير في الصلاة
لا يضر بحال وفي السكوت الطويل إذا تعمده وجهان أحدهما انه يبطل الصلاة لأنه كالاضراب عن وظائفها
إذ اللائق بالمصلى الذكر والقراءة والدعاء ومن رآه في سكتة طويلة سبق إلى اعتقاده انه ليس
في الصلاة كما إذا رآه يتكلم وأصحهما لا تبطل لان السكوت لا يخرم هيئة الصلاة وما يجب فيها من رعاية
الخضوع والاستكانة وخص في التهذيب الوجهين بما إذا سكت لغير غرض فاما لو سكت طويلا لغرض
بان نسي شيئا فتوقف لتذكره فلا تبطل صلاته لا محالة ولو سكت سكوتا طويلا ناسيا وقلنا إن عمده
مبطل فطريقان أحدهما التخريج على الخلاف المذكور في الكلام الكثير ناسيا والثاني انه لا يضر
جزما تنزيلا له منزلة الكلام اليسير ولهذا عند التعمد جعل طويل السكوت كقليل الكلام وسومح
بقليل السكوت قال في الوسيط وهذا أصح (واعلم) ان الإشارة المفهمة من الأخرس نازلة منزلة عبارة
117

الناطق في العقود هل تبطل الصلاة بها أجاب الامام الغزالي رحمه الله في الفتاوى بأنها لا تبطل ورأيت
بخط والدي رحمه الله حكاية وجه آخر أنها تبطل ككلام الناطق *
قال (الشرط الخامس ترك الأفعال الكثيرة والكثير ما يخيل للناظر الاعراض عن الصلاة
كثلاث خطوات أو ثلاث ضربات متواليات ولا تبطل بما دونه ولا بمطالعة القرآن ولا بتحريك
الأصابع في سبحة أو حكة على الأظهر) *
118

ما ليس من أفعال الصلاة ضربان (أحدهما) ما هو من جنسها فان فعله ناسيا عذر ولم تبطل
صلاته لما روى أنه صلى الله عليه وسلم " صلى الظهر خمسا فلما تبين له الحال سجد للسهو ولم يعد
الصلاة " (1) وإن كان عامدا بطلت سواء كثر أو قل كركوع وسجود ونحوهما لأنه تلاعب في الصلاة
واعراض عن نظام أركانها * وقال أبو حنيفة لا تبطل صلاته بزيادة الركوع والسجود عمدا وإنما تبطل
بزيادة ركعة: والضرب الثاني ما ليس من جنس أفعال الصلاة وهو المقصود في الكتاب فلا خلاف انه
يفرق فيه بين القليل والكثير لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (2) " صلى وهو حامل أمامة بنت أبي
119

العاص فكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها " وروى أنه صلى الله عليه وسلم (1) قال " اقتلوا
120

الأسودين في الصلاة الحية والعقرب " وروى أنه صلى الله عليه وسلم (1) " أخذ باذن ابن عباس
121

رضي الله عنهما وهو في الصلاة فأداره من يساره إلى يمينه " ودخل أبو بكرة المسجد (1) والنبي صلى الله
122

عليه وسلم في الركوع فركع خيفة أن يفوته الركوع ثم خطا خطوة ودخل الصف فلما فرغ قال
123

له النبي صلى الله عليه وسلم زادك الله حرصا ولا تعد " ولم يأمره بالإعادة وروى أنه صلى الله
عليه وسلم سلم عليه نفر من الأنصار (1) فرد عليهم بالإشارة دلت هذه الأخبار ونحوها (2) على احتمال
124

الفعل القليل في الصلاة والي هذا أشار المصنف حيث قال في ترجمة الشرط ترك الأفعال الكثيرة
وفى الكلام لما استوى قليله وكثيره في الابطال أطلق فقال ترك الكلام والمعنى فيه انه يعسر على
الانسان أو يتعذر السكون على هيئة واحدة في زمان بل لا يخلو عن حركة واضطراب ولا
بد للمصلى من رعاية التعظيم والخشوع فعفي عن القدر الذي لا يحمل على الاستهابة بهيئة الخشوع
125

وأما في الكلام فالاحتراز عن قليله وكثيره هين * ثم بماذا يفرق بين القليل والكثير للأصحاب
فيه عبارتان غريبتان وعبارتان مشهورتان فإحدى الغريبتين أن القليل مالا يسع زمانه لفعل ركعة من
الصلاة فان وسع فهو كثير حكاها صاحب العدة والثانية ان كل عمل لا يحتاج فيه إلى كلتا اليدين
فهو قليل وما يحتاج فيه إليهما فهو كثير فالأول كرفع العمامة وحل أشرطة السراويل والثاني
126

كتكوير العمامة وعقد الإزار والسراويل واما المشهورتان فإحداهما ما حكي عن القفال وغيره ان
القليل هو القدر الذي لا يظن الناظر إليه أن فاعله ليس في الصلاة والكثير ما يظن أن فاعله ليس في الصلاة
وهذا هو الذي ذكره في الكتاب فقال والكثير ما يخيل إلى الناظر الاعراض عن الصلاة واعترضوا
عليها بان هذا الظن والتخيل اما ان ينشأ من أنه غير محتمل في الصلاة شرعا أو من أن غالب
127

عادة المصلين الاحتراز عنه من غير أن ينظر إلى أنه محتمل أم لا فإن كان الأول فإنما يحصل هذا
الظن أو الخيال لمن عرف حد الكثير المبطل ونحن عنه نبحث فكأنا قلنا الكثير هو الذي يحكم
ببطلان الصلاة به من عرف انه مبطل ومعلوم ان هذا لا يفيد شيئا وإن كان الثاني فهو يشكل بما
إذ رآه يحمل صبيا أو يقتل حية أو عقربا فإنه محتمل مع أن الناظر إليه يتخيل انه ليس في الصلاة
128

لأنه على خلاف عادة المصلين غالبا والثانية ان الرجوع في الفرق بينهما إلى العادة فلا يضر ما يعده
الناس قليلا كالإشارة برد السلام وخلع النعل ولبس الثوب الخفيف ونزعه وما أشبه ذلك وهذه
العبارة هي التي اختارها الأكثرون ومنهم الشيخ أبو حامد ومن تابعه ولم يذكر صاحب التهذيب سواها
وأوردها الصيدلاني مع الأولى واشعر ايراده بترجيح هذه الثانية أيضا وعند هذا لا يخفى عليك ان
قوله والكثير ما يخيل إلى الناظر وينبغي ان يعلم بالواو إشارة إلى العبارات الاخر ثم أطبق أصحاب
العبارتين المشهورتين على أن الفعلة الواحدة معدودة من القليل كالخطوة الواحدة والضربة
الواحدة وقد نص عليه الشافعي رضي الله عنه وعلى أن الثلاث فصاعدا من الكثير وفي الفعلتين
وجهان محكيان عن رواية القاضي أبى الطيب وغيره أحدهما انهما من حد الكثير لمكان التكرار
وكالثلاث وأصحهما انهما من القليل لما روى أنه صلى الله عليه وسلم " خلع نعليه في الصلاة " وهما فعلتان
ورأيت في كثير من نسخ الكتاب قوله ولا تبطل بما دونه معلما بالواو كأنهم أشاروا به إلى الوجه
الأول لكن إنما ينتظم ذلك لو رجعت الكناية في قوله بما دونه إلى الخطوات والضربات ورجوعها
إلى قوله والكثير أظهر من رجوعها إلى الخطوات الا ترى انه ذكر الكناية ولم يؤنثها ثم اجمعوا على أن
الكثير إنما يبطل بشرط أن يوجد على التوالي واليه أشار بقوله متوالية أما لو تفرق كما لو خطا
خطوة ثم بعد زمان خطا خطوة أخرى وهكذا مرارا لم تبطل صلاته وكذلك لو خطا خطوتين ثم
بعد زمان خطوتين أخريين إذا قلنا أن الفعلتين من حد القليل * واحتجوا عليه بحديث حمل أمامة فان
النبي صلى الله عليه وسلم كان يحملها ويضعها ولم يضر ذلك لتفريق الافعال والتفريق بان يعد
الثاني منقطعا عن الأول في العادة وقال في التهذيب فيما إذا ضرب ضربتين ثم بعد زمان ضربتين أخريين
وحد التفريق عندي أن يكون بين الأوليين والأخريين قدر ركعة لحديث امامة ثم ما ذكره الأئمة
ان الفعلة الواحدة تعد من القليل أرادوا به نحو الطعنة والضربة والخطوة فاما إذا أفرطت كالوثبة
129

الفاحشة فإنها تبطل الصلاة ذكره صاحب التهذيب وغيره وهو قضية العبارتين المشهورتين وكذلك
قولهم الثلاث المتوالية من الكثير المبطل أرادوا الخطوة وما يشبهها واما الحركات الخفيفة كتحريك
الأصابع في سبحة أو حكة أو عقد وحل ففيها وجهان أحدهما انها إذا كثرت وتوالت أبطلت
لأنها أفعال متعددة فأشبهت الخطوات وأظهرهما انها لا تؤثر لأنها لا تخل بهيئة الخشوع فهي مع
كثرة العدد بمثابة الفعل القليل وقد حكي عن نص الشافعي رضي الله عنه انه لو كان يعد الآي
في صلاته عقدا باليد لم تبطل صلاته وإن كان الأولى ان لا يفعله وبه قال أبو حنيفة وجميع ما ذكرناه
فيما إذا تعمد الفعل الكثير فاما إذا اتى به ناسيا فقد حكى في النهاية فيه طريقين أحدهما انه على
الوجهين في الكلام الكثير ناسيا والثاني ان أول حد الكثرة لا يؤثر كالكلام اليسير من الناسي
فان أول حد الكثرة هو الذي يبطل عند التعمد كالكلام اليسير عند التعمد وما جاوز أول حد
الكثرة وانتهى إلى السرف فهو على الخلاف في الكلام الكثير ناسيا والذي حكاه الجمهور من
هذا الخلاف انه لا فرق في الفعل الكثير بين العمد والسهو وهو الذي يوافق ظاهر قوله الشرط
الخامس ترك الأفعال الكثيرة وفرقوا بينه وبين الكلام بان الفعل أقوى من القول ولهذا ينفذ
احبال الجنون دون اعتاقه قالوا ولا يعارض هذا بان القليل من الفعل محتمل والقليل من الكلام
غير محتمل لان القليل من الفعل لا يتأتى الاحتراز عنه والكلام مما يتأتي الاحتراز عنه من النوعين
والله أعلم. واعلم أنه يستثني عن ابطال العمل الكثير الصلاة حال شدة الخوف فيحتمل فيها الركض
والعدو عند الحاجة وهل يحتمل عند عدم الحاجة فيه كلام مذكور في الكتاب في صلاة الخوف
على ما سيأتي إن شاء الله تعالى: واما قوله ولا بمطالعة القرآن فاعلم أنه لو قرأ القرآن من المصحف لم يضر بل يجب
ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة على ما سبق ولو قلب الأوراق أحيانا لم يضر لأنه عمل يسير * وعن أبي حنيفة
انه لو قرأ القرآن من المصحف بطلت صلاته لان النظر عمل دائم وعندنا لو كان ينظر في غير القرآن
ويردد في نفسه ما فيه لا تبطل صلاته أيضا لان النظر لا يشعر بالاعراض عن الصلاة وحديث النفس
130

معفو عنه وحكى القاضي ابن كج وجها ان حديث النفس إذا كثر أبطل الصلاة وقوله بعد
مطالعة القرآن ولا بتحريك الأصابع في سبحة أو حكة على الأظهر: الوجهان المخصوصان بالتحريك
لا جريان لهما في مطالعة القرآن فلا يتوهم من العطف غير ذلك *
قال (وإذا مر المار بين يديه فليدفعه فان أبي فليقاتله فإنه شيطان هذا لفظ
الخبر وهو تأكيد لكراهية المرور واستحباب الدفع فإن لم ينصب المصلي بين يديه خشبة أو لم
يستقبل جدار أو علامة لم يكن له الدفع على أحد الوجهين لتقصيره ولا يكفيه أن يخط على الأرض
بل لا بد من شئ مرتفع أو مصلي ظاهر وان لم يجد المار سبيلا سواه فلا يدفع بحال) *
السبب الداعي إلى ايراد هذا الفصل ههنا الاستدلال بالامر بالدفع على الفعل القليل لا باس
به في الصلاة ثم يتعلق به مسائل مقصودة فجرت العادة بذكرها في هذا الموضع والخبر المشار إليه
ما روى أنه صلى الله عليه وسلم (قال إذا مر المار بين يدي أحدكم وهو في الصلاة فليدفعه فان
أبى فليدفعه فان أبي فليقاتله فإنه شيطان) وروى البخاري في الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
ان النبي صلى الله عليه وسلم (قال إذا صلى أحدكم إلى شئ يستره من الناس فأراد أحد ان يجتاز
بين يديه فليدفعه فان أبى فليقاتله فإنما هو شيطان) قيل معناه شيطان الانس وقيل معناه فان
معه شيطانا فان الشيطان لا يجسر أن يمر بين يدي المصلي وحده فإذا مر إنسي رافقه والمستحب
للمصلي أن يكون بين يديه سترة من جدار أو سارية أو غيرهما ويدنو منها بحيث لا يزيد ما بينه
131

وبينها على ثلاثة أذرع وإن كان في الصحراء فينبغي ان يغرز عصا ونحوها أو يجمع شيئا من رحله
ومتاعه وليكن قدر مؤخرة الرحل فإن لم يجد شيئا شاخصا خط بين يديه خطا أو بسط مصلي لما روى
عن أبي هريرة رضى الله عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء
وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره ما مر بين يديه " (1)
ثم إذا صلى إلى سترة كره لغيره ان يمر بينه وبين السترة وهل هذه الكراهة للتحريم أو للتنزيه
الذي ذكره في التهذيب انه لا يجوز المرور وصاحب الكتاب أراد بقوله وهو تأكيد لكراهية
المرور التنزيه لأنه صرح في الوسيط بان المرور ليس بمحذور وإنما هو مكروه وكذلك ذكره
امام الحرمين والأول أظهر لأنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لو يعلم المار
بين يدي المصلي ماذا عليه من الاثم لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه " (2) والاثم
132

إنما يلحق بالحرام وليكن قوله لكراهية المرور معلما بالواو لما ذكرناه وذكر القاضي الروياني
في الكافي أن للمصلي ان يدفعه وله ان يضربه على ذلك وان أدى إلى قتله وكل هذا لا يكون الا
إذا حرم المرور ولو لم يجعل بين يديه سترة فهل له دفع المار فيه وجهان حكاهما صاحب النهاية
وغيره أحدهما نعم لعموم الخبر المذكور في الكتاب وأصحهما وهو الذي أورده في التهذيب لا لتقصيره
وتضييعه حظ نفسه ورواية الصحيح مقيدة بما إذا صلى إلى السترة والمطلق محمول على المقيد ولو وقف بعيدا
من السترة فهو كما لو صلى لا إلى سترة ولو وجد الداخل فرجة في الصف الأول فله أن يمر بين يدي الصف
الثاني ويقف فيها لتقصير أصحاب الصف الثاني باهمالها ذكره الشيخ أبو محمد واما قوله فلا يكفيه ان يخط
على الأرض فاعلم أن امام الحرمين نقل ان الشافعي رضي الله عنه مال إلى الاكتفاء بالخط في القديم
وروى في الجديد ذلك أيضا وحض عليه قال وما استقر عليه الامر ان الخط لا يكفي إذا الغرض الاعلام
وذلك لا يحصل بالخط وهذا هو الذي ذكره في الكتاب وقال لا بد من شئ مرتفع أو مصلي ظاهر
ليقف المار عليه فيعدل عن حريم صلاته وقد تعرض لما نقله عن الجديد متعرضون لكن لم يثبتوه قولا
واتفقت كلمة الجمهور على الاكتفاء بالخط كما إذا استقبل شيئا شاخصا فليكن قوله ولا يكفيه ان
يخط معلما بالواو لذلك فان توهمت الجمع بين كلام الكتاب وما ذكره الأكثرون وقلت إنهم وان
ذكروا استحباب الخط لم يذكروا انه يمتنع به المرور ويثبت للمصلي ولاية الدفع فلعله وإن كان
مستحبا لا يفيد جواز الدفع وحينئذ لا يكون بين قوله ولا يكفيه ان يخط وبين ما ذكروه منافاة
وبتقدير أن يكون هذان الحكمان متلازمين فإنما ذكروا الاستحباب فيما إذا لم يجد شيئا شاخصا
فليحمل ما ذكره امام الحرمين والمصنف على ما إذا وجد فالجواب اما الأول فممتنع نقلا وحجاجا اما النقل فلان
صاحب البيان حكي عن المسعودي امتناع المرور وولاية الدفع فيما إذا خط حسب ثبوتهما فيما إذا صلى
إلى سترة أو عصا واما الحجاج فمن وجهين (أحدهما) انه صلى الله عليه وسلم قال في آخر خبر أبي هريرة
رضي الله عنه ثم لا يضره ما مر بين يديه أي من وراء العلامات المذكورة ومنها الخط والثاني ان المقصود
من أمر المصلي بنصب السترة وغيرها ان يظهر حريم صلاته ليضطرب فيه في حركاته وانتقالاته ولا يزحمه
133

غيره ويشغله عن صلاته وأما الثاني فلو انهما أرادا حالة وجدان الشاخص لسويا بينه وبين بسط المصلي
كما أن الذين قالوا باستحباب الخط عند فقدان الشاخص سووا بينه وبين بسط المصلي ذكره صاحب
التهذيب وغيره * ولم يفعلا ذلك بل الحقا بسط المصلي بنصب الخشبة ويدل عليه ظاهر لفظ الكتاب
في موضعين من الفصل وبالجملة فليس في لفظه ههنا ولا في الوسيط ما يشعر بهذا التأويل بل فيه ما يدل
على أنه لا عبرة بالخط بحال وقوله فإن لم ينصب المصلي بين يديه خشبة أو لم يستقبل جدارا أو علامة
عني بالعلامة بسط المصلى وقضيه ما سبق نقله حمل أو في قوله أو علامة على الترتيب وكذا في قوله
أو مصلى ظاهر دون التخيبر والتسوية واما قوله وإذا لم يجد الماء سبيلا سواه فلا يدفع بحال فقد
ذكر امام الحرمين أيضا وقال النهى عن المرور والدفع إذا وجد سواه سبيلا أما إذا لم يجد وازدحم
الناس فلا نهي عن المرور ولا يسوع الدفع وهذا فيه اشكال لان البخاري روى في الصحيح عن
أبي صالح السمان قال " رأيت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه في يوم جمعة يصلي إلى سترة فأراد
شاب ان يمر بين يديه فدفع أبو سعيد رضي الله عنه في صدره فنظر الشاب فلم يجد مساغا الا بين
يديه فعاد ليجتاز ودفعه أبو سعيد أشد من الأولى فلما عوتب في ذلك روى الحديث الذي قدمناه "
وأكثر الكتب ساكتة عن تقييد المنع بما إذا وجد سواه سبيلا والله أعلم *
قال (الشرط السادس ترك الأكل وقليله مبطل لأنه اعراض وهل تبطل بوصول شئ إلى
جوفه كامتصاص سكرة من غيره مضغ فيه وجهان) * الا كل نوع من الافعال فافراده بالذكر يبين انه
أراد بترك الافعال في الشرط الخامس ما عدا الاكل من الافعال والفرق بينه وبين سائر الأفعال ان
قليلها لا يبطل كما سبق وقليل الاكل يبطل لأنه ينافي هيئة الخشوع ويشعر بالاعراض عن الصلاة فلو
134

كان بين أسنانه شئ أو نزلت نخامة من رأسه فابتلعها عمدا بطلت صلاته هذا ظاهر المذهب وهو
الذي ذكره في الكتاب فقال فقليله مبطل وليكن معلما بالواو لان صاحب التتمة حكى في القليل
وجها انه لا يبطل كالقليل من سائر الأفعال ثم الحكم بالبطلان فيما إذا اكل عمدا اما لو كان مغلوبا
كما لو جرى الريق بباقي الطعام أو نزلت النخامة ولم يمكنه امساكها لم تبطل صلاته ولو اكل ناسيا
أو جاهلا بالتحريم فإن كان قليلا لم تبطل وإن كان كثيرا فوجهان أصحهما البطلان هكذا ذكره الأئمة
وجعلوه كالكلام في الصلاة ناسيا والاكل في الصوم ناسيا ولم يجعلوه كسائر الأفعال في الصلاة
إذ الجمهور على أن الفعل لا فرق فيه بين العمد والسهو على ما تقدم واعلم أنه لا يعنى بالقليل ههنا ما
بقابل الكثير بالمعنى الذي ذكره في الافعال لان تفسير الكثير ثم ما يخيل إلى الناظر الاعراض عن
الصلاة فالقليل المقابل له ما لا يخيل والاكل أي قدر كان يخيل الاعراض فيكون كثيرا بذلك التفسير
بكل حال وإنما المراد من القليل والكثير ههنا ما يعده أهل العرف قليلا وكثيرا ولو وصل شئ
إلى جوفه من غير أن يفعل فعلا من ابتلاع ومضغ كما لو وضع في فمه سكرة كانت تذوب وتسوغ
ففي بطلان صلاته وجهان أحدهما وبه قال الشيخ أبو حامد لا تبطل صلاته لأنه لم يوجد منه مضغ
وازدراد وهذا ذهاب إلى أن الاكل إنما يبطل لما فيه من العمل وقضيته ان لا يبطل القليل منه كما
حكاه صاحب التتمة وأظهرهما انها تبطل ويعبر عنه بان الامساك شرط في الصلاة كما يشترط
الانكفاف عن الافعال وعن مخاطبة الآدميين ليكون حاضر الذهن راجعا إلى الله تعالى وحده
تاركا للعادات فعلى هذا تبطل الصلاة بكل ما يبطل به الصوم وقوله كامتصاص سكرة من غير مصغ ينبغي ان
يعرف ان الامتصاص لا اثر له بل متى كانت في فمه وهي تذوب وتصل إلى جوفه يحصل الخلاف
وان لم يكن امتصاص وإنما قال من غير مضغ لان المضغ فعل من الافعال يبطل الكثير منه وان
لم يصل شئ إلى الجوف حتى لو كان يمضغ علكا في فمه بطلت صلاته وان لم يمضغه وكان جديدا
فهو كالسكرة وإن كان مستعملا لم تبطل صلاته كما لو أمسك في فمه إجاصة ونحوها
135

قال (خاتمة: للمحدث المكث في المسجد وللجنب العبور عند خوف التلويث وعند الامن وجهان
والكافر يدخل المسجد باذن المسلم ولا يدخل بغير اذن على أحد الوجهين فإن كان جنبا منع كالمسلم
وقيل لا لأنه لم يلتزم تفصيل شرعنا) *
مسائل الخاتمة إلى قوله فوجهان مكررة اما ان المحدث له المكث فقد صار معلوما بقوله في باب
الغسل ثم حكم الجنابة حكم الحدث مع زيادة تحريمه قراءة القرآن والمكث في المسجد وفيه تصريح بتحريم
المكث وجواز العبود للجنب واما حكم الحائض فقد ذكره في كتاب الحيض وشرحنا المسائل
في الموضعين ثم جميع ذلك في حق المسلم اما الكافر فلا يمكن من دخول حرم مكة بحال يستوى فيه
مساجده وغيرها قال الله تعالى (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) واما مساجد غير الحرم
فله أن يدخلها باذن المسلم خلافا لمالك ووافقه احمد في أظهر الروايتين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم
" ربط ثمامة بن ثال في المسجد قبل اسلامه (1) " وقدم عليه قوم من ثقيف فأنزلهم في المسجد ولم يسلموا بعد " (2)
وهل يدخلها بغير اذن أحد من المسلمين فيه وجهان أحدهما نعم لأنه ببدل الجزية صار من أهل
دار الاسلام والمسجد من المواضع العامة فيها فصار كالشوارع وهذا أظهر عند القاضي الروياني وجماعة
والثاني وهو الأصح عند الأكثرين ولم يذكر صاحب التهذيب والتتمة سواه أنه ليس له ذلك ولو فعله
عزر ووجهه أنه لا يؤمن أن يدخل على غفلة من المسلمين فيلوثه ويستهين به ولأنه ليس من أهل من بنى
المسجد له وكان المسجد مختصا بالمسلمين اختصاص دار الرجل به وذكر في التهذيب انه لو جلس
الحاكم في المسجد يحكم فللذمي الدخول للمحاكمة ويتنزل جلوسه فيه منزلة التصريح بالاذن وإذا استأذن
في الدخول بعض المسلمين لنوم أو اكل فينبغي ان لا يأذن له وان استأذن لسماع القرآن أو علم اذن
له رجاء ان يسلم هذا كله إذا لم يكن جنبا فإن كان جنبا فهل يمكن من المكث في المسجد أم يجب
136

منعه فيه وجهان أحدهما يمنع لان المسلم ممنوع عند الجنابة لحرمة المسجد فالكافر أولي بان يمنع
وأصحهما انه لا يمنع لان الكفار كانوا يدخلون مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويطيلون الجلوس ولا
شك بأنهم كانوا يجنبون ويخالف المسلم فإنه يعتقد حرمة المسجد فيؤخذ بموجب اعتقاده والكافر
لا يعتقد حرمته ولا يلتزم تفاصيل التكليف فجاز أن لا يؤخذ به وهذا كما أن الكافر لا يحد على شرب
الخمر لأنه لا يعتقد تحريمه والمسلم يحد واما الكافرة الحائض فتمنع حيث تمنع المسلمة لان المنع ثم لخوف
التلويث ولهذا يمنع من به جرح يخاف من التلويث وكذا الصبيان والمجانين يمنعون من دخوله
وقوله والكافر يدخل المسجد يعنى به غير مساجد الحرم وإن كان اللفظ مطلقا وقوله فإن كان جنبا
منع أي من المكث فإنه الذي يمنع منه المسلم دون أصل الدخول: ثم ايراده يشعر بترجيح هذا
الوجه لكن الوجه الثاني أرجح على قضية كلام أكثر الأصحاب وأوفق لكلام الشافعي
رضي الله عنه وصرح بترجيحه الشيخ أبو محمد والقاضي الروياني والله أعلم *
137

قال * (الباب السادس في السجدات وهي ثلاثة) *
(الأولى سجدة السهو: وهي سنة (ح م) عند ترك التشهد الأول أو الجلوس فيه أو القنوت
أو الصلاة على الرسول في التشهد الأول أو على الآل في التشهد الثاني ان رأيناهما سنتين: وسائر
السنن لا تجبر بالسجود: وأما الأركان فجبرها بالتدارك فان تعمد ترك هذه الابعاض لم يسجد على
أظهر الوجهين) *
السجدات ضربان (أحدهما) سجدات صلب الصلاة ولا يخفى أمرها والثاني غيرها وهي ثلاث
(إحداها) سجدة للسهو وليست بواجبة وإنما هي سنة خلافا لأبي حنيفة حيث قال بوجوبها مع تسليم
ان الصلاة لا تبطل بتركها وبعض أصحابنا يرويه عن الكرخي: وعن مالك انه إن كان السهو
لنقصان يجب السجود ويروى عن أحمد وأصحابه الوجوب مطلقا * لنا ان الصلاة لا تبطل بتركها
فلا تجب كالتشهد الأول وأيضا فان سجود السهو مشروع لترك ما ليس بواجب وبدل ما ليس
بواجب لا يكون واجبا ثم إنه جعل الكلام في سجود السهو قسمين أحدهما فيما يقتضيه والثاني في
محله وكيفيته أما مقتضيه فشيئان ترك مأمور وارتكاب منهى أما ترك المأمور فاعلم أن المأمورات
تنقسم إلى أركان وغيرها أما الأركان فلا تنجبر بالسجود بل لا بد من التدارك ثم قد يقتضى الحال
بعد التدارك السجود على ما سيأتي وأما غير الأركان فتنقسم إلى الابعاض وهي التي عددناها في
أول صفة الصلاة والى غيرها فالابعاض مجبورة بالسجود أما التشهد الأول فلما روى أن النبي
صلى الله عليه وسلم " صلى الظهر بهم فقام في الركعتين الأوليين لم يجلس فقام الناس معه حتى
إذا قضي الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم " (1)
ولو قعد ولم يقرأ يسجد أيضا فان القعود مقصود للذكر وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
138

في التشهد الأول إذا استحببناها وهو الصحيح فلانه لو تركها في التشهد الأخير عامدا بطلت صلاته
فيسجد لها في التشهد الأول كالتشهد وأما الصلاة على الآل في التشهد الثاني فان قلنا بوجوبها فهي
من الأركان يجب تداركها وان قلنا إنها سنة فهي من الابعاض وتجبر بالسجود وكذلك احكم
لو جعلناها سنة في التشهد الأول وقد سبق بيان الخلاف فيه وأما القنوت فلانه ذكر مقصود في
نفسه فيشرع لتركه سجود السهو كالتشهد الأول ومعنى قولنا مقصود في نفسه
انه شرع له محل مخصوص به ويخرج عنه سائر الأذكار فإنها كالمقدمة لبعض الأركان كدعاء
الاستفتاح أو كالتابع كالسورة وأذكار الركوع والسجود وأما موضع القنوت فإنما شرع
فيه التطويل للقنوت وحيث لا يقنت يمنع من تطويله فهذا حكم الابعاض إذا تركت سهوا وان
تركت عمدا فهل يشرع لها السجود فيه: فيه وجهان أحدهما لا وبه قال أبو حنيفة واحمد لان الساهي
معذور فيشرع له سبيل الاستدراك ومن تعمد الترك فقد التزم النقصان وفوت الفضيلة
على نفسه وأصحهما نعم لان الخلل عند تعمد الترك أكثر فيكون الجبر أهم وصار كالحلق
في الاحرام لا فرق فيه بين العمد والسهو وأما غير الابعاض من السنن فلا يجبر بالسجود خلافا
لأبي حنيفة حيث قال يسجد لترك تكبيرات العيد وترك السورة وكذلك لو أسر في موضع
الجهر أو جهر بثلاث آيات في موضع الاسرار ولمالك حيث قال يسجد لترك كل مسنون
139

ذكرا كان أو عملا وعن أبي إسحاق أن للشافعي رضي الله عنه في القديم قولا مثل ذلك
حكاه ابن الصباغ قال وهو مرجوع عنه وحكى ابن يونس القزويني عن عبد الباقي أن الداركي ذكر
وجها فيمن نسي لتسبيح في الركوع والسجود أنه يسجد للسهو وعند أحمد لا يسجد لترك
تكبيرات العيد والسورة وعنه في تبديل الجهر بالاسرار وعكسه روايتان أصحهما أنه لا يسجد
وقال في تكبيرات الانتقالات وتسبيح الركوع والسجود والتسميع والتحميد يسجد لتركها *
لنا ظاهر ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " لا سهو الا؟؟ قيام عن جلوس أو جلوس عن قيام " (1)
وعلى أبي حنيفة القياس على دعاء الاستفتاح وسائر المسنونات وكذلك عن أحمد وعلى مالك ما روى
أن أنسا " جهر في العصر فلم يعدها ولم يسجد للسهو ولم ينكر عليه أحد " فهذا هو الكلام في ترك
المأمورات ونعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) وهي سنة ينبغي أن يعلم بالحاء والميم والألف
وكذا قوله وسائر السنن لا تجبر بالسجود ولا باس باعلامه بالواو أيضا لما سبق حكايته وليس المراد
من قوله سنة عند ترك التشهد الأول إلى آخرها تخصيص الاستحباب بترك هذه الأمور لا بمعنى
أنها لا تشرع الا عند تركها ولا بمعنى ان في سائر الأسباب تجب بل حيث تشرع سنة وأراد في
هذا الفصل ذكر شيئين أحدهما ان سجدة السهو سنة والثاني الكلام فيما يقتضيها من ترك
المأمورات ثم وصل أحدهما بالآخر فقال هي سنة عند كذا وكذا وهذا بين من كلامه في الوسيط
(وقوله) عند ترك التشهد إلى قوله لا يجبر بالسجود مذكورة في أول الباب الرابع نعم زاد ههنا ذكر
الصلاة على الآل وما عداها مكرر وأحق الموضعين بذكره هذا الباب وقوله إن رأيناهما سنتين
المقابل لهذا لرأى في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول عدم الشرعية
ايجابا واستحبابا وفى الصلاة على الآل في التشهد الثاني الايجاب دون عدم الشرعية (وقوله) وأما
140

الأركان فجبرها بالتدارك معناه انه لا بد في جبرها من التدارك لا أن كل الجبر يحصل به لأنه قد
يؤمر مع التدارك بسجود السهو على ما سيأتي بيانه وقوله لم يسجد على أظهر الوجهين خلاف ما ذكره
جمهور الأئمة فإنهم حكوا أن الأظهر في المذهب انه يسجد منهم أصحابنا العراقيون وصاحب
التهذيب وغيرهم ومن الأئمة من لم يذكره سواه كالشيخ أبي حامد والصيدلاني وعبر بعضهم عن
الخلاف في المسألة بالقولين وجعل المنصوص انه يسجد والثاني من تخريج أبي إسحاق المروزي *
قال (ولو أرتكب منهيا تبطل الصلاة بعمده كالأكل والافعال فليسجد عند ارتكابه سهوا ومواضع
السهو ستة الأول إذا قرأ الفاتحة أو التشهد في الاعتدال من الركوع عمدا بطلت صلاته وان سها سجد
لأنه جمع بين تطويل ركن قصير ونقل ركن ولو وجد أحد المعنيين دون الثاني ففي البطلان بعمده وجهان
فان قلنا لا تبطل ففي السجود لسهوه وجهان والأظهر أن الجلسة بين السجدتين ركن طويل) *
المقتضي الثاني لسجود السهو ارتكاب المنهي: والمنهيات قسمان (أحدها) مالا تبطل الصلاة بعمده
كالالتفات والخطوة والخطوتين والثاني ما تبطل بعمده نحو الكلام والركوع الزائد وما أشبه
ذلك فقال الأصحاب مالا تبطل بعمده لا يقتضى السهو به السجود وما تبطل الصلاة بعمده
141

يقتضي سهوه السجود اما الأول فلان النبي صلى الله عليه وسلم " فعل الفعل اليسير في الصلاة ورخص
فيه ولم يسجد للسهو ولا أمر به " (1) واما الثاني فلما روى أنه صلى الله عليه وسلم " صلى الظهر خمسا ثم سجد
للسهو (2) وقد ذكر الطرف الثاني في الكتاب صريحا وأشار به إلى الأول ولا شك في جريان هذا
الضابط من الطرفين في أغلب الصور ومنهم من وفى بطرده على الاطلاق كما سنفصله والطرف
المذكور في الكتاب وهو أن ما تبطل الصلاة بعمده يسجد عند ارتكابه سهوا يرد عليه شيئان
أحدهما ان الفعل الكثير سوى الأكثرون بين عمده وسهوه في ابطال الصلاة كما سبق فعلى ما ذكروه
الفعل الكثير منهي تبطل الصلاة بعمده ولا يسجد عند سهوه بل تبطل الصلاة أيضا وكذلك
الاكل والكلام الكثير عمدهما يبطل الصلاة وكذلك سهوهما في أصح الوجهين كما قدمنا والثاني
أنه لو أحدت عمدا بطلت صلاته ولو أحدث سهوا فكذلك تبطل ولا يسجد للسهو فادرج
صاحب التهذيب في هذا الضابط ما يخرج عنه الثاني فقال ما يوجب عمده بطلان الصلاة يوجب سهوه
سجود السهو ان لم تبطل الطهارة وإذا أحدث فعمده وسهوه يستوى في ابطال الطهارة وأما الأول
فما احترز عنه بل أدخل العمل في أمثلة هذا الضابط ولم يحسن فيه مع تسويته في فصل العمل بين
العمد والسهو من كثيره ولو قيل ما تبطل الصلاة بعمده يسجد عند ارتكابه سهوا إذا لم تبطل
142

الصلاة لخرجت المسائل كلها وقد ذكر أبو سعيد المتولي هذه اللفظة وقيدا آخر وبذلك القيد قصد
الاحتراز لكن فيها غنية عنه ثم تكلم في الكتاب في ستة من مواضع السهو منها ما يتعلق بترك المأمور
ومنها ما يقع في قسم ارتكاب المنهي وهذا الفصل يشتمل على أولها وهو يتضمن مسائل يقتضى
الشرح أن نفصلها أولا ثم نطبق نظم الكتاب عليها (أحدها) الاعتدال عن الركوع ركن قصير أمر
المصلي فيه بالتخفيف ولهذا لا يسن تكرير الذكر المشروع فيه بخلاف التسبيح في الركوع والسجود
وكأنه ليس مقصودا لنفسه وإن كان فرضا وإنما الغرض منه الفصل بين الركوع والسجود ولو كان
143

مقصودا لنفسه لشرع فيه ذكر واجب لان القيام هيئة معتادة فلا بد من ذكر يصرفها عن العادة
إلى العبادة كالقيام قبل الركوع والجلوس في آخر الصلاة لما كان كل واحد منهما هيئة تشترك فيه
العادة والعبادة وجب فيها شئ من الذكر وبهذا الفقه أجاب أصحابنا أحمد بن حنبل رحمه الله
حيث قال بوجوب التسبيح في الركوع والسجود كالقراءة في القيام والتشهد في القعود فقالوا الركوع
والسجود لا تشترك فيهما العادة والعبادة بل هما محض عبادة فلا حاجة إلى ذكر مميز بخلاف القيام
والقعود فان قيل لو كان الغرض الفصل لما وجبت الطمأنينة فيه فالجواب ان الطمأنينة إنما وجبت
ليكون على سكينة وثبات فان تناهى الحركات في السرعة يخل بهيئة الخشوع والتعظيم ويخرم الأبهة
إذا عرف ذلك فلو أطاله عمدا بالسكوت أو بالقنوت أو بذكر آخر ليس بركن فهل تبطل صلاته
فيه وجهان حكاهما صاحب النهاية وغيره أحدهما لا لما روى عن حذيفة قال " صليت مع رسول
144

الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ البقرة والنساء وآل عمران في ركعة ثم ركع فكان ركوعه نحوا من
قيامه ثم رفع رأسه وقام قريبا من ركوعه ثم سجد " (1) والثاني انها تبطل الا حيث ورد الشرع بالتطويل
بالقنوت أو في صلاة التسبيح لان تطويله يعتبر لموضوعه فأوجب عمده بطلان الصلاة كما لو قصر
الأركان الطويلة ونقص بعضها وهذا الوجه هو الذي أورده في التهذيب وذكر امام الحرمين انه
ظاهر المذهب أيضا وحكى وجها ثالثا عن القفال أنه ان قنت عامدا في اعتداله بطلت صلاته وان
طول بذكر آخر لا يقصد القنوت لم تبطل ويقرب من هذا كلام الشيخ أبى اسحق في المهذب
فإنه عد من المبطلات تطويل القيام بنية القنوت في غير موضع القنوت واحتج امام الحرمين للوجه
الأظهر بأنه لو جاز تطويله لبطل معنى الموالاة فان سائر الأركان قابلة للتطويل فإذا طوله أيضا لم
تبق الموالاة ولا بد من الموالاة في الصلاة ولمن ذهب إلى الوجه الأول أن يقول إن كان معني الموالاة
ان لا يتخلل فصل طويل بين أركان الصلاة بما ليس منها فلا يلزم من تطويله وتطويل سائر الأركان
فوات الموالاة والا فلا أسلم اشتراط الموالاة بمعنى آخر (المسألة الثانية) لو نقل ركنا ذكريا
عن موضعه إلى ركن آخر طويل كما لو قرأ الفاتحة أو بعضها في الركوع أو الجلوس آخر الصلاة أو قرأ
145

التشهد أو بعضه في القيام عمدا فهل تبطل صلاته فيه وجهان أحدهما نعم كما لو نقل الأركان الفعلية
إلى غير موضعها وأصحهما لا لان نقل الأركان الذكرية لا يغير هيئة الصلاة ولهذا قلنا لو كرر الفاتحة
أو التشهد عمدا لا تبطل صلاته على الصحيح بخلاف الركوع والسجود وقطع قاطعون بهذا الوجه
الثاني ويجرى الخلاف فيما لو نقله إلى الاعتدال ولم يطل بان قرأ بعض الفاتحة أو التشهد (الثالثة)
لو اجتمع المعنيان فطول الاعتدال بالفاتحة أو التشهد فقد ذكر في النهاية ما يخرج منه طريقان أظهرهما
طرد الوجهين فيه ولا يخفى ان الأصح بطلان الصلاة لما ذكرنا والثاني القطع بالبطلان لانضمام
نقل الركن إلى التطويل (الرابعة) الجلوس بين السجدتين ركن طويل أم قصير فيه وجهان أحدهما
أنه طويل حكاه أمام الحرمين عن ابن سريج والجمهور تشبيها بالجلوس بعد السجدتين والثاني
أنه قصير حكاه عن الشيخ أبي على وهذا هو الذي ذكره الشيخ أبو محمد في الفروق وتابعه صاحب
التهذيب وغيره وهو الأصح لمثل ما ذكرناه في الاعتدال فان قلنا بالأول فلا بأس بتطويله وان
قلنا بالثاني ففي تطويله عمدا الخلاف المذكور في الاعتدال (الخامسة) إذا قلنا في هذه الصور ببطلان
الصلاة فلو فرض السهو بذلك الشئ سجد سهوا وحصل الوفاء بما سبق أن ما يبطل عمده
146

يسجد لسهوه إذا لم يبطل وإذا قلنا بعدم البطلان فهل يسجد عن الارتكاب سهوا فيه وجهان
أحدهما لا كالالتفات والخطوة والخطوتين وسائر مالا يبطل عمده الصلاة وعلى هذا يحصل الوفاء
بالطرف الثاني أيضا وهو أن ما لا يبطل عمده الصلاة لا يقتضي سهوه السجود وأصحهما نعم أما في
تطويل الركن القصير فكما لو قصر الركن الطويل فلم يتم الواجب وعدل إلى غيره سهوا واما في
نقل الركن فكما لو نقل الركوع إلى غير محله سهوا وهذا لان المصلى مأمور بالتحفظ واحضار الذهن
حتى لا يتكلم ولا يزيد في صلاته ما ليس منها وهذا الامر مؤكد عليه تأكد التشهد الأول
فإذا غفل فطول الركن القصير أو نقل الركن فقد ترك الامر المؤكد وغير شعار الصلاة فاقتضي
الحال الجبر بالسجود وكترك التشهد الأول والقنوت وعلى هذا الوجه تستثنى هذه الصورة على
قولنا مالا تبطل الصلاة بعمده لا يقتضى سهوه السجود فهذه هي المسائل: أما ما يتعلق بلفظ
الكتاب فقوله إذا قرأ التشهد أو الفاتحة في الاعتدال من الركوع عمدا هو صورة المسألة الثالثة
وقوله بطلت صلاته يجوز أن يكون جوابا على الطريقة القاطعة بالبطلان ويجوز أن يكون جوابا
على الأصح مع اثبات الخلاف وعلى التقديرين فليكن معلما بالواو (واعلم) أن الحكم بالبطلان في هذه
الصورة قد نقل عن الشافعي رضي الله عنه وذكر الشيخ أبو محمد وغيره أن الأصحاب اختلفوا في
معناه منهم من قال إنما بطلت الصلاة لتطويل الركن القصير فلم يحكم بالبطلان إذا قرأ الفاتحة في
القيام أو الركوع ومنهم من قال إنما بطلت لنقل الركن فحكم بالبطلان حيث وجد النقل وقوله ولو وجد
أحد المعنيين دون الثاني ان وجد التطويل وحده فهو صورة المسألة الأولى والأظهر فيها البطلان
وان وجد النقل وحده فهو صورة المسألة الثانية والأظهر فيها عدم البطلان ويجوز أن يعلم قوله وجهان
147

بالواو إشارة إلى طريقة القاطعين بعدم البطلان في الصورة الثانية وقولنا فان قلنا لا تبطل هو
المسألة الأخيرة وقوله والأظهر إلى آخره هو المسألة الرابعة لكن الحكم بأنها قصيرة أظهر على ما سبق
ولا يتضح فرق بين الاعتدال والجلسة *
قال (الثاني من ترك أربع سجدات من أربع ركعات سهوا لم يكفه أن يقضيها في آخر
صلاته بل لا يحتسب له من الأربع الا ركعتان ولو ترك من الأولى واحدة ومن الثانية ثنتين ومن
الرابعة واحدة فليسجد سجدة واحدة ثم ليصل ركعتين فان ترك أربع سجدات من أربع ركعات
ولم يدر من أين تركها فعليه سجدة واحدة وركعتان اخذا بأسوأ التقديرين المذكورين *
(فرع) لو تذكر في قيام الثانية أنه ترك سجدة واحدة ولم يكن جلس بعد السجدة الأولى فليجلس
ثم ليسجد والقيام لا يقوم مقام الجلسة وإن كان قد جلس بعد السجدة الأولى فيكفيه أن يسجد
عن قيامه فإن كان قد قصد بتلك الجلسة الاستراحة ففي تأدى الفرض بنية النفل وجهان ثم لا يخفى
أنه يسجد للسهو في جميع ذلك) *
148

قاعدة الفصل أن الترتيب في أركان الصلاة واجب الرعاية فان النبي صلى الله عليه
وسلم كان يرتب وقد قال صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " (1) فلو ترك الترتيب
عمدا بطلت صلاته ولو تركه سهوا لم يعتد بما فعله بعد الركن المتروك حتى يأتي بما تركه فان تذكر
الحال قبل فعل مثله في ركعة بعدها فكما تذكر يشتغل به وان تذكر بعد فعل مثله في ركعة أخرى تمت
الركعة الأولى به ولغا ما بينهما هذا إذا عرف عين المتروك وموضعه وان لم يعرف أخذ بأدنى
الممكن واتى بالباقي وفى الأحوال كلها يسجد للسهو الا إذا وجب الاستئناف بان ترك ركنا واشكل
عينه عليه وجوز أن يكون ذلك الركن هو النية أو التكبير والا إذا كان المتروك هو السلام فإنه
إذا تذكر ولم يطل الفصل يسلم ولا حاجة إلى سجود السهو وقد ذكر في الكتاب مسألتين مما يترتب
على هذه القاعدة (إحداهما) لو تذكر في الركعة الثانية أنه ترك سجدة من الأولى فلا يخلو اما أن يتذكر
قبل أن يسجد في الثانية أو بعد أن يسجد فيها فاما الحالة الأولى فيشتمل عليها الفرع المرسوم في
الكتاب آخرا ولا باس أن نقدمه فنقول إذا تذكر في قيام الثانية أنه ترك سجدة من الأولى فلا بد
من الاتيان بها كما تذكر ثم ننظر ان لم يجلس عقيب السجدة المفعولة فهل يكفيه أن يسجد عن قيام
أم يجلس مطمئنا ثم يسجد فيه وجهان (أحدهما) أنه يخر ساجدا والقيام يقوم مقام الجلسة بين
السجدتين لان الغرض منها الفصل بينهما وقد حصل ذلك بالقيام (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب
أنه يجب أن يجلس مطمئنا ثم يسجد لأنه وإن كان المقصود الفصل فالفصل واجب بهيئة الجلوس
فلا يقوم القيام مقامها كما لا يقوم مقام الجلوس للتشهد وان جلس عقيب السجدة المفعولة نظر أن قصد به
الجلسة بين السجدتين ثم غفل ولم يسجد الثانية فمن قال في الصورة الأولى يكفيه أن يسجد عن
قيامه فههنا أولي ومن قال ثم يجلس ثم يسجد اختلفوا ههنا فقال أبو إسحاق وغيره يجب أن يجلس
149

ههنا أيضا لينتقل منه إلى السجود كما لو قدر المريض على القيام بعد القراءة يجب عليه أن يقوم ليركع
عن قيام وظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب أنه يكفيه أن يسجد عن القيام كما لو ترك أربع
سجدات من أربع ركعات ثم تذكر تحتسب له ركعتان كما سيأتي وإن كانت السجدة التي في الثانية
والتي في الرابعة واقعتين عن قيام وان قصد بتلك الجلسة الاستراحة لظنه أنه أتى بالسجدتين جميعا
فوجهان مذكوران في الكتاب (أحدهما) لا يحسب ذلك الجلوس ويجب أن يجلس ثم يسجد لأنه
قصد بتلك الجلسة السنة فلا تنوب عن الفرض كما في سجدة التلاوة لا تقوم مقام سجود الفرض وبهذا قال
ابن سريج وبه يقول أبو إسحاق أيضا لينتقل من الجلوس إلى السجود والثاني أنه يكفيه أن يسجد عن
قيام ولا يضر اعتقاده أنه يجلس للاستراحة كما لو جلس في التشهد الأخير وهو يظن أنه الأول ثم تذكر يجزيه
ذلك وما الأظهر من هذين الوجهين قال في التهذيب المذهب هو الأول لكن الأكثرون منهم
العراقيون والقاضي الروياني رجحوا الوجه الثاني والوجهان في المسألة كالوجهين فيما إذا أغفل المتوضئ
لمعة في المرة الأولى وانغسلت في الثانية أو الثالثة هل يجزيه وقد ذكرنا في باب الوضوء أن الأصح
عند المعتبرين الاجزاء بخلاف ما إذا انغسلت في تجديد الوضوء لان قضية نيته في ابتداء الوضوء
أن لا يقع شئ عن السنة حتى يرتفع الحدث كذلك ههنا قضية نيته السابقة أن لا يكون الجلوس
عن الاستراحة الا بعد الفراغ من السجدتين ولو تردد في أنه جلس بعد السجدة المفعولة أم لا فالحكم
كما إذا علم أنه لم يجلس وقوله في الكتاب فليجلس ثم ليسجد ينبغي أنه يعلم بالميم لان عند مالك
ان ذكر الحال بعد أن ركع في الثانية واطمأن فلا يعود إلى السجود بل تلغو الأولى وتصير الثانية
أولاه وإنما يعود إلى السجود إذا تذكر قبل الركوع وبالألف أيضا لان عند أحمد ان ذكر بعد
الشروع في القراءة لا يعود إلى السجود بل تلغو الأولى ويعتد بالثانية وإنما يعود إذا ذكر قبل
الشروع في القراءة لنا ان ما أتي به من الأولى وقع صحيحا فلا يبطل بترك ما بعده كما إذا ذكر
قبل الركوع عند مالك وقبل القراءة عند احمد ويجوز أن يعلم بالحاء أيضا لان عند أبي حنيفة رحمة
150

الله عليه يكفيه أن يسجد في آخر صلاته سجدة فتلحق بموضعها ولا يرجع إلى السجود وكذلك
الحكم عنده لو ترك سجدة عمدا حكاه القاضي الروياني وغيره وليعلم قوله فليجلس بالواو أيضا
وكذلك قوله والقيام لا يقوم مقام الجلسة إشارة إلى الوجه الذي ذكرناه أنه يسجد عن قيام ولا
يجلس وفى قوله فليجلس ثم ليسجد ما يفيد أصل الفرض ويبين أن القيام لا يقوم مقام الجلسة لكن
عقبه به ايضاحا وتنبيها على ما يتمسك به صاحب الوجه البعيد وقوله بعد السجدة الأولى في
موضعين من الفرع إنما سماها أولي بالنسبة إلى ما سيفعله من بعد والا فليس قبل التذكر الا
سجدة واحدة (الحالة الثانية) أن يتذكر الحال بعد أن يسجد في الثانية فينظر إن تذكر بعد
السجدتين معا أو في الأخيرة منهما فقد تم بما فعل ركعته الأولى ولغا ما بينهما ثم إن كان قد جلس
في الأولى على قصد الجلسة بين السجدتين فتمامها بالسجدة الأولى وكذا إن كان قد جلس على قصد
الاستراحة وأقمناها مقام الجلسة بين السجدتين وان لم يجلس أصلا أو جلس على قصد الاستراحة
ولم يكتف بها فان قلنا إذا تذكر في القيام والحالة هذه يجلس ثم يسجد وهو الأصح فتمام الركعة
الأولى ههنا بالسجدة الثانية وان قلنا ثم يسجد عن قيام فتمامها بالسجدة الأولى وينبنى على هذا
الخلاف ما إذا تذكر بعد السجدة الأولى فان قلنا بالأول فركعته غير تامة فيسجد سجدة ثم يقوم
إلى ركعة ثانية وان قلنا بالثاني فركعته تامة فيقوم إلى أخرى هذه مسألة والثانية إن تذكر في جلوس
الركعة الرابعة أنه ترك من صلاته الرباعية أربع سجدات فلا يكفيه أن يقضيها فيأتي بأربع سجدات
ولاء ويسلم لان الترتيب يقتضى أن لا يعتد بشئ بعد الركن المتروك حتى يأتي به في ركعة أخرى
ثم ترك السجدات الأربع من الصلاة الرباعية قد يقتضي الاحتساب بثلاث ركعات الا سجدتين
وقد يقتضى الاحتساب بركعتين ناقصتين بسجدة فهذه ثلاثة أوجه والثالث أسوأها والمصنف
ذكر لكل واحد من الوجهين الأخيرين مثالا دون الوجه الأول ونحن نذكرها جميعا على الاختصار
151

فلو ترك ثنتين من الثالثة وثنتين من الرابعة صحت له الركعتان الأوليان وصحت الركعة الثالثة أيضا
لكن لا سجدة فيها وفيما بعدها حتى يتم بها فيسجد سجدتين ويقوم إلى ركعة رابعة فهذه الصورة
من صور الوجه الأول وكذلك ترك واحدة من الأولى وواحدة من الثانية وثنتين من الرابعة وكذا
ترك واحدة من الثانية وواحدة من الثالثة وثنتين من الرابعة: وأما الوجه الثاني فمن صوره أن يترك
من كل ركعة سجدة فيحصل له ركعتان لان الأولى تتم بالسجدة التي في الثانية ويلغو ما بينهما
وكذلك تتم الركعة الثالثة بالسجدة التي في الرابعة ومنها ترك ثنتين من الثانية وثنتين اما من
الأولى أو الثالثة ومنها ترك ثنتين من الثانية وواحدة من الأولى وأخرى من الثالثة ومنها ترك
ثنتين من الثانية وواحدة من الثالثة وأخرى من الرابعة ومنها ترك ثنتين من الأولى واثنتين من
ركعتين بعدها متواليتين ومنها ترك واحدة من الأولى وواحدة من الثانية واثنتين من الثالثة ومنها ترك واحدة من
الثانية واثنتين من الثالثة وواحدة من الرابعة يحصل في هذه الصور كلها ركعتان ويقوم إلى ركعتين أخريين
وأما الوجه الثالث فمن صوره أن يترك من الأولى واحدة ومن الثانية ثنتين ومن الرابعة واحدة فالحاصل
ركعتان الا سجدة وذلك لان ما بعد السجدة في الركعة الأولى غير محسوب حتى تتم هي وليس
في الثانية ما يتمها فتتم بسجدة من الثالثة وتلغو سجدتها الأخرى لان الركعة إذا تمت فالواجب
بعدها القيام وتحتسب ركعته الرابعة وليس فيها الا سجدة فيسجد أخرى ليتمها ويقوم إلى ركعتين
أخريين ومنها لو ترك من الأولى ثنتين وواحدة من الثانية وأخرى من الرابعة وكذلك كل صورة
ترك فيها ثنتين من ركعة وثنتين من ركعتين أخريين غير متواليتين إذا عرفت ذلك فان عرف الساهي موضع
الأربع المتروكة فالحكم ما بينا وان لم يعرف أخذ بالأسوأ ليخرج عن العهدة بيقين والأسوأ أن
يأتي بسجدة وركعتين وحكى امام الحرمين عن أبيه أنه كأن يقول يلزمه في صورة الاشكال أن يسجد
سجدتين ثم يقوم إلى ركعتين أخريين لاحتمال أنه ترك ثنتين من الثالثة وثنتين من الرابعة أو على
صورة أخرى من صور الوجه الأول ولو كان كذلك لكان عليه أن يسجد سجدتين ثم يقوم إلى
ركعة أخرى فيجب أن يسجد سجدتين لجواز أن يكون الترك على وجه يقتضى ذلك ثم لا يجزئه
الا ركعتان لجواز أن يكون الترك على وجه آخر فيصلي ركعتين أخريين ليكون آتيا بكل ما تعذر
152

وجوبه واعترض عليه بان السجدة الثانية غير معتد بها فإنه إذا سجد سجدة واحدة والاشكال مستمر
حصل له مما فعل ركعتان قطعا ولا شك انا نأمره بركعتين أخريين فالزيادة لغو والله أعلم * ثم جميع
ما ذكرناه فيما إذا كان قد جلس عقيب السجدات كلها على قصد الجلسة بين السجدتين أو على قصد
الاستراحة وأقمناها مقام الجلسة المفروضة وإذا فرعنا على أن القيام يقوم مقام الجلسة فاما إذا لم يجلس في
بعض الركعات أو في شئ منها الا في الرابعة وفرعنا على الصحيح وهو أن القيام لا يقوم مقام الجلسة
لم يحسب ما بعد السجدة المفعولة إلى أن يجلس حتى لو تذكر انه ترك من كل ركعة سجدة ولم
يجلس الا في الأخيرة أو جلس بنية الاستراحة أو جلس في الثانية على قصد التشهد الأول وقلنا الفرض
لا يتأدى بالنفل فلا يحصل له مما فعل الا ركعة ناقصة بسجدة لأنه لم يأت بعدها بجلوس على قصد الفرضية
ثم هذا الجلوس الذي نذكر الحال فيه يقوم مقام الجلسة بين السجدتين فيسجد سجدة ويقوم إلى ثلاث
ركعات فهذا ما يتعلق بترك أربع سجدات من صلاة رباعية ولو تذكر أنه ترك منها سجدة واحدة
فان علم أنه نسيها من الأخيرة سجدها واستأنف التشهد إن كان قد تشهد وان علم أنه تركها من
غير الأخيرة فعليه أن يقوم إلى ركعة أخرى وان أشكل أخذ بالاحتمال الآخر وان تذكر ترك
سجدتين منها فإن كانتا من الركعة الأخيرة كفاه أن يأتي بسجدتين وإن كانتا من غير الأخيرة
فإن كانتا من ركعة واحدة فعليه أن يقوم إلى ركعة وإن كانتا من ركعتين فقد يكفيه أن
يقوم إلى ركعة وقد يلزمه أن يقوم إلى ركعتين بان ترك واحدة من الأولى وواحدة
153

من الثالثة وان أشكل أخذ بهذا الأسوأ وان تذكر ترك ثلاث سجدات
فقد يقتضي ذلك حصول ثلاث ركعات الا سجدة فيسجد سجدة ويقوم إلى ركعة وذلك مثل أن
يكون اثنتان من الأولى أو الثانية أو الثالثة وواحدة من الرابعة وقد يكون بحيث يحصل له ثلاث
ركعات الا سجدتان مثل أن تكون واحدة من الأولى واثنتان من الرابعة وقد يكون بحيث
لا يحصل له الا ركعتان مثل أن يكون الثلاث من الثلاث الأوليات فان أشكل اخذ بهذا الأسوأ وان
تذكر ترك خمس فقد يحصل ركعتان سوى سجدتين بأن تكون واحدة من الأولى وثنتان من
الثانية وثنتان من الرابعة وقد لا يحصل الا ركعة مثل أن تكون واحدة من الأولى وثنتان من
الثانية وثنتان من الثالثة فان أشكل الحال فقد قال في المهذب يلزمه سجدتان وركعتان وقال غيره
لا بل ثلاث ركعات وهو الصحيح ولا وجه للأول ولو ترك ست سجدات فلا يحصل الا
ركعة ولو ترك سبعا فلا يحصل الا ركعة ناقصة بسجدة وحكم الثمان لا يخفى ونعود إلى ما يتعلق
بألفاظ الكتاب سوى ما تقدم (قوله) من ترك أربع سجدات من أربع ركعات عنى به ما إذا ترك
كل سجدة من ركعة وإن كان اللفظ مطلقا وقد صرح به في الوسيط وهذه الصورة من جملة الصور
التي تقتضي ترك السجدات الأربع فيها الاحتساب بركعتين على ما سبق ذكرها ولو اقتصر في الحكم
على قوله لم يكفه أن يقضيها في آخر صلاته لأمكن اجراؤه على اطلاقه فإنه لا يكفي قضاء السجدات
في آخر الصلاة بحال ولكن لما عقبه بقوله بل لا يحتسب له من الأربع الا ركعتان تعذر أجراؤه على
الاطلاق ثم شرط الاحتساب بالركعتين أن يجلس عقيب السجدات كما سبق وان لم يتعرض له
لفظ الكتاب (وقوله) لم يكفه معلم بالحاء لان أبا حنيفة يقول في الصورة المرادة يكفيه أن يسجد أربع
سجدات ولاء ويسلم وليس كذلك لان الترتيب في أفعال الصلاة ليس بشرط عنده فإنه سلم أنه لو ترك
ثمان سجدات لم يكفه الاتيان بها في آخر الصلاة بل لا يحتسب له الا ركعة بلا سجدة كما هو مذهبنا
لكنه اكتفى ههنا بالسجدات لان عنده إذا تقيدت الركعة بسجدة اعتد بها حتى لو ترك من كل
ركعة سجدة قصدا كفاه فعلها في آخر الصلاة أيضا * لنا أنه لو وقع الاعتداد بالركعة المقيدة بسجدة
لما وجب فعل السجدات في آخر الصلاة كركعة المسبوق لما اعتد بها لم يجب تدارك القيام والقراءة منها (وقوله)
في آخر صلاته إنما سماه آخر الصلاة على تقدير ان لو كان قضاؤها كافيا أو بالإضافة إلى ظن المصلى
154

أولا والا فليس الجلوس الذي فرضنا فيه التذكر آخر صلاته في الحقيقة ثم في هذه اللفظة أشعار
بأنه أراد تصوير الكلام فيما إذا تذكر سهوه قبل أن يسلم من صلاته والا فالسجدات لو قضيت
لا تكون في آخر صلاته بل بعد آخرها واما الحكم لو تذكر السهو في المسائل المذكورة بعد السلام
ان لم يطل الفصل فهو كما لو تذكر قبل السلام بلا فرق وان طال وجب الاستئناف ومعني طول
الفصل سيأتي وقوله الا ركعتان يجوز أن يعلم بالميم والألف لأنهما لا يصححان الا الركعة الأخيرة
وهي ناقصة بسجدة فيسجد سجدة ويقوم إلى ثلاث ركعات. وروى عن مالك ان صلاته تبطل
فاما قوله ولو ترك من الأولى واحدة إلى آخره فهو من الصور التي يقتضي ترك السجدات الأربع فيها
الاحتساب بركعتين الا سجدة وقوله في الصورة الثالثة ولم يدر من أين تركها يوضح انه أراد بالصورة
الأولى ما إذا درى من أين ترك وهو ما بيناه (وقوله) فعليه سجدة واحدة يجوز أن يعلم بالواو لما
حكينا عن الشيخ أبى محمد رحمه الله (وقوله) اخذ بأسوأ التقديرين المذكورين أسوء التقديرين ما
إذا ترك سجدة من الأولى وثنتين من الثانية وواحدة من الرابعة ولا يجب عند الاشكال الحمل على
هذه الصورة بعينها فان لها أخوات في معناها كما بينا وإنما الواجب الحمل عليها أو على شئ منها وقوله
في آخر الفصل ثم لا يخفى انه يسجد للسهو في جميع ذلك أي في جميع مسائل الفصل ويمكن عدها من
قسم ترك المأمور لان الترتيب مأمور به وتركه عمدا مبطل فإذا سها سجد ومن قسم ارتكاب
المنهى أيضا لأنه إذا ترك الترتيب فقد زاد في الافعال والأركان *
155

(قال الثالث إذا قام إلى الثالثة ناسيا فان انتصب لم يعد إلى التشهد لان الفرض لا يقطع
بالسنة فان عاد عالما بطلت صلاته وان عاد جاهلا لم تبطل لكن يسجد للسهو وإن كان مأموما
وقعد امامه جاز الرجوع على أحد الوجهين لان القدوة في الجملة واجبة وان لم يكن التقدم بهذا القدر
مبطلا وان تذكر قبل الانتصاب فيرجع ثم يسجد للسهو إن كان قد انتهى إلى حد الراكعين
لأنه زاد ركوعا) *
قد سبق أن فوات التشهد الأول يقتضي سجود السهو وفى هذا الفصل يتبين أنه متى يفوت والي
متى يجوز تداركه بالعود إليه وإذا عاد إليه هل يحتاج إلى سجود السهو أم لا فنقول: إذا نهض من الركعة
الثانية ناسيا للتشهد أو جلس ولم يقرأ التشهد ونهض منه ناسيا ثم تذكر فلا يخلو إما ان يتذكر بعد
الانتصاب أو قبله (الحالة الأولى) ان يتذكر بعد الانتصاب فلا يجوز له العود إلى التشهد خلافا لأحمد
حيث قال يجوز ما لم يشرع في القراءة والأولى أن لا يعود وحكى القاضي ابن كج عن أبي الحسين
مثل ذلك لنا ما روى عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قام
أحدكم من الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس وإذا استتم قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو " (1) ولان
القيام فرض والتشهد الأول سنة لما سبق والفرض لا يقطع بالسنة فلو خالف وعاد نظر ان تعمده
وهو عالم بأنه لا يجوز العود بطلت صلاته وان عاد ناسيا لم تبطل وعليه ان يقوم كما تذكر وان عاد
156

جاهلا بعدم الجواز ففيه وجهان منقولان في التهذيب وغيره (أحدهما) انه لا يعذر وتبطل صلاته لتقصيره
بترك التعلم (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب يعذر ولا تبطل صلاته كالناسي لأنه مما يخفى على العوام
ولا يمكن تكليف كل أحد تعلمه وعلى هذا يسجد للسهو لما زاد في صلاته سهوا وكذلك في صورة النسيان وهذا
الذي ذكرناه في المنفرد والامام في معناه فلا يرجع بعد الانتصاب إلى التشهد ولا يجوز للمأموم ان
يشتغل به ولو فعل بطلت صلاته نعم لو نوى مفارقته ليتشهد جاز وكان مفارقا بالعذر ولو أنتصب مع
الامام ثم عاد الامام لم يجز للمأموم ان يعود بل يخرج عن متابعته لأنه اما مخطئ بالعود فلا يوافقه في الخطأ
أو عامد فصلاته باطلة وهل يجوز ان ينتظره قائما حملا على أنه عاد ناسيا حكي في التهذيب فيه وجهين وقد
سبق في التنحنح نظيره ولو قعد الامام للتشهد الأول وقام المأموم ساهيا أو نهضا ثم تذكر الامام فعاد قبل
الانتصاب والمأموم قد انتصب هل يعود المأموم في الصورتين فيه وجهان (أصحهما) نعم لان متابعة الامام
فرض بخلاف الامام والمنفرد فإنهما لو رجعا لرجعا من فرض إلى سنة (والثاني) أنه لا يعدو بل يصبر إلى أن يلحقه
الامام لأنه حصل في ركن القيام وليس فيما فعله الا تقدم الامام بركن وانه غير مبطل وإن كان عمدا فلا حاجة
إلى الرجوع وقوله في الكتاب لان القدوة في الجملة واجبة وان لم يكن التقدم بهذا القدر مبطلا إشارة إلى توجيه
الوجهين وفى بعض النسخ لان القدوة في الجملة واجبة (والثاني) لا لان سبق الامام بركن لا يبطل وهما قريبان
ويجوز أن يعلم قوله وان لم يكن التقدم مبطلا بالواو لان في وجه التقدم على الامام يبطل الصلاة ولو بركن واحد
وقد أورده في الكتاب في الصلاة بالجماعة والذي ذكره ههنا مفرع على ظاهر المذهب وصاحب النهاية قد صرح
157

بذلك ثم ذكر ان الخلاف في المسألة في جواز الرجوع وعدم الجواز ولا خلاف في أنه لا يجب الرجوع
لأنه لو قام قصدا لم يقض ببطلان صلاته ووافقه المصنف فقال جاز الرجوع على أحد الوجهين ففرض
الخلاف في الجواز لكن الشيخ أبا محمد ومن تابعه نقلوا الوجهين في أنه هل يجب الرجوع وقالوا أصحهما
الوجوب ولو لم يرجع بطلت صلاته لان متابعة الامام فرض ولم يورد صاحب التهذيب الا وجه الوجوب
ثم قطع امام الحرمين بان في صورة قصد القيام ليس له أن يعود كما لو ركع قبل الامام أو رفع رأسه قبله عمدا
لا يجوز أن يعود ولو عاد بطلت صلاته لأنه زاد ركنا عمدا ولو فعل ذلك سهوا كما لو سمع حسا فظن أن الامام
ركع فركع ثم تبين انه لم يركع بعد أو ظن أنه اعتدل عن الركوع فاعتدل ثم بان أنه لم يعتدل بعد فقد ذكر في النهاية
وجهين في أنه هل يجوز له أن يرجع لأنه غالط فيما فعل وصاحب التهذيب وآخرون حكوا الوجهين في هذه
المسألة في وجوب الرجوع أيضا وقالوا في وجه تبطل صلاته لو لم يرجع وفى وجه يتخير بين ان يرجع
أو لا يرجع وهو الأصح وللنزاع في صورة قصد القيام أيضا مجال ظاهر لان أصحابنا العراقيين
أطبقوا على أنه لو ركع قبل الامام عمدا فينبغي ان يرجع ليرجع مع الامام واستحبوا الرجوع فضلا عن
الجواز وربما تعود المسألة في باب الجماعة وقوله لم يعد إلى التشهد معلم بالألف والواو لما قدمناه وكذا قوله
بطلت صلاته وقوله في الجاهل لم تبطل معلم بالواو (الحالة الثانية) أن يتذكر قبل الانتصاب فقد نص الشافعي
رضي الله عنه على أنه يرجع إلى التشهد وحكى الروياني خلافا للأصحاب في أنه ما الذي أراد بالانتصاب
فمنهم من قال أراد الاعتدال والاستواء ومنهم من قال أراد به ان يصير إلى حالة هي ارفع من حد أقل الركوع
والأول ظاهر اللفظ وهو الذي ذكره الجمهور ويدل عليه حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وبالثاني
فسر المسعودي كلام الشافعي رضي الله عنه وبه قال الشيخ أبو محمد وهذا لاختلاف يرجع إلى شئ وهو أن
من قام في صلاته منحنيا فوق حد أقل الركوع هل يجزيه ذلك أم لا وفيه وجهان حكيناهما في ركن القيام فمن قال
لا يجزيه وهو الأصح قال ههنا له أن يعود ومن قال يجزيه قال إذا صار في ارتفاعه إلى هذا الحد لا يعود
لأنه حصل في حد الفرض وقوله في الكتاب فيرجع معلم بالميم لان عند مالك إن كان إلى الانتصاب
أقرب لم يرجع وعن ابن المنذر عنه انه إذا فارقت أليتاه الأرض لم يرجع وبالحاء لان عند أبي حنيفة إن كان
إلى القيام أقرب لم يعد ذكره القدوري ويجوز ان يعلم بالواو أيضا لان مراده من الانتصاب الاستواء
ومن ذهب إلى التفسير الثاني لا يطلق الرجوع إذا لم يستو ثم إذا عاد قبل الانتصاب فهل يسجد للسهو
حكي الشيخ أبو حامد وأصحابنا العراقيون فيه قولين (أظهرهما) عندهم انه لا يسجد لأنه روى في حديث
158

المغيرة انه صلى الله عليه وسلم قال " وأن ذكر قبل إن يستتم قائما جلس ولا سهو " ولأنه عمل قليل فلا يقتضى
سجود السهو والثاني وبه قال احمد واختاره القاضي أبو الطيب انه يسجد لما روى أن أنسا رضي الله
عنه " تحرك للقيام في الركعتين من العصر فسبحوا به فجلس ثم سجد للسهو " ولان ما اتى به زيادة من جنس
الصلاة فأشبه ما إذا زاد ركوعا وقال كثير من الأصحاب ان صار أقرب إلى القيام منه إلى القعود ثم
عاد سجد للسهو وإن كان يعد أقرب إلى القعود لم يسجد: ويحكى هذا عن القفال أيضا ووجهه انه إذا
صار إلى القيام أقرب فقد اتي بفعل يغير نظم الصلاة ولو أتي به عمدا في غير موضعه لبطلت صلاته
فيقتضى سهوه السجود وهذا كالتوسط بين القولين وحمل للقولين على الحالين وذكر في النهاية هذه
العبارة وزاد انه لو عاد من حد يكون نسبته إلى القعود كنسبته إلى القيام لا يسجد أيضا وذكره عبارة
أخرى عن الشيخ أبي محمد وآخرين وهي انه لو عاد قبل إن ينتهى إلى حد الراكعين فلا يسجد وان عاد
بعد أن ينتهي إلى حد الراكعين يسجد لأنه زاد ركوعا سهوا وهذه العبارة هي التي ذكرها
في الكتاب وليس المراد من حد الركوع ههنا أقل الركوع فان المرتفع إذا انتهى إلى حد أقل
الركوع فقد جاوز حد أكمله وزاد ركوعا ولم يبلغه فهو في حد الراكعين أيضا نص عليه
في النهاية وهذا الخلاف في الوجه الذي حكيناه عن بعضهم في تفسير الانتصاب حيث
يعتبر أقل الركوع لان النظر ثم إلى الحصول في حد فرض القيام والعبارة الأولى أوفى
بالغرض فان الثانية لا تجزئ الا إذا انتهض منحنيا ومن الجائز ان لا ينحني في انتهاضه فيحتاج إلى الرجوع
إلى العبارة الأولى وهما متقاربتان وليستا على التنافي بل من قال بالأولى قال بأنه إذا انتهي إلى حد الراكعين
إلى حد الراكعين وعاد يسجد للسهو ومن قال بالثانية سلم بأنه إذا عاد بعدما صار أقرب إلى القيام من
غير انحناء يسجد وليكن قوله ثم يسجد للسهو معلما لواو لمكان طريقة القولين المطلقين في العود قبل
الانتصاب والظاهر التفصيل وبه أجاب صاحب التهذيب والروياني في الحلية وجميع ما ذكرناه من
الحالتين فيما إذا ترك التشهد الأول ونهض ناسيا فاما إذا فعل ذلك عمدا ثم عاد قبل الانتصاب
والاعتدال فان عاد بعدما صار إلى القيام أقرب بطلت صلاته وان عاد قبله لم تبطل ذكره في التهذيب
ولو كان يصلى قاعدا فافتتح القراءة بعد الركعتين فإن كان على ظن أنه فرغ من التشهد وجاء وقت
الثالثة لم يعد بعد ذلك إلى قراءة التشهد في أصح الوجهين وان سبق لسانه إلى القراءة وهو عالم بأنه لم
يتشهد فله ان يعود إلى قراءة التشهد وترك القنوت يقاس بما ذكرنا في التشهد فإذا نسيه ثم تذكر
159

بعد وضع الجبهة على الأرض لم يجز العود وإن كان قبله فله العود ثم إن عاد بعد بلوغه حد الراكعين
يسجد للسهو وإن كان قبله فلا *
قال (الرابع إذا تشهد في الأخير قبل إن يسجد تدارك السجود وأعاد التشهد وسجد للسهو
لأنه زاد قعودا طويلا ولو ترك السجدة الثانية وتشهد ثم تذكر لم يسجد لهذا السهو لأنه ركن طويل
فلم يوجد الا نقل التشهد وهو غير مبطل على أحد الوجهين وان جلس عن قيام ولم يتشهد لكن
طول سجد للسهو وان تذكر على القرب فلا لان قدر جلسة الاستراحة في مثل هذا الوقت عمدا لا
يبطل الصلاة) *
صورة المسألة الأولى ان يجلس في الركعة الأخيرة عن قيامه ظانا انه إذا اتي بالسجدتين ويتشهد
ثم يتذكر الحال بعد التشهد فيجب عليه تدارك السجدتين وإعادة التشهد مراعاة لترتيب الصلاة
ويسجد للسهو والحالة هذه لمعنيين (أحدهما) وهو المذكور في الكتاب انه زاد قعودا طويلا في الصلاة
ولو فعل ذلك عمدا بطلت صلاته فإذا فعله سهوا سجد والثاني انه نقل ركن التشهد عن موضعه إلى
غير موضعه وذلك يقتضى سجود السهو على أظهر الوجهين كما تقدم ويتفرع على هذا ما لو جلس بعد
السجدتين في الركعة الأولى أو الثالثة وقرأ التشهد أو بعضه ثم تذكر سجد للسهو نص عليه الشافعي
رضي الله عنه لأنه نقل ركن التشهد إلى غير موضعه ولو لم يقرأ شيئا فان طول سجد للسهو لأنه زاد
قعودا طويلا وان لم يطول فلا لانتفاء المعنيين والتطويل بان يزيد على قدر جلسة الاستراحة (واعلم) ان الحكم
المذكور لا يختص بالركعة الأخيرة بل لو اتفق له ذلك في الركعة الثانية من صلاة رباعية أو ثلاثية فكذلك
يتدارك السجود ويعيد التشهد ويسجد للسهو الا ان إعادة التشهد ههنا تكون مسنونة ولو اتفق ذلك
في ركعة لا يعقبها تشهد فإذا تذكر تدارك (المسألة الثانية) لو سجد في الركعة الأخيرة سجدة وتشهد على
ظن أنه فرغ من السجدتين ثم تذكر فلا شك في أنه يتدارك السجدة الثانية ويعيد التشهد وهل يسجد
للسهو قال في الكتاب لا يسجد بناء على شيئين أحدهما ان الجلوس بين السجدتين ركن طويل فلم
يوجد منه زيادة قعود طويل والثاني ان نقل الركن الذكرى عن موضعه لا يقتضي السجود فتكون قراءة
التشهد ههنا بمثابة ما لو اتى بذكر آخر ويحكى هذا عن ابن سريج لكن كل واحد من هذين الأصلين
مختلف فيه والظاهر أن الجلسة بين السجدتين ركن قصير وان نقل الركن عن موضعه يقتضى السجود
على ما بيناه من قبل فإذا الظاهر في المسألة أنه يسجد للسهو وبه قال الشيخ أبو علي وغيره وذكر في التهذيب
انه المذهب ولو كانت المسألة بحالها وطول لا بالتشهد فههنا لا نقل لكن الظاهر أنه يسجد للسهو أيضا
160

تفريعا على قولنا الجلسة بين السجدتين ركن قصير * واعرف من لفظ الكتاب في المسألة أمورا ثلاثة
(أحدها) ان قوله لم يسجد لهذا السهو ليس جوابا ينفى السجود جزما لأنه ذكر الخلاف فيما جعله علة
لنفى السجود حيث قال لأنه ركن طويل ولم يوجد الا نقل التشهد وهو غير مبطل يعنى إذا كان عمدا
على أحد الوجهين والخلاف في العلة يوجب الخلاف في المعلول فتبين بذلك انا إذا قلنا إن عمده مبطل
يسجد للسهو فإذا لا حاجة إلى اعلام قوله لم يسجد بالواو لأنه بمثابة قوله لم يسجد على أحد الوجهين
(الثاني) قوله على أحد الوجهين يجوز ان يرجع إلى النقل وحده ويجوز ان يرجع إليه والي قوله قبله ركن
طويل فان الخلاف ثابت فيهما فإن كان الأول فليعلم قوله ركن طويل بالواو (الثالث) لفظ الكتاب
يشعر بان الحكم بان عمده غير مبطل مع قولنا الجلسة ركن طويل يقتضى نفي السجود ههنا لكنه
قد ذكر من قبل إنا وان لم نجعل عمد النقل مبطلا ففي السجود لسهوه وجهان فإذا القول بنفي
السجود ههنا بناء على الأصلين جواب على أنه إذا لم يبطل عمده لا يسجد لسهوه فالأظهر انه وان
لم يبطل عمده يسجد لسهوه كما تقدم (المسألة الثالثة) لو جلس عن قيام ولم يتشهد نم تذكر اشتغل بالسجدتين وبما
بعدهما على ما يقتضيه ترتيب صلاته ثم إن طال جلوسه سجد للسهو لما سبق ان زيادة القعود الطويل عمدا مبطلة وان
161

لم يطل بل كان في حد جلسة الاستراحة فلا يسجد للسهو لان العمد منه في غير موضعه لا يبطل الصلاة بخلاف
الركوع والسجود والقيام يبطل عمدها الصلاة وان قصر زمانه وذلك لان الجلوس معهود في نفس الصلاة
من غير أن يكون ركنا كجلوس التشهد الأول وجلسة الاستراحة وهي لا تقع في نفس الصلاة
الا أركانا فيكون تأثيرها في تغيير نظم الصلاة أشد والمسألتان الأخيرتان لا اختصاص لهما بالركعة
الأخيرة كما ذكرنا في المسألة الأولى لكن هذا السهو حيث يكون بين يديه تشهد أقرب وقوعا وإذا
كان التشهد فرضا يجب عليه اعادته بعد تبين الحال فلذلك كانت مسائل الكتاب مصورة في
الركعة الأخيرة
قال (الخامس إذا قام إلى الخامسة ناسيا بعد التشهد فان تذكر جلس وسلم والقياس أنه لا يعيد التشهد
والنص أنه يتشهد لرعاية الولاء بين التشهد والسلام وكيلا يبقى السلام فردا غير متصل بركن من
أحد الجانبين) *
إذا قام إلى الخامسة في صلاة رباعية ثم تذكر قبل أن يسلم فعليه أن يعود إلى الجلوس ويسجد
للسهو سواء تذكر في قيام الخامسة أو ركوعها أو سجودها وان تذكر بعد الجلوس فيها سجد للسهو
ويسلم قال أبو حنيفة ان تذكر قبل أن يسجد في الخامسة يعود إلى الجلوس وان تذكر بعد
162

ما سجد فيها فإن لم يكن قعد في الرابعة بطل فرضه وتحولت صلاته نفلا وعليه أن يضم إليها ركعة
سادسة وإن كان قد قعد في الرابعة ضم إليها ركعة أخرى وتكون أربع ركعات من صلاته فرضا
وركعتان نفلا لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم " صلى الظهر خمسا فقيل له أتزيد في الصلاة
قال وما ذاك قالوا صليت خمسا فسجد سجدتين بعدما سلم " والاستدلال أنه لا يخلو اما إن كان
قد قعد في الرابعة أو لم يقعد فان قعد فيها لم يضم إلى صلاته ركعة أخرى وان لم يقعد فيها لم يعد
الصلاة وقوله في الكتاب جلس وسلم يعني وسلم بعد سجود السهو وهل يتشهد بعدما تذكر الحال
نظر ان تذكر بعد الجلوس والتشهد في الخامسة فلا حاجة إلى اعادته بحال وان تذكر قبل الجلوس
فيها فجلس أو بعد الجلوس فيها وقبل التشهد فإن لم يكن تشهد في الرابعة فلا بد وأن يتشهد الآن
وإن كان قد تشهد فيها وهذه الحالة هي المذكورة في الكتاب فهل يحتاج إلى إعادة التشهد فيه
وجهان (أصحهما) وبه قال معظم الأصحاب لا لأنه أتى به في موضعه فأشبه ما إذا قام إلى الخامسة من
السجود ثم تذكر فإنه يقعد ويتشهد ولا يحتاج إلى العود إلى السجود (والثاني) وبه قال ابن سريج
أنه يجب اعادته وينسب هذا إلى نص الشافعي رضي الله عنه لأنه قال في المختصر وان ذكر أنه
في الخامسة سجد أو لم يسجد قعد في الرابعة أو لم يقعد فإنه يجلس للرابعة ويتشهد ويسجد للسهو
حكم بأنه يجلس ويتشهد سواء قعد في الرابعة أو لم يقعد وذكر ابن سريج لهذا الوجه الثاني معنيين
(أحدهما) رعاية الموالاة بين التشهد والسلام فان تشهده في الرابعة قد انقطع بالركعة الزائدة فلا بد
163

من اعادته ليليه السلام (والثاني) أنه لو لم يعد التشهد لبقي السلام فردا غير متصل بركن قبله ولا
بعده والكتاب يشتمل على هذين المعنيين معا وفرع ابن سريج عليهما ما إذا ترك الركوع ثم تذكره
في السجود وان قلنا بالمعنى الأول يجب أن يعود إلى القيام ويركع منه وان قلنا بالمعنى الثاني كفاه
أن يقوم راكعا فإنه لا يبقى فردا لاتصاله بالسجود وما بعده والأول مثل ما حكينا عن أبي إسحاق
فيما إذا تذكر في قيام الثانية أنه ترك سجدة من الأولى وكان قد جلس بعد السجدة المفعولة أنه
يجلس ثم يسجد قال أصحاب الوجه الأول اما لفظ الشافعي رضي الله عنه فإنما يتعرض للقعود ولم يقل تشهد أو لم
يتشهد فالمراد ما إذا قعد ولم يتشهد واما المعنيان فضعيفان أما الأول فلان الفصل بالنسيان لا يقدح في الموالاة لأنه
إذا أعاد التشهد فاما أن يكون المعتد به تشهده الأول أو يكون هو الثاني فإن كان المعتد به الأول فلا معنى للامر
بالثاني ثم المحذور وهو انقطاع الموالاة بين التشهد والسلام يبقى بحاله وإن كان المعتد به الثاني فلا
موالاة بينه وبين ما قبله من الأركان فلم يحتمل انقطاع الموالاة بين التشهد وما قبله ولا يحتمل بين
التشهد والسلام واما المعني الثاني فهو مفرع على انقطاع الموالاة والا فالسلام ليس فردا بل هو
متصل بما قبله وهذا كله إذا كان قد تشهد على قصد التشهد الأخير وهو المراد من مسألة الكتاب
فاما إذا تشهد على ظن أنه التشهد الأول عاد الوجهان في تأدى الفرض بنية النفل ان قلنا يتادى
ففيه الخلاف المذكور وان قلنا لا يتادى فيجب إعادة التشهد بلا خلاف وإذا عرفت ما ذكرناه
تبين لك أنه لم قال القياس أنه لا يتشهد والنص أنه يتشهد لكن في اللفظ شيئان (أحدهما) أنه سلم أن
النص أنه يتشهد وأصحاب الوجه الأول لم يسلموا ذلك بل منهم من يمنع دلالته عليه ومنهم من أوله
(والثاني) ان قوله في مقابلته القياس أنه لا يتشهد إنما يذكر مثله في ابداء الشئ على سبيل الاحتمال
وهو منقول منصوص عليه من جهة معظم الأصحاب والله أعلم *
164

قال (السادس إذا شك في أثناء الصلاة أخذ بالأقل (ح) وسجد للسهو ولو شك بعد السلام
فقولان أحدهما أنه يقوم إلى التدارك وكأنه لم يسلم والثاني انه لا يعتبر بعد الفراغ لما فيه من العسر
وان لم يشك الا بعد طول الزمان فالقياس أنه لا يلتفت إليه) *
ليس في هذا الموضع السادس سهو محقق فكأنه أراد بقوله أولا ومواضع السهو ستة مواضع
سجود السهو ثم ليس ذلك على سبيل الحصر بل الصور المفردة التي يشرع فيها السجود تزيد على
اضعاف هذا العدد ويمكن التقسيم الجملي على وجه ينتقص عنه وقوله إذا شك في أثناء الصلاة يعني
في عدد الركعات وسبب الاخذ بالأقل وسجود السهو قد ذكره في الكتاب بعد هذا وأعاد المسألة
كما سنشرحها وليعلم قوله اخذ بالأقل بالحاء والألف لما سيأتي وان وقع الشك في عدد الركعات أو
في ترك ركن من الأركان بعد السلام فينظر ان لم يطل الزمان ففيه قولان (أحدهما) انه يشتغل
بالتدارك ويسجد للسهو كما لو وقع الشك في أثناء الصلاة لان الأصل انه لم يفعله وأيضا فلانه لو تيقن
بعد السلام ترك ركن أو ركعة ولم يطل الفصل يتدارك كما لو كان ذلك قبل السلام فكذلك
يتساويان في حكم الشك وأظهرهما انه لا عبرة بهذا الشك لأن الظاهر أن ختم الصلاة كان على تمام
الركعات والأركان ولو اعتبر الشك الطارئ بعد الفراغ لعسر الامر على الناس وفى المسألة طريق
آخر وهو القطع بهذا القول الثاني فليكن قوله فقولان معلما بالواو لذلك ولفظ الكتاب وان لم
يصرح بوضع القولين فيما إذا لم يطل الزمان لكنه اشتمل على ما يبين ذلك الا ترى أنه قال بعد
القولين فإن لم يشك الا بعد طول الزمان فافهم انهما فيما إذا لم يطل وان طال الزمان ثم شك ففيه
طريقان حكاهما في النهاية (أحدهما) طرد القولين (وأصحهما) القطع بأنه لا عبرة بالشك بعده لان الانسان
بعد طول المدة تكثر تردداته وشكوكه فيما مضى من أفعاله ولو اعتبر ذلك لكان الطريق ان يؤمر
165

بالقضاء ومثل هذا الشك غير مأمون في القضاء أيضا وقوله على الصحيح أي من الطريقين وبه قال
الشيخ أبو محمد ويجوز ان يريد من القولين جوابا على الطريقة الأولى وإذا لم يفصل بين طول الزمان
وقصره قلت في الشك الطارئ بعد الفراغ طريقان (أحدهما) انه لا يعتبر بحال (والثاني) وهو المذكور
في الوسيط أن فيه ثلاثة أقوال (أصحها) الفرق بين أن يطول الزمان فلا يعتبر وبين أن لا يطول فيعتبر
(فان قلت) وبم يضبط الزمان الطويل ويميز عن غير الطويل وهذا البحث يحتاج إليه ههنا وفيما إذا
تيقن انه ترك ركعة أو ركنا بعد السلام فان الحكم فيه يختلف بطول الزمان وقصره على ما سبق
(فالجواب) أنه حكي عن البويطي ان الطويل ما يزيد على قدر ركعة وبه قال أبو إسحاق المروزي
وعن ابن أبي هريرة أن الطويل قدر الصلاة التي كان فيها والأظهر أن الاعتبار فيه بالعرف والعادة
ويحكى ذلك عن الام وإذا جوزنا البناء فلا فرق بين أن يتكلم بعد السلام ويخرج من المسجد
ويستدبر القبلة وبين أن لا يفعل ذلك وقيل القدر الذي نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الفصل محتمل فان زاد فلا والمنقول أنه قام ومضى إلى ناحية المسجد وراجع ذا اليدين وسأل
الصحابة فأجابوا (1)
166

قال (قواعد أربع (الأولى) من شك في ترك مأمور سجد للسهو إذ الأصل انه لم يفعله وان شك
في ارتكاب منهى لم يسجد لان الأصل العدم ولو شك في أنه سجد للسهو أو في أنه سجد واحدة
أو ثنتين للسهو فالأصل العدم الا في مسالة وهو أنه لو شك انه صلى ثلاثا أو أربعا أخذ بالأقل قياسا وسجد للسهو
جبرا وإن كان الأصل انه لم يزد وقيل إن علته انه أدى الرابعة على تردد حتى لو تيقن قبل السلام انها رابعة
سجد أيضا وقيل لا يسجد عند زوال التردد) *
هذه القواعد أصول في الباب لا بد من معرفتها والأولى منها مبنية على أصل كثير الولوج في
أبواب الفقه وهو أنا إذا تيقنا وجود شئ أو عدمه ثم شككنا في تغيره وزواله عما كان فانا نستصحب
اليقين الذي كان ونطرح الشك إذا تذكرت ذلك فلو شك في ترك مأمور ينجبر تركه بالسجود وهو
167

الابعاض فالأصل انه لم يفعله فيسجد للسهو قال في التهذيب هذا إذا كان الشك في ترك مأمور مفصل
فاما إذا شك في الجملة في أنه هل ترك مأمورا أم لا فلا يسجد كما لو شك هل سها أم لا ولو شك في
ارتكاب منهي مثل شكه في أنه تكلم ناسيا أم لا أو سلم ناسيا أم لا فالأصل انه لم يفعل ولا سجود
عليه ولو تيقن السهو وشك في أنه هل سجد للسهو أم لا فيسجد لان الأصل انه لم يسجد ولو شك في أنه
سجد للسهو سجدة أو سجدتين فيأخذ بأنه لم يسجد الا واحدة ويسجد أخرى لان الأصل في
الثانية العدم ولو شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا اخذ بالأقل وأتى بالمشكوك فيه وسجد
للسهو خلافا لأبي حنيفة رحمه الله حيث قال إن كان هذا الشك أول ما عرض له بطلت صلاته وإن كان
يعرض له كثيرا تحرى وبنى على غالب ظنه فإن لم يغلب على ظنه شئ بني على اليقين وعن أحمد
رواية ان الامام يتحرى خاصة ويعمل بغالب ظنه والظاهر عنه مثل مذهبنا لنا ما روى أبو سعيد
الخدري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى
ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ويسجد سجدتين فإن كانت صلاته تامة كانت
الركعة والسجدتان نافلة وإن كانت صلاته ناقصة كانت الركعة تماما والسجدتان ترغيما للشيطان " (1)
168

وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا شك أحدكم فلم يدر
أواحدة صلى أم اثنتين فليبن على واحدة وان لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا فليبن على اثنتين وان لم
يدر ثلاثا صلى أم أربعا فليبن على ثلاث ويسجد سجدتين قبل أن يسلم " (1) وعندنا لا مجال للاجتهاد
في هذا الباب ولا يجوز العمل بقول الغير أيضا وفيه وجه انه يجوز الرجوع إلى قول جمع كثيرين كانوا
يرقبون صلاته وكذلك إذا قام الامام إلى ركعة يظنها رابعته وعند القوم انها خامسة فنبهوه لا يرجع
إلى قولهم وفى وجه ان كثر عددهم رجع إلى قولهم والمشهور الأول لأنه تردد في فعل نفسه فلا
يرجع إلى قول غيره فيه كالحاكم إذا نسي حكمه لا يأخذ بقول الشهود عليه إذا عرف ذلك فالبناء على
الأصل مستمر على الأصل الذي تقدم لان الأقل فيما سوى القدر المستيقن العدم واما الامر بسجود
السهو فمخالف لذلك الأصل لأنه إذا بنى على اليقين واتى بركعة أخرى فقد تمت صلاته خالية عن
السهو بالزيادة ظاهرا فلماذا يسجد حكي امام الحرمين خلافا في تنزيله قال قال شيخي وطائفة المعتمد
فيه ما روينا من الخبر ولا اتجاه له من جهة المعني وقال الشيخ أبو علي المقتضي للسجود تردده في
169

أمر الركعة الأخيرة فإن كانت زائدة فزيادتها تقتضي السجود والا فالتردد فيها أهي أصلية مفروضة
أم زائدة يوجب ضعف النية ويحوج إلى الجبر بالسجود قال ويتفرع على هذا الخلاف ما لو زال
تردده قبل السلام وعرف ان الركعة الأخيرة هي الرابعة حقا وانه ما زاد شيئا هل يسجد للسهو
قطع الشيخ أبو محمد بأنه لا يسجد فان المتبع الحديث والحديث ورد في دوام الشك والتردد وقال
الشيخ أبو علي يسجد لان تلك الركعة تأدت على التردد وضعف النية فيها فزوال التردد بعد ذلك
لا يغنى عن الجبر ثم الذي مال إليه امام الحرمين كلام شيخه انه لا يسجد عند زوال التردد
واعترض على كلام الشيخ أبي على وقال إنه منقوض بما إذا لم يدر الرجل اقضي الفائتة التي كانت
عليه أم لا فانا نأمره بقضائها ولا يسجد للسهو إذا قضاها وإن كان هو مترددا في أنها هل هي
مفروضة عليه من أول الصلاة إلى آخرها أم لا وفى لفظ الكتاب ما يشعر بموافقته الإمام على اختياره فإنه أسند سجود السهو في المسألة إلى الخبر ثم قال وقيل إن عليه كذا وقال بينا ان هذا
170

السياق يشعر بترجيح الأول لكن المنقول عن القفال يوافق ما نسبه في المسألة إلى الشيخ أبي على
ولم يورد صاحب التهذيب وكثيرون سواه وضبطوا صور عروض الشك وزواله فقالوا إن كان
ما فعله من وقت عروض الشك إلى زواله ما لا بد منه على كل احتمال فلا يسجد للسهو وإن كان زائدا
على بعض الاحتمالات سجد للسهو مثاله لو شك في قيام من صلاة الظهر ان تلك الركعة ثالثة أو
رابعة فركع وسجد على هذا الشك وهو على عزم القيام إلى ركعة أخرى اخذا باليقين ثم تذكر
قبل القيام إلى الأخرى انها ثالثته أو رابعته فلا يسجد للسهو لان ما فعله في زمان الشك لا بد منه
على التقديرين جميعا وان لم يتذكر حتى قام إلى الأخرى يسجد للسهو وان تذكر انها كانت ثالثته
وهذه رابعة لأنه كان احتمال الزيادة وكونها خامسة ثابت حين قام وقوله في الكتاب فالأصل العدم
الا في مسألة يعني انه يعمل بقضية هذا الأصل الا في هذه المسألة فلا يعمل به لا أن هذه المسألة تغاير ما قبلها في نفس
الأصل حتى لا يكون الأصل فيها العدم وليس الغرض استثناء هذه الصورة الفردة بل نظائرها في معناها
كما إذا شك في ترك ركن سوى النية والتكبير يبني على اليقين ويسجد للسهو وترك الأصل في هذه
الصورة ليس في الاخذ بالأقل ولكنه في الامر بسجود السهو كما بينا ولذلك قال اخذ بالأقل
قياسا وسجد للسهو جبرا والصورة المستثناة قد ذكرها وحكمها في الفصل السابق على هذا الفصل
فهي معادة ههنا لكن هذا الموضع أحق بذكرها ولذلك زاد ههنا الكلام في سبب سجود السهو
وفرع عليه وكأنه قصد بذكرها في الفصل السابق التدرج منها إلى الشك بعد السلام ولو اقتصر
على ذكرها في هذا الموضع وعقبها بمسألة الشك بعد السلام لم يكن به باس وقوله آخرا وقيل
لا يسجد عند زوال التردد تفريع على اسناد سجود السهو إلى الجبر وليس شيئا مستأنفا ولو قال
وعلى الأول لا يسجد عند زوال التردد لكان أوضح *
171

قال (الثانية إذا تكرر السهو فيكفي سجدتان في آخر الصلاة وإنما يتعدد سجود السهو في
حق المسبوق إذا سجد لسهو الامام فإنه يعيد في آخر صلاة نفسه وكذا إذا صلوا صلاة الجمعة ثم بان لهم
بعد سجود السهو ان الوقت خارج تمموها ظهرا وأعادوا السجود ولو ظن الامام سهوا فسجد ثم تبين
أن لا سهو فقد زاد سجدتين فيسجد لهذا السهو سجدتين أخريين وقيل هما جابرتان لأنفسهما
كشاة من أربعين شاة تزكي نفسها وغيرها) *
لا يتكرر سجود السهو بتكرر السهو وتعدده بل يكفي سجدتان في آخر الصلاة سواء تكرر نوع واحد
أو وجود نوعان فصاعدا ووجهه الخبر والمعنى أما الخبر فهو حديث ذي اليدين فان النبي صلى الله عليه
وسلم " سلم وتكلم واستدبر القبلة ومشى ولم يزد على سجدتين " واما المعني فهو ان سجود السهو مؤخر
إلى آخر الصلاة ولولا أنه يتداخل لأمر به عند السهو كسجود التلاوة يأتي عند التلاوة قال الأئمة
ولا يتعدد سجود السهو الا في مواضع قالوا ونعني بذلك صورة السجود والا فالمعتد به سجدتان
172

بلا استثناء فمنها المسبوق إذا سجد مع الامام لسهوه يعيد في آخر صلاة نفسه على اختلاف يأتي
من بعد والغرض ههنا الإشارة إلى أنه من المستثنيات واقتصر على ذكر الأصح وهو أنه يعيد في
آخر صلاة نفسه ويجوز أن يعلم قوله يعيد بالواو للخلاف الذي يأتي ذكره: ومنها لو سها الامام في
صلاة الجمعة فسجدوا للسهو ثم تبين لهم قبل أن يسلموا خروج وقت الظهر فعليهم اتمامها ظهرا
ويعيدون سجود السهو لان محل السجود في آخر الصلاة وقد تبين أن الأول لم يقع في آخر الصلاة
وهذا تفريع على ظاهر المذهب وفى المسألة قول آخر يأتي ذكره في الجمعة انهم لا يتمونها ظهرا بل
يستأنفون فعلى ذلك القول لا تستمر المسألة ولا بأس لو أعلمت قوله تمموها ظهرا بالواو لمكان ذلك
القول ومنها لو ظن أنه سها في صلاته فسجد للسهو ثم بان قبل أن يسلم أنه لم يسه فهل يسجد فيه
وجهان أصحهما أنه يسجد لأنه زاد سجدتين سهوا فيجبر هذا الخلل بالسجود والثاني وبه قال الشيخ أبو محمد
لا يسجد لان سجود السهو يجبر كل خلل في الصلاة فيجبر نفسه كما يجبر غيره وهذا كوجوب شاة
في أربعين إذا أخرج واحدة تزكي نفسها فإنها من جملة الأربعين فهذه الصور الثلاث هي
المذكورة في الكتاب وقوله وإنما يتعدد سجود السهو يشعر بالحصر فيها ولكن وراءها صورا أخر
منها لو شرع المسافر في الصلاة بنية القصر فسها وسجد للسهو ثم نوى الاتمام قبل أن يسلم أو صار
مقيما بانتهاء السفينة إلى دار الإقامة يجب عليه أن يتم الصلاة ويعيد السجود في آخر صلاته لان محله
آخر الصلاة ومنها لو سجد للسهو ثم سها قبل أن يسلم بكلام أو غيره هل يسجد للسهو فيه وجهان
أحدهما وبه قال ابن القاص نعم لأنه وان جبر ما قبله وما فيه فلا يجبر ما يقع بعده وأصحهما لا يسجد
كما لو تكلم في سجود السهو أو سلم بينهما والمعني فيه أنه لا يؤمن من وقوع مثله في السجود ثانيا أو
بعده فيتسلسل ولو سجد للسهو ثلاثا سهوا لا يسجد لهذا السهو وكذلك لو شك في أنه سجد
173

للسهو سجدة أو سجدتين فاخذ بالأقل وسجد أخرى كما أمرناه ثم تحقق أنه كان قد سجد سجدتين
لا يسجد ثانيا للمعني الذي ذكرناه وعبروا عن هذا الوجه الأصح وعن الأصح في الثالثة من صور
الكتاب بان قالوا السهو في سجود السهو لا يقتضي السجود والسهو بسجود السهو يقتضي السجود
ومنها لو ظن أن سهوه ترك القنوت فسجد للسهو ثم بان له قبل إن يسلم ان سهوه شئ آخر هل
يسجد ثانيا فيه جوابان للقاضي الحسين أحدهما نعم لأنه قصد بالأول جبر ما لا حاجة إلى جبره وبقى الخلل بحاله
وأظهرهما لا لأنه قصد جبر الخلل وانه يجبر كل خلل *
قال (الثالثة إذا سها المأموم لم يسجد بل الامام يتحمل عنه كما يتحمل عنه سجود التلاوة ودعاء
القنوت والجهر والقراءة عن المسبوق والتشهد الأول عن المسبوق بركعة واحدة ولو سها بعد سلام الامام لم يتمحله
ولو ظن أن الامام سلم فقام ليتدارك ثم جلس قبل سلام الامام فكل ما جاء به سهو ولا سجود عليه فإذا
سلم الامام فليتدارك الآن وان تذكر في القيام ان الامام لم يتحلل فليرجع إلى القعود أو لينتظر
قائما سلامه ثم ليشتغل بقراءة الفاتحة بعده) *
إذا سها المأموم خلف الامام لم يسجد ويتحمل الامام سهوه لما روي أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " ليس على من خلف الامام سهو وان سها الامام فعليه وعلى من خلفه " (1) ولحديث معاوية بن
الحكم الذي رويناه في فصل الكلام فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالسجود مع أنه
تكلم (2) خلفه وشبه في الكتاب تحمله سهو المأموم بأمور اخر يتحملها أحدها سجود التلاوة فان
المأموم لو قرأ آية سجدة لا يسجد على ما سيأتي والثاني دعاء القنوت على ما سبق والثالث الجهر
فان المأموم لا يجهر في الصلاة الجهرية ولو كان منفردا لجهر ويجوز ان يعلم هذا بالحاء لان عند أبي حنيفة
لا يجهر المنفرد وإذا كان كذلك فلا معني للتحمل والرابع القراءة يتحملها
عن المسبوق الذي أدركه في الركوع وكذلك يتحمل عنه اللبث في القيام. لا يتحمل
174

عنه أصل القيام فإنه لا بد له من ايقاع التكبيرة في حد القيام والخامس التشهد الأول يتحمله عن
المسبوق الذي لحقه في الركعة الثانية فإنه إذا قعد الامام للتشهد الأول يتابعه وهو غير محسوب
للمسبوق من صلاته وموضع تشهده الأول آخر الركعة الثالثة للامام وهو لا يقعد فيه بل يقوم مع
الامام فهذه الخمسة هي المذكورة في الكتاب * ومنها القنوت في صلاة الصبح إذا لحق المسبوق في
الركعة الثانية على ما ذكرنا في التشهد الأول * ومنها قراءة السورة على التفصيل المتقدم ومنها قراءة
الفاتحة في الجهرية على القول القديم ولو سها المأموم بعد سلام الامام لم يتحمله الامام لانقطاع رابطة
الاقتداء وذلك في المسبوق إذا سها فيما ينفرد بتداركه وكذلك المأموم الموافق لو تكلم ساهيا
عقيب سلام الامام والمنفرد إذا سها في صلاته دخل في جماعة جوزنا ذلك على ما سيأتي فلا
يتحمل الامام سهوه ذلك ولو ظن المأموم ان امامه قد سلم فسلم ثم بان له انه لم يسلم بعد فيسلم معه ولا
سجود عليه فإنه سهو في حالة الاقتداء ولو تيقن في التشهد أنه ترك الفاتحة أو الركوع من ركعة سهوا فإذا
سلم الامام فعليه أن يقوم إلى ركعة أخرى ثم لا يسجد للسهو لان سهوه كان خلف الامام ولو سلم الامام
فسلم المسبوق سهوا ثم تذكر بني على صلاته وسجد للسهو لان سلامه وقع بعد انفراده ولو ظن المسبوق
ان الامام سلم بان سمع صوتا خيل إليه ذلك فقام ليتدارك ما عليه وكان ما عليه ركعة مثلا فاتي بها
وجلس ثم علم أن الامام بعد لم يسلم وان ظنه كان خطأ فهذه الركعة غير معتد بها لأنها مفعولة في غير
موضعها فان وقت التدارك ما بعد انقطاع القدوة اما لخروج الامام عن الصلاة أو لقطع المأموم القدوة
حيث يجوز ذلك ولم يوجد واحد من الامرين وإنما ظن زوال القدوة فتبين خلافه فإذا سلم الامام يقوم
إلى التدارك ثم لا يسجد للركعة التي سها بها لبقاء حكم القدوة وهذه المسألة منقولة عن نص الشافعي
رضي الله عنه والعبارة عنها في الكتاب تحتاج إلى اضمارات فقوله ولو ظن أن الامام سلم يعني
المسبوق وقوله فقام ليتدارك ثم جلس إلى آخره أي تدارك ثم جلس قبل سلام الامام وعلم أن
الامام لم يسلم بعد وكل ما جاء به سهو ولو كانت المسألة بحالها فسلم الامام وهو قائم فهل يجوز له
أن يمضى في صلاته أم يجب عليه ان يعود إلى القعود ثم يقوم حكى صاحب التهذيب وغيره فيه
175

وجهين ان جوزنا المضي فلا بد من استئناف القراءة وفرعوا على الوجهين ما لو سلم الامام في قيامه
لكنه لم يتنبه لذلك حتى أتم الركعة ان جوزنا المضي فركعته محسوبة ولا يسجد للسهو وان قلنا
عليه القعود لم يحسب ويسجد للسهو لزيادته في الصلاة بعد تسليم الامام ولو كانت المسألة بحالها
وتبين له في القيام ان الامام لم يسلم بعد فقد خيره في الكتاب بين أن يرجع إلى القعود وبين ان
ينتظر قائما سلام الامام وذكر امام الحرمين قدس الله روحه في هذه المسألة انه ان آثر ان يرجع
فهو الوجه وان بدا له ان يتمادى ويقصد الانفراد قبل أن يتحلل الامام فهو مبنى على أن المقتدى إذا أراد
الانفراد ببقية الصلاة وقطع القدوة هل له ذلك أن منعناه تعين عليه الرجوع وان جوزنا الانفراد
فوجهان أحدهما يجب الرجوع لان نهوضه غير معتد به فليرجع ثم ليقطع القدوة ان شاء والثاني
لا يجب لان الانتهاض ليس مقصودا لعينه وإنما المقصود نفس القيام وما بعده فصار كما لو قصد عند
ابتداء النهوض: إذا عرفت ذلك فالمفروض في المسألة إذا لم يرجع إلى القعود حالتان إحداهما أن يقطع
القدوة والثانية ان لا يقطعها بل ينتظر قائما إلى أن يسلم الامام والذي نقلناه عن الامام كلام في الحالة الأولى
وفيه ما يقتضى وجوب الرجوع في الحالة الثانية وامتناع الانتظار وما في الكتاب كلام في الحالة الثانية
لأنه إذا قطع القدوة وجوزناه فلا ينتظر سلام الامام بل يشتغل بتدارك ما عليه وليس تجويز الانتظار قائما إلى سلام الامام صافيا عن الاشكال لما فيه من المخالفة الظاهرة بخلاف سبقه الامام بركن فان
السبق اليسير إلى ما سينتهي الامام إليه لا يعد مخالفة محضة وبتقدير أن يكون قيام المسبوق كالسبق
بركن فقد ذكرنا من قبل وجهين فيما إذا غلط المأموم فسبق الامام بركن هل يجب عليه العود أم يجوز
له ان ينتظره فيه فليكن قوله أو لينتظر قائما معلما بالواو وعلى كل حال فلو كان قد قرأ قبل تبين الحال لم
يعتد بقراءته بل عليه الاستئناف فلذلك قال ثم ليشتغل بقراءة الفاتحة بعده *
(قال الرابعة يسجد المأموم مع الامام إذا سجد لسهوه (ح) فان ترك الامام سجد المأموم على النص لأجل
سهو (ز) الامام ولو سجد المسبوق مع الامام فهل يعيد في آخره صلاة نفسه فيه قولان يلتفتان إلى أنه يسجد
لسهوه أو لمتابعته فإن لم يسجد الإمام سجد في آخر صلاة نفسه على النص وسهو الامام قبل اقتدائه يلحقه
على الأظهر كما بعد اقتدائه) *
176

إذا سها الامام في صلاته لحق سهوه المأموم لما روى في الخبر الذي تقدم وان سها الامام
فعليه وعلى من خلفه ولأنه لما تحمل سهو المأموم ألزمه سهو نفسه ويستثنى صورتان (إحداهما) أن يتبين له
كون الامام جنبا فلا يسجد لسهوه ولا يتحمل هو على المأموم أيضا (الثانية) ان يعرف سبب سهو
الامام ويتيقن انه مخطئ في ظنه كما إذا ظن ترك بعض الابعاض والمأموم يعلم أنه لم يترك فلا يوافق
الامام إذا سجد * إذا ثبت هذا الأصل فينظر ان سجد الإمام وافقه المأموم فيه ولو تركه عمدا بطلت
صلاته قال صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الامام ليؤتم به " (1) وسواء عرف المأموم سهوه أو لم يعرفه فإذا
سجد سجدتين في آخر صلاته وجب على المأموم متابعته حملا على أنه سها وان لم يطلع على سهوه بخلاف
ما لو قام إلى ركعة خامسه لا يتابعه حملا على أنه ترك ركنا من ركعة لأنه وان تحقق الحال ثم لم يكن
له متابعته لاتمامه الصلاة يقينا ولو لم يسجد الا سجدة واحدة سجد المأموم أخرى حملا على أنه
نسي وان ترك الامام السجود لسهوه وسلم فهل يسجد المأموم نص الشافعي رضي الله عنه على أنه
يسجد لان صلاة المأموم كملت بسبب اقتدائه بالامام فإذا تطرق نقص إلى صلاة الامام تعدى إلى
صلاة المأموم وخرج بعض أصحابنا على أصول الشافعي رضي الله عنه منهم أبو حفص بن الوكيل انه
لا يسجد بل يتابعه في السلام كما لو ترك الامام التشهد الأول أو سجود التلاوة لا ينفرد المأموم بهما
وبهذا قال أبو حنيفة رحمه الله وكذلك احمد رحمه الله في إحدى الروايتين والمزني وقد أشار في المختصر
إلى تخريجه على أصل الشافعي رضي الله عنه لأنه ينفرد به مذهبا وظاهر المذهب هو الأول وأجابوا عن
التشهد الأول وسجدة التلاوة بأنهما يقعان في خلال الصلاة فلو انفرد بهما لخالف الامام وههنا سجود
السهو يقع بعد سلام الامام وخروجه من الصلاة قال في النهاية وعبر عن هذا الخلاف بان المقتدى يسجد
لسهو الامام أو لمتابعته ان قلنا لسهوه يسجد وان لم يسجد الإمام وان قلنا لمتابعته فلا ولو سلم الامام ثم عاد إلى
السجود نظر ان سلم المأموم معه ناسيا يوافقه في السجود فلو لم يفعل هل تبطل صلاته فيه وجهان مبنيان على أن من
سلم ناسيا قبل السجود ثم عاد إلى السجود هل يعود إلى حكم صلاته أم لا وسيأتي ذلك وان سلم المأموم عمدا مع
ذكر السهو فلا يلزمه متابعته وان لم يسلم المأموم وعاد الامام ليسجد فان عاد بعد أن سجد المأموم للسهو لم
يتابعه لأنه قطع صلاته عن صلاة الامام بالسجود وان عاد قبل إن يسجد المأموم فاصح الوجهين
177

انه لا يجوز ان يتابعه بل يسجد منفردا والثاني انه يلزمه متابعته وتبطل صلاته لو لم يفعل ولو سبق
الامام حدث بعد ما سها أتم المأموم صلاته وسجد لذلك السهو تفريعا على ظاهر المذهب وإن كان
الامام حنيفا فلم قبل إن يسجد للسهو لم يسلم معه المأموم بل يسجد قبل السلام ولا ينتظر سجود
الامام لأنه فارقه بسلامه وهذا تفريع على أن اقتداء الشافعي بالحنفي جائز وسيأتي ولو كان المأموم
مسبوقا وسها الامام بعد ما لحقه وسجد في آخر صلاته فيجب على المسبوق ان يسجد معه رعاية
للمتابعة كما يوافقه في سائر الأفعال التي لا تحتسب له ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم " إنما جعل
الامام ليؤتم به " وحكى الصيدلاني عن بعض أصحابنا انه لا يسجد معه لان موضع سجود السهو آخر
الصلاة والصحيح المنصوص هو الأول وعليه فرع في الكتاب قوله ولو سجد مع الامام فهل يعيد في
آخر صلاة نفسه فيه قولان أصحهما نعم لان سهو الامام اقتضي خللا في صلاته فيحتاج إلى جبره بالسجود
ومحل الجبر بالسجود آخر الصلاة وما أتى به كان لمتابعة الامام والثاني لا وهو اختيار المزني رحمه الله لأنه
إنما
يسجد لمتابعة الامام والا فليس من جهته سهو وقد ارتفعت المتابعة بسلام الامام فهذا إذا سجد الإمام وسجد
المسبوق معه فاما إذا لم يسجد الإمام فلا شك في أن المسبوق لا يسجد في آخر صلاة الامام إذ لا متابعة وليس
هو محل السجود بالإضافة إلى المسبوق وهل يسجد في آخر صلاة نفسه فيه الخلاف الذي قدمناه في المأموم
الموافق هل يسجد إذا لم يسجد الإمام فليكن قوله سجد في آخر صلاة نفسه معلما بالحاء والألف والزاي
أيضا وكل هذا في سهو الامام بعد اقتدائه فاما إذا سها قبل اقتداء المسبوق به فهل يلحقه حكمه فيه وجهان
أحدهما لا لأنه لم يكن بينهما رابطة الاقتداء حينئذ كما لو سها في تداركه بعد سلام الامام لا يتحمله الامام
فعلى هذا قال في النهاية ان لم يسجد الإمام فلا يسجد هو أصلا وان سجد فالظاهر أنه لا يسجد معه وقال
بعضهم يسجد متابعة لكن لا يسجد في آخر صلاته والوجه الثاني وهو الأظهر أنه يلحقه حكمه لأنه دخل
في صلاة ناقصة فعلى هذا ان سجد الإمام سجد معه وهل يعيد في آخر صلاة نفسه فيه القولان وان لم يسجد الإمام
سجد هو في آخر صلاته على النص وإذا قلنا إن المسبوق يعيد السجود في آخر صلاته فلو اقتدى بالمسبوق
178

بعد ما انفرد مسبوق آخر وبذلك المسبوق بعد ما انفرد مسبوق ثالث فكل واحد منهم يسجد لمتابعة امامه
ثم يسجد في آخر صلاة نفسه ولو سها المسبوق في تداركه فان قلنا لا يسجد لسهو الامام في آخر صلاته
فليسجد لسهوه سجدتين وان قلنا يسجد لسهو الامام في آخر صلاته فكم يسجد فيه وجهان أحدهما أربع
سجدات لتغاير الجهتين وأصحهما سجدتان كما لو سها سهوين ولو أنفرد المصلي بركعة من صلاة رباعية
وسها فيها ثم اقتدى بمسافر وجوزنا الاقتداء في أثناء الصلاة وسها امامه ثم قام إلى ركعته الرابعة وسها
فيها فكم يسجد في آخر صلاته فيه ثلاثة أوجه أصحها سجدتان والثاني أربع نظرا إلى سهوه في حالتي
الجماعة والانفراد والثالث ست باعتبار الأحوال فإن كان قد سجد الإمام فلا بد وان يسجد معه ويكون
قد أتى على الوجه الثالث بثمان سجدات وكذا المسبوق بركعة إذا اقتدى بمسافر وسها الامام
وسجد وسجد معه المسبوق ثم صار الامام مقيما قبل أن يسلم فأتم وأعاد سجود السهو وأعاد معه المسبوق ثم
قام إلى الركعة الرابعة وسها فيها وقلنا إنه يسجد أربع سجدات فقد اتى بثمان سجدات فان سها
بعدها بكلام ونحوه وفرعنا على قول صاحب التلخيص صارت السجدات عشرا وقد يزيد عدد
السجود على هذا تفريعا على الوجوه الضعيفة *
قال * (اما محل السجود وكيفيته فهما سجدتان (ح م) قبل السلام على القول الجديد فان سلم عامدا قبل
السجود فقد فوت على نفسه وان سلم ناسيا وطال الزمان فقد فات وان تذكر على القرب فان عن له
ان لا يسجد فقد جرى السلام محللا وان عن له ان يسجد عاد إلى الصلاة على أحد الوجهين وبان ان السلام
لم يكن محللا) *
ذكرنا ان الكلام في سجود السهو يقع في قسمين (أحدهما) في مقتضيه وقد تم (والثاني) في محله
وكيفيته وهما سجدتان بينهما جلسة يسن في هيئتها الافتراش وبعدهما إلى أن يسلم يتورك وكتب الأصحاب
ساكتة عن الذكر فيهما وذلك يشعر بان المحبوب فيهما هو المحبوب في سجدات صلب الصلاة
كسائر ما سكتوا عنه من واجبات السجود ومحبوباته وسمعت بعض الأئمة يحكى أنه يستحب ان
179

يقول فيهما " سبحان من لا ينام ولا يسهو " (1) وهو لائق بالحال وفى محلهما ثلاثة أقوال (أصحها) أنه قبل السلام
روى عن عبد الله بن بحينه ان النبي صلى الله عليه وسلم " صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأولتين لم
يجلس فقام الناس معه حتى إذا قضي الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل
أن يسلم ثم سلم " (2) ولحديث أبي سعيد وعبد الرحمن رضي الله عنهما المذكورين في الشك في عدد الركعات (3)
(والثاني) وبه قال مالك والمزني رحمهما الله انه ان سها بزيادة فعل سجد بعد السلام وإن كان بنقصان سجد
قبل السلام أما انه يسجد في الزيادة بعد السلام فلقصة ذي اليدين فان النبي صلى الله عليه وسلم
" سلم وتكلم ومشي فلما بنى على صلاته سلم ثم سجد للسهو " وأما أنه يسجد في النقصان قبل السلام فلحديث
ابن بحينة (والثالث) أنه مخير ان شاء قدم وان شاء أخر لثبوت الامرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (4)
وهذان القولان الأخيران منقولان عن القديم والأول هو الجديد الصحيح وقد نقل عن الزهري ان
آخر الامرين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود قبل السلام (5) ثم هذا الاختلاف في
180

الاجزاء على المشهور بين الأصحاب وحكى القاضي ابن كج وامام الحرمين طريقة أخرى انه في
الأفضل ففي قول الأفضل التقديم وفى قول الأفضل التأخير وفى قول هما سواء وقال أبو حنيفة السجود
بعد السلام بكل حال واختلفت الرواية عن أحمد فروى عنه مثل القول الثاني وروى مثل القول الأول
وروى أنه قبل السلام الا في موضعين (أحدهما) ان يسلم ساهيا وقد بقي عليه شئ من صلاته كالركعة
ونحوها (والثاني) أن يكون إماما ويشك في عدد صلاته ويتحرى على إحدى الروايتين لهم فإنه يسجد بعد
السلام والرواية الثالثة أظهر عند أصحابه وقد عرفت من هذه الاختلافات الحاجة إلى أعلام قوله قبل
السلام بالحاء والميم والألف والزاي (التفريع) ان قلنا يسجد قبل السلام فلو سلم قبل إن يسجد لم يخل اما ان
يسلم عامدا ذاكرا للسهو أو يسلم ناسيا فان سلم عامدا ففيه وجهان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب
أنه فوت السجود على نفسه لان محل السجود قبل السلام وقد قطع الصلاة بالسلام (والثاني) أنه كما لو سلم
ناسيا ان طال الفصل لم يسجد والا سجد كالنوافل التي تقضى لا فرق فيها بين العمد والنسيان ولا خلاف
في أنه وان سجد لا يكون عائدا إلى الصلاة بخلاف ما لو سلم ناسيا وسجد ففيه خلاف سيأتي وان سلم
ناسيا فينظر ان طال الزمان ففيه قولان الجديد وهو الذي ذكره في الكتاب انه لا يسجد لفوات محله
وتعذر البناء بطول الفصل كما لو ترك ركنا وتذكر بعد طول الفصل لا يبنى والقديم انه يسجد لأنه
جبران عبادة فيجوز ان يتراخى عنها كجبرانات الحج وعن مالك انه إذا ترك السجود ناسيا سجد
متى تذكر ولو كان بعد شهر ولهذا أعلم قوله فقد فات بالميم مع القاف وان لم يطل الزمان بل تذكر على
القرب فان بدا له ان لا يسجد فذاك والصلاة ماضية على الصحة وحصل التحلل بالسلام لأنه لما لم يكن
له رغبة في السجود عرفنا انه وإن لم يعتره نسيان لكان يسلم ولا يسجد وقال في النهاية رأيت في ادراج
كلام الأئمة ترددا في ذلك والظاهر أنه إذا أراد أن يسجد قلنا له سلم مرة أخرى لان ذلك السلام
181

غير معتد به فإنك لو أردت ان تسجد لحكمنا بأنك في الصلاة وهذا يوجب أن يكون قوله فقد جرى
السلام محللا معلما بالواو وان أراد أن يسجد فقد حكي امام الحرمين فيه وجهين أحدهما لا يسجد
لان السلام ركن جرى في محله والسجود يجوز تركه قصدا فلو قلنا يسجد لاحتجنا إلى اخراج السلام
عن الاعتداد به فانا نفرع على أن محل السجود قبل السلام وذلك مما لا وجه له والي هذا الوجه مال الإمام
وصاحب الكتاب في الفتاوى والثاني أنه يسجد وبه قطع الجمهور ونص عليه الشافعي رضي الله
عنه لان النبي صلى الله عليه وسلم " صلى الظهر خمسا وسلم فقيل له في ذلك فسجد للسهو " وإذا قلنا أنه
يسجد ههنا وهو الصحيح أو قلنا إذا طال الفصل تفريعا على القديم فقد اختلفوا في أنه هل
يعود إلى حكم الصلاة على وجهين (أحدهما) لا لان التحلل قد حصل بالسلام بدليل انه لا يجب إعادة
السلام والعود إلى الصلاة وهذا أرجح عند صاحب التهذيب (والثاني) يعود إلى حكم الصلاة
وبه قال أبو زيد وذكر القفال أنه الصحيح وتابعهما امام الحرمين والمصنف قطع في الفتاوى بذلك
إذا قلنا أنه يسجد وهكذا ذكر القاضي الروياني وغيره ووجهه أنه سلم ناسيا لسهوه ولو كان
ذاكرا لما سلم لرغبته في السجود وعلمه ان محل السجود قبل السلام فالنسيان يخرجه عن كونه محللا
كما يخرجه عن كونه محللا إذا سلم ناسيا لركن ثم تذكر ويتفرع على الوجهين مسائل (منها) لو تكلم
عامدا أو أحدث في السجود بطلت صلاته على الوجه الثاني وعلى الأول لا تبطل (ومنها) لو كان
السهو في صلاة جمعة وخرج وقت الظهر في السجود فاتت الجمعة على الوجه الثاني وعلى الأول لا
(ومنها) لو كان مسافرا يقصر ونوى الاتمام في السجود لزمه الاتمام على الثاني وعلى الأول لا (ومنها)
هل يكبر للافتتاح وهل يتشهد ان قلنا بالوجه الثاني فلا يفعل ذلك وان قلنا بالأول فيكبر وفى
التشهد وجهان أصحهما انه لا يتشهد قال في التهذيب والصحيح انه يسلم سواء قلنا يتشهد أو لا يتشهد
بقي ههنا كلامان (أحدهما) البحث عن حد طول الزمان وفيه الخلاف الذي ذكرناه فيما إذا ترك
ركنا ناسيا ثم تذكر بعد السلام أو شك فيه والأصح الرجوع إلى العرف والعادة وحاول امام
182

الحرمين ضبط العرف فقال إذا مضى من الزمان قدر يغلب على الظن أنه اضرب عن السجود
قصدا أو نسيانا فهذا فصل طويل والا فليس ذلك بفصل قال وهذا إذا لم يفارق المجلس فان فارق
ثم تذكر على قرب من الزمان فهذا محتمل عندي لان الزمان قريب لكن ان نظرنا إلى العرف
فمفارقته المجلس تغلب على الظن الاضراب عن السجود كطول الزمان قال ولو سلم واحدث ثم انغمس في
ماء على قرب الزمان فالظاهر أن الحدث فاصل وان لم يطل الزمان (واعلم) انه قد نقل قول عن
الشافعي رضي الله عنه ان الاعتبار بالمجلس فإن لم يفارقه سجد وان طال الزمان وان فارقه لم يسجد
وان قرب الزمان لكن الذي اعتمده الأصحاب الرجوع إلى العرف كما سبق وقالوا لا تضر مفارقة
المجلس واستدبار القبلة والله أعلم (الثاني) ان لفظ الكتاب في المسألة وهو قوله وان عن له ان يسجد
عاد إلى الصلاة على أحد الوجهين يمكن حمله على طريقة الجمهور بان يقال إنه يسجد ثم في عوده إلى
الصلاة الوجهان ولكنه لم يرد ذلك وإنما أراد نقل الوجهين في أنه هل يسجد جريا على طريقة
الامام كما قدمناها ان قلنا يسجد فهو عائد إلى الصلاة والا فلا وقد صرح بذلك في الوسيط وغيره
هذا كله تفريع على قولنا أن السجود قبل السلام أما إذا قلنا إنه بعد السلام اما في السهو بالزيادة
أو على الاطلاق فينبغي أن يسجد على القرب فان طال الفصل عاد الخلاف وإذا سجد فلا يحكم
بالعود إلى الصلاة جزما وقال أبو حنيفة يعود إليها وهل يتحرم للسجدتين ويتشهد ويتحلل قال في
النهاية الحكم فيها كحكمها في سجدة التلاوة وسيأتي ذلك ثم إذا رأينا التشهد فالمشهور أنه يتشهد
بعد السجدتين كما في سجود التلاوة يتشهد بعده وعن الأستاذ أبى اسحق الأسفرايني رحمة الله عليه
183

أنه يتشهد قبل السجدتين ليليهما السلام وحكي الحناطي رحمة الله عليه هذين المذهبين قولين وروى
في البيان الوجهين في التفريع على القول الأول إذا قلنا أنه يتشهد *
184

قال (السجدة الثانية سجدة التلاوة وهي مستحبة في أربع عشرة آية (م و) ولا سجدة في ص (ح م) وفى
الحج سجدتان (م) ثم هي على القارئ والمستمع جميعا فان سجد القارئ تأكد الاستحباب على المستمع
وإن كان في الصلاة سجد لقراءة نفسه إن كان منفردا أو لقراءة امامه ان سجد امامه ولا يسجد
(ح) لقراءة غير الامام ومن قرأ آية في مجلس مرتين هل تشرع السجدة الثانية فيه وجهان) *
الفصل يشتمل على مسائل (إحداها) سجود التلاوة سنة خلافا لأبي حنيفة حيث قال بوجوبها
لنا ما روى عن زيد بن ثابت رضي الله عنه " أنه قرأ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة
النجم فلم يسجد فيها ولا امرء بالسجود " (1) وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " أنه قرأ على المنبر سورة
سجدة فنزل وسجد وسجد الناس معه فلما كان في الجمعة الأخرى قرأها فتهيأ الناس للسجود فقال
على رسلكم ان الله لم يكتبها علينا الا ان نشاء " (2) (الثانية) في عدد آيات السجدة قولان (الجديد) انها أربع
عشرة آية وفى القديم أسقط سجدات المفصل وردها إلى إحدى عشرة لما روى عن ابن عباس
185

رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم " لم يسجد في شئ من المفصل منذ تحول إلى المدينة " (1)
واحتج في الجديد بما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال " سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك " (2) وكان اسلام أبي هريرة رضي الله عنه بعد الهجرة
بسنين (3) فرأى اثباته أولي من النفي وأبو حنيفة رحمه الله يوافق الجديد في العدد ومالك القديم الا
انهما أثبتا سجدة لا نعدها ونفيا بدلها أخرى نحن نثبتها أما الأولى فسجدة ص عندنا ليست من
عزائم السجود وإنما هي سجدة شكر خلافا لهما لنا ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي
صلى الله عليه وسلم " سجد في ص وقال سجدها داود توبة وسجدتها شكرا " (4) أي على النعمة التي
أتاها الله تعالى داود وهي قبول توبته وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان لا يسجد في ص إذا
ثبت ذلك فلو سجد فيها خارج الصلاة فهو حسن ولو سجد في الصلاة جاهلا أو ناسيا لم يضر وان
186

كان عالما فوجهان (أحدهما) وبه قال ابن كج لا تبطل صلاته لان سببه التلاوة وأصحهما تبطل كسجود
الشكر ولو سجد امامه في ص لأنه ممن يراها فلا يتابعه المأموم فيها بل يفارقه أو ينتظره قائما وإذا
انتظره قائما هل يسجد للسهو فيه وجهان (واما الثاني) ففي الحج عندنا سجدتان خلافا لهما في الثانية
لنا ما روى عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال " قلت يا رسول الله فضلت سورة الحج بان فيها
سجدتين قال نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما " (1) وصار ابن سريج إلى اثبات سجدة ص والثانية في
الحج معا وجعل آيات السجود خمس عشرة لما روى عن عمرو بن العاص ان النبي صلى الله عليه
وسلم " اقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفى الحج سجدتان " (2) وعن أحمد
روايتان (إحداهما) مثل مذهب ابن سريج (وأصحهما) مثل القول الجديد وإذا وقفت على هذه
الاختلافات أعلمت قوله وهي مستحبة بالحاء وقوله في أربع عشرة آية بالواو للقول القديم ولمذهب
الاختلافات أعلمت قوله وهي مستحبة بالحاء وقوله في أربع عشرة آية بالواو للقول القديم ولمذهب
ابن سريج وقوله ولا سجدة في ص بالميم والحاء والألف والواو وقوله وفى الحج سجدتان
بالميم والحاء ثم مواضع السجود من الآيات بينة لا خلاف فيها الا في حم السجدة ففي موضع السجود
187

فيها وجهان (أحدهما) عند قوله إياه تعبدون ويروى هذا عن أبي حنيفة واحمد (وأصحهما) أنه عند
قوله وهم لا يسأمون لان عنده يتم الكلام (الثالثة) كما يسن السجود للقارئ يسن للمستمع إليه
لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا
القرآن. فإذا مر بسجدة كبر وسجد وسجدنا معه " (1) ولا فرق بين أن يكون القارئ في الصلاة أو
لا يكون كذلك ذكره في التهذيب وبه قال أبو حنيفة وحكى في البيان أنه لا يسجد المستمع لقراءة
من في الصلاة وأقام هذه المسألة خلافية بيننا وبين أبي حنيفة والأول أظهر وأوفق لاطلاق لفظ
الكتاب وكذلك ظاهر اللفظ يشتمل قراءة الصبي والمحدث والكافر ويقتضي شرعية السجود
للمستمع إلى قراءتهم وبه قال أبو حنيفة وقال في البيان لا اعتبار بقراءتهم خلافا له وأما الذي
لا يستمع قصدا ولكنه سمع ما رأى فقد حكى عن مختصر البويطي ان الشافعي رضي الله عنه
قال لا أؤكد عليه كما أؤكد على المستمع وان سجد فحسن وعند أبي حنيفة لا فرق بينه وبين المستمع
والقارئ ونقل مثله عن بعض أصحابنا لكنه يقول باللزوم ونحن بالاستحباب ودليل
الفرق ما روى عن عثمان رضي الله عنه " أنه مر بقاص فقرأ آية سجدة ليسجد عثمان رضي الله عنه
معه فلم يسجد وقال ما استمعنا لها " (2) وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال " السجدة لمن جلس
لها " (3) وذكر في النهاية أن السامع لا يسجد لأنه لم يقرأ ولا قصد الاستماع فلو سجد لكانت سجدته
188

منقطعة عن سبب ينشئه فحصل في السامع ثلاثة أوجه كما يرى وإذا سجد القارئ فيكون الاستحباب
في حق المستمع آكد وإن كان أصل الاستحباب لا يتوقف على سجوده هذا ما ذكره أكثر الأئمة
من العراقيين وغيرهم وحكاه امام الحرمين عن نصه في البويطي ونقل الصيدلاني أنه لا يسن له
السجود الا ان يسجد القارئ ورجح الامام هذا الوجه واستشهد عليه بما روى " أن رجلا قرأ عند
النبي صلى الله عليه وسلم السجدة فسجد فسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثم قرأ آخر عنده
السجدة فلم يسجد فلم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقال سجدت لقراءة فلان ولم تسجد لقراءتي
فقال كنت امامنا فلو سجدت لسجدنا " (1) وحمل الأول ذلك على تفاوت الاستحباب وحث الثاني
على السجود وهذا في غير الصلاة أما المصلي فإن كان منفردا سجد لقراءة نفسه فلو لم يسجد وركع
وبدا له أن يسجد لم يجز لأنه اشتغل بالفرض فإن كان قبل بلوغه حد الراكعين فيجوز ولو هوى
189

بسجود التلاوة ثم بدا له فرجع جاز لأنه مسنون فله أن لا يتمه كما له ان يشرع فيه وهكذا لو قعد
للتشهد الأول وقرأ بعضه ولم يتم جاز ولو اصغي المنفرد إلى قراءة قارئ في الصلاة أو في غير الصلاة
فلا يسجد لأنه ممنوع من الاصغاء ولو فعل بطلت صلاته هذا قضية كلام الأصحاب وإن كان المصلي
في جماعة نظر إن كان إماما فهو كالمنفرد فيما ذكرنا ولا يكره له قراءة آية السجدة في الصلاة خلافا
لمالك حيث قال يكره ولأبي حنيفة وأحمد حيث قالا يكره في السرية دون الجهرية لنا ما روى أنه
صلى الله عليه وسلم " سجد في الظهر فرأى أصحابه انه قرأ آية سجدة فسجدوا " وإذا سجد الإمام سجد
المأموم فلو لم يفعل بطلت صلاته ولو لم يسجد الإمام لم يسجد المأموم ولو فعل بطلت صلاته ويحسن القضاء
إذا فرغ ولم يتأكد ولو سجد الإمام ولم ينتبه المأموم حتى رفع الامام رأسه من السجود لم يسجد
وان علم وهو بعد في السجود سجد وإن كان في الهوى ورفع الامام رأسه رجع معه ولم يسجد وكذا
الضعيف الذي هوى مع الامام لسجود التلاوة فرفع الامام رأسه قبل انتهائه إلى الأرض لبطئ
حركته يرجع معه ولا يسجد وإن كان المصلي مأموما لم يسجد لقراءة نفسه بل يكره له قراءة آية
السجدة ولا يسجد لقراءة غير الامام بل يكره له الاصغاء إليها ولو سجد لقراءة نفسه أو لقراءة غيره بطلت
190

صلاته وقوله في الكتاب هي على القارئ والمستمع ليس على ههنا للايجاب وإنما المراد تأكد
الاستحباب وكثيرا ما يتكرر ذلك في كلام الأصحاب في هذه السجدة وسجدة السهو والراد ما ذكرنا
وقد يستعملون لفظ الوجوب واللزوم أيضا وقوله فان سجد القارئ تأكد الاستحباب على المستمع
إشارة إلى أن أصل الاستحباب ثابت وان لم يسجد القارئ جوابا على الأظهر المنصوص ويجوز
أن يعلم بالواو لان من قال لا يسن للمستمع السجود الا إذا سجد القارئ لا يقول بتأكد
الاستحباب عند عدم سجوده وإنما يثبته عنده وقوله ولا يسجد لقراءة نفسه ولا لقراءة غير الامام
هكذا هو في بعض النسخ وهو عبارة الوسيط وعلى هذا فالمراد لا يسجد المأموم وهو متعلق
بقوله أو لقراءة امامه ان سجد امامه ولفظ الكتاب على هذا التقدير ساكت عن حكم الامام ولا
بأس به للعلم بان الامام كالمنفرد في هذا الباب وأمثاله وفى بعض النسخ ولا يسجد لقراءة غير الامام
وطرح ما سواه وعلى هذا فالمفهوم من سياق الكلام رجوعه إلى المأموم أيضا وسبب الطرح انا
إذا قلنا ولا يسجد لقراءة غير الامام دخل فيه نفسه أيضا وذكر بعضهم أن المصنف أراد ولا
يسجد المصلى لقراءة غير الامام وأعلم قوله ولا يسجد بالحاء على هذا التأويل لأنا نعني بقولنا
لا يسجد انه لا يجوز له السجود ولو فعله بطلت صلاته وعند أبي حنيفة لو سجد الإمام والمقتدون
لقراءة غيرهم لم تبطل صلاتهم وإن كان لا يجزئهم ذلك ويسجدون بعد الصلاة ذكره القدوري
وغيره (الرابعة) لو قرأ آيات السجدة في مكان واحد سجد لكل واحدة سجدة ولو كرر الآية
الواحدة في المجلس الواحد فينظر ان لم يسجد للمرة الأولى فيكفيه سجود واحد وان سجد للأولى
فوجهان (أحدهما) لا يسجد مرة أخرى وتكفيه الأولى كما في الصورة السابقة وبه قال أبو حنيفة وابن
سريج (وأظهرهما) انه يستحب مرة أخرى لتجدد السبب بعد توفية حكم الأول وفى المسألة وجه ثالث
191

انه ان طال الفصل سجد مرة أخرى والا فتكفيه السجدة الأولى قال في العدة وعليه الفتوى ولو
كرر الآية الواحدة في الصلاة فإن كان في الركعة الواحدة فهي كالمجلس الواحد وإن كان في ركعتين
فهما كالمجلسين فيعيد السجود ذكره الصيدلاني وغيره ولو قرأ مرة في الصلاة ومرة خارج الصلاة
الصلاة في المجلس الواحد وسجد في الأولى فهذا لم أره منصوصا عليه في كتب الأصحاب واطلاقهم
الخلاف في التكرار يقتضي طرده ههنا وعند أبي حنيفة إذا سجد خارج الصلاة لقراءة آية ثم أعادها
في الصلاة أعاد السجدة ولم تجزه الأولى بخلاف ما لو لم يسجد حتى دخل في الصلاة وأعادها فإنه يسجد
وتجزئه عن التلاوتين واعلم أن في قوله هل تشرع السجدة الثانية إشارة الا ان صورة الوجهين ما إذا
كان قد سبق في المرة الأولى والا لم تكن سجدته سجدة ثانية والله أعلم *
قال (ثم الصحيح أن هذه سجدة فردة وإن كانت تفتقر إلى سائر شرائط الصلاة
ويستحب قبلها تكبيرة مع رفع اليدين إن كان في غير الصلاة ودون الرفع إن كان في الصلاة
وقيل يجب التحرم والتحلل والتشهد وقيل يجب التحرم والتحلل دون التشهد وقيل لا يجب الا التحرم) *
غرض الفصل الكلام في كيفية سجود التلاوة وشرائطه ولا خلاف في افتقاره إلى شروط
الصلاة كطهارة الحدث والخبث وستر العورة واستقبال القبلة وغيرها كما في الصلاة واما الكيفية
فهو اما أن يكون في الصلاة أو خارج الصلاة فإن كان خارج الصلاة ينوى ويكبر للافتتاح لما روى
أنه صلى الله عليه وسلم " كان إذا مر في قراءته بالسجود كبر وسجد " (1) ويرفع يديه حذو
منكبيه في هذه التكبيرة كما يفعل ذلك في تكبيرة الافتتاح في الصلاة ثم يكبر تكبيرة أخرى للهوى
192

أخرى للهوى من غير رفع اليدين كما في الهوي إلى السجود الذي هو من صلب الصلاة ثم تكبير الهوى مستحب
وليس بشرط وفى تكبير الافتتاح وجهان (أحدهما) وهو الذي ذكره الشيخ أبو محمد واختاره صاحب
الكتاب أنه مستحب أيضا وليس بشرط (والثاني) أنه شرط وهو قضية كلام الأكثرين فإنهم
أطبقوا على الاحتجاج لاحد القولين في السلام بان السجود يفتقر إلى الاحرام فيفتقر إلى السلام
وسيأتي ذلك وحكى الشيخ أبو حامد وغيره عن أبي جعفر الترمذي من أصحابنا انه لا يكبر تكبيرة
الافتتاح لا وجوبا ولا استحبابا لان سجود التلاوة ليس صلاة بانفراده حتى يكون له تحرم والمستحب
أن يقوم ويكبر وينوى قائما ثم يهوى من قيام وروى ذلك عن فعل الشيخ أبى محمد وعن القاضي
الحسين وغيرهما ويستحب أن يقول في سجوده سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته
لما روي عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم " كأن يقول ذلك في سجود القرآن " (1)
ويستحب
193

أيضا أن يقول اللهم اكتب لي بها عندك أجرا واجعلها لي عندك ذخرا وضع عنى بها وزرا واقبلها
منى كما قبلت من عبدك داود لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم " قال ذلك
في سجود القرآن " (1) ولو قال ما يقوله في سجود صلاته جاز ثم يرفع رأسه مكبرا كما يرفع عن سجود صلب
الصلاة وهل يفتقر إلى السلام فيه قولان (أحدهما) لا كما لو سجد في الصلاة (وأظهرهما) نعم لأنه يفتقر
إلى الاحرام فيفتقر إلى التحلل كالصلاة وعلى هذا هل يفتقر إلى التشهد فيه وجهان (أحدهما) نعم
لأنه سجود يفتقر إلى الاحرام والسلام فيفتقر إلى التشهد كسجود الصلاة (وأصحهما) لا: لان التشهد
في مقابلة القيام ولا قيام فيه بل القيام أولي بالرعاية بدليل صلاة الجنازة فكما لم يشترط ذلك فأولى أن لا
يشترط التشهد ومن الأصحاب من يجمع بين التشهد والسلام ويقول فيهما ثلاثة أوجه أحدها انه لا حاجة
إليهما وهو ظاهر ما نقل عن البويطي (وثانيها) أن لابد منهما (وثالثها) وهو الأظهر أنه لا بد من السلام دون التشهد
وبهذا قال ابن سريج وأبو إسحاق وإذا قلنا إن التشهد ليس بشرط فهل يستحب ذكر في النهاية ان للأصحاب
194

خلافا فيه هذا كيفية السجود خارج الصلاة. واما في الصلاة فلا يكبر للافتتاح ولكن يستحب له التكبير
للهوى إلى السجود من غير رفع اليد وكذلك يكبر عند رفع الرأس كما يفعل في سجدات الصلاة وعن أبي على
ابن أبي هريرة انه لا يكبر لا عند الهوى ولا عند رفع الرأس كيلا تشتبه هذه السجدة بسجدات الصلاة ولا فرق
في الذكر بين ما لو سجد في الصلاة أو خارجها وإذا رفع الرأس يقوم منها ولا يجلس للاستراحة ويسن ان يقرأ
شيئا ثم يركع ولا بد من أن ينتصب ثم يركع فان الهوى من القيام واجب كما تقدم ولنعد إلى ما يتعلق بلفظ
الكتاب (قوله) والصحيح ان هذه سجدة فردة يريد بالفردة انها لا تفتقر إلى تحرم وتحلل ولا يريد انها
واحدة لا كسجدتي السهو لأنه قال والصحيح ولا خلاف في أنها واحدة وعن أحمد انه يكبر للهوى والرفع
ويسلم فان أراد به الاشتراط فليكن قوله فردة معلما بالألف (وقوله) وإن كانت تفتقر إلى سائر شرائط الصلاة
تشتمل على بيان مسألة مقصودة وهي أن شرائط الصلاة مرعية في سجدة التلاوة وأشار بالايراد الذي ذكره
إلى أنها وإن كانت كالصلاة في اعتبار الشروط لكنها تفارقها في الحاجة إلى التحلل والتحرم على هذا
الوجه ثم الذي يوجد في معظم النسخ وإن كانت تفتقر إلى سائر شرائط الصلاة وحذف بعضهم لفظ سائر
وكأنه حمله عليه اشتهار لفظ السائر في البعض الباقي من الشئ وشرائط الصلاة بأسرها معتبرة في سجدة
195

التلاوة ولم يجرد ذكر البعض حتى يضم الباقي إليه بلفظ السائر الا أن اطلاق السائر بمعنى الجميع صحيح قال
صاحب الصحاح وسائر الناس جميعهم فإذا المعنى وإن كانت تفتقر إلى جميع شرائط الصلاة ولا حاجة
إلى الحذف (واعلم) ان النية عند صاحب الكتاب معدودة من شرائط الصلاة كما سبق والتكبير وحده يقع عليه
اسم التحرم والتحريم قال صلى الله عليه وسلم " وتحريمها التكبير " (1) وإذا كان كذلك فظاهر اللفظ يقتضى
اشتراط النية على الوجه الذي عبر عنه بالصحيح وان لم يشترط التكبير لكنه في الوسيط اخرج النية عن
الاعتبار في هذا الوجه وعلى هذا فالنية تكون مستثناة عن قوله وإن كانت تفتقر إلى سائر الشرائط
ويكون التحرم مفسرا بالنية والتكبير معا إذ بهما تشرع في الصلاة (واما قوله) ويستحب قبلها تكبيرة
إلى آخره فهو تفريع على هذا الوجه الذي يقول إنها سجدة فردة لا يشترط فيها التكبير ولا غيرة (وقوله)
تكبيرة منكر يوهم قصر الاستحباب على تكبيرة واحدة لكنا ذكرنا استحباب تكبيرتين وان قلنا
بعدم الاشتراط إحداهما للافتتاح والأخرى للهوى وهكذا ذكر جمهور الأصحاب فلا يتوهم قصر
الاستحباب على واحدة إذا كان يسجد خارج الصلاة واعلم عند هذا انه لا يمكن حمل التكبيرة التي جرت
في لفظ الكتاب على تكبيرة الافتتاح بخصوصها لأنه لا تكبيرة للافتتاح إذا كان يسجد في الصلاة وهو
196

قد جعلها شاملة حيث قال ودون الرفع إن كان في الصلاة ولا يمكن حملها على تكبيرة الهوي بخصوصها
لأنه قد استحب الرفع معها ولا يستحب رفع اليد مع تكبيرة الهوى بحال فالوجه ان يحمل كلامه
على تكبيرة مطلقة ويقال بان تكبيرة مستحبة في الصلاة وغير الصلاة ثم في غير الصلاة الأهم تكبيرة
الافتتاح ويستحب معها رفع اليدين وفى الصلاة لا يفرض الا تكبيرة الهوى وليس معها رفع اليد فهذا
تنزيل لفظ الكتاب مع التكلف الذي فيه على ما ذكره الجمهور منهم أصحابنا العراقيون والصيدلاني
وصاحب التهذيب والقاضي الروياني رحمهم الله وغيرهم والمفهوم من كلامه ههنا وفى الوسيط أنه ليس
الا تكبيرة واحدة هي للتحرم خارج الصلاة وللهوى في الصلاة وبه يشعر كلام امام الحرمين
قدس الله روحه وعلى هذا فليكن قوله ويستحب قبلها تكبيرة معلما بالواو للوجه الذي تقدم عن
الترمذي وفى الوسيط إشارة إليه وقوله مع رفع اليدين معلم بالحاء لان عنده لا يرفع يديه واعلم قوله
ودون الرفع إن كان في الصلاة بالواو لأنه قال في الوسيط ولا يستحب رفع اليدين في الصلاة وقال
العراقيون يستحب رفع اليدين لأنه يكبر للتحرم لكن هذا شئ بدع حكما وعلة ولا يكاد يوجد
نقله لغيره ولا ذكر له في كتبهم وقوله وقيل يجب التحرم والتحلل إلى رأس الفرع هذه الوجوه هي
المقابلة للصحيح المذكور أولا كأنه قال في أقل سجدة التلاوة أربعة أوجه (أحدها) ان الأقل سجدة
بواجباتها في صلب الصلاة لا غير والثاني سجدة مع التحرم والتحلل والتشهد والثالث مع التحرم
197

والتحلل لا غير والرابع مع التحرم لا غير وجعل أولها الأصح وهو متأيد بما حكي عن الشافعي أنه قال
وأقله سجدة بلا شروع ولا سلام والظاهر عند الأكثرين اعتبار التحرم والتحلل كما سبق وهو
الوجه الثالث ثم الخلاف في السلام قولان عند أكثر الناقلين وفى التشهد وجهان فقوله قيل في هذا
الموضع محمول على القول تارة وعلى الوجه أخرى وتعجب بعض الشارحين من لفظ الوجوب في هذه
الوجوه واستحسن ابداله بالاشتراط والاعتبار لان أصل السجدة لا تجب فكيف يقول يجب فيها
كذا وكذا ولا شك ان المراد الاشتراط لكن لا حاجة إلى تغيير اللفظ لان الوجوب في مثل
هذا الموضع معهود بمعني ان الشئ لا بد منه يقال الوضوء وستر العورة واجبان في صلاة
النفل أي لا بد منهما *
198

قال (فرع الأصح ان هذه السجدات إذا فاتت وطال الفصل لا تقضي لأنه لا يتقرب إلى
الله تعالى بسجدة ابتداء كصلاة الخسوف والاستسقاء بخلاف النوافل والرواتب وقيل أنه يتقرب إلى الله تعالى
بها ابتداء) *
سجدة التلاوة ينبغي أن تقع عقيب قراءة الآية أو استماعها فلو تأخر نظر ان لم يطل الفصل
سجد وان طال فلا وضبط الفرق بين أن يطول الفصل أو لا يطول يؤخذ مما ذكرناه في سجود
السهو ولم يجعل امام الحرمين لمفارقة المجلس أثرا ههنا مع التردد في تأثيره في باب سجود السهو كما
199

حكيناه عنه ولا يتضح فرق بينهما إذا عرفت ذلك فلو فاتت السجدة لطول الفصل هل تقضى ذكر
في النهاية ان صاحب التقريب حكي فيه قولين وقربهما من الخلاف في أن نوافل الصلاة هل تقضي
على ما سيأتي لكن الأصح أن السجدة لا تقضي ولم يذكر الصيدلاني وآخرون سواه لان النوافل
المقضية هي التي تتعلق بالأوقات أما التي تتعلق بأسباب عارضة كصلاة الخسوف والاستسقاء فلا
تقضي والسجود كذلك ولو كان القارئ والمستمع محدثا عند والتلاوة فان تطهر على القرب
سجد والا فالقضاء على الخلاف وعن صاحب التقريب انه لو كان يصلي فقرأ قارئ آية السجدة فإذا
فرغ هل يقضى فيه هذا الخلاف قال الامام وهذا فيه نظر لان قراءة غير امامه في الصلاة لا تقتضي
سجوده وإذا لم يجر ما يقتضي السجود أداء فالقضاء بعيد وقطع صاحب المعتمد وغيره بأنه لا يسجد
كما ذكره امام الحرمين وجعلوا هذه المسألة خلافية بيننا وبين أبي حنيفة وذكر في التهذيب أنه
يحسن أن يقضي ولا يتأكد كما يجيب المؤذن إذا فرغ من الصلاة وكذا إذا قرأ الامام ولم يسجد
فإذا فرغ المأموم من الصلاة يحسن أن يقضي ولا يتأكد والله أعلم وفى الفصل مسألة أخرى وهي
أنه لو خضع الرجل لله تعالي فتقرب إليه بسجدة ابتداء من غير سبب هو يجوز ذلك فيه وجهان
عن صاحب التقريب أنه يجوز ذلك وعن الشيخ أبى محمد أنه لا يجوز كما لا يجوز التقرب بركوع
مفرد ونحوه والعبادات يتبع فيها الورود وهذا هو الصحيح عند امام الحرمين والمصنف وغيرهما
200

وقوله في الكتاب إذا فاتت وطال الفصل ليس على معني طول الفصل شئ مضموم إلى الفوات
وقيد فيه وإنما هو سبب الفوات والمراد إذا فاتت لطول الفصل وقوله لا يقضى معلم بالحاء لان
عند أبي حنيفة يجب على القارئ المحدث والمستمع القضاء بعد الطهارة وسلم ان الحائض إذا استمعت
لا قضاء عليها وان المصلى إذا قرأ السجدة ولم يسجد حتى سلم لا يقضى وقوله لأنه لا يتقرب إلى الله تعالى
بسجدة ابتداء لعلك تقول لم علل منع القضاء بأنه لا يتقرب بها إلى الله تعالى فاعلم أنه حكى عن
صاحب التقريب أنه جعل ذلك ضابطا لما لا يقضى جزما ولما يجرى الخلاف في قضائه فقال ما لا يجوز التطوع
به ابتداء لا يجوز فرض قضائه كصلاة الخسوف والاستسقاء وما يجوز التطوع به ابتداء كالنوافل الرواتب
ففي قضائه خلاف ثم إنه جوز التقرب إلى الله تعالى بسجدة ابتداء كما سبق فاجرى الخلاف في
201

قضائها لذلك إذا عرفت هذا فالمصنف بين أن هذه السجدات لا يتقرب بها إلى الله تعالى ابتداء
ورتب عليه المنع من القضاء كصلاة الخسوف لأنه لو قضي من غير تلاوة كان الماتى به على صورة
سجدة لا سبب لها والأشبه بايراده اثبات طريقة جازمة بان هذه السجدات لا تقضى كصلاة الخسوف
والاستسقاء بخلاف الرواتب في قضائها قولان لأنه يتقرب بها إلى الله تعالى ابتداء ولا يتقرب بهذه
وعلى هذا قوله الأصح ان هذه السجدات أي من الطريقين وقوله وقيل يتقرب بها إلى الله تعالى
ابتداء إشارة إلى الطريق الثاني أي إذا كانت كذلك جرى فيها الخلاف كما في الرواتب *
202

قال (السجدة الثالثة سجدة (ح) الشكر وهي سنة عند هجوم نعمة أو اندفاع نقمة لا عند استمرار نعمة
ويستحب السجود بين يدي الفاسق شكرا على دفع المعصية وتنبها له وان سجد إذا رأى المبتلى
فليكتمه كيلا يتأذى) *
(سجدة الشكر سنة خلافا لمالك حيث قال هي مكروهة وبه قال أبو حنيفة في
203

رواية وقال في رواية لا أعرفها: لنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " رأى نغاشيا فسجد شكرا
لله تعالي " (1) وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " سجد فأطال فلما
قيل في ذلك فقال أخبرني جبريل ان من صلى على مرة صلى الله عليه عشرا فسجدت شكرا لله تعالي " (2)
204

وليس تسن سجدة الشكر عند استمرار النعم وإنما تسن عند مفاجأة نعمة أو اندفاع بلية من حيث
لا يحتسب وكذا إذا رأى مبتلي ببلية أو بمعصية فيستحب له ان يسجد شكرا لله تعالى ثم إذا سجد
لنعمة أصابته أو بلية اندفعت عنه ولا تعلق لها بالغير أظهر السجود وإن كان لبلاء في غيره نظر
ان لم يكن ذلك الغير معذورا فيه كالفاسق فيظهر السجود بين يديه تعييرا له فربما ينزجر ويتوب
وإن كان معذورا كمن به زمانة ونحوها فيخفى كيلا يتأذى وكيلا يتخاصما وسجود الشكر يفتقر إلى
205

شرائط الصلاة كسجود التلاوة وكيفيته ككيفية سجود التلاوة خارج الصلاة ولا يجوز سجود
الشكر في الصلاة بخلاف سجود التلاوة فإنه يتبع التلاوة والتلاوة تتعلق بالصلاة *
قال (وهل يؤدى سجود التلاوة والشكر على الراحلة فيه وجهان) *
سجود الشكر هل يقام على الراحلة حكي في النهاية فيه وجهين وشبههما بالخلاف في أن صلاة الجنازة هل تقام
206

على الراحلة من حديث ان إقامة السجود على الراحلة بالايماء يبطل ركنه الأظهر وهو تمكين الجبهة من
موضع السجود كما أن إقامة صلاة الجنازة عليها يبطل ركنها الأظهر وهو القيام والخلاف فيهما
كالخلاف في أن القادر على القيام والقعود هل يتنفل مضطجعا موميا أم لا وسجود التلاوة في النافلة
المقامة على الراحلة يجوز بلا خلاف تبعا للنافلة كسجود السهو فيها واما خارج الصلاة ففيه الوجهان
207

المذكوران في سجود الشكر ولفظ الكتاب وإن كان مطلقا لكن المراد ما إذ كان خارج الصلاة
ثم الأظهر من الوجهين عند الأئمة انه يجوز أداؤها على الراحلة بالايماء وليس في التهذيب والعدة
ذكر لغيره (فان قلت) ذكرتم في صلاة الجنازة ان الأظهر المنع من أدائها على الراحلة فلم كان الأظهر
الجواز ههنا إن كان الخلاف كالخلاف (قلنا) يجوز ان يفرق بينهما بان صلاة الجنازة تندر فلا يشق فيها
208

تكليف النزول وأيضا فاحترام الميت يقتضى ذلك وسجدة التلاوة والشكر يكثران فلو كلفناه
النزول لشق والخلاف فيما إذا كان يقتصر على الايماء فلو كان في مرقد وأتم السجود جاز وأما
الماشي فيسجد على الأرض على الظاهر كما سبق في السجود الذي هو من صلب الصلاة *
209

قال * (الباب السابع في صلاة التطوع وفيه فصلان) *
(الأول في الرواتب وهي إحدى عشرة ركعة ركعتان قبل الصبح وركعتان قبل الظهر وركعتان بعده
وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء والوتر ركعة وزاد بعضهم أربع ركعات قبل العصر وركعتين قبل
الظهر وركعتين بعد الظهر فصار سبع عشرة).
(اختلف اصطلاح الأصحاب في تطوع الصلاة فمنهم من يفسره بما لم يرد فيه مخصوص نقل
وينشئه الانسان باختياره وهؤلاء قالوا ما عدا الفرائض ثلاثة أقسام (سنن) وهي التي واظب عليها
رسول الله صلى الله عليه وسلم (ومستحبات) وهي التي فعلها أحيانا ولم يواضب عليها (وتطوعات)
210

وهي التي ذكرنا ومنهم من يرادف بين لفظتي النافلة والتطوع ويطلقهما على جميع ما سوى الفرائض
وبهذا الاصطلاح ترجم صاحب الكتاب الباب واختلف اصطلاحهم في الرواتب أيضا فمنهم من
قال هي النوافل المؤقتة بوقت مخصوص وعد منها التراويح وصلاة العيدين وصلاة الضحى ومنهم من
قال هي السنن التابعة للفرائض وبهذا الاصطلاح يتكلم صاحب الكتاب إذا عرفت هذه المقدمة
فاعلم أن ما سوى الفرائض من الصلوات قسمان ما تسن فيه الجماعة كصلاة العيدين والكسوفين
211

والاستسقاء ولها أبواب مفردة مذكورة بعد هذا وما لا تسن فيه الجماعة وينقسم إلى الرواتب
وغيرها وغرض الفصل الأول من الباب الكلام في الرواتب وغرض الثاني الكلام في مراتب
النوافل وبعض أحكامها: أما الأول فالرواتب ضربان الوتر وغير الوتر اما غير الوتر فقد اختلف الأصحاب في
عدده قال الأكثرون عشر ركعات ركعتان قبل الصبح وركعتان قبل الظهر وركعتان بعده وركعتان
212

بعد المغرب وركعتان بعد العشاء لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " صليت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتان بعد
العشاء في بيته وحدثتني حفصة انه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين خفيفتين حين يطلع
الفجر " (1) قال في العدة وهذا ظاهر المذهب ومنهم من نقص ركعتي العشاء يحكى هذا عن نصه في
213

البويطي وبه قال الخضري فيما حكاه صاحب النهاية وغيره ومنهم من زاد على العشر ركعتين قبل
الظهر مضمومتين إلى الركعتين اللتين سبق ذكرهما لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت " ان
النبي صلى الله عليه وسلم وسلم قال " من ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السنة بني الله له بيتا في
الجنة " (1) أربع ركعات قبل الظهر والباقي كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما ومنهم من زاد على
214

هذا العدد أربع ركعات قبل العصر لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (1) " رحم الله أمر صلى
215

قبل العصر أربعا) وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يصلى قبل العصر
أربعا يفصل بين كل ركعتين بالتسليم " (1) ومنهم من زاد على هذا العدد ركعتين أخريين بعد الظهر
216

لما روي عن أم حبيبة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (1) " من حافظ على أربع
ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار " فهذه خمسة أوجه للأصحاب وليس الخلاف في
أصل الاستحباب وإنما الخلاف في أن المؤكد الراتب ماذا وان شمل الاستحباب الكل ولهذا
قال صاحب المهذب وجماعة أدنى الكمال عشر ركعات وهو الوجه الأول وأتم الكمال ثماني عشرة
ركعة وهو الوجه الأخير * وعند أبي حنيفة السنة ركعتان قبل الصبح وأربع قبل الظهر وركعتان
بعده وأربع قبل العصر وفى رواية ركعتان: وركعتان بعد المغرب وأربع قبل العشاء وأربع بعده
217

وان شاء صلى ركعتين وكل أربع من ذلك فهي بتسليمة واحدة وفى استحباب ركعتين قبل المغرب
وجهان لأصحابنا منهم من قال باستحبابهما وان لم يكونا من الرواتب المؤكدة لما روى عن أنس
رضي الله عنه قال " صليت الركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل
له رآكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم فلم يأمرنا ولم ينهنا " (1) وروى عبد الله
218

المزني رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال صلوا
قبل المغرب ركعتين ثم قال في الثالثة لمن شاء (1) كراهية ان يتخذها الناس سنة " وبهذا الوجه قال
219

أبو إسحاق الطوسي وكذلك أبو زكريا السكري قيل إنه ذكره في شرح الغنية لابن سريج ومنهم
من فال لا يستحبان لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عنهما فقال " ما رأيت أحدا على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما " (1) وعن عمر رضي الله عنه " انه كان يضرب عليهما " وبهذا
قال أبو حنيفة * واما لفظ الكتاب فقد ذكر من الأوجه الخمسة وجهين وهما الأول والرابع
لكنه ضم إليها أقل الوتر وهو ركعة فصارت على الوجه الأول إحدى عشرة وعلى الوجه الثاني
سبع عشرة وهي عدد الفرائض وهكذا عد ابن القاص الرواتب في المفتاح لكنه حسب الوتر ثلاث
220

ركعات ولم يحسب قبل الظهر الا ركعتين وقوله وركعتين بعد العشاء معلم بالواو للوجه الذي اختاره الخضري
وقوله والوتر ركعة بالحاء والميم لما سيأتي والله أعلم *
قال (اما الوتر فسنة (ح) وعدده من الواحد إلى إحدى عشرة بالأوتار وفى جواز الزيادة عليه تردد
لأنه لم ينقل وإذا زاد على الواحدة فتشهد تشهدين في الأخيرتين على وجه وتشهدا واحدا في الأخيرة على
الوجه الثاني وهما منقولان والكلام في الأولى والأظهر ان ثلاثة مفصولة أفضل من ثلاثة موصولة وان
ثلاثة موصولة أفضل من ركعة فرده) * قد سبق من نظم الكتاب ما يعرف كون الوتر سنة وهو ادراجه
في الرواتب وعد الرواتب بأسرها من صلاة التطوع والغرض من التنصيص على كونه سنة ههنا التدرج
إلى بيان أحكامه والتعرض لمذهب أبي حنيفة حيث قال وهو واجب قال الكرخي وروى عنه انه
فرض: لنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (1) " الوتر حق مسنون فمن أحب ان يوتر بثلاث
221

فليفعل " وروى أنه قال " حق وليس بواجب " (1) ثم في الفصل ثلاث مسائل (إحداها) يجوز أن يوتر بواحدة
222

وثلاث وخمس وسبع وتسع واحدى عشرة اما الواحدة والثلاث والخمس فلما روى عن أبي أيوب رضي الله عنه
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب ان يوتر
بثلاث فليفعل ومن أحب ان يوتر بواحدة فليفعل " (1) واما السبع فلما روى عن أبي أمامة أن النبي صلى الله
223

عليه وسلم " كان يوتر بسبع ركعات " (1) واما التسع والإحدى عشرة فلما روى عن أبي هريرة ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال " أوتروا بخمس أو سبع أو تسع أو إحدى عشرة " (2) واما الايتار بثلاث عشرة فقد
حكي في النهاية ترددا في ثبوت النقل فيه والمذكور في الكتاب ان غاية ما نقل إحدى عشرة وهو
الذي ذكره الشيخ أبو حامد والقاضي ابن كج ومن تابعهما قالوا أكثر الوتر إحدى عشرة
وذكر صاحب التهذيب وآخرون ان الغاية ثلاث عشرة ركعة ورووا عن عائشة رضي الله عنها
أنها قالت " لم يكن يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكثر من ثلاث عشرة " (3) وعن أم سلمة
224

رضي الله عنها قالت " كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة فلما كبر وضعف أوتر
بسبع " (1) وهل يجوز الزيادة على الغاية المنقولة اما الإحدى عشرة أو الثلاث عشرة فيه وجهان (أحدهما)
نعم لان اختلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السنة يشعر بتفويض الامر إلى
خيرة المصلي وأن له أن يزيد ما أمكنه وأظهرهما أنه لا تجوز الزيادة ولو فعل لم يصح وتره
اقتصارا على ما ورد النقل به كما لا تجوز الزيادة في ركعتي الفجر وسائر الرواتب * وقال
أبو حنيفة الوتر ثلاث ركعات بلا زيادة ولا نقصان * وقال مالك أقل الوتر ثلاث ركعات لكن
225

أبا حنيفة يقول هي بتسليمة واحدة كالمغرب الا انه يجهر فيها جميعا: وقال مالك هي بتسليمتين
لكن لا يتكلم بعد السلام ولا يحتاج إلى تجديد النية للثالثة وسلم انه لو أحدث في الثالثة لم تبطل
الركعتان قال ولو كان مع امام أوتر بوتره ولا يخالفه وحكي في البيان عنه ان أقل الوتر ركعة وأقل
الشفع ركعتان وهذا في المعني كالأول ونقل عنه انه ليس للأكثر حد وذكر بعضهم ان الأكثر عنده
ثلاث عشرة * إذا عرفت ذلك فاعلم قوله من الواحدة بالحاء والميم وقوله إلى إحدى عشرة بهما
وبالواو ثم في قوله وعدده من الواحدة إلى إحدى عشرة استدراك لفظي من جهة الحساب وهو انه جعل
الواحد من العدد والحساب يمتنعون عن ذلك ويجعلون الواحد أم العدد ويقولون العدد نصف
حاشيته اللتين بعدهما منه سواء وليس للواحد حاشيتان (المسألة الثانية) إذا زاد على ركعة واحدة وأوتر
226

بثلاث فصاعدا موصولة فظاهر المذهب أن له ان يتشهد في الركعة الأخيرة لا غير وله ان يتشهد
في الركعتين الأخيرتين لان كلا منهما منقول روى عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه
وسلم " كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في أخراهن " (1) وروى عنها أيضا " أنه أوتر بتسع لم يجلس
إلا في الثامنة والتاسعة وبسبع لم يجلس إلا في السادسة والسابعة (2) وحكى في النهاية عن بعض التصانيف
أن من أصحابنا من لم ير الاقتصار على التشهد الواحد مجزئا وحمل ما روى من التشهدين على ما إذا
227

فصل بين الركعة الأخيرة وما قبلها بالسلام ونقل بعضهم عن طريقة القاضي الحسين ان الوتر بثلاث
كصلاة المغرب بتشهدين وتسليمة لا يجوز وربما يقول تبطل صلاته لما روى أنه صلى الله عليه وسلم
وسلم " كان يوتر بثلاث لا يجلس الا في أخراهن " (1) وروى أنه قال " لا توتروا بثلاث وتشبهوا بالمغرب (2)
والظاهر الأول وهو انهما سائغان وهو الذي ذكره في الكتاب ورد الخلاف إلى الأولى ففي وجه
الاقتصار على تشهد واحد أولى فرقا بين صلاة المغرب والوتر إذا أوتر بثلاث وهذا ما اختاره القاضي
الروياني في الحلية وفى وجه الاتيان بتشهدين أولى كيلا يخرج عن وضع سائر الصلوات وقد أطلق
كثيرون منهم صاحب التهذيب انه ان شاء فعل هكذا وان شاء هكذا ومطلق التخيير يقتضي
التسوية بينهما وقوله في الكتاب وإذا زاد على واحدة أي ووصل وقوله والكلام في الأولى ينبغي
ان يعلم بالواو لما حكينا من الوجهين ولو زاد على تشهدين فجلس في كل ركعتين ولم يتحلل وجلس
في الأخيرة أيضا لم يكن له ذلك فإنه خلاف المنقول وذكر في التهذيب وجها آخر ان له ذلك كما
228

في النافلة الكثيرة الركعات (المسألة الثالثة) الايتار بثلاث مفصولة أفضل أم بثلاث موصولة فيه وجوه
(أظهرها) وهو الذي ذكره أصحابنا العراقيون والصيدلاني ان المفصولة أفضل لما روى عن ابن عمر
وابن عباس رضي الله عنهم ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " الوتر ركعة من آخر الليل " (1) وعن
ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يفصل بين الشفع والوتر وكان ابن
عمر رضي الله عنهما يسلم ويأمر بينهما بحوائجه (والثاني) وبه قال أبو زيد ويحكى عن نصه في القديم ان
الثلاث الموصولة أفضل لان العلماء اتفقوا على جوازها واختلفوا في افراد الواحدة فالاحتراز عن
الخلاف أولى (والثالث) ونسبه الموفق ابن طاهر إلى الخضري والشريف ناصر العمرى رضى الله
229

عنه ان الثلاث الموصولة أفضل لان العلماء اتفقوا على جوازها واختلفوا في إفراد الواحدة فكان
الوصل أولى (والثالث) ويحكى عن الشافعي ونصه في القديم انه إن كان منفردا فالفصل أفضل وإن كان
يصلي بقوم فالوصل أفضل لان الجماعة تنظم أصحاب المذاهب المختلفة فالايتار بالمجمع عليه
أولي وعكس القاضي الروياني هذا فقال إنا أصل إذا كنت منفردا وإذا كنت في الجماعة افصل
كيلا يتوهم خلل فيما صار إليه الشافعي رضي الله عنه وهو صحيح ثابت بلا شك وهل الثلاث الموصولة
أفضل من ركعة فردة لا شئ قبلها أم هي أفضل فيه وجوه أيضا (أصحها) وبه قال القفال ان الثلاث أفضل
230

لزيادة العبادة (والثاني) ان الركعة الفردة أفضل لمواظبة الرسول صلى الله عليه وسلم على الايتار
بواحدة (1) قال في النهاية وغلا هذا القائل فجعل الركعة الفردة أفضل من إحدى عشرة ركعة موصولة
(والثالث) الفرق بين المنفرد والامام كما سبق *
قال (ومن شرط الوتر أن يوتر ما قبله ولا يصح (ح) قبل الفرض وفى صحته بعد الفرض وقبل
النفل وجهان والمستحب أن يكون الوتر آخر تهجده بالليل ويشبه أن يكون الوتر هو التهجد) *
ما سبق من المسائل في كيفية الوتر وغرض هذا الفصل بيان وقنه وهو من حين يصلى العشاء
إلى طلوع الفجر لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " ان الله قد أمدكم بصلاة هي خير لكم من
حمر النعم الوتر جعله الله تعالى لكم فيها بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر " (2) فلو أوتر قبل صلاة
231

العشاء لم يعتد به سواء كان عامدا أو ساهيا بان ظن أنه صلى العشاء أو صلى العشاء على ظن أنه متطهر ثم
أحدث وتوضأ وأوتر ثم بان له انه كان محدثا في فرض العشاء * وعند أبي حنيفة لو أوتر قبل العشاء
سهوا اعتد به: لنا القياس على ما لو ظن دخول وقت الفريضة فصلي ثم تبين انه لم يدخل وحكى في النهاية
عن بعض أصحابنا انه يعتد بالوتر قبل العشاء سواء كان عامدا أو ساهيا وعند هذا القائل يدخل
وقت الوتر بدخول وقت العشاء لا بفعل العشاء وظاهر المذهب ما تقدم ولو صلى العشاء وأوتر يعدها
بركعة فردة قبل إن يتنفل ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو محمد وغيره (أحدهما) لا يعتد به لان صفة الوتر
ان يوتر ما تقدم عليه من السنن الواقعة بعد العشاء فإذا لم يوجد غيره لم يكن موترا (وأظهرهما) انه يعتد
به لما تقدم من الخبر وما ادعاه الأول فلا نسلم ان صفة الوتر ذلك بل يكفي كونه وترا في نفسه وعلى
التسليم فإنه يوتر ما قبله من فريضة العشاء فإذا قلنا لا يعتد به وترا فقد ذكر امام الحرمين انه تطوع
وان لم يكن الوتر المشروع وهذا ينبغي أن يكون على الخلاف فيما إذا نوى الظهر قبل الزوال هل يكون
تطوعا أم يبطل من أصله * واعلم أن المصنف قيد المسألتين في الوسيط أعني الايتار قبل فرض العشاء
وبعده بما إذا أوتر بركعة وهذا القيد لا حاجة إليه في المسألة الأولى بل أطلق الأئمة المنع وعليه يدل
الخبر وأما في المسألة الثانية فهو محتاج إليه لان الناقلين للوجهين إنما نقلوهما فيما إذا أوتر بركعة واحدة
ليس بينها وبين فرض العشاء شئ وقوله في الكتاب وفى صحته بركعة بعد الفرض
232

وقبل وجهان يحتاج إلى التقييد والاضمار معناه وفى صحة الايتار بركعة بعد الفرض
وقبل إن يتنفل بشئ سواء كان راتبة العشاء أو الشفع أو صلاة الليل والذي يسبق إلى الفهم من
ظاهر اللفظ راتبه العشاء ويطلق الوتر دون الايتار بركعة وقوله من شروط الوتر ان يوتر ما قبله
يبين أنه لا بد من تقدم صلاة عليه ثم هل يكفي تقدم الفرض فيه الخلاف وقوله فلا يصح قبل الفرض
معلم بالحاء والواو لما روينا وأما قوله ويستحب أن يكون الوتر آخر تهجده بالليل ففي لفظ التهجد ما يغنى
عن قوله بالليل لان صلاه النهار لا تسمي تهجدا بحال ثم فيه مباحثة وهي أن التهجد يقع على الصلاة بعد
الهجود وهو النوم يقال تهجد إذا ترك الهجود اما الصلاة قبل النوم فلا تسمى تهجدا (1) وإذا كان كذلك
فاللفظ لا يتعرض الا لمن تهجد قمتي يوتر من لا تهجد له ثم لفظ الكتاب يقتضي تأخير المتهجد الوتر
إلى أن يقوم ويصلي فهل هو كذلك أم لا (ان قلتم) لا فكيف يفعل أيوتر مرة قبل النوم ومرة بعد
233

ما قام وتهجد وهذا خلاف ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " لا وتران في ليلة " (1) أم يقتصر على
ما قبل النوم وحينئذ لا يكون الوتر اخر التهجد (وان قلتم) أنه يؤخر الوتر إلى أن يقوم ويصلى كما
234

يقتضيه لفظ الكتاب فهذا خلاف ما نقله في الوسيط لأنه نقل الخبر المشهور (1) ان أبا بكر رضي الله عنه
" كان يوتر ثم ينام ثم يقوم ويتهجد وان عمر رضي الله عنه كان ينام قبل أن يوتر ثم يقوم ويصلي
235

ويوتر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه انه آخذ بالحزم وقال لعمر رضي الله عنه أنه
236

آخذ بالقوة " ثم ذكر ان الشافعي رضي الله عنه اختار فعل أبى بكر رضي الله عنه وكذلك نقل صاحب
النهاية والجواب انه يستحب أن يكون الوتر آخر الصلاة بالليل روى عن ابن عمر رضي الله عنهما
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " (1) فإن كان الرجل ممن لا تهجد
له فينبغي أن يوتر بعد فريضة العشاء وراتبتها ويكون وتره آخر صلاته بالليل واما من له تهجد فقد ذكر أصحابنا
237

العراقيون ان الأفضل له ان يؤخر الوتر كما نقل عن فعل عمر رضي الله عنه واحتجوا له بما روى عن
جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (1) " من خاف منكم ان لا يستيقظ آخر الليل
فليوتر من أول الليل ومن طمع منكم أن يستيقظ فليوتر آخر الليل فان صلاة آخر الليل مشهودة
238

وذلك أفضل " وهذا هو الموافق للفظ الكتاب واما ما نقله في الوسيط فيجوز أن يجمع بينهما بحمله على
من لا يعتاد قيام الليل فيقال أن الأفضل له أن يقدم لأنه من الانتباه على خطر ظاهر ويجوز ان يقدر
فيه اختلاف وجه أو قول وبالجملة فالامر فيه قريب وكل سائغ روى عن عائشة رضي الله عنها انها
قالت " من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل وأوسطه وآخره وإذا
أوتر قبل أن ينام تم قام وتهجد لم يعد الوتر " (1) وكذلك روى عن فعل أبي بكر رضي الله عنه ومن
239

أصحابنا من قال يصلي ركعة حتى يصير وتره شفعا ثم يتهجد ما شاء ثم يوتر ثانيا ويروى ذلك عن
ابن عمر رضي الله عنهما ويسمى ذلك نقض الوتر واما قوله ويشبه أن يكون الوتر هو التهجد فهذا
قريب من لفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر والام قال الشارحون معناه أن الله تعالى امر نبيه
صلى الله عليه وآله وسلم بالتهجد وأوجبه عليه فقال (ومن الليل فتهجد به) وقوله (نافلة لك) أي زيادة
240

وفضيلة لك ويشبه أن يكون المراد من هذا الامر الوتر لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يحي الليل بوتره
وكان الوتر واجبا عليه روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " كتب على الوتر وهو لكم سنة وكتب على ركعتا الضحى وهما لكم
سنة " (1) وهذا الذي ذكره يبين انه ليس (قوله) ويشبه أن يكون الوتر هو التهجد لحصر التهجد في الوتر
241

حتى يكون كل تهجد وترا وإنما الذي يلزم منه أن يكون كل وتر تهجدا مأمورا به ويجوز ان يعلم ذلك
بالواو لان القاضي الروياني حكي ان بعضهم قال الوتر غير التهجد وأولوا كلام الشافعي رضي الله عنه
242

(واعلم) أن حمل التهجد في الآية على الوتر مع ما سبق ان التهجد إنما يقع على الصلاة بعد النوم مقدمتان
يلزم منهما اشتراط كون الوتر بعد النوم ومعلوم انه ليس كذلك فليترك عند الدعوتين في الآية
243

قال (ويستحب القنوت في النصف الأخير من رمضان)
يعنى في الوتر فان أوتر بركعة قنت فيها وان زاد قنت في الركعة الأخيرة وفى استحباب القنوت في الوتر فيما عدا
244

النصف الأخير من رمضان وجهان (أحدهما) ان الاستحباب يعم جميع السنة وبه قال أبو عبد الله الزبيري رضي
الله عنه وأبو الفضل بن عبدان وأبو منصور ابن مهران وأبو الوليد النيسابوري من أصحابنا رحمهم الله لما روى أنه
245

صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أوتر قنت في الركعة الأخيرة " (1) وهذا مطلق وبهذا قال أبو حنيفة واحمد
وأظهرهما وبه قال جمهور الأصحاب ان الاستحباب يختص بالنصف الأخير من رمضان " لان عمر رضى
246

الله عنه جمع الناس على أبي بن كعب في صلاة التراويح فلم يقنت الا في النصف الثاني " (1) ولم يبد من أحد
انكار عليه فكان ذلك اجماعا " وعن عمر رضي الله عنه " أنه قال السنة إذا انتصف شهر رمضان أن يعلن
الكفرة في الوتر بعدما يقول سمع الله لمن حمده " (2) فعلى الوجه الأول لو ترك القنوت سجد للسهو كما في الصبح
وعلى الوجه الثاني المشهور لو تركه في النصف الأخير سجد للسهو ولو قنت في غير النصف الأخير سهوا
سجد للسهو وذكر القاضي الروياني أن كلام الشافعي رضي الله عنه يدل على كراهية القنوت في غير
النصف الأخير فضلا عن نفى الاستحباب ثم حكي عن بعض الأصحاب وجها متوسطا وهو أنه يجوز
247

أن يقنت في جميع السنة من غير كراهية لكن لو ترك لا يسجد للسهو بخلاف ما لو تركه في النصف
الأخير يسجد قال وهذا اختيار مشايخ طبرستان واستحسنه وأثبت ما روى عن مالك موافقة
ظاهر مذهبنا وروى عنه أنه يقنت في جميع شهر رمضان وروى في جميع السنة وقد أعلم قوله في النصف
الأخير بالحاء والميم والألف إشارة إلى مذاهبها ثم لنا في موضع القنوت من الركعة وجهان (أصحهما) ويحكى
248

عن نصه في حرمله انه بعد الركوع لما روينا من حديث عمر رضي الله عنه وكما في الصبح فان ما قبل الركوع
محل القراءة والقنوت دعاء فهو في موضع الدعاء حيث يقول سمع الله لمن حمده أليق (الثاني) وبه قال ابن
سريج انه يقنت قبل الركوع لما روى عن أبي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقنت
قبل الركوع " (1) وأيضا فان الفرق بين الفرض والنفل مقصود كما أن خطبة الجمعة قبل الصلاة وخطبة العيدين
بعدها وبهذا الوجه قال مالك وأبو حنيفة وبالأول قال احمد وحكي في البيان عن بعض متأخري
الأصحاب انه يتخير بين التقديم والتأخير وانه إذا قدم كبر بعد القراءة ثم قنت وبه قال أبو حنيفة
وقال في التتمة إذا قلنا يقنت قبل الركوع يبتدئ به بعد الفراغ من القراءة من غير تكبير وبه
قال مالك والقنوت هو الدعاء الذي ذكرناه عن رواية الحسن ابن علي رضي الله عنهما في باب صفة الصلاة (2)
249

واستحب الأئمة منهم صاحب التلخيص أن يضيف إليه ما روى عن عمر رضي الله عنه انه
قنت به وهو " اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونستهديك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير
كله نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد واليك نسعي ونحفد
نرجوا رحمتك ونخشى عذابك ان عذابك الجديا الكفار " (1) ملحق ثم يقول اللهم اهدنا إلى آخره هكذا
250

ذكره القاضي الروياني وعليه العمل ونقل في البيان عن القاضي أبو الطيب أنه قال كان شيوخنا يدعون
بقنوت عمر رضي الله عنه بعد الكلمات التي رواها الحسن رضي الله عنه فعكس الترتيب وزاد هو
251

وغيره في المنقول عن عمر رضي الله عنه اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك
ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأصلح
ذات بينهم والف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الايمان والحكمة وثبتهم على ملة رسولك وأوزعهم أن
يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وانصرهم على عدوك وعدوهم اله الحق واجعلنا منهم ونقل القاضي
252

الروياني عن ابن القاص انه يزيد في آخر القنوت ربنا لا تؤاخذنا إلى اخر السورة واستحسنه ثم حكمه
في الجهر ورفع اليدين وغيرهما على ما سبق في الصبح ويستحب إذا أوتر بثلاث أن يقرأ بعد الفاتحة
في الركعة الأولى (سبح) وفى الثانية قل (يا أيها الكافرون) وفى الثالثة (قل هو الله أحد) والمعوذتين روى
عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1): وبه قال مالك وعن أبي حنيفة
253

واحمد انه يقتصر على الاخلاص في الثالثة وقال الكرخي في مختصره ليس في الوتر قراءة
سورة معلومة ولكن يقرأ في الأولى بقدر سبح وفى الثانية بقدر قل يا أيها الكافرون وفى الثالثة
بقدر قل هو الله أحد
قال (الفصل الثاني في غير الرواتب وما شرعت الجماعة فيها كالعيدين والخسوفين والاستسقاء
254

فهي أفضل من الرواتب ومن صلاة الضحي وركعتي التحية وركعتي الطواف ثم أفضلها صلاة العيدين
ثم الخسوفين وأفضل الرواتب الوتر وركعتا الفجر وفيهما قولان)
النوافل على ما قدمنا قسمان نوافل تسن فيها الجماعة ونوافل لا تسن فيها الجماعة والتي تسن فيها الجماعة أفضل لان
استحباب الجماعة فيها وتشبيهها فيها بالفرائض يدل على تأكد أمرها وصلاة العيدين والكسوفين والاستسقاء كلها
من هذا القسم وأفضلها صلاة العيدين لان لها وقتا زمانيا كالفرائض وتليها صلاة الخسوفين لأنه يخاف فوتهما
255

كما يخاف فوت المؤقتات بالزمان ولان النبي صلى الله عليه وسلم " ربما استسقى وربما ترك ولم يترك
الصلاة عند الخسوف بحال " (1) ثم كلام الأئمة يشعر بحصر ما تسن فيه الجماعة في هذه الصلوات الخمس
وربما صرحوا بذلك ولفظ الكتاب وهو قوله كالعيدين والكسوفين لا يوجب الحصر وإنما يفيد
التمثيل وهذا أولى لان التراويح خارجة عن الخمس والجماعة مستحبة فيها على الأصح كما سيأتي ولك ان
256

تبحث ههنا فتقول لفظ الكتاب يقتضي أن تكون التراويح أفضل من الرواتب لان الجماعة مشروعة
في التراويح وقد حكم بان ما شرع فيه الجماعة أفضل فهل هو كذلك أم لا (والجواب) أن امام الحرمين
قال من أئمتنا من سبب تفضيلها على الرواتب إذا قلنا باستحباب الجماعة فيها لان الجماعة أقوى
معتبر في التفضيل قال والأصح ان الرواتب أفضل منها وان شرعنا فيها الجماعة وهذا هو الذي ذكره
في العدة ووجهه بان النبي صلى الله عليه وسلم " لم يداوم على التراويح وداوم على السنن الراتبة "
وعلى هذا فالقول بان ما شرع فيه الجماعة أفضل غير مجرى على اطلاقه بل صلاة التراويح مستثناة
منه واما (القسم الثاني) وهو مالا تشرع فيه الجماعة فينقسم إلى ما يتعلق بوقت أو فعل والى التطوع
المطلق (والأول أنواع) منها الرواتب كما عددناها ومنها صلاة الضحى: عن أبي الدرداء قال " أوصاني
خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن بشئ أوصاني بصيام ثلاثة أيام من كل شهر ولا
أنام الا على وتر وسبحة الضحى في الحضر والسفر " (1) وأقلها ركعتان والأفضل ان يصلي ثمان ركعات
257

وأكثرها اثنتا عشرة ذكره القاضي الروياني وورد في الاخبار (1) ويسلم من كل ركعتين روى عن أم
هانئ رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم " صلى يوم الفتح سبحة الضحي ثماني ركعات
يسلم من كل ركعتين " (2) ووقتها من حين ترتفع الشمس إلى وقت الاستواء: ومنها تحية المسجد روى
258

انه صلى الله عليه وسلم قال " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين " (1) ولو صلى
الداخل فريضة أو وردا أو سنة ونوى التحية أيضا حصلا كما لو كبر وقصد اعلام الناس ولو لم
ينو التحية حصلت أيضا كذلك ذكره صاحب التهذيب وغيره ويجوز أن يطرد فيه الخلاف
المذكور فيما إذا نوى غسل الجنابة هل يجزئه عن العيد والجمعة ولم ينوهما ولو صلى الداخل على الجنازة أو
259

سجد لتلاوة أو شكر لم تحصل تحية المسجد قاله في التهذيب ويدل عليه الخبر الذي سبق فإنه لم يركع
ركعتين وقضية الخبر ان لا تحصل التحية بركعة واحدة أيضا وفيها جميعا وجه آخر ومنها ركعتا
الاحرام ومنها ركعتا الطواف إذا لم نوجبهما وسيأتي ذكرهما في موضعهما إذا عرفت ذلك فاوكد
مالا تسن له الجماعة السنن الرواتب لمداومة الرسول صلى الله عليه وسلم عليها وكثرة الترغيبات
فيها وأفضل الرواتب الوتر وركعتا الفجر لان الاخبار فيهما أكثر وأيهما أفضل فيه قولان (القديم)
260

ان ركعتي الفجر أفضل وبه قال أحمد لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت " لم يكن النبي صلى الله عليه
وسلم على شئ من النوافل أكثر تعاهدا منه على ركعتي الفجر " (1) وروى أنه قال " ركعتا
الفجر خير من الدنيا وما فيها " (2) وعلى هذا فيليهما في الفضيلة الوتر (والجديد) الأصح ان الوتر آكد
وبه قال مالك لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من لم يوتر فليس منا " (3) ولان الوتر مختلف
في وجوبه ولا خلاف في أن ركعتي الفجر سنة وعلى هذا فما الذي يلي الوتر في الفضيلة قال جمهور الأصحاب
يليه ركعتا الفجر وعن أبي إسحاق أن صلاة الليل تتقدم عليهما ونقل في البيان عن بعض الأصحاب
ان الوتر وركعتي الفجر يستويان في الفضيلة ثم بعد السنن الرواتب الأفضل من الصلوات المذكورة
261

صلاة الضحى ثم ما يتعلق بفعل كركعتي الطواف وركعتي الاحرام وركعتي التحية (وقوله) في الكتاب
وركعتي الطواف معلم بالقاف للقول الصائر إلى وجوبها فان شيئا من النوافل على ذلك القول لا يكون
أفضل منها (وقوله) ثم أفضلها صلاة العيدين يجوز ان ترجع الكناية إلى النوافل التي شرعت
فبها الجماعة ويجوز ان ترجع إلى النوافل المذكورة كلها والقول في أن أفضل الرواتب ماذا وان
262

ركعتي الفجر أفضل أم الوتر كالدخيل في هذا الفصل لأنه ترجمه بغير الرواتب ولو ذكره في
الفصل الأول لكان أحسن (ولعلك تقول) نظم الكتاب يقتضي ان لا تكون الجماعة مشروعة في الوتر
أيضا لأنه حكم بان ما شرع فيه الجماعة أفضل من الرواتب فيلزم ان لا تكون الجماعة مشروعة في الرواتب
والوتر معدود من الرواتب فهل هو كذلك أم لا (فالجواب) انا إذا استحببنا الجماعة في التراويح نستحبها
في الوتر أيضا وأما في غير رمضان فالمشهور أنه لا تستحب فيه الجماعة وبه قال أبو حنيفة وأطلق أبو الفضل
بن عبدان حكاية وجهين في استحباب الجماعة في الوتر إذا عرفت ذلك فكلام الكتاب مبني على الأكثر
263

وهو ما سوى رمضان والله أعلم *
قال (وتستحب الجماعة في التراويح تأسيا بعمر رضي الله عنه وقيل الانفراد به أولي
لبعده عن الرياء) *
صلاة التراويح عشرون ركعة بعشر تسليمات وبه قال أبو حنيفة واحمد لما روى أن النبي
صلى الله عليه وسلم " صلى بالناس عشرين ركعة ليلتين فلما كان في الليلة الثالثة اجتمع الناس
فلم يخرج إليهم ثم قال من الغد خشيت ان تفرض عليكم فلا تطيقونها " (1) وعن مالك انها ست وثلاثون
264

ركعة لفعل أهل المدينة قال العلماء وسبب فعلهم ان الركعات العشرين خمس ترويحات كل ترويحة
أربع ركعات وكان أهل مكة يطوفون بين كل ترويحتين سبعة أشواط ويصلون ركعتي الطواف افرادا
وكانوا لا يفعلون ذلك بين الفريضة والتراويح ولا بين التراويح والوتر فأراد أهل المدينة ان يساووهم
في الفضيلة فجعلوا مكان كل أسبوع من الطواف ترويحة فحصل أربع ترويحات وهي ست عشرة ركعة
265

تنضم إلى العشرين والوتر ثلاث ركعات تكون الجملة تسعا وثلاثين فلذلك قال الشافعي رضي الله عنه
ورأيتهم بالمدينة يقولون بتسع وثلاثين قال أصحابنا وليس لغير أهل المدينة ذلك لشرفهم بمهاجرة رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقبره ثم الأفضل في التراويح الجماعة: والانفراد فيه وجهان ومنهم من يقول قولان
(أحدهما) ان الانفراد بها أفضل ويروى هذا عن مالك رضي الله عنه لان النبي صلى الله عليه وسلم
266

" خرج ليالي من رمضان وصلي في المسجد ثم لم يخرج باقي الشهر وقال صلوا في بيوتكم فان أفضل صلاة المرء
في بيته الا المكتوبة " (1) ولان الاستخلاء بالنوافل أبعد عن الرياء (وأصحهما) ان الجماعة أفضل لان عمر بن
الخطاب رضي الله عنه جمع الناس على أبي بن كعب رضي الله عنه ووافقه الصحابة عليه وإنما ترك النبي صلى الله عليه
وسلم الخروج خشية الافتراض وبهذا قال ابن سريج وأبو إسحاق والأكثرون ثم ذكر أصحابنا العراقيون
267

والصيدلاني وغيرهم أن الخلاف فيما إذا كان الرجل يحفظ القرآن ولا يخاف النوم والكسل ولا تختل
الجماعة في المسجد بتخلفه فاما إذا لم يحفظ أو خاف ذلك فالجماعة أولي محالة وأطلق آخرون ثلاثة أوجه
في المسألة منهم القاضي بن كج وامام الحرمين (أحدها) أن الانفراد أفضل على الاطلاق (والثاني) أن الجماعة
أفضل (والثالث) إن كان حافظا للقرآن آمنا من الكسل ولم تختل الجماعة بتخلفه فالأفضل أن ينفرد
والا فلا ويحكى هذا عن ابن أبي هريرة وإنما يدخل وقت التراويح بالفراغ من صلاة العشاء
268

كما ذكرنا في الوتر *
قال (ثم التطوعات لا حصر لها فان تحرم بركعة واحدة جاز له أن يتمها عشرا فصاعدا وان
269

تحرم بعشر أجاز له الاقتصار على واحدة وله أن يتشهد بين كل ركعتين أو في كل ركعة ان شاء
والأحب مثنى مثني) *
270

التطوعات التي لا تتعلق بسبب ولا وقت لا حصر لاعدادها ولا لركعات الواحدة منها " (1) والصلاة
271

خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر هذا لفظ الخبر المشهور عن رسول الله صلى الله عليه
272

وسلم ثم إذا شرع في تطوع فإن لم ينو شيئا فله ان يسلم من ركعة وله أن يسلم من ركعتين فصاعدا روى أن عمر رضي
الله عنه " مر بالمسجد فصلى ركعة فقيل له إنما صليت واحدة فقال إنما هي تطوع من شاء زاد ومن شاء نقص " (1)
وحكي الأصحاب عن نصه في الاملاء انه لو صلى من غير احصاء ثم سلم وهو لا يدرى كم صلى أجزأه قال بعض
السلف الذي صليت له يعلم كم صليت (2) وان نوى ركعة أو عددا قليلا أو كثيرا فله ذلك هذا هو المشهور
وحكي في البيان عن المسعودي ان له ان يصلي ثلاث عشرة ركعة بتسليمه واحدة وهل له أن يزيد فيه
وجهان ثم إذا نوى عددا فله أن يزيد وله أن ينقص حتى لو تحرم بركعة فله أن يجعلها عشرا فصاعدا أو بعشر
فله أن يقتصر على واحدة ولكن بشرط أن يغير النية قبل الزيادة والنقصان فلو زاد أو نقص قبل
تغيير النية بطلت صلاته مثاله نوى أن يصلى ركعتين ثم قام إلى الثالثة بعد ما نوى الزيادة جاز ولو قام
قبلها عمدا بطلت صلاته ولو قام سهوا عاد وسجد للسهو وسلم فلو بدا له بعد القيام ان يزيد فهل يجب
العود إلى القعود ثم القيام منه أم له المضي فيه وجهان (أصحهما) أولهما ثم يسجد للسهو في آخر صلاته فلو زاد
ركعتين سهوا ثم نوى اكمال أربع صلى ركعتين أخريين وما سهى به لا يحسب ولو نوى أن يصلي
أربعا غير نيته وسلم عن ركعتين جاز ولو سلم قبل تغيير النية بطلت صلاته ولو سلم ساهيا أتم أربعا وسجد
للسهو فلو زاد أربعا وأراد بعد السلام ساهيا أن يقتصر سجد للسهو وسلم ثانيا فان سلامه الأول غير محسوب
ثم إن تطوع بركعة فلا بد من التشهد فيها وان زاد فله أن يقتصر على تشهد واحد في آخر الصلاة وهو تشهد
الركن وله ان يتشهد في كل اثنتين كما في الفرائض الرباعية فلو كان العدد وترا فلا بد من التشهد في الأخيرة
أيضا وهل له أن يتشهد في كل ركعة قال امام الحرمين فيه احتمال لأنا لا نجد في الفرائض صلاة على هذه
الصورة لكن الأظهر الجواز لان له أن يصلى ركعة فردة ويتحلل عنها وإذا جاز له ذلك جاز له القيام
273

منها إلى أخرى وهذا ما ذكره المصنف وسوغ له الأمور الثلاثة في الوسيط واقتصر ههنا على الأمر الثاني
والثالث * وأعلم أن تجويز التشهد في كل ركعة لم يرد له ذكر إلا في النهاية وفى كتب المصنف واما الاقتصار
على تشهد واحد في آخر الصلاة فلا يكون فيه خلاف لأنه لو اقتصر في الفرائض عليه لجاز أيضا وأما التشهد
في كل اثنتين فقد ذكره العراقيون من أصحابنا وغيرهم وقالوا إنه الأولى وان جاز الاقتصار على واحد
وذكر في النهاية شيئا آخر وهو أنه لا تجوز الزيادة على تشهدين بحال ثم إن كان العدد شفعا فلا يجوز ان
يجعل بين التشهدين أكثر من ركعة وإن كان وترا فلا يجوز أن يجعل بينهما أكثر من ركعة تشبها في
القسمين بالفرائض مثاله إذا صلى ستا يتشهد في الرابعة والسادسة وإذا صلى سبعا يتشهد في السادسة
والسابعة وإلى هذا مال المستمدون من كلام المراوزة ومنهم صاحب التهذيب وظاهر المذهب تجويز
الزيادة على تشهدين ثم قال في التهذيب ان صلى بتشهد واحد قرأ السورة بعد الفاتحة في الركعات كلها وان
صلى بتشهدين هل يقرأ على القولين المذكورين في الفرائض والأحب أن يسلم المتطوع من كل ركعتين على مثال
الرواتب سواء كان بالليل أو بالنهار لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال " صلاة الليل والنهار مثنى مثني " (1) وبهذا قال مالك واحمد رحمهما الله ونعود بعد هذا إلى ما يتعلق بلفظ
الكتاب وبيان موضع العلامات (قوله) ثم التطوعات لا حصر لها أراد بالتطوع ههنا ما ينشئه الانسان
باختياره ولا يتعلق بوقت ولا سبب لأنه أراد بقوله لا حصر لها أنه لا حصر لركعاتها على ما صرح به في
الوسيط والظاهر أن هذا حكم منه على كل واحد منها وفى أول الباب أراد بالتطوع مطلق النافلة كما سبق
بيانه وينبغي أن يعلم قوله لا حصر لها بالحاء لان عند أبي حنيفة يكره في نوافل النهار أن تزاد على أربع ركعات
274

بتسليمة واحدة وفى نوافل الليل ان تزاد على ثمان ركعات وذكر صاحب البيان انه يحكم بالبطلان لو زاد
على العددين والأحب عنده في نوافل النهار أن تكون أربعا أربعا حتى في الرواتب سوى ركعتي
الفجر وفى نوافل الليل يصلي بتسليمة واحدة ثمان ركعات أو ستا أو أربعا أو ركعتين ولا فضل لبعضها
على بعض ويجوز ان يعلم بالواو أيضا لما سبق حكايته عن المسعودي ويجوز أن يعلم قوله إن يتمها
عشرا بالحاء أيضا إذ لا مزيد عنده على ثمان ركعات وقوله جاز له الاقتصار على واحدة معلم بالميم لان
عنده الشروع في التطوع ملزم إلا أن يكون هناك عذر وبالحاء لامرين (أحدهما) أن الشروع يلزم عليه
275

ركعتين (والثاني) أن الركعة الفردة ليست بصلاة عنده وعندنا هي صلاة لما سبق ولو نوى صلاة تطوع ولم ينو
واحدة ولا عددا فهل يجوز الاقتصار على واحدة حكى في التتمة فيه وجهين مبنيين على ما لو ندر صلاة مطلقة هل
يخرج عن العهدة بركعة أم لا بد من ركعتين وينبغي أن يقطع بجواز الاقتصار على واحدة لأنه وان نوى ركعتين
فصاعدا يجوز له الاقتصار على واحدة فعند الاطلاق أولي ان يجوز (وقوله) وله أن يتشهد بين كل ركعتين ينبغي
أن يعلم بالواو لامرين (أحدهما) أن صاحب البيان حكى وجها انه لا يجلس الا في الأخيرة والثاني أنا حكينا عن
بعض الأصحاب انه لا يزيد على تشهدين وان كثرت الركعات وذلك القائل لا يجوز التشهد بين كل
ركعتين (وقوله) أو في كل ركعة اعلم بالحاء لأنه يقول بتشهد بين كل ركعتين وبالواو لان كثيرا من
الأصحاب قالوا إنه بالخيار بين أن يصلي بتشهد واحد وبين ان يتشهد بين كل ركعتين والتخيير بين الشيئين
ينفى التمكن من شئ ثالث (وقوله) والأحب مثني مثنى معلم بالحاء لما سبق *
قال (وأظهر الأقوال أن النوافل المؤقتة تقضي (ح م) كما تقضي الفرائض وركعتا الصبح بعد فرض
الصبح أداء وليس بقضاء) *
غرض الفصل يتضح برسم مسألتين (أحدهما) في وقت الرواتب وهي ضربان (أحدهما) الرواتب
التي تسبق الفرائض ويبقى وقت جوازها ما بقي وقت الفريضة ووقت اختيارها ما قبل الفريضة
مثاله ركعتا الفجر يدخل وقتهما بطلوع الفجر ويبقى إلى طلوع الشمس والاختيار تقديمها على صلاة
الفجر وحكى جماعة منهم صاحب البيان أن وقت ركعتي الفجر يبقي إلى الزوال ويكون أداء
وان خرج وقت الفريضة (والضرب الثاني) الرواتب المتأخرة عن الفرائض فيدخل وقتها بفعل الفرائض
لا بدخول وقتها كما ذكرنا في الوتر وآخر وقتها يخرج بخروج وقت الفرائض كما في الضرب الأول
لأنها تابعة للفرائض وحكي في التتمة في الوتر قولا آخر أن وقت الوتر يبقى إلى أن يصلى الصبح ولا
يخرج بطلوع الفجر لظاهر ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " صلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح " (1) وهذا
276

يشبه خلافا سيأتي ذكره في المسألة الأخرى (المسألة الثانية) النوافل تنقسم إلى مالا يتأقت وإنما يفعل
لسبب عارض وإلى ما يتأقت والأول لا مدخل للقضاء فيه وهو كصلاتي الخسوف والاستسقاء وتحية
المسجد (والثاني) كصلاتي العيد وصلاة الضحي والرواتب التابعة للفرائض في قضائها إذا فاتت
قولان مشهوران (أصحهما) وبه قال احمد انها تقضى لمطلق قوله صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة
أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " (1) ولأنها صلاة راتبة بوقت فتستدرك إذا فاتت كالفرائض (والثاني)
وبه قال مالك انها لا تقضي كصلاة الخسوف ونحوها وهذا لان الأصل ان لا تقضى وظيفة مؤقتة
أصلا لاقتضاء صيغة التأقيت اشتراط الوقت في الاعتداد بها لكن خالفنا في الفرائض لأوامر مجددة
وردت فيها لتأكدها: وعن أبي حنيفة ان فاتت الرواتب مع الفرائض قضيت معها وان فاتت وحدها
فلا تقضى ونقل بعض أصحابنا عن مذهبه انه لا يقضي منها الا ركعتا الفجر إذا فاتتها مع الفرض
وحكي في النهاية قولا ثالثا وهو ان ما استقل منها ولم يتبع غيره كصلاة العيدين وصلاة الضحى
يقضي لمشابهتهما الفرائض في الاستقلال وما كان تابعا لغيره كالرواتب لا يقضى فهذه هي الأقوال
التي ذكرها في الكتاب وإنما قيد بالمؤقتة ليخرج القسم الأول فإنها لا تقضى بلا خلاف (التفريع)
ان قلنا إنها لا تقضي فلا كلام وان قلنا تقضى فهل تقضى أبدا فيه قولان (أصحهما) وهو اختيار المزني
رحمة الله عليه نعم كالفرائض لما قضيت جاز قضاؤها ابدا (وقوله) في الكتاب كما تقضى الفرائض
277

يمكن حمله على التشبيه في كيفية القضاء أي كما تقضى الفرائض ابدا كذلك هذه لكنه ما أراد
ذلك وإنما أراد قياس أصل القضاء على الفرائض وذلك بين في عبارة الوسيط (والقول الثاني) أنها
لا تقضي ابدا وعلى هذا إلى متي تقضي: اما صلاة العيد ففيها تفصيل وخلاف مذكور في الكتاب
في باب صلاة العيدين واما الرواتب ففيها قولان (أحدهما) انه لا تقضى كالوتر بعد صلاة الصبح ولا
ركعتا الفجر بعد صلاة الظهر قال امام الحرمين وعلى هذا النسق سائر التوابع لأنه إذا استفتح
فريضة أخرى انقطع حكم التبعية عن الصلاة السابقة وحكى على هذا القول أوجها أخر أن الاعتبار
278

بدخول وقت الصلاة المستقبلة لا بفعلها فعلى هذا تقضي ركعتا الفجر ما لم تزل الشمس فان زالت فلا
(والقول الثاني) وقد نقله المسعودي عن القديم ان ما كان من صلاة النهار يقضي ما لم تغرب الشمس
وما كان من صلاة الليل يقضي ما لم يطلع الفجر فعلى هذا تقضى ركعتا الفجر ما دام النهار باقيا (وقوله)
في الكتاب وركعتا الصبح بعد فرض الصبح أداء وليس بقضاء قصد به بيان ان تأخير ركعتي الصبح
إلى ما بعد الفريضة لا يوجب فواتها فلا يجرى فيه الخلاف المذكور في القضاء وتقديمها مستحب لا
مستحق وقد يؤمر بالتأخير بسبب يعرض كم دخل المسجد والامام يصلي الصبح فينبغي ان
279

يقتدى به ثم بعد الفراغ يشتغل بركعتي السنة وعن أبي حنيفة انه لو علم أنه يدرك ركعة من الفريضة
بعد الفراغ من السنة يقدم السنة لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم " قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة
إلا المكتوبة " (1) ثم في معني ركعتي الصبح سائر التوابع المقدمة على الفرائض وذكرهما جرى على سبيل
ضرب المثال وأراد بقوله بعد فرض الصبح ما لم تطلع الشمس وقد حكينا من قبل وجها أن وقتها يمتد
إلى الزوال لكنه ما أراد ذلك فان المذهب الظاهر خلافه *
280

قال * (كتاب الصلاة بالجماعة) *
(وفيه فصول ثلاثة (الأول في فضلها) وهي مستحبة وليست بواجبة الا في الجمعة ولا فرض كفاية
على الأظهر وتستحب للنساء (ح) والفعل في الجمع الكثير أفضل إلا إذا تعطل في جواره مسجد
فاحياؤه أفضل) *
أركان الصلاة وشروطها لا تختلف بين أن تؤدى على سبيل الانفراد أو بالجماعة لكن الأداء بالجماعة
أفضل وهي تختص باعتبار أمور تنقسم إلى معتبرة في نفس الامام وإلى غيرها فادرج لذلك مسائل
هذا الكتاب في ثلاثة فصول (أحدها) فيما يتعلق بفضلها (وثانيها) في الأمور المعتبرة في نفس الامام
اما اعتبار اشتراط أو استحباب (وثالثها) في سائر المعتبرات فاما الفصل الأول فاعلم أن الأصل في فضلها
282

الاجماع والاخبار نحو ما روى عن ابن عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الجماعة
تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة " (1) والفرائض الخمس تنقسم إلى صلاة الجمعة وغيرها: فأما في
صلاة الجمعة فالجماعة فرض عين كما سيأتي في بابها: واما في غيرها فليست بفرض عين خلافا لأحمد حيث
قال بأنها فرض عين وبه قال ابن المنذر ومحمد بن إسحاق بن خزيمة من أصحابنا وفى بعض التعاليق ان أبا سليمان
283

الخطابي ذكر أنه قول للشافعي رضي الله عنه: لنا حديث ابن عمر رضي الله عنهما وأيضا روى أنه
صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الرجل مع الواحد أفضل من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أفضل من
صلاته مع الواحد وحيثما كثرت الجماعة فهو أفضل " (1) والاستدلال أنه لا يحسن أن يقال الاتيان بالواجب
284

أفضل من تركه وتفضيل أحد الفعلين على الآخر يشعر بتجويزهما جميعا وهل هي فرض كفاية أم سنة
فيه وجهان أظهرهما عند المصنف وصاحب التهذيب أنها سنة لان الجماعة خصلة مشروعة في الصلاة
لا تبطل الصلاة بتركها فلا تكون مفروضة كسائر السنن المشروعة في الصلاة وفيما سبق من الاخبار
ما يشعر بان سبيلها سبيل الفضائل وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والثاني وبه قال ابن سريج وأبو إسحاق
أنها فرض كفاية لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " ما من ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الجماعة الا استحوذ
عليهم الشيطان " (1) وذكر المحاملي وجماعة أن هذا ظاهر المذهب (فان قلنا) انها فرض على الكفاية فلو
285

امتنع أهل بلدة أو قرية عن اقامتها قاتلهم الإمام عليه ولا يسقط الحرج إلا إذا أقاموها بحيث يظهر
هذا الشعار فيما بينهم ففي القرية الصغيرة يكفي اقامتها في موضع واحد وفى القرى الكبيرة والبلاد تقام
في محلها ولو أطبقوا على إقامة الجماعة في البيوت فعن أبي إسحاق المروزي انه لا يسقط الفرض بذلك
لان الشعار في البلد لا يظهر به ونازعه فيه بعضهم إذا ظهر ذلك في الأسواق وأما إذا قلنا إنها سنة
فهل يقاتلون على تركها فيه وجهان كما ذكرناهما في الاذان (أصحهما) لا وكل ما ذكرناه في حق الرجال
: أما النساء فلا تفرض عليهن الجماعة لا فرض عين ولا فرض كفاية وتستحب لهن ولكن فيه وجهان
ذكرهما القاضي الروياني (أحدهما) أن استحبابها لهن كاستحبابها للرجال لعموم الاخبار (وأظهرهما)
الذي ذكره المعظم أنه لا يتأكد تأكده في حق الرجال فلا يكره لهن تركها ويكره للرجال ذلك *
وقال أبو حنيفة ومالك يكره لهن أن يصلين جماعة وبه قال احمد في رواية والأصح عنه مثل مذهبنا
لنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها " (1) ثم إذا صلين جماعة فالمستحب
أن تقف التي تؤمهن وسطهن كذلك فعلت عائشة رضي عنها وأم سلمة رضي الله عنهما لما أمتا (2) وجماعتهن
في البيوت أفضل فان أردن حضور المسجد في جماعة الرجال كره ذلك للشواب لخوف الفتنة ولم يكره
286

للعجائز روى أنه صلى الله عليه وسلم " نهى النساء عن الخروج إلى المساجد في جماعة الرجال الا عجوزا
في منقلها " (1) والمنقل الخف وامامة الرجال لهن أولي من امامة النساء لكن لا يجوز أن يخلو بهن من غير
محرم ثم لو صلى الرجل في بيته برقيقه أو زوجته وولده نال أصل فضيلة الجماعة لكنها في المساجد
أفضل لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الرجل في بيته أفضل الا المكتوبة " (2) وحيث
كان الجمع أكثر من المساجد فالفضل أكثر لما سبق فلو كان بالقرب منه مسجد قليل الجمع وبالبعد
مسجد كثير الجمع فالأفضل أن يذهب إلى المسجد البعيد ألا في حالتين (أحدهما) أن تتعطل الجماعة
في المسجد القريب بعد وله عنه اما لكونه إماما أو لان الناس يحضرون بحضوره فإقامة الجماعة في
المسجد القريب أفضل (الثانية) أن يكون امام المسجد البعيد متبدعا كالمعتزلي وغيره وامام المسجد
القريب بريئا عن البدعة فالصلاة في المسجد القريب أولي قال المحاملي وغيره وكذا لو كان امام المسجد
البعيد حنفيا لأنه لا يعتقد وجوب بعض الأركان بل حكوا عن أبي إسحاق المروزي أن الصلاة منفردا
أولى من الصلاة خلف الحنفي وهذا مبني على جواز الصلاة خلفه وفيه خلاف يأتي من بعد وفى المسألة
وجه آخر حكاه في النهاية أن رعاية حق الجوار أولى على الاطلاق لأنا لو جوزنا العدول عن المسجد
القريب لاوشك أن يعدل عنه واحد بعد واحد فيفضى إلى تعطيله: واما لفظ الكتاب فقوله وليست
287

بواجبة يعنى به الوجوب على الأعيان وهو معلم بالألف والواو (وقوله) تستحب للنساء معلم بالحاء
والميم وبالألف أيضا لإحدى الروايتين عن أحمد والمراد أصل الاستحباب ثم في كيفية الاستحباب
ما سبق من الخلاف (وقوله) الا إذا تعطل في جواره مسجد ليس فيه الا استثناء الحالة الأولى وقد استثنى
كثير من الأصحاب الحالة الثانية أيضا كما ذكرنا ويجوز أن يعلم قوله في الجمع الكثير أفضل بالواو
لأنه يدخل فيه ما إذا كان في جواره مسجد ولم يتعطل إذ لم يستثن الا إذا تعطل وقد ذكرنا وجها ان
الأفضل رعاية حق الجوار وان لم يتعطل *
قال (وفضيلة الجماعة لا تحصل الا بادراك ركعة مع الامام وفضيلة التكبيرة الأولى لا تحصل
الا بشهود تحريمة الامام واتباعه على الأصح) *
في الفصل مسألتان (إحداهما) فيما يحصل للمأموم به فضيلة الجماعة: الذي ذكره في الكتاب
انها لا تحصل الا بادراك ركعة مع الامام ووجهه في الوسيط بان ادراك ما دون الركعة ليس محسوبا
من صلاته فلا ينال بها الفضيلة والذي ذكره أصحابنا العراقيون وغيرهم وتابعهم صاحبا المهذب
والتهذيب أن من أدرك الامام في التشهد الأخير حصل له فضيلة الجماعة وقد يوجه ذلك بان هذه
البقية إذا لم تكن محسوبة من صلاته فلو لم ينل بها الفضيلة لمنع من الاقتداء والحالة هذه لكونها
زيادة في الصلاة لا فائدة فيها وبالجملة فظاهر المذهب الذي ذكره الجمهور خلاف ما في الكتاب
(المسألة الثانية) وردت اخبار في ادراك التكبيرة الأولى مع الامام نحو ما روى أنه صلى الله عليه
وسلم قال " من صلى أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان براءة من
288

من النار وبراءة من النفاق " (1) ولما في ادراكها من الفضل صار أبو إسحاق المروزي إلى أن الساعي
إلى الجماعة يسرع إذا خاف فوتها لكن الصحيح عند الأكثرين ان لا يسرع بحال لقوله صلى
289

الله عليه وآله وسلم " إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون واتوها وأنتم تمشون وعليكم
السكينة والوقار " (1) ثم بماذا يكون مدركا للتكبيرة الأولى فيه وجوه (أظهرها) ان من شهد تكبيرة
الامام واشتغل عقيبها بعقد الصلاة كان مدركا لفضيلة التكبيرة الأولى والا لم يكن مدركا لها لأنه
إذا جرى التكبير في غيبته لم يسم مدركا (والثاني) ان تلك الفضيلة تدرك بادراك الركوع الأول
(والثالث) ان ادراك الركوع لا يكفي بل يشترط ادراك شئ من القيام أيضا (والرابع) ان شغله امر
دنيوي لم يكن بادراك الركوع مدركا للفضيلة وان منعه عذر واشتغال بأسباب الصلاة كالطهارة
290

وغيرها كفاه ادراك الركوع *
قال (ومهما أحس الامام بداخل ففي استحباب الانتظار ليدرك الداخل الركوع قولان ولا
ينبغي ان يطول ولا أن يميز بين داخل وداخل) *
مما يحتاج إلى معرفته في المسألة ان المستحب للامام تخفيف الصلاة من غير ترك
الابعاض والهيئات لما روى عن أنس رضي الله عنه قال " ما صليت وراء امام قط أخف
صلاة ولا أتم من رسول الله صلى الله عليه وسلم " (1) فان رضى القوم بالتطويل وكانوا
291

منحصرين لا يدخل عليهم غيرهم فلا باس حينئذ بالتطويل ثم قال الأئمة انتظار الامام في
الصلاة وتطويله بها يفرض على وجوه: منها ان يصلي في مسجد سوق أو محلة فيطول الصلاة ليلحق قوم
أخر وتكثر الجماعة فهذا مكروه لما فيه من سقوط الخشوع وشغل القلب ومخالفة قوله صلى الله عليه وسلم
وسلم " إذا أم أحدكم فليخفف " (1) ومنها ان يؤم في مسجد بحضرة رجل شريف فيطول الصلاة
على الحاضرين ليلحق ذلك الرجل فهذا مكروه أيضا لأنه ينفر الحاضرين ويشوش عليهم ومنها أن
يحس في صلاته بمجئ رجل يريد الاقتداء به فله أحوال (أحدها) أن يكون في الركوع وهي مسألة
الكتاب فهل ينتظر ليدرك الركوع فيه قولان (أصحهما) عند امام الحرمين وآخرين انه لا ينتظره
292

لمطلق قوله صلى الله عليه وسلم (إذا أم أحدكم بقوم فليخفف) (1) ولان انتظاره يطول الصلاة على
الحاضرين والتطويل على الحاضرين لمسبوق قد يكون مقصرا بتخلفه لا وجه له والثاني ينتظره لما
روى أنه صلى الله عليه وسلم " كان ينتظر في صلاته ما سمع وقع نعل " (2) وهذا كما أنه
ينتظر في صلاة الخوف ذهاب قوم ومجئ قوم لينالوا فضيلة الجماعة ثم ذكر الأئمة للقولين
شرطين (أحدهما) أن يكون الرجل الجائي حين ينتظر داخل المسجد اما لو كان بعد خارجة فلا ينتظر
قولا واحد (والثاني) ان يقصد به الاحتساب والتقرب إلى الله تعالى فاما لو قصد التودد إليه واستمالته
فلا ينتظر قولا واحدا ثم اختلفوا في أن القولين فيماذا على طرق قال معظم الأصحاب ليس الخلاف
في استحباب الانتظار ولا في أنه لو انتظر هل تبطل صلاته أم لا وإنما الخلاف في الكراهة فأحد القولين
انه يكره وبه قال أبو حنيفة ومالك واختاره المزني (والثاني) لا يكره وبه قال احمد وهو أصح القولين
293

عند القاضي الروياني وقال بعض الأصحاب القولان في أنه هل يستحب الانتظار ويحكي هذا عن
القاضي أبي الطيب وقال آخرون في المسألة قولان (أحدهما) انه يكره والثاني انه يستحب وهذا
ما أورده صاحب المهذب وقال الأصح الثاني وهذه الطريقة كالمركبة من الطريقتين الأخريين ثم
إذا قلنا لا ينتظر فلو فعل هل تبطل صلاته منهم من قال فيه قولان كما لو زاد في صلاة الخوف
على أنتظارين وقطع المعظم بأنها لا تبطل وركب في الوسيط من القول بالبطلان ومما تقدم ثلاثة أقوال
(أحدها) انه يستحب الانتظار (والثاني) انه يكره (والثالث) انه لا يجوز وتبطل الصلاة إذا عرفت ذلك فانظر
في لفظ الكتاب: واعلم أن في لفظ الداخل من قوله وإذا أحس الامام بداخل ما ينبه على الشرط
الأول وهو تقييد الخلاف بانتظار من دخل المسجد أو الموضع الذي تقام فيه الصلاة فاما من
لم يدخل بعد فلا ينتظر واما الشرط الثاني وهو أن يكون قصده التقرب إلى الله تعالى فليس في
لفظ الكتاب تعرض له لكن الواقف على مقاصد الكلام يفهمه من قوله ولا ان يميز بين داخل
وداخل كما سيأتي (وقوله) ففي استحباب الانتظار لدرك الداخل الركوع قولان جواب على طريقة
فرض الخلاف في الاستحباب ثم المقابل لقول الاستحباب إنما هو عدم الاستحباب ويمكن
ادراج الحاصل من باقي الاختلافات فيه بان يقال إذا قلنا لا يستحب فهل يكره فيه قولان ان
قلنا يكره فهل يبطل الصلاة فيه قولان ويجوز انه يعلم قوله قولان بالواو لان القاضي ابن كج حكي
طريقة عن بعض الأصحاب ان موضع القولين هو الانتظار في القيام اما في الركوع فلا ينتظر
294

قولا واحدا وعلل بان القيام موضع تطويل والركوع ليس موضع تطويل واما قوله ولا ينبغي
ان يطول فهذا إشارة إلى أن الخلاف مفروض فيما إذا لم يطول الانتظار فاما التطويل فيجتنبه وهذا قد ذكره
الصيدلاني وغيره وهو شرط ثالث مضموم إلى الشرطين السابقين قال امام الحرمين وليس المراد
أصل التطويل فان الانتظار لا يوجد صورة الا إذا طول وزاد على القدر المعتاد ولكن ضبطه أن
يقال إن طول تطويلا لو وزع على جميع الصلاة لظهر له اثر محسوس في الكل فهذا ممنوع منه لافراطه
وإن كان بحيث يظهر في الركوع ولكن لا يظهر في كل الصلاة لو وزع فهذا موضع الاختلاف ويجوز
أن يعلم قوله ولا ينبغي أن يطول بالواو لان أبا على قال في الافصاح إن كان الانتظار لا يضر بالمأمومين
ولا يدخل عليهم مشقة جاز كانتظار النبي صلى الله عليه وسلم في حمل امامة (1) ووضعها في الصلاة وإن كان
ذلك مما يطول ففيه الخلاف وقوله ولا أن يميز بين داخل وداخل المراد منه ان يعم
انتظاره الداخلين فلا يخص به بعض القوم لصداقة أو سيادة وإذا عم فلا يقصد استمالة قلوب الناس
والتودد إليهم بل التقرب إلى الله تعالى كما تقدم ويجوز الوسم بالواو ههنا أيضا لامرين (أحدهما) لان
أبا سعيد المتولي حكي عن بعض الأصحاب انه ان عرف الداخل بعينه لم ينتظره إذ لا يخلو عن تقرب إليه
295

وان لم يعرفه بعينه انتظره (والثاني) أن صاحب البيان حكي عن بعضهم انه إن كان الداخل ممن يلازم
الجماعة وعرفه انتظره وإن كان غريبا لم ينتظره وكلا الوجهين يوجب التمييز بين الداخل والداخل
(الحالة الثانية) أن يكون الامام حين أحس بالداخل في التشهد الأخير فهل يؤخر انتظارا له
بما سبق من الشرائط ذكر معظم الأصحاب أن الخلاف يطرد فيه لان هذا الانتظار يفيده أيضا
من حيث أنه ينال فضيلة الجماعة وان لم يدرك باللحوق فيه شيئا من الركعات وقياس قوله من يقول إنه
لا يدرك فضيلة الجماعة الا بادراك ركعة مع الامام أن يكون حكم الانتظار ههنا حكمه في القيام ونحوه
(الحالة الثالثة) أن يكون في سائر الأركان من القيام والسجود وغيرهما قطع الأكثرون بأنه لا ينتظره
لأنه لا فائدة للداخل في انتظاره فإنه بسبيل من ادراك الركعة أو فضيلة الجماعة وان لم ينتظره وذلك
لأنه إن كان قبل الركوع فهو بادراك الركوع يدرك الركعة وإن كان بعد الركوع فبادراكه في التشهد
ينال فضيلة الجماعة وحكي امام الحرمين عن بعضهم طرد الخلاف في سائر الأركان لإفادة الداخل
بركة الجماعة وروينا عن ابن كج أن بعضهم خصص الخلاف بحالة القيام وحيث قلنا لا ينتظر فلو انتظر
ففي البطلان ما سبق من الطريقين *
قال (ومن صلى منفردا فأدرك جماعة يستحب له اعادتها ثم يحتسب الله أيهما شاء) *
من أنفرد بصلاة من الصلوات الخمس ثم أدرك جماعة يصلونها فالمستحب له أن يعيدها معهم لينال فضيلة
296

الجماعة وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (1) " صلى الصبح فلما فرغ رأى رجلين في آخر القوم لم
يصليا معه فقال على بهما فجئ بهما فقال ما منعكما أن تصليا معنا فقالا كنا صلينا في رحالنا قال فلا
297

تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة " وعند أبي حنيفة
يعيد الظهر والعشاء ولا يعيد الصبح والعصر والمغرب وذكر في النهاية ان شيخه حكي مثل ذلك وجها
لبعض أصحابنا ووجهه ان الصبح والعصر يستعقبان الوقت المكروه فلا يصلي بعدهما والمغرب وتر
298

النهار فلو أعيدت لصارت شفعا ونقل العراقيون وجها انه يعيد ما سوى الصبح والعصر وظاهر
المذهب الأول والوجهان ضعيفان وعند مالك يعيد كلها الا المغرب وبه قال احمد في رواية يعيد
المغرب أيضا لكن إذا سلم الامام قام إلى ركعة أخرى فجعلها شفعا وإذا وقفت على ما ذكرناه علمت أنه
لم اعلم قوله يستحب له اعادتها بالحاء والميم والألف والواو ولو صلى إحدى الخمس في
جماعة ثم أدرك جماعة أخرى فهل يعيدها معهم (1) فيه وجوه (أصحها) عند عامة الأصحاب أنه يعيد كما
299

لو كان منفردا لاطلاق الخبر والثاني وهو الأصح عند الصيدلاني وبه قال المصنف في الوسيط أنه
لا يستحب الإعادة لان فضيلة الجماعة قد حصلت فلا معنى للإعادة بخلاف المنفرد قال الصيدلاني
وعلى هذا يكره إعادة الصبح والعصر دون غيرهما لأنهما وقتا كراهة والصلاة المعادة تطوع محض
على هذا الوجه قال وعلى هذا فلو أعاد المغرب ينبغي أن يضم إليها ركعة أخرى لان ما أتى به تطوع
محض فليكن شفعا واعلم أن المعاد إن كان تطوعا محضا فقياس المذهب أن تمتنع الإعادة بنية المغرب
وسائر الوظائف الخمس ولو فعل يكون صحة التطوع على الخلاف المذكور في المتطوع بنية الظهر قبل
الزوال (والوجه الثالث) انه إن كان في الجماعة الثانية زيادة فضيلة لكون الامام أعلم أو أورع أو لكون الجمع أكثر
أو لكون المكان أفضل فيستحب الإعادة والا فلا (والرابع) أنه يستحب إعادة الظهر والمغرب والعشاء ولا
يستحب إعادة الصبح والعصر وقد سبق المنفرد مثله ثم إذا استحببنا الإعادة في هذه المسألة
300

وفيما إذا صلى منفردا فأعاد فالفرض منهما ماذا فيه قولان الجديد وبه قال أبو حنيفة واحمد أن
الفريضة هي الأولى لما سبق من الحديث (1) والقديم أن الفريضة أحدهما لا بعينها والله تعالى يحتسب
بما شاء منهما وربما قيل يحتسب بأكملهما ويروى هذا القول عن الاملاء وبه قال مالك ووجه بأنه
301

لو كانت الثانية نفلا على التعيين لما ندب إلى اقامتها بالجماعة والذي ذكره في الكتاب هذا القول
القديم لكن الأكثرين قالوا بان المذهب الجديد وحكى في التتمة أن بعض الأصحاب صار إلى
انهما جميعا يقعان عن الفرض وعن الشيخ أبى محمد أن بعضهم قال فيما إذا صلى منفردا أن الفريضة هي
الثانية لكمالها بالجماعة فتبين بالآخرة أن الأولى نفل فحاصل ما في المسألة قولان ووجهان (التفريع) ان
فرعنا على غير الجديد نوى الفرض في المرة الثانية ولو كانت الصلاة مغربا أعادها مثل المرة الأولى
302

وان فرعنا على الجديد فهل ينوى الفرض فيه وجهان قال الصيدلاني (الصحيح) أنه ينوى الفرض
وبه قال الأكثرون واستبعده امام الحرمين وقال كيف ينوى الفرض مع القطع بان الثانية ليست
بفريضة بل الوجه ان ينوى الظهر والعصر ولا يتعرض للفرضية ويكون ظهره نفلا كظهر الصبي
وهذا ما ذكر في ه الوسيط وفيه مباحثه قدمتها في أول صفة الصلاة وإذا كانت الصلاة مغربا ففيه وجهان
(أظهرهما) انه يعيدها كما فعل في المرة الأولى (والثاني) ان المستحب ان يقوم إلى ركعة أخرى إذا سلم
الامام حتى لا يصير وتره شفعا) *
قال (ولا رخصة له في ترك الجماعة الا بعذر عام كالمطر والريح العاصفة بالليل أو عذر خاص مثل أن
يكون مريضا أو ممرضا أو خائفا من السلطان أو من الغريم وهو معسر أو كان عليه قصاص ويرجو العفو
عنه أو ان حاقنا أو جائعا أو عاريا) *
303

لا رخصة للمتدين في ترك الجماعة سواء جعلناها سنة أو فرض كفاية الا إذا كان ثم عذر لما روى أنه
صلى الله عليه وسلم قال " من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له الا من عذر " (1) ثم الاعذار
304

قسمان عامة وخاصة فمن الاعذار العامة المطر ليلا كان أو نهارا لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (1)
305

وسلم قال " إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال " ومنها الريح العاصفة بالليل دون النهار
306

روي أنه صلى الله عليه وسلم " كان يأمر مناديه في الليلة المطيرة والليلة ذات الريح الا صلوا
في رحالكم " والمعنى فيه ان المشقة التي تلحق بها في الليل أكثر وبعض الأصحاب يقول الريح
العاصفة في الليلة المظلمة وليس ذلك على سبيل اشتراط الظلمة والله أعلم: ويتبين بما ذكرنا ان قوله
بالليل في نظم الكتاب يرجع إلى الريح وحدها ولا يرجع إلى المطر المعطوف عليه ومن الاعذار
الخاصة المرض " قيل يا رسول الله ما العذر في الخبر الذي سبق فقال خوف أو مرض " ولا يشترط ان
يبلغ مبلغا يجوز العقود في الفريضة لكن المعتبر ان تلحقه مشقة مثل ما يلقاه الماشي في المطر قاله
في النهاية: ومنها أن يكون ممرضا وللتمريض تفصيل يذكر في كتاب الجمعة: ومنها ان يخاف على
نفسه أو ماله أو على من يلزمه الذب عنه من سلطان أو غير سلطان يظلمه أو يخاف من غريم
يلازمه أو يحبسه ان رآه وهو معسر لا يجد وفاء لدينه فله التخلف ولا عبرة بالخوف ممن يطالبه
بحق هو ظالم في منعه بل عليه الحضور وتوفية ذلك الحق ويدخل في صور الخوف على المال ما إذا
307

كان خبزه في التنور وقدره على النار وليس ثم من يتعهدها لو سعى إلى الجماعة ومنها أن يكون
عليه قصاص ولو ظفر به المستحق لقتله وكان يرجو العفو مجانا أو على مال لو غيب الوجه أياما وسكن
الغليل فله التخلف بذلك وفى معناه حد القذف دون حد الزنا ومالا يقبل العفو قال امام الحرمين
وفى هذا العذر اشكال عندي لان موجب القصاص من الكبائر فكيف يستحق صاحبه التخفيف
308

وكيف يجوز تغييب الوجه عن المستحق: ومنها ان يدافع اخبثيه أو يدافع الريح بل الصلاة
مكروهة في تلك الحالة والمستحب ان يفرغ نفسه ثم يصلي وان فاتت الجماعة فلا باس روى أنه
صلى الله عليه وسلم قال " لا يصلين أحدكم وهو يدافع الأخبثين " (1) وروى أيضا " إذا أقيمت الصلاة
309

فوجد أحدكم الغائط فليبدأ بالغائط " (1) وهذا إذا كانت في الوقت سنة فإن كان يخرج الوقت لو قضى
حاجته ففي التهذيب حكاية وجهين (أظهرهما) انه يبدأ بالصلاة (والثاني) انه يقضي حاجته وان فات
الوقت ثم يقضى كما لو خاف فوت الوقت لو اشتغل بالوضوء يلزمه الوضوء ويشبه أن يكون هذا
الوجه ذهابا من صاحبه إلى أنه لا تصح الصلاة إذا ضاق الامر عليه لانسلاب الخشوع وقد حكي امام
الحرمين الذهاب إلى البطلان عن القاضي الحسين وصاحب البيان عن أبي زيد المروزي لكن أبا سعيد
المتولي جعل الخلاف في أن الأولى ان يفرغ نفسه أو ان يصلي لا في بطلان الصلاة على المدافعة وقوله في
الكتاب أو كان حاقنا يجوز أن يقرأ بالباء ويجوز أن يقرأ بالنون فالحاقب هو الذي احتاج إلى الخلاء
فلم يتبرز حتى حضر غائطه والحاقن في البول كالحاقب في الغائط قاله في العرينين ومنها أن يكون به
جوع شديد أو عطش شديد وقد حضر الطعام والشراب ونفسه تتوق إليه فيبدأ بالاكل والشرب لما
روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء " (2)
310

قال الأئمة وليس المراد منه أن يستوفى ما يشبع لكن يأكل لقما يكسر سورة جوعه ويؤخر الباقي الا أن يكون
الطعام مما يؤتي عليه دفعه واحدة كالسويق واللبن استثناه المحاملي وغيره فان خاف فوت الوقت
لو اشتغل بالاكل حكى في التتمة وجهين في أن الأول ماذا كما في مدافعة الأخبثين ومنها أن يكون عاريا
لا لباس له فيعذر في التخلف سواء وجد قدر ما يستر به العورة أو لم يجد هذه هي الاعذار المذكورة
في الكتاب ويلتحق بها اعذار أخر: فمن العامة الوحل وسيأتي في كتاب الجمعة: ومنها السموم وشدة
الحر في وقت الظهر فان الابراد بها محبوب كما سبق فلو أقاموا الجماعة ولم يبردوا كان له ان يتخلف
ومنها شدة البرد قال في التهذيب انها عذر ولم يفرق بين الليل والنهار وعلى هذا فشدة الحر في
معناها وربما يبقى العذر وان أبردوا: ومن الاعذار الخاصة ان يريد السفر وترتحل الرفقة فله ان
ان يتخلف عن الجماعة ولا يتخلف عنهم ومنها أن يكون منشد ضالة يرجو الظفر بها لو ترك الجماعة
أو وجد من غصب ماله وأراد استرداده منه و: منها أن يكون قد اكل بصلا أو كراثا ونحوهما ولم يمكن
311

إزالة الرائحة بغسل ومعالجة فهو عذر في التخلف عن الجماعة فإن كان مطبوخا فلا وذلك القدر محتمل
ومنها غلبة النوم عدها صاحب العدة وغيره من الاعذار
قال (الفصل الثاني في صفات الأئمة وكل من لا تصح صلاته صحة تغنيه عن القضاء فلا يصح
الاقتداء به ومن صحت صلاته صح الاقتداء به الاقتداء القارئ بالأمي على القول الجديد ومن
لا يحسن حرفا من الفاتحة والمأموم يحسنه فهو أمي في حقه ويجوز اقتداء الأمي بمثله ولا يصح اقتداء
الرجل بالمرأة ولا بالخنثى ولا اقتداء الخنثى ويصح اقتداء المرأة بالخنثى وبالرجل)
صفات الأئمة ضربان مشروطة ومحبوبة وقد ضمن الفصل ما أراد ايراده: فاما المشروطة فنأتي
منها بما ذكره في الكتاب وما أهمله في تقسيم نرسمه ونقول الانسان لا يخلو اما ان لا تكون صلاته
صحيحة عنده وعند المأموم معا واما أن تكون صحيحة (القسم الأول) ان لا تكون صحيحة عندهما
معا فينظران توافق اعتقاد الإمام والمأموم على أنه لا صحة ولا اعتبار كصلاة من به حدث أو جنابة
وصلاة من بثوبه نجاسة ونحو ذلك فلا يجوز لمن علم حاله الاقتداء به لأنه ليس من أهل الصلاة وكذلك
الكافر لا يجوز الاقتداء به وإذا صلى الكافر لم يجعل بذلك مسلما خلافا لأبي حنيفة حيث جعله مسلما
312

بذلك في بعض الأحوال ولأحمد حيث جعله مسلما بكل حال وعن القاضي أبي الطيب انه إذا صلى
الحربي في دار الحرب حكم باسلامه ويحكي ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه والمذهب المشهور هو
الأول ثم ذلك إذا لم تسمع منه كلمتا الشهادة فان سمعتا منه في التشهد ففي الحكم باسلامه ما قدمناه فيما إذا
اذن وإن كانت صحيحة في اعتقاد الامام دون المأموم أو بالعكس فهذا يفرض على وجهين (أحدهما) أن يكون
ذلك لاختلافهما في الفروع الاجتهادية كما إذا مس الحنفي فرجه وصلي ولم يتوضأ أو ترك الاعتدال
في الركوع والسجود أو قرأ غير الفاتحة في صلاته ففي صحة اقتداء الشافعي به وجهان (أحدهما) وبه قال
القفال تصح لان صلاته صحيحة عنده وخطؤه غير مقطوع به فلعل الحق ما ذهب إليه (والثاني) وبه قال
الشيخ أبو حامد لا تصح لان صلاة الامام فاسدة في اعتقاد المأموم فأشبه ما لو اختلف اجتهاد رجلين
في القبلة يقتدى أحدهما بالآخر وهذا أظهر عند الأكثرين ولم يذكر الروياني في الحلية سواه وبه
313

أجاب صاحب الكتاب في الفتاوى لكن بشرائط ليس من غرضنا ذكرها ولو أن الحنفي صلى على
وجه لا يعتقده صحيحا واقتدى الشافعي به وهو يعتقده صحيحا انعكس الوجهان فعلى ما ذكره القفال
لا يصح الاقتداء اعتبارا بحال الامام وعلى ما ذكره أبو حامد يصح اعتبارا باعتقاد المأموم وحكى
أبو الحسن العبادي ان الأودني والحليمي قالا إذا أم الوالي أو نائبه بالناس ولم يقرأ التسمية والمأموم
يراها واجبة فصلاته خلفه صحيحة عالما كان أو عاميا وليس له المفارقة لما فيها من الفتنة وهذا حسن
وقضيته الفرق بين الامام وخلفائه وبين غيرهم أما إذا حافظ الحنفي على واجبات الطهارة والصلاة عند
الشافعي فاقتداؤه به صحيح عند الجمهور وعن الأستاذ أبي إسحاق الأسفرايني انه لا تصح لأنه لا يأتي
بها على اعتقاد الوجوب وعلى الأول لو شك في أنه هل أتي بها أم لا فقد ذكر صاحب الكتاب في
الفتاوى انه يجوز الاقتداء به كما لو علم أنه حافظ عليها لأن الظاهر اتيانه بها إقامة لما يعتقده سنة وتوقيا
عن شبهة الخلاف وحكى أبو الفرج البزار عن الشيخ أبى على أنه لا يصح كما لو عرف انه لم يأت بها
وحكي عن الشيخ أبي حامد الصحة كما قاله صاحب الكتاب في الفتاوى وإذا عرفت ذلك وسئلت عن
اقتداء الشافعي بالحنفي مطلقا فقيل فيه ثلاثة أوجه (ثالثها) وهو الأظهر الفرق بين أن يحافظ على الواجبات
وبين أن يتركها ولك أن تضم إليها وجها فارقا على ما قدمناه ولو اقتدى الحنفي بالشافعي وصلي الشافعي
على وجه لا يراه الحنفي كما لو افتصد وصلي ففيه الخلاف وإذا جوزنا اقتداء أحدهما بالآخر فلو صلى
الشافعي الصبح خلف حنفي ومكث الحنفي بعد الركوع قليلا وأمكنه ان يقنت فيه فعل والا تابعه وهل يسجد
314

للسهو ان اعتبرنا اعتقاد المأموم نعم فان اعتبرنا اعتقاد الامام فلا ولو صلى الحنفي الصبح خلف
الشافعي وترك الامام القنوت ساهيا وسجد للسهو تابعه المأموم وان ترك الامام سجود السهو
سجد المأموم ان اعتبرنا اعتقاد الامام والا فلا (والثاني) ان لا يكون ذلك لاختلافهما في الفروع فلا
يجوز لمن اعتقد بطلان صلاة غيره ان يقتدى به وذلك كما إذا اجتهد اثنان فصاعدا في القبلة
واختلف اجتهادهم لم يجز لبعضهم الاقتداء ببعض لان صلاة كل واحد منهم باطلة عند أصحابه
وكذا لو اشتبه إناءان طاهر ونجس واختلف فيهما اجتهاد رجلين ولو كثرت الأواني والمجتهدون
واختلف اجتهادهم فحيث تعين عند المأموم بطلان صلاة الامام امتنع الاقتداء وحيث لا يتعين
جاز الاقتداء وفيه وجه انه لا يجوز أيضا وهذا هو الكلام الجملي فيه ونوضحه بصورتين (إحداهما)
لو اشتبه ثلاثة أوان واجتهد فيها ثلاثة واستعمل كل واحدا منهم واحدا لأداء اجتهاده إلى طهارته
فإن كان الطاهر منها واحدا لم يجز اقتداء بعضهم ببعض وإن كان النجس منها واحد وأراد
أحدهم ان يقتدى بآخر فان ظن طهارة اناء أحد صاحبيه كما ظن طهارة اناء نفسه فلا خلاف في جواز
اقتدائه به وامتناع اقتدائه بالثالث وان لم يظن الا طهارة انائه ففي المسألة وجهان قال صاحب
التلخيص لا يجوز لواحد منهم الاقتداء بواحد من صاحبيه لأنه يتردد في أن المحدث المستعمل
للنجاسة هذا أم ذاك وليس أحد الاحتمالين بأولى من الاخر فيمتنع الاقتداء كما يمتنع الاقتداء
بالخنثى لتعارض احتمالي الذكورة والأنوثة وقال ابن الحداد وهو الأصح يجوز لكل واحد منهم ان يقتدى
بواحد من صاحبيه ولا يجوز ان يقتدى بهما جميعا في صلاتيه اما الأول فلانه لا يدرى نجاسة اناء من
315

يقتدى به وبقاء حدثه وإذا لم يعلم المأموم من حال الامام ذلك سومح وجوز الاقتداء على ما سيأتي
واما الثاني فلانه إذا اقتدى بأحدهما تعين اناء الثالث للنجاسة فامتنع الاقتداء به وبهذا قال أبو إسحاق
المروزي الا أنه قال لو اقتدى بهما جميعا وجب إعادة الصلاتين لان إحداهما باطلة لا بعينها
فيلزمه قضاؤهما وعند أبن الحداد والأكثرين لا يجب الا قضاء الثانية فإنه لو اقتصر على الاقتداء
الأول لما كان عليه قضاء الثانية ولو كانت الأواني خمسة والنجس منها واحد وظن كل واحد بعد
الاجتهاد طهارة أحدهما ولم يظن شيئا من حال الأربعة الباقية وأم كل واحد منهم أصحابه في واحدة
من الصلوات الخمس وبدؤا بالصبح فعند صاحب التلخيص على كل واحد منهم إعادة الصلوات
الأربع التي كان مأموما فيها وعند ابن الحداد والأكثرين يعيد كل واحد منهم آخر صلاة كان مأموما
فيها ويلزم من ذلك أن يعيد كلهم العشاء الا امام العشاء فإنه يعيد المغرب وإنما أعادوا العشاء لان
بزعمهم تتعين النجاسة في حق امام العشاء وأنما أعاد امام العشاء المغرب لأنه صحت له الصبح والظهر
والعصر عند أئمتها وهو متطهر عنده فيتعين بزعمه النجاسة في حق امام المغرب وعند أبي إسحاق
يعيد كل واحد منهم جميع الأربع التي كان مأموما فيها لأنه اقتدى في واحدة منها بمن توضأ بماء نجس
وهي غير متعينة فصار كما لو نسي واحدة من أربع وحكي عن بعض الأصحاب طريقة أخرى وهي ان هذه
الوجوه فيما إذا سمع من بين خمسة نفر صوت حدث ونفاه كل واحد عن نفسه وأموا على
ما ذكرنا فاما في مسألة الأواني فكل واحد يعيد آخر صلاة كان مأموما فيها بلا خلاف والفرق أن
الاجتهاد في الأواني جائز فكان كل واحد اجتهد في إنائه وإناء امامه إلى أن تعينت النجاسة في الاخر
ولا مجال للاجتهاد في مسألة الصوت ولو كانت المسألة بحالها لكن النجس من الأواني الخمس اثنان
صحت صلاة كل واحد منهم خلف اثنين وبطلت خلف اثنين ولو كان النجس ثلاثة صحت صلاة
316

كل واحد منهم خلف واحد ولو كان أربعة امتنع الاقتداء بينهم على الاطلاق (القسم الثاني) أن تكون
صلاته صحيحة عنده وعند المأموم معا فلا يخلو اما أن تصح صحة غير مغنية عن القضاء واما أن
تصح صحة مغنية عن القضاء فإن لم تكن مغنية عن القضاء كصلاة من لم يجد ماء ولا ترابا فلا يجوز الاقتداء
به للمتوضئ وللمتيمم الذي لا يقضي لان تلك الصلاة إنما يؤتي بها لحق الوقت وليست هي معتدا بها
فأشبهت الفاسدة ولو اقتدى به من هو في مثل حاله ففيه وجهان للشيخ أبي محمد (أحدهما) يجوز لان
الصلاتين متماثلتان فيجزئ الاقتداء فيهما ثم يقضيان والثاني لا لان ربط الاقتداء بمالا يعتد به كربط
الاقتداء بالصلاة الفاسدة وهذا أوفق لاطلاق الأكثرين حيث منعوا الاقتداء به ولم يفصلوا وفى
معنى صلاة من لم يجد ماء ولا ترابا صلاة المقيم المتيمم لعدم الماء وصلاة من أمكنه أن يتعلم الفاتحة
فلم يتعلم ثم صلى لحق الوقت وصلاة العاري وصلاة المربوط على الخشبة إذا ألزمنا الإعادة على هؤلاء وقد
سبق بيان الخلاف فيه أما إذا صحت الصلاة صحة مغنية عن القضاء فلا يخلو الحال اما أن يكون المصلي مأموما
أو لا يكون فإن كان مأموما لم يجز الاقتداء به لأنه تابع لغيره ويلحقه سهو ذلك الغير ومنصب الإمامة يقتضى
الاستقلال وتحمل سهو الغير فلا يجتمعان ولو رأى رجلين واقفين أحدهما بجنب الاخر يصليان
جماعة وتردد في أن الامام هذا أم ذاك لم يجز الاقتداء بواحد منهما حتى يتبين له الامام ولو التبس
على الواقفين فاعتقد كل واحد منهما انه المأموم فصلاتهما باطلة لان كل واحد منهما مقتد بمن يقصد الائتمام
وكذلك لو كان كل واحد منهما شاكا لا يدرى أنه أمام أو مأموم فصلاتهما باطلة وأن اعتقد كل واحد منهما أنه
امام صحت صلاتهما وأن شك أحدهما في حاله دون الاخر بطلت صلاة الشاك وغير الشاك أن ظن
أنه امام صحت صلاته وان ظن أنه مأموم فلا وأن لم يكن المصلي مأموما فلا يخلو اما ان يخل بالقراءة
317

أو لا يخل فان أخل بأن كان أميا ففي صحة اقتداء القارئ به قولان (الجديد) انه لا يصح وبه قال أبو حنيفة ومالك
واحمد لان الامام يصدر لحمل القراءة عن المأموم بحق الإمامة بدليل المسبوق فإذا لم يحسنها لم يصلح
للتحمل (والقديم) انه أن كانت الصلاة سرية صح الاقتداء والا فلا بناء على القول القديم في أن المأموم
لا يقرأ في الجهرية بل يتحمل عنه الامام فإذا لم يحسن القراءة لم يصلح للتحمل وفى السرية يقرأ المأموم
لنفسه فيجزئه ذلك هذا نقل جمهور الأصحاب منهم الشيخ أبو حامد والقاضي ابن كج والصيدلاني
والمسعودي وذكر معظمهم ان أبا إسحاق خرج قولا ثالثا على الجديد أن الاقتداء صحيح سواء كانت
الصلاة سرية أو جهرية لان المأموم تلزمه القراءة في الحالتين فيجزئه ذلك كما قال باجزائه في السرية
في القديم ومنهم ممن لم يثبت هذا القول الثالث ومأخذ الطريقتين على ما ذكره الصيدلاني ان أصحابنا
اختلفوا في نصين للشافعي رضي الله عنه خالف الآخر الأول هل يكون الآخر رجوعا عن الأول أم لا منهم
من قال نعم فعلى هذا لا يأتي في الجديد الا قول واحد انه لا يصح اقتداء القارئ بالأمي ومنهم من قال
لا يكون رجوعا لأنه قد ينص في موضع واحد على قولين فيجوز ان يذكرهما متعاقبين فعلى هذا يخرج
قول آخر في الجديد كما سبق وإذا أثبتا القول الثالث فأبو إسحاق مسبوق به لأنه قد ذهب إليه المزني
وخرجه على أصول الشافعي رضي الله عنه وعكس صاحب الكتاب في الوسيط ما ذكره الجمهور في
القول الثاني والثالث فجعل الثاني قولا مخرجا والثالث منصوصه في القديم ثم الأمي على أصلنا هو الذي
لا يحسن بعض الفاتحة أو كلها لخرس ونحوه ويدخل في هذا التفسير الأرت وهو الذي يدغم حرفا في
حرف في غير موضع الادغام وقال في التهذيب هو الذي يبدل الراء بالتاء والألثغ وهو الذي يبدل حرفا
بحرف كالسين بالثاء فيقول المثتقيم أو الراء بالغين فيقول غيغ المغضوب ويدخل الذي في لسانه رخاوة
318

تمنع أصل التشديدات والخلاف الذي ذكرناه في اقتداء القارئ بالأمي فيما إذا لم يطاوعه لسانه
أو طاوعه لكن لم يمض عليه من الزمان ما يمكنه التعلم فيه فإذا مضى وقصر بترك التعلم فلا يقتدى
به بلا خلاف لان صلاته حينئذ مقضية يؤتى بها لحق الوقت كصلاة من لم يقدر على الماء والتراب
ويجوز اقتداء الأمي بأمي مثله لاستوائهما في النقصان كاقتداء المرأة بالمرأة ولو حضر رجلان كل واحد
منهما يحسن بعض الفاتحة إن كان ما يحسنه هذا يحسنه ذاك جاز اقتداء كل واحد منهما بالآخر وان
أحسن أحدهما غير ما يحسنه الآخر فاقتداء أحدهما بالآخر كاقتداء القارئ بالأمي ففيه الخلاف
الذي سبق وعليه يخرج اقتداء الأرت بالألثغ وبالعكس لان كل واحد منهما قارئ لما ليس صاحبه
فيه بقارئ وتكره امامة التمتام والفأفاء ويجوز الاقتداء بهما لأنهما لا ينقصان شيئا ويزيدان زيادة
هما معذوران فيها وتكره امامة من يلحن في القراءة ثم ننظر إن كان لحنا لا يغير المعنى ولا يبطله كرفع
الهاء من الحمد لله فتجوز صلاته وصلاة من اقتدى به وإن كان يغير المعنى كقوله أنعمت عليهم أو
يبطله كقوله المستقين فإن كان يطاوعه لسانه ويمكنه التعلم فيلزمه ذلك فلو قصر وضاق الوقت
صلى وقضي ولا يجوز الاقتداء به وان لم يطاوعه لسانه أو لم يمض ما يمكن التعلم فيه فإن كان في
الفاتحة فصلاة مثله خلفه صحيحة وصلاة صحيح اللسان خلفه كاقتداء القارئ بالأمي وإن كان في
غير الفاتحة صحت صلاته وصلاة من خلفه قال امام الحرمين ولو قيل ليس لهذا الذي يلحن في غير
الفاتحة أن يقرأ ما يلحن فيه لأنه يتكلم في صلاته بما ليس من القرآن ولا ضرورة إليه لما كان
بعيدا والله أعلم * هذا تمام قسم الاخلال وان لم يخل بالقراءة فلا يخلو اما أن يكون رجلا أو امرأة
أو خنثى مشكل فاما الرجل فيصح اقتداء الرجال والنساء به واما المرأة فيصح اقتداء النساء بها
ولا يصح اقتداء الرجل بها لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (1) قال ألا لا تؤمن امرأة رجلا ولا اعرابي
319

مهاجرا " ولا يجوز اقتداء الخنثى بها أيضا لجواز أن يكون رجلا واما الخنثى فيجوز اقتداء المرأة به
لأنه اما رجل أو امرأة واقتداؤها بالصنفين جائز ولا يجوز اقتداء الرجل به لاحتمال انه امرأة ولا
اقتداء مشكل آخر لجواز أن يكون الامام امرأة والمأموم رجلا وحيث حكمنا بصحة الاقتداء
فلا باس بكون الامام متيمما أو ماسحا على الخف وكون المأموم متوضئا أو غاسلا ويجوز
أيضا اقتداء السليم بسلس البول والطاهرة بالمستحاضة التي أيست بمتحيرة في أصح الوجهين كما
يجوز الاقتداء بمن استجمر وبمن على وبه أو بدنه نجاسة معفو عنها (والثاني) وبه قال أبو حنيفة
لا يجوز لان صلاتهما صلاة ضرورة ولا باس بصلاة القائم خلف القاعد خلافا لمالك حيث قال
لا يجوز ذلك ولأحمد حيث قال إذا قعد الامام قعد القوم خلفه لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم
وسلم " صلى قاعدا وأبو بكر رضي الله عنه والناس خلفه قيام " (1) ويجوز اقتداء القائم والقاعد بالمضطجع
خلافا لأبي حنيفة: لنا القياس على الصورة السابقة فإنه سلمها: هذا آخر التقسيم وقد تبين به
الأوصاف المشروطة في الامام ونعود الآن إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) وكل مالا تصح
صلاته صحة تغنيه عن القضاء يدخل فيه من لا تصح صلاته أصلا ومن تصح صلاته صحة
غير مغنية عن القضاء لان كل صلاة ليس لها الصحة ليس لها الصحة الخاصة وحكم
320

الضربين ما ذكره (وقوله) فلا يصح الاقتداء به مطلق وظاهره يقتضي ان لا يصح اقتداء من لم
يجد ماء ولا ترابا بمثله كما لا يصح اقتداء غيره وهو الوجه الذي ذكرنا انه الموافق لاطلاق
الأكثرين (وقوله) ومن صحت صلاته صح الاقتداء به يعني صحت صلاته الصحة المبينة
في القسم الأول وهي المغنية عن القضاء (وقوله) الا اقتداء القارئ معلم بالزاي لان
عند المزني هذه الصورة غير مستثناة كما سبق ثم نظم الكتاب لا يصرح الا باستثناء
اقتداء القارئ بالأمي عن هذا الضابط لكن اقتداء الرجل بالمرأة مستثني
عنه أيضا والمراد والا اقتداء الرجل بالمرأة وقد حصر امام الحرمين الاستثناء في هذين الموضعين
وضم إليهما في الوسيط ثالثا وهو الاقتداء بالمقتدى ولك ان تقول قولنا من صحت صلاته صح
الاقتداء به اما أن يريد به صحة اقتداء كل أحد به أو يعنى صحة الاقتداء به في الجملة فان عندنا الأول
فالاستثناء غير منحصر في الموضعين ولا في الثلاثة بل من صور الاستثناء الاقتداء بمن يتعين في
321

زعم المأموم كونه محدثا وغير هذه الصورة على ما تقدم وان عنينا الثاني فلا حاجة إلى استثناء الأمي
إذ يصح اقتداء مثله به ولا استثناء المرأة إذ يصح اقتداء المرأة بها (وقوله) ومن لا يحسن حرفا من
الفاتحة والمأموم يحسنه فهو أمي في حقه اي فيحصل فيه الخلاف المذكور في اقتداء القارئ بالأمي
322

قال (فان اقتدي الرجل بخنثى فبان بعد الفراغ كونه رجلا وجب القضاء على أظهر القولين لوجود
التردد في نفس الصلاة ولو بان بعد الفراغ كونه أميا أو محدثا أو جنبا فلا قضاء (ح) ولو بان كونه امرأة أو
كافر أوجب القضاء لان لهما علامة ولو بان كونه زنديقا فوجهان) *
323

جميع ما سبق فيما إذا عرف المأموم حال الامام في الصفات المشروطة وجودا وعدما وغرض هذا الفصل
الكلام فيما إذا ظن شيئا وتبين خلافه فمن صوره ما لو اقتدى رجل بخنثى وبان بعد الصلاة كونه رجلا وقد
قدمنا ان هذا الاقتداء غير صحيح وإذا لم يصح فلا يخفي وجوب القضاء فلو لم يقض حتى بان
كونه الامام رجلا فهل يسقط القضاء فيه قولان (أحدهما) نعم لأنه قد تبين كون الامام رجلا (وأظهرهما)
لا يسقط لأنه كان ممنوعا من الاقتداء به للتردد في حاله وهذا التردد يمنع من صحة الصلاة وإذا
لم تصح فلا بد من القضاء وقوله في الكتاب وجب القضاء على أظهر القولين ليس المراد منه
استفتاح الوجوب وإنما المراد استمراره على ما بينا ويجرى القولان فيما لو اقتدى خنثى بامرأة ولم
يقض الصلاة حتى بان كونه امرأة وفيما إذا اقتدى خنثى بخنثى ولم يقض المأموم حتى بانا رجلين
أو امرأتين أو بان كون الامام رجلا وكون المأموم امرأة وذكر الأئمة لهذه الصور نظائر: منها لو باع
مال أبيه على ظن أنه حي فبان أنه كان ميتا ففي صحة البيع قولان: ومنها لو وكل وكيلا بشرى شئ وباع
ذلك الشئ من إنسان على ظن أنه ما اشتراه وكيله بعد وكان قد اشتراه في صحة البيع قولان
ومن مسائل الفصل ما لو اقتدى برجل ظنه متطهرا ثم بان بعدما صلى أنه كان جنبا أو محدثا فلا
قضاء عليه خلافا لأبي حنيفة حيث قال يجب ولمالك واحمد حيث قالا إن كان الامام عالما بحدثه
وأم مع ذلك وجب على المأموم القضاء وأن لم يكن عالما لم يجب وحكي صاحب التلخيص مثل ذلك قولا
للشافعي رضي الله عنه منصوصا: لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم (1) " دخل في صلاته وأحرم
324

الناس خلفه ثم ذكر أنه جنب فأشار إليهم كما أنتم ثم خرج واغتسل ورجع ورأسه يقطر ماء ولم يأمرهم
بالإعادة " وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " إذا صلى الامام بقوم وهو على غير وضوء أجزأتهم
ويعيد هو " (1) وأيضا فإنه غير مأمور بالبحث عن حدث الامام وطهارته لأنه لا علامة للمحدث والمتطهر
يعرفان بهما فليس منه تقصير في الاقتداء به وكل مصل لنفسه ففساد صلاة الامام لا توجب فساد
صلاة المأموم والمسألة فيما إذا لم يعرف المأموم حدثه أصلا فان علم حدثه ولم يتفرقا ولم يتطهر
ثم اقتدى به ناسيا وجبت الإعادة وهي مفروضة في غير الجمعة فاما إذا اتفق ذلك في الجمعة فسيأتي
الكلام في بابها: ومنها لو اقتدى بمن ظنه قارئا فبان أنه أمي قال في التهذيب تجب الإعادة على
قولنا أن الصلاة خلف الأمي لا تصح والذي ذكره في الكتاب أنه لا قضاء عليه كما لو بان جنبا
ووجهه امام الحرمين بان البحث عن كون الامام قارئا لا يجب بل يجوز حمل الامر على الغالب
وهو أنه لا يؤم الا قارئ كما يجوز حمل الامر على أنه متطهر فإذا بان خلاف الغالب فهو كما لو بانت
الجنابة قال وإذا كانت الصلاة جهرية فيظهر فيها أنه قارئ أو أمي فإن لم يجهر فيها فحينئذ
اختلف الأصحاب في أنه هل يجب البحث وما حكاه صاحب التهذيب في المسألة أقرب إلى سياق
الأكثرين ويجوز أن يفرق بينه وبين ما إذا بان جنبا بان الحدث ليس بنقص في الشخص وهذا
نقص فصار كما لو بان الامام كافرا أو امرأة وأيضا فان الوقوف على كونه قارئا أسهل من الوقوف
على كونه متطهرا لان عروض الحدث وأن عرف أنه تطهر قريب وصيرورته أميا بعدما سمعه يقرأ
325

في غاية البعد وأما إذا اقتدى بمن لا يعرف حاله في صلاة جهرية ثم لم يجهر فحكاية العراقيين فيه عن
نصه في الام أنه يلزمه الإعادة لأن الظاهر أنه لو كان قارئا لجهر فلو سلم وقال أسررت ونسيت الجهر لم تجب الإعادة
وتستحب وإذا وقفت على ما ذكرنا أعلمت قوله فلا قضاء بالحاء والميم والألف وكذلك بالواو لامرين (أحدهما)
القول الذي حكاه صاحب التلخيص والثاني الخلاف الذي نقلناه في مسالة الأمي (فان قلت) ولم قيد هذه الصور
بما إذا بان الحال بعد الفراغ من الصلاة وكذلك قيد ما إذا اقتدى بخنثى وبان كونه رجلا بما بعد
الفراغ وما الحكم لو بان ذلك قبل الفراغ من الصلاة (فالجواب) اما في صورة الخنثى فالقولان جاريان
في الحالتين وحكى القاضي بن كج القولين فيما إذا اقتدى خنثى بامرأة ثم لم يخرج من الصلاة حتى
بان للمأموم انه أنثى وقد سبق أن هذه الصورة وصورة الكتاب يستويان في طرد القولين فاذن
قوله بعد الفراغ في مسألة الخنثى ليس للتقييد وأما إذا بان في الصلاة كونه جنبا أو محدثا فلا قضاء
أيضا إذا أتم ويجب أن ينوى المفارقة كما علم الحال وكذلك الحكم فيما إذا بان في الصلاة كومه أميا
على ما ذكره في الكتاب وإذا اقتدى بمن ظنه رجلا فبان كونه امرأة وجب القضاء لأن المرأة
تمتاز عن الرجل بالصوت والهيئة وسائر العلامات فالمقتدى منتسب إلى التقصير بترك البحث
وكذلك الحكم لو بان خنثى عند أكثر الأصحاب لان أمر الخنثى ينتشر في الغالب ولا يخفي إذ النفوس
مجبولة على التحدث بالأعاجيب واشاعتها وعن صاحب التلخيص انه لا تجب الإعادة إذا بان خنثى
ولو اقتدى بمن ظنه مسلما فبان كافرا ينظر إن كان كافرا يتظاهر بكفره كاليهودي والنصراني
وجب القضاء لمعنيين (أحدهما) ذكره الشافعي رضي الله عنه وهو أن الكافر لا يجوز أن يكون
إماما بحال لنقص فيه بخلاف الجنب فإنه لا يجوز أن يكون إماما لحالة
عارضة لا لصفة نقصان وأيضا فالجنب إذا تيمم يجوز ان يؤم مع أن حدثه باق (والثاني) ذكره الأصحاب
وهو الذي أورده في الكتاب أن للكافر أمارات يعرف بها من الغيار وغيره فالمقتدى مقصر بترك
البحث وأن كان كافرا يظهر الاسلام ويسر الكفر كالزنديق والدهري والمرتد الذي يخفي ردته
خوفا من القتل ففي وجوب القضاء وجهان بناهما العراقيون على المعنيين أن قلنا بالأول وجب القضاء
لأنه لا يجوز أن يكون إماما بحال لنقصان فيه وأن قلنا بالثاني لا يجب وهذا الثاني أصح عند صاحب
التهذيب وجماعة ولو اقتدى برجل ثم بان أنه كان على بدنه أو ثوبه نجاسة فإن كانت خفية فهو
326

كما لو بان الحدث وأن كانت ظاهرة فقد قال امام الحرمين فيه احتمال عندي لأنه من جنس ما يخفي
وقوله في الكتاب ولو بان كونه امرأة أو كافرا يعنى كافرا لا يستشر بكفره ومسألة الزنديق بعده
توضحه وليكن قوله وجب القضاء معلما بالزاء لان عند المزني لا يجب القضاء لا فيما إذا بان امرأة ولا
فيما إذا بان كافرا *
قال (ويصح الاقتداء بالصبي والعبد والأعمى وهو أولى (ح) من البصير لأنه أخشع)
في الفصل صور (إحداها) الاقتداء بالصبي المميز صحيح خلافا لأبي حنيفة ومالك واحمد رحمهم
الله حيث قالوا الا يصح الاقتداء به في الفرض واختلفت الرواية عنهم في النفل لنا ما روى أن عمرو
ابن سلمة " كان يؤم قومه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنين " (1) ولا خلاف
في أن البالغ أولي منه (والثانية) الاقتداء بالعبد صحيح من غير كراهة لكن الحر أولى منه وعند
أبي حنيفة أنه تكره إمامته لنا ما روى أن عائشة رضي الله عنها (2) كان يؤمها عبد لها لم يعتق يكنى
327

أبا عمر (2) وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " اسمعوا وأطيعوا ولو أمر عليكم عبد أجدع ما أقام
فيكم الصلاة " (3) واعلم أن الصورتين فيما إذا اما في غير الجمعة فاما في الجمعة فسيأتي (الثالثة) إمامة الأعمى
صحيحة لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " استخلف ابن أم مكتوم رضي الله عنه في
بعض غزواته يؤم الناس (1) " وهل هو أولى من البصير أم كيف الحال فيه ثلاثة أوجه الذي ذكره في
الكتاب ويحكي عن أبي إسحاق المروزي أن الأعمى أولى لأنه لا ينظر إلى ما يلهيه ويشغله فيكون
أبعد عن تفرق القلب واخشع والثاني وبه قال أبو حنيفة أن البصير أولى لأنه احفظ لبدنه وثيابه
328

عن النجاسات ولأنه مستقل بنفسه في الاستقبال وهذا اختيار الشيخ أبي إسحاق الشيرازي (والثالث)
وهو المنقول عن نصه في الام وغيره انهما سواء لتعارض المعنيين وهذا هو المذهب عند عامة
الأصحاب ولم يورد الصيدلاني والامام وصاحب التهذيب سواه *
قال (والأفقه الصالح الذي يحسن الفاتحة أولي من الأقرأ والأورع والأسن والنسيب وفى الأسن
والنسيب قولان لتقابل الفضيلة وإذا تساوت الصفات قدم بحسن الوجه ونظافة الثوب)
ما ذكره في أول الفصل الثاني إلى هذا الموضع كلام فيمن يجوز الاقتداء به ومن لا يجوز ومن ههنا إلى
اخر الفصل كلام فيمن هو أولى بالإمامة إذا اجتمع قوم يصلحون لها والأصل في التقديم بالفضائل
ما روى أنه صلى الله عليه وسلم " قال يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله تعالى فإن كانوا في
القراءة سواء فأعلمهم بالسنة وإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم في الهجرة فإن كانوا في الهجرة
سواء فأكبرهم سنا " (1) وقد تعرض في الكتاب لخمس خصال من أصول خصال التقديم
وهي الفقه والقراءة والورع والسن والنسب وأبدل كثير من الأصحاب الورع بالهجرة وقالوا صفات
التقديم خمس وجمع بينهما في التهذيب وضم إليهما الأربع البواقي فجعلها ستا اما الفقه والقراءة فالمراد
منهما ظاهر واما الورع فليس المراد منه مجرد العدالة بل ما يزيد عليه من العفة وحسن السيرة وهو
أيضا بين واما السن فقد قال الأصحاب المعتبر ان يمضي عليه في الاسلام فلا يقدم شيخ أسلم اليوم
على شاب نشأ في الاسلام ولا على شاب أسلم أمس والظاهر أنه لا تعتبر الشيخوخة وإنما النظر إلى تفاوت
السن على ما يشعر به قوله صلى الله عليه وسلم " فأكبرهم سنا " وأشار بعضهم إلى أن النظر إلى
الشيخوخة واما النسب فلا خلاف أن نسب قريش معتبر وهل يعتبر غيره قال في النهاية رأيت
في كلام الأئمة ترددا فيه والظاهر أنه لا يختص بالانتساب إلى قريش بل نراعي كل نسب يعتبر في
الكفاءة في باب النكاح كالانتساب إلى العلماء والصلحاء وعلى هذا فالهاشمي والمطلبي يقدمان
329

على سائر قريش وسائر قريش يقدمون على غيرهم ثم يقدم العرب على العجم واما الهجرة فمن
هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم على من لم يهاجر ومن تقدمت هجرته يقدم
على من تأخرت هجرته وكذلك الهجرة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وسلم من دار الحرب
إلى دار الاسلام معتبرة وأولاد من هاجر أو تقدمت هجرته يقدمون على أولاد غيرهم وهذا التقديم
في الأولاد يندرج تحت شرف النسب هذا مقدمة الفصل ويتلوها مسائل (إحداها) لو اجتمع عدل
وفاسق فالعدل أولي بالإمامة وأن اختص الفاسق بزيادة الفقه والقراءة وسائر الفضائل لان
الفاسق يخاف منه أن لا يحافظ على الشرائط وفى لفظ الكتاب إشارة إلى هذا حيث قال والأفقه الصالح إلى
اخره وشرط الصلاح في تقديم الأفقه على غيره وبالغ مالك فمنع الاقتداء بالفاسق بغير تأويل كشارب الخمر
والزاني وعنه روايتان في الفاسق بالتأويل كمن يسب السلف الصالح وعن أحمد روايتان في جواز الاقتداء
330

بالفاسق مطلقا (أصحهما) المنع ونحن اقتصرنا على الكراهة وجوزناه لما روى أنه صلى الله عليه
وسلم قال " صلوا خلف كل بر وفاجر " (1) ويمكنك أن تستدل بكراهة الاقتداء بالفاسق على كراهة
الاقتداء بالمبتدع بطريق الأولى لان فسق الفاسق يفارقه في الصلاة واعتقاد المبتدع لا يفارقه وهذا فيمن
لا يكفر ببدعته اما من يكفر فلا يجوز الاقتداء به كما سبق وعد صاحب الافصاح من يقول بخلق القرآن
أو بنفي شئ من صفات الله تعالى ممن يكفر وكذلك جعل الشيخ أبو حامد ومتابعوه المعتزلة ممن يكفر
والخوارج ممن لا يكفر ويحكى تكفير القائل بخلق القرآن عن الشافعي رضي الله عنه وأطلق كثير من
الأصحاب منهم القفال القول بجواز الاقتداء باهل البدع وانهم لا يكفرون قال في العدة وهو ظاهر
331

مذهب الشافعي رضي الله عنه لقوله صلى الله عليه وسلم " صلوا على من قال لا إله إلا الله وخلف من قال
لا إله إلا الله " (1) (الثانية) قال صاحب التهذيب والتتمة الأورع أولى من الأفقه والأقرأ لان الإمامة سفارة
بين الله تعالى وبين الخلق فأولاهم بها أكرمهم على الله تعالى وروى مثله عن الشيخ أبى محمد وهذا
خلاف ما ذكره في الكتاب فإنه قدم الأفقه على الأقرأ والأورع وهو أظهر وأوفق لاطلاق الأكثرين
ووجهه ما سيأتي في تقديم الأفقه على الأقرأ وينبغي ان يعلم لفظ الأورع بالواو لذلك (الثالثة) إذا اجتمع
شخصان أحدهما لا يقرأ الا ما يكفي في الصلاة لكنه صاحب فقه كثير والآخر يحسن القرآن كله وهو
قليل الفقه فظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب ان الأفقه أولي خلافا لأبي حنيفة واحمد حيث
قالا الأقرأ أولى احتجاجا بالخبر الذي تقدم فإنه قدم الأقرأ على الأعلم بالسنة وهو الأفقه: لنا ان
الواجب في الصلاة محصور والوقائع الحادثة في الصلاة غير محصورة فالحاجة إلى الفقه أهم وأجاب
الشافعي رضي الله عنه عن الاحتجاج بالخبر بان أهل العصر الأول كانوا يتفقهون قبل إن يقرؤا وما
كان يوجد منهم قارئ الا وهو فقيه وإذا كان كذلك فالذي يقتضيه الخبر تقديم القارئ الفقيه على
332

الفقيه الذي ليس بقارئ وذلك مما لا نزاع فيه وكذلك تقديم الجامع لهما على القارئ الذي ليس
بفقيه وحكي القاضي الروياني وغيره وجها آخر ان الأقرأ والأفقه يستويان لتقابل الفضيلتين فليكن
قوله اولي من الأقرأ معلما بالواو مع الحاء والألف وإنما قال الذي يحسن الفاتحة إشارة إلى أن الأفقه
لو لم يحسن الواجب من القراءة لا يكون أولي من الأقرأ وإنما الأولوية بشرط ان يقرأ ما يجب (الرابعة)
تقدم كل واحدة من خصلتي الفقه والقراءة على السن والنسب والهجرة ونص في صلاة الجنازة على
تقديم الأسن على الأفقه كما سيأتي في موضعه فحكي صاحب النهاية ان العراقيين حكوا عن بعض
الأصحاب جعل المسألتين على قولين نقلا وتخريجا فيجوز ان يعلم بالواو لذلك لفظ الأسن
أيضا وإذا استويا فيهما فبماذا يقع التقديم اما المتعرضون للهجرة فقد اختلفت طرقهم
قال الشيخ أبو حامد وجماعة لا خلاف في تقدم السن والنسب جميعا على الهجرة وفى السن
وفى النسب إذا تعارضا فاجتمع شاب قرشي وشيخ غير قرشي قولان (الجديد) ان الشيخ أولى لما روى
333

انه صلى الله عليه وسلم قال " وليؤمكم أكبركم " (1) ولان النسب فضيلة في الآباء والسن فضيلة
في ذات الشخص واعتبار الفضيلة التي في ذاته أولي (والقديم) ان الشاب النسيب أولى لقوله صلى الله عليه
وسلم " قدموا قريشا " (2) ولان شرف النسب بفضيلة اكتسبها الاباء والسن مضي
زمان لا اكتساب فيه واعتبار الفضيلة المكتسبة أولي وعكس صاحب التهذيب والتتمة الترتيب
فقال الهجرة مقدمة على السن والنسب وفيهما القولان وأدرج آخرون منهم صاحب المهذب الهجرة
في حكاية القولين فقالوا في الجديد يقدم بالسن ثم بالهجرة ثم في القديم يقدم بالنسب ثم بالهجرة
ثم بالسن: واما صاحب الكتاب ومن لم يتعرض للهجرة اقتصروا على ذكر القولين
في السن والنسب وطريقتهم توافق ما ذكره الشيخ أبو حامد فإنهم يرجحون بالهجرة
بعد السن والنسب لا محالة وان لم يعدوها من أصول الخصال ورجح جماعة من الأصحاب القول
334

القديم في المسألة على خلاف الغالب (الخامسة) إذا تساويا في جميع الصفات المذكورة قدم
بنظافة الثوب والبدن عن الأوساخ وطيب الصنعة وحسن الصوت وما أشبهها من الفضائل لأنها
تفضى إلى استمالة القلوب وكثرة الجمع وحكي الأصحاب عن بعض متقدمي العلماء انهم قالوا يقدم
أحسنهم واختلفوا في معناه منهم من قال أحسنهم وجها وجعلوا له اعتبارا في التقديم ومنهم من قال
المراد منه حسن الذكر بين الناس (1) والأول هو المذكور في الكتاب ويجوز ان يعلم بالواو ثم ليس
في لفظ الكتاب ما يوجب تقديم حسن الوجه على نظافة الثوب ولا عكسه وفى التتمة انه تقدم
335

النظافة ثم حسن الصوت ثم حسن الصورة *
قال (واما باعتبار المكان فالوالي أولي من المالك والمالك أولي من غيره والمكترى أولي من المكري
والمعير أولى من المستعير (ح م) والسيد أولى من العبد الساكن)
ما ذكرنا من الأسباب المقدمة صفات في الشخص وقد يكون التقدم باعتبار اقتضاء المكان التقديم لا باعتبار
صفة فيه فالوالي في محل ولايته أولي من غيره وان اختص ذلك الغير بالخصال التي سبقت روى أنه صلى الله عليه
وسلم قال " ولا يؤم الرجل الرجل في سلطانه " (1) وكان ابن عمر رضي الله عنهما يصلى خلف الحجاج
ويتقدم على الامام الراتب في المسجد (2) وكذلك يتقدم على مالك الدار ونحوها إذا اجتمعوا في
336

موضع مملوك ورضي المالك بإقامة الجماعة فيه لان تقدم غيره بحضرته لا يليق ببذل الطاعة فان اذن
فلا بأس ثم يراعى في الولاة تفاوت الدرجة فالامام الأعظم أولى من غيره ثم الاعلى فالأعلى من
الولاة والحكام وحكى القاضي ابن كج وآخرون قولا آخر ان في المواضع المملوكة المالك أولي
من الوالي فليكن قوله أولي من المالك معلما بالواو لذلك ولو اجتمع قوم في موضع مملوك وليس
فيهم الوالي فساكن الموضع باستحقاق أولي بالتقديم والتقدم من الأجانب عن ذلك الموضع فإن لم
يكن اهلا للتقدم فهو أولي بالتقديم روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال " من السنة ان لا يؤمهم الا
صاحب البيت " (1) ولا فرق بين أن يكون الساكن عبدا أسكنه سيده فيه أو حرا مالكا كان أو مستعيرا
أو مستأجرا ولو كانت الدار مشتركة بين شخصين وهما حاضران أو أحدهما والمستعير من الآخر
فلا يتقدم غيرهما الا باذنهما ولا أحدهما الا باذن الآخر وان لم يحضر الا أحدهما فهو الأحرى ولو اجتمع مالك
الدار والمكتر فأيهما أولي فيه وجهان نقلهما القاضي الروياني وغيره (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب أن
المكتر أولي لان استحقاق المنافع له وهذا استيفاء للمنافع والثاني أن المكرى أولى لأنه المالك للرقبة ولو اجتمع
المعير والمستعير فقد نقل عن القفال اختلاف الجواب فيه قال مرة المعير أولي لأنه يملك الرقبة
ويملك الرجوع في المنفعة وقال مرة المستعير اولي لأنه صاحب السكني إلى أن يمنع وهذا ما ذكره
آخرا ورجع إليه ولم يورد صاحب التهذيب سواه لكن الأظهر عند الأئمة الأول وهو الذي ذكره
في الكتاب وأما إذا اجتمع السيد والعبد الساكن فالسيد أولي ولا يجئ فيه الخلاف المذكور في
المعير والمستعير لان فائدة الكون ثم ترجع إلى المستعير فيجوز أن يدام له الحق ما لم يرجع المعير
337

وفائدة سكون العبد في الدار ترجع إلى السيد أيضا لأنه ملكه فإذا حضر وهو المالك والمنتفع بالسكون
كان أولى ولا فرق بين المأذون في التجارة وغيره ولو حضر السيد والمكاتب في دار المكاتب
فالمكاتب أولي ولو حضر قوم في مسجد له امام راتب فهو أولى من غيره فإن لم يحضر بعد يستحب
أن يبعث إليه ليحضر فان خيف فوات أول الوقت استحب أن يتقدم غيره *
قال (الفصل الثالث في شرائط القدوة)
(ويرجع ذلك إلى شروط ستة (الأول) أن لا يتقدم في الموقف على الامام فان فعل لم تنعقد (م و) صلاته
والأحب أن يتخلف ولو ساواه فلا باس ثم إن أم باثنين اصطفا خلفه وأن أم بواحد وقف عن يمينه
والخنثى يقف خلف الرجل والمرأة خلف الخنثى ويكره أن يقف المقتدى منفردا بل تستحب أن
يدخل الصف أو يجر إلى نفسه واحدا فإن لم يفعل صحت صلاته مع الكراهية وإن تقابل الإمام والمأموم
داخل الكعبة فلا باس وإن كان المأموم أقرب إلى الجدار في جهة من الامام ففيه وجه أنه لا يصح) *
غرض الفصل الكلام في شروط الاقتداء ويتضمنها أمور مستحبة ويعقبها فروع: فأما الشروط
فقد عدها ستة (أحدها) ان لا يتقدم المأموم على الامام في جهة القبلة فان تقدم ففيه قولان (الجديد)
ان صلاته لا تنعقد كما لو كان متقدما عند التحرم وتبطل لو تقدم في خلالها وبهذا قال أبو حنيفة واحمد
لان المخالفة في الافعال مبطلة على ما سيأتي وهذه المخالفة أفحش من المخالفة في الافعال وهذا هو
الذي أورده في الكتاب (والقديم) وبه قال مالك انه لا يخل بالصلاة لأنه خطأ في الموقف فأشبه
الخطأ بالوقوف على اليسار إذا عرفت حكم التقدم عرفت أن هذا الشرط مختلف فيه وادراجه في
الشروط جواب على الجديد والأدب للمأموم انه يتخلف عن موقف الامام قليلا إذا كان واحدا
فان أم به اثنان فصاعدا فيصطفون خلفه ويكون بينهم وبين الامام قدر من التخلف صالح كما سيأتي
ولو ساوى الامام المأموم فلم يتخلف ولا تقدم صحت صلاته قال صاحب النهاية والتهذيب وغيرهما
والاعتبار في المساواة والتقدم بالعقب فان المأموم قد يكون أطول فيتقدم رأسه عند السجود
والقدم والأصابع قد تكون أطول أيضا فلذلك وقع الاعتبار بالعقب فان تحاذى عقب الامام وعقب
338

المأموم أو تقدم عقب الامام جاز وإن كانت أصابع المأموم متقدمة ولو تقدم عقب المأموم فهو
موضع القولين وإن كانت أصابعه متأخرة أو محاذية وذكر في التتمة وجها آخر أنه تصح صلاته نظرا
إلى الأصابع وفى الوسيط ذكر الكعب بدل العقب والوجه الأول هذا فيمن بعد عن البيت أما إذا
صلوا جماعة في المسجد الحرام فالمستحب أن يقف الامام خلف المقام ويقف الناس مستديرين بالكعبة فإن كان
بعضهم أقرب إليها نظر أن كان متوجها إلى الجهة التي توجه إليها الامام ففيه القولان القديم والجديد وإن
كان متوجها إلى غيرها فطريقان عن أبي إسحاق المروزي أنه على القولين وقال أكثر الأصحاب يجوز
قولا واحدا لان رعاية القرب والبعد في غير جهة الامام مما يشق وبهذا قال أبو حنيفة ولو وقف
الإمام والمأموم داخل الكعبة فهذه المسألة هي التي أوردها في آخر الفصل وحكمها أنه يجوز الاقتداء
فيها مع اتحاد جهة الإمام والمأموم ومع اختلاف الجهتين فان الكل قبلة ثم إن اتحدت الجهة وولى
المأموم ظهره وجه الامام عاد القولان لأنه أقرب إلى الجدار الذي توجها إليه وإن اختلفت الجهة
وكان المأموم أقرب إلى الجدار الذي توجه إليه من الامام إلى ما توجه إليه وفرعنا على الجديد فوجهان
(أظهرهما) أنه لا يجوز كما لو اتحدت الجهة وكان أقرب (وأظهرهما) أنه يجوز لان اختلاف الجهة أعظم
من تفاوت المسافة فإذا احتملنا ذلك فلا يبقى معه معنى النظر إلى القرب والبعد (وقوله) فإن كان
المأموم أقرب إلى الجدار في جهته من الامام ففيه وجه انه يصح ما يشعر بترجيح الوجه الثاني
لأنه بين أنه لا باس بتقابل الإمام والمأموم وهذا مطلق يتناول ما إذا كان المأموم أقرب إلى الجدار
وما إذا لم يكن ثم بين أن للأصحاب وجها آخر في الحالة الأولى ولك أن تقرأه على وجه آخر فتقول
وإن كان المأموم أقرب وتعلقه بقوله فلا باس ثم تقول وفيه وجه أنه لا يصح ولو وقف الامام في الكعبة
والمأموم خارجا يجوز وله التوجه إلى أي جهة شاء ولو وقفا بالعكس جاز أيضا لكن لو توجه إلى
الجهة التي توجه إليها الامام عاد القولان لأنه حينئذ يكون سابقا على الامام ثم الفصل يشتمل على
مسألتين سوى ما ذكرنا (إحداهما) لو لم يحضر مع الامام الا ذكر فإن كان واحدا وقف على يمين الامام
339

بالغا كان أو صبيا ولو وقف على يساره أو خلفه لم تبطل صلاته " وقف ابن عباس رضي الله عنهما
على يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأداره إلى يمينه " (1) فان جاء مأموم آخر وقف على يساره
وأحرم ثم إن أمكن تقدم الامام وتأخر المأمومين لسعة المكان من الجانبين تقدم أو تأخرا وأيهما
أولى فيه وجهان (أحدهما) وبه قال القفال أن تقدمه أولى لأنه يبصر ما بين يديه فيعرف كيف يتقدم
(وأصحهما) ولم يذكر الأكثرون سواه أن تأخرهما أولي لما روى عن جابر رضي الله عنه قال " صليت
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت عن يمنه ثم جاء آخر فقام عن يساره فدفعنا جميعا حتى أقامنا من
خلفه " (2) وإن لم يمكن الا التقدم أو التأخر لضيق المكان من أحد الجانبين حافظوا على الممكن وهذا
في القيام أما إذا لحق الثاني في التشهد أو في السجود فلا تقدم ولا تأخر حتى يقوموا وإن حضر
معه في الابتداء رجلان أو رجل وصبي قاما خلفه صفا واحدا وانه لم يحضر معه الا الإناث يصفهن
خلفه سواء الواحدة والاثنتان والثلاث فصاعدا وإن حضر مع الامام رجل وامرأة قام الرجل عن
يمينه وقامت المرأة خلف الرجل وان حضرت امرأة مع رجلين أو مع رجل وصبي قام الرجلان أو
الرجل والصبي خلف الامام صفا وقامت المرأة خلفهما روى عن أنس رضي الله عنه قال " صليت
انا ويتيم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا وأم سليم خلفنا " (3) وإن كان معه رجل وامرأة
وخنثى وقف الرجل عن يمنه والخنثى خلفهما لاحتمال أنه امرأة والمرأة خلف الخنثى لاحتمال انه
رجل وإن حضر رجال وصبيان وقف الرجال خلف الامام في صف أو صفوف والصبيان خلفهم
وعن بعض الأصحاب أنه يوقف بين كل رجلين صبيا ليتعلموا منهم أفعال الصلاة ولو حضر معهم
نساء اخر صف النساء عن صف الصبيان واما النساء الخلص إذا أقمن الجماعة فقد ذكرنا انهن كيف
340

يقفن وكل هذا استحباب ومخالفته لا تؤثر في بطلان الصلاة بحال وقال أبو حنيفة إذا وقفت المرأة
بجنب رجل وهما في صلاة واحدة بطلت صلاته إذا اجتمعا في الركوع وقبله لا يؤثر بل لو وقفت
بجنبه وتقدم بخطوة قبل أن يركع لم بضر والمعنى بقوله في صلاة واحدة أن يكونا مقتديين بامام
واحد أو تكون مقتدية به ثم إن كانا مقتديين بامام واحد بطلت صلاة من وقفت بجنبه دون
صلاتها وان اقتدت به بطلت صلاته وصلاتها وصلاة جميع القوم قال فلو وقفت امرأة في خلال
الصفوف بطلت صلاة رجل عن يمينها ورجل عن يسارها ورجل يحاذيها من خلفها ولو كان
خلف صف النساء صف الرجال أو صفوف بطلت صلاتهم الا إذا كان صفهم أطول من صف
النساء فيصح صلاة الخارجين عن محاذاة النساء وتصح صلاة الصفوف الاخر خلف ذلك الصف
الطويل وساعدنا في صلاة الجنازة انه لا تبطل صلاة أحد ولا يخفى عليك بعد التفصيل الذي ذكرناه
في آداب الموقف ان قوله في الكتاب ثم إن أم باثنين اصطفا خلفه وان أم بواحد وقف على يمينه
يعني به من الذكور والا فقد يختلف الحكم واعلم أن التفصيل المذكور في أدب وقوف الرجال
مفروض فيما إذا لم يكونوا عراة فاما العراة فيقفون صفا واحدا ويقف امامهم وسطهم وسببه ظاهر
(المسألة الثانية) إذا دخل رجل والقوم في الصلاة فيكره ان يقف منفردا خلف الصف بل إن وجد
فرجة أو سعة في الصف دخل الصف وله ان يخرق الصف الآخر ان لم يجد فرجة فيه ووجدها
في صف قبله لأنهم قصروا حيث لم يتموه ولو لم يجد فرجة أو سعة في الصف فما الذي يفعل حكى
عن نصه في البويطي أنه يقف منفردا ولا يجذب إلى نفسه أحدا لأنه لو جذب واحدا إلى نفسه لفوت
341

عليه فضيلة الصف الأول ولاوقع الخلل في الصف وبهذا قال القاضي أبو الطيب ونقله في البيان
عن مالك رضي الله عنه وقال أكثر الأصحاب أنه يجر إلى نفسه واحدا لما روى أنه صلى الله عليه
وسلم قال لرجل صلى خلف الصف " أيها المصلي هلا دخلت في الصف أو جررت رجلا من الصف
فيصلى معك أعد صلاتك " (1) قالوا وإنما يجره بعد أن يتحرم بالصلاة ويستحب للمجرور ان يساعده
وذلك مما يدل على أن العمل القليل لا يبطل الصلاة والمذكور في الكتاب هذا الذي قاله الأكثرون
فإنه قال يدخل الصف أو يجر إلى نفسه واحدا وليكن قوله أو يجر معلما بالميم والواو لما ذكرناه
وعلى كل حال فلو وقف منفردا وصلي صحت صلاته خلافا لأحمد رضي الله عنه لظاهر الخبر الذي
نقلناه ونحن حملناه على الاستحباب " لان أبا بكرة دخل والنبي صلى الله عليه وسلم راكع
فركع قبل إن يصل إلى الصف ثم دخل الصف فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال
زادك الله حرصا ولا تعد " (2) ولم يأمره بالإعادة مع أنه اتى ببعض الصلاة منفردا خلف
الصف ولفظ الكتاب في المسألة يشمل الداخل في أثناء الصلاة والحاضر في
الابتداء واجراؤه على ظاهره جائز صحيح لكن الظاهر أنه أراد الداخل على ما ذكره في الوسيط
342

قال (الشرط الثاني الاجتماع في الموقف بين الإمام والمأموم اما بمكان جامع كالمسجد فلا
يضر فيه التباعد واختلاف البناء أو بالتقارب كقدر غلوة سهم يسمع فيها صوت الامام في الساحات
المنبسطة ملكا كان أو وقفا أو مواتا مبنيا أو غير مبنى واما باتصال محسوس عند اختلاف البناء
كما إذا وقف في بيت آخر على يمين الامام فلا بد من اتصال الصف بتواصل المناكب ولو وقف
في علو والامام في سفل فالاتصال بموازاة رأس أحدهما ركبة الآخر وان وقف في بيت آخر خلف
الامام فالاتصال بتلاحق الصفوف على ثلاثة أذرع وذلك كاف على أصح الوجهين فان زاد على
ثلاثة أذرع لم تصح القدوة على أظهر الوجهين)
(فرع) لو كان الامام في المسجد والمأموم في موات فإن لم يكن حائل صح على غلوة سهم ولو كان
بينهما حائل أو جدار لم يصح وإن كان مشبك أو باب مردود غير مغلق فوجهان ولو كان بينهما
شارع مطروق أو نهر لا يخوضه الا السابح فوجهان) *
مما يجب معرفته في الفصل ان العلم بالافعال الظاهرة من صلاة الامام مما لا بد منه اتفق عليه الأصحاب وحكوه
عن نص الشافعي رضي الله عنه ووجهوه بأنه لو لم يعلمها لكانت صلاته موقوفة على صلاة من لا يتمكن من
متابعته ثم العلم قد يكون بمشاهدة الامام أو بمشاهدة بعض الصفوف وقد يكون بسماع صوت الامام أو صوت
المترجم في حق الأعمى والبصير الذي لا يشاهد لظلمة أو غيرها وقد يكون بهداية غيره إن كان أعمى أو كان
أصم وهو في ظلمة وهذا في الحقيقة شرط من شروط القدوة زائد على ما ذكره في الكتاب وحيث
نحكم بجواز الاقتداء في الفصل عند بعد المسافة أو قربها مع الحائل أو دونه فذلك بعد حصول
هذا الشرط إذا عرفت ذلك فنقول الإمام والمأموم اما أن يكونا جميعا في المسجد أو لا يكون
واحد منهما في المسجد أو يكون أحدهما في المسجد والآخر خارجه فهذه ثلاثة أقسام ومتن
الكتاب يشتمل عليها جميعا: اما الأول فمتى كان الإمام والمأموم في مسجد واحد صح الاقتداء
قربت المسافة بينها أو بعدت لكبر المسجد اتحد البناء الذي وقفا فيه أو اختلف كصفة المسجد
وصحته وإنما كان كذلك لان المسجد كله مبنى للصلاة وإقامة الجماعة فيه فالمجتمعون فيه
مجتمعون لإقامة الجماعة مؤدون لشعارها فلا يضرهم بعد المسافة واختلاف الأبنية فلو كان أحدهما
على المنارة المبنية في المسجد والاخر في سرداب فيه صحت الصلاة وكذا لو كان الامام
343

في المسجد والمأموم على السطح يجوز إذا تأخر موقف المأموم عن موقف الامام
أو حازاه فان تقدم ففيه القولان السابقان في تقدم المأموم على الامام وقد روى " أن أبا هريرة رضي الله عنه
صلى على ظهر المسجد بصلاة الامام في المسجد " (1) ثم لا يخفى أن المسألة مفروضة فيما إذا كان
السطح من المسجد اما لو كان السقف مملوكا فليست المسألة من هذا القسم وإنما هي بمثابة ملك
متصل بالمسجد وقف أحدهما فيه والبنا آن من المسجد الواحد لابد وأن يكون باب أحدهما نافذ إلى
الثاني والا فلا يعدان مسجدا واحدا وإذا كان كذلك فلا فرق بين أن يكون الباب بينهما مفتوحا أو
مردودا مغلقا أو غير مغلق وحكي في النهاية وجها آخر انه لو كان الباب بينهما مغلقا لم يجز الاقتداء لان
الإمام والمأموم حينئذ لا يعدان مجتمعين ونقل القاضي ابن كج عن أبي الحسين بن القطان مثل
ذلك فيما إذا كان أحدهما على السطح وكان باب المرقى مغلقا وكل واحد منها زيف ما حكاه (وقوله)
في الكتاب اما بمكان جامع إلى أن قال واختلاف البناء هذا كلام القسم الأول وأراد بكونه
جامعا انه لابد وأن يكون الإمام والمأموم مجتمعين في الموقف على ما ترجم هذا الشرط به
ومن أسباب الاجتماع أن يكون الموضع مبنيا للصلاة فيكون جامعا لهما وان اختلف البناء وبعدت
المسافة ولعله لو قال وهو المسجد بدل قوله كالمسجد لكان أحسن لان الكاف للتشبيه والتمثيل
ولا مكان سوى المسجد يكون جامعا ثم لك مباحثة في قوله كالمسجد وهي ان تقول اللفظ يشمل
المسجد الواحد والمسجدين (فما قولكم فيما) إذا وقف هذا في مسجد وذاك في مسجد اخر متصل به أو غير
متصل أيكون الحكم كالحكم فيما لو وقفا في مسجد واحد أو لا يكون كذلك وظاهر اللفظ متروك
(والجواب) ان أبا سعيد المتولي رحمه الله ذكر فيما إذا كان بين مسجدين طريق فاصل أن ظاهر
المذهب انه ليس حكمهما حكم المسجد الواحد وفى التهذيب انه لو كان بين الإمام والمأموم الواقفين
في المسجد نهر ان حفر بعد بناء المسجد فالنهر مسجد أيضا فلا يضر وان حفر قبله فهما مسجدان
غير متصلين فلا بد من اتصال الصف من أحدهما إلى الاخر فأفاد ما ذكراه ان الطريق والنهر
يوجبان تغاير حكم المسجد وتمايزهما وإذا كان كذلك فالجدار الحائل بين مسجدين لا ينفذ
باب أحدهما إلى الآخر أولى أن يكون موجبا لتغاير الحكم وفى كلام الشيخ أبي محمد انه لو كان في
344

جوار المسجد مسجد آخر ينفرد بامام ومؤذن وجماعة فيكون حكم كل واحد منهما بالإضافة إلى
الثاني كالملك المتصل بالمسجد وهذا كالضابط الفارق بين المسجد الواحد والمسجدين وظاهره
يقتضي تغاير الحكم إذا انفرد بالأمور المذكورة وإن كان باب أحدهما لافظا إلى الثاني والله أعلم *
واما رحبة المسجد فقد عدها الأكثرون منه ولم يذكروا فرقا بين أن يكون بينها وبين المسجد
طريق أو لا يكون ونزلها القاضي ابن كج إذا كانت منفصلة منزلة مسجد آخر وقوله واختلاف البناء
يجوز أن يعلم بالواو لأنه يشمل ما إذا كان بينهما باب مغلق وقد حكينا فيه خلافا (القسم الثاني)
ان لا يكون واحد منها في المسجد فلهما حالتان (إحداهما) أن يكونا في فضاء واحد ويشتمل عليها قوله أو بالتقارب
إلى قوله غير مبني وحكمها ان يجوز الاقتداء بشرط القرب وهو أن لا يزيد بين الإمام والمأموم الذي يليه
على ثلاثمائة ذراع ومم اخذ هذا التقدير: اختلفوا فيه فعن ابن خيران وابن الوكيل وبه قال الأكثرون أنه اخذ
345

عرف الناس وعادتهم لان المكان إذا اتسع ولا حائل يعده المتباعدان ضربا من البعد مجتمعين وعن
ابن سريج وأبى " اسحق أنه اخذ من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع فإنه
تنحي بطائفة إلى حيث لا تصيبهم سهام العدو وصلي بهم ركعة وانصرفت الطائفة إلى وجه العدو
وهم في الصلاة على حكم الاقتداء وسهام العرب لا تبلغ أكثر من القدر المذكور " واعلم أن هذه
الكيفية في صلاة ذات الرقاع رواها ابن عمر رضي الله عنهما (1) والذي ذكرها المصنف في صلاة
الخوف غير هذه وسنذكرهما إن شاء الله تعالى: ثم القدر المذكور من أي شئ اخذ معتبر بالتقريب
346

على أصح الوجهين لا بالتحديد ولو وقف شخصان أو صفان خلف الامام فالمسافة المذكورة تعتبر
بين الصف الأخير وبين الصف الأول ويجوز أن تكثر الصفوف ويبلغ ما بين الامام والصف الأخير
فرسخا وحكى وجه أنها تعتبر بين الامام والصف الأخير إذا لم تكن الصفوف القريبة من الامام
متصلة على العادة ولا باس بأن يكون بين الإمام والمأموم أو بين الصفين نهر يمكن العبور من أحد
طرفيه إلى الاخر من غير سباحة اما بالوثوب فوقه أو المشي فيه أو على جسر ممدود على متنه وإن كان
يحتاج فيه إلى السباحة أو كان بينهما شارع مطروق فوجهان (أصحهما) أن ذلك لا يضر أيضا كما لو
كانا في سفينتين على ما سيأتي ولا فرق في الحكم الذي ذكرناه بين أن يكون الفضاء مواتا كله أو وقفا
كله أو ملكا كله أو بعضه مواتا وبعضه وقفا أو ملكا قال في النهاية وذكر شيخي وغيره وجها
347

آخر أن في الساحة المملوكة يشترط اتصال الصفوف كما سيأتي بخلاف الموات لأنه يشبه المسجد
من حيث إنه مشترك بين الناس وليس الملك كذلك وإذا قلنا بظاهر المذهب فلا فرق بين أن
تكون الساحة ملكا لشخص واحد وبين أن تكون لشخصين ونقل الصيدلاني وغيره وجها
آخر أنه لو وقف أحدهما في ملك زيد والآخر في ملك عمرو يشترط اتصال الصف من أحد الملكين
بالثاني وقوله في الكتاب أو بالتقارب كقدر غلوة سهم يسمع فيها صوت الامام في الساحات المنبسطة
فيه تقديم وتأخير: المعني أو بالتقارب في الساحات المنبسطة كقدر غلوة السهم ويجوز أنه يعلم قوله بالتقارب
348

بالميم لان الغرض من اعتبار القرب في الساحات وأنه لا يكتفى بوقوف المأموم على حركات الامام
وانتقالاته وقد قال امام الحرمين بلغت عن مالك رضي الله عنه أنه ذهب في الباب إلى مذهب
عطاء واشتهر عن عطاء رحمه الله أنه يكتفى بالعلم بحركات الامام في جميع الأماكن ونقل عن مالك
أنه يستثنى الجمعة فلا يكتفي فيها بذلك وقوله كقدر غلوة سهم ليس للتمثيل المحض وإنما المراد تقديم
القرب كما سبق وقوله يسمع فيها صوت الامام ليس لاشتراط ذلك في الغلوة وإنما هو إشارة إلى
أن القدر المذكور يبلغ فيه صوت الامام إذا جهر لتبليغ المأموم الجهر المعتاد في مثله وإذا كان كذلك
349

كانا مجتمعين متواصلين فلذلك قدر القرب به (وقوله) ملكا معلم بالواو لما تقدم (وقوله) مبنيا أو غير
مبنى أي محوطا أو غير محوط ويجوز أن يريد المسقف وغير المسقف فان الصفة الكبيرة والبيوت
الواسعة داخلة في هذه (الحالة الثانية) أن لا يكون في فضاء واحد (وقوله) واما باتصال محسوس
إلى رأس الفرع كلام في هذه الحالة فنقول: إذا وقف الامام في صحن الدار أو في صفتها والمأموم في بيت أو
بالعكس فموقف المأموم قد يكون على يمين موقف الامام أو يساره وقد يكون خلفه وفيهما طريقان للأصحاب
(أحدهما) أن في الصورة الأولى يشترط في جواز الاقتداء أن يكون الصف متصلا من البناء الذي فيه الامام إلى
البناء الذي فيه المأموم بحيث لا تبقى فرجة تسع واقفا لان اختلاف البناء يوجب كونهما مفترقين
فلا بد من رابطة يحصل بها الاتصال فان بقيت فرجة لا تسع واقفا فوجهان (أصحهما) أنه لا يضر لأنه
معدود صفا واحدا فلو كان بينهما عتبة عريضة يمكن أن يقف عليها رجل وجب أن يقف عليها
350

واحد واثنان من جانبيها وإن كانت بحيث لا يمكن الوقوف عليها فعلى الوجهين في الفرجة اليسيرة
واما في الصورة الثانية ففي جواز الاقتداء وجهان (أحدهما) المنع لما ذكرنا أن اختلاف البناء يوجب
افتراقهما وإنما جوزنا في اليمين واليسار لان الاتصال المحسوس بتواصل المناكب فيه ممكن (وأظهرهما)
الجواز إذا اتصلت الصفوف وتلاحقت لان هذا هو القدر الممكن فيه وكما تمس الحاجة إلى الاقتداء
في بناء آخر على اليمين واليسار تمس إليه في بناء آخر خلفه فيكتفى فيه بالممكن ومعنى اتصال الصفوف
أن يقف رجل أو صف في آخر البناء الذي فيه الامام ورجل أوصف في أول البناء الذي فيه المأموم
بحيث لا يكون بينهما أكثر من ثلاثة أذرع وهذا القدر هو المشروع بين الصفين وإذا وجد هذا
الشرط فلو كان في بناء المأموم بيت على اليمين أو اليسار اعتبر الاتصال بتواصل المناكب فهذه طريقة
وبها قال القفال وأصحابه وكلام القاضي ابن كج يوافقهما وقد حكي أصلها أبو علي صاحب الافصاح
351

عن بعض الأصحاب لكنه اختار (الثانية) التي نذكرها (والثالثة) أنه لا يشترط اتصال الصف الواحد
ولا اتصال الصفوف في الصورة الثانية بل المعتبر القرب والبعد على الضبط المذكور في الصحراء وهذا إذا
كان بين البنائين باب نافذ فوقف بحذائه صف أو رجل أو لم يكن جدار أصلا كا الصفة مع الصحن
ولو كان بينهما حائل يمنع الاستطراق دون المشاهدة كالمشبكات فقد ذكروا فيه وجهين وإن كان
يمنع الاستطراق والمشاهدة جميعا لم يجز الاقتداء باتفاق الطريقين نعم إذا صح اقتداء الواقف
في البناء الاخر اما بشرط الاتصال أو دونه فتصح صلاة الصفوف خلفه وإن كان بينهم وبين البناء
الذي فيه الامام جدار تبعا له وهم معه كالمأمومين مع الامام حتى لا يجوز صلاة من بين يديه وإن
كان متأخرا عن سمت موقف الامام إذا لم نجوز التقدم على الامام وهو الصحيح وعن القاضي
الحسين تفريعا على هذا الأصل أنه لا يجوز أن يتقدم تكبيرهم على تكبيره وهذه الطريقة الثانية حكاها الشيخ
أبو محمد عن أصحاب أبي إسحاق المروزي وهي التي يوافقها كلام معظم أصحابنا العراقيين لو وقف الامام
في الدار والمأموم في مكان عال من سطح أو طرف صفة مرتفعة أو بالعكس منه فبماذا يحصل الاتصال
ذكر الشيخ أبو محمد أنه إن كان رأس الواقف في السفل يحاذي ركبة الواقف في العلو جاز الاقتداء
وان زاد عليه امتنع وقال الأكثرون إن حاذى رأس من في السفل قدم من على العلو حصل
الغرض وجاز الاقتداء قال امام الحرمين وهذا هو المقطوع به ولست أرى لذكر الركبة وجها
352

أما اعتبار محاذاة شئ من بدن هذا شيئا من بدن ذاك فمعقول وإذا كان الانخفاض والارتفاع
قدر مالا يمنع القدوة فلو كان بعض الذين يحصل بهم الاتصال عند اختلاف البنائين على سرير
أو متاع وبعضهم على الأرض لم يضر ولو كانوا في البحر والمأموم في سفينة والامام في أخرى وهما
مكشوفتان فظاهر المذهب أنه يصح الاقتداء إذا لم يزد ما بين الإمام والمأموم على ثلاثمائة ذراع
كما في الصحراء والسفينتان كدكتين في الصحراء يقف الإمام على إحداهما والمأموم على الأخرى
وقال الإصطخري يشترط أن تكون سفينة المأموم مشدودة بسفينة الامام ليؤمن من تقدمها عليه
وإن كانت السفينتان مسقفتين فهما كالدارين والسفينة التي فيها بيوت كالدار التي فيها بيوت وحكم
المدارس والخانات والرباطات حكم الدور والسرداقات في الصحراء كالسفن المكشوفة والخيام
كالبيوت إذا عرفت ذلك فاعلم أن قوله فيما إذا وقف في بيت على يمين الامام فلا بد من تواصل
المناكب (جواب) على الطريقة الأولى وينبغي أن يعلم بالواو لمكان الثانية وبالميم لما سبق حكايته عن
مالك وبالحاء لأنه عن أبي حنيفة فيما حكى الشيخ أبو محمد وغيره لا يشترط اتصال الصفوف (وقوله)
فيما إذا وقف أحدهما في علو والآخر في سفل الاتصال بموازاة رأس المتسفل ركبة العالي (جواب)
على ما سبق نقله عن الشيخ أبى محمد وقد عزاه الشيخ إلى نص الشافعي رضي الله عنه ويجب اعلامه
أو بالواو لما تقدم وزيد في بعض النسخ لو قدر لكل واحد منهما قامة معتدلة وهذا إشارة إلى أنه لو كان
353

قصيرا أو قاعدا لكن لو قام فيه رجل معتدل القامة تحصل المحاذاة كفى ذلك واعتبار القامة المعتدلة
لكل واحد منهما إنما ينتظم على الوجه الناظر إلى الركبة فاما إذا نظرنا إلى القدم فلا يعتبر ذلك
في حق العالي (وقوله) فالاتصال بهذا ليس على معني أن كل الاتصال المطلوب يحصل بهذا القدر
وإنما المراد أن هذا لا بد منه حتى لو وقف المأموم على صفة مرتفعة والامام في الصحن فلا بد على
الطريقة المذكورة في الكتاب من وقوف رجل على طرف الصفة ووقوف آخر في الصحن متصلا
به (وقوله) فالاتصال بتلاحق الصفوف يعنى أن القدر الممكن فيما إذا كان البيت خلف الامام هذا
النوع من الاتصال وهل هو كاف أم لا ويمتنع الاقتداء رأسا فيه الوجهان والأذرع الثلاث معتبرة
بالتقريب فلو زاد شئ لا يتبين في الحس ما لم يدرع فلا باس به (وقوله) وإن زاد على ثلاثة أذرع
لم تصح القدوة على أظهر الوجهين (الوجه الثاني) هو الطريقة الثانية التي شرحناها وقد تعرض لها في
هذه الصورة ولم يتعرض لها فيما إذا كان البيت على يمين الامام فاعرف ذلك (القسم الثالث) أن يكون
354

أحدهما في المسجد والآخر خارجه والفرع الباقي من الفصل يشتمل على بعض صوره وهو ما لو وقف
الامام في مسجد والمأموم في موات متصل به فينظر إن لم يكن بين الإمام والمأموم حائل فلا يشترط
اتصال الصف لصحة الاقتداء ولكن يجب أن يقف في حد القرب وهو ما دون ثلاثمائة ذراع على
ما سبق في الصحراء ومن أين تعتبر المسافة فيه وجهان (أحدهما) وبه قال صاحب التلخيص انها
تعتبر من آخر صف في المسجد فإن لم يكن فيه الا الامام فمن موقف الامام لان الاتصال مرعي بينه
وبين الامام لا بينه وبين المسجد (وأظهرهما) انها معتبرة من آخر المسجد لان المسجد مبنى للصلاة فلا
يدخل في الحد الفاصل ولهذا لو بعد موقف المأموم فيه لم يضر وفيه وجه ثالث أنه لو كان للمسجد حريم
والموات وراءه فالمسافة تعتبر من الحريم وحريم المسجد هو الموضع المتصل به المهيأ لمصلحته كانصباب
الماء إليه وطرح الثلج والقمامات فيه (وقوله) فإن لم يكن الحائل يدخل فيه ما إذا لم يكن بين المسجد
والموات جدار أصلا وما إذا كان بينهما جدار لكن الباب النافذ بينهما مفتوح فوقف بحذائه
355

والحكم في الحالتين واحد ثم لو اتصل الصف بمن وقف في المحاذاة وخرجوا عن المحاذاة جاز ولو يكن في
الجدار باب نافذ أو كان ولم يقف بحذائه بل عدل عنه ففيه وجهان عن الشيخ أبى اسحق المروزي أنه
356

لا يمتنع الاقتداء فإنه من جملة اجزاء المسجد وقال الجمهور يمنع لافتراقهما بسبب الحائل والوجهان
في جدار المسجد فاما غيره فيمنع الاقتداء بلا خلاف (وقوله) وإن كان بينهما جدار لم يصح يجوز أن
357

يريد بين المسجد والموات ويجب تقييده بما إذا لم يكن بينهما باب نافذ ويجوز أن يريد بين الإمام والمأموم
وحينئذ يجب تقييده بما إذا لم يكن باب نافذ أو كان ولم يقف بحذائه أحد والا فالاقتداء صحيح
358

وعلى التقديرين فقوله لم يصح معلم بالواو لما نقل عن أبي إسحاق وبالميم لما سبق عن مالك ولو كان
بينهما باب مردود مغلق فهو كالجدار لأنه يمنع الاستطراق والمشاهدة ولو كان غير مغلق فهو مانع
359

من المشاهدة دون الاستطراق ولو كان بينهما مشبك فهو مانع من الاستطراق دون المشاهدة ففي
الصورتين وجهان (أحدهما) أنه لا يمنع الاقتداء لحصول الاتصال من وجه وهذا أصح عند امام الحرمين
360

وأظهرهما عند صاحب التهذيب والروياني والأكثرين أنه يمنع لحصول الحائل من وجه وجانب المنع
أولى بالتغليب هذا كله في الموات المتصل بالمسجد ولو وقف في شارع متصل بالمسجد فهو كالموات
كذلك ذكره الشيخ أبو محمد وفيه وجه أنه يشترط اتصال الصف بين المسجد والطريق ولو وقف
في حريم المسجد فقد ذكر في التهذيب أنه كالموات لأنه ليس بمسجد وذكر أيضا أن الفضاء المتصل
بالمسجد لو كان مملوكا فوقف المأموم فيه لم يجز الاقتداء به حتى يتصل الصف من المسجد بالفضاء
وكذلك يشترط اتصال الصف من سطح المسجد بالسطح المملوك وكذلك لو وقف في دار مملوكة
متصلة بجنب المسجد يشترط اتصال الصف بان يقف رجل في آخر المسجد متصلا بعتبة الدار واخر
في الدار متصلا بالعتبة بحيث لا يكون بينهما موقف رجل وهذا الذي ذكره في الفضاء غير صاف
361

عن الاشكال لان حكم الفضاء المملوك والموات واحد في ظاهر المذهب كما سبق فليكن الفضاء المملوك
المتصل بالمسجد كالموات: واما في الدور فالذي ذكره مثل الطريقة المذكورة في الكتاب في
البنائين المملوكين وحكى العراقيون عن أبي إسحاق أنه إذا صلى الرجل في بيته وبينه وبين المسجد
جدار المسجد صح كما سبق في الموات وقال أبو علي الطبري في الافصاح لا يشترط اتصال الصفوف
إذا لم يكن حائل ويجوز الاقتداء إذا وقف في حد القرب واما قوله في الكتاب ولو كان بينهما
شارع إلى آخره فهذه المسألة لا تختص بما إذا وقف الامام المسجد والمأموم في الموات بل يجرى فيه
وفيما إذا كان في الصحراء وغيرها ما لم يكونا في المسجد على ما تقدم والمحكى عن مالك انهما لا يمنعان
الاقتداء وعن أبي حنيفة واحمد انهما يمنعان وصورة الوجهين فيما إذا كان الامام في المسجد
والمأموم في الموات أن يكون النهر في الموات: أما إذا كان في المسجد فقد سبق بيانه والله أعلم *
قال (الثالث نية الاقتداء فلو تابع من غير نية بطلت صلاته ولا يجب تعيين الامام لكن لو
362

عين وأخطأ بطلت صلاته ولا يجب موافقة نية الإمام والمأموم بل يقتدى (ح م و) في الفرض بالنفل وفى الأداء
بالقضاء وعكسهما ولا تجب نية الإمامة على الامام وأن اقتدى (ح) به النساء فلو خطأ في تعيين المقتدى
لم يضر لان أصل النية غير واجب عليه)
في الفصل ثلاث مسائل (إحداها) أن من شروط الاقتداء أن ينوى المأموم الجماعة أو الاقتداء
والا فلا تكون صلاته صلاة جماعة إذ ليس للمرء من عمله الا ما نواه وينبغي أن تكون مقرونة بالتكبير
كسائر ما ينويه من صفات الصلاة وإذا ترك نية الاقتداء انعقدت صلاته منفردا ثم لو تابع الامام
في أفعاله فهل تبطل صلاته فيه وجهان نقلهما صاحب التتمة وغيره (أحدهما) لا لأنه اتي بواجبات
الصلاة وليس فيه الا أنه قارن فعله فعل غيره (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب نعم لأنه وقف صلاته
على صلاة غيره لا لاكتساب فضيلة الجماعة وفيه ما يشغل القلب ويسلب الخشوع فيمنع منه وإذا
363

فرعنا على هذا الوجه فلو شك في نية الاقتداء في أثناء الصلاة نظر أن تذكر قبل أن أحدث فعلا
على متابعة الامام لم يضر وأن تذكر بعد ما أحدث فعلا على متابعته بطلت صلاته لأنه في حالة الشك
في حكم المنفرد وليس للمنفرد أن يتابع غيره في الافعال حتى لو عرض هذا الشك في التشهد الأخير
لا يجوز أن يقف سلامه على سلام الامام هكذا نقل صاحب التهذيب وغيره وهو مقيس بما إذا
شك في أصل النية وقياس ما ذكره في الكتاب في تلك المسألة أن يفرق بين أن يمضى مع هذا
الشك ركن لا يزاد مثله في الصلاة وبين أن يمضى غيره ويمكنك ان تستفيد من لفظ الكتاب في المسألة
فائدتين (إحداهما) أن تبحث فتقول اللفظ مطلق يشمل صلاة الجمعة وغيرها فهل تجب فيها نية الجماعة
أيضا جريا على اطلاق اللفظ أم لا والجواب انهم حكوا فيه وجهين (أحدهما) لا لان صلاة الجمعة لا تصح الا
بالجماعة فلا حاجة إلى التعرض لها (وأصحهما) نعم لتتعلق صلاته بصلاة الامام فعلى هذا الأصح اللفظ
364

مجرى على اطلاقه (الثانية) في قوله فلو تابع من غير نية ما ينبه على أن الحكم بالبطلان فيما إذا
انتظره ليركع عند ركوعه ويسجد عند سجوده فاما إذا اتفق انقضاء أفعاله مع انقضاء أفعال الامام
ولم ينتظر فهذا الا يسمي متابعة وهو غير مبطل للصلاة ذكره في العدة وشيئا آخر وهو أن الوجهين
في البطلان فيما إذا طال الانتظار فاما الانتظار اليسير فلا يؤثر ثم لا يجب على المأموم أن يعين في
نيته الامام بل يكفي نية الاقتداء بالامام الحاضر فان مقصود الجماعة لا يختلف ولو عين وأخطأ بان نوى
الاقتداء بزيد فبان انه عمر وبطلت صلاته كما لو عين الميت في صلاة الجنازة وأخطأ لا تصح صلاته
ولو نوى الاقتداء بالحاضر وأعتقده زيدا فكان غيره رأى امام الحرمين تخريجه على الوجهين فيما
إذا قال بعتك هذا الفرس وأشار إلى الحمار (الثانية) اختلاف نية الإمام والمأموم فيما يأتيان به من
الصلاة لا يمنع صحة الاقتداء بل يجوز للمؤدى أن يقتدى بالقاضي وبالعكس وللمفترض أن يقتدى
بالمتنفل وبالعكس خلافا لأبي حنيفة حيث قال لا يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض وبه قال احمد في
أصح الروايتين وكذلك مالك ويروى عنه المنع مطلقا * واحتج الشافعي رضي الله عنه بما روى
عن جابر رضي الله عنه قال " كان معاذ رضي الله عنه يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء
ثم ينطلق إلى قومه فيصليها بهم هي له تطوع ولهم مكتوبة العشاء " (1) * واحتج المزني بأنه إذا جاز النفل
365

خلف من يصلي الفرض جاز الفرض خلف من يصلي النفل قال الأصحاب والجامع أنهما
صلاتان متفقتان في الافعال الظاهرة (الثالثة) لا يشترط لصحة الاقتداء أن ينوى الامام الإمامة
سواء اقتدى به الرجال أو النساء خلافا لأحمد حيث اشترط ذلك ولأبي حنيفة حيث قال أن أم
نساء لا تصح صلاتهن ما لم ينو إمامتهن وإنما قصد حجة الاسلام بقوله وأن اقتدت به النساء
التعرض لمذهبه لنا على احمد ما روى عن أنس رضي الله عنه قال " اتيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو يصلى فوقفت خلفه ثم جاء آخر حتى صرنا رهطا كثيرا فلما أحس النبي صلى الله عليه
وسلم بنا أوجز في صلاته ثم قال إنما فعلت هذا لكم " (1) ويروى أن عمر كان يدخل فيرى
366

أبا بكر رضي الله عنه في الصلاة فيقتدى به وكان أبو بكر يفعل مثل ذلك إذا رآى عمر رضي الله عنه
يصلي وعلى " (1) أبي حنيفة القياس على ما إذا أم رجلا وإذا لم ينو الامام صحت صلاته بخلاف
المأموم فان صلاته إنما تبطل بتوقيفه إياها على أفعال من ليس إماما له وههنا أفعال الامام غير مربوطة
بغيره وهل تكون صلاته جماعة حتى ينال بها فضيلة الجماعة فيه وجهان (أحدهما) نعم لتأدى شعار الجماعة
بما جرى وأن لم يكن عن قصد منه (وأصحهما) لا إذ ليس للمرء من عمله الا ما نوى ويقال إن القفال سئل عمن
كان يصلي منفردا فاقتدى به قوم وهو لا يدرى هل ينال فضيلة الجماعة فقال الذي يجاب به على
فضل الله تعالى أنه ينالها لأنهم بسببه نالوها وهذا كالتوسط بين الوجهين ومن فوائد الوجهين أنه
إذا لم ينو الإمامة في صلاة الجمعة هل تصح جمعته (والأصح) انهما لا تصح وبه قال القاضي الحسين
367

وعلى هذا فقوله في الكتاب ولا تجب نية الإمامة على الامام غير مجرى على اطلاقه بل الجمعة
مستئناة عنه واعلم أن أبا الحسن العبادي حكى عن أبي حفص البابشامي وعن القفال أنه تجب نية
الإمامة على الامام واشعر كلامه بأنهما يشترطانها في صحة الاقتداء فإن كان كذلك فليكن قوله
ولا تجب نية الإمامة على الامام معلما بالواو مع الألف ولو نوى الامام الإمامة وعين في نيته المقتدى فبان خلافه
368

لم يضر لان غلطه في النية لا يزيد على تركها أصلا ورأسا ولو تركها لم يقدح على ما سبق بخلاف ما إذا
أخطأ المأموم في تعيين الامام فان أصل النية واجب عليه *
قال (الشرط الرابع توافق نظم الصلاتين فلا يقتدى في الظهر بصلاة الجنازة وصلاة الخسوف
ويقتدى في الظهر بالصبح ثم يقوم عند سلام الامام كالمسبوق فان اقتدى في الصبح بالظهر
369

صح على أحد الوجهين ثم يتخير عند قيام الامام إلى الثالثة بين ان يسلم أو ينتظر الامام إلى الآخر)
لو اختلف صلاتا الإمام والمأموم في الافعال الظاهرة كما لو اقتدى في فريضة بمن يصلي الجنازة أو
الخسوف هل يجوز: فيه وجهان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لا يجوز لتعذر المتابعة مع المخالفة
في الافعال (والثاني) ويحكى عن القفال أنه يجوز لان المقصود من الاقتداء اكتساب الفضيلة وكل يراعى
370

واجبات صلاته فعلى هذا إذا اقتدى بمن يصلي الجنازة لا يتابعه في التكبيرات والأذكار بينها بل
إذا كبر الامام الثانية يخير بين أن يخرج نفسه عن المتابعة وبين أن ينتظر سلام الامام وإذا اقتدى
بمن يصلي صلاة الخسوف يتابعه في الركوع الأول ثم إن شاء رفع رأسه معه وفارقه وإن شاء انتظره قال
امام الحرمين وإنما ينتظره في الركوع إلى أن يعود إليه الامام ثم يعتدل معه عن ركوعه الثاني ولا
371

ينتظره بعد الرفع لما فيه من تطويل الركن القصير وان اتفقت الصلاتان في الافعال نظر إن
توافقت عدد الركعات كالاقتداء في الظهر بالعصر أو بالعشاء جاز وإن كان عدد ركعات الامام
أقل كما لو اقتدى في الظهر بالصبح جاز أيضا لان متابعة الامام فيما يأتي به متيسرة ثم إذا تمت صلاة
الامام قام المأموم وأتم صلاته كما يفعله المسبوق ويتابع الامام في القنوت كما لو أدرك الامام في الصبح
372

في الركعة الثانية يتابعه في القنوت ولو أراد أن يفارقه إذا اشتغل بالقنوت فله ذلك ولو اقتدى
في الظهر بالمغرب فإذا انتهى الامام إلى الجلسة الأخيرة بخبر المأموم بين المتابعة والمفارقة كما في
373

القنوت وإن كان عدد ركعات الامام أكثر كالاقتداء في الصبح بالظهر ففي المسألة طريقان أحدهما
وهو المذكور في الكتاب أن فيها قولين أحدهما أنه لا يصح الاقتداء لأنه يحتاج إلى الخروج عن صلاة
الامام قبل فراغه بخلاف ما إذا كانت صلاته أطول فإنه لا يفارق الامام ما دام في صلاته وأصحهما أنه يصح كما في
374

الصورة السابقة والجامع أنهما صلاتان متفقتان في النظم: والطريق الثاني القطع بهذا القول الثاني قال
في التهذيب وهو الأصح وإذا فرعنا عليه فإذا قام الامام إلى الركعة (الثالثة) فهو بالخيار إن شاء فارقة
وسلم وإن شاء انتظره حتى يسلم معه وإن أمكنه أن يقنت في الركعة الثانية فان وقف الامام يسيرا
فذاك والا تركه ولا شئ عليه وله أن يخرج عن متابعته ويقنت ولو اقتدى في المغرب بالظهر فإذا
قام الامام إلى الرابعة لم يتابعه المأموم بل يجلس للتشهد ويفارقه فإذا تشهد سلم وهل له أن ينتظره
قال في النهاية ظاهر المذهب أنه ليس له ذلك لأنه أحدث تشهدا لم يفعله الامام بخلاف الصورة السابقة
375

فإنه وافق الامام في تشهده ثم استدامه ومنهم من أطلق وجوب الانتظار في الصورتين ولو صلى العشاء
خلف من يصلى التراويح جاز كما في اقتداء الظهر بالصبح وقد نقله الشافعي رضي الله عنه عن فعل
عطاء ابن أبي رباح رضي الله عنه ثم إذا سلم الامام قام إلى باقي صلاته والأولى أن يتم منفردا فلو قام الامام
إلى ركعتين أخريين من التراويح فاقتدى به مرة أخرى هل يجوز فيه القولان اللذان نذكرهما فيمن أحرم منفردا
بالصلاة ثم اقتدى في أثنائها وقوله في الكتاب توافق نظم الصلاتين أراد في الافعال والأركان
لا في عدد الركعات على ما تبين وصلاة العيدين والاستسقاء كصلاة الخسوف والجنازة أم لا: اختلف
الأصحاب فيه وقوله يقتدى في الظهر بالصبح معلم بالحاء والميم والألف وكذا قوله صح في المسألة
التي بعدها لأنه لابد وأن يكون أحدهما قضاء وهم يمنعون من الاقتداء في انقضاء بالأداء وبالعكس كما
سبق وقوله على أحد القولين معلم بالواو للطريق الأخرى وفي نسخ الوسيط ذكر وجهين بدل القولين
والأول أشهر ولا يخفي أن قوله ثم يتخير تفريع على صحة الاقتداء *
376

قال (الخامس الموافقة وهو أن لا يشتغل بما تركه الامام من سجود التلاوة أو التشهد الأول ولا بأس
بانفراده بجلسة الاستراحة والقنوت ان لحق الامام في السجود) *
إذا ترك الامام شيئا من أفعال الصلاة نظر إن كان فرضا كما إذا قام في موضع القعود أو بالعكس
ولم يرجع بعدما سبح به المأموم فليس للمأموم أن يتابعه لأنه اما عامد فصلاته باطلة أو ساه فذلك
الفعل غير معدود من الصلاة وان لم يكن مبطلا وإنما يتابعه في أفعال الصلاة لا في غيرها وان ترك سنة
نظر إن كان في الاشتغال بها تخلف فاحش كسجود التلاوة والتشهد الأول فلا يأتي بهما المأموم
قال صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الامام ليؤتم به " (1) ولو اشتغل بهما بطلت صلاته لعدوله من فرض
المتابعة إلى السنة ويخرج عن هذا سجود السهو يأتي به وان تركه الامام لأنه يفعله بعد خروج الامام
من الصلاة فلا مخالفة وكذا يسلم التسليمة الثانية إذا تركها الامام وان لم يكن فيه إلا تخلف يسير
كجلسة الاستراحة فلا بأس بانفراده بها كما لا بأس بزيادتها في غير موضعها وكذلك لا بأس بانفراده
377

بالقنوت إذا لحقه على القرب وقوله إن لحق الامام في السجود يعنى في السجدة الأولى فاما
إذا كان اللحوق في الثانية فيكثر المتخلف وسيأتي بيان التخلف المبطل في الفصل التالي لهذا *
قال (السادس المتابعة فلا يتقدمه ولا بأس بالمساوقة إلا في التكبير فإنه لابد فيه من التأخير
378

والأحب التخلف في الكل مع سرعة اللحوق فان تخلف بركن لم تبطل وان تخلف بركنين من غير
عذر بطل (ز) والأصح انه إذا ركع قبل أن يبتدئ الامام الهوى إلى السجود لم تبطل فان ابتدأ الهوى
لم تبطل أيضا على وجه لان الاعتدال ليس ركنا مقصودا فان لابس الامام السجود قبل ركوعه
بطل والتقدم كالتخلف وقيل يبطل وإن كان بركن واحد) *
يجب على المأموم ان يتابع الامام ولا يتقدم عليه في الافعال لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال
" لا تبادروا الامام إذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك
الحمد وإذا سجد فاسجدوا " (1) وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " اما يخشي الذي يرفع رأسه
والامام ساجد أن يحول الله رأسه رأس حمار " (2) والمراد من المتابعة أن يجرى على أثر الامام بحيث يكون ابتداؤه
بكل واحد منها متأخرا عن ابتداء الامام ومتقدما على فراغه روى عن البراء بن عازب قال (3) " كنا نصلى
379

مع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره حتى يضع النبي
صلى الله عليه وسلم وسلم جبهته على الأرض " فلو خالف وترك المتابعة على التفسير المذكور لم يخل اما أن يساوق
فعله فعل الامام واما أن يتخلف عنه أو يتقدم عليه (الحالة الأولى) أن يساوق فعله فعل الامام اما التكبير
فالمساوقة فيه تمنع انعقاد صلاة المأموم خلافا لأبي حنيفة: لنا ظاهر قوله فإذا كبر فكبروا ويخالف
الركوع وسائر الأركان حيث تحتمل المساوقة فيها لان الامام حينئذ في الصلاة فينتظم الاقتداء به
ولو شك في أن تكبيره هل وقع مساوقا لم تنعقد صلاته أيضا ولو ظن أنه لاحق فبان خلافه فلا صلاة له
ويشترط تأخر جميع التكبير عن جميع تكبير الامام ويستحب للامام ان لا يكبر حتى تستوى الصفوف
ويأمرهم بذلك ملتفتا يمينا وشمالا وإذا فرغ المؤذن من الإقامة قام الناس واشتغلوا بتسوية الصفوف
وقال أبو حنيفة يشتغلون به عند قوله حي على الصلاة واما ما عدا التكبير فغير السلام يجوز فيه
المساوقة وفى السلام وجهان (أحدهما) أنه لا يجوز فيه المساوقة اعتبارا للتحلل بالتحرم (والثاني) يجور
380

كسائر الأركان وذكر بعضهم أن الوجهين مبنيان على أن نية الخروج هل تشترط أن قلنا نعم فالسلام
كالتكبير وأن قلنا لا فهو كسائر الأركان والأصح من الوجهين أن المساوقة لا تضر وهو المذكور في
الكتاب (وقوله) ولا باس بالمساوقة الا في التكبير معلم بالواو للوجه الصائر إلى الحاق السلام بالتكبير
وليس المراد من قوله لا باس التشريع المطلق فان صاحب التهذيب وغيره ذكروا انه يكره الاتيان
بالافعال مع الامام وتفوت به فضيلة الجماعة وإنما المراد انها لا تفسد الصلاة وقوله فإنه لا بد فيه من
التأخير معلم بالحاء وقوله والأحب التخلف في الكل مع سرعة اللحوق المراد منه ما ذكرنا في تفسير
381

المتابعة (الحالة الثانية) أن يتخلف عن الامام وذلك اما أن يكون بغير عذر أو بعذر فان تخلف من
غير عذر نظر أن تخلف بركن واحد فقد حكى صاحب النهاية فيه وجهين (أحدهما) أنه مبطل للصلاة لما
فيه من مخالفة الامام (وأظهرهما) وهو المذكور في الكتاب أنه غير مبطل * واحتج له بعضهم بما روى أنه
صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا تبادروني بالركوع والسجود فمهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني
إذا رفعت ومهما أسبقكم به حين سجدت تدركوني حين رفعت " (1) وأن تخلف بركنين بطلت صلاته
لكثرة المخالفة ومن صور التخلف بغير عذر أن يركع الامام وهو في قراءة السورة بعد الفاتحة فيشتغل
باتمامها وكذا التخلف للاشتغال بتسبيحات الركوع والسجود ومن المهمات في هذا المقام البحث عن
382

شيئين (أحدهما) معنى التخلف بالركن والركنين (والثاني) أن الحكم هل يعم جميع الأركان أم يفرق
بين ركن وركن (أعلم) أن في قوله والأصح إذا ركع إلى آخره تعرضا لهما جميعا فنشرحه ونقول: من
أركان الصلاة ما هو قصير ومنها ما هو طويل اما القصير فالاعتدال عن الركوع وكذا الجلوس بين
السجدتين على الأظهر كما تقدم واما الطويل فما عداهما وما هو طويل فهو مقصود في نفسه والقصير
هل هو مقصود في نفسه أشار في النهاية إلى تردد فيه للأصحاب فمن قائل نعم كالطويل ومن قائل
لا فان الغرض منه الفصل فهو إذا تابع لغيره وهذا ما ذكره في التهذيب ثم نقول بعد هذه المقدمة: إذا ركع
الامام قبل المأموم ثم ركع المأموم وادركه في ركوعه فليس هذا تخلفا بركن ولا تبطل به الصلاة وفاقا
لأنه لحق الامام قبل تمام الركن الذي سبقه به ولو اعتدل الإمام والمأموم بعد قائم فهل تبطل صلاته
فيه وجهان واختلفوا في مأخذهما فقيل مأخذهما التردد في أن الاعتدال هل هو مقصود أم لا أن
383

قلنا نعم فقد فارق الامام ركنا واشتغل بركن آخر مقصود فتبطل صلاة المتخلف وان قلنا أنه ليس
بمقصود فهو كما لو لم يفرغ من الركوع لان الذي فبه تبع له فلا تبطل صلاته وقيل إن مأخذهما الوجهان
اللذان سبقا في أن التخلف بركن واحد هل يبطل أم لا إن قلنا نعم فقد تخلف بركن الركوع تاما
فتبطل صلاته وإن قلنا لا فما دام في الاعتدال لم يكن الركن الثاني تاما فلا تبطل صلاته وإذا هوى
إلى السجود ولم ينته إليه والمأموم بعد قائم فعلى المأخذ الأول لا تبطل صلاته لأنه لم يشرع في ركن
مقصود وعلى المأخذ الثاني تبطل لان ركن الاعتدال قد تم هكذا ذكره امام الحرمين والمصنف في
الوسيط وقياسه أن يقال إذا ارتفع عن حد الركوع والمأموم بعد في القيام فقد حصل التخلف بركن
384

واحد وأن لم يعتدل حتى تبطل الصلاة عند من يجعل التقدم بركن واحد مبطلا أما إذا انتهي الامام
إلى السجود والمأموم في قيامه بطلت صلاته وفاقا واعرف بعد هذا أمرين (أحدهما) انا ان اكتفينا بابتداء
الهوى من الاعتدال وابتداء الارتفاع عن حد الركوع فالتخلف بركنين هو أن يتم الامام ركنين
والمأموم بعد فيما قبلهما وركن واحد هو أن يتم الامام الركن الذي سبق إليه والمأموم فيما قبله وإن لم
385

يكتف بذلك فللتخلف شرط آخر وهو أن يلابس مع تمامهما أو تمامه ركنا آخر فحصل خلاف في
تفسير التخلف كما ترى (والثاني) أن قوله وأن تخلف بركن لم تبطل ينبغي أن يعلم بالواو لما سبق نقله
من الوجهين وايراد صاحب التهذيب يشعر بترجيح وجه البطلان فيما إذا تخلف بركن كامل مقصود
ويصرح بترجيح عدم البطلان فيما إذا تخلف بركن غير مقصود كما إذا استمر في الركوع حتى اعتدل
386

الامام وسجد (وقوله) وأن تخلف بركنين من غير عذر بطل يبين أن التخلف بالعذر بخلافه وأن
لم يذكر حكمه في الكتاب (وقوله) فيما إذا ركع المأموم قبل أن يبتدئ الامام بالهوى إلى السجود
أن الأصح عدم البطلان ليس بناء على المأخذ الأول وهو أن الاعتدال غير مقصود لان الأكثرين
387

سووا بينه وبين سائر الأركان والامام أستبعد التردد فيه ومال إلى الجزم بكونه مقصودا والمصنف
يساعده في الأكثر ويوضحه أنه أطلق البطلان في التخلف بركنين ولم يفرق بين ركن وركن فإذا
هو بناء على المأخذ الثاني ويصير إلى أن التخلف بالركنين إنما يحصل إذا شرع في ركن ثالث فاعرف
388

ذلك وقوله فان ابتدأ بالهوى لم تبطل أيضا على وجه إشارة إلى المأخذ الأول ولم يذكر ههنا أن الأصح
عدم البطلان بل في سياق الكلام ما يشعر بأنه لا يرتضيه هذا تمام الكلام فيما إذا تخلف بغير عذر
واما العذر فأنواع (منها) الخوف وسنذكره في صلاة الخوف (ومنها) أن يكون المأموم بطئ القراءة والامام
سريعها فيركع قبل أن يتم المأموم الفاتحة ففيه وجهان (أحدهما) أنه يتابعه ويسقط عنه الباقي فعلى هذا
لو اشتغل باتمامها كان متخلفا بغير عذر (وأصحهما) وهو الذي ذكره صاحب التهذيب وإبراهيم المرودي
أنه لا يسقط وعليه أن يتمها ويسعي خلف الامام على نظم صلاته ما لم يسبقه بأكثر من ثلاثة أركان
389

مقصودة فان زاد على ثلاثة أركان فوجهان (أحدهما) أنه يخرج عن متابعته لتعذر الموافقة (وأظهرهما) أن
له أن يدوم على متابعته وعلى هذا فوجهان (أحدهما) أنه يراعي نظم صلاته ويجرى على اثره وهو معذور
390

وبهذا أفتى القفال (وأظهرهما) أنه يوافقه فيما هو فيه ثم يقضي ما فاته بعد سلام الامام وهذان الوجهان
كالقولين في مسألة الزحام (ومنها) اخذ التقدير بثلاثة أركان مقصودة فإنه إنما يحصل القولان في تلك
المسألة إذا ركع الامام في الثانية وقبل ذلك لا يوافقه وإنما يكون التخلف قبله بالسجدتين والقيام
ولم يعتبر الجلوس بين السجدتين على مذهب من يقول أنه غير مقصود ولا يجعل التخلف بغير
المقصود مؤثرا واما من لا يفرق بين المقصود وغير المقصود أو يفرق ويجعل الجلوس مقصودا
391

لأنه ركن طويل وهو المرضى عند صاحب الكتاب والقياس على أصله التقدير بأربعة أركان
أخذا من مسألة الزحام ولو اشتغل المأموم بدعاء الاستفتاح ولم يتم الفاتحة لذلك وركع الامام فيتم
الفاتحة كما في بطئ القراءة وهو معذر في التخلف ذكره في التهذيب وكل هذا في المأموم الموافق
فاما المسبوق إذا أدرك الامام في القيام وخاف ركوعه فينبغي أن لا يقرأ دعاء الاستفتاح بل يبادر
إلى قراءة الفاتحة فان الاهتمام بشأن الفرض أولي ثم أن ركع الامام في أثناء الفاتحة ففيه ثلاثة أوجه
(أحدها) أنه يسقط عنه ما بقي من الفاتحة ويركع معه (والثاني) أنه يتم الفاتحة لأنه أدرك القيام الذي هو
محلها (والثالث) وبه قال أبو زيد وهو الأصح عند القفال والمعتبرين أنه أن لم يقرأ شيئا من دعاء
الاستفتاح يقطع القراءة ويركع معه ويكون مدركا للركعة لأنه لم يدرك الا ما يقرأ فيه بعض الفاتحة
فلا يلزمه فوق ذلك كما أنه إذا لم يدرك شيئا من القيام لا يلزمه شئ من الفاتحة وإن قرأ شيئا من دعاء
الاستفتاح لزمه بقدره من الفاتحة لتقصيره بالعدول من الفريضة إلى غيرها (فان قلنا) عليه اتمام الفاتحة
(فتخلفه) ليقرأ تخلف بالعذر ولو لم يتم وركع مع الامام بطلت صلاته (وأن قلنا) أنه يركع فلو
بقراءة اشتغل البقية كان هذا تخلفا بغير عذر فان سبقه الامام بالركوع وقرأ هذا المسبوق
الفاتحة ثم لحقه في الاعتدال فلا يكون مدركا للركعة وأصح الوجهين أنه لا تبطل صلاته إذا فرعنا
على أن التقدم بركن واحد لا يبطل كما في حق غير المسبوق (والثاني) تبطل لأنه ترك متابعة
الامام فيما فاتت به الركعة وكانت بمثابة السبق بركعة (ومنها) الزحام وسيأتي في الجمعة (ومنها) النسيان
فلو ركع مع الامام ثم تذكر أنه نسي الفاتحة أو شك في قراءتها فلا يجوز أن يعود لأنه فات محل
392

القراءة فإذا سلم الامام قام وتدارك ما فاته ولو تذكر أو شك بعدما ركع الامام وهو لم يركع بعد لم تسقط
القراءة بالنسيان وماذا يفعل فيه وجهان منقولان في التهذيب (أحدهما) أنه يركع معه فإذا سلم الامام
قام وقضى ركعة (والثاني) أنه يتمها أولا وهذا أشبه وبه أفتى القفال وعلى هذا فتخلفه ليقرأ تخلف
معذور أم لا فيه وجهان حكاهما صاحب التتمة (أظهرهما) أنه تخلف معذور (والثاني) لا لتقصيره بالنسيان
(الحالة الثالثة) أن يتقدم على الامام اما في الركوع والسجود وغيرهما من الافعال الظاهرة فينظر أن
كان لم يسبق بركن كامل لم تبطل صلاته لأنه مخالفة يسيرة مثاله ما إذا ركع قبل الامام ولم يرفع
393

حتى ركع الامام وعن بعض الأصحاب انها تبطل إذا تعمد وحكاه الامام عن الشيخ أبى محمد ووجهه
أن التقدم يناقض الاقتداء بخلاف التخلف وعلى الصحيح لو فعل ذلك عمدا لم يجز أن يعود ولو عاد
بطلت صلاته لأنه زاد ركنا هكذا ذكره صاحب النهاية والتهذيب وحكى العراقيون عن النص أنه
ويستحب ان يعود إلى موافقته ويركع معه وقد مر ذكر هذه المسألة ولو فعله سهوا فوجهان (أحدهما)
انه يجب العود ولو لم يعد بطلت صلاته (وأظهرهما) انه لا يجب وإنما هو بالخيار أن شاء عاد والا فلا
وان سبق الامام بركنين فصاعدا بطلت صلاته أن كان عامدا عالما بأنه لا يجوز لتفاحش المخالفة
وأن كان ساهيا أو جاهلا لم تبطل لكن لا يعتد بتلك الركعة فيتداركها بعد سلام الامام والتقدم
بركنين لا يخفى قياسه مما مر في التخلف ومثل أئمتنا العراقيون ذلك بما إذا ركع قبل الامام فلما أراد
394

الامام أن يركع رفع فلما أراد أن يرفع سجد فلم يجتمع معه في الركوع ولا في الاعتدال وهذا يخالف
ذلك القياس فيجوز ان يقدر مثله في التخلف ويجوز ان يخصص ذلك بالتقدم لان المخالفة فيه أفحش
وإن سبقه بركن واحد كما إذا ركع قبل الامام ورفع رأسه والامام في القيام ثم وقف حتى رفع الامام واجتمعا
في الاعتدال فالذي ذكره الصيدلاني وقوم أنه تبطل صلاته لتعمد المخالفة ويعد هذه المخالفة عما
يناسب حال المقتدى قالوا وهذا في التقدم بالركن المقصود فاما إذا سبق بالاعتدال بان اعتدل وسجد
والامام بعد في الركوع أو سبق بالجلوس بين السجدتين كما إذا رفع رأسه عن السجدة الأولى وجلس
وسجد الثانية والامام بعد في الأولى فوجهان كما ذكرناهما في حالة التخلف وقال أصحابنا العراقيون
وآخرون ان التقدم بركن واحد لا يبطل الصلاة لأنه مخالفة يسيرة فهي بمثابة التخلف وهذا أظهر وأشهر
395

ويحكي عن نص الشافعي رضي الله عنه هذا في الافعال الظاهرة واما التكبير فالسبق به غير محتمل
على ما قدمناه واما قراءة الفاتحة وفى معناها التشهد فالسبق بها على الامام غير مبطل وأن قلنا إن السبق
بتمام الركوع مبطل لأنه لا يظهر به المخالفة وفى التتمة حكاية وجه ضعيف انه يبطل كالركوع وعلى
المذهب هل تقع محسوبة أو يجب أعادتها مع قراءة الإمام أو بعدها فيه وجهان (أظهرهما) انها تقع
محسوبة إذا عرفت ما ذكرناه ونظرت في قوله والتقدم كالتخلف سبق إلى فهمك أنه جواب على
ما ذكره العراقيون وحكوه عن النص وهو أن التقدم بركن واحد لم يبطل وهذا هو الذي أورده في التخلف
396

وحمل قوله وقيل أنه يبطل وإن كان بركن واحد على ما رواه الصيدلاني وغيره وهذا تنزيل
صحيح لكنه نقل الوجه الثاني في الوسيط عن الشيخ أبى محمد وليس في النهاية تعرض لذلك
والمشهور عنه ما قدمناه أن المبادرة إلى الركن مبطلة وأن كان القول به قولا بالبطلان عند السبق بتمام الركن
فإن كان المراد ما اشتهر لم عن الشيخ فالتقدم في لفظ الكتاب وفى الوسيط محمول على المبادرة إلى
الركن من غير أن يسبق بتمامه والله أعلم *
397

قال (فروع المسبوق ينبغي أن يكبر للعقد ثم للهوى فان اقتصر على واحد جاز الا إذا قصد به الهوى
فان أطلق ففيه تردد لتعارض القرينة)
المسبوق إذا أدرك الامام في الركوع يكبر للافتتاح وليس له أن يشتغل بقراءة الفاتحة بل يهوى
للركوع ويكبر له تكبيرة أخرى وكذلك الحكم لو أدركه قائما فكبر وركع الامام كما كبر ولو اقتصر
398

على تكبيرة واحدة فلا يخلو من إحدى أحوال أربع أن ينوى بها تكبيرة الافتتاح فتصح صلاته
لان تكبيرة الركوع سنة ويشترط وقوعها في حال القيام كما تقدم وأن ينوى بها تكبيرة الركوع
فلا تصح وأن ينوى بهما جميعا فظاهر المذهب انها لا تصح أيضا لأنه شرك بين الفرض وغيره الذي
399

لو اقتصر على قصد الفرض لم يحصل ذلك الغير فأشبه ما لو تحرم بفريضة ونافلة ويخالف ما إذا
اغتسل للجنابة والجمعة ونظائره وفيه وجه أن صلاته تنعقد نفلا نقله القاضي ابن كج عن حكاية
أبى حامد القاضي والرابعة أن لا ينوى هذا ولا ذاك بل يطلق التكبيرة قال بعض الأصحاب تنعقد
صلاته لان قرينة الافتتاح تصرفها إليه والظاهر أنه لا يقصد الهوى ما لم يتحرم وحكى أصحابنا
400

العراقيون عن نصه في الام انها لا تنعقد لان قرينة الهوى تصرفها إليه وإذا تعارضت القرينتان
فلا بد من قصد صارف والا فهي بمثابة ما لو قصد التشريك بينهما وميل امام الحرمين إلى الوجه
الأول وظاهر المذهب عند الجمهور الثاني وقوله في الكتاب جاز الا إذا اقصد به الهوى ليس لحصر
الاستثناء فيه بل قوله فان أطلق في معني المستثنى كأنه قال والا إذا أطلق نعم هذا مختلف فيه وذاك
متفق عليه ثم لابد من استثناء الحالة الثالثة أيضا وان لم يتعرض لها والمراد من التردد الذي أطلقه
القول المنصوص والوجه المقابل له وقوله لتعارض القرينة يجوز أن يكون إشارة إلى توجيه الخلاف
ويجوز أن يكون علة لعدم الانعقاد أي إذا تعارضتا فلا بد من قصد مخصص *
قال (ولو نوي قطع القدوة في أثناء الصلاة ففي بطلان صلاته ثلاث أقوال يفرق
الثالث بين المعذور وغير المعذور وعلى كل قول إذا أحدث الامام لم تبطل (ح) صلاة المأموم)
401

إذا أخرج المأموم نفسه عن متابعة الامام ففي بطلان صلاته قولان (أحدهما) انها تبطل لقوله
صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الامام ليوتم به فلا تختلفوا عليه " (1) وأيضا فإنه التزم الاقتداء وانعقدت
402

صلاته على حكم المتابعة فليف بها والثاني لا تبطل لما روى " أن معاذا رضي الله عنه أم قومه ليلة في
في صلاة العشاء بعدما صلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم فافتتح سورة البقرة فتنحي من خلفه
رجل وصلي وحده فقيل له نافقت ثم ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم فقال الرجل يا رسول
الله انك أخرت العشاء وان معاذا صلى معك ثم أمنا وافتح سورة البقرة وإنما نحن أصحاب نواضح
نعمل بأيدينا فلما رأيت ذلك تأخرت وصليت فقال النبي صلى الله عليه وسلم افتان أنت
يا معاذ اقرأ سورة كذا وكذا ولم يأمر الرجل بالإعادة " (1) وأيضا فان الجماعة سنة والتطوعات لا تلزم
بالشروع وهذا أصح القولين وعن الإصطخري أنه قطع به ولم يثبت في المسألة قولين والأشهر
403

اثباتهما ثم اختلفوا في محلها على طرق (أصحها) أن القولين فيمن خرج عن متابعة الامام بغير عذر
فاما المعذور فيجوز له الخروج بلا خلاف " ولهذا فارقت الفرقة الأولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسلم في صلاة ذات الرقاع بعدما صلى بهم ركعة " (1) قال امام الحرمين والاعذار كثيرة وأقرب معتبر
فيها أن يقال كل ما يجوز ترك الجماعة به ابتداء يجوز ترك الجماعة به بعد الشروع فيها والحقوا بها ما إذا ترك الامام
سنة مقصودة كالتشهد الأول والقنوت وما إذا لم يصبر على طول القراءة لضعف أو شغل وعن الشيخ أبي حامد
ما ينازع في هذا الأخير لان حكى في البيان عنه أنه جعل انفراد الرجل عن معاذ انفرادا بغير عذر
(والطريق الثاني) أن القولين فيما إذا خرج بغير عذر فاما غير المعذور لو خرج بطلت صلاته
404

قولا واحدا (والثالث) أن القولين في الكل ويحكى أنه اختيار الحليمي ونظم الكتاب يوافق هذه
الطريقة لأنه جمع بين الحالتين وأطلق ثلاثة أقوال وإنما ينتظم ذلك عند من يثبت الخلاف في الحالتين وإذا كان
كذلك فيجوز أن يعلم قوله ثلاثة أقوال بالواو للطريقة الأولى والثانية فان كل واحدة منهما
لا يثبت الخلاف الا في حالة ولما نقل عن الإصطخري فإنه نفى الخلاف فيهما وعند أبي حنيفة تبطل
صلاته بالمخالفة سواء كان بعذر أو بغير عذر وعند احمد يجوز بالعذر ولا يجوز بغير عذر في أصح
الروايتين (وقوله) وعلى كل قول إلى آخره الغرض منه بيان أن الخلاف فيما إذا قطع المأموم القدوة
والامام في صلاته فاما إذا انقطعت القدوة لحدث الامام فليس هذا موضع الخلاف ولا تبطل صلاة
المأموم بحال لأنه لم يحدث شيئا (وقوله) لم تبطل صلاة المأموم معلم بالحاء لان عند أبي حنيفة لو تعمد
الحدث بطلت صلاة المأمومين وكذا لو سبقه الحدث ولم يستخلف
قال (والمنفرد إذا اقتدى في أثناء صلاته لم يجز في الجديد)
405

لو أقيمت الجماعة وهو في الصلاة منفردا نظر أن كان في فريضة الوقت فقد قال الشافعي رضي الله عنه
في المختصر أحببت أن يكمل ركعتين ويسلم يكونان له نافلة ويبتدئ الصلاة مع الامام ومعناه
أنه يقطع نية الفريضة ويقلبها نفلا وفيه وفى نظائره خلاف قدمناه في مسائل النية في باب صفة الصلاة
ثم ما ذكره فيما إذا كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية ولم يكمل بعد ركعتين فاما إذا كانت
ذات ركعتين أو أكثر وقد قام إلى الثالثة فيتمها ثم يدخل في الجماعة وأن كان في فائتة فقد قال
القاضي الحسين رحمه الله لا يستحب أن يقتصر على ركعتين ليصلي تلك الصلاة بالجماعة
لان الفائتة لا تشرع لها الجماعة بخلاف ما لو شرع في الفائتة في يوم غيم فانكشف الغيم وخاف فوات
الحاضرة يسلم عن ركعتين ويشتغل بالحاضرة لان مراعاة الوقت اولي من مراعاة الجماعة وأن كان
406

في نافلة وأقيمت الجماعة فإن لم يخش فوتها أتمها وأن خشي قطعها ودخل في الجماعة ولو لم يسلم عن الصلاة
التي أحرم بها منفردا واقتدى في خلالها ففيه طريقان (أصحهما) أن فيه قولين (أحدهما) لا يجوز وتبطل
صلاته وبه قال مالك وأبو حنيفة وكذلك احمد في أصح الروايتين لما روى أنه صلى الله عليه وسلم
وسلم قال " لا تختلفوا على امامكم " (1) وهذا يفضى إلى الاختلاف وأيضا قال " فإذا كبر فكبروا " أمر المأموم
407

بان يكبر إذا كبر الامام وهذا كبر قبله (وأصحهما) أنه يجوز وبه قال المزني لما روى أنه صلى الله عليه
وسلم " صلى أصحابه ثم تذكر في صلاته أنه جنب فأشار إليهم كما أنتم وخرج واغتسل وعاد ورأسه
يقطر وتحرم بهم " (1) ومعلوم انهم أنشأوا اقتداء جديدا إذ تبين أن الأول لم يكن صحيحا وأيضا فإنه
يجوز أن يصلى بعض الصلاة منفردا ثم يقتدى به جماعة فيصير إماما فكذلك يجوز أن يصير مأموما
408

بعدما كان منفردا (والطريق الثاني) القطع بالمنع حكى الطريقين الشيخان أبو محمد والصيدلاني
وغيرهما والمشهور اثبات القولين ثم اختلفوا في محلهما على طرق (أحدها) وبه قال القاضي أبو حامد أن
القولين فيما إذا لم يركع المنفرد بعد في صلاته فاما بعده فلا يجوز الاقتداء قولا واحدا لأنه يخالف
الامام في الترتيب وموضع القيام والقعود فلا تتأتى المتابعة (وثانيها) أن القولين فيما إذا اقتدى بعد
الركوع فاما قبله فيجوز قولا واحدا وبه قال أبو إسحاق واختاره القاضي أبو الطيب وأصحهما ان
409

القولين يطردان في الحالين وحكي في التهذيب طريقة الفرق بعبارة أخرى فقال منهم من قال القولان
فيما إذا اتفقا في الركعة فان اختلفا وكان الامام في ركعة والمأموم في أخرى متقدما أو متأخرا لا يجوز
وهذا هو الوفاء بالنظر إلى اختلاف الترتيب وإذا جوزنا الاقتداء على الاطلاق واختلفا في الركعة
قعد المأموم في موضع قعود الامام وقام في موضع قيامه وإذا تم صلاة المأموم أولا لم يوافق الامام
في الزيادة بل إن شاء فارقه وإن شاء انتظره في التشهد وطول الدعاء ليتم صلاته فيسلم معه وان
تم صلاة الامام أولا قام المأموم وأتم صلاته كما يفعل المسبوق وإذا سها المأموم قبل الاقتداء لم يتحمل
عنه الامام بل إذا سلم الامام سجد هو لسهوه وان سها بعد الاقتداء تحمل عنه الامام وإن سها
الامام قبل الاقتداء أو بعده لحق المأموم ويسجد مع الامام ويعيد في آخر صلاته على الأصح على
ما ذكرناه في المسبوق وقوله في الكتاب لم يجز على الجديد جواب على الطريقة المشهورة وهي اثبات
410

الخلاف في المسألة وظاهره يوافق الطريقة المشهورة بعد اثبات الخلاف وهي طرده في الأحوال كلها واما
تعبيره عن قول المنع بالجديد فهكذا ذكره الشيخ أبو محمد والمسعودي وغيرهما وقالوا قوله في المختصر
كرهت أن يفتتحها صلاة انفراد ثم يجعلها صلاة جماعة أراد به أنى لا أجوزه وجعلوا الجواز قوله القديم
وقال صاحب المهذب وشيخه أبو القاسم الكرخي وآخرون يجوز ذلك في القديم والجديد معا وحكوا
قول المنع عن الاملاء وأرادوا بالجديد الام ونقلوا الجواز عنه واعلم أن الاملاء محسوب من الكتب
الجديدة فيحصل عما نقلوه عنه عن الام قولان في الجديد ويمكن تنزيل التعبيرين عليهما وبتقدير
انحصار المنع في الجديد على ما يشعر به لفظ الكتاب فالمسألة مما يفتى فيها على القديم لان الأصح
عند جمهور الأصحاب جواز الاقتداء ويجوز أن يعلم قوله ما لم يجز بالزاي لما ذكرناه من مذهب المزني
411

وقوله على الجديد بالواو لامرين أحدهما (الطريق الثاني) للخلاف في بعض الأحوال (والثاني) الطريق
الثاني للخلاف في المسألة أصلا ورأسا *
قال (وإذا شك المسبوق أن الامام هل رفع رأسه قبل ركوعه ففي ادراكه قولان لان
لأصل انه لم يدرك ويعارضه أن الأصل أنه لم يرفع رأسه) *
412

الأصل الذي تتفرع عليه المسألة أن من أدرك الامام في الركوع كان مدركا للركعة لما روى أنه صلى الله عليه
وسلم قال " من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة يوم الجمعة فليضف إليها أخرى ومن لم يدرك
413

الركوع من الركعة الأخيرة فليصل الظهر أربعا " (1) وروى أن أبا بكرة دخل المسجد والنبي صلى
414

الله عليه وسلم راكع فركع ثم دخل الصف وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ووقعت ركعته
معتدا بها (1) وذكر في التتمة أن أبا عاصم العبادي حكى عن أحمد بن إسحاق بن خزيمة من أصحابنا أنه
417

قال لا تدرك الركعة بادراك الركوع ويجب تداركها * واحتج بما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أدرك الامام في الركوع فليركع معه وليعد الركعة " (1) وروى
418

الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور مثله عن أبي بكر الضبعي والمذهب المشهور الأول وعليه جرى
الناس في الاعصار ويعتبر فيه أن يكون ذلك الركوع محسوبا للامام فإن لم يكن ففيه كلام قد تعرض
له في كتاب الجمعة وسنشرحه ثم إن شاء الله تعالى إذا عرفت ذلك فاعلم أن معنى ادراكه
في الركوع ان يكتفى هو وامامه في حد أقل الركوع حتى لو كان هو في الهوى والامام في الارتفاع
وقد بلغ هو حد الأقل قبل أن يرتفع الامام عنه كان مدركا وان لم يلتقيا فيه فلا هذه عبارة
الأصحاب على طبقاتهم وهل يشترط ان يطمئن قبل ارتفاع الامام عن الحد المعتبر الأكثرون
419

لم يتعرضوا له ورأيت في البيان اشتراط ذلك صريحا وبه يشعر كلام كثير من النقلة وهو الوجه
والله أعلم ولو كبر وانحنى وشك في أنه هل بلغ الحد المعتبر قبل ارتفاع الامام عنه أم لا فهذه
مسألة الكتاب وقد نقل فيها قولين وحكاهما في النهاية وجهين (أحدهما) انه غير مدرك للركعة لان
الأصل عدم ادراك الركوع (والثاني) انه مدرك لها لان الأصل بقاء الامام في الركوع في زمان
الشك والأول أظهر لان الحكم بادراك ما قبل الركوع بادراك الركوع على خلاف الحقيقة لا يصار
420

إليه لا عند تيقن الركوع وان أدركه فيما بعد الركوع من الأركان لا يكون مدركا للركعة وعليه
ان يتابعه في الركن الذي أدركه فيه وان لم يكن محسوبا لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (1) " إذا اتي أحدكم
421

الصلاة والامام على حال فليصنع كما يصنع الامام " *
(قال والمسبوق عن سلام الامام يقوم من غير تكبير على النص) *
422

المسبوق إذا أدرك الامام في الركوع فقد ذكرنا انه يكبر للهوى بعد تكبيرة الافتتاح ولو أدركه
423

في السجدة الأولى أو الثانية أو في التشهد فهل يكبر للانتقال إليه فيه وجهان (أحدهما) نعم كالركوع
(وأظهرهما) لا لان الركوع محسوب له فيكبر للانتقال إليه وههنا بخلافه ويخالف أيضا ما لو أدركه في
424

الاعتدال فما بعده فإنه ينتقل مع الامام من ركن إلى ركن مكبرا وان لم تكن محسوبة له لان ذلك
لموافقة الامام ولذلك نقول يوافقه في قراءة التشهد وفى التسبيحات على أصح الوجهين فهذا حكم
تكبيره إذا لحق الامام أما إذا سلم الامام فقام المسبوق ليتدارك فقد قال في الكتاب انه يقوم من
غير تكبير وأسنده إلى نصه وهكذا فعل في الوسيط وذكر أن الشيخ أبا محمد قال أنه يكبر للانتقال
ولم يرسل جمهور الأئمة الخلاف في المسألة هكذا وحيث أثبتوا الخلاف لم يسندوا نفى التكبير إلى
النص ولكن قالوا ينظر أن كان الجلوس الذي سلم من الامام موضع جلوس المسبوق كما لو أدركه
425

في الثالثة من الصلوات الرباعية أو في الثانية من المغرب فيقوم مكبرا فإنه لو كان وحده لكان هكذا
يفعل وأن لم يكن موضع جلوسه كما إذا أدركه في الثانية أو الرابعة من الرباعيات أو في الثالثة من
المغرب ففيه وجهان (أظهرهما) وبه قال القفال أنه لا يكبر عند قيامه لأنه ليس موضع تكبيره وليس فيه
موافقة الامام (والثاني) ويحكي عن أبي حامد أنه يكبر كيلا يخلو الانتقال عن ذكر ومتي لم يكن
الموضع موضع جلوسه لم يجز له المكث بعد سلام الامام ولو مكث بطلت صلاته. وأن كان موضع جلوسه
لم يضر المكث وقوله والمسبوق عند سلام الامام لك أن تبحث فتقول الاعتبار بالتسليمة الأولى
426

أو الثانية (فاعلم) أن السنة أن يقوم عقيب تسليمتي الامام فان (الثانية) من الصلاة وان لم تكن
مفروضة ويجوز أن يقوم عقيب الأولى ولو قام قبل تمامها بطلت صلاته أن تعمد القيام وهذا يبين
أنه ليست كلمة عند للحصر أعني في قوله عند سلام الامام ومن الأصول في المسبوق أن ما يدركه
مع الامام أول صلاته وما يأتي به بعد سلام الامام آخر صلاته حتى لو أدرك ركعة من المغرب فإذا
قام لاتمام الباقي يجهر في الثانية ويسر في الثالثة ولو أدرك ركعة من الصبح وقنت مع الامام يعيد
القنوت في الركعة التي يتداركها بعد سلام الامام ونص أنه لو أدرك ركعتين من صلاة رباعية ثم قام
للتدارك يقرأ السورة بعد الفاتحة في الركعتين وهذا يخالف قياس الأصل الذي ذكرناه فمن الأصحاب
من قاله أنه جواب على قوله يستحب قراءة السورة في الركعات ومنهم من قال إنما امره بقراءة
السورة لان امامه لم يقرأ السورة في الركعتين اللتين أدركهما المسبوق وفاتته فضيلتها فيتداركها في الركعتين
الباقيتين فصار كما إذا ترك سورة الجمعة في الركعة الأولى من صلاة الجمعة يقرؤها مع سورة المنافقين في
الثانية وقال أبو حنيفة رحمه الله ما أدركه المسبوق مع الامام آخر صلاته الامام وما يتداركه بعد سلام
الامام أول صلاته ووافقنا على أنه لو أدرك ركعة من المغرب وقام بعد سلام الامام للتدارك يقعد في الثانية
ولو كان ما يتداركه أول صلاته لما قعد *
427

قال * (كتاب صلاة المسافرين) *
(وفيه بابان الأول في القصر وهو رخصة عند وجود السبب والمحل والشرط)
لما يترجم العلماء هذا الباب بصلاة المسافرين لا على معنى أن للمسافرين يختصون بها ولكن
428

على معنى أن لهم كيفية في إقامة الفرائض لا تعم كل مصل وإنما شرعت تخفيفا عليهم لما يلحقهم من
تعب السفر وهي نوعان (أحدهما) تخفيف في نفس الصلاة وهو القصر (والثاني) تخفيف في رعاية وقتها
وهو الجمع فرسما لهم بابين والتخفيف الثاني لا يختص بالسفر بل المطر يثبته أيضا لكن السفر أقوى
سببيه على ما تبين في التفاصيل فجعل الآخر تبعا له وأورد في صلاة المسافرين: أما القصر فهو جائز بالاجماع
وقد قال تعالي (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة أن خفتم ان يفتنكم الذين
كفروا) روى أن يعلي بن أمية قال " قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إنما قال الله أن خفتم وقد
أمن الناس فقال عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقه تصدق
الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " (1) وهل هو رخصة أو عزيمة عندنا هو رخصة ولو أراد الاتمام جاز وبه قال احمد
429

لما روى عن عائشة رضي الله عنه انها قالت " سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رجعت قال ما
صنعت في سفرك فقالت أتممت الذي قصرت وصمت الذي أفطرت فقال أحسنت " (1) وقال أبو حنيفة القصر
عزيمة ولا تجوز الزيادة على الركعتين في الصلاة الرباعية ولو صلى أربعا فان قعد في الثانية مقدار
التشهد أجزأت الركعتان عن فرضه والاخريان له نافلة وان لم يقعد مقدار التشهد بطلت صلاته
430

وهذا في المنفرد أما إذا اقتدى بمقيم سلم أنه يتم وعن مالك روايتان (إحداهما) كمذهبنا والأخرى
كمذهبه وأعلموا في نسخ الكتاب قوله وهو رخصة بالحاء والميم إشارة إلى مذهبهما وظني أن
هذا الاعلام فاسد لان وصف الشئ بأنه رخصة قد يكون بالمعني المقابل للعزيمة وقد يكون بمعني
أنه جائز - يقال ارخص لفلان في كذا أي جوز له ذلك - والأشبه أن المراد ههنا المعنى الثاني لأنه
قال عند وجود السبب والمحل والشرط ومعلوم أن الجواز يفتقر إلى هذه الأمور سواء كان
رخصة أو عزيمة ولا يختص الافتقار إليها بالرخصة المقابلة للعزيمة وإذا كان المراد أنه جائز فلا
خلاف فيه حتى يعلم *
قال (الأول السبب وهو كان سفر طويل مباح (ح) والمراد بالسفر ربط القصد بمقصد معلوم فالهائم
431

لا يترخص وإنما يترخص المسافر عن مجاوزة السور أو عمران البلدان لم يكن له سور وأن لم يجاوز
المزارع والبساتين ويشترط مجاوزتها على سكان القرايا أعني المزارع المحوطة وعلى النازل
في الوادي أن يخرج عن عرض الوادي أو يهبط أن كان على ربوة أو يصعد إن كان في وهدة
أو يجاوز الخيام أن كان في حلة) *
السبب المجوز للقصر السفر الطويل المباح فهذه ثلاثة قيود (أولها) السفر وقد تكلم في معناة
في ابتدائه وانتهائه. اما معناه فلا بد فيه من ربط القصد بمقصد معلوم فلا رخصة للهائم الذي
لا يدرى إلى أين يتوجه وأن طال سيره لان كون السفر طويلا لا بد منه وهذا لا يدري أن
سفره طويل أم لا والهائم هو الذي سماه راكب التعاسيف في باب الاستقبال ويجوز أن يعلم قوله فالهائم لا
432

يترخص بالواو لان صاحب البيان حكى عن بعضهم فيه وجهين بناء على القولين فيما إذا سلك الطريق
الطويل وترك القصير لا لغرض ولعل هذا بعد أن يسير مسافة القصر والله أعلم ولو استقبلته برية
واضطر إلى قطعها أو ربط قصده بمقصد معلوم بعد ما هام على وجهه أياما فهو منشئ للسفر من حينئذ
وتنبه من لفظ الكتاب لأمور (أحدها) إنما قال والمراد بالسفر ولم يذكر ان السفر عبارة عن
المعنى الذي يخرج عنه الهائم لأنه ينتظم أن يقال هو هائم في سفره (والثاني) أن في الكلام
اضمارا معناه ربط قصد السير بمقصد معلوم لان مجرد النية لا يجعله مسافرا ولا تفيد الرخصة قال الله
تعالى (وإذا ضربتم في الأرض) الآية ربط القصر بالضرب في الأرض لا بقصد الضرب وهذا
بخلاف ما لو نوى المسافر الإقامة في موضع صالح لها حيث يصير مقيما لان الأصل الإقامة والسفر
433

عارض فيجوز أن يعود إلى الأصل بمجرد النية (والثالث) أن قوله ربط القصد بمقصد معلوم يخرج
عنه ما لو خرج في طلب آبق لينصرف مهما لقيه لان المراد من المقصد المكان الذي يتوجه بسيره
إليه وهو لا يقصد ثم مكانا معينا وهذه المسألة تذكر في الكتاب في قيد الطويل وسنذكرها ونظائرها
من بعد: واما ابتداء السفر فيتبين بتفصيل كان الموضع الذي منه الارتحال فان ارتحل عن بلده نظر أن كان
لها سور فلا بد من مجاوزته وأن كان داخل السور مزارع أو مواضع خربة لان جميع ما في داخل
السور معدود من نفس البلدة محسوب من موضع الإقامة وإذا جاوز السور فلفظ الكتاب كالصريح
في أنه ابتداء السفر ولا يتوقف الترخص على شئ آخر لأنه قال وإنما يترخص المسافر عند مجاوزة
السور ونقل كثير من الأئمة يوافقه لكن في بعض تعاليق المروروذيين أنه أن كان خارج الصور دور
434

متلاصقة أو مقابر فلا بد من مفارقتها ويقرب من هذا ايراد الكلام في التهذيب فلك أن تقدر في
المسألة وجهين وتوجه الأول بان تلك الأبنية لا تعد من البلد ألا يرى أنه يقال مدرسة كذا خارج
البلد ويوجه الثاني بأنها من مواضع الإقامة المعدودة من توابع البلد ومضافاتها فلها حكمها ولك
ان لا تثبت خلافا في المسألة وتؤول أحد النقلين على الآخر (والثاني) أوفق لكلام الشافعي فإنه رضي
الله عنه قال في المختصر وأن نوى السفر فلا يقصر حتى يفارق المنازل أن كان حضريا فلم يعتبر
السور وإنما اعتبر مفارقة المنازل والله أعلم وأن لم يكن للبلدة سور اما في صوب سفره أو مطلقا فابتداء
السفر بمفارقة العمران حتى لا يبقى بيت متصل ولا منفصل والخراب الذي يتخلل العمارات معدود
من البلد كالنهر الحائل بين جانبي البلد مثل ما في بغداد فلا يترخص بالعبور من أحد الجانبين إلى
الاخر وفى هذا شئ سنذكره في كتاب الجمعة أن شاء الله تعالى وإن كانت أطراف البلدة خربة
ولا عمارة وراءها فلفظ الكتاب يقتضي الاستغناء عن مجاوزتها فإنه قال أو عمران البلد أن لم يكن
435

سور ووجهه أن الخراب ليس موضع إقامة وهذا هو الموافق للنص الذي قدمناه وهو الذي أورده
صاحب التهذيب وقال أصحابنا العراقيون والشيخ أبو محمد لا بد من مجاوزتها لأنها معدودة من البلدة
ومجاوزة البلدة لا بد منها فليعلم قوله أو عمران البلد بالواو كذلك وهذا الخلاف فيما إذا كانت بقايا الحيطان
قائمة ولم يتخذوا الخراب مزارع ولا هجروه بالتحويط على العامر فإن كان الامر بخلافه فلا خلاف
في أنه لا حاجة إلى مجاوزتها ولا يشترط مجاورة البساتين والمزارع المتصلة بالبلد وأن كانت محوطة
لأنها لا تتخذ للسكنى والإقامة الا إذا كانت فيها قصور أو دور يسكنها ملاكها في جميع السنة أو في
بعض فصلوها فلا بد من مجاوزتها حينئذ وليعلم قوله وأن لم يجاوز المزارع والبساتين بالواو لان صاحب
التتمة حكى عن بعض الأصحاب اشتراط مجاوزة البساتين والمزارع المضافة إلى البلدة مطلقا هذا
كله فيما إذا ارتحل عن بلدة: اما القرية فحكمها حكم البلدة في جميع ما ذكرناه الا أنه شرط في الكتاب
مجاوزة البساتين والمزارع المحوطة في القرى (وقوله) في الكتاب أعني المزارع المحوطة ليس لتخصيص
الحكم بالمزارع بل البساتين في معناها بطريق الأولى وقد صرح به في الوسيط ويمكن أن يقال
الغالب في البساتين التحويط أو هو شرط في وقوع اسم البساتين فلم يحتج إلى إعادة ذكرها مقيدة بالتحويط
وهذا الذي ذكره حجة الاسلام قدس الله روحه من اعتبار مجاوزة البساتين والمزارع المحوطة جميعا
بخلاف ما نقله غيره اما امام الحرمين فإنه اعتبر مجاوزة البساتين وقال هي معدودة من القرى ولم يعتبر مجاوزة
المزارع لأنها ليست موضع سكون ثم قال لو كانت بساتينها غير محوطة على هيئة المزارع أو مزارعها محوطة فلا
436

يشترط عندي مجاوزتها فصرح ان مجاوزة المزارع وأن كانت محوطة لا تشترط واما العراقيون من أصحابنا
فإنهم لم يشترطوا مجاوزة البساتين ولا مجاوزة المزارع لأنهم ذكروا عدم الاشتراط في البلد ثم قالوا
والحكم في القرى إذا أراد أن يسافر من القرية كالحكم في البلدي سواء هذا لفظ المحاملي وغيره
فإذا يجب اعلام قوله ويشترط مجاوزتها جميعا على سكان القرى بالواو ومعرفة ما فيه ولو فرضت قريتان
ليس بينهما انفصال فارق فهما كمحلتين فيجب مجاوزتهما قال الامام وفيه احتمال ولو كان بينهما انفصال
فإذا فارق قريته كفي وإن كانتا في غاية التقارب وعن ابن سريج انهما إذا تقاربتا وجب مفارقتهما
437

ولو جمع سور قرى متفاصلة فلا يشترط للسفر منها مجاوزة ذلك السور وكذلك لو قدر ذلك في بلدتين
متقاربتين ويتبين بهذا أن قوله في الكتاب عند مجاوزة السور المراد منه السور المختص بالموضع
الذي يرتحل منه واما المقيم في الصحارى فلا بد له من مفارقة البقعة التي أقام بها قدر ما يكون
فيه رحله وأمتعته وينتسب إليه فان سكن واديا وسافر في عرضه فلا بد من مجاوزة عرض الوادي نص
عليه الشافعي رضي الله عنه قال الأصحاب وهذا على الغالب في اتساع الوادي فان أفرطت السعة
لم يجب الا مجاوزة القدر الذي يعد موضع نزوله أو موضع الحلة التي هو منها كما لو سافر في طول الوادي
وعن القاضي أبي الطيب أن كلام الشافعي رضي الله عنه مجرى على اطلاقه وجانبا الوادي بمثابة
سور البلد والنازل فيهما يتحصن بهما فلا بد من مجاوزتهما وإذا كان النازل على ربوة فلا بد من أن
438

يهبط وأن كان في وهدة فلا بد من أن يصعد وهذا أيضا عند الاعتدال كما ذكرنا في الوادي وإذا
كان في قوم أهل خيام كالأعراب والأكراد فإنما يترخص إذا فارق الخيام مجتمعة أو متفرقة ما دامت
تعد حله واحدة وهي بمثابة أبنية البلدة والقرية ولا يعتبر مفارقته لحلة أخرى بل الحلتان كالقريتين
المتقاربتين وضبط الصيدلاني التفرق الذي لا يؤثر بأن يكونوا بحيث يجتمعون للسمر في ناد واحد
ويستعير بعضهم من بعض فإذا كانوا بهذه الحالة فهم حي واحد ويعتبر مع مجاوزة الخيام مجاوزة
مرافقها كمطرح الرماد وملعب الصبيان والنادي ومعاطن الإبل فإنها معدودة من جملة مواضع اقامتهم
(وقوله) وعلى النازل في الوادي أن يخرج عن عرض الوادي وفى بعض النسخ أن يخرج عرض
الوادي وفى بعضها أن يجاوز والمعنى لا يختلف يقال جزع الوادي أي قطعه وجزعة منعطفة وفي
439

الكلام اضمار معناه يشترط عليه الخروج عن عرض الوادي إن كان سفره في صوب العرض
(وقوله) أو يهبط إن كان على ربوة لا يختص بالنازل في الوادي بل الربوة والوهدة في غير الوادي أغلب
وقد يفرضان فيه أيضا والحكم لا يختلف وليست كلمة أو فيهما وفى مجاوزة الخيام للتخيير لكن
المقصد التعرض لأحوال النازل في الصحراء وهو تارة يكون في واد وتارة على ربوة وتارة في وهدة
وتارة في مستو من الأرض فلا يفرض في حقه خروج من العرض ولا هبوط ولا صعود ولكنه يجاوز الخيام
إن كان في حلة ولا فرق في اعتبار مجاوزة عرض الوادي والصعود والهبوط بين المقيم والمنفرد في خيمة
وبين أن يكون في جماعة أهل خيام على التفصيل الذي بيناه ولك أن تعلم قوله أو يجاوز
الخيام بالواو لان القاضي ابن كج حكى وجها أنه لا يعتبر مفارقة الخيام بل يكفي مفارقة
خيمته خاصة *
440

قال (فان رجع المسافر لاخذ شئ نسيه لم يقصر في رجوعه إلى وطنه الا إذا رجع إلى بلد كان بها
غريبا فاظهر الوجهين أنه يترخص وإن كان قد أقام بها)
إذا فارق المسافر بنيان البلدة ثم رجع إليها لحاجة كاخذ شئ نسيه وغسل الدم من رعاف اصابه
وتجديد طهارة وما أشبه ذلك فلتلك البلدة أحوال ثلاث (إحداها) أن لا يكون له بها إقامة أصلا فلا
يصير مقيما بالرجوع إليها والحصول فيها (والثانية) أن تكون وطنه فليس له القصر إذا عاد إليها لحصوله
في مسكنه وموضع اقامته وإنما يترخص إذا فارقها ثانيا (والثالثة) أن لا تكون وطنه لكنه قد
أقام بها مدة فهل يترخص إذا عاد إليها فيه وجهان (أحدهما) لا كما لو كانت وطنا له وهذا هو الذي
ذكره في التهذيب (والثاني) نعم لأنه أبطل عزم الإقامة وليست وطنا له فكانت بالإضافة إليه كسائر
441

المنازل وهذا هو المذكور في التتمة والأصح عند امام الحرمين وصاحب الكتاب وحيث حكمنا
بأنه لا يترخص إذا أعاد إليه فلو نوى ان يعود ولم يعد بعد لا يترخص أيضا ويصير بالنية مقيما ولا فرق
بين حالة الرجوع وحالة الحصول في البلدة المرجوع إليها أن ترخص ترخص فيهما والا فلا وقد صرح بالتسوية
بينهما في الوسيط وبينه بقوله ههنا لم يقصر في رجوعه إلى وطنه على أنه لا يقصر في الوطن بطريق
الأولى ولا يخفي أن الكلام مفروض فيما إذا لم يكن من موضع الرجوع إلى الوطن قدر مسافة القصر
والا فهو سفر منشأ ويجوز أن يعلم قوله لم يقصر في رجوعه بالواو لان القاضي أبا المكارم ذكر في
442

العدة انه يجوز له القصر في طريق البلد ذاهبا وجائيا ما لم يدخل البلد فإذا دخل لا يقصر وقوله الا إذا
رجع استثناء منفصل فان البلدة التي تكون وطنا له لا يكون الانسان غريبا بها *
قال (ثم نهاية سفره بالعود إلى عمران الوطن أو بالعزم على الإقامة مطلقا أو مدة تزيد على ثلاثة
أيام ليس فيها يوم الدخول والخروج فإن كان له في البلد غرض يعلم أنه لا ينتجز في ثلاثة أيام فهو مقيم
الا إذا كان الغرض قتالا فيترخص على ظهر القولين لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ثمانية
عشر يوما وهل يزيد على تلك المدة فقولان وإن كان يتوقع انتجاز غرضه كل ساعة وهو على عزم الارتحال
ترخص إن كان الغرض قتالا وإن كان غيره فقولان) *
غرض الفصل فيما ينتهى به السفر وقد عده في الوسيط ثلاثة أمور (أحدها) لعود إلى
إلى الوطن والضبط فيه ان يرجع إلى الموضع الذي شرطنا مفارقته في إنشاء السفر منه وفى معنى الوصول
443

إلى الوطن الوصول إلى المقصد الذي عزم على الإقامة فيه الحد المعتبر كما سيأتي ولو لم يعزم على الإقامة
به ذلك الحد لم ينته سفره بالوصول إليه على أصح القولين بل له القصر بعد الوصول إليه وفى انصرافه
ذكره في التهذيب وغيره ولو حصل في طريقه في قرية أو بلدة له بها أهل وعشيرة فهل ينتهى سفره
بدخوله فيه قولان (أحدهما) نعم كدخول وطنه (وأصحهما) لا " لان النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من
المهاجرين لما حجوا قصروا بمكة وكان لهم أهل وعشيرة " (1) وطرد الصيدلاني هذين القولين فيما
إذا مر في طريق سفره بوطنه لأنه قال لو خرج مكي إلى جدة أو إلى موضع آخر يقصر إليه الصلاة
ونوى انه إذا رجع إلى مكة خرج منها إلى بعض الآفاق من غير إقامة فهل يصير مقيما إذا دخلها
راجعا فيه قولان وذلك أن الرجل إذا مر ببلدة له بها أهل ومال هل يصير بدخولها مقيما فيه قولان
فعلى هذا العود إلى الوطن لا يوجب انتهاء السفر الا إذا كان عازما على الإقامة لكن المشهور انه
يصير مقيما بنفس الدخول بلا خلاف ولذلك قطعوا فيما إذا رجع إلى وطنه لاخذ شئ نسيه بأنه
444

لا يقصر وقد نقل في البيان مثل ما ذكر الصيدلاني عن بعض الأصحاب واستبعده وقطع بأنه
لا يقصر إذا عاد إلى مكة ويصير مقيما (الثاني) نية الإقامة إذا نوى الإقامة في طريقه مطلقا انقطع سفره
وصار مقيما لا يقصر فلو أنشأ السير بعده فهو سفر جديد فإنما يقصر إذا توجه إلى مرحلتين هذا إذا
نوى الإقامة في موضع يصلح لها من بلدة أو قرية أو واد يمكن للبدوي النزول فيه للإقامة فاما المفازة ونحوها
فهل ينقطع سفره بنية الإقامة فيها فيه قولان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة لا لان المكان غير صالح للإقامة
(وأظهرهما) عند جمهور الأصحاب نعم لقصده قطع السفر وهذا أوفق لمطلق لفظ الكتاب والأول أرجح
عنده في الوسيط ولو نوى الإقامة مدة نظر إن نواها ثلاثة أيام فما دونها لم يصر مقيما بذلك لما روى أنه
صلى الله عليه وسلم قال " يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا " (1) وكان يحرم على المهاجرين الإقامة بمكة ومساكنة
445

الكفار فلما رخص لهم في المكث هذا القدر اشعر ذلك بأنه لا يقطع حكم السفر ولا يوجب الإقامة
" ومنع عمر رضي الله عنه أهل الذمة من الإقامة في أرض الحجاز وجوز للمجتازين بها المكث ثلاثة أيام " (1)
وان نوى الإقامة أكثر من ثلاثة أيام فعبارة الشافعي رضي الله عنه وجمهور الأصحاب انه إذا قصد إقامة
أربعة أيام صار مقيما وذلك يقتضي ان لا يكون قصد إقامة ما دون الأربعة منهيا للسفر وان زاد على ثلاثة أيام
446

وقد صرح به كثيرون واختلفوا في أن الأيام الأربعة كيف تحتسب على وجهين مذكورين في التهذيب وغيره
(أحدهما) أنه يحتسب يوم الدخول والخروج كما يحسب يوم الحدث ويوم نزع الخف في مدة المسح (وأصحهما) لا لان
المسافر لا يستوعب النهار بالسير إنما يسير في بعضه وهو في يومي الدخول والخروج سائر في بعض النهار ولأنه
في يوم الدخول في شغل الحط وتنضيد الأمتعة ويوم الخروج في شغل الارتحال وهما من اشغال السفر فعلى
الأول لو دخل يوم السبت وقت الزوال على عزم الخروج يوم الأربعاء وقت الزوال فقد صار مقيما لبلوغ
المكث في البلد أربعة أيام وعلى الثاني لا يصير مقيما وان دخل ضحوة يوم السبت على عزم الخروج عشية يوم
الأربعاء وقال صاحب الكتاب وشيخه متى نوى إقامة زيادة على ثلاثة أيام فقد صار مقيما وهذا الذي ذكرناه
يوهم انه على خلاف قول الجمهور لأنهم احتملوا ما دون الأربعة وان زاد على الثلاثة وهما لم يحتملا زيادة
وهو كذلك من حيث الصورة لكن لا خلاف في الحقيقة لأنهم احتملوا زيادة لا تبلغ الأربعة غير يومي
الدخول والخروج وهما لم يحتملا زيادة على الثلاثة غير يومي الدخول والخروج وقرض الزيادة على الثلاثة
بحيث لا تبلغ الأربعة ويكون غير يومى الدخول والخروج مما لا يمكن وقد روى " ان النبي صلى الله عليه
وسلم دخل مكة عام حجة الوداع يوم الأحد وخرج يوم الخميس إلى منى كل ذلك يقصر " (1) ثم الأيام
المحتملة معدودة مع الليالي لا محالة وإذا نوى إقامة القدر الذي لا يحتمل فيصير مقيما في الحال ولا يتوقف
على انقضاء المدة المحتملة ولو دخل ليلا لم يحتسب بقيه الليل ويحتسب الغد وجميع ما ذكرنا في غير المحارب
فاما المحارب إذا نوى الإقامة قدرا لو نواه غيره لصار مقيما ففيه قولان حكاهما الشيخ
أبو حامد وكثير من الأئمة (أحدهما) لا يصير مقيما وله القصر أبدا لأنه قد يضطر إلى الارتحال
فلا يكون له قصد جازم (وأصحهما) انه يصير مقيما كغيره وهذا هو الموافق لاطلاق لفظ الكتاب
447

والخلاف كالخلاف فيما لو قصد الإقامة في موضع لا يصلح لها وقوله أو مدة تزيد على ثلاثة أيام معلم
بالحاء والزاي لان عن أبي حنيفة لا يصير مقيما الا إذا نوى إقامة خمسة عشر يوما فصاعدا وهو اختيار
المزني وحكى عن مالك واحمد مثل مذهبنا ويروى عن أحمد انه أن نوى اثنين وعشرين صلاة أتم
وأن نوى إقامة إحدى وعشرين فما دونها قصر ويجوز أن يعلم بالألف أيضا (وقوله) ليس فيها يوم الدخول
والخروج معلم بالواو لان على الأول من الوجهين المذكورين في كيفية الاحتساب لا يحتمل اليومان
مع الثلاثة على الاطلاق الثالث صورة الإقامة إذا زادت على ثلاثة أيام على الوجه الذي بيناه فمهما
عرض له شغل في بلدة أو قرية واحتاج إلى الإقامة لذلك فلا يخلو إما أن يكون ذلك الشغل بحيث
448

يتوقع تنجزه لحظة فلحظة وهو على عزم الارتحال متى تنجز أو يكون بحيث يعلم أنه لا يتنجز
في الأيام الثلاثة كالتفقه والتجارة الكثيرة ونحوهما فاما في الحالة الأولى فله القصر إلى أربعة أيام
على ما تقدم وصفها ثم لا يخلو إما أن يكون على القتال أو خائفا منه أو لا يكون كذلك فإن كان
على القتال أو خائفا منه ففي المسألة طريقان (أظهرهما) أن فيها قولين (أحدهما) أنه ليس له القصر
لان نفس الإقامة أبلغ من نية الإقامة فإذا امتنع القصر بنية إقامة أربع فصاعدا فلان يمتنع بإقامتها
كان أولي (وأصحهما) أن له القصر لأنه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أقام عام
الفتح على قتال هوازن أكثر من أربعة أيام يقصروا " (1) على هذا كم يقصر فيه قولان (أصحهما) أنه يقصر
المدة التي قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما عدا ذلك فالأصل وجوب الاتمام وقد
اختلفت الرواية في مدة اقامته بمكة للحرب المذكور فروى أنه أقام سبعة عشر وروى أنه أقام تسعة
عشر وروى أنه أقام عشرين وعن عمران بن الحصين رضي الله عنه أنه أقام ثمانية عشر " قال
449

في التهذيب واعتمد الشافعي رضي الله عنه رواية عمران بن حصين رضي الله عنه لسلامتها عن
الاختلاف (والقول) الثاني له القصر ابدا ما دام على هذه النية لما روى أنه صلى الله عليه وسلم وآله
" أقام بتبوك عشرين يوما يقصر " (1) وأيضا فان الظاهر أنه لو زادت الحاجة لدام رسول الله صلى الله عليه
450

وسلم على القصر " وروى أن عمر رضي الله عنهما أقام بآذربيجان ستة أشهر يقصر " (1) (والطريق الثاني)
انه لا خلاف في جواز القصر ثمانية عشر يوما وبعده قولان وأما إذا لم يكن على القتال ولا خائفا
منه لكن أقام للتجارة ونحوها يتوقع تنجز الغرض لحظة فلحظة وهو على عزم الارتحال فطريقان
(أحدهما) القطع بالمنع والفرق بين المحارب وغيره أن للحرب اثرا في تغيير صورة الصلاة الا يرى أنه
يحتمل بسببه ترك الركوع والسجود والقبلة (وأظهرهما) أن فيه قولين ثم إن جوزنا ففي كيفيته قولان
كما ذكرنا في المحارب وقد نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال " سافرنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأقام سبعة عشر يوما يقصر فيه الصلاة " اشعر هذا الاطلاق بان حكم الحرب وغيره
سواء وإذا اختصرت قلت في جواز القصر في هذه الحالة الأولى طريقان (أظهرهما) أن فيه ثلاثة
أقوال سواء المحارب وغيره (أحدها) منع القصر على الاطلاق (والثاني) جوازه على الاطلاق وبه
قال أبو حنيفة ومالك واحمد والمزني رحمهم الله تعالى (والثالث) وهو الأصح جوازه إلى ثمانية
عشر يوما والمنع بعده (والطريق الثاني) أن هذه الأقوال في المحارب وفى غيره يقطع بالمنع (الحالة
الثانية) أن يكون الشغل بحيث يعلم أنه لا يتنجز في ثلاثة أيام ونتكلم أيضا في المحارب ثم في غيره
فاما المحارب فقد أطلق في الوسيط ذكر قولين فيه (أحدهما) أن له القصر لفعل رسول الله صلى الله
عليه وسلم في بعض الغزوات (والثاني) المنع لأنه مقيم ومجرد القتال لا يرخص وفعل النبي
صلى الله عليه وسلم محمول على عزم الارتحال كل يوم والأحسن ما أشار إليه امام الحرمين
وهو ترتيب هذه الحالة على الأولى إن قلنا المحارب ثم لا يقصر فههنا أولي وأن قلنا يقصر فههنا
قولان والفرق أنه متردد ثم وههنا مطمئن ساكن بعيد عن هيئة المسافرين وإذا قلنا يترخص فهل
يزيد على ثمانية عشر يوما فيه قولان كما في الحالة الأولى واما غير المحارب كالمتفقه والتاجر تجارة كثيرة
فظاهر المذهب أنه لا يترخص وهو مقيم لان ارتحاله موقوف في عزمه على تنجز شغله وذلك غير
متنجز في المدة التي يحتمل اقامتها وقياس التسوية بين المحارب وغيره عود الخلاف ههنا وقد أشار
إليه صاحب النهاية واستنكره وقال هو نتيجة التفريع على الأقوال الضعيفة إذا عرفت حكم الحالتين
فارجع إلى لفظ الكتاب واعلم أن ثانيتهما في الشرح أولاهما في نظم الكتاب وأن قوله فهو مقيم
451

الا إذا كان الغرض قتالا يجوز أن يعلم لفظ المقيم بالواو للوجه الذي ذكرناه الآن في غير
المحارب وقوله الا إذا كان الغرض قتالا كلام في المحارب ولا فرق بين أن يكون مشغولا بالحرب
أو مستعدا له أو خائفا منه وأن لم يتمحض ذلك غرضا له والحكم سواء في جميع هذه المسائل واعرف
في قوله فيترخص على أظهر القولين أشياء (أحدها) أنه يجوز اعلام القولين أشياء (أحدها) أنه يجوز
اعلام قوله على أظهر القولين بالواو إشارة إلى طريقة تحصل بما حكينا من ترتيب الحالة الثانية على
الأولى ويحرم بالمنع (والثاني) أن الحكم بكون الترخص أظهر القولين ليس في هذه الحالة على
خلاف المشهور وإنما جعلوا قول الترخص أظهر وأصح فيما إذا كان يتوقع تنجز الغرض كل ساعة
واما هذه الصورة فقد جعلوها بمثابة ما لو عزم على الإقامة مدة طويلة وقد ذكرنا أنه أن كان محاربا
ففي ترخصه قولان والأصح منهما أنه لا يترخص وهو مقيم (والثالث) أنه أراد بقوله فيترخص
على أظهر القولين أنه يترخص ثمانية عشر يوما على ما يثبته سياق الكلام والمقابل له أنه لا يترخص هذه
المدة وحينئذ ما لحكم أنقول لا يترخص أصلا أم يترخص دون هذه المدة (أن قلنا) الحكم في هذه
الحالة كالحكم فيما إذا كان يتوقع نجاز غرضه كل ساعة (فيترخص) ثلاثة أيام كما سبق (وأن قلنا) أنه مطمئن
ليس على هيئة المسافرين فلا يترخص أصلا كما إذا نوى الإقامة فوق الأربعة يصير مقيما في الحال
(وقوله) وأن كان يتوقع انجاز غرض إلى آخره هو الحالة الأولى وقوله فيترخص يجوز أن يكون
452

جوابا على الطريقة القاطعة بالترخص إلى ثمانية عشر يوما ويجوز أن يكون جوابا على الأصح مع
تسليم الخلاف وهو الذي ذكره في الوسيط على التقديرين فهو معلم بالواو ثم لم يبين أنه كم يترخص
وربما يفهم ظاهر اللفظ الترخيص على الاطلاق لكن الأصح أنه لا يترخص بعد الثمانية عشر وقد
بينا جميع ذلك *
قال (اما الطويل فحده مسيرة يومين (ح) وهو ستة عشر فرسخا لا يحتسب فيه مدة الإياب
ويشترط عزمه في أول السفر فلو خرج في طلب آبق لينصرف مهما لقيه لم يترخص وإن تمادى
سفره الا إذا علم أنه لا يلقاه قبل مرحلتين ولو ترك الطريق القصير وعدل إلى الطويل لغير عرض لم
يترخص (ح وز) ومهما بدا له الرجوع في أثناء سفره انقطع سفره فليتم إلى أن ينفصل عن مكانه
متوجها إلى مرحلتين) *
القيد الثاني كون السفر طويلا واختلفت عبارات الشافعي رضي الله عنه في حده فقال في
المختصر وغيره ستة وأربعون ميلا بالهاشمي وقال في موضع ثمانية وأربعون ميلا وقال في موضع
أربعون ميلا وقال في موضع أربعة برد وقال في موضع مسيرة يومين واتفق الأصحاب على أنه ليس
له في ذلك اختلاف قول وحيث قال ستة وأربعون أراد ما سوى الميل الأول والآخر وحيث قال
ثمانية وأربعون أدخلهما في الحساب وحيث قال أربعون أراد بأميال بني أمية وهي ثمانية وأربعون
ميلا وهي أميال هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد قدر أميال البادية
فيكون ستة عشر فرسخا لان كل ثلاثة أميال فرسخ وهي أربعة برد لان كل بريد أربعة فراسخ
ومسيرة يومين لان مسيرة كل يوم على الاعتدال ثمانية فراسخ وكل ميل أربعة آلاف خطوة واثنا
عشر الف قدم لان كل خطوة ثلاثة اقدام وقال أبو حنيفة السفر الطويل مسيرة ثلاثة أيام ولم يقدر
بالفراسخ والأميال وذكر القاضي الروياني وغيره من أصحابنا أنه أربعة وعشرون فرسخا
عنده وهو على قياس مسيرة اليومين كما ذكرنا لنا ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى
453

الله عليه وسلم قال " يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان والي
الطائف " (1) وهو يقتضي الترخيص في هذا القدر وروى مثل مذهبنا عن ابن عمر وابن عباس وغيرهما
من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين (2) وبه قال مالك وأحمد واستحب الشافعي رضي الله عنه أن
لا يقصر في أقل من مسيرة ثلاثة أيام للخروج من الخلاف وما ذكرناه من تفسير الطول معتبر بالتقريب
أو بالتحديد حكي القاضي الروياني فيه وجهين وقال الصحيح أنه تحديد ونقل الحناطي وصاحب
البيان قولا أن القصر يجوز في السفر القصير بشرط الخوف لعموم قوله تعالي (وإذا ضربتم في الأرض)
الآية فان ثبت ذلك اقتضي اعلام لفظ الطويل عند قوله قبل هذا وهو كل سفر طويل مباح بالواو
454

ثم في الفصل مسائل (إحداها) مسافة الإياب لا تحتسب في الحد المذكور حتى لو قصد موضعا على مرحلة
على عزم أن يرجع ولا يقيم فيه فليس له القصر لا ذاهبا ولا جائيا وأن نالته مشقة السير مرحلتين
على التوالي لأنه لا يسمي سفرا طويلا والغالب في الرخص الاتباع وما رويناه من خبر ابن عباس
رضي الله عنهما ظاهر في أن المعتبر المسافة التي يقطعها من منشأ سفره إلى مقصده وحكي الحناطي
وجها أنه إذا كان الذهاب والرجوع حد السفر الذي يقصر إليه الصلاة قصر فيجوز أن يعلم قوله
لا يحتسب بالواو لذلك (الثانية) يشترط عزمه على قطع هذه المسافة في الابتداء فلو خرج لطلب غريم
أو عبد آبق لينصرف مهما لقيه وهو لا يدرى موضعه لم يترخص وأن طال سيره كما ذكرناه في
الهائم فإذا وجده وعزم على الرجوع إلى بلده وبينهما مسافة القصر يترخص إذا ارتحل عن ذلك
الموضع ولو كان يعرف موضعه في ابتداء السير أو يعرف أنه لا يلقاه قبل مرحلتين فله الترخص
ولو قصد مسافة القصر ثم نوى أنه أن وجد عبده أو غريمه ينصرف نظر أن نوى ذلك قبل مفارقة
عمران البلد لم يترخص لأنه غير النية قبل انعقاد حكم السفر وان نواه بعد مفارقة العمران ففيه
وجهان مذكوران في النهاية والتهذيب (أصحهما) أنه يترخص ما لم يجده فإذا وجده صار مقيما لان سبب
الرخصة قد انعقد فيستمر حكمه إلى أن يوجد ما غير النية إليه وكذلك لو نوى الخروج إلى مسافة
القصر ثم نوى الإقامة في بلد وسط الطريق أن كان من مخرجه إلى المقصد الثاني مسافة القصر
يترخص وأن كان أقل فوجهان (أصحهما) أنه يترخص ما لم يدخله كما في مسألة الغريم وإذا سافر العبد
بسير المولي والمرأة بسير الزوج والجندي بسفر الأمير وهم لا يعرفون مقصدهم فليس لهم القصر
وأن نووا مسافة القصر فلا عبرة بنية العبد والمرأة وتعتبر نية الجندي فإنه ليس تحت يد الأمير
وقهره وأن عرفوا مقصدهم ونووا فلهم القصر وقال أبو حنيفة العبد والمرأة يترخصان تبعا للسيد
والزوج وأن لم يعرفا المقصد (الثالثة) لو كان له إلى مقصده طريقان يبلغ أحدهما مسافة القصر والثاني
لا يبلغها فسلك الطريق الطويل نظر إن كان لغرض كخوف أو حزونة في القصير أو قصد زيارة أو عبادة في
الطويل فله القصر ولو قصد التنزه فكذلك وعن الشيخ أبى محمد رحمه الله تعالى تردد في اعتباره وان
قصد الترخص ولم يكن له غرض سواه ففي المسألة طريقان (أظهرهما) أن في الترخص قولين (أحدهما)
انه يترخص وبه قال أبو حنيفة والمزني وهو نصه في الاملاء لأنه سفر مباح فأشبه سائر الاسفار
(وأصحهما) انه لا يترخص لأنه طول الطريق على نفسه من غير غرض فصار كما لو سلك الطريق القصير
وكان يذهب يمينا وشمالا وطول على نفسه حتى بلغت المرحلة مرحلتين فإنه لا يترخص (والطريق
455

الثاني) القطع بهذا القول الثاني وحمل نصه في الاملاء على ما إذا سلكه لغرض ولو كان يبلغ كل واحد
من الطريقين مسافة القصر وأحدهما أطول فسلك الأطول فله القصر بلا خلاف إذا عرفت ذلك
فقوله في الكتاب لم يترخص يجوز أن يكون جوابا على الطريقة الجازمة بالمنع ويجوز أن يكون جوابا
على الأصح مع اثبات الخلاف وعلى التقديرين فهو معلم بالواو مع الحاء والزاي (الرابعة) إذا خرج إلى بلدة
والمسافة طويلة ثم بدا له في أثناء السفر أن يرجع فقد انقطع سفره بهذا القصد ولم يكن له ان يقصر
ما دام في ذلك الموضع فإذا ارتحل عنه فهو سفر جديد فإنما يقصر إذا توجه من ذلك المكان إلى
مرحلتين سواء رجع أو بطل عزمه وسار إلى مقصده الأول وتوجه إلى غيرهما ولو توجه إلى بلد
لا تقصر إليه الصلاة ثم نوى مجاوزته إلى بلد تقصر إليه الصلاة فابتداء سفره من حين غير النية وإنما
يترخص إذا كان من ذلك الموضع إلى مقصده الثاني مرحلتان ولو خرج إلى سفر طويل على قصد الإقامة
في كل مرحلة أربعة أيام لم يترخص لانقطاع كل سفرة عن الأخرى *
قال (واما المباح فالعاصي بسفره (ح ز) لا يترخص كالآبق والعاق فان طرأت المعصية في أثناء
السفر ترخص على النص وكذا على العكس وفي تناول الميتة ومسح يوم وليلة وجهان (أصحهما)
الجواز لأنها ليسا من خصائص السفر) *
القيد الثالث كون السفر مباحا وليس المراد من المباح في هذا الموضع ما خير بين طرفيه
واعتدلا فان الرخصة كما تثبت في سفر التجارة تثبت في سفر الطاعة كالحج والجهاد ونحوهما وإنما
المراد منه ما ليس بمعصية واما سفر المعصية فلا يفيد الرخصة خلافا لأبي حنيفة والمزني وذلك
كهرب العبد من مولاه والمرأة من زوجها والغريم مع القدرة على الأداء وكما إذا سافر ليقطع الطريق
أو ليزني بامرأة أو ليقتل بريئا: لنا أن الرخصة أثبتت تخفيفا وإعانة على السفر ولا سبيل إلى إعانة
العاصي فيما هو عاص به بخلاف ما لو كان السفر مباحا وهو يرتكب المعاصي في طريقه فإنه لا يمنع
ثم من السفر إنما يمنع من المعصية ولو أنشأ سفرا مباحا ثم نقله إلى معصية ففيه وجهان (أحدهما) أنه يترخص
لان هذا السفر انعقد مباحا مرخصا والشرط يراعي في الابتداء (والثاني) لا يترخص كما لو أنشأ
السفر بهذه النية هكذا أرسل الجمهور ذكر الوجهين في المسألة وكلامهم يميل إلى ترجيح الوجه الثاني
وقد صرح به في العدة ونسب في النهاية القول بالترخص إلى ظاهر النص والثاني إلى تخريج ابن
سريج وتابعه في الكتاب فقال ترخص على النص والاقتصار عليه يفهم ظهور القول بالترخص
لكنه ذكر في الوسيط ان عدم الترخص أوضح كما حكيناه عن غيره ولو أنشأ السفر على قصد معصية
456

ثم تاب وبدل قصده من غير تغيير صوب السفر فالذي قاله الأكثرون في هذه الصورة أن ابتداء سفره
من ذلك الموضع أن كان منه إلى مقصده مسافة القصر ترخص والا فلا وحكى في النهاية عن شيخه
أن عروض قصد الطاعة على سفر المعصية كعروض قصد المعصية على سفر الطاعة فقياس ظاهر
النص أنه لا يترخص لفقد الشرط في الابتداء وعند ابن سريج يترخص نظرا إلى الحال (وقوله)
في الكتاب وكذا على العكس يوهم انه يترخص في العكس لأنه معطوف على قوله ترخص على النص وما أراد
به ذلك وإنما أراد العطف على معنى النص وهو النظر إلى الابتداء فكأنه قال ترخص على النص
اعتبارا بالابتداء وكذا على العكس ينظر إلى الابتداء فلا يترخص وعلى التخريج وهو الأظهر
ينظر إلى الحال في الصورتين إذا عرفت ذلك فنقول العاصي بسفره لا يقصر ولا يفطر ولا يتنفل على
الراحلة ولا يجمع بين الصلاتين ولا يمسح ثلاثة أيام وهل يمسح يوما وليلة فيه وجهان (أحدهما) لا
لما فيه من التخفيف عليه وتسرعه بسبب ذلك إلى المعصية (وأظهرهما) عند الجمهور نعم لان المسح
يوما وليلة ليس من رخص المسافرين بل هو جائز للحاضر أيضا وغاية ما في باب الحاق هذا
السفر بالعدم لكن حكى عن الشيخ أبى محمد ان المقيم إذا كان يدأب في معصية ولو مسح على
خفيه لكان ذلك عونا له عليها فيحتمل انه يمنعه من المسح واستحسن الامام ذلك فعلى هذا
يتوجه ان يقال أنه ليس من خصائص السفر ولا الحضر لكنه من مرافق اللبس بشرط عدم
المعصية وهل للعاصي بسفره ان يتناول الميتة عند الاضطرار فيه وجهان نقلهما صاحب النهاية وغيرهما
457

أحدهما به قال الأودني لا لما فيه من التخفيف على العاصي وهو متمكن من دفع الهلاك عن نفسه
بان يتوب ثم يأكل (والثاني) نعم احياء للنفس المشرفة على الهلاك ولان المقيم متمكن من تناول الميتة
عند الاضطرار فليس ذلك من رخص السفر فأشبه تناول الأطعمة المباحة لما لم يكن من خصائص السفر
لم يمنع منه العاصي بسفره وبالوجه الأول قطع عامة الأصحاب من العراقيين وغيرهم ونفوا الخلاف
في المسألة وقد قيل في المقيم العاصي ليس له تناول الميتة أيضا ما لم يتب والله أعلم * وهذا الشرح ينبهك
من لفظ الكتاب في المسألتين على أمرين (أحدهما) أنه يجوز أن يعلم قوله وجهان بالواو لأنه أثبت في
المسألتين وجهين وقد ذكرنا أن بعضهم يقطع بالمنع في تناول الميتة (والثاني) أنه جعل أصح الوجهين
في المسألتين الجواز وهذا مسلم في المسح يوما وليلة ممنوع في تناول الميتة على رأي الجمهور ويجوز أن يعلم
لفظ الجواز بالألف لان عند احمد لا يجوز له تناول الميتة كما هو أحد وجهينا ومما الحق بسفر المعصية أن
يتعب الانسان نفسه ويعذب دابته بالركض من غير غرض ذكر الصيدلاني أنه لا يحل له ذلك ولو كان الرجل
ينتقل من بلدة إلى بلدة من غير غرض صحيح فقد قال في النهاية أنه لا يترخص وأن خرج عن مضاهاة من
يهيم وظهر له مقصد ونقل عن الشيخ أبى محمد أن السفر لمجرد رؤية البلاد والنظر إليها ليس من
الاغراض الصحيحة *
قال (: النظر الثاني: في محل القصر وهو كل صلاة رباعية مؤداة في السفر فلا قصر في الصبح
والمغرب ولا في فوائت الحضر وفى فوائت السفر ثلاثة أقوال يفرق في الثالث بين أن يقضى
في الحضر أو السفر) *
محل القصر كل صلاة رباعية مؤداة في السفر وذكر في الوسيط قيدا آخر وهو أن يدرك وقتها في
السفر للمسألة التي تأتى بعد هذا الفصل فيخرج عن الرباعية المغرب والصبح فلا قصر فيهما بالاجماع
ويخرج عن المؤادة في السفر المقضية وينظر فيها أن كانت فائتة الحضر فلا يجوز للمسافر قصرها
خلافا للمزني حيث قال يجوز اعتبارا بحال القضاء كما لو ترك صلاة في الصحة له قضاؤها في المرض
قاعدا * لنا أنه لزمته الأربع فلا يجوز النقصان كما لو لم يسافر ويفارق صلاة المريض لان المرض حالة
ضرورة فيحتمل له مالا يحتمل للسفر الا يرى أنه لو شرع في الصلاة قائما ثم طرأ المرض له ان يقعد
ولو شرع فيها في الحضر وسارت به السفينة لم يكن له ان يقصر وان تردد انها فائتة السفر أو الحضر
فكذلك لا يجوز له قصرها واما فائتة السفر فاما ان يقضيها في السفر أو في الحضر فان قضي
في السفر فاما ان يقضى في تلك السفرة أو في سفرة أخرى فان قضى في تلك السفرة ففيه قولان
(أحدهما) انه لا يجوز له القصر لان شرط الرد إلى ركعتين الوقت بدليل الجمعة (والثاني) يجوز لان اللازم
458

عليه ركعتان فيجزئه في القضاء ركعتان وجعل صاحب التهذيب والتتمة المنع أصح القولين لكن
ما عليه الأكثرون من العراقيين وغيرهم أن الأصح الجواز لبقاء العذر المرخص وأما إذا قضى في
سفرة أخرى ففيه طريقان (أظهرهما) طرد القولين (والثاني) القطع بالمنع والفرق أن الامر بالقضاء
متوجه عليه في كل حالة فإذا لم يقض وقد تخللت حالة إقامة فكأنه تركها في تلك الحالة كما لو غصب
شيئا وتلف عنده لزمه أقصى القيم لأنه مخاطب في كل حالة بالرد فإذا لم يرد التزم قيمة أكمل الأحوال وأن
قضاها في الحضر اطرد الطريقان والمنع ههنا أوضح وأصح ورتب في النهاية بعض
الصور الثلاث على بعض فحكي قولين فيما إذا قضي في ذلك السفر وفيما إذا قضي في الحضر
قولين مرتبين عليهما وأولى بالمنع وجعل الصورة الثالثة متوسطة بينهما ان رتبت على الأولى فهي أولي
بالمنع وان رتبت على الثانية فهي أولى بالجواز وإذا اختصرت وتركت التفصيل قلت في المسألة أقوالا
كما ذكر في الكتاب (أحدها) وهو القديم الجواز على الاطلاق وبه قال أبو حنيفة ومالك (وثانيها) وهو
الجديد المنع على الاطلاق وبه قال احمد (وأظهرها) ويحكي عن الاملاء الفرق بين ان يقضى في الحضر
وفى السفر وهذا إذا طردنا القولين في القضاء في تلك السفرة وفى سفرة أخرى وان فرقنا صارت
الأقوال أربعة واعلم قوله يفرق في الثالث بالحاء والميم لما ذكرنا من مذهبهما ونقل في الوسيط ان مذهب
المزني الجواز على الاطلاق أيضا لكن روى الصيدلاني وغيره عنه المنع فيما إذا قضي في الحضر وهذا
هو الصحيح وقياس مذهبه المشهور في عكسه وهو ما إذا فاتته في الحضر فيقضي في السفر كما تقدم وإذا
قلنا فائتة السفر لا تقصر وان قضيت في تلك السفرة فلو شرع في الصلاة بنية القصر فخرج الوقت في
أثنائها فهو مبنى على أن الصلاة التي يقع بعضها في الوقت وبعضها خارجه قضاء أم أداء وقد قدمنا ذلك في
باب المواقيت وتعرضنا لهذه الصور فيه وظاهر المذهب أنه ان وقع في الوقت ركعة فهي أداء فيقصر
على هذا القول أيضا وإن وقع دون ركعة فلا يقصر على هذا القول أنها قضاء وعن صاحب
التلخيص أنه يجب الاتمام وإن وقع في الوقت ركعة كالجمعة إذا وقع بعضها خارج الوقت
يتمها أربعا *
قال (والمسافر في آخر الوقت يقصر والحائض إذا أدركت أول الوقت ثم حاضت تلزمها
الصلاة لان هذا القدر كل وقت الامكان في حقها بخلاف المسافر هذا هو النص وقيل فيهما قولان
بالنقل والتخريج) *
إذا سافر في أثناء الوقت وقد مضى منه قدرا يتمكن من فعل الصلاة فيه فالنص أنه يجوز له
القصر ونص فيما لو أدركت من أول الوقت قدر الامكان ثم حاضت يلزمها القضاء وكذلك سائر أصحاب
459

العذر واختلفوا في المسألتين على طريقين (أحدهما) أن فيهما قولين (أحدهما) ان أدرك أول الوقت ملزم
فالحائض تقضي تلك الصلاة والمسافر يتم لان الصلاة تجب بأول الوقت وقد أدركا وقت الوجوب
(والثاني) أنه لا يلزمها الصلاة ويجوز له القصر لان الاستقرار إنما يكون بآخر الوقت ولهذا نقول لو أخر
الصلاة عن أول الوقت ومات لا يلقى الله تعالى عاصيا على الأصح (والثاني) تقرير النصين والفرق أن الحيض
مانع من الصلاة فإذا طرأ انحصر وقت الامكان في حقها في ذلك القدر وكأنها أدركت جميع الوقت
بخلاف المسافر فان السفر غير مانع وأيضا فان الحيض لو أثر إنما أثر في اسقاط الصلاة بالكلية والقول
بالسقوط مع ادراك وقت الوجوب بعيد والسفر إنما يؤثر في كيفية الأداء لا في أصل الفعل فأشبه ما لو
أدرك العبد من الوقت قدر ما يصلى فيه الظهر ثم عتق يلزمه الجمعة دون الظهر وظاهر المذهب الفرق بين
المسألتين على موجب النصين سواء أثبتنا طريقة القولين أم لا ونقل الأصحاب عن المزني وابن سريج
في مسألة المسافر أنه لا يقصر وأعلم قوله في الكتاب يقصر بالزاي لذلك لكنه تخريج من المزني
للشافعي رضي الله عنه خرجه من مسألة الحائض وليس مذهبا له لأنا قدمنا عنه أنه لو ذهب جميع الوقت
في الحضر وفاتته الصلاة كان له القصر إذا قضاها في السفر فههنا أولي فإذا لا يصح الاعلام بالزاي
وأما ابن سريج فإنه خرج من كل واحدة من المسألتين في الأخرى واختار عدم القصر وقد ذكرنا
تخريجه في الحائض من هذه المسألة في باب المواقيت في الفصل الثاني ووافق أبو الطيب بن سلمة ابن
سريج على أنه لا يقصر لكن لا على الاطلاق بل فيما إذا سافر ولم يبق من الوقت إلا قدر أربع ركعات
لأنه إذا ضاق الوقت تعين عليه صلاة الحضر فهذا مذهب ثالث وراء القولين وان سافر وقد بقي من
الوقت أقل من قدر الصلاة فجواز القصر يبنى على أن من أوقع بعض صلاته في الوقت وبعضها خارجه
تكون جميع صلاته أداء أم لا ان قلنا نعم قصر وإلا فلا (وقوله) والمسافر في آخر الوقت ليس المراد منه
الجزء الآخر بل المراد ما إذا سافر وقد مضي من أوله ما يسع الصلاة وكذا قوله والحائض إذا أدركت
أول الوقت ثم حاضت يعني أدركت منه ما يسع للصلاة ولو قال ولو أدركت المرأة أول الوقت ثم حاضت بدل
الحائض لكان أحسن ولو سافر والماضي من الوقت دون ما يسع للصلاة فقد قال في النهاية ينبغي أن يمتنع
القصر ان قلنا أنه يمتنع لو كان الماضي قدر ما يسع للصلاة بخلاف ما لو حاضت بعد مضى القدر الناقص حيث لا
يلزمها الصلاة على الصحيح لان عروض السفر لا ينافي اتمام الصلاة وعروض الحيض ينافيه *
قال (النظر الثالث: في الشرط وهو اثنان (الأول) أن لا يقتدى بمقيم فلو اقتدى ولو في لحظة (م) لزمه
الاتمام ولو شك في أن امامه مقيم أم لا لزمه الاتمام ولو شك في أنه نوى الاتمام وهو مسافر لم يلزمه الاتمام
لان نية الاتمام لا شعار لها بخلاف المسافر) *
460

جعل شرط القصر شيئين (أحدهما) ان لا يقتدى في صلاته بمقيم أو بمسافر متم فلو فعل ذلك
ولو في لحظة لزمه الاتمام خلافا لمالك حيث قال إن أدرك معه ركعة لزمه الاتمام وان أدرك دون
ركعة فله القصر لنا ما روى " انه سئل ابن عباس رضي الله عنهما ما بال المسافر يصلى ركعتين إذا انفرد
وأربعا إذا ائتم بمقيم فقال تلك السنة " (1) والمفهوم منه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واعلم قوله ولو
في لحظة بالميم لما حكيناه عن مالك والاقتداء في لحظة يفرض من وجوه كثيرة (منها) ان يدرك الامام
في آخر صلاته (ومنها) ان يحدث الامام عقيب اقتدائه وينصرف وقوله إن لا يقتدى بمقيم في بعض النسخ
بمتم وهو أعم فان كل مقيم متم وقد يكون المسافر متما أيضا والحكم لا يختلف وعند أبي حنيفة انه إذا صلى
مسافر بمسافرين ونووا الاتمام جاز لهم القصر وسلم انه إذا اقتدى بمقيم لم يجز القصر فإذا كانت
النسخة أن لا يقتدى بمقيم جاز اعلام الحكم بالحاء ولو اقتدى في الظهر بمن يقضى الصبح مسافرا
كان أو مقيما فهل له القصر فيه وجهان (أحدهما) نعم لتوافق الصلاتين في العدد (وأصحهما) لا لان
الصلاة تامة في نفسها ولو دخل في مروره بلدة وأهلها يقيمون الجمعة فاقتدى في الظهر بالجمعة قيل إن
قلنا إن الجمعة ظهر مقصورة فله القصر وإلا فهي كالصبح وظاهر المذهب عند الأكثرين المنع
بكل حال لأنها صلاة إقامة وهو الموافق لظاهر لفظ الكتاب إذا عرف ذلك فنقول المسافر اما
أن يعلم حال الذي يقتدى به في السفر والإقامة أو لا يعلم فان علم نظر ان عرفه مقيما فقد ذكرنا ان
عليه الاتمام وكذا لو ظنه مقيما فلو اقتدى به ونوى القصر انعقدت صلاته ولغت نية القصر بخلاف
المقيم ينوى القصر لا ينعقد ظهره لأنه ليس من أهل القصر والمسافر من أهله فلا يضره نية القصر
كما لو شرع في الصلاة بنية القصر ثم نوى الاتمام أو صار مقيما فإنه يتم وإن عرفه أو ظنه مسافرا
وعرف انه نوى القصر أو ظنه فله أن ينوى القصر وان لم يدر انه نوى القصر أم لا فكذلك
461

ولا يلزمه الاتمام بهذا التردد لأن الظاهر من حال المسافر القصر وليس للنية شعار يعرف به فهو
غير مقصر في الاقتداء على التردد ولو عرض هذا التردد في أثناء الصلاة فكذلك لا يلزمه الاتمام
ومتى لم يعرف نيته فهل يجوز أن يعلق نيته فيقول إن قصر قصرت وإن أتم أتممت أو لابد من
الجزم بالقصر فيه وجهان (أصحهما) جواز التعليق فان الحكم متعلق به وان جزم إن أتم الامام
أتم وان قصر قصر ولو أفسد الامام صلاته أو فسدت ثم قال كنت نويت القصر فللمأموم القصر
وإن قال كنت نويت الاتمام لزمه الاتمام وان انصرف ولم يظهر للمأموم ما نواه فوجهان حكاهما
أصحابنا العراقيون (أظهرهما) وبه قال أبو إسحاق يلزمه الاتمام لأنه شاك في عدد ما يلزمه من الركعات
فيأخذ باليقين (والثاني) وبه قال ابن سريج له القصر لأنه افتتح الصلاة بنية القصر خلف من الظاهر
من حاله القصر ويتبين بما ذكرنا ان قوله في الكتاب ولو شك في أن إمامه هل نوى الاتمام وهو
مسافر لم يلزمه الاتمام ليس على اطلاقه بل لو ظهر ان الامام نوى الاتمام يلزمه الاتمام وهل يشترط
لعدم لزوم الاتمام ظهور نية القصر للامام أم لا ويكفى استمرار التردد فيه الوجهان المذكوران والموافق
لاطلاق اللفظ هو المنسوب إلى ابن سريج ولو قال حجة الاسلام ولو شك امامه هل نوى القصر
بدلا عن قوله هل نوى الاتمام لكان أحسن لأنه لو لم ينو الاتمام ولا القصر كان بمثابة ما لو نوى
الاتمام كما سيأتي في الشرط الثاني فإنما ثبت الوجه إذا نوى القصر لا إذا لم ينو الاتمام وأما إذا لم
يعرف انه مسافر أو مقيم ولا ظن بل كان شاكا فيه لزمه الاتمام وان بان مسافرا قاصرا لأنه شرع
على تردد فيما يسهل معرفته لظهور شعار المسافرين والمقيمين وسهولة البحث والأصل الاتمام فإذا
قصر لزمه الاتمام ويخالف التردد في نية القصر مع العلم بأنه مسافر إذ لا تقصير ثم كما سبق وحكى في النهاية وجا
آخر انه إذا بان مسافرا قاصرا كان له القصر كما لو تردد في النية والمشهور الأول وهو الذي ذكره في الكتاب *
قال (ولو اقتدى بمتم ثم فسدت صلاته لزمه (ح) الاتمام وكذا لو ظن الامام مسافرا فكان مقيما لأنه مقصر
إذ شعار الإقامة ظاهر ولو بان ان الامام مقيم محدث لم يلزمه الاتمام على الأصح لأنه لا قدوة ظاهرا وباطنا) *
462

في الفصل مسألتان (أحداهما) لو اقتدى بمقيم أو بمسافر متم ثم فسدت صلاة الامام أو بان محدثا
لزمه الاتمام بالاقتداء به وكذلك لو فسدت صلاة المأموم لزمه الاتمام إذا استأنف خلافا لأبي حنيفة
لنا انها صلاة تعين عليه اتمامها فلم يجزه بعد قصرها كما لو فاتته في الحضر ثم سافر وقوله ثم فسدت
صلاته أراد صلاة المأموم وان أمكن صرف الكناية إلى الامام أيضا وذلك بين من لفظ الوسيط
(الثانية) لو اقتدى بمن ظنه مسافرا فبان مقيما يلزمه الاتمام لتقصيره إذ شعار الإقامة ظاهر وهو كما
ذكرنا فيما إذا لم يدر انه مقيم أو مسافر وإن بان انه مقيم محدث نظر ان بان كونه مقيما أو لا
لزمه الاتمام كما لو اقتدى بمن علمه مقيما ثم بان انه محدث وان بان كونه محدثا أولا أو بانا
معا فوجهان (أحدهما) وبه قال صاحب التلخيص لا يلزمه الاتمام لان اقتداءه لم يصح في الحقيقة
وفى الظاهر ظنه مسافرا بخلاف ما لو اقتدى بمسافر في ظنه مسافرا ثم فسدت صلاته بحدث ثم بان
انه كان مقيما عليه الاتمام لان اقتداءه كان صحيحا (والثاني) يلزمه الاتمام لان حدث الامام لا يمنع
صحة اقتداء الجاهل به فإذا بان انه مقيم فقد بان انه اقتدي بمقيم وقد أطلق في الكتاب ذكر الخلاف
فيما إذا أبان انه مقيم محدث لكن موضع الوجهين ما ذكرنا دون ما إذا بان كونه مقيما أو لا
كذلك قاله صاحب النهاية والتهذيب وغيرهما ثم أطبق الأئمة على ترجيح الوجه الأول على ما ذكره
في الكتاب ومنهم من لا يورد سواه وقد تنازعه كلامهم في المسبوق إذا أدرك الامام في الركوع ثم بان
كونه محدثا فإنهم رجحوا الادراك ومأخذ المسألتين واحد وقوله لأنه لا قدوة ظاهرا وباطنا
أي لا قدوة بمقيم ظاهرا وباطنا أما ظاهرا فلانه ظنه مسافرا وأما باطنا فلانه محدث وصاحب
الوجه الثاني يمنع هذا والله أعلم * ولا أثر لعدم الاتمام من غير خوض على الصحة كما لو شرع في
الصلاة مقيما ثم بان له انه محدث ثم سافر والوقت باق فله القصر بخلاف ما لو شرع فيها مقيما
ثم عرض سبب مفسد لا يجوز له القصر ولزمه الاتمام بالشروع وكذا لو اقتدى بمقيم ثم تذكر المأموم
حدت نفسه له القصر وكذا لو اقتدى بمن يعرفه محدثا ويظنه مقيما لأنه لم يصح شروعه *
463

قال (ولو رعف الامام المسافر وخلفه مسافرون فاستخلف مقيما أتم المقتدون وكذا الراعف
إذا عاد واقتدى به) *
المسألة مبنية على أنه إذا أحدث الامام أو عرض سبب آخر يوجب فساد صلاته يجوز له ان
يستخلف مأموما ليتم بالقوم الصلاة هذا هو الصحيح وسنذكره والخلاف فيه في باب الجمعة إن شاء الله
تعالى إذا عرفت ذلك فصورة المسألة أن يؤم مسافر بمسافرين ومقيمين فيرعف الامام
في صلاته أو يسبقه أو الحدث فيستخلف مقيما يجب على المسافرين المقتدين الاتمام خلافا لأبي حنيفة
لنا أنهم مقتدون بمقيم فيلزمهم الاتمام كما لو اقتدوا بمقيم فأحدث واستخلف مسافرا والدليل على
أنهم مقتدون به ان سهوه يلحقهم * وأعلم أن أمتنا لم يذكروا خلافا في أن القوم يتمون لكن يأتي
فيه وجه لأنا سنحكي في مسائل الاستخلاف وجها انه يجب على القوم نية الاقتداء بالخليفة فعلى هذا
إنما يلزم المأمومين في هذه المسألة إذا نووا الاقتداء بالخليفة أما إذا لم يفعلوا فلا لأنهم ما نووا الاتمام
ولا اقتدوا بمقيم وكأن ما أطلقوه جواب على الأصح وهو انه لا حاجة إلى نية الاقتداء بالخليفة وما ذكرناه
يجوز اعلام قوله أتم المقتدون بالواو مع الحاء وقوله في صورة المسألة وخلفه مسافرون أي ومقيم
أو مقيمون ولو تمحض المأمومون مسافرين لكان استخلاف المقيم استخلاف غير المأمومين وفيه كلام
سنذكره من بعد وأما الامام الذي سبقه الرعاف أو الحدث ماذا يفعل ظاهر نص الشافعي رضي الله عنه
يقتضى وجوب الاتمام عليه فإنه قال بعد تصوير المسألة كان على جميعهم والراعف أن يصلوا
أربعا واعترض المزني فقال إنما أتم الخليفة لأنه مقيم والقوم خلفه لأنهم مؤتمون بمقيم فأما الراعف فليس
بمقيم ولا مؤتم فما باله يتم واختلف الأصحاب في الجواب على طريقتين منهم من قرر ظاهر النص
وقال يجب عليه الاتمام أيضا لان الخليفة فرع له ولا يجوز أن تكون صلاة الأصل انقص من صلاة
الفرع حكاه ابن سريج عن بعض أصحابنا وضعفه وسلم الجمهور للمزني ما ذكره واختلفوا في تأويل
النص على وجوه (أحدها) أن ما ذكره الشافعي رضي الله عنه جواب على القول القديم وهو أن سبق الحدث
464

الرعاف لا تبطل الصلاة لكنه يرفع المانع ويبنى فعلى هذا الراعف وان انصرف فهو في صلاة
وهو كالمؤتم بخليفة وبتقدير أن لا يكون مؤتما فقد حصل في جماعة امامها مقيم في بعض الأحوال فيلزمه
الاتمام لذلك وهذا التأويل يحكي عن ابن سريج وضعفه الشيخ أبو حامد وغيره من أئمتنا ومنعوا
كونه مؤتما بالخليفة وانه إذا حصل في جماعة أمامها مقيم في بعض الأحوال يجب عليه الاتمام إذا لم
يأتم هو به وأيضا فان البناء على الصلاة إنما يجوز على القديم دون الجديد والاستخلاف الذي عليه
بناء المسألة إنما يجوز على الجديد دون القديم فلا ينتظم التفريع (الثاني) قال أبو غانم ملقى ابن سريج
صورة النص أن يحس الامام بالرعاف قبل إن يخرج الدم فيستخلف ثم يخرج الدم فيلزمه الاتمام
لأنه صار مؤتما بمقيم في جزء من صلاته قال المحاملي وغيره وهذا لا يصح لأنه استخلاف قبل
وجود العذر وأنه لا يجوز ذلك فسئل الشيخ أبو محمد عنه فجعل الاحساس به عذرا وقال متى حضر
امام هو أفضل أو حاله أكمل يجوز استخلافه (الثالث) قال أبو إسحاق صورة النص ان يعود بعد غسل
الدم ويقتدى بالخليفة اما بناء على القول القديم واما استئنافا على الجديد فيلزمه الاتمام لأنه
اقتدى بمقيم في جزء من صلاته فاما إذا لم يقتد فلا يلزمه الاتمام وهذا أصح الأجوبة عند
الأكثرين قالوا وقد أشار إليه الشافعي رضي الله عنه في التعليل حيث قال لأنه لم يكمل واحد منهم
الصلاة حتى كان فيها في صلاة مقيم (وقوله) في الكتاب وكذا الراعف إذا عاد واقتدى جرى على
هذا الجواب الصحيح فإنه قيد لزوم الاتمام باقتدائه بالخليفة وقد نرى في بعض النسخ اعلام هذه
الكلمة بالزاي وليس بصحيح فإنه لا نزاع للمزني في لزوم الاتمام إذا اقتدى نعم يجوز أن يعلم
قوله واقتدى بالواو إشارة إلى الطريقة المقررة لظاهر النص فان الاقتداء ليس بشرط على
تلك الطريقة *
قال (الشرط الثاني أن يستمر على نية القصر جزما في جميع الصلاة فلو لم ينو القصر ولا الاتمام أو شك
في نية القصر ولو لحظة لزمه (زح) الاتمام) *
465

من شرط القصر نية القصر فلو نوى الاتمام لزمه ما التزمه ولو لم ينو القصر ولا الاتمام لزمه الاتمام
أيضا لان الأصل هو الاتمام فينعقد مطلق التحرم عليه ويجب أن تكون نيه القصر في ابتداء الصلاة كأصل
النية ثم لا يجب تذكرها في دوام الصلاة ولكن يشترط الانفكاك عن الشك والتردد والجزم بالاتمام
فلو نوى القصر أولا ثم نوى الاتمام أو تردد بين القصر والاتمام لزمه الاتمام ولو شك في أنه هل نوى
القصر أم لا لزمه الاتمام وأن تذكر في الحال أنه نوى القصر نص عليه في الام بخلاف ما لو شك في أصل
النية وتذكر على القرب حيث تصح صلاته ولا يكون ذلك قادحا والفرق أن الشك في النية بمثابة
عدم النية فإذا كان الشك في أصل النية فالموجود في زمان الشك غير محسوب عن الصلاة لكنه جعل
عفوا لقلته وحسب عن الركن ما قبله أو بعده وههنا الموجود حالة الشك محسوب عن الصلاة لوجود
أصل النية فيتأدى ذلك الجزء على التمام وإذا انعقد جزء من الصلاة على التمام لزم الاتمام وعند أبي
حنيفة لا حاجة إلى نية القصر بناء على أنه عزيمة وقال المزني لا بد منها لكن لا تجب في الابتداء ويجوز
ان ينوى القصر في الأثناء ولو نوى الاتمام ثم أراد القصر جاز وقوله أن يستمر على نية القصر جزما
في جميع الصلاة يتضمن اعتبار نية القصر ثم ليس المراد أنه يشترط استحضارها في جميع
الصلاة وإنما المراد ما ذكرنا أنه يشترط الخلو عن الشك والتردد (وقوله) في جميع الصلاة يجوز أن يعلم بالزاي لان
عنده لو كان جازما في البعض بالاتمام ثم نوى القصر جاز وقوله لزمه الاتمام معلم بالحاء والزاي
لما حكيناه *
قال (ولو قام الامام إلى الثالثة ساهيا فتوهم المقتدى أنه نوى الاتمام شاكا لزمه الاتمام
ولو قام المسافر إلى الثالثة والرابعة سهوا سجد لسهوه ولا يكون متما بل لو قصد أن يجعله إتماما فليصل
ركعتين أخريين) *
466

في الفصل مسألتان (إحداهما) لو اقتدى بمسافر عرف أنه ينوى القصر أو ظنه وصلي ركعتين فقام
الامام إلى ركعة ثالثة نظر أن علم أنه نوى الاتمام لزمه الاتمام وأن علم أنه ساه بأن كان حنفيا لا يرى
الاتمام فلا يلزمه الاتمام ويتخير بين ان يخرج عن متابعته ويسجد للسهو ويسلم وبين أن ينتظر حتى
يعود ولو اتفق له أنه يتم أتم لكن ليس له أن يقتدى بالامام في سهوه فإنه غير محسوب له ولا يجوز
الاقتداء بمن يعرف أن ما فيه غير محسوب له كالمسبوق إذا أدرك من آخر الصلاة ركعة فقام الامام سهوا إلى ركعة
زائدة لم يكن للمسبوق أن يقتدى به في تدارك ما عليه ذكره في النهاية ولو شك في أنه قام ساهيا
أو متما فهذه مسألة الكتاب وحكمها أن عليه الاتمام وإن بان كونه ساهيا لان أحد المحتملين لزوم
الاتمام فيلزم كما لو شك في نية نفسه وبخلاف ما لو شك في نية الامام المسافر ابتداء حيث لم يلزمه
الاتمام بذلك كما قدمناه لأن النية لا يطلع عليها ولم تظهر امارة مشعرة بالاتمام وههنا القيام فعل مشعر
بالاتمام مخيل له وقوله شاكا في لفظ الكتاب لا ضرورة إليه والغرض حاصل بقوله فيتوهم (وقوله) لزمه
الاتمام يجوز أن يعلم بالحاء لأنا حكينا عن مذهب أبي حنيفة أن نية الامام المسافر لا تلزم المأمومين
القصر فما ظنك بتوهمها (الثانية) لو نوى القصر وصلى ركعتين ثم قام إلى الثالثة نظر أن حدث امر
موجب للاتمام كنية الاتمام أو نية الإقامة في ذلك الموضع أو حصوله في دار الإقامة بانتهاء السفينة
إليها وقام لذلك فقد اتي بما ينبغي وأن لم يحدث شئ من ذلك فان قام عمدا بطلت صلاته كما لو قام
467

المتم إلى ركعة خامسة وكما لو قام المتنفل إلى ركعة زائدة قبل تغير النية وأن قام سهوا ثم تذكر فعليه
أن يعود ويسجد للسهو فلو بدا له بعد التذكر أن يتم عاد إلى القعود ثم نهض متما وفى وجه
له أن يمضي في قيامه ولو صلى ثالثة ورابعة سهوا وجلس للتشهد ثم تذكر سجد للسهو وهو قاصر وركعتا
السهو غير محسوبتين فلو أراد أن يتم لم ينعكسا محسوبتين بل يلزمه أن يقوم ويصلي ركعتين أخريين
ثم يسجد للسهو في آخر صلاته ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب فليقم وليصل ركعتين أخريين بالميم
لان صاحب البيان حكى عن مالك أن المسافر إذا نوى القصر لم يكن له أن ينوى الاتمام ويزيد
على نيته الأولى (واعلم) أن لفظ الكتاب في أول النظر الثالث يوهم حصر شرط القصر في الاثنين
المذكورين لكن له شروط أخر (منها) أن يكون مسافرا من أول الصلاة إلى آخرها فلو نوى الإقامة
في أثناء الصلاة أو كان يصلي في السفينة فانتهت إلى دار اقامته لزمه الاتمام لان سبب الرخصة قد
زال فتزول الرخصة كما لو كان يصلي قاعدا لمرض فزال المرض يجب عليه أن يقوم ولو شرع في الصلاة
مقيما ثم سارت به السفينة فكذلك يلزمه الاتمام تغليبا للحضر في العبادة التي اشترك فيها الحضر والسفر
ولو شك هل نوى الإقامة أم لا أو دخل بلدا بالليل وشك في أنه مقصده أم لا يلزمه الاتمام لأنه شك
في سبب الرخصة والأصل الاتمام فصار كما لو شك في بقاء مدة المسح لا يمسح (ومنها) العلم
بجواز القصر فلو جهل جوازه وقصر لم يجزه لأنه عابث في اعتقاده غير مصلي يحكى ذلك عن
نصه في الام *
468

قال * (الباب الثاني في الجمع)
(والجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقتيهما جائز بالسفر (زح) أو المطر وهل يختص
بالسفر الطويل قولان) *
يجوز الجمع بين الظهر والعصر تقديما في وقت الظهر وتأخيرا في وقت العصر بعذر السفر وكذلك
الجمع بين المغرب والعشاء لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم
إذا جدبه سير جمع بين المغرب والعشاء " (1) وعن أنس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم
" كان يجمع بين الظهر والعصر في السفر " (2) وهذا في السفر الطويل وفي جواز الجمع في القصير قولان
(أحدهما وهو القديم انه يجوز وبه قال مالك رضي الله عنه لاطلاق حديث انس رضي الله عنه واعتبارا
بالتنفل على الراحلة وأصحهما وبه قال احمد رحمه الله لا يجوز لأنه اخراج عبادة عن وقتها فاختص
بالسفر الطويل كالفطر والأفضل للسائر في وقت الصلاة الأولى تأخيرها إلى الثانية وللنازل في وقت
469

الأولى تقديم الثانية إليها ثبت ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) والمعنى فيه بين
وشرط جواز الجمع في السفر ان لا يكون سفر معصية كما ذكرنا في القصر ويجوز الجمع بين الظهر
والعصر وبين المغرب والعشاء بعذر المطر أيضا لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما " ان النبي صلى
470

الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر للمطر " (1) وعن ابن عباس رضي الله عنهما " ان النبي صلى الله عليه
وسلم جمع بالمدينة من غير خوف ولا سفر " (2) قال مالك أرى ذلك في لمطر وقوله لعذر السفر
معلم بالحاء لان عند أبي حنيفة لا يجوز الجمع بعذر السفر ولا جمع الا للنسك بعرفة والمزدلفة كما سيأتي
471

وقوله والمطر معلم بالحاء أيضا والزاي لان عندهما لا جمع بالمطر وبالميم لان عند مالك يجوز الجمع
بين المغرب والعشاء بعذر المطر ولا يجوز الجمع بين الظهر والعصر به وبالألف لان احمد صار
في أحدي الروايتين إلى مثل مالك رحمه الله وبالواو لان الامام ذكر أن صاحب التقريب حكي قولا ضعيفا
مثل مذهب مالك رحمة الله عليه وقوله في وقتيهما جائز يقتضي جواز التقديم والتأخير جميعا
بالعذرين السفر والمطر لكن في جواز التأخير بعذر المطر خلاف ذكره في آخر الباب على ما سيأتي
والأظهر المنع " ولا يجوز الجمع بين صلاة الصبح وغيرها ولا بين العصر والمغرب لم يرد بذلك نقل
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " (1) *
قال (والحجاج يجمعون بعلة السفر أو بعلة النسك فيه خلاف) *
الحجاج الآفاقيون يجمعون بين الظهر والعصر بعرفة في وقت الظهر وبين المغرب والعشاء
بالمزدلفة في وقت العشاء " ثبت ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم " (2) وعليه جرى الناس في
الاعصار واختلف أصحابنا في سبب هذا الجمع منهم من قال إنما يجمعون بسبب السفر كسائر
المسافرين ومنهم من قال إنما يجمعون بسبب النسك وذلك أن الحاج يحتاج إلى الدعاء بعد الظهر
فلو لم تقدم العصر لشغلته عن الدعاء وإذا غربت الشمس فهو وقت الاشتغال بالدفع من عرفة فجوز
له الجمعان تكميلا لشغل النسك فان قلنا بالمعنى الأول فهل يجمع المكي فيه قولان لان سفره قصر
ولا يجمع العرفي بعرفة ولا المزدلفي بالمزدلفة فإنه في وطنه وهل يجمع كل منهما بالبقعة الأخرى فيه
472

القولان وان قلنا بالمعنى الثاني جاز لجميعهم الجمع فحصل للجمع سبب ثالث وهو النسك ذكره
كله صاحب النهاية وغيره ومنهم من يقول في جواز الجمع للمكي قولان (الجديد) المنع (والقديم) الجواز
ثم لم يجوز قيل للسفر وقيل للنسك فان فرعنا على القديم فهل للعرفي والمزدلفي الجمع فيه وجهان بناء
على المعنيين وأصل الفرض في الايرادين واحد وان اختلفا في بعض الأمور وقد عرفت بما ذكرنا
أن قوله والحجيج يجمعون يعنى به الحجيج الآفاقيين فأما غيرهم فالخلاف في حقهم في أصل الجمع
لا في العلة وظاهر المذهب عند الأئمة أن العلة السفر وان المكي والعرفي لا يجمعان وعند أبي حنيفة
العلة النسك وقال لا يجوز الجمع بعرفة إلا في الجماعة فأما المنفرد في رحله فلا يجمع وجوز له الجمع بين
العشائين بالمزدلفة ولم يجوز ترك الجمع بالمزدلفة وفعل المغرب في وقتها ولا الجمع بينهما في وقت المغرب
ولا الجمع بينهما في وقت العشاء في الطريق وأوجب أن يكون ذلك بالمزدلفة ولم يجوز أن يجمع بعرفة بين
الظهر والعصر في وقت العصر لكن جوز ترك الجمع وفعل العصر في وقتها حكي الصيدلاني هذه المسائل
مجموعة عن مذهبه وعندنا حكم الجمع في البقعتين حكمه في سائر الاسفار وهو فيه بالخيار وعند مالك
العلة النسك ولهم جميعا الجمع بل للمكي والعرفي القصر أيضا بعلة النسك *
قال (والرخص المختصة بالسفر الطويل أربعة القصر والفطر والمسح ثلاثة أيام والجمع على أصح
القولين ثم الصوم أفضل من الفطر وفي القصر والاتمام قولان والذي لا يختص بالسفر الطويل أربعة
التيمم وترك الجمعة وأكل الميتة والتنفل على الراحلة على أصح القولين) *
غرض الفصل شيئان (أحدهما) عد الرخص التي تختص بالسفر الطويل والتي لا تختص (والثاني)
بيان أن القصر والفطر أم الاتمام والصوم ولا اختصاص لواحد منهما بباب الجمع (والثاني) بيان القصر
أليق ثم إنه أدخل الثاني بين قسمي المقصد الأول ولو أنه فرغ منهما ثم ذكره لكان أحسن وكذلك
فعل في الوسيط أما المقصد الأول فالرخص المختصة بالسفر الطويل أربع (إحداها) القصر كما تقدم (والثانية)
الافطار كما سيأتي (والثالثة) المسح ثلاثة أيام وقد ذكرنا في باب المسح اختصاصه بالسفر الطويل وان لم يصرح
به في الكتاب ثم (والرابعة) الجمع بين الصلاتين وفيه قولان مذكوران في هذا الباب وكان قد أرسل
ذكر القولين في المسألة فنص ههنا على الأصح وأدرجه في هذا القسم تفريعا عليه والتي لا تختص
بالسفر الطويل جعلها أربعا أيضا (إحداها) التيمم وهذا يجوز ان يراد به الترخص
من فعل الصلاة به ويجوز ان يراد به اسقاط فرض الصلاة به وعلى هذا التقدير فهو
جواب على الأصح من وجهين ذكرناهما في باب التيمم في أن التيمم في السفر القصير هل يغنى
473

عن القضاء أم لا ثم على التقديرين ينبغي أن يعلم أن التيمم كما لا يختص بالسفر الطويل لا يختص بنفس السفر
لما بيناه في ذلك الباب (والثانية) أكل الميتة وهو أيضا مما لا يختص بالسفر نفسه (والثالثة) ترك الجمعة
(والرابعة) التنفل على الراحلة وفي جوازه في السفر القصير قولان أرسلهما في باب الاستقبال ونص
على الأصح ههنا وأدرجه في هذا القسم تفريعا عليه (وأما المقصد الثاني) فاعلم أن الصوم في السفر
أفضل من الفطر على المذهب المشهور لما فيه من تبرئة الذمة والمحافظة على فضيلة الوقت وهذا إذا
أطلق الصوم وفيه وجه آخر رواه القاضي الروياني وغيره أن الفطر أفضل وبه قال احمد لما روى أنه
صلى الله عليه وسلم قال " ليس من البر الصيام في السفر " (1) وفي الأفضل من القصر والاتمام
قولان (أحدهما) وبه قال المزني ان الاتمام أفضل لأنه الأصل والقصر بدل معدول إليه فأشبه غسل الرجل
مع المسح على الخف (وأصحهما) وبه قال مالك واحمد ان القصر أفضل لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (2) " قال
474

خيار عباد الله الذين إذا سافروا قصروا " ولأنه متفق عليه والاتمام بخلافه وبخلاف الصوم مع الفطر حيث قلنا
الصوم أفضل وان صار أهل الظاهر إلى أنه لا يصح قال امام الحرمين لان المحققين من علماء الشريعة لا يقيمون
لمذهبهم وزنا وذكر الصيدلاني أن القصر أفضل من الاتمام وفى الافطار والصوم وجهان وهذا يوهم
القطع بأفضلية القصر وكذلك حكاه الامام عن الصيدلاني واستبعده وأحاله على خطأ النساخ فان
ثبت ذلك فقوله قولان معلم بالواو والفرق بين الرخصتين حيث كان الصوم أفضل والقصر أفضل على
الظاهر فيهما أن الذمة تبقى مشغولة بالصوم إذا أفطر وقد يعرض عائق من القضاء وفى القصر بخلافه
وأيضا فان فضيلة الوقت تفوت بالافطار ولا تفوت بالقصر ونقل أبو عبد الله الحناطي وغيره في القصر
والاتمام وجها آخر انهما سواء ثم القولان في المسألة وإن كانا مطلقين فلا بد من استثناء صور (إحداها)
إذا كان سفره دون ثلاث مراحل فليس ذلك موضع القولين بل الاتمام فيه أفضل للخروج عن الخلاف
وقد حكيناه من قبل عن نصه (والثانية) إذا كان يجد من نفسه كراهة القصر وثقله فهذا يكاد يكون رغبة
عن السنة فالأفضل له القصر قولا واحدا بل يكره له الاتمام إلى أن تزول عنه تلك الكراهة وكذلك
القول في جميع الرخص في هذه الحالة (الثالثة) الملاح الذي يسافر في البحر ومعه أهله وأولاده في سفينته
الأفضل الاتمام لأنه في وطنه يحكى ذلك عن نصه في الام وفيه خروج عن الخلاف أيضا فان عند احمد
لا يجوز له وللمكارى الذي معه أهله وماله القصر (وأعلم) ان مسافة القصر في البحر مثل المسافة في البر وإن كانت
تقطع فيه في لحظة ويجتهد فيها عند الشك *
قال (ثم شرائط الجمع ثلاثة (الترتيب) وهو تقديم الظهر على العصر (ونية الجمع) في أول الصلاة الأولى
أو في وسطها ولا يجوز في أول الثانية (والموالاة) وهو ان لا يفرق بين الصلاتين بأكثر من قدر إقامة وفى هذه
الشرائط عند الجمع بالتأخير خلاف) *
المسافر إذا جمع فأما ان يقدم الأخيرة من الصلاتين إلى وقت الأولى أو يؤخر الأولى إلى وقت الأخيرة فان
قدم فيعتبر فيه ثلاثة شرائط (إحداها) الترتيب وهو تقديم الظهر على العصر والمغرب على العشاء لان الوقت للأولى
والثانية تبع له فيجب تقديم الأصل فلو قدم العصر على الظهر لم يصح عصره ويعيدها بعد الظهر ولو قدم الظهر وبان
فسادها بسبب فالعصر فاسدة أيضا (والثانية) نية الجمع تمييزا للتقديم المشروع على التقديم سهوا وعبثا ومتى
ينوى الجمع نص في الجمع بالسفر أنه ينوى عند التحرم بالأولى أو في أثنائها ونص في الجمع بالمطر انه ينوى
عند
التحرم بالأولى واختلف الأصحاب على طريقتين إحداهما تقرير النصين والفرق ان نية الجمع ينبغي أن
475

تقارن سبب الجمع ودوام السفر في الصلاة الأولى شرط فجميعها وقت النية واما المطر فلا يشترط دوامه
في الأولى كما سيأتي ويشترط في أولها فتعين وقتا للنية وأصحهما وبه قال المزني ان فيهما قولين نقلا
وتخريجا أحدهما انها شرط في الفصلين عند التحرم كنية القصر وأصحهما انها لو وقعت في أثنائها
جاز أيضا لان الجمع هو ضم الثانية إلى الأولى فإذا تقدمت النية على حالة الضم حصل الغرض وتفارق
نية القصر لأنها لو تأخرت لتأدى بعض الصلاة على التمام وحينئذ يمتنع القصر وعلى هذا فلو نوى مع
التحلل قال الامام رأيت للأئمة ترددا فيه كان شيخي يمنعه وذكر الصيدلاني وغيره انه يجوز لوجود
النية في الطرفين الطرف الأخير من الظهر والطرف الأول من العصر وعلى هذا يدل نص الشافعي
رضي الله عنه ثم قال المسعودي والصيدلاني وغيرهما وخرج المزني قولا ثالثا وهو انه لو نوى بعد السلام
على قرب وصلي الصلاة الأخيرة جاز كما لو سلم من اثنتين وقرب الوقت يبنى وان طال فلا وهذا تخريج
منه للشافعي رضي الله عنه وحكوا عن مذهبه ان نية الجمع ليست مشروطة أصلا فان الجمع معني ينتظم
الصلاتين ولا عهد بنية تجمع صلاتين وجعل الصيدلاني مذهبه وجها لأصحابنا فليكن قوله في
الكتاب ونية الجمع معلما بالزاي والواو ويجوز ان يعلم قوله ولا يجوز في أول الثانية بهما أيضا وقوله
أو في وسطها معلم بالقاف للقول الصائر إلى اشتراط النية في أولها واعتبار الوسط يقتضي المنع فيما إذا
نوى مع التحلل إذ لا تكون النية حينئذ في الوسط وهذا ما سبق عن الشيخ أبى محمد والظاهر عند الأكثرين
خلافه (الثالثة) الموالاة فهي شرط خلافا للإصطخري فيما حكى صاحب التتمة عنه حيث قال يجوز
الجمع وإن طال الفصل بين الصلاتين ما لم يخرج وقت الأولى منهما ويروى مثله عن أبي على الثقفي
وقال الموفق بن طاهر سمعت الشيخ أبا عاصم العباي يحكي عن الامام انه لو صلى المغرب في بيته ونوى
الجمع وجاء إلى المسجد وصلي العشاء فيه جاز ووجه ظاهر المذهب ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم
" لما جمع بين الصلاتين والى بينهما وترك الرواتب بينهما " ولولا اشترط الموالاة لما تركها والمراد من الموالاة
ان لا يطول الفصل بينهما ولا بأس بالفصل اليسير لأنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الإقامة
بينهما (1) وبماذا يفرق بين الطويل واليسير قال الصيدلاني حده أصحابنا بقدر اتيان المؤذن بالإقامة
وهذا يوافق ما في الكتاب فإنه قال وهي ان لا يفرق بين الصلاتين بأكثر من قدر إقامة وقال
476

أصحابنا العراقيون الرجوع في الفصل بينهما إلى العادة وقد تقتضي العادة احتمال الزائد على قدر الإقامة
وتدل عليه مسألة وهي ان المتيمم هل له الجمع عن أبي إسحاق أنه ليس له الجمع لأنه محتاج إلى طلب الماء
وتجديد التيمم وذلك يطول الفصل بينهما فصار كما لو طول بشئ آخر وقال عامة الأصحاب له الجمع
كالمتوضئ ويطلب للتيمم الثاني طلبا خفيفا ولا ينقطع به الجمع لأنه من مصلحة الصلاة فأشبه الإقامة
وذكر في التهذيب أنه المذهب ومعلوم أن الطلب والتيمم يزيدان على قدر الإقامة المشروعة على الادراج
فيجوز ان يعلم قوله بأكثر من قدر إقامة بالواو لما ذكره ومتى طال الفصل بقدر ضم الثانية إليها فيؤخرها
إلى وقتها ولا فرق بين أن يطول من غير عذر أو بعذر كالسهو والاغماء ولو جمع بينهما ثم تذكر بعد
الفراغ منهما انه ترك سجدة أو ركنا آخر من الصلاة الأولى بطلت الصلاتان جميعا اما الأولى فلترك
بعض أركانها وتعذر التدارك بطول الفصل واما الثانية فلان شرط صحتها تقدم الأولى وإذا
بطلتا فله أن يعيدهما على سبيل الجمع ولو تذكر تركها من الثانية فإن كان الفصل قريبا تدارك ومضت الصلاتان
على الصحة وان طال الفصل فالثانية باطلة وليس له الجمع لوقوع الفصل الطويل بالصلاة الثانية فيعيدها
في وقتها ولو لم يدر انه ترك من الأولى أو الثانية لزمه إعادة الصلاتين جميعا لاحتمال انه تركها من الأولى
ولا يجوز له الجمع لاحتمال انه تركها من الثانية فيعيد كل واحدة في وقتها أخذا بالأسوأ من الطرفين وحكى
في البيان عن الأصحاب أنه يجئ فيه قول آخر ان له الجمع كما لو أقيمت الجمعتان في بلدة ولم يعرف
السابقة منهما يجوز إعادة الجمعة في قول هذا كله فيما إذا جمع بتقديم الثانية أما إذا جمع بتأخير الأولى فهل
يجب الترتيب أم يجوز فعل الأخيرة قبل الأولى فيه وجهان (أحدهما) يجب كما لو جمع بالتقديم (وأصحهما) ولم يذكر
كثيرون سواه انه لا يجب ويجوز تقديم الثانية لان الوقت لها والأولى تبع ولأنه لو أخر الظهر من غير
عذر حتى دخل وقت العصر كان له تقديم العصر فإذا أخر بعذر كان أولي وكذا في اشتراط الموالاة
بينهما وجهان (أصحهما) انها لا تشترط لشبه الأولى بخروج وقتها بالفائتة وان لم تكن فائتة ولهذا قلنا لا يؤذن
لها كالفائتة وان لم تكن فائتة (فان قلنا) باشتراط الترتيب فلو قدم الصلاة الثانية صحت لأنها في وقتها لكن
تصير الأولى قضاء وكذلك لو ترك الموالاة وشرطناها تصير الأولى قضاء حتى لا يجوز قصرها ان لم يجوز قصر
القضاء واما نية الجمع عند التأخير فقد قال في النهاية ان شرطنا الموالاة فنوجب نية الجمع كما في الجمع بالتقديم
وإلا فلا نوجب نية الجمع ويحكي هذا البناء عن القاضي الحسين رحمه الله وهذا الخلاف في أنه هل ينوى
الجمع عند الشروع في الصلاة واما في وقت الأولى فقد قال الأئمة يجب أن يكون التأخير بنية الجمع ولو اخر
477

من غير نية الجمع حتى خرج الوقت عصى وصارت قضاء وامتنع قصرها ان لم تجوز قصر القضاء
وكذا لو أخر حتى ضاق الوقت فلم يبق إلا قدر لو شرع في الصلاة فيه لما كان أداء وقد سبق
بيان ذلك *
قال (ومهما نوى الإقامة في أثناء الصلاة الأولى عند التقديم بطل الجمع وإن كان في أثناء الثانية فوجهان وإن كان
بعد الثانية فوجهان مرتبان وأولي بان لا يبطل هذا في السفر) *
لو أراد الجمع بين الصلاتين بالتقديم فصار مقيما في أثناء الأولى اما بنية الإقامة أو بانتهاء السفينة
إلى دار الإقامة فيبطل الجمع وكذا لو فرض ذلك بعد الفراغ منها وقبل الشروع في الثانية لزوال العذر
قبل حصول صورة الجمع ومعني بطلان الجمع ههنا انه يتعين تأخير الثانية إلى وقتها أما الأولى فلا تتأثر
بذلك ولو صار مقيما في أثناء الثانية فوجهان (أحدهما) انه يبطل الجمع أيضا كما لو صار مقيما في أثناء صلاة القصر
تبطل رخصة القصر ويلزمه الاتمام وعلى هذا فالثانية تبطل أصلا ورأسا أو تبقى نفلا يخرج على القولين
السابقين في نظائرها (والثاني) وهو الأظهر انه لا يبطل ويكفى اقتران العذر بأول الثانية صيانة لها
عن البطلان بعد الانعقاد على وجه الرخصة بخلاف مسألة القصر فان وجب الاتمام لا يؤدى إلى بطلان
ما مضى من صلاته ولو صار مقيما بعد الفراغ من الثانية فقد أطلق في الكتاب فيه وجهين مرتبين على
الوجهين فيما إذا صار مقيما في خلالها ان قلنا لا تؤثر الإقامة ثم فههنا اولي وان قلنا تؤثر ثم فهنا وجهان
(أحدهما) انها تؤثر لان الصلاة الثانية مقدمة على وقتها كالزكاة تعجل قبل الحول فإذا أزال العذر وأدرك
وقتها فليعد كما لو حال الحول وقد خرج الاخذ عن الشرط المعتبر لا يعتد بما عجل (وأظهرهما) انها لا تؤثر
لان رخصة الجمع قد تمت فأشبه ما لو قصر ثم طرأت الإقامة لا يلزمه الاتمام وخص صاحب التهذيب
وآخرون الخلاف بما إذا طرأت الإقامة بعد الفراغ من الصلاتين اما في وقت الأولى أو في وقت
الثانية ولكن قبل مضى امكان فعلها فاما لو طرأت بعد مضى امكان فعلها قالوا لا تجب اعادتها
وجها واحدا لبقاء العذر في وقت الوجوب وتنزيل اطلاق الكتاب على ما ذكروه بين لكن
صاحب النهاية صرح باجزاء الوجهين ما دام يبقي من وقت الثانية شئ والله أعلم * وأما إذا جمع بينهما
بالتأخير ثم صار مقيما بعد الفراغ منهما لم يصر ولو كان قبل الفراغ صارت الأولى قضاء ذكره في التتمة
وغيره وكأن المعنى فيه ان الصلاة الأولى تبع للثانية عند التأخير فاعتبر وجود سبب الجمع
في جميعها *
478

قال (واما المطر فيرخص (ح ز) في الجمع بالتقديم في حق من يصلى بالجماعة واما في المنفرد أو من
يمشى إلى المسجد في كن ففيه وجهان وفى التأخير أيضا وجهان لأنه لا يثق بدوام المطر ولا بد من
وجود المطر في أول الصلاتين فان انقطع قبل الصلاة الثانية أو في أثنائها فهو كنية الإقامة) *
المطر سبب للجمع لما سبق وللجمع طريقان التقديم والتأخير فاما التقديم فجائز بالشرائط
المذكورة في التقديم بسبب السفر ولا فرق بين قوى المطر وضعيفه إذا كان بحيث يبل الثوب والشفان
مطر وزيادة والثلج والبرد إن كانا يذوبان فهما كالمطر والا فلا يرخصان في الجمع وفيه وجه انه
لا يرخصان فيه بحال اتباعا للفظ المطر ثم هذه الرخصة تثبت في حق من
يصلى في الجماعة ويأتي مسجدا بعيدا يتأذى بالمطر في اتيانه فاما إذا كان يصلي في بيته منفردا أو في
جماعة أو كان يمشي إلى المسجد في كن أو كان المسجد على باب داره أو النساء يصلين في بيوتهن هل
نثبت هذه الرخصة فيه وجهان (أحدهما) نعم لان النبي صلى الله عليه وسلم جمع بسبب المطر
وبيوت أزواجه بجنب المسجد (وأصحهما) لا لأنه لا يتأذى بالمطر وبيوت أزواج رسول الله صلى الله
عليه وسلم كانت مختلفة منها ما هو بجنب المسجد ومنها ما هو بخلافه فلعله حين جمع لم يكن
في البيت الملاصق (1) ومن أصحابنا من ينقل بدل الوجهين قولين في هذه المسائل وينسب الجواز إلى
الاملاء والمنع إلى الام واما التأخير فهل يجوز بسبب المطر روى في الكتاب فيه وجهين وقال
جمهور الأصحاب فيه قولان (القديم) انه يجوز كما في السفر يجوز التقديم والتأخير جميعا (والجديد) انه
لا يجوز لان استدامة السفر إليه متصورة واستدامة المطر متعذرة فربما تمسك السماء قبل إن يجمع فان جوزنا
التأخير قال أصحابنا العراقيون صلاها مع الثانية سواء كان المطر متصلا أو لم يكن وذكر في
479

التهذيب انه لو انقطع المطر قبل دخول وقت الثانية لم يجز الجمع وصلى الأولى في آخر وقتها كالمسافر
إذا اخر بنية الجمع ثم أقام قبل دخول وقت الثانية وقضية هذا ان يقال لو انقطع في وقت الثانية
قبل فعلها امتنع الجمع أيضا وصارت الأولى قضاء كما لو صار مقيما وإذا قدم فلا بد من وجود
المطر في أول الصلاتين ليتحقق الجمع مع العذر وهل يجب مع ذلك وجوده في حال التحلل عن
الصلاة الأولى نقل في النهاية عن المعظم انه لا يجب وعن أبي زيد انه لا بد منه أيضا ليتحقق
اتصال آخر الأولى بأول الثانية مقرونا بالعذر وهذا هو الذي ذكره أصحابنا العراقيون
وصاحب التهذيب وغيرهم ولا يضر بعد وجوده في الأحوال الثلاث انقطاعه في أثناء الصلاة
الأولى أو في الثانية أو بعد الثانية حكى ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه وقطع به الأكثرون
قال امام الحرمين وحكي بعض المصنفين في انقطاعه في أثناء الثانية أو بعدها مع بقاء الوقت
الخلاف الذي ذكرناه في طرءان الإقامة إذا كان سبب الجمع السفر واستبعد ذلك وضعفه وقال
إذا لم يشترط دوام المطر في الصلاة الأولى فأولى ان لا يشترط في الثانية وما بعدها ونعود إلى
ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) فيرخص في التقديم يجوز ان يعلم بالحاء والميم والزاء لما سبق في أول
الباب وذكر في الإبانة ان المطر يرخص في التأخير وفى التقديم وجهان على عكس ما نقله الجمهور
فان ثبت ذلك أحوج إلى الاعلام بالواو أيضا وقوله في التقديم أراد به تقديم العصر إلى الظهر
والعشاء إلى المغرب معا وفى النهاية قول ضعيف عن حكاية صاحب التقريب ان الجمع بعذر المطر
يختص بالمغرب والعشاء في وقت المغرب (وقوله) في حق من يصلي بالجماعة يشمل ظاهره الجماعة
في المسجد وفى البيت لكن لو صلوا جماعة في بيت اجتمعوا فيه ففي جواز الجمع لهم وجهان كما
سبق (وقوله) فاما في المنفرد يشمل المنفرد في بيته وفى المسجد وهو مجرى على اطلاقه فقد حكى الصيدلاني
الوجهين في الذين حضروا المسجد وصلوا فرادى وجه المنع ان رخصة الجمع نقلت مرتبطة بالجماعة
في المسجد وقوله ولا بد من وجود المطر في أول الصلاتين مشعر بالاكتفاء بذلك على ما حكاه
الامام عن المعظم لكن ظاهر المذهب انه لا بد منه عند التحلل أيضا كما سبق ثم ينبغي ان يعلم
قوله في أول الصلاتين بالواو لان القاضي ابن كج حكى عن بعض الأصحاب انه لو افتتح الصلاة
ولا مطر ثم مطرت السماء في أثناء صلاته الأولى فجواز الجمع على القولين في أنه إذا نوى الجمع
480

في أثناء الأولى هل يجوز الجمع أم لا واختار ابن الصباغ هذه الطريقة (وقوله) فان انقطع قبل الصلاة
أو في أثنائها عنى به ما إذا لم يعد أما إذا عاد في آخرها فالجمع ماض على الصحة وقد صرح بهذا
القيد في الوسيط ثم القول بأنه كنية الإقامة جواب على ما نقله في النهاية عن بعض المصنفين ويجب
وسمه بالواو للطريقة الجازمة بان ذلك لا يقدح وهي التي قالها الأكثرون *
(فروع) (أحدها) قال ابن كج يجوز الجمع بين صلاة الجمعة والعصر بعذر المطر ثم إذا قدم
فلا بد من وجود المطر في الحالات الثلاث كما بينا قال في البيان ولا يشترط وجوده في الخطبتين وقد
تتازع فيه ذهابا إلى تنزيلهما منزلة الركعتين وأن أراد تأخير الجمعة قال في البيان يجوز ذلك على قولنا
المطر يرخص في التأخير فيخطب في وقت العصر ويصلي لان وقت الثانية من صلاتي الجمع وقت
الأولى (والثاني) المشهور أنه لا جمع بالمرض والخوف والوحل إذا لم ينقل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسلم جمع بهذه الأسباب مع حدوثها في عصره (1) وعن مالك واحمد أنه يجوز الجمع بالمرض والوحل
وبه قال بعض أصحابنا منهم أبو سليمان الخطابي والقاضي الحسين واستحسنه الروياني في الحلية
لما روى " أنه صلى الله عليه وسلم وسلم جمع بالمدينة من غير خوف ولا سفر ولا مطر (2) فعلى هذا يراعى
الرفق بنفسه فإذا كان يحم مثلا في وقت الثانية من الصلاتين قدمها إلى الأولى بالشرائط التي سبقت
وأن كان يحم في وقت الأولى اخرها إلى الثانية (الثالث) في جمع الظهر والعصر يصلي سنة
الظهر ثم سنة العصر ثم يأتي بالفرضين وفى جمع العشائين يصلى بعد الفرضين سنة المغرب ثم سنة
العشاء ثم الوتر *
481

قال * (كتاب الجمعة) *
(وفيه ثلاثة أبواب: الباب الأول في شرائطها وهي ستة: الأول الوقت: فلو وقع تسليمة الامام
في وقت العصر فاتت الجمعة ولو وقع آخر صلاة المسبوق في وقت العصر جاز على أحد الوجهين لأنه
تابع في الوقت كما في القدوة)
482

قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) الآية وعن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال " من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه " (1) الجمعة فرض على
483

الأعيان إذا اجتمعت الشرائط التي نذكرها وحكي القاضي ابن كج عن بعض أصحابنا انها فرض
على الكفاية كصلاة العيدين وذكر القاضي الروياني في البحر أن بعض أصحابنا زعم أنه قول
للشافعي رضي الله عنه وغلط ذلك الزاعم وقال لا يجوز حكاية هذا عن الشافعي رضي الله عنه إذا
484

عرفت ذلك فاعلم أن الجمعة كسائر الفرائض الخمس في الأركان والشرائط لكنها تختص بثلاث
خواص (أحدها) اشتراط أمور زائدة في صحتها (والثانية) اشتراط أمور زائدة في لزومها (والثالثة) آداب
ووظائف تشرع فيها فجعل الكتاب على ثلاثة أبواب كل واحد في خاصية منها (الباب الأول)
485

في شروط الصحة (أحدها) الوقت فلا مدخل للقضاء في الجمعة على صورتها بالاتفاق بخلاف سائر
الصلوات فان الوقت ليس شرطا في نفسها وإنما هو شرطه في ايقاعها أداء ووقتها وقت الظهر خلافا
لأحمد حيث قال يجوز فعلها قبل الزوال واختلف أصحابه في ضبط وقته فمن قائل وقتها وقت
486

صلاة العيدين ومن قائل يقول إنما تقام في الساعة السادسة: لنا ما روى عن أنس رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم " كان يصلي الجمعة بعد الزوال " (1) وقد ثبت عنه أنه قال " صلوا كما رأيتموني
أصلي " (2) وإذا خرج الوقت أو شك في خروجه فلا سبيل إلى الشروع فيها ولو اغفلوها إلى أن لم يبق
487

من الوقت ما يسع الخطبتين وركعتين يقتصر فيهما على ما لا بد منه لم يشرعوا فيها وصلوا الظهر
نص عليه في الام ولو شرعوا فيها في الوقت ووقع بعضها خارج الوقت فاتت الجمعة خلافا لمالك
واحمد هكذا أطلق أكثر أصحابنا النقل عنهما وفصل الصيدلاني مذهب مالك فقال عنده إن صلوا
ركعة ثم خرج الوقت أتموا الجمعة والا فقد فاتت: لنا انها عبادة لا يجوز الابتداء بها بعد خروج
وقتها فتنقطع بخروج الوقت كالحج وأيضا فان الوقت شرط في ابتداء الجمعة فيكون شرطا في دوامها
كدار الإقامة ثم إذا فاتت الجمعة فهل يتمها ظهرا أم لا ظاهر المذهب أنه يجب عليه أن يتمها ظهرا
488

ولا بأس ببنائها عليه لأنهما صلاتا وقت واحد فجاز بناء أطولهما على أقصرهما كصلاة الحضر مع
السفر وخرج فيه قول آخر أنه لا يجوز بناء الظهر على الجمعة بل عليهم استئناف الظهر وبه قال أبو
حنيفة وبنوا هذا الخلاف على الخلاف في أن الجمعة ظهر مقصورة أم هي صلاة على حيالها إن قلنا بالأول جاز
البناء والا فلا وسيعود هذا الأصل في مواضع من الباب فان قلنا بظاهر المذهب فليسر بالقراءة
من حينئذ ولا يحتاج إلى تجديد نية الظهر على أصح الوجهين ذكره في العدة على أنا حكينا وجها ضعيفا
أن الظهر تصح بنية الجمعة ابتداء ههنا أولى (وأن قلنا) لا بد من استئناف الظهر فهل تبطل صلاته أم
489

تنقلب نفلا فيه قولان مذكوران في نظائرها ولو شك في صلاته هل خرج الوقت أم لا فوجهان (أحدهما)
يتمها جمعة وبه قال الأكثرون لان الأصل بقاء الوقت وصار كما لو شك بعد الفراغ فيه (والثاني)
انه يتمها ظهرا لأنه شك في شرط الجمعة قبل تمامها ومضيها على ظاهر الصحة فيعود إلى الأصل وهو
الظهر وهذا كله في حق الإمام والمأمومين الموافقين أما لمسبوق الذي أدرك معه ركعة لو قام إلى تدارك
الركعة الثانية فخرج الوقت قبل أن يسلم هل تفوت جمعته فيه وجهان (أصحهما) نعم كما في حق غيره
(والثاني) لا لأنه تابع للقوم وقد صحت جمعتهم فصار كالقدوة فإنها من شرائط الجمعة ثم هي
محطوطة عنه تبعا لهم وكذلك العدد ومن قال بالأول فرق بان اعتبار الشرع برعاية الوقت أكثر الا يرى
490

أن أقوال الشافعي رضي الله عنه اختلفت في الانفضاض وأن اختلفت الجماعة ولم يختلف قوله في
أنه إذا وقع شئ من صلاة الامام بعد خروج الوقت فاتت الجمعة وقوله فلو وقع تسليم الامام المراد التسليمة
الأولى فان الثانية غير معدودة من نفس الصلاة بل من لواحقها ولهذا لو قارنها الحدث لم تبطل صلاته
ولعلك تقول لم تقيد بتسليمة الامام وما الحكم لو وقعت تسليمة الامام في الوقت وتسليمة القوم أو بعضهم
خارج الوقت فاعلم أن التعرض لتسليمة الامام قد جرى في كلام الشافعي رضي الله عنه في المختصر
491

كما ذكره في الكتاب ولم أر فيما وجدته من الشروح بحثا عنه ويمكن أن يكون التعرض له باعتبار أن
وقوع تسليمة الامام خارج الوقت موجب فوات الجمعة في البقعة مطلقا فإنه إذا كان سلامه بعد
الوقت فسلام غيره يكون بعد الوقت أيضا فاما إذا وقع سلامه في الوقت وسلام بعضهم بعده فالمسلمون
خارج الوقت لا شك في أن ظاهر المذهب بطلان صلاتهم وأن فرض فيه خلاف واما الامام والمسلمون
492

معه إن بلغوا العدد المعتبر في الجمعة فجمعتهم صحيحة والا فالصورة تشبه مسألة الانفضاض والله أعلم
* واعلم أنه سلامه الواقع في وقت العصر إن كان عن علم منه بالحال فيتعذر بناء الظهر عليه لا محالة
وتبطل صلاته الا أن يغير النية إلى النفل ثم يسلم ففيه ما سبق في موضعه وإن كان عن جهل منه فلا تبطل صلاته
وهل يبنى أو يستأنف فيه الخلاف الذي ذكرناه *
قال (الثاني دار الإقامة فلا تقام الجمعة في الصحارى (ح) ولا في الخيام (و) بل تقام في خطة قرية
(ح) أو بلدة إلى حد يترخص المسافر إذا انتهي إليه) *
يشترط إقامة الجمعة في دار الإقامة خلافا لأبي حنيفة حيث قال يجوز اقامتها خارج البلد
حيث تقام صلاة العيد وبه قال احمد * لنا القياس على الموضع البعيد عن البلد فان كل واحد منهما
493

خارج عن البلد وأيضا فان الجمعة لم تقم في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في عصر الخلفاء
الراشدين رضي الله عنهم إلا في مواضع الإقامة (1) ولولا أنه شرط لا شبة أن يقيموها في غيرها كسائر
الجماعات والمراد من دار الإقامة الأبنية التي يستوطنها المقيمون للجمعة سواء في ذلك البلاد والقرى
494

والاسراب التي تتخذ وطنا ولا فرق بين أن تكون الأبنية من حجر أو طين أو خشب وأهل الخيام
النازلون في الصحراء لا يقيمون الجمعة فإنه إذا جاء الشتاء أحوجهم إلى الانتقال فليسوا بمقيمين
في ذلك الموضع وان اتخذوه وطنا لا يبرحون عنه شتاء ولا صيفا ففيه قولان (أحدهما) أنه تلزمهم الجمعة
ويقيمون في ذلك الموضع لأنهم استوطنوه (وأصحهما) لا لان قبائل العرب كانوا مقيمين حول المدينة
وما كانوا يصلون الجمعة ولا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وهذا لأنهم على هيئة المسافرين
وليس لهم أبنية المستوطنين ولو انهدمت أبنية البلدة أو القرية فأقام أهلها على العمارة لزمهم إقامة الجمعة
فيها فإنهم في دار اقامتهم سواء كانوا في مظال أو غيرها وكذا لو كانت الأبنية باقية وليس من
الشرط اقامتها في كن أو مسجد بل يجوز اقامتها في فضاء معدود من خطة البلدة غير خارج عنها
495

لان الجماعة قد تكثر ويعسر اجتماعها في محوط أما الموضع الخارج الذي إذا انتهى إليه من ينشئ
السفر من البلدة كان له القصر لا يجوز إقامة الجمعة فيه على ما سبق وهذا هو الذي أراد بقوله إلى
حد يترخص المسافر إذا انتهى إليه واستعمال إلى ههنا نحو استعمالها في قول الله تعالى جده (ثم أتموا
الصيام إلى الليل) فليس الحد المذكور داخلا في الخطة وقوله في الصحارى معلم بالحاء والألف لما
496

قدمناه ويجوز وضعهما على قوله في خطة قرية أو بلدة أيضا وقوله ولا في الخيام معلم بالواو للقول
الذي سبق حكايته *
قال (الثالث أن لا تكون الجمعة مسبوقة بجمعة أخرى فلو عقدت جمعتان فالتي تقدم تكبيرها
هي الصحيحة وقيل العبرة بتقدم السلام وقيل بتقدم أول الخطبة فإن كان السلطان في الثانية فهي
الصحيحة على أحد الوجهين لكيلا تقدر كل شر ذمة على تفويت الجمعة على الأكثرين وان وقعت
الجمعتان معا تدافعتا فتستأنف واحدة وكذا ان أمكن التلاحق والتساوق فان تعينت السابقة ثم التبست
فاتت (وز) الجمعة ووجب (ز) الظهر على الجميع ولو عرف السبق ولم تتعين استؤنفت الجمعة (و) وما لم
يتعين كأنه لم يسبق وفيه قول آخر أن الجمعة فائتة) *
497

قال الشافعي رضي الله عنه ولا يجمع في مصر وان عظم وكثرت مساجده لا في مسجد واحد
وذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده لم يفعلوا إلا كذلك (1) وإذا لم تجز اقامتها في مساجد البلد
كسائر الجماعات واحتمل تعطل المساجد عرف أن المقصود اظهار شعار الاجتماع واتفاق كلمة المسلمين
فليقتصر على الواحد لأنه أفضي إلى هذا المقصود ولأنه لا ضبط بعد مجاوزة الواحد وتكلم الأصحاب
498

في أمر بغداد فان أهلها لا يقتصرون على جمعة واحدة وقد دخلها الشافعي رضي الله عنه وهم يقيمون
الجمعة في موضعين وقيل في ثلاثة فلم ينكر عليهم وذكروا فيه وجوه (أحدها) أن الزيادة على الواحدة إنما
جازت في بغداد لان نهرها يحول بين شقيها فيجعلها كبلدين قاله أبو الطيب بن سلمة وعلى هذا
لا يقام في كل جانب الا جمعة واحدة وكل بلدة حال بين جانبها نهر يحوج إلى السباحة أو الزوارق
فهي بمثابة بغداد واعترض الشيخ أبو حامد على هذا فقال لو كان الجانبان كالبلدين لجاز القصر لمن
عبر عن أحد الجانبين إلى الآخر وان لم يجاوز ذلك الجانب وابن سلمة فيما حكي القاضي ابن كج
499

الزم هذه المسألة فالتزمها وقال يجوز له القصر (والثاني) أن الزيادة على الواحدة إنما جازت لأنها كانت
قرى متفرقة ثم اتصلت الأبنية فاجرى عليها حكمها القديم وعلى هذا يجوز التعديد في كل بلدة
كانت كذلك واعترض الشيخ أبو حامد عليه بمثل ما اعترض به على الوجه الأول وربما يلتزم الصائر
إليه جواز القصر أيضا فان الامام حكي عن صاحب التقريب أنه قال يجوز أن يقال على هذا إذا
جاوز الهام بالسفر قرية من تلك القرى ترخص (والثالث) أنها إنما جازت لان بغداد بلدة كبيرة يشق
500

على أهلها الاجتماع في موضع واحد وعلى هذا تجوز الزيادة على الجمعة الواحدة في سائر البلاد إذا
كثر الناس وعسر اجتماعهم وبهذا قال ابن سريج وأبو إسحاق وهو مذهب احمد (والرابع) أن الزيادة
لا تجوز بحال وإنما لم ينكر الشافعي رضي الله عنه في بغداد لما دخلها لان المسألة مسألة اجتهادية وليس
لبعض المجتهدين الانكار على سائرهم وهذا الوجه الرابع يوافق إطلاق الكتاب حيث قال أن لا
تكون الجمعة مسبوقة بأخرى فإنه لم يفصل بين بلدة وبلدة وهو ظاهر نص الشافعي رضي الله عنه الذي
قدمناه ورأي الشيخ أبو حامد وطبقته الاقتصاد عليه مذهبا لكن الذي اختاره أكثر أصحابنا تعريضا
501

وتصريحا إنما هو الوجه المنسوب إلى ابن سريج وأبي إسحاق وهو تجويز التعديد عند كثرة الناس
والازدحام وممن رجحه القاضي ابن كج والحناطي والقاضي الروياني وعليه يدل كلام حجة الاسلام في
الوسيط مع تجويزه للنهر الحائل أيضا ولا يخفى مما ذكرناه أنه ينبغي أن يعلم قوله أن لا تكون الجمعة مسبوقة
بأخرى بالألف والواو لأنه مطلق والوجوه المذكورة تنازع فيه سوى الوجه الأخير إذا عرف ذلك
فمتى منعنا من الزيادة على جمعة واحدة فزادوا وعقدوا جمعتين فله صور (إحداها) أن تسبق إحداهما
الأخرى فالسابقة صحيحة لاجتماع الشرائط فيها واللاحقة باطلة لما ذكرنا أنه لا مزيد على واحدة وبما
يعتبر السبق فيه ثلاثة أوجه (أصحها) أن الاعتبار بالتحرم فالتي سبق عقدها على الصحة هي الصحيحة
502

وأن تقدمت الثانية في الخطبة أو السلام والثاني أن الاعتبار بالسلام فالتي سبق التحلل عنها هي
الصحيحة لان الصلاة إذا وقع التحلل عنها أمن عروض الفساد لها بخلاف ما قبل التحلل فكان
الاعتبار به أولى (والثالث) أن الاعتبار بالخوض في الخطبة فالتي تقدم أول خطبتها هي الصحيحة قال
الامام وهذا ملتفت إلى أن الخطبتين بمثابة ركعتين ولم يحك أكثر أصحابنا العراقيين سوى
الوجه الأول والثاني ونقلهما صاحب المهذب قولين وقوله في الكتاب فالتي تقدم تكبيرها هي
503

الصحيحة يقع على تمام التكبير حتى لو سبقت إحداهما بهمزة التكبير والأخرى بالراء منه فالصحيحة
هي التي سبقت بالراء لأنها التي تقدم تكبيرها وهذا هو أصح الوجهين وفيه وجه آخر أنه
ينظر إلى أول التكبير ثم على اختلاف الوجوه لو سبقت إحداهما الأخرى لكن كان السلطان مع
مع الأخرى فقد حكي صاحب الكتاب والامام فيه وجهين والجمهور نقلوهما قولين (أظهرهما)
أن الصحيحة هي الأولى كما لو لم يحضر السلطان في واحدة منهما وكما لو كان ثم اميران وكان كل
واحد منهما في واحدة (والثاني) أن الصحيحة هي الثانية منعا للآخرين من التقدم على الامام ولو لم
504

نقل بهذا لأدى إلى أن تفوت كل شر ذمة تنعقد بهم الجمعة فرض الجمعة على أهل البلد ولو شرع
الناس في صلاة الجمعة فأخبروا أن طائفة أخرى سبقتهم بها وفاتت الجمعة عليه فالمستحب لهم
استئناف الظهر وهل لهم أن يتموها ظهرا فيه الخلاف الذي ذكرناه فيما إذا خرج
الوقت في أثناء الجمعة (الصورة الثانية) أن تقع الجمعتان معا فيتدافعان وتستأنف واحدة
أن وسع الوقت (الثالثة) أن يشكل الحال فلا يذرى أوقعتا معا أو سبقت إحداها الأخرى فيعيدون
505

الجمعة أيضا لجواز وقوعهما معا والأصل عدم الجمعة المجزئة قال امام الحرمين وقد حكمت الأئمة بأنهم
إذا أعادوا الجمعة برئت ذمتهم وفيه اشكال لأنه يجوز تقدم إحدى الجمعتين على الأخرى وعلى هذا
التقدير لا يصح عقد جمعة أخرى ولا تبرأ ذمتهم بها فسبيل اليقين أن يقيموا جمعة ثم يصلوا الظهر (الرابعة)
أن تسبق إحدى الجمعتين على التعيين ثم يلتبس فلا تخرج واحدة من الطائفتين عن العهدة خلاف
للمزني * لنا أنه ليس في الطائفتين من يتيقن صحة جمعته والأصل بقاء الفرض في ذمتهم ثم إذا لم يخرجوا
506

عن العهدة فماذا يفعلون فيه طريقان (أظهرهما) فيه وهو المذكور في الكتاب أنه ليس لهم إعادة الجمعة لان إحدى
الجمعتين في البلد قد صحت على اليقين فلا سبيل إلى الزيادة ولكن يصلون الظهر (والثاني) أنه على
الخلاف الذي نذكره في الصورة الخامسة وهذا هو الذي ذكره العراقيون وقوله فاتت الجمعة أراد به
بطلانها على الطائفتين وافتقارهما إلى فعل الظهر والا فالجمعة السابقة صحيحة وليكن معلما بالزاي والواو
لما ذكرناه (الخامسة) أن تسبق إحداها ولا يتعين كما إذا سمع مريضان أو مسافران تكبيرتين متلاحقتين وهما
507

خارج المسجد فأخبراهم بالحال ولم يعرفا أن المتقدمة تكبيرة من فلا يخرجون عن العهدة أيضا
لما ذكرنا في الرابعة وقد نقل خلاف المزني ههنا أيضا ثم ماذا يفعلون فيه قولان (أظهرهما) في الوسيط
أنهم يستأنفون الجمعة أن بقي الوقت لان الجمعتين المفعولتين باطلتان غير مجزئتين وكأنه لم يقم في
البلدة جمعة أصلا (والثاني) وهو رواية الربيع انهم يصلون الظهر لان إحدى الجمعتين صحيحة
في علم الله تعالى وأنما لم يخرجوا عن العهدة للاشكال قال الأصحاب وهذا هو القياس * هذا تمام
508

الصور وهي بأسرها مذكورة في الكتاب ولهذه الصور الخمس نظائر في نكاحين عقدهما
وليان على امرأة واحدة وستأتي في موضعها أن شاء الله تعالى * وأن أردت حصرها قلت إذا
عقدت جمعتان فاما أن لا يعلم حالهما في التساوق والتلاحق أو يعلم وعلى هذا فاما أن يعلم تساوقهما
أو سبق إحداهما على الأخرى. وعلى هذا فاما أن يعلم في واحدة لا على التعيين أو في واحدة معينة. وعلى
هذا فاما أن يستمر العلم أو يعرض التباس ثم قال أصحابنا العراقيون لو كان الامام في إحدى الجمعتين
509

في الصور الأربع الأخيرة ترتب على ما ذكرنا في الصورة الأولى أن قلنا الصحيحة هي التي فيها الامام
مع تأخيرها فههنا أولى والا فلا اثر لحضوره والحكم كما لو لم يكن مع واحد منهما *
قال (الرابع العدد فلا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين (ح م) ذكور مكلفين (ح) أحرار مقيمين (ح)
لا يظعنون شتاء ولا صيفا الا لحاجة والامام هو الحادي والأربعون على أحد الوجهين) *
لا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين وبه قال أحمد خلافا لأبي حنيفة حيث قال تنعقد بأربعة أحدهم
الامام واختلفت رواية أصحابنا عن مالك فمنهم من روى عنه مثل مذهبنا ومنهم من روى أن
510

الاعتبار بعدد يعد بهم الموضع قرية ويمكنهم الإقامة فيه ويكون بينهم البيع والشراء ونقل صاحب
التلخيص قولا عن القديم أن الجمعة تنعقد بثلاثة امام ومأمومين وعامة الأصحاب لم يثبتوه * لنا ما روى
عن جابر رضي الله عنه أنه قال " مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة " (1) وعن أبي الدرداء
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا اجتمع أربعون رجلا فعليهم الجمعة " (2) أورده في
التتمة وذكر القاضي أبن كج ان الحناطي روى عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " لا جمعة الا بأربعين " (3) وليكن قوله ولا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين معلما لما حكيناه بالميم والحاء
511

والواو ثم نعتبر في الأربعين أربع صفات الذكورة والتكليف والحرية والإقامة والمعتبر الإقامة على
سبيل التوطن وصفته أن لا يظعنوا عن ذلك الموضع شتاء ولا صيفاء الا لحاجة فلو كانوا ينزلون الموضع
512

صيفا ويرتحلون عنه شتاء أو بالعكس فليسوا بمتوطنين ولا تنعقد الجمعة بهم وحكي أبن الصباغ أن أبا حنيفة
يقول بانعقادها بأربعة من العبيد وبأربعة من المسافرين واحتج عليه بان من لا تلزمه الجمعة لا تنعقد
513

به الجمعة كالنساء واعلم لذلك كلمتي أحرارا مقيمين بالحاء إشارة إلى أن الحرية والإقامة
لا يشترطان في العدد المعتبر عنده وفى الانعقاد بالمقيم الذي لم يجعل الموضع وطنا خلاف سنذكره
514

في الباب الثالث وهل تنعقد الجمعة بالمرضى المشهور انها تنعقد لكمالهم وإنما لم تجب عليهم تخفيفا وهذا
هو المذكور في الكتاب في الباب الثاني ونقل ابن كج عن أبي الحسين أن الشافعي رضي الله عنه
515

قال في موضع لا تنعقد الجمعة بأربعين مريضا كالمسافرين والعبيد فعلى هذا صفة الصحة تعتبر مع
الصفات المذكورة في الكتاب ثم عدد الأربعين معتبر مع الامام أو هو زائد على الأربعين فيه
وجهان (أصحهما) أنه من جملة الأربعين لما ذكرنا من الاخبار فإنها لا تفصل بين الامام وغيره (والثاني) أنه زائد
على الأربعين لما روى أنه صلى الله عليه وسلم " جمع بالمدينة ولم يجمع بأقل من أربعين " (1) وهذا
يشعر بزيادته على الأربعين وقد حكى القاضي الروياني الخلاف في المسألة قولين (القديم) أنه زائد
على الأربعين *
قال (فلو انفض القوم في الخطبة لم يجز (ح) لان اسماعها أربعين رجلا واجب فان سكت
الخطيب ثم بنى عند عودهم مع طول الفصل فقد فاتت الموالاة وفي اشتراطها قولان وكذلك في
اشتراطها بين الخطبة والصلاة) *
العدد المعتبر في الصلاة وهو الأربعون معتبر في الكلمات الواجبة من الخطبة واستماع القوم إليها قال
الله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له) قال كثير من المفسرين أن المراد منه الخطبة وعن أبي حنيفة
516

في رواية أنه لو خطب منفردا جاز واحتجوا عليه بان الخطبة ذكر واجب في الجمعة فيشترط حضور
العدد فيه كتكبيرة الاحرام إذا عرفت ذلك فلو حضر أربعون فصاعدا لإقامة الجمعة ثم انفض كلهم
أو بعضهم والباقون دون الأربعين لم يخل اما أن يكون الانفضاض في أثناء الصلاة وسيأتي في
الفصل التالي لهذا الفصل أو قبلها وذلك اما أن يكون قبل افتتاح الخطبة أو في أثنائها أو بعدها فان
517

كان الانفضاض قبل افتتاح الخطبة لم يبتدئ حتى يجتمع أربعون وأن كان في أثنائها وهو مسألة
الكتاب فلا خلاف في أن الركن المأتى به في غيبتهم غير محسوب بخلاف ما إذا انفض العدد في الصلاة
فان فيه خلافا سيأتي قال امام الحرمين والفرق أن كل مصل يصلي لنفسه فجاز أن يتسامح في نقصان العدد
في الصلاة وفي الخطبة الخطيب لا يخطب لنفسه وإنما الغرض اسماع الناس وتذكيرهم فما جرى ولا مستمع
أو مع نقصان عدد المستمع فقد فات فيه مقصود الخطبة فلم يحتمل ثم ننظر أن عادوا قبل طول الفصل
بنى على الخطبة فان الفصل اليسير في مثل ذلك كعدم الفصل الا ترى أنه لو سلم ناسيا ثم تذكر
ولم يطل الفصل جاز وكذلك يحتمل الفصل اليسير بين صلاتي الجمع وأن عادوا بعد طول الفصل
518

فهل يبنى أم يستأنف فيه قولان يعبر عنهما بان الموالاة هل تجب في الخطبة أم لا (أحدهما) لا لان
الغرض الوعظ والتذكير وذلك حاصل مع تفرق الكلمات (وأصحهما) نعم لان للولاء وقعا في استمالة
القلوب وتنبيهها ولان الأولين خطبوا على الولاء فيجب اتباعهم فيه وذكر صاحب التهذيب وغيره
أن هذا القول الثاني هو الجديد وبنى أبو سعيد المتولي وآخرون الخلاف في المسألة على أن
الخطبتين بدل من الركعتين أم لا إن قلنا نعم وجب الاستئناف والا فلا وقرب حجة الاسلام قدس
الله روحه في الوسيط خلاف المسألة من الخلاف في الوضوء هل يجب فيه الموالاة لكن ظاهر
519

المذهب ثم إنها لا تجب وههنا انها تجب ويدل على الفرق بين البنائين أن الفصل بالعذر ثم لا يقدح
على أظهر الطريقين وههنا لا فرق بين أن تفوت الموالاة بعذر أو بغير عذر قال في النهاية ولولا ذلك
لما ضر الفصل الطويل ههنا لان سببه عذر الانفضاض ولو لم يعد الأولون واجتمع بدلهم
أربعون فلا بد من استئناف الخطبة طال الفصل أو لم يطل كذلك ذكره صاحب التهذيب وغيره
520

ولو أنفضوا بعد الفراغ من الخطبة نظر ان عادوا قبل طول الفصل صلى الجمعة بتلك الخطبة وان
عادوا بعد طول الفصل ففي اشتراط الموالاة بين الخطبة والصلاة قولان كاشتراطها في الخطبة والأصح
الاشتراط وشبهوا الخطبة والصلاة بالصلاتين المجموعتين تجب الموالاة بينهما فعلى هذا لا تمكن
الصلاة بتلك الخطبة وعلى الأول تمكن ثم إن المزني نقل في المختصر عن الشافعي رضي الله عنه انه
521

قال في هذه الصورة أحببت ان يبتدئ الخطبة ثم يصلى الجمعة فإن لم يفعل صلى بهم الظهر واختلف
الأصحاب فيه قال ابن سريج يجب ان يعيد الخطبة ويصلى بهم الجمعة لأنه متمكن من اقامتها فلا
سبيل إلى تركها وهذا اختيار القفال والأكثرين قالوا ولفظ الشافعي رضي الله عنه أوجبت واما
522

أحببت فهو تصحيف من الناقل أو وهم وربما حملوا أحببت على أوجبت وقالوا كل واجب محبوب كما
أن كل محرم مكروه ولذلك يطلق لفظ الكراهة ويراد به التحريم (وقوله) وصلى بهم الظهر حملوه
على ما إذا ضاق الوقت وقال أبو إسحاق لا تجب إعادة الخطبة لكن يستحب وتجب الجمعة اما الأول
فلأنهم قد ينفضون ثانيا فيعذر في ترك اعادتها واما الثاني فللقدرة على اقامتها وقال أبو علي صاحب
الافصاح لا تجب إعادة الخطبة ولا الجمعة ويستحبان على ما يدل عليه ظاهر النص لأنه لا يأمن
523

انفضاضهم ثانيا لو اشتغل بالإعادة فيصير ذلك عذرا في ترك الجمعة واعلم إن ابن سريج وأبا على
متفقان على وجوب الموالاة بين الخطبة والصلاة وامتناع بناء الجمعة على الخطبة التي مضت لكن
هذا عذره في تركهما جميعا وذاك لم يعذره وأوجب إعادة الخطبة ليصلي الجمعة بها واما أبو إسحاق فإنه
احتمل الفصل الطويل وجوز البناء على الخطبة الماضية وتحصل مما ذكرناه خلاف في وجوب إقامة
الجمعة على ما اختصره في الوسيط فقال إذا شرطنا الموالاة ولم يعد الخطبة اثم المنفضون وهل يأثم
524

الخطيب قولان (أحدهما) لا لأنه أدى ما عليه والذنب لهم والثاني نعم لتمكنه من الإعادة (وقوله) في
الكتاب لم يجز معلم بالحاء لما تقدم (وقوله) فان سكت الخطيب إلى آخره الحكم غير مخصوص
بصورة السكوت بل لو مضى في الخطبة ثم لما عادوا أعاد ما جرى من واجباتها في حالة الانفضاض
كان كما لو سكت *
قال (وأن انفضوا في خلال الصلاة ولو في لحظة بطل على قول وعلى قول ثان لا تبطل (م) مهما
توفر العدد في لحظة إذا بقي مع الامام واحد على رأى أو اثنان على رأى وعلى قول ثالث لا تبطل
بالانفضاض في الركعة الثانية الجماعة وعلى قول أربع لا تبطل مهما توفر العدد وأن بقي الامام وحده)
525

لو تحرم بالعدد المعتبر ثم حضر أربعون آخرون وتحرموا ثم انفض الأولون لم تبطل الجمعة
لان العدد لم يبطل في شئ من الصلاة ولا فرق بين أن يكون اللاحقون قد سمعوا الخطبة أو لم
يسمعوها لأنهم إذا لحقوا والعدد تام صار حكمهم واحدا فإذا ثبتوا استمرت الجمعة كما لو تحرم بثمانين
سمعوا الخطبة ثم انفض منهم أربعون قال امام الحرمين ولا يمتنع عندي أن يقال يشترط بقاء
526

أربعين سمعوا الخطبة فلا تستمر الجمعة إذا كان اللاحقون لم يسمعوها وأن انفضوا ولحق أربعون
على الاتصال فقد قال في الوسيط تستمر الجمعة أيضا لكن يشترط ههنا أن يكون اللاحقون
ممن سمعوا الخطبة وأن انفضوا ونقص العدد في باقي الصلاة أو في شئ منه فهذه مسألة الكتاب وفيها
527

قولان ومنهم من أضاف إليها قولا ثالثا ونذكره بعده توجيه القولين وتفريعها (وأصحهما) وبه قال
أحمد أن الجمعة تبطل ويشترط العدد في جميع اجزاء الصلاة لأنه شرط في الابتداء فيكون شرطا في
سائر الأجزاء كالوقت ودار الإقامة ولان الانفضاض لا يحتمل في شئ من الخطبة التي هي
مقدمة الصلاة فلان لا يحتمل في نفس الصلاة كان أولي (والثاني) لا تبطل ولا يشترط استمرار العدد
528

في جميع الصلاة لما روى " انهم انفضوا عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يبق معه الا اثنا عشر رجلا
وفيهم نزلت وإذا رأوا تجارة أو لهوا الآية " (1) ثم أنه بني على الصلاة وأيضا فان بقاء العدد
529

عنده لا يتعلق باختيار الامام وفى الابتداء يمكن تكليفه بان لا يتحرم حتى يحضروا والشئ قد يشترط
في الابتداء ولا يشترط في الدوام كالنية في الصلاة وغيرها (التفريع) أن شرطنا دوام العدد فلو تحرم
الامام وتباطأ المقتدون ثم تحرموا نظر إن تأخر تحرمهم عن ركوعه فلا جمعة وأن لم يتأخر عن
الركوع فعن القفال أن الجمعة صحيحة وعن الشيخ أبي محمد أنه يشترط أن لا يطول الفصل بين
تحرمهم وتحرمه وقال امام الحرمين الشرط ان يتمكنوا من اتمام قراءة الفاتحة وإذا حصل ذلك
530

فلا يضر الفصل وهذا أصح عند حجة الاسلام وأن قلنا لا يشترط دوام العدد فهل يشترط دوام
الجماعة أم له اتمام الجمعة وأن بقي وحده فيه قولان (أظهرهما) أنه يشترط لان الجمعة صلاة تجمع الجماعات
والغرض منها إقامة الشعار واظهار اتفاق الكلمة كما سبق فان احتملنا اختلال العدد فلا ينبغي
أن يحتمل اختلال أصل الجماعة وعلى هذا ففي العدد المشروط بقاؤه قولان (الجديد) انه يشترط بقاء اثنين
ليكونوا معه ثلاثة فإنها الجمع المطلق والقديم انه يكفي بقاء واحد معه لأنه الاثنين فما فوقهما جماعة وهل يشترط
أن يكون الواحد والاثنان على اختلاف هذين القولين على صفات الكمال قال في النهاية الظاهر أنه
يشترط ذلك كما يشترط كونهم على صفات الكمال في الابتداء وعن صاحب التقريب انه يحتمل خلافه فانا
إذا اكتفينا باسم الجماعة فلا يبعد ان نعتبر صفات الكمال (والقول الثاني) انه لا يشترط بقاء الجماعة
531

بل لو بقي وحده كان له أن يتم الجمعة لان الشروع وقع والشروط موفورة فلا يضر الانفراد
بالعدد بعده يحكى هذا القول عن تخريج المزني وذكروا انه خرجه من القول القديم في منع
الاستخلاف فإنه إذا أحدث الامام وقلنا لا استخلاف يتمونها جمعة ولم يذكروا في هذا الموضع فصلا
بين أن يكون حدثه بعد ما صلوا ركعة أو قبله ثم قال القاضي ابن كج وكثير من أصحابنا اختلف
أئمتنا في تخريجه فمنهم من؟ لمه ومنهم من أبى ولم يثبته قولا فهذا شرح القولين في أصل المسألة
وخرج المزني قولا آخر وذهب إليه انه إن كان الانفضاض في الركعة الأولى بطلت الجمعة وإن كان
بعدها لم تبطل ويتم الامام الجمعة وكذا من معه ان بقي معه جمع ووجهه ظاهر قوله صلى الله عليه
وسلم " من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى " (1) وأيضا فان المسبوق إذا أدرك
ركعة من الجمعة يتمها جمعة فكذلك الامام وبهذا القول قال مالك وأبو حنيفة الا ان أبا حنيفة يكتفى بتقييد
الركعة بسجدة ولا يعتبر تمامها واختلف أصحابنا في قبول هذا التخريج أيضا منهم من أباه وقال
532

المسبوق تبع للقوم وقد صحت لهم جمعة تامه وههنا بخلافه ومنهم من سلمه وعده قولا اخر وعلى
هذا إذا اختصرت وتركت الترتيب قلت في المسألة خمسة أقوال (أظهرها) بطلان الجمعة (والثاني)
ان بقي معه اثنان لم تبطل (والثالث) ان بقي معه واحد لم تبطل وهذه الثلاثة منصوصة الأولان
533

منها مذكور أن في الجديد (والثالث) في القديم (والرابع) انها لا تبطل وأن بقي وحده (والخامس)
الفرق بين أن يكون الانفضاض بعد ركعة أو قبلها وقد ذكر في الكتاب كلها سوى الرابع
منها وقوله بطل على قول معلم بالحاء والميم والزاي لما حكيناه وقوله على قول ثان لا تبطل بالألف
وكذا قوله وعلى قول ثالث لا تبطل (وقوله) مهما توفر العدد في لحظة غير مجرى على اطلاقه فإنه لا يجوز
أن يكون التي توفر فيها العدد بعد الركوع الأول والضبط فيما قبله ما بيناه (وقوله) إذا بقي مع الامام
واحد على رأى واثنان على رأى يجوز ان يعلم بالواو إشارة إلى القول الرابع والذي ذكره جواب
534

على قولنا ان الجماعة لا يشترط دوامها وأراد بالرأيين القولين اللذين ذكرناهما ويجوز ان يعلم قوله وعلى قول
ثالث بالواو إشارة إلى الطريقة الممتنعة من اثباته قولا *
قال (الخامسة الجماعة فلا يصح الانفراد بالجمعة ولا يشترط (ح) حضور السلطان في جماعتها
ولا اذنه (ح)) *
535

ليس لقائل أن يقول إذا شرطنا العدد فقد شرطنا الجماعة فلا حاجة إلى افراد الجماعة وعدها
شرطا برأسه وذلك لان العدد والجماعة أمران ينفك كل واحد منهما عن الآخر اما الجماعة دون
العدد فظاهر إذ ليست الجماعة الا الارتباط الحاصل بين صلاتي الإمام والمأموم وذلك مما لا
يستدعي العدد واما بالعكس فلان المراد من العدد حضور أربعين بصفة الكمال وأنه يوجد من غير
جماعة ثم القول في شرائط الجماعة كما سبق في غير الجمعة ولا يشترط حضور السلطان ولا اذنه فيها
536

خلافا لأبي حنيفة حيث قال لا تصح الا خلف الامام أو مأذونه وبه قال أحمد وفى رواية والأصح عنه
مثل مذهبنا * لنا " أن عليا أقام الجمعة وعثمان رضي الله عنهما محصور " (1) ونقيس على سائر العبادات ويجوز
537

أن يعلم قوله في الكتاب ولا يشترط مع الحاء والألف بالواو لان صاحب البيان حكى عن بعض أصحابنا أن
للشافعي قولا في القديم مثل مذهب أبي حنيفة *
538

قال (وفيه ثلاث مسائل (الأولى) إذا كان الامام عبدا أو مسافرا صح لأنهما في جمعة مفروضه
وقيل لا يصح إذا عددناه من الأربعين وإن كان متنفلا أو صبيا فقولان مرتبان وأن كان قائما إلى
إلى الركعة الثالثة سهوا فهو كالمحدث في حق من اقتدي به جاهلا ولو لم يدرك مع المحدث الا ركوع
الثانية ففي اداركه وجهان) *
539

ذكر ثلاث مسائل تتشعب عن شرط الجماعة (الأولى) في أحوال الامام وفيها صور (أحدها) لو كان
امام الجمعة عبدا أو مسافرا نظر إن كان القوم معه أربعين فلا جمعة لما ذكرنا أنه يشترط كون الأربعين
بصفات الكمال وأن كانوا أربعين دونه وهو المقصود من لفظ الكتاب فقد قال في التهذيب تصح
الجمعة ولم يذكر غير ذلك وقال في النهاية تبنى على أن الامام معدود من الأربعين أم لا فان قلنا
لا فلا باس وأن قلنا نعم فوجهان (أحدهما) لا تصح الجمعة لأنه إذا عد من العدد المعتبر فيجب أن يكون
540

على صفات الكمال كغيره أو هو اولي بذلك (وأظهرهما) لصحة لان العدد قد تم بصفة الكمال وجمعة
العبد والمسافر صحيحة وأن لم تلزمهما وقد أشار في الكتاب إلى هذا البناء حيث قال وقيل لا تصح
إذا عددناه من الأربعين جعل هذا الوجه مفرعا على عده من الأربعين بعدما حكم بالصحة على
الاطلاق واعلم أنه لو كان ذلك الخلاف في أن الامام هل هو واحد من العدد المشروط أم لا لكان
هذا البناء واضحا ولكن ذلك الخلاف في أنه هل يشترط أن يكون زائدا على الأربعين أم يكتفى
بأربعين أحدهم الامام ولا يلزم من الاكتفاء بأربعين أحدهم الامام أن يكون الامام واحدا من العدد
المشروط إذا زادوا على الأربعين وقوله صح معلم بالميم لأنه روى عن مالك انها لا تصح خلف
العبد وبالألف لان عند احمد لا تصح خلف المسافر ولا خلف العبد على قوله لا تجب الجمعة على العبد
541

وعنه اختلاف رواية فيه سيأتي (وقوله) لأنهما في جمعة مفروضة معناه انهما إذا صليا الجمعة صحت
منهما وأجزأت عن فريضة الوقت بخلاف الصور بعد هذه وفيه إشارة إلى شئ وهو ان الكلام
إذا لم يصل المسافر والعبد الظهر قبل أن أما في الجمعة فأما إذا صليا الظهر ثم أما فالاقتداء بهما كالاقتداء
بالمتنفل وسنذكره (الثانية) لو كان امام الجمعة صبيان فهل تصح جمعة القوم فيه قولان (أحدهما) نعم قاله
في الاملاء ووجهه أنه يجوز الاقتداء به في سائر الفرائض فكذلك في الجمعة كالبالغ (والثاني) لا قاله
في الام لأنه ليس على صفة الكمال والامام أولى باعتبار صفة الكمال من غيره ولأنه لا جمعة عليه
وإذا فعلها لا يسقط بها الفرض عن نفسه إذ لا فرض عليه بخلاف العبد والمسافر فإنهما يسقطان
بهما فرض الظهر وهذا القول يوافق مذهب أبي حنيفة ومالك واحمد رحمهم الله لأنهم منعوا إمامته
في سائر الفرائض ففي الجمعة اولي ولو كان الامام متنفلا فهو على هذين القولين وجه المنع انه لا بد
في العدد المشروط من أن يكونوا مصلين فرض الجمعة فكذلك الامام ويجوز ان يرتب المتنفل
على الصبي فيقال إن جاز الاقتداء بالصبي فبالمتنفل أولى والا فقولان والفرق انه من أهل فرض الجمعة
542

ولا نقص فيه وما الأظهر من الخلاف في المسألتين رجح الشيخ أبو حامد وأبو القاسم الكرخي وطائفة
قول المنع والحناطي والقاضي الروياني قول الجواز وهو قضية كلام الأكثرين وأطبقوا على أن الجواز
في المتنفل أظهر منه في الصبي وقالوا هو المنصوص للشافعي رضي الله عنه في صلاة الخوف قال
543

لو صلى الامام الظهر في شدة الخوف ثم انكشف الخوف والوقت باق وقد بقي له أربعون لم يصلوا
الظهر جاز له ان يصلي بهم الجمعة ثم قال الامام موضع الخلاف في المسألتين ما إذا تم العدد بصفة الكمال
دون الامام فاما إذا تم بالصبي أو المتنفل فلا جمعة ولو صلوا الجمعة خلف من يصلي صبحا أو عصرا
ففيه قولان كما لو صلى خلف متنفل وقيل يجوز لان الامام يصلى الفرض ولو صلوها خلف مسافر
يقصر الظهر يجوز أن قلنا الجمعة ظهر مقصورة وأن قلنا صلاة على حيالها فهو كما لو صلى خلف من
يصلي الصبح ذكر المسألتين صاحب التهذيب (الصورة الثالثة) لو بان أن امام الجمعة كان جنبا أو محدثا
فإن لم يتم العدد دونه فلا جمعة لهم وأن تم ففيه قولان (أحدهما) أنه لا يقدح في صحة جمعة القوم
كما في سائر الصلوات (والثاني) يقدح لان الجماعة شرط في الجمعة والجماعة ترتبط بالإمام والمأمومين
544

فإذا بان أن الامام لم يكن مصليا بان انه لا جماعة وأن أحد شروط الجمعة قد فات ويخالف سائر
الصلوات لان الجماعة غير مشروطة فيها وغايته انه صلى منفردا ولا شك أن هذا القول أظهر منه
في الاقتداء بالصبي والمتنفل ولذلك قال في الكتاب هما مرتبان على القولين ثم وهو أصح من
مقابله عند الشيخين أبي على وأبى محمد وتابعهما صاحب التهذيب وجماعة وذهب العراقيون وأكثر
أصحابنا إلى ترجيح القول الأول ونقلوه عن نصه في الام وأضافوا حكاية الخلاف إلى ابن القاص
545

واستبعدوه واعترضوا على توجيه قول المنع بانا لا نسلم أن حدث الامام يمنع صحة الجماعة وثبوت
حكمها في حق المأموم الجاهل بحاله وقالوا انه لا يمنع نيل فضيلة الجماعة في سائر الصلوات ولا غيره
من أحكام الجماعة وعلى هذا قال في البيان لو صلى الجمعة بأربعين فبان أن القوم محدثون صحت صلاة
الامام دونهم بخلاف ما لو بانوا عبيدا أو نساءا فان ذلك مما يسهل الاطلاع عليه وقياس من يذهب إلى المنع
546

أنه لا تصح جمعة الامام لبطلان الجماعة (الصورة الرابعة) لو قام امام الجمعة إلى ركعة ثالثة سهوا فاقتدى
به إنسان فيها فهذه المسألة من فروع ابن الحداد وشرحها الأئمة فقالوا أولا لو فرض ذلك في
سائر الفرائض فقام إلى ركعة زائدة واقتدى به انسان فيها وأدرك جميع الركعة ففيه وجهان (أحدها)
انها لا تحسب له لأنها غير محسوبة للامام والزيادة يمكن الاطلاع عليها بالمشاهدة واخبار الغير فلا
547

يجزئه كما لو اقتدى بالمرأة والكافر (وأصحهما) انها تحسب له فإذا سلم الامام يتدارك باقي الصلاة كما لو
صلى خلف جنب يجزئه وأن لم تكن تلك الصلاة محسوبة للامام بخلاف الكافر والمرأة فإنه ليس لهما
أهلية إمامته بحال ولهذا لا يصح الاقتداء بهما أصلا وههنا يصح الاقتداء بهذا الساهي والكلام
في أنه هل يصير مدركا للركعة أم لا هكذا ذكره الشيخ أبو علي رضي الله عنه واما في الجمعة
548

فان قلنا إنه في غير الجمعة لا يدرك به الركعة فكذلك ههنا ولا تحسب بدلا عن الظهر
ولا عن الجمعة وإن قلنا يدرك فهل تكون هذه الركعة محسوبة عن الجمعة حتى يضيف إليها
أخرى بعد سلام الامام أو تكون محسوبة عن الظهر فيه وجهان بناهما الأئمة على القولين فيما لو
بان كون الامام محدثا لان تلك الركعة غير محسوبة من صلاته كركعات المحدث ولهذا قال في الكتاب
فهو كالمحدث في حق من اقتدى به جاهلا واختار ابن الحداد انها لا تحسب عن الجمعة واعرف
ههنا أمورا (أولها) إنما قال جاهلا لأنه لو كان عالما بان الامام قائم إلى الثالثة ساهيا ومع ذلك اقتدى
549

به لم تنعقد صلاته بحال كما لو اقتدى بالجنب عالما بحاله (وثانيها) لم يذكروا في المحدث أن صلاة المقتدى
منعقدة وأن المأتي به يحسب عن الظهر حتى لو تبين له الحال قبل سلام الامام أو بعده على القرب
يتمها ظهرا إذا جوزنا بناء الظهر على الجمعة وقضية التسوية بين الفصلين الانعقاد والاحتساب
عن الظهر في المحدث أيضا (وثالثها) من قال في مسألة المحدث الأصح من القولين ان الجمعة غير
صحيحة قال بمثله ههنا والذين قالوا الأصح صحتها منهم من لم يورد هذه المسألة ومنهم من
550

أوردها ونقل الجواب ابن الحداد من غير نزاع فيه فيجوز أن يقدر المساعدة على ترجيح المنع ههنا
ويفرق بان الحدث لا يمكن الاطلاع عليه بحال بخلاف الزيادة على ما سبق ويمكن أن يعارض هذا
بان المحدث لا صلاة له أصلا وهذا الساهي في الصلاة لكن ندرت منه زيادة هو معذور فيها وكان
أولى بان يصح الاقتداء به والله أعلم (الخامسة) قال حجة الاسلام قدس الله روحه ولو لم يدرك مع
551

المحدث الا ركوع الثانية ففي ادراكه وجهان وهذا الفرع يتعلق بأصلين (أولهما) ان المسبوق
في صلاة الجمعة إن أدرك الامام في ركوع الركعة الثانية كان مدركا للجمعة فإذا سلم الامام قام إلى
ركعة أخرى وان أدركه بعد ركوع الثانية لم يكن مدركا للجمعة ويقوم بعد سلام الامام إلى
أربع خلافا لأبي حنيفة حيث قال يكون مدركا للجمعة وأن أدركه في التشهد في سجدتي السهو بعد
السلام لنا ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال " من أدرك ركعة
552

من الجمعة فقد أدركها ومن أدرك دون الركعة صلاها ظهرا أربعا " (1) وإذا لحق بعد الركوع فما الذي
ينوى فيه وجهان ذكرهما صاحب البيان وغيره (أحدهما) ينوى الظهر لأنها التي يؤديها (وأظهرهما) ينوى
الجمعة موافقة للامام وهذا هو الذي ذكره القاضي الروياني ولو صلى مع الامام ركعة ثم قام وصلي
أخرى وتذكر في التشهد انه نسي سجدة من إحدى الركعتين نظر ان تركها من الثانية فهو مدرك
للجمعة فيسجد سجدة ويعيد التشهد ويسجد للسهو ويسلم وإن تركها من الأولى أو شك لم يكن
مدركا للجمعة وحصلت له ركعة من الظهر ولو أدركه في الثانية وشك في أنه سجد معه سجدة أو
سجدتين فإن لم يسلم الامام بعد سجد أخرى وكان مدركا للجمعة وإن سلم الامام سجد أخرى
ولم يكن مدركا للركعة وذلك في ركعة محسوبة للامام أما إذا لم تكن محسوبة كما لو أدرك الركوع مع
الامام المحدث أو أدرك الامام الساهي بركعة زائدة في ركوعها وقلنا إنه لو أدرك كلها لكانت محسوبة
له ففيه وجهان (أحدهما) أنه يكون مدركا للركعة لأنه لو أدرك كل الركعة لكانت محسوبة له فكذلك
إذا أدرك ركوعها كالركعة المحسوبة للامام (وأصحهما) أنه لا يكون مدركا لان الحكم بادراك ما قبل الركوع
بادراك الركوع خلاف الحقيقة إنما يصار إليه إذا كان الركوع محسوبا من صلاة الامام ليتحمل به
فاما غير المحسوب لا يصلح للتحمل عن الغير ويخالف ما لو أدرك جميع الركعة فإنه قد فعلها بنفسه فتصحح
على وجه الانفراد إذ تعذر تصحيحها على وجه الجماعة ولا يمكن التصحيح ههنا على سبيل الانفراد
553

فان الركوع لا يبتدأ به قال الشيخ أبو علي والوجهان عندي مبنيان على القولين في جواز الجمعة خلف
الجنب والمحدث ووجه الشبه أن المقتدى في القولين في جميع الركعة في الجمعة كالمقتدى في الركوع في
سائر الصلوات لأنه بالاقتداء يسقط فرضا عن نفسه لو كان منفردا للزمه وهو رد الأربع إلى ركعتين
كما أن المقتدى في الركوع يسقط فرضا عن نفسه وهو القيام والقراءة في تلك الركعة فان قلنا يصح
الاقتداء بالمحدث لاسقاط فرض الانفراد في الجمعة فكذلك ههنا والا فلا إذا عرف ذلك فنقول لو لم
يدرك في الجمعة مع الامام الا ركوع الثانية ثم بان أن الامام كان محدثا فان قلنا إنه لو أدرك جميع الركعة
معه لم يكن مدركا ركعة من الجمعة فههنا أولي وإن قلنا ثم يكون مدركا ركعة من الجمعة فههنا وجهان
إن قلنا إن مدرك الركوع مع الامام المحدث مدرك للركعة فكذلك ههنا والا فلا ثم قوله ولو لم يدرك مع
المحدث الا ركوع الثانية يعنى لم يدرك شيئا قبله فاما ما بعد الركوع من أركان الركعة لا بد من ادراكها
مع الامام أو قبل سلامه أن فرض زحام أو نسيان وتخلف لذلك (وقوله) ففي ادراكه وجهان
أي في ادراكه الجمعة ولو حمل على الخلاف في ادراك الركعة لم يكن للتخصيص بركوع
الثانية معني *
قال (الثانية إذا أحدث الامام سهوا أو عمدا فاستخلف من كان قد اقتدى وسمع الخطبة صح
استخلافه في الجديد وأن لم يسمع الخطبة فوجهان ولا يشترط استئناف نية القدوة بل هو خليفة الأول
وإن لم يستخلف الامام فتقديم القوم كاستخلافه (ح) بل هو أولي من استخلافه وذلك واجب في الركعة
الأولى وإن كان في الثانية فلهم الانفراد بها كالمسبوق) *
إذا خرج الامام عن الصلاة بحدث أو غيره وأراد أن يستخلف فذلك إما أن يكون في غير
الجمعة أو فيها والمذكور في الكتاب هو القسم الثاني فنذكر الأول على الاختصار ثم نعود إلى شرح
الثاني فنقول إذا أحدث الامام في سائر الصلوات ففي جواز الاستخلاف قولان قال في القديم لا يجوز
554

ذلك " لان النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالناس " (1) ثم ذكر أنه جنب فذهب واغتسل ولم يستخلف
ولو كان الاستخلاف جائز الأشبه أن يستخلف ولأنها صلاة واحدة فلا تجوز بامامين كما لو اقتدى
بهما دفعة واحدة وقال في الجديد يجوز " وهو أصح الروايتين عن أحمد وبه قال مالك وأبو حنيفة
رحمهم الله لأنها صلاة بامامين على التعاقب " فيجوز كما أن أبا بكر رضي الله عنه كان يصلى بالناس
فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وجلس إلى جنبه فاقتدى به أبو بكر والناس " (2) وفى النهاية أن من الأصحاب
من قطع بجواز الاستخلاف في سائر الصلوات وخص القولين بالجمعة والمشهور طرد القولين (التفريع)
أن لم نجوز الاستخلاف أتم القوم الصلاة وحدانا وإن جوزناه فيشترط أن يكون المستخلف صالحا
لامامة القوم فلو استخلف امرأة فهو لغو ولا تبطل صلاتهم الا أن يقتدوا بها خلافا لأبي حنيفة حيث
قال تبطل بنفس الاستخلاف صلاتهم وصلاته قال في النهاية ويشترط أن يجرى الاستخلاف على
قرب فلو قضوا على الانفراد ركنا امتنع الاستخلاف بعده وهل يشترط أن يكون الخليفة ممن
اقتدى بالامام قبل حدثه قال أكثر أصحابنا من العراقيين وغيرهم ان استخلف في الركعة الأولى
أو الثالثة من الصلوات الرباعية من لم يقتد به جاز لأنه لا يخالفهم في الترتيب وان استخلفه في الثانية أو
555

الرابعة أو في الثالثة من المغرب لم يجز لأنه يحتاج إلى القيام وعليهم القعود فيختلف الترتيب بينهم
وأطلق جماعة من الأئمة اشتراط كون الخليفة ممن اقتدى به وهذا ما ذكره امام الحرمين رضي الله عنه
مع زيادة فقال لو امره الامام فتقدم لم يكن هذا استخلافا ولا هو خليفة وإنما هو عاقد
لنفسه صلاة جار على ترتيبه فيها فلو اقتدى القوم به فهو اقتداء منفردين في أثناء الصلاة وقد سبق
الخلاف فيه في موضعه وهذا لان قدوتهم انقطعت بخروج الامام عن الصلاة ولم يخلفه أحد
ولا يشترط أن يكون الخليفة ممن اقتدى به في الركعة الأولى بل يجوز استخلاف المسبوق ثم عليه أن
يراعى نظم صلاة الامام فيقعد في موضع قعوده ويقوم في موضع قيامه كما كان يفعله لو لم يخرج الامام
من الصلاة لأنه بالاقتداء به التزم ترتيب صلاته حتى أنه لو لحق الامام في الثانية من الصبح ثم أحدث
الامام فيها واستخلفه قنت وقعد فيها للتشهد وإن كانت أولاه ثم يقنت في الثانية لنفسه ولو كان
الامام قد سها قبل اقتدائه أو بعده في آخر صلاة الامام وأعاد في آخر صلاة نفسه على القول
الأصح وإذا تمت صلاة الامام قام ليتدارك ما عليه وهم بالخيار ان شاءوا فارقوه وسلموا وان
شاءوا صبروا جالسين ليسلموا معه هذا كله إذا عرف المسبوق نظم صلاة الامام فإن لم يعرف
فقد ذكروا فيه قولين على حكاية صاحب التلخيص وعن الشيخ أبي محمد أنهما لابن سريج لا للشافعي
556

رضي الله عنه فان جوزنا تراقب القوم إذا أتم الركعة إن هموا بالقيام قام وإلا قعد وسهو الخليفة
قبل حدث الامام يحمله الامام وسهوه بعد حدثه يقتضي السجود عليه وعلى القوم وسهو القوم
قبل حدث الامام وبعد الاستخلاف محمول وبينهما غير محمول بل يسجد الساهي عند سلام الخليفة
(القسم الثاني) ان يقع ذلك في صلاة الجمعة ففي جواز الاستخلاف القولان ان لم نجوز فينظر إن
أحدث في الركعة الأولى أتم القوم صلاتهم ظهرا وان أحدث في الثانية أتمها جمعة من أدرك معه
ركعة كالمسبوق هذا هو المشهور وعن الشيخ أبي محمد أنهم يتمونها جمعة وإن كان الحدث في الركعة
الأولى تخريجا من أحد الأقوال في مسألة الانفضاض وهو ان جمعة الامام تصح وان انفضوا
في الركعة الأولى وبقي وحده وذكر ابن الصباغ وغيره ان المزني نقل هذا القول في جامعه الكبير
وعن صاحب الافصاح انهم وان أدركوا ركعة يتمونها ظهرا لا جمعة بخلاف المسبوق لان الجمعة
قد كملت بغيره فجعل تابعا لهم وهذا الوجه قضية القياس عند امام الحرمين تخريجا على أحد الأقوال
في الانفضاض وهو أن الامام يتم الظهر وان انفضوا في الثانية وذلك لان الامام ركن الجماعة في حق
القوم كما أنهم ركن الجماعة في حقه فخروجه عن الصلاة في حقهم كانفضاضهم في حقه وأما إذا جوزنا
الاستخلاف فلا فرق فيه بين أن يسبقه الحدث أو يحدث عمدا أو يخرج من الصلاة بلا سبب وكذلك في سائر
الصلوات * وقال أبو حنيفة إنما يجوز له الاستخلاف إذا جاز له البناء على صلاته كسبق الحدث فاما إذا
تعمد بطلت صلاة القوم أيضا ثم إذا استخلف فلا يخلو اما ان يستخلف من اقتدى به قبل حدثه
أو يستخلف غيره فان استخلف غيره لم يصح ولم يكن لذلك الغير أن يصلي الجمعة * واحتجوا عليه
557

بأنه لا يجوز ابتداء جمعة بعد انعقاد جمعة ولو صح منه الجمعة لكان مبتدئا بها بعد انعقاد جمعة الامام والقوم
بخلاف المأموم يدخل في صلاة الجمعة فإنه تابع للقوم لا مبتدئ ثم قال امام الحرمين في صحة ظهره خلاف
مبنى على أن الظهر هل تصح قبل فوات الجمعة أم لا ان قلنا لا تصح فهل تبقى نفلا فيه قولان فإن لم نصحح
صلاته واقتدى به القوم بطلت صلاتهم وان صححناها وكان ذلك في الركعة الأولى فلا جمعة لهم وفى
صحة الظهر خلاف مبني على أن الظهر هل تصح بنية الجمعة أم لا وإن كان في الركعة الثانية واقتدوا
به كان هذا اقتداء طارئا على الانفراد وفيه الخلاف الجاري في سائر الصلوات وفيه شئ آخر وهو
الاقتداء في الجمعة بمن يصلي الظهر أو النافلة وقد قدمنا الخلاف فيه وان استخلف من اقتدى به قبل
الحدث فينظر ان لم يحضر الخطبة ففي جواز استخلافه وجهان (أحدهما) لا يجوز كما لو استخلف بعد
الخطبة من لم يحضرها ليصلي بهم لا يجوز (وأصحهما) الجواز لأنه بالاقتداء صار في حكم من سمع الخطبة
الا ترى انه لو لم يحدث الامام صحت له الجمعة كما للسامعين والصيدلاني جعل هذا الخلاف قولين
ونقل المنع عن البويطي والجواز عن أكثر الكتب وإن كان قد حضر الخطبة أو لم يحضرها وفرعنا
على أنه يجوز استخلافه فينظر ان استخلف من أدركه في الركعة الأولى جاز ويتم لهم الجمعة سواء
أحدث الامام في الأولى أو الثانية وعن صاحب الافصاح وجه آخر انه يصلى الظهر والقوم يصلون الجمعة
وان استخلف من أدركه في الركعة الثانية فقد قال امام الحرمين هذا يترتب على أنه هل يجوز
استخلاف من لم يسمع الخطبة ان قلنا لا يجوز فلا يجوز استخلاف المسبوق وان قلنا يجوز ففيه قولان
(أحدهما) المنع بناء على أنه غير مدرك للجمعة على ما سيأتي (وأظهرهما) الذي ذكره الأكثرون الجواز
558

فان الخليفة الذي كان مقتديا بالامام بمثابة الامام فعلى هذا القوم يصلون الجمعة وفى الحلية وجهان
رواهما صاحب البيان (أحدهما) انه يتمها جمعة أيضا لأنه صلى ركعة من الجمعة في جماعة فيتم الجمعة كما
لو صلى ركعة منها مأموما وكما لو أدرك الامام في ركوع الركعة الأولى واستخلفه الامام في تلك الركعة يتمها
جمعة وان لم يدرك مع الامام ركعة (وأصحهما) وهو المنصوص واختيار ابن سريج انه لا يتم الجمعة
لأنه لم يدرك مع الامام ركعة كاملة بخلاف المأموم فإنه إذا أدرك ركعة جعل تبعا للامام في ادراك
لجمعة والخليفة امام لا يمكن جعله تبعا للمأمومين وبخلاف الصورة الأخرى لان هناك أدرك الامام
في وقت كانت جمعة القوم موقوفة على الامام وههنا أدركه في وقت لم تكن الجمعة موقوفة على الامام
لجوز أن يتموها فرادى وكان ذلك الادراك آكد وأقوى وعلى هذا فهل يجوز ظهره حكى الصيدلاني
وغيره عن ابن سريج أنه قال يحتمل أن يكون في جواز ظهره قولان لان الجمعة لم تفت بعد وادى
الظهر مع امكان الجمعة وأنه كان بسبيل من أن لا يتقدم حتى يتقدم من أدرك الركعة الأولى فتصح جمعته
خلفه وأيضا ففي صحة الظهر بنية الجمعة إذا تعذرت اختلاف ويحتمل أن يقال يجوز ظهره قولا
واحدا وهو معذور في التقدم عند إشارة الامام وهذا أظهر عند الأكثرين فان قلنا لا يجوز ظهره
فهل تنقلب صلاته نفلا أو تبطل فيه قولان ان قلنا تبطل فهذا مصير إلى منع استخلاف المسبوق
559

وهو القول الأول الذي نقلناه لان من تبطل صلاته يستحيل تقديره إماما وإذا جوزنا الاستخلاف
فالخليفة المسبوق يراعي نظم صلاة الامام فيجلس إذا صلى ركعة ويتشهد فإذا بلغ موضع السلام
أشار إلى القوم وقام إلى ركعة أخرى ان قلنا هو مدرك للجمعة والي ثلاث ان قلنا إن صلاته ظهر
والقوم بالخيار ان شاؤوا فارقوه وسلموا وان شاؤوا ثبتوا جالسين حتى يسلم بهم ولو دخل مسبوق
واقتدى به في الركعة الثانية التي استخلف فيها صحت له الجمعة وأن لم تصح للخليفة حكي ذلك
عن نص الشافعي رضي الله عنه لأنه صلى ركعة خلف من يراعى نظم صلاة امام الجمعة بخلاف
الخليفة لم يصل ركعة مع امام الجمعة ولا خلف من يراعي نظم صلاته قال الأئمة وهذا تفريع على
أن الجمعة خلف من يصلى الظهر صحيحة وتصح صلاة الذين أدركوا ركعة مع الامام الأول بكل
حال لأنهم وان انفردوا بالركعة الثانية كانوا مدركين للجمعة فلا يضر اقتداؤهم فيها لمن يصلي الظهر
أو يتنفل وقوله في الكتاب سهوا أو عمدا لفظ العمد معلم بالحاء لما تقدم وقوله من كان قد اقتدى به في هذا
التقييد إشارة إلى أنه لا يجوز أن يستخلف غير المقتدى وقوله صح استخلافه يجوز أن يعلم بالألف
لما حكينا من إحدى الروايتين عن أحمد وقوله وسمع الخطبة وان لم يسمعها المراد منه الحضور
ونفس السماع ليس بشرط بلا خلاف وصرح به الأئمة * ثم في الفصل صور تتفرع على جواز الاستخلاف
(إحداها) إذا استخلف الامام فهل يشترط استئنافه نية القدوة ذكر في التهذيب في اشتراطه وجهين
في سائر الصلوات ولا شك في طردهما في الجمعة (أحدهما) نعم لأنهم بعد خروج الامام من الصلاة
560

قد انفردوا الا ترى انهم يسجدون لسهوهم في تلك الحالة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه
لا يشترط لان الغرض من الاستخلاف إدامة الجماعة التي كانت وتنزيل الخليفة منزلة الأول ولهذا
يراعي نظم صلاته ولو استمر الامام الأول لم يحتج القوم إلى تجديد نية فكذلك الآن (الثانية) لو لم
يستخلف الامام قدم القوم بالإشارة واحدا ولو تقدم واحد بنفسه جاز أيضا بل تقديم القوم أولى
من استخلاف الامام لأنهم في الصلاة والامام قد خرج منها ولهذا قال امام الحرمين لو قدم القوم
واحدا والامام آخر فاظهر الاحتمالين أن من قدمه القوم أولى وحكي المسعودي وغيره من أصحابنا
عن أبي حنيفة أنه يشترط أن يكون تقدم الخليفة باذن الامام وأن القوم لا يستقلون بالتقديم وفى
مختصر الكرخي خلاف ذلك والله أعلم (الثالثة) لو لم يستخلف الامام ولا قدم القوم ولا تقدم أحد
فالحكم على ما ذكرناه تفريعا على القديم قال الأئمة ويجب على القوم تقديم واحد إن كان خروجه
من الصلاة في الركعة الأولى ولم يستخلف وإن كان في الثانية لم يجب التقديم ولهم الانفراد بها
كالمسبوق وقد حكينا في الطريقين خلافا تفريعا على القديم فيتجه عليه الخلاف في الوجوب وعدمه
هذا كله إذا أحدث في أثناء الصلاة اما لو أحدث بين الخطبة والصلاة وأراد أن يستخلف غيره ليصلي بالناس
ان قلنا يجوز الاستخلاف في الصلاة فيجوز ذلك والا فلا يجوز ان يخطب واحد ويؤم آخر لان الخطبتين في
561

في الجمعة بمثابة ركعتين من الصلاة فعلى هذا ان وسع الوقت خطب بهم آخر وصلى والا صلوا الظهر ورتب الخلاف
في هذه الصورة على الخلاف في الاستخلاف في الصلاة ثم اختلفوا فمنهم من جعل هذه الصورة أولي
بالجواز لان الخطبة منفصلة عن الصلاة والصلاة عبادة واحدة فيكون احتمال التعدد فيها أبعد وعكس
الشيخ أبو حامد فجعل هذه الصورة أولي بالمنع لان عقد الصلاة قد نظم الامام والخليفة وهي عبادة
واحدة والخطبة والصلاة متميزتان ليس لهما عقد متحد ينظمهما ثم إذا جوزنا فالشرط أن يكون
الخليفة ممن سمع الخطبة لان من لم يسمع ليس من أهل الجمعة ألا ترى أنه لو بادر قوم من السامعين
بعد الخطبة إلى عقد الجمعة انعقدت لهم بخلاف غيرهم وإنما يصير غير السامع من أهل الجمعة إذا
دخل في صلاة الامام هكذا قاله الجمهور وذكر صاحب التتمة فيه وجهين ولو أحدث في أثناء الخطبة
وشرطنا الطهارة فيها فهل يجوز الاستخلاف ان قلنا لا يجوز في الصلاة فلا وان قلنا يجوز فوجهان
حكاهما ابن الصباغ أصحهما الجواز كما في الصلاة *
(فرع) لو صلى مع الامام ركعة من الجمعة ثم فارقه بعذر أو بغير عذر ولم تبطل صلاته جاز له أن يتمها
جمعة كما لو أحدث الامام *
(فرع) لو أتم الامام ولم يتم المأمومون فأرادوا ان يستخلفوا من يتم بهم ان لم نجوز الاستخلاف
للامام لم يجز لهم وان جوزنا فإن كان في الجمعة بأن كانوا مسبوقين لم يجز لان الجمعة لا تنشأ
بعد الجمعة والخليفة منشئ وإن كان في غيرها فإن كانوا مسبوقين أو مقيمين وهو
مسافر فوجهان (أظهرها) المنع لان الجماعة قد حصلت في كمال الصلاة وهم إذا أتموا فرادى
نالوا فضلها *
562

قال (الثانية إذا زوحم المقتدى عن سجود الركعة الأولى انتظر التمكن فان سجد قبل ركوع
الامام وقرأ في الثانية كان معذورا في التخلف وان وجد الامام راكعا عند فراغه من السجود التحق
بالمسبوق على أحد الوجهين حتى تسقط القراءة عن (الركعة الثانية) فان وجد الامام فارغا من الركوع
وقلنا أنه كالمسبوق فهنا يتابع الامام في فعله لكن يقوم بعد سلام الامام إلى ركعة ثانية وإن قلنا ليس كالمسبوق
فيشتغل بترتيب صلاة نفسه ويسعى خلف الامام وهو معذور في التخلف) *
هذا ابتداء مسألة الزحام وهي موصوفة بالاشكال لانشعاب حالاتها وطول تفاريعها ونحن
نلخصها ونوضح ما في الكتاب منها بحسب الامكان فنقول إذا منعته الزحمة في الجمعة عن أن
يسجد على الأرض مع الامام في الركعة الأولى نظر ان أمكنه ان يسجد على ظهر انسان أو رجله لزمه
ذلك لأنه متمكن من ضرب من السجود يجزئه وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال " إذا زوحم
أحدكم في صلاته فليسجد على ظهر أخيه " (1) وبهذا قال أبو حنيفة واحمد وقال مالك يصبر ولا يسجد على
ظهر الغير ونقل المحاملي وغيره وجها أنه يتخير بين ان يسجد على ظهر الغير متابعة للامام وبين أن
يصبر ليحصل له فضيلة السجود على الأرض والمذهب الأول ثم قال معظم الأصحاب إنما يسجد على
ظهر الغير إذا قدر على رعاية هيئة الساجدين بأن كان على نشز من الأرض والمسجود على ظهره في موضع
منخفض فإن لم يكن كذلك لم يكن المأتى به سجودا وفى العدة أنه لا يضر ارتفاع الظهر والخروج
عن هيئة الساجدين لمكان العذر وقد ذكر صاحب الافصاح ذلك وإذا تمكن من السجود على ظهر الغير
563

فلم يفعل ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو محمد (وأظهرهما) أنه تخلف بغير عذر (والثاني) أنه تخلف بالقدر
وقد سبق حكم القسمين أما إذا لم يمكنه أن يسجد على الأرض ولا على ظهر الغير فلو خرج عن المتابعة
لهذا العذر وأراد أن يتمها ظهرا هل يصح فيه قولان لأنه ظهر قبل فوات الجمعة وسيأتي الخلاف فيه
قال الامام ويظهر عندي منعه من الانفراد لان إقامة الجمعة واجبة والخروج عنها قصدا مع توقع إدراكها
لا وجه له فإذا دام على المتابعة فما الذي يفعل ذكر في النهاية أن شيخه حكي فيه ثلاثة أوجه (أحدها) أن
يومئ بالسجود أقصي ما يمكنه كالمريض لمكان العذر (وأصحها) وهو المذكور في الكتاب انه ينتظر التمكن
ولا يومئ لقدرته على السجود وندور هذا العذر وعدم دوامه (والثالث) أن يتخير بينهما وهذه الوجوه
كالوجوه في الغازي أنه يقعد ويومئ أو يقوم ويتم الأركان أو يتخير بينهما وإذا فرعنا على
الصحيح وهو أنه ينتظر فلا يخلو إما أن يتمكن من السجود قبل ركوع الامام في الثانية أو لا يتمكن
إلى ركوعه فيها فاما في القسم الأول فيسجد كما تمكن ثم إذا فرغ فللامام أحوال أربع (إحداها) أن
يكون بعد في القيام فيفتتح القراءة فان أتمها ركع معه وجرى على متابعته ولا بأس بما وقع من التخلف
للعذر كما في صلاة عسفان يسجد الحارسون بعد قيام الامام إلى الثانية للعذر كما سيأتي في صلاة الخوف
وان ركع الامام قبل أن يتمها فيبني حكمه على وجهين نذكرهما في أنه هل يلتحق بالمسبوق أم لا وقد
بينا حكم المسبوق وغيره في ذلك في صلاة الجماعة (الثانية) أن يكون في الركوع ففيه وجهان (أصحهما)
عند الجمهور أنه يدع القراءة ويركع معه لأنه لم يدرك محلها فسقطت عنه كالمسبوق (والثاني) وهو اختيار
القفال وجماعة أنه لا يدعها ولا تسقط عنه لأنه مؤتم بالامام في حال قراءته فلزمته بخلاف المسبوق
فعلى هذا يقرأ ويسعي خلف الامام وهو متخلف بالعذر (الثالثة) أن يكون فارغا من الركوع لكنه
564

يعد في الصلاة فان قلنا في الصورة السابقة أنه كالمسبوق فيتابع الامام فبما هو فيه ولا يكون محسوبا له بل
يقوم عند سلام الامام إلى ركعة ثانية وإن قلنا ليس كالمسبوق فيشتغل بترتيب صلاة نفسه وحكى
في النهاية طريقة أخرى أنه ليس له في هذه الصورة إلا متابعة الامام (الرابعة) لو وجد الامام متحللا
من صلاته لا يكون مدركا للجمعة فان الامام قد خرج من الصلاة قبل أن تتم له ركعة بخلاف ما
إذا رفع رأسه من السجود وسلم الامام في الحال قال إمام الحرمين وإذا جوزنا له التخلف وأمرناه
بالجريان على ترتيب صلاة نفسه فالوجه ان يقتصر على الفرائض فعساه يدرك الامام ويحتمل
أن يجوز له الاتيان بالسنن مع الاقتصار على الوسط منها وهذه الأحوال مذكورة
565

في الكتاب سوى الرابعة منها وإنما تكلم في الصورة التي يقع فيها هذه الأحوال
وهي ان تمنعه الزحمة من مطلق السجود دون ان تمنعه من السجود على الأرض خاصة
وقوله وقلنا إنه كالمسبوق فههنا يتابع الامام يجوز اعلامه بالواو للطريقة التي حكاها الامام انه
يتابع بلا خلاف *
قال (أما إذا لم يتمكن من السجود حتى ركع الامام فقولان (أحدهما) يركع معه وقد حصلت
له ركعة واحدة اما ملفقة من هذا السجود والركوع الأول على أحد الوجهين واما منظومة من
هذا الركوع والسجود فان قلنا بالملفقة فهل تصلح لادراك الجمعة بها فعلى وجهين ولو خالف أمرنا
ولم يركع مع الامام لكن سجد بطلت صلاته الا إذا كان جاهلا بالتحريم فيجعل كأنه لم يسجد
وينظر بعده فان راعي ترتيب صلاة نفسه فإذا سجد في ركعته الثانية حصلت له ركعة فيها نقصان
التلفيق ونقصان القدوة الحكمية لوقوعها بعد الركوع الثاني للامام وهل تصلح الحكمية لادراك
الجمعة فيه وجهان أما إذا تابع الامام بعد فراغه من سجوده الذي سها به فقد سجد مع الامام حسا
أو حكما وتمت له ركعة ملفقة) *
القسم الثاني أن لا يتمكن من السجود حتى يركع الامام في الثانية وفيما يفعل والحالة هذه قولان
(أصحهما) وبه قال مالك واحمد واختاره القفال انه يتابعه فيركع معه لظاهر قوله " إنما جعل الامام
566

ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا " ولأنه أدرك الامام في الركوع فيركع معه كالمسبوق (والثاني) وبه قال
أبو حنيفة لا يركع معه بل يراعي ترتيب صلاة نفسه فيسجد لقوله صلى الله عليه وسلم " وإذا
سجد فاسجدوا " وقد سجد الإمام في الأولى فليسجد هو امتثالا للامر ولأنه لو ركع لكان مواليا
بين ركوعين في ركعة واحدة قال الروياني وهذا أصح (التفريع) ان قلنا بالأول فاما ان يوافق ما أمرناه
به أو يخالف (الحالة الأولى) ان يوافق فأي الركوعين يحسب له فيه وجهان وقيل قولان (أحدهما) الأول
لأنه انى به في وقت الاعتداد بالركوع وإنما اتى بالثاني لعذر وهو موافقة الامام فأشبه ما لو والى بين
ركوعين ناسيا (والثاني) المحسوب الثاني لان المدة قد طالت وأفرط التخلف فكأنه مسبوق لحق
الآن فيحسب له الركوع وما بعده ويلغى ما سبق وذكروا ان منشأ هذا الخلاف التردد في تغيير
لفظ الشافعي رضي الله عنه فإنه قال على هذا القول فيركع معه في الثانية وتسقط الأخرى فمن قائل
أراد بالأخرى الأخيرة ومن قائل أراد الأولى قالوا والأول أصح والثاني أشبه بكلامه وقوله في
الكتاب اما ملفقة إلى آخره واما منظومة من هذا الركوع والسجود أي على هذا الوجه الثاني
فان قلنا بالوجه الثاني أجزأته الركعة الثانية من الجمعة فيضم إليها أخرى عند سلام الامام وان
567

قلنا بالأول فالحاصل ركعة ملفقة من هذا السجود وذلك الركوع وفى ادراك الجمعة بها وجهان
(أحدهما) وبه قال ابن أبي هريرة لا يدرك لنقصانها بالتلفيق ومن شرط الجمعة وادراكها استجماع
صفة الكمال (وأصحهما) وبه قال أبو إسحاق يدرك لقوله صلى الله عليه وسلم " من أدرك ركعة من الجمعة
فليضف إليها أخرى " (1) والتلفيق ليس بنقص في حق المعذور وإن كان نقصا فهو غير مانع الا ترى انا إذا
احتسبنا بالركوع الثاني حكمنا بادراك الجمعة بلا خلاف مع حصول التلفيق بين هذا الركوع وذلك
التحرم (الحالة الثانية) أن يخالف أمرنا فلا يركع معه ويسجد جريا على ترتيب صلاته فاما أن يفعل
ذلك عالما بان واجبه المتابعة أو يفعله ناسيا أو معتقد أن الواجب عليه رعاية ترتيبه فان فعله عالما ولم
ينو مفارقة الامام بطلت صلاته وعليه التحرم بالجمعة ان أمكنه ادراك الامام في الركوع وان نوى
مفارقته فقد اخرج نفسه عن صلاة الامام بغير عذر وفى بطلان الصلاة به قولان سبقا فإن لم تبطل
لم تصح جمعته وفى صحة الظهر خلاف مبنى على أن الجمعة إذا تعذر اتمامها هل يجوز اتمامها ظهرا
وعلى أن الظهر هل تصح قبل فوات الجمعة وسيأتي ذلك وقوله تبطل صلاته الا إذا كان جاهلا
ينبغي أن يعلم فيه أن الاستثناء لا ينحصر في الجاهل بل الناس في معناه وقوله بطلت صلاته ان أراد ما إذا
568

لم ينو المفارقة واستدام نيته الأولى فذاك وإن أراد اطلاق الحكم نوى المفارقة أم لا فيحتاج إلى
الاعلام بالواو وأما إذا فعله جاهلا أو ناسيا فما اتى به من السجود لا يعتد به ولا تبطل الصلاة ثم إن
فرغ والامام راكع بعد بان خفف سجوده وطول الامام فعليه متابعته فان تابعه وركع معه فالتفريع
كما سبق لو لم يسجد وان لم يركع معه أو كان الامام قد فرغ من الركوع فينظر ان راعى ترتيب صلاة
نفسه بان قام بعد السجدتين وقرأ وركع وسجد فقد قال حجة الاسلام قدس الله روحه ههنا وفى
الوسيط تتم له ركعة بهما لكن فيها نقصانان (أحدهما) نقصان التلفيق فان ركوعها من الأولى وسجودها
من الثانية وفيها الخلاف المذكور (والثاني) نقصان القدوة الحكمية وبين في النهاية معناه فقال إن
المزحوم لم يسجد على متابعة الامام والاقتداء به حقيقة وحسا وإنما سجد متخلفا عنه الا انه معذور
فسحبوا حكم القدوة عليه وقالوا ان لم يفرط التخلف بان سجد قبل ركوع الإمام الحق اقتداؤه
بالاقتداء الحقيقي وجعل مدركا للجمعة كما تقدم فاما إذا سجد بعد ركوعه فقد أفرط التخلف وانتهى
الامام إلى آخر ما به يدرك المسبوق الجمعة فالمتم ركعته معرضا عن الاقتداء به حقيقة هل يكون مدركا للجمعة
فيه وجهان (أصحهما) نعم ويقرب توجيههما مما ذكرنا في الملفقة وقد عرفت مما ذكرنا انه إلى ماذا
أشار بقوله لوقوعها بعد الركوع الثاني للامام وان الخلاف ليس في مطلق الحكمية فان السجود في حال
قيام الامام ليس على حقيقة المتابعة ولا خلاف في إدراك الجمعة به ثم اعرف شيئين (أحدهما) انه أطلق
الحكم باحتساب سجدتيه في الثانية وتمام الركعة بهما ثم نقل التردد في إدراك الجمعة بها ولا شك
في أن هذا التردد مخصوص بما إذا وقعتا قبل سلام الامام فاما إذا وقعتا أو شئ منهما بعد سلام الامام
فقد نصوا على أنه لا يكون مدركا للجمعة على أن في أصل الاحتساب إذا وقعتا قبل سلام الامام اشكالا لأنا
569

على القول الذي عليه التفريع نأمره بالمتابعة بكل حال فكما لا يحسب له السجود والامام راكع لان فرضه المتابعة
وجب أن لا يحسب له والامام في ركن بعد الركوع والمفهوم من كلام الأكثرين هذا وهو عدم
الاحتساب بشئ مما يأتي به على غير سبيل المتابعة فإذا سلم الامام سجد سجدتين لتمام الركعة
ولا يكون مدركا للجمعة نعم صرح الصيدلاني باحتساب السجدتين وبنقل الوجهين في إدراك
الجمعة بها كما ذكره في الكتاب والله أعلم (الثاني) انه زيد في بعض النسخ بعد قوله فيجعل كأنه
لم يسجد ثم إن أدرك الامام راكعا عاد التفريع كما مضي وإن فات الركوع بنظر بعده فان راعى
وهكذا هو في الوسيط وليس في بعضها هذه الزيادة والامر فيها قريب وعلى الأول فليس التفصيل
المرتب على قوله وإن فات الركوع مخصوصا بما إذا فات الركوع عند فراغ المزحوم من السجود
بل لو كان الامام في الركوع بعد لكنه جرى على ترتيب صلاته كان الحكم كما لو فات الا أن يطيل
الامام ركوعه فيكون بعد فيها حين سجد المزحوم في الثانية فلا يعتد به هذا كله فيما إذا جرى
على ترتيب صلاته بعد فراغه من سجدتيه اللتين لم يعتد بهما فاما إذا فرغ منهما والامام ساجد
فاتفق له متابعته في السجدتين فهذا هو الذي نأمره به والحالة هذه تفريعا على هذا القول فيحسبان له
ويكون الحاصل ركعة ملفقة (واما النقصان الاخر) فهو مفقود ههنا لأنه سجد مع الامام حسا (وقوله)
بعد سجوده الذي سها به أي جهل حكمه فإنه بمثابة السهو وإن وجده جالسا للتشهد وافقه فإذا سلم
سجد سجدتين لتتم له الركعة ولا جمعة له لأنه لم يتم له ركعة والامام في الصلاة وكذلك يفعل لو وجده قد سلم
حين فرغ من سجدتيه *
قال (والقول الثاني انه لا يركع مع الامام بل يراعى ترتيب صلاة نفسه فان خالف مع العلم
570

وركع بطلت صلاته وإن كان جاهلا لم تبطل وحصل له بسجوده مع الامام ركعة ملفقة وان وافق قولنا
وسجد فسجوده واقع في قدوة حكمته ففي الادراك بها وجهان فعلى هذا للامام حالتان عند فراغه
من السجود فإن كان فارغا من الركوع فيجرى على ترتيب صلاة نفسه وإن كان راكعا ركع معه ان قلنا إنه
كالمسبوق والاجرى على ترتيب صلاة نفسه) *
ذكرنا أصل هذا القول وتوجهه مع الأول وأما التفريع فإنه لا يخلو إما ان يوافق ما أمرناه
به وهو رعاية ترتيبه أو يخالف (إحدى الحالتين) أن يخالف أمرنا ويركع مع الامام فإن كان عامدا
بطلت صلاته وعليه أن يبتدئ بالجمعة ان أمكنه ادراك الامام في الركوع وإن كان ناسيا أو جاهلا
يعتقد ان الواجب عليه الركوع مع الامام فلا يعتد بركوعه ولا تبطل صلاته فإذا سجد معه بعد
الركوع فهل تحسب له السجدتان المشهور انهما يحسبان له لأنا أمرناه بالسجود على هذا القول فقدم
عليه شيئا غير معتد به ولا مفيد فإذا انتهي إليه وجب ان يقع عن المأمور وهذا هو الذي ذكره
في الكتاب فقال وحصلت له بسجوده مع الامام ركعة ملفقة وحكي الشيخ أبو محمد رحمة الله عليه
في السلسلة وجها آخر انه لا يعتد بهما لأنه اتى بهما على قصد الثانية فلا يقع عن أولاه كما لو نسي سجدة
من صلب الصلاة ثم سجد لتلاوة أو سهو لا يقوم مقامها فان قلنا بالأول فالحاصل ركعة ملفقة
وفى الادراك بها ما سبق من الخلاف (الحالة الثانية) ان يوافق ما أمرناه به فيسجد فهذه القدوة حكمية لوقوع
السجود بعد الركوع الثاني للامام وفى إدراك الجمعة بها الوجهان السابقان وهما مشهوران في هذا
الموضع في كلام الأصحاب ثم إذا فرغ من السجود فللامام حالتان (إحداهما) أن يكون فارغا من الركوع
إما في السجود أو في التشهد ففيه وجهان (أحدهما) وهو المذكور في الكتاب انه يجرى على ترتيب صلاة
نفسه فيقوم ويقرأ ويركع لأنا أمرناه بذلك حالة ركوع الامام مع أنه الركن الذي يتعلق به إدراك
571

المسبوق فلان نأمره به بعد مجاوزته كان أولي (والثاني) أنه يلزمه متابعة الامام فيما هو فيه فإذا سلم الامام
اشتغل بتدارك ما عليه لأنه إنما جعل الامام ليؤتم به فصار كالمسبوق يدرك الامام ساجدا أو متشهدا
بخلاف الركعة الأولى فإنه أدرك منها القيام والركوع فلزمه إتمامها ويشبه أن يكون هذا الوجه
أظهر في المذهب لان كثيرا من أصحابنا لم يوردوا سواه منهم جماعة من العراقيين والشيخ أبو محمد
ونقل ابن الصباغ وصاحب المهذب الوجهين وقالا الأصح هو الثاني وعلى هذا الثاني قال الشيخ أبو محمد
لو كان الامام عند فراغه من السجود قد هوى للسجدتين فتابعه فقد والى بين أربع سجدات
فالمحسوب لتمام الركعة الأولى الأوليان أم الاخريان فيه وجهان كما سبق في الركوعين (أقربهما) إلى
الصواب احتساب الأوليين وعلى الوجه الثاني يعود الخلاف المذكور في الركعة الملفقة (والثانية) أن يكون
الامام راكعا بعد فهل عليه متابعته وتسقط عنه القراءة كالمسبوق أو يشتغل بترتيب صلاة
نفسه فيقرأ فيه وجهان كما ذكرنا تفريعا على القول الأول فعلى الأول يسلم معهم ويتم جمعته وعلى الثاني
يقرأ ويسعى ليلحقه وهو مدرك للجمعة أيضا وقوله في أول القول الثاني لا يركع معه معلم بالميم
والألف وقوله في أول القول الأول يركع معه بالحاء لما قدمناه ويجوز ان يعلم كلاهما بالزاي لان الأصحاب
اختلفوا في اختيار المزني ومذهبه من القولين فعن ابن سريج وابن خيران ان اختياره القول الثاني
وعن أبي إسحاق ان اختياره القول الأول ولهذا الاختلاف شرح ليس هذا موضعه ولعلك تقول
قوله فعلى هذا للامام حالتان تفريع وترتيب فعلى ماذا رتبه والمذكور قبله وجهان مرسلان في أن القدوة
الحكمية هل تفيد إدراك الجمعة (والجواب) انه أراد الترتيب على قولنا ان القدوة الحكمية تصلح
للادراك وقد بين ذلك في الوسيط لكن إيراد المعظم يدل على أن كلام الحالتين لا يختص
بالتفريع على أحد الوجهين بل هو شامل لهما وإنما يختلفان في القدر الذي يتداركه هذا تمام
572

الكلام فيما إذا لم يتمكن المزحوم في السجود حتى ركع الامام في الثانية ولو لم يتمكن منه حتى سجد
لامام في الثانية فيتابعه في السجود قولا واحدا والحاصل ركعة ملفقة ان قلنا الواجب متابعة الامام
وغير ملفقة إن قلنا الواجب عليه رعاية ترتيب صلاته ذكره في التهذيب ولو لم يتمكن منه حتى تشهد
الإمام قال في التتمة يسجد ثم إن أدرك الامام قبل السلام فقد أدرك الجمعة وإلا فلا ولو كان الزحام في
سجود الركعة الثانية وقد صلى الأولى مع الامام فيسجد متي تمكن قبل سلام الامام أو بعده وجمعته
صحيحة وإن كان مسبوقا لحقه في الثانية فان تمكن قبل سلام الامام سجد وقد أدرك ركعته وإن لم
يتمكن حتى سلم الامام فلا جمعة له ولو زحم عن ركوع الركعة الأولى حتى ركع الامام
في الثانية يركع ثم قال الأكثرون يعتد له بالركعة الثانية وتسقط الأولى ومنهم من قال الحاصل
ركعة ملفقة *
قال (ومهما حكمنا بأنه لم يدرك الجمعة فهل تنقلب صلاته ظهرا فيه قولان يعبر عنهما بان الجمعة هي
ظهر مقصورة أم هي صلاة على حيالها فان قلنا لا تنقلب ظهرا فهل تبقى نفلا يبنى على القولين في
المتحرم بالظهر قبل الزوال) *
إذا عرضت حالة في الصلاة تمنع من وقوعها جمعة في صورة الزحام وغيرهما فهل يتم صلاته ظهرا
فيه قولان يتعلقان بأصل وهو ان الجمعة ظهر مقصورة أو هي صلاة على حيالها وقد اختلف قول
الشافعي رضي الله عنه في فروع تقتضي اختلافه في هذا الأصل (أحدهما) أنها ظهر مقصورة لان
وقتها وقت الظهر لكن وجب القصر فيها عند تمام شروطها (والثاني) انها صلاة على حيالها ألا ترى
573

انه لا يجوز فعلها في سائر الأيام ولا يجوز فعل الظهر في هذا اليوم فان قلنا إنها ظهر مقصورة فإذا فات
بعض شرائط الجمعة أتمها ظهرا كالمسافر إذا فات شروط قصره وإن قلنا أنها فرض آخر فهل يتم
فيه وجهان مذكوران في التهذيب وغيره (أحدهما) لا لأنه شرع فيها بنية الجمعة (والثاني) نعم لأنهما
فرض وقت واحد (وقوله) في الكتاب فهل تنقلب صلاته ظهرا يشعر بان الخلاف في انقلابه بنفسه
وفى النهاية حكاية وجهين في ذلك على قولنا أنه تتم صلاته ظهرا (أحدهما) انه تنقلب ظهرا من غير قصد
منه لأنا إذا جعلناها ظهرا مقصورة فمتى بطل القصر ثبت الاتمام (والثاني) ان الشرط ان يقلبهما ظهرا
بقصده لان بين الجمعة والظهر تغايرا في الجملة ليس بين القصر والاتمام فلا بد من قصد البناء والظاهر
من الخلاف في المسألة ان له ان يتمها ظهرا وإذا قلنا لا يتمها ظهرا فهل تبقى صلاته نفلا أم تبطل من أصلها
فيه القولان السابقان فيما إذا تحرم بالظهر قبل الزوال ونظائرها ثم قال امام الحرمين قول البطلان لا
ينتظم تفريعه إذا أمرناه في صورة الزحام بشئ فوافق أمرنا لان الامر بالشئ والحكم ببطلانه ورفعه
آخرا محال فليكن ذلك مخصوصا بما إذا أمرناه بشئ فخالف وحيث أطلق الأئمة ترتيب الخلاف
وتنزيله فهو محمول على هذا *
قال (والنسيان هل يكون عذرا كالزحام فيه وجهان) *
التخلف بالنسيان هل هو كالتخلف بالزحام فيه وجهان (أصحهما) نعم لمكان العذر (والثاني)
لا لأنه نادر ولأنه مفرط إذ هو بسبيل من إدامة الذكر هكذا أطلق جماعة نقل الوجهين منهم المصنف
والمفهوم من كلام الأكثرين ان في ذلك تفصيلا ان تأخر سجوده عن سجدتي الامام
574

ثم سجد في حال قيام الامام فالحكم كما ذكرناه في الزحام وكذلك لو تأخر لمرض لشمول العذر
وعدم افراط التخلف وان بقي ذاهلا عن السجود حتى ركع الامام في الثانية ثم تنبه فهنا خلاف منهم
من قال فيه القولان في المزحوم (أحدهما) يركع معه (والثاني) يجرى على ترتيب صلاة نفسه وبهذا قال القاضي
أبو حامد ومنهم من قال يتبعه قولا واحدا لأنه مقصر بالنسيان فلا يجوز له ترك المتابعة وهذا أظهر عند
القاضي الروياني (خاتمة) الزحام كما يفرض في صلاة الجمعة يفرض في سائر الصلوات وإنما يذكر في الجمعة خاصة
لان الزحمة فيها أكثر ولأنها يجتمع فيها وجوه من الاشكال لا تجرى في غيرها مثل التردد في أن الركعة
الملفقة هل تدرك بها الجمعة وكذا التردد في القدوة الحكمية والتردد في أن المبنية على أن الجمعة ظهر
مقصورة ولان الجماعة شرط فيها ولا سبيل إلى المفارقة ما دام يتوقع ادراك الجمعة بخلاف سائر الصلوات
إذا عرفت ذلك فلو فرضت الزحمة في سائر الصلوات وامتنع عليه السجود في الأولى حتى ركع الامام
في الثانية اطرد فيه القولان وحكى القاضي بن كج طريقتين أخريين (إحداهما) انه يركع معه بلا خلاف
(والثاني) انه يراعي ترتيب صلاته بلا خلاف *
575

قال (الشرط السادس الخطبة وأركانها خمسة (ح) الحمد لله ويتعين هذا اللفظ والصلاة على رسول الله
صلى الله عليه وسلم ويتعين لفظ الصلاة والوصية بالتقوى ولا يتعين لفظها إذ غرضه الوعظ وأقلها
أطيعوا الله والدعاء للمؤمنين وأقله رحمكم الله وقراءة القرآن وأقله آية والدعاء لا يجب الا في
الثانية والقراءة تختص بالأولى على أحد الوجهين والتحميد والصلاة والوصية واجبة في الخطبتين) *
من شرائط الجمعة تقدم خطبتين " لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة إلا بخطبتين " (1)
قال صلوا كما رأيتموني أصلي " (2) وروى عن عمر رضي الله عنه وغيره " ان الصلاة إنما قصرت للخطبة " (3)
والكلام في واجبات الخطبة وسننها أما الواجبات فقد جعلها قسمين الأركان والشرائط وعد
الأركان خمسة (أحدها) حمد الله تعالى لما روى أنه صلى الله عليه وسلم وسلم " خطب يوم الجمعة فحمد الله
وأثنى عليه " (4) ويتعين لفظ الحمد اتباعا لما درجوا عليه من عصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى
عصرنا هذا (والثاني) الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فان كل عبادة افتقرت إلى ذكر
الله تعالى افتقرت إلى ذكر رسوله كالاذان والصلاة ويتعين لفظ الصلاة كما ذكرنا في الحمد وحكي
في النهاية عن كلام بعض الأصحاب ما يوهم انهما لا يتعينان ولم ينقله وجها مجزوما به (والثالث) الوصية بالتقوى
لان النبي صلى الله عليه وسلم " واظب عليها في خطبه " (5) ولان المقصود من الخطبة الوعظ والتحذير
576

فلا يجوز الاخلال به وهل يتعين لفظ الوصية فيه وجهان (أحدهما) نعم كالحمد والصلاة (وأصحهما)
وهو المذكور في الكتاب لا لان غرضها الوعظ فبأي لفظ وعظ حصل الغرض وقد روى هذا عن
نصه في الاملاء قال الامام ولا يكفي الاقتصار على التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها فان ذلك
قد يتواصى به المنكرون للمعاد أيضا بل لا بد من الحمل على طاعة الله تعالى وحده والمنع من المعاصي
ولا يجب في الموعظة فصل وكلام طويل بل لو قال أطيعوا الله كفاه وأبدى الامام احتمالا فيه وقال
الغرض استعطاف القلوب وتنبيه الغافلين ولا يحصل ذلك إلا بفصل يهز ويستحث وعلى ذلك
جرى الأولون واللائق بمذهب الشافعي رضي الله عنه الاتباع ولا تردد في كلمتي الحمد والصلاة
انهما كافيتان ثم هذه الأركان الثلاثة لا بد منها في الخطبتين جميعا وحكي الحناطي وجها غريبا انه
لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في أحداهما جاز فيجوز أن يعلم لذلك لفظ الصلاة في قوله والتحميد
والصلاة والوصية واجبة في الخطبتين بالواو (والرابع) الدعاء للمؤمنين ركن في ظاهر المذهب اتباعا
وفيه أوجه آخر انه لا يجب لأنه لا يجب في غير الخطبة فكذلك في الخطبة كالتسبيح وكلام صاحب التلخيص
يوافق هذا الوجه ويحكي عن نصه في الاملاء أيضا وإذا قلنا بالأول فهو مخصوص بالثانية فان الدعاء يليق
بحالة الاختتام ولو دعا في الأول لم يحسب عن الثانية ويكفي ما يقع عليه الاسم قاله الامام وأرى انه يجب أن
577

يكون متعلقا بأمور الآخرة غير مقتصر على أوطار الدنيا وانه لا بأس بتخصيصه بالسامعين
بأن يقول رحمكم الله (الخامس) قراءة القرآن وهي من الأركان روى أنه صلى الله عليه وسلم " كان يقرأ
آيات ويذكر الله تعالى " (1) ونقل قول عن الاملاء انها ليست من الأركان وإنما هي من المستحبات وقد
يحكى المذهبان وجهين عن أبي إسحاق المروزي فان قلنا بالمشهور وهو انها ركن فقد قال الأصحاب
أقله آية ويحكى عن ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه ولا فرق بين أن يكون مضمونها وعدا أو وعيدا
أو حكما أو قصة قال الامام ولا يبعد الاكتفاء بشطر آية طويلة ولا شك انه لو قال (ثم نظر) لم يكف
وان عد آية بل يعتبر أن تكون مفهمة واختلفوا في محلها على ثلاثة أوجه (أظهرها) وينقل عن نصه
في الام انها تجب في أحدهما لا بعينها لان المنقول انه كان يقرأ في الخطبة وهذا القدر لا يوجب كون
القراءة فيهما ولا في واحدة على التعيين (والثاني) أنها تجب فيهما لأنها ركن فأشبهت الثلاثة الأول (والثالث)
انها تختص بالأولى في مقابلة الدعاء المختص بالثانية وهذا ظاهر لفظه في المختصر وقوله في الكتاب
والقراءة تختص بالأولى على أحد الوجهين تعرض لهذا الوجه الثالث ويمكن ادراج الوجهين الآخرين
في مقابله بأن يقال والثاني لا يختص وعلى هذا تجب فيهما أو تجب في واحدة لا على التعيين فيه وجهان
" ويستحب أن يقرأ في الخطبة سورة ق روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم " (2) وان قرأ آية سجدة
578

نزل وسجد فلو كان المنبر عاليا لو نزل لطال الفصل ففيه الخلاف المذكور في اشتراط الموالاة
ولا تداخل في الأركان المذكورة حتى لو قرأ آية فيها موعظة وقصد ايقاعها عن الجهتين لم يجز ولا يجوز
أن يأتي بآيات تشتمل على الأركان المطلوبة فان ذلك لا يسمى خطبة ولو أتى ببعضها في ضمن آية
لم يمتنع (وقوله) في الكتاب وأركانها خمسة معلم بالواو للخلاف المذكور في القراءة والدعاء وبالحاء
لان عنده يكفيه أن يقول الحمد لله أو لا إله الا الله ونحوهما وبالميم لأنه روى عن مالك مثل مذهب
أبي حنيفة وروى أنه قال لا يجزئه إلا ما سمته العرب خطبة ويجوز ان يعلم كل واحد من الأركان
بعلامتهما لما ذكرنا وكذا الحكم بتعين الحمد لله والصلاة ولك ان تبحث في شيئين من قوله ويتعين
هذه اللفظة وقوله ويتعين لفظ الصلاة (أحدهما) ان الحكم بتعين اللفظين يقتضي عدم اجزائهما بغير
العربية فهل هو كذلك (والجواب) ان في اشتراط كون الخطبة كلها بالعربية وجهان (أصحهما) انه شرط
اتباعا لما جرى عليه الناس (والثاني) ذكره في التتمة مع الأول انه لا يشترط اعتبارا بالمعني فعلى
الصحيح لو لم يكن فيهم من يحسن العربية خطب بغيرها ويجب ان يتعلم واحد منهم الخطبة بالعربية
كالعاجز عن التكبير بالعربية عليه التعلم فلو مضت مدة امكان التعلم ولم يتعلموا عصوا وليس لهم
الجمعة (الثاني) لم قال في الحمد لله وتتعين هذه اللفظة ولم يقل مثل ذلك في الصلاة على رسول الله ولكن
خص التعين بالصلاة (والجواب) إنما لم يقل في الصلاة وتتعين هذه اللفظة لأنه لو قال والصلاة على
محمد أو على النبي جاز ولا يشترط التعرض للفظ الرسول (وقوله) في الحمد وتتعين هذه لله
اللفظة مقتضاه انه لو قال الحمد للرحمن أو للرحيم لا يجزئه وذلك مما لا يبعد كما في كلمة التكبير
579

لكن لم أره مسطورا فاما ان قوله والصلاة على النبي مجزئ فلا شك فيه وهو لفظ الشافعي رضي الله عنه
في المختصر *
قال (وشرائطها ستة الوقت وهو ما بعد الزوال وتقديمها على الصلاة بخلاف صلاة العيدين
والقيام فيهما والجلوس بين الخطبتين مع الطمأنينة وفى طهارة الخبث والحدث والموالاة خلاف) *
لما فرغ من الأركان اشتغل بذكر الشرائط وعدها ستا وهذا الفصل يشتمل على خمسة منها
(إحداها) الوقت وهو ما بعد الزوال فلا يجوز تقديم الخطبتين ولا شئ منهما عليه خلافا لأحمد حيث
قال يجوز كما حكينا عنه في نفس الصلاة ولمالك حيث جوز تقديم الخطبة على الزوال وان لم يجز
تقديم الصلاة * لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم " كان يخطب يوم الجمعة بعد الزوال " (1) ولو جاز
التقديم
لقدمها تخفيفا على المبكرين وايقاعا للصلاة في أول الوقت (الثانية) تقديم الخطبتين على الصلاة بخلاف
صلاة العيد تقدم على الخطبتين لان النقل هكذا ثبت في الطرفين (2) ثم فرقوا من وجهين (أحدهما)
ان خطبة الجمعة واجبة فقدمت ليحتبس الناس في انتظار الصلاة فيستمعوها ولا ينتشروا
وخطبة العيد غير واجبة ولو انتشروا عنها لم يقدح (والثاني) ان الجمعة لا تؤدى الا جماعة
فقدمت الخطبة عليها ليمتد الوقت ويلتحق الناس وصلاة العيد تؤدى من غير جماعة (الثالثة) القيام
فيها عند القدرة خلافا لأبي حنيفة واحمد حيث قالا لا يشترط ذلك ويجوز القعود مع القدرة
580

لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده لم يخطبوا الا قياما " (1) ولأنه ذكر يختص بالصلاة ليس
من شرطه القعود فكان من شرطه القيام كالقراءة والتكبير فان عجز عن القيام فالأولى أن ينيب
غيره ولو لم يفعل وخطب قاعدا أو مضطجعا جاز كما في الصلاة ويجوز الاقتداء به سواء قال لا أستطيع
القيام أو سكت فان الظاهر أنه إنما قعد لعجزه فان بان أنه كان قادرا فهو كما لو بان الامام جنبا (وقوله)
القيام فيها معلم بالحاء والألف لما حكيناه من مذهبهما ويجوز اعلامه بالميم لان بعض أصحاب احمد
حكي عن مالك مثل مذهبهما وبالواو لان القاضي ابن كج حكى عن بعض أصحابنا وجها أنه لو
خطب قاعدا مع القدرة على القيام يجزئه الرابعة) الجلوس بينهما خلافا لأبي حنيفة ومالك واحمد
581

حيث قالوا إنه سنة ليس بشرط * لنا مائبت من مواظبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن
بعده عليهما " (1) وتجب الطمأنينة فيه كما في الجلسة بين السجدتين ولو خطب قاعد لعجزه عن القيام لم
يضطجع بينهما للفصل ولكن يفصل بينهما بسكتة خفيفة وهذا يقتضي اعلام قوله والجلوس بين
582

الخطبتين بالواو مع الحاء والميم والألف (فان قلت) لم عد القيام والقعود ههنا من الشرائط وهما معدودان في
الصلاة من الأركان (فاعلم) أن امام الحرمين أجاب عنه بان قال الامر فيه قريب ولا حجر على من يعدهما من
الأركان كما في الصلاة ولا على من لا يعدهما من الأركان في الصلاة أيضا ونقول المقصود لا يقع فيهما وهما محالان
ويجوز الفرق بل الغرض من الخطبة الوعظ وهو امر معقول ولا يصح في الصلاة امر معقول
583

فجعل القيام بمثابة ما فيه وههنا عد شرطا ومحلا لما هو المقصود (الخامسة) هل يشترط في الخطبة طهارة
الحدث وطهارة البدن والثوب والمكان عن الخبث فيه قولان (القديم) لا وبه قال مالك وأبو حنيفة
واحمد لان الخطبة ذكر يتقدم الصلاة فأشبه الاذان (والجديد) نعم اتباعا لما جرت الأئمة عليه في
الاعصار كلها وهذا الخلاف مبني عند بعض الأئمة على أن الخطبتين بدل عن الركعتين أم لا
وقال امام الحرمين وهو مبني على أن الموالاة في الخطبة هل هي شرط أم لا إن قلنا نعم فلا بد
من أن يكون متطهرا لأنه يحتاج إلى الطهارة بعد الخطبة فتختل الموالاة وإن قلنا لا تشترط الموالاة
لا تشترط الطهارة ومنهم من جعل الخلاف في الطهارة وجهين والقولان أشهر وقد طرد الخلاف
في ستر العورة اما من يبنى على أن الخطبتين بدل من الركعتين أم لا فتوجيهه هين على أصله وأما من
لم يبن عليه فقد قال الامام سبب الاشتراط بروز الخطيب وما فيه من هتكة الانكشاف لو لم يتستر
584

(وقوله) في طهارة الحدث لفظ الحدث يشمل الحدث الأصغر والأكبر وقد صرح في التتمة بطرد
الخلاف في اشتراط الطهارة عن الحدث والجنابة جميعا لكن قال في التهذيب لو خطب جنبا لم
تحسب قولا واحدا لان القراءة شرط ولا تحسب قراءة الحنب وهذا أوضح والخلاف الذي أرسله
المراد منه ما بيناه ونقله المصنف في الوسيط وجهين واما الخلاف في المولاة فهو قولان ومسألة الموالاة
مكررة قد ذكرها مرة في الشرط الرابع للجمعة وإنما جمع بينها وبين الطهارة للتناسب والبناء الذي
ذكره الامام وإذا اشترطنا الطهارة فلو سبقه الحدث في الخطبة لم يعتد بما يأتي به في حال الحدث وفى
بناء غيره عليه الخلاف الذي سبق ولو تطهر وعاد وجب الاستئناف إن طال الفصل وشرطنا
الموالاة وإن لم يطل الفصل ولم نشترط الموالاة فوجهان (أظهرهما) الاستئناف أيضا لأنها عبادة واحدة
فلا تؤدى بطهارتين كالصلاة *
قال (ويجب رفع الصوت بحيث يسمع أربعين من أهل الكمال وهل يحرم الكلام على من
عدي الأربعين فيه قولان (الجديد) أنه لا يحرم كما لا يحرم الكلام على الخطيب وقيل بطرد القولين
في الخطيب فان قلنا يجب الانصات فلا يسلم الداخل فان سلم لم يجب وفى تشميت العاطس وجهان
وفى وجوبه على من لا يسمع الخطبة وجهان وتحية المسجد مستحبة في أثناء الخطبة (ح م وان قلنا لا يجب
الانصات ففي تشميت العاطس وفى رد السلام وجهان) *
الشريطة السادسة للخطبة رفع الصوت فان الوعظ الذي هو مقصود الخطبة لا يحصل الا
585

بالابلاغ والاسماع وذلك لا يحصل الا برفع الصوت فلو خطب سرا بحيث لم يسمع غيره لم يحسب
كالاذان وحكى صاحب البيان عن أبي حنيفة انها تجزى وقد حكاه القاضي الروياني وغيره وجها
لنا ثم الضبط على ظاهر المذهب أن يسمع أربعين من أهل الكمال على ما سبق وصفهم ولو رفع
الصوت قدر ما يبلغ لكن كانوا أو بعضهم صما ففيه وجهان (أصحهما) انها لا تجزئ كما لو بعدوا عنه وكما أنه يشترط
سماع شهود النكاح (والثاني) يجزئ كما لو حلف لا يكلم؟ لأنا فكلمه بحيث يسمع لكنه لم يسمع لصممه يحنث
وكما لو استمعوا الخطبة ولم يفهموا معناها لا يضر وينبغي للقوم أن يقبلوا بوجوههم إلى الامام وينصتوا
ويسمعوا قال الله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا) ذكر في التفسير أن الآية
وردت في الخطبة سميت قرآنا لاشتمالها عليه والانصات هو السكوت والاستماع شغل السمع بالسماع
586

وهل الانصات فرض والكلام حرام أم لا قال في القديم والام الانصات فرض والكلام حرام
وبه قال أبو حنيفة ومالك وهو أظهر الروايتين عن أحمد ووجهه ظاهر الامر في الآية فإنه للايجاب
وما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " إذا قلت لصاحبك انصت والامام يخطب يوم الجمعة
فقد لغوت " (1) واللغو الاثم قال الله تعالى (واللذين هم عن اللغو معرضون) وقال في الجديد الانصات
سنة والكلام ليس بحرام لما روى " أن رجلا دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة
فقال متى الساعة فاومي الناس إليه بالسكوت فلم يقبل وأعاد الكلام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم
وسلم بعد الثالثة ما إذا أعددت لها فقال حب الله ورسوله فقال إنك مع من أحببت " (2) والاستدلال انه
لم ينكر عليه ولم يبين له وجوب السكوت وذكر أصحابنا العراقيون أن أبا إسحاق حكى في
الشرح عن بعض أصحابنا طريقة أخرى جازمة بالوجوب وانه أول كلامه في الجديد والذي
عليه الجمهور طريقة القولين وهل يحرم الكلام على الخطيب فيه طريقان (أصحهما) القطع بأنه لا يحرم
587

وإنما حرم على المستمع في قول كيلا يمنعه عن الاستماع " وأيضا فقد كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم
قتلة ابن أبي الحقيق وسألهم عن كيفية قتله في الخطبة " (1) وكلم أيضا سليكا الغطفاني (2) في الخطبة كما سيأتي
588

وعلى هذه الطريقة شبه في الكتاب المستمع بالخطيب فقال الجديد انه لا يحرم كما لا يحرم على
الخطيب وقد ذكر المزني هذا الاستدلال لترجيح الجديد (والطريقة الثانية) طرد القولين في الخطيب
وهي تخرج على أن الخطبتين بمثابة الركعتين أم لا ان قلنا نعم حرم الكلام عليه وبه قال مالك
وأبو حنيفة ثم نتكلم في محل القولين وتفريعهما * أما المحل ففيه كلامان (أحدهما) ان الخلاف في الكلام
الذي لا يتعلق به غرض مهم ناجز فأما إذا رأى أعمي يقع في بئر أو عقربا تدب على إنسان فأنذره
أو علم أنسانا شيئا من الخير أو نهاه عن منكر فهذا لا يحرم قولا واحدا وإن كان لفظ الكتاب
مطلقا كذلك ذكره الأصحاب على طبقاتهم وحكوه عن نص الشافعي رضي الله عنه نعم المستحب أن
يقتصر على الإشارة ولا يتكلم ما وجد إليه سبيلا (والثاني) انه يجوز الكلام قبل أن يبتدئ الامام
589

في الخطبة وكذلك بعد الفراغ منها إلى أن ينزل أو يتحرم بالصلاة وليس ذلك موضع الخلاف لأنه
ليس وقت الاستماع * وأما حالة الجلوس بين الخطبتين فمنهم من أخرجها عن حيز الخلاف أيضا
وهو ما أورده صاحب المهذب وحجة الاسلام في الوسيط وأجرى المحاملي وابن الصباغ وآخرون
الخلاف فيها ويجوز للداخل في أثناء الخطبة أن يتكلم ما لم يأخذ لنفسه مكانا والقولان بعدما قعد
حكاه الامام وغيره * وأما تفريع القولين فان قلنا بالقديم فالداخل في أثناء الخطبة ينبغي أن لا يسلم
فان سلم لم تجز اجابته باللسان ويستحب أن يجاب بالإشارة كما في الصلاة وهل يجوز تشميت العاطس
فيه وجهان (أصحهما) وهو المنصوص لا كرد السلام (والثاني) يجوز لان العطاس لا يتعلق بالاختيار
والتشميت من حقوق المسلم على المسلم فيوفى بخلاف رد السلام فان المسلم والحالة هذه مضيع سلامه
وعلى هذا فهل يستحب حكى إمام الحرمين فيه وجهين ووجه المنع بأن الانصات أهم فإنه واجب
على هذا القول والتشميت لا يجب قط وحكى في البيان عن بعض الأصحاب انه يرد السلام ولا يشمت
العاطس لان تشميت العاطس سنة ورد السلام واجب والواجب لا يترك بالسنة وقد يترك بواجب
آخر وهل يجب الانصات على من لا يسمع الخطبة فيه وجهان شبيهان بالوجهين في أن المأموم الذي
لا يسمع قراءة الإمام هل يقرأ السورة أم لا (أحدهما) انه لا يجب لان الانصات للاستماع فعلى هذا له
أن يشتغل بذكر وتلاوة (والثاني) يجب كيلا يرتفع اللغط ولا يتداعى إلى منع السامعين من السماع
وهذا أظهر ولم يذكر كثيرون سواه وحكوه عن نص الشافعي رضي الله عنه وقالوا البعيد بالخيار بين
590

الانصات وبين الذكر والتلاوة وأما في كلام الآدميين فهو والقريب سواء وان فرعنا على الجديد
فقد قال في الكتاب يشمت العاطس وفى رد السلام وجهان ولا بد من البحث عنه أهو كلام في
الاستحباب أم في الوجوب أما جوازهما فلا شك فيه على هذا القول وأما غيره فقد جعل صاحب
التهذيب الوجهين في وجوب الرد (أصحهما) وجوبه كما في سائر الأحوال (والثاني) لا يجب لأنه مقصر
مضيع السلام كمن سلم على من يقضي حاجته قال وفي استحباب التشميت الوجهان وذكر المصنف
في الوسيط ان التشميت يجب وفى الرد وجهان والظاهر أنه أراد نصب الوجهين في الاستحباب على
ما صرح به امام الحرمين فقال لا يجب الرد لتقصير المسلم ووضعه السلام في غير موضعه والوجهان
في استحباب الرد (واعلم) ان القول بوجوب التشميت خلاف ما أطبق عليه الأئمة فإنهم قالوا
التشميت محبوب غير واجب بحال فلا ينبغي أن يحمل قوله ويشمت العاطس عليه بل الوجه تأويل ما في
الوسيط أيضا ولا يحسن حمله على الجواز أيضا لأنه عطف عليه قوله وفى رد السلام وجهان فإذا كان
المراد من الأول الجواز كان قضية الايراد فرض الخلاف في الجواز ولا يمكن تصوير الخلاف فيه
على هذا القول فإذا قوله يشمت العاطس معناه انه يستحب ذلك وليكن معلما بالواو لما حكاه
صاحب التهذيب (واعلم) انه لو تكلم لم تبطل جمعته على القولين جميعا والخلاف في الاثم وعدمه
(وأما) قوله وتحية المسجد مستحبة (فشرحه) ان الخطيب إذا صعد المنبر فينبغي لمن ليس في الصلاة من
591

الحاضرين أن لا يفتتحها سواء صلى السنة أم لا ومن كان منهم في الصلاة خففها روى عن الزهري
أنه قال " خروج الامام يقطع الصلاة " (1) وكلامه يقطع الكلام والفرق بين الكلام الذي لا بأس به وان
592

صعد المنبر ما لم يبتدئ الخطبة وبين الصلاة ان قطع الكلام هين متى ابتدأ الخطيب الخطبة بخلاف
الصلاة فإنه قد يفوته سماع أول الخطبة إلى أن يتمها وأما الداخل في أثناء الخطبة فيستحب له
التحية خلافا لمالك وأبي حنيفة حيث قالا يكره له الصلاة كما للحاضرين * لنا ما روي " انه جاء سليك الغطفاني
يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم قم يا سليك فاركع ركعتين تجوز فيهما " ثم قال
" إذا جاء أحدكم والامام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما " (1) ولو أن الداخل لم يصل السنة بعد صلاها
593

وحصلت التحية بها أيضا وان دخل والامام في آخر الخطبة لم يصل حتى لا يفوته أول الجمعة مع الامام
وحكم التحية لا يختلف بقولي الانصات وذكره في الكتاب متصلا بتفريع القديم ليس لاختصاص
الاستحباب به بل استحباب التحية على قولنا باستحباب الانصات أظهر منه على قولنا بوجوب الانصات
وقوله في أول الفصل ويجب رفع الصوت بحيث يسمع أربعين من أهل الكمال يجوز اعلامه بالحاء
والميم لما تقدم نقله وقوله وهل يحرم الكلام على من عدا الأربعين يقتضي الجزم بتحريم الكلام
على الأربعين وهذا التقدير بعيد في نفسه ومخالف لما نقله الأصحاب * اما بعده في نفسه فلان الكلام
في السامعين للخطبة ألا تراه يقول بعد ذلك وفى وجوبه على من لا يسمع الخطبة وجهان وإذا حضر
جمع زائدون على الأربعين وهم بصفة الكمال فلا يمكن ان يقال بأن الجمعة تنعقد بأربعين منهم على
التعيين حتى يفرض تحريم الكلام عليهم قطعا والتردد في حق الآخرين بل الوجه الحكم بانعقاد
الجمعة بهم أو بأربعين منهم لا على التعيين حتى يفرض تحريم الكلام عليهم قطعا والتردد في حق الآخرين
594

بل الوجه الحكم بانعقاد الجمعة بهم أو بأربعين منهم لا على التعيين * واما مخالفته لنقل الأصحاب فلأنك
لا تجد للجمهور الا اطلاق قولين في السامعين ووجهين في حق غيرهم كما سبق ويجوز أن يعلم قوله
قولين بالواو إشارة إلى الطريقة الجازمة بالوجوب المروية عن أبي إسحاق (وقوله) كما لا يحرم الكلام
على الخطيب معلم بالحاء والميم هذا آخر ما ذكره في الكتاب من واجبات الخطبة ووراءها واجبات
أخر (منها) أن تكون بالعربية كما سبق (ومنها) نية الخطبة وفرضيتها حكى عن القاضي الحسين اشتراط
ذلك كما في الصلاة (ومنها) الترتيب ذكر صاحب التهذيب وغيره انه يجب الترتيب بين الكلمات
الثلاث المشتركة بين الخطبتين يبتدئ بالتحميد ثم بالصلاة ثم بالوصية ولا ترتيب بين القراءة
والدعاء ولا بينهما ولا بين غيرهما ونفى صاحب العدة وآخرون وجوب الترتيب في ألفاظها أصلا وقالوا
الأفضل رعايته *
قال (وأما سنن الخطبة فان يسلم الخطيب على من عند المنبر ثم إذا صعد المنبر أقبل وسلم (م ح) وجلس
إلى أن يفرغ المؤذن) *
سنن الخطبة ثلاث جمل (إحداها) السنن السابقة على نفس الخطبة منها أن يخطب على المنبر " كان
النبي صلى الله عليه وسلم يخطب مستندا إلى جذع في المسجد ثم صنع له المنبر فكان يخطب عليه " (1)
595

والسنة أن يوضع على يمين المحراب هكذا وضع منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) والمراد من
يمين المحراب الموضع الذي يكون على يمين الامام إذا استقبل ويكره وضع المنبر الكبير الذي يضيق
596

المكان على المصلين إذا لم يكن المسجد متسع الخطة فإن لم يكن منبر خطب على موضع مرتفع ليبلغ
صوته الناس ومنها أن يسلم على من عند المنبر إذا انتهى إليه لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما ان
النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا دنا من منبره سلم على من عند المنبر ثم يصعد فإذا استقبل الناس بوجهه
سلم عليهم ثم قعد " (1) (ومنها) إذا بلغ في صعوده الدرجة التي تلي موضع القعود ويسمى ذلك الموضع المستراح
أقبل على الناس بوجهه وسلم عليهم خلافا لمالك وأبي حنيفة حيث قالا يكره هذا السلام * لنا خبر
597

ابن عمر رضي الله عنهما وروى أنه صلى الله عليه وسلم " استوى على الدرجة التي تلي المستراح قائما
ثم سلم " (1) ومنها أن يجلس بعد السلام على الموضع المسمي بالمستراح ليستريح من تعب الصعود روى
598

انه صلى الله عليه وسلم " كان يخطب خطبتين ويجلس جلستين " (2) والمراد هذه الجلسة والجلسة بين
الخطبتين وكما جلس يشتغل المؤذن بالاذان قال الأئمة ولم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا عهد أبى بكر وعمر رضي الله عنهما للجمعة أذان قبل هذا الاذان فلما كان في عهد عثمان كثر الناس
599

وعظمت البلدة أمر المؤذنين بالتأذين على مكانهم " ثم كان يؤذن المؤذن بين يديه إذا استوى على
المنبر فثبت الامر على ذلك " (1) ويديم الامام الجلوس إلى فراغ المؤذن من الاذان (وقوله) إلى أن يفرغ
المؤذن وحد لفظ المؤذن ويمكن حمله على ما روى في البيان عن صاحب الافصاح والمحاملي أن
المستحب أن يكون المؤذن واحدا " لأنه لم يكن يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة الا واحدا " (2)
وفى كلام بعض الأصحاب ما ينازع فيه ويشعر باستحباب التعديد والله أعلم *
600

قال (ثم يخطب خطبتين بليغتين قريبتين من الافهام مائلتين إلى القصر يستدبر القبلة فيهما
ويجلس بين الخطبتين بقدر سورة الاخلاص ويشغل إحدى يديه في الخطبتين بحرف المنبر والثانية
بقبض سيف أو عنزة) *
الجملة الثانية السنن المتعلقة بنفس الخطبة منها أن تكون الخطبة بليغة غير مؤلفة من الكلمات
المتبذلة لأنها لا تؤثر في القلوب ولا من الكلمات الغريبة الوحشية فإنه لا ينتفع بها أكثر الناس
بل يجعلها قريبة من الافهام (ومنها) أن لا يطول روى أنه صلى الله عليه وسلم وسلم " قال قصر الخطبة وطول
الصلاة مئنة من فقه الرجل " (1) وأنما قال مائلتين إلى القصر ولم يقل قصيرتين لان المحبوب فيهما التوسط
روي أن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم " كانت قصدا وخطبته قصدا " (2) ومنها أن يستدبر القبلة
ويقبل على الناس ولا يلتفت يمينا وشمالا روى أنه صلى الله عليه وسلم " كان إذا خطب استقبل الناس
بوجهه واستقبلوه وكان لا يلتفت " (3) وإنما استدبر القبلة لأنه لو استقبلها لم بخل اما أن يكون في صدر
601

المسجد على ما هو المعتاد أو في آخره فإن كان في صدر المسجد واستقبلها كان مستدبرا للقوم واستدبارهم
وهم المخاطبون قبيح خارج عن غرف المخاطبات وإن كان في آخره فاما أن يستقبله القوم فيكونوا
مستدبرين للقبلة واستدبار واحد أهون من استدبار الجم الغفير واما أن يستدبروه فيلزم ما ذكرنا
من الهيئة القبيحة ثم لو خطب مستدبرا للناس جاز وان خالف الناس وحكى في البيان وغيره وجها
انه لا يجزئ (ومنها) أن يجلس بين الخطبتين بقدر قراءة سورة الاخلاص حكي عن نصه في الكبير قال الامام
وهو قريب من القدر المستحب من الجلسة بين السجدتين (وقوله) ويجلس بين الخطبتين إلى آخره
الغرض منه عد تقدير الجلوس بالقدر المذكور من جملة السنن وأما أصله فهو من الواجبات وهو كقوله
ثم يخطب خطبتين بليغتين لا انه يخطب خطبتين ويجوز أن يعلم بالواو لان القاضي الروياني ذكر في
التجربة أنه يجب أن يكون جلوسه بقدر قراءة سورة الاخلاص ولا يجوز أقل منه ونسبه إلى النص (ومنها) أن
يعتمد على سيف أو عنزة وهي شبه الحربة أو عصا أو نحوها روى أنه صلى الله عليه وسلم " كان يعتمد على
عنزته اعتمادا " (1) وروى أنه اعتمد على قوس في خطبته " (2) فإن لم يجد شيئا سكن جسده ويديه اما بأن يجعل
يده اليمنى على اليسرى أو يقرهما مرسلتين والغرض أن يخشع ولا يعبث بهما وإذا شغل إحدى
602

يديه بالسيف أو ما في معناه شغل الأخرى بحرف المنبر وبأيتهما يقبض السيف ونحوه لم يتعرض
الأكثرون لذلك وذكر في التهذيب أنه يقبض باليسرى وقوله بسيف أو عنزة في بعض النسخ
أو غيره ولا بأس به أيضا وينبغي للقوم أن يقبلوا على الخطيب مستمعين لا يشتغلون بشئ آخر حتى يكره
الشرب للتلذذ ولا بأس به للعطش لا للقوم ولا للخطيب *
قال (ثم إذا فرغ ابتدر إلى النزول مع إقامة المؤذن بحيث يبلغ المحراب عند تمام الإقامة
والله أعلم) *
الجملة الثالثة ما يتأخر عن نفس الخطبة وهو أن يأخذ في النزول والمؤذن في الإقامة ويبتدر ليبلغ
المحراب مع فراغ المؤذن من الإقامة والمعنى فيه المبالغة في تحقيق الموالاة *
قال * (الباب الثاني فيمن تلزمه الجمعة) *
(ولا تلزم الجمعة إلا على كل مكلف حر ذكر مقيم صحيح فالعاري عن هذه الصفات لا تلزمه
وان حضر لم يتم العدد به سوى المريض ولكن تنعقد له سوى المجنون ولهم أداء الظهر مع الحضور
سوى المريض فإذا حضر تلزمه لكماله) *
مقصود الباب الكلام فيمن تلزمه الجمعة ومن لا تلزمه وللزومها خمسة شروط أحدها التكليف فلا جمعة
على صبي ولا مجنون لسائر الصلوات وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الجمعة حق
واجب على كل مسلم الا أربعة عبد أو امرأة أو صبي أو مريض " (1) الثاني الحرية فلا تجب على عبد خلافا لأحمد
603

في رواية والأصح عنه أيضا مثل مذهبنا لما ذكرنا من الخير وأيضا فقد روى عن جابر رضي الله عنه ان
النبي صلى الله عليه وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا على امرأة أو مسافر
أو عبد أو مريض " (1) ولا فرق في ذلك بين القن والمدبر والمكاتب (الثالث) الذكورة فلا جمعة على
امرأة لما روينا من الخبرين والخنثى المشكل كالمرأة قاله صاحب التهذيب وغيره لأنه يحتمل أن يكون
أنثى فلا يلزم بالشك (الرابع) الإقامة فلا جمعة على مسافر للخبر الثاني فلو كان وقت الجمعة في بلد على
طريقه استحب له حضورها وكذلك القول في الصبي والعبد (الخامس) الصحة فلا جمعة على مريض
للخبرين ولا فرق بين ان تفوت الجمعة بتخلفه لنقصان العدد دونه وتمامه به وبين ان لا تفوت ثم في الفصل
صور (إحداها) من فقد شرطا من الشروط المذكورة كما لا تلزمه الجمعة لا يتم العدد به سوى المريض لأنه متوطن
ليس به نقيصة وغيره اما ناقص أو غير متوطن وفى معنى المرض اعذار نذكر في الفصل التالي لهذا
الفصل فلا يجب على صاحبها الجمعة وتنعقد به وقوله فالعاري عن هذه الصفات أي عن مجموعها وقد
يوجد فيه بعضها وقد لا يوجد شئ منها وقوله لم يتم العدد به معلم بالحاء وقوله سوى المريض بالواو
لما سبق في الشرط الرابع للجمعة (الثانية) من لا تلزمه الجمعة إذا حضر الجمعة وصلاها انعقدت له
وأجزأته لأنها أكمل في المعني وإن كانت أقصر في الصورة فإذا أجزأت الكاملين الذين لا عذر بهم
فلان تجزئ أصحاب العذر كان اولي ويستثني عن هذا المجنون فإنه لا اعتداد لفعله (الثالثة) الذين
لا تلزمهم الجمعة إذا حضروا الجامع هل لهم ان ينصرفوا ويصلوا الظهر اما الصبيان والنسوان والعبيد
والمسافرون فلهم ذلك لان المانع من وجوب الجمعة عليهم الصفات القائمة بهم وهي لا ترتفع بحضورهم
واما المرضي فقد أطلق كثيرون انه ليس لهم بعدما حضروا الانصراف وتلزمهم الجمعة لان المانع
في حقهم المشقة اللاحقة في الحضور فإذا حضروا وتحملوا المشقة فقد ارتفع هذا المانع وتعب العود
لا بد منه سواء صلى الجمعة أو الظهر وفصل امام الحرمين فقال إن حضر المريض قبل دخول الوقت
604

فالوجه القطع بأن له ان ينصرف وان دخل الوقت وقامت الصلاة لزمه الجمعة وإن كان يتخلل
زمان بين دخول الوقت وبين الصلاة فإن لم يلحقه مزيد مشقة في الانتظار حتى تقام الصلاة لزمه ذلك
وان لحقه لم يلزمه وهذا تفصيل فقيه ولا يبعد أن يكون كلام المطلقين منزلا عليه وألحقوا بالمرضى
أصحاب المعاذير الملحقة بالمرض وقالوا إنهم إذا حضروا لزمهم الجمعة ولا يبعد أن يكون هذا على
التفصيل أيضا ان لم يزدد ضرر المعذور بالصبر إلى إقامة الجمعة فالامر كذلك وان زاد فله الانصراف
وإقامة الظهر في منزله وذلك كما في الخائف على ماله ومهما كانت مدة غيبته أطول كان احتمال الضياع
أقرب وكذلك الممرض يزداد ضرره بالانتظار والله أعلم * وهذا كله فيما قبل الشروع في الجمعة فاما
إذا حرم الذين لا تلزمهم الجمعة بالجمعة ثم أرادوا الانصراف قال في البيان لا يجوز ذلك للمسافر
والمريض وذكر في العبد والمرأة وجهين عن حكاية الصيمري وقوله في الكتاب ولهم أداء الظهر مع
الحضور يجوز أن يعلم بالواو لأنه لم يستثن عنه الا المريض وقد خرج صاحب التلخيص في العبد
انه تلزمه الجمعة إذا حضر كالمريض قال في النهاية وهذا غلط باتفاق الأصحاب ولا يوجد في جميع نسخ
كتابه فلعله هفوة من ناقل *
قال (ويلتحق بعذر المرض المطر والوحل الشديد وكل ما ذكر من المرخصات في ترك الجماعة
ويترك بعذر التمريض أيضا إذا كان المريض قريبا مشرفا على الوفاة وفى معناه الزوجة والمملوك
فإن لم يكن مشرفا ولم يندفع بحضوره ضرر لم يجز الترك وان اندفع به ضرر جاز) *
ما يمكن فرضه في صلاة الجمعة من الاعذار المرخصة في ترك الجماعة يرخص في ترك الجمعة أيضا وهذا القيد
لا بد منه وإن أطلق قوله وكل ما ذكر من المرخصات في ترك الجماعة لان مما ذكر من المرخصات الريح
العاصفة وهي مرخصة بشرط كونها في الليل وهذا الشرط لا يتصور ههنا وقد سبق شرح تلك الاعذار
وكنا أخرنا منها الكلام في شيئين فنذكرهما (أحدهما) الوحل الشديد وفيه وجهان (أصحهما) وهو المذكور في
الكتاب انه عذر لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال " (1) والثاني ليس بعذر لان له عدة
دافعة وهي الخفاف والصنادل وهذا يشكل بالمطر وذكر في العدة وجها فارقا وهو أن الوحل ليس
605

بعذر في صلاة الجمعة وهو عذر في ترك الجماعة في سائر الصلوات لأنها تتكرر في اليوم والليلة خمس
مرات قال وبهذا أفتى أئمة طبرستان (والثاني) التمريض والمريض لا يخلوا اما أن يكون له من يتعهده
أو لا يكون (القسم الأول) أن يكون له من يتعهده ويقوم بأمره فينظر إن كان قريبا وهو مشرف
على الوفاة فله أن يتخلف عن الجمعة ويحضر عنده روى أن ابن عمر رضي الله عنهما تطيب للجمعة فأخبر
أن سعيد بن زيد رضي الله عنه منزول به وكان قريبا له فأتاه وترك الجمعة " (1) والمعنى فيه شغل القلب
السالب للخشوع لو حضر وان لم يكن مشرفا على الوفاة لكن كان يستأنس به فله أن يتخلف أيضا ويمكث
عنده ذكره في التهذيب وان لم يكن استئناس أيضا فليس له التخلف وحكي أصحابنا العراقيون
عن ابن أبي هريرة وجها آخران ان له التخلف عند شدة المرض لشغل القلب بشأنه وإن كان المريض
أجنبيا لم يجز التخلف للحضور عنده في هذا القسم بحال وفى معني القريب المملوك والزوجة وكل من
بينه وبينه مصاهرة وذكر المحاملي وغيره ان الصديق أيضا كالقريب (القسم الثاني) أن لا يكون للمريض
متعهد قال الامام إن كان يخاف عليه الهلاك لو غاب عنه فهو عذر في التخلف سواء كان قريبا أو أجنبيا
فان انقاذ المسلم من الهلاك من فروض الكفايات وإن كان يلحقه بغيبته ضرر ظاهر لا يبلغ دفعه مبلغ
فروض الكفايات ففيه وجوه (أصحها) انه عذر أيضا فان دفع الضرر عن المسلم من المهمات (والثاني)
انه ليس بعذر لان ذلك مما يكثر وتجويز التخلف له قد يتداعى إلى تعطيل الجمعة (والثالث) الفرق
بين القريب والأجنبي لزيادة الرقة والشفقة على الغريب ولو كان له متعهد لكن لم يتفرغ لخدمته
لاشتغاله بشرى الأدوية أو بشرى الكفن وحفر القبر إذا كان منزولا به فهو كما لو لم يكن
متعهد (وقوله في الكتاب) وإن لم يكن مشرفا المراد منه وان لم يكن المريض مشرفا ولو قدر ان
المراد وان لم يكن القريب مشرفا لزم أن يكون لفظ الكتاب ساكتا عن حكم الأجنبي مع أن
الحكم المرتب على قوله وان لم يكن مشرفا يستوى فيه القريب والأجنبي وقوله ولم يندفع
بحضوره ضرر يدخل فيه ما إذا كان مستغنيا في تلك الحالة عن خادم ومتعهد وما إذا كان
له متعهد يراعيه وقوله وان اندفع به ضرر جاز جواب على الوجه الأصح وينبغي أن يكون معلما
بالواو لما ذكرنا ويجب على الزمن أن يحضر الجمعة إذا وجد مركبا ملكا أو إجارة أو عارية ولم
606

يشق عليه الركوب وكذا الشيخ الضعيف ويجب أيضا على الأعمى إذا وجد قائد متبرعا أو بأجرة
وله مال فإن لم يجد قائدا لم يلزمه الحضور هكذا أطلق الأكثرون وعن القاضي الحسين انه إن كان
يحسن المشي بالعصا من غير قائد لزمه ذلك وعن أبي حنيفة ان الجمعة لا تجب على الأعمى بحال *
قال (فروع في صفات النقصان: من نصفه حر ونصفه عبد كالرقيق وقيل تلزمه الجمعة الواقعة
في نوبته عند المهايأة) *
المسائل المذكورة من هذا الموضع إلى آخر الباب متفرعة على صفات النقصان ومتعلقة بها وقد عدها
في الوسيط ستة فروع (أحدها) ظاهر المذهب ان من بعضه حر وبعضه رقيق لا تلزمه الجمعة كما لو كان كله رقيقا
لان رق البعض بمنع من الكمال والاستقلال وذلك معتبر في لزوم الجمعة ولهذا لا تجب على المكاتب
وفيه وجه انه لو جرى بينه وبين السيد مهايأة تلزمه الجمعة الواقعة في نوبته لاستقلاله في ذلك
اليوم وضعفه الامام بان قال مثل هذا الشخص مدفوع في نوبة نفسه إلى الجد في الكسب لنصفه
الحر فهو في شغل شاغل لمكان الرق قال ولا شك في أن الجمعة لا تنعقد به والخلاف في
الوجوب عليه *
قال (والمسافر إذا عزم على الإقامة ببلدة مدة لزمته الجمعة ثم لم يتم العدد به) *
الثاني الغرباء إذا أقاموا ببلدة نظر ان اتخذوها وطنا فحكمهم حكم أهلها تلزمهم الجمعة ويتم
العدد بهم وإن لم يتخذوها وطنا بل عزمهم الرجوع إلى بلادهم بعد مدة قصيرة أو طويلة كالمتفقهة
والتجار فهؤلاء تلزمهم الجمعة إذا استجمعوا صفات الكمال لأنهم ليسوا بمسافرين فلا يترخصون بترك
الجمعة كما لا يترخصون بالقصر والفطر وهل يتم عدد الجمعة بهم فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبي
هريرة نعم لان من وجبت عليه الجمعة انعقدت به كالمتوطن (وأصحهما) وبه قال أبو إسحاق وهو
المذكور في الكتاب * لا واحتجوا له بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع في حجة الوداع وقد
607

وافق يوم عرفة يوم الجمعة وإنما لم يجمع لأنه ومن معه لم يكونوا متوطنين (1) وإن عزموا على الإقامة
أياما ولا يخفى مما ذكرنا ان قوله في الكتاب وإن عزموا على الإقامة مدة المراد منه مدة ينقطع بعزم
إقامتها حكم السفر لا كاليوم واليومين وقوله لزمه الجمعة قريب من التكرار لأنه معلوم من قوله
في أول الباب ذكر حر صحيح مقيم فإنه يبين لزومها على المقيم عند اجتماع سائر الشرائط
وهذا مقيم *
قال (وأهل القرى لا تلزمهم الجمعة الا إذا بلغوا أربعين من أهل الكمال أو بلغهم نداء
البلد من رجل رفيع الصوت واقف على طرف البلد في وقت هدوء الأصوات وركود الرياح) *
الثالث القرية إما أن يكون فيها أربعون من أهل الكمال أو لا يكون فإن كان فيها أربعون
من أهل الكمال لزمتهم الجمعة كأهل البلاد فان أقاموا الجمعة في موضعهم فذاك وان دخلوا المصر
وصلوها سقط الفرض عنهم ولو كانوا مسيئين لتعطيلهم الجمعة في إحدى البقعتين وحكى في البيان
وجها انهم غير مسيئين لان أبا حنيفة رحمة الله عليه لا يجوز إقامة الجمعة في القرى ففيما فعلوه خروج عن الخلاف
وان لم يكن فيها أربعون من أهل الكمال فاما ان يبلغهم النداء من حيث تقام الجمعة فيه من بلد
أو قرية واما ان لا يبلغهم فان بلغهم فعليهم الجمعة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال الجمعة " على
من سمع النداء " (2) والمعتبر نداء مؤذن على الصوت يقف على طرف البلد من الجانب الذي يلي تلك القرية
ويؤذن على عادته والأصوات هادئة والرياح ساكنة فإذا سمع صوته بالقرية من اصغي إليه ولم يكن
أصم ولا جاوز حدة سمعه العادة وجبت الجمعة على أهلها وإنما كان الاعتبار من الطرف الذي
يلي تلك القرية لان البلدة قد تكون كبيرة لا يبلغ النداء من وسطها إلى أطرافها فاعتبر آخر موضع يصلح
لإقامة الجمعة فيه احتياطا للعبادة وفيه وجه آخر انه يعتبر من وسط البلد ووجه آخر انه يعتبر
من الموضع الذي تقام فيه الجمعة فليكن قوله على طرف البلد معلما بالواو لهذين الوجهين وهل
يعتبر أن يكون المنادى على موضع عال كمنارة وسور قال الأكثرون لا يعتبر ذلك لان حد الارتفاع
608

لا ينضبط وعن القاضي أبي الطيب أنه قال سمعت شيوخنا يقول لا يعتبر إلا بطبرستان فإنها بين رياض
وأشجار تمنع من بلوغ الصوت فينبغي أن يعلو عليها ولو كانت القرية على قلة جبل سمع أهلها النداء
لعلوها ولو كان على استواء الأرض لما سمعوا أو كانت في وهدة من الأرض لم يسمع أهلها النداء
لانخفاضها ولو كانت على استواء الأرض لسمعوا ففيه وجهان (أظهرهما) وبه قال القاضي أبو الطيب
لا تجب الجمعة في الصورة الأولى وتجب في الثانية اعتبارا للسماع بتقدير الاستواء واعراضا عما
يعرض بسبب الانخفاض والارتفاع كما يعتبر ركود الرياح ولا ينظر إلى السماع العارض لشدتها
(والثاني) وبه قال الشيخ أبو حامد ان الحكم على العكس نظرا إلى نفس السماع وعدمه وان لم يبلغ النداء
أهل القرية فلا جمعة عليهم لظاهر الخبر الذي سبق وأهل الخيام إذا لزموا موضعا ولم يبرحوا عنه
وقلنا إنهم لا يقيمون الجمعة في ذلك الموضع فهم كأهل القرى إذا لم يبلغوا أربعين من أهل الكمال
وان سمعوا النداء لزمتهم الجمعة والا فلا وقوله الا إذا بلغوا معلم بالحاء لان عند أبي حنيفة
لا استثناء أصلا ولا تلزم الجمعة أهل القرى بحال سواء بلغهم النداء أو لم يبلغهم بلغوا عدد الكمال
أم لا وإنما تلزم الجمعة أهل الأمصار الجامعة والمصر الجامع عنده أن يكون فيه سلطان قاهر وطبيب
حاذق ونهر جار وسوق قائمة وقوله أو بلغهم النداء يجوز ان يعلم بالميم والألف لان مالكا وأحمد
لا يكتفيان بمجرد بلوغ النداء ويعتبران كونه على ثلاث أميال فما دونها وعن أحمد رواية أخرى ان المسافة
لا تتقدر كما هو مذهب الشافعي رضي الله عنه وقوله من البلد ليس لتخصيص الحكم بالبلد بل لو بلغهم من قرية
تقام فيها الجمعة كان كذلك *
قال (والعذر الطارئ بعد الزوال مرخص الا السفر فإنه يحرم انشاؤه وفى جوازه
قبل الزوال بعد الفجر قولان أقيسهما الجواز ثم المنع في سفر مباح أما الواجب والطاعة
فلا منع منهما) *
الرابع العذر المبيح لترك الجمعة يبيحه وان طرأ بعد الزوال لكن السفر يحرم انشاؤه بعد الزوال
خلافا لأبي حنيفة حيث قال يجوز الا أن يضيق الوقت بناء على أن الصلاة تجب بآخر الوقت * لنا
ان الجمعة قد وجبت عليه فلا يجوز الاشتعال بما يؤدى إلى تركها كالتجارة واللهو وهذا مبنى على
609

أن الوجوب بأول الوقت وقد سبق في موضعه (فان قيل) الوجوب وإن ثبت في أول الوقت لكنه
موسع فلم يمتنع السفر قبل التيضق (قلنا) الناس في هذه الصورة تبع الامام فلو عجلها تعينت متابعته
وسقطت خيرة الناس فيه وإذا كان كذلك فلا يدرى متي يقيم الامام الصلاة فيتعين عليه انتظار
ما يكون ذكر هذا الجواب إمام الحرمين رحمة الله عليه وأما قبل الزوال وبعد طلوع الفجر الثاني
هل يجوز انشاء السفر فيه قولان (قال في القديم) وحرمله يجوز وبه قال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله
لأنه لم يدخل وقت وجوب الجمعة فأشبه السفر قبل طلوع الفجر (وقال في الجديد) لا يجوز قال أصحابنا
العراقيون وهو الأصح لان الجمعة وإن كان يدخل وقتها بالزوال فهي مضافة إلى اليوم ولذلك يعتد
بغسل الجمعة قبل الزوال ويجب السعي إليها لمن بعد داره قبل الزوال وعن أحمد روايتان كالقولين
(أظهرهما) المنع وحكى في النهاية طريقة أخرى قاطعة بالجواز مؤولة قول المنع ولك أن تعلم قوله في الكتاب
قولان بالواو إشارة إليها ويجوز أن يعلم لفظ الجواز من قوله أقيسهما الجواز بالألف إشارة إلى الظاهر
من مذهب أحمد والحكم بان الجواز أقيس لا ينافي كون المنع أظهر لأنه قد يكون أحد طرفي الخلاف
أقرب إلى القياس وإن كان الثاني أظهر فإذا ليس ما في الكتاب مخالفا لما قاله العراقيون وذكر في العدة
أن ظاهر مذهب الشافعي رضي الله عنه قوله الجديد والفتوى على القديم وهو الجواز ثم للقولين
شرط (أحدها) وقد ذكره في الكتاب أن يكون السفر مباحا كالزيارة والتجارة أما لو كان واجبا كالحج
والجهاد في بعض الأحوال أو مندوبا فلا منع منهما وذلك ليس موضع القولين هكذا قاله كثير من
أئمتنا * واحتجوا عليه بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن رواحة رضي الله عنه
في سرية فوافق يوم الجمعة فغدا أصحابه وتخلف هو ليصلى ويلحقهم فلما صلى قال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما خلفك قال أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم فقال لو أنفقت ما في الأرض جميعا
ما أدركت فضل غزوتهم " (1) وفى كلام العراقيين وإيرادهم ما يوجب طرد الخلاف في سفر الغزود والله أعلم
610

والمراد من الطاعة في لفظ الكتاب المندوب وإلا فالواجب طاعة أيضا وهل كون السفر طاعة
عذر في إنشائه بعد الزوال المفهوم من كلام الأصحاب أنه ليس بعذر ورووا عن أحمد أنه عذر (والثاني)
ان لا ينقطع عن الرفقة ولا يناله ضرر لو تخلف إلى أن يصلي الجمعة فاما إذا انقطع وفات سفره بذلك
أو ناله ضرر فله الخروج بلا خلاف وكذلك الحكم لو كان الخروج بعد الزوال وقد عددنا ذلك من
الاعذار في الصلاة بالجماعة ورأيت في كشف المختصر للشيخ أبى حاتم القزويني ذكر وجهين في
جواز الخروج بعد الزوال بخوف الانقطاع عن الرفقة (والثالث) أن لا يمكنه حضور الجمعة في منزله
وطريقه فاما إذا أمكن ذلك فلا منع بحال *
قال (ويستحب لمن يرجو زوال عذر أن يؤخر الظهر إلى اليأس عن درك الجمعة ومن لا يرجو
فليعجل الظهر كالزمن فان زال العذر بعد الفراغ فلا جمعة (ح) عليه وكذا الصبي إذا بلغ بعد الظهر وزوال
العذر في أثناء الظهر كرؤية المتيمم الماء في أثناء الصلاة) *
الخامس من الفروع المعذورون وهو ضربان معذور يرجوا زوال عذره كالعبد يتوقع العتق والمريض
الذي يتوقع الخفة فالمستحب له تأخير الظهر إلى اليأس عن درك الجمعة لان ربما يزول العذر ويتمكن
من فرض أهل الكمال ومتى رفع الامام رأسه من الركوع الثاني فقد حصل اليأس عن درك
الجمعة وعن بعض الأصحاب انه يراعي تصور الادراك في حق كل أحد فإذا كان منزله بعيدا وانتهى
الوقت إلى حد لو اخذ في السعي لم يدرك الجمعة فقد حصل الفوات في حقه هذا أحد الضربين (والثاني) معذور
لا يرجو زوال عذره كالمرأة والزمن فالأولى له ان يصلي الظهر في أول الوقت لأنه آيس من درك الجمعة
فيحافظ على فضيلة الأولية وإذا اجتمع معذورن فهل يستحب لهم الجماعة في الظهر فيه وجهان (أحدهما)
لا بل الجماعة في هذا اليوم شعار الجمعة وبهذا قال مالك وأبو حنيفة (وأصحهما) نعم لعموم الترغيبات
الواردة في الجماعة وعلى هذا فقد نص الشافعي رضي الله عنه على أن المستحب لهم الاخفاء حتى
611

لا يتهموا بالرغبة عن صلاة الامام وحمل الأصحاب ما ذكره على ما إذا كان العذر خفيا أما إذا
كان ظاهرا فلا تهمة ومنهم من لم يفصل واستحب الاخفاء مطلقا ولو صلى المعذور الظهر قبل فوات الجمعة
صحت فإنها فرضه ولو زال العذر وأمكنه حضور الجمعة لم يلزمه ذلك لأنه أدى فريضة وقته ومثال
ذلك المريض يبرأ والمسافر يقيم والعبد يعتق ويستثنى عن هذا الأصل صورة ذكرها في البيان وهي
أن يصلي الخنثى الظهر ثم يتبين انه رجل قبل فوات الجمعة تلزمه الجمعة لأنه تبين كونه رجلا حين
صلى الظهر ومثل هذا لا يفرض في سائر المعذورين وأما الصبي إذا صلى الظهر ثم بلغ لم تلزمه الجمعة
على ظاهر المذهب كسائر المعذورين والمسألة مكررة في هذا الموضع فذكرها والخلاف فيها في باب
المواقيت ثم هي داخلة في مطلق قوله فان زال العذر إلى آخره فلو طرحها لما ضر من وجهين وإذا
لم يفعل فيجوز أن يكون قوله وكذا الصبي مرقوما بالحاء والواو لما بيناه ثم وهؤلاء يستحب لهم حضور
الجمعة وإن لم يلزم وإذا صلوا الجمعة فالفرض هو الظهر السابقة أو يحتسب الله تعالى جده بما شاء
منهما فيه قولان أصحهما أولهما وقال أبو حنيفة إذا سعى إلى الجمعة بعد الظهر بطل ظهره ولو زال
العذر في أثناء الظهر فقد قال امام الحرمين أجرى القفال ذلك مجرى ما لو رأى المتيمم الماء في الصلاة
وهذا يقتضى اثبات الخلاف في البطلان لما ذكرناه في رؤية المتيمم الماء في الصلاة وقد صرح الشيخ
أبو محمد فيما علق عنه حكاية وجهين في هذه المسألة وظاهر المذهب استمرار الصلاة على الصحة قال
الامام وهذا الخلاف مبنى على قولنا ان غير المعذور لا يصح ظهره قبل فوات الجمعة فان صححنا
فلا نحكم بالبطلان بحال *
قال (وغير المعذور إذا صلى الظهر قبل الجمعة ففي صحته قولان فان قلنا يصح ففي سقوط الخطاب
بالجمعة قولان وإن قلنا لا تسقط فصلى الجمعة فالفرض هو الأول أو الثاني أو كلاهما أو أحدهما لا بعينه
أربعة أقوال) *
السادس من لا عذر به إذا صلى الظهر قبل فوات الجمعة ففي صحة ظهره قولان (القديم) وبه قال
أبو حنيفة انها تصح والجديد وبه قال مالك واحمد لا تصح (1) وذكر الأصحاب ان القولين مبنيان على
612

ان الفرض الأصلي يوم الجمعة ماذا فعلى القديم الفرض الأصلي الظهر لأنه إذا فاتت الجمعة فعليه
قضاء أربع ركعات ولو كان فرض اليوم الجمعة لما زادت ركعات القضاء وعلى الجديد الفرض الأصلي
هو الجمعة للأخبار الواردة فيها ولأنه لو كان الأصل الظهر لكانت الجمعة بدلا ولو كان كذلك
لجاز له ترك البدل والاستقلال بالأصل كمن ترك الصوم في الكفارة واعتق ومعلوم انه ممنوع من
ذلك وهل يجرى القولان فيما إذا ترك أهل البلدة كلهم الجمعة وصلوا الظهر أم يختص بما إذا صلى
الآحاد الظهر مع إقامة الجمعة في البلدة حكى في المهذب عن أبي إسحاق ان ظهر أهل البلدة مجزئة وان
اثموا بترك الجمعة لان كل واحد منهم لا تنعقد به الجمعة قال والصحيح انه لا تجزئهم ظهرهم على الجديد
لأنهم صلوها وفريضة الجمعة متوجهة عليهم (التفريع) ان قلنا بالجديد فالامر بحضور الجمعة قائم كما كان
ان حضرها فذاك وان فاتت قضاها الآن أربعا وما فعله أولا يبطل من أصله أو يكون نفلا فيه
القولان المشهوران في أمثاله وان قلنا بالقديم فهل يسقط الخطاب بالجمعة قال في الكتاب فيه قولان
وكذلك ذكره امام الحرمين وجعل السقوط خارجا على قولنا إذا صلى الجمعة بعد الظهر ان فرضه
الأول أو أحدهما وعدم السقوط خارجا على قولنا ان الفرض الثاني أو ان كليها فرض والذي ذكره
الأكثرون تفريعا على القديم انه لا يسقط عنه الخطاب بالجمعة ومعنى صحة الظهر الاعتداد بها في الجملة
حتى لو فاتت الجمعة تجزئه الظهر السابقة ثم إذا قلنا يسقط عنه الخطاب بالجمعة فصلي الجمعة فقد قال الامام
ان الشيخ أبا محمد ذكر فيه أربعة أقوال (أحدها) ان المفروض هو الأول لأنه لو اقتصر عليه لبرئت
ذمته على القول الذي يتفرع عليه (والثاني) ان المفروض هو الثاني لأنه به خرج عن الحرج (والثالث)
أنهما فرضان للمتعينين (والرابع) ان الفرض أحدهما لا بعينه إذ المفروض في اليوم والليلة خمس صلوات
ونظير هذه الأقوال قد سبق فيمن صلى منفردا ثم أدرك جماعة ويشبه أن يكون بعضها منصوصا عليه
وبعضها غير منصوص والذي نقله ابن الصباغ وغيره في المسألة تفريعا على القديم إنما هو الرابع وقال
يحتسب الله تعالى جده بما شاء منهما وإذا أثبتنا الأقوال فينبغي ان لا يختص بقولنا ان الخطاب
بالجمعة لا يسقط عنه بل يضطرد على قولنا بسقوط الخطاب بالجمعة أيضا كما إذا صلى منفردا
وأعاد في جماعة فإنه غير مخاطب بالثاني وهذا كله فيما إذا صلى الظهر قبل فوات الجمعة فان صلاها
بعد الركوع الثاني للامام وقبل فراغه قال ابن الصباغ ظاهر كلام الشافعي رضي الله عنه يدل على
المنع يعني في الجديد ومن أصحابنا من يقول بالجواز وفيما إذا امتنع أهل البلدة جميعا من الجمعة وصلوا
الظهر الفوات يكون بخروج الوقت أو ضيقه بحيث لا يسع الركعتين *
613

قال * (الباب الثالث في كيفية الجمعة) *
وهي كسائر الصلوات وإنما تتميز بأربعة أمور (الأول) الغسل ويستحب ذلك بعد (ح) الفجر وأقربه
إلى الرواح أحب ولا يجزئ قبل الفجر بخلاف غسل العيد فان فيه وجهين ولا يستحب الا لمن حضر
الصلاة بخلاف غسل العيدين فإنه ذلك يوم الزينة على العموم والأولى ان لا يتيمم بدلا عن الغسل
عند فقد الماء وقيل يتيمم)
(قوله) في كيفية الجمعة أراد به كيفية اقامتها بعد اجتماع شرائطها واما الأركان التي يتركب عنها ذاتها
فلا فرق فيها بينها وبين سائر الصلوات والقصد بالباب التعرض لأمور مندوبة تمتاز بها الجمعة عن
سائر الفرائض وجعلها أربعة (أحدها) الغسل قال صلى الله عليه وسلم " إذا اتى أحدكم الجمعة فليغتسل " (1)
وروى أنه صلى الله عليه وسلم " قال من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل " (2) وعن
614

مالك غسل الجمعة واجب لكن تصح الصلاة بدونه والخبر الثاني حجة عليه ثم فيه مسائل (إحداها)
وقت هذا الغسل ما بعد الفجر لان الاخبار علقته باليوم نحو قوله صلى الله عليه وسلم " من اغتسل
يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة " (1) وفى النهاية حكاية وجه بعيد انه يجزئ قبل الفجر كما في غسل
العيد وظاهر المذهب الأول والفرق بينه وبين غسل العيد إن جوزناه قبل طلوع الفجر من وجهين
(أحدهما) انه إذا اغتسل قبل طلوع الفجر يبقي اثره إلى أن يؤدى صلاة العيد لقربها من أول النهار وصلاة
الجمعة تؤدى بعد الزوال فلا يبقى أثره (والثاني) انه لو لم يجز غسل العيد قبل الفجر لشق لقرب صلاته
من أول النهار بخلاف غسل الجمعة فان من طلوع الفجر إلى وقت الصلاة سعة والأولى أن يقرب
الغسل من الرواح إلى الجمعة لان الغرض التنزه وقطع الروائح الكريهة فما كان أفضي إليه فهو
اولي وقوله ويستحب ذلك بعد الفجر ليس الغرض منه ان ايقاعه بعد الفجر مستحب فان ذلك
شرط الاجزاء على ما بينه بقوله ولا يجزئ قبل الفجر وإنما المراد بيان استحباب أصل الغسل وقوله
بعد الفجر إشارة إلى وقت هذا المستحب وإذا عرفت ذلك فاعلم قوله ويستحب ذلك بالميم وقوله
ولا يجزئ قبل الفجر بالواو لما سبق وذلك أن تعلم قوله وأقربه إلى الرواح أحب بالميم لان أصحابنا
رووا عن مالك ان يشترط ايصال الرواح بالغسل وانه لا يجوز أن يشتغل بعده بشئ سوى الخروج
615

ومن يقول بذلك ينازع في قولنا الأقرب إلى الرواح أحب وقال القفال رأيت في الموطأ عنه مثل مذهبنا
والله أعلم * وقوله بخلاف غسل اليد فان فيه وجهين قد أعاد هذه المسألة وما فيها من الخلاف في صلاة
العيدين وكأن الغرض ههنا بيان افتراق الغسلين في الوقت وان لم يبين المعنى الفارق (الثانية) هل
يختص استحباب الغسل بمن يريد حضور الجمعة أم يستحب له ولغيره فيه وجهان حكي في البيان
أنهما مبنيان على وجهين في أن غسل الجمعة مسنون لليوم أو للصلاة (أحدهما) انه لليوم لأنه في الاخبار
معلق باليوم فعلى هذا يستحب للكل (وأصحهما) انه للصلاة فلا يستحب الا لمن حضرها وهذا هو
المذكور في الكتاب ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم " من جاء منكم الجمعة فليغتسل " ويخالف
غسل العيد يستحب للكل لأنه للزينة واظهار السرور وهذا الغسل للتنظيف وقطع الروايح الكريهة
كيلا يتأذى من يقربه فاختص بمن يريد الحضور ولو نازع منازع في طرفي هذا الفرق لم يكن بعيدا
ولا فرق في حق من يريد الحضور بين أن يكون من أهل العذر أو لا يكون وعن أحمد انه لا يستحب
الغسل للنساء ولا يقدح الحدث بعد الغسل فيه وبه قال مالك في الموطأ (الثالثة) قال الصيدلاني وغيره
من الأصحاب ان لم يجد الماء لغسل الجمعة فتيمم حاز الفضيلة ويتصور ذلك في موضعين (أحدهما) الذي
به قروح على غير موضع الوضوء يتيمم بنية الغسل (والثاني) قوم في بلد توضأ واثم نفد ماؤهم فيتيمموا
بدلا عن الغسل قال امام الحرمين والظاهر ما ذكره الصيدلاني وفيه احتمال من جهة ان هذا الغسل
منوط بقطع الروائح الكريهة والتنظف والتيمم لا يفيد هذا الغرض ورجح حجة الاسلام هذا
الاحتمال حيث قال والأولى ان لا يتيمم أي من الوجهين وقوله وقيل يتيمم هو الوجه الذي
ذكره عامة الأصحاب *
قال (ومن الأغسال المستحبة غسل العيدين والغسل من غسل الميت والاحرام والوقوف بعرفة
وبمزدلفة ولدخول مكة وثلاثة أغسال أيام التشريق ولطواف الوداع على القديم وللكافر إذا أسلم
غير جنب بعد الاسلام على وجه وقبله على وجه والغسل من الإفاقة من زوال العقل واما الغسل عن الحجامة
والخروج من الحمام ففيه تردد) *
عد جملة من الأغسال المستحبة في هذا الموضع منها اغتسال الحاج في مواطن معروفة وقد أعاد
ذكر ما سوى طواف الوداع منها في كتاب الحج وذلك الموضع أحق بها فنؤخر الشرح إليه (ومنها)
غسل العيدين وهو مذكور في باب صلاة العيدين ومنها الغسل عن غسل الميت وفيه قولان نقل
عن القديم أنه واجب وكذا الوضوء من مسه لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من غسل
616

ميتا فليغتسل ومن مسه فليتوضأ " (1) والجديد انه مستحب وهو المذكور في الكتاب والخبر إن صح
محمول على الاستحباب لما روى أنه صلى الله عليه وسلم " قال لا غسل عليكم من غسل ميتكم " (2)
وليكن قوله والغسل من غسل الميت معلما بالواو لأنه على القديم غير معدود من الأغسال
المستحبة بل هو من الأغسال الواجبة وأيضا بالحاء والزاي لان الصيدلاني وغيره حكوا أن أبا حنيفة
والمزني لا يريان استحباب هذا الغسل فضلا عن الايجاب وإذا قلنا بالجديد الصحيح فهذا
الغسل غسل الجمعة آكد الأغسال المسنونة وما الآكد منهما فيه قولان (الجديد) أن هذا
الغسل آكد لأنه متردد بين الوجوب والاستحباب وغسل الجمعة قد ثبت استحبابه (والقديم)
ان غسل الجمعة آكد لان الاخبار فيه أصح وائبت وهذا أرجح عند صاحب التهذيب والروياني
والأكثرين على خلاف قياس القديم والجديد ورجح صاحب المهذب وآخرون الجديد على القياس
وحكي الحناطي وغيره وجها انهما سواء (واعلم) ان ما نقلناه يقتضى تردد قوله في وجوب هذا الغسل
في القديم لأنه لو جزم بوجوبه في القديم لما انتظم منه القول بان غسل الجمعة آكد منه (ومنها) غسل
الكافر إذا أسلم ولا يخلو حاله اما ان يعرض له في الكفر ما يجب الغسل من حيض أو جنابة أو لا
يعرض فان عرض ذلك فيلزمه الغسل بعد الاسلام ولا عبرة باغتساله في الكفر على الأصح كما سبق
في موضعه وان لم يعرض له ذلك فيستحب له الغسل ولا يجب خلافا لأحمد حيث أوجبه وبه قال ابن المنذر *
لنا " انه أسلم خلق كثيرا ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال وامر به ثمامة الحنفي وقيس بن
عاصم لما أسلما " (3) فدل انه مستحب لا واجب ثم يغتسل بعد الاسلام أم قبله فيه وجهان (أحدهما) قبله
617

تنظيفا للاسلام وتعظيما (وأصحهما) بعده لان النبي صلى الله عليه وسلم أمرهما بالغسل بعد الاسلام "
ولا سبيل إلى تأخير الاسلام بحال ومنها الغسل للإفاقة من زوال العقل ظاهر المذهب انه مستحب
لأنه قد قيل إن من زال عقله انزل فإذا افاق اغتسل احتياطا ولا يجب لان الأصل استصحاب
الطهارة السابقة والناقض غير معلوم ونقل القاضي ابن كج عن ابن أبي هريرة انه يجب الغسل على من
افاق من الجنون دون الاغماء وحكي الحناطي في وجوب الغسل على من افاق منهما جميعا وجهين
ووجه الوجوب التشبيه بالنوم من جهة ان النائم قد يخرج منه حدث وهو لا يدرى فجعل النوم حدثا كذلك
من زال عقله قد ينزل ولا يدرى وليكن قوله والغسل من الإفاقة من زوال العقل مرقوما بالواو
لهذا الوجه فإنه غير معدود على هذا الوجه من الأغسال المستحبة (ومنها) الغسل عن الحجامة والخروج من
الحمام ذكر صاحب التلخيص عن القديم انه مندوب إليه وذكر الصيمري في الكفاية ان الغسل
عن الحجامة وحسن الأكثرون أهملوا ذكرهما فان قلنا بالقديم فقد قال في التهذيب قيل إن المراد
من غسل الحمام ما إذا تنور قال وعندي ان المراد منه ان يدخل الحمام فيعرق فيستحب ان لا يخرج
من غير غسل وذكر ان في غسل الحجامة اثرا (1) والله أعلم *
618

قال (الثاني البكور إلى الجامع) *
عن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة
ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة
الثالثة فكأنما قرب كبشا ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح
في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " قال
المفسرون للخبر قوله غسل الجنابة أي كغسلها وقيل أي جامع واغتسل ومن متي تعتبر الساعات
المذكورة حكى أصحابنا العراقيون فيه وجهين (أحدهما) أنها تعتبر من أول طلوع الشمس لان أهل الحساب
منه يحسبون اليوم ويعدون الساعات (وأصحهما) من أول طلوع الفجر الثاني لأنه أول اليوم شرعا وبه
يتعلق جواز الغسل للجمعة ونقل صاحب التهذيب والروياني وجها ثالثا وهو الاعتبار من وقت
الزوال لان الامر بالحضور حينئذ يتوجه عليه ويبعد أن يكون الثواب في وقت لم يتوجه عليه الامر
فيه أعظم وأيضا فان الرواح اسم للخروج بعد الزوال ومن قال بأحد الوجهين الأولين قال إنما ذكر
لفظ الرواح لأنه خروج لأمر يؤتى به بعد الزوال ثم ليس المراد من الساعات على اختلاف الوجوه
الأربع والعشرين التي قسم اليوم والليلة عليها وإنما المراد ترتيب الدرجات وفضل السابق على
الذي يليه * واحتج القفال عليه بوجهين (أحدهما) انه لو كان المراد الساعات المذكورة لاستوى الجانبان
في الفضيلة في ساعة واحدة مع تعاقبهما في المجئ (والثاني) انه لو كان كذلك لاختلف الامر باليوم الشاتي
والصائف ولفاتت الجمعة في اليوم الشاتي لمن جاء في الساعة الخامسة *
قال (الثالث لبس الثياب البيض واستعمال الطيب والترجل في المشي مع الهينة والتؤدة ولا بأس بحضور
والعجائز من غير زينة وتطيب)
روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من اغتسل يوم الجمعة ولبس أحسن ثيابه ومس من طيب إن كان
عنده ثم اتى الجمعة فلم يتخط أعناق الناس ثم صلى ما كتب الله له ثم انصت إذا خرج امامه حتى يفرغ
من صلاته كانت له كفارة لما بينها وجمعته التي قبلها " (1) يستحب التزين للجمعة بأخذ الشعر والظفر والسواك
619

وقطع الروائح الكريهة (1) ولبس أحسن الثياب وأولاها البياض لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال
" البسوا البياض فإنه خير ثيابكم " (2) وان لبس مصبوغا لبس ما صبغ غزله ثم نسج كالبرود ولا يلبس
ما صبغ نوبة * قال أصحابنا العراقيون لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يلبس ذلك " (3) ويستحب أيضا
ان يتطيب بأطيب ما عنده ويزيد الامام في حسن الهيئة ويتعمم ويرتدى " كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم كذلك يفعل " (4) ويستحب ان يأتي الجمعة ماشيا ولا يركب الا لعذر وكذلك في اتيان
620

العيد والجنازة وعيادة المريض روى " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ركب في عيد ولا جنازة " (1)
قال الأئمة ولم يذكر الجمعة لان باب حجرته كان في المسجد وينبغي ان يمشى في سكون وتؤدة ما لم
يضق الوقت ولا يسعى وليس هذا من خاصية الجمعة " قال صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت
الصلاة فأتوها تمشون ولا تأتوها تسعون وعليكم السكينة " (2) ولو ركب لعذر فينبغي ان يسيرها على هينة أيضا
621

والهينة السكون ولا بأس للعجائز بحضور الجمعة إذا اذن أزواجهن ويحترزن عن التطيب
والتزين فذلك استر لهن *
قال (الرابع يستحب قراءة سورة الجمعة في الركعة الأولى وفى الثانية إذا جاءك المنافقون فلو نسي
الجمعة في الأولى قرأها مع سورة المنافقين في الثانية)
يستحب أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الجمعة بعد الفاتحة سورة الجمعة وفى الثانية
سورة المنافقين لأنه روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقرأهما
فيهما " (1) وروى ذلك من فعل علي رضي الله عنه وأبي هريرة (2) وعلى هذا فلو نسي سورة الجمعة في الأولى
قرأها في الثانية مع المنافقين ولو قرأ سورة المنافقين في الأولى قرأ الجمعة في الثانية كيلا تخلو صلاته
عن هاتين الصورتين كذلك ذكره في البيان وينبغي أن يعلم قوله ويستحب سورة الجمعة بالحاء لان
عنده يكره تعيين سورة في الصلاة وبالواو لان الصيدلاني نقل عن القديم أنه يقرأ في الأولى سبح
وفى الثانية وهل أتاك حديث الغاشية وقال رواه النعمان بن بشير رضي الله عنه (3) وقوله في الثانية
إذا جاءك المنافقون معلم بهما وبالميم لان عند مالك يقرأ في الثانية هل اتاك وفى الأولى الجمعة
622

ويتعلق بالجمعة مندوبات أخرى (منها) ان يحترز عن تخطي رقاب الناس إذا حضر المسجد ورد الخبر
بذلك (1) ويستثني عنه ما إذا كان إماما وما إذا كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بان يتخطى الرقاب
ولا يجوز أن يقيم أحدا من مجلسه ليجلس فيه (2) ويجوز أن يبعث من يأخذ له موضعا فإذا جاء تنحى
المبعوث وان فرش لرجل ثوبا فجاء آخر لم يجز له أن يجلس عليه وله أن ينحيه ويجلس مكانه قال في
البيان ولا يرفعه حتى لا يدخل في ضمانه (ومنها) إذا حضر قبل الخطبة اشتغل بذكر الله تعالى وقراءة
623

القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويستحب الاكثار من الصلاة عليه يوم الجمعة (1) وليلة الجمعة
وقراءة سورة الكهف (2) ويكثر من الدعاء يوم الجمعة رجاء ان يصادف ساعة الإجابة (ومنها) الاحتراز
عن البيع قبل الصلاة وبعد الزوال فهو مكروه إن لم يظهر الامام على المنبر وحرام ان ظهر وأذن
المؤذن بين يديه قال الله تعالى (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) الآية ولو تبايع اثنان أحدهما من
أهل فرض الجمعة دون الآخر أثما جميعا ما الأول فظاهر وأما الثاني فلإعانته على الحرام ولا يكره البيع
قبل الزوال بحال وحيث حكمنا بحرمة البيع فلو خالف وباع صح خلافا لمالك واحمد (ومنها) ان
لا يصل صلاة الجمعة بنافلة بعدها (3) لا الراتبة ولا غيرها ويفصل بينها وبين الراتبة بالرجوع إلى
624

منزله أو بالتحويل إلى موضع آخر أو بكلام ونحوه ذكره في التتمة وثبت في الخبر عن رسول
625

الله صلى الله عليه وسلم " *
قال (كتاب صلاة الخوف)
(وهي أربعة أنواع الأول أن لا يكون العدو في جهة القبلة فيصدع الامام أصحابه صدعين
ويصلى بأحدهما ركعتين والطائفة الثانية تحرسه ويسلم ثم يصلى بالطائفة الأخرى ركعتين أخريين
هما له سنة ولهم فريضة وذلك جائز من غير خوف ولكنه كذلك صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسلم ببطن النخل) *
ليس المراد من ترجمة الباب أن الخوف يقتضي صلاة على حيالها كقولنا صلاة العيد ولا أنه يؤثر
في تغيير فعل الصلاة أو وقتها كقولنا صلاة السفر وإنما المراد أنه يؤثر في كيفية إقامة الفرائض
ويقتضي احتمال أمور فيها كانت لا تحتمل لولا الخوف ثم هو في الأكثر لا يؤثر في مطلق إقامة
الفرائض بل في اقامتها بالجماعة على ما سنفصله إذا عرف ذلك فالأصل في الباب قوله تعالى
وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة الآية والاخبار التي نذكرها في أثناء الباب واعلم قوله كتاب
صلاة الخوف بالزاي لان المزني رحمه الله ذهب إلى نسخ صلاة الخوف * واحتج عليه بان النبي صلى
626

الله عليه وسلم لم يصلها في حرب الخندق (1) وأجاب الأصحاب عنه بان حرب الخندق كان قبل نزول
آية صلاة الخوف وكان المسلمون قبل نزولها يؤخرون الصلاة في الخوف عن وقتها ثم يقضونها كما
فعلوا في حرب الخندق ثم علموا بالآية وشاع ذلك بين الصحابة وروى عن علي رضي الله عنه أنه
صلى بأصحابه صلاة الخوف ليلة الهرير " 1 وعن أبي موسي وحذيفة وغيرهما رضي الله عنهم أنهم فعلوها " (2)
(وقوله) وهي أربعة أنواع سبيل ضبطها أن يقال للخوف حالتان (إحداهما) أن يشتد الخوف بحيث
لا يتمكن أحد من ترك القتال وفيها يقع النوع الرابع (والثانية) أن لا يبلغ الخوف هذا الحد فاما أن
يكون العدو في وجه القبلة أو لا يكون فإن كان فيصلي فيها النوع الثاني وهو صلاة عسفان وان لم يكن
فيجوز أن يصلي فيها صلاة بطن النخل وهي النوع الأول ويجوز ان يصلي فيها صلاة ذات الرقاع
وهي النوع الثالث وايتهما اولي (الأظهر) ان صلاة ذات الرقاع أولى لوجهين أحدهما انها اعدل
بين الطائفتين (والثاني) ان في صلاة بطن النخل تكون الفرقة الثانية مصلية الفريضة خلف النافلة وفى
جواز ذلك اختلاف بين العلماء وحكي القاضي الروياني وجها عن أبي إسحاق ان صلاة بطن النخل
أولى ليحصل لكل واحدة من الطائفتين فضيلة الجماعة على التمام فهذا ضبط الأنواع *
(النوع الأول) صلاة بطن النخل وهي ان يجعل الناس فرقتين فيصلى بفرقة جميعها وفرقة في وجه العد
أو تحرس فإذا سلم بالفرقة التي خلفه ذهبت إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فيصلى بهم مرة ثانية
تكون له سنة ولهم فريضة روى عن أبي بكرة وجابر رضي الله عنهما " ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى
ببطن النخل بالناس " (3) هكذا قال أصحابنا العراقيون وإنما يصلى الامام هذه الصلاة بثلاثة شروط
(أحدها) أن يكون العدو في غير جهة القبلة (والثاني) أن يكون في المسلمين كثرة وفي العدو قلة
والثالث ان لا يأمنوا من انكباب العدو عليهم في الصلاة ولا شك ان اعتبار هذه الأمور ليس على معنى
اشتراطها في الصحة فان الصلاة على هذا الوجه جائزة وان لم يكن خوف أصلا إذ ليس فيه الاقتداء
مفترض بمتنفل في المرة الثانية فإذا المعنى ان إقامة الصلاة هكذا إنما يختار ويندب إليه عند
اجتماع هذه الأمور (وقوله) فيصدع الامام أصحابه صدعين أي يفرقهم فرقتين ويجوز فيصدع من
الصدع وهو الشق (وقوله) ويصلي بأحدهما ركعتين مفروض فيما إذا كانت الصلاة ركعتين
مقصورة كانت أو غير مقصورة فإن كانت أكثر من ذلك صلاها بتمامها مرتين ولا فرق
627

قال (النوع الثاني: أن يكون العدو في جهة القبلة فيرتبهم الامام صفين فإذا سجد في الأولى
حرسه الصف الأول فإذا أقام سجدوا ولحقوا به وكذلك يفعل الصف الثاني في الركعة الثانية هكذا
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان " (1) وليس فيه الا تخلف عن الامام بركنين وذلك جائر لحاجة
الخوف ثم لا بأس لو اختص بالحراسة فرقتان من أحد الصفين ولو تولي الحراسة في الركعتين طائفة
واحدة لم يجز على أحد القولين لتضاعف التخلف في حقهم عن الامام والحراسة بالصف الأول
أليق فلو تقدم الصف الثاني في الركعة الثانية إلى الصف الأول وتأخر الصف الأول ولم تكثر أفعالهم
كان ذلك حسنا) *
النوع الثاني صلاة عسفان: وهي ان يرتب الامام الناس صفين ويحرم بهم جميعا فيصلون
معا إلى أن ينتهى إلى الاعتدال عن ركوع الركعة الأولى فإذا سجد سجد معه الصف الثاني ولم
يسجد الصف الأول بل حرسوهم قائمين فإذا قام الامام والساجدون سجد أهل الصف الأول
ولحقوه وقرأ الكل معه وركعوا واعتدلوا فإذا سجد سجد معه الحارسون في الركعة الأولى
وحرس الساجدون معه في الأولى فإذا جلس للتشهد سجدوا ولحقوه وتشهد الكل معه وسلم بهم
628

هذه الكيفية ذكرها الشافعي رضي الله عنه في المختصر واختلف (1) الأصحاب فأخذ كثيرون بها منهم
أصحاب القفال وقالوا إنها منقولة عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه بعسفان وعلى
ذلك جرى حجة الاسلام رضي الله عنه في الكتاب وقال الشيخ أبو حامد ومن تابعه ما ذكره
الشافعي رضي الله عنه خلاف الترتيب الثابت في السنة فان الثابت في السنة ان أهل الصف الأول
يسجدون معه في الركعة الأولى وأهل الصف الثاني يسجدون معه في الثانية والشافعي رضي الله
عنه عكس ذلك قالوا والمذهب ما ورد في الخبر لان الشافعي رضي الله عنه قال إذا رأيتم قولي
مخالفا للسنة فاطرحوه (واعلم) ان مسلما وأبا داود وابن ماجة وغيرهم من أصحاب المسانيد لم يوردوا
الا الترتيب الذي ذكره أبو حامد نعم في بعض الروايات ان طائفة سجدت معه ثم في الركعة الثانية سجد
معه الذين كانوا قياما وهذا يحتمل الترتيبين جميعا ولم يقل الشافعي رضي الله عنه أن الكيفية التي ذكرتها
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان ولكن قال هذا نحو صلاته يوم عسفان فأشبه تجويز كل واحد منهما إذ لا
فرق في المعنى وقد صرح به الروياني وصاحب التهذيب وغيرهما قالوا واختار الشافعي رضي الله عنه
ما ذكره لأمور (أحدها) ان الصف الأول أقرب من العدو فهم أمكن من الحراسة (والثاني) انهم إذا
حرسوا كان جنة لمن ورائهم فان رماهم المشركون تلقوهم بسلاحهم (والثالث) انهم يمنعون ابصار
629

المشركين عن الاطلاع على عدد المسلمين وعدتهم إذا عرفت ذلك فيجوز أن يعلم قوله في الكتاب
حرسه الصف الأول بالواو إشارة إلى قول من قال إن في الركعة الأولى يحرسه الصف الثاني وهو
الذي أورده في المهذب (وقوله) هكذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان فيه نزاع من
جهة النقل فان الروايات المشهورة على خلاف ما ذكره كما بينا ثم المشهوران الكل يركعون معه في
الركعتين وإنما التخلف في السجود وذكر في معناه أن الركوع لا يمنع من النظر والحراسة بخلاف
السجود وحكى أبو الفضل بن عبدان أن من أصحابنا من قال يحرسون في الركوع أيضا وفى بعض
الروايات ما يدل عليه (1) فهذا هو الكلام في كيفية هذا النوع وأما موضعه فقد قال الأئمة لهذه الصلاة
ثلاثة شروط (أحدها) أن يكون العدو في جهة القبلة ليتمكن الحارسون من رؤيتهم (والثاني) أن
يكونوا على قلة جبل أو مستو من الأرض لا يمنعهم شئ من أبصار المسلمين (والثالث) أن يكون في
المسلمين كثرة لتمكن جعلهم فرقتين أحداهما يصلي معه والثانية يحرس ولم يتعرض في الكتاب الا
للشرط الأول وقوله وليس فيه الا تخلف عن الامام بركنين إلى آخره إشارة إلى أنهم لو أرادوا
الصلاة في حالة الامن هكذا لم يجز صلاة المتخلفين وإنما احتمل ههنا لحاجة الخوف وظهور العذر
وظاهر قوله الا بركنين حصر للتخلف فيهما وعنى بهما السجدتين لكن التخلف غير منحصر
فيهما فإنهم متخلفون بالجلسة بين السجدتين أيضا وهي ركن ثالث (فان قيل) الجلسة بين السجدتين
ليس ركنا مقصودا على ما سبق والتخلف المؤثر هو التخلف بالأركان المقصودة فلهذا اقتصر على
ذكر الركعتين (الجواب) أن هذا كلام حسن قد قدمناه في موضعه لكن الأظهر عند المصنف أن
الجلسة بين السجدتين ركن طويل كسائر الأركان ويكون التخلف الحاصل ههنا حاصلا بأركان
وهكذا ذكر في الوسيط والامام في النهاية ثم ذكر في الفصل فروعا نذكرها وما يحتاج إليه (الأول) ليس
من الشرط أن لا يزيد على صفين بل لو رتبهم صفوفا كثيرة جاز ثم يحرس صف كما سبق ولا يشترط
ان يحرس كل من في الصف بل لو حرست فرقتان من صف واحد في الركعتين على المناوبة ودام
من سواهم على المتابعة جاز لحصول الغرض بحراستهم (الثاني) لو تولي الحراسة في الركعتين طائفة
واحدة ثم سجدت ولحقت ففي صحة صلاتها وجهان (أحدهما) لا تصح لان ذلك يوجب تضاعف التخلف
بالإضافة إلى ما كان يوجد لو تناوبوا والنص ورد في ذلك القدر من التخلف فلا يحتمل الزيادة عليه
630

(وأظهرهما) ولم يذكر جماعة سواه انه يصح لان هذا القدر من التخلف محتمل في ركعة لمكان العذر
فمثله في ركعة أخري مضموما إليه لا يضر الا يرى أن القدر الذي يحتمل من التخلف بلا عذر لا يفترق
الحالين أن يتفق في ركعة أو في ركعات كثيرة وفى بعض نسخ الكتاب ذكر قولين في المسألة بدل
الوجهين وهو قريب لان الخلاف على ما ذكره صاحب التهذيب وغيره مبنى على القولين فيما إذا زاد
الإمام على الانتظارين في النوع الثالث من صلاة الخوف وسيأتي ذلك (الثالث) لو تأخر الحارسون أولا إلى
الصف الثاني في الركعة الثانية وتقدمت الطائفة الثانية ليحرسوا جاز إذا لم يكثر فعالهم وذلك بان
يتقدم كل واحد من أهل الصف الثاني خطوتين ويتأخر كل واحد من أهل الصف الأول (1)
خطوتين وينفذ كل واحد منهم بين رجلين وهل هذا أولي أم الأولى ان يلازم
كل منهم مكانه أشار في الكتاب إلى أن التقدم والتأخر أحسن وأولي لان الحراسة بالصف
الأول أليق وقد سبق وجهه وهكذا ذكر الصيدلاني والمسعودي وآخرون وقال أصحابنا العراقيون
الأولى ان يلازم كل منهم مكانه فلا يضطرب ولا ينتقل ولفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر
على هذا أدل وهذا كله مبنى على ما ذكره الشافعي رضي الله عنه ان في الركعة الأولى يحرس الصف
الأول فاما على ما اختاره أبو حامد واشتهر في الخبر أن الصف الثاني يحرسون في الركعة الأولى
ففي الركعة الثانية يتقدم أهل الصف الثاني ويتأخر أهل الصف الأول فتكون الحراسة في الركعتين
ممن خلف الصف الأول لا من الصف الأول كذلك ورد في الخبر وقوله في الكتاب فإذا سجد
في الأولى حرسه الصف الأول يجوز ان يعلم بالحاء وكذا قوله سجدوا ولحقوا به وكذا
يفعل الصف الثاني في الركعة الثانية لان أصحابنا حكوا عن أبي حنيفة انه إذا كان العدو في جهة
القبلة لم يصل بهم الا كما يصلى والعدو في غير جهة القبلة وتفصيله على ما سيأتي في النوع الثالث ورسموا
هذه مسألة خلافية بيننا وبينه *
قال (النوع الثالث ان يلتحم القتال ويحتمل الحال اشتغال بعضهم بالصلاة فيصدع الامام
أصحابه صدعين وينحاز بطائفة إلى حيث لا تبلغهم سهام العدو فيصلي بهم ركعة فإذا قام إلى الثانية
631

انفردوا بالثانية وسلموا وأخذوا مكان اخوانهم في الصف وانحاز الفئة المقاتلة إلى الامام وهو ينتظرهم
واقتدوا به في الثانية فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا الثانية ولحقوا به قبل السلام وسلم بهم هكذا
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع في رواية خوات بن جبير وليس فيها الا الانفراد
عن الامام في الركعة الثانية وانتظار الامام بالطائفة الثانية مرتين وهذا أولي من رواية ابن عمر فان فيها
كثرة الافعال مع الاستغناء عنها) *
(النوع الثالث) صلاة ذات الرقاع في كيفيتها في الصبح والصلاة المقصورة في السفر ثم في
الصلاة الثلاثية والرباعية اما في ذات الركعتين فيفرق الامام القوم فرقتين ووقف طائفة جهة العدو
وينحاز بطائفة إلى حيث لا تبلغهم سهام العدو فيفتتح بهم الصلاة ويصلى بهم ركعة هذا القدر اتفقت
الرواية عليه ثم فيما يفعل بعد ذلك روايتان فصل في الكتاب أحداهما وأجمل ذكر الأخرى اما
المفصلة فهي انه إذا قام إلى الثانية خرج المقتدون عن متابعته وأتموا الثانية لأنفسهم وتشهدوا وسلموا
وذهبوا إلى وجاه العدو وجاء أولئك واقتدوا به في الثانية وهو يطيل القيام إلى لحوقهم فإذا لحقوه
صلى بهم الثانية فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا الثانية وهو ينتظرهم فإذا لحقوه سلم بهم " هكذا روى مالك
عن يزيد بن رومان عن صالح عن خوات بن جبير عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة يوم
ذات الرقاع " (1) ورواه أبو داود والنسائي عن صالح عن سهل ابن حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم
وأما الرواية التي أجملها فهي أن الامام إذا قام إلى الثانية لا يتم المقتدون به الصلاة بل يذهبون
إلى مكان اخوانهم وجاه العدو وهم في الصلاة فيقفوا سكوتا وتجئ تلك الطائفة فتصلي مع الامام
الركعة الثانية فإذا سلم ذهبت إلى وجاه العدو وجاء الأولون إلى مكان الصلاة وأتموا لأنفسهم
وذهبوا إلى وجاه العدو وجاءت الطائفة الثانية إلى مكان الصلاة وأتمت أيضا وهذه رواية ابن عمر
رضي الله عنهما * إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشافعي رضي الله عنه اختار الرواية الأولى لأنها أوفق
632

للقرآن قال الله تعالى جده (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا) وذلك يشعر بان الطائفة الأولى قد صلت
ولأنها أليق بحال الصلاة لما في الرواية الأخرى من زيادة الذهاب والرجوع وكثرة الافعال والاستدبار
ولا ضرورة إلى احتمال جميع ذلك ولأنها أحوط لأمر الحرب فإنها أخف على الطائفتين جميعا إذ الحراسة
خارج الصلاة أهون واختار مالك واحمد أيضا ما اختاره الشافعي رضي الله عنه لكن مالكا رحمة الله
عليه قال في رواية إذا صلى الامام بالطائفة الثانية الركعة الثانية تشهد بهم وسلم ثم يقومون إلى
تمام صلاتهم كالمسبوق في غير صلاة الخوف ونقل الصيدلاني قولا عن القديم مثل ذلك وحكي صاحب
الافصاح والعراقيون قولا قريبا من ذلك فقالوا يقومون في قول إذا بلغ الامام موضع السلام ولم
يسلم بعد وذهب أبو حنيفة إلى اختيار رواية ابن عمر رضي الله عنهما وقال الطائفة الأولى يتمون
الصلاة بعد سلام الامام بغير قراءة لأنهم أدركوا التحريمة فسقط عنهم القراءة في جميع الصلاة
والطائفة الثانية يتمونها بقراءة لأنهم ما أدركوا التحريمة (واعلم) ان إقامة الصلاة على الوجه المذكور
ليس عزيمة لا بد منها بل لو صلى الامام بطائفة وأمر غيره فصلي بالآخرين وصلي بعضهم أو كلهم
منفردين جاز لكن كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمحون بترك فضيلة الجماعة ويتنافسون
في الاقتداء به فأمره الله تعالى جده بترتيبهم هكذا لتحوز أحدي الطائفتين فضيلة التكبيرة معه
والأخرى فضيلة التسليم معه " وهل تصح الصلاة على الوجه الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما
ذكروا فيه قولين (أحدهما) وتحتمل تلك الرواية على النسخ لخبر سهل فإنها مطلقة ورواية سهل مقيدة
بذات الرقاع وهي آخر الغزوات (وأصحهما) نعم وبه قال أحمد لصحة الرواية وعدم العلم بالنسخ ولا
633

سبيل إلى المصير إليه بمجرد الاحتمال وارجع بعد هذا إلى ما يتعلق بنظم الكتاب: فأقول قد سبق
أن موضع هذا النوع ما إذا لم يكن العدو في جهة القبلة ثبت ذلك من جهة النقل ونص عليه الأصحاب
وان لم يتعرض له لفظ الكتاب وفى معناه ما إذا كانوا في جهة القبلة لكن كان بينهم وبين المسلمين
حائل يمنع من رؤيتهم لو هجموا وقوله إن يلتحم القتال ليس مذكورا على سبيل الاشتراط بل لو كان
العدو قارين في معسكرهم في غير جهة القبلة ولم يلتحم القتال بعد وكان يخاف هجومهم فالحكم
كما لو التحم فيجعلهم طائفتين واحدة تحرس وأخرى تقتدي به وإذا التحم القتال فإنما تمكن هذه
الصلاة إذا كثر القوم وأمكن الانحياز بطائفة وحصل الكفاية بالباقين فإن لم يكن كذلك فالحال
حال شدة الخوف وسنذكرها فلهذا قال ويحتمل الحال اشتغال بعضهم بالصلاة (وقوله) فإذا قام إلى
الثانية انفردوا بالثانية مرقوم بالحاء لأنه عنده لا ينفرد بالثانية إذا قام الامام إليها بل بعد سلامه ثم في هذا الفصل
شيئان ينبغي ان يتنبه لهما (أحدهما) ان قوله انفردوا بالثانية ليس المراد منه انفرادهم بالفعل فحسب بل ينوون
مفارقته وينفردون بالفعل وفى حق الطائفة الثانية قال قاموا وأتموا الركعة الثانية ولم يقل وانفردوا بها
634

لأنهم لا يخرجون عن المتابعة كذا قاله الجمهور وفيه شئ آخر سيأتي (والثاني) أنه قال فإذا قام الامام إلى الثانية
ولم يقل فإذا أتم الأولى لان الأولى أن ينووا مفارقته بعد الانتصاب لا عند رفع رأسه من السجود الثاني
فإنهم صائرون إلى القيام كالامام ولو فارقوه عند رفع الرأس من السجود جاز أيضا ذكره في التهذيب
وغيره وقوله وانحاز الفئة المقاتلة إنما سماها مقاتلة لأنه فرض الكلام فيما إذا التحم القتال فاما
إذا كان يخاف هجومهم ويتوقع القتال فليست هي بمقاتلة في الحال ويجوز أن يقرء الفئة المقابلة بالباء
فيشمل الحالتين لأنهما على التقديرين مقابلة للعدو (وقوله) فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا معلم بالحاء
لان عنده إنما يقومون إذا سلم الامام لا إذا جلس للتشهد وبالميم والواو لما سبق (وقوله) هكذا صلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع اختلفوا في اشتقاق هذه اللفظة قيل كان القتال
في سفح جبل فيه جدد بيض وحمر وصفر كالرقاع وقيل كانت الصحابة رضوان الله عليهم حفاة
لفوا على أرجلهم الخرق والجلود لئلا تحترق وقوله في رواية خوات بن جبير أشتهر في كتب الفقه نسبة هذه
الرواية إلى خوات والمنقول في أصول الحديث رواية صالح عن سهل وعمن صلى مع النبي صلى الله
عليه وسلم فلعل هذا المبهم ذكر خوات أبو صالح والله أعلم (1) وقوله وليس فيها الا الانفراد عن الامام في الركعة
635

الثانية هذا الانفراد ظاهر في حق الطائفة الأولى فاما الطائفة الثانية فهم على متابعته بعد الركعة الثانية
وفى الركعة الثانية كلام سيأتي ذكره من بعد والمقصود منه بيان رجحان هذه الرواية على رواية
ابن عمر رضي الله عنهما وفيه إشارة إلى مسألة لا بد من ذكرها وهي أنه لو أقام الصلاة بهم على هذه
الهيئة في حالة الامن هل يجوز ذلك أم لا أما صلاة الامام فمنهم من قال تصح قولا واحدا لأنه تطويل
صلاة بالقراءة أو التشهد وذلك مما لا منع فيه وقال الأكثرون فيه قولان لأنه انتظر المأمومين بغير عذر
وبنى القاضي أبو الطيب القولين على القولين فيما إذا فرقهم أربع فرق في الصلاة الرباعية لأنه في الصورتين
انتظر في غير محل الحاجة وأما الطائفة الأولى ففي صحة صلاتها قولان لأنها فارقت الامام بغير عذر
وأما الطائفة الثانية فان قلنا صلاة الامام تبطل امتنع عليهم الاقتداء والأصح اجزاؤهم ثم تبني صلاتهم
إذا قاموا إلى الركعة الثانية على خلاف يأتي في أنهم منفردون بها أم حكم الاقتداء باق عليهم (إن قلنا)
بالأول ففي قولهم صلاتان مبنيان على أصلين (أحدهما) انهم انفردوا من غير عذر (والثاني) أنهم اقتدوا بعد
الانفراد (وان قلنا) بالثاني بطلت صلاتهم لانفرادهم بركعة مع بقاء القدوة ولو فرضت الصلاة في حالة
الامن على الوجه الذي رواه ابن عمر رضي الله عنه فصلاة المأمومين باطلة قطعا وقوله وهذا أولي يجوز أن
يريد أنه أولي بان يفعله الامام مما رواه ابن عمر رضي الله عنهما فيكون جوابا على تجويز إقامة الصلاة
على ذلك الوجه أيضا ويجوز أن يريد به ان الاخذ به والمصير إليه أولى فلا يلزم تجويز ذلك الوجه وعلى
التقديرين هو معلم بالحاء *
قال (ثم الصحيح أن الامام في الثانية يقرأ الفاتحة قبل لحوق الفرقة الثانية لكن يمد القراءة
عند لحوقهم ونقل المزني رحمه الله أنه يؤخر الفاتحة إلى وقت لحوقهم وكذا هذا الخلاف في انتظاره في
التشهد قبل لحوقهم) *
إذا قام الامام إلى الثانية فهل يقرأ الفاتحة في انتظاره الفرقة الثانية أم يؤخر إلى لحوقها نقل الربيع أنه
يقرؤها ثم بعد لحوقهم يقرأ بقدر الفاتحة سورة قصيرة ونقل المزني أنه يقرأ بعد لحوقهم بأم القرآن وسورة
وهذا قول بتأخير القراءة إلى لحوقهم لان الفاتحة لا تكرر واختلف الأصحاب على طريقتين (أصحهما) ان
المسألة على قولين (أحدهما) أنه لا يقرأ إلى لحوقها لأنه قرأ في الركعة الأولى بالطائفة الأولى فليقرأ في
يا لثانية بالطائفة الثانية تسوية بينهما (وأصحهما) وبه قال احمد أنه يقرأ أولا ولا يؤخر * واحتجوا عليه بأنه لو لم
يقرأ فاما أن يسكت أو يقرأ غير الفاتحة من القرآن وكل واحد منهما خلاف السنة أو يشتغل بذكر
636

وتسبيح وليس القيام محلا لذلك وهذا لا يسلمه من صار إلى القول الأول على الاطلاق بل ذكروا تفريعا عليه
انه يسبح ويذكر اسم الله تعالى جده بما شاء (والطريق الثاني) انها ليست على القولين ثم اختلفوا فعن أبي إسحاق
أن النصين منزلان على حالتين حيث قال يقرأ أراد إذا كان الامام يريد قراءة سورة قصيرة
فتفوت القراءة على الطائفة الثانية فهنا يستحب الانتظار ومنهم من قطع بما رواه الربيع وغلط المزني
في النقل وقال لفظ الشافعي رضي الله عنه ويقرأ بعد اتيانهم بقدر أم الكتاب وسورة قصيرة لا بأم
القرآن وإنما أمر بذلك لينالوا فضيلة القراءة فلو لم يفعل وأدركوه في الركوع كانوا مدركين للركعة وقوله
في الكتاب لكنه يمد القراءة عند لحوقهم إشارة إلى ما ذكرنا وهو أنه يمكث في قراءته بعد لحوقهم
قدر قراءة أم القرآن وسورة وفى بعض النسخ لكنه يمد القراءة إلى وقت لحوقهم وعلى هذا ففرض
الكلام انه لا يؤخر القراءة إلى لحوقهم لا انه يقطع القراءة كما لحقوه واما قوله وكذا هذا على الخلاف
في انتظاره في التشهد قبل لحوقهم فاعلم أنه مبني على أن الطائفة الثانية يقومون إلى الركعة الثانية إذا جلس
الامام للتشهد وهو المذكور في الكتاب والمشهور وقد حكينا قولا آخر أنهم يقومون إليها بعد سلامه
فعلى ذلك القول ليس له انتظار في التشهد وعلى المشهور هل يتشهد قبل لحوقهم اما القاطعون في الانتظار
الأول بأنه يقرأ الفاتحة فقد قطعوا ههنا بأنه يتشهد بطريق الأولى واما المثبتون للخلاف ثم فقد
اختلقوا ههنا منهم من طرد القولين ومنهم من قطع بأنه يتشهد لان الامر بتأخير القراءة في قول إنما
كان ليقرأ بالطائفة الثانية كما قرأ بالطائفة الأولى وهذا المعنى لا يفرض في التشهد إذا عرفت ذلك
فلا يخفي عليك ان قوله وكذا هذا الخلاف وجواب على طريقة طرد القولين في التشهد ويجب ان يعلم بالواو
للطريقة الأخرى على أنها أظهر عند الأكثرين *
قال (ثم هذه الحاجة ان وقعت في صلاة المغرب فليصل الامام بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية
ركعة لان في عكسه تكليف الطائفة الثانية تشهد غير محسوب ثم الامام ان انتظرهم في التشهد الأول
فجائز وان انتظرهم في القيام الثالث فحسن) *
ما سبق كلام في الصلاة الثنائية كيف تؤدى بالناس في الموضع الذي بيناه فاما إذا كانت الصلاة
معربا وفرض الخوف كذلك فلا بد من تفصيل إحدى الطائفتين على الأخرى فيجوز ان يصلي
637

بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين ويجوز ان يصلي بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة وأيهما أولي فيه
قولان (أصحهما) ان الأفضل ان يصلي بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعة لان الطائفة الأولى
سابقون فهم أولى بالتفضيل ولأنه لو عكس فصلى بالطائفة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين لزاد في صلا
الطائفة الثانية تشهدا غير محسوب لأنهم حينئذ يحتاجون إلى الجلوس مع الامام في الركعة الثانية وهو غير
محسوب لهم فإنها أولاهم والأليق بالحال التخفيف دون التطويل (والثاني) ان الأفضل ان يصلي بالأولى
ركعتين وبالثانية ركعتين لان عليا رضي الله عنه صلى ليلة الهرير بالناس هكذا ثم إن فعل هكذا
فالطائفة الأولى تفارقه إذا قام إلى الثانية وتتم لنفسها على ما ذكرنا في ذات الركعتين وان صلى
بالأولى ركعتين فيجوز ان ينتظر الثانية في التشهد الأول ويجوز ان ينتظرهم في القيام الثالث وأيهما
اولي فيه قولان (أحدهما) ان انتظارهم في التشهد الأول اولي ليدركوا معه الركعة من أولها وينقل
هذا عن الاملاء (وأصحهما) ان انتظارهم في القيام الثالث اولي لان القيام مبنى على التطويل والجلسة
الأولى مبنية على التخفيف ولان في ذات الركعتين ينتظر قائما فكذلك ههنا لأنه إذا انتظرهم في
الجلوس لا تدرى الطائفة الأولى متى يقومون ثم إذا انتظرهم في القيام فهل يقرأ الفاتحة أم يصير إلى
لحوق الفرقة الثانية فيه الخلاف المتقدم (وقوله) في الكتاب فليصل بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية
ركعة جواب على القول الأول ويجوز أن يكون جزما بأنه يفعل كذلك لان القاضي الروياني حكى
طريقة جازمة به مع طريقة القولين وعلى التقديرين فلفظ الركعة والركعتين معلمان بالواو (وقوله) فليصل
امر استحباب وفضيلة وليس ذلك بلازم (وقوله) وان انتظرهم في القيام الثالث فحسن هو لفظ الشافعي
رضي الله عنه في المختصر وقد حملوه على أن الأفضل الانتظار فيه وإذا كان كذلك فيجوز ان يعلم بالواو
إشارة إلى القول المنقول عن الاملاء *
قال (وإن كان في صلاة رباعية في الحضر فليصل بكل طائفة ركعتين فان فرقهم أربع فرق فالانتظار
الثالث زائد على المنصوص وفى تحريمه قولان قال ابن سريج الانتظار في الركعة الثالثة هو الانتظار الثاني
في حق الامام فلا منع منه) *
إذا كان الخوف في السفر فسبيل الصلاة الرباعية ان تقصر وتؤدى كما سبق فلو أرادوا اتمامها
وكانوا في الحضر وقد جاءهم العدو فينبغي ان يفرق الامام الناس فرقتين ويصلي بكل طائفة ركعتين
ثم الأفضل ان ينتظر الثانية في التشهد الأول أو في القيام الثالث فيه الخلاف المذكور في المغرب
638

ويتشهد بكل واحدة من الطائفتين بلا خلاف لأنه موضع تشهدهما ويتضح بما ذكرناه ان قوله وإن
كان في صلاة رباعية في الحضر ليس الحضر مذكورا على سبيل الاشتراط لجواز الاتمام في السفر
لكن الغالب أن الاتمام لا يكون الا في الحضر لان القصر أفضل مطلقا عند الامكان على الأصح
وأليق بحالة الخوف فلهذا قال في الحضر وقوله فليصل بكل طائفة ركعتين معلم بالميم لان في رواية
عن مالك لا يجوز أن يصلي بهم الصلاة الرباعية كذلك * لنا قوله تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم
الصلاة) الآية لا فرق فيها بين السفر والحضر ولو فرقهم أربع فرق وصلي بكل فرقة ركعة وذلك
بان يصلى بفرقة ركعة وينتظر قائما في الثانية وينفردوا هم بثلاث ويسلموا ويذهبون ثم يصلى الركعة
الثانية بفرقة ثانية وينتظر جالسا في التشهد الأول أو قائما في الثالثة ويتموا لأنفسهم ثم يصلي الثالثة بفرقة
ثالثة وينتظر في قيام الرابعة ويتموا صلاتهم ثم يصلي الرابعة بالفرقة الرابعة وينتظرهم في التشهد
الأخير إلى أن يتموا صلاتهم ويسلم بهم فهل يجوز ذلك فيه قولان (أحدهما) لا لان الأصل أن لا يحتمل
الانتظار في الصلاة أصلا لما فيه من شغل القلب والاخلال بالخشوع وقد ورد عن فعل رسول
الله صلى الله عليه وسلم انتظاران فلا يزاد عليهما (وأصحهما) نعم لأن جواز انتظارين إنما كان للحاجة
وقد تقتضي الحاجة أكثر من ذلك بأن لا يكون في وقوف نصف الجند في وجه العدو كفاية بل
يحتاج إلى وقوف ثلاثة أرباعهم بكل حال (التفريع) ان جوزنا فقد قال امام الحرمين شرطه ان تمس
الحاجة إليه فأنا إذا لم تكن حاجة فالحكم كما لو جرى ذلك في حالة الاختيار والطائفة الرابعة على هذا
القول كالطائفة الثانية في ذات الركعتين فيعود الخلاف في أنهم يفارقونه قبل التشهد أو يتشهدون
معه ويقومون بعد سلام الامام إلى ما عليهم كالمسبوق وتتشهد الطائفة الثانية معه في أظهر الوجهين
(والثاني) تفارقه قبل التشهد وعلى هذا القول تصح صلاة الامام وفى صلاة الطوائف قولان المنقول عن
639

الام ان صلاتهم صحيحة وعن الاملاء ان صلاتهم باطلة سوى صلاة الطائفة الرابعة وبنوا ذلك على أن
المأموم إذا أخرج نفسه عن صلاة الامام بغير عذر هل تبطل صلاته أم لا وقالوا الطوائف الثلاث
خرجوا عن صلاة الامام بغير عذر لان وقت المفارقة ما نقل عن فعل المقتدين بالنبي صلى الله عليه
وسلم وهو نصف الصلاة وكل طائفة من الثلاث قد فارقته قبل تمام النصف وأما الطائفة الرابعة فإنها
لم تخرج عن صلاة الامام بل أتمت صلاة على حكم المتابعة وليس هذا البناء والفرق صافيا عن الاشكال
والله أعلم * وإن فرعنا على أن لا يجوز ذلك فصلاة الامام باطلة ومتي تبطل فيه وجهان قال ابن سريج
تبطل بالانتظار الثالث وهو الواقع في الركعة الرابعة ولا تبطل بالانتظار الواقع في الركعة الثالثة لأنه انتظر
مرة للطائفة الثانية في الركعة الثانية وانتظاره في الركعة الثالثة هو انتظاره الثاني إذا لم يكن له في الأولى
انتظار وقد ثبت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظاران فلا بأس بهما ولا فرق في الفصلين سوى ان
المنتظر ثم في المرتين الطائفة الثانية والمنتظر ههنا في المرة الثانية طائفة أخرى لكن هذا لا يضر إذا لم يزد عدد
الانتظار كما لا يضر زيادة قدر الانتظار لو فرقهم فرقتين وصلي بكل واحدة ركعتين وقال جمهور
الأصحاب تبطل صلاته بالانتظار الواقع في الركعة الثالثة لمخالفته الانتظار الثاني الذي ورد النقل
به في المنتظر وفى القدر فاما المنتظر فقد وضح واما في القدر فلان النبي صلى الله عليه وسلم انتظر
في الركعة الثانية فراغ الطائفة الثانية فقط والامام ههنا ينتظر فراغ الثانية وذهابها إلى وجه العدو
ومجئ الثالثة والذي قاله الجمهور وهو ظاهر النص ولذلك قد يعبر عن هذا الخلاف بقولين
منصوص ومخرج لابن سريج ثم حكى في البيان وجهين تفريعا على ظاهر النص (أحدهما) ان صلاته
تبطل بمضي الطائفة الثانية لان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينتظرهم في المرة الثانية إلا قدر ما أتمت
640

صلاتها فإذا زاد بطل (والثاني) وبه قال الشيخ أبو حامد انها تبطل بمضي قدر ركعة من انتظاره
الثاني لان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينتظر الطائفتين جميعا إلا بقدر الصلاة التي هي فيها مع
الذهاب والمجئ هذا وقد انتظر في المرة الأولى قدر ما صلت الطائفة الأولى ثلاث ركعات وذهبت
وجاءت الثانية فإذا مضى قدر ركعة فقد تم قدر الانتظار المنقول فتبطل صلاته بالزيادة عليه هذا
هو الكلام في صلاة الامام تفريعا على قول المنع وأما صلاة الطوائف فتبنى على صلاته فتصح صلاة
الطائفة الأولى والثانية على ظاهر النص وقول ابن سريج معا لأنهم فارقوه قبل بطلان صلاته وصلاة
الطائفة الرابعة باطلة إن علمت بطلان صلاة الامام وإن لم تعلم فلا وحكم الطائفة الثالثة حكم الرابعة
ظاهر النص وحكم الطائفتين الأوليين على قول ابن سريج ولو فرق القوم في صلاة المغرب ثلاث
فرق وصلي بكل فرقة ركعة وقلنا لا يجوز ذلك فصلاة جميع الطوائف صحيحة عند ابن سريج وعلي
على ظاهر النص صلاة الطائفة الثالثة باطلة إلا أن لا تعلم بطلان صلاة الامام وإذا عرفت ما ذكرناه
ولخصت ما في المسألة من الخلاف قلت فيها أربعة أقوال (أصحها) صحة صلاة الامام والقوم جميعا (والثاني)
صحة صلاة الامام والطائفة الرابعة لا غير (والثالث) بطلان صلاة الامام وصحة صلاة الطائفة الأولى
والثانية والفرق في حق الثالثة والرابعة بين أن تعلم بطلان صلاة الامام أو لا تعلم (والرابع) صحة
صلاة الثالثة لا محالة (والثاني) كما ذكرنا في القول الثالث وهو قول ابن سريج وقوله في الكتاب
فالانتظار الثالث زائد على المنصوص أي على نص الشارع وما ثبت من فعله وأراد بالانتظار
الثالث الانتظار الواقع في الركعة الرابعة بطريق الأولى وهو الثالث في الحقيقة ولو أراد الانتظار
الثالث حقيقة لكان ذلك عين قول ابن سريج ولما انتظم منه أن يقول بعد ذلك وقال ابن سريج
ورتب في الوسيط الخلاف في بطلان الصلاة بالانتظار الثالث على الخلاف في تحريمه فقال في تحريمه
قولان إن قلنا يحرم ففي بطلان الصلاة به قولان ولم يذكر المعظم هذا الترتيب وإنما تكلموا
في الصحة والبطلان وذكر الشافعي رضي الله عنه مع القول بصحة صلاة الجميع انهم مسيئون بذلك
وهذا يشعر بالجزم بالتحريم والله أعلم *
641

قال (وفى إقامة الجمعة على هذه الهيئة وجهان (م) ووجه المنع أن العدد فيها شرط فيؤدى إلى
الانفضاض في الركعة الثانية) *
إذا كان الخوف في بلد ووافق ذلك يوم الجمعة وأرادوا إقامة صلاة الجمعة على هيئة صلاة ذات
الرقاع فقد نقل المصنف فيه وجهين (أحدهما) الجواز كسائر الصلوات الثنائية (والثاني) المنع لان
العدد شرط فيها وتجويز ذلك يفضي إلى انفراد الامام في الركعة الثانية والأول هو الذي حكاه
أصحابنا العراقيون عن نصه في الام ثم ذكروا فيه طريقتين (أحداهما) أن ذلك جواب على أحد الأقوال
في مسألة الانفضاض وهو أنه إذا نفض القوم عنه وبقي وحده يصلى الجمعة فانا إذا لم نقل بذلك
امتنع إقامة الجمعة على هذا الوجه (والثانية) القطع بالجواز بخلاف صورة الانفضاض لأنه معذور ههنا
بسبب الخوف ولأنه يترقب مجئ الطائفة الثانية ويجوز ان يرتب فيقال إن جوزنا الانفضاض
فتجويز إقامة الجمعة على هذه الهيئة اولي والا فوجهان والفرق العذر وايراد الكتاب إلى هذا
الترتيب أقرب وكيف ما كان فالأظهر عند الأكثرين الجواز ثم له شرطان (أحدهما) ان يخطب بهم
جميعا ثم يفرقهم فرقتين أو يخطب بطائفة ويجعل فيها مع كل واحدة من الفرقتين أربعين فصاعدا
فاما لو خطب بفرقة وصلى بأخرى فلا يجوز (والثاني) أن تكون الفرقة الأولى أربعين فصاعدا فلو
نقص عددهم عن الأربعين لم تنعقد الجمعة ولو نقصت الفرقة الثانية عن أربعين فقد حكى ابن الصباغ
عن الشيخ أبى حامد انه لا يضر ذلك بعد انعقادها بالأولى وعن غيره انه على الخلاف في الانفضاض
ولو خطب الامام بالناس وأراد أن يقيم الجمعة بهم على هيئة صلاة عسفان فهي اولي بالجواز
ان جوزناها على هيئة صلاة ذات الرقاع ولا يجوز اقامتها على هيئة صلاة بطن النخل إذ لا تقام
جمعة بعد جمعة *
قال (ثم يجب حمل السلاح في هذه الصلاة وصلاة عسفان إن كان في وضعه خطر وإن كان
الظاهر السلامة واحتمل الخطر فيستحب الاخذ في الوجوب قولان) *
قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر وغيره وأحب للمصلى أي في الخوف أن يأخذ سلاحه
وقال في موضع ولا أجيز وضعه واختلف الأصحاب على طرق (أظهرها) وبه قال أبو إسحاق ن في
642

المسألة قولين (أحدهما) انه يجب لظاهر قوله (وليأخذوا أسلحتهم) وقال تعالي جده (ولا جناح عليكم
إن كان بكم اذى من مطر أو كنتم مرضى ان تضعوا أسلحتكم) اشعر ذلك بقيام الجناح إذا وضع
من غير عذر (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة واحمد انه لا يجب والآية محمولة على الاستحباب * واحتجوا لهذا
القول بأنه لا خلاف ان وصفه لا يفسد الصلاة فوجب ان لا يجب حمله كسائر ما لا يفسد تركه الصلاة ولا يجب
فعله (والطريق الثاني) القطع بالاستحباب (والثالث) القطع بالايجاب (والرابع) ما يدفع به عن نفسه كالسيف
والسكين يجب حمله وما يدفع به عن نفسه وغيره كالرمح والقوس لا يجب حمله لان الدفع عن النفس أولى
بالوجوب وهؤلاء حملوا النصين على هذين النوعين والخلاف في المسألة مشروط بشروط (أحدها) أن يكون
طاهرا فاما السلاح النجس فلا يجوز حمله بحال ومنه السيف الذي سقى السم النجس والنبل المريش
بريش طائر لا يؤكل أو طائر ميت لأنه نجس على الصحيح (والثاني) ان لا يكون مما يمنع من بعض أركان
الصلاة كالحديد المانع من الركوع والبيضة المانعة من مباشرة المصلى بالجبهة فإن كان كذلك لم يحمل
بلا خلاف (والثالث) ان لا يتأذى به الغير كالرمح فان حمله في وسط الصف يؤذى القوم فيكره الا أن يكون
في حاشية الصف فلا يتأذى بحمله أحد (والرابع) قال الامام موضع الخلاف أن يخاف من وضع
السلاح وتنحيته خطر على سبيل الاحتمال فاما أكان يتعرض للهلاك ظاهرا لو لم يأخذ السلاح
فيجب القطع بوجوب الاخذ والا فهو استسلام للكفار وهذا الشرط قد ذكره في الكتاب فأوجب
الحمل إذا كان في الموضع خطر وخص الخلاف بما إذا ظهرت السلامة واحتمل الخطر * واعلم أن
ترجمة المسألة هي حمل السلاح قال امام الحرمين وليس الحمل معينا لعينه بل لوضع السيف بين يديه
وكان مد اليد إليه في اليسر والسهولة كمدها إليه وهو محمول متقلد كان ذلك بمثابة الحمل قطعا وأما لفظ
السلاح فقد قال القاضي ابن كج انه يقع على السيف والسكين والرمح والنشاب ونحوها اما الترس
فليس بسلاح وكذا لو لبس درعا لم يكن حاملا سلاح والله أعلم * ثم في لفظ الكتاب شيئان (أحدهما)
انه خص الكلام بصلاة ذات الرقاع وصلاة عسفان واشعر ذلك بنفي الوجوب في صلاة بطن النخل
لكن معني الخوف يشملها جميعا والجمهور أطلقوا القول في صلاة الخوف اطلاقا (والثاني) أنه قال في
آخر الفصل فيستحب الاخذ وفى الوجوب قولان وقضية هذا الكلام الجزم بالاستحباب وقصر
643

الخلاف على الوجوب وإنما يكون كذلك ان لو اشتمل الوجوب على الاستحباب اشتمال العام على الخاص
وفيه كلام لأهل الأصول فإن لم يحكم باشتماله عليه فالصائر إلى الوجوب ناف للاستحباب فلا يكون
الاستحباب إذا مجزوما به *
قال (فرع: سهو الطائفتين محمول في وقت موافقتهم الامام وسهو الطائفة الأولى غير محمول في
ركعتهم الثانية وذلك لانقطاعهم عن الامام ومبدأ الانقطاع الاعتدال في قيام الثانية أو رفع الامام
رأسه في سجود الأولى فيه وجهان واما سهو الطائفة الثانية في الركعة الثانية ففي حمله وجهان لأنهم
سيلتحقون بالامام قبل السلام وهو جار في المزحوم إذا سها وقت التخلف وفيمن أنفرد بركعة
وسها ثم اقتدى في الثانية) *
أصل الفرع ان سهو المأموم يحمله الامام وهذه قاعدة شرحناها في باب سجود السهو إذا
تذكرت ذلك فنقول إذا سها بعض المأمومين في صلاة ذات الرقاع على الرواية المختارة فينظر ان
سهت الطائفة الأولى فسهوها في الركعة الأولى محمول لأنها مقتدية بالامام وسهوها في الثانية غير محمول
لانقطاعها عن الامام وما مبدأ الانقطاع فيه وجهان حكاهما الامام عن شيخه (أحدهما) ان مبدأ الانقطاع
الاعتدال في الركعة الثانية لان القوم والامام جميعا صائرون إلى القيام فلا تنقطع القدوة ما لم يعتدلوا
قائمين (والثاني) ان مبدأ الانقطاع رفع الامام رأسه من السجود الثاني لان الركعة تنتهي بذلك فعلى
هذا لو رفع الامام رأسه وهم بعد في السجود وفرض منهم سهو لم يكن محمولا ولك ان تقول قد نصوا
على أنهم ينوون المفارقة عن الامام وانه يجوز عند رفع الرأس وعند الاعتدال كما سبق وإذا كان
كذلك فلا معني لفرض الخلاف في أن الانقطاع يحصل بهذا أو بذاك فإنه ليس شيئا يحصل بنفسه
بل هو منوط بنية المفارقة فوجب قصر النظر على وقتها * واما الطائفة الثانية فسهوها في ركعتها الأولى
محمول أيضا لأنها على حقيقة المتابعة وفى سهوها في الركعة الثانية وجهان (أحدهما) وينسب إلى ابن
خيران وابن سريج انه غير محمول لأنهم منفردون بها في الحقيقة (وأصحهما) انه محمول لان حكم القدوة
644

باق بدليل انهم مقتدون به إذا حصلوا معه في التشهد والا لما كان لانتظاره إياهم معني وإذا كان كذلك
فلولا استمرار حكم القدوة لاحتاجوا إلى إعادة نية القدوة إذا جلسوا للتشهد ولا يحتاجون إليه والوجهان
جاريان في المزحوم في الجمعة إذا سها في وقت تخلفه وأجروهما أيضا فيما كان يصلى منفردا فسها
في صلاته ثم اقتدى بامام وجوزنا ذلك على أحد القولين واستبعد الامام اجراء الخلاف في هذه
الصورة وقال الوجه القطع بان حكم السهو لا يرتفع بالقدوة اللاحقة فان السهو كان وهو منفرد لا يخطر
له أمر القدوة فلا ينعطف حكمها على ما تقدم من الانفراد وقوله لأنهم سيلحقون بالامام يجوز ان يريد
به التحاقهم في الصورة مصيرا إلى أن حكم القدوة مستمر في الحال ويجوز أن يريد به أنهم سيصيرون
مقتدين وإن كانوا منفردين في الحال فيؤخذ بآخر الامر والضمير في قوله وهو جار عائد
إلى الخلاف وان لم يكن مذكورا (وقوله) فيمن أنفرد بركعة وسها ثم اقتدى في الثانية لأنه ليس للتقييد
وانه لا فرق بين أن يقتدى في الأولى أو الثانية بعد السهو منفردا (واعلم) أن جميع ذلك مبنى على أن
الطائفة الثانية يقومون إلى الركعة الثانية إذا جلس الامام للتشهد فاما إذا قلنا أنهم يقومون إليها إذا
سلم الإمام على ما نقل عن القديم فسهوهم في الثانية غير محمول لا محالة كالمسبوق هذا حكم سهو المأمومين
أما لو سها الامام نظر ان سها في الركعة الأولى لحق سهوه الطائفتين فالطائفة الأولى يسجدون إذا
أتموا صلاتهم ولو سها بعضهم في الركعة الثانية فهل يقتصر على سجدتين أم يسجد أربعا فيه خلاف
تقدم نظائره والأصح الأول والطائفة الثانية يسجدون مع الامام في آخر صلاته وإن سها في
الركعة الثانية لم يلحق سهوه الطائفة الأولى لأنهم فارقوه قبل السهو وتسجد الثانية معه في آخر الصلاة
ولو سها في انتظاره إياهم فهل يلحقهم ذلك السهو فيه الخلاف المذكور في أنه هل يتحمل
سهوهم والحالة هذه *
قال (النوع الرابع صلاة شدة الخوف وذلك إذا التحم الفريقان ولم يمكن ترك القتال لاحد
فيصلون رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ايماء بالركوع والسجود محترزين عن
الصيحة وعن موالاة الضربات من غير حاجة فان كثرت مع الحاجة في اشخاص فيحتمل وفى
645

شخص واحد لا يحتمل لندوره وقيل يحتمل في الموضعين وقيل لا يحتمل فيها فان
تلطخ سلاحه بالدم فليلقه وإن كان محتاجا إلى امساكه فالأقيس انه لا يجب عليه القضاء
والأشهر وجوبه لندور العذر) *
إذا التحم القتال ولم يتمكنوا من تركه بحال لقتلهم وكثرة العدو أو اشتداد الخوف وان لم يلتحم
القتال فلم يأمنوا أن يركبوا أكتافهم لو ولوا عنهم أو انقسموا فيصلون بحسب الامكان وليس لهم التأخير
عن الوقت وعن أبي حنيفة أن لهم ذلك ثم في كيفية هذه الصلاة مسائل (إحداها) لهم أن يصلوا
ركبانا على الدواب أو مشاة على الاقدام قال الله تعالى جده (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) ويجوز أن
يعلم لفظ الرجال في قوله فيصلون رجالا بالحاء لان أصحابنا حكوا عن أبي حنيفة رضي الله عنه انه
ليس للراجل أن يصلي بل يؤخر (الثانية) لهم أن يتركوا الاستقبال إذا لم يجدوا بدا عنه قال ابن عمر
رضي الله عنهما في تفسير الآية " مستقبلي القبلة وغير مستقبليها " (1) قال نافع لا أراه ذكر ذلك الا عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يأتم بعضهم ببعض مع اختلاف الجهة كالمصلي حول الكعبة
وفيها وإنما يعفى عن الانحراف عن القبلة إذا كان بسبب العدو فاما إذا انحرف لجماح الدابة وطال
الزمان بطلت صلاته كما في غير حالة الخوف ويجوز أن يعلم قوله غير مستقبليها بالحاء لأنهم حكوا
عن أبي حنيفة انه لا يجوز ترك الاستقبال (الثالثة) إذا لم يتمكنوا من اتمام الركوع والسجود اقتصروا
على الايماء بهما وجعلوا السجود أخفض من الركوع ولا يجب على الماشي استقبال القبلة في الركوع
والسجود ولا عند التحرم ولا وضع الجبهة على الأرض فإنه تعرض للهلاك بخلاف ما ذكرنا في المتنفل
646

ماشيا في السفر (الرابع) يجب عليهم الاحتراز عن الصياح فإنه لا حاجة إليه قال الامام بل الكمي
المقنع السكوت أهيب في نفوس الاقران ولا بأس بالأعمال القليلة فإنها محتملة من غير خوف فعند
الخوف أولى وأما الأعمال الكثيرة كالطعنات والضربات المتوالية فهي مبطلة ان لم يكن محتاجا إليها وإن كان
محتاجا إليها فوجهان (أحدهما) انها مبطلة وقد حكاه العراقيون وغيرهم عن ظاهر نصه في الام لان الآية
وردت في المشي والركوب وانضم ترك الاستقبال إليه فيما ورد من التفسير فما جاوز ذلك يبقى
على المنع (والثاني) وبه قال ابن سريج انها غير مبطلة لمكان الحاجة كالمشي وترك الاستقبال
وتوسط بعض الأصحاب بين الوجهين فقال يحتمل في اشخاص لان الضربة الواحدة لا تدفع عن
المضروب فيحتاج إلى التوالي لكثرتهم ولا تحتمل في الشخص الواحد لندرة الحاجة إلى توالي
الضربات فيه وايراد الكتاب يشعر بترجيح هذا الوجه المتوسط لكن الأكثرين رجحوا
الوجه المنسوب إلى ابن سريج وقطع به القفال فيما حكاه الروياني ومنهم من عبر عن الوجوه
بالأقوال وكذلك فعل في الوسيط (وقوله) من غير حاجة تقييد لموالاة الضرب دون الصيحة والاحتراز عنها
واجب بكل حال وليست هي من ضروريات القتال هكذا ذكر الأئمة (وقوله) فيحتمل وكذا قوله
وقيل لا يحتمل يجوز ان يعلما بالحاء لان الصيدلاني حكي عن أبي حنيفة أنه يجوز فيها العمل الكثير
(الخامسة) لو تلطخ سلاحه بالدم فينبغي ان يلقيه أو يجعله في قرابه تحت ركابه ان احتمل الحال ذلك
وان احتاج إلى امساكه فله الامساك ثم هل يقضي حكى امام الحرمين عن الأصحاب أنه يقضى
لندور العذر ثم منعه وقال تلطخ السلاح بالدم من الاعذار العامة في حق المقاتل ولا سبيل إلى تكليفه
تنحية السلاح فتلك النجاسة ضرورية في حقه كنجاسة المستحاضة في حقها ثم جعل المسألة على
647

قولين مرتبين على القولين فيما إذا صلى في حصن أو موضع آخر نجس وهذه الصورة أولي بنفي القضاء لالحاق
الشرع القتال بسائر مسقطات القضاء في سائر المحتملات كالاستدبار والايماء بالركوع والسجود
فليكن أمر النجاسة كذلك ويتبين بما ذكرنا انه لم جعل الاقيس نفى القضاء والأشهر وجوبه ويجوز
إقامة الصلاة عند شدة الخوف بالجماعة خلافا لأبي حنيفة ومقام صلاة العيدين والخسوفين في شدة الخوف
الانهما بعرض الفوات ولا تقام صلاة الاستسقاء *
قال (ثم هذه الصلاة تقام في كل قتال مباح ولو في الذب عن المال وكذا في الهزيمة المباحة
عن الكفار ولا تقام في اتباع اقفية الكفار عند انهزامهم ويقيمها الهارب من الحرق والغرق
والسبع والمطالب بالدين إذا أعسر وعجز عن البينة والمحرم إذا خاف فوات الوقوف قبل يصلى
مسرعا في مشيه وقيل لا يجوز ذلك) *
مقصود الفصل الكلام فيما يرخص في هذه الصلاة إذ لا شك في أنها غير جائزة عند الامن
والسلامة وفيه صور (إحداها) تجوز هذه الصلاة في كل ما ليس بمعصية من أنواع القتال دون ما هو
معصية لان الرخص لا تناط بالمعاصي فيجوز في قتال الكفار ولأهل العدل في قتال أهل البغي وللرفقة
في مال قطاع الطريق ولا يجوز لأهل البغي والقطاع ولو قصد نفس رجل أو حريمه أو نفس غيره أو حرمه فاشتغل
بالدفع كان له ان يصلي هذه الصلاة في الدفع ولو قصد اتلاف ماله نظر إن كان حيوانا فكذلك الحكم والا فقولان
(أحدهما) لا يجوز لان الأصل المحافظة على أركان الصلاة وشرائطها خالفناه فيما عدا المال لأنه أعظم حرمة
(وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يجوز لان الذب بالقتال عن المال جائز كالذب عن النفس
قال صلى الله عليه وسلم " من قتل دون ماله فهو شهيد " (1) (الثانية) لو ولوا ظهورهم عن الكفار منهزمين
648

نظر إن كان يحل لهم ذلك بأن يكون في مقاتلة كل مسلم أكثر من كافرين فلهم أن يصلوا صلاة
شدة الخوف لتعرضهم للهلاك لو أتوا بالصلاة على الكمال وان لم يحل كما إذا كان في مقابلة كل
مسلم كافران فليس لهم ذلك لأنهم عاصون بالانهزام والرخص لا تناط بالمعاصي فإن كان فيهم
متحرف لقتال أو متحيز إلى فئة فله الترخص لجواز الانهزام له ولو أنهزم الكفار واتبع المسلمون
أقفيتهم ولو أكملوا الصلاة وثبتوا لفاتهم العدو فليس لهم صلاة شدة الخوف لأنهم لا يخافون
محذورا بل غاية الأمر فوات مطلوب والرخص لا يتعدى بها مواضعها فلو خافوا كمينا أو كرة
كان لهم ان يصلوها (الثالثة) الرخصة في الباب لا تتعلق بخصوص القتال بل تتعلق بعموم الخوف
فلو هرب من حريق يغشاه أو من سيل منحدر إلى موضعه ولم يجد في عرض الوادي ما يقدر على
اللبث فيه والصعود فغدا في طوله أو هرب من سبع قصده فله أن يصليها لأنه خائف من الهلاك
والمديون المعسر إذا عجز عن بينة الاعسار ولم يصدقه المستحق ولو ظفر به لحبسه كان له أن يصليها
هاربا دفعا لضرر الحبس ويجوز ان يعلم قوله والمطالب بالدين بالواو لان الحناطي حكي عن الامام
انه لو طلب رجل لا ليقتل لكن ليحبس أو يؤخذ منه شئ لا يصلي صلاة الخوف وغاية المحذور
ههنا هو الحبس ولو كان عليه قصاص يرجو العفو عنه إذا سكن الغليل وانطفأ الغضب فقد جوز
الأصحاب ان له ان يهرب وقالوا له أن يصلي صلاة شدة الخوف في هربه واستبعد الامام جواز الهرب
من المستحق بهذا التوقع (الرابعة) المحرم إذا ضاق وقت وقوفه بعرفة وخاف فوت الحج لو صلى
متمكنا ما الذي يفعل حكي الشيخ أبو محمد عن القفال فيه وجهان (أحدهما) أنه يؤخر الصلاة فان
649

قضاءها هين وأمر الحج خطير وقضاؤه عسير (والثاني) أنه يقيمها كما تقدم في شدة الخوف ويحتمل
فيها العذر لان الحج في حق المحرم كالشئ الحاصل والفوات طارئ عليه فأشبه ما لو خاف هلاك
مال حاصل لو لم يهرب ولان الضرر الذي يلحقه بفوات الحج لا ينقص عن ضرر الحبس أياما
في حق المديون (والثالث) أنه تلزمه الصلاة على سبيل التمكن والاستقرار لان الصلاة تلو الايمان
ولا سبيل إلى اخلاء الوقت عنها لعظم حرمتها ولا سبيل إلى اقامتها كما تقام في شدة الخوف لأنه
لا يخاف فوت حاصل ههنا فأشبه فوت العدو عند انهزامهم ويشبه أن يكون هذا الوجه أوفق لكلام
الأئمة والله أعلم وقوله قيل يصلى مسرعا في مشيه هو الوجه الثاني وقوله وقيل لا يجوز ذلك يمكن
ادراج الأول والثالث فيه *
قال (ولو رأى سوادا فظنه عدوا ففي وجوب القضاء قولان ومهما فاجأه في أثناء صلاته
خوف فبادر إلى الركوب وكان يقدر على اتمام الصلاة راجلا فأخذ بالحزم لم يصح بناء الصلاة ولو أنقطع
الخوف فنزل وأتم الصلاة صح وإذا أرهقه الخوف فركب وقل فعله جاز البناء ولو كثر الفعل مع الحاجة
فوجهان كما في الضربات المتوالية) *
650

في الفصل مسألتان (إحداهما) لو رأوا سوادا أو إبلا أو أشجارا فظنوها عدوا فصلوا صلاة
شدة الخوف ثم تبين الحال ففي وجوب القضاء قولان (أصحهما) وهو قوله في الام وبه قال أبو حنيفة
أنه يجب لأنه ترك في صلاته فروضا بسبب هو مخطي فيه فيقضى كما لو أخطأ في الطهارة (والثاني)
نقله المزني عن الاملاء انه لا يجب لقيام الخوف عند الصلاة وهو أصح عند صاحب المهذب
والجمهور على ترجيح الأول ثم اختلفوا في محل القولين فمنهم من قال القولان فيما إذا كانوا في دار
الحرب لغلبة الخوف والعدو فيها فاما إذا كانوا في دار الاسلام وجب القضاء لا محالة وحكى هذا
الفرق صاحب التهذيب عن نصه في القديم وأصحاب هاتين الطريقتين نسبوا المزني إلى السهو
فيما أطلقه عن الاملاء وادعت كل فرقة أنه إنما نفى الإعادة في الاملاء بالشرط المذكور ومن الأصحاب
من عمم القولين في الأحوال وهذا أظهر وهو الموافق لمطلق لفظ الكتاب ويجوز أن يعلم قوله قولان
بالواو إشارة إلى الطريقتين الأولتين ولو تحققوا العدو فصلوا صلاة شدة الخوف ثم بان أنه كان
651

دونهم حائل من خندق أو نار أو ماء أو بان أنه كان بقربهم حصن يمكنهم التحصن به أو ظنوا أن بإزاء
كل مسلم أكثر من مشركين فصلوها منهزمين ثم بان خلافه فحيث أجرينا القولين في الصورة
السابقة نجريهما أيضا في هذه الصورة ونظائرها ومنهم من قطع بوجوب القضاء ههنا لأنهم قصروا
بترك البحث عما بين أيديهم قال في التهذيب ولو صلوا في هذه الأحوال صلاة عسفان اطرد القولان
ولو صلوا صلاة ذات الرقاع فان جوزناها في حال الامن فههنا أولي والاجرى القولان (الثانية) لو كان
يصلي متمكنا على الأرض متوجها إلى القبلة فحدث خوف في أثناء صلاته فركب نص الشافعي
رضي الله عنه على أنه تبطل صلاته وعليه أن يستأنف ونقل عن نصه في موضع آخر انه يبنى على
صلاته واختلفوا فيهما على طريقتين حكاهما أصحابنا العراقيون (أحدهما) ان المسألة على قولين
(أحدهما) ان الركوب يبطل الصلاة لأنه عمل كثير (والثاني) لا يبطلها لان العمل الكثير بعذر
شدة الخوف لا يقدح (وأظهرهما) وبه قال ابن سريج وأبو إسحاق ان النصين محمولان على حالين
حيث قال يستأنف الصلاة أراد ما لم يكن مضطرا إلى الركوب وكان يقدر على القتال واتمام الصلاة
راجلا فركب احتياطا وأخذا بالحزم وحيث قال يبنى أراد ما إذا صار مضطرا إلى الركوب ثم قال
652

هؤلاء إذا قل فعله في الركوب لحذقه بنى بلا خلاف وان كثر فعله ففيه الوجهان المذكوران
في العمل الكثير للحاجة والمذكور في الكتاب هو الطريق الثاني فقوله ومهما فاجأه في أثناء
الصلاة خوف عبارة عن الحالة الأولى وقوله وان أرهقه الخوف فركب عبارة عن الحالة الثانية
وحينئذ لا يخفي أن قوله لم يصح بناء الصلاة وقوله جاز البناء ينبغي ان يعلما بالواو إشارة إلى الطريقة الأولى
وقد أدخل بين الكلامين صورة وهي عكس هذه المسألة وهي أنه لو كان يصلي راكبا في شدة
الخوف فانقطع الخوف نص الشافعي رضي الله عنه على أنه ينزل ويبني على صلاته وفرق بينه وبين
الركوب على قوله بأنه إذا ركب استأنف بان قال النزول أخف وأقل عملا من الركوب واعترض
المزني عليه بأن هذا لا ينضبط وقد يكون الفارس أخف ركوبا وأقل شغلا لفروسيته من نزول
ثقيل غير فارس واختلف الأصحاب في الجواز بحسب اختلافهم في الركوب فمن أثبت
الخلاف في الركوب على الاطلاق فرق بين الركوب على أحد القولين وبين النزول بان قال نزول
كل فارس أخف من ركوبه وإن أمكن أن يكون أثقل من ركوب فارس آخر ومن نزل النصين
في الركوب على الحالين المذكورين قال لا فرق بين الركوب والنزول ان حصلا بفعل قليل بني
وان كثر الفعل فوجهان وتبين من هذا الحاجة إلى أعلام قوله فنزول وأتم الصلاة صح بالواو لأنه
مطلق وفى الصحة عند كثرة الفعل اختلاف وذكر صاحب الشامل وغيره أنه يشترط
في بناء النازل أن لا يستدبر القبلة في نزوله فان استدبر بطلت صلاته والله أعلم *
قال (ويجوز لبس الحرير وجلد الكلب والخنزير عند مفاجأة القتال ولا يجوز في حالة
653

الاختيار بخلاف الثياب النجسة ويجوز تسميد الأرض بالزبل لعموم الحاجة وفى لبس
جلد الشاة الميتة وتجليل الخيل بجل من جلد الكلب وجهان وفى الاستصباح بالزيت
النجس قولان) *
ختم الشافعي رضي الله عنه صلاة الخوف بباب فيما له لبسه وفيما ليس له فاقتدى الأكثرون
من الأصحاب به وأوردوا أحكام الملابس في هذا الموضع ومنهم من أوردها في صلاة العيد لأنا
نستحب التزين يوم العيد فتكلموا في التزين الجائز والذي لا يجوز وصاحب الكتاب أورد بعضها
ههنا في صلاة العيد والمذكور ههنا يشتمل على مسألتين (أحداهما) سنذكر أن لبس
الحرير حرام على الرجال لكن يجوز لبسه في حالة مفاجأة القتال إذا لم يجد غيره وذلك في حكم
الضرورة وكذلك يجوز ان يلبس منه ما هو جنة القتال كالديباج الصفيق الذي لا يقوم غيره مقامه
وجوز القاضي ابن كج اتخاذ القباء ونحوه مما يصلح في الحرب من الحرير ولبسه فيها على الاطلاق لما فيه من
حسن الهيئة وزينة الاسلام لينكسر قلب الكفار منه كتحلية السيف ونحوه والمشهور الأول
وقوله ولا يجوز في حالة الاختيار مطلق لكن أحوالا يجوز فيهما لبس الحرير في حال الاختيار
مستثناة عنه على ما سيأتي في صلاة العيد الثانية للشافعي رضي الله عنه نصوص مختلفة في جواز
استعمال الأعيان النجسة وحكى صاحب التهذيب وغيره فيها طريقتين منهم من طرد قولين في
وجوه الاستعمال كلها (أحدها) المنع لقوله تعالي (والرجز فاهجر) (والثاني) يجوز كما يجوز
لبس ثوب أصابه نجاسة ومنهم من فصل وقال لا يجوز استعمال النجاسات في البدن والثوب الا لضرورة
654

وفى غيرها يجوز إن كانت النجاسة مخففة وإن كانت مغلظة وهي نجاسة الكلب والخنزير
فلا ونزلوا النصوص على هذا التفصيل وهذا أظهر وبه قال أبو بكر الفارسي والقفال وأصحابه والفرق
بين استعمالها في البدن والثوب وغيرهما ما ذكره الشافعي رضي الله عنه وهو أن على الانسان تعبدا
في اجتناب النجاسات لإقامة الصلوات وسائر العبادات ولا تعبد على الفرس والأداة وغيرهما فلا يمنع
من استعمالها فيها والفرق بين نجاسة الكلب والخنزير وسائر النجاسات غلظ حكمها ولذلك لا يجوز
الانتفاع بالخنزير في حياته أصلا وبالكلب أيضا إلا في أغراض مخصوصة فأولى أن لا يجوز
الانتفاع بهما بعد الموت إذا تقرر ذلك فنقول: لا يجوز له لبس جلد الكلب والخنزير في حالة الاختيار
بخلاف الثياب النجسة يجوز لبسها والانتفاع بها في غير الصلاة ونحوها لان نجاستها عارضة سهلة
الإزالة فان فاجأه قتال ولم يجد سواه أو خاف على نفسه من حر أو برد كان له أن يلبس جلد الكلب
والخنزير كما له أكل الميتة عند الاضطرار ولا بأس لو أعلم قوله ولا يجوز في حالة الاختيار بالواو إشارة
إلى الطريقة الطاردة للقولين في وجوه الاستعمال في جميع النجاسات وهل يجوز لبس جلد الشاة
الميتة وسائر الميتات في حالة الاختيار فيه وجهان بنوهما على أن حكمنا بتحريم لبس جلد الكلب
والخنزير لنجاسة العين أم لما خصا به من التغليظ (واظهر) الوجهين المنع ويجوز أن يلبس هذه الجلود فرسه وأداته
والمنع في البدن وجلد الكلب والخنزير كما لا يستعمل في البدن لا يستعمل في غيره نعم لو جلل كلبا أو خنزيرا
بجلد كلب أو خنزير فهل يجوز ذلك فيه وجهان (أحدهما) لا فإنه المستعمل ولا ضرورة (وأظهرهما) الجواز
لاستوائهما في تغلظ النجاسات وأما تسميد الأرض بالزبل فهو جائز قال الامام ولم يمنع منه للحاجة الحاقه
القريبة من الضرورة وقد نقله الاثبات عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفى كلام الصيدلاني ما يقتضي
اثبات خلاف فيه والله أعلم (1) وهل يجوز الاستصباح بالزيت النجس فيه قولان (أحدهما) لا لان
655

السراج قد يقرب من الانسان ويصيب الدخان بدنه وثيابه (وأظهرهما) نعم لما روى أنه صلى الله عليه
وسلم " سئل عن الفأرة تقع في السمن والودك فقال استصبحوا به ولا تأكلوه " (1) وأما الدخان
فقد لا يصيب وبتقدير أن يصيب فللأصحاب وجهان في نجاسته فإن لم نحكم بنجاسته فلا بأس به
656

كبخار المعدة لا ينجس الفم وان حكمنا بنجاسته وهو الأظهر كالرماد فقليله معفو عنه والذي يصيب
في الاستصباح قليل لا ينجس غالبا (واعلم) انه لا فرق للاستصباح بين ان ينجس بعارض وبين أن
يكون نجس العين كودك الميتة ويطرد القولان في الحالتين قاله صاحب النهاية وغيره *
657