الكتاب: المجموع
المؤلف: محيى الدين النووي
الجزء: ٤
الوفاة: ٦٧٦
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

المجموع
شرح المهذب
للإمام أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 ه‍
دار الفكر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(باب صلاة التطوع)
اختلف أصحابنا في حد التطوع والنافلة والسنة على ثلاثة أوجه (أحدها) أن تطوع الصلاة ما لم يرد
فيه نقل بخصوصيته بل يفعله الانسان ابتداء والذاهبون إلى هذا قالوا ما عدا الفرائض ثلاثة أقسام (سنن)
وهي التي واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم (ومستحبات) وهي التي فعلها أحيانا ولم يواظب عليها
(وتطوعات) وهي التي ذكرنا أولا والوجه الثاني أن النفل والتطوع لفظان مترادفان معناهما واحد وهما ما سوى
الفرائض والوجه الثالث أن السنة والنفل والتطوع والمندوب والمرغب فيه والمستحب ألفاظ
مترادفة وهي ما سوى الواجبات قال العلماء التطوع في الأصل فعل الطاعة وصار في الشرع مخصوصا بطاعة
غير واجبة * * قال المصنف رحمه الله *
(أفضل عبادات البدن الصلاة لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال " استقيموا واعلموا ان خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء الا مؤمن " ولأنها تجمع
من القرب ما لا يجمع غيرها من الطهارة واستقبال القبلة والقراءة وذكر الله تعالى والصلاة على رسول الله
صلى الله عليه وسلم ويمنع فيها من كل ما يمنع منه في سائر العبادات وتزيد عليها بالامتناع من الكلام والمشي وسائر الأفعال
وتطوعها أفضل التطوع) *.
(الشرح) حديث عبد الله هذا رواه ابن ماجة فيه في سننه في كتاب الوضوء والبيهقي فيه وفى فضائل الصلوات
قيل استقبال القبلة روياه من حديث عبد الله ومن حديث ثوبان بلفظه هنا وفيه زيادة قال " استقيموا ولن
2

تحصوا واعلموا ان خير أعمالكم الصلاة " الخ لكن في رواية ابن ماجة عن عبد الله " ان من خير أعمالكم
الصلاة " وفى بعض روايات البيهقي ثبات من وفى بعضها حذفها واسناد رواية عبد الله فيه ضعف واسناد رواية
ثوبان جيد لكن من رواية سالم بن أبي الجعدي عن ثوبان وقال أحمد بن حنبل لم يسمع
سالم من ثوبان وذكره مالك في الموطأ مرسلا معضلا فقال بلغني أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " استقيموا ولن تحصوا واعلموا ان خير أعمالكم الصلاة ولن يحافظ على الوضوء الا مؤمن " قال
صاحب مطالع الأنوار ألزموا طريق الاستقامة وقاربوا وسددوا فإنكم لا تطيقون جميع اعمال البر ولن تحصوا أن
تطيقوا الاستقامة في جميع الاعمال وقيل لن تحصوا مالكم في الاستقامة من الثواب العظيم: أما حكم
المسألة فالمذهب الصحيح المشهور أن الصلاة أفضل من الصوم وسائر عبادات البدن وقال صاحب المستظهري
في كتاب الصيام اختلف في الصلاة والصوم أيهما أفضل فقال قوم الصلاة أفضل وقال آخرون الصلاة بمكة أفضل
والصوم بالمدينة أفضل قال والأول أصح ويحتج بترجيح الصوم بحديث أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال " قال الله عز وجل كل عمل ابن آدم له الا الصوم فإنه لي وانا اجزى به والصوم جنة وللصائم فرحتان
يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقى ربه فرح بصومه " رواه البخاري ومسلم وفى رواية لمسلم " كل عمل ابن آدم
يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة قال الله تعالى الا الصوم فإنه لي وأنا اجزى به يدع شهوته
وطعامه من أجلي " وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ان في الجنة بابا يقال
له الريان يدخل فيه الصائمون لا يدخل منه غيرهم " رواه البخاري ومسلم واما الدليل لترجيح الصلاة
وهو المذهب فأحاديث كثيرة في الصحيح مشهورة (منها) " حديث بني الاسلام على خمس " وقد سبق
وموضع الدلالة منه تقديم الصلاة على الصوم والعرب تبدأ بالأهم (وحديث) ابن مسعود رضي الله عنه
قال " سألت رسول الله صلي الله تعالى عليه وسلم أي الاعمال أحب إلى الله وفى رواية أفضل فقال الصلاة
لوقتها " رواه البخاري ومسلم وعنه أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فاتي النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره
فأنزل الله تعالى (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات) فقال الرجل إلى هذا
يا رسول الله قال لجميع أمتي " رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أرأيتم
نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه قالوا لا يبقي من درنه شئ قال فذلك
مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا " رواه البخاري ومسلم وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تفشو الكبائر " رواه مسلم وعن أبي موسى رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من صلى البردين دخل الجنة رواه البخاري ومسلم البردان
3

الصبح والعصر وعن عمارة بن رويبة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
" لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعنى الفجر والعصر " رواه مسلم وعن جندب
رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلي الصبح والعصر فهو في ذمة الله فانظر يا ابن آدم
لا يطالبنك الله من ذمته بشئ " رواه مسلم والأحاديث في الباب كثيرة مشهورة ويستدل أيضا
لترجيح الصلاة بما ذكره المصنف من كونها تجمع العبادات وتزيد عليها لأنه يقتل بتركها بخلاف الصوم
وغيره ولان الصلاة لا تسقط في حال من الأحوال ما دام مكلفا الا في حق الحائض بخلاف الصوم والله أعلم
(فان قيل) قول المصنف وتطوعها أفضل التطوع يرد عليه الاشتغال بالعلم فإنه أفضل من تطوع
الصلاة كما نص عليه الشافعي وسائر الفقهاء وقد سبق بيانه في مقدمة هذا الشرح فالجواب ان هذا
الايراد غلط وغفلة من مورده لان الاشتغال بالعلم فرض كفاية لا تطوع وكلامنا هنا في التطوع
والله أعلم *
(فرع) قال أبو عاصم العبادي في كتابه الزيادات الاشتغال بحفظ ما زاد على الفاتحة من القرآن
أفضل من صلاة التطوع لان حفظه فرض كفاية *
(فرع) اعلم أنه ليس المراد بقولهم الصلاة أفضل من الصوم ان صلاة ركعتين أفضل من صيام أيام أو يوم
فان الصوم أفضل من ركعتين بلا شك وإنما معناه أن من لم يمكنه الجمع بين الاستكثار من الصلاة والصوم
وأراد أن يستكثر من أحدهما أو يكون غالب عليه منسوبا إلى الاكثار منه ويقتصر من الآخر على المتأكد منه
فهذا محل الخلاف والتفضيل والصحيح تفضيل الصلاة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
(وتطوعها ضربان ضرب تسن له الجماعة (وضرب) لا تسن له فما سن له الجماعة صلاة العيدين والكسوف
والاستسقاء وهذا الضرب أفضل مما لا تسن له الجماعة لأنها تشبه الفرائض في سنة الجماعة وأوكد
ذلك صلاة العيد لأنها راتبة بوقت كالفرائض ثم صلاة الكسوف لان القرآن دل عليها قال الله تعالى
(لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن) وليس ههنا صلاة تتعلق بالشمس والقمر الا صلاة
الكسوف ثم صلاة الاستسقاء ولهذه الصلوات أبواب نذكر فيها أحكامها إن شاء الله تعالى
وبه الثقة
4

(الشرح) قال أصحابنا تطوع الصلاة ضربان (ضرب) تسن فيه الجماعة وهو العيد والكسوف
والاستسقاء وكذا التراويح على الأصح (وضرب) لا تسن له الجماعة لكن لو فعل جماعة صح وهو
ما سوى ذلك قال أصحابنا وأفضلها وآكدها صلاة العيد لأنها تشبه الفرائض ولأنها يختلف
في كونها فرض كفاية ثم الكسوفين ثم الاستسقاء وهذا لا خلاف فيه: وأما التراويح فقال أصحابنا
ان قلنا الانفراد بها أفضل فالنوافل الراتبة مع الفرائض كسنة الصبح والظهر وغيرهما أفضل
منها بلا خلاف وان قلنا بالأصح ان الجماعة فيها أفضل فوجهان مشهوران حكاهما المحاملي وامام
الحرمين وابن الصباغ وسائر الأصحاب (أحدهما) ان التراويح أفضل من السنن الراتبة لأنها تسن لها
الجماعة فأشبهت العيد وهذا اختيار القاضي أبو الطيب في تعليقه والثاني وهو الصحيح باتفاق الأصحاب ان
السنن الراتبة أفضل وهذا ظاهر نص الشافعي رحمه الله في المختصر لان النبي واظب على الراتبة دون التراويح
وضعف امام الحرمين وغيره الوجه الأول قال أصحابنا وسبب هذا الخلاف ان الشافعي رحمه الله
قال في المختصر واما قيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحب إلى منه قال امام الحرمين فمن أصحابنا
5

من قال مراد الشافعي ان الانفراد بالتراويح أفضل من اقامتها جماعة ومنهم من قال أراد أن الراتبة
التي لا تصلى جماعة أحب إلي من التراويح وان شرعت لها الجماعة وهذا التأويل الثاني هو الصحيح
عند الأصحاب ونقله المحاملي عن ابن سريج واستدل له بسياق كلام الشافعي ثم قال هذا هو المذهب
قال صاحب الشامل هذا ظاهر نصه لأنه لم يقل صلاته منفردا أفضل: بل قال صلاة المنفرد أحب إلى منه
والله أعلم *
(فرع) قال صاحب الحاوي صلاة كسوف الشمس آكد من صلاة كسوف القمر ويستدل له
بالأحاديث الصحيحة من طرق متكاثرات ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " ان الشمس والقمر آيتان "
الحديث فقدم الشمس في جميع الروايات مع كثرتها ولان الانتفاع بالشمس أكثر من القمر *
(فرع) قد ذكرنا أن صلاة الكسوفين أفضل من صلاة الاستسقاء بلا خلاف واستدل أصحابنا
بما ذكر المصنف ولان صلاة الكسوف مجمع عليها وقال أبو حنيفة صلاة الاستسقاء بدعة ولان النبي صلى الله عليه
وسلم كان يستسقي تارة بالصلاة وتارة بالدعاء بغير صلاة ولم يترك صلاة الكسوف عند وجودها ولان
الكسوف يخاف فوتها بالانجلاء كما يخاف فوت الفريضة بخروج الوقت فتتأكد لشبهها بها بخلاف
الاستسقاء قال أصحابنا ولان الكسوف عبادة محضة والاستسقاء لطلب الرزق
فان قيل لا نسلم أن الكسوف عبادة محضة بل فيها طلب ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم " ان الشمس
والقمر آيتان لا يكسفان لموت أحد فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم " وفى رواية " لا يكسفان
لموت أحد ولكن يخوف الله بهما عباده وفى رواية " فصلوا حتى يفرج الله عنكم " وفى رواية " يخوف
الله بهما عباده فإذا رأيتم منهما شيئا فصلوا وادعوا الله حتى يكشف ما بكم وهذه الألفاظ كلها في صحيحي البخاري
ومسلم بعضها فيهما وبعضها في أحدهما وفيهما ألفاظ كثيرة نحوها فالجواب ان الكسوف غالبا لا يحصل
منه ضرر بخلاف القحط فتمحض الكسوف عبادة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
6

واما ما لا يسن له الجماعة ضربان راتبة بوقت وغير راتبه فاما الراتبة فمنها السنن الراتبة مع الفرائض
وأدنى الكمال فيها عشر ركعات غير الوتر وهي ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان
بعد العشاء وركعتان قبل الصبح والأصل فيه ما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال " صليت مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم قبل الظهر سجدتين وبعدها سجدتين وبعد المغرب سجدتين وبعد العشاء سجدتين "
وحدثتني حفصة بنت عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يصلى سجدتين خفيفتين
إذا طلع الفجر " والأكمل أن يصلي ثماني عشرة ركعة غير الوتر ركعتين قبل الفجر وركعتين بعد المغرب
وركعتين بعد العشاء لما ذكرناه من حديث ابن عمر وأربعا قبل الظهر وأربعا بعدها لما روت أم حبيبة رضي الله عنه
ان النبي صلى الله عليه وسلم " قال من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرم على النار "
وأربعا قبل العصر لما روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يصلي قبل العصر أربعا
يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة ومن معهم من المؤمنين " والسنة فيها وفى الأربع قبل الظهر وبعدها
أن يلم من كل ركعتين لما رويناه من حديث علي رضي الله عنه) *
(الشرح) حديث ابن عمر رضي الله عنهما رواه البخاري ومسلم من طرق والسجدتان ركعتان وحديث أم
حبيبة رضي الله عنها صحيح رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وحديث علي
رضي الله عنه رواه الترمذي وقال حديث حسن وقد سبق بيانه في فصل السلام من صفة الصلاة واسم
أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن صخر بن حرب وقيل اسمها هند كنيت بابنتها حبيبة بنت عبد الله
ابن جحش وكانت من السابقين إلى الاسلام تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة ست وقيل سبع رضي
7

الله عنها: وفى الفصل أحاديث صحيحة أيضا (منها) حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم
" كان لا يدع أربعا قبل الظهر ثم يخرج ويصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين " رواه مسلم وعنها " كان
النبي صلى الله عليه وسلم " إذا لم يصل أربعا قبل الظهر صلاهن بعدها " رواه الترمذي وقال حديث حسن وعن
علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يصلي قبل العصر ركعتين " رواه أبو داود باسناد صحيح
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله امرءا صلي قبل العصر أربعا " رواه أبو داود
والترمذي وقال حديث حسن وفى الباب أحاديث كثيرة غير ما ذكرته: اما حكم المسألة فالأكمل في الرواتب
مع الفرائض غير الوتر ثمان عشرة ركعة كما ذكر المصنف وأدنى الكمال عشر كما ذكره منهم من قال ثمان
فأسقط سنة العشاء قاله الخضري ونص عليه وقيل اثنتي عشرة فزاد قبل الظهر ركعتين أخرتين وقيل بزيادة
ركعتين قبل العصر وكل هذا سنة وإنما الخلاف في المؤكد منه *
(فرع) في استحباب ركعتين قبل المغرب وجهان مشهوران في طريقة الخراسانيين (الصحيح) منهما
الاستحباب لحديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلوا قبل صلاة المغرب
قال في الثالثة لمن شاء " رواه البخاري في مواضع من صحيحه وعن أنس رضي الله عنه " قال رأيت كبار أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدرن السواري عند المغرب " رواه البخاري وعنه قال كنا نصلي على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل المغرب فقلت أكان النبي صلى الله عليه وسلم صلاها قال كان
يرانا نصليها فلم يأمرنا ولم ينهنا رواه مسلم وعنه قال كنا بالمدينة وإذا أذن المؤذن بصلاة المغرب ابتدروا
8

السواري فركعوا ركعتين حتى أن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت
من كثرة من يصليها " رواه مسلم وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه " أنهم كانوا يصلون ركعتين قبل
المغرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري فهذه الأحاديث صحيحة صريحة في
استحبابها وممن قال به من أصحابنا أبو إسحاق الطوسي وأبو زكريا السكري حكاه عنهما الرافعي وهذا
الاستحباب إنما هو بعد دخول وقت المغرب وقبل شروع المؤذن في إقامة الصلاة وأما إذا شرع
المؤذن في الإقامة فيكره أن يشرع في شئ من الصلوات غير المكتوبة للحديث الصحيح " إذا
أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " رواه مسلم وأما الحديث الذي رواه أبو داود عن ابن عمر قال
" ما رأيت أحدا يصلى الركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " فاسناده حسن
وأجاب البيهقي وآخرون عنه بأنه نفى ما لم يعلمه وأثبته غيره ممن علمه فوجب تقديم رواية الذين أثبتوا
لكثرتهم ولما معهم من علم ما لا يعلمه ابن عمر *
(فرع) يستحب أن يصلي قبل العشاء الآخرة ركعتين فصاعدا لحديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة
قال في الثالثة لمن يشاء " رواه البخاري ومسلم والمراد بالأذانين الأذان والإقامة باتفاق العلماء *
(فرع) في سنة الجمعة بعدها وقبلها: تسن قبلها وبعدها صلاة وأقلها ركعتان قبلها وركعتان بعدها
والأكمل أربع قبلها وأربع بعدها هذا مختصر الكلام فيها: وأما تفصيله فقال أبو العباس ابن القاص في
المفتاح في باب صلاة الجمعة سنتها أن يصلي قبلها أربعا وبعدها أربعا وقال صاحب التهذيب في باب (1)
صلاة التطوع بعد صلاة الجمعة كهي بعد صلاة الظهر وقال صاحب البيان في باب صلاة الجمعة قال
الشيخ أبو نصر لا نص للشافعي فيما يصلي بعد الجمعة والذي يجزئه على المذهب أنه يصلى بعدها
ما يصلى بعد الظهر إن شاء ركعتين وإن شاء أربعا قال صاحب البيان وكذا يصلى قبلها ما يصلي
قبل الظهر (قلت) وهذا الذي ادعاه أبو نصر وأقره صاحب البيان عليه من أن الشافعي لا نص له
في الصلاة بعد الجمعة غلط بل نص الشافعي رحمه الله على أنه يصلى بعدها أربع ركعات ذكر هذا
النص في الأم في باب صلاة الجمعة والعيدين من كتاب اختلاف علي بن أبي طالب وعبد الله بن
مسعود رضي الله عنهما وهو من أواخر كتب الأم قبل كتاب سير الواقدي كذلك رأيته فيه
ونقل أبو عيسى الترمذي في كتابه عن الشافعي رحمه الله أنه يصلى بعد الجمعة ركعتان فهذا ما حضرني

(1) كذا بالأصل فحرر اه‍
9

الآن من نص الشافعي وكلام الأصحاب رحمهم الله: وأما دليله من الأحاديث فروي ابن عمر
رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته " وفي رواية " كان
لا يصلى بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلى ركعتين في بيته " رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة
رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلي أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا
وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل بعدها أربعا " وفى رواية
إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا بعدها أربعة " رواه مسلم بهذه الروايات الثلاث وفى رواية لأبي داود
" إذا صليتم الجمعة فصلوا بعدها أربعا ": وأما السنة قبلها فالعمدة فيها حديث عبد الله بن مغفل المذكور
في الفرع قبله " بين كل أذانين صلاة " والقياس على الظهر وأما حديث ابن عباس في سنن ابن ماجة أن النبي
صلى الله عليه وسلم " كان يصلي قبل الجمعة أربعا لا يفصل في شئ منهن " فلا يصح الاحتجاج به لأنه
ضعيف جدا ليس بشئ وذكر أبو عيسى الترمذي أن عبد الله بن مسعود كان يصلي قبل الجمعة
أربعا وبعدها أربعا واليه ذهب سفيان الثوري وابن المبارك *
(فرع) السنة لمن صلى أربعا قبل الظهر أو بعدها أن يسلم من كل ركعتين لحديث علي رضي الله عنه
الذي ذكره المصنف وحديث " صلاة الليل والنهار مثنى مثني " وسيأتي أدلة المسألة ومذهب
أبي حنيفة رحمه الله وغيره إن شاء الله تعالى حيث ذكره المصنف في آخر هذا الباب وبالله التوفيق
واما الحديث المروى عن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أربع قبل
الظهر ليس فيها تسليم يفتح لهن أبواب السماء " فضعيف رواه أبو داود وضعفه *
* قال المصنف رحمه الله *
(وما يفعل قبل الفرائض من هذه السنن يدخل وقتها بدخول وقت الفرض ويبقي وقتها
إلى أن يذهب وقت الفرض وما كان بعد الفرض يدخل وقتها بالفراغ من الفرض ويبقى وقتها
إلى أن يذهب وقت الفرض ومن أصحابنا من قال يبقي وقت سنة الفجر إلى الزوال وهو ظاهر
والنص الأول أظهر) *
10

(الشرح) قال أصحابنا يدخل وقت السنن التي قبل الفرائض بدخول وقت الفرائض ويبقي
وقتها ما لم يخرج وقت الفريضة لكن المستحب تقديمها على الفريضة ويدخل وقت السنن التي بعد
الفرائض بفعل الفريضة ويبقى ما دام وقت الفريضة هذا هو المذهب في المسألتين وبه قطع الأكثرون وفى وجه
حكاه المصنف وغيره يبقى وقت سنة الفجر ما لم تزل الشمس وبه قطع الشيخ أبو حامد في تعليقه
وفى وجه حكاه القاضي حسين والمتولي أن سنة الصبح يخرج وقتها بفعل فريضة الصبح وفى وجه
حكاه المتولي أن سنة فريضة الظهر التي قبلها يخرج وقتها بفعل الظهر ويصير قضاء وفى وجه حكاه المتولي
أيضا أن وقت سنة المغرب يمتد إلى غروب الشفق وإن قلنا لا يمتد وقت المغرب وفى وجه حكاه
المتولي أيضا أن وقت سنة المغرب يمتد إلى أن يصلى العشاء ووقت العشاء يمتد إلى أن يصلي فريضة
الصبح والمذهب ما سبق * قال المصنف رحمه الله *
(وأما الوتر فهو سنة لما روى أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " الوتر حق وليس بواجب فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب ان يوتر بثلاث
فليفعل ومن أحب ان يوتر بواحدة فليفعل " وأكثره إحدى عشرة ركعة لما روت عائشة رضي الله
عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر فيها بواحدة "
وأقله ركعة لما ذكرناه من حديث أبي أيوب وأدنى الكمال ثلاث ركعات يقرأ في الأولى بعد الفاتحة (سبح
اسم ربك الأعلى) وفى الثانية (قل يا أيها الكافرون) وفى الثالثة (قل هو الله أحد)
(والمعوذتين) لما روت عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ذلك
والسنة لمن أوتر بما زاد على ركعة أن يسلم من كل ركعتين لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يفصل بين الشفع والوتر ولأنه يجهر في الثالثة ولو كانت موصولة بالركعتين
لما جهر فيها كالثالثة من المغرب ويجوز أن يجمعها بتسليمة لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الوتر والسنة أن يقنت في الوتر في النصف الأخير من شهر
11

رمضان لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال السنة إذا انتصف الشهر من رمضان أن تلعن الكفرة
في الوتر بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ثم يقول اللهم قاتل الكفرة وقال أبو عبد الله الزبيري
يقنت في جميع السنة لما روى أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات
ويقنت قبل الركوع والمذهب الأول وحديث أبي بن كعب غير ثابت عند أهل النقل ومحل القنوت
في الوتر بعد الرفع من الركوع ومن أصحابنا من قال محله في الوتر قبل الركوع لحديث أبي بن كعب
والصحيح هو الأول لما ذكرت من حديث عمر رضي الله عنه ولأنه في الصبح يقنت بعد الركوع
فكذلك الوتر ووقت الوتر ما بين أن يصلي العشاء إلى طلوع الفجر الثاني لقوله عليه الصلاة والسلام
إن الله تعالى زادكم صلاة وهي الوتر فصلوها من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر فإن كان ممن له
تهجد فالأولى أن يؤخره حتى يصليه بعد التهجد وإن لم يكن له تهجد فالأولى أن يصليه بعد سنة
العشاء لما روي جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من خاف منكم أن لا يستيقظ من
آخر الليل فليوتر من أول الليل ثم ليرقد ومن طمع منكم أن يقوم من آخر الليل فليوتر آخر الليل) *
(الشرح) الوتر سنة عندنا بلا خلاف وأقله ركعة بلا خلاف وأدنى كماله ثلاث ركعات وأكمل منه
خمس ثم سبع ثم تسع ثم احدى عشرة وهي أكثره على المشهور في المذهب وبه قطع المصنف والأكثرون
وفيه وجه ان أكثره ثلاث عشرة حكاه جماعة من الخراسانيين وجاءت فيه أحاديث صحيحة ومن قال بإحدى
عشرة بتأولها على أن الراوي حسب معها سنة العشاء ولو زاد على ثلاثة عشرة لم يجز ولم يصح وتره عند الجمهور
وفيه وجه حكاه امام الحرمين وغيره انه يجوز لان النبي صلى الله عليه وسلم فعله على أوجه من اعداد
من الركعات فدل على عدم انحصاره وأجاب الجمهور عن هذا بان اختلاف الاعداد إنما هو فيما لم
يجاوز ثلاثة عشرة ولم ينقل مجاوزتها فدل على امتناعها والخلاف شبيه بالخلاف في جواز القصر فيما
زاد على إقامة ثمانية عشر يوما وفى جواز الزيادة على انتظارين في صلاة الخوف وإذا أوتر بإحدى
عشرة فما دونها فالأفضل ان يسلم من كل ركعتين للأحاديث الصحيحة التي سأذكرها إن شاء الله تعالى
في فرع مذاهب العلماء فان أراد جمعها بتشهد واحد في آخرها كلها جاز وان أرادها بتشهدين
وسلام واحد يجلس في الآخرة والتي قبلها جاز وحكي الفوراني وامام الحرمين وجها انه لا يجوز
بتشهدين بل يشترط الاقتصار على تشهد واحد وحمل هذا القائل الأحاديث الواردة بتشهدين على
أنه كان يسلم في كل تشهد قال الامام وهذا الوجه ردئ لا تعويل عليه وحكي الرافعي وجها عكسه
12

أنه لا يجزئ الاقتصار على تشهد واحد وهذان الوجهان غلط والأحاديث الصحيحة مصرحة بابطالهما
والصواب جواز ذلك كله كما قدمناه ولكن (1) الأفضل تشهد أم تشهدان أم هما معافى الفضيلة: فيه ثلاثة
أوجه واختار الروياني تشهدا فقط اما إذا زاد على تشهدين وجلس في كل ركعتين واقتصر على السلام
في الآخرة فوجهان حكاهما الرافعي وغيره أحدهما يجوز ويصح وتره كما لو صلي نافلة مطلقة بتشهدات وسلام
واحد فإنه يجوز على المذهب الصحيح كما سنذكره قريبا إن شاء الله تعالى والثاني وهو الصحيح
لا يجوز ذلك لأنه خلاف المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهذا قطع امام الحرمين وغيره قال الامام
والفرق بينه وبين النوافل المطلقة أن النوافل المطلقة لا حصر لركعاتها وتشهداتها بخلاف الوتر وإذا أراد
الاتيان بثلاث ركعات ففي الأفضل أوجه الصحيح ان الأفضل أن يصليها مفصولة بسلامين لكثرة الأحاديث
الصحيحة فيه ولكثرة العبادات فإنه تتجدد النية ودعاء التوجه والدعاء في آخر الصلاة والسلام وغير ذلك
والثاني ان وصلها بتسليمة واحدة أفضل قاله الشيخ أبو زيد المروزي للخروج من الخلاف فان أبا حنيفة رحمه الله
لا يصحح المفصولة والثالث إن كان منفردا فالفصل أفضل وإن كان اماما فالوصل حتى تصح صلاته
لكل المقتدين والرابع عكسه حكاه الرافعي وهل الثلاث الموصولة أفضل أم ركعة فردة فيه أوجه
حكاها امام الحرمين وغيره الصحيح ان الثلاث أفضل وبه قال القفال والثاني الفردة أفضل قال
امام الحرمين وغلا هذا القائل فقال الركعة الفردة أفضل من أحدي عشرة موصولة والثالث إن كان
منفردا فالفردة أفضل وإن كان اماما فالثلاث الموصولة أفضل ثم إن الخلاف في التفضيل بين الفصل
والوصل إنما هو في الوصل بثلاث اما الوصل بزيادة على ثلاث فالفصل أفضل منه بلا خلاف ذكره
امام الحرمين والله أعلم ثم إن أوتر بركعة نوى بها الوتر وان أوتر بأكثر واقتصر على تسليمة
نوى الوتر أيضا وإذا فصل الركعتان بالسلام وسلم من كل ركعتين نوى بكل ركعتين ركعتين من
الوتر هذا هو المختار وله ان ينوى غير هذا مما سبق بيانه في أول صفة الصلاة *
(فرع) في وقت الوتر اما أوله ففيه ثلاثة أوجه الصحيح المشهور الذي قطع به المصنف والجمهور
انه يدخل بفراغه من فريضة العشاء سواء صلي بينه وبين العشاء نافلة أم لا سواء أوتر بركعة أم
بأكثر فان أوتر قبل فعل العشاء لم يصح وتره سواء تعمده أم سها وظن أنه صلي العشاء أم ظن جوازه
وكذا لو صلي العشاء ظانا أنه تطهر ثم أحدث فتوضأ فأوتر فبان انه كان محدثا في العشاء فوتره
باطل والوجه الثاني يدخل وقت الوتر بدخول وقت العشاء وله أن يصليه قبلها حكاه امام الحرمين

(1) كذا بالأصل ولعل أداة الاستفهام سقطت من الناسخ
13

وآخرون وقطع به القاضي أبو الطيب قالوا سواء تعمد أم سها والثالث انه إن أوتر بأكثر من ركعة دخل وقته بفعل العشاء وان أوتر بركعة فشرط صحتها أن يتقدمها نافلة بعد فريضة العشاء فأن
أوتر بركعة قبل أن يتقدمها نفل لم يصح وتره وقال امام الحرمين ويكون تطوعا قال الرافعي ينبغي
أن يكون في صحتها نفلا وبطلانها بالكلية الخلاف السابق فيمن أحرم بالظهر قبل الزوال * وأما آخر
وقت الوتر فالصحيح الذي قطع به المصنف والجمهور انه يمتد إلى طلوع الفجر ويخرج وقته بطلوع
الفجر وحكى المتولي قولا للشافعي انه يمتد إلى أن يصلى فريضة الصبح وأما الوقت المستحب للاتيار
فقطع المنصف والجمهور بان الأفضل أن يكون الوتر آخر صلاة الليل فإن كان لا يتهجد استحب
أن يوتر بعد فريضة العشاء وسنتها في أول الليل وإن كان له تهجد فالأفضل تأخير الوتر ليفعله بعد
التهجد ويقع وتره آخر صلاة الليل وقال امام الحرمين والغزالي تقديم الوتر في أول الليل أفضل
وهذا خلاف ما قاله غيرهما من الأصحاب قال الرافعي يجوز أن يحمل نفلهما على من لا يعتاد قيام
الليل ويجوز ان يحمل على اختلاف قول والامر فيه قريب وكل سائغ (قلت) والصواب التفصيل الذي
سبق وانه يستحب لمن له تهجد تأخير الوتر ويستحب أيضا لمن لم يكن له تهجد ووثق باستيقاظه
أواخر الليل اما بنفسه واما بايقاظ غيره ان يؤخر الوتر ليفعله آخر الليل لحديث عائشة رضي الله عنها
قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل فإذا بقي الوتر أيقظني فأوترت رواه مسلم
وفى رواية له فإذا أوتر قال قومي فأوتري يا عائشة ودليل استحباب الايتار آخر الليل أحاديث كثيرة
في الصحيح منها حديث عائشة رضي الله عنها قالت من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم
من أوله وآخره وانتهى وتره إلى السحر " رواه البخاري ومسلم وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " رواه البخاري ومسلم وعنه ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال " بادروا الصبح بالوتر " رواه مسلم وعن جابر رضي الله عنه قال " قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم من خاف الا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر
آخر الليل فان صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل " رواه مسلم بلفظه وهذا صريح فيما ذكرناه أولا من
التفصيل ولا معدل عنه وأما حديث أبي الدرداء وأبي هريرة رضي الله عنهما " أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن
14

حتى أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحي وألا أنام الا على وتر رواهما مسلم وروى البخاري
حديث أبي هريرة فمحمولان على من لا يثق بالقيام آخر الليل وهذا التأويل متعين ليجمع بينه وبين حديث جابر
وغيره من الأحاديث السابقة من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله والله أعلم *
(فرع) إذا أوتر قبل أن ينام ثم قام وتهجد لم ينقض الوتر على الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور
بل يتهجد بما تيسر له شفعا وفيه وجه حكاه امام الحرمين وغيره من الخراسانيين
انه يصلى من أول قيامه ركعة يشفعه ثم يتهجد ما شاء ثم يوتر ثانيا ويسمى هذا نقض الوتر والمذهب الأول
لحديث طلق بن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا وتران
في ليلة رواه أبو داود والترمذي والنسائي قال الترمذي حديث حسن *
(فرع) إذا استحببنا الجماعة في التراويح استحبت الجماعة أيضا في الوتر بعدها باتفاق الأصحاب
فإن كان له تهجد لم يوتر معهم بل يؤخره إلى آخر الليل كما سبق فان أراد الصلاة معهم صلي نافلة مطلقة
وأوتر آخر الليل وأما في غير رمضان فالمشهور أنه لا يستحب فيه الجماعة وحكى الرافعي عن حكاية أبى
الفضل بن عبدان وجهين في استحبابها فيه مطلقا والمذهب الأول: والمذهب ان السنة أن يقنت في
الركعة الآخرة من صلاة الوتر في النصف الأخير من شهر رمضان هذا هو المشهور في المذهب ونص
عليه الشافعي رحمه الله وفى وجه يستحب في جميع شهر رمضان وهو مذهب مالك ووجه ثالث أنه
يستحب في الوتر في جميع السنة وهو قول أربعة من كبار أصحابنا أي عبد الله الزبيري وأبى الوليد
النيسابوري وأبي الفضل بن عبدان وأبي منصور بن مهران وهذا الوجه قوى في الدليل لحديث الحسن
ابن علي رضي الله عنهما السابق في القنوت ولكن المشهور في المذهب ما سبق وبه قال جمهور الأصحاب
قال الرافعي وظاهر كلام الشافعي رحمه الله كراهة القنوت في غير النصف الآخر من رمضان قال
ولو ترك القنوت في موضع استحبه سجد للسهو ولو قنت حيث لا يستحبه سجد للسهو وحكى الروياني
وجها أنه يقنت في جميع السنة بلا كراهة ولا يسجد للسهو لتركه من غير النصف الآخر من رمضان
قال وهذا حسن وهو اختيار مشايخ طبرستان *
(فرع) في موضع القنوت في الوتر أوجه الصحيح المشهور بعد الركوع ونص عليه الشافعي رحمه الله
من حرملة وقطع به الأكثرون وصححه الباقون والثاني قبل الركوع قاله ابن سريج والثالث يتخير
بينهما حكاه الرافعي وسيأتي دليل الجميع إن شاء الله تعالى فإذا قلنا يقدمه على الركوع فالصحيح المشهور
15

أنه يقيت بلا تكبير وفيه وجه أنه يكبر بعد القراءة ثم يقنت ثم يركع مكبرا حكاه الرافعي
رحمه الله *
(فرع) قال أصحابنا لفظ القنوت هنا كهو في الصبح ولهذا لم يذكره المصنف قالوا فيقنت باللهم
اهدني فيمن هديت وبقنوت عمر رضي الله عنهما وقد سبق بيانهما في صفة الصلاة وهل الأفضل
تقديم قنوت عمر على قوله اللهم اهدني أم تأخيره فيه وجها قال الروياني تقديمه أفضل قال وعليه العمل
ونقل القاضي أبو الطيب في غير تعليقه عن شيوخهم تأخيره وهذا هو الذي نختاره لان قولهم اللهم اهدني
ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا آكد واهم فقدم قال الروياني قال ابن القاص يزيد في القنوت
ربنا لا تؤاخذنا إلى آخر السورة واستحسنه وهذا الذي قاله غريب ضعيف والمشهور كراهة القراءة في
غير القيام *
(فرع) حكم الجهر بالقنوت ورفع اليد ومسح الوجه كما سبق في قنوت الصبح *
(فرع) قال أصحابنا يستحب لمن أوتر بثلاث أن يقرأ بعد الفاتحة في الأولى سبح اسم ربك
وفى الثانية قل يا أيها الكافرون وفى الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين واستدلوا له بالحديث الذي
ذكره المصنف وسنذكره إن شاء الله تعالى وغيره *
(فرع) يستحب أن يقول بعد الوتر ثلاث مرات سبحان الملك القدوس وأن يقول اللهم إني
أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت
على نفسك ففيهما حديثان صحيحان في سنن أبي داود وغيره *
(فرع) إذا أوتر ثم أراد أن يصلي نافلة أم غيرها في الليل جاز بلا كراهة ولا يعيد الوتر كما
سبق ودليله حديث عائشة رضي الله عنها وقد سئلت عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت كنا نعدله
سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء ان يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيهن
الا في الثامنة فيذكر الله ويمجده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله
ويمجده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد رواه مسلم وهو بعض حديث
طويل وهذا الحديث محمول على أنه صلى الله عليه وسلم صلي الركعتين بعد الوتر بيانا لجواز الصلاة بعد
الوتر ويدل عليه أن الروايات المشهورة في الصحيحين عن عائشة مع رواية خلائق من الصحابة رضي
الله عنهم في الصحيحين مصرحة بان آخر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل كانت وترا وفى الصحيحين
16

أحاديث كثيرة بالأمر بكون آخر صلاة الليل وترا كقوله صلى الله تعالى عليه وسلم " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل
وترا وقد تقدم قريبا عن الصحيحين " كقوله صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا
خفت الصبح فأوتر بواحدة " روياه في الصحيحين من رواية ابن عمر رضي الله عنهما فكيف يظن بالنبي صلى الله عليه
وسلم مع هذه الأحاديث وأشباهها انه كان يداوم على ركعتين بعد الوتر وإنما معناه ما ذكرناه
أولا من بيان الجواز وإنما بسطت الكلام في هذا الحديث لأني رأيت بعض الناس يعتقد أنه يستحب
صلاة ركعتين بعد الوتر جالسا ويفعل ذلك ويدعو الناس إليه وهذه جهالة وغباوة أنسه بالأحاديث الصحيحة
وتنوع طرقها وكلام العلماء فيها فاحذر من الاغترار به واعتمد ما ذكرته أولا وبالله التوفيق *
(فرع) في بيان الأحاديث المذكورة في الكتاب في فضل الوتر: الأول حديث أبي أيوب رضي الله عنه
قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوتر حق على كل مسلم فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر
بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل " رواه أبو داود باسناد صحيح بهذا اللفظ ورواه هكذا
أيضا الحاكم على المستدرك وقال حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم وأما الزيادة التي ذكرها المصنف
فيه وهي قوله الوتر حق وليس بواجب فغريبة لا اعرف لها اسنادا صحيحا ويغنى عنها ما سأذكره من الأدلة على
عدم وجوب الوتر في فرع مذاهب العلماء فيه إن شاء الله تعالى (الثاني) حديث عائشة رضي الله عنها أن
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يصلي من الليل إحدى عشرة يوتر منها بواحدة رواه البخاري ومسلم
(الثالث) حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر في الأولى سبح اسم
ربك وفى الثانية (قل يا أيها الكافرون وفي والثالثة (قل هو الله أحد) (والمعوذتين) ورواه أبو داود والترمذي
وقال حديث حسن ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة من رواية أبي بن كعب رآه الترمذي النسائي ابن
ماجة من راية بن عباس لكن ليس في روايتهما ذكر المعوذتين وهو ثابت في حديث عائشة كما ذكرناه
(الرابع) حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين الشفع والوتر
بتسليمة يسمعناها رواه أحمد بن حنبل في مسنده بهذا اللفظ (الخامس) قيل فإن كان يعلم حديث عائشة رضي
الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسلم في ركعتي الوتر رواه النسائي باسناد حسن ورواه البيهقي في السنن الكبيرة
17

باسناد صحيح وقال يشبه أن يكون هذا اختصارا من حديثها في الايتار بتسع يعني حديثها السابق
في الفرع قبله (السادس) حديث قنوت عمر بن الخطاب رضي الله عنه رواه أبو داود في سننه من
رواية الحسن البصري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع الناس على أبي بن كعب فكان
يصلى لهم عشرين ليلة ولا يقنت بهم ألا في النصف الباقي فإذا كان العشر الأواخر تخلف
فصلي في بيته فكانوا يقولون ابق أبى هذا لفظ أبي داود والبيهقي وهو منقطع لان الحسن لم يدرك
عمر بل ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورواه أبو داود أيضا عن ابن سيرين عن
بعض أصحابه أن أبي بن كعب أمهم يعنى في رمضان وكان يقنت في النصف الآخر منه وهذا
أيضا ضعيف لأنه رواية مجهول (السابع) حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
" كان يقنت في الوتر قبل الركوع " رواه أبو داود وضعفه وروى البيهقي القنوت في الوتر من
رواية ابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وضعفها
كلها وبين سبب ضعفها (الثامن) حديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله زادكم صلاة وهي الوتر فصلوها
من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي من رواية خارجة بن
حذافة رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله قد أمدكم بصلاة هي
خير لكم من حمر النعم وهي الوتر فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر هذا لفظ
رواية أبي داود وفى رواية الترمذي فيما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وفى إسناد هذا الحديث ضعف وأشار
البخاري وغيره من العلماء إلى تضعيفه قال البخاري فيه رجلان لا يعرفان إلا بهذا الحديث ولا يعرف
سماع رواية بعضهم من بعض (التاسع) حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
من خاف الا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع الحديث رواه مسلم وقد سبق بيانه *
(فرع) في لغات ألفاظ الفصل الوتر - بفتح الواو وكسرها - لغتان وأبو أيوب الأنصاري
اسمه خالد بن زيد شهد بدرا والعقبة والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عليه رسول
الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة شهرا حتى يثبت امساكنه توفى في الغزو بالقسطنطينية
رضي الله عنه وأما أبي بن كعب فهو أبو المنذر ويقال أبو الطفيل شهد العقبة الثانية وبدرا ومناقبه
كثيرة ومن أجلها أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليه (لم يكن الذين كفروا) السورة وقال امرني
الله تعالى ان اقرأها عليك وحديثه هذا مشهور في الصحيحين توفى بالمدينة سنة تسع عشرة
18

وقيل عشرين وقيل ثنتين وعشرين رضي الله عنه (قوله) الوتر حق أي مشروع مأمور به والتهجد هو
الصلاة في الليل بعد النوم *
(فرع) في مذاهب العلماء في حكم الوتر مذهبنا أنه ليس بواجب بل هو سنة متأكدة وبه قال
جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم قال القاضي أبو الطيب هو قول العلماء كافة حتى
أبو يوسف ومحمد قال وقال أبو حنيفة وحده هو واجب وليس بفرض فان تركه حتى طلع الفجر اثم
ولزمه القضاء وقال الشيخ أبو حامد في تعليقه الوتر سنة مؤكدة ليس بفرض ولا واجب وبه قالت
الأمة كلها إلا أبا حنيفة فقال هو واجب وعنه رواية انه فرض وخالفه صاحباه فقالا هو سنة قال أبو حامد
قال ابن المنذر لا أعلم أحدا وافق أبا حنيفة في هذا * واحتج له بحديث أبي أيوب رضي الله عنه ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال " الوتر حق على كل مسلم فمن أحب ان يوتر بخمس " الخ وهو حديث صحيح كما
سبق قريبا وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا أهل القرآن أوتروا
فان الله وتر يحب الوتر " رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم قال الترمذي حديث حسن
وعن بريدة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا الوتر
حق فمن لم يوتر فليس منا الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا " رواه أبو داود وعن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله زادكم
صلاة فحافظوا عليها وهي الوتر " وعن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم " قال اجعلوا
آخر صلاتكم بالليل وترا " رواه البخاري ومسلم وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال " أوتروا قبل أن تصبحوا " وعن عائشة رضي الله عنها قالت " كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فإذا أوتر قال قومي فأوتري يا عائشة " رواه مسلم وذكروا أقسية
ومناسبات لا حاجة إليها مع هذه الأحاديث * واحتج أصحابنا والجمهور بحديث طلحة بن عبيد الله
رضي الله عنه قال جاء رجل من أهل نجد فإذا هو يسأل عن الاسلام فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة فقال هل على غيرها فقال لا إلا أن تطوع وسأله عن الزكاة والصيام
وقال في آخره والله لا أزيد على هذا ولا أنقص فقال النبي صلى الله عليه وسلم أفلح إن صدق "
رواه البخاري ومسلم من طرق واستنبط الشيخ أبو حامد وغيره منه أربعة أدلة (أحدها) أن النبي
صلى الله عليه وسلم أخبره أن الواجب من الصلوات إنما هو الخمس (الثاني) قوله هل على غيرها قال لا
19

(الثالث) قوله صلى الله عليه وسلم إلا أن تطوع وهذا تصريح بان الزيادة على الخمس إنما تكون
تطوعا (الرابع) أنه قال لا أزيد ولا أنقص فقال النبي صلى الله عليه وسلم أفلح ان صدق وهذا تصريح
بأنه لا يأثم بترك غير الخمس وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث
معاذا إلى اليمن فقال أدعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فان هم أطاعوا
لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فان هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله تعالى
افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم رواه البخاري ومسلم وهذا
من أحسن الأدلة لان بعث معاذ رضي الله عنه إلى اليمن كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
بقليل جدا وعن عبد الله بن محيريز عن رجل من بني كنانة يقال له المخدجي قال كان بالشام رجل
يقال له أبو محمد قال الوتر واجب فرحت إلى عبادة - يعنى بن الصامت - فقلت أن أبا محمد يزعم أن
الوتر واجب قال كذب أبو محمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمس صلوات كتبهن
الله على العباد من أتى بهن لم يضيع منهن شيئا جاء وله عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن ضيعهن
استخفافا بحقهن جاء ولا عهد له إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة هذا حديث صحيح رواه مالك
في الموطأ وأبو داود والنسائي وغيرهم وعن علي رضي الله عنه قال ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة
ولكنه سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الترمذي والنسائي وآخرون قال الترمذي حديث
حسن وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال الوتر امر حسن جميل عمل به النبي صلى الله عليه
وسلم والمسلمون من بعده وليس بواجب رواه الحاكم وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم وعن
ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يصلى الوتر على راحلته ولا يصلي عليها المكتوبة " رواه
البخاري ومسلم واستدل به الشافعي والأصحاب على أن الوتر ليس بواجب (فان قيل) لا دلالة فيه لان مذهبكم
ان الوتر واجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان سنة في حق الأمة فالواجب أن يقال لو كان
على العموم لم يصح على الراحلة كالمكتوبة وكان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز هذا
الواجب الخاص عليه على الراحلة فهذه الأحاديث هي التي يعتمدها في المسألة. واستدل أصحابنا
بأحاديث كثيرة مشهورة غير ما سبق لكن أكثرها ضعيفة لا استحل الاحتجاج بها
فيما ذكرته من الأحاديث الصحيحة أبلغ كفاية ومن الضعيف الذي احتجوا به حديث أبي جناب
- بجيم ونون - عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ثلاث هن على فرائض
20

وهن لكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحي " رواه البيهقي وقال أبو جناب الكلبي اسمه يحيي بن أبي
حيينه ضعيف وهو مدلس وإنما ذكرت هذا الحديث لأبين ضعفه واحذر من الاغترار به قال أصحابنا
ولأنها صلاة لا تشرع لها الأذان ولا الإقامة فلم تكن واجبة على الأعيان كالضحى وغيرها واحترزوا
بقولهم على الأعيان من الجنازة والنذر: واما الأحاديث التي احتجوا بها فمحمولة على الاستحباب
والندب المتأكد ولا بد من هذا التأويل للجمع بينها وبين الأحاديث التي استدللنا بها فهذا جواب
يعمها ويجاب عن بعضها خصوصا بجواب آخر فحديث أبي أيوب لا يقولون به لان فيه
فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل وهم
يقولون لا يكون الوتر إلا ثلاث ركعات وحديث عمر بن شعيب في إسناد المثنى بن الصباح وهو ضعيف
وحديث بريدة في روايته عبيد الله بن عبد الله العتكي أبو المنيب والظاهر أنه منفرد به وقد ضعفه البخاري
وغيره ووثقه ابن معين وغيره وادعي الحاكم انه حديث صحيح والله أعلم *
(فرع) في مذاهبهم في فعل الوتر على الراحلة في السفر مذهبنا: انه جائز على الراحلة في السفر
كسائر النوافل سواء كان له عذر أم لا وبهذا قال جمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم فمنهم علي بن
أبي طالب وأبن عمر وابن عباس وعطاء والثوري ومالك واحمد واسحق وداود وقال أبو حنيفة
وصاحباه لا يجوز الا لعذر * دليلنا حديث ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر علي راحلته في
السفر رواه البخاري ومسلم *
(فرع) في مذاهبهم في وقت الوتر واستحباب تقديمه وتأخيره: قال ابن المنذر اجمع أهل العلم على أن
ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقت للوتر ثم حكى عن جماعة من السلف أنهم قالوا يمتد وقته إلى
أن يصلي الصبح وعن جماعة انهم قالوا يفوت لطلوع الفجر ومن استحب الاتيان أول الليل أبو بكر
الصديق وعثمان بن عفان وأبو الدرداء وأبو هريرة ورافع بن خديج وعبد الله بن عمرو بن العاص لما أسن
رضي الله عنهم وممن استحب تأخيره إلى آخر الليل عمر بن الخطاب وعلى وابن مسعود ومالك والثوري
وأصحاب الرأي رضي الله عنهم وهو الصحيح في مذهبنا كما سبق وذكرنا دليله *
(فرع) في مذاهبهم في عدد ركعات الوتر: قد سبق ان مذهبنا ان أقله ركعة وأكثره احدى عشرة
21

وفى وجه ثلاث عشرة وما بين ذلك جائز وكلما قرب من أكثره كان أفضل وبهذا قال جمهور
العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم * وقال أبو حنيفة لا يجوز الوتر الا ثلاث ركعات موصولة
بتسليمة واحدة كهيئة المغرب قال لو أوتر بواحدة أو بثلاث بتسليمتين لم يصح ووافقه سفيان الثوري
قال أصحابنا لم يقل أحد من العلماء ان الركعة الواحدة لا يصح الا ينار بها غيرهما ومن تابعهما واحتج لهم
بحديث محمد بن كعب القرطبي ان النبي صلى الله عليه وسلم " نهي عن البتيراء " وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
قال الوتر ثلاث كوتر النهار المغرب قال البيهقي هذا صحيح عن ابن مسعود من قوله وروى
مرفوعا وهو ضعيف وعن ابن مسعود أيضا ما أجزأت ركعة قط وعن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم
" كان لا يسلم في ركعتي الوتر " رواه النسائي باسناد حسن * واحتج أصحابنا بحديث ابن عمر ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة " رواه البخاري ومسلم
وعن ابن عمر أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الوتر ركعة من آخر الليل " رواه مسلم وعن عائشة
رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قالت " كان يصلى من الليل إحدى عشرة ركعة يسلم كل ركعتين
ويوتر منها بواحدة " رواه البخاري ومسلم وعن أبي أيوب ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " الوتر
حق فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يؤثر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يؤثر
بواحدة فليفعل " حديث صحيح رواه أبو داود باسناده صحيح وصححه الحاكم وسبق بيانه وعن
عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس
في شئ إلا في آخرها " رواه مسلم وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا توتروا بثلاث أوتروا
بخمس أو بسبع ولا تشبهوا بصلاة المغرب " رواه الدارقطني وقال اسناده كلهم ثقات والأحاديث
في المسألة كثيرة في الصحيح وفيما ذكرته كفاية قال البيهقي وقد روينا عن جماعة من الصحابة رضي
22

الله عنهم التطوع أو الوتر بركعة واحدة مفصولة عما قبلها ثم رواه من طرق بأسانيدها عن عمر بن الخطاب
وعثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص وتميم الدارمي وأبي موسى الأشعري وابن عمر وابن عباس وأبي أيوب
ومعاوية وغيرهم رضي الله عنهم: والجواب عما احتجوا به من حديث الثيراء أنه ضعيف ومرسل
وعن قول ابن مسعود الوتر ثلاث أنه محمول على الجواز ونحن نقول به وان أريد به انه لا يجوز
إلا
ثلاث فالأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة عليه: والجواب عن قوله ما أجزأته
صلاة ركعة قط أنه ليس بثابت عنه ولو ثبت لحمل على الفرائض فقد انه ذكره ردا على ابن عباس في قوله إن
الواجب من الصلاة الرباعية في حال الخوف ركعة واحدة فقال ابن مسعود ما أجزأته ركعة
من المكتوبات قط والجواب عن حديث عائشة أنه محمول على الايتار بتسع ركعات بتسليمة
واحدة كما سبق بيانه في موضعه أو يحمل على الجواز جمعا بين الأدلة والله أعلم *
(فرع) في مذاهبهم فيما يقرأ من أوتر بثلاث ركعات قد ذكرنا أن مذهبنا انه يقرأ بعد الفاتحة
في الأولى سبح وفى الثانية قل يا أيها الكافرون وفى الثالثة قل هو الله أحد مرة والمعوذتين وحكاه
القاضي عياض عن جمهور العلماء وبه قال مالك وأبو داود: وقال أبو حنيفة والثوري وإسحاق كذلك الا
أنهم قالوا لا تقرأ المعوذتين وحكي عن أحمد مثله ونقله الترمذي عن أكثر العلماء من الصحابة ومن بعدهم
دليلنا حديث عائشة رضي الله عنها الذي احتج به المصنف وقد بينا أنه حديث حسن في فرع بيان
الأحاديث واعتمدوا أحاديث ليس فيها ذكر المعوذتين وتقدم عليها حديث عائشة باثبات المعوذتين فان
الزيادة من الثقة مقبولة والله أعلم *
23

(فرع) في مذاهبهم فيمن أوتر بثلاث هل يفصل الركعتين عن الثلاثة بسلام: فذكرنا اختلاف أصحابنا
في الأفضل من ذلك وان الصحيح عندنا ان الفصل أفضل وهو قول ابن عمر ومعاذ القارئ وعبد الله بن
عياش ابن أبي ربيعة ومالك واحمد واسحق وأبي ثور وقال الأوزاعي كلاهما حسن وقال أبو حنيفة
لا تجوز الا موصولات وقد سبق بيان الأدلة عليه *
(فرع) في مذاهبهم في القنوت في الوتر: قد ذكرنا أن المشهور من مذهبنا انه يستحب
القنوت فيه في النصف الأخير من شهر رمضان خاصة وحكاه ابن المنذر وأبي بن كعب وابن عمر
وابن سيرين والزبيري ويحيي بن وثاب ومالك والشافعي واحمد وحكي عن ابن مسعود والحسن
البصري والنخعي واسحق وأبي ثور انهم قالوا يقنت فيه في كل السنة وهو مذهب أبي حنيفة وهو
رواية عن أحمد وقال به جماعة من أصحابنا كما سبق وعن طاوس أنه قال القنوت في الوتر بدعة
وهي رواية عن ابن عمر *
(فرع) في مذاهبهم في محل الوتر: قد ذكرنا أن الصحيح في مذهبنا انه بعد رفع الرأس
من الركوع وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وسعيد بن جبير رضي الله
عنهم قال به أقول وحكى القنوت قبل الركوع عن عمر وعلي رضي الله عنهما
أيضا وعن ابن مسعود وأبي موسى الأشعري والبراء بن عازب وابن عمر وابن عباس وأنس
وعمر بن عبد العزيز وعبيدة السلماني وحميد الطويل وعبد الرحمن بن أبي ليلي وأصحاب الرأي واسحق
وحكى عن أيوب السختياني وأحمد بن حنبل أنهما جائزان وقد سبقت أدلة المسألة في قنوت الصبح
وسبق هناك مذاهبهم في استحباب رفع اليدين ومما احتج به للقنوت قبل الركوع ما روى عن أبي بن
كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يوتر بثلاث يسلم منها ويقنت قبل الركوع وهذا حديث
ضعيف ضعفه بن المنذر وابن خزيمة وغيرهما من الأئمة وحديث آخر عن ابن مسعود رفعه مثل
حديث أبي وهو ضعيف ظاهر الضعف *
(فرع) في مذاهبهم في نقض الوتر: قد ذكرت أن مذهبنا المشهور انه إذا أوتر في أول الليل ثم تهجد
لا ينقض وتره بل يصلي ما شاء شفعا وحكاه القاضي عياض عن أكثر العلماء وحكاه ابن المنذر عن أبي
بكر الصديق وسعد وعمار بن ياسر وابن عباس وعائذ بن عمرو وعائشة وطاوس وعلقمة والنخعي
24

وأبي مجلز والأوزاعي ومالك واحمد وأبى ثور رضي الله عنهم قالت طائفة ينقضه فيصلي في أول
تهجده ركعة تشفعه ثم يتهجد ثم يوتر في آخر صلاته حكاه ابن المنذر عن عثمان بن عفان وعلي وسعد
وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعمرو بن ميمون وابن سيرين واسحق رضي الله عنهم دليلنا السابق
عن طلق بن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا وتران في ليلة " وقد
سبق أن الترمذي قال هو حديث حسن ولان الوتر الأول مضي على صحته فلا يتوجه إبطاله بعد
فراغه ودليل هذه المسائل المختلف فيها يفهم مما سبق في هذا الفصل فحذفتها ههنا اختصارا لطول الكلام
وبالله التوفيق * قال المنصف رحمه الله *
(وآكد هذه السنن الراتبة مع الفرائض سنة الفجر والوتر لأنه ورد فيهما ما لم يرد في غيرهما
وأيهما أفضل فيه قولان قال في الجديد الوتر أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله أمدكم بصلاة هي خير
لكم من حمر النعم وهي الوتر " وقال صلى الله عليه وسلم " من لم يوتر فليس منا "
ولأنه مختلف في وجوبه وسنة الفجر مجمع على كونها سنة فكأن الوتر آكد وقال في
القديم ستة الفجر آكد لقوله صلى الله عليه وسلم " صلوها ولو طردتكم الخيل " ولأنها محصورة لا تحتمل الزيادة
والنقصان فهي بالفرائض أشبه من الوتر) *
25

(الشرح) الحديثان الأولان سبق بيانهما في مسائل الوتر وأما حديث سنة الفجر فرواه أبو داود في
سننه من رواية أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تدعوا ركعتي الفجر ولو طردتكم
الخيل " وفى اسناده من اختلف في توثيقه ولم يضعفه أبو داود وعن عائشة رضي الله عنها قالت " لم يكن النبي
صلى الله عليه وسلم على شئ من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر " رواه البخاري ومسلم
وعنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " رواه مسلم وعنها
" ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شئ من النوافل أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر " رواه
مسلم * أما حكم المسألة قال أصحابنا أفضل النوافل التي لا تسن لها الجماعة السنن الراتبة مع الفرائض
وأفضل الرواتب الوتر وسنة الفجر وأيهما أفضل فيه قولان الجديد الصحيح الوتر أفضل والقديم أن سنة
الفجر أفضل وقد ذكر المصنف دليلهما وحكى صاحب البيان والرافعي وجها أنهما سواء في الفضيلة فإذا
قلنا بالجديد فالذي قطع به المصنف والجمهور أن سنة الفجر تلي الوتر في الفضيلة للأحاديث التي ذكرتها
وفيه وجه حكاه الرافعي عن أبي إسحاق المروزي أن صلاة الليل أفضل من سنة الفجر وهذا الوجه قوى ففي
صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أفضل الصلاة بعد الفريضة
صلاة الليل " وفى رواية لمسلم أيضا " الصلاة في جوف الليل " ثم أفضل الصلوات بعد الرواتب والتراويح الضحى
ثم ما يتعلق بفعل كركعتي الطواف إذا لم نوجبهما وركعتي الاحرام وتحية المسجد ثم سنة الوضوء وأما قول
المصنف وسنة الفجر مجمع على كونها سنة فكذا يقوله أصحابنا وقد نقل القاضي عياض عن الحسن
البصري أنه أوجبها للأحاديث وحكاه بعض أصحابنا عن بعض الحنفية والله أعلم *
(فرع) في مسائل تتعلق بالسنن الراتبة (إحداها) قد سبق أنه إذا صلي أربعا قبل الظهر أو بعدها أو
قبل العصر يستحب أن يكون بتسليمتين وتجوز بتسليمة بتشهد وبتشهدين فإذا صلي أربعا بتسليمتين ينوى
بكل ركعتين ركعتين من سنة الظهر وإذا صلاها بتسليمة وتشهدين فقد سبق في باب صفة الصلاة خلاف
في أنه هل يسن قراءة السورة في الأخيرتين كالخلاف في الفريضة (الثانية) يستحب تخفيف سنة الفجر وقد
26

سبق في باب صفة الصلاة في فصل قراءة السورة أنه يسن أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة قولوا آمنا بالله
وما أنزل الينا الآية وفى الثانية قل يا أهل الكتاب تعالوا الآية أو قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد
وذكرنا هناك أحاديث صحيحة في هذا ومما يستدل به لا يستحب تخفيفها حديث عائشة رضي الله
عنها قالت " كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى أنى لأقول
هل قرأ بأم الكتاب " رواه البخاري ومسلم وعنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر
إذا سمع الأذان ويخففهما " رواه البخاري ومسلم (الثالثة) السنة ان يضطجع على شقه الأيمن بعد صلاة سنة الفجر
ويصليها في أول الوقت ولا يترك الاضطجاع ما أمكنه فان تعذر عليه فصل بينهما وبين الفريضة بكلام
27

ودليل تقديمها حديث عائشة السابق في المسألة قبلها ودليل الاضطجاع أحاديث صحيحة منها
حديث عائشة رضي الله عنها قالت " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلي ركعتي الفجر اضطجع
على شقه الأيمن " رواه البخاري وعنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فذكرت صلاة الليل
ثم قالت فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه
الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة " رواه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " إذا صلي أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه فقال له مروان بن الحكم اما يجزى
أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه قال لا " حديث صحيح رواه أبو داود باسناد صحيح على
شرط البخاري ومسلم ورواه الترمذي مختصرا عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا
صلي أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه " قال الترمذي حديث حسن صحيح وعن عائشة رضي الله عنها
قالت " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر فان كنت مستيقظة حدثني والا اضطجع "
رواه البخاري ومسلم وقولها حدثني والا اضطجع يحتمل وجهين أحدهما أن يكون صلى الله عليه وسلم
يضطجع يسيرا ويحدثها وإلا فيضطجع كثيرا والثاني أنه صلى الله عليه وسلم في بعض الأوقات القليلة كان
28

يترك الاضطجاع بيانا لكونه ليس بواجب كما كان يترك كثيرا من المختارات في بعض الأوقات بيانا للجواز
كالوضوء مرة مرة ونظائره ولا يلزم من هذا أن يكون الاضطجاع وتركه سواء ولا بد من أحد هذين
التأويلين للجمع بين هذه الرواية وروايات عائشة السابقة وحديث أبي هريرة المصرح بالأمر
بالاضطجاع والله أعلم وقد نقل القاضي عياض في شرح مسلم استحباب الاضطجاع بعد سنة الفجر عن
الشافعي وأصحابه ثم أنكره عليهم وقال قال مالك وجمهور العلماء وجماعة من الصحابة ليس هو سنة بل سموه
بدعة واستدل بان أحاديث عائشة في بعضها الاضطجاع قبل ركعتي الفجر بعد صلاة الليل وفى بعضها بعد
ركعتي الفجر وفى حديث ابن عباس قبل ركعتي الفجر فدل على أنه لم يكن مقصوده وهذا الذي قاله مردود
بحديث أبي هريرة الصريح في الامر بها وكونه صلى الله عليه وسلم اضطجع في بعض الأوقات أو أكثرها
أو كلها بعد صلاة الليل لا يمنع أن يضطجع أيضا بعد ركعتي الفجر وقد صح اضطجاعه بعدهما وأمره به فتعين
المصير إليه ويكون سنة وتركه يجوز جمعا بين الأدلة وقال البيهقي في السنن الكبير أشار الشافعي إلى أن المراد
بهذا الاضطجاع الفصل بين النافلة والفريضة فيحصل بالاضطجاع والتحدث أو التحول من ذلك المكان
أو نحو ذلك ولا يتعين الاضطجاع هذا ما نقله البيهقي والمختار الاضطجاع لظاهر حديث أبي هريرة واما
ما رواه البيهقي عن ابن عمر أنه قال هي بدعة فاسناده ضعيف ولأنه نفى فوجب تقديم الاثبات عليه والله
أعلم (الرابعة) يستحب عندنا وعند أكثر العلماء فعل السنن الراتبة في السفر لكنها في الحضر آكد وسنوضح
المسألة بفروعها ودليلها ومذاهب العلماء فيها في باب صلاة المسافرين إن شاء الله تعالى ومما تقدم
الاستدلال به حديث أبي قتادة رضي الله عنه الطويل المشتمل على معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم
29

وجمل من الفوائد والأحكام والآداب قال فيه انهم " كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في سفر فناموا عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فصاروا حتى ارتفعت الشمس ثم نزل النبي صلى
الله عليه وسلم فتوضأ ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم صلي الغداة فصنع
كما كان يصنع كل يوم " رواه مسلم وظاهره أن الركعتين هما سنة الصبح (الخامسة) من واظب على ترك الراتبة
أو تسبيحات الركوع والسجود ردت شهادته لتهاونه بالدين وقد ذكر أصحابنا المسألة في كتاب
الشهادات وسنوضحها هناك إن شاء الله تعالى بدلائلها *
* قال المصنف رحمه الله *
(ومن السنن الراتبة قيام رمضان وهو عشرون ركعة بعشر تسليمات والدليل عليه ما روى أبو هريرة
رضي الله عنه قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة فيقول
من قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه والأفضل ان يصليها في جماعة نص عليه البويطي
لما روى أن عمر رضي الله عنه جمع الناس على أبي بن كعب ومن أصحابنا من قال فعلها منفردا أفضل لان النبي صلى الله عليه
وسلم صلي ليالي فصلوها معه ثم تأخر وصلى في بيته باقي الشهر والمذهب الأول وإنما تأخر النبي
صلى الله عليه وسلم لئلا تفرض عليهم وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال خشيت ان تفرض عليكم
فتعجزوا عنها) *
30

(الشرح) حديث أبي هريرة رواه مسلم يلفظه ورواه البخاري ومسلم جميعا مختصرا ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال " من قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " واما حديث جمع عمر الناس
على أبي بن كعب رضي الله عنهما فصحيح رواه البخاري في صحيحه وهو حديث طويل واما الحديثان الآخران
ان النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي فصلوها معه ثم تأخروا لحديث الآخر " خشيت أن تفرض عليكم
فتعجزوا عنها " فرواهما البخاري ومسلم من رواية عائشة رضي الله عنها (قوله) من غير أن يأمرهم بعزيمة
معناه لا يأمرهم به أمر تحتيم والزام وهو العزيمة بل أمر ندب وترغيب فيه بذكر فضله وقوله صلى الله عليه وسلم
إيمانا أي تصديقا بأنه حق واحتسابا أي يفعله لله تعالي لا رياء ولا نحوه: اما حكم المسألة فصلاة التراويح
سنة باجماع العلماء ومذهبنا أنها عشرون ركعة بعشر تسليمات وتجوز منفردا وجماعة وأيهما أفضل فيه
وجهان مشهوران كما ذكر المصنف وحكاهما جماعة قولين (الصحيح) باتفاق الأصحاب أن الجماعة أفضل وهو
المنصوص في البويطي وبه قال أكثر أصحابنا المتقدمين (والثاني) الانفراد أفضل وقد ذكر المصنف دليلهما
قال أصحابنا العراقيون والصيدلاني والبغوي وغيرهما من الخراسانيين الخلاف فيمن يحفظ القرآن
ولا يخاف الكسل عنها لو أنفرد ولا تختل الجماعة في المسجد بتخلفه فان فقد أحد هذه الأمور
فالجماعة أفضل بلا خلاف وأطلق جماعة في المسألة ثلاثة أوجه ثالثها هذا الفرق
31

وممن حكى الأوجه الثلاثة القاضي أبو الطيب في تعليقه وإمام الحرمين والغزالي قال صاحب الشامل
قال أبو العباس وأبو إسحاق صلاة التراويح جماعة أفضل من الانفراد لاجماع الصحابة وإجماع
أهل الأمصار على ذلك *
(فرع) يدخل وقت التراويح بالفراغ من صلاة العشاء ذكره البغوي وغيره ويبقى إلى طلوع
الفجر وليصلها ركعتين ركعتين كما هو العادة فلو صلي أربع ركعات بتسليمة لم يصح ذكره القاضي
حسين في فتاويه لأنه خلاف المشروع قال ولا تصح بنية مطلقة بل ينوى سنة التراويح أو صلاة التراويح
أو قيام رمضان فينوي في كل ركعتين ركعتين من صلاة التراويح *
(فرع) في مذاهب العلماء في عدد ركعات التراويح * مذهبنا أنها عشرون ركعة بعشر تسليمات
غير الوتر وذلك خمس ترويحات والترويحة أربع ركعات بتسليمتين هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه وأحمد وداود وغيرهم ونقله القاضي عياض عن جمهور العلماء وحكى أن الأسود بن مزيد
كان يقوم بأربعين ركعة ويوتر بسبع وقال مالك التراويح تسع ترويحات وهي ستة وثلاثون
ركعة غير الوتر * واحتج بأن أهل المدينة يفعلونها هكذا وعن نافع قال أدركت الناس وهم يقومون
رمضان بتسع وثلاثين ركعة يوترون منها بثلاث * واحتج أصحابنا بما رواه البيهقي وغيره بالاسناد
الصحيح عن السائب بن يزيد الصحابي رضي الله عنه قال " كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب
32

رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة وكانوا يقومون بالمائتين وكانوا يتوكؤون على عصيهم
في عهد عثمان من شدة القيام وعن يزيد بن رومان قال كان الناس يقومون في زمن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه بثلاث وعشرين ركعة رواه مالك في الموطأ عن يزيد بن رومان ورواه البيهقي لكنه
مرسل فان يزيد بن رومان لم يدرك عمر قال البيهقي يجمع بين الروايتين بأنهم كانوا يقومون بعشرين
ركعة ويوترون بثلاث وروى البيهقي عن علي رضي الله عنه أيضا قيام رمضان بعشرين ركعة وأما ما ذكروه من
فعل أهل المدينة فقال أصحابنا سببه أن أهل مكة كانوا يطوفون بين كل ترويحتين طوافا ويصلون ركعتين
ولا يطوفون بعد الترويحة الخامسة فأراد أهل المدينة مساواتهم فجعلوا مكان كل طواف أربع ركعات
فزادوا ست عشرة ركعة وأوتروا بثلاث فصار المجموع تسعا وثلاثين والله أعلم *
(فرع) قال صاحبا الشامل والبيان وغيرهما قال أصحابنا ليس لغير أهل المدينة ان يفعلوا في التراويح
فعل أهل المدينة فيصلوها ستا وثلاثين ركعة لان لأهل المدينة شرفا بمهاجرة رسول صلى الله عليه
وسلم ومدفنه بخلاف غيرهم وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه قال الشافعي فاما غير أهل المدينة
فلا يجوز ان يماروا أهل مكة ولا ينافسوهم *
(فرع) فيما كان السلف يقرأون في التراويح: روى مالك في الموطأ عن داود بن الحصين
عن عبد الرحمن الأعرج قال ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفر في رمضان قال وكان
33

القارئ يقوم بسورة البقرة في ثمان ركعات وإذا قام في ثنتي عشرة ركعة رأى الناس انه قد خفف
وروى مالك أيضا عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال سمعت أبي يقول كنا ننصرف في رمضان من القيام
فنستعجل الخدم بالسحور مخافة الفجر وروى مالك أيضا عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد
قال امر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب وتميما الداري ان يقوما للناس وكان القارئ
يقرأ بالمائتين حتى كنا نعتمد على العصا من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر وروى
البيهقي بإسناده عن أبي عثمان الهندي قال؟؟؟ عمر بن الخطاب بثلاثة قراء فاستقرأهم فأمر
أسرعهم قراءة ان يقرأ للناس ثلاثين آية وأمر أوسطهم ان يقرأ خمسا وعشرين وأمر أبطأهم ان
يقرأ عشرين آية *
(فرع) عن عروة بن الزبير ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع الناس على قيام شهر رمضان
الرجال على أبي بن كعب والنساء على سليمان ابن أبي حثمة وعن عرفجة الثقفي قال كان علي بن أبي طالب
رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماما وللنساء فكنت انا
إمام النساء رواهما البيهقي *
34

(فرع) قد ذكرنا أن الصحيح عندنا ان فعل التراويح في جماعة أفضل من الانفراد وبه قال
جماهير العلماء حتى أن علي بن موسى القمي ادعي فيه الاجماع وقال ربيعة ومالك وأبو يوسف
وآخرون الانفراد بها أفضل دليلنا اجماع الصحابة على فعلها جماعة كما سبق *
* قال المصنف رحمه الله *
(ومن السنن الراتبة صلاة الضحي وأفضلها ثمان ركعات لما روت أم هاني بنت أبي طالب
رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ثمان ركعات وأقلها ركعتان لما روى أبو ذر
رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يصح على كل سلامي من أحدكم صدقة ويجزى
من ذلك ركعتان يصليهما من الضحى " ووقتها إذا أشرقت الشمس إلى الزوال) *
(الشرح) حديث أم هانئ رواه البخاري ومسلم وحديث أبي ذر رواه مسلم واسم أم هانئ
فاختة وقيل هند وقيل فاطمة أسلمت يوم الفتح وكنيت بابنها هانئ الحرة واسم أبى طالب
عبد مناف واسم أبي ذر رضي الله عنه جندب وقيل بربر - بضم الموحدة وتكرير الراء - وهو من
السابقين إلى الاسلام ومناقبه في الصحيحين وغيرهما مشهورة قيل كان رابع من أسلم وقيل خامس
وهو كناني غفاري توفى في خلافة عثمان اثنين وثلاثين بالربذة وقوله صلى الله عليه وسلم على
كل سلامي هو بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم وهو المفصل وجمعه سلاميات بضم
السين وفتح الميم وتخفيف الياء وهي المفاصل وفى صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خلق كل انسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل وقوله إذا
35

أشرقت الشمس هكذا هو في النسخ أشرقت بالألف ومعناه أضاءت وارتفعت ومنه قوله تعالى
وأشرقت الأرض قال أهل اللغة يقال أشرقت الشمس إذا أضاءت وشرقت طلعت * اما حكم
المسألة فقال أصحابنا صلاة الضحى سنة مؤكدة وأقلها ركعتان وأكثرها ثمان ركعات هكذا قاله
المصنف والأكثرون وقال الروياتى والرافعي وغيرهما أكثرها اثنتي عشرة ركعة وفيه حديث فيه ضعف
سنذكره إن شاء الله تعالى وأدنى الكمال أربع وأفضل منه ست قال أصحابنا ويسلم من كل
ركعتين وينوى ركعتين من الضحى ووقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال قال صاحب الحاوي
وقتها المختار قال إذا مضي ربع النهار لحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال صلاة الأوابين حين ترمض الفصال رواه مسلم ترمض بفتح التاء والميم
والرمضاء الرمل الذي اشتدت حرارته من الشمس أي حين يبول الفصلان من شدة الحر
في أخفافها
36

(فرع) في مختصر من الأحاديث الواردة في صلاة الضحي وبيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يصليها في بعض الأوقات ويتركها في بعضها مخافة أن يعتقد الناس وجوبها أو خشية أن يفرض عليهم
كما ترك المواظبة على التراويح لهذا المعني * فمن الأحاديث حديث أبي ذر وأم هاني وهما صحيحان كما سبق بيانهما
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال " أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر
وركعتي الضحي وان أوتر قبل أن ارقد " رواه البخاري ومسلم وعن أبي الدرداء نحوه رواه مسلم وعن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " من حافظ على شفعة الضحي غفر له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر "
رواه الترمذي باسناد فيه ضعف وعن عائشة رضي الله عنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الضحي
أربعا ويزيد ما شاء الله " رواه مسلم من طرق كثيرة في بعضها ويزيد ما شاء الله في بعضها ويزيد ما شاء
37

وعن عبد الله بن شقيق قال قلت لعائشة رضي الله عنها " أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى الضحى قالت لا
الا ان يجئ من مغيبه " رواه مسلم وعنها قالت " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح سبحة
الضحي واني لأسبحها " رواه البخاري وعنها قالت " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح سبحة الضحى
قط وانى لأسبحها وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل خشية ان
يعمل به الناس فيفرض عليهم " رواه مسلم قال العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان لا يداوم على صلاة الضحي مخافة ان يفرض على الأمة فيعجزوا عنها كما ثبت في هذا الحديث
وكان يفعلها في بعض الأوقات كما صرحت به عائشة في الأحاديث السابقة وكما ذكرته أم هانئ وأوصى
بها أبا الدرداء وأبا هريرة وقول عائشة ما رأيته صلاها لا يخالف قولها كان يصليها لان النبي صلى الله عليه
وسلم كان لا يكون عندها في وقت الضحي الا في نادر من الأوقات لأنه صلى الله عليه وسلم في وقت
يكون مسافرا وفى وقت يكون حاضرا وقد يكون في الحضر في المسجد وغيره وإذا كان في بيت فله
38

تسع نسوة وكان يقسم لهن فلو اعتبرت ما ذكرناه لما صادف وقت الضحى عند عائشة الا في
نادر من الأوقات وما رأته صلاها في تلك الأوقات النادرة فقالت ما رأيته وعلمت بغير
رؤية انه كان يصليها باخباره صلى الله عليه وسلم أو باخبار غيره فروت ذلك فلا
منافاة بينهما ولكن (2) وعن أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح صلي سبحة
الضحى ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين رواه أبو داود بهذا اللفظ باسناد صحيح على شرط البخاري
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان صليت الضحى ركعتين لم تكتب
من الغافلين وان صليتها أربعا كتبت من المحسنين وان صليتها ستا كتبت من القانتين وان صليتها
ثماني كتبت من الفائزين وان صليتها عشرا لم يكتب لك ذلك اليوم ذنب وان صليتها ثنتي عشرة
ركعة بنى الله لك بيتا في الجنة " رواه البيهقي وضعفه فقال في اسناده نظر وعن نعيم بن همار
رضي الله عنه قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يقول الله تعالى ابن آدم لا تعجزني
من أربع ركعات من أول نهارك أكفك آخره " رواه أبو داود باسناد صحيح والله أعلم

(2) بياض بالأصل فحرر
39

(فرع) قد ذكر المصنف أن صلاة الضحي من السنن الراتبة وأنكر عليه صاحب البيان فقال لم يذكر أكثر
أصحابنا الضحي من الرواتب بل هي سنة مستقلة (قلت) والامر في هذا قريب وتسمية المصنف لها
راتبة صحيحة ومراده أنها راتبة في وقت مضبوط لا انها راتبة مع فرض كسنة الظهر وغيرها وهذا
الذي ذكرناه من كون الضحى سنة هو مذهبنا ومذهب جمهور السلف وبه قال الفقهاء المتأخرون
كافة وثبت عن ابن عمر انه يراها بدعة وعن ابن مسعود نحوه * دليلنا الأحاديث المذكورة ويتأول
قوله بدعة على أنه لم يبلغه الأحاديث المذكورة؟؟؟ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يداوم عليها
أو ان الجهارة في المساجد ونحوها بدعة وإنما سنة النافلة في البيت وقد بسطت جوابه في شرح
صحيح مسلم رحمه الله تعالى * قال المصنف رحمه الله *
(ومن فاته من هذه السنن الراتبة شئ في وقته ففيه قولان أحدهما لا تقضى لأنها صلاة نفل
فلم تقض كصلاة الكسوف والاستسقاء والثاني تقضى لقوله صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو
نسيها فليصلها إذا ذكرها " ولأنها صلاة راتبة في وقت فلم تسقط بفوات الوقت إلى غير بدل
كالفرائض بخلاف الكسوف والاستسقاء لأنها غير راتبة وإنما تفعل لعارض وقد زال العارض)
40

(الشرح) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه وهذا
لفظ رواية مسلم وفي رواية البخاري من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها وقول المصنف لأنها صلاة
راتبة احتراز من الكسوف وقوله إلى غير بدل احتراز من الجمعة قال أصحابنا النوافل قسمان
(أحدهما) غير مؤقت وإنما يفعل لعارض كالكسوف والاستسقاء وتحية المسجد فهذا إذا فات لا يقضى
(والثاني) مؤقت كالعيد والضحى والرواتب مع الفرائض كسنة الظهر وغيرها فهذه فيها ثلاثة أقوال
الصحيح منها انها يستحب قضاؤها قال القاضي أبو الطيب وغيره هذا القول هو المنصوص في
41

الجديد والثاني لا تقضي وهو نصه في القديم وبه قال أبو حنيفة والثالث ما استقل كالعيد والضحي
قضى وما لا يستقل كالرواتب مع الفرائض فلا يقضي وإذا تقضى فالصحيح الذي قطع به العراقيون
وغيرهم انها تقضى أبدا وحكى الخراسانيون قولا ضعيفا أنه يقضى فائت النهار ما لم تغرب شمسه
وفائت الليل ما لم يطلع فجره وعلى هذا تقضى سنة الفجر ما دام النهار باقيا وحكوا قولا آخر ضعيفا
أنه يقضي كل تابع ما لم يصل فريضة مستقبلة فيقضى الوتر ما لم يصل الصبح ويقضى سنة الصبح
ما لم يصل الظهر والباقي على هذا المثال وفيه وجه أنه على هذا القول يكون الاعتبار بدخول وقت
الصلاة المستقبلة لا بفعلها وهذا الخلاف كله ضعيف والصحيح استحباب قضاء الجميع أبدا ودليله
الحديث الذي ذكره المصنف وحديث أبي قتادة السابق قريبا في المسألة الرابعة من مسائل الفرع
المتعلقة بالسنن الراتبة أن النبي صلى الله عليه وسلم " فاته الصبح في السفر حتى طلعت الشمس فتوضأ
ثم سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة " رواه مسلم والمراد بالسجدتين ركعتان وحديث
أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم " صلي ركعتين بعد العصر فسألته عن ذلك فقال إنه
أتاني ناس من عبد القيس بالاسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما
هاتان الركعتان بعد العصر " رواه البخاري ومسلم وحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " من لم يصل ركعتي الفجر حتى تطلع الشمس فليصلهما " رواه البيهقي باسناد جيد وعن أبي سعيد
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من نام عن وتره أو نسيه فليصل إذا ذكره " رواه
أبو داود باسناد حسن ورواه الترمذي باسناد ضعيف وتلكم على اسناده وإنما ذكرت هذا
لئلا يغتر بكلام الترمذي فيه من لا أنس له بطرق الحديث والأسماء فيتوهم ضعف ما ليس هو
بضعيف وإن كان طريق الترمذي فيه ضعيفا وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه
وسلم " كان إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة " رواه
مسلم ودلالة هذا الحديث مبنية على الصحيح المختار أن قيام الليل نسخ وجوبه في حق النبي صلى الله عليه
وسلم وصار سنة وسنبسط المسألة بأدلتها في الخصائص في أول كتاب النكاح حيث
ذكرها الأصحاب إن شاء الله تعالى وفى المسألة أحاديث كثيرة غير ما ذكرتها وفى هذا أبلغ
كفاية وبالله التوفيق *
42

(فرع) ذكرنا أن الصحيح عندنا استحباب قضاء النوافل الراتبة وبه قال محمد والمزني
وأحمد في رواية عنه وقال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف في أشهر الرواية عنهما لا يقضي دليلنا هذه
الأحاديث الصحيحة * قال المصنفة رحمه الله *
(وأما غير الراتبة فهي الصلوات التي يتطوع الانسان بها في الليل والنهار وأفضلها التهجد لما روى أبو هريرة
رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " أفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة الليل " وانها تفعل في وقت
غفلة الناس وتركهم الطاعات فكانت أفضل ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " ذاكروا الله في
الغافلين كشجرة خضراء بين أشجار يابسة " وآخر الليل أفضل من أوله لقوله تعالي (كانوا قليلا
من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون) ولان الصلاة بعد النوم أشق ولان المصلين فيه أقل
فكان أفضل فان جزأ الليل ثلاثة أجزاء فالثلث الأوسط أفضل لما روى عبد الله ابن عمر ورضي الله
عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود كان ينادى
نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه " ولان الطاعات في هذا الوقت أقل فكانت الصلاة فيه
أفضل ويكره أن يقوم الليل كله لما روى عبد الله ابن عمر وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له
" تصوم النهار قلت نعم قال وتقوم الليل فقلت نعم قال لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وآتي النساء
فمن رغب عن سنتي فليس منى ") *
(الشرح) حديث أبي هريرة رواه مسلم وأما الحديث الأول عن عبد الله بن عمرو بن العاص فرواه البخاري ومسلم وأما حديثه الاخر فرواه البخاري ومسلم بهذا اللفظ ولفظه عندهما
ان عبد الله ابن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألم أخبر انك تصوم النهار وتقوم الليل فقلت
بلي يا رسول الله قال فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فأن لجسدك عليك حقا وأن لعينك عليك حقا " وذكر
الحديث ورويا في الصحيحين هذا اللفظ المذكور في المهذب من رواية أنس واعلم أنه يقع في أكثر
النسخ في الحديث الأول عبد الله ابن عمر بغير واو فيقتضى أن يكون عبد الله بن عمر ابن الخطاب
رضي الله عنه وهذا غلط صريح لا شك فيه ولا تأويل له وصوابه عبد الله ابن عمرو ابن العاص
كما ذكرناه أولا وحديثه هذا في الصحيحين وسائر كتب الحديث قال العلماء التهجد أصله الصلاة
43

في الليل بعد النوم وقوله تعالي كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال المفسرون وأهل اللغة الهجوع
النوم في الليل واختلفوا في معنى الآية فقيل إن ما صلة والمعنى كانوا يهجعون قليلا من
الليل ويصلون أكثره وقيل معناه كان الليل الذي ينامونه قليلا وقيل بالوقف على
قليلا اي كانوا قليلا من الناس ثم يبتدأ من الليل ما يهجعون أي لا ينامون شيئا منه وضعف هذا
القول والأسحار جمع سحر وهو آخر الليل قال الماوردي في تفسيره قال ابن زيد السحر السدس
الآخر من الليل وقوله فان جزأ الليل ثلاثة أجزاء يقال جزأ بتشديد الزاي وتخفيفها لغتان فصيحتان
حكاهما ابن السكيت وغيره وبعدهما همزة أي قسم * اما حكم المسألة فقيام الليل سنة متؤكدة وقد
تطابقت عليه دلائل الكتاب والسنة واجماع الأمة والأحاديث الواردة فيه في الصحيحين وغيرهما
أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر قال أصحابنا وغيرهم والتطوع المطلق بلا سبب في الليل
أفضل منه في النهار لحديث أبي هريرة المذكور في الكتاب مع ما ذكره المصنف فان قسم لليل
نصفين فالنصف الآخر أفضل وان قسمه أثلاثا مستوية فالثلث الأوسط أفضلها وأفضل منه السدس
الرابع والخامس لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص المذكور في الكتاب في صلاة داود صلى الله عليه
وسلم وهذا مراد المصنف والشافعي في المختصر وغيرهم بقولهم الثلث الأوسط أفضل وينبغي
أن لا يخل بصلاة الليل وان قلت ويكره ان يقوم كل الليل دائما للحديث المذكور في الكتاب فان قيل
ما الفرق بينه وبين صوم الدهر غير أيام النهي فإنه لا يكره عندنا فالجواب ان صلاة الليل كله دائما
يضر العين وسائر البدن كما جاء في الحديث الصحيح بخلاف الصوم فإنه يستوفى في الليل ما فاته
44

من اكل النهار ولا يمكنه نوم النهار إذا صلي الليل لما فيه من تفويت مصالح دينه ودنياه هذا حكم
قيام الليل دائما فاما بعض الليالي فلا يكره احياؤها فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها
ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل لعشر الأواخر من رمضان أحيا الليل واتفق أصحابنا
على احياء ليلتي العيدين والله أعلم *
(فرع) في مسائل مهمة تتعلق بصلاة الليل (إحداها) يسن لكل من استيقظ في الليل ان
يمسح النوم عن وجهه وان يتسوك وان ينظر في السماء وان يقرا الآيات التي في آخر آل عمران
ان في خلق السماوات والأرض الآيات ثبت كل ذلك في الصحيحين عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم (الثانية) السنة ان يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين ثم يصلى بعدهما كيف شاء لحديث
عائشة رضي الله عنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته
بركعتين خفيفتين " رواه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا
قال أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين " رواه مسلم (الثالثة) السنة ان يسلم من كل
ركعتين وسنوضحه قريبا بدلائله وفروعه إن شاء الله تعالى (الرابعة) تطويل القيام عندنا أفضل من
تطويل السجود والركوع وغيرهما وأفضل من تكثير الركعات وقد سبقت المسألة بدلائلها ومذاهب
العلماء فيها في أول باب صفة الصلاة (الخامسة) هل يستحب الجهر بالقراءة في صلاة الليل أم الاسرار
أم التوسط بينهما فيه ثلاثة أوجه سبقت بدلائلها في باب صفة الصلاة وذكرت هناك جملة من
الأحاديث الواردة في المسألة وهذا الخلاف فيمن لا يتأذى؟؟؟ أحد ولا يخاف به رياء ونحوه
فان اختل أحد هذين الشرطين أسر بلا خلاف والسنة ترتيل قراءته وتدبرها ولا بأس بترديد
الآية للتدبر وان طال ترديدها (السادسة) إذا نعس في صلاته فليتركها وليرقد حتى يذهب عنه النوم
لحديث عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا نعس أحدكم في صلاته فليرقد
حتى يذهب عنه النوم فان أحدكم وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه " رواه البخاري ومسلم
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا قام أحدكم من الليل
فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع " رواه مسلم وعن انس رضي الله عنه
45

قال " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وحبل ممدود بين ساريتين فقال ما هذا قالوا الزينب تصلى
فإذا كسلت أو فترت أمسكت به فقال حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا كسل أو فتر فليقعد " رواه البخاري
ومسلم والأحاديث الصحيحة بهذا المعنى مشهورة (السابعة) يستحب للرجل إذا استيقظ لصلاة الليل
أن يوقظ لها امرأته ويستحب للمرأة إذا استيقظت لها أن توقظ زوجها لها ويستحب لغيرهما أيضا لحديث أم سلمة رضي اله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فقال سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتنة
ماذا انزل من الخزائن: من يوقظ صواحب الحجرات يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة " رواه البخاري
وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " طرقه وفاطمة ليلة فقال الا تصليان قال فقلت
يا رسول الله أنفسنا بيد الله فإذا شاء يبعثنا بعثنا فانصرف حين قلت ذلك ثم سمعته وهو مول
يضرب فخذه وهو يقول وكان الانسان أكثر شئ جدلا " رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة
رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رحم الله رجلا قام من الليل فصلي وأيقظ امرأته
فان أبت نضح في وجهها الماء رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فان أبي نضحت
في وجهه الماء " رواه أبو داود وغيره باسناد صحيح وعن أبي سعيد وأبي هريرة جميعا قالا قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا أو صلي ركعتين جميعا كتب من الذاكرين
والذاكرات " رواه أبو داود والنسائي وغيرهما باسناد صحيح (الثامنة) يستحب لمن أراد قيام الليل
أن لا يعتاد منه الا قدرا يغلب على ظنه بقرائن حاله انه يمكنه الدوام عليه مدة حياته ويكره بعد
ذلك تركه والنقص منه لغير ضرورة ودلائل هذا كله في الصحيحين مشهورة منها حديث عائشة
رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذوا من الاعمال ما تطيقون فوالله لا يمل الله
حتى تملوا " رواه البخاري ومسلم ومعناه لا يعاملكم معاملة المال ويقطع عنكم الثواب حتى تملوا "
وعنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " سئل أي العمل أحب إلى الله تعالى قال أدومه وان قل " رواه البخاري
ومسلم وعنها قالت " كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديمة " رواه مسلم وعنها قالت كان رسول الله
46

صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملا انتبه وكان إذا نام من الليل أو مرض صلي من النهار ثنتي عشرة
ركعة قالت وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى الصباح وما صام شهرا متتابعا
إلا رمضان " رواه مسلم وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " يا عبد الله لا تكن مثل فلإن كان يقوم الليل فترك قيام الليل " رواه البخاري ومسلم وعن
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " نعم الرجل
عبد الله لو كان يصلى من الليل قال سالم فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا " رواه
البخاري ومسلم وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال " ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام حتى أصبح
قال ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه أو قال في اذنه " رواه البخاري ومسلم والأحاديث في الصحيحين
بمعنى ما ذكرته كثيرة (التاسعة) ينبغي له أن ينوى عند نومه قيام الليل نية جازمة ليحوز ما ثبت في
الحديث الصحيح عن أبي الدرداء رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أتى فراشه
وهو ينوى أن يقوم فيصلي من الليل فغلبته عينه حتى يصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه
من ربه " رواه النسائي وابن ماجة باسناد صحيح على شرط مسلم (العاشرة) يستحب استحبابا متأكدا
أن يكثر من الدعاء والاستغفار في ساعات الليل كلها وآكده النصف الآخر وأفضله عند الأسحار
قال الله تعالى (والمستغفرين بالأسحار) وقال تعالي (وبالأسحار هم يستغفرون) وعن جابر رضي الله عنه
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ان في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا
من أمر الدنيا والآخرة الا أعطاه إياه وذلك كل ليلة " رواه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة حين يبقى من ثلث الليل الآخر
يقول من يدعو فاستجيب له من يسألني فاعطيه من يستغفرني فأغفر له " رواه البخاري ومسلم
وفى هذا الحديث وشبهه من أحاديث الصفات وآياتها مذهبان مشهوران أحدهما تأويله على ما يليق
بصفات الله سبحانه وتعالي وتنزيهه من الانتقال وسائر صفات المحدث وهذا هو الأشهر عن
47

المتكلمين والثاني الامساك عن تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله سبحانه عن صفات المحدث لقوله تعالي
ليس كمثله شئ وهذا مذهب السلف وجماعة من المتكلمين وحاصله أن يقال لا نعلم المراد بهذا ولكن
نؤمن به مع اعتقادنا ان ظاهره غير مراد وله معنى يليق بالله تعالى والله أعلم *
(فرع) الصحيح المنصوص في الأم والمختصر ان الوتر يسمى تهجدا وفيه وجه أنه لا يسمي
تهجدا بل الوتر غير التهجد *
(فرع) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا مرض العبد
أو سافر كتب مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا " رواه البخاري *
(فرع) عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " استعينوا بطعام السحر على صيام النهار
وبالقيلولة على قيام الليل " رواه ابن ماجة باسناد ضعيف " القيلولة في اللغة النوم نصف النهار وقد سبق
أن أحاديث الفضائل يعمل فيها بالضعيف * قال المصنف رحمه الله *
(وأفضل التطوع بالنهار ما كان في البيت لما روى زيد بن ثابت رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " أفضل
صلاة المرء في بيته الا المكتوبة "). *
(الشرح) حديث زيد رواه البخاري ومسلم ورواية زيد بن ثابت بن ضحاك بن زيد الأنصاري
النجاي بالنون والجيم كنيته أبو سعيد وقيل أبو خارجة وقيل أبو عبد الرحمن وكان يكتب الوحي
لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان كاتبا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه توفى بالمدينة سنة أربع
وخمسين وقيل غير ذلك قال أصحابنا وغيرهم من العلماء فعل ما لا تسن له الجماعة من التطوع في بيته
أفضل منه في المسجد وغيره سواء في ذلك تطوع الليل والنهار وسواء الرواتب مع الفرائض وغيرها وعجيب من المصنف في تخصيصه بتطوع النهار وكان ينبغي أن يقول وفعل التطوع في البيت
أفضل كما قاله في التنبيه وكما قاله الأصحاب وسائر العلماء ودليله الحديث المذكور مع غيره من الأحاديث
الصحيحة في ذلك وقد قدمت هذه المسألة بدلائلها من الأحاديث الصحيحة وفروعها وكلام الأصحاب
فيها في أواخر باب صفة الصلاة ومن الأحاديث المهمة التي سبق هناك حديث أبي موسى رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " مثل البيت الذي يذكر الله تعالى فيه والبيت الذي
لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت " رواه البخاري ومسلم *
* قال المصنف رحمه الله
48

(والسنة ان يسلم من كل ركعتين لما روى ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال " صلاة الليل مثني مثنى فإذا رأيت أن الصبح تدركك فأوتر بواحدة " وان جمع ركعات
بتسليمة جاز لما روت عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يصلى ثلاث عشرة
ركعة ويوتر من ذلك بخمس يجلس في الآخرة ويسلم وانه أوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام "
وان تطوع بركعة واحدة جاز لما روى أن عمر رضي الله عنه " مر بالمسجد فصلي ركعة فتبعه رجل
فقال يا أمير المؤمنين إنما صليت ركعة فقال إنما هي تطوع فمن شاء زاد ومن شاء نقص ")
(الشرح) حديث ابن عمر رواه البخاري ومسلم ولفظه عندهما " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا
خشيت الصبح فأوتر بواحدة " وفى رواية فإذا خفت وفى رواية أبي داود صلاة الليل والنهار مثنى
مثنى وإسنادهما صحيح وروى البيهقي بإسناده عن الامام البخاري أنه سئل عن هذه الرواية فقال
هي صحيحة ولو ذكر المصنف الروايتين كان أحسن وحديث عائشة صحيح بعضه في الصحيحين وبعضه
في أحدهما بمعناه ففي رواية عنها " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة
يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شئ إلا في آخرها " رواه مسلم وفى رواية " كان يصلي تسع ركعات
لا يجلس فيها الا في الثامنة ثم ينهض ولا يسلم فيصلي التاسعة ثم يسلم " رواه مسلم واما الأثر المذكور
عن عمر رضي الله عنه رواه الشافعي ثم البيهقي باسنادين ضعيفين ومعنى كلامه ان التطوع يسن
كونه ركعتين ولا يشترط ذلك بل من شاء استوفى المسنون ومن شاء زاد عليه فزاد على ركعتين بتسليمة
ومن شاء نقص منه فاقتصر على ركعة * اما حكم المسألة فقال أصحابنا التطوع الذي لا سبب له ولا
حصر له ولا لعدد ركعات الواحدة منه وله ان ينوى عددا وله أن لا ينويه بل يقتصر على نية
الصلاة فإذا شرع في تطوع ولم ينو عددا فله أن يسلم من ركعة وله ان يزيد فيجعلها ركعتين أو ثلاثا
أو عشرا أو مائة أو ألفا أو غير ذلك ولو صلى عددا لا يعلمه ثم سلم صح بلا خلاف اتفق عليه
أصحابنا ونص عليه الشافعي رحمه الله في الاملاء وروى البيهقي باسناده ان أبا ذر رضي الله عنه
صلى عددا كثيرا فلما سلم قال له الأحنف بن قيس رحمه الله هل تدرى انصرفت على شفع أم على
49

وتر قال الا أكن أدري فان الله يدرى أني سمعت خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول ثم بكى
ثم قال إني سمعت خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد يسجد لله سجدة الا رفع
الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة " ورواه الدارمي في مسنده باسناد صحيح الا رجلا اختلفوا في
عدالته وحكي صاحب التتمة وجهين فيمن نوى التطوع مطلقا يكره له الاقتصار على ركعة بناء على
أنه لو نذر صلاة هو يكفيه ركعة أم يجب ركعتان وفيه القولان المشهوران وهذا الوجه ضعيف
جدا أو غلط واما إذا نوى ركعة واحدة واقتصر عليها فتصح صلاته بلا خلاف ولو نوى عددا
قليلا أو كثيرا وإن بلغت كثرته ما بلغت صحت صلاته ويستوفيه بتسليمة واحدة فإنه أكثر المنقول
في الوتر وهذا الوجه شاذ ضعيف والصحيح المشهور جواز الزيادة ما شاء قال أصحابنا ثم إذا نوى
عددا فله أن يزيد وله أن ينقص فمن أحرم بركعتين أو ركعة فله جعلها عشرا ومائة ومن أحرم بعشر
أو مائة أو ركعتين فله جعلها ركعة ونحو ذلك قال أصحابنا وإنما يجوز الزيادة والنقص بشرط تغيير
النية قبل الزيادة والنقص فان زاد أو نقص بلا تغيير النية عمدا بطلت صلاته بلا خلاف مثاله نوى
ركعتين فقام إلى ثالثة بنية الزيادة جاز وان قام بلا نية عمدا بطلت صلاته وإن قام ناسيا لم تبطل
لكن يعود إلى القعود ويتشهد ويسجد للسهو فلو بدا له في القيام وأراد أن يزيد فهل يشترط
العود إلى القعود ثم يقوم منه أم له المضي فيه وجهان مشهوران (أصحهما) الاشتراط لان القيام إلى
الثالثة شرط ولم يقع معتدا به ثم يسجد للسهو في آخر صلاته ولو نوى ركعتين فصلى أربعا ساهيا
ثم نوى اكمال صلاته أربعا صلي ركعتين آخرتين ولا يحسب ما سهي به ولو نوى أربعا ثم نوى الاقتصار
على ركعتين جاز وسلم منهما فلو سلم قبل تغيير النية عمدا بطلت صلاته وان سلم سهوا أتم أربعا وسجد
للسهو فلو أراد بعد سلامه أن يقتصر على الركعتين جاز فيسجد للسهو ويسلم ثانيا لان سلامه الأول
وقع سهوا فهو غير محسوب ثم إن تطوع بركعة فلا بد من التشهد عقبها ويجلس متوركا كما سبق بيانه
في بابه وان زاد على ركعة فله أن يقتصر على تشهد واحد في آخر صلاته وهذا التشهد ركن لابد منه وله أن
يتشهد في كل ركعتين كما في الفرائض الرباعية فإن كان العدد وترا فلا بد من التشهد في الآخرة أيضا
هذا إذا كانت صلاته أربعا فإن كانت ستا أو عشرا أو عشرين أو أكثر من ذلك شفعا كانت أو وترا
ففيها أربعة أوجه (الصحيح) الذي قطع به العراقيون وآخرون أنه يجوز أن يتشهد في كل ركعتين وان
كثرت التشهدات ويتشهد في الآخرة وله أن يقتصر على تشهد في الآخرة وله أن يتشهد في كل أربع
أو ثلاث أو ست وغير ذلك ولا يجوز أن يتشهد في كل ركعة لأنه اختراع صورة في الصلاة لا عهد بها (والثاني)
50

لا يجوز الزيادة على تشهدين بحال من الصلاة الواحدة ولا يجوز أن يكون بين التشهدين أكثر من ركعتين
إن كان العدد شفعا فإن كان وترا لم يجز بينهما أكثر من ركعة وبهذا الوجه قطع القاضي حسين وصاحبا
التتمة والتهذيب وغيرهم وهو قوى وظاهر السنة يقتضيه (والثالث) انه لا يجلس الا في الآخرة حكاه
صاحبا الإبانة والبيان وهو غلط (والرابع) يجوز التشهد في كل ركعتين وفى كل ركعة واختاره إمام
الحرمين والغزالي وهو ضعيف أو باطل قال الرافعي لم يذكر هذا غير الامام والغزالي قال ولا خلاف
في جواز الاقتصار على تشهد في آخر الصلاة قال والمذهب جواز التشهد في كل ركعتين قال فان
اقتصر على تشهد قرأ السورة في كل الركعات وإن صلي بتشهدين ففي استحباب قراءة السورة فيما بعد التشهد
الأول القولان المعروفان في الفرائض وقد سبق بيان هذه المسألة في فصل القراءة من باب صفة الصلاة قال
أصحابنا ولا خلاف أن الأفضل أن يسلم من كل ركعتين في نوافل الليل والنهار وقد تكرر بيان هذا في
مواضع سبقت وبالله التوفيق *
(فرع) في مذاهب العلماء في ذلك: قد ذكرنا أنه يجوز عندنا أن يجمع ركعات كثيرة من النوافل
المطلقة بتسليمة وان الأفضل في صلاة الليل والنهار أن يسلم من كل ركعتين وبهذا قال مالك واحمد
وداود وابن المنذر وحكى عن الحسن البصري وسعيد بن جبير وقال أبو حنيفة التسليم من ركعتين أو أربع في صلاة النهار سواء في الفضيلة ولا يزيد على ذلك وصلاة الليل ركعتان وأربع وست وثمان
بتسليمة ولا يزيد على ثمان وكان ابن عمر يصلى بالنهار أربعا واختاره إسحاق *
* قال المصنف رحمه الله *
(ويستحب لمن دخل المسجد أن يصلي ركعتين تحية المسجد لما روى أبو قتادة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا دخل أحدكم المسجد فليصل سجدتين من قبل أن يجلس " فان دخل
وقد حضرت الجماعة لم يصل التحية لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة الا المكتوبة "
ولأنه يحصل به التحية كما يحصل حق الدخول إلى الحرم بحجة الفرض) *
51

(الشرح) حديث أبي قتادة صحيح رواه البخاري ومسلم بمعناه من طرق منها قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين " هذا لفظ البخاري
ومسلم والمراد بالسجدتين في رواية المصنف ركعتان وقد تكررت الأحاديث الصحيحة بمثل ذلك
وأما حديث " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة الا المكتوبة " فرواه مسلم من رواية أبي هريرة رضي الله
عنه * أما حكم المسألة فاجمع العلماء على استحباب تحية المسجد ويكره أن يجلس من غير تحية بلا عذر
لحديث أبي قتادة المصرح بالنهي وسواء عندنا دخل في وقت النهي عن الصلاة أم في غيره كما
سنوضحه بدليله في بابه إن شاء الله تعالى قال أصحابنا وتحية المسجد ركعتان للحديث فان صلي أكثر من
ركعتين بتسليمة واحدة جاز وكانت كلها تحية لاشتمالها على الركعتين ولو صلى على جنازة أو سجد
لتلاوة أو شكر أو صلي ركعة واحدة لم تحصل التحية لصريح الحديث الصحيح هذا هو المذهب
وحكي الرافعي وجها أنها تحصل لحصول عبادة واكرام المسجد والصواب الأول وإذا جلس والحالة
هذه كان مرتكبا للنهي قال أصحابنا ولا يشترط ان ينوى بالركعتين التحية بل إذا صلي ركعتين
بنية الصلاة مطلقا أو نوى ركعتين نافلة راتبة أو غير راتبة أو صلاة فريضة مؤداة أو مقضية أو منذورة
أجزأه ذلك وحصل له ما نوى وحصلت تحية المسجد ضمنا ولا خلاف في هذا قال أصحابنا وكذا
لو نوى الفريضة وتحية المسجد أو الراتبة وتحية المسجد حصلا جميعا بلا خلاف وأما قول الرافعي
في الصورة الأولى أنه يجوز أن يطرد فيه الخلاف فيمن نوى بغسله الجنابة هل تحصل الجمعة وقول
الشيخ أبي عمرو بن الصلاح في الصورة الثانية أنه ينبغي أن يطرد فيها الخلاف فيمن نوى بغسله الجنابة
والجمعة فليس كما قالا ولم يذكر أحد من أصحابنا هذا الذي ذكراه بل كلهم مصرحون بحصول الصلاة
في الصورتين وحصول التحية فيهما وبأنه لا خلاف فيه ويفارق مسألة غسل الجمعة لأنها سنة مقصودة
وأما التحية فالمراد بها أن لا ينتهك المسجد بالجلوس بغير صلاة والله أعلم *
(فرع) لو تكرر دخوله في المسجد في الساعة الواحدة مرارا قال صاحب التتمة تستحب التحية
لكل مرة وقال المحاملي في اللباب أرجو أن تجزيه التحية مرة واحدة والأول أقوى وأقرب
إلى ظاهر الحديث
52

(فرع) قال أصحابنا تكره التحية في حالتين (إحداهما) إذا دخل والامام في المكتوبة أو وقد شرع
المؤذن في الإقامة (الثاني) إذا دخل المسجد الحرام فلا يشتغل بها عن الطواف وأما إذا دخل والامام
يخطب يوم الجمعة أو غيره فلا يجلس حتى يصلي التحية ويخففها وسنوضحها بدلائلها حيث ذكرها المصنف
في صلاة الجمعة إن شاء الله تعالى *
(فرع) لو جلس في المسجد قبل التحية وطال الفصل فاتت ولا يشرع قضاؤها بالاتفاق كما
سبق بيانه فإن لم يطل الفصل فالذي قاله الأصحاب أنها تفوت بالجلوس فلا يفعلها بعده وذكر
الأصحاب هذه المسألة في كتاب الحج في مسالة الاحرام لدخول الحرم وقاسوا عليها أن من دخله
بغير احرام لا يقضيه بل فاته بمجرد الدخول كما تفوت التحية بالجلوس وذكر الإمام أبو الفضل ابن
عبدان من أصحابنا في كتابه المصنف في العبادات أنه لو نسي التحية وجلس ثم ذكرها بعد ساعة
صلاها وهذا غريب وقد ثبت عن جابر رضي الله عنه قال " جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول
الله صلى الله عليه وسلم قاعدا على المنبر فقعد سليك قبل أن يصلي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أركعت
ركعتين قال لا قال قم فاركعهما " رواه مسلم بهذا اللفظ ورواه البخاري أيضا بمعناه فالذي يقتضيه
هذا الحديث أنه إذا ترك التحية جهلا بها أو سهوا يشرع له فعلها ما لم يطل الفصل وهذا هو المختار
وعليه يحمل قول ابن عبدان ويحمل كلام الأصحاب على ما إذا طال الفصل لئلا يصادم الحديث
الصحيح وهذا الذي اختاره متعين لما فيه من موافقه الحديث والجمع بين كلام الأصحاب وابن
عبدان والحديث والله أعلم *
(فصل) في مسائل تتعلق بباب صلاة التطوع (إحداها) يستحب ركعتان عقب الوضوء
للأحاديث الصحيحة فيها وقد أوضحت المسألة بدلائلها في آخر الباب صفة الوضوء ويستحب لمن
أريد قتله بقصاص أو في حد أو غيرهما أن يصلي قبيله ان أمكنه لحديث أبي هريرة أن حبيب
ابن عدي الصحابي رضي الله عنه حين أخرجه الكفار ليقتلوه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قال
دعوني أصلى ركعتين فكان أول من صلي الركعتين عند القتل رواه البخاري ومسلم (الثانية) من
السنن ركعتا الاحرام وكذا ركعتا الطواف إذا قلنا بالأصح انهما لا يجبان (الثالثة) السنة لمن قدم من
سفر أن يصلي ركعتين في المسجد أول قدومه لحديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال " كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين " رواه البخاري ومسلم
53

واحتج به البخاري في المسألة (الرابعة) صلاة الاستخارة سنة وهي أن من أراد من الأمور صلي
ركعتين بنية صلاة الاستخارة ثم دعى بما سنذكره إن شاء الله تعالى واتفق أصحابنا وغيرهم على
أنها سنة لحديث جابر رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في
الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم
ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر
وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب الله ان كنت تعلم أن هذا الامر خير لي في ديني ومعاشي
وعاقبة أمري - أو قال عاجل أمري وآجله - فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه اللهم وإن كنت تعلم أن
هذا الامر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال في عاجل أمري وآجله - فاصرفه عنى
واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم ارضني به ويسمي حاجته " رواه البخاري في مواضع من صحيحه
وفى بعضها ثم رضني به ويستحب له أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون وفى
الثانية قل هو الله أحد ثم ينهض بعد الاستخارة لما ينشرح له صدره (الخامسة) قال القاضي حسين
وصاحبا التهذيب والتتمة والروياني في أواخر كتاب الجنائز من كتابه البحر يستحب صلاة التسبيح
للحديث الوارد فيها وفى هذا الاستحباب نظر لان حديثها ضعيف وفيها تغيير لنظم الصلاة المعروف
فينبغي الا يفعل بغير حديث وليس حديثها بثابت وهو ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس رضي الله عنه " يا عباس يا عماه الا أعطيك ألا أمنحك الا
أحبوك الا افعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره قديمه
وحديثه خطاه وعمده صغيره وكبيره سره وعلانيته ان تصلى أربع ركعات تقرأ في كل ركعة بفاتحة
الكتاب وسورة فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم قلت سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشر مرة ثم تركع وتقولها وأنت راكع عشرا أو ترفع رأسك من
الركوع فتقولها عشرا ثم تهوى ساجدا فتقولها وأنت ساجد عشرا ثم ترفع رأسك من السجود
فتقولها عشرا ثم تسجد فتقولها عشرا ثم ترفع رأسك فتقولها عشرا فذلك خمس وسبعون في كل
ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات ان استطعت أن تصليها كل يوم فافعل فإن لم تفعل ففي كل جمعة
مرة فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة فإن لم تفعل ففي كل عمرك مرة " رواه
أبو داود وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه وغيرهم ورواه الترمذي من رواية أبى رافع بمعناه قال
54

الترمذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة التسبيح غير حديث قال ولا يصح منه كبير
شئ قال وقد رأى ابن المبارك غير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح وذكروا لفضل فيه وكذا
قال العقيلي ليس في صلاة التسبيح حديث يثبت وكذا ذكر أبو بكر بن العربي وآخرون أنه ليس
فيها حديث صحيح ولا حسن والله أعلم (السادسة) في صلاة الحاجة عن ابن أوفى رضي الله عنهما
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كانت له حاجة إلى الله تعالى أو أحد من بني آدم فليتوضأ
فليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ثم ليثنى على الله عز وجل وليصل على النبي صل الله عليه وسلم
ثم ليقل لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين أسألك
موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل اثم لا تدع لي ذنبا الا غفرته
ولا هما الا فرجته ولا حاجة هي لك رضاء الا قضيتها يا ارحم الراحمين " رواه الترمذي وضعفه (السابعة)
يكره تخصيص ليلة الجمعة بصلاة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي " رواه مسلم (الثامنة) قد سبق ان النوافل لا تشرع الجماعة فيها
الا في العيدين والكسوفين والاستسقاء وكذا التراويح والوتر بعدها إذا قلنا بالأصح ان الجماعة
فيها أفضل وأما باقي النوافل كالسنن الراتبة مع الفرائض والضحي والنوافل المطلقة فلا تشرع فيها
الجماعة أي لا تستحب لكن لو صلاها جماعة جاز ولا يقال إنه مكروه وقد نص الشافعي رحمه الله
في مختصري البويطي والربيع على أنه لا بأس بالجماعة في النافلة ودليل جوازها جماعة أحاديث
كثيرة في الصحيح منها حديث عتبان ابن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " جاءه
في بيته بعد ما اشتد النهار ومعه أبو بكر رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أين تحب أن
أصلى من بيتك فأشرت إلى المكان الذي أحب ان يصلى فيه فقام وصفنا خلفه ثم سلم وسلمنا حين
سلم " رواه البخاري ومسلم وثبتت الجماعة في النافلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية ابن
عباس وأنس بن مالك وابن مسعود وحذيفة رضي الله عنهم وأحاديثهم كلها في الصحيحين
الا حديث حذيفة ففي مسلم فقط والله أعلم (التاسعة) ينبغي لكل أحد المحافظة على النوافل
والاكثار منها على حسب ما سبق بيانه في الباب وقد سبقت دلائله ومن أهمها حديث أبي هريرة
رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ان أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة
من عمله صلاته فان صلحت فقد أفلح وأنجح وان فسدت فقد خاب وخسر فان انتقص من
فريضته شيئا قال الرب سبحانه وتعالى اذكروا هل لعبدي من تطوع فتكمل به ما انتقص من
55

الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك " رواه الترمذي والنسائي وآخرون قال الترمذي حديث حسن
ورواه أبو داود من رواية أبي هريرة هكذا ثم رواه من رواية تميم الداري بمعناه باسناد صحيح
(العاشرة) الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهي ثنتي عشرة ركعة تصلي بين المغرب والعشاء ليلة
أول جمعة في رجب وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة وهاتان الصلاتان بدعتان ومنكران
قبيحتان ولا يغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب واحياء علوم الدين ولا بالحديث المذكور فيهما فان
كل ذلك باطل ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما
فإنه غالط في ذلك وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي كتابا نفيسا في
ابطالهما فأحسن فيه وأجاد رحمه الله *
(فرع) في مذاهب العلماء في كيفية ركعات التطوع: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يجوز في النفل المطلق
المطلق أن يسلم من ركعة وركعتين وانه يجوز أن يجمع بين ركعات كثيرة سواء كان بالليل أم بالنهار
وقال أبو حنيفة لا يجوز الاقتصار على ركعة في صلاة أبدا قال ويجوز نوافل النهار ركعتين وأربعا
ولا يزيد عليها ونوافل الليل ركعتين وأربعا وستا وثمانيا ولا يزيد وقد سبقت الأحاديث الصحيحة
في فصل الوتر المصرحة بدلائل مذهبنا *
(فرع) مذهبنا أن الأفضل في نفل الليل والنهار أن يسلم من كل ركعتين وحكاه ابن المنذر عن
الحسن البصري وسعيد بن جبير وحماد بن أبي سليمان ومالك واحمد واختاره ابن المنذر وحكي عن
ابن عمر وإسحاق بن راهويه أن الأفضل في النهار أربعا: وقال الأوزاعي وأبو حنيفة صلاة الليل مثنى
وصلاة النهار إن شاء أربعا وإن شاء ركعتين دليلنا الحديث السابق " صلاة الليل والنهار مثنى " وهو
صحيح كما بيناه قريبا وقد ثبت في كون صلاة النهار ركعتين ما لا يحصى من الأحاديث وهي مشهورة
في الصحيح كحديث ركعتين قبل الظهر وركعتين بعده وكذا قبل العصر وبعد المغرب والعشاء وحديث
ركعتي الضحي وتحية المسجد وركعتي الاستخارة وركعتين إذا قدم من سفر وركعتين بعد الوضوء وغير ذلك
وأما الحديث المروى عن أبي أيوب رضي الله عنه يرفعه أربع قبل الظهر لا تسليم فيهن يفتح لهن أبواب
السماء فضعيف متفق على ضعفه وممن ضعفه يحيي بن سعيد القطان وأبو داود والبيهقي ومداره على عبيدة
ابن معتب وهو ضعيف والله أعلم *
(فرع) مذهبنا أنه إذا أقيمت الصلاة كره أن يشتغل بنافلة سواه تحية المسجد وسنة الصبح
وغيرها ونقله ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابنه وأبي هريرة وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير وابن
56

سيرين واحمد وإسحاق وأبي ثور ونقل عن ابن مسعود ومسروق والحسن البصري ومكحول ومجاهد
وحماد بن أبي سليمان أنه لا يأتي بصلاة سنة الصبح والامام في الفريضة قال وقال مالك إن لم يخف أن يفوته
الامام بالركعة فليصل خارجا قبل أن يدخل وان خاف فوت الركعة فليركع مع الامام وقال الأوزاعي وسعيد
بن عبد العزيز وأبو حنيفة اركعها في ناحية المسجد ما دمت تتيقن انك تدرك الركعة الأخيرة فان خشيت
فوت الأخيرة فادخل مع الامام دليلنا حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا أقيمت
الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " رواه مسلم وعن ابن بحينة أن رسول الله صلى الله عليه وسم " مر
برجل وقد أقيمت صلاة الصبح فكلمه بشئ لا ندري ما هو فلما انصرفنا أحطنا به نقول ما قال
لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعا " رواه البخاري ومسلم
وهذا لفظه ولفظ البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأى رجل يصلي ركعتين وقد أقيمت
الصلاة فلما انصرف قال الصبح أربعا " وعن عبد الله بن سرخس قال " دخل رجل المسجد ورسول الله
صلى الله عليه وسلم في صلاة الغداة فصلى ركعتين في جانب المسجد ثم دخل مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا فلان باي الصلاتين اعتددت بصلاتك وحدك
أم بصلاتك معنا " رواه مسلم *
(فرع) تصح النوافل وتقبل وإن كانت الفرائض ناقصة لحديثي أبي هريرة وتميم
الداري السابقين في المسألتين التاسعة والعاشرة: وأما الحديث المروي عن علي رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم " مثل المصلي مثل التاجر لا يخلص له ربحه حتى يخلص رأس ماله كذلك
المصلى لا تقبل نافلته حتى يؤدى الفريضة " فحديث ضعيف بين البيهقي وغيره ضعفه قال البيهقي ولو صح
لحمل على نافلة تكون صحتها متوقفة على صحة الفريضة كسنة المغرب والعشاء والظهر بعدها ليجمع بينه
وبين حديثي أبي هريرة وتميم والله أعلم *
57

(باب سجود التلاوة)
* قال المصنف رحمه الله *
(سجود التلاوة مشروع للقاري والمستمع لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال " كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بسجدة كبر وسجد وسجدنا " فان ترك القاري
سجد المستمع لأنه توجه عليهما فلا يتركه أحدهما بترك الآخر وأما من سمع القارئ وهو غير
مستمع إليه فقال الشافعي لا أؤكد عليه كما أؤكد على المستمع لما روي عن عثمان وعمران ابن الحصين
رضي الله عنهم السجدة على من استمع وعن ابن عباس رضي الله عنهما السجدة لمن جلس لها وهو سنة
غير واجب لما روى زيد بن ثابت رضي الله عنه قال " عرضت النجم على رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلم يسجد منا أحد ") *
(الشرح) حديث ابن عمر رضي الله عنهما رواه البخاري ومسلم بلفظه إلا قوله كبر فليس في
روايتهما وهذا اللفظ في رواية أبى داود واسنادها ضعيف: وأما حديث زيد بن ثابت فرواه البخاري
ومسلم بمعناه لفظ رواية البخاري عن زيد قال " قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم والنجم فلم يسجد
فيها " ورواية مسلم " انه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم والنجم إذا هوى فلم يسجد فيها "
: وأما الأثر عن ابن عباس فصحيح ذكره البيهقي وكذا الأثران عن عثمان وعمران ذكرهما
البخاري في صحيحه تعليقا بصيغة الجزم: أما حكم المسألة فسجود التلاوة سنة للقاري والمستمع
بلا خلاف وسواء كان القارئ في صلاة أم لا وفى وجه شاذ ضعيف لا يسجد المستمع لقراءة مصل
غير امامه حكاه الرافعي وسواء سجد القارئ أم لم يسجد يسن للمستمع ان يسجد هذا هو الصحيح
وبه قطع الجمهور وقال الصيدلاني لا يسن له السجود إذا لم يسجد القارئ واختاره امام الحرمين ولو
استمع إلى قراءة محدث أو كافر أو صبي فوجهان الصحيح استحباب السجود لأنه استمع سجدة:
(والثاني) لا لأنه كالتابع للقارئ: وأما الذي لا يستمع لكن يسمع بلا اصغاء ولا قصد ففيه ثلاثة أوجه
(الصحيح) المنصوص في البويطي وغيره انه يستحب له ولا يتأكد في حقه تأكده في حق المستمع
(والثاني) انه كالمستمع: (والثالث) لا يسن له السجود وبه قطع الشيخ أبو حامد في تعليقه والبندنيجي *
(فرع) المصلي إذا كان منفردا سجد لقراءة نفسه فلو قرأ السجدة فلم يسجد ثم بدا له أن يسجد
لم يجز لأنه تلبس بالفرض فلا يتركه للعود إلى سنة ولأنه يصير زائدا ركوعا فلو بدا له قبل بلوغ
58

حد الراكعين جاز ولو هوي لسجود التلاوة ثم بدا له فرجع جاز كما لو قرأ بعض التشهد الأول
ولم يتمه جاز بلا شك قال أصحابنا ويكره للمصلي الاصغاء إلى قراءة غير امامه فان اصغي المنفرد لقراءة
قارئ في الصلاة أو غيرها لم يجز ان يسجد لأنه ممنوع من هذا الاصغاء فان سجد بطلت صلاته وإن كان
المصلي إماما فهو كالمنفرد فيما ذكرناه قال أصحابنا ولا يكره له قراءة آية السجدة في الصلاة سواء
كانت صلاة جهرية أو سرية هذا مذهبنا وسنذكر مذاهب العلماء فيه إن شاء الله تعالى: وإذا سجد الإمام
لزم المأموم السجود معه فإن لم يسجد بطلت صلاته بلا خلاف لتخلفه عن الامام ولو لم يسجد الإمام
لم يسجد المأموم فان خالف وسجد بطلت صلاته بلا خلاف ويستحب أن يسجد بعد سلامه
ليتداركها ولا يتأكد ولو سجد الإمام ولم يعلم المأموم حتى رفع الامام رأسه من السجود لا تبطل
صلاة المأموم لأنه تخلف بعذر ولكن لا يسجد فلو علم والامام بعد في السجود لزمه السجود ولو هوى
المأموم ليسجد معه فرفع الامام وهو في الهوى رجع معه ولم يسجد وكذا الضعيف البطئ الحركة الذي
هوى مع الامام لسجود التلاوة فرفع الامام رأسه قبل انتهائه إلى الأرض لا يسجد بل يرجع معه بخلاف
سجود نفس الصلاة فإنه لابد أن يأتي به وان رفع الامام لأنه فرض: وأما المأموم فيكره له قراءة السجدة
ويكره له أيضا الاصغاء إلى قراءة غير امامه كما سبق فلو سجد لقراءة نفسه أو لقراءة غير امامه بطلت
صلاته لأنه زاد سجودا عمدا * قال المصنف رحمه الله *
(وسجدات التلاوة أربع عشرة في قوله الجديد سجدة في آخر الأعراف عند قوله تعالي (ويسبحونه
وله يسجدون) وسجدة في الرعد عند قوله سبحانه وتعالى (بالغدو والآصال) وسجدة في النحل
عند قوله تعالى (ويفعلون ما يؤمرون) وسجدة في بني إسرائيل عند قوله تعالي (ويزيدهم خشوعا)
وسجدة في مريم عند قوله تعالى (خروا سجدا وبكيا) وسجدتان في الحج: (إحداهما) عند قوله تعالي
(ان الله يفعل ما يشاء): (والثانية) عند قوله تعالى (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) وسجدة في الفرقان
عند قوله تعالى (وزادهم نفورا) وسجدة في النمل عند قوله تعالي (رب العرش العظيم) وسجدة في
ألم تنزيل عند قوله تعالي (وهم لا يستكبرون) وسجدة في حم السجدة عند قوله تعالي (وهم لا يسئمون)
وثلاث سجدات في المفصل (إحداها) في آخر النجم (فاسجدوا لله واعبدوا): (والثانية) في (إذا
السماء انشقت) (وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون): (والثالثة) في آخر اقرأ (واسجد واقترب)
والدليل عليه ما روى عمرو بن العاص رضي الله عنه قال " أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم
59

خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفى الحج سجدتان " وفى القديم سجود التلاوة
احدى عشرة سجدة وأسقط سجدات المفصل لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى
الله عليه وسلم " لم يسجد في شئ من المفصل منذ تحول إلى المدينة ") *
(الشرح) حديث عمرو رواه أبو داود والحاكم باسناد حسن وحديث ابن عباس رواه أبو داود
والبيهقي باسناد ضعيف وضعفه البيهقي وغيره ومذهبنا أن سجدات التلاوة هذه الأربع عشرة وفى القديم
انها أحدي عشرة كما حكاه المنصف وهذا القديم ضعيف في النقل ودليله باطل كما سنذكره إن شاء الله
تعالى في فرع مذاهب العلماء ومواضع السجدات كما ذكره المصنف ولا خلاف في شئ منها إلا في
موضعين (أحدهما) سجدة حم السجدة فيها وجهان لأصحابنا حكاهما القاضي في تعليقه والبغوي وغيرهما
أصحهما عند يسأمون كما ذكره المصنف وبهذا قطع الأكثرون: (والثاني) أنها عند قوله تعالي (ان كنتم
إياه تعبدون) وحكى ابن المنذر هذا المذهب عن عمر بن الخطاب والحسن البصري وابن سيرين وأصحاب
ابن مسعود وإبراهيم والنخعي وأبى صالح وطلحة بن مصرف وزيد بن الحارث ومالك والليث رضي الله عنهم
وحكي الأول عن ابن المسيب وابن سيرين أيضا وأبى وائل والثوري وإسحاق رحمهم الله وهو
مذهب أبي حنيفة واحمد: الموضع الثاني سجدة النمل الصواب انها عند قوله تعالي (رب العرش العظيم)
كما ذكره المصنف وبهذا قطع المصنف والشيخ أبو حامد في تعليقه والبندنيجي والقاضي أبو الطيب في كتابه
المجرد وصاحب الشامل وشذ العبدري من أصحابنا فقال في كتابه الكفاية هي عند قوله تعالي (ويعلم
ما يخفون وما يعلنون) قال هذا مذهبنا ومذهب أكثر الفقهاء وقال مالك هي عند قوله تعالي (رب
العرش العظيم) وهذا الذي ادعاه العبدري ونقله عن مذهبنا باطل مردود والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(وأما سجدة ص فهي عند قوله تعالى (وخر راكعا وأناب) وليست من سجدات التلاوة
وإنما هي سجدة شكر لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوما فقرأ ص فلما مر بالسجدة تشزنا بالسجود فلما رآنا قال " إنما هي توبة نبي " ولكن قد استعددتم
للسجود فنزل وسجد " وروى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " سجدها نبي
الله داود توبة وسجدناها شكرا " فان قرأها في الصلاة فسجد فيها ففيه وجهان: (أحدهما) تبطل
صلاته لأنها سجدة شكر فبطلت بها الصلاة كالسجود عند تجدد نعمة: (والثاني) لا تبطل لأنها تتعلق
بالتلاوة فهي كسائر سجدات التلاوة) *
60

(الشرح) حديث أبي سعيد رواه أبو داود باسناد صحيح على شرط البخاري وقوله نشزنا
هو بتاء مثناة فوق ثم شين المعجمة ثم زاي مشددة ثم نون مشددة أيضا أي تهيأنا وحديث ابن عباس
رواه النسائي والبيهقي وضعفه قال أصحابنا سجدة ص ليست من عزائم السجود معناه ليست سجدة
تلاوة ولكنها سجدة شكر هذا هو المنصوص وبه قطع الجمهور وقال أبو العباس ابن سريج وأبو إسحاق
المروزي هي سجدة تلاوة من عزائم السجود والمذهب الأول قال أصحابنا إذا قلنا بالمذهب فقرأها
في غير الصلاة استحب أن يسجد لحديث أبي سعيد هذا وحديث عمرو بن العاص السابق وحديث
ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في ص رواه (1) وان قرأها في الصلاة ينبغي أن
لا يسجد فان خالف وسجد ناسيا أو جاهلا لم تبطل صلاته ولكن يسجد للسهو وان سجدها عامدا
عالما بالتحريم بطلت صلاته على أصح الوجهين وقد ذكرهما المصنف بدليلهما ولو سجد امامه في ص
لكونه يعتقدها فثلاثة أوجه أصحها لا يتابعه بل إن شاء نوى مفارقته لأنه معذور وان شاء
ينتظره قائما كما لو قام إلى خامسة لا يتابعه بل إن شاء فارقه وان شاء انتظره فان انتظره لم يسجد
للسهو لان المأموم لا سجود عليه: (والثاني) لا يتابعه أيضا وهو مخير في المفارقة والانتظار كما سبق
فان انتظره سجد للسهو بعد سلام الامام لأنه يعتقدان امامه زاد في صلاته جاهلا وان لسجود
السهو توجها عليهما فإذا أخل به الامام سجد المأموم: (والثالث) يتابعه في سجوده في ص حكاه الروياني
في البحر لتأكد متابعة الامام وتأويله والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في حكم سجود التلاوة: قد ذكرنا أن مذهبنا انه سنة وليس بواجب
وبهذا قال جمهور العلماء وممن قال به عمر بن الخطاب وسلمان الفارسي وابن عباس وعمران بن الحصين
ومالك والأوزاعي واحمد واسحق وأبو ثور وداود وغيرهم رضي الله عنهم وقال أبو حنيفة رحمه الله سجود
التلاوة واجب على القارئ والمستمع واحتج له بقول الله تعالى (فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن
لا يسجدون) وبقوله تعالي فاسجدوا الله واعبدوا) وبالأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد
للتلاوة وقياسا على سجود الصلاة واحتج أصحابنا بالأحاديث الصحيحة منها حديث زيد بن ثابت
رضي الله عنه قال " قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والنجم فلم يسجد فيها " رواه البخاري ومسلم كما سبق
بيانه فان قالوا لعله سجد في وقت آخر قلنا لو كان كذلك لم يطلق الراوي نفى السجود فان قالوا لعل زيدا
قرأها بعد الصبح أو العصر ولا يحل السجود ذلك الوقت بالاتفاق قلنا لو كان سبب الترك ما ذكروه لم يطلق

(1) كذا بالأصل
61

زيد النفي وزمن القراءة ومن الدلائل حديث الأعرابي " خمس صلوات في اليوم والليلة قال هل على غيرها
قال لا إلا أن تتطوع " رواه البخاري ومسلم وسبق مرات واحتج به الشافعي في المسألة ومنها أن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس حتى إذا
كانت الجمعة القابلة قرأها حتى إذا جاء السجدة قال يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم
يسجد فلا اثم عليه ولم يسجد عمر " وفى رواية قال (ان الله لم يفرض السجود الا ان نشاء) روى البخاري الروايتين
بلفظهما وهذا الفعل والقول من عمر رضي الله عنه في هذا الموطن والمجمع العظيم دليل ظاهر في اجماعهم على أنه
ليس بواجب ولان الأصل عدم الوجوب حتى يثبت صحيح صريح في الامر به ولا معارض له ولا قدرة
لهم على هذا وقياسا على سجود الشكر ولأنه يجوز سجود التلاوة على الراحلة بالاتفاق في السفر فلو
كان واجبا لم يجز كسجود صلاة الفرض وأما الجواب عن الآية التي احتجوا بها فهي انها وردت
في ذم الكفار وتركهم السجود استكبارا وجحودا والمراد بالسجود في الآية الثانية سجود الصلاة
والأحاديث محمولة على الاستحباب جمعا بين الأدلة والله أعلم *
(فرع) في مذاهبهم في عدد سجدات التلاوة: قد ذكرنا أن مذهبنا الصحيح أنها أربع
عشرة منها سجدتان في الحج وثلاث في المفصل وليست ص سجدة تلاوة وقال أبو حنيفة هي
أربع عشرة لكنه اسقط الثانية من الحج وأثبت ص وعن مالك روايتان إحداهما أربع عشرة
كقولنا وأشهرهما احدى عشرة أسقط سجدات المفصل وعن أحمد روايتان إحداهما أربع عشرة كقولنا والثانية خمس عشرة فأثبت ص وهذا مذهب إسحاق ابن راهويه وهو قول ابن سريج
وأبي إسحاق المروزي من أصحابنا كما سبق وأجمعوا على السجدة الأولى في الحج واختلفوا في
الثانية فممن أثبتها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعلي وابن عمر وأبو الدرداء وأبو موسى وأبو عبد الرحمن
السلمي وأبو العالية وذر بن حبيش ومالك واحمد وإسحاق وأبو ثور وداود رضي الله عنهم قال
ابن المنذر قال أبو إسحاق يعني السبيعي التابعي الكبير " أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون
في الحج سجدتين " وحكي ابن المنذر عن سعيد بن جبير والحسن البصري والنخعي وجابر بن زيد
وأصحاب الرأي اسقاطها وعن ابن عباس روايتان قال ابن المنذر وباثباتها أقول واختلف العلماء
في سجدات المفصل وهي النجم وإذا السماء انشقت واقرأ فأثبتهن الجمهور من الصحابة فمن بعدهم
وحذفهن جماعة واحتج أصحابنا للمذهب بحديث عمرو بن العاص المذكور في الكتاب وهو صحيح
كما بيناه وهو وإن كان فيه سجدة ص فهي محمولة على السجود فيها على أنه سجود شكر كما سنوضح
دليله إن شاء الله تعالى وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة انه سجد في إذا السماء انشقت وقال
62

" سجدت بها خلف أبى القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال اسجد فيها حتى ألقاه " وفى رواية مسلم
في إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك ومعلوم أن أبا هريرة إنما أسلم سنة سبع من الهجرة وقد
سبق أن حديث ابن عباس في أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في المفصل منذ تحول إلى المدينة
ليس بصحيح ولو صح قدمت عليه أحاديث أبي هريرة الصحيحة الصريحة المثبتة للسجود والعمدة
في السجدة الثانية في الحج حديث عمرو بن العاص كما ذكرناه وأما حديث عقبة بن عامر قال " قلت
لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج سجدتان قال نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما " فرواه
أبو داود والترمذي وقالا ليس اسناده بالقوى وهو من رواية ابن لهيعة وهو متفق على ضعف روايته
وإنما ذكرته لأبينه لئلا يغتر به وعن ابن عباس قال سجدة ص ليس من عزائم السجود وقد
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها رواه البخاري وفيها حديث أبي سعيد المذكور
في الكتاب وقد بيناه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
(وحكم سجود التلاوة حكم صلاة النفل يفتقر إلى الطهارة والستارة واستقبال القبلة لأنها صلاة
في الحقيقة فإن كان في الصلاة سجد بتكبير ورفع بتكبير ولا يرفع يديه وإن كان السجود في آخر
سورة فالمستحب ان يقوم ويقرأ من السورة بعدها شيئا ثم يركع فان قام ولم يقرأ شيئا وركع جاز
وان قام من السجود إلى الركوع ولم يقم لم يجز لأنه يبتدئ الركوع من قيام) *
(الشرح) قال أصحابنا حكم سجود التلاوة في الشروط حكم صلاة النفل فيشترط فيه طهارة
الحدث والطهارة عن النجس في البدن والثوب والمكان وستر العورة واستقبال القبلة ودخول وقت
السجود بأن يكون قد قرأ الآية أو سمعها فلو سجد قبل الانتهاء إلى آخر آية السجدة ولو بحرف
واحد لم يجز وهذا كله لا خلاف فيه عندنا وقول المصنف الستارة بكسر السين وهي السترة أي
ستر العورة قال أصحابنا فان سجد للتلاوة في الصلاة لم يكبر للافتتاح لأنه متحرم بالصلاة
لكن يستحب أن يكبر في الهوى إلى السجود ولا يرفع اليد لان اليد لا ترفع في
الهوى إلى السجود ويكبر عند رفعه رأسه من السجود كما يفعل في سجدات الصلاة وهذا
التكبير سنة ليس بشرط وفيه وجه لأبي على ابن أبي هريرة حكاه الشيخ أبو حامد وسائر أصحابنا
عنه انه لا يستحب التكبير للهوى ولا للرفع وهو شاذ ضعيف وإذا رفع رأسه من السجود قام ولا
يجلس للاستراحة بلا خلاف صرح به جماعة من أصحابه وقد سبق بيانه في صفة الصلاة قال أصحابنا
فإذا قام استحب ان يقرا شيئا ثم يركع فان انتصب قائما ثم ركع بلا قراءة جاز إذا كان قد قرا
الفاتحة قبل سجوده ولا خلاف في وجوب الانتصاب قائما لان الهوى إلى الركوع من القيام واجب
63

كما سبق في صفة الصلاة وسبق هناك مسائل حسنة متعلقة بهذه المسألة وفي الإبانة والبيان وجه انه
لو رفع من سجود التلاوة إلى الركوع ولم ينتصب أجزأه الركوع وهو غلط نبهت عليه لئلا يغتر به
واما قول المصنف وإن كان السجود في آخر سورة فكان ينبغي ان يحذف قوله آخر سورة لان
استحباب القراءة بعد الانتصاب لا فرق فيه بين آخر سورة وغيره باتفاق الأصحاب ولعل المصنف
أراد التنبيه بآخر السورة على غيره لأنه إذا أحب استفتاح سورة أخرى فاتمام الأول أولي والله أعلم
(وقال) أبو حنيفة إذا قرأ المصلي آية سجدة ثم ركع للصلاة وسجد سقط به سجود التلاوة ثم روى
عنه أنه سقط في الركوع وروى بالسجود * قال المصنف رحمه الله *
(وإن كان في غير الصلاة كبر لما روى ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان
إذا مر بالسجدة كبر وسجد " ويستحب أن يرفع يديه لأنه تكبيرة افتتاح فهي كتكبيرة الاحرام
ثم يكبر تكبيرة أخرى للسجود ولا يرفع اليد والمستحب أن يقول في سجوده ما روت عائشة رضي الله عنه
ا قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن سجد وجهي للذي خلقه
وشق سمعه وبصره بحوله وقوته " وإن قال اللهم اكتب لي بها عندك أجرا واجعلها لي عندك ذخرا وضع
عنى بها وزرا واقبلها منى كما قبلتها من عبدك داود عليه السلام فهو حسن لما روى ابن عباس رضي الله عنه
ما " أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رأيت هذه الليلة في ما يري النائم
كأني أصلي خلف شجرة وكأني قرأت سجدة فسجدت فرأيت الشجرة تسجد لسجودي فسمعتها
وهي ساجدة تقول اللهم اكتب لي بها عندك أجرا وضع عنى بها وزرا واجعلها لي عندك ذخرا وتقبلها
منى كما قبلتها من عبدك داود قال ابن عباس فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سجدة فسمعته وهو ساجد
يقول مثل ما قال الرجل عن الشجرة " وان قال فيه ما يقول في سجود الصلاة جاز وهل يفتقر إلى
السلام فيه قولان قال في البويطي لا يسلم كما لا يسلم منه في الصلاة وروى المزني عنه أنه قال يسلم لأنها
صلاة تفتقر إلى الاحرام فافتقرت إلى السلام كسائر الصلوات وهل تفتقر إلى التشهد المذهب انه
لا يتشهد لأنه لا قيام فيه فلم يكن فيه تشهد ومن أصحابنا من قال يتشهد لأنه سجود يفتقر إلى الاحرام
والسلام فافتقر إلى التشهد كسجود الصلاة) *
(الشرح) حديث ابن عمر رواه أبو داود باسناد ضعيف وحديث عائشة رواه أبو داود والترمذي
والنسائي قال الترمذي هو حديث صحيح واسناد الترمذي والنسائي على شرط البخاري ومسلم زاد الحاكم
والبيهقي فيه " فتبارك الله أحسن الخالقين " قال الحاكم هذه الزيادة على شرط البخاري ومسلم وحديث ابن
عباس رواه الترمذي وغيره باسناد حسن قال الحاكم هو حديث صحيح قال أصحابنا رحمهم الله إذا
سجد للتلاوة في غير الصلاة نوى وكبر للاحرام ويرفع يديه في هذه التكبيرة حذو منكبيه كما يفعل
64

في تكبيرة الاحرام في الصلاة ثم يكبر تكبيرة أخرى للهوى من غير رفع اليد قال أصحابنا تكبير الهوى
مستحب ليس بشرط وفى تكبيرة الاحرام أوجه (الصحيح) المشهور انها شرط (والثاني) مستحبة (والثالث)
لا تشرع أصلا قاله أبو جعفر الترمذي من أصحابنا حكاه عنه الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي
أبو الطيب والأصحاب واتفقوا على شذوذه وفساده قال القاضي أبو الطيب هذا شاذ لم يقل به أحد سواه
والله أعلم * وهل يستحب لمن أراد السجود أن يقوم فيستوي قائما ثم يكبر للاحرام ثم يهوى للسجود
بالتكبيرة الثانية فيه وجهان (أحدهما) يستحب قاله الشيخ أبو محمد الجويني والقاضي حسين والبغوي والمتولي
وتابعهم الرافعي والثاني وهو الأصح لا يستحب وهذا اختيار امام الحرمين والمحققين قال الامام
ولم أر لهذا القيام ذكرا ولا أصلا (قلت) ولم يذكر الشافعي وجمهور الأصحاب هذا القيام ولا ثبت فيه
شئ يعتمد مما يحتج به فالاختيار تركه لأنه من جملة المحدثات وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة
على النهي عن المحدثات واما ما رواه البيهقي بإسناده عن أم سلمة الأزدية قالت " رأيت عائشة تقرأ
في المصحف فإذا مرت بسجدة قامت فسجدت " فهو ضعيف أم سلمة هذه مجهولة والله أعلم قال أصحابنا
ويستحب أن يقول في سجوده ما ذكره المصنف وهو قوله سجد وجهي إلى آخره وسجود الشجرة أيضا ولو قال
ما يقوله في سجود الصلاة جاز وكان حسنا وسواء فيه التسبيح والدعاء ونقل الأستاذ إسماعيل الضرير في تفسيره
أن اختيار الشافعي رحمه الله أن يقول في سجود التلاوة سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا وظاهر
القرآن يقتضى مدح هذا فهو حسن وصفة هذا السجود صفة سجود الصلاة في كشف الجبهة ووضع اليدين
والركبتين والقدمين والأنف ومجافاة المرفقين عن الجنبين واقلال البطن عن الفخذين ورفع أسافله على
أعاليه وتوجيه أصابعه إلى القبلة وغير ذلك مما سبق في باب صفة الصلاة فالمباشرة بالجبهة شرط ووضع
الانف مستحب وكذا مجافاة المرفق واقلال البطن وتوجيه الأصابع وفى اشتراط وضع اليدين والركبتين
والقدمين القولان السابقان هناك بفروعهما وحكم رفع الأسافل على ما سبق هناك والطمأنينة ركن
لابد منها والذكر مستحب ليس بركن ثم يرفع رأسه مكبرا وهذا التكبير مستحب على المذهب وبه قطع
الجمهور وحكي القاضي أبو الطيب وغيره عن أبي جعفر الترمذي أنه لا يستحب والصواب الأول وهل
يستحب مد تكبير السجود والرفع منه يجئ فيه القولان في سجود الصلاة وقد سبق بيانهما في صفة الصلاة
الصحيح أنه يستحب مد الأول حتى يضع جبهته على الأرض ومد الثاني حتى يستوي قاعدا وهل يفتقر
إلى السلام ويشترط لصحة سجوده فيه قولان مشهوران نقلهما البويطي والمزني كما حكاه المنصف أصحهما
عند الأصحاب اشتراطه ممن صححهما الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب في تعليقهما والرافعي وآخرون
فان قلنا لا يشترط السلام لم يشترط التشهد وان شرطنا السلام ففي اشتراط التشهد الوجهان اللذان ذكرهما
65

المصنف الصحيح منهما لا يشترط وقال جماعة من الأصحاب في السلام والتشهد ثلاثة أوجه أصحها يشترط
السلام دون التشهد والثاني يشترطان والثالث لا يشترطان فان قلنا لا يشترط التشهد فهل يستحب فيه
وجهان حكاهما امام الحرمين أصحهما لا يستحب إذ لم يثبت له أصل واما قول المصنف في التنبيه
قيل يتشهد ويسلم وقيل يسلم ولا يتشهد والمنصوص انه لا يتشهد ولا يسلم فينكر عليه فيه شيئان
أحدهما أنه أوهم أو صرح بان نص الشافعي أنه لا يسلم وليس له نص غيره وليس الامر كذلك بل القولان
في اشتراط السلام مشهوران كما ذكرهما هو هاهنا في المهذب والثاني انه أوهم أو صرح بان الراجح في
المذهب انه لا يسلم وليس الامر كذلك بل الصحيح عند الأصحاب اشتراط السلام كما قدمناه والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(ويستحب لمن مرت به آية رحمة ان يسأل الله تعالى وان مرت به آية عذاب ان يستعيذ منه لما
روى حذيفة رضي الله عنه قال " صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ البقرة فلما مر بآية رحمة
إلا سأل ولا بآية عذاب الا استعاذ " ويستحب للمأموم أن يتابع الامام في سؤال الرحمة والاستعاذة من
العذاب لأنه دعاء فسواء المأموم والامام فيه كالتأمين) *
(الشرح) قال الشافعي وأصحابنا يسن للقاري في الصلاة وخارجها إذا مر بآية رحمة أن يسأل
الله تعالى الرحمة أو بآية عذاب أن يستعيذ به من العذاب أو بآية تسبيح أن يسبح أو بآية مثل أن
يتدبر قال أصحابنا ويستحب ذلك للامام والمأموم والمنفرد وإذا قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيى
الموتى) قال بلي وأنا على ذلك من الشاهدين وإذا قرأ (فبأي حديث بعده يؤمنون) قال آمنا بالله وكل
هذا يستحب لكل قارئ في صلاته أو غيرها وسواء صلاة الفرض والنفل والمأموم والامام والمنفرد
لأنه دعاء فاستووا فيه كالتأمين ودليل هذه المسألة حديث حذيفة رضي الله عنه قال " صليت مع النبي
66

صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائدة ثم مضي فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت
يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مضى بآية فيها تسبيح سبح
وإذا مر بآية سؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ " رواه مسلم بهذا اللفظ وكانت سورة النساء
حينئذ مقدمة على آل عمران وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال " قمت مع النبي صلى الله عليه
وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة ولا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل ولا يمر بآية عذاب
إلا وقف وتعوذ ثم ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه سبحانك ذا الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة
ثم قال في سجوده مثل ذلك " رواه أبو داود والنسائي في سننهما والترمذي في الشمائل بأسانيد
صحيحة وفى رواية النسائي ثم سجد بقدر ركوعه وعن إسماعيل بن أمية قال " سمعت أعرابيا يقول سمعت
أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ بالتين والزيتون فانتهى إلى
آخرها فليقل وأنا على ذلك من الشاهدين ومن قرأ لا أقسم بيوم القيامة فانتهى إلى آخرها أليس ذلك
بقادر على أن يحيي الموتى فليقل بلي ومن قرأ والمرسلات فبلغ باي حديث بعده يؤمنون فليقل آمنا بالله "
رواه أبو داود والترمذي قال الترمذي هذا الحديث إنما يروى بهذا الاسناد عن الأعرابي عن
أبي هريرة ولا يسمي (قلت) فهو ضعيف لان الأعرابي مجهول فلا يعلم حاله وإن كان أصحابنا قد احتجوا
به والله أعلم هذا تفصيل مذهبنا وقال أبو حنيفة رحمه الله يكره السؤال عند آية الرحمة والاستعاذة
في الصلاة وقال بمذهبنا جمهور العلماء من السلف ممن بعدهم * قال المصنف رحمه الله *
(ويستحب لم تجددت عنده نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة أن يسجد شكرا لله
تعالي لما روى أبو بكرة رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء الشئ يسر به
خر ساجدا شكرا لله تعالى " وحكم سجود الشكر في الشروط والصفات حكم سجود التلاوة
خارج الصلاة)
67

(الشرح) حديث أبي بكرة رواه أبو داود والترمذي وفى إسناده ضعيف وقد قال الترمذي
انه حديث حسن قال ولا نعرفه الا من هذا الوجه قال الشافعي والأصحاب سجود الشكر سنة
عند تجدد نعمة ظاهرة واندفاع نقمة ظاهرة سواء خصته النعمة والنقمة أو عمت المسلمين قال
أصحابنا وكذا إذا رأى مبتلى ببلية في بدنه أو بغيرها أبو بمعصية يستحب أن يسجد شكرا لله تعالي
ولا يشرع السجود لاستمرار النعم لأنها لا تنقطع قال أصحابنا وإذا سجد لنعمة أو اندفاع نقمة لا يتعلق
بغيره استحب إظهار السجود وان سجد لبلية في غيره وصاحبها غير معذور كالفاسق اظهر السجود
السجود فلعله يتوب وإن كان معذورا كالزمن ونحوه أخفاه لئلا يتأذى به فان خاف من إظهاره
للفاسق مفسدة أو ضررا أخفاه أيضا قال أصحابنا ويفتقر سجود الشكر إلى شروط الصلاة وحكمه
في الصفات وغيرهما حكم سجود التلاوة خارج الصلاة قال الشيخ أبو حامد والأصحاب وفى السلام منه
والتشهد ثلاثة أوجه كما في سجود التلاوة (الصحيح) السلام دون التشهد (والثاني) لا يشترطان
(والثالث) يشترطان *
(فرع) اتفق أصحابنا على تحريم سجود الشكر في الصلاة فان سجدها فيها بطلت صلاته بلا خلاف
وقد صرح المصنف بهذا في مسألة سجدة ص ولو قرأ آية سجدة سجد بها للشكر ففي جواز السجود
وجهان في الشامل والبيان وغيرهما أصحهما تحرم وتبطل صلاته وهما كالوجهين فيمن دخل المسجد
لا لغرض آخر *
(فرع) في صحة سجود الشكر على الراحلة في السفر بالايماء وجهان أصحهما الجواز واما سجود
التلاوة فإن كان في صلاة جاز على الراحلة تبعا للصلاة والا فعلى الوجهين في سجود الشكر أصحهما
الجواز وجهة المنع ندوره وعدم الحاجة إليه غالبا بخلاف صلاة النفل وقطع البغوي وآخرون بالجواز
ومسألة الخلاف فيمن اقتصر على الايماء فإن كان في مرقد ونحوه وأتم السجود جاز بلا خلاف
وأما الماشي في السفر ففيه وجهان (الصحيح) المشهور انه يشترط شروطه على الأرض لعدم المشقة
فيه وندوره (والثاني) يجزيه الايماء حكاه الرافعي *
68

(فرع) لو تصدق من تجددت له النعمة أو اندفعت عنه النقمة أو صلي شكرا لله تعالي كان
حسنا يعنى مع فعله سجدة الشكر *
(فرع) لو خضع انسان لله تعالي فتقرب بسجدة بغير سبب يقتضي سجود شكر ففيه وجهان
حكاهما امام الحرمين وغيره (أحدهما) يجوز قاله صاحب التقريب وأصحهما لا يجوز صححه امام
الحرمين وغيره وقطع به الشيخ أبو حامد قال امام الحرمين وكان شيخي يعنى أبا محمد يشدد في
انكار هذا السجود واستدلوا لهذا بالقياس على الركوع فإنه لو تطوع بركوع مفردا كان حراما
بالاتفاق لأنه بدعة وكل بدعة ضلالة إلا ما دل دليل على استثنائه وسواء في هذا الخلاف في تحريم
السجدة ما يفعل بعد صلاة وغيره وليس من هذا ما يفعله كثير من الجهلة من السجود بين يدي
المشايخ بل ذلك حرام قطعا بكل حال سواء كان إلى القبلة أو غيرها وسواء قصد السجود لله
تعالى أو غفل وفى بعض صوره ما يقتضى الكفر أو يقاربه عافانا الله الكريم وقد سبقت هذه
المسألة مبسوطة في آخر باب ما ينقض الوضوء والله أعلم *
(فرع) لو فاتت سجدة الشكر فهل يشرع قضاؤها فيه طريقان " قال صاحب التقريب فيه الخلاف
في قضاء الرواتب وقطع غيره بأنه لا تقضي والخلاف مبنى على أنه يتطوع بمثله ابتداء أم لا فعند
صاحب التقريب يتطوع به كما سبق فيشبه الرواتب وعند غيره يحرم التطوع بسجدة فلا تقضى
كصلاة الكسوف *
69

(فرع) في مذاهب العلماء في سجود الشكر: مذهبنا أنه سنة عند تجدد نعمة أو اندفاع نقمة
وبه قال أكثر العلماء وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعلي وكعب بن مالك رضي الله عنهم
وعن إسحاق وأبى ثور وهو مذهب الليث واحمد وداود قال ابن المنذر وبه أقول قال أبو حنيفة
يكره وحكاه ابن المنذر عن النخعي وعن مالك روايتان (أشهرهما) الكراهة ولم يذكر ابن المنذر
غيرها: (والثانية) أنه ليس بسنة واحتج لمن كرهه بان النبي صلى الله عليه وسلم " شكا إليه رجل
القحط وهو يخطب فرفع يديه ودعى فسقوا في الحال ودام المطر إلى الجمعة الأخرى فقال رجل يا رسول
الله تهدمت البيوت وتقطعت السبل فادع الله يرفعه عنا فدعي فرفعه في الحال " والحديث في
الصحيحين من رواية أنس وموضع الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم لم يسجد لتجدد نعمة المطر أولا
ولا لدفع نقمته آخرا قالوا ولان الانسان لا يخلو من نعمة فان كلفه لزم الحرج * واحتج أصحابنا بحديث
أبي بكرة وقد بيناه وعن سعيد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم من مكة نريد المدينة فلما كنا قريبا من عروزاء نزل فرفع يديه فدعا الله تعالى ساعة ثم خر
ساجدا فمكث طويلا ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجدا فمكث طويلا ثم قام فرفع يديه قال إني
سألت ربى وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فخررت لربي شكرا ثم رفعت رأسي فسألت ربى لامتي
فأعطاني الثلث الآخر فخررت ساجدا لربي رواه أبو داود لا نعلم ضعف أحد من رواته ولم يضعفه
أبو داود وما لم يضعفه فهو عنده حسن كما قدمنا بيانه غير مرة وعن البراء بن عازب ان النبي صلى الله عليه
وسلم خر ساجدا جاءه كتاب علي رضي الله عنه من اليمن بسلام همذان رواه البيهقي
من جملة حديث طويل وقال هو صحيح على شرط البخاري وعن كعب بن مالك رضي الله عنه في
حديث توبته قال فخررت ساجدا وعرفت انه قد جاء الفرج " رواه البخاري ومسلم وروى البيهقي
وغيره سجود الشكر من فعل أبى بكر الصديق وعمر وعلي رضي الله عنهم والجواب عن حديثهم
انه ترك السجود في بعض الأحوال بيانا للجواز أو لأنه كان على المنبر وفى السجود حينئذ مشقة
70

أو اكتفي بسجود الصلاة والجواب بأحد هذه الأوجه أو غيرها متعين للجمع بين الأدلة *
(فصل) في مسائل تتعلق بسجود التلاوة (إحداها) إذا قرأ آيات السجدات في مكان واحد
سجد لكل سجدة فلو كرر الآية الواحدة في المجلس نظر إن لم يسجد للمرة الأولى كفاه للجميع سجدة
واحدة وان سجد للمرة الأولى فثلاثة أوجه أصحها يسجد مرة أخرى لتجدد السبب وبهذا قال مالك
واحمد وعن أبي حنيفة روايتان والثاني تكفيه الأولى قاله ابن سريج ورجحه صاحب العدة والشيخ
نصر المقدسي وقطع به الشيخ أبو حامد في تعليقه والثالث ان طال الفصل بينهما سجد ثانيا وإلا فلا
ولو كرر آية في الصلاة فإن كان في ركعة فكالمجلس الواحد وإن كان في ركعتين سجد للثانية
أيضا كالمجلسين ولو قرأ مرة في الصلاة ومرة خارجها في مجلس واحد وسجد للأولى قال الرافعي
لم أر فيه نصا للأصحاب قال واطلاقهم يقتضى طرد الخلاف فيه (الثانية) ينبغي أن يسجد عقب قراءة
السجدة أو استماعها فان أخر وقصر الفصل سجد وان طال فاتت وهل تقضي فيه قولان حكاهما
صاحب التقريب وتابعوه عليهما (أظهرهما) وبه قطع الشيخ أبو حامد والبندنيجي والصيدلاني وآخرون
لا تقضى لأنها تفعل لعارض فأشبهت صلاة الكسوف وضبط طول الفصل يأتي بيانه في باب سجود
السهو إن شاء الله تعالى ولو قرأ سجدة في صلاته فلم يسجد سجد بعد سلامه ان قصر الفصل فان طال
ففيه الخلاف ولو كان القارئ والمستمع محدثا حال القراءة فان تطهر على قرب سجد والا فالقضاء
على الخلاف ولو كان يصلي فقرأ قارئ السجدة وسمعه فقد قدمنا انه لا يجوز ان يسجد لذلك فان
سجد بطلت صلاته فإذا لم يسجد وفرغ من صلاته هل يسجد فيه طرق قال صاحب التقريب فيه
القولان وقال البغوي يحسن ان يسجد ولا يتأكد كما يجيب المؤذن إذا فرغ من الصلاة وقال آخرون
لا يسجد قطعا وهذا هو المذهب وبه قطع الشيخ أبو حامد في تعليقه ونقله عن نصه في البويطي
71

وقطع به أيضا الشاشي وغيره واختاره امام الحرمين لان قراءة غير امامه لا تقتضي سجوده كما
سبق وإذا لم يحصل ما تقتضي إذا فكيف يقضى (الثالثة) لو قرأ السجدة في الصلاة قبل الفاتحة سجد
بخلاف ما لو قرأها في الركوع والسجود والتشهد فإنه لا يسجد لأنه ليس محل قراءة ولو قرأ السجدة
فهوى ليسجد فشك هل قرأ الفاتحة فإنه يسجد للتلاوة ثم يعود إلى القيام فيقرأ الفاتحة ذكره البغوي
وغيره (الرابعة) لو قرأ آية السجدة بالفارسية لم يسجد عندنا كما لو فسر آية سجدة وقال أبو حنيفة
يسجد (الخامسة) قال أصحابنا لا يكره قراءة السجدة عندنا للامام كما لا يكره للمنفرد سواء كانت
صلاة سرية أو جهرية ويسجد متي قرأها وقال مالك يكره مطلقا وقال أبو حنيفة يكره في السرية
دون الجهرية قال صاحب البحر وعلى مذهبنا يستحب تأخير السجود حتى يسلم لئلا يهوش
على المأمومين (السادسة) مذهبنا انه لا يكره سجود التلاوة في أوقات النهى عن الصلاة وبه قال سالم
ابن عمر والقاسم بن محمد وعطاء والشعبي وعكرمة والحسن البصري وأبو حنيفة وأصحاب الرأي
ومالك في رواية عنه وقالت طائفة يكره منهم ابن عمر وابن المسيب ومالك في رواية إسحاق
وأبو ثور رضي الله عنهم (السابعة) لا يقوم الركوع مقام السجود في حال الاختيار عندنا وبه قال جمهور
السلف والخلف وقال أبو حنيفة يقوم مقامه ودليل الجمهور القياس على سجود الصلاة * واحتج أبو
حنيفة بقوله تعالى وخر راكعا ولان المقصود الخضوع وأجاب الجمهور بان هذا شرع من قبلنا
فان سلمنا انه (1) حملنا الركوع هنا على السجود كما اتفق عليه المفسرون وغيرهم وإما قولهم المقصود
الخضوع فجوابه ان الركوع ليس فيه من الخضوع ما في السجود فاما العاجز عن السجود فيومئ به
كما في سجود الصلاة (الثامنة) إذا سجد المستمع مع القارئ لا يرتبط به ولا ينوى الاقتداء به وله
72

الرفع من السجود قبله (التاسعة) لو سجد لتلاوة فقرأ في سجوده سجدة أخرى لم يسجد ثانيا هذا
هو الصحيح المشهور وحكي صاحب البحر وجها ان يسجد ثانيا وهو شاذ ضعيف أو غلط (العاشرة)
لو قرأ في صلاة الجنازة سجدة قال صاحب البحر لا يسجد فيها وهل يسجد بعد فراغها قال فيه وجهان
أصحهما لا يسجد قال واصلهما ان القراءة التي لا تشرع هل يسجد لتلاوتها فيه وجهان (الحادية عشرة)
لو أراد أن يقتصر على قراءة آية أو آيتين فبهما سجدة ليسجد لم أر لأصحابنا فيه كلاما وقد حكي ابن
المنذر عن الشعبي والحسن البصري وابن سرين والنخعي واحمد وإسحاق انهم كرهوا ذلك
وعن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأبي ثور انه لا بأس به ومقتضي مذهبنا انه لا يكره إن لم يكن في
وقت الصلاة ولا في صلاة فإن كان في وقت الكراهة فينبغي ان يجئ فيه الوجهان فيمن دخل
المسجد في هذا الوقت ليصلي التحية لا لغرض آخر الثانية عشرة لو سمع رجل قراءة امرأة السجدة
استحب له السجود هذا مذهبنا وحكى ابن المنذر عن قتادة ومالك وإسحاق انه لا يسجد
(فرع) في فضل سجود التلاوة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكى يقول يا ويلاه أمر ابن آدم
بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار " *
(فرع) إذا كان المسافر قارئا فقرأ السجدة في صلاة سجد بالايماء بلا خلاف وإن كان في غير
صلاة سجد بالايماء أيضا على المذهب وبه قطع الجمهور وفيه وجه شاذ انه لا يسجد وبه قال بعض
الحنفية وقال مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وأحمد وداود يسجد مطلقا *
* (باب ما يفسد الصلاة ويكره فيها) *
* قال المصنف رحمه الله *
(إذا قطع شرطا من شروطها كالطهارة والستارة وغيرهما بطلت صلاته) *
(الشرح) قوله الستارة هو بكسر السين وهي السترة وتقديره الاستتار بالستارة ولو قال
الستر كان أحسن قال أصحابنا إذا أخل بشرط من شروط الصلاة مع قدرته عليه بطلت صلاته
سواء دخل فيها بخلافه أو دخل فيها وهو موجود ثم أخل به لان المشروط عدم عند عدم شرطه وان
اختل الشرط لعذر ففيه تفصيل وخلاف سبق في مواضعه فاما طهارة الحدث إذا عجز عن الماء
والتراب فسبق في باب التيمم فيه أربعة أقوال الصحيح وجوب الصلاة على حسب حاله والإعادة
73

ولو دخل في الصلاة معتقدا انه متطهر فبان محدث لم تصح بلا خلاف وأما طهارة النجس فلو عجز عنها
لعجزه عن الماء أو حبس في موضع نجس فيجب أن يصلي على حسب حاله وتجب الإعادة على المذهب
وقد سبقت المسألة في باب طهارة البدن وسبق هناك أيضا انه لو صلى بنجاسة جاهلا بها أو ناسيا لزمه الإعادة على
المذهب واما ستر العورة فسبق في بابه انه إذا عجز عنه صلي عاريا ولا إعادة وسبق هناك انه لو صلي
عاريا وعنده سترة نسيها أو جهلها لزمه الإعادة على المذهب واما استقبال القبلة فان تحير وصلي
بغير اجتهاد لحرمة الوقت لزمه الإعادة وان اجتهد وتيقن الخطأ لزمه الإعادة على أصح القولين واما
معرفة الوقت فان اجتهد فيه وتيقن انه غلط وصلي قبل الوقت لزمه الإعادة على المذهب وقد سبقت
كل هذه المسائل في أبوابها وإنما أردت جمعها ملخصة في موضع واحد وبالله التوفيق *
* قال المصنف رحمه الله *
(وان سبقه الحدث ففيه قولان قال في الجديد تبطل صلاته لأنه حدث يبطل الطهارة فأبطل
صلاته كحدث العمد وقال في القديم لا تبطل صلاته بل ينصرف ويتوضأ ويبنى على صلاته لما روت عائشة
رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قاء أحدكم في صلاته أو قلس فلينصرف وليتوضأ وليبن
على ما مضي ما لم يتكلم " ولأنه حدث حصل بغير اختياره فأشبه سلس البول فان اخرج على هذا بقية
الحدث الأول لم تبطل صلاته لان حكم البقية حكم الأول فإذا لم تبطل بالأول لم تبطل بالبقية ولان به حاجة
إلى اخراج البقية لتكمل طهارته) *
(الشرح) حديث عائشة ضعيف متفق على ضعفه رواه ابن ماجة والبيهقي باسناد ضعيف من رواية
إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة وقد اختلف أهل الحديث في
الاحتجاج بإسماعيل ابن عياش فمنهم من ضعفه في كل ما يرويه ومنهم من ضعفه في روايته عن غير
أهل الشام خاصة وابن جريج حجازي مكي مشهور فيحصل الاتفاق على ضعف روايته لهذا الحديث
قال ورواه جماعة عن ابن عياش عن ابن جريج عن ابنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا قال وهذا الحديث
أحد ما أنكر على إسماعيل بن عياش والمحفوظ انه مرسل واما من رواه متصلا فضعفاء مشهورون
بالضعف واما قول امام الحرمين في النهاية والغزالي في البسيط انه مروي في الكتب الصحاح فغلط ظاهر
فلا يغتر به وقوله قلس هو بفتح القاف واللام وبالسين المهملة يقال قلس يقلس بكسر اللام أي تقايا والقلس
باسكان اللام القئ وقيل هو ما خرج من الجوف ولم يملا الفم قاله الخليل بن أحمد فعلى هذا يكون قوله
74

في الحديث أو قلس للتقسيم وعلى الأول تكون للشك من الراوي وقوله لأنه حدث يبطل الطهارة
احتراز من حدث المستحاضة وفى هذا تصريح ببطلان الطهارة قطعا وإنما الخلاف في بطلان
الصلاة * أما حكم المسألة فان أحدث المصلي في صلاته باختياره بطلت صلاته بالاجماع سواء كان حدثه عمدا أو
سهوا سواء علم أنه في صلاة أم لا وان أحدث بغير اختياره بان سبقه الحدث بطلت طهارته بلا خلاف وفي
صلاته قولان مشهوران الصحيح الجديد انها تبطل والقديم لا تبطل وقد ذكر المصنف دليلهما فعلى القديم
لا تبطل سواء كان حدثا أصغر أو أكبر بل ينصرف فيتطهر ويبني على صلاته فإن كان حدثه في الركوع مثلا
قال الصيدلاني يجب أن يعود إلى الركوع وقال امام الحرمين إن لم يكن اطمأن وجب العود إلى
الركوع وإن كان اطمأن ففيه احتمال قال والظاهر أنه لا يعود وجزم الغزالي بما قاله
الامام والأصح قول الصيدلاني لان الرفع إلى الاعتدال من الركوع مقصود ولهذا قال الأصحاب
يشترط أن لا يقصد صرفه عن ذلك وهذا الرفع حصل في حال الحدث فلم يعتد به فيجب ان يعود
إلى الركوع وإن كان اطمأن قال أصحابنا ثم إذا ذهب ليتطهر ويبنى لزمه ان يسعى في تقريب الزمان
وتقليل الأفعال بحسب الامكان وليس له أن يعود بعد طهارته إلى الموضع الذي كان فيه إن قدر
على الصلاة في أقرب منه إلا أن يكون اماما لم يستخلف أو مأموما يقصد فضيلة الجماعة فلهما العود
وكل ما لا يستغنى عنه من الذهاب إلى الماء واستقائه ونحوه فلا بأس به ولا يشترط فيه العدو والبدار
الخارج عن العادة ونقل الشيخ أبو حامد عن نصه في القديم أنه يشترط في البناء أن لا يطول الفصل
ولم يذكر فيه خلافا قال الشافعي في القديم وأصحابنا ويشترط أن لا يتكلم الا إذا احتاج إليه في تحصيل
الماء فيجوز ولو أخرج بقية الحدث الأول متعمدا لم يمنع البناء على الصحيح المنصوص في القديم وبه
قطع المصنف والجمهور وقال امام الحرمين والغزالي يمنع والمذهب الأول واختلفوا في علته على وجهين
ذكرهما المصنف والأصحاب أصحهما أن طهارته بطلت ولا أثر للحدث بعد ذلك والثاني انه يحتاج
إلى اخراج البقية لئلا يسبقه مرة أخرى فلو أحدث حدثا آخر ففي منعه البناء وجهان بناء على
العلتين ان قلنا بالأول جاز البناء ولا فلا ولو رعف المصلي اوقاء أو غلبته نجاسة أخرى جاز له على
القديم أن يخرج ويغسل نجاسته ويبني على صلاته بالشروط السابقة في الحدث نص عليه في القديم هذا
كله تفريع القديم الضعيف والله أعلم *
75

(فرع) في مذاهب العلماء في جواز البناء لمن سبقه الحدث: قد ذكرنا أن مذهبنا الصحيح الجديد
أنه لا يجوز البناء بل يجب الاستئناف وهو مذهب المسور بن مخرمة الصحابي رضي الله عنه وبه
قال مالك وآخرون وحكاه صاحب الشامل عن ابن شبرمة وهو الصحيح من مذهب احمد وقال أبو حنيفة
وابن أبي ليلي والأوزاعي يبنى على صلاته وحكاه ابن الصباغ وغيره عن عمر بن الخطاب وعلى وابن
عمر رضي الله عنهم ورواه البيهقي عن علي وسلمان الفارسي وابن عباس وابن عمر وابن المسيب
وأبى سلمة بن عبد الرحمن وعطاء وطاووس وأبى إدريس الخولاني وسليمان بن يسار وغيرهم
رضي الله عنهم وقد ذكر المصنف مختصر دليل المذهبين والحديث ضعيف والصحابة رضي الله عنهم
مختلفون في المسألة فيصار للقياس والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وان وقعت عليه نجاسة يابسة فنحاها في الحال لم تبطل صلاته لأنها ملاقاة نجاسة هو معذور
فيها فلم تقطع الصلاة كسلس البول وان كشفت الريح الثوب عن العورة ثم رده لم تبطل صلاته لأنه
معذور فيه فلم تقطع الصلاة كما لو غصب منه الثوب في الصلاة) *
(الشرح) قال أصحابنا إذا وقعت عليه نجاسة يابسة فنفضها في الحال أو وقعت رطوبة على بعض ملبوسه
فألقى في الحال أو كشفت الريح عورته فسترها في الحال لم تبطل صلاته لما ذكره المصنف فان تأخر ذلك بطلت
صلاته على الصحيح الجديد وفى القديم يبنى كمن سبقه الحدث كما سنذكره قريبا إن شاء الله تعالى ولو غصب ثوبه
منه وهو في الصلاة فأتم صلاته عاريا صحت ولا إعادة لأنه معذور بخلاف ما لو أكره على الكلام في
صلاته فإنها تبطل على أصح القولين لأنه نادر لا يتعلق به غرض للمكره وقول المصنف نحاها يعني
نفضها ولم يحملها فان حملها بيده أو كمه بطلت صلاته لأنه مختار لحملها بلا ضرورة هكذا ذكره
أصحابنا والله أعلم *
(فرع) قال أصحابنا إذا طرأ في الصلاة حدث أصغر أو أكبر فحكمه ما سبق من التفصيل
والخلاف الا حدث الاستحاضة وسلس البول فلا يضر بشرطه السابق في باب الحيض وان طرأ
فيها غير الحدث من الأسباب المنافية لها أبطلها إن كان باختياره أو بغير اختياره إذا نسب فيه إلى
تقصير كمن مسح خفه فانقضت مدته في أثناء الصلاة أو دخل وهو يدافع الحدث ويعلم أنه لا يقدر
على التماسك إلى فراغها ووقع الحدث فلا يجوز البناء قولا واحدا لتقصيره ولو تخرق خف الماسح
فيها فطريقان أصحهما على قولي سبق الحدث والثاني تبطل قطعا لتقصيره في تعهده قبل الدخول الصلاة
وان طرأ مناقض لا باختياره ولا بتقصيره فان ازاله في الحال كمن كشفت الريح عورته فسترها
في الحال أو وقعت عليه نجاسة يابسة فنفضها في الحال أو رطبة فالقي ثوبه في الحال فصلاته صحيحة
76

وان نحاها بيده أو كمه بطلت صلاته وان احتاج في ازالته إلى زمن بان تنجس ثوبه أو بدنه يجب
غسلها أو أبعدت الريح ثوبه فعلى قولي سبق الحدث اما إذا خرج من جرحه دم كثير فتدفق ولم
يلوث بشرته فلا تبطل صلاته بالاتفاق وقد سبقت المسألة في باب طهارة البدن *
* قال المصنف رحمه الله *
(وان ترك فرضا من فروضها كالركوع والسجود وغيرهما بطلت صلاته لقوله صلى الله عليه وسلم
للمسئ صلاته أعد صلاتك فإنك لم تصل وان ترك القراءة ناسيا ففيه قولان وقد مضى في القراءة).
(الشرح) حديث الأعرابي رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وقد تكرر
بيانه في باب صفة الصلاة * اما حكم المسألة فإذا ترك فرضا من فروض الصلاة كركوع أو سجود ونحوهما
نظر أن تركه عمدا وانتقل إلى ما بعده بطلت صلاته بلا خلاف وان تركه سهوا وسلم من الصلاة
وطال الفصل فهي باطلة أيضا بلا خلاف وان تركه سهوا فذكره في الصلاة أو بعد السلام وقبل طول الفصل لم تبطل بل يبنى على صلاته وسيأتي تفصيله في باب سجود السهو إن شاء الله تعالى هذا كله
في الركوع والسجود نحوهما من الأركان غير النية وتكبيرة الاحرام والقراءة اما النية والتكبيرة
فمن ترك إحداهما لم يكن داخلا في الصلاة سواء تركها عمدا أو سهوا وأما القراءة فان تركها عمدا
بطلت صلاته وان تركها سهوا فقولان سبق بيانهما وتفصيلهما في باب صفة الصلاة وبالله التوفيق *
* قال المنصف رحمه الله *
(وان تكلم في صلاته أو قهقه فيها أو شهق بالبكاء وهو ذاكر للصلاة عالم بالتحريم بطلت
صلاته لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الكلام ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء " وروى الضحاك
ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء وان فعل ذلك وهو ناس انه في الصلاة ولم يطل لم تبطل
صلاته لما روى أبو هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " انصرف من اثنتين فقال له
ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق ذو اليدين فقالوا
نعم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى اثنتين أخريين ثم سلم " وان فعل ذلك وهو جاهل بالتحريم ولم
يطل لم تبطل صلاته لما روى معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال " بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فحدقني القوم بأبصارهم فقلت واثكلى امياه ما بالكم
تنظرون إلى فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم فلما أنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاني - بأبي
وأمي هو ما رأيت معلما أحسن تعليما منه والله ما ضربني ولا كهرني - قال إن صلاتنا هذه لا يصلح
77

فيها شئ من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " فان سبق لسانه من غير قصد
إلى الكلام أو غلبه الضحك لم تبطل لأنه غير مفرط فيه فهو كالناسي والجاهل وان أطال الكلام
وهو ناس أو جاهل بالتحريم أو مغلوب ففيه وجهان المنصوص في البويطي ان صلاته تبطل لأنه
كلام الناسي والجاهل والمغلوب كالعمل القليل ثم العمل القليل إذا كثر أبطل الصلاة فكذلك الكلام
ومن أصحابنا من قال لا تبطل كأكل الناسي لا يبطل الصوم قل أو كثر وان تنحنح أو تنفس
أو نفخ أو بكى أو تبسم عامدا ولم يبن منه حر فإن لم تبطل صلاته لما روى عبد الله بن عمر قال " كسفت
الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سجد جعل ينفخ في الأرض ويبكي وهو
ساجد فلما قضى صلاته قال والذي نفسي بيده لقد عرضت على النار حتى أني لأطفيها خشية ان
تغشاكم " ولان ما لا يبين منه حرفان ليس بكلام فلا تبطل به الصلاة)
(الشرح) أما الحديث الأول فضعيف سبق بيانه وتضعيفه في باب ما ينقض الوضوء
ويغنى عنه ما سنذكره من الأحاديث الصحيحة في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى وأما
حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين فرواه البخاري ومسلم وأما حديث معاوية بن الحكم فرواه مسلم
وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في البكاء في الصلاة فرواه النسائي بلفظه وأبو داود
بنحوه وفى اسناده ضعف وفى الصحيح ما يغنى عنه وقوله انصرف من اثنتين أي سلم في الصلاة
الرباعية من ركعتين ناسيا وقوله ذو اليدين قيل له ذلك لأنه كان في يديه طول ثبت ذلك في
الصحيح واسمه الخرباق بن عمرو بكسر الخاء المعجمة واسكان الراء والباء الموحدة ثم الف ثم
قاف وقوله أقصرت هو بضم القاف وكسر الصاد وروى بفتح القاف وضم الصاد وكلاهما
صحيح بينا انا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بين أوقات كوني معه وقد سبق بسط شرح
78

هذه اللفظة في باب صفة الصلاة في فصل القراءة قوله فحدقني القوم بأبصارهم هكذا وقع في
المهذب حدقني بفتح الحاء والدال المهملتين والدال مخففة وكذا رويناه في مسند أبي عوانة وسنن
البيهقي والذي في صحيح مسلم وسنن أبي داود وغيرهما فرماني القوم بأبصارهم وهذا ظاهر وأما
رواية حدقني فمشكلة لأنه لا يعرف في هذه الكتب المشهورة في اللغة حدق بمعنى
نظر ونحوه إنما قالوا حدق بالتشديد إذا نظر نظرا شديدا لكنه لازم غير متعد يقال
حدق إليه ولا يقال حدقه وزعم جماعة من المتأخرين ان معنى حدقني رموني باحداقهم
وإنما يعرف حدقني بمعنى أصاب حدقتي وقال شيخنا أبو عبد الله بن مالك امام العربية في زماننا
بلا مدافعة يصح حدقني مخففا بمعنى أصابني بحدقته كقولهم عنته أصبته بالعين وركبه البعير
أصابني بركبته قوله واثكل امياه هو بكسر الميم وبعدها ياء والثكل بضم الثاء المثلثة واسكان
الكاف وبفتحهما لغتان كالنجل والنجل حكاهما الجوهري وغيره وهو فقدان المرأة وامرأة
ثكلى إذا فقدته وقوله بأبي وأمي أي أفديه بهما قوله كهرني أي ما امتهرني وفى هذا الحديث
وحديث ذي اليدين من الأحكام والقواعد ومهمات الفوائد وقد ذكرتها في شرح صحيح
مسلم وأما أحكام الفصل فقال أصحابنا رحمهم الله للمتكلم في الصلاة حالان (إحداهما) أن يكون غير
معذور فينظر ان نطق بحرف واحد لم تبطل صلاته لأنه ليس بكلام إلا أن يكون الحرف مفهما
كقوله ق أوش أوع بكسرهن فإنه تبطل صلاته بلا خلاف لأنه نطق بمفهم فأشبه الحروف
وان نطق بحرفين بطلت بلا خلاف سواء افهم أم لا لان الكلام يقع على الفهم وغيره هذا
مذهب اللغويين والفقهاء والأصوليين وإن كان النحويون يقولون لا يكون الا مفهما ولو نطق
بحرف ومدة بعده فثلاثة أوجه حكاها الرافعي (أصحها) تبطل لأنه كحرفين (والثاني) لا لأنه حرف
(والثالث) قاله امام الحرمين ان اتبعه بصوت غفل وهو الذي لا نقصع فيه بحيث لا يقع على صورة المد لم تبطل
وان اتبعه بحقيقة المد بطلت قال لان المد يكون ألفا أو واوا أو ياء وهي وإن كانت اشباعا للحركات الثلاث
فهي معدودة حروفا واما الضحك والبكاء والأنين والتأوه والنفخ ونحوها فان بان منه حرفان بطلت صلاته
وإلا فلا وسواء بكي للدنيا أو للآخرة: وأما التنحنح فحاصل المنقول فيه ثلاثة أوجه الصحيح الذي
قطع به المصنف والأكثرون ان بان منه حرفان بطلت صلاته وإلا فلا والثاني لا تبطل وان بان
حرفان قال الرافعي وحكى هذا عن نص الشافعي والثالث إن كان فمه مطبقا لم تبطل مطلقا والا
79

فان بان حرفان بطلت وإلا فلا وبهذا قطع المتولي وحيث أبطلنا بالتنحنح فهو إن كان مختارا بلا
حاجة فإن كان مغلوبا لم تبطل قطعا ولو تعذرت قراءة الفاتحة الا بالتنحنح فيتنحنح ولا يضره لأنه
معذور وان أمكنته القراءة وتعذر الجهر الا بالتنحنح فليس بعذر على أصح الوجهين لأنه ليس
بواجب ولو تنحنح امامه وظهر منه حرفان فوجهان حكاهما القاضي حسين والمتولي والبغوي وغيرهم
أحدهما يلزمه مفارقته لأنه فعل ما يبطل الصلاة ظاهرا وأصحهما ان له الدوام على متابعته لان
الأصل بقاء صلاته والظاهر أنه معذور والله أعلم * وقد روى عن علي رضي الله عنه قال " كانت لي
ساعة من النبي صلى الله عليه وسلم آتيه فيها فان وجدته يصلي تنحنح فدخلت " رواه النسائي وابن
ماجة والبيهقي وهو حديث ضعيف لضعف راويه واضطراب اسناده ومتنه ضعفه البيهقي وغيره
وضعفه ظاهر والله أعلم (الحال الثاني) في الكلام بعذر فمن سبق لسانه إلى الكلام بغير قصد أو
غلبه الضحك أو العطاس أو السعال وبان منه حرفان أو تكلم ناسيا؟؟؟ في الصلاة أو جاهلا
تحريم الكلام فيها فإن كان ذلك يسيرا لم تبطل صلاته بلا خلاف عندنا وإن كان كثيرا فوجهان
مشهوران الصحيح منهما باتفاق الأصحاب تبطل صلاته وهو المنصوص في البويطي كما ذكر
المصنف وهو ظاهر نصه أيضا في غير البويطي والثاني لا تبطل وهو قول أبى اسحق المروزي
والرجوع في القلة والكثرة إلى العرف هذا هو الصحيح المنصوص في الأم وبه قطع الجمهور وحكي
القاضي أبو الطيب فيه قولا آخر عن نصه في الاملاء أن حد طول الفصل هنا أن يمضي قدر ركعة
ووجهان عن ابن أبي هريرة انه قدر الصلاة * وأما قياس المصنف عدم البطلان على أكل الصائم
كثيرا فهو جار على طريقته وطريقة غيره من العراقيين في أن أكل الناسي لا يفطره وان كثر وجها
واحدا وعند الخراسانيين وجهان سنوضحهما في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى قال أصحابنا
وإنما يكون الجهل بتحريم الكلام عذرا في قريب العهد بالاسلام فاما من طال عهده في الاسلام
فتبطل به صلاته لتقصيره في التعلم ولو علم تحريم الكلام ولم يعلم كونه مبطلا للصلاة بطلت
بلا خلاف لتقصيره وعصيانه كما لو علم تحريم القتل والزنا والشرب والسرقة والقذف وأشباهها
وجهل العقوبة فإنه يعاقب ولا يعذر بلا خلاف ولو جهل كون التنحنح مبطلا وهو طويل عهد
بالاسلام فهل يعذر وجهان أحدهما لا لتقصيره في التعلم وأصحهما يعذر لأنه يخفى على العوام مع
علمهم بتحريم الكلام ولو علم أن جنس الكلام محرم ولم يعلم أن ما اتى به محرم فوجهان الأصح يعذر
ولا تبطل اما إذا أكره على الكلام ففي بطلان صلاته قولان حكاهما الرافعي أصحهما وبه قطع
80

البغوي تبطل لندوره وكما لو أكره أن يصلي بلا وضوء أو قاعدا أو إلى غير القبلة فإنه يجب
الإعادة قطعا لندوره قال البغوي وكذا لو أكره على فعل يناقض الصلاة بطلت لأنه قادر *
* قال المصنف رحمه الله *
(فان كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابه لم تبطل صلاته لما روى أبو هريرة رضي الله عنه
ان النبي صلى الله عليه وسلم " سلم على أبي كعب وهو يصلي فلم يجبه فخفف الصلاة وانصرف إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما منعك أن تجيبني قال يا رسول الله كنت أصلي قال أفلم تجد فيما
أوحى إلى استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم قال بلى يا رسول الله لا أعود " وأن رأى المصلي ضريرا
يقع في بئر فانذره بالقول ففيه وجهان قال أبو إسحاق لا تبطل صلاته لأنه واجب عليه فهو
كإجابة النبي صلى الله عليه وسلم ومن أصحابنا من قال تبطل لأنه قد لا يقع في البئر وليس بشئ) *
(الشرح) حديث أبي هريرة في قصة أبى رضي الله عنهما رواه الترمذي بلفظه هنا وزاد عليه
وقال حديث حسن صحيح ورواه النسائي أيضا بمعناه ورواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد
ابن المعلي انه كان " يصلي فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه فلم يجبه وذكر معني قصة أبى " وقد
أنكر القلعي عل المصنف احتجاجه بحديث أبي هريرة وتركه حديث ابن المعلي وأوهم أن حديث
أبي هريرة ضعيف وصرح أن حديث ابن المعلي في الصحيحين فغلط في شيئين أحدهما توهينه حديث
أبي هريرة مع أنه صحيح كما ذكرنا والثاني دعواه ان حديث ابن المعلي في الصحيحين وإنما هو
في البخاري دون مسلم * قال أصحابنا لو كلم النبي صلى الله عليه وسلم في عصره انسانا في صلاة أو في
غير صلاة وجب عليه اجابته ولا تبطل صلاته بذلك على المذهب وبه قطع الجمهور وفيه وجه انه
لا تجب اجابته وتبطل بها الصلاة والصحيح الأول قالوا ولهذا يخاطبه في الصلاة بقوله السلام
عليك أيها النبي ولا تبطل به الصلاة بل لا تصح الا به: وأما مسألة الأعمى فقال أصحابنا لو رأى
المصلي مشرفا على الهلاك كأعمى يقارب أن يقع في بئر أو صبي لا يعقل قارب الوقوع في نار ونحوها
81

أو نائم أو غافل قصده سبع أو حية أو ظالم يريد قتله وما أشبه ذلك ولم يمكنه إنذاره الا بالكلام
وجب الكلام بلا خلاف وهل تبطل صلاته فيه الوجهان المذكوران في الكتاب بدليلهما
وهما مشهوران أصحهما عند المصنف والقاضي أبى الطيب والمتولي لا تبطل وهو قول أبي إسحاق
المروزي وأصحهما عند الرافعي تبطل * قال المصنف رحمه الله *
(وان كلمه انسان وهو في الصلاة فأراد أن يعلمه انه في الصلاة أو سهى الامام فأراد أن
يعلمه السهو استحب له إن كان رجلا ان يسبح وتصفق إن كانت امرأة فتضرب ظهر كفها
الأيمن على بطن كفها الأيسر لما روى سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه ان النبي صلى الله
عليه وسلم قال " إذا نابكم شئ في الصلاة فليسبح الرجال وليصفق النساء " فإذا فعل ذلك للاعلام
لم تبطل صلاته لأنه مأمور به فان صفق الرجل وسبحت المرأة لم تبطل الصلاة لأنه ترك سنة) *
(الشرح) حديث سهل رواه البخاري ومسلم وقد سبق بيان حال سعد في آخر استقبال
القبلة قال أصحابنا متى ناب المصلي شئ بان احتاج إلى تنبيه امامه على سهو أو استأذن عليه أحد
أو رأى أعمي يقارب الوقوع في بئر أو نار ونحوها أو أراد اعلام غيره بأمر فالسنة أن يسبح
الرجل وتصفق المرأة في كل هذه الأمثلة فلو صفق الرجل وسبحت هي فقد خالفنا السنة ولا تبطل
صلاتهما وصفة التسبيح سبحان الله أو نحو هذا اللفظ ويجهر به جهرا يسمعه المقصود وصفة التصفيق أن
تضرب بظهر كفها اليمني بطن كفها اليسرى أو عكسه وقيل تضرب أكثر أصابعها اليمني على ظهر
أصابعها اليسرى وقيل تضرب إصبعين على ظهر الكف والجميع متقارب والأول أصح وأشهر قال
أصحابنا ولا تضرب بطن كف على بطن كف فان فعلت ذلك على وجه اللعب بطلت صلاتها لمنافاته (1)
وممن صرح ببطلان صلاتها إذا فعلته على وجه اللعب القاضي أبو الطيب فان جهلت تحريمه لم تبطل قال
الشيخ أبو حامد وغيره التسبيح والتصفيق سنتان إن كان التنبيه قربة وإن كان مباحا فمباحان.
(فرع) في مذاهب العلماء في ذلك: ذكرنا أن مذهبنا استحباب التسبيح للرجل والتصفيق
للمرأة إذا نابهما شئ وبه قال احمد وداود والجمهور * وقال مالك تسبح المرأة أيضا ووافقنا أبو حنيفة
إذا قصد المصلي بذلك شيئا من مصلحة الصلاة *
* قال المصنف رحمه الله *
82

(وإن أراد الاذن لرجل في الدخول فقال ادخلوها بسلام آمنين فان قصد التلاوة والاعلام
لم تفسد لان تلاوة القرآن لا تبطل وإن لم يقصد القرآن بطلت لأنه من كلام الآدميين) *
(الشرح) قال أصحابنا الكلام المبطل للصلاة هو ما سوى القرآن والذكر والدعاء ونحوها فاما القراءة
والذكر والدعاء ونحوها فلا تبطل الصلاة بلا خلاف عندنا وقال أبو حنيفة دليلنا حديث معاوية بن الحكم
السابق قريبا فلو أتي بشئ من نظم القرآن بقصد القراءة فقط أو بقصد القراءة مع غيرها كتنبيه امامه أو غيره أو
الفتح على من ارتج أو تفهيم أمر كقوله لجماعة أو واحد يستأذنون في الدخول ادخلوها بسلام آمنين أو استؤذن في
أخذ شئ فيقول يا يحيي خذ الكتاب بقوة وما أشبه هذا فهذا كله لا يبطل الصلاة سواء قصد
القراءة أو القراءة مع الاعلام وسواء كان قد انتهى في قراءته إلى تلك الآية أو أنشأ قراءتها حينئذ
لعموم حديث معاوية وحكى صاحب البيان وجها أنه ان قصد مع القراءة غيرها بطلت صلاته وليس
بشئ بل الصواب الذي قطع به المصنف والأصحاب أنها لا تبطل فاما ان قصد الاعلام وحده فتبطل
بلا خلاف وإن لم يقصد شيئا فظاهر كلام المصنف وغيره أنها تبطل وينبغي أن يفرق بين أن يكون
قد انتهي في قراءته إليها فلا تبطل أو لا يكون فتبطل ودليل اطلاق البطلان إذا لم يقصد شيئا ما ذكره المصنف
أنه يشبه كلام الآدمي وقد سبق في تحريم القراءة على الجنب عن امام الحرمين وغيره أن مثل هذا النظم
لا يكون قرآنا إلا بالقصد فإذا أطلقه ولم يقصد به شيئا لا يحرم على الجنب بل له حكم كلام الآدمي ولو أتى
بكلمات من القرآن من مواضع مفرقة ليس في القرآن على النظم التي أتي به كقوله يا إبراهيم بسلام كن
بطلت صلاته ولم يكن لها حكم القرآن بحال ذكره المتولي والرافعي قال المتولي وإن فرق هذه
الكلمات ولم يصل بعضها ببعض لم تبطل يعني إذا قصد القرآن *
(فرع) قال أبو عاصم العبادي في الزيادات إذا قرأ والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك
أصحاب النار فان تعمد بطلت صلاته وإلا فلا ويسجد للسهو وفيما قاله نظر *
(فرع) قد اعتاد كثير من العوام انهم إذا سمعوا قراءة الإمام إياك نعبد وإياك نستعين قالوا إياك نعبد وإياك
نستعين وهذا بدعة منهى عنها فاما بطلان الصلاة بها فقد قال صاحب البيان تبطل الا ان يقصد الدعاء والقراءة
ولا يوافق عليه *
83

* قال المصنف رحمه الله *
(وان شمت عاطسا بطلت صلاته لحديث معاوية بن الحكم ولأنه كلام وضع لمخاطبة الآدمي
فهو كرد السلام وروى يونس ابن عبد الأعلى عن الشافعي رحمه الله أنه قال لا تبطل الصلاة لأنه
دعاء بالرحمة فهو كالدعاء لأبويه بالرحمة) *
(الشرح) قال أصحابنا الأدعية في الصلاة ضربان عجمية وعربية فالعجمية سبق بيانها في
فصل التكبير من باب صفة الصلاة: واما الدعوات العربية فلا تبطل الصلاة سواء المأثور وغيره وقد سبق
بيان هذا في أواخر صفة الصلاة وذكرنا هناك اختلاف العلماء في غير المأثور قال أصحابنا وإنما يباح من
الدعاء ما ليس خطابا لمخلوق فاما ما هو خطاب مخلوق غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجب اجتنابه
فلو قال لإنسان غفر الله لك أو رضى الله عنك أو عافاك الله ونحو هذا بطلت صلاته لحديث معاوية ولو
سلم على انسان أو سلم عليه انسان فرد عليه السلام بلفظ الخطاب فقال وعليك السلام أو قال لعاطس
رحمك الله أو يرحمك الله بطلت صلاته وفى العاطس هذا القول القريب الذي حكاه المصنف انه لا تبطل
والصحيح المشهور البطلان وهو الذي نص عليه الشافعي رحمه الله في كتبه فلو رد السلام وشمت العاطس
بغير لفظ خطاب فقال وعليه السلام أو يرحمه الله لم تبطل صلاته باتفاق الأصحاب لأنه دعاء محض
ويقال شمت العاطس وسمته بالشين المعجمة والمهملة لغتان مشهورتان ومعناه قال له يرحمك الله * واما
يونس بن عبد الأعلى فهو أبو موسى يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة بن حفص الصدفي - بفتح الصاد
والدال - المصري وهو أحد أصحاب الشافعي المصريين واحد شيوخ مسلم بن الحجاج روى عنه
في صحيحه كثيرا وكان اماما جليلا توفى سنة أربع وستين ومائتين وفى يونس لغات ضم النون وكسرها
وبفتحها وبالهمز وتركه *
(فرع) في مسائل تتعلق بالكلام في الصلاة (إحداها) قال المتولي لو سلم الامام فسلم المأموم معه ثم
سلم الامام ثانيا فقال له المأموم قد سلمت قبل هذا فقال الامام كنت ناسيا لم تبطل صلاة الامام لان
سلامه الأول سهو وتمت صلاته بالسلام الثاني ولا تبطل صلاة المأموم أيضا لان سلامه الأول لم يخرج
به من الصلاة وتكليمه الامام سهو لأنه يظن أنه تحلل من الصلاة ويلزمه ان يسلم ثانيا ويستحب له سجود
السهو لان تكليمه سهو في الصلاة بعد انقطاع القدوة (الثانية) إذا نذر شيئا في صلاته وتلفظ بالنذر
عامدا هل تبطل صلاته فيه وجهان حكاهما القاضي أبو الطيب في تعليقه في آخر باب استقبال القبلة
84

في مسألة بلوغ الصبي في الصلاة أحدهما وبه قال الداركي وهو ظاهر كلام أبى اسحق المروزي لا تبطل
لأنه مناجاة لله تعالي فهو من جنس الدعاء والثاني تبطل لأنه أشبه بكلام الآدمي والأول أصح لأنه
يشبه قوله سجد وجهي للذي خلقه *
(فرع) في مذاهب العلماء في كلام المصلى هو ثلاثة أقسام (أحدها) يتكلم عامدا لا لمصلحة
الصلاة فتبطل صلاته بالاجماع نقل الاجماع فيه ابن المنذر وغيره لحديث معاوية بن الحكم السابق
وحديث ابن مسعود وحديث جابر وحديث زيد بن أرقم وغيرها من الأحاديث التي سنذكرها
إن شاء الله تعالى (الثاني) ان يتكلم لمصلحة الصلاة بان يقوم الامام إلى خامسة فيقول قد صليت
أربعا أو نحو ذلك فمذهبنا ومذهب جمهور العلماء انه تبطل الصلاة وقال الأوزاعي لا تبطل وهي
رواية عن مالك واحمد لحديث ذي اليدين ودليل الجمهور عموم الأحاديث الصحيحة في النهي عن
الكلام ولقوله صلى الله عليه وسلم " من نابه شئ في صلاته فليسبح الرجال وليصفق النساء " ولو كان
الكلام مباحا لمصلحتها لكان أسهل وأبين وحديث ذي اليدين جوابه ما سنذكره إن شاء الله تعالى
(الثالث) أن يتكلم ناسيا ولا يطول كلامه فمذهبنا أنه لا تبطل صلاته وبه قال جمهور العلماء
منهم ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير وانس وعروة ابن (1) وعطاء والحسن البصري والشعبي وقتادة
وجميع المحدثين ومالك والأوزاعي واحمد في رواية وإسحاق وأبو ثور وغيرهم رضي الله عنهم *
وقال النخعي وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة واحمد في رواية تبطل ووافق أبو حنيفة أن سلام الناسي
لا يبطلها * واحتج لمن قال تبطل بحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال " كنا نسلم على رسول الله صلى

(1) كذا بالأصل
85

الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمت عليه فلم يرد على فقلت
يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا فقال إن في الصلاة شغلا " رواه البخاري ومسلم
وفى رواية أبي داود وغيره زيادة " وان الله يحدث من أمره ما يشاء وانه قد أحدث أن لا تكلموا
في الصلاة " وعن جابر رضي الله عنه قال " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فانطلقت ثم رجعت
فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فلم يرد على فوقع في قلبي ما الله أعلمتم به ثم سلمت فلم يرد
على فوقع في قلبي أشد من المرة الأولى ثم سلمت عليه فقال إنما منعني أن أرد عليك اني كنت أصلى
وكان على راحلته متوجها إلى غير القبلة " رواه البخاري ومسلم وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال
" ان كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى
نزلت (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) فأمرنا بالسكوت ونهينا
عن الكلام " رواه البخاري ومسلم وليس في رواية البخاري ونهينا عن الكلام وفى رواية
الترمذي كنا نتكلم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحديث معاوية بن الحكم
" ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس " رواه مسلم كما بيناه وبحديث جابر المذكور
في المهذب " الكلام ينقض الصلاة " ولكنه ضعيف كما بيناه وبحديث " من قاء في صلاته أو قلس
فلينصرف وليتوضأ وليبن علي صلاته ما لم يتكلم " وهو أيضا ضعيف كما بيناه وبالقياس على الحديث
* واحتج أصحابنا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال " صلي بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
الظهر والعصر فسلم فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله فقال لهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم لم تقصر ولم انس فقال بلى قد نسيت يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم
أحق ما يقول قالوا نعم فصلي ركعتين أخرتين ثم سجد سجدتين " رواه البخاري ومسلم من طرق كثيرة
جدا وهكذا هو في مسلم وفى مواضع من البخاري " صلي بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " وفى رواية
لمسلم صلى لنا وعن عمران ابن حصين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر فسلم في ثلاث
ثم دخل منزله فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يده طول فقال يا رسول الله فذكر له صنيعه
وخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس فقال أصدق هذا قالوا نعم فصلي ركعة ثم سلم ثم سجد
سجدتين ثم سلم " رواه مسلم قال أصحابنا ومن الدليل لنا أيضا حديث معاوية بن الحكم فإنه تكلم جاهلا
بالحكم ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة قالوا وقياسا على اللام سهوا وعمدة المذهب
حديث ذي اليدين واعترض القائلون بالبطلان عليه هذا الحديث منسوخ بحديث ابن مسعود وزيد
ابن أرقم قالوا لان ذا اليدين قتل يوم بدر ونقلوا عن الزهري أن ذا اليدين قتل يوم بدر وأن
86

قصته في الصلاة كانت قبل بدر ولا يمنع من هذا كون أبي هريرة رواه وهو متأخر الاسلام عن بدر
لان الصحابي قد يروى ما لا يحضره بان يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابي وأجاب أصحابنا
وغيرهم من العلماء عن هذا بأجوبة صحيحة حسنة مشهورة أحسنها وأتقنها ما ذكره الامام الحافظ
أبو عمر بن عبد البر في التمهيد قال اما دعواهم ان حديث أبي هريرة منسوخ بحديث ابن مسعود
فغلط لأنه لا خلاف بين أهل الحديث والسير ان حديث ابن مسعود كان بمكة حين رجع من الحبشة
قبل الهجرة وان حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين كان بالمدينة وإنما أسلم أبو هريرة عام خيبر
سنة سبع من الهجرة بلا خلاف واما حديث زيد بن أرقم فليس فيه بيان انه قبل حديث أبي هريرة
أو بعده والنظر يشهد انه قبله قال واما قولهم إن أبا هريرة لم يشهد ذلك فغلط بل شهوده له محفوظ
من روايات الثقاة الحفاظ ثم ذكر بأسانيده الروايات الثابتة في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما
ان أبا هريرة قال " صلي لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " وفى رواية " صلى بنا " وفى رواية صحيح مسلم وغيره
عن أبي هريرة قال " بينا انا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر سلم رسول الله صلى الله عليه
وسلم بين الركعتين فقام رجل من بني سليم: وذكر الحديث " قال ابن عبد البر وقد روى
قصة ذي اليدين مع أبي هريرة ابن عمر وعمران بن الحصين ومعاوية بن جريح بضم الحاء المهملة
وابن مسعدة رجل من الصحابة وكلهم لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحبه الا بالمدينة متأخرا ثم ذكر
أحاديثهم بطرقها قال قال وابن مسعدة هذا يقال له صاحب الجيوش اسمه عبد الله معروف في
الصحابة له رواية قال واما قولهم إن ذا اليدين قتل يوم بدر فغلط وإنما المقتول يوم بدر ذو الشمالين
ولا ننازعهم في أن ذا الشمالين قتل يوم بدر لان ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي ذكروه فيمن
قتل ببدر قال ابن إسحاق ذو الشمالين هو عمير بن عمرو بن غبشان من خزاعة فذو اليدين غير
ذي الشمالين المقتول ببدر لان ذا اليدين اسمه الخرباق بن عمر وذكره مسلم في رواية وهو من بنى سليم
كما ذكره مسلم في صحيحه قال غير ابن عبد البر وقد عاش ذو اليدين الخرباق بن عمرو بعد وفاة
النبي صلى الله عليه وسلم زمانا قال ابن عبد البر فذو اليدين المذكور في حديث السهو غير المقتول ببدر
هذا قول أهل الحذق والفهم من أهل الحديث والفقه قال واما قول الزهري ان المتكلم في حديث
السهو ذو الشمالين فلم يتابع عليه قال وقد اضطرب الزهري في حديث ذي اليدين اضطرابا أوجب
عند أهل العلم بالنقل تركه من روايته خاصة ثم ذكر طرقه وبين اضطرابها في المتن والاسناد
وذكر عن مسلم بن الحجاج تغليطه الزهري في هذا الحديث قال ابن عبد البر لا أعلم أحدا من أهل العلم
87

بالحديث المصنفين فيه عول على حديث الزهري في قصة ذي اليدين وكلهم تركه لاضطرابه وإن كان
اماما عظيما في هذا الشأن فالغلط لا يسلم منه بشر وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك الا النبي
صلى الله عليه وسلم فقول الزهري انه قتل يوم بدر متروك لتحقق غلطه فيه هذا مختصر قول عبد البر
وقد بسط رحمه الله شرح هذا الحديث بسطا لم يبسطه غيره مشتملا على التحقيق والاتفاق
والفوائد الجمة رحمه الله ورضي عنه وذكر البيهقي رحمه الله بعض هذا مختصرا فمما قال إنه لا يجوز
أن يكون حديث أبي هريرة منسوخا بحديث ابن مسعود لتقدم حديث ابن مسعود فإنه كان حين
رجع من الحبشة ورجوعه منها كان قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم هاجر إلى
المدينة وشهد بدرا فحديثه في التسليم كان قبل الهجرة ثم روى البيهقي ذلك بأسانيده ثم نقل اتفاق أهل
المغازي على أن ابن مسعود قدم مكة من هجرة الحبشة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
وانه شهد بدرا بعد ذلك ثم روى البيهقي بإسناده عن الحميدي شيخ البخاري انه حمل حديث
ابن مسعود على النهي عن الكلام عامدا قال لأنه قدم من الحبشة قبل بدر واسلام أبي هريرة
سنة سبع من الهجرة واسلام عمران بن الحصين بعد بدر وقد حضرا قصة ذي اليدين وحضرها
معاوية ابن حديج وكان اسلامه قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بشهرين وذكر حديث ابن
عمر أيضا قال فعلمنا ان حديث ابن مسعود في العمد لو كان في العمد والسهو لكانت صلوات
رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه ناسخة له لأنها بعده ثم روى البيهقي عن الأوزاعي قال كان اسلام
معاوية ابن الحكم في آخر الامر فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة وقد تكلم جاهلا
وذكر الشافعي في كتاب اختلاف الأحاديث نحو ما سبق من كلام الأئمة قال ذو الشمالين المقتول
ببدر غير ذي اليدين قال البيهقي ذو اليدين بقي حيا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فان قيل كيف تكلم ذو اليدين والقوم وهم بعد في الصلاة فجوابه من وجهين (أحدهما) انهم لم
يكونوا على يقين من البقاء في صلاة لأنهم كانوا مجوزين لنسخ الصلاة من أربع إلى ركعتين ولهذا
قال قصرت الصلاة أم نسيت (والثاني) ان هذا خطاب وجواب للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك لا يبطل
الصلاة وفى رواية لأبي داود وغيره ان القوم لم يتكلموا وتحمل رواية " نعم " عليها والله أعلم
(فرع) في مذاهبهم فيمن سبح الله تعالى أو حمده في غير ركوع وسجود مذهبنا أنه لا تبطل
صلاته سواء قصد به تنبيه غيره أم لا وبهذا قال جمهور العلماء حكاه ابن المنذر عن الأوزاعي والثوري
واحمد وإسحاق وأبي ثور قال وقال أبو حنيفة ان قاله ابتداء فليس بكلام وان قاله جوابا فهو كلام
دليلنا حديث سهل بن سعد وهو في الصحيحين كما سبق

(1) كذا بالأصل فلعله (لمنافاة الصلاة) اه‍
88

(فرع) في مذاهبهم في الضحك والتبسم في الصلاة: مذهبنا ان التبسم لا يضر وكذا الضحك
إن لم يبن منه حرفان فان بان بطلت صلاته ونقل ابن المنذر الاجماع على بطلانها بالضحك وهو
محمول على من بان منه حرفان قال وقال أكثر العلماء لا بأس بالتبسم ممن قاله جابر بن عبد
الله وعطاء ومجاهد والنخعي والحسن وقتادة والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن سيرين
لا أعلم التبسم الا ضحكا *
(فرع) في مذاهبهم في الأنين والتأوه: قد ذكرنا أن مذهبنا انه ان بان منه حرفان بطلت صلاته
وإلا فلا وبه قال احمد وحكاه ابن المنذر عن أبي ثور قال وقال الشعبي والنخعي والمغيرة والثوري
يعيد الصلاة قال العبدري وقال مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إن كان لخوف الله تعالى أو
خوف النار لم تبطل صلاته والا فتبطل وعن أبي يوسف انه ان قال (اه‍) لم تبطل وان قال (اوه) بطلت *
(فرع) في مذاهبهم في النفخ في الصلاة مذهبنا انه ان بان منه حرفان وهو عامد عالم بتحريمه
بطلت صلاته وإلا فلا وبه قال مالك وأبو حنيفة ومحمد واحمد وقال أبو يوسف لا تبطل الا ان يريد
به التأفيف وهو قول (أف) قال ابن المنذر ثم رجع أبو يوسف وقال لا تبطل صلاته مطلقا قال
وممن روينا عنه كراهة ذلك ابن مسعود وابن عباس وابن سيرين والنخعي ويحيي بن أبي كثير
واحمد واسحق قال ولم يوجبوا عليه الإعادة قال وروينا عن ابن عباس وأبي هريرة أنه كالكلام
ولا يثبت ذلك عنهما وروى عن سعيد بن جبير * قال المصنف رحمه الله *
(وان أكل عامدا بطلت صلاته لأنه إذا أبطل الصوم الذي لا يبطل بالأفعال فلان يبطل الصلاة
أولي وإن كان ناسيا لم تبطل كما لا يبطل الصوم) *
(الشرح) قال أصحابنا إذا أكل في صلاته أو شرب عمدا بطلت صلاته سواء قل أو كثر هكذا
صرح به الأصحاب وحكى الرافعي وجهان ان الأكل القليل لا يبطلها وهو غلط وإن كان بين أسنانه شئ فابتلعه
عمدا أو نزلت من رأسه فابتلعها عمدا بطلت صلاته بلا خلاف فان ابتلع شيئا مغلوبا بان جرى الريق بباقي
89

الطعام بغير تعمد منه أو نزلت النخامة ولم يمكنه امساكها لم تبطل صلاته بالاتفاق ونقله الشيخ
أبو حامد في التعليق عن نص الشافعي في مسألة الريق ونقله فيها أيضا القاضي أبو الطيب في تعليقه عن
نص الشافعي في الجامع الكبير للمزني أما إذا وضع سكرة أو نحوها في فيه فذابت ونزلت إلى جوفه
من غير مضغ ولا حركة ففي بطلان صلاته وجهان مشهوران في طريقتي العراقيين والخراسانيين (أحدهما) لا تبطل حكاه القاضي أبو الطيب في تعليقه عن الشيخ أبي حامد لأنه لا يوجد منه فعل (والثاني)
تبطل وهو الصحيح عند الأصحاب لأنه مناف للصلاة قال القاضي أبو الطيب هذا هو الصحيح قال
هو وغيره والضابط على هذا ان ما أبطل الصوم أبطل الصلاة ولا خلاف في بطلان الصوم بهذا قال
البغوي وغيره والمضغ وحده يبطل الصلاة وإن لم يصل شئ إلى الجوف حتى لو مضغ علكا بطلت
صلاته فإن لم يمضغه بل وضعه في فيه فإن كان جديدا يذوب فهو كالسكرة فتبطل صلاته على
الصحيح وإن كان مستعملا لا يذوب لم تبطل كما أمسك في فمه حصاة أو اجاصة فإنها لا تبطل قطعا
هذا كله في العامد فلو اكل ناسيا للصلاة أو جاهلا بتحريمه فإن كان قليلا لم تبطل بلا خلاف وإن
وأن كثر بطلت على أصح الوجهين كالوجهين في الكلام الكثير وقطع البغوي بالبطلان في الكثير
وتعرف القلة والكثرة بالعرف *
(فرع) في مذاهب العلماء في الأكل والشرب في الصلاة قال ابن المنذر اجمع العلماء على منعه
منهما وانه إن أكل أو شرب في صلاة الفرض عامدا لزمه الإعادة فإن كان ساهيا قال عطاء لا تبطل
وبه أقول وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي تبطل قال واما التطوع فروى عن ابن الزبير وسعيد
ابن جبير أنهما شربا في صلاة التطوع وقال طاوس لا بأس به قال ابن المنذر لا يجوز ذلك ولعل
من حكى ذلك عنه فعله سهوا * قال المصنف رحمه الله *
(وان عمل في الصلاة عملا ليس منها نظرت فإن كان من جنس أفعالها بان ركع أو سجد في
غير موضعهما فإن كان عامدا بطلت صلاته لأنه متلاعب بالصلاة وإن كان ناسيا لم تبطل لان النبي
صلى الله عليه وسلم صلي الظهر خمسا فسبحوا له وبنى على صلاته فان قرأ فاتحة الكتاب مرتين
عامدا فالمنصوص انه لا تبطل صلاته لأنه تكرار ذكر فهو كما لو قرأ السورة بعد الفاتحة مرتين ومن
أصحابنا من قال تبطل لأنه ركن زاده في الصلاة فهو كالركوع والسجود) *
90

(الشرح) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم بمعناه من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
قال أصحابنا إذا زال فعلا من أركان الصلاة عمدا بطلت صلاته وإن كان سهوا لم تبطل بركن
ولا أركان ولا ركعة ولا أكثر للحديث ولأنه لا يمكن الاحتراز منه فان قرأ الفاتحة مرتين سهوا
لم يضر وان تعمد فوجهان الصحيح المنصوص لا تبطل لأنه لا يخل بصورة الصلاة والثاني تبطل
كتكرار الركوع وهذا الوجه حكاه امام الحرمين عن أبي الوليد النيسابوري من متقدمي أصحابنا
الكبار تفقه على ابن سريج وحكاه صاحب العدة عن أبي علي بن خيران وأبى يحيى البلخي قال وحكاه
91

الشيخ أبو حامد عن القديم والمذهب انها لا تبطل وبه قال الأكثرون وكذا لو كرر التشهد الاخر
والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدا لا تبطل لما ذكرناه قال المتولي وغيره وإذا كرر
الفاتحة وقلنا لا تبطل صلاته لا يجزيه عن السورة بعد الفاتحة.
* قال المصنف رحمه الله *
(وان عمل عملا ليس من جنسها فإن كان قليلا مثل ان دفع مارا بين يديه أو ضرب حية أو عقربا أو خلع
نعليه أو أصلح رداءه أو حمل شيئا أو سلم عليه رجل فرد عليه بالإشارة وما أشبه ذلك لم تبطل صلاته لان النبي
صلى الله عليه وسلم امر بدفع المار بين يديه وأمر بقتل الأسودين الحية والعقرب في الصلاة وخلع نعليه
وحمل امامة بنت أبي العاص في الصلاة فكان إذا سجد وضعفها فإذا قام رفعها وسلم عليه الأنصار فرد عليهم
في الصلاة ولان المصلي لا يخلو من عمل قليل فلم تبطل صلاته بذلك وإن كان عملا كثيرا بان مشي
خطوات متتابعات أو ضرب ضربات متواليات بطلت صلاته لأنه لا تدعو إليه الحاجة في الغالب
وإن مشى خطوتين أو ضرب ضربتين ففيه وجهان (أحدهما) لا تبطل لان النبي صلى الله عليه وسلم
خلع نعليه ووضعهما إلى جانبه وهذان فعلان متواليان (والثاني) تبطل لأنه عمل مكرر فهو كالثلاث
وإن عمل عملا كثيرا متفرقا لم تبطل صلاته لحديث أمامة بنت أبي العاص فإنه تكرر منه الحمل والوضع
ولكنه لما تفرق لم بقطع الصلاة ولا فرق في العمل بين العمد والسهو لأنه فعل بخلاف الكلام فإنه قول
والفعل أقوى من القول ولهذا ينفذ أحبال المجنون لكونه فعلا ولا ينفذ إعتاقه لأنه قول) *
(الشرح) حديث الامر بدفع المار رواه البخاري ومسلم من رواية أبي سعيد الخدري وقد
سبق بيانه في آخر باب استقبال القبلة وذكرناه هناك من رواية غير أبي سعيد أيضا: وأما الحديث
الثاني فروى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قتلوا الأسودين في
الصلاة الحية والعقرب " رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم قال الترمذي حديث حسن
صحيح: وأما حديث خلع النعل فصحيح رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة من رواية أبي سعيد وقد سبق
92

بيانه في باب طهارة البدن أيضا: وأما حديث تسليم الأنصار والرد عليهم بالإشارة فرواه أبو داود والترمذي
وقال حديث حسن صحيح ورواية ابن عمر رضي الله عنهما: أما حكم المسألة فمختصر ما قاله أصحابنا ان الفعل
الذي ليس من جنس الصلاة إن كان كثيرا أبطلها بلا خلاف وإن كان قليلا لم يبطلها بلا خلاف هذا
هو الضابط ثم اختلفوا في ضبط القليل والكثير على أربعة أوجه: (أحدها) القليل ما لا يسع زمانه فعل
ركعة والكثير ما يسعها حكاه الرافعي وهو ضعيف أو غلط: (والثاني) كل عمل يحتاج إلى يديه
جميعا كرفع عمامة وحل أشرطة سراويل ونحوهما قليل وما احتاج كتكوير العمامة وعقد الإزار
والسراويل كثير حكاه الرافعي (والثالث) ما لا يظن الناظر إليه أن فاعله ليس في الصلاة والكثير ما
يظن أنه ليس فيها وضعفوه بان من رآه يحمل صبيا أو يقتل حية أو عقربا ونحو ذلك يظن أنه ليس
في صلاة وهذا القدر لا يبطلها بلا خلاف (والرابع) وهو الصحيح المشهور وبه قطع المصنف والجمهور
أن الرجوع فيه إلى العادة فلا يضر ما يعده الناس قليلا كالإشارة برد السلام وخلع النعل ورفع العمامة
ووضعها ولبس ثوب خفيف ونزعه وحمل صغير ووضعه ودفع مار ودلك البصاق في ثوبه وأشباه هذا
وأما ما عده الناس كثيرا كخطوات كثيرة متوالية وفعلات متتابعة فتبطل الصلاة قال أصحابنا
على هذا الفعلة الواحدة كالخطوة والضربة قليل بلا خلاف والثلاث كثير بلا خلاف وفى الاثنين
وجهان حكاهما المصنف والأصحاب (أصحها) قليل وبه قطع الشيخ أبو حامد (والثاني) كثير ثم
اتفق الأصحاب على أن الكثير إنما يبطل إذا توالي فان تفرق بين خطي خطوة ثم سكت زمنا ثم
خطي أخرى أو خطوتين ثم خطوتين بينهما زمن إذا قلنا لا يضر الخطوتان وتكرر ذلك مرات
كثيرة حتى بلغ مائة خطوة فأكثر لم يضر بلا خلاف وكذلك حكم الضربات المتفرقة وغيرها
قال أصحابنا وحد التفريق أن يجد الثاني منقطعا عن الأول وقال البغوي عندي أن يكون بينهما ركعة
لحديث أمامة بنت أبي العاص وهذا غريب ضعيف ولا دلالة في هذا الحديث لأنه ليس فيه نهى عن
فعل ثان في دون ذلك الزمان قال أصحابنا والمراد بقولنا لا تبطل بالفعلة الواحدة ما لم يتفاحش فان
93

تفاحشت وأفرطت كالوثبة الفاحشة بطلت صلاته بلا خلاف وكذا قولهم الثلاث المتوالية تبطل
أرادوا الخطوات والضربات ونحوها: فاما الحركات الخفيفة كتحريك الأصابع في سبحة أو حكة
أو حل وعقد ففيها وجهان حكاهما الخراسانيون (أحدهما) أنها كالخطوات فتبطل الصلاة بكثيرها
(والثاني) وهو الصحيح المشهور وبه قطع جماعة لا تبطل وان كثرت متوالية لكن يكره وقد نص
الشافعي رحمه الله أنه لو كان يعد الآيات بيده عقدا لم تبطل صلاته لكن الأولى تركه كما سنوضحه
قريبا إن شاء الله تعالى هذا كله في الفعل عمدا فاما فعل الناسي في الصلاة إذا كثر ففيه طريقان
: (أشهرهما) وبه قطع المصنف والجمهور تبطل الصلاة وجها واحدا لما ذكره المصنف: (والثاني) فيه
وجهان ككلام الناسي حكاه صاحب التتمة وقال الأصح أنه لا تبطل للحديث الصحيح في قصة
ذي اليدين فإنه قال فيه حين سلم النبي صلى الله عليه وسلم من ركعتين في الظهر والعصر ثم قام إلى
خشبة في مقدم المسجد وخرج سرعان الناس ثم عاد فصلي ركعتين وهذا اللفظ في الصحيحين وفى رواية
للبخاري " فخرجت السرعان من أبواب المسجد فتقدم فصلى ما ترك " وفى رواية أبي داود " فرجع رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتين ثم سلم " واسنادها صحيح وفى رواية لمسلم
من حديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلي العصر فسلم في ثلاث ركعات
ثم دخل منزله فقام إليه رجل يقال له الخرباق - وكان في يده طول - فقال يا رسول الله فذكر له صنيعه
وخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس فقال أصدق هذا قالوا نعم فصلي ركعة ثم سلم ثم
سجد سجدتين ثم سلم " هذا لفظ مسلم وفى رواية له " ثم قام فدخل الحجرة: وذكر نحو الأولى " هذا كله
في غير صلاة شدة الخوف أما فيها فيحتمل الضرب والركض والعدو للحاجة وفيه تفصيل نوضحه في
بابه إن شاء الله تعالى: قال أصحابنا والفعل القليل الذي لا يبطل الصلاة مكروه إلا في مواضع (أحدها)
أن يفعله ناسيا: (الثاني) أن يفعله لحاجة مقصودة: (الثالث) أن يكون مندوبا إليه كقتل الحية والعقرب
ونحوهما وكدفع المار بين يديه والصائل عليه ونحو ذلك *
94

(فرع) لو قرأ القرآن من المصحف لم تبطل صلاته سواء كان يحفظه أم لا بل يجب عليه ذلك إذا
لم يحفظ الفاتحة كما سبق ولو قلب أوراقه أحيانا في صلاته لم تبطل ولو نظر في مكتوب غير القرآن
وردد ما فيه في نفسه لم تبطل صلاته وإن طال لكن يكره نص عليه الشافعي في الاملاء وأطبق عليه
الأصحاب وحكى الرافعي وجها ان حديث النفس إذا طال أبطل الصلاة وهو شاذ والمشهور الجزم
بصحتها ونقله الشيخ أبو حامد عن نصه في الاملاء وهذا الذي ذكرناه من أن القراءة في المصحف
لا تبطل الصلاة مذهبنا ومذهب مالك وأبي يوسف ومحمد واحمد قال أبو حنيفة تبطل قال أبو بكر
الرازي أراد إذا لم يحفظ القرآن وقرأ كثيرا في المصحف فاما إن كان يحفظه أو لا يحفظه وقرأ يسيرا
كالآية ونحوها فلا تبطل واحتج له بأنه يحتاج في ذلك إلى فكر ونظر وذلك عمل كثير وكما لو تلقن
من غيره في الصلاة واحتج أصحابنا بأنه أتى بالقراءة واما الفكر والنظر فلا تبطل الصلاة بالاتفاق
إذا كان في غير المصحف ففيه أولى وأما التلقين في الصلاة فلا يبطلها عندنا بلا خلاف *
* قال المصنف رحمه الله *
(ويكره أن يترك شيئا من سنن الصلاة ويكره ان يلتفت في صلاته من غير حاجة لما روى
أبو ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يزال الله تعالى مقبلا على عبده في الصلاة
ما لم يلتفت فإذا التفت صرف عنه وجهه " فإن كان لحاجة لم يكره لما روى ابن عباس رضي الله عنهما
أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يلتفت في صلاته يمينا وشمالا ولا يلوى عنقه خلف ظهره ") *
(الشرح) ينبغي للمصلي ان يحافظ على كل ما ندب إليه من السنن والمستحبات وسواء في ذلك
صلاة الفرض والنفل في الحضر والسفر في الجماعة والانفراد على حسب ما سبق من تفصيلها واما
الالتفات فقال أصحابنا الالتفات في الصلاة ان تحول بصدره عن القبلة بطلت صلاته وإن لم يتحول
95

لم تبطل لكن إن كان لحاجة لم يكره والا كره كراهة تنزيه ودليل الكراهة لغير حاجة حديث
عائشة رضي الله عنها قالت " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال هو
اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد " رواه البخاري وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " إياك والالتفات في الصلاة فان الالتفات في الصلاة هلكة فإن كان لابد ففي
التطوع لا في الفريضة " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح واما حديث أبي ذر رضي الله عنه
المذكور في الكتاب فرواه أبو داود والنسائي باسناد فيه رجل فيه جهالة ودليل عدم الكراهة
لحاجة حديث ابن عباس المذكور في الكتاب رواه الترمذي باسناد صحيح وعن جابر رضي الله عنه
قال " اشتكي رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد فالتفت الينا فرآنا قياما فأشار
الينا: وذكر الحديث " رواه مسلم وعن سهل بن سعد رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم وذهب يصلح
بين بني عمرو بن عوف: وذكر الحديث في صلاة أبي بكر رضي الله عنه بالناس: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم
وهم في الصلاة فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التصفيق التفت
أبو بكر فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم: وذكر الحديث " رواه البخاري ومسلم وعن سهل بن
الخنظليه رضي الله عنه قال " ثوب بالصلاة يعنى الصبح فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصلى وهو يلتفت إلى الشعب " رواه أبو داود باسناد صحيح وقال " كان أرسل فرسا إلى الشعب من أجل الحرس "
96

* قال المصنف رحمه الله *
(ويكره أن يرفع بصره إلى السماء لما روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة - فاشتد قوله في ذلك حتى قال - لينتهين عن ذلك
أو لتخطفن أبصارهم " ويكره أن ينظر إلى ما يلهيه لما روت عائشة رضي الله عنها قالت " كان النبي
صلى الله عليه وسلم يصلي وعليه خميصة ذات أعلام فلما فرغ قال ألهتني أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم واتوني بانبجانية ").
(الشرح) حديث أنس رضي الله عنه رواه البخاري وحديث عائشة رواه البخاري ومسلم
والخميصة كساء مربع من صوف وأبو جهم المذكور اسمه عامر بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي المدني
الصحابي قال الحاكم أبو أحمد وقيل اسمه عبيد بن حذيفة والانبجانية - بفتح الهمزة وكسرها وبنون
بعدها باء موحدة مفتوحة ومكسورة - وهي كساء غليظ لا علم له فإذا كان له علم فهو خميصة وفى ضبطه
ومعناه كلام مشتهر وضحته في تهذيب الأسماء وأجوده ما ذكرته * قال العلماء في هذا الحديث الحث
على حضور القلب في الصلاة وتدبر تلاوتها وأذكارها ومقاصدها من الانقياد والخضوع ومنع النظر
من الامتداد إلى ما يشغل وإزالة كل ما يخاف اشتغال القلب بسببه وكراهة تزويق محراب المسجد
وحائطه ونقشه وغير ذلك من الشاغلات وفيه أن الصلاة تصح وإن حصل فيها فكر واشتغال
قلب بغيرها وهذا باجماع من يعتد به في الاجماع وهذان الحكمان اللذان ذكرهما المصنف متفق
عليهما * قال المصنف رحمه الله *
(ويكره أن يصلي ويده على خاصرته لما روى أبو هريرة رضي الله عنه " أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى أن يصلى الرجل مختصرا ").
(الشرح) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم ومعنى المختصر أن يضع يده على خاصرته كما
ذكره المصنف هذا هو الصحيح وبه قال الجمهور من أهل اللغة وغريب الحديث والمحدثين والفقهاء وقيل هو أن يتوكأ على عصي حكاه الهروي وغيره وقيل أن يختصر السورة فيقرأ آخرها وقيل
أن يختصر في صلاته فلا يتم قيامها وركوعها وسجودها وحدودها والصحيح الأول قيل نهي عنه
97

لأنه فعل المتكبرين فلا يليق بالصلاة وقيل لأنه فعل اليهود وقيل فعل الشيطان وكراهة وضع اليد
على خاصرته متفق عليها سواء كان المصلي رجلا أو امرأة * قال المصنف رحمه الله *
(ويكره أن يكف شعره وثوبه لما روى ابن عباس رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم
أمر أن يسجد على سبعة أراب ونهي أن يكف شعره وثوبه ") *
(الشرح) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم والاراب الأعضاء وهذا الحكم متفق عليه
وقد اتفق العلماء على النهي عن الصلاة وثوبه مشمرا وكمه أو نحوه أو ورأسه معقوص أو مردود
شعره تحت عمامته أو نحو ذلك فكل هذا مكروه باتفاق العلماء وهي كراهة تنزيه فلو صلي كذلك
فقد ارتكب الكراهة وصلاته صحيحة واحتج لصحتها أبو جعفر محمد بن جريج الطبري باجماع
العلماء وحكى ابن المنذر الإعادة فيه عن الحسن البصري ثم مذهبنا ومذهب الجمهور أن النهى
لكل من صلي كذلك سواء تعمده للصلاة أم كان كذلك قبلها لمعنى آخر وصلي على حاله بغير
ضرورة وقال مالك النهى مختص بمن فعل ذلك للصلاة والأول الذي يقتضيه اطلاق الأحاديث
الصحيحة وهو ظاهر المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم وفى صحيح مسلم عن ابن عباس رضي
الله عنهما انه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه فقام وجعل يحله فلما
انصرف أقبل إلى ابن عباس فقال مالك ولراسي فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول " إنما مثل هذا مثل الذي يصلى وهو مكتوف " قال العلماء والحكمة في النهى عنه ان الشعر
يسجد معه ولهذا مثله بالذي يصلي وهو مكتوف والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
(ويكره أن يمسح الحصي في الصلاة لما روى معيقيب رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال " لا تمسح الحصى وأنت تصلي فان كنت لابد فاعلا فواحدة تسوية الحصى ") *
(الشرح) هذا الحديث صحيح رواه أبو داود بلفظه باسناد على شرط البخاري ومسلم
98

ورواه البخاري ومسلم بمعناه ولفظهما عن معيقيب ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل
يسوى التراب حيث يسجد قال إن كنت فاعلا فواحدة ومعنى الحديث لا تمسح وان مسحت
فلا تزد على واحدة وهذا نهي كراهة تنزيه واتفق العلماء على كراهته إذا لم يكن عذر لهذا
الحديث ولحديث أبي ذر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قام أحدكم
في الصلاة فلا يمسح الحصي فإنه المرحمة تواجهه " رواه أحمد بن حنبل في مسنده وأبو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجة واسناده جيد لكن فيه رجل لم يبينوا حاله لكن لم يضعفه أبو داود وقد
سبق أن ما لم يضعفه فهو حسن عنده قال أصحابنا ولأنه يخالف التواضع والخشوع وكره السلف
مسح الجبهة في الصلاة وقبل الانصراف مما يتعلق بهما من غبار ونحوه ومعيقيب هذا الراوي
يقال له معيقيب بن أبي فاطمة الدويسي أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة وشهد بدرا
وكان على خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعمله أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على بيت
المال توفى في آخر خلافة عثمان رضي الله عنه * قال المصنف رحمه الله *
(ويكره أن يعد الآي في الصلاة لأنه يشغل عن الخشوع فكان تركه أولى ويكره التثاؤب
في الصلاة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا تثاءب أحدكم وهو
في الصلاة فليرده ما استطاع فان أحدكم إذا قال ها ها ضحك الشيطان منه ") *
(الشرح) هذا الحديث صحيح في الجملة روى بألفاظ منها عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال " التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع " رواه مسلم وفى رواية
" التثاؤب في الصلاة من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع " رواه الترمذي وقال حديث
حسن صحيح واسناده على شرط مسلم وفى رواية " ان الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا تثاءب
أحدكم فليرده ما استطاع ولا يقل ها ها فإنما ذلكم الشيطان يضحك منه " رواه أبو داود باسناد
على شرط البخاري ومسلم وعن ابن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا تثاءب أحدكم في الصلاة
99

فليكظم ما استطاع " رواه أبو داود بهذا اللفظ باسناد على شرط البخاري ومسلم وفى رواية " إذا
تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه فان الشيطان يدخل " رواه مسلم قال أصحابنا فيكره التثاؤب
في الصلاة ويكره في غيرها أيضا فان تثاءب فليرده ما استطاع ويستحب وضع يده على فيه سواء
كان في الصلاة أم لا واما عد الآيات في الصلاة فمذهبنا ان الأولى اجتنابه ولا يقال إنه مكروه
وقال أبو حنيفة يكره قال ابن المنذر وخص فيه ابن أبي مليكة وأبو عبد الرحمن السلمي وطاوس
وابن سيرين والشعبي والنخعي والمغيرة بن حكيم والشافعي وأحمد واسحق وكرهه أبو حنيفة هذا
كلام ابن المنذر وقد نقل أصحابنا نص الشافعي انه لا بأس بعد الآيات لكن قالوا
هو خلاف الأولى وهو مراد المصنف بقوله يكره ولهذا قال فكان تركه أولى *
* قال المصنف رحمه الله *
(وان بدره البصاق فإن كان في غير المسجد لم يبصق تلقاء وجهه ولا عن يمينه بل يبصق
تحت قدمه اليسرى أو عن يساره وان بدره في المسجد بصق في ثوبه وحك بعضه ببعض لما روى أبو سعيد
الخدري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " دخل مسجدا يوما فرأي في قبلة المسجد نخامة فحتها
بعرجون معه ثم قال أيحب أحدكم أن يبصق رجل في وجهه إذا صلي أحدكم فلا يبصق بين يديه
ولا عن يمينه فان الله تعالى تلقاء وجهه والملك عن يمينه وليبصق تحت قدمه اليسرى أو عن يساره
فان أصابته بادرة بصاق فليبصق في ثوبه ثم يقول به هكذا " فعلمهم أن يفركوا بعضه ببعض: فان
خالف وبصق في المسجد دفنه لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
" البصاق في المسجد خطيئة وكفارته دفنه " وبالله التوفيق) *
(الشرح) فان أهل اللغة البصاق والبزاق والبساق وبصق وبزق وبسق ثلاث لغات بمعنى
واحد ولغة السين قليلة وقد أنكرها بعض أهل اللغة وانكارها باطل فقد نقلها الثقات وثبتت
في الحديث الصحيح وإذا عرض للمصلى بصاق فإن كان في مسجد حرم البصاق فيه بل يبصق في
طرف ثوبه من جانبه الأيسر ككمه وغيره وإن كان في غير المسجد لم يحرم البصاق في الأرض
فله ان يبصق عن يساره في ثوبه أو تحت قدمه أو بجنبه وأولاه في ثوبه ويحك بعضه ببعض
100

أو يدعه ويكره أن يبصق عن يمينه أو تلقاء وجهه وإذا بصق في المسجد فقد ارتكب الحرام وعليه
أن يدفنه واختلفوا في دفنه فالمشهور انه يدفنه في تراب المسجد ورمله إن كان له تراب أو رمل
ونحوهما فإن لم يكن أخذه بعود أو خرقة أو نحوهما أو بيده وأخرجه من المسجد وقيل المراد بالدفن
اخراجها من المسجد مطلقا ولا يكفي فدنها في ترابه حكاه صاحب البحر في باب الاعتكاف ومن
رأى من يبصق في المسجد لزمه الانكار عليه ومنعه منه ان قدر ومن رأى بصاقا أو نحوه في المسجد
فالسنة ان يزيله بدفعه أو رفعه وإخراجه ويستحب تطييب محله واما ما يفعله كثير من الناس إذا
بصق أو رأى بصاقا دلكه بأسفل مداسه الذي داس به النجاسة والأقذار فحرام لأنه تنجيس
للمسجد أو تقذير له وعلى من رآه يفعل ذلك الانكار عليه بشرطه والله أعلم فهذا مختصر أحكام
المسألة أما دلائلها فعن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأى بصاقا في
جدار القبلة فحكه ثم أقبل على الناس فقال إذا كان أحدكم يصلي فلا يبزقن قبل وجهه فان الله قبل
وجهه إذا صلي " رواه البخاري ومسلم وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما ان النبي
صلى الله عليه وسلم " رأى نخامة في قبلة المسجد فحكها بحصاة ثم قال إذا تنخم أحدكم فلا يتنخم قبل
وجهه ولا عن يمينه وليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى " رواه البخاري ومسلم وعن انس رضي
الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه فلا يبزقن
بين يديه ولا عن يمينه ولكن عن شماله تحت قدمه " رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأي نخامة في قبلة المسجد فأقبل على الناس فقال ما لأحدكم
يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه فإذا تنخع أحدكم فليتنخع
عن يساره تحت قدمه فإن لم يجد فليقل هكذا فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه على بعض " رواه مسلم وعنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبزق أمامه فإنما يناجي الله ما دام في
مصلاه وعن يمينه فان عن يمينه ملكا وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها " رواه البخاري وعن
انس رضي الله عنه قال قال سول الله صلى الله عليه وسلم " البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها "
رواه البخاري وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " عرضت على أعمال
أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ووجدت في مساوئ أعمالها
101

النخاعة تكون في المسجد لا تدفن " رواه مسلم وفى المسألة أحاديث كثيرة في الصحيح غير هذه وفيما
ذكرته أبلغ كفاية
(فصل) في مسائل تتعلق بالباب (إحداها) ينبغي ألا يسكت في صلاته الا في حال استماعه
لقراءة امامه فلو سكت في ركوعه أو سجوده أو قيامه أو قعوده سكوتا يسيرا لم تبطل صلاته فان سكت
طويلا لعذر بأن نسي شيئا فسكت ليتذكره لم تبطل صلاته على المذهب وبه قطع الجمهور وحكى
جماعة من الخراسانيين في بطلانها وجهين وهو ضعيف وان سكت طويلا لغير عذر ففي بطلانها
وجهان مشهوران للخراسانيين (أصحهما) لا تبطل ولو سكت طويلا ناسيا وقلنا يبطل تعمده فطريقان
المذهب لا تبطل والثاني على وجهين (الثانية) إشارة الأخرس المفهمة كالنطق في البيع والنكاح والطلاق
والعتاق والرجعة واللعان والقذف وسائر العقود والأحكام الا الشهادة ففي قبولها وجهان مشهوران
ولو أشار في صلاته بما يفهم ففي بطلانها وجهان الصحيح المشهور به قطع الجمهور لا تبطل لأنه ليس
بكلام ولا فعل كثير والثاني تبطل لأنه قائم مقام كلامه وجزم القاضي حسين في فتاويه ببطلان
الصلاة وجزم الغزالي بالصحة في فتاويه وصححه في كتاب الطلاق من الوسيط وهذا هو المذهب
وهذه المسألة مما يسأل عنه فيقال انسان عقد النكاح والبيع في صلاته وصح ولم تبطل صلاته وتجئ
مسالة (1) في وجه ضعيف في المعاطاة في البيع والكتابة في البيع والنكاح فان فيهما خلافا معروفا ويتصور
مثل هذا فيمن عقد البيع والنكاح وغيرهما وهو في الصلاة بلفظه ناسيا للصلاة فيصح الجمع بلا
خلاف (الثالثة) يستحب الخشوع في الصلاة والخضوع وتدبر قراءتها وأذكارها وما يتعلق بها والاعراض
عن الفكر فيما لا يتعلق بها فان فكر في غيرها وأكثر من الفكر لم تبطل صلاته لكن يكره سواء
كان فكره في مباح أو حرام كشرب الخمر وقد قدمنا حكاية وجه ضعيف في فصل الفعل من هذا
الباب ان الفكر في حديث النفس إذا كثر بطلت الصلاة وهو شاذ مردود وقد نقل الاجماع على

(1) كذا بالأصل يحرر العبارة
102

انها لا تبطل واما الكراهة فمتفق عليها وقد سبقت هذه المسألة بادلتها من الأحاديث الصحيحة
الكثيرة في المسائل المنثورة في آخر باب صفة الصلاة ومما استدلوا به على أنها لا تبطل بالفكر حديث
أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله يجاوز لامتي ما حدثت به أنفسها
ما لم تعمل أو تكلم به " رواه البخاري ومسلم وعن عقبة بن الحارث رضي الله عنه " قال صليت مع
النبي صلى الله عليه وسلم العصر فلما سلم قام سريعا ودخل على بعض نسائه ثم خرج ورأي في وجوه
القوم من تعجبهم لسرعته فقال ذكرت وانا في الصلاة تبرا عندنا فكرهت ان يمسى أو يبيت عندنا
فأمرت بقسمته " رواه البخاري (الرابعة) إذا سلم انسان على المصلي لم يستحق جوابا لا في الحال
ولا بعد الفراغ منها لكن يستحب ان يرد عليه في الحال بالإشارة والا فيرد عليه بعد الفراغ
لفظا فان رد عليه في الصلاة لفظا بطلت صلاته ان قال عليكم السلام بلفظ الخطاب فان قال وعليه
السلام بلفظ الغيبة لم تبطل وسبق بيانه في هذا الباب ودليل ما ذكرته حديث جابر رضي الله عنه قال
" بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة ثم أدركته وهو يصلي فسلمت عليه فأشار إلى فلما فرغ
دعاني فقال إنك سلمت عليه آنفا وأنا أصلي " رواه مسلم بهذا اللفظ وأصله في الصحيحين كما سبق
بيانه في فصل الكلام وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال " قلت لبلال كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم
يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو في الصلاة قال كان يشير بيده " رواه الترمذي بهذا اللفظ وقال حديث
حسن صحيح ورواه أبو داود بمعناه أطول منه وهو في قصة سلام الأنصاري وعن صهيب رضي الله عنه قال
" مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فسلمت عليه فرد إشارة " رواه أبو داود والنسائي
والترمذي وغيرهم قال الترمذي حديث حسن وقال هو وحديث ابن عمر صحيحان وأما الرد بعد
السلام فدليله حديث أبي مسعود رضي الله عنه قال " كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجتنا فقدمت على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فسلمت عليه فلم يرد على السلام فاخذني ما قدم وما حدث
فلما قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال إن الله يحدث من أمره ما يشاء وان الله سبحانه قد أحدث
103

أن لا تكلموا في الصلاة فرد عليه السلام " رواه أبو داود بهذا اللفظ باسناد حسن وأما الحديث الذي
يروى عن أبي غطفان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه
فليعد صلاته " فرواه أبو داود وقال هذا الحديث (1) وقال الدارقطني قال لنا ابن أبي داود
أبو غطفان هذا مجهول والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه كان يشير في الصلاة " رواه جابر وأنس
وغيرهما وأما حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا غرار في صلاة ولا تسليم " فرواه
أبو داود باسناد صحيح ثم روى أبو داود عن أحمد بن حنبل رحمه الله قال في تفسيره أراد أن معناه
أن تسلم ولا يسلم ويغرر الرجل بصلاته ينصرف وهو شاك فيها هذا كلام احمد والغرار بكسر الغين
المعجمة وتكرير الراء وهو النقصان وقد اختلف العلماء في ضبط قوله ولا تسليم فروى منصوبا ومجرورا
فمن نصبه عطفه على غرار أي لا غرار ولا تسليم في الصلاة وهذا معنى قول احمد الذي ذكره أبو داود
ومن جره عطفه على صلاة أي لا غرار في صلاة ولا في تسليم وبهذا جزم الخطابي قال والغرار في
التسليم أن يسلم عليك انسان فترد عليه أنقص مما قال بأن قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقلت
عليكم السلام فلا ترد التحية بكمالها بل تبخسه حقه من كمال الجواب قال والغرار في الصلاة له تفسيران
أحدهما أن يتم ركوعها وسجودها يعني ونحوهما والثاني ينصرف وهو شاك هل صلى ثلاثا أم أربعا
مثلا وفي رواية البيهقي لا غرار في الصلاة بالألف واللام قال البيهقي وهذا أقرب إلى تفسير احمد وفي
رواية للبيهقي لا غرار في تسليم ولا صلاة وهذا يؤيد تفسير الخطابي قال البيهقي والأخبار السابقة
تبيح السلام على المصلى والرد بالإشارة وهي أولي بالاتباع *
(فرع) في مذاهب العلماء فيما إذا سلم على المصلى: قد ذكرنا أن مذهبنا لا يجوز أن يرد باللفظ في
الصلاة وأنه لا يجب عليه الرد لكن يستحب أن يرد في الحال إشارة والا فبعد السلام لفظا وبهذا
قال ابن عمر وابن عباس ومالك وأحمد واسحق وجمهور العلماء نقله الخطابي عن أكثر العلماء
وحكى ابن المنذر والخطابي عن أبي هريرة وسعيد بن المسيب والحسن البصري وقتادة انهم أباحوا
104

رد السلام في الصلاة باللفظ وقال أبو حنيفة لا لفظا ولا إشارة قال ابن المنذر هذا خلاف الأحاديث
وحكي الشيخ أبو حامد عن عطاء والثوري انهما قالا يرد بعد فراغ صلاته سواء كان المسلم حاضرا
أم لا وروى عن أبي الدرداء وقال النخعي يرد بقلبه والله أعلم *
(فرع) في مذاهبهم في السلام على المصلي: مقتضى كلام أصحابنا انه لا يكره وهو الذي يقتضيه
الأحاديث الصحيحة كما سبق وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر ومالك وأحمد وحكي كراهته عن جابر
وعطاء والشعبي وأبي مجلز وإسحاق بن راهويه (الخامسة) يجوز قتل الحية والعقرب في الصلاة ولا كراهة
فيه بل قال القاضي أبو الطيب وغيره هو مستحب في الصلاة كغيرها للحديث الصحيح فيه وقد سبق
بيانه وقد حكي ابن المنذر عن ابن عمر وأبي حنيفة وأصحابه واحمد واسحق قال وكرهه النخعي قال ولا معنى
لكراهته لأنها خلاف السنة (السادسة) يكره أن يروح على نفسه بمروحة وهو في الصلاة وحكاه ابن المنذر
عن عطاء وأبي عبد الرحمن ومسلم ابن يسار والنخعي ومالك قال ورخص فيه ابن سيرين ومجاهد
والحسن وعائشة بنت سعد قال وكرهه احمد واسحق إلا أن يأتي غم شديد (السابعة) يكره تفقيع
الأصابع وتشبيكها في الصلاة ويستحب لمن خرج إلى الصلاة أن لا يعبث في طريقه وأن لا يشبك
أصابعه وأن يلازم السكينة لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون واتوها
وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا فان أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة "
رواه مسلم بهذا اللفظ واصله في الصحيحين من طرق والتثويب إقامة الصلاة والله أعلم (الثامنة) يكره
ان يصلي وهو يدافع البول أو الغائط أو الريح أو يحضره طعام أو شراب تتوق نفسه إليه لحديث
عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان "
رواه مسلم قال أصحابنا فينبغي ان يزيل هذا العارض ثم يشرع في الصلاة فلو خاف فوت الوقت فوجهان
الصحيح الذي قطع به جماهير الأصحاب انه يصلى مع العارض محافظة على حرمة الوقت والثاني حكاه
المتولي انه يزيل العارض فيتوضأ ويأكل وان خرج الوقت ثم يقضيها لظاهر هذا الحديث ولان المراد
105

من الصلاة الخشوع فينبغي أن يحافظ عليه وحكي أصحابنا الخراسانيون وصاحب البيان عن الشيخ
أبى زيد المروزي انه إذا انتهى به مدافعة الأخبثين إلى أن ذهب خشوعه لم تصح صلاته وبه جزم
القاضي حسين وهذا شاذ ضعيف والمشهور من مذهبنا ومذاهب العلماء صحة صلاته مع الكراهة وحكى
القاضي عياض عن أهل الظاهر بطلانها والله أعلم *
(باب سجود السهو)
* قال المصنف رحمه الله *
(إذا ترك ركعة من الصلاة ساهيا ثم تذكرها وهو فيها لزمه أن يأتي بها وان شك في تركها بأن
شك هل صلى ركعة أو ركعتين أو ثلاثا أو أربعا لزمه أن يأخذ بالأقل ويأتي بما بقي لما روى
أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا شك أحدكم في صلاته فليلق الشك
وليبن علي اليقين فإذا استيقن التمام سجد سجدتين فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة له
والسجدتان وإن كانت ناقصة كانت الركعة تماما لصلاته والسجدتان ترغمان أنف الشيطان ") *
(الشرح) حديث أبي سعيد هذا صحيح رواه أبو داود باسناد صحيح ورواه مسلم بمعناه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن علي
ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فان صلي خمسا شفعن له صلاته وإن كان صلي تمام لأربع
كانتا ترغيما للشيطان " قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى إذا ترك ركعة ساهيا ثم ذكر وهو
في الصلاة لزمه فعلها وان شك في تركها بأن شك هل صلى ركعة أو ركعتين أو ثلاثا أو أربعا لزمه الاخذ
106

بالأقل وفعل ما بقي سواء كان شكه مستوى الطرفين أو ظن أنه فعل الأكثر ففي الحالين يلزمه الاخذ
بالأقل ويجب الباقي ولا مدخل للاجتهاد فيه: وقد قدمنا في باب ما ينقض الوضوء ان الفقهاء يطلقون
الشك على التردد في الشئ سواء استوى الاحتمالان أو ترجح أحدهما وإن كان عند الأصوليين
مخصوصا بمستوى الطرفين *
(فرع) في بيان الأحاديث الصحيحة التي عليها مدار باب سجود السهو وعنها تتشعب مذاهب
العلماء وهي ستة أحاديث أحدها حديث أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا نودي
بالأذان أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع الأذان فإذا قضي الأذان اقبل فإذا ثوب بها أدبر فإذا
قضي التثويب اقبل يخطر بين المرء ونفسه يقول اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل
الرجل لا يدرى كم صلي فإذا لم يدر أحدكم كم صلى فليسجد سجدتين وهو جالس " رواه البخاري
ومسلم وفى رواية لأبي داود " فليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم " (الثاني) عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم احدى صلاتي العشى - اما الظهر وإما العصر - فسلم في ركعتين ثم اتى جذعا في
قبلة المسجد فاستند إليها وخرج سرعان الناس فقام ذو اليدين فقال يا رسول الله أقصرت الصلاة
107

أم نسيت فنظر النبي صلى الله عليه وسلم يمينا وشمالا فقال ما يقول ذو اليدين قالوا صدق لم تصل الا ركعتين
فصلى ركعتين وسلم ثم كبر ثم سجد ثم كبر فرفع ثم كبر وسجد ثم كبر ورفع " رواه البخاري ومسلم
من طرق كثيرة ورواه مسلم أيضا من حديث عمران بن الحصين ببعض معناه وقال فيه " سلم من ثلاث
ركعات فلما قيل له صلي ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم " (الثالث) عن عبد الله بن بحينة رضي الله عنهم
ا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " قام من صلاة الظهر وعليه جلوس فلما أتم صلاته سجد سجدتين
يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس * رواه
البخاري ومسلم (الرابع) عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال " صلي رسول الله
صلى الله عليه وسلم - قال إبراهيم زاد أو نقص - فلما سلم قيل له يا رسول الله أحدث في الصلاة شئ قال وما ذاك
قالوا صليت كذا وكذا فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم ثم اقبل علينا بوجهه فقال إنه
لو حدث في الصلاة شئ أنبأتكم به ولكن إنما انا بشر انسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم
في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين " رواه البخاري ومسلم الا قوله " فإذا نسيت فذكروني
فإنه للبخاري وحده وفى رواية للبخاري " ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين " وفى رواية لمسلم " فليتحر الذي
108

يرى أنه صواب " وفى رواية لهما عن ابن مسعود ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلي الظهر خمسا
فقيل أزيد في الصلاة فقال وما ذاك قالوا صليت خمسا فسجد سجدتين " (الخامس) عن أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله عليه الصلاة والسلام " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر
كم صلي أثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن علي ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان
صلي خمسا شفعن له صلاته وإن كان صلي اتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان " رواه مسلم (السادس)
عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا سهي أحدكم في صلاته
فلم يدر واحدة صلي أم اثنتين فليبن علي واحدة فإن لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا فليبن علي اثنتين
فإن لم يدر أثلاثا صلي أم أربعا فليبن علي ثلاث وليسجد سجدتين قبل أن يسلم " رواه الترمذي وقال
حديث حسن صحيح: فهذه الأحاديث الستة هي عمدة باب سجود السهو وفى الباب أحاديث بمعناها
وأحاديث في مسائل مفردة من الباب ستأتي في مواضعها إن شاء الله تعالى فأما أبو حنيفة فاعتمد
حديث ابن مسعود وقال سجود السهو بعد السلام مطلقا وقال إذا شك في عدد الركعات تحرى
فما غلب على ظنه عمل به فإن لم يترجح له أحد الطرفين بنى على اليقين هذا إذا تكرر منه الشك فإن كان
لأول مرة لزمه استئناف الصلاة واما مالك فاعتمد حديثي قصة ذي اليدين وابن بحينه فقال
إن كان السهو بزيادة سجد بعد السلام لحديث ذي اليدين وإن كان نقصا فقبله لحديث ابن بحينه واما احمد
109

فقال يستعمل كل حديث منها فيما جاء فيه ولا يحمل على الاختلاف قال وترك الشك قسمان (أحدهما) يتركه
ويبنى على اليقين عملا بحديث أبي سعيد فهذا يسجد قبل السلام (والثاني) يتركه ويتحرى فهذا يسجد بعد السلام
عملا بحديث ابن مسعود وأما الشافعي فجمع بين الأحاديث كلها ورد المجمل إلى المبين وقال البيان إنما هو
في حديث أبي سعيد وعبد الرحمن بن عوف وهما مسوقان لبيان حكم السهو وفيهما التصريح بالبناء على اليقين
والاختصار على الأقل ووجوب الباقي وفيهما التصريح بان سجود السهو قبل السلام وإن كان السهو بالزيادة
وأما التحري المذكور في حديث ابن مسعود فالمراد به بناء على اليقين قال الخطابي حقيقة التحري طلب
أحرى الامرين وأولاهما بالصواب واحراهما ما ثبت في حديثي أبي سعيد وعبد الرحمن من البناء
على اليقين لما فيه من يقين اكمال الصلاة والاحتياط لها واما السجود في حديث ذي اليدين بعد السلام
110

فقال الشافعي والأصحاب هو محمول على أن تأخيره كان سهوا لا مقصودا قالوا ولا يبعد هذا فان هذه الصلاة
وقع فيها السهو بأشياء كثيرة فهذا الحديث محتمل مع أنه لم يأت لبيان حكم السهو فوجب تأويله على وفق
حديثي أبي سعيد وعبد الرحمن الواردين لبيان حكم السهو الصريحين اللذين لا يمكن تأويلهما ولا
يجوز ردهما واهمالهما فهذا مختصر ما يدور عليه باب سجود السهو من الأحاديث والجمع بينها وبيان
معتمد العلماء في مذاهبهم فيها وهو من النفائس المطلوبة وبالله التوفيق *
(فرع) في مذاهب العلماء في من شك في عدد الركعات وهو في الصلاة: مذهبنا
أنه يبنى على اليقين ويأتي بما بقي فإذا شك هل صلي ثلاثا أم أربعا لزمه أن يأتي
بركعة إذا كانت صلاته رباعية سواء كان شكه مستوى الطرفين أو ترجح احتمال الأربع ولا يعمل بغلبة
الظن سواء طرأ هذا الشك أول مرة أم تكرر قال الشيخ أبو حامد وبمثل مذهبنا قال أبو بكر الصديق
وعمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء وشريح وربيعة ومالك والثوري
وقال الأوزاعي تبطل صلاته قال الشيخ أبو حامد وروى هذا عن ابن عمر وابن عباس وقال الحسن البصري
يعمل بما يقع في نفسه من غير اجتهاد ورواه عن أنس وأبي هريرة وقال أبو حنيفة ان حصل له الشك
أول مرة بطلت صلاته وان صار عادة له اجتهد وعمل بغالب ظنه وإن لم يظن شيئا عمل بالأقل قال
الشيخ أبو حامد قال الشافعي في القديم ما رأيت قولا أقبح من قول أبي حنيفة هذا ولا أبعد من السنة
وحكى القاضي أبو الطيب عن الحسن البصري انه إذا شك هل زاد أم نقص يكفيه سجدتان للسهو
لحديث أبي هريرة السابق ودلائل هذه المذاهب تعرف مما سبق من الأحاديث *
* قال المصنف رحمه الله *
111

(فان ترك ركعة ناسيا وذكرها بعد السلام نظرت فإن لم يتطاول الفصل أتى بها وان
تطاول استأنف واختلف أصحابنا في التطاول فقال أبو إسحاق هو أن يمضى قدر ركعة وعليه نص في البويطي
وقال غيره يرجع فيه إلى العادة فإن كان قد مضى ما يعد تطاولا استأنف الصلاة وان
مضى ما لا يعد تطاولا بنى لأنه ليس له حد في الشرع فيرجع فيه إلى العادة وقال أبو علي بن أبي هريرة
ان مضى قدر الصلاة التي نسي فيها استأنف وإن كان دون ذلك بنى لان آخر الصلاة ينبني على أولها
وما زاد على ذلك لا ينبنى فجعل ذلك حدا) *
112

(الشرح) إذا سلم من صلاته ثم تيقن أنه ترك ركعة أو ركعتين أو ثلاثا أو أنه ترك ركوعا
أو سجودا أو غيرهما من الأركان سوى النية وتكبيرة الاحرام فان ذكر السهو قبل طول الفصل
لزمه البناء على صلاته فيأتي بالباقي ويسجد للسهو وإن ذكر بعد طول الفصل لزمه استئناف الصلاة
هكذا قاله المصنف هنا ونص عليه الشافعي في الأم والبويطي وصرح به الأصحاب في جميع الطرق
وحكي المصنف في التنبيه قولا أنه يبنى ما لم يقم من المجلس وهذا القول شاذ في النقل وغلط من حيث
113

الدليل وهو منابذ لحديث ذي اليدين السابق فوجب رده والصواب اعتبار طول الفصل وقصره
وفى ضبطه قولان ووجهان الصحيح منها عند الأصحاب الرجوع إلى العرف فان عدوه قنيلا فقليل
أو كثيرا فكثير وهذا هو المنصوص في الأم وبه قطع جماعة منهم البندنيجي والثاني قدر ركعة
طويل ودونه قليل وهذا هو المنصوص في البويطي واختاره أبو إسحاق المروزي وعلى هذا المعتبر
114

قدر ركعة خفيفة قال في البويطي يقرأ فيها الفاتحة فقط والثالث قدر الصلاة التي سها فيها طويل ودونه
قليل حكاه المصنف والأصحاب عن ابن أبي هريرة والرابع حكاه المتولي والشاشي وآخرون ان القدر
المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين قليل والزيادة عليه طويل وقد سبق بيان
القدر المنقول وهو انه صلى الله عليه وسلم " قام إلى ناحية المسجد وراجع ذي اليدين وسأل الجماعة فأجابوا " قال
أصحابنا وحيث جوزنا البناء لا فرق بين أن يكون تكلم بعد السلام وخرج من المسجد واستدبر القبلة
ونحو ذلك وبين أن لا يكون لحديث ذي اليدين * قال المصنف رحمه الله *
(وان شك بعد السلام في تركها لم يلزمه شئ لأن الظاهر أنه أداها على التمام فلا يضره الشك
الطارئ بعده ولأنا لو اعتبرنا حكم الشك بعدها شق ذلك وضاق فلم يعتبر) *
115

(الشرح) إذا شك بعد السلام في ترك ركعة أو ركعات أو ركن ففي المسألة طريقان (الصحيح)
منهما انه لا شئ عليه ولا أثر لهذا الشك لما ذكره المصنف وبهذا قطع المصنف وسائر العراقيين
وبعض الخراسانيين والطريق الثاني حكاه الخراسانيون فيه ثلاثة أقوال (أصحها) عندهم هذا و (الثاني)
يجب الاخذ باليقين فإن كان الفصل قريبا وجب البناء والا وجب الاستئناف (والثالث) ان قرب
الفصل وجب البناء وإلا فلا شئ عليه وتوجيههما ظاهر ولو شك بعد الفراغ من الوضوء في ترك بعضه
فطريقان أصحهما انه كالصلاة والثاني انه يلزمه البناء على اليقين وقد سبق بيانه في باب الوضوء
* قال المصنف رحمه الله *
(وإن ترك فرضا ساهيا أو شك في تركه وهو في الصلاة لم يعتد بما فعله بعد المتروك حتى يأتي بما تركه
ثم يأتي بما بعده لان الترتيب مستحق في أفعال الصلاة فلا يعتد بما يفعل حتى يأتي بما تركه فان ترك
سجدة من الركعة الأولى وذكرها وهو قائم في الثانية نظرت فإن كان قد جلس عقيب السجدة الأولى
خر ساجدا وقال أبو إسحاق يلزمه أن يجلس ثم يسجد ليكون السجود عقيب الجلوس والمذهب الأول
لان المتروك هو السجدة وحدها فلا يعيد ما قبلها كما لو قام من الرابعة إلى الخامسة ساهيا ثم ذكر فإنه
يجلس ثم يتشهد ولا يعيد السجود قبله وإن لم يكن قد جلس عقيب السجدة الأولى حتى قام ثم ذكر جلس
ثم سجد ومن أصحابنا من قال يخر ساجدا لان الجلوس يراد الفصل بين السجدتين وقد حصل الفصل
116

بالقيام إلى الثانية والمذهب الأول لان الجلوس فرض مأمور به فلم يجز تركه وإن كان قد جلس عقيب السجدة
الأولى وهو يظن أنها جلسة الاستراحة ففيه وجهان قال أبو العباس لا يجزئه بل يلزمه أن يجلس ثم يسجد لان
جلسة الاستراحة نفل فلا يجزئه عن الفرض كسجود التلاوة لا يجزئه عن سجدة الفرض ومن أصحابنا من
قال يجزئه كما لو جلس في الرابعة وهو يظن أنه جلس للتشهد الأول وتعليل أبى العباس يبطل بهذه المسألة
وأما سجود التلاوة فلا يسلم فان من أصحابنا من قال يجزئه عن الفرض ومنهم من قال لا يجزئه لأنه ليس من
الصلاة وإنما هو عارض فيها وجلسة الاستراحة من الصلاة وان ذكر ذلك بعد السجود في الثانية تمت
له ركعة لان عمله بعد المتروك كلا عمل حتى يأتي بما ترك فإذا سجد في الثانية ضممنا سجدة من الثانية إلى
الأولى فتمت له الركعة وان ترك سجدة من أربع ركعات ونسي موضعها لزمه ركعة لأنه يجوز أن يكون قد
ترك من الأخيرة فيكفيه سجدة ويحتمل أن يكون قد ترك من غير الأخيرة فتبطل عليه الركعة التي بعدها
وفي الصلاة يجب أن يحمل الامر على الأشد ليسقط الفرض بيقين ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم من شك في
عد الركعات أن يأخذ بالأقل ليسقط الفرض بيقين وان ترك سجدتين جعل إحداهما من الأولى
والأخرى من الثالثة فيتم الأولى بالثانية والثالثة بالرابعة فيحصل له ركعتان وتلزمه ركعتان وان
117

ترك ثلاث سجدات جعل من الأولى سجدة ومن الثالثة سجدة ومن الرابعة سجدة وتلزمه ركعتان
وان ترك أربع سجدات جعل من الأولى سجدة ومن الثالثة سجدتين ومن الرابعة سجدة فيلزمه سجدة
وركعتان وان ترك خمس سجدات جعل من الأولى سجدة ومن الثالثة سجدتين ومن الرابعة سجدتين
فيلزمه سجدتان وركعتان وان نسي ست سجدات فقد أتى بسجدتين فجعل إحداهما من الأولى
والأخرى من الرابعة وتلزمه ثلاث ركعات وان نسي سبع سجدات حصل له ركعة إلا سجدة وان
نسي ثماني سجدات حصل له من ركعة القيام والركوع ويلزمه أن يأتي بما بقي فان ذكر ذلك بعد السلام
أو شك في تركه بعد السلام فالحكم فيه على ما ذكرناه في الركعة) *
(الشرح) قال أصحابنا رحمهم الله الترتيب واجب في أركان الصلاة بلا خلاف فان تركه عمدا بطلت
صلاته وان تركه سهوا لم يعتد بما فعله بعد الركن المتروك حتى يصل إلى الركن المتروك فحينئذ يصح المتروك
وما بعده فان تذكر السهو قبل مثل المتروك اشتغل عند التذكر بالمتروك وأن تذكر بعد فعله في ركعة
أخرى تمت الركعة السابقة ولغي ما بينهما هذا إذا عرف عين المتروك وموضعه فإن لم يعرف وجب عليه
أن يأخذ بأقل الممكن ويأتي بالباقي وفي الأحوال كلها يسجد للسهو إلا إذا وجب الاستئناف بان ترك
ركنا وشك في عينه وجوز أن يكون النية أو تكبيرة الاحرام: وإلا إذا كان المتروك هو السلام فإنه إذا
تذكر قبل طول الفصل سلم ولا يسجد للسهو هذا ضابط الفصل فلو تذكر في قيام الثانية أنه ترك سجدة من
الأولى وجب الاتيان بها وهل يجزئه أن يسجد من قيامه أم يجب أن يجلس ثم يسجد: حاصل ما ذكره المصنف
والأصحاب أربعة أوجه (أحدها) يسجد من قيام ولا يجلس سواء كان جلس أم لا لان المراد من الجلوس
بين السجدتين الفصل وقد حصل بالقيام (والثاني) وهو الصحيح عند المصنف والأصحاب إن لم يكن جلس
118

عقب السجدة الأولى وجب الجلوس مطمئنا لأنه ركن مقصود ولهذا يجب فيه الطمأنينة والاستواء
قاعدا بلا خلاف عندنا وإن كان جلس كفاه السجود من غير جلوس سواء كان جلس بنية الجلوس بين
السجدتين أم بنية جلسة الاستراحة قال أصحابنا وتجزئه الجلسة بنية الاستراحة عن الجلسة الواجبة
لأنها جلسة وقعت في موضعها وقد سبقت نية الصلاة المشتملة عليها وعلى غيرها * واحتج أصحابنا له
أيضا بالقياس على من جلس في التشهد الأخير بظنه الأول فإنه يجزئه ويقع فرضا هذا هو المذهب وبه
قطع العراقيون وصححه الخراسانيون وحكوا وجها آخر انه لا يجزئه وهو ضعيف (والوجه الثالث) إن كان
جلس بنية الجلوس بين السجدتين كفاه السجود وإن لم يكن جلس أو جلس بنية جلسة الاستراحة
لزمه الجلوس مطمئنا ثم يسجد (والرابع) أنه يجب الجلوس مطمئنا ثم يسجد سواء كان جلس بنية
الجلوس بين السجدتين أو للاستراحة أم لم يجلس ليكون السجود متصلا بالجلوس لأنه هكذا في
الأصل وهذا الوجه حكاه المصنف والأصحاب عن أبي إسحاق المروزي ولو شك هل جلس فهو كما إذا لم
يجلس لان الأصل عدمه أما إذا تذكر بعد سجوده في الثانية أنه ترك سجدة من الأولى فينظر ان
تذكر بعد السجدتين في الثانية أو في الثانية منهما فقد تمت ركعته الأولى ولغي ما بينهما وهل يحصل
تمامها بالسجدة الأولى أم بالثانية يبني على الأوجه الأربعة فحيث قلنا لا يجب الجلوس حصل بالأولى
وحيث أوجبناه حصل بالثانية وان تذكر بعد السجدة الأولى في الركعة الثانية وقبل الثانية فان
أوجبنا الجلوس لم تتم ركعته الأولى حتى يجلس ثم يسجد وإن لم نوجبه فقد تمت ركعته فيقوم إلى الثانية *
(فرع) إذا تذكر في جلوس الركعة الرابعة انه ترك أربع سجدات فله ثلاثة أحوال: حال
يحصل له ثلاث ركعات إلا سجدتين وحال ركعتان وحال ركعتان إلا سجدة فإذا تيقن ان المتروك
119

ثنتان من الثالثة وثنتان من الرابعة صحت الركعتان الأوليان وحصلت الثالثة لكن لا سجود
فيها ولا فيما بعدها فيسجد سجدتين ليتم ثم يقوم إلى ركعة رابعة وكذا لو ترك سجدة من
الأولى وسجدة من الثانية وسجدتين من الرابعة وكذا لو ترك سجدة من الثانية وسجدة من
الثالثة وسجدتين من الرابعة أما إذا ترك من كل ركعة سجدة فيحصل ركعتان فتتم الأولى
بالثانية والثالثة بالرابعة ومثله لو ترك سجدتين من الثانية وسجدتين من الأولى أو الثالثة
أو سجدتين من الثانية وواحدة من الأولى وأخرى من الثالثة أو سجدتين من الثانية وسجدة
من الثالثة وأخرى من الرابعة أو سجدة من الأولى وسجدة من الثانية وسجدتين من الثالثة
أو سجدة من الثانية وسجدتين من الثالثة وسجدة من الرابعة فيحصل من كل هذه الصور ركعتان
ويقوم فيأتي بركعتين: اما إذا ترك من الأولى واحدة ومن الثانية ثنتين ومن الرابعة واحدة أو
من الأولى ثنتين ومن الثانية واحدة ومن الرابعة أخرى وكذا صورة ترك ثنتين من ركعة وثنتين
من ركعتين غير متواليين فيحصل ركعتان إلا سجدة فيسجدها ثم يأتي بركعتين هذا كله إذا عرف
مواضع السجدات فإن لم يعرفه لزمه الاخذ بالأشد فيأتي بسجدة ثم ركعتين وقال الشيخ
أبو محمد الجويني يلزمه سجدتان ثم ركعتان وهو غلط قطعا وغلطه الأصحاب فيه هذا كله
إذا كان جلس عقب السجدة بنية الجلوس بين السجدتين أو بنية جلسة الاستراحة إذا قلنا
تجزئ عن الواجب وهو الأصح أو قلنا بالضعيف ان القيام يقوم مقام الجلسة: فاما إذا لم يجلس
في بعض الركعات أو لم يجلس في غير الرابعة وقلنا بالأصح ان القيام لا يقوم مقام الجلسة فلا
يحسب ما بعد السجدة المفعولة حتى يجلس لو تذكر أنه ترك من كل ركعة سجدة ولم يجلس
الا في الآخرة أو جلس بنية الاستراحة أو جلس في الثانية بنية التشهد الأول وقلنا إن الفرض
لا يتأدى بنية النفل لم يحصل من ذلك كله الا ركعة ناقصة سجدة ثم هذا الجلوس الذي تذكر فيه يقع
عن الجلوس بين السجدتين فيسجد ثم يقوم فيأتي بثلاث ركعات: أما إذا تذكر انه ترك سجدة
120

من أربع ركعات وهو في الجلوس في آخر الصلاة فان علم أنها من الآخرة سجدها واستأنف التشهد
إن كان تشهد وان علمها من غير الآخرة أو شك لزمه ركعة: وان علم ترك سجدتين فإن كانتا من
الأخيرة سجدهما ثم تشهد وإن كانتا من غيرها فان علمهما من ركعة واحدة لزمه ركعة وان علمهما
من ركعتين متواليتين كفاه ركعة وان علمهما من ركعتين غير متواليتين أو أشكل الحال لزمه
ركعتان وإن علم ترك ثلاث سجدات فان علم واحدة من الرابعة وثنتين من ركعة غيرها لزمه سجدة
ثم ركعة وان علم أن واحدة من الأولى وسجدتين من الرابعة لزمه سجدتان ثم ركعة وان علم أن الثلاث من
الثلاث الأوليات أو سجدة من الأولى وسجدتين من الثالثة أو عكسه أو سجدتين من الثانية وسجدة من
الثالثة أو عكسه أو أشكل الحال لزمه ركعتان وان علم ترك أربع سجدات فقد ذكرنا تقسيمه وان علم ترك
خمس سجدات فان علم موضعهن فحكمه واضح مما ذكرناه وان جهل موضعهن لزمه ثلاث ركعات
باتفاق الأصحاب وكلهم مصرحون بوجوب ثلاث ركعات الا المصنف في الكتاب فقال يلزمه
سجدتان وركعتان وهو غلط ليس عنه جواب لأن هذه المسائل كلها مبنية على وجوب الاخذ
بأشد الأحوال وهذا يقتضي وجوب ثلاث ركعات لاحتمال أنه ترك سجدتين من الأولى وسجدتين
من الثانية وسجدة من الثالثة أو من الأولى سجدة ومن الثانية سجدتين وكذا من الثالثة فيتم
الأولى بالرابعة ولا يحصل غير ركعة: وان علم أنه ترك ست سجدات لزمه ثلاث ركعات أيضا وان
ترك سبعا لزمه سجدة ثم ثلاث ركعات وان ترك ثمانيا لزمه سجدتان ثم ثلاث ركعات: قال أصحابنا
ويتصور ترك الخمس فما بعدها وقبلها فيمن سجد بلا طمأنينة أو على حائل متصل به يتحرك بحركته: واعلم
أن هذا الحكم يطرد لو تذكر السهو بعد السلام في جميع هذه الصور إن لم يطل الفصل فان طال الفصل
وجب استئناف الصلاة كما سبق ويسجد للسهو في جميع هذه المسائل المذكورة والله أعلم *
(فرع) ذكر المصنف في أثناء الدليل أنه لو سجد للتلاوة في الصلاة وعليه سجدة من نفس
الصلاة فهل يجزئه: فيه وجهان الصحيح منهما انه لا يجزئه ونقله الشيخ أبو حامد هنا عن
نص الشافعي *
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن ترك أربع سجدات من أربع ركعات من كل ركعة سجدة
قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يحصل له ركعتان ويأتي بركعتين آخرين بشرطه المذكور وقال الليث
ابن سعد واحمد فيما حكى الشيخ أبو حامد عنهما لا يحصل له إلا تكبيرة الاحرام وحكى ابن المنذر
عن الحسن والثوري وأبي حنيفة وأصحاب الرأي أنه يسجد في آخر صلاته أربع سجدات وقد
121

تمت صلاته وعن النخعي من نسي سجدة سجدها متى ذكرها وهو في الصلاة وعن الأوزاعي فيمن
نسي سجدة من الظهر فذكرها في صلاة العصر قال يمضى في صلاته فإذا فرغ سجدها وقال مالك
واحمد في أصح الروايتين عنهما لا يحصل له الا ما فعله في الركعة الرابعة وفى رواية عنهما يستأنف الصلاة
وأما إذا ترك سجدة أو سجدتين من الركعة الأولى فذكر ذلك في الثانية فقد ذكرنا مذهبنا فيه
وأنه يعود إلى سجوده الأولى وقال احمد ان ذكر قبل أن يشرع في القراءة عاد والا فيبطل حكم
الأولى ويعتد بالثانية وقال مالك يعود ما لم يركع * قال المصنف رحمه الله *
(فان نسي سنة نظرت فان ذكر ذلك وقد تلبس بغيرها مثل أن ترك دعاء الاستفتاح فذكر
وهو في التعوذ أو ترك التشهد الأول فذكره وقد انتصب قائما لم يعد إليه والدليل عليه ما روى المغيرة
ابن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستتم قائما
فليجلس فان استتم قائما فلا يجلس ويسجد سجدتين " ففرق أبين ان ينتصب وبين أن لا ينتصب لأنه
إذ انتصب حصل في غيره وإذا لم ينتصب لم يحصل في غيره فدل على ما ذكرناه فان نسي تكبيرات
العيد حتى افتتح القراءة ففيه قولان قال في القديم يأتي بها لان محلها القيام والقيام باق وقال في الجديد
لا يأتي بها لأنه ذكر مسنون قبل القراءة فسقط بالدخول في القراءة كدعاء الاستفتاح) *
(الشرح) حديث المغيرة رواه أبو داود وابن ماجة بهذا اللفظ باسناد ضعيف وفى رواية عن زياد بن
علافه قال " صلي بنا المغيرة بن شعبة فنهض في الركعتين فقلنا سبحان الله قال سبحان الله ومضي فلما أتم صلاته
وسلم سجد سجدتي السهو فلما انصرف قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع كما صنعت "
رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وهذه الرواية يحصل بها الدلالة لما ذكره المصنف
وروى الحاكم مثلها من رواية سعد بن أبي وقاص ومن رواية عقبة بن عامر وقال هما صحيحتان على شرط
البخاري ومسلم قال أصحابنا إذا ترك المصلى سنة وتلبس بغيرها لم يعد إليها سواء تلبس بفرض أم بسنة
أخرى فمثال التلبس بفرض ان يترك دعاء الاستفتاح أو التعوذ أو كليهما حتى يشرع في القراءة أو يترك
تسبيح الركوع أو السجود حتى يلتبس بالركن الذي بعدهما أو يترك التشهد الأول حتى ينتصب قائما
أو القنوت حتى يسجد أو جلسة الاستراحة حتى ينتصب قائما ونحو ذلك ومثال التلبس بسنة أخرى ان
يترك دعاء الاستفتاح حتى يشرع في التعوذ ودليل الجميع حديث المغيرة أعني الرواية الثانية الصحيحة
وذكر الشيخ أبو حامد في تعليقه انه إذا ترك دعاء الاستفتاح وتعوذ عاد إليه من التعوذ والمشهور في
122

المذهب انه لا يعود كما جزم به المصنف وسواء كان الترك عمدا أم سهوا فلو خالف وعاد من التعوذ إلى
الاستفتاح لم تبطل صلاته وان عاد من الاعتدال إلى الركوع لتسبيح الركوع أو من القيام أو التعوذ
إلى السجود لتسبيح السجود أو من القيام لي الجلوس للتشهد الأول أو من السجود إلى الاعتدال للقنوت
بطلت صلاته إن كان عامدا عالما بتحريمه فإن كان ناسيا أو جاهلا لم تبطل ويسجد للسهو وفى
هذه المسألة فروع تتعلق بها سنبسط بعضها في الفصل الآتي وبعضها في أواخر باب صلاة الجماعة حيث
ذكر المصنف أصلها إن شاء الله تعالى: وأما إذا نسي التكبيرات الزوائد في صلاة العيد فينظر ان
تذكرها في الركوع أو بعده لم يعدها بلا خلاف لفوات محلها فان كبرها في ركوعه وما بعده كره ولم تبطل صلاته
لان الأذكار لا تبطل الصلاة وإن كانت في غير موضعها وإن رجع إلى القيام ليكبرها بطلت صلاته إن كان
عامدا عالما بتحريمه وإلا فلا تبطل ويسجد للسهو وان تذكرها بعد القراءة وقبل الركوع فهي مسالة
الكتاب وفيها القولان المذكوران في الكتاب (الجديد) انه لا يكبر لفوات محله فان محله عقب تكبيرة
الاحرام (والقديم) أنه يكبر لبقاء القيام والأصح عند الأصحاب هو الجديد ولو تذكرها في أثناء
الفاتحة لم يعدها في الجديد لفوات المحل وفى القديم يعيدها ثم يستأنف الفاتحة وإذا تدارك التكبيرات
بعد فراغ الفاتحة استحب استئنافها وفى وجه يجب إعادة الفاتحة والصحيح الاستحباب ولو أدرك
123

مسبوق الامام في أثناء القراءة أو وقد كبر بعض التكبيرات الزوائد فعلى الجديد لا يكبر ما فاته وعلى القديم
يكبر ولو أدركه راكعا ركع معه ولا يكبرهن بلا خلاف ولو أدركه في الركعة الثانية كبر معه خمسا على
الجديد فإذا أقام إلى فائتة كبر أيضا خمسا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
(الذي يقتضي سجود السهو أمران زيادة ونقصان فاما الزيادة فضربان: قول وفعل:
فالقول أن يسلم في غير موضع السلام ناسيا أو يتكلم ناسيا فيسجد للسهو والدليل عليه أن النبي
صلى الله عليه وسلم " سلم من اثنتين وكلم ذا اليدين وأتم صلاته وسجد سجدتين وان قرأ في
غير موضع القراءة سجد لأنه قول في غير موضعه فصار كالسلام: وأما الفعل فضربان ضرب
لا يبطل عمده الصلاة وضرب يبطل فما لا يبطل عمده الصلاة كالالتفات والخطوة والخطوتين فلا يسجد
له لان عمده لا يؤثر فسهوه لا يقتضي السجود وأما ما يبطل عمده فضربان متحقق ومتوهم فالمتحقق ان يسهو
فيزيد في صلاته ركعة أو ركوعا أو سجودا أو قياما أو قعودا أو يطيل القيام بنية القنوت في غير موضع القنوت
أو يقعد للتشهد في غير موضع القعود على وجه السهو فيسجد للسهو والدليل عليه ما روى عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " صلي الظهر خمسا فقيل له صليت خمسا فسجد
سجدتين وهو جالس بعد التسليم " وأما المتوهم فهو أن يشك هل صلي ركعة أو ركعتين فيلزمه ان يصلي
ركعة أخرى ثم يسجد للسهو لحديث أبي سعيد الخدري الذي ذكرناه في أول الباب فان قام من الركعتين
فرجع إلى القعود قبل أن ينتصب قائما ففيه قولان (أحدهما) يسجد للسهو لأنه زاد في صلاته فعلا
تبطل الصلاة بعمده فيسجد كما لو زاد قياما أو ركوعا (والثاني) لا يسجد وهو الأصح لأنه عمل قليل
فهو كالالتفات والخطوة *
124

وأما النقصان فهو أن يترك سنة مقصودة وذلك شيئان: أحدهما أن يترك التشهد الأول
ناسيا فيسجد للسهو لما روى ابن بحينة أن النبي صل الله عليه وسلم " قام من اثنتين فلما جلس
من أربع انتظر الناس تسليمه فسجد قبل أن يسلم " والثاني أن يترك القنوت ساهيا فيسجد للسهو
لأنه سنة مقصودة في محلها فتعلق السجود بتركها كالتشهد الأول وان ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم في التشهد الأول فان قلنا إنها ليست بسنة فلا يسجد وان قلنا إنها سنة سجد لأنه
ذكر مقصود في موضعه فهو كالتشهد الأول فان ترك التشهد الأول أو القنوت عامدا سجد للسهو
ومن أصحابنا من قال لا يسجد لأنه مضاف إلى السهو فلا يفعل مع العمد والمذهب الأول لأنه
إذا سجد لتركه ساهيا فلان يسجد لتركه عامدا أولى وان ترك سنة غير مقصودة كالتكبيرات
والتسبيحات والجهر والاسرار والتورك والافتراش وما أشبهها لم يسجد لأنه ليس بمقصود في
موضعه فلم يتعلق بتركه الجبران وان شك هل سها نظرت فإن كان في زيادة هل زاد أم لا لم يسجد
لان الأصل انه لم يزد وإن كان في نقصان هل ترك التشهد أو القنوت أم لا سجد لان الأصل انه
لم يفعل فسجد لتركه) *
(الشرح) الأحاديث المذكورة سبق بيانها في أول الباب واما الأحكام فقال أصحابنا الذي
يقتضيه سجود السهو قسمان ترك مأمور به أو ارتكاب منهي عنه اما المأمور به فنوعان ترك ركن
وغيره اما الركن فإذا تركه لم يكف عنه السجود بل لا بد من تداركه كما سبق ثم قد يقتضى الحال سجود
السهو بعد التدارك وقد لا يقتضيه كما سنفصله إن شاء الله واما غير الركن فضربان أبعاض وغيرها
وقد سبق بيان الأبعاض في آخر صفة الصلاة وهي التشهد الأول والجلوس له والقنوت والقيام له
وكذا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله إذا تركهما في التشهد الأول وقلنا إنهما سنة
وكذا الصلاة على الآل في التشهد الأخير إذا قلنا بالمذهب انها ليست واجبة بل هي سنة وكل واحد من
هذه الأبعاض مجبور بسجود السهو إذا تركه سهوا لحديث عبد الله بن بحينة رضي الله عنهما السابق
في أول الباب وإن تركه عمدا فوجهان مشهوران أحدهما لا يسجد لان السجود مشروع للسهو وهذا
غير؟؟؟ ولان السجود شرع جبرا لخلل الصلاة ورفقا بالمصلي إذا تركه سهوا لعذره وهذا غير
موجود في العامد فإنه مقصر وحكى الشيخ أبو حامد هذا الوجه عن أبي إسحاق المروزي وأبي حنيفة والثاني
وهو الصحيح باتفاق الأصحاب يسجد لأنه إذا شرع للساهي فالعامد المقصر أولي واما غير الأبعاض
125

من السنن كالتعوذ ودعاء الافتتاح ورفع اليدين والتكبيرات والتسبيحات والدعوات والجهر والاسرار
والتورك والافتراش والسورة بعد الفاتحة ووضع اليدين على الركبتين وتكبيرات العيد الزائدة وسائر
الهيئات المسنونات غير الأبعاض فلا يسجد لها سواء تركها عمدا أو سهوا لأنه لم ينقل عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم السجود لشئ منها والسجود زيادة في الصلاة فلا يجوز الا بتوقيف وتخالف
الأبعاض فإنه ورد التوقيف في التشهد الأول وجلوسه وقسنا باقيها عليه لاستواء الجميع في أنها سنن
متأكدة وحكى جماعة من أصحابنا قولا قديما انه يسجد لترك كل مسنون ذكرا كان أو فعلا ووجها أنه يسجد
لنسيان تسبيح الركوع والسجود وهما شاذان ضعيفان والصحيح المشهور الذي قطع به المصنف
والجمهور انه لا يسجد لشئ منها غير الأبعاض لما ذكرناه: اما المنهي عنه فصنفان أحدهما ما لا تبطل
الصلاة بعمده كالالتفات والخطوة والخطوتين على الأصح وكذا الضربة والضربتان والاقعاء في الجلوس
ووضع اليد على الفم والخاصرة والفكر في الصلاة والنظر إلى ما يلهى ورفع البصر إلى السماء وكف
الثوب والشعر ومسح الحصى والتثاؤب والعبث بلحيته وأنفه وأشباه ذلك فهذا كله لا يسجد
لعمده ولا لسهوه لان النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى اعلام الخميصة وقال ألهتني اعلامها وتذكر تبرا
كان عنده في الصلاة وحمل امامة ووضعها وخلع نعليه في الصلاة ولم يسجد لشئ من ذلك والثاني ما تبطل
الصلاة بعمده كالكلام والركوع والسجود الزائدين فهذا يسجد لسهوه إذا لم تبطل به الصلاة اما إذا
بطلت به الصلاة فلا سجود وذلك كالأكل والفعل والكلام إذا أكثر منها ساهيا فان الصلاة تبطل
به على الأصح كما سبق وكذلك الحدث تبطل به وإن كان سهوا فلا سجود وإذا سلم في غير موضعه
ناسيا أو قرأ في غير موضعه ناسيا أو قرأ في غير موضع القراءة غير الفاتحة أو الفاتحة سهوا أو عمدا
إذا قلنا بالصحيح ان قراءتها في غير موضعها عمدا لا تبطل الصلاة سجد للسهو ولنا وجه ضعيف
أن القراءة في غير موضعها لا يسجد لها وبه قطع العبدري ونقله عن العلماء كافة الا احمد
في رواية عنه *
(فرع) قال الأصحاب القيام والركوع والسجود والتشهد أركان طويلة بلا خلاف فلا يضر تطويلها
قال البغوي ولا يضر أيضا تطويل التشهد الأول بلا خلاف قال أصحابنا الخراسانيون والاعتدال
عن الركوع ركن قصير امر المصلي بتخفيفه فلو اطاله عمدا بالسكوت أو القنوت حيث لم يشرع أو بذكر
آخر فثلاثة أوجه أصحها عند امام الحرمين وبه قطع البغوي تبطل صلاته الا حيث ورد الشرع
126

بالتطويل في القنوت أو في صلاة التسبيح وقد قطع المصنف بهذا في قوله أو يطيل القيام بنية القنوت
ومراده إطالة الاعتدال وذكره في القسم الذي تبطل الصلاة بعمده والثاني لا تبطل كما لو طول الركوع
وبه قطع القاضي أبو الطيب والثالث ان قنت عمدا في اعتداله في غير موضعه بطلت صلاته وان
طوله بذكر آخر لا بقصد القنوت لم تبطل هذا نقل الأصحاب وقد ثبت في صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه
أنه قال " صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى
فقلت يصلى بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ
مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بآية فيها سؤال سأل وإذ مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول
سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه ثم قال سمع الله لمن حمده ثم قام طويلا قريبا مما ركع
ثم سجد فقال سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبا من قيامه " هذا لفظ رواية ملسم وفيه التصريح بجواز
إطالة الاعتدال بالذكر والجواب عنه صعب على من منع الإطالة فالأقوى جوازها بالذكر والله أعلم: واما
الجلوس بين السجدتين ففيه وجهان مشهوران أحدهما أنه ركن قصير وبه قطع الشيخ أبو محمد والبغوي
وغيرهما وصححه الرافعي والثاني أنه طويل قاله ابن سريج والأكثرون فان قلنا طويل فلا بأس
بتطويله عمدا وان قلنا قصير ففي تطويله عمدا الخلاف المذكور في الاعتدال قالوا ولو نقل ركنا ذكريا
إلى ركن طويل بان قرأ الفاتحة أو بعضها في الركوع أو في السجود أو الجلوس في آخر الصلاة أو قرأ التشهد
أو بعضه في القيام أو في الركوع عمدا فطريقان أحدهما لا تبطل صلاته وأصحهما فيه وجهان أحدهما
تبطل كما لو نقل ركنا فعليا وأصحهما لا تبطل لأنه لا يخل بصورتها بخلاف الفعل وطردوا هذا الخلاف
فيما لو نقله إلى الاعتدال ولم يطل فان قرأ بعض الفاتحة أو بعض التشهد فان اجتمع المعنيان فطول
الاعتدال بالفاتحة أو بالتشهد بطلت على أصح الوجهين وقيل تبطل قطعا وحيث قلنا في هذه الصور
تبطل الصلاة بعمده ففعله سهوا سجدتين للسهو وان قلنا لا تبطل بعمده فهل يسجد لسهوه فيه وجهان
أحدهما لا كسائر ما لا يبطل عمده وأصحهما يسجد لاخلاله بصورتها وتستثنى هذه الصورة عن قولنا
ما لا يبطل عمده لا يسجد لسهوه *
(فرع) قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يسجد للسهو للزيادة وللنقص وبه قال جميع العلماء من السلف
والخلف قال الشيخ أبو حامد الا علقمة والأسود صاحبي ابن مسعود فقالا لا يسجد للزيادة: دليلنا
الأحاديث السابقة
127

(فرع) ذكرنا أن مذهبنا انه لا يسجد لترك الجهر والاسرار والتسبيح وسائر الهيئات وقال
أبو حنيفة رحمه الله يسجد للجهر والاسرار وقال مالك يسجد لترك جميع الهيئات قال الشيخ أبو حامد
وقال ابن أبي ليلي إذا أسر في موضع الجهر أو عكس بطلت صلاته وحكى العبدري عن الأوزاعي
وأحمد في أصح الروايتين عنه لا يسجد للجهر في موضع الاسرار ولا للاسرار في موضع الجهر وعن أبي حنيفة
ومالك والثوري وأبى ثور واسحق انه يسجد وقال أبو حنيفة وأحمد يسجد لترك تكبيرات العيد وعن
الحكم واسحق انه يسجد لجميع ذلك وأما إذا ترك التشهد الأول عمدا فالأصح عندنا انه يسجد للسهو
وبه قال مالك وقال النخعي وأبو حنيفة وابن القاسم لا يسجد وقال احمد تبطل صلاته *
(فرع) من القواعد المتكررة في أبواب الفقه أنا إذا تيقنا وجود شئ أو عدمه ثم شككنا في تغيره
وزواله عما كان عليه استصحبنا حكم اليقين وطرحنا حكم الشك الا في مسائل قليلة تقدم بيانها في باب
الشك في نجاسة الماء واستوعبناها هناك وذكرنا الخلاف فيها موضحا قال أصحابنا فإذا شك في ترك مأمور
يجبر تركه بالسجود وهو الأبعاض فالأصل أنه لم يفعله فيسجد للسهو وهذا لا خلاف فيه قال البغوي
هذا إذا كان الشك في ترك مأمور به معين فأما إذا شك هل ترك مأمورا به مطلقا أم لا فلا يسجد كما
لو شك هل سهي أم لا فإنه لا يسجد قطعا وان شك هل زاد في الصلاة ركعة أو سجدة أو غيرهما أم لا
أو هل ارتكب منهيا عنه ككلام وسلام ناسيا لم يسجد لان الأصل عدمه ولو تيقن السهو وشك هل
سجد له أم لا فليسجد لان الأصل عدم السجود ولو شك هل سجد للسهو سجدة أم سجدتين سجد
أخرى ولو تيقن السهو وشك هل هو ترك مأمورا أو ارتكب منهيا عنه سجد لتحقق سبب السجود
ولا يضر جهل عينه ولو شك هل صلي ثلاثا أم أربعا أخذ بالأقل كما سبق فيأتي بركعة ويسجد للسهو
واختلفوا في سبب السجود في هذه المسألة فقال الشيخ أبو محمد الجويني وطائفة المعتمد فيه الحديث
ولا يظهر معناه واختاره امام الحرمين والغزالي والأصح ما قاله القفال والشيخ أبو علي والبغوي
وآخرون وصححه الرافعي في المحرر أن سببه التردد في الركعة التي يأتي بها هل هي رابعة أم زائدة
تقتضي السجود وهذا التردد يقتضي السجود فلو زال تردده قبل السلام وقبل السجود وعرف ان
التي يأتي بها رابعة لم يسجد على الأول ويسجد على الثاني وضبط أصحاب الوجه الثاني صورة
الشك وزواله فقالوا إن كان ما فعله من وقت عروض الشك إلى زواله لابد منه على كل احتمال لم يسجد
للسهو وإن كان زائدا على بعض الاحتمالات سجد مثاله شك في قيامه من الظهر ان تلك الركعة ثالثة
128

أم رابعة فركع وسجد على هذا الشك وهو عازم على القيام إلى ركعة أخرى اخذا باليقين ثم تذكر
قبل القيام إلى الأخرى انها ثالثة أو رابعة فلا يسجد لان ما فعله على الشك لابد منه على التقديرين
فإن لم يتذكر حتى قام سجد للسهو وان تيقن ان التي قام إليها رابعة لان احتمال الزيادة وكونها
خامسة كان موجودا حين قام *
(فرع) لو أدرك مسبوق الامام راكعا وشك هل أدرك ركوعه المجزئ فسيأتي في بابه إن شاء الله
تعالى انه لا تحسب له هذه الركعة على الصحيح قال الغزالي في الفتاوى فعلى هذا يسجد للسهو
كما لو شك هل صلي ثلاثا أم أربعا وهذا الذي قاله الغزالي ظاهر ولا يقال يتحمل عنه الامام لان هذا
الشخص بعد سلام الامام شاك في عدد ركعاته والله أعلم *
129

(فرع) قد سبق أن فوات التشهد الأول أو جلوسه يقتضي سجود السهو فإذا نهض من
الركعة الثانية ناسيا للتشهد أو جلس ولم يقرأ التشهد ثم نهض ناسيا ثم تذكر فله حالان أحدهما ان
يتذكر بعد الانتصاب قائما فيحرم العود إلى القعود هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور ودليله حديث
المغيرة السابق وفيه وجه شاذ أنه يجوز العود ما لم يشرع في القراءة لكن الأولى أن لا يعود حكاه
الرافعي وهو ضعيف أو باطل والصواب تحريم العود فان عاد متعمدا عالما بتحريمه بطلت صلاته
وان عاد ناسيا لم تبطل ويلزمه ان يقوم عند تذكره ويسجد للسهو قال الشيخ أبو حامد وغيره ويكون
سجود السهو هنا لزيادة ونقص لأنه زاد جلوسا في غير موضعه وترك التشهد والجلوس في موضعه
وان عاد جاهلا بتحريمه فوجهان حكاهما البغوي وغيره قالوا أصحهما أنه كالناسي لأنه يخفى على
130

العوام وبهذا قطع الشيخ أبو حامد وغيره والثاني أنه كالعامد لأنه مقصر بترك التعلم هذا حكم المنفرد
والامام في معناه فلا يجوز العود بعد الانتصاب ولا يجوز للمأموم أن يتخلف عنه للتشهد فان فعل
بطلت صلاته فان نوى مفارقته ليتشهد جاز وكان مفارقا بعذر ولو أنتصب مع الامام فعاد الامام
للتشهد لم يجز للمأموم العود بل ينوى مفارقته وهل له أن ينتظره قائما حملا على أنه عاد ناسيا فيه
وجهان سبق مثلهما في التنحنح أصحهما له ذلك فلو عاد المأموم مع الامام عالما بتحريمه بطلت صلاته
وان عاد ناسيا أو جاهلا لم تبطل ولو قعد المأموم فانتصب الامام ثم عاد لزم المأموم القيام لأنه
توجه عليه بانتصاب الامام ولو قعد الامام للتشهد الأول وقام المأموم ناسيا أو نهضا فتذكر الامام فعاد
قبل الانتصاب وانتصب المأموم فثلاثة أوجه أصحها يجب على المأموم العود إلى التشهد لمتابعة الامام
131

لأنها آكد ولهذا سقط بها القيام والقراءة عن المسبوق إذا أدرك الامام راكعا فإن لم يعد بطلت صلاته
وبهذا الوجه قطع البغوي وغيره وصححه الشيخ أبو حامد والبندنيجي ومتابعوهما والثاني يحرم العود
كما يحرم على المنفرد والثالث يجوز ولا يجب وادعي امام الحرمين انه لا يجب العود بلا خلاف وليس كما ادعى
بل المسألة مشهورة بالخلاف في الوجوب صرح به الشيخ أبو حامد ومتابعوه وصرحوا بتصحيح
وجوب الرجوع وقطع به البغوي وغيره وقد ذكر المصنف المسألة في أواخر باب صلاة الجماعة ولو قام
المأموم عمدا فقد قطع امام الحرمين بتحريم العود قال كما لو ركع قبل الامام أو رفع قبله فإنه يحرم العود
فان عاد بطلت صلاته لأنه زاد ركنا عمدا قال فلو فعله سهوا بان سمع صوتا فظن أن الامام ركع
132

فركع فبان انه لم يركع ففي جواز الرجوع وجهان وقال البغوي وغيره في وجوب الرجوع وجهان أحدهما
يجب فإن لم يرجع بطلت صلاته وأصحهما لا يجب بل يتخير بين الرجوع وعدمه قال الرافعي وللنزاع في
صورة قصد القيام مجال ظاهر لان أصحابنا العراقيين أطبقوا على أنه لو ركع قبل الامام عمدا استحب له أن
يرجع إلى القيام ليركع مع الامام فجعلوه مستحبا (قلت) هذا الذي نقله عن العراقيين هو كذلك في أكثر كتبهم
وقد نص عليه الشافعي رضي الله عنه في الأم وقطع الشيخ أبو حامد وصاحب المهذب وغيرهما من
من العراقيين بوجوب الرجوع ونقله أبو حامد عن نصه في القديم فالأصح انه مستحب كما نص عليه
في الأم وقالوه والله أعلم (الحال الثاني) ان يتذكر قبل الانتصاب قائما قال الشافعي والأصحاب رحمهم
133

الله يرجع إلى القعود للتشهد والمراد بالانتصاب الاعتدال والاستواء هذا هو الصحيح وبه قطع الجمهور
وفيه وجه حكاه الرافعي أن المراد به ان يصير إلى حال هي ارفع من حد أقل الركوع والمذهب الأول ثم إذا
عاد قبل الانتصاب هل يسجد للسهو فيه قولان مشهوران أصحهما عند المصنف وجمهور الأصحاب
لا يسجد والثاني يسجد وصححه القاضي أبو الطيب وقال القفال وطائفة ان صار إلى القيام أقرب منه
إلى القعود ثم عاد سجد وإن كان إلى القعود أقرب أو استوت نسبتهما لم يسجد وقال الشيخ أبو محمد
وآخرون ان عاد قبل الانتهاء إلى حد الراكعين لم يسجد وان عاد بعد الانتهاء إليه سجد قال الرافعي
هذه العبارة وعبارة القفال ورفقته متقاربتان ولكن عبارة القفال أوفى بالغرض وهي أظهر من اطلاق
القولين وهي توسط بين القولين وحمل لهما على حالين وبها قطع البغوي وقد يحتج لما صححه المصنف
134

والجمهور بحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا سهو في وثبة الصلاة الا في قيام عن جلوس
أو جلوس عن قيام " رواه الحاكم وادعى أن اسناده صحيح وليس كما ادعى بل هو ضعيف تفرد به أبو بكر
العنسي بالنون وهو مجهول كذا قاله البيهقي والمحققون والله أعلم ثم جميع ما ذكرناه في الحالين هو فيما إذا ترك
التشهد ناسيا ونهض فأما إذا تعمد ذلك ثم عاد قبل الانتصاب فان عاد بعد أن صار إلى القيام أقرب
بطلت صلاته وإن عاد قبله لم تبطل هكذا صرح به البغوي وغيره وأما قول المصنف فان قام من الركعتين
ولم ينتصب قائما ففيه قولان أحدهما يسجد لأنه زاد فعلا تبطل الصلاة بعمده فهكذا قاله أيضا غيره
وليس هو مخالفا لما ذكره البغوي وغيره لان ما ذكره المصنف وموافقوه
المراد به من زاد هذا النهوض عمدا لا لمعني وهذا يبطل الصلاة لاخلاله بنظمها وما ذكره البغوي وغيره
135

المراد به من قام متعمدا ترك التشهد الأول فبدا له قبل أن يصير إلى القيام أقرب أن يرجع فرجع لا تبطل
صلاته لان ذلك النهوض كان جائزا اما إذا كان يصلي قاعدا فافتتح القراءة بعد الركعتين فإن كان على
ظن أنه فرغ من التشهد وانه جاء وقت الثالثة لم يعد بعد ذلك إلى قراءة التشهد على أصح الوجهين وان
سبق لسانه إلى القراءة وهو عالم بأنه لم يتشهد فله العود إلى التشهد. قال أصحابنا وترك القنوت يقاس
بما ذكرناه في التشهد فإذا نسيه ثم تذكره بعد وضع الجبهة على الأرض لم يجز العود إليه وإن كان
قبله فله العود إليه ثم إن عاد قبل بلوغ حد الراكعين أو بعده فحكم سجود السهو ما سبق والله أعلم *
136

(فرع) إذا جلس في الركعة الأخيرة عن قيام ظانا أنه أتى بالسجدتين فتشهد ثم تذكر الحال
بعد التشهد لزمه تدارك السجدتين ثم إعادة التشهد ويسجد للسهو ولو اتفق ذلك في الركعة الثانية

(7) هذه الأحاديث سبقت في الشرح
137

من صلاة رباعية أو ثلاثية فكذلك يتدارك السجدتين ويعيد التشهد ويسجد للسهو في موضعه
إلا أن إعادة التشهد هنا سنة وهناك واجبة ولو اتفق ذلك في ركعة لا يعقبها تشهد فإذا تذكر تدارك
السجدتين وقام وسجد للسهو أما إذا جلس بعد السجدتين في الركعة الأولى أو الثالثة من رباعية
وقرأ التشهد أو بعضه ناسيا ثم تذكر فيقوم ويسجد للسهو لأنه زاد قعودا طويلا فلو لم يطل قعوده
لم يسجد والتطويل أن يزيد على قدر جلسة الاستراحة هكذا قاله الشيخ أبو حامد والبندنيجي
والقاضي أبو الطيب وجميع الأصحاب أما إذا ترك السجدة الثانية وتشهد ثم تذكر فيتدارك السجدة
138

الثانية ويعيد التشهد إذا كان في موضعه وهل يسجد للسهو فيه وجهان حكاهما الرافعي الصحيح انه
يسجد ولو لم يتشهد لكن طول الجلوس بين السجدتين سجد للسهو أيضا ان قلنا إنه ركن قصير
وإلا فلا ولو جلس عن قيام ولم يتشهد ثم تذكر اشتغل بالسجدتين وما بعدهما على ترتيب صلاته
ثم إن طال جلوسه سجد للسهو وإن لم يطل بل كان في حد جلسة الاستراحة لم يسجد لان تعمده
في غير موضعه لا يبطل الصلاة بخلاف الركوع والسجود والقيام فان تعمدها يبطل الصلاة وان قصر
الزمان لأنها لا تقع من نفس الصلاة الا أركانا فكان تأثيرها أشد بخلاف الجلوس فإنه معهود
من نفس الصلاة غير ركن في التشهد الأول وجلسة الاستراحة *
(فرع) لو قام في صلاة رباعية إلى خامسة ناسيا ثم تذكر قبل السلام فعليه أن يعود إلى الجلوس
ويسجد للسهو ويسلم سواء تذكر في قيام الخامسة أو بعده واما التشهد فان تذكر الحالة بعد التشهد في الخامسة
أجزأه ولا يعيده وان تذكر قبل التشهد في الخامسة ولم يكن تشهد في الرابعة وجب التشهد وان تذكر قبل
التشهد في الخامسة وكان تشهد في الرابعة كفاه ولم يحتج إلى اعادته سواء كان تشهد بنية التشهد الأول أو
الأخير وفيه وجه حكاه ابن سريج والأصحاب انه يجب اعادته في الحالين ووجه ثالث انه
يجب اعادته إن كان تشهد بنية التشهد الأول ولا يجب إن كان تشهد بنية التشهد الأخير والصحيح
انها لا تجب مطلقا ولو ترك الركوع ناسيا فتذكره في السجود فهل يجب الرجوع إلى القيام ليركع منه
139

أم يكفيه أن يقوم راكعا فيه وجهان يحكيان عن ابن سريج أصحهما وجوب الرجوع لان شرط الركوع
ألا يقصد بالهوى إليه غيره وهذا قصد السجود *
(فرع) في مذهب العلماء فيمن نسي التشهد الأول ونهض مذهبنا انه ان انتصب قائما لم يعد
والا عاد قال الشيخ أبو حامد وبه قال عمر بن عبد العزيز والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وقال
مالك إن كان إلى القيام أقرب لم يعد والا عاد وقال النخعي ان ذكر قبل استفتاح القراءة عاد
وإلا فلا وقال الحسن ان ذكره قبل الركوع عاد وإلا فلا * قال المصنف رحمه الله *
(وان اجتمع سهوان أو أكثر كفاه للجميع سجدتان لان النبي صلى الله عليه وسلم قام من
140

اثنتين وكلم ذا اليدين واقتصر على سجدتين ولأنه لو لم يتداخل لسجد عقب السهو فلما أخر إلى آخر صلاته
دل على أنه إنما أخر ليجمع كل سهو في الصلاة فان سجد للسهو ثم سها ففيه وجهان قال أبو العباس بن القاص يعيده
لان السجود لا يجبر ما بعده وقال أبو عبد الله الختن لا يعيده لأنه لو لم يجبر كل سهو لم يؤخر) *
(الشرح) حديث ذي اليدين في الصحيحين وسبق بيانه وابن القاص تقدم بيانه في أبواب
المياه وأبو عبد الله الختن سبق في أواخر باب صفة الصلاة قال أصحابنا إذا اجتمع في صلاته
سهوان أو أكثر من نوع أو أنواع بزيادة أو بنقصان أو بهما كفاه للجميع سجدتان ولا يجوز
أكثر من سجدتين قال أصحابنا ولا يكرر حقيقة السجود وقد تكرر صورته في مواضع منها إذا
سجد المسبوق وراء الامام يعيده في آخر صلاته على الصحيح من القولين كما سنوضحه في الفصل
الآتي إن شاء الله تعالى ومنها لو سها الامام في صلاة الجمعة فسجد للسهو فخرج وقت الصلاة قبل
السلام فالمشهور انه يتمها ظهرا ويسجد للسهو لان السجود الأول لم يقع في آخر الصلاة ومنها لو ظن أنه
سها فسجد للسهو ثم بان قبل السلام انه لم يسه فوجهان أصحهما يسجد ثانيا لأنه زاد سجدتين
سهوا والثاني انه لا يسجد بل يكون سجوده جابرا لنفسه ولغيره ومنها لو سها مسافر في صلاة مقصورة
فسجد ثم نوى الاتمام قبل السلام أو صار مقيما بانتهاء السفينة إلى وطنه وجب الاتمام ويعيد
السجود بلا خلاف ومنها لو سجد للسهو ثم سها قبل السلام بكلام أو غيره فوجهان أحدهما يعيده
قال ابن القاص وأصحهما لا يعيده قاله أبو عبد الله الختن كما لو تكلم أو سلم بين سجدتي السهو أو فيهما فإنه
لا يعيده بلا خلاف لأنه لا يؤمن من وقوع مثله فيتسلسل ومنها لو شك هل سها أم لا فقد سبق انه
141

لا يسجد فلو توهم انه يقتضي السجود فسجد امر بالسجود ثانيا لهذه الزيادة ومنها لو ظن أن سهوه
لترك القنوت فسجد له فبان قبل السلام انه بغيره فوجهان أحدهما يعيد السجود لأنه لم يجبر ما يحتاج
إلى الجبر وأصحهما لا يعيده لأنه قصد جبر الخلل ولو سجد للسهو ثلاثا لم يسجد لهذا السهو ونقل
العبدري اجماع المسلمين على أنه إذا سها في سجود السهو لم يسجد لهذا السهو ولو شك هل سجد
للسهو سجدة أو سجدتين فاخذ بالأقل فسجد أخرى فبان أنه كان سجد سجدتين لم يعد السجود
ودليل هذا كله يفهم مما ذكرته وذكره المصنف والله أعلم *
142

(فرع) في مذاهب العلماء في من سها سهوين فأكثر مذهبنا انه يسجد للجميع سجدتين قال
ابن المنذر وبه قال أكثر العلماء قال وهو قول النخعي ومالك والثوري والليث والشافعي واحمد
وأصحاب الرأي وقال الأوزاعي إذا سها سهوين سجد أربع سجدات وقد يحتج له بحديث ثوبان
عن النبي صلى الله عليه وسلم " لكل سهو سجدتان " رواه أبو داود وابن ماجة * دليلنا حديث ذي اليدين
وأما حديث ثوبان فضعيف ولو كان صحيحا لحمل على أن المراد يكفي سجدتان لكل سهو جمعا بين
الأحاديث وحكى القاضي أبو الطيب عن الأوزاعي انه إن كان السهوان زيادة أو نقصا كفاه
سجدتان وإن كان أحدهما زيادة والآخر نقصا سجد أربع سجدات * قال المصنف رحمه الله تعالى *
(وان سها خلف الامام لم يسجد لان معاوية بن الحكم رضي الله عنه شمت العاطس في
الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال " ان هذه الصلاة لا يصح فيها شئ من كلام الناس " ولم
يأمره بالسجود فان سها الامام لزم المأموم حكم سهوه لأنه لما تحمل الامام عنه سهو لزم المأموم
أيضا سهوه فإن لم يسجد الإمام لسهوه سجد المأموم وقال المزني وأبو حفص البابشامى لا يسجد لأنه إنما يسجد
تبعا للامام وقد تركه الامام فلم يسجد المأموم والمذهب الأول لأنه لما سها دخل النقص على صلاة
المأموم لسهوه فإذا لم يجبر الامام صلاته جبر المأموم صلاته) *
(الشرح) حديث معاوية صحيح سبق بيانه في الباب السابق قال أصحابنا إذا سها خلف
الامام تحمل الامام سهوه ولا يسجد واحد منهما بلا خلاف لحديث معاوية. قال الشيخ أبو حامد
وبهذا قال جميع العلماء الا مكحولا فإنه قال يسجد المأموم لسهو نفسه ولو كان مسبوقا فسها بعد
سلام الامام لم يتحمل عنه لانقطاع القدوة وكذا المأموم الموافق لو تلكم ساهيا بعد سلام الامام سجد
وكذا المنفرد إذا سهى في صلاته ثم دخل في جماعة وجوزنا ذلك فلا يتحمل الامام سهوه بل يسجد هو
بعد سلام الامام اما إذا ظن المأموم أن الامام سلم فسلم فبان أنه لم يسلم فسلم معه فلا سجود عليه
لأنه سها في حال القدوة ولو تيقن في التشهد أنه ترك الركوع أو الفاتحة من ركعة ناسيا فإذا سلم الامام
لزمه أن يأتي بركعة أخرى ولا يسجد للسهو لأنه سها في حال القدوة ولو سلم الامام فسلم المسبوق
سهوا ثم تذكر بنى على صلاته وسجد لان سهوه بعد انقضاء القدوة ولو ظن المسبوق أن الامام سلم بأن
143

سمع صوتا ظنه سلامه فقام لتدارك ما عليه وكان ما عليه ركعة مثلا فاتي بها وجلس ثم علم أن الامام لم يسلم
بعد تبينا أن ظنه كان خطأ فهذه الركعة غير محسوبة له لأنها وقعت في غير موضعها لان وقت التدارك
بعد انقطاع القدوة فإذا سلم الامام قام إلى التدارك ولا يسجد للسهو لبقاء حكم القدوة ولو كانت المسألة
بحالها فسلم الامام وهو قائم فهل له أن يمضي في صلاته أم يلزمه أن يعود إلى القعود ثم يقوم منه فيه وجهان
أصحهما الثاني فان جوزنا المضي وجب إعادة القراءة فلو سلم الامام في قيامه لكنه لم يعلم الحال حتى أتم
الركعة فان جوزنا المضي فركعته محسوبة ولا يسجد للسهو وان قلنا يلزمه القعود لم يحسب ويسجد للسهو
لأنه أتي بزيادة بعد سلام الامام ولو كانت المسألة بحالها وعلم في القيام أن الامام لم يسلم بعد فليرجع
إلى متابعته فان أراد أن ينوى مفارقته ويتمادى في تتميم صلاته قبل سلام الإمام قال امام الحرمين
ففيه الخلاف فيمن نوى مفارقته الامام فان منعناه تعين الرجوع وان جوزناه فوجهان أصحهما يجب الرجوع
إلى القعود ثم يقوم لان نهوضه غير معتد به فيرجع ثم يقطع القدوة ان شاء (والثاني) لا يجب الرجوع لان
النهوض غير مقصود لعينه وإنما المقصود القيام فما بعده فلو لم يرد قطع القدوة فقال الغزالي هو مخير ان
شاء رجع وان شاء انتظر سلام الامام قائما ومقتضي كلام امام الحرمين وغيره وجوب الرجوع وهو
الصحيح أو الصواب لان في مكثه قائما مخالفة ظاهرة فان قرأ قبل تبين الحال في هذه المسائل لم يعتد بقراءته
بل عليه استئنافها *
(فرع) إذا سها الامام في صلاته لحق المأموم سهوه وتستثني صورتان (إحداهما) إذا بان الامام
محدثا فلا يسجد المأموم لسهوه ولا يحمل هو عن المأموم سهوه (الثانية) أن يعلم سبب سهو الامام ويتيقن
غلطه في ظنه بان ظن الامام ترك بعض الأبعاض وعلم المأموم أنه لم يتركه أو جهر في موضع الاسرار
أو عكسه فسجد فلا يوافقه المأموم إذا سجد الإمام في غير الصورتين لزم المأموم موافقته فيه فان ترك
موافقته عمدا بطلت صلاته وسواء عرف المأموم سهو الامام أم لم يعرفه فمتى سجد الإمام في آخر
144

صلاته سجدتين لزم المأموم متابعته حملا على له انه سها بخلاف ما لو قام إلى ركعة خامسة فإنه لا يتابعه
حملا له على أنه ترك ركنا من ركعة لأنه لو تحقق الحال هناك لم تجز متابعته لان المأموم أتم صلاته
يقينا فلو كان المأموم مسبوقا بركعة أو شاكا في فعل ركن كالفاتحة فقام الامام إلى الخامسة لم يجز
للمسبوق متابعته فيها لأنا نعلم أنها غير محسوبة للامام وانه غالط فيها ولو لم يسجد الإمام الا سجدة
سجد المأموم أخرى حملا له على أنه نسيها ولو ترك الامام السجود لسهوه عامدا أو ساهيا أو كان يعتقد
تأخيره إلى ما بعد السلام سجد المأموم هذا هو الصحيح المنصوص وقال المزني وأبو حفص لا يسجد
وقد ذكر المصنف توجيههما ولو سلم الامام ثم عاد إلى السجود نظر ان سلم المأموم معه ناسيا
وافقه في السجود فإن لم يوافقه ففي بطلان صلاته وجهان بناء على الوجهين فيمن سلم ناسيا
لسجود السهو فعاد إليه هل يكون عائدا إلى الصلاة وسنوضحهما إن شاء الله تعالى وإن كان
145

المأموم سلم عمدا مع علمه بالسهو لم يلزمه متابعة الامام إذا عاد إلى السجود لان سلامه عمدا
يتضمن انقطاع القدوة ولو لم يسلم المأموم فعاد الامام ليسجد فان عاد بعد أن سجد المأموم للسهو
لم يتابعه لأنه قطع القدوة بالسجود وان عاد قبل سجود المأموم فوجهان حكاهما الرافعي وغيره أصحهما
لا يجوز متابعته بل يسجد منفردا ثم يسلم والثاني تلزمه متابعته فإن لم يفعل بطلت صلاته
ولو سبق الامام حدث بعد ما سها أو بطلت صلاته بسبب آخر أتم المأموم صلاته
وسجد تفريعا على الصحيح المنصوص ولو سها المأموم ثم سبق الامام حدث لم يسجد المأموم لان
الامام حمله وان قام الامام إلى خامسة ساهيا فنوى المأموم مفارقته بعد بلوغ الامام إلى حد الراكعين في
ارتفاعه سجد المأموم للسهو لأنه توجه عليه السهو قبل مفارقته وان نواها قبله فلا سجود لأنه نوى
مفارقته قبل توجه السجود عليه ولو كان الامام حنفيا وجوزنا الاقتداء به فسلم قبل أن يسجد للسهو
لم يسلم معه المأموم بل يسجد قبل السلام ولا ينتظر سجود الامام بعده لأنه فارقه بسلامه والله أعلم *
(فرع) ذكرنا أن مذهبنا ان الامام إذا سها وسجد للسهو لزم المأموم السجود معه قال الشيخ
أبو حامد وبهذا قال العلماء كافة الا ابن سيرين فقال لا يسجد معه هكذا حكاه الشيخ أبو حامد عن
ابن سيرين وقال القاضي أبو الطيب إذا أدرك المأموم بعض صلاة الامام ثم سها الامام فسجد
للسهو لزم المأموم متابعته في السجود قال وبهذا قال كافة العلماء الا ابن سيرين فقال لا يسجد لأنه ليس
موضع سجود المأموم دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الامام ليؤتم به " الخ *
(فرع) إذا سها الامام فلم يسجد فقد ذكرنا أن الصحيح في مذهبنا ان المأموم يسجد وبه قال
146

مالك والأوزاعي والليث وأبو ثور ورواية عن أحمد وحكاه ابن المنذر عن ابن سيرين والحكم
وقتادة وقال عطاء والحسن والنخعي والقاسم وحماد بن أبي سليمان والثوري وأبو حنيفة والمزني وأحمد
في رواية عنه لا يسجد ودليلهما في الكتاب * * قال المصنف رحمه الله *
(وان سبقه الامام ببعض الصلاة وسها فيما أدركه معه وسجد معه ففيه قولان قال في الأم
يعيد السجود لان الأول فعله متابعة للامام ولم يكن موضع سجوده وقال في القديم والاملاء لا يعيد
لان الجبران حصل بسجوده فان سها الامام فيما أدركه معه وسجد معه ثم سها المأموم
فيما انفرد به فان قلنا لا يعيد السجود سجد لسهوه وإن لم يسجد الإمام أو سجد وقلنا يعيد
فالمنصوص أنه يكفيه سجدتان لان السجدتين تجبران كل سهو ومن أصحابنا من قال يسجد أربع
سجدات لان أحدهما من جهة الامام والآخر من جهته وان سها الامام ثم أدركه المأموم فالمنصوص
في صلاة الخوف انه يلزم المأموم حكم سهوه لأنه دخل في صلاة ناقصة فنقصت بها صلاته ومن
أصحابنا من قال لا تلزمه لأنه لو سها المأموم فيما انفرد به بعد مفارقة الامام لم يتحمل عنه الامام
147

فإذا سهى الامام فيما ينفرد به لم يلزم المأموم وان صلي ركعة منفردة في صلاة رباعية فسها فيها ثم
نوى متابعة امام مسافر فسها الامام ثم قام إلى رابعة فسها فيها ففيه ثلاثة أوجه (أصحها) يكفيه
سجدتان (والثاني) يسجد أربع سجدات لأنه سها سهوا في جماعة وسهوا في الانفراد (والثالث) يسجد
ست سجدات لأنه سها في ثلاثة أحوال) *
(الشرح) قال أصحابنا إذا سبقه الامام ببعض الصلاة وسها فيما أدركه وسجد الإمام لزم
المسبوق أن يسجد معه هذا هو الصحيح المنصوص وبه قطع الجمهور وفيه وجه حكاه الرافعي وغيره أنه
لا يسجد معه والمذهب الأول فعلى هذا إذا سجد معه هل يعيد السجود في آخر صلاته فيه
القولان المذكوران في الكتاب (أصحهما) عند الأصحاب يعيده فإن لم يسجد الإمام لم يسجد المسبوق
في آخر صلاة الامام ويسجد في آخر صلاة نفسه على المذهب وفيه الوجه السابق عن المزني وأبى حفص
أما إذا سها الامام قبل اقتداء المأموم فوجهان الصحيح المنصوص أنه يلحقه حكم سهوه فعلى هذا
ان سجد الإمام سجد معه وهل يعيده المسبوق في آخر صلاته فيه القولان (أصحهما) يعيده وإن لم يسجد
سجد هو في آخر صلاته على المذهب وفيه وجه للمزني وأبى حفص (والثاني) لا يلحقه حكم سهوه فعلى
هذا إن لم يسجد الإمام لم يسجد هو أصلا وان سجد فوجهان حكاهما الرافعي وغيره قالوا أصحهما
لا يسجد لأنه لا سهو في حقه والثاني يسجد متابعة للامام فعلى هذا لا يعيد في آخر صلاته إن كان
مسبوقا وحيث قلنا المسبوق يعيد السجود في آخر صلاته فاقتدى به مسبوق آخر بعد انفراده ثم
اقتدى بالثاني ثالث بعد انفراده ثم بالثالث رابع فأكثر فكل واحد منهم يسجد لمتابعة امامه
ثم يسجد في آخر صلاة نفسه ولو أحرم بالظهر منفردا فصلى ركعة فسها فيها ثم اقتدى بامام
148

وجوزناه فصلى الامام ثلاثا وقام إلى رابعته فنوى المأموم مفارقته وتشهد سجد ثم سلم فلو كان
لم يسه في ركعته لكن سها امامه سجد أيضا فلو كان قد سها في ركعته وسها أيضا امامه في اقتدائه
سجد سجدتين على الصحيح المنصوص وفى وجه يسجد أربع سجدات أما إذا سها المسبوق
في تداركه فإن كان سجد مع الامام وقلنا لا يعيده سجد لسهوه سجدتين وان قلنا يعيده أو لم
يكن الامام سجد فوجهان (الصحيح) المنصوص يسجد سجدتين (والثاني) أربع سجدات ولو أنفرد
بركعة من رباعية وسها فيها ثم نوى متابعة امام يصلي ركعتين وجوزنا الاقتداء في أثناء الصلاة
وسها امامه ثم قام بعد سلام الامام إلى رابعته وسها فيها فثلاثة أوجه (أصحها) يسجد سجدتين والثاني
149

أربعا والثالث ستا ودلائلها في الكتاب فإن كان قد سجد امامه وسجد معه صار في صلاته ثمان
سجدات على هذا الوجه الثالث ولو اقتدى مسبوق بمسافر نوى القصر وسها الامام وسجد معه
ثم صار الامام متما قبل السلام فأتم وأعاد سجود السهو وأعاد معه المسبوق ثم قام المسبوق إلى ما بقي
عليه فسها فيه وقلنا في الصورة السابقة يسجد ست سجدات فيسجد هنا أربعا لأنه سها في حالتين
وتصير سجداته ثمانيا فان سها بعد سجداته بكلام أو غيره وفرعنا على أنه إذا سها بعد سجود
السهو يسجد صارت السجدات عشرة وقد تزيد عدد السجدات على هذا تفريعا على الوجوه
الضعيفة السابقة والله أعلم * وإذا قلنا في هذه الصورة يكفيه سجدتان فعماذا يقعان ظاهر كلام جمهور
الأصحاب انهما يقعان عن سهوه وسهو امامه وقال صاحب البيان فيه ثلاثة أوجه حكاها صاحب
150

الفروع (أحدها) هذا (والثاني) يقعان عن سهوه ويكون سهو الامام تابعا (والثالث) عكسه قال قال صاحب
الفروع وفائدة الخلاف تظهر فيما لو نوى خلاف ما جعلناه مقصودا هذا كلامه والظاهر أنه أراد أنه إذا
نوى غير ما جعلناه مقصودا بطلت صلاته لأنه زاد في صلاته سجودا غير مشروع عامدا والصحيح
انهما يقعان عن الجميع كما حكيناه عن ظاهر كلام الجمهور فعلى هذا ان نواهما أو أحدهما لا تبطل
صلاته لأنه إذا نوى أحدهما فقد ترك الآخر بلا سجود وترك سجود السهو لا يبطل الصلاة وإذا
قلنا تبطل إذا نوى غير المقصود فلذلك إذا تعمده مع علمه بحكمه وإلا فلا تبطل لأنه يخفى على العوام
والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله *
(وسجود السهو سنة لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري " كانت الركعة
نافلة له والسجدتان " ولأنه فعل لما لا يجب فلا يجب) *
151

(الشرح) سبق بيان حديث أبي سعيد وسجود السهو سنة عندنا ليس بواجب وقال
أبو حنيفة هو واجب يأثم بتركه وليس بشرط لصحة الصلاة وقال بعض أصحاب أبي حنيفة هو
سنة كقولنا وقال القاضي عبد الوهاب المالكي الذي يقتضيه مذهبنا انه واجب في سهو النقصان
وأوجبه أحمد في الزيادة والنقصان قال الشيخ أبو حامد مذهبنا أنه سنة ليس بواجب وبه قال
العلماء كافة الا مالكا فأوجبه واختاره الكرخي الحنفي وحكاه عن أبي حنيفة قال لكن ليس هو شرطا
لصحة الصلاة وقال مالك إن كان السهو لنقص وسلم ولم يسجد حتى طال الفصل لزمه استئناف
152

الصلاة * قال المصنف رحمه الله *
(ومحله قبل السلام لحديث أبي سعيد وحديث ابن بحينة ولأنه يفعل لاصلاح الصلاة فكان قبل
السلام كما لو نسي سجدة من الصلاة ومن أصحابنا من قال فيه قول آخر أنه إن كان السهو زيادة كان محله
بعد السلام والمشهور هو الأول لان بالزيادة يدخل النقص في صلاته كما يدخل بالنقصان فإن لم يسجد
حتى سلم فلم يتطاول الفصل سجد لان النبي صلى الله عليه وسلم صلى خمسا وسلم ثم سجد وان طال ففيه
قولان (أحدهما) يسجد لأنه جبران فلم يسقط بالتطاول كجبران الحج وقال في الجديد لا يسجد وهو
الأصح لأنه يفعل لتكميل الصلاة فلم يفعل بعد تطاول الفصل كما لو نسي سجدة من الصلاة فذكرها بعد
السلام وبعد تطاول الفصل وكيف يسجد بعد السلام فيه وجهان قال أبو العباس ابن القاص يسجد ثم يتشهد لان
السجود في الصلاة بعد تشهد فكذلك هذا وقال أبو إسحاق لا يتشهد وهو الأصح لان الذي ترك
هو السجود فلا يعيد معه غيره) *
(الشرح) حديث أبي سعيد وابن بحينه سبق بيانهما وحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلي
خمسا وسلم ثم سجد رواه البخاري ومسلم من رواية ابن مسعود رضي الله عنه اما حكم الفصل ففي محل سجود
153

السهو طريقان حكاهما امام الحرمين وآخرون (أحدهما) في المسألة ثلاثة أقوال الصحيح منها انه قبل السلام
فان أخره لم يعتد به والثاني إن كان السهو زيادة فمحله بعد السلام وإن كان نقصا فقبله ولا يعتد
به بعده والثالث ان شاء قدمه وان شاء أخره وهما سواء والطريق الثاني يجزى التقديم والتأخير
وإنما الأقوال في بيان الأفضل ففي قول التقديم أفضل وفى قول التقديم والتأخير سواء في الفضيلة وفي
قول إن كان زيادة فالتأخير أفضل والا فالتقديم قال امام الحرمين ووجه هذه الطريقة صحة الاخبار
في التقديم والتأخير قال والطريقة المشهورة الأولى وتحمل الأقوال في الاجزاء والجواز كما سبق هذا
154

كلام الامام وقال صاحب الحاوي لا خلاف بين الفقهاء يعنى جميع العلماء ان سجود السهو جائز قبل
السلام و بعده وإنما اختلفوا في المسنون والأولى فمذهب الشافعي وما نص عليه في القديم والجديد
أن الأولى فعله قبل السلام في الزيادة والنقصان وبه قال أبو هريرة وسعيد ابن المسيب والزهري
وربيعة والأوزاعي والليث وقال أبو حنيفة والثوري الأولى فعله بعد السلام في الزيادة والنقصان وبه قال علي بن
أبي طالب وابن مسعود وعمار بن ياسر رضي الله عنهم وقال مالك إن كان لنقصان فالأولى فعله قبل السلام
وإن كان لزيادة فالأولى فعله بعد السلام وقد أشار إليه الشافعي في كتاب اختلافه مع مالك والمشهور من مذهبه
في القديم والجديد أنه قبل السلام فيهما هذا كلام صاحب الحاوي والمذهب انه قبل السلام وسبقت
أدلة هذه المذاهب والجمع بين الأحاديث في أول الباب ومما استدلوا به لأبي حنيفة حديث عن ثوبان
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لكل سهو سجدتان بعد السلام " وهذا حديث ضعيف ظاهر
الضعف والله أعلم قال أصحابنا فإذا قلنا بالمذهب انه قبل السلام فسلم قبل السجود نظرت فان
سلم عامدا عالما بالسهو فوجهان حكاهما الخراسانيون (أصحهما) عندهم وبه قطع امام الحرمين والغزالي
وغيرهما أنه فوت السجود ولا يسجد والثاني يسجد ان قرب الفصل وإلا فلا وهذا هو مقتضي
اطلاق المصنف وغيره من العراقيين ونص عليه الشافعي في باب صلاة الخوف من البويطي فعلى
هذا إذا سجد لا يكون عائدا إلى الصلاة بلا خلاف بخلاف ما إذا سلم ناسيا وسجد فان فيه خلافا
155

وان سلم ناسيا فان طال الفصل فقولان (الجديد) الأظهر لا يسجد والقديم يسجد وذكر المصنف دليلهما
وإن لم يطل بل ذكر على قرب فان بدا له أن لا يسجد فذاك والصلاة ماضية على الصحة وحصل
التحلل بالسلام هذا هو الصحيح وبه قطع الأكثرون وفيه وجه أنه يجب السلام مرة أخرى
وذلك السلام غير معتد به حكاه الرافعي وغيره والمذهب الأول وان أراد أن يسجد فالصحيح المنصوص
156

الذي قطع به المصنف والجمهور أنه يسجد لحديث ابن مسعود رضي الله عنه والثاني لا يسجد
لفوات محله وهذا غلط لمخالفته السنة فإذا قلنا بالصحيح هنا أو بالقديم عند طول الفصل أنه يسجد فسجد فهل
يكون عائدا إلى حكم الصلاة فيه وجهان مشهوران للخراسانيين (أرجحهما) عند البغوي لا يكون عائدا
(وأصحهما) عند الأكثرين يكون عائدا وبه قال الشيخ أبو زيد وصححه القفال وامام الحرمين والغزالي
في الفتاوى والروياني وغيرهم ويتفرع على الوجهين مسائل (منها) لو تكلم عامدا أو أحدث في
السجود بطلت صلاته على الوجه الثاني دون الأول ومنها لو كان السهو في صلاة جمعة وخرج
الوقت وهو في السجود فاتت الجمعة على الوجه الثاني دون الأول ومنها لو كان مسافرا يقصر ونوى
الاتمام في السجود لزمه الاتمام على الوجه الثاني دون الأول ومنها هل يكبر للافتتاح ويتشهد
ان قلنا بالثاني لم يكبر ولم يتشهد لكن يجب إعادة السلام بعد السجود وان قلنا بالأول كبر وفى التشهد
وجهان أصحهما لا يتشهد لأنه لم يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ قال البغوي والصحيح انه
يسلم سواء قلنا يتشهد أم لا للأحاديث الصحيحة السابقة في أول الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم
سجد بعد السلام ثم سلم واما طول الفصل ففي حده الخلاف السابق في أول الباب والأصح الرجوع
إلى العرف وحاول امام الحرمين ضبط العرف فقال إذا مضى زمن يغلب على الظن أنه ترك السجود
157

قصدا أو نسيانا فهو طويل والا فقصير قال ولو سلم واحدث ثم انغمس في ماء على قرب الزمن فالظاهر
أن الحدث فاصل وإن لم يطل الزمان ولنا قول أن الاعتبار في الفصل بمفارقة المجلس وعدمها وقد سبق
بيانه وهو شاذ والصحيح الذي عليه الأصحاب اعتبار العرف ولا يضر مفارقة المجلس واستدبار
القبلة إذا قرب الفصل لحديث ذي اليدين رضي الله عنه هذا كله تفريع على قولنا يسجد قبل السلام
158

فان قلنا بعده فليسجد عقبه فان طال الفصل عاد الخلاف وإذا سجد لم يحكم بعوده إلى الصلاة بلا
خلاف صرح به الرافعي وغيره وهل يتحرم للسجدتين ويتشهد ويسلم قال امام الحرمين حكمه حكم
سجود التلاوة وقطع الشيخ أبو حامد في تعليقه بأنه يتشهد ويسلم ونقله عن نصه في القديم وادعي
الاتفاق عليه فان قلنا يتشهد فوجهان وقيل قولان (الصحيح) المشهور انه يتشهد بعد السجدتين
159

كسجود التلاوة (والثاني) يتشهد قبلهما ليليهما السلام وان قلنا يسجد للزيادة بعد السلام وللنقص
قبله فسها سهوين بزيادة ونقص فوجهان (أصحهما) وبه قطع المتولي يسجد قبل السلام ليقع السلام
بعد جبرها (والثاني) وبه قطع البندنيجي في كتابه الجامع يسجد بعد السلام للزيادة المحضة وللزيادة
والنقص وللزيادة المتوهمة كمن شك في عدد الركعات *
160

(فرع) في مذاهب العلماء فيمن نسي سجود السهو فمتى يؤمر بتداركه: قد ذكرنا مذهبنا
وقال أبو حنيفة يسجد متي ذكره وان طال الزمان ما لم يتكلم وقال الحسن البصري ما لم يصرف
وجهه عن القبلة وان تكلم وقال أحمد ما دام في المسجد وان تكلم واستدبر القبلة وقال مالك إن كان
السهو زيادة سجد متى ذكره ولو بعد شهر وإن كان لنقص سجدان قرب الفصل وان طال
استأنف الصلاة *
(فرع) سجود السهو سجدتان بينهما جلسة ويسن في هيئتها الافتراش ويتورك بعدهما إلى
أن يسلم وصفة السجدتين في الهيئة والذكر صفة سجدات الصلاة والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(والنفل والفرض في سجود السهو واحد ومن أصحابنا من حكي قولا في القديم انه لا يسجد
للسهو في النفل وهذا لا وجه له لان النفل كالفرض في النقصان فكان كالفرض في الجبران) *
(الشرح) حاصل ما ذكره طريقان (أصحهما) وبه قطع الجمهور أنه يسجد للسهو في صلاة النفل
والثاني على قولين الجديد يسجد والقديم لا يسجد وهذا الطريق حكاه المصنف وشيخه القاضي
أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهم من العراقيين ولم يذكره جمهور الخراسانيين والشيخ
أبو حامد وغيره من العراقيين قال أبو حامد نص في القديم انه يسجد للسهو في صلاة النفل وبه
قال جميع العلماء الا ابن سيرين *
161

(فرع) في مسائل تتعلق بالباب (إحداها) لو دخل في صلاة ثم ظن أنه لم يكبر للاحرام
فاستأنف التكبير والصلاة ثم علم أنه كان كبر فان علم بعد فراغه من الصلاة الثانية لم تبطل الأولى
وتمت بالثانية وان علم قبل فراغ الثانية عاد إلى الأولى فأكملها ويسجد للسهو في الحالين نقله صاحب
البحر عن نص الشافعي وغيره (الثانية) لو أراد القنوت في غير الصبح لنازلة وقلنا به فنسيه لم يسجد
للسهو على أصح الوجهين ذكره في البحر (الثالثة) لو نوى المسافر القصر وصلي أربع ركعات ناسيا
ونسي في كل ركعة سجدة حصلت له الركعتان وتمت صلاته فيسجد للسهو ويسلم ولا يصير ملتزما الاتمام
لأنه لم ينوه وكذا لو صلى الجمعة أربعا ناسيا ونسي في كل ركعة سجدة فيسجد للسهو ويسلم وهاتان
المسألتان مفروضتان فيما إذا كان ترك السجدات بحيث تحصل له ركعتان وقد سبق في أوائل الباب
تفصيله واضحا (الرابعة) لو جلس في تشهد في رباعية وشك هل هو التشهد الأول أم الثاني
فتشهد شاكا ثم قام ثم بان الحال سجد للسهو سواء بان انه الأول أو الثاني لأنه وان بان الأول فقد قام شاكا في زيادة هذا القيام فان بان الحال عقب شكه قبل التشهد فلا سجود وفى المسألة وجه
آخر أنه لا يسجد متى زال شكه قبل السلام والأول أصح وقد سبقت المسألة في أثناء الباب في
فرع من القواعد المتكررة (الخامسة) لو سلم من صلاة وأحرم بأخرى ثم تيقن انه نسي سجدة من
الأولى لم تنعقد الثانية لأنه حين أحرم بها لم يكن خرج من الأولى وأما الأولى فان قصر الفصل
بنى عليها وان طال وجب استئنافها (السادسة) لو جلس بعد سجدتين في الركعة الثانية
162

من الرباعية ظانا أنها الركعة الأولى وجلس بنية جلسة الاستراحة فبان له أنها الثانية تشهد ولم يسجد للسهو نقله
الشيخ أبو حامد في باب صفة الصلاة عن نص الشافعي واتفق الأصحاب عليه (السابعة) إذا صلي رباعية فنسي
وقام إلى خامسة فان ذكر قبل السجود عاد إلى الجلوس وتشهد وسجد للسهو وسلم وهذا مجمع عليه وان
ذكر بعد السجود فمذهبنا انه يتشهد ويسجد للسهو ويسلم وصحت صلاته فرضا وقال أبو حنيفة ان جلس
بعد الرابعة قدر التشهد تمت صلاته بذلك لان السلام عنده ليس بشرط وتكون الخامسة نافلة فتضم إليها أخرى
وإن لم يجلس عقب الرابعة بطلت فريضته بقيامه إلى الخامسة وتضم إليها أخرى وتكون نفلا وهذا الذي قالوه
تحكم لا أصل له (الثامنة) إذا صلي المغرب أربعا سهوا سجد سجدتين وسلم وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور قال الشيخ
أبو حامد وقال قتادة والأوزاعي يصلي ركعة أخرى ثم يسجد سجدتين لتصير صلاته وتر (التاسعة)
المسبوق يقوم بعد سلام امامه فيصلي ما بقي عليه ولا يسجد للسهو قال الشيخ أبو حامد وبهذا قال
العلماء كافة الا ما روى عن ابن عمر وابن الزبير وأبي سعيد الخدري انهم قالوا يسجد وحكاه عنهم
أبو داود السجستاني في سننه في باب مسح الخف كأنهم جعلوا فعله مع الامام كالسهو ودليلنا قوله
صلى الله عليه وسلم " وما فاتكم فأتموا " ولم يأمر بسجود سهو وحديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وراء
عبد الرحمن بن عوف حين فاته ركعة فتداركها ولم يسجد للسهو والحديثان في الصحيح مشهوران
163

(العاشرة) لا يسجد لحديث النفس والأفكار بلا خلاف * قال المصنف رحمه الله *
(باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها)
(هي خمسة اثنان نهي عنهما لأجل الفعل وهي بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر
حتى تغرب الشمس والدليل عليه ما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال حدثني أناس أعجبهم إلى
عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس
وبعد الصبح حتى تطلع الشمس " وثلاثة نهى عنها لأجل الوقت وهي عند طلوع الشمس حتى ترتفع
وعند الاستواء حتى تزول وعند الاصفرار حتى تغرب والدليل عليه ما روى عقبة بن عامر رضي الله عنه
قال " ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلى فيهن أو نقبر موتانا: حين
تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة وحين تضيف الشمس للغروب " وهل يكره
التنفل لمن صلي ركعتي الفجر فيه وجهان أحدهما يكره لما روي ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله
164

صلى الله عليه وسلم قال " ليبلغ الشاهد منكم الغائب أن لا تصلوا بعد الفجر الا سجدتين " والثاني لا يكره لان النبي
صلى الله عليه وسلم " لم ينه الا بعد الصبح حتى تطلع الشمس ") *
(الشرح) حديث ابن عباس رواه البخاري ومسلم ولفظه عندهما عن ابن عباس " شهد عندي
رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن
الصلاة بعد الصبح حتى تشرق وبعد العصر حتى تغرب " واما حديث عقبة بن عامر فرواه مسلم وفيه
زيادة " وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول " واما حديث ابن عمر فرواه أبو داود والترمذي وابن ماجة
واسناده حسن إلا أن فيه رجلا مستورا وقد قال الترمذي أنه حديث غريب * اما ألفاظ الفصل
فقوله لأجل الفعل سبق أن اللغة الفصيحة أن يقول من أجل وقوله وهي بعد صلاة الصبح كان
ينبغي أن يقول وهما وقوله نقبر فيهن هو بضم الباء وكسرها لغتان فصيحتان وقوله قائم الظهيرة
هو حال الاستواء وقوله تضيف هو بفتح أوله والضاد المعجمة وتشديد الياء المثناة تحت المفتوحة
165

وبعدها فاء أي تميل والمراد بالسجدتين ركعتا سنة الفجر وعقبة بن عامر من مشهوري الصحابة رضي الله عنهم
وهو جهني في كنيته سبعة أقوال أحدها أبو حماد سكن مصر وتولاها لمعاوية وتوفى بها سنة
ثمان وخمسين * اما حكم المسألة فتكره الصلاة في هذه الأوقات الخمسة التي ذكرها المصنف فالوقتان
الأولان تتعلق كراهيتهما بالفعل ومعناه انه لا يدخل وقت الكراهة لمجرد الزمان وإنما يدخل إذا
فعل فريضة الصبح وفريضة العصر واما الأوقات الثلاثة فتتعلق الكراهة فيها بمجرد الزمان هكذا
قال المصنف والجمهور أن أوقات الكراهة خمسة وقال جماعة هي ثلاثة من صلاة الصبح حتى ترتفع
الشمس ومن العصر حتى تغرب وحال الاستواء وهو يشمل الخمسة والعبارة الأولى أجود لان
من لم يصل الصبح حتى طلعت الشمس يكره له التنفل حتى ترتفع قيد رمح وكذا من لم يصل العصر
166

حتى اصفرت الشمس يكره له التنفل حتى تغرب وهذا يفهم من العبارة الأولى دون الثانية ولان حال
اصفرار الشمس يكره التنفل فيه على العبارة الأولى بسببين وعلى الثانية بسبب (واعلم) ان الكراهة
عند طلوع الشمس تمتد حتى ترتفع قدر رمح هذا هو الصحيح وبه قطع المصنف
في التنبيه والجمهور وفيه وجه حكاه الخراسانيون أن الكراهة تزول إذا طلع
قرص الشمس بكماله ويستدل له بحديث أبي هريرة رضي الله عنه " أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم نهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس "
رواه البخاري ومسلم وروياه أيضا من رواية أبي سعيد الخدري ويستدل للمذهب بحديث عمرو بن
عبسة رضي الله عنه قال " قلت يا نبي الله أخبرني عن الصلاة قال صل صلاة الصبح ثم اقصر عن الصلاة
حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني الشيطان وحينئذ يسجد لها الكفار
ثم صل فان الصلاة مشهودة محضوره حتى يستقل الظل بالرمح ثم اقصر عن الصلاة فان حينئذ
تسجر جهنم فإذا اقبل الفئ فصل فان الصلاة مشهودة محضوره حتى تصلي العصر ثم أقصر عن الصلاة
حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار " رواه مسلم وتحمل
رواية الطلوع على الطلوع مرتفعة بدليل حديث عمرو بن عبسة جمعا بين الأحاديث وقد أوضحت
هذه الروايات والجمع بينها في شرح صحيح مسلم ولا خلاف أن وقت الكراهة بعد العصر لا يدخل
بمجرد دخول العصر بل لا يدخل حتى يصليها واما في الصبح ففيه ثلاثة أوجه (الصحيح) الذي عليه الجمهور
أنه لا يدخل بطلوع الفجر بل لا يدخل حتى يصلي فريضة الصبح والثاني يدخل بصلاة سنة الصبح
(والثالث) بطلوع الفجر وبه قال مالك وأبو حنيفة واحمد وأكثر العلماء ويستدل له مع ما ذكره المصنف
من حديث ابن عمر بحديث حفصة رضي الله عنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع
الفجر لم يصل الا ركعتين خفيفتين " رواه البخاري ومسلم ويجاب عنه للمذهب بان هذا ليس فيه
نهي وحديث ابن عمر تقدم الكلام في اسناده فان ثبت يؤول على موافقة غيره والله أعلم *
167

* قال المصنف رحمه الله *
(ولا يكره في هذه الأوقات ما لها سبب كقضاء الفائتة والصلاة المنذورة وسجود التلاوة وصلاة
الجنازة وما اشبها لما روى عن قيس بن قهد رضي الله عنه قال " رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلى ركعتي الفجر
بعد صلاة الصبح فقال ما هاتان الركعتان فقلت لم أكن صليت ركعتي الفجر فهما هاتان الركعتان " فان
دخل المسجد في هذه الأوقات ليصلي التحية لا لحاجة غيرها ففيه وجهان (أحدهما) يصلى لأنه وجد سبب
الصلاة وهو الدخول (والثاني) لا يصلى لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تتحروا بصلاتكم طلوع
الشمس ولا غروبها " وهذا يتحرى بصلاته طلوع الشمس وغروبها) *
(الشرح) حديث قيس بن قهد - بقاف مفتوحة ثم هاء ساكنة ثم دال - رواه أبو داود والترمذي
168

وابن ماجة وغيرهم واسناده ضعيف فيه انقطاع قال الترمذي الأصح انه مرسل وروى عن قيس بن قهد كما
ذكره المصنف ورواه أبو داود والأكثرون قيس بن عمرو وهو الصحيح عند جمهور أئمة الحديث وقد
أشرت إلى ذلك في تهذيب الأسماء وكيف كان فمتن الحديث ضعيف عند أهل الحديث ويغنى عنه ما سنذكره
من الأحاديث الصحيحة في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى واما حديث لا تتحروا بصلاتكم
169

طلوع الشمس ولا غروبها " فرواه البخاري ومسلم من رواية ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم * اما حكم المسألة فمذهبنا ان النهي عن الصلاة في هذه الأوقات إنما هو عن صلاة لا سبب لها
فاما ما لها سبب فلا كراهة فيها والمراد بذات السبب التي لها سبب متقدم عليها فمن ذوات الأسباب
الفائتة فريضة كانت أو نافلة إذا قلنا بالأصح أنه يسن قضاء النوافل فله في هذه الأوقات قضاء
الفرائض والنوافل الراتبة وغيرها وقضاء نافلة اتخذها وردا وله فعل المنذورة وصلاة الجنازة
وسجود التلاوة والشكر وصلاة الكسوف وصلاة الطواف ولو توضأ في هذه الأوقات فله أن يصلى
ركعتي الوضوء صرح به جماعة من أصحابنا منهم الرافعي ويكره فيها صلاة الاستخارة صرح به البغوي
وغيره وتكره ركعتا الاحرام بالحج على أصح الوجهين وبه قطع الجمهور لان سببهما متأخر وبه قطع البندنيجي في
كتاب الحج والثاني لا يكره حكاه البغوي وغيره لان سببهما إرادة الاحرام وهو متقدم وهذا الوجه قوى وفى
صلاة الاستسقاء وجهان للخراسانيين (أصحهما) لا يكره وحكاه الامام والغزالي في البسيط عن الأكثرين
وقطع به القاضي أبو الطيب في تعليقه والعبد ري لان سببها متقدم (والثاني) تكر كصلاة الاستخارة وهكذا
عللوه قال الرافعي وقد يمنع الأول كراهة صلاة الاستخارة وأما تحية المسجد فقال أصحابنا أن دخله
لغرض كاعتكاف أو لطلب علم أو انتظار صلاة ونحو ذلك من الأغراض صلي التحية وان دخله
لا لحاجة بل ليصلي التحية فقط وجهان (أرجحهما) الكراهة كما لو تعمد تأخير الفائتة ليقضيها في هذه
الأوقات فإنه يكره لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها " والثاني
لا يكره واختاره الامام والغزالي وحكي صاحب البيان وغيره وجها في كراهة تحية المسجد
في هذه الأوقات من غير تفصيل وهذا غلط نبهت عليه لئلا يغتر به وقد حكاه الصيدلاني وامام الحرمين
والغزالي في البسيط عن أبي عبد الله الزبيري واتفقوا على أنه غلط *
170

(فرع) لو فاتته راتبة أو نافلة اتخذها وردا فقضاها في هذه الأوقات فهل له المداومة على مثلها
في وقت الكراهة فيه وجهان حكاهما الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب والمتولي وغيرهم
أحدهما نعم للحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاته ركعتا سنة الظهر فقضاهما
بعد العصر وداوم عليهما بعد العصر رواه البخاري ومسلم وأصحهما لا وتلك الصلاة من
خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم وممن صححه الشيخ أبو حامد *
(فرع) في مذاهب العلماء في جواز الصلاة التي لها سبب في هذه الأوقات: قد ذكرنا أن مذهبنا انها
لا تكره وبه قال علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وابنه أبو أيوب والنعمان بن بشير وتميم الداري
وعائشة رضي الله عنهم * وقال أبو حنيفة لا يجوز شئ من ذلك ووافقنا جمهور الفقهاء في إباحة الفوائت في هذه
الأوقات وقال أبو حنيفة تباح الفوائت بعد الصبح والعصر ولا تباح في الأوقات الثلاثة إلا عصر يومه فتباح
عند اصفرار الشمس المنذورة في هذه الأوقات عندنا ولا تباح عند أبي حنيفة قال ابن المنذر
171

وأجمع المسلمون على إباحة صلاة الجنائز بعد الصبح والعصر ونقل العبدري في كتاب الجنائز عن
الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة واحمد واسحق ان صلاة الجنازة منهي عنها عند طلوع الشمس وعند
غروبها وعند استوائها ولا تكره في الوقتين الآخرين ونقل القاضي عياض في شرح صحيح مسلم عن داود
الظاهري أنه أباح الصلاة لسبب وبلا سبب في جميع الأوقات والمشهور من مذهب داود منع الصلاة في هذه
الأوقات سواء ما لها سبب وما لا سبب لها وهو رواية عن أحمد * واحتج لأبي حنيفة وموافقيه بعموم الأحاديث
الصحيحة في النهى * واحتج أصحابنا بحديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من نسي
صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها " رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم وعن أم
سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم " صلي ركعتين بعد العصر فلما انصرف
قال يا بنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر انه أتاني ناس من عبد القيس
بالاسلام من قومهم فشغلوني عن اللتين بعد الظهر فهما هاتان الركعتان بعد العصر " رواه البخاري
ومسلم وعن عائشة رضي الله عنها قالت " صلاتان لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعهما سرا ولا
علانية ركعتان قبل صلاة الصبح وركعتان بعد صلاة العصر " رواه البخاري ومسلم وعن يزيد بن
الأسود رضي الله عنه قال " شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجته وصليت معه صلاة الصبح
في مسجد الخيف فلما قضى صلاته وانحرف إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا معه قال على
بهما فجئ بهما ترعد فرائصهما قال ما منعكما أن تصليا معنا فقالا يا رسول الله انا قد كنا صلينا في
رحالنا قال فلا تفعلا فإذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة "
رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم قال الترمذي حديث حسن صحيح: والجواب عن
أحاديث النهي أنها عامة وهذه خاصة والخاص مقدم على العام سواء تقدم عليه أو تأخر فان قيل
172

لا حجة في حديثي أم سلمة وعائشة لأن هذه المداومة على الصلاة بعد العصر مخصوصة بالنبي صلى
الله عليه وسلم قلنا في المسألة وجهان لأصحابنا سبقا أحدهما جواز مثل هذا لكل أحد وأصحهما
لا تباح المداومة لغير النبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا يكون الاستدلال بفعله صلى الله عليه وسلم
في أول يوم والله أعلم *
(فرع) في بيان حديثين يستشكل الجمع بينهما وهما حديث النهي عن الصلاة بعد الصبح والعصر
وغيرهما مع حديث " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع الركعتين " فإذا دخل المسجد
في بعض هذه الأوقات فقد ذكرنا أن مذهبنا انه يستحب ان يصلي تحية المسجد للحديث فيها
والجواب عن أحاديث النهي انها مخصوصة كما سبق فان قيل حديث النهى عام في الصلوات خاص
في بعض الأوقات وحديث التحية عام في الأوقات خاص في بعض الصلوات فلم رجحتم تخصيص
حديث النهي دون تخصيص حديث التحية قلنا حديث النهى دخله التخصيص بالأحاديث التي ذكرناها
173

في صلاة العصر وصلاة الصبح وبالإجماع الذي نقلناه في صلاة الجنازة وأما حديث تحية المسجد فهو
على عمومه لم يأت له مخصص ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الداخل يوم الجمعة في حال الخطبة
بالتحية بعد أن قعد ولو كانت التحية تترك في وقت لكان هذا الوقت لأنه يمنع في حال الخطبة
من الصلاة الا التحية ولأنه تكلم في الخطبة وبعد أن قعد الداخل وكل هذا مبالغة في تعميم التحية *
(فرع) عن وهب بن الأجدع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال " لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة " وفى رواية نقية رواه أبو داود وغيره باسناد
174

حسن وظاهره يخالف الأحاديث الصحيحة في تعميم النهى من حين صلاة العصر إلى غروب الشمس
ويخالف أيضا ما عليه مذاهب جماهير العلماء وجوابه من (1) * قال المصنف رحمه الله *
(ولا تكره يوم الجمعة عند الاستواء لمن حضر الصلاة لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس الا يوم الجمعة " ولأنه
يشق عليه من كثرة الخلق ان يخرج لمراعاة الشمس ويغلبه النوم ان قعد فعفى عن الصلاة وإن لم يحضر
الصلاة ففيه وجهان أحدهما يجوز للخبر والثاني لا يجوز لأنه لا مشقة عليه في مراعاة الشمس) *
(الشرح) هذا الحديث ضعيف رواه أبو داود من رواية أبى قتادة وقال هو مرسل وذكره
البيهقي من رواية أبي قتادة وأبى سعيد وأبي هريرة وعمرو بن عبسة وابن عمرو ضعف أسانيد الجميع ثم قال
175

والاعتماد على أن النبي صل الله عليه وسلم استحب التبكير إلى الجمعة ثم رغب في الصلاة إلى خروج
الامام من غير تخصيص ولا استثناء * أما حكم المسألة فليوم الجمعة مزية في نفى كراهة الصلاة وفى ذلك
أوجه (أحدها) انه تباح الصلاة بلا كراهة في جميع الأوقات يوم الجمعة لكل أحد والثاني
وهو الأصح يباح لكل أحد عند استواء الشمس خاصة سواء حضر الجمعة أم لا والثالث تباح
عند الاستواء لمن حضرها دون غيره وصححه القاضي أبو الطيب (والرابع) تباح عنده لمن حضرها
وغلبه النعاس (والخامس) تباح عنده لمن حضرها وغلبه النعاس وكان قد بكر إليها ودلائلها تفهم
176

مما ذكره المصنف والبيهقي * وقال أبو حنيفة لاتباح فيه كغيره من الأيام والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا تكره الصلاة في هذه الأوقات بمكة لما روى أبو ذر رضي الله عنه قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس الا بمكة "
ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال الطواف بالبيت صلاة ولا خلاف ان الطواف يجوز فكذلك الصلاة) *
177

(الشرح) حديث أبي ذر ضعيف رواه الشافعي وأحمد والدارقطني والبيهقي وضعفه ويغني عنه
حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا
طاف بهذا البيت وصلي أي ساعة شاء من ليل أو نهار " رواه أبو داود والترمذي في كتاب الحج
والنسائي وابن ماجة وغيرهما في كتاب الصلاة وهذا لفظ الترمذي وقال هو حديث حسن صحيح قال
البيهقي يحتمل أن يكون المراد بالصلاة صلاة الطواف خاصة وهو الأشبه بالآثار ويحتمل جميع
الصلوات (قلت) ويؤيد الأول رواية أبي داود * لا تمنعوا أحدا يطوف بهذا البيت يصلي أي ساعة
شاء من ليل أو نهار " وأما حديث " الطواف بالبيت صلاة " فروى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه
وسلم وروى موقوفا على ابن عباس وهو الأصح كذا قاله الحافظ ورواه الترمذي في آخر
178

كتاب الحج عن عطاء بن السائب عن طاوس عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " الطواف
حول البيت مثل الصلاة الا أنكم تتكلمون فيه فمن تكلم فيه فلا يتكلم الا بخير " قال الترمذي
وروى عن ابن طاوس وغيره عن طاوس عن ابن عباس موقوفا قال ولا نعرفه مرفوعا الا من رواية
عطاء بن السائب (قلت) وعطاء ضعيف لا يحتج به والله أعلم: أما حكم المسألة فقال أصحابنا لا تكره
الصلاة بمكة في هذه الأوقات سواء في ذلك صلاة الطواف وغيرها هذا هو الصحيح المشهور
عندهم وفيه وجه انه إنما تباح صلاة الطواف حكاه الخراسانيون وجماعة من العراقيين منهم الشيخ أبو حامد
والبندنيجي والماوردي وحكاه صاحب الحاوي عن أبي بكر القفال الشاشي والمذهب الأول قال صاحب
الحاوي وبه قال أبو إسحاق المروزي وجمهور أصحابنا والمراد بمكة البلدة وجميع الحرم الذي حواليها وفى وجه
179

إنما تباح في نفس البلدة دون باقي الحرم وفى وجه ثالث حكاه صاحب الحاوي عن القفال الشاشي
إنما تباح في نفس المسجد الذي حول الكعبة لا فيما سواه من بيوت مكة وسائر الحرم والصحيح
الأول صححه الأصحاب وحكاه صاحب الحاوي عن أبي إسحاق المروزي هذا تفصيل مذهبنا
وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد لا تباح الصلاة بمكة في هذه الأوقات لعموم الأحاديث دليلنا حديث
جبير والله أعلم *
(فرع) في مسائل تتعلق بالباب (إحداها) اختلف أصحابنا في أن النهي حيث ثبت في هذه
الأوقات هل هو كراهة تنزيه أم تحريم على وجهين (أحدهما) كراهة تنزيه وبه قطع جماعة تصريحا منهم
البندنيجي في آخر باب الصلاة بالنجاسة (والثاني) وهو الأصح كراهة تحريم لثبوت لأحاديث في النهى وأصل
النهي للتحريم وقد صرح بالتحريم الماوردي في كتابه الاقناع وصاحب الذخائر وغيرهما (الثانية) لو
180

أحرم بصلاة مكروهة في هذه الأوقات ففي انعقادها وجهان حكاهما الخراسانيون (أصحهما) عندهم لا تنعقد
كالصوم يوم العيد والثاني تنعقد كالصلاة في أعطان الإبل والحمام ولان هذا الوقت يقبل الصلاة في
الجملة بخلاف يوم العيد قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله ماخذ الوجهين ان النهي يعود
إلى نفس الصلاة أم إلى امر خارج قال ولا يحملنا هذا على أن نقول هي كراهة تحريم
لأنه خلاف ما دل عليه اطلاقهم وذلك أن نهى التنزيه أيضا يضاد الصحة إذا رجع إلى نفس الصلاة لأنها
لو صحت لكانت عبادة مأمورا بها والأمر والنهي راجعان إلى نفس الشئ يتناقضان كما تقرر في
أصول الفقه ولو نذر أن يصلي في هذه الأوقات فان قلنا تنعقد صح نذره وإلا فلا وإذا صح نذره فالأولى
ان يصلى في وقت آخر فان صلي فيه أجزأه كمن نذر ان يضحي بشاة يذبحها بسكين مغصوب يصح
نذره ويذبحها بغير مغصوب فان ذبح المغصوب عصي وأجزأه ولو نذر صلاة مطلقة فله أن يصليها في
هذه الأوقات بلا خلاف لان لها سببا *
181

(باب صلاة الجماعة)
* قال المصنف رحمه الله *
(اختلف أصحابنا في الجماعة فقال أبو العباس وأبو إسحاق هي فرض كفاية يجب إظهارها في الناس
فان امتنعوا من إظهارها قوتلوا عليها وهو المنصوص في الإمامة والدليل عليه ما روى أبو الدرداء
رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من ثلاثة في قرية ولابد ولا تقام فيهم الصلاة الا قد استحوذ
عليهم الشيطان عليك بالجماعة فإنما يأخذ الذئب من الغنم القاصية " ومن أصحابنا من قال هي سنة لما روى أبو هريرة
رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمس
وعشرين درجة ") *
182

(الشرح) حديث أبي الدرداء رواه أبو داود والنسائي باسناد صحيح وحديث أبي هريرة رواه
البخاري ومسلم واسم أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس وقيل اسمه عامر ولقبه عويمر وهو أنصاري
خزرجي شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بعد أحد من المشاهد واختلف في شهوده أحدا
وكان فقيها حكيما زاهدا ولى قضاء دمشق لعثمان توفى بدمشق سنة احدى وقيل ثنتين وثلاثين وقبره
بباب الصغير وقوله صلى الله عليه وسلم ولا بد وهو البادية واستحوذ أي استولى وغلب والقاصية
المنفردة وفى حديث أبي هريرة بخمس وعشرين درجة وفى رواية في الصحيح بسبع وعشرين درجة
والجمع بينهما من ثلاثة أوجه (أحدها) أنه لا منافاة فذكر القليل لا ينفى الكثير ومفهوم العدد باطل عند
الأصولين (الثاني) أن يكون أخبر أولا بالقليل ثم أعلمه الله تعالى بزيادة الفضل فأخبر بها (الثالث) انه
يختلف باختلاف أحوال المصلين والصلاة وتكون لبعضهم خمس وعشرون ولبعضهم سبع وعشرون
بحسب كمال الصلاة ومحافظته على هيئاتها وخشوعها وكثرة جماعتها وفضلهم وشرف البقعة ونحو ذلك
والله أعلم * اما حكم المسألة فالجماعة مأمور بها للأحاديث الصحيحة المشهورة واجماع المسلمين وفيها ثلاثة أوجه
لأصحابنا (أحدها) انها فرض كفاية (والثاني) سنة وذكر المصنف دليلهما (والثالث) فرض عين لكل ليست
183

بشرط لصحة الصلاة وهذا الثالث قول اثنين من كبار أصحابنا المتمكنين في الفقه والحديث وهما أبو بكر
ابن خزيمة وابن المنذر قال الرافعي وقيل إنه قول للشافعي والصحيح أنها فرض كفاية وهو الذي نص
عليه الشافعي في كتاب الإمامة كما ذكره المصنف * وهو قولي شيخي المذهب ابن سريج وأبي
184

اسحق وجمهور أصحابنا المتقدمين وصححه أكثر المصنفين وهو الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة
وصححت طائفة كونها سنة منهم الشيخ أبو حامد فإذا قلنا إنها فرض كفاية فامتنع أهل بلد أو قرية من اقامتها
قاتلهم الامام ولم يسقط عنهم الحرج الا إذا أقاموها بحيث يظهر هذا الشعار فيهم ففي القرية الصغيرة
يكفي اقامتها في موضع واحد وفى البلدة والقرية الكبيرة يجب اقامتها في مواضع بحيث يظهر في المحال
وغيرها فلو اقتصروا على اقامتها في البيوت فوجهان (أصحهما) وهو قول أبى اسحق المروزي لا يسقط
الحرج عنهم لعدم ظهورها (والثاني) يسقط إذا ظهرت في الأسواق واختاره (1) اما إذا

(1) بياض الأصل فحرر
185

قلنا إنها سنة فهي سنة متأكدة قال أصحابنا يكره تركها صرح به الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وآخرون
فعلى هذا لو اتفق أهل بلد أو قرية على تركها فهل يقاتلون فيه وجهان (أصحهما) لا يقاتلون كسنة الصبح
والظهر وغيرهما وبهذا قطع البندنيجي (والثاني) يقاتلون لأنه شعار ظاهر وقد سبق بيان الوجهين في
باب الأذان وهما جاريان في الأذان والجماعة والعيد إذا قلنا إنها سنن *
(فرع) لو أقام الجماعة طائفة يسيرة من أهل البدو أظهروها في كل البلد ولم يحضرها جمهور
المقيمين في البلد حصلت الجماعة ولا اثم على المتخلفين كما إذا صلي على الجنازة طائفة يسيرة هكذا
186

قاله غير واحد وظاهر الحديث الصحيح في الهم بتحريق بيوت المتخلفين عن الجماعة يخالف هذا ولكن
هم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريقهم ولم يفعل ولو كان واجبا لما تركه والله أعلم *
(فرع) في أهل البوادي قال امام الحرمين عندي فيهم نظر يحتمل ان يقال لا يتعرضون
لهذا الفرض بل يكون سنة في حقهم ويحتمل ان يقال يتعرضون له إذا كانوا ساكنين قال ولا شك
ان المسافرين لا يتعرضون لهذا الفرض قال وكذا إذا قل عدد ساكني قرية هذا كلام امام الحرمين
والمختاران أهل البوادي الساكنين والعدد القليل في القرية يتوجه عليهم فرض الكفاية في الجماعة
للحديث الصحيح السابق عن أبي الدرداء " ما من ثلاثة في قرية ولا بدو " *
187

(فرع) قال أصحابنا لا تكون الجماعة في حق النساء فرض عين ولا فرض كفاية ولكنها مستحبة لهن
ثم فيه وجهان (أحدهما) يستحب لهن استحبابا كاستحباب الرجال (وأصحهما) وبه قطع الشيخ أبو حامد
وغيره لا تتأكد في حقهن كتأكدها في حق الرجال فلا يكره لهن تركها وان كره للرجال مع
قولنا هي لهم سنة قال الشافعي والأصحاب ويؤمر الصبي بحضور المساجد وجماعات الصلاة ليعتادها
(فرع) الخلاف المذكور في أن الجماعة فرض كفاية أم سنة هو في المكتوبات الخمس
المؤديات اما الجمعة ففرض عين واما المنذورة فلا تشرع فيها الجماعة بلا خلاف واما النوافل فسبق
188

في باب صلاة التطوع ما يشرع له الجماعة وما لا يشرع وذكرنا في آخر ذلك الباب ان ما لا يشرع
له الجماعة منها لو فعل جماعة لم يكره وبسطنا دليله اما المقضية من المكتوبات فليست الجماعة فيها
فرض عين ولا كفاية بلا خلاف ولكن يستحب الجماعة في المقضية التي يتفق الإمام والمأموم فيها
بان يفوتهما ظهر أو عصر ودليله الأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فاتته هو
وأصحابه صلاة الصبح صلاها بهم جماعة قال القاضي عياض في شرح صحيح مسلم لا خلاف بين العلماء
في جواز الجماعة في القضاء الا ما حكى عن الليث بن سعد من منع ذلك وهذا المنقول عن الليث ان
صح عنه مردود بالأحاديث الصحيحة واجماع من قبله واما القضاء خلف الأداء والأداء خلف
القضاء وقضاء صلاة خلف من يقضي غيرها فكله جائز عندنا الا ان الانفراد بها أفضل للخروج
من خلاف العلماء فان في كل ذلك خلافا للسلف سنذكره في بابه إن شاء الله تعالى *
(فرع) في مذاهب العلماء في حكم الجماعة في الصلوات الخمس قد ذكرنا أن مذهبنا الصحيح
انها فرض كفاية وبه قال طائفة من العلماء وقال عطاء والأوزاعي واحمد وأبو ثور وابن المنذر هي
فرض على الأعيان ليست بشرط للصحة وقال داود هي فرض على الأعيان وشرط في الصحة وبه
قال بعض أصحاب احمد وجمهور العلماء على أنها ليست بفرض عين واختلفوا هل هي فرض كفاية
أم سنة وقال القاضي عياض ذهب أكثر العلماء إلى أنها سنة مؤكدة لا فرض كفاية واحتج لمن
قال فرض عين بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان أثقل الصلاة
على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لاتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة
189

فتقام ثم آمر رجلا فيصلى
بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون
الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار " رواه البخاري ومسلم: وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال " من سره
ان يلقى الله تعالى غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فان الله تعالى شرع لنبيكم
صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وانهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف
في بيته لتركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها
الا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف " رواه
مسلم وعن أبي هريرة قال " اتي النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله ليس لي قائد
يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما
ولي دعاه فقال له هل تسمع النداء بالصلاة قال نعم قال فأجب " رواه مسلم وعن ابن أم مكتوم رضى
190

الله عنه انه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى رجل ضرير البصر شاسع الدار ولي
قائد لا يلازمني فهل لي رخصة ان أصلي في بيتي قال هل تسمع النداء قال نعم قال لا أجد لك رخصة "
رواه أبو داود باسناد صحيح أو حسن وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " من سمع المنادى فلم يمنعه من اتباعه عذر - قالوا وما العذر قال خوف أو مرض - لم تقبل منه الصلاة التي
صلى " رواه أبو داود باسناد ضعيف وعن جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا صلاة لجار
المسجد الا في المسجد " وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله رواهما الدارقطني وعن علي
ابن أبي طالب رضي الله عنه موقوفا عليه " لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد " رواه البيهقي (واحتج)
أصحابنا والجمهور على أنها ليست بفرض عين بقوله صلى الله عليه وسلم " صلاة الجماعة أفضل من صلاة
الفذ بسبع وعشرين درجة " رواه البخاري ومسلم من رواية ابن عمر وروياه من رواية أبي هريرة وقال
" بخمس وعشرين درجة " ورواه البخاري أيضا من رواية أبي سعيد قالوا ووجه الدلالة أن المفاضلة إنما تكون
191

حقيقتهما بين فاضلين جائزين (والجواب) عن حديث الهم بتحريق بيوتهم من وجهين (أحدهما) جواب
الشافعي وغيره أن هذا ورد في قوم منافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون فرادى وسياق الحديث
يؤيد هذا التأويل وقوله في حديث ابن مسعود رأيتنا وما يتخلف عنها الا منافق صريح في هذا
التأويل (والثاني) أنه صلى الله عليه وسلم قال لقد هممت ولم يحرقهم ولو كان واجبا لما تركه (فان قيل) لو لم
يجز التحريق لماهم به (قلنا) لعله هم به بالاجتهاد ثم نزل وحي بالمنع منه أو تغير الاجتهاد وهذا تفريع على
الصحيح في جواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم واما حديث ابن مسعود فليس فيه تصريح بأنها
فرض عين وإنما فيه بيان فضلها وكثرة محافظته عليها واما حديث الأعمى فجوابه ما أجاب به الأئمة
الحفاظ الفقهاء أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة والحاكم وأبو عبد الله والبيهقي قالوا لا دلالة فيه لكونها
فرض عين لان النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعتاب حين شكا بصره ان يصلى في بيته وحديثه
في الصحيحين قالوا وإنما معناه لا رخصة لك تلحقك بفضيلة من حضرها واما حديث ابن عباس فتقدم
بيان ضعفه واما حديث جابر وأبي هريرة فضعيفان في اسنادهما ضعيفان وأحدهما مجهول وهو محمد
192

ابن سكين قال ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل في ترجمة محمد بن سكين سمعت أبي يقول هذا
حديث منكر ومحمد بن سكين مجهول وذكر البخاري هذا الحديث في تاريخه ثم قال وفى اسناده
نظر وضعفه البيهقي أيضا وغيره من الأئمة والله أعلم (واحتج) أصحابنا في كونها فرض كفاية وردا على
من قال إنها سنة بحديث مالك بن الحويرث قال " أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون
فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رسول الله صلى الله عليه رحيما رفيقا فظن أنا اشتقنا أهلنا فسألنا عن
من تركنا من أهلنا فأخبرناه فقال ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم فإذا حضرت
الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم " رواه البخاري ومسلم وبحديث أبي الدرداء السابق
" ما من ثلاثة في قرية ولا بدو " الحديث والله أعلم *
(فرع) في الإشارة إلى بعض الأحاديث الصحيحة الواردة في فضل صلاة الجماعة فمنها حديث
" صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة " وهو في الصحيحين كما سبق وعن أبي هريرة
رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن
يستهموا عليه لاستهموا عليه ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لاتوهما ولو
حبوا " رواه البخاري ومسلم - التهجير التكبير إلى الصلاة - وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول " من صلي العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة
193

فكأنما صلى الليل كله " رواه مسلم وفي رواية الترمذي ومن صلي العشاء والفجر في جماعة *
(فرع) آكد الجماعات في غير الجمعة الصبح والعشاء للحديثين السابقين في الفرع قبله
(فرع) في الإشارة إلى بعض الأحاديث الصحيحة في فضل المشي إلى المساجد وكثرة الخطأ
وانتظار الصلاة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من غدا إلى المسجد أو راح أعد
الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح " رواه البخاري ومسلم وعن أبي موسى قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " ان أعظم الناس أجرا في الناس أبعدهم إليها مشيا والذي ينتظر الصلاة حتى
يصليها مع الامام أعظم أجرا من الذي يصليها ثم ينام " رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تطهر في بيته ثم مشي إلى بيت من بيوت الله
ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة " رواه مسلم
وعن جابر بن عبد الله قال " كانت ديارنا نائية عن المسجد فأردنا أن نبيع بيوتنا فنقرب من المسجد
فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن لكم بكل خطوة درجة " رواه مسلم وعن أبي بن كعب
رضي الله عنه قال كان رجل لا أعلم رجالا أبعد من المسجد منه وكان لا تخطيه صلاة فقيل له أو قلت
له اشتريت حمارا تركبه في الظلماء وفى الرمضاء قال ما يسرني ان منزلي إلى جنب المسجد انى أريد
194

أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد جمع الله لك ذلك كله " رواه مسلم وعن جابر قال " أراد بنو سلمة ان ينتقلوا إلى قرب المسجد فبلغ ذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم إنه بلغني انكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد قالوا نعم
يا رسول الله وقد أردنا ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم
دياركم تكتب آثاركم " رواه مسلم وذكره البخاري بمعناه من رواية أنس وعن أبي هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاة ما لم يحدث اللهم
اغفر له اللهم ارحمه لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله الا
الصلاة " رواه البخاري ومسلم وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل
الا ظله الإمام العادل وشاب نشأ في عبادة ربه ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله
اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين
ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه "
رواه البخاري ومسلم وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الا أدلكم على ما يمحو الله به
الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلي يا رسول الله قال " إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطأ إلى
المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط " رواه مسلم وعنه قال " قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين
درجة " وذلك أن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتي المسجد لا تهزه الا الصلاة لا يريد إلا الصلاة
195

فلم يخط خطوة الا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد فإذا دخل المسجد
كان في صلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلي
فيه يقولون اللهم ارحمه اللهم اغفر له اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه " رواه البخاري
ومسلم وهذا الفظ مسلم والأحاديث في المسألة كثيرة مشهورة وفيما أشرت إليه أبلغ كفاية واما
فضل الصلوات فقد ذكرت جملة من الأحاديث الواردة فيه في آخر الباب الأول من كتاب الصلاة
وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله *
(وأقل الجماعة اثنان امام ومأموم لما روى أبو موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " الاثنان فما فوقهما جماعة ") *
(الشرح) هذا الحديث رواه ابن ماجة والبيهقي باسناد ضعيف جدا ورواه البيهقي أيضا من
رواية أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم باسناد ضعيف ويغنى عنه حديث مالك بن الحويرث قال
" أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي فلما أردنا الاقفال من عنده قال لنا إذا حضرت
الصلاة فاذنا ثم أقيما وليؤمكما أكبركما " رواه البخاري ومسلم قال أصحابنا أقل الجماعة اثنان امام ومأموم
فإذا صلي رجل برجل أو بامرأة أو أمته أو بنته أو غيرهم أو بغلامه أو بسيدته أو بغيرهم حصلت
لهما فضيلة الجماعة التي هي خمس أو سبع وعشرون درجة وهذا لا خلاف فيه ونقل الشيخ أبو حامد
وغيره فيه الاجماع * قال المصنف رحمه الله *
196

(وفعلها للرجال في المسجد أفضل لأنه أكثر جمعا وفى المساجد التي يكثر فيها الناس أفضل
لما روى أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته
وحده وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله
تعالى " فإن كان في جواره مسجد مختل ففعلها في مسجد الجوار أفضل من فعلها في المسجد الذي
يكثر الناس فيه لأنه إذا صلى في مسجد الجوار حصلت الجماعة في موضعين واما النساء فجماعتهن
في البيوت أفضل لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا
نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن " فان أرادت المرأة حضور المساجد مع الرجال فإن كانت شابة
أو كبيرة تشتهي كره لها الحضور وإن كانت عجوز الا تشتهي لم يكره لما روى أن النبي صلى
الله عليه وسلم نهي النساء عن الخروج الا عجوزا في منقليها) *
(الشرح) حديث أبي رواه أبو داود باسناد فيه رجل لم يبينوا حاله ولم يضعفه أبو داود وأشار
علي بن المديني والبيهقي وغيرهما إلى صحته وحديث ابن عمر صحيح رواه أبو داود بلفظه هذا باسناد
صحيح على شرط البخاري وحديث العجوز في منقليها غريب ورواه البيهقي باسناد ضعيف موقوفا
على ابن مسعود قال " ما صلت امرأة أفضل من صلاة في بيتها الا مسجدي مكة والمدينة الا عجوزا
في منقليها " والمنقلان الخفان هذا هو الصحيح المعروف عند أهل اللغة وذكر امام الحرمين انهما
197

الخفان الخلقان وهما - بفتح الميم وكسرها - لغتان والفتح أشهر وقد أو صحتها في التهذيب * أما الأحكام
ففيه مسائل (إحداها) قال الشافعي في المختصر والأصحاب فعل الجماعة للرجل في المسجد أفضل من
فعلها في البيت والسوق وغيرهما لما ذكرناه من الأحاديث في فضل المشي إلى المسجد ولأنه أشرف
ولان فيه إظهار شعار الجماعة فإن كان هناك مساجد فذهابه إلى أكثرها جماعة أفضل للحديث
المذكور فلو كان بجواره مسجد قليل الجمع وبالبعد منه مسجد أكثر جمعا فالمسجد البعيد أولي
الا في حالتين (أحدهما) أن تتعطل جماعة القريب لعدو له عنه لكونه اماما أو يحضر الناس بحضوره
فحينئذ يكون القريب أفضل (الثاني) أن يكون امام البعيد مبتدعا كالمعتزلي وغيره أو فاسقا أو لا يعتقد
وجوب بعض الأركان فالقريب أفضل وحكى الخراسانيون وجها ان مسجد الجوار أفضل بكل
حال والصحيح الذي قطع به الجمهور هو الأول فإن كان مسجد الجوار لاجماعه فيه ولو حضر هذا
الانسان فيه لم يحصل جماعة ولم يحضر غيره فالذهاب إلى مسجد الجماعة أفضل بالاتفاق (المسألة
الثانية) يسن الجماعة للنساء بلا خلاف عندنا لكن هل تتأكد في حقهن كتأكدها في حق الرجال
فيه الوجهان السابقان (أصحهما) المنع وامامة الرجل بهن أفضل من امامة امرأة لأنه أعرف بالصلاة
ويجهر بالقراءة بكل حال ليكن لا يجوز أن يخلو واحدة بامرأة إن لم يكن محرما كما سنوضحه مبسوطا بدليله
في باب صفة الأئمة حيث ذكره المصنف إن شاء الله تعالى (الثالثة) جماعة النساء في البيوت أفضل من حضورهن
المساجد للحديث المذكور قال أصحابنا وصلاتها فيما كان من بيتها أستر أفضل لها لحديث عبد الله
ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها
في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها " رواه أبو داود باسناد صحيح على شرط مسلم وان أرادت المرأة
حضور المسجد للصلاة قال أصحابنا إن كانت شابة أو كبيرة تشتهي كره لها وكره لزوجها ووليها
تمكينها منه وإن كانت عجوزا لا تشتهى لم يكره وقد جاءت أحاديث صحيحة تقتضي هذا التفصيل
منها ما روى عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد
198

فلا يمنعها " رواه البخاري ومسلم ولفظه لمسلم وفى رواية لهما " إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد
فأذنوا لهن " وعنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " رواه مسلم
وعن عائشة قالت " لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما
منعت نساء بني إسرائيل " رواه البخاري ومسلم *
(فرع) يستحب للزوج ان يأذن لها إذا استأذنته إلى المسجد للصلاة إذا كانت عجوزا
لا تشتهي وامن المفسدة عليها وعلى غيرها للأحاديث المذكورة فان منعها لم يحرم عليه هذا مذهبنا
قال البيهقي وبه قال عامة العلماء ويجاب عن حديث " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " بأنه نهى تنزيه لان حق الزوج
في ملازمة المسكن واجب فلا تتركه للفضيلة *
(فرع) إذا أرادت المرأة حضور المسجد كره لها أن تمس طيبا وكره أيضا الثياب الفاخرة
لحديث زينب الثقفية امرأة ابن مسعود رضي الله عنه وعنها قالت " قال لنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم " إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا " رواه مسلم وعن أبي هريرة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات " رواه أبو
داود باسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم وتفلات - بفتح التاء المثناة فوق وكسر الفاء - أي
تاركات الطيب *
(فرع) في مذاهب العلماء في الجماعة للنساء: قد ذكرنا أن مذهبنا استحبابها لهن قال الشيخ
أبو حامد كل صلاة استحب للرجال الجماعة فيها استحب الجماعة فيها للنساء فريضة كانت أو نافلة
وحكاه ابن المنذر عن عائشة وأم سلمة وعطاء والثوري والأوزاعي واحمد واسحق وأبى ثور قال
وقال سليمان بن يسار والحسن البصري ومالك لا تؤم المرأة أحدا في فرض ولا نفل قال وقال
أصحاب الرأي يكره ويجزيهن قال وقال الشعبي والنخعي وقتادة تؤمهن في النفل دون الفرض
(واحتج) أصحابنا بحديث أم ورقة " ان النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تؤم أهل دارها " رواه أبو داود
ولم يضعفه وعن ربطة الحنفية قالت " أمتنا عائشة فقامت بينهن في الصلاة المكتوبة " وعن حجيرة قالت
" أمتنا أم سلمة في صلاة العصر فقامت بيننا " رواهما الدارقطني والبيهقي باسنادين صحيحين *
199

(فرع) في مذاهبهم في حضور العجوز التي لا تشتهي المسجد للصلاة: قد ذكرنا أن مذهبنا انه
لا يكره ذلك في شئ من الصلاة قال العبدري وبه قال أكثر الفقهاء * وقال أبو حنيفة يكره الا في الفجر
والعشاء والعيد دليلنا عموم الأحاديث الصحيحة في النهى عن منعهن المساجد *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا تصح الجماعة حتى ينوى المأموم الجماعة لأنه يريد أن يتبع غيره فلا بد من نية الاتباع فان
رأى رجلين يصليان على الانفراد فنوى الائتمام بهما لم تصح صلاته لأنه لا يمكنه ان يقتدى بهما في
وقت واحد وان نوى الاقتداء بأحدهما بغير عينه لم تصح صلاته لأنه إذا لم يعين لا يمكنه الاقتداء وإن كان
أحدهما يصلي بالآخر فنوى الاقتداء بالمأموم لم تصح صلاته لأنه تابع لغيره فلا يجوز ان يتبعه غيره
وان صلي رجلان فنوى كل واحد منهما انه هو الامام لم تبطل صلاته لان كل واحد منهما يصلي لنفسه
وان نوى كل واحد منهما انه مؤتم بالآخر لم تصح صلاته لان كل واحد منهما إئتم بمن ليس بامام) *
(الشرح) اتفق نص الشافعي والأصحاب على أنه يشترط لصحة الجماعة ان ينوى المأموم
الجماعة والاقتداء والائتمام قالوا وتكون هذه النية مقرونة بتكبيرة الاحرام كسائر ما ينويه فإن لم ينو في
الابتداء وأحرم منفردا ثم نوى الاقتداء في أثناء صلاته ففيه خلاف ذكره المصنف بعد هذا وإذا
ترك نية الاقتداء والانفراد وأحرم مطلقا انعقدت صلاته منفردا فان تابع الامام في أفعاله من غير
200

تجديد نية فوجهان حكاهما القاضي حسين في تعليقه والمتولي وآخرون (أصحهما) وأشهرهما تبطل صلاته
لأنه ارتبط بمن ليس بامام له فأشبه الارتباط بغير المصلي وبهذا قطع البغوي
وآخرون والثاني لا تبطل لأنه أتى بالأركان على وجهها وبهذا قطع الأكثرون فان
قلنا لا تبطل صلاته كان منفردا ولا يحصل له فضيلة الجماعة بلا خلاف صرح به المتولي وغيره وان
قلنا تبطل صلاته فإنما تبطل إذا انتظر ركوعه وسجوده وغيرهما ليركع ويسجد معه وطال انتظاره
فاما إذا اتفق انقضاء فعله مع انقضاء فعله أو انتظره يسيرا جدا فلا تبطل بلا خلاف ولو شك في أثناء
صلاته في نية الاقتداء لم تجز له متابعته الا ان ينوى الآن المتابعة وحيث قلنا بجواز الاقتداء في أثناء الصلاة
لان الأصل عدم النية فان تذكر انه كان نوى قال القاضي حسين والمتولي وغيرهما حكمه حكم من شك
في نية أصل الصلاة فان تذكر قبل أن يفعل فعلا على خلاف متابعة الامام وهو شاك لم يضره وان تذكر
بعد أن فعل فعلا على متابعته في الشك بطلت صلاته إذا قلنا بالأصح ان المنفرد تبطل صلاته بالمتابعة
لأنه في حال شكه له حكم المنفرد وليس له المتابعة حتى قال أصحابنا لو عرض له هذا الشك في التشهد الأخير
لا يجوز ان يقف سلامه على سلام الامام اما إذا اقتدى بامام فسلم من صلاته ثم شك هل كان نوى الاقتداء
فلا شئ عليه وصلاته ماضية على الصحة هذا هو المذهب وذكر القاضي حسين في تعليقه ان فيه الخلاف
السابق فيمن شك بعد فراغه من الصلاة هل ترك ركنا من صلاته أم لا وهذا ضعيف والله أعلم * اما
إذا نوى الاقتداء بمأموم أو نوى الاقتداء باثنين منفردين أو بأحدهما لا بعينه فصلاته باطلة لما ذكره
المصنف ولو صلي رجلان كل واحد منهما نوى انه مأموم فصلاتهما باطلة وان نوى كل واحد منهما انه
امام صحت صلاتهما لما ذكره المصنف ولو شك كل واحد منهما في أثناء الصلاة أو بعد فراغهما في أنه
امام أم مأموم فصلاتهما باطلتان بالاتفاق ذكره البندنيجي والقاضي حسين وصاحب البيان وغيرهم
لاحتمال ان كل واحد نوى الاقتداء بالآخر ولو شك أحدهما انه امام أو مأموم وعلم الآخر انه امام
أو منفرد فصلاة الأول باطله وصلاة الثاني صحيحة وان ظن الثاني انه مقتد بالأول فصلاته باطلة أيضا
201

والله أعلم ولو اقتدى بمأموم وظنه اماما بان رأى رجلين يصليان وقد خالفا سنة الوقف فوقف المأموم
عن يسار الامام فطريقان (المشهور) منهما الجزم ببطلان صلاته وبهذا قطع البندنيجي وصاحب البيان
وآخرون (والثاني) قاله القاضي حسين يخرج على الوجهين فيما لو تابع من لم ينو الاقتداء به لأنه وقف
أفعاله على أفعاله قال وهو مشكل لان من صلي خلف محدث لم يعلم حدثه صحت صلاته وإن كان قد
وقف فعله على فعله قلت الأصح هنا أنه يلزمه الإعادة لأنه مفرط بخلاف من صلي خلف المحدث
(فرع) قد ذكرنا أنه لا يصح الاقتداء بالمأموم وهذا مجمع عليه نقل الأصحاب فيه الاجماع
وحكى صاحب البيان عن أصحابنا انهم نقلوا الاجماع على أنه لا يصح قال أصحابنا واما ما ثبت في
الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم " صلي في مرضه وكان أبو بكر يقتدى بصلاة النبي صلى الله عليه
وسلم والناس يقتدون بصلاة أبى بكر " فمعناه الجميع كانوا مقتدين بالنبي صلى الله عليه وسلم ولكن
أبو بكر يسمعهم التكبير وقد جاء هذا اللفظ مصرحا به في روايتين في صحيح مسلم قال
وأبو بكر يسمعهم التكبير
(فرع) في اشتراط نية الاقتداء في صلاة الجمعة وجهان حكاهما الرافعي (الصحيح) المشهور
الاشتراط كغيرها والثاني لا يشترط لأنها لا تصح الا في جماعة فلم يحتج إلى نيتها *
(فرع) لا يجب على المأموم تعيين الامام في نيته بل يكفيه نية الاقتداء بالامام الحاضر أو
امام هذه الجماعة فلو عين وأخطأ نظر إن لم يشر إلى الامام بان نوى الاقتداء بزيد وهو يظن الامام
زيدا فبان عمرا لم تصح صلاته لأنه اقتدى بغائب وهو كمن عين الميت في صلاة الجنازة وأخطأ
لا تصح صلاته وكمن نوى العتق عن كفارة ظهاره فكان الذي عليه كفارة قتل لا تجزئه وان
نوى الاقتداء بزيد هذا الامام فكان عمرا ففي صحة اقتدائه به وجهان لتعارض إشارته وتسميته
والأصح صحة الاقتداء ونظيره لو قال بعتك هذا الفرس فكان بغلا وفيه خلاف مشهور والله أعلم
(فرع) ينبغي للامام ان ينوى الإمامة فإن لم ينوها صحت صلاته وصلاة المأمومين وفي
وجه غريب حكاه الرافعي عن حكاية أبي الحسن العبادي عن أبي حفص البابشامي والقفال
انهما قالا يجب على الامام نية الإمامة وأشعر كلام العبادي بأنهما يشترطانها في صحة الاقتداء
202

والصواب ان نية الإمامة لا تجب ولا تشترط لصحة الاقتداء وبه قطع جماهير أصحابنا وسواء اقتدى
به رجال أم نساء لكن يحصل فضيلة الجماعة للمأمومين وفى حصولها للامام ثلاثة أوجه (أصحها)
وأشهرها لا تحصل وبه قطع الشيخ أبو محمد الجويني والفوراني وآخرون لان الأعمال بالنيات (والثاني)
تحصل لأنها حاصله لمتابعيه فوجب ان تحصل له (والثالث) قاله القاضي حسين ان علمهم ولم ينو الإمامة
لم تحصل وإن كان منفردا ثم اقندوا به ولم يعلم اقتداءهم حصل له ثواب الجماعة قال الرافعي ومن فوائد
الخلاف انه إذا لم ينو الإمامة في صلاة الجمعة هل تصح جمعته فالأصح انها لا تصح ولو نوى الإمامة
وعين المقتدى فبان خلافه لم يضر لان غلطه لا يزيد على ترك النية ولأنه لا يربط صلاته
بصلاته والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في نية الإمامة: ذكرنا أن المشهور من مذهبنا انه لا يشترط لصحة
الجماعة وبه قال مالك وآخرون وقال الأوزاعي والثوري واسحق تجب وعن أحمد روايتان كالمذهبين
وقال أبو حنيفة وصاحباه ان صلى برجل لم تجب وان صلى بامرأة أو نساء وجبت *
* قال المصنف رحمه الله *
(وتسقط الجماعة بالعذر وهو أشياء منها المطر والوحل والريح الشديدة في الليلة المظلمة والدليل
عليه ما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال " كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وكانت
ليلة مظلمة أو مطيرة نادى مناديه ان صلوا في رحالكم) *
(الشرح) حديث ابن عمر رواه البخاري ومسلم ولفظ رواية البخاري أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم " كان يأمر مؤذنا يؤذن ثم يقول على أثره الا صلوا في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة
في السفر " وفى رواية لمسلم " يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول الا صلوا في الرحال " قال
الأزهري وغيره الرحال المنازل سواء كانت من مدر أو شعر ووبر أو غير ذلك وتقدم في باب
الأذان أن هذا الكلام يقال في أثناء الأذان أم بعده والوحل - بفتح الحاء - على اللغة المشهورة
قال الجوهري يقال باسكانها في لغة رديئة * اما حكم المسألة فقال أصحابنا تسقط الجماعة بالاعذار
سواء قلنا إنها سنة أم فرض كفاية أم فرض عين لأنا وان قلنا إنها سنة فهي سنة متأكدة يكره
تركها كما سبق بيانه فإذا تركها لعذر زالت الكراهة وليس معناه أنه إذا ترك الجماعة لعذر تحصل
له فضيلتها بل لا تحصل له فضيلتها بلا شك وإنما معناه سقط الاثم والكراهة واتفق أصحابنا على
203

أن المطر وحده عذر سواء كان ليلا أو نهارا وفى الوحل وجهان (الصحيح) الذي قطع به المصنف
والجمهور انه عذر وحده سواء كان بالليل أو النهار (والثاني) ليس بعذر حكاه جماعة من الخراسانيين
(فرع) البرد الشديد عذر في الليل والنهار وشدة الحر عذر في الظهر والثلج عذر ان بل الثوب
والريح الباردة عذر في الليل دون النهار قال الرافعي ويقول بعض الأصحاب الريح الباردة في الليلة
المظلمة قال وليس ذلك على سبيل اشتراط الظلمة *
* قال المصنف رحمه الله *
(ومنها أن يحضر الطعام ونفسه تتوقه أو يدافع الأخبثين لما روت عائشة رضي الله عنها قالت
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان ") *
(الشرح) حديث عائشة رواه مسلم بهذا اللفظ والأخبثان البول والغائط ويقال حضره فلان
- بفتح الحاء وضمها وكسرها - ثلاث لغات مشهورات وهذا الأمران عذران يسقط كل واحد منهما
الجماعة بالاتفاق وكذا ما كان في معناهما قال أصحابنا يكره أن يصلي في هذه الأحوال وقد سبقت المسألة
في آخر باب ما يفسد الصلاة مبسوطة وحضور الشراب الذي يتوق إليه من ماء وغيره كحضور
الطعام ومدافعة الريح كمدافعة البول والغائط *
204

* قال المصنف رحمه الله *
(ومنها ان يخاف ضررا في نفسه أو ماله أو يكون به مرض يشق معه القصد والدليل عليه
ما روى ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له الا من عذر قالوا
يا رسول الله وما العذر قال خوف أو مرض " ومنها أن يكون قيما لمريض يخاف ضياعه لان حفظ الادمي
أفضل من حفظ الجماعة ومنها أن يكون له قريب مريض يخاف موته لأنه يتألم بذلك أكثر
مما يتألم بذهاب المال) *
(الشرح) حديث ابن عباس رواه أبو داود وغيره وفى اسناده رجل ضعيف مدلس ولم
يضعفه أبو داود قال أصحابنا ومن الاعذار في ترك الجماعة أن يكون به مرض يشق معه القصد وإن كان
يمكن عليه ضررا في ذلك وحرجا وقد قال الله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) فإن كان
مرض يسير لا يشق معه القصد كوجع ضرس وصداع يسير وحمى خفيفة فليس بعذر وضبطوه
بان تلحقه مشقة كمشقة المشي في المطر ومنها أن يكون ممرضا لمريض يخاف ضياعه فإن كان له غيره
يتعهده لكنه يتعلق قلبه به فوجهان حكاهما جماعة منهم صاحب البيان (أصحهما) أنه عذر لان مشقة
تركه أعظم من مشقة المطر ولأنه يذهب خشوعه (والثاني) ليس بعذر لأنه لا يخاف عليه وسواء كان
هذا المريض قريبا أو صديقا وكذلك إن كان غريبا لا معرفة له به وخاف ضياعه ومنها أن يكون
له قريب أو صديق يخاف موته ودليله ما ذكره المصنف ومنها أن يخاف على نفسه أو ماله أو على من يلزمه
الذب عنه من سلطان أو غيره ممن يظلمه أو يخاف من غريم له يحبسه أو يلازمه وهو معسر فيعذر
بذلك ولا عبرة بالخوف ممن يطالبه بحق هو ظالم في منعه بل عليه توفية الحق والحضور قال أصحابنا
ويدخل في الخوف على المال ما إذا كان خبزه في التنور وقدره على النار وليس هناك من يتعهدهما وكذا
لو كان له عبد فابق أو دابة فشردت أو زوجة نشزت أو نحو ذلك ويرجو تحصيله بالتأخر له قال الشافعي
والأصحاب ومن الاعذار أن يكون عليه قصاص ولو ظفر به المستحق لقتله ويرجوا انه لو غيب وجهه أياما
لذهب جزع المستحق وعفا عنه مجانا أو على مال فله التخلف بذلك وفى معناه حد القذف قال الشافعي
والشيخ أبو حامد والبندنيجي وسائر الأصحاب فإن لم يرجو العفو لو تغيب لم يجز التغيب ولم يكن
عذرا واتفقوا على أنه لا يعذر من عليه حد شرب أو سرقة أو حد زنا بلغ الامام وكذا كل مالا
205

يسقط بالتوبة واستشكل امام الحرمين جواز التغيب لمن عليه قصاص وأجاب عنه بان العفو مندوب
إليه وهذا التغييب طريق إلى العفو ومنها أن يكون عاريا لا لباس له فيعذر في التخلف سواء وجد
ساتر العورة أم لا: لان عليه مشقة في تبذله بالمشي بغير ثوب يليق به ومنها أن يريد سفرا وترتحل
الرفقة ومنها أن يكون ناشد ضالة يرجوها ان ترك الجماعة أو وجد من غصب ماله وأراد استرداده ومنها
أن يكون أكل توما أو بصلا وكراثا ونحوها ولم يمكنه إزالة الرائحة بغسل ومعالجة فان أمكنته
أو كان مطبوخا لا ريح له فلا عذر ومنها غلبة النوم والنعاس ان انتظر الجماعة فهو عذر قال صاحب الحاوي
والزلزلة عذر * قال المصنف رحمه الله *
(ويستحب لمن قصد الجماعة أن يمشي إليها وقال أبو إسحاق ان خاف فوت التكبيرة الأولى أسرع
لما روى أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه اشتد إلى الصلاة وقال بادر واحد الصلاة يعنى التكبيرة
الأولى والأول أصح لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا أقيمت الصلاة فلا
تأتوها وأنتم تسعون ولكن ائتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم تصلوا
وما فاتكم فأتموا ") *
(الشرح) حديث أبي هريرة رواه البخاري ومسلم وروى في الصحيحين " وما فاتكم فأتموا "
وفى رواية " فاقضوا " وروايات " فأتموا " أكثر قال أصحابنا السنة لقاصد الجماعة ان يمشي إليها بسكينة
ووقار سواء خاف فوت تكبيرة الاحرام وغيرها أم لا وفيه هذا الوجه لأبي إسحاق وهو ضعيف جدا
منابذ للسنة الصحيحة والسنة أن لا يعبث في مشيه إلى الصلاة ولا يتكلم بمستهجن ولا يتعاطي ما يكره
في الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم " فان أحدكم في صلاة ما دام يعمد إلى الصلاة " رواه مسلم في بعض طرق
هذا الحديث السابق *
(فرع) يستحب المحافظة على ادراك تكبيرة الاحرام مع الامام بان يتقدم إلى المسجد قبل
وقت الإقامة وجاء في فضيلة ادراكها أشياء كثيرة عن السلف منها هذا المذكور عن ابن مسعود
وأشياء عن غيره ويحتج له بقوله صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الامام ليوتم به فإذا كبر فكبروا " رواه
البخاري ومسلم ومن رواية أنس وأبي هريرة وموضع الدلالة أن الفاء عند أهل العربية للتعقيب
فالحديث صريح في الامر بتعقيب تكبيرته بتكبيرة الامام واختلف أصحابنا فيما يدرك به فضيلة تكبيرة
الاحرام على خمسة أوجه (أصحها) بان يحضر تكبير الامام ويشتغل عقبها بعقد صلاته من غير وسوسة
206

ظاهرة فان أخر لم يدركها (والثاني (يدركها ما لم يشرع الامام في الفاتحة فقط (والثالث) بان يدرك الركوع
في الركعة الأولى (والرابع) بان يدرك شيئا من القيام (والخامس) ان شغله أمر دنيوي لم يدرك بالركوع
وان منعه عذر أو سبب للصلاة كالطهارة أدرك به قال الغزالي في البسيط في الوجه الثالث والرابع هما فيمن
لم يحضر أحرام الامام فاما من حضر فقد فاته فضيلة التكبيرة وان أدرك الركعة والله أعلم *
(فرع) قد ذكرنا أن مذهبنا ان السنة لقاصد الجماعة ان يمشي بسكينة سواء خاف فوت تكبيرة
الاحرام أم لا وحكاه ابن المنذر عن زيد بن ثابت وانس واحمد وأبو ثور واختاره ابن المنذر وحكاه
العبدري عن أكثر العلماء وعن ابن مسعود وابن عمر والأسود بن يزيد وعبد الرحمن بن يزيد
وهما تابعيان وإسحاق بن راهويه أنهم قالوا إذا خاف فوت تكبيرة الاحرام أسرع دليلنا الحديث
السابق * قال المصنف رحمه الله *
(فان حضر والامام لم يحضر فإن كان للمسجد امام راتب قريب فالمستحب ان ينفذ إليه
ليحضر لان في تفويت الجماعة عليه افتياتا عليه وافسادا للقلوب وان خشي فوات أول الوقت لم
ينتظر لان النبي صلى الله عليه وسلم " ذهب ليصلح بين بنى عمرو بن عوف فقدم الناس أبا بكر رضي الله عنه
وحضر النبي صلى الله عليه وسلم وهم في الصلاة فلم ينكر عليهم ") *
(الشرح) حديث قصة بني عمرو بن عوف رواه البخاري ومسلم من رواية سهل بن سعد
الساعدي قال الشافعي والأصحاب إذا حضرت الجماعة ولم يحضر امام فإن لم يكن للمسجد امام راتب
قدموا واحدا وصلي بهم وإن كان له امام راتب فإن كان قريبا بعثوا إليه من سيعلم خبره ليحضر
أو يأذن لمن يصلي بهم وإن كان بعيدا أو لم يوجد في موضعه فان عرفوا من حسن خلقه أن لا يتأذى بتقدم
غيره ولا يحصل بسببه فتنة استحب أن يتقدم أحدهم ويصلي بهم للحديث المذكور ولحفظ أول الوقت
والأولى أن يتقدم أولاهم بالإمامة وأحبهم إلى الامام وان خافوا أذاه أو فتنة انتظروه فان طال الانتظار
وخافوا فوات الوقت كله صلوا جماعة هكذا ذكر هذه الجملة الشافعي والأصحاب *
(فرع) قال الشافعي والأصحاب وان حضر الامام وبعض المأمومين صلي بهم الامام
ولا ينتظر اجتماع الباقين لان الصلاة في أول الوقت مع جماعة قليلة أفضل من فعلها آخر الوقت
في جماعة كثيرة *
(فرع) لو جرت عادة الامام بتأخير الصلاة عن أول الوقت وفعلها في أثنائه أو أو آخره فهل
207

الأفضل أن ينتظره ليصلي معه أم يصلي في أول الوقت منفردا فيه خلاف سبق ايضاحه في باب التيمم
في مسألة تعجيل التيمم * قال المصنف رحمه الله *
(وان دخل في صلاة نافلة ثم أقيمت الجماعة فإن لم يخش فوات الجماعة أتم النافلة ثم دخل في الجماعة
وان خشي فواتها قطع النافلة لان الجماعة أفضل) *
(الشرح) هذه المسألة مشهورة عند الأصحاب على التفصيل الذي ذكره المصنف ومراده
بقوله خشي فوات الجماعة أن تفوت كلها بان يسلم من صلاته هكذا صرح به الشيخ أبو حامد والشيخ
نصر وآخرون والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
(وان دخل في فرض الوقت ثم أقيمت الجماعة فالأفضل ان يقطع ويدخل في الجماعة فان نوى الدخول
في الجماعة من غير أن يقطع صلاته ففيه قولان قال في الاملاء لا يجوز وتبطل صلاته لان تحريمته
سبقت تحريمة الامام فلم يجز كما لو حضر معه في أول الصلاة فكبر قبله وقال في القديم والجديد يجوز
وهو الأصح لأنه لما جاز أن يصلي بعض صلاته منفردا ثم يصلى اماما بان يجئ من يأتم به جاز
أن يصلى بعض صلاته منفردا ثم يصير مأموما ومن أصحابنا من قال إن كان قد ركع في حال الانفراد
لم يجز قولا واحدا لأنه يتغير ترتيب صلاته بالمتابعة والصحيح انه لا فرق لان الشافعي لم يفرق ويجوز
أن يتغير ترتيب صلاته بالمتابعة كالمسبوق بركعة) *
(الشرح) قال أصحابنا إذا دخل في فرض الوقت منفردا ثم أراد الدخول في جماعة استحب
أن يتمها ركعتين ويسلم منها فتكون نافلة ثم يدخل في الجماعة فإن لم يفعل استحب أن يقطعها ثم يستأنفها
في الجماعة هكذا نص عليه الشافعي في المختصر واتفق الأصحاب عليه في الطريقين وينكر على المصنف
كونه قال يقطع الصلاة ولم يقل يسلم من ركعتين كما قال الشافعي والأصحاب ويتأول كلامه على
أنه أراد إذا خشي فوت الجماعة لو تمم ركعتين فإنه حينئذ يستحب قطعها فلو لم يقطعها ولم يسلم بل نوي
الدخول في الجماعة واستمر في الصلاة فقد نص الشافعي في مختصر المزني على أنه يكره واتفق الأصحاب
على كراهته كما نص عليه وفى صحتها طريقان (أحدهما) لقطع ببطلانها حكاه الفوراني وغيره عن أبي بكر
الفارسي وهو مذهب مالك وأبي حنيفة (والثاني) وهو الصواب المشهور الذي أطبق عليه الأصحاب
208

وفيه قولان مشهوران (أصحهما) باتفاق الأصحاب يصح وهو نصه في معظم كتبه الجديدة (والثاني)
لا يصح نص عليه في الاملاء من كتبه الجديدة ودليلها ما ذكره المصنف ويستدل للصحة أيضا بحديث
سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم " ذهب ليصلح بين بنى عمرو بن عوف فحضرت الصلاة قبل مجئ
النبي صلى الله عليه وسلم فقدموا أبا بكر رضي الله عنه ليصلى ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم وهم في الصلاة
فتقدم فصلي بهم واقتدى به أبو بكر والجماعة " فصار أبو بكر مقتديا في أثناء صلاته واختلف أصحابنا
في موضع القولين على أربع طرق مشهورة (أحدها) القولان فيمن دخل في الجماعة بعد ركوعه منفردا فان
دخل قبل ركوعه صحت قولا واحدا (والثاني) القولان فيمن دخل فيها قبل ركوعه فان دخل فيها بعده
بطلت قولا واحدا (والثالث) القولان إذا اتفقا في الركعة كأولى أو ثانية فان اختلفا وكان الامام في ركعة
والمأموم في أخرى متقدمة أو متأخرة بطلت قولا واحدا (والرابع) وهو الصحيح أن القولين في الأحوال
كلها لوجود علتها في كل الأحوال والمذهب صحتها بكل حال وسواء اقتدى بامام أحرم بعده أم بامام
كان محرما قبل احرام هذا المقتدى قال أصحابنا ولو نوى الاقتداء في صلاة رباعية بمن يصلي ركعتين فسلم
الامام بعد فراغه فقام المقتدى واقتدى في ركعتيه الباقيتين بآخر ففيه القولان ومثله هذا الذي يعتاده
كثير من الناس يدرك الامام في صلاة التراويح فيحرم خلفه بالعشاء فإذا سلم الإمام قال المقتدى لاتمام
صلاته ثم يحرم الامام بركعتين أخريين في التراويح فيقتدى به فيهما ففي صحته القولان (أصحهما) الصحة
وهكذا لو اقتدى في كل ركعة ففيه الخلاف بالترتيب وأولي بالبطان فإذا قلنا بالصحة فاختلفا في الركعة لزم
المأموم متابعة الامام فيقعد في موضع قعوده ويقوم في موضع قيامه فان تمت صلاة الامام أولا قام المأموم بعد
سلامه لتتمة صلاته لأنه مسبوق وان تمت صلاة الامام أولا لم يجز له متابعة الامام في الزيادة بل إن شاء فارقه
عند تمامها وتشهد وسلم وتصح صلاته بلا خلاف لأنه فارقه بعذر يتعلق بالصلاة وان شاء انتظره في التشهد
وطول الدعاء حتى يلحقه الامام ثم يسلم عقبه ولو سها المأموم قبل الاقتداء لم يتحمل عنه الامام بل إذا سلم
الامام سجد هو لسهوه إن كانت تمت صلاته والا سجد عند تمامها وان سها بعد الاقتداء حمل عنه الامام
وان سها الامام قبل الاقتداء أو بعده لحق المأموم سهوه ويسجد معه ويعيده في آخر صلاته على الأظهر
كالمسبوق والله أعلم *
(فرع) ذكر المصنف هنا أن القول القديم صحة صلاة هذا المقتدى كما نص عليه في الجديد
209

وتابعه على هذا صاحب المعتمد والبيان تقليدا له والذي نقله أصحابنا عن القديم بطلان صلاته وممن نقل
ذلك صريحا الشيخ أبو حامد وصاحب الحاوي والقاضي أبو الطيب والمحاملي في التجريد والفوراني
والمتولي وآخرون وهذا هو الصواب لان نصه في القديم قال قائل يدخل مع الامام ويعتد بما مضي
ولسنا نقول بهذا.
(فرع) هذا الذي ذكره الشافعي هنا من قوله يسلم من ركعتين وتكون نافلة هو الصحيح في المذهب
وقد تقدم في صفة الصلاة في فصل النية مسائل من هذا القبيل فيها خلاف وهي مختلفة في الترجيح كما سبق
هناك وفى هذا النص واتفاق الأصحاب عليه دليل على اتفاقهم على جواز الخروج من فريضة دخل فيها
في أول وقتها للعذر واما إذا خرج منها بلا عذر فإنه يحرم عليه ذلك على المذهب الصحيح المشهور الذي
نص عليه الشافعي وقطع به الجمهور وقد سبق بيان المسألة مستقصي في باب التيمم في مسألة رؤية الماء
في أثناء الصلاة وقال المتولي إذا قلنا إن قلب فرضه نفلا لا ينقلب بل تبطل صلاته حرم عليه هنا ان
يسلم من ركعتين ليدخل في الجماعة لان فيه ابطال فرض وهذا الذي قاله المتولي غلط ظاهر مخالف
لنص الشافعي والأصحاب جميعهم على استحباب ذلك ووجهه ما ذكرناه أنه يجوز قطع الفرض لعذر
وتحصيل الجماعة عذر مهم لأنه إذا جاز قطعه لعذر دنيوي وحظ نفسه فجوازه لمصلحة الصلاة ولسبب
تكميلها أولى ثم تعليله بأنه ابطال فرض تعليل فاسد لان إبطال الفرض حاصل سواء قلنا ينقلب
نفلا أم تبطل والله أعلم *
(فرع) قد ذكرنا أن نص الشافعي والأصحاب أنه يستحب أن يسلم من ركعتين ثم يدخل
الجماعة وهذا فيما إذا كان قد بقي من صلاته أكثر من ركعتين فإن كان الباقي دون ذلك استحب ان يتمها ثم
يعيدها مع الجماعة وممن صرح بها الرافعي *
(فرع) هذا الذي سبق هو فيما إذا دخل في فرض الوقت ثم أراد جماعة فاما إذا دخل في فائته
ثم أراد الدخول في جماعة فإن كانت الجماعة تصلي تلك الفائتة فالجماعة مسنونة لها فهي كفرض الوقت
210

فيما ذكرناه وإن كانت الجماعة غير تلك الفائتة لم يجب التسليم من ركعتين ولا قطعها لتحصيل تلك الفائتة جماعة
لان الجماعة لا تشرع حينئذ كما سبق بيانه في أول الباب وممن صرح بذلك صاحب التتمة قال لان الجماعة
ليست من مصلحة هذه الصلاة ولا يجوز قطع فريضة لمراعاة مصلحة فريضة أخرى وهذا بخلاف ما لو شرع
في فائتة في يوم غيم ثم انكشف وخاف فوت الحاضرة فإنه يسلم من ركعتين ويشتغل بالحاضرة قال المتولي
ولو شرع في فريضة في آخر وقتها منفردا وأمكنه اتمامها في الوقت منفردا وحضر قوم يصلونها جماعة
وعلم أنه لو سلم من ركعتين ودخل معهم وقع بعضها خارج الوقت أو شك في ذلك حرم عليه السلام من ركعتين
لان مراعاة الوقت فرض والجماعة سنة فلا يجوز له ترك الفرض لمراعاة سنة والله أعلم *
(فرع) قال صاحب البيان إذا افتتح جماعة ثم نقلها إلى جماعة أخرى بان أحرم خلف جنب أو محدث
لم يعلم حاله ثم علم الإمام فخرج فتطهر ثم رجع فاحرم بالصلاة فالحق المأموم صلاته بصلاته ثانيا أو جاء آخر
فالحق المأموم صلاته بصلاته بعد علمه بحدث الأول قال أصحابنا يجوز ذلك قولا واحدا وتكون صلاة
المأموم انعقدت جماعة ثم صارت بعد ذلك جماعة وهذا لا خلاف فيه بخلاف من أحرم منفردا وكذلك
إذا أحدث الامام واستخلف وجوزنا الاستخلاف فان المأمومين نقلوا صلاتهم من جماعة إلى جماعة هذا
كلام صاحب البيان وذكر الشيخ أبو حامد في التعليق والمحاملي وآخرون نحوه *
(فرع) قال الشيخ أبو حامد والماوردي والقاضي أبو الطيب والمحاملي وغيرهم قلب الفرض إلى غيره أربعة
أنواع (أحدها) ان يحرم بالظهر ظانا دخول الوقت فيتبين عدمه فيقع نافلة هكذا جزموا به وهو المذهب
وفيه خلاف سبق في أول صفة الصلاة (الثاني) يحرم بفريضة ثم ينو قلبها فريضة أخرى أو منذورة فتبطل
صلاته على المذهب وقيل في انقلابها نفلا قولان سبقا (الثالث) يحرم بفريضة ثم ينوى قلبها نافلة فتبطل على
على المذهب وهو المنصوص وحكى هؤلاء المذكورون وغيرهم وجها أنه يقع نفلا (الرابع) مسألة الكتاب
وهي أن يحرم بفرض منفردا ثم يريد دخول جماعة فيقتصر على ركعتين نص الشافعي والجمهور على
وقوعها نافلة وطرد جماعة فيها الخلاف والمذهب وقوعها نافلة والفرق انه هنا معذور لتحصيل الجماعة
قال الماوردي نقل الصلاة إلى صلاة أقسام (أحدها) نقل فرض إلى فرض فلا يحصل واحد منهما (الثاني)
نقل نفل راتب إلى نفل راتب كوتر إلى سنة الفجر فلا يحصل واحد منهما (الثالث) نقل نفل إلى فرض فلا يحصل
واحد منهما (الرابع) نقل فرض إلى نفل فهذا نوعان نقل حكم كمن أحرم بالظهر قبل الزوال جاهلا فتقع نفلا
211

والثاني نفل فيه بان ينوى قلبه نفلا عامدا فيبطل فرضه والصحيح المنصوص انه لا ينقلب نفلا والله أعلم *
(فرع) لو دخل في جماعة ثم حضرت جماعة أخرى فنوى قطع الاقتداء بالامام الأول ثم نوى متابعة
الثاني ففي بطلان صلاته بقطع الاقتداء الخلاف المشهور وسنوضحه قريبا إن شاء الله تعالى والمذهب أنها لا
تبطل سواء كان لعذر أو لغيره فعلى هذا في صحة الاقتداء الثاني القولان في المسألة التي نحن فيها ذكره
المتولي وغيره وهو ظاهر والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(وان حضر وقد أقيمت الصلاة لم يشتغل عنها بنافلة لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة الا المكتوبة ") *
(الشرح) هذا الحديث رواه مسلم من رواية أبي هريرة وينكر على المصنف قوله
روى بصيغة تمريض مع أنه صحيح قال الشافعي والأصحاب إذا أقيمت الصلاة كره لكل من أراد
الفريضة افتتاح نافلة سواء كانت سنة راتبة لتلك الصلاة أو تحية مسجد أو غيرها لعموم هذا الحديث
وسواء فرغ المؤذن من إقامة الصلاة أم كان في أثنائها وسواء علم أنه يفرغ من النافلة ويدرك احرام الامام
أم لا لعموم الحديث هذا مذهبنا وبه قال عمر بن الخطاب وابنه وأبو هريرة وسعيد بن جبير وابن سيرين
وعروة بن الزبير واحمد واسحق وأبو ثور وحكي ابن المنذر عن ابن مسعود انه صلي ركعتي الفجر والامام
في المكتوبة وقالت طائفة إذا وجده في الفجر ولم يكن صلى سنتها يخرج إلى خارج المسجد فيصليها ثم يدخل
فيصلى معه الفريضة حكاه ابن المنذر عن مسروق ومكحول والحسن ومجاهد وحماد بن أبي سليمان وقال
مالك مثله إن لم يخف فوت الركعة فان خافه صلى مع الامام وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وأبو حنيفة
ان طمع ان يدرك صلاة الامام صلاهما في جانب المسجد والا فليحرم معه *
* قال المصنف رحمه الله *
(وان أدركه في القيام وخشي أن تفوته القراءة ترك دعاء الاستفتاح واشتغل بالقراءة لأنها فرض
فلا يشتغل عنه بالنفل فان قرأ بعض الفاتحة فركع الامام ففيه وجهان (أحدهما) يركع ويترك القراءة لان
متابعة الامام آكد ولهذا لو أدركه راكعا سقط عنه فرض القراءة (والثاني) يلزمه أن يتم الفاتحة لأنه لزمه
بعض القراءة فلزمه اتمامها) *
(الشرح) قال أصحابنا إذا حضر مسبوق فوجد الامام في القراءة وخاف ركوعه قبل فراغه من
212

الفاتحة فينبغي أن لا يقول دعاء الافتتاح والتعوذ بل يبادر إلى الفاتحة لما ذكره المصنف وان غلب على ظنه انه
إذا قال الدعاء والتعوذ أدرك تمام الفاتحة استحب الاتيان بهما فلو ركع الامام وهو في أثناء الفاتحة فثلاثة
أوجه (أحدها) يتم الفاتحة (والثاني) يركع ويسقط عنه قراءتها ودليلهما ما ذكره المصنف قال البندنيجي هذا
الثاني هو نصه في الاملاء قال وهو المذهب (والثالث) وهو الأصح وهو قول الشيخ أبى زيد المروزي
وصححه القفال والمعتبرون أنه إن لم يقل شيئا من دعاء الافتتاح والتعوذ ركع وسقط عنه بقية الفاتحة وان قال
شيئا من ذلك لزمه أن يقرأ من الفاتحة بقدره لتقصيره بالتشاغل فان قلنا عليه اتمام الفاتحة فتخلف ليقرأ
كان متخلفا بعذر فيسعى خلف الامام على نظم صلاة نفسه فيتم القراءة ثم يركع ثم يعتدل ثم يسجد حتى
يلحق الامام ويعذر في التخلف بثلاثة أركان مقصودة وتحسب له ركعته فان زاد على ثلاثة ففيه خلاف
سنذكره إن شاء الله تعالى في فصل متابعة الامام فان خالف ولم يتم الفاتحة بل ركع عمدا عالما بطلت
صلاته لتركه القراءة عامدا وان قلنا يركع ركع مع الامام وسقطت عنه القراءة وحسبت له الركعة فلو
اشتغل باتمام الفاتحة كان متخلفا بلا عذر فان سبقه الامام بالركوع وقرأ هذا المسبوق الفاتحة ثم لحقه في
الاعتدال لم يكن مدركا للركعة لأنه لم يتابعه في معظمها صرح به امام الحرمين والأصحاب وهل تبطل صلاته
إذا قلنا بالمذهب ان التخلف بركن واحد لا يبطل الصلاة فيه وجهان حكاهما امام الحرمين وآخرون
(أصحهما) لا تبطل كما في غير المسبوق (والثاني) تبطل لأنه ترك متابعة الامام فيما فاتت به ركعة فكان
كالتخلف
بركعة فان قلنا تبطل وجب استئنافها وحرم الاستمرار فيها مع العلم ببطلانها وان قلنا لا تبطل قال الامام
ينبغي أن لا يركع لان الركوع غير محسوب له ولكن يتابع الامام في الهوي إلى السجود ويصير كأنه أدركه
الآن والركعة غير محسوبة له ثم صورة المسألة إذا لم يدرك مع الامام ما يمكنه فيه اتمام الفاتحة فاما إذا أتى بدعاء
الافتتاح وتعوذ ثم سبح أو سكت طويلا فإنه مقصر بلا خلاف ولا تسقط عنه الفاتحة صرح به الامام *
* قال المصنف رحمه الله *
213

(وان أدركه وهو راكع كبر للاحرام وهو قائم ثم يكبر للركوع ويركع فان كبر تكبيرة
نوى بها الاحرام وتكبيرة الركوع لم تجزئه عن الفرض لأنه أشرك في النية بين الفرض والنفل وهل
تنعقد له صلاة نفل فيه وجهان (أحدهما) تنعقد كما لو أخرج خمسة دراهم ونوى بها الزكاة وصدقة
التطوع (والثاني) لا تنعقد لأنه أشرك في النية بين تكبيرة هي شرط وتكبيرة ليست بشرط) *
(الشرح) إذا أدرك الامام راكعا كبر للاحرام قائما ثم يكبر للركوع ويهوى إليه فان وقع
بعض تكبيرة الاحرام في غير القيام لم تنعقد صلاته فرضا بلا خلاف ولا تنعقد نفلا أيضا على الصحيح
وفيه وجه سبق بيانه في أول صفة الصلاة وسبق هناك لان الأشهر من مذهب مالك ان المسبوق
إذا أدرك الامام راكعا ووقعت تكبيرة احرامه في حد الركوع انعقدت صلاته فرضا دليلنا القياس
على غير المسبوق وإذا كبر للاحرام فليس له أن يشتغل بالفاتحة بل يهوى للركوع مكبرا له وكذا
لو أدركه قائما فكبر فركع الامام بمجرد تكبيره فلو اقتصر في الحالين على تكبيرة واحدة وأتي بها
بكمالها في حال القيام فله أربعة أحوال (أحدها) أن ينوى تكبيرة الاحرام فقط فتصح صلاته فريضة
(الثاني) أن ينوى تكبيرة الركوع فلا تنعقد صلاته (الثالث) ينويهما جميعا فلا تنعقد فرضا بلا خلاف
وفى انعقادها نفلا ثلاثة أوجه (الصحيح) باتفاق الأصحاب لا تنعقد (والثاني) تنعقد (والثالث)
حكاه القاضي أبو الطيب إن كانت التي أحرم بها نافلة انعقد نافلة وإن كانت فريضة فلا (الحال
الرابع) أن لا ينو واحدة منهما بل يطلق التكبير فالصحيح المنصوص في الأم وقطع به الجمهور
لا تنعقد (والثاني) تنعقد فرضا لقرينة الافتتاح ومال إليه امام الحرمين واما قياس المصنف على من
أخرج دراهم ونوى بها الزكاة وصدقة التطوع فمراده انه يقع صدقة تطوع بلا خلاف ولكنه قياس
214

ضعيف أو باطل وليس بينهما جامع وعلة معتبرة ولو كان فالفرق ان الدراهم لم تجزه عن الزكاة فبقيت
تبرعا وهذا معناه صدقة التطوع واما تكبيرة الاحرام فهي ركن لصلاة الفرض ولصلاة النفل ولم تتمحض
هذه التكبيرة للاحرام ولم تنعقد فرضا وكذا النفل إذ لا فرق بينهما في اعتبار تكبيرة الاحرام والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله * (وان أدرك معه مقدار الركوع الجائز فقد أدرك الركعة وإن لم يدرك ذلك لم يدرك الركعة لما
روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة يوم الجمعة
فليضف إليها أخرى ومن لم يدرك الركوع فليتم الظهر أربعا ") *
(الشرح) هذا الحديث بهذا اللفظ غريب ورواه الدارقطني باسناد ضعيف ولفظه " من
أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى فان أدركهم جلوسا صلى الظهر أربعا " قال الشافعي والأصحاب
إذا أدرك مسبوق الامام راكعا وكبر وهو قائم ثم ركع فان وصل المأموم إلى حد الركوع المجزئ
وهو أن تبلغ راحتاه ركبتيه قبل أن يرفع الامام عن حد الركوع المجزئ فقد أدرك الركعة وحسبت
له قال صاحب البيان ويشترط ان يطمئن المأموم في الركوع قبل ارتفاع الامام عن حد الركوع
المجزئ وأطلق جمهور الأصحاب المسألة ولم يتعرضوا للطمأنينة ولا بد من اشتراطها كما ذكره صاحب
البيان قال الرافعي قال أصحابنا ولا يضر ارتفاع الامام عن أكمل الركوع إذا لم يرتفع عن
القدر المجزئ وهذا الذي ذكرناه من ادراك الركعة بادراك الركوع هو الصواب الذي نص عليه
الشافعي وقاله جماهير الأصحاب وجماهير العلماء وتظاهرت به الأحاديث وأطبق عليه الناس وفيه
وجه ضعيف مزيف أنه لا يدرك الركعة بذلك حكاه صاحب التتمة عن امام الأئمة محمد بن إسحاق
ابن خزيمة من أكبر أصحابنا الفقهاء المحدثين وحكاه الرافعي عنه وعن أبي بكر الصبغي من
أصحابنا وهو بكسر الصاد المهملة واسكان الباء الموحدة وبالغين المعجمة - قال صاحب التتمة هذا ليس
بصحيح لان أهل الأعصار اتفقوا على الادراك به فخلاف من بعدهم لا يعتد به فإذا قلنا بالمذهب وهو أنه
يدركها فشك هل بلغ حد الركوع المجزئ واطمأن قبل ارتفاع الامام عنه أم بعده فطريقان (أحدهما) وهو
المذهب وبه قطع الجمهور في الطريقتين ونص عليه الشافعي في الأم لا يكون مدركا للركعة لان الأصل عدم
الادراك ولان الحكم بالاعتداد بالركعة بادراك الركوع رخصة فلا يصار إليه الا بيقين والثاني فيه وجهان
حكاه امام الحرمين وجعلهما الغزالي قولين والصواب وجهان (أصحهما) هذا (والثاني) يكون مدركا لان
215

الأصل عدم ارتفاع الامام والله أعلم * وهذا الذي ذكرناه من ادراك المأموم الركعة بادراك ركوع الامام
هو فيما إذا كان الركوع محسوبا للامام فإن لم يكن محسوبا له بأن كان الامام محدثا أو قدسها وقام إلى الخامسة
فأدركه المسبوق في ركوعها أو نسي تسبيح الركوع واعتدل ثم عاد إليه ظانا جوازه فأدركه فيه لم يكن
مدركا للركعة على المذهب الصحيح الذي قطع به الجمهور لان القيام والقراءة إنما يسقطان عن المسبوق
لان الامام يحملها عنه وهذا الامام غير حامل لان الركوع في الصورة المذكورة غير محسوب
له وفيه وجه أنه يكون مدركا وهو ضعيف وسنوضحه إن شاء الله تعالى في باب صفة الأئمة في مسألة
الصلاة خلف المحدث *
(فرع) إذا أدرك المسبوق الامام بعد فوات الحد المجزئ من الركوع فلا خلاف أنه لا يكون
مدركا للركعة لكن يجب عليه متابعة الامام فيما أدرك وإن لم يحسب له فان أدركه في التشهد الأخير لزمه أن
يجلس معه وهل يسن له التشهد معه فيه وجهان مشهوران حكاهما الخراسانيون والشيخ أبو حامد وابن
الصباغ وصاحب البيان وآخرون من العراقيين (الصحيح) المنصوص انه يسن متابعة الامام (والثاني)
لا يسن لأنه ليس موضعه في حقه قال أصحابنا ولا يجب التشهد على هذا المسبوق بلا خلاف بخلاف
القعود فيه فإنه واجب عليه بلا خلاف لان متابعة الامام إنما تجب في الأفعال وكذا في الأقوال المحسوبة
للامام ولا يجب في الأقوال التي لا تحسب له لأنه لا يحل تركها بصورة المتابعة بخلاف الأفعال ومتي
أدركه في ركوع أو بعده لا يأتي بدعاء الافتتاح لا في الحال ولا فيما بعده حتى لو أدركه في آخر التشهد
فاحرم وجلس فسلم الامام عقب جلوسه فقام إلى تدارك ما عليه لم يأت بدعاء الافتتاح لفوات محله
وان سلم قبل جلوسه أتي به وقد سبقت المسألة موضحة في أوائل صفة الصلاة *
(فرع) ذكرنا إذا لم يدرك المسبوق الركوع لا تحسب له الركعة عندنا وبه قال جمهور العلماء وقال
زفر تحسب ان أدركه في الاعتدال * قال المصنف رحمه الله *
(وإن كان الامام قد ركع ونسي تسبيح الركوع فرجع إلى الركوع ليسبح فأدركه المأموم في هذا
الركوع فقد قال أبو علي الطبري يحتمل أن يكون مدركا للركعة كما لو قام إلى خامسة فأدركه مأموم فيها
والمنصوص في الأم أنه لا يكون مدركا لان ذلك غير محسوب للامام ويخالف الخامسة لان هناك قد أتي بها
المأموم وههنا لم يأت بما فاته مع الامام) *
216

(الشرح) قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله إذا نسي الامام تسبيح الركوع فاعتدل ثم تذكره
لم يجز له ان يعود إلى الركوع ليسبح لان التسبيح سنة فلا يجوز أن يرجع من الاعتدال الواجب إليه فان
عاد إليه عالما بتحريمه بطلت صلاته ولا يصح اقتداء أحد به وان عاد إليه جاهلا بتحريمه لم تبطل
صلاته لأنه معذور ولكن هذا الركوع لغو غير محسوب من صلاته فان اقتدى به مسبوق والحالة
هذه وهو في الركوع الذي هو لغو والمسبوق جاهل بالحال صح اقتداؤه وهل تحسب له هذه الركعة
بادراك هذا الركوع فيه وجهان (الصحيح) باتفاق الأصحاب وهو المنصوص في الأم انها لا تحسب لان
الركوع لغو في حق الامام وكذا في حق المأموم ولان الامام ليس في الركوع وإنما هو في الاعتدال
حكما والمدرك في الاعتدال لا تحسب له الركعة (والثاني) تحسب * واحتجوا له بالقياس على من أدرك
الامام في خامسة قام إليها جاهلا وأدرك معه القيام وقرأ الفاتحة فان هذه الركعة تحسب للمسبوق
وإن كانت غير محسوبة للامام وهذا الوجه غلط وقياسه على الخامسة باطل لأنه ليس نظير مسألتنا
لأنه في الخامسة أدركها بكمالها ولم يحمل الامام عنه شيئا وفى مسألتنا لم يدرك القيام والقراءة ولا
الركوع المحسوب للامام فلا يصح القياس وإنما نظيره أن يدركه في ركوع الخامسة وحينئذ لا يحسب
له الركعة على المذهب الصحيح وبه قطع الجمهور في الطريقتين وحكى امام الحرمين عن الشيخ أبى على
السنجي - بكسر السين المهملة واسكان النون وبالجيم - وجها ضعيفا جدا أنه يكون مدركا للركعة وذكر
وجها بعيدا مزيفا أنه إذا أدرك مع الامام جميع الخامسة وهما جاهلان بأنها الخامسة وقرأ الفاتحة
لا يكون مدركا للركعة ولكن صلاته منعقدة وهو خلاف المذهب بل الصواب المشهور أنه مدرك للركعة
والحالة هذه ولو أدرك معه جميع ثالثة من الجمعة قام إليها ساهيا فان قلنا في غير الجمعة لا تحسب له الركعة
لم تحسب هنا ركعة من الجمعة ولا من الظهر وان قلنا تحسب فهنا وجهان بناء على القولين فيما لو بان امام
الجمعة محدثا واختار ابن الحداد هنا أنه لا تحسب له الركعة اما إذا كان الامام محدثا فحكم ادراك المسبوق
له في ركوعه حكم ادراكه في ركوع الخامسة فالصحيح أنه لا تحسب له الركعة اما إذا كان الامام متطهرا
217

فأدركه مسبوق في الركوع فاقتدى به ثم أحدث الامام في السجود فان المسبوق يكون مدركا لتلك الركعة
بلا خلاف لأنه أدرك ركوعا محسوبا للامام ذكره البغوي وغيره وهو ظاهر أما إذا قام الامام إلى
خامسة جاهلا فاقتدى به مسبوق عالما بأنها خامسة فالصحيح المشهور الذي قطع به الأصحاب في معظم
الطرق أنه لا تنعقد صلاته لأنه دخل في ركعة يعلم أنها لغو وحكى البغوي عن القفال ان صلاته تنعقد جماعة
لان الامام في صلاة ولكن لا يتابعه في الأفعال بل بمجرد إحرامه يقعد ينتظر الامام لان التشهد محسوب
للامام قال البغوي وعلى هذا لو نسي الامام سجدة من الركعة الأولى فاقتدى به مسبوق في قيام
الثانية مع علمه بحاله ففي انعقادها هذا الخلاف: الصحيح لا تنعقد والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(وان أدركه ساجدا كبر للاحرام ثم يسجد من غير تكبير ومن أصحابنا من قال يكبر كما
يكبر للركوع والمذهب الأول لأنه لم يدرك محل التكبير من السجود ويخالف ما إذا أدركه راكعا فان
هذا موضع ركوعه الا ترى أنه يجزئه عن فرضه فصار كالمنفرد) *
(الشرح) قال أصحابنا إذا أدركه ساجدا أو في التشهد كبر للاحرام قائما ويجب أن يكمل
حروف تكبيرة الاحرام قائما كما سبق بيانه قريبا وفى صفة الصلاة فإذا كبر للاحرام لزمه أن ينتقل
إلى الركن الذي فيه الامام وهل يكبر للانتقال فيه الوجهان اللذان ذكرهما المصنف أصحهما باتفاق
الأصحاب لا يكبر لما ذكره المصنف ثم يكبر بعد ذلك إذا انتقل مع الامام من السجود أو غيره موافقة
للامام وإن لم يكن محسوبا لهذا المسبوق وإذا قام المسبوق بعد سلام الامام إلى تدارك ما عليه فإن كان
الجلوس الذي قام منه موضع جلوس هذا المسبوق بان أدركه في ثالثة رباعية أو ثانية المغرب قام مكبرا
وإن لم يكن موضع جلوسه بان أدركه في الأخيرة أو ثانية رباعية ففيه ثلاثة أوجه (الصحيح) المشهور
المنصوص أنه يقوم بلا تكبير لأنه ليس موضع تكبير له وقد كبر في ارتفاعه عن السجود مع الامام
218

وهو الانتقال في حقه وليس هو الآن متابع للامام فلا يكبر (والثاني) يكبر لأنه انتقال وهذا الوجه
حكاه امام الحرمين والغزالي عن الشيخ أبي حامد والذي في تعليق أبى حامد انه لا يكبر فلعلهم رووه
عنه في غير تعليقه (والثالث) ذكره القاضي أبو الطيب وجزم به أنه يقوم من أدرك التشهد الأخير فلا
يكبر ويقوم من أدرك معه ركعة بتكبير لان القيام من ركعة له تكبير وهذا ضعيف والله أعلم وإذا لم يكن
موضع جلوس المسبوق لم يجز له المكث بعد سلام الامام فان مكث بطلت صلاته لأنه زاد قياما وإن كان
موضع جلوسه جاز المكث ولا تبطل صلاته لان تطويل التشهد الأول جائز وإن كان الأولى تخفيفه
والسنة للمسبوق أن يقوم بعد تسليمتي الامام لان الثانية محسوبة من الصلاة هكذا صرح به القاضي
حسين والمتولي والبغوي وآخرون ويجوز أن يقوم بعد تمام الأولى فان قام قبل تمامها بطلت صلاته ان
تعمد القيام ولم ينو المفارقة وقد سبق بيان هذه المسألة مبسوطة في فصل صفة الصلاة في
فصل السلام والله أعلم *
(فرع) لو أدرك المسبوق الامام في السجدة الأولى من ركعة فسجدها معه ثم أحدث الامام
وانصرف فهل يسجد المسبوق السجدة الثانية فيه وجهان حكاهما القاضي أبو الطيب في تعليقه في آخر
باب سجود السهو (أحدهما) يلزمه أن يسجد لأنه التزم ذلك بمتابعة الامام وبهذا قال أبو علي بن أبي
هريرة (وأصحهما) وبه قال جمهور أصحابنا لا يسجد لأن هذه السجدة غير محسوبة له وإنما كان يأتي بها
متابعة للامام وقد زالت المتابعة * قال المصنف رحمه الله *
(وان أدركه في آخر الصلاة كبر للاحرام وقعد وحصلت له فضيلة الجماعة) *
(الشرح) قد قدمنا قريبا أنه إذا أدركه في التشهد الأخير كبر للاحرام قائما وقعد وتشهد
معه ولا يكبر للقعود على الصحيح والتشهد سنة وليس بواجب على هذا المسبوق بلا خلاف كما سبق
بيانه قريبا وقد قدمنا هناك وجها أنه لا يسن وليس بشئ ولا يقرأ دعاء الافتتاح في الحال ولا بعد
القيام وسبق دليل الجميع وتحصل له فضيلة الجماعة لكن دون فضيلة من أدركها من أولها هذا هو
المذهب الصحيح وبه قطع المصنف والجمهور من أصحابنا العراقيين والخراسانيين وجزم الغزالي بأنه
لا يكون مدركا للجماعة الا إذا أدرك ركوع الركعة الأخيرة والمشهور الأول لأنه لا خلاف بان صلاته
تنعقد ولو لم تحصل له الجماعة لكان ينبغي أن لا تنعقد (فان قيل) لم يدرك قدرا يحسب له (قلنا) هذا
219

غلط بل تكبيرة الاحرام أدركها معه وهي محسوبة له والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(وان أدرك الركعة الأخيرة كان ذلك أول صلاته لما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال
" ما أدركت فهو أول صلاتك " وعن ابن عمر أنه قال " يكبر فإذا سلم الامام قام إلى ما بقي من صلاته
فإن كان ذلك في صلاة فبها قنوت فقنت مع الامام أعاد القنوت في آخر صلاته لان ما فعله مع الامام
فعله للمتابعة فإذا بلغ موضعه أعاده كما إذا تشهد مع الامام ثم قام إلى ما بقي فإنه يعيد التشهد) *
(الشرح) مذهبنا أن ما أدركه المسبوق فهو أول صلاته وما يتداركه بعد سلام الامام آخر
صلاته فيعيد فيه القنوت قال الشافعي فان أدرك أول ركعتين من رباعية ثم قام للتدارك يقرأ السورة
في الأخريين وقيل هذا تفريع على قوله تسن السورة في جميع الركعات ولا تختص بالأولتين اما إذا
خصصنا فلا يقرأ السورة والأصح أنه تفريع على القولين جميعا لئلا تخلو صلاته من السورة وقد تقدمت
هذه المسألة في صفة الصلاة وتقدم هناك أيضا أنه لو أدرك ركعتين من العشاء لا يسن الجهر فيما يتداركه
على المذهب لأنه آخر صلاته وقيل في الجهر قولان لئلا تخلو صلاته من جهر وأوضحت المسألة هناك ولو
أدرك ركعة من المغرب قام بعد سلام الامام ويصلى ركعة ثم يتشهد ثم ثالثة ويتشهد *
(فرع) قد ذكرنا أن مذهبنا أن ما أدركه المسبوق أول صلاته وما يتداركه آخرها وبه قال سعيد
ابن المسيب والحسن البصري وعطاء وعمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري والأوزاعي وسعيد بن
عبد العزيز واسحق حكاه عنهم ابن المنذر قال وبه أقول قال وروى عن عمر وعلي وأبى الدرداء
ولا يثبت عنهم وهو رواية عن مالك وبه قال داود * وقال أبو حنيفة ومالك والثوري واحمد ما أدركه
آخر صلاته وما يتداركه أول صلاته وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر ومجاهد وابن سيرين * واحتج لهم
بقوله صلى الله عليه وسلم " ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فافضوا " رواه البخاري ومسلم واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه
وسلم " ما اركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " رواه البخاري ومسلم من طرق كثيرة قال البيهقي الذين رووا
220

فأتموا أكثر واحفظ وألزم لأبي هريرة الذي هو راوي الحديث فهم أولي قال الشيخ أبو حامد والماوردي
واتمام الشئ لا يكون الا بعد تقدم أوله وبقية آخره وروى البيهقي مثل مذهبنا عن عمر بن الخطاب وعلي
وأبى الدرداء وابن المسيب وحسن وعطاء وابن سيرين وأبى قلابة رضي الله عنهم قال أصحابنا
ولأنه لو أدرك ركعة من المغرب فقام للتدارك يصلي ركعة ثم يجلس ويتشهد ثم يقوم إلى الثالثة وهذا
متفق عليه عندنا وعند الحنفية وممن نقل الاتفاق عليه الشيخ أبو حامد والبغوي وهو دليل ظاهر
لنا لأنه لو كان الذي فاته أول صلاته لم يجلس عقب ركعة: قال أصحابنا فاما رواية فاقضوا فجوابها
من وجهين (أحدهما) أن رواة فأتموا أكثر وأحفظ (والثاني) أن القضاء محمول على الفعل لا القضاء
المعروف في الاصطلاح لان هذا اصطلاح متأخر الفقهاء والعرب تطلق القضاء بمعنى الفعل قال الله تعالى
(فإذا قضيتم مناسككم) (فإذا قضيت الصلاة) قال الشيخ أبو حامد والمراد وما فاتكم من
صلاتكم أنتم لا من صلاة الامام والذي فات المأموم من صلاة نفسه إنما هو آخرها والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(وان حضر وقد فرغ الامام من الصلاة فإن كان المسجد له امام راتب كره أن يستأنف فيه
جماعة لأنه ربما اعتقد انه قصد الكياد والافساد وإن كان المسجد في سوق أو ممر الناس لم يكره
أن يستأنف الجماعة لأنه لا يحتمل الامر فيه على الكياد وان حضر ولم يجد إلا من صلي استحب لبعض
من حضر أن يصلي معه لتحصل له الجماعة والدليل عليه ما روى أبو سعيد الخدري ان رجلا جاء
وقد صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " من يتصدق على هذا فقام رجل فصلى معه ") *
221

(الشرح) هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وروينا في سنن البيهقي
ان هذا الرجل الذي قام فصلي معه هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه (وقوله) صلى الله عليه وسلم
" من يتصدق على هذا " فيه تسمية مثل هذا صدقة وهو موافق لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث
الصحيح " كل معروف صدقة " رواه البخاري من رواية جابر ومسلم من رواية حذيفة وفيه استحباب
إعادة الصلاة في جماعة لمن صلاها في جماعة وإن كانت الثانية أقل من الأولى وانه تستحب الشفاعة
إلى من يصلي مع الحاضر وأن المسجد المطروق لا يكره فيه جماعة بعد جماعة وان الجماعة تحصل بامام
ومأموم: أما حكم المسألة فقال أصحابنا إن كان للمسجد امام راتب وليس هو مطروقا كره لغيره إقامة
الجماعة فيه ابتداء قبل فوات مجئ امامه ولو صلى الامام كره أيضا إقامة جماعة أخرى فيه بغير اذنه
هذا هو الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور وحكى الرافعي وجها أنه لا يكره ذكره في باب الأذان وهو شاذ
ضعيف وإن كان المسجد مطروقا أو غير مطروق وليس له امام راتب لم تكره إقامة الجماعة الثانية
فيه لما ذكره المصنف اما إذا حضر واحد بعد صلاة الجماعة فيستحب لبعض الحاضرين الذين صلوا
ان يصلي معه لتحصل له الجماعة ويستحب أن يشفع له من له عذر في عدم الصلاة معه إلى غيره ليصلي
معه للحديث والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في إقامة الجماعة في مسجد أقيمت فيه جماعة قبلها: أما إذا لم يكن
له امام راتب فلا كراهة في الجماعة الثانية والثالثة وأكثر بالاجماع: واما إذا كان له امام راتب
وليس المسجد مطروقا فمذهبنا كراهة الجماعة الثانية بغير اذنه وبه قال عثمان البتي والأوزاعي ومالك
والليث والثوري وأبو حنيفة وقال أحمد واسحق وداود وابن المنذر لا يكره *
* قال المصنف رحمه الله *
(ومن صلي منفردا ثم أدرك جماعة يصلون استحب له أن يصلى معهم وحكى أبو إسحاق عن
بعض أصحابنا أنه قال إن كان صبحا أو عصرا لم يستحب لأنه منهى عن الصلاة بعدهما والمذهب
الأول لما روى يزيد بن الأسود العامري " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلي صلاة الغداة في مسجد
الخيف فرأى في آخر القوم رجلين لم يصليا معه فقال ما منعكما أن تصليا معنا قالا يا رسول الله قد صلينا
222

في رحالنا قال فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم اتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة
فان صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أخرى ففيه وجهان (أحدهما) يعيد للخبر (والثاني) لا يعيد لأنه
قد حاز فضيلة الجماعة وإذا صلى ثم أعاد مع الجماعة فالفرض هو الأول في قوله الجديد للخبر ولأنه
أسقط الفرض بالأولة فوجب أن تكون الثانية نفلا وقال في القديم يحتسب الله أيتهما
شاء وليس بشئ) *
(الشرح) حديث يزيد رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وقوله صلاة
الغداة دليل على أنه لا بأس بتسمية الصبح غداة وقد كثر ذلك من استعمال الصحابة في الصحيحين
وغيرهما وقد أوضحت ذلك ونبهت عليه في مواضع من شرح صحيح مسلم وقد سبق في المهذب
في باب مواقيت الصلاة بيان المسألة واضحا والرحال المنازل من؟؟؟ أو وبر وشعر وغير ذلك * أما حكم المسألة فإذا صلي الانسان الفريضة منفردا ثم أدرك جماعة يصلونها في الوقت استحب له
أن يعيدها معهم وفى وجه شاذ يعيد الظهر والعصر فقط ولا يعيد الصبح والعصر لان الثانية نافلة
والنافلة بعدهما مكروهة ولا المغرب لأنه لو أعادها لصارت شفعا هكذا عللوه وينبغي أن تعلل بأنها
يفوت وقتها تفريعا على الجديد وهذا الوجه غلط وإن كان مشهورا عند الخراسانيين وحكى وجه ثالث
يعيد الظهر والعصر والمغرب وهو ضعيف أيضا اما إذا صلي جماعة ثم أدرك جماعة أخرى ففيه أربعة
أوجه (الصحيح) منها عند جماهير الأصحاب يستحب اعادتها للحديث المذكور والحديث السابق في
المسألة قبلها " من يتصدق على هذا " وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة (والثاني) لا يستحب لحصول
الجماعة قالوا فعلى هذا تكره إعادة الصبح والعصر لما ذكرناه ولا يكره غيرهما (والثالث) يستحب إعادة
ما سوى الصبح والعصر والرابع إن كان في الجماعة الثانية زيادة فضيلة لكون الامام أعلم أو أورع
أو الجمع أكثر أو المكان أشرف استحب الإعادة وإلا فلا والمذهب استحباب الإعادة مطلقا
وممن صرح بتصحيحه الشيخ أبو حامد ونقل انه ظاهر نصه في الجديد والقديم وصححه أيضا القاضي
أبو الطيب والبندنيجي والماوردي والمحاملي وابن الصباغ والبغوي وخلائق كثيرون لا يحصون
223

ونقله الرافعي عن الجمهور وإذا استحببنا الإعادة لمن صلى منفردا أو في جماعة فأعاد ففي فرضه
قولان ووجهان (الصحيح) من القولين وهو الجديد فرضه الأولى لسقوط الخطاب بها ولقوله صلى الله عليه
وسلم " فإنها لكما نافلة " يعنى الثانية وفى صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال في الأئمة الذين يؤخرون الصلاة قال " صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم نافلة " رواه
مسلم من طرق والقول الثاني وهو القديم ان فرضه إحداهما لا بعينها ويحتسب الله بما شاء منهما وعبر
بعض أصحابنا عن هذا القول بان الفرض أكملهما واحد الوجهين كلاهما فرض حكاه الخراسانيون وهو
مذهب الأوزاعي ووجهه ان كلا منهما مأمور بها والأولى مسقطة للحرج لا مانعة من وقوع الثانية
فرضا وهذا كما قال أصحابنا في صلاة الجنازة إذا صلتها طائفة سقط الحرج عن الباقين فلو صلت طائفة
أخرى وقعت الثانية فرضا أيضا وتكون الأولى مسقطة للحرج عن الباقين لا مانعة من وقوع فعلها
فرضا وهكذا الحكم في جميع فروض الكفايات وقد سبق بيان هذا في مقدمة هذا الشرح (والوجه
الثاني) الفرض أكملهما واما كيفية النية في المرة الثانية فان قلنا بغير الجديد نوى بالثانية الفريضة أيضا
وان قلنا بالجديد فوجهان (أصحهما) عند الأصحاب وبه قال الأكثرون ينوى بها الفرض أيضا قالوا
ولا يمتنع أن ينوي الفرض وإن كانت نفلا هكذا صححه الأكثرون ونقل الرافعي تصحيحه عن
224

الأكثرين (والثاني) ينوى الظهر أو العصر مثلا ولا يتعرض للفرض وهذا هو الذي اختاره امام الحرمين
وهو المختار الذي تقتضيه القواعد والأدلة فعلى هذا إن كانت الصلاة مغربا فوجهان حكاهما الخراسانيون
(الصحيح) منهما أنه يعيدها كالمرة الأولى (والثاني) يستحب إذا سلم الامام أن يقوم بلا سلام فيأتي بركعة
أخرى ثم يسلم لتصير هذه الصلاة مع التي قبلها وترا كما إذا صلى المغرب وترا وهذا الوجه غلط
صريح ولولا خوف الاغترار به لما حكيته والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في ذلك قد ذكرنا أن الصحيح عند أصحابنا استحباب إعادة جميع
الصلوات في جماعة سواء صلى الأولى جماعة أم منفردا وهو قول سعيد بن المسيب وابن جبير والزهري
ومثله عن علي بن أبي طالب وحذيفة وأنس رضي الله عنهم ولكنهم قالوا في المغرب يضيف إليها
أخري وبه قال احمد وعندنا لا يضيف وقال ابن مسعود ومالك والأوزاعي والثوري يعيد الجميع
الا المغرب لئلا تصير شفعا وقال الحسن البصري يعيد الجميع الا الصبح والعصر وقال أبو حنيفة
يعيد الظهر والعشاء فقط وقال النخعي يعيدها كلها الا الصبح والمغرب وهذه المذاهب ضعيفة
لمخالفتها الأحاديث: ودليلنا عموم الأحاديث الصحيحة السابقة والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(يستحب للامام أن يأمر من خلفه بتسوية الصفوف لما روى عن أنس قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " اعتدلوا في صفوفكم وتراصوا فاني أراكم من وراء ظهري قال أنس فلقد رأيت
أحدنا يلصق منكبيه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه) *
(الشرح) حديث أنس صحيح رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بلفظه للبخاري ومعناه لمسلم مختصرا وقوله صلى الله عليه وسلم وتراصوا هو بتشديد الصاد قال الخطابي وغيره معناه تضاموا
وتدانوا ليتصل ما بينكم قال أصحابنا يسن للامام أن يأمر المأمومين بتسوية الصفوف عند إرادة
الاحرام بها ويستحب إذا كان المسجد كبيرا ان يأمر الامام رجلا يأمرهم بتسويتها ويطوف عليهم
225

أو ينادى فيهم ويستحب لكل واحد من الحاضرين أن يأمر بذلك من رأى منه خللا في تسوية
الصف فإنه من الأمر بالمعروف والتعاون على البر والتقوى والمراد بتسوية الصفوف اتمام الأول
فالأول وسد الفرج ويحاذي القائمين فيها بحيث لا يتقدم صدر أحد ولا شئ منه على من هو بجنبه
ولا يشرع في الصف الثاني حتى يتم الأول ولا يقف في صف حتى يتم ما قبله *
(فرع) في جملة من الأحاديث الصحيحة في الصفوف عن أنس قال قال " رسول الله صلى الله عليه
وسلم سووا صفوفكم فان تسوية الصف من تمام الصلاة " رواه البخاري ومسلم وفى رواية للبخاري
فان تسوية الصفوف من إقامة الصلاة " معناه من إقامة الصلاة التي أمر الله تعالى بها في قوله تعالي
(وأقيموا الصلاة) وعن أبي مسعود البدري قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا
في الصلاة ويقول استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم " رواه مسلم وعن النعمان بن بشير قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم " رواه البخاري
ومسلم وفى رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يسوى صفوفنا حتى كأنما يسوى بها
القداح حتى رأى انا قد غفلنا عنه ثم خرج يوما حتى كاد يكبر فرأى رجلا باديا صدره من الصف
فقال عباد الله لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم " وعن البراء بن عازب قال " كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول
لا تختلفوا فتختلف قلوبكم وكأن يقول إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول " رواه أبو داود
باسناد حسن وعن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب
226

وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفا وصله الله ومن
قطع صفا قطعه الله " رواه أبو داود باسناد صحيح وعن أنس رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال " رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بين المناكب بالأعناق فوالذي نفسي بيده
إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنه الحذف " حديث صحيح رواه أبو داود باسناد صحيح
على شرط مسلم الحذف بحاء مهملة وذال معجمة مفتوحتين ثم فاء وهي غنم سود صغار تكون باليمن
وعنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أتموا الصف الأول فما كان من نقص فليكن في الصف
المؤخر " رواه أبو داود باسناد حسن وفى الباب أحاديث كثيرة صحيحة غير هذه وفى هذه كفاية *
واما فضيلة الصف الأول وميامن الصفوف فستأتي فيه الأحاديث الصحيحة إن شاء الله تعالى حيث
ذكرها المصنف في باب موقف الإمام والمأموم *
(فرع) مذهبنا ومذهب الجمهور من أهل الحجاز وغيرهم جواز الكلام بعد إقامة الصلاة قبل
الاحرام لكن الأولى تركه الا لحاجة وكرهه أبو حنيفة وغيره من الكوفيين: ودليلنا هذه الأحاديث
الصحيحة السابقة * قال المصنف رحمه الله *
(ويستحب ان يخفف في القراءة والأذكار لما روي أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال " إذ صلي أحدكم للناس فليخفف فان فيهم السقيم والضعيف والكبير وإذا صلى لنفسه
فليطول ما شاء " فان صلى بقوم يعلم أنهم يؤثرون التطويل لم يكره التطويل لان المنع لأجلهم
وقد رضوا) *
227

(الشرح) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم ورويناه أيضا عن جماعة من الصحابة غير أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفى بعض رواياتهم وذا الحاجة قال الشافعي والأصحاب
يستحب للامام ان يخفف القراءة والأذكار بحيث لا يترك من الأبعاض والهيئات شيئا ولا يقتصر
على الأقل ولا يستوفى الأكمل المستحب للمنفرد من طوال المفصل وأوساطه وأذكار الركوع
والسجود. قال صاحب التتمة وآخرون التطويل مكروه وقد أشار إليه المصنف بقوله ان آثروا
التطويل لم يكره وقد نص عليه الشافعي في الأم قال في الأم في باب ما على الامام من التخفيف
قال " وأحب للامام ان يخفف الصلاة ويكملها فان عجل عما أحببت من الاكمال أو زاد على ما أحببت
من الاكمال كرهت ذلك له ولا إعادة عليه ولا على من خلفه إذا جاء بأقل مما عليه " قال أصحابنا
فان صلي بقوم محصورين يعلم من حالهم أنهم يؤثرون التطويل لم يكره التطويل بل قال أبو إسحاق
المروزي والشيخ أبو حامد وغيرهما أنه يستحب التطويل حينئذ وعليه تحمل الأحاديث الصحيحة
228

في تطويل النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأوقات فان جهل حالهم أو كان فيهم من يؤثر التطويل
وفيهم من لا يؤثره لم يطول اتفق عليه أصحابنا ويؤيده الأحاديث الصحيحة منها حديث أنس أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فاسمع بكاء الصبي فأتجوز في
صلاتي كراهة أن أشق على أمه " رواه البخاري ومسلم وإن كانوا يؤثرون التطويل ولكن المسجد
مطروق بحيث يدخل في الصلاة من حضر بعد دخول الامام فيها لم يطول وفى فتاوى الشيخ
أبى عمرو بن الصلاح أن الجماعة لو كانوا يؤثرون التطويل إلا واحدا أو اثنين ونحوهما فان لا يؤثره
لمرض ونحوه فإن كان ذلك مرة ونحوها خفف وإن كثر حضوره طول مراعاة لحق الراضين
ولا يفوت حقهم لهذا الفرد الملازم وهذا الذي قاله تفصيل حسن متعين *
* قال المصنف رحمه الله *
(وإذا أحس بداخل وهو راكع ففيه قولان (أحدهما) يكره أن ينتظر لان فيه تشريكا
بين الله عز وجل وبين الخلق في العبادة وقد قال الله تعالى (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) (والثاني) يستحب
أن ينتظر وهو الأصح لأنه انتظار ليدرك به الغير ركعة فلم يكره كالانتظار في صلاة الخوف وتعليل
229

الأول يبطل بإعادة الصلاة لمن فاتته الجماعة ويرفع الصوت بالتكبير ليسمع من وراءه فان فيه
تشريكا ثم يستحب وان أحس به وهو قائم لم ينتظره لان الادراك يحصل له بالركوع فان أدركه
وهو يتشهد ففيه وجهان أحدهما أنه لا يستحب لما فيه من التشريك والثاني يستحب
لأنه يدرك به الجماعة) *
(الشرح) إذا دخل الامام في الصلاة ثم طول لانتظار مصل فله أحوال أحدها ان يحس
وهو راكع من يريد الاقتداء فهل ينتظره فيه قولان (أصحهما) عند المصنف والقاضي أبي الطيب
والأكثرين يستحب انتظاره (والثاني) يكره وقال كثيرون من الأصحاب لا يستحب الانتظار
وإنما القولان في أنه يكره أم لا وهذه طريقة الشيخ أبي حامد وطائفة قال القاضي أبو الطيب هذه
الطريقة غلط لان الشافعي نص على الاستحباب في الجديد وقال آخرون لا يكره وإنما القولان في
استحبابه وعدمه وقيل إن عرف عين الداخل لم ينتظره وإلا أنتظره وقيل إن كان ملازما للجماعة
انتظره وإلا فلا وقيل إن لم يشق على المأمومين انتظر والا فقولان وقيل لا ينتظر قطعا وإذا
اختصرت هذا الخلاف وجعلته أقوالا كان خمسة (أحدها) يستحب الانتظار (والثاني) يكره
(والثالث) لا يستحب ولا يكره (والرابع) يكره انتظار معين دون غيره (والخامس) إن كان
ملازما انتظره وإلا فلا والصحيح استحباب الانتظار مطلقا بشروط أن يكون المسبوق داخل
المسجد حين الانتظار وألا يفحش طول الانتظار وان يقصد به التقرب إلى الله تعالى لا التودد إلى
الداخل وتمييزه وهذا معنى قولهم لا يميز بين داخل وداخل فان قلنا لا ينتظر فانتظر لم تبطل صلاته
على المذهب وبه قطع الجمهور وحكى جماعة الخراسانيين في بطلانها قولا ضعيفا غريبا كالانتظار الزائد
في صلاة الخوف (الحال الثاني) ان يحس به وهو في آخر التشهد الأخير قال أصحابنا أنه حكم الركوع
ففيه الخلاف ثم منهم من قال فيه الخلاف ومنهم من قال فيه قولان ومنهم من قال فيه وجهان
وهو طريقة المصنف والبغوي والصحيح استحباب الانتظار بالشروط السابقة لأنه يحصل به
ادراك الجماعة كما يحصل بالركوع ادراك الركعة (الحال الثالث) أن يحس به في غير الركوع والتشهد
كالقيام والسجود والاعتدال والتشهد الأول ففيه طرق أصحها وبه قطع المصنف والأكثرون
230

لا ينتظره لعدم الحاجة إليه لان الانتظار ممكن في الركوع والتشهد ولا يفوت بغيرهما مقصود والثاني
في الانتظار الخلاف كالركوع حكاه امام الحرمين وآخرون والثالث لا ينتظر في غير القيام وفى القيام
الخلاف فان قلنا ينتظر فشرطه ما سبق والا ففي بطلان الصلاة الخلاف السابق فهذا ملخص حكم
المذهب في المسألة وهي طويلة مشعبة والمختصر منها ان الصحيح استحباب الانتظار في الركوع
والتشهد الأخير وكراهته في غيرهما وانه إذا قلنا يكره فطول لا تبطل *
(فرع) لو دخل في الصلاة لجماعة فطول ليلحقه قول آخرون تكثر بهم الجماعة أو ليلحقه رجل
مشهور عادته الحضور أو نحو ذلك فهو مكروه باتفاق أصحابنا وممن نقل اتفاق الأصحاب عليه الشيخ
أبو حامد وصاحب البيان قالوا وسواء كان المسجد في سوق أو محلة وعادة الناس يأتونه بعد الإقامة
231

فوجا فوجا أم لا وسواء كان الرجل المنتظر مشهورا بدينه أو علمه أو دنياه وكله مكروه بالاتفاق
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " إذا صلي أحدكم بالناس فليخفف " وقوله صلى الله عليه وسلم
افتان أنت يا معاذ " وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة ولأنهم مقصرون بالتأخير ولان فيه اضرارا
بالمأمومين ولأنه إذا لم ينتظرهم حثهم ذلك على المسارعة إلى الصلاة والتكبير اما إذا لم يدخل في الصلاة
وقد جاء وقت الدخول فيها وحضر بعض المأمومين ويرجو زيادة فيستحب أن يعجلها ولا ينتظرهم
وان حضر المأمومون دون الامام فقد سبق بيانه في أوائل هذا الباب وسبق أيضا الخلاف فيما
إذا علم أن عادة الامام التأخير هل الأفضل انتظاره لتحصيل الجماعة أم تعجيل الصلاة منفردا وسبقت
هذه المسألة ونظائرها الكثيرة مبسوطة في باب التيمم *
(فرع) في شرح ألفاظ المصنف قوله أحس هي اللغة الفصيحة المشهورة ولا يقال حس الا في
لغة ضعيفة غريبة وعبد الله بن أبي أوفى كنيته أبو إبراهيم وقيل أبو محمد وقيل أبو معاوية الأسلمي
واسم أبى أوفى علقمة بن خالد بن الحرب و عبد الله وأبوه صحابيان شهد عبد الله بيعة الرضوان
نزل الكوفة وتوفى بها سنة ست وثمانين وهو آخر من مات من الصحابة بالكوفة واما حديث ابن
أبي أوفى الذي ذكره المصنف فسنذكره في الفرع بعده إن شاء الله تعالى *
(فرع) في مذاهب العلماء في انتظار الامام وهو راكع قد ذكرنا أن الأصح عندنا
232

استحبابه وحكاه ابن المنذر عن الشعبي والنخعي وأبي مجلز وعبد الرحمن بن أبي ليلي وهم تابعيون
وعن أحمد واسحق وأبى ثور ينتظره ما لم يشق على أصحابه وعن أبي حنيفة ومالك والأوزاعي وأبي
يوسف والمزني وداود لا ينتظره واستحسنه ابن المنذر * واحتج لهؤلاء بعموم الأحاديث الصحيحة
في الامر بالتخفيف وبان فيه تشريكا في العبادة وبالقياس على الانتظار في غير الركوع * واحتج
أصحابنا بأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الانتظار في صلاة الخوف للحاجة والحاجة موجودة
وبحديث أبي سعيد الخدري الذي سبق قريبا " ان رجلا حضر بعد فراغ الصلاة فقال النبي
صلى الله عليه وسلم من يتصدق على هذا فصلي معه رجل " وهو حديث صحيح كما سبق
وفيه دليل لاستحباب الصلاة لاتمام صلاة المسلم فهذان الحديثان هما المعتمد واما الحديث
الذي احتج به المصنف والأصحاب عن ابن أبي أوفي أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقوم في الركعة من صلاة
الظهر حتى لا يسمع وقع قدم " فرواه أحمد بن حنبل وأبو داود عن رجل لم يسم عن أبي أوفى عن
النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمي بعض الرواة هذا الرجل طرفة الحضرمي والحديث ضعيف والمعتمد ما قدمناه
والقياس على رفع الامام صوته بالتكبير لمصلحة المأموم: والجواب عن احتجاجهم بأحاديث التخفيف
من وجهين (أحدهما) انا لا نخالفها لان الانتظار الذي نستحبه هو الذي لا يفحش ولا يشق عليهم
كما سبق (والثاني) أنها محمولة على ما إذا لم تكن حاجة بدليل انتظاره صلى الله عليه وسلم في صلاة
233

الخوف وأما الجواب عن دعواهم التشريك فلا نسلم التشريك وإنما هو تطويل الصلاة التي هي لله
تعالي بقصد مصلحة صلاة آخر وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف مثله واسمع
أصحابه التكبير والتأمين وأجمعت الأمة على استحباب رفع الامام أو المؤذن صوته بالتكبيرات
للاعلام بانتقال الامام: والجواب عن قياسهم على غير الركوع أنه لا فائدة فيه بخلاف الركوع كما
سبق والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
(وينبغي للمأموم ان يتبع الامام ولا يتقدمه في شئ من الأفعال لما روى أبو هريرة ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال " إنما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا ركع
فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا " فان كبر قبله أو
كبر معه للاحرام لم تنعقد صلاته لأنه علق صلاته بصلاته قبل أن تنعقد فلم تصح وان سبقه بركن
بان ركع قبله أو سجد قبله لم يجز ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم " اما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه
قبل الامام ان يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار " ويلزمه أن يعود إلى متابعته
لان ذلك فرض فإن لم يفعل حتى لحقه فيه لم تبطل صلاته لان ذلك مفارقة قليلة وان ركع قبل
الامام فلما أراد الامام أن يركع رفع فلما أراد الامام أن يرفع سجد فإن كان عالما بتحريمه بطلت
صلاته لان ذلك مفارقة كثيرة وإن كان جاهلا بتحريمه لم تبطل صلاته ولا يعتد له بهذه الركعة
لأنه لم يتابع الامام في معظمها وان ركع قبله فلما ركع الامام رفع ووقف حتى رفع الامام واجتمع
معه في القيام لم تبطل صلاته لأنه تقدم بركن واحد وذلك قدر يسير وان سجد الإمام سجدتين
وهو قائم ففيه وجهان (أحدهما) تبطل صلاته لأنه تأخر عنه بسجدتين وجلسة بينهما وقال أبو إسحاق
لا تبطل لأنه تأخر بركن واحد وهو السجود) *
(الشرح) الحديثان المذكوران رواهما البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة باللفظ الذي
ذكرته هنا وفيه بعض مخالفة في الحروف للفظه في المهذب " وقوله واجتمع معه " هذه اللفظة قد أنكرها
الحريري في كتابه درة الغواص وقال لا يقال اجتمع فلان مع فلان وإنما يقال اجتمع فلان وفلان وجوزها
غيره: أما أحكام الفصل فقد اختصرها المصنف وحذف معظم مقاصدها وانا أذكرها إن شاء الله تعالى
مستوفاة الأحكام مختصرة الألفاظ والدلائل: قال أصحابنا رحمهم الله يجب على المأموم متابعة
الامام ويحرم عليه ان يتقدمه بشئ من الأفعال للحديث المذكور وقد نص الشافعي على تحريم سبقه بركن
234

ونقل الشيخ أبو حامد نصه وقرره وكذلك غيره من الأصحاب قالوا والمتابعة أن يجرى على أثر
الامام بحيث يكون ابتداؤه لكل فعل متأخرا عن ابتداء المأموم ومقدما على فراغه منه وكذلك
يتابعه في الأقوال فيتأخر ابتداؤه عن أول ابتداء الامام الا في التأمين فإنه يستحب مقارنته كما
أوضحناه في موضعه فلو خالفه في المتابعة فله أحوال (أحدها) ان يقارنه فان قارنة في تكبيرة الاحرام
أو شك في مقارنته أو ظن أنه تأخر فبان مقارنته لم تنعقد صلاته باتفاق أصحابنا مع نصوص الشافعي
وبه قال مالك وأبو يوسف واحمد وداود * وقال الثوري وأبو حنيفة وزفر ومحمد تنعقد كما لو قارنه في
الركوع: دليلنا الحديث المذكور ويخالف الركوع لان الامام هناك داخل في الصلاة بخلاف
مسألتنا: قال أصحابنا ويشترط تأخر جميع تكبيرة المأموم عن جميع تكبيرة الامام وان قارنه في
السلام فوجهان مشهوران للخراسانيين (أصحهما) يكره ولا تبطل صلاته (والثاني) تبطل وان قارنه فيما
سوى ذلك لم تبطل صلاته بالاتفاق ولكن يكره قال الرافعي وتفوت به فضيلة الجماعة (الحال
الثاني) ان يتخلف عن الامام فان تخلف بغير عذر نظرت فان تخلف بركن واحد لم تبطل صلاته
على الصحيح المشهور وفيه وجه للخراسانيين أنها تبطل وان تخلف بركنين بطلت بالاتفاق لمنافاته
للمتابعة قال أصحابنا ومن التخلف بلا عذر أن يركع الامام فيشتغل المأموم باتمام قراءة السورة
قالوا وكذا لو اشتغل بإطالة تسبيح الركوع والسجود واما بيان صورة التخلف بركن فيحتاج إلى معرفة
الركن الطويل والقصير فالقصير الاعتدال عن الركوع وكذا الجلوس بين السجدتين على أصح
الوجهين والطويل ما عداهما قال أصحابنا والطويل مقصود في نفسه وفى القصير وجهان للخراسانيين
(أصحهما) وبه قال الأكثرون ومال امام الحرمين إلى الجزم به انه مقصود في نفسه (والثاني) لا بل
تابع لغيره وبه قطع البغوي فإذا ركع الامام فركع المأموم وأدركه في ركوعه فليس متخلفا بركن
فلا تبطل صلاته قطعا فلو اعتدل الإمام والمأموم بعد في القيام ففي بطلان صلاته وجهان (أصحهما) لا تبطل
واختلف في مآخذهما فقيل مبنيان على أن الاعتدال ركن مقصود أم لا إن قلنا مقصود بطلت لان
الامام فارق ركنا واشتغل بركن آخر مقصود وإلا فلا تبطل كما لو أدركه في الركوع وقيل مبنيان
على أن التخلف بركن يبطل أم لا وان قلنا لا يبطل فقد تخلف بركن الركوع تاما فتبطل صلاته وإن
235

قلنا فما دام في الاعتدال لم يكمل الركن الثاني فلا تبطل فلو هوى إلى السجود ولم يبلغه والمأموم
بعد في القيام فان قلنا بالمأخذ الأول لم تبطل لأنه لم يشرع في ركن مقصود وان قلنا بالثاني بطلت
لان ركن الاعتدال قد تم هكذا رتب المسلة إمام الحرمين والغزالي وغيرهما قال الرافعي وقياسه
أن يقال إذا ارتفع عن حد الركوع والمأموم بعد في القيام فقد حصل التخلف بركن وإن لم يعتدل
الامام فتبطل الصلاة إن قلنا التخلف بركن مبطل أما إذا انتهى الامام إلى السجود والمأموم بعد
في القيام فتبطل صلاته بلا خلاف لما ذكره المصنف ثم إن اكتفينا بابتداء الهوى من الاعتدال وابتداء
الارتفاع عن حد الركوع فالتخلف بركنين هو أن يتم للامام ركنان والمأموم بعد فيما قبلهما والتخلف
بركن أن يتم الامام الركن الذي سبق إليه والمأموم بعد فيما قبله وإن لم نكتف بذلك فللتخلف شرط
آخر وهو أن يلابس بعد تمامها أو تمامه ركن آخر ومقتضي كلام البغوي ترجيح البطلان فيما إذا
تخلف بركن كامل مقصود بان استمر في الركوع حتى اعتدل الامام وسجد هذا كله في التخلف بلا عذر
اما الاعذار فأنواع: منها الخوف وسيأتي في باب صلاة الخوف إن شاء الله ومنها أن يكون المأموم
بطئ القراءة لضعف لسانه ونحوه لا لوسوسة والامام سريعها فيركع قبل أن يتم المأموم الفاتحة فوجهان
حكاهما جماعة من الخراسانيين منهم (1) والرافعي أحدهما يتابعه ويسقط عن المأموم باقيها فعلى هذا ان اشتغل
باتمامها كان متخلفا بلا عذر والصحيح الذي قطع به البغوي والأكثرون لا يسقط باقيها بل يلزمه أن
يتمها ويسعي خلف الإمام على نظم صلاة نفسه ما لم يسبقه بأكثر من ثلاثة أركان مقصودة فان زاد
على الثلاثة فوجهان (أحدهما) يجب أن يخرج نفسه عن المتابعة لتعذر الموافقة (وأصحهما) له الدوام على متابعته
وعلى هذا وجهان (أحدهما) يراعي نظم صلاته ويجرى على أثره وبهذا أفتى القفال (وأصحهما) يوافقه فيما هو
فيه ثم يتدارك ما فاته بعد سلام الامام وهما كالقولين في مسألة الزحام المذكورة في باب الجمعة ومنها أخذوا
التقدير بثلاثة أركان مقصودة لان القولين في مسألة الزحام إنما هما إذا ركع الامام في الثانية وقبل ذلك
لا يوافقه وإنما يكون التخلف قبله بالسجدتين والقيام ولم يعتبر الجلوس بين السجدتين على قول من قال إنه
غير مقصود ولا يجعل التخلف بغير المقصود مؤثرا واما من لا يفرق بين المقصود وغيره أو يفرق
ويجعل الجلوس مقصودا أو ركنا طويلا فالقياس على أصله التقدير بأربعة أركان أخذا من مسألة الزحام
ولو اشتغل المأموم بدعاء الاستفتاح فركع الامام قبل فراغه من الفاتحة أتمها كبطئ القراءة هذا كله في
المأموم الموافق اما المسبوق إذا قرأ بعض الفاتحة فركع الامام فقد سبق في ركوعه واتمامه الفاتحة ثلاثة

(1) بياض بالأصل فحرر
236

أوجه ومنها الزحام وسيأتي في الجمعة إن شاء الله تعالى ومنها النسيان فلو ركع مع الامام ثم تذكر انه نسي
الفاتحة أو شك في قراءتها لم يجز أن يعود لقراءتها لفوات محلها ووجوب متابعة الامام فإذا سلم الامام
لزمه أن يأتي بركعة ولو تذكر ترك الفاتحة أو شك فيه وقد ركع الامام ولم يكن هو ركع لم تسقط القراءة
بالنسيان وفى واجبه وجهان (أحدهما) يركع معه فإذا سلم الامام لزمه أن يأتي بركعة (وأصحهما) تجب قراءتها
وبه أفتى القفال وعلى هذا تخلفه تخلف معذور على أصح الوجهين (والثاني) أنه غير معذور لتقصيره بالنسيان
(الحال الثالث) أن يتقدم المأموم على الامام بركوع أو غيره من الأفعال فقد ذكرنا أنه يحرم التقدم ثم ينظر
إن لم يسبق بركن كامل بان ركع قبل الامام فلم يرفع حتى ركع الامام لم تبطل صلاته عمدا كان أو سهوا لأنه
مخالفة يسيرة هذا هو المذهب وبه قطع المصنف والجمهور وحكى أبو علي الطبري والقاضي أبو الطيب والرافعي
وجها أنه ان تعمد بطلت صلاته وهو شاذ ضعيف وإذا قلنا لا تبطل فهل يعود فيه ثلاثة أوجه (الصحيح)
الذي قطع به جماهير العراقيين وجماعات من غيرهم يستحب أن يعود إلى القيام ويركع معه ولا يلزم ذلك ونقل
القاضي أبو الطيب وغيره هذا عن نص الشافعي (والثاني) يلزمه العود إلى القيام وبه قطع المصنف والشيخ
أبو حامد هنا ونقله أبو حامد عن نص الشافعي في القديم: وقال في باب صفة الصلاة يستحب
له العود ونقل عن نصه في الأم أنه قال عليه أن يعود فإن لم يفعل أجزأه قال أبو حامد وسواء تعمد السبق
أم سها (والثالث) وبه قطع امام الحرمين والبغوي يحرم العود فان عاد عمدا بطلت صلاته وعلى هذا الوجه
لو كان تقدمه سهوا فوجهان (أصحهما) يتخير بين العود والدوام في الركوع حتى يركع الامام (والثاني)
يجب العود فإن لم يعد بطلت صلاته وان سبق بركنين بطلت صلاته إن كان عامدا عالما بتحريمه
وإن كان ساهيا أو جاهلا بتحريمه لم تبطل لكن لا يعيد تلك الركعة لأنه لم يتابع الامام في معظمها
237

فيلزمه أن يأتي بركعة بعد سلام الامام ولا تخفى صورة التقدم بركنين من قياس ما سبق في التخلف
ومثل المصنف وغيره من العراقيين ذلك بما إذا ركع قبل الامام فلما أراد الامام أن يركع رفع هو فلما
أراد الامام أن يرفع سجد: قال الرافعي وهذا يخالف ذلك القياس قال فيجوز أن يقدر مثله في التخلف
ويجوز أن يخص هذا بالتقديم لان المخالفة فيه أفحش وإن سبق بركن مقصود بان ركع قبل الامام
ورفع والامام في القيام ثم وقف حتى رفع الامام واجتمعا في الاعتدال فوجهان (أحدهما) تبطل صلاته قاله
الصيدلاني وجماعة قالوا فان سبق بركن غير مقصود فان اعتدل وسجد والامام بعد في الركوع أو سبق
بالجلوس بين السجدتين بان رفع رأسه من السجدة الأولى وجلس وسجد الثانية والامام بعد في السجدة
الأولى فوجهان: والوجه الثاني من الأصل أن التقدم بركن لا يبطل كالتخلف به وبهذا قطع المصنف وسائر
العراقيين وجماعات من غيرهم وهو الصحيح المنصوص هذا كله في التقدم في الأفعال: وأما السبق
بالأقوال فإن كان بتكبيرة الاحرام فقد ذكرنا حكمه في أول الفصل: وان فرغ من الفاتحة أو التشهد
قبل شروع الامام فيها ثلاثة أوجه (الصحيح) لا يضر بل يجزيان لأنه لا يظهر فيه المخالفة (والثاني)
تبطل به الصلاة (والثالث) لا تبطل لكن لا تجزئ بل يجب قراءتهما مع قراءة الإمام أو بعدها والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
وان سها الامام في صلاته فإن كان في قراءة فتح عليه المأموم لما روى أنس قال " كان أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن بعضهم بعضا في الصلاة " وإن كان في ذكر غيره جهر به المأموم
ليسمعه فيقوله وإن سها في فعل سبح به ليعلمه فإن لم يقع للامام أنه سها لم يعمل بقول المأموم لان
من شك في فعل نفسه لم يرجع فيه إلى قول غيره كالحاكم إذا نسي حكما حكم به فشهد شاهدان
أنه حكم به وهو لا يذكره وأما المأموم فينظر فيه فإن كان سهو الامام في ترك فرض مثل أن يقعد
وفرضه أن يقوم أو يقوم وفرضه أن يقعد لم يتابعه لأنه إنما يلزمه متابعته في أفعال الصلاة وما يأتي
به ليس من أفعال الصلاة وإن كان سهوه في ترك سنة لزمه متابعته لان المتابعة فرض فلا يجوز
أن يشتغل بسنة فان نسي الامام التسليمة الثانية أو سجود السهو لم يتركه المأموم لأنه يأتي به وقد
سقط عنه فرض المتابعة وإن نسيا جميعا التشهد الأول ونهضا للقيام وذكر الامام قبل أن يستتم
238

القيام والمأموم قد استتم القيام ففيه وجهان (أحدهما) لا يرجع لأنه حصل في فرض (والثاني) يرجع
وهو الأصح لان متابعة الامام آكد ألا ترى أنه إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الامام لزمه
العود إلى متابعته وإن كان حصل في فرض) *
(الشرح) حديث أنس رواه الدارقطني والبيهقي باسناد ضعيف ورواه الحاكم من طرق بألفاظ
وقال هو حديث صحيح بشواهد (قوله) فتح عليه هو - بتخفيف التاء - أي لقنه وفتح القراءة عليه (وقوله)
لزمه العود إلى متابعته هذا تفريع منه على طريقته وقد ذكرنا في المسألة قريبا ثلاثة أوجه: أما أحكام
الفصل ففيه مسائل (إحداها) إذا ارتج على الامام ووقفت عليه القراءة استحب للمأموم تلقينه لما سنذكره
في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى وكذا إذا كان يقرأ في موضع فسها وانتقل إلى غيره يستحب
تلقينه وكذا إذا سها عن ذكر فاهمله أو قال غيره يستحب للمأموم أن يقوله جهرا ليسمعه فيقوله
(الثانية) إذا سها الامام في فعل فتركه أو هم بتغيره يستحب للمأموم أن يسبح ليعلمه الامام وقد سبق
بيان دليل التسبيح في هذا في باب ما يفسد الصلاة فان تذكر الامام عمل بذلك وإن لم يقع في قلبه ما نبهه
عليه المأموم لم يجز له أن يعمل بقول المأمومين بل يجب عليه العمل بيقين نفسه في الزيادة والنقص ولا
يقلدهم وإن كان عددهم كثيرا وكذا لا يقلد غيرهم ممن هو حاضر هناك وصرح بلفظه سواء كان
المخبرون قليلين أو كثيرين هذا هو الصحيح وبه قطع المصنف والأكثرون وذكر جماعة فيما إذا
كان المخبرون كثيرين كثرة ظاهرة بحيث يبعد اجتماعهم على الخطأ وجهين (أحدهما) لا يرجع إلى
قولهم (والثاني) يرجع وممن حكاهما المتولي والبغوي وصاحب البيان: قال في البيان قال أكثر
الأصحاب لا يرجع إليهم وقال أبو علي الطبري يرجع وصحح المتولي الرجوع لحديث ذي اليدين السابق
في باب السهو فان ظاهره رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى قول المأمومين الكثيرين وأجاب جمهور
الأصحاب عن هذا بأنه صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى قولهم بل رجع إلى يقين نفسه حين ذكروه
فتذكر ولو جاز الرجوع إلى قول غير الانسان لصدقه وترك اليقين لرجوع ذي اليدين إلى قول رسول
239

رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال " لم تقصر الصلاة ولم أنس فقال ذو اليدين بل نسيت " والله أعلم
(الثالثة) إذا ترك الامام فعلا فإن كان فرضا بان قعد في موضع القيام أو عكسه ولم يرجع لم يجز
للمأموم متابعته في تركه لما ذكره المصنف سواء تركه عمدا أو سهوا لأنه إن تركه عمدا فقد
بطلت صلاته وإن تركه سهوا ففعله غير محسوب بل يفارقه ويتم منفردا وان ترك سنة فإن كان
في اشتغال المأموم بها تخلف فاحش كسجود التلاوة والتشهد الأول لم يجز للمأموم الاتيان بها فان
فعلها بطلت صلاته وله فراقه ليأتي بها وإن ترك الامام سجود السهو أو التسليمة الثانية أتى به
المأموم لأنه يفعله بعد انقضاء القدوة فإن لم يكن في اشتغال المأموم بها تخلف فاحش بان ترك الامام جلسة
الاستراحة أتي بها المأموم قال أصحابنا لان المخالفة فيها يسيرة قالوا ولهذا لو أراد قدرها في غير موضعها
لم تبطل صلاته وقالوا لا بأس بتخلفه للقنوت إذا تركه الامام ولحقه على قرب بان لحقه في السجدة الأولى
(الرابعة) إذا قعد الامام للتشهد الأول وانتصب المأموم قائما سهوا أو نهضا للقيام ساهيين فانتصب
المأموم وعاد الامام إلى الجلوس قبل انتصابه ففي المأموم وجهان مشهوران أطلقهما المصنف
والغزالي وطائفة فقالوا (أحدهما) يرجع (والثاني) لا يرجع وقال الشيخ أبو حامد وآخرون من العراقيين (أصحهما)
يجب الرجوع إلى متابعة الامام (والثاني) لا يجب وقطع البغوي بوجوب الرجوع وقال امام الحرمين (أحدهما)
يجوز الرجوع (والثاني) لا يجوز قال ولم يوجب أحد الرجوع وكأنه لم ير نقل العراقيين في الوجوب ويحمل كلام
المصنف على أن مراده أن الوجهين في الوجوب وفى كلامه إشارة إليه وكلام الغزالي على أنهما في الجواز
لأنه نقل من كلام الامام وحاصل الخلاف ثلاثة أوجه (أصحها) يجب الرجوع (والثاني) يحرم (والثالث)
يجوز ولا يجب ودليل الأصح ان متابعة الامام آكد ثم يحصل معها التشهد ولا يفوت القيام الذي
هو فيه بخلاف عكسه: وأما قول الأخيران من تلبس بفرض لا يرجع إلى سنة ولا نسلم رجوعه
إلى سنة بل إلى متابعة الامام الواجبة وقد سبقت هذه الأوجه مع فروعها في باب سجود السهو
والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في تلقين الامام: قد ذكرنا أن مذهبنا استحبابه وحكاه ابن المنذر
عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وابن عمر وعطاء والحسن وابن سيرين وابن معقل بالقاف
ونافع بن جبير وأبي أسماء الرحبي ومالك والشافعي واحمد واسحق قال وكرهه ابن مسعود وشريح
والشعبي والثوري ومحمد بن الحسن قال ابن المنذر بالتلقين أقول وقد يحتج لمن كرهه بحديث
240

أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم يا علي لا تفتح على الامام في الصلاة " ودليلنا على استحبابه حديث المسور - بضم الميم وفتح
السين وتشديد الواو - ابن يزيد المالكي الصحابي رضي الله عنه قال " شهدت النبي صلى الله عليه وسلم
يقرأ في الصلوات فترك شيئا لم يقرأه فقال له رجل يا رسول الله انه كذا وكذا فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم هلا أذكرتنيها " رواه أبو داود باسناد جيد ولم يضعفه ومذهبه ان ما لم يضعفه
فهو حسن عنده وعن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم " صلي صلاة فقرأ فيها
فلبس عليه فلما انصرف قال لأبي أصليت معنا قال نعم قال فما منعك " رواه أبو داود باسناد
صحيح كامل الصحة وهو حديث صحيح: وأما حديث النهي الذي احتج به الكارهون فضعيف
جدا لا يجوز الاحتجاج به لان الحارث الأعور ضعيف باتفاق المحدثين معروف بالكذب
ولان أبا داود قال في هذا الحديث لم يسمع أبو إسحاق من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها
* قال المصنف رحمه الله *
(وإن أحدث الامام واستخلف ففيه قولان قال في القديم لا يجوز لان المستخلف كان لا يجهر
ولا يقرأ السورة ولا يسجد للسهو فصار يجهر ويقرأ السورة ويسجد للسهو وذلك لا يجوز في صلاة
واحدة وقال في الأم يجوز لما روت عائشة رضي الله عنها قالت " لما مرض رسول الله صلى الله عليه
وسلم مرضه الذي توفى فيه قال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقلت يا رسول الله انه رجل أسيف ومتى
يقم مقامك يبك فلا يستطيع فمر عمر فليصل بالناس فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقلت يا رسول الله ان
أبا بكر رجل أسيف ومتى يقم مقامك يبك فلا يستطيع فمر عليا فليصل بالناس قال إنكن لأنتن صواحبات
يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فخرج فلما رآه أبو بكر
ذهب ليستأخر فأومأ إليه بعيده فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلى جنبه فكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير " فان استخلف من لم يكن معه في الصلاة
241

فإن كان في الركعة الأولى أو الثالثة جاز على قوله في الأم وإن كان في الركعة الثانية أو الرابعة لم يجز
لأنه لا يوافق ترتيب الأول فيشوش وان سلم الامام وبقي على بعض المأمومين بعض الصلاة فقدموا
من يتم بهم ففيه وجهان (أحدهما) يجوز كما يجوز في الصلاة والثاني لا يجوز لان الجماعة الأولى قد
تمت فلا حاجة إلى الاستخلاف) *
(الشرح) حديث عائشة في استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه وخروجه
وتأخر أبي بكر وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالناس رواه البخاري ومسلم (قولها) أبو بكر رجل أسيف أي
حزين قوله صلى الله عليه وسلم " أي في صواحب يوسف تظاهرهن على ما بردن والحاحهن فيه كتظاهر امرأة العزيز
ونسوتها على صرف يوسف صلى الله عليه وسلم عن رأيه في الاعتصام فحماه الله الكريم منهن والمشهور
في أكثر روايات الحديث صواحب وفى المهذب صواحبات والأول أحرى على اللغة (وقوله) في
المهذب فمر عليا فليصل بالناس ليس لعلي ذكر في هذا الموضع في الصحيحين وغيرهما من كتب
الحديث المشهورة ووقع في المهذب يبكى ولا يستطيع في الموضعين وفى الصحيح زيادة فلا يستطيع
أن يصلي بالناس وفى بعض روايات الصحيح لا يسمع الناس وفى بعضها لا يقدر على القراءة قوله
فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة هي - بسكر الخاء - أي نشاطا وقوة وقول المصنف
فيشوش هذه اللفظة معدودة عند جماهير أهل اللغة في لحن العوام قالوا وصوابه فيهوس ومعناه
يخلط وغلط أهل المعرفة الليث والجوهري في تجويزهما التشويش قال ابن الجواليقي في كتابه لحن
العوام اجمع أهل اللغة على أن التشويش لا أصل له في العربية وأنه من كلام المولدين وخطؤا الليث
فيه: أما أحكام الفصل فقال أصحابنا إذا خرج الامام عن الصلاة بحديث تعمده أو سبقه أو نسيه
أو بسبب آخر أو بلا سبب ففي جواز الاستخلاف قولان مشهوران (الصحيح) الجديد جوازه
للحديث الصحيح (والقديم) والاملاء وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم " استخلف أبا بكر رضي الله عنه مرتين مرة في مرضه ومرة حين ذهب النبي صلى الله عليه وسلم
ليصلح بين بني عمرو بن عوف وصلي أبو بكر بالناس فحضر النبي صلى الله عليه وسلم وهو في أثناء
الصلاة فاستأخر أبو بكر واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم " ومن أصحابنا من قطع بالجواز وقال
242

إنما القولان في الاستخلاف في الجمعة خاصة وهذا أقوى في الدليل ولكن المشهور في المذهب
طرد القولين في جميع الصلوات فرضها ونفلها قال أصحابنا فان منعنا الاستخلاف أتم المأمومون
صلاتهم فرادى وان جوزناه فيشترط كون الخليفة صالحا لامامة هؤلاء المصلين فلو استخلف لامامة
الرجال امرأة فهو لغو ولا تبطل صلاتهم إلا أن يقتدوا بها وكذا لو استخلف أميا أو أخرس أو أرت
وقلنا بالصحيح أنه لا تصح إمامتهم قال امام الحرمين ويشترط الاستخلاف على قرب فلو فعلوا
في الانفراد ركنا امتنع الاستخلاف بعده وأما صفة الخليفة فان استخلف مأموما يصلى تلك الصلاة
أو مثلها في عدد الركعات صح بالاتفاق وسواء كان مسبوقا أم غيره وسواء استخلفه في الركعة
الأولى أو غيرها لأنه ملتزم لترتيب الامام باقتدائه فلا يؤدى إلى المخالفة فان استخلف أجنبيا فثلاثة
أوجه (الصحيح) الذي قطع به المصنف والجمهور انه ان استخلف في الركعة الأولى أو الثالثة من
رباعية جاز لأنه لا يخالفهم في الترتيب وان استخلفه في الثانية أو الأخيرة لم يجز لأنه مأمور بالقيام
غير ملتزم لترتيب الامام وهم مأمورون بالقعود على ترتيب الامام فيقع الاختلاف (والوجه الثاني)
وهو قول الشيخ أبى حامد ان استخلفه في الأولى جاز وان استخلفه في غيرها لم يجز لأنه إذا
استخلفه في الثالثة خالفه في الهيئات فيجهر وكان ترتيب غير ملتزم لترتيب الامام
(والوجه الثالث) وبه قطع جماعة منهم امام الحرمين انه لا يجوز استخلاف غير مأموم مطلقا قال
امام الحرمين فلو قدم الامام أجنبيا لم يكن خليفة بل هو عاقد لنفسه صلاة فان اقتدى به المأمومون
فهو اقتداء منفردين في أثناء الصلاة وقد سبق الخلاف فيه في هذا الباب لان قدوتهم انقطعت بخروج
الامام والمذهب الأول قال أصحابنا وإذا استخلف مأموما مسبوقا لزمه مراعاة ترتيب الامام فيقعد
موضع قعوده ويقوم موضع قيامه كما كان يفعل لو لم يخرج الامام من الصلاة فلو اقتدى المسبوق في ثانية
الصبح ثم أحدث الامام فيها فاستخلفه فيها قنت وقعد عقبها وتشهد ثم يقنت في الثانية لنفسه ولو كان
الامام قد سها قبل اقتدائه أو بعده سجد في آخر صلاة الامام وأعاد في آخر صلاة نفسه على أصح
القولين كما سبق وإذا تمت صلاة الامام قام لتدارك ما عليه والمأمومون بالخيار ان شاءوا فارقوه
وسلموا وتصح صلاتهم بلا خلاف للضرورة وان شاءوا صبروا جلوسا ليسلموا معه هذا كله إذا عرف
243

المسبوق نظم صلاة الامام وما بقي منها فإن لم يعرف فقولان حكاهما صاحب التلخيص وآخرون
وهما مشهوران لكن قال الشيخ أبو علي السنجي وغيره ليس هما منصوصين للشافعي بل خرجهما
ابن سريج وقيل هما وجهان أقيسهما لا يجوز وقال الشيخ أبو علي (أصحهما) الجواز ونقل ابن المنذر عن
الشافعي الجواز ولم يذكره غيره قال أصحابنا فعلى هذا يراقب الخليفة المأمومين إذا أتم الركعة فان
هموا بالقيام قام والا قعد قال البغوي ولا يمنع قبول غيره وإشارته من استخلافه كما لو أخبره الامام
ان الباقي من الصلاة كذا فإنه يجوز اعتماده للخليفة بالاتفاق قال أصحابنا وسهو الخليفة قبل حدث
الامام يحمله الامام فلا يسجد له أحد وسهو بعد الاستخلاف يقتضى سجوده وسجودهم وسهو القوم
قبل حدث الامام وبعد الاستخلاف محمول وبينهما غير محمول بل يسجد الساهي بعد سلام الخليفة
ولو أحرم بالظهر خلف مصلي الصبح فأحدث الامام واستخلفه قنت في الثانية لأنه محل قنوت الامام
فلا يقنت في آخر صلاته ولو أحرم بالصبح خلف الظهر فأحدث الامام وحده لم يقنت في آخر صلاته
هكذا نقلهما البغوي ثم قال ويحتمل ان يقال يقنت في المسألة الأخيرة دون الأولى وفي اشتراط
نية القدوة بالخليفة في الجمعة وغيرها وجهان حكاهما البغوي وآخرون (أصحهما) وأشهرهما لا يشترط
لان الخليفة قائم مقام الأول وقد سبقت نية الاقتداء (والثاني) يشترط لأنهم بحدث الأول صاروا
منفردين ولهذا لحقهم سهو أنفسهم بين الحدث والاستخلاف قال أصحابنا وإذا لم يستخلف الامام
قدم القوم واحدا بالإشارة ولو تقدم واحد بنفسه جاز وتقديم القوم أولى من استخلاف الامام لأنهم
المصلون قال امام الحرمين ولو قدم الامام واحدا والقوم آخر فأظهر الاحتمالين ان تقديم القوم أولى
قال البغوي وغيره ويجوز استخلاف اثنين وثلاثة وأربعة وأكثر يصلى كل واحد منهم بطائفة في
غير الجمعة ولكن الأولى الاقتصار على واحد وحكى ابن المنذر جوازه عن الشافعي ومنعه عن أبي حنيفة
قال البغوي وغيره وإذا تقدم خليفة فمن شاء تابعه ومن شاء أتم منفردا قال البغوي وغيره فلو
تقدم الخليفة فسبقه حدث ونحوه جاز لثالث أن يتقدم فان سبقه حدث ونحوه فالرابع وأكثر وعلى
جميعهم ترتيب صلاة الامام الأصلي ويشترط فيهم ما شرط في الخليفة الأول ولو توضأ الامام وعاد
واقتدى بخليفة ثم أحدث الخليفة فتقدم الامام الأول جاز هذا مختصر ما يتعلق بالاستخلاف في
غير الجمعة أما الاستخلاف في الجمعة فقد ذكره المصنف في بابها وهناك يشرح إن شاء الله تعالى
* (فرع) إذا سلم الامام وفى المأمومين مسبوقون فقاموا لاتمام صلاتهم فقدموا من يتممها بهم
واقتدوا به ففي جوازه وجهان حكاهما المصنف والبندنيجي والشيخ أبو حامد والمحاملي والجرجاني
244

وآخرون من العراقيين (أصحهما) الجواز قال الشيخ أبو حامد والمحاملي في التجريد وهو قول أبي إسحاق
قياسا على الاستخلاف قالا والوجهان مفرعان على جواز الاستخلاف فان منعناه لم يجز هذا وجها
واحدا ما ذكرته من تصحيح الجواز فاعتمده ولا تغتر بما في الانتصار لأبي سعيد بن عصرون
من تصحيح المنع وكأنه اغتر بقول الشيخ أبى حامد في تعليقه لعل الأصح المنع والله أعلم
فلو كان هذا في الجمعة لم يجز للمسبوقين الاقتداء فيما بقي عليهم وجها واحدا لأنه لا تجوز جمعة بعد
جمعة بخلاف غيرها *
(فرع) في مذاهب العلماء في الاستخلاف: قد ذكرنا أن الصحيح في مذهبنا جوازه قال البغوي
وهو قول أكثر العلماء وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وعلى وعلقمة وعطاء والحسن البصري
والنخعي والثوري ومالك وأصحاب الرأي واحمد ولم يصرح ابن المنذر بحكاية منع الاستخلاف
عن أحد * قال المصنف رحمه الله *
(وان نوى المأموم مفارقة الامام وأتم لنفسه فإن كان لعذر لم تبطل صلاته " لان معاذا رضي
الله عنه أطال القراءة فانفرد عنه اعرابي وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه " وإن كان
لغير عذر ففيه قولان (أحدهما) تبطل لأنهما صلاتان مختلفتان في الحكم فلا يجوز أن ينتقل من إحداهما
إلى الأخرى كالظهر والعصر (والثاني) يجوز وهو الأصح لان الجماعة فضيلة فكان له تركها كما
لو صلي بعض صلاة النفل قائما ثم قعد) *
(الشرح) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من رواية جابر ثم في روايات البخاري ومسلم
وغيرهما أن هذه القصة كانت في صلاة العشاء وفى رواية لأبي داود والنسائي كانت في المغرب وفى
رواية الصحيحين وغيرهما أن معاذا افتتح سورة البقرة وفي رواية للإمام أحمد من رواية بريدة
أنه كان في صلاة العشاء فقرأ (اقتربت الساعة) فيجمع بين الروايات بان يحمل على أنهما قضيتان
لشخصين فقد اختلف في اسم هذا الرجل كما سنوضحه إن شاء الله تعالى ولعل ذلك كان في ليلة
واحده فان معاذا لا يفعله بعد النهى ويبعد أنه نسي النهي وأشار البيهقي إلى ترجيح رواية العشاء
ورد الرواية الأخرى فقال روايات العشاء أصح وهو كما قال لكن الجمع بين الروايات أولي وجمع
بعض العلماء بين رواية القراءة بالبقرة والقراءة باقتربت بأنه قرأ هذه في ركعة وهذه في ركعة
وأما قول المصنف فانفرد عنه اعرابي فليس بمقبول بل الصواب انصرف عنه أنصاري صاحب
ناضخ ونجل هكذا جاء مبينا في الصحيحين واختلف في اسمه ففي رواية لأبي داود اسمه حزم بن أبي
كعب وقيل اسمه حازم وقيل سليم والأصح انه حرام - بالراء - بن ملحان خال أنس بن مالك ولم يذكر
245

الخطيب البغدادي في المبهمات غيره واتفق الشافعي والأصحاب على الاستدلال بهذا الحديث في
هذه المسألة وهي مفارقة الامام والبناء على ما صلى معه لكن احتج به الشافعي في الأم والشيخ
أبو حامد وآخرون على المفارقة بغير عذر قالوا وتطويل القراءة ليس بعذر واحتج المصنف وآخرون
على المفارقة بعذر وجعلوا طول القراءة عذرا وعلى التقديرين في الاستدلال به اشكال
لأنه ليس فيه تصريح بأنه فارقه وبنى على صلاته بل ثبت في صحيح مسلم في
رواية انه استأنف الصلاة ولفظ روايته قال " افتتح معاذ بسورة البقرة فانحرف رجل
فسلم ثم صلى وحده وانصرف " وهذا لفظه بحروفه وفيه تصريح بأنه لم يبن بل قطع الصلاة ثم استأنفها
فلا يحصل منه دلالة للمفارقة والبناء وقد أشار البيهقي إلى الجواب عن هذا الاشكال فقال لا أدرى هل
حفظت هذه الزيادة التي في مسلم لكثرة من روى هذا الحديث عن سفين دون هذه الزيادة وإنما انفرد
بها محمد بن عباد عن سفيان وهذا الجواب فيه نظر لأنه قد تقرر وعلم أن المذهب الصحيح الذي عليه
الجمهور من أصحاب الحديث والفقه والأصول قبول زيادة الثقة لكن يعتضد قول البيهقي بما قررناه
في علوم الحديث ان أكثر المحدثين يجعلون مثل هذه الزيادة شاذا ضعيفا مردودا فالشاذ عندهم
أن يرووا ما لا يرويه سائر الثقات سواء خالفهم أم لا ومذهب الشافعي وطائفة من علماء الحجاز أن الشاذ
ما يخالف الثقات اما ما لا يخالفهم فليس بشاذ بل يحتج به وهذا هو الصحيح وقول المحققين فعلى قول
أكثر المحدثين هذه اللفظة شاذة لا يحتج بها كما أشار إليه البيهقي ويؤيده ان في رواية الإمام أحمد
ابن حنبل في مسنده في هذا الحديث من رواية أنس " ان هذا الرجل دخل المسجد مع القوم فلما رأى
معاذا طول تجوز في صلاته ولحق بنخله يسقيه فلما قضي معاذا الصلاة قيل له ذلك قال إنه لمنافق
تعجل عن الصلاة من أجل شقى نخله " واما قول المصنف لأنهما صلاتان مختلفتان في الحكم فاحتراز
ممن نوى القصر ثم الاتمام فإنه تصح صلاته لأنهما صلاتان ليستا مختلفتين في الحكم وإن كانتا مختلفتين
في العدد: اما حكم المسألة فقال أصحابنا إذا أخرج المأموم نفسه عن متابعة الامام نظر ان فارقه ولم ينو المفارقة
وقطع القدوة بطلت صلاته بالاجماع ومن نقل الاجماع فيه الشيخ أبو حامد وان نوى مفارقته وأتم صلاته
منفردا بانيا علي ما صلي مع الامام فالمذهب وهو نصه في الجديد صحت صلاته مع الكراهة وفيه قول ثان
أنها لا تبطل مطلقا حكاه الخراسانيون وقول ثالث قديم تبطل إن لم يكن له عذر وإلا فلا قال امام الحرمين
246

والاعذار كثيرة وأقرب معتبر أن كل ما جوز ترك الجماعة ابتداء جوز المفارقة وألحقوا به ما إذا ترك الامام
سنة مقصودة كالتشهد الأول والقنوت واما إذا لم يصبر على طول القراءة لضعف أو شغل فهل هو عذر فيه
وجهان (أصحهما) أنه عذر وبه قطع المصنف لأنه حمل حديث معاذ عليه (والثاني) لا وبه قطع الشيخ أبو حامد
هذا كله إذا قطع المأموم القدوة الامام بعد في صلاة صحيحة في غير صلاة الخوف فاما إذا بطلت صلاة
الامام بحدث ونحوه أو قام إلى خامسة أو أتي بمناف غير ذلك فإنه يفارقه ولا يضر المأموم هذه المفارقة
بلا خلاف اما إذا فارقوا الامام في صلاة الخوف ففيه تفصيل مذكور في بابه ولو نوى الصبح خلف مصلى
الظهر وتمت صلاة المأموم فإن شاء انتظر في التشهد حتى يفرغ الامام ويسلم معه وهذا أفضل وان شاء نوى
مفارقته وسلم وتبطل صلاته هنا بالمفارقة بلا خلاف لتعذر المتابعة وكذا فيما أشبهها من الصور ولا فرق في جميع
ذلك بين أن ينوى المفارقة في صلاة فرض أو نفل ومذهب مالك وأبي حنيفة بطلان صلاة المفارق
وعن أحمد روايتان كالقولين *
247

(باب صفة الأئمة)
* قال المصنف رحمه الله *
(إذا بلغ الصبي حدا يعقل وهو من أهل الصلاة صحت إمامته لما روى عمرو بن سلمة رضي الله عنه
قال " أممت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام ابن سبع سنين " وفى الجمعة قولان قال في الأم
لا تجوز إمامته لان صلاته نافلة وقال في الاملاء تجوز لأنه يجوز أن يكون اماما في غير الجمعة فجاز أن يكون
اماما في الجمعة كالبالغ *
(الشرح) هذا الحديث رواه جابر ثم في رواية البخاري في صحيحه وعمر وهذا بفتح العين وأبو سلمة بكسر
اللام وسلمة صحابي واما عمرو فاختلف في سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم ورؤيته إياه والأشهر أنه لم يسمعه
ولم يره لكن كانت الركبان تمر بهم فيحفظ عنهم ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم فكان أحفظ قومه
لذلك فقدموه ليصلي بهم وكنيته أبو بريد - بضم الباء الموحدة وبراء - وقال أبو يزيد - بفتح المثناة وبالزاي -
وهو من بنى جرم - بفتح الجيم - وقول المصنف إذا بلغ حدا يعقل أحسن من قول من يقول إذا بلغ
سبع سنين لان المراد أنه إذا كان مميزا صحت صلاته وإمامته والتمييز يختلف وقته باختلاف
الصبيان فمنهم من يحصل له من سبع سنين ومنهم من يحصل له قبلها ومنهم من لا يميز وان بلغ سبعا
وعشرا وأكثر: واما ضبط أكثر المحدثين وقت صحة سماع الصبي وتمييزه بخمس سنين فقد ذكره
المحققون وقالوا الصواب يعتبر كل صبي بنفسه فقد يميز لدون خمس وقد يتجاوز الخمس ولا يميز وقوله
وهو من أهل الصلاة احتراز من الصبي الكافر والذي لا يحسن الصلاة: اما حكم المسألة فكل
صبي صحت صلاته صحت إمامته في غير الجمعة بلا خلاف عندنا وفى الجمعة قولان ذكر المصنف
دليلهما (أصحهما) الصحة هكذا صححه المحققون ولا يغتر بتصحيح ابن عصرون خلافه وصورة
المسألة أن يتم العدد بغيره ويجرى القولان في عبد ومسافر صليا الظهر ثم أما في الجمعة لان صلاتهما
الثانية نافلة كالصبي ووجه البطلان فيهما وفى الصبي أن الكمال مشروط في المأمومين في الجمعة ففي
الامام أولى والصحيح الصحة في الجميع لان صلاته صحيحة ومذهبنا انه لا يشترط اتفاق نية الإمام والمأموم
وقد ضبط أصحابنا الخراسانيون وبعض العراقيين الكلام في امام الجمعة ضبطا حسنا
ولخصه الرافعي فقال لامام الجمعة أحوال (أحدها) أن يكون عبدا أو مسافرا فان تم العدد به لم تصح
والا صحت على المذهب وقيل في صحتها وجهان وقال البندنيجي وغيره قولان (أصحهما) الصحة
248

هذا إذا صليا الجمعة ابتداء فإن كان صليا ظهر يومهما ثم اما في الجمعة فهما متنفلان بها ففي صحتها
خلفهما ما سنذكره إن شاء الله تعالى في المتنفل (الثاني) أن يكون صبيا أو متنفلا فان تم به العدد
لم تصح وان تم دونه فقولان (أصحهما) عند الأكثرين الصحة وهو نصه في الاملاء ونص في الأم
على أنها لا تصح قال واتفقوا على أن الجواز في المتنفل اظهر منه في الصبي لأنه من أهل الفرض
ولا نقص فيه (الثالث) ان يصلوا الجمعة خلف من يصلي صبحا أو عصرا فكالمتنفل وقيل تصح
قطعا لأنه يصلي فرضا وان صلوها خلف من يصلي الظهر تامة وهي فرضه بأن يكون له في تركه
الجمعة عذر فهو كمصلي فيكون في صحتها الطريقان المذهب الصحة ورجح المصنف بعد هذا
البطلان وهو ضعيف وان صلوها خلف مسافر نوى الظهر مقصورة فان قلنا الجمعة ظهر مقصورة
صح قطعا وان قلنا صلاة مستقلة فكمن نوى الظهر تامة فتصح على المذهب *
(فرع) في مذاهب العلماء في صحة إمامة الصبي للبالغين: قد ذكرنا أن مذهبنا صحتها وحكاه
ابن المنذر عن الحسن البصري واسحق ابن راهويه وأبي ثور قال وكرهها عطاء والشعبي ومجاهد
ومالك والثوري وأصحاب الرأي وهو مروي عن ابن عباس وقال الأوزاعي لا يؤم في مكتوبة
إلا أن لا يكون فيهم من يحفظ شيئا من القرآن غيره فيؤمهم المراهق وقال الزهري ان اضطروا
إليه أمهم قال ابن المنذر وبالجواز أقول وقال العبدري قال مالك وأبو حنيفة تصح إمامة الصبي
في النفل دون الفرض وقال داود لا تصح في فرض ولا نفل وقال احمد لا تصح في الفرض وفى
249

والنفل روايتان وقال القاضي أبو الطيب قال أبو حنيفة ومالك والثوري والأوزاعي واحمد
واسحق لا يجوز أن يكون اماما في مكتوبة ويجوز في النفل قال وربما قال بعض الحنفية لا تنعقد
صلاته * واحتج بحديث علي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " رفع القلم عن
ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق " رواه أبو داود والنسائي
باسناد صحيح ورواه أيضا من رواية عائشة رضي الله عنها وعن ابن عباس من قوله " لا يؤم
غلام حتى يحتلم " ولأنه غير مكلف فأشبه المجنون * واحتج أصحابنا بحديث
عمرو بن سلمة الذي احتج به المصنف وبقوله صلى الله عليه وسلم " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله "
رواه مسلم وسنوضحه في موضعه قريبا إن شاء الله تعالى ولان من جازت إمامته في النفل جازت
في الفرض كالبالغ والجواب عن حديث " رفع القلم " ان المراد رفع التكليف والايجاب لا نفى صحة
الصلاة والدليل عليه حديث ابن عباس في الصحيحين " انه صلي مع النبي صلى الله عليه وسلم " وحديث
انس في الصحيحين " انه صلي هو واليتيم خلف النبي صلى الله عليه وسلم " وحديث عمرو بن سلمة
المذكور هنا وغيرها من الأحاديث الصحيحة وأما المروى عن ابن عباس فان صح فمعارض بالمروي
عن عائشة من صحة امامة الصبيان: وإذا اختلفت الصحابة لم يحتج ببعضهم ويخالف المجنون فإنه لا تصح طهارته
ولا يعقل الصلاة والله أعلم *
(فرع) ذكرنا أن الصحيح عندنا صحة صلاة الجمعة خلف المسافر ونقل الشيخ أبو حامد في
كتاب الجمعة اجماع المسلمين عليه ونقل العبدري عن زفر واحمد أنها لا تصح ومذهبنا المشهور
صحتها وراء العبد وبه قال أبو حنيفة والجمهور وقال مالك لا تصح وهي رواية عن أحمد
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا تصح امامة الكافر لأنه ليس من أهل الصلاة فان تقدم وصلي بقوم لم يكن ذلك اسلاما
منه لأنه من فروع الايمان فلا يصير بفعله مسلما كما لو صام رمضان أو زكي المال وأما من صلى خلفه
250

فان علم بحاله لم تصح صلاته لأنه علق صلاته بصلاة باطلة وإن لم يعلم ثم علم نظرت فإن كان كافرا
متظاهرا بكفره لزمه الإعادة لأنه مفرط في صلاته خلفه لان على كفره امارة من الغيار وإن كان
مستترا بكفره ففيه وجهان (أحدهما) لا تصح لأنه ليس من أهل الصلاة فلا تصح خلفه كما لو كان
متظاهرا بكفره (والثاني) تصح لأنه غير مفرط في الائتمام به) *
(الشرح) الامارة - بفتح الهمزة - ويقال الامار بلا هاء وهي العلامة على الشئ والغيار - بكسر الغين -
ولا تصح الصلاة خلف أحد من الكفار على اختلاف أنواعهم وكذا المبتدع الذي يكفر ببدعته
فان صلى خلفه جاهلا بكفره فإن كان متظاهرا بكفره كيهودي ونصراني ومجوسي ووثني وغيرهم
لزمه إعادة الصلاة بلا خلاف عندنا وقال المزني لا يلزمه فإن كان مستترا به كمرتد ودهري وزنديق
ومكفر ببدعة يخفيها وغيرهم فوجهان مشهوران ذكر المصنف دليلهما (الصحيح) منهما عند الجمهور
وقول عامة أصحابنا المتقدمين وجوب الإعادة وصحح البغوي والرافعي وطائفة قليلون انه لا إعادة
والمذهب الوجوب وممن صححه الشيخ أبو حامد والماوردي والقاضي أبو الطيب والبندنيجي والمحاملي
وصاحب العدة والشيخ نصر وخلائق قال أبو حامد والمنصوص لزوم الإعادة وهو المذهب وقال
الماوردي مذهب الشافعي وعامة أصحابه وجوب الإعادة قال وغلط من لم يوجب الإعادة وإذا
صلى الكافر الأصلي اماما أو مأموما أو منفردا أو في مسجد أو غيره لم يصر بذلك مسلما سواء كان
في دار الحرب أو دار الاسلام نص عليه الشافعي في الأم والمختصر وصرح به الجمهور وقال القاضي
أبو الطيب ان صلي في دار الحرب كان اسلاما وتابعه على ذلك المصنف والشيخ أبو إسحاق وقال
المحاملي يحكم باسلامه في الظاهر ولكن لا يلزمه حكم الاسلام وقال صاحب التتمة إذا صلي حربي
أو مرتد في دار الحرب قال الشافعي يحكم باسلامه بشرط أن لا يعلم أن هناك مسلما يقصد الاستهزاء
251

ومغايظته بالصلاة وذكر صاحب الشامل أن المذهب أنه لا يحكم باسلامه ثم حكي قول أبى الطيب
ثم قال وهذا لم أره لغيره واتفق المتأخرون الذين حكوا قول القاضي أبى الطيب على أنه ضعيف
وأن المذهب أنه لا يحكم باسلامه كما نص عليه الشافعي والمتقدمون وهذا النص الذي حكاه صاحب
التتمة غريب ضعيف: قال أصحابنا وصورة المسلة إذا صلى ولم يسمع منه الشهادتان فان سمعتا منه
في التشهد أو غيره فوجهان مشهوران (الصحيح) وبه قطع الأكثرون أنه يحكم باسلامه (والثاني) لا يحكم
حتى يأتي بالشهادتين باستدعاء غيره أو بأن يقول أريد الاسلام ثم يأتي بهما ويجرى الوجهان فيما
لو أتى بالشهادتين في الأذان أو غيره لا بعد استدعاء ولا حاكيا والصحيح الحكم باسلامه وقد
سبقت المسألة مبسوطة في باب الأذان وممن حكي الوجهين أبو علي بن أبي هريرة والشيخ أبو حامد
والقاضي أبو الطيب والبندنيجي والماوردي وابن الصباغ والمتولي والشيخ نصر والشاشي
وخلائق غيرهم وكلهم ذكروهما في هذا الموضع وذكرهما جماعة أيضا في باب الأذان ومقصودي
بهذا أن بعض كبار المتأخرين المصنفين نقلهما عن صاحب البيان مستغربا لهما وبالله التوفيق: قال
الشافعي في الأم والمختصر والأصحاب رحمهم الله وإذا صلي الكافر بالمسلمين عزر لإفساده صلاتهم
وتداعيه واستهزائه وأما قول المصنف لا يحكم باسلامه كما لو صام رمضان وزكي المال فمراده الاستدلال
على أبي حنيفة رحمه الله فإنه قال يحكم باسلامه إذا صلي في جماعة أو في مسجد فألزمه أصحابنا الصوم
والزكاة وحكي الخراسانيون وجها لأصحابنا أنه إذا أقر بوجوب صوم أو صلاة أو زكاة حكم باسلامه
بلا شهادة وضابطه على هذا الوجه أن كل ما يصير المسلم كافرا أيجحده يصير الكافر مسلما باقراره
به والصحيح المشهور لا يصير والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في صلاة الكافر: قد ذكرنا أن المشهور من مذهبنا أنه لا يحكم
باسلامه بمجرد الصلاة وبه قال الأوزاعي ومالك وأبو ثور وداود وقال أبو حنيفة ان صلى في المسجد
في جماعة أو منفردا أو خارج المسجد في جماعة أو حج وطاف أو تجرد للاحرام ولبى ووقف بعرفة
صار مسلما وقال احمد إن صلي منفردا أو خارج المسجد حكم باسلامه * واحتج لأبي حنيفة بقوله تعالي
(إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله) وبقوله صلى الله عليه وسلم " من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا واكل
ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري من رواية
أنس وبحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد فاشهدوا
252

له بالايمان " رواه الترمذي وقال حديث حسن وقال الحاكم صحيح وبحديث أبي هريرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " نهيت عن قتال المصلين " رواه أبو داود * واحتج أصحابنا بحديث ابن عمر
رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله
وأن محمدا رسول الله " رواه البخاري ومسلم: والجواب عن الآية أن مجرد صلاة واحدة ليس
عمارة: وعن الحديث الأول انا لا نعلم أن هذه الصلاة صلاتنا: وعن الثاني أن ظاهره وهو مجرد اعتياد
المساجد غير مراد فلابد فيه من اضمار فيحمل على غير الكافر: وعن الثالث أنه حديث ضعيف
ولو صح لكان معناه من عرف بالصلاة الصحيحة * قال المصنف رحمه الله *
(وتجوز الصلاة خلف الفاسق لقوله صلى الله عليه وسلم " صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وعلى
من قال لا إله إلا الله " ولان ابن عمر رضي الله عنهما صلى خلف الحجاج مع فسقه) *
(الشرح) هذا الحديث ضعيف رواه الدارقطني والبيهقي من رواية ابن عمر باسناد ضعيف
ورواه الدارقطني من طرق كثيرة ثم قال وليس منها شئ يثبت: وأما صلاة بن عمر خلف الحجاج
بن يوسف فثابته في صحيح البخاري وغيره وفى الصحيح أحاديث كثيرة تدل على صحة الصلاة
وراء الفساق والأئمة الجائرين: قال أصحابنا الصلاة وراء الفاسق صحيحة ليست محرمة لكنها
مكروهة وكذا تكره وراءه المبتدع الذي لا يكفر ببدعته وتصح فان كفر ببدعته فقد قدمنا أنه
لا تصح الصلاة وراءه كسائر الكفار ونص الشافعي في المختصر على كراهة الصلاة خلف الفاسق
والمبتدع فان فعلها صحت وقال مالك لا تصح وراء فاسق بغير تأويل كشارب الخمر والزاني
وذهب جمهور العلماء إلى صحتها *
(فرع) قد ذكرنا أن من يكفر ببدعته لا تصح الصلاة وراءه ومن لا يكفر تصح فممن
يكفر من يجسم تجسيما صريحا ومن ينكر العلم بالجزئيات واما من يقول بخلق القرآن فهو مبتدع
واختلف أصحابنا في تكفيره فأطلق أبو علي الطبري في الافصاح والشيخ أبو حامد الأسفرايني
253

ومتابعوه القول بأنه كافر قال أبو حامد ومتابعوه المعتزلة كفار والخوارج ليسوا بكفار ونقل المتولي
بتكفير من يقول بخلق القرآن عن الشافعي وقال القفال وكثيرون من الأصحاب يجوز الاقتداء بمن
يقول بخلق القرآن وغيره من أهل البدع قال صاحب العدة هذا هو المذهب (قلت) وهذا هو الصواب
فقد قال الشافعي رحمه الله أقبل شهادة أهل الأهواء الا الخطابية لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم
ولم يزل السلف والخلف يرون الصلاة وراء المعتزلة ونحوهم ومناكحتهم وموارثتهم واجراء سائر الأحكام
عليهم وقد تأول الامام الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي وغيره من أصحابنا المحققين ما نقل عن
الشافعي وغيره من العلماء من تكفير القائل بخلق القرآن على أن المراد كفران النعمة لا كفران
الخروج عن الملة وحملهم على هذا التأويل ما ذكرته من اجراء أحكام الاسلام عليهم قال ابن
المنذر أجاز الشافعي الصلاة خلف من أقامها يعنى من أهل البدع وإن كان غير محمود في دينه أن
حاله أبلغ في مخالفة حد الدين هذا لفظه قال ابن المنذر ان كفر ببدعة لم تجز الصلاة وراءه والا
فتجوز وغيره أولى * قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز للرجل أن يصلي خلف المرأة لما روى جابر رضي الله عنه قال " خطبنا رسول الله
254

صلى الله عليه وسلم فقال لا تؤمن المرأة رجلا " فان صلي خلفها ولم يعلم ثم علم لزمه الإعادة لان عليها
امارة تدل على أنها امرأة فلم يعذر في صلاته خلفها ولا تجوز صلاة الرجل خلف الخنثى المشكل
لجواز أن يكون امرأة ولا صلاة الخنثى خلف الخنثى لجواز أن يكون المأموم رجلا والامام امرأة) *
(الشرح) حديث جابر رواه ابن ماجة والبيهقي باسناد ضعيف واتفق أصحابنا على أنه
لا تجوز صلاة رجل بالغ ولا صبي خلف امرأة حكاه عنهم القاضي أبو الطيب والعبد ري ولا خنثى
خلف امرأة ولا خنثى لما ذكره المصنف وتصح صلاة المرأة خلف الخنثى وسواء في منع إمامة المرأة
للرجال صلاة الفرض والتراويح وسائر النوافل هذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء من السلف
والخلف رحمهم الله وحكاه البيهقي عن الفقهاء السبعة فقهاء المدينة التابعين وهو مذهب مالك وأبي
حنيفة وسفيان واحمد وداود وقال أبو ثور والمزني وابن جرير تصح صلاة الرجال وراءها حكاه
عنهم القاضي أبو الطيب والعبد ري وقال الشيخ أبو حامد مذهب الفقهاء كافة أنه لا تصح صلاة
الرجال وراءها الا أبا ثور والله أعلم: قال أصحابنا فان صلي خلف المرأة ولم يعلم أنها امرأة ثم علم لزمه
الإعادة بلا خلاف لما ذكره المصنف وان صلي رجل خلف خنثى أو خنثى خلف خنثى ولم يعلم أنه
خنثى ثم علم لزمه الإعادة فإن لم يعيدا حتى بان الخنثى الامام رجلا فهل تسقط الإعادة فيه قولان
مشهوران عند الخراسانيين (أصحهما) عندهم لا تسقط الإعادة وهو مقتضى كلام العراقيين قالوا
ويجزى القولان فيما لو اقتدى خنثى بخنثى فبان المأموم وفيما لو اقتدى خنثى بامرأة فبان الخنثى
امرأة ولو بان في أثناء الصلاة ذكورة الخنثى الامام أو أنوثة الخنثى المصلي خلفت امرأة أو خنثى ففي
بطلان صلاته وجواز اتمامها القولان كما بعد الفراغ وحكي الرافعي وجها شاذا انه لو صلى رجل خلف
من ظنه رجلا فبان خنثى لا إعادة عليه والمشهور القطع بوجوب الإعادة ثم إذا صلت المرأة
بالرجل أو الرجال فإنما تبطل صلاة الرجال واما صلاتها وصلاة من وراءها من النساء فصحيحة
في جميع الصلوات الا إذا صلت بهم الجمعة فان فيها وجهين حكاهما القاضي أبو الطيب وغيره
وسنوضحهما في مسألة القارئ خلفت الأمي (أصحهما) لا تنعقد صلاتها (والثاني) تنعقد
ظهرا وتجزئها وهو قول الشيخ أبى حامد وليس بشئ والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
255

(ولا تجوز الصلاة خلف المحدث لأنه ليس من أهل الصلاة فان صلى خلفه غير الجمعة ولم يعلم
ثم علم فإن كان ذلك في أثناء الصلاة نوى مفارقته وأتم وإن كان بعد الفراغ لم تلزمه الإعادة لأنه
ليس على حدثه امارة فعذر في صلاته خلفه وإن كان في الجمعة قال الشافعي رحمه الله في الأم ان تم
العدد به لم تصح الجمعة لأنه فقد شرطها وان تم العدد دونه صحت لان العدد قد وجد وحدثه لا يمنع
صحة الجماعة كما لا يمنع في سائر الصلوات) *
(الشرح) أجمعت الأمة على تحريم الصلاة خلف المحدث لمن علم حدثه والمراد محدث لم يؤذن
له في الصلاة أما محدث أذن له فيها كالمتيمم وسلس البول والمستحاضة إذا توضأت أو من لا يجد
ماء ولا ترابا ففي الصلاة وراءهم تفصيل وخلاف نذكره فيها إن شاء الله تعالى فان صلي خلف المحدث
بجنابة أو بول وغيره والمأموم عالم بحدث الامام اثم بذلك وصلاته باطلة بالاجماع وإن كان جاهلا
بحدث الامام فإن كان في غير الجمعة انعقدت صلاته فان علم في أثناء الصلاة حدث الامام لزمه
مفارقته وأتم صلاته منفردا بانيا علي ما صلي معه فان استمر على المتابعة لحظة أو لم ينو المفارقة بطلت
صلاته بالاتفاق لأنه صلى بعض صلاته خلف محدث مع علمه بحدثه وممن صرح ببطلان صلاته
إذا لم ينو المفارقة ولم يتابعه في الأفعال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب في تعليقهما والمحاملي
وخلائق من كبار الأصحاب وإن لم يعلم حتى سلم منها أجزأته لما ذكره المصنف وسواء كان الامام
عالما بحدث نفسه أم لا لأنه لا تفريط من المأموم في الحالين هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وقال
الشافعي رحمه الله في كتاب البويطي قبل كتاب الجنائز بأسطر إن كان الامام عالما بحدثه لم تصح
صلاة المأمومين وإن كان ساهيا صحت ونقل صاحب التلخيص فيما إذا تعمد الامام قولين في وجوب
الإعادة وقال هما منصوصان للشافعي قال القفال في شرح التلخيص قال أصحابنا غلط في هذه المسألة ولا
256

يختلف مذهب الشافعي أن الإعادة لا تجب وان تعمد الامام وإنما حكي الشافعي مذهب مالك أنه ان
تعمد لزم المأموم الإعادة وفي بعض نسخ شرح التلخيص قال القفال قال الأكثرون من أصحابنا لا تجب
الإعادة وان تعمد وقال بعض أصحابنا فيها قولان وقال الشيخ أبو علي السنجي في شرح التلخيص أنكر
أصحابنا على صاحب التلخيص وقالوا المعروف للشافعي أنه لا إعادة وان تعمد الامام (قلت) الصواب
اثبات قولين وقد نص على وجوب الإعادة في البويطي ورأيت النص في نسخة معتمدة منه ونقله
أيضا صاحب التلخيص وهو ثقة وامام فوجب قبوله ووجهه الشيخ أبو علي بان الامام العامد للصلاة محدثا
متلاعب ليست أفعاله صلاة في نفس الامر ولا في اعتقاده فلا تصح الصلاة وراءه كالكافر وغيره
ممن لا يعتقد صلاته صلاة (واما قولهم) ان الحدث يخفى (فيجاب) عنه بأنه وان خفى فتعمد الامام الصلاة محدثا
نادر والنادر لا يسقط الإعادة وكيف كان فالمذهب الصحيح المشهور انه لا إعادة إذا تعمد الامام اما إذا
بان امام الجمعة محدثا فان تم العدد به فهي باطلة وان تم دونه فطريقان (أصحهما) أنها صحيحة وهو المنصوص في الأم
257

وغيره وبه قطع المصنف والأكثرون (والثاني) في صحتها قولان ذكرهما صاحب التلخيص (المنصوص)
أنها صحيحة (والثاني) خرجه من مسألة الانفضاض عن الامام في الجمعة أنه تجب الإعادة وهذا الطريق
مشهور في كتب الخراسانيين وذكره جماعة من العراقيين منهم القاضي أبو الطيب في تعليقه لكنه حكاه
وجهين قال الشيخ أبو علي في شرح التلخيص هذا القول خرجه أصحابنا عن أبي العباس من مسألة من نسي
تسبيح الركوع فرجع إليه ليسبح فأدركه مأموم فيه فإنه لا تحسب له تلك الركعة على المذهب كما سبق في
الباب الماضي (وأما قول المصنف) في التنبيه من صلي خلف المحدث جاهلا به لا إعادة عليه في غير الجمعة
وتجب في الجمعة (فمحمول) على ما إذا تم العدد به ليكون موافقا لقولهم هنا ولنص الشافعي ولما قطع به الجمهور
والله أعلم: وهذا كله فيمن أدرك كمال الصلاة أو الركعة مع الامام المحدث أما من أدركه راكعا وأدرك
الركوع معه فلا تحسب له هذه الركعة على الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور وحكى الشيخ أبو علي في شرح
التلخيص وامام الحرمين وآخرون من الخراسانيين وجها أنه تحسب له الركعة قالوا وهو غلط لان
الامام إنما يحمل عن المسبوق القيام والقراءة إذا كانا محسوبين له وليسا هنا محسوبين له ومثل هذين
الوجهين ما إذا أدرك المسبوق الامام في ركوع خامسة قام إليها ساهيا المذهب أنها لا تحسب له وقيل تحسب
وسبقت المسألة في باب صلاة الجماعة مبسوطة بزيادة فروع والله أعلم *
(فرع) قد ذكرنا أن الصلاة خلف المحدث والجنب صحيحة إذا جهل المأموم حدثه وهل تكون
صلاة جماعة أم انفراد فيه وجهان حكاهما صاحب التتمة وآخرون (أصحهما) وأشهرهما أنها صلاة جماعة
وبه قطع الشيخ أبو حامد والأكثرون ونص عليه الشافعي في الأم قال صاحب التتمة هو ظاهر ما نقله المزني
وقد صرح المصنف به هنا في آخر تعليله قال الرافعي والأكثرون حدث الامام لا يمنع صحة الجماعة
وثبوت حكمها في حق المأموم الجاهل حاله ولا يمنع نيل فضيلة الجماعة ولا غيره من أحكامها ودليل هذا
الوجه أن المأموم يعتقد صلاته جماعة وهو ملتزم لأحكامها وقد بنينا الامر على اعتقاده وصححنا صلاته
اعتمادا على اعتقاده (والثاني) أنها صلاة فرادي لان الجماعة لا تكون إلا بإمام مصل وهذا ليس مصليا قال
صاحب التتمة ويبنى على الوجهين ثلاث مسائل (إحداها) إذا أدركه مسبوق في الركوع ان قلنا صلاته
258

جماعة حسبت له الركعة وإلا فلا (الثانية) لو كان في الجمعة وتم العدد دونه ان قلنا صلاتهم جماعة أجزأت
وإلا فلا (الثالثة) إذا سها الامام المحدث ثم علموا حدثه قبل الفراغ وفارقوه أو سها بعضهم ولم يسه الامام فان
قلنا صلاتهم جماعة سجدوا لسهو الامام لا لسهوهم والا سجدوا لسهوهم لا لسهوه ولا يتوهم من هذا البناء
ترجيح ادراك الركعة لمدرك ركوع الامام المحدث فان ذلك ليس بلازم في البناء في اصطلاح الأصحاب
بل يكون أصل الخلاف في مسائل مبنيات على مأخذ ويختلف الترجيح فيها بحسب انضمام مرجحات إلى
بعضها دون بعض كما لو قالوا إن النذر هل يسلك به مسلك الواجب أم الجائز وان الابراء هل هو اسقاط
أم تمليك وان الحوالة بيع أم استيفاء وان العين المستعارة للرهن يكون مالكها معيرا أم ضامنا وفرعوا
على كل أصل من هذه مسائل يختلف الراجح منها وسنوضحها في مواضعها إن شاء الله تعالى *
(فرع) قد ذكرنا أنه لو بان امام الجمعة محدثا وتم العدد بغيره فجمعة المأمومين صحيحة على
الصحيح فعلى هذا ليس للامام اعادتها لأنه قد صحت جمعة فلا تصح أخرى بعدها (فان قلنا) بالضعيف
أنها لا تصح لزم الامام والقوم أن يعيدوا الجمعة ولو بان الامام متطهرا والمأمومون كلهم محدثين وقلنا
بالصحيح فصلاة الامام صحيحة ذكره صاحب البيان قال بخلاف ما لو كانوا عبيدا أو نساء لان
ذلك سهل الوقوف عليه وكذا قال صاحب التتمة لو بان الامام وبعض القوم متطهرين وبعض القوم
محدثين ولم يتم العدد الا بهم فان قلنا تكون الصلاة جماعة فلا إعادة على الامام والمتطهرين
والا فعليهم الإعادة *
(فرع) لو علم المأموم حدث الامام ثم لم يفارقه ثم صلي وراءه ناسيا علمه بحدثه لزمه الإعادة
بلا خلاف لتفريطه *
(فرع) لو كان على ثوب الامام أو بدنه نجاسة غير معفو عنها لم يعلم بها المأموم حتى فرغ من الصلاة
قال البغوي والمتولي وغيرهما هو كما لو بان محدثا ولم يفرقوا بين النجاسة الخفية وغيرها وقال
امام الحرمين إن كانت نجاسة خفيفة فهو كمن بان محدثا وإن كانت ظاهرة ففيه احتمال لأنه من جنس
ما يخفى وأشار إلى أنه ينبغي أن يكون على الوجهين فيما إذا بان كافرا مستترا بكفره وهذا أقوى
وعليه يحمل كلام المصنف في التنبيه في قوله ولا تجوز الصلاة خلف محدث ولا نجس ثم قال فان صلى أحد هؤلاء
خلف أحد هؤلاء ولم يعلم ثم علم أعاد الا من صلى خلف المحدث *
259

(فرع) لو بان الامام مجنونا وجبت الإعادة بلا خلاف على المأموم لأنه لا يخفى فلو كان له حالة
جنون وحالة إفاقة أو حالة اسلام وحالة ردة واقتدى به ولم يدر في أي حالة كان فلا إعادة عليه
لكن يستحب نص عليه في الأم واتفقوا عليه ولو صلوا خلف من يجهلون اسلامه فلا إعادة نص
عليه في الأم وكذا لو شكوا أمسلم هو أم كافر أجزأتهم صلاتهم لان اقدامه على الصلاة بهم دليل
ظاهر على اسلامه ولم يقع خلافه ولو صلي خلف من أسلم فقال بعد الفراغ لم أكن أسلمت حقيقة أو قال
كنت أسلمت ثم ارتددت فلا إعادة أيضا لان قوله مردود صرح به الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب
والأصحاب ولو صلوا خلف من علموه كافرا ولم يعلموا اسلامه فبان بعد الفراغ أنه كان مسلما قبل
الصلاة لزمهم الإعادة بالاتفاق نص عليه في الأم قال لأنه لم يكن لهم أن يقتدوا به
حتى يعلموا اسلامه *
(فرع) في مذاهب العلماء في الصلاة خلف المحدث والجنب إذا جهل المأموم حدثه: قد ذكرنا أن
مذهبنا صحة صلاة المأموم وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وعثمان وعلى وابن عمر
والحسن البصري وسعيد بن جبير والنخعي والأوزاعي وأحمد وسليمان بن حرب وأبو ثور والمزني
وحكي عن علي أيضا وابن سيرين والشعبي وأبي حنيفة وأصحابه أنه يلزمه الإعادة وهو قول حماد بن أبي
سليمان شيخ أبي حنيفة وقال مالك ان تعمد الامام الصلاة عالما بحدثه فهو فاسق فيلزم المأموم
الإعادة على مذهبه وإن كان ساهيا فلا وحكى الشيخ أبو حامد عن عطاء انه إن كان الامام جنبا
لزم المأموم الإعادة وإن كان محدثا أعاد ان علم بذلك في الوقت فإن لم يعلم الا بعد الوقت فلا إعادة
واحتج لمن قال بالإعادة بحديث أبي جابر البياضي عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم
" انه صلى بالناس وهو جنب وأعاد وأعادوا " وعن عمرو بن خالد عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم
ابن حمزة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه " انه صلي بالقوم وهو جنب وأعاد ثم أمرهم فأعادوا "
قالوا وقياسا على ما إذا بان كافرا أو امرأة أو صلي وراءه عالما بحدثه ولان صلاته مرتبطة به بدليل انه
إذا سها الامام نوجب على المأموم سجود السهو كما نوجبه على الامام واحتج أصحابنا والبيهقي بحديث
أبي هريرة رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون لكم فان أصابوا فلكم
وان أخطوا فلكم وعليهم " رواه البخاري وبحديث أبي بكرة رضي الله عنه " ان رسول الله صلي
260

الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فأومأ بيده ان مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم فلما قضي
الصلاة قال إنما انا بشر واني كنت جنبا " رواه أبو داود بهذا اللفظ باسناد صحيح (فان قيل) فقد ثبت
في الصحيحين من رواية أبي هريرة في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم " حضر وقد أقيمت
الصلاة وعدلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه قبل أن يكبر ذكر فانصرف وقال لنا مكانكم
فلم؟؟؟ قياما حتى خرج الينا وقد اغتسل يقطر رأسه ماء فكبر وصلي بنا " (فالجواب) انهما قضيتان
لأنهما حديثان صحيحان فيجب العمل بهما إذا أمكن وقد أمكن بحملهما على قضيتين وذكر أصحابنا
والبيهقي أحاديث كثيرة في المسألة غير ما ذكرنا أكثرها ضعيفة فحذفتها: والجواب عن حديث أبي
جابر البياضي انه مرسل وضعيف باتفاق أهل الحديث وقد اتفقوا على تضعيف البياضي وقالوا هو متروك
وهذه اللفظة أبلغ ألفاظ الجرح وقال يحيى بن معين هو كذاب وعن حديث ابن عمرو بن خالد انه
أيضا ضعيف باتفاقهم فقد اجمعوا على جرح ابن عمرو بن خالد قال البيهقي هو متروك رماه الحفاظ
بالكذب وروى البيهقي بإسناده عن وكيع قال كان ابن عمرو بن خالد كذابا فلما عرفناه بالكذب تحول
إلى مكان آخر حدث عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن حمزة عن علي أنه صلي بهم وهو على غير طهارة
فأعاد وأمرهم بالإعادة وفيه ضعف من جهة انقطاعه أيضا فقد روي البيهقي عن سفيان الثوري قال لم
يرو حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن حمزة شيئا قط وروى البيهقي بإسناده عن ابن المبارك قال ليس في الحديث
قوة لمن يقول إذا صلي الامام محدثا يعيد أصحابه والحديث بان لا يعيدوا أثبت لمن أراد الانصاف
بالحديث واما أقيستهم فيجاب عنها بجوابين (أحدهما) انها مخالفة للسنة فوجب ردها (والثاني) انه مقصر
في الصلاة وراء كافر وامرأة ومن علم حدثه بخلاف من جهل حدثه والله أعلم *
261

(فرع) إذا تعمد الصلاة محدثا كان آثما فاسقا ولا يكفر بذلك إن لم يستحله هذا مذهبنا ومذهب
الجمهور وقال أبو حنيفة يكفر لتلاعبه واستهزائه بالدين ودليلنا القياس على الزنا في المسجد وسائر
المعاصي وقد سبقت المسألة في باب صفة الأئمة *
(فرع) قال أصحابنا إذا ذكر الامام في أثناء صلاته انه جنب أو محدث أو المرأة المصلية بنسوة
انها منقطعة حيض لم تغتسل لزمها الخروج منها فإن كان موضع طهارته قريبا أشار إليهم ان يمكثوا ومضي
وتطهر وعاد وأحرم بالصلاة وتابعوه فيما بقي من صلاتهم ولا يستأنفونها وإن كان بعيدا أتموها ولا ينتظروه
قال القاضي أبو الطيب قال الشافعي وهم بالخيار ان شاءوا أتموها فرادى وان شاءوا قدموا أحدهم يتمها
بهم قال الشافعي واستحب ان يتموها فرادى قال القاضي وإنما قال ذلك للخروج من الخلاف في
صحة الاستخلاف وإذا أشار إليهم والموضع قريب استحب انتظاره كما ذكرنا ودليلنا الحديث
السابق عن أبي بكرة فإن لم ينتظروه جاز ثم لهم الانفراد الاستخلاف إذا جوزناه وقال الشيخ أبو حامد
في تعليقه إنما يستحب لهم انتظاره إذا لم يكن مضى من صلاته ركعة *
(فرع) لا تصح الصلاة وراء السكران لأنه محدث قال الشافعي والأصحاب فان شرب الخمر
وغسل فاه وما اصابه وصلي قبل أن يسكر صحت صلاته والاقتداء به فلو سكر في أثنائها بطلت صلاته
ولزم المأموم مفارقته ويبني على صلاته فإن لم يفارقه بطلت صلاته *
(فرع) قال الشافعي رحمه الله في البويطي لو صلى بهم بغير احرام لم تصح صلاتهم عامدا كان
الامام أو ساهيا هذا لفظه ولعله أراد بالاحرام تكبيرة الاحرام فلا تصح صلاتهم لأنه لا يخفى
غالبا واما إذا كبر وترك النية فينبغي أن تصح صلاتهم خلفه لأنها خفية فهي كالحدث بل
أولي بالخفاء والله أعلم *
(فرع) أجمعت الأمة على أنه من صلى محدثا مع امكان الوضوء فصلاته باطلة وتجب اعادتها
بالاجماع سواء أتعمد ذلك أم نسيه أم جهله *
262

قال المصنف رحمه الله *
(ويجوز للمتوضئ ان يصلى خلف المتيمم لأنه اتى عن طهارته ببدل فهو كمن غسل الرجل
إذا صلي خلف ماسح الخف وفى صلاة الطاهرة خلف المستحاضة وجهان (أحدهما) يجوز كالمتوضئ خلف
المتيمم (والثاني) لا يجوز لأنها لم تأت بطهارة النجس ولا بما يقوم مقامها فهو كالمتوضئ خلف المحدث) *
(الشرح) قال أصحابنا تجوز صلاة غاسل الرجل خلف ماسح الخف وصلاة المتوضئ خلف
متيمم لا يلزمه القضاء بان تيمم في السفر أو في الحضر لمرض وجراحة ونحوها وهذا بالاتفاق فان صلي
خلف متيمم يلزمه القضاء كمتيمم في الحضر ومن لم تجد ماء ولا ترابا أو أمكنه تعلم الفاتحة فقصر وصلي
لحرمة الوقت أو صلي مربوطا على خشبة أو محبوسا في موضع نجس أو عاريا وقلنا تجب عليهم الإعادة
اثم ولزمه الإعادة لان صلاة امامه غير مجزئة فهو كالمحدث ولو صلي من لم يجد ماء ولا ترابا خلف
مثله لزمه الإعادة على الصحيح وفيه وجه حكاه الخراسانيون واما صلاة الطاهرة خلف مستحاضة
غير متحيرة وصلاة سليم خلف سلس البول أو المذي ومن به جرح سائل ففيها وجهان مشهوران
(الصحيح) الصحة صححه امام الحرمين والغزالي في البسيط وقطع به في الوسيط وصححه البغوي وخلائق
ولا يغتر بتصحيح صاحب الانتصار خلافه وقال امام الحرمين الذي كان يقطع به شيخي ونقله في
المذهب الصحة وذكر بعض العراقيين وجها وهو ركيك لا أصل له واستدلوا للصحة مع ما ذكره
المصنف بالقياس على من صلي خلف مستجمر بالأحجار أو بمن على ثوبه أو بدنه نجاسة يعفى عنها
فان اقتداءه صحيح بالاتفاق *
(فرع) في مذاهب العلماء في المسألة: قد ذكرنا أن مذهبنا جواز صلاة المتوضئ خلف المتيمم
الذي لا يقضي وبه قال جمهور العلماء وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس وعمار بن ياسر ونفر من
الصحابة رضي الله عنهم وسعيد بن المسيب وعطاء والحسن والزهري وحماد بن أبي سليمان ومالك
والثوري وأبي حنيفة وأبي يوسف واحمد واسحق وأبي ثور قال وكرهه علي بن أبي طالب وربيعة
ويحيى الأنصاري والنخعي ومحمد بن الحسن وقال الأوزاعي لا يؤمهم إلا أن يكون أميرا أو يكونوا
متيممين مثله قال وأجمعوا على أن المتوضئ يؤم المتيممين *
263

* قال المصنف رحمه الله *
(ويجوز للقائم ان يصلي خلف القاعد لان النبي صلى الله عليه وسلم " صلي جالسا والناس خلفه
قيام " ويجوز للراكع والساجد أن يصلي خلف المومئ إلى الركوع والسجود لأنه ركن من أركان الصلاة
فجاز للقادر عليه ان يأتم بالعاجز عنه كالقيام) *
(الشرح) هذا الحديث في الصحيحين كما سنوضحه في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى
وكانت هذه الصلاة صلاة الظهر يوم السبت أو الأحد توفى صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين رواه
البيهقي وقول الصنف ركن من أركان الصلاة احتراز من الشرط وهو العجز عن طهارة الحدث
أو النجس لكن يرد عليه اقتداء القارئ بالأمي فإنه لا يجوز على الأصح مع أنه ركن عجز عنه فكان
ينبغي أن يقول ركن فعلى ليحترز عنه قال الشافعي والأصحاب يجوز للقادر على القيام الصلاة وراء
القاعد العاجز وللقاعد وراء المضطجع وللقادر على الركوع والسجود وراء المومئ بهما ولا يجوز للقادر
على كل شئ من ذلك موافقة العاجز في ترك القيام أو القعود أو الركوع أو السجود ولا خلاف
في شئ من هذا عندنا *
(فرع) قال الشافعي والأصحاب يستحب للامام إذا لم يستطع القيام استخلاف من يصلى
بالجماعة قائما كما استخلف النبي صلى الله عليه وسلم لان فيه خروجا من خلاف من منع الاقتداء بالقاعد
ولان القائم أكمل وأقرب إلى اكمال هيئات الصلاة واعترض بعض الناس على الشافعي حيث قال
يستحب له الاستخلاف مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أم قاعدا وأجاب الأصحاب بجوابين
(أحدهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الامرين وكان الاستخلاف أكثر فدل على فضيلته وأم
قاعدا في بعض الصلوات لبيان الجواز (الجواب الثاني) ان الصلاة خلفه قاعدا أفضل منها خلف
غيره قائما بدرجات بخلاف غيره *
264

(فرع) في مذاهب العلماء: قد ذكرنا أن مذهبنا جواز صلاة القائم خلف القاعد العاجز وإنه
لا تجوز صلاتهم وراءه قعودا وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة وأبو ثور والحميدي وبعض المالكية
وقال الأوزاعي واحمد واسحق وابن المنذر تجوز صلاتهم وراءه قعودا ولا تجوز قياما وقال مالك
في رواية وبعض أصحابه تصح الصلاة وراءه قاعدا مطلقا * واحتج لمن قال تصح الصلاة مطلقا
بحديث رواه الدارقطني والبيهقي وغيرهما عن جابر الجعفي عن الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " لا يؤمن أحد بعدي جالسا " واحتج الأوزاعي واحمد بحديث أنس أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا صلي جالسا
فصلوا جلوسا أجمعون " رواه البخاري ومسلم وفى الصحيحين عن عائشة وأبي هريرة مثله * واحتج
الشافعي والأصحاب بحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمر في مرضه
الذي توفى فيه أبا بكر رضي الله عنه أن يصلي بالناس فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى
الله عليه وسلم من نفسه خفة فقام يهادى بين رجلين ورجلاه يخطان في الأرض فجاء فجلس عن يسار
أبى بكر فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما يقتدى أبو بكر
بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبى بكر " رواه البخاري ومسلم هذا لفظ
احدى روايات مسلم وهي صريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان الامام لأنه جلس عن يسار
أبى بكر ولقوله يصلى بالناس ولقوله يقتدى به أبو بكر وفى رواية لمسلم " وكان النبي صلى الله عليه
وسلم يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير " وقوله يسمعهم التكبير يعنى انه يرفع صوته بالتكبير إذا
كبر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما فعله لان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ضعيف الصوت
حينئذ بسبب المرض وفى رواية البخاري ومسلم " أن النبي صل الله عليه وسلم جلس إلى جنب أبي
265

بكر فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبى بكر
والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد " وروياه من طرق كثيرة كلها دالة على أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان الامام وأبو بكر يقتدى به ويسمع الناس التكبير وهكذا رواه معظم الرواة: قال الشافعي
والأصحاب وغيرهم من علماء المحدثين والفقهاء هذه الروايات صريحة في نسخ الحديث السابق
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وإذا صلي جالسا فصلوا جلوسا أجمعون " فان ذلك كان في مرض
قبل هذا بزمان حين آلى من نسائه وقد روى من روايات قليلة ذكرها البيهقي وغيره " أن النبي
صلى الله عليه وسلم صلي في مرض وفاته خلف أبى بكر فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة رسول
رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد "
ورويناه من طرق كثيرة: وأجاب الشافعي والأصحاب عنها أن صحت فإنها كانت مرتين مرة صلي
النبي صلى الله عليه وسلم وراء أبي بكر ومرة أبو بكر وراءه ويحصل المقصود وهو أن صلاة القادر
وراء القاعد لا تجوز إلا قائما: وأما الجواب عن حديث " لا يؤمن أحد بعدي جالسا " فقال الدارقطني
والبيهقي وغيرهما من الأئمة هو مرسل ضعيف وان جابر الجعفي متفق على ضعفه ورد رواياته قالوا
ولا يرويه غير الجعفي عن الشعبي قال الشافعي رحمه الله قد علم الذي احتج بهذا انه ليس فيه حجة
وانه لا يثبت لأنه مرسل ولأنه عن رجل يرغب الناس عن الرواية عنه والله أعلم *
(فرع) في مذاهبهم في صلاة الراكع والساجد خلف المومئ إليها: قد ذكرنا أن مذهبنا
جوازها وبه قال زفر * وقال بو حنيفة ومالك وأبو يوسف ومحمد لا تجوز *
* قال المصنف رحمه الله *
(وفى صلاة القارئ خلف الأمي وهو من لا يحس الفاتحة أو خلف الأرت والا لثغ قولان
(أحدهما) تجوز لأنه ركن من أركان الصلاة فجاز للقادر عليه أن يأتم بالعاجز عنه كالقيام (والثاني)
لا تجوز لأنه يحتاج أن يحمل قراءته وهو يعجز عن ذلك فلا يجوز ان ينتصب للتحمل كالامام الأعظم
إذا عجز عن تحمل أعباء الأمة) *
(الشرح) الاعبا - بفتح الهمزة وبالعين المهملة والباء الموحدة وبالمد - جمع عب ء - بكسر العين
واسكان الباء بعدها همزة - كحمل وأحمال والعبء الثقل والأعباء الأثقال وقوله عجز - بفتح الجيم -
يعجز - بكسرها - ويجوز عكسه لغتان الأولى أفصح وقوله ركن احتراز من الشرط وهو إذا لم يجد
266

ماء ولا ترابا وصلي بحاله وكذا من عليه نجاسة عجز عن ازالتها فلا يجوز الاقتداء بهما (وقوله) الأرت
هو من يدغم حرفا في حرف في غير موضع الادغام والا لثغ من يبدل حرفا بحرف كالراء بالغين
والشين بالثاء وغير ذلك: أما حكم المسألة فقال أصحابنا الأمي من لا يحسن الفاتحة بكمالها سواء كان
لا يحفظها أو يحفظها كلها إلا حرفا أو يخفف مشددا لرخاوة في لسانه أو غير ذلك وسواء كان ذلك
لخرس أو غيره فهذا الأمي والأرت والألثغ إن كان تمكن من التعلم فصلاته في نفسه باطلة فلا يجوز
الاقتداء به بلا خلاف وإن لم يتمكن بأن كان لسانه لا يطاوعه أو كان الوقت ضيقا ولم يتمكن قبل
ذلك فصلاته في نفسه صحيحة فان اقتدى به من هو في مثل حاله صح اقتداؤه بالاتفاق لأنه مثله
فصلاته صحيحة وان اقتدى به قارئ لا يحفظ الفاتحة كلها أو يحفظ منا شيئا لا يحفظه الأمي ففيه
قولان منصوصان وثالث مخرج (أصحهما) وهو الجديد لا يصح الاقتداء به (والقديم) إن كانت صلاة جهرية
لم تصح وإن كانت سرية صحت (والثالث) المخرج خرجه أبو إسحاق المروزي وحكاه البندنيجي عنه
وعن ابن سريج انه يصح مطلقا ودليل الجميع يفهم مما ذكره المصنف * واحتجوا للقديم بان الامام
يتحمل عن المأموم القراءة في الجهرية على القديم هكذا ذكر الأقوال الثلاثة جمهور أصحابنا العراقيين والخراسانيين منهم الشيخ أبو حامد وأصحابه وصاحب الحاوي والقاضي أبو الطيب والمحاملي في
كتابه وصاحب الشامل والشيخ نصر وخلائق من العراقيين والقاضي حسين والمتولي وصاحب العدة
وآخرون من الخراسانيين وقال امام الحرمين والغزالي (الجديد) أنه لا يصح الاقتداء به والقديم يصح وهذا
نقل فاسد عكس المذهب فالصواب ما سبق واتفق المصنفون على أن الصحيح بطلان الاقتداء وهو
مذهب مالك وأبي حنيفة واحمد وغيرهم واختار المزني وأبو ثور وابن المنذر صحته مطلقا وهو مذهب
عطاء وقتادة واحتج لهم بالقياس على العجز عن القيام كما ذكره المصنف وفرق أصحابنا بان العجز
عن القيام ليس بنقص وجهل القراءة نقص فهو كالكفر والأنوثة ولان القيام يعم البلوى بالعجز
عنه بخلاف القراءة والله أعلم * واعلم أن الأقوال الثلاثة جارية سواء علم المأموم ان الامام أمي أم جهل ذلك
267

هكذا صرح به الشيخ أبو حامد وغيره وهو مقتضى كلام الباقين وشذ عنهم صاحب الحاوي فقال
الأقوال إذا كان جاهلا وان علم لم تصح قطعا والمذهب ما قدمناه ولو حضر رجلان كل واحد يحفظ
نصف الفاتحة فقط فان اتفقا في نصف معين جاز الاقتداء وان حفظ أحدهما النصف الأول والاخر
الآخر فأيهما صلي خلف صاحبه فهو قارئ خلف أمي وهذا يفهم مما قدمته لكن أفردته
بالذكر كما أفرده الأصحاب وليتنبه له ولو صلي من لا يحفظ الفاتحة لكنه يحفظ سبع آيات
غيرها خلف من لا يحفظ قرآنا بل يصلي بالأذكار فهو صلاة قارئ خلف أمي خرجه
أبو علي وغيره ولو اقتدى ارت بألثغ فهو قارئ خلف أمي لأنه يحسن شيئا لا يحسنه والله أعلم *
(فرع) إذا صلى القارئ خلف أمي بطلت صلاة المأموم وصحت صلاة الامام وكذا المأمومون
الأميون كما قدمناه: هذا مذهبنا ومذهب احمد * وقال أبو حنيفة ومالك تبطل صلاة الإمام والمأموم والقارئ
والأمي لأنه أمكنه الصلاة خلف قارئ فبطلت صلاته لترك قراءة قدر عليها: واحتج أصحابنا بأنه
اقتدى بمن لا يجوز اقتداؤه فلم تبطل صلاة الامام بسبب اقتداء المأموم كما لو صلت امرأة برجال قال
أصحابنا وإنما قلنا بسبب اقتداء المأموم لئلا يوردوا ما إذا صلت المرأة الجمعة برجال فان فيها وجهين
حكاهما القاضي أبو الطيب وهذه المسألة من تعليقه (أرجحهما) تبطل صلاتها (والثاني) تنعقد ظهرا
وبه قطع الشيخ أبو حامد في هذا الموضع من تعليقه فعلى هذا لا يصلح الايراد (وان قلنا) تبطل فما بطلت
لبطلان صلاة المأموم بل لعدم شرط الجمعة وهو امامة رجل قال أصحابنا ولان الأصول المقررة متفقة
على أن الفساد لا يتعدى من صلاة الامام إلى المأموم (والجواب) عما قالوه لا نسلم انه أمكنه
القراءة لان عندنا تجب القراءة على المأموم ولأنه ينتقض بالأخرس إذا أم ناطقا فإنه أمكنه
ان يصلى خلفه وصلاته صحيحة وينتقض بالأمي إذا أمكنه ان يصلي خلف قارئ فصلي منفردا
صحت بالاتفاق والله أعلم *
(فرع) إذا لحن في القراءة كرهت إمامته مطلقا فإن كان لحنا لا يغير المعنى كرفع الهاء من
الحمد لله كانت كراهة تنزيه وصحت صلاته وصلاة من اقتدى به وإن كان لحنا بغير المعنى كضم
التاء من أنعمت أو كسرها أو يبطله بأن يقول (الصراط المستقين) فإن كان لسانه يطاوعه وأمكنه
التعلم فهو مرتكب للحرام ويلزمه المبادرة بالتعلم فان قصر وضاق الوقت لزمه ان يصلي ويقضى
268

ولا يصح الاقتداء به وإن لم يطاوعه لسانه أو لم يمض ما يمكن التعلم فيه فصلاة مثله خلفه صحيحة
وصلاة صحيح اللسان خلفه كصلاة قارئ خلف أمي وإن كان في غير الفاتحة صحت صلاته وصلاة
كل أحد خلفه لان ترك السورة لا يبطل الصلاة فلا يمنع الاقتداء قال امام الحرمين ولو قيل ليس لهذا
اللاحن قراءة غير الفاتحة مما يلحن فيه لم يكن بعيدا لأنه يتكلم بما ليس قرآنا بلا ضرورة والله أعلم
قال البندنيجي ولو صلي القارئ خلف من ينطق بالحرف بين حرفين كقاف غير خالصه بل مترددة
بين كاف وقاف صحت صلاته مع الكراهة وهذا الذي ذكره فيه نظر لأنه لم يأت بهذا الحرف
وممن ذكر نحو كلام البندنيجي الشيخ أبو حامد *
(فرع) لو اقتدى قارئ بمن ظنه قارئا فبان أميا وقلنا لا تصح صلاة القارئ خلف أمي ففي
وجوب الإعادة وجهان (أصحهما) تجب وبه قطع البغوي وغيره وهو مقتضى كلام الجمهور وسواء
كانت صلاة سرية أو جهرية ولو اقتدى بمن لا يعرف حاله في صلاة جهرية فلم يجهر وجبت الإعادة
بالاتفاق إذا قلنا لا تجوز صلاة قارئ خلف أمي نص عليه الشافعي في الأم وصرح به أصحابنا
العراقيون وغيرهم لأن الظاهر أنه لو كان قارئا لجهر فلو سلم وقال أسررت ونسيت الجهر لم تجب
الإعادة لكن قالوا تستحب ولو بان أميا في أثناء الصلاة وقلنا تجب الإعادة بطلت صلاته والا
فكالمحدث فينوي مفارقته ويتم صلاته واتفقوا على أنه لو صلي صلاة سرية خلف من لا يعرف حاله
في القراءة صحت صلاته نص عليه في الأم * قال المصنف رحمه الله *
(ويجوز أن يأتم المفترض بالمتنفل والمفترض بمفترض في صلاة أخرى لما روي جابر بن عبد الله
رضي الله عنهما أن معاذا رضي الله عنه " كان يصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة
ثم يأتي قومه في بني سلمة فيصلي بهم " هي له تطوع ولهم فريضة العشاء ولان الاقتداء يقع في الأفعال
الظاهرة وذلك يكون مع اختلاف النية فاما إذا صلي الكسوف خلف من يصلي الصبح والصبح
خلف من يصلي الكسوف لم يجز لأنه لا يمكن الائتمام به مع اختلاف الأفعال) *
(الشرح) هذا الحديث صحيح كما سنوضحه إن شاء الله تعالى في فرع مذاهب العلماء
وبنو سلمة - بكسر اللام - قبيلة معروفة من الأنصار وقوله عشاء الآخرة هكذا هو في رواية مسلم
ويجوز تسميتها عشاء الآخرة كما سبق في باب المواقيت ولكن قوله عشاء الآخرة من باب إضافة
الموصوف إلى صفته وهو جائز عند الكوفيين بغير تقدير ويصح عند البصريين بتقدير محذوف
ومنه قوله تعالي (ولدار الآخرة وبجانب الغربي أي دار الحياة) الآخرة وجانب المكان الغرب
: أما أحكام المسألة فمذهبنا أنه تصح صلاة النفل خلف الفرض والفرض خلف النفل وتصح صلاة
269

فريضة خلف فريضة أخرى توافقها في العدد كظهر خلف عصر وتصح فريضة خلف فريضة أقصر
منها وكل هذا جائز بلا خلاف عندنا ثم إذا صلي الظهر خلف الصبح وسلم الامام قام المأموم لاتمام صلاته
وحكمه كحكم المسبوق ويتابع الامام في القنوت ولو أراد مفارقته عند اشتغاله بالقنوت جاز كما سبق
في نظائره ولو صلي الظهر خلف المغرب جاز بالاتفاق ويتخير إذا جلس الامام في التشهد الأخير بين
مفارقته لاتمام ما عليه وبين الاستمرار معه حتى يسلم الامام ثم يقوم المأموم إلى ركعته كما قلنا في
القنوت والاستمرار أفضل وإن كان عدد ركعات المأموم أقل كمن صلى الصبح خلف رباعية أو
خلف المغرب أو صلي المغرب خلف رباعية ففيه طريقان حكاهما الخراسانيون (أصحهما) وبه قطع
العراقيون جوازه كعكسه (والثاني) حكاه الخراسانيون فيه قولان (أصحهما) هذا (والثاني) بطلانه لأنه يدخل
في الصلاة بنية مفارقة الامام فإذا قلنا بالمذهب وهو صحة الاقتداء ففرغت صلاة المأموم وقام
الامام إلى ما بقي عليه فالمأموم بالخيار ان شاء فارقه وسلم وان شاء انتظره ليسلم معه والأفضل انتظاره
وان أمكنه ان يقنت معه في الثانية بان وقف الامام يسيرا اقنت وإلا فلا وله أن يخرج عن متابعته
ليقنت وإذا صلي المغرب خلف الظهر وقام الامام إلى الرابعة لم يجز للمأموم متابعته بل يفارقه
ويتشهد وهل له أن يطول التشهد وينتظره فيه وجهان حكاهما امام الحرمين وآخرون (أحدهما) له
ذلك كما قلنا فيمن صلي الصبح خلف الظهر (والثاني) قال امام الحرمين وهو المذهب لا يجوز لأنه
يحدث تشهدا وجلوسا لم يفعله الامام ولو صلي العشاء خلف التراويح جاز فإذا سلم الامام
قام إلى ركعتيه الباقيتين والأولى أن يتمها منفردا فلو قام الامام إلى أخريين من التراويح فنوى
الاقتداء به ثانيا في ركعتيه ففي جوازه القولان فيمن أحرم منفردا ثم نوى الاقتداء الأصح الصحة
وقد سبقت مسألة العشاء خلف التراويح هذا كله إذا اتفقت الصلاتان في الأفعال الظاهرة فلو اختلفا
بان اقتدى من يصلى كسوفا أو جنازة بمن يصلي ظهرا أو غيرها أو عكسه فطريقان (أصحهما) وبه قطع
العراقيون لا تصح لتعذر المتابعة (والثاني) على وجهين (أحدهما) هذا (والثاني) يجوز وهو قول القفال
لامكان المتابعة في البعض فعلى هذا إذا صلي الظهر خلف الجنازة لا يتابعه في التكبيرات والأذكار
بينها بل إذا كبر الامام الثانية تخير المأموم ان شاء اخرج نفسه من المتابعة وان شاء انتظر سلام
الامام وإذا اقتدى بمصلي الكسوف تابعه في الركوع الأول ثم إن شاء رفع رأسه معه وفارقه وان
شاء انتظره في الركوع قال امام الحرمين وغيره وإنما انتظره في الركوع ليعود الامام إليه ويعتدل
معه عن ركوعه الثاني ولا ينتظره بعد الرفع لما فيه من تطويل الركن القصير قال البغوي ولو أدركه
في الركوع الثاني من الكسوف تابعه فيه وصلي معه تلك الركعة ويركع معه الركوع الأول من
270

الثانية ثم يخرج عن متابعته قال وإذا أدركه في الركوع الثاني من احدى الركعتين كان مدركا للركعة
لأنه ركوع محسوب للامام أما إذا صلي الظهر خلف العيد أو الاستسقاء فطريقان (أحدهما) أنه كصلاته
خلف الكسوف لما فيهما من زيادات التكبيرات (وأصحهما) وبه قطع المتولي وغيره تصح قطعا
لاتفاقهما في الأفعال الظاهرة بخلاف الجنازة فان تكبيراتها أركان فهي كاختلاف الأفعال (فإذا قلنا)
بالصحة لا يكبر مع الامام التكبيرات الزائدة لأنها ليست من صلاة المأموم ولا يخل تركها بالمتابعة
فان كبرها لم تبطل صلاته لان الأذكار لا تبطل الصلاة ولو صلي العيد خلف مصلي الصبح المقضية
جاز ويكبر التكبيرات الزائدة *
(فرع) في مذاهب العلماء في اختلاف نية الإمام والمأموم: قد ذكرنا أن مذهبنا جواز صلاة
المتنفل والمفترض خلف متنفل ومفترض في فرض آخر وحكاه ابن المنذر عن طاوس وعطاء
والأوزاعي واحمد وأبي ثور وسليمان بن حرب: قال وبه أقول وهو مذهب داود وقالت طائفة
لا يجوز نفل خلف فرض ولا فرض خلف نفل ولا خلف فرض آخر قاله الحسن البصري والزهري
ويحيي بن سعيد الأنصاري وربيعة وأبو قلابة وهو رواية عن مالك: وقال الثوري وأبو حنيفة
لا يجوز الفرض خلف نفل ولا فرض آخر ويجوز النفل خلف فرض وروى عن مالك مثله * واحتج
لمن منع بقوله صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الامام ليؤتم به " رواه البخاري ومسلم من طرق * واحتج أصحابنا
بحديث جابر أن معاذا " كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة ثم يرجع إلى
قومه فيصلي بهم تلك الصلاة " رواه البخاري ومسلم هذا لفظ مسلم وعن جابر قال " كان معاذ يصلى
مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يطلع إلى قومه فيصليها لهم " هي له تطوع ولهم مكتوبة
العشاء حديث صحيح رواه بهذا اللفظ الشافعي في الأم ومسنده ثم قال حديث ثابت لا أعلم
حديثا يروى من طريق واحد أثبت من هذا ولا أوثق يعنى رجالا قال البيهقي في كتابه معرفة
السنن والآثار وكذلك رواه بهذه الزيادة أبو عاصم النبل وعبد الرزاق عن ابن جريج كرواية
شيخ الشافعي عن ابن جريج بهذه الزيادة وزيادة الثقة مقبولة قال والأصل ان ما كان موصولا
بالحديث فهو منه لا سيما إذا روى من وجهين إلا أن تقوم دلالة على التمييز قال والظاهر أن قوله
هي له تطوع ولهم مكتوبة من قول جابر وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بالله
وأخشى له من أن يقولوا مثل هذا الا بعلم وحين حكى الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فعل
271

معاذ لم ينكر عليه إلا التطويل (فان قالوا) لعل معاذا كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
نافلة وبقومه فريضة (فالجواب) من أوجه (أحدها) ان هذا مخالف لصريح الرواية (الثانية) الزيادة
التي ذكرناها هي له تطوع ولهم مكتوبة العشاء صريح في الفريضة ولا يجوز حمله على تطوع
(الثالث) جواب الشافعي والخطابي وأصحابنا وخلائق من العلماء أنه لا يجوز ان يظن بمعاذ مع
كمال فقهه وعلو مرتبته أن يترك فعل فريضة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى مسجده والجمع
الكثير المشتمل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى كبار المهاجرين والأنصار ويؤديها في موضع
آخر ويستبدل بها نافلة قال الشافعي كيف يظن أن معاذا يجعل صلاته مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم التي لعل صلاة واحدة معه أحب إليه من كل صلاة صلاها في عمره ليست معه وفى الجمع
الكثير نافلة (الرابع) جواب الخطابي وغيره لا يجوز ان يظن بمعاذ انه يشتغل بعد إقامة الصلاة
لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه بنافلة مع قوله صلى الله عليه وسلم " إذا أقيمت الصلاة
فلا صلاة الا المكتوبة " وعن جابر رضي الله عنه قال " اقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى إذا كنا بذات الرقاع وذكر الحديث إلى أن قال فنودي بالصلاة فصلى النبي صلى الله عليه
وسلم بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين فكانت لرسول الله صلى الله عليه
وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان " رواه البخاري ومسلم وعن أبي بكرة قال " صلى النبي صلى
الله عليه وسلم في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو فصلي بهم ركعتين ثم سلم
فانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم ثم جاء أولئك فصلوا خلفه فصلي بهم ركعتين
ثم سلم فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا ولأصحابه ركعتين ركعتين " رواه أبو داود
والنسائي باسناد حسن وأستدل الشافعي أيضا بالقياس على صلاة المتم خلف القاصر: وأما الجواب
عن حديث " إنما جعل الامام ليؤتم به فهو ان المراد ليؤتم به في الأفعال لا في النية ولهذا قال صلى الله عليه
وسلم " إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا سجد فاسجدوا "
إلى آخره والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز ان يصلي الجمعة خلف من يصلي الظهر لان الامام شرط في الجمعة والامام ليس
معهم في الجمعة فتصير كالجمعة بغير امام: ومن أصحابنا من قال يجوز كما يجوز أن يصلي الظهر خلف
272

من يصلي العصر وفى فعلها خلف المتنفل قولان (أحدهما) يجوز لأنهما متفقتان في الأفعال الظاهرة
(والثاني) لا يجوز لان من شرط الجمعة الامام والامام ليس معهم في الجمعة) *
(الشرح) هاتان المسألتان سبق شرحهما وفرعهما في أول هذا الباب (والصحيح) صحة
الجمعة خلف الظهر وخلف المتنفل والصبي والعبد والمسافر والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
(ويكره ان يصلى الرجل بقوم وأكثرهم له كارهون لما روى ابن عباس رضي الله عنهما
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ثلاثة لا يرفع الله صلاتهم فوق رؤوسهم فذكر فيه رجلا أم قوما
وهم له كارهون " فإن كان الذي يكرهه الأقل لم يكره أن يؤمهم لان أحد لا يخلو ممن يكرهه *
273

(الشرح) هذا الحديث رواه ابن ماجة في سننه باسناد حسن عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا رجل أم قوما وهم له كارهون وامرأة
باتت وزوجها عليها ساخط واخوان متصارمان " وفى الترمذي عن أبي أمامة قال " قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع وامرأة باتت وزوجها
عنها ساخط وامام قوم وهم له كارهون " قال الترمذي حديث حسن وفي سنن أبي داود وغيره
274

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة من
تقدم قوما وهم له كارهون ورجل اتى الصلاة دبارا - والدبار الذي يأتيها بعد أن تفوته - ورجل اعتبد
محرره " وفى رواية البيهقي والدبار أن يأتي بعد فوت الفوت ولكنه حديث ضعيف والدبار - بكسر
الدال - قال الخطابي والقاضي أبو الطيب وسائر العلماء الدبار هو أن يعتاد حضور الصلاة بعد فراغ
الناس قال واعتباد المحررة أن يعتقه ثم يكتم عنقه وينكره ويحبسه بعد العتق ويستخدمه كرها *
أما أحكام المسألة فقال الشافعي وأصحابنا رحمهم الله يكره أن يؤم قوما وأكثرهم له كارهون ولا يكره
إذا كرهه الأقل وكذا إذا كرهه نصفهم لا يكره صرح به صاحب الإبانة وأشار إليه البغوي
وآخرون وهو مقتضي كلام الباقين فإنهم خصوا الكراهة بكراهة الأكثرين قال أصحابنا وإنما
275

تكره إمامته إذا كرهوه لمعنى مذموم شرعا كوال ظالم وكمن تغلب على امامة الصلاة ولا يستحقها
أولا يتصون من النجاسات أو يمحق هيئات الصلاة أو يتعاطي معيشة مذمومة أو يعاشر أهل الفسوق
ونحوهم أو شبه ذلك فإن لم يكن شئ من ذلك فلا كراهة والعتب على من كرهه هكذا صرح به
الخطابي والقاضي حسين والبغوي وغيرهم وحكى امام الحرمين وجماعة عن القفال أنه قال إنما يكره
أن يصلى بقوم وأكثرهم له كارهون إذا لم ينصبه السلطان فان نصبه لم يكره وهذا ضعيف والصحيح
المشهور انه لا فرق وحيث قلنا بالكراهة فهي مختصة بالامام أما المأمومون الذين يكرهونه فلا يكره
لهم الصلاة وراءه هكذا جزم به الشيخ أبو حامد في تعليقه ونقله عن نص الشافعي وأما المأموم إذا
276

كره حضوره أهل المسجد فلا يكره له الحضور نص عليه الشافعي وصرح به صاحب الشامل والتتمة
لأنهم لا يرتبطون به ويكره أن يولي الامام الأعظم على جيش أو قوم رجلا يكرهه أكثرهم ولا
يكره إن كرهه أقلهم نص عليه الشافعي وصرح به صاحبا الشامل والتتمة *
* قال المصنف رحمه الله *
(ويكره أن يصلي الرجل بامرأة أجنبية لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يخلون
رجل بامرأة فان ثالثهما الشيطان ") *
(الشرح) المراد بالكراهة كراهة تحريم هذا إذا خلا بها: قال أصحابنا إذا أم الرجل بامرأته
أو محرم له وخلا بها جاز بلا كراهة لأنه يباح له الخلوة بها في غير الصلاة وان أم بأجنبية وخلا بها
حرم ذلك عليه وعليها للأحاديث الصحيحة التي سأذكرها إن شاء الله تعالى وان أم بأجنبيات
وخلا بهن فطريقان قطع الجمهور بالجواز ونقله الرافعي في كتاب العدد عن أصحابنا ودليله الحديث
الذي سأذكره إن شاء الله تعالى ولأن النسائي المجتمعات لا يتمكن في الغالب الرجل من مفسدة
ببعضهن في حضرتهن وحكي القاضي أبو الفتوح في كتابه في الخناثى فيه وجهين وحكاهما صاحب
البيان عنه (أحدهما) يجوز (والثاني) لا يجوز خوفا من مفسدة ونقل امام الحرمين وصاحب العدة في
277

في أول كتاب الحج في مسائل استطاعة الحج أن الشافعي نص على أنه يحرم أن يصلي الرجل بنساء
منفردات ألا أن يكون فيهن محرم له أو زوجة وقطع بأنه يحرم خلوة رجل بنسوة إلا أن يكون له
فيهن محرم والمذهب ما سبق وان خلا رجلان أو رجال بامرأة فالمشهور تحريمه لأنه قد يقع اتفاق
رجال على فاحشة بامرأة وقيل إن كانوا ممن تبعد مواطأتهم على الفاحشة جاز وعليه يتأول حديث
ابن عمرو بن العاص الآتي والخنثى مع امرأة كرجل ومع نسوة كذلك ومع رجل كامرأة ومع
رجال كذلك ذكره القاضي أبو الفتوح وصاحب البيان عملا بالاحتياط وقياسا على ما قاله الأصحاب
في مسألة نظر الخنثى كما سنوضحه في أول كتاب النكاح إن شاء الله تعالى وأما الأمرد الحسن
فلم أر لأصحابنا كلاما في الخلوة به وقياس المذهب انه يحرم الخلوة به كما قال المصنف والجمهور ونص
عليه الشافعي كما سنوضحه في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى أنه يحرم النظر إليه وإذا حرم النظر
فالخلوة أولي فإنها أفحش وأقرب إلى المفسدة والمعنى المخوف في المرأة موجود: وأما الأحاديث
الواردة في المسألة فمنها ما روى عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال " إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار أفرأيت الحمو قال الحمو الموت " رواه البخاري
ومسلم الحمو قرابة الزوج والمراد هنا قريب تحل له كأخ الزوج وعمه وابنهما وخاله وغيرهم وأما أبوه
وابنه وجده فهم محارم تجوز لهم الخلوة وإن كانوا من الأحماء وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم " رواه البخاري ومسلم
وعن بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المنبر " لا يخلون
رجل بعد يومي هذا سرا على مغيبة الا ومعه رجل أو اثنان رواه مسلم المغيبة - بكسر الغين - التي
زوجها غائب والمراد هنا غائب عن بيتها وإن كان في البلدة وعن سهل بن سعد رضي الله عنه
قال " كانت فينا امرأة - وفى رواية كانت لنا عجوز - تأخذ من أصول السلق فتطرحه في القدر وتكركر
حبات من شعير فإذا صلينا الجمعة انصرفنا نسلم عليها فتقدمه الينا " رواه البخاري فهذا قد يمنع دلالته
لهذه المسألة لأنه يحتمل أن يكون فيهم محرم لها وليس فيه تصريح بالخلوة بها والله أعلم * واعلم أن
المحرم الذي يجوز القعود مع الأجنبية مع وجوده يشترط أن يكون ممن يستحي منه فإن كان صغيرا
278

عن ذلك كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك فوجوده كالعدم بلا خلاف ولا فرق في تحريم الخلوة بين
الصلاة وغيرها كما سبق ويستوي فيها الأعمى والبصير ويستثنى من هذا كله مواضع الضرورة بان
يجد امرأة أجنبية منقطعة في برية ونحو ذلك فيباح له استصحابها بل يجب عليه إذا خاف
عليها لو تركها وهذا لا خلاف فيه ويدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك * واعلم أن
المحرم الذي يجوز القعود معها بوجوده يستوي فيه محرمه ومحرمها وفى معناه زوجها وزوجته والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(ويكره أن يصلى خلف التمتام والفأفاء لما يزيد ان في الحروف فان صلي خلفهما صحت صلاته لأنها
زيادة وهو مغلوب عليها) *
(الشرح) التمتام الذي يكرر التاء والفأفاء - بالهمزة بين الفائين وبالمد - هو الذي يكرر الفاء قال
الشافعي وأصحابنا تكره الصلاة وراءهما وتصح لما ذكره المصنف *
(فرع) لا تكره امامة الأعرابي للقروي إذا كان يحسن الصلاة: هذا مذهبنا وحكاه ابن المنذر
عن الثوري والشافعي وأصحاب الرأي واسحق وبه أقول قال وكرهه أبو مجلز ومالك *
* قال المصنف رحمه الله *
(السنة أن يؤم القوم أقرؤهم وأفقههم لما روى أبو مسعود البدري رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى وأكثرهم قراءة فإن كانت
قراءتهم سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنا " وكان أكثر
الصحابة رضي الله عنهم قراءة أكثرهم فقها لأنهم كانوا يقرؤن الآية ويتعلمون أحكامها
ولان الصلاة يفتقر صححتها إلى القراءة والفقه فقدم أهلهما فان زاد أحدهما في القراءة أو الفقه
قدم على الاخر وان زاد أحدهما في الفقه وزاد الآخر في القراءة فالأفقه أولي لأنه ربما حدث
في الصلاة حادثة يحتاج إلى الاجتهاد فان استويا في الفقه والقراءة ففيه قولان
قال في القديم يقدم الأشرف ثم الأقدم هجرة ثم الأسن وهو الأصح لأنه قدم الهجرة على السن
في حديث أبي مسعود البدري ولا خلاف أن الشرف مقدم على الهجرة فإذا قدمت الهجرة على
279

السن فلان يقدم عليه الشرف أولي وقال في الجديد يقدم الأسن ثم الأشرف ثم الأقدم هجرة
لما روى مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلوا كما رأيتموني أصلي وليؤذن
لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم " ولان الأكبر أخشع في الصلاة فكان أولى والسن الذي يستحق به
التقديم السن في الاسلام فأما إذا شاخ في الكفر ثم أسلم لم يقدم على شاب نشأ في الاسلام والشرف
الذي يستحق به التقديم أن يكون من قريش والهجرة أن يكون ممن هاجر من مكة إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم أو من أولادهم فان استويا في ذلك فقد قال بعض المتقدمين يقدم أحسنهم فمن
أصحابنا من قال أحسنهم صورة ومنهم من قال أراد أحسنهم ذكرا) *
(الشرح) حديث أبي مسعود رواه مسلم باللفظ الذي ذكرته هنا واسم أبى مسعود عقبة
بن عمر والأنصاري سكن بدرا ولم يشهدها في قول الأكثرين وقال المحمدون محمد بن شهاب الزهري
ومحمد بن إسحاق صاحب المغازي ومحمد بن إسماعيل البخاري شهدها وأما حديث مالك بن الحويرث
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلوا كما رأيتموني أصلى وليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم "
فرواه البخاري: أما حكم المسألة فقال أصحابنا الأسباب المرجحة في الإمامة ستة الفقه والقراءة والورع
والسن والنسب والهجرة قالوا وليس المراد بالورع مجرد العدالة الموجبة لقبول الشهادة بل ما يزيد
على ذلك من حسن السيرة والعفة ومجانبة الشبهات ونحوها والاشتهار بالعبادة وأما السن فالمعتبر
سن مضي في الاسلام فلا يقدم شيخ أسلم قريبا على شاب نشأ في الاسلام أو أسلم قبله وهذا متفق
عليه عند أصحابنا وحجته رواية مسلم في صحيحه في حديث أبي مسعود فأقدمهم اسلاما بدل سنا
والصحيح أنه لا يعتبر الشيخوخة بل يعتبر تفاوت السن لظاهر الحديث وأشار بعضهم إلى اعتبارها
والصواب الأول وأما النسب فنسب قريش معتبر بالاتفاق وفي غيرهم وجهان (أحدهما) لا يعتبر
غير قريش وأصحهما يعتبر كل نسب يعتبر في الكفاءة كالعلماء والصلحاء فعلى هذا يقدم الهاشمي
والمطلبي على سائر قريش ويتساويان هما فيقدم سائر قريش على سائر العرب وسائر العرب على
280

العجم * واحتج البيهقي وغيره لاعتبار النسب بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال " قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم "
رواه مسلم وهذا الحديث وإن كان واردا في الخلافة فيستنبط منه امامة الصلاة وأما الهجرة فيقدم

(1) هذه الأحاديث تقدم سياقها من الشرح
281

من جاهر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على من لم يهاجر ومن تقدمت هجرته على من تأخرت
وكذا الهجرة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من دار الحرب إلى دار الاسلام معتبرة هكذا
وأولاد من جاهر أو تقدمت هجرته يقدمون على غيرهم هذا جملة القول في الترجيح فان اختص
واحد بأحد الأسباب مع الاستواء في الباقين من كل وجه قدم المختص ويقدم من له فقه وقراءة على
من له أحدهما وكذا من له ثلاثة أسباب أو أكثر على من دونه وان تعارضت الأسباب ففيه خمسة
أوجه (أصحها) عند جمهور أصحابنا وهو المنصوص الذي قطع به المصنف والأكثرون ونقله الشيخ أبو حامد
عن الأصحاب أن الأفقه مقدم على الأقرأ والأورع وغيرهما لما ذكره المصنف وبهذا قال أبو حنيفة ومالك
والأوزاعي وأبو ثور (والوجه الثاني) الأقرأ مقدم على الجميع وهو قول ابن المنذر من أصحابنا وبه
قال الثوري واحمد واسحق (والثالث) يستوي الأفقه والأقرأ ولا ترجيح لتعادل الفضيلتين فيهما
وهذا ظاهر نصه في المختصر (والرابع) يقدم الأورع على الأفقه والأقرأ وغيرهما قاله الشيخ
أبو محمد الجويني وجزم به البغوي والمتولي لان معظم مقصود الصلاة الخشوع والخضوع والتدبر
ورجاء إجابة الدعاء والأورع أقرب إلى هذا وأما القراءة فهو عارف بالواجب منها والفقه يعرف منه
المحتاج إليه غالبا أما ما يخاف حدوثه في الصلاة من فهم يحتاج إلى فقه كثير فامر نادر لا يفوت
مقصود الورع بأمر متوهم (والخامس) أن السن مقدم على الفقه وغيره حكاه الرافعي وهو غلط
منابذ للسنة الصحيحة ولنص الشافعي والأصحاب والدليل وإذا استويا في الفقه والقراءة ففيه طرق
(أحدها) قاله الشيخ أبو حامد وآخرون يقدم السن والنسب على الهجرة فان تعارض سن ونسب
كشاب قرشي وشيخ غير قرشي فالجديد تقديم الشيخ والقديم الشاب واختار جماعة هذا القديم
(والطريق الثاني) وجزم به المتولي والبغوي يقدم الهجرة على النسب والسن وأيهما يقدم فيه القولان
282

(والثالث) وهي طريقة المصنف وآخرين فيه قولان (الجديد) يقدم السن ثم النسب ثم الهجرة (والقديم)
يقدم النسب ثم الهجرة ثم السن وصحح المصنف القديم والمختار تقديم الهجرة ثم السن لحديث أبي
مسعود وأما حديث مالك بن الحويرث فإنما كان خطابا له ولرفقته وكانوا في النسب والهجرة
والإسلام متساوين وظاهر الحديث في الصحيحين انهم كانوا في الفقه والقراءة سواء فإنهم هاجروا
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاموا عنده عشرين ليلة فصحبوه صحبة واحدة واشتركوا في المدة
والسماع والرؤية فالظاهر تساويهم في جميع الخصال الا السن فلهذا قدمه وهذه قضية غير محتملة لما
ذكرته أو هو متعين فلا يترك حديث أبي مسعود الصريح المسوق لبيان الترجيح بهذا والله أعلم
قال أصحابنا فان تساويا في جميع الصفات الست قدم بنظافة الثوب والبدن على الأوساخ وبطيب
الصنعة وحسن الصوت وشبهها من الفضائل ونقل المصنف والأصحاب عن بعض متقدمي العلماء أنه
يقدم أحسنهم فقيل أحسنهم وجها وقيل أحسنهم ذكرا هكذا حكاه المصنف والأصحاب قال
القاضي أبو الطيب هذان التقسيمان وجهان لأصحابنا (أصحهما) الثاني وقال المتولي يقدم بنظافة
الثوب ثم حسن الصوت ثم حسن الصورة والمختار تقديم أحسنهم ذكرا ثم أحسنهم صوتا ثم حسن
الهيئة وروى البيهقي حديثا أشار إلى تضعيفه عن أبي زيد عمرو بن اخطب الأنصاري عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أقرؤهم لكتاب الله عز وجل فإن كانوا في القراءة
سواء فأكبرهم سنا فإن كانوا في السن سواء فأحسنهم وجها " وينكر عن المصنف كونه حكاه عن بعض
المتقدمين مع أنه حديث مرفوع وإن كان ضعيفا وحكى الشيخ بو حامد وجها انه يقدم الأحسن
وجها على الأورع والأكثر طاعة وهذا الوجه غلط فاحش جدا والله أعلم * قال أصحابنا وإذا
تساويا كل وجه وسمح أحدهما بتقديم الاخر والا أقرع والله أعلم *
283

قال المصنف رحمه الله *
(وإذا اجتمع هؤلاء مع صاحب البيت فصاحب البيت أولي منهم لما روى أبو مسعود البدري
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يؤمن الرجل الرجل في أهله ولا سلطانه ولا
يجلس على تكرمته الا باذنه " فان حضر مالك الدار والمستأجر فالمستأجر أولي لأنه أحق بالتصرف
في المنافع وان حضر سيد العبد والعبد في دار جعلها لسكني العبد فالسيد أولي لأنه هو المالك في
الحقيقة وان اجتمع غير السيد مع العبد في الدار فالعبد أحق بالتصرف وان اجتمع هؤلاء وامام
المسجد فامام المسجد أولي لما روى أن ابن عمر رضي الله عنهما " كان له مولى يصلى في مسجد فحضر
فقدمه مولاه فقال له ابن عمر أنت أحق بالإمامة في مسجدك " وان اجتمع امام المسلمين مع صاحب
البيت أو مع امام المسجد فالامام أولي لان ولايته عامة ولأنه راع وهم رعيته فكان تقديم الراعي أولي) *
(الشرح) حديث أبي مسعود رواه مسلم والتكرمة - بفتح التاء وكسر الراء - وهي ما يختص به
الانسان من فراش ووسادة ونحوها هذا هو المشهور: قال القاضي أبو الطيب وقيل هي المائدة وروى
مسلم لا يؤمن ولا يجلس بالياء المثناة تحت المضمومة على ما لم يسم فاعله وبالمثناة فوق المفتوحة على
الخطاب: وأما الأثر المذكور عن ابن عمر فرواه الشافعي والبيهقي باسناد حسن أو صحيح عن
نافع عن ابن عمر (وقوله) اجتمع هؤلاء مع صاحب البيت ومع العبد وأشباهه هذا مما أنكره
الحريري في درة الغواص: وقال لا يجوز اجتمع فلان مع فلان وإنما يقال اجتمع فلان وفلان:
وقد استعمل الجوهري في صحاحه اجتمع فلان مع فلان وقد أوضحته في تهذيب اللغات: قال أصحابنا
رحمهم الله إذا حضر الوالي في محل ولايته قدم على جميع الحاضرين فيقدم على الأفقه والأقراء
284

والأورع وعلى صاحب البيت وامام المسجد إذا أذن صاحب البيت ونحوه في إقامة الصلاة في
ملكه فإن لم يتقدم الوالي قدم من شاء من يصلح للإمامة وإن كان غيره أصلح منه لان الحق
فيها له فاختص بالتقدم والتقديم: قال البغوي والرافعي ويراعى في الولاة تفاوت الدرجة فالامام
الأعظم أولى من غيره ثم الاعلي فالأعلى من الولاة والحكام وحكى الرافعي قولا ان المالك أولى
من الامام الأعظم وهذا شاذ غريب ضعيف جدا: ولو اجتمع قوم لا والى معهم في موضع فإن كان
مسجدا فامامه أحق وإن كان غير مسجد أو كان مسجدا ليس فيه امام فساكن الموضع بحق أولى
بالتقديم والتقدم من الأفقه وغيره سواء سكنه بملك أو إجارة أو عارية أو أسكنه سيده ولو حضر
شريكان في البيت أو أحدهما والمستعير من الآخر لم يتقدم غيرهما الا بإذنهما ولا أحدهما إلا
باذن الآخر فإن لم يحضر إلا أحدهما فهو أحق حيث يجوز انتفاعه ولو اجتمع المالك والمستأجر
فوجهان (الصحيح) تقديم المستأجر وبه قطع المصنف والأكثرون لما ذكره المصنف (والثاني) المالك
أحق لان المستأجر إنما يملك السكنى حكاه الرافعي وان اجتمع المعير والمستعير فوجهان (الصحيح)
وبه قطع المصنف والجمهور المعير أحق (والثاني) المستعير أحق لأنه الساكن حكاه الرافعي
ولو حضر السيد وعبده الساكن فالسيد أولى بالاتفاق لما ذكره المصنف سواء المأذون له في
التجارة وغيره ولو حضر السيد والمكاتب في دار المكاتب فالمكاتب أولي والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
285

(وان اجتمع مسافر ومقيم فالمقيم أولي لأنه إذا تقدم المقيم أتموا كلهم فلا يختلفون وإذا تقدم
المسافر اختلفوا وان اجتمع حر وعبد فالحر أولي لأنه موضع كمال والحر أكمل: وان اجتمع فاسق
وعدل فالعدل أولي لأنه أفضل وان اجتمع ولد زنا وغيره فغيره أولي لأنه كرهه عمر بن عبد العزيز
ومجاهد وان اجتمع بصير واعمي فالمنصوص انهما سواء لان في الأعمى فضيلة وهو انه لا يرى
ما يلهيه وفى البصير فضيلة وهو انه يجتنب النجاسة وقال أبو إسحاق المروزي الأعمى أولى وعندي
أن البصير أولي لأنه يجتنب النجاسة التي تفسد الصلاة والأعمى يترك النظر إلى ما يلهيه ويفسد
الصلاة به) *
(الشرح) هذه المسائل كلها كما قالها في الأحكام والدلائل إلا أن مسألة البصير والأعمى
فيها ثلاثة أوجه مشهورة ذكر المصنف منها وجهين واختار الثالث لنفسه وهو ترجيح البصير وجعله
اختيارا له ولم يحكه وجها للأصحاب وهو وجه حكاه شيخه القاضي أبو الطيب في تعليقه وصاحب
التتمة والرافعي وآخرون (والصحيح) عند الأصحاب ان البصير والأعمى سواء كما نص عليه الشافعي
286

وبه قطع الشيخ أبو حامد وآخرون واتفقوا على أنه لا كراهة في إمامة الأعمى للبصراء: قال أصحابنا
ويقدم العدل على فاسق أفقه وأقرأ منه لان الصلاة وراء الفاسق وإن كانت صحيحة فهي مكروهة قال أصحابنا
والبالغ أولي من الصبي وإن كان أفقه واقرأ لان صلاة البالغ واجبة عليه فهو أحرص على
المحافظة على حدودها ولأنه مجمع على صحة الاقتداء به بخلاف الصبي ولو اجتمع صبي حر وبالغ
عبد فالعبد أولى لما ذكرناه نقله القاضي أبو الطيب وآخرون في كتاب الجنائز ولو اجتمع حر غير
فقيه وعبد فقيه فأيهما أولي فيه ثلاثة أوجه كالبصير والأعمى (الصحيح) تساويهما قال أصحابنا
والحرة أولى من الأمة لأنها أكمل ولأنه يلزمها ستر رأسها
(فرع) ذكر المصنف والأصحاب أن المقيم أولي من المسافر فلو صلي المسافر بمقيم فهو خلاف
الأولى وهل هو مكروه كراهة تنزيه فيه قولان حكاهما البندنيجي والشيخ أبو حامد والقاضي
أبو الطيب وآخرون وقال في الأم يكره وفي الاملاء لا يكره وهو الأصح لأنه لم يصح فيه نهى
287

شرعي هذا إذا لم يكن فيهم السلطان أو نائبه كان فهو أحق بالإمامة وإن كان مسافرا ذكره
الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب وآخرون ولا خلاف فيه وكلام المصنف هنا وفى
التنبيه محمول على إذا لم يكن فيهم السلطان ولا نائبه
(فرع) قال البندنيجي وغيره وامامة من لا يعرف أبوه كامامة ولد الزنا فيكون خلاف الأولى
وقال البندنيجي هي مكروهة
(فرع) الخصي والمجبوب كالفحل في الإمامة لا فضيلة لبعضهم على بعض ذكره البندنيجي وغيره
(فرع) في مسائل تتعلق بالباب (إحداها) الاقتداء بأصحاب المذاهب المخالفين بان يقتدى شافعي
بحنفي أو مالكي لا يرى قراءة البسملة في الفاتحة ولا ايجاب التشهد الأخير والصلاة على النبي صلى
الله عليه وسلم ولا ترتيب الوضوء وشبه ذلك وضابطه أن تكون صلاة الامام صحيحة في اعتقاده
دون اعتقاد المأموم أو عكسه لاختلافهما في الفروع فيه أربعة أوجه (أحدها) الصحة مطلقا قاله
288

القفال اعتبارا باعتقاد الامام (والثاني) لا يصح اقتداؤه مطلقا قاله أبو إسحاق الأسفرايني لأنه وان اتى بما
نشترطه ونوجبه فلا يعتقد وجوبه فكأنه لم يأت به (والثالث) ان اتي بما نعتبره نحن لصحة الصلاة صح
الاقتداء وان ترك شيئا منه أو شككنا في تركه لم يصح (والرابع) وهو الأصح وبه قال أبو إسحاق
المروزي والشيخ أبو حامد الأسفرايني والبندنيجي والقاضي أبى الطيب والأكثرون ان تحققنا
تركه لشئ نعتبره لم يصح الاقتداء وان تحققنا الاتيان بجميعه أو شككنا صح وهذا يغلب اعتقاد
المأموم هذا حاصل الخلاف فيتفرع عليه لو مس حنفي امرأة أو ترك طمأنينة أو غيرها صح اقتداء
الشافعي به عند القفال وخالفه الجمهور وهو الصحيح ولو صلى الحنفي على وجه لا يعتقده والشافعي
يعتقده بان احتجم أو افتصد وصلي صح الاقتداء عند الجمهور وخالفهم القفال وقال الاودني والحليمي
الامامان الجليلان من أصحابنا لوام ولى الامر أو نائبه وترك البسملة والمأموم يرى وجوبها صحت
صلاته خلفه عالما كان أو ناسيا وليس له المفارقة لما فيه من الفتنة وقال الرافعي وهذا حسن ولو صلي
289

حنفي خلف شافعي على وجه لا يعتقده الحنفي بان افتصد ففيه الخلاف ان اعتبرنا اعتقاد الامام صح
الاقتداء وإلا فلا وإذا صححنا اقتداء أحدهما بالآخر وصلي شافعي الصبح خلف حنفي ومكث
الامام بعد الركوع قليلا وأمكن المأموم القنوت قنت والا تابعه وترك القنوت ويسجد للسهو على
الأصح وهو اعتبار اعتقاد المأموم وان اعتبرنا اعتقاد الامام لم يسجد ولو صلي الحنفي خلف الشافعي
الصبح فترك الامام القنوت وسجد للسهو تابعه المأموم فان ترك الامام السجود سجد المأموم ان
اعتبرنا اعتقاد الامام وإلا فلا (الثانية) لو صلت الأمة مكشوفة الرأس بحرائر مستترات صحت
صلاة الجميع لان رأسها ليس بعورة بخلاف الحرة نص عليه الشافعي واتفقوا عليه (الثالثة) لا تكره
امامة العبد للعبيد ولا للأحرار ولكن الحر أولي هذا مذهبنا ومذهب الجمهور وقال أبو مجلز
التابعي تكره إمامته مطلقا وهي رواية عن أبي حنيفة وقال الضحاك تكره إمامته للأحرار ولا يكره
للعبيد (الرابعة) قال أبو الطيب لا يكره أن يؤم قوما فيهم أبوه أو أخ له أكبر منه هذا مذهبنا وقال
عطاء لا يكره (الخامسة) قال المصنف والأصحاب غير ولد الزنا أولي بالإمامة منه ولا يقال إنه مكروه
وأما قول الشيخ أبى حامد والعبد ري انه يكره عندنا وعند أبي حنيفة فتساهل منه في تسميته مكروها
وكرهه مجاهد وعمر بن عبد العزيز وقال مالك والليث يكره أن يكون اماما راتبا وقال الجمهور لا بأس به
ممن قال به عائشة أم المؤمنين وعطاء الحسن والزهري والنخعي وعمرو بن دينار وسليمان بن موسى
والثوري والأوزاعي واحمد واسحق وداود وابن المنذر *
(باب موقف الإمام والمأموم)
* قال المصنف رحمه الله *
(السنة أن يقف الرجل الواحد عن يمين الامام لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال " بت
290

عند خالتي ميمونة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه " فان
وقف عن يساره رجع إلى يمينه فإن لم يحسن علمه الامام كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بابن عباس فان جاء
آخر أحرم عن يساره ثم يتقدم الامام أو يتأخر المأمومان لما روى جابر قال " قمت عن يسار رسول الله
صلى الله عليه وسلم فاخذ بيدي فادارني حتى أقامني عن يمينه وجاء جبار بن صخر حتى قام عن يسار
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخذ بأيدينا جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه ولأنه قبل أن يحرم الثاني
يتغير موقف الأول ولا يزول عن موضعه فان حضر رجلان اصطفا خلفه لحديث جابر وان حضر
رجل وصبي اصطفا خلفه لما روى أنس قال " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم
وراءه والعجوز من ورائنا فصلي بنا ركعتين " وان حضر رجال وصبيان يقدم الرجال لقوله صلى الله عليه
وسلم " ليليني منكم أولوا الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " فإن كانت معهم
امرأة وقفت خلفهم لحديث انس وإن كان معهم خنثى وقف الخنثى خلف الرجال والمرأة خلف الخنثى
لأنه يجوز أن يكون امرأة فلا يقف مع الرجال) *
(الشرح) حديث ابن عباس رواه البخاري ومسلم وحديث جابر رواه مسلم وحديث انس
رواه البخاري ومسلم وحديث " ليليني منكم أولوا الأحلام والنهي " رواه مسلم من رواية عبد الله بن
مسعود ومن رواية أبى مسعود الأنصاري البدري عقبة بن عمرو وقوله صلى الله عليه وسلم " ليليني "
ضبطناه في صحيح مسلم على وجهين (أحدهما) ليليني بعد اللام نون مخففة ليس بينهما ياء (والثاني) ليليني
بزيادة ياء مفتوحة وتشديد النون فهذان الوجهان صحيحان ورووه في صحيح مسلم بهما وربما قرأه
بعض الناس باسكان الياء وتخفيف النون وهذا باطل من حيث الرواية فاسد من حيث العربية (قوله)
صلى الله عليه وسلم " أولوا الأحلام والنهى " معناه البالغون العقلاء الكاملون في الفضيلة (قوله) عن يساره
بفتح الياء وكسرها والفتح أفصح عند الجمهور وعكسه ابن دريد والصبيان بكسر الصاد على
291

المشهور وحكي ابن دريد كسرها وضمها والعجوز المذكور في حديث أنس هي أم سليم كذا جاء
مبينا في صحيح البخاري وغيره واليتيم اسمه ضميرة بن سعد الحميري المدني وجبار بن صخر
- بجيم مفتوحة ثم باء موحدة مشددة - وهو أبو عبد الله بن جبار بن صخر بن أمية الأنصاري السلمي
- بفتح السين واللام - المدني شهد العقبة وبدرا واحدا والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم توفى بالمدينة سنة ثلاثين رضي الله عنه: اما أحكام الفصل ففيه مسائل (إحداها) السنة
أن يقف المأموم الواحد عن يمين الامام رجلا كان أو صبيا قال أصحابنا ويستحب ان يتأخر عن مساواة
الامام قليلا فان خالف ووقف عن يساره أو خلفه استحب له ان يتحول إلى يمينه ويحترز عن
أفعال تبطل الصلاة فإن لم يتحول استحب للامام ان يحوله لحديث ابن عباس فان استمر على
اليسار أو خلفه كره وصحت صلاته عندنا بالاتفاق (الثانية) إذا حضر امام ومأمومان تقدم الامام واصطفا
خلفه سوا كانا رجلين أو صبيين أو رجلا وصبيا: هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة الا عبد الله بن
مسعود وصاحبيه علقمة والأسود فإنهم قالوا يكون الإمام والمأمومان كلهم صفا واحدا ثبت هذا عن ابن
مسعود في صحيح مسلم دليلنا حديث جابر السابق قال أصحابنا فان حضر امام ومأموم وأحرم
عن يمينه ثم جاء آخر أحرم عن يساره ثم إن كان قدام الامام سعة وليس وراء المأمومين سعة تقدم الامام
وإن كان وراءهما سعة وليست قدامه تأخرا وإن كان قدامه سعة ووراءهما سعة تقدم أو تأخرا وأيهما
أفضل فيه وجهان (الصحيح) الذي قطع به الشيخ أبو حامد والأكثرون تأخرهما لان الامام متبوع
فلا ينتقل (والثاني) تقدمه قاله القفال والقاضي أبو الطيب لأنه يبصر ما بين يديه ولأنه فعل شخص
فهو أخف من شخصين هذا إذا جاء المأموم الثاني في القيام فان جاء في التشهد والسجود فلا تقدم
ولا تأخر حتى يقوموا ولا خلاف أن التقدم والتأخر لا يكون الا بعد احرام المأموم الثاني كما ذكرنا
وقد نبه عليه المصنف بقوله ثم يتقدم الامام أو يتأخرا *
292

(فرع) قال الشافعي رحمه الله في الأم لو وقف المأموم عن يسار الامام أو خلفه كرهت ذلك
لهما ولا اعاده قال ولو أم اثنين فوقفا عن يمينه أو يساره أو أحدهما عن يمينه والاخر عن يساره أو أحدهما
بجنبه والآخر خلفه أو أحدهما خلفه والآخر خلف الأول كرهت ذلك ولا إعادة ولا سجود سهو
لحديث ابن عباس وانس هذا نصه واتفق الأصحاب عليه (الثالثة) إذا حضر كثيرون من الرجال والصبيان
يقدم الرجال ثم الصبيان هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وفيه وجه حكاه الشيخ أبو حامد
والبندنيجي والقاضي أبو الطيب وصاحبا المستظهري والبيان وغيرهم انه يستحب ان يقف بين كل
رجلين صبي ليتعلموا منهم أفعال الصلاة والصحيح الأول لقوله صلى الله عليه وسلم ليلني منكم أولوا
الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم " واما تعلم الصلاة فيمكن وإن كانوا خلفهم وان حضر رجال وصبيان
وخناثى ونساء تقدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء لما ذكره المصنف فان حضر رجال وخنثى
وامرأة وقف الخنثى خلف الرجال وحده والمرأة خلفه وحدها فإن كان معهم صبي دخل في صف الرجال
وان حضر امام وصبي وامرأة وخنثى وقف الصبي عن يمينه والخنثى خلفهما والمرأة خلفه *
(فرع) هذا الذي ذكرناه كله في موقف الرجال غير العراة فإن كانوا عراة فقد سبق في باب
ستر العورة انه إن كانوا عميا أو في ظلمه صلوا جماعة ويقدم عليهم إمامهم وإن كانوا بصراء في ضوء
فهل الأفضل أن يصلوا جماعة أو فرادى فيه خلاف فان قلنا جماعة وقف امامهم وسطهم وسبق هناك
أيضا ان النساء الخلص العاريات والكاسيات تقف إمامتهن وسطهن ولو صلى خنثى بنسوة تقدم
293

عليهن قال أصحابنا هذا كله مستحب ومخالفته مكروه ولا تبطل الصلاة *
(فرع) السنة عندنا ان يقف المأموم الواحد عن يمين الامام كما ذكرنا وبهذا قال العلماء كافة
الا ما حكاه القاضي أبو الطيب وغيره عن سعيد بن المسيب أنه يقف عن يساره وعن النخعي ان يقف
وراءه إلى أن يزيد الامام ان يركع فإن لم يجئ مأموم آخر تقدم فوقف عن يمينه وهذان المذهبان فاسدان
ودليل الجمهور حديث ابن عباس وحديث جابر وغيرهما *
* قال المصنف رحمه الله *
(والسنة أن لا يكون موضع الامام أعلى من موضع المأموم لما روى أن حذيفة " صلي على دكان والناس
أسفل منه فجذبه سلمان حتى أقامه فلما انصرف قال اما علمت أن أصحابك يكرهون أن يصلي
الإمام على شئ وهم أسفل منه قال حذيفة بلى قد ذكرت حين جذبتني " وكذلك لا يكون موضع المأموم
أعلا من موضع الامام لأنه إذا كره أن يعلو الامام فلان يكره أن يعلو المأموم أولي فان أراد الامام
تعليم المأمومين أفعال الصلاة فالسنة ان يقف على موضع عال لما روى سهل بن سعد رضي الله عنه قال
" صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فكبر وكبر الناس وراءه فقرأ وركع وركع الناس خلفه ثم رفع ثم
رجع القهقري فسجد على الأرض ثم عاد إلى المنبر ثم قرأ ثم ركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقري حتى
294

سجد بالأرض ثم اقبل على الناس فقال إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي " ولان الارتفاع في هذه
الحالة أبلغ في الاعلام فكان أولى) *
(الشرح) حديث سهل ابن سعد رواه البخاري ومسلم من طرق (وقوله) لتعلموا - بفتح
العين وتشديد اللام - أي تعلموا صفتها واما قصة حذيفة وسليمان فهكذا وقع في المهذب ان سلمان
جذب حذيفة وقد رواه البيهقي في السنن الكبير هكذا باسناد ضعيف جدا والمشهور المعروف فجذبه
أبو مسعود وهو البدري الأنصاري هكذا رواه الشافعي وأبو داود والبيهقي ومن لا يحصي من كبار
المحدثين ومصنفيهم واسناده صحيح ويقال جذب وجبذ لغتان مشهورتان (قوله) فلان يكره هو بفتح
اللام وسبق في كتاب الطهارة ايضاحه والقهقري - بفتح القافين - المشي إلى خلف قال أصحابنا يكره
أن يكون موضع الامام أو المأموم أعلى من موضع الآخر فان احتيج إليه لتعليمهم أفعال الصلاة أو ليبلغ
المأموم القوم تكبيرات الامام ونحو ذلك استحب الارتفاع لتحصيل هذا المقصود هذا مذهبنا وهو
رواية عن أبي حنيفة وعنه رواية انه يكره الارتفاع مطلقا وبه قال مالك والأوزاعي وحكى الشيخ
أبو حامد عن الأوزاعي أنه قال تبطل به الصلاة *
* قال المصنف رحمه الله *
(السنة ان تقف امامة النساء وسطهن لما روى أن عائشة وأم سلمة امتا نساء فقامتا وسطهن وكذا إذا
295

اجتمع الرجال وهم عراة فالسنة ان يقف الامام وسطهن لأنه أستر) *
(الشرح) هذا الفصل سبق شرحه قريبا وحديثا امامة عائشة وأم سلمة رواهما الشافعي في
مسنده والبيهقي في سننه باسنادين حسنين ويقال وسط الصف باسكان السين قال الجوهري تقول
جلست وسط القوم بالاسكان لأنه ظرف وجلست وسط الدار بالفتح لأنه اسم قال وكل موضع
يصلح فيه بين فهو وسط بالاسكان وما لا يصلح فهو بالفتح وربما سكن وليس بالوجه وقال الأزهري
كل ما كان بين بعضه من بعض كوسط الفلاة والصف والمسبحة وحلقة الناس فهو وسط بالاسكان وما
كان مصمتا لا يبين كالدار والساحة والراحة فوسط بالفتح قال وأجازوا في المفتوح الاسكان ولم يجيزوا
في الساكن الفتح والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(فان خالفوا فيما ذكرناه فوقف الرجل عن يسار الامام أو خلفه وحده أو وقفت المرأة مع الرجل
أو امامه لم تبطل الصلاة لما روى ابن عباس رضي الله عنهما " وقف عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم
فلم تبطل صلاته " وأحرم أبو بكرة خلف الصف وركع ثم مشى إلى الصف فقال له النبي صلى الله عليه
وسلم " زادك الله حرصا ولا تعد " ولأن هذه المواضع كلها مواقف لبعض المأمومين فلا تبطل
الصلاة بالانتقال إليها) *
296

(الشرح) حديث ابن عباس ثابت من طرق في صحيح البخاري ومسلم وحديث أبي بكرة رواه
البخاري ومسلم من رواية أبي بكرة وينكر على المصنف قوله في حديث ابن عباس روى بصيغة التمريض
الموضوعة للضعيف وقد سبق مرات التنبيه على مثل هذا وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة ولا
تعد - بفتح التاء وضم العين - قيل معناه لا تعد إلى الاحرام خارج الصف وقيل لا تعد إلى التأخر عن
الصلاة إلى هذا الوقت وقيل لا تعد إلى اتيان الصلاة مسرعا: اما أحكام الفصل فقد سبق مقصودها
في أوائل الباب وحاصله ان المواقف المذكورة كلها على الاستحباب فان خالفوها كره وصحت الصلاة
لما ذكره المصنف وكذا لو صلي الامام أعلى من المأموم وعكسه لغير حاجة وكذا إذا تقدمت المرأة
على صفوف الرجال بحيث لم تتقدم على الامام أو وقفت بجنب الامام أو بجنب مأموم صحت صلاتها
وصلاة الرجال بلا خلاف عندنا وكذا لو صلى منفردا خلف الصف مع تمكنه من الصف كره
وصحت صلاته *
(فرع) إذا وجد الداخل في الصف فرجة أو سعة دخلها وله أن يخرق الصف المتأخر إذا لم
يكن فيه فرجة وكانت في صف قدامه لتقصيرهم بتركها فإن لم يجد فرجة ولا سعة ففيه خلاف حكوه
وجهين والصواب انه قولان (أحدهما) يقف منفردا ولا يجذب أحدا نص عليه في البويطي لئلا يحرم
غيره فضيلة الصف السابق وهذا اختيار القاضي أبي الطيب (والثاني) وهو الصحيح ونقله الشيخ أبو حامد
وغيره عن نص الشافعي وقطع به جمهور أصحابنا انه يستحب ان يجبذ إلى نفسه واحدا من الصف
297

ويستحب للمجذوب مساعدته قالوا ولا بجذبه الا بعد احرامه للا يخرجه عن الصف لا إلى صف
وإنما استحب للمجذوب الموافقة ليحصل لهذا فضيلة صف وليخرج من خلاف من قال من العلماء
لا تصح صلاة منفرد خلف الصف ويستأنس فيه أيضا بحديث مرسل ذكره أبو داود في المراسيل
والبيهقي عن مقاتل بن حنان ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " ان جاء فلم يجد أحدا فليجتلح إليه
رجلا من الصف فليقم معه فما أعظم أجر المحتلج *
(فرع) في مذاهب العلماء في صلاة المنفرد خلف الصف: قد ذكرنا أنها صحيحة عندنا مع الكراهة
وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصري ومالك والأوزاعي وأصحاب الرأي وحكاه أصحابنا أيضا عن زيد
ابن ثابت الصحابي والثوري وابن المبارك وداود وقالت طائفة لا يجوز ذلك حكاه ابن المنذر عن
النخعي والحكم والحسن بن صالح واحمد واسحق قال وبه أقول والمشهور عن أحمد واسحق أن
المنفرد خلف الصف يصح احرامه فان دخل في الصف قبل الركوع صحت قدوته والا بطلت صلاته *
واحتج لهؤلاء بحديث وابصة بن معبد رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلى
خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن قال ابن
المنذر ثبت هذا الحديث أحمد واسحق وعن علي بن شيبان قال " صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم
فانصرف فرأى رجلا يصلي خلف الصف فوقف نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى أنصرف الرجل فقال
له استقبل صلاتك لا صلاة للذي خلف الصف " رواه ابن ماجة باسناد حسن واحتج أصحابنا بحديث أبي
بكرة وبحديث ابن عباس وحملوا الحديثين الواردين بالإعادة على الاستحباب جمعا بين الأدلة
وقوله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة للذي خلف الصف " أي لا صلاة كاملة كقوله صلى الله عليه وسلم
" لا صلاة بحضرة الطعام " ويدل على صحة التأويل أنه صلى الله عليه وسلم انتظره حتى فرغ ولو كانت باطلة
لما أقره على الاستمرار فيها وهذا واضح *
298

(فرع) في مذاهبهم في الجذب من الصف: قد ذكرنا أن الصحيح عندنا أن الداخل إذا لم
يجد في الصف سعة جذب واحدا بعد احرامه واصطف معه وحكاه ابن المنذر عن عطاء والنخعي
وحكى عن مالك والأوزاعي واحمد واسحق كراهته وبه قال أبو حنيفة وداود *
(فرع) صلاة المرأة قدام رجل وبجنبه مكروهة ويصح صلاتها وصلاة المأمومين الذين تقدمت
عليهم أو حاذتهم عندنا وعند الجمهور * وقال أبو حنيفة هي باطلة وقد سبقت المسألة مبسوطة في آخر باب
استقبال القبلة * قال المصنف رحمه الله *
(فان تقدم المأموم على الامام ففيه قولان: قال في القديم لا تبطل صلاته كما لو وقف خلف
الامام وحده: وقال في الجديد تبطل لأنه وقف في موضع ليس موقف مؤتم بحال فأشبه إذا وقف
في موضع نجس) *
(الشرح) إذا تقدم المأموم على امامه في الموضع فقولان مشهوران (الجديد) الأظهر لا تنعقد
وإن كان في أثنائها بطلت (والقديم) انعقادها وإن كان في أثنائها لم تبطل ودليلهما في الكتاب
وإن لم يتقدم لكن ساواه لم تبطل بلا خلاف لكن يكره والاعتبار في التقدم والمساواة بالعقب
على المذهب وبه قطع الجمهور فلو تساويا في العقب وتقدمت أصابع المأموم لم يضره وان تقدمت
عقبه وتأخرت أصابعه عن أصابع الامام فعلى القولين وقيل يصح قطعا حكاه الرافعي وآخرون
وقال في الوسيط الاعتبار بالكعب والمذهب المعروف الأول ولو شك هل تقدم على امامه فوجهان
(الصحيح) المنصوص في الأم وبه قطع المحققون تصح صلاته قولا واحدا بكل حال لان الأصل عدم
المفسد (والثاني) إن كان جاء من خلف الامام صحت لان الأصل عدم تقدمه وان جاء من قدامه
لم يصح على الجديد لان الأصل بقاء تقدمه هذا كله في غير المسجد الحرام أما إذا صلوا في المسجد
299

الحرام فالمستحب أن يقف الامام خلف المقام ويقفوا مستديرين بالكعبة بحيث يكون الامام أقرب
إلى الكعبة منهم فإن كان بعضهم أقرب إليها منه وهو في جهة الامام ففي صحة صلاته القولان
الجديد بطلانها والقديم صحتها وإن كان في غير جهته فطريقان المذهب القطع بصحتها وهو نصه
في الأم وبه قطع الجمهور (والثاني) فيه القولان حكاه الأصحاب عن أبي إسحاق المروزي ولو وقف
الإمام والمأموم جميعا في الكعبة فإن كان المأموم قدامه في جهته مستقبلها ففيه القولان وإن كان
وراءه أو بجنبه أو مستقبله أو ظهره إلى ظهره صح اقتداؤه إن لم يكن أقرب إلى الجدار بلا خلاف
وكذا إن كان أقرب على المذهب وبه قطع الجمهور وقال أبو إسحاق فيه القولان ولو وقف الامام
في الكعبة والمأموم خارجها جاز وله التوجه إلى أي جهة شاء وان وقف الامام خارجها والمأموم فيها
أو على سطحها وبين يديه سترة جاز أيضا نص عليه لكن ان توجه إلى الجهة التي توجه إليها الامام
عاد القولان والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في تقدم موقف المأموم: قد ذكرنا أن الصحيح من مذهبنا أن الصلاة
تبطل به وبه قال أبو حنيفة واحمد وقال مالك واسحق وأبو ثور وداود يجوز هكذا حكاه أصحابنا
عنهم مطلقا وحكاه ابن المنذر عن مالك واسحق وأبى ثور إذا ضاق الموضع *
* قال المصنف رحمه الله *
(والمستحب أن يتقدم الناس في الصف الأول لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " لو يعلمون ما في الصف المقدم لكانت قرعة " وروى البراء رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ان الله وملائكته يصلون على الصف الأول " والمستحب
ان يعتمدوا يمين الامام لما روى البراء قال " كان يعجبنا عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه
كان يبدأ بمن عن يمينه فيسلم عليه " فان وجد في الصف الأول فرجة استحب أن يسدها لما روى أنس
300

رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتموا الصف الأول فإن كان نقص ففي المؤخر ") *
(الشرح) حديث أبي هريرة رواه البخاري ومسلم وحديث البراء الأول صحيح رواه
أبو داود باسناد صحيح وقال فيه الصفوف الأول وحديث البراء الثاني رواه مسلم ولفظه " كنا إذا
صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون يمينه يقبل علينا بوجهه " وحديث
انس رواه أبو داود باسناد حسن واتفق أصحابنا وغيرهم على استحباب الصف الأول والحث عليه
وجاءت فيه أحاديث كثيرة في الصحيح وعلى استحباب يمين الامام وسد الفرج في الصفوف
واتمام الصف الأول ثم الذي يليه إلى آخرها ولا يشرع في صف حتى يتم ما قبله وعلى أنه
يستحب الاعتدال في الصفوف فإذا وقفوا في الصف لا يتقدم بعضهم بصدره أو غيره ولا يتأخر
عن الباقين ويستحب أن يوسطوا الامام ويكشفوه من جانبيه لحديث أبي داود عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم " وسطوا الامام وسدوا الخلل " ويستحب أن يفسح لمن يريد الدخول
في الصف لحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أقيموا الصلاة وحاذوا بين
المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفا وصله
الله ومن قطع صفا قطعه الله " رواه أبو داود باسناد صحيح *
(فرع) قد ذكرنا أنه يستحب الصف الأول ثم الذي يليه ثم الذي يليه إلى آخرها وهذا
الحكم مستمر في صفوف الرجال بكل حال وكذا في صفوف النساء المنفردات بجماعتهن
عن جماعة الرجال أما إذا صلت النساء مع الرجال جماعة واحدة وليس بينهما حائل فأفضل صفوف
النساء آخرها لحديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير صفوف الرجال أولها
وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها " رواه مسلم واعلم أن المراد بالصف الأول
الصف الذي يلي الامام سواء تخلله منبر ومقصورة وأعمدة وغيرها أم لا وعن أبي سعيد الخدري رضى
301

الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " رأى في أصحابه تأخرا فقال لهم تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم
من بعدكم لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله " رواه مسلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(فان تباعدت الصفوف أو تباعد الصف الأول عن الامام نظرت فإن كان لا حائل بينهما
وكان الصلاة في المسجد وهو عالم بصلاة الامام صحت الصلاة لان كل موضع من المسجد موضع
الجماعة وإن كان في غير المسجد فإن كان بينه وبين الامام أو بينه وبين آخر صف مع الامام مسافة
بعيدة لم تصح صلاته فإن كانت مسافة قريبة صحت صلاته وقدر الشافعي رحمه الله القريب بثلاثمائة
ذراع والبعيد ما زاد على ذلك لان ذلك قريب في العادة وما زاد بعيد وهل هو تقريب أو تحديد
فيه وجهان (أحدهما) انه تحديد فلو زاد على ذلك ذراع لم يجزه (والثاني) أنه تقريب فان زاد ثلاثة
أذرع جاز وإن كان بينهما حائل نظرت فإن كانت الصلاة في المسجد بأن كان أحدهما في المسجد
والآخر على سطحه أو في بيت منه لم يضر وإن كان في غير المسجد نظرت فإن كان الحائل يمنع
الاستطراق والمشاهدة لم تصح صلاته لما روى عن عائشة رضي الله عنها " أن نسوة كن يصلين
في حجرتها بصلاة الامام فقالت لا تصلين بصلاة الامام فإنكن دونه في حجاب " وإن كان بينهما
حائل يمنع الاستطراق دون المشاهدة كالشباك ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لان بينهما حائلا
يمنع الاستطراق فأشبه الحائط (والثاني) يجوز لأنه يشاهدهم فهو كما لو كان معهم وإن كان بين
الإمام والمأموم نهر ففيه وجهان قال أبو سعيد الإصطخري لا يجوز لأن الماء يمنع الاستطراق
فهو كالحائط والمذهب انه يجوز لأن الماء لم يخلق للحائل وإنما خلق للمنفعة فلا يمنع الائتمام كالنار) *
(الشرح) للامام والمأموم في المكان ثلاثة أحوال (أحدها) أن يكونا في مسجد فيصح
الاقتداء سواء قربت المسافة بينهما أم بعدت لكبر المسجد وسواء اتحد البناء أم اختلف كصحن
المسجد وصفته وسرداب فيه وبئر مع سطحه وساحته والمنارة التي هي من المسجد تصح الصلاة في كل هذه
الصور وما أشبهها إذا علم صلاة الامام ولم يتقدم عليه سواء كان أعلا منه أو أسفل ولا خلاف في هذا
ونقل أصحابنا فيه اجماع المسلمين وهذا الذي ذكرناه في سطح المسجد هو إذا كان سطحه منه
فإن كان مملوكا فهو كملك متصل بالمسجد وقف أحدهما فيه والآخر في المسجد وسيأتي في الحال
302

الثالث إن شاء الله تعالى وشرط البنائين في المسجد أن يكون باب أحدهما نافذا إلى الآخر وإلا فلا
يعد ان مسجدا واحدا وإذا وجد هذا الشرط فلا فرق بين أن يكون الباب بينهما مفتوحا
أو مردودا مغلقا أو غير مغلق وفي وجه ضعيف إن كان مغلقا لم يصح الاقتداء ووجه آخر أنه إذا كان
أحدهما في المسجد والآخر على سطحه وباب المرقا مغلق لم يصح الاقتداء حكاهما الرافعي وهما شاذان والمذهب
ما سبق: أما المساجد المتلاصقة التي يفتح بعضها إلى بعض فلها حكم مسجد واحد فيصح الاقتداء
وأحدهما في ذا والآخر في ذاك هكذا أطلقه الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب وصاحبا
الشامل والتتمة والجمهور وقال الشيخ أبو محمد الجويني ان انفرد كل واحد من المسجدين بامام ومؤذن
وجماعة فلكل واحد منهما مع الآخر حكم الملك المتصل بالمسجد كما سنذكره إن شاء الله تعالى
والمذهب الأول ولو كانا في مسجدين يحول بينهما نهرا وطريق أو حائط المسجد غير باب نافذ من
أحدهما إلى الآخر فهو كملك متصل بالمسجد ولو كان في المسجد نهر فان حفر بعد المسجد فهو مسجد
فلا يضر وان حفر قبل مصيره مسجدا فهما مسجدان غير متصلين أما رحبة المسجد فقال الرافعي
عدها الأكثرون منه ولم يفرقوا بين أن يكون بينهما وبين المسجد طريق أم لا وقال ابن كج ان
انفصلت فهي كمسجد آخر والمذهب الأول فقد نص الشافعي والأصحاب على صحة الاعتكاف فيها
قال البندنيجي ورحبة المسجد هي البناء المبنى له حوله متصلا به وقال القاضي أبو الطيب هي ما حواليه
(الحال الثاني) أن يكون الإمام والمأموم في غير مسجد وهو ضربان (أحدهما) أن يكونا في فضاء
من صحراء أو بيت واسع ونحوه فيصح الاقتداء بشرط أن لا يزيد ما بينهما على ثلاثمائة ذراع وهل هو
تحديد أم تقريب فيه طريقان حكاهما الشيخ أبو حامد وغيره (أحدهما) أنه تقريب وجها واحدا ونقله
أبو حامد عن عامة أصحابنا (وأصحهما) وأشهرهما فيه وجهان ذكرهما المصنف والأصحاب (أصحهما)
تقريب وهو نصه في الأم والمختصر قال الشيخ أبو حامد هو قول عامة أصحابنا وهو الصحيح وهذا
303

التقدير مأخوذ من العرف على الصحيح وقول الجمهور منهم أبو علي بن خيران وأبو الطيب بن سلمة وأبو
حفص بن الوكيل وفيه وجه مشهور أنه مأخوذ مما بين الصفين في صلاة الخوف حكى البندنيجي هذا الوجه
عن ابن سريج وأبى اسحق وغيرهما فإذا قلنا تقريب فزاد على ثلاثمائة أذرعا يسيرة كثلاثة ونحوها لم يضر
وان قلنا تحديد ضر ولو وقف خلف الامام شخصان أو صفان أحدهما وراء الاخر اعتبرت هذه المسافة
بين الصف الأخير والصف الأول أو الشخص الأخير والأول حتى لو كثرت الصفوف وبلغ ما بين الامام
والصف الأخير أميالا جاز بشرط أن لا يزيد ما بين كل صف أو شخص وبين من قدامه على ثلاثمائة ذراع وفيه
وجه مذكور في الطريقتين أنه يعتبر هذه المسافة بين الامام والصف الأخير إذا لم تكن الصفوف القريبة
في الامام متصلة على العادة وهذا ضعيف واتفق الأصحاب على تضعيفه والصحيح الأول ولو وقف عن يمين
الامام أو يساره ولم يتقدم عليه رجل أوصف صح إن لم يزد ما بينه وبين الإمام على ثلاثمائة ذراع فان وقف
آخر عن يمين الواقف عن يمين الإمام على ثلاثمائة ذراع من المأموم الأول ثم ثالث على يمين الثاني على ثلاثمائة
ذراع وهكذا رابع وخامس وأكثر صحت صلاة الجميع كما إذا كانوا خلفه وهذا متفق عليه ويجئ
فيه الوجه السابق في اعتبار هذه المسافة من الامام إذا لم تتصل الصفوف القريبة بالإمام على العادة وعلى
304

هذا ولو وقف واحد عن يمين الإمام على ثلاثمائة ذراع وآخر عن يساره كذلك واخر وراءه كذلك ثم وراء
كل واحد أو عن جنبه آخر أوصف على هذه المسافة ثم آخر ثم آخر وكثروا صحت صلاة الجميع إذا علموا
صلاة الامام: اما إذا حال بين الإمام والمأموم أو بين الصفين نهر في الفضاء فان أمكن العبور من أحد
طرفيه إلى الآخر بلا سياحة بالوثوب أو الخوض أو العبور على جسر صح الاقتداء بالاتفاق وان احتاج إلى سباحة
أو كان بينهما شارع مطروق فوجهان الصحيح باتفاقهم لا يضر بل يصح الاقتداء لحصول المشاهدة
والماء لا يعد حائلا وكما لو حال بينهما نار فان الاقتداء صحيح بالاتفاق: قال أصحابنا وسواء في الأحكام المذكورة
كان الفضاء مواتا أو ملكا أو وقفا بعضه مواتا وبعضه ملكا وحكى الخراسانيون وجها انه يشترط
في الساحة المملوكة اتصال الصفوف بحيث لا يكون بين كل صف والذي قدامه أكثر من ثلاث أذرع
ووجها حكاه البغوي وغيره يشترط ذلك في الملكين لشخصين لا في ملك الواحد والصحيح المشهور لا يشترط
ذلك مطلقا وبه قطع العراقيون وكثيرون من الخراسانيين وسواء في هذا كله كان الفضاء محوطا عليه
أو مسقفا كالبيوت الواسعة أو غير ذلك (الضرب الثاني) أن يكونا في غير فضاء فإذا وقف أحدهما في صحن
دار أو في صفتها والآخر في بيت منها فقد يقف المأموم عن يمين الامام ووراءه وخلفه وفيه طريقان
(إحداهما) قالها القفال وأصحابه وابن كج وحكاها أبو علي الطبري في الافصاح عن بعض الأصحاب أنه يشترط
فيما إذا وقف من أحد الجانبين أن يتصل الصف من البناء الذي فيه الامام بالذي فيه المأموم بحيث لا يبقى
فرجة تسع واحدا فان بقيت فرجة لا تسع واقفا فوجهان (الصحيح) أنها لا تضر (والثاني) تضر فلو كان بينهما عتبة
عريضة تسع واقفا اشترط وقوف مصل فيها فإن لم يمكن الوقوف فيها فعلى الوجهين في الفرجة اليسيرة الأصح
305

لا تضر وان وقف خلف الامام فوجهان (أحدهما) لا يصح الاقتداء مطلقا (والصحيح) الصحة بشرط اتصال
الصفوف وتلاحقها ومعنى اتصالها ان يقف شخص أوصف في آخر بناء الامام وآخر في أول بناء المأموم
بحيث لا يكون بينهما أكثر من ثلاث أذرع والثلاثة للتقريب قالوا فلو زاد عليها ما لا يبين في الحس لم يضر
وهذا القدر هو المشروع بين الصفين في كل حال ومعناه أن السنة أن لا يزاد ما بينهما عليه وإذا وجد هذا
الشرط فكان في بناء المأموم بيت عن اليمين أو الشمال اعتبر الاتصال بتواصل المناكب كما سبق هذه طريقة
القفال وموافقيه (الطريقة الثانية) طريقة أبي إسحاق المروزي وأصحابه وجمهور العراقيين واختارها أبو علي
الطبري وغيره وهي الصحيحة ان اختلاف البناء لا يضر ولا يشترط اتصال الصف من خلف ولا من اليمين
والشمال بل المعتبر القرب والبعد على الضبط المذكور في الصحراء فيصح اقتداء المأموم خلف الامام وبجنبه
ما لم يزد ما بينه وبين آخر صف على ثلاثمائة ذراع كما سبق هذا إذا كان بين البنائين باب مفتوح فوقف
مقابله رجل أوصف أو لم يكن جدار أصلا كصحن مع صفة فلو حال حائل يمنع الاستطراق والمشاهدة لم يصل
الاقتداء باتفاق الطريقتين وإن منع الاستطراق دون المشاهدة كالشباك فوجهان مشهوران (أصحهما) لا تصح
لأنه يعد حائلا ممن صححه البندنيجي وإذا صح اقتداء الواقف أو الواقفين في البناء أما لوجود الاتصال
كما شرطه أصحاب الطريقة الأولى وأما لعدم الزيادة على ثلاثمائة ذراع كما قاله أصحاب الثانية صحت صلاة
الصفوف والمنفرد خلفهم تبعا ولا يضر الحائل المانع من الاستطراق والمشاهدة بينهم وبين الامام لكن
يكون الصفوف مع الواقف كالمأمومين مع الامام في اعتبار الشرط السابق فيعتبر أن لا يحول بينهما مانع
من الاستطراق والمشاهدة ويعتبر باقي ما سبق ولو تقدم على الواقف المذكور واحد أوصف لم تصح صلاته
وإن تأخر عن سمت الامام إلا إذا جوزنا تقدم المأموم على الإمام قال القاضي حسين وغيره ولا يجوز ان تتقدم
تكبيرة احرام الذين وراء الواقف عليه لأنهم لا يصح اقتداؤهم بالامام إلا تبعا للواقف فيشترط أن يكون
306

قد دخل في الصلاة أما إذا وقف الامام في صحن الدار والمأموم في مكان عال منها كسطح وطرف صفة مرتفعة
ونحوه أو بالعكس ففيما يحصل به الاتصال ويصح الاقتداء وجهان (أحدهما) قاله الشيخ أبو محمد الجويني إن كان
رأس الواقف أسفل يحاذي ركبة الواقف في العلو صح الاقتداء وإلا فلا (والثاني) وهو الصحيح الذي قطع
به الجمهور ان حاذى رأس الأسفل قدم الأعلى صح الاقتداء وإلا فلا قال امام الحرمين الأول مزيف لا أصل
له والاعتبار بمعتدل القامة حتى لو كان قصيرا أو قاعدا فلم تحاذ ولو قام فيه معتدل القامة لحصلت المحاذاة كفى
وحيث لا يمنع الانخفاض القدوة وكان بعض من يحصل بهم الاتصال على سرير وبعضهم على الأرض جاز ولو
كانا في بحر والامام في سفينة والمأموم في أخرى وهما مكشوفتان فوجهان (أحدهما) قاله الإصطخري
يشترط أن تكون سفينته مشدودة بسفينة الامام (والثاني) وهو الصحيح وبه قطع الجمهور لا يشترط ذلك
وإنما يشترط أن لا يزيد ما بينهما على ثلاثمائة ذراع كالصحراء قالوا وتكون السفينتان كدكتين في الصحراء والماء
كالأرض وإن كانتا مسقفتين أو إحداهما فهما كالدارين والسفينة ذات البيوت كدار ذات بيوت وحكم
المدرسة والرباط والخان حكم الدار لأنها لم تبن للصلاة بخلاف المسجد والسرادقات في الصحراء
كسفينة مكشوفة والخيام كالبيوت (الحال الثالث) أن يكون أحدهما في المسجد والاخر خارجه
فان وقف الامام في مسجد والمأموم في موات متصل به فإن لم يكن بينهما حائل جاز إذا لم يزد
ما بينهما على ثلاثمائة ذراع ومن أين تعتبر هذه الذرعان فيه ثلاثة أوجه الصحيح انها تعتبر من آخر
المسجد والثاني من آخر صف في المسجد فإن لم يكن فيه الا الامام فمن موقفه والثالث من حريم المسجد
الذي بينه وبين الموات وحريمه الموضع المتصل به المهيأ لمصلحته كانصباب الماء إليه وطرح القمامات
فيه ولو كان بينهما جدار المسجد لكن الباب النافذ بينهما مفتوح فوقف في مقابلته جاز فلو اتصل
صف بالواقف في المقابلة وراءه وخرجوا عن المقابلة صحت صلاتهم لاتصالهم بمن صلاته صحيحة
307

فلو لم يكن في الجدار باب أو كان ولم يكن مفتوحا أو كان مفتوحا ولم يقف في قبالته بل عدل عنه
فوجهان (الصحيح) انه لا يصح الاقتداء لعدم الاتصال وبهذا قال جمهور أصحابنا المتقدمين وقطع به
أكثر المصنفين (والثاني) قاله أبو إسحاق المروزي يصح الاقتداء ولا يكون حائط المسجد حائلا سواء
كان قدام المأموم أو عن جنبه والمذهب أنه يمنع وهذا الوجه مشهور عن أبي إسحاق في كتب
الأصحاب وقال البندنيجي هذا ليس بصحيح عن أبي إسحاق قال القاضي أبو الطيب هو ظاهر
نص الشافعي في الأم وبه قال أبو حنيفة وأما الحائل غير جدار المسجد فيمنع بلا خلاف ولو كان
بينهما باب مغلق فهو كالجدار لأنه يمنع الاستطراق والمشاهدة فإن كان مردودا غير مغلق فهو
مانع من المشاهدة دون الاستطراق أو كان بينهما شباك فهو مانع من الاستطراق دون المشاهدة
ففي الصورتين وجهان (أصحهما) عد الأكثرين أنه مانع وأصحهما عند القاضي أبي الطيب أنه ليس
بمانع هذا كله في الموات فلو وقف المأموم في شارع متصل بالمسجد فوجهان الصحيح أنه كالموات
(والثاني) يشترط اتصال الصف من المسجد بالطريق ولو وقف في حريم المسجد قال البغوي هو
كالموات قال والفضاء المتصل بالمسجد لو كان مملوكا فوقف المأموم فيه لم يصح اقتداؤه حتى يتصل
الصف من المسجد بالفضاء قال وكذا يشترط الاتصال الصف من سطح المسجد بالسطح المملوك
وكذا لو وقف في دار مملوكة متصلة بالمسجد يشترط الاتصال بان يقف واحد في آخر المسجد متصل
بعتبة الدار وآخر في الدار متصل بالعتبة بحيث لا يكون بينهما موقف رجل هذا كلام البغوي
وهذا الذي قاله في الفضاء ضعيف والصحيح انه كالموات وأما ما ذكره في مسألة الدار فهو تفريع
على طريقة القفال وقال أبو علي الطبري ومتابعوه لا يشترط اتصال الصفوف إذا لم يكن حائل بل
يصح الاقتداء إذا لم يزد ما بينهما على ثلاثمائة ذراع وهذا هو الصحيح كما سبق والله أعلم *
(فرع) في بيان ما يتعلق بلفظ المصنف (فقوله) فان تباعدت الصفوف عن الامام فإن كان لا حائل
بينهما وكانت الصلاة في المسجد وهو عالم بصلاة الامام صحت صلاته هكذا هو في نسخ المهذب
فإن كان لا حائل بينهما والصواب حذف هذه الزيادة لأنهما إذا كانا في المسجد صحت الصلاة إذا علم
صلاته سواء حال حائل أم لا وهذا لا خلاف فيه كما سبق وقوله وقدر الشافعي القريب بثلاثمائة ذراع
لأنه قريب في العادة هذا اختيار منه للصحيح وقول الجمهور أن هذا التقدير مأخوذ من العرف
لا من صلاة الخوف وقد ذكرنا الخلاف فيه والذراع مؤنث ومذكر لغتان التأنيث أفصح واختار
308

المصنف التذكير بقوله فان زاد ثلاثة أذرع ولم يقل ثلاث وقوله والثاني أنه تقريب فان زاد ثلاثة
أذرع جاز هذا ليس تحديدا للثلاثة بل الثلاثة ونحوها وما قاربها يعفى عنه على هذا الوجه كذا قاله
الأصحاب وقد سبق بيانه (قوله) لما روى عن عائشة " أن نسوة كن يصلين في حجرتها بصلاة الامام
فقالت أنكن دونها في حجاب " هذا الأثر ذكره الشافعي والبيهقي عن عائشة بغير اسناد *
(فرع) في مسائل تتعلق بالباب (إحداها) يشترط أن لا تطول المسافة بين الإمام والمأمومين إذا
صلوا في غير المسجد وبه قال جماهير العلماء وقدر الشافعي القرب بثلاثمائة ذراع وقال عطاء يصح
مطلقا وان طالت المسافة ميلا وأكثر إذا علم صلاته (الثانية) لو حال بينهما طريق صح الاقتداء
عندنا وعند مالك والأكثرين: وقال أبو حنيفة لا يصح لحديث رووه مرفوعا " من كان بينه وبين
الامام طريق فليس مع الامام " وهذا حديث باطل لا أصل له وإنما يروي عن عمر من رواية ليث بن
أبي سليم عن تميم وليث ضعيف وتميم مجهول (الثالثة) لو صلى في دار أو نحوها بصلاة الامام في المسجد
وحال بينهما حائل لم يصح عندنا وبه قال احمد وقال مالك تصح إلا في الجمعة وقال أبو حنيفة تصح
مطلقا (الرابعة) يشترط لصحة الاقتداء علم المأموم بانتقالات الامام سواء صليا في المسجد أو في
غيره أو أحدهما فيه والآخر في غيره وهذا مجمع عليه قال أصحابنا ويحصل له العلم بذلك بسماع الامام
أو من خلفه أو مشاهدة فعله أو فعل من خلفه ونقلوا الاجماع في جواز اعتماد كل واحد من هذه
الأمور فلو كان المأموم أعمي اشترط أن يصلي بجنب كامل ليعتمد موافقته مستدلا بها *
(باب صلاة المريض)
* قال المصنف رحمه الله *
(إذا عجز عن القيام صلي قاعدا لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمران بن
الحصين " صلى قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب " وكيف يقعد فيه قولان (أحدهما)
يقعد متربعا لأنه بدل عن القيام والقيام يخالف قعود الصلاة فيجب أن يكون بدله مخالفا له (والثاني)
يعقد مفترشا لان التربيع قعود العادة والافتراش قعود العبادة فكان الافتراش أولي فإن لم يمكنه
أن يركع ويسجد أومأ إليهما وقرب وجهه إلى الأرض على قدر طاقته فان سجد على مخدة أجزأه لان
309

أم سلمة رضي الله عنهما سجدت على مخدة لرمد بها) *
(الشرح) حديث عمران رواه البخاري في صحيحه وفعل أم سلمة رواه البيهقي باسناده
وقوله أومأ هو بالهمز والمخدة - بكسر الميم - سميت به لأنها توضع تحت الخد وأم سلمة سبق
بيانها كنيت بابنها سلمة وهو صحابي: وأما الأحكام فأجمعت الأمة على أن من عجز عن القيام في
الفريضة صلاها قاعدا ولا إعادة عليه قال أصحابنا ولا ينقص ثوابه عن ثوابه في حال القيام لأنه
معذور وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا مرض العبد أو سافر
كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما " قال أصحابنا ولا يشترط في العجز أن لا يتأتى القيام ولا يكفي
أدنى مشقة بل المعتبر المشقة الظاهرة فإذا خاف مشقة شديدة أو زيادة مرض أو نحو ذلك أو خاف
راكب السفينة الغرق أو دوران الرأس صلى قاعدا ولا إعادة وقال إمام الحرمين في باب التيمم
الذي أراه في ضبط العجز أن يلحقه بالقيام مشقة تذهب خشوعه لان الخشوع مقصود الصلاة
310

والمذهب الأول ولو جلس للغزاة رقيب يرقب العدو فحضرت الصلاة ولو قام لرآه العدو أو جلس
الغزاة في مكمن ولو قاموا لرآهم العدو وفسد التدبير فلهم الصلاة قعودا والمذهب وجوب الإعادة
لندوره وحكى المتولي قولا أن صلاة الكمين قاعدا لا تنعقد والمذهب الانعقاد ولو خافوا أن يقصدهم
العدو فصلوا قعودا قال المتولي أجزأتهم بلا إعادة على الصحيح من الوجهين قال أصحابنا وإذا
صلي قاعدا لعجزه في الفريضة أو مع القدرة في النافلة لم تتعين لقعوده هيئة مشترطه بل كيف قعد
أجزأه لكن يكره الاقعاء وقد سبق بيانه في باب صفة الصلاة ويكره أن يقعد مادا رجليه وأما الأفضل
من الهيئات ففي غير حال القيام يقعد على الهيئة المستحبة للمصلى قائما فيتورك في آخر الصلاة ويفترش
في سائر الجلسات: وأما القعود الذي هو بدل القيام وفى موضعه ففي الأفضل منه قولان ووجهان
(أصح القولين) وهو أصح الجميع يقعد مفترشا وهو رواية المزني وغيره وبه قال أبو حنيفة وزفر
(والثاني) متربعا وهو رواية البويطي وغيره وبه قال مالك والثوري والليث واحمد واسحق
وأبو يوسف ومحمد وذكر المصنف دليلهما وأحد الوجهين متوركا حكاه إمام الحرمين والغزالي في
البسيط وغيرهما لأنه أعون للمصلي (والثاني) يقعد ناصبا ركبته اليمنى جالسا على رجله اليسرى
وهو مشهور عند الخراسانيين واختاره القاضي حسين لأنه أبلغ في الأدب وأما ركوع القاعد فأقله
ان ينحني قدر ما يحاذي جبهته ما وراء ركبتيه من الأرض وأكمله أن ينحني بحيث يحاذي جبهته
موضع سجوده وأما سجوده فكسجود القائم فان عجز عن الركوع والسجود على ما ذكرنا أتى بالممكن
وقرب جبهته قدر طاقته فان عجز عن خفضها أومأ لقوله صلى الله عليه وسلم " وإذا أمرتكم بأمر
فافعلوا منه ما استطعتم " رواه البخاري ومسلم وسبق بيانه في صفة الصلاة ولو قدر القاعد على ركوع
القاعد وعجز عن وضع الجبهة على الأرض نظر إن قدر على أقل ركوع القاعد أو أكمله بلا زيادة
311

فعل الممكن مرة عن الركوع ومرة عن السجود ولا يضر استواؤهما وإن قدر على زيادة على كمال
الركوع وجب الاقتصار في الانحناء للركوع على قدر الكمال ليتميز عن السجود ويجب أن يقرب
جبهته من الأرض للسجود أكثر ما يقدر عليه قال الرافعي حتى قال أصحابنا لو قدر أن يسجد على
صدعه أو عظم رأسه الذي فوق جبهته وعلم أنه إذا فعل ذلك كانت جبهته أقرب إلى الأرض لزمه
ذلك وهذا الذي نقله الرافعي حكاه الشيخ أبو حامد عن نص الشافعي وقطع به هو والأصحاب
قال القاضي أبو الطيب قال أصحابنا لم يقصد الشافعي بذلك ان الصدغ محل السجود بل قصد أنه
إذا سجد عليه كان أقرب إلى الأرض بجبهته من الايماء ولو سجد على مخدة ونحوها وحصلت
صفة السجود بان نكس ورفع أعاليه إذا شرطنا ذلك أو كان عاجزا عن الزيادة على ذلك أجزأه
وعليه يحمل فعل أم سلمة رضي الله عنها نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب والله أعلم *
(
فرع) إذا لم يمكنه القيام على قدميه لقطعهما أو لغيره وأمكنه النهوض على ركبتيه فهل يلزمه
النهوض قال امام الحرمين تردد فيه شيخي ونقل الغزالي في تدريسه فيه وجهين (أحدهما)
يجوز له القعود لان هذا لا يسمي قياما ولأنه ليس معهودا (والثاني) يلزمه قال وهو اختيار إمامي
لأنه أقرب إلى القيام * قال المصنف رحمه الله *
(قال في الأم وإن قدر أن يصلي قائما منفردا ويخفف القراءة وإذا صلي مع الجماعة صلي
بعضها من قعود فالأفضل أن يصلي منفردا لان القيام فرض والجماعة نفل فكان الانفراد أولي
فان صلى مع الامام وقعد في بعضها صحت صلاته وإن كان بظهره علة لا تمنعه من القيام وتمنعه من
312

الركوع والسجود لزمه القيام ويركع ويسجد على قدر طاقته) *
(الشرح) هذه المسائل على ما ذكرها وفى المسألة الأولى وجه أن صلاته جماعة أفضل قاله
الشيخ أبو حامد والمذهب ما نص عليه وقطع به جمهورهم قال أصحابنا ولو كان بحيث لو اقتصر على
الفاتحة أمكنه القيام وإذا زاد السورة عجز صلى الفاتحة وترك السورة لان المحافظة على القيام أولي
فلو شرع في السورة فعجز قعد ولا يلزمه قطع السورة ليركع كما قلنا فيما إذا صلي مع الامام وقعد في
بعضها أما إذا عجز عن القيام منتصبا كمن تقوس ظهره لزمانة أو كبر أو غيرهما وصار كراكع فيلزمه
القيام على حسب امكانه فإذا أراد الركوع زاد في الانحناء ان قدر هذا هو الصحيح وبه قطع
العراقيون والبغوي والمتولي وهو المنصوص في الأم وقال امام الحرمين والغزالي يلزمه أن يصلى
قاعدا قالا فان قدر عند الركوع على الارتفاع إلى حد الراكعين لزمه ذلك والمذهب الأول ولو كان
بظهره علة تمنعه الانحناء دون القيام فقد قال المصنف والأصحاب يلزمه القيام ويركع ويسجد بحسب
طاقته فيحنى صلبه قدر الامكان فإن لم يطق حني رقبته ورأسه فان احتاج فيه إلى شئ يعتمد عليه
أو إلى أن يميل إلى جنبه لزمه ذلك فإن لم يطق الانحناء أصلا أومأ إليهما: وقال أبو حنيفة لا يلزمه القيام
دليلنا حديث عمران وبمثل مذهبنا قال مالك واحمد ولو أمكنه القيام والاضطجاع دون القعود
قال البغوي يأتي بالقعود قائما لأنه قعود وزيادة والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(وإن كان بعينه وجع وهو قادر على القيام فقيل له ان صليت مستلقيا أمكن مداواتك ففيه
وجهان (أحدهما) لا يجوز له ترك القيام لما روى أن ابن عباس " لما وقع في عينه الماء حمل إليه
عبد الملك الأطباء على البرد فقيل انك تمكث سبعا لا تصلي الا مستلقيا فسأل عائشة وأم سلمة فنهتاه "
(والثاني) يجوز لأنه يخاف الضرر من القيام فأشبه المرض) *
313

(الشرح) قال أصحابنا إذا كان قادرا على القيام فأصابه رمد أو غيره من وجع العين أو غيره
وقال له طبيب موثوق بدينه ومعرفته ان صليت مستلقيا أو مضطجعا أمكن مداواتك وإلا خيف
عليك العمي فليس للشافعي في المسألة نص ولأصحابنا فيها وجهان مشهوران كما ذكر المصنف
(أصحهما) عند الجمهور يجوز له الاستلقاء والاضطجاع ولا إعادة عليه (والثاني) لا يجوز وبه قال الشيخ
أبو حامد والبندنيجي ودليلهما في الكتاب ولو قيل له ان صليت قاعدا أمكنت المداواة قال امام
الحرمين يجوز القعود قطعا قال الرافعي ومفهوم كلام غيره أنه على الوجهين والمختار أنه على الوجهين
وممن جوز له الاستلقاء في أصل المسألة من العلماء أبو حنيفة وممن منعه عائشة وأم سلمة ومالك
والأوزاعي وينكر على المصنف قوله في التنبيه احتمل أن يجوز له ترك القيام واحتمل أن لا يجوز
فأوهم أنه لا نقل في المسألة مع أن الوجهين فيها مشهوران وهو ممن ذكرهما في المهذب وأما الأثر الذي
ذكره المصنف عن ابن عباس وسؤاله عائشة وأم سلمة فقد رواه البيهقي باسناد ضعيف عن أبي الضحى
أن عبد الملك أو غيره بعث إلى ابن عباس بالأطباء على البرد وقد وقع الماء في عينيه فقالوا تصلي
سبعة أيام مستلقيا علي قفاك فسأل أم سلمة وعائشة عن ذلك فنهتاه " رواه البيهقي باسناد صحيح عن
عمرو بن دينار قال لما وقع في عين ابن عباس الماء أراد أن يعالج منه فقيل تمكث كذا وكذا يوما لا تصلى
314

الا مضطجعا فكرهه وفى رواية قال ابن عباس أرأيت إن كان الأجل قبل ذلك وأما الذي حكاه
الغزالي في الوسيط أنه استفتي عائشة وأبا هريرة فباطل لا أصل لذكر أبي هريرة وهذا المذكور
في المهذب ورواية البيهقي من استفتاء عائشة وأم سلمة أنكره بعض العلماء وقال هذا باطل من حيث
أن عائشة وأم سلمة توفيتا قبل خلافة عبد الملك بأزمان وهذا الانكار باطل فإنه لا يلزم من بعثه
أن يبعث في زمن خلافته بل بعث في خلافة معاوية وزمن عائشة وأم سلمة ولا يستكثر بعث البرد
من مثل عبد الملك فإنه كان قبل خلافته من رؤوساء بنى أمية وأشرافهم وأهل الوجاهة والتمكن وبسطة
الدنيا فبعث البرد ليس بصعب عليه ولا على من دونه بدرجات والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(وان عجز عن القيام والقعود صلي على جنبه ويستقبل القبلة بوجهه ومن أصحابنا من قال يستلقي
على ظهره ويستقبل القبلة برجليه والمنصوص في البويطي هو الأول والدليل عليه ما روى علي رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم " قال يصلي المريض قائما فإن لم يستطع صلي جالسا فإن لم يستطع
صلى على جنبه مستقبل القبلة فإن لم يستطع صلي مستلقيا علي قفاه ورجلاه إلى القبلة وأومأ بطرفه
315

ولأنه إذا اضطجع على جنبه استقبل القبلة بجميع بدنه وإذا استلقى لم يستقبل القبلة إلا برجليه ويومئ إلى الركوع
والسجود فان عجز عن ذلك أومأ بطرفه لحديث علي رضي الله عنه *
(الشرح) حديث علي رضي الله عنه رواه الدارقطني والبيهقي باسناد ضعيف وقال فيه نظر
وقوله أومأ - هو بالهمز - قال أصحابنا إذا عجز عن القيام والقعود يسقط عنه القعود والقيام والعجز المعتبر
المشقة الشديدة وفوات الخشوع كما قدمناه في العجز عن القيام وقال امام الحرمين لا يكتفى ذلك بل
يشترط فيه عدم تصور القعود أو خيفة الهلاك أو المرض الطويل الحافا له بالمرض المبيح للتيمم والمذهب
الأول وبه قطع الجمهور وفى كيفية صلاة هذا العاجز ثلاثة أوجه (الصحيح) المنصوص في الأم والبويطي
يضطجع على جنبه الأيمن مستقبلا بوجهه ومقدم بدنه القبلة كالميت في لحده فعلى هذا لو اضطجع على
يساره صح وكان مكروها وبهذا قال مالك واحمد وداود وروى عن عمر وابنه (والثاني) أنه يستلقى
على قفاه ويجعل رجليه إلى القبلة ويضع تحت رأسه شيئا ليرتفع ويصير وجهه إلى القبلة لا إلى السماء
316

وبه قال أبو حنيفة (والثالث) يضطجع على جنبه ويعطف أسفل قدميه إلى القبلة حكاه الفوراني وامام
الحرمين والغزالي في البسيط وصاحب البيان وآخرون وحكى جماعة الوجهين الأولين قولين قال
امام الحرمين والغزالي في البسيط وغيرهما هذا الخلاف في الكيفية الواجبة فمن قال بكيفية لا يجوز
غيرها بخلاف الخلاف السابق في كيفية القعود فإنه في الأفضل لاختلاف أمر الاستقبال بهذا دون
ذاك ثم إن هذا الخلاف في القادر على هذه الهيئات فاما من لا يقدر الا على واحدة فتجزئه بلا خلاف
ثم إذا صلي على هيئة من هذه المذكورات وقدر على الركوع والسجود أتى بهما والا أومأ إليهما منحنيا
برأسه وقرب جبهته من الأرض بحسب الامكان ويكون السجود أخفض من الركوع فان عجز عن الإشارة
بالرأس أومأ بطرفه وهذا كله واجب فان عجز عن الايماء بالطرف أجرى أفعال الصلاة على قلبه
فان اعتقل لسانه وجب أن يجرى القرآن والأذكار الواجبة على قلبه كما يجب أن يجرى الأفعال قال
أصحابنا وما دام عاقلا لا يسقط عنه فرض الصلاة ولو أنتهي ما انتهي ولنا وجه حكاه صاحبا العدة والبيان
وغيرهما أنه إذا عجز عن الايماء بالرأس سقطت عنه الصلاة وهو مذهب أبي حنيفة وهذا شاذ مردود
317

ومخالف لما عليه الأصحاب وأما حكاية صاحب الوسيط عن أبي حنيفة أنه قال تسقط الصلاة إذا عجز
عن القعود فمنكرة مردودة والمعروف عنه انه إنما يسقطها إذا عجز عن الايماء بالرأس وحكي أصحابنا هذا
عن مالك أيضا وعن أبي حنيفة رواية أنه لا يصلي في الحال فان برئ لزمه القضاء والمعروف عن مالك
وأحمد كمذهبنا * قال المصنف رحمه الله *
(وإذا افتتح الصلاة قائما ثم عجز قعد وأتم صلاته وان افتتحها قاعدا ثم قدر على القيام
قام وأتم صلاته لأنه يجوز أن يؤدى جميع صلاته قاعدا عند العجز وجميعها قائما عند القدرة فجاز أن
يؤدى بعضها قاعدا عند العجز وبعضها قائما عند القدرة وان افتتح الصلاة قاعدا ثم عجز اضطجع
وان افتتحها مضطجعا ثم قدر على القيام أو القعود قام أو قعد لما ذكرنا) *
(الشرح) قال أصحابنا إذا عجز في أثناء صلاته المفروضة عن القيام جاز القعود وان عجز عن القعود
جاز الاضطجاع ويبنى على ما مضى من صلاته لو صلي قاعدا للعجز فقدر على القيام في أثنائها وجبت
المبادرة بالقيام ويبنى ولو صلي مضطجعا فاطاق القيام أو القعود في أثنائها وجب المبادرة بالمقدور
318

ويبنى ثم إن تبدل الحال من الكمال إلى النقص بان عجز في أثنائها وانتقل إلى الممكن في أثناء الفاتحة
وجب إدامة قراءتها في هويه وان تبدل من النقص إلى الكمال بان قدر القاعد على القيام لخفة المرض
وغيرها فإن كان قبل القراءة قام وقرأ قائما وكذا إن كان في أثناء الفاتحة قام وقرأ بقيتها بعد الانتصاب
319

قائما ويجب ترك القراءة حتى ينتصب فان قرأ في حال النهوض لم يحسب وان قدر بعد القراءة قبل
الركوع لزمه القيام ليهوى منه إلى الركوع ولا يلزمه الطمأنينة في هذا القيام لأنه ليس مقصودا لنفسه
ويستحب في هذه الأحوال أن يعيد الفاتحة ليقع في حال الكمال نص عليه واتفقوا عليه ولو قدر في
حال ركوعه قاعدا فإن كان قبل الطمأنينة لزمه الارتفاع إلى حد الراكعين عن قيام ولا يجوز أن يرتفع
قائما ثم يركع فان فعله بطلت صلاته لأنه زاد قياما وإن كان بعد الطمأنينة فقد تم ركوعه فيجب
الاعتدال قائما ثم يسجد ولا يجوز الانتقال إلى ركوع القائمين فان خالف بطلت صلاته لأنه زاد
ركوعا ولو وجد القدرة في الاعتدال قاعدا فإن كان قبل الطمأنينة لزمه أن يقوم ليعتدل ويطمئن
320

وإن كان بعدها فوجهان (أحدهما) يلزمه أن يقوم ليقع السجود من قيام (وأصحهما) لا يقوم لئلا يطول
الاعتدال وهو ركن قصير فان اتفق ذلك في الثانية من الصبح قبل القنوت لم يقنت قاعدا فان فعل
بطلت صلاته لأنه زاد قعودا في غير موضعه وإنما حقه أن يقوم فيقنت قائما والله أعلم * هذا كله حكم
صلاة الفرض أما صلاة النافلة قاعدا فقد ذكرها المصنف في أول باب صفة الصلاة وسبق شرحها
هناك كاملا وبالله التوفيق *
(فرع) قال الشافعي في الأم والشيخ أبو حامد والأصحاب لو ركع المصلي فريضة فعرضت له علة
منعته الاعتدال سقط عنه الاعتدال فيسجد قالوا فلو زالت العلة قبل دخوله في السجود لزمه العود
إلى الاعتدال لتمكنه منه وان زالت بعد تلبسه بالسجود أجزأه ولم يجز العود إلى الاعتدال لأنه سقط
بالعجز فلو أتي به كان زائدا قياما وذلك مبطل للصلاة *
(فرع) في مذاهب العلماء إذا افتتح الصلاة قائما ثم عجز قعد وبني عليها بالاجماع نقل الاجماع
فيه الشيخ أبو حامد وغيره وان افتتحها قاعدا للعجز ثم قدر على القيام قام وبنى عندنا وبه قال أبو حنيفة
وأبو يوسف والجمهور وقال محمد تبطل صلاته وان افتتحها مضطجعا أو قاعدا ثم قدر في أثنائها على
القعود أو القيام لزمه ذلك ويبنى على ما صلى وهكذا لو كان يصلى عاريا فاستتر على قرب أو كان
المصلي أميا فتلقن الفاتحة فيبني وبهذا كله قال مالك وأحمد وداود وقال أبو حنيفة تبطل صلاته
ويجب استئنافها *
(باب صلاة المسافر)
* قال المصنف رحمه الله *
(يجوز القصر في السفر لقوله تعالى (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة
321

ان خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) قال يعلي بن أمية قلت لعمر رضي الله عنه فليس عليكم جناح أن تقصروا
من الصلاة ان خفتم وقد أمن الناس قال عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
" صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا لصدقته " ولا يجوز القصر الا في الظهر والعصر والعشاء الآخرة لاجماع الأمة
ويجوز ذلك في سفر الماء كما يجوز للراكب في البر *
(الشرح) حديث يعلى رواه مسلم وفيه التصريح بجواز القصر من غير خوف وفيه جواز قول
تصدق الله علينا وقد كرهه بعض السلف والصواب الذي عليه الجمهور لا كراهة فيه وقد ذكرته واضحا
في آخر كتاب الأذكار وقوله تعالى (إذا ضربتم في الأرض) الضرب في الأرض هو السفر: أما حكم المسألة
فيجوز القصر في السفر في الظهر والعصر والعشاء ولا يجوز في الصبح والمغرب ولا في الحضر وهذا كله مجمع
عليه وإذا قصر الرباعيات ردهن إلى ركعتين سواء كان خوف أم لا وقال ابن عباس الواجب في
الخوف ركعة وحكى هذا عن الحسن البصري والجمهور على الأول وتأولوا الحديث الثالث في صحيح
مسلم عن ابن عباس فرضت الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة على أن المراد
ركعة مع الامام وينفرد بالأخرى كما هو المشروع فيها ويجوز القصر في سفر الماء في السفينة لأنه سفر
داخل في نص القرآن والسنة وسواء فيه من ركب مرة أو مرات والملاح الذي معه أهله وماله
ويديم السير في البحر والمكاري وغيرهم فكلهم لهم القصر إذا بلغ سفرهم مسافة لو قدرت في البر
بلغت ثمانية وأربعين ميلا هاشمية لكن الأفضل لهم الاتمام نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب
وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وداود وغيرهم الا ان أبا حنيفة يشترط ثلاث مراحل وقال الحسن
ابن صالح وأحمد بن حنبل لا يجوز للملاح القصر لأنه مقيم في أهله وماله: دليلنا انه مسافر وما قالوه
ينتقض بالذي يديم كراء الإبل وغيرها والسير في البر فان له القصر *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز القصر الا في مسيرة يومين وهو أربعة برد كل بريد أربعة فراسخ فذلك ستة عشر
فرسخا لما روى عن ابن عمر وابن عباس " كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك "
وسأل عطاء ابن عباس " أأقصر إلى عرفة فقال لا فقال إلى منى فقال لا لكن إلى جدة وعسفان والطائف "
قال مالك بين مكة والطائف وجدة وعسفان أربعة برد ولان في هذا القدر تتكرر مشقة الشد
والترحال وفيما دونه لا تتكرر قال الشافعي وأحب أن لا يقصر في أقل من ثلاثة أيام وإنما استحب
ذلك ليخرج من الخلاف لان أبا حنيفة لا يبيح القصر الا في ثلاثة أيام) *
322

* (الشرح) * البرد - بضم الباء والراء - وكل فرسخ ثلاثة أميال هاشمية فالمجموع ثمانية
وأربعون ميلا هاشمية والميل ستة آلاف ذراع والذراع أربع وعشرون أصبعا معتدلة معترضة
والإصبع ست شعيرات معتدلات معترضات وقوله والترحال - بفتح التاء - وأما الأثر عن ابن
عمر وابن عباس فسنذكره في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى: أما حكم المسألة فقال أصحابنا
لا يجوز القصر الا في سفر يبلغ ثمانية وأربعين ميلا بالهاشمي سواء في هذا جميع الاسفار المباحة
هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وحكى الشيخ أبو علي السنجي وصاحب البيان عنه قولا للشافعي انه
يجوز القصر مع الخوف ولا يشترط ثمانية وأربعون ميلا وهذا شاذ مردود والذي تطابقت عليه نصوص
الشافعي وكتب الأصحاب أنه يشترط في جميع الاسفار ثمانية وأربعون ميلا هاشمية وهو منسوب
إلى بني هاشم وذلك أربعة برد كما ذكره المصنف وذلك بالمراحل مرحلتان قاصدتان سير الأثقال
ودبيب الاقدام هكذا نص الشافعي عليه واتفقوا عليه قال الشيخ أبو حامد وصاحبا الشامل والبيان
وغيرهم للشافعي رحمه الله سبعة نصوص في مسافة القصر قال في موضع ثمانية وأربعون ميلا وفى
موضع ستة وأربعون وفى موضع أكثر من أربعين وفى موضع أربعون وفى موضع يومان وفى موضع
ليلتان وفى موضع يوم وليلة قالوا قال أصحابنا المراد بهذه النصوص كلها شئ واحد وهو ثمانية
وأربعون ميلا هاشمية وحيث قال ستة وأربعون أراد سوى ميل الابتداء وميل الانتهاء وحيث
قال أكثر من أربعين أراد أكثر بثمانية وحيث قال أربعون أراد أربعون أموية وهي ثمانية وأربعون
هاشمية فان أميال بنى أمية أكبر من الهاشمية كل خمسة ستة وحيث قال يومان أي بلا ليلة وحيث
قال ليلتان أي بلا يوم وحيث قال يوم وليلة أرادهما معا فلا اختلاف بين نصوصه وهل التقدير بثمانية وأربعين ميلا تحديد أم تقريب فيه وجهان حكاهما الرافعي وغيره (أصحهما) تحديد لان فيه تقديرا
بالأميال ثابتا عن الصحابة بخلاف تقدير القلتين فان الأصح انه تقريب لأنه لا توقيف في تقديره
بالأرطال قال الشافعي والأصحاب والأفضل أن لا يقصر في أقل من مسيرة ثلاثة أيام للخروج من
خلاف أبي حنيفة وغيره ممن سنذكره في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى: قال أصحابنا فإن كان
السير في البحر اعتبرت المسافة بمساحتها في البر حتى لو قطع قدر ثمانية وأربعين ميلا في ساعة
أو لحظة جاز له القصر لأنها مسافة صالحة للقصر فلا يؤثر قطعها في زمن قصير كما لو قطعها في البر على فرس جواد
في بعض يوم فلو شك في المسافة اجتهد نقله الرافعي وغيره وقد نص الشافعي في الأم انه إذا شك في المسافة
لم يجز القصر وهو محمول على من لم يظهر له شئ بالاجتهاد ولو حبستهم الريح في المراسي وغيرها
323

قال الشافعي والأصحاب هو كالإقامة في البر بغير نية الإقامة *
(فرع) يشترط في كون السفر مرحلتين أن يكون بينه وبين المقصد مرحلتان فلو قصد موضعا
بينه وبينه مرحلة بنية أن لا يقيم فيه لم يكن له القصر لا ذاهبا ولا راجعا وإن كان له مشقة مرحلتين
متواليتين لأنه لا يسمي سفرا طويلا وحكي الرافعي أن الحناطي حكى وجها انه يقصر والصواب
الأول وبه قطع الأصحاب والله أعلم *
324

(فرع) في مذاهب العلماء في المسافة المعتبرة لجواز القصر: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يجوز
القصر في مرحلتين وهو ثمانية وأربعون ميلا هاشمية ولا يجوز في أقل من ذلك وبه قال ابن عمر وابن
عباس والحسن البصري والزهري ومالك والليث بن سعد واحمد واسحق وأبو ثور وقال عبد الله
ابن مسعود وسويد بن غفلة - بفتح الغين المعجمة والفاء - والشعبي والنخعي والحسن بن صالح
والثوري وأبو حنيفة لا يجوز القصر إلا في مسيرة ثلاثة أيام وعن أبي حنيفة أنه يجوز في يومين
وأكثر الثالث وبه قال أبو يوسف ومحمد وقال الأوزاعي وآخرون يقصر في مسيرة يوم تام قال
ابن المنذر وبه أقول وقال داود يقصر في طويل السفر وقصيرة قال الشيخ أبو حامد حتى قال
325

لو خرج إلى بستان خارج البلد قصر * واحتج لداود باطلاق الكتاب والسنة جواز القصر بلا تقييد
للمسافة وبحديث يحيى بن مزيد قال سألت أنسا عن قصر الصلاة فقال كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم " إذا خرج ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين " رواه مسلم وعن خبير بن نفير قال
خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشر أو ثمانية عشر ميلا فصلي ركعتين
فقلت له فقال رأيت عمر صلي بذي الحليفة ركعتين فقلت له فقال افعل كما رأيت رسول الله صلى الله
326

عليه وسلم يفعل رواه مسلم * واحتج لمن شرط ثلاثة أميال بحديث بن عمر أن النبي صلى الله عليه
وسلم " قال لا تسافر امرأة ثلاثا إلا ومعها ذو محرم " رواه البخاري ومسلم ورواه مسلم كذلك من
رواية أبي سعيد الخدري وذكروا مناسبات لا اعتماد عليها واحتج أصحابنا برواية عطاء بن أبي
رباح أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك رواه
327

البيهقي باسناد صحيح وذكره البخاري في صحيحه تعليقا بصفة جزم فيقتضي صحته عنده كما قدمناه
مرات وعن عطا قال سئل بن عباس " أأقصر الصلاة إلى عرفة فقال لا ولكن إلى عسفان والي
جدة والى الطائف " رواه الشافعي والبيهقي باسناد صحيح وروى مالك باسناده الصحيح في الموطأ
عن ابن عمر انه قصر في أربعة برد: وأما الحديث الذي رواه الدارقطني والبيهقي عن إسماعيل بن
عياش عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه وعطا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أقل من أربعة برد من مكة " فهو حديث ضعيف جدا لان
عبد الوهاب مجمع على شدة ضعفه وإسماعيل أيضا ضعيف لا سيما في روايته عن غير الشاميين: والجواب
عما احتج به أهل الظاهر من اطلاق الآية والأحاديث أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم
القصر صريحا في دون مرحلتين وأما حديث انس فليس معناه أن غاية سفره كانت ثلاثة أميال
بل معناه انه كان إذا سافر سفرا طويلا فتباعد ثلاثة أميال قصر وليس التقييد بالثلاثة لكونه
لا يجوز القصر عند مفارقة البلد بل لأنه ما كان يحتاج إلى القصر الا إذا تباعد هذا القدر لأن الظاهر أنه
صلى الله عليه وسلم كان لا يسافر عند دخول وقت الصلاة الا بعد أن يصليهما فلا تدركه
328

الصلاة الأخرى الا وقد تباعد عن المدينة: وأما حديث شرحبيل وقوله أن عمر رضي الله عنه صلي بذي
الحليفة ركعتين فمحمول على ما ذكرناه في حديث أنس وهو أنه كان مسافرا إلى مكة أو غيرها فمر بذي
الحليفة وأدركته الصلاة فصلي ركعتين لا أن ذا الحليفة غاية سفره: وأما الجواب عما احتج به القائلون
باشتراط ثلاثة أيام فهو أن الحديث الذي ذكروه ليس فيه أن السفر لا ينطلق الا على مسيرة ثلاثة
أيام وإنما فيه أنه لا يجوز للمرأة ان تسافر بغير محرم هذا السفر الخاص ويدل على هذا أنه ثبت
عن أبي سعيد رواية أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسافر المرأة يومين الا ومعها
329

زوجها أو ذو محرم " رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة وليس معها حرمة " رواه البخاري
ومسلم وفى رواية لمسلم مسيرة يوم وفى رواية له ليلة وفى رواية أبى داود لا تسافر بريدا ورواه
الحاكم وقال صحيح الاسناد قال البيهقي وهذه الروايات الصحيحة في الأيام الثلاثة واليومين واليوم
صحيحة وكأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة تسافر ثلاثا بغير محرم فقال لا وسئل عن
سفرها يومين بغير محرم فقال لا وسئل عن يوم فقال لا فأدى كل منهم ما حفظ ولا يكون شئ من هذا
حدا للسفر يدل عليه حديث ابن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يخلون رجل
بامرأة ولا تسافر امرأة الا ومعها ذو محرم " رواه البخاري ومسلم هذا كلام البيهقي فحصل أن النبي
صلى الله عليه وسلم لم يرد تحديد ما يقع عليه السفر بل أطلقه على ثلاثة أيام وعلى يومين وعلى يوم
وليلة وعلى يوم وعلى ليلة وعلى بريد وهو مسيرة نصف يوم فدل على أن الجميع يسمي سفرا والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(وإن كان للبلد الذي يقصده طريقان يقصر في أحدهما ولا يقصر في الآخر فسلك الا بعد
لغرض يقصد في العادة قصر وان سلكه ليقصر ففيه قولان قال في الاملاء له أن يقصر لأنه
مسافة تقصر في مثلها الصلاة وقال في الأم ليس له القصر لأنه طول الطريق للقصر فلا يقصر كما
لو مشى في مسافة قريبة طولا وعرضا حتى طال) *
(الشرح) قال أصحابنا إذا كان لمقصده طريقان فان بلغ كل واحد مسافة القصر فسلك
الأبعد قصر في جميعه بلا خلاف سواء سلكه لغرض أم لمجرد القصر لأنه سافر مسافة القصر
ولا يمكنه دون مسافة القصر وان بلغ أحد طريقيه مسافة القصر ونقص الآخر عنها فان سلك
الأبعد لغرض من الطريق أو سهولته أو كثرة الماء أو المرعي أو زيارة أو عيادة أو بيع متاع أو غير
330

ذلك من المقاصد المطلوبة دينا أو دنيا فله الترخص بالقصر وغيره من رخص السفر بلا خلاف
ولو قصد التنزه فهو غرض مقصود فيترخص وتردد فيه الشيخ أبو محمد الجويني والمذهب الترخص
وبه قطع المحققون وإن لم يكن غرض سوى الترخص ففيه طريقان (أحدهما) لا يترخص قطعا وأشهرهما
على قولين (أظهرهما) عند الأصحاب لا يترخص ودليل الجميع في الكتاب *
(فرع) ذكرنا أنه إذا كان لمقصده طريقان يقصر في أحدهما فسلكه لغير غرض
لم يجر القصر عندنا على الأصح: وقال أبو حنيفة واحمد والمزني وداود يجوز *
* قال المصنف رحمه الله *
(وان سافر إلى بلد يقصر إليه الصلاة ونوى انه ان لقى عبده أو صديقة في بعض الطريق رجع لم
يقصر لأنه لم يقطع على سفر يقصر فيه الصلاة وان نوى السفر إلى بلد ثم منه إلى بلد آخر فهما سفران
فلا يقصر حتى يكون كل واحد منهما مما يقصر فيه الصلاة *
(الشرح) قال أصحابنا يشترط للقصر أن يعزم في الابتداء على قطع مسافة القصر فلو خرج
لطلب آبق أو غريم أو غير ذلك ونوى انه متى لقيه رجع ولا يعرف موضعه لم يترخص وان طال سفره
وبلغ مراحل كما سنذكره في الهائم إن شاء الله تعالى فلو وجده وعزم على الرجوع إلى بلده فان
331

كان بينهما مسافة القصر قصر إذا ارتحل عن ذلك الموضع فلو علم في ابتداء السفر موضعه وانه لا يلقاه
قبل مرحلتين جاز القصر ولو نوي في الابتداء الخروج في طلب الآبق والغريم ودابته الضالة أو المسروقة
وغيرها على أنه لابد له من وصول الموضع الفلاتي وهو مرحلتان سواء وجده قبله أم لا فله القصر
بلا خلاف نص عليه الشافعي والأصحاب ولو نوى مسافة القصر ثم نوى ان وجد الغريم رجع فان عرضت
له هذه النية قبل مفارقة عمران البلد لم يترخص وان عرضت بعد مفارقة العمران فوجهان حكاهما البغوي
والرافعي (أصحهما) يترخص ما لم يجده فإذا وجده صار مقيما لأنه ثبت لسبب الرخصة فلا يتغير حتى
يوجد المغير (والثاني) لا يترخص كما لو عرضت النية في العمران ولو نوى قصد موضع في مسافة القصر ثم نوى
بعد مفارقة العمران الإقامة أربعة أيام فصاعدا في بلد في وسط الطريق قال البغوي وغيره أن كان من مخرجه
إلى البلد المتوسط مسافة القصر ترخص قطعا ما لم يدخل المتوسط وإن كان أقل فوجهان (أصحهما) يترخص
ما لم يدخله لأنه انعقد سبب الرخصة فلا يتغير ما لم يوجد المغير فان نوى أن يقيم في المتوسط دون
أربعة أيام فهو سفر واحد فله القصر في جميع طريقه وفى البلد المتوسط بلا خلاف اما إذا خرج بنية
السفر إلى بلد ثم منه إلى آخر ونوى أن يقيم في الأول أربعة أيام أو نوى بلدا ثم بلدا ثم بلدا ثالثا ورابعا
332

وأكثر بنية الإقامة أربعة أيام في كل مرحلة فإن كان بين البلد والذي يليه مسافة القصر قصر وإلا فلا
وإن كان بين بلدين منها دون الباقي قصر بين البلدين دون الباقي لأنها أسفار متعددة ولو نوى بلدا
دون مرحلتين ثم نوى في أثناء طريقه مجاوزته فابتدأ سفره من حين غير النية فإنما يترخص إذا كان
من ذلك الموضع إلى المقصد الثاني مرحلتان ولو خرج إلى بلد بعيد ثم نوى في طريقه أن يرجع انقطع
سفره ولا يجوز له القصر ما دام في ذلك الموضع فإذا فارقه فقد أنشأ سفرا جديدا فإنما يقصر إذا توجه
منه إلى مرحلتين سواء رجع إلى وطنه أو إلى مقصده الأول أو غيرهما نص عليه الشافعي في الأم
واتفق الأصحاب عليه ممن صرح به القاضي أبو الطيب والبغوي والرافعي وغيرهم قال البغوي ولو تردد
في النية بين أن يرجع أو يمضي صار مقيما في الحال كما لو جزم بالرجوع *
(فرع) إذا سافر العبد مع مولاه والزوجة مع زوجها والجندي مع أميره ولا يعرفون مقصدهم
قال البغوي والرافعي لا يجوز لهم الترخص فلو نووا مسافة القصر لم تؤثر نية العبد والمرأة فلا يترخصان
وتؤثر نية الجندي ويترخص لأنه ليس تحت يد الأمير وقهره بخلاف العبد والمرأة فلو عرفوا المقصد
ترخصوا كلهم قال البغوي فلو نوى المولي والزوج الإقامة لم يثبت حكمها للعبد والمرأة بل لهما الترخص
عندنا قال وقال أبو حنيفة للعبد والمرأة الترخص تبعا للمولى والزوج وإن لم يعرفا المقصد ويصيران
مقيمين بإقامة المولى والزوج ولو أسر الكفار مسلما وسافروا به ولا يعلم أين يذهبون به لم يقصر فلو
سار معهم يومين قصر بعد ذلك نص عليه الشافعي واتفقوا عليه اما إذا علم الموضع الذين يذهبون
به إليه فإن كان نيته انه ان تمكن من الهرب هرب لم يقصر قبل مرحلتين وان نوى قصد ذلك البلد أو
غيره ولا معصية في قصده قصر في الحال إن كان بينهما مرحلتان وهذا الذي قاله الشافعي والأصحاب
في الأسير يتعين مجيئه في مسألة العبد والمرأة والجندي فإذا ساروا مرحلتين يقصرون وإن لم يعرفوا
333

المقصد ولعل البغوي ومن وافقه أرادوا قبل مجاوزة مرحلتين *
(فرع) قال أصحابنا يشترط لجواز القصر للمسافر أن يربط قصده بمقصد معلوم فاما الهائم الذي
لا يدرى أين يتوجه ولا له قصد في موضع وراكب التعاسيف وهو الذي لا يسلك طريقا ولا له مقصد
معلوم فلا يترخصان ابدا بقصر ولا غيره من رخص السفر وان طال سفرهما وبلغ مراحل فهذا هو
المذهب وبه قطع الأصحاب في كل الطرق وحكي الرافعي وجها انهما إذا بلغا مسافة القصر لهما الترخص
بعد ذلك وهذا شاذ غريب ضعيف جدا قال البغوي وغيره وكذا البدوي إذا خرج منتجعا
على أنه متى وجد مكانا معشبا أقام به لم يجز له الترخص *
* قال المصنف رحمه الله *
(وإذا كان السفر مسيرة ثلاثة أيام فالقصر أفضل من الاتمام لما روى عمران بن الحصين قال
" حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يصلي ركعتين وسافرت مع أبي بكر فكان
يصلي ركعتين حتى ذهب وسافرت مع عمر فكان يصلى ركعتين حتى ذهب وسافرت مع عثمان فصلى
ركعتين ست سنين ثم أتم بمنى " فكان الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل فان ترك القصر
وأتم جاز لما روت عائشة رضي الله عنها قالت " خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان فأفطر
وصمت وقصر وأتممت فقلت يا رسول الله أفطرت وصمت وقصرت وأتممت فقال أحسنت يا عائشة "
334

ولأنه تخفيف أبيح للمسافر فجاز تركه كالمسح على الخفين ثلاثا) *
(الشرح) حديث عمران صحيح رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ورواه البخاري
ومسلم من رواية ابن مسعود وابن عمر بمعناه وأما حديث عائشة فرواه النسائي والدارقطني والبيهقي باسناد
حسن أو صحيح قال البيهقي في السنن الكبير قال الدارقطني اسناده حسن وقال في معرفة السنن
والآثار هو اسناد صحيح لكن لم يقع في رواية النسائي عمرة رمضان والمشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم
لم يعتمر الا أربع عمر ليس منهن شئ في رمضان بل كلهن في ذي القعدة الا التي مع حجته فكان
احرامها في ذي القعدة وفعلها في ذي الحجة هذا هو المعروف في الصحيحين وغيرهما والله أعلم
(وقوله) لأنه تخفيف أبيح للسفر قال القلعي احترز بقوله تخفيف عن الجمعة فان نقصانها عن أربع
ليس للتخفيف قال وقوله أبيح للسفر احتراز مما عفى عنه عن القصاص على الدية فإنه تخفيف ولا يجوز له
تركه وبذل القصاص منه هكذا قاله القلعي والأظهر أنه احتراز من اكل الميتة فإنه تخفيف ولا يجوز له
تركه لأنه ليس للسفر ويصلح أن يكون احترازا ممن غص بلقمة فلم يجد ما يسيغها به إلا خمرا فإنه يجب
اساغتها وهو تخفيف لا للسفر: اما حكم المسألة فمذهبنا جواز القصر والاتمام فإن كان سفره دون ثلاثة أيام
فالأفضل الاتمام للخروج من خلاف أبي حنيفة وموافقيه كما سبق وكذا إن كان يديم السفر باهله في البحر
فله القصر والأفضل الاتمام وان بلغ سفره مراحل وقد سبقت المسألة وقد نص الشافعي في الأم على أن
الأفضل ترك القصر للخروج من خلاف العلماء ولأنه لا وطن له غيره واتفق أصحابنا على هذا قال أصحابنا
ويستثنى أيضا من وجد من نفسه كراهة القصر لا رغبة عن السنة أو شكا في جوازه قال الشافعي
والأصحاب القصر لهذا أفضل بلا خلاف بل يكره له الاتمام حتى تزول هذه الكراهة وهكذا الحكم
في جميع الرخص في هذه الحالة وإن كان سفره ثلاثة أيام فصاعدا ولم يكن مدمن سفر البحر وغيره ولا
335

يترك القصر رغبة عنه فهل الأفضل الاتمام أم القصر فيه ثلاث طرق (أصحها) وبه قطع المصنف وجمهور
العراقيين القصر أفضل (والثاني) حكاه جماعات من الخراسانيين وحكاه من العراقيين القاضي أبو الطيب
والماوردي وابن الصباغ وغيرهم فيه قولان وحكاهما الماوردي وجهين (أصحهما) القصر أفضل (والثاني)
الاتمام أفضل وهو قول المزني قال الماوردي وهو قول كثيرين من أصحابنا قال القاضي أبو الطيب
نص عليه الشافعي في الجامع الكبير للمزني والطريق (الثالث) أنهما سواء في الفضيلة حكاه جماعة منهم
الحناطي وصاحب البيان وغيرهما وسنوضح دليل المسألة في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى: واما
صوم رمضان في السفر لمن لا يتضرر به ففيه طريقان قطع العراقيون والجمهور بأنه أفضل من الافطار
لأنه يحصل براءة الذمة وحكى جماعة من الخراسانيين فيه قولين (أصحهما) هذا (والثاني) الفطر أفضل وسنوضح
المسألة في كتاب القيام إن شاء الله تعالى *
(فرع) في بيان أقسام الرخص الشرعية هي أقسام (أحدها) رخصة واجبة ولها صور: منها من غص
بلقمة ولم يجد ما يسيغها به إلا خمرا وجبت اساغتها به وهي رخصة نص الشافعي على وجوبه واتفق الأصحاب
عليه: ومنها أكل الميتة للمضطر رخصة واجبة على الصحيح وفيه وجه حكاه المصنف وغيره في بابه أنه لا يجب
(الثاني) رخصة تركها أفضل وهو المسح على الخف اتفق أصحابنا على أن غسل الرجل أفضل منه وسبقت المسألة
بدليلها في بابه وكذلك ترك الجمع بين الصلاتين أفضل بالاتفاق كما سنوضحه في آخر هذا الباب إن شاء الله
تعالى ومثله التيمم في حق من لم يجد الماء الا بأكثر من ثمن المثل وهو واجد له يندب له ان يشتريه ويتوضأ
ويترك رخصة التيمم وكذا الصوم في السفر لمن لا يتضرر به أفضل من الفطر على المذهب كما سبق وكذا
اتيان الجمعة والجماعة لمن سقطت عنه بعذر سفر ونحوه (الثالث) رخصة يندب فعلها وذلك صور منها
القصر والابراد بالظهر في شدة الحر على المذهب فيهما *
336

(فرع) في مذاهب العلماء في القصر والاتمام: قد ذكرنا أن مذهبنا ان القصر والاتمام جائزان
وان القصر أفضل من الاتمام وبهذا قال عثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص وعائشة وآخرون وحكاه
العبدري عن هؤلاء وعن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس والحسن البصري ومالك واحمد وأبى ثور
وداود وهو مذهب أكثر العلماء ورواه البيهقي عن سلمان الفارسي في اثنى عشر من الصحابة وعن
انس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود وابن المسيب وأبى قلابة: وقال أبو حنيفة والثوري
وآخرون القصر واجب قال البغوي وهذا قول أكثر العلماء وليس كما قال وحكي ابن المنذر وجوب
القصر عن ابن عمر وابن عباس وجابر وعمر بن عبد العزيز ورواية عن مالك واحمد قال أبو حنيفة فان صلي
337

أربعا وقعد بعد الركعتين قدر التشهد صحت صلاته لان السلام ليس بواجب عنده وتقع الأخيرتان
نفلا وإن لم يقعد هذا القدر بعد الركعتين فصلاته باطلة * واحتج لمن أوجب القصر بأنه المشهور من
فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحديث عائشة قالت " فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فأقرت صلاة
السفر وزيد في صلاة الحضر " قال الزهري قلت لعروة فما بال عائشة تتم قال تأولت ما تأول عثمان رواه
البخاري ومسلم وعن عبد الرحمن بن يزيد قال " صلى بنا عثمان بمنى أربع ركعات فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود
فاسترجع ثم قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين ثم صليت مع أبي بكر بمنى ركعتين وصليت مع عمر بمني
ركعتين فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان " رواه البخاري ومسلم وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
338

قال " صلاة الجمعة ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان وصلاة السفر ركعتان
تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم " رواه أحمد بن حنبل في مسنده والنسائي وابن ماجة ولأنها
صلاة يسقط فرضها بركعتين فلم يجز فيها الزيادة كالجمعة والصبح * واحتج أصحابنا بقول الله تعالى (فليس
عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) قال الشافعي ولا يستعمل لا جناح الا في المباح كقوله تعالي (ليس
عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) وقوله تعالي (لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ولا جناح عليكم فيما
عرضتم به من خطبة النساء ليس عليكم جناح ان تأكلوا جميعا أو اشتاتا) (فان قالوا) هذه اللفظة تستعمل
في الواجب أيضا قال الله تعالى (ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف
بهما) ومعلوم أن السعي بينهما ركن من أركان الحج (فالجواب) ما أجابت به عائشة رضي الله عنها وهو ثابت
339

عنها في الصحيحين قالت " أنزلت الآية في الأنصار كانوا قبل الاسلام يطوفون بين الصفا والمروة
فلما أسلموا شكوا في جواز الطواف بينهما لأنه كان شعار الجاهلية فأنزل الله تعالى الآية جوابا
لهم * واحتجوا من السنة بحديث عائشة المذكور في الكتاب وهو حديث حسن كما سبق وعنها أن النبي
صلى الله عليه وسلم " كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم " رواه الدارقطني والبيهقي وغيرهما قال
البيهقي قال الدارقطني اسناده صحيح * واحتجوا بحديث عبد الرحمن بن يزيد المتقدم في اتمام عثمان ولو
كان القصر واجبا لما وافقوه على تركه وعن نافع عن ابن عمر قال " صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم
340

بمنى ركعتين وأبو بكر بعده وعمر بعد أبي بكر وعثمان صدرا من خلافته ثم إن عثمان صلي بعد أربعا قال فكان
ابن عمر إذا صلى مع الامام صلي أربعا وإذا صلاها وحده صلى ركعتين " رواه مسلم قال أصحابنا ولان العلماء
اجمعوا على أن المسافر إذا اقتدى بمقيم لزمه الاتمام ولو كان الواجب ركعتين حتما لما جاز فعلها أربعا خلف
مسافر ولا حاضر كالصبح (فان قالوا) الصبح لا يصح فعلها خلف الظهر عندنا (قلنا) فكذا ينبغي لكم
أن لا تصححوا الظهر في المسافر خلف متم ولأنه تخفيف أبيح للسفر فجاز تركه كالفطر والمسح ثلاثا
وسائر الرخص: وأجاب أصحابنا عن قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ثبت عنه القصر والاتمام
كما ذكرنا من فعله ومن اقراره لعائشة فدل على جوازهما لكن القصر كان أكثر فدل على فضيلته
ونحن نقول بها (والجواب) عن حديث " فرضت الصلاة ركعتين " ان معناه لمن أراد الاقتصار عليهما ويتعين
المصير إلى هذا التأويل جمعا بين الأدلة ويؤيده ان عائشة روته وأتمت وتأولت ما تأول عثمان وتأويلهما
أنهما رأياه جائزا هذا هو الصحيح عند العلماء في تأويله وقد قيل فيه غير ذلك مما لا يصح وقد
أوضحت فساده في شرح صحيح مسلم ولان المخالفين اضمروا فيه أقرت صلاة السفر إذا لم يقتد بمقيم
وأضمرنا فيه إذا أراد القصر وليس اضمارهم بأولى من اضمارنا ومما يوجب تأويله ان ظاهره ان الركعتين
341

في السفر أصل لا مقصورة وإنما صلاة الحضر زائدة وهذا مخالف لنص القرآن واجماع المسلمين في تسميتها
مقصورة ومتى خالف خبر الآحاد نص القرآن أو اجماعا وجب ترك ظاهره (واما الجواب) عن حديث
عمر رضي الله عنه " صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر " فهو ان معناه صلاة السفر ركعتان لمن أراد
الاقتصار عليهما بخلاف الحضر وقوله تمام غير قصر معناه تامة الاجر هذا إذا سلمنا صحة الحديث وهو
المختار والا فقد أشار النسائي إلى تضعيفه فقال لم يسمعه ابن أبي ليلى من عمر ولكن قد رواه
342

البيهقي عن ابن أبي ليلي عن كعب عن عجرة عن عمر باسناد صحيح لكن ليس في هذه الرواية قوله على
لسان نبيكم وهو ثابت في باقي الروايات (واما الجواب) عن قياسهم على الجمعة والصبح فالفرق أن الجمعة
والصبح شرعتا ركعتين من أصلهما لا يقبلان تغيير بحال بخلاف صلاة السفر فإنها تقبل الزيادة
بدليل انه لو اقتدى بمقيم لزمه أربع وليس كذلك الجمعة والصبح والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز القصر الا في سفر ليس بمعصية فاما إذا سافر لمعصية كالسفر لقطع الطريق أو قتال
343

المسلمين فلا يجوز القصر ولا الترخص بشئ من رخص المسافرين لان الرخص لا يجوز أن تعلق بالمعاصي
ولان في جواز الرخص في سفر المعصية إعانة على المعصية وهذا لا يجوز) *
(الشرح) قال أصحابنا إذا خرج مسافرا عاصيا بسفره بان خرج لقطع الطريق أو لقتال المسلمين
ظلما أو آبقا من سيده أو ناشزة من زوجها أو متغيبا عن غريمه مع قدرته على قضاء دينه ونحو ذلك لم
يجز له ان يترخص بالقصر ولا غيره من رخص السفر بلا خلاف عند أصحابنا الا المزني فجوز له ذلك والا التيمم
344

فقد سبق في بابه ان في العاصي بسفره ثلاثة أوجه (أصحها) يلزمه التيمم وإعادة الصلاة (والثاني) يلزمه التيمم
ولا إعادة (والثالث) يحرم التيمم ويجب القضاء ويعاقب على ترك الصلاة ويكون كتاركها مع تمكنه من
الطهارة لأنه قادر على استباحتها بالتيمم بان يتوب ويستبيح التيمم وسائر الرخص هذا كله فيمن
خرج عاصيا بسفره فاما من خرج بنية سفر مباح ثم نقله إلى معصية ففيه وجهان مشهوران حكاهما
الشيخ أبو حامد والبندنيجي وجماعات من العراقيين وامام الحرمين وجماعات من الخراسانيين
(أحدهما) يترخص بالقصر وغيره لان السفر انعقد مباحا مرخصا فلا يتغير قال امام الحرمين وهذا ظاهر
النص (وأصحهما) لا يترخص من حين نوى المعصية لان سفر المعصية ينافي الترخص وممن صححه القاضي
أبو علي البندنيجي والرافعي قال صاحب البيان وهذه المسألة تشبه من سافر مباحا إلى مقصد معلوم ثم
نوى في طريقه ان لقيت فلانا رجعت فهل له استدامة الترخص فيه وجهان أما إذا أنشأ سفر معصية ثم تاب
في أثناء طريقه ونوى سفرا مباحا واستمر في طريقه إلى مقصده الأول ففيه طريقان (أصحهما) وبه قطع
الأكثرون أن ابتداء سفره من ذلك الموضع فإن كان منه إلى مقصده مرحلتان ترخص بالقصر وغيره
وإلا فلا (والثاني) حكاه امام الحرمين عن شيخه ان طرءان سفر الطاعة كطرءان نية سفر المعصية فيكون
فيه الوجهان هذا كله في العاصي بسفره اما العاصي في سفره وهو من خرج في سفر مباح وقصد
صحيح ثم ارتكب معاصي في طريقه كشرب الخمر وغيره فله الترخص بالقصر وغيره بلا خلاف
لأنه ليس ممنوعا من السفر وإنما يمنع من المعصية بخلاف العاصي بسفره *
(فرع) ليس للعاصي بسفره اكل الميتة عند الضرورة هذا هو المذهب وبه قطع جماهير الأصحاب
لأنه تخفيف فلا يستبيحه العاصي بسفره وهو قادر على استباحته بالتوبة وحكى امام الحرمين وغيره
وجها انه يجوز لأنه احياء نفس مشرفة على الهلاك وأما المقيم العاصي إذا اضطر إلى الميتة فيباح له هذا
هو المذهب وبه قطع جمهور الأصحاب وحكى البغوي وغيره وجها انها لا تباح له حتى يتوب *
345

(فرع) قال أصحابنا مما يلحق بسفر المعصية ان يتعب نفسه ويعذب دابته بالركض لغير غرض
قال الصيدلاني وغيره وهو حرام ولو أنتقل من بلد إلى بلد بلا غرض صحيح لم يترخص قال الشيخ أبو محمد
السفر لمجرد رؤية البلاد ليس بغرض صحيح فلا يترخص *
(فرع) في مذاهب العلماء: مذهبنا جواز القصر في كل سفر ليس معصية سواء الواجب والطاعة
والمباح كسفر التجارة ونحوها ولا يجوز في سفر معصية وبهذا قال مالك واحمد وجماهير العلماء من
الصحابة والتابعين ومن بعدهم وقال ابن مسعود لا يجوز القصر إلا في سفر حج أو غزو وفى رواية
عنه لا يجوز إلا في سفر واجب وعن عطاء رواية انه لا يجوز الا في سفر طاعة ولا يشترط كونه واجبا
ورواية كمذهبنا وقال الأوزاعي وأبو حنيفة والثوري والمزني يجوز القصر في سفر المعصية وغيره
دليلنا على الأولين اطلاق النصوص وعلى الآخرين قوله تعالي (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم)
وأيضا ما ذكره المصنف وجميع رخص السفر لها حكم القصر في هذا فلا يستبيح العاصي بسفره
شيئا حتى يتوب ومنها اكل الميتة وجوزه له أبو حنيفة: دليلنا الآية *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز القصر إلا أن يفارق موضع الإقامة لقوله تعالى (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم
جناح أن تقصروا من الصلاة) فعلق القصر على الضرب في الأرض فإن كان من أهل بلد لم يقصر
حتى يفارق بنيان البلد فان اتصل حيطان البساتين بحيطان البلد ففارق بنيان البلد جاز له القصر
لان البساتين ليست من البلد وإن كان من قرية وبجنبها قرية ففارق قريته جاز له القصر وقال أبو العباس
إن كانت القريتان متقاربتين فهما كالقرية الواحدة فلا يقصر حتى يفارقهما والمذهب الأول لان احدى
القريتين منفردة عن الأخرى وإن كان من أهل الخيام فإن كانت خياما مجتمعة لم يقصر حتى يفارق
جميعها وإن كانت متفرقة قصر إذا فارق ما يقرب من خيمته قال في البويطي فان خرجوا من البلد وأقاموا
في موضع حتى يجتمعوا ويخرجوا لم يجز لهم القصر لأنهم لم يقطعوا بالسفر وان قالوا ننتظر يومين وثلاثة
فإن لم يجتمعوا سرنا جاز لهم ان يقصروا لأنهم قطعوا بالسفر *
346

(الشرح) قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله ان سافر من بلد له سور مختص به اشترط
مجاوزة السور سواء كان داخله بساتين ومزارع أم لم يكن لأنه لا يعد مسافرا قبل مجاوزته فإذا
فارق السور ترخص بالقصر وغيره بمجرد مفارقته حتى قال القاضي أبو الطيب في تعليقه إذا صار
خارج البلد ترخص وإن كان ظهره إلى السور يعنى ملصقا به ولا فرق بين أن يكون خارج السور
دور ومقابر متصلة به أم لا هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وفيه وجه حكاه الرافعي وغيره انه
إن كان خارج السور دور أو مقابر ملاصقة اشترط مجاوزتها والصحيح الأول وعجب من الرافعي
في المحرر ترجيحه الثاني مع ترجيحه الأول في الشرح والله أعلم فإن لم يكن للبلد سور أو كان له
سور في بعضه ولم يكن في صوب مقصده فابتداء سفره بمفارقة العمران حتى لا يبقي بيت متصل
ولا منفصل والخراب المتخلل للعمران معدود من البلد وكذا النهر الحائل بين جانبي بلد يشترط
مجاوزة الجانب الآخر فإن كان في أطراف البلد مساكن خربت وخلت من السكان ولا عمارة
وراءها فان اتخذوا موضعها مزارع أو هجروه بالتحويط على العامر وذهبت أصول الحيطان لم
يشترط مجاوزته بلا خلاف وإن لم يتخذوه مزارع ولا حوطوا على العابر وبقيت أصوله فوجهان
(أحدهما) لا يشترط مجاوزته مطلقا لأنه ليس مسكونا فأشبه الصحراء (والثاني) وهو الصحيح وبه
قطع العراقيون أو جمهورهم والشيخ أبو محمد الجويني وغيره من الخراسانيين انه يشترط لأنه يعد
من البلاد اما البساتين والمزارع المتصلة بالبلد فلا يشترط مجاوزتها وإن كانت محوطة هذا هو الصحيح
وبه قطع المصنف والجمهور في الطريقتين وحكى المتولي والرافعي وجها انه يشترط وليس بشئ قال
الرافعي فإن كان في البساتين دور أو قصور يسكنها ملاكها بعض فصول السنة اشترط مجاوزتها هكذا
قاله وفيه نظر ولم يتعرض له الجمهور والظاهر أنه لا يشترط لأنها ليست من البلد فلا يصير منه بإقامة
بعض الناس فيها بعض الفصول قال أصحابنا لو كان للبلد جانبين بينهما نهر كبغداد فعبر المنشئ للسفر
من أحدهما إلى الآخر لم يجز القصر حتى يفارق البنيان في الجانب الثاني لأنهما بلد واحد قال القاضي
347

أبو الطيب ولهذا قال أصحابنا لو كان بين الجانبين ميدان لم يقصر حتى يجاوز جمع بنيان الجانب الآخر
وكذا نقله الشيخ أبو حامد أيضا عن الأصحاب ولا خلاف فيه: هذا حكم البلدة الكبيرة واما القرية
الصغيرة فقال الرافعي لها حكم البلدة في كل ما ذكرناه فلا يشترط فيها مجاوزة المزارع المحوطة ولا البساتين
هذا هو الصواب الذي قاله العراقيون وغيرهم وشذ الغزالي عن الأصحاب فقال إن كانت البساتين
أو المزارع محوطة اشترط مجاوزتها وقال امام الحرمين لا يشترط مجاوزة المزارع المحوطة ولا البساتين
غير المحوطة ويشترط مجاوزة البساتين المحوطة هذا كلام الرافعي والمذهب ان القرية كالبلدة
فلا يشترط مجاوزة البساتين والمزارع المحوطة ويجئ فيها وجه المتولي: اما إذا كانت قريتان
ليس بينهما انفصال فهما كمحلتين من قرية فيشترط مجاوزتهما بالاتفاق وقد نبه عليه المصنف بقوله
لان احدى القريتين منفردة عن الأخرى قال امام الحرمين وفيه احتمال وان انفصلت أحداهما عن
الأخرى فجاوز قريته جاز القصر سواء قربت الأخرى منها أم بعدت وقال ابن سريج إذا تقاربتا
اشترط مفارقتهما والصحيح عند الأصحاب هو الأول وقال صاحب الحاوي حتى لو كان بينهما ذراع
لم يشترط مجاوزة الأخرى بل يقصر بمفارقة قريته قال الرافعي ولو جمع سور قرى متفاصلة لم يشترط مجاوزة
السور وكذا لو قدر ذلك في بلدتين متقاربتين ولهذا قلنا أولا إن ارتحل من بلدة لها سور مختص
بها واما المقيم في الصحراء فيشترط مفارقته للبقعة التي يكون فيها رحله وينسب إليه فان سكن واديا
وسار في عرضه فلا بد من مجاوزة عرضه نص عليه الشافعي قال الأصحاب هذا محمول على الاتساع
المعتاد في الأودية فان أفرطت سعته لم يشترط الا مجاوزة القدر الذي يعد موضع نزوله أو موضع
الحلة التي هو منها كما لو سافر في طول الوادي فإنه يكفيه ذلك القدر بلا خلاف وقال القاضي أبو الطيب
كلام الشافعي على ظاهره ويشترط مجاوزة عرضه مطلقا وجانبا الوادي كسور البلد والمذهب الأول
وبه قطع الجمهور ولو كان نازلا في ربوة اشترط ان يهبط منها وإن كان في وهدة اشترط ان يصعد
وهذا إذا كانتا معتدلتين كما ذكرنا في الوادي ولا فرق في اعتبار مجاوزة عرض الوادي والهبوط
والصعود بين المنفرد في خيمة ومن هو في جماعة أهل خيام على التفصيل المذكور قال أصحابنا
ولو كان من أهل خيام فإنما يترخص إذا فارق الخيام كلها مجتمعة كانت أو متفرقة إذا كانت حلة
348

واحدة وهي بمنزلة أبنية البلد ولا يشترط مفارقته لحلة أخرى بل الحلتان كبلدتين متقاربتين وضبط
الصيدلاني التفرق الذي لا يؤثر بأن يكونوا بحيث يجتمعون للسمر في ناد واحد ويستعير بعضهم من
بعض فإن كانوا هكذا فهي حلة واحدة قال أصحابنا ويشترط مع مجاوزة الخيام مجاوزة مرافقها
كمطرح الرماد وملعب الصبيان والنادي ومراح الإبل لأنها من موضع اقامتهم ولنا وجه شاذ ضعيف
انه لا يشترط مفارقة الخيام بل يكفي مفارقة خيمته حكاه الرافعي وغيره *
(فرع) في مذاهب العلماء: ذكرنا أن مذهبنا أنه إذا فارق بنيان البلد قصر ولا يقصر قبل
مفارقتها وان فارق منزله وبهذا قال مالك وأبو حنيفة واحمد وجماهير العلماء وحكي ابن المنذر عن
الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرا فصلي بهم ركعتين في منزله وفيهم الأسود بن يزيد وغير
واحد من أصحاب ابن مسعود قال وروينا معناه عن عطاء وسليمان بن موسى قال وقال مجاهد لا يقصر
المسافر نهارا حتى يدخل الليل قال ابن المنذر لا نعلم أحدا وافقه وحكى القاضي أبو الطيب وغيره
عن مجاهد أنه قال إن خرج بالنهار لم يقصر حتى يدخل الليل وان خرج بالليل لم يقصر حتى يدخل
النهار وعن عطاء أنه قال إذا جاوز حيطان داره فله القصر فهذان المذهبان فاسدان فمذهب مجاهد
منابذ للأحاديث الصحيحة في قصر النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة حين خرج من المدينة
ومذهب عطاء وموافقيه منابذ لاسم السفر *
(فرع) إذا فارق بنيان البلد ثم رجع لحاجة فله أحوال (أحدها) أن لا يكون ذلك البلد وطنه ولا أقام
فيه فلا يصير مقيما بالرجوع ولا بدخوله بل له الترخص بالقصر وغيره في رجوعه وفي نفس البلد
(الثاني) أن يكون وطنه فليس له الترخص في رجوعه وإنما يترخص بعد مفارقته ثانيا هكذا نص
عليه الشافعي وقطع به الجمهور وحكى البندنيجي والرافعي وجها أنه يترخص في رجوعه لا في البلد
وهو شاذ ضعيف (الثالث) أن لا يكون وطنه لكنه أقام فيه مدة فهل له الترخص في رجوعه فيه وجهان
حكاهما امام الحرمين وآخرون (أصحهما) يترخص لأنه مسافر غير ناوي الإقامة صححه امام الحرمين
والغزالي وقطع به البندنيجي والقاضي أبو الطيب ونقله عن الأصحاب والمتولي (والثاني) لا يترخص
وقطع به البغوي لأنه عائد إلى ما كان عليه وحيث قلنا لا يترخص إذا عاد فنوى العود ولم يعد
349

لم يترخص بل صار بالنية مقيما وسواء زمن الرجوع وزمن الحصول في البلد في الحالتين فحيث
ترخص بترخص فيهما وحيث لا يجوز لا يجوز فيهما هذا كله إذا لم يكن من موضع الرجوع إلى الوطن
مسافة القصر فإن كانت فهو مسافر فيترخص بلا خلاف *
(فرع) لو خرجوا من البلد وأقاموا في موضع بنية انتظار رفقتهم على أنهم ان خرجوا
ساروا كلهم والا رجعوا وتركوا السفر لم يجز لهم القصر لأنهم لم يجزوا بالسفر وهذه صورة المسألة
التي نقلها المصنف عن نصه في البويطي فاما إذا قال ننتظره يومين وثلاثة فإن لم يخرجوا سرنا فلهم
القصر لأنهم جزموا بالسفر *
(فرع) في انتهاء السفر الذي تنقطع به الرخص: قال أصحابنا يحصل ذلك بثلاثة أمور (الأول)
العود إلى الوطن قال أصحابنا وضابطه أن يعود إلى الموضع الذي شرطنا مفارقته في إنشاء السفر منه
فبمجرد وصوله تنقطع الرخص قال أصحابنا وفى معني الوطن الوصول إلى الموضع الذي سافر إليه
إذا عزم على الإقامة فيه القدر المانع من الترخص فلو لم ينو الإقامة به ذلك القدر فقولان حكاهما
البغوي وغيره (أصحهما) لا ينقطع ترخصه بل يترخص فيه لان حكم السفر مستمر حتى يقطعه
بإقامة أو نية وبهذا قطع البندنيجي وآخرون وهو مقتضي كلام الباقين وصححه البغوي والرافعي
(والثاني) ينقطع كالوطن وبه قطع الشيخ أبو حامد ولو حصل في طريقه في قرية أو بلدة له بها أهل
وعشيرة وليس هو مستوطنها الآن فهل ينتهي سفره بدخولها فيه قولان مشهوران (أصحهما) لا ينتهى
بل له الترخص فيها لأنه ليس مقيما وبهذا قطع الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب ولو مر
في سفره بوطنه بان خرج من مكة إلى مسافة القصر في جهة المشرق ونوى أنه يرجع إليها ويخرج
منها من غير إقامة فطريقان المذهب وبه قطع الجمهور أنه يصير مقيما بدخولها لأنه في وطنه فكيف
يكون مسافرا (والثاني) وبه قال الصيدلاني وغيره فيه القولان كبلد أهله وعشيرته فعلى أحدهما
350

العود إلى الوطن لا يقتضي انتهاء السفر الا إذا عزم على الإقامة (الأمر الثاني) نية الإقامة
(والثالث) صورة الإقامة وقد ذكرهما المصنف بعد هذا وسنشرحهما إن شاء الله تعالى *
(فرع) قال البندنيجي وغيره لو خرج انسان من المدينة واليا علي مكة وأراد الحج وأحرم
به قصر في طريقه ما لم يدخل مكة فإذا دخلها انقطع سفره ولم يجز له القصر في خروجه إلى عرفات
ومنى فان عزل عن الولاية لم يكن له القصر حتى يخرج من مكة بنية السفر إلى مسافة القصر وان
ولى بلادا كثيرة فخرج إليها ونيته المقام في بعضها جاز له القصر في كل بلد يدخله غير بلد
الإقامة إلا أن ينوى إقامة أربعة أيام لان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يدخل مكة وغيرها مما في ولايته
ويقصر " * قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز القصر حتى يكون جميع الصلاة في السفر فاما إذا أحرم بالصلاة في سفينة في البلد
ثم سارت السفينة وحصلت في السفر فلا يجوز له القصر وكذا ان أحرم بها في سفينة في السفر
ثم اتصلت السفينة بموضع الإقامة أو نوى الإقامة لزمه الاتمام لأنه اجتمع في صلاته ما يقتضى القصر
والاتمام فغلب الاتمام ولا يجوز القصر حتى ينوي القصر في الاحرام لان الأصل الاتمام فإذا لم ينو
القصر انعقد احرامه على الاتمام فلم يجز القصر كالمقيم) *
(الشرح) هذه المسائل كما ذكرها باتفاق الأصحاب قال أصحابنا وإذا صار مقيما أتم صلاته
أربعا ولا يلزمه نية الاتمام وإن كان لم ينو الا ركعتين لان الإقامة قطعت حكم الرخصة بتعيين
الاتمام لأنه الأصل قال امام الحرمين والاتمام مندرج في نية القصر فكأنه قال نويت القصر ما لم
يعرض ما يوجب الاتمام قال أصحابنا ولو شك هل نوى القصر أم لا ثم تذكر على قرب أنه
نوى القصر لزمه الاتمام بالاتفاق لأنه مضى جزء من صلاته على حكم الاتمام وكذا لو دخل في
في أثناء صلاته في سفينة بلده أو شك هل هو بلده أم لا لزمه الاتمام وان بان أنه ليس بلده لما
ذكرناه: واعلم أنه يستشكل ذكر مسألة الاحرام بالصلاة في البلد في سفينة لأنه ان نوى الصلاة
351

تامة أو أطلق النية انعقدت صلاته تامة ولم يجز القصر لفوات شرط القصر وهو نية القصر عند
الاحرام وان نوى القصر لم تنعقد صلاته لان من نوى الظهر ركعتين وهو في البلد فصلاته
باطلة فلا فائدة حينئذ في ذكر هذه المسألة وقد ذكرها الشافعي والأصحاب كما ذكرها المصنف
ويكفى في اشكالها ان امام الحرمين مع جلالته استشكلها فقال ليس في ذكر هذه المسألة كثير
فائدة ثم بسط القول على نحو ما ذكرته وذكر احتمالين في صحة صلاة المقيم بنية القصر ثم قال بعد
كلام طويل ليس عندي في ذلك نقل قال والذي أراه أن المقيم لو نوى الظهر ركعتين جزما ولم
ينو الترخص لم تنعقد صلاته وان نوى الترخص بالقصر ففيه احتمال هذا كلامه وجزم غيره من
الأصحاب ببطلان صلاة المقيم الذي نوى الظهر ركعتين وهو الصواب و (الجواب) عن الاشكال
المذكور أن يقال صورة المسألة أن ينوى الظهر مطلقا في سفينة في البلد ثم يسير ويفارق البلد في
أثنائها فيجب الاتمام لعلتين (إحداهما) فقد نية القصر عند الاحرام (والثانية) اجتماع الحضر
والسفر فيها فبينوا أن اجتماع الحضر والسفر في العبادة يوجب تغليب حكم الحضر ويستدل به حينئذ
في مسألة الخف وهي إذا مسحه في الحضر ثم سافر فعندنا يتم مسح مقيم: وقال أبو حنيفة يمسح مسح
مسافر فيقول اجتمع الحضر والسفر واجتماعهما يوجب تغليب الحضر وقد وافق أبو حنيفة على مسالة
الصلاة بل نقل الشيخ أبو حامد وغيره اجماع المسلمين على هذا وهذا القياس هو الذي اعتمده
352

أصحابنا في مسالة الخف والله أعلم *
(فرع) قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يجوز القصر حتى ينويه عند الاحرام قال العبدري وبه
قال أكثر الفقهاء وقال المزني لو نواه في أثناء الصلاة ولو قبل السلام جاز القصر: وقال أبو حنيفة
لا تجب نية القصر لان الأصل عنده القصر وحكي الشيخ أبو حامد وصاحب البيان عن المغربي أنه
لو نوى الاتمام ثم نوى في أثنائها أن يقصر كان له أن يقصر ودليلنا على أبي حنيفة أن الأصل
الاتمام لما سبق وعلى الآخرين أن الأصل الاتمام عندنا وعندهما فمتى وجد جزء منها بغير نية القصر
وجب اتمامها تغليبا للأصل *
(فرع) قال أصحابنا يشترط لصحة القصر العلم بجوازه فلو جهل جوازه فقصر لم تصح صلاته
بلا خلاف نص عليه الشافعي في الأم واتفق الأصحاب عليه وذكر امام الحرمين فيه احتمالا وليس
بشئ لأنه متلاعب وكأن امام الحرمين لم ير نصه في الأم واتفاق العراقيين وغيرهم على التصريح
بالمسألة ثم إن كان نوى الظهر مطلقا وسلم من ركعتين عمدا لزمه استئنافها أربعا لالتزامه الاتمام
فان صلاته انعقدت تامة وإن كان نوى الظهر ركعتين وهو جاهل القصر فهو متلاعب وإذا أعادها
فله القصر إذا علم جوازه لعدم شروعه فيها وإنما يجب الاتمام في الإعادة على من لا يعقد صلاته
تامة ثم فسدت وهنا لم تنعقد بخلاف الصورة التي قبلها *
353

(فرع) قال أصحابنا نية القصر شرط عند الاحرام ولا يجب استدامة ذكرها لكن يشترط
الانفكاك عن مخالفة الجزم بها فلو نوى القصر في الاحرام ثم تردد في القصر والاتمام أو شك فيه
جزم به أو تذكره لزمه الاتمام ولو اقتدى بمسافر علم أو ظن أنه نوى القصر فصلي ركعتين ثم قام
إلى ثالثة فان علم أنه نوى الاتمام لزم المأموم الاتمام وان علم أنه ساه بأن كان حنفيا لا يرى الاتمام
لم يلزم المأموم الاتمام بل يخير ان شاء نوى مفارقته وسجد للسهو وسلم وان شاء انتظره حتى يعود
ويسلم معه وإنما قالوا يسجد للسهو لان بقيام الامام ساهيا توجه السجود عليهما فلو أراد المأموم
الاتمام أتم لكن لا يجوز أن يقتدى بالامام في سهوه لأنه غير محسوب له ولا يجوز الاقتداء بمن
علمنا أن ما هو فيه غير محسوب له كالمسبوق إذا أدرك من آخر الصلاة ركعة ثم قام الامام بعدها
إلى ركعة زائدة لم يكن للمسبوق أن يتابعه في تدارك ما عليه ولو شك هل قام امامه ساهيا أو متما
لزمه الاتمام لتردده ولو نوى المنفرد القصر فصلي ركعتين ثم قام إلى ثالثه فإن كان حدث ما يقتضى
الاتمام كنية الاتمام أو الإقامة أو حصوله بدار الإقامة في سفينة فقام لذلك فقد فعل واجبه وإن لم
يحدث شئ من ذلك وقام عمدا بطلت صلاته بلا خلاف لأنه زاد في صلاته عمدا كما لو قام المقيم
إلى خامسة وكما لو قام المتنفل إلى ركعة زائدة قبل تغيير النية وان قام سهوا ثم ذكر لزمه أن يعود
ويسجد للسهو ويسلم فلو أراد الاتمام بعد التذكر لزمه أن يعود إلى القعود ثم ينهض متما وفيه وجه
ضعيف أن له أن يمضي في قيامه والمذهب الأول لان النهوض إلى الركعة الثالثة واجب ونهوضه
كان لاغيا لسهوه ولو صلي ثالثة ورابعة سهوا وجلس للتشهد فتذكر سجد للسهو وسلم ووقعت
صلاته مقصورة وتكون الركعتان الزائدتان لاغيتين ولا تبطل بهما الصلاة للسهو فلو نوى
الاتمام قبل السلام والحالة هذه لزمه أن يأتي بركعتين آخرتين ويسجد للسهو لان الاتمام يقتضى
354

أربع ركعات محسوبات *
(فرع) قد ذكرنا أنه إذا نوى القصر ثم نوى الاتمام لزمه الاتمام ويبنى على صلاته قال الشيخ
أبو حامد وقال مالك لا يجوز البناء دليلنا القياس على ما لو أحرم في سفينة في السفر ثم وصلت الوطن
فيها ولو نوى الامام الاتمام لزمه والمأمومين الاتمام قال أبو حامد قال مالك للمأمومين القصر *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا يجوز القصر لمن ائتم بمقيم فان ائتم بمقيم في جزء من صلاته لزمه أن يتم لأنه اجتمع
ما يقتضى القصر والتمام فغلب التمام كما لو أحرم بها في السفر ثم أقام وان أراد أن يقصر الظهر خلف
من يصلي الجمعة لم يجز لأنه مؤتم بمقيم ولان الجمعة صلاة تامة فهو كالمؤتم بمن يصلي الظهر تامة
فإن لم ينو القصر أو نوي الاتمام أو ائتم بمقيم ثم أفسد صلاته لزمه الاتمام لأنه فرض لزمه
فلا يسقط عنه بالافساد كحج التطوع وان شك هل أحرم بالصلاة في السفر
أو في الحضر أو هل نوى القصر أم لا أو هل امامه مسافر أو مقيم لزمه الاتمام لان الأصل هو التمام
والقصر أجيز بشروط فإذا لم تتحقق الشروط رجع إلى الأصل فان ائتم بمسافر أو بمن الظاهر من
حاله انه مسافر جاز أن ينوى القصر خلفه لأن الظاهر أن الامام مسافر فان أتم الامام تبعه في الاتمام
لأنه بان أنه ائتم بمقيم أو بمن نوى الاتمام وان أفسد الامام صلاته وانصرف ولم يعلم المأموم انه نوى
القصر أو الاتمام لزمه أن يتم على المنصوص وهو قول أبى اسحق لأنه شك في عدد الصلاة ومن شك
في عدد الصلاة لزمه البناء على اليقين لا على غلبة الظن والدليل عليه أنه لو شك هل صلي ثلاثا أم أربعا
بنى على اليقين وهو الثلاث وان غلب على ظنه انه صلي أربعا وحكى أبو العباس أنه قال له أن يقصر
لأنه أئتم بمن الظاهر منه انه يقصر) *
355

(الشرح) قوله لا يجوز القصر لمن ائتم بمتم كان الأحسن أن يقول بمقيم لأنه أعم وكذا
قوله في الجمعة لأنه مؤتم بمقيم كان الأحسن بمتم وقوله لان الجمعة صلاة تامة هذا هو الأصح وقيل
هي ظهر مقصورة وسنوضحه في بابها إن شاء الله تعالى قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله شرط
القصر أن لا يقتدي بمتم فمن اقتدى بمتم في لحظة من صلاته لزمه الاتمام سواء كان المتم مقيما أو
مسافرا نوى الاتمام أو ترك نية القصر ودليله في الكتاب ويتصور الاقتداء بالمتم في لحظة في صور
(منها) أن يدركه قبل السلام أو يحدث الامام عقب احرام المأموم أو ينوى مفارقته عقب
الاقتداء أو نحو ذلك ولو نوى الظهر مقصورة خلف من يصلى العصر مقصورة جاز
له القصر بلا خلاف لأنه لم يقتد بمتم ولو نوى الظهر مقصورة خلف من يقضى الصبح فثلاثة أوجه
(أصحها) باتفاقهم لا يجوز القصر وبه قطع الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب والأكثرون
لأنه مؤتم بمتم (والثاني) يجوز لاتفاقهما في العدد حكاه البغوي وغيره (والثالث) إن كان الامام
مسافرا فللمأموم القصر وإلا فلا وبهذا قطع المتولي وهو ضعيف جدا لان الصبح لا يختلف المسافر والمقيم
فيها ولو نوى الظهر مقصورة خلف الجمعة مسافرا كان امامها أو مقيما فطريقان (المذهب) وهو نصه في
الاملاء وبه قطع المصنف والأكثرون لا يجوز القصر لأنه مؤتم بمتم (والثاني) ان قلنا هي ظهر
مقصورة جاز القصر كالظهر مقصورة خلف عصر مقصورة والا فهي كالصبح وممن حكى هذا
الطريق البغوي والرافعي ولو نوى الظهر خلف من يصلي المغرب في الحضر أو السفر لم يجز القصر
بلا خلاف ذكره البغوي وغيره ومتى علم أو ظن أن امامه مقيم لزمه الاتمام فلو اقتدى به ونوى
القصر انعقد صلاته ولغت نية القصر باتفاق الأصحاب قال أصحابنا وهذا بخلاف المقيم ينوي القصر
لا تنعقد صلاته لأنه ليس من أهل القصر والمسافر من أهله فلم يضره نيته كما لو شرع في الصلاة
بنية القصر ثم نوى الاتمام أو صار مقيما فإنه يبنى عليها أما إذا علم أو ظن امامه مسافرا وعلم أو ظن
أنه نوى القصر فله أن يقصر خلفه وكذا لو علم أو ظنه مسافرا ولم يدرأ نوى القصر أم لا فله القصر
وراءه بالاتفاق ولا يضره الشك في نية امامه لأن الظاهر من حال المسافر نية القصر ولو عرض هذا
الشك في أثناء الصلاة لم يؤثر بل له القصر ولو جهل نية امامه المسافر فعلق عليها فقال إن قصر
قصرت وان أتم أتممت فوجهان مشهوران (أصحهما) صحة التعليق فان أتم الامام أتم وان قصر قصر
لأن الظاهر من حال المسافر القصر ومقتضى الاطلاق هو ما نوى (والثاني) لا يجوز القصر للشك وعلى
الأول لو فسدت صلاة الامام أو أفسدها فقال كنت نويت القصر جاز للمأموم القصر وان قال كنت
نويت الاتمام لزمه الاتمام وان انصرف ولم يظهر للمأموم ما نواه فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف
356

بدليلهما (أصحهما) وهو المنصوص وقول أبى اسحق المروزي وعامة أصحابنا يلزمه الاتمام (والثاني)
قاله ابن سريج له القصر ولو لم يخبره امامه بشئ لكنه عاد فاستأنف صلاته ركعتين فللمأموم القصر
وان صلاها أربعا لزم المأموم الاتمام فيعمل بفعله كما يعمل بقوله ذكره البندنيجي وغيره ولو شك
هل امامه مسافر أم مقيم ولم يترجح له أحد الامرين لزمه الاتمام سواء بان الامام متما أو قاصرا
أو انصرف وجهل حاله وفيه وجه ضعيف انه إذا بان قاصرا فله القصر حكاه الرافعي وغيره أما إذا
اقتدى بمتم ثم فسدت صلاة الامام أو بان محدثا أو فسدت صلاة المأموم فاستأنفها فيلزمه الاتمام
بلا خلاف وقد ذكر المصنف دليله وكذا لو أحرم منفردا ولم ينو القصر ثم فسدت صلاته لزمه الاتمام
بلا خلاف لالتزامه ذلك بشروع صحيح في الصلاة ولو اقتدى بمن ظنه مسافرا قاصرا فبان مقيما
أو متما لزمه الاتمام لاقتدائه بمتم ولو بان مقيما محدثا نظر إن بان كونه مقيما أو لا لزم الاتمام وان بان
أولا محدثا ثم بان مقيما أو بانا معا فطريقان أصحهما وأشهرهما على وجهين (أصحهما) القصر لأنه لم يصح
اقتداؤه (والثاني) لا قصر له والطريق الثاني له القصر وجها واحدا ولو شرع في الصلاة بنية الاتمام
أو مطلقا أو كان مقيما ثم بان محدثا ثم سافر والوقت باق فله القصر بالاتفاق لعدم الشروع الصحيح
في الصلاة ولو اقتدى بمقيم فبان حدث المأموم فله القصر لعدم شروعه الصحيح وكذا لو اقتدى بمن
يعرفه محدثا ويعلمه مقيما فله القصر بعد ذلك لأنه لم يصح شروعه *
(فرع) إذا صلي مسافر بمسافرين ومقيمين جاز ويقصر الامام والمسافرين ويتم المقيمون ويسن
للامام أن يقول عقب سلامه أتموا فانا قوم سفر *
(فرع) إذا شك هل نوى القصر أم لا أو هل أحرم بالصلاة في الحضر أم في السفر لزمه الاتمام
بالاتفاق لأنه الأصل وقد ذكر المصنف دليله قال أصحابنا فلو تذكر على قرب انه نوى القصر
وأحرم في الحضر لزمه الاتمام لأنه مضي جزء من صلاته في حال الشك على حكم الاتمام بخلاف من
أحرم بصلاة ثم شك هل نواها أم لا فإنه إذا تذكر على قرب ولم يفعل ركنا في حال شكه يستمر
في صلاته بلا خلاف وسبق بيانه في أول صفة الصلاة *
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن اقتدى بمقيم: قد ذكرنا أن مذهبنا ان المسافر إذا اقتدى
بمقيم في جزء من صلاته لزمه الاتمام سواء أدرك معه ركعة أم دونها وبهذا قال أبو حنيفة والأكثرون
حكاه الشيخ أبو حامد عن عامة العلماء وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس وجماعة من
التابعين والثوري والأوزاعي واحمد وأبي ثور وأصحاب الرأي وقال الحسن البصري والنخعي
والزهري وقتادة ومالك ان أدرك ركعة فأكثر لزمه الاتمام والا فله القصر وقال طاوس والشعبي
357

وتميم بن حذلم ان أدرك ركعتين معه أجزأتاه وقال إسحاق بن راهويه له القصر خلف المقيم بكل
حال فان فرغت صلاة المأموم تشهد وحده وسلم وقام الامام إلى باقي صلاته وحكاه الشيخ أبو حامد
عن طاوس والشعبي وداود *
(فرع) في مذاهبهم في مسافر اقتدى بمقيم ثم أفسد المأموم صلاته لزمه اعادتها تامة وبه
قال مالك واحمد ورواية عن أبي ثور وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو ثور في رواية يقصر *
(فرع) في مذاهبهم في مسافر صلي بمسافر ومقيم ثم أحدث الامام فاستخلف المقيم فصلي
خلفه المسافر الآخر: مذهبنا ومذهب احمد وداود يلزمه الاتمام وقال مالك وأبو حنيفة له القصر *
* قال المصنف رحمه الله *
(قال الشافعي رحمه الله وان صلي بمقيمين فرعف واستخلف مقيما أتم الراعف فمن أصحابنا
من قال هذا على القول القديم ان الراعف لا تبطل صلاته فيكون في حكم المؤتم بالمقيم ومن أصحابنا
من قال يلزمه الاتمام على القول الجديد أيضا لان المستخلف فرع الراعف فلا يجوز أن يلزم الفرع
ولا يلزم الأصل وليس بشئ) *
(الشرح) في قوله رعف لغتان أفصحهما وأشهرهما فتح العين والثانية ضمها وهذا النص
الذي ذكره عن الشافعي هو في مختصر المزني ولفظ الشافعي فان رعف وخلفه مسافرون ومقيمون
فقدم مقيما كان على جميعهم والراعف ان يصلوا أربعا لأنه لا يكمل واحد منهم الصلاة التي كان فيها
الا وهو في صلاة مقيم قال المزني هذا غلط فالراعف لم يأتم بمقيم فليس عليه الا ركعتان هذا نصه
وللأصحاب فيه أربع طرق (أصحها) عند الأصحاب وتأويل المزني وأبي إسحاق وجمهور المتقدمين
ان مراد الشافعي أن الراعف ذهب فغسل الدم ورجع واقتدى بالمقيم قالوا فإن لم يقتد به فله القصر
قولا واحدا قالوا وعليه يدل كلام الشافعي وتعليله الذي ذكرناه قال الماوردي والشاشي هذا
التأويل قول أكثر أصحابنا وصححه الشيخ أبو حامد والماوردي والقاضي حسين وصاحب العدة
وآخرون ونقل الرافعي تصحيحه عن الأكثرين (والثاني) حكاه أبو حامد والمحاملي وآخرون عن
أبي غانم من أصحابنا أن مراد الشافعي أن الراعف حين أحس بالرعاف وخرج منه يسير لا تبطل
الصلاة استخلف مقيما وحصل مؤتما به ثم اندفق رعافه فخرج من الصلاة يلزمه الاتمام لمصيره
مؤتما بمقيم في جزء من صلاته قال أبو حامد وغيره هذا تأويل فاسد مخالف لنصه قال أبو حامد
والمحاملي والأصحاب ولان الاستخلاف الذي في جوازه قولان هو الاستخلاف بعذر
فأما الاستخلاف بلا عذر فلا يجوز قولا واحدا وهذا الامام إذا استخلف قبل خروج الدم الكثير
358

تبطل صلاته فلا يكون مقتديا بالمقيم في جزء من صلاته وقال الشيخ أبو محمد الجويني الإحساس بالرعاف
عذر ومتى حضر امام حاله أكمل منه جاز استخلافه والمشهور الأول (والثالث) أن مراده التفريع
على القديم حكاه أصحابنا عن ابن سريج واتفقوا على تضعيفه فضعفه الجمهور بأنه وإن كان في حكم
الصلاة فليس مقتديا بمقيم وضعفه القاضي حسين وامام الحرمين بان الاستخلاف باطل في القديم
فلا تتصور المسألة على القديم (الرابع) انه يلزمه الاتمام بكل حال لأنه يلزم فرعه فهو أولي هذا هو الذي
حكاه المصنف آخرا وضعفه وحكاه الأصحاب عن ابن سريج أيضا واتفقوا على تضعيفه لان الامام
إنما لزمه الاتمام لأنه مقيم بخلاف الراعف وأما المأمومون المسافرون فعليهم الاتمام ان نووا الاقتداء
بالخليفة المقيم وكذا لو لم ينووا وقلنا بالمذهب ان نية الاقتداء بالخليفة لا تجب فعليهم الاتمام لأنهم
بمجرد الاستخلاف كانوا مقتدين حتى لو نوووا مفارقته عقب الاستخلاف لم يجز القصر وان قلنا
بالوجه الشاذ ان نية الاقتداء بالخليفة واجبة لزمهم الاتمام أن نووا الاقتداء به والا فلهم القصر ولو
نوى بعضهم دون بعض أتم الناوون وقصر الآخرون واما إذا لم يستخلف ولا استخلفوا فللمسافرين
القصر سواء الامام الراعف وغيره وان استخلف أو استخلفوا مسافرا فللراعف والمسافرين القصر
بالاتفاق وإن لم يستخلف فاستخلف القوم فطريقان حكاهما صاحب الحاوي وغيره (أحدهما) انه
كاستخلاف الامام ففيه الطرق الأربعة (والثاني) للراعف القصر بلا خلاف إذا لم يقتد به لان الخليفة
ليس فرعا للراعف وهذا الثاني هو الأصح قال الماوردي فعلى هذا لو استخلف المقيمون مقيما
والمسافرون مسافرا جاز وللمسافرين القصر مع امامهم وكذا لو افترقوا ثلاث فرق وأكثر *
* قال المصنف رحمه الله *
(إذا نوى المسافر إقامة أربعة أيام غير يوم الدخول ويوم الخروج صار مقيما وانقطعت رخص
السفر لان بالثلاث لا يصير مقيما " لان المهاجرين رضي الله عنهم حرم عليهم الإقامة بمكة ثم رخص
لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيموا ثلاثة أيام فقال صلى الله عليه وسلم يمكث المهاجر بعد قضاء
نسكه ثلاثا وأجلي عمر رضي الله عنه اليهود ثم أذن لمن قدم منهم تاجرا أن يقيم ثلاثا " واما اليوم
الذي يدخل فيه ويخرج فلا يحتسب لأنه مسافر فيه وإقامته في بعضه لا تمنع من كونه مسافرا لأنه ما من
مسافر الا ويقيم بعض اليوم ولان مشقة السفر لا تزول الا بإقامة يوم وان نوى إقامة أربعة أيام على
حرب ففيه قولان (أحدهما) يقصر لما روى أنس " أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا
برام هرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة (والثاني) لا يقصر لأنه نوى إقامة أربعة أيام لا سفر فيها فلم
يقصر كما لو نوى الإقامة في غير حرب واما إذا قام في بلد على حاجة إذا انتجزت رحل ولم ينو مدة ففيه
359

قولان أحدهما يقصر سبعة عشر يوما لان الأصل التمام إلا فيما وردت فيه الرخصة وقد روى ابن عباس
قال " سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام سبعة عشر يوما يقصر الصلاة " وبقي فيما زاد على
حكم الأصل (والثاني) يقصر أبدا لأنه إقامة على حاجة يرحل بعدها فلم يمنع القصر كالإقامة في سبعة
عشر وخرج أبو إسحاق قولا ثالثا أنه يقصر إلى أربعة أيام لان الإقامة أبلغ في نية الإقامة لان
الإقامة لا يلحقها الفسخ والنية يلحقها الفسخ ثم ثبت أنه لو نوى الإقامة أربعة أيام لم يقصر
فلان لا يقصر إذا أقام أولى) *
(الشرح) حديث تحريم الإقامة بمكة على المهاجرين رواه البخاري ومسلم وحديث " يمكث المهاجر بعد
قضاء نسكه ثلاثا " رواه البخاري ومسلم أيضا من رواية العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه وحديث
عمر رضي الله عنه انه أجلي اليهود من الحجاز ثم أذن لمن قدم منهم تاجرا أن يقيم ثلاثا صحيح
رواه مالك في الموطأ باسناده الصحيح فرواه عن نافع عن أسلم مولى عمر وحديث إقامة الصحابة
برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة " رواه البيهقي باسناد صحيح إلا أن فيه عكرمة بن عمار وهو مختلف
في الاحتجاج به وقد روى له مسلم في صحيحه: وأما حديث ابن عباس فرواه البخاري في صحيحه
لكن في رواية البخاري تسعة عشر بنقصان واحد من عشرين ووقع في بعض روايات أبي داود
والبيهقي سبعة عشر بنقصان ثلاثة من عشرين وكذا وقع في المهذب: أما ألفاظ الفصل فقوله أجلى
عمر اليهود معناه أخرجهم من ديارهم قال أهل اللغة يقال جلا القوم خرجوا من منازلهم
وأجليتهم وجلوتهم أخرجتهم ورامهرمز - بفتح الميم الأولى وضم الهاء واسكان الراء وآخره زاي -
وهي بلاد معروفة وقوله تسعة أشهر هو بالتاء في أول تسعة وقوله الإقامة لا يلحقها الفسخ هو بالفاء أي
لا ترفع بعد وجودها والنية يمكن قطعها وابطالها أما الأحاديث الواردة بالإقامة المقيدة ففي حديث
ابن عباس تسعة عشر يوما كما ذكرنا عن رواية البخاري وفى رواية لأبي داود والبيهقي باسناد صحيح
على شرط البخاري سبعة عشر وفى رواية أخرى لأبي داود والبيهقي عن ابن عباس خمسة عشر
ولكنها ضعيفة مرسلة وكان حديث ابن عباس هذا في إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة لحرب
هوازن في عام الفتح وروى أبو داود والبيهقي عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم " أقام
بمكة ثمان عشرة ليلة يقصر الصلاة " إلا أن في اسناده من لا يحتج به قال البيهقي أصح الروايات في
حديث ابن عباس تسعة عشر وهي التي ذكرها البخاري قال ويمكن الجمع بين رواية ثمان عشرة
وتسع عشرة وسبع عشرة فان من روى تسع عشرة عد يومى الدخول والخروج ومن روى سبع
عشرة لم يعدهما ومن روي ثمان عشرة عد أحدهما وروى أبو داود والبيهقي عن جابر أقام رسول
360

الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة " لكن روى مسندا ومرسلا قال بعضهم
ورواية المرسل أصح (قلت) ورواية المسند تفرد بها معمر بن راشد وهو امام مجمع على جلالته وباقي
الاسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم فالحديث صحيح لأن الصحيح انه إذا تعارض في الحديث
إرسال واسناد حكم بالمسند * اما حكم الفصل فقال الشافعي والأصحاب إذا نوى في أثناء طريقه
الإقامة مطلقا انقطع سفره فلا يجوز الترخص بشئ بالاتفاق فلو جدد السير بعد ذلك فهو سفر جديد
فلا يجوز القصر إلا أن يقصد مرحلتين هذا إذا نوى الإقامة في موضع يصلح لها من بلد أو قرية أو واد
يمكن البدوي الإقامة به ونحو ذلك فاما المفازة ونحوها ففي انقطاع السفر والرخص بنية الإقامة
فيها قولان مشهوران (أصحهما) عند الجمهور انقطاعه لأنه ليس بمسافر فلا يترخص حتى يفارقها
(والثاني) لا ينقطع وله الترخص لأنه لا يصلح للإقامة فنيته لغو هذا كله إذا نوى الإقامة وهو ماكث
أما إذا نواها وهو سائر فلا يصير مقيما بلا خلاف صرح به البندنيجي وغيره لان سبب القصر السفر
وهو موجود حقيقة اما إذا نوى الإقامة في بلد ثلاثة أيام فأقل فلا ينقطع الترخص بلا خلاف وان
نوى إقامة أكثر من ثلاثة أيام قال الشافعي والأصحاب ان نوى إقامة أربعة أيام صار مقيما
وانقطعت الرخص وهذا يقتضى أن نية دون أربعة لا تقطع السفر وان زاد على ثلاثة وقد صرح به كثيرون
من أصحابنا وفى كيفية احتساب الأربعة وجهان حكاهما البغوي وآخرون (أحدهما) يحسب منها يوما
الدخول والخروج كما يحسب يوم الحدث ويوم نزع الخف من مدة المسح (وأصحهما) وبه قطع المصنف
والجمهور لا يحسبان لما ذكره المصنف فعلى الأول لو دخل يوم السبت وقت الزوال بنية الخروج يوم
الأربعاء: وقت الزوال صار مقيما وعلى الثاني لا يصير وان دخل ضحوة السبت بنية الخروج عشية
الأربعاء واما قول امام الحرمين والغزالي متي نوى إقامة زيادة على ثلاثة أيام صار مقيما فموافق لما قاله
الأصحاب لأنه لا يمكن زيادة على الثلاث غير يومي الدخول والخروج بحيث لا يبلغ الأربعة
ثم الأيام المحتملة معدودة بلياليها ومتي نوى أربعة صار مقيما في الحال ولو دخل في الليل
361

لم يحسب بقية الليل ويحسب الغد هذا كله في غير المحارب أما المحارب وهو المقيم على القتال بحق
ففيه قولان مشهوران (أحدهما) يقصر ابدا لما ذكره المصنف وهو اختيار المزني ومذهب مالك
وأبي حنيفة واحمد وعلى هذا يقصر ابدا وان نوى إقامة أكثر من أربعة أيام (وأصحهما) عند
الأصحاب أنه كغيره فلا يقصر إذا نوى إقامة أربعة أيام وممن صححه القاضي أبو الطيب والماوردي
والرافعي وآخرون قال الشيخ أبو حامد والمحاملي وهو اختيار الشافعي وأجابوا عن حديث أنس
بأنهم لم يقيموا تسعة أشهر في مكان واحد بل كانوا يتنقلون في تلك الناحية: أما إذا أقام في بلد أو
قرية لشغل فله حالان (أحدهما) أن يتوقع انقضاء شغله قبل أربعة أيام ونوى الارتحال عند
فراغه فله القصر إلى أربعة أيام بلا خلاف وفيما زاد عليها طريقان (الصحيح) منهما قول الجمهور
أنه على ثلاثة أقوال (أحدها) يجوز القصر ابدا سواء فيه المقيم لقتال أو لخوف من القتال أو لتجارة
وغيرها (والثاني) لا يجوز القصر أصلا (والثالث) وهو الأصح عند الأصحاب يجوز القصر ثمانية
عشر يوما فقط وقيل على هذا يجوز سبعة عشر وقيل تسعة عشر وقيل عشرين وسمي امام الحرمين
هذه أقوالا والطريق الثاني أن هذه الأقوال في المحارب وأما غيره فلا يجوز له القصر بعد أربعة
أيام قولا واحدا وبه قال أبو إسحاق كما حكاه المصنف عنه وإذا جمعت هذه الأقوال والأوجه وسميت
أقوالا كانت سبعة (أحدها) لا يجوز القصر بعد أربعة أيام (والثاني) يجوز إلى سبعة عشر يوما (وأصحها)
إلى ثمانية عشر (والرابع) إلى تسعة عشر (والخامس) إلى عشرين (والسادس) ابدا (والسابع) للمحارب
مجاوزة أربعة وليس لغيره ودليل الجميع يعرف مما ذكره المصنف وذكرناه (الحال الثاني) أن يعلم
أن شغله لا يفرغ قبل أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج كالمتفقه والمقيم لتجارة كبيرة ولصلاة
الجمعة ونحوها وبينه وبينها أربعة أيام فأكثر فإن كان محاربا وقلنا في الحال الأول لا يقصر فههنا
362

أولي والا فقولان (أحدهما) يترخص ابدا (وأصحهما) لا يتجاوز ثمانية عشر وإن كان غير محارب
فالمذهب أنه لا يترخص أصلا وبه قطع الجمهور (والثاني) أنه كالمحارب حكاه الرافعي وآخرون وقالوا
هو غلط (فان قيل) ثبت في صحيحي البخاري ومسلم عن انس قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقصر حتى أتي مكة فأقمنا بها عشرا فلم يزل يقصر حتى رجع " فهذا كان في حجة
الوداع وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد نوى إقامة هذه المدة (فالجواب) ما أجاب به البيهقي وأصحابنا
في كتب المذهب قالوا ليس مراد انس انهم أقاموا في نفس مكة عشرة أيام بل طرق الأحاديث
الصحيحة من روايات جماعة من الصحابة متفقة على أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة في حجته
لأربع خلون من ذي الحجة فأقام بها ثلاثة ولم يحسب يوم لدخول ولا الثامن لأنه خرج فيه إلى
مني فصلي بها الظهر والعصر وبات بها وسار منها يوم التاسع إلى عرفات ورجع فبات بمزدلفة
ثم أصبح فسار إلى منى فقضى نسكه ثم أفاض إلى مكة فطاف للإفاضة ثم رجع إلى منى فأقام بها
ثلاثا يقصر ثم نفر منها بعد الزوال في ثالث أيام التشريق فنزل بالمحصب وطاف في ليلته للوداع
ثم رحل من مكة قبل صلاة الصبح فلم يقم صلى الله عليه وسلم أربعا في موضع واحد والله أعلم *
(فرع) لو سافر عبد مع سيده وامرأة مع زوجها فنوى العبد والمرأة إقامة أربعة أيام ولم ينو
السيد والزوج فوجهان حكاهما صاحب البيان وغيره (أحدهما) ينقطع رخصهما كغيرهما (والثاني)
لا ينقطع لأنه لا اختيار لهما في الإقامة فلغت نيتهما قال صاحب البيان ولو نوى الجيش الإقامة مع
الأمير ولم ينو هو فيحتمل انه على الوجهين (قلت) الأصح في الجميع انهم يترخصون لأنه لا يتصور
منهم الجزم بالإقامة *
(فرع) لو دخل مسافران بلدا ونويا إقامة أربعة أيام وأحدهما يعتقد جواز القصر مع نية الإقامة
أربعة أيام كمذهب أبي حنيفة والآخر لا يعتقده كره للآخر ان يقتدى به فان اقتدى به صح وإذا
363

قصر الامام لا تبطل صلاة المأموم لان المأموم لا يعتقد بطلان صلاة الامام الا إذا سلم من ركعتين
فيقوم المأموم قبل سلام الامام بنية المفارقة أو عقب سلامه ويتم صلاته كما لو فسدت صلاة الامام
بحدث وغيره هكذا ذكر الفرع الشافعي في الأم واتفق عليه الأصحاب *
(فرع) لو سافروا في البحر فركدت بهم الريح فأقاموا لانتظار هبوبها فهو كالإقامة لتنجيز
حاجة وقد سبق بيانه فلو فارقوا ذلك الموضع ثم ادارتهم الريح وردتهم إليه فأقاموا فيه
فهي إقامة جديدة تعتبر مدتها وحدها ولا تنضم إلى الأولى نص عليه الشافعي واتفق عليه
الأصحاب وهو ظاهر *
(فرع) قال الشافعي في الأم والأصحاب إذا خرج مسافرا إلى بلد تقصر إليه الصلاة ونوى انه
إذا وصله أقام فيه يوما فان لقى فلانا أقام فيه أربعة أيام وإن لم يلقه رجع فله القصر إلى ذلك البلد
فإن لم يلق فلانا فله القصر حتى يرجع وان لقيه لزمه الاتمام من حين لقيه عملا بنيته فلو نوى بعد أن
لقيه في ذلك البلد أن لا يقيم أكثر من ثلاثة أيام أو دونها لم يجز له القصر حتى يفارق بنيان
ذلك البلد نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب لأنه صار مقيما فلا يصير مسافرا الا بالشروع
في حقيقة السفر *
(فرع) في مذاهب العلماء في إقامة المسافر في بلد: قد ذكرنا أن مذهبنا انه ان نوى إقامة
أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج انقطع الترخص وان نوى دون ذلك لم ينقطع وهو مذهب
عثمان بن عفان وابن المسيب ومالك وأبى ثور وقال أبو حنيفة والثوري والمزني ان نوى إقامة خمسة
عشر يوما مع الدخول أتم وان نوى أقل من ذلك قصر قال ابن المنذر وروى مثله عن ابن
عمر قال وقال الأوزاعي وابن عمر في رواية عنه وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ان نوى إقامة
اثنى عشر يوما أتم وإلا فلا وقال ابن عباس وإسحاق بن راهويه ان نوى إقامة تسعة عشر يوما أتم وان
364

نوى دونها قصر وقال الحسن بن صالح ان نوى إقامة عشرة أيام أتم قال ابن المنذر وبه قال محمد بن علي
وقال إنس وابن عمر في رواية عنه وسعيد بن جبير والليث ان نوى أكثر من خمسة عشر
يوما أتم وقال احمد ان نوى إقامة تزيد على أربعة أيام أتم وان نوى أربعة قصر في أصح الروايتين
وبه قال داود وعن أحمد رواية انه ان نوى إقامة اثنتين وعشرين صلاة أتم وان نوى احدى وعشرين
قصر ويحسب عنده يوما الدخول والخروج قال ابن المنذر وروى عن بن المسيب قال إن قام
ثلاثا أتم قال وقال الحسن البصري يقصر الا ان يدخل مصرا من الأمصار وعن عائشة نحوه قال
وقال ربيعة ان نوى إقامة يوم وليلة أتم قال العبدري وحكى عن إسحاق بن راهويه انه يقصر ابدا
حتى يدخل وطنه أو بلدا له فيه أهل أو مال قال القاضي أبو الطيب وروى هذا عن ابن عمر وانس
اما إذا أقام في بلد لانتظار حاجة يتوقعها قبل أربعة أيام فقد ذكرنا أن الأصح عندنا انه يقصر
إلى ثمانية عشر يوما * وقال أبو حنيفة ومالك واحمد يقصر ابدا * وقال أبو يوسف ومحمد هو مقيم *
* قال المصنف رحمه الله *
365

(وان فاتته صلاة في السفر فقضاها في الحضر ففيه قولان قال في القديم له أن يقصر لأنها
صلاة سفر فكان قضاؤها كأدائها في العدد كما لو فاتته في الحضر فقضاها في السفر وقال في الجديد
لا يجوز له القصر وهو الأصح لأنه تخفيف تعلق بعذر فزال بزوال العذر كالقعود في صلاة المريض
وان فاتته في السفر فقضاها في السفر ففيه قولان (أحدهما) لا يقصر لأنها صلاة ردت من أربع إلى ركعتين
فكان من شرطها الوقت كصلاة الجمعة والثاني له أن يقصر وهو الأصح لأنه تخفيف تعلق
بعذر والعذر باق فكان التخفيف باقيا كالقعود في صلاة المريض وان فاتته في الحضر فقضاها
في السفر لم يجز له القصر لأنه ثبت في ذمته صلاة تامة فلم يجز له القصر كما لو نذر أن يصلي أربع
ركعات وقال المزني له أن يقصر كما لو فاته صوم في الحضر وذكره في السفر فان له أن يفطر وهذا
لا يصح لأن الصوم تركه في حال الأداء وكان له تركه وههنا في حال الأداء لم يكن له أن يقصر
366

فوزانه من الصوم أن يتركه من غير عذر فلا يجوز له تركه في السفر) *
(الشرح) قوله فكان قضاؤها كأدائها في العدد احتراز ممن فاتته في الصحة فقضاها في
المرض قاعدا أو بالتيمم * أما حكم الفصل فقال أصحابنا إذا فاتته صلاة في الحضر فقضاها في السفر
لم يجز القصر بلا خلاف بين الأصحاب الا المزني فجوز القصر وان فاتته في السفر فقضاها في الحضر
فقولان (أصحهما) باتفاق الأصحاب يلزمه الاتمام وهو نصه في الأم والاملاء (والثاني) له القصر
نص عليه في القديم فلو أدركته الصلاة في السفر فأقام وقد بقي بعض الوقت فلم يصلى حتى خرج
الوقت لزمه الاتمام قولا واحدا وإنما الخلاف إذا فاتت بكمالها في السفر صرح به البندنيجي وغيره:
أما إذا فاتته في السفر فقضاها في ذلك السفر فقولان (أصحهما) عند المصنف هنا وعند أبي إسحاق
المروزي والشيخ أبو حامد والماوردي والمحاملي وجمهور الأصحاب له القصر ونقل الرافعي أيضا
تصحيحه عن الأكثرين (والثاني) يلزمه الاتمام وصححه المصنف في التنبيه والبغوي والمتولي والمذهب
جواز القصر فعلى هذا لو فاتته في سفر فحضر ثم سافر سفرا آخر فقضي في السفر الباقي هل له القصر
فيه وجهان مشهوران للخراسانيين (أصحهما) له القصر وبه قطع الشيخ أبو حامد والبندنيجي وصاحب
الشامل وسائر العراقيين وجمع بعض أصحابنا الصور فقال إذا فاتته في السفر فأربعة أقوال (أظهرها)
ان قضي في سفر قصر وان قضي في حضر أتم (والثاني) يتم مطلقا (والثالث) يقصر مطلقا (والرابع)
ان قضى في ذلك السفر قصر وإلا فلا (فان قلنا) يتم مطلقا فشرع في صلاة في السفر فخرج الوقت في أثنائها
ففيه خلاف مبنى على أن الصلاة التي يقع بعضها في الوقت أداء أم قضاء وقد سبق بيانها في باب
مواقيت الصلاة والمذهب انه ان وقع في الوقت ركعة فأداء وإن كان دونها فقضاء فان قلنا قضاء
لم يقصر وان قلنا أداء قصر على الصحيح وبه قال الجمهور وفيه وجه قاله ابن القاص لا يقصر ولو فاته صلاة
وشك هل فاتت في الحضر أم السفر لم يجز القصر بلا خلاف لان الأصل الاتمام
367

(فرع) قال الشافعي رحمه الله في الأم لو نسي المسافر صلاة الظهر حتى دخل وقت العصر
فصلى العصر في أول وقتها ثم صار حاضرا في وقتها فقضى الظهر في أواخر وقت العصر لزمه اتمامها
قال الشيخ أبو حامد يلزمه اتمامها قولا واحدا ولا يكون على القولين فيمن نسبها في السفر فقضاها في
الحضر لان آخر وقت العصر هو وقت للظهر في حق المسافر فكأنه صلاها في وقتها وهو حاضر فلزمه
الاتمام هذا كلام أبي حامد وهو ضعيف مخالف لاطلاق الأصحاب ان من فاته صلاة في السفر
فقضاها في الحضر ففيه قولان وهذه فائتة سفر: وأما نصه في الأم فلا دلالة فيه لنفى الخلاف لأنه
في الأم يقول إن من فاته صلاة في السفر فقضاها في الحضر أتم ولم يذكر فيه في الأم خلافا وقد
قدمنا هذا عن الأم والشيخ أبى حامد ممن نقل ذلك عن الأم فالصحيح جريان القولين *
* قال المصنف رحمه الله *
(فأما إذا دخل وقت الصلاة وتمكن من فعلها ثم سافر فان له أن يقصر وقال المزني لا يجوز
ووافقه عليه أبو العباس لان السفر يؤثر في الصلاة كما يؤثر في الحيض ثم لو طرأ الحيض بعد الوجوب
والقدرة على فعلها لم يؤثر فكذا السفر والمذهب الأول لأن الاعتبار في صفة الصلاة بحال الأداء
لا بحال الوجوب والدليل عليه لو دخل عليه وقت الظهر وهو عبد فلم يصل حتى عتق صار
فرضه الجمعة وهذا في حال الأداء مسافر فوجب أن يقصر ويخالف الحيض لأنه يؤثر في اسقاط الفرض فلو أثر
ما طرأ منه بعد القدرة على الأداء أفضي إلى اسقاط الفرض بعد الوجوب والقدرة والسفر يؤثر في العدد فلا
يفضى إلى اسقاط الفرض بعد الوجوب ولان الحائض تفعل القضاء والقضاء يتعلق بالوجوب
والقدرة عليه والمسافر يفعل الأداء وكيفية الأداء تعتبر بحال الأداء والأداء في حال السفر وان سافر
بعد ما ضاق وقت الصلاة جاز له ان يقصر وقال أبو الطيب بن سلمة لا يقصر لأنه تعين عليه
صلاة حضر فلا يجوز له القصر والمذهب الأول لما ذكرناه مع المزني وأبى العباس وقوله إن تعينت
عليه صلاة حضر يبطل بالعبد إذا عتق في وقت الظهر وان سافر وقد بقي من الوقت أقل من قدر
الصلاة فان قلنا إنه مؤد لجميع الصلاة جاز له القصر وان قلنا إنه مؤد لما فعله في الوقت قاض لما يفعله
بعد الوقت لم يجز القصر *
(الشرح) إذا سافر في أثناء الوقت وقد مضي من الوقت ما يمكن فعل الصلاة فيه نص الشافعي
ان له قصرها ونص فيما إذا أدركت من أول الوقت قدر الامكان ثم حاضت انه يلزمها القضاء
368

وكذا سائر أصحاب الاعذار وللأصحاب طريقان قال ابن سريج في كل واحدة من المسألتين قولان
بالنقل والتخريج (أحدهما) يجب الاتمام على المسافر وتجب الصلاة على الحائض (والثاني) لا صلاة عليها
وله القصر وقال جمهور الأصحاب بظاهر النصين فأوجبوا الصلاة عليها وجوزوا له القصر وفرقوا
بما ذكره المصنف وان سافر بعد ضيق الوقت بحيث بقي قدر الصلاة قصر على المذهب وقال
ابن سلمة لا يقصر ودليلهما في الكتاب وإذا جمعت الصورتان قيل فيهما ثلاثة أوجه (الصحيح) القصر
(والثاني) الاتمام (والثالث) ان ضاق الوقت أتم والا قصر وان سافر وقد بقي دون قدر الصلاة فان
قلنا كلها أداء قصر وإلا فلا ولو مضي من الوقت دون قدر الصلاة ثم سافر قال امام الحرمين
ينبغي أن يمتنع القصر ان قلنا يمتنع لو مضى زمن يسع الصلاة بخلاف ما لو حاضت وقد مضي زمن
لا يسعها فإنه لا يلزمها قضاء الصلاة على المذهب كما سبق قال والفرق ان عروض السفر لا ينافي اتمام
الصلاة وعروض الحيض ينافيه وهذا الذي ذكره امام الحرمين شاذ مردود فقد اتفق الأصحاب
على أنه إذا سافر قبل أن يمضى من الوقت زمن يسع تلك الصلاة جاز له القصر بلا خلاف
صرح به الشيخ أبو حامد والقاضي وأبو الطيب والأصحاب ونقل القاضي أبو الطيب اجماع
المسلمين أنه يقصر قالوا وإنما الخلاف إذا مضى قدر الصلاة قبل أن يسافر والفرق انه إذا
مضي قدرها صار في معنى من فاتته صلاة في الحضر ولا يوجد هذا المعنى فيمن سافر قبل مضى
قدرها بكماله والله أعلم: ومتي سافر وقد بقي من الوقت شئ وقلنا له القصر فلم يصلها حتى فاتت
في السفر فقضاها في السفر أو الحضر بعده فهي فائتة سفر ففي جواز قصرها الخلاف السابق صرح
به البندنيجي وغيره: هذا مختصر حكم المسألة وفيها إشكال على لفظ المصنف فإنه نقل هنا عن المزني
أنه قال لا يجوز القصر وذكر قبل هذا عن المزني إذا فاتته في الحضر فقضاها في السفر قصر وهذا
تناقض لأنه إذا أباح القصر بعد فوات الوقت في الحضر ففي أثنائه أولي وجوابه ان المزني لم يذكر
منع القصر هنا مذهبا له وإنما ذكره إلزاما للشافعي فقال قياس قول الشافعي في مسألة الحائض وما
عرف من مذهبه ان الصلاة تجب بأول الوقت انه لا يجوز القصر وليس المراد أن المزني يعتقد هذا
ويدل على صحة هذا الجواب ان المزني قال في مختصره قال الشافعي وان خرج في آخر وقت الصلاة
قصر وإن كان بعد الوقت لم يقصر قال المزني أشبه بقوله ان يتم لأنه يقول في المرأة إذا حاضت وذكر
المسألة فهذا لفظه وهو صريح فيما ذكرته واما قول المصنف ووافقه أبو العباس فمراده ان أبا العباس
369

خرج وجها على وفق ايراد المزني كما ذكرناه من تخريج أبى العباس من الحائض إلى المسافر وعكسه
وقد أوضح ذلك القاضي أبو الطيب في تعليقه فقال ذكر أبو العباس في الحائض والمسافر في أثناء الوقت
ثلاثة أوجه (أحدها) له القصر ولا قضاء عليها (والثاني) يلزمه الاتمام ويلزمه القضاء (والثالث) له القصر
وعليها القضاء وهو المذهب والمنصوص وقد ذكر صاحب البيان ان النقل عن أبي العباس متناقض
ويندفع تناقضه بما ذكرته: واما قول المصنف يبطل بالعبد إذا أعتق في وقت الظهر فمعناه لو أعتق يوم
الجمعة وقد بقي من وقت الظهر أربع ركعات ولم يكن صلاها وأمكنت الجمعة لزمته وإن كان قد تعين
عليه فعل الظهر وهذا يدل على أن الاعتبار في صفة الصلاة بحال الفعل لا بتعين الفعل والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء إذا فاتته صلاة في الحضر فقضاها في السفر لزمه الاتمام عندنا وعند
أبي حنيفة ومالك واحمد والجمهور وقال الحسن البصري والمزني يقصر: ولو فاتته في السفر فقضاها في الحضر
فالأصح عندنا يلزمه الاتمام كما سبق وبه قال الأوزاعي واحمد واسحق وداود وقال مالك وأبو حنيفة
يقصر ولو سافر في أثناء الوقت وقد تمكن من تلك الصلاة فله قصرها في السفر عندنا وعند أبي حنيفة
ومالك والجمهور وفيه التخريج السابق عن المزني وابن سريج ودليل الجميع في الكتاب *
* قال المصنف رحمه الله *
(يجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في السفر الذي يقصر فيه الصلاة لما روى
ابن عمر رضي الله عنهما قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جدبه السير جمع بين المغرب والعشاء "
وروى أنس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يجمع بين الظهر والعصر " وفى السفر الذي لا يقصر
فيه الصلاة قولان أحدهما يجوز لأنه سفر يجوز فيه التنفل على الراحلة فجاز فيه الجمع كالسفر الطويل
(والثاني) لا يجوز وهو الصحيح لأنه اخراج عبادة عن وقتها فلم يجز في السفر القصير كالفطر في الصوم) *
(الشرح) حديث ابن عمر وحديث أنس رواهما البخاري ومسلم وجد به السير أسرع ومذهبنا
جواز الجمع بين الظهر والعصر في وقت أيتهما شاء وبين المغرب والعشاء في وقت أيتهما شاء ولا يجوز
جمع الصبح إلى غيرها ولا المغرب إلى العصر بالاجماع ولا يجوز الجمع في سفر معصية وقد سبق
ايضاحه في أول الباب ويجوز الجمع في السفر الذي تقصر فيه الصلاة وفى القصير قولان مشهوران ذكر
المصنف دليلهما (أصحهما) باتفاق الأصحاب لا يجوز وهو نص الشافعي في كتبه الجديدة والقديمة جوازه
قال القاضي أبو الطيب في المجرد وغيره من أصحابنا وقال أبو إسحاق المروزي لا يجوز قولا واحدا ولعله
370

لم يبلغه نصه في القديم وقد سبق في هذا الباب وفى باب مسح الخف ان رخص السفر ثمان منهما مختص بالطويل
وجائز فيهما ومختلف فيه واما الحجاج من الآفاق فيجمعون بين الظهر والعصر بعرفات في وقت الظهر
وبين المغرب والعشاء بمزدلفة في وقت العشاء بالاجماع وفى سبب هذا الجمع وجهان لأصحابنا مشهوران
في كتب الخراسانيين (الصحيح) منهما أنه بسبب السفر وبه قطع معظم العراقيين (والثاني) بسبب النسك
وبه قطع الماوردي في كتاب الحج فان قلنا بالسفر ففي جمع المكي القولان في السفر القصير ولا يجمع
العرفي بعرفات ولا المزدلفة لأنه وطنه وهل يجمع كل واحد بالبقعة الأخرى فيه القولان كالمكي
وان قلنا بالثاني جاز الجمع لكلهم وقال بعض الأصحاب عبارة أخرى فقال في جمع المكي قولان
(الجديد) منعه (والقديم) جوازه وعلى القديم في العرفي والمزدلفي بموضعه وجهان والمذهب منع الجمع في حق
جميعهم وحكم البقعتين في الجمع حكم سائر الاسفار فيتخير في التقديم والتأخير لكن الأفضل في عرفات
التقديم وفى المزدلفة التأخير كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في الجمع بالسفر قد ذكرنا أن مذهبنا جوازه في وقت الأولى وفى وقت
الثانية وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف حكاه ابن المنذر عن سعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد
وابن عمر وابن عباس وأبي موسى الأشعري وطاوس ومجاهد وعكرمة ومالك واحمد واسحق وأبي ثور
وهو قول أبى يوسف ومحمد بن الحسن وحكاه البيهقي عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم
ا ورواه عن زيد بن أسلم وربيعة ومحمد بن المنكدر وأبى الزناد وأمثالهم قال وهو من الأمور
المشهورة المستعملة فيما بين الصحابة والتابعين * وقال الحسن البصري وابن سيرين ومكحول والنخعي
وأبو حنيفة وأصحابه لا يجوز الجمع بسبب السفر بحال وإنما يجوز في عرفات في وقت الظهر وفى المزدلفة
في وقت العشاء بسبب النسك للحاضر والمسافر ولا يجوز غير ذلك وحكاه القاضي أبو الطيب وغيره
عن المزني * واحتج لهم بأحاديث المواقيت وبقوله صلى الله عليه وسلم " ليس في النوم تفريط إنما التفريط
على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الأخرى " رواه مسلم وسبق في المواقيت وعن ابن عمر قال " ما جمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء قط في السفر الا مرة " رواه أبو داود وعن ابن مسعود
قال " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلي صلاة بغير ميقاتها الا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء
وصلي الفجر قبل ميقاتها " رواه البخاري ومسلم يعنى الجمع بالمزدلفة وصلاة الصبح وقياسا على جمع المقيم
وجمع المريض وجمع المسافر سفرا قصيرا * واحتج أصحابنا بالأحاديث الصحيحة المشهورة في الجمع في
371

أسفار النبي صلى الله عليه وسلم منها حديث ابن عمر قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء
إذ جدبه السير " رواه البخاري ومسلم وعن أنس قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن
تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما فان زاغت قبل أن يرتحل صلي الظهر
ثم ركب " رواه البخاري ومسلم وعن أنس قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين
في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما " رواه مسلم وعن نافع أن ابن عمر كان
إذا جدبه السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق ويقول " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
إذا جدبه السير جمع بين المغرب والعشاء " رواه مسلم ورواه البخاري بمعناه من رواية سالم بن عمر وعن
أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم " انه إذا عجل عليه السفر يؤخر الظهر إلى وقت العصر ويؤخر المغرب حتى
يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق " رواه مسلم وعن معاذ ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان في
غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر وإن ترحل قبل أن تزيغ الشمس أخر
الظهر حتى ينزل للعصر وفي المغرب مثل ذلك إذا غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء وإن
يرتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما " رواه أبو داود والترمذي وقال
حديث حسن وقال البيهقي هو محفوظ صحيح وعن انس قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في
سفر فزالت الشمس صلى العصر والظهر جميعا ثم ارتحل " رواه الإسماعيلي والبيهقي باسناد صحيح قال امام
الحرمين في الأساليب في اثبات الجمع أخبار صحيحة هي نصوص لا يتطرق إليها تأويل ودليله في المعنى
الاستنباط من صورة الاجماع وهي الجمع بعرفات والمزدلفة فإنه لا يخفى أن سببه احتياج الحجاج إليه لاشتغالهم
بمناسكهم وهذا المعنى موجود في كل الاسفار ووجدنا الرخص لا يستدعى ثبوتها نسكا ولكنها
تثبت في الاسفار المباحة كالقصر والفطر ثم لا يلزم الافراد المترفهين في السفر فانا لو تتبعنا
ذلك عسرت الرخصة وضاق محلها وتطرق إلى كل مترخص امكان الرفاهية فاعتبر الشرع
فيه كون السفر مظنة للمشقة ولم ينظر إلى أفراد الأشخاص والأحوال وبهذا تمت الرخصة
واستمرت التوسعة قال (فان قيل) الرخصة ثبتت غير معللة والمتبع فيها الشرع ولو عللت بالمشقة
لكان المريض أحق برخصة القصر (قلنا) المريض يصلى قاعدا أو مضطجعا إذا عجز وهذه الرخصة هي
اللائقة بحاله فالاكتفاء بالقعود منه وهو بلا شغل كالمقيم الذي يصلي قائما وأما المسافر فعليه أفعال
في غالب الأحوال وقد يعسر عليه اتمام الصلاة فخفف له بالقصر والجمع (فان قيل) المريض أحوج
372

إلى الجمع من المسافر وأنتم لا تجوزونه (قلنا) الاتيان بصلاتين متعاقبتين أفعال كثيرة وقد يشق على المريض موالاتها ولعل تفريقها أهون عليه والمسافر يشق عليه النزول للصلاة حال سير القوافل وقد
يؤدى إلى ضرره ولا يخفى على منصف ان الجمع أرفق من القصر فان القائم إلى الصلاة لا يشق
عليه ركعتان يضمهما إلى ركعتيه ورفق الجمع واضح: وأما الجواب عن احتجاجهم بأحاديث المواقيت
فهو انها عامة في الحضر والسفر وأحاديث الجمع خاصة بالسفر فقدمت وبهذا يجاب أيضا عن
حديث " ليس في النوم تفريط " فإنه عام أيضا (والجواب) عن حديث أبي داود عن ابن عمر أن
أبا داود قال روى موقوفا على ابن عمر من فعله وقد قدمنا ان الحديث إذا روى مرفوعا وموقوفا هل
يحتج به فيه خلاف مشهور للسلف فان سلمنا الاحتجاج به فجوابه أن الروايات المشهورة في الصحيحين
وغيرهما عن ابن عمر صريحة في اخباره عن جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجب تأويل هذه
الرواية وردها ويمكن ان يتأول على أنه لم يره يجمع في حال سيره إنما يجمع إذا نزل أو كان نازلا في
وقت الأولى: واما حديث ابن مسعود فجوابه انه نفى فالاثبات الذي ذكرناه في الأحاديث الصحيحة
مقدم عليه لان مع رواتها زيادة علم والجواب عن جمع المقيم أنه لا يلحقه مشقة والجواب عن المريض
سبق في كلام امام الحرمين والجواب عن السفر القصير إذا سلمنا امتناع الجمع فيه أنه في معنى الحضر
فإنه لا يعظم المشقة فيه (فان قيل) فالسفر القصير يبيح التيمم بلا إعادة على الصحيح عندكم (فجوابه)
ان مدار التيمم على اعواز الماء وهو يعدم في القصير غالبا كالطويل والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(ويجوز الجمع بينهما في وقت الأولة منهما وفى وقت الثانية غير أنه إن كان نازلا في وقت
الأولة فالأفضل أن يقدم الثانية وإن كان سائرا فالأفضل ان يؤخر الأولة إلى وقت الثانية لما روى
عن ابن عباس قال " ألا أخبركم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس وهو في
المنزل قدم العصر إلى وقت الظهر ويجمع بينهما في الزوال " وإذا سافر قبل الزوال أخر الظهر إلى
وقت العصر ثم جمع بينهما في وقت العصر ولان هذا ارفق بالمسافر فكان أفضل) *
(الشرح) حديث ابن عباس رواه البيهقي باسناد جيد وله شواهد وسبق معناه في الأحاديث
الصحيحة في فرع مذاهب العلماء في الجمع وهذا الحكم الذي ذكره المصنف متفق عليه *
* قال المصنف رحمه الله *
(فان أراد الجمع في وقت الأولة لم يجز الا بثلاثة شروط (أحدها) ان ينوى الجمع وقال المزني
الجمع من غير نية الجمع وهذا خطأ لأنه جمع فلا يجوز من غير نية كالجمع في وقت الثانية ولان
373

العصر قد يفعل في وقت الظهر على وجه الخطأ فلا بد من نية الجمع ليتميز التقديم المشروع من غيره
وفى وقت النية قولان (أحدهما) يلزمه ان ينوى عند ابتداء الأولة لأنها نية واجبة للصلاة فلا يجوز
تأخيرها عن الاحرام كنية الصلاة ونية القصر (والثاني) يجوز ان ينوى قبل الفراغ من الأولى
وهو الأصح لأن النية تقدمت على حال الجمع فأشبه إذا نوى عند الاحرام (والشرط الثاني) الترتيب
وهو ان يقدم الأولى ثم يصلى الثانية لان الوقت للأولى وإنما يفعل الثانية تبعا للأولى فلا بد من
تقديم المتبوع (والشرط الثالث) التتابع وهو أن لا يفرق بينهما والدليل عليه انهما كالصلاة الواحدة
فلا يجوز ان يفرق بينهما كما لا يجوز ان يفرق بين الركعات في صلاة واحدة فان فصل بينهما بفصل
طويل بطل الجمع وان فصل بينهما بفصل يسير لم يضر وان اخر الأولى إلى الثانية لم يصح الا بالنية
لأنه قد يؤخر للجمع وقد يؤخر لغيره فلا بد من نية يتميز بها التأخير المشروع عن غيره ويجب ان
ينوى في وقت الأولى واما الترتيب فليس بواجب لان وقت الثانية وقت الأولى
فجاز البداءة بما شاء منهما وأما التتابع فلا يجب لان الأولى مع الثانية كصلاة فائتة مع صلاة
حاضرة فجاز التفريق بينهما) *
(الشرح) قال الشافعي والأصحاب إذا أراد المسافر الجمع في وقت الأولى اشترط لصحته ثلاثة
أمور أحدها الترتيب فيجب تقديم الأولى لان الثانية تابعة لها فوجب تقديم المتبوع ولان النبي
صلى الله عليه وسلم جمع هكذا وقال صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " فلو بدأ بالثانية لم يصح وتجب
اعادتها بفعل الأولى جامعا ولو صلى الأولى ثم الثانية فبان فساد الأولى فالثانية فاسدة أيضا ويعيدهما جامعا
(الأمر الثاني) نية الجمع وهي شرط لصحة الجمع على المذهب وقال المزني وبعض الأصحاب لا تشترط لان النبي
صلى الله عليه وسلم جمع ولم ينقل انه نوى الجمع ولا أمر بنيته وكان يجمع معه من تخفى عليه هذه النية فلو وجبت
لبينها ودليل المذهب ان الصلاة الثانية قد تفعل في وقت الأولى جمعا وقد تفعل سهوا فلا بد من نية تميزها
فإذا قلنا بالمذهب ففي وقت النية نصان مختلفان قال أصحابنا العراقيون والخراسانيون قال الشافعي
في الجمع بالمطر ينوى عند الاحرام بالأولى وقال في الجمع بالسفر إذا نوى قبل التسليم أو معه كان
له الجمع وللأصحاب طريقان حكاهما القاضي حسين في تعليقه والبغوي والسرخسي وغيرهم (أحدهما) تقرير
النصين فيجب في المطر ان ينوى في الاحرام لان استدامة المطر في أثناء الصلاة ليست بشرط للجمع فلم
يمكن محلا لنيته وفى السفر تجوز النية قبل الفراغ من الأولى لان استدامته شرط فكانت محلا للنية (والطريق
الثاني) وهو المشهور وبه قطع الجمهور في المسألتين قولان (أحدهما) لا تجوز النية فيهما جميعا الا عند الاحرام
374

بالأولى كنية القصر (وأصحهما) باتفاق الأصحاب يجوز مع الاحرام بالأولى أو في أثنائها أو مع التحلل منها
ولا يجوز بعد التحلل وحكى الخراسانيون وغيرهم وجها أنه يجوز في أثنائها ولا يجوز مع التحلل ووجها أنه
يجوز بعد التحلل من الأولى قبل الاحرام بالثانية وهو قول خرجه المزني للشافعي وهو قوي قال الدارمي
ولو نوى الجمع ثم نوى تركه في أثناء الأولى ثم نوى الجمع ثانيا ففيه القولان (الأمر الثالث) الموالاة
والمذهب الصحيح المنصوص للشافعي وقطع به المصنف والجمهور اشتراطها وفيه وجه انه يجوز الجمع
وان طال الفصل بينهما ما لم يخرج وقت الأولى حكاه أصحابنا عن أبي سعيد الإصطخري وحكاه
الرافعي عنه وعن أبي على الثقفي من أصحابنا ونص الشافعي في الأم انه لو صلي المغرب في بيته
بنية الجمع ثم اتي المسجد فصلى العشاء جاز وهذا نص مؤول عند الأصحاب والمشهور اشتراط
الموالاة وعليه التفريع لان الجمع يجعلهما كصلاة واحدة فوجبت الموالاة كركعات الصلاة قال أصحابنا
فعلى هذا لا يضر الفصل اليسير ويضر الطويل وفى حد الطويل والقصير وجهان قال الصيدلاني حد أصحابنا
القصير بقدر الإقامة وهذا ضعيف والصحيح ما قاله العراقيون أن الرجوع في ذلك إلى العرف وقد يقتضى
العرف احتمال الزيادة على قدر الإقامة ولهذا قال جمهور الأصحاب يجوز الجمع بين الصلاتين بالتيمم وقالوا
لا يضر الفصل بينهما بالطلب والتيمم لكن يخفف الطلب وقال أبو إسحاق المروزي لا يجوز الجمع
بالتيمم لحصول الفصل بالطلب وخالفه الأصحاب وقالوا هذا فصل يسير وقد سبقت المسألة في باب
التيمم وقال القاضي أبو الطيب في المجرد اعتبر الشافعي في الفصل المانع من الجمع الفصل المانع من بناء
الصلاة بعضها على بعض إذا سلم ناسيا وعليه ركعة ثم أراد بناءها قال فكل ما منع البناء منع الجمع وما لا فلا
قال أصحابنا لو صلي بينهما ركعتين سنة راتبة بطل الجمع على المذهب وقول الجمهور وقال الإصطخري
لا يبطل قال أصحابنا ومتى طال الفصل امتنع ضم الثانية إلى الأولى ويتعين تأخيرها إلى وقتها سواء
طال بعذر كالسهو والاغماء ونحوهما أم بغيره ولو جمع ثم تذكر بعد فراغه منهما أنه ترك ركنا من
الأولى بطلتا جميعا وله اعادتهما جامعا لان الأولى لم تصح فوجودهما كالعدم وان تذكر انه ترك ركنا
من الثانية دون الأولى فان قرب الفصل بني عليها ومضت الصلاتان على الصحة وان طال بطلت
الثانية وتعذر الجمع لطول الفصل بفعل الثانية الباطلة ويتعين فعلها في وقتها ولو لم يدر اتركه من
375

الأولى أم الثانية لزمه اعادتهما لاحتمال الترك من الأولى ولا يجوز الجمع على المشهور لاحتمال الترك من
الثانية وحكي الخراسانيون قولا انه يجوز الجمع تخريجا مما إذا أقيمت جمعتان في بلد وجهل أسبقهما
ففي قول يجوز إعادة الجمعة والمذهب امتناع الجمع هذا كله في الجمع في وقت الأولى فان أراده في
وقت الثانية قال الأصحاب يجب أن يكون التأخير بنية الجمع وتشترط هذه النية في وقت الأولى بحيث
يبقى من وقتها قدر يسعها أو أكثر فان أخر بغير نية الجمع حتى خرج الوقت أو ضاق بحيث لا يسع
الفرض عصى وصارت الأولى قضاء يمتنع قصرها إذا منعنا قصر المقضية في السفر وأما الترتيب
ونية الجمع حال الصلاة والموالاة ففيهما طريقان (الصحيح) منهما وبه قطع العراقيون ونص عليه الشافعي
انها كلها مستحبة ليست بواجبة فلو تركها كلها صح الجمع (والطريق الثاني) قاله الخراسانيون فيه
وجهان (الصحيح) هذا (والثاني) أنها واجبات حتى لو أخل بواحد منها صارت الأولى قضاء لا يجوز قصرها
إذا لم نجوز قصر مقضية السفر والمذهب الأول واستدل له الشافعي والبيهقي وغيرهما بحديث أسامة
ابن زيد رضي الله عنهما قال " دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ
ثم أقيمت الصلاة فصلي المغرب ثم أناخ كل انسان بعيره في منزله ثم أقيمت العشاء فصلاها ولم يصل بينهما
شيئا " رواه البخاري ومسلم والله أعلم *
(فرع) في مسائل تتعلق بجمع المسافر (إحداها) إذا جمع تقديما فصار في أثناء الأولى أو قبل
شروعه في الثانية مقيما بنية الإقامة أو وصول سفينته دار الإقامة بطل الجمع فيتعين تأخير الثانية إلى وقتها
أما الأولى فصحيحة لأنها في وقتها غير تابعة ولو صار مقيما في أثناء الثانية فوجهان حكاهما الفوراني
والقاضي حسين والسرخسي والبغوي وآخرون من الخراسانيين (أحدهما) يبطل الجمع كما يمتنع القصر
بالإقامة في أثنائها وبهذا قطع القاضي أبو الطيب في المجرد والمتولي في التتمة فعلى هذا هل تبطل الثانية
376

أم تنقلب نفلا فيه القولان في نظائرها (أصحهما) ينقلب نفلا وقد سبقت هذه القاعدة في أول صفة الصلاة
(والثاني) من الوجهين وهو الأصح عند الرافعي وبهذا قطع القاضي أبو الطيب في المجرد والمتولي في التتمة لا يبطل
الجمع لأنها صلاة انعقدت على صفة فلم تتغير بعارض كصلاة المتيمم في السفر إذا رأى الماء فيها ويخالف القصر
فان الاتمام لا يبطل فرضية ما مضي أما إذا صار مقيما بعد فراغه من الثانية فان قلنا الإقامة في أثنائها لا تؤثر في الجمع
فهنا أولى والا فوجهان حكاهما الفوراني والقاضي حسين وامام الحرمين والمتولي والبغوي وآخرون (أصحهما) لا
يبطل الجمع كما لو قصر ثم أقام وبهذا قطع القاضي أبو الطيب في كتابه المجرد وغيره من العراقيين والثاني تبطل
ويلزمه إعادة الثانية في وقتها لزوال السفر الذي هو سبب الجمع قال البغوي والمتولي وآخرون الخلاف
فيما إذا أقام بعد فراغه من الصلاتين في وقت الأولى أو في الثانية قبل مضى امكان فعلها فان أقام في
وقت الثانية بعد امكان فعلها لم تجب اعادتها بلا خلاف وصرح امام الحرمين بجريان الخلاف مهما
بقي من وقت الثانية شئ هذا كله إذا جمع تقديما أما إذا جمع في وقت الثانية فصار مقيما بعد فراغهما
لم يضر بالاتفاق وإن كان قبل الفراغ من الأولى صارت قضاء ذكره المتولي والرافعي فإن كانت
الإقامة في أثناء الثانية ينبغي أن تكون الأولى أداء بلا خلاف (الثانية) قال أصحابنا إذا جمع كانت
377

الصلاتان أداء سواء جمع تقديما أو تأخيرا وحكي الغزالي وغيره وجها انه إذا جمع تأخيرا فالمؤخرة
قضاء والصحيح الأول وبه قطع الجمهور (الثالثة) قال أصحابنا يستحب للجامع فعل السنن الراتبة
ويستحب ذلك للقاصر أيضا وقد سبق ذلك في آخر باب صلاة التطوع وسنبسط المسألة في آخر باب
آداب السفر الذي سنذكره إن شاء الله تعالى قريبا ونذكر هناك متي يصليها ومذاهب العلماء في استحبابها
في السفر (الرابعة) قال الغزالي في البسيط والمتولي في التتمة وغيرهما الأفضل ترك الجمع بين الصلاتين
ويصلى كل صلاة في وقتها قال الغزالي لا خلاف أن ترك الجمع أفضل بخلاف القصر قال والمتبع في
الفضيلة الخروج من الخلاف في المسألتين يعني خلاف أبي حنيفة وغيره ممن أوجب القصر وأبطل الجمع
وقال المتولي ترك الجمع أفضل لان فيه اخلاء وقت العبادة من العبادة فأشبه الصوم والفطر (الخامسة)
قال المتولي لو شرع في الظهر في البلد في سفينة فسارت فصار فيها في السفر فنوى الجمع فان قلنا يشترط
فيه الجمع حال الاحرام لم يصح جمعه والا فيصح لوجود السفر وقت النية *
* قال المصنف رحمه الله *
(يجوز الجمع بين الصلاتين في المطر في وقت الأولة منهما لما روى ابن عباس قال " صلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء جمعا من غير خوف ولا سفر " قال مالك أرى
ذلك في المطر وهل يجوز أن يجمع بينهما في وقت الثانية فيه قولان قال في الاملاء يجوز كالجمع في
السفر وقال في الأم لا يجوز لأنه إذا أخر ربما انقطع المطر فجمع من غير عذر *
(فصل) فإذا دخل في الظهر من غير مطر ثم جاء المطر لم يجز له الجمع لان سبب الرخصة حدث بعد
الدخول فلم يتعلق به كما لو دخل في صلاة ثم سافر فان أحرم بالأولى مع المطر ثم انقطع في أثنائها ثم عاد
قبل أن يسلم ودام حتى أحرم بالثانية جاز الجمع لان العذر موجود في حال الجمع وان عدم فيما سواهما من
الأحوال لم يضر لأنه ليس بحال الدخول ولا بحال الجمع *
(فصل) ولا يجوز الجمع الا في مطر يبل الثياب وأما المطر الذي لا يبل الثياب فلا يجوز الجمع
لأجله لأنه لا يتأذى به وأما الثلج فإن كان يبل الثياب فهو كالمطر وإن لم يبل الثياب لم يجز الجمع لأجله
فأما الوحل والريح والظلمة والمرض فلا يجوز الجمع لأجلها فإنها قد كانت في زمان النبي صلى الله عليه
وسلم ولم ينقل انه جمع لأجلها وإن كان يصلي في بيته أو في مسجد ليس في طريقه إليه مطر ففيه قولان قال
في القديم لا يجوز لأنه لا مشقة عليه في فعل الصلاة في وقتها وقال في الاملاء يجوز لان النبي صلى الله عليه وسلم
كان يجمع في المسجد وبيوت أزواجه إلى المسجد وبجنب المسجد)
378

(الشرح) حديث ابن عباس رضي الله عنهما رواه البخاري ومسلم وزاد فيه قيل لابن
عباس لم فعل ذلك قال أراد أن لا يحرج أمته وقوله قال مالك أرى ذلك - هو بضم الهمزة - أي أظنه
وهو مالك بن انس الامام وقال الشافعي أيضا مثله ولكن هذا التأويل مردود برواية في صحيح
مسلم وسنن أبي داود عن ابن عباس جمع " رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة
من غير خوف ولا مطر " وهذه الرواية من رواية حبيب بن أبي ثابت وهو امام متفق على توثيقه
وعدالته والاحتجاج به قال البيهقي هذه الرواية لم يذكرها البخاري مع أن حبيب ابن أبي ثابت
من شرطه قال ولعله تركها لمخالفتها رواية الجماعة قال البيهقي ورواية الجماعة بأن تكون محفوظة أولى
يعني رواية الجمهور من غير خوف ولا سفر قال وقد روينا عن ابن عباس وابن عمر الجمع في المطر
وذلك تأويل من تأوله بالمطر قال البيهقي في معرفة السنن والآثار وقول ابن عباس أراد أن
لا يحرج أمته قد يحمل على المطر أي لا يلحقهم مشقة بالمشي في الطين إلى المسجد وأجاب الشيخ
379

أبو حامد في تعليقه عن رواية من غير خوف ولا مطر بجوابين (أحدهما) معناه ولا مطر كثير (والثاني)
انه يجمع بين الروايتين فيكون المراد برواية من غير خوف ولا سفر الجمع بالمطر والمراد برواية
ولا مطر الجمع المجازي وهو ان يؤخر الأولى إلى آخر وقتها ويقدم الثانية إلى أول وقتها هذا كلام
أبي حامد ويؤيد هذا التأويل الثاني ان عمرو بن دينار روى هذا الحديث عن أبي الشعشاء عن ابن
عباس وثبت في الصحيحين عن عمر وابن دينار قال قلت يا أبا الشعشاء أظنه أخر الظهر عجل
العصر واخر المغرب وعجل العشاء قال وانا أظن ذلك وأجاب القاضي أبو الطيب في تعليقه والشيخ
أبو نصر في تهذيبه وغيرهما بان قوله ولا مطر أي ولا مطر مستدام فلعله انقطع في أثناء الثانية ونقل
صاحب الشامل هذا الجواب عن أصحابنا وأجاب الماوردي بأنه كان مستظلا بسقف ونحوه وهذه
التأويلات كلها ليست ظاهرة والمختار ما أجاب به البيهقي وقول المصنف وإن كان يصلى في بيته
أو في مسجد ليس في طريقه إليه مطر ففيه قولان قال في القديم لا تجوز وقال في الاملاء تجوز هكذا
وقع في نسخ المهذب في القديم لا يجوز وفي الاملاء يجوز وقال مثل قوله المحاملي في المجموع
واما جمهور الأصحاب فقالوا قال في الأم لا يجوز وقال في الاملاء يجوز فلم يذكروا القديم فحصل
من نقل المصنف والمحاملي مع نقل الجمهور ان الجواز مختص بالاملاء والمنع منصوص في الأم
والقديم ومعلوم ان الاملاء من الكتب الجديدة وقد يتوهم من لا يرى كلام الأصحاب من عبارة
المصنف ان جواز الجمع أصح من منعه حيث ذكر الجواز عن الاملاء وهو جديد والمنع عن
القديم ومعلوم ان الأصح هو الجديد الا في مسائل قليلة سبق بيانها في مقدمة هذا الشرح ليست
هذه منها وليس هذا التوهم صحيحا بل الأصح منع الجمع كما سنوضحه إن شاء الله تعالى وقوله
الوحل هو بفتح الحاء على اللغة المشهورة ولم يذكر الجمهور غيرها وحكي الجوهري وغيره اسكانها
380

أيضا وقوله لأجلها قد سبق ان المعروف في اللغة من أجلها وانه بفتح الهمزة وكسرها أما حكم
المسألة فقال الشافعي والأصحاب يجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المطر وحكي
امام الحرمين قولا انه يجوز بين المغرب والعشاء في وقت المغرب ولا يجوز بين الظهر والعصر
وهو مذهب مالك وقال المزني لا يجوز مطلقا والمذهب الأول وهو المعروف من نصوص الشافعي
قديما وجديدا وبه قطع الأصحاب قال أصحابنا وسواء قوى المطر وضعيفه إذا بل الثوب قال
أصحابنا والثلج والبرد إن كانا يذوبان ويبلان الثوب جاز الجمع وإلا فلا هكذا قطع به الجمهور في
الطريقتين وهو الصواب وحكى صاحب التتمة وجها أنه يجوز الجمع بالثلج وإن لم يذب ولم يبل الثياب
وهو شاذ غلط وحكى امام الحرمين والغزالي وجها أنه لا يجوز الجمع بالثلج والبرد مطلقا وهو وجه ضعيف
خرجه القاضي حسين في تعليقه اتباعا لاسم المطر وهذا شاذ ضعيف أو باطل فان اسم المطر ليس منصوصا
عليه حتى يتعلق به فوجب اعتبار المعنى واما الشفان - بفتح الشين المعجمة وتشديد الفاء فقال أهل اللغة
هو برد ريح فيها ندوة فإذا بل الثوب جاز الجمع هذا هو الصواب في تفسيره وحكمه وقد قال البغوي
والرافعي انه مطر وزيادة فيجوز الجمع والصواب ما قدمته واما الوحل والظلمة والريح والمرض والخوف
فالمشهور من المذهب انه لا يجوز الجمع بسببها وبه قطع المصنف والجمهور وقال جماعة من أصحابنا بجوازه
وسنفرد في ذلك فرعا مبسوطا بادلته إن شاء الله تعالى: قال أصحابنا والجمع بعذر المطر وما في معناه
من الثلج وغيره يجوز لمن يصلى جماعة في مسجد يقصده من بعد ويتأذى بالمطر في طريقة فاما من يصلى
في بيته منفردا أو جماعة أو يمشي إلى المسجد في كن أو كان المسجد في باب داره أو صلى النساء في
بيوتهن أو الرجال في المسجد البعيد افرادا فهل يجوز الجمع فيه خلاف حكاه جماعة من الخراسانيين
وجهين وحكاه المصنف وسائر العراقيين وجماعات من الخراسانيين قولين (أصحهما) باتفاقهم لا يجوز
وهو نصه في الأم والقديم كما سبق ممن صححه امام الحرمين والبغوي والرافعي وقطع به المحاملي
في المقنع والجرجاني في التحريم لان الجمع جوز للمشقة في تحصيل الجماعة وهذا المعنى مفقود هنا والثاني
وهو نصه في الاملاء يجوز واحتج له المصنف وغيره بان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يجمع في بيوت
أزواجه إلى المسجد " أجاب الأولون عن هذا بان بيوت أزواجه صلى الله عليه وسلم تسعة وكانت مختلفة
381

منها بيت عائشة بابه إلى المسجد ومعظمها بخلاف ذلك فلعله صلى الله عليه وسلم في حال جمعه لم يكن
في بيت عائشة وهذا ظاهر فان احتمال كونه صلى الله عليه وسلم في الباقي أظهر من كونه في بيت عائشة
واما وقت الجمع فقال الأصحاب يجوز الجمع في وقت الأولى قولا واحدا وفى جوازه في وقت الثانية
قولان (أصحهما) عند الأصحاب لا يجوز وهو نص الشافعي في معظم كتبه الجديدة ونص في الاملاء
والقديم أنه يجوز وحكى جماعة من الخراسانيين الخلاف وجهين وعكس صاحب الإبانة حكم المسألة
فقال يجوز الجمع في وقت الثانية قولا واحدا وفى جوازه في وقت الأولى القولان واتفق الأصحاب
على تغليطه قال أصحابنا فإذا جمع في وقت الأولى اشترطت الشروط الثلاثة السابقة في جمع
المسافر ويشترط وجوب المطر في أول الصلاتين باتفاق الأصحاب الا وجها شاذا أو باطلا سنذكره
إن شاء الله تعالى انه لا يشترط في افتتاح الأولى وفي اشتراطه عند التحلل من الأولى طريقان
(أصحهما) وبه قطع العراقيون وأبو زيد والبغوي وآخرون يشترط وجها واحدا (والثاني) حكاه جماعة
من الخراسانيين فيه وجهان (أحدهما) هذا (والثاني) لا يشترط ونقله امام الحرمين عن معظم الأصحاب
وليس كما ادعي وأما انقطاعه فيما سوى هذه الأحوال الثلاث فلا يضر على الصحيح الذي نص عليه
الشافعي وقطع به الأصحاب في طرقهم ونقل امام الحرمين عن بعض المصنفين ويعني به صاحب
الإبانة أنه قال في انقطاعه في أثناء الثانية أو بعدها مع بقاء الوقت الخلاف السابق في طرء ان الإقامة
في جمع السفر وضعفه الامام وأنكره وقال إذا لم يشترط دوام المطر في الأولى فأولى أن لا يشترط
في الثانية وما بعدها وذكر أبو القاسم بن كج عن بعض الأصحاب أنه لو افتتح الأولى ولا مطر ثم
مطرت في أثنائها ففي جواز الجمع القولان في نية الجمع في أثناء الأولى واختار ابن الصباغ هذه
الطريقة وجزم بها صاحب التتمة وهذا شاذ مردود والمذهب ما قدمناه أما إذا أراد الجمع في وقت
382

الثانية وجوزناه فقال أصحابنا العراقيون يصلى الأولى مع الثانية سواء اتصل المطر إلى وقت الثانية
أم انقطع قبل وقتها هكذا صرح به المحاملي وآخرون من العراقيين ونقله صاحب البيان عن أصحابنا
كلهم وقال البغوي إذا انقطع قبل دخول وقت الثانية لم يجز الجمع بل يصلي الأولى في آخر وقتها
كالمسافر إذا أخر بنية الجمع ثم أقام قبل وقت الثانية قال الرافعي ومقتضي هذا أن يقال لو أنقطع
في وقت الثانية قبل فعلها امتنع الجمع وصارت الأولى قضاء كما لو صار مقيما والمذهب ما قدمناه عن
العراقيين * واحتجوا له بأنه جوز له التأخير فلا يتغير حاله *
(فرع) يجوز الجمع بين الجمعة والعصر في المطر ذكره ابن كج وصاحب البيان وآخرون فان قدم
العصر إلى الجمعة اشترط وجود المطر في افتتاح الصلاتين وفى السلام في الجمعة كما في غيرها قال
صاحب البيان ولا يشترط وجوده في الخطبتين لأنهما ليسا بصلاة بل شرط من شروط الجمعة فلم
يشترط المطر فيهما كما لا يشترط في الطهارة قال الرافعي وقد ينازع في هذا ذهابا إلى أن الخطبتين
بدل الركعتين قال صاحب البيان وآخرون فان أراد تأخير الجمعة إلى وقت العصر جاز إن جوزنا
تأخير الظهر إلى العصر فيخطب في وقت العصر ثم يصلي الجمعة ثم العصر ولا يشترط وجود المطر
وقت العصر كما سبق واستدلوا بان كل وقت جاز فيه فعل الظهر أداء جاز فعل الجمعة وخطبتيها *
(فرع) المشهور في المذهب والمعروف من نصوص الشافعي وطرق الأصحاب أنه لا يجوز الجمع
بالمرض والريح والظلمة ولا الخوف ولا الوحل وقال المتولي قال القاضي حسين يجوز الجمع بعذر
الخوف والمرض كجمع المسافر يجوز تقديما وتأخيرا والأولى أن يفعل أوفقهما به واستدل له المتولي
وقواه وقال الرافعي قال مالك واحمد يجوز الجمع بعذر المرض والوحل وبه قال بعض أصحابنا منهم
أبو سليمان الخطابي والقاضي حسين واستحسنه الروياني في الحلية قلت وهذا الوجه قوى جدا ويستدل
له بحديث ابن عباس قال " جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة من غير خوف ولا مطر "
383

رواه مسلم كما سبق بيانه ووجه الدلالة منه أن هذا الجمع أما أن يكون بالمرض وإما بغيره مما في معناه
أو دونه ولان حاجة المريض والخائف آكد من الممطور وقال ابن المنذر من أصحابنا يجوز الجمع
في الحضر من غير خوف ولا مطر ولا مرض وحكاه الخطابي في معالم السنن عن القفال الكبير
الشاشي عن أبي إسحاق المروزي قال الخطابي وهو قول جماعة من أصحاب الحديث لظاهر حديث
ابن عباس واستدل الأصحاب للمشهور في المذهب بأشياء (منها) حديث المواقيت ولا يجوز مخالفته
إلا بصريح (ومنها) أن النبي صلى الله عليه وسلم مرض أمراضا كثيرة ولم ينقل جمعه بالمرض صريحا
(ومنها) ان من كان ضعيفا ومنزله بعيدا من المسجد بعدا كثيرا لا يجوز له الجمع مع المشقة الظاهرة
وكذا المريض (فان قيل) لم ألحقتم الوحل بالمطر في اعذار الجمعة والجماعة دون الجمع (فالجواب) من
وجهين (أحدهما) جواب القاضي أبي الطيب وهو أن تارك الجمعة يصلى بدلها الظهر وتارك الجماعة
يصلي منفردا فيأتي ببدل والذي يجمع يترك الوقت بلا بدل (والثاني) ان باب الاعذار في ترك الجمعة
والجماعة ليس مخصوصا بل كل ما لحق به مشقة شديدة فهو عذر والوحل من هذا وباب الجمع
مضبوط بما جاءت به السنة فلا يجوز بكل شاق ولهذا لم يجوزوه لمن هو قيم بمريض وشبهه ولم
تأت السنة بالوحل *
(فرع) في مذاهب العلماء في الجمع بالمطر: قد ذكرنا أن مذهبنا جوازه بين الظهر والعصر
وبين المغرب والعشاء وبه قال أبو ثور وجماعة وقال أبو حنيفة والمزني وآخرون لا يجوز مطلقا وجوزه
مالك واحمد بين المغرب والعشاء دون الظهر والعصر وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر
وأبان بن عثمان وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وأبى بكر بن عبد الرحمن وأبى سلمة بن
عبد الرحمن وعمر بن عبد العزيز ومروان *
(فرع) في مذاهبهم في الجمع في الحضر بلا خوف ولا سفر ولا مرض: مذهبنا ومذهب
أبي حنيفة ومالك واحمد والجمهور انه لا يجوز وحكى ابن المنذر عن طائفة جوازه بلا سبب قال
وجوزه بن سيرين لحاجة أو ما لم يتخذه عادة
384

(باب آداب السفر)
هذا باب مهم تتكرر الحاجة إليه ويتأكد الاهتمام به وقد ذكره الماوردي والقاضي
أبو الطيب والبيهقي وغيرهم في أواخر كتاب الحج ورأيت تقديمه هنا لوجهين (أحدهما) استباق
الخيرات (والثاني) انه هنا انسب وقد بسطه البيهقي بسطا حسنا في كتابه السنن الكبير وقد
جمعت أنا جملا كبيرة منه في أول كتاب الايضاح في المناسك وجملة صالحة في كتاب الأذكار مما
يتعلق بأذكاره والمقصود هنا الإشارة إلى آدابه مختصرة وفى الباب مسائل (إحداها) إذا أراد سفرا
استحب ان يشاور من يثق بدينه وخبرته وعلمه في سفره في ذلك الوقت ويجب على المستشار
النصيحة والتخلي من الهوى وخظوظ النفوس قال الله تعالى (وشاورهم في الامر) وتظاهرت الأحاديث
الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم " كانوا يشاورونه في أمورهم " (الثانية) إذا عزم على السفر
فالسنة أن يستخير الله تعالى فيصلي ركعتين من غير الفريضة ثم يدعوا بدعاء الاستخارة وقد سبق
بيانه وبيان هذه الصلاة وما يتعلق بها في باب صلاة التطوع (الثالثة) إذا استقر عزمه لسفر حج
أو غزو أو غيرهما فينبغي أن يبدأ بالتوبة من جميع المعاصي والمكروهات ويخرج من مظالم الخلق
ويقضى ما أمكنه من ديونهم ويرد الودائع ويستحل كل من بينه وبينه معاملة في شئ أو مصاحبة
ويكتب وصيته ويشهد عليه بها ويوكل من يقضي ما لم يتمكن من قضائه من ديونه ويترك لأهله
ومن يلزمه نفقته نفقتهم إلى حين رجوعه (الرابعة) في ارضاء والديه ومن يتوجه عليه بره وطاعته
فان منعه الوالد السفر أو منع الزوج امرأته ففيه تفصيل نذكره إن شاء الله تعالى حيث ذكره
المصنف في باب الفوات والاحصار (الخامسة) إذا سافر لحج أو غزو أو غيرهما فينبغي ان يحرص
أن تكون نفقته حلالا خالصة من الشبهة فان خالف وحج أو غزا بمال مغصوب عصى وصح حجه
وغزوه في الظاهر لكنه ليس حجا مبرورا وسأبسط المسألة في كتاب الحج ومذاهب العلماء فيها
إن شاء الله تعالى (السادسة) يستحب للمسافر في حج أو غيره مما يحمل فيه الزاد أن يستكثر من
الزاد والنفقة ليواسي منه المحتاجين وليكن زاده طيبا لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا انفقوا من
طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) والمراد بالطيب
هنا الجيد وبالخبيث الردئ ويكون طيب النفس بما ينفقه ليكون أقرب إلى قبوله (السابعة) يستحب
ترك المماحكة فيما يشتريه لأسباب سفر حجه وغزوه ونحوهما من أسفار الطاعة وكذا كل قربة (الثامنة)
385

يستحب أن لا يشارك غيره في الزاد والراحلة والنفقة لان ترك المشاركة أسلم منه لأنه يمتنع بسببها
من التصرف في وجوه الخير من الصدقة وغيرها ولو أذن شريكه لم يوثق باستمراره فان شارك جاز
واستحب أن يقتصر على دون حقه وأما اجتماع الرفقة على طعام يجمعونه يوما يوما فحسن ولا بأس
بأكل بعضهم أكثر من بعض إذا وثق بان أصحابه لا يكرهون ذلك فإن لم يثق لم يزد على قدر
حصته وليس هذا من باب الربا في شئ وقد صحت الأحاديث في خلط الصحابة رضي الله عنهم
أزوادهم وقد ذكر المصنف المسألة في باب الخلطة في المواشي وسنزيدها ايضاحا هناك إن شاء الله
تعالى وعن وحشي بن حرب رضي الله عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا
" يا رسول الله انا نأكل ولا نشبع قال فلعلكم تفترقون قال فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم
الله يبارك لكم فيه " (التاسعة) إذا أراد سفر حج أو غزو لزمه تعلم كيفيتهما إذ لا تصح العبادة ممن
لا يعرفها ويستحب لمريد الحج أن يستصحب معه كتابا واضحا في المناسك جامعا لمقاصدها ويديم
مطالعته ويكررها في جميع طريقه لتصير محققه عنده ومن أخل بهذا من العوام يخاف أن لا يصح
حجه لاخلاله بشرط من شروط أركانه ونحو ذلك وربما قلد بعضهم بعض عوام مكة وتوهم انهم
يعرفون المناسك محققة فاغتر بهم وذلك خطأ فاحش وكذا الغازي وغيره يستحب أن يستصحب
معه كتابا معتمدا مشتملا على ما يحتاج إليه ويتعلم الغازي ما يحتاج إليه من أمور القتال واذكاره
وتحريم الهزيمة وتحريم الغلول والغدر وقتل النساء والصبيان ومن أظهر لفظ الاسلام وأشباه ذلك
ويتعلم المسافر لتجارة ما يحتاج إليه من البيوع وما يصح وما يبطل وما يحل ويحرم ويستحب ويكره
وما هو راجح على غيره وإن كان متعبدا سائحا معتزلا للناس تعلم ما يحتاج إليه من أمور دينه وإن كان
ممن يصيد تعلم ما يحتاج إليه أهل الصيد وما يباح منه وما يحرم وما يباح به الصيد وشرط الزكاة
وما يكفي فيه قتل الكلب والسهم ونحوهما وإن كان راعيا تعلم ما يحتاج إليه وهو ما ذكرناه في حق
المعتزل مع كيفية الرفق بالدواب ورمحها وإن كان رسولا إلى سلطان ونحوه تعلم آداب المخاطبات
الكبار وجواب ما يعرض وما يحل من ضيافاتهم وهداياهم وما يجب مراعاته من النصح وتحريم
الغدر ومقامه ونحو ذلك وإن كان وكيلا أو عامل قراض تعلم ما يباح له من السفر والتصرف
وما يحتاج إلى الاشهاد فيه وعلى كل المذكورين تعلم الحال التي يجوز فيها ركوب البحر والتي لا يجوز
ان أرادوا ركوبه وسيأتي بيانه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى وهذا كله يأتي في هذا الكتاب
386

مفرقا في مواضعه والله أعلم (العاشرة) يكره ركوب الجلالة وهي البعير الذي يأكل العذرة لحديث
ابن عمر رضي الله عنهما قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة في الإبل أن يركب
عليها " رواه أبو داود باسناد صحيح (الحادية عشرة) يستحب له أن يطلب رفيقا موافقا راغبا في
الخير كارها للشر ان نسي ذكره وان ذكر اعانه وان تيسر له مع هذا كونه عالما فليتمسك به
فإنه يمنعه بعلمه وعمله من سوء ما يطرأ على المسافر من مساوئ الأخلاق والضجر ويعينه
على مكارم الأخلاق ويحثه عليها واستحب بعض العلماء كونه من الأجانب لا من الأصدقاء ولا
الأقارب والمختار أن القريب والصديق الموثوق به أولى لأنه أعون له على مهماته وأرفق به في أموره
ثم ينبغي ان يحرص على ارضاء رفيقه في جميع طريقه ويحتمل كل واحد منهما صاحبه ويرى لصاحبه
عليه فضلا وحرمة ويصبر على ما يقع منه في بعض الأوقات (الثانية عشرة) يستحب لمن سافر سفر
حج أو غزو أن تكون يده فارغة من مال التجارة ذاهبا وراجعا لان ذلك يشغل
القلب ويفوت بعض المطلوبات ويجب عليه تصحيح النية في حجه وغزوه ونحوهما وهو أن
يريد به وجه الله تعالى قال الله تعالى (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) وقال
النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات " (الثالثة عشرة) يستحب أن يكون سفره يوم
الخميس فان فاته فيوم الاثنين وأن يكون باكرا ودليل الخميس حديث كعب بن مالك أن النبي
صلى الله عليه وسلم " خرج في غزوة تبوك يوم الخميس " رواه البخاري ومسلم وفى رواية في الصحيحين " كان
يحب أن يخرج يوم الخميس " وفى رواية في الصحيحين " أقل ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج
الا يوم الخميس " " ودليل يوم الاثنين عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " هاجر من مكة يوم الاثنين " ودليل
البكور حديث صخر العامري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " اللهم بارك لامتي في بكورها
وكان إذا بعث جيشا أو سرية بعثهم في أول النهار وكان صخر تاجرا فكان يبعث تجارته أول النهار
فاثرى وكثر ماله " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن (الرابعة عشرة) يستحب إذا أراد
الخروج من منزله أن يصلي ركعتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة (قل يا أيها الكافرون) وفى الثانية (قل هو
الله أحد) ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما خلف عبد أهله أفضل من ركعتين يركعهما
عندهم حين يريد سفرا " وعن أنس قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينزل منزلا الا ودعه بركعتين "
رواه الحاكم وقال هو صحيح على شرط البخاري ويستحب أن يقرأ بعد سلامه (آية الكرسي
ولإيلاف قريش) فقد جاء فيهما آثار السلف مع ما علم من بركة القرآن في كل شئ وكل وقت ثم يدعوا
387

بحضور قلب وإخلاص بما شاء من أمور آخرته ودنياه وللمسلمين كذلك ويسأل الله تعالى الإعانة
والتوفيق في سفره وغيره من أموره فإذا نهض من جلوسه قال ما رويناه من حديث أنس رضي الله
عنه " اللهم إليك توجهت وبك اعتصمت اللهم اكفني ما همني وما لا أهتم له اللهم زودني التقوى
واغفر لي ذنبي " (الخامسة عشرة) يستحب أن يودع أهله وجيرانه وأصدقاءه وسائر أحبابه وأن يودعوه ويقول كل واحد لصاحبه أستودعك الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك زودك الله التقوى وغفر لك
ذنبك ويسر الخير لك حيثما كنت ومما جاء في هذا من الأحاديث حديث سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله
ابن عمر رضي الله عنهم " كأن يقول للرجل إذا أراد سفرا أدن منى أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يودعنا فيقول " أستودعك الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك " رواه الترمذي وقال حديث
حسن وعن عبد الله بن يزيد الخطمي الصحابي رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا أراد أن يودع الجيش قال أستودعك الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم " حديث صحيح
رواه أبو داود وغيره باسناد صحيح وعن أنس رضي الله عنه قال " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال يا رسول الله اني أريد سفرا فزودني فقال زودك الله التقوى فقال زدني فقال وغفر ذنبك
قال زدني قال ويسر لك الخير حيثما كنت " رواه الترمذي وقال حديث حسن وعن ابن عمر عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " ان الله إذا استودع شيئا حفظه " (السادسة عشرة) يستحب أن يدعو له من
يودعه وان يطلب منه الدعاء كما ذكرنا في المسألة قبلها ولحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال
" استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن وقال لا تنسنا يا أخي من دعائك فقال كلمة ما يسرني
ان لي بها الدنيا " وفى رواية قال " أشركنا يا أخي في دعائك " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث
حسن صحيح (السابعة عشرة) يستحب أن يتصدق بشئ عند خروجه وكذا امام الحاجات مطلقا
كما سنوضحه إن شاء الله تعالى في باب صدقة التطوع والسنة أن يدعو بما صح عن أم سلمة رضي الله
عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن يقول إذا خرج من بيته باسم الله توكلت على الله اللهم إني أعوذ
بك من أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل على " رواه أبو داود والترمذي
وغيرهما بأسانيد صحيحة قال الترمذي هو حديث حسن صحيح وهذا لفظ أبى داود ويدعو بما في
حديث أنس رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال يعنى إذا خرج من بيته بسم الله
توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال له كفيت ووقيت وينحي عنه الشيطان " رواه أبو داود
والترمذي والنسائي وغيرهم قال الترمذي حديث حسن زاد أبو داود فيه فيقول الشيطان لشيطان
388

آخر كيف بك برجل قد هدى وكفى ووقى (الثامنة عشرة) السنة إذا خرج من بيته وأراد ركوب
دابته أن يقول بسم الله فإذا استوى عليها قال الحمد لله ثم يأتي بالتسبيح والذكر والدعاء الذي ثبت
في الأحاديث (منها) حديث ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان إذا استوى
بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا باسم الله قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وانا
إلى ربنا لمنقلبون اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا سفرنا
هذا واطو عنا بعده اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم إني أعوذ بك من وعثاء
السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل وإذا رجع قالهن وزاد فيهن آيبون تائبون عابدون
لربنا حامدون " رواه مسلم معني مقرنين مطيعين والوعثاء - بفتح الواو وإسكان العين المهملة وبالثاء
المثلثة والمد - هي الشدة: والكآبة - بالمد - هي تغيير النفس من خوف ونحوه والمنقلب المرجع وعن عبد الله
ابن سرخس رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر
وكآبة المنقلب والجور بعد الكون ودعوة المظلوم وسوء المنظر في الأهل والمال " رواه مسلم هكذا
هو في صحيح مسلم بعد الكون بالنون وكذا رواه الترمذي والنسائي قال الترمذي ويروى الكور
بالواو كلاهما صحيح المعنى قال العلماء معناه بالراء والنون جميعا الرجوع من الاستقامة أو الزيادة إلى
النقص وقد أوضحته في كتاب الأذكار وفى الرياض وعن علي بن ربيعة قال " شهدت علي بن أبي طالب
رضي الله عنه أتي بدابته ليركبها فلما وضع رجله في الركاب قال بسم الله فلما استوى على ظهرها قال
الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وانا إلى ربنا لمنقلبون ثم قال الحمد لله ثلاث مرات
ثم قال الله أكبر ثلاث مرات ثم قال سبحانك اني ظلمت نفسي فاغفر لي انه لا يغفر الذنوب
الا أنت ثم ضحك فقيل يا أمير المؤمنين من أي شئ ضحكت قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم
فعل كما فعلت ثم ضحك فقلت يا رسول الله من أي شئ ضحكت قال إن ربك سبحانه يعجب
من عبده إذا قال اغفر لي ذنوبي يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري " رواه أبو داود والترمذي وقال
حديث حسن وفى بعض النسخ حسن صحيح وهذا لفظ أبى داود (التاسعة عشرة) يستحب ان
يرافق في سفره جماعة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أن
389

الناس يعلمون من الوحدة ما اعلم ما سار ركب بليل وحده " رواه البخاري وعن عمر بن شعيب عن
أبيه عن جده رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الراكب شيطان والراكبان
شيطانان والثلاثة ركب " رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة قال الترمذي
حديث حسن *
(فرع) ينبغي ان يسير مع الناس ولا ينفرد بطريق ولا يركب اثنتان الطريق فإنه يخاف
الافار بسبب ذلك * (1)
(فرع) قد يقال ذكرتم أنه يكره الانفراد في السفر وقد اشتهر عن خلائق من الصالحين
الوحدة في السفر (والجواب) ان الوحدة والانفراد إنما يكرهان لمن استأنس فيخاف عليه من الانفراد
الضرر بسبب الشياطين وغيرهم أم الصالحون فإنهم أنسوا بالله تعالى واستوحشوا من الناس في كثير
من أوقاتهم فلا ضرر عليهم في الوحدة بل مصلحتهم وراحتهم فيها (العشرون) يستحب أن يؤمر
الرفقة على أنفسهم أفضلهم وأجودهم رأيا ويطيعونه لحديث أبي سعيد وأبي هريرة قالا " قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم " حديث حسن رواه أبو داود باسناد حسن
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " خير الصحابة أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير
الجيوش أربع آلاف ولن تغلب اثنا عشر ألفا عن قلة " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث
حسن والمراد بالصحابة هنا المتصاحبون (الحادية والعشرون) يكره أن يستصحب كلبا ويكره أن
يعلق في الدابة جرسا أو يقلدها دثرا سواء البعير والبغل وغيرهما لحديث أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تصحب الملائكة رفقه فيها كلب أو جرس " رواه مسلم
وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الجرس مزامير الشيطان " رواه مسلم في صحيحه وعن أبي
بشير الأنصاري انه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم
رسولا يقول " لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت قال مالك بن أنس أرى ذلك
من العين " رواه البخاري ومسلم قال الشيخ أبو عمر وابن الصلاح رحمه الله فان وقع شئ من ذلك
من جهة غيره ولم يستطع ازالته فليقل اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلاء فلا تحرمني ثمرة صحبة
ملائكتك وبركتهم (الثانية والعشرون) لا يجوز أن يحمل الدابة فوق طاقتها ولو استأجرها فحملها
المؤجر ما لا تطيق لم يجز للمستأجر موافقته لحديث شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال " ان الله كتب الاحسان على كل شئ " رواه مسلم ولقوله صلى الله عليه وسلم " لا ضرر
ولا ضرار ولحديث سهل بن عمر رضي الله عنه قال " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق
390

ظهره ببطنه فقال اتقوا الله في هذه البهائم العجمة واركبوها صالحة " وكلوها صالحة رواه أبو داود
باسناد صحيح (الثالثة والعشرون) يستحب ان يريح دابته بالنزول عنها غدوة وعشية وعند عقبة
ونحوها ويتجنب النوم على ظهرها لما ذكرناه في المسألة قبلها وعن انس قال " كان النبي صلى الله عليه
وسلم " إذا صلي الفجر في السفر مشى قليلا وناقته تقاد " رواه البيهقي وأما المكث على ظهر الدابة
وهي واقفة فإن كان يسيرا فلا بأس وإن كان كثيرا لحاجة فلا بأس به وإن كان لغير حاجة فهو مكروه
ودليل ما ذكرناه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إياكم أن
تتخذوا ظهور دوابكم منابر فان الله عز وجل إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق
الأنفس وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجاتكم " رواه أبو داود باسناد جيد وعن ابن انس
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اركبوا هذه الدواب سالمة وابتدعوها سالمة ولا
تتخذوها كراسي " رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي قال الحاكم هو صحيح وأما جوازه للحاجة
ففيه الأحاديث الصحيحة المشهورة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقف بعرفات على ناقته وانه
صلى الله عليه وسلم خطب يوم النحر بمني على ناقته " وغير ذلك من الأحاديث (الرابعة والعشرون)
يجوز الارداف على الدابة إذا كانت مطيقة ولا يجوز إذا لم تكن مطيقة فاما دليل المنع إذا لم تطق
فالأحاديث السابقة قريبا مع الاجماع واما جوازه إذا كانت مطيقة ففيه أحاديث كثيرة في الصحيح
مشهورة (منها) حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم " أردفه حين دفع من
عرفات إلى المزدلفة ثم أردف الفضل بن عباس من مزدلفة إلى منى " رواه البخاري ومسلم وفي
الصحيحين عن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم " أردف معاذا على الرحل وفي الصحيح انه صلى الله عليه
وسلم أردف معاذا على حمار يقال له عفير - بضم العين المهملة - وفي الصحيحين أن النبي
صلى الله عليه وسلم امر عبد الرحمن بن أبي بكر ان يعمر أخته عائشة من التنعيم فأردفها وراءه على راحلته
وفى الصحيحين عن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم " أردف صفية أم المؤمنين رضي الله عنها
وراءه حين تزوجها بخيبر " وفى صحيح البخاري من رواية أسامة ان النبي صلى الله عليه وسلم
ركب على حمار عليه اكاف وأردف أسامة وراءه وفى صحيح مسلم عن عبد الله بن جعفر قال " كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقى بصبيان أهل بيته وانه قدم من سفر فسبق بي إليه
391

فحملني بين يديه ثم - جئ بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه فأدخلنا المدينة ثلاثة على دابة " وفى المسألة
أحاديث كثيرة وإذا أردف كان صاحب الدابة أحق بصدرها ويكون الرديف وراءه إلا أن يرضى
صاحبها بتقديمه لجلالته أو غير ذلك وفيه حديث مرفوع " الرجل أحق بصدر دابته " رواه البيهقي
عن ابن بريدة عن أبيه مرفوعا وعن ابن بريدة مرفوعا مرسلا (الخامسة والعشرون) يجوز الاعتقاب
على الدابة وهو أن يركب واحد وقتا ثم ينزل ويركب الآخر وقتا وجاءت فيه أحاديث
كثيرة منها حديث عائشة رضي الله عنها في قصة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله
عنه من مكة إلى المدينة قالت " فلما خرج خرج معه عامر بن فهيرة يعتقبان حتى المدينة " رواه البخاري
وعن ابن مسعود قال كنا يوم بدر اثنين على بعير وثلاثة على بعير وكان على وأبو امامة زميلي رسول
الله صلى الله عليه وسلم وكان إذا حانت عقبتهما قالا يا رسول الله اركب نمش عنك فيقول إنكما
لستما بأقوى على المشي مني ولا ارغب عن الاجر منكما رواه النسائي والبيهقي باسناد جيد (السادس
والعشرون) السنة أن يراعى مصلحة الدابة في المرعي والسرعة والتأني بحسب الأرفق بها لحديث أبي
هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل
392

حظها من الأرض وإذا سافرتم في الجدب فاسرعوا عليها السير وبادروا بها نقيها وإذا عرستم فاجتنبوا
الطريق فإنها طرق للدواب ومأوى الهوام بالليل " رواه مسلم معنى أعطوا الإبل حظها ارفقوا في
سيرها لترعي حال مشيها والنفي - بنون مكسورة ثم قاف ساكنة - وهو المخ ومعناه أسرعوا بها حتى
تصلوا المقصد قبل أن يذهب مخها من ضنك السير والتعريس النزول في الليل وقيل في آخر الليل خاصة
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " في كل ذات كبد رطبة أجر " رواه البخاري ومسلم
(السابع والعشرون) يستحب السرى في آخر الليل لحديث أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" عليكم بالدلجة فان الأرض تطوى بالليل " رواه أبو داود باسناد حسن ورواه الحاكم وقال هو
صحيح على شرط البخاري ومسلم وقال في رواية " فان الأرض تطوى بالليل للمسافر " (الثامنة والعشرون)
قال البيهقي يكره السير في أول الليل لحديث جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ترسلوا
مواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء فإن الشيطان ينتشر إذا غابت الشمس
حتى تذهب فحمة العشاء " رواه مسلم وسبق بيانه في آخر باب الآنية وهذا الذي ذكره البيهقي من
اطلاق الكراهة فيه نظر وليس في هذا الحديث الذي استدل به ما يقتضي اطلاق الكراهة
في حق المسافرين فالاختيار أنه لا يكره (التاسعة والعشرون) يسن مساعدة الرفيق واعانته لقوله صلي " والله "
عليه وسلم في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه والله صحيح مشهور في صحيح مسلم وغيره وفى الصحيحين
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كل معروف صدقة " وعن أبي سعيد قال " بينما نحن مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم من كان معه فضل طهر فليعد به على من لا طهر له ومن كان معه فضل زاد
فليعد به على من لا زاد معه فذكر من أصناف المال ما ذكره حتى رأينا أنه لاحق لاحد منا في فضل "
رواه مسلم وعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه أراد أن يغزو فقال يا معشر
المهاجرين والأنصار ان من إخوانكم قوما ليس لهم مال ولا عشيرة فليضم أحدكم إليه الرحلين
والثلاث فما لأحدنا من ظهر يحمله عقبة يعنى كعقبة أحدكم فضممت إلى اثنين أو ثلاثة مالي الا عقبة الا كعقبة
أحدهم من جملي رواه أبو داود الثلاثون يستحب لكبير الركب أن يسير في آخره والا فيتعهد آخره فيحمل المنقطع
393

أو يعينه ولئلا يطمع فيهم ويتعرض اللصوص ونحوهم لحديث ابن عمر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " وعن جابر قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يتخلف في المسير فيرجي الضعيف ويردف ويدعو له " رواه أبو داود باسناد حسن وروينا عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يفعله
(الحادي والثلاثون) ينبغي له أن يستعمل الرفق وحسن
الخلق مع الغلام والجمال والرقيق والسائل وغيرهم ويتجنب المخاصمة والمخاشنة ومزاحمة الناس
في الطرق وموارده الماء إذا أمكنه ذلك وان يصون لسانه من الشتم والغيبة ولعنة الدواب وجميع
الألفاظ القبيحة ويرفق بالسائل والضعيف ولا ينهر أحدا منهم ولا يوبخه على خروجه بلا زاد وراحلة بل
يواسيه بما تيسر فإن لم يفعل رده ردا جميلا ودلائل هذه المسائل مشهورة في القرآن والأحاديث
الصحيحة واجماع المسلمين قال الله تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين) وقال الله
الله تعالى (ولمن صبر وغفر ان ذلك من عزم الأمور) والآيات بهذا المعنى كثيرة معلومة وعن أبي
الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة " رواه مسلم
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا " وعن أبي
مسعود قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذئ " رواه الترمذي
وقال حديث حسن وعن أبي الدرداء قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة
إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم
تجد مساعدا رجعت إلى الذي لعن فإن كان أهلا لذلك والا رجعت إلى قائلها " رواه أبو داود
وعن عمر ان ابن حصين قال " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من
الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خذوا ما عليها
ودعوها فإنها ملعونة - قال عمران فكأني أراها الآن تمشى في الناس ما يعرض لها أحد " رواه مسلم
وعن أبي برزة رضي الله عنه قال " بينما جارية على ناقة عليها بعض متاع القوم إذ بصرت بالنبي صلي
394

الله عليه وسلم وتضايق بهم الجبل فقال حل اللهم العنها قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تصاحبنا
ناقة عليها لعنة " رواه مسلم وهذا النهى يتناول المصاحبة دون باقي التصرفات فيها من السفر بها
في وجه آخر والبيع وغير ذلك وقد بسطت شرحه في كتاب الرياض
(الثانية والثلاثون) يستحب
للمسافر أن يكبر إذا صعد الثنايا وشبهها ويسبح إذا هبط الأودية ونحوها ويكره رفع الصوت
بذلك لحديث جابر قال " كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا " رواه البخاري وعن ابن عمر قال
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجيوشه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا سبحوا " رواه
أبو داود باسناد صحيح وعنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من الحج أو العمرة
كلما أوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثا ثم قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على
كل شئ قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده
وهزم الأحزاب وحده " رواه البخاري ومسلم الفدفد - بفتح الفائين بينهما دال مهملة ساكنة - الغليظ
المرتفع من الأرض وعن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله اني أريد أن أسافر فأوصني قال " عليك بتقوى
الله والتكبير على كل شرف فلما ولي الرجل قال اللهم اطو؟؟؟ له البعيد وهون عليه السفر " رواه الترمذي وقال
حديث حسن وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وكنا إذا
أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس أربعوا على
أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا أنه معكم انه سميع قريب " رواه البخاري ومسلم أربعوا - بفتح
الباء الموحدة - أي ارفقوا بأنفسكم (الثالثة والثلاثون) يستحب إذا أشرف على قرية يريد دخولها
أو منزل أن يقول اللهم إني أسألك خيرها وخير أهلها وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر
أهلها وشر ما فيها لحديث صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " لم ير قرية يريد دخولها
الا قال حين يراها " اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين
وما أضللن ورب الرياح وما ذرينا فانا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ونعوذ بك من شرها
395

وشر أهلها وشر ما فيها " رواه النسائي والحاكم والبيهقي قال الحاكم هو صحيح الاسناد (الرابعة
والثلاثون) يستحب له أن يدعو في سفره في كثير من الأوقات لان دعوته مجابة ولحديث أبي هريرة
رضي الله عنه قال " قال رسول الله صل الله عليه وسلم ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن دعوة
المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على الولد " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وليس
في رواية أبي داود على ولده (الخامس والثلاثون) إذا خاف ناسا أو غيرهم فالسنة أن يقول ما رواه
أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان إذا خاف قوما قال اللهم
انا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم " رواه أبو داود والنسائي باسناد صحيح ويسن أيضا أن
يدعوا بدعاء الكرب وهو ما رواه ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كأن يقول عند
عند الكرب لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السماوات
ورب الأرض ورب العرش الكريم " رواه البخاري ومسلم وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم
" إذا كربه أمر قال يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث " رواه الترمذي والحاكم وقال اسناده صحيح *
(فرع) إذا تغولت الغيلان على المسافر استحب أن يقول ما جاء عن جابر أن النبي صلى الله
عليه وسلم " قال إذا تغولت بكم الغيلان فنادوا بالأذان " الغيلان طائفة من الجن والشياطين وهم
سحرتهم ومعنى تغولت تلونت في صور واختلف العلماء هل للغول وجود أم لا وقد أوضحته في تهذيب
اللغات (السادسة والثلاثون) إذا استصعبت دابته قيل يقرأ في أذنها (أفغير دين الله يبغون وله أسلم
من في السماوات والأرض طوعا وكرها واليه ترجعون) وإذا انفلتت دابته نادى يا عباد الله احبسوا
مرتين أو ثلاثا فقد جاء فيها آثار أوضحتها في كتاب الأذكار وجربت انا هذا الثاني في دابة
انفلتت منا وكنا جماعة عجزوا عنها فذكرت أنا هذا فقلت يا عباد الله احبسوا فوقفت بمجرد
ذلك وحكى لي شيخنا أبو محمد بن أبي اليسر رحمه الله انه جربه فقال في بغلة انفلتت فوقفت في الحال
(السابعة والثلاثون) يستحب الحداء والرجز في السير للسرعة وتنشيط الدواب والنفوس وترويحها
وتيسير السير للأحاديث الصحيحة (منها) حديث انس قال " كان للنبي صلى الله عليه وسلم
حاد يقال له أنجشة وكان حسن الصوت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم رويدك يا أنجشة
396

لا تكسر القوارير " قال قتادة يعني ضعفة النساء رواه البخاري ومسلم وعن سلمة بن الأكوع قال
" خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع
الا تسمعنا من هناتك وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول اللهم لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا إلى آخر الأبيات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا السائق فقالوا
عامر بن الأكوع فقال يرحمه الله وذكر تمام الحديث " رواه البخاري ومسلم (الثامنة والثلاثون) يستحب
خدمة المسافر الذي له نوع فضيلة وإن كان الخادم أكبر سنا لحديث أنس قال " خرجت مع جرير
ابن عبد الله في سفر فكان يخدمني فقلت له لا تفعل فقال إني رأيت الأنصار تصنع برسول الله صلى الله عليه
وسلم شيئا آليت ألا أصحب أحدا منهم الا خدمته قال وكان جرير أكبر من أنس " رواه البخاري
ومسلم (التاسعة والثلاثون) في بيان كيفية مشى من أعيي * احتج فيه البيهقي بحديث جابر قال شكا ناس
إلى النبي صلى الله عليه وسلم المشي فدعا بهما فقال عليكم بالنسلان فنسلنا فوجدناه أخف علينا " ورواه
الحاكم أيضا وقال هو صحيح على شرط مسلم (الأربعون) يكره ضرب الدابة في الوجه لحديث جابر
قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسم في الوجه والضرب في الوجه " رواه مسلم ويجوز
الضرب في غير الوجه للحاجة على حسب الحاجة للأحاديث الصحيحة في ذلك وإجماع العلماء وسيأتي
في المسألة مبسوطة في كتاب الإجارة حيث ذكرها المصنف إن شاء الله تعالى (الحادي والأربعون)
ينبغي له المحافظة على الطهارة وعلى الصلاة في أوقاتها وقد يسر الله تعالى بما جوزه من التيمم والجمع
والقصر وقد سبق في باب استقبال القبلة انه لو لم يمكنه النزول عن الدابة للصلاة المكتوبة في وقتها
جاز له أن يصليها على الدابة ويلزمه اعادتها على الأرض إلى القبلة إذا أمكنه ذلك (الثانية والأربعون)
السنة أن يقول إذا نزل منزلا ما روته خولة بنت حكيم قالت " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول من نزل منزلا ثم قال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضر بشئ حتى يرتحل
من منزله ذلك " رواه مسلم (الثالثة والأربعون) يكره النزول في قارعة الطريق لحديث أبي هريرة ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام
بالليل " رواه مسلم وهو بعض حديث سبق في السادسة والعشرين (الرابعة والأربعون) السنة أن يقول
إذا جن عليه الليل ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فأقبل
397

الليل قال يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما خلق فيك وشر ما يدور
عليك أعوذ بك من شر أسد وأسود والحية والعقرب ومن ساكن البلد ومن والد وما ولد " رواه
أبو داود والحاكم وقال صحيح الاسناد وهذا لفظ أبى داود والأسود الشخص قال الخطابي وساكن
البلد هم الجن الذين هم سكان الأرض قال والبلد الأرض ما كان مأوى الحيوان سواء كان فيه بناء
ومنازل أم لا ويحتمل أن المراد بالوالد إبليس وما ولد الشياطين (الخامسة والأربعون) يستحب للرفقة
في السفر ان ينزلوا مجتمعين ويكره تفرقهم لغير حاجة لحديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال " كان
الناس إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الشعاب والأودية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تفرقكم في
هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان فلم ينزلوا بعد ذلك منزلا إلا انضم بعضهم إلى
بعض " رواه أبو داود باسناد حسن (السادسة والأربعون) السنة في كيفية نوم المسافر ما رواه أبو قتادة
رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فعرس بليل اضطجع على يمينه
وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه " رواه مسلم وذكره الحاكم في المستدرك
وقال هو صحيح على شرط مسلم قال ولم يروه البخاري ولا مسلم وغلط الحاكم في هذا لان الحديث
في مسلم كما ذكرنا قال العلماء نصب الذراعين لئلا يستغرق في النوم فتفوت صلاة الصبح أو أول
وقتها (السابعة والأربعون) السنة للمسافر إذا قضى حاجته ان يعجل الرجوع إلى أهله لحديث أبي هريرة
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه فإذا قضى
أحدكم نهمته من سفره فليعجل إلى أهله " رواه البخاري ومسلم نهمته - بفتح النون - مقصوده وعن عائشة
قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضى أحدكم حجه فليعجل الرحلة إلى أهله فإنه أعظم
لاجره " رواه البيهقي (الثامنة والأربعون) السنة أن يقول في رجوعه من السفر ما ثبت في حديث
ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل
شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد
وهو على كل شئ قدير آيبون تائبون حامدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر
عبده وهزم الأحزاب وحده " رواه البخاري ومسلم وعن انس قال " اقبلنا مع النبي صلى الله عليه
وسلم حتى إذا كنا بظهر المدينة قال آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقول ذلك حتى
قدمنا المدينة " رواه مسلم (التاسعة والأربعون) عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه
398

وسلم قال " إذا قدم أحدكم من سفر فليهد إلى أهله وليطرفهم ولو كانت حجارة " رواه الدارقطني
في سننه في آخر كتاب الحج وممن صرح باستحباب حمل المسافر هدية لأهله القاضي أبو الطيب
في تعليقه في كتاب الحج واحتج بهذا الحديث (الخمسون) يستحب إذا قرب من وطنه أن يبعث إلى أهله
من يخبرهم لئلا يقدم بغتة فإن كان في قافلة كبيرة واشتهر عند أهل البلد وصولهم ووقت
دخولهم كفاه ذلك عن إرساله معينا (الحادية والخمسون) يكره أن يطرق أهله طروقا لغير عذر
وهو ان يقدم عليهم في الليل بل السنة أن يقدم أول النهار وإلا ففي آخره لحديث أنس قال " كان
النبي صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ليلا وكان يأتيهم غدوة أو عشية " رواه البخاري ومسلم وعن
جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرقن أهله ليلا " وفى رواية
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا حتى تمتشط الشعثة وتستحد
المغيبة " رواه البخاري ومسلم بهذه الروايات الثلاث وتستحد تزيل شعر العانة والمغيبة - بضم الميم
وكسر الغين المعجمة - التي غاب زوجها (الثانية والخمسون) يسن تلقى المسافرين لحديث ابن عباس
رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " قدم من سفر فاستقبله أغيلمة بني عبد المطلب
فجعل واحد بين يديه وآخر خلفه - وفى رواية قدم مكة عام الفتح - رواه البخاري وعن عبد الله بن
جعفر قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقى بصبيان أهل بيته وانه قدم من
سفر فسبق بي إليه فحملني بين يديه ثم جئ بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه فأدخلنا المدينة ثلاثة
على دابة " رواه مسلم (الثالثة والخمسون) السنة أن يسرع السير إذا وقع بصره على جدران قريته
لحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدران
المدينة أوضع راحلته وإن كان على دابة حركها من حبها " رواه البخاري (الرابعة والخمسون) إذا وقع
بصره على قريته استحب أن يقول اللهم إني أسألك خيرها وخير أهلها وخير ما فيها وأعوذ بك
من شرها وشر أهلها وشر ما فيها واستحب بعضهم أن يقول اللهم اجعل لنا بها قرارا ورزقا
حسنا اللهم ارزقنا حماها وأعذنا من وباها وحببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها الينا وقد ثبت
دلائل هذا كله في الأذكار (الخامسة والخمسون) السنة إذا وصل منزله ان يبدأ قبل دخوله بالمسجد
القريب إلى منزله فيصلي فيه ركعتين بنية صلاة القدوم لحديث كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه
وسلم " كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس " رواه البخاري ومسلم
وعن جابر في حديثه الطويل في قصة بيع جمله في السفر قال " وقدمت بالغداة فجئت المسجد فوجدته
399

يعنى النبي صلى الله عليه وسلم على باب المسجد فقال الآن قدمت قلت نعم يا رسول الله قال فدع
جملك وادخل فصل ركعتين فدخلت ثم رجعت " وفى رواية قال " بعت من النبي صلى الله عليه وسلم
بعيرا في سفر فلما اتينا المدينة قال ائت المسجد فصل ركعتين " رواه البخاري ومسلم فإن كان القادم
مشهورا يقصده الناس استحب ان يقعد في المسجد أو في مكان بارز ليكون أسهل عليه وعلى قاصديه
وإن كان غير مشهور ولا يقصد ذهب إلى بيته بعد صلاته الركعتين في المسجد (السادسة والخمسون)
إذا وصل بيته دخله من بابه لا من ظهره لحديث البراء رضي الله عنه قال " كانت الأنصار إذا حجوا
فجاؤوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل
بابه وكأنه عبر بذلك فنزلت هذه الآية وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر
من اتقي واتوا البيوت من أبوابها " رواه البخاري ومسلم (السابعة والخمسون) فإذا دخل بيته
استحب أن يقول ما رويناه في كتاب ابن السني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال " كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر فدخل عليه أهله قال توبا توبا لربنا أو بالا يغادر حوبا
قوله توبا سؤال للتوبة أي أسألك توبا أو تب على توبا واوبا بمعناه من آب إذا رجع وقوله لا يغادر
حوبا أي لا يترك اثما (الثامنة والخمسون) يستحب ان يقال للقادم من غزو ما رويناه عن عائشة
قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزو فلما دخل استقبلته فقلت الحمد لله الذي نصرك
وأعزك وأكرمك " ويقال للقادم من حج قبل الله حجك وغفر ذنبك واخلف نفقتك ورويناه عن
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج " رواه الحاكم والبيهقي قال الحاكم هو صحيح على شرط مسلم
(التاسعة والخمسون) يستحب النقيعة وهي طعام يعمل لقدوم المسافر ويطلق على ما يعمله المسافر
القادم وعلى ما يعمله غيره له وسنوضحها إن شاء الله تعالى في باب الوليمة حيث ذكرها المصنف
ومما يستدل به لها حديث جابر رضي الله عنه " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة من
سفره نحر جزورا أو بقرة " رواه البخاري (الستون) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال " قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم وفد الله ثلاثة الغازي والحاج والمعتمر " رواه الحاكم وقال هو صحيح على
شرط مسلم (الحادية والستون) قال أصحابنا يستحب صلاة النوافل في السفر سواء الرواتب مع الفرائض
وغيرها: هذا مذهبنا ومذهب القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن ومالك
400

وجماهير العلماء قال الترمذي وبه قالت طائفة من الصحابة واحمد واسحق وأكثر أهل العلم قال
وقالت طائفة لا يصلي الرواتب في السفر وهو مذهب ابن عمر ثبت عنه في الصحيحين فروى
حفص بن عاصم " صحبت ابن عمر في طريق مكة فصلي لنا الظهر ركعتين ثم اقبل واقبلنا معه حتى جاء
رحله وجلس وجلسنا معه فحانت منه التفاتة نحو حيث صلي فرأى ناسا قياما فقال ما يصنع هؤلاء قلنا
يسبحون فقال لو كنت مسبحا أتممت صلاتي يا ابن أخي اني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم
في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وصحبت أبا بكر رضي الله عنه فلم يزد على ركعتين حتى
قبضه الله وصحبت عمر رضي الله عنه فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وصحبت عثمان رضي
الله عنه فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وقد قال الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة
حسنة " رواه البخاري ومسلم وهذا اللفظ احدى روايات مسلم وفى رواية لهما صحبت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد على ركعتين في السفر فهذا حجة ابن عمر ومن وافقه واما حجة
أصحابنا والجمهور فأحاديث كثيرة (منها) الأحاديث الصحيحة الشائعة في باب استقبال القبلة وغير
أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يصلي النوافل على راحلته في السفر حيث توجهت به " وعن أبي قتادة
حديثه السابق في باب صلاة التطوع انهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فناموا عن صلاة
الصبح حتى طلعت الشمس فساروا حتى ارتفعت الشمس ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ
ثم أذن بلال بالصلاة فصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم صلي الغداة فصنع كما كان يصنع كل
يوم " رواه مسلم فهاتان الركعتان سنة الصبح وهما مراد البخاري بقوله في صحيحه ركع النبي صلى الله عليه
وسلم ركعتي الفجر في السفر وعن أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم " صلي يوم فتح مكة في
بيتها ثماني ركعات وذلك ضحى " رواه البخاري ومسلم وفى رواية صحيحة سبحة الضحى وسبق
بيانها في باب التطوع: واحتج بها البخاري والبيهقي وغيرهما في المسألة وعن البراء بن عازب قال
401

صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة سفرة فما رأيته ترك ركعتين إذا زاغت الشمس
قبل الظهر " رواه أبو داود والترمذي وقال رأى البخاري هذا الحديث حسنا وعن الحجاج بن أرطاة عن
عطية العوفي عن ابن عمر قال " صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر في السفر ركعتين وبعدها
ركعتين " رواه الترمذي وقال حديث حسن ثم رواه من رواية محمد بن أبي ليلي عن عطية ونافع وقال
هو أيضا حسن قال وقال البخاري ما روى ابن أبي ليلى حديثا أعجب إلى من هذا الحديث هذا كلام
الترمذي وعطية والحجاج وابن أبي ليلي ضعيف وقد حكم بأنه حسن فلعله اعتضده عنده بشئ وأما رواية
ابن عمر الأولى في نفى الزيادة فالاثبات مقدم عليها ولعله كان في بعض الأوقات والله أعلم (الثانية
والستون) يحرم على المرأة ان تسافر وحدها من غير ضرورة إلى ما يسمى سفرا سواء بعد أم قرب
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم
الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة الا مع ذي محرم عليها " رواه البخاري ومسلم وفى رواية لمسلم مسيرة
يوم وفى رواية ليلة وفى رواية لأبي داود والحاكم مسيرة بريد وقد سبق بيان هذا كله في أول باب
صلاة المسافر وعن ابن عباس رضي الله عنهما انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " لا يخلون رجل
بامرأة الا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة الا مع ذي محرم فقال رجل يا رسول الله ان امرأتي خرجت
حاجة واني اكتتبت في غزوة كذا قال انطلق فحج مع امرأتك " رواه البخاري ومسلم *
(باب صلاة الخوف)
* قال المصنف رحمه الله *
(تجوز صلاة الخوف في قتال الكفار لقوله تعالى (ان كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم
طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم) وكذلك يجوز في كل قتال
مباح كقتال أهل البغي وقطاع الطريق لأنه قتال جائز فهو كقتال الكفار واما القتال المحظور
كقتال أهل العدل وقتال أهل الأموال لاخذ أموالهم فلا يجوز فيه صلاة الخوف لان ذلك رخصة وتخفيف
فلا يجوز أن تتعلق بالمعاصي ولان فيه إعانة على المعصية وهذا لا يجوز) *
(الشرح) قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله صلاة الخوف جائزة في كل قتال ليس بحرام سواء
كان واجبا كقتال الكفار والبغاة وقطاع الطريق إذا قاتلهم الامام وكذا الصائل على حريم الانسان أو على
نفسه إذا أوجبنا الدفع أو كان مباحا مستوى الطرفين كقتال من قصد مال الانسان أو مال غيره
402

وما أشبه ذلك ولا يجوز في القتال المحرم بالاجماع كقتال أهل العدل وقتال أهل
الأموال لاخذ أموالهم وقتال القبائل عصبية ونحو ذلك ودليل الجميع في الكتاب وقطع أصحابنا العراقيين
وجماعة من الخراسانيين بأنه يجوز لمن قصد ماله ودافع عنه أن يصلي صلاة الخوف كما ذكرنا أولا قال جمهور
الخراسانيين إذا كان المال حيوانا جازت صلاة الخوف قطعا والا فقولان (أصحهما) الجواز والمذهب الجواز
مطلقا وهو المشهور من نصوصه اما إذا انهزم المسلمون من الكفار فقال أصحابنا إن كانت الهزيمة جائزة
بان يزيد الكفار على الضعف أو كان متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فلهم صلاة شدة الخوف وإلا فلا
وستأتي المسألة مع نظائرها وفروعها في أواخر هذا الباب في صلاة شدة الخوف إن شاء الله تعالى وحيث
منعنا صلاة الخوف لكون القتال محرما فصلوها فهو كما لو صلوها في الامن اتفق عليه أصحابنا وسنوضحه
في آخر هذا الباب إن شاء الله تعالى واما قول المصنف في كل قتال مباح فاستعمل المباح على اصطلاح الفقهاء
403

وهو مالا اثم فيه وإن كان واجبا فان قتال البغاة واجب وحقيقة المباح عند الأصوليين ما استوى
طرفاه بالشرع وإنما طلقه المصنف وغيره ليدخل فيه الدفع عن المال وغيره مما هو مباح حقيقة وقوله رخصة
بضم الخاء واسكانها *
(فرع) قال أصحابنا المراد بصلاة الخوف أن كيفية الفريضة فيها إذا صليت جماعة كما سنذكره إن شاء الله
تعالى وأما شروط الصلاة وأركانها وسننها وعدد ركعاتها فهي في الخوف كالامن من الا أشياء
استثنيت في صلاة شدة الخوف خاصة سنفصلها في موضعها إن شاء الله تعالى وهذا الذي ذكرناه من أن
صلاة الخوف لا يتغير عدد ركعاتها هو مذهبنا ومذهب العلماء كافة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم
الا ابن العباس والحسن البصري والضحاك وإسحاق بن راهويه فإنهم قالوا الواجب في الخوف ركعة
وحكاه الشيخ أبو حامد عن جابر بن عبد الله وطاوس لكن أبو حامد نقل عن هؤلاء أن الفرض في الخوف
على الامام ركعتان وعلى المأموم ركعة والذي نقله الجمهور عن هؤلاء أن الواجب ركعة فقط في حق كل
أحد لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال " فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر
أربعا في السفر ركعتين وفى الخوف ركعة " رواه مسلم قالوا ولان المشقة في الخوف ظاهرة فخفف عنه
بالقصر دليلنا الأحاديث المشهورة في الصحيحين وغيرهما عن جماعات من الصحابة رضي الله عنهم
أن النبي صلى الله عليه وسلم " صلى هو وأصحابه في الخوف ركعتين " (والجواب) عن حديث ابن عباس
ان معناه أن المأموم يصلي مع الامام ركعة ويصلي الركعة الأخرى وحده وبهذا الجواب أجاب البيهقي
وأصحابنا في كتب المذهب وهو متعين للجمع بين الأحاديث الصحيحة (والجواب) عن قولهم في الخوف
مشقة أن ينتقض بالمرض فان مشقته أشد ولا أثر له في قصر الصلاة بالاجماع مع أن الخوف يؤثر في تخفيف
هيئات الصلاة وصفتها والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في أصل صلاة الخوف: مذهبنا أنها مشروعة وكانت في زمن النبي
صلى الله عليه وسلم مشروعة لكل أهل عصره معه صلى الله عليه وسلم ومنفردين عنه واستمرت شريعتها
404

إلى الآن وهي مستمرة إلى آخر الزمان قال الشيخ أبو حامد وسائر أصحابنا وبهذا قالت الأمة بأسرها
الا أبا يوسف والمزني فقال أبو يوسف كانت مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم " ومن يصلي معه وذهبت
بوفاته " وقال المزني كانت ثم نسخت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم * واحتج لأبي يوسف بقول الله تعالى (وإذا
كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) الآية قال والتغيير الذي يدخلها كان ينجبر بفعلها مع النبي صلى الله عليه
وسلم بخلاف غيره * واحتج المزني بان النبي صلى الله عليه وسلم فاته صلوات يوم الخندق ولو كانت صلاة
الخوف جائزة لفعلها ولم يفوت الصلاة * واحتج أصحابنا بالآية الكريمة والأصل هو التأسي به
صلى الله عليه وسلم والخطاب معه خطاب لامته وبقوله صلى الله عليه وسلم " وصلوا كما رأيتموني أصلي "
رواه البخاري كما سبق وهو عام وبإجماع الصحابة فقد ثبتت الآثار الصحيحة عن جماعة من الصحابة
رضي الله عنهم أنهم صلوها في مواطن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجامع بحضرة كبار
من الصحابة ممن صلاها علي بن أبي طالب في حروبه بصفين وغيرها وحضرها من الصحابة خلائق
لا ينحصرون ومنهم سعد بن أبي وقاص وأبو موسى الأشعري وعبد الرحمن بن سمرة وحذيفة وسعيد بن
العاص وغيرهم وقد روى أحاديثهم البيهقي وبعضها في سنن أبي داود وغيره قال البيهقي والصحابة
الذين رأوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الخوف لم يحملها أحد منهم على تخصيصها بالنبي صلى الله عليه
وسلم ولا بزمنه بل رواها كل واحد وهو يعتقدها مشروعة على الصفة التي رآها (وأما الجواب)
عن احتجاجهم بالآية فقد سبق أنها حجة لنا لان الخطاب والأصل التأسي (واما الجواب) عن انجبار
الصلاة بفعلها خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال أصحابنا الصلاة خلفه صلى الله عليه وسلم فضيلة
ولا يجوز ترك واجبات الصلاة لتحصيل فضيلة فإن لم تكن صلاة الخوف جائزة مطلقا لما فعلوها (واما دعوى)
المزني النسخ (فجوابه) أن النسخ لا يثبت الا إذا علمنا تقدم المنسوخ وتعذر الجمع بين النصين ولم يوجد هنا
405

شئ من ذلك بل المنقول المشهور أن صلاة الخوف نزلت بعد الخندق فكيف ينسخ به ولان صلاة الخوف
على هذه الصفة جائزة ليس واجبة فلا يلزمه من تركها النسخ ولان الصحابة أعلم بذلك فلو كانت
منسوخة لما فعلوها ولا نكروا على فاعليها والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(وإذا أراد الصلاة لم يخل اما أن يكون العدو في جهة القبلة أو في غيرها فإن كان في غيرها ولم يأمنوا وفى
المسلمين كثرة جعل الامام الناس طائفتين طائفة في وجه العدو وطائفة يصلى معهم ويجوز أن يصلى بالطائفة التي
معه جميع الصلاة ثم تخرج إلى وجه العدو وتجئ الطائفة الأخرى فتصلى معه فيكون متنفلا في الثانية وهم
مفترضون والدليل عليه ما روى أبو بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " صلي صلاة الخوف بالذين معه
ركعتين وبالذين جاؤوا ركعتين فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم أربعا وللذين جاؤوا ركعتين " ويجوز أن يصلي
بإحدى الطائفتين بعض الصلاة وبالأخرى البعض وهو أفضل من أن يصلي بكل واحدة منهما جميع الصلاة لأنه
أخف فإن كانت الصلاة ركعتين صلي بالطائفة التي معه ركعة وثبت قائما وأتمت الطائفة لأنفسهم وتنصرف إلى
وجه العدو وتجئ الطائفة الأخرى فيصلى معهم الركعة التي بقيت من صلاته وثبت جالسا وأتمت الطائفة
لأنفسهم ثم يسلم بهم والدليل عليه ما روى صالح بن خوات " عن من صلي مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع
صلاة الخوف فذكر مثل ما قلنا ") *
(الشرح) حديث أبي بكرة صحيح رواه أبو داود باسناد صحيح كما هو في المهذب ورواه البخاري
ومسلم من رواية جابر بمعناه ورواه مسلم في باب صلاة الخوف ورواه البخاري في كتاب المغازي
وإنما ذكرت موضعه لأني رأيت امامين كبيرين أضافاه إلى رواية مسلم خاصة فأوهما أن البخاري
لم يروه وغلطا في ذلك واما حديث صالح بن خوات فرواه البخاري ومسلم كما في المهذب عن من صلي
مع النبي صلى الله عليه وسلم (وقوله) عمن صلي مع النبي صلى الله عليه وسلم هو سهل بن أبي خيثمة كذا
جاء مبينا في الصحيحين وخوات - بخاء معجمة مفتوحة وواو مشددة ثم الف ثم تاء مثناة فوق - وصالح
406

تابعي وأبو خوات صحابي وهو خوات بن جبير الأنصاري وذات الرقاع - بكسر الراء - موضع قبل نجد
من ارض غطفان اختلف في سبب تسميتها فالصحيح ما ثبت في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي
موسى الأشعري أنه قال فيها نقبت اقدامنا فكنا نلف على أرجلنا الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع
لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق وقوله نقبت - بضم النون وفتحها - أي تقرحت وتقطعت جلودها
وقيل باسم شجرة كانت هناك وقيل اسم جبل فيه بياض وحمرة وسواد ويقال له الرقاع وقيل لأرض
كانت ملونة وقيل لرقاع كانت في ألويتهم (قوله) وفى المسلمين كثرة - هي بفتح الكاف - على المشهور وفى لغة
ضعيفة كسرها * اما الأحكام فقال العلماء جاءت صلاة الخوف عن النبي صلى الله عليه وسلم على ستة
عشر نوعا وهي مفصلة في صحيح مسلم بعضها ومعظمها في سنن أبي داود واختار الشافعي رحمه الله
منها ثلاثة أنواع (أحدها) صلاته صلى الله عليه وسلم ببطن نخل (والثاني) صلاته صلى الله عليه وسلم
بذات الرقاع (والثالث) صلاته صلى الله عليه وسلم بعسفان وكلها صحيحة ثابتة في الصحيحين
ولصلاة الخوف نوع رابع جاء به القرآن وذكره الشافعي وهو صلاة شدة الخوف قال الله تعالى (فان
خفتم فرجالا أو ركبانا) وهذه الأنواع ذكرها المصنف في الكتاب على الترتيب الذي ذكرته قال
أهل الحديث والسير أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم للخوف صلاة ذات الرقاع (واعلم) ان بطن نخل موضع
من ارض نجد من ارض غطفان فهي وذات الرقاع من ارض غطفان لكنها صلاتان في وقتين
مختلفين وفي كتاب المغازي من صحيح البخاري عن جابر قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى
ذات الرقاع من نخل فلقي جمعا من غطفان " واعلم أن نخلا هذا غير نخلة الذي جاء إليها وفد الجن
تلك عند مكة وبدأ المصنف بصلاة بطن نخل وهي ان يجعل الامام الناس طائفتين (إحداهما) في
وجه العدو (والأخرى) يصلى بها جميع الصلاة ويسلم سواء كانت ركعتين أو ثلاثا أو أربعا فإذا سلم
ذهبوا إلى وجه العدو وجاء الآخرون فصلي بهم تلك الصلاة مرة ثانية تكون له نافلة ولهم فريضة
قال أصحابنا وإنما تستحب هذه الصلاة بثلاثة شروط أن يكون العدو في غير القبلة وأن يكون في المسلمين
كثرة والعدو قليل وأن يخاف هجومهم على المسلمين في الصلاة قال أصحابنا فهذه الأمور ليست شرطا
لصحتها فان الصلاة على هذا الوجه صحيحة عندنا من غير خوف ففي الخوف أولي وإنما المراد انها
407

لا تندب على هذه الهيأة الا بهذه الشروط الثلاثة والله أعلم (وأما النوع الثاني) فهو صلاة ذات الرقاع
فمعظم مسائل الباب فيها فتكون ثلاثة تارة ركعتين صبحا أو مقصورة وتارة ثلاثا وهي المغرب وتارة
أربعا إذا لم تقصر فإن كانت ركعتين فرق الامام الناس فرقتين فرقة تقف في مقابلة العدو وفرقة
ينحدر بها الامام إلى حيث لا يلحقهم سهام العدو فيحرم بهم ويصلى ركعة وهذا القدر اتفقت
عليه روايات الحديث ونصوص الشافعي والأصحاب وفيما يفعل بعد ذلك روايتان في الأحاديث
الصحيحة (إحداها) انه إذا قام الامام إلى الركعة الثانية نوى المقتدى الخروج من متابعته وصلوا
لأنفسهم الركعة الثانية وتشهدوا وسلموا وذهبوا إلى وجه العدو وجاء الآخرون فأحرموا خلفه
في الركعة الثانية وأطالها حتى يلحقوه ويقرأوا الفاتحة ثم يركع بهم ويسجد فإذا جلس للتشهد قاموا
فصلوا ثانيتهم وانتظرهم فإذا لحقوه سلم بهم هذه رواية سهل بن أبي خيثمة المذكور في الكتاب
عن صالح بن خوات وهي في صحيحي البخاري ومسلم (والثانية) أن الامام إذا قام إلى الثانية لا يتم
المقتدون به الصلاة بل يذهبون إلى مكان إخوانهم فيقفون قبالة العدو وهم في الصلاة ويقفون سكوتا
وتجئ الطائفة الأخرى فيصلي بهم الامام ركعته الثانية فإذا سلم ذهبوا إلى وجه العدو وجاء
الأولون إلى مكان صلاة الامام فصلوا الركعة الباقية عليهم ثم ذهبوا إلى وجه العدو
وجاء الآخرون إلى مكان الصلاة فصلوا ركعتهم الباقية وسلموا وهذه رواية ابن عمر عن صلاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا حكاه أصحابنا عن رواية ابن عمر وهي في الصحيحين عن ابن عمر
لكن لفظ رواية البخاري " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ركع بمن معه وسجد سجدتين ثم انصرفوا
مكان الطائفة التي لم تصل فجاؤوا فركع النبي صلى الله عليه وسلم بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم فقام
كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين " ولفظ رواية مسلم " ان النبي صلى الله عليه وسلم
صلي بإحدى الطائفتين ركعة ثم انصرفوا فقاموا مقام أصحابهم وجاء أولئك ثم صلي بهم النبي صلى الله عليه
وسلم ركعة ثم سلم ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة " واختار الشافعي والأصحاب الرواية
الأولى رواية سهل لأنها أحوط لأمر الحرب ولأنها أقل مخالفة لقاعدة الصلاة وهل تصح الصلاة
على وفق رواية ابن عمر فيه قولان حكاهما الشيخ أبو حامد والبندنيجي وجماعات من الخراسانيين
408

(أحدهما) لا تصح لكثرة الأفعال فيها بلا ضرورة احترازا من صلاة شدة الخوف وزعم المحتج بهذا
القول إن رواية ابن عمر منسوخة (والقول الثاني) وهو الصحيح المشهور صحة الصلاة لصحة الحديث
وعدم معارضه فان رواية سهل لا تعارضه فكانت هذه في يوم وتلك في يوم آخر ودعوى الأول
النسخ باطلة لأنه محتاج إلى معرفة التاريخ وتعذر الجمع بين الروايتين وليس هنا واحد منهما وهذا
القول نص عليه الشافعي في الجديد في كتاب الرسالة وأما قول الغزالي قاله بعض أصحابنا وهو بعيد
فغلط في شيئين (أحدهما) نسبته إلى بعض الأصحاب والثاني تضعيفه والصواب انه قول الشافعي الجديد
الصحيح واختار أبو حنيفة رواية ابن عمر قال أصحابنا وفعل الصلاة على هذا الوجه على اختلاف
الروايتين ليس واجبا بل مندوب فلو صلي الامام ببعضهم كل الصلاة وبالباقين غيره أو صلى
بعضهم أو كلهم منفردين جاز بلا خلاف لكن كانت الصحابة رضي الله عنهم لا يسمحون بترك
الجماعة لعظم فضلها فسنت لهم هذه الصفة ليحصل لكل طائفة حظ من الجماعة والوقوف قبالة
العدو وتختص الأولى بفضيله ادراك تكبيرة الاحرام والثانية بفضيلة السلام معه قال أصحابنا
وإنما تستحب هذه الصلاة إذا كان العدو في غير جهة القبلة أو فيها وبين المسلمين حائل يمنعهم لو هجموا *
* قال المصنف رحمه الله *
(وتفارق الطائفة الأولى الامام حكما وفعلا فان لحقها سهو بعد المفارقة لم يتحمل عنهم الامام وان سها
الامام لم يلزمه سهوه وهل يقرأ الإمام في حال انتظاره قال في موضع إذا جاءت الطائفة الثانية قرأ وقال في موضع
يطيل القراءة حتى تدركه الطائفة الثانية فمن أصحابنا من قال فيه قولان (أحدهما) لا يقرأ حتى تجئ الطائفة الثانية
فيقرأ معها لأنه قرأ مع الطائفة الأولى قراءة تامة فيجب ان يقرأ مع الثانية أيضا قراءة تامة (والقول الثاني)
انه يقرأ وهو الأصح لان أفعال الصلاة لا تخلو من ذكر والقيام لا يصلح لذكر غير القراءة فوجب
ان يقرأ ومن أصحابنا من قال إن أراد أن يقرأ سورة قصيرة لم يقرأ حتى لا يفوت القراءة على الطائفة
الثانية وان أراد أن يقرأ سورة طويلة قرأ لأنه لا يفوت عليهم القراءة وحمل القولين على هذين
الحالين واما الطائفة الثانية فإنهم يفارقون الامام فعلا ولا يفارقونه حكما فان سهوا تحمل عنهم الامام
وإن سها الامام لزمهم سهوه ومتى يفارقونه قال الشافعي رحمه الله في سجود السهو يفارقونه بعد التشهد
لان المسبوق لا يفارق الامام الا بعد التشهد وقال في الأم يفارقونه عقيب السجود في الثانية وهو
409

الأصح لان ذلك أخف ويفارق المسبوق لان المسبوق لا يفارق حتى يسلم الامام وهذا يفارق قبل
التسليم فإذا قلنا بهذا فهل يتشهد الامام في حال الانتظار فيه طريقان من أصحابنا من قال فيه قولان
كالقراءة ومنهم من قال يتشهد قولا واحدا ويخالف القراءة فان في القراءة قد قرأ مع الطائفة الأولى
فلم يقرأ حتى تدركه الطائفة الثانية فيقرأ معها والتشهد لم يفعله مع الطائفة الأولى فلا ينتظر) *
(الشرح) قال أصحابنا إذا قامت الطائفة الأولى مع الامام من سجدتي الركعة الأولى نووا
مفارقين إذا انتصبوا قياما ولو فارقوه بعد رفع الرأس من السجدتين جاز لكن الأول أفضل
ليستمر عليهم حكم الجماعة حالة النهوض واتفقوا على أنه لا بد من نية المفارقة لان حكم القدوة مستمر
ما لم ينو المفارقة ولا يجوز للمقتدى سبق الامام فإذا فارقوه خرجوا عن حكم القدوة في كل شئ
فلا يلحقهم سهوه ولا يحمل سهوهم وقول المصنف والأصحاب يفارقوه حكما وفعلا أرادوا بقولهم
حكما أنه لا يحمل سهوهم ولا يلحقهم سهوه ولا يسجدون لتلاوته ولا غير ذلك مما يلتزمه المأموم
وأرادوا بقولهم وفعلا أنهم يصلون الركعة الثانية منفردين مستقلين بفعلها وذكر جماعة من الخراسانيين
في الوقت الذي ينقطع به حكم الطائفة الأولى عن حكم الامام ولا يحمل سهوهم ولا يلحقهم سهوه
وجهين (أحدهما) إذا انتصب الامام قائما (والثاني) إذا رفع رأسه من السجدتين فعلى هذا لو رفع رأسه
من السجود وهم فيه فسهوا فيه لم يحمله ونقل الرافعي الوجهين ثم قال ولك أن تقول قد نصوا على أنهم
ينوون المفارقة عند رفع الرأس والانتصاب فلا معنى للخلاف في وقت الانقطاع بل ينبغي ان
يقتصر على وقت نية المفارقة وهذا الذي قاله الرافعي متعين لا يجوز غيره وأما الطائفة الثانية فسهوها
في الركعة الأولى لها التي هي ثانية الامام محمول لأنهم في قدوة حقيقة وفى سهوهم في ركعتهم الثانية التي
يأتون بها والامام ينتظرهم في الجلوس وجهان مشهوران حكاهما الشيخ أبو حامد والبندنيجي وغيرهما
(أحدهما) لا يحمله لمفارقتهم له في الفعل وهذا قول ابن سريج وأبى علي بن خيران فعلى هذا لا يلزمهم
410

سهوه في حال انتظاره لهم (وأصحهما) وهو قول عامة أصحابنا المتقدمين وهو المنصوص وبه قطع المصنف
والأكثرون يحمله ويلحقهم سهوه لأنهم في حكم القدوة وهو منتظر لهم فهو كسهوهم في سجدة رفع
الامام منها ويعبر عن الوجهين بأنهم يفارقوه حكما أم لا والصحيح انهم لا يفارقونه حكما قالوا
وتجرى الوجهان في المزحوم في الجمعة إذا سها في وقت تخلفه وأجروهما فيمن صلي منفردا فسها ثم نوى
الاقتداء في أثنائها وجوزناه وأتمها مأموما واستبعد امام الحرمين اجراءهما هنا وقال الوجه القطع بان حكم
السهو لا يرتفع بالقدوة اللاحقة وهذا هو الأظهر هنا (واعلم) أن سهو الامام في الركعة الأولى يلحق
الطائفتين فتسجد له الطائفة الأولى إذا تمت صلاتها فان سها بعضهم في ركعته الثانية فهل يقتصر
على سجدتين أم يسجد أربعا لكونه سها في حال قدوة وفى حال انفراد فيه الوجهان السابقان في باب
سجود السهو (أصحهما) سجدتان قال صاحب البيان فان قلنا سجدتان فعماذا تصحان فيه الأوجه الثلاثة
السابقة في باب سجود السهو (أحدهما) تقعان عن سهوه ويكون سهو امامه تابعا (والثاني) عكسه (وأصحها
)
يقعان عنهما وتظهر فائدة الخلاف فيما لو نوى خلاف ما جعلناه مقصودا قال أصحابنا ثم إذا قام الامام
إلى الثانية هل يقرأ في حال انتظاره فراغ الأولى ومجئ الثانية فيه نصان للشافعي قال في الاملاء يقرأ
ويطيل القراءة فإذا جاءت الطائفة الثانية قرأ معها فاتحة الكتاب وسورة قصيرة وقال في الأم لا يقرأ
بل يسبح ويذكر الله تعالى حتى تأتي الطائفة الثانية هذان نصان وللأصحاب فيهما ثلاث طرق (أصحها)
وأشهرها وبه قطع المصنف في التنبيه وآخرون فيه قولان (أصحهما) باتفاقهم تستحب القراءة فيقرأ الفاتحة
وبعدها سورة طويلة حتى تجئ الطائفة الثانية فإذا جاءت قرأ من السورة قدر الفاتحة وسورة قصيرة
لتحصل لهم قراءة الفاتحة وشئ من زمن السورة ودليل هذا القول إن الصلاة مبنية على أن لا سكوت
فيها فينبغي ان يقرأ لان القيام لا يشرع فيه إلا القراءة (والقول الثاني) يستحب أن لا يقرأ حتى تجئ
الطائفة الثانية لأنه قرأ مع الأولى الفاتحة فينبغي ان يقرأها أيضا مع الثانية ولا يشرع غير الفاتحة
قبلها وعلى هذا القول قال الشافعي والأصحاب يشتغل بما شاء من الذكر كالتسبيح وغيره (والطريق
411

الثاني) وبه قال أبو إسحاق إن أراد قراءة سورة قصيرة لم يقرأ لئلا تفوت القراءة على الطائفة الثانية
وان أراد سورة طويلة قرأ لأنه لا تفوتهم وحمل النصين على هذين الحالين (والطريق الثالث) حكاه
الفوراني والامام وآخرون من الخراسانيين تستحب القراءة قولا واحدا قال أصحابنا ويستحب للامام
ان يخفف القراءة في الأولى لأنها حالة شغل وحرب ومخاطرة عن خداع العدو ويستحب أيضا للطائفتين
تخفيف قراءة ركعتهم الثانية لئلا يطول الانتظار قال أصحابنا وسواء قرأ الامام في حال الانتظار
أم لا يستحب أن لا يركع حتى تفرغ الطائفة الثانية من الفاتحة فلو لم ينتظرهم الامام فأدركته الطائفة الثانية راكعا
أدركوا الركعة بلا خلاف كما في غير حالة الخوف كذا قالوه ويجئ فيه الوجه الشاذ السابق في باب صلاة الجماعة
عن ابن خزيمة من أصحابنا انه لا تحسب الركعة بادراك الركوع ولا تحسب حتى يدرك شيئا من قيام الامام واما
الطائفة الثانية فإذا صلى بهم الركعة الثانية فارقوه ليتموا الركعة الباقية عليهم ولا ينوون مفارقته ومتى يفارقونه
فيه طريقان (الصحيح) منهما وهو المشهور فيه ثلاثة أقوال ذكر المصنف منها الأول والثاني وأحدهما
يفارقونه بعد التشهد وقبل السلام وهذا نصه في باب سجود السهو من كتب الأم فعلى هذا إذا
قارب السلام فارقوه ثم انتظرهم وطول الدعاء حتى يصلوا ركعتهم ويتشهدوا ثم يسلم بهم (والقول
الثاني) وهو أصحها عند المصنف والأصحاب وأشهرها وبه قطع كثيرون وهو نصه في الأم والبويطي
والاملاء والقديم يفارقونه عقب السجدة الثانية لان ذلك أخف ويخالف المسبوق فإنه لا يفارقه
الا بعد السلام ولان المسبوق إذا فارق لا ينتظره أحد وهنا ينتظره الامام ليسلم به فكلما طال مكثه
طال انتظار الامام وطالت صلاته وهذه الصلاة مبنية على التخفيف (والثالث) حكاه الخراسانيون
عن القديم يفارقه عقب السلام كالمسبوق حقيقة والطريق الثاني حكاه الشيخ أبو حامد والقاضي
أبو الطيب والبندنيجي وآخرون أنهم يفارقونه عقب السجود قولا واحدا قال هذا القائل ونص
الشافعي في سجود السهو على أنه إذا صلى رباعية يتشهد معه لأنه موضع تشهد الطائفة الثانية أيضا
قال القاضي أبو الطيب في المجرد هذا غلط لان سياق نص الشافعي يرده فإذا قلنا بالأصح انهم
يفارقونه عقب السجود فهل يتشهد في حال انتظارهم فيه طريقان (أصحهما) أنه على الطريقين السابقين
في القراءة وهما الأول والثالث والطريق الثاني يتشهد قولا واحدا وفرق المصنف والأصحاب بينه
وبين القراءة بأنه إنما لا يقرأ على قول ليسوى بين الطائفتين في قراءة الفاتحة معهم ومقتضى هذا التعليل
أن يتشهد لئلا يخص الثانية بالتشهد قال أصحابنا فان قلنا لا يتشهد اشتغل في حال انتظاره بالذكر
412

كما قلنا إذا لم يقرأ ولا خلاف أنه ينتظرهم حتى يسلم بهم *
(فرع) ذكرنا أن الامام إذا سها في الأولى لحق الطائفتين سهوه فإذا فارقته الأولى قال
الشافعي أشار إليهم إشارة يفهمون بها انه سها ليسجدوا في آخر صلاتهم هذا نصه في الأم والمختصر
فحكى الشيخ أبو حامد والأصحاب فيه وجهين (أصحهما) وبه قال أبو إسحاق المروزي إنما يشير
إليهم إذا كان سهوا يخفى عليهم فإن كان سهوا جليا لا يخفى عليهم لم يشر قال الشيخ أبو حامد وأظن
الشافعي أشار إلى هذا التفصيل في الاملاء وجزم البندنيجي ان الشافعي نص عليه في الاملاء (والثاني)
يشير إليهم وإن كان السهو جليا لان المأموم قد يجهل السجود بعد مفارقة الامام *
(فرع) إذا قلنا الطائفة الثانية تفارقه عقب السجود فكان الامام قد سها سجدوا معه في
آخر صلاة الجميع وان قلنا يتشهدون معه سجدوا للسهو معهم ثم قاموا إلى ركعتهم قال أصحابنا
وفى اعادتهم سجود السهو في آخر صلاتهم القولان في المسبوق في غير صلاة الخوف
(أصحهما) يعيدون وان قلنا يقومون عقب السجود وينتظرهم بالتشهد فتشهد قبل
فراغهم فأدركوه في آخر التشهد فسجد للسهو قبل تشهدهم فهل يتابعونه فيه وجهان حكاهما ابن
سريج والبندنيجي وصاحبا الشامل والبيان وغيرهم (أحدهما) لا يتابعونه بل يتشهدون ثم
413

يسجدون للسهو ثم يسلم بهم (والثاني) يسجدون لأنهم تابعون له فعلى هذا هل
يعيدونه بعد تشهدهم قالوا فيه القولان ينبغي ان يقطع بأنهم لا يعيدونه *
* قال المصنف رحمه الله *
(وإن كانت الصلاة مغربا صلي بإحدى الطائفتين ركعة وبالثانية ركعتين لما روى أن عليا
رضي الله عنه صلي ليلة الهرير هكذا وقال في الأم الأفضل ان يصلي بالأولى ركعتين وبالثانية
ركعة وهو الأصح لان ذلك أخف لأنه تتشهد كل طائفة تشهدين وعلى القول الآخر تتشهد الطائفة
الثانية ثلاث تشهدات فان قلنا بقوله في الاملاء فارقته الطائفة الأولى في القيام في الركعة الثانية لان
ذلك موضع قيامها وان قلنا بقوله في الأم فارقته بعد التشهد لأنه موضع تشهدها وكيف ينتظر الامام
الطائفة الثانية فيه قولان قال في المختصر ينتظرهم جالسا حتى يدركوا معه القيام من أول الركعة وإذا
انتظرهم قائما فاتهم معه بعض القيام وقال في الأم ان انتظرهم قائما فحسن وان انتظرهم جالسا فجائز فجعل
الانتظار قائما أفضل وهو الأصح لان القيام أفضل من القعود ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة
القاعد على + النصف من صلاة القائم ") *
(الشرح) حديث " صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم " رواه البخاري من رواية عمران
ابن الحصين ورواه مسلم من رواية بن عمرو بن العاص وقد سبق بيانه في باب صلاة المريض وهو
محمول على صلاة النفل مع القدرة على القيام كما سبق هناك وليلة الهرير - بفتح الهاء وكسر الراء -
ليلة من ليالي صفين سميت بذلك لأنهم كان لهم هرير عند حمل بعضهم على بعض وهذا المروى عن
علي رضي الله عنه ذكره البيهقي بغير اسناد وأشار إلى ضعفه فقال ويذكر عن جعفر بن محمد عن
أبيه أن عليا صلي المغرب صلاة الخوف ليلة الهرير والله أعلم وقوله لان القيام أفضل من القعود هذا
مجمع عليه وإنما اختلف العلماء في إطالة القيام والسجود أيهما أفضل ومذهبنا ان إطالة القيام أفضل
وقد سبقت المسألة بدلائلها في أول باب صفة الصلاة وقوله لأنه تتشهد كل طائفة تشهدين هذا تفريع
414

على الأصح وهو نصه في الأم ان الثانية تفارق الامام عقب السجود ولا يتشهدون معه اما إذا قلنا
بنصه في سجود السهو انهم يفارقونه بعد تشهده فإنهم يتشهدون ثلاثة تشهدات * اما حكم المسألة فهو
على ما ذكره المصنف ومختصره انه يجوز ان يصلي بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعة ويجوز
عكسه وأيهما أفضل فيه طريقان المشهور قولان (أصحهما) ان يصلي بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة
(والثاني) عكسه وبه قال أبو حنيفة ومالك وداود (والطريق الثاني) بالأولى ركعتين قولا واحدا ونقله
الشيخ أبو حامد عن عامة الأصحاب فان قلنا بالأولى ركعة فارقته إذا قام إلى الثانية وأتمت
لانفسها كما ذكرناه في ذات الركعتين وان قلنا بالأولى ركعتين جاز ان ينتظرهم في التشهد الأول وجاز
في قيام الثالثة وأيهما أفضل فيه قولان (أصحهما) باتفاقهم الانتظار في القيام وعلى هذا هل يقرأ في القيام
الفاتحة وما بعدها أم لا يقرأ ويشتغل بالذكر فيه الخلاف السابق في ذات الركعتين ولا خلاف ان
الطائفة الأولى لا تفارقه الا بعد التشهد لأنه موضع تشهدهم وهل تفارقه الطائفة الثانية عقب سجوده
في الثالثة أم عقب التشهد فيه الخلاف السابق فيما إذا كانت الصلاة ركعتين وكذا الخلاف في أنه يتشهد
في حال انتظارهم قال أصحابنا وإذا قلنا ينتظرهم في التشهد انتظرهم حتى يحرموا خلفه ثم يقوم
مكبرا قال الشيخ أبو حامد وغيره ويكبرون متابعة له قالوا وإنما ينتظرهم جالسا حتى يحرموا
ليدركوا معه الركعة من أولها كما أدركها الطائفة الأولى من أولها *
* قال المصنف رحمه الله *
(وإن كانت الصلاة ظهرا أو عصرا أو عشاء وكان في الحضر صلي بكل طائفة ركعتين وان
جعلهم أربع فرق وصلى بكل طائفة ركعة ففي صلاة الامام قولان (أحدهما) انها تبطل لان الرخصة
وردت بانتظارين فلا تجوز الزيادة عليهما (والثاني) انها لا تبطل وهو الأصح لأنه قد يحتاج إلى
أربع انتظارات بأن يكون المسلمون أربعمائة والعدو ستمائة فيحتاج أن يقف بإزاء العدو ثلاثمائة ويصلى
بمائة مائة ولان الانتظار الثالث والرابع بالقيام والقراءة والجلوس والذكر وذلك لا يبطل الصلاة
فان قلنا إن صلاة الامام لا تبطل صحت صلاة الطائفة الأخيرة لأنهم لم يفارقوا الامام والطائفة
الأولى والثانية والثالثة فارقوه بغير عذر ومن فارق الامام بغير عذر ففي بطلان صلاته قولان
فان قلنا إن صلاة الامام تبطل ففي وقت بطلانها وجهان قال أبو العباس تبطل بالانتظار الثالث
فتصح صلاة الطائفة الأولى والثانية والثالثة وأما الرابعة فان علموا ببطلان صلاته بطلت صلاتهم
415

وإن لم يعلموا لم تبطل وقال أبو إسحاق المنصوص انه تبطل صلاة الامام بالانتظار الثاني لان النبي
صلى الله عليه وسلم انتظر الطائفة الأولى حتى فرغت ورجعت إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الأخرى وانتظر
بقدر ما أتمت صلاتها وهذا قد زاد على ذلك لأنه انتظر الطائفة الأولى حتى أتمت صلاتها ومضت إلى وجه
العدو وانتظر الثانية حتى أتمت صلاتها ومضت إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الثالثة وهذا زائد على انتظار
رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى هذا ان علمت الطائفة الثانية بطلت صلاتهم وإن لم يعلموا لم تبطل *
(الشرح) قال أصحابنا إذا كانت صلاة الخوف أربع ركعات بأن صلي في الحضر أو أتم في
السفر فينبغي أن يفرقهم فرقتين فيصلي بكل طائفة ركعتين ثم هل الأفضل أن ينتظر الثانية في التشهد
الأول أم في القيام الثالث فيه الخلاف السابق في المغرب ويتشهد بكل طائفة بلا خلاف لأنه موضع
تشهد الجميع وإذا قلنا في القيام فهل يقرأ فيه الخلاف السابق وإذا قلنا ينتظرهم في التشهد انتظرهم
فيه حتى يحرموا فلو فرقهم أربع فرق فصلي بكل فرقة ركعة وينتظر فراغها ومجئ التي بعدها
ففي جوازه قولان مشهوران نص عليهما في المختصر والأم وينبغي عليهما صحة صلاة الامام أصحهما
عند المصنف والأصحاب جواز وصحة صلاة الامام (والثانية) تحريمه وبطلان صلاة الامام ووجه
البطلان ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد على انتظارين والرخص لا يتجاوز فيها النصوص ووجه
الصحة انه قد يحتاج إلى ذلك بأن يكون العدو ستمائة والمسلمون أربع مائة فيقف بإزائهم ثلاثمائة
ويصلي معه مائة مائة ولان الانتظار إنما هو بإطالة القيام والقعود والقراءة والذكر وهذا لا يبطل
الصلاة وإنما اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على انتظارين لأنه القدر الذي احتاج إليه ولعله لو احتاج
زيادة زاد وهذا الخلاف السابق في المسافر إذا أقام لحاجة يرجو قضاها هل يقصر ابدا أم لا يتجاوز
ثمانية عشر يوما ومثله الوتر هل هو منحصر بإحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة أم لا حضر له
فيه خلاف سبق وإذا قلنا بالجواز قال امام الحرمين شرطه الحاجة فإن لم يكن حاجة فهو كفعله في
حال الاختيار ولم يذكر الأكثرون هذا الشرط بل في كلام المصنف والأصحاب إشارة إلى أنه
لا يشرط لأنهم قالوا لأنه قد يحتاج إليه وهذا تصريح بأن الحاجة ليست شرطا فالصحيح انها
ليست شرطا قال أصحابنا وعلى هذا القول تكون الطائفة الرابعة كالثانية في ذات الركعتين فيعود
الخلاف في أنهم يفارقونه قبل التشهد أم بعده وقبل السلام أم بعد سلام الامام والصحيح قبل
التشهد وتتشهد الطائفة الثانية معه على أصح الوجهين وفى وجه تفارقه قبل التشهد قال أصحابنا
416

وعلى هذا القول تصح صلاة الامام والطائفة الرابعة لأنهم لم يفارقوه وفى الطوائف الثلاث القولان
فيمن فارق الامام بلا عذر (أصحهما) الصحة هكذا قال الأصحاب انهم فارقوا بلا عذر لأنهم غير
مضطرين إلى الصلاة على هذا الوجه لامكان صلاته بهم ركعتين ركعتين أو صلاتهم فرادى وحكي
الشيخ أبو حامد والماوردي وجها انهم يفارقون بعذر ولا تبطل صلاتهم قال الماوردي وهو الأظهر
لان اخراج أنفسهم ليس إلى اختيارهم فإنهم لو أرادوا البقاء مع الامام لم يمكنهم فكان عذرا والمشهور
الذي قطع به الأصحاب انه ليس عذرا وأما إذا قلنا لا يجوز تفريقهم أربع فرق فصلاة الامام
تبطل وفى وقت بطلانها وجهان (الصحيح) عند الأصحاب وهو ظاهر نص الشافعي وقول أبى اسحق
المروزي وجمهور المتقدمين تبطل بالانتظار في الركعة الثالثة لأنه زائد (والثاني) قاله ابن سريج تبطل
بالانتظار في الرابعة لأنه يباح انتظاران ويحرم الثالث وإنما يحصل الثالث بانتظار مجئ الرابعة
فعلى هذا تفارقه الثالثة وصلاته صحيحة فعلى قول الجمهور وجهان حكاهما الرافعي وغيره (أحدهما)
تبطل بمضي الطائفة الثانية والثاني بمضي قدر ركعة من انتظاره الثاني وأما صلاة المأمومين فالطائفة
الأولى والثانية فارقتاه قبل بطلان صلاته ففي بطلان صلاتهم القولان فيمن فارق بغير عذر كما سبق
في التفريع على قول صحة صلاته ويجئ وجه الشيخ أبي حامد والماوردي وجزم المصنف والجمهور
بصحة صلاتهما وهو تفريع على الأصح فيمن فارق بلا عذر ان صلاته لا تبطل والا فقد ذكروا
كلهم الخلاف فيما إذا قلنا صلاة الامام صحيحة وهنا أولى بجريان الخلاف وممن ذكر الخلاف
هنا المتولي وآخرون واما الطائفة الرابعة فتبطل صلاتهم باتفاق الأصحاب على هذا القول إن كانوا
عالمين ولا تبطل إن لم يعلموا وفيما يعتبر علمهم به فيه وجهان حكاهما القاضي أبو الطيب في تعليقه
وصاحب الشامل (أحدهما) يعتبر أن يعلم أن الامام انتظر من لا يجوز انتظاره ولا يشترط ان يعلم أن ذلك
يبطل صلاة الامام كما أن من صلى خلف من يعلم أنه جنب تبطل صلاته وان جهل كون الجنابة
تبطل الاقتداء وهو ظاهر نصه في المختصر فإنه قال وتبطل صلاة من علم ما صنع الامام (وأصحهما)
وبه قطع المصنف والجمهور ان المراد ان يعلم أن هذا لا يبطل الصلاة لان معرفة هذا غامضة على
أكثر الناس لا سيما إذا رأو الامام يصلى بهم بخلاف الجنابة فإنه لا يخفى حكمها على أحدا إلا في نادر
جدا واما الطائفة الثالثة فعند ابن سريج هي كالأولى والثانية لأنها فارقت الامام قبل بطلان
417

صلاته وعند الجمهور حكمها حكم الرابعة لأنها تابعته بعد بطلان صلاته قال أصحابنا ولو فرقهم
في صلاة المغرب ثلاث فرق فصلي بكل فرقة ركعة فان جوزنا ذلك فهو كما سبق في الفرق الأربع
على قول الجواز وإن لم نجوزه فصلاة الطوائف الثلاثة صحيحة عن ابن سريج واما عند الجمهور
فصلاة الأولتين على ما سبق في الأربع وصلاة الثالثة باطلة ان علموا والا فصحيحة وفيما يعتبر العلم
فيه الخلاف السابق وإذا اختصرت حكم الفرق الأربع قلت فيهم خمسة أقوال (أصحها) صحة صلاة
الجميع (والثاني) بطلان الجميع (والثالث) صحة صلاة الامام والطائفة الأخيرة فقط (والرابع) صحة صلاة
الأولتين وبطلان صلاة الآخرتين ان علمتا (والخامس) صحة الطوائف الثلاث الأول وبطلان الامام
والرابعة ان علمت وهو قول ابن سريج أما إذا فرقهم في الرباعية فرقتين فصلي بالفرقة الأولى ركعة
وبالثانية ثلاثا أو عكسه فقال البندنيجي وصاحبا الحاوي والشامل والأصحاب ونقلوه عن نصه
في الأم تصح صلاة الامام والطائفتين بلا خلاف وكانت مكروهة ويسجد الإمام والطائفة الثانية
سجود السهو للمخالفة بالانتظار في غير موضعه قال صاحب الشامل بعد أن حكى هذا عن نص
الشافعي وهذا يدل على أن العامد كالساهي في سجود السهو على أنه إذا فرقهم أربع فرق وقلنا
لا تبطل صلاتهم فعليهم سجود السهو وانفرد صاحب التتمة فقال لا خلاف في هذه الصورة
ان الصلاة مكروهة لان الشرع ورد بالتسوية بين الطائفتين قال وهل تصح صلاة الامام أم لا ان
قلنا لو فرقهم أربع فرق تصح فهنا أولا والا فقد انتظر في غير موضعه فيكون كمن قنت في غير
موضعه قال وأما المأمومون فعلى التفصيل فيما لو فرقهم أربع فرق وهذا الذي قاله شاذ والصواب
ما قدمناه عن نص الشافعي والأصحاب *
418

(فرع) قد ذكرنا أن صلاة الخوف جائزة في الحضر: هذا مذهبنا وقال مالك لا تجوز في الحضر
دليلنا عموم الآية ولان صلاة الخوف جوزت للاحتياط للصلاة والحرب وهذا موجود ولأنها
تجوز في المغرب والصبح وهما تامتان (فان قالوا) يطول انتظاره لمن يأتي بركعتين أكثر من
طوله لمن يأتي بركعة وإنما انتظر النبي صلى الله عليه وسلم لمن يأتي بركعة فقط فالجواب أن الانتظار
ليس له محدود وقال القاضي أبو الطيب ولهذا يجوز لكل واحدة من الطائفتين أن تطول صلاتها
لنفسها والامام ينظرها ولو طالت ركعتها قدر ركعات والله أعلم *
(فرع) لو كان الخوف في بلد وحضرت الجمعة فالمذهب والمنصوص أن لهم صلاة الجمعة على هيئة
صلاة ذات الرقاع وقيل في جوازها قولان وقيل وجهان حكاهما البندنيجي وآخرون ثم للجواز
شرطان (أحدهما) أن يخطب بجميعهم ثم يفرقهم فرقتين أو يخطب بفرقة ويجعل منها مع كل واحدة
من الفرقتين أربعين فصاعدا فلو خطب بفرقة وصلى بأخرى لم يجز (الثاني) أن تكون الفرقة الأولى
أربعين فصاعدا فلو نقصت عن أربعين لم تنعقد الجمعة ولو نقصت الفرقة الثانية عن أربعين فطريقان
حكاهما الرافعي (أصحهما) وبه قطع البندنيجي لا يضر قطعا للحاجة والمسامحة في صلاة الخوف (والثاني)
انه على الخلاف في الانفضاض ولو خطب بهم ثم أراد أن يصلي بهم صلاة عسفان التي سنذكرها
قريبا إن شاء الله تعالى فهو أولي بالجواز من صلاة ذات الرقاع ولا يجوز كصلاة بطن نخل بلا خلاف
إذ لا تقام جمعة بعد جمعه في بلد واحد *
(فرع) صلاة ذات الرقاع أفضل من صلاة بطن نخل على أصح الوجهين لأنها أعدل بين الطائفتين
ولأنها صحيحة بالاجماع وتلك صلاة مفترض خلف متنفل وفيها خلاف للعلماء (والثاني) وهو قول أبي إسحاق
صلاة بطن نخل أفضل لتحصل كل طائفة فضيلة جماعة تامة *
(فرع) قال الشافعي في مختصر المزني والطائفة ثلاثة وأكثر وأكره أن يصلي بأقل من طائفة
وأن يحرسه أقل من طائفة هذا نصه واتفق عليه أصحابنا قالوا فالطائفة التي يصلي بها يستحب أن
تكون جمعا أقلهم ثلاثة وكذلك الطائفة التي تحرسه يكونون جمعا أقلهم ثلاثة ويكره أن تكون واحدة
من الطائفتين أقل من ثلاثة وذكر أصحابنا عن أبي بكر بن داود الظاهري أنه قال قول الشافعي أقل
419

الطائفة ثلاثة خطأ لان الطائفة في اللغة والشرع يطلق على واحد فأما اللغة فحكى ثعلب عن الفراء أنه قال
مسموع من العرب أن الطائفة الواحد وأما الشرع فهو ان الشافعي احتج في قبول خبر الواحد
بقول الله تعالى (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) فحمل الطائفة على الواحد وقال تعالي (وليشهد
عذابهما طائفة من المؤمنين) والمراد واحد وأجاب أصحابنا بأجوبة (أحدها) وهو المشهور تسليم أن
الطائفة يجوز اطلاقها على واحد وإنما أراد الشافعي ان الطائفة في صلاة الخوف يستحب أن لا تكون
أقل من ثلاثة لقوله تعالي (وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم) وقال تعالي في
الطائفة الأخرى (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم فإذا
سجدوا فليكونوا من ورائكم) فذكرهم بلفظ الجمع في كل المواضع وأقل الجمع ثلاثة وأما الطائفة في
قوله تعالى (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) فإنما حملناه على الواحد للقرينة وهو حصول الانذار
بالواحد كما حملناه هنا على الثلاثة بقرينة وهو ضمير الجمع (فان قيل) فقد قال الله تعالى في هذه الآية
(فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) فأعاد على
الطائفة ضمائر الجمع ولم يلزم من ذلك كون الطائفة ثلاثة (فالجواب) أن الجمع هنا على عود الضمائر إلى
الطوائف التي دل عليها قوله تعالي (من كل فرقة) قال أصحابنا وتكره صلاة الخوف إذا كانوا خمسة
سوى الامام كما نص عليه الشافعي ولا تزول الكراهة حتى يكونوا ستة فإذا كانوا خمسة أو أقل
صلي معهم جميع الصلاة ثم انصرفوا وجاء الآخرون فصلوا لأنفسهم جماعة قال الماوردي وغيره
فان خالف وصلي بهم صلاة الخوف وهم خمسة فأقل أساء وكره كراهة تنزيه وصحت صلاة الجميع *
* قال المصنف رحمه الله *
(وإن كان العدو من ناحية القبلة لا يسترهم عنهم شئ وفى المسلمين كثرة صلا بهم صلاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان فيحرم بالطائفتين ويسجد معه الصف الذي يليه فإذا رفعوا رؤسهم
سجد الصف الآخر فإذا سجد في الثانية حرس الصف الذي سجد في الأولى وسجد الصف الآخر فإذا
رفعوا سجد الصف الآخر لما روي جابر وابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى هكذا) *
(الشرح) حديث جابر رواه مسلم وحديث ابن عباس رواه النسائي والبيهقي ورواه أبو داود
والنسائي من رواية أبى عياش - بالياء المثناة من تحت الشين المعجمة - الزرقي الصحابي الأنصاري واسمه
420

زيد ابن الصامت وقيل غير ذلك وحديثه صحيح ولكن لفظ رواية جابر في مسلم وغيره ولفظ ابن عباس
وأبي عياش فيها كلها مخالفة لما ذكره المصنف وألفاظها كلها متقاربة وهذا لفظ مسلم عن جابر قال
" شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصففنا صفين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم
والعدو بيننا وبين القبلة فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعا فركع وركعنا
جميعا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام
الصف المؤخر في نحو العدو فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه
انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم ثم ركع النبي
صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعا ثم رفع رأسه ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي
كان مؤخرا في الركعة الأولى وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضي النبي صلى الله عليه وسلم السجود
والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا
جميعا " هذا لفظ مسلم وكل طرق مسلم وغيره متفقه على تأخر الصف المقدم وتقدم المؤخر بعد سجوده في الأولى
واما نص الشافعي فمخالف لما في الحديث ولما في المهذب فإنه قال في مختصر المزني صلي بهم الامام وركع
وسجد بهم جميعا الا صفا يليه وبعض صف ينتظرون العدو فإذا قاموا بعد السجدتين سجد الصف
الذي حرسهم فإذا ركع ركع بهم جميعا وإذا سجد سجد معه الذين حرسوا أولا الا صفا أو بعض
صف يحرسه منهم فإذا سجدوا سجدتين وجلسوا سجد الذين حرسوه ثم يتشهدون ثم سلم بهم جميعا
معا وهذا نحو صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان قال ولو تأخر الصف الذي حرس إلى الصف الثاني
وتقدم الثاني فحرس فلا بأس هذا نصه في مختصر المزني ونصه في الأم مثله سواء واختلف أصحابنا في
حكم المسألة فقال القفال ومتابعوه من الخراسانيين يصلي كما قال الشافعي وقال الشيخ أبو حامد والمحاملي
والبندنيجي وابن الصباغ والشيخ نصر وآخرون هو الصواب قالوا وهو مذهب الشافعي لأنه أوصي
إذا صح الحديث انه يعمل به وهو مذهبه وانه يترك نصه المخالف له قالوا ولعل الشافعي لم يبلغه الخبر
421

أو ذهل عنه وقال البغوي والروياني وغيرهما من المحققين يجوز الأمران وهو ما ثبت في الحديث وما نص
عليه الشافعي وهذا هو الصواب وهو مراد الشافعي لأنه ذكر الحديث في الأم كما ثبت في الصحيح وصرح
فيه سجود الصف الذي يلي النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الكيفية المشهورة فأشار إلى جوازهما
واستغني بثبوت الحديث عن أن يقول ويجوز أيضا ما ثبت في الحديث ولم يقل الشافعي في المختصر أن
الكيفية التي ذكرها هي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان بل قال وهذا نحو صلاة النبي صلى الله عليه
وسلم بعسفان فأشبه تجويزه كل واحد منهما وذكر الشافعي في الأم أن الكيفية التي ذكرها وهي
حراسة الصف الأول وسجود الثاني رواها أبو عياش واما الكيفية التي ذكرها المصنف فهي مخالفة للحديث
ولنص الشافعي ولكنها جائزة لأنها على وفق الحديث إلا أنه ترك تقدم الصف المتأخر وتأخر المقدم
ومعلوم أن هذا لا يبطل الصلاة وقد ذكر الشافعي جواز التقدم والتأخر وتركهما كما قدمناه عن نصه
في الأم والمختصر فحصل ان الصحيح أن الذي جاء به الحديث والذي نص عليه الشافعي والمصنف كلها
جائزة والذي في الحديث هو الأفضل لمتابعة السنة ولتفضيل الصف الأول فخصوا بالسجود أولا قال
أصحابنا والحراسة مختصة بالسجود ولا يحرسون في غيره هذا هو المذهب الصحيح المشهور وهو المنصوص
وبه قطع الجمهور وفيه وجه أنهم يحرسون في الركوع أيضا حكاه الرافعي وغيره قال أصحابنا لهذه
الصلاة ثلاثة شروط أن يكون العدو في جهة القبلة وأن يكون على جبل أو مستو من الأرض لا يسترهم
شئ من أبصار المسلمين وأن يكون في المسلمون كثرة تسجد طائفة وتحرس أخرى وقد ذكر المصنف
هذه الشرط قال أصحابنا ولا تمتنع الزيادة على صفين بل يجوز أن يكونوا صفوفا كثيرة ثم يحرس صفان
كما سبق قال الشافعي والأصحاب ولا يشترط أن يحرس جميع الصف ولا صفان بل لو حرس فرقتان من
صف واحد على المناوبة جاز بلا خلاف ولو حرست طائفة واحدة في الركعتين ففي صحة صلاة هذه الطائفة
وجهان حكاهما الرافعي وغيره (أصحهما) الصحة وهو المنصوص في الأم وبه قطع الشيخ أبو حامد
والبندنيجي وغيرهما *
(فرع) إذا تأخر الصف الأول الساجدون أولا مع الامام على وفق الحديث وتقدم الآخرون
جاز بلا شك اتفقوا عليه للحديث لكن قال المتولي والرافعي يشترط أن لا يكثر عملهم ولا يزيد
على خطوتين بل يتقدم كل واحد خطوتين ويتأخر كل واحد من الأولين خطوتين ويدخل الذي يتقدم
422

بين موقفين وأما على الكيفية التي ذكرها الشافعي وهو أن الصف الأول يحرس فيجوز التقدم
أيضا والتأخر ولكن هل هو أفضل أم ملازمة كل انسان موضعه فيه وجهان قال المسعودي والصيدلاني
والغزالي وغيره من الخراسانيين التقدم أفضل وقال العراقيون الملازمة أفضل وفى لفظ الشافعي الذي
قدمناه إشارة إلى هذا لأنه قال فلا بأس والله أعلم *
(فرع) ذكرنا أن صلاة عسفان هذه مشروعة عندنا وبه قال مالك واحمد * وقال أبو حنيفة
لا يجوز بل تتعين صلاة ذات الرقاع * قال المصنف رحمه الله *
(ولا يحمل في الصلاة سلاحا نجسا ولا ما يتأذى به الناس كالرمح في وسط الناس وهل يجب حمل
ما سواه قال في الأم يستحب وقال بعده يجب قال أبو إسحاق المروزي فيه قولان (أحدهما) يجب لقوله
عز وجل (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضي ان تضعوا
أسلحتكم) فدل على أن عليهم جناحا إذا وضعوا من غير اذى ولا مرض (والثاني) لا يجب
لان السلاح إنما يجب حمله للقتال وهو غير مقاتل في حال الصلاة فلم يجب حمله ومن
أصحابنا من قال إن كان السلاح يدفع به عن نفسه كالسيف والسكين وجب حمله وإن كان يدفع به
عن نفسه وعن غيره كالرمح والسنان لم يجب وحمل القولين على هذين الحالين والصحيح ما قال
أبو إسحاق) *
(الشرح) قال أصحابنا حمل السلاح في صلاة بطن نخل وصلاة ذات الرقاع وصلاة عسفان
مأمور به وهل هو مستحب أم واجب فيه أربعة طرق (أصحها) باتفاق الأصحاب فيه قولان (أصحهما) عند
الأصحاب مستحب وهو نصه في المختصر وأحد الموضعين في الأم (والثاني) واجب (والطريق الثاني) إن كان
يدفع عن نفسه فقط كالسيف والسكين وجب وإن كان يدفع عن نفسه وغيره كالنشاب والرمح استحب
وهذان الطريقان في الكتاب (والثالث) حكاه الخراسانيون منهم القاضي حسين والفوراني
وامام الحرمين والغزالي في البسيط والبغوي وغيرهم تجب قولا واحدا (والرابع) لا يجب قولا واحدا
حكاه هؤلاء فمن قال بالوجوب احتج بقوله تعالي (وليأخذوا أسلحتهم) والامر للوجوب ومن قال
بالندب حمل الامر عليه ولان المغالب السلامة ومن قال بالفرق قال لأنه متحقق الحاجة إلى ما يدفع به
عن نفسه بخلاف غيره وعلله صاحب الشامل وغيره بأنه يلزمه الدفع عن نفسه دون غيره وفيه نظر
قال أصحابنا وللخلاف شروط (أحدها) طهارة السلاح فإن كان نجسا كالسيف الملطخ بدم والذي سقي
سما نجس والنبل المريش بريش ما لا يؤكل لحمه أو بريش ميتة لم يجز حمله بلا خلاف (الثاني)
الا يكون مانعا من بعض أركان الصلاة فإن كان كبيضة تمنع مباشرة الجبهة لم يجز بلا خلاف الا
ان يمكن رفعها حال السجود فيجوز حملها ولا يجب (الثالث) أن لا يتأذى به أحد كرمح في وسط
423

الناس فان خيف الأذى كره حمله (الرابع) أن يكون في ترك السلاح خطر محتمل لا مقطوع به ولا مظنون
فاما إذا تعرض للهلاك غالبا لو تركه فيجب حمله قطعا صرح به امام الحرمين وغيره قال الامام ويحرم
ترك السلاح والحالة هذه في الصلاة وغيرها (وأعلم) ان الأصحاب ترجموا المسألة بحمل السلاح قال امام
الحرمين وليس الحمل متعينا بل لو وضع السيف بين يديه وكان مد اليد إليه في السهولة كمدها إليه وهو
محمول كان ذلك في معنى الحمل وله حكمه قطعا وإن كان لا يظهر في تركه خلل ولكن لا يؤمن افضاؤه
إلى خلل فهو محل الخلاف في الصلاة وغيرها قال أصحابنا وإذا أوجبنا حمله فتركوه صحت صلاتهم
بلا خلاف كالصلاة في ارض مغصوبة وأولى بالصحة قام امام الحرمين والغزالي في البسيط ويحتمل
ان يقال المرخص في تغيير هيئة الصلاة هو الاخذ بالجزم فتاركه كمن صلي هذه الصلاة بلا خوف
وهذا الذي قالاه احتمالا لهما وإلا فلا خلاف في صحة الصحة قال أصحابنا ويجوز ترك السلاح للعذر
بمرض أو أذى من مطر أو غيره لقوله تعالى (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أن تضعوا
أسلحتكم) قال القاضي ابن كج والسلاح يقع على السيف والسكين والرمح والنشاب ونحوها فاما الترس
والدرع فليس بسلاح والله أعلم: قال الشيخ أبو حامد والبندنيجي السلاح أربعة أقسام حرام ومكروه
ومختلف في وجوبه ومختلف الحال فالحرام النجس كالنشاب المريش بريش نجس والسلاح الملطخ بدم
وغيره والمكروه ما كان ثقيلا يشغله عن الصلاة كالجوشن والترس والجعبة ونحوها والمختلف في وجوبه
ما سوى ذلك ومختلف الحال كالرمح وغيره مما يتأذى به جاره فإن كان في أثناء الناس كره وإن كان
في طرفهم فلا إذا قلنا المسألة على قولين وان قلنا بالطريق الثاني انها على حالين كان السلاح على خمسة
أقسام محرم ومكروه كما ذكرنا وواجب وهو ما يدفع به عن نفسه ومستحب وهو ما يدفع به عن
غيره ومتخلف الحال *
(فرع) في مذاهب العلماء في حمل السلاح: الأصح عندنا أنه لا يجب لكن يستحب وبه قال مالك
وأبو حنيفة واحمد وداود * واحتج من أوجبه بقوله تعالى (وليأخذوا أسلحتهم) وبقوله تعالي (ولا جناح عليكم إن كان بكم اذى من مطر ان تضعوا أسلحتكم) قالوا ورفع الجناح عند العذر يدل على وجوبه إذا لم
يكن عذر وأجاب الأصحاب بان الامر هنا محمول على الندب ورفع الجناح لا يلزمه منه الوجوب بل
معناه رفع الكراهة فاما إذا قلنا لا يجب نقول يكره ترك السلاح إذا لم يكن عذر فإذا كان زالت الكراهة
والجناح هكذا أجاب الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والأصحاب *
* قال المصنف رحمه الله *
(فان اشتد الخوف ولم يتمكن من تفريق الجيش صلوا رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير
424

مستقبليها لقوله تعالي (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) قال ابن عمر مستقبلي القبلة وغير مستقبليها وروى نافع
عن ابن عمر قال إذا كان الخوف أكثر من ذلك صلى راكبا وقائما يومئ إيماء " قال الشافعي ولا بأس
ان يضرب الضربة ويطعن الطعنة فان تابع أو عمل ما يطول بطلت صلاته وحكى الشيخ أبو حامد الأسفرايني عن أبي
العباس رحمهما الله أنه قال إن لم يكن مضطرا إليه بطلت صلاته وإن كان مضطرا إليه لم تبطل
كالمشي وحكي عن بعض أصحابنا أنه قال إن اضطر إليه فعل ولكن تلزمه الإعادة كما نقول فيمن لم
يجد ماء ولا ترابا انه يصلي ويعيد فان استفتح الصلاة راكبا أمن فنزل فان استدبر القبلة في النزول
بطلت صلاته لأنه ترك القبلة من غير خوف وإن لم يستدبر قال الشافعي رحمه الله بنى على صلاته لأنه
عمل قليل فلم يمنع البناء وان استفتحها راجلا فخاف فركب قال الشافعي ابتدأ الصلاة وقال أبو العباس
إن لم يكن مضطرا إليه ابتدأ لأنه عمل كثير لا ضرورة به إليه وإن كان مضطرا لم تبطل لأنه مضطر إليه
فلم تبطل كالمشي وقول أبي العباس أقيس والأول أشبه بظاهر النص) *
(الشرح) حديث ابن عمر هذا صحيح رواه البخاري بقريب من معناه وقد سبق بيانه في أول
استقبال القبلة وذكرنا هناك أيضا أن قوله تعالي (رجالا) جمع راجل لا جمع رجل وقوله ويطعن هو
- بضم العين - على المشهور ويقال بفتحها يقال طعن في النسب ونحوه يطعن - بفتح العين - ويطعن
بالرمح بضمها وقيل لغتان فيهما: أما حكم المسألة فقال الشافعي والأصحاب رحمهم الله إذا التحم
425

القتال ولم يتمكنوا من تركه بحال لقلتهم وكثرة العدو واشتد الخوف وإن لم يلتحم القتال فلم يأمنوا
أن يركبوا أكتافهم لو ولوا عنهم وانقسموا فرقتين وجب عليهم الصلاة بحسب الامكان وليس لهم
تأخيرها عن الوقت بلا خلاف ويصلون ركبانا ومشاة ولهم ترك استقبال القبلة إذا لم يقدروا عليه
قال أصحابنا ويجوز اقتداء بعضهم ببعض مع الاختلاف الجهة كالمصلين في الكعبة وحولها قال أصحابنا
وصلاة الجماعة في هذا الحال أفضل من الانفراد كحالة الامن لعموم الأحاديث في فضيلة الجماعة
وممن صرح بتفضيل الجماعة على الانفراد هنا صاحب الشامل والمتولي وصاحب البيان وغيرهم قال
الشيخ أبو حامد في التعليق (فان قيل) إذا صلوا جماعة لا يمكنهم الاقتداء لعدم المشاهدة (فالجواب)
أن المعتبر في الاقتداء العلم بصلاة الامام لا المشاهدة كما لو صلي في آخر المسجد بصلاة الامام ولا يراه
لكن يعلم صلاته فإنه يصح بالاجماع وحكى القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما عن أبي حنيفة
أنه قال لا تصح صلاتهم جماعة قال الشافعي والأصحاب وإذا لم يتمكنوا جماعة أو فرادى من اتمام
الركوع والسجود أو مأوا بهما وجعلوا السجود أخفض من الركوع ولا يلزم الماشي استقبال القبلة
في الركوع والسجود ولا في الاحرام ولا وضع الجبهة على الأرض بلا خلاف بخلاف المتنفل في السفر
والفرق شدة الحاجة والضرورة هنا ولا يجوز الصياح ولا غيره من الكلام بلا خلاف فان صاح فبان
معه حرفان بطلت صلاته بلا خلاف لأنه ليس محتاج إليه بخلاف المشي وغيره ولا تضر الأفعال
اليسيرة بلا خلاف لأنها لا تضر في غير الخوف ففيه أولى وأما الأفعال الكثيرة فإن لم تتعلق بالقتال
بطلت الصلاة بلا خلاف وان تعلقت به كالطعنات والضربات المتوالية فإن لم يحتج إليها أبطلت
426

بلا خلاف أيضا لأنها عبث وان احتاج إليها ففيه ثلاثة أوجه (أصحهما) عند الأكثرين لا يبطل وبه
قال ابن سريج وأبو إسحاق والقفال وممن صححه صاحب الشامل والمستظهري والرافعي وغيرهم
قياسا على المشي ولان مدار القتال على الضرب ولا يحصل المقصود غالبا بضربة وضربتين ولا يمكن
التفريق بين الضربات (والوجه الثاني) يبطل ورجحه المصنف والبندنيجي وكثيرون من العراقيين
وحكاه المصنف والبندنيجي عن النص وحكاه غيره عن ظاهر النص وادعى المحتجون له أن الحاجة
إلى تتابع الضربات نادر فلم تسقط الإعادة كصلاة من لم يجد ماء ولا ترابا وهذا استدلال ضعيف أو باطل فإنه
انكار للحس والمشاهدة (والثالث) تبطل إن كرر في شخص ولا تبطل ان كرر في أشخاص حكاه الخراسانيون
427

وبعضهم عبر عن الأوجه بأقوال وممن سماها أقوالا الغزالي في البسيط والمشهور انها أوجه ومن قال بالوجه
الأول الصحيح تأول نص الشافعي في المختصر وغيره على من تابع الضربات من غير عذر *
(فرع) قال أصحابنا لو تلطخ سلاحه بدم ألقاه أو جعله في قرابه تحت ركابه ان احتمل الحال
ذلك فان احتاج إلى إمساكه فله إمساكه للضرورة ثم ظاهر كلام الأصحاب القطع بوجوب الإعادة ونقل
إمام الحرمين عن الأصحاب وجوب الإعادة لندوره ثم أنكر عليهم كونه عذرا نادرا وقال تلطخ
السلاح في القتال بالدم من الاعذار العامة في حق المقاتل ولا سبيل إلى تكليفه تنحية السلاح
فتلك النجاسة في حقه ضرورية كنجاسة المستحاضة في حقها ثم جعل المسألتين على قولين
مرتبين على القولين في من صلي في موضع نجس وجعل هذه الصورة أولي بعدم الإعادة
لالحاق الشرع القتال لسائر مسقطات الإعادة في سائر المحتملات كاستدبار القبلة والايماء
بالركوع والسجود *
(فرع) قال صاحب الشامل وآخرون قال الشافعي ولا بأس أن يصلي في الخوف ممسكا عنان
فرسه لأنه عمل يسير قال الشافعي فان نازعه فرسه فجبذه إليه جبذة أو جبذتين أو ثلاثا ونحو ذلك
غير منحرف عن القبلة فلا بأس فان كثرت مجاذبته بطلت صلاته قال صاحب الشامل وهذا بخلاف
ما ذكرناه في الضربات والطعنات قال وإنما فرق الشافعي بينهما لان الجبذات أخف عملا من الضربات
قال وهذا يدل على أنه يعتبر كثرة العمل دون العدد *
(فرع) قال الشافعي في الأم والأصحاب يصلون صلاة العيد والكسوف في شدة الخوف على
هيئة صلاة الخوف ولا تجوز صلاة الاستسقاء وفرق الشافعي والأصحاب بأنه يخاف فوت
العيد والكسوف دون الاستسقاء *
(فرع) قال الشافعي والأصحاب تجوز صلاة شدة الخوف في كل ما ليس بمعصية من أنواع القتال
ولا تجوز في المعصية وسبق إيضاح صوره في أول الباب ومختصره انه يجوز في قتال الكفار والبغاة
وقطاع الطريق ولا يجوز للبغاة ولا للقطاع ولو قصدت نفسه أو نفس غيره فاشتغل بالدفع فله هذه
الصلاة ولو قصد ماله فله هذه الصلاة إن كان المال حيوانا وإن كان غيره فطريقان (أصحهما) جوازها (والثاني)
منعها لخفة امر ولو أنهزم المسلمون من كفار إن كانوا منحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة أو كان بإزائهم أكثر
من مثليهم فالهزيمة جائزة فلهم صلاة شدة الخوف وإلا فلا لأنها محرمة قال أصحابنا ولو أنهزم الكفار
428

فتبعهم المسلمون وكانوا بحيث لو أكملوا الصلاة على الأرض إلى القبلة فاتهم العدو لم يجز صلاة شدة الخوف
لأنهم ليسوا خائفين بل يطلبون وإنما جوزت هذه الصلاة للخائف فان خافوا كمينا أو كرهم فلهم
صلاة شدة الخوف لوجود سببه *
(فرع) قال الشافعي والأصحاب لا تختص صلاة شدة الخوف بالقتال بل تجوز في كل خوف
فلو هرب من سيل أو حريق أو سبع أو جمل أو كلب ضار أو صائل أو لص أو حية أو نحو ذلك ولم يجد
عنه معدلا فله صلاة شدة الخوف بالاتفاق لوجود الخوف واما المديون المعسر العاجز عن بينة الاعسار
ولا يصدقه غريمه ولو ظفر به حبسه فإذا هرب منه فله أن يصليها على المذهب وبه قطع الأكثرون
وقال الشافعي في الاملاء من طلب لا ليقتل بل ليحبس أو يؤخذ منه شئ لا يصليها حكاه عنه (1)
والمذهب القطع بالجواز لأنه خائف من ظلم فأشبه خوف العدو ولو كان عليه قصاص ويرجو العفو
إذا سكن غضب المستحق قال الأصحاب له أن يهرب ويصلي صلاة شدة الخوف هاربا وقد سبق
نظيره في التخلف عن الجماعة لأنه يستحب للمستحق العفو فكأنه مساعد له على التوصل إلى
العفو إذا سكن غضبه واستبعد إمام الحرمين جواز هذه الصلاة له وحيث جوزنا له صلاة شدة
الخوف بهذه الأسباب غير القتال فلا إعادة عليه على المذهب ونقل المصنف وغيره عن المزني أنه
خرج قولا للشافعي انه تلزمه الإعادة لأنه عذر نادر قال الأصحاب هذا داخل في جملة الخوف
فلا ينظر إلى أفراده كما أن المرض عذر عام فلو وجد نوع مرض منه نادر كان له حكم العام في الترخص أما إذا كان محرما بالحج وضاق وقت وقوفه وخاف فوت الحج ان صلى لابثا على الأرض بأن يكون
قريبا من أرض عرفات قبل طلوع الفجر ليلة النحر وقد بقي بينه وبين طلوع الفجر قدر ما يسع صلاة
العشاء فقط ولم يكن صلاها ففيه ثلاثة أوجه حكاها امام الحرمين وآخرون عن القفال (الصحيح)

(1) كذا بالأصل فليحرر
429

يؤخر الصلاة ويذهب إلى عرفات لان في تفويت الحج ضررا ومشقة شديدة وتأخير الصلاة يجوز
بالجمع بين الصلاتين ومشقته دون هذا (والثاني) يجب عليه الصلاة في موضعه ويفوت الحج لأنها
آكد منه لأنها على الفور بخلاف الحج وأشار الرافعي إلى ترجيح هذا الوجه وقال يشبه أن يكون أشبه
بكلام الأئمة (والثالث) له أن يصلي صلاة شدة الخوف فيحصل الحج والصلاة في الوقت وهذا
ضعيف لأنه محصل لا خائف والله أعلم *
(فرع) إذا صلى متمكنا على الأرض إلى القبلة فحدث خوف في أثناء الصلاة فركب ففيه ثلاثة
طرق مشهورة (أصحها) عند الشيخ أبى حامد والبندنيجي والرافعي والجمهور وهو نصه في الأم
أنه ان اضطر إلى الركوب لم تبطل صلاته فيبني وإن لم يضطر بل كان قادرا على القتال واتمام
الصلاة راجلا فركب احتياطا بطلت صلاته ولزمه الاستئناف وهذا الطريق قول جمهور أصحابنا
المتقدمين قال صاحب الحاوي هو قول ابن سريج وأبي إسحاق وأكثر أصحابنا ووجهه ظاهر
(والطريق الثاني) بطلان الصلاة مطلقا حكاه الشيخ أبو حامد والأصحاب وهو ظاهر نص الشافعي في
المختصر وقطع به القاضي أبو الطيب في تعليقه واختاره المصنف في التنبيه (والطريق الثالث) فيه قولان
حكاه المصنف في التنبيه والبندنيجي والمحاملي والماوردي والمتولي وآخرون (أصحهما) عند المحاملي في
المجموع تبطل (وأصحهما) عند المتولي وغيره لا تبطل وأما قول المصنف في الكتاب قول أبى العباس أقيس فمعناه
الفرق بين المضطر وغيره أقيس من ظاهر النص وهو البطلان مطلقا قال أصحابنا وإذا قلنا لا تبطل
430

بالركوب فان قل عمله بني وان كثر فعلى الخلاف السابق في الضربات والعمل الكثير للحاجة
أما إذا كان يصلي راكبا صلاة شدة الخوف فأمن وجب النزول في الحال بلا خلاف فان استمر
بطلت صلاته بلا خلاف فان نزل قال الشافعي بنى على صلاته وبهذا قطع المصنف وسائر العراقيين
وجماعات من الخراسانيين وذكر جماعة من الخراسانيين انه ان قل فعله في نزوله بني وان كثر
فعلى الخلاف في الضربات والمذهب انه يبنى مطلقا كما نص عليه وقاله الجمهور فعلى هذا يشترط
أن لا يستدبر القبلة في نزوله فان استدبرها بطلت صلاته بلا خلاف صرح به المصنف والبندنيجي
والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ وسائر الأصحاب واتفقوا على أنه إذا لم يستدبرها بل انحرف
يمينا وشمالا يكره ولا تبطل صلاته وممن صرح به القاضي وابن الصباغ والله أعلم * واحتج الشافعي
في الفرق بين الركوب والنزول حيث نص على البناء في النزول وعلى الاستئناف في الركوب بأن النزول
عمل خفيف والركوب كثير فاعترض عليه المزني وقال قد يكون الفارس أخف ركوبا وأقل شغلا
لفروسيته من نزول ثقيل غير فارس فأجاب الأصحاب بأجوبة (أحدها) ان الشافعي اعتبر الغالب
من عادة الناس وما ذكره المزني نادر فلا اعتبار به فان وجد من الناس من هو بخلاف ذلك الحق
بالغالب (والثاني) ان الشافعي اعتبر حال الشخص الواحد والواحد الخفيف الركوب نزوله أخف من
ركوبه ولم يعتبر شخص في نزول أحدهما وركوب الآخر *
(فرع) إذا رأوا سوادا إبلا أو شجرا أو غيره فظنوه عدوا فصلوا صلاة شدة الخوف فبان الحال
ففي وجوب الإعادة قولان مشهوران (أحدهما) تجب الإعادة لعدم الخوف في نفس الامر وهو
نصه في الأم والمختصر (والثاني) لا إعادة وهو نصه في الاملاء لوجود الخوف حال الصلاة واختلفوا
431

في محل القولين فقالت طائفة هما إذا أخبرهم ثقة بالخوف فبان خلافه فان ظنوا العدو من غير
اخبار وجبت الإعادة قولا واحدا وقال الجمهور هما جاريان مطلقا وهو ظاهر اطلاق المصنف
وغيره وحكي القاضي حسين في تعليقه والبغوي في المسألة ثلاثة أقوال (الجديد) تجب الإعادة (والثاني)
قاله في الاملاء لا إعادة (والقديم) إن كان في دار الاسلام وجبت الإعادة وإن كان في دار الحرب
فلا لان الخوف غالب فيها وإذا ضم إليها الطريق السابق صارت أربعة أقوال (أحدها) يعيدون
(والثاني) لا (والثالث) يعيدون في دار الاسلام (والرابع) يعيدون إن لم يخبرهم ثقة وهو نصه
في الاملاء واختلفوا في الأصح من الخلاف فصحح المصنف هنا وفى التنبيه والمحاملي في المجموع
والمقنع والشيخ نصر في تهذيبه وصاحبا العدة والبيان عدم الإعادة وصحح الشيخ أبو حامد
والماوردي والغزالي في البسيط والبغوي والرافعي وغيرهم وجوب الإعادة قال امام الحرمين لعله الأصح
وهو مذهب أبي حنيفة واحمد وداود وقال جماعة من أصحابنا وهو اختيار المزني وقال الشيخ
أبو حامد ليس هو مذهب المزني بل هو إلزام له على الشافعي لان مذهب المزني إن كان من صلي بحسب
طاقته لا إعادة عليه قلت الصحيح وجوب الإعادة مطلقا لأنهم تيقنوا الغلط في القبلة (وأما قول)
المصنف في احتجاجه للقول الآخر لا إعادة كما لو رأوا عدوا فصلوها ثم بان أن العدو لم يكن قاصدا
لهم (فالجواب) عنه أن هذه الصورة لا ينسبون فيها إلى تفريط لان القصد لا اطلاع عليه بخلاف
الغلط في السواد فإنهم مفرطون في تامة والله أعلم * هذا كله إذا بان لهم أن السواد ليس عدوا
وكذا لو شكوا فيه فحكمه كما لو تيقنوا أنه ليس عدوا نص عليه الشافعي في المختصر أما إذا تحققوا
العدو فصلوا صلاة شدة الخوف ثم بان انه كان دونهم حائل كخندق أو ماء أو نار وما أشبهه
فيه طريقان مشهوران ذكرهما المصنف هنا وفي التنبيه وجمهور العراقيين (أحدهما) القطع بوجوب
الإعادة لتقصيرهم في تأمل الحائل (وأصحهما) انه على القولين في مسألة السواد السابقة وبهذا قطع
جمهور الخراسانيين والقاضي أبو الطيب في تعليقه وصاحب الحاوي وغيرهما من العراقيين واتفقوا
432

على أن الصحيح هنا وجوب الإعادة قال الخراسانيون وتجرى القولان في كل سبب جهلوه بحيث
لو علموه امتنعت صلاة شدة الخوف كالأمثلة السابقة وكما لو كان بقربهم حصن يمكن التحصين فيه
أو كان العدو قليلا وظنوه كثيرا أو كان هناك مدد للمسلمين قال البغوي وغيره ولو صلوا في هذه
الأحوال صلاة عسفان جرى القولان ولو صلوا صلاة ذات صلاة الرقاع فان جوزناها في الامن
فهنا أولي والا جرى القولان قال أصحابنا القولان هنا يشبهان القولين في نسيان ترتيب الوضوء ونسيان الماء في رحله ونسيان الفاتحة ومن صلي بالاجتهاد أو صام فصادف ما قبل الوقت ومن تيقن
الخطأ في القبلة ومن صلى بنجاسة جهلها وكذا لو نسيها على طريقة لبعض الخراسانيين وكذا
لو دفع الزكاة إلى من ظنه فقيرا فبان غنيا أو استناب المغصوب في الحج فبرئ ونظائرها وقد
سبقت في باب أبوابها (1) *
(فرع) في مذاهب العلماء في صلاة شدة الخوف: هي جائزة بالاجماع الا ما حكاه الشيخ أبو حامد
عن بعض الناس أنها لا تجوز بل يجب تأخير الصلاة حتى يزول الخوف كما فعل النبي صلى الله عليه
وسلم يوم الخندق وهذا غلط فإنه قد يموت وتبقى في ذمته مع أن هذا القول مخالف للقرآن والأحاديث
للقياس على إيماء المريض ونحوه وأما قصة الخندق فمنسوخة فإنها كانت قبل نزول آية صلاة الخوف
كما سبق ويجب أن يصلى صلاة شدة الخوف سواء التحم القتال أم لا ولا يجوز تأخيرها عن الوقت
هذا مذهبنا ومذهب الجمهور * وقال أبو حنيفة ان اشتد ولم يلتحم القتال فان التحم قال يجوز
التأخير: دليلنا عموم قوله تعالي (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) ويجوز عندنا صلاة شدة
الخوف رجالا وركبانا جماعة كما يجوز فرادى وبه قال احمد وداود وقال مالك وأبو حنيفة لا تجوز *
(فرع) لو صلى صلاة الخوف في الامن قال أصحابنا ان صلوا صلاة شدة الخوف لم تصح بلا
خلاف لكثرة المنافيات فيها وان صلوا صلاة بطن نخل صحت بلا خلاف لأنه ليس فيها إلا صلاة
مفترض خلف متنفل وهو جائز عندنا وإن صلوا صلاة عسفان فصلاة الامام ومن سجد معه صحيحة
433

وفى صلاة الحارسين الوجهان السابقان في باب صلاة الجماعة فيما إذا تخلف المأموم في الاعتدال حتى
سجد الإمام السجدتين (أصحهما) تصح وان صلوا صلاة ذات الرقاع ففي صلاة الامام طريقان
مشهوران (أحدهما) القطع بصحتها وبه قطع الشيخ أبو حامد والبندنيجي وأدعي صاحب البيان
أنه قول عامة أصحابنا لأنه ليس فيه الا تطويل القراءة والقيام والتشهد (وأصحهما) وبه قال القاضي
أبو الطيب وصاحب الحاوي وآخرون ونقله الرافعي عن الأكثرين أن في صحة صلاته قولين كما
لو فرقهم أربع فرق لأنه ينتظرهم بلا عذر: وأما صلاة المأمومين فصلاة الطائفة الأولى فيها القولان
فيمن فارق الامام بغير عذر (أصحهما) صحيحة وأما الطائفة الثانية فان أبطلنا صلاة الامام بطلت
صلاتهم ان علموا وهل المعتبر علمهم ببطلان صلاته أم بصورة حاله فيه الخلاف السابق في موضعه
وان صححنا صلاة الامام أو أبطلناها ولم يعلموا فإحرام الطائفة الثانية صحيح وهل تبطل صلاتهم
بمفارقتهم له لاتمام صلاتهم فيه خلاف مشهور قال أصحابنا هو مبنى على الوجهين السابقين في أنهم
يفارقون الامام حكما أم لا ان قلنا يفارقونه حكما ففي بطلان صلاتهم قولان فيمن فارق الامام بلا عذر
فان قلنا يبطل فذاك وإلا فيبنى على القولين فيمن نوى الاقتداء بعد الانفراد وان قلنا بالمذهب
انهم يفارقونه فعلا ولا يفارقونه حكما بطلت صلاتهم قولا واحدا لأنهم انفردوا بركعة عمدا وهم
في حكم القدوة وإنما كان يحتمل هذا في الخوف للحاجة وفى المسألة طريق آخر قاله الشيخ أبو حامد
لا تبطل صلاتهم قولا واحدا وفى ظاهر نص الشافعي إشارة إليه لأنه قال أحببت لهم أن يعيدوا
الصلاة وهذا الطريق حكاه صاحب البيان وغيره وهو ضعيف أو باطل قال أصحابنا ولو صلوا في
الامن على رواية ابن عمر السابقة بطلت صلاة المأمومين كلهم بلا خلاف والله أعلم: قال الشافعي رحمه
الله لو صلوا صلاة الخوف في قتال حرام أعادوا قال الشيخ أبو حامد والأصحاب مراده إذا صلوا
صلاة شدة الخوف فان صلوا احدى صلوات الخوف الثلاث الباقية فحكمه حكم صلاتهم في الامن
وقد سبق بيانه والله أعلم *
434

(باب ما يكره لبسه وما لا يكره)
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
(يحرم على الرجل استعمال الديباج والحرير في اللبس والجلوس وغيرهما لما روي
حذيفة قال " نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه وقال
هو لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ") *
(الشرح) حديث حذيفة رواه البخاري ومسلم إلى قوله " هو لهم في الدنيا ولكم
في الآخرة " وإلي قوله " وان نجلس عليه " فإنه في البخاري دون مسلم والديباج - بكسر الدال
وفتحها - لغتان مشهورتان الكسر أفصح وهو عجمي معرب وجمعه دبابيج ودبابج
وقوله وأن نجلس عليه - بفتح النون - * اما حكم المسألة فيحرم على الرجل استعمال الدبياج والحرير في
اللبس والجلوس عليه والاستناد إليه والتغطي به واتخاذه سترا وسائر وجوه استعماله ولا خلاف في
شئ من هذا الا وجها منكرا حكاه الرافعي أنه يجوز للرجال الجلوس عليه وهذا الوجه باطل
وغلط صريح منابذ لهذا الحديث الصحيح هذا مذهبنا فاما اللبس فمجمع عليه واما ما سواه فجوزه
أبو حنيفة ووافقنا على تحريمه مالك واحمد ومحمد وداود وغيرهم دليلنا حديث حذيفة ولان سبب
تحريم اللبس موجود في الباقي ولأنه إذا حرم اللبس مع الحاجة فغيره أولى هذا حكم الذكور البالغين
: فاما الصبي فهل يجوز للولي الباسه الحرير فيه ثلاثة أوجه في البيان وغيره (أحدها) يحرم على الولي
الباسه وتمكينه منه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير " حرام على ذكور أمتي " وللحديث
الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأى الحسن بن علي رضي الله عنهما اخذ تمرة من تمر
الصدقة فقال كخ كخ " أي القها وهو - بفتح الكاف - ويقال باسكان الخاء وبكسرها مع التنوين
435

وكما يمنعه من شرب الخمر والزنا وغيرهما (والثاني) يجوز له الباسه الحرير ما لم يبلغ لأنه ليس مكلفا
ولا هو في معنى الرجل في هذا بخلاف الخمر والزنا: واما حديث التمرة فلانه اتلاف مال لغيره
ولا خلاف انه يجب على الولي منعه منه وأنه تجب غرامته في مال الصبي (والثالث) ان بلغ سبع
سنين حرم وإلا فلا لان ابن سبع له حكم البالغين في أشياء كثيرة هكذا ضبطوه في حكاية هذا الوجه
ولو ضبط بسن التمييز لكان حسنا لكن الشرع اعتبر السبع في الامر بالصلاة واختلفوا في الراجح
من الأوجه فالصحيح جوازه مطلقا وبه قطع صاحب الإبانة وصححه الرافعي في المحرر قال صاحب
البيان وهو المشهور وقطع الشيخ نصر في تهذيبه بالتحريم ورجحه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح وقال
البغوي يجوز للصبيان لبس الحرير غير أنه إذا بلغ سبع سنين ينهى عنه هذا لفظه وحمله الرافعي
في الشرح على القطع منه بالوجه الثالث وصححه وليس هو صريحا في ذلك والأصح على الجملة
أنه ليس بحرام حتى يبلغ وتجرى الأوجه الثلاثة في الباسهم حلي الذهب وسنوضحها في باب زكاة
الذهب والفضة أن شاء الله تعالى * قال المصنف رحمه الله *
(فإن كان بعض الثوب إبريسم وبعضه قطنا فإن كان الإبريسم أكثر لم يحل وإن كان أقل
كالخز لحمته صوف وسداه إبريسم حل لما روى عن ابن عباس قال " إنما نهى رسول الله صلي الله
436

عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير " فاما العلم وسدا الثوب فليس به بأس ولان السرف يظهر
في الأكثر دون الأقل وأن كان نصفين ففيه وجهان (أحدهما) يحرم لأنه ليس الغالب الحلال (والثاني)
يحل وهو الأصح لان التحريم ثبت بغلبة المحرم والمحرم ليس بغالب وأن كان في الثوب قليل من
الحرير والديباج كالجبة المكفوفة بالحرير والمجيب بالديباج وما أشبههما لم يحرم لما روى علي رضي الله عنه
قال " نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير الا في موضع إصبعين أو ثلاثة أو أربعة " وروي
أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة مكفوفة الحبيب والكمين والفرجين بالديباج " فإن كان له جبة محشوة
بإبريسم لم يحرم لبسها لان السرف فيها غير ظاهر) *
(الشرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما صحيح رواه أبو داود والبيهقي وغيرهما باسناد
صحيح بلفظه وأما حديث على فرواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم لكن من رواية
عمر بن الخطاب لا من رواية على وأما حديث الجبة المكفوفة فصحيح رواه أبو داود بلفظه هذا
باسناد صحيح إلا رجلا اختلفوا في الاحتجاج به من رواية أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما
ورواه النسائي باسناد صحيح ورواه مسلم من رواية أسماء أيضا ببعض معناه فقال مكفوفة الفرجين
بالديباج (وقوله) إبريسم هو عجمي معرب اسم جنس منصرف بلا خلاف وإنما نبهت عليه لأنه
يقع في أكثر نسخ المهذب أو بعضها فإن كان بعض الثوب إبريسم والصواب إبريسما ويصح الأول
على إن كان هي التي للشأن والقصة وفيه ثلاث لغات فتح الهمزة وكسرها مع فتح الراء فيهما
والثالثة بكسر الهمزة والراء حكاها ابن السكيت والجوهري وغيرهما (وقوله) لحمته صوف - هو بضم
اللام - على المشهور عند أهل اللغة وكذلك لحمة النسب وقال ابن الأعرابي هما بالفتح قوله وسداه
- هو بفتح السين - مقصور وحكى ابن فارس في المجمل جواز مده وقوله المصمت - بفتح الميم -
الثانية أي الحرير الخالص والسرف مجاوزة الحد (قوله) الا موضع إصبعين أو ثلاثة أو أربعة هكذا
هو في نسخ المهذب ثلاثة أو أربعة وكذا هو في رواية أبى داود ووقع في صحيح مسلم ثلاث أو أربع بحذف الهاء وهو الأصوب ويصح الأول على أن المراد بالإصبع العضو قال الشيخ
أبو عمرو ابن الصلاح قول الغزالي سدا الخز إبريسم ولحمته صوف واللحمة أكثر قد يتوهم منه
437

أن سدا كل ثوب مطلقا أقل من لحمته وليس الامر كذلك بل يختلف باختلاف الصيغة واختلاف
أنواع الثياب فمنها ما يدفن الصانع اللحمة منه في السدا ويجعل السدا هو الظاهر ومنها ما يظهر
اللحمة على السدا ويدفن السدا فيه وكذلك منها ما يكون سداه أكثر وزنا ومنها ما يكون لحمته أكثر
وزنا وإنما وقع الخز منه على الوجه المذكور بحسب " الصنعة أما أحكام الفصل ففيه مسائل (إحداها)
إذا كان بعض الثوب حريرا وبعضه غيره ونسج منهما ففيه طريقان (أحدهما) قاله القفال وقليل من
الخراسانيين إن كان الحرير ظاهرا يشاهد حرم وإن قل وزنه وإن استتر لم يحرم وإن كثر وزنه
لان الخيلاء والمفاخرة إنما تحصل بالظاهر (والطريق الثاني) وهو الصحيح المشهور وبه قطع
العراقيون وجمهور الخراسانيين أن الاعتبار بالوزن فإن كان الحرير أقل وزنا حل وإن كان أكثر
حرم وإن استويا فوجهان (الصحيح) منهما عند المصنف وجمهور الأصحاب الحل لان الشرع
إنما حرم ثوب الحرير وهذا ليس بحرير وقطع به الشيخ أبو حامد (والثاني) التحريم حكاه صاحب
الحاوي عن البصريين وصححه وليس كما صحح (الثانية) قال أصحابنا يجوز لبس المطرز بشرط
أن لا يجاوز طراز الحرير أربع أصابع فان زاد عليها فحرام للحديث السابق ويجوز لبس الثوب
المطرز والمجيب ونحوهما بشرط أن لا يجاوز العادة فيه فان جاوزها حرم بالاتفاق ولو وقع ثوبه
بديباج قالوا هو كتطريزه وقول البغوي لو رقع بقليل ديباج جاز محمول على ما ذكرناه ولو خاط ثوبا
بإبريسم جاز لبسه بلا خلاف بخلاف الدرع المنسوجة بذهب قليل فإنها تحرم لكثرة الخيلاء فيه
ولو اتخذ سبحة فيها خيط حرير لم يحرم استعمالها لعدم الخيلاء (الثالثة) لو اتخذ جبة من غير الحرير
وحشاها حريرا أو حشا القباء والمخدة ونحو ذلك الحرير جاز لبسها واستعمال كل ذلك نص عليه
الشافعي وقطع به المصنف وجماهير الأصحاب ونقل إمام الحرمين الاتفاق عليه وقال البغوي
جاز على الأصح فأشار إلى وجه ضعيف وحكاه أيضا الرافعي وهو شاذ ضعيف ولو كانت ظهارة
الجبة حريرا وبطانتها قطنا أو ظهارتها قطنا وبطانتها حريرا فهي حرام بلا خلاف صرح به
438

الماوردي وإمام الحرمين والغزالي والبغوي وغيرهم من العراقيين والخراسانيين قال امام
الحرمين وظاهر كلام الأئمة انه لو لبس ثوبا ظهارته وبطانته قطن وفي وسطه حرير منسوج جاز
قال وفيه نظر واحتمال *
(فرع) لو خاف على نفسه من حر أو برد أو غيرهما ولم يجد الا ثوب حرير جاز لبسه بلا خلاف
للضرورة ويلزمه الاستتار به عن العيون إذا لم يجد غيره بلا خلاف وكذا في الخلوة إذا أوجبنا
الستر فيها وقد سبقت هذه المسألة في باب طهارة البدن * قال المصنف رحمه الله *
(قال الشافعي رحمه الله في الأم فان توقي المحارب لبس الديباج كان أحب إلي فان لبسه فلا
بأس والدليل عليه انه يحصنه ويمنع وصول السلاح إليه) *
(الشرح) قال أصحابنا يجوز للرجل لبس الديباج في حال مفاجأة الحرب والقتال إذا لم يجد
غيره وكذلك يجوز الديباج الثخين الذي لا يقوم غيره مقامه في دفع السلاح ولا خلاف
في جوازه في حال الضرورة ولا يقال إنه مكروه فلو وجد غيره مما يقوم مقامه فوجهان (الصحيح)
وبه قطع الشيخ أبو حامد والأكثرون تحريمه لعدم الضرورة قياسا على الدرع المنسوجة بالذهب فإنها
لا تحل في الحرب الا إذا لم يجد ما يقوم مقامها باتفاق الأصحاب (والثاني) جوازه مع الكراهة صرح
به المحاملي في المجموع والبندنيجي وهو ظاهر كلام المصنف هنا ووجهه القياس على التضبب فإنه يجوز
بالفضة للحاجة وان وجد نحاسا وغيره ويفرق بينه وبين الدرع المنسوجة بالذهب بان الحرير يسامح
بقليله كالعلم والجيب ونحوهما وعما دون نصف الثوب وعبارة الشافعي والمحاملي في التجريد وامام الحرمين
والمصنف في التنبيه وصاحب البيان وآخرين انه يجوز لبس الديباج الثخين الذي لا يقوم غيره
مقامه في دفع السلاح * قل المصنف رحمه الله *
(وان احتاج إلى لبس الحرير للحكة جاز له لما روى أن انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم
" رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام من الحكة ") *
439

(الشرح) حديث انس هذا رواه البخاري ومسلم ولفظه " رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم
للزبير وعبد الرحمن في لبس الحرير لحكة بهما " والحكة - بكسر الحاء - ووقع هذا الحديث في الوسيط
وقال رخص لحمزة وهو غلط وصوابه كما هنا قال أصحابنا يجوز لبس الحرير للحكة وللجرب ونحوه
هذا هو المذهب وبه قطع المصنف والجمهور وفيه وجه انه لا يجوز وحكاه المصنف في التنبيه والرافعي
وليس بشئ ويجوز لدفع القمل في السفر والحضر وفيه وجه حكاه امام الحرمين والغزالي وغيرهما
انه لا يجوز الا في السفر واختاره أبو عمرو بن الصلاح لأنه ثبت في رواية في الصحيحين في هذا
الحديث أرخص لهما في ذلك في السفر والصحيح المشهور جوازه مطلقا وبه قطع كثيرون واقتضاه
اطلاق الباقين * قال المصنف رحمه الله *
(واما الذهب فلا يحل للرجال استعماله لما روى علي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في
الحرير والذهب " ان هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثها " ولا فرق في الذهب بين القليل والكثير
لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن التختم بالذهب فحرم الخاتم مع قلته ولان السرف في
الجميع ظاهر فإن كان في الثوب ذهب قد صدئ وتغير بحيث لا يبين لم يحرم لبسه لأنه ليس فيه
سرف ظاهر فإن كان له درع منسوجة بالذهب أو بيضة مطلية بالذهب فأراد لبسها في الحرب فان
وجد ما يقوم مقامه لم يجز وإن لم يجدو فاجأته الحرب جاز لأنه موضع ضرورة فان اضطر إلى استعمال
الذهب جاز لما روى " أن عرفجة بن أسعد أصيب انفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من فضة فأنتن
عليه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ان يتخذ انفا من ذهب " ويحل للنساء لبس الحرير ولبس الحلي من
الذهب لحديث علي رضي الله عنه) *
(الشرح) حديث علي رضي الله عنه حديث حسن رواه أبو داود من رواية على الا قوله حل
لإناثها رواه البيهقي وغيره من رواية عقبة بن عامر بلفظه في المهذب وهو حديث حسن يحتج به
440

وحديث النهي عن التختم بالذهب ثابت في الصحيحين من رواية البراء بن عازب ومن رواية أبي هريرة
وحديث عرفجة حسن رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بأسانيد حسنة وسبق بيانه
وشرحه في باب الآنية وسقط هذا الحديث ومسألته في بعض النسخ وهما موجودان في معظمها
وقوله صلى الله عليه وسلم " ان هذين حرام " أي حرام استعمالهما والحل - بكسر الحاء - بمعنى الحلال يقال
حل وحلال وحرم وحرام بمعنى وفى الخاتم أربع لغات فتح التاء وكسرها وخاتام وخيتام ويقال
صدئ يصدأ بالهمز فيهما كبرئ من الدين يبرأ قال أهل اللغة صدأ الحديد وغيره وسخه مهموز
وقد صدئ يصدأ فأضبطه فقد رأيت من يغلط فيه فيتوهمه غير مهموز ودرع الحديد مؤنثة على اللغة
المشهورة وفى لغة قليلة تذكيرها ودرع المرأة مذكر لا غير والمطلية - بفتح الميم واسكان الطاء
بمعنى المموهة والحرب مؤنثة وفى لغة شاذة مذكرة قوله مقامه - بفتح الميم الأولى - قال أهل اللغة يقال
قام الشئ مقام غيره بفتح الميم وأقمته مقامه بالضم وفاجأته بهمزة بعد الجيم أي بغتته والكلاب
- بضم الكاف - وسبق بيانه في الآنية * أما أحكام الفصل ففيه مسائل (إحداها) أجمع العلماء على تحريم
استعمال حلي الذهب على الرجال للأحاديث الصحيحة السابقة وغيرها واتفق أصحابنا على تحريم
قليله وكثيره كما ذكره المصنف ولو كان الخاتم فضة وفيه سن من ذهب أو فص حرم بالاتفاق
للحديث هكذا قطع به الأصحاب ونقلوا الاتفاق عليه وقال امام الحرمين لا يبعد تشبهه بالضبة
الصغيرة في الاناء وهذا الذي قاله شاذ ضعيف والفرق أن الشرع حرم استعمال الذهب ومن لبس
هذا الخاتم يعد لابس ذهب وهناك حرم اناء الذهب والفضة وهذا ليس باناء (الثانية) لو كان الخاتم
فضة وموهه بذهب أو موه السيف وغيره من آلات الحرب أو غيرها بذهب فإن كان تمويها يحصل
منه شئ ان عرض على النار فهو حرام بالاتفاق وإن لم يحصل منه شئ فطريقان (أصحهما) وبه
قطع العراقيون يحرم للحديث (والثاني) فيه وجهان حكاهما البغوي وسائر الخراسانيين أو جمهورهم
أحدهما (يحرم) (والثاني) يحل لأنه كالعدم (الثالثة) يجوز لمن ذهب أنفه أو سنه أو أنملته أن يتخذ
441

مكانها ذهبا سوا أمكنه فضة وغيرها أم لا وهذا متفق عليه ويجوز له شد السن والأنملة ونحوهما
بخيط ذهب لأنه أقل من الانف المنصوص عليه وهل لمن ذهبت أصبعه أو كفه أو قدمه أن
يتخذها من ذهب أو فضة فيه طريقان (أصحهما) لا يجوز وبه قطع البغوي وغيره (والثاني) فيه وجهان
حكاه القاضي حسين في تعليقه وسبقت المسألة في باب الآنية مستوفاة (الرابعة) إذا كانت درع
منسوجة بذهب أو بيضة مطلية به أو جوشن متخذ منه ونحوها حرم لبسه على الرجل في غير
مفاجأة الحرب ويحرم حال مفاجأة الحرب أيضا ان وجد ما يقوم مقامه فإن لم يجد وفاجأته الحرب
جاز للضرورة وهذا التفصيل نص عليه الشافعي في الأم واتفق عليه الأصحاب قال في الأم سواء
كانت كلها منسوجة أو بعضها وكذا قاله الأصحاب (الخامسة) حيث حرمنا استعمال الذهب
المراد به إذا لم يصدأ فان صدئ بحيث لم يبن لم يحرم هكذا قطع به المصنف والشيخ أبو حامد
والبندنيجي وآخرون من أصحابنا وقال القاضي أبو الطيب الذهب لا يصدأ فلا تتصور المسألة
وأجابوا عن هذا بأن منه ما يصدأ ومنه ما لا يصدأ ويقال الذي يخالطه غيره يصدأ والخالص
لا يصدأ (السادسة) يجوز للنساء لبس الحرير والتحلي بالفضة وبالذهب بالاجماع للأحاديث الصحيحة
وهل يجوز لهن الجلوس على الحرير فيه طريقان (أحدهما) يجوز وجها واحدا وبه قطع المصنف في باب
ستر العورة وسائر العراقيين في كتبهم ونقله امام الحرمين عنهم وقطع به المتولي من الخراسانيين
لقوله صلى الله عليه وسلم " حل لإناثها " (والثاني) فيه وجهان حكاهما الخراسانيون (أحدهما) هذا (وأصحهما)
عندهم التحريم وبه قطع البغوي والشيخ نصر المقدسي وصححه الرافعي والشيخ أبو عمر لأنه أبيح
لهن لبسه للتزين للزوج وهو منتف هنا والأصح المختار الجواز للحديث ولا نسلم ان إباحته لمجرد
التزين للزوج إذ لو كان كذلك لاختص بذات الزوج وأجمعوا انه لا يختص *
(فرع) كل حلي حرمناه على الرجل حرمناه على الخنثى المشكل و كذلك الحرير هذا هو المذهب
وبه قطع الأكثرون منهم القاضي أبو الفتح وصاحب التهذيب والبيان والرافعي وغيرهم وأشار
المتولي الا انه يجوز لبس حلي الرجال والنساء لأنه كان له لبسهما في الصغر فيبقى وحكى في اباحته
الحرير له احتمال وقياس المتولي جوازه والمذهب التحريم فيهما *
442

(فرع) قال أصحابنا يجوز للنساء لبس أنواع الحلي كلها من الذهب والفضة والخاتم والحلقة
والسوار والخلخال والطوق والعقد والتعاويذ والقلائد وغيرها وفى جواز لبسهن نعال الذهب
والفضة وجهان حكاهما الرافعي وغيره (أصحهما) الجواز كسائر الملبوسات (والثاني) التحريم للاسراف
وأما التاج فقال الرافعي قال أصحابنا ان جرت عادة النساء بلبسه جاز والا حرم لأنه شعار
عظماء الروم قال وكأن معنى هذا أنه يختلف بعادة أهل النواحي فحيث جرت عادت النساء بلبسه
جاز وحيث لم يجر حرم حذارا من التشبه بالرجال هذا نقل الرافعي والمختار بل الصواب الجواز من
غير ترديد لعموم الحديث ولدخوله في اسم الحلي وفى الدراهم والدنانير التي تثقب وتجعل في القلادة
وجهان حكاهما الرافعي وقال (أصحهما) التحريم عليهن وليس كما قال بل (أصحهما) الجواز لدخولهما في اسم
الحلي قال وفى لبس الثياب المنسوجة بالذهب والفضة وجهان (أصحهما) الجواز قلت الصواب القطع
بالجواز قال وذكر ابن عبدان انه ليس لهن اتخاذ زر القميص والجبة والفرجية منهما قال الرافعي ولعله
تفريع على الوجه الضعيف في لبس المنسوج بهما قلت الصواب الجزم بالجواز وما سواه باطل قال ثم كل
حلي أبيح للنساء فلذلك إذا لم يكن فيه سرف ظاهر فإن كان كخلخال وزنه مائتا دينار فوجهان (الصحيح)
الذي قطع به معظم العراقيين التحريم وممن حكى الوجهين فيه البغوي ووجه التحريم انه ليس بزينة
وإنما هو قيد وإنما تباح الزينة ووجه الجواز انه من جنس المباح فأشبه اتخاذ عدد من الخلاخيل
قال الرافعي ومثله إسراف الرجل في آلات الحرب قال ولو اتخذ الرجل خواتيم كثيرة والمرأة خلاليل
كثيرة لتلبس الواحدة منها بعد الواحد جاز على المذهب وبه قطع البغوي وقيل فيه الوجهان في الثقيل
وليس بشئ *
(فصل) في التحلي بالفضة * عادة أكثر الأصحاب ذكره في باب زكاة الذهب والفضة وأشار
المصنف إلى بعض منه هناك والذي رأيته أن هذا الباب أنسب به لا سيما وقد ذكر المصنف والأصحاب
443

فيه ما سبق قال أصحابنا يجوز للرجل خاتم الفضة بالاجماع وأما ما سواه من حلي الفضة كالسوار
والمدملج والطوق ونحوها فقطع الجمهور بتحريمها وقال المتولي والغزالي في الفتاوى يجوز لأنه لم يثبت
في الفضة الا تحريم الأواني وتحريم التشبه بالنساء والصحيح الأول لان في هذا تشبها بالنساء وهو حرام
قال أصحابنا ويجوز للرجل تحلية آلات الحرب بالفضة كالسيف والرمح وأطراف
السهام والدرع والمنطقة والرانين والخفين وغيرها لان فيه ارعاب العدو وفى تحلية السرج
واللجام والشفر بالفضة وجهان (أصحهما) التحريم ونص عليه الشافعي في البويطي في
رواية الربيع وموسى بن أبي الجارود قال الرافعي وأجروا هذا الخلاف في الركاب وبره الناقة من الفضة
قال وقطع كثيرون بتحريم قلادة الدابة من فضة واتفقوا على أنه لا يجوز تحلية شئ مما ذكرناه بذهب
قال ويحرم على المرأة تحلية آلات الحرب بالذهب والفضة لان في استعمالهن ذلك تشبها بالرجال
ويحرم عليهن التشبه كذا قاله الأصحاب واعترض عليهم صاحب المعتمد بان آلات الحرب إن
قلتم يجوز للنساء لبسها بلا تحلية جاز مع التحلية لأنها حلال لهن وإن قلتم لا يجوز بلا تحلية للتشبه
بالرجال فهو باطل لان التشبه مكروه وليس بحرام ألا ترى أن الشافعي قال في الأم ولا أكره للرجل
لبس اللؤلؤ إلا للأدب وأنه من زي النساء لا للتحريم فلم يحرم زي النساء على الرجال بل كرهه
فكذا عكسه ولان المحاربة جائزة للنساء في الجملة وفى جوازها جواز لبس آلاتها قال الرافعي وهذا
الذي قاله صاحب المعتمد هو الحق إن شاء الله تعالى وليس كما قالا بل الصواب ان تشبه الرجال
444

بالنساء وعكسه حرام للحديث الصحيح " لعن الله المتشبهين بالنساء من الرجال والمتشبهات من
النساء بالرجال " وأما نصه في الأم فليس مخالفا لهذا لان مراده أنه من جنس زي النساء لا أنه زي
لهن مختص بهن لازم في حقهن *
(فرع) في استعمال الذهب والفضة في غير اللبس: أما الأواني منها فحرام وسبقت تفاريعه في
باب الآنية وسبق هناك انه يستوي في تحريم ذلك الرجال والنساء ويحرم اتخاذها على الأصح
ولا يحرم استعمال الأواني من الياقوت وسائر الجواهر النفيسة على الأصح كما سبق ولو حلي شاة
أو غزالا أو دجاجة أو غيرها بذهب أو فضة فحرام ذكره الدارمي وآخرون وفي تحلية سكاكين المهنة
وسكين المقلمة بالفضة للرجال وجهان مشهوران (أصحهما) التحريم لأنها ليست آلة حرب (والثاني)
الجواز لأنها ليست لباسا والمذهب تحريمها على النساء وبه قطع الأكثرون وقيل فيه الوجهان كالرجل
حكاه الرافعي وغير وفى تحلية المصحف بالفضة قولان حكاهما جماعة وجهين
(أصحهما) الجواز وهو نص الشافعي في القديم وفى حرمله وغيره من الجديد إكراما للمصحف (والثاني)
التحريم وهو نصه في سير الواقدي من الجديد وفى تحليته بالذهب أربعة أوجه (الأصح) عند الأكثرين
جوازه في مصحف المرأة وتحريمه في مصحف الرجل (والثاني) جوازه مطلقا (والثالث) تحريمه مطلقا
(والرابع) تجوز حلية نفس المصحف دون غلافه المنفصل عنه وهو ضعيف وأما تحلية سائر الكتب
بذهب أو فضة فحرام بالاتفاق وأما تحلية الدواة والمقلمة والمقراض بالفضة فحرام على الأصح وأشار
الغزالي إلى طرد خلاف في سائر الكتب وفى تحلية الكعبة والمساجد بالذهب والفضة وتعليق
قناديلها وجهان (أصحهما) التحريم لأنه لم ينقل عن السلف مع أنه سرف (والثاني) الجواز كما يجوز
ستر الكعبة بالديباج بالاتفاق قال أصحابنا وكل حلي حل لبعض الناس استعماله استحق صانعه
الأجرة ووجب على كاسره أرشها وما لا يحل لاحد فحكم صنعته حكم صنعة الاناء وقد سبق وجهان
445

في باب الآنية (أصحهما) لا أجرة ولا أرش (والثاني) ثبوتهما وهما مبنيان على جواز اتخاذه من غير استعمال
والأصح تحريمه
* قال المصنف رحمه الله * (ويجوز ان يلبس دابته واداته جلد ما سوى الكلب والخنزير لأنه إن كان مدبوغا فهو طاهر
وإن كان غير مدبوغ فالمنع من استعماله للنجاسة ولا تعبد على الدابة والأداة وأما جلد
الكلب والخنزير فلا يجوز ان يستعمله في شئ من ذلك لان الخنزير لا يحل الانتفاع به والكلب
لا يحل الا للحاجة وهي الصيد وحفظ الماشية والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم " من اقتنى
كلبا إلا كلب صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان " ولا حاجة إلى الانتفاع
بجلده بعد الدباغ فلم يحل) *
(الشرح) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من رواية ابن عمر هكذا وفى بعض رواياتهما
قيراط وفى أكثرها قيراطان وفى حديث أبي هريرة في الصحيح كلب صيد أو زرع أو ماشية وينكر
على المصنف قوله والكلب لا يحل إلا لحاجة وهي الصيد وحفظ الماشية مع أنه يحل للزرع بلا خلاف
ويحل أيضا لحفظ الدروب والدور ونحوها على أصح الوجهين وقد ذكر المصنف كل هذا في أول
باب ما يجوز بيعه ولعله أراد الصيد والماشية ونحوهما وأهمل استيفاء ذلك لكونه سيذكره
في موضعه (وقوله) وأداته هو - بفتح الهمزة وبدال مهملة - وهي الآلة (وقوله) لا تعبد على الدابة
أي ليست مكلفة * أما حكم المسألة فقال المتولي والبغوي وآخرون للشافعي نصوص مختلفة في جواز
استعمال الأعيان النجسة فقيل في جميع أنواع استعمالها كلها قولان والمذهب الصحيح الذي قطع
به العراقيون وأبو بكر الفارسي والقفال وأصحابه التفصيل وهو أنه لا يجوز استعمال شئ منها في ثوب
أو بدن إلا لضرورة ويجوز في غيرهما أن كانت نجاسة مخففة وهي غير الكلب والخنزير وفرع أحدهما
وإن كانت مغلظة وهي نجاسة الكلب والخنزير والفرع لم يجز فعلى هذا لا يجوز لبس جلد الكلب
ولا الخنزير ولا فرع أحدهما في حال الاختيار لان الخنزير لا يجوز الانتفاع به في حياته بحال وكذا الكلب
إلا لمقاصد مخصوصة فبعد موتهما أولي ويجوز طلى السفن بشحم الميتة وكذا دهن الدواب وغيرها
ويجوز لبس الثياب المتنجسة في غير صلاة ونحوها وإن فاجأته حرب أو خاف على نفسه من حر أو برد
ونحوهما ولم يجد غير جلد كلب أو خنزير جاز لبسه للضرورة وأما جلد الميتة من شاة وبقرة وسائر
446

الحيوان غير الكلب والخنزير وفرع أحدهما وغير الآدمي فلا يحل لبسه في حال الاختيار على
المذهب الصحيح وبه قطع الأكثرون وحكى الخراسانيون وجها أنه يجوز وهو ضعيف وأما جلد
الآدمي والثوب المتخذ من شعره فيحرم استعماله باللبس وبغيره بالاتفاق وقد بيناه في باب الا نية
وأما الجلود الطاهرة فيجوز لبسها بالاجماع والنصوص لكن قال الشيخ أبو حامد في تعليقه وصاحب
الحاوي لبس غير الجلود أولى من لبسها قالا " لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنزع الخفاف والفراء عن
شهداء أحد دون سائر ثيابهم " وهذا الذي قالاه فيه نظر هذا حكم استعمال الثياب النجسة في البدن
447

فاما إذا ألبس دابته وأداته ونحوهما جلدا نجسا فإن كان جلد كلب أو خنزير أو فرع أحدهما لم يجز بالاتفاق
لما ذكرناه وإن كان جلد غيرهما وغير آدمي فالمذهب الصحيح جوازه وبه قطع المصنف والجمهور
وحكي الشيخ أبو حامد وغيره وجها أنه يحرم ولو جلل كلبا أو خنزيرا بجلد كلب أو خنزير فوجهان
حكاهما جماعة من الخراسانيين (أصحهما) يجوز لاستوائهما في غلظ النجاسة هكذا أطلقوهما ولعل
مرادهم تجليل كلب يجوز اقتناؤه وخنزير لا يؤمر بقتله فان في قتله خلافا وتفصيلا ذكره الشافعي
والمصنف والأصحاب في كتاب السير *
(فرع) يجوز تسميد الأرض بالزبل النجس قال المصنف في باب ما يجوز بيعه وغيره من أصحابنا
يجوز مع الكراهة قال امام الحرمين ولم يمنع منه أحد وفى كلام الصيدلاني ما يقتضي خلافا فيه والصواب
القطع بجوازه مع الكراهة *
(فرع) يجوز الاستصباح بالدهن النجس سواء كان نجس العين كودك الميتة أو كان متنجسا
بعارض كزيت وشيرج وسمن أصابته نجاسة هذا هو الصحيح المشهور ونص عليه الشافعي وقطع
به العراقيون وجماعة من الخراسانيين وحكى جماعة من الخراسانيين فيه قولا وبعضهم يحكيه
وجها أنه يحرم والمذهب الجواز لكن يكره وقد ذكره المصنف في باب ما يجوز بيعه وذكر هناك اقتناء الكلب
وسنوضحه هناك إن شاء الله تعالى في أواخر باب الأطعمة في مسألة تحريم أكل النجس *
(فرع) في مذاهب العلماء في استعمال الادهان النجسة وغيرها في غير الأكل وفى غير البدن * قد ذكرنا
أن مذهبنا الصحيح جواز الانتفاع بالدهن المتنجس وشحم الميتة في الاستصباح ودهن
السفن ويجوز أن يتخذ من هذا الدهن الصابون فيستعمله ولا يبيعه وله اطعام العسل المتنجس للنحل
والميتة للكلاب والطيور الصائدة وغيرها واطعام الطعام المتنجس للدواب هذا مذهبنا وبه قال
عطاء ومحمد بن جرير وقال به مالك وأبو حنيفة والثوري والليث وجمهور العلماء في غير شحم الميتة
ومنعوا شحم الميتة وقال أحمد بن حنبل وأحمد بن صالح والماجشون المالكي لا يجوز شئ من جميع
ذلك وقد أوضحت الجميع بدلائله في شرح صحيح مسلم في باب تحريم بيع الميتة *
448

(فصل) في مسائل تتعلق بالباب
(إحداها) يجوز لبس ثياب الكتان والقطن والصوف
والشعر والوبر وإن كانت نفيسة الأثمان لان نفاستها بالصنعة لا في جنسها بخلاف الحرير وهذا مجمع
عليه ويجوز لبس الخز بالاتفاق وهو حرير وصوف لكن حريره مستتر وأقل وزنا (الثانية) القز
كالحرير فيحرم على الرجل استعماله: هذا هو الصحيح وبه قطع الجمهور ونص عليه الشافعي في الأم
ونقل امام الحرمين الاتفاق عليه وحكى المتولي فيه وجهان وهو شاذ
(الثالثة) قال أصحابنا يحرم على
الرجل لبس الثوب المزعفر وممن صرح به صاحب البيان ونقل البيهقي وغيره ان الشافعي رحمه الله
449

نهي الرجل عن المزعفر وأباح له المعصفر قال البيهقي في كتاب معرفة السنن والآثار في فصل
النهي عن القراءة في الركوع قال الشافعي إنما أرخصت في المعصفر لأني لم أجد أحدا يحكي عن
النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنه الا ما قال علي رضي الله عنه نهاني ولا أقول نهاكم يعني حديث
على " نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول نهاكم عن تختم الذهب ولباس المعصفر " رواه مسلم
قال البيهقي وثبت ما دل على النهى على العموم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال " رآني رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعلى ثوبان معصفران فقال هذه ثياب الكفار فلا تلبسها " رواه مسلم في صحيحه
ثم روى البيهقي روايات تدل على أن النهى على العموم عن المعصفر ثم قال وفي كل هذا دلالة على أن
نهي الرجال عن لبسه على العموم قال ولو بلغ الشافعي لقال به إن شاء الله تعالى ثم ذكر باسناده
450

ما هو مشهور صحيح عن الشافعي قال كل ما قلت وكان عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه مما يصح
فحديث النبي صلى الله عليه وسلم أولي ولا تقلدوني قال البيهقي قال الشافعي وينهي الرجل حلالا بكل
حال ان يزعفر ويأمره إذا تزعفر بغسله عنه قال فيتبع السنة في المزعفر فمتابعتها في المعصفر أولى به
451

وقد كره المعصفر يعني بعض السلف وبه قال أبو عبد الله الحليمي من أصحابنا قال ورخص فيه
جماعة والسنة ألزم
(الرابعة) يجوز لبس الثوب الأبيض والأحمر والأصفر والأخضر والمخطط وغيرها
من ألوان الثياب ولا خلاف في هذا ولا كراهة في شئ منه قال الشافعي والأصحاب وأفضلها البيض
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " البسوا من ثيابكم البياض فإنها
من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن سمرة
رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " البسوا البياض فإنها أطهر وأطيب وكفنوا
فيها موتاكم " رواه النسائي والحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح ودليل جواز الأحمر وغيره مع
الاجماع حديث البراء " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء " رواه البخاري ومسلم
وروى أيضا مثله من رواية أبي حنيفة وعن أبي رمثة " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان
أصفران " رواه أبو داود والترمذي باسناد صحيح وعن جابر " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء " رواه مسلم وعن عمر بن حرب قال " كأني أنظر إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة له سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه " رواه مسلم وفى رواية له " خطب
الناس وعليه عمامة سوداء " وعن عائشة قالت " خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط
452

مرحل من شعر أسود " رواه مسلم المرط - بكسر الميم - كساء المرحل - بالحاء المهملة - الذي فيه صورة رحال
الإبل وهي الأكوار وفى الصحيحين عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس جبة شامية من صوف
ضيقة الكمين وعن أم سلمة قالت " كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص " رواه أبو داود والترمذي
وقال حديث حسن وعن انس قال " كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحبرة " رواه مسلم الحبرة
برد مخطط من قطن أو كتان ويكون أحمر غالبا (الخامس) يستحب ترك الترفع في اللباس تواضعا
ويستحب أن يتوسط فيه ولا يقتصر على ما يزدرى به لغير حاجة ولا مقصود شرعي قال المتولي
والروياني يكره لبس الثياب الخشنة الا لغرض مع الاستغناء والمختار ما قدمناه ومما يدل للطرفين
حديث معاذ بن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من ترك اللباس تواضعا لله تعالى وهو
453

يقدر عليه دعاه الله تعالى يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الايمان شاء
يلبسها " رواه الترمذي وقال حديث حسن وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال " قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ان الله يحب ان يرى اثر نعمته على عبده " رواه الترمذي وقال حديث حسن (السادسة)
لو بسط فوق ثوب الحرير ثوب قطن وجلس عليه جاز صرح به البغوي وغيره كما لو حشا الجبة
والمخدة به وكما لو بسط على النجاسة ثوب وكذا لو جلس على جبة محشوة به (السابعة) يحرم إطالة
الثوب والإزار والسراويل على الكعبين للخيلاء ويكره لغير الخيلاء نص عليه الشافعي في البويطي
454

وصرح به الأصحاب وقد بيناه في باب ستر العورة ويستدل له بالأحاديث الصحيحة المشهورة (منها)
حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من جر وبه خيلاء لم ينظر الله إليه
يوم القيامة " وقال أبو بكر رضي الله عنه " يا رسول الله ان أزاري يسترخي إلا أن أتعاهده فقال له رسول الله
455

صلى الله عليه وسلم انك لست ممن يفعله خيلاء " رواه البخاري وروى مسلم بعضه وفى الصحيحين عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا ينظر يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا " وفى البخاري عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار " وفى سنن أبي داود باسناد صحيح
456

عن أبي سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أزرة المسلم إلى نصف الساق ولا حرج أو لا جناح فيما بينه وبين
الكعبين
ما كان أسفل الكعبين فهو في النار " وفى سنن أبي داود باسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم
عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلى مسبلا إزاره فأمره أن ينصرف
ويتوضأ وقال إنه كان يصلي مسبلا إزاره وان الله لا يقبل صلاة رجل مسبل " والأحاديث في الباب
كثيرة وجمعت منها جملة صحيحة *
(فرع) الاسبال في العمامة هو إرسال طرفها إرسالا فاحشا كاسبال الثوب لحديث ابن عمر رضي
الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الاسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر شيثا خيلاء
لم ينظر الله إليه يوم القيامة " رواه أبو داود والنسائي باسناد صحيح *
(فرع) يستحب تقصير الكم لحديث أسماء بنت يزيد الصحابية رضي الله عنها
قالت " كان كم قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ " رواه أبو داود والترمذي وقال
حديث حسن *
(فرع) يجوز لبس العمامة بارسال طرفها وبغير إرساله ولا كراهة في واحد منهما ولم يصح
في النهي عن ترك إرسالها شئ وصح في الارخاء الحديث السابق في المسألة الرابعة *
457

(فرع) للمرأة إرسال الثوب على الأرض لحديث ابن عمر " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة فكيف تصنع النساء بذيولهن قال
458

ترخين شيرا قالت إذا تنكشف أقدامهن قال فترخينه ذراعا لا تزدن عليه " رواه أبو داود والترمذي
وقال حديث حسن *
459

(فرع) يستحب لمن لبس ثوبا جديدا أو نعلا أو نحوه أن يقول ما رواه أبو سعيد قال كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا استجد ثوبا سماه باسمه عمامة أو قميصا أو رداءا يقول اللهم
460

لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له " رواه
أبو داود والترمذي وقال حديث حسن (الثامنة) يستحب ان يبدأ في لبس الثوب والسراويل
والنعل والخف وغيرهما باليمين ويخلع باليسار وقد سبقت المسألة بدلائلها في باب صفة الوضوء في
غسل اليدين (التاسعة) قال الشيخ نصر المقدسي في تهذيبه يحرم تنجيد البيوت بالثياب المصورة
وغيرها سواء الحرير وغيره لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تستير الجلد واطلاقه التحريم في
غير المصورة من غير الحرير ضعيف والمختار أو الصواب انه مكروه وليس بحرام وأما حديث عائشة
في صحيح مسلم قالت " أخذت نمطا فسترته على الباب فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم فرأى النمط
عرفت الكراهية في وجهه فجذبه حتى هبله أو قطعه وقال إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين "
فجوابه من وجهين (أحدهما) أن هذا النمط كان فيه صورة الخيل وغيرها وقد صرح بذلك في باقي روايات الحديث
في مسلم (والثاني) انه ليس في حقيقة اللفظ تصريح بتحريمه بل فيه أن الله تعالى لم يأمر به وهذا إنما يقتضي
461

انه ليس بواجب ولا مندوب
(العاشرة) يجوز للرجل لبس خاتم الفضة في خنصره
بمينه وان شاء في خنصر يساره كلاهما صح فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن
الصحيح المشهور انه في اليمين أفضل لأنه زينة واليمين أشرف وقال صاحب الإبانة في اليسار أفضل
لان اليمين صار شعار الروافض فربما نسب إليهم هذا كلامه وتابعه عليه صاحبا التتمة والبيان والصحيح
الأول وليس هو في معظم البلدان شعارا لهم ولو كان شعارا لما تركت اليمين وكيف تترك السنن
لكون طائفة مبتدعة تفعلها وفى سنن أبي داود باسناد صحيح أن ابن عمر كان يتختم في يساره
462

وباسناد حسن أن ابن عباس تختم في يمينه ويجوز الخاتم بفص وبلا فص ويجعل الفص من باطن
كفه أو ظاهرها وباطنها أفضل للأحاديث الصحيحة فيه ويجوز نقشه وإن كان فيه ذكر الله تعالى
ففي الصحيحين " كان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد رسول الله ولا كراهة فيه
عندنا وبه قال سعيد بن المسيب ومالك والجمهور وكرهه ابن سيرين وبعضهم لخوف امتهانه وهذا
باطل منابذ للحديث ولفعل السلف والخلف قال العلماء من أصحابنا وغيرهم وله أن ينقش فيه
اسم نفسه أو كلمة حكمة واجمع المسلمون على أن السنة للرجل جعل خاتمه في خنصره وفى صحيح مسلم
عن علي رضي الله عنه قال " نهاني يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اجعل خاتمي في هذه أو التي
تليها " وفى رواية أخرى " في هذه أو هذه " وأشار الراوي إلى الوسطى والتي تليها وفى رواية أبى
463

داود باسناد صحيح في هذه أو هذه السبابة والوسطي قال شك فيه الراوي *
(فرع) يباح للمرأة المزوجة وغيرها لبس خاتم الفضة كما يجوز لها خاتم الذهب وهذا مجمع عليه
ولا كراهة بلا خلاف وقال الخطابي يكره لها خاتم الفضة لأنه من شعار الرجال قال فإن لم
تجد خاتم ذهب فلتصفره بزعفران وشبهه وهذا الذي قاله باطل لا أصل له والصواب أن لا
كراهة عليها *
(فرع) ذكرنا أنه يجوز للرجل لبس خاتم الفضة سواء من له ولاية وغيرها وهذا مجمع عليه واما ما نقل
عن بعض علماء الشام المتقدمين من كراهة لبسه لغير ذي سلطان فشاذ مردود بالنصوص واجماع
السلف وقد نقل العبدري وغيره الاجماع فيه
(الحادية عشرة) قال صاحب الإبانة يكره الخاتم
464

من حديد أو شبه بفتح الشين والباء وهو نوع من النحاس وتابعه صاحب البيان فقال يكره الخاتم
من حديد أو رصاص أو نحاس لحديث بريدة رضي الله عنه " ان رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وعليه خاتم من شبه قال مالي أجد منك ريح الأصنام فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال مالي أرى
عليك حلة أهل النار فطرحه فقال يا رسول الله من أي شئ اتخذه فقال اتخذه من ورق ولا تتمه
مثقالا " رواه أبو داود والترمذي وفى اسناده رجل ضعيف وقال صاحب التتمة لا يكره الخاتم من
حديد أو رصاص للحديث في الصحيحين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للذي خطب الواهبة
نفسها " اطلب ولو خاتما من حديد " قال ولو كان فيه كراهة لم يأذن فيه به وفى سنن أبي داود باسناد جيد
عن معيقيب الصحابي رضي الله عنه وكان على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم قال " كان خاتم النبي
465

صلى الله عليه وسلم من حديد ملوى عليه فضة " فالمختار انه لا يكره لهذين الحديثين وضعف الأول
قال الخطابي في معالم السنن إنما قال " أجد ريح الأصنام " لأنها كانت تتخذ من الشبه قال وأما
الحديد فقيل كرهه لسهوكة ريحه قال وقيل لأنه زي بعض الكفار وهم أهل النار
(الثانية عشرة)
قال الشافعي في الأم لا أكره للرجل لبس اللؤلؤ الا للأدب وانه من زي النساء لا للتحريم
ولا أكره لبس ياقوت أو زبرجد الا من جهة السرف والخيلاء هذا نصه وكذا نقله الأصحاب
واتفقوا على أنه لا يحرم
(الثالثة عشرة) يكره المشي في نعل واحدة أو خف واحد ونحوه لغير عذر صرح
به صاحب الإبانة وآخرون ولا خلاف فيه لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" لا يمشي أحدكم في النعل الواحدة لينعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعا " وفى رواية ليخفهما جميعا "
رواه البخاري ومسلم وفى رواية " إذا انقطع شسع نعل أحدكم فلا يمشي في الأخرى حتى يصلحها
(الرابعة عشرة) يكره أن يلبس النعل والخف ونحوهما قائما لحديث جابر قال " نهى رسول الله صلى الله
466

عليه وسلم أن ينتعل الرجل قائما " رواه أبو داود باسناد حسن قال الخطابي سبب النهي خوف
انقلابه إذا انتعل قائما فأمر بالقعود لأنه أسهل وأعون وأسلم من المفسدة قال ويدخل في النهي
عن المشي في نعل واحدة كل لباس شفع كالخفين وادخال اليدين في الكمين قال فيكره أن يدخل
يدا في كمه ويخرج أخرى لاشتراك الجميع في أنه قد يشق عليه وهذا الذي قاله في الأم
لا يوافق عليه
(الخامسة عشرة) يكره تعليق الجرس في البعير والنعل وغيرهما لحديث أبي هريرة
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس " رواه مسلم وعنه
قال النبي صلى الله عليه وسلم " الجرس مزمار الشيطان " رواه أبو داود باسناد صحيح على شرط مسلم وعن
بنابه - بضم الموحدة - انها كانت عند عائشة فدخل عليها بجارية عليها جلاجل تصوت فقال لا تدخلنها
على الا ان تقطعوا جلاجلها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا تدخل الملائكة بيتا فيه جرس
رواه أبو داود باسناد جيد
(السادسة عشرة) يستحب غسل الثوب إذا توسخ واصلاح الشعر إذا
شعث لحديث جابر رضي الله عنه قال " أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلا شعثا قد تفرق
شعره فقال أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره ورأي رجلا عليه ثياب وسخة فقال اما كان هذا
يجد ماء يغسل به ثوبه " رواه أبو داود باسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم
(السابعة عشرة)
يكره اشتمال الصماء واشتمال اليهود وسبق تفسيرهما في باب ستر العورة
(الثامنة عشرة) يحرم وصل الشعر
467

والوسم والوشر سبق بيانه وتفصيله وتعريفه في باب طهارة البدن ويحرم التصوير بصور ذوات الأرواح
واتخاذ الصور وسيأتي ايضاحه وتفريعه حيث ذكره المصنف في باب الوليمة إن شاء الله تعالى
ويكره القزع وسبق في باب السواك
(التاسعة عشرة) يجوز لبس القميص والقباء والفرجية ونحوها
مزررا ومحلول الأزرار إذا لم تبد عورته ولا كراهة في واحد منهما لحديث عروة بن عبد الله بن معاوية
بن قرة عن أبيه قرة الصحابي رضي الله عنه قال " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط فبايعناه
وان قميصه لمطلق ثم أدخلت يدي في جيب القميص فنسيت الخاتم فقال عروة فما رأيت معاوية
ولا ابنه قط الا مطلقي أزرارهما في شتاء ولا حر " رواه أبو داود وابن ماجة في سننهما والترمذي في
الشمائل بأسانيد صحيحة
(العشرون) المشهور في المذهب أنه يحرم على الرجل أن يتشبه بالمرأة في
اللباس وغيره ويحرم على المرأة أن تتشبه بالرجل في ذلك وقد سبقت هذه المسألة في هذا الباب
468

وذكرنا كلام صاحب المعتمد فيها ودعواه انه مكروه وليس بحرام ورددناه عليه ومما استدلوا به
للتحريم حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال
بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال " رواه البخاري وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال " لعن رسول
الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل " رواه أبو داود باسناد صحيح
وعن ابن أبي مليكة قال " قيل لعائشة أن امرأة تلبس النعل فقالت لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الرجلة من النساء " رواه أبو داود باسناد حسن وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات
مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وان ريحها ليوجد
469

من مسيرة كذا وكذا " رواه مسلم قيل معنى كاسيات أي من نعمة الله عاريات من شكرها وقيل
معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارا لجمالها ونحوه وقيل تلبس ثوبا رقيقا يصف لون
بدنها وهو المختار ومعني مائلات عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه مميلات أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم
وقيل يمشين متبخترات مميلات لأكتافهن وقيل مائلات يتمشطن المشطة الميلاء وهي مشطة البغايا ومميلات
470

يمشطن غيرهن تلك المشطة ومعنى رؤوسهن كأسنمة البخت أي يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو نحوها
والله أعلم
(الحادية والعشرون) يستحب إذا جلس أن يخلع نعليه ونحوهما وأن يجعلهما وراءه أو بجنبه
الا لعذر كخوف عليهما أو غيره لحديث ابن عباس قال " من السنة إذا جلس الرجل ان يخلع نعليه
فيجعلهما بجنبه " رواه أبو داود باسناد حسن
(الثانية والعشرون) يجوز اتخاذ الستور على الأبواب
471

ونحوها إذا لم تكن حريرا ولا فيها صور محرمة للأحاديث الصحيحة المشهور فيها
(الثالثة والعشرون)
يجوز القعود متربعا ومفترشا ومتوركا ومحتبيا والقرفصاء والاستلقاء على القفا ومد الرجل وغير ذلك
من هيئات القعود ونحوها ولا كراهة في شئ من ذلك إذا لم يكشف عورته ولم يمد رجله بحضرة
الناس وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على ذلك (منها) حديث ابن عمر " رأيت رسول الله صلى
472

الله عليه وسلم بفناء الكعبة محتبيا بيديه ووصف بيديه الاحتباء وهو القرفصاء " رواه البخاري وعن
عبد الله بن زيد " أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد واضعا احدى رجليه
على الأخرى " رواه البخاري ومسلم وعن جابر بن سمرة " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر
تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء " رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة وعن الشريد بن
473

سويد " قال مربي رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا جالس هكذا وقد وضعت يدي اليسرى خلف
ظهري واتكأت على الية يدي فقال أتقعد قعدة المغضوب عليهم " رواه أبو داود باسناد صحيح
(الرابعة والعشرون) إذا أراد النوم استحب ان يضطجع على شقه الأيمن وكذا يستحب في كل
اضطجاع أن يكون على شقه الأيمن ويكره الاضطجاع على بطنه ويستحب أن يكون على وضوء وأن
474

يذكر الله تعالى وأفضل أذكار هذا الموضع ما ثبت في الأحاديث (منها) حديث البراء قال " كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن ثم قال اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت
وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجأ منك
إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت " رواه البخاري بهذا اللفظ وفى رواية
475

له في كتاب الأدب من صحيحه ورواه هو ومسلم من طرق ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " للبراء إذا أتيت مضجعك
فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل وذكر نحوه وفيه واجعلهن آخر ما تقول " وعن
حذيفة " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول اللهم باسمك
أموت وأحيا وإذا استيقظ قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا واليه النشور " رواه البخاري وعن عائشة
476

" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر صلي ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن " رواه البخاري
ومسلم وعن طخفة الغفاري - بطاء مهملة مكسورة ثم خاء معجمة ساكنة ثم فاء - قال " بينما انا مضطجع
في المسجد على بطني إذا رجل يحركني برجله فقال إن هذه ضجعة يبغضها الله فنظرت فإذا رسول الله
صلى الله عليه وسلم " رواه أبو داود باسناد صحيح
(الخامسة والعشرون) يكره لمن قعد في مكان أن يفارقه
477

قبل أن يذكر الله تعالى فيه لحديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من قعد
مقعدا لم يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من الله ترة ومن اضطجع مضطجعا لا يذكر الله تعالى فيه كانت
عليه من الله فيه ترة " رواه أبو داود باسناد حسن الترة - بكسر المثناة من فوق - النقص وقيل التبعة
وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله تعالى فيه ولم يصلوا على نبيهم
478

فيه الا كان عليهم ترة فإن شاء عذبهم وان شاء غفر لهم " رواه الترمذي وقال حديث حسن
(السادسة
والعشرون) في آداب المجلس والجليس عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقيمن
أحدكم رجلا من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا " وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس
فيه " رواه البخاري ومسلم وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال " لا يحل لرجل ان يفرق بين اثنين الا بإذنهما " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن
وفى رواية لأبي داود " ولا يجلس بين رجلين الا بإذنهما " وعن سمرة قال " كنا إذا اتينا النبي صلى الله
479

عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وعن حذيفة
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " لعن من جلس وسط الحلقة " رواه أبو داود باسناد حسن وفى رواية
الترمذي بمعناه وقال حديث حسن صحيح وعن أبي سعيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول " خير المجالس أوسعها " رواه أبو داود باسناد صحيح على شرط البخاري وعن أبي هريرة قال
" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم سبحانك
480

اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك الا غفر ما كان في مجلسه ذاك "
رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وفى هذا الفصل أحاديث كثيرة صحيحة
وقد ذكرت منها جملة في كتاب الأذكار والرياض
(السابعة والعشرون) روى البخاري
في صحيحه في باب ما ذكر في بني إسرائيل وكان من كتاب الأنبياء عن عائشة انها
كانت تكره ان يجعل يده في خاصرته وتقول ان اليهود تفعله (الثامنة والعشرون) في آداب
تتعلق بالرؤيا في المنام (1)

(1) كذا بالأصل وفي بعض النسخ سقط الثامنة والعشرون
481

(باب صلاة الجمعة)
هي - بضم الميم واسكانها وفتحها - حكاهن الواحدي عن الفراء والمشهور الضم وبه قرئ في السبع
والاسكان تخفيف منه ووجهوا الفتح بأنها تجمع الناس كما يقال همزة وضحكة للمكثر من ذلك قال
والفتح لغة بنى عقيل وقال الزمخشري قرئ في الشواذ باللغات الثلاث وكان يوم الجمعة يسمي
في الجاهلية العروبة قال الواحدي وكان يسمى عروبة والعروبة ولهذا قال الشافعي رحمه الله تعالى
ويوم الجمعة هو اليوم الذي بين الخميس والسبت وأراد ايضاحه لمن يعرف العروبة ولا يعرف الجمعة
وبهذا التفسير يظهر خطأ من اعترض على الشافعي في هذا وزعم أنه اخبار بالمعلوم وثبت في صحيح
مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " خير يوم طلعت عليه الشمس
يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه ادخل الجنة وفيه اخرج منها ولا تقوم الساعة الا في يوم الجمعة " وزاد
مالك في الموطأ وأبو داود وغيرهما بأسانيد على شرط البخاري ومسلم " وفيه تيب عليه وفيه مات
وما من دابة الا وهي مصبخة يوم الجمعة من حين يصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة الا
الجن والإنس " (قوله) مصبخة - بالخاء المعجمة - وفى رواية أبى داود مسبخه - بالسين - أي مصغية وعنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد انهم أوتوا الكتاب
من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا لله له فهم لنا فيه
تبع واليهود غدا والنصارى بعد غد " رواه البخاري ومسلم قيل معنى بيد انهم غير أنهم
وقيل مع أنهم وقيل على أنهم وقال سعيد ابن المسيب أحب الأيام ان أموت فيه ضحي يوم الجمعة *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
(صلاة الجمعة واجبة لما روى جابر رضي الله عنه قال " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
اعلموا ان الله تعالى فرض عليكم الجمعة فمن تركها في حياتي أو بعد موتي وله امام عادل أو جائر
استخفافا أو جحودا فلا جمع الله له شمله ولا بارك له في أمره) *
482

(الشرح) هذا الحديث رواه ابن ماجة والبيهقي وضعفه وهو بعض من حديث طويل فيه
قواعد من الأحكام لكنه ضعيف في اسناده ضعيفان ويغنى عنه قول الله تعالى (إذا نودي للصلاة من
يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) وحديث طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الجمعة
حق واجب على كل مسلم في جماعة الا أربعة عبد مملوك وامرأة أو صبي أو مريض " رواه أبو داود
باسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم إلا أن أبا داود قال طارق بن شهاب رأى النبي صلى الله عليه
وسلم ولم يسمع منه شيئا وهذا الذي قاله أبو داود لا يقدح في صحة الحديث لأنه ان ثبت
عدم سماعه يكون مرسل صحابي ومرسل الصحابي حجة عند أصحابنا وجميع العلماء الا أبو إسحاق
الأسفرايني وعن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " رواح الجمعة واجب على
كل محتلم " رواه النسائي باسناد صحيح على شرط مسلم * أما حكم المسألة فالجمعة فرض عين على كل
مكلف غير أصحاب الاعذار والنقص المذكورين هذا هو المذهب وهو المنصوص للشافعي
في كتبه وقطع به الأصحاب في جميع الطرق إلا ما حكاه القاضي أبو الطيب في تعليقه وصاحب الشامل وغيرهما عن بعض الأصحاب انه غلط فقال هي فرض كفاية قالوا وسبب غلطه أن الشافعي قال من وجبت
عليه الجمعة وجبت عليه صلاة العيدين قالوا وغلط من فهمه لان مراد الشافعي من خوطب بالجمعة
وجوبا خوطب بالعيدين متأكدا واتفق القاضي أبو الطيب وسائر من حكي هذا الوجه على غلط
قائله قال القاضي أبو إسحاق المروزي لا يحل أن يحكي هذا عن الشافعي ولا يختلف أن مذهب
الشافعي أن الجمعة فرض عين ونقل ابن المنذر في كتابيه كتاب الاجماع الاشراف اجماع المسلمين
على وجوب الجمعة ودليل وجوبها ما سبق وذكر الشيخ أبو حامد في تعليقه ان الجمعة فرضت بمكة
قبل الهجرة وفيما قاله نظر * قال المصنف رحمه الله *
(ولا تجب الجمعة على صبي ولا مجنون لأنه لا تجب عليهما سائر الصلوات فالجمعة أولي
ولا تجب على المرأة لما روى جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم
483

الآخر فعليه الجمعة الا على امرأة أو مسافر أو عبد أو مريض " ولأنها تختلط بالرجال وذلك
لا يجوز) *
(الشرح) حديث جابر رواه أبو داود والبيهقي وفى إسناده ضعف ولكن له شواهد
ذكرها البيهقي وغيره ويغنى عنه حديث طارق بن شهاب السابق والاجماع فقد نقل ابن المنذر
وغيره الاجماع أن المرأة لا جمعة عليها وقوله ولأنها تختلط بالرجال وذلك لا يجوز لبس كما قال
فإنها لا يلزم من حضورها الجمعة الاختلاط بل تكون وراءهم وقد نقل ابن المنذر وغيره الاجماع
على أنها لو حضرت وصلت الجمعة جاز وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة المستفيضة أن النساء كن
يصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده خلف الرجال ولان اختلاط النساء بالرجال
إذا لم يكن خلوة ليس بحرام * أما حكم الفصل فقال أصحابنا من لا يلزمه الظهر لا تلزمه الجمعة ومن
يلزمه الظهر تلزمه الجمعة الا أصحاب الاعذار المذكورين فلا تجب على صبي ولا مجنون ولا مغمى
عليه وسائر من زال عقله أو انغمر بسبب غير محرم ويجب على السكران ومن زال عقله بسبب محرم
وقد سبق تفصيله وتفريعه في أول كتاب الصلاة والكافر الأصلي لا يطالب بها وهل هو مخاطب بها
تزاد في عقوبته بسببها في الآخرة فيه خلاف سبق في أول كتاب الصلاة والصحيح انه مخاطب
وتجب على المرتد ولا تصح منه ودليل عدم الوجوب في الصبي والمجنون والكافر سبق هناك
ولا تجب على امرأة بالاجماع قال أصحابنا ولا تجب على الخنثى المشكل للشك في الوجوب وممن
صرح به القاضي أبو الفتوح والبغوي وصاحب البيان قال البندنيجي يستحب للعجوز
حضور الجمعة قال ويكره للشابة حضور جميع الصلوات مع الرجال الا العيدين *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا تجب على المسافر للخبر ولأنه مشغول بالسفر وأسبابه فلو أجبنا عليه انقطع عنه ولا تجب
484

على العبد للخبر ولأنه ينقطع عن خدمة مولاه ولا تجب على المريض للخبر ولأنه يشق عليه القصر
وأما الأعمى فإنه إن كان له قائد لزمته وإن لم يكن له قائد لم تلزمه لأنه يخاف الضرر مع عدم القائد
ولا يخاف مع القائد *
(الشرح) في هذه القطعة مسائل (إحداها) لا تجب الجمعة على المسافر هذا مذهبنا لا خلاف
فيه عندنا وحكاه ابن المنذر وغيره عن أكثر العلماء وقال الزهري والنخعي إذا سمع نداء لزمته
قال أصحابنا ويستحب له الجمعة للخروج من الخلاف ولأنها أكمل هذا إذا أمكنه قال أصحابنا
ويستحب أيضا للخنثى والصبي واتفق أصحابنا على سقوط الجمعة عن المسافر ولو كان سفره قصيرا
وقد سبق بيانه في مواضع فان نوى إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج لزمته بلا خلاف
وفى انعقادها به خلاف ذكره المصنف بعد هذا وان نوى إقامة دون أربعة أيام فلا جمعة عليه
هذا كله في غير سفر المعصية أما سفر المعصية فلا تسقط الجمعة بلا خلاف وقد سبق بيانه في صلاة
المسافر وباب مسح الخف وغيرهما (الثانية) لا تجب على العبد ولا المكاتب وسواء المدبر وغيره
هذا مذهبنا وبه قال جمهور العلماء قال ابن المنذر أكثر العلماء على أن العبد والمدبر والمكاتب
لا جمعة عليهم وهو قول عطاء والشعبي والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز ومالك وأهل المدينة
والثوري وأهل الكوفة واحمد واسحق وأبى ثور قال قال بعض العلماء تجب الجمعة على العبد فان
منعه السيد فله التخلف وعن الحسن وقتادة والأوزاعي وجوبها على عبد يؤدى الضريبة وهو الخراج
وقال داود تجب عليه مطلقا وهي رواية عن أحمد دليلنا حديث طارق بن شهاب السابق واما من
بعضه حر وبعضه رقيق فلا جمعة عليه على الصحيح وبه قطع الجمهور وسواء كان بينه وبين سيده
مهيأياة أم لا وفيه وجه مشهور حكاه جماعة من الخراسانيين انه إن كان بينه وبين سيده مهايأة
وصادف يوم الجمعة نويته لزمته وهو ضعيف لان له حكم العبد في معظم الأحكام ولا خلاف انه
485

لا تنعقد به الجمعة قال أصحابنا ويستحب للسيد أن يأذن له فيها وحينئذ يستحب له حضورها
ولا تجب (الثالثة) لا تجب الجمعة على المريض سواء فاتت الجمعة على أهل القرية بتخلفه لنقصان
العدد أم لا لحديث طارق وغيره قال البندنيجي لو تكلف المريض المشقة وحضر كان أفضل قال
أصحابنا المرض المسقط للجمعة هو الذي يلحق صاحبه بقصد الجمعة مشقة ظاهرة غير محتملة قال
المتولي ويلتحق بالمريض في هذا من به اسهال كثير قال فإن كان بحيث يضبط نفسه حرم عليه
حضور الجماعة لأنه لا يؤمن تلويثه المسجد قال امام الحرمين فهذا المرض المسقط للجمعة أخف
من المرض المسقط للقيام في الفريضة وهو معتبر بمشقة الوحل والمطر ونحوهما (الرابعة) الأعمى ان
وجد قائدا متبرعا أو بأجرة المثل وهو واجدها لزمته الجمعة وإلا فلا تجب عليه هكذا أطلقه المصنف
والجمهور وقال القاضي حسين والمتولي تلزمه ان أحسن المشي بالعصا بلا قائد هذا تفصيل مذهبنا
وممن قال بوجوب الجمعة على الأعمى الذي يجد قائدا مالك واحمد وأبو يوسف ومحمد وداود وقال
أبو حنيفة لا تجب *
(فرع) قال أصحابنا تجب الجمعة على الزمن أن وجد مركوبا ملكا أو بإجارة أو إعارة ولم
يشق عليه الركوب وإلا فلا تلزمه قالوا والشيخ الهرم العاجز عن المشي له حكم الزمن *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا تجب على المقيم في موضع لا يسمع النداء من البلد الذي تقام فيها الجمعة أو القرية التي
تقام فيها الجمعة لما روى عبد الله بن عمرو ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " الجمعة على من سمع النداء "
والاعتبار في سماع النداء ان يقف المؤذن في طرف البلد والأصوات هادئة والريح ساكنة وهو مستمع
فإذا سمع لزمه وإن لم يسمع لم يلزمه) *
(الشرح) هذا الحديث رواه أبو داود وغيره قال أبو داود وروى موقوفا على ابن عمرو
والذي رفعه ثقة قال البيهقي وله شاهد فذكر حديثا شاهدا له وراوي الحديث الذي ذكره المصنف
486

عبد الله بن عمرو ابن العاص وإنما نبهت عليه لئلا يصحف بابن عمر بن الخطاب وفى النداء لغتان
كسر النون وضمها والكسر أفصح وأشهر قال الشافعي والأصحاب إذا كان في البلد أربعون فصاعدا
من أهل الكمال وجبت الجمعة على كل فيه وان اتسعت خطة البلد فراسخ وسواء سمع النداء أم لا
وهذا مجمع عليه أما المقيمون في غير قرية ونحوها فان بلغوا أربعين من أهل الكمال لزمتهم الجمعة بلا خلاف
فان فعلوها في قريتهم فقد أحسنوا وان دخلوا البلد وصلوها مع أهله سقط الفرض عنهم قال الشافعي والأصحاب
وكانوا مسيئين بتعطيلهم الجمعة في قريتهم هذا هو المذهب وفيه وجه ضعيف حكاه (1) والرافعي انهم غير
مسيئين لان أبا حنيفة لا يجوز الجمعة في قرية ففيما فعلوه خروج من الخلاف وغلط الأصحاب قائله أما إذا
نقصوا عن أربعين من أهل الكمال فلهم حالان (أحدهما) أن لا يبلغهم النداء من قرية تقام فيها جمعة
فلا جمعة عليهم حتى لو كانت قريتان أو قرى متقاربة يبلغ بعضها النداء من بعضها وكل واحدة ينقص
أهلها عن أربعين لم تصح الجمعة باجتماعهم في بعضها بلا خلاف لأنهم غير متوطنين في محل الجمعة
(الثاني) ان يبلغهم النداء من قرية أو بلدة تقام فيها الجمعة فيلزمهم الجمعة قال الشافعي والأصحاب
المعتبر نداء رجل على الصوت يقف على طرف البلد من الجانب الذي يلي تلك القرية ويؤذن والأصوات
هادئة والرياح ساكنة فإذا سمع صوته من وقف في طرف تلك القرية الذي يلي بلد الجمعة وقد أصغى إليه ولم يكن
في سمعه خلل ولا جاوز سمعه في الجودة عادة الناس وجبت الجمعة على كل من فيها وإلا فلا وفى وجه مشهوران
المعتبران يقف في وسط البلد الذي فيه الجمعة ووجه ثالث المعتبر وقوفه في نفس الموضع الذي يصلي فيه
الجمعة واتفق الأصحاب على ضعف الوجهين قال إمام الحرمين هذا الوجه ساقط لان البلد قد يتسع
خطته بحيث إذا وقف المنادى في وسط لا يسمعه الطرف فكيف يتعدى إلى قرية قال أصحابنا
ولا يعتبر وقوفه على موضع عال كمنارة أو سور ونحوهما هكذا أطلقه الأصحاب وقال القاضي أبو الطيب
قال أصحابنا لا يعتبر ذلك إلا أن يكون البلد كطبرستان فإنها بين غياض وأشجار تمنع الصوت
فيعتبر فيها الارتفاع على شئ يعلو الغياض والأشجار ولو بلغ النداء من وقف في طرف القرية
دون من وقف في وسطها لزم جميع أهل القرية الجمعة صرح به امام الحرمين والمتولي وغيرهما

(1) بياض بالأصل فحرر
487

لان القرية الواحدة لا يختلف حكمها قال الامام وغيره ولو كان فيهم من جاوز العادة في حدة السماع
فلا تعويل على سماعه ولو كانت قرية على قلة جبل فسمع أهلها النداء لعلوها بحيث لو كانت على أرض
مستوية لم يسمعوا أو كانت قرية في واد ونحوه لا يسمع أهلها النداء لانخفاضها ولو كانت على أرض
مستوية لسمعوا فوجهان (أصحهما) وبه قال القاضي أبو الطيب الاعتبار بتقدير الاستواء فلا تجب
الجمعة على العالية وتجب على المنخفضة (والثاني) عكسه اعتبارا بنفس السماع وبه قال الشيخ أبو حامد
والبندنيجي أما إذا سمع أهل القرية الناقصون عن أربعين النداء من بلدين فأيهما حضروه جاز
والأولى حضور أكثرهما جماعة والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن تجب عليه الجمعة إذا كان خارج البلد ونقص عددهم عن أربعين *
قد ذكرنا أن مذهبنا وجوبها على من بلغه نداء البلد دون غيره وبه قال ابن عمرو بن العاص
وسعيد بن المسيب واحمد واسحق قال ابن المنذر وقال ابن عمر بن الخطاب وأنس وأبو هريرة
ومعاوية والحسن ونافع مولي بن عمر وعكرمة وعطاء والحكم والأوزاعي وأبو ثور تجب على من
يمكنه إذا فعلها ان يرجع إلى أهله فيبيت فيهم وقال الزهري تجب على من بينه وبين البلد ستة أميال
وقال مالك والليث ثلاثة أميال وقال محمد بن المنذر وربيعة أربعة أميال وهي رواية عن الزهري
وقال أبو حنيفة وسائر أهل الرأي لا تجب على من هو خارج البلد سواء سمع النداء أم لا وحكي
الشيخ أبو حامد عن عطاء انها تجب على من هو على عشرة أميال * واحتج لأبي حنيفة بحديث
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا جمعة ولا تشريق الا في مصر " واحتج لابن عمر وموافقيه
بحديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الجمعة على من آواه الليل إلى أهله " دليلنا
حديث ابن عمرو بن العاص المذكور في الكتاب (واما حديث) " لا جمعة ولا تشريق الا في مصر "
(فجوابه) من وجهين (أحدهما) انه ضعف جدا (والثاني) لو صح لكان معناه لا تصح الا في مصر واما
حديث أبي هريرة فضعيف جدا وممن ضعفه الترمذي والبيهقي وفى اسناده رجل منكر الحديث
وآخر مجهول قال الترمذي ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ *
* قال المصنف رحمه الله *
488

(ولا تجب على خائف على نفسه أو ماله لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال " من سمع النداء فلم يجبه فلا صلاة له الا من عذر قالوا يا رسول الله وما العذر قال
خوف أو مرض " ولا تجب على من في طريقه إلى المسجد مطر تبتل به ثيابه لأنه يتأذى بالقصد ولا تجب
على من له مريض يخاف ضياعه لان حق المسلم آكد من فرض الجمعة ولا يجب على من له قريب
أو صهر أو ذوود يخاف موته لما روى " انه استصرخ على سعيد بن زيد وابن عمر يسعى إلى الجمعة
فترك الجمعة ومضى إليه " وذلك لما بينهما من القرابة فإنه ابن عمه ولأنه يلحقه بفوات ذلك من الألم أكثر
مما يلحقه من مرض أو اخذ مال) *
(الشرح) حديث ابن عباس صحيح رواه أبو داود وسبق بيانه في باب صلاة الجماعة وحديث
الاستصراخ على سعيد بن زيد رواه البخاري في صحيحه في الباب الثاني في فضل من شهد بدرا وقوله
فإنه ابن عمه يعنى مجازا فإنه سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل وابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب
ابن نفيل وقوله استصرخ هو من الصراخ وهو الصوت يقال صرخ يصرخ - بضم الراء - في المضارع
وقوله ذوود هو - بضم الواو - أي صديق وقوله يخاف ضياعة بفتح الضاد * اما الأحكام فقال أصحابنا
كل عذر سقطت به الجماعة في غير الجمعة سقطت به الجمعة الا الريح في الليل لعدم تصوره وفي
الوجل ثلاثة أوجه عند الخراسانيين (الصحيح) عنهم وبه قطع العراقيون وجماعات من الخراسانيين
انه عذر في الجمعة والجماعة (والثاني) ليس بعذر فيهما (والثالث) هو عذر في الجماعة دون الجمعة حكاه
الرافعي عن حكاية أبى المكارم صاحب العدة قال وبه أفتي أئمة طبرستان وهذا غريب ضعيف وقد ثبت
في الصحيحين عن ابن عباس " أنه قال لمؤذنه في يوم جمعة يوم ردغ أي طين وزلق لا تقل حي على الصلاة
قل الصلاة في الرحال وكأنهم أنكروا ذلك فقال فعل هذا من هو خير منى يعني رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن الجمعة عزيمة وأنى كرهت أن أخرجكم تمشون في الطين والدحض وفى رواية قال ذلك
في يوم مطر وهذه الرواية لا تقدح في الاحتجاج به لأنه ليس فيه أن المطر كان موجودا فلم يعلل سقوط
الجمعة إلا بالطين والله أعلم * فهذا الذي ذكرته من الضابط هو الذي ذكره الأصحاب ويدخل في
هذا الصور التي ذكرها المصنف وغيرها مما سبق بيانه في باب صلاة الجماعة ولو قال المصنف
489

عبارة الأصحاب لكان أحسن وأخصر وأعم: أما التمريض فقال أصحابنا إن كان للمريض متعهد
يقوم بمصالحه وحاجته نظر ان ذا قرابة زوجة أو مملوكا أو صهرا أو صديقا ونحوهم فإن كان مشرفا
على الموت أو غير مشرف لكن يستأنس بهذا الشخص حضره وسقطت عنه الجمعة بلا خلاف
وإن لم يكن مشرفا ولا يستأنس به لم تسقط عنه على المذهب وفيه وجه حكاه الشيخ أبو حامد في تعليقه
عن أبي علي بن أبي هريرة وحكاه أيضا الرافعي انها تسقط لان القلب متعلق به ولا يتقاصر عن عذر
المطر وإن كان أجنبيا ليس له حق بوجه من الأمور السابقة لم تسقط الجمعة عن المتخلف عنده بلا خلاف
هذا كله إذا كان له متعهد فإن لم يكن متعهدا قال امام الحرمين وغيره إن خاف هلاكه إن غاب
عنه فهو عذر يسقط الجمعة سواء كان قريبا أو أجنبيا قالوا لان؟؟؟ المسلم من الهلاك فرض كفاية
وإن كان يلحقه بغيبته ضرر ظاهر لا يبلغ دفعه مبلغ فروض الكفاية ففيه ثلاثة أوجه (أصحها)
انه عذر أيضا (والثاني) لا (والثالث) عذر في القريب ونحوه دون الأجنبي ولو كان له متعهد لا يتفرغ
لخدمته لاشتغاله بشراء الأدوية ونحوه فهو كمن لا متعهد له لفوات مقصود المتعهد *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
(ومن لا جمعة عليه لا تجب عليه وان حضر الجامع الا المريض ومن في طريقه مطر لأنه إنما لم تجب
عليهما للمشقة وقد زالت بالحضور) *
(الشرح) هذا الذي قاله المصنف ناقص يرد عليه الأعمى الذي لا يجد قائدا وغيره ممن
سنذكره إن شاء الله تعالى: قال أصحابنا إذا حضر النساء والصبيان والعبيد والمسافرون الجامع
فلهم الانصراف ويصلون الظهر وخرج ابن القاص وجها في العبد انه إذا حضر لزمته الجمعة قال
امام الحرمين هذا الوجه غلط باتفاق الأصحاب وأما الأعمى الذي لا يجد قائدا فإذا حضر لزمته
ولا خلاف لزوال المشقة وأما المريض فأطلق المصنف والأكثرون انه لا يجوز له الانصراف بل إذا
حضر لزمته الجمعة وإن كان بعد دخول الوقت وقبل إقامة الصلاة ونيتها فإن لم تلحقه
زيادة مشقة بانتظارها لزمته وإن لحقته لم تلزمه بل له الانصراف وهذا التفصيل حسن
490

واستحسنه الرافعي فقال لا يبعد حمل كلام الأصحاب عليه قال وألحقوا بالمرض الاعذار الملحقة
به وقالوا إذا حضروا لزمتهم الجمعة قال ولا يبعد أن يكونوا على التفصيل أيضا إن لم يزد ضرر المعذور
بالصبر إلى فراغ الجمعة لزمته وان زاد فله الانصراف ويصلي الظهر في منزله هذا كله إذا لم يشرعوا
في صلاة الجمعة فان أحرم بها الذين لا تلزمهم ثم أرادوا قطعها قال في البيان لا يجوز ذلك للمريض
والمسافر وفى جوازه للعبد والمرأة وجهان حكاهما الصيمري ولم يصحح أحدهما والصحيح انه يحرم
عليهما قطعها لأنها انعقدت عن فرضهما فتعين اتمامها وقد سبق في باب التيمم ومواقيت الصلاة وغيرهما
إن من دخل في الفريضة في أول وقتها حرم عليه قطعها نص عليه الشافعي في الأم واتفق عليه الأصحاب الا
احتمالا لإمام الحرمين * قال المصنف رحمه الله تعالى *
(وان اتفق يوم عيد ويوم جمعة فحضر أهل السواد فصلوا العيد جاز ان ينصرفوا ويتركوا
الجمعة لما روى عن عثمان رضي الله عنه أنه قال في خطبته " أيها الناس قد اجتمع عيدان في يومكم فمن أراد
من أهل العالية ان يصلي معنا الجمعة فليصل ومن أراد أن ينصرف فلينصرف " ولم ينكر عليه أحد
ولأنهم إذا قعدوا في البلد لم يتهيؤا بالعيد فان خرجوا ثم رجعوا للجمعة كان عليهم في ذلك مشقة
والجمعة تسقط بالمشقة ومن أصحابنا من قال تجب عليهم الجمعة لان من لزمته الجمعة في غير يوم العيد
وجبت عليه في يوم العيد كأهل البلد والمنصوص في الأم هو الأول) *
(الشرح) هذا الأثر عن عثمان رضي الله عنه رواه البخاري في صحيحه والعالية بالعين المهملة هي
قرية بالمدينة من جهة الشرق وأهل السواد هم أهل القرى والمراد هنا أهل القرى الذين يبلغهم النداء
ويلزمهم حضور الجمعة في البلد في غير العيد وينكر على المصنف قوله روى عن عثمان بصيغة التمريض
مع أنه حديث صحيح وقد سبق التنبيه على نظائره وقوله يتهيأ مهموز * اما الأحكام فقال الشافعي
والأصحاب إذا اتفق يوم جمعة يوم عيد وحضر أهل القرى الذين تلزمهم الجمعة لبلوغ نداء البلد
فصلوا العيد لم تسقط الجمعة بلا خلاف عن أهل البلد وفي أهل القرى وجهان الصحيح المنصوص للشافعي
في الأم والقديم انها تسقط (والثاني) لا تسقط ودليلها في الكتاب وأجاب هذا الثاني عن قول عثمان
ونص الشافعي فحملهما على من لا يبلغه النداء (فان قيل) هذا التأويل باطل لان من لا يبلغه النداء لا جمعة
491

عليه في غير يوم العيد ففيه أولي فلا فائدة في هذا القول له (فالجواب) ان هؤلاء إذا حضروا البلد يوم
الجمعة غير يوم العيد يكره لهم الخروج قبل أن يصلوا الجمعة صرح بهذا كله المحاملي والشيخ أبو حامد
في التجريد وغيرهما من الأصحاب قالوا فإذا كان يوم عيد زالت تلك الكراهة فبين عثمان والشافعي
زوالها والمذهب ما سبق وهو سقوطها عن أهل القرى الذين يبلغهم النداء *
(فرع) في مذاهب العلماء في ذلك * قد ذكرنا أن مذهبنا وجوب الجمعة على أهل البلد وسقوطها عن
عن أهل القرى وبه قال عثمان ابن عفان وعمر بن عبد العزيز وجمهور العلماء وقال عطاء بن أبي رباح إذا
صلوا العيد لم تجب بعده في هذا اليوم صلاة الجمعة ولا الظهر ولا غيرهما الا العصر لا على أهل
القرى ولا أهل البلد قال ابن المنذر وروينا نحوه عن علي بن أبي طالب وابن الزبير رضي الله
عنهم * وقال أحمد تسقط الجمعة عن أهل القرى وأهل البلد ولكن يجب الظهر * وقال أبو حنيفة لا تسقط
الجمعة عن أهل البلد ولا أهل القرى * واحتج الذين أسقطوا الجمعة عن الجميع بحديث زيد بن أرقم
وقال " شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا فصلي العيد ثم رخص في الجمعة وقال من شاء ان
يصلى فليصل " رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة باسناد جيد ولم يضعفه أبو داود وعن أبي هريرة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء اخر امر الجمعة
وانا مجتمعون " رواه أبو داود وابن ماجة باسناد ضعيف واحتج لأبي حنيفة بأن الأصل الوجوب
واحتج عطاء بما رواه هو قال " اجتمع يوم جمعة ويوم عيد على عهد ابن الزبير فقال عيدان اجتمعا
فجمعهما جميعا فصلاهما ركعتين بكره لم يزد عليهما حتى صلي العصر " رواه أبو داود باسناد صحيح
على شرط مسلم وعن عطاء قال صلي " ابن الزبير في يوم عيد يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة
فلم يخرج الينا فصلينا وحدانا وكان ابن عباس بالطائف فلما قدم ذكرنا ذلك له فقال أصحاب
السنة " رواه أبو داود باسناد حسن أو صحيح على شرط مسلم * واحتج أصحابنا بحديث عثمان وتأولوا
الباقي على أهل القرى لكن قول ابن عباس من السنة مرفوع وتأويله أضعف *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
(ومن لا جمعة عليه مخير بين الظهر والجمعة فان صلى الجمعة أجزأه عن الظهر لان الجمعة إنما
سقطت عنه لعذر فإذا حمل على نفسه وفعل أجزأه كالمريض إذا حمل على نفسه فصلى من قيام وان
أراد أن يصلي الظهر جاز لأنه فرضه غير أن المستحب أن لا يصلي حتى يعلم أن الجمعة قد فاتت لأنه
492

ربما زال العذر فيصلي الجمعة فان صلى في أول الوقت ثم زال عذره والوقت باق لم تجب عليه الجمعة
وقال ابن الحداد إذا صلي الصبي الظهر ثم بلغ والوقت باق لزمه الجمعة وان صلى غيره من المعذورين
لم تلزمه الجمعة لان ما صلي الصبي ليس بفرض وما صلي غيره فرض والمذهب الأول لان الشافعي
نص على أن الصبي إذا صلى في غير يوم الجمعة الظهر ثم بلغ والوقت باق لم تجب عليه إعادة الظهر
فكذلك الجمعة فان صلي المعذور الظهر ثم صلى الجمعة سقط الفرض بالظهر وكانت الجمعة نافلة وحكى
أبو إسحاق المروزي أنه قال في القديم يحتسب الله له بأيهما شاء والصحيح هو الأول وان أخر
المعذور الصلاة حتى فاتت الجمعة صلي الظهر في الجماعة قال الشافعي وأحب إخفاء الجماعة لئلا
يتهموا في الدين قال أصحابنا إن كان عذرهم ظاهرا لم يكره إظهار الجماعة لأنهم لا يتهمون مع
ظهور العذر) *
(الشرح) قال أصحابنا المعذور في ترك الجمعة ضربان (أحدهما) من يتوقع زوال عذره ووجوب
الجمعة عليه كالعبد والمريض والمسافر ونحوهم فلهم أن يصلوا الظهر قبل الجمعة لكن الأفضل
تأخيرها إلى اليأس من الجمعة لاحتمال تمكنه منها ويحصل اليأس برفع الامام رأسه من ركوع
الثانية هذا هو الصحيح المشهور وحكى امام الحرمين وغيره وجها انه يراعي تصور الادراك في حق كل
واحد فإذا كان منزله بعيدا فانتهى الوقت الذي بحيث لو ذهب لم يدرك الجمعة حصل الفوات في حقه
(الضرب الثاني) من لا يرجو زوال عذره كالمرأة والزمن ففيه وجهان (أصحهما) وبه قطع الماوردي
والدارمي والخراسانيون وهو ظاهر تعليل المصنف انه يستحب لهم تعجيل الظهر في أول الوقت
محافظة على فضيلة أول الوقت (والثاني) يستحب تأخيرها حتى تفوت الجمعة كالضرب الأول لأنهم
قد ينشطون للجمعة ولان الجمعة صلاة الكاملين فاستحب كونها المتقدمة ولو قيل بالتفصيل
لكان حسنا وهو انه إن كان هذا الشخص جازما بأنه لا يحضر الجمعة وان تمكن استحب تقديم
الظهر وان لو تمكن أو نشط حضرها استحب التأخير والله أعلم * قال الشافعي والأصحاب ويستحب
493

للمعذورين الجماعة في ظهرهم وحكي (1) والرافعي انه لا يستحب لهم الجماعة لان
الجماعة المشروعة هذا الوقت الجمعة وبهذا قال الحسن بن صالح وأبو حنيفة والثوري والمذهب الأول
كما لو كانوا في غير البلد فان الجماعة تستحب في ظهرهم بالاجماع فعلى هذا قال الشافعي استحب لهم
إخفاء الجماعة لئلا يتهموا في الدين وينسبون إلى ترك الجماعة تهاونا قال جمهور الأصحاب هذا
إذا كان عذرهم خفيا فإن كان ظاهرا لم يستحب الاخفاء لأنهم لا يتهمون حينئذ ومنهم من قال يستحب
الاخفاء مطلقا عملا بظاهر نصه لأنه قد لا يفطن للعذر الظاهر وقد يتهم صاحبه مع العلم بعذره
494

لاقتصاره على الظهر مع أنه مندوب إلى الجمعة وممن حكى هذا الوجه الرافعي وإذا كان العذر خفيا
فعبارة الشافعي أحب اخفاء الجماعة كما حكاه المصنف وكذا اقتصر عليها كثيرون وقال المتولي
يكره اخفاء الجماعة وفى كلام المصنف إشارة إليه بقوله إن كان عذرهم ظاهرا لم يكره إظهار الجماعة
قال أصحابنا وإذا صلي المعذور الظهر ثم زال عذره وتمكن من الجمعة أجزأته ظهره
ولا تلزمه الجمعة بالاتفاق الا الصبي على قول ابن الحداد وهو ضعيف باتفاق الأصحاب
كما ضعفه المصنف ولا الخنثى المشكل إذا زال اشكاله فيلزمه بلا خلاف لأنا تبينا أنها كانت واجبة عليه
وهو الآن متمكن وهذا يرد على المصنف ويجاب عنه بأنه أراد صحاب الاعذار الذين ذكرهم هو
ولم يذكر الخنثى أما إذا زال العذر في أثناء الظهر ففيه طريقان قال القفال وامام الحرمين هو كرؤية الماء
في أثناء صلاة المسافر بالتيمم وهذا يقتضى خلافا في بطلان ظهره كالخلاف هناك ويقتضي خلافا
في استحباب قطعها والاكتفاء فيها وذكر الشيخ أبو محمد في بطلان هذه الظهر وجهين والمذهب أنها
لا تبطل لاتصالها بالمقصود وقياسا على المكفر بالصوم إذا وجد الرقبة في أثنائه أو وجد المتمتع
الهدى في أثناء الصوم أو تمكن من تزويج أمة من نكاح حرة ونظائره وهذا الخلاف تفريع على
إبطال ظهر غير المعذور إذا قدمها على الجمعة أما إذا لم تبطل تلك فهذه أولى قال أصحابنا ويستحب
للمعذور حضور الجمعة وإن صلي الظهر لأنها أكمل فلو صلي الظهر ثم صلى الجمعة فقولان حكاهما
المصنف والأصحاب (الصحيح) المشهور الجديد أن فرضه الظهر وتقع الجمعة نافلة له كما تقع للصبي نافلة
(والثاني) وهو القديم يحتسب الله تعالى بأيتهما شاء وتظهر فائدة الخلاف في أنه يجمع بينهما بتيمم
واحد أم لا وقد سبق نحوه في باب التيمم ودليل هذه المسائل تفهم مما ذكره المصنف مع
ما أشرت إليه *
(فرع) ذكرنا أن المعذورين كالعبد والمرأة والمسافر وغيرهم فرضهم الظهر فان صلوها صحت وإن
تركوا الظهر وصلوا الجمعة أجزأتهم بالاجماع نقل الاجماع فيه ابن المنذر وإمام الحرمين وغيرهما (فان
495

قيل) إذا كان فرضهم الظهر أربعا فكيف سقط الفرض عنهم بركعتي الجمعة (فجوابه) أن الجمعة وإن كانت
ركعتين فهي أكمل من الظهر بلا شك ولهذا وجبت على أهل الكمال وإنما سقطت عن المعذور
تخفيفا فإذا تكلفها فقد أحسن فأجزأه كما ذكره المصنف في المريض إذا تكلف القيام والمتوضئ إذا ترك
مسح الخف فغسل رجليه وشبهه وهذا كله بعد ثبوت الاجماع *
(فرع) إذا أرادت المرأة حضور الجمعة فهو كحضورها لسائر الصلوات وقد ذكره المصنف
في أول باب صلاة الجماعة وشرحناه هناك وحاصله أنها إن كانت شابة أو عجوزا تشتهي كره حضورها
وإلا فلا وهكذا صرح به هنا المتولي وغيره *
* قال المصنف رحمه الله *
(وأما من تجب عليه الجمعة ولا يجوز أن يصلي الظهر قبل فوات الجمعة فإنه مخاطب بالسعي إلى
الجمعة فان صلي الظهر قبل صلاة الامام ففيه قولان قال في القديم يجزئه لان الفرض هو الظهر لأنه
لو كان الفرض الجمعة لوجب قضاؤها كسائر الصلوات وقال في الجديد لا تجزئه ويلزمه إعادتها وهو
الصحيح لان الفرض هو الجمعة ولو كان الفرض الظهر والجمعة بدل عنه لما أثم بترك الجمعة إلى الظهر
كما لا يأثم بترك الصوم إلى العتق في الكفارة وقال أبو إسحاق ان اتفق أهل بلد على فعل الظهر
أثموا بترك الجمعة إلا أنه يجزيهم لان كل واحد منهم لا تنعقد به الجمعة والصحيح أنه لا يجزئهم
لأنهم صلوا الظهر وفرض الجمعة متوجه عليهم) *
(الشرح) قال أصحابنا من لزمته الجمعة لا يجوز ان يصلى الظهر قبل فوات الجمعة
بلا خلاف لأنه مخاطب بالجمعة فان صلي الظهر قبل فوات الجمعة فقولان مشهوران
(الجديد) بطلانها (والقديم) صحتها وذكر المصنف دليلهما واتفق الأصحاب على أن الصحيح
بطلانها قال الأصحاب هما مبنيان على أن الفرض الأصلي يوم الجمعة ماذا فالجديد يقول الجمعة والقديم
الظهر والجمعة بدل وهذا باطل إذ لو كانت بدلا لجاز الاعراض عنها والاقتصار على الأصل واتفقوا
انه لا يجوز ترك الجمعة وإنما القولان في أنه إذا عصى بفعل الظهر هل يحكم بصحتها قال أبو إسحاق
المروزي القولان فيما إذا ترك آحاد أهل البلد الجمعة وصلوا الظهر أما إذا تركها جميع أهل البلد
وصلوا الظهر فيأثمون ويصح ظهرهم على القولين وقال جمهور الأصحاب لا فرق بين ترك الجميع والآحاد
ففي الجديد لا يصح ظهرهم في الحالين لأنهم صلوها وفرض الجمعة متوجه عليهم وهذا هو الصحيح
496

عند جميع المصنفين كما صححه المصنف (فان قلنا) بالجديد في أصل المسألة ففرض الجمعة باق ويجب
عليه حضورها فان حضرها وصلاها فذاك وان فاتته لزمه قضاء الظهر وهل تكون صلاته الأولى
باطلة أم يتبين وقوعها نقلا فيه القولان السابقان في نظائرها كمن صلى الظهر قبل الزوال فقد سبقت
جملة من نظائرها في أول باب صفة الصلاة (وان قلنا) بالقديم فهل يسقط عنه الخطاب بالجمعة فيه
طريقان (أحدهما) وبه قطع إمام الحرمين والغزالي فيه قولان (والثاني) وهو الصحيح وبه قطع
الأكثرون لا يسقط بل يبقى الخطاب بوجوب الجمعة ما دامت ممكنة وإنما معنى صحة الظهر الاعتداد
بها حتى لو فاتت الجمعة أجزأته الظهر وسواء قلنا يسقط أم لا فإذا صلي الجمعة ففي الفرض منهما
طريقان (أحدهما) الفرض أحدهما مبهمة ويحتسب الله تعالى بما شاء (وأصحهما) وأشهرهما فيه أربعة أقوال (أصحها) الفرض الظهر (والثاني) الجمعة (والثالث) كلاهما وهو قوى (والرابع) إحداهما مبهمة
هذا كله إذا صلي الظهر قبل رفع الامام رأسه من ركوع الثانية فلو صلاها بعد رفع رأسه من ركوع
الثانية وقبل سلامه فطريقان حكاهما صاحبا الشامل والمستظهري (أحدهما) صحتها قطعا لان الجمعة
فاتت (وأصحهما) طرد القولين الجديد والقديم قالا وهو ظاهر نص الشافعي لأنها لا يتحقق فواتها
الا بسلام الامام لاحتمال عارض بعدها فيجب استئنافها ولو اتفق أهل البلد على ترك الجمعة وصلوا
الظهر فالفوات في حقهم إنما يتحقق بخروج الوقت أو ضيقه بحيث لا يسع ركعتين والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في من لزمته الجمعة فصلي الظهر قبل فواتها * ذكرنا أن الصحيح
عندنا أنه لا تصح صلاته وبه قال الثوري ومالك وزفر واحمد واسحق وداود: وقال أبو حنيفة وصاحباه
وأبو ثور يجزئه الظهر لكن قال أبو حنيفة تبطل الظهر بالسعي إلى الجمعة وقال صاحباه لا تبطل إلا
بالاحرام بالجمعة وقال على أنه يلزمه السعي إلى الجمعة ما لم تفت *
* قال المصنف رحمه الله *
(ومن لزمه الجمعة وهو يريد السفر فإن كان يخاف فوت السفر جاز له ترك الجمعة لأنه ينقطع
497

عن الصحبة فيتضرر وأن لم يخف الفوت لم يجز أن يسافر بعد الزوال لان الفرض قد توجه عليه فلا يجوز
تفويته بالسفر وهل يجوز قبل الزوال فيه قولان (أحدهما) يجوز لأنه لم تجب فلا يحرم التفويت كبيع
المال قبل الحول (والثاني) لا يجوز وهو الأصح لأنه وقت لوجوب التسبب بدليل أن من كان داره
على بعد لزمه القصد قبل الزوال ووجوب التسبب كوجوب الفعل فإذا لم يجز السفر بعد وجوب الفعل
لم يجز بعد وجوب التسبب) *
498

(الشرح) قال أصحابنا الاعذار المبيحة لترك الجمعة يبيح تركها سواء كانت قبل زوال
الشمس أو حدثت بعده الا السفر ففيه صور (إحداها) إذا سافر قبل الفجر جاز بلا خلاف بكل حال
(الثانية) أن يسافر بعد الزوال فإن كان يصلى الجمعة في طريقه بأن يكون في طريقه موضع يصلي فيه
الجمعة ويعلم أنه يدركها فيه جاز له السفر وعليه ان يصليها فيه وهذا لا خلاف فيه وقد أهمله المصنف
مع أنه ذكره في التنبيه وذكره الأصحاب وإن لم يكن في طريقه موضع يصلي فيه الجمعة فإن كان عليه
ضرر في تأخير السفر بأن تكون الرفقة الذين يجوز لهم السفر خارجين في الحال ويتضرر بالتخلف
عنهم جاز السفر لما ذكره المصنف هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور ونقل الرافعي أن الشيخ
أبا حاتم القزويني حكى فيه وجهين والصواب الجزم بالجواز (الثالثة) ان يسافر بين الزوال وطلوع الفجر
فحيث جوزناه بعد الزوال فهنا أولى والا فقولان مشهوران ذكر المصنف دليلهما (أصحهما) عند
المصنف والأصحاب لا يجوز وهو نصه في أكثر كتبه الجديدة (والثاني) يجوز نص عليه في القديم وحرمله
واختلفوا في محلهما واتفقوا على جريانها في السفر المباح الذي طرفاه كالتجارة فاما الطاعة واجبة
كانت أم مستحبة فقطع العراقيون بجريان القولين في سفرها وقطع القاضي حسين والبغوي وغيرهما
من الخراسانيين بجوازه وخصوا القولين بالمباح وقال المتولي في الطاعة طريقان (المذهب) الجواز (والثاني)
قولان وحيث حرمنا السفر فسافر لا يجوز له الترخص ما لم تفت الجمعة ثم حيث بلغ وقت فواتها
يكون ابتداء سفره ذكره القاضي حسين والبغوي *
(فرع) في مذاهب العلماء في السفر يوم الجمعة وليلتها * اما ليلتها قبل طلوع الفجر فيجوز عندنا
وعند العلماء كافة الا ما حكاه العبدري عن إبراهيم النخعي أنه قال لا يسافر بعد دخول العشاء من
يوم الخميس حتى يصلي الجمعة وهذا مذهب باطل لا أصل له واما السفر يوم الجمعة بعد الزوال إذا
لم يخف فوت الرفقة ولم يصل الجمعة في طريقه فلا يجوز عندنا وبه قال مالك واحمد وداود وحكاه
ابن المنذر عن ابن عمرو وعائشة وابن المسيب ومجاهد وقال أبو حنيفة يجوز واما السفر بين الفجر والزوال
فقد ذكرنا أن الأصح عندنا تحريمه وبه قال ابن عمر وعائشة والنخعي وجوزه عمر بن الخطاب
والزبير بن العوام وأبو عبيدة والحسن وابن سيرين ومالك وابن المنذر * واحتج لهم بحديث ابن
499

رواحة رضي الله عنه وهو حديث ضعيف جدا وليس في المسألة حديث صحيح *
* قال المصنف رحمه الله *
(واما البيع فإن كان قبل الزوال لم يكره وإن كان بعده وقبل ظهور الإمام كره فان ظهر
الامام واذن المؤذن حرم لقوله تعالى (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله
وذروا البيع) فان تبايع رجلان أحدهما من أهل فرض الجمعة والآخر ليس من أهل فرضها اثما
جميعا لان أحدهما توجه عليه الفرض فاشتغل عنه والآخر شغله عنه ولا يبطل البيع لان النهي لا يختص
بالعقد فلم يمنع صحته كالصلاة في ارض مغصوبة) *
(الشرح) فيه مسائل (إحداها) قال الشافعي في الأم والأصحاب إذا تبايع رجلان ليسا من
أهل فرض الجمعة لم يحرم بحال ولم يكره (الثانية) إذا تبايع رجلان من أهل فرضها أو أحدهما من
أهل فرضها فإن كان قبل الزوال لم يكره وإن كان بعده وقبل ظهور الإمام أو قبل جلوسه على المنبر
وقبل شروع المؤذن في الأذان بين يدي الخطيب كره كراهة تنزيه وإن كان بعد جلوسه على
المنبر وشروع المؤذن في الأذان حرم البيع على المتابعين جميعا سواء كان من أهل الفرض أو أحدهما
ولا يبطل البيع ودليل الجميع في الكتاب وقال البندنيجي وصاحب العدة إذا كان أحدهما من أهل
الفرض دون الآخر حرم على صاحب الفرض وكره للآخر ولا يحرم وهذا شاذ باطل والصواب
الجزم بالتحريم عليهما نص عليه الشافعي في الأم واتفق الأصحاب عليه ودليله في الكتاب قال
أصحابنا ويحصل التحريم بمجرد شروع المؤذن في الأذان لظاهر الآية الكريمة فان أذن قبل
جلوسه على المنبر كره البيع ولم يحرم نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب ونقله ابن الصباغ
عن النص وصرح به أيضا المتولي وآخرون وحيث حرمنا البيع فهو في حق من جلس له في غير
المسجد أما إذا سمع النداء فقام في الحال قاصدا الجمعة فتبايع في طريقه وهو يمشي ولم يقف أو قعد
في الجامع فباع فلا يحرم لكنه يكره صرح به المتولي وغيره وهو ظاهر لان المقصود أن لا يتأخر
عن السعي إلى الجمعة (الثالثة) حيث حرمنا البيع حرمت عليه العقود والصنائع وكل ما فيه تشاغل
عن السعي إلى الجمعة وهذا متفق عليه وممن صرح به الشيخ في تهذيبه ولا يزال التحريم حتى
يفرغوا من الجمعة
500

(فرع) في مذاهب العلماء إذا تبايعا بيعا محرما بعد النداء * مذهبنا صحته وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه وقال احمد وداود في رواية عنه لا يصح *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا تصح الجمعة إلا في أبنية يستوطنها من تنعقد بهم الجمعة من بلد أو قرية لأنه لم تقم الجمعة
في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في أيام الخلفاء الا في بلد أو قرية ولم ينقل أنها أقيمت في بدو
فان خرج أهل البلد إلى خارج البلد فصلوا الجمعة لم يجز لأنه ليس بوطن فلم تصح فيه الجمعة
كالبدو وإن انهدم البلد فأقام أهله على عمارته فحضرت الجمعة لزمهم إقامتها لأنهم في
موضع الاستيطان) *
(الشرح) قال أصحابنا يشترط لصحة الجمعة أن تقام في أبينة مجتمعة يستوطنها شتاءا وصيفا
من تنعقد بهم الجمعة قال الشافعي والأصحاب سواء كان البناء من أحجار أو أخشاب أو طين أو قصب أو سعف
أو غيرها وسواء فيه البلاد الكبار ذوات الأسواق والقرى الصغار والاسراب المتخذة وطنا فإن كانت
الأبنية متفرقة لم تصح الجمعة فيها بلا خلاف لأنها لا تعد قرية ويرجع في الاجتماع والتفرق إلى
العرف وقد أهمل المصنف اشتراط كونها مجتمعة مع أنه ذكره في التنبيه واتفقوا عليه وأما أهل
الخيام فإن كانوا ينتقلون من موضعهم شتاء أو صيفا لم تصح الجمعة فيها بلا خلاف وإن كانوا دائمين
فيها شتاء وصيفا وهي مجتمعة بعضها إلى بعض فقولان حكاهما القاضي أبو الطيب في تعليقه وابن
الصباغ والمتولي وصاحب العدة والشاشي وآخرون (أصحهما) باتفاق الأصحاب لا تجب عليهم الجمعة
ولا تصح منهم وبه قطع الأكثرون وبه قال مالك وأبو حنيفة (والثاني) تجب عليهم وتصح منهم نص
عليه في البويطي والله أعلم * قال أصحابنا ولا يشترط إقامتها في مسجد ولكن تجوز في ساحة
مكشوفة بشرط أن تكون داخلة في القرية أو البلدة معدودة من خطتها فلو صلوها خارج البلد لم
تصح بلا خلاف سواء كان بقرب البلدة أو بعيدا منه وسواء صلوها في كن أم ساحة ودليله
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلوا كما رأيتموني أصلي " ولم يصل هكذا ولو انهدمت أبنية
القرية أو البلدة فأقام أهلها على عمارتها لزمتهم الجمعة فيها سواء كانوا في سقائف ومظال أم لا لأنه
501

محل الاستيطان نص عليه الشافعي والأصحاب واتفق عليه الأصحاب قال القاضي أبو الطيب
ولا يتصور انعقاد الجمعة عند الشافعي في غير بناء إلا في هذه المسألة *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا تصح الجمعة الا بأربعين نفسا لما روى جابر رضي الله عنه قال " مضت السنة أن في كل ثلاثة
اماما وفى كل أربعين فما فوق ذلك جمعة وأضحى وفطرا " ومن شرط العدد أن يكونوا رجالا أحرارا
مقيمين في الموضع فاما النساء والعبيد والمسافرون فلا تنعقد بهم الجمعة لأنه لا تجب عليهم الجمعة
فلا تنعقد بهم كالصبيان وهل تنعقد بمقيمين غير مستوطنين فيه وجهان قال أبو علي بن أبي هريرة تنعقد
بهم لأنه تلزمهم الجمعة فانعقدت بهم كالمستوطنين وقال أبو إسحاق لا تنعقد لان النبي صلى الله عليه
وسلم " خرج إلى عرفات ومعه أهل مكة وهم في ذلك الموضع مقيمون غير مستوطنين " فلو انعقدت
بهم الجمعة لاقامها) *
(الشرح) حديث جابر ضعيف رواه البيهقي وغيره باسناد ضعيف وضعفوه قال البيهقي هو
حديث لا يحتج بمثله وقول المصنف أن يكونوا رجالا يعنى بالغين عقلاء واحتجاجه بان النبي
صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة بعرفات لا يصح لأنها ليست محل استيطان بل هو فضاء لا ينافيه
ولان الحاضرين هناك كلهم ليسوا مقيمون هناك والجمعة تسقط بالسفر القصير بالاتفاق وإنما
التعليل الصحيح انه ليس مستوطنا والاستيطان شرط هكذا نقل القاضي أبو الطيب أن أبا إسحاق صاحب
هذا الوجه علله بهذا * اما حكم الفصل فلا تصح الجمعة إلا بأربعين رجلا بالغين عقلاء أحرارا مستوطنين
للقرية أو البلدة التي يصلي فيها الجمعة لا يظعنون عنها شتاء ولا صيفا الا سفر حاجة فان انتقلوا عنه شتاء
وسكنوه صيفا أو عكسه فليسوا مستوطنين ولا تنعقد بهم بالاتفاق وهذا الذي ذكرناه من اشتراط
أربعين هو المعروف من مذهب الشافعي والمنصوص في كتبه وقطع به جمهور الأصحاب ومعناه أربعون
بالامام فيكونون تسعة وثلاثين اماما ونقل ابن القاص في التلخيص قولا للشافعي قديما انها تنعقد بثلاثة
امام ومأمومين هكذا حكاه عن الأصحاب والذي هو موجود في التلخيص ثلاثة مع الامام ثم إن هذا القول
502

الذي حكاه غريب أنكره جمهور الأصحاب وغلطوه فيه قال القفال في شرحه التلخيص هذا القول غلط لم يذكره
الشافعي قط ولا أعرفه وإنما هو مذهب أبي حنيفة وقال الشيخ أبو علي السنجي في شرح التلخيص أنكر
عامة أصحابنا هذا القول وقالوا لا يعرف هذا للشافعي قال ومنهم من سلم نقله وحكى أصحابنا
الخراسانيون وجها ضعيفا انه يشترط أن يكون الامام زائدا على الأربعين حكاه جماعة من العراقيين
أيضا منهم صاحب الحاوي والدارمي والشاشي قال صاحب الحاوي هو قول أبى علي بن أبي هريرة
حكاه الروياني قولا قديما وأما قول المصنف هل تنعقد بمقيمين غير مستوطنين فيه وجهان
مشهوران (أصحهما) لا تنعقد اتفقوا على تصحيحه ممن صححه المحاملي وامام الحرمين والبغوي
والمتولي وآخرون وسيأتي إن شاء الله تعالى في الفرع الآتي بيان محل الوجهين *
(فرع) قال أصحابنا الناس في الجمعة ستة أقسام (أحدهما) من تلزمه وتنعقد به وهو الذكر الحر
البالغ العاقل المستوطن الذي لا عذر له (الثاني) من تنعقد به ولا تلزمه وهو المريض والممرض ومن
في طريقه مطر ونحوهم من المعذورين ولنا قول شاذ ضعيف جدا انها لا تنعقد بالمريض حكاه
الرافعي (الثالث) من لا تلزمه ولا تنعقد به ولا تصح منه وهو المجنون والمغمى عليه وكذا المميز والعبد
والمسافر والمرأة والخنثى (الخامس) من تلزمه ولا تصح منه وهو المرتد (السادس) من تلزمه وتصح
منه وفى انعقادها به خلاف وهو المقيم غير المستوطن ففيه الوجهان المذكوران في الكتاب (أصحهما)
لا تنعقد به ثم أطلق جماعة الوجهين في كل مقيم لا يترخص وصرح جماعة بأن الوجهين جاريان
في المسافر الذي نوى إقامة أربعة أيام وهو ظاهر كلام المصنف وغيره قال الرافعي هما جاريان
فيمن نوى إقامة يخرج بها عن كونه مسافرا قصيرة كانت أو طويلة وشذ البغوي فقال الوجهان فيمن
طال مقامه وفى عزمه الرجوع إلى وطنه كالمتفقه والتاجر قال فان نوى إقامة أربعة أيام يعني ونحوها
من الإقامة القليلة لم تنعقد به وجها واحدا والمشهور طرد الخلاف في الجميع واما أهل الخيام والقرى
الذين يبلغهم نداء البلد وينقصون عن أربعين فقطع البغوي بأنها لا تنعقد بهم لأنهم ليسوا مقيمين
في بلد الجمعة بخلاف المقيم بنية الرجوع إلى وطنه وطرد المتولي فيهم الوجهين والأول أظهر *
(فرع) في مذاهب العلماء في العدد الذي يشترط لانعقاد الجمعة * قد ذكرنا أن مذهبنا اشتراط
أربعين وبه قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة واحمد واسحق وهو رواية عن عمر بن عبد العزيز
503

وعنه رواية باشتراط خمسين وقال ربيعة تنعقد باثني عشر وقال أبو حنيفة والثوري والليث ومحمد
تنعقد بأربعة أحدهم الامام وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وأبى ثور واختاره وحكى غيره عن
الأوزاعي وأبى يوسف انعقادها بثلاثة أحدهم الامام وقال الحسن بن صالح وداود تنعقد باثنين
أحدهما الامام وهو معني ما حكاه ابن المنذر عن مكحول وقال مالك لا يشترط عدد معين بل
يشترط جماعة تسكن بهم قرية ويقع بينهم البيع والشراء ولا يحصل بثلاثة وأربعة ونحوهم وحكي
الدارمي عن الفاساني انها تنعقد بواحد منفرد والفاساني لا يعتد به في الاجماع وقد نقلوا الاجماع
انه لا بد من عدد واختلفوا في قدره كما ذكرنا واحتج لربيعة بحديث جابر ان النبي صلى الله عليه
وسلم " كان بخطب قائما يوم الجمعة فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا
عشر رجلا " واحتج للباقين بحديث عن أم عبد الله الدوسيه قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
الجمعة واجبة على كل قرية وإن لم يكن فيها الا أربعة " رواه الدارقطني وضعف طرقه كلها وبأنهم
جماعة فأشبه الأربعين * واحتج لمن شرط خمسين بحديث أبي أمامة ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال " في الخمسين جمعة وليس فيما دون ذلك " رواه الدارقطني باسناد فيه ضعيفان * واحتج أصحابنا بحديث جابر المذكور في الكتاب ولكنه ضعيف كما سبق وبأحاديث بمعناه لكنها ضعيفة
وأقرب ما يحتج به ما احتج به البيهقي والأصحاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه
قال " أول من جمع بنا في المدينة سعد بن زرارة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة في نقيع الخضمات
قلت كم كنتم قال أربعون رجلا " حديث حسن رواه أبو داود والبيهقي وغيرهما بأسانيد صحيحة
قال البيهقي وغيره وهو صحيح والنقيع هنا بالنون ذكره الخطابي والحازمي وغيرهما والخضمات
- بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين - قال الشيخ أبو حامد في تعليقه قال أحمد بن حنبل نقيع الخضمات
قرية لبنى بياضة بقرب المدينة على ميل من منازل بنى سلمة قال أصحابنا وجه الدلالة منه أن يقال
أجمعت الأمة على اشتراط العدد والأصل الظهر فلا تصح الجمعة الا بعدد ثبت فيه التوقيف وقد
ثبت جوازها بأربعين فلا يجوز بأقل منه إلا بدليل صريح وثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
" وصلوا كما رأيتموني أصلي " ولم تثبت صلاته لها بأقل من أربعين وأما حديث انفضاضهم فلم يبق
504

الا اثنا عشر وليس فيه أنه ابتداء الصلاة باثني عشر بل يحتمل انهم عادوا هم أو غيرهم فحضروا
أركان الخطبة والصلاة وجاء في روايات مسلم انفضوا في الخطبة وفى رواية للبخاري انفضوا في الصلاة
وهي محمولة على الخطبة جمعا بين الروايات ويكون المراد بالصلاة الخطبة لان منتظر الصلاة في صلاة
وقد جاء في رواية للدار قطني والبيهقي انهم انفضوا فلم يبق الا أربعون رجلا والمشهور في الروايات
اثني عشر *
(فرع) إذا كان في القرية أربعون من أهل الكمال صحت جمعتهم في قريتهم ولزمتهم سواء كان
فيها سوق ونهر أم لا وبه قال مالك واحمد واسحق وجمهور العلماء وحكاه الشيخ أبو حامد عن
عمر وابنه وابن عباس رضي الله عنهم * وقال أبو حنيفة والثوري لا تصح الجمعة الا في مصر جامع
وحكى ابن المنذر نحوه عن علي بن أبي طالب والحسن البصري وابن سيرين والنخعي * واحتج لهم
بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا جمعة ولا تشريق الا في مصر " واحتج أصحابنا بحديث ابن عباس
قال " ان أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد عبد القيس بحواثا
من البحرين " رواه البخاري وبحديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك المذكور في الفرع قبله
وأما الحديث الذي احتجوا به فضعيف متفق على ضعفه وهو موقوف على علي رضي الله عنه باسناد
ضعيف منقطع *
(فرع) لا تصح الجمعة عندنا إلا في أبنيه يستوطنها من تنعقد بهم الجمعة ولا تصح في الصحراء
وبه قال مالك وآخرون * وقال أبو حنيفة وأحمد يجوز اقامتها لأهل المصر في الصحراء كالعيد * واحتج
أصحابنا بما احتج به المصنف ان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يفعلوها في الصحراء مع تطاول الأزمان
وتكرر فعلها بخلاف العيد وقد قال صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " *
(فرع) لا تنعقد الجمعة عندنا بالعبيد ولا المسافرين وبه قال الجمهور * وقال أبو حنيفة تنعقد *
* قال المصنف رحمه الله *
(فان أحرم بالعدد ثم انفضوا عنه ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) ان نقص العدد عن أربعين لم تنعقد
الجمعة لأنه شرط في الجمعة فشرط في جميعها كالوقت (والثاني) إن بقي معه اثنان أتم الجمعة لأنهم
505

يصيرون ثلاثة وذلك جمع مطلق فأشبه الأربعين (والثالث) إن بقي معه واحد أتم الجمعة لان الاثنين
جماعة وخرج المزني قولين آخرين (أحدهما) ان بقي وحده جاز ان يتم الجمعة كما قال الشافعي في إمام
أحرم بالجمعة ثم أحدث انهم يتمون صلاتهم وحدانا ركعتين (والثاني) أنه إن كان صلي ركعة ثم انفضوا
أتم الجمعة وان انفضوا قبل الركعة لم يتم الجمعة كما قال في المسبوق إذا أدرك مع الامام ركعة أتم الجمعة
وإن لم يدرك ركعة أتم الظهر فمن أصحابنا من أثبت القولين وحكي في المسألة خمسة أقوال
ومنهم من لم يثبتهما فقال إذا أحدث الامام يبنون على صلاتهم لان الاستخلاف لا يجوز على
هذا القول فيبنون على صلاتهم على حكم الجماعة مع الامام وههنا ان الامام لا تتعلق صلاته
بصلاة من خلفه واما المسبوق فإنه يبنى على جمعة تمت بشروطها وههنا لم تتم جمعة فيبنى
الإمام عليها) *
(الشرح) الانفضاض التفرق والذهاب ومنه سميت الفضة وحاصل ما ذكره المصنف في
انفضاضهم عن الامام في صلاة الجمعة طريقان (أحدهما) فيه ثلاثة أقوال وهي المنصوصة ولم يثبتوا
المخرجين (وأصحهما) وأشهرهما فيه خمسة أقوال باثبات المخرجين وقد ذكر المصنف دلائلها (أصحها)
باتفاق الأصحاب تبطل الجمعة لان العدد شرط فشرط في جميعها فعلى هذا لو أحرم الامام وتباطأ
المقتدون ثم أحرموا فان تأخر إحرامهم عن ركوعه فلا جمعة لهم ولا له وإن لم يتأخر عن ركوعه قال
القفال تصح الجمعة وقال الشيخ أبو محمد الجويني يشترط أن لا يطول الفصل بين إحرامه وإحرامهم
وقال إمام الحرمين الشرط أن يتمكنوا من قراءة الفاتحة فان حصل ذلك لم يضر الفصل وصحح
الغزالي هذا (والقول الثاني) إن بقي اثنان مع الامام أتم الجمعة وإلا بطلت (والثالث) إن بقي معه
واحد لم تبطل وهذه الثلاثة منصوصة ألا ولان في الجديد والأخير في القديم وهل يشترط في الاثنين
والواحد صفة الكمال المعتبر في الجمعة فيه وجهان حكاهما صاحب الحاوي (أصحهما) يشترط لأنها
صلاة جمعة (والثاني) لا يشترط حتى لو بقي معه صبيان أو عبدان أو امرأتان أو مسافران أو صبي وعبد
أو صبي أو عبد أو امرأة إذا اعتبرنا واحدا كفى وأتم الجمعة لان هذا القول يكتفى باسم الجميع أو الجماعة
وهي حاصلة بها وقال إمام الحرمين الظاهر الاشتراط قال ولصاحب التقريب احتمال أنه لا يشترط
قال وهذا مزيف لا يعتد به (والقول الرابع) المخرج لا تبطل وإن بقي وحده (والخامس) إن انفضوا
506

في الركعة الأولى بطلت الجمعة وإن انفضوا بعدها لم تبطل الجمعة بل يتمها الامام وحده وكذا
من معه إن بقي معه أحد هذا حكم الانفضاض في نفس صلاة الجمعة * واعلم أن الأربعين شرط
لصحة الخطبتين فيشترط سماعهم الآن كما سنوضحه إن شاء الله تعالى فلو حضر العدد ثم انفضوا
قبل افتتاح الخطبة لم يجز افتتاحها حتى يجتمع لها أربعون كاملون وإن انفضوا في أثناء الخطبة لم يعتد
بالركن المفعول في غيبتهم بلا خلاف بخلاف الانفضاض في الصلاة فان فيه الأقوال الخمسة وفرق
الأصحاب بأن كل واحد يصلي لنفسه فسومح بنقص العدد على قول والخطيب لا يخطب لنفسه
إنما الغرض إسماعهم فما جرى ولا مستمع لم يحصل فيه الغرض فلم تصح ثم إن عادوا قبل طول الفصل
بنى على خطبته وإن عادوا بعده فقولان مشهوران في كتب الخراسانيين قال ويعبر عنهما بان
الموالاة في الخطبة واجبة أم لا الأصح أنها واجبة فيجب الاستئناف (والثاني) غير واجبة فيبني
وبني جماعة منهم القولين على أن الخطبتين بدل من الركعتين فيجب الاستئناف أم لا فلا يجب
قالوا ولا فرق بين فوات الموالاة لعذر وغيره فيما ذكرناه ولو لم يعد الأولون وجاء غيرهم وجب
استئناف الخطبتين قصر الفصل أم طال بلا خلاف أما إذا انفضوا بعد فراغ الخطبة فان عادوا
قبل طول الفصل صلي الجمعة بتلك الخطبة بلا خلاف وقد ذكره المصنف بعد هذا بقليل وان عادوا
بعد طول الفصل ففيه خلاف مبنى على اشتراط الموالاة بين الخطبة والصلاة وفيه قولان مشهوران
(أصحهما) وهو الجديد أصحهما الاشتراط فعلى هذا لا تجوز صلاة الجمعة بتلك الخطبة (والثاني) لا يشترط
فعلى هذا يصلى بها وهل تجب إعادة الخطبة وصلاة الجمعة أم لا قال المزني في المختصر قال الشافعي
أحببت ان يبتدئ الخطبة ثم يصلي الجمعة فإن لم يفعل صلي بهم الظهر واختلف أصحابنا في معنى
كلامه هذا على ثلاثة أوجه حكاها المصنف بعد هذا والأصحاب وهي مشهورة (أصحها) وبه قال ابن سريج
والقفال وأكثر أصحابنا تجب إعادة الخطبة ثم يصلي بهم الجمعة لتمكنه من ذلك قالوا ولفظ الشافعي
إنما هو أوجبت ولكنه صحف ومنهم من تأوله وقال أراد بأحببت أوجبت قالوا وقوله صلى بهم الظهر
محمول على ما إذا ضاق الوقت (والوجه الثاني) وبه قال أبو إسحاق المروزي لا تجب إعادة الخطبة لكن
تستحب وتجب صلاة الجمعة اما وجوب الجمعة فلقدرته عليها وإنما لم تجب الخطبة لأنه لا يؤمن انفضاضهم
ثانيا فصار ذلك عذرا في سقوطها (والثالث) وبه قال أبو علي الطبري في الافصاح لا تجب إعادة الخطبة
507

ولا تجب الجمعة أيضا لكن يستحبان عملا بظاهر نصه وهذا الثالث هو الأصح عند صاحبي الحاوي
والمستظهري قالا وهو قول أكثر أصحابنا قال صاحب الحاوي وقول ابن سريج وإن كان له وجه
فقول أبى على أظهر قال وقد أخطأ أبو العباس في تخطئته المزني لان البويطي والربيع والزعفراني نقلوه
هكذا عن الشافعي فقالوا قال أحببت ولم ينقل عنه أحد أوجبت فعلم أن المزني لم يخطئ في نقله وأنما أخطأ
أبو العباس في تأويله هذا كلام صاحب الحاوي وخالفه الأكثرون كما قدمناه قال المحاملي في المجموع
وصاحب العدة والشيخ نصر وغيرهم هذا الوجه الثالث ضعيف قالوا وهو أضعف الا وجه وهو كما قالوا لأنه
متمكن من الخطبة والصلاة ولا يلتفت إلى احتمال انفضاضهم ثانيا فإنه احتمال ضعيف نادر قال أصحابنا
فان أعيدت الخطبة وصليت الجمعة فلا اثم على واحد وإن لم تعد وأوجبنا اعادتها أثموا كلهم وإن لم نوجب
اعادتها اثم المنفضون دون الامام والباقين قال الشيخ أبو حامد والمحاملي وابن الصباغ وسائر الأصحاب
الاعتبار في طول الفصل بالعرف فما عد طويل طويلا والا فقصير وحكى الشيخ أبو حامد في تعليقه
والمصنف بعد هذا وسائر الأصحاب عن أبي إسحاق المروزي تفريعا على الوجه الذي قاله هنا انه
لو صلوا الظهر وتركوا الجمعة جاز بناء على أصله إذا اجتمع أهل بلد على ترك الجمعة ثم صلوا الظهر
جاز وقد سبق بيان قوله وان الصحيح خلافه والله أعلم * قال أصحابنا وسواء طال الفصل والخطيب
ساكت أو مستمر في الخطبة ثم أعاد ما جرى من أركانها في حال غيبتهم حين عادوا أما إذا أحرم
بالجمعة بالعدد المشروط وأحرموا ثم حضر أربعون آخرون وأحرموا بها ثم انفض الأولون
فقال الأصحاب لا يضر بل يتم الجمعة سواء كان اللاحقون سمعوا الخطبة أم لا قال امام الحرمين
ولا يمتنع عندي أن يقال يشترط بقاء أربعين سمعوا الخطبة أما إذا انفضوا بعد الاحرام
ثم حضر أربعون متصلين بهم فقال الغزالي يستمر صحة الجمعة بشرط أن يكون اللاحقون
سمعوا الخطبة *
(فرع) أجمع العلماء على أن الجمعة لا تصح من منفرد وأن الجماعة شرط لصحتها وهو مراد
المصنف بقوله ولا تصح إلا بأربعين أي في جماعة ولو صرح به لكان أحسن قال أصحابنا وشروط
الجماعة هنا كشروطها في سائر الصلوات ويشترط هنا أمور زائدة سبق بيانها وهو كونهم أربعين
كاملين ووقوعها في خطة البلد وفى الوقت وسبقت فروع كثيرة ومسائل مهمة تتعلق بصفات الامام
508

والمأمومين في الجمعة في أول باب صفة الأئمة قال الشافعي والأصحاب ولا يشترط لصحة الجمعة حضور
السلطان ولا أذنه فيها وحكى صاحب البيان قولا قديما انه لا تصح إلا خلف السلطان أو من أذن له وهو شاذ
باطل والمعروف في المذهب ما سبق * قال المصنف رحمه الله *
(ولا تصح الجمعة إلا في وقت الظهر لأنهما فرض في وقت واحد فلم يختلف وقتهما كصلاة
الحضر وصلاة السفر وان خطب قبل دخول الوقت لم تصح لان الجمعة ردت إلى ركعتين بالخطبة
فإذا لم تجز الصلاة قبل الوقت لم تجز الخطبة فان دخل فيها في وقتها ثم خرج الوقت لم يجز فعل الجمعة
لأنه لا يجوز ابتداؤها بعد خروج الوقت فلا يجوز اتمامها كالحج ويتم الظهر لأنه فرض رد من أربع
إلى ركعتين بشرط يختص به فإذا زال الشرط أتم كالمسافر إذا دخل في الصلاة ثم قدم قبل أن يتم
وان أحرم بها في الوقت ثم شك هل خرج الوقت أتم الجمعة لان الأصل بقاء الوقت وصحة الفرض
ولا تبطل بالشك وان ضاق وقت الصلاة ورأي أن خطب خطبتين خفيفتين وصلى ركعتين لم يذهب
الوقت لزمهم الجمعة وان رأي انه لا يمكنه ذلك صلي الظهر) *
(الشرح) فيه مسائل (إحداها) اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب ان الجمعة لا تصح الا في
وقت الظهر وسأذكر دلائله واضحة إن شاء الله تعالى في فرع مذاهب العلماء وأجمعت الأمة على
أن الجمعة لا تقضي على صورتها جمعة ولكن من فاتته لزمته الظهر (الثانية) يشترط للخطبة كونها في
وقت الظهر لما ذكره المصنف مع الأحاديث الصحيحة التي سأذكرها في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى
وهذا متفق عليه عندنا (الثالثة) إذا شكوا في خروج وقتها فإن كانوا لم يدخلوا فيها لم يجز الدخول فيها
باتفاق الأصحاب لان شرطها الوقت ولم يتحققه فلا يجوز الدخول مع الشك في الشرط وان دخلوا
فيها في وقتها ثم شكوا قبل السلام في خروج الوقت فوجهان (الصحيح) وبه قطع المصنف والماوردي
والمحاملي والبندنيجي وكتب ابن الصباغ والجمهور يتمونها جمعة كما ذكره المصنف (والثاني) يتمونها
ظهرا حكاه البغوي وصاحب العدة وآخرون للشك في شروطها أما إذا صلوا الجمعة ثم شكوا بعد
فراغها هل خرج وقتها قبل الفراغ منها فإنهم تجزئهم الجمعة بلا خلاف لان الأصل بقاء الوقت
قال القاضي أبو الطيب والقفال وهذا كمن تسحر ثم شك هل كان طلع الفجر أم لا أو وقف بعرفات ثم
شك هل كان طلع الفجر فإنه يجزئه الصوم والوقوف *
509

(فرع) قال الدارمي في كتاب الصيام في مسائل الشهادة على الهلال لو دخلوا في الجمعة فأخبرهم
عدل بخروج وقتها قال ابن المرزبان يحتمل أن يصلوا ظهرا قال وعندي انهم يتمون جمعة الا ان
يعلموا (الرابعة) إذا شرعوا فيها في وقتها ثم خرج الوقت قبل السلام منها فاتت الجمعة بلا خلاف عندنا
لما ذكره المصنف وفى حكم صلاته طريقان (أصحهما) وبه قطع المصنف وسائر العراقيين وجماعات من
غيرهم يجب اتمامها ظهرا ويجزئه كما ذكره المصنف (والثاني) وهو مشهور للخراسانيين فيه قولان (المنصوص)
يتمونها ظهرا (والثاني) وهو مخرج لا يجوز اتمامها ظهرا فعلى هذا هل تبطل أو تنقلب نفلا فيه القولان
السابقان في أول باب صفة الصلاة فيه وفى نظائره (أصحهما) تنقلب نفلا وان قلنا بالمذهب يتمها
ظهرا أسر بالقراءة من حينئذ ولا يحتاج إلى نية الظهر كالمسافر إذا نوى القصر ثم لزمه الاتمام بإقامة
أو غيرها هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وحكى صاحب البيان وغيره وجها انه تجب نية الظهر وليس
بشئ (الخامسة) لو أدرك مسبوق ركعة من الجمعة فسلم الامام وقام هو إلى الثانية فخرج الوقت قبل
سلامه فوجهان مشهوران (أحدهما) يتمها جمعة وبه قال ابن الحداد لأنها تابعة لجمعة صحيحة وهي
جمعة الامام والناس بخلاف ما إذا خرج الوقت قبل سلام الامام (والثاني) لا يجوز اتمامها جمعة بل
يتمها ظهرا ويجئ في بطلانها وانقلابها نفلا ما سبق والمذهب اتمامها ظهرا صححه البغوي والمتولي
والرافعي وآخرون قال المتولي هو قول عامة أصحابنا (السادسة) لو سلم الامام والجماعة التسليمة
الأولى في الوقت والثانية خارجه صحت جمعتهم لأنها تمت بالتسليمة الأولى ولو سلم الامام الأولى
خارج الوقت فاتت الجمعة على جميعهم ولزمهم قضاء الظهر ولو سلم الامام وبعضهم الأولى في الوقت
وسلمها بعضهم خارج الوقت فان بلغ عدد المسلمين في الوقت أربعين صحت جمعتهم والا فقال الرافعي
هو شبيه بمسألة الانفضاض والصحيح فوات الجمعة واما المسلمون خارج الوقت فصلاتهم باطلة وفيهم
وجه ضعيف إن كان المسلمون في الوقت أربعين انه تصح جمعتهم وهو الوجه السابق في سلام المسبوق
بعد الوقت ثم سلام الامام والقوم خارج الوقت إن كان مع العلم بالحال بطلت صلاتهم والا فلهم
اتمامها ظهرا على المذهب كما سبق (السابعة) إذا ضاق الوقت قبل أن يدخلوا في الجمعة فان أمكنهم
خطبتان وركعتان يقتصر فيهما على الوجبات لزمهم ذلك والا صلوا الظهر نص عليه في الأم
510

واتفق عليه الأصحاب وعليهم أن يشرعوا في الظهر في الحال ولا يحل تأخيرها إلى خروج الوقت
بالاتفاق والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في وقت الجمعة * قد ذكرنا أن مذهبنا ان وقتها وقت الظهر ولا يجوز قبله
وبه قال مالك وأبو حنيفة وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وقال احمد تجوز قبل الزوال
قال القاضي أبو الطيب حكي عنه أنه قال في الساعة الخامسة وقال أصحابه يجوز فعلها في الوقت الذي تفعل
فيه صلاة العيد وقال الخرقي في الساعة السادسة قال العبدري قال العلماء كافة لا تجوز صلاة الجمعة
قبل الزوال الا احمد ونقل الماوردي في الحاوي عن ابن عباس كقول احمد ونقله ابن المنذر عن عطاء
واسحق " قال وروى ذلك باسناد لا يثبت عن أبي بكر وعمر وابن مسعود ومعاوية واحتج لأحمد بحديث
جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول
الشمس " رواه مسلم عن سلمة بن الأكوع قال " كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم
ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل به " رواه البخاري ومسلم وفى رواية لمسلم " نجمع مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتبع الفئ " وعن سهل بن سعد قال " ما كنا نقيل ولا نتغدى
511

الا بعد الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري ومسلم وليس في رواية البخاري في
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عبد الله بن سيدان قال " شهدت الجمعة مع أبي بكر الصديق
رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار ثم شهدتها مع عمر رضي الله عنه فكانت
صلاته وخطبته إلى أن أقول انتصف النهار ثم شهدتها مع عثمان رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته
إلى أن أقول زال النهار ولا رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره " رواه أحمد في مسنده والدارقطني وغيرهما
واحتج أصحابنا والجمهور بحديث انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يصلي الجمعة حين تميل
الشمس " رواه البخاري وعن سلمة بن الأكوع قال كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا
زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفئ " رواه مسلم وهذا هو المعروف من فعل السلف والخلف قال الشافعي صلي النبي
صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان والأئمة بعدهم كل جمعة بعد الزوال (والجواب) عن احتجاجهم
بحديث جابر وما بعده انها كلها محمولة على شدة المبالغة في تعجيلها بعد الزوال من غير إبراد ولا غيره
هذا مختصر الجواب عن الجميع وحملنا عليه الجمع من هذه الأحاديث من الطرفين وعمل المسلمين قاطبة
أنهم لا يصلونها الا بعد الزوال وتفصيل الجواب ان يقال حديث جابر فيه اخبار أن الصلاة والرواح
إلى جمالهم كانا حين الزوال لا ان الصلاة قبله (فان قيل) قوله حين الزوال لا يسع هذه الجملة (فجوابه) ان
المراد نفس الزوال وما يدانيه كقوله صلى الله عليه وسلم " صلى بي العصر حين كان كل شئ مثل ظله "
(والجواب) عن حديث سلمة انه حجة لنا في كونها بعد الزال لأنه ليس معناه انه ليس للحيطان شئ من
الفي وإنما معناه ليس لها في كثير بحيث يستظل به المار وهذا معنى قوله وليس للحيطان ظل يستظل
به فلم ينف أصل الظل وإنما نفى كثيره الذي يستظل به وأوضح منه الرواية الأخرى نتتبع الفئ فهذا فيه
صريح بوجود الفئ لكنه قليل ومعلوم أن حيطانهم قصيرة وبلادهم متوسطة من الشمس ولا
يظهر هناك الفئ بحيث يستظل به الا بعد الزوال بزمان طويل (وأما) حديث سهل " ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة " (فمعناه) أنهم كانوا يؤخرون القيلولة والغداء في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة
لأنهم ندبوا إلى التكبير إليها فلو اشتغلوا بشئ من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التكبير إليها ومما
يؤيد هذا ما رواه مالك في الموطأ باسناده الصحيح عن عمر بن أبي سهل بن مالك عن أبيه قال " كنت
أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب تطرح يوم الجمعة إلى جدار المسجد الغربي فإذا غشى الطنفسه
كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم نخرج بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة
الضحى (وأما) الأثر عن أبي بكر وعمر وعثمان (فضعيف) باتفاقهم لان أبن سيدان ضعيف عندهم ولو صح
لكان متأولا لمخالفة الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم *
512

(فرع) في مذاهبهم في صلاة الجمعة إذا خرج وقت الظهر وهم فيها * قد ذكرنا أن مذهبنا
أنها تفوت الجمعة ويتمونها ظهرا * وقال أبو حنيفة تبطل ويستأنفون الظهر وقال عطاء يتمها جمعة
وقال أحمد إن كان صلي منها ركعة أتمها جمعة وإن كان أقل يتمها ظهرا *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا تصح الجمعة حتى يتقدمها خطبتان لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلوا كما
رأيتموني أصلي " ولم يصل الجمعة إلا بخطبتين وروى ابن عمر قال " كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يخطب يوم الجمعة خطبتين يجلس بينهما " ولان السلف قالوا إنما قصرت الجمعة لأجل الخطبة
فإذا لم يخطب رجع إلى الأصل ومن شرط الخطبة العدد الذي تنعقد به الجمعة لقوله تعالي (إذا نودي
للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) والذكر الذي يفعل بعد النداء هو الخطبة ولأنه ذكر
شرط في صحة الجمعة فشرط فيه العدد كتكبيرة الاحرام فان خطب بالعدد ثم انفصوا
وعادوا قبل الاحرام فإن لم يطل القصل صلى الجمعة لأنه ليس بأكثر من الصلاتين المجموعتين
ثم الفصل اليسير لا يمنع الجمع فكذلك لا يمنع الجمع بين الخطبة والصلاة وإن طال الفصل قال الشافعي
رحمه الله أحببت ان يبتدئ الخطبة ثم يصلى بعدها الجمعة فإن لم يفعل صلى الظهر واختلف أصحابنا
فيه فقال أبو العباس تجب إعادة الخطبة ثم يصلى الجمعة لان الخطبة مع الصلاة كالصلاتين المجموعتين
فكما لا يجوز الفصل الطويل بين الصلاتين لم يجز بين الخطبة والصلاة وما نقله المزني لا يعرف
وقال أبو إسحاق يستحب أن يعيد الخطبة لأنه لا يأمن أن يفضوا مرة أخرى فجعل ذلك عذرا
في جواز البناء وأما الصلاة فإنها واجبة لأنه يقدر على فعلها فان صلى بهم الظهر جاز بناء على أصله
إذا اجتمع أهل بلد على ترك الجمعة ثم صلوا الظهر أجزأهم وقال بعض أصحابنا يستحب إعادة
الخطبة والصلاة على ظاهر النص لأنهم انفضوا عنه مرة فلا يأمن أن ينفضوا عنه ثانيا فصار ذلك
عذرا في ترك الجمعة) *
(الشرح) حديث " صلوا كما رأيتموني أصلي " رواه البخاري من رواية مالك بن الحويرث وسبق في
صفة الصلاة وحديث ابن عمر رواه البخاري ومسلم (وقوله) ولأنه ذكر احتراز من ستر العورة وغيره
من الشروط فإنه لا يشترط له العدد وقوله شرط في صحة الجمعة احتراز من الأذان * أما الأحكام
فمسألة الانفضاض إلى آخرها فسبق شرحها وبيان الاختلاف فيها في مسألة الانفضاض في الصلاة
واتفقت نصوص الشافعي وطرق الأصحاب على أن الجمعة لا تصح حتى يتقدمها خطبتان ومن
شرطها العدد وفرقوا بين الجمعة والعيد حيث كانت خطبة الجمعة قبلها والعيد بعده لان خطبة
513

الجمعة شرط لصحة الصلاة وشأن الشرط أن يقدم ولان الجمعة فريضة فاخرت الصلاة ليدركها
المتأخر وللتمييز بين الفرض والنفل ومن شرط الخطبتين كونهما في وقت الظهر فلو خطب الخطبتين
أو بعضهما قبل الزوال ثم صلي بعدهما لم يصح بلا خلاف عندنا نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب
وجوزه مالك واحمد وقد أهمل المصنف بيان هذا الشرط هنا وفى التنبيه *
(فرع) في مذاهب العلماء في الخطبة * قد ذكرنا أن مذهبنا أن تقدم خطبتين شرط لصحة
الجمعة وان من شرطها العدد الذي تنعقد به الجمعة وبهذه الجملة قال مالك وأحمد والجمهور * وقال
أبو حنيفة الخطبة شرط ولكن تجزئ خطبة واحدة ولا يشترط العدد لسماعها كالأذان وحكى بن
المنذر عن الحسن البصري أن الجمعة تصح بلا خطبة وبه قال داود وعبد الملك من
أصحاب مالك قال القاضي عياض وروى عن مالك * دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " صلوا
كما رأيتموني أصلي " وثبتت صلاته صلى الله عليه وسلم بعد خطبتين *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
(ومن شرطها القيام مع القدرة والفصل بينهما بجلسة لما روى جابر بن سمرة قال " كان النبي
صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم ويقرأ آيات ويذكر الله تعالى " ولأنه أحد فرضي
الجمعة فوجب فيه القيام والقعود كالصلاة) *
(الشرح) حديث جابر هذا صحيح رواه مسلم ولكن قال يقرأ القرآن ويذكر الناس والباقي
سواء وجابر وأبوه سمرة صحابيان رضي الله عنهما قال الشافعي والأصحاب يشترط لصحة الخطبتين القيام
فيهما مع القدرة والجلوس بينهما مع القدرة فان عجز عن القيام استحب له أن يستخلف فان خطب
قاعدا أو مضطجعا للعجز جاز بلا خلاف كالصلاة قال أصحابنا ويصح الاقتداء به حينئذ سواء صرح
بأنه لا يستطيع القيام أم سكت لأن الظاهر أن قعوده للعجز فان بان أنه كان قادرا على القيام قال
أصحابنا فهو كما لو بان محدثا والمذهب أنه تصح صلاتهم ان تم العدد دونه وان نقص لم تصح بلا خلاف
ولا تصح صلاته هو على التقديرين قال الشافعي وأصحابنا فلو علموا قدرته على القيام لم تصح صلاتهم
وان ظهر لهم قدرته فأخبرهم بعجزه اعتمدوه وصحت صلاتهم قال الشافعي والشيخ أبو حامد
والبندنيجي وصاحب العدة وغيرهم فان علم بعضهم دون بعض بقدرته لم تصح صلاة العالمين وتصح
صلاة الآخرين ان تم بهم العدد وإلا فلا وحكي الرافعي وجها أن الخطبة تصح قاعدا مع القدرة
على القيام وهو شاذ ضعيف أو باطل وأما الجلوس بينهما فواجب بالاتفاق وتجب الطمأنينة فيه صرح به امام الحرمين وآخرون قال أصحابنا وهذا الجلوس خفيف جدا قدر سورة الاخلاص تقريبا
514

والواجب منه قدر الطمأنينة هذا هو الصحيح المشهور نص عليه الشافعي وقطع به وفيه وجه أنه
يشترط كونه قدر سورة الاخلاص حكاه الرافعي قال وحكي بعضهم أيضا عن نص الشافعي وهو ضعيف
قال أصحابنا فان خطب قاعدا للعجز فصل بينهما بسكتة ولا يجوز أن يضطجع والمشهور الذي
قطع به الجمهور أن هذه السكتة واجبة ليحصل الفصل وذكر الماوردي وغيره وجها أنها لا تجب
وأنه لو وصل كلامه في الخطبتين صحتا لأنه تخلله سكتات غير مقصودة وقال القاضي
أبو الطيب تستحب هذه السكتة وحكي الرافعي وجها أنه لو خطب قائما كفاه الفصل بسكتة غير جلوس وهو شاذ مردود *
(فرع) ذكرنا أن مذهبنا وجوب القيام في الخطبتين والجلوس بينهما ولا تصح الا بهما * وقال
مالك وأبو حنيفة واحمد تصح قاعدا مع القدرة قالوا والقيام سنة وكذا الجلوس بينهما سنة عندهم وبه
قال جمهور العلماء حتى أن الطحاوي قال لم يقل أحد غير الشافعي باشتراط الجلوس بينهما قال القاضي
عياض وعن مالك رواية أن الجلوس بينهما شرط وكذا القيام دليلنا انه صلى الله عليه وسلم قال " صلوا كما
رأيتموني أصلي " مع الأحاديث الصحيحة المشهورة انه صلى الله عليه وسلم " كان يخطب خطبتين قائما
يجلس بينهما " * قال المصنف رحمه الله تعالى *
(وهل يشترط فيها الطهارة فيه قولان قال في القديم تصح من غير طهارة لأنه لو افتقر إلى الطهارة
لافتقر إلى استقبال القبلة كالصلاة وقال في الجديد لا تصح من غير طهارة لأنه ذكر شرط في الجمعة
فشرط فيه الطهارة كتكبيرة الاحرام) *
(الشرح) قال أصحابنا هل يشترط لصحة الخطبة ستر العورة والطهارة عن الحدث والطهارة
عن النجاسة في البدن والثوب والمكان فيه قولان (الصحيح) الجديد اشتراط ذلك كله (والقديم)
لا يشترط شئ من ذلك بل يستحب ودليلهما في الكتاب ثم إن الجمهور أطلقوا القولين في اشتراط
طهارة الحدث وقال البغوي القولان في الطهارة عن الحدث الأصغر فان خطب جنبا لم تصح قولا
واحدا لان القراءة في الخطبة واجبة ولا تحسب قراءة الجنب وصرح المتولي والرافعي في المحرر
يجريان القولين في المحدث والجنب وهذا هو الصواب وقد قطع الشيخ أبو حامد في تعليقه وصاحب
الحاوي فيه وآخرون من الأصحاب بأنه لو كان إمام الجمعة جنبا ولم يعلم المأمومون ثم علموا بعد فراغها
أجزأتهم ونقله الشيخ أبو حامد والأصحاب عن نص الشافعي في الأم وقد أهمل المصنف ذكر ستر
العورة والقولان فيه مشهوران وقد ذكرهما هو في التنبيه وقال أبو يوسف باشتراط الطهارة * وقال
مالك وأبو حنيفة وأحمد وداود لا تشترط * دليلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يخطب
515

متطهرا وقال صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " *
* قال المصنف رحمه الله *
(وفرضها أربعة أشياء (أحدها) ان يحمد الله تعالى لما روى جابر " ان النبي صلى الله عليه وسلم
خطب يوم الجمعة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم يقول على اثر ذلك وقد علا صوته واشتد غضبه
واحمرت وجنتاه كأنه منذر جيش ثم يقول بعثت انا والساعة كهاتين وأشار بإصبعه الوسطى والتي
تلي الابهام ثم يقول إن أفضل الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها
وكل بدعة ضلالة من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا أو ضياعا فإلى " (والثاني) أن يصلى على النبي
صلى الله عليه وسلم لان كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر الرسول صلى
الله عليه وسلم كالأذان والصلاة (والثالث) الوصية بتقوى الله تعالى لحديث جابر ولان القصد من
الخطبة الموعظة فلا يجوز الاخلال بها (والرابع) ان يقرأ آية من القرآن لحديث جابر بن سمرة ولأنه
أحد فرضي الجمعة فوجب فيه القراءة كالصلاة ويجب ذكر الله وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم
والوصية في الخطبتين وفى قراءة القرآن وجهان (أحدهما) يجب فيها لان ما وجب في إحداهما وجب
516

فيهما كذكر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم (والثاني) لا تجب الا في إحداهما وهو المنصوص لأنه
لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من آية قرأ في الخطبة ولا يقتضى ذلك أكثر من مرة
ويستحب أن يقرأ سورة ق لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأها في الخطبة فان قرأ آية فيها سجدة
فنزل وسجد جاز لان النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ثم فعله عمر رضي الله عنه بعده فان فعل هذا
وطال الفصل ففيه قولان قال في القديم يبنى وقال في الجديد يستأنف وهل يجب الدعاء فيه وجهان
(أحدهما) يجب رواه المزني في أقل ما يقع عليه اسم الخطبة ومن أصحابنا من قال هو مستحب
وأما الدعاء للسلطان فلا يستحب لما روى أنه سئل عطاء عن ذلك فقال إنه محدث وإنما كانت
517

الخطبة تذكيرا) *
(الشرح) حديث جابر الأول رواه مسلم بكماله وهو جابر بن عبد الله لا جابر بن سمرة
وقوله أن يقرأ آية من القرآن لحديث جابر ابن سمرة حديث صحيح سبق بيانه قريبا في مسألة اشتراط
القيام وحديث قراءة النبي صلى الله عليه وسلم سورة ق في الخطبة رواه مسلم في صحيحه من رواية أم
هشام بنت حارثة بن النعمان الصحابية رضي الله عنها قالت " ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا عن لسان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس " وحديث نزول النبي صلى الله عليه
وسلم عن المنبر وسجوده للتلاوة في الخطبة صحيح رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة
قال البيهقي هو صحيح ذكره في أبواب سجود التلاوة وقوله وفعله عمر هو صحيح عنه رواه البخاري
عنه في صحيحه ولفظه ان عمر قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد
وسجد الناس وقوله وسئل عطاء عن ذلك هو عطاء بن أبي رباح واسم أبى رباح أسلم وقال الشافعي
في الأم أخبرنا عبد الحميد عن ابن جريج قال قلت لعطاء فذكره وهو اسناد صحيح الا عبد المجيد
فوثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وضعفه أبو حاتم الرازي والدارقطني * أما لغات الفصل (فقوله)
يقول على أثر ذلك فيه لغتان كسر الهمزة مع إسكان الثاء وفتحهما (قوله) وقد علا صوته واشتد
غضبه واحمرت وجنتاه هذا كله هذا كله من مستحبات الخطبة لأنه أوقع في النفوس وأبلغ في الوعظ
والوجنة الخد وفيها أربع لغات فتح الواو وضمها وكسرها والرابعة أجنة بضم الهمزة (قوله) كأنه
منذر جيش معناه ينذر قومه ويحذرهم من جيش يقصدهم (قوله) صلى الله عليه وسلم " بعثت أنا والساعة "
هو بنصب الساعة ورفعها النصب على تقدير مع وهو مفعول معه والرفع عطف على الضمير والابهام
مؤنثة على المشهور ويجوز تذكيرها وسبق بيانها في مسح الرأس في صفة الوضوء (قوله) صلى الله عليه
وسلم " وخير الهدى هدى محمد " روى في صحيح مسلم على وجهين ضم الهاء مع فتح الدال
وفتح الهاء مع اسكان الدال وكلاهما صحيح فمن فتح فمعناه الطريقة والأخلاق ومن ضم معناه الارشاد
وقد بسطت شرح الروايتين وسائر ألفاظ الحديث موضحة في شرح صحيح مسلم (قوله) صلى الله عليه
518

وسلم " كل بدعة ضلالة " هذا من العام المخصوص لان البدعة كل ما عمل على غير مثال سبق قال العلماء
وهي خمسة أقسام واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة وقد ذكرت أمثلتها واضحة في تهذيب
الأسماء واللغات ومن البدع الواجبة تعلم أدلة الكلام للرد على مبتدع أو ملحد تعرض وهو فرض
كفاية كما سنوضحه إن شاء الله تعالى في كتاب السير ومن البدع المندوبات بناء المدارس والربط
وتصنيف العلم ونحو ذلك والضياع - بفتح الضاد - العيال أي من ترك عيالا وأطفالا يضيعون بعده
فليأتوني لأقوم بكفايتهم وكان صلى الله عليه وسلم يقضي دين من مات وعليه دين لم يخلف له وفاء
وكان هذا القضاء واجبا على رسول الله عليه وسلم على الصحيح عند أصحابنا وفيه وجه ضعيف انه كان
مستحبا ولا يجب اليوم على الامام ان يقضيه من مال نفسه وفي وجوب قضائه من بيت المال إذا كان
فيه سعة ولم يضق عن أهم من هذا وجهان مشهوران وسيأتي كل هذا واضحا في أول كتاب النكاح
في الخصائص حيث ذكرها الشافعي والأصحاب إن شاء الله تعالى (قوله) لان كل عبادة افتقرت إلى
ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ففيه احتراز من الصوم (وقوله) الرسول
هكذا هو في المهذب وكذا يقوله كثير من العلماء وقد روى البيهقي في مناقب الشافعي بإسناده عن
الشافعي انه كره أن يقول قال الرسول بل يقال قال رسول الله أو نبي الله (فان قيل) ففي القرآن (يا أيها
الرسول) (فالجواب) ان نداء الله سبحانه وتعالي نبيه صلى الله عليه وسلم تشريف له وتبجيل بأي خطاب
كان بخلاف كلامنا (وقول) المصنف رواه المزني في أقل ما يقع عليه اسم الخطبة معناه نقله المزني في
المختصر عن الشافعي في أقل ما يجزئ من الخطبة فجعله واجبا * اما الأحكام فقال أصحابنا فروض
الخطبة خمسة ثلاثة متفق عليها واثنان مختلف فيهما (أحدها) حمد الله تعالى ويتعين لفظ الحمد ولا يقوم
معناه مقامه بالاتفاق وأقله الحمد لله (الثاني) الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعين لفظ
الصلاة وذكر إمام الحرمين عن كلام بعض الأصحاب ما يوهم ان لفظي الحمد والصلاة لا يتعينان
ولم ينقله وجها مجزوما به والذي قطع به الأصحاب انهما متعينان (الثالث) الوصية بتقوى الله تعالى
وهل يتعين لفظ الوصية فيه وجهان (الصحيح) الذي نص عليه الشافعي وقطع به الأصحاب والجمهور
لا يتعين بل يقوم مقامه أي وعظ كان (والثاني) حكاه القاضي حسين والبغوي وغيرهما من الخراسانيين
519

انه يتعين كلفظ الحمد والصلاة وهذا ضعيف أو باطل لان لفظ الحمد والصلاة تعبدنا به في مواضع
وأما لفظ الوصية فلم يرد نص بالأمر به ولا بتعينه قال امام الحرمين ولا خلاف انه لا يكفي التحذير
من الاغترار بالدنيا وزخارفها لان ذلك قد يتواصى به منكروا الشرائع بل لا بد من الحث على طاعة
الله تعالى والمنع من المعاصي قال أصحابنا ولا يجب في الموعظة كلام طويل بل لو قال أطيعوا الله كفى
وأبدى في الاكتفاء به احتمالا والذي قطع به الأصحاب الاكتفاء به ووافقهم امام الحرمين على أن
الاقتصار على لفظي الحمد والصلاة كاف بلا خلاف ولو قال والصلاة على النبي أو على محمد أو رسول الله
كفى ولو قال الحمد للرحمن أو للرحيم لم يكف كما لو قال في تكبيرة الاحرام الرحمن أكبر قال
أصحابنا وهذه الأركان الثلاثة واجبة في كل واحدة من الخطبتين بلا خلاف إلا وجها حكاه
الرافعي أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تكفى في إحداهما وهو شاذ مردود (الرابع) قراءة
القرآن وفيها أربعة أوجه (الصحيح) المنصوص في الأم تجب في إحداهما أيتهما شاء (والثاني) وهو
المنصوص في البويطي ومختصر المزني تجب في الأولى ولا تجزئ في الثانية (والثالث) تجب فيهما جميعا
وهو وجه مشهور قال الشيخ أبو حامد هو غلط (والرابع) لا تجب في واحدة منهما بل هي مستحبة
ونقله إمام الحرمين وابن الصباغ والشاشي وصاحب البيان قولا والمذهب عند الأصحاب انها تجب
في إحداهما لا بعينها قالوا ويستحب جعلها في الأولى ونص عليه واتفقوا على أن أقلها آية ونص عليه الشافعي
رحمه الله سواء كانت وعدا أو وعيدا أو حكما أو قصة أو غير ذلك قال إمام الحرمين ولا يبعد الاكتفاء بشطر آية طويلة كانت والمشهور الجزم باشتراط آية قال إمام الحرمين وغيره ولا خلاف انه لو قرأ (ثم
نظر) لم يكف وإن كانت معدودة آية بل يشترط كونها مفهمة قال المصنف وسائر الأصحاب
ويستحب ان يقرأ في الخطبة سورة ق قال الدارمي وغيره يستحب في الخطبة الأولى ويستحب
قراءتها بكمالها للحديث الصحيح في صحيح مسلم وغيره كما سبق ولما اشتملت عليه من المواعظ
والقواعد واثبات البعث ودلائله والترغيب والترهيب وغير ذلك قال أصحابنا ولو قرأ سجدة
نزل وسجد إن لم يمكنه السجود على المنبر فان أمكنه لم ينزل بل يسجد عليه فإن لم يمكن السجود
عليه وكان عاليا وهو بطئ الحركة بحيث لو نزل لطال الفصل ترك السجود ولم ينزل هكذا
ذكر المسألة جماعة وهو موافق لنص الشافعي في المختصر فإنه قال فان قرأ سجدة فنزل فسجد فلا بأس
ونقل القاضي أبو الطيب ان الشافعي قال في موضع آخر الذي أستحبه أن لا يترك الخطبة ويشتغل
520

بالسجود لان السجود نفل فلا يشتغل به عن الخطبة وهي فرض فلو نزل فسجد وعاد إلى المنبر ولم
يطل الفصل بني على خطبته بلا خلاف فلو طال الفصل فقولان ذكرهما المصنف هنا وسبق ذكرهما
(أصحهما) وهو الجديد ان الموالاة بين أركان الخطبة واجبة لان فواتها يخل بمقصود الوعظ فعلى
هذا يجب استئناف الخطبة (والثاني) وهو القديم ان الموالاة مستحبة فعلى هذا يستحب الاستئناف
فان بنى جاز قال أصحابنا ولو قرأ آية فيها موعظة وقصد ايقاعها عن الوصية بالتقوى وعن القراءة
لم تحسب عن الجهتين بل تحسب قراءة ولا يجزئه الاتيان بآيات تشتمل على جميع الأركان لان
ذلك لا يسمي خطبة ولو أتى ببعضها في ضمن آية جاز (الخامس) الدعاء للمؤمنين وفيه قولان
وحكاهما المصنف وكثيرون أو الأكثرون وجهين والصواب قولان (أحدهما) انه مستحب
ولا يجب لان الأصل عدم الوجوب ومقصود الخطبة الوعظ وهذا نصه في الاملاء وممن نقله
عن الاملاء الرافعي وغيره (والثاني) انه واجب وركن لا تصح الخطبة الا به وهذا
نصه في مختصر المزني كما ذكره المصنف ونص عليه أيضا في البويطي والأم واختلفوا في الأصح
فرجح جمهور العراقيين استحبابه وبه قطع شيخهم الشيخ أبو حامد في مواضع من تعليقه وادعى
الاجماع انه لا يجب وإنما يستحب وقطع به أيضا المحاملي في كتبه الثلاثة وسليم الرازي والمصنف في
التنبيه وقطع به قبلهم ابن القاص في التلخيص ورجح جمهور الخراسانيين وجوبه وقطع به شيخهم
القفال في شرح التلخيص وصاحبه القاضي حسين وصاحباه البغوي والمتولي وقطع به العراقيين
جماعة منهم صاحب الحاوي ورجحه امام الحرمين والغزالي والرافعي وآخرون وهو الصحيح المختار
قال أصحابنا فإذا قلنا يجب فمحله الخطبة الثانية ونص عليه في مختصري البويطي والمزني فلو دعا في
الأولى لم يجزئه قالوا ويكفى ما يقع عليه اسم الدعاء قال امام الحرمين أرى انه يجب أن يكون الدعاء
متعلقا بأمور الآخرة وانه لا بأس بتخصيصه بالسامعين بأن يقول رحمكم الله واما الدعاء للسلطان
فاتفق أصحابنا على أنه لا يجب ولا يستحب وظاهر كلام المصنف وغيره انه بدعة اما مكروه واما
خلاف الأولى هذا إذا دعا بعينه فاما الدعاء لائمة المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح والإعانة على
الحق والقيام بالعدل ونحو ذلك ولجيوش الاسلام فمستحب بالاتفاق والمختار انه لا بأس بالدعاء للسلطان
بعينه إذا لم يكن مجازفة في وصفه ونحوها والله أعلم *
(فرع) هل يشترط كون الخطبة بالعربية فيه طريقان (أصحهما) وبه قطع الجمهور يشترط لأنه
521

ذكر مفروض فشرط فيه العربية كالتشهد وتكبيرة الاحرام مع قوله صلى الله عليه وسلم " صلوا
كما رأيتموني أصلي " وكان يخطب بالعربية (والثاني) فيه وجهان حكاهما جماعة منهم المتولي
(أحدهما) هذا (والثاني) مستحب ولا يشترط لان المقصود الوعظ وهو حاصل بكل اللغات قال
أصحابنا فإذا قلنا بالاشتراط فلم يكن فيهم من يحسن العربية جاز ان يخطب بلسانه مدة التعلم
وكذا إن تعلم واحد منهم التكبير بالعربية فان مضى زمن التعلم ولم يتعلم أحد منهم عصوا بذلك ويصلون
الظهر أربعا ولا تنعقد لهم جمعة *
(فرع) الترتيب بين أركان الخطبة مأمور به وهل هو واجب أو مستحب فيه وجهان (أحدهما)
وبه قطع جمهور العراقيين وغيرهم ليس هو بشرط فله التقديم والتأخير ونقله الماوردي عن نص
الشافعي (والثاني) أنه شرط فيجب تقديم الحمد ثم الصلاة ثم الوصية ثم القراءة ثم الدعاء وبهذا قطع
المتولي وقال البغوي وغيره من الخراسانيين يجب تقديم الحمد ثم الصلاة ثم الوصية ولا ترتيب بين
القراءة والدعاء ولا بينهما وبين غيرهما والصحيح الأول لان المقصود الوعظ وهو حاصل ولم يرد
نص في اشتراط الترتيب والله أعلم *
(فرع) لو أغمي على الخطيب في أثنائها أو أحدث وشرطنا الطهارة فهل يبني عليها غيره فيه
طريقان (أصحهما) وبه قطع البغوي وصححه المتولي أن فيه قولين بناء على الاستخلاف في الصلاة
(والثاني) القطع بالمنع حكاه المتولي وفرق بان في الاستخلاف يستخلف من كان شاركه في الصلاة
ولا تتصور مشاركة غيره في الخطبة (فان قيل) هذا ضعيف لان المقصود في الصلاة إنما يشترط استخلاف
من كان معه في الصلاة حيث يؤدى إلى اختلال ترتيب الصلاة وهذا المعنى مقصود هنا (فالجواب)
بان المقصود في الخطبة أيضا الوعظ ولا يحصل ببناء كلام رجل على كلام غيره والأصح
هنا منع البناء قال البغوي فان جوزنا البناء اشترط كون الثاني ممن سمع الماضي من الخطبة
وإلا استأنفها والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في أقل ما يجزئ في الخطبة * قد ذكرنا أن أركانها عندنا خمسة وبه قال
احمد وقال الأوزاعي واسحق وأبو ثور وابن القاسم المالكي وأبو يوسف ومحمد وداود الواجب ما يقع
عليه اسم الخطبة * وقال أبو حنيفة يكفيه أن يقول سبحان الله أو بسم الله أو الله أكبر أو نحو ذلك من
الأذكار وقال ابن عبد الحكم المالكي إن هلل أو سبح أجزأه *
(فرع) شروط الخطبة سبعة وقت الظهر وتقديمها على الصلاة والقيام والقعود بينهما وطهارة
522

الحدث والنجس وستر العورة على الأصح في الخطبتين والستر وقد سبق بيان هذه الشروط والسابع
رفع الصوت بحيث يسمعه أربعون من أهل الكمال وحكى صاحب البيان والرافعي وجها أنه
لو خطب سرا ولم يسمعه أحد صحت وهو غلط لفوات مقصودها ولو خطب ورفع صوته قدرا يبلغهم
ولكن كانوا صما فلم يسمعوا كلهم أو سمع دون أربعين فوجهان مشهوران (الصحيح) لا تصح كما
لو بعدوا لفوات المقصود (والثاني) تصح كما لو حلف لا يكلمه فكلمه بحيث يسمع فلم يسمع لصممه
يحنث وكما لو سمعوا الخطبة فلم يفهموها فإنها تصح بالاتفاق وينبغي للقوم أن يقبلوا على الامام ويستمعوا
له وينصتوا والاستماع هو شغل القلب بالاسماع والاصغاء للمتكلم والانصات هو السكوت وهل يجب
الانصات ويحرم الكلام فيه قولان مشهوران وقد ذكرهما المصنف بتفريعهما في باب هيئة الجمعة (أصحهما)
وهو المشهور في الجديد يستحب الانصات ولا يجب ولا يحرم الكلام (والثاني) وهو نصه في القديم
والاملاء من الجديد يجب الانصات ويحرم الكلام واتفق الأصحاب على أن الصحيح هو الأول
وحكي الرافعي طريقا غريبا جازما بالوجوب وهو شاذ ضعيف وفى تحريم الكلام على الخطيب طريقان (أحدهما) على القولين (والثاني) وهو الصحيح وبه قطع الجمهور يستحب ولا يحرم للأحاديث الصحيحة
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " تكلم في الخطبة " والأولى ان يجيب عن ذلك بأن كلامه صلى الله عليه
وسلم كان لحاجة قال أصحابنا وهذا الخلاف في حق القوم والامام في كلام لا يتعلق به غرض مهم
ناجز فلو رأى أعمى يقع في بئر أو عقربا ونحوها تدب إلى انسان غافل ونحوه فانذره أو علم أنسانا
خيرا أو نهاه عن منكر فهذا ليس بحرام بلا خلاف نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب على التصريح
به لكن قالوا يستحب ان يقتصر على الإشارة ان حصل بها المقصود هذا كله في الكلام في حال
الخطبة اما قبل الشروع فيها وبعد فراغها فيجوز الكلام بلا خلاف لعدم الحاجة إلى الاستماع فاما في الجلوس
بين الخطبتين فطريقان قطع المصنف والغزالي وآخرون بالجواز وقطع المحاملي وابن الصباغ وآخرون
بجريان القولين لأنه قد يتمادى إلى الخطبة الثانية ولان الخطبتين كشئ واحد فصار ككلام في أثنائها
قال الشافعي والأصحاب ويستحب أن لا يتكلم حتى يفرغ من الخطبتين واتفقوا على أن للداخل الكلام
ما لم يأخذ لنفسه مكانا والقولان إنما هما فيما بعده قعوده قال الشافعي في مختصر المزني والأصحاب يكره
للداخل في حال الخطبة ان يسلم على الحاضرين سواء قلنا الانصات واجب أم لا فان خالف وسلم قال
523

أصحابنا ان قلنا بتحريم الكلام حرمت اجابته باللفظ ويستحب بالإشارة كما لو سلم في الصلاة وفى
تشميت العاطس ثلاثة أوجه (الصحيح)
المنصوص تحريمه كرد السلام (والثاني) استحبابه لأنه غير
مفرط بخلاف المسلم (والثالث) يجوز ولا يستحب وحكي الرافعي وجها انه يرد السلام لأنه واجب
ولا يشمت العاطس لأنه سنة فلا يترك لها الانصات الواجب وإذا قلنا لا يحرم الكلام جاز رد السلام
والتشميت بلا خلاف ويستحب التشميت على أصح الوجهين لعموم الامر به (والثاني) لا يستحب
لان الانصات آكد منه فإنه مختلف في وجوبه وأما السلام ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يجوز ولا يستحب
وبه قطع امام الحرمين (والثاني) يستحب (والثالث) يجب وهذا هو الأصح وهو ظاهر نصه في
مختصر المزني وصححه البغوي وآخرون هذا كله فيمن يسمع الخطبة فاما من لا يسمعها لبعده من
الامام ففيه طريقان للخراسانيين (أحدهما) القطع بجواز الكلام (وأصحهما) وهو المنصوص وبه قطع
جمهور العراقيين وغيرهم ان فيه القولين فان قلنا لا يحرم الكلام استحب له الاشتغال بالتلاوة والذكر
وان قلنا يحرم حرم عليه كلام الآدميين وهو بالخيار بين السكوت والتلاوة والذكر هذا هو المشهور
وبه قطع الجمهور وفيه وجه انه لا يقرأ ولا يذكر إذا قلنا بتحريم الكلام لأنه يؤدى إلى هينمة
وتهويش حكاه الفوراني والمتولي وصاحب البيان وغيرهم قالوا وهو نظير الخلاف السابق في أن
المأموم هل يقرأ السورة في السرية والجهرية إذا لم يسمع الامام والصحيح هناك أنه يقرأ وكذا هنا
ولا خلاف ان الذي يسمع الخطبة لا يقرأ ولا يذكر وإن جوزنا له الكلام لان الانصات آكد للاختلاف
في وجوبه قال الشافعي والأصحاب وحيث حرمنا الكلام فتكلم أثم ولا تبطل جمعته بلا خلاف والحديث
الوارد فلا جمعة له أي لا جمعة كاملة *
(فرع) قال الغزالي هل يحرم الكلام على من عدا الأربعين فيه القولان وهذا الذي قاله
شاذ غير معروف لغيره وهو مما أنكروه عليه قال الرافعي هذا التقدير بعيد ومخالف لما نقله الأصحاب
أما بعده فلان كلامه مفروض في السامعين للخطبة وإذا حضرت جماعة زائدون على أربعين لم يمكن
أن يفرل تنعقد الجمعة بأربعين منهم معينين حتى يحرم الكلام عليهم قطعا ويكون الخلاف في الباقين
بل الوجه الحكم بانعقادها بجميعهم أو بأربعين غير معينين وأما مخالفته لنقل الأصحاب فلأنك
لا تجد للأصحاب إلا إطلاق قولين في السامعين ووجهين في حق غيرهم كما سبق والله أعلم *
524

(فرع) في مذاهب العلماء في وجوب الانصات حال الخطبة وتحريم الكلام * ذكرنا أن الصحيح
عند أصحابنا أنه لا يحرم الكلام وبه قال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير والشعبي والنخعي والثوري
وداود وقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة واحمد يحرم * واحتج لهم بقول الله تعالى (وإذا قرى القرآن
فاستمعوا له وانصتوا) وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا
قلت لصاحبك يوم الجمعة انصت والامام يخطب فقد لغوت " رواه البخاري ومسلم وعن أبي الدرداء
قال " دخلت المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقرأ سورة براءة فقلت لأبي
ابن كعب متى نزلت هذه السورة فلم يكلمني فلما صلينا قلت له سألتك فلم
تكلمني فقال مالك من صلاتك الا ما لغوت فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال صدق أبى " حديث
صحيح قال البيهقي اسناده صحيح ولان الخطبتين بدل ركعتين فحرم بينهما الكلام كالصلاة * واحتج
أصحابنا بالأحاديث الصحيحة المشهورة أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في خطبته يوم الجمعة
مرات وبحديث أنس قال " دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم
الجمعة فقال يا رسول الله متي الساعة فأشار إليه الناس أن اسكت فسأله ثلاث مرات كل ذلك يشيرون
إليه ان اسكت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك ما أعددت لها " رواه البيهقي باسناد صحيح
وعن أنس أيضا قال " بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم الجمعة قام اعرابي فقال يا رسول
الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا فرفع يديه وذكر حديث الاستسقاء " رواه البخاري ومسلم
وأجابوا عن الآية أنها محمولة على الاستحباب جمعا بين الأدلة هذا ان سلمنا أن المراد الخطبة
وأنها داخلة في المراد وعن الحديث الأول أن المراد باللغو الكلام الفارغ ومنه لغو اليمين وعن
حديث أبي ذر ان المراد نقص جمعته بالنسبة إلى الساكت وأما القياس على الصلاة فلا يصح
لأنها تفسد بالكلام بخلاف الخطبة *
* قال المصنف رحمه الله *
(وسننها أن يكون على منبر لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب على المنبر ولأنه أبلغ
525

في الاعلام ومن سنها إذا صعد المنبر ثم أقبل على الناس أن يسلم عليهم لما روى أن النبي صلى الله
عليه وسلم " كان إذا صعد المنبر يوم الجمعة واستقبل الناس بوجهه قال السلام عليكم " ولأنه استدبر الناس
في صعوده فإذا اقبل عليهم سلم ومن سننها أن يجلس إذا سلم حتى يؤذن المؤذن لما روى ابن عمر
رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا خرج يوم الجمعة جلس يعنى على المنبر حتى
يسكت المؤذن ثم قام فخطب " ويقف على الدرجة التي تلي المستراح لان النبي صلى الله عليه وسلم كان
يقف على هذه الدرجة ولان ذلك أمكن له ويستحب أن يعتمد على قوس أو عصى لما روى الحكم بن
حزن رضي الله عنه قال " وفدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشهدنا معه الجمعة فقام متوكئا على قوس
أو عصي فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات " ولان ذلك أمكن له فإن لم يكن معه
شئ سكن يديه ومن سننها أن يقبل على الناس ولا يلتفت يمينا ولا شمالا لما روى سمرة بن جندب
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا خطبنا استقبلناه بوجوهنا واستقبلنا بوجهه " ويستحب
أن يرفع صوته لحديث جابر " علا صوته واشتد غضبه " ولأنه أبلغ في الاعلام قال الشافعي رحمه الله ويكون كلامه
مترسلا مبينا معربا من غير لغى ولا تمطيط لان ذلك أحسن وأبلغ ويستحب أن يقصر الخطبة
لما روى عن عثمان " أنه خطب وأوجز فقيل له لو كنت تنفست فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول
" قصر خطبة الرجل مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة ") *
(الشرح) حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يخطب على المنبر " صحيح مشهور رواه البخاري
ومسلم من روايات جماعات من الصحابة وأما الحديث الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا
صعد المنبر يوم الجمعة قال السلام عليكم فرواه البيهقي من رواية ابن عمر وجابر واسنادهما ليس بقوي
وأما حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا خرج يوم الجمعة جلس
على المنبر " إلى آخره فرواه أبو داود باسناد ضعيف ويغنى عنه ما ثبت في صحيح البخاري عن السائب
ابن يزيد الصحابي قال " كان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأبى بكر وعمر رضي الله عنهما " فهذا الحديث صحيح صريح في الجلوس حينئذ وبه استدل
البخاري والبيهقي في المسألة وأما حديث ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف على الدرجة التي تلي
المستراح فهذا الحديث موجود في أكثر النسخ وليس موجودا في بعض النسخ المقابلة بأصل المصنف
وهو حديث صحيح واما حديث الحكم بن حزن فحديث حسن رواه أبو داود وغيره بأسانيد
526

حسنة واما حديث سمرة بن جندب (1) وأما حديث عثمان فرواه
مسلم في صحيحه * اما لغات الفصل وألفاظه فالمنبر من النبر وهو الارتفاع (وقوله) تلي المستراح
هو أعلى المنبر الذي يقعد عليه الخطيب ليستريح قبل الخطبة حال الأذان والحكم بن حزن بفتح الحاء
المهملة واسكان الزاي وجندب بضم الدال وفتحها (قوله) يكون كلامه مترسلا قال الأزهري أي يتمهل
فيه ويبينه تبيينا يفهمه سامعوه قال وهو من قولهم اذهب على رسلك أي على هينتك غير مستعجل
ولا تتعب نفسك (قوله) معربا أي فصيحا والبغي باسكان الغين المعجمة قال الأزهري أن يكون رفعه
صوته يحكي كلام الجبابرة والمتكبرين والمتفيهقين قال والبغي في كلام العرب الكبر والبغي الضلال والبغي
الفساد قال التمطيط الافراط في مد الحروف يقال مط كلامه إذا مده فإذا أفرط فيه قيل مططه (قوله) لو كنت
تنفست يعني مددتها وطولتها (قوله) صلى الله عليه وسلم مئنة بفتح الميم بعدها همزة مكسورة ثم نون مشددة
أي علامة أو دلالة على فقهه * اما أحكام الفصل ففيه مسائل (إحداها) اجمع العلماء على أنه يستحب كون
الخطبة على منبر للأحاديث الصحيحة التي أشرنا إليها ولأنه أبلغ في الاعلام ولان الناس إذا شاهدوا
الخطيب كان أبلغ في وعظهم قال أصحابنا وغيرهم ويستحب أن يكون المنبر على يمين المحراب أي على يمين
الامام إذا قام في المحراب مستقبل القبلة وهكذا العادة قال أصحابنا ويستحب ان يقف على يمين المنبر قال
أصحابنا فإن لم يكن منبر استحب أن يقف على موضع عال وإلا فإلى خشبة ونحوها للحديث المشهور في
الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يخطب إلى جذع قبل اتخاذ المنبر " قالوا ويكره المنبر الكبير
جدا الذي يضيق على المصلين إذا لم يكن المسجد متسعا (الثانية) قال أصحابنا يسن للامام
السلام على الناس مرتين (إحداهما) عند دخوله المسجد يسلم على من هناك وعلى من عند المنبر إذا انتهى
إليه (الثانية) إذا وصل أعلا المنبر واقبل على الناس بوجهه يسلم عليهم لما ذكره المصنف
قال أصحابنا وإذا سلم لزم السامعين الرد عليه وهو فرض كفاية كالسلام في باقي المواضع وهذا الذي
ذكرناه من استحباب السلام الثاني مذهبنا ومذهب الأكثرين وبه قال ابن عباس وابن الزبير وعمر بن
عبد العزيز والأوزاعي واحمد * وقال مالك وأبو حنيفة يكره (الثالثة) يسن له إذا صعد المنبر واقبل على
الناس وسلم ان يجلس ويؤذن المؤذن فإذا فرغ من الأذان قام فشرع في الخطبة ويكون المؤذن واحدا
فإن كان أكثر ففيه كلام وتفصيل سبق في باب الأذان (الرابعة) يستحب ان يقف على الدرجة التي
تلي المستراح كما ذكره المصنف قال الشيخ أبو حامد (فان قيل) قد روى أن أبا بكر نزل عن موقف النبي صلى الله عليه
وسلم درجة وعمر درجة أخرى وعثمان أخرى ووقف علي رضي الله عنه في موقف النبي صلي الله

(1) بياض بالأصل فحرر
527

عليه وسلم (قلنا) كل منهم له قصد صحيح وليس بعضهم حجة على بعض واختار الشافعي وغيره موافقة النبي
صلى الله عليه وسلم لعموم الامر بالاقتداء به صلى الله عليه وسلم (الخامسة) يسن أن يعتمد على قوس أو سيف
أو عصا أو نحوها لما سبق قال القاضي حسين والبغوي يستحب ان يأخذه في يده اليسرى ولم يذكر الجمهور
اليد التي يأخذه فيها وقال أصحابنا ويستحب ان يشغل يده الأخرى بان يضعها على حرف المنبر قالوا فإن لم يجد
سيفا أو عصا ونحوه سكن يديه بان يضع اليمنى على اليسرى أو يرسلهما ولا يحركهما ولا يعبث بواحدة
منهما والمقصود الخشوع والمنع من العبث (السادسة) يسن ان يقبل الخطيب على القوم في جميع خطبتيه
ولا يلتفت في شئ منهما قال صاحب الحاوي وغيره ولا يفعل ما يفعله بعض الخطباء في هذه الأزمان من
الالتفات يمينا وشمالا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيرها فإنه باطل لا أصل له واتفق العلماء
على كراهة هذا الالتفات وهو معدود من البدع المنكرة وقد قال الشيخ أبو حامد في تعليقه يستحب ان
يقصد قصد وجهه ولا يلتفت في شئ من خطبته عندنا * وقال أبو حنيفة يلتفت يمينا وشمالا في بعض الخطبة
كما في الأذان وهذا غريب لا أصل له قال أصحابنا ويستحب للقوم الاقبال بوجوههم على الخطيب
وجاءت فيه أحاديث كثيرة ولأنه الذي يقتضيه الأدب وهو أبلغ في الوعظ وهو مجمع عليه قال امام
الحرمين سبب استقبالهم له واستقباله إياهم واستدباره القبلة ان يخاطبهم فلو استدبرهم كان قبيحا خارجا
عن عرف الخطاب ولو وقف في آخر المسجد واستقبل القبلة فان استدبروه كان قبيحا وان استقبلوه
استدبروا القبلة فاستدبار واحد واستقبال الجمع أولي من عكسه قال أصحابنا ولو خالف السنة وخطب
مستقبل القبلة مستدبر الناس صحت خطبته مع الكراهة كذا قطع به جماهير الأصحاب في جميع الطرق
وفيه وجه شاذ أنه لا تصح خطبته حكاه الدارمي والشاشي وغيرهما وهو مخالف لما قطع به وان له بعض
الاتجاه وطرد الدارمي الوجه فيما إذا استدبروه أو خالفوا هم أو هو الهيئة المشروعة بغير ذلك (السابعة)
يستحب رفع صوته زيادة على الواجب لما ذكره المصنف (الثامنة) يستحب كون الخطبة فصيحة بليغة
مرتبة مبينة من غير تمطيط ولا تقعير ولا تكون ألفاظا مبتذلة ملففة فإنها لا تقع في النفوس موقعا
كاملا ولا تكون وحشية لأنه لا يحصل مقصودها بل يختار ألفاظا جزلة مفهمة قال المتولي ويكره
الكلمات المشتركة والبعيدة عن الافهام وما يكره عقول الحاضرين واحتج بقول علي بن أبي طالب
رضي الله عنه " حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون ان يكذب الله ورسوله " رواه البخاري في أواخر كتاب
العلم من صحيحه (التاسعة) يستحب تقصير الخطبة للحديث المذكور وحتى لا يملوها قال أصحابنا
528

ويكون قصرها معتدلا ولا يبالغ بحيث يمحقها (العاشرة) قال المتولي يستحب للخطيب أن لا يحضر
للجمعة الا بعد دخول الوقت بحيث يشرع فيها أول وصوله المنبر لان هذا هو المنقول عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وإذا وصل المنبر صعده ولا يصلي تحية المسجد وتسقط هنا التحية بسبب الاشتغال بالخطبة
كما تسقط في حق الحاج إذا دخل المسجد الحرام بسبب الطواف وقال جماعة من أصحابنا تستحب
له تحية المسجد ركعتان عند المنبر ممن ذكر هذا البندنيجي والجرجاني في التحرير وصاحبا العدة
والبيان والمذهب انه لا يصليها لان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل انه صلاها وحكمته ما ذكرته ولم
يذكر الشافعي وجماهير الأصحاب التحية وظاهر كلامهم انه لا يصليها والله أعلم (الحادية عشرة)
يستحب للقوم ان يقبلوا على الخطيب مستمعين ولا يشتغلوا بغيره حتى قال أصحابنا يكره لهم شرب
الماء للتلذذ ولا بأس يشربه للعطش للقوم والخطيب * هذا مذهبنا قال ابن المنذر رخص في الشرب
طاوس ومجاهد والشافعي ونهي عنه مالك والأوزاعي واحمد وقال الأوزاعي تبطل الجمعة إذا شرب
والامام يخطب واختار ابن المنذر الجواز قال ولا أعلم حجة لمن منعه قال العبدري قول الأوزاعي
مخالف للاجماع (الثانية عشرة) يستحب للخطيب ان يختم خطبته بقوله استغفر الله لي ولكم ذكره
البغوي ويستحب له ان يأخذ في النزول من المنبر عقب فراغه ويأخذ المؤذن في الإقامة ويبلغ المحراب
مع فراغ الإقامة (الثالثة عشرة) يكره في الخطبة أشياء (منها) ما يفعله بعض جهلة الخطباء من الدق
بالسيف على درج المنبر في صعوده وهذا باطل لا أصل له وبدعة قبيحة ومنها الدعاء إذا انتهى
صعوده قبل جلوسه وربما توهم بعض جهلتهم انها ساعة إجابة الدعاء وذلك خطأ إنما ساعة الإجابة
بعد جلوسه كما سنوضحه في موضعه من الباب الثاني إن شاء الله تعالى (ومنها) الالتفات في الخطبة
الثانية عند الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقد سبق بيان انه باطل مكروه ومنها المجازفة في
أوصاف السلاطين في الدعاء لهم وكذبهم في كثير من ذلك كقولهم السلطان العالم العادل ونحوه
(ومنها) مبالغتهم في الاسراع في الخطبة الثانية وخفض الصوت بها (الرابعة عشرة) قال الشافعي في المختصر
وإذا حصر الامام لقن قال الشيخ أبو حامد والأصحاب ونص في مواضع أخر أنه لا يلقن قال القاضي
529

أبو الطيب قال أصحابنا ليست على قولين بل على حالين فقوله يلقنه أراد إذا استظعمه التلقين بحيث
سكت ولم ينطق بشئ وقوله لا يلقنه أراد ما دام الكلام ويرجوا ان؟؟؟ عليه فيترك حتى
ينفتح عليه فإن لم ينفتح لقن واتفق الأصحاب على أن مراد الشافعي هذا التفصيل وأنها ليست
على قولين * قال المصنف رحمه الله *
(والجمعة ركعتان لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال " صلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر
ركعتان وصلاة السفر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه
وسلم وقد خاب من افترى " ولأنه نقل الخلف عن السلف والسنة أن يقرأ في الركعة الأولى بعد
الفاتحة الجمعة وفى الثانية المنافقين لما روى عبد الله بن أبي رافع قال " استخلف مروان أبا هريرة على
المدينة فصلي بالناس الجمعة فقرأ بالجمعة والمنافقين فقلت يا أبا هريرة قرأت بسورتين سمعت عليا
رضي الله عنه قرأ بهما قال سمعت حبي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما " والسنة ان يجهر فيهما بالقراءة
لأنه نقل الخلف عن السلف) *
(الشرح) حديث عمر رضي الله عنه حديث حسن رواه أحمد بن حنبل في مسنده والنسائي
وابن ماجة والبيهقي في سننهم وسبق بيانه في باب صلاة المسافر في فرع مذاهب العلماء في القصر
والاتمام وحديث عبد الله بن أبي رافع رواه مسلم في صحيحه بلفظه وعبد الله هذا تابعي وأبوه
أبو رافع صحابي وهو مولي رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه أسلم ويقال إبراهيم ويقال ثابت
ويقال هرمز وله وقوله حبي - بكسر الحاء المهملة والباء الموحدة - أي محبوبي * اما الأحكام فأجمعت
الأمة على أن الجمعة ركعتان وعلى أنه يسن الجهر فيهما وتسن القراءة فيهما بالسورتين المذكورتين
بكمالهما نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب ونص الشافعي في القديم على أنه يستحب ان
530

يقرأ في الأولى سبح اسم ربك وفى الثانية هل أتاك حديث الغاشية وقال الربيع وهو راوي كتب
الشافعي الجديدة سألت الشافعي عن ذلك فذكر أنه يختار الجمعة والمنافقين ولو قرأ سبح وهل
أتاك كان حسنا وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الجمعة بسبح
وهل أتاك أيضا والصواب هاتين سنة وهاتين سنة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهاتين تارة وبهاتين
تارة والأشهر عن الشافعي والأصحاب الجمعة والمنافقين قال الشافعي فان قرأ في الأولى المنافقين قرأ
في الثانية الجمعة قال المتولي وغيره ولا يعيد المنافقين ولو قرأ في الأولى غير الجمعة والمنافقين قال
أصحابنا قرأ في الثانية السورتين بخلاف ما لو ترك الجهر في الأوليين من العشاء لا يجهر في الأخريين
لان السنة الاسرار في الأخريين ولا يمكنه تدارك السنة الفائتة إلا بتفويت السنة المشروعة الآن
وأما هنا فيمكنه جمع السورتين بغير اخلال بسنة (فان قيل) هذا يؤدى إلى تطويل الركعة الثانية
على الأولى وهذا خلاف السنة (فالجواب) أن ذلك الأدب لا يقاوم فضيلة السورتين والله أعلم * وقال
أبو حنيفة لا مزية لهاتين السورتين ولا لغيرهما والسور كلها سواء في هذا وقال مالك يقرأ في الأولى
الجمعة والثانية هل أتاك حديث الغاشية *
(فرع) هل الجمعة صلاة مستقلة أم ظهر مقصورة فيه خلاف مشهور في طريقة الخراسانيين
وممن نقله من المتقدمين صاحب التقريب حكاه عنه امام الحرمين وغيره وظاهر كلام بعضهم أنه
قولان وظاهر كلام الآخرين أنه وجهان ولعلهما قولان مستنبطان من كلام الشافعي فيصح تسميتها
قولين ووجهين (أصحهما) أنها صلاة مستقلة ويستدل له حديث عمر رضي الله عنه الذي ذكره
المصنف وبان ادعاء القصر يحتاج إلى دليل وعبر بعض أصحابنا بعبارة أخرى فقال في الجمعة
والظهر يوم الجمعة ثلاثة أقوال (أحدها) كل واحدة أصل بنفسه (والثاني) الظهر أصل والجمعة
بدل وهو القول بأنها ظهر مقصورة (والثالث) وهو أصحها ان الجمعة أصل والظهر بدل وبنى
الأصحاب على الخلاف في كونها ظهرا مقصورة أم مستقلة مسائل كثيرة (منها) ما سأذكره في فرع
531

بعد هذا في نية الجمعة إن شاء الله تعالى *
(فرع) ينبغي لمصلي الجمعة ان ينوى الجمعة بمجموع ما يشترط في النية فلو نوى الظهر قال امام
الحرمين قال صاحب التقريب ان قلنا الجمعة صلاة مستقلة فلا بد من نية الجمعة فلو نوى ظهرا
مقصورة لم تصح وان قلنا هي ظهر مقصورة فنوى ظهرا مقصورة فوجهان (أحدهما) تصح جمعته لأنه
نوى الصلاة على حقيقتها (والثاني) لا تصح لان مقصود النيات التمييز فوجب التمييز بما يخص الجمعة
قال ولو نوى الجمعة فان قلنا هي صلاة مستقلة أجزأته وان قلنا ظهر مقصورة فهل يشترط نية القصر
فيه وجهان (الصحيح) لا يشترط بل تكفى نية الجمعة (والثاني) يشترط لان الأصل الاتمام قال الامام وهذا
ضعيف غير معدود من المذهب هذا آخر كلام الامام ولو نوى الظهر مطلقا من غير تعرض
للقصر لم تصح بلا خلاف *
(باب هيئة الجمعة)
* قال المصنف رحمه الله *
(السنة لمن أراد الجمعة ان يغتسل لما روى ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال " من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل ووقته ما بين طلوع الفجر إلى أن يدخل في الصلاة فان اغتسل
قبل طلوع الفجر لم يجزئه لقوله صلى الله عليه وسلم " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم " فعلقه
على اليوم والأفضل ان يغتسل عند الرواح لحديث ابن عمر ولأنه إنما يراد لقطع الروائح فإذا فعله
عند الرواح كان أبلغ في المقصود فان ترك الغسل جاز لما روى سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
532

" من توضأ فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل " فإن كان جنبا فنوى بالغسل الجنابة والجمعة
أجزأه عنهما كما لو اغتسلت المرأة ونوت الجنابة والحيض وان نوى الجنابة ولم ينوى الجمعة أجزأه
عن الجنابة وفى الجمعة قولان (أحدهما) يجزئه لأنه يراد للتنظيف وقد حصل (والثاني) لا يجزئه لأنه
لم ينوه فأشبه إذا اغتسل من غير نية وإن نوى الجمعة ولم ينو الجنابة لم يجزئه عن الجنابة وفى الجمعة
وجهان (أحدهما) وهو المذهب أنه يجزئه عنهما لأنه نواها (والثاني) لا تجزئه لان غسل لجمعة يراد
للتنظيف والتنظيف لا يحصل مع بقاء الجنابة) *
(الشرح) حديث ابن عمر رواه البخاري ومسلم وحديث " غسل يوم الجمعة واجب على كل
محتلم رواه البخاري ومسلم بهذا اللفظ من رواية أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث
سمرة حديث حسن رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد حسنة قال الترمذي هو حديث حسن
وقوله صلى الله عليه وسلم " من جاء منكم إلى الجمعة " معناه من أراد المجئ وغسل الجمعة واجب على
كل محتلم المراد بالمحتلم البالغ وبالوجوب وجوب اختيار لا وجوب التزام كقول الانسان لصاحبه
حقك واجب على (وقوله) صلى الله عليه وسلم " من توضأ فبها ونعمت " قال الأزهري والخطابي قال
الأصمعي معناه فبالسنة أخذ ونعمت السنة قال الخطابي ونعمت الخصلة أو نعمت الفعلة أو نحو
ذلك قال وإنما ظهرت تاء التأنيث لاظهار السنة أو الخصلة أو الفعلة وحكى الهروي في الغريبين عن
الأصمعي ما سبق ثم قال وسمعت الفقيه أبا حاتم الشاركي يقول معناه فبالرخصة أخذ لان السنة
يوم الجمعة الغسل وقال صاحب الشامل فبالفريضة أخذ ولعل الأصمعي أراد بقوله فبالسنة أي فيما
جوزته السنة وقوله صلى الله عليه وسلم ونعمت - بكسر النون وإسكان العين - هذا هو المشهور
وروى بفتح النون وكسر العين وهو الأصل في هذه اللفظة قال القلعي وروى نعمت بفتح النون
وكسر العين وفتح التاء أي نعمك الله وهذا تصحيف نبهت عليه لئلا يغتر به * أما الأحكام فقد
سبق بيان غسل الجمعة وسائر الأغسال المسنونة في فصل عقيب باب صفة الغسل ونعيد منه هنا
قطعة مختصرة تتعلق بلفظ المصنف وغسل الجمعة سنة وليس بواجب وجوبا يعصي بتركه بلا خلاف
عندنا وفيمن يسن له أربعة أوجه (الصحيح) المنصوص وبه قطع المصنف والجمهور يسن لكل
من أراد حضور الجمعة سواء الرجل والمرأة والصبي والمسافر والعبد وغيرهم لظاهر حديث ابن
عمر ولان المراد النظافة وهم في هذا سواء ولا يسن لمن لم يرد الحضور وإن كان من أهل الجمعة
لمفهوم الحديث ولانتفاء المقصود ولحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أتى الجمعة
533

من الرجال والنساء فليغتسل ومن لم يأتها فليس عليه غسل من الرجال والنساء " رواه البيهقي
بهذا اللفظ باسناد صحيح (الثاني) يسن لكل من حضرها ولمن هو من أهلها ومنعه عذر حكاه
الماوردي والروياني والشاشي وغيرهم لأنه شرع له الجمعة والغسل فعجز عن أحدهما فينبغي أن يفعل
الآخر (والثالث) لا يسن إلا لمن لزمه حضورها حكاه الشاشي وآخرون والرابع يسن لكل أحد
سواء من حضرها وغيره لأنه كيوم العيد وهو مشهور ممن حكاه المتولي وغيره قال أصحابنا ووقت
جواز غسل الجمعة من طلوع الفجر إلى أن يدخل في الصلاة كما قاله المصنف ودليله في الكتاب
قالوا ولا يجوز قبل الفجر وانفرد إمام الحرمين بحكاية وجه أنه يجوز قبل طلوع الفجر كغسل العيد
على أصح القولين والصواب المشهور أنه لا يجزئ قبل الفجر ويخالف العيد فإنه يصلي في أول النهار
فيبقى أثر الغسل ولان الحاجة تدعو إلى تقديم غسل العيد لكون صلاته أول النهار فلو لم يجز قبل
الفجر ضاق الوقت وتأخر عن التكبير إلى الصلاة واتفقوا على أن الأفضل تأخيره إلى وقت الذهاب
إلى الجمعة لما ذكره المصنف وقال مالك لا يصح إلا عند الذهاب ولو اغتسل ثم أحدث أو أجنب
بجماع أو غيره لم يبطل غسل الجمعة عندنا بل يغتسل للجنابة ويبقى غسل الجمعة على صحته لأنه قد
صح ولا وجه لابطاله ولو عجز عن الغسل لنفاد الماء بعد الوضوء أو لمرض أو برد أو غير ذلك قال
الصيدلاني وسائر الأصحاب يستحب له التيمم ويجوز به فضيلة الغسل لان الشرع أقامه مقامه عند
العجز قال امام الحرمين هذا الذي قالوه هو الظاهر وفيه احتمال من حيث إن المراد بالغسل النظافة
ولا تحصل بالتيمم ورجح الغزالي هذا الاحتمال وليس بشئ ولو ترك الغسل مع التمكن منه فلا اثم
عليه وجمعته صحيحة وسنبسط دلائله في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى واما إذا وجب عليه
يوم الجمعة غسل جنابة فنوى الغسل عن الجنابة والجمعة معا فالمذهب صحة غسله لهما جميعا وبه قطع
المصنف والجمهور وفيه وجه ضعيف حكاه الخراسانيون انه لا يجزئه حكاه المتولي عن أبي سهل
الصعلوكي من أصحابنا وهو مذهب مالك واستدل للمذهب بما إذا لزمها غسل حيض وغسل جنابة
فنوتهما أو نوى بصلاته الفرض وتحية المسجد فإنه يجزئه عنهما ولو نوى غسل الجمعة لم تحصل الجنابة
على المذهب وبه قطع المصنف والجمهور وفيه وجه مشهور للخراسانيين انها تحصل وسبق بيانه في
534

كتاب الطهارة وهو ضعيف فان قلنا به حصل غسل الجمعة أيضا وان قلنا بالمذهب ففي صحة غسل
الجمعة وجهان حكاهما المصنف وغيره (الصحيح) الذي قطع به كثيرون حصوله ونقله
البندنيجي وغيره عن النص (والثاني) لا يحصل ودليلهما في الكتاب وإذا اختصرت
قلت إذا نوى غسل الجمعة فثلاثة أوجه (الصحيح) حصولها دون الجنابة (والثاني) حصولهما
(والثالث) منعهما ولو نوى الغسل للجنابة حصل بلا خلاف وفى حصول غسل الجمعة
قولان (أصحهما) عند المصنف في التنبيه والأكثرين لا يحصل لان الأعمال بالنيات ولم ينوه (وأصحهما)
عند البغوي حصوله والمختار انه لا يحصل *
(فرع) في مذاهب العلماء في غسل الجمعة * مذهبنا انه سنة ليس بواجب يعصي بتركه بل له حكم
سائر المندوبات وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم
وقال بعض أهل الظاهر هو فرض وحكاه ابن المنذر عن أبي هريرة رضي الله عنه وحكاه الخطابي وغيره
عن الحسن البصري وعن رواية عن مالك * واحتج لهم بحديث " غسل الجمعة واجب على كل
محتلم " وبحديث " من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل " وهما في الصحيحين كما بيناه * واحتج أصحابنا
على عدم الوجوب (أحدهما) قوله صلى الله عليه وسلم " فبها " وعلى كل قول مما سبق في تفسيره تحصل الدلالة
(والثاني) قوله صلى الله عليه وسلم " فالغسل أفضل " والأصل في افعل التفضيل ان يدخل على مشتركين
في الفضل يرجح أحدهما فيه وبحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من توضأ
فأحسن الوضوء ثم أتي الجمعة فدنى واستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام "
رواه مسلم وغيره وبحديث أبي هريرة قال " بينما عمر بن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة إذ دخل عثمان
فأعرض عنه عمر فقال ما بال رجال يتأخرون بعد النداء فقال عثمان ما زدت حين سمعت النداء أن
توضأت ثم أقبلت فقال عمر والوضوء أيضا ألم تسمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا جاء
أحدكم إلى الجمعة فليغتسل " رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم وفى رواية البخاري دخل رجل ولم
يسم عثمان وموضع الدلالة أن عمر وعثمان ومن حضر الجمعة وهم الجم الغفير أقروا عثمان على ترك
الغسل ولم يأمروه بالرجوع له ولو كان واجبا لم يتركه ولم يتركوا أمره بالرجوع له قال بعض الظاهرية
لا يتحرينه (وقوله) والوضوء أيضا منصوب على المصدر أي وتوضأت الوضوء أيضا وبحديث عائشة
535

قالت " كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي فيأتون في العباء ويصيبهم الغبار فيخرج منهم الريح
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أنكم تطهرتم ليؤمكم هذا " رواه البخاري ومسلم وعن ابن عباس
قال " غسل الجمعة ليس بواجب ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل وسأخبركم كيف كان بدء الغسل
فذكر نحو حديث عائشة " رواه أبو داود باسناد حسن (والجواب) عما احتجوا به أنه محمول على
الاستحباب جمعا بين الأدلة والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في مسائل من غسل الجمعة * قال ابن المنذر أكثر العلماء يقولون يجزئ
غسل واحد عن الجنابة والجمعة وهو قول ابن عمر ومجاهد ومكحول ومالك والثوري والأوزاعي
والشافعي وأبو ثور وقال احمد أرجو أن يجزئه وقال أبو قتادة الصحابي لمن اغتسل للجنابة أعد غسلا
للجمعة وقال بعض الظاهرية لا يجزئه (ومنها) لو اغتسل للجمعة قبل الفجر لم يجزئه على الصحيح من
مذهبنا وبه قال جماهير العلماء وقال الأوزاعي يجزئه (ومنها) لو اغتسل لها بعد طلوع الفجر أجزأه
عندنا وعند الجمهور حكاه ابن المنذر عن الحسن ومجاهد والنخعي والثوري واحمد واسحق وأبى ثور
وقال مالك لا يجزئه الا عند الذهاب إلى الجمعة وكلهم يقولون لا يجزئه قبل الفجر إلا الأوزاعي فقال
يجزئه الاغتسال قبل طلوع الفجر للجنابة والجمعة (ومنها) لو اغتسل للجمعة ثم أجنب لم يبطل غسله
عندنا وعند الجمهور وقال الأوزاعي يبطل ولو أحدث لم يبطل بالاجماع واختلفوا في استحباب إعادة
الغسل فمذهبنا أنه لا يستحب وحكاه ابن المنذر عن الحسن ومجاهد ومالك والأوزاعي قال وبه أقول
وحكى عن طاوس والزهري وقتادة ويحيي بن أبي كثير استحبابه (ومنها) المسافر إذا لم يرد حضور
الجمعة لا يستحب له الغسل عندنا وفيه الوجه السابق قال ابن المنذر وممن تركه في السفر ابن عمر
وعلقمة وعطاء وقال وروى عن طلحة بن عبيد الله أنه كان يغتسل في السفر يوم الجمعة وعن طاوس
ومجاهد مثله (ومنها) المرأة إذا حضرت الجمعة استحب لها الغسل عندنا وبه قال مالك والجمهور وقال
احمد لا تغتسل * دليلنا على الجميع قوله صلى الله عليه وسلم " من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل " وعلى
مالك اشتراط الذهاب عقب الغسل (قوله) صلى الله عليه وسلم " من اغتسل يوم الجمعة ثم راح " إلى آخر
الحديث ولفظه ثم للتراخي وعلى احمد في المرأة حديث ابن عمر الذي رواه البيهقي بزيادته
وهو صحيح سبق بيانه قريبا ولأنه ليس فيه تطيب ولا تزين *
536

* قال المصنف رحمه الله *
(ويستحب أن يتنظف بسواك وأخذ الظفر والشعر وقطع الروائح ويتطيب ويلبس أحسن
ثيابه لما روى أبو سعيد وأبو هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من اغتسل
يوم الجمعة واستن ومس من طيب إن كان عنده ولبس أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد
ولم يتخط رقاب الناس ثم ركع ما شاء الله أن يركع وأنصت إذا خرج الامام كانت كفارة لما بينهما
وبين الجمعة التي قبلها " وأفضل الثياب البياض لما روى سمرة بن جندب قال " قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم البسوا ثياب البيض فإنها أطهر وأطيب " ويستحب للامام من الزينة أكثر مما
يستحب لغيره لأنه يقتدى به والأفضل أن يعتم ويرتدى ببرد لان النبي صلى الله عليه وسلم
كان يفعل ذلك) *
(الشرح) حديث أبي سعيد وأبي هريرة رواه أحمد بن حنبل في مسنده وأبو داود في سننه
وغيرهما بأسانيد حسنة وهو من رواية محمد بن إسحاق صاحب المغازي عن محمد بن إبراهيم التيمي
ومحمد بن إسحاق يحتج به عند الجمهور إذا قال أخبرني أو حدثني أو سمعت ولا يحتج به إذا قال عن لأنه
منسوب إلى تدليس وقد قال في رواية أبى داود عن محمد بن إبراهيم وفى رواية احمد والبيهقي حدثني
محمد بن إبراهيم فثبت بذلك سماعه وصار الحديث حسنا وفى صحيح البخاري ومسلم أحاديث بمعنى
بعضه (منها) عن سلمان رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغتسل رجل يوم الجمعة
ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ثم يخرج لا يفرق بين اثنين ثم يصلي
ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الامام الا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى " رواه البخاري
وعن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " غسل يوم الجمعة على كل محتلم من
سواك ويمس من الطيب ما قدر عليه " رواه مسلم واما حديث سمرة فصحيح رواه الحاكم في المستدرك
والبيهقي وغيرهما في كتاب الجنائز قال الحاكم هو صحيح وفى المسألة أحاديث كثيرة في الندب إلى
احسان الثياب يوم الجمعة والسواك والطيب (واما) إزالة الشعر والظفر (فاحتج) لهما البيهقي والمحققون
بالأحاديث الصحيحة السابقة في باب السواك في الندب العام إليهما وانهما من خصال الفطرة المندوب
537

إليها (واما) ما روى عن ابن عمر وابن عباس من النهى عنهما يوم الجمعة قبل الصلاة فباطل ذكره البيهقي
وضعفه (واما) حديث الاعتمام فرواه عمرو بن حريث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " خطب
الناس وعليه عمامة سوداء " رواه مسلم في صحيحة واما لبس البرد فرواه جابر بن عبد الله رضي الله
عنهما قال " كان للنبي صلى الله عليه وسلم برد يلبسه في العيدين والجمعة " رواه البيهقي وقوله صلى الله عليه
وسلم واستن - بتشديد النون - أي تسوك ويقال انصت ونصت وتنصت ثلث لغات ذكرهن
الأزهري وغيره أفصحهن أنصت وبها جاء القرآن العزيز وسبق في الانصات للخطبة بيان الفرق
بينه وبين الاستماع وسمرة بن جندب ضم الدال وفتحها (وقوله) أفضل الثياب البياض كان الأحسن
أن يقول البيض ويصح البياض على تقدير أفضل ألوان الثياب البياض وهو معنى الحديث البسوا ثياب
البيض أي ثياب الألوان البيض والبسوا بفتح الباء * اما أحكام الفصل فقال أصحابنا يستحب مع
الاغتسال للجمعة أن يتنظف بإزالة أظفار وشعر وما يحتاج إلى ازالتهما كوسخ ونحوه وأن يتطيب
ويدهن ويتسوك ويلبس أحسن ثيابه وأفضلها البيض ويستحب للامام أكثر مما يستحب لغيره
من الزينة وغيرها وأن يتعمم ويرتدى وأفضل ثيابه البيض كغيره هذا هو المشهور وذكر الغزالي
في الاحياء كراهة لباسه السواد وقاله قبله أبو طالب المكي وخالفهما الماوردي فقال في الحاوي
يجوز للامام لبس البياض والسواد قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة يلبسون البياض
واعتم النبي صلى الله عليه وسلم بعمامة سوداء قال وأول من أحدث السواد بنو العباس في خلافتهم
شعارا لهم ولان الراية التي عقدت للعباس يوم فتح مكة ويوم حنين كانت سوداء وكانت راية
الأنصار صفراء قال فينبغي للامام أن يلبس السواد إذا كان السلطان له مؤثرا لما في تركه من
مخالفته وقال في كتابه الأحكام السلطانية ينبغي للامام أن يلبس السواد ويستدل بحديث عمرو
ابن حريث والصحيح أنه يلبس البياض دون السواد إلا أن يغلب على ظنه ترتب مفسدة على ذلك
من جهة السلطان أو غيره والله أعلم * واعلم أن هذا المذكور من استحباب الغسل والطيب والتنظف
بإزالة الشعور المذكورة والظفر والروائح الكريهة ولبس أحسن ثيابه ليس مختصا بالجمعة بل هو
مستحب لكل من أراد حضور مجمع من مجامع الناس نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب وغيرهم
قال الشافعي أحب ذلك كله للجمعة والعيدين وكل مجمع تجتمع فيه الناس قال وأنا لذلك في الجمع ونحوها
أشد استحبابا قال الشافعي والأصحاب وتستحب هذه الأمور لكل من أراد حضور الجمعة ونحوها
سواء الرجال والصبيان والعبيد الا النساء فيكره لمن أرادت منهن الحضور الطيب والزينة وفاخر الثياب
ويستحب لها قطع الرائحة الكريهة وإزالة الظفر والشعور المكروهة *
538

* قال المصنف رحمه الله *
(ويستحب أن يبكر إلى الجمعة لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من
اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة
ومن راح الساعة في الثالثة فكأنما قرب كبشا اقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما
قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الامام حضرت الملائكة
يستمعون الذكر ") *
(الشرح) حديث أبي هريرة هذا رواه البخاري ومسلم بلفظه وهذا المذكور من أن الساعات
خمس هو المشهور في كتب الحديث وفى رواية النسائي ست ساعات قال في الأولى بدنة وفى الثانية
بقرة والثالثة كبشا والرابعة بطة والخامسة دجاجة والسادسة بيضة وفى رواية النسائي أيضا في
الرابعة دجاجة وفى الخامسة عصفورا وفى السادسة بيضة واسنادا الروايتين صحيحان لكن قد يقال
هما شاذان لمخالفتهما سائر الروايات (وقوله) صلى الله عليه وسلم غسل الجنابة معناه غسلا كغسل الجنابة
في صفاته وإنما قال ذلك لئلا يتساهل فيه ولا يكمل آدابه ومندوباته لكونه سنة ليس بواجب
هذا هو المشهور في معناه ولم يذكر جمهور أصحابنا وجماهير العلماء غيره وحكي القاضي أبو الطيب
في تعليقه وصاحب الشامل وغيرهما من أصحابنا ان بعضهم حمله على الغسل من الجنابة حقيقة قالوا
والمراد به أنه يستحب له ان يجامع زوجته إن كان له زوجة أو أمته لتسكن نفسه في يومه ويؤيده
الحديث المذكور بعد هذا من غسل واغتسل على أحد المذاهب في تفسيره كما سيأتي إن شاء الله
وقوله صلى الله عليه وسلم " من اغتسل يوم الجمعة ثم راح " يستدل به أصحابنا على مالك في اشتراط
الرواح عقبه لان ثم للتراخي ويستدلون به على الأوزاعي في تجويزه الاغتسال لها قبل الفجر لان
ما قبل الفجر ليس من يوم الجمعة بالاتفاق وهذه الرواية مبينة لغسل الجمعة المطلق في غيرها وقوله
صلى الله عليه وسلم ثم راح أي في الساعة الأولى وأما حقيقة الرواح والمراد به فسنذكره عقب هذه
المسألة إن شاء الله تعالى (وقوله) صلى الله عليه وسلم قرب بدنة إلى آخره معنى قرب بدنة تصدق بها
والمراد بالبدنة هنا الواحد من الإبل ذكرا كان أو أنثى وفى حقيقة البدنة خلاف لأهل اللغة والفقهاء
قال الجمهور يقع على الواحد من الإبل والبقر والغنم وسميت بذلك لعظم بدنها وقيل يختص بالإبل
والبقر يقع على الذكر والأنثى سميت بقرة لأنها تبقر الأرض أي تشقها بالحراثة والبقر الشق
539

ووصف الكبش بأنه أقرن لأنه أحسن وأكمل في صورته والدجاجة - بفتح الدال وكسرها - يقع على
ذكر وأنثى ويقال حضرت الملائكة وغيرهم بفتح الضاد على المشهور وحكى ابن السكيت وجماعات
كسرها قالوا وهؤلاء الملائكة غير الحفظة بل طائفة وظيفتهم كتابة حاضري الجمعة ثم يحضرون
يسمعون الخطبة وفى هذا الحديث حجة لنا وللجمهور على مالك فإنه قال التضحية بالبقرة أفضل
من البدنة وفى الهدى في الحج قال البدنة أفضل وعندنا وعند الجمهور البدنة أفضل فيهما ودليلنا ان
القربان يطلق على الأضحية والهدى وهذا الحديث صريح في ترجيح البدنة على البقرة في القربان ومعنى
الحديث الحث على التبكير إلى الجمعة وان مراتب الناس في الفضيلة فيه وفى غيره على قدر أعمالهم كقوله
تعالي (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) واتفق أصحابنا على استحباب التبكير إلى الجمعة والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(وتعتبر الساعات من حين طلوع الفجر لأنه أول اليوم وبه يتعلق جواز الغسل ومن أصحابنا
من قال يعتبر من طلوع الشمس وليس بشئ) *
(الشرح) اتفق أصحابنا وغيرهم على استحباب التبكير إلى الجمعة في الساعة الأولى للحديث
السابق وفيما يعتبر منه الساعات ثلاثة أوجه (الصحيح) عند المصنف والأكثرين من طلوع الفجر (والثاني)
من طلوع الشمس وبه قطع المصنف في التنبيه وينكر عليه الجزم به (والثالث) أن الساعات هنا لحظات
لطيفة بعد الزوال واختاره القاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهما من الخراسانيين وهو مذهب
مالك * واحتجوا بان الرواح إنما يكون بعد الزوال وهذا ضعيف أو باطل والصواب أن الساعات
من أول النهار وأنه يستحب التبكير من أول النهار وبهذا قال جمهور العلماء وحكاه القاضي عياض
عن الشافعي وابن حبيب المالكي وأكثر العلماء ودليله أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن
الملائكة يكتبون من جاء في الساعة الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة
كما صح في روايتي النسائي اللتين قدمتهما فإذا خرج الامام طووا الصحف ولا يكتبون بعد ذلك
أحدا ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى الجمعة متصلا بالزوال وكذلك جميع الأئمة
في جميع الأمصار وذلك بعد انقضاء الساعة السادسة فدل على أنه لا شئ من الهدى والفضيلة لمن
جاء بعد الزوال ولا يكتب له شئ أصلا لأنه جاء بعد طي الصحف ولان ذكر الساعات إنما كان
540

للحث على التبكير إليها والترغيب في فضيلة السبق وتحصيل فضيلة الصف الأول وانتظارها والاشتغال
بالتنفل والذكر ونحوه وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال شئ منه ولا فضيلة للمجئ بعد
الزوال لان النداء يكون حينئذ ويحرم التأخير عنه وقد ثبت عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله شيئا إلا آتاه الله عز وجل فالتمسوها آخر ساعة
بعد العصر " رواه أبو داود والنسائي بهذه الحروف باسناد صحيح قال الحاكم هو صحيح على شرط
مسلم فهذا الحديث صريح في المسألة (وأما احتجاجهم) بلفظ الرواح (فجوابه) من وجهين (أحدهما) لا نسلم
أنه مختص بما بعد الزوال فقد أنكر الأزهري ذلك وغلط قائله فقال في شرح ألفاظ المختصر معنى راح
مضى إلى المسجد قال ويتوهم كثير من الناس أن الرواح لا يكون إلا في آخر النهار وليس ذلك بشئ
لان الرواح والغدو عند العرب مستعملان في السير أي وقت كان من ليل أو نهار يقال راح في أول
النهار وآخره وتروح وغدا بمعناه هذا لفظ الأزهري وذكر غيره مثله (والجواب الثاني) أنه لو سلم
أن حقيقة الرواح بعد الزوال وجب حمله هنا على ما قبله مجازا لما ذكرناه من الدلائل الظاهرة قال
الخطابي في شرح هذا الحديث معنى راح قصد الجمعة وتوجه إليها مبكرا قبل الزوال قال وإنما تأولناه
هكذا لأنه لا يتصور أن يبقى بعد الزوال خمس ساعات في وقت الجمعة قال وهذا شائع في الكلام تقول
راح فلان بمعنى قصد وإن كان حقيقة الرواح بعد الزوال والله أعلم *
(فرع) من جاء في أول ساعة من هذه الساعة ومن جاء في آخرها مشتركان في تحصيل
أصل البدنة أو البقرة أو غيرهما ولكن بدنة الأول أكمل من بدنة من جاء في آخر الساعة وبدنة
المتوسط متوسطة وهذا كما أن صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة ومعلوم
أن الجماعة تطلق على اثنين وعلى ألوف فمن صلي في جماعة هم عشرة آلاف له سبع وعشرون
درجة ومن صلي مع اثنين له سبعة وعشرون درجة لكن درجات الأول أكمل وأشباه هذا
كثيرة هذا هو الراجح المختار وقال الرافعي ليس المراد على الأوجه الثلاثة بالساعات الأربع والعشرين
541

بل ترتيب الدرجات وفضل السابق على الذي يليه لئلا يستوي في الفضيلة رجلان جاءا في طرفي ساعة *
* قال المصنف رحمه الله *
(ويستحب ان يمشي إليها وعليه السكينة لما روى أبو هريرة قال " قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوهما وأنتم تسعون وأتوها وأنتم تمشون فما أدركتم فصلوا
وما فاتكم فاقضوا ") *
(الشرح) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم سبق شرحه في باب صلاة الجماعة واتفقت
نصوص الشافعي والأصحاب على أن السنة أن يمشي إلى الجمعة بسكينة ووقار وبه قال جمهور
العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وحكاه ابن المنذر في مطلق الصلوات عن زيد بن ثابت
وأنس بن مالك وأبى ثور واحمد واختاره ابن المنذر قال وروينا عن ابن عمر أنه أسرع حين سمع
الإقامة وروى مثله عن ابن مسعود والأسود بن يزيد وعبد الرحمن بن يزيد واسحق * دليلنا الحديث
المذكور (وأما) قول الله تعالى (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) (فمعناه) اذهبوا أو امضوا
لان السعي يطلق على الذهاب وعلى العدو فبينت السنة المراد به *
* قال المصنف رحمه الله *
(ويستحب أن لا يركب من غير عذر لما روى أوس بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الامام
واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة أجر عمل سنة صيامها وقيامها ") *
(الشرح) هذا الحديث حسن رواه أحمد بن حنبل وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم
542

بأسانيد حسنة قال الترمذي هو حديث حسن ورواية أوس بن أوس الثقفي وقال يحيى بن معين
هو أوس بن أبي أوس والصواب الأول وروى غسل بتخفيف السين وغسل بتشديدها روايتان
مشهورتان والأرجح عند المحققين بالتخفيف فعلى رواية التشديد في معناه ثلاثة أوجه (أحدها)
غسل زوجته بان جامعها فألجأها إلى الغسل واغتسل هو قالوا ويستحب له الجماع في هذا اليوم ليأمن
أن يرى في طريقه ما يشغل قلبه (والثاني) أن المراد غسل أعضاءه في الوضوء ثلاثا ثلاثا ثم
اغتسل للجمعة (والثالث) غسل ثيابه ورأسه ثم اغتسل للجمعة وعلى رواية التخفيف
في معناه هذه الأوجه الثلاثة (أحدها) الجماع قاله الأزهري قال ويقال غسل امرأته إذا
جامعها (والثاني) غسل رأسه وثيابه (والثالث) توضأ وذكر بعض الفقهاء عسل بالعين
المهملة وتشديد السين أي جامع شبه لذة الجماع بالعسل وهذا غلط غير معروف في روايات الحديث
وإنما هو تصحيف والمختار ما اختاره البيهقي وغيره من المحققين أنه بالتخفيف وان معناه غسل رأسه
ويؤيده رواية لأبي داود في هذا الحديث من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل وروى أبو داود في سننه
والبيهقي هذا التفسير عن مكحول وسعيد بن عبد العزيز قال البيهقي وهو بين في رواية أبي هريرة
وابن عباس رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أفرد الرأس بالذكر لأنهم كانوا
يجعلون فيه الدهن والخطمي ونحوهما وكانوا يغسلونه أولا ثم يغتسلون (وأما) قوله صلى الله عليه وسلم
وبكر وابتكر (فقال) الأزهري يجوز فيه بكر بالتخفيف والتشديد فمن خفف فمعناه خرج من بيته
باكرا ومن شدد معناه أتى الصلاة لأول وقتها وبادر إليها وكل من أسرع إلى شئ فقد بكر إليه وفى
الحديث بكروا بصلاة المغرب أي صلوها لأول وقتها ويقال لأول الثمار باكورة لأنه جاء في أول وقت
قال ومعنى ابتكر أدرك أول الخطبة كما يقال ابتكر بكرا إذا نكحها لأول إدراكها هذا كلام الأزهري
والمشهور بكر بالتشديد ومعناه بكر إلى صلاة الجمعة وقيل إلى الجامع وابتكر أدرك أول الخطبة
وقيل هما بمعنى جمع بينهما تأكيدا حكاه الخطابي عن الأثرم صاحب أحمد قال ودليله تمام الحديث
ومشي ولم يركب ومعناهما واحد قال الخطابي وقال بعضهم بكر أدرك باكورة الخطبة أي أولها
وابتكر قدم في أول الوقت وقال ابن الأنباري بكر تصدق قبل خروجه كما في الحديث باكروا
بالصدقة وقيل بكر راح في الساعة الأولى وابتكر فعل فعل المبتكرين من الصلاة والقراءة وسائر
وجوه الطاعة وقيل معنى ابتكر فعل فعل المبتكرين وهو الاشتغال بالصلاة والذكر حكاه الشيخ
أبو حامد والقاضي أبو الطيب (وأما) قوله صلى الله عليه وسلم ومشي ولم يركب (فقد) قدمنا عن حكاية
543

الخطابي عن الأثرم انه للتأكيد وانهما بمعنى والمختار انه احتراز من شيئين (أحدهما) نفي توهم حمل
المشي على المضي والذهاب وإن كان راكبا (والثاني) نفى الركوب بالكلية لأنه لو اقتصر على مشي
لاحتمل أن المراد وجود شئ من المشي ولو في بعض الطريق فنفى ذلك الاحتمال وبين أن المراد
مشي جميع الطريق ولم يركب في شئ منها (وأما) قوله صلى الله عليه وسلم واستمع (فهما) شيئان
مختلفان وقد يستمع ولا يدنوا من الخطبة وقد يدنوا ولا يستمع فندب إليهما جميعا وقوله صلى الله عليه
وسلم ولم يلغ معناه ولم يتكلم لان الكلام حال الخطبة لغو وقال الأزهري معناه استمع الخطبة
ولم يشتغل بغيرها * أما حكم المسألة فاتفق الشافعي والأصحاب وغيرهم على أنه يستحب لقاصد
الجمعة أن يمشي وأن لا يركب في شئ من طريقه إلا لعذر كمرض ونحوه والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(ولا يشبك بين أصابعه لقوله صلى الله عليه وسلم " فان أحدكم في صلاة ما كان يعمد إلى
الصلاة ") *
(الشرح) هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه من رواية أبي هريرة وهو بعض الحديث
الطويل السابق إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون قال الشافعي معناه يذهب في آخر تعمده
إلى الصلاة وقال غيره معنى الحديث ما دام يعمد إلى الصلاة فله أجر وثواب بسبب الصلاة فينبغي
أن يتأدب بآداب المصلين فيترك العبث والكلام الردئ في طريقه والنظر المذموم وغير
ذلك مما يتركه المصلى * أما حكم المسألة فاتفق الأصحاب وغيرهم على كراهة تشبك الأصابع في طريقه
إلى المسجد وفى المسجد يوم الجمعة وغيره وسائر أنواع العبث ما دام قاصدا الصلاة أو منتظرها
واحتج له بحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا توضأ أحدكم فأحسن
وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن يده فإنه في صلاة " رواه أبو داود والترمذي باسناد
ضعيف والاعتماد على الحديث المذكور في الكتاب قال الخطابي في شرح هذا الحديث التشبك يفعله
544

بعض الناس عبثا وبعضهم لتفرقع أصابعه وربما قعد الانسان فاحتبى بيديه وشبك أصابعه وربما
جلب النوم فيكون سببا لنقض الوضوء فنهى قاصد الصلاة عنه لان جميع ما ذكرناه لا يليق بالمصلى
ولا يخالف هذا ما ثبت في صحيح البخاري وغيره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم شبك أصابعه في
المسجد بعد ما سلم من الصلاة عن ركعتين في قصة ذي اليدين وشبك في غيره لان النهي والكراهة إنما
هي في حق المصلي وقاصد الصلاة وتشبيك النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين كان بعد سلامه وقيامه إلى ناحية
المسجد وهو يعتقد انه ليس في صلاة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
(ويستحب أن يدنو من الامام لحديث أوس ولا يتخطى رقاب الناس لحديث أبي سعيد وأبي هريرة
قال الشافعي إذا لم يكن للامام طريق لم يكره أن يتخطى رقاب الناس وإن دخل رجل وليس له
موضع وبين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بأن يتخطى رجلا أو رجلين لم يكره له لأنه يسير
فإن كان بين يديه خلق كثير فان رجا إذا قاموا إلى الصلاة أن يتقدموا جلس حتى يقوموا وإن لم
يرج أن يتقدموا جاز أن يتخطى ليصل إلى الفرجة ولا يجوز أن يقيم رجلا من موضعه ويجلس
لما روى ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه
ولكن يقول تفسحوا أو توسعوا " فان قام رجل وأجلسه مكانه باختياره جاز له أن يجلس
وأما صاحب الموضع فإنه إن كان الموضع الذي ينتقل إليه دون الموضع الذي كان فيه في القرب من
الامام كره له ذلك لأنه آثر غيره في القربة وان فرش لرجل ثوب فجاء آخر لم يجلس عليه فان أراد
أن ينحيه ويجلس مكانه جاز وان قام رجل من موضعه لحاجة فجلس رجل مكانه ثم عاد فالمستحب
أن يرد الموضع إليه لما روى أبو هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام أحدكم من مجلسه ثم
رجع إليه فهو أحق به " قال الشافعي وأحب إذا نعس ووجد مجلسا لا يتخطى فيه غيره تحول اله لما
روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا نعس أحدكم في مجلسه يوم الجمعة فليتحول
إلى غيره ") *
(الشرح) حديث ابن عمر الأول رواه البخاري ومسلم وحديث أبي هريرة رواه مسلم وحديث
ابن عمر الثاني " إذا نعس أحدكم " رواه أبو داود والترمذي وآخرون بأسانيدهم عن محمد بن إسحاق
صاحب المغازي عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الترمذي هو حديث حسن صحيح
545

وقال الحاكم هو حديث صحيح على شرط مسلم وأنكر البيهقي ذلك وقال روى مرفوعا
وموقوفا الموقوف أصح هكذا قال في كتابه معرفة السنن والآثار ورواه في السنن الكبير من طريقين
ثم قال ولا يثبت رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمشهور انه من قول ابن عمر واقتصر الشافعي
في الأم على روايته موقوفا باسناده الصحيح عن ابن عمر والصواب انه موقوف كما قاله البيهقي وأما
تصحيح الترمذي والحاكم فغير مقبول لان مداره على محمد بن إسحاق وهما إنما روياه من روايته وهو
مدلس معروف بذلك عند أهل الحديث وقد قال في روايته عن نافع بلفظ عن وقد أجمع العلماء
من المحدثين والفقهاء والأصوليين أن المدلس إذا قال عن لا يحتج بروايته والحكم متساهل في
التصحيح معروف عند العلماء بذلك والترمذي ذهل عن ذلك وإنما بسطت الكلام في هذا الحديث
لئلا يغتر بتصحيحهما ولم يذكر الحافظ ابن عساكر في الأطراف أن الترمذي صححه ولكن تصحيحه
موجود في نسخ الترمذي ولعل النسخ اختلفت في هذا الحديث كما نختلف في غيره في كتاب الترمذي
غالبا (وقوله) يتخطى غير مهموز والفرجة بضم الفاء وفتحها لغتان مشهورتان سبق بيانهما ويقال
أيضا فرج ومنه قوله تعالي (ومالها من فروج) جمع فرج وهو الخلو بين شيئين وقوله نعس بفتح العين -
ينعس - بضمها * اما أحكام الفصل ففيه مسائل (إحداها يستحب) الدنو من الامام بالاجماع لتحصيل
فضيلة التقدم في الصفوف واستماع الخطبة محققا: الثانية ينهي الداخل إلى المسجد يوم الجمعة وغيره
عن تخطى رقاب الناس من غير ضرورة وظاهر كلام المصنف وغيره انه مكروه كراهة تنزيه لا حرام
فإن كان إماما ولم يجد طريقا إلى المنبر والمحراب إلا بالتخطي لم يكره لأنه ضرورة نص عليه الشافعي
كما ذكره المصنف واتفق عليه الأصحاب وإن كان غير إمام ورأي فرجة قدامهم لا يصلها إلا بالتخطي
قال الأصحاب لم يكره التخطي لان الجالسين وراءها مفرطين بتركها وسواء وجد غيرها أم لا وسواء
كانت قريبة أم بعيدة لكن يستحب إن كان له موضع غيرها أن لا يتخطى وإن لم يكن موضع وكانت
قريبة بحيث لا يتخطى أكثر من رجلين ونحوهما دخلها وإن كانت بعيدة ورجا انهم يتقدمون إليها إذا أقيمت
الصلاة يستحب أن يقعد موضعه ولا يتخطى وإلا فليتخط *
(فرع) في مذاهب العلماء في التخطي * قد ذكرنا أن مذهبنا انه مكروه إلا أن يكون قدامهم فرجة
لا يصلها إلا بالتخطي فلا يكره حينئذ وبهذا قال الأوزاعي وآخرون وحكي ابن المنذر كراهته
مطلقا عن سلمان الفارسي وأبي هريرة وسعيد بن المسيب وعطاء وأحمد بن حنبل وعن مالك كراهته
546

إذا جلس الإمام على المنبر ولا بأس به قبله وقال قتادة يتخطاهم إلى مجلسه وعن أبي نصر جواز ذلك
بإذنهم قال ابن المنذر لا يجوز شئ من ذلك عندي لان الأذى يحرم قليله وكثيره وهذا أذى كما
جاء في الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن يراه يتخطى أجلس " فقد آذيت " (الثالثة) قال
أصحابنا لا يجوز أن يقيم الداخل رجلا من موضعه لما ذكره المصنف وسواء في هذا المسجد وسائر
المواضع المباحة التي يختص بها السابق قال القاضي أبو الطيب وصاحب الشامل ويجوز اقامته في ثلاث
صور وهي أن يقعد في موضع الامام أو طريق الناس ويمنعهم الاجتياز أو بين يدي الصف مستقبل
القبلة قال في الشامل بشرط أن يضيق الموضع على الناس فان اتسع تنحوا عنه يمينا وشمالا ولا ينحوه
أما إذا قام الجالس باختياره وأجلس غيره فلا كرهة في جلوس الداخل وأما الجالس فان انتقل إلى
أقرب شئ إلى الامام أو مثله لم يكره وان انتقل إلى أبعد منه كره من غير عذر قال المصنف
وغيره ودليل كراهته انه آثر بالقربة وهذا تصريح منهم بأن الايثار بالقرب مكروه (واما) قول الله
عز وجل ويؤثرون على أنفسهم (فالمراد) به في حظوظ النفوس والايثار بحظوظ النفوس مستحب بلا شك
وبينته تمام الآية (ولو كان بهم خصاصة) وقد يحتج لكراهته بقوله صلى الله عليه وسلم
" لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله تعالى " وهو حديث صحيح سبق بيانه في باب موقف الامام
(الرابعة) قال الشافعي وأصحابنا يجوز ان يبعث الرجل من يأخذ له موضعا يجلس فيه فإذا جاء
الباعث تنحى المبعوث ويجوز ان يفرش له ثوبا ونحوه ثم يجئ ويصلي موضعه فإذا فرشه لم يجز
لغيره أن يصلي عليه لكن له أن ينحيه ويجلس مكانه وينبغي أن ينحيه بحيث لا يرفعه بيده فان دفعه
دخل في ضمانه ذكره صاحب البيان وغيره (الخامسة) إذا جلس في مكان من المسجد فقام لحاجة
كوضوء وغيره ثم عاد إليه فهو أحق به للحديث المذكور في الكتاب وفى هذا الحق وجهان (أحدهما)
يستحب (الثاني) أن يرده إليه ولا يلزمه وبهذا جزم المصنف وهو ظاهر نص الشافعي (وأصحهما) يجب
عليه رده إلى الأول صححه أصحابنا وجزم به جماعة لظاهر الحديث قال أصحابنا وسواء ترك
الأول في موضعه ثوبا ونحوه أم لا فهو أحق به في الحالين وسواء قام لحاجة بعد الدخول في الصلاة
أو قبله اما إذا فارق لغير عذر فيبطل حقه بلا خلاف وسيأتي بسط هذه المسألة ونظائرها في أحياء
الموات أن شاء الله تعالى (السادسة) إذا نعس في مكانه ووجد موضعا لا يتخطى فيه أحدا يستحب
أن يتحول إليه نص عليه الشافعي واتفقوا عليه للحديث مرفوعا كان أو موقوفا ولأنه سبب لزوال النعاس
547

قال الشافعي في الأم وإذا ثبت في موضعه وتحفظ من النعاس بوجه يراه نافيا للنعاس لم أكره ء بقاه
ولا أحب أن يتحول *
(فرع) قال الشافعي والأصحاب إذا حضر قبل صلاة الجمعة أو غيرها استحب أن يستقبل
القبلة في جلوسه فان استدبرها جاز ولو اتكأ أو مد رجليه أو ضيق على الناس بغير ذلك كره إلا أن
يكون به علة قال الشافعي والأصحاب فإن كان به علية استحب أن يتحول إلى موضع لا يزاحم فيه حتى
لا يؤذى ولا يتأذى * قال المصنف رحمه الله *
(وإن حضر قبل الخطبة اشتغل بذكر الله تعالى والصلاة ويستحب أن يقرأ يوم الجمعة
سورة الكهف لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال " من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة غفر له ما بين الجمعة
إلى الجمعة " ويكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وليلتها لما روى
أوس بن أوس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا على من
الصلاة فيه فان صلاتكم معروضة على " ويكثر من الدعاء لان فيه ساعة يستجاب فيها الدعاء
فلعله يصادف ذلك) *
(الشرح) حديث أوس بن أوس هذا صحيح رواه أبو داود والنسائي وغيرهما بأسانيد
صحيحة قال البيهقي في كتاب المعرفة روينا عن أنس وعن أبي إمامة في فضل الصلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة ويومها أحاديث وأصحها حديث أوس هذا وأما الأثر عن عمر رضي
الله عنه في الكهف فغريب وروى بمعناه من رواية ابن عمر وهو ضعيف أيضا وروى البيهقي
بإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من قرأ سورة الكهف يوم
الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين " قال وروى موقوفا على أبي سعيد * أما الأحكام فيستحب
للحاضر قبل الخطبة الاشتغال بذكر الله تعالى وقراءة القرآن والصلاة والاكثار من الصلاة على
رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومها وليلتها ودليل ذلك ظاهر وقد سبق في حديث سلمان
في هذا الباب الندب إلى الصلاة قال الشافعي في الأم والأصحاب ويستحب قراءة سورة الكهف
في يوم الجمعة وليلتها ويستحب اكثار الدعاء يوم الجمعة بالاجماع ودليله حديث أبي هريرة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم " ذكر يوم الجمعة فقال فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل
الله شيئا إلا أعطاه إياه وأشار بيده يقللها " رواه البخاري ومسلم وسقط في بعض الروايات " قائم يصلي "
548

وفى رواية صحيحة للبيهقي وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يقللها وفى رواية لمسلم وهي
ساعة خفيفة: واختلف العلماء في تعيين هذه الساعة على أحد عشر قولا أحدها أنها ما بين طلوع
الفجر وطلوع الشمس حكاه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وآخرون (الثاني) عند الزوال
حكاه القاضي عياض وحكاه صاحب الشامل عن الحسن البصري (الثالث) من الزوال إلى خروج
الامام حكاه أبو الطيب وحكاه ابن الصباغ لكن قال إلى أن يدخل الامام في الصلاة (الرابع) من
الزوال إلى أن يصير الظل نحو ذراع حكاه القاضي عياض (الخامس) من خروج الامام إلى فراغ
صلاته حكاه عياض (السادس) ما بين خروج الامام وصلاته حكاه أبو الطيب (السابع) من حين
تقام الصلاة حتى يفرغ حكاه عياض (والثامن) وهو الصواب ما بين جلوس الإمام على المنبر إلى فراغه
من صلاة الجمعة حكاه عياض وآخرون (التاسع) من العصر إلى غروب الشمس حكاه عياض وآخرون
وحكاه الترمذي في كتابه عن بعض العلماء من الصحابة وغيرهم قال وبه يقول احمد واسحق قال
قال احمد أكثر أهل الحديث أنها بعد العصر وترجى بعد الزوال (العاشر) آخر ساعة من النهار
حكاه القاضيان أبو الطيب وعياض وابن الصباغ وخلائق وبه قال جماعة من الصحابة (الحادي عشر)
أنها مخفية في كل اليوم كليلة القدر حكاه عياض وغيره ونقله ابن الصباغ عن كعب الأحبار واعترضوا
على من قال بعد العصر بأنه ليس وقت صلاة وفى الحديث وهو قائم يصلي وأجابوا بان منتظر الصلاة
في صلاة ولأنه قد يكون في صلاة ذات سبب والصواب القول الثامن فقد ثبت في صحيح مسلم
عن أبي موسى الأشعري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " هي ما بين أن يجلس
الامام إلى أن يقضى الصلاة فهذا صحيح صريخ لا ينبغي العدول عنه وفى سنن البيهقي بإسناده عن مسلم
ابن الحجاج قال هذا الحديث أجود حديث وأصحه في بيان ساعة الجمعة قال القاضي عياض وليس
معنى هذه الأقوال أن هذا كله وقت لهذه الساعة بل معناه أنها تكون في أثناء ذلك الوقت لقوله
وأشار بيده يقللها وهذا الذي قاله القاضي صحيح وأما الحديث الذي رواه الترمذي عن أنس عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " التمسوا الساعة التي ترجي في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس "
فضعيف ضعفه الترمذي وغيره ورواية محمد بن أبي حميد منكر الحديث سئ الحفظ وأما حديث
549

كثير بن عبد الله بن عمرو ابن عوف عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها من حين تقام
الصلاة إلى الانصراف منها فرواه الترمذي وقال حديث حسن وليس كما قال فان مداره على كثير
ابن عبد الله وقد اتفقوا على ضعفه وترك الاحتجاج به قال الشافعي هو كذاب وفى رواية عنه
هو أحد أركان الكذب وقال أحمد بن حنبل منكر الحديث ليس بشئ وأما حديث جابر أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " يوم الجمعة ثنتا عشر ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله شيئا الا أعطاه الله
عز وجل فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر " فرواه أبو داود والنسائي باسناد صحيح ويحتمل أن هذه
منتقلة تكون في بعض الأيام في وقت وفى بعضها في وقت كما هو المختار في ليلة القدر والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(وإذا جلس الامام انقطع التنفل لما روى عن ثعلبة بن أبي مالك قال قعود الامام يقطع
السبحة وكلامه يقطع الكلام وانهم كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر بن الخطاب رضي الله عنه
جالس على المنبر فإذا سكت المؤذن قام عمر فلم يتكلم أحد حتى يقضى الخطبتين فإذا قامت الصلاة
ونزل عمر تكلموا ولان التنفل في هذا الحال يمنع الاستماع إلى ابتداء الخطبة فكره فان دخل والامام
على المنبر صلي تحية المسجد لما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا جاء أحدكم
والامام يخطب فليصل ركعتين " فان دخل والامام في آخر الخطبة لم يصل لأنه تفوته أول الصلاة مع
الامام وهو فرض فلا يجوز أن يشتغل عنه بالنفل) *
(الشرح) حديث جابر رواه مسلم بلفظه والبخاري بمعناه وحديث ثعلبة صحيح رواه
الشافعي في الأم باسنادين صحيحين ورواه مالك في الموطأ بمعناه وثعلبة هذا صحابي رأى النبي
صلى الله عليه وسلم قال البيهقي في كتاب المعرفة قال الشافعي في القديم فقد أخبر ثعلبة عن عامة
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الهجرة انهم كانوا يصلون نصف النهار يوم الجمعة
ويتكلمون والإمام على المنبر وقوله يقطع السبحة - هو بضم السين - وهي النافلة وفى هذا الأثر
فوائد (منها) جواز الصلاة حال استواء الشمس يوم الجمعة والكلام قبل الخطبة وبعدها قبل الصلاة
والتنفل ما لم يقعد الامام على المنبر وانقطاع النافلة بجلوسه على المنبر قبل شروعه في الأذان وجوز
الكلام حال الأذان وقول المصنف فلا يجوز أن يشتغل عنه بالتنفل معناه يكره الاشتغال عنه بالتنفل
550

وليس المراد تحريمه * أما الأحكام فقال أصحابنا إذا جلس الإمام على المنبر امتنع ابتداء النافلة ونقلوا الاجماع
فيه وقال صاحب الحاوي إذا جلس الإمام على المنبر حرم على من في المسجد ان يبتدئ صلاة
النافلة وإن كان في صلاة جلس وهذا اجماع هذا كلام صاحب الحاوي وهو صريح في تحريم
الصلاة بمجرد جلوس الامام على المنبر وانه مجمع عليه وقال البغوي إذا ابتدأ الخطبة لا يجوز
لاحد ان يبتدئ صلاة سواء كان صلى السنة أم لا وقال الشيخ أبو حامد إذا جلس الإمام على
المنبر انقطع التنفل فمن لم يكن في صلاة لم يجز له أن يبتدئها فإن كان في صلاة خففها وقال المتولي
إذا قلنا الانصات سنة جاز أن يشتغل بالقراءة وصلاة النفل وان قلنا الانصات واجب حرم
ذلك هذا كلامه والمشهور المنع من الصلاة مطلقا سواء أوجبنا الانصات أم لا فان خرج الامام
وهو في صلاة استحب له أن يخففها بلا خلاف ولا تبطل واتفق الأصحاب على أن النهى عن الصلاة
ابتداء يدخل فيه بجلوس الإمام على المنبر ويبقى حتى يفرغ من صلاة الجمعة واما قول المزني في
المختصر قال الشافعي إذا زالت الشمس وجلس الإمام على المنبر وأذن المؤذن فقد انقطع الركوع
يعنى التنفل فقال الشيخ أبو حامد والأصحاب هذا غلط من المزني لان التنفل يمتنع بمجرد
جلوس الامام ولا يتوقف على الأذان قالوا وقد قال الشافعي في الأم إذا خرج الامام وجلس على
المنبر انقطع التنفل والله أعلم * وأما إذا دخل داخل والامام جالس على المنبر أو في أثناء الخطبة
فيستحب له أن يصلى تحية المسجد ركعتين ويخففهما ويكره تركهما للحديث الصحيح " إذا دخل أحدكم
المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين " وإن دخل والامام في آخر الخطبة وغلب على ظنه أنه إن صلى
التحية فاته تكبيرة الاحرام مع الامام لم يصل التحية بل يقف حتى تقام الصلاة ولا يقعد لئلا يكون
جالسا في المسجد قبل التحية وان أمكنه الصلاة وإدراك تكبيرة الاحرام صلي التحية هكذا فصله
المحققون منهم صاحب الشامل وأطلق البغوي وجماعة كما أطلق المصنف واطلاقهم محمول على التفصيل
المذكور قال صاحب العدة يستحب للامام أن يزيد في الخطبة قدرا يمكنه أن يأتي بالركعتين فيه وهذا
موافق لنص الإمام الشافعي فإنه قال في الأم إذا دخل والامام في آخر الكلام ولا يمكنه صلاة
ركعتين خفيفتين قبل دخول الامام في الصلاة فلا عليه أن يصليهما وأرى الامام أن يأمره
بصلاتهما ويزيد في كلامه ما يمكنه اكمالهما فيه فإن لم يفعل كرهت ذلك له ولا شئ عليه هذا نصه
وأطبق الأصحاب عليه *
551

(فرع) في مذاهب العلماء فيمن دخل المسجد يوم الجمعة والامام يخطب * مذهبنا أنه يستحب
له أن يصلي ركعتين تحية المسجد ويخففهما ويكره له تركهما وبه قال الحسن البصري ومكحول والمقبري
وسفيان بن عيينة وأبو ثور والحميدي واحمد وإسحق وابن المنذر وداود وآخرون وقال عطاء
بن أبي رباح وشريح وابن سيرين والنخعي وقتادة ومالك والليث والثوري وأبو حنيفة وسعيد بن
عبد العزيز لا يصلي شيئا وقال أبو مجلز إن شاء صلي وإلا فلا * واحتجوا بحديث عن ابن عمر عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا خطب الامام فلا صلاة ولا كلام " واحتج أصحابنا بحديث
جابر المذكور وهو صحيح كما سبق والجواب عن حديث ابن عمر من وجهين (أحدهما) أنه غريب
(والثاني) لو صح لحمل على ما زاد على ركعتين جمعا بين الأحاديث *
* قال المصنف رحمه الله * (ويجوز الكلام قبل أن يبتدئ بالخطبة لما رويناه من حديث ثعلبة بن أبي مالك ويجوز إذا
جلس الامام بين الخطبتين وإذا نزل من المنبر قبل أن يدخل في الصلاة لما روى أنس قال " كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم " ينزل يوم الجمعة من المنبر فيقوم معه الرجل في الحاجة ثم ينتهى إلى مصلاه
فيصلى " ولأنه ليس بحال صلاة ولا حال استماع فلم يمنع من الكلام وإذا بدأ بالخطبة انتصت لما روي
أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من توضأ فأحسن الوضوء ثم انصت للامام يوم الجمعة
حتى يفرغ من صلاته غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام " وهل يجب الانصات فيه
قولان (أحدهما) يجب لما روى جابر قال " دخل ابن مسعود والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس إلى
أبي فسأله عن شئ فلم يرد عليه فسكت حتى صلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ما منعك أن ترد
على فقال إنك لم تشهد معنا الجمعة قال ولم قال تكلمت والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقام ابن
مسعود ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له فقال صدق أبي " (والثاني) يستحب وهو الأصح
لما روى أنس قال دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يوم الجمعة
فقال متي الساعة فأشار الناس إليه أي اسكت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الثالثة
ما أعددت لها قال حب الله ورسوله قال إنك مع من أحببت " فان رأى رجلا يقع في بئر ورأي عقربا تدب
إليه لم يحرم عليه كلامه قولا واحدا لان الانذار يجب لحق الآدمي والانصات لحق الله تعالى
552

ومبناه على المسامحة وان سلم عليه رجل أو عطس فان قلنا يستحب الانصات رد السلام وشمت
العاطس وان قلنا يجب الانصات لم يرد السلام ولم يشمت العاطس لان المسلم سلم في غير موضعه
فلم يرد عليه وتشميت العاطس سنة فلا يترك له الانصات الواجب ومن أصحابنا من قال
لا يرد السلام لان المسلم مفرط ويشمت العاطس لان العاطس غير مفرط في العطاس وليس بشئ
(الشرح) حديث ثعلبة سبق بيانه قريبا وحديث أنس ضعيف رواه أبو داود والترمذي
وابن ماجة والبيهقي وضعفوه ولفظه ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يكلم في الحاجة إذا نزل
من المنبر يوم الجمعة " ونقل الترمذي عن البخاري انه ضعفه وحديث أبي هريرة رواه مسلم ولفظه
" من توضأ فأحسن الوضوء ثم اتي الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام
ومن مس الحصا فقد لغا " واما حديث جابر في قصة ابن مسعود وأبي بن كعب فرواه البيهقي في
السنن الكبير عن أبي ذر قال " دخلت المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلست
قريبا من أبي بن كعب فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة براءة فقلت لأبي متى نزلت هذه
السورة فلم يكلمني " وذكر الحديث بمعناه أو بلفظه المذكور في المهذب وقال في آخره فقال النبي
553

صلى الله عليه وسلم صدق أبى قال البيهقي وروى عن أبي الدرداء وأبي وجعلت القصة بينهما وروى
عن جابر بن عبد الله فذكر معني هذه القصة بين ابن مسعود وأبى قال ورواه عكرمة عن ابن عباس
فجعل معني القصة بين رجل غير مسمى وبين ابن مسعود وجعل المصيب بن مسعود قال
البيهقي وليس في الباب أصح من الحديث الذي ذكرناه أولا وقال البيهقي في كتاب المعرفة نحو
هذا وزاد فقال وروينا في كتاب السنن باسناد صحيح عن أبي ذر أنه قال ذلك لأبي (واما) حديث انس
الأخير (فرواه) البيهقي بلفظه باسناد صحيح ورواه غيره بمعناه * واما ألفاظ الفصل فيقال انصت ونصت
وانتصت ثلاث لغات سبق بيانهن أفصحهن انصت قال الأزهري ويقال انصته وأنصت له وسبق
الفرق بين الاستماع والانصات في الباب الذي قبل هذا (وقوله) لم تشهد معنا الجمعة أي جمعة كاملة
أو شهودا كاملا (قوله) عقربا تدب - هو بكسر الدال - قال الخطابي في الحديث كانت كفارة لما بينها
554

وبين الجمعة التي قبلها وزيادة ثلاثة أيام قال معناه ما بين الساعة التي يصلي فيها الجمعة ومثلها من الجمعة
الأخرى لتكون الجملة عشرة وذكر المصنف تشميت العاطس وهو بالشين المعجمة وبالمهملة لغتان
فصيحتان مشهورتان قال أبو عبيد المعجمة أفصح وقال ثعلب والأزهري المهملة أفصح وسمته
وشمته وهو بالمهملة مشتق من السمت وهو القصد والاستقامة * اما الأحكام فقد سبق بيان الكلام
في حال الخطبة وقبلها وبعدها وما يتعلق بها من الفروع مبسوطا واضحا في آخر الباب الأول
واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه لا بأس بالكلام بعد خروج الامام وجلوسه على
المنبر ما لم يشرع في الخطبة وبهذا قال جمهور العلماء وهو المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم لحديث
ثعلبة المذكور هنا * وقال أبو حنيفة يكره الكلام من حين يخرج الامام * قال المصنف رحمه الله *
(ومن دخل والامام في الصلاة أحرم بها فان أدرك معه الركوع من الثانية فقد أدرك الجمعة
فإذا سلم الامام أضاف إليه أخرى وإن لم يدرك الركوع فقد فاتت الجمعة فإذا سلم الامام أتم الظهر
لما روى أبو هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الجمعة فليصل
إليها أخرى ") *
(الشرح) حديث أبي هريرة هذا رواه الحاكم في المستدرك من ثلاث طرق وقال أسانيدها
555

صحيحة ورواه ابن ماجة والدارقطني والبيهقي وفى اسناده ضعف ويغني عنه حديث أبي هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " رواه البخاري
ومسلم وبهذا الحديث احتج مالك في الموطأ والشافعي في الأم وغيرهما قال الشافعي معناه لم تفته تلك الصلاة
ومن لم تفته الجمعة صلاها ركعتين (وقوله) في حديث الكتاب فليصل إليها أخرى وهو بضم الياء
وفتح الصاد وتشديد اللام * اما الأحكام فقال الشافعي والأصحاب إذا أدرك المسبوق ركوع الامام
في ثانية الجمعة بحيث اطمأن قبل رفع الامام عن أقل الركوع كان مدركا للجمعة فإذا سلم الامام
أتي بثانية وتمت جمعته وإن أدركه بعد ركوعها لم يدرك الجمعة بلا خلاف عندنا فيقوم بعد سلام
الامام إلى أربع للظهر وفى كيفية نية هذا الذي أدركه بعد الركوع وجهان حكاهما صاحب البيان
وغيره (أحدهما) ينوي الظهر لأنها التي تحصل له (وأصحهما) وبه قطع الروياني في الحلية وآخرون
وهو ظاهر كلام المصنف والجمهور ينوى الجمعة موافقة للامام ولو أدرك الركوع وشك هل سجد
مع الامام سجدة أم سجدتين قال الشافعي والشيخ أبو حامد والبندنيجي والروياني في الحلية وغيرهم
إن كان شك قبل سلام الامام سجد أخرى وأدرك الجمعة وإن كان بعده سجد أخري وأتم الظهر
ولا تحصل الجمعة قطعا وحكي القاضي أبو الطيب في تعليقه وجها انه لا يكون مدركا للجمعة فيما
إذا سجدها قبل سلام الامام وهذا شاذ ضعيف ولو أدرك ركعة مع الامام وسلم الامام وأتى بركعته
الأخرى فلما جلس للتشهد شك هل سجد مع الامام سجدة أم سجدتين لم يكن مدركا للجمعة
556

بلا خلاف لاحتمال انها من الأولى وتحصل له ركعة من الظهر ويأتي بثلاث ركعات هذا كله إذا
أدرك ركوعا محسوبا للامام فإن لم يكن محسوبا له بان أدرك ركوع ثانية الجمعة فبان الامام محدثا
فيبنى على الخلاف السابق في باب صفة الأئمة انه لو كان امام الجمعة محدثا وتم العدد بغيره هل تصح
والأصح الصحة فان قلنا لا تصح فهنا أولي والا فوجهان (أصحهما) لا تصح (والثاني) تصح وسبق هناك
دليل الوجهين ولو أدركه راكعا وشك هل أدرك معه الركوع المجزئ ففيه خلاف سبق في باب صلاة
الجماعة والصحيح المنصوص الذي قطع به الأكثرون انه لا يكون مدركا للركعة فتفوته الجمعة ويصليها
ظهرا ويسجد للسهو كما سبق بيانه هناك قال ابن الحداد والقاضي أبو الطيب والأصحاب لو صلى
الامام الجمعة ثلاثا ناسيا فأدركه مسبوق في الثالثة لم يكن مدركا للجمعة قطعا لأن هذه الركعة
غير محسوبة للامام فلو علم الإمام انه ترك سجدة ساهيا فان علم أنها من الركعة
الأولى انجبرت الأولى بالثانية وصارت الثالثة ثانية وحسبت للمسبوق وأدرك بها الجمعة
فيضم إليها أخرى ويسلم وإن لم يعلم من أين هي فصلاة الامام صحيحة ولا يكون المسبوق
مدركا للجمعة لاحتمال انه تركها من الثانية فتكون الثالثة للامام لغوا الا سجدة يتمم بها الثانية
557

(فرع) في مذاهب العلماء فيما يدرك به المسبوق الجمعة * قد ذكرنا أن مذهبنا انه ان أدرك ركوع
الركعة الثانية أدركها وإلا فلا وبه قال أكثر العلماء حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وابن
عمر وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب والأسود وعلقمة والحسن البصري وعروة بن الزبير والنخعي
والزهري ومالك والأوزاعي والثوري وأبي يوسف وأحمد واسحق وأبي ثور قال وبه أقول * وقال
عطاء وطاوس ومجاهد ومكحول من لم يدرك الخطبة صلى أربعا وحكى أصحابنا مثله عن عمر بن الخطاب *
وقال الحكم وحماد وأبو حنيفة من أدرك التشهد مع الامام أدرك الجمعة فيصلى بعد سلام الامام
ركعتين وتمت جمعته وحكى الشيخ أبو حامد عن هؤلاء انه إذا أحرم قبل سلام الامام كان مدركا
للجمعة حتى قال أبو حنيفة لو سلم الامام ثم سجد للسهو فأدركه مأموم فيه أدركها وحكي أصحابنا
مثل مذهبنا أيضا عن الشعبي وزفر ومحمد بن الحسن * دليلنا الحديث الذي ذكرته عن رواية البخاري
ومسلم * قال المصنف رحمه الله *
(وان زحم المأموم عن السجود في الجمعة نظرت فان قدر أن يسجد على ظهر انسان لزمه أن
يسجد لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال " إذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه " وقال بعض
558

أصحابنا فيه قول آخر قاله في القديم انه بالخيار ان شاء سجد على ظهر انسان وان شاء ترك حتى يزول
الزحام لأنه إذا سجد حصلت له فضيلة المتابعة وإذا انتظر زوال الزحمة حصلت له فضيلة السجود
على الأرض فخير بين الفضيلتين والأول أصح لان ذلك يبطل بالمريض إذا عجز عن السجود على
الأرض فإنه يسجد على حسب حاله ولا يؤخر وإن كان في التأخير فضيلة السجود على الأرض وإن لم
يقدر على السجود بحال انتظر حتى يزول الزحام فان زال الزحام لم يخل اما أن يدرك الامام قائما
أو راكعا أو رافعا من الركوع أو ساجدا فان أدركه قائما سجد ثم تبعه لان النبي صلى الله عليه وسلم
أجاز ذلك بعسفان للعذر والعذر ههنا موجود فوجب أن يجوز فان فرغ من السجود
فأدرك الامام راكعا في الثانية ففيه وجهان (أحدهما) يتبعه في الركوع ولا يقرأ كمن حضر
والامام راكع (والثاني) انه يشتغل بما عليه من القراءة لأنه أدرك مع الامام محل القراءة بخلاف من
حضر والامام راكع *
(فصل) فان زال الزحام فأدرك الامام رافعا من الركوع أو ساجدا سجد معه لان هذا
موضع سجوده وحصلت له ركعة ملفقة وهل يدرك بها الجمعة فيه وجهان قال أبو إسحاق يدرك
لقوله صلى الله عليه وسلم من " أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى " وقال أبو علي بن أبي هريرة لا يدرك
لان الجمعة صلاة كاملة فلا تدرك الا بركعة كاملة وهذه ركعة ملفقة *
(فصل) وان زال الزحام وأدرك الامام راكعا ففيه قولان (أحدهما) يشتغل بقضاء ما فاته ثم
559

يركع لأنه شارك الامام في جزء من الركوع فوجب ان يسجد كما لو زالت الزحمة فأدركته قائما (والثاني)
يتبع الامام في الركوع لأنه أدرك الامام راكعا فلزمه متابعته كمن دخل في صلاة والامام فيها راكع
فان قلنا إنه يركع معه نظرت فان فعل ما قلناه وركع حصل له ركوعان وبأيهما يحتسب فيه قولان
(أحدهما) يحتسب بالثاني كالمسبوق إذا أدرك الامام راكعا فركع معه (والثاني) يحتسب بالأول لأنه
قد صح الأول فلم يبطل بترك ما بعده كما لو ركع ونسي السجود فقام وقرأ وركع ثم سجد فان قلنا إنه
يحتسب بالثاني حصل له مع الامام ركعة فإذا سلم أضاف إليه أخرى وسلم وإذا قلنا يحتسب
بالأول حصل له ركعة ملفقة لان القيام والقراءة والركوع حصل له من الركعة الأولى وحصل له السجود
من الثانية وهل يصير مدركا للجمعة فيه وجهان قال أبو إسحاق يكون مدركا وقال ابن أبي هريرة لا يكون
مدركا فإذا قلنا بقول أبي إسحاق أضاف إليها أخرى وسلم وإذا قلنا بقول ابن أبي هريرة قام وصلي
ثلاث ركعات وجعلها ظهرا ومن أصحابنا من قال يجب أن يكون فيه وجهان بناء على القولين فيمن
صلى الظهر قبل أن يصلي الامام الجمعة وهذا قد صلي ركعة من الظهر قبل فراغ الامام من الجمعة
فلزمه ان يستأنف الظهر بعد فراغه وقال شيخنا القاضي أبو الطيب الطبري الصحيح هو الأول
والبناء على القولين لا يصح لان القولين فيمن صلي الظهر قبل فراغ الامام من الجمعة من غير عذر
560

والمزحوم معذور فلم تجب عليه إعادة الركعة التي صلاها قبل فراغ الامام ولان القولين فيمن ترك
الجمعة وصلي الظهر منفردا وهذا قد دخل مع الامام في الجمعة فلم تجب عليه إعادة ما فعل كما لو أدرك
الامام ساجدا في الركعة الأخيرة فإنه يتابعه ثم يبنى الظهر على ذلك الاحرام ولا يلزمه الاستئناف
وان خالف ما قلناه واشتغل بقضاء ما فاته فان اعتقد أن السجود فرضه لم يعد سجوده لأنه سجد في
موضع الركوع ولا تبطل صلاته لأنه زاد فيها زيادة من جنسها جاهلا فهو كمن زاد في صلاته من جنسها
ساهيا وإن اعتقد ان فرضه المتابعة فإن لم ينو مفارقته بطلت صلاته لأنه سجد في موضع الركوع
عامدا وإن نوى مفارقة الامام ففيه قولان (أحدهما) تبطل صلاته (والثاني) لا تبطل ويكون فرضه الظهر
وهل يبنى أو يستأنف الاحرام بعد فراغ الامام على القولين في غير المعذور إذا صلى الظهر قبل صلاة
الامام وأما إذا قلنا إن فرضه الاشتغال بما فاته نظرت فان فعل ما قلناه وأدرك الامام راكعا تبعه
فيه ويكون مدركا للركعتين وان أدركه ساجدا فهل يشتغل بقضاء ما فاته أو يتبعه في السجود فيه
وجهان (أحدهما) يشتغل بقضاء ما فاته لان على هذا القول الاشتغال بالقضاء أولي من المتابعة ومنهم
من قال يتبعه في السجود وهو الأصح لأن هذه الركعة لم يدرك منها شيئا يحتسب له به فهو كالمسبوق
إذا أدرك الامام ساجدا بخلاف الركعة الأولى فان هناك أدرك الركوع وما قبله فلزمه ان يفعل ما بعده
من السجود فإذا قلنا يسجد كان مدركا للركعة الأولى الا ان بعضها أدركه فعلا وبعضها أدركه
حكما لأنه تابعه إلى السجود ثم إنفرد بفعل السجدتين وهل يدرك بهذه الركعة الجمعة على وجهين لأنه
561

ادراك ناقص فهو كالتلفيق في الركعة وان سلم الامام قبل أن يسجد المأموم السجدتين لم يكن مدركا للجمعة
قولا واحدا وهل يستأنف الاحرام أو يبنى على ما ذكرناه من الطريقين فان خالف ما قلناه وتبعه في
الركوع فإن كان معتقدا ان فرضه الاشتغال بالسجود بطلت صلاته لأنه ركع في موضع السجود
عامدا وان اعتقد ان فرضه المتابعة لم تبطل صلاته لأنه زاد في الصلاة من جنسها جاهلا ويحتسب بهذا
السجود ويحصل له ركعة ملفقة وهل يصير مدركا للجمعة على الوجهين وان زحم عن السجود وزالت
الزحمة والامام قائم في الثانية وقضي ما عليه وأدركه قائما أو راكعا فتابعه فلما سجد في الثانية زحم عن
السجود فزال الزحام وسجد ورفع رأسه وأدرك الامام في التشهد فقد أدرك الركعتين بعضهما فعلا
وبعضهما حكما وهل يكون مدركا للجمعة على الوجهين وان ركع مع الامام الركعة الأولى ثم سها حتى صلى
الامام هذه الركعة وحصل في الركوع في الثانية قال القاضي أبو حامد يجب أن يكون على قولين كالزحام ومن
أصحابنا من قال يتبعه قولا واحدا لأنه مفرط في السهو فلم يعذر في الانفراد عن الامام وفى الزحام غير
مفرط فعذر في الانفراد عن الامام) *
562

(الشرح) هذه المسألة موصوفة عند الأصحاب بالاعضال لكثرة فروعها وتشعيبها واستمدادها
من أصول فاختصار الأحكام ملخصة فيها مع الإشارة إلى أطراف خفى الأدلة أقرب إلى ضبطها
والاحتواء عليها فلهذا أسلك هذا الطريق فيها إن شاء الله تعالى وهذا الأثر المذكور عن عمر
رضي الله عنه رواه البيهقي باسناد صحيح قال أصحابنا إذا منعته الزحمة من السجود على الأرض في
الركعة الأولى من الجمعة مع الامام فان أمكنه أن يسجد على ظهر انسان أو رجله أو غير ذلك
من أعضائه قال الشيخ نصر المقدسي وغيره أو ظهر بهيمه لزمه ذلك على الصحيح الذي قطع به الجمهور
ونص عليه الشافعي ومن أصحابنا من قال فيه قولان (أحدهما) هذا (والثاني) قاله في القديم يتخير إن
شاء سجد على الظهر وإن شاء صبر ليسجد على الأرض وهذا الطريق حكاه المصنف وآخرون
واتفقوا على أن المذهب وجوب السجود على الظهر ونحوه للحديث الصحيح " وإذا أمرتكم بأمر
563

فاتوا منه ما استطعتم " ولاثر عمر ولأنه متمكن منه ثم قال الجمهور إنما يسجد على الظهر ونحوه
إذا أمكنه رعاية هيئة السجود بأن يكون على موضع مرتفع فإن لم يكن فالمأتي به ليس بسجود فلا يجوز
فعله وفيه وجه ضعيف أنه لا يضر هنا ارتفاع رأسه وخروجه عن هيئة الساجد للعذر حكاه الرافعي
وغيره والمذهب الأول فإذا أمكنه السجود على ظهر ونحوه فلم يسجد فهو متخلف بلا عذر هذا هو
الصحيح وبه قطع المتولي والبغوي وفيه وجه انه متخلف بعذر حكاه الرافعي وإن لم يتمكن من
السجود على الأرض ولا على ظهر ولا غيره فأراد الخروج من متابعة الامام لهذا العذر ويتمها ظهرا
ففي صحتها القولان فيمن صلي الظهر قبل فوات الجمعة قال امام الحرمين ويظهر منعه من الانفراد
لان الجمعة واجبة فالخروج منها مع توقع ادراكها لا وجه له أما إذا عجز عن السجود على الأرض
والظهر ودام على المتابعة فماذا يصنع فيه ثلاثة أوجه (الصحيح) أنه ينتظر التمكن وبهذا قطع المصنف
والأكثرون قال القاضي أبو الطيب والأصحاب يستحب للامام أن يطول القراءة ليلحقه منتظر السجود
(والثاني) يومئ بالسجود أكثر ما يمكنه كالمريض (والثالث) يتخير بينهما فإذا قلنا بالصحيح فله
حالان (أحدهما) ان يتمكن من السجود قبل ركوع الامام في الثانية فيسجد عند تمكنه فإذا فرغ من
564

سجوده فللامام أربعة أحوال (أحدها) أن يكون بعد في القيام فيفتتح المزحوم القراءة فان أتمها قبل ركوع الامام
ركع معه وجرى على متابعته وحصلت له الجمعة فيسلم معه ولا يضره هذا التخلف لأنه معذور وان ركع الامام
قبل اتمامها فهل له حكم المسبوق فيه وجهان وقد بينا حكم المسبوق في باب صلاة الجماعة (أصحهما) عند الجمهور
له حكمه فيقطع القراءة ويركع مع الامام لأنه معذور في التخلف فأشبه المسبوق وممن صحح هذا الشيخ
أبو حامد والماوري والمحاملي وابن الصباغ والشاشي وآخرون (والثاني) يلزمه أن يتم الفاتحة لأنه عذر
نادر بخلاف المسبوق وصححه البغوي وصاحب العدة وقال إمام الحرمين والبغوي وغيرهما فإذا قلنا
يقرأ لم يقطع القدوة بل يقرأ ويتبع الامام جهده فيركع ويجرى على ترتيب صلاة نفسه قاصدا لحوق
الامام ويكون مدركا للركعتين على حكم الجماعة ولا يضره التخلف بأركان ويكون حكم القدوة
جاريا عليه فيلحقه سهو الامام ويحمل الامام سهوه وقال صاحب الشامل إذا قلنا يقرأ فإنما يلزمه أن
يقرأ إذا لم يخف فوت الركوع فان خاف فوته قبل فراغ الفاتحة فهو على القولين فيمن أدركه راكعا وهذا
الذي قاله صاحب الشامل ضعيف وخلاف قول الجمهور (الحال الثاني) للامام أن يكون راكعا فوجهان
(أصحهما) عند الجمهور يترك القراءة ويركع معه لأنه لم يدرك محل القراءة فسقطت عنه كالمسبوق (والثاني)
يلزمه قراءة الفاتحة ويسعى وراء الامام وهو متخلف بعذر (الحال الثالث) أن يكون فارغا من الركوع
ولم يسلم بعد فان قلنا في الحال الثاني هو كالمسبوق تابع الامام فيما هو فيه ولا يحسب له بل يلزمه بعد سلام الامام
ركعة ثانية وان قلنا ليس كالمسبوق اشتغل بترتيب صلاة نفسه وقيل يتعين متابعة الامام وجها واحدا
لكثرة ما فاته (الحال الرابع) للامام أن يكون متحللا من صلاته فلا يكون مدركا للجمعة لأنه لم تتم له ركعة
قبل سلام الامام ولو رفع رأسه من السجود ثم سلم الامام عقبه كان مدركا للجمعة فيأتي بركعة أخرى
قال امام الحرمين وإذا جوزنا له التخلف وأمرناه بالجريان على ترتيب نفسه فالوجه ان يقتصر على الفرائض
فعساه يدرك ويحتمل ان يجوز له فعل السنن مقتصرا على الوسط منها (الحال الثاني) للمأموم أن لا يتمكن
من السجود حتى يركع الامام في الثانية وفيه قولان مشهوران (أصحهما) وهو نصه في الأم والمختصر
واحد قوليه في الاملاء يلزمه متابعة الامام فيركع معه صححه البغوي والرافعي وآخرون وهو اختيار
565

القفال قال البغوي هو القول الجديد ودليله ان متابعة الامام آكد ولهذا يتابعه المسبوق إذا أدركه
راكعا ويترك القراءة والقيام (والثاني) لا يجوز متابعته في الركوع بل يلزمه ان يسجد ويجرى على ترتيب
نفسه وهو أحد قوليه في الاملاء وصححه البندنيجي فان قلنا يتابعه فقد يتمثل ذلك وقد يخالفه فان امتثل
وركع معه فهل يحسب له الركوع الأول أم الثاني فيه خلاف حكاه المصنف وكثيرون قولين وحكاه
الشيخ أبو حامد وجماعة من الخراسانيين وغيرهم وجهين (أصحهما) عند الأصحاب بالركوع الأول
صححه المحاملي وصاحب العدة والشاشي وآخرون ونقل الرافعي تصحيحه عن الأصحاب لأنه ركوع
صح فلا يبطل بركوع آخر كما لو ركع ونسي السجود وقرأ في الركعة الثانية وركع ثم سجد فان المحسوب
له الركوع الأول بلا خلاف كما ذكره المصنف (والثاني) يحسب له الركوع الثاني لأنه المحسوب للامام
فان قلنا المحسوب الثاني حصلت له الركعة الثانية بكمالها وإذا سلم الامام ضم إليها ركعة أخرى وتمت
جمعته بلا خلاف وان قلنا المحسوب الأول حصلت ركعة ملفقة من ركوع الأولى وسجود الثانية وفى
ادراك الجمعة بالملفقة وجهان مشهوران (أصحهما) عند الاحصاب يدرك بها وهو قول أبى اسحق
المروزي ممن صححه القاضي أبو الطيب وامام الحرمين وابن الصباغ والبغوي والشاشي وآخرون لأنها
ركعة صحيحة (والثاني) لا تدرك بها لأنها صلاة يشترط فيها كمال المصلين ولا تدرك بركعة فيها نقص وهذا
قول أبى علي بن أبي هريرة فان قلنا يدرك بها ضم إليها أخرى بعد سلام الامام وتمت جمعته وان قلنا
566

لا يدرك بها فقد فاتته الجمعة وهل تحسب له هذه الركعة من الظهر ويبني عليها بعد سلام الامام ثلاث
ركعات فيه طريقان حكاهما المصنف والأصحاب (أصحهما) تحسب قولا واحدا فيبنى على الظهر (والثاني)
فيه القولان فيمن أحرم بالظهر قبل فوات الجمعة فان المصنف قال القاضي أبو الطيب هذا الطريق ليس
بصحيح لان القولين فيمن صلي الظهر قبل الجمعة بلا عذر وهذا معذور لان القولين فيمن أحرم منفردا
قبل فوات الجمعة وهذا أحرم مع الامام فجاز له البناء ظهرا بلا خلاف كمن أدرك الامام ساجدا في
الأخيرة من الجمعة فاحرم معه فإنه ينبي على الظهر قال صاحب الحاوي الطريقان مبنيان على أن
الزحام عذر أم لا والصحيح انه عذر اما إذا خالف واجبه فاشتغل بالسجود وترتيب نفسه فان فعل
ذلك مع علمه بان واجبه المتابعة ولم ينو مفارقة الامام بطلت صلاته لأنه يسجد في موضع الركوع
عمدا عالما بتحريمه ويلزمه الاحرام بالجمعة ان أدرك الامام بعد في الركوع وان نوى مفارقته ففي
بطلان صلاته القولان فيمن خرج من صلاة الجماعة ليتم منفردا بغير عذر فان قلنا يبطل لزمه الاحرام
بالجمعة ان أدركها والا كان فرضه الظهر ويجب استئنافها وان قلنا لا تبطل لم تصح جمعته لأنه لم يصل
منها ركعة مع الامام وهل تصح ظهرا فيه القولان فيمن صلاها قبل فراغ الجمعة ولنا قول حكاه
الخراسانيون وسبق بيانه في الباب الأول في صفة الصلاة وغيرها ان الجمعة إذا فاتت لا يجوز البناء
عليها بل يجب استئناف الظهر هذا كله إذا خالف عالما بأن فرضه المتابعة فإن كان جاهلا يعتقد
فرضه السجود وترتيب نفسه أو ناسيا فيما أتي به من السجود وغيره لا يعتد به لأنه في غير موضعه
ولا تبطل به صلاته لأنه معذور بجهله أو نسيانه ثم إن فرع والامام بعد في الركوع لزمه متابعته
567

فان تابعه فركع معه فالتفريع كما سبق فيما إذا لم يسجد وإن لم يركع معه أو كان الامام قد فرغ من الركوع
نظر ان راعى ترتيب نفسه بان قام بعد السجدتين وقرأ وركع وسجد فالذي قطع به المصنف والجمهور
أنه لا يعتد له بشئ مما اتي به فإذا سلم الامام سجد سجدتين لتمام الركعة ولا يكون مدركا للجمعة لان
التفريع على قول وجوب المتابعة بكل حال فكما لا يحسب له السجود والامام راكع لكون فرضه
المتابعة لا يحسب والامام في ركن بعد الركوع وقال الصيدلاني وإمام الحرمين والغزالي إذا فعل
هذا الذي ذكرناه تمت له منهما ركعة لكنها ناقصة من وجهين (أحدهما) التلفيق فان ركوعها من الأولى
وسجودها من الثانية وفى إدراك الجمعة بالملفقة الوجهان السابقان (أصحهما) الادراك والنقص الثاني
كونها ركعة حكمية لأنه لم يتابع الامام في معظمها متابعة حسية بل حكمية وفى ادراك الجمعة بالركعة
الحكمية وجهان كالملفقة أصحهما الادراك وليس الخلاف في مطلق القدوة الحكمية فان السجود في
حال قيام الامام في قدوة حكمية ولا خلاف أن الجمعة تدرك به وإنما الخلاف فيما إذا كان معظم
الركعة في قدوة حكمية هذا كله إذا فرغ من السجدتين اللتين لم يعتد بهما وجرى على ترتيب نفسه
فاما إذا فرغ منهما والامام ساجد يتابعه في سجدتيه هذا وظيفته في هذه الحالة على هذا القول
فيحسبان له ويكون الحاصل ركعة ملفقة بلا خلاف وإن وجد الامام في التشهد وافقه فإذا سلم سجد
سجدتين وتمت له ركعة ولا جمعة له لأنه لم يتم له ركعة في حال صلاة الامام وصار فرضه الظهر وهل
568

يستأنفها أم يبنى على هذه الركعة فيه الطريقان السابقان (أصحهما) يبنى (والثاني) على قولين وهكذا
يفعل لو وجده قد سلم هذا كله إذا قلنا متابع الامام أما إذا قلنا لا يتابعه بل يسجد ويراعي ترتيب
نفسه فله حالان (أحدهما) أن يخالف ما أمرناه فيركع مع الامام فان تعمده بطلت صلاته ويلزمه
الاحرام بالجمعة ان أمكنه إدارك الامام في الركوع وإن كان ناسيا أو جاهلا يعتقد أن واجبه الركوع
مع الامام لم تبطل صلاته ويكون ركوعه هذا لغوا فإذا سجد معه بعد هذا الركوع فوجهان
(أحدهما) لا يحسب هذا السجود لأنه يعتقد وجوبه لمتابعة الامام وهو مخطئ في ذلك (والثاني)
وهو الصحيح وبه قطع المصنف والجمهور يحسب لأنه سجود في موضعه ولا يضر جهله بجهة وجوبه
كما لو نسي سجدة من ركعة فإنها تحسب له من الركعة التي بعدها وإن كان نيته فعلها للركعة الثانية
فعلى هذا يحصل له ركعة ملفقة وفى ادراك الجمعة بها الوجهان السابقان أصحهما الادراك (الحال الثاني)
أن يمتثل ما أمرناه فيسجد ويحصل له ركعة في قدوة حكمية وفى الادراك بها الوجهان السابقان (أصحهما)
الادراك فإذا فرغ من السجود فللامام حالان (أحدهما) أن يكون فارغا من الركوع بأن يكون في السجود
569

أو التشهد وفيه وجهان مشهوران حكاهما المصنف والأصحاب (أحدهما) وصححه الغزالي وقطع به
البغوي يشتغل بما فاته ويجرى على ترتيب نفسه فيقوم ويقرأ ويركع لان الاشتغال بالفائت على هذا
القول أولى من المتابعة (وأصحهما) عند المصنف وجمهور الأصحاب وبه قطع كثيرون من العراقيين
وغيرهم يلزمه متابعة الامام فيما هو فيه فإذا سلم الامام اشتغل بتدارك ما عليه لأن هذه الركعة لم يدرك
منها قدرا يحسب له فلزمه متابعة الامام كمسبوق أدرك الامام ساجدا فعلى هذا لو كان الامام عند
فراغ المزحوم من السجود قد هوى للسجود فتابعه فقد والى بين أربع سجدات وهل يحسب لاتمام
الركعة الأولى السجدتان الأوليان أم الأخريان فيه وجهان بناء على القولين السابقين هل المحسوب
الركوع الأول أم الثاني (أصحهما) الأوليان فان قلنا الأوليان فهي ركعة في قدوة حكمية وإن قلنا
الأخريان فهي ركعة ملفقة وفى إدراك الجمعة بالحكمية والملفقة الوجهان السابقان (أصحهما) الادراك
(الحال الثاني) للامام أن يكون راكعا بعد فهل يجب عليه متابعته وتسقط عنه القراءة كالمسبوق
أم يشتغل بترتيب نفسه فيقرأ ويأتي بالباقي فيه الوجهان السابقان في أول المسألة تفريعا على القول
570

الأول وهما هنا مشهوران (أصحهما) يلزمه الركوع معه وتسقط عنه القراءة وبه قطع المصنف وهذا
اختيار منه للأصح وقد ذكر هو الوجهين في الصورة الأولى وجزم هنا بأصحهما وربما توهم من لا أنس
له أن الصورة غير الصورة وطلب بينهما فرقا وليس كذلك بل الصورة هي الأولى بحالها ولا فرق
فان قلنا تجب متابعته وتسقط القراءة تابعه ويكون مدركا للركعتين فيسلم مع الامام وتمت جمعته
وإن قلنا يشتغل بترتيب نفسه اشتغل به وهو مدرك للجمعة بلا خلاف *
(فرع) لو لم يتمكن المزحوم من السجود حتى سجد الإمام في الثانية تابعه بلا خلاف ثم إن قلنا
الواجب متابعة الامام فالحاصل ركعة ملفقة وفى إدراك الجمعة بها الوجهان (أصحهما) الادراك وإن قلنا
الواجب ترتيب نفسه فركعة غير ملفقة فيدرك الجمعة قطعا أما إذا لم يتمكن من السجود حتى تشهد
الامام فيسجد ثم إن أدرك الامام قبل السلام أدرك الجمعة وإلا فلا جمعة له وهل يبنى على الركعة لاتمام
الظهر أم يستأنفها فيه الطريقان السابقان قال امام الحرمين فلو رفع رأسه من السجدة الثانية فسلم
571

الامام قبل أن يعتدل المزحوم قاعدا ففيه احتمال قال والظاهر أنه مدرك للجمعة أما إذا كان الزحام
في سجود الركعة الثانية وقد صلي الأولى مع الامام فيسجد متى تمكن قبل سلام الامام أو بعده وجمعته
صحيحة بالاتفاق فلو كان مسبوقا أدركه في الركعة الثانية فان تمكن قبل سلام الامام سجد وأدرك
ركعة من الجمعة فيضم إليها أخرى وإن لم يتمكن حتى سلم فلا جمعة له فيسجد ويحصل له
ركعة من الظهر على المذهب أما إذا زحم عن ركوع الأولى حتى ركع الامام في الثانية فيركع ويتابعه
بلا خلاف وممن نقل الاتفاق عليه القاضي أبو الطيب وفى الحاصل له وجهان (أصحهما) وبه قال
الأكثرون منهم الشيخ أبو حامد تحسب له الركعة الثانية وتسقط الأولى ويدرك الجمعة قولا واحدا
(والثاني) تحسب له ركعة ملفقة وفى ادراك الجمعة بها الوجهان وبهذا قال القاضي أبو الطيب *
(فرع) لو زحم عن السجود وزالت الزحمة والامام قائم في الثانية فسجد وقام وأدركه قائما
وقرأ أو راكعا فقرأ ولحقه أو قلنا تسقط عنه القراءة فركع معه ثم زحم عن السجود في الثانية وزال
572

الزحام وسجد ورفع وأدرك الامام في التشهد فقد أدرك الركعتين وفى ادراكه بهما الجمعة طريقان
قال المصنف وشيخه القاضي أبو الطيب في ادراكها الوجهان في الركعة الحكمية وقال الشيخ
أبو حامد والبندنيجي والمحاملي وصاحب العدة والأكثرون يكون مدركا للجمعة وجها واحدا
ويسلم مع الامام واختاره ابن الصباغ وضعف قول القاضي أبو الطيب *
(فرع) لو ركع مع الامام ونسي السجود وبقي واقفا في الاعتدال حتى ركع الامام في الثانية
ففيه طريقان حكاهما المصنف والأصحاب (أحدهما) قاله القاضي أبو حامد المروروزي والبندنيجي فيه
القولان في المزحوم هل يتبع الامام أم يشتغل بما عليه (والطريق الثاني) يلزمه اتباع الامام قولا واحدا
لأنه مفرط في النسيان بخلاف الزحمة فلا يجوز له ترك المتابعة وصحح الشيخ أبو حامد هذا الطريق
ونقله عن نص الشافعي وصححه أيضا الروياني وصحح البغوي الأول هكذا أطلق الأكثرون
المسألة وقال الرافعي التخلف بالنسيان هل هو كالتخلف بالزحام قيل فيه وجهان (أصحهما) نعم لعذره
(والثاني) لا لندوره وتفريطه قال والمفهوم من كلام الأكثرين أن فيه تفصيلا فان تأخر سجوده
عن سجدتي الامام بالنسيان ثم سجد في حال قيام الامام فهو كالزحام وكذا لو تأخر لمرض وإن بقي
573

ذاهلا حتى ركع الامام في الثانية فطريقان (أحدهما) كالمزحوم ففي قول يركع معه وفى قول يراعي ترتيب
نفسه (والطريق الثاني) يلزمه اتباعه قولا واحدا وصححه الروياني *
(فرع) الزحام يتصور في جميع الصلوات وإنما ذكره الأصحاب في الجمعة لأنه فيها أغلب ولأنه
يتصور في صلاة الجمعة أنواع من الاشكال والخلاف والتفريع لا يتصور مثله في غيرها كالخلاف في
ادراك الجمعة بركعة ملفقة أو حكمية ولان الجماعة شرط فيها فلا يمكنه المفارقة ما دام يتوقع ادراكها
بخلاف غيرها فإذا زحم في غير الجمعة عن السجود فلم يتمكن منه حتى ركع الامام في الثانية ففيه ثلاثة
طرق حكاها الرافعي (الصحيح) أنه على القولين في الجمعة (أصحهما) يلزمه متابعة الامام (والثاني) الاشتغال بما عليه
ويجرى على ترتيب نفسه (والطريق الثاني) يتابعه قطعا (والثالث) يشتغل بما عليه قطعا *
(فرع) إذا عرضت في الصلاة حالة تمنع من وقوعها جمعة في صورة الزحام أو غيرها فهل يتم صلاته
ظهرا فيه طريقان (أصحهما) وبه قطع المصنف وجمهور الأصحاب من العراقيين وغيرهم (والثاني) حكاه
جماعة من الخراسانيين فيه قولان يتعلقان بالأصل الذي قدمناه مبسوطا في آخر الباب الذي قبل هذا
أن الجمعة ظهر مقصورة أم صلاة على حيالها وفيه قولان مستنبطان من كلام الشافعي رضي الله عنه
574

فان قلنا ظهر مقصورة ففات بعض شروط الجمعة أتمها ظهرا كالمسافر إذا فات بعض شروط القصر
وإن قلنا صلاة على حيالها فهل يتمها ظهرا فيه وجهان (الصحيح) يتمها ظهرا لأنها بدل منها أو كالبدل
على ما سبق في الباب الأول من الخلاف فعلى هذا هل يشترط أن ينوى قبلها ظهرا أم تنقلب
بنفسها فيه وجهان حكاهما إمام الحرمين وغيره (أصحهما) وأشهرهما لا يشترط وهو مقتضي كلام
الجمهور فان قلنا لا يتمها ظهرا فهل تبطل أم تنقلب نفلا فيه القولان السابقان في أول باب صفة
الصلاة فيمن صلي الظهر قبل الزوال ونظائرها (الصحيح) تنقلب نفلا قال إمام الحرمين قول
البطلان لا ينتظم تفريعه إذا أمرناه في صورة الزحام بشئ فامتثل فليكن ذلك مخصوصا بما
إذا خالف والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في الزحام * أما إذا زحم عن السجود وأمكنه السجود على ظهر انسان
فقد ذكرنا أن الصحيح في مذهبنا أنه يلزمه ذلك وبه قال عمر بن الخطاب ومجاهد والثوري وأبو حنيفة
وأحمد واسحق وأبو ثور وداود وابن المنذر وقال عطاء والزهري والحكم ومالك لا يجوز ذلك
بل ينتظر زوال الزحمة فلو سجد لم يجزئه وقال الحسن البصري هو مخير بين السجود على ظهره
والانتظار وقال نافع مولى ابن عمر يومئ إلى السجود أما إذا لم يزل الزحام حتى ركع الامام في الثانية
فالأصح عندنا أنه يلزمه متابعة الامام وهو مذهب مالك وأصح الروايتين عن أحمد وقال أبو حنيفة
يشتغل بالسجود أما إذا زحم عن الركوع أو السجود حتى سلم الامام فمذهبنا أن المأموم المزحوم
تفوته الجمعة ويتمها ظهرا أربعا وبه قال أيوب السختياني وقتادة ويونس وأبو ثور وابن المنذر وقال
الحسن والنخعي والأوزاعي وأبو حنيفة واحمد يصلي الجمعة وقال مالك أحب أن يتمها أربعا *
575

* قال المصنف رحمه الله *
(إذا أحدث الامام في الصلاة ففيه قولان (قال في القديم) لا يستخلف (وقال في الجديد) يستخلف
وقد بينا وجه القولين في باب صلاة الجماعة (فان قلنا) لا يستخلف نظرت فان أحدث بعد الخطبة وقبل
الاحرام لم يجز أن يستخلف لان الخطبتين مع الركعتين كالصلاة الواحدة فلما لم يجز أن يستخلف
576

في صلاة الظهر بعد الركعتين لم يجز أن يستخلف في الجمعة بعد الخطبتين وان أحدث بعد الاحرام
ففيه قولان (أحدهما) يتمون الجمعة فرادى لأنه لما لم يجز الاستخلاف بقوا على حكم الجماعة فجاز لهم
أن يصلوا فرادى (والثاني) أنه إذا كان الحدث قبل أن يصلي بهم ركعة صلوا الظهر وإن كان
بعد الركعة صلوا ركعة أخرى فرادى كالمسبوق إذا لم يدرك ركعة أتم الظهر وإن أدرك ركعة أتم
الجمعة وإن قلنا بقوله الجديد فإن كان الحدث بعد الخطبتين وقبل الاحرام فاستخلف من حضر
الخطبة جاز وان استخلف من لم يحضر الخطبة لم يجز لان من حضر كمل بالسماع فانعقدت به الجمعة
ومن لم يحضر لم يكمل فلم تنعقد به الجمعة ولهذا لو خطب بأربعين فقاموا وصلوا الجمعة جاز ولو حضر
أربعون لم يحضروا الخطبة فصلوا الجمعة لم يجز وإن كان الحدث بعد الاحرام فإن كان في الركعة
الأولى فاستخلف من كان معه قبل الحدث جاز له لأنه من أهل الجمعة وان استخلف من لم يكن
معه قبل الحدث لم يجز لأنه ليس من أهل الجمعة ولهذا لو صلي بانفراده الجمعة لم تصح وإن كان الحدث
في الركعة الثانية فإن كان قبل الركوع فاستخلف من كان معه قبل الحدث جاز وان استخلف من
لم يكن معه قبل الحدث لم يجز لما ذكرناه وإن كان بعد الركوع فاستخلف من لم يحضر معه قبل
الحدث لم يجز لما ذكرناه وإن كان معه قبل الحدث ولم يكن معه قبل الركوع فان فرضه الظهر وفى
جواز الجمعة خلف من يصلي الظهر وجهان فان قلنا يجوز جاز أن يستخلفه وإن قلنا لا يجوز لم يجز أن يستخلفه) *
577

(الشرح) قال أصحابنا إذا خرج الامام من الصلاة بحدث تعمده أو نسيه أو سبقه أو برعاف
أو سبب آخر أو بلا سبب فإن كان في غير الجمعة ففي جواز الاستخلاف قولان (أظهرهما) وهو الجديد
جوازه والقديم والاملاء منعه وقد سبق بيان ذلك بتفريعه وما يتعلق به في باب صلاة الجماعة وأما
الاستخلاف في صلاة الجمعة ففيه القولان (أظهرهما) الجواز فإن لم نجوزه نظرت فإن كان حدثه بعد
الخطبة وقبل الاحرام بالصلاة لم يجز الاستخلاف لان الخطبتين كالركعتين فكما لا يجوز الاستخلاف
في أثناء الصلاة لا يجوز بينها وبين الخطبة لكن ينصبون من يستأنف الخطبتين ثم يصلى بهم الجمعة
وإن كان في الصلاة ففيما يفعلون قولان في القديم (الصحيح) إنه إن كان حدثه في الركعة الأولى
أتم القوم صلاتهم ظهرا وإن كان في الركعة الثانية أتمها جمعة كل من أدرك معه ركعة فرادى لان الجمعة
تدرك بركعة لا بدونها (والثاني) يتمونها جمعة في الحالين وفي المسألة وجه ضعيف أنهم يتمونها ظهرا
في الحالين هكذا ذكر المصنف والأصحاب الخلاف في أنهم يتمونها جمعة أم ظهرا وكان ينبغي إذا
قلنا لا يتمونها جمعة أن يستأنفوا جمعة ان اتسع الوقت هذا كله إذا منعنا الاستخلاف فان جوزناه
578

نظر إن استخلف من لم يعتد به لم يصح ولم يكن لهذا الخليفة أن يصلي الجمعة لأنه لا يجوز افتتاح
جمعة بعد جمعة وهذا لا خلاف فيه وممن نقل الاتفاق عليه الشيخ أبو حامد رحمه الله وفى صحة ظهر
هذا الخليفة خلاف مبنى على أن الظهر هل تصح قبل فوات الجمعة أم لا فان قلنا لا يصح فهل تبطل
أم تبقى نقلا فيه القولان السابقان قريبا فان قلنا تبطل فاقتدى به القوم عالمين بطلان صلاته بطلت
صلاتهم وان صححناها وكان ذلك في الركعة الأولى فلا جمعة لهم لأنهم لم يدركوا منها ركعة وفى
صحة الظهر خلاف مبنى على صحة الظهر بنية الجمعة وقد سبق بيانه في آخر الباب الذي قبل هذا
وفى باب صفة الصلاة وإن كان في الركعة الثانية كان هذا اقتداء طارئا في أثناء صلاة منفرد وفى
صحته الخلاف السابق في سائر الصلوات وقد أوضحناه في باب صلاة الجماعة وفيه شئ آخر وهو
الاقتداء في الجمعة بمن يصلي ظهرا أو نافلة وفيه الخلاف السابق في باب صفة الأئمة والأصح في
المسألتين الجواز أما إذا استخلف من اقتدى به قبل الحدث فينظر إن لم يحضر الخطبة فوجهان
579

(أحدهما) لا يصح استخلافه كما لو استخلف بعد الخطبة من لم يحضرها ليصلي بهم (وأصحهما) الجواز
وبه قطع جماعة وهو ظاهر كلام المصنف والأكثرين ونقل الصيدلاني هذا الخلاف قولين المنع
عن نصه في البويطي والجواز عن نصه في أكثر كتبه والخلاف إنما هو في مجرد حضور الخطبة
ولا يشترط سماعه لها بلا خلاف صرح به الأصحاب فإن كان حضر الخطبة أو لم يحضرها وجوزنا
استخلافه نظر ان استخلف من أدرك معه الركعة الأولى جاز وتمت لهم الجمعة سواء أحدث
الامام في الأولى أم في الثانية وحكي الرافعي وجها شاذا ضعيفا أن الخليفة يصلي ظهرا والقوم جمعة
ولعله فيما إذا لم يدرك مع الامام ركعة وان استخلف من أدركه في الثانية وأحرم بالجمعة قبل حدثه
580

قال امام الحرمين ان قلنا لا يجوز استخلاف من لم يحضر الخطبة لم يجز استخلاف هذا والا فقولان
(أصحهما) وبه قطع المصنف والأكثرون يجوز فعلى هذا يصلون الجمعة وفى الخليفة وجهان (أحدهما)
يتمها جمعة وهو قول الشيخ أبى حامد ونقله المتولي وصاحب البيان عن أكثر أصحابنا وجزم به
صاحب المستظهري (والثاني) وهو الصحيح المنصوص لا يتمها جمعة وهو قول ابن سريج وقطع به امام
الحرمين والبغوي وصححه صاحب العدة والرافعي فعلى هذا يتمها ظهرا على المذهب وبه قطع الأكثرون
وقيل فيه قولان (أحدهما) يتمها ظهرا (والثاني) لا فعلى هذا هل تبطل أم تنقلب نفلا فيه القولان السابقان
في مواضع (أصحهما) تنقلب نفلا فان أبطلناها امتنع استخلاف المسبوق هذا إذا استخلف في الثانية
من أحرم قبل حدثه وقبل الركوع فلو استخلف بعد ركوع الثانية من أدركه بعد الركوع وقبل الحدث
فوجهان حكاهما المصنف هنا وفى التنبيه وحكاهما غيره (الصحيح) المنصوص وبه قطع الأكثرون جوازه
ونقله صاحب الحاوي عن نص الشافعي وعن أكثر أصحابنا (والثاني) منعه وهو قول الشيخ أبى حامد
قال المصنف سبب الخلاف أن فرضه الظهر وفي جواز الجمعة خلف من يصلي الظهر وجهان ان جوزناها
جاز استخلافه وإلا فلا وإذا جوزنا الاستخلاف وقد سبق أن الأصح جوازها والخليفة مسبوق
لزمه مراعاة نظم صلاة الامام فيجلس إذا صلي ركعة ويتشهد فإذا بلغ موضع السلام أشار إلى
القوم وقام إلى باقي صلاته وهو ركعة ان جعلناه مدركا للجمعة أو ثلاث ان قلنا فرضة الظهر وجوزنا
له البناء عليها والقوم بالخيار ان شاءوا فارقوه وسلموا وان شاءوا ثبتوا جالسين ينتظرونه ليسلم بهم
وهو الأفضل ولو دخل مسبوق واقتدى به في الركعة الثانية التي استخلف فيها صحت له الجمعة
581

وإن لم تصح للخليفة نص عليه الشافعي قال الأصحاب هو تفريع على صحة الجمعة خلف مصلى الظهر
وتصح صلاة الجمعة للذين أدركوا مع الامام الأول ركعة بكل حال لأنهم لو انفردوا بالركعة الثانية
كانوا مدركين للجمعة فلا يضر اقتداؤهم فيها بمصلي الظهر أو النفل هذا كله إذا أحدث في أثناء
الصلاة فلو أحدث بين الخطبة والصلاة فأراد استخلاف من يصلى فثلاث طرق (أصحها) وبه قال الجمهور
ان جوزنا الاستخلاف في الصلاة جاز وإلا فلا بل إن اتسع الوقت خطب بهم آخر وصلي والا صلوا
الظهر (والطريق الثاني) ان جوزنا الاستخلاف في الصلاة فهنا أولي والا ففيه القولان وإذا جوزناه
فشرطه أن يكون الخليفة سمع الخطبة هذا هو المذهب وبه قطع المصنف والجمهور لان من لم يسمعها
ليس من أهل الجمعة قال المصنف والأصحاب ولهذا لو بادر أربعون من السامعين بعد الخطبة فعقدوا
صلاة الجمعة انعقدت لهم ولو صلاها غيرهم لم تنعقد قال الأصحاب وإنما يصير غير السامع من أهل
الجمعة إذا دخل في الصلاة وحكى المتولي وجهين في صحة استخلاف من لم يسمع الخطبة والصحيح
الأول والمراد بسماعها حضورها وإن لم يسمع وهذا يفهم من قول المصنف ان استخلف من حضر
الخطبة جاز وان استخلف من لم يحضرها لم يجز ولو أحدث في أثناء الخطبة وشرطنا الطهارة فيها
فهل يجوز الاستخلاف أن منعنا في الصلاة فهنا أولى والا فوجهان (الصحيح) جوازه كالصلاة *
(فرع) إذا صلي مع الامام ركعة من الجمعة ثم فارقه بعذر أو بغيره وقلنا لا تبطل صلاته بالمفارقة
أتمها جمعة كما لو أحدث الامام وهذا لا خلاف فيه *
(فرع) إذا تمت صلاة الامام وفى القوم مسبوقون فأرادوا الاستخلاف لاتمام صلاتهم فإن لم
نجوز الاستخلاف للامام لم يجز لهم وإن جوزناه له فإن كان في الجمعة لم يجز لأنه لا يجوز
انشاء جمعة بعد جمعة وإن كان في غيرها فوجهان سبق بيانهما في باب صلاة الجماعة حيث
ذكرهما المصنف *
(فرع) إذا استخلف هل يشترط على المأمومين نية القدوة بالخليفة في الجمعة وغيرها فيه وجهان سبقا في
باب صلاة الجماعة (الصحيح) لا يشترط وسبق هناك أنه لو لم يستخلف الامام فقدم القوم واحدا
582

بالإشارة أو تقدم واحد بنفسه جاز وتقديم القوم أولي من استخلاف الامام لأنهم المصلون قال
إمام الحرمين ولو قدم الامام واحدا والقوم آخر فأظهر الاحتمالين أن من قدمه القوم أولي فلو لم
يستخلف الامام ولا القوم ولا تقدم أحد فالحكم ما ذكرناه تفريعا على منع الاستخلاف قال أصحابنا
ويجب على القوم تقديم واحد في صلاة الجمعة إن كان خروج الامام في الركعة الأولى ولم يستخلف
وإن كان في الثانية جاز التقديم ولم يجب بل لهم الانفراد بها وتصح جمعتهم كالمسبوق
قال الرافعي وقد سبق خلاف في الصورتين تفريعا على منع الاستخلاف فيتجه على مقتضاه
خلاف في وجوب التقديم وعدمه *
* قال المصنف رحمه الله *
(السنة أن لا تقام الجمعة بغير إذن السلطان فان فيه افتئاتا عليه فان أقيمت من غير اذنه جاز لما
روى " أن عليا رضي الله عنه صلى العيد وعثمان رضي الله عنه محصور " ولأنه فرض لله تعالى لا يختص
بفعله الامام فلم يفتقر إلى اذنه كسائر العبادات) *
(الشرح) هذا المنقول عن علي وعثمان رضي الله عنهما صحيح رواه مالك في الموطأ في باب
صلاة العيد ورواه الشافعي في الأم باسناده الصحيح وروى البيهقي عن الشافعي أنه قال في القديم
ولا يعلم عثمان أمره بذلك (وقوله) ولأنه فرض لله احتراز من فسخ البيع وغيره بالعيب وغيره (وقوله)
لا يختص بفعله الامام احتراز من إقامة الحد وقال القلعي هو منتقض به وليس كما قال * أما حكم المسألة
فقال الشافعي والأصحاب يستحب أن لا تقام الجمعة الا باذن السلطان أو نائبه فان أقيمت
بغير اذنه ولا حضوره جاز وصحت هكذا جزم به المصنف والأصحاب ولا نعلم فيه خلافا عندنا
الا ما ذكره صاحب البيان فإنه حكى قولا قديما انها لا تصح الا خلف الامام أو من أذن له
الامام وهذا شاذ ضعيف *
(فرع) في مذاهب العلماء في اشتراط السلطان أو اذنه في الجمعة * ذكرنا أن مذهبنا أنها
تصح بغير اذنه وحضوره وسواء كان السلطان في البلد أم لا وحكاه ابن المنذر عن مالك واحمد
واسحق وأبى ثور وقال الحسن البصري والأوزاعي وأبو حنيفة لا تصح الجمعة الا خلف السلطان
أو نائبه أو باذنه فان مات أو تعذر استئذانه جاز للقاضي ووالى الشرطة اقامتها ومتى قدر على
استئذانه لا تصح بغير اذنه * واحتج له بأنها لم تقم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن الا باذن
583

السلطان أو نائبه ولان تجويزها بغير إذنه يؤدى إلى فتنة * واحتج أصحابنا بقصة عثمان وعلي المذكورة
في الكتاب وهي صحيحة كما سبق وكان ذلك بحضرة جمهور الصحابة ولم ينكره أحد والعيد والجمعة
سواء في هذا المعني وبالقياس على الإمامة في سائر الصلوات (والجواب) عن احتجاجهم بما أجاب به
الشيخ أبو حامد والماوردي والأصحاب بان الفعل إذا خرج للبيان اعتبر فيه صفة الفعل لا صفات
الفاعل ولهذا لا تشترط النبوة في امام الجمعة وكون الناس في الاعصار يقيمون الجمعة باذن السلطان
لا يلزم منه بطلانها إذا أقيمت بغير إذنه (وقولهم) يؤدى إلى فتنة لا نسلمه لان الاقتئات المؤدى إلى فتنة
إنما يكون في الأمور العظام وليست الجمعة مما تؤدى إلى فتنة *
(فرع) قال الشافعي في الأم ومختصر المزني تصح الجمعة خلف كل امام صلاها من أمير ومأمور
ومتغلب وغير أمير قال الشيخ أبو حامد والماوردي والأصحاب أراد بالأمير السلطان وبالمأمور نائبه
وبالمتغلب الخارجي وبغير الأمير آحاد الرعية فتصح الجمعة خلف جميعهم ثم قال الشافعي بعد هذا
صلي على وعثمان محصور فاعترض عليه بعض الحاسدين وقال مقتضي كلامه أن عليا متغلب قال الشيخ
أبو حامد والأصحاب كذب هذا المعترض وجهل لان الشافعي إنما مثل بذلك ليستدل لصحة الجمعة
خلف غير الأمير والمأمور ومراده أن عليا لم يكن أميرا في حياة عثمان والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(قال الشافعي رحمه الله ولا يجمع في مصر وان عظم وكثرت مساجده الا في مسجد واحد والدليل
عليه أنه لم يقمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء من بعده في أكثر من موضع واختلف أصحابنا
584

في بغداد فقال أبو العباس يجوز في مواضع لأنه بلد عظيم ويشق الاجتماع في موضع واحد وقال أبو الطيب
ابن سلمة يجوز في كل جانب جمعة لأنه كالبلدين ولا يجوز أكثر من ذلك وقال بعضهم كانت قرى متفرقة
في كل موضع منها جمعة ثم اتصلت العمارة فبقيت على حكم الأصل) *
(الشرح) قوله يجمع هو - بضم الياء وتشديد الميم - وفى بغداد أربع لغات بدالين مهملين وبمهملة
ثم معجمة وبغدان ومغدان ويقال لها مدينة السلام وسبق في بيانها زيادة في مسألة القلتين وهذا النص
ذكره الشافعي في الأم وفى مختصر المزني قال الشافعي والأصحاب فشرط الجمعة أن لا يسبقها في ذلك
البلد جمعة أخرى ولا يقارنها قال أصحابنا وقد دخل الشافعي بغداد وهم يقيمون الجمعة في موضعين
وقيل في ثلاثة فلم ينكر ذلك واختلف أصحابنا في الجواب عن ذلك وفى حكم بغداد في الجمعة على أربعة
أوجه ذكر المصنف الثلاثة الأولى منها هنا وكلامه في التنبيه يقتضي الجزم بالرابع (أحدها) أن الزيادة
على جمعة في بغداد جائزة وإنما جازت لأنه بلد كبير يشق اجتماعهم في موضع منه قال أصحابنا فعلى
هذا تجوز الزيادة على جمعة في جميع البلاد التي تكثر الناس فيها ويعسر اجتماعهم في موضع وهذا
الوجه هو الصحيح وبه قال أبو العباس بن سريج وأبو إسحاق المروزي قال الرافعي واختاره
أكثر أصحابنا تصريحا وتعريضا وممن رجحه ابن كج والحناطي بالحاء المهملة والقاضي
585

أبو الطيب في كتابه المجرد والروياني والغزالي وآخرون قال الماوردي وهو اختيار المزني
ودليله قوله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (والثاني) إيانما جازت الزيادة فيها لان نهرها
يحول بين جانبينها فيجعلها كبلدين قاله أبو الطيب بن سلمة فعلى هذا لا تقام في كل جانب من بغداد
الا جمعة وكل بلد حال بين جانبيها نهر يحوج إلى السباحة فهو كبغداد واعترض على ابن سلمة
بأنه لو كان الجانبان كبلدين لقصر من عبر من أحدهما إلى الآخر مسافرا إلى مسافة القصر فالتزم
ابن سلمة وجوز القصر (والثالث) تجوز الزيادة وإنما جازت لأنها كانت قرى متفرقة قديمة اتصلت
الأبنية فاجرى عليها حكمها القديم حكاه القاضي أبو الطيب في المجرد عن أبي عبد الله الزبير قال أصحابنا
فعلى هذا يجوز تعدد الجمعة في كل بلد هذا شأنه واعترضوا عليه بما اعترض على ابن سلمة وأجيب
بجوابه وأشار إلى هذا الجواب صاحب التقريب (والرابع) لا تجوز الزيادة على جمعة في بغداد ولا في
غيرها وهذا ظاهر نص الشافعي المذكور ورجحه الشيخ أبو حامد والمحاملي والمتولي وصاحب العدة
قالوا وإنما لم ينكره الشافعي على أهل بغداد لان المسألة اجتهادية وليس لمجتهد أن ينكر على مجتهد
وأجاب بعضهم فيما حكاه صاحب العدة وغيره بأن الشافعي لم يقدر على الانكار باليد ولم يقدر على
أكثر من أن ينكرها بقلبه وسطرها في كتبه والصحيح هو الوجه الأول وهو الجواز في موضعين
وأكثر بحسب الحاجة وعسر الاجتماع قال امام الحرمين طرق الأصحاب متفقة على جواز الزدة
على جمعة ببغداد واختلفوا في تعليله والله أعلم * قال أصحابنا وحيث منعنا الزيادة على جمعة فعقدت
جمعتان فله صور (إحداها) أن تسبق إحداها ولا يكون الامام مع الثانية فالأولى هي الصحيحة والثانية
باطلة بلا خلاف وفيما يعتبر به فيه وجهان مشهوران في طريقتين للعراقيين والخراسانيين (أصحهما)
بالاحرام بالصلاة (والثاني) بالسلام منها هكذا حكاهما الأصحاب في الطريقتين وجهين وحكاهما
المصنف قولين وأنكر صاحب البيان وغيره عليه ذلك وحكى الخراسانيون وجها ثالثا أن الاعتبار
بالشروع في الخطبة فحصلت ثلاثة أوجه الصحيح باتفاق الأصحاب ان الاعتبار
586

بالاحرام بالصلاة فأيتهما أحرم بها أولا فهي الصحيحة وان تقدم سلام الثانية وخطبتها وممن صححه
الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والبندنيجي والماوردي وابن الصباغ وامام الحرمين والبغوي
والشاشي وصاحبا العدة والبيان وآخرون ونقله الماوردي عن الجامع الكبير للمزني فعلى هذا
لو أحرم بهما معا وتقدم سلام إحداهما وخطبتها فهما باطلتان والاعتبار على هذا بالفراغ من تكبيرة
الاحرام فلو سبقت إحداهما بهمزة التكبيرة والأخرى بالراء منها فالصحيحة هي السابقة بالراء هذا
هو الصحيح وحكي الرافعي وجها أن السابقة بالهمزة هي الصحيحة لأنه لا يجوز بعد الشروع فيها
افتتاح أخرى والمذهب الأول لأنه لا يصير داخلا في الجمعة حتى يفرغ من التكبيرة بكمالها ولو أحرم
امام بها وفرغ من التكبيرة ثم أحرم آخر بالجمعة اماما ثم أحرم أربعون مقتدين بالثاني ثم أحرم
أربعون وراء الامام الأول فظاهر كلام الأصحاب أن الصحيحة هي جمعة الامام الأول لان باحرامه
به تعيينت جمعته للسبق وامتنع على غيره افتتاح جمعة أخرى وعلى جميع الأوجه لو سبقت إحداهما
وكان السلطان مع الثانية فقولان مشهوران (أصحهما) باتفاق الأصحاب أن الجمعة هي السابقة ممن
صححه ابن الصباغ والمتولي والغزالي في البسيط والرافعي لأنها جمعة وجدت شروطها فلا تنعقد بها
587

أخرى والسلطان ليس بشرط عندنا في صحة الجمعة (والثاني) أن الجمعة الصحيحة هي التي فيها الامام
لان في تصحيح الأولى افتئاتا عليه وتفويتا لها على غالب الناس لان غالبهم يكون مع الامام
ولو دخلت طائفة في الجمعة فأخبروا في أثنائها بأن جمعة سبقتهم استحب لهم استئناف الظهر وهل
لهم البناء على صلاتهم ظهرا فيه تفصيل وخلاف مبني على الاحرام بالظهر قبل فوات الجمعة وعلى
ما إذا خرج الوقت وهم في صلاة الجمعة وقد سبق بيان المسألتين (الصورة الثانية) أن يقع الجمعتان معا
فهما باطلتان ويجب استئناف جمعة ان اتسع الوقت لها (الثالث) أن يشكل الحالي فلا يدرى أوقعتا معا
أو سبقت إحداهما فيجب إعادة الجمعة أيضا وتجزئهم لان الأصل عدم جمعة مجزئة هكذا جزم به
الأصحاب في الطريقتين وشذ البندنيجي فقال لا خلاف أنه لا يلزمهم الجمعة وفى جوازها قولان (أصحهما)
الجواز وهو نصه في الأم والمذهب ما سبق عن الأصحاب قال امام الحرمين قد حكم الأئمة في هذه
الصورة بأنهم إذا عادوا جمعة برئت ذمتهم وفيه اشكال لاحتمال تقدم إحداهما وحينئذ لا تنعقد هذه
588

ولا تبرأ ذمتهم بها فطريقهم في البراءة بيقين أن يصلوا جمعة ثم ظهرا وهذا الذي قاله امام الحرمين
مستحب والا فالجمعة كافية في البراء كما قاله الأصحاب لان الأصل عدم جمعة مجزئه في حق كل واحد
(الرابعة) أن يعلم سبق إحداهما بعينها ثم تلتبس قال الأصحاب لا تبرأ ذمة واحدة من الطائفتين خلافا
للمزني لان كل طائفة تشك في براءتها من الفرض والأصل عدم البراءة وفيما يلزمهم طريقان (أصحهما)
يلزمهم الظهر قولا واحدا لان الجمعة صحت فلا يجوز عقد جمعة أخرى بعدها وبهذا قطع البغوي
وصححه الخراسانيون (والثاني) فيه قولان كالصورة الخامسة أحدهما الظهر والثاني الجمعة لان الأولى
لم تحصل بها البراءة فهي كجمعة فاسدة لفوات بعض شروطها أو أركانها وبهذا الطريق قطع جمهور العراقيين
والمذهب الأول (الخامسة) أن تسبق أحداهما ونعلم السبق ولا نعلم عين السابقة بان سمع مريضان
أو مسافران أو غيرهما ممن لا جمعة عليه تكبيرتين للامامين متلاحقتين وهما خارج المسجد فأخبراهم بالحال
ولم يعرفا المتقدمة فلا تبرأ ذمة واحدة من الطائفتين خلافا للمزني أيضا وفيما يلزمهم قولان مشهوران
حكاهما المصنف والأصحاب (أحدهما) الجمعة وصححه الغزالي (والثاني) الظهر وصححه الأكثرون
قالوا وهو القياس وهذا هو الصحيح ودليل القولين ما سبق في الصورة الرابعة ولو كان السلطان
في هذه الصور الأربع الأخيرة مع احدى الطائفتين فان قلنا في الصورة الأولى الجمعة هي السابقة
وهو الأصح فلا أثر لحضوره وان قلنا الجمعة هي التي فيها السلطان فهنا أولي والله أعلم * ولو أحرم
بالجمعة ثم أخبر في أثناء الصلاة أن أربعين أقاموها في موضع آخر من البلد وفرغوا منها قبل احرامه أتمها
ظهرا قال الشافعي ولو استأنفوا الظهر كان أفضل *
589

(فرع) قول المصنف وان علم أن أحداهما قبل الأخرى ولم يتعين حكم ببطلانهما وفيما يلزمهم
قولان (أحدهما) الجمعة (والثاني) الظهر قال وإن علمت السابقة منهما ثم أشكلت حكم ببطلانهما هذا مما ينكر
عليه لأنه جزم ببطلانهما في الصورتين مع أن الأصح في الصورتين وجوب الظهر وإذا كان الواجب
الظهر فكيف تكون الجمعة باطلة فإنها لو بطلت وجب اعادتها قطعا وكان ينبغي أن يقول لم تجزئ الجمعة
عن أحد من الطائفتين وفيما يلزمهم قولان (أصحهما) الظهر لوقوع جمعة صحيحة (والثاني) الجمعة لان
الأولة لم تجزئ فهي كالمعدومة وهذا مراد المصنف ولكن في عبارته ابهام وضرب تناقض
والله أعلم *
(فرع) قال القاضي أبو الطيب والأصحاب لو كان امام الجمعة جنبا وتم العدد بغيره فعلم الجنابة بعد
فراغ الصلاة فان جمعة القوم صحيحة على المذهب كما سبق في باب صفة الأئمة وعلى الامام أن
يستأنف الظهر فلو ذهب وتطهر واستأنف الخطبة وصلاة الجمعة ظانا أنها تجزئه ثم علم في أثناء
الصلاة أنه لا يجوز جمعة بعد جمعة قال الشافعي أحببت أن يستأنف الظهر قال القاضي وغيره قال
أصحابنا الاستئناف مستحب ولا يجب بل إذا أضاف إلى الركعتين ركعتين أخريين بنية الظهر
أجزأه كما إذا خرج الوقت وهم في صلاة الجمعة يتمونها ظهرا ولا يجب استئنافها *
590

(فرع) في مذاهب العماء في إقامة جمعتين أو جمع في بلد * مذهبنا انه لا يجوز جمعتان في بلد لا يعسر
الاجتماع فيه في مكان كما سبق وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر ومالك وأبي حنيفة قال وقال أبو يوسف
يجوز ذلك في بغداد دون غيرها والمشهور عن أبي يوسف إن كان للبلد جانبان جاز في كل جانب
جمعة وإلا فلا ولم يخصه ببغداد وقال محمد بن الحسن يجوز جمعتان سواء كان جانبان أم لا وقال عطاء
وداود يجوز في البلد جمع وقال احمد إذا عظم البلد كبغداد والبصرة جاز جمعتان فأكثر إن احتاجوا
وإلا فلا يجوز أكثر من جمعة واحدة وقال العبدري لا يصح عن أبي حنيفة في المسألة شئ وقال
الشيخ أبو حامد حكى عامة أهل الخلاف كابن جرير وغيره عن أبي حنيفة كمذهبنا وحكى عنه الساجي
كمذهب محمد دليلنا ما ذكره المصنف والأصحاب ان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين
فمن بعدهم من الصحابة ومن بعدهم لم يقيموها في أكثر من موضع مع أنهم أقاموا العيد في الصحراء
والبلد الصغير والله أعلم *
(فصل) في مسائل تتعلق بالجمعة (إحداها) قال صاحب الحاوي يستحب لمن ترك الجمعة بلا عذر
ان يتصدق بدينار أو نصف دينار لحديث سمرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من ترك الجمعة
فليتصدق بدينار أو نصف دينار " قال ولا يلزمه ذلك لان الحديث ضعيف وهذا الحديث رواه
أحمد في مسنده وأبو داود والنسائي وابن ماجة ولفظه " من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار
591

فإن لم يجد فنصف دينار " وهو حديث ضعيف الاسناد مضطرب منقطع وروى " فليتصدق بدرهم
أو نصف درهم أو صاع حنطة أو نصف صاع " وفى رواية " مد أو نصف مد " واتفقوا على ضعفه
وأما قول الحاكم أنه حديث صحيح فمردود فإنه متساهل (الثانية) يستحب أن يصلي سنة الجمعة
قبلها أربعا وبعدها أربعا وتجزئ ركعتان قبلها وركعتان بعدها وقد سبق ايضاح ذلك مبسوطا
في باب صلاة التطوع (الثالثة) قال صاحب الحاوي يستحب الاكثار من فعل الخير ليلة الجمعة ويومها
(الرابعة) يكره تخصيص ليلة الجمعة بصلاة وسبقت المسألة بدليلها في باب صلاة التطوع (الخامسة)
الاحتباء يوم الجمعة لمن حضر الخطبة والامام يخطب نقل ابن المنذر عن الشافعي انه لا يكره وبهذا
قطع صاحب البيان ونقله ابن المنذر عن ابن عمرو ابن المسيب والحسن البصري وعطاء وابن سيرين
وأبي الزبير وسالم بن عبد الله وشريح القاضي وعكرمة بن خالد ونافع ومالك والثوري والأوزاعي
وأصحاب الرأي وأحمد واسحق وأبى ثور قال وكره ذلك بعض أهل الحديث لحديث روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم فيه في إسناده مقال وروى أبو داود بإسناده عن يعلي بن شداد بن أوس قال
" شهدت مع معاوية بيت المقدس فجمع بنا فنظرت فإذا جل من في المسجد أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم فرأيتهم محتبين والامام يخطب " قال أبو داود وكان ابن عمر يحتبى والامام يخطب
وأنس بن مالك وشريح وصعصعة بن صوحان وابن المسيب والنخعي ومكحول وإسماعيل بن محمد
ابن سعد ونعيم بن سلامة قال أبو داود ولم يبلغني أن أحدا كرهها الا عبادة بن نسي هذا كلام أبى
داود وروى أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيدهم عن معاذ ابن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم " انه
نهى عن الحبوة يوم الجمعة والامام يخطب " قال الترمذي حديث حسن كذا قال الترمذي انه حسن لكن
في اسناده ضعيفان فلا نسلم حسنه قال الخطابي نهي عنها لأنها تجلب النوم فتعرض طهارته للنقض
ويمنع من استماع الخطبة (السادسة) قال في البيان إذا قرأ الامام في الخطبة (ان الله وملائكته يصلون
على النبي) جاز للمستمع ان يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويرفع بها صوته (السابعة) روى البيهقي
عن سهل بن سعد الساعدي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لكم في جمعة حجة وعمرة
فالحجة النهجير إلى الجمعة والعمرة انتظار العصر بعد الجمعة " قال البيهقي حديث ضعيف *
592

(باب في السلام)
وأحكامه وآدابه والاستئذان وتشميت العاطس والمصافحة والمعانقة وتقبيل اليد والرجل والوجه
وما يتعلق بها كله وأشباهه وذكر القاضي حسين والمتولي والشاشي هذا الباب هنا وذكره أكثر
الأصحاب في أول كتاب السير فرأيت تقديمه أحوط وقد ذكرت هذا كله مبسوطا بادلته وفروعه في كتاب
الأذكار واذكر هنا مقاصد مختصرة إن شاء الله تعالى وفيه فصول * (الأول) في فضل السلام وافشائه
قال الله تعالى (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) وقال تعالي (وإذا
حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) وقال تعالى (إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام) وعن
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ان رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الاسلام
خير قال " تطعم الطعام وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " خلق الله آدم طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال له اذهب فسلم على أولئك نفر من
الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك به فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة
الله فزادوه رحمة الله " رواه البخاري ومسلم وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال " أمرنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم بسبع بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس ونصر الضعيف وعون
المظلوم وافشاء السلام وابرار القسم " رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أو لا أدلكم على شئ إذا
فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم " رواه مسلم وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال " سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا والناس
نيام تدخلوا الجنة بسلام " رواه الدارمي والترمذي وقال حديث صحيح وقال البخاري في صحيحه
قال عمار " ثلاث من جمعهن فقد جمع الايمان الانصاف من نفسك وبذل السلام للعالم والانفاق من
الاقتار " وروينا هذا في غير البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى الباب أحاديث كثيرة مشهورة
(الفصل الثاني في صفة السلام وأحكامه) وفيه مسائل (إحداها) إبداء السلام سنة مؤكدة
قال أصحابنا هو سنة على الكفاية فإذا مرت جماعة بواحد أو بجماعة فسلم أحدهم حصل أصل السنة
593

وأما جواب السلام فهو فرض بالاجماع فإن كان السلام على واحد فالجواب فرض عين في حقه وإن كان
على جمع فهو فرض كفاية فإذا أجاب واحد منهم أجزأ عنهم وسقط الحرج عن جميعهم وان أجابوا
كلهم كانوا كلهم مؤدين للفرض سواء ردوا معا أو متعاقبين فلو لم يجبه أحد منهم أثموا كلهم ولو رد غير
الذين سلم عليهم لم يسقط الفرض والحرج عن الباقين (الثانية) قال أصحابنا يشترط في ابتداء السلام
وجوابه رفع الصوت بحيث يحصل الاسماع وينبغي ان يرفع صوته رفعا يسمعه المسلم عليهم والمردود
عليهم سماعا محققا ولا يزيد في رفعه على ذلك فان شك في سماعهم زاد واستظهر وان سلم على ايقاظ
عندهم نيام خفض صوته بحيث يسمعه الايقاظ ولا يستيقظ النيام ثبت ذلك عن صحيح مسلم عن
فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية المقداد رضي الله عنه (الثالثة) قال أصحابنا يشترط كون
الجواب متصلا بالسلام الاتصال المشترط بين الايجاب والقبول في العقود (الرابعة) يسن بعث السلام
إلى من غاب عنه وفيه أحاديث صحيحة ويلزم الرسول تبليغه لأنه أمانة وقد قال الله تعالى (ان الله
يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها) وإذا ناداه من وراء حائط أو نحوه فقال السلام عليك يا فلان
أو كتب كتابا وسلم فيه عليه أو أرسل رسولا وقال سلم على فلان فبلغه الكتاب والرسول وجب عليه
رد الجواب على الفور صرح به أصحابنا منهم أبو الحسن الواحدي المفسر في كتابه البسيط والمتولي
والرافعي وغيرهم ويستحب ان يرد على الرسول معه فيقول وعليك وعليه السلام ورحمة الله وبركاته
وفيه حديث في سنن أبي داود اسناده ضعيف لكن أحاديث الفضائل يعمل فيها بالضعيف كما سبق
بيانه في مقدمة هذا الشرح (الخامسة) إذا سلم على أصم اتي باللفظ لقدرته ويشير باليد ليحصل الافهام
فإن لم يضم الإشارة إلى اللفظ لم يستحق جوابا وكذا في جواب سلام الأصم يحب الجمع بين اللفظ
والإشارة ذكره المتولي وغيره (السادسة) سلام الأخرس بالإشارة معتد به وكذا جوابه ولا تجزئ
594

الإشارة في حق الناطق لا سلاما ولا جوابا وأما إذا جمع بين اللفظ والإشارة فحسن وسنة فقد ثبت
عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد يوما وعصبة
من النساء قعود فألوى بيده للتسليم " رواه الترمذي وقال حديث حسن ورواه أبو داود وفى روايته
فسلم علينا ومعناه أنه جمع اللفظ والإشارة (وأما) الحديث الوارد في كتاب الترمذي في النهى عن الإشارة
إلى السلام بالإصبع أو الكف (فضعيف) ضعفه الترمذي وغيره ولو صح لحمل على الاقتصار على الإشارة
(السابعة) في كيفية السلام وجوابه قال صاحب الحاوي المتولي وغيرهما أكمله أن يقول البادئ السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته ويقول المجيب وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وقال جماعة يقول البادئ
السلام عليكم ورحمة الله فقط ليتمكن المجيب أن يجيب بأحسن منها وقد قال الله تعالى (وإذا حييتم
بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) ولا يمكنه أحسن منها الا إذا حذف البادئ وبركاته والأول أصح
لحديث عمران بن حصين قال " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليكم فرد عليه
ثم جلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم عشر ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه فجلس
فقال عشرون ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه وجلس فقال ثلاثون " رواه
595

الدارمي وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن وفى رواية لأبي داود زيادة على هذا من
رواية معاذ ابن أنس قال ثم أتي آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال أربعون
وقال هكذا تكون الفضائل * وأما أقل السلام ابتداء كأن يقول السلام عليكم أو عليك إن كان وحده
أو سلام عليكم أو عليك ولو قال عليكم السلام فوجهان (أحدهما) أنه ليس بتسليم وبه قطع المتولي
(والثاني) وهو الصحيح أنه تسليم يجب فيه الجواب وبه قطع الواحدي وامام الحرمين وغيرهما
ولكن يكره الابتداء به صرح بكراهته الغزالي في الاحياء ودليله الحديث الصحيح عن أبي جرئ
بضم الجيم تصغير جرو رضي الله عنه قال " قلت عليك السلام يا رسول الله قال لا تقل عليك السلام
فان عليك السلام تحية الموتى " رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة قال الترمذي
حديث حسن صحيح قال أصحابنا يستحب إذا سلم على واحد أن يكون بصيغة الجمع فيقول السلام
عليكم خطابا له ولملائكته واتفقوا على أنه لو قال السلام عليكم أو سلام عليك كفى وصفة الجواب
أن يقول وعليكم السلام أو وعليك السلام إن كان واحدا فلو ترك واو العطف فقال عليكم السلام
فوجهان (الصحيح) المنصوص في الأم وبه قطع امام الحرمين والغزالي والجمهور تجزئه لقوله تعالى (قالوا
سلاما قال سلام) ولحديث أبي هريرة السابق في الفصل الأول فان الله تعالى قال هي تحيتك وتحية
ذريتك واتفق أصحابنا على أنه لو قال في الجواب عليكم فقط لم يكن جوابا ولو قال وعليكم بالواو فوجهان
(أحدهما) وهو اختيار امام الحرمين ليس بجواب لأنه ليس فيه ذكر السلام (والثاني) أنه جواب
العطف ويدل عليه حديث أبي هريرة في قصة اسلامه قال " كنت أول من حيى النبي صلى الله عليه وسلم
بتحية السلام فقال عليك ورحمة الله " رواه مسلم هكذا من غير ذكر الاسلام ولو قال المجيب
596

السلام عليكم أو سلام عليكم كان جوابا بلا خلاف والألف واللام أفضل قال الواحدي أنت في
تعريف السلام وتنكيره مخير *
(فرع) لو تلاقى رجلان فسلم كل واحد على صاحبه دفعة واحدة ثم صار كل واحد مبتدئا بالسلام لا مجيبا فيجب
على كل واحد جواب صاحبه بعد ذلك بلا خلاف صرح به القاضي حسين والمتولي والشاشي وغيرهم
ولو وقع كلام أحدهما بعد الآخر قال القاضي والمتولي هو كوقوعهما معا فيجب على كل واحد جواب
الآخر وأنكر الشاشي هذا وقال هذا اللفظ يصح جوابا فإذا وقع متأخرا كان جوابا ولا يجب
الجواب بعده على واحد منهما وهذا الذي قاله الشاشي هو الصحيح قال الله تعالى (قالوا سلاما
قال سلام) *
(فرع) إذا تلاقيا فقال البادئ وعليكم السلام قال المتولي لا يكون ذلك سلاما فلا يستحق جوابا
لأنه لا يصلح للابتداء (الثامنة) لو سلم عليه جماعة متفرقين فقال وعليكم السلام وقصد الرد على جميعهم
أجزأه وسقط عنه فرض الجميع كما لو صلي على جنائز صلاة واحدة ذكره المتولي والرافعي (التاسعة)
قال المتولي وغيره يكره ان يخص طائفة من الجمع بالسلام إذا أمكن السلام على جميعهم لان مقصود
السلام المؤانسة وفى تخصيص البعض ايحاش وربما أورث عداوة (العاشرة) قال الماوردي في الحاوي
إذا مشي في السوق والشوارع المطروقة كثيرا ونحو ذلك مما يكثر فيه المتلاقون فان السلام هنا
يختص ببعض الناس لأنه لو سلم على كل من لقيه اشتغل عن كل منهم وخرج عن العرف قال وإنما يقصد
بهذا السلام جلب مودة أو دفع مكروه (الحادية عشرة) إذا دخل على جماعة قليلة يعمهم سلام واحد
اقتصر على سلام واحد على جميعهم وما زاد من تخصيص بعضهم فهو أدب ويكفي أن يرد منهم
واحد فمن زاد فهو أدب قال فإن كانوا جمعا لا ينتشر فيهم السلام الواحد كالجامع والمجالس الواسعة
597

الحفلة فسنة السلام ان يبدأ به الداخل أول دخوله إذا وصل القوم ويكون مؤديا سنة السلام في حق
كل من سمعه ويدخل في فرض كفاية الرد كل من سمعه فان أراد الجلوس فيهم سقط عنه سنة السلام
على الباقين الذين لم يسمعوه وان أراد أن يتجاوزهم ويجلس فيمن لم يسمعوا سلامه المتقدم فوجهان
(أحدهما) ان سنة السلام حصلت بسلامه على أولهم لأنهم جمع واحد فعلى هذا ان أعاد السلام عليهم
كان أدبا قال وعلى هذا يسقط متى رد عليه واحد من أهل المسجد وإن لم يسمعه سقط الحرج عن
جميع من فيه (والثاني) انها باقية لم تحصل لأنهم لم يسمعوه فعلى هذا لا يسقط فرض الرد عن الأولين
برد واحد ممن لم يسمع ولعل هذا الثاني أصح وقد ثبت في صحيح البخاري عن انس رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه وإذا أتي على قوم
فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثا " وهذا الحديث محمول على ما إذا كان الجمع كثيرا وقيل محمول على السلام
مع الاستئذان كما سنوضحه قريبا إن شاء الله تعالى (الثانية عشرة) إذا سلم على انسان ثم فارقه ثم
لقيه على قرب أو حال بينهما شئ ثم اجتمعا فالسنة أن يسلم عليه وهكذا لو تكرر ذلك ثالثا ورابعا وأكثر
سلم عند كل لقاء وان قرب الزمان اتفق عليه أصحابنا لحديث أبي هريرة في قصة المسئ صلاته
" أنه صلي في جانب المسجد ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام ثم قال ارجع
فصل فإنك لم تصل فرجع فصلي ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم حتى فعل ذلك ثلاث
مرات " رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا لقي أحدكم أخاه
فليسلم عليه فان حال بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه " رواه أبو داود وعن أنس قال " كان
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتماشون فإذا استقبلتهم شجرة أو أكمة فتفرقوا يمينا وشمالا ثم التقوا من ورائهما
سلم بعضهم على بعض " رواه ابن السني (الثالثة عشرة) السنة أن يبدأ بالسلام قبل كل كلام والأحاديث
الصحيحة المشهورة وعمل الأمة على وفق هذا من المشهورات فهذا هو المعتمد في المسألة (وأما) حديث
598

جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " السلام قبل الكلام " فضعيف رواه الترمذي وقال هو
حديث منكر (الرابعة عشرة) يستحب لكل واحد من المتلاقين أن يحرص على الابتداء بالسلام
لقوله صلى الله عليه وسلم " وخيرهما الذي يبدأ بالسلام " وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال " قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن أولي الناس بالله من بدأهم السلام " رواه أبو داود باسناد حسن
ورواه الترمذي وقال في روايته " قيل يا رسول الله الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام قال أولاهما
بالله تعالى " قال الترمذي حديث حسن (الخامسة عشر) السنة أن يسلم الراكب على الماشي والماشي على
القاعد والصغير على الكبير والقليل على الكثير فلو ابتدأ الماشي بالسلام على الراكب أو القاعد على
الماشي أو الكبير على الصغير أو الكثير على القليل لم يكره لكنه خلاف الأولى صرح بعدم كراهته
المتولي وآخرون لأنه ترك حقه وهذا الاستحباب فيما إذا تلاقيا أو تلاقوا في طريق فاما إذا ورد على
قاعد أو قوم فان الوارد يبدأ بالسلام سواء كان صغيرا أو كبيرا قليلا أو كثيرا ودليل هذه المسألة
حديث أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد
والقليل على الكثير " رواه البخاري ومسلم وفى رواية للبخاري يسلم الصغير على الكبير (السادسة
عشرة) حكى الرافعي في السلام بالعجمية ثلاثة أوجه (أحدها) لا يجزئ (والثاني) يجزئ (والثالث) إن
قدر على العربية لم يجزئه وإلا فيجزئه والصحيح بل الصواب صحة سلامه بالعجمية ووجوب الرد عليه
إذا فهمه المخاطب سواء عرف العربية أم لا لأنه يسمي تحية وسلاما وأما من لا يستقيم نطقه بالسلام
فيسلم كيف أمكنه بالاتفاق لأنه ضرورة (السابعة عشرة) السنة إذا قام من المجلس وأراد فراق الجالسين
أن يسلم عليهم للحديث الصحيح عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انتهى
أحدكم إلى المجلس فليسلم فإذا أراد أن يقوم فليسلم فليست الأولى بأحق من الأخرى " رواه أبو داود
والترمذي وغيرهما بأسانيد حسنه قال الترمذي حديث حسن فهذا هو الصواب (وأما قول) القاضي
حسين والمتولي جرت عادة بعض الناس بالسلام عند مفارقة القوم وذلك دعاء مستحب جوابه
599

ولا يجب لان التحية إنما تكون عند اللقاء لا عند الانصراف (فظاهره) مخالف للحديث المذكور وقد
قال الشاشي هذا الذي قالاه فاسد لان السلام سنة عند الانصراف كما هو سنة عند اللقاء (الثامنة عشرة)
يسن السلام على الصبي والصبيان لحديث أنس رضي الله عنه " انه مر على صبيان فسلم عليهم وقال كان
النبي صلى الله عليه وسلم يفعله " رواه البخاري ومسلم وعنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " مر على غلمان
يلعبون فسلم عليهم " رواه أبو داود باسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم وفى رواية ابن السني وغيره
قال " السلام عليكم يا صبيان " وإذا سلم على صبي قال المتولي وأصحابنا لا يلزمه الجواب لأنه ليس مكلفا
ولكن يستحب له الجواب ولو سلم على جماعة فيهم صبي فرد الصبي ولم يرد أحد من البالغين قال
القاضي حسين والمتولي والرافعي وغيرهم لا يسقط الفرض عنهم بجوابه لان الجواب فرض والصبي
ليس من أهل الفرض وقال الشاشي يسقط به كما يصح إذ انه للرجل ويحصل به أداء الشعار وهذا
الخلاف شبيه بالخلاف في سقوط الفرض بصلاته على الميت لكن الأصح المنصوص سقوطه في صلاة
الميت والأصح هنا خلافه ولو سلم صبي على بالغ قال القاضي والمتولي والرافعي في وجوب الرد عليه
وجهان بناءا على صحة اسلامه (والصحيح) وجوب الرد لعموم قول الله تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا
بأحسن منها أو ردوها) قال الشاشي هذا البناء المذكور فاسد وهو كما قال (التاسعة عشرة) سلام النساء
على النساء كسلام الرجال على الرجال في كل ما سبق قال أصحابنا ولو سلم رجل على امرأة أو امرأة على
600

رجل فإن كان بينهما محرمية أو زوجية أو كانت أمته كان سنة ووجب الرد وإلا فلا يجب إلا أن تكون عجوزا
خارجة عن مظنة الفتنة قال المتولي وإذا سلم على شابة أجنبية لم يجز لها الرد ولو سلمت عليه كره له
الرد عليها ولو كان النساء جمعا فسلم عليهن الرجل أو كان الرجال جمعا كثيرا فسلموا على المرأة الواحدة
فهو سنة إذا لم يخف عليه ولا عليهن ولا عليها فتنة لحديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت " مر علينا
النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وعن
سهل بن سعد رضي الله عنه قال " كانت فينا امرأة وفى رواية كانت لنا عجوز تأخذ من أصول السلق
601

فتطرحه في القدر وتكركر حبات من شعير فإذا صلينا الجمعة انصرفنا نسلم عليها فتقدمه الينا " رواه
البخاري: وتكركر تطحن - وعن أم هانئ رضي الله عنها قالت " اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم الفتح وهو يغتسل وفاطمة تستره فسلمت وذكرت تمام الحديث " رواه مسلم (العشرون) في
السلام على المبتدع والفاسق المجاهر بفسقه ومن ارتكب ذنبا عظيما ولم يتب منه وجهان حكاهما الرافعي
602

(أحدهما) مستحب لأنه مسلم (وأصحهما) لا يستحب بل يستحب أن لا يسلم عليه وهذا مذهب ابن عمر
والبخاري
صاحب الصحيح * واحتج البخاري للمسألة في صحيحه بحديث كعب بن مالك حين تخلف هو ورفيقان
له عن غزوة تبوك قال ونهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا قال وكنت آتي رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه فأقول هل حرك شفتيه برد السلام أم لا " رواه البخاري ومسلم قال البخاري
وقال عبد الله بن عمر لا تسلموا على شربة الخمر قال البخاري وغيره ولا يرد السلام على أحد من
هؤلاء ودليله حديث كعب فان اضطر إلى السلام على الظلمة بأن دخل عليهم وخاف ترتب مفسدة في
603

دين أو دينا إن لم يسلم عليهم سلم عليهم وقال ابن العربي المالكي ينوى حينئذ ان السلام اسم من أسماء
الله تعالى ومعناه الله رقيب عليكم (الحادية والعشرون) إذا سلم مجنون أو سكران هل يجب الرد عليهما
فيه وجهان حكاهما الرافعي (أصحهما) انه لا يجب لان عبارة المجنون ساقطة وكذا عبارة السكران في
العبادات (الثانية والعشرون) لا يجوز السلام على الكفار هذا هو المذهب الصحيح وبه قطع الجمهور
وحكي الماوردي في الحاوي فيه وجهين (أحدهما) هذا (والثاني) يجوز ابتداؤهم بالسلام لكن يقول
السلام عليك ولا يقل عليكم وهذا شاذ ضعيف وإذا سلم الذمي على مسلم قال في الرد وعليكم ولا يزيد
604

على هذا هذا هو الصحيح وبه قطع الجمهور حكى صاحب الحاوي وجها آخر أنه يقول وعليكم السلام
ولكن لا يقول ورحمة الله وهذا شاذ ضعيف ودليل المذهب في المسألتين حديث أبي هريرة رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في
طريق فاضطروه إلى أضيقه " رواه مسلم وعن انس رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم " رواه البخاري ومسلم وعن ابن عمر رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك فقل
605

وعليك " رواه البخاري *
(فرع) لو سلم مسلم على من ظنه مسلما فبان كافرا قال المتولي وغيره يستحب
ان يسترد سلامه فيقول له رد على سلامي أو استرجعت سلامي والمقصود إيحاشه وأنه
لا مؤالفة بينهما قال وروى ذلك عن ابن عمر وفى الموطأ عن مالك انه لا يسترده واختاره
ابن العربي المالكي *
606

(فرع) لو مر بمجلس فيه كفار ومسلمون أو مسلم واحد أستحب أن يسلم عليهم ويقصد المسلمون
أو المسلم لحديث أسامة رضي الله عنه " ان النبي صلى الله عليه وسلم مر على مجلس فيه أخلاط
من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم " رواه
البخاري ومسلم *
(فرع) إذا كتب إلى كافر كتابا فيه سلام أو نحوه فالسنة ان يكتب نحو ما ثبت في الصحيحين
في حديث أبي سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل " من محمد عبد الله ورسوله
إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى " *
(فرع) إذا أراد تحية ذمي بغير السلام قال المتولي والرافعي له ذلك بأن يقول هداك الله
أو أنعم الله صباحك وهذا لا بأس به ان احتاج إلى تحيته لدفع شره أو نحوه فيقول صبحك الله
607

بالخير أو بالسعادة أو بالعافية أو بالمسرة ونحوه فإن لم يحتج فالاختيار أن لا يقول شيئا فان ذلك بسط
وايناس واظهار مودة وقد أمرنا بالاغلاظ عليهم ونهينا عن ودهم (الثالثة) والعشرون قال أصحابنا
إن سلم في حالة لا يشرع فيها السلام لم يستحق جوابا قالوا فمن تلك الأحوال انه يكره السلام
على مشتغل ببول أو جماع ونحوهما ولا يستحق جوابا ويكره جوابه ومن ذلك من كان نائما أو ناعسا
608

أو في حمام واتفقوا انه لا يسلم على من في الحمام وغيره ممن هو مشتغل بما لا يؤثر السلام عليه في
حالة واما المشتغل بالأكل فقال الشيخ أبو محمد والمتولي لا يسلم عليه قال امام الحرمين هذا محمول
على ما إذا كانت اللقمة في فيه وكان يمضي زمان في المضغ والابتلاع ويعسر الجواب في الحال قال
فاما ان سلم بعد الابتلاع وقبل وضع لقمة أخرى فلا يتوجه المنع اما المصلى قال الغزالي لا يسلم
عليه وقال المتولي والجمهور لا منع من السلام عليه لكن لا يستحق جوابا لا في الحال ولا بعد الفراغ
من الصلاة لا باللفظ ولا بالإشارة ويستحب ان يرد في الصلاة بالإشارة نص عليه الشافعي في القديم
609

ولم يخالفه في الجديد وحكي الرافعي وجها انه يجب الرد بالإشارة في الحال ووجها انه يجب
الرد بعد الفراغ باللفظ والصحيح انه لا يجب الرد مطلقا فان رد في الصلاة فقال وعليكم السلام بطلت
ان علم تحريمه وإلا فلا في الأصح وان قال وعليه لم تبطل وقد سبقت المسألة في آخر باب ما يفسد
الصلاة مبسوطة وأما الملبي بالحج أو العمرة فيكره السلام عليه فان سلم رد عليه لفظا نص عليه
610

الشافعي والأصحاب والسلام على المؤذن ومقيم الصلاة في معنى السلام على الملبي والسلام في حال
الخطبة سبق بيانه أما المشتغل بقراءة فقال الواحدي الأولى ترك السلام عليه قال فان سلم كفاه الرد
بالإشارة وان رد باللفظ استأنف الاستعاذة ثم قرأ وهذا الذي قاله ضعيف والمختار أنه يسلم عليه
ويجب الرد باللفظ ولو رد السلام في حال الأذان والإقامة والأكل لم يكره وفى الجماع والبول كره
611

(الرابعة والعشرون) يستحب لمن دخل بيته أو بيتا غيره أو مسجدا وليس فيه أحد أن يسلم فيقول
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته قال الله تعالى
612

(فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) والمسألة ذكرتها في كتاب
الأذكار (الخامسة والعشرون) إذا مر بانسان أو جمع وغلب على ظنه انه لو سلم لم يرد عليه استحب
له السلام ولا يترك هذا الظن لأنه مأمور بالسلام لا بالرد ولأنه قد يخطي الظن فيرد عليه (فان قيل) هذا
613

سبب لادخال الاثم على الممرور به (قلنا) هذا خيال باطن فان الوظائف الشرعية لا تترك بهذا الخيال
والتقصير هنا هو من الممرور عليهم ويختار لمن سلم ولم يرد عليه أن يبرأ المسلم عليه من الجواب
614

والأحسن أن يقول له إن أمكن له رد السلام فإنه واجب عليك (السادسة والعشرون) قال المتولي
وغيره التحية بالطلبقة وهي أطال الله بقاءك باطلة لا أصل لها وقد نص جماعة من السلف على كراهة
615

أطال الله بقاك وقال بعضهم هي تحية الزنادقة (السابعة والعشرون) قال المتولي وغيره وأما التحية عند
خروجه من الحمام بقوله طاب حمامك فنحوه فلا أصل لها وهو كما قالوا فلم يصح في شئ لكن لو قال لصاحبه
حفظا لوده أدام الله لك النعيم ونحوه من الدعاء فلا بأس إن شاء الله تعالى قال المتولي وروى أن عليا قال لرجل
616

خرج من الحمام " طهرت فلا نجست " (الثامنة والعشرون) إذا ابتدأ المار فقال صبحك الله بخير
أو بالسعادة أو قواك الله أو حياك الله أو لا أوحش الله منك ونحوها من ألفاظ أهل العرف لم
يستحق جوابا لكن لو دعى له قبالة دعائه كان حسنا لا أن يريد تأديبه أو تأديب غيره لتخلفه
واهماله السلام فيسكت *
(الفصل الثالث) في الاستئذان وما يتعلق به قال الله تعالى (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن
617

الذين من قبلهم) وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا
على أهلها) وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
الاستئذان ثلاث فان أذن لك وإلا فارجع " وعن سهل بن سعد قال " قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم إنما جعل الاستئذان من أجل البصر " رواهما البخاري ومسلم ورويا الاستئذان ثلاثا من طرق
والسنة لمن أراد الاستئذان أن يسلم ثم يستأذن فيقوم عند باب البيت بحيث لا ينظر إلى من في
618

داخله ثم يقول السلام عليكم أأدخل أو نحو هذا فإن لم يجبه أحد قال ذلك ثانيا وثالثا فإن لم يجبه أحد انصرف
لحديث ربعي بن حراش قال " حدثنا رجل من بنى عامر استأذن النبي صلى الله عليه وسلم وفى
بيت فقال الج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقال له قل
السلام عليكم أأدخل فسمعه الرجل فقال السلام عليكم أأدخل فاذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل "
رواه أبو داود باسناد صحيح وعن كلد - بفتح الكاف واللام - ابن الحنبل الصحابي رضي الله عنه قال
619

" اتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه ولم أسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارجع فقل
السلام عليكم أأدخل " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن فهذا الذي ذكرناه من تقديم
620

السلام على الاستئذان هو الصحيح الذي جاءت به الأحاديث وذكر صاحب الحاوي ثلاثة أوجه
(أحدها) هذا (والثاني) تقديم الاستئذان على السلام (والثالث) وهو اختياره إن وقعت عين المستأذن
621

على صاحب المنزل قبل دخوله قدم السلام وإن لم تقع عليه عينه قدم الاستئذان وإذا استأذن ثلاثا
ولم يؤذن له فظن أنه لم يسمع فلم أر لأصحابنا فيه كلاما وحكي ابن العربي المالكي فيه ثلاثة مذاهب
(أحدها) يعيد الاستئذان (والثاني) لا يعيده (والثالث) إن كان بلفظ الاستئذان الأول لم يعده
وإن كان بغيره اعاده قال والأصح انه لا يعيده بحال وهذا ظاهر الحديث لكن إذا تأكد ظنه
انهم لم يسمعوه لبعد المكان أو لغيره فالظاهر أنه لا بأس بالزيادة ويكون الحديث فيمن لم يظن عدم
سماعهم والسنة لمن استأذن بدق الباب ونحوه فقيل له من أنت أن يقول فلان ابن فلان أو فلان
الفلاني أو فلان المعروف بكذا أو فلان فقط ونحو ذلك من العبارات بحيث يحصل التعريف التام
به والأولى أن لا يقتصر على قوله انا أو الخادم ونحو هذا لحديث انس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم حديث الاسراء المشهور قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثم صعد بي جبريل
622

إلى السماء الدنيا فاستفتح فقيل من هذا فقال جبريل فقيل من معك قال محمد ثم صعد إلى السماء الثانية
والثالثة وسائرهن ويقال في باب كل سماء من هذا فيقول جبريل " رواه البخاري ومسلم وعن جابر
قال " اتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدققت الباب فقال من ذا فقلت انا فقال أنا أنا كأنه
كرهها " رواه البخاري ومسلم ولا بأس أن يصف نفسه بما يعرف به إذا لم يعرفه المخاطب بغيره
وإن تضمن ذلك صورة تبجيل له بأن يكنى نفسه أو يقول إنا القاضي فلان أو المفتى أو الشيخ الأمير ونحوه
للحاجة وقد ثبت في هذا أحاديث كثيرة (منها) عن أبي قتادة واسمه الحارث بن ربعي في حديث
الميضأة المشتمل على معجزات وعلوم قال " فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه فقال من هذا قلت
انا أبو قتادة " رواه مسلم وعن أبي ذر واسمه جندب بن جنادة قال " خرجت ليلة فإذا رسول الله صلى الله عليه
وسلم يمشي وحده فجعلت أمشي في ظل القمر فالتفت فرآني قال من هذا فقلت
أبو ذر " رواه البخاري ومسلم وعن أم هانئ واسمها فاختة وقيل فاطمة وقيل هند قالت " اتيت
النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل وفاطمة تستره فقال من هذا فقلت انا أم هانئ "
رواه البخاري ومسلم *
(الفصل الرابع) في تشميت العاطس يقال بالشين المعجمة والمهملة وسبق بيانه قريبا حيث ذكره المصنف عن أبي
هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب
623

فإذا عطس أحدكم وحمد الله تعالى كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله واما التثاؤب
فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فان أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان "
رواه البخاري قال العلماء معناه ان سبب العطاس محمود وهو خفة البدن التي تكون لقلة الاخلاط
وتخفيف الغذاء وهو مندوب إليه لأنه يضعف الشهوة ويسهل الطاعة والتثاؤب ضده وعن أبي هريرة
أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل له أخوه أو صاحبه
يرحمك الله فإذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم " رواه البخاري وعن انس
624

قال عطس " رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر فقال الذي يشمته
عطس فلان فشمته وعطست فلم تشمتني فقال هذا حمد الله تعالى وانك لم تحمد الله تعالى " رواه
البخاري ومسلم وعن أبي موسى الأشعري قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا
625

عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه " رواه مسلم وعن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " حق المسلم خمس رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة
وتشميت العاطس " رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا
عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال وليقل أخوه أو صاحبه يرحمك الله ويقول هو يهديكم الله
626

ويصلح بالكم " رواه أبو داود وغيره باسناد صحيح واتفق العلماء على أنه مستحب للعاطس أن
يقول عقب عطاسه الحمد لله فان قال الحمد لله رب العالمين فهو أحسن فلو قال الحمد لله على كل حال
627

كان أفضل ويستحب لكل من سمعه أن يقول له يرحمك الله أو رحمك الله أو رحمك ربك أو يرحمكم الله
وأفضله رحمك الله ويستحب للعاطس أن يقول له بعد ذلك يهديكم الله ويصلح بالكم وكل هذا سنة ليس
فيه شئ واجب قال أصحابنا والتشميت وهو قوله يرحمك الله سنة على الكفاية إذا قالها بعض الحاضرين
أجزأ عن الباقين وإن تركوها كلهم كانوا سواء في ترك السنة وإن قالوها كلهم كانوا سواء في القيام
بها ونيل فضلها كما سبق ابتداء الجماعة بالسلام وردهم هذا الذي ذكرناه من كونه سنة هو مذهبنا
وبه قال الجمهور وقال بعض أصحاب مالك هو واجب قال أصحابنا وإنما يسن التشميت إذا قال العاطس
الحمد لله فإن لم يحمد الله ذكره تشميته للحديث السابق وإذا شمت فالسنة أن يقول له العاطس يهديكم الله
628

ويصلح بالكم أو يغفر الله لنا ولكم والأفضل الأول ولا يلزمه ذلك وأقل الحمد والتشميت وجوابه
أن يرفع صوته بحيث يسمع صاحبه ولو قال العاطس لفظا غير الحمد لله لم يستحق التشميت لظاهر

(3) بين سطور الأصل ما نصه (أظنه قال عقبه وفي النسائي الا انها كانت عقبا) اه‍
629

الأحاديث السابقة ولو عطس في صلاته استحب أن يقول الحمد لله وسمع نفسه ولأصحاب مالك
ثلاثة أقوال (أحدها) هذا واختاره ابن العربي (والثاني) يحمد في نفسه (والثالث) لا يحمد قاله سحنون
630

ودليل مذهبنا الأحاديث العامة والسنة أن يضع العاطس يده أو ثوبه أو نحوه على فمه وأن يخفض صوته
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه
631

على فيه وخفض أو غض بها صوته " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وإذا تكرر
العطاس من انسان متتابعا فالسنة أن يشمته لكل مرة إلى أن يبلغ ثلاث مرات فان زاد وظهر أنه مزكوم
دعا له بالشفاء ولو عطس يهودي فالسنة أن يقول ما ثبت عن أبي موسى قال " كان اليهود يتعاطسون عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجون أن يقول لهم يرحمكم الله فيقول يهديكم الله ويصلح بالكم " رواه
أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح *
632

(الفصل الخامس) في المصافحة والمعانقة والتقبيل ونحوها وفيه مسائل (إحداها) المصافحة سنة عند
التلاقي للأحاديث الصحيحة وإجماع الأئمة عن قتادة قال " قلت لأنس أكانت المصافحة في أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم " رواه البخاري وعن كعب بن مالك ان طلحة بن عبيد الله قام إليه
فصافحه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري ومسلم في سنن أبي داود والترمذي عن البراء
قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلمين يتلاقيان فيتصافحان الا غفر لهما قبل أن يتفرقا وعن
انس قال قال رجل " يا رسول الله الرجل منا يلقي أخاه أو صديقه أينحني له قال لا قال أفيلتزمه ويقبله قال لا
قال أفيأخذ بيده ويصافحه قال نعم " رواه الترمذي وقال حديث حسن وتسن المصافحة عند كل لقاء
وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه
633

ولكن لا بأس به فان أصل المصافحة سنة وكونهم خصوها ببعض الأحوال وفرطوا في أكثرها لا يخرج
ذلك البعض عن كونه مشروعة فيه وقد سبق بيان هذه القاعدة في آخر صفة الصلاة ويستحب مع
634

المصافحة بشاشة الوجه لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه
طليق " رواه مسلم من رواية أبي ذر رضي الله عنه وفيه أحاديث كثيرة وينبغي أن يحذر من مصافحة
الأمرد الحسن فان النظر إليه من غير حاجة حرام على الصحيح المنصوص وبه قطع المصنف في أول
كتاب النكاح وقد قال أصحابنا كل من حرم النظر إليه حرم مسه وقد يحل النظر مع تحريم المس
فإنه يحل النظر إلى الأجنبية في البيع والشراء والاخذ والعطاء ونحوها ولا يجوز مسها في شئ من ذلك (الثانية)
يكره حتى الظهر في كل حال لكل أحد لحديث انس السابق في المسألة الأولى وقوله اننحنى قال لا ولا معارض
له ولا تغتر بكثرة من يفعله ممن ينسب إلى علم أو صلاح ونحوهما (الثالثة) المختار استحباب اكرام
الداخل بالقيام له إن كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية مع صيانة أوله حرمة
بولاية أو نحوها ويكون هذا القيام للاكرام لا للرياء والاعظام وعلى هذا استمر عمل السلف للأمة
635

وخلفها وقد جمعت في هذا جزءا مستقلا جمعت فيه الأحاديث والآثار وأقوال السلف وأفعالهم الدالة على
ما ذكرته وذكرت فيه ما خالفها وأوضحت الجواب عنها (الرابعة) يستحب تقبيل يد الرجل الصالح
والزاهد والعالم ونحوهم من أهل الآخرة وأما تقبيل يده لغناه ودنياه وشوكته ووجاهته عند أهل
الدنيا بالدنيا ونحو ذلك فمكروه شديد الكراهة وقال المتولي لا يجوز فأشار إلى تحريمه وتقبيل رأسه
636

ورجله كيده واما تقبيل خد ولده الصغير وولد قريبه وصديقه وغيره من صغار الأطفال الذكر والأنثى
على سبيل الشفقة والرحمة واللطف فسنة وأما التقبيل بالشهوة فحرام سواء كان في ولده أو في غيره بل النظر
بالشهوة حرام على الأجنبي والقريب بالاتفاق ولا يستثني من تحريم القبلة بشهوة الا زوجته
وجاريته واما تقبيل الرجل الميت والقادم من سفره ونحوه فسنة ومعانقة القادم من سفر ونحوه سنة واما المعانقة
وتقبيل وجه غير القادم من سفر ونحوه غير الطفل فمكروهان صرح بكراهتهما البغوي وغيره
وهذا الذي ذكرنا في التقبيل والمعانقة انه يستحب عند القدوم من سفر ونحوه ومكروه في غيره هو
637

في غير الأمرد الحسن الوجه فاما الأمرد الحسن فيحرم بكل حال تقبيله سواء قدم من سفر أم لا
والظاهر أن معانقته قريبة من تقبيله وسواء كان المقبل والمقبل صالحين أو غيرهما ويستثنى من هذا تقبيل
الوالد والوالدة ونحوهما من المحارم على سبيل الشفقة ودليل ما ذكرته من هذه المسائل أحاديث كثيرة
الأول عن زارع رضي الله عنه وكان في وفد عبد القيس قال " فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلي
638

الله عليه وسلم ورجله " رواه أبو داود (الثاني) عن ابن عمر رضي الله عنهما في قصة قال " فدنونا يعنى من
النبي صلى الله عليه وسلم فقبلنا يده " رواه أبو داود (الثالثة) عن أبي هريرة قال " قبل النبي صلى الله عليه
وسلم الحسن ابن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع ابن حابس فقال إن لي عشرة من الولد ما قبلت
منهم أحدا فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال من لا يرحم لا يرحم " رواه البخاري ومسلم
(الرابع) عن عائشة رضي الله عنها قالت " قدم ناس من الاعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالوا أتقبلون صبيانكم فقالوا والله ما نقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أملك إن كان الله نرع منكم
الرحمة " رواه البخاري ومسلم من طرق بألفاظ (الخامس) عن أنس رضي الله عنه قال " أخذ رسول الله صلى الله عليه
وسلم ابنه إبراهيم فقبله وشمه " (السادس) عن البراء بن عازب قال دخلت مع أبي بكر يعنى الصديق
رضي الله عنه أول ما قدم المدينة فإذا عائشة ابنته رضي الله عنها مضطجعة قد أصابتها حمي فأتاها
أبو بكر فقال كيف أنت يا بنية وقبل خدها " رواه أبو داود (السابع) عن صفوان بن غسان رضى الله
639

عنه قال " قال يهودي لصاحبه اذهب بنا إلى هذا النبي فاتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه
عن تسع آيات بينات وذكر الحديث إلى قوله فقبلوا يده ورجله وقالوا نشهد انك نبي " رواه الترمذي
والنسائي وابن ماجة بأسانيد صحيحة (الثامن) عن عائشة في حديث وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت " دخل أبو بكر رضي الله عنه فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أكب عليه فقبله ثم
بكى " رواه البخاري (التاسع) عن عائشة قالت " قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه
وسلم في بيتي فاتاه فقرع الباب فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه فاعتنقه وقبله " رواه الترمذي
وقال حديث حسن (العاشر) حديث أنس السابق في المسألة الأولى " الرجل يلقى أخاه أو صديقه
أينحني له قال لا الخ " وعن أياس ابن دغفل قال " رأيت أبا مدرة قبل خد الحسن ابن علي رضي الله عنهما "
رواه أبو داود باسناد صحيح وعن ابن عمر انه كان يقبل ابنه سالما ويقول اعجبوا من شيخ يقبل
شيخا " وهذه الأحاديث منزلة على التفصيل السابق (الخامسة) تسن زيارة الصالحين وأهل الخير
والأقارب والأصدقاء والجيران وبرهم واكراههم وصلتهم وضبط ذلك يختلف باختلاف أحوالهم ومراتبهم
640

وينبغي أن يكون زيارتهم على وجه يرتضونه وفى وقت لا يكرهونه والأحاديث فيه كثيرة ومن
أحسنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا زار أخا له في قرية
أخرى فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكا فلما أتي عليه قال أبن تريد قال أريد اخالي في هذه القرية
قال هل لك عليه من نعمة تربها قال لا غير أنى أحبه في الله تعالى قال فاني رسول الله إليك بان الله
تعالى قد أحبك كما أحببته فيه رواه مسلم والمدرجة الطريق وتر بها تحفظها وتراعيها وعنه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من عاد مريضا أو زار اخاله في الله تعالى ناداه مناديان طبت
وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا " رواه الترمذي ويستحب أن يطلب من صاحبه الصالح أن
641

يزوره وأن يزوره أكثر من زيارته لحديث ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل
عليه السلام ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزلت وما نتنزل الا بأمر ربك له ما بين
أيدينا وما خلفنا " رواه البخاري (السادسة) إذا تثاءب فالسنة أن يرده ما استطاع للحديث الصحيح
السابق في فصل العطاس والسنة أن يضع يده على فيه لحديث أبي سعيد قال " قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه فان الشيطان يدخل " رواه مسلم وسواء كان
التثاءب في الصلاة أو خارجها وقد سبق بيانه في باب ستر العورة (السابعة) يستحب إجابة من ناداك
642

بلبيك وأن يقول للوارد عليه مرحبا أو نحوه وأن يقول لمن أحسن إليه أو فعل خيرا حفظك الله
أو جزاك الله خيرا ونحوه ولا بأس بقوله لرجل جليل في علم أو صلاح ونحوه جعلني الله فداك ودلائل
هذا كله في الحديث الصحيح مشهورة *
(باب الأذكار المستحبة في الليل والنهار وعند الأحوال العارضة)
هذا الباب واسع جدا وقد جمعت فيه مجلدا مشتملا على نفائس لا يستغنى عن مثلها (فمنها) ما له
ذكر في كتب الفقه
وقد ذكره المصنف في مواطنه وضممت إليه ما يتعلق به وذلك كأذكار الوضوء
والصلاة والأذان والإقامة والجمعة والعيد والكسوف والاستسقاء والجنائز والزكاة والمناسك والنكاح
643

وغيرها (ومنها) ما لا يذكر غالبا في كتب الفقه فاذكر منه إن شاء الله تعالى جملة مختصرة بحذف الأدلة
وهي مقررة بادلتها من الأحاديث الصحيحة في كتاب الأذكار فمن ذلك يستحب الاكثار من الذكر
في كل وقت وحضور مجالس الذكر ويكون الذكر بالقلب وباللسان وبهما وهو الأفضل ثم القلب
قال سعيد بن جبير وغيره كل عامل بطاعة ذاكر وسبق في باب الغسل اجماع العلماء على جواز الذكر
غير القرآن للجنب والحائض وغيرهما ويندب كون الذاكر على أكمل الصفات متخشعا متطهرا مستقبل
القبلة خاليا نظيف الفم ويحرص على حضور قلبه وتدبر الذكر ولهذا كان المذهب الصحيح المختار ان
مد الذاكر قوله لا إله إلا الله أفضل من حذفه لما في المد من التدبر ومن كان له وظيفة من الذكر ففائتة
ندب له تداركها وإذا سلم عليه رد السلام ثم عاد إلى الذكر وكذا لو عطس عنده انسان فليشمته
644

أو سمع مؤذنا فليجبه أو رأى منكرا فليزله أو مسترشدا فلينصحه ثم يرجع إلى الذكر وكذا يقطعه إذا
غلبه نعاس ونحوه ويندب عد التسبيح بالأصابع *
(فصل) في الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان
في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " وفى مسلم " أحب الكلام إلى
الله سبحان الله وبحمده " وفى مسلم " أحب الكلام إلى الله تعالى أربع سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر " لا يضرك بأيهن بدأت وفيه الحمد لله تملأ الميزان وسبحان والحمد لله
تملآن أو تملأ ما بين الأرض والسماوات وفيه الحث على سبحان وبحمده عدد خلقه ثلاث مرات
645

سبحان الله وبحمده رضاء نفسه ثلاثا سبحان الله وبحمده زنة عرشه ثلاثا سبحان الله
وبحمده مداد كلماته ثلاثا وفى الصحيحين " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له
له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة
حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسى ولم يأت أحد بأفضل
مما جاء به الا رجل عمل أكثر منه ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كان
ت مثل زبد البحر " وفى مسلم " قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا
سبحان الله رب العالمين لا حول ولا قوة الا بالله العزيز الحكيم وفى الصحيحين " لا حول ولا قوة الا بالله
كنز من كنوز الجنة " وفى حسان الترمذي " غراس الجنة سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر "
وفيه " من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة " وفى حسانه " لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله تعالى
" وفى البخاري " مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت " *
646

(فصل) السنة أن يذكر الله تعالى إذا استيقظ من نومه وأن يقول الحمد لله الذي أحيانا بعد
ما أماتنا واليه النشور وأن يقول إذا لبس ثوبا اللهم إني أسألك خيره وخير ما هو له وأعوذ بك من
شره وشر ما هو له الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة وإذا لبس جديدا
قال اللهم أنت كسوتنيه أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له وأن يقال
للابس الجديد إبلي وأخلق وأيضا ألبس جديدا وعش حميدا ومت شهيدا وإذا خرج من بيته قال
بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة الا بالله اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل
أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل على وإذا دخل بيته قال باسم الله وسلم كما سبق في السلام وقال
اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج بسم الله ولجنا وباسم الله ربنا خرجنا وعلى الله توكلنا وإذا استيقظ
في الليل وخرج من بيته نظر إلى السماء وقرأ آخر آل عمران (ان في خلق السماوات والأرض) الآيات
ويقول عند الصباح والمساء اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت خلقتني وانا على عهدك ووعدك ما استطعت
أبوء لك بنعمتك وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب الا أنت أعوذ بك من شر ما صنعت
647

وأيضا سبحان الله وبحمده مائة مرة وأيضا قل هو الله أحد والمعوذتين ثلاث مرات وأيضا اللهم
بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيي وبك نموت واليك النشور وأيضا باسم الله الذي لا يضر مع
اسمه شئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع البصير ثلاث مرات وأيضا اللهم فاطر السماوات
والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شئ ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي
وشر الشيطان وشركه روى - بكسر الشين مع اسكان الراء - وروى بفتحهما وأيضا عند المساء أعوذ بكلمات
الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات وأيضا رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه
وسلم نبيا رسولا وفى الصباح والمساء أحاديث كثيرة غير هذه ويندب قبل صلاة الصبح يوم الجمعة
استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم أتوب إليك ثلاث مرات ويندب كثرة الذكر بالعشي وهو ما بين زوال
648

الشمس وغروبها وأن يقول بعد صلاة الوتر سبحان الملك القدوس ثلاث مرات وأيضا اللهم إني أعوذ
برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما
أثنيت على نفسك وأن يقول عند الاضطجاع للنوم باسمك اللهم أحيى وأموت وأن يكبر ثلاثا وثلاثين
تكبيرة ويسبح أربعا وثلاثين ويحمد ثلاثا وثلاثين وأيضا باسمك ربى وضعت جنبي وبك أرفعه
إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين وأن ينفث في كفيه ويقرأ
قل هو الله أحد والمعوذتين ويمسح بهما رأسه ووجهه وما استطاع من جسده وأن يقرأ آية الكرسي
والآيتين آخر سورة البقرة آمن الرسول إلى آخرها وأيضا اللهم قنى عذابك يوم تبعث عبادك وأيضا
اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ورب كل شئ فالق الحب والنوى منزل التوراة
والإنجيل والقرآن أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شئ
وأنت الاخر فليس بعدك شئ وأنت الظاهر فليس قبلك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ أقض
عنا الدين واغننا من الفقر وأيضا اللهم إني أسألك العافية استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم
وأتوب إليه وأيضا الحمد لله الذي أطعمنا وأسقانا وكسانا وآوانا فكم ممن لا كافى له ولا مؤوى
وليكن من آخره اللهم أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك والجأت ظهري إليك رهبة
649

ورغبة إليك لا ملجأ ولا منجأ منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت ويكره
أن يضطجع بلا ذكر وإذا استيقظ من الليل فليقل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت
وهو على كل شئ قدير والحمد لله وسبحان الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم يدعو وإذا
فزع في منامه أو غيره قال أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن
يحضرون وإذا رأى في منامه ما يحب فليحمد الله ويحدث بها من يحب ولا يحدث من لا يحب وإذا
رأى ما يكره فليستعذ بالله من شرها ومن الشيطان ثلاث مرات وليتفل على يساره ثلاثا ويتحول
عن جنبه إلى الآخر ولا يحدث بها أحدا فإنها لا تضره وإذا قصت عليه رؤيا قال خيرا رأيت
وخيرا يكون وليكثر من الذكر والدعاء والاستغفار في النصف الثاني من الليل والثلث الأخير آكد
والاستغفار بالأسحار آكد *
(فصل) يسن عند الكرب والأمور المهمة دعاء الكرب لا اله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله
رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم وأيضا يا حي
يا قيوم برحمتك أستغيث وأيضا اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله
لا اله إلا أنت ويندب في كل موطن اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
وأيضا آية الكرسي وآخر البقرة وإذا خاف سلطانا أو غيره قال اللهم إني أعوذ بك من شرورهم
وأجعلك في نحورهم وإذا عرض له شيطان فليستعذ بالله منه وليقرأ ما تيسر من القرآن وإذا أصابه
شئ فليقل قدر الله وما شاء الله فعل وليقل لدفع الآفات ما شاء الله لا قوة الا بالله وعند المصيبة انا لله
650

وانا إليه راجعون وعند النعمة نحمد الله ونشكره وإذا كان عليه دين فليقل اللهم اكفني بحلالك
عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك وإذا بلي بالوحشة فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه
وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون وإذا بلي بالوسوسة فليستعذ بالله من الشيطان
ولينته عن الاستمرار فيها وإن كان توسوسه في الاحرام بالصلاة تعوذ بالله منه وتفل عن يساره ثلاثا
ويقول لا إله إلا الله ويكررها ويقرأ على المعتوه والملدوغ ونحوهما فاتحة الكتاب وإذا أراد تعويذ صبي
ونحوه قال أعيذك بكلمات الله التامات من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة *
(فصل) ويستحب الدعاء للمريض وسنذكر جملة من الأدعية المسنونة في كتاب الجنائز حيث
ذكره المصنف إن شاء الله تعالى * ويستحب السؤال عن المريض وأن يطيب نفس المريض وينشطه
وأن يثنى عليه بما يحسن ظنه بربه سبحانه وتعالى وأن يطلب الدعاء من المريض وسيأتي باقي أدبه في
الجنائز وأذكارها وما يتعلق بها في كتابها وما يتعلق بالزكاة والصوم والحج والنكاح في أبوابها وما يتعلق
بالأسماء والكنى والألقاب ونحوها في باب العقيقة حيث ذكره المصنف وما يتعلق بالأكل
والشرب في باب الوليمة وما يتعلق بالجهاد والسفر ونحوهما في كتاب السير حيث ذكر المصنف
أصولها إن شاء الله تعالى *
(فصل) في المدح في الوجه * جاءت أحاديث بالنهي عنه وأحاديث كثيرة في الصحيحين بإباحته
قال العلماء طريق الجمع بينها أنه إن كان عند الممدوح كمال ايمان وحسن يقين ومعرفة تامة ورياضة
نفس بحيث لا يغتر بذلك ولا تلعب به نفسه فلا كراهة فيه وان خيف شئ من هذه الأمور كره مدحه
كراهة شديدة وأما ذكر الانسان محاسن نفسه فإن كان للارتفاع والافتخار والتمييز على الاقران
فمذموم وإن كان فيه مصلحة دينية بأن يكون آمرا بالمعروف أو ناهيا عن المنكر أو ناصحا أو مشيرا
651

بمصلحة أو معلما أو مؤدبا أو مصلحا بين اثنين أو دافعا عن نفسه ضررا ونحو ذلك فذكر محاسنه
ناويا بذلك أن يكون هذا أقرب إلى قبول قوله واعتماد ما يقوله وانى لكم ناصح وان هذا الكلام
لا تجدونه عند غيري فاحتفظوا به ونحو ذلك فليس هذا مكروها بل هو محبوب وقد جاءت فيه أحاديث
كثيرة صحيحة أوضحتها في كتاب الأذكار *
(فصل) يستحب إذا سمع صياح الديك أن يدعوا وإذا سمع نهيق الحمار ونباح الكلب
أن يستعيذ بالله من الشيطان وإذا رأى الحريق ان يكبر وإذا أراد القيام من المجلس أن يقول قبل
قيامه سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وان يدعو لنفسه وجلسائه
ويكره مفارقة المجلس من غير ذكر الله تعالى وإذا غضب استعاذ من الشيطان وتوضأ وإذا أحب
رجلا لله أعلمه بذلك وسأله عن اسمه ونسبه وليقل المحبوب أحبك الذي أحببتني له وأن يقول
إذا دخل السوق لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت
بيده الخير وهو على كل شئ قدير ويقرأ آية الكرسي عند الحجامة وإذا طنت أذنه صلي على النبي
صلى الله عليه وسلم وقال ذكر الله بخير من كرني وإذا خدرت رجله ذكر من يحبه وله الدعاء على من
ظلمه والصبر أفضل ويتبرأ من المبتدعة ونحوهم وإذا شرع في إزالة منكر فليقرأ (جاء الحق وزهق
الباطل إن الباطل كان زهوقا) جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد وإذا عثرت دابته أو غيرها
قال باسم الله وأن يدعو لمن صنع إليه أو الناس معروفا وأن يقول جزاك الله خيرا وإذا رأى الباكورة
من الثمر قال اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في مكيالنا ويسن التعاون على البر
652

والتقوى والدلالة على الخير وإذا سئل علما ليس عنده ويعلمه عند غيره فليدله عليه وإذا دعى لحكم
الله تعالى فليقل سمعنا وأطعنا وإذا قيل له اتق الله ونحوه من الألفاظ فليقل سمعنا وأطعنا
وليعرض عن الجاهلين ما لم يكن في الاعراض مفسدة ويستحب الوفاء بالوعد والمسارعة به وإذا رأى
شيئا فأعجبه واصابه بالعين فليبرك عليه وهو الدعاء له بالبركة وإذا رأى شيئا يكرهه فليقل الهم
لا يأتي بالحسنات الا أنت ولا يذهب بالسيئات الا أنت ولا حول ولا قوة الا بالله ويستحب طيب
الكلام وبيانه وايضاحه للمخاطب وخفض الجناح للمؤمنين ولا بأس بالمزاح بحق ولكن لا يكثر
منه فاما الافراط فيه أو الاكثار منه فمذمومان ويسن الشفاعة في الطاعة والمباح ويحرم
في الحدود وفى الحرام ويستحب التبشير والتهنئة ويجوز التعجب بلفظ التسبيح والتهليل
ونحوهما لقوله صلى الله عليه وسلم " سبحان الله أن المؤمن لا ينجس سبحان الله تطهري بها " والله أعلم *
(فصل) في جملة من الأدعية الثابتة في الأحاديث الصحيحة مختصرة * اللهم آتنا في الدنيا حسنة
وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغني اللهم اغفر لي
وارحمني واهدني وعافني وارزقني اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك اللهم أعوذ بك
653

من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل
والجبن والهرم والبخل وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات وخلع الدين
وغلبة الرجال اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا كبيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي
مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم اللهم اغفر لي خطيئتي وإسرافي في أمري وما أنت
أعلم به منى اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطأي وعمدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت
وما أخرت وما أسررت وما أنت أعلم به منى أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شئ قدير
اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت وشر ما لم أعمل اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول
عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها
ومولاها اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب
لها اللهم إني أسألك الهدى والسداد اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي
التي فيها معاشي وأصلح آخرتي التي فيها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير والموت راحة لي
من كل شر اللهم إني أعوذ بك من شر الغنى والفقر اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق
654

والأعمال والأهواء وسئ الأسقام ومن شر سمعي وبصري ومن شر لساني ومن شر قلبي ومن
الخيانة فإنها بئست البطانة اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك يا مثبت
القلوب ثبت قلبي على دينك اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك موجبات
رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل اثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار
وهذا الباب واسع وفيما أشرت إليه * كفاية ومن آداب الدعاء كونه في الأوقات والأماكن والأحوال
655

الشريفة واستقبال القبلة ورفع يديه ومسح وجهه بعد فراغه وخفض الصوت بين الجهر والمخافتة
وأن لا يتكلف السجع ولا بأس بدعاء مسجوع كان يحفظه وكونه خاشعا متواضعا متضرعا متذللا
راغبا راهبا وأن يكرره ثلاثا ولا يستعجل الإجابة وأن يكون مطعمه وملبسه حلالا وأن يحمد
الله تعالى ويصلي ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم في أوله وآخره ويستحب الدعاء بظهر الغيب
للأهل والأصحاب وغيرهم وطلب الدعاء من أهل الخير ويكره أن يدعو على نفسه وولده وخادمه وماله
ونحوها ويسن الاكثار من الاستغفار وفى صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
سيد الاستغفار أن يقول العبد " اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك
ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه
لا يغفر الذنوب الا أنت " هذا آخر ما قصدته من مختصر الأذكار * وأما يتعلق بالألفاظ
656

المنهى عنها كالكذب والغيبة والسب وغيرها فسأذكرها مبسوطة في آخر كتاب
القذف إن شاء الله تعالى *
657