الكتاب: كتاب الأم
المؤلف: الإمام الشافعي
الجزء: ٥
الوفاة: ٢٠٤
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤٠٣ - ١٩٨٣ م
المطبعة:
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
ردمك:
ملاحظات: الطبعة الأولى - ١٤٠٠ - ١٩٨٠ م

الأم
تأليف
الامام أبي عبد الله محمد بن إدريس
الشافعي
150 - 204
الجزء الخامس
دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع
1

الطبعة الأولى 1400 ه‍ 1980 م
الطبعة الثانية: 1403 ه‍ 1983 م
2

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب النكاح
ما يحرم الجميع بينه
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (وأن تجمعوا بين
الأختين إلا ما قد سلف) قال: فلا يحل الجمع بين الأختين بحال من نكاح ولا ملك يمين لأن الله
تبارك وتعالى أنزله مطلقا فلا يحرم الحرائر شئ إلا حرم من الإماء بالملك مثله إلا العدد فإن الله
تبارك وتعالى انتهى بالحرائر إلى أربع وأطلق الإماء فقال عز ذكره (أو ملكت أيمانكم) لم ينته بذلك
إلى عدد (أخبرنا) ابن عيينة عن مطرف عن أبي الجهم عن أبي الأخضر عن عمارة أنه كره من الإماء
ماكره من الحرائر إلا العدد أخبرنا سفيان عن هشام ابن حسان وأيوب عن ابن سيرين قال: قال ابن
مسعود: يكره من الإماء ما يكره من الحرائر إلا العدد (قال الشافعي) وهذا من قول العلماء إن شاء الله
تعالى في معنى القرآن وبه نأخذ، قال: والعدد ليس من النسب ولا الرضاع بسبيل، أخبرنا مالك
عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن رجلا سأل عثمان بن عفان عن الأختين من ملك اليمين هل
يجمع بينهما؟ فقال عثمان: أحلتهما آية وحرمتهما آية، وأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك، قال فخرج
من عنده فلقي رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو كان لي من الامر شئ ثم
وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا. قال مالك قال ابن شهاب: أراه علي بن أبي طالب كرم الله
وجهه، قال مالك: وبلغني عن الزبير بن العوام مثل ذلك، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد
الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه أن عمر بن الخطاب سئل عن المرأة وابنتها من ملك اليمين هل توطأ
إحداهما بعد الأخرى؟ فقال عمر: ما أحب أن أجيزهما جميعا ونهاه. أخبرنا سفيان عن الزهري عن
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه قال: سئل عمر عن الام وابنتها من ملك اليمين فقال: ما أحب
أن أجيزهما جميعا فقال عبيد الله قال أبى فوددت أن عمر كان أشد في ذلك مما هو فيه. أخبرنا مسلم
وعبد المجيد عن ابن جريج قال سمعت ابن أبي ملكية يخبر ان معاذ بن عبد الله بن معمر جاء إلى
عائشة فقال لها: إن لي سرية قد أصبتها وأنها قد بلغت لها ابنة جارية لي أفأستسر ابنتها؟ فقالت لا
فقال: فإني والله لا أدعها إلا أن تقولي لي حرمها الله فقالت لا يفعله أحد من أهلي ولا أحد أطاعني
(قال الشافعي) فإذا كان عند الرجل امرأة فطلقها فكان لا يملك رجعتها فله أن ينكح أختها لأنه
حينئذ غير جامع بين الأختين، وإذا حرم الله تعالى الجمع بينهما ففي ذلك دلالة على أنه لم يحرم نكاح
إحداهما بعد الأخرى وهذه منكوحة بعد الأخرى ولو كان لرجل جارية يطؤها فأراد وطئ أختها لم يجز
له وطئ التي أراد أن يطأ حتى يحرم عليه فرج التي كان يطأ بنكاح أو كتابة أو خروج من ملكه، فإذا
3

فعل بعض هذا ثم وطئ الأخت ثم عجزت المكاتبة أو ردت المنكوحة كانت التي أبيح له فرجها أولا
ثم حرمت عليه غير حلال له حتى يحرم فرج التي وطئ بعدها كما حرم فرجها قيل أن يطأ أختها ثم
هكذا أبدا، وسواء ولدت له التي وطئ أولا واخرا أو لم تلد لأنه في كلتا الحالتين إنما يطؤها بملك
اليمين، وإذا اجتمع النكاح وملك اليمين في أختين فالنكاح ثابت لا يفسده ملك اليمين كان النكاح
قبل أو بعد، لو كانت لرجل جارية يطؤها فولدت له أو لم تلد حتى ينكح أختها كان النكاح ثابتا
وحرم عليه فرج الأخت بالوطئ ما كانت أختها زوجة له، وأحب إلى لو حرم فرج أختها المملوكة حين
يعقد نكاح أختها بالنكاح أو قبله بكتابة أو عتق أو أن يزوجها وإن لم يفعل لم أخبره على ذلك ولا
على بيعها ونهيته عن وطئها كما لا أجبره على بيع جارية له وطئ ابنتها وأنهاه عن وطئها، ولو كانت
عنده أمة زوجة فتزوج أختها حرة كان نكاح الآخرة مفسوخا (قال الشافعي) فإن قال قائل: ما الفرق
بين الوطئ بالملك والنكاح؟ قيل له النكاح يثبت للرجل حقا على المرأة وللمرأة حقا على الرجل وملك
عقدة النكاح يقوم في تحريم الجمع بين الأختين مقام الوطئ في الأمتين، لو ملك رجل عقدة نكاح
أختين في عقدة أفسدنا نكاحهما ولو تزوجهما لا يدرى أيتهما أول أفسدنا نكاحهما ولو ملك امرأة وأمهاتها
وأولادها في صفة بيع لم نفسد البيع ولا يحرم الجمع في البيع إنما يحرم جمع الوطئ في الإماء، فأما
جمع عقدة الملك فلا يحرم، ولو وطئ أمة ثم باعها من ساعته أو أعتقها أو كاتبها أو باع بعضها كان له
أن يطأ أختها مكانه وليس له في المرأة أن ينكح أختها وهي زوجة له ولا أن يملك المرأة غيره ولا أن
يحرمها عليه بغير طلاق، وولد المرأة أن يلزمه بالعقد وإن لم يقر بوطئ إلا أن يلاعن، وولد الأمة لا يلزم
بغير إقرار بوطئ ولا يجوز أن تكون المرأة زوجة له ويحل فرجها لغيره والأمة تكون مملوكة له وفرجها
حلال لغيره إذا زوجها وحرام عليه وهو مالك رقبتها وليس هكذا المرأة، المرأة يحل عقدها جماعها ولا
يحرم جماعها والعقد ثابت عليها إلا بعلة صوم أو إحرام أو ما أشبه مما إذا ذهب حل فرجها قال: ولو
أن رجلا له امرأة من أهل الشرك فأسلم الزوج واشترى أخت امرأته فوطئها ثم أسلمت امرأته في العدة
حرم عليه فرج جاريته التي أشترى ولم تبع عليه وكانت امرأته امرأته بحالها، وكذلك لو كانت هي المسلمة
قبله واشترى أختها أو كانت له فوطئها ثم أسلم وهي في العدة قال: ولو كانت عنده جارية فوطئها فلم يحرم
عليه فرجها حتى وطئ أختها اجتنبت التي وطئ آخرا بوطئ الأولى وأحب إلى لو اجتنب الأولى حتى
يستبرئ الآخرة وإن لم يفعل فلا شئ عليه إن شاء الله تعالى قال: وسواء في هذا ولدت التي وطئت
أو لا أو آخرا أو هما أو لم تلد واحدة منهما، ولو حرم فرج التي وطئ أولا بعد وطئ الآخرة أبحت له
وطئ الآخرة، ثم لو حل له فرج التي زوج فحرم فرجها عليه بأن يطلقها زوجها أو تكون مكاتبة فتعجز
لم تحل له هي وكانت التي وطئ حلا لا له حتى يحرم عليه فرجها فتحل له الأولى، ثم هكذا أبدا متى
حل له فرج واحدة فوطئها حرم عليه وطئ الأخرى حتى يحرم عليه فرج التي حلت له ثم يحل له فرج
التي حرمت عليه فيكون تحريم فرجها كطلاق الرجل الزوجة الذي لا يملك فيه الرجعة ثم يباح له
نكاح أختها، فإذا نكحها لم يحل له نكاح التي طلقها حتى تبين هذه منه إلا أنهما يختلفان في أنه
يملك رقبة أختين وأخوات وأمهات ولا يملك عقد أختين بنكاح.

(1) قوله: بالنكاح أو قبله، كذا في النسخ. اي بعد النكاح كما تدل عليه بقية العبارة اه‍ - كتبه مصححه
4

من يحل الجمع بينه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا بأس أن ينكح الرجل امرأة الرجل وابنته لأنه لا نسب بينهما
يحرم به الجمع بينهما له ولا رضاع وإنما يحرم الجمع في بعض ذوات الأنساب بمن جمعهن إليه وقام
الرضاع مقام النسب (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أن عبد الله بن صفوان
جمع بين امرأة رجل من ثقيف وابنته (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمر وبن دينار أنه
سمع الحسن بن محمد يقول جمع ابن عمر لي بين ابنتي عم له فأصبح النساء لا يدرين أين يذهبن (قال
الشافعي) ولا بأس أن يتزوج الرجل المرأة ويزوج ابنتها ابنه لأن الرجل غير بنه قد يحرم على الرجل ما
لا يحرم على ابنه، وكذلك يزوجه أخت امرأته
الجمع بين المرأة وعمتها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها) (قال الشافعي) وبهذا نأخذ
وهو قول من لقيت من المفتين لا اختلاف بينهم فيما علمته ولا يروى من وجه يثبته أهل الحديث عن
النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن أبي هريرة وقد روى من وجه لا يثبته أهل الحديث من وجه آخر،
وفي هذا حجة على من رد الحديث وعلى من أخذ بالحديث مرة وتركه أخرى إلا أن العامة إنما تبعت في
تحريم أن يجمع بين المرأة وعمتها وخالتها قول الفقهاء، ولم نعلم فقيها سئل لم حرم الجمع بين المرأة
وعمتها وخالتها إلا قال بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أثبت بحديث منفرد عن
النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فحرمه بما حرمه به النبي صلى الله عليه وسلم ولا علم له أن النبي صلى الله
عليه وسلم قاله الا من حديث أبي هريرة وجب عليه إذا روى أبو هريرة أو غيره من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم حديثا آخر لا يخالفه أحد بحديث مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرم به ما
حرم النبي صلى الله عليه وسلم ويحل به ما أحل النبي صلى الله عليه وسلم وقد فعلنا هذا في حديث
التغليس وغير حديث وفعله غيرنا في غير حديث، ثم يتحكم كثير ممن جامعنا على تثبيت الحديث
فيثبته مرة ويرده أخرى وأقل ما علمنا بهذا أن يكون مخطئا في التثبيت أو في الرد لأنها طريق واحدة فلا
يجوز تثبيتها مرة وردها أخرى وحجته على من قال لا أقبل إلا الاجماع لأنه لا يعد إجماعا تحريم الجمع
بين المرأة وعمتها وخالتها وليس يسأل أحد من أهل العلم علمته إ لا قال إنما تثبته من الحديث وهو يرد
مثل هذا الحديث وأقوى منه مرارا، قال وليس في الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها مما أحل وحرم في
الكتاب معنى، إلا أنا إذا قبلنا تحريم الجمع بينهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله تعالى
قبلناه بما فرض من طاعته. فإن قال قائل: قد ذكر الله عز وجل من حرم من النساء وأحل ما
وراءهن؟ قيل القرآن عربي اللسان منه محتمل واسع ذكر الله من حرم بكل حال في الأصل ومن حرم
بكل حال إذا فعل الناكح أو غيره فيه شيئا مثل الربيبة إذا دخل بأمها حرمت ومثل امرأة ابنه وأبيه إذا
نكحها أبوه حرمت عليه بكل حال، وكانوا يجمعون بين الأختين فحرمه وليس في تحريمه الجمع بين
الأختين إباحة أن يجمع بين ما عدا الأختين إذا كان ما عدا الأختين مخالفا لهما كان أصلا في نفسه،
5

وقد يذكر الله عز وجل الشئ في كتابه فيحرمه ويحرم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم غيره مثل قوله
(وأحل لكم ما وراء ذلكم) ليس فيه إباحة أكثر من أربع لأنه انتهى بتحليل النكاح إلى أربع وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لغيلان بن سلمة وأسلم وعنده عشر نسوة (أمسك أربعا وفارق سائرهن)
فأبان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن انتهاء الله بتحليله إلى أربع حظر لما وراء أربع وإن لم يكن
ذلك نصا في القرآن، وحرم من غير جهة الجمع والنسب النساء المطلقات ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره
بالقرآن وامرأة الملاعن بالسنة وما سواهن مما سميت كفاية لما استثنى منه. قال: والقول في الجمع بين
المرأة وعمتها وعماتها من قبل آبائها وخالتها وخالاتها من قبل أمهاتها وإن بعدن كالقول في الأخوات سواء
أن نكح واحدة ثم نكح أخرى بعدها ثبت نكاح الأولى وسقط نكاح الآخرة وإن نكحهما في عقدة
معا انفسخ نكاحهما وإن نكح العمة قبل بنت الأخ أو ابنة الأخ قبل العمة فسواء هو جامع بينهما
فيسقط نكاح الآخرة ويثبت نكاح الأولى وكذلك الخالة وسواء دخل بالأولى منهما دون الآخرة أو
بالآخرة دون الأولى أو لم يدخل وهكذا يحرم الجمع بينهما بالوطئ بملك اليمين والرضاع وملك اليمين في
الوطئ والنكاح سواء وما لم يكن للرجل أن يجمع بينه وبين الأختين أو المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها
فنكح اثنتين منهن في عقدة فالعقدة منفسخة كلها، وإذا نكح إحداهما قبل الأخرى فنكاح الأولى
ثابت ونكاح الآخرة مفسوخ ولا يصنع الدخول شيئا إنما يصنعه العقدة، وما نهى الله عن الجمع بينه
من الأخوات وما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجمع بين العمة والخالة ففيه دلالة على
أن كل واحدة منهما تحل بعد الأخرى فلا بأس أن ينكح الأخت فإذا ماتت أو طلقها طلاقا يملك فيه
الرجعة وانقضت عدتها أو طلاقا لا يملك فيه الرجعة وهي في عدتها أن ينكح الأخرى وهكذا العمة
والخالة و كل من نهى عن الجمع بينه.
نكاح نساء أهل الكتاب وتحريم إمائهم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات
فامتحنوهن) إلى (ولا هم يحلون لهن) (قال الشافعي) فزعم بعض أهل العلم بالقرآن أنها نزلت في
مهاجرة من أهل مكة فسماها بعضهم ابنة عقبة بن أبي معيط وأهل مكة أهل أوثان وأن قول الله عز
وجل (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) نزلت فيمن هاجر من أهل مكة مؤمنا وإنما نزلت في الهدنة وقال:
قال الله عز وجل (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) إلى قوله (ولو أعجبتكم) وقد قيل في هذه الآية
إنها نزلت في جماعة مشركي العرب الذين هم أهل الأوثان فحرم نكاح نسائهم كما حرم أن ننكح
رجالهم المؤمنات قال فإن كان هذا هكذا فهذه الآيات ثابتة ليس فيها منسوخ قال وقد قيل هذه الآية
في جميع المشركين ثم نزلت الرخصة بعدها في إحلال نكاح حرائر أهل الكتاب خاصة كما جاءت في
إحلال ذبائح أهل الكتاب قال الله تبارك وتعالى (أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل
لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات) إلى قوله (أجورهن) وقال فأيهما كان فقد أبيح فيه
نكاح حرائر أهل الكتاب وفي إباحة الله تعالى نكاح حرائرهم دلالة عندي والله تعالى أعلم على تحريم
إمائهم لأن معلوما في اللسان إذا قصد قصد صفة من شئ بإباحة أو تحريم كان ذلك دليلا على أن ما
6

قد خرج من تلك الصفة مخالف للمقصود قصده كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب
من السباع فدل ذلك على إباحة غير ذوات الأنياب من السباع وإن كانت الآية نزلت في تحريم نساء
المؤمنين على المشركين وفي مشركي أهل الأوثان فالمسلمات محرمات على المشركين منهم بالقرآن على كل
حال وعلى مشركي أهل الكتاب لقطع الولاية بين المشركين والمسلمين وما لم يختلف الناس فيه علمته
قال والمحصنات من المؤمنات ومن أهل الكتاب الحرائر وقال الله عز وجل (ومن لم يستطع منكم طولا)
إلى قوله (من فتياتكم المؤمنات ذلك لمن خشي العنت منكم) وفي إباحة الله الإماء المؤمنات على ما
شرط لمن لم يجد طولا وخاف العنت دلالة والله تعالى أعلم على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب وعلى أن
الإماء المؤمنات لا يحللن إلا لمن جمع الامرين مع إيمانهن لأن كل ما أباح بشرط لم يحلل إلا بذلك
الشرط كما أباح التيمم في السفر والاعواز في الماء فلم يحلل إلا بأن يجمعهما المتيمم وليس إماء أهل
الكتاب مؤمنات فيحللن بما حل به الإماء المؤمنات من الشرطين مع الايمان.
تفريع تحريم المسلمات على المشركين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإذا أسلمت المرأة أو ولدت على الاسلام أو أسلم أحد أبويها
وهي صبية لم تبلغ حرم كل مشرك كتابي ووثني نكاحها بكل حال، ولو كان أبواها مشركين
فوصفت الاسلام وهي تعقل صفته منعتها من أن ينكحها مشرك فإن وصفته وهي لا تعقل صفته كان
أحب إلى أن يمنع أن ينكحها مشرك ولا يبين لي فسخ نكاحها ولو نكحها في هذه الحالة والله أعلم.
باب نكاح حرائر أهل الكتاب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويحل نكاح حرائر أهل الكتاب لكل مسلم لأن الله تعالى أحلهن
بغير استثناء وأحب إلى لو لم ينكحهن مسلم أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر
ابن عبد الله يسأل عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية فقال تزوجناهن زمان الفتح بالكوفة مع سعد بن أبي
وقاص و نحن لا نكاد نجد المسلمات كثيرا فلما رجعنا طلقناهن وقال فقال لا يرثن مسلما ولا يرثونهن
ونساؤهن لنا حل ونساؤنا حرام عليهم (قال الشافعي) وأهل الكتاب الذين يحل نكاح حرائرهم أهل
الكتاب المشهورين التوراة والإنجيل وهم اليهود والنصارى دون المجوس قال والصابئون والسامرة من
اليهود والنصارى الذين يحل نساؤهم وذبائحهم إلا أن يعلم أنهم يخالفونهم في أصل ما يحلون من
الكتاب ويحرمون فيحرم نكاح نسائهم كما يحرم نكاح المجوسيات وإن كانوا يجامعونهم على أصل الكتاب
ويتأولون فيختلفون فلا يحرم ذلك نساؤهم وهم منهم يحل نساؤهم بما يحل به نساء غيرهم ممن لم يلزمه
اسم صابئ ولا سامرى قال ولا يحل نكاح حرائر من دان من العرب دين اليهودية والنصرانية لأن أصل
دينهم كان الحنيفية ثم ضلوا بعبادة الأوثان وإنما انتقلوا إلى دين أهل الكتاب بعده لا بأنهم كانوا
الذين دانوا بالتوراة والإنجيل فضلوا عنها وأحدثوا فيها إنما ضلوا عن الحنيفية ولم يكونوا كذلك لا يحل
ذبائحهم وكذلك كل أعجمي كان أصل دين من مضى من آبائه عبادة الأوثان ولم يكن من أهل
الكتابين المشهورين التوراة والإنجيل فدان دينهم لم يحل نكاح نسائهم فإن قال قائل فهل في هذا من
7

أمر متقدم؟ قيل نعم أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا الفضل بن عيسى الرقاشي قال كتب عمر بن
عبد العزيز إلى عدى أن يسأل الحسن لم أقر المسلمون بيوت النيران وعبادة الأوثان ونكاح الأمهات
والأخوات؟ فسأله فقال الحسن لأن العلاء بن الحضرمي لما قدم البحرين أقرهم على ذلك (قال
الشافعي) فهذا ما لا أعلم فيه خلافا بين أحد لقيته أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن دينار عن
سعد الحارثي مولى عمر أو عبد الله بن سعد عن عمر أنه قال ما نصارى العرب بأهل كتاب وما يحل لنا
ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب أعناقهم أخبرنا الثقفي عن أيوب عن ابن سيرين قال
سألت عبيدة عن ذبائح نصارى بنى تغلب فقال لا تأكل ذبائحهم فإنهم لم يتمسكوا من نصرانيتهم إلا
بشرب الخمر (قال الشافعي) وهكذا أحفظه ولا أحسبه وغيره إلا وقد بلغ به علي بن أبي طالب رضى
الله تعالى عنه بهذا الاسناد أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال قال عطاء: ليس نصارى العرب بأهل
كتاب إنما أهل الكتاب بنوا إسرائيل والذين جاءتهم التوراة والإنجيل فأما من دخل فيهم من الناس
فليسوا منهم (قال الشافعي) وتنكح المسلمة على الكتابية والكتابية على المسلمة وتنكح أربع كتابيات كما
تنكح أربع مسلمات والكتابية في جميع نكاحها وأحكامها التي تحل بها وتحرم كالمسلمة لا تخالفها في
شئ وفيما يلزم الزوج لها ولا تنكح الكتابية إلا بشاهدين عدلين مسلمين وبولي من أهل دينها كولى
المسلمة جاز في دينهم غير ذلك أو لم يجز ولست أنظر فيه إلا إلى حكم الاسلام ولو زوجت نكاحا
صحيحا في الاسلام وهو عندهم نكاح فاسد كان نكاحها صحيحا ولا يرد نكاح المسلمة من شئ إلا
رد نكاح الكتابية من مثله ولا يجوز نكاح المسلمة بشئ إلا جاز نكاح الكتابية بمثله ولا يكون ولى
الذمية مسلما وإن كان أباها لأن الله تعالى قطع الولاية بين المسلمين والمشركين وتزوج رسول الله صلى الله
عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان وولى عقدة نكاحها ابن سعيد بن العاص وكان مسلما وأبو
سفيان حي فدل ذلك على أن لا ولاية بين أهل القرابة إذا اختلف الدينان وإن كان أبا وأن الولاية
بالقرابة واجتماع الدينين قال ويقسم للكتابية مثل قسمته للمسلمة لا اختلاف بينهما ولها عليه ما للمسلمة
وله عليها ما له على المسلمة إلا أنهما لا يتوارثان باختلاف الدينين فإن طلقها أو آلى منها أو ظاهر أو قذفها
لزمه في ذلك كله ما يلزمه في المسلمة إ لا أنه لاحد على من قذف كتابية ويعزر وإذا طلقها فله عليها
الرجعة في العدة وعدتها عدة المسلمة وإن طلقها ثلاث فنكحت قبل مضى العدة وأصيبت لم تحلل له
وإن نكحت نكاحا صحيحا بعد مضى العدة ذميا فأصابها ثم طلقت أو مات عنها وكملت عدتها حلت
للزوج الأول يحلها للزوج كل زوج أصابها يثبت نكاحه وعليها العدة والاحداد كما يكون على المسلمة
وإذا ماتت فإن شاء شهدها وغسلها ودخل قبرها ولا يصلى عليها وأكره لها أن تغسله لو كان هو الميت
فإن غسلته أجزأ غسلها إياه إن شاء الله تعالى قال وله جبرها على الغسل من الحيضة ولا يكون له إصابتها
إذا ظهرت من الحيض حتى تغتسل لأن الله عز وجل يقول (حتى يطهرن) فقال بعض أهل العلم
بالقران حتى ترى الطهر قال (فإذا تطهرن) يعنى بالماء إلا أن تكون في سفر لا تجد الماء فتتيمم فإذا
صارت ممن تحل لها الصلاة بالطهر حلت له (قال الشافعي) وله عندي والله تعالى أعلم أن يجبرها على
الغسل من الجنابة وعلى النظافة بالاستحداد وأخذ الأظفار والتنظف بالماء من غير جنابة ما لم يكن
ذلك وهي مريضة يضربها الماء أو في برد شديد يضربها الماء وله منعها من الكنيسة والخروج إلى

(1) قوله بن سعيد واسمه خالد، كما في السيرة الحلبية اه‍ - كتبه مصححه
8

الأعياد وغير ذلك مما تريد الخروج إليه إذا كان له منع المسلمة إتيان المسجد وهو حق كان له في
النصرانية منع إتيان الكنيسة لأنه باطل وله منعها شرب الخمار لأنه يذهب عقلها ومنعها أكل لحم
الخنزير إذا كان يقذر به ومنعها أكل ما حل إذا تأذى بريحه من ثوم وبصل إذا لم تكن بها ضرورة إلى
أكله وإن قدر ذلك من حلال لا يوجد ريحه لم يكن له منعها إياه وكذلك له يكون لا منعها لبس ما
شاءت من الثياب ما لم تلبس جلد ميتة أو ثوبا منتنا يؤذيه ريحهما فيمنعها منهما قال وإذا نكح المسلم
الكتابية فارتدت إلى مجوسية أو دين غير دين أهل الكتاب فإن رجعت إلى الاسلام أو إلى دين أهل
الكتاب قبل انقضاء العدة فهما على النكاح وإن لم ترجع حتى تنقضي العدة فقد انقطعت العصمة
بينها وبين الزوج ولا نفقة لها في العدة لأنها مانعة له نفسها بالردة قال ولا يقتل بالردة من أنتقل من كفر
إلى كفر إنما يقتل خرج من دين الاسلام إلى الشرك فأما من خرج من باطل إلى باطل فلا يقتل وينفى
من بلاد الاسلام إلا أن يسلم أو يعود إلى أحد الأديان التي يؤخذ من أهلها الجزية يهودية أو نصرانية أو
مجوسية فيقر في بلاد الاسلام، قال ولو ارتدت من يهودية إلى نصرانية أو نصرانية إلى يهودية لم تحرم
عليه لأنه كان يصلح له أن يبتدئ نكاحها لو كانت من أهل الدين الذي خرجت إليه (قال الربيع)
الذي أحفظ من قول الشافعي أنه قال إذا كان نصرانيا فخرج إلى دين اليهودية أنه يقال له ليس لك أن
تحدث دينا لم تكن عليه قبل نزول القرآن فإن أسلمت أو رجعت إلى دينك الذي كنا نأخذ منك عليه
الجزية تركناك وإلا أخرجناك من بلاد الاسلام ونبذنا إليك ومتى قدرنا عليك قتلناك وهذا القول أحب
إلى الربيع (قال الشافعي) ولا يجوز نكاح أمة كتابية لمسلم عبد ولا حر بحال لما وصفت من نص القرآن
ودلالته قال وأي صنف من المشركين حل نكاح حرائرهم حل وطئ إمائهم بالملك وأي صنف حرم
نكاح حرائرهم حرم وطئ إمائهم بالملك ويحل وطئ الأمة الكتابية بالملك كما تحل حرائرهم بالنكاح ولا
يحل وطئ أمة مشركة غير كتابية بالملك كما لا يحل نكاح نسائهم ولو كان أصل نسب أمة من غير أهل
الكتاب ثم دانت دين أهل الكتاب لم يحل وطؤها كما لا يحل نكاح الحرائر منهم ولا يحل نكاح أمة
كتابية لمسلم بحال لأنها داخلة في معنى من حرم من المشركات وغير حلال منصوصة بالاحلال كما نص
حرائر أهل الكتاب في النكاح وأن الله تبارك وتعالى إنما أحل نكاح إماء المسلمين دليل على أن نكاحهن أحل بمعنى
دون معنى وفى ذلك دليل على تحريم من خالفهن من إماء المشركين والله تعالى أعلم لأن الاسلام شرط
ثالث والأمة المشركة خارجة منه فلو نكح رجل أمة كتابية كان النكاح فاسدا يفسخ عليه قبل الوطئ
ويباع على مالكه إن كان كتابيا وإن كان مسلما لم يبع عليه ولو وطئ أمة غير كتابية منع أن يعود لها
حبلت أو لم تحبل وإن حبلت فولدت فهي أم ولد له ولا يحل له وطؤها لدينها كما يكون أمة له ولا يحل
له وطؤها لدينها فإذا مات عتقت بموته وليس له بيعها وليس له أن يزوجها وهي كارهة ويستخدمها فيما
تطيق كما يستخدم أمة غيرها وإن كانت لها أخت حرة مسلمة حل له نكاحها وهكذا إن كانت لها أخت
لامها حرة كتابية أبوها كتابي فاشتراها حل له وطؤها بملك اليمين ولم يكن هذا جمعا بين الأختين لأن
وطئ الأولى التي هي غير كتابية غير جائز له وإنما الجمع أن يجمع بين من يحل وطؤه على الانفراد وإن
كانت لها أخت من أبيها تدين بدين أهل الكتاب لم تحل له بالملك لأن نسبها إلى أبيها وأبوها غير كتابي
إنما أنظر فيما يحل من المشركات إلى نسب الأب وليس هذا كالمرأة يسلم أحد أبويها وهي صغيرة لأن
9

الاسلام لا يشركه شرك والشرك يشرك الشرك والنسب إلى الأب وكذلك الدين له ما لم تبلغ الجارية ولو
أن أختها بلغت ودانت دين أهل الكتاب وأبوها وثنى أو مجوسي لم يحل وطؤها بملك اليمين كما لا يحل
وطئ وثنية انتقلت إلى دين أهل الكتاب لأن أصل دينها غير دين أهل الكتاب ولو نكح أمة كتابية ولها
أخت حرة كتابية أو مسلمة ثم نكح أختها الحرة قبل أن يفرق بينه وبين الأمة الكتابية كان نكاح الحرة
المسلمة أو الكتابية جائزا لأنه حلال لا يفسده الأمة الكتابية التي هي أخت المنكوحة بعدها لأن نكاح
الأولى غير نكاح ولو وطئها كان كذلك لأن الوطئ في نكاح مفسوخ حكمه أنه لا يحرم شيئا لأنها ليست
بزوجة ولا ملك يمين فيحرم الجمع بينها وبين أختها قال ولو تزوج امرأة على أنها مسلمة فإذا هي كافرة
كتابية فإذا هي مسلمة لم يكن له فسخ النكاح لأنها خير من كتابية ولو تزوج امرأة ولم يخبر أنها مسلمة
ولا كتابية فإذا هي كتابية وقال إنما نكحتها على أنها مسلمة فالقول قوله وله الخيار وعليه اليمين، ما
نكحها وهو يعلمها كتابية.
ما جاء في منع إماء المسلمين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح
المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) إلى قوله (ذلك لمن خشي العنت) الآية
(قال الشافعي) ففي هذه الآية والله تعالى أعلم دلالة على أن المخاطبين بهذا الأحرار دون المماليك فأما
المملوك فلا بأس أن ينكح الأمة لأنه غير واجد طولا لحرة ولا أمة فإن قال قائل ما دل على أن هذا على
الأحرار ولهم دون المماليك؟ قيل الواجدون للطول المالكون للمال والمملوك لا يملك ما لا بحال ويشبه أن
لا يخاطب بأن يقال إن لم يجد ما لا من يعلم أنه لا يملك ما لا بحال إنما يملك أبدا لغيره قال ولا يحل
نكاح الأمة إلا كما وصفت في أصل نكاحهن إلا بأن لا يجد الرجل الحر بصداق أمة طولا لحرة وبأن
يخاف العنت والعنت الزنا فإذا اجتمع أن لا يجد طولا لحرة وأن يخاف الزنا حل له نكاح الأمة وإن
انفرد فيه أحدهما لم يحلل له وذلك أن يكون لا يجد طولا لحرة وهو لا يخاف العنت أو يخاف العنت
وهو يجد طولا لحرة إنما رخص له في خوف العنت على الضرورة ألا ترى يكن أنه لو عشق امرأة وثنية
يخاف أن يزنى بها لم يكن له أن ينكحها؟ ولو كان عنده أربع نسوة فعشق خامسة لم يحل له نكاحها
إذا تم الأربع عنده أو كانت له امرأة فعشق أختها لم يحلل له أن ينكحها ما كانت عنده أختها وكذلك
ما حرم عليه من النكاح من أي الوجوه حرم لم أرخص له في نكاح ما يحرم عليه خوف العنت لأنه لا
ضرورة عليه يحل له بها النكاح ولا ضرورة في موضع لذة يحل بها المحرم إنما الضرورة في الأبدان التي
تحيا من الموت وتمنع من ألم العذاب عليها وأما للذات فلا يعطاها أحد بغير ما تحل به فإن قال قائل
فهل قال هذا غيرك؟ قيل الكتاب كاف إن شاء الله تعالى فيه من قول غيري وقد قاله غيري أخبرنا عبد
المجيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول من وجد صداق حرة فلا ينكح أمة أخبرنا
عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني ابن طاوس عن أبيه قال لا يحل نكاح الحر الأمة وهو يجد
بصداقها حرة قلت يخاف الزنا قال ما علمته يحل أخبرنا سفيان عن عمر وبن دينار قال سأل عطاء أبا
الشعثاء وأنا أسمع عن نكاح الأمة ما تقول فيه؟ أجائز هو؟ فقال لا يصلح اليوم نكاح الإماء (قال
10

الشافعي) والطول هو الصداق ولست أعلم أحدا من الناس يجد ما يحل له به أمة إلا وهو يجد به حرة
فإن كان هذا هكذا لم يحل نكاح الأمة لحر وإن لم يكن هذا هكذا فجمع رجل حر الامرين حل له
نكاح الأمة وإذا ملك الرجل عقدة الأمة بنكاح صحيح ثم أيسر قبل الدخول أو بعده فسواء والاختيار
له في فراقها ولا يلزمه فراقها بحال أبدا بلغ يسره ما شاء أن يبلغ لأن أصل العقد كان صحيحا يوم وقع
فلا يحرم بحادث بعده ولا يكون له أن ينكح أمة على أمة وذلك أنه إذا كانت عنده أمة فهو في غير
معنى ضرورة وكذلك لا ينكح أمة على حرة فإن نكح أمة على أمة أو حرة فالنكاح مفسوخ قال ولو
ابتدأ نكاح أمتين معا كان نكاحهما مفسوخا بلا طلاق ويبتدئ نكاح أيتهما شاء إذا كان ممن له نكاح
الإماء كما يكون هكذا في الأختين يعقد عليهما معا والمرأة وعمتها وإن نكح الأمة في الحال التي قلت لا
يجوز له فالنكاح مفسوخ ولا صداق لها إلا بأن يصيبها فيكن لها الصداق بما استحل من فرجها ولا
تحلها إصابته إذا كان نكاحه فاسدا لزوج غيره لو طلقها ثلاثا ولو نكحها وهو بحد طولا فلم بفسخ
نكاحها حتى لا يجده فسخ نكاحها لأن أصله كان فاسدا ويبتدأ نكاحها ان شاء ولو نكحها ولا
زوجة له فقال نكحتها ولا أجد طولا للحرة فولدت له أولم تلد إذا قال نكحتها ولا أجد طولا لحرة كان
القول قوله ولو وجد موسرا لأنه قد يعسر ثم يوسر إلا أن تقوم بينه بأن حين عقد عقدة نكاحها كان
واجدا لأن ينكح حرة فيفسخ نكاحه قبل الدخول وبعده وإن نكح أمة ثم قال نكحتها وأنا أجد طولا
لحرة أو لا أخاف العنت فإن صدقه مولاها فالنكاح مفسوخ ولا مهر عليه إن لم يكن أصابها فإن أصابها
فعليه مهر مثلها وإن كذبه فالنكاح مفسوخ بإقراره بأنه كان مفسوخا ولا يصدق على المهر إن لم يكن
دخل بها فلها نصف ما سمى لها وإن راجعها بعد جعلتها في الحكم تطليقة وفيما بينه وبين الله فسخا بلا
طلاق وقد قال غيرنا يصدق ولا شئ عليه إن لم يصبها قال وإن نكح أمة نكاحا صحيحا ثم أيسر فله
أن ينكح عليها حرة وحرائر حتى يكمل أربعا ولا يكون نكاح الحرة ولا الحرائر عليها طلاقا لها ولان لهن ولا
لواحدة منهن خيار، كن علمن أن تحته أمة أو لم يعلمن، لأن عقد نكاحها كان حلالا فلم يحرم بأن
يوسر فإن قال قائل فقد تحرم الميتة وتحلها الضرورة فإذا وجد صاحبها عنها غنى حرمتها عليه قيل إن الميتة
محرمة بكل حال وعلى كل أحد بكل وجه مالكها وغير مالكها وغير حلال الثمن إلا أن أكلها يحل في
الضرورة والأمة حلال بالملك وحلال بنكاح العبد وحلال النكاح للحر بمعنى دون معنى ولا تشبه الميتة
المحرمة بكل حال إلا في حال الموت ولا يشبه المأكول الجماع وكل الفروج ممنوعة من كل أحد بكل
حال إلا بما أحل به من نكاح أو ملك فإذا حل لم يحرم إلا بإحداث شئ يحرم به ليس الغنى منه ولا
يجوز أن يكون الفرج حلالا في حال حراما بعده بيسير وإنما حرمنا نكاح المتعة مع الاتباع لئلا يكون
الفرج حلالا في حال حراما في آخر الفرج لا يحل إلا بأن يحل على الأبد ما لم يحدث فيه شئ يحرمه
ليس الغنى عنه مما يحرمه فإن قال قائل فالتيمم يحل في حال الاعواز والسفر فإذا وجد الماء قبل أن
يصلى بالتيمم بطل التيمم؟ قلت التيمم ليس بالفرض المؤدى فرض الصلاة والصلاة لا تؤدى إلا
بنفسها وعلى المصلى أن يصلى بطهور ماء وإذا لم يجده تيمم وصلى فإن وجد الماء بعد التيمم وقبل
الصلاة توضأ لأنه لم يدخل في الفرض ولم يؤده وإذا صلى أو دخل في الصلاة ثم وجد الماء لم تنقض
صلاته ولم يعد لها وتوضأ لصلاة بعدها وهكذا الناكح الأمة لو أراد نكاحها وأجيب إليه وجلس له فلم
ينكحها ثم أيسر قبل أن يعقد نكاحها لم يكن له نكاحها وإن عقد نكاحها ثم أيسر لم تحرم عليه كما كان
المصلى إذا دخل بالتيمم ثم وجد الماء لم تحرم الصلاة عليه بل نكاح الأمة في أكثر من حال الداخل في
11

الصلاة الداخل في الصلاة لم يكملها والناكح الأمة قد أكمل جميع نكاحها وإكمال نكاحها يحلها له
على الأبد كما وصفت قال ويقسم للحرة يومين وللأمة يوما وكذلك كل حرة معه مسلمة وكتابية يوفيهن
القسم سواء على يومين لكل واحدة ويوما للأمة فإن شاء جعل ذلك يومين يومين وإن شاء يوما يوما ثم
دار على الحرائر يومين يومين ثم أتى الأمة يوما فإن عتقت في ذلك اليوم فدار إلى الحرة أو إلى الحرائر
قسم بينهن وبينها يوما يوما بدأ في ذلك بالأمة قبل الحرائر أو بالحرائر قبل الأمة لأنه لم يقسم لهن يومين
يومين حتى صارت الأمة من الحرائر التي لها ما لهن معا وإنما يلزم الزوج أن يقسم للأمة ما خلى المولى
بينه وبينها في يومها وليلتها فإذا فعل فعليه القسم لها وللمولى إخراجها في غير يومها وليلتها وإن أخرجها
المولى في يومها وليلتها فقد أبطل حقها ويقسم لغيرها قسم من لا امرأة عنده وهكذا الحرة تخرج بغير
إذن زوجها يبطل حقها في الأيام التي خرجت فيها ولك زوجة لم تكمل فيها الحرية فقسمها قسم الأمة
وذلك أم الولد تنكح والمكاتبة والمدبرة والمعتق بعضها وليس للمكاتبة الامتناع من زوجها في يومها
وليلتها ولا لزوجها منعها للطلب بالكتابة ولو حللت الأمة زوجها من يومها وليلتها ولم يحلله السيد حل له
ولو حلله السيد ولم تحلله لم يحل له لأنه حق لها دون السيد ولو وضع السيد نفقتها عنه حل له لأنه مال له
دونها وعلى سيدها أن ينفق عليها إذا وضع نفقتها عن الزوج ولو وضعت هي نفقتها عن الزوج لم يحل له
إلا بإذن السيد لأنه مال السيد.
نكاح المحدثين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) إلى
(المؤمنين) (قال الشافعي) اختلف في تفسير هذه الآية فقيل نزلت في بغايا كانت لهن رايات وكن غير
محصنات فأراد بعض المسلمين نكاحهن فنزلت هذه الآية بتحريم أن ينكحن إلا من أعلن بمثل ما
أعلن به أو مشركا وقيل كن زواني مشركات فنزلت لا ينكحهن إلا زان مثلهن مشرك أو مشرك وإن لم
يكن زانيا (وحرم ذلك على المؤمنين) وقيل غير هذا وقيل هي عامة ولكنها نسخت أخبرنا سفيان عن
يحيى بن سعيد عن ابن المسيب في قوله (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) قال هي منسوخة نسختها
(وانكحوا الأيامى منكم) فهي من أيامى المسلمين (قال الشافعي) فوجدنا الدلالة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم في زانية وزان من المسلمين لم نعلمه حرم على واحد منهما أن ينكح غير زانية ولا زان ولا
حرم واحدا منهما على زوجه فقد أتاه ما عز بن مالك وأقر عنده بالزنا مرارا لم يأمره في واحدة منها أن
يجتنب زوجة له إن كانت ولا زوجته أن تجتنبه ولو كان الزنا يحرمه على زوجته أشبه أن يقول له إن كانت
لك زوجة حرمت عليك أو لم تكن لم يكن لك أن تنكح ولم نعلمه أمره بذلك ولا أن لا ينكح ولا
غيره أن لا ينكحه إلا زانية وقد ذكر له رجل أن امرأة زنت وزوجها حاضر فلم يأمر النبي صلى الله عليه
وسلم فيما علمنا زوجها باجتنابها وأمر أنيسا أن يغدو عليها فإن اعترفت رجمها وقد جلد ابن الاعرابي في
الزنا مائة وغربه عاما ولم ينهه علمنا أن ينكح ولا أحدا أن ينكحه إلا زانية وقد رفع الرجل الذي قذف
امرأته إليه أمر امرأته وقذفها برجل وانتفى من حملها فلم يأمره باجتنابها حتى لاعن بينهما وقد روى عنه
أن رجلا شكا إليه أن امرأته لا تدفع يد لا مس فأمره أن يفارقها فقال له إني أحبها فأمره أن يستمتع بها
أخبرنا سفيان بن عيينة عن هارون بن رياب عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال أتى رجل إلى رسول الله
12

صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لي امرأ لا ترد يد لا مس فقال النبي صلى الله عليه وسلم
(فطلقها) قال إني أحبها قال (فأمسكها إذا) وقد حرم الله المشركات من أهل الأوثان على المؤمنين
الزناة وغير الزناة أخبرنا سفيان عن عبيد الله ابن أبي يزيد عن أبيه أن رجلا تزوج امرأة ولها ابنة من غيره
وله ابن من غيرها ففجر الغلام بالجارية فظهر بها حمل فلما قدم عمر مكة رفع ذلك إليه فسألها فاعترفا
فجلدهما عمر الحد وحرص أن يجمع بينهما فأبى الغلام (قال الشافعي) فالاختيار للرجل أن لا ينكح
زانية وللمرأة أن لا تنكح زانيا فإن فعلا فليس ذلك بحرام على واحد منهما ليست معصية واحد منهما في
نفسه تحرم عليه الحلال إذا أتاه قال وكذلك لو نكح امرأة لم يعلم أنها زنت فعلم قبل دخولها عليه أنها زنت
قبل نكاحه أو بعده لم تحرم عليه ولم يكن له أخذ صداقه منها ولا فسخ نكاحها وكان له ان شاء أن
يمسك وإن شاء أن يطلق وكذلك إن كان هو الذي وجدته قد زنى قبل أن ينكحها أو بعدما نكحها
قبل الدخول أو بعده فلا خيار لها في فراقه وهي زوجته لحالها ولا تحرم عليه وسواء حد الزاني منهما أو لم
يحد أو قامت عليه بينة أو اعترف لا يحرم زنا واحد منهما ولا زناهما ولا معصية من المعاصي الحلال إلا
أن يختلف ديناهما بشرك وإيمان.
لا نكاح إلا بولي
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا
تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) إلى (بالمعروف) وقال عز وجل (الرجال قوامون على النساء) الآية
وقال في الإماء (فانكحوهن بإذن أهلهن) (قال الشافعي) زعم بعض أهل العلم بالقرآن أن معقل بن
يسار كان زوج أختا له ابن عم له فطلقها ثم أراد الزوج وأرادت نكاحه بعد مضى عدتها فأبى معقل
وقال زوجتك وآثرتك على غيرك فطلقتها لا أزوجكها أبدا فنزل (وإذا طلقتم يعنى الأزواج) النساء
فبلغن أجلهن) يعنى فانقضى أجلهن يعنى عدتهن (فلا تعضلوهن) يعنى أولياء هن (أن ينكحن
أزواجهن) إن طلقوهن ولم يبتوا طلاقهن وما أشبه معنى ما قالوا من هذا بما قالوا ولا أعلم الآية تحتمل
غيره لأنه إنما يؤمر بأن لا يعضل المرأة من له سبب إلى العضل بأن يكون يتم به نكاحها من الأولياء
والزوج إذا طلقها فانقضت عدتها فليس بسبيل منها فيعضلها وإن لم تنقض عدتها فقد يحرم عليها أن
تنكح غيره وهو لا يعضلها عن نفسه وهذا أبين ما في القرآن من أن للولي مع المرأة في نفسها حقا وان
على الولي أن لا يعضلها إذا رضيت أن تنكح بالمعروف (قال الشافعي) وجاءت السنة بمثل معنى كتاب
الله عز وجل أخبرنا مسلم وسعيد وعبدا المجيد عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن
عروة بن الزبير عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أيما امرأة نكحت
بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن أصابها فلها الصداق بما استحل من
فرجها) وقال بعضهم في الحديث فإن اشتجروا وقال غيره منهم فإن اختلفوا فالسلطان ولى من لا ولى له
أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج قال أخبرني عكرمة بن خالد قال جمعت الطريق ركبا فيهم امرأة
ثيب فولت رجلا منهم أمرها فزوجها رجلا فجلد عمر بن الخطاب الناكح ورد نكاحها أخبرنا ابن
عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن معبد ابن عمير أن عمر رضي الله عنه رد نكاح امرأة
نكحت بغير ولى أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج قال قال عمرو بن دينار نكحت امرأة من بنى
13

بكر بن كنانة يقال لها بنت أبي ثمامة عمر بن عبد الله بن مضرس فكتب علقمة بن علقمة العتواري إلى
عمر بن عبد العزيز وهو بالمدينة إني وليها وإنما نكحت بغير أمري فرده عمر وقد أصابها (قال الشافعي)
فأي امرأة نكحت بغير اذن وليها فلا نكاح لها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فنكاحها باطل)) وإن
أصابها فلها صداق مثلها بما أصاب منها بما قضى لها به النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على أن
الصداق يجب في كل نكاح فاسد بالمسيس وأن لا يرجع به الزوج على من غره لأنه إذا كان لها وقد
غرته من نفسها لم يكن له أن يرجع به عليها وهو لها وهو لو كان يرجع به فكانت الغارة له من نفسها
بطل عنها ولا يرجع زوج أبدا بصداق على من غره امرأة كانت أو غير امرأة إذا أصابها قال وفي هذا
دليل على أن على السلطان إذا اشتجروا أن ينظر فإن كان الولي عاضلا أمره بالتزويج فإن زوج فحق
أداه وإن لم يزوج فحق منعه وعلى السلطان أن يزوج أو يوكل وليا غيره فيزوج والولي عاص بالعضل
لقول الله عز وجل (فلا تعضلوهن) وإن ذكر شيئا نظر فيه السلطان فإن رآها تدعو إلى كفاءة لم يكن له
منعها وإن دعاها الولي إلى خير منه وإن دعت إلى غير كفاءة لم يكن له تزويجها والولي لا يرضى به وإنما
العضل أن تدعو إلى مثلها أو فوقها فيمتنع الولي.
اجتماع الولاة وافتراقهم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا ولاية لاحد مع أب فإذا مات فالجد أبو الأب فإذا مات
فالجد أبو الجد لأن كلهم أب وكذلك الآباء وذلك أن المزوجة من الآباء وليست من الاخوة والولاية
غير المواريث ولا ولاية لاحد من الأجداد دونه أب أقرب إلى المزوجة منه فإذا لم يكن آباء فلا ولاية
لاحد مع الاخوة وإذا اجتمع الاخوة فبنو الأب والام أولى من بنى الأب فإذا لم يكن بنو أم وأب فبنو
الأب أولى من غيرهم ولا ولاية لبنى الام ولا لجد أبى أم إن لم يكن عصبة لأن الولاية للعصبة فإن
كانوا بنى عم ولا أقرب منهم كانت لهم الولاية بأنهم عصبة وإن كان معهم مثلهم من العصبة كانوا أولى
لأنهم أقرب بأم وإذا لم يكن إخوة لأب وأم ولا أب وكان بنو أخ وأم وبنو أخ لأب فبنو الأخ للأب
والام أولى من بنى الأخ للأب وإن كان بنو أخ لأب وبنو أخ لام فبنوا الأخ للأب أولى ولا ولاية لبنى
الأخ للام بحال إلا أن يكونوا عصبة قال وإذا تسفل بنو الأخ فأنسبهم إلى المزوجة فأيهم كان أقعد بها
وإن كان ابن أب فهو أولى لأن قرابة الأقعد أقرب من قرابة أم غير ولدها أقعد منه وإذا استووا فكان
فيهم ابن أب وأم فهو أولى بقربه مع المساواة قال وإن حرم النسب بقرابة الام كان بنو بنى الأخ وإن
تسفلوا وبنو عم دنية فبنو بنى الأخ وإن تسفلوا أولى لأنهم يجمعهم وإياها أب قبل بنى العم وهكذا إن
كان بنو أخ وعمومة فبنو الأخ أولى وإن تسفلوا لأن العمومة غير آباء فيكونون أولى لأن المزوجة من الأب
فإذا انتهت الأبوة فأقرب الناس بالمزوجة أولاهم بها وبنو أخيها أقرب بها من عمومتها لأنه يجمعهم
وإياها أب دون الأب الذي يجمعها بالعمومة وإذا لم يكن بنو الأخ وكانوا بنى عم فكان فيهم بنو عم
لأب وأم وبنو عم لأب فاستووا فبنو العم للأب والام أولى وإن كان بنو العم للأب أقعد فهم أولى وإذا لم
يكن لها قرابة من قبل الأب وكان لها أوصياء لم يكن الأوصياء ولاة نكاح ولا ولاة ميراث وهكذا إن
كان لها قرابة من قبل أمها أو بنى أخواتها لا ولاية للقرابة في النكاح إلا من قبل الأب وإن كان
14

للمزوجة ولد أو ولد ولد فلا ولاية لهم فيها بحال إلا أن يكونوا عصبة فتكون لهم الولاية بالعصبة ألا ترى
أنهم لا يعقلون عنها ولا ينتسبون من قبيلها إنما قبيلها نسبها من قبل أبيها أولا ترى أن بنى الام لا يكونون
ولاة نكاح فإذا كانت الولاية لا تكون بالام إذا انفردت فهكذا ولدها لا يكونون ولاة لها وإذا كان
ولدها عصبة وكان مع ولدها عصبة أقرب منهم هم أولى منهم فالعصبة أولى وإن تساوى العصبة في
قرابتهم بها من قبل الأب فهم أولى كما يكون بنو الام والأب أولى من بنى الأب وإن استووا فالولد
أولى.
ولاية المولى
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يكون الرجل وليا بولاء وللمزوجة نسب من قبل أبيها يعرف
ولا للأخوال ولاية بحال أبدا إلا أن يكونوا عصبة فإذا لم يكن للمرأة عصبة ولها موال فمواليها أولياؤها ولا
ولاء إلا لمعتق ثم أقرب الناس بمعتقها وليها كما يكون أقرب الناس به ولى ولد المعتق لها قال واجتماع الولاة
من أهل الولاء في ولاية المزوجة كاجتماعهم في النسب (قال الشافعي) ولا يختلفون في ذلك (قال
الشافعي) ولو زوجها مولى نعمة ولا يعلم لها قريبا من قبل أبيها ثم علم كان النكاح مفسوخا، لأنه غير
ولى كما لو زوجها ولى قرابة يعلم أقرب منه كان النكاح مفسوخا.
مغيب بعض الولاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا ولاية لاحد بنسب ولا ولاء وأولى منه حي غائبا كان أو
حاضرا بعيد الغيبة منقطعها مؤيسا منه مفقودا أو غير مفقود وقريبها مرجو الإياب غائبا وإذا كان الولي
حاضرا فامتنع من التزويج فلا يزوجها الولي الذي يليه في القرابة ولا يزوجها إلا السلطان الذي يجوز
حكمه فإذا رفع ذلك إلى السلطان فحق عليه أن يسأل عن الولي فإن كان غائبا سأل عن الخاطب فإن
رضى به أحضر أقرب الولاة بها وأهل المحرم من أهلها وقال هل تنقمون شيئا؟ فإن ذكروه نظر فيه فإن
كان كفوءا ورضيته أمرهم بتزويجه فإن لم يفعلوا زوجه وإن لم يأمرهم وزوجه فجائز وإن كان الولي
حاضرا فامتنع من أن يزوجها من رضيت صنع ذلك به وإن كان الولي الذي لا أقرب منه حاضرا فوكل
قام وكيله مقامه وجاز تزويجه كما يجوز إذا وكله بتزويج رجل بعينه فزوجه أو وكله أن يزوج من رأى
فزوجه كفوءا ترضى المرأة به بعينه فإن زوج غير كف ء لم يجز وكان هذا منه تعديا مردودا، كما يرد تعدى
الوكلاء.
من لا يكون وليا من ذي القرابة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يكون الرجل وليا لامرأة بنتا كانت أو أختا أو بنت عم أو
امرأة هو أقرب الناس إليها نسبا أو ولاء حتى يكون الولي حرا مسلما رشيدا يعقل موضع الحظ وتكون
المرأة مسلمة ولا يكون المسلم وليا لكافرة وإن كانت بنته ولا ولاية له على كافرة إلا أمته فإن ما صار لها
15

بالنكاح ملك له. قال ولا يكون الكافر وليا لمسلمة. وإن كانت بنته قد زوج ابن سعيد بن العاص
النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وأبو سفيان حي لأنها كانت مسلمة وابن سعيد مسلم لا أعلم مسلما
أقرب بها منه ولم يكن لأبي سفيان فيها ولاية لأن الله تبارك وتعالى قطع الولاية بين المسلمين والمشركين
والمواريث والعقل وغير ذلك قال: فيجوز تزويج الحاكم المسلم الكافرة لأنه بحكم لا ولاية إذا
حاكمت إليه ولا يكون إذا كان بالغا مسلما وليا إن كان سفيها موليا عليه أو غير عالم بموضع الحظ لنفسه
ومن زوجه إذا كان هذا لا يكون وليا لنفسه يزوجها كان أن يكون وليا لغيره أبعد، وإن لم يكن هذا
وليا للسفه أو ضعف العقل فكذلك المعتوه والمجنون الذي لا يفيق بل هما أبعد من أن يكونا وليين: قال
ومن خرج من الولاية بأحد هذه المعاني حتى لا يكون وليا بحال فالولي أقرب الناس به ممن يفارق هذه
وليا للسفه أو ضعف العقل فكذلك المعتوه والمجنون الذي لا يفيق بل هما أبعد من أن يكونا وليين: قال
ومن خرج من الولاية بأحد هذه المعاني حتى لا يكون وليا بحال فالولي أقرب الناس به ممن يفارق هذه
الحال وهذا كمن لم يكن وكمن مات ولا ولاية له ما كان بهذه الحال، فإذا صلحت حاله صار وليا،
لأن الحال التي منع بها الولاية قد ذهبت.
الأكفاء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا أعلم في أن للولاة أمرا مع المرأة في نفسها شيئا جعل لهم أبين
من أن لا تزوج إلا كفؤا، فإن قيل يحتمل أن يكون لئلا يزوج إلا نكاحا صحيحا. قيل قد يحتمل
ذلك أيضا ولكنه لما كان الولاة لو زوجوها غير نكاح صحيح لم يجز كان هذا ضعيفا لا يشبه أن يكون له
جعل للولاة معها أمر فأما الصداق فهي أولى به من الولاة ولو وهبته جاز ولا معنى له أولى به من أن لا
يزوج إلا كفؤا بل لا أحسبه يحتمل أن يكون جعل لهم أمر مع المرأة في نفسها إلا لئلا تنكح إلا كفؤا
(قال الشافعي) إذا اجتمع الولاة فكانوا شرعا فأيهم صلح أن يكون وليا بحال فهو كأفضلهم وسواء
المسن منهم والكهل والشاب والفاضل والذي دونه إذا صلح أن يكون وليا فأيهم زوجها بإذنها كفؤا جاز
وإن سخط ذلك من بقي من الولاة وأيهم زوج بإذنها غير كفؤ فلا يثبت النكاح إلا باجتماعهم عليه:
وكذلك لو اجتمعت جماعتهم على تزويج غير كف ء وانفرد أحدهم كان النكاح مردودا بكل حال حتى
تجتمع الولاة معا على إنكاحه قبل إنكاحه فيكون حقا لهم تركوه وإن كان الولي أقرب ممن دونه فزوج
غير كف ء بإذنها فليس لمن بقي من الأولياء الذي هو أولى منهم رده لأنه لا ولاية لهم معه قال: وليس
نكاح غير الكفء محرما فأرده بكل حال إنما هو نقص على المزوجة والولاة فإذا رضيت المزوجة ومن له
الامر معها بالنقص لم أرده قال: وإذا زوج الولي الواحد كفؤا بأمر المرأة المالك لأمرها بأقل من مهر
مثلها لم يكن لمن بقي من الولاة رد النكاح ولا أن يقوموا عليه حتى يكملوا لها مهر مثلها لأنه ليس في
نقص المهر نقص نسب إنما هو نقص المال ونقص المال ليس عليها ولا عليهم فيه نقص حسب وهي
أولى بالمال منهم وإذا رضى الولي الذي لا أقرب منه بإنكاح رجل غير كف ء فأنكحه بإذن المرأة والولاة
الذين هم شرع ثم أراد الولي المزوج والولاة رده لم يكن لهم بعد رضاهم وتزويجهم إياه برضا المرأة،
وإن كانوا زوجوها بأمرها بأقل من صداق مثلها وكانت لا يجوز أمرها في مالها فلها تمام صداق مثلها
لأن النكاح لا يرد فهو كالبيوع المستهلكة كما لو باعت وهي محجورة بيعا فاستهلك وقد غبنت فيه لزم
مشتريه قيمته، قال وإذا كانت المرأة محجورا عليها مالها فسواء من حابى في صداقها أب أو غيره لا
16

تجوز المحاباة ويلحق بصداق مثلها ولا يرد النكاح دخلت أو لم تدخل وإن طلقت قبل ذلك أخذ لها
نصف صداق مثلها.
ما جاء في تشاح الولاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان الولاة شرعا فأراد بعضهم أن يلي التزويج دون بعض
فذلك إلى المرأة تولى أيهم شاءت فإن قالت قد أذنت في فلان فأي ولاتي أنكحنيه فنكاحه جائز فأيهم
أنكحه فنكاحه جائز فإن ابتدره اثنان فزوجاه فنكاحه جائز وإن تمانعوا أقرع بينهم السلطان فأيهم خرج
سهمه أمره بالتزويج وإن لم يترافعوا إلى السلطان عدل بينهم أمرهم فأيهم خرج سهمه زوج وإن تركوا
الاقراع أو تركه السلطان لم أحبه لهم وأيهم زوج بإذنها جاز.
إنكاح الوليين والوكالة في النكاح
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا ابن علية عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن
عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال إذا أنكح الوليان فالأول أحق) قال وبين في قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأول أحق أن الحق لا يكون باطلا وأن نكاح الآخر باطل وأن الباطل
لا يكون حقا بأن يكون الآخر دخل ولم يدخل الأول ولا يزيد الأول حقا لو كان هو الداخل قبل الآخر
هو أحق بكل حال قال: وفيه دلالة على أن الوكالة في النكاح جائزة ولأنه لا يكون نكاح وليين
متكافيا حتى يكون للأول منهما إلا بوكالة منها مع توكيل النبي صلى الله عليه وسلم عمر وبن أمية
الضمري فزوجه أم حبيبة ابنة أبي سفيان (قال الشافعي) فأما إذا أذنت المرأة لولييها أن يزوجاها من
رأيا أو وأمرها أحدهما في رجل فقالت زوجه وأمرها آخر في رجل فقالت زوجه فزوجاها مع رجلين
مختلفين كفؤين فأيهما زوج أولا فالأول الزوج الذي نكاحه ثابت وطلاقه وما بينه وبينها مما بين الزوجين
لازم ونكاح الذي بعده ساقط دخل لها الآخر أو لم يدخل أو الأول أو لم يدخل لا يحق الدخول لاحد
شيئا إنما يحقه أصل العقدة فإن أصابها آخرهما نكاحا فلها مهر مثلها إذا لم يصح عقدة النكاح لم تصح
بشئ بعدها إلا بتجديد نكاح صحيح، وإذا جاز للمرأة أن توكل وليين جاز للولي الذي لا أمر للمرأة
معه أن يوكل وهذا للأب خاصة في البكر ولم يجز لولى غيره للمرأة معهم أمر أن يوكل أب في ثيب ولا
ولى غير أب إلا بأن تأذن له أن يوكل بتزويجها فيجوز بإذنها. فلو أن رجلا خرج ووكل رجلا بتزويج
ابنته البكر فزوجها الوكيل وهو فأيهما أنكح أولا فالنكاح نكاحه جائز والآخر باطل الوكيل أو الأب،
وإن دخل بها الآخر فلها المهر وعليها العدة والولد لا حق ولا ميراث لها منه ولو مات قبل أن يفرق
بينهما، ولا له منها لو ماتت ولزوجها الأول منها الميراث وعليه لها الصداق يحاسب به من ميراثه. وهكذا
لو أذنت لوليين فزوجاها معا أو لولى أن يوكل فوكل وكيلا أو لوليين كذلك فوكلا وكيلين أي هذا كان
فالتزويج الأول أحق ولو زوجها الوليان والوكلاء ثلاثة أو أربعة فالنكاح للأول إذا علم ببينة تقوم على
وقت من الأوقات أنه فعل ذلك قبل صاحبه. قال ولو زوجها ولياها رجلين فشهد الشهود على يوم
واحد ولم يثبتوا الساعة أو أثبتوها فلم يكن في إثباتهم دلالة على أي النكاحين كان أولا فالنكاح مفسوخ
17

ولا شئ لها من واحد من الزوجين ولو دخل بها أحدهما على هذا فأصابها كان لها منه مهر مثلها وعليها
العدة ويفرق بينهما وسواء كان الزوجان في هذا لا يعرفان أي النكاح كان قبل أو يتداعيان فيقول كل
واحد منهما كان نكاحي قبل وهما يقران أنها لا تعلم أي نكاحهما كان أولا ويقران بأمر يدل على أنها لا
تعلم ذلك مثل أن تكون غائبة عن النكاح ببلد غير البلد الذي تزوجت به أو ما أشبه هذا. ولو ادعيا
عليها أنها تعلم أي نكاحهما أول وادعى كل واحد منهما أن نكاحه كان أولا كان القول قولها مع يمينها
للذي زعمت أن نكاحه آخرا، وإن قالت لا أعلم أيهما كان أولا وادعيا علمها أحلفت ما تعلم وما
يلزمها نكاح واحد منهما. قال ولو كانت خرساء أو معتوهة أو صبية أو خرست بعد التزويج لم يكن عليها
يمين وفسخ النكاح، ولو زوجها أبوها ووكيل له في هذه الحال فقال الأب: إنكاحي أولا أو إنكاح
وكيلي أو لا كان أو قال ذلك الوكيل لم يكن إقرار واحد منهما يلزمها ولا يلزم الزوجين ولا واحدا منهما ولو
كانت عاقلة بالغة فأقرت لأحدهما أن نكاحه كان أولا لزمها النكاح الذي أقرت أنه كان أولا ولم تحلف
للآخر لأنها لو أقرت له بأن نكاحه أولا ثم لم يكن زوجها وقد لزمها أن تكون زوجة الآخر ولو كان وليها
الذي هو أقرب إليها من وليها الذي يليه زوجها بإذنها ووليها الذي هو أبعد منه بإذنها فإنكاح الولي الذي
دونه من هو أقرب منه باطل ولو كان على الانفراد، وإذا كان هذا هكذا فنكاح الولي الأقرب جائز
كان قبل نكاح الولي الابعد أو بعد، أو دخل الذي زوجه الولي الابعد الذي لا ولاية له مع من هو
أقرب، ولو دخل بها الزوجان معا أثبتت نكاح الذي زوجه الولي وآمر باجتنابها حتى تكميل عدتها من
الزوج غيره ثم خلى بينها وبينه وكان لها على الزوج المهر الذي سمى وعلى الناكح النكاح الفاسد مهر مثلها
كان أقل أو أكثر مما سمى لها، ولو اشتملت على حمل وقفا عنها وهي في وقفهما عنها زوجة الذي زوجه
الولي إن مات ورثته وإن ماتت ورثها، ومتى جاءت بولد أريه القافة فبأيهما ألحقاه لحق وإن لم يلحقاه
بواحد منهما أو ألحقاه بهما أو لم يكن قافه وقف حتى يبلغ فينتسب إلى أيهما شاء، قال وإن انتفيا منه
ولم تره القافة لا عناها معا ونفى عنهما معا فإن أقربه أحدهما نسبته إليه فإن أقربه الآخر وقفته حتى تراه
القافة وكان كالمسألة على الابتداء وإن مات الآخر بعدما أقربه الأول ولم يعترف به فهو من الأول ولو
زوجها وليان أحدهما قبل الآخر بإذنها فدخل بها صاحب التزويج الآخر فلها مهر مثلها وتنزع منه وهي
زوجة الأول ويمسك عنها حتى تنقضي عدتها من الداخل بها.
ما جاء في نكاح الآباء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
رضى الله تعالى عنها قالت (نكحني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست أو سبع وبنى بي وأنا ابنة
تسع) الشك من الشافعي (قال الشافعي) فلما كان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الجهاد يكون
على ابن خمس عشرة سنة وأخذ المسلمون بذل في الحدود وحكم الله بذلك في اليتامى فقال (حتى
إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا) ولم يكن له الامر في نفسه إلا ابن خمس عشرة سنة أو ابنة
خمس عشرة إلا أن يبلغ الحلم أو الجارية المحيض قبل ذلك فيكون لهما أمر في أنفسهما دل إنكاح أبى بكر
عائشة النبي صلى الله عليه وسلم ابنة ست وبناؤه بها ابنة تسع على أن الأب أحق بالبكر من نفسها ولو
18

كانت إذا بلغت بكرا كانت أحق بنفسها منه أشبه أن لا يجوز له عليها حتى يبلغ فيكون ذلك بإذنها
أخبرنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها) أخبرنا مالك عن عبد
الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني زيد بن جارية عن خنساء بنت خذام أن
أباها زوجها وهي ثيب وهي كارهة فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها (قال الشافعي) فأي
ولى امرأة ثيب أو بكر زوجها بغير إذنها فالنكاح باطل إلا الآباء في الأبكار والسادة في المماليك لأن
النبي صلى الله عليه وسلم رد نكاح خنساء ابنة خذام حين زوجها أبوها كارهة ولم يقل إلا أن تشائي أن
تبرى أباك فتجيزي إنكاحه لو كانت إجازته إنكاحها تجيزه أشبه أن يأمرها أن تجيز إنكاح أبيها ولا يرد
بقوته عليها (قال الشافعي) ويشبه في دلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرق بين البكر والثيب
فجعل الثيب أحق بنفسها من وليها وجعل البكر تستأذن في نفسها أن الولي الذي عنى والله تعالى أعلم
الأب خاصة فجعل الأيم أحق بنفسها منه فدل ذلك على أن أمره أن تستأذن البكر في نفسها أمر
اختيار لا فرض لأنها لو كانت إذا كرهت لم يكن له تزويجها كانت كالثيب وكان يشبه أن يكون الكلام
فيها أن كل امرأة أحق بنفسها من وليها وإذن الثيب الكلام وإذن البكر الصمت ولم أعلم أهل العلم
اختلفوا في أنه ليس لأحد من الأولياء غير الآباء أن يزوج بكرا ولا ثيبا إلا بإذنها فإذا كانوا لم يفرقوا بين
البكر والثيب البالغين لم يجز إلا ما وصفت في الفرق بين البكر والثيب في الأب الولي وغير الولي ولو كان
لا يجوز للأب إنكاح البكر إلا بإذنها في نفسها ما كان له أن يزوجها صغيرة لأنه لا أمر لها في نفسها
في حالها تلك وما كان بين الأب و سائر الولاة فرق في البكر كما لا يكون بينهم فرق في الثيب فإن قال
قائل فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تستأمر البكر في نفسها؟ قيل يشبه أمره أن يكون على
استطابة نفسها وأن يكون بها داء لا يعلمه غيرها فتذكره إذا استؤمرت أو تكره الخاطب لعلة فيكون
استئمارها أحسن في الاحتياط وأطيب لنفسها وأجمل في الأخلاق وكذلك نأمر أباها ونأمره أيضا أن
يكون المؤامر لها فيه أقرب نساء أهلها وأن يكون تفضى إليها بذات نفسها أما كانت أو غير أم ولا يعجل
في إنكاحها إلا بعد إخبارها بزوج بعينه ثم كره لأبيها أن يزوجها إن علم منها كراهة لمن يزوجها وإن
فعل فزوجها من كرهت جاز ذلك عليها وإذا كان يجوز تزويجه عليها من كرهت فكذلك لو زوجها بغير
استئمارها فإن قال قائل وما يدل على أنه قد يؤمر بمشاورة البكر ولا أمر لها مع أبيها الذي أمر بمشاورتها؟
قيل قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (وشاورهم في الامر) ولم يجعل الله لهم معه أمرا إنما فرض
عليهم طاعته ولكن في المشاورة استطابة أنفسهم وأن يستن بها من ليس له على الناس ما لرسول الله
صلى الله عليه وسلم والاستدلال بأن يأتي من بعض المشاورين بالخير قد غاب عن المستشير وما أشبه
هذا قال والجد أبو الأب وأبوه وأبو أبيه يقومون مقام الأب في تزويج البكر وولاية الثيب ما لم يكن دون
واحد منهم أب أقرب منه ولو زوجت البكر أزواجا ماتوا عنها أو فارقوها وأخذت مهورا ومواريث دخل
بها أزواجها أو لم يدخلوا إلا أنها لم تجامع زوجت تزويج البكر لأنه لا يفرقها اسم بكر إلا بأن تكون ثيبا
وسواء بلغت سنا وخرجت الأسواق وسافرت وكانت قيم أهلها أو لم يكن من هذا شئ لأنها بكر في
هذه الأحوال كلها (وإذا جومعت بنكاح صحيح أو فاسد أو زنا (1) صغيرة كانت بالغا أو غير

(1) قوله: " صغيرا كانت بالغا أو غير بالغ " كذا في النسخ ولعل لفظ " صغيرة " من زيادة الناسخ أو تفسير بغير
البالغ وضع بين السطور فاثبتها الناسخ في الصلب، فتأمل. كتبه مصححه.
19

بالغ كانت ثيبا لا يكون للأب تزويجها إلا بإذنها ولا يكون له تزويجها إذا كانت ثيبا وإن كانت لم تبلغ
إنما يزوج الصغيرة إذا كانت بكرا لأنه لا أمر لها في نفسها إذا كانت صغيرة ولا بالغا مع أبيها قال
وليس لأحد غير الآباء أن يزوج بكرا ولا ثيبا صغيرة لا بإذنها ولا بغير إذنها ولا يزوج واحدة منهما حتى
تبلغ فتأذن في نفسها وإن زوجها أحد غير الآباء صغيرة فالنكاح مفسوخ ولا يتوارثان ولا يقع عليها
طلاق وحكمه حكم النكاح الفاسد في جميع أمره لا يقع به طلاق ولا ميراث والآباء وغيرهم من
الأولياء في الثيب سواء لا يزوج أحد الثيب إلا بإذنها، وإذنها الكلام، وإذن البكر الصمت. وإذا
زوج الأب الثيب بغير علمها فالنكاح مفسوخ رضيت بعد أو لم ترض وكذلك سائر الأولياء في البكر
والثيب.
الأب ينكح ابنته البكر غير الكفء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يجوز أمر الأب على البكر في النكاح إذا كان النكاح حظا لها أو
غير نقص عليها ولا يجوز إذا كان نقصا لها أو ضررا عليها كما يجوز شراؤه وبيعه عليها بلا ضرر عليها في
البيع والشراء من غير ما لا يتغابن أهل البصر به، وكذلك ابنه الصغير، قال ولو زوج رجل ابنته عبدا
له أو لغيره لم يجز النكاح لأن العبد غير كف ء لم يجز وفي ذلك عليها نقص بضرورة ولو زوجها غير كف ء
لم يجز لأن في ذلك عليها نقصا، ولو زوجها كفؤا أجذم أو أبرص أو مجنونا أو خصيا مجبوبا أو غير
مجبوب لم يجز عليها لأنها لو كانت بالغا كان لها الخيار إذا علمت هي بداء من هذه الأدواء، ولو زوجها
كفؤا صحيحا ثم عرض له داء من هذه الأدواء لم يكن له أن يفرق بينه وبينها حتى تبلغ فإذا بلغت فلها
الخيار (قال) ولو عقد النكاح عليها لرجل به بعض الأدواء ثم ذهب عنه قبل أن تبلغ أو عند بلوغها
فاختارت المقام معه لم يكن لها ذلك لأن أصل العقد كان مفسوخا (قال) ولو زوج ابنه صغيرا أو مخبولا
أمة كان النكاح مفسوخا لأن الصغير لا يخاف العنت والمخبول لا يعرب عن نفسه بأنه يخاف العنت
وإن كان كل واحد منهما لا يجد طولا ولو زوجه جذماء أو برصاء أو مجنونة أو رتقاء لم يجز عليه النكاح،
وكذلك لو كان زوجه امرأة في نكاحها ضرر عليه أو ليس له فيها وطر مثل عجوز فانية أو عمياء أو
قطعاء أو ما أشبه هذا.
المرأة لا يكون لها الولي
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة نكحت بغير إذا
وليها فنكاحها باطل) فبين فيه أن الولي رجل لا امرأة فلا تكون المرأة وليا أبدا لغيرها وإذا لم تكن وليا
لنفسها كانت أبعد من أن تكون وليا لغيرها ولا تعقد عقد نكاح. أخبرنا الثقة عن ابن جريج عن عبد
الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: كانت عائشة تخطب إليها المرأة من أهلها فتشهد فإذا بقيت عقدة
النكاح قالت لبعض أهلها زوج فإن المرأة لا تلى عقدة النكاح (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن
هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال (لا تنكح المرأة المرأة فإن البغي إنما تنكح نفسها)
(قال الشافعي) وإذا أرادت المرأة أن تزوج جاريتها لم يجز أن تزوجها هي ولا وكيلها إن لم يكن وليا
20

للمرأة إذا لم تكن هي وليا لجاريتها لم يكن أحد بسببها وليا إذا لم يكن من الولاة كما لا يكون للمرأة أن
توكل بنفسها من يزوجها إلا وليا ويزوجها ولى المرأة السيدة الذي كان يزوجها هي أو السلطان إذا أذنت
سيدتها بتزويجها كما يزوجونها هي إذا أذنت بتزويجها ولا يجوز لولى المرأة أن يولى امرأة تزوجها إذا لم
تكن وليا في نفسها لم تكن وليا بوكالة ولا يزوج جاريتها إلا بإذنها ويجوز وكالة الرجل الرجل في
النكاح إلا أنه لا يوكل امرأة لما وصفت ولا كافرا بتزويج مسلمة لأن واحدا من هذين لا يكون وليا
بحال وكذلك لا يوكل عبدا ولا من لم تكمل فيه الحرية وكذلك لا يوكل محجورا عليه ولا مغلوبا على
عقله لأن هؤلاء لا يكونون ولاة بحال.
ما جاء في الأوصياء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ذكر الله تعالى الأولياء وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل) ولم يختلف أحد أن الولاة هم العصبة، وأن
الأخوال لا يكونون ولاة، إن لم يكونوا عصبة فبين في قولهم أن لا ولاية لوصي إن لم يكن من العصبة
لأن الولاية يشبه أن تكون جعلت للعصبة للعار عليهم والوصي ممن لا عار عليه فيما أصاب غيره من عار
وسواء وصى الأب بالابكار والثيبات ووصى غيره فلا ولاية لوصي في النكاح بحال وذلك أنه ليس
بوكيل الولي ولا بولي والخال أولى أن يكون عليه عار من الوصي وهو لا ولاية له إذا لم يكن له نسب من
قبل الأب وهذا قول أكثر من لقيت من أهل الآثار والقياس وقد قال قائل يجوز نكاح وصى الأب على
البكر خاصة دون الأولياء ولا يكون له أن ينكح البكر بغير إذنها وللأب أن ينكحها بغير إذنها ولا يجوز
إنكاحه الثيب بأمرها وأمرها إلى الولاة ويقول ولا يجوز إنكاح وصى ولى غير وصى الأب (قال
الشافعي) وهو يزعم أن الميت إذا مات انقطعت وكالته فإن كان الوصي وكيلا عنده كوكيل الحي فوكيل
الأب والأخ (1) ولى الأولياء البكر والثيب يجوز إنكاحهم عندنا وعنده بوكالة من وكلهم ما جاز لمن
وكلهم بالنكاح ويقيمهم مقام من وكله وهو لا يجيز لوصي الأب ما يجيز للأب ويقول ليس بوكيل ولا
أب فيقال فولى قرابة فيقول: لا فيقال ما هو؟ فيقول وصى ولى فيقول يقوم مقامه ولا يدرى ما يقول
ويقال فما لغير الأب فيقول الوصي ليس بولي ولا وكيل فيجوز نكاحه وليس من النكاح بسبيل فيقول
قولا متناقضا يخالف معنى القرآن والسنة والآثار.
إنكاح الصغار والمجانين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يزوج الصغيرة التي لم تبلغ أحد غير الآباء وإن زوجها
فالتزويج مفسوخ والأجداد آباء إذا لم يكن أب يقومون مقام الآباء في ذلك، ولا يزوج المغلوبة على
عقلها أحد غير الآباء فإن لم يكن آباء رفعت إلى السلطان وعليه أن يعلم الزوج ما اشتهر عنده أنها مغلوبة
على عقلها، فإن يقدم على ذلك زوجها إياه وإنما منعت الولاة غير الآباء تزويج المغلوبة على عقلها أنه

(1) قوله: ولي الأولياء البكر الخ، كذا في النسخ وانظره، وإن كان الحكم مفهوما، كتبه مصححه.
21

لا يجوز لولى غير الآباء أن يزوج امرأة إلا برضاها فلما كانت ممن لا رضا لها لم يكن النكاح لهم تاما وإنما
أجزت للسلطان أن ينكحها لأنها قد بلغت أو ان الحاجة إلى النكاح وأن في النكاح لها عفافا وغناء
وربما كان لها فيه شفاء وكان إنكاحه إياها كما لحكم لها وعليها، وإن أفاقت فلا خيار لها ولا يجوز أن
يزوجها إلا كفؤا، وإذا أنكحها فنكاحه ثابت وترث وتورث، إن غلب على عقلها من مرض أو
برسام أو غيره لم يكن له أن ينكحها حتى يتأنى بها فإن أفاقت أنكحها الولي من كان بإذنها، وإن لم
تفق حتى طال ذلك ويؤيس من إفاقتها زوجها الأب أو السلطان، وإن كان بها مع ذهاب العقل
جنون أو جذام أو برص أعلم ذلك الزوج قبل أن يزوجها وإن كان بها ضني يرى أهل الخبرة بها أنها لا
تريد النكاح معه لم أر له أن يزوجها وإن زوجها لم أرد تزويجه لأن التزويج ازدياد لها لا مؤنة عليها فيه،
وسواء إذا كانت مغلوبة على عقلها بكرا كانت أو ثيبا لا يزوجها إلا أب أو سلطان بلا أمرها لأنه لا أمر
لها.
نكاح الصغار والمغلوبين على عقولهم من الرجال
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى في الكبير المغلوب على عقله: لأبيه أن يزوجه لأنه لا أمر له في
نفسه وإن كان يجن ويفيق فليس له أن يزوجه حتى يأذن له وهو مفيق في أن يزوج فإذا أذن فيه زوجه
ولا أرد إنكاحه إياه وليس لأحد غير الآباء أن يزوجوا المغلوب على عقله لأنه لا أمر له في نفسه ويرفع
إلى الحاكم فيسأل عنه فإن كان يحتاج إلى التزويج ذكر للمزوجة حاله فإن رضيت حاله زوجه وإن لم
يكن يحتاج إلى التزويج فيما يرى بزمانة أو غيرها لم يكن للحاكم أن يزوجه ولا لأبيه أن يكون تزويجه
ليخدم فيجوز تزويجه لذلك، وللآباء ما للأب في المغلوب على عقله وفي الصغيرة والمرأة البكر وللآباء
تزويج الابن الصغير ولا خيار له إذا بلغ وليس ذلك لسلطان ولا ولى وإن زوجه سلطان أو ولى غير
الآباء فالنكاح مفسوخ لأنا إنما نجيز عليه أمر الأب لأنه يقوم مقامه في النظر له ما لم يكن له في نفسه
أمر ولا يكون له خيار إذا بلغ فأما غير الأب فليس ذلك له ولو كان الصبي مجبوبا أو مخبولا فزوجه أبوه
كان نكاحه مردودا لأنه لا يحتاج إلى النكاح قال وإذا زوج المغلوب على عقله فليس لأبيه ولا للسلطان
أن يخالع بينه وبين امرأته ولا ان يطلقها عليه ولا يزوج واحد منهما إلا بالغا وبعد ما يستدل على حاجته
إلى النكاح ولو طلقها لم يكن طلاقه طلاقا، وكذلك لو آلى منها أو تظاهر لم يكن عليه إيلاء ولا ظهار
لأن القلم مرفوع عنه. وكذلك لو قذفها وانتفى ولدها لم يكن له أن يلاعن ويلزمه الولد ولو قالت هو
عنين لا يأتيني لم تضرب له أجلا وذلك أنها إن كانت ثيبا فقد يأتيها وتجحد وهو لو كان صحيحا جعل
القول قوله مع يمينه وإن كانت بكرا فقد تمتنع من أن ينالها فلا يعقل أن يدفع عن نفسه بالقول أنها
تمتنع ويمتنع ويؤمر إشارة بإصابتها ولو ارتد لم تحرم عليه لأن القلم مرفوع عنه ولو ارتدت هي فلم تعد إلى
الاسلام حتى تنقضي العدة بانت منه وهكذا إذا نكحت المغلوبة على عقلها لم يكن لأبيها ولا لولى غيره
أن يخالع عنها بدرهم من مالها ولا يبرئ زوجها من نفقتها ولا شئ وجب لها عليه فإن هربت أو
امتنعت منه لم يكن لها عليه نفقة ما دامت هاربة أو ممتنعة وإن آلى منها وطلب وليها وقفه قيل له اتق الله
وفئ أو طلق ولا يجبر على طلاق كما لا يجبر لو طلبته هي، وكذلك وإن كان عنينا لم يؤجل لها من قبل
أن هذا شئ إن كانت صحيحة كان لها طلبه لتعطاه أو يفارق وإن تركته لم يحمل فيه الزوج على الفراق
22

لأن الفراق إنما يكون برضاها وامتناعه من الفئ فلا يكون لاحد طلب أن يفارق بحكم يلزم زوجها
غيرها وهي ممن لا طلب له ولو طلبت لم يكن ذلك على الزوج وهكذا الصبية التي لا تعقل في كل ما
وصفت قال: ولو قذف المجنونة وانتفى من ولدها قيل له إن أردت أن تنفى الولد باللعان فالتعن فإذا
التعن وقعت الفرقة بينهما ولا يكون له أن ينكحها أبدا ولا يرد عليه وينفى عنه الولد وإن أكذب نفسه
ألحق به الولد ولا يعزر ولم ينكحها أبدا فإن أبى أن يلتعن فهي امرأته والولد ولده ولا يعزر لها، قال
وأي ولد ولدته ما كانت في ملكه لزمه إلا أن ينفيه بلعان، وإن وجد معها ولد فقال لم تلده ولا قافة
وريئت تدر عليه وترضعه وتحنو عليه حنو الام لم تكن أمه وإلا بأن يشهد أربع نسوة أنها ولدته أو يقر هو
بأنها ولدته فيلحقه، وإن كانت قافة فألحقوه بها فهو ولده إلا أن ينفيه بلعان، وليس للأب في الصبية
والمغلوبة على عقلها أن يزوجها عبدا ولا غير كف ء لها وأنظر كل امرأة كانت بالغا ثيبا فدعت إليه كان
لأبيها ووليها منعها منه وليس للأب عليه إدخالها فيه ولا للأب ولا للسلطان في واحد منهما أن يزوجها
مجبوبا وكذلك ليس له أن يكره أمته على واحد من هؤلاء بنكاح وله أن يهبها لكل واحد من هؤلاء
ويبيعها منه ولا لولى الصبي أن يزوجه مجنونة ولا جذماء ولا برصاء ولا مغلوبة على عقلها ولا امرأة لا
تطيق جماعا بحال ولا أمة وإن كان لا يجد طولا لحرة لأنه ممن لا يخاف العنت.
النكاح بالشهود
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا نكاح للأب في ثيب ولا لولى غير الأب في بكر ولا ثيب
غير مغلوبة على عقلها حتى يجمع النكاح أربعا أن ترضى المرأة المزوجة وهي بالغ والبلوغ أن تحيض أو
تستكمل خمس عشرة سنة ويرضى الزوج البالغ وينكح المرأة ولى لا أولى منه أو السلطان ويشهد على
عقد النكاح شاهدان عدلان فإن نقص النكاح واحدا من هذا كان فاسدا، قال ولأبي البكر أن
يزوجها صغيرة وكبيرة بغير أمرها وأحب إلى أن كانت بالغا أن يستأمرها وذلك لسيد الأمة في أمته
وليس ذلك لسيد العبد في عبده ولا لاحد من الأولياء غير الآباء في البكر وهكذا لأبي المجنونة البالغ
أن يزوجها تزويج الصغيرة البكر بكرا كانت أو ثيبا وليس ذلك لغير الآباء إلا السلطان.
النكاح بالشهود أيضا
أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد عن ابن جريج عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير
ومجاهد عن ابن عباس قال (لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولى مرشد) وأحسب مسلم بن خالد قد سمعه
من ابن خيثم أخبرنا مالك عن أبي الزبير قال أتى عمر بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا
نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت قال ولو شهد النكاح من لا تجوز شهادته وإن كثروا
من أحرار المسلمين أو شهادة عبيد مسلمين أو أهل ذمة لم يجز النكاح حتى ينعقد بشاهدين عدلين
قال: وإذا كان الشاهدان لا يردان من جهة التعديل ولا الحرية ولا البلوغ ولا علة في أنفسهما خاصة
جاز النكاح، قال وإذا كانا عدلين عدوين للمرأة أو للرجل فتصادق الزوجان على النكاح جازت
الشهادة لأنها شهادة عدلين وإن تجاحدا لم يجز النكاح لأني لا أجيز شهادتهما على عدويهما وأحلفت
23

الجاحد منهما فإن حلف برئ وإن نكل رددت اليمين على صاحبه فإن حلف أثبت له النكاح وإن لم
يحلف لم أثبت له نكاحا وإن رؤي رجل يدخل على امرأة فقالت زوجي وقال زوجتي نكحتها بشاهدين
عدلين ثبت النكاح وإن لم تعلم الشاهدين: قال ولو عقد النكاح بغير شهود ثم أشهد بعد ذلك على
حياله وأشهدت ووليها على حيالهما لم يجز النكاح ولا تجيز نكاحا إلا نكاحا عقد بحضرة شاهدين عدلين
وما وصفت معه ولا يكون أن يتكلم بالنكاح غير جائز لم يجز إلا بتجديد نكاح غيره ولو كان الشاهدان
عدلين حين حضرا النكاح ثم ساءت حالهما حتى ردت شهادتهما فتصادقا أن النكاح قد كان والشاهدان
عدلان أو قامت بذلك بينة جاز وإن قالا كان النكاح وهما بحالهما لم يجز وقال إنما أنظر في عقدة النكاح
ولا أنظر أين يقومان هذا يخالف الشهادة على الحق غير النكاح في هذا الموضع الشهادة على الحق يوم
يقع الحكم ولا ينظر إلى حال الشاهدين قبل والشهادة على النكاح يوم يقع العقد قال: ولو جهلا حال
الشاهدين وتصادقا على النكاح بشاهدين جاز النكاح وكانا على العدل حتى أعرف الجرح يوم وقع
النكاح وإذا وقع النكاح ثم أمره الزوجان بكتمان النكاح والشاهدين فالنكاح جائز وأكره لهما السر لئلا
يرتاب بهما.
ما جاء في النكاح إلى أجل ونكاح من لم يولد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل للمرأة قد زوجتك حمل امرأتي وقبلت ذلك
المرأة أو أول ولد تلده امرأتي وقبلت ذلك المرأة أو قال ذلك الرجل للرجل في حبل امرأته قد زوجتك
أول جارية تلدها امرأتي وقبل الرجل فلا يكون شئ من هذا نكاحا أبدا ولا نكاح لمن لم يولد: ألا
ترى أنها قد لا تلد جارية وقد لا تلد غلاما أبدا فإذا كان الكلام منعقدا على غير شئ لم يجز ولا يجوز
النكاح إلا على عين بعينها ولو قال الرجل: إذا كان غدا فقد زوجتك ابنتي وقبل ذلك الرجل أو قال
رجل لرجل إذا كان غدا فقد زوجت ابني ابنتك وقبل أبو الجارية والغلام والجارية صغيران لم يجزله
لأنه قد يكون غدا وقد مات ابنه أو ابنته أو هما، وإذا انعقد النكاح وانعقاده الكلام به فكان في وقت
لا يحل له فيه الجماع ولا يتوارث الزوجان لم يجز وكان ذلك في معنى المتعة التي تكون زوجة في أيام
وغير زوجة في أيام وفى أكثر من معنى المتعة، لأنه قد جاءت مدة بعد العقد لم يوجب فيها النكاح ولا
يكون هذا نكاحا عندنا ولا عند من أجاز نكاح المتعة هذا أفسد من نكاح المتعة.
ما يجب به عقد النكاح
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا خطب الرجل على نفسه فقال زوجتي فلانه أو وكيل
الرجل على من وكله فقال ذلك أو أبو الصبي المولى عليه المرأة إلى وليها بعدما أذنت في إنكاح الخاطب
أو المخطوب عليه فقال الولي قد زوجتك فلانة التي سمى فقد لزم النكاح ولا احتياج إلى أن يقول الزوج
أو من ولى عقد نكاحه بوكالته قد قبلت إذا بدأ فخطب فأجيب بالنكاح. قال ولو احتجت إلى هذا لم
أجز نكاحا أبدا إلا بأن يولى الرجل وتولى المرأة رجلا واحدا فيزوجهما، ذلك أنى إذا احتجت إلى أن
يقول الخاطب وقد بدأ بالخطبة إذا زوج قد قبلت لأني لا أدرى ما بدا للخاطب احتجت إلى أن يقول
24

ولى المرأة قد أجزت لأني لا أدرى ما بداله إن كان إذا زوج لم يثبت النكاح إلا بإحداث المنكح قبولا
للنكاح ثم احتجت إلى أن أرد القول على الزوج ثم هكذا على ولى المرأة فلا يجوز بهذا المعنى نكاح
أبدا، ولا يجوز إلا بما وصفت من أن يلي عليهما واحد بوكالتهما. ولكن لو بدأ ولى المرأة فقال لرجل قد
زوجتك ابنتي لم يكن نكاحا حتى يقول الرجل قد قبلت لأن هذا ابتداء كلام ليس جواب مخاطبة وإن
خطب الرجل المرأة فلم يجبه الأب حتى يقول الخاطب قد رجعت في الخطبة فزوجه الأب بعد
رجوعه كان النكاح مفسوخا لأنه زوج غير خاطب إلا أن يقول بعد تزويج الأب قد قبلت، ولو خطب
رجل إلى رجل فلم يجبه الرجل حتى غلب على عقله ثم زوجه لم يكن هذا نكاحا لأنه عقده من قد
بطل كلامه ومن لا يجوز أن يكون وليا وهكذا لو كان الخاطب المغلوب على عقله بعد أن يخطب وقبل
أن يزوج ولكن لو عقد عليه ثم غلب على عقله كان النكاح جائزا إذا عقد ومعه عقله ولو كان هذا في
امرأة أذنت في أن تنكح فلم تنكح حتى غلبت على عقلها ثم أنكحت بعد الغلبة على عقلها كان
النكاح مفسوخا لأنه لم يلزمه شئ من النكاح حتى غلب على عقلها فبطل إذنها وهذا كما قلنا في
المسألة قبلها، قال ولو زوجت قبل أن تغلب على عقلها ثم غلبت بعد التزويج على عقلها لزمها
النكاح، ولو قال الرجل لأبي المرأة أتزوجني فلانة؟ فقال قد زوجتكها لم يثبت النكاح حتى يقبل
المزوج لأن هذا ليس خطبة وهذا استفهام، وإذا خطبها على نفسه ولم يسم صداقا فزوجه فالنكاح
ثابت، ولها مهر مثلها. ولو سمى صداقا فزوجه بإذنها كان الصداق له ولها لازما.
ما يحرم من النساء بالقرابة
أخبرنا الربيع بن سليمان قال: (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (حرمت
عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم) الآية (قال الشافعي) والأمهات أم الرجل الوالدة وأمهاتها
وأمهات آبائه وإن بعدت الجدات لأنهن يلزمهن اسم الأمهات والبنات بنات الرجل لصلبه وبنات بنيه
وبناتهن وإن سفلن فكلهن يلزمهن اسم البنات كما لزم الجدات اسم الأمهات وإن علون وتباعدن منه
وكذلك ولد الولد وإن سفلوا والأخوات من ولد أبيه لصلبه أو أمه نفسها وعماته من ولد جده الأدنى أو
الأقصى ومن فوقهما من أجداده وخالاته من ولدته أم أمه وأمها ومن فوقهما من جداته من قبلها وبنات
الأخ كل ما ولد الأخ لأبيه أو لامه أولهما من ولد ولدته والدته فكلهم بنو أخيه ولا إن تسفلوا وهكذا بنات
الأخت (قال الشافعي) وحرم الله تعالى الأخت من الرضاعة فاحتمل تحريمها معنيين أحدهما إذ ذكر الله
تحريم الام والأخت من الرضاعة فأقامهما في التحريم مقام الام والأخت من النسب أن تكون الرضاعة
كلها تقوم مقام النسب فما حرم بالنسب حرم بالرضاع مثله وبهذا نقول بدلالة سنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم والقياس على القرآن والآخر أن يحرم من الرضاع الام والأخت ولا يحرم سواهما (قال
الشافعي) فإن قال قائل فأين دلالة السنة بأن الرضاعة تقوم مقام النسب؟ قيل له إن شاء الله تعالى:
أخبرنا مالك بن أنس بن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة بن الزبير عن عائشة رضى الله
تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة) أخبرنا مالك
عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها
25

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة فقالت عائشة
فقلت يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أراه فلانا لعم
حفصة من الرضاعة) فقلت يا رسول الله لو كان فلان حيا لعمها من الرضاعة أيدخل على؟ فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة) أخبرنا ابن عيينة قال سمعت
ابن جدعان قال سمعت ابن المسيب يحدث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله
هل لك في ابنة عمك بنت حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش فقال (أما علمت أن حمزة أخي من
الرضاعة وأن الله تعالى حرم من الرضاعة ما حرم من النسب؟) أخبر الراوردي عن هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ابنة حمزة؟ مثل حديث سفيان في بنت حمزة
(قال الشافعي) وفي نفس السنة أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة وأن لبن الفحل يحرم كما يحرم
ولادة الأب يحرم لبن الأب لا اختلاف في ذلك أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عمرو بن الشريد أن
ابن عباس سئل عن رجل كانت له امرأتان فأرضعت إحداهما غلاما وأرضعت الأخرى جارية فقيل له
هل يتزوج الغلام الجارية؟ فقال لا، اللقاح واحد أخبرنا سعيد بن سالم قال أخبرنا ابن جريج أنه سأل
عطاء عن لبن الفحل أيحرم؟ فقال نعم فقلت له أبلغك من ثبت؟ فقال نعم قال ابن جريج قال عطاء
وأخواتكم من الرضاعة فهي أختك من أبيك، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن عمر وبن دينار
أخبره أنه سمع أبا الشعثاء يرى لبن الفحل يحرم، وقال ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال لبن
الفحل يحرم (قال الشافعي) وإذا تزوج الرجل المرأة فماتت أو طلقها قبل أن يدخل بها لم أر له أن ينكح
أمها لأن الام مبهمة التحريم في كتاب الله عز وجل ليس فيها شرط إنما الشرط في الربائب (قال
الشافعي) وهذا قول الأكثر من المفتين وقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أخبرنا مالك
عن يحيى بن سعيد، قال سئل زيد بن ثابت عن رجل تزوج امرأة ففارقها قبل أن يصيبها هل تحل له
أمها؟ فقال زيد بن ثابت لا الام مبهمة ليس فيها شرط إنما الشرط في الربائب (قال الشافعي)
وهكذا أمهاتها وان بعدن وجداتها لأنهن من أمهات نسائه (قال الشافعي) وإذا تزوج الرجل المرأة فلم
يدخل بها حتى ماتت أو طلقها فكل بنت لها وإن سفلن حلال لقول الله عز وجل (وربائبكم اللاتي
في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) فلو نكح امرأة
ثم طلقها قبل أن يدخل بها ثم نكح ابنتها حرمت عليه أم امرأته وإن لم يدخل بامرأته لأنها صارت من
أمهات نسائه وقد كانت قبل من نسائه غير أنه لم يدخل بها ولو كان دخل بالام لم تحل له البنت ولا
أحد ممن ولدته البنت أبدا لأنهن ربائبه من امرأته التي دخل بها قال الله عز وجل (وحلائل أبنائكم
الذين من أصلابكم) فأي امرأة نكحها رجل حرمت على أبيه دخل بها الابن أو لم يدخل وكذلك
تحرم على جميع آبائه من قبل أبيه وأمه لأن الأبوة تجمعهم معا وكذلك كل من نكح ولد ولده من قبل
النساء والرجال وإن سفلوا لأن الأبوة تجمعهم معا قال الله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء
إلا ما قد سلف) فأي امرأة نكحها رجل حرمت على ولده دخل بها الأب أو لم يدخل بها وكذلك ولد
ولده من قبل الرجال والنساء وإن سفلوا لأن الأبوة تجمعهم (قال الشافعي) وكل امرأة أب أو ابن
حرمتها على ابنه أو أبيه بنسب فكذلك أحرمها إذا كانت امرأة أب أو ابن من الرضاع فإن قال قائل إنما
قال الله تبارك وتعالى (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) فكيف حرمت حليلة الابن من
الرضاعة؟ قيل بما وصفت من جمع الله بين الام والأخت من الرضاعة والام والأخت من النسب في
26

التحريم ثم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فإن قال فهل تعلم
فيم أنزلت (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم؟) قيل الله تعالى أعلم فيم أنزلها فأما معنى ما سمعت
متفرقا فجمعته فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد نكاح ابنة جحش فكانت عند زيد بن حارثة
فكان النبي صلى الله عليه وسلم تبناه فأمر الله تعالى ذكره أن يدعى الأدعياء لآبائهم (فإن لم تعلموا
آباءهم فإخوانكم في الدين) وقال (وما جعل أدعياء كم أبناءكم) إلى قوله (ومواليكم) وقال لنبيه
صلى الله عليه وسلم (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج) الآية (قال
الشافعي) فأشبه والله تعالى أعلم أن يكون قوله (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) دون أدعيائكم
الذين تسمونهم أبناءكم ولا يكون الرضاع من هذا في شئ وحرمنا من الرضاع بما حرم الله قياسا عليه
وبما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه (يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة) (قال الشافعي) في
قول الله عز وجل (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) وفي قوله (وأن تجمعوا بين
الأختين إلا ما قد سلف) كان أكبر ولد الرجل يخلف على امرأة أبيه وكان الرجل يجمع بين الأختين
فنهى الله عز وجل عن أن يكون منهم أحد يجمع في عمره بين أختين أو ينكح ما نكح أبوه إلا ما قد
سلف في الجاهلية قبل علمهم بتحريمه ليس أنه أقر في أيديهم ما كانوا قد جمعوا بينه قبل الاسلام كما
أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على نكاح الجاهلية الذي لا يحل في الاسلام بحال (قال الشافعي) وما
حرمنا على الآباء من نساء الأبناء وعلى الأبناء من نساء الآباء وعلى الرجل من أمهات نسائه وبنات
نسائه اللاتي دخل بهن بالنكاح فأصيب فأما بالزنا فلا حكم للزنا يحرم حلالا فلو زنى رجل بامرأة لم
تحرم عليه ولا على ابنه ولا على أبيه وكذلك لو زنا بأم امرأته أو بنت امرأته لم تحرم عليه امرأته
وكذلك لو كانت تحته امرأة فزنا بأختها لم يجتنب امرأته ولم يكن جامعا بين الأختين وإن كانت الإصابة
بنكاح فاسد احتمل ان يحرم من قبل أنه يثبت فيه النسب ويؤخذ فيه المهر ويدرأ فيه الحد وتكون فيه
العدة وهذا حكم الحلال وأحب إلى أن يحرم به من غير أن يكون واضحا فلو نكح رجل امرأة نكاحا
فاسدا فأصابها لم يحل له عندي أن ينكح أمها ولا ابنتها ولا ينكحها أبوه ولا ابنه وإن لم يصب
الناكح نكاحا فاسدا لم يحرم عليه النكاح الفاسد بلا إصابة فيه شيئا من قبل أن حكمه لا يكون فيه
صداق ولا يلحق فيه طلاق ولا شئ مما بين الزوجين (قال الشافعي) وقد قال غيرنا لا يحرم النكاح
الفاسد وإن كان فيه الإصابة كما لا يحرم الزنا لأنها ليست من الأزواج ألا ترى أن الطلاق لا يلحقها ولا
ما بين الزوجين، وقد قال غيرنا وغيره: كل ما حرمه الحلال فالحرام أشد له تحريما (قال الشافعي) وقد
وصفنا في كتاب الاختلاف، ذكر هذا وغيره. وجماعة أن الله عز وجل إنما أثبت الحرمة للنسب
والصهر وجعل ذلك نعمة من نعمه على خلقه فمن حرم من النساء على الرجال فيحرمه الرجال عليهن
ولهن على الرجال من الصهر كحرمة النسب وذلك أنه رضى النكاح وأمر به وندب إليه فلا يجوز أن
تكون الحرمة التي أنعم الله تعالى بها على أن من أبى شيئا دعاه الله تعالى إليه كالزاني العاصي لله الذي
حده الله وأوجب له النار إلا أن يعفو عنه وذلك أن التحريم بالنكاح إنما هو نعمة لا نقمة فالنعمة التي
تثبت بالحلال لا تثبت بالحرام الذي جعل الله فيه النقمة عاجلا وآجلا وهكذا لو زنى رجل بأخت
امرأته لم يكن هذا جمعا بينهما ولم يحرم عليه أن ينكح أختها التي زنى بها مكانها (قال الشافعي) وإذا
حرم من الرضاع ما حرم من النسب لم يحل له أن ينكح من بنات الام التي أرضعته وإن سفلن وبنات
27

بنيها (1) وبناتها وكل من ولدته من قبل ولد ذكر أو أنثى امرأة وكذلك أمهاتها وكل من ولدها لأنهن
بمنزلة أمهاته وأخواته وكذلك أخواتها لأنهن خالاته وكذلك عماتها وخالاتها لأنهن عمات أمه وخالات
أمه وكذلك ولد الرجل الذي أرضعته لبنه وأمهاته وأخواته وخالاته وعماته وكذلك من أرضعته بلبن
الرجل الذي أرضعته من الام التي أرضعته أو غيرها وكذلك من أرضع بلبن ولد المرأة التي أرضعته من
أبيه الذي أرضعه بلبنه أو زوج غيره (قال الشافعي) وإذا أرضعت المرأة مولودا فلا بأس أن يتزوج المرأة
المرضع أبوه ويتزوج ابنتها وأمها لأنها لم ترضعه هو وكذلك إن لم يتزوجها الأب فلا بأس أن يتزوجها
أخو المرضع الذي لم ترضعه هو لأنها ليس ابنها، وكذلك يتزوج ولدها ولا بأس أن يتزوج الغلام
المرضع ابنة عمه وابنة خاله من الرضاع كما لا يكون بذلك بأس من النسب ولا يجمع الرجل بين
الأختين من الرضاعة بنكاح ولا وطئ ملك وكذلك المرأة وعمتها من الرضاعة يحرم من الرضاعة ما يحرم
من النسب وذوات المحرم من الرضاعة مما يحرم من نكاحهن ويسافر بهن كذوات المحرم من النسب
وسواء رضاعة الحرة والأمة والذمية كلهن أمهات وكلهن يحرمن كما تحرم الحرة لا فرق بينهن وسواء
وطئت الأمة بملك أو نكاح كل ذلك يحرم ولا بأس أن يتزوج الرجل المرأة وامرأة أبيها من الرضاع
والنسب (قال الشافعي) ولو شرب غلام وجارية لبن بهيمة من شاة أو بقرة أو ناقة لم يكن هذا رضاعا
إنما هذا كالطعام والشراب ولا يكون محرما بين من شبه إنما يحرم لبن الآدميات لا البهائم وقال الله
تعالى (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم من الرضاعة) وقال في الرضاعة (فإن أرضعن لكم
فآتوهن أجورهن) وقال عز ذكره (والوالدات يرضعن أولا دهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة)
(قال الشافعي) فأخبر الله عز وجل أن كمال الرضاع حولان وجعل على الرجل يرضع له ابنه أجر
المرضع والاجر على الرضاع لا يكون إلا على ماله مدة معلومة (قال الشافعي) والرضاع اسم جامع يقع
على المصة وأكثر منها إلى كمال رضاع الحولين ويقع على كل رضاع وإن كان بعد الحولين (قال الشافعي)
فلما كان هكذا وجب على أهل العلم طلب الدلالة هل يحرم الرضاع بأقل ما يقع عليه اسم الرضاع أو
معنى من الرضاع دون غيره؟ (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو
بن حزم عن عمرة عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت كان فيما أنزل الله تعالى في القرآن (عشر رضعات
معلومات يحرمن) ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن
أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أنها كانت تقول نزل القرآن بعشر رضعات
معلومات يحرمن ثم صيرن إلى خمس يحرمن فكان لا يدخل على عائشة إلا من استكمل خمس
رضعات. أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن الحجاج بن الحجاج أظنه عن أبي هريرة قال
(لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء) أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن
الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تحرم المصة والمصتان ولا الرضعة ولا الرضعتان) أخبرنا مالك
عن ابن شهاب عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر امرأة أبى حذيفة أن ترضع سالما خمس
رضعات تحرم بلبنها ففعلت فكانت تراه ابنا. أخبرنا مالك عن نافع أن سالم بن عبد الله أخبره أن عائشة
أرسلت به وهو يرضع إلى أختها أم كلثوم فأرضعته ثلاث رضعات ثم مرضع فلم ترضعه غير ثلاث
رضعا فلم أكن أدخل على عائشة من أجل أنى لم يتم لي عشر رضعات (قال الشافعي) أمرت به

(1) قوله: وبناتها وكل من ولدته إلى قوله " امرأة " كذا في النسخ، وحرر. كتبه مصححه
28

عائشة أن يرضع عشر لأنها أكثر الرضاع ولم يتم له خمس فلم يدخل عليها ولعل سالما أن يكون ذهب
عليه قول عائشة في العشر الرضعات فنسخن بخمس معلومات فحدث عنها بما علم من أنه أرضع ثلاثا
فلم يكن يدخل عليها وعلم أن ما أمرت أن يرضع عشرا فرأى أنه إنما يحل الدخول عليها عشر وإنما
أخذنا بخمس رضعات عن النبي صلى الله عليه وسلم بحكاية عائشة أنهن يحرمن وأنهن من القرآن (قال
الشافعي) ولا يحرم من الرضاع الا خمس رضعات متفرقات، وذلك أن يرضع المولود ثم يقطع
الرضاع ثم يرضع ثم يقطع الرضاع فإذا رضع في واحدة منهن ما يعلم أنه قد وصل إلى جوفه ما قل
منه وكثر فهي رضعة، وإذا قطع الرضاع ثم عاد لمثلها أو أكثر فهي رضعة (قال الشافعي) وإن التقم
المرضع الثدي ثم لها بشئ قليلا ثم عاد كانت رضعة واحدة ولا يكون القطع إلا ما انفصل انفصالا بينا
كما يكون الحالف لا يأكل بالنهار إلا مرة فيكون يأكل ويتنفس بعد الازدراد إلى أن يأكل فيكون ذلك
مرة وإن طال (قال الشافعي) ولو قطع ذلك قطعا بينا بعد قليل أو كثير من الطعام ثم أكل كان حانثا
وكان هذا أكلتين (قال الشافعي) ولو أخذ ثديها الواحد فأنفد ما فيه ثم تحول إلى الآخر مكانه فأنفد ما
فيه كانت هذه رضعة واحدة لأن الرضاع قد يكون بقية النفس والارسال والعودة كما يكون الطعام
والشراب بقية النفس وهو طعام واحد ولا ينظر في هذا إلى قليل رضاعه ولا كثيره إذا وصل إلى جوفه
منه شئ فهو رضعة وما لم يتم خمسا لم يحرم بهن (قال الشافعي) والوجور كالرضاع وكذلك السعوط
لأن الرأس جوف (قال الشافعي) فإن قال قائل: فلم لم تحرم برضعة واحدة وقد قال بعض من مضى
أنها تحرم؟ قيل بما حكينا أن عائشة تحكى أن الكتاب يحرم عشر رضعات ثم نسخن بخمس وبما
حكينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان)) وأمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يرضع سالم خمس رضعات يحرم بهن فدل ما حكت عائشة في الكتاب وما قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن الرضاع لا يحرم به على أقل اسم الرضاع ولم يكن في أحد مع النبي صلى الله
عليه وسلم حجة وقد قال بعض من مضى بما حكت عائشة في الكتاب ثم في السنة والكفاية فيما
حكت عائشة في الكتاب ثم في السنة فإن قال قائل فما يشبه هذا؟ قيل قول الله عز وجل (والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما) فسن النبي صلى الله عليه وسلم القطع في ربع دينار وفي السرقة من الحرز
وقال تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) فرجم النبي صلى الله عليه وسلم الزانيين
الثيبين ولم يجلد هما فاستدللنا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن المراد بالقطع من السارقين والمائة
من الزناة بعض الزناة دون بعض وبعض السارقين دون بعض لا من لزمه اسم سرقة وزنا فهكذا
استدللنا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المراد بتحريم الرضاع بعض المرضعين دون بعض لا من
لزمه اسم رضاع.
رضاعة الكبير
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه سئل عن رضاعة الكبير فقال
أخبرني عروة بن الزبير أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد
كان شهد بدرا وكان قد تبنى سالما الذي يقال له سالم مولى أبى حذيفة كما تبنى رسول الله صلى الله عليه
29

وسلم زيد بن حارثة فأنكح أبو حذيفة سالما وهو يرى أنه ابنه فأنكحه ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن
عتبة بن ربيعة وهي يومئذ من المهاجرات الأول وهي يومئذ من أفضل أيامى قريش فلما أنزل الله عز
وجل في زيد بن حارثة ما أنزل فقال (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم
فإخوانكم في الدين ومواليكم) رد كل واحد من أولئك من تبنى إلى أبيه. فإن لم يعلم أباه رده إلى
المولى فجاءت سهلة بنت سهيل وهي امرأة أبى حذيفة وهي من بنى عامر بن لؤي إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله كنا نرى سالما ولدا وكان يدخل على وأنا فضل وليس لنا إلا بيت
واحد فماذا ترى في شأنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا (أرضعيه خمس رضعات
فيحرم بلبنها) ففعلت فكانت تراه ابنا من الرضاعة فأخذت عائشة بذلك فيمن كانت تجب أن يدخل
عليها من الرجال فكانت تأمر أختها أم كلثوم وبنات أخيها يرضعن لها من أحبت أن يدخل عليها من
الرجال والنساء وأبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من
الناس وقلن ما نرى الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة بنت سهيل إلا رخصة في سالم
وحده من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد فعلى هذا من الخبر كان
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في رضاعة الكبير (قال الشافعي) وهذا والله تعالى أعلم في سالم مولى
أبى حذيفة خاصة (قال الشافعي) فإن قال قائل: ما دل على ما وصفت (قال الشافعي) فذكرت
حديث سالم الذي يقال له مولى أبى حذيفة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر امرأة أبى
حذيفة أن ترضعه خمس رضعات يحرم بهن، وقالت أم سلمة في الحديث وكان ذلك في سالم خاصة
وإذا كان هذا لسالم خاصة فالخاص لا يكون الا مخرجا من حكم العام وإذا كان مخرجا من حكم
العام فالخاص غير العام ولا يجوز في العام الا أن يكون رضاع الكبير لا يحرم ولابد إذا اختلف الرضاع
في الصغير والكبير من طلب الدلالة على الوقت الذي إذا صار إليه المرضع فارضع لم يحرم (قال)
والدلالة على الفرق بين الصغير والكبير موجودة في كتاب الله عز وجل. قال الله تعالى (والوالدات
يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد ان يتم الرضاعة) فجعل الله عز وجل تمام الرضاع حولين
كاملين. وقال (فإن أراد فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) يعنى والله تعالى اعلم. قبل
الحولين فدل على أن إرخاصه عز وجل في فصال الحولين على أن ذلك إنما يكون باجتماعهما على فصاله
قبل الحولين وذلك لا يكون والله تعالى اعلم. الا بالنظر للمولود من والديه ان يكونا يريان ان فصاله قبل
الحولين خير له من اتمام الرضاع له لعلة تكون به أو بمرضعته وانه لا يقبل رضاع غيرها أو ما أشبه هذا.
وما جعل الله تعالى له غاية بالحكم بعد مضى الغاية فيه غيره قبل مضيها. فإن قال قائل وما ذلك؟ قيل
قال الله تعالى (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة) الآية فكان لهم ان
يقصروا مسافرين وكان في شرط القصر لهم بحال موصوفة دليل على أن حكمهم في غير ذلك الصفة غير
القصر. وقال تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) فكن إذا مضت الثلاثة الأقراء فحكمهن
بعد مضيها غير حكمهن فيها (قال الشافعي) فإن قال قائل: فقد قال عروة قال غير عائشة من أزواج
النبي صلى الله عليه وسلم ما نرى هذا من النبي صلى الله عليه وسلم الا رخصة في سالم. قيل: فقول
عروة عن جماعة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم غير عائشة لا يخالف قول زينب عن أمها ان ذلك
رخصة مع قول أم سلمة في الحديث هو خاصة وزيادة قول غيرها ما نراه الا رخصة مع ما وصفت من
دلالة القرآن وانى قد حفظت عن عدة ممن لقيت من أهل العلم ان رضاع سالم خاص. فإن قال
30

قائل: فهل في هذا خبر عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بما قلت في رضاع الكبير؟
قيل نعم: أخبرنا مالك عن أنس عن عبد الله بن دينار قال جاء رجل إلى ابن عمر وانا معه عند دار
القضاء يسأله عن رضاعة الكبير فقال ابن عمر جاء رجل إلى عمر ابن الخطاب فقال كانت لي وليدة
فكنت أطؤها فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها فدخلت عليها فقالت دونك فقد والله أرضعتها. فقال عمر
بن الخطاب أوجعها وائت جاريتك فإنما الرضاع رضاع الصغير. أخبرنا مالك بن نافع عن ابن عمر
انه كان يقول لارضاع الا لمن ارضع في الصغر أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد ان أبا موسى قال
رضاعة الكبير ما أراها الا تحرم فقال ابن مسعود انظر ما يفتى به الرجل فقال أبو موسى فما تقول أنت؟
فقال لا رضاعة الا ما كان في الحولين فقال أبو موسى لا تسألوني عن شئ ما كان هذا الخبر بين
أظهركم (قال الشافعي) فجماع فرق ما بين الصغير والكبير أن يكون الرضاع في الحولين فإذا ارضع
المولود في الحولين خمس رضعات كما وصفت فقد كمل رضاعه الذي يحرم (قال الشافعي) وسواء
ارضع المولود أقل من حولين ثم قطع رضاعه ثم ارضع قبل الحولين أو كان رضاعه متتابعا حتى أرضعته
امرأة أخرى في الحولين الحولين خمس رضعات ولو توبع رضاعه فلم يفصل ثلاثة أحوال أو حولين أو ستة أشهر
أو أقل أو أكثر فارضع بعد الحولين لم يحرم الرضاع شيئا وكان بمنزلة الطعام والشراب، ولو ارضع في
الحولين أربع رضعات وبعد الحولين الخامسة وأكثر لم يحرم ولا يحرم من الرضاع الا ما تم خمس
رضعات في الحولين، وسواء فيما يحرم الرضاع والوجور، وان خلط للمولود لبن في طعام فيطعمه كان
اللبن الأغلب أو الطعام إذا وصل اللبن إلى جوفه وسواء شيب له اللبن بماء كثير أو قليل إذا وصل إلى
جوفه فهو كله كالرضاع ولو جبن له اللبن فأطعم جبنا كان كالرضاع، وكذلك لو استسعطه لأن الرأس
جوف ولو حقنه كان في الحقنة قولان: أحدهما انه جوف وذلك أنها تفطر الصائم لو احتقن، والاخر
ان ما وصل إلى الدماغ كما وصل إلى المعدة لأنه يغتذى من المعدة وليست كذلك الحقنة (قال
الشافعي) ولو أن صبيا أطعم لبن امرأة في طعام مرة وأوجره أخرى وأسعطه أخرى، وارضع أخرى،
ثم أوجره واطعم حتى يتم له خمس مرات كان هذا الرضاع الذي يحرم كل واحد من هذا يقوم مقام
صاحبه وسواء لو كان من صنف هذا خمس مرار أو كان من أصناف شتى، وإذا لم تتم له
الخامسة الا بعد استكمال سنتين لم يحرم، وان تمت له الخامسة حين يرضع الخامسة فيصل اللبن إلى
جوفه أو ما وصفت انه يقوم مقام الرضاع مع مضى سنتين قبل كمالها فقد حرم وإن كان ذلك قبل كمالها
بطرفة عين أو مع كمالها إذا لم يتقدم كمالها.
في لبن المرأة والرجل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: واللبن إذا كان من حمل ولا أحسبه يكون الا من حمل فاللبن
للرجل والمرأة كما يكون الولد للرجل والمرأة فأنظر إلى المرأة ذات اللبن، فإن كان لبنها نزل بولد من
رجل نسب ذلك الولد إلى والد لأن حمله من الرجل فإن رضع به مولود فالمولود أو المرضع بذلك اللبن
ابن الرجل الذي الابن ابنه من النسب كما يثبت للمرأة وكما يثبت الولد منه ومنها، وإن كان اللبن الذي
أرضعت به المولود لبن ولد لا يثبت نسبه من الرجل الذي الحمل منه فاسقط اللبن فلا يكون المرضع
31

ابن الذي الحمل منه إذا سقط النسب الذي هو أكبر منه سقط اللبن الذي أقيم مقام النسب في
التحريم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وبحكاية عائشة
تحريمه في القرآن (قال الشافعي) فإن ولدت امرأة حملت من الزنا اعترف الذي زنا بها أو لم يعترف
فأرضعت مولودا فهو ابنها ولا يكون ابن الذي زنى بها وأكره له في الورع ان ينكح بنات الذي ولد له
من زنا كما أكرهه للمولود من زنا وان نكح من بناته أحدا لم أفسخه لأنه ليس بابنه في حكم رسول الله
صلى الله عليه وسلم فإن قال قائل: فهل من حجة فيما وصفت؟ قيل نعم: قصى النبي صلى الله عليه
وسلم بابن أمة زمعة لزمعة وامر سودة ان تحتجب منه لما رأى منه من شبهه بعتبة فلم يرها وقد قضى انه
أخوها حتى لقيت الله عز وجل لأن ترك رويتها مباح وإن كان أخا لها وكذلك ترك رؤية المولود من
نكاح أخته مباح وإنما منعني من فسخه انه ليس بابنه إذا كان من زنا (قال الشافعي) ولو أن بكرا لم
تمسس بنكاح ولا غيره أو ثيبا ولم يعلم لواحدة منهما حمل نزل لهما لبن فحلب فخرج لبن فأرضعتا به
مولودا خمس رضعات كان ابن كل واحدة منهما ولا أب له وكان في غير معنى ولد الزنا وإن كانت له
أم ولا أب له لأن لبنه الذي ارضع به لم ينزل من جماع (قال الشافعي) ولو أن امرأة أرضعت ولا يعرف
لها زوج ثم جاء رجل فادعى انه كان نكحها صحيحا وأقر بولدها وأقرت له بالنكاح فهو ابنها كما يكون
الولد (قال الشافعي) ولو أن امرأة نكحت نكاحا فاسدا فولدت من ذلك النكاح ولدا وكان النكاح
بغير ولى أو بغير شهود عدول أو أي نكاح فاسد ما كان ما خلا ان تنكح في عدتها من زوج يلحق به
النسب أو حملت فنزل لها لبن فأرضعت به مولودا كان ابن الرجل الناكح نكاحا فاسدا والمرأة المرضع
كما يكون الحمل ابن الناكح نكاحا صحيحا (قال الشافعي) ولو أن امرأة نكحت في عدتها من وفاة
زوج صحيح أو فاسد أو طلاقه رجلا ودخل بها في عدتها فأصابها فجاءت بحمل فنزل لها لبن أو ولدت
فأرضعت بذلك اللبن مولودا كان ابنها وكان أشبه عندي والله تعالى اعلم أن يكون موقوفا في الرجلين معا
حتى يرى ابنها القافة فأي الرجلين ألحقته القافة لحق الولد وكان المرضع ابن الذي يلحق به الولد
وسقطت عنه أبوه الذي سقط عنه نسب الولد (قال الشافعي) ولو كان حمل المرأة سقطا لم يبن خلقه أو
ولدت ولدا فمات قبل ان يراه القافة فأرضعت مولودا لم يكن المولود المرضع ابن واحد منهما دون الاخر
في الحكم كما لا يكون المولود ابن واحد منهما دون الاخر في الحكم، والورع ان لا ينكح ابنة واحد
منهما وان لا يرى واحد منهما بناته حسرا ولا المرضعة إن كانت جارية ولا يكون مع هذا محرما لهن يخلو
أو يسافر بهن ولو كان المولود عاش حتى تراه القافة فقالوا هو ابنهما معا فامر المولود موقوف فينتسب إلى
أيهما شاء فإذا انتسب إلى أحدهما انقطع عنه أبوه الذي ترك الانتساب إليه، ولا يكون له ان يترك
الانتساب إلى أحدهما دون الاخر يجبر ان ينتسب إلى أحدهما، وان مات قبل ان ينتسب أو بلغ معتوها
لم يلحق بواحد منهما حتى يموت وله ولد فيقوم ولده مقامه في أن ينتسبوا إلى أحدهما أولا يكون له ولد
فيكون ميراثه موقوفا (قال الشافعي) وهذا موضع فيه قولان: أحدهما ان المرضع مخالف للابن لأنه
يثبت للابن علي الأب وللأب على الابن حقوق الميراث والعقل والولاية للدم ونكاح البنات وغير ذلك
من أحكام البنين ولا يثبت للمرضع على ابنه الذي أرضعه ولا لابنه الذي أرضعه عليه من ذلك
شئ، ولعل العلة في الامتناع من أن يكون ابنهما معا لهذا السبب، فمن ذهب هذا المذهب جعل
المرضع ابنهما معا ولم يجعل له الخيار في أن يكون ابن أحدهما دون الاخر وقال ذلك في المسائل قبله
التي في معناها. والقول الثاني: أن يكون الخيار للولد فأيهما اختار الولد أن يكون أباه فهو أبوه وأبو
32

المرضع ولا يكون للمرضع ان يختار غير الذي اختار المولود لأن الرضاع تبع للنسب فإن مات المولود ولم
يختر كان للمرضع ان يختار أحدهما فيكون أباه وينقطع عنه أبوة الاخر والورع ان لا ينكح بنات الاخر
ولا يكون لهن محرما يراهن بانقطاع أبوته عنه (قال الشافعي) وإذا أرضعت المرأة رجلا بلبن ولد فانتفى
أبو المولود منه فلاعنها فنفى عنه نسبه لم يكن أبا للمرضع فإن رجع الأب ينسبه إليه ضرب الحد ولحق
به الولد ورجع إليه أن يكون أبا المرضع من الرضاعة (قال الشافعي) ولو أن امرأة طلقها زوجها وقد
دخل بها أو مات عنها وهي ترضع وكانت تحيض في رضاعها ذلك ثلاث حيض ولبنها دائم أرضعت
مولودا فالمولود ابنها وابن الزوج الذي طلق أو مات واللبن منه لأنه لم يحدث لها زوج غيره (قال
الشافعي) ولو تزوجت زوجا بعد انقطاع لبنها أو قبله ثم انقطع لبنها وأصابها الزوج فثاب لبنها ولم يظهر
بها حمل فاللبن من الزوج الأول ومن أرضعت فهو ابنها وابن الزوج الأول ولا يكون ابن الاخر (قال
الشافعي) ولو أحبلها الزوج الاخر بعد انقطاع لبنها من الزوج الأول فثاب لبنها سئل النساء عن الوقت
الذي يثوب فيه اللبن ويبين الحمل فإن قلن الحمل لو كان من امرأة بكر أو ثيب ولم تلد قط أو امرأة قد
ولدت لم يأت لها لبن في هذا الوقت إنما يأتي لبنها في الثامن من شهورها أو التاسع فاللبن للأول فإن
دام فهو ابن للأول ما بينه وبين ان يبلغ الوقت الذي يكون لها فيه لبن من حملها الاخر (قال الشافعي)
وإذا ثاب لها اللبن في الوقت الذي يكون لها فيه لبن من حملها الاخر كان اللبن من الأول بكل حال
لأني على علم من لبن الأول وفي شك من أن يكون خلطه لبن الاخر فلا أحرم بالشك شيئا وأحب له
ان يتوقى في بنات الزوج الاخر في هذا الوقت (قال الشافعي) ولو شك رجل أن تكون مرأة أرضعته
خمس رضعات قلت: الورع ان يكف عن رؤيتها حاسرا ولا يكون محرما لها بالشك، ولو نكحها أو
أحدا من بناتها لم أفسخ النكاح لأني على غير يقين من أنها أم (قال الشافعي) ولو كان لبنها انقطع فلم
يثب حتى كان هذا الحمل الاخر في وقت يمكن ان يثوب فيه اللبن من الاخر ففيها قولان. أحدهما ان
اللبن بكل حال من الأول وان ثاب بتحريك نطفة الاخر فهو كما يثوب بان ترحم المولود فتدر عليه
وتشرب الدواء أو تأكل الطعام الذي يزيد في اللبن فتدر عليه. والقول الثاني انه إذا انقطع انقطاعا بينا
ثم تاب فهو من الاخر وإن كان لا يثوب بحال من الاخر لبن ترضع به حتى تلد أمه فهو من الأول في
جميع هذه الأقاويل وإن كان يثوب شئ ترضع به وان قل فهو منهما معا فمن لم يفرق بين اللبن والولد
قال هو للأول ابدا لأنه لم يحدث ولدا ولم يكن ابن لاخر إذا كان ابن الأول من الرضاعة ومن فرق
بينهما قال هو منهما معا (قال الشافعي) وان طلقت امرأة فلم ينقطع لبنها وكانت تحيض وهي ترضع
فحاضت ثلاث حيض ونكحت زوجا فدخل بها فأصابها فحملت فلم ينقطع اللبن حتى ولدت
فالولاد قطع اللبن الأول ومن أرضعته فهو ابنها وابن الزوج الاخر لا يحل له أحد ولدته ولا ولده الزوج
الاخر لأنه أبوه ويحل له ولد الأول من غير المرأة التي أرضعته لأنه ليس بأبيه (قال الشافعي) ولو
أرضعت امرأة صبيا أربع رضعات ثم حلب منها لبن ثم ماتت فأوجره الصبي بعد موتها كان ابنها كما
يكون ابنها لو أرضعته خمسا في الحياة (قال الشافعي) ولو رضعها الخامسة بعد موتها أو حلب له منها
لبن بعد موتها فأوجره لم يحرم لأنه لا يكون للميت فعل له حكم بحال ولو كانت نائمة فحلبت فأوجره
صبي حرم لأن لبن الحية يحل ولا يحل لبن الميتة وإن الحية النائمة يكون لها جناية بأن تنقلب على إنسان
أو تسقط عليه فتقتله فيكون فيه العقل ولو تعقل إنسان بميتة أو سقطت عليه فقتلته لم يكن له عقل لأنها
لا جناية لها (قال الشافعي) ولو كانت لم تكمل خمس رضعات فحلب لها لبن كثير فقطع ذلك اللبن
33

فأوجره صبي مرتين أو ثلاثا حتى يتم خمس رضعات لم يحرم لأنه لبن واحد ولا يكون إلا رضعة واحدة
وليس كاللبن يحدث في الثدي كلما خرج منه شئ حدث غيره فيفرق فيه الرضاع حتى يكون خمسا
(قال الربيع) وفي قول آخر أنه إذا حلب منها لبن فأرضع به الصبي مرة بعد مرة فكل مرة تحسب
رضعة إذا كان بين كل رضعتين قطع بين فهو مثل الغذاء إذا تغذى به ثم قطع الغذاء القطع البين ثم عاد
له كان أكلتين وإن كان الطعام واحدا، وكذلك إذا قطع عن الصبي الرضاع القطع البين وإن كان
اللبن واحدا (قال الشافعي) ولو تزوج رجل صبية ثم أرضعتها أمه التي ولدته أو أمه من الرضاعة أو ابنته
من نسب أو رضاع أو امرأة ابنه من نسب أو رضاع بلبن ابنه حرمت عليه الصبية أبدا وكان لها عليه
نصف المهر ورجع على التي أرضعتها بنصف صداق مثلها تعمدت إفساد النكاح أو لم تتعمده لأن كل
من أفسد شيئا ضمن قيمة ما أفسد تعمد الفساد أو لم يتعمده وقيمته نصف صداق مثلها لأن ذلك
قيمة ما أفسدت منها مما يلزم زوجها كان أكثر من نصف ما أصدقها أو أقل إن كان أصدقها شيئا أو لم
يسم لها صداقا لأن ذلك أقل ما كان وجب لها عليه بكل حال إذا لم يكن هو طلقها قبل ان يسمى لها
شيئا (قال الشافعي) وإنما منعني ان ألزمه مهرها كله ان الفرقة إذا وقعت بإرضاعها ففساد نكاحها غير
جناية إلا بمعنى إفساد النكاح وإفساد النكاح كان بالرضاع الذي كان قبل نكاحه جائزا لها وبعد
نكاحه إلا بمعنى أن يكون فسادا عليه فلما كان فسادا عليه ألزمتها ما كان لازما للزوج في أصل النكاح
وذلك نصف مهر مثلها وإنما منعني أن ألزمها نصف المهر الذي لزمه بتسميته أنه شئ حابى به في ماله
وإنما يغرم له إذا أفسد عليه ثمن ما استهلك عليه مما لزمه ولا أزيد عليها في ذلك شيئا على ما لزمه كما لو
اشترى سلعة بمائة استهلكها وقيمتها خمسون لم يغرم مائة. وإنما منعني أن أغرمها الأقل من نصف مهر
مثلها أو ما سمى لها أن أباها لو حاباه في صداقها كان عليه نصف مهر مثلها فلم أغرمها إلا ما يلزمه أو
أقل منه إن كان قيمة نصف مهر مثلها أقل مما أصدقها وإنما منعني من أن أسقط عنها العزم وإن كان لم
يفرض لها صداقا أنه كان حقا لها عليه مثل نصف مهر مثلها إن طلقها ولانى لا أجيز لأبيها المحاباة في
صداقها فإنما أغرمتها ما لزمه بكل حال وأبطلت عنها محاباته كهبته وإنما يكون للمرأة المتعة إذا طلقت
ولم يسم لها إذا كانت تملك مالها كما يكون العفو لها فأما الصبية فلا تملك ما لها ولا يكون لأبيها المحاباة في
مالها (قال الشافعي) ولو تزوج امرأة فلم يصبها حتى تزوج عليها صبية ترضع فأرضعتها حرمت عليه المرأة
الام بكل حال لأنها من أمهات نسائه ولا نصف مهر ولا متعة لها لأنها أفسدت نكاح نفسها ويفسد
نكاح الصبية بلا طلاق لأنها صارت في ملكه وأمها معها ولان التي أرضعتها لم تصر أمها وهذه ابنتها
إلا في وقت فكانتا في هذا الموضع كمن ابتدأ نكاح امرأة وابنتها فلها نصف المهر بفساد النكاح فيرجع
على امرأته التي أرضعتها بنصف مهر مثلها (قال الشافعي) ولو كان نكح صبيتين فأرضعتهما امرأته
الرضعة الخامسة جميعا معا فسد نكاح الام كما وصفت ونكاح الصبيتين معا ولكل واحدة منهما نصف
المهر الذي سمى لها ويرجع على امرأته بمثل نصف مهر كل واحدة منهما، فإن لم يكن سمى لهما مهرا كان
لكل واحدة منهما نصف مهر مثلها وتحل له كل واحدة منهما على الانفراد لأنهما ابنتا امرأة لم يدخل
بها، ولو كانت له ثلاث زوجات صبايا فأرضعت اثنتين الرضعة الخامسة معا ثم أزالت الواحدة
فأرضعت الثالثة لم تحرم الثالثة وحرمت الاثنتان اللتان أرضعتا الخامسة معا لأن الثالثة لم ترضع إلا
بعدما حرمت هاتان وحرمت الام عليه فكانت الثالثة غير أخت للمرأتين إلا بعد ما حرمتا عليه وغير
مرضعة الرضعة الخامسة من الام إلا بعدما بانت الام منه ولو أرضعت إحداهن الرضعة الخامسة. ثم
34

أرضعت الأخريين الرضعة الخامسة حرمت عليه الام ساعة أرضعت الأولى الرضعة الخامسة لأنها
صارت من أمهات نسائه والمرضعتان الرضعة الخامسة معا اللام ولم تكن أما إلا والابنة معقود عليها
نكاح الرجال في وقت واحد والاثنتان أختان فينفسخ نكاحهما معا وحرمت الاثنتان بعد حين صارتا
أختين معا ويخطب كل واحدة منها على الانفراد وإن أرضعت الأخريين بعد متفرقين لم تحرما عليه معا
لأنها لم ترضع واحدة منهما إلا بعد ما بانت منه هي والأولى ولكن ثبتت عقدة التي أرضعتها بعدما بانت
الأولى ويسقط نكاح التي أرضعت بعدها لأنها أخت امرأته فكانت كامرأة نكحت على أختها (قال
الربيع) وفيه قول آخر أنها إذا أرضعت الرابعة خمس رضعات فقد أكملت الثالثة والرابعة خمس
رضعات وبهن حرمت الرابعة فكأنه جامع بين الأختين من الرضاعة فينفسخن معا ويتزوج من شاء
منهن (قال الشافعي) ولو أرضعت واحدة خمس رضعات ثم أرضعت الأخريين خمسا معا حرمت
عليه الام بكل حال وانفسخ عليه نكاح البنت الأولى مع الام وحرمت الاخريان لأنهما صارتا أختين
في وقت معا (قال الشافعي) ولو كن ثلاثا صغارا وواحدة لم يدخل بها وله بنات مراضع فأرضعت
البنات الصغار واحدة بعد أخرى فسد نكاح الام ولم يحل بحال ولها نصف المهر ويرجع الزوج على التي
أكملت أولا خمس رضعات لأي نسائه أكملت بنصف مهر مثلها ونصف مهر مثل أمها فإن كن
أكملن إرضاعهن معا انفسخ نكاحهن معا ويرجع على كل واحدة منهن بنصف مهر التي أرضعت
(قال الشافعي) ولو أنت واحدة فأكملت رضاعها خمسا قبل تبين فسخ نكاح التي أكملت رضاعها
أولا ولا ينفسخ نكاح التي أكملت رضاعها بعدها لأنها لم ترضع حتى بانت أمها وأختها منه ثم يفسخ
النكاح التي أكملت رضاعها بعدها، لأنها صارت أخت امرأة له ثابتة النكاح فكانت كالأخت
المنكوحة على أختها (قال الشافعي) وكذلك بناتها من الرضاعة وبنات بناتها كلهن يحرم من رضاعهن
كما يحرم من رضاعها (قال الشافعي) ولو كان دخل بامرأته وكانت أرضعتهن أو أرضعهن ولدها كان
لها المهر بالمسيس وحرمت عليه التي أرضعتها وأرضعها ولدها وسواء كانت أرضعت الاثنين معا أو
أرضعتهن ثلاثتهن معا أو متفرقات يفسد نكاحهن على الأبد لأنهن بنات امرأة فدخل بها وكذلك كل
من أرضعته تلك المرأة وولدها (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها ولم يدخل بامرأته فأرضعتهن أم
امرأته أو جدتها أو أختها أو بنت أختها كان القول كالقول في بناتها إذا أرضعتهن هن ولم ترضع هي
يفسد نكاحها ويكون لها نصف مهر مثلها إذا لم يكن دخل بها ويرجع به على التي أكملت أولا من
نسائه خمس رضعات لأنها صيرتها أم امرأته فيفسد نكاح التي أرضعت أولا وامرأته الكبيرة معا ويرجع
بنصف مهر مثل التي فسد نكاحها وإن أرضعن معا فسد نكاحهن كلهن ويرجع بأنصاف مهورهن ولا
تخالف المسألة قبلها إلا في خصلة أن زوجاته الصغار لا يحرمن عليه في كل حال وله أن يبتدئ نكاح
أيتهن شاء على الانفراد لأن الذي حرمن به أو حرم منهن إنما كن أخوات امرأته من الرضاعة أو بنات
أختها أو أختها فحرم أن يجمع بينهن ولا يحرمن على الانفراد (قال الشافعي) ولو كان دخل بها حرم
نكاح من أرضعته أمهاتها بكل حال ولم يحرم نكاح من أرضعته أخواتها وبنات أختها بكل حال وكان
له أن يتزوج الآتي أرضعته أخواتها إن شاء على الانفراد ويفسخ نكاح الأولى منهن وامرأته معا ولا
يفسد نكاح اللاتي بعدها لأنهن أرضعن بعدما بانت امرأته فلم يكن جامعا بينهن وبين عمة لهن ولا
خالة إلا أن ترضع منهن امرأة واحدة أو اثنتين معا فيفسد نكاحهما بأنهما أختان (قال الشافعي) وإذا
أرضعت أجنبية امرأته الصغيرة لم يفسد نكاح امرأته وحرمت الأجنبية عليه أبدا لأنها من أمهات نسائه
35

وحرم عليه أن يجمع بين أحد من بناتها بنسب أو رضاع وبين امرأته التي أرضعت (قال الشافعي) وإذا
تزوج الرجل صبية ثم تزوج عليها عمتها وأصاب العمة فرقت بينهما ولها مهر مثلها فإن أرضعت أم العمة
الصبية لم أفرق بينه وبين الصبية والعمة ذات محرم لها قبل النكاح وبعده وإنما يحرم أن يجمع بينهما فإما
إحداهما بعد الأخرى فلا يحرم والله أعلم.
باب الشهادة والاقرار بالرضاع
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لم أعلم أحدا ممن ينسبه العامة إلى العلم مخالفا في أن شهادة
النساء تجوز فيما لا يحل للرحال غير ذوي المحارم أن يتعمدوا أن يروه لغير شهادة وقالوا ذلك في ولادة
المرأة وعيبها الذي تحت ثيابها والرضاعة عندي مثله لا يحل لغير ذي مخرم أو زوج أن يعمد أن ينظر إلى
ثديها ولا يمكنه أن يشهد على رضاعها بغير رؤية ثديها لأنه لو رأى صبيا يرضع وثديها مغطى أمكن أن
يكون يرضع من وطب عمل كخلقة الثدي وله طرف كطرف الثدي ثم أدخل في كمها فتجوز شهادة
النساء في الرضاع كما تجوز شهادتهن في الولادة، ولو رأى ذلك رجلان عدلان أو رجل وامرأتان
جازت شهادتهم في ذلك ولا تجوز شهادة النساء في الموضع الذي ينفردن فيه إلا بأن يكن حرائر
عدولا بوالغ ويكن أربعا لأن الله عز وجل إذا أجاز شهادتهن في الدين جعل امرأتين تقومان مقام رجل
بعينه، قول أكثر من لقيت من أهل الفتيا أن شهادة الرجلين تامة في كل شئ ما عدا الزنا فامرأتان
أبدا تقومان مقام رجل إذا جازتا (قال الشافعي) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء قال لا يجوز من
النساء أقل من أربع (قال الشافعي) فإذا شهد أربع نسوة أن امرأة أرضعت امرأة خمس رضعات
وأرضعت زوجها خمسا أو أقر زوجها بأنها أرضعته خمسا فرق بين وبين امرأته، فإن أصابها فلها مهر
مثلها وإن لم يصبها فلا نصف مهر لها ولا متعة (قال الشافعي) وكذلك إن كان في النسوة أخوات المرأة
وعماتها وخالاتها لأنها لا يرد لها إلا شهادة ولد أو والد (قال الشافعي) وإن كانت المرأة تنكر الرضاع
فكانت فيهن ابنتها وأمها جزن عليها أنكره الزوج أو ادعاه وإن كانت المرأة تنكر الرضاع والزوج
ينكر أو لا ينكر فلا يجوز فيه أمها ولا أمهاتها ولا ابنتها ولا بناتها وسواء هذا قبل عقدة النكاح وبعد
عقدته قبل الدخول وبعده لا يختلف لا يفرق فيه بين المرأة والزوج إلا بشهادة أربع ممن تجوز شهادته
عليه ليس فيهن عدو للمشهود عليه أو غير عدل (قال الشافعي) ويجوز في ذلك شهادة التي أرضعت
لأنه ليس لها في ذلك ولا عليها شئ ترد به شهادتها وكذلك تجوز شهادة ولدها وأمهاتها ويوقفن حتى
يشهدن أن قد أرضع المولود خمس رضعات تخلص كلهن إلى جوفه أو يخلص من كل واحدة منهن
شئ إلى جوفه وتسعهن الشهادة على هذه لأنه يستدرك في الشهادة فيه أبدا أكثر من رؤيتهن الرضاع
وعلمهن وصوله بما يرين من ظاهر الرضاع (قال الشافعي) وإذا أرضع الصبي ثم قاء فهو كرضاعه
واستمساكه (قال الشافعي) وإذا لم تكمل في الرضاع شهادة أربع نسوة أحببت له فراقها إن كان

(1) قوله: وإن كانت المرأة تنكر الرضاع الخ كذا في النسخ وهو عين الصورة التي قبلها، فلعل " لا " سقطت
من الناسخ، تأمل. كتبه مصححه.
36

نكحها وترك نكاحها إن لم يكن نكحها للورع فإنه أن يدع ماله نكاحه خير من ينكح ما يحرم عليه
(قال الشافعي) ولو نكحها لم أفرق بينهما إلا بما أقطع به الشهادة على الرضاع، فإن قال قائل فهل في
هذا من خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قيل: نعم أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج
قال أخبرني ابن أبي مليكه أن عقبة بن الحرث أخبره أنه نكح أم يحيى بنت أبي أهاب فقالت أمة
سوداء قد أرضعتكما قال فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأعرض فتنحيت
فذكرت ذلك له فقال وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما (قال الشافعي) إعراضه عليه الصلاة والسلام
يشبه أن يكون لم ير هذا شهادة تلزمه، وقوله وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما؟ يشبه أن يكون كره له
أن يقيم معها وقد قيل إنها أخته من الرضاعة وهذا معنى ما قلنا من أن يتركها ورعا لا حكما.
الاقرار بالرضاع
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أقر رجل أن امرأة أمه من الرضاعة أو ابنته من الرضاعة ولم
ينكح واحدة منهما وقد ولدت المرأة يزعم أنها أمه أو كان لها لبن يعرف للمرضع مثله وكان لها سن
يحتمل أن يرضع مثلها مثله لو ولد له وكانت له سن تحتمل أن ترضع امرأته أو أمته أو أمته التي ولدت
منه مثل الذي أقر أنها ابنته لم تحلل له واحدة منهما أبدا في الحكم ولا من بناتهما، ولو قال مكانه
غلطت أو وهمت لم يقبل منه لأنه قد أقر أنهما ذواتا محرم منه قبل يلزمه لهما أو يلزمهما له شئ. وكذلك لو
كانت هي المقرة بذلك وهو يكذبها ثم قالت غلطت لأنها أقرت به في حال لا يدفع بها عن نفسه ولا
يجر إليها ولا تلزمه ولا نفسها بإقرارها شيئا (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها غير أن لم تلد التي أقر
أنها أرضعته أو ولدت وهي أصغر مولودا منه فكان مثلها لا يرضع لمثله بحال أو كانت التي ذكر أنها ابنته
من الرضاعة مثله في السن أو أكبر منه أو قريبا منه لا يحتمل مثله أن تكون ابنته من الرضاعة كان قوله
وقولها في هذه الأحوال باطلا ولم يحرم عليه أن ينكح واحدة منهما ولا ولدا لهما إنما تقبل دعواه ويلزمه
إقراره فيما يمكن مثله وسواء في ذلك كذبته المرأة أو صدقته أو كانت المدعية دونه: ألا ترى أنه لو قال
لرجل أكبر منه هذا ابني وصدقه الرجل لم يكن ابنه أبدا. وكذلك لو قال رجل هو أصغر منه هذا أبى
وصدقه الرجل ولا نسب لواحد منهما يعرف لم يكن أباه إنما أقبل من هذا ما يمكن مثله ولو
كانت المسألة في دعواها بحالها فقال هذه أختي من الرضاعة أو قالت هذا أخي من الرضاعة قبل أن
يتزوجها وكذبته أو صدقته أو كذبها في الدعوى أو صدقها كان سواء كله ولا يحل لواحد منهما أن ينكح
الآخر ولا واحدا من ولده في الحكم ويحل فيما بينه وبين الله تعالى إن علما أنهما كاذبان أن يتناكحا أو
ولدهما ولو أقر أنها أخته من الرضاعة من امرأة لم يسمها قبلت ذلك منه ولم أنظر إلى سنه وسنها لأنه قد
يكون أكبر منها وتعيش التي أرضعته حتى ترضعها بلبن ولد غير الولد الذي أرضعته به وكذلك إن كانت
أكبر منه (قال الشافعي) وإن سمى امرأة أرضعته فقال أرضعتني وإياها فلانه فكان لا يمكن بحال أن
ترضعه أولا يمكن بحال أن ترضعها لما وصفت من تفاوت السنين أو موت التي زعم أنها أرضعتهما قبل
يولد أحدهما كان إقراره باطلا كالقول في المسائل قبل هذا إنما ألزمه إقراره وإقرارها فيما يمكن مثله ولا
ألزمهما فيما لا يمكن مثله إذا كان إقرارهما لا يلزم واحدا منهما لصاحبه شيئا (قال الشافعي) ولو كان ملك
عقدة نكاحها ولم يدخل بها حتى أقر أنها ابنته أو أخته أو أمه وذلك يمكن فيها وفيه سألتها فإن صدقته
37

فرقت بينهما ولم أجعل لها مهرا ولا متعة وإن كذبته أو كانت صبية فأكذبه أو بها أو أقر بدعواه فسواء لأنه
ليس له أن يبطل حقها وفرق بينهما بكل حال وأجعل لها عليه نصف المهر الذي سمى لها لأنه إنما أقر
بأنها محرم منه بعدما لزمه لها المهر إن دخل ونصفه إن طلق قبل أن يدخل فأقبل إقراره فيما يفسده على
نفسه وأرده فيما يطرح به حقها الذي يلزمه (قال الشافعي) وإن أراد إحلافها وكانت بالغة أحلفتها له ما
هي أخته من الرضاعة فإن حلفت كان لها نصف المهر وإن نكلت حلف على أنها أخته من الرضاعة
وسقط عنه نصف المهر وإن نكل لزمه نصف المهر (قال الشافعي) وإن كانت صبية أو معتوهة فلا يمين
عليها وآخذه لها بنصف المهر الذي سمى لها فإذا كبرت الصبية أحلفتها له إن شاء (قال الشافعي) ولو كان
لم يفرض لها وكانت صبية أو محجورا عليها كان لها نصف صداق مثلها لأنه ليس لوليها أن يزوجها بغير
صداق وإن كانت بالغة غير محجور عليها فزوجت برضاها بلا مهر فلا مهر لها ولها المتعة (قال الشافعي)
ولو كانت هي المدعية لذلك أفتيته بأن يتقى الله عز وجل ويدع نكاحها بتطليقة يوقعها عليها لتحل بها
لغيره إن كانت كاذبة ولا يضره إن كانت صادقة ولا أجبره في الحكم على أن يطلقها لأنه قد لزمها
نكاحه فلا أصدقها على إفساده وأحلفه لها على دعواها ما هي أخته من الرضاعة فإن حلف أثبت
النكاح وإن نكل أحلفتها فإن حلفت فسخت النكاح ولا شئ لها وإن لم تحلف فهي امرأته بحالها (قال
الشافعي) وهذا إذا لم يقم واحد منهما أربع نسوة إ لا رجلين ولا رجلا وامرأتين على ما ادعى فإن أقاما
على ذلك من تجوز شهادته فلا ايمان بينهما والنكاح مفسوخ إذا شهد النسوة على رضاع أو الرجال فإن
شهد على إقرار الرجل أو المرأة بالرضاع أربع نسوة لم تجز شهادتين لأن هذا مما يشهد عليه الرجال وإنما
تجوز شهادة النساء منفردات فيما لا ينبغي للرجال أن يعمدوا النظر إليه لغير الشهادة (قال الشافعي)
وإن كان هذا بعد إصابته إياها وكان هو المقر فإن كذبته فلها المهر الذي سمى لها وإن صدقته فلها مهر
مثلها كان أكثر أو أقل من المهر الذي سمى لها وإن كانت هي المدعية أنها أخته لم تصدق إلا أن يصدقها
فيكون لها مهر مثلها
الرجل يرضع من ثديه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا أحسبه ينزل للرجل لبن فإن نزل له لبن فأرضع به مولودة
كرهت له نكاحها ولولده فإن نكحها لم أفسخه لأن الله تعالى ذكر رضاع الوالدات والوالدات إناث
والوالدون غير الوالدات وذكر الوالد بأن عليه مؤنة الرضاع فقال عز وجل (وعلى المولود له رزقهن
وكسوتهن بالمعروف) (قال الشافعي) فلم يجز أن يكون حكم الاباء حكم الأمهات ولا حكم الأمهات
حكم الآباء وقد فرق الله عز وجل بين أحكامهم.
رضاع الخنثى
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أصل ما ذهب إليه في الخنثى أنه إذا كان الأغلب عليه أنه
رجل نكح امرأة ولم ينزل فنكحه رجل فإذا نزل له لبن فأرضع به صبيا لم يكن رضاعا يحرم وهو مثل
لبن الرجل لأني قد حكمت له أنه رجل وإذا كان الأغلب عليه أنه امرأة فنزل له لبن من نكاح وغيره
38

نكاح فأرضع به صبيا حرم كما تحرم المرأة إذا أرضعت (قال الشافعي) فإذا كان مشكلا فله أن ينكح
بأيهما شاء فأيهما نكح به لم أجز له غيره ولم أجعله ينكح بالآخر.
باب التعريض بالخطبة
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله عز وجل (ولا جناح عليك فيما عرضتم به
من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم) الآية (قال الشافعي) وبلوغ الكتاب أجله والله تعالى أعلم
انقضاء العدة قال فبين في كتاب الله تعالى أن الله فرق في الحكم بين خلقه بين أسباب الأمور
وعقد الأمور وبين إذ فرق الله تعالى ذكره بينهما أن ليس لأحد الجمع بينهما وأن لا يفسد أمر بفساد
السبب إذا كان عقد الامر صحيحا ولا بالنية في الامر ولا تفسد الأمور إلا بفساد إن كان في عقدها لا
بغيره ألا ترى أن الله حرم أن يعقد النكاح حتى تنقضي العدة ولم يحرم التعريض بالخطبة في العدة ولا
أن يذكرها وينوى نكاحها بالخطبة لها والذكر لها والنية في نكاحها سبب النكاح وبهذا أجزنا الأمور
بعقدها إن كان جائزا ورددناها به إن كان مردودا ولم نستعمل أسباب الأمور في الأحكام بحال فأجزنا
أن ينكح الرجل المرأة لا ينوى حبسها إلا يوما ولا تنوى هي إلا هو وكذلك لو توطأ على ذلك إذا لم
يكن في شرط النكاح وكذلك قلنا في الطلاق إذا قال هلا: اعتدى لم يكن طلاقا إلا بنية طلاق كان
ذلك من قبل غضب أو بعده وإذ أذن الله عز وجل في التعريض بالخطبة في العدة فبين أنه خطر
التصريح فيها وخالف بين حكم التعريض والتصريح وبذلك قلنا لا تجعل التعريض أبدا يقوم مقام
التصريح في شئ من الحكم إلا أن يريد المعرض التصريح وجعلناه فيما يشبه الطلاق من النية وغيره
فقلنا لا يكون طلاقا إلا بإرادته وقلنا لا نجد أحدا في تعريض إلا بإرادة التصريح بالقذف (قال
الشافعي) قول الله تبارك وتعالى (ولكن لا تواعدوهن سرا) يعنى والله تعالى أعلم جماعا (إلا أن تقولوا
قولا معروفا) قولا حسنا لا فحش فيه (قال الشافعي) وذلك أن يقول: رضيتك إن عندي لجماعا حسنا
يرضى من جو معه فكان هذا وإن كان تعريضا منهيا عنه لقبحه وما عرض به مما سوى هذا مما يفهم
المرأة به أنه يريد نكاحها فجائز له وكذلك التعريض بالإجابة له جائز لها لا يحظر عليها من التعريض
شئ يباح له ولا عليه شئ يباح لها وإن صرح لها بالخطبة وصرحت له بالإجابة أو لم تصرح ولم يعقد
النكاح في الحالين حتى تنقضي العدة فالنكاح ثابت والتصريح لهما معا مكروه ولا يفسد النكاح بالسبب
غير المباح من التصريح لأن النكاح حادث بعد الخطبة ليس بالخطبة ألا ترى أن امرأة مستخفة لو
قالت لا أنكح رجلا حتى أراه متجردا أو حتى أخبره بالفاحشة فأرضاه في الحالين فتجرد لها أو
أتى منها محرما ثم نكحته بعد ما كان النكاح جائزا وما فعلاه قبله محرما لم يفسد النكاح بسبب المحرم لأن
النكاح حادث بعد سببه والنكاح غير سببه، وهذا مما وصفت من أن الأشياء إنما تحل وتحرم بعقدها لا
بأسبابها، قال والتعريض الذي أباح الله ما عدا التصريح من قول. وذلك أن يقول رب متطلع إليك
وراغب فيك وحريص عليك وإنك لبحيث تحبين وما عليك أيمة وإني عليك لحريص وفيك راغب.
وما كان في هذا المعنى مما خالف التصريح والتصريح أن يقول تزوجيني إذا حللت أو أنا أتزوجك إذا
حللت وما أشبه هذا مما جاوز به التعريض وكان بيانا أنه خطبة لا أنه يحتمل غير الخطبة. قال والعدة
39

التي أذن الله بالتعريض بالخطبة فيها العدة من وفاة الزوج وإذا كانت الوفاة فلا زوج يرجى نكاحه
بحال. ولا أحب أن يعرض الرجل للمرأة في العدة من الطلاق الذي لا يملك فيه المطلق الرجعة
احتياطا. ولا يبين أن لا يجوز ذلك لأنه غير مالك أمرها في عدتها كما هو غير مالكها إذا حلت من
عدتها فأما المرأة يملك زوجها فلا يجوز لاحد أن يعرض لها بالخطبة في العدة لأنها في كثير من
معاني الأزواج وقد يخاف إذا عرض لها من ترغب فيه بالخطبة أن تدعى بأن عدتها حلت وإن لم تحل
وما قلت فيه لا يجوز التعريض بالخطبة أو لا يجوز التصريح بالخطبة فحلت العدة ثم نكحت المرأة
فالنكاح ثابت بما وصفت.
الكلام الذي ينعقد به النكاح وما لا ينعقد
قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) وقال تعالى (وخلق
منها زوجها) وقال (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) وقال (والذين يرمون أزواجهم) وقال (فإن طلقها
فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وقال (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن
يستنكحها) وقال (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن) وقال (إلا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء)
(قال الشافعي) فسمى الله تبارك وتعالى النكاح اسمين النكاح والتزويج وقال عز وجل (وامرأة مؤمنة إن
وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي) الآية فأبان جل ثناؤه أن الهبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون
المؤمنين والهبة والله تعالى أعلم تجمع أن ينعقد له عليها عقدة النكاح بأن تهب نفسها له بلا مهر
وفي هذا دلالة على أن لا يجوز نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج ولا يقع بكلام غيرهما وإن كانت معه
نية التزويج وأنه مخالف للطلاق الذي يقع بما يشبه الطلاق من الكلام مع نية الطلاق وذلك أن المرأة
قبل أن تزوج محرمة الفرج فلا تحل إلا بما سمى الله عز وجل أنها تحل به لا بغيره وأن المرأة المنكوحة تحرم
بما حرمها به زوجها مما ذكر الله تبارك اسمه في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وقد دلت سنة
النبي صلى الله عليه وسلم على أن الطلاق يقع بما يشبه الطلاق إذا أراد به الزوج الطلاق ولم يجز في
الكتاب ولا السنة إحلال نكاح إلا باسم نكاح أو تزويج فإذا قال سيد الأمة وأبو البكر أو الثيب أو وليها
للرجل قد وهبتها لك أو أحللتها لك أو تصدقت بها عليك أو أبحت لك فرجها أو ملكتك فرجها أو
صيرتها من نسائك أو صيرتها امرأتك أو أعمرتكها أو أجرتكها حياتك أو ملكتك بضعها أو ما أشبه هذا
أو قالته المرأة مع الولي وقبله المخاطب به لنفسه أو قال قد تزوجتها فلا نكاح بينهما ولا نكاح أبدا إلا بأن
يقول قد زوجتكها أو أنكحتكها ويقول الزوج قد قبلت نكاحها أو قبلت تزويجها أو يقول الخاطب
زوجنيها أو أنكحنيها فيقول الولي قد زوجتكها أو أنكحتكها ويسميانها معا باسمها ونسبها ولو قال جئتك
خاطبا لفلانة فقال قد زوجتكها لم يكن نكاحا حتى يقول قد قبلت تزويجها ولو قال جئتك خاطبا
لفلانة فزوجينها فقال قد زوجتكها ثبت النكاح ولم أحتج إلى أن يقول قد قبلت تزويجها ولا نكاحها
وهكذا لو قال الولي قد زوجتك فلانة فقال الزوج قد قبلت ولم يقل تزويجها لم يكن نكاحا حتى يقول
قد قبلت تزويجها ولو قال الخاطب زوجني فلانة فقال الولي قد فعلت أو قد أجبتك إلى ما طلبت أو
ملكتك ما طلبت لم يكن نكاحا حتى يقول قد زوجتكها أو أنكحتكها فإن قال زوجني فلانة فقال قد
ملكتك نكاحها أو ملكتك بضعها أو جعلت بيدك أمرها لم يكن نكاحا حتى يتكلم
40

بزوجتكها أو أنكحتكها ويتكلم الخاطب بأنكحنيها أو زوجنيها فإذا اجتمع هذا انعقد النكاح وهكذا
بكون نكاح الصغار والإماء لا ينعقد عليهن النكاح من قول ولا تهن إلا بما ينعقد به على البالغين ولهم إذا
تكلما جميعا بإيجاب النكاح مطلقا جاز وإن كان في عقدة النكاح مثنوية ولم يجز ولا يجوز في النكاح
خيار بحال وذلك أن يقول قد زوجتكها إن رضى فلان أو زوجتكها على أنك بالخيار في مجلسك أو في
يومك أو أكثر من يوم أو على أنها بالخيار أو زوجتكها إن اتيت بكذا أو فعلت كذا ففعله فلا يكون
شئ من هذا تزويجا ولا ما أشبهه حتى يزوجه تزويجا صحيحا مطلقا لا مثنوية فيه
ما يجوز وما لا يجوز في النكاح
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يكون التزويج إلا لامرأة بعينها ورجل بعينه وينعقد النكاح
من ساعته لا يتأخر بشرط ولا غيره ويكون مطلقا لو أن رجلا له ابنتان خطب إليه رجل فقال زوجني
ابنتك فقال قد زوجتكها فتصادق الأب والبنت والزوج على أنهما لا يعرفان البنت التي زوجه إياها
وقال الأب للزوج أيتهما شئت فهي التي زوجتك أو قال الزوج للأب أيتهما شئت فهي التي زوجتني لم يكن هذا نكاحا ولو قال زوجني أي ابنتك شئت فزوجه على هذا لم يكن هذا نكاحا وهكذا لو قال
زوج ابني وله ابنان فزوجه لم يكن هذا نكاحا ولو قال زوجني ابنتك فلانة غدا أو إذا جئتك أو إذا
دخلت الدار أو إذا فعلت أو فعلت كذا فقال قد زوجتكها على ما شرطت ففعل ما شرط لم يكن نكاحا
إذا تكلما بالنكاح معا فلم يكن منعقدا بعد مدة ولا شرط. ولو قال زوجني حبل امرأتك
فزوجه إياه فكان جارية لم يكن نكاحا وهكذا لو قال زوجين ما ولدت امرأتك فكانت في البلد معهما
أو غائبة عنهما فتصادقا على أنهما حين انعقدت عقدة النكاح لا يعلمان أو لدت امرأته جارية أو غلاما
قال وهكذا لو تصادقا أنهما قد علما أنها قد ولت جاريتين ولم يسم أيتهما زوج بعينها ومتى تكلما بنكاح
امرأة بعينها جاز النكاح وذلك أن يزوجه ابنته فلانة وليست له ابنة يقال لها فلانة إلا واحدة وأحب إلى
أن يقدم المرء بين يدي خطبته وكل أمر طلبه سوى الخطبة حمد الله عز وجل والثناء عليه والصلاة على
رسوله صلى الله عليه وسلم والوصية بتقوى الله تعالى ثم يخطب وأحب إلى للخاطب أن يفعل ذلك ثم
يزوج ويزيد الخاطب (أنكحتك على ما أمر الله تعالى به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وإن
لم يزد على عقدة النكاح جاز النكاح. أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة ان
ابن عمر كان إذا أنكح قال (أنكحتك على ما أمر الله تعالى على إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).
نهى الرجل أن يخطب على خطبة أخيه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي الزناد ومحمد
ابن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يخطب
أحدكم على خطبة أخيه) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان ابن عيينة عن الزهري
قال أخبرني ابن المسيب عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يخطب أحدكم على
41

خطبة أخيه) (قال الشافعي) أخبرنا محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب عن مسلم الخياط عن ابن عمر
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك (قال
الشافعي) فكان الظاهر من هذه الأحاديث أن من خطب امرأة لم يكن لاحد أن يخطبها حتى يأذن
الخاطب أو يدع الخطبة وكانت محتملة لأن يكون نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخطب الرجل
على خطبة أخيه في حال دون حال فوجدنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أنه صلى الله عليه
وسلم إنما نهى عنها في حال دون حال (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود
ابن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها فبتها فأمرها النبي
صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت أم مكتوم وقال (فإذا حللت فآذنيني) فلما حللت أخبرته أن أبا جهم
ومعاوية خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه. وأما
معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة) فكرهته فقال (انكحي أسامة) فنكحته (فجعل الله تعالى
فيه خيرا واغتبطت به) (قال الشافعي) فكان بينا أن الحال التي خطب فيها رسول الله صلى الله عليه
وسلم فاطمة على أسامة غير الحال التي نهى عن الخطبة ولم يكن للمخطوبة حالان مختلفي الحكم إلا
بأن تأذن المخطوبة بإنكاح رجل بعينه فيكون للولي أن يزوجها جاز النكاح عليها ولا يكون لاحد أن
يخطبها في هذه الحال حتى يأذن الخاطب أو يترك خطبتها وهذا بين في حديث ابن أبي ذئب. وقد
أعلمت فاطمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبا جهم ومعاوية خطباها ولا أشك إن شاء الله
تعالى أن خطبة أحدهما بعد خطبة الآخر فلم ينههما ولا واحد منهما ولم نعلمه أنها أذنت في واحد
منهما فخطبها على أسامة ولم يكن ليخطبها في الحال التي نهى فيها عن الخطبة ولم أعلمه نهى معاوية ولا
أبا جهم عما صنعا والأغلب أن أحدهما خطبها بعد الآخر فإذا أذنت المخطوبة في انكاح رجل بعينه لم
يجز خطبتها في تلك الحال وإذن الثيب الكلام والبكر الصمت وإن أذنت بكلام فهو إذن أكثر من
الصمت قال وإذا قالت المرأة لوليها زوجني من رأيت فلا بأس أن تخطب في هذه الحال لأنها لم تأذن
في أحد بعينه فإذا أومرت في رجل فأذنت فيه لم يجز أن تخطب وإذا وعد الولي رجلا أن يزوجه بعد
رضا المرأة لم يجز أن تخطب في هذه الحال فإن وعده ولم ترض المرأة فلا بأس أن تخطب إذا كانت
المرأة ممن لا يجوز أن تزوج إلا بأمرها وأمر البكر إلى أبيها والأمة إلى سيدها فإذا وعد أبو البكر أو سيد
الأمة رجلا أن يزوجه فلا بجوز لاحد ان يخطبها ومن قلت له لا يجوز له أن يخطبها فإنما أقوله إذا علم
أنها خطبت وأذنت وإذا خطب الرجل في الحال التي نهى أن يخطب فيها عالما فهي معصية يستغفر
الله تعالى منها وإن تزوجته بتلك الخطبة فالنكاح ثابت لأن النكاح حادث بعد الخطبة وهو مما وصفت
من أن الفساد إنما يكون بالعقد لا بشئ تقدمه وإن كان سببا له لأن الأسباب غير الحوادث بعدها.
نكاح العنين والخصي والمجبوب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولم أحفظ عن مفت لقيته خلافا في أن تؤجل امرأة العنين سنة
فإن أصابها وإلا خيرت في المقام معه أو فراقه ومن قال هذا قال إذا نكح الرجل المرأة فكان يصيب
غيرها ولا يصيبها فلم ترتفع إلى السلطان فهما على النكاح وإذا ارتفعت إلى السلطان فسألت فرقته أجله
42

السلطان من يوم يرتفعان إليه سنة فإن أصابها مرة واحدة فهي امرأته وإن لم يصبها خيرها السلطان فإن
شاءت فرقته فسخ نكاحها والفرقة فسخ بلا طلاق لأنه يجعل فسخ العقدة إليها دونه وإن شاءت المقام
معه أقامت معه ثم لم يكن لها أن يخيرها بعد مقامها معه وذلك أن اختيارها المقام معه ترك لحقها في
فرقته في مثل الحال التي تطلبها فيها وإن اختارت المقام معه بعد حكم السلطان بتأجيله وتخييرها بعد
السنة ثم فارقها ومضت عدتها ثم نكحها جديدا فسألت أن يؤجل لها أجل وإن علمت قبل أن
تنكحه أنه عنين ثم رضيت نكاحه أو علمته بعد نكاحه ثم رضيت المقام معه ثم سألت أن يؤجل لها
أجل ولا يقطع خيارها في فراقه إلا الأجل واختيارها المقام معه بعد الأجل لأنه لا يعلم أحد من نفسه
أنه عنين حتى يختبر لأن الرجل قد يجامع ثم ينقطع الجماع عنه ثم يجامع وإنما قطعت خيارها أنها تركته
بعد إذ كان لها لا شئ دونه قال ولو نكحها فأجل ثم خيرت فاختارت المقام معه ثم طلقها ثم راجعها
في العدة ثم سألت أن يؤجل لم يكن لها ذلك لأنها عنده بالعقد الذي اختارت المقام معه فيه بعد
الحكم (قال الربيع) يريد إن كان ينزل فيها ماءه فله الرجعة وعليها العدة وإن لم يغيب الحشفة (قال
الشافعي) ولو تركها حتى تنقضي عدتها ثم نكحها نكاحا جديدا ثم سألت أن يؤجل أجل لأن هذا
عقد غير العقد الذي تركت حقها فيه بعد الحكم قال وإذا أصابها مرة في عقد نكاح ثم سألت أن
يؤجل لم يؤجل أبدا لأنه قد أصابها في عقد النكاح وليس كالذي يصيب غيرها ولا يصيبها لأن أداءه
إلى غيرها حقا ليس بأداء إليها ولو أجل العنين فاختلفا في الإصابة فقال أصبتها وقالت لم يصبني فإن
كانت ثيبا فالقول قوله لأنها تريد فسخ نكاحه وعليه اليمين فإن حلف فهي امرأته وإن نكل لم يفرق
بينهما حتى تحلف ما أصابها فإن حلفت خيرت وإن لم تحلف فهي امرأته ولو كانت بكرا أريها أربع نسوة
عدول فإن قلن هي بكر فذلك دليل على صدقها أنه لم يصبها وإن شاء الزوج وحلفت هي ما أصابها ثم
فرق بينهما فإن لم تحلف حلف هو لقد أصابها ثم أقام معها ولم تخير هي وذلك أن العذرة قد تعود فيما زعم
أهل الخبرة بها إذا لم يبالغ في الإصابة وأقل ما يخرجه من أن يؤجل أن يغيب الحشفة في الفرج
وذلك يحصنها ويحللها للزوج لو طلقها ثلاثا ولو أصابها في دبرها فبلغ ما بلغ لم يخرجه ذلك من أن
يؤجل أجل العنين لأن تلك غير الإصابة المعروفة حيث تحل ولو أصابها حائضا أو محرمة أو صائمة أو هو
محرم أو صائم كان مسيئا فيه ولم يؤجل ولو أجل فجب ذكره أو نكحها مجبوب الذكر خيرت حين تعلم
إن شاءت المقام معه وإن شاءت فارقته ولو أجل خصى ولم يجب ذكره أو نكحها خصى غير مجبوب
الذكر لم تخير حتى يؤجل أجل العنين فإن أصابها فهي امرأته وإلا صنع فيه ما صنع في العنين ولو
نكحها وهو يقول أنا عقيم أو لا يقوله حتى ملك عقدتها ثم أقربه لم يكن لها خيار وذلك أنه لا يعلم أنه
عقيم أبدا حتى يموت لأن ولد الرجل يبطئ شابا ويولد له شيخا وليس له في الولد تخيير إنما التخيير في
فقد الجماع لا الولد ألا ترى أنا لا نؤجل الخصي إذا أصاب والأغلب انه لا يولد له ولو كان خصيا قطع
بعض ذكره وبقى له منه ما يقع موقع ذكر الرجل فلم يصبها أجل أجل العنين ولم تخير قبل أجل العنين
لأن هذا يجامع وإذا كان الخنثى يبول من حيث يبول الرجل فنكح على أنه رجل فالنكاح جائز ولا
خيار للمرأة ويؤجل إن شاءت أجل العنين وإذا كان مشكلا فله أن ينكح بأيهما شاء فإن نكح بأحدهما
لم يكن له أن ينكح بالآخر ويرث ويورث على ما حكمنا له بأن ينكح عليه (قال الربيع) وفيه قول آخر
أنا لا نورثه إلا ميراث امرأة وإن تزوج على أنه رجل لأنه ليس باختياره أن يكون رجلا أعطيه المال
بقوله (قال الشافعي) وليس للمرأة إن استمتع بها زوجها إذا قالت لم يصبني إلا نصف المهر ولا عليها
43

عدة لأنها مفارقة قبل أن تصاب (قال الشافعي) وإذا نكح الرجل الخنثى على أنها امرأة وهي تبول من
حيث تبول المرأة أو مشكلة ولم تنكح بأنها رجل فالنكاح جائز إلا خيار له وإذا نكح الخنثى على أنه
رجل وهو يبول من حيث تبول المرأة أو على أنه امرأة وهو يبول من حيث يبول الرجل فالنكاح مفسوخ
لا يجوز أن ينكح إلا من حيث يبول أو بأن يكون مشكلا فإذا كان مشكلا فله أن ينكح بأيهما شاء
فإذا نكح بواحد لم يكن له أن ينكح بالآخر ويرث ويورث من حيث يبول.
ما يحب من إنكاح العبيد
قال الله تعالى (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ((قال الشافعي) رحمه
الله تعالى فدلت أحكام الله تعالى ثم رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا ملك للأولياء آباء كانوا أو غيرهم
على أياماهم وأياماهم الثيبات قال الله تعالى ذكره (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن
ينكحن أزواجهن) وقال في المعتدات (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن)
الآية وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها) مع ما
سوى ذلك ودل الكتاب والسنة على أن المماليك لمن ملكهم وأنهم لا يملكون من أنفسهم شيئا ولم أعلم
دليلا على إيجاب إنكاح صالحي العبيد والإماء كما وجدت الدلالة على إنكاح الحر إلا مطلقا فأحب إلى
أن ينكح من بلغ من العبيد والإماء ثم صالحوهم خاصة ولا يتبين لي أن يجبر أحد عليه لأن الآية محتملة
أن يكون أريد به الدلالة لا الايجاب.
نكاح العدد ونكاح العبيد
قال الله تبارك وتعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) إلى قوله (أن لا
تعولوا) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فكان بينا في الآية والله تعالى أعلم أن المخاطبين بها الأحرار
لقوله تعالى (فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) لأنه لا يملك إلا الأحرار وقوله (ذلك أدنى أن لا تعولوا)
فإنما يعول من له المال ولا مال للعبيد، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة قال
أخبرني محمد بن عبد الرحمن مولى طلحة وكان ثقة عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن عتبة أن عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه قال: ينكح العبد امرأتين (قال الشافعي) وهذا قول الأكثر من المفتين
بالبلدان ولا يزيد العبد على امرأتين وكذلك كل من لم تكمل فيه الحرية من عبد قد عتق بعضه ومكاتب
ومدبر ومعتق إلى أجل والعبد فيما زاد على اثنتين من النساء مثل الحر فيما زاد على أربع لا يختلفان فإذا
جاوز الحر أربعا فقلت ينفسخ نكاح الأواخر منهن الزوائد على أربع فكذلك ينفسخ نكاح ما زاد العبد
فيه على اثنتين وكل ما خفى أنه أول فما زاد الحر فيه على أربع فأبطلت النكاح أو جمعت العقدة فيه
أكثر من أربع ففسخت نكاحهن كلهن، فكذلك أصنع في العبيد فيما خفى، وجمعت العقدة فيه
أكثر من اثنتين فعل هذا الباب كله قياسه ولا أعلم بين أحد لقيته ولا حكى لي عنه من أهل العلم
اختلافا في أن لا يجوز نكاح العبد إلا بإذن مالكه وسواء كان مالكه ذكرا أو أنثى إذا أذن له مالكه جاز
نكاحه ولا أحتاج إلى أن يعقد مالكه عقدة نكاح ولكنه يعقدها إن شاء لنفسه إذا أذن له وإنما يجوز
44

نكاح العبد بإذن مالكه إذا كان مالكه بالغا غير محجور عليه فأما إذا كان محجورا عليه فلا يجوز للعبد أن
ينكح بحال ولا يجوز لوليه أن يزوجه في قول من قال إن إنكاحه دلالة لا فرض ومن قال إن إنكاحه
فرض فعلى وليه أن يزوجه وإذا كان العبد بين اثنين فأذن له أحدهما بالتزويج فتزوج فالنكاح مفسوخ
ولا يجوز نكاحه حتى يجتمعا على الاذن له به وليس للسيد أن يكره عبده على النكاح فإن فعل فالنكاح
مفسوخ، وكذلك إن زوج عبده بغير إذنه ثم رضى العبد فالنكاح مفسوخ وله أن يزوج أمته بغير إذنها
بكرا كانت أو ثيبا وإذا أذن الرجل لعبده أن ينكح حرة فنكح أمة أو أمة فنكح حرة أو امرأة بعينها
فنكح غيرها أو امرأة من أهل بلد فنكح امرأة من غير أهل ذلك البلد فالنكاح مفسوخ وإن قال له
انكح من شئت فنكح حرة أو أمة نكاحا صحيحا فالنكاح جائز والعبد إذا أذن له سيده يخطب على
نفسه وليس كالمرأة وكذلك المحجور عليه إذا أذن له وليه يخطب على نفسه ولو أذن له في أن ينكح
امرأة أو قال من شئت فنكح التي أذن له بها أو نكح امرأة مع قوله انكح من شئت وأصدقها أكثر من
مهر مثلها كان النكاح ثابتا ولها مهر مثلها لا يزاد عليه ولا يكون لها فسخ النكاح لأن النكاح لا يفسد
من قبل صداق بحال ويتبع العبد بالفضل عن مهر مثلها إذا عتق ولا سبيل لها عليه في حالة رقه لأن
ما له لمالكه ولو كاتب لم يكن عليه سبيل في حال كتابته لأنه ليس بتام الملك على ماله وأن ماله موقوف
حتى يعجز فيرجع إلى سيده أو يعتق فيكون له فإذا عتق كان لها أن تأخذ منه الفضل عن مهر مثلها حتى
تستوفى ما سمى لها ولو كان هذا في حر محجور عليه لم يكن لها اتباعه لأن ردنا أمر المملوك لأن المال لغيره
وأمر المحجور للحجر والمال له (قال الشافعي) ولو أذن الرجل لعبده أن ينكح امرأة ولم يسمها ولا بلدها
فنكح امرأة من غير أهل بلده ثبت النكاح ولم يكن للسيد فسخه وكان له منعه الخروج إلى ذلك البلد
وإذا أذن الرجل لعبده أن ينكح امرأة فالصداق فيما اكتسب العبد ليس للسيد منعه من أن يكتسب
فيعطيها الصداق دونه وكذلك النفقة إذا وجبت نفقة الزوجة وإن كان العبد الذي أذن له سيده
بالنكاح مأذونا له في التجارة فله أن يعطى الصداق مما في يديه من المال وإن كان غير مأذون له
بالتجارة فلسيده ان يأخذ شيئا إن كان في يديه لأنه مال السيد وعليه أن يدعه يكتسب المهر لأن إذنه
له بالنكاح إذن باكتساب المهر ودفعه، وإذا أذن له بالنكاح فله أن يسافر به ويرسله حيث شاء وليس
له إذا كان معه بالمصر أن يمنعه امرأته في الحين الذي لا خدمة له عليه فيه وله أن يمنعه إياها في الحين
الذي له عليه فيه الخدمة وليس في عنق العبد ولا مال السيد من الصداق ولا النفقة شئ إلا أن
يضمنه فيلزمه بالضمان كما يلزم بالضمان على الأجنبيين وإذا أذن الرجل لعبده أن يتزوج امرأة حرة بألف
فتزوجها بألف وضمن السيد لها الألف فالضمان لازم ولها أن تأخذ السيد بضمانه ولا براءة للعبد منها
حتى تستوفيها فإذا باعها السيد زوجها بأمر الزوج أو غير أمره بتلك الألف بعينها قبل أن يدخل بها
فالبيع باطل من قبل أن عقدة البيع وتلك الألف يقعان معا لا يتقدم أحدهما صاحبه فلما كانت لا تملك
العبد أبدا بتلك الألف بعينها لأنها تبطل عنها بأن نكاحها لو ملكت زوجها ينفسخ كان شراؤها له
فاسد فالألف بحالها والعبد عبده وهما على النكاح (قال الربيع) وإذا أذن الرجل لعبده أن يتزوج بألف
درهم فتزوج وضمن السيد الألف ثم طلبت المرأة الألف من السيد قبل أن يدخل بها الزوج فباعها
زوجها بالألف التي هي صداقها فالبيع باطل والنكاح بحاله من قبل. أنها إذا ملكت زوجها انفسخ
نكاحها فإذا انفسخ بطل أن يكون لها صداق وإذا لم يكن لها صداق كان العبد مشترى بلا ثمن فكان
البيع باطلا وكان النكاح بحاله (قال الربيع) وهو قول الشافعي النكاح بحاله.
45

(قال الشافعي) وسواء كان البيع بإذن العبد أو غير إذنه لأنها لا تملكه أبدا بتلك الألف ولا بشئ منها
لأنها تبطل كلها إذا ملكته ولو طلقها العبد قبل أن يدخل بها كان لها نصف الألف ولو كانت المسألة
بحالها فباعها إياه بلا أمر العبد بألف أو أقل أو أكثر كان البيع جائزا وكان العبد لها وعليها الثمن الذي
باعها إياه به وكان النكاح منفسخا من قبلها وقبل السيد الذي ليس له طلاقها، ولو كان باعها إياه بيعا
فاسد كانا على النكاح ولو كانت امرأة العبد أمة فاشترت زوجها بإذن سيدها أو اشتراها زوجها بإذن
سيده كانا على النكاح وكذلك ان وهبت له أو وهب لها أو ملكها أو ملكته بأي وجه ما كان الملك كانا
على النكاح لأن ما ملك كل واحد منهما ملك لسيده لا له، ولو كان بعض الزوج حرا فاشترى امرأته
بإذن الذي له فيه الرق فسد النكاح لأنه يملك منها بقدر ما يملك من نفسه، وإذا أذن الرجل لعبده أن
ينكح من شاء وما شاء من عدد النساء فله أن ينكح حرتين مسلمتين أو كتابيتين أو ذميتين وينكح الحرة
على الأمة والأمة على الحرة ويعقد نكاح أمة وحرة معا وليس له أن ينكح أمة كتابية ولا تحل الأمة
الكتابية لمسلم إلا أن يطأها بملك اليمين، وإذا قال الرجل لعبده قد زوجتك فلا يجوز عليه النكاح إلا
أن يأذن له العبد، وإذا أذن له أن ينكح أو سأله العبد أن ينكحه فقال المولى: قد زوجتك فلانة
بأمرك وادعت ذلك، وقال العبد: لم تزوجنيها فالقول قول العبد مع يمينه وعلى المرأة البينة.
العبد يغر من نفسه والأمة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا خطب العبد امرأة وأعلمها أنه حر فتزوجته ثم علمت أنه
عبد فلها ولأوليائها الخيار في المقام معه أو فراقه فإن اختارت فراقه قبل الدخول فلا مهر لها ولا متعة وهو
فسخ بغير طلاق وإن اختارته بعد الدخول فلها مهر مثلها وإن خطبها ولم يذكر شيئا فظنته حرا فلا خيار
لها، وإذا نكح الرجل الأمة وهو يراها حرة فولده مماليك وإن شاء طلق وإن شاء أمسك وإن غرته
بنفسها وقالت أنا حرة فولده أحرار وسواء كان المغرور حرا أو عبدا أو مكاتبا لأنه لم ينكح إلا على أن
ولده أحرار وإن غره بها غيرها فولدت أولادا ثم علم أنها مملوكة فالأولاد أحرار ولسيدها أخذ مهر مثلها
من زوجها ولا يرجع به الزوج على الغار ولا عليها ويأخذ منه قيمة أولادها يوم سقطوا ويرجع بهم
الزوج على الغار في ذمته، وإن كانت هي الغارة له رجع عليها بما أخذ منه من قيمة أولادها إذا
عتقت ولا يرجع به ما كانت مملوكة وإن ألزم قيمتهم ثم لم يؤخذ منه شئ لم يرجع بشئ لم يؤخذ منه.
تسرى العبد
قال الله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون) إلى قوله (غير ملومين) فدل كتاب الله عز وجل
على أن ما أباحه من الفروج فإنما أباحه من أحد الوجهين النكاح أو ما ملكت اليمين. وقال الله تعالى
(ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري
عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه
المبتاع) قال فدل الكتاب والسنة أن العبد لا يكون مالكا مالا بحال وأن ما نسب إلى ملكه إنما هو
46

إضافة اسم ملك إليه لا حقيقة كما يقال للمعلم غلمانك وللراعي غنمك والقيم على الدار دارك إذا كان
يقوم بأمرها فلا يحل والله تعالى أعلم للعبد أن يتسرى اذن له سيده أو لم يأذن له لأن الله تعالى إنما
أحل التسري للمالكين والعبد لا يكون مالكا بحال، وكذلك كل من لم تكمل فيه الحرية من عبد قد
عتق بعضه أو مكاتب أو مدبر ولا يحل له أن يطأ بملك يمين بحال حتى يعتق، والنكاح يحل له بإذن
مالكه وإن تسرى العبد فلسيده نزع السرية منه وتزويجه إياها إن شاء ولو عتق عبد تسرى أمة أو مكاتب
وقد ولدت له لم تكن له أم ولد حتى يصيبها بعد الحرية وتلد، ولو تسرى عبد قد عتق بعضه أمة ملكه
إياها سيده فولدت له ثم عتق فهي أم ولد له لأنه كان مالكا، وإن أراد سيده أخذ منه من قيمة
المملوكة بقدر ما له فيه من الرق كأنه كان وهبها له قبل أن يعتق وهو يملك نصفه فالنصف له بالحرية
وللسيد أن يرجع في النصف الثاني لأن ملك ما يملك منه لسيده قال: وإذا وطئ عبد أو من لم تكمل
فيه الحرية أو مكاتب جارية بملك اليمين لحق به الولد ودرئ عنه الحد بالشبهة فإن عتق وملكها كان له
بيعها ولا تكون له أم ولد يمنعه بيعها من لم يبع أم الولد إلا بأن يصيبها بعد ما يصير حرا مالكا، فإن قيل
قد روى عن ابن عمر تسرى العبد قيل نعم وخلافه قال ابن عمر إ يطأ الرجل وليدة إلا وليدة إن شاء
باعها وإن شاء وهبها وإن شاء صنع بها ما شاء، فإن قيل فقد روى عن ابن عباس؟ قلت ابن عباس
إنما قال ذلك لعبد طلق امرأته قال ليس لك طلاق وأمره أن يمسكها فأبى فقال فهي لك فاستحلها
بملك اليمين يريد أنها له حلال بالنكاح ولا طلاق لك والحجة فيه ما وصفت لك من دلالة الكتاب
والسنة وأنت تزعم أن من طلق من العبيد لزمه الطلاق ولم تحل له امرأته بعد طلقتين أو ثلاث.
فسخ نكاح الزوجين يسلم أحدهما
قال الله تبارك وتعالى (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن) إلى قوله (ولا هم يحلون لهن)
وقال تبارك وتعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) (قال الشافعي) نزلت في الهدنة التي كانت بين النبي
صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة وهم أهل أوثان وعن قول الله عز وجل (فامتحنوهن الله أعلم
بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات) فاعرضوا عليهن الايمان فإن قبلن وأقررن به فقد علمتموهن
مؤمنات. وكذلك علم بني آدم الظاهر: وقال تبارك وتعالى (الله أعلم بإيمانهن) يعنى بسرائرهن في
إيمانهن، وهذا يدل على أن لم يعط أحد من بني آدم أن يحكم على غير ظاهر ومعنى الآيتين واحد فإذا
كان الزوجان وثنيين فأيهما أسلم أولا فالجماع ممنوع حتى يسلم المتخلف عن الاسلام منهما لقول الله تعالى
(لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) وقوله (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) فاحتملت العقدة أن تكون
منفسخة إذا كان الجماع ممنوعا بعد إسلام أحدهما فإنه لا يصلح لواحد منهما إذا كان أحدهما مسلما
والآخر مشركا أن يبتدئ النكاح، واحتملت العقدة أن لا تنفسخ إلا أن يثبت المتخلف عن الاسلام
منهما على التخلف عنه مدة من المدد فيفسخ النكاح إذا جاءت تلك المدة قبل أن يسلم ولم يكن يجوز أن
يقال لا تنقطع العصمة بين الزوجين حتى يأتي على المتخلف منهما عن الاسلام مدة قبل أن يسلم إلا
بخبر لازم (قال الشافعي) وأخبرنا جماعة من أهل العلم من قريش وأهل المغازي غيرهم عن عدد قبلهم
أن أبا سفيان ابن حرب أسلم بمر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر عليها فكانت بطهوره وإسلام
أهلها دار الاسلام وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكة. ومكة يومئذ دار الحرب. ثم قدم عليها يدعوها
47

إلى الاسلام فأخذت بلحيته وقالت اقتلوا الشيخ الضال فأقامت أياما قبل أن تسلم ثم أسملت وبايعت
النبي صلى الله عليه وسلم وثبتا على النكاح (قال الشافعي) وأخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
دخل مكة فأسلم أكثر أهلها وصارت دار الاسلام وأسلمت امرأة عكرمة بن أبي جهل وامرأة صفوان بن
أمية وهرب زوجاهما ناحية البحر من طريق اليمن كافرين إلى بلد كفر ثم جاءا فأسلما بعد مدة وشهد
صفوان حنينا كافرا فاستقرا على النكاح وكان ذلك كله ونساؤهن مدخول بهن لم تنقض عددهن ولم
أعلم مخالفا في أن المتخلف عن الاسلام منهما إذا انقضت عدة المرأة قبل أن يسلم انقطعت العصمة
بينهما وسواء خرج المسلم منهما من دار الحرب وأقام المتخلف فيها أو خرج المتخلف عن الاسلام أو
خرجا معا أو أقاما معا لا تصنع الدار في التحريم والتحليل شيئا إنما يصنعه اختلاف الدينين.
تفريع إسلام أحد الزوجين قبل الآخر في العدة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا كان الزوجان مشركين وثنيين أو مجوسيين عربيين أو أعجميين
من غير بني إسرائيل ودانا دين اليهود والنصارى أو أي دين دانا من الشرك إذا لم يكونا من بني إسرائيل
أو يدينان دين اليهود والنصارى فأسلم أحد الزوجين قبل الآخر وقد دخل الزوج بالمرأة فلا يحل للزوج
الوطئ والنكاح موقوف على العدة فإن أسلم المتخلف عن الاسلام منهما قبل انقضاء العدة فانكاح ثابت
وإن لم يسلم حتى تنقضي العدة فالعصمة منقطعة بينهما وانقطاعها فسخ بلا طلاق وتنكح المرأة من
ساعتها من شاءت ويتزوج أختها وأربعا سواها وعدتها عدة المطلقة فإن نكحت المرأة قبل أن تنقضي
العدة فانكاح مفسوخ فإن أصابها الزوج الذي نكحته فلها مهر مثلها وإن أسلم المتخلف عن الاسلام
منهما قبل انقضاء عدتها فهي امرأته ويجتنبها حتى تنقضي عدتها من النكاح الفاسد وسواء كانت هي
المسلمة قبل الزوج أو الزوج قبلها فإن كان الزوج المسلم منهما لم يكن له أن ينكح أخت المرأة في العدة
فإن فعل فالنكاح مفسوخ وكذلك لا ينكح أربعا سواها وإن كانت هي المسلمة وهو المتخلف عن
الاسلام فنكح أختها أو أربعا سواها ثم أسلم وأسلمن قبل انقضاء عدتها أمسك أربعا أيهن شاء وفارق
سائرهن قال والنصرانيان واليهوديان في هذا كالوثنيين إذا أسلمت المرأة قبل الرجل (قال الشافعي) فإن
أسلم الرجل قبل المرأة فهما على النكاح لأنه يجوز للمسلم أن يبتدئ نكاح يهودية ونصرانية قال:
والأزواج في هذا الأحرار والمماليك سواء وإن كان أحد من بني إسرائيل مشركا يدين بغير دين اليهود
والنصارى فهو كمن وصفنا من أهل الأوثان.
الإصابة والطلاق والموت والخرس
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا دخل الوثني بامرأته ثم أسلم أحدهما ثم مات أحد الزوجين
لم يتوارثا فإن كان الزوج الميت أكملت عدتها من انقطاع العصمة عدة الطلاق ولم تعتد عدة وفاة،
وإن خرس المتخلف عن الاسلام منهما أو عته حتى تنقضي عدة المرأة فقد انقطعت العصمة بينهما،
ولو وصف الاسلام وهو لا يعقله فقد انقطعت العصمة بينهما. لا تثبت العصمة إلا بأن يسلم وهو يعقل
48

الاسلام، وكذلك لو كان المتخلف منهما عن الاسلام صبيا لم يبلغ فوصف الاسلام كانت العصمة
بينهما منقطعة. ولو وصفه سكران كانا على النكاح لأني ألزم السكران إسلامه وأقتله إن لم يثبت عليه
ولا ألزم ذلك المغلوب على عقله بغير السكر ولا ألزمه الصبي ولا أقتله إن لم يثبت عليه. ولو كان الزوج
هو المسلم والمرأة هي المتخلفة وهي مغلوبة على عقلها أو غير بالغ فوصفت الاسلام قطعت العصمة
بينهما. ولو أسلمت بالغة غير مغلوبة على عقلها إلا من سكر خمر أو نبيذ مسكر أثبت النكاح لأني
أجبرها على الاسلام وأقتلها إن لم تفعل، ولو شربت دواء فيه بعض السموم فأذهب عقلها فارتدت أو
فعل هو فارتد أو كان أحدهما مشركا فأسلم ثم أفاق فأقام على أصل دينه لم أجعل لردتهما وإسلامهما في
أوان ذهاب عقلهما حكما وهما كما كانا أولا على أي دين كانا حتى يحدثا غيره وهما يعقلان.
اجل الطلاق في العدة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أسلم أحد الزوجين فوقفنا النكاح على العدة فطلق الزوج
المرأة فالطلاق موقوف. فإن أسلم المتخلف عن الاسلام منهما في العدة وقع الطلاق وإن لم يسلم حتى
تنقضي العدة فالطلاق ساقط لأنا قد علمنا أنه لم يسلم المتخلف منهما حتى انقطعت العصمة وأنه طلق
غير زوجة قال: وهكذا لو آلى منها أو تظاهر وقف فلزمه إن أسلم المتخلف منهما في العدة وسقط إن
انقطعتا العصمة: وإذا أسلم أحد الزوجين فخالعته كان الخلع موقوفا فإن أسلم المتخلف منهما فالخلع
جائز، وإن لم يسلم حتى تنقطع العصمة فالخلع باطل وما أخذ فيه مردود وكذلك لو خيرها فاختارت
طلاقا أو جعل أمرها بيد رجل فطلقها كان موقوفا كما وصفت، ولو أبرأته من صداق بلا طلاق أو
وهب لها شيئا جازت براءتها وهبته كما يجوز للأزواج والمطلقات ومن الأزواج والمطلقات.
الإصابة في العدة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أسلم الرجل ولم تسلم امرأته في العدة فأصابها كانت الإصابة
محرمة عليه لاختلاف الدينين ويمنع منها حتى تسلم أو تبين: فإن أسلمت في العدة لم يكن لها مهر لأنها
علمنا أنه أصابها وهي امرأته وإن كان جماعها محرما كما يكون محرما عليه بحيضها وإحرامها وغير ذلك
فيصيبها فلا يكون لها عليه صداق: وإن لم تسلم حتى تنقضي عدتها من يوم أسلم فقد انقطعت عصمتها
منه ولها عليه مهر مثلها وتكمل عدتها من يوم كانت الإصابة (1) تعتد فيها بما مضى من عدتها يوم أسلم
وهكذا لو كانت هي المسلمة وهو الثابت على الكفر إذا حاكمت إلينا.
النفقة في العدة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أسلمت المرأة قبل الزوج ثم أسلم الزوج وهي في العدة فهما

(1) بياض بالأصل بقدر كلمة صغيرة، أو حرف، وفي بعض النسخ لم يثبت البياض
49

على النكاح وإن أسلم الزوج بعد العدة انقطعت العصمة بينهما ولها عليه النفقة في العدة في الوجهين
جميعا لأنها كانت محبوسة عليه وكان له متى شاء أن يسلم فيكونان على النكاح ولو كان الزوج هو المسلم
وهي المتخلفة عن الاسلام ثم أسلمت في العدة أو لم تسلم حتى تنقضي لم يكن لها نفقة في أيام كفرها
لأنها هي المانعة لنفسها منه ولو كان الزوج دفع إليها النفقة في العدة ثم لم تسلم فأراد الرجوع عليها بها لم
يكن ذلك له لأنه تطوع لها بشئ ودفعه إليها ولو كان إنما دفعه إليها على أن تسلم فأسلمت أو لم تسلم
كان له الرجوع يه ولا جعل لاحد على الاسلام إلا أن يشاء الجاعل أن يسلمه لها متطوعا ولو اختلفا في
الاسلام فقالت أسلمت يوم أسلمت أنت ولم تعطني نفقه، وقال بل أسلمت اليوم فالقول قوله مع
يمينه ولا نفقة عليه إلا أن تأتى ببينة على ما قالت فتأخذ لها نفقتها منه من يوم قامت البينة أنها أسلمت.
الزوج لا يدخل بامرأته
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان الزوجان وثنيين ولم يصب الزوج امرأته وإن خلا بها
وقفتهما فإن أسلم الرجل قبل المرأة فقد انقطعت العصمة بينهما ولها نصف المهر إن كان فرض لها صداقا
حلالا وإن كان فرض صداقا حراما فنصف مهر مثلها وإن لم يكن فرض فالمتعة لأن فسخ النكاح كان
من قبله فإن أسلمت المرأة قبله فقد انقطعت العصمة ولا شئ لها من صداق ولا متعة لأن فسخ
النكاح من قبلها ولو أسلما جميعا معا فهما على النكاح وإن جاءا مسلمين معا وقد علمنا أن أحدهما أسلم
أولا ولا ندري أيهما هو فالعصمة منقطعة ولا نصف مهر حتى نعلم أن الزوج أسلم أولا ولو ادعت المرأة
أن الزوج أسلم أولا وقال هو بل أسلمت أولا فالقول قولها مع يمينها وعلى الزوج البينة لأن العقد ثابت فلا
يبطل نصف المهر إلا بأن تسلم قبله ولو جاءنا مسلمين فقال الزوج أسلمنا معا وقالت المرأة أسلم أحدنا
قبل الآخر كان القول قول الزوج مع يمينه ولا تصدق المرأة على فسخ النكاح (قال الشافعي) وفيها
قول آخر أن النكاح منفسخ حتى يتصادقا أو تقوم بينة على أن إسلامهما كان معا لأن الاسلام فسخ
العقدة إلا أن يكون معهما فأيهما ادعى فسخها كان القول قوله مع يمينه ولو كانت المرأة التي قالت أسلمنا
معا وقال الزوج بل أسلم أحدنا قبل الآخر انفسخ النكاح بإقراره بأنه منفسخ ولم يصدق هو على المهر
وأغرم لها نصف المهر بعد أن تحلف بالله أن إسلامهما لمعا ولو شهد على إسلام المرأة ثم جاء الزوج فقال
قد أسلمت معها كلف البينة فإن جاء بها كانت امرأته وإن لم يأت بها فقد علمنا إسلامها قبل أن نعلم
إسلامه فتحلف له ما أسلم إلا قبلها أو بعدها وتنقطع العصمة بينهما وأيهما كلفناه البينة على أن إسلامهما
كان معا أو على وقت إسلامه ليدل على أن إسلامهما كان معا لم تقبل بينته حتى يقطعوا على أنهما أسلما
جميعا معا فإن شهدوا لأحدهما دون الآخر فشهدوا أنه أسلم يوم كذا من شهر كذا حين غابت الشمس
لم يتقدم ذلك ولم يتأخر أو طلعت الشمس لم يتقدم ذلك ولم يتأخر وعلم أن إسلام الآخر كان في ذلك
الوقت أثبتنا النكاح وإن قالوا مع مغيب الشمس أو زوالها أو طلوع الشمس لم يثبت النكاح لأنه يمكن
أن يقع هذا على وقتين أحدهما قبل الآخر.
50

اختلاف الزوجين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن رجلا دخل بامرأته وأصابها ثم أتيانا معا مسلمين فقالت
المرأة كنا مشركين فأسلمت قبله أو أسلم قبلي وانقضت عدتي قبل أن يسلم المتأخر منا وقال الزوج ما كنا
قط الا مسلمين أو قال كنا مشركين فأسلمنا معا، أو أسلم أحدنا قبل الآخر ولم تنقض عدة المرأة حتى
أسلم المتخلف عن الاسلام منا فإن قامت بينة أخذت بها وإن لم تقم بينة فالقول قول الزوج ولا تصدق
المرأة على إفساد النكاح لأنهما يتصادقان على عقده وتدعى المرأة فسخه ولو كان الرجل هو المدعى
فسخه لزمه فسخه بإقراره ولم يصدق على نصف الصداق لو كان لم يدخل بها وتحلف وتأخذه منه ولو أن
امرأة ورجلا كافرين أتيانا مسلمين فتصادقا على النكاح في الكفر وهي ممن تحل له بحال كانت زوجته
ولو تناكرا لم تكن زوجته إلا ببينة تقوم على نكاح أو إقرار من كل واحد منهما بالناكح أو إقرار من المنكر
منهما للنكاح ثم تكون زوجته.
الصداق
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تناكح الزوجان المشركان بصداق يجوز لمسلم أن ينكح به
ودخل بها الزوج ثم انقطعت العصمة بينهما وأسلما فالمهر للمرأة ما كان فإن كانت قبضته فقد استوفت
وإن لم تكن قبضته أخذته من الزوج وإن تناكرا فيه فقال الزوج قد قبضته وقالت المراة لم أقبضه فالقول
قول المرأة وعلى الزوج البينة وهكذا لو لم يكن النكاح انفسخ أو أسلم أحدهما ولم يسلم الآخر وإن كان
الصداق فاسدا فلها مهر مثلها وإن كان الصداق محرما مثل الخمر وما أشبهه فلم تقبضه فلها مهر مثلها
وإن قبضته بعدما أسلم أحد الزوجين فلها مهر مثلها وليس لمسلم أن يعطى خمرا ولا لمسلم أن يأخذه وإن
قبضته وهما مشركان فقد مضى وليس لها غيره لأن الله عز وجل يقول (اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا)
فأبطل ما أدرك الاسلام ولم يأمرهم برد ما كان قبله من الربا فإن كان أرطال خمر فأخذت نصفه في
الشرك وبقى نصفه أخذت منه نصف صداق مثلها وكذلك إن كان الباقي منه الثلث أو الثلثين أو أقل
أو أكثر رجعت بعده بما يبقى منه من صداق مثلها ولم يكن لواحد منهما أخذ الخمر في الاسلام إذا
كان المسلم يعطيه مشركا أو المشرك يعطيه مسلما وإن أخذه أحدهما في الاسلام أهراقه ولم يرده على الذي
أخذه منه بحال إلا أن يعود خلا من غير صنعة آدمي فيرد الخل إلى دافعه لأنه عين ماله صارت خلا
وترجع بمهر مثلها ولو صارت خلا من صنعة آدمي أهراقها ولم يكن لها الاستمتاع بها ولا ردها وترجع
بما بقي من الصداق وإن كان الزوجان مسلمين في أي دار كانا في دار الاسلام أو دار الحرب فارتد
أحدهما فالقول فيه كالقول في الزوجين الوثنيين يسلم أحدهما لا يختلف في حرف من فسخ النكاح
وغيره من التحريم لأنه في مثل معنى ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزوجين الحربيين
يسلم أحدهما قبل الآخر أنه يثبت النكاح إذا أسلم آخرهما إسلاما قبل مضى العدة فوجدت في سنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبات عقد النكاح في الشرك وعقد نكاح الاسلام ثابت ووجدت في
حكم الله تبارك وتعالى تحريم المسلمات على المشركين وتحريم المشركات من أهل الأوثان على المسلمين
51

ووجدت أحد الزوجين إذا ارتد حرم الجماع (1) أيهما كان المسلم امرأة أو لا أو الزوج فلا يحل وطئ كافرة
لمسلم أو الزوجة فلا يحل وطئ مسلمة لكافر فكان في جميع معاني حكم النبي صلى الله عليه وسلم لا
يخالفه حرفا واحد في التحريم والتحليل فإن ارتد الزوج بعد الوطئ حيل بينه وبين الزوجة فإن
انقضت عدتها قبل أن يرجع الزوج إلى الاسلام انفسخ النكاح وإن ارتدت المرأة أو ارتدا جميعا أو
أحدهما بعد الآخر فهكذا أنظر أبدا إلى العدة فإن انقضت قبل أن يصيرا مسلمين فسختها وإذا أسلما قبل
أن تنقضي العدة فهي ثابتة (قال الشافعي) في المسلمين يرتد أحدهما والحربيين يسلم أحدهما ثم يخرس
المرتد منهما قبل أن يسلم أو يغلب على عقله إذا مضت العدة قبل ان يسلم المتخلف عن الاسلام منهما
انقطعت العصمة والعقدة فإذا لم تثبت إلا بأن يكونا مسلمين قبل انقضاء العدة فقد انقضت العدة قبل
أن يكونا مسلمين ولو خرس المرتد منهما وقد أصابها الزوج قبل الردة ولم يذهب عقله فأشار بالاسلام
إشارة تعرف وصلى قبل انقضاء العدة أثبتنا النكاح فإن كان هو الزوج فنطق فقال كانت إشارتي بغير
إسلام وصلاتي بغير إيمان إنما كانت لمعنى يذكره جعلنا عليه الصداق وفرقنا بينهما إن كانت العدة
مضت وإن لم تكن مضت حلنا بينه وبينها حتى تنقضي العدة الأولى وإن كان أصابها بعد الردة جعلنا
صداقا آخر وتستقبل العدة من الجماع الآخر وتكمل عدتها من الأول وتعتد بها في الآخر وإن كان أسلم
في العدة الآخرة لم يكن له أن يثبت النكاح فيها لأنها إنما تعتد من نكاح فاسد ولو أسلم في بقية العدة
الأولى ثبت النكاح (قال الشافعي) وإذا كانت الزوجة المرتدة فأشارت بالاسلام إشارة تعرف وصلت
فخلى بينها وبين زوجها فأصابها فقالت كانت إشارتي بغير الاسلام وصلاتي في غير الاسلام لم تصدق
على فسخ النكاح وجعلت الآن مرتدة تستتاب وإلا تقتل فإن رجعت في عدتها إلى الاسلام ثبتا على
النكاح (قال الشافعي) وإن كان الزوج المرتد فهرب واعتدت المرأة فجاء مسلما وزعم أن إسلامه كان
قبل إتيانه بشهر وذلك الوقت قبل مضى عدة زوجته وقد انقضت عدتها فأنكرت إسلامه إلا في وقت
خرجت فيه من العدة فالقول قولها مع يمينها وعليه البينة وإذا انفسخت العقدة بن الكافرين يسلم
أحدهما أو المسلمين يرتد أحدها بانقضاء العدة تزوجت. المرأة مكانها وتزوج الرجل أختها وأربعا
سواها.
الفسخ بين الزوجين بالكفر ولا يكون إلا بعد انقضاء العدة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن نصرانيين أو يهوديين من بني إسرائيل كانا زوجين فأسلم
الزوج كان النكاح كما هو لأن اليهودية والنصرانية حلال للمسلم لا يحرم عليه ابتداء نكاحها ولو كانت
المرأة المسلمة كانت المسألة فيها كالمسألة في الوثنيين تسلم المرأة فيحال بين زوج هذه وبينها فإن أسلم وهي
في العدة فهما على النكاح وإن لم يسلم حتى تنقضي العدة انقطعت العصمة بينهما وإن لم يكن دخل بها
انقطعت العصمة بسبقها إياه إلى الاسلام لأنها لا عدة عليها ولو أن مسلما تحته يهودية أو نصرانية
فارتدت فتمجست أو تزندقت فصارت في حال من لا تحل له كانت في فسخ النكاح كالمسلمة ترتد إن

(1) قوله: أيهما كان المسلم المرأة أولا أو الزوج الخ، كذا في النسخ، والظاهر أن فيه زيادة من النساخ،
والأصل أيهما كان المسلم الزوج فلا يحل الخ أو الزوجة فلا يحل الخ، تأمل. كتبه مصححه
52

عادت إلى الدين الذي خرجت منه من اليهودية أو النصرانية قبل مضى العدة حلت له وإن لم تعد حتى
تنقضي العدة فقد انقطعت العصمة بينهما فأما من دان دين اليهود والنصارى من العرب والعجم غير
بني إسرائيل في فسخ النكاح وما يحرم منه ويحل فكأهل الأوثان وعدة الحرة سواء مسلمة كانت أو
كتابية أو وثنية تحت وثنى أسلم ولم يسلم إذا حكمنا عليه وعدة كل أمة سواء مسلمة أو كتابية ولا يحل
نكاح أمة من أهل الكتاب لمسلم أو أمة حربية لحر حربي كل من حكمنا عليه فإنما نحكم عليه حكم
الاسلام ولو كان الزوجان حربيين كتابيين فأسلم الزوج كانا على النكاح وأكره نكاح أهل الحرب ولو
نكح وهو مسلم حربية كتابية لم أفسخه وإنما كرهته لأني أخاف عليه هو أن يفتنه أهل الحرب على دينه
أو يظلموه وأخاف على ولده أن يسترق أو يفتن عن دينه فأما أن تكون الدار تحرم شيئا أو تحله فلا ولو
حرم عليه وحل بالدار لزمه أن يحرم عليه نكاح مسلمة مقيمة في دار الحرب وهذا لا يحرم عليه الدار لا
تحل شيئا من النكاح ولا تحرمه إنما يحله ويحرمه الدين لا الدار.
الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة
قال الله تبارك وتعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) (قال الشافعي)
أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من ثقيف أسلم وعنده عشر
نوسة (أمسك أربعا وفارق سائرهن) أخبرني الثقة بن علية أو غيره عن معمر عن ابن شهاب عن سالم
عن أبيه أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (أمسك أربعا
وفارق أو دع سائرهن) أخبرني من سمع محمد بن عبد الرحمن يخبر عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد
الرحمن بن عوف عن نوفل بن معاوية (قال الشافعي) فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على
أن انتهاء الله عز وجل في العدد بالنكاح إلى أربع تحريم أن يجمع رجل بنكاح بين أكثر من أربع ودلت
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الخيار فيما زاد على أربع إلى الزوج فيختار إن شاء الأقدم
نكاحا أو الا حدث وأي الأختين شاء كان العقد واحدا أو في عقود متفرقة لأنه عفا لهم عن سالف
العقد ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل غيلان عن نكح أولا ثم جعل له حين أسلم
وأسلمن أن يمسك أربعا ولم يقل الأوائل أو لا ترى أن نوفل بن معاوية يخبر أنه طلق أقدمهن صحبة
ويروى عن الديلمي أو ابن الديلمي أنه أسلم وعنده أختان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسك
أيتهما شاء ويطلق الأخرى فدل ما وصفت على أنه يجوز كل عقد نكاح في الجاهلية كان عندهم نكاحا
إذا كان يجوز مبتدؤه في الاسلام بحال وأن في العقد شيئين أحدهما العقد الفائت في الجاهلية والآخر
المرأة التي تبقى بالعقد فالفائت لا يرد إذا كان الباغي بالفائت يصلح بحال وكان ذلك كحكم الله تعالى
في الربا قال الله تعالى (اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين)) ولم يجز أن يقال إذا أسلم وعنده
أكثر من أربع نسوة أمسك الأوائل لأن عقدهن صحيح وذلك أنه ليس من عقد الجاهلية صحيح
لمسلم لأنه بشهادة أهل الشرك ولكنه كما وصفت معفو لهم عنه كما عفى عما مضى من الربا فسواء ما كان
عندهم لا يختلف فكان في أمر الله عز وجل برد ما بقي من الربا دليل على أن ما قبض منه في
الجاهلية لا يرد لأنه تم في الجاهلية وأن ما عقد ولم يتم بالقبض حتى جاء الاسلام يرد فكذلك حكم
رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمام العقد عندهم وإن كان لا يصلح أن يعقد مثله في الاسلام بحال فإذا
53

كان يصلح أن يعقد نكاح المنكوحة في الاسلام بحال تمت وأمر أن يمسك بالعقد في الجاهلية وإذا كان
لا يصلح أن يبتدأ في الاسلام بحال كان الاستمتاع بها لأنها عين قائمة لا يجوز كما لا يجوز أخذ الربا في
الاسلام لأنه عين قائمة لم تفت.
نكاح المشرك
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأي مشرك عقد في الشرك نكاحا بأي وجه ما كان العقد وأي
امرأة كانت المنكوحة فأسلم متأخر الاسلام من الزوجين والمرأة في عدتها حتى لا تكون العدة منقضية
إلا وهما مسلمان فإن كان يصلح للزوج ابتداء نكاحها ساعة اجتمع إسلامهما بحال فالنكاح ثابت ولا
يكون للزوج فسخه إلا بإحداث طلاق وإن كان لا يصلح للزوج ابتداء نكاحها حين يجتمع إسلامهما
بحال فالنكاح في الشرك منفسخ فلو جاءت عليها بعد اجتماع إسلامهما مدة يحل بها ابتداء نكاحها لم
يحل نكاح الشرك ويحل بابتداء نكاح غيره في الاسلام إلا ما ذكرنا أنه يزيد على أربع من النساء فإن
ذلك معنى غير هذا ولا ينظر إلى عقده في الشرك بولي أو غير ولى أو شهود أو غير شهود وبأي حال كان
يفسد فيها في الاسلام أو نكاح محرم أو غيره مما عقد إلى غيره مدة تنقطع بغير الموت وسواء في هذا نكاح
الحربي والذمي والموادع وكذلك هم سواء في المهور والطلاق والظهار والايلاء ويختلف المعاهد وغيره
في أشياء نبينها إن شاء الله تعالى.
تفريع نكاح أهل الشرك
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإذا نكح الرجل المرأة في عدتها في دار الحرب مشركين فأنظر
إذا اجتمع إسلامهما فإن كانت خارجة من العدة فالنكاح ثابت لأنه يصلح له حينئذ ابتداء نكاحها
وإن كانت في شئ من العدة فالنكاح مفسوخ وليس لها أن تنكحه ولا غيره حتى تكمل العدة لأنه
ليس له حينئذ أن يبتدئ نكاحها فإن كان أصابها في العدة أكملت العدة منه وتدخل فيها لعدة من
الذي قبله لأنهما لو لم يجتمع إسلامهما إلا بعد مضى عدتها من الأول أثبت النكاح ولم أرده بالعدة كما
أرده في الاسلام بالعدة مكانه وبعد مدة طويلة ولو اجتمع إسلام الأزواج وعنده أربع إماء فإن كان
موسرا فنكاحهن كلهن منفسخ وكذلك إن كان معسرا لا يخاف العنت فإن كان معسرا لا يجد ما ينكح
به حرة ويخاف العنت أمسك أيتهن شاء وانفسخ نكاح البواقي وإن أسلم بعضهن بعده فسواء ينتظر
إسلام البواقي فمن اجتمع إسلامه وإسلام الزوج قبل مضى عدة المسلمة كان له الخيار فيه ولو أسلم
رجل وعنده أم وابنتها فإن كان دخل بواحدة منهما فنكاحهما عليه محرم على الأبد إن كان دخل بالام
فالبنت ربيبته من امرأة قد دخل بها وإن كان دخل بالبنت فالأم أم امرأة قد دخل بها فإن لم يكن
دخل بواحدة منهن كأنه له أن يمسك البنت إن شاء ولم يكن له أن يمسك الام أولا كانت أو آخرا إذا
ثبت له العقدان في الشرك إذا جاز أحدهما في الاسلام بحال جاز نكاح البنت بعد الام إذا لم يدخل
بالام ولا يجوز نكاح الام وإن لم يدخل بالبنت لأنها مبهمة، ولو أسلم رجل وعنده أم وابنتها قد وطئهما
54

بملك اليمين حرم عليه وطؤهما إلى الأبد. ولو كان وطئ الام حرم عليه وطئ البنت، ولو كان وطئ
البنت حرم عليه وطئ الام ويمسكهن في ملكه وإن حرمت عليه فروجهن أو فرج من حرم فرجه
منهن. ولو أسلم وعنده امرأة وعمتها أو امرأة وخالتها قد دخل بهما أو لم يدخل أو دخل بإحداهما ولم
يدخل بالأخرى كان ذلك كله سواء و يمسك أيتهما شاء ويفارق الأخرى ولا يكره من هاتين إلا ما يكره
من الجمع بين الأختين وكل واحدة منها حلال على الانفراد بعد صاحبتها وهكذا الأختان إذا أسلم
و هما عنده لا يخالفان المرأة وعمتها والمرأة وخالتها (قال الشافعي) ولو أسلم وعنده أمة وحرة أو إماء وحرة
فاجتمع إسلامهن في العدة فنكاح الإماء مفسوخ والحرة ثابت معسرا يخاف العنت كان أو غير معسر
ولا بخائف للعنت لأن عنده حرة فلا يكون له ابتداء نكاح أمة بحال ولو كانت المسألة بحالها فطلق
الحرة قبل أن تسلم أو بعدما أسلمت وقد أسلم أو لم يسلم ثلاثا وكان معسرا يخاف العنت ثم اجتمع
إسلامه وإسلام الإماء وقف نكاحهن فإن اجتمع إسلامه وإسلام الحرة في عدتها فنكاح الإماء مفسوخ
والحرة طالق ثلاثا لا لأنا قد علمنا أنها زوجة ولها المهر الذي سمى لها إن كان دخل بها ولا تحل له حتى
تنكح زوجا غيره وإن لم يجتمع إسلامهما حتى تنقضي عدتها فنكاح الحرة مفسوخ بغير طلاق والطلاق
غير واقع عليها لأنا قد علمنا إذا مضت العدة قبل أن يجتمع إسلامهما أنه طلق غير زوجة ويختار من
الإماء واحدة إذا كان له أن يبتدئ نكاح أمة فإذا اجتمع إسلامه وإسلامهن وهو ممن ليس له أن
يبتدئ نكاح أمة انفسخ نكاحهن معا، ولو كان عنده إماء أو أمة فأسلم وهو ممن له أن يبتدئ نكاح
أمه فاجتمع إسلامه وإسلام الأمة في حال يكون له فيها ابتداء نكاح أمة كان له أن يمسك من
الإماء اللاتي اجتمع إسلامهن وإسلامه وله نكاح أمة، وإن أسلم بعضهن قبل بعض وأيسر بعد عسر
بحرة لم يحرم عليه إمساك واحدة منهن لأني أنظر إلى حاله حين اجتمع إسلامه وإسلامهن، وإن اختلف
وقت إسلامهن فأيهن كان إسلامه وهو يحل له ابتداء نكاحه كان له أن يمسك واحدة من الإماء ولم يجز
له أن يمسك واحدة من اللاتي أسلمن وهو لا يحل له إمساك واحدة منهن، وإذا كانت عنده أمة
وحرائر أو حرائر وإماء وهو ممن له أن ينكح أمة فاجتمع إسلامه وإسلام أمة أو أكثر من الإماء وقف
عنهن، فإن أسلمت حرة في عدتها فقد انفسخ نكاح الإماء كلهن اللاتي أسلمن وتخلفن وإن لم تسلم
واحدة من الحرائر حتى تنقضي عددهن اختار من الإماء واحدة إن كن أكثر من واحدة وثبتت عنده
واحدة إن لم يكن غيرها ولو اجتمع إسلامه وإسلام أمة أو إماء فعتقن بعد اجتماع إسلامه وإسلام حرة
وقفناهن فإن أسلمت الحرة في العدة فنكاحهن منفسخ وإن لم يجتمع إسلامه وإسلام حرة في عدة
اختار من الإماء واحدة إذا كان ممن يحل له نكاح الإماء لأني إنما أنظر إلى يوم يجتمع إسلامه وإسلامها
فإن كان يجوز له في ذلك الوقت ابتداء نكاحها جعلت له إمساكها إن شاء وإن كان ممن لا يجوز له
ابتداء نكاحها لم أثبت نكاحها معه بالعقد الأول بمدة تأتى بعدها ولو عتقن قبل أن يسلمن كن كمن
ابتدأ نكاحه وهن حرائر وكذلك لو أسلمن هن وهو كافر فلم يجتمع إسلامه وإسلامهن حتى يعتقن كان
من ابتدأ نكاحه وهن حرائر ولو كان عند عبد أربع إماء فأسلم وأسلمن قيل له أمسك اثنتين وفارق
سائرهن، ولو كان عنده حرائر فاجتمع إسلامه وإسلامهن ولم ترد واحدة منهن فراقه له أمسك اثنتين
وفارق سائرهن، وكذلك إن كن إماء وحرائر مسلمات أو كتابيات ولو كن إماء فعتقن قبل إسلامه
فاخترن فراقه كان ذلك لهن لأنه يكون لهن بعد إسلامه وعددهن عدد حرائر فيحصين من يوم اخترن
فراقه فإذا اجتمع إسلامه وإسلامهن في العدة فعددهن عدد حرائر ومن يوم اخترن فراقه وإن لم يجتمع
55

إسلامه وإسلامهن في العدة فعددهن عدد حرائر من يوم أسلم متقدم الاسلام منهما لأن الفسخ كان من
يومئذ إذا لم يجتمع إسلامهما في العدة وعددهن عدد حرائر بكل حال لأن العدة لم تنقض حتى صرن
حرائر وإن لم يكن اخترن فراقه ولا المقام معه خيرن إذا اجتمع إسلامه وإسلامهن معا. وإن تقدم
إسلامهن قبل إسلامه فاخترن المقام معه ثم أسلم خيرن حين يسلم وكان لهن أن يفارقنه وذلك أنهن اخترن
المقام معه ولا خيار لهن إنما يكون لهن الخيار إذا اجتمع إسلامهن وإسلامه ولو اجتمع إسلامه
وإسلامهن وهن إماء ثم عتقن من ساعتهن ثم اخترن فراقه لم يكن ذلك لهن إذا أتى عليهن أقل أوقات
الدنيا وإسلامهن وإسلامه مجتمع. ولو اجتمع إسلامهن وإسلامه وعتقهن وعتقه معا لم يكن لهن
خيار، وكذلك لو اجتمع إسلامهن وإسلامه فعتقن فلم يخترن حتى يعتق الزوج لم يكن لهن خيار، ولو
كان عند عبد أربع حرائر فاجتمع إسلامه وإسلام الأربع معا كأنهن أسلمن معه في كلمة واحدة أو
متفرقات ثم عتقن قيل له اختر اثنتين وفارق اثنتين، وسواء أعتق في العدة أو بعد ما تنقضي عددهن
لأنه كان يوم اجتمع إسلامه وإسلامهن مملوكا ليس له أن يجاوز اثنتين: قال وكذلك لو اجتمع إسلامه
وإسلام اثنتين في العدة ثم عتق ثم أسلمت الاثنتان الباقيتان في العدة لم يكن له أن يمسك إلا اثنتين،
أي الاثنتين شاء، اللتين أسلمتا أولا أو آخرا لأنه عقد في العبودية وإنما يثبت له عقد العبودية مع
اجتماع إسلامه وإسلام أزواجه قبل مضى العدة فلا يثبت له بعقد العبودية إلا اثنتان، وإذا اختار اثنتين
فهو ترك للاثنتين اللتين اختار غيرهما وله أن ينكحهما مكانه إن شاءتا وذلك أن هذا ابتداء نكاح بعد إذ
صار حرا فله في الحرية الجمع بين أربع وإذا نكح المملوك المملوكة في الشرك ثم أعتق فملكها أو بعضها
أو أعتقت فملكته أو بعضه ثم اجتمع إسلامهما معا في العدة وقد أقام في الكفر على النكاح فلا نكاح
بينهما، وإذا تزوج الرجل في الشرك فأصاب امرأته ثم أسلم الزوج قبل المرأة أو المرأة قبل الزوج فسواء
والنكاح موقوف على العدة فإذا أسلم المتأخر الاسلام منهما قبل أن تنقضي عدة المرأة والنكاح مما يصلح
ابتداؤه في الاسلام ولم يكن فيهن من لا يصلح الجمع بينه فالنكاح ثابت، وهكذا إنكن حرائر ما
بين واحدة إلى أربع ولا يقال للزوج اختروهن أزواجه فإن شاء أمسك وإن شاء طلق وإن مات ورثنه
وإن متن ورثهن فإن قال قد فسخت نكاحهن أو نكاح واحدة منهن وقف، فإن قال أردت إيقاع
طلاق وقع عليه الطلاق وهو ما أراد من عدد الطلاق، وإن قال عنيت أن نكاحهن كان فاسدا لم
يكن طلاقا ويحلف ما كانت إرادته إحداث طلاق وإن كانت عنده أكثر من أربع فأسلم وأسلمت
واحدة في العدة فقال قد اخترت حبسها ثم أسلمت أخرى فقال قد اخترت حبسها حتى يقول ذلك
في أربع كان ذلك له وثبت نكاحهن باختياره لهن وكان نكاح الزوائد على الأربع منفسخا ولو قال كلما
أسلمت واحدة قد اخترت فسخ نكاحها وقف فسخه فإن أسلمن معا أو لم يقل من هذا شيئا حتى
أسلمن معا أو بعضهن قبل بعض غير أن كل واحدة منهن أسلمت قبل أن تنقضي عدتها خير فقيل
أمسك أربعا أيتهن شئت وفارق سائرهن لأن اختيارك فسخ لمن فسخت ولم يكن لك فسخهن إلا بأن
تريد طلاقا ولا عليك فسخ نكاحهن فإذا أمسك أربعا فقد انفسخ نكاح من زاد عليهن بلا طلاق لأنه
يجبر على أن يفارق ما زاد على أربع فلا يكون طلاقا ما جبر عليه وإنما أثبتنا له العقد باختياره فإن السنة
جعلت له الخيار في إمساك أيتهن شاء فاتبعنا السنة قال والاختيار أن يقول قد أمسكت فلانة أو قد
أمسك بعقد فلانة أو قد أثبت عقد فلانة أو ما أشبة هذا فإذا قال هذا في أربع انفسخ عقد من زاد
عليهن، ولو قال رجعت فيمن اخترت إمساكه منهن واخترت البواقي كان البواقي براء منه لا سبيل له
56

عليهن إلا بنكاح جديد ووقفناه عند قوله: رجعت فيمن اخترت فإن قال أردت به طلاقا فهو طلاق
وهو ما أراد من عدد الطلاق وان قال لم أرد به طلاقا أردت أنى رأيت الخيار لي أو غير ذلك حلف ما
أراد به طلاقا ولم يكن طلاقا (قال الشافعي) وعلى اللاتي فسخ نكاحهن باختيار غيرهن عدة مستقبلة
من يوم انفسخ نكاحهن لأنهن مدخول بهن انفسخ نكاحهن، وإن قال ما أردت بقولي قد أثبت عقد
فلانة واللاتي قال ذلك لهن معا أو اخترت فلانة أو ما قاله مما يشبه هذا الكلام إثبات عقدهن دون
البواقي انفسخ عقد البواقي في الحكم ولم يدين فيه ويثبت عقد اللواتي أظهر اختيارهن ووسعه إصابتهن
لأن نكاحهن ثابت لا يزول إلا بأن يفسخه وهو لم يفسخه إنما يفسخه اختيار غيرهن وهو لم يختر
غيرهن، وأحب إلى إن يحدث لهن اختيارا فيكون ذلك فسخا للبواقي اللاتي فسخ عقدهن في الحكم
ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل فيسعه حبس اللاتي فسخناهن عليه بأن يحدث لهن اختيارا أو يفسخ
فيما بينه وبين الله تبارك وتعالى نكاح اللاتي حكمنا له بهن (قال الشافعي) والحكم كما وصفت فلو اختار
أربعا ثم قال لم أرد اختيارهن وقد اخترت الأربع البواقي ألزمناه الأربع الآتي اختار أولا وجعلنا اختياره
الآخر باطلا كما لو نكح امرأة فقال ما أردت بنكاحها عقد نكاح ألزمناه إياه لأنه الظاهر من قوله وهو
أبين أنه له حلال من الامرأة يبتدئ نكاحها لأن نكاحهن ثابت إلا بأن يفسخه وهو لم يفسخه قال ولو
أسلم وثمان نسوة له فقال قد فسخن عقد أربع بأعيانهن ثبت عقد اللاتي لم يفسخ عقدهن، ولم أحتج
إلى أن يقول قد أثبت عقدهن وهن ثوابت بالعقد الأول واجتماع إسلام الزوجين في العدة، قال وإذا أسلم
وعنده أربع منهن أختان وامرأة وعمتها قيل له أمسك اي الأختين شئت وإحدى المرأتين بنت الأخ أو
العمة وفارق اثنتين (قال الشافعي) وإن كان معه أربع نسوة سواهن قيل له أمسك أربعا ليس لك أن
يكون فيهن أختان معا أو المرأة وعمتها معا قال ولو أسلم وعنده حرائر يهوديات أو نصرانيات من بني إسرائيل
كن كالحرائر المسلمات لأنه يصلح له أن يبتدئ نكاحهن كلهن، ولو كن يهوديات أو
نصرانيات من غير بني إسرائيل من العرب أو العجم انفسخ نكاحهن كلهن وكن كالمشركات الوثنيات
إلا أن يسلمن في العدة ولو كن من بني إسرائيل يدن غير دين اليهود والنصارى من عبادة وثن أو حجر
أو مجوسية لم يكن له إمساك واحدة منهن لأنه لا يكون له ابتداء نكاحهن قال وكذلك لو كن إماء
يهوديات أو نصرانيات من بني إسرائيل انفسخ نكاحهن لأنه لا يصلح له أن يبتدئ نكاحهن في
الاسلام (قال الشافعي) ولو أسلم رجل وعنده أكثر من أربع نسوة قد أصاب منهن أربعا ولم يصب
أربعا وأسلمن قبله أو بعده غير أن إسلام اللاتي لم يدخل بهن كلهن كان قبله أو بعده فالعصمة بينه
وبين اللاتي لم يدخل بهن منقطعة ونكاح اللاتي دخل بهن ثابت وهو كرجل أسلم وعنده أربع نسوة
ليس عنده غيرهن (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها فأسلمن قبله أو أسلم قبلهن ثم أصاب واحدة
من اللاتي لم يدخل بهن كانت إصابته إياها محرمة وعليه لها مهر مثلها للشبهة وذلك أنها بعد
انقطاع العصمة بينهما ولم يكن له أن يمسكها وكان له أن يبتدئ نكاحا إذا لم يكن عنده أربع سواها
ولا من يحرم أن يجمع بينها وبينه ولها عليه صداق مثلها بالإصابة وعليها العدة والولد لاحق إن كان ولد
ولاحد على واحد منها للشبهة.

(1) قوله: غير أن اسلام الآتي الخ، كذا في النسخ، وتأمل، وانظر. كتبه مصححه
57

ترك الاختيار والفدية فيه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أسلم الرجل وعنده أربع نسوة أو أكثر فأسلم بعضهن فسأل
أن يخير فيهن والبواقي لم نقفه في التخيير حتى يسلم البواقي في عددهن أو تنقضي عددهن قبل أن
يسلمن ثم يخير إذا اجتمع إسلامه وإسلام أكثر من أربع فيهن وله أن يختار إمساك أربع من اللاتي
أسلمن فيكون ذلك فسخا لنكاح البواقي المتخلفات عن الاسلام أسلمن أو لم يسلمن، وكذلك لو
اختار واحدة أو اثنتين ينتظر من بقي ويكون له الخيار فيمن بقي حتى يكمل أربعا، وإن كن ثمانيا
فأسلم أربع فقال قد اخترت فسخ نكاحهن وحبس البواقي غيرهن وقفت الفسخ فإن أسلم الأربع
البواقي في عددهن فعقد الأوائل منفسخ بالفسخ المتقدم وإن مضت عددهن قبل أن يسلمن فهي
كالمسألة قبلها فإن كان أراد به إيقاع طلاق فهو طلاق وإن لم يرد به إيقاع طلاق حلف وكن نساءه،
وإذا أسلم الرجل وعنده أكثر من أربع نسوة فأسلمن فقيل له اختر فقال لا أختار حبس حتى يختار
وأنفق عليهن من ماله لأنه مانع لهن بعقد متقدم وليس للسلطان أن يطلق عليه كما يطلق على المولى فإن
امتنع مع الحبس أن يختار عزر وحبس أبدا حتى يختار ولو ذهب عقله في حبسه خلى وأنفق عليهن من
ماله حتى يفيق فيختار أو يموت وكذلك لو لم يوقف ليختار حتى يذهب عقله فإن مات قبل أن يختار
أمرناهن معا أن يعتددن الآخر من أربعة أشهر وعشر أو ثلاث حيض لأن فيهن أربع زوجات متوفى
عنهن وأربع منفسخات النكاح ولا نعرفهن بأعيانهن. قال ويوقف لهن ميراث أربع نسوة حتى يصطلح
فيه فإن رضى بعضهن بالصلح ولم يرض بعضهن فكان اللاتي رضين أقل من أربع أو أربعا لم نعطهن
شيئا لأنهن لو رضين فأعطيناهن نصف الميراث أو أقل احتملن أن يكن اللاتي لا شئ لهن فإن رضى
خمس منهن بالصلح فقلن العلم يحيط أن لواحدة منا ربع الميراث فأعطنا ربع ميراث امرأة لم أعطهن
شيئا حتى يقررن معا ان لا حق لهن في الثلاثة الأرباع الباقية من ميراث امرأة. فإذا فعلن أعطيتهن
ربع ميراث امرأة ودفعت ثلاثة أرباع ميراث امرأة إلى الثلاث البواقي سواء بينهن فإن كن اللاتي رضين
ستا فرضين بالنصف أعطيتهن إياه، وإن كن سبعا فرضين بالثلاثة الأرباع أعطيتهن إياه وأعطيت الربع
الباقية وإنما قلت لا أعطى واحدة منهن بالصلح شيئا حتى يرضين فيما وصفت أنى أعطيتهن فيه أن
يقطعن حقوقهن من الباقي أنى إذا أعطيتهن إياه وأعطيت الربع
الباقية وإنما قلت لا أعطى واحدة منهن بالصلح شيئا حتى يرضين فيما وصفت أنى أعطيتهن فيه أن
يقطعن حقوقهن من الباقي أنى إذا أعطيتهن حقوقهن حتى يأتي على الثلاثة الأرباع كنت إذا وقفت
الربع لواحدة أعطيتهن ومنعتها ولم تطب لهن نفسها وإن أعطيتها الربع أعطيتها ما أخذت امرأتان بلا
تسليم منهن ذلك لها وأكثر حالها أن يكون لها حظ امرأة وقد إلا يكون لها شئ وإذا قطعن حقوقهن عن
الباقي فلم أعطها إلا ما يجوز لي أن أعطيها إياه إما حق لها وإما حق لهن تركته لها أو لبعضهن تركته لها،
قال وينبغي أن لأبي الصبية وولى اليتيمة أن يأخذ لها نصف ميراث امرأة إن صولح عليه فأكثر إذا لم
يعلم لها بينة تقوم ولا يأخذ لها أقل وإن كن هن الميتات أو واحدة منهن وهو الباقي قيل له افسخ نكاح
أيتهن شئت وخذ ميراث اللاتي لم تفسخ نكاحهن ويوقف له ايراث زوج كلما ماتت منهن واحدة حتى
يختار أربعا فيأخذ مواريثهن، وإذا ادعى بعضهن أو ورثة بعضهن بعد موتها أنه فسخ نكاح واحدة
منهن أحلف ما فعل وأخذ ميراثها.
58

من ينفسخ نكاحه من قبل العقد ومن لا ينفسخ
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أسلم وعنده امرأة عقد نكاحها غير مطلق وأسلمت لم يكن له
أن يثبت على نكاحها لأنها لم يعقد عليها عقد نكاح وذلك أن يكون نكاحها متعة والناكح متعة لم
يملك أمرا لا مرأة على الأبد إنما ملكها مدة دون مدة أو نكحها على أنها بالخيار أو أن رجلا أو امرأة
غيرها بالخيار أو أنه هو بالخيار لأن هذا كله في معنى أنه لم يملك أمرها بالعقد مطلقا ولو أبطلت
الناكحة متعة شرطها على الزوج قبل أن يسلم واحد منهما ثم أسلما لم تكن امرأته لأنه لم يعقد لها على
الأبد ولم يكن شرطه عليها في العقد ولو اجتمعت هي وهو فأبطلا الشرط قبل أن يسلم واحد منهما
ثم أسلما معا فالنكاح مفسوخ إلا أن يبتدئا نكاحا في الشرك غيره قال وهكذا كل ما ذكرت معه من
شرط الخيار له أولها أو لهما معا أو لغيرهما منفرد أو معهما لم يكن النكاح مطلقا إذا أبطلاه وإذا لم يبطلاه
لم يثبت ولا يخالف نكاح المتعة في شئ ولو أن رجلا نكح امرأة في الشرك بغير شهود أو بغير ولى محرم
لها فأسلما أو أي نكاح أفسدناه في الاسلام بحال غير ما وصفت من النكاح الذي لا نملكه فيه أمرها
على الأبد وكان ذلك عندهم نكاحا جائزا وإن كانوا ينكحون أجوز منه ثم اجتمع إسلامهما في العدة
ثبتا على النكاح ولو أن رجلا غلب على امرأة بأي غلبة كانت أو طاوعته فأصابها وأقام معها أو ولدت
منه أو لم تلد منه ولم يكن ذلك نكاحا عندهم ثم أسلما في العدة لم يكن ذلك نكاحا عندهم وفرق بينهما
عندهم ولا مهر لها عليه إلا أن يصيبها بعدما يسلم على وجه شبهة فلها عليه مهر مثلها لأني لا أقضى
لها عليه بشئ فائت في الشرك لم يلزمه إياه نكاحها إذا لم يكن عندهم أو عنده إذا لم يكونا معاهدين
يجرى عليهما الحكم وهذا كله إذا نكح مشركة وهو مشرك (قال الشافعي) فإن كان مسلما فنكح مشركة
وثنية أو مشركا فنكح مسلمة فأصابها ثم اجتمع إسلامهما في العدة فالنكاح ينفسخ بكل حال لأن العقد
محرم باختلاف الدينين ولا يثبت إلا بنكاح مستقبل. ولو كان طلقها في الشرك في المسألتين معا لم
يلزمها الطلاق (قال الشافعي) وإذا أسلم الرجل من أهل الحرب وامرأته كافرة ثم ارتد عن الاسلام قبل
أن تسلم امرأته فإن أسلمت امرأته قبل أن تنقضي عدتها وعاد إلى الاسلام قبل انقضاء عدتها حتى
يكونا في العدة مسلمين معا فهما على النكاح. وإن أسلم قبلها ثم ارتد ثم أسلم ولم تنقض العدة ثم
أسلمت في العدة فهما على النكاح وإن لم يسلم حتى تنقضي العدة فقد انفسخ النكاح، ولو أسلمت
وهو مرتد فمضت عدتها وهو على ردته انفسخ النكاح ولو عاد بعد انقضاء عدتها إلى الاسلام فقد انفسخ
نكاحها وانقضت عدتها وتنكح من شاءت والعدة من يوم أسلم وهكذا إن كانت هي المسلمة أولا
فارتدت لا يختلفان وسواء أقام المرتد منهما في دار الاسلام أو لحق بدار الشرك أو عرض عليه الاسلام
أو لم يعرض إذا أسلم المرتد عن الاسلام قبل انقضاء عدة المرأة فهما على النكاح، قال وتصدق المرأة
المرتدة على انقضاء عدتها في كل ما أمكن مثله كما تصدق المسلمة عليها في كل ما أمكن كانت هي
المرتدة أو الزوج فإن كان الزوج لم يصبها فارتد أو ارتدت انفسخ النكاح بينهما بردة أيهما كان لأنه لا
عدة فإن كان هو المرتد فلها نصف الصداق لأن فساد النكاح كان من قبله، ولو كانت هي المرتدة فلا

(1) قوله ولم يكن شرطه عليها في العقد، كذا في النسخ، ولعل فيه سقطا والأصل " ولم يكن شرطه عليها
في غير العقد " تأمل. كتبه مصححه
59

صداق لها لأن فساد النكاح كان من قبلها وسواء في هذا كل زوجين (قال الشافعي) وردة السكران
من الخمر والنبيذ المسكر في فسخ نكاح امرأته كردة المصحى وردة المغلوب على عقله من غير المسكر لا
تفسخ نكاحا.
طلاق المشرك
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد نكاح الشرك وأقر
أهله عليه في الاسلام لم يجز والله تعالى أعلم إلا أن يثبت طلاق الشرك لأن الطلاق يثبت بثبوت
النكاح ويسقط بسقوطه فلو أن زوجين أسلما وقد طلق الزوج امرأته في الشرك ثلاثا لم تحل له حتى
تنكح زوجا غيره وإن أصابها بعد الطلاق ثلاثا في الشرك لم يكن لها صداق لأنا نبطل عنه ما استهلكه
لها في الشرك (قال الشافعي) ولو أسلم ثم أصابها بعد طلاق ثلاث كانت عليها العدة ولحق الولد وفرق
بينهما ولها مهر مثلها (قال الربيع) إذا كان يعذر بالجهالة (قال الشافعي) وإن طلقها واحدة أو اثنتين ثم
أسلما حسب عليه ما طلقها في الشرك وبنى عليها في الاسلام، ولو طلقها ثلاثا في الشرك ثم نكحت
زوجا غيره فإن أصابها ثم طلقها أو مات عنها ثم نكحها زوجها الذي طلقها كانت عنده على ثلاث كما
تكون في الاسلام إذا كان النكاح صحيحا عندهم نثبته في الاسلام وذلك أن لا تنكح محرما ولا متعة
ولا في معناها. قال ولو آلى منها في الشرك ثم أسلما قبل مضى الأربعة الأشهر فإذا استكمل أربعة أشهر
من إيلائه وقف كما يوقف من آلى في الاسلام (قال الشافعي) ولو مضت الأربعة الأشهر قبل أن يسلما ثم
أسلما ثم طلبت أن يوقف وقف مكانه لأن أجل الايلاء قد مضى ولو تظاهر منها في الشرك ثم أسلما وقد
أصابها قبل الاسلام أو بعده أو لم يصبها أمرته باجتنابها حتى يكفر كفارة الظهار، قال ولو قذفها في
الشرك ثم أسلما ثم ترافعا قلت له التعن ولا أجبره على اللعان ولا أحده إن لم يلتعن ولا أعزره فإن التعن
فرقت بينهما مكاني ولم آمرها بالالتعان لأنه لاحد عليها لو أقرت بالزنا في الشرك وليس لها معنى في
الفرقة إنما الفرقة بالتعانه وإن لم يلتعن فسواء أكذب نفسه أو لم يكذبها لم أجبره عليه ولم أحده ولم أعزره
لأنه قذفها في الشرك حيث لاحد عليه ولا تعزير، ولو قال لها في الشرك أنت طالق إن دخلت الدار
ثم دخلتها في الشرك أو الاسلام طلقت ويلزمه ما قال في الشرك كما يلزمه ما قال في الاسلام لا يختلف
ذلك، ولو تزوج امرأة في الشرك بصداق فلم يدفعه إليها أو بلا صداق فأصابها في الحالين ثم ماتت
قبل أن يسلم ثم أسلم زوجها وطلب ورثتها صداقها الذي سمى لها أو صداق مثلها لم يكن لهم منه شئ
لأني لا أقضى لبعضهم على بعض بما فات في الشرك والحرب.
نكاح أهل الذمة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وعقد نكاح أهل الذمة فيما بينهم ما لم يترافعوا إلينا كنكاح أهل
الحرب ما استجازوه نكاحا ثم أسلموا لم نفسخه بينهم إذا جاز ابتداؤه في الاسلام بحال، وسواء كان
بولي أو غير ولى وشهود أو غير شهود، وكل نكاح عندهم جائز أجزته إذا صلح ابتداؤه في الاسلام
60

بحال قال وهكذا إن نكحها في العدة وذلك جائز عندهم ثم لم يسلما حتى تمضى العدة وإن أسلما في
العدة فسخت نكاحهما لأنه لا يصلح ابتداء هذا في الاسلام بحال وإن نكح محرما له أو امرأة أبيه ثم
أسلما فسخته لأنه لا يصلح ابتداؤه في الاسلام بحال وكذلك إن نكح امرأة طلقها ثلاثا قبل أن تتزوج
زوجا غيره يصيبها، وإذا أسلم أحدهم وعنده أكثر من أربع نسوة قيل له أمسك أي الأربع شئت
وفارق سائرهن (قال الشافعي) وكذلك مهورهن فإذا أمهرها خمرا أو خنزيرا أو شيئا مما يتمول
عندهم ميتة أو غيرها مما له ثمن فيهم فدفعه إليها ثم أسلم فطلبت الصداق لم يكن لها غير ما قبضت إذا
عفيت العقدة التي يفسد بها النكاح فالصداق الذي لا يفسد به النكاح أولى أن يعفى فإذا لم تقبض من
ذلك شيئا ثم أسلما فإن كان الصداق مما يحل في الاسلام فهو لها لا تزاد عليه وإن كان مما لا يحل فلها
مهر مثلها، وإن كانت قبضته وهو مما لا يحل ثم طلقها قبل الدخول أو بعد إسلامهما لم يرجع عليها
بشئ وهكذا إن كانت هي المسلمة وهو المتخلف عن الاسلام لا يأخذ مسلم جراما ولا يعطيه. قال
وإن كانت لم تقبضه ثم أسلما وطلقها رجعت عليه بنصف مهر مثلها. وإذا أسلم وهو وهي كتابية فهما على
النكاح. وإذا تناكح المشركون ثم أسلموا لم أفسخ نكاح واحد منهم وإن نكح يهودي نصرانية أو
نصراني مجوسية أو مجوسي يهودية أو نصرانية أو وثنى كتابية أو كتابي وثنية لم أفسخ منه شيئا إذا أسلموا
(قال الشافعي) وكذلك لو كان بعضهم أفضل من بعض نسبا فتناكحوا في الشرك نكاحا صحيحا
عندهم ثم أسلموا لم أفسخه بتفاضل النسب ما كان التفاضل إذا عفى لهم عما يفسد العقدة في الاسلام
فهذا أقل من فسادها. وإذا كانت نصرانية تحت وثنى أو وثنية تحت نصراني فلا ينكح الولد ولا تؤكل
ذبيحة الولد ولا ينكحها مسلم لأنها غير كتابية خالصة ولا تسبى لذمة أحد أبويها ولو تحاكم أهل
الكتاب إلينا قبل أن يسلموا وجب علينا الحكم بينهم كان الزوج الجائي إلينا أو الزوجة فإن كان النكاح
لم يمض لم نزوجهم إلا بشهود مسلمين وصداق حلال وولى جائز الامر أب أو أخ لا أقرب منه وعلى
دين المزوجة وإذا اختلف دين الولي والمزوجة لم يكن لها وليا إن كان مسلما وهي مشكرة لم يكن لها وليا
ويزوجها أقرب الناس بها من أهل دينها فإن لم يكن لها قريب زوجها الحاكم لأن تزويجه حكم عليها ثم
نصنع في ولاتهم ما نصنع في ولاة المسلمات وإن تحاكموا بعد النكاح فإن كان يجوز ابتداء نكاح المرأة
حين تحاكمهم إلينا بحال أجزناه لأن عقده قد مضى في الشرك وقبل تحاكمهم إلينا وإن كان لا يجوز
بحال فسخناه وإن كان المهر محرما وقد دفعه بعد النكاح لم يجعل لها عليه غيره وإن لم يدفعه جعلنا لها مهر
مثلها لازما له قال ولو طلبت أن تنكح غير كف ء وأبى ذلك ولاتها منعت نكاحه وإن نكحته قبل
التحاكم إلينا لم نزده إذا كان مثل ذلك عندهم نكاحا لمضى العقد (قال الشافعي) وإذا تحاكموا إلينا
وقد طلقها ثلاثا أو واحدة أو آلى منها أو تظاهر أو قذفها حكمنا عليه حكمنا على المسلم عنده المسلمة
وألزمناه ما نلزم المسلم ولا يجزيه في كفارة الظهار إلا رقبة مؤمنة وإن أطعم لم يجزه إلا إطعام المؤمنين ولا
يجزيه الصوم بحال لأن الصوم لا يكتب له ولا ينفع غيره ولا حد على من قذف مشركة وإن لم يلتعن
ويعزر ولو تحاكموا إلينا وقد طلقها ثلاثا ثم أمسكها فأصابها فإن كان ذلك جائزا عندهم جعلنا لها مهر
مثلها بالإصابة وإن كان ذلك غير جائز عندهم فاستكرهها جعلنا لها مهر مثلها بالإصابة وإن كان

(1) قوله: قبل الدخول أو بعد اسلامهما الخ، كذا في الأصول والظاهر التعبير بالواو بدل " أو " فتأمل كتبه مصححه
61

عندهم زنا ولم يستكرهها لم تجعل لها مهر مثلها وفرقنا بينهما في جميع الأحوال (قال الشافعي وإذا
يزوج الذمي ابنه الصغير أو ابنته الصغيرة فهما على النكاح يجوز لهم من ذلك ما يجز لأهل الاسلام
(قال الشافعي) وإذا تزوجت المسلمة ذميا فالنكاح مفسوخ ويؤدبان ولا يبلغ بهما حد وإن أصابها فلها
مهر مثلها وإذا تزوج المسلم كافرة غير كتابية كان النكاح مفسوخا ويؤدب المسلم إلا أن يكون ممن يعذر
بجهالة وإن نكح كتابية من أهل الحرب كرهت ذلك له والنكاح جائز.
نكاح المرتد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ارتد المسلم فنكح مسلمة أو مرتدة أو مشركة أو وثنية
فالنكاح باطل أسلما أو أحدهما أو لم يسلما ولا أحدهما فإن أصابها فلها مهر مثلها والولد لا حق ولا حد
وإن كان لم يصبها فلا مهر ولا نصف ولا متعة وإذا أصابها فلها مهر مثلها ولا يحصنها ذلك ولا تحل به
لزوج لو طلقها ثلاثا لأن النكاح فاسد وإنما أفسدته لأنه مشرك لا يحل له نكاح مسلمة أو مشرك ولا
يترك على دينه بحال ليس كالذمي الآمن على ذمة للجزية يؤديها ويترك على حكمه ما لم يتحاكم إلينا ولا
مشرك حربي يحل تركه على دينه والمن عليه بعدما يقدر عليه وهو مشرك عليه أن يقتل وليس لأحد المن
عليه ولا ترك قتله ولا أخذ ماله (قال الشافعي) ولا يجوز نكاح المرتدة وإن نكحت فأصيبت فلها مهر
مثلها ونكاحها مفسوخ والعلة في فسخ نكاحها العلة في فسخ نكاح المرتد.
كتاب الصداق
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي المطلبي قال: قال الله عز وجل
(وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) وقال عز وجل (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف))
وقال (أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) وقال
(ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) و قال عز ذكره (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج
وآتيتم وإحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) وقال (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على
بعض وبما أنفقوا من أموالهم) وقال (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله)
(قال الشافعي) فأمر الله الأزواج بأن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن والاجر هو الصداق والصداق هو
الاجر والمهر وهي كلمة عربية تسمى بعدد أسماء فيحتمل هذا أن يكون مأمورا بصداق من فرضه دون
من لم يفرضه دخل أو لم يدخل لأنه حق ألزمه المرء نفسه فلا يكون له حبس شئ منه إلا بالمعنى الذي
جعله الله تعالى له وهو أن يطلق قبل الدخول قال الله تبارك وتعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن
وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) ويحتمل أن
يكون يجب بالعقدة وإن لم يسم مهرا ولم يدخل ويحتمل أن يكون المهر لا يلزم أبدا إلا بأن يلزمه المرء
نفسه ويدخل بالمرأة وإن لم يسم مهرا فلما احتمل المعاني الثلاث كان أولاه يقال به ما كانت عليه
الدلالة من كتاب أو سنة أو إجماع واستدللنا بقول الله عز وجل (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم
62

تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) أن عقد النكاح يصح بغير
فريضة صداق وذلك أن الطلاق لا يقع إلا على من عقد نكاحه وإذا جاز أن يعقد النكاح بغير مهر
فيثبت فهذا دليل على الخلاف بين النكاح والبيوع والبيوع لا تنعقد إلا بثمن معلوم والنكاح ينعقد بغير
مهر استدللنا على أن العقد يصح بالكلام به وأن الصداق لا يفسد عقده أبدا فإذا كان هكذا فلو عقد
النكاح بمهر مجهول أو حرام فثبتت العقدة بالكلام وكان للمرأة مهر مثلها إذا أصيبت وعلى أنه لا
صداق على من طلق إذا لم يسم مهرا ولم يدخل وذلك أنه يجب بالعقدة والمسيس وإن لم يسم مهرا
بالآية لقول الله عز وجل (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي ان يستنكحها خالصة لك
من دون المؤمنين)) يريد والله تعالى أعلم النكاح والمسيس بغير مهر ودل قول الله عز وجل (وآتيتم
إحداهن قنطارا) على أن لا وقت في الصداق كثر أو قل لتركه النهى عن القنطار وهو كثير وتركه حد
القليل ودلت عليه السنة والقياس على الاجماع فيه فأقل ما يجوز في المهر أقل ما يتمول الناس وما لو
استهلكه رجل لرجل كانت له قيمة وما يتبايعه الناس بينهم فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم (أدوا العلائق) قيل: وما العلائق يا رسول الله؟ قال (ما تراضى به
الأهلون) (قال الشافعي) ولا يقع اسم علق إلا على شئ مما يتمول وإن قل ولا يقع اسم مال ولا علق
إلا على ماله قيمة يتبايع بها ويكون إذا استهلها مستهلك أدى قيمتها وإن قلت وما لا يطرحه الناس
من أموالهم مثل الفلس وما يشبه ذلك والثاني كل منفعة ملكت وحل ثمنها مثل كراء الدار وما في
معناها مما تحل أجرته (قال الشافعي) والقصد في الصداق أحب إلينا وأستحب أن لا يزاد في المهر على
ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وبناته وذلك خمسمائة درهم طلبا للبركة في موافقة كل
أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن
محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن أبي سلمة قال سألت عائشة كم كان صداق النبي صلى الله عليه
وسلم؟ قالت كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونش قالت أتدري ما النش؟ قلت لا قالت
نصف أوقية أخبرنا سفيان بن عيينة عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لما قدم المدينة أسهم الناس المنازل فطار سهم عبد الرحمن بن عوف على سعد بن الربيع فقال له
سعد تعال حتى أقاسمك مالي وأنزل لك عن أي امرأتي شئت وأكفيك العمل فقال له عبد الرحمن
بارك الله لك في أهلك ومالك دلوني على السوق فخرج إليه فأصاب شيئا فخطب امرأة فتزوجها فقال
له رسول الله صلى الله عليه وسلم (على كم تزوجتها يا عبد الرحمن؟) قال على نواة من ذهب فقال (أو لم
بشاة) (قال الشافعي) أخبرنا مالك قال حدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك أن عبد
الرحمن بن عوف جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أو لم ولو بشاة) (قال الشافعي) فكان بينا في
كتاب الله عز وجل أن على الناكح الواطئ صداقا لما ذكرت ففرض الله في الإماء أن ينكحن بإذن
أهلهن ويؤتين أجورهن والاجر الصداق وبقوله ((فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) وقال عز وجل
(وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) الآية (قال الشافعي) خالصة بهبة ولا مهر فأعلم أنها للنبي صلى
الله عليه وسلم دون المؤمنين قال فأي نكاح وقع بلا مهر فهو ثابت ومتى قامت المرأة بمهرها فلها أن
يفرض لها مهر مثلا وكذلك إن دخل بها الزوج ولم يفرض لها فلها مهر مثلها ولا يخرج الزوج من أن
63

ينكحها بلا مهر ثم يطلق قبل الدخول فيكون لها المتعة وذلك المواضع الذي أخرج الله تعالى به الزوج
من نصف المهر المسمى إذا طلق قبل أن يدخل بها وسواء في ذلك كل زوجة حرة مسلمة أو ذمية وأمة
مسلمة ومدبرة ومكاتبة وكل من لم يكمل فيه العتق قال الله عز وجل (وإن طلقتموهن من قبل أن
تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) فجعل الله تعالى الفرض في ذلك إلى الأزواج فدل
على أنه برضا الزوجة لأن الفرض على الزوج للمرأة ولا يلزم الزوج والمرأة إلا باجتماعهما ولم يحدد فيه
شئ فدل كتاب الله عز وجل على أن الصداق ما تراضى به المتناكحان كما يكون البيع ما تراضى به
المتبايعان وكذلك دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجز في كل صداق مسمى إلا أن يكون
ثمنا من الأثمان (قال الشافعي) وكل ما جاز أن يكون مبيعا أو مستأجرا بثمن جاز أن يكون صداقا وما
لم يجز فيهما لم يجز في الصداق فلا يجوز الصداق إلا معلوما ومن عين يحل بيعها نقدا أو إلى أجل وسواء
قل ذلك أو كثر فيجوز أن ينكح الرجل المرأة على الدرهم وعلى أقل من الدرهم وعلى الشئ يراه بأقل
من قيمة الدرهم وأقل ما له ثمن إذا رضيت المرأة المنكوحة وكانت ممن يجوز أمرها في مالها (قال
الشافعي) يجوز وز أن تنكحه على أن يخيط لها ثوبا أو يبنى لها دارا أو يخدمها شهرا أو يعمل لها عملا
ما كان أو يعلمها قرآنا مسمى أو يعلم لها عبدا وما أشبه هذا (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي حازم
عن سهل بن سعد أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك
فقامت قياما طويلا فقام رجل، فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم (هل عندك من شئ تصدقها إياه)) فقال ما عندي إلا إزاري هذا قال فقال النبي
صلى الله عليه وسلم (إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس لها شيئا) فقال ما أجد شيئا فقال
(التمس ولو خاتما من حديد) فالتمس فلم يجد شيئا فقال ما أجد شيئا فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم (هل معك من القرآن شئ) قال نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم (قد زوجتكها بما معك من القرآن) (قال الشافعي) وخاتم الحديد لا يسوى قريبا من
الدراهم ولكن له ثمن يتبايع به (قال الشافعي) وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أدوا
العلائق) فقالوا وما العلائق؟ قال (ما تراضى به الأهلون) وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(من استحل بدرهم فقد استحل) (قال الشافعي) وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز نكاحا
على نعلين وبلغنا أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال في ثلاث قبضات من زبيب مهر،
أخبرنا سفيان عن أيوب بن موسى عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال تسرى رجل بجارية فقال رجل
هبها لي فذكر ذلك لسعيد بن المسيب فقال لم تحل الموهوبة لاحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولو
أصدقها سوطا فما فوقه جوز، أخبرنا إبراهيم بن محمد قال سألت ربيعة عما يجوز في النكاح فقال درهم
فقلت فأقل؟ قال ونصف قالت فأقل؟ قال نعم وحبة حنطة أو قبضة حنطة.
في الصداق بعينه يتلف قبل دفعه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإذا تزوجها على شئ مسمى فذلك لازم له إن مات أو ماتت
قبل أن يدخل بها أو دخل بها إن كان نقدا فالنقد وإن كان دينا فالدين أو كيلا موصوفا فالكيل أو
عرضا موصوفا فالعرض، وإن كان عرضا بعينه مثل عبد أو أمة أو بغير أو بقرة فهلك ذلك في يديه
64

قبل أن يدفعه ثم طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف قيمته يوم وقع عليه النكاح وذلك يوم ملكته ما لم
يحدث لها منعا فإن طلبته فمنعها منه فهو غاصب ولها قيمته أكثر ما كانت قيمته (قال الربيع) وللشافعي
قول آخر أنه إذا أصدقها شيئا فتلف قبل أن تقبضه كان لها صداق مثلها كما لو اشترت منه شيئا فتلف
قبل أن تقبضه رجعت بالثمن الذي أعطته وهكذا ترجع ببضعها وهو ثمن الشئ الذي أصدقها إياه وهو
صداق المثل (قال الربيع) وهذا آخر قول الشافعي قال فإن نكحته على خياطة ثوب بعينه فهلك فلها
عليه مثل أجر خياطة ذلك الثوب وتقوم خياطته يوم نكحها فيكون عليه مثل أجره (قال الربيع) رجع
الشافعي عن هذا القول وقال لها صداق مثلها (قال الربيع) (قال الشافعي) وإذا أصدقها شيئا فلم
يدفعه إليها حتى تلف في يده فإن دخل بها فلها صداق مثلها وإن طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف
صداق مثلها وإنما ترجع في الشئ الذي ملكته ببضعها فترجع بثمن البضع كما لو اشترت شيئا بدرهم
فتلف الشئ رجعت بالذي أعطته لأنه لم يعطها العوض من ثمن الدرهم فكذلك ترجع بما أعطت وهو
البضع وهو صداق المثل وهو آخر قول الشافعي قال وإن نكحته على شئ لا يصلح عليه الجعل مثل ان
يقول أنكحتك على أن تأتيني بعبدي الآبق أو جملي الشارد فلا يجوز الشرط والنكاح ثابت ولها مهر
مثلها لأن إتيانه بالضالة ليس بإجارة تلزمه ولا شئ له غاية تعرف وتمليكها إياه بضعها فهو مثل أن
تعطيه دينارا على أن يفعل أحد هذين فإذا جاءها لما جعلت له عليه فله الدينار وإن لم يأتها به فلا دينار
له ولا يملك الدينار إلا بأن يأتيها بما جعلت له عليه وهي هناك ملكته بضعها قبل أن يأتيها بما جعلت له
قال وما جعلت لها فيه عليه الصداق إذا مات أو ماتت قبل إصابتها أو بعد إصابتها (1) صداق مثلها
فطلقها فيه قبل أن يدخل بها فلها نصف المسمى الذي جعل لها ونصف العين التي أصدقها إن كان قائما
وإن فات فنصف صداق مثلها وذلك مثل أن يتزوجها على خياطة ثوب فيهلك فيكون لها نصف
صداق مثلها لأن بضعها الثمن وإن انتقصت الإجارة بهلاكه كان لها نصف الذي كان ثمنا للإجارة كما
يكون في البيوع قال وإذا أوفاها ما أصدقها فأعطاها ذلك دنانير أو دراهم ثم طلقها قبل أن يدخل بها
رجع عليها بنصفه وإن هلك فنصف مثله، وكذل الطعام المكيل والموزون فإن لم يوجد له مثل فمثل
نصف قيمته.
فيمن دفع الصداق ثم طلق قبل الدخول
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أصدق الرجل المرأة دنانير أو دراهم فدفعها إليها ثم طلقها
قبل أن يدخل بها والدنانير والدراهم قائمة بأعيانها لم تغير وهما يتصادقان على أنها هي بأعيانها رجع عليها
بنصفها وهكذا إن كانت تبرا من فضة أو ذهب فإن تغير شئ من ذلك في يدها إما بأن تدفن الورق
فيبلى فينقص أو تدخل الذهب النار فينقص أو تصوغ الذهب والورق فتزيد قيمته أو تنقص في النار
فكل هذا سواء ويرجع عليها بمثل نصفه يوم دفعه إليها لأنها ملكته بالعقدة وضمنته بالدفع فلها زيادته
وعليها نقصانه فإن قال الزوج في النقصان أنا آخذه ناقصا فليس لها دفعه عنه إلا في وجه واحد إن
كان نقصانه في الوزن وزاد في العين فليس له أخذه في الزيادة في العين وإنما زيادته في مالها أو تشاء

(1) قوله: صداق مثلها، كذا في الأصول في هذا الوضع، ولعله من زيادة النساخ، تأمل. كتبه مصححه
65

هي في الزيادة أن تدفعه إليه زائدا غير متغير عن حاله فليس له إلا ذلك قال ولو كان أصدقها حليا
مصوغا أو وناء من فضة أو ذهب فانكسر كان كما وصفت لها وعليها أن ترد عليه نصف قيمته يوم دفعه
مصوغا ولو كان إناءين فانكسر أحدهما وبقى الآخر صحيحا كان فيها قولان أحدهما أن له أن يرجع
بنصف قيمتهما إلا أن يشاء أن يكون شريكا لها في الاناء الباقي ويضمنها نصف قيمة المستهلك والآخر
أنه شريك في الباقي ويضمنها نصف قيمة المستهلك لا شئ له غير ذلك وهذا أصح القولين ولو زادت
هي فيهما صناعة أو شيئا أدخلته كان عليها أن تعطيه نصف قيمتهما يوم دفعهما إليها وإن كان الاناء ان من
فضة فانكسرا ثم طلقها رجع عليها بنصف قيمتهما مصوغين من الذهب وإن كانا من ذهب رجع عليها
بنصف قيمتهما مصوغين من فضة لأنه لا يصلح له أن يأخذ ورقا بورق أكثر وزنا منها ولا يتفرقان حتى
يتقابضا قال ولو كان الصداق فلوسا أو إناء من نحاس أو حديد أو رصاص لا يختلف هذا إلا في أن
قيمة هذا كله على الأغلب من نقد البلد دنانير إن كان أو دراهم ويفارق الرجل فيه صاحبه قبل أن
يقبض قيمتها لأنه لا يشبه الصرف ولا ما فيه الربا في النسيئة وكذلك لو أصدقها خشبة فلم تغير حتى
طلقها كان شريكا لها بنصفها ولو تغيرت ببلاء أو عفن أو نفص ما كان النقص كان عليها أن تعطيه
نصف قيمتها صحيحة إلا أن يشاء هو أن يكون شريكا لها بنصف جميع ما نقص من ذلك كله فلا
يكون لها دفعه عن ذلك ناقصا و القول في الخشبة، والخشبة معها كالقول في الاناء الذهب والآنية إذا
هلك بعض وبقى بعض وكذلك إذا زادت قيمتها بأن تعمل أبوابا أو توابيت أو غير ذلك كانت لها
ورجع عليها بنصف قيمتها يوم دفعها وإذا أرادت أن تدفع إليه نصفها أبوابا وتجعله شريكا في نصفها
توابيت لم يكن ذلك عليه إلا أن يتطوع وإن كانت التوابيت والأبواب أكثر قيمة من الخشب لأن
الخشب يصلح لما لا تصلح له التوابيت والأبواب وليس عليه أن يحول حقه في غيره وإن كان أكثر ثمنا
منه ولا يشبه في هذا الدنانير والدراهم التي هي قائمة بأعيانها لا يصلح منها شئ لما لا يصلح له غيرها
وهكذا لو أصدقها ثيابا فبليت رجع عليها بنصف قيمتها إلا أن يشاء أن يكون شريكا لها بالنصف بالية
فلا يكون لها دفعه عنه لأن ماله ناقص ولو أصدقها ثيابا فقطعتها أو صبغتها فزادت في التقطيع أو الصبغ
أو نقصها كان سواء ويرجع بنصف قيمتها ولو أراد أن يكون شريكا لها في الثياب المقطعة أو المصبوغة
ناقصة أو أرادت أن يكون شريكا لها في الثياب زائدة لم يجبر واحد منهما على ذلك إلا أن يكون يشاء
لأن الثياب غير المتقطعة وغير المصبوغة تصلح وتراد لما لا يصلح له المصبوغة ولا تراد فقد تغيرت عن
حالها التي أعطاها إياها وكذا لو أصدقها غزلا فنسجته رجع عليها بمثل نصف الغزل إن كان له مثل وإن
لم يكن له مثل رجع بمثل نصف قيمته يوم دفعه. وكل ما قلت يرجع بمثل نصف قيمته فإنما هو يوم
يدفعه لا ينظر إلى نقصانه بعد ولا زيادته لأنها كانت مالكة له يوم وقع العقد وضامنة يوم وقع القبض
إن طلقها فنصفه قائما أو قيمة نصفه مستهلكا (قال الشافعي) ولو أصدقها آجرا فبنت به أو خشبا
فأدخلته في بنيان أو حجارة فأدخلتها في بنيان وهي قائمة بأعيانها فهي لها ويرجع عليها بنصف قيمتها
يوم دفعها إليها لأنها بنت ما تملك وإنما صار له النصف بالطلاق وقد استعملت هذا وهي تملكه فلا
يخرج من موضعه إلا أن تشاء هي وإن خرج بحاله كان شريكا فيه وإن خرج ناقصا لم يجبر على أخذه
إلا أن يشاء وله نصف قيمته، وإذا نكح الرجل المرأة على أن يخدم فلانا شهرا فخدمه نصف شهر ثم
مات كان لا في ماله نصف مهر مثلها ولو نكحته على أن يحملها على بعير بعينه إلى بلد فحملها إلى
نصف الطريق ثم مات البعير كان لها في ماله نصف مهر مثلها ونصف مهر مثلها كالثمن يستوجبه به ألا
66

ترى أنها لو تكارت معه بعيره بعشرة فمات البعير في نصف الطريق رجعت بخمسة.
صداق ما يزيد ببدنه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أصدقها أمة وعبدا صغيرين ودفعهما إليها فكبرا أو غير عالمين
ولا عاملين فعلما أو عملا أو أعميين فأبصرا أو أبرصين فبرئا أو مضرورين أي ضرر كان فذهب ضررهما
أو صحيحين فمرضا أو شابين فكبرا أو اعورا أو نقصا في أبدانهما والنقص والزيادة إنما هي ما كان قائما
في البدن لا في السوق بغير ما في البدن ثم طلقها قبل أن يدخل بها كانا لها وكان عليها ان تعطيه
انصاف قيمتهما يوم قبضتهما الا ان تشاء ان تدفعهما إليه زائدين فلا يكون له الا ذلك الا أن تكون
الزيادة غيرتهما بأن يكونا صغيرين فكبرا كبرا بعيدا من الصغير فالصغير يصلح لما لا يصلح له الكبير
فيكون له نصف القيمة وإن كانا ناقصين دفعت إليه أنصاف قيمتهما إلا أن يشاء أن يأخذهما ناقصين
فليس لها منعه إياهما لأنها لها منعه الزيادة فأما النقص عما دفع إليها فليس لها ولها إن كانا صغيرين
فكبرا أن تمنعه إياهما وإن كانا ناقصين لأن الصغير غير الكبير وأنه يصلح كل واحد منهما لما يصلح له
الآخر (قال الشافعي) ولو كانا بحالهما إلا أنهما اعورا لم يكن لها منعه أن يأخذهما أعورين لأن ذلك ليس
بتحول من صغر ولا كبر الكبير بحاله والصحيح خير من الأعور، وهذا كله ما لم يقض له القاضي بأن
يرجع بنصف العبد فإذا قضى له بأن يرجع بنصف العبد فمنعته فهي ضامنة لما أصاب العبد في يديها
إن مات ضمنت نصف قيمته أو أعور أخذ نصفه وضمنها نصف العور فعلى هذا الباب كله وقياسه
(قال الشافعي) والنخل والشجر الذي يزيد وينقص في هذا كله كالعبيد والإماء لا تخالفها في شئ ولو
كان الصداق أمة فدفعها إليها فولدت أو ماشية فنتجت في يديها ثم طلقها ثلاثا قبل أن يدخل بها كان
لها النتاج كله وولد الأمة إن كانت الأمة والماشية زائدة أو ناقصة فهي لها ويرجع عليها بنصف قيمة
الأمة والماشية يوم دفعها إليها إلا أن يشاء أن يأخذ نصف الأمهات التي دفعها إليها ناقصة فيكون ذلك
له إلا أن يكون نقصها مع تغير من صغر إلى كبر فيكون نصفها بالعيب أو تغير البدن وإن كان نقصا من
وجه بلوغ سن كبر زائد فيه من وجه غيره ولا يكون له أخذ الزيادة وإنما زادت في مالها لها وإن كان
دفعها كبارا فكان نقصها من كبر أو هرم كان ذلك له لأن الهرم نقص كله لا زيادة ولا يجبر على أخذ
الناقص إلا أن يشاءه. وهكذا الأمة إذا ولدت فنقصتها الولادة فاختار أخذ نصفها ناقصة لا يختلفان
في شئ إلا أن أولاد الأمة إن كانوا معها صغارا رجع بنصف قيمتها لئلا يفرق بينها وبين ولدها في
اليوم الذي يستخدمها فيه لأني لا أجبره في يومه على أن ترضع مملوك غيره ولا تحضنه فتشتغل به عن
خدمته ولا أمنع المولود الرضاع فأضربه فلذلك لم أجعل له إلا نصف قيمتها، وإن كانوا كبارا كان له
أن يرجع بنصف الام ولا يجبر على ذلك لأنها والدار على غير حالها قبل أن تلد وإن زادت بعد الولادة لم
تجبر المرأة على أن تعطيه نصفها وتعطيه نصف قيمتها، وإذا أعطته نصفها متطوعة أو كانت غير زائدة
فرق بينها وبين ولدها في اليوم الذي يستخدمها فيه، فإذا صار إليه نصفها فما ولدت بعد من ولد فبينه
وبينها (قال الشافعي) وهكذا إن كانت الجارية والماشية والعبيد الذين أصدقها أغلوا لها غلة أو كان
الصداق نخلا فأثمر لها فما أصابته من ثمره كان لها كله دونه لأنه في ملكها، ولو كانت الجارية حبلى أو
67

الماشية مخاضا ثم طلقها كان له نصف قيمتها يوم دفعها لأنه حادث في ملكها ولا أجبره أيضا إن أرادت
المرأة على أخذ الجارية حبلى أو الماشية مخاضا من قبل الخوف على الحبل وأن غير المخاض يصلح لما
يصلح له المخاض ولا نجبرها إن أراد على أن تعطيه جارية حبلى وماشية مخاضا وهي أزيد منها غير حبلى
ولا ماخض في حال و الجارية أنقص في حال وأزيد في أخرى، قال: ولو كان الصداق نخلا فدفعها
إليها لا تمر فيها فأثمرت فالثمرة كلها لها كما يكون لها نتاج الماشية وغلة الرقيق وولد الأمة، فإن طلقها قبل
أن يدخل بها والنخل زائدة رجع بنصف قيمة النخل يوم دفعها إليها إلا أن تشاء أن تعطيه نصفها زائدة
بالحال التي أخذتها به في الشباب لا يكون لها إلا نصفها وإن كانت زائدة وقد ذبلت وذهب شبابها لم
يكن ذلك عليه لأنها وإن زادت يومها ذلك بثمرتها فهي متغيرة إلى النقص في شبابها فلا يجبر على
ذلك إلا أن يشاء وإنما يجبر على ذلك إذا دفعتها مثل حالها حين قبضتها في الشباب أو أحسن ولم تكن
ناقصة من قبل الترقيل للنقص فيه، وإن طلقها ولم يتغير شابها أو قد نقصت وهي مطلعة فأراد
أخذ نصفها بالطلع لم يكن ذلك له وكانت مطلعة كالجارية الحبلى والماشية الماخض لا يكون له أخذها
لزيادة الحبل والماخض مخالفة لها في أن الاطلاع لا يكون مغيرا للنخل عن حال أبدا إلا بالزيادة ولا
تصلح النخل غير المطلعة لشئ لا تصلح له مطلعة فإن شاءت أن تدفع إليه نصفها مطلعة فليس له إلا
ذلك لما وصفت من خلاف النخيل للنتاج والحمل في أن ليس في الطلع إلا زائد وليس مغيرا قال وإن
كان النخل قد أثمر وبدا صلاحه فهكذا وكذلك كل شجر أصدقها إياه فأثمر لا يختلف يكون لها وله
نصف قيمته إلا أن تشاء هي أن تسلم له نصفه ونصف الثمرة فلا يكون له إلا ذلك إن لم يتغير الشجر
بأن يرقل ويصير فحاما فإذا صار فحاما أو نقص بعيب دخله لم يكن عليه أن يأخذه بتلك الحال، ولو
شاءت هي إذا طلقها والشجر مثمر أن تقول اقطع الثمرة ويأخذ نصف الشجر ان لها إذا لم يكن في
قطع الثمرة فساد للشجر فيما يستقبل فإن كان فيها فساد لها فيما يستقبل فليس عليه أن يأخذها معيبة إلا أن
يشاء، ولو شاءت أن تترك الشجرة حتى تستجنيها وتجدها ثم تدفع إليه نصف الشجر لم يكن ذلك عليه
لأن الشجر قد يهلك إلى ذلك ولا يكون عليه أن يكون حقه حالا فيؤخره إلا أن يشاء، ويأخذها
بنصف قيمتها في هذه الأحوال كلها إذا لم يتراضيا بغير ذلك، ولو شاء أن تؤخرها حتى تجد الثمرة ثم
يأخذ نصف الشجر والنخل لم يكن ذلك عليها من وجهين. أحدهما: أن الشجر والنخل يزيد إلى
الجداد، والآخر أنه لما طلقها و فيها الزيادة وكان محولا دونها كانت مالكة لها دونه وكان حقه قد تحول
في قيمته فليس عليها أن يحول إلى غير ما وقع له عند الطلاق ولا حق له فيه.
صداق الشئ بعينه لا يدفع حتى يزيد أو ينقص
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) ولو أصدقها أمة أو ماشية فلم يدفعها إليها حتى تناتجت في
يديه ثم طلقها قبل أن يدخل بها كان لها النتاج كله دونه لأنه نتج في ملكها ونظر إلى الماشية فإن كانت
بحالها يوم أصدقها إياها وأزيد فهي لها ويرجع عليها بنصف الماشية دون النتاج، وإن كانت ناقصة عن
حالها يوم أصدقها إياها كان لها الخيار فإن شاءت أخذت منه أنصاف قيمتها يوم أصدقها إياها وإن

(1) قوله: من قبل الترقيل وقوله بعد " بان يرقل " كذا في الأصل وانظره. كتبه مصححه
68

شاءت أخذت أنصافها ناقصة، وهكذا لو كانت أمة فولدت أو عبيدا فأغلوا (قال الربيع) والشافعي
قول آخر أنها إن شاءت أخذت نصفها ناقصة وإن شاءت رجعت بنصف مهر مثلها وهو أصح قوليه
وآخر قوليه (قال الشافعي) وإن كان النتاج أو ولد الجارية هل في يديه أو نقص وقد سألته دفعه فمنعها
منه فهو ضامن لقيمته في أكثر ما كانت قيمة قط وضامن لنقصه ويدفعه كضمان الغاصب لأنه كان
عليه أن يدفعه فمنعه ولم يدفعه (قال الشافعي) ولو عرض عليها أن يدفع إليها الأمة فأقرتها في يديه قبل
أن تقبضها منه أو لم يمنعها فمنعه ولم يدفعه (قال الشافعي) ولو عرض عليها أن يدفع إليها الأمة فأقرتها في يديه قبل
أن تقبضها منه أو لم يمنعها دفعها ولم تسأله إياها كان فيها قولان أحدهما أنه لا يضمن الجارية إن
نقصت وتكون بالخيار في أن تأخذها ناقصة أو تدعها فإن ماتت رجعت بمهر مثلها والآخر أن يكون
كالغاصب ولكنه لا يأثم إثم الغاصب لأنه ضامن له ولا يخرجه من الضمان إلا أن يدفعه إليها أو إلى
وكيل لها بإذنها فإن دفعه إليها أو إلى وكيل لها بأذنها ثم ردته إليه بعد فهو عنده أمانة لا يضمن شيئا منه
بحال (قال الشافعي) وإذا لم يدفعه إليها فترده إليه فما أنفق عليه لم يرجع به وهو متطوع به ومتى جنى
عليه في يديه إنسان فأخذ له أرشا فلها الخيار إن أحبت فلها الأرش لأنه ملك بمالها وإن أحبت تركته
عليه لأنه ناقص عما ملكته عليه وإن كان منعها منه فأحبت ضمنت الزوج ما نقص في يديه قال وما
باع الزوج منه أو من نتاج الماشية فوجد بعينه فالبيع مردود وإن فات فلها عليه قيمته لأنه كان مضمونا
عليه (1) ولا يكون له أن يأخذ الثمن الذي باع به لأنه متعد فيه وأن الشئ بعينه لو وجد كان البيع فيه
مردودا ولو أرادت إجازة البيع فيه إن كان قائما لم يجز البيع ولا يحلله هو أن يملكه لأنه ما لم يكن له
فلا يخرجه منه إلا رده على صاحبه الذي باعه أو أن يهبه له صاحبه الذي ابتاعه منه (قال الشافعي)
وإذا لقى صاحبه وقد فاتت السلعة في يديه فالمشترى ضامن لقيمتها يقاصه بها من الثمن الذي تبايعا به
ويترادان الفضل عند أيهما كأن كان ثمنها مائة دينار وقيمتها ثمانون فيرجع المشترى على البائع بعشرين
وكذلك لو كان ثمنها ثمانين وقيمتها مائة رجع البائع على المشترى الذي هلكت في يديه بعشرين قال
وإنما فرقت بين ثمن ما باع من مالها وبين أرش ما أخذ فيما جنى على مالها من قبل أنها هي لم يكن لها
فيما جنى على مالها إلا الأرش أو تركه ولها فيما بيع من مالها أن ترده بعينه وإن فات فلها عليه قيمته
ولا يكون لها ان تملك ثمنه إن كان (2) أكثر من ثمنه لأنه لم يكن لها إجازة بيعه والفضل عن ثمنه لمبتاعه
البيع الذي لا يجوز لأنه ضامن له بالقيمة قال ولو أصدقها نخلا أو شجرا فلم يدفعه إليها حتى أثمرت في
يديه فجعل الثمر في قوارير جعل عليه صقرا من صقر نخلها أو جعله في قرب كان لها أخذ الثمر بالصقر
وأخذه محشوا وله نزعه من القوارير والقرب لأنها له إن كان نزعه لا يضر بالثمر فإن كان إذا نزع من القرب
فسد ولم يكن سقى بشئ عمل به كان لها أن تأخذه وتنزع عنه قربه وتأخذ منه ما نقصه لأنه أفسده إلا
أن يتطوع بتركها وهكذا كل ثمرة رببها أو حشاها على ما وصفت وإن كان ربب الثمرة برب من عنده
كان لها أن تأخذ الثمرة وتنزع عنها الرب إن كان ذلك لا يضربها ولا ينقصها شيئا وإن كان ينقصها شيئا
نزعت عنها الربو أخذت قيمة ما نقصها بالغة ما بلغت وأجرة نزعها من الرب لأنه المتعدى فيه (قال
الشافعي) وكلما أصيبت به الثمرة في يديه من حريق أو جراد أو غيره فهو ضامن له إن كان له مثل

(1) قوله: ولا يكون له ان يأخذ الخ كذا في النسخ بضمير التذكير والوجه " لها ان تأخذ " اي الزوجة، وانظر.
(2) قوله: أكثر من ثمنه، وقوله " والفضل عن ثمنه " كذا في الأصول ولعله محرف " عن قيمته " في
الوضعين، وتأمل. كتبه مصححه
69

فمثله وإن لم يكن له مثل فمثل قيمته وإن بقي منه شئ فقيمة ما نقصه وهو كالغاصب فيما لا يضمن لا
يخالف حاله حاله في شئ إلا في شئ واحد يعذر فيه بالشبهة إن كان ممن يجهل أو تأول فأخطأ ذلك
ولو كان أصدقها جارية فأصابها فولدت له ثم طلقها قبل الدخول وقال كنت أراها لا تملك إلا نصفها
حتى تدخل فأصبتها وأنا أرى أن لي نصفها قوم الولد عليه يوم يسقط ويلحق به نسبة وكان لها مهر مثل
الجارية وإن شاءت أن تسترق الجارية فهي لها وإن شاءت أخذت قيمتها أكثر ما كانت قيمتها يوم
أصدقها أو يوم أحبلها وكانت الجارية له ولا تكون أم ولد بذلك الولد ولا تكون أم ولد له إلا بوطئ
صحيح وإنما جعلت لها الخيار لأن الولادة تغيرها عن حالها يوم أصدقها إياها قبل تلد (قال الشافعي)
ولو أصدقها أرضا فدفعها إليها فزرعتها أو أزرعتها أو وضعت فيها حبابا ثم طلقها قبل أن يدخل بها وفيها
زرع قائم رجع عليها بنصف قيمة الأرض لا أجعل حقه في الأرض مستأخرا وهو حال ولا أجعل عليه
أن ينتظر الأرض حتى تفرغ ثم يأخذ نصفها لأنها إن كانت مشغولة في ملكها فصار حقه في قيمة لم
يتحول في غيرها إلا أن يجتمعا على ذلك جميعا فيجوز ما اجتمعا عليه فيه وكذلك إن كانت حرثتها ولم
تزرعها ولو كانت غرستها أو بنت فيها كان له قيمتها يوم دفعها إليها (قال الشافعي) ولو كانت زرعتها
وحصدتها ثم طلقها وهي محصودة فله نصف هذه الأرض إلا أن يكون الزرع فيها زائدا لها فلا يكون له
أن يأخذها زائدة إلا أن تشاء هي فلا يكون له غيرها وإن كان الزرع نقصها فله نصف قيمتها ولا يكون
عليه أن يأخذها ناقصة إلا أن يشاء هو أخذها فإذا شاء هو أخذها وهي ناقصة لم يكن لها منعه من
نصفها.
المهر والبيع
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو نكحها بألف على أن تعطيه عبدا يسوى ألفا فدفعت إليه
ودفع إليها الألف ثم طلقها قبل أن يدخل بها ففيها قولان أحدهما أن المهر المسمى كالبيع فلا يختلف في
هذا الموضع ومن قال هذا قال لأنه يجوز في شرطه مسمى ما يجوز في البيع ويرد فيه ما يرد في البيع
فبهذا أجزنا أن يكون مع النكاح مبيعا غيره ولم نرده لأنه يملك كله فإن انتقض الملك في الصداق
بالطلاق فقد ينتقض في البيع بالشفعة ثم لا نمنع ما فيه الشفعة أن يكون كالبيوع فيما سوى هذا قال
وهذا جائز لا نفسخ صداقها ولا نرده إلى صداق مثلها وهو على ما تراضيا عليه والثاني أنه لا يكون مع
الصداق بيع وإذا وقع مثل هذا أثبتنا النكاح وكان لها صداق مثلها ورد البيع إن كان قائما وإذا كان
مستهلكا فقيمته وبه يقول الشافعي قال وأصل معرفة هذا أن تعرف قيمة العبد الذي ملكته هي زوجها
مع تمليكها إياه عقد نكاحها فإن كان قيمة العبد ألفا وصداق مثلها ألفا فأقسم المهر وهو ألف على قيمة
العبد وعلى صداق مثلها فيكون العبد مبيعا بخمسمائة ويكون صداقها خمسمائة فينفذ العبد مبيعا
بخمسمائة فإن قبض العبد ودفع إليها الألف ثم طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها من الصداق بمائتين
وخمسين وذلك نصف ما أصدقها ولو مات العبد في يدها قبل يقبضه انتقض فيه البيع ورجع عليها
بقيمة خمسمائة وكان الباقي صداقها فإن طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها من الصداق بمائتين
وخمسين وإن لم يكن دفع الصداق دفع إليها مائتين وخمسين ولو لم يمت العبد ولكنه دخله العيب كان
له الخيار في أخذه معيبا بجميع الثمن أو نقض البيع فيه قال ولو كان أصدقها عبدا بعينه على أن زادته
70

ألف درهم كانت كالمسألة الأولى ينظر فإن كانت قيمة العبد ألفا ومهر مثلها ألفا وزيادتها إياه ألفا فلها
نصف العبد بالصداق ونصفه الآخر بالألف فإن طلقها قبل الدخول بها رجع عليها ربع العبد وكان لها
ثلاثة أرباعه نصفه بالألف وربعه بنصف المهر قال ومن أجاز هذا قال إنما منعني أن أنقض البيع كله
إذا انتقض بعضه بالطلاق أنى جعلت ما أعطاها مقسوما على الصداق والبيع فما أصاب الصداق
ونصف الصداق كالمستهلك لأن النكاح لا يرد كما ترد البيوع فلم يكن لي أن أرد البيع كله وبعضه
مستهلك إنما أرد البيع كله إذا كان المبيع قائما بعينه فإذا ذهب بعضه لم أرد الباقي منه بحال فأكون قد
نقضت البيعة ورددت بعضها دون بعض قال ولو تزوجها بعبد بعينه وألف درهم على أن تعطيه عبدا
بعينه ومائة دينار وتقابضا قبل أن يتفرقا كان النكاح جائزا وينظر إلى قيمة العبد الذي تزوجها عليه مع
الألف فإن كان ألفا فالصداق ألفان فيقسم الألفان على مهر مثلها والعبد الذي أعطته والمائة الدينار فإن
كان صداق مثلها ألفا وقيمه العبد الذي أعطته ألفا وقيمة المائة الدينار ألفين فالعبد الذي أعطته مبيع
بخمسمائة والمائة الدينار مبيعة بألف وصداقها خمسمائة لأن ذلك كله في العبد الذي أصدقها والدراهم
الألف يملك بكل شئ فما أعطته من عقدتها والعبد والمائة الدينار بقدر قيمته من العبد والألف فإن
طلقها قبل أن يدخل بها سلمت له المائة والعبد ورجع عليها بمائتين وخمسين في كل ما أعطاها من
العبد بحصته ومن الألف بحصتها، فيكون له من الألف التي أعطاها مائة وخمسة وعشرين، ومن
العبد قيمة مائة وخمسة وعشرين وذلك ثمنه، وإن كانا لم يتقابضا قبل أن يتفرقا فسد الصداق لأن فيه
صرفا مستأخرا وما كان فيه صرف لم يصلح أن يتفرقا حتى يتقابضا ولها صداق مثلها، قال: ولو
أصدقها ألفا على أن ردت إليه ألفا أو خمسمائة كان النكاح ثابتا والصداق باطلا ولها مهر مثلها لا تجوز
الدراهم بالدراهم إلا معلومة ومثلا بمثل، وأقل ما في هذا أن الخمسمائة وقعت من الألف بما لا يعرف
عند عقد البيع ألا ترى أن مهر مثلها يكون ألفا فتكون الخمسمائة بثلث الألف ويكون مائة فتكون
الخمسمائة بتسعمائة، ولو كان مهر مثلها خمسمائة لم يجز من قبب أن الصفقة وقعت ولا يدرى كم حصة
الدراهم التي أعطته من الدراهم التي أعطاها ولا يصلح فيهما حتى يفرق فيه عقد الصرف من عقد
البيع فتكون الدراهم بدراهم مثلها وزنا بوزن ويكون الصداق معلوما غيرها قال وإذا كانت الدنانير
بدراهم فكانت نقدا يتقابضان قبل ان يتفرقا فلا بأس بذلك لأنه لا بأس بالفضل في بعضها على
بعض يدا بيد، قال: ولو تزوجها على ثياب تسوى ألفا عى أن زادته ألفا وكان صداق مثلها ألفا فكان
نصف الثياب بيعا لها بالألف ونصفها صداقها فإن طلقها قبل الدخول فلها ثلاثة أرباع الثياب نصفها
بالبيع ونصف النصف بنصف المهر (قال الربيع) هذا كله متروك لأن الشافعي رجع عنه إلى قول آخر.
قال: ولو طلقها قبل الدخول ولم يكن دفع الثياب إليها حتى هلكت في يديه (1) ورد عليها الألف التي
قبض منها إن كان قبضها وإن لم يكن قبضها لم يدفع إلي منها شئ لأنه قد هلك ما اشترت منه قبل
قبضه فلا يلزمها ثمنه وأعطاها نصف مهر مثلها من قيمة الثياب وذلك ربع قيمة الثياب مائتان
وخمسون درهما فعلى هذا الباب كله وقياسه. قال: ولو تزوجها على أبيها وأبوها يسوى ألفا أو على
ابنها وابنها يسوى ألفا على أن زادته ألفا ومهر مثلها ألف فدفع إليها أباها أو لم يدفعه فسواء والنكاح ثابت
والمهر جائز وأبوها ساعة ملكته حر لأن ملكها إياه ساعة ملك عقدة نكاحها وكذلك ابنها إن كان هو

(1) قوله: ورد عليها الألف كذا في الأصول بالواو، ولعلها من زيادة الناسخ، تأمل. وحرر
71

الصداق ويلزمها أن تعطيه الألف التي زادته فإن طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بمائتين وخمسين
وذلك نصف صداقها لأن أباها كان بيع بخمسمائة فسلم لها حين عتق فصار صداقها خمسمائة فرجع
عليها بنصفها وهو مائتان وخمسون. فإن قال قائل: فأراك أنزلت صدقات النكاح منزلة البيوع وأنت
تقول المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا فيكون المرأة والرجل بالخيار في الصداق ما لم يتفرقا. قيل لا فإن
قال قائل: فما فرق بينهما؟ قيل إنا لما جعلنا ولم يخالفنا أحد علمناه النكاح كالبيوع المستهلكة فقلنا إذا
كان الصداق مجهولا فللمرأة مهر مثلها ولا يرد النكاح كما قلنا في البيع بالشئ المجهول يهلك في يدي
المشترى وفى البيع المعلوم فيه الخيار لصاحبه فيه قيمته حكمنا في النكاح إذا كان حكمه لا يرد عقده أنه
كبيع قد استهلك في يد مشتريه، ألا ترى لو أن رجلا اشترى من رجل عبدا على أنه بالخيار يومه أو
ساعته فمات قبل مضى وقت الخيار لزمه بالثمن لأنه ليس ثم عين ترد والنكاح ليس بعين ولا يكون
للمتناكحين خيار لما وصفت. قال: ولو تزوج الرجل المرأة فأصدقها ألفا وردت عليه خمسمائة درهم
فالنكاح ثابت والصداق باطل ولها مهر مثلها تقابضا قبل أن يتفرقا أو لم يتقابضا لأن حصة الخمسمائة
درهم من الألف مجهولة لأنها مقسومة على ألف وصداق مثلها. وهكذا لو تزوجها بألف على إن ردت
عليه ألفا كان الصداق باطلا وهي مثل المسألة قبلها وزيادة أنها لو كانت ألفا بألف وزيادة كان الربا في
الزيادة أو النكاح بلا حصة من المهر فيكون لها صداق مثلها ويبطل البيع في الألف. وهكذا لو نكحها
بمائة أردب حنطة على أن ردت عليه مائة أردب حنطة أو أقل أو أكثر. وهكذا كل شئ أصدقها إياه
وردت عليه شيئا منه مما في الفضل في بعضه على بعض الربا لم يجز فلا يجوز من هذا شئ حتى يسمى
حصة مهرها مما أصدقها وحصة ما أخذ منها، فإذا أصدقها ألفا على أن حصة مهرها خمسمائة وردت
عليه خمسمائة بخمسمائة وكان هذا فيما في بعضه على بعض الربا ففيها قولان (1) أحدهما: أن هذا
جائز. ومن قال هذا القول قال لو أصدق امرأتين ألفا كان النكاح ثابتا وقسمت الألف بينهما على مهور
مثلهما فكان لكل واحدة منهما فيها بقدر مهر مثلها كان مهر مثل أحدهما ألف ومهر الأخرى ألفان فيكون
لصاحبه الألف ثلث الألف ولصاحبه الألفين ثلثا لألف، ولو أصدقها أباها عتق ساعة عقد عليها
عقد النكاح ولم يحتج إلى أن يتفرقا كما يحتاج إليه في البيع ويتم تملكها الصداق بالعقد، وإن كان به
عيب ينقصه عشر قيمته رجعت عليه بعشر مهر مثلها، ولو طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بنصف
قيمة أبيها يوم قبضته منه، وكذا لو مات أبوها رجع بنصف قيمته يوم قبضته منه ولا يرد عتقه،
وكذلك لو أفلست أو أصدقها أباها وهي مفلسة ثم طلقها لم يكن له نصفه ولا للغرماء منه شئ لأنه
يعتق ساعة يتم ملكه بالعقد، ولو أصدقها أباها وهي محجورة كان النكاح ثابتا وصداق أبيها باطلا لأنه
لا يثبت لها عليه ملك وكان لها عليه مهر مثلها، وكذلك لو كانت محجورة فأمهرها أمها بأمر أبيها وهو
وليها أو ولى لها غيره لأنه ليس لأبيها وإلا لولى غيره أن يعتق عنها ولا يشترى لها ما يعتق عليها من ولد ولا
والد، قال ولو كانت غير محجورة فأصدقها أباها وقيمته ألف أو ألفان ثم طلقها قبل أن يدخل بها رجع
عليها بنصف قيمة أبيها وهي خمسمائة وخمسمائة نصف الألف، ولو أصدقها أباها وهو يسوى ألفا على
أن تعطيه أباه وهو يسوى ألفا وصداق مثلها ألف فأبوه بيع له بصداق مثلها وبأبيها ونصف أبيها لها

(1) قوله: أحدهما ان هذا الخ ذكر الثاني في قوله بعد " والقول الثاني انه لا يجوز ان يعقد الرجل نكاحا
بصداق الخ ". كتبه مصححه.
72

بالصداق ونصفه بأبيه فيعتق أبواهما معا، وإن طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليه بربع قيمة أبيها
وذلك مائتان وخمسون وهو نصف حصة صداق مثلها، قال ولو أصدقها عبدا يسوى ألفا وصداق
مثلها ألف على أن زادته عبدا يسوى ألفا فوجد بالعبد الذي أعطته عيبا كن فيها قولان. أحدهما: يرده
ينصف عبده الذي أعطاها لأنه مبيع بنصفه وكان لها نصف العبد الذي أعطاها فإن طلقها رجع عليها
بربع العبد الذي أصدقها وهو نصف صداقة إياها وكان لها ربعه لأنه نصف صداقها. والقول الثاني:
أنه إذا جاز أن يكون بيعا (1) أو نكاحا أو بيع أو إجارة لم يجز لو انتقص الملك في العبد الذي أصدقها
بعيب يرد به أو بأن يستحق أو بأن يطلقها فيكون له بعضه إلا أن تنتقض الصفقة كلها فترد عليه ما
أخذت منه ويرد عليها ما أخذ منها ويكون لها مهر مثلها، كما لو اشترى رجل عبدين فاستحق أحدهما
انتقض البيع في الثاني أو وجد بأحدهما عيبا فأبى إلا أن يرد انتقض البيع في الثاني إذا لم يرد أن
يحبس العبد على العيب، والقول الثاني أنه لا يجوز ان يعقد الرجل نكاحا بصداق على أن تعطيه المرأة
شيئا قل ولا كثر من بيع ولا كراء ولا إجارة ولا براءة من شئ كان لها عليه من قبل أنه إذا أصدقها
ألفين ومهر مثلها ألف فأعطته عبدا يسوى ألفا ثم طلقها قبل أن يدخل بها انتقض نصف حصة مهر
مثلها وثبت نصفها، فإن جعلت البيع منها نقضت نصفه ولم أجد شيئا جمعته صفقة ينتقض إلا معا
ولا يجوز إلا معا فإن جعلته ينتقض كله فقد انتقض بغير عيب ولا اتقاض نصف حصة عقدة النكاح
فدخله ما وصفت أولى من أن ينتقض بعض الصفقة دون بعض، وإن لم أجعله ينتقض بحال فقد
أجزت بيعا معه بغير ملك قد انتقض بعضه ووقع البيع عليه بحصة من الثمن غير معلومة لأن مهر مثلها
ليس بمعلوم حتى يسأل عنه ويعتبر بغيرها. فإن قال قائل: قد تجمع الصفقة بيع عبدين معا؟ قيل
نعم: يرقان فيسترقان معا وتنقض الصفقة في أحدهما فتنتقض في الآخر حين لم يتم البيع وليس هكذا
النكاح (قال الربيع) وبهذا يأخذ الشافعي وبه أخذنا. قال ومن قال هذا القول لم يجز أن ينكح الرجل
امرأتين بألف ولا يبين كم لكل واحدة منهما من الألف، وأثبت النكاح في كل ما وصفت وأجعل
لكل منكوحة على هذا صداق مثلها إن مات أو دخل بها ونصف صداق مثلها إن طلقها قبل أن يدخل
بها، وكذلك لا يجيز أن ينكح الرجل المرأة بألف على أن تبرئه من شئ كان لها عليه قبل النكاح ولا
ينكحها بالألف على أن تعمل له عملا ولا ينكحها بالألف على أن يعمل لها عملا لأن هذا نكاح
وإجارة لا تعرف حصة النكاح من حصة الإجارة ونكاح وبراءة لا تعرف حصة النكاح من حصة
البراءة. فعلى هذا، هذا الباب كله وقياسه (قال الربيع) وبه يقول الشافعي (قال الشافعي) وإذا
أصدقت المرأة العبد أو الأمة فكاتبتهما أو أعتقتهما أو وهبتهما أو باعتهما أو دبرتهما أ خرجا من ملكها ثم
طلقت قبل أنه يدخل بها لم ترد من ذلك شيئا إذا طلقها الزوج قبل أن يدخل بها ويرجع عليها بنصف
قيمة أي ذلك أصدقها يوم دفعه إليها، ولو دبرت العبد أو الأمة فرجعت في التدبير ثم طلقها والعبد
بحاله رجع في نصفه، وإن طلقها قبل أن ترجع في التدبير لم يجبر على أخذه وإن نقضت التدبير لأن
نصف المهر صار له والعبد أو الجارية محول دونه بالتدبير لا يجبر مالكه على نقض التدبير فلما لم يكن يجبر
عليه كان حقه مكانه في نصف قيمته فلا يتحول إلى عبد قد كان في ثمن بمشيئتها إذا لم تكن مشيئته
في أن يأخذ العبد أو الأمة ويقال له انقض التدبير.

(2) قوله: أو نكاحا أو بيعا أو إجارة، كذا في الأصول بأو، والظاهر الواو، فتأمل. كتبه مصححه
73

التفويض
أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي رحمه الله تعالى: التفويض الذي إذا عقد الزوج النكاح به
عرف أنه تفويض في النكاح أن يتزوج الرجل المرأة الثيب المالكة لأمرها برضاها ولا يسمى مهرا أو
يقول لها أتزوج على غير مهر فالنكاح في هذا ثابت فإن أصابها فلها مهر مثلها وإن لم يصبها حتى
طلقها فلا متعة ولا نصف مهر لها وكذلك أن يقول أتزوجك ولك على مائة دينار مهر فيكون هذا
تفويضا وأكثر من التفويض ولا يلزمه المائة فإن أخذتها منه كان عليها ردها بكل حال وإن مات قبل أن
يسمى لها مهرا أو ماتت فسواء وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى في بروع بنت واشق
ونكحت بغير مهر فمات زوجها فقضى لها بمهر نسائها وقضى لها بالميراث فإن كان ثبت عن النبي صلى
الله عليه وسلم فهو أولى الأمور بنا ولا حجة في قول أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم وإن كثروا ولا
في قياس فلا شئ في قوله إلا طاعة الله بالتسليم له وإن كان لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لم
يكن لاحد أن يثبت عنه ما لم يثبت ولم أحفظه بعد من وجه يثبت مثله وهو مرة يقال عن معقل
ابن يسار ومرة عن معقل بن سنان ومرة عن بعض أشجع لا يسمى وإن لم يثبت فإذا مات أو ماتت فلا
مهر لها وله منها الميراث إن ماتت ولها منه الميراث إن مات ولا متعة لها في الموت لأنها غير مطلقة وإنما
جعلت المتعة للمطلقة قال وإن كان عقد عليها عقدة النكاح بمهر مسمى أو بغير مهر فسمى لها مهرا
فرضيته أو رفعته إلى السلطان ففرض لها مهرا فهو لها ولها الميراث (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن
ابن جريج قال سمعت عطاء يقول سمعت ابن عباس يسأل عن المرأة يموت عنها زوجها وقد فرض
صداقها قال لها الصداق والميراث أخبرنا مالك عن نافع ان ابنة عبيد الله بن عمر وأمها ابنة زيد بن
الخطاب وكانت تحت ابن لعبد الله بن عمر فمات ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقا فابتغت أمها صداقها
فقال لها ابن عمر ليس لها صداق ولو كان لها صداق لم تمنعكموه ولم نظلمها فأبت أن تقبل ذلك فجعلوا
بينهم زيد بن ثابت فقضى أن لا صداق لها ولها الميراث أخبرنا سفيان عن عطاء ابن السائب قال
سألت عبد خير عن رجل فوض إليه فمات ولم يفرض فقال ليس لها إلا الميراث ولا نشك أنه قول على
(قال الشافعي) قال سفيان لا أدرى لا نشك أنه من قول على أم من قول عطاء أم من قول عبد خير
(قال الشافعي) وفي النكاح وجه آخر قد يدخل في اسم التفويض وليس بالتفويض المعروف نفسه وهو
مخالف للباب قبله وذلك أن تقول المرأة للرجل أتزوجك على أن تفرض لي ما شئت أو ما شئت أنا أو
ما حكمت أنت أو ما حكمت أنا أو ما شاء فلان أو ما رضى أو ما حكم فلان لرجل آخر فهذا كله
وقع بشرط صداق ولكنه شرط مجهول فهو كالصداق الفاسد مثل الثمرة التي لم يبد صلاحها على أن
تترك إلى أن تبلغ ومثل الميتة والخمر وا أشبهه مما لا يحل مالكه ولا يحل بيعه في حاله تلك أو على الأبد
فلها في هذا كله مهر مثلها وإن طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف مهر مثلها ولا متعة لها في قول من
ذهب إلى أن لا متعة للتي فرض لها إذا طلقت قبل أن تمس ولها المتعة في قول من قال المتعة لكل مطلقة
(قال الشافعي) وإذا كان الصداق تسمية بوجه لا يجوز إلى أجل أو غير أجل، أو يذكر فيه شئ فهو
صداق فاسد لها فيه مهر مثلها ونصفه إن طلقت قبل الدخول ولو أصدقها بيتا أو خادما لم يصفه ولم
تعرفه بعينه كان لها صداق مثلها لا يكون الصداق لازما إلا بما تلزم به البيوع ألا ترى لو أن رجلا باع
بيتا غير موصوف أو خادما غير موصوف ولا يرى واحدا منهما ولا يعرفه بعينه لم يجز وهكذا لو قال
74

أصدقتك خادما بأربعين دينارا لم يجز لأن الخادم بأربعين دينارا قد يكون صبيا وكبيرا وأسود وأحرم فلا
يجوز في الصداق إلا ما جاز في البيوع ولو قال أصدقتك خادما خماسيا من جنس كذا أو صفة كذا جاز
كما يجوز في البيوع قال ولو أصدقها دارا لا يملكها أو عبدا لا يملكه أو حرا فقال هذا عبدي أصدقتكه
فنكحته على هذا ثم علم أن الدار والعبد لم يكونا في ملكه يوم عقد عليها فعقدة النكاح جائزة ولها مهر
مثلها ولا يكون لها قيمة العبد ولا الدار ولو ملكهما بعد فأعطاها إياهما لم يكونا لها إلا بتجديد بيع فيهما
لأن العقدة انعقدت وهو لا يملكهما كما لو انعقدت عليهما عقدة بيع لم يجز البيع ولو ملكهما بعد البيع أو
سلمهما مالكهما للبائع لذلك الثمن لم يجز حتى يحدث فيهما بيعا وإنما جعلت لها مهر مثلها لأن النكاح لا
يرد كما لا ترد البيوع الفائتة النكاح كالبيوع الفائتة قال وسيد الأمة في تزويج الرجل بغير مهر مثل المرأة
البالغ في نفسها إذا زوجها بغير أن يسمى مهرا أو زوجها على أن لا مهر لها فطلقها الزوج قبل المسيس فلها
المتعة وليس لها نصف المهر فإن مسها فلها مهر مثلها وإذا زوج الأمة سيدها وأذنت الحرة في نفسها بلا مهر
ثم أرادت الحرة وأراد سيد الأمة أن يفرض الزوج لها مهرا فرض لها المهر وإن قامت عليه قبل أن يطلقها
فطلبته فطلقها قبل أن يفرض لها أو يحكم عليه الحاكم بمهر مثلها فليس لها إلا المتاع لا يجب لها نصف المهر
إلا أن يفرض الحاكم أو بأن يفرضه هو لها بعد علمها صداق مثلها فترضى كما وقع عليه العقد فيلزمهما
جميعا (قال الشافعي) وإن نكحها بغير مهر ففرض لها مهرا فلم ترضه حتى فارقها كانت لها المتعة ولم
يكن لها مما فرض لها شئ حتى يجتمعا على الرضا فإذا اجتمعا على الرضا به لزم كل واحد منهما ولم يكن
لواحد منهما نقض شئ منه كما لا يكون لواحد منهما نقض ما وقعت عليه العقدة من المهر إلا باجتماعهما
على نقضها أو يطلق قبل المسيس فينتقض نصف المهر ولا يلزمها ما فرض لها بحال حتى يعلما كم مهر
مثلها لأن لها مهر مثلها بالعقد ما لم ينتقض بطلاق فإذا فرض وهما لا يعلمان مهر مثلها كان هو كالمشتري
وهي كالبائع ما لم يعلم أو يعلم أحدهما (قال الشافعي) وليس أبو الجارية الصغيرة ولا الكبيرة البكر كسيد
الأمة في أن يضع من مهرها ولا يزوجها بغير مهر فإن قيل فما فرق بينهما فهو يزوجهما معا بلا رضاهما؟ قيل
ما يملك من الجارية من المهر فلنفسه يملكه لا لها فأمره يجوز في ملك نفسه وما ملك لابنته من مهرها
فلها يملكه لا لنفسه ومهرها مال من مالها فكما لا يجوز له أن يهب مالها فكذلك لا يجوز له أن يهب
صداقها ولا يزوجها بغير صداق كما لا يجوز له إتلاف ما سواه من مالها وإذا زوجها أبوها ولم يسم لها
مهرا أو قال لزوجها أزوجكها على أن لا مهر عليك فالنكاح ثابت لها ولها على الزوج مهر مثلها لا يرجع
به على الأب فإن ضمن له الأب البراءة من مهرها وسماه فللزوجة على الزوج صداقها في ماله عاش أو
مات أو عاشت أو ماتت وإن طلقها فلها عليه نصف مهر مثلها إلا يرجع به الزوج على الأب لأنه لم
يضمن له في ماله شيئا فيلزمه ضمانه إنما ضمن له أن يبطل عنه حقا لغيره فإن قال قائل وكيف جعلت
عليه مهر مثل الصبية إنما زوجه إياها أبوها وهو لم يرض بالنكاح إلا بغير مهر؟ قيل له أرأيت إن كانت
المرأة الثيب المالك لأمرها التي لو وهبت مالها جاز تنكح الرجل على أن لا مهر لها ثم تسأل المهر فأفرض
لها مهر مثلها ولا أبطل النكاح كما أبطل البيع ولا أجعل للزوج الخيار بأن طلبت الصداق وقد نكحت
بلا صداق وكيف ينبغي أن أقول في الصبية؟ فإن قال هكذا لأنهما منكوحتان وأكثر ما في الصبية أن
يجوز أمر أبيها عليها في مهرها كما يجوز أمر الكبيرة في نفسها في مهرها فإذا لم يبرأ زوج الكبيرة من المهر
بأن لم يرض أن ينكحها إلا بلا مهر ونكحته على ذلك فلزمه المهر ولم نفسخ النكاح ولم تجعل له الخيار
ولو أصابها كان لها المهر كله فهكذا الصبية فإن قال نعم ولكن لم جعلت على زوج الصبية يطلقها نصف
75

مهر مثلها وأنت لا تجعل على زوج الكبيرة إذا نكحها بلا مهر فطلقها قبل أن تطلب الفرض أو يفرض
أو تصاب إلا المتعة؟ قيل له إن شاء الله تعالى لما وصفت من أن النكاح ثابت بمهر إلا على من أجاز
أمره من النساء في ماله فيرضى ان لا يكون له فهو مطلق قبل أن يفرض لها مهرا فكان لهن المتعة لأنهن
عفون عن المهر حتى طلقن كما لو عفون عنه وقد فرض جاز عفوهن لقول الله عز وجل (إلا أن
يعفون) والصغيرة لم تعف عن مهر ولو عفت لم يجز عفوها وإنما عفا عنها أبوها الذي لا عفو له في مالها
فألزمنا الزوج نصف مهر مثلها بالطلاق وفرقنا بينهما لا فتراق حالهما في مالهما، ولان الزوج لم يرض
بصداق إلا أن يبرأ منه فكان كمن سمى صداقا فاسدا ولو كان سمى لها صداقا فعفاه الأب كان لها
الصداق الذي سمى وعفو الأب بعد وجوب الصداق باطل وهكذا المحجورة إذا زوجت بلا مهر لا
تخالف الصبية في شئ، أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن رجلا زوج ابنته على أربعة
آلاف وترك لزوجها ألفا فجاءت المرأة وزوجها وأبوها ثلاثتهم يختصمون إلى شريح فقال شريح: تجوز
صدقتك ومعروفك وهي أحق بثمن رقبتها (قال الشافعي) وسواء في هذا البكر والثيب لأن ذلك ملك
للبنت دون الأب ولا حق للأب فيه وقول شريح (تجوز صدقتك ومعروفك قد أحسنت وإحسانك
حسن ولكنك أحسنت فيما لا يجوز لك فهي أحق بثمن رقبتها) يعنى صداقها.
المهر الفاسد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: في عقد النكاح شيئان أحدهما العقدة والآخر المهر الذي يجب
بالعقد فلا يفسد العقد إلا بما وصفنا العقد يفسد به من أن يعقد منهيا عنه وليس المهر من إفساد العقد
ولا إصلاحه بسبيل ألا ترى أن عقد النكاح بغير مهر مسمى صحيح فإذا كان العقد منهيا عنه لم يصح
أن يكون عقد بمهر صحيح أولا ترى أن عقد النكاح يكون بلا مهر فيثبت النكاح ولا يفسد بأن لم يكن
مهر ويكون للمرأة إذا وطئت مهر مثلها (قال الشافعي) وهذا الموضع الذي يخالف فيه النكاح البيع
لأن البيع إذا وقع بغير ثمن لم يجب وذلك أن يقول قد بعتك بحكمك فلا يكون بيعا وهذا في النكاح
صحيح فإن قال قائل من أين أجزت هذا في النكاح ورددته في البيوع وأنت تحكم في عامة النكاح
أحكام البيوع؟ قيل قال الله عز وجل (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء) إلى (ومتعوهن) وقال تبارك
وتعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) فأعلم الله تعالى
في المفروض لها أن الطلاق يقع عليها كما أعلم في التي لم يفرض لها أن الطلاق يقع عليها والطلاق لا
يقع إلا على زوجة والزوجة لا تكون إلا ونكاحها ثابت قال ولم أعلم مخالفا مضى ولا أدركته في أن
النكاح يثبت وإن لم يسم مهرا وأن لها إن طلقت وقد نكحت ولم يسم مهرا المتعة وإن أصيبت فلها مهر
مثلها فلما كان هذا كما وصفت لم يجز أبدا أن يفسد النكاح من جهة المهر بحال أبدا فإذا نكحها بمهر
مجهول أو مهر حرام البيع في حاله التي نكحها فيها أو حرا بكل حال قال فذلك كله سواء وعقد
النكاح ثابت والمهر باطل فلها مهر مثلها إن طلقها قبل أن يدخل بها لأنها سمت مهرا وإن لم يجز بأنه
معلوم حلال ولم يحل لأنها لم ترد نكاحه بلا مهر وذلك مثل أن ينكح بثمرة لم يبد صلاحها على أن
يدعها إلى أن تبلغ فيكون لها مهر مثلها وتكون الثمرة لصاحبها لأن بيعها في هذه الحال لا يحل على هذا
الشرط ولو نكحت بها على أن تقطعها حينئذ كان النكاح جائزا فإن تركه حتى يبدو صلاحها فهي لها
76

وهو متطوع ومتى قام عليها بقطعها فعليها أن تقطعها في أي حال قام عليها فيها قال ولو نكحها بخمر أو
خنزير فالنكاح ثابت والمهر باطل ولها مهر مثلها وكذلك إن نكحته بحكمها أو حكمه فلها مهر مثلها وإن
حكمت حكما أو حكمه فرضيا به فلهما ما تراضيا عليه وإنما يكون لهما ما تراضيا عليه بعد ما يعرفان مهر
مثلها ولا يجوز ما تراضيا عليه أبدا إلا بعد ما يعرفان مهر مثلها ولو فرض لها فتراضيا على غيره أو لم يفرض
لها فتراضيا فكما يكون ذلك لهما لو ابتدأ بالفرض لها ولا أقول لها أبدا احكمي ولكن أقول لها مهر مثلها
إلا أن تشاء أن تتراضيا فلا أعرض لكما فيما تراضيتم عليه أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين
أن الأشعث بن قيس صحب رجلا فرأى امرأته فأعجبته قال فتوفى في الطريق فخطبها الأشعث بن
قيس فأبت أن تتزوجه إلا على حكمها فتزوجها على حكمها ثم طلقها قبل أن تحكم فقال احكمي فقالت
احكم فلانا وفلانا رقيقين كانوا لأبيه من بلاده فقال احكمي غير هؤلاء فأتى عمر فقال يا أمير المؤمنين
عجزت ثلاث مرات فقال ما هن؟ قال عشقت امرأة قال هذا ما لا تملك قال ثم تزوجتها على حكمها
ثم طلقتها قبل أن تحكم قال عمر امرأة من المسلمين؟ (قال الشافعي) يعنى عمر لها مهر امرأة من
المسلمين ويعنى من نسائها والله تعالى أعلم وما قلت أن لها مهر امرأة من نسائها ما لا أعلم فيه اختلافا
ويشبه أن يكون الذي أراد عمر والله تعالى أعلم ومتى قلت لها مهر نسائها فإنما أعني أخواتها وعماتها
وبنات أعمامها نساء عصبتها وليس أمها من نسائها وأعنى مهر نساء بلدها لأن مهور البلدان تختلف
وأعنى مهر من هو في مثل شبابها وعقلها وأدبها لأن المهور تختلف بالشباب والهيئة والعقل وأعنى مهر من
هو في مثل يسرها لأن المهور تختلف باليسر وأعنى مهر من هو في جمالها لأن المهور تختلف بالجمال وأعنى
مهر من هو في صراحتها لأن المهور تختلف بالصراحة والهجنة وبكرا كانت أو ثيبا لأن المهور تختلف في
الابكار والثيب قال وإن كان من نسائها من تنكح بنقد أو دين أو بعرض أو بنقد وعرض جعلت
صداقها نقدا كله لأن الحكم بالقيمة لا يكون بدين لأنه لا يعرف قدر النقد من الدين وإن الدين إنما
يكون برضا من يكون له الدين فإن كانت لا نساء لها فمهر أقرب النساء منها شبها بها فيما وصفت والنسب
فإن المهور تختلف بالنسب ولو كان نساؤها ينكحن إذا نكحن في عشائرهن خففن المهر وإذا نكحن في
الغرباء كانت مهورهن أكثر فرضت عليه المهر إن كان من عشيرتها كمهور نسائها في عشيرتها وإن كان
غريبا كمهور الغرباء.
الاختلاف في المهر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا اختلف الرجل والمرأة في المهر قبل الدخول أو بعده وقبل
الطلاق أو بعده فقال نكحتك على ألف وقالت بل نكحتني على ألفين أو قال نكحتك على عبد وقالت
بل نكحتني على دار بعينها ولا بينة بينهما تحالفا وأبدأ بالرجل في اليمين فإن حلف أحلفت المرأة فإن
حلفت جعلت لها مهر مثلها فإن دخل بها فلها مهر مثلها كاملا وإن كان طلقها ولم يدخل بها فلها نصف
مهر مثلها وهكذا إذا اختلف الزوج وأبو الصبية البكر أو سيد الأمة وهكذا إن اختلف ورثة المرأة وورثة
الزوج بعد موتهما أو ورثة أحدهما والآخر بعد موته قال ولو اختلف في دفعه فقال قد دفعت إليك
صداقك وقالت ما دفعت إلى شيئا أو اختلف أبو البكر الذي يلي مالها أو سيد الأمة فقال الزوج قد
77

دفعت إليك صداق ابنتك قال الأب لم تدفعه فالقول قول المرأة وقول أبى البكر وسيد الأمة مع أيمانهم
وسواء دخل بها الزوج أو لم يدخل بها أو ماتت المرأة أو الرجل أو كانا حيين ولو ورثتهما في ذلك مالهما
في حياتهما وسواء عرف الصداق أو لم يعرف إن عرف فلها الصداق الذي يتصادقان عليه أو تقوم به
بينة فإن لم يعرف ولم يتصادقا ولا بينة تقوم تحالفا إن كانا حيين ورثتهما على العلم إن كانا ميتين وكان لها
ميتين وكان لها صداق مثلها لأن الصداق حق من الحقوق فلا يزول إلا بإقرار الذي له الحق أو
الذي إليه الحق من ولى البكر الصبية وسيد الأمة بما يبرئ الزوج منه قال ولو اختلفا فيه
فأقامت المرأة البينة بأنه أصدقها الفين وأقام الزوج البينة أنه أصدقها ألفا لم تكن واحدة من البينتين أولى
من الأخرى لأن بينة المرأة تشهد بألفين وبينة الرجل تشهد له بألف قد ملك بها العقد فلا يجوز والله
تعالى أعلم عندي فيها إلا أن يتحالفا ويكون لها مهر مثلها فيكون هذا كتصادقهما على المبيع الهالك
واختلافهما في الثمن أو القرعة فأيهما خرج سهمه حلف لقد شهد شهوده بحق وأخذ بيمينه (قال
الشافعي) بعد الشهادة متضادة ولها صداق مثلها كان أكثر من ألفين أو أقل من ألف وبه يأخذ الشافعي
قال ولو تصادقا على الصداق أنه ألف فقال دفعت إليها خمسمائة من صداقها فأقرت بذلك أو قامت
عليها بها بينة وقالت أعطيتنيها هدية وقال بل صداق فالقول قوله مع يمينه وهكذا لو دفع إليها عبدا فقال
قد أخذتيه منى بيعا بصداقك وقالت بل أخذته منك هبة فالقول قوله مع يمينه ويحلف على البيع وترد
العبد إن كان حيا أو قيمته إن كان ميتا ولو تصادقا أن الصداق ألف فدفع إليها ألفين فقال ألف صداق
وألف وديعة وقالت ألف صداق وألف هدية فالقول قوله مع يمينه وله عندها الف وديعة وإذا أقرت أن
قد قبضت منه شيئا فقد أقرت بمال له وادعت ملكه بغير ما قال فالقول قوله في ماله قال وإذا نكح
الصغيرة أو الكبيرة البكر التي يلي أبوهما بضعهما ومالهما فدفع إلى أبيهما صداقهما فهو براءة له من الصداق
وهكذا الثيب التي يلي أبوها مالها وهكذا إذا دفع صداقها إلى من يلي مالها من غير الآباء فهو براءة له
من الصداق وإذا دفع ذلك إلى الأب لابنته الثيب التي تلي نفسها أو البكر الرشيدة البالغ التي تلى مالها
دون أبيها أو إلى أحد من الأولياء لا يلي المال فلا براءة له من صداقها والصداق لازم بحاله ويتبع من
دفعه إليه بالصداق بما دفع إليه وإذا وكلت المرأة التي تلى ما لها رجلا من كان يدفع صداقها إليه فدفعه
إليه الزوج فهو برئ منه.
الشرط في النكاح
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا عقد الرجل النكاح على البكر أو الثيب التي تلى مال نفسها
أو لا تليه فإذنها في النكاح غير إذنها في الصداق فلو نكحها بألف على أن لأبيها ألف فالنكاح ثابت
ولها مهر مثلها كان أقل من ألف أو أكثر من ألفين من قبل أنه نكاح جائز عقد فيه صداق فاسد وجب
في أصل العقد ليس من العقد ولا يجب بالعقد ما لم يجعله الزوج للمرأة فيكون صداقا لها فإذا أعطاه
الأب فإنما أعطاه بحق غيره فلا يكون له أن يأخذ بحق غيره وليس بهبة ولو كان هبة لم تجز إلا مقبوضة
وليس للمرأة إلا مهر مثلها ولو كانت البنت ثيبا أو بكرا بالغا فرضيت قبل النكاح أن ينكحها بألفين
على أن يعطى أباها أو أخاها منها ألفا كان النكاح جائزا وكان هذا توكيلا منه لأبيها وبالألف التي أمرت
بدفعها إليه وكانت الألفان لها ولها الخيار في أن تعطيها أباها وأخاها هبة لهما أو منعها لها لأنها هبة لم
78

تقبض أو وكالة بقبض ألف فيكون لها الرجعة في الوكالة وإنما فرقت بين البكر والثيب إذا كانتا يليان
أموالهما أو لا يليانها أن التي على مالها منهما يجوز لها ما صنعت في مالها من توكيل وهبة ألا ترى أن رجلا
لو باع من رجل عبدا بألف على أن يعطيه خمسمائة وآخر خمسمائة كان جائزا وكانت الخمسمائة إحالة
منه للآخر بها أو وكالة والبكر الصغيرة والثيب التي لا تلى مالها لا يجوز لها في مالها ما صنعت قال ولو
انعقدت عقدة النكاح بأمر التي تلى أمرها بمهر رضيته ثم شرط لها بعد عقدة النكاح شيئا كان له
الرجوع فيه وكان الوفاء به أحسن لو رضيت ولو كان هذا في التي لا تلى ما لها كان هكذا إلا أنه إن كان
نقص التي لا تلى مالها شيئا من مهر مثلها بلغ بها مهر مثلها ولو حابى أبو التي لا تلي ما لها في مهرها أو
وضع منه كان على زوجها أن يلحقها بمهر مثلها ولا يرجع به على الأب وكان وضع الأب من مهرها
باطلا كما يكون هبته مالها سوى المهر باطلا وهكذا سائر الأولياء وهكذا لو كانت تلى مالها فكان ما صنع
بغير أمرها ولو نكح بكرا أو ثيبا بأمرها على ألف على أن لها أن تخرج متى شاءت من منزله وعلى أن لا
تخرج من بلدها وعلى أن لا ينكح عليها ولا يتسرى عليها أو أي شرط ما شرطته عليه مما كان له إذا
انعقد النكاح أن يفعله ويمنعها منه فالنكاح جائز والشرط باطل وإن كان انتقصها بالشرط شيئا من مهر
مثلها فلها مهر مثلها وإن كان لم ينقصها من مهر مثلها بالشرط أو كان قد زادها عليه وزادها على
الشرط أبطلت الشرط ولم أجعل لها الزيادة على مهر مثلها ولم يزدها على مهر مثلها لفساد عقد المهر
بالشرط الذي دخل معه ألا ترى لو أن رجلا اشترى عبدا بمائة دينار وزق خمر فرضى رب العبد أن
يأخذ المائة ويبطل الزق الخمر لم يكن ذلك له لأن الثمن أنعقد على ما يجوز وعلى ما لا يجوز فبطل ما لا
يجوز وما يجوز وكان له قيمة العبد إن مات في يدي المشترى ولو أصدقها ألفا على أن لا ينفق عليها أو على
أن لا يقسم لها أو على أنه في حل مما صنع بها كان الشرط باطلا وكان له إن كان صداق مثلها أقل
من الألف أن يرجع عليها حتى يصيرها إلى صداق مثلها لأنها شرطت له ما ليس له فزادها مما طرح
عن نفسه من حقها فأبطلت حصة الزيادة من مهرها ورددتها إلى مهر مثلها فإن قال قائل فلم لا تجيز
عليه ما شرط لها وعليها ما شرطت له؟ قيل رددت شرطهما إذا أبطلا به ما جعل الله لكل واحد ثم ما
جعل النبي صلى الله عليه وسلم وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما بال رجال يشترطون شروطا
ليست في كتاب الله تعالى؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ولو كان مائة شرط
قضاء الله أحق وشرطه أوثق فإنما الولاء لمن أعتق) فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شرط ليس
في كتاب الله جل ثناؤه إذا كان في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافه فإن قال قائل
ما الشرط للرجل على المرأة والمرأة على الرجل مما إبطاله بالشرط خلاف لكتاب الله أو السنة أو أمر
اجتمع الناس عليه؟ قيل له إن شاء الله تعالى أحل الله عز وجل للرجل أن ينكح أربعا وما ملكت يمينه
فإذا شرطت عليه أن لا ينكح ولا يسرى حظرت عليه ما وسع الله تعالى عليه وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم (لا يحل للمرأة أن تصوم يوما تطوعا ووجها شاهد إلا بإذنه) فجعل له منعها ما يقربها إلى
الله إذا لم يكن فرضا عليها لعظيم حقه عليها وأوجب الله عز وجل له الفضيلة عليها ولم يختلف أحد
علمته في أن له أن يخرجها من بلد إلى بلد ويمنعها من الخروج فإذا شرطت عليه أن لا يمنعها من
الخروج ولا يخرجها شرطت عليه إبطال ماله عليها قال الله تبارك وتعالى (فواحدة أو ما ملكت أيمانكم
ذلك أدنى أن لا تعولوا) فدل كتاب الله تعالى على أن على الرجل أن يعول امرأته دلت عليه السنة فإذا
شرط عليها أن لا ينفق عليها أبطل ما جعل لها وأمر بعشرتها بالمعروف ولم يبح له ضربها إلا بحال فإذا
79

شرط عليها أن له أن يعاشرها كيف شاء وأن لا شئ عليه فيما نال منها فقد شرط أن له أن يأتي منها
ما ليس له فبهذا أبطلنا هذه الشروط وما في معناها وجعلنا لها مهر مثلها فإن قال قائل فقد يروى عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج) فهكذا نقول
في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه إنما يوفى من الشروط ما يبين أنه جائز ولم تدل سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم على أنه غير جائز وقد يروى عنه عليه الصلاة والسلام (المسلمون على شروطهم إلا
شرطا أحل حراما أو حرم حلالا) ومفسر حديثه يدل على جملته.
ما جاء في عفو المهر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد
فرضتم لهن فريضة) الآية (قال الشافعي) فجعل الله تعالى للمرأة فيما أوجب لها من نصف المهر أن تعفو
وجعل للذي يلي عقدة النكاح أن يعفو وذلك أن يتم لها الصداق فيدفعه إن لم يكن دفعه كاملا ولا
يرجع بنصفه إن كان دفعه وبين عندي في الآية أن الذي بيده عقدة النكاح الزوج وذلك إنه إنما
يعفوه من له ما يعفوه فلما ذكر الله عز وجل عفوها مما ملكت من نصف المر أشبه أن يكون ذكر عفوه لما
له من جنس نصف المهر والله تعالى أعلم وحض الله تعالى على العفو والفضل فقال عز وجل (وأن تعفوا
أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم) وبلغنا عن علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه أنه قال
(الذي بيده عقدة النكاح الزوج) (قال الشافعي) وأخبرنا ابن أبي فديك أخبرنا سعيد بن سالم عن
عبد الله بن جعفر بن المسور عن واصل بن أبي سعيد عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أنه تزوج
امرأة ولم يدخل بها حتى طلقها فأرسل إليها بالصداق تاما فقيل له في ذلك فقال أنا أولى بالعفو أخبرنا
عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين قال الذي بيده عقدة النكاح الزوج أخبرنا سعيد بن سالم عن
ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن سعيد ابن جبير أنه قال الذي بيده عقدة النكاح الزوج أخبرنا سعيد
عن ابن جريج أنه بلغه عن ابن المسيب أنه قال (هو الزوج) (قال الشافعي) والمخاطبون بأن يعفون
فيجوز عفوهم والله تعالى أعلم الأحرار وذلك أن العبيد لا يملكون شيئا فلو كانت أمة عند حرف عفت له
عن بعض المهر أو المهر لم يجز عفوها وذلك أنها لا تملك شيئا إنما يملك مولاها ما ملك بسببها ولو عفاه
المولى جاز وكذلك العبد إن عفا المهر كله وله أن يرجع بنصفه لم يجز عفوه وإذا عفاه مولاه جاز عفوه
لأن مولاه المالك للمال (قال الشافعي) فأما أبو البكر يعفو عن نصف المهر فلا يجوز ذلك له من قبل أنه
عفا عما لا يملك وما يملكه تملكه ابنته ألا ترى أنه لو وهب ما لا لبنته غير الصداق لم تجز هبته فكذلك
إذا وهب الصداق لم تجز هبته لأنه مال من مالها وكذلك أبو الزوج لو كان الزوج محجورا عليه فعفا عن
نصف المهر الذي له أن يرجع به لم يجز عفو أبيه لأنه مال من ماله يهبه وليس له هبة ماله قال ولا يجوز
العفو إلا لبالغ حر رشيد يلي مال نفسه فإن كان الزوج بالغا حرا محجورا عليه فدفع الصداق ثم طلقها
قبل المسيس فعفا نصف المهر الذي له أن يرجع كان عفوه باطلا كما تكون هبة ما له سوى الصداق
وكذلك لو كانت المرأة بكرا لا يجوز لها هبة مالها ولا لأوليائها هبة أموالها ولو كانت بكرا بالغة رشيدة غير
محجور عليها فعفت جاز عفوها إنما ينظر في هذا إلى من يجوز أمره في ماله وأجيز عفوه وأرد عفو من لا
يجوز أمره في ماله والعفو هبة كما وصفت وهو إبراء فإذا لم تقبض المرأة شيئا من صداقها فعفته جاز
80

عفوها لأنه قابض لما عليه فيبرأ منه ولو قبضت الصداق أو نصفه فقالت قد عفوت لك عما أصدقتني
فإن ردته إليه جاز العفو وإن لم ترده حتى ترجع فيه كان لها الرجوع لأنه غير قابض ما وهبته له ولا معنى
لبراءتها إياه من شئ ليس لها عليه ولو كانت على التمام على عفوه فهلك في يدها لم يكن عليها غرمه إلا
أن تشاء ولو ماتت قبل أن تدفعه إليه لم يكن على ورثتها أن يعطوه إياه وكان مالا من مالها يرثونه قال
وما كان في يد كل واحد منهما فعفا الذي هو له كان عفوه جائزا وما لم يكن له في يده فعفا له الذي هو
له فهو بالخيار في إتمامه والرجعة فيه وحبسه وإتمامه ودفعه أحب إلى من حبسه وكل عطية لا تجب على
أحد فهي بفضل وكلها محمود مرغوب فيه والفضل في المهر لأنه منصوص حض الله تعالى عليه قال
وإذا نكح الرجل المرأة بصداق فوهبته له قبل القبض أو بعده أو قبل الطلاق أو بعده فذلك كله سواء
والهبة جائزة وإن كانت الهبة قبل الطلاق ثم طلقها فأراد أن يرجع عليها بنصف الصداق فلا يجوز فيها
إلا واحد من قولين أحدهما أن يكون العفو إبراء له مما لها عليها فلا يرجع عليها بشئ قد ملكه عليها ومن
قال هذا قال لم يجب عليها شئ إلا من قبل ما كان لها عليه بإبرائه منه قبل القبض أو بعد القبض
والدفع إليه والثاني أن له أن يرجع عليها بنصفه كان عفوها قبل القبض أو بعد القبض والدفع إليه وذلك
أنه قد ملكه عليها بغير الوجه الذي وجب لها عليه وإذا نكح الرجل المرأة التي يجوز أمرها في مالها
بصداق غير مسمى أو بصداق فاسد فأبرأته من الصداق قبل أن تقبضه فالبراءة باطلة من قبل أنها أبرأته مما
لا تعلم كم وجب لها منه ولو سمى لها مهرا جائزا فرضيته ثم أبرأته منه فالبراءة جائزة من قبل أنها أبرأته مما
عرفت ولو سمى لها مهرا فاسدا فقبضته أو لم تقبضه فأبرأته منه أو ردته عليه إن كانت قبضته كانت
البراءة باطلة وترده بكل حال ولها صداق مثلها فإذا علمته فأبرأته منه كانت براءتها جائزة ألا ترى أن
رجلا لو قال لرجل قد صار لك في يدي مال من وجه فقال أنت منه برئ لم يبرأ حتى يعلم المالك المال
لأنه قد يبرئه منه على أنه درهم ولا يبرئه لو كان أكثر قال: ولو كان المهر صحيحا معلوما ولم تقبضه
حتى طلقها فأبرأته من نصف المهر الذي وجب لها عليه كانت البراءة جائزة ولم يكن لها أن ترجع بشئ
بعد البراءة ولو كانت لم تقبضه ولكنها أحالت عليه ثم أبرأته كانت البراءة باطلة لأنها أبرأته مما ليس لها
وما ملكه لغيرها ولو كان أحالت عليه بأقل من نصف المهر ثم أبرأته من نصف المهر جازت البراءة مما
بقي عليه ولم تجز مما أحالت به عليه لأنه قد خرج منها إلى غيرها فأبرأته مما ليس لها عليه ولا تملكه فعلى
هذا، هذا الباب كله وقياسه.
صداق الشئ بعينه فيوجد معيبا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا أصدق الرجل المرأة عبدا بعينه فوجدت به عيبا صغيرا أو
كبيرا يرد من مثله كالبيوع كان لها رده بذلك العيب وكذلك لو أصدقها إياه سالما فلم يدفعه إليها حتى
حدث به عيب وكذلك كل ما أصدقها إياه فوجدت به عيبا أو حدث به في يد الزوج قبل قبضها إياه
عيب كان لها رده بالعيب وأخذه معيبا إن شاءت فإن أخذته معيبا فلا شئ لها في العيب وإن ردته
رجعت عليه بمهر مثلها لأنها إنما باعته بضعها بعبد فلما انتقض البيع فيه باختيارها الرد كان لها مهر مثلها
كما يكون لها لو اشترته منه بثمن الرجوع بالثمن الذي قبض منها وهكذا لو أصدقها إياه ولم تره فاختارت
81

عند رؤيته رده كان الجواب فيها هكذا لا يختلفان قال وإن أصدقها عبدا لا يملكه أو مكاتبا أو حرا
على أنه عبد له أو دارا ثم ملك الدار والعبد فلها في هذا كله مهر مثلها قال وكذلك المكاتب لا يباع
والحر لا ثمن له فلم يملك واحدا من هذين بحال والعبد لا يملكه والدار وقع النكاح ولا سبيل له
عليه ولو سلمه سيده أو سلم الدار لم يكن لها كما لو باعها عبدا أو دارا لا يملكها ثم سلمها مالكها لم يجز
البيع ولو أصدقها عبدا بصفة جاز الصداق وجبرتها إذا جاءها بأقل ما تقع عليه الصفة على قبضه منه
قال وهكذا لو أصدقها حنطة أو زبيبا أو خلا بصفة أو إلى أجل كان جائزا وكان عليها إذا جاءها بأقل ما
يقع عليه اسم الصفة أن تقبله ولو قال أصدقتك ملء هذه الجرة خلا والخل غير حاضر لم يجز وكان لها
مهر مثلها كما لو اشترى ملء هذه الجرة خلا والخل غائب لم يجز من قبل أن الجرة قد تنكسر فلا يدري
كم قدر الخل وإنما يجوز بيع العين ترى أو الغائب المكيل أو الموزون بكيل أو ميزان يدرك علمه فيجبر
عليه المتبايعان قال ولو أصدقها جرارا فقال هذه مملوءة خلا فنكحته على الجرار بما فيها أو على ما في
الجرة فإذا فيها خل كان لها الخيار إذا رأته وافيا أو ناقصا لأنها لم تره فإن اختارته فهو لها إن ثبت حديث
خيار الرؤية، وإن اختارت رده فلها عليه مهر مثلها ولو وجدته خمرا رجعت عليه بمهر مثلها لأنه لا
يكون لها أن تملك الخمر وهذا بيع عين لا تحل كما لو أصدقها خمرا كان لها مهر مثلها قال ولو أصدقها
دارا لم ترها على أنها بالخيار فيما أصدقها إن شاءت أخذته وإن شاءت ردته أو شرط الخيار لنفسه كان
النكاح جائزا لأن الخيار إنما هو في الصداق لا في النكاح وكان لها مهر مثلها ولم يكن لها أن تملك
العبد ولا الدار ولو اصطلحا بعد على العبد والدار لم يجز الصلح حتى يعلم كم مهر مثلها فتأخذه به أو
ترضى أن يفرض لها مهرا فتأخذ بالفرض لا قيمة مهر مثلها الذي لا تعرفه لأنه لا يجوز البيع إلا بثمن
يعرفه البائع والمشترى معا لا أحدهما دون الآخر ولا يشبه هذا أن تنكحه بعبد نكاحا صحيحا فيهلك
العبد لأن العقد وقع و ليس لها مهر مثلها فيكون العبد مبيعا به مجهولا وإنما وقع بالعبد وليس لها غيره إذا
صح ملكه قال ولو أصدقها عبدا فقبضته فوجدت به عيبا وحدث به عندها عيب لم يكن لها رده إلا
أن يشاء الزوج أن يأخذه بالعيب الذي حدث به عندها ولا يكون له في العيب الحادث عندها شئ
ولها أن ترجع عليه بما نقصه العيب وكذلك لو أعتقته أو كاتبته رجعت عليه بما نقصه العيب.
كتاب الشغار
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار، والشغار أن يزوج الرجل ابنته الرجل على أن يزوجه
الرجل الآخر ابنته وليس بينهما صداق (قال الشافعي) لا أدري تفسير الشغار في الحديث أو من ابن
عمر أو نافع أو مالك وهكذا كما قال الشغار (1) فكل من زوج رجلا امرأة يلي أمرها بولاية نفس الأب
البكر أو الأب وغيره من الأولياء لامرأة على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى فهو الشغار
أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول إن النبي صلى الله

(1) قوله: فكل من زوج رجلا امرأة إلى قوله " على أن صداق كل واحدة الخ " كذا في الأصول، وفيه سقط
ظاهر فيحرر. كتبه مصححه
82

عليه وسلم نهى عن الشغار، أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال (لا شغار في الاسلام) (قال الشافعي) فإذا انكح الرجل ابنته أو المرأة يلي أمرها من
كانت على أن ينكحه ابنته أو المرأة يلي أمرها من كانت على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى
ولم يسم لواحدة منها صداق فهذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحل النكاح
وهو مفسوخ وإن أصاب كل واحد منهما فلكل واحدة منهما مهر مثلها وعليها العدة وهو كالنكاح الفاسد
في جميع أحكامه لا يختلفان (قال الشافعي) وإذا زوج الرجل ابنته الرجل أو المرأة يلي أمرها على أن
يزوجه الرجل ابنته أو المرأة يلي أمرها على أن صداق إحداهما كذا لشئ يسميه وصداق الأخرى كذا
لشئ يسميه أقل أو أكثر أو على أن يسمى لإحداهما صداقا ولم يسم للأخرى صداقا أو قال لا صداق
لها فليس هذا بالشغار المنهى عنه والنكاح ثابت والمهر فاسد ولكل واحدة منهما مهر مثلها إذا دخل بها
أو ماتت أو مات عنها ونصف مهر مثلها إن طلقت قبل أن يدخل بها (قال الشافعي) فإن قال قائل فإن
عطاء وغيره يقولون يثبت النكاح ويؤخذ لكل واحدة منهما مهر مثلها فلم لم تقله وأنت تقول يثبت النكاح
بغير مهر ويثبت بالمهر الفاسد وتأخذ مهر مثلها؟ فأكثر ما في الشغار أن يكون المهر فيه فاسدا أو يكون
بغير مهر؟ قيل له أبان الله عز وجل أن النساء محرمات إلا بما أحل الله من نكاح أو ملك يمين فكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عز وجل كيف النكاح الذي يحل فمن عقد نكاحا كما أمره
الله تعالى ثم رسوله صلى الله عليه وسلم أو عقد نكاحا لم يحرمه الله سبحانه وتعالى ولم ينه عنه رسوله صلى
الله عليه وسلم فالنكاح ثابت، ومن نكح كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فهو عاص بالنكاح
إلا أنه غير مؤاخذ إن شاء الله تعالى بالمعصية إن أتاها على جهالة فلا يحل المحرم من النساء بالمحرم من
النكاح والشغار محرم بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وهكذا كل ما نهى عنه رسول الله صلى الله
عليه وسلم من نكاح لم يحل به المحرم وبهذا قلنا في المتعة ونكاح المحرم وما نهى عنه من نكاح ولهذا قلنا
في البيع الفاسد لا يحل به فرج الأمة فإذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النكاح في حال فعقد
على نهيه كان مفسوخا لأن العقد لهما كان بالنهي ولا يحل العقد المنهى عنه محرما (قال الشافعي) ويقال
له إنما أجزنا النكاح بغير مهر لقول الله عز وجل (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو
تفرضوا لهن فريضة) الآية فلما أثبت الله عز وجل الطلاق دل ذلك على أن النكاح ثابت لأن الطلاق
لا يقع إلا من نكاح ثابت فأجزنا النكاح بلا مهر ولما أجازه الله سبحانه وتعالى بلا مهر كان عقد النكاح
على شيئين أحدهما نكاح والآخر ما يملك بالنكاح من المهر فلما جاز النكاح بلا ملك مهر فخالف البيوع
وكان فيه مهر مثل المرأة إذا دخل بها وكان كالبيوع الفاسدة المستهلكة يكون فيها قيمتها كان المهر إذا كان
فاسدا لا يفسد النكاح ولم يكن في النكاح بلا مهر إلا في النكاح بالمهر الفاسد نهى من رسول الله صلى
الله عليه وسلم فنحرمه بنهيه كما كان في الشغار فأجزنا ما أجاز الله عز وجل وما كان في معناه إذا لم ينه
رسول الله صلى الله عليه وسلم منه عن شئ علمناه ورددنا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان هذا الواجب علينا الذي ليس لنا ولا لاحد عقل عن الله جل وعلا شيئا علمنا غيره. أخبرنا
الربيع: قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن رجلا نكح
امرأة على حكمها ثم طلقها فاحتكمت رقيقا من بلاده فأبى فذكر ذلك لعمر بن الخطاب رضى الله تعالى
عنه فقال امرأة من المسلمين (قال الشافعي) أحسبه قال يعنى مهر امرأة من المسلمين.
83

نكاح المحرم
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أخي بنى عبد
الدار أن عمر ابن عبد الله أراد أن يزوج طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير فأرسل إلى أبان بن عثمان
ليحضر ذلك وهما محرمان فأنكر ذلك عليه أبان وقال سمعت عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه يقول
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب) وأخبرنا ابن عيينة عن أيوب
ابن موسى عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه (قال
الشافعي) وأخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحرث وهو بالمدينة قبل أن يخرج.
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن يزيد بن الأصم وهو ابن
أخت ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو حلال. أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سلمة الأموي عن إسماعيل بن أمية عن ابن المسيب: قال وهم الذي روى
أن النبي صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم ما نكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو
حلال: أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان
ابن طريف المزني أنه أخبره أن أباه طريفا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر بن الخطاب رضى الله تعالى
عنه نكاحه. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر، قال لا
ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب على نفسه ولا على غيره (قال الشافعي) لا يلي محرم عقدة نكاح
لنفسه ولا لغيره فإن تزوج المحرم في إحرامه وكان هو الخاطب لنفسه أو خطب عليه حلال بأمره فسواء
لأنه هو الناكح ونكاحه مفسوخ. وهكذا المحرمة لا يزوجها حرام ولا حلال لأنها هي المتزوجة،
وكذلك لو زوج المحرم امرأة حلالا أو وليها حلال فوكل وليها حراما فزوجها كان النكاح مفسوخا لأن
المحرم عقد النكاح قال: ولا بأس أن يشهد المحرمون على عقد النكاح لأن الشاهد ليس بناكح ولا
منكح ولو توقى رجل أن يخطب امرأة محرمة كان أحب إلى وإلا أعلمه يضيق عليه خطبتها في إحرامها
لأنها ليست بمعتدة ولا في معناها ومتى خرجت من إحرامها جاز لها أن تنكح وقد تكون معتمرة فيكون
لها الخروج من إحرامها بأن تعجل الطواف وحاجة فيكون لها ذلك بأن تعجل الزيارة يوم النحر فتطوف
والمعتدة ليس لها أن تقدم الخروج من عدتها ساعة (قال الشافعي) فأي نكاح عقده محرم لنفسه أو
محرم لغيره فالنكاح مفسوخ فإذا دخل بها فأصابها فلها مهر مثلها إلا ما سمى لها ويفرق بينهما وله أن
يخطبها إذا حلت من إحرامها في عدتها منه ولو توقى كان ذلك أحب إلى لأنها وإن كانت تعتد من مائه
فإنها تعتد من ماء فاسد. قال وليس لغيره أن يخطبها حتى تنقضي عدتها منه فإن نكحها هو فهي
عنده على ثلاث تطليقات لأن الفسخ ليس بطلاق، وإن خطب المحرم على رجل وولى عقدة نكاحه
حلال فالناكح جائز إنما أجزنا النكاح بالعقد وأكره للمحرم أن يخطب على غيره كما أكره له أن
يخطب على نفسه ولا تفسد معصيته بالخطبة إنكاح الحلال وإنكاحه طاعة فإن كانت معتمرة أو كان
معتمرا لم ينكح واحد منهما حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ويأخذ من شعره فإن نكح قبل ذلك
فنكاحه مفسوخ فإن كانت أو كانا حاجين لم ينكح واحد منهما حتى يرمى ويحلق ويطوف يوم النحر أو
بعده فأيهما نكح قبل هذا فنكاحه مفسوخ وذلك أن عقد النكاح كالجماع فمتى لم يحل للمحرم الجماع
84

من الاحرام لم يحل له عقد النكاح وإذا كان الناكح في إحرام فاسد لم يجزله النكاح فيه كما لا يجوز له
في الاحرام الصحيح وإن كان الناكح محصرا بعد ولم ينكح حيت يحل وذلك أن يحلق وينحر فإن كان
محصرا بمرض لم ينكح حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة وأصل هذا أن ينظر إلى عقد النكاح فإن
كان قد حل للمحرم منهما الجماع فأجيزه، وإن كان الجماع لم يحل للمحرم منهما لحرمة الاحرام فأبطله
(قال الشافعي) ويراجع المحرم امرأته وتراجع المحرمة زوجها لأن الرجعة ليست بابتداء نكاح إنما هي
إصلاح شئ أفسد من نكاح كان صحيحا إلى الزوج إصلاحه دون المرأة والولاة وليس فيه مهر ولا
عوض ولا يقال للمراجع ناكح (قال الشافعي) ويشترى المحرم الجارية للجماع والخدمة لأن الشراء
ليس كالنكاح المنهى عنه كما يشترى المرأة وولدها وأمها وأخواتها ولا ينكح هؤلاء معا لأن الشراء ملك
فإن كان يحل به الجماع بحال فليس حكمه حكم النكاح فنهناه عن الشراء لأنه في معنى النكاح (قال
الشافعي) و لو وكل رجل قبل أن يحرم رجلا أن يزوجه امرأة ثم أحرم فزوجه وهو ببلده أو غائب عنه
يعلم بإحرامه أو لا يعلم فالنكاح مفسوخ إذا عقده والمعقود له محرم، قال ولو عقد وهو غائب في وقت
فقال لم أكن في ذلك الوقت محرما كان القول قوله مع يمينه إلا أن تقوم عليه بينة بإحرامه في ذلك
الوقت فيفسخ النكاح، ولو زوجه في وقت فقال الزوج لا أدرى كنت في ذلك الوقت محرما أو حلالا
أو لم أعلم متى كان النكاح كان الورع أن يدع النكاح ويعطى نصف الصداق إن كان سمى والمتعة إن لم
يكن سمى ويفرق في ذلك بتطليقة ويقول إن لم أكن كنت محرما فقد أوقعت عليه تطليقة ولا يلزمه في
الحكم من هذا شئ لأنه على إحلال النكاح حتى يعلم فسخه وهذا كله إذا صدقته المرأة بما يقول في
أن النكاح كان وهو محرم فإن كذبته ألزمته لها نصف الصداق إن لم يكن دخل بها إلا أن يقم بينة
بأنه كان محرما حين تزوج وفسخت النكاح عليه بإقراره أن نكاحه كان فاسد. وإن قالت لا أعرف
أصدق أم كذب قلنا نحن نفسخ النكاح بإقراره وإن قلت كذب أخذنا لك نصف المهر لأنك لا تدرين
ثم تدرين وإن لم تقولي هذا لم نأخذ لك شيئا ولا نأخذ لمن لا يدعى شيئا. وإن قالت المرأة أنكحت
وأنا محرمة فصدقها أو أقامت بينة فالنكاح مفسوخ وإن لم يصدقها فالقول قوله والنكاح ثابت وعليه
اليمين وإن نكح أمة فقال سيدها أنكحتها وهي محرمة وقالت ذلك الأمة أو لم تقله فإن صدقه الزوج
فلا مهر لها وإن كذبه وكذبها فالنكاح ثابت إذا حلف الزوج.
نكاح المحلل ونكاح المتعة
أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي قال وكان الحسن أرضاهما عن
أبيهما عن علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن
ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الانسية (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن
عيينة عن الزهري عن الربيع بن سيرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة (قال
الشافعي) وجماع نكاح المتعة المنهى عنه كل نكاح كان إلى أجل من الآجال قرب أو بعد وذلك أن
يقول الرجل للمرأة نكحتك يوما أو عشرا أو شهرا أو نكحتك حتى أخرج من هذا البلد أو نكحتك
حتى أصيبك فتحلين لزوج فارقك ثلاثا أو ما أشبه هذا مما لا يكون فيه النكاح مطلقا لازما على الأبد أو
85

يحدث لها فرقة، ونكاح المحلل الذي يروى أن رسوله صلى الله عليه وسلم لعنه عندنا والله تعالى أعلم
ضرب من نكاح المتعة لأنه غير مطلق إذا شرط أن ينكحها حتى تكون الإصابة فقد يستأخر ذلك
أو يتقدم، وأصل ذلك أنه عقد عليها النكاح إلى أن يصيبها فإذا أصابها فلا نكاح له عليه مثل
أنكحك عشرا ففي عقد أنكحك عشرا أن لا نكاح بيني وبينك بعد عشر كما في عقد أنكحك
لأحللك أنى إذا أصبتك فلا نكاح بيني وبينك بعد أن أصبتك كما يقال أتكارى منك هذا المنزل عشرا
أو استأجر هذا العبد شهرا، وفي عقد شهر أنه إذا مضى فلا كراء ولا إجارة لي عليك، و كما يقال
أتكارى هذا المنزل مقامي في البلد، وفي هذا العقد أنه إذا خرج من هذا البلد فلا كراء له، وهذا
يفسد في الكراء فإذا عقد النكاح على واحد مما وصفت فهو داخل في نكاح المتعة، وكذلك كل
نكاح إلى وقت معلوم أو مجهول فالنكاح مفسوخ لا ميراث بين الزوجين وليس بين الزوجين شئ من
أحكام الأزواج طلاق ولا ظهار ولا إيلاء ولا لعان إلا بولد، وإن كان لم يصبها فلا مهر لها وإن كان
أصابها فلها مهر مثلها لا ما سمى لا وعليها العدة ولا نفقة لها في العدة وإن كانت حاملا، وإن نكحها
بعد هذا نكاحا صحيحا فهي عنده على ثلاث (قال الشافعي) وإن قدم رجل بلدا وأحب أن ينكح
امرأة ونيته ونيتها أن لا يمسكها إلا مقامه بالبلد أو يوما أو اثنين أو ثلاثة كانت على هذا نيته دون نيتها أو
نيتها دون نيته أو نيتهما معا ونية الولي غير أنهما إذا عقدا النكاح مطلقا لا شرط فيه فالنكاح ثابت ولا
تفسد النية من النكاح شيئا لأن النية حديث نفس وقد وضع عن الناس ما حدثوا به أنفسهم وقد ينوى
الشئ ولا يفعله وينويه ويفعله فيكون الفعل حادثا غير النية، وكذلك لو نكحها ونيته ونيتها أو نية
أحدها دون الآخر أن لا يمسكها إلا قدر ا يصيبها فيحللها لزوجها ثبت النكاح وسواء نوى ذلك الولي
معهما أو نوى غيره أو لم ينوه ولا غيره والوالي والولي في هذا لا معنى له أن يفسد شيئا ما لم يقع النكاح
بشرط يفسده (قال الشافعي) ولو كانت بينهما مراوضة فوعدها إن نكحها أن لا يمسكها إلا أياما أو إلا
مقامه بالبلد أو إ لا قدر ما يصيبها كان ذلك بيمين أو غير يمين فسواء وأكره له المراوضة على هذا ونظرت
إلى العقد فإن كان العقد مطلقا لا شرط فيه فهو ثابت لأنه انعقد لكل واحد منهما على صاحبه ما
للزوجين وإن انعقد على ذلك الشرط فسد وكان كنكاح المتعة، وأي نكاح كان صحيحا وكانت فيه
الإصابة أحصنت الرجل والمرأة إذا كانت حرة وأحلت المرأة للزوج الذي طلقها ثلاثا وأوجبت المهر
كله وأقل ما يكون من الإصابة حتى تكون هذه الأحكام أن تغيب الحشفة في القبل نفسه (قال
الشافعي) وأي نكاح كان فاسدا لم يحصن الرجل ولا المرأة ولم يحللها لزوجها فإن أصابها فلها المهر بما
استحل من فرجها (قال الشافعي) فإن قال قائل: فهل فيما ذكرت من أن الرجل ينكح ينوى التحليل
مراوضة أو غير مراوضة فإذا لم ينعقد النكاح على شرط كان النكاح ثابتا خير عن أحد من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من دونهم؟ قيل فيما ذكرنا من النهى عن المتعة وأن المتعة هي النكاح
إلى أجل كفاية وقد أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن سيف بن سليمان عن مجاهد قال طلق
رجل من قريش امرأة له فبتها فمر بشئ وابن له من الاعراب في السوق قدما بتجارة لهما فقال للفتى هل
فيك من خير؟ ثم مضى عنه ثم كر عليه فكمثلها ثم مضى عنه ثم كر عليه فكمثلها. قال نعم: قال فأرني
يدك فانطلق به فأخبره الخبر وأمره بنكاحها فنكحها فبات معها فلما أصبح استأذن فأذن له فإذا هو قد
ولاها الدبر فقالت: والله لئن طلقني لا أنكحك أبدا فذكر ذلك لعمر فدعاه فقال لو نكحتها لفعلت
بك كذا وكذا وتوعده ودعا زوجها فقال ألزمها. أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن مجاهد عن عمر مثله
86

أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرت عن ابن سيرين أن امرأة طلقها زوجها ثلاثا وكان
مسكين أعرابي يقعد بباب المسجد فجاءته امرأة فقالت له هل لك في امرأة تنكحها فتبيت معها الليلة
فتصبح فتفارقها؟ فقال نعم وكان ذلك فقالت له امرأته إنك إذا أصبحت فإنهم سيقولون لك فارقها
فلا تفعل فإني مقيمة لك ما ترى واذهب إلى عمر فلما أصبحت أتوه وأتوها فقالت كلموه فأنتم جئتم به
فكلموه فأبى وانطلق إلى عمر فقال: الزم امرأتك فإن رابوك بريب فائتني وأرسل إلى المرأة التي مشت
بذلك فنكل بها. ثم كان يغدو إلى عمر ويروح في حلة فيقول الحمد لله الذي كساك يا ذا الرقعتين حلة
تغدو فيها وتروح (قال الشافعي) وقد سمعت هذا الحديث مسندا متصلا عن ابن سيرين يوصله عن
عمر بمثل هذا المعنى.
باب الخيار في النكاح
وإذا نكح الرجل المرأة على أنه بالخيار في نكاحها يوما أو أقل أو أكثر أو على أنه بالخيار ولم يذكر
مدة ينتهى إليها إن شاء أجاز النكاح وإن شاء رده أو قال على أنى بالخيار يعنى من كان له الخيار أنه
إن شاء أجاز النكاح وإن شاء رده فالنكاح فاسد، وكذلك إن كان الخيار للمرأة دونه أو لهما معا أو
شرطاه أو أحدهما لغيرهما فالنكاح باطل في هذا كله فإن لم يدخل بها فهو مفسوخ وإن أصابها فلها مهر
مثلها بما أصاب منها ولا نكاح بينهما ويخطبها مع الخطاب وهي تعتد من مائه ولو تركها حتى تستبرئ
كان أحب إلى (قال الشافعي) وإنما أبطلته بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة فلما كان
نكاح المتعة مفسوخا لم يكن للنهي عنه معنى أكثر من أن النكاح إنما يجوز على إحلال المنكوحة مطلقا
لا إلى غاية وذلك أنها إذا كانت إلى غاية فقد أباحت نفسها بحال ومنعتها في أخرى فلم يجز أن يكون
النكاح إلا مطلقا من قبلها كان الشرط أن تكون منكوحة إلى غاية أو قبله أو قبلهما معا، ولما كان النكاح
بالخيار في أكثر من المعنى الذي له فيما نرى فسدت المتعة في أنه لم ينعقد والجماع حلال فيه على ما
وصفت من الأبد ولا بحال حتى يحدث له اختيارا حداثا فتكون العقدة انعقدت على النكاح والجماع لا
يحل فيها بكل حال فالنكاح في العقدة غير ثابت لم يثبت النكاح بشئ حدث بعدها ليس هو هي
فيكون متقدم النكاح غير ثابت في حال وثابتا في أخرى وهذا أقبح من نكاح المتعة لأن نكاح المتعة
وقع على ثابت أولا إلى مدة وغير ثابت إذا انقطعت المدة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولم أعلم
مخالفا في جملة أن النكاح لا يجوز على الخيار كما تجوز البيوع، فإذا كان الخيار فيه لا يجوز لزم من
أعطى هذه الحملة والله تعالى أعلم أن لا يجيز النكاح إذا كان بشرط الخيار.
ما يدخل في نكاح الخيار
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت المرأة الحرة مالكة لأمرها فزوجها وليها رجلا بغير
علمها فأجازت النكاح أو ردته فهو غير جائز ولا يجوز نكاح المرأة بحال أبدا حتى تأذن في أن تنكح
قبل أن تنكح، فإذا أذنت في ذلك في رجل بعينه فزوجها ولى جاز (قال الشافعي) وكذلك إذا
أذنت للولي أن يزوجها من رأى فزوجها كفئا فالنكاح جائز وهكذا الزوج يزوجه الرجل بغير إذنه
87

فالنكاح باطل أجازه الرجل أورده وأصل معرفة هذا أن ينظر إلى كل عقد نكاح كان الجماع فيه والنظر
إلى المرأة مجردة محرما إلى مدة تأتى بعده فالنكاح فيه مفسوخ وهو في معنى ما وصفت قبل من نكاح
الخيار ونكاح المتعة ولا يجوز إنكاح الصبي ولا الصبية ولا البكر غير الصبية إلا بعد تقدم رضاها أو
البكر البالغ لولى غير الآباء خاصة بما وصفنا قبله من دلالة السنة في إنكاح الأب ولو أن امرأة حرة
أذنت لوليها أن يزوجها برجل فزوجها رجل غير وليها ذلك الرجل وأجاز الولي نكاحها لم يجز لأنها كان
لها وللولي أن يرد نكاحه لعلة ان المزوج غير المأذون له بالتزويج فلم يجز النكاح وهكذا المرأة تنكح بغير
إذن وليها فيجيز وليها النكاح أو العبد ينكح بغير إذن سيده فيجيز سيده النكاح أو الأمة تنكح بغير إذن
سيدها فيجيز سيدها النكاح فهذا كله نكاح مفسوخ لا يجوز بإجازة من أجازه لأنه انعقد منهيا عنه
وهكذا الحر البالغ المحجور عليه ينكح بغير إذن وليه ووليه ولى ماله لا ولاية على البالغ في النكاح في
النسب إنما الولي عليه ولى ماله كما يقع عليه في الشراء والبيع ولا يشبه المرأة التي وليها ولى نسبها للعار
عليها والرجل لا عار عليه في النكاح فإذا أذن وليه بعد النكاح فالنكاح مفسوخ وكل نكاح مفسوخ
قبل الجماع فهو مفسوخ بعد الجماع (قال الشافعي) وإذا زوج الولي رجلا غائبا بخطبة غيره وقال
الخاطب لم يرسلني ولم يوكلني فالنكاح باطل وإذا قال الرجل قد أرسلني فلان فزوجه الولي أو كتب
الخاطب كتابا فزوجه الولي وجاءه بعلم التزويج فإن مات الزوج قبل أن يقر بالرسالة أو الكتاب لم ترثه المرأة
وإن لم يمت فقال لم أرسل ولم أكتب فالقول قوله مع يمينه فإن قامت عليه بينة برسالة بخطبتها أو كتاب
بخطبتها ثبت عليه النكاح وهكذا لو مات ولم يقر بالنكاح أو جحده فقامت عليه بينة ثبت عليه النكاح
وكان لها عليه المهر الذي سمى لها ولها منه الميراث فإن قال الرجل قد وكلني فلان أزوجه فزوجته فأنكر
المزوج فالقول قوله مع يمينه إن لم يكن عليه بينة ولا صداق ولا نصف على المزوج المدعى الوكالة إلا أن
يضمن الصداق فيكون عليه نصفه بالضمان فإن الزوج لم يمسس وليس هذا كالرجل يشترى للرجل
الشئ فينكر المشترى له الوكالة فيكون الشراء للمشترى وعليه الثمن هذا لا يكون له النكاح وإن ولى
عقده لغيره والله تعالى الموفق.
باب ما يكون خيار قبل الصداق
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وكل الرجل أن يزوجه امرأة بصداق فزادها عليه أو
أصدق عنه غير الذي يأمره أو أمرت المرأة الولي أن يزوجها بصداق فنقص من صداقها أو زوجها
بعرض فلا خيار في واحد من هذين للمرأة ولا للرجل ولا يرد النكاح من قبل تعدى الوكيل في
الصداق وللمرأة على الزوج في كل حال من هذه الأحوال مهر مثلها وإن كان وكيل الرجل ضمن
للمرأة ما زادها فعلى الوكيل الزيادة على مهر مثلها وإن كان ضمن الصداق كله أخذت المرأة الوكيل
بجميع الصداق الذي ضمن ورجع على الزوج بصداق مثلها ولم يرجع عليه بما ضمن عنه مما زاد على
صداق مثلها لأنه متطوع بالزيادة على صداق مثلها وإن كان ما سمى مثل صداق مثلها رجع به عليه
ولو كان الوكيل لم يضمن لها شيئا لم يضمن الوكيل شيئا وليس هذا كالبيوع التي يشترى الرجل منها
الشئ للرجل فيزيد في ثمنه فلا يلزم الآمر إلا أن يشاء (قال الربيع) إلا أن يشاء أن يحدث شراء من
المشترى لأن العقد كان صحيحا (قال الشافعي) ويلزم المشترى لأنه ولى صفقة البيع وأنه يجوز أن يملك
88

ما اشترى بذلك العقد وإن سماه لغيره وهو لا يجوز له أن يملك امرأة بعقد عقده لغيره ولا يكون للزوج
ولا للمرأة خيار من قبل أنه لا يجوز أن يكون في النكاح خيار من هذا الوجه ويثبت النكاح فيكون لها
صداق مثلها فإن قال قائل فكيف يجعل لها صداق مثلها ولم يرض الزوج أن يتزوجها إلا بصداق
مسمى هو أقل من صداق مثلها؟ قيل له إن شاء الله تعالى أرأيت إذا لم يرض الزوج أن يتزوج إلا بلا
مهر فلم أرد النكاح ولم أجعل فيه خيارا للزوجين ولا لواحد منهما وأثبت النكاح وأخذت منه مهر مثلها
من قبل أن عقدة النكاح لا تفسخ بصداق وأنه كالبيوع الفاسدة المستهلكة التي فيها قيمتها فأعطاها
الزوج صداقها وولى عقدة النكاح غيره فزادها عليه فأبلغتها صداق مثلها فما أخذت منه من إبلاغها
صداق مثلها وإن لم يبلغه أقل من أخذى منه مبتدأ صداق مثلها فهو لم يبذله ولم ينكح عليه وهكذا لو
وكل رجل رجلا يزوجه امرأة بعينها ولم يسم لها صداق فأصدقها أكثر من صداق مثلها ولم يضمنه
الوكيل فلها صداق مثلها لا يجعل على الزوج ما جاوزه إذا لم يسمه ولا تنقص المرأة منه. ولو وكله بأن
يزوجه إياها بمائة فزوجه إياها بخمسين كان النكاح جائزا وكانت لها الخمسون لأنها رضيت بها ولو
وكل أن يزوجه إياها بمائة فزوجه إياها بعبد أو دراهم أو طعام أو غيره كان لها صداق مثلها إلا أن
يصدقه الزوج أنه أمره أن يعمل برأيه أن يزوجه بما زوجه به، وهكذا المرأة لو أذنت لوليها أن يزوجها
فتعدى في صداقها.
الخيار من قبل النسب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن عبدا انتسب لامرأة حرة حرا فنكحته وقد أذن له سيده
ثم علمت أنه عبد أو انتسب لها إلى نسب فوجدته من غير ذلك النسب ومن نسب دونه ونسبها فوق
نسبه كان فيها قولان. أحدهما أن لها الخيار لأنه منكوح بعينه وغار بشئ وجد دونه، والثاني أن
النكاح مفسوخ كما ينفسخ لو أذنت في رجل بعينه فزوجت غيره كأنها أذنت في عبد الله بن محمد
الفلاني فزوجت عبد الله بن محمد من غير بنى فلان فكان الذي زوجته غير من أذنت بتزويجه فإن قال
قائل فلم تجعل لها الخيار في الرجل يغرها بنسبه وقد نكحته بعينه ولم تجعله لها من جهة الصداق؟
قيل الصداق مال من مالها هي أملك به لا عار عليها ولا على من هي فيه منه في نقصه ولا ولاية
لأوليائها في مالها وهذا كان لأوليائها على الابتداء إذا أذنت فيه أن يمنعوها منه بنقص في النسب ولم
يكن لهم على الابتداء يمنعونها كفؤا تترك لها من صداقها، فإن قال قائل فكيف لم تجعل نكاح الذي
غرها مفسوخا بكل حال؟ قيل له لأنه قد كان لأوليائها على الابتداء ان يزوجوها إياه. وليس معنى
النكاح إذا أراد الولاة منعه بأن الناكح غير كف ء بأن النكاح محرم وللأولياء أن يزوجوها غير كف ء إذا
رضيت ورضوا وإنما رددناه بالنقص على المزوجة كما يجعل الخيار في رد البيع بالعنب وليس بمحرم أن
يتم إن شاء الذي جعل له الخيار: فإن قال فقد جعلت خيارا في الكفاءة. قيل من جهة أن الله عز
وجل جعل للأولياء في بضع المرأة أمرا وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاح المرأة بغير إذن وليها
مردودا فكانت دلالة أن لا يتم نكاحها إلا بولي وكانت إذا فعلت ذلك مفوتة في شئ لها فيه شريك
ومن يفوت في شئ له فيه شريك لم يجز ذلك على شريكه فإذا كان الشريك في بضع لم يتم إلا باجتماع
الشريكين لأنه لا يتبعض ولم يكن للولاة معها معنى إلا بما وصفنا والله تعالى أعلم إلا أن تنكح من
89

ينقص نسبه عن نسبها ولم يجعل الله للولاة أمرا في مالها، ولو أن المرأة غرت الرجل بأنها حرة فإذا هي
أمة وأذن لها سيدها كان له فسخ النكاح إن شاء، ولو غرته بنسب فوجدها دونه ففيها قولان أحدهما أن
له عليها في الغرور بالنسب مالها عليه من رد النكاح وإذا رد النكاح قبل أن يصيبها فلا مهر ولا متعة
وإذا رده بعد الإصابة فلها مهر مثلها لا ما سمى لها ولا نفقة في العدة حاملا كانت أو غير حامل ولا
ميراث بينهما إذا فسخ، والثاني لا خيار له إذا كانت حرة لأن بيده الطلاق ولا يلزمه من العار ما يلزمها
وله الخيار بكل حال إن كانت أمة (قال الربيع) وإن كانت) أمة غربها كان له الخيار إن كان يخاف
العنت وكان لا يجد طولا لحرة وإن كان يجد طولا لحرة أو كان لا يخاف العنت فالنكاح مفسوخ بكل
حال وهو قول الشافعي (قال الشافعي) ولو غرها بنسب فوجد دونه وهو بالنسب الدون كف ء لها ففيها
قولان: أحدهما ليس لها ولا لوليها خيار من قبل الكفاءة لها وإنما جعل لها الخيار ولوليها من قبل التقصير
عن الكفاءة فإذا لم يكن تقصير فلا خيار وهذا أشبه القولين وبه أقول، والآخر أن النكاح مفسوخ لأنها
مثل المرأة تأذن في الرجل فتزوج غيره. ومن قال هذا القول الآخر قاله في المرأة تغر بنسب فتوجد على
غيره قال ولو غرت بنسب أو غر به فوجد خيرا منه. وإنما منعني من هذا أن الغرور لم يكن فيه ببدنه
ولا فيها ببدنها وهما المزوجان وإنما كان الغرور فيمن فوقه فلم تكن أذنت في غيره ولا أذن في غيرها ولكنه
كان ثم غرور نسب فيه حق للعقدة وكان غير فاسد أن يجوز على الابتداء (قال الشافعي) فإن قال:
فهل تجد دلالة غير مل ذكرت من الاستدلال من أي معنى الأولياء إنما هو لمعنى النسب في هذا المعنى
أو ما يشبه في كتاب أو سنة حتى يجوز أن تجعل في النكاح خيارا والخيار إنما يكون إلى المخير إثباته
وفسخه؟ قيل نعم عتقت بريرة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم ففارقت زوجها وقد كان لها الثبوت
عنده لأنه لا يخيرها إلا ولها أن تثبت إن شاءت وتفارق إن شاءت. وقد كان العقد على بريرة صحيحا
وكان الجماع فيه حلالا وكان لها فسخ العقد فلم يكن لفسخها معنى والله تعالى أعلم إلا أنها
صارت حرة فصار العبد لها غير كفء والتي كانت كفيئة في حال ثم انتقلت إلى أن تكون غير كفء
للعبد لتقصيره عنها أدنى حالا من التي لم تكن قط كفيئة لمن غرها فنكحته على الكفاءة فوجد على
غيرها.
في العيب بالمنكوحة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو تزوج الرجل امرأة على أنها جميلة شابة موسرة تامة بكر
فوجدها عجوزا قبيحة معدمة قطعاء ثيبا أو عمياء أو بها ضر ما كان الضر غير الأربع التي سمينا فيها
الخيار فلا خيار له. وقد ظلم من شرط هذا نفسه. وسواء في ذلك الحرة والأمة إذا كانتا متزوجتين،
وليس النكاح كالبيع فلا خيار في النكاح من عيب يخص المرأة في بدنها ولا خيار في النكاح عندنا إلا
من أربع أن يكون حلق فرجها عظما لا يوصل إلى جماعها بحال وهذا مانع للجماع الذي له عامة ما
نكحها. فإن كانت رتقاء فكان يقدر عن جماعها بحال فلا خيار له أو عالجت نفسها حتى تصير إلى أن
يوصل إليها فلا خيار للزوج وإن لم تعالج نفسها فله الخيار إذا لم يصل إلى الجماع بحال. وإن سأل أن
يشقها هو بحديدة أو ما شابهها ويجبرها على ذلك لم أجعل له أن يفعل وجعلت له الخيار وإن فعلته هي
فوصل إلى جماعها قبل أن أخبره لم أجعل له خيارا، ولا يلزمها الخيار إلا عند حاكم إلا أن يتراضيا هما
بشئ يجوز فأجيز تراضيهما، ولو تزوجها فوجدها مفضاة لم أجعل له خيارا لأنه يقدر على الجماع،
90

وكذلك لو كان بها قرن يقدر معه على الجماع لم أجعل له خيارا ولكن لو كان القرن مانعا للجماع كان
كالرتق أو تكون جذماء أو برصاء أو مجنونة ولا خيار في الجذام حتى يكون بينا فأما الزعر في الحاجب،
أو علامات ترى أنها تكون جذماء ولا تكون فلا خيار فيه بينهما لأنه قد لا يكون وله الخيار في البرص
لأنه ظاهر وسواء قليل البرص وكثيره فإن كان بياضا فقالت ليس هذا برصا وقال هو برص أريه أهل
العلم به فإن قالوا هو برص فله الخيار وإن قالوا هو مرار لا برص فلا خيار له فإن شاء أمسك وإن شاء
طلق (قال الشافعي) والجنون ضربان خنق وله الخيار بقليله وكثيره وضرب غلبة على عقله من غير
حادث مرض فله الخيار في الحالين معا وهذا أكثر من الذي يخنق ويفيق (قال الشافعي) فأما الغلبة
على العقل بالمرض فلا خيار لها فيه ما كان مريضا فإذا أفاق من المرض وثبتت الغلبة على العقل فلها
الخيار فإن قال قائل ما الحجة في أن جعلت للزوج الخيار في أربع دون سائر العيوب؟ فالحجة عن
غير واحد في الرتقاء ما قلت، وإنه إذا يوصل إلى الجماع بحال فالمرأة في غير معاني النساء فإن قال فقد
قال أبو الشعثاء لا ترد من قرن فقد أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء قال أربع
لا يجزن في بيع ولا نكاح إلا أن يسمى فإن سمى جاز الجنون والجذام والبرص والقرن (قال الشافعي)
فإن قال قائل فنقول بهذا؟ قيل إن كان القرن مانعا للجماع بكل حال كما وصفت كان كالرتق وبه
أقول، وإن كان غير مانع للجماع فإنما هو عيب ينقصها فلا أجعل له خيارا، أخبرنا مالك عن يحيى
ابن سعيد عن ابن المسيب أنه قال قال عمر بن الخطاب أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو
برص فمسها فلها صداقها وذلك لزوجها غرم على وليها.
(قال الشافعي) فإذا علم قبل المسيس فله الخيار فإن اختار فراقها فلا مهر لها ولا نصف ولا متعة
وإن اختار حبسها بعد علمه أو نكحها وهو يعلمه فلا خيار له وإن اختار الحبس بعد المسيس فصدقته
أنه لم يعلم خيرته فإن اختار فراقها فلها مهر مثلها بالمسيس ولا نفقة عليه في عدتها ولا سكنى إلا أن
يشاء ولا يرجع بالمهر عليها ولا على وليها فإن قال قائل فقد قيل يرجع بالمهر على وليها (قال الشافعي)
إنما تركت أن أرده بالمهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها
باطل وإن أصابها فلها الصداق بما استحل من فرجها) فإذا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
الصداق للمرأة بالمسيس في النكاح الفاسد بكل حال ولم يرده به عليها وهي التي غرته لا غيرها لأن
غيرها لو زوجه إياها لم يتم النكاح إلا بها إلا في البكر للأب فإذا كان في النكاح الفاسد الذي عقد لها
لم يرجع به عليها وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم لها كان في النكاح الصحيح الذي للزوج فيه
الخيار أولى أن يكون للمرأة فإذا كان للمرأة لم يجز أن تكون هي الآخذة له ويغرمه وليها لأن أكثر أمره
أن يكون غربها وهي غرت بنفسها فهي كانت أحق أن يرع به عليها ولو رجع به عليها لم تعطه أولا
(قال الشافعي) وقضى عمر بن الخطاب في التي نكحت في عدتها إن أصيبت فلها المهر فإذا جعل لها
المهر فهو لورده به عليها لم يقض لها به ولم يرده على وليها بمهره إنما فسد النكاح من قبل العقد لأنه لو
كان بغير ولى أفسده وإن لم يكن في عدة قال وما جعلت له فيه الخيار إذا عقدت عقدة النكاح وهو بها
جعلت له الخيار إذا حدث بها عقدة النكاح لأن ذلك المعنى قائم فيها وإني لم أجعل له الخيار بأن
النكاح فاسد ولكني جعلت له بحقه فيه وحق الولد. قال وما جعلت له فيه الخيار إذا كان بها جعلت
لها فيه الخيار إذا كان به أو حدث به فإن اختارت فراقه قبل المسيس لم يكن له أن يمسها ولم يكن من
المهر شئ ولا متعة وإن لم تعلم حتى أصابها فاختارت فارقة فلها المهر ولها فراقه والذي يكون به مثل
91

الرتق أن يكون مجبوبا فأخيرها مكانها فإن كانت بخصلة واحدة مما لها فيه الخيار فلم تختر فراقه وثبتت
معه عليها فحدث به أخرى فلها منه الخيار وكذلك إن علمت باثنين أو ثلاث فاختارت المقام معه
جعلت لها فيما سواها الخيار وهكذا هو فيما كان بها وإن علمت به فتركته وهي تعلم الخيار لها فذلك
كالرضا بالمقام معه ولا خيار لها وإن علم شيئا بها فأصابها فلها الصداق الذي سمى لها ولا خيار له إن شاء
طلق وإن شاء أمسك فإن قال قائل فهل فيه من علة جعلت لها الخيار غير الأثر؟ قيل نعم الجذام
والبرص فيما يزعم أهل العلم بالطب والتجارب تعدى الزوج كثيرا وهو داء مانع للجماع لا
تكاد نفس أحد أن تطيب بان يجامع من هو به ولا نفس امرأة أن يجامعها من هو به فأما الولد فبين والله
تعالى أعلم أنه إذا ولده أجذم أو أبرص أو جذماء أو برصاء قلما يسلم وإن سلم أدرك نسله ونسأل الله
العافية فأما الجنون والخبل فتطرح الحدود عن المجنون والمخبول منهما ولا يكون منه تأدية حق لزوج ولا
زوجة بعقل ولا امتناع من محرم بعقل ولا طاعة لزوج بعقل وقد يقتل أيهما كان به زوجه وولده ويتعطل
الحكم عليه في كثير ما يجب لكل واحد منهما على صاحبه حتى يطلقها فلا يلزمه الطلاق ويرد خلعه فلا
يجوز خلعه وهي لو دعت إلى مجنون في الابتداء كان للولاة منعها منه كما يكون لهم منعها من غير
الكفء وإذا جعل لها الخيار بأن يكون مجبوبا أو له بأن تكون رتقاء كان الخبل والجنون أولى بجماع ما
وصفت أن يكون لها وله الخيار وأولى أن يكون لها فيه الخيار من أن لا يأتيها فيؤجل فإن لم يأتها خيرت
(قال الشافعي) فإن قال فهل من حكم الله تعالى أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع فيه الخيار
أو الفرقة بغير طلاق ولا اختلاف دينين؟ قيل نعم جعل الله للمولى تربص أربعة أشهر أوجب عليه
بمضيها أو يفئ أو يطلق وذلك أنه امتنع من الجماع بيمين لو كانت على غير مأتم كانت طاعة الله أن لا
يحنث فلما كانت على معصية أرخص له في الحنث وفرض الكفارة في الايمان في غير ذكر المولى فكانت
عليه الكفارة بالحنث فإن لم يحنث أوجبت عليه الطلاق والعلم يحيط أن الضرر بمعاشرة الأجذم
والأبرص والمجنون والمخبول أكثر منه بمعاشرة المولى ما لم يحنث وإن كان قد يفترقان في غير هذا المعنى
فكل موضع من النكاح لم أفسخه بحال فعقده غير محرم وإنما جعلنا الخيار فيه بالعلة التي فيه فالجماع فيه
مباح وأي الزوجين كان له الخيار فمات أو مات الآخر قبل الخيار توارثا ويقع الطلاق ما لم يختر له
الخيار فسخ العقدة فإذا اختارها لم يقع طلاق ولا إيلاء ولا ظهار ولا لعان ولا ميراث.
الأمة تغر بنفسها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أذن الرجل لامته في نكاح رجل ووكل رجلا بتزويجها
فخطبها الرجل إلى نفسها فذكرت أنها حرة ولم يذكر ذلك الذي زوجها أو ذكر الذي زوجها ولم تذكره
أو ذكراه معا فتزوجها على أنها حرة فعلم بعد عقد النكاح وقبل الدخول أو بعده أنها أمة فله الخيار في
المقام معها أو فراقها إن كان ممن يحل له نكاحها بأن لا يجد طولا لحرة ويخاف العنت فإن اختار فراقها
قبل الدخول فلا نصف مهر ولا متعة وإن لم يعلم حتى أصابها فلها مهر مثلها كان أقل مما سمى لها أو أكثر
إن اختار فراقها والفراق فسخ بغير طلاق ألا ترى أن لو جعله تطليقة لزمه أن يكون لها نصف المهر الذي
فرض لها قبل الدخول وكله بعد الدخول لأن الله عز وجل أوجب للمطلقة قبل الدخول نصف المهر ولا
يرجع بمهرها عليها ولا على الذي غره من نكاحها بحال لأن الإصابة توجب المهر إذا درئ فيها الحد
92

وهذه إصابة الحد فيها ساقط وإصابة نكاح لا زنا (قال الشافعي) فإن أحب المقام معها كان ذلك له
وإن اختار فراقها وقد ولدت أولادا فهم أحرار وعليه قيمتهم يوم يسقطون من بطون أمهاتهم وذلك أول ما
كان حكمهم حكم أنفسهم لسيد الأمة ويرجع بجميع ما أخذ منه من قيمة أولاده على الذي غره إن
كان غره الذي زوجه رجع به عليه وإن كانت غرته هي رجع به عليها إذا عتقت ولا يرجع عليها إذا
كانت مملوكة وهكذا إذا كانت مدبرة أو أم ولد أو معتقة إلى أجل لم يرجع عليها في حال رقها ويرجع
عليها إذا عتقت إذا كانت هي التي غرته (قال الشافعي) وإن كانت مكاتبة فمثل هذا في جميع المسائل
إلا أن له أن يرجع عليها وهي مكاتبة بقيمة أولادها لأن الجناية والدين في الكتابة يلزمها فإن أدته فذاك
وإن لم تؤده وعجزت فردت رقيقا لم يلزمها في حال رقها حتى تعتق فيلزمها إذا عتقت وإن كان ممن يجد
طولا لحرة فالنكاح مفسوخ بكل حال لا خيار فيه في إثباته فإن لم يصبها فلا مهر ولا نصف مهر ولا
متعة وإن أصابها فلها مهر مثلها وإن ضرب إنسان بطنها فألقت جنينا فلأبيه فيه ما في جنين الحرة جنينا
ميتا.
كتاب النفقات
أخبرنا الربيع بن سليمان قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (قد علمنا ما
فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم) وقال عز وجل (الرجال قوامون على النساء) وقال
تقدست أسماؤه (وعاشروهن بالمعروف) وقال عز وجل (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال
عليهن درجة) (قال الشافعي) هذا جملة ما ذكر الله عز وجل من الفرائض بين الزوجين وقد كتبنا ما
حضرنا مما فرض الله عز وجل للمرأة على الزوج وللزوج على المرأة مما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(قال الشافعي) وفرض الله عز وجل أن يؤدى كل ما عليه بالمعروف وجماع المعروف إعفاء صاحب الحق
من المؤنة في طلبه وأداؤه إليه بطيب النفس لا بضرورته إلى طلبه ولا تأديته بإظهار الكراهية لتأديته
وأيهما ترك فظلم لأن مطل الغنى ظلم ومطله تأخيره الحق (قال الشافعي) في قوله تعالى (ولهن مثل الذي
عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) والله أعلم: أي فما لهن مثل ما عليهن من أن يؤدى إليهن
بالمعروف.
وجوب نفقة المرأة
قال الله عز وجل (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا)
قرأ إلى (أن لا تعولوا) وقال عز وجل (والوالدات يرضعن أولادهن) قرأ إلى (بالمعروف) وقال عز وجل
(فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن هشام
بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن هندا قالت يا رسول الله: إن أبا سفيان
رجل شحيح وليس لي إلا ما يدخل بيتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذي ما يكفيك وولدك
بالمعروف) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن
عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها حدثته أن هندا أم معاوية جاءت النبي صلى الله عليه وسلم
93

فقالت يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت
منه سرا وهو لا يعلم فهل على في ذلك من شئ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (خذي ما يكفيك
وولدك بالمعروف) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي
سعيد عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عندي دينار
قال (أنفقه على نفسك) قال عندي آخر قال (أنفقه على ولدك) قال عندي آخر قال (أنفقه على
أهلك) قال عندي آخر (قال أنفقه على خادمك) قال عندي آخر قال (أنت أعلم) قال سعيد بن أبي
سعيد ثم يقول أبو هريرة إذا حدث بهذا يقول ولدك أنفق على إلى من تكلني؟ وتقول زوجتك أنفق على
أو طلقني ويقول خادمك أنفق على أو بعني (قال الشافعي) في قول الله عز وجل (وعلى المولود له
رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وقوله عز وجل (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) ثم قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) بيان أن على الأب أن يقوم بالمؤنة التي في
صلاح صغار ولده من رضاع ونفقة وكسوة وخدمة قال وفي قول الله تبارك وتعالى في النساء (ذلك
أدنى أن لا تعولوا) بيان أن على الزوج ما لا غنى بامرأته عنه من نفقة وكسوة وسكنى قال وخدمة في
الحال التي لا تقدر على أن تنحرف لما لا صلاح لبدنها إلا به من الزمانة والمرض فكل هذا لازم للزوج
قال ويحتمل أن يكون عليه لخادمها نفقة إذا كانت ممن يعرف أنها لا تخدم نفسها وهو مذهب غير
واحد من أهل العلم فيفرض على الرجل نفقة خادم واحد للمرأة التي الأغلب أن مثلها لا تخدم نفسها
وليس عليه نفقة أكثر من خادم واحد فإذا لم يكن لها خادم فلا أعلمه يجبر على أن يعطيها خادما ولكن
يجبر على من يصنع لها من طعامها مالا تصنعه هي ويدخل عليها ما لا تخرج لادخاله من الماء ومن
مصلحتها لا يجاوز به ذلك (قال الشافعي) وينفق على ولده حتى يبلغوا المحيض والحلم ثم لا نفقة لهم
عليه إلا أن يتطوع إلا أن يكونوا زمني فينفق عليهم قياسا على النفقة عليهم إذا كانوا لا يغنون أنفسهم
في الصغر وسواء في ذلك الذكر والأنثى وإنما ينفق عليهم ما لم تكن لهم أموال فإذا كانت لهم أموال
فنفقتهم في أموالهم قال وسواء في ذلك ولده وولد ولده وإن سفلوا ما لم يكن لهم أب دونه يقدر على
أن ينفق عليهم قال وإذا زمن الأب والام ولم يكن لهما مال ينفقان منه على أنفسهما أنفق عليهما الولد
لأنهما قد جمعا الحاجة والزمانة التي لا ينحرفان معها والتي في مثل حال الصغر أو أكثر ومن نفقتهم
الخدمة كما وصفت والأجداد وإن بعدوا آباء إذا لم يكن لهم أب دونه يقدر على النفقة عليهم أنفق
عليهم ولد الولد (قال الشافعي) وينفق إذا كانوا كما وصفت على ولده بأنهم منه وينفق عليه ولده بذلك
المعنى لا بالاستمتاع منهم بما يستمتع به الرجل من امرأته قال وينفق على امرأته غنية كانت أو فقيرة
بحبسها على نفسه للاستمتاع بها وغير ذلك ومنعها من ذلك من غيره قال ولا شك إذا كانت امرأة
الرجل قد بلغت من السن ما يجامع مثلها فامتنع من الدخول عليها ولم تمتنع من الدخول عليه ولا منه
بعد الدخول عليه فعليه نفقتها ما كانت زوجة له مريضة وصحيحة وغائبا عنها وحاضرا لها وإن طلقها
وكان يملك الرجعة فعليه نفقتها في العدة لأنه لا يمنعه من أن تصير حلالا له يستمتع بها إلا نفسه إذا
أشهد شاهدين أنه راجعها فهي زوجته وإذا لم يفعل فهو منع نفسه من رجعتها ولا ينفق عليها إذا لم
يكن يملك الرجعة لأنها أحق بنفسها منه ولا تحل له إلا بنكاح جديد قال وإذا نكح الصغيرة التي لا
يجامع مثلها وهو صغير أو كبير فقد قيل ليس عليه نفقتها لأنه لا يستمتع بها وأكثر ما ينكح له الاستمتاع
بها وهذا قول عدد من علماء أهل زماننا لا نفقة لها لأن الحبس من قبلها ولو قال قائل ينفق عليها لأنها
94

ممنوعة به من غيره كان مذهبا قال وإذا كانت هي البالغة وهو الصغير فقد قيل عليه النفقة لأن الحبس
جاء من قبله ومثلها يستمتع به وقيل إذا علمته صغيرا ونكحته فلا نفقة لها لأن معلوما أن مثله لا
يستمتع بامرأته قال ولا تجب النفقة لامرأة حتى تدخل على زوجها أو تخلى بينه وبين الدخول عليها
فيكون الزوج يترك ذلك فإذا كانت هي الممتنعة من الدخول عليه فلا نفقة لها لأنها مانعة له نفسها
وكذلك إن هربت منه أو منعته الدخول عليها بعد الدخول عليه لم يكن لها نفقة ما كانت ممتنعة منه
(قال الشافعي) وإذا نكحها ثم خلت بينه وبين الدخول عليها فلم يدخل فعليه نفقتها لأن الحبس من
قبله (قال الشافعي) وإذا نكحها ثم غاب عنها فسألت النفقة فإن كانت خلت بينه وبين نفسها فغاب
ولم يدخل عليها فعليه النفقة وإن لم تكن قد خلت بينه وبين نفسها ولا منعته فهي غير مخلية حتى تخلى
ولا نفقة عليه وتكتب إليه ويؤجل فإن قدم وإلا أنفق إذا أتى عليه قدر ما يأتيه الكتاب ويقدم. والله
سبحانه وتعالى أعلم.
باب قدر النفقة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى)
الآية (قال الشافعي) ففي هذا دلالة على أن على المرء ان يعول امرأته وبمثل هذا جاءت السنة كما
ذكرت في الباب قبل هذا من الكتاب والسنة قال والنفقة نفقتان نفقة الموسر ونفقة المقتر عليه رزقه وهو
الفقير قال الله عز وجل (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه) الآية قال وأقل ما يلزم المقتر من
نفقة امرأته المعروف ببلدهما قال فإن كان المعروف أن الأغلب من نظرائها لا تكون إلا مخدومة عالها
وخادما لها واحدا لا يزيد عليه وأقل ما يعولها به وخادمها ما لا يقوم بدن أحد على أقل منه وذلك مد
بمد النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم من طعام البلد الذي يقتاتون حنطة كان أو شعيرا أو ذرة أو أرزا
أو سلتا ولخادمها مثله ومكيلة من أدم بلادها زيتا كان أو سمنا بقدر ما يكفي ما وصفت من ثلاثين مدا
في الشهر و لخادمها شبيه به ويفرض لها في دهن ومشط أقل ما يكفيها ولا يكون ذلك لخادمها لأنه
ليس بالمعروف لها (قال الشافعي) وإن كانت ببلد يقتاتون فيه أصنافا من الحبوب كان لها الأغلب من
قوت مثلها في ذلك البلد وقد قيل لها في الشهر أربعة أرطال لحم في كل جمعة رطل وذلك المعروف
لها، وفرض لها من الكسوة ما يكسى مثلها ببلدها عند المقتر وذلك من القطن الكوفي والبصري وما
أشبهما ولخادمها كرباس وتبان وما أشبهه وفرض لها في البلاد الباردة أقل ما يكفي في البرد من جبة
محشوة وقطيفة أو لحاف وسراويل وقميص وخمار أو مقنعة ولخادمها جبة صوف وكساء تلتحفه يدفئ
مثلها وقميص ومقنعة وخف وما لا غنى بها عنه وفرض لها للصيف قميصا وملحفة ومقنعة قال وتكفيها
القطيفة سنتين والجبة المحشوة كما يكفي مثلها السنتين ونحو ذلك (قال الشافعي) وإن كانت رغيبة لا
يجزيها هذا أو زهيدة يكفيها أقل من هذا دفعت هذه المكيلة إليها وتزيدت إن كانت رغيبة من ثمن أدم
أو لحم أو عسل وما شاءت في الحب وإن كانت زهيدة تزيدت فيما لا يقوتها منه من الطعام ومن فضل
المكيلة قال وإن كان زوجها موسعا عليه فرض لها مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم وفرض لها من
الادم واللحم ضعف مما وصفته لامرأة المقتر وكذلك في الدهن والعسل وفرض لها من الكسوة وسط
البغدادي والهروي ولين البصرة وما أشبهه وكذلك يحشى لها للشتاء إن كانت ببلاد يحتاج أهلها إلى الحشو
95

وتعطى قطيفة وسطا لا تزاد وإن كانت رغيبة فعلى ما وصفت وتنقص إن كانت زهيدة حتى تعطى مدا
بمد النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم لأن لها سعة في الادم والفرض تزيد بها ما أحبت (قال الشافعي)
وأفرض عليه في هذا كله مكيلة طعام لا دراهم فإن شاءت هي أن تبيعة فتصرفه فيما شاءت صرفته
وأفرض لها نفقة خادم واحد لا أزيد عليه وأجعله مدا وثلثا بمد النبي صلى الله عليه وسلم لأن ذلك سعة
لمثلها وأفرض لها عليه في الكسوة الكرباس وغليظ البصري والواسطي وما أشبهه لا أجاوزه بموسع من
كان ومن كانت امرأته وأجعل عليه لامرأته فراشا ووسادة من غليظ متاع البصرة وما أشبهه وللخادمة
الفروة ووسادة وما أشبهه من عباءة أو كساء غليظ فإن بلى أخلفه وإنما جعلت أقل الفرض مدا بالدلالة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في دفعه إلى الذي أصاب أهله في شهر رمضان بعرق فيه خمسة
عشر أو عشرون صاعا لستين مسكينا فكان ذلك مدا مدا لكل مسكين والعرق خمسة عشرة صاعا على
ذلك يعمل ليكون أربعة أعراق وسقا ولكن الذي حدثه أدخل الشك في الحديث خمسة عشر أو
عشرين صاعا قال وإنما جعلت أكثر ما فرضت مدين مدين لأن أكثر ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم
في فدية الكفارة للأذى مدين لكل مسكين وبينهما وسط فلم أقصر عن هذا ولم أجاوز هذا لأن معلوما
أن الأغلب أن أقل القوت مد وأن أوسعه مدان قال والفرض على الوسط الذي ليس بالموسع ولا بالمقتر
ما بينهما مد ونصف للمرأة ومد للخادم (قال الشافعي) وإذا دخل الرجل بامرأته ثم غاب عنها أي غيبة
كانت فطلبت أن ينفق عليها أحلفت ما دفع إليها نفقة وفرض لها في ماله نفقتها وإن لم يكن له نقد بيع
لها من عرض ماله وأنفق عليها ما وصفت من نفقة موسع أو مقتر أي الحالين كانت حاله قال فإن قدم
فأقام عليها بينة أو أقرب بأن قد قبضت منه أو من أحد عنه نفقة وأخذت غيرها رجع عليها بمثل الذي
قبضت قال وإن غاب عنها زمانا فتركت طلب النفقة بغير إبراء له منها ثم طلبتها فرض لها من يوم غاب
عنها قال وكذلك إن كان حاضرا فلم ينفق عليها فطلبت فيما مضى فعليه نفقتها قال وإن اختلفا فقال قد
دفعت إليها نفقتها وقالت لم يدفع إلى شيئا فالقول قولها مع يمينها وعليه البينة بدفعه إليها أو إقرارها به
والنفقة كالحقوق لا يبرئه منها إلا إقرارها أو بينة تقوم عليها بقبضها قال وإن دفع إليها نفقة سنة ثم طلقها
ثلاثا رجع عليها بما بقي من نفقة السنة من يوم وقع الطلاق قال وإن طلق واحدة أو اثنتين يملك
الرجعة فيهما رجع عليها بما بقي من نفقة السنة بعد انقضاء العدة وإن كانت حاملا فطلقها ثلاثا أو
واحدة رجع عليها بما بقي من نفقة السنة بعد وضع الحمل قال وإن تركها سنة لا ينفق عليها وأبرأته من
نفقة تلك السنة وسنة مستقبلة برئ من نفقة السنة الماضية لأنها قد وجبت لها ولم يبرأ من نفقة السنة
المستقبلة لأنها أبرأته قبل أن تجب لها وكان لها أن تأخذه بها وما أجبت عليه من نفقتها فماتت فهو
لورثتها وإذا مات ضربت مع الغرماء في ماله كحقوق الناس عليه والله تعالى أعلم.
باب في الحال التي تجب فيها النفقة ولا تجب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ملك الرجل عقدة المرأة يجامع مثلها وإن لم تكن بالغا
فخلت بينه وبين الدخول عليها أو خلى أهلها فيما بينه وبين ذلك إن كانت بكرا ولم تمتنع هي من
الدخول عليه وجب عليه نفقتها كما تجب عليه إذا دخل بها لأن الحبس من قبله قال وكذلك إن كان
صغيرا تزوج بالغا فعليه نفقتها لأن الحبس من قبله (قال الشافعي) ولو كان الزوجان بالغين فامتنعت
96

المرأة من الدخول أو أهلها لعلة أو إصلاح أمرها لم تجب على زوجها نفقتها حتى لا يكون الامتناع من
الدخول إلا منه (قال الشافعي) ولو امتنعت من الدخول عليه فغاب عنها لم يكن عليه نفقتها حتى يحضر
فلا تمنع من الدخول عليه وإن طالت غيبته إلا أن يبعث إليه أهلها أن أقدم فأدخل فيؤجل بقدر ما
يسير بعد بلوغ رسالتها إليه أو تسير هي إليه ويوسع في ذلك عليه لقضاء حاجته وما أشبه ذلك فإن تأخر
بعد ذلك وجب عليه نفقتها لأن الحبس جاء من قبله قال ولو دخلت عليه فمرضت مرضا لا يقدر على
إتيانها معه كانت عليه نفقتها وكذلك إن كان يقدر على إتيانها إذا لم تمتنع من أن يأتيها إن شاء وكذلك
لو كانت لم تدخل عليه وخلت بينه وبين نفسها كانت عليه نفقتها وهذا مخالف للصغر هذا إنما يكون
الامتناع فيه من الاتيان منه لأنه يعافها بلا امتناع منها لأنها تحتمل أن تؤتى قال ولو أصابها في الفرج
شئ يضر به الجماع ضررا شديدا منع من جماعها إن شاءت وأخذ بنفقتها إلا أن يشاء أن يطلقها وكذلك لو
ارتقت فلم يقدر على أن يأتيها أبدا بعد ما أصابها أخذ بنفقتها من قبل أن هذا عارض لها لا منع منها
لنفسها وقد جومعت وأنت ممن يجامع مثلها قال ولو أذن لها فأحرمت أو اعتكفت أو لزمها صوم بنذر أو
كفارة كانت عليه نفقتها في حالاتها تلك كلها قال وإذا دخلت عليه أو لم تدخل عليه فهربت أو
امتنعت أو كانت أمة فمنعها أهلها فلا نفقة لها حتى تخلى بينه وبين نفسها (قال الشافعي) ولو ادعت
عليه أنه طلقها ثلاثا وأنكر فامتنعت منه لم يكن لها نفقة حتى تعود إلى غير الامتناع منه قال ولو أقر أنه
طلق إحدى نسائه ثلاثا ولم يبين أخذ بنفقتهن كلهن حتى يبين لأنهن محبوسات به والامتناع كان منه لا
منهن (قال الشافعي) وكل زوجة لحر مسلم حرة مسلمة أو ذمية فسواء في النفقة والخدمة على قدر سعة
ما له وضيقه وكذلك إن كانت امرأته أمة فخلى بينه وبينها إلا أنه ليس عليه إن كان موسعا أن ينفق
للأمة على خادم لأن المعروف للأمة أنها خادم كانت في الفراهة وكثرة الثمن ما كانت (قال الشافعي)
ويلزم الزوج نفقة ولده على ما ذكرت من قدر نفقة امرأته وكسوته ما كان عليه أن ينفق عليه فإن كانوا
مماليك فليس عليه نفقتهم وإذا عتقوا فعليه نفقتهم وينفق على ولده وولد ولده وآبائه كما وصفت ولا
ينفق على أحد أقربائه غيرهم لا أخ ولا عم ولا خالة ولا على عمة ولا على ابن من رضاعة ولا على أب
منها قال وكل زوج حر مسلم وذمي ووثني عنده حرة من النساء في هذا كله سواء لا يختلفون.
باب نفقة العبد على امرأته
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تزوج العبد بإذن سيده حرة أو كتابية أو أمة فعليه نفقاتهن
كلهن كنفقة المقتر لا يخالفه ولا يفرض عليه أكثر منها لأنه ليس عبد إلا وهو مقتر لأن ما بيديه وإن
اتسع ملك لسيده قال وليس على العبد أن ينفق على ولده أحرارا كانوا أو مماليك قال والمكاتب والمدبر
وكل من لم تكمل فيه الحرية في هذا كله كالمملوك وإن كانت للمكاتب أم ولد وطئها في المكاتبة بالملك
فولدت له أنفق على ولده فإن عجز فليس عليه نفقتهم لأنهم مماليك لسيده قال وينفق العبد على امرأته
إذا طلقها طلاقا يملك الرجعة في العدة وإذا لم يملك رجعتها لم ينفق عليها إلا أن تكون حاملا فينفق
عليها لأن نفقة الحوامل فرض في كتاب الله تعالى ولست أعرفها إلا لمكان الولد فإذا أنفق عليها وهي
مطلقة لا يملك رجعتها وهو يراها حاملا ثم بان أن ليس بها حمل رجع عليها بالنفقة من يوم طلقها
وأنفق عليها إن أراد ذلك وسواء أنفق عليها بأمر قاض أو غير أمر قاض لأنه كان يلزمه في الظاهر على
معنى أنها حامل وإذا بان بأنها ليست بحامل رجع عليها به. والله تعالى الموفق.
97

باب الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: دل كتاب الله عز وجل ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم على
أن على الرجل أن يعول امرأته (قال الشافعي) فلما كان من حقها عليه أن يعولها ومن حقه أن يستمتع
منها ويكون لكل على كل ما للزوج على المرأة وللمرأة على الزوج احتمل أن لا يكون للرجل أن يمسك
المرأة يستمتع بها ويمنعها غيره تستغنى به ويمنعها أن تضطرب في البلد وهو لا يجد ما يعلها به فاحتمل
إذا لم يجد ما ينفق عليها أن تخير المرأة بين المقام معه وفراقه فإن اختارت فراقه فهي فرقة بلا طلاق لأنها
ليست شيئا أوقعه الزوج ولا جعل إلى أحد إيقاعه، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم
ابن خالد عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه كتب إلى أمراء الأجناد
في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم أن يأخذوهم أن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما
حبسوا (قال الشافعي) وهذا يشبه ما وصفت قبله وإليه يذهب أكثر أصحابنا وأحسب عمر والله
تعالى أعلم لم يجد بحضرته لهم أموالا يأخذ منها نفقة نسائهم فكتب إلى أمراء الأجناد أن يأخذوهم
بالنفقة إن وجدوها والطلاق إن لم يجدوها وإن طلقوا فوجد لهم أموال أخذوهم بالبعثة بنفقة ما حبسوا
قال وإذا وجد نفقة امرأته يوما بيوع لم يفرق بينهما وإذا لم يجدها لم يؤجل أكثر من ثلاث ولا يمنع المرأة
في الثلاث من أن تخرج فتعمل أو تسأل فإن لم يجد نفقتها خيرت كما وصفت في هذا القول فإن كان
يجد نفقتها بعد ثلاث يوما ويعوز يوما خيرت إذا مضت ثلاث فلم يقدر على نفقتها بأقل ما وصفت
للنفقة على المقتر خيرت في هذا القول فإذا بلغ هذا ووجد نفقتها ولم يجد نفقة خادمها لم تخير لأنها
تماسك بنفقتها وكانت نفقة خادمها دينا عليه متى أيسر أخذته به قال وإذا فرق بينهما ثم أيسر لم ترد
عليه ولا يملك رجعتها في العدة إلا أن تشاء هي بنكاح جديد قال ومن قال هذا فيمن لا يجد ما ينفق
على امرأته فلم يجد صداقها لزمه عندي إذا لم يجد صداقها أن يخيرها وإن وجد نفقتها بعد ثلاث ليال
وما أشبهها لأن صداقها شبيه بنفقتها (قال الشافعي) وإن نكحته وهي تعرف عسرته فحكمها وحكمه في
عسرته كحكم المرأة تنكح الرجل موسرا فيعسر لأنه قد يوسر بعد العسر ويعسر بعد اليسر وقد تعلمه
معسرا وهي ترى له حرفة تغنيها أولا تغنيه وتغنيها أو من يتطوع فيعطيه ما يغنيها (قال الشافعي) وإذا
أعسر بنفقة المرأة فأجل ثلاثا ثم خيرت فاختارت المقام معه فمتى شاءت أجل أيضا ثم كان لها فراقه لأن
اختيارها المقام معه عفو عما مضى فعفوها فيه جائز وعفوها غير جائز عما استقبل فلا يجوز عفوها عما لم
يجب لها وهي كالمرأة تنكح الرجل تراه معسرا لأنها قد تعفوا ذلك ثم يوسر بعد عسرته فينفق عليها قال
وإذا أعسر بالصداق ولم يعسر بالنفقة فخيرت فاختارت المقام معه لم يكن لها فراقه لأنه لا ضرر على
بدنها ما أنفق عليها في استئخار صداقها وقد عفت فرقته كما يخير صاحب المفلس في عين ماله وذمة
صاحبه فيختار ذمة صاحبه فلا يكون له أن يأخذ بعد عين ماله وصداقها دين عليه إلا أن يعفو (قال
الشافعي) وإذا نكحها فأعسر بالصداق فلها أن لا تدخل عليه حتى يعطيها الصداق ولها النفقة إن
قالت إذا جئت بالصداق خليت بيني وبينك (قال الشافعي) وإن دخلت فأعسر بالصداق لم يكن لها
أن تخير لأنها قد رضيت بالدخول بلا صداق ولا يمتنع منه ما كان ينفق عليه ودخولها عليه بلا صداق
رضا بذمته كما يكون رضا الرجل من عين ماله يجده بذمة غريمه أو تفوت عند غريمه فلا يكون له إلا
ذمة غريمه قال وسواء في العسرة بالصداق والنفقة كل زوج وزوجة الحر تحته الأمة والعبد تحته الحرة
98

والأمة كلهم سواء والخيار للأمة تحت الحر في العسرة بالنفقة فإن شاء سيدها أن يتطوع عن الزوج
بالنفقة فلا خيار للأمة لأنه واجد للنفقة وإذا امتنع فالخيار للأمة لا لسيدها قال وكذلك الخيار للحرة
لا لوليها فإن كانت الأمة أو الحرة مغلوبة على عقلها أو صبية لم تبلغ لم يكن لولى واحدة منهما أن يفرق
بينها وبين زوجها بعسره بصداق ولا نفقة وإذا أعسر زوج الأمة بالصداق فالصداق لسيد الأمة والخيار
لسيد الأمة لا للأمة فإن اختارت الأمة فراقه واختار السيد أن لا تفارقه لم يكن عليه أن يفرق بينهما لأن
ذلك لسيدها ولا ضرر فيه عليها والمسلم تحته الكتابية والكتابي تحته الكتابية إذا طلبت المرأة حقها قبله
في نفقة وصداق كما وصفت من مثله للأزواج الحرائر (قال الشافعي) وقد قيل لا خيار للمرأة في عسرة
الزوج بالنفقة وتخلى تطلب على نفسها ولا خيار في عسره بالصداق ولها الامتناع منه ما لم تدخل عليه
فإذا دخلت عليه لم يكن لها الامتناع منه وهي غريم من الغرماء قال وعلى السيد نفقات أمهات أولاده
ومدبره ورقيقه كلهم ذكرهم وأنثاهم مسلمهم وكافرهم وليس عليه نفقة مكاتبيه حتى يعجزوا فإذا
عجزوا فعليه نفقتهم.
باب أي الوالدين أحق بالولد
أخبرنا الربيع بن سليمان قال. أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن زياد بن سعد عن هلال بن أبي
ميمونة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن يونس بن عبد الله الجرمي عن عمارة الجرمي
قال خيرني على بين أمي وعمى ثم قال لأخ لي أصغر منى وهذا أيضا لو قد بلغ مبلغ هذا خيرته أخبرنا
الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن يونس بن عبد الله عن عمارة قال خيرني على
رضى الله تعالى عنه بين أمي وعمى وقال لأخ لي أصغر منى: وهذا لو بلغ كبلغ هذا خيرته قال إبراهيم
وفي الحديث (وكنت ابن سبع أو ثمان سنين) (قال الشافعي) فإذا افترق الأبوان وهما في قرية واحدة
فالأم أحق بولدها ما لم تتزوج وما كانوا صغارا فإذا بلغ أحدهم سبعا أو ثمان سنين وهو يعقل خير بين
أبيه وأمه وكان عند أيهما أختار، فإن اختار أمه فعلى أبيه نفقته ولا يمنع من تأديبه، قال وسواء في
ذلك الذكر والأنثى ويخرج الغلام إلى الكتاب والصناعة إن كان من أهلها ويأوى عند أمه وعلى أبيه
نفقته وإن اختار أباه لم يكن لأبيه منعه من أن يأتي أمه وتأتيه في الأيام وإن كانت جارية لم تمنع أمها
من أن تأتيها ولا أعلم على أبيها إخراجها إليها إلا من مرض فيؤمر بإخراجها عائدة، قال وإن ماتت
البنت لم تمنع الام من أن تليها حتى تدفن ولا تمنع في مرضها من أن تلى تمريضها في منزل أبيها قال
وإن كان الولد مخبولا فهو كالصغير وكذلك إن كان غير مخبول ثم خبل فهو كالصغير الام أحق به ولا
يخير أبدا قال وإنما أخير الولد بين أبيه وأمه إذا كانا معا ثقة للولد فإن كان أحدهما ثقة والآخر غير ثقة
فالثقة أولاهما به بغير تخيير قال وإذا خير الولد فاختار أن يكون عند أحد الأبوين ثم عاد فاختار الآخر
حول إلى الذي اختار بعد اختياره الأول قال وإذا نكحت المرأة فلا حق لها في كينونة ولدها عندها
صغيرا كان أو كبيرا ولو اختارها ما كانت ناكحا فإذا طلقت طلاقا يملك فيه الزوج الرجعة أو لا يملكها
رجعت على حقها فيهم فإذا راجعها أو نكحته أو غيره دخل بها أو لم يدخل بها أو غاب عن بلدها أو
حضر فلا حق لها فيهم حتى تطلق وكلما طلقت عادت على حقها فيهم لأنها تمنعه بوجه فإذا ذهب
99

فهي كما كانت قبل أن تكون وأن في ذلك حقا للولد (قال الشافعي) وإذا تزوجت المرأة ولها أم لا
زوج لها فالأم تقوم مقام ابنتها في الولد لا تخالفها في شئ وإن كان لها زوج لم يكن لها فيهم حق إلا أن
يكون زوجها جد الولد فلا تمنع حقا فيهم عند والد قال وإذا آمت الام من الزوج كانت أحق بهم من
الجدة (قال الشافعي) وإذا اجتمع القرابة من النساء فتنازعن الولد فالأم أولى ثم أمها ثم أم أمها ثم
أمهات أمها وان بعدن ثم الجدة أم الأب ثم أمها ثم أمهاتها ثم الجدة أم الجد أبي الأب ثم أمها ثم
أمهاتها ثم الأخت للأب والام ثم الأخت للأب ثم الأخت للأم ثم الخالة ثم العمة قال: ولا ولاية لام
أبى الام لأن قرابتها بأب لا بأم فقرابة الصبي من النساء أولى. قال ولا حق لاحد مع الأب غير الام
وأمهاتها فأما أخواته وغيرهن فإنما يكون حقهن بالأب فلا يكون لهن حق معه وهن يدلين به والجد أبو
الأب يقوم مقام الأب إذا لم يكن أب أو كان غائبا أو غير رشيد قال وكذلك أبو أب الأب قال
وكذلك العم وابن العم وابن عم الأب والعصبة يقومون مقام الأب إذا لم يكن أحد أقرب منهم مع
الام وغيرها من أمهاتها قال وإذا أراد الرجل أن ينتقل عن البلد الذي نكح به المرأة كانت بلده وبلدها
أو بلد أحدهما دون الآخر أو لم تكن فسواء والأب أحق بالولد مرضعا كان أو كبيرا أو كيف ما كان
وكذلك قرابة الأب وإن بعدت والعصية إذا افترقت الدار أولى فإن صارت الام أو الجدات معهم في
الدار التي يتحول بهم إليها أو رجع هو بهم إلى بلدها كانت على حقها فيهم (قال الشافعي) وكل ما
وصفت إذا كانت الزوجة حرة أو من ينازع في الولد بقرابتها حرا فأما إذا كانت الزوجة أو من ينازع
بقرابتها مماليك فلا حق للمملوك في الولد الحر والأب الحر أحق بهم إذا كانوا أحرارا قال وكذلك إن
نكحت أمهم وهي حرة أو لم تنكح وهي غير ثقة ولها أم مملوكة فلا حق للمملوكة بقرابة أم قال وكذلك
كل من لم تكمل فيه الحرية قال ومتى عتقت كانت على حقها في الولد قال وإذا كان ولد الحر مماليك
فمالكهم أحق بهم منه قال وإذا كان الولد من حرة وأبوه مملوك فأمهم أحق بهم ولا يخيرون في وقت
الخيار قال وليس على الأب إذا لم تكمل فيه الحرية نفقة ولده من زوجة له إن كانوا مماليك فنفقتهم على
سيدهم و كذلك لو كان أبوهم حرا وهم مماليك فإذا عتقوا فنفقتهم على أبيهم الحر ولا نفقة على الأب
الذي لم تكمل فيه الحرية عتقوا أو كانوا أحرارا من الأصل بأن أمهم حرة لأنه غير وارث لهم ولا ذو مال
ينفق عليهم منه ولا يستمتع منهم بما يستمتع به من أمهم إذا كانت زوجة ولا حق له في كينونة الولد
عنده قال وإذا كان من ينازع في الولد أم أو قرابة غير ثقة فلا حق له في الولد وهي كمن لم يكن في هذه
الحال وأقرب الناس به أحق بالمنازعة كأن أمه كانت غير ثقة وأمها ثقة فالحق لامها ما كانت البنت
غير ثقة ولو صلح حال البنت رجعت على حقها في الولد كما تنكح فلا يكون لها فيهم حق وتئيم فترجع
على حقها فيهم وهكذا إن كان الأب غير ثقة كان أبوه يقوم مقامه وأخوه وذو قرابته فإذا صحلت حاله
رجع إلى حقه في الولد فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه.
باب إتيان النساء حيضا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل (ويسألونك عن المحيض) الآية. قال فزعم
بعض أهل العلم بالقرآن أن قول الله عز وجل (حتى يطهرن) حتى يرين الطهر (فإذا تطهرن) بالماء
(فأتوهن من حيث أمركم الله) ان تجتنبوهن قال وما أشبه ما قال والله تعالى أعلم بما قال ويشبه أن
100

يكون تحريم الله عز وجل إتيان النساء في المحيض لأذى المحيض وإباحته إتيانهن إذا طهرن وتطهرن بالماء
من الحيض على أن الاتيان المباح في الفرج نفسه كالدلالة على أن إتيان النساء في أدبارهن محرم قال
وفيه دلالة على أنه إنما حرم إتيان النساء في دم الحيض الذي تؤمر فيه المرأة بالكف عن الصلاة والصوم
ولم يحرم في دم الاستحاضة لأنها قد جعلت في دم الاستحاضة في حكم الطاهر يجب عليها الغسل من
دم الحيض ودم الاستحاضة قائم والصلاة والصيام عليها فإذا كانت المرأة حائضا لم يحل لزوجها أن
يصيبها ولا إذا طهرت حتى تطهر بالماء ثم يحل له أن يصيبها قال: وإن كانت على سفر ولم تجد ماء فإذا
تيممت حل له أن يصيبها ولا يحل له إصابتها في الحضر بالتيمم إلا أن يكون بها قرح يمنعها الغسل
فتغسل فرجها وما لا قرح فيه من جسدها بالماء ثم تتيمم ثم يحل له إصابتها إذا حلت لها الصلاة ويصيبها
في دم الاستحاضة إن شاء وحكمه حكم الطهارة قال وبين في الآية إنما نهى عن إتيان النساء في
المحيض ومعروف أن الاتيان في الفرج لأن التلذذ بغير الفرج في شئ من الجسد ليس إتيانا ودلت سنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن للزوج مباشرة الحائض إذا شدت عليها إزارها والتلذذ بما فوق
الإزار مفضيا إليها بجسده وفرجه فذلك لزوج الحائض وليس له التلذذ بما تحت الإزار منها.
باب إتيان النساء في أدبارهن
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم) الآية (قال
الشافعي) وبين أن موضع الحرث موضع الولد وأن الله تعالى أباح الاتيان فيه إلا في وقت المحيض
و (أن شئتم) من أين شئتم (قال الشافعي) وإباحة الاتيان في موضع الحرث يشبه أن يكون تحريم إتيان
في غيره فالاتيان في الدبر حتى يبلغ منه مبلغ الاتيان في القبل محرم بدلالة الكتاب ثم السنة أخبرنا
الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عمى محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن
عمرو بن أحيحة أو ابن فلان ابن أحيحة ابن فلان الأنصاري قال قال محمد بن علي وكان ثقة عن
خزيمة بن ثابت أن سائلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (حلال) ثم دعاه أو أمر به فدعى فقال (كيف قلت في أي الخربتين أو في أي
الخرزتين أو في الخصفتين أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها فلا إن الله لا يستحى من
الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن) (قال الشافعي) فأما التلذذ بغير إبلاغ الفرج بين الأليتين وجميع
الجسد فلا بأس به إن شاء الله تعالى قال وسواء هو من الأمة أو الحرة فإذا أصابها فيما هناك لم يحللها
لزوج إن طلقها ثلاثا ولم يحصنها ولا ينبغي لها تركه وإن ذهبت إلى الامام نهاه فإن أقر بالعودة له أدبه
دون الحد ولا غرم عليه فيه لها لأنها زوجة ولو كان في زنا حد فيه إن فعله حد الزنا وأغرم إن
كان غاصبا لها مهر مثلها قال ومن فعله وجب عليه الغسل وأفسد حجه.
باب الاستمناء
قال الله عز وجل (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم) قرأ إلى (العادون) (قال
الشافعي) فكان بينا في ذكر حفظهم لفروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم تحريم ما سوى
101

الأزواج وما ملكت الايمان وبين أن الأزواج وملك اليمين من الآدميات دون البهائم ثم أكدها فقال عز
وجل (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العدون) فلا يحل العمل بالذكر إلا في الزوجة أو في ملك
اليمين ولا يحل الاستمناء والله تعالى أعلم وقال في قول الله تعالى (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا
حتى يغنيهم الله من فضله) معناها والله أعلم ليصبروا حتى يغنيهم الله تعالى وهو كقوله في مال اليتيم
(ومن كان غنيا فليستعفف) ليكف عن أكله بسلف أو غيره قال وكان في قول الله عز وجل (والذين
هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم) بيان أن المخاطبين بها الرجال لا
النساء فدل على أنه لا يحل للمرأة أن تكون متسرية بما ملكت يمينها لأنها متسراة أو منكوحة لا ناكحة
إلا بمعنى أنها منكوحة ودلالة على تحريم إتيان البهائم لأن المخاطبة بإحلال الفرج في الآدميات
المفروض عليهن العدة ولهن الميراث منهم وغير ذلك من فرائض الزوجين.
الاختلاف في الدخول
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا ملك الرجل عقدة المرأة فأراد الدخول بها فإن كان مهرها حالا
أو بعضه لم تجبر على الدخول عليه حتى يدفع الحال منه إليها وإن كان دينا كله أجبرت على الدخول عليه
متى شاء لا وقت لها في ذلك أكثر من يوم لتصلح أمرها ونحوه لا يجاوز بها ثلاثا إذا كانت بالغا ويجامع
مثلها وسواء في هذا المملوكة والحرة وليس لولى الحرة ولا لسيد الأمة منعه إياها إذا دفع صداقها إن كان
حالا أو ما كان حالا منه قال ولا يؤجل الرجل في الصداق إلا ما يؤجل في دين الناس ويباع عليه في
ماله كما يباع عليه في الدين ويحبس فيه كما يحبس في الديون لا افتراق في ذلك قال وهذا كله إذا
كانت الزوجة بالغا أو مقاربة البلوغ أو جسيمة يحتمل مثلها أن يجامع فإذا كانت لا تحتمل أن تجامع
فلأهلها منعها الدخول حتى تحتمل الجماع وليس على الزوج دفع صداقها ولا شئ منه ولا نفقتها حتى
تكون في الحال التي يجامع مثلها ويخلى بينه وبينها قال ومتى كانت بالغا فقال لا أدفع الصداق حتى
تدخلوها وقالوا لا ندفعها حتى تدفع الصداق فأيهما تطوع أجبرت الآخر على ما عليه فإن تطوع الزوج
بدفع الصداق أجبرت أهلها على إدخالها وإن تطوع أهلها بإدخالها أجبرت الزوج على دفع الصداق
قال وإن امتنعوا معا أجبرت أهلها على وقت يدخلونها فيه وأخذت الصداق من زوجها فإن دخلت
دفعته إليها وجعلت لها النفقة إذا قالوا ندفعها إليه إذا دفع الصداق إلينا (قال الشافعي) وإن كانت بالغا
مضنوا أجبرت على الدخول وكل امرأة تحتمل أن تجامع قال فإن كانت مع هذا مضناة من مرض لا
يجامع مثلها أمهلت حتى تصير إلى الحال التي يجامع مثلها ثم تجبر على الدخول ومتى أمهلتها بالدخول لم
أجبره على دفع الصداق قال وإذا دخلت عليه فأصابها فأفضاها ثم لم يلتئم ذلك فعليه ديتها كاملة وهي
امرأته بحالها ولها المهر تاما ولها أن تمتنع من أن يصيبها في الفرج حتى تبرأ البرء الذي إذا عاد لإصابتها لم
ينكأها ولم يزد في جرحها ثم عليها إن برأت أن تخلى بينه وبين نفسها والقول في ذلك قولها ما زعمت أن
العلة قائمة فإن تطاول ذلك فكان النساء يدركن علمه فإن قلن إنها قد برأت وإن الإصابة لا تضرها
أجبرت على التخلية بينه وبين إصابتها قال وإن صارت إلى حال لا يجامع من صار إليها أخذت صداقها
وديتها وقيل هي امرأتك فإن شئت فطلق وإن شئت فأمسك واجتنبها إذا كان مثلها لا يجامع.
102

اختلاف الزوجين في متاع البيت
أخبرنا الربيع بن سليمان قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا اختلف الرجل والمرأة في متاع
البيت الذي هما فيه ساكنان وقد افترقا أو لم يفترقا أو ماتا أو مات أحدهما فاختلف ورثتهما أو ورثة
أحدهما بعد موته فذلك كله سواء والمتاع إذا كانا ساكني البيت في أيديهما معا فالظاهر أنه في أيديهما كما
تكون الدار في أيديهما أو في يد رجلين فيحلف كل واحد منهما لصاحبه على دعواه فإن حلفا جميعا
فالمتاع بينهما نصفان لأن الرجل قد يملك متاع النساء بالشراء والميراث وغير ذلك والمرأة قد تملك متاع
الرجال بالشراء والميراث وغير ذلك فلما كان هذا ممكنا وكان المتاع في أيديهما لم يجز أن يحكم فيه إلا بهذا
لكينونة الشئ في أيديهما وقد استحل علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه فاطمة رضى الله تعالى
عنها ببدن من حديد. وهذا من متاع الرجال وقد كانت فاطمة رضى الله تعالى عنها في تلك الحال
مالكة للبدن دون علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه وقد رأيت امرأة (1) بيني وبينها ضبة سيف
استفادته من ميراث أبيها بمال عظيم ودرع ومصحف فكان لها دون إخوتها ورأيت من ورث أمه وأخته
فاستحيا من بيع متاعهما فصار مالكا لمتاع النساء فإذا كان هذا موجودا فلا يجوز فيه غير ما وصفت ولو
أنا كنا إنما نقضي بالظنون بقدر ما يرى الرجل والمرأة مالكين فوجدنا متاعا في يدي رجلين يتداعيانه
فكان في المتاع ياقوت ولؤلؤ وعلية من علية المتاع وأحد الرجلين ممن يملك مثل ذلك المتاع والآخر ليس
الأغلب من مثله أنه يملك مثل ذلك المتاع جعلنا علية المتاع للموسر الذي هو أولاهما في الظاهر بملك
مثله وجعلنا سفلة المتاع إن كان في يدي موسر ومعسر للمعسر دون الموسر فخالفنا ما اجتمع عليه الناس
في غير هذا من أن الدار إذا كانت في يدي رجلين فتداعياها جعلت بينهما نصفين ولم ينظر إلى أشبهما
أن يكون له ملك تلك الدار فنعطيه إياها وهذا العدل إن شاء الله تعالى والاجماع وهكذا ينبغي أن يكون
متاع البيت وغيره مما يكون في يدي اثنين لا يختلف الحكم فيه أنه لا يجوز أن يخالف بالقياس الأصل
إلا أن يفرق بين ذلك سنة أو إجماع ويقال لمن يقول أجعل متاع النساء للنساء ومتاع الرجال للرجال
أرأيت دباغا وعطارا كانا في حانوت فيه عطر ودباغ كل واحد منهما يدعى العطر والدباغ أيلزمك أن
تعطى العطار العطر والدباغ الدباغ؟ فإن قلت إني أقسمه بينهما قيل لك فلم لا تقسم المتاع الذي يشبه
النساء بين الرجل والمرأة والمتاع الذي يشبه الرجال بين الرجل والمرأة مثل الدباغ والعطار؟
الاستبراء
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) أصل الاستبراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عام
سبى أوطاس أن توطأ حامل حتى تضع أو توطأ حائل حتى تحيض وفي هذا دلالات منها أن من ملك
أمة لم يطأها إلا باستبراء كانت عند ثقة أو غير ثقة أو توطأ أولا توطأ من قبل أن النبي صلى الله عليه
وسلم لم يستثن منهن واحدة ولا نشك أن فيهن أبكارا وحرائر كن قبل أن يستأمين وإماء وضيعات
وشريفات وكان الامر فيهن كلهن والنهى واحد وفي مثل معنى هذا أن كل ملك استحدثه المالك لم يجز

(1) قوله: بيني وبينها ضبة الخ، كذا في الأصول، ولعله محرف وأصله " وقد رأيت امرأة بيني ضبة وبيدها
سيف الخ " وحرر. كتبه مصححه.
103

فيه الوطئ إلا بعد الاستبراء لأن الفرج كان ممنوعا قبل الملك فإذا صار مباحا بالملك كان على المالك فيه
أن يستبرئه في هذا المعنى على كل ملك تحول لأن المالك الثاني مثل المالك الأول وقد كان الفرج ممنوعا
منه بأنه كان مباحا لغيره وإنما حدث له وكان حلالا له بعد ما ملكه فلو ابتاع رجل من رجل جارية
وقبضها منه وتفرقا بعد البيع ثم اشتراها منه البائع أو استقاله منها وهو يعلم أن الرجل لم يصل إليها أو
كانت مشتريتها امرأة ثقة أم له أو بنت لم يكن له أن يطأها حتى يستبرئها من قبل أن الفرج قد كان حرم
عليه ثم حل له بعد الملك الثاني ومتى حل له أن يطأها قدم بين يدي الوطئ استبراء لا بد وكذلك لو
كانت بكرا أو عند امرأة محصنة لأن السنة تدل على أن الاستبراء إنما هو من حين يحل الفرج بالملك
والاستبراء أن تمكث عند المشترى طاهرا ما كان المكث قل أو كثر ثم تحيض فتستكمل فإذا طهرت منها
فهو استبراؤها، ويكون الاستبراء إذا حاضت الحيض الذي تعرفه فإن حاضت على خلاف ما تعرف
في الزيادة في الحيض فهو استبراء لأنها قد جاءت بما تعرف وزادت عليه وإن حاضت أقل من أيام
حيضها أو بدم أرق أو أقل من دمها أو وجدت شيئا تنكره في بطن أو دلالة ما يستدل به على الحمل
أمسكت وامسك عن إصابتها حتى يستدل على أن تلك الريبة لم تكن حملا إما بذهاب ذلك الذي
تجد وحيضة بعده مثل الحيض الذي كانت تعرف وإما بزمان يمر عليها يعرف أهل العلم من النساء أنها
لو كانت حاملا كانت تلد في مثل ذلك الزمان فإذا أتى ذلك عليها استدل على أن تلك الريبة من
مرض لا من حمل وحل وطؤها فإن قال قائل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحائل: حتى
تحيض وهذه الحائل قد حاضت؟ قيل فمعقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أراد الاستبراء بالحيض
والاستبراء بوضع الحمل أو الحيض إنما يكون استبراء ما لم يكن معه ريبة فإذا كانت معه ريبة بحمل
فاستبراء بوضع الحمل لأن الله تعالى فرض العدة ثلاث حيض وثلاثة أشهر وأربعة أشهر وعشرا وقال
تبارك وتعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) فدلت السنة على أن وضع الحمل غاية
الاستبراء وأنه مسقط لجميع العدد ولم أعلم أحدا خالف في أن المطلقة لو حاضت ثلاث حيض
وذكرت أنها حامل لم تحل بها ولا تحل إلا بوضع الحمل أو البراءة أن يكون ذلك حملا وهكذا والله
تعالى أعلم المرتابة في الاستبراء لأنها في مثل هذا المعنى ولو حاضت حيضة وهي غير مرتابة ثم حدثت لها
ريبة ثانية بعد طهرها وقبل مسيس سيدها أمسك عن إصابتها حتى تستبرئ نفسها من تلك الريبة ثم
أصابها إذا برئت منها وإذا ملكت الأمة بميراث أو هبة أو صدقة أو بيع أو أي وجه ما كان من وجوه
الملك لم توطأ حتى تستبرأ لما وصفت وإذا كانت تستبرأ لم يجز لمالكها أن يتلذذ منها بمباشرة ولا قبلة ولا
حبس ولا تجريد ولا بنظر شهوة من قبل أنه قد يظهر بها حمل من بائعها فيكون قد نظر متلذذا أو تلذذ
بأكثر من النظر من أم ولد غيره وذلك محظور عليه ومتى اشتراها فقبضها ثم وضعت حملها برئت وحل
له وطؤها ولا يحل له الوطئ إلا بوضع جميع حملها إذا كان حملها من غير سيدها وغير زوج إلا زوجا
قد طلق أو مات وكذلك لو قبضها فأقامت ساعة ثم حاضت وطهرت حل له الوطئ ولو اشتراها فلم
يقبضها ولم يتفرقا حتى وضعت في يدي البائع ثم قبضها لم يكن له وطؤها حتى تطهر من نفاسها ثم
تحيض في يديه حيضة مستقبلة من قبل ان البيع إنما تم له حين لم يكن للبائع فيه خيار بان يتفرقا عن
مقامهما الذي تبايعا فيه ولو اشتراها وشرط عليه البائع أنه بالخيار عليه ثلاثا وقبضها المشترى فحاضت
قبل أن يسلم البائع البيع ويبطل شرطه في الخيار أو تمضى ثلاث الخيار لم يطأها بهذه الحيضة حتى
تطهر منها ثم تحيض حيضة أخرى ولو اشتراها وقبضها وشرط لنفسه الخيار ثلاثا ثم حاضت قبل الثلاث
104

ثم اختار البيع كانت تلك الحيضة استبراء لأنه تام الملك فيها قابض لها لو أعتقها أو كاتبها أو وهبها كان
ذلك جائزا ولو أراد البائع ذلك فيها لم يكن له لأن البيع فيها تام ولو بيع جارية معيبة دلس له فيها
بعيب وظهر على العيب بعد الاستبراء فاختار أن يمسكها أجزأه ذلك الاستبراء من قبل أن الملك له تام
إلا أن له الخيار بالعيب إن شاء رد وأن شاء أمسك وإن ماتت في هذه الحال ماتت منه وللرجل إذا
اشترى الجارية أي جارية ما كانت أن لا يدفع عنها وأن يقبضه إياها بائعها وليس لبائعها منعه إياها
ليستبرئها عند نفسه ولا عند غيره ولا مواضعته إياها على يدي أحد ليستبرئها بحال ولا للمشترط ان
يحبس عنه ثمنها حتى يستبرئها هو ولا غيره ولا يضعها على يدي غيره فيستبرئها وسواء كان البائع في ذلك
غريبا يخرج من ساعته أو مقيما أو معدما أو مليئا أو صالحا أو رجل سوء وليس للمشترى أن يأخذه
بحميل بعهدة ولا بوجه ولا ثمن وماله حيث وضعه وإنما التحفظ قبل الشراء فإذا جاز الشراء ألزمناه ما
ألزم نفسه من الحق ألا ترى أنه لو اشترى منه عبدا أو أمة أو شيئا وهو غريب أو أهل فقال أخاف أن
يكون مسروقا أو أخاف أن يكون واحد من العبدين حرا كان ينبغي للحاكم أن يجبره على أن يدفع إليه
الثمن لأنه ماله حيث وضعه ولو أعطيناه أن يأخذ له كفيلا أو يحبس له البائع عن سفره أعطيناه ذلك في
خوف أن يكون مسروقا أو معيبا عيبا خافيا من سرقة أو إباق ثم لم نجعل لهذا غاية أبدا لأنه قد لا يعلم
ذلك في القريب ويعلم في البعيد وبيوع المسلمين الجائزة بينهم وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
يلزم البائع والمشترى إذا سلم هذا سلعته أن يكون قابضا لثمنها وأن لا يكون الثمن الذي هو إلى غير أجل
ولا السلعة محبوسين إذا سلم البائع إلى المشترى ساعة من نهار ولا يكون المشترى من جارية ولا غيرها
محبوسا عن مالكها ولو جاز إذا اشترى رجل جارية أن توضع على يدي من يستبرئها كان في هذا خلاف
بيوع المسلمين والسنة وظلم البائع والمشترى من قبل أنها لا تعدو أن تكون في ملك البائع بالملك الأول أو
في ملك المشتري بالشراء الحادث فلا يجبر واحد منهما على إخراج ملكه إلى غيره ولو كان الثمن لا يجب
على المشترى للبائع إلا بأن تحيض الجارية حيض وتطهر منها كان هذا فاسدا من قبل أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ثم المسلمين بعده نهوا أن تكون الأثمان المستأخرة إلا إلى أجل معلوم وهذا إلى أجل غير
معلوم لأن الحيضة قد تكون بعد صفقة البيع في خمس وفي شهر وأكثر وأقل وكان فاسدا مع فساده من
الثمن من السلعة أيضا أن تكون السلعة لا مشتراة إلى أجل معلوم بصفة فتكون توجد في تلك المدة
ويؤخذ بها بائعها ولا مشتراة بغير تسلط مشتريها على قبضها حتى يستبرئها وهذا لا بيع أجل بصفة ولا
عين بعينه يقبض وخارج من بيوع المسلمين فلو أن رجلين تبايعا جارية وتشارطا في عقد البيع أن لا
يقبضها المشترى حتى تستبرأ كان البيع فاسدا ولا يجوز بحال من قبل ما وصفت ولو اشتراها بغير شرط
كان البيع جائزا وكان للمشترى قبضها واستبراؤها عند نفسه أو عند من شاء وإذا قبضها فماتت قبل أن
تستبرأ فإن ماتت عنده بعدما ظهر بها حمل وتصادقا على ذلك كانت من المشترى ويرجع المشترى على
البائع من الثمن بقدر ما بين قيمتها حاملا وغير حامل ولو اشتراها بغير شرط فتراضيا أن يتواضعاها على
يدي من يستبرئها فماتت أو عميت عند المستبرئ فإن كان المشترى قبضها ثم رضى بعد قبضها
بمواضعتها فهي من ماله وإنما هي جارية قد قبضها ثم أودعها غيره فموتها في يدي غيره إذا كان هو
وضعها كموتها في يديه ولو كان اشتراها فلم يقبضها حتى تواضعاها برضا منهما على يدي من يستبرئها
فماتت أو عميت ماتت من مال البائع لأن كل من باع شيئا بعينه فهو مضمون عليه حتى يقبضه منه
مشتريه وإذا عميت قيل للمشتري أنت بالخيار إن شئت فخذها معيبة بجميع الثمن لا يوضع عنك
105

للعيب شئ كما لو عميت في يدي البائع بعد صفقة البيع وقبل قبضها كنت بالخيار في تركها أو أخذها
وإن شئت فاتركها بالعيب وكل ما زعمنا أن البيع فيه جائز فعلى المشترى متى طلب البائع منه الثمن وسلم
إليه السلعة أن يأخذ منه إلا أن يكون الثمن إلى أجل معلوم فيكون إلى أجله وإذا اشترى الرجل من
الرجل الجارية أو ما اشترى من السلع فلم يشترط المشترى الثمن إلى أجل وقال البائع لا أسلم إليك السلعة
حتى تدفع إلى الثمن وقال المشترى لا أدفع إليك الثمن حتى تسلم إلى السلعة فإن بعض المشرقين قال يجبر
القاضي كل واحد منهما البائع على أن يحضر السلعة والمشترى على أن يحضر الثمن ثم يسلم السلعة إلى
المشترى والثمن إلى البائع لا يبالي بأيهما بدأ إذا كان ذلك حاضرا وقال غيره منهم لا أجبر واحدا منهما
على إحضار شئ ولكن أقول أيكما شاء أن أقضى له بحقه على صاحبه فليدفع إلى ما عليه من قبل أنه لا
يجب على واحد منكما دفع ما عليه إلا بقبض ماله وقال آخرون أنصب لهما عدلا فأجبر كل واحد منهما
على الدفع إلى العدل فإذا صار الثمن والسلعة في يديه أمرناه أن يدفع الثمن إلى البائع والسلعة إلى المشترى
(قال الشافعي) ولا يجوز فيها إلا القول الثاني من أن لا يجبر واحد منهما أو قول آخر وهو أن يجبر البائع
على دفع السلعة إ لي المشترى بحضرته ثم ينظر فإن كان له مال أجبره على دفعه من ساعته وإن غاب ماله
وقفت السلعة وأشهد على أنه وقفها للمشتري فإن وجد له مالا دفعه إلى البائع وأشهد على إطلاق الوقف
عن الجارية ودفع المال إلى البائع وإن لم يكن له مال فالسلعة عين مال البائع وجده عند مفلس فهو
أحق به إن شاء أخذه وإنما أشهدنا على الوقف لأنه إن أحدث بعد إشهادنا على وقف ماله في ماله شيئا
لم يجز وإنما منعنا من القول الذي حكينا أنه لا يجوز عندنا غيره أو هذا القول وأخذنا بهذا القول دونه
لأنه لا يجوز للحاكم عندنا أن يكون رجل يقر بأن هذه الجارية قد خرجت من ملكه ببيع إلى مالك ثم
يكون له حبسها وكيف يجوز أن يكون له حبسها وقد أعلمنا أن ملكها لغيره ولا يجوز أن يكون رجل قد
أوجب على نفسه ثمنا وماله حاضر ولا نأخذه منه ولا يجوز لرب الجارية أن يطأها ولا يبيعها ولا يعتقها
وقد باعها من غيره ولا يجوز للسلطان أن يدع الناس يتدافعون وهو يقدر على أخذها منهم وإذا كانت
لرجل أمة فزوجها أو اشتراها ذات زوج فطلقها الزوج أو مات عنها فانقضت عدتها فأراد سيدها
إصابتها بانقضاء العدة لم أر ذلك له حتى يستبرئها بحيضة بعدما حل فرجها له لأن الفرج كان حلالا
لغيره ممنوعا منه والاستبراء بسبب غيره لا بسببه ألا ترى أن رجلا لو أراد بيع أمته فاستبرأها عند أم
رجل أو بنته بحيضة أو حيض ثم باعها من رجل لم يكن له أن يصيبها حتى يستبرئها بعدما أبيح له
فرجها ولو كانت لرجل أمة فكاتبها فعجزت لم يكن له وطؤها حتى يستبرئها لأنها كانت ممنوعة الفرج
منه وإنما أبيح له فرجها بعد العجز فهي تجامع في هذا المعنى المتزوجة وتفارقها في أن فرجها لم يكن
مباحا لغيره والاحتياط تركها ولو كانت له أمة فحاضت فأذن لها بأن تصوم فصامت أو تحج فحجت
واجبا عليها فكانت ممنوعة الفرج في نهار الصوم ومدة الاحرام والحيض ثم خرجت من الاحرام والصوم
والحيض لم يكن عليه أن يستبرئها وذلك أنه إنما حيل بينه وبين فرجها بعارض فيها كما يكون العارض
فيه من الصوم والاحرام لا أنه حيل بينه وبين الفرج كما حيل بينه وبينها متزوجة و مكاتبة فكان لا يحل
له أن يلمسها ولا يقبلها ولا ينظر إليها بشهوة فحالها هذه مخلفة لحالها الأولى وتجتمع المستبرأة والمعتدة
وتختلفان فأما ما تجتمعان فيه فإن في الاستبراء والعدة معنى وتعبدا فأما المعنى فإن المرأة إذا وضعت
حملها كانت براءة في الحرة والأمة وانقضاء العدة وأما التعبد فقد تعلم براءتها بأن تكون صبية لم يدخل
بها ومدخول بها فتحيض حيضة فتعتد عدة الوفاة كما تعتدها البالغة المدخول بها ولا تبرئها حيضة واحدة
106

فلو لم تكن العدة إلا للبراءة كانت الصغيرة في هاتين الحالتين بريئة وكذلك الأمة البالغ وغير البالغ
تشترى من المرأة الصالحة المحصنة لها ومن الرجل الصالح الكبير قد حرم عليه فرجها برضاع فلا يكون
لمن اشتراها أن يطأها حتى يستبرئها ولو كان رجل مودع أمة يستبرئها بحيضة عنده قد حاضت في يدي
نسائه حيضا كثيرا ثم ملكها ولم تفارق تحصينه بشراء أو هبة أو ميراث أو أي ملك ما كان لم يكن له أن
يطأها حتى يستبرئها وأحب للرجل الذي يطأ أمة أن لا يرسلها وأن يحصنها وإن فعل لم يحرمها ذلك
عليه وكانت فيما يحل له منها مثل المحصنة ألا ترى أن عمر رضي الله عنه يقول ما بال رجال يطؤون
ولائدهم ثم يرسلونهن فيخبر أنه تلحق الأولاد بهم وإن أرسلوهن ولا يحرم عليهم الوطئ مع الارسال ولو
ابتاع رجل جارية فاستبرأها ثم جاء رجل آخر فادعى أنها له وجاء عليها بشاهد فوقف المشترى عنها ثم
أبطل الحاكم الشاهد لم يكن على المشترى أن يستبرئها بعدما فسخ عنه وقفها لأنها كانت على الملك
الأول لم تستحق ولو استحقها ثم اشتراها الأول وهي في بيته لم تخرج منه لم يطأها حتى يستبرئها لأنه قد
ملكها عليه غيره ولو كانت جارية بين رجلين فاستخلصها أحدهما وكانت في بيته لم يطأها من حين حل
له فرجها حتى يستبرئها ولا تكون البراءة إلا بأن يملكها طاهرا ثم تحيض بعد أن تكون طاهرا في ملكه
ولو اشتراها ساعة دخلت في الدم لم يكن هذا براءة وأول الدم وآخره سواء كما يكون هذا في العدة في
قول من قال الأقراء عن الحيض ولو طلق الرجل امرأته أول ما دخلت في الدم لم يعتد بتلك الحيضة
ولا يعتد بحيضة إلا حيضة تقدمها طهر فإن قال قائل لم زعمت أن الاستبراء طهر ثم حيضة وزعمت في
العدة أن الأقراء الأطهار؟ قلنا له بتفريق الكتاب ثم السنة بينهما فلما قال الله عز وجل (يتربصن
بأنفسهن ثلاثة قروء) ودل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الأقراء الأطهار لقوله في ابن عمر
(يطلقها طاهرا من غير جماع فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء) فأمرناها أن تأتى
بثلاثة أطهار فكان الحيض فيها فاصلا بينهما حتى يسمى كل طهر منها غير الطهر الآخر لو لم يكن
بينهما حيض كان طهرا واحدا وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإماء أن يستبرئن بحيضة فكانت
الحيضة الأولى امامها طهر كما لا يعد الطهر إلا وأمامه حيض وكان قول النبي صلى الله عليه وسلم
(يستبرئن بحيضة) يقصد قصد الحيض بالبراءة فأمرناها أن تأتي بحيض كما أمرناها إذا قصد قصد الأطهار أن
تأتى بطهر كامل.
النفقة على الأقارب
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين
كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا
تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور
فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا
الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير) وقال تبارك وتعالى (فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن وائتمروا
بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) إلى قوله (بعد عسر يسرا (قال الشافعي) أخبرنا ابن
عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن هندا قالت لرسول الله صلى الله
عليه وسلم (يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي إلا ما أدخل على) فقال رسول الله صلى
107

الله عليه وسلم (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) (قال الشافعي) أخبرنا أنس بن عياض عن هشام
عن أبيه عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها حدثته أن هندا أم معاوية جاءت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقالت (إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يعطيني وولدي إلا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم فهل
على في ذلك من شئ؟) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)
(قال الشافعي) ففي كتاب الله عز وجل ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان ان الإجارة جائرة
على ما يعرف الناس إذ قال الله عز وجل (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) والرضاع يختلف فيكون
صبي أكثر رضاعا من صبي وتكون امرأة أكثر لبنا من امرأة ويختلف لبنها فيقل ويكثر فتجوز الإجارة
على هذا لأنه لا يوجد فيه أقرب مما يحيط العلم به من هذا فتجوز الإجارات على خدمة العبد قياسا على
هذا وتجوز في غيره مما يعرف الناس قياسا على هذا (قال الشافعي) وبيان أن على الوالد نفقة الولد دون
أمه كانت أمه متزوجة أو مطلقة وفي هذا دلالة على أن النفقة ليست على الميراث وذلك أن الام وارثة
وفرض النفقة والرضاع على الأب دونها (قال الشافعي) قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما في قول
الله عز وجل (وعلى الوارث مثل ذلك) من أن لا تضار والدة بولدها لا أن عليها الرضاع (قال
الشافعي) وإذا وجب على الأب نفقة ولده في الحال التي لا يغنى نفسه فيها فكان ذلك عندنا لأنه منه
لا يجوز أن يضيع شيئا منه وكذلك إن كبر الولد زمنا لا يغنى نفسه ولا عياله ولا حرفة له أنفق عليه
الوالد وكذلك ولد الولد لأنهم ولد ويؤخذ بذلك الأجداد لأنهم آباء وكانت نفقة الوالد على الولد إذا
صار الوالد في الحال التي لا يقدر على أن يغني فيها نفسه أوجب لأن الولد من الوالد وحق الوالد على
الولد أعظم وكذلك الجد وأبو الجد وآباؤه فوقه وإن بعدوا لأنهم آباء قال وإذا كانت هند زوجة لأبي
سفيان وكانت القيم على ولدها لصغرهم بأمر زوجها فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأخذ من
مال أبي سفيان ما يكفيها وولدها بالمعروف فمثلها الرجل يكون له على الرجل الحق بأي وجه ما كان
فيمنعه إياه فله أن يأخذ من ماله حيث وجده سرا وعلانية وكذلك حق ولده الصغار وحق من هو قيم
بماله ممن توكله أو كفله قال وإن وجد الذي له الحق ماله بعينه كان له أخذه وإن لم يجده كان له أخذ
مثله إن كان له مثل إن كان طعاما فطعام مثله وإن كان دراهم فدارهم مثلها وإن كان لا مثل له كانت
له قيمة مثله دنانير أو دارهم كأن غصبه عبدا فلم يجده فله قيمته دنانير أو دراهم فإن لم يجد للذي
غصبه دنانير ولا دراهم ووجد له عرضا كان له أن يبيع عرضه الذي وجد فيستوفي قيمة حقه ويرد إليه
فضله إن كان فيما باع له وإن كان ببلد الأغلب به الدنانير باعه بدنانير وإن كان الأغلب به الدارهم
باعه بالدراهم قال وإن غصبه ثوبا فلبسه حتى نقص ثمنه، أو عبدا فاستخدمه حتى كسر، أو أعور
عنده أخذ ثوبه وعبده وأخذ من ماله قيمة ما نقص ثوبه وعبده على ما وصفنا.
نفقة المماليك
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان عن بكير بن عبد الله
عن عجلان أبى محمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (للمملوك طعامه وكسوته
بالمعروف ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق) (قال الشافعي) على مالك المملوك الذكر والأنثى البالغين
إذا حبسهما في عمل له أن ينفق عليهما ويكسوهما بالمعروف وذلك نفقة رقيق بلدهما الشبع لأوساط
108

الناس الذي تقوم به أبدانهم من أي الطعام كان حنطة أو شعيرا أو ذرة أو تمرا وكسوتهم كذلك مما يعرف
أهل ذلك البلد أنه معروف صوف أو قطن أو كتان أي ذلك كان الأغلب بذلك البلد وكان لا يمسى
ضيقا بموضعه (قال الشافعي) والجواري إذا كانت لهن فراهة وجمال فالمعروف أنهن يكسين أحسن من
كسوة اللاتي دونهن (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن إبراهيم بن أبي خداش عن عتبة بن أبي لهب انه
سمع ابن عباس يقول في المملوكين (أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون) (قال الشافعي) هذا
كلام مجمل يجوز أن يكون على الجواب فسأل السائل عن مماليكه وهو إنما يأكل تمرا أو شعيرا أو أدنى ما
يقدر عليه من الطعام ويلبس صوفا أو أدنى ما يقدر عليه من اللباس فقال (أطعموهم مما تأكلون
واكسوهم مما تلبسون) وكان أكثر حال الناس فيما مضى ضيقة وكان كثير ممن اتسعت حاله مقتصدا فهذا
يستقيم قال والسائلون عرب ولبوس عامتهم وطعامهم خشن ومعاشهم ومعاش رقيقهم متقارب فأما من
لم تكن حاله هكذا وخالف معاش السلف والعرب وأكل رقيق الطعام ولبس جيد الثياب فلو آسى رقيقه
كان أكرم وأحسن فإن لم يفعل فله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقته وكسوته بالمعروف
والمعروف عندنا المعروف لمثله في بلده الذي به يكون ولو أن رجلا كان لبسه الوشى والخز والمروى
والقصب وطعمته النقي وألوان لحم الدجاج والطير لم يكن عليه أن يطعم مماليكه ويكسوهم مثل ذلك
فإن هذا ليس بالمعروف للمماليك (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كفى أحدكم خادمه طعامه حره ودخانه فليدعه
فليجلسه معه فإن أبى فليروغ له لقمة فليناوله إياها أو يعطه إياها أو كلمة هذا معناها) (قال الشافعي)
فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فليروغ له لقمة) كان هذا عندنا والله تعالى أعلم على وجهين
أحدهما وهو أولاهما بمعناها والله تعالى أعلم أن اجلاسه معه أفضل وإن لم يفعل فليس بواجب عليه أن
يجلسه معه إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وإلا فليروغ له لقمة) لأن إجلاسه لو كان واجبا عليه
لم يجعل له أن يروغ له لقمة دون أن يجلسه معه أو يكون بالخيار بين أن يناوله أو يجلسه وقد يحتمل أن
يكون أمر اختيار غير الحتم وتكون له نفقته بالمعروف كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحب له
أكثر منها (قال الشافعي) وهذا يدلك على ما وصفنا من تباين طعام المملوك وطعام سيده إذا أراد سيده
طيب الطعام لا أدنى ما يكفيه فلو كان ممن يريد أنى ما يكفيه أطعمه من طعامه قال والكسوة هكذا
قال والمملوك الذي يلي طعام الرجل يخالف عندنا المملوك الذي لا يلي طعامه وينبغي لمالك المملوك
الذي يلي طعامه أن يكون أقل ما يصنع به أن يناوله لقمة يأكلها مما يقرب إليه فإن المعروف لا يكون
يرى طعاما قد ولى الغناء فيه ثم لا ينال منه شيئا يرد به شهوته وأقل ما ترد به شهوته لقمة فإن قال قائل
كيف يكون هذا للمملوك الذي يلي الطعام دون غيره؟ قيل لاختلاف حالهما لأن هذا ولى الطعام ورآه
وغيره من المماليك لم يله ولم يره والسنة التي خصت هذا من المماليك دون غيره (قال الشافعي) وفي
كتاب الله عز وجل ما يدل على ما يوافق بعض معنى هذا قال الله تبارك وتعالى (وإذا حضر القسمة أو لو
القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه) الآية فأمر الله عز وجل أن يرزق من القسمة أولو القربى
واليتامى والمساكين الحاضرون القسمة ولم يكن في الامر في الآية أن يرزق من القسمة من مثلهم في
القرابة واليتم والمسكنة ممن لم يحضر ولهذا أشباه وهي أن تضيف من جاءك ولا تضيف من لم يقصد
قصدك ولو كان محتاجا إلا أن تتطوع وقال لي بعض أصحابنا قسمة الميراث وقال بعضهم قسمة الميراث
وغيره من الغنائم فهذا أوسع وأحب إلى أن يعطوا ما طاب به نفس المعطى ولا يوقت ولا يحرمون (قال
109

الشافعي) ومعنى لا يكلف من العمل إلا ما يطيق يعنى به والله تعالى أعلم إلا ما يطيق الدوام عليه ليس
ما يطيقه يوما أو يومين أو ثلاثة ونحو ذلك ثم يعجز فيما بقي عليه وذلك أن العبد الجلد والأمة الجلدة قد
يقويان على أن يمشيا ليلة حتى يصبحا وعامة يوم، ثم يعجزان عن ذلك ويقويان على أن يعملا يوما
وليلة ولا ينامان فيهما ثم يعجزان عن ذلك فيما يستقبلان والذي يلزم المملوك لسيده ما وصفنا من العمل
الذي يقدر على الدوام عليه إن كان مسافرا فيمشي العقبة وركوب الأخرى والنوم إن قدر راكبا نام أكثر
من ذلك وإن كان لا يقدر على النوم راكبا نام أكثر من ذلك في المنزل وإن كان عمله بالليل تركناه بالنهار
للراحة وإن كان عمله بالنهار تركناه بالليل للراحة وإن كان في الشتاء عمل في السحر ومن أول الليل
وإن كان في صيف يعمل ترك في القائلة. ووجه هذا كله في المملوك والمملوكة ما لا يضر بأبدانهما
الضرر البين وما يعرف الناس أنهما يطيقان المداومة عليه (قال الشافعي) ومتى مرض واحد منهما فعليه
نفقته في المرض ليس له استعماله إن كان لا يطيق العمل وإن عمى أو زمن أنفق عليه مولاه أيضا إلا أن
يشاء يعتقه فإذا أعتقه فلا نفقة له عليه (قال الشافعي) وأم الولد مملوكة يلزمه نفقتها وتخدمه وتعمل له ما
تحسن وتطيق بالمعروف في منزله والمدبرة والمملوكة تعمل له في منزله أو خارجا عنه كما وصفنا من المملوكة
غير المدبرة وينفق عليهن كلهن بالمعروف والمعروف ما وصفت وأي مملوك صار إلى أن لا يطيق العمل لم
يكلفه وأنفق عليه ورضاع المملوك الصغير يلزم مولاه والمكاتب والمكاتبة مخالفان لمن سواهما لا يلزم
مولاهما نفقة في مرض ولا غيره فإن مرضا وعجزا عن نفقة أنفسهما قيل لهما لكما شرطا كما في الكتابة
فأنفقا على أنفسكما فإن زعمتما أنكما عاجزان عن تأدية الكتابة أبطلنا كتابتكما ورددنا كما رقيقا كما نبطلها
إذا عجزتما عن تأدية أرش جنايتكما قال وإذا كان لهما إذا هما عجزا أن يقولا لا نجد فيردان رقيقين كان
لهما في المرض ما وصفت إن شاء الله تعالى لأن هذا دلالة على أن فسخ الكتابة إليهما دون من كاتبهما قال
ولو كانا اثنين فعجز أحدهما أو مرض فقال قد عجزت بطلت كتابته وأنفق عليه وكان الذي لم يعجز عن
الكتابة مكاتبا ويرفع عنه حصة العاجز من الكتابة (قال الشافعي) وينفق الرجل على مماليكه الصغار
وإن لم ينفعوه يجبر على ذلك قال ولو زوج رجل أم ولده فولدت أولادا أنفق عليهم كما ينفق على رقيقه
حتى يعتقوا بعتق أمهم، قال وإذا ضرب السيد على عبده خراجا فقال العبد لا أطيقه. قيل له أجره
ممن شئت واجعل له نفقته و كسوته ولا يكلف خراجا وإن كانت أمة فكذلك غير أنه لا ينبغي أن يأخذ
منها خراجا إلا أن تكون في عمل وأحب أن يمنعه الامام من أخذ الخراج من الأمة إذا لم تكن في
علم وأحب كذلك يمنعه الخراج من العبد إن لم يكن يطيق الكسب صغيرا كان أو كبيرا (قال
الشافعي) أخبرنا مالك عن عمه أبى سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع عثمان رضى الله تعالى عنه يقول
في خطبته: (ولا تكلفوا الصغير الكسب فإنكم متى كلفتموه الكسب سرق ولا تكلفوا الأمة غير ذات
الصنعة الكسب فإنكم متى كلفتموها الكسب كسبت بفرجها) (قال الشافعي) وإن كانت لرجل دابة
في المصر أو شاة أو بعير علفه ما يقيمه فإن امتنع من ذلك أخذه السلطان بعلفه أو ببيعه فإن كانت ببادية
فاتخذت الغنم أو الإبل أو البقر على المرعى فخلاها والرعي ولم يحبسها فأجدبت الأرض فأحب إلى لو
علفها أو ذبحها أو باعها ولا يحبسها فتموت هزالا إن لم يكن في الأرض متعلق ويجبر عندي على بيعها أو
ذبحها أو علفها فإن كان في الأرض متعلق لم يجبر عندي على بيعها ولا ذبحها ولا علفها لأنها على ما في
الأرض تتخذ وليست كالدواب التي لا ترعى والأرض مخصبة إلا رعيا ضعيفا ولا تقوم للجدب قيام
الرواعي (قال الشافعي) ولا تحلب أمهات النسل إلا فضلا عما يقيم أولادهن ولا يحلبها ويتركهن يمتن
110

هزالا قال وليس له أن يسترضع أمة فيمنع ولدها إلا يكون فيه فضل عن ريه أو يكون ولدها يغتذى
بالطعام فيقيم بدنه فلا بأس أن يؤثر ولده باللبن إن اختاره على الطعام قال وفي كتاب الطلاق والنكاح
نفقة المطلقة والزوجة وغير ذلك من النفقات مما يلزم.
الحجة على من خالفنا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقال بعض الناس قولنا فيمن كان له على رجل حق فلم يعطه
إياه فإن له أن يأخذ منه حقه سرا ومكابرة إن غصبه دنانير أو دراهم أو ما يكال أو يوزن فوجد مثله
أخذه فإن لم يجد مثله لم يكن له أن يبيع من عرضه شيئا فيستوفي حقه وذلك أن صاحب السلعة الذي
وجب عليه الحق لم يرض بأن يبيع ماله فلا ينبغي لهذا أن يكون امين نفسه (قال الشافعي) أرأيت لو
عارضك معارض بمثل حجتك فقال هو إذا غصبه دراهم فاستهلكها فأمرته أن يأخذ دراهم غيرها وإنما
جعلت هذه الدراهم بدلا من تلك القيمة لأنه لو غصبه سودا لم تأمره أن يأخذ وضحا لأن الواضح أكثر
قيمة من السود فقد جعلت له البدل بالقيمة والقيمة بيع فإن قال هذه دراهم مثل القيمة قلنا وما مثل؟
قال لا يجوز الفضل في بعضها على بعض قلنا فإن كنت من هذا الوجه أجزته فقل له يأخذ مكان السود
وضحا وهي لا يحل الفضل في بعضها على بعض قال لا لأنها وإن لم يحل الفضل في بعضها على بعض
فهي أكثر قيمة من الدنانير قلنا فحجتك لأن الفضل في بعضها على بعض لا يحل كانت خطأ لأنه إنما
صرت إلى أن تعطيه دراهم بقيمة ما أخذ من الدراهم وهذا بيع فكيف لم تجز أن يأخذ دنانير بقيمة
الدراهم وإنما إلى القيمة ذهبت وكيف لم تجز له أن يبيع من عرضه فيأخذ مثل دراهمه والعرض يحل
بالدراهم وفيه تغابن فما حجتك على أحد إن عارضك بمثل هذا القول؟ فقال لا يجوز له أن يأخذ إلا
ما أخذ منه لأنك تعلم أنه إذا أخذ غير ما أخذ منه فإنما يأخذ بدلا والبدل بقيمة ولا يجوز له أن يكون
أمين نفسه في مال غيره وأنت تقول في أكثر العلم لا يكون أمين نفسه (قال الشافعي) فقال فما تقول
أنت؟ قلت أقول: إن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إجماع أكثر من حفظت عنه من أهل العلم
قبلنا بدل على أن كل من كان له حق على أحد فمنعه إياه فله أخذه منه وقد يحتمل أن يكون ما أدخل
أبو سفيان على هند مما أذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف منه ذهبا
وفضة لا طعاما ويحتمل لو كان طعاما أن يكون أرفع مما يفرض لها وبين أن لها أن تأخذ بالمعروف مثل ما
كان فارضا لها لا أرفع ولا أكثر منه ويحتمل لو كان مثل ما يفرض لها ليس أكثر منه أن تكون إنما أخذته
بدلا مما يفرض لها مثله لأنه قد كان لأبي سفيان حبس ذلك الطعام عنها وإعطاؤها غيره لأن حقها
ليس في طعام بعينه إنما هو طعام نصفه كطعام الناس وأدم كأدم الناس لا في أرفع الطعام بعينه ولا
الآدم ولا في شرهما وهي إذا أخذت من هذا فإنما تأخذ بدلا مما يجب لها ولولدها والبدل هو القيمة
والقيمة تقوم مقام البيع وهي إذا اخذت لنفسها وولدها فقد جعلها أمين نفسها وولدها وأباح لها أخذ
حقها وحقهم سرا من أبي سفيان وهو مالك المال (قال الشافعي) فقلت له أما في هذا ما دلك على
أن للمرء ان يأخذ لنفسه مثل ما كان على الذي عليه الحق أن يعطيه ومثل ما كان على السلطان إذا ثبت
الحق عنده أن يأخذ به قال وأين؟ قلت له أرأيت السلطان لو لم يجد للمغتصب سلعته بعينها أليس
يقضى على الغاصب بأن يعطيه قيمتها؟ قال بلى قلت إن لم يعطه سلعته بعينها باع السلطان عليه في ماله
111

حتى يعطى المغصوب قيمة سلعته؟ قال بلى فقيل له إذا كانت السنة تبيح لمن له الحق أن يأخذ حقه
دون السلطان كما كان للسلطان أن يأخذه لو ثبت عنده فكيف لا يكون للمرء إذا لم يجد حقه أن يبيع في
مال من له عليه الحق حتى يأخذ حقه؟ قال للسلطان أن يبيع وليس لهذا أن يبيع قلنا ومن قال ليس له
أن يبيع؟ أرأيت إذا قيل لك ولا له أن يأخذ مال غيره إلا بإذن السلطان ما حجتك؟ أو رأيت
السلطان لو باع لرجل من مال رجل والرجل يعلم أن لا حق على المبيع عليه أيحل له أن يأخذ ما باع
له السلطان؟ قال لا قلنا فنراك إنما تجعل أن يأخذ بعلمه لا بالسلطان وما للسلطان في هذا معنى أكثر
من أن يكون كالمفتي يخبر بالحق لبعض الناس على بعض ويجبر من امتنع من الحق على تأديته وما يحل
السلطان شيئا ولا يحرمه ما الحلال وما الحرام إلا على ما يعلم الناس فيما بينهم قال أجل قلنا فلم جمعت
بين الرجل يكون له الحق فيأخذ حقه دون السلطان ويكره الذي عليه الحق وجعلته أمين نفسه فيه
وفرقت بينه وبين السلطان في البيع من مال الذي عليه الحق أقلت هذا خيرا أم قياسا؟ قال قال
أصحابنا يقبح أن يبيع مال غيره قلت ليس في هذا شئ لو قبح إلا وقد شركت فيه بأنك تجعله يأخذ
مثل عين ماله وذلك قيمته والقيمة بيع وتخالف معنى السنة في هذا الموضع وتجامعها في موضع غيره قال
هكذا أصحابنا قلت فترضى من غيرك بمثل هذا فيقول لك من خالفك هكذا قال أصحابنا؟ قال
ليس له في هذا حجة قلنا ولا لك أيضا فيه حجة فقال إنه يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أد
الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) فما معنى هذا؟ قلنا ليس هذا بثابت عن أهل الحديث
منكم ولو كان ثابتا لم يكن فيه حجة علينا ولو كانت كانت عليك معنا قال وكيف؟ قلت قال الله عز
وجل (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) فتأدية الأمانة فرض والخيانة محرمة وليس من أخذ
حقه بخائن قال أفلا تراه إذا أغصب دنانير فباع ثيابا بدنانير فقد خان لأن الثياب غير الدنانير؟ قلت
إن الحقوق تؤخذ بوجوه منها أن يوجد الشئ المغصوب بعينه فيؤخذ فإن لم يكن فمثله فإن لم يكن
بيع على الغاصب فأخذ منه مثل ما غصب بقيمته ولو كان إذا خان دنانير فبيعت عليه جارية بدنانير
فدفعت إلى المغصوب كان ذلك خيانة لم يحل للسلطان أن يجوز ولا يكاثر على ما يعلم أنه لا يحل له
وكان على السلطان إن وجد له دنانيره بعينها أعطاه إياها وإلا لم يعطه دنانير غيرها لأنها ليست بالذي
غصب ولا يبيع له جارية فيعطيه قيمتها وصاحب الجارية لا يرضى قال أفرأيت لو كان ثابتا ما معناه؟
قلنا إذا دلت السنة واجتماع كثير من أهل العلم على أن يأخذ الرجل حقة لنفسه سرا من الذي هو عليه
فقد دل ذلك أن ليس بخيانة أخذ ما لا يحل أخذه فلو خانني درهما قلت قد استحل خيانتي لم
يكن لي ان آخذ منه عشرة دراهم مكافأة بخيانته لي وكان له أن آخذ درهما ولا أكون بهذا خائنا ولا
ظالما كما كنت خائنا ظالما بأخذ تسعة مع درهم لأنه لم يخنها (قال الشافعي) ولا تعدو الخيانة المحرمة أن
تكون كما وصفنا من أن يأخذ من مال الرجل بغير أمره وهذا خلاف السنة فإن كان هذا هكذا فقد أمروا
رجلا ان يأخذ حقه والبدل من حقه بغير أمر من أخذ منه سرا ومكابرة (قال الشافعي) وخالفنا أيضا في
النفقة فقال إذا مات الأب أنفق على الصغير كل ذي رحم يحرم عليه نكاحه من رجل أو امرأة قلت
له فما حجتك في هذا؟ قال قول الله تبارك وتعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد
أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن)) إلى قوله (وعلى الوارث مثل ذلك) (قال الشافعي) قلت له
أكان على الوارث مثل ذلك عندك على جميع ما فرض الله تبارك وتعالى على الأب والوارث يقوم في
112

ذلك مقام الأب؟ قال نعم فقلت أوجدت الأب ينفق ويسترضع المولود وأمه وارث لا شئ عليها من
ذلك؟ قال نعم قلت أفيكون وارث غير أمه يقوم مقام أبيه فينفق على أمه إذا أرضعته وعلى الصبي؟
قال لا ولكن الام تنفق عليه مع الوارث قلنا فأول ما تأولت تركت قال فإن أقول على الوراث مثل ذلك
بعد موت الأب هي في الآية ذلك بعد موت الأب قال لا يكون له وارث وأبوه حي قلنا بلى أمه (1)
وقد يكون زمنا مولودا فيرثه ولده لو مات ويكون على أبيه عندك نفقته فقد خرجت مما تأولت (قال
الشافعي) فقلت لبعض من يقول هذا القول أرأيت يتيما له أخ فقير وجد أبو أم غنى على من نفقته؟
قال على جده قلنا ولمن ميراثه؟ قال لأخيه قلنا أرأيت يتيما له خال وابن عم غنيان لو مات اليتيم لمن
ميراثه؟ قال لابن عمه فقلت فقبل أن يموت على من نفقته؟ قال على خاله فقلت لبعضهم أرأيت يتيما له
أخ لأبيه وأمه وهو فقير وله ابن أخ غنى لمن ميراثه؟ قال للأخ فقلت فعلى من نفقته؟ قال على ابن
أخيه قلت فقد جعلت النفقة على غير وارث وكل ما لزم أحدا لم يتحول عنه لفقر ولا غيره فإن كانت
الآية على ما وصفت فقد خالفتها فأبرأت الوارث من النفقة وجعلتها على غير الوارث قال إنما جعلتها على
ذي الرحم المحرم إن كان وارثا قلنا وقد تجعلها على الخال وهو غير وارث فتخالف الآية فيه خلافا بينا أو
تجد في الآية أنه إنما عنى بها الرحم المحرم أو تجد أحدا من السلف فسرها كذلك؟ قال هي هكذا عندنا
قلت أفرأيت إن عارضك أحد بمثل حجتك فقال إذا جاز أن تجعلها على بعض الوارثين دون بعض
قلت أجبره على نفقة ذي الرحم غير المحرم لأن أجبره على نفقة الجارية وهو يحل له نكاحها فيكون يوما
فيها له منفعة وسرور وعلى نفقة الغلام وهو يحل له أن ينكح إليه أو ينكح المرأة التي ينفق عليها فيكون له
في ذلك منفعة وسرور أجوز من أن أجبره على نفقة من يحرم عليه نكاحه لأنه لا يستمتع أحدها
بالآخر بما يستمتع به الرجال من النساء والنساء من الرجال ما حجتك عليه؟ ما أعلم أحدا لو قال هذا
إلا أحسن قولا منك قال لأن الذي يحرم نكاحه أقرب قلنا قد يحرم نكاح من لا قرابة له قال وأين؟
قلنا أم امرأتك وامرأة أبيك وامرأة تلاعنها وامرأتك تبت طلاقها وكل من بينك وبينه رضاع قال ليس
هؤلاء وارثا قلنا أو ليس قد فرضت النفقة على غير الوارث؟ فإن قال قائل فإنا قد روينا من حديثكم ان
عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أجبر عصبة غلام على رضاعه الرجال دون النساء قلنا أفتأخذ
بهذا؟ قال نعم قلت أفتخص العصبة وهم الأعمام وبنوا الأعمام والقرابة من قبل الأب؟ قال لا إلا أن
يكونوا ذوي رحم محرم قلنا فالحجة عليك في هذا كالحجة عليك فيما احتججت به من القرآن وقد
خالفت هذا قد يكون له بنو عم فيكونون له عصبة وورثة ولا تجعل عليهم النفقة وهم العصبة الورثة
وإن لم تجد له ذا رحم تركته ضائعا (قال الشافعي) فقال لي قائل قد خالفتم هذا أيضا قلنا أما الأثر عن
عمر فنحن أعلم به منك ليس تعرفه ولو كان ثابتا لم يخالفه ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فكان يقول
(وعلى الوارث مثل ذلك) على الوارث أن (لا تضار والدة بولدها) وابن عباس رضى الله تعالى عنهما
أعلم بمعنى كتاب الله عز وجل منا والآية محتملة على ما قال ابن عباس وذلك إن في فرضها على الوارث
والام حية دلالة على أن النفقة ليست على الميراث لأنها لو كانت على الميراث كان على الأب ثلثاها
وسقط عنه ثلثها لأنه حظ الام ولو استرضع المولود غير الام كان على الأب ثلثا الرضاع وعلى الام ثلثه
وإن كانت الام خرجت من هذا المعنى أو جعلت فيه كالمستأجرة غيرها فكان ينبغي لو مات الأب أن

(1) قوله: وقد يكون زمنا الخ كذا في غير نسخة وحرر. كتبه مصححه.
113

يقوم الوارث مقام الأب فينفق على الام إذا أرضعته فلا يكون على الام من رضاعه شئ لو استرضعته
أخرى وقد فرض الله عز وجل نفقة المطلقات ذوات الأحمال وجاءت السنة من ذلك بنفقة وغرامات
تلزم الناس ليس فيها أن يلزم الوارث نفقة الصبي وكل امرئ مالك لماله وإنما لزمه فيه ما لزمه في
كتاب أو سنة أو أثر أو أمر مجمع عليه فأما ان تلزمه في ماله ما ليس في واحد من هذا فلا يجوز لنا فإن
كان التأويل كما وصفنا فنحن لم نخالف منه حرفا وإن كان كما وصفت فقد خالفته خلافا بينها.
جماع عشرة (1) النساء
أخبرنا أبو علي الحسن بن حبيب بن عبد الملك بدمشق بقراءتي عليه قال أخبرنا الربيع بن سليمان
قال (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (وقد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم)
وقال الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) الآية وقال عز وجل (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح
بإحسان) وقال عز وجل (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف) وقال جل وعلا (ولهن
مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) فجعل الله للزوج على المرأة وللمرأة على الزوج
حقوقا بينها في كتابه وعلى لسان نبيه مفسرة ومجملة ففهمها العرب الذين خوطبوا بلسانهم على ما يعرفون
من معاني كلامهم وقد وضعنا بعض ما حضرنا منها في مواضعه والله نسأل الرشد والتوفيق وأقل ما يجب
في أمره بالعشرة بالمعروف أن يؤدى الزوج إلى زوجته ما فرض الله لها عليه من نفقة وكسوة وترك ميل
ظاهر فإنه يقول عز وجل (ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) وجماع المعروف إتيان ذلك بما يحسن
لك ثوابه وكف المكروه.
النفقة على النساء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) إلى (تعولوا)
وقول الله (ذلك أدنى ان لا تعولوا) يدل والله أعلم أن على الرجل نفقة امرأته وقوله (أن لا تعولوا) أن
لا يكثر من تعولون إذا اقتصر المرء على واحدة وإن أباح له أكثر منها وقال الله عز وجل (والوالدات
يرضعن أولادهن حولين كاملين) أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها
أن هند بنت عتبة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله (إن أبا سفيان رجل شحيح وليس
لي منه إلا ما يدخل على) فقال النبي صلى الله عليه وسلم (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) أخبرنا
سفيان عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عندي دينار قال (أنفقه على نفسك) قال عندي آخر قال (أنفقه
على ولدك) قال عندي آخر قال (أنفقه على أهلك) قال عندي آخر قال (أنفقه على خادمك) قال
عندي آخر قال (أنت أعلم) قال سعيد ثم يقول أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث يقول ولدك أنفق

(1) انفرد بعض النسخ هنا باثبات هذه التراجم وإن كان بعض ما فيها تقدم بمعناه لا بلفظه فأثبتنا حرصا على
ما فيها مه القواعد وإن كانت مشتملة على شئ من تحريف النساخ، والله الموفق. كتبه مصححه.
114

على إلى من تكلني؟ وتقول زوجتك أنفق علي أو طلقني ويقول خادمك أنفق علي أو بعني (قال الشافعي
فبهذا نأخذ قلنا على الزوج نفقة امرأته وولده الصغار بالمعروف والمعروف نفقة مثلها ببلدها الذي هي
فيه برا كان أو شعيرا أو ذرة لا يكلف غير الطعام العام ببلده الذي يقتاته مثلها ومن الكسوة والادم بقدر
ذلك لقول الله عز وجل (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم) فلما فرض عليهم نفقة أزواجهم كانت
الدلالة كما وصفت في القرآن وأبان النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فإن فرض الله عليهم نفقة أزواجهم
فعجزوا عنها لم يجبرن على المقام معهم مع العجز عما لا غنى بهن عنه من النفقة والكسوة قال
وبالاستدلال قلنا إذا عجز الرجل عن نفقة امرأته فرق بينهما وقلنا يجب على الرجل نفقة امرأته إذا ملك
عقدة نكاحها وخلت بينه وبين الدخول عليها فأخر ذلك هو ونفقتها مطلقة طلاقا يملك الرجعة حتى
تنقضي عدتها وإن كان مثلها لا يخدم نفسها وجبت عليه نفقة خادم لها وإذا دخل بها فغاب عنها
قضى لها بنفقتها في ماله فإن لم ترفع ذلك إلى السلطان حتى يقدم وتصادقا على إن لم يتفق عليها في
غيبته حكم السلطان عليه بنفقتها في الشهور التي مضت وكذلك إن كانت زوجته حرة ذمية وإن كانت
عليه ديون ضربت زوجته مع الغرماء بالنفقة الماضية المدة التي حبسها لأنه حق لها.
الخلاف في نفقة المرأة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقال بعض الناس ليس على الرجل نفقة امرأته حتى يدخل بها
وإذا غاب عنها وجب على السلطان إن طلبت نفقتها أن يعطيها من ماله وإن لم يجد له مالا فرض عليه
لها نفقة وكانت دينا عليه وإن لم تطلب ذلك حتى يمضى لها زمان ثم طلبته فرض لها من يوم طلبته ولم
يجعل لها نفقة في المدة التي لم تطلب فيها النفقة وإن عجز عن نفقتها لم يفرق بينهما وعليه نفقتها إذا طلقها
ملك رجعتها أو لم يملكها (قال الشافعي) وقال لي كيف قلت في الرجل يعجز عن نفقة امرأته يفرق
بينهما؟ قلت لما كان من فرض الله على الزوج نفقة المرأة ومضت بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم والآثار والاستدلال بالسنة لم يكن له والله أعلم حبسها على نفسه يستمتع بها ومنعها عن غيره
تستغنى به وهو مانع لها فرضا عليه عاجزا عن تأديته وكان حبس النفقة والكسوة يأتي على نفسها فتموت
جوعا وعطشا وعريا قال فأين الدلالة على التفريق بينهما؟ قلت قال أبو هريرة: إن النبي صلى الله عليه
وسلم أمر الزوج بالنفقة على أهله وقال أبو هريرة تقول امرأتك أنفق على أو طلقني ويقول خادمك أنفق
على أو بعني (قال الشافعي) قال فهذا بيان أن عليه طلاقها قلت أما بنص فلا وأما بالاستدلال فهو
يشبه والله أعلم وقلت له تقول في خادم له لا عمل فيها بزمانة عجز عن نفقتها؟ قال نبيعها عليه قلت
فإذا صنعت هذا في ملكه كيف لا تصنعه في امرأته التي ليست بملك له؟ قال فهل من شئ أبين من
هذا؟ قلت أخبرنا سفيان عن أبي الزناد قال سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على
امرأته. قال يفرق بينهما قال أبو الزناد قلت سنة؟ قال سعيد سنة والذي يشبه قول سعيد سنة أن يكون
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا مسلم بن خالف عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر
الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن يأخذوهم بأن
ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا فقال أرأيت إن لم يكن في الكتاب ولا في حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم منصوصا التفريق بينهما هل بينه وبين ما منعها من حقوقها التي لا تفرق
115

بينها وبينه إذا منعها فرق مثل نشوز الرجل ومثل تركه القسم لها من غير إيلاء؟ فقلت له نعم ليس في
فقد الجماع أكثر من فقد لذة وولدة وذلك لا يتلف نفسها وترك النفقة والكسوة يأتيان على إتلاف نفسها
وقد وجدت الله عز وجل أباح في الضرورة من المأكول ما حرم من الميتة والدم وغيرهما منعا للنفس من
التلف ووضع الكفر عن المستكره للضرورة التي تدفع عن نفسه ولا أجده أباح للمرأة ولا للرجل في
الشهوة للجماع شيئا مما حرم الله عليهما وأنت تزعم أن الرجل إذا عجز عن إصابة امرأته وإن كان يصيب
غيرها أجل سنة ثم يفرق بينهما إن شاءت قال هذا رواية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قلت فإن
كانت الحجة فيه الرواية عن عمر فإن قضاء عمر بأن يفرق بين الزوج وامرأته إذا لم ينفق عليها أثبت عنه
فكيف رددت إحدى قضايا عمر في التفريق بينهما ولم يخالفه فيه أحد علمته من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقبلت قضاءه في العنين وأنت تزعم أن عليا رضي الله عنه يخالفه؟ فقال قبلته لأن
الجماع من حقوق العقدة قلت له أفكما يجامع الناس أو جماع مرة واحدة؟ قال كما يجامع الناس قلت
فأنت إذا جامع مرة واحدة لم تفرق بينهما قال من أجل أنه ليس بعنين قلت فكيف يجامع غيرها ولا
يكون عنينا وتؤجله سنة؟ قال إن أداء الحق إلى غيرها غير مخرج له من حقها قلت فإذا كنت تفرق
بينهما بأن حقا عليه جماعها ورضيت منه في عمره أن يجامع مرة واحدة فحقها عليه في كتاب الله وسنة
نبيه صلى الله عليه وسلم والآثار في نفقتها واجب قال نعم قلت فلم أقررتها معه بفقد حقين في النفقة
والكسوة وفقد هما يأتي على إتلافها لأن الجوع والعطش في أيام يسيرة يقتلانها والعري يقتلها في الحر
والبرد وأنت تقول لو أنفق عليها دهره ثم ترك يوما أخذته بنفقتها لأنه يجب لها في كل يوم نفقة وفرقت
بينهما بفقد الجماع الذي تخرجه منه في عمرها بجماع مرة واحدة فقد فرقت بينهما بأصغر الضررين وأقررتها
معه على أعظم الضررين ثم زعمت أنها متى طلبت نفقتها من ماله غائبا كان أو حاضرا فرضتها عليه
وجعلتها دينا في ذمته كحقوق الناس وإن كفت عن طلب نفقتها أو هرب فلم تجده ولا مال له ثم جاء لم
تأخذه بنفقتها فيما مضى هل رأيت ما لا قط يلزم الوالي أخذه لصاحبه حاضرا أو غائبا فيترك من هو له
طلبه أو يطلبه فهرب صاحبه فيبطل عنه؟ (قال) فيفحش عندي أن يكون الله أحل لرجل فرجا
فأحرمه عليه بلا إحداث طلاق منه قلت له أفرأيت أحد الزوجين يرتد أهو قول الزوج أنت طالق فأنت
تفرق بينهما؟ أرأيت الأمة تعتق أهو قول الزوج أنت طالق؟ فأنت تفرق بينهما إن شاءت الأمة أو رأيت
المولى أهو طلق؟ أرأيت الرجل يعجز عن إصابة امرأته أهو طلق فأنت تفرق في هذا كله قال أما المولى
فاستدللنا بالكتاب وأما ما سواه بالسنة والأثر عن عمر قلت فحجتك بأنه يقبح أن يفرق بغير طلاق
يحدثه الزوج لا حجة لك عليه وغير حجة على غيرك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقلت له فكيف
زعمت أنه لا يجب على الرجل نفقة امرأته إلا بالدخول وإن خلت بينه وبين نفسها؟ قال لأنه لم
يستمتع منها بجماع قلت أفرأيت إذا غاب أو مرض أيستمتع منها بجماع؟ قال لا ولكنها محبوسة عليه
قلت أفتجدها مملكة محبوسة عليه؟ قال نعم قلت ويجب بينهما الميراث؟ قال نعم قلت وإن كانت النفقة
للحبس فهي محبوسة وإن كانت للجماع فالمريض والغائب لا يجامعان في حالهما تلك فأسقط لذلك
النفقة قال إذا كان مثلها يجامع وخلت بينه وبين نفسها وجبت لها النفقة في حالهما تلك فأسقط لذلك
العدة وقد طلقت ثلاثا وهي غير حامل فخالفت الاستدلال بالكتاب ونص السنة؟ قال وأين الدلالة
بالكتاب؟ فقلت له قال الله عز وجل في المطلقات (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن
حملهن) فاستدللنا على أن لا فرض في الكتاب لمطلقة مالكه لأمرها غير حامل قال فإنه قد ذكر
116

المطلقات مرسلات لم يخصص واحدة دون الأخرى وإن كان كما تقول ففيه دلالة على أن لا نفقة
لمطلقة وإن كان زوجها يملك الرجعة وما مبتدأ السورة إلا على المطلقة للعدة قلت له: قد يطلق للعدة
ثلاثا قال فلو كان كما تقول ما كانت الدلالة على أنه أراد بمنع النفقة المبتوتة دون التي له رجعة عليها
قلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تثبت أن الممنوعة النفقة المبتوتة بجميع الطلاق دون التي لزوجها
عليها الرجعة ولو لم تدل السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك فكانت الآية تأمر بنفقة
الحامل وقد ذكر المطلقات فيها دلت على أن النفقة للمطلقة الحامل دون المطلقات سواها فلم يجز أن
ينفق على مطلقة إلا أن يجمع الناس على مطلقة تخالف الحامل إلى غيرها من المطلقات فينفق عليها
بالاجماع دون غيرها قال فلم لا تكون المبتوتة قياسا عليها؟ قلت أرأيت التي يملك زوجها رجعتها في
عدتها أليس يملك عليها أمرها إن شاء ويقع عليها إيلاؤه وظهاره ولعانه ويتوارثان قال بلى قلت أفهذه في
معاني الأزواج في أكثر أمرها؟ قال نعم قلت أفتجد كذلك المبتوتة بجميع طلاقها؟ قال لا قلت فكيف
تقيس مطلقة بالتي تخالفها؟ وقلت له أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي
سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام
فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله مالك علينا من شئ فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكرت ذلك له فقال لها ليس لك عليه نفقة وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال تلك امرأة
يغشاها أصحابي فاعتدى عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني قالت
فلما حللت ذكرت له أن معاوية وأبا جهم خطباني فقال أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما
معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد) قالت فكرهته ثم قال (انكحي أسامة) فنكحته
فجعل الله فيه خيرا فاغتبطت به قال فإنكم تركتم من حديث فاطمة شيئا قالت فقال النبي صلى الله
عليه وسلم (لا سكنى لك ولا نفقة) فقلت له ما تركنا من حديث فاطمة حرفا قال إنما حدثنا عنها أنها
قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا سكنى لك ولا نفقة) فقلت لكنا لم نحدث هذا عنها ولو
كان ما حدثتم عنها كما حدثتم كان على ما قلنا وعلى خلاف ما قلتم قال وكيف؟ قلت أما حديثنا
فصحيح على وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم (لا نفقة لك عليهم) وأمرها أن تعتد في بيت ابن
أم مكتوم ولو كان في حديثها إحلاله لها أن تعتد حيث شاءت لم يحظر عليها أن تعتد حيث شاءت قال
كيف أخرجها من بيت زوجها وأمرها ان تعتد في غيرها؟ قلت لعلة لم تذكرها فاطمة في الحديث كأنها
استحيت من ذكرها وقد ذكرها غيرها قال وما هي؟ قلت كان في لسانها ذرب فاستطالت على أحمائها
استطالة تفاحشت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم ان تعتد في بيت ابن أم مكتوم فقال هل من دليل
على ما قلت قلت نعم من الكتاب والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من أهل العلم بها قال
فاذكرها قلت قال الله تبارك وتعالى (لا تخرجوهن من بيوتهن) الآية وأخبرنا عبد العزيز بن محمد عن
محمد بن عمرو بن علقمة عن محمد بن إبراهيم بن الحرث عن ابن عباس في قوله تعالى (إلا أن يأتين
بفاحشة مبينة) قال إن تبذو على أهل زوجها فإن بذت فقد حل إخراجها قال هذا تأويل قد يحتمل ما
قال ابن عباس ويحتمل غيره أن تكون الفاحشة خروجها وأن تكون الفاحشة أن تخرج للحد قال فقلت
له فإذا احتملت الآية ما وصفت فأي المعاني أولى بها؟ قال معنى ما وافقته السنة فقلت فقد ذكرت
لك السنة في فاطمة فأوجدتك ما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تعتد في بيت ابن أم
مكتوم.
117

القسم للنساء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما
ملكت أيمانهم) وقال تبارك وتعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا) الآية
فقال بعض أهل العلم بالتفسير لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء بما في القلوب فإن الله عز وجل وعلا
تجاوز للعباد عما في القلوب فلا تميلوا أهواءكم كل الميل بالفعل مع الهوى وهذا يشبه ما قال والله
أعلم ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عليه عوام علماء المسلمين على أن على الرجل أن يقسم
لنسائه بعدد الأيام والليالي وأن عليه أن يعدل في ذلك لا أنه مرخص له أن يجوز فيه فدل ذلك على أنه
إنما أريد به ما في القلوب مما قد تجاوز الله للعباد عنه (1) فيما هو أعظم من الميل على النساء والله أعلم
والحرائر المسلمات والذميات إذا اجتمعن عند الرجل في القسم سواء والقسم هو الليل يبيت عند كل
واحدة منهن ليلتها ونحب لو أوى عندها نهاره فإن كانت عنده أمة مع حرة قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة
قال وإن هربت منه حرة أو أغلقت دونه أمة أو حبس الأمة أهلها سقط حقها من القسم حتى تعود الحرة
إلى طاعة الله في الرجوع عن الهرب والأمة لأن امتناعهما مما يجب عليهما في هذه الحال قطع حق أنفسهما
ويبيت عند المريضة التي لا جماع فيها والحائض والنفساء لأن مبيته سكن إلف وإن لم يكن جماع أو أمر
تحبه المرأة وترى الغضاضة عليها في تركه. أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض عن تسع نسوة وكان يقسم منهن لثمان (قال الشافعي)
رحمه الله: التاسعة التي لم يكن يقسم لها سودة وهبت يومها لعائشة. أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه
أن سودة وهبت يومها لعائشة (2).
الحال التي يختلف فيها حال النساء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا نكح الرجل امرأة فبنى بها فحالها غير حال من عنده فإن
كانت بكرا كان له أن يقيم عندها سبعة أيام وإن كانت ثيبا كان له أن يقيم عندها ثلاثة أيام ولياليهن ثم
يبتدئ القسمة لنسائه فتكون واحدة منهن بعد مضى أيامها ليس له أن يفضلها عليهن أخبرنا مالك عن
عبد الله ابن أبي بكر بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبي
بكر بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة فأصبحت عنده قال لها
(ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت)
قالت ثلث أخبرنا ابن أبي الرواد عن ابن جريج عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة أن رسول
الله صلى الله وعليه وسلم خطبها فساق نكاحها وبناءه بها وقولها لها (إن شئت سبعت عندك وسبعت
عندهن) أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال للبكر سبع وللثيب ثلاث (قال
الشافعي) رحمه الله: وبهذا نأخذ وإن قسم أياما لكل امرأة بعد مضى سبع البكر وثلاث الثيب فجائز
إذا أو في كل واحدة منهن عدد الأيام التي أقام عنده غيرها.

(1) قوله: فيما هو أعظم الخ هكذا في النسخ، وانظر
(2) من هنا إلى ترجمة (الشقاق في الزوجين) انفردت بيدنا نسخة سقيمة، فليعلم. كتبه مصححه.
118

الخلاف في القسم للبكر وللثيب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس في القسم للبكر والثيب وقال يقسم لهما إذا
دخلا كما يقسم لغيرهما لا يقام عند واحدة منهما شئ إلا أقيم عند الأخرى مثله فقلت له قال الله تبارك
وتعالى (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم) أفتجد السبيل إلى علم ما فرض الله جملة أنها أثبت
وأقوم في الحجة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال لا فذكرت له حديث أم سلمة قال فهي
بيني وبينك أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن
شئت ثلثت عندك ودرت؟) قلت نعم قال فلم يعطها في السبع شيئا إلا أعلمها أنه يعطى غيرها مثله
فقلت له: إنها كانت ثيبا فلم يكن لها إلا ثلاث فقال لها إن أردت حق البكر وهو أعلى حقوق النساء
وأشرفه عندهن بعفوك حقك إذا لم تكوني بكرا فيكون لك سبع فعلت وإن لم تريدي عفوه وأردت
حقك فهو ثلاث قال فهل له وجه غيره؟ قلت لا إنما يخبر من له حق يشركه فيه غيره من أن ينزل من
حقه فقلت له يلزمك أن تقول مثل ما قلنا لأنك زعمت أنك لا تخالف الواحد من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم ما لم يخالفه مثله ولا نعلم مخالفا له والسنة ألزم لك من قوله فتركتها وقوله.
قسم النساء إذا حضر السفر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا عمى محمد بن علي بن شافع عن ابن شهاب عن عبيد
الله عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا
أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها وبهذا أقول إذا حضر سفر المرء وله نسوة فأراد إخراج
واحدة للتخفيف من مؤنة الجميع والاستغناء بها فحقهن في الخروج معه سواء فيقرع بينهن فأيتهن خرج
سهمها للخروج خرج بها فإذا حضر قسم بينها وبينهن ولم يحسب عليها الأيام التي غاب بها (قال
الشافعي) رحمه الله وقد ذكر الله عز وجل القرعة في كتابه في موضعين فكان ذكرها موافقا ما جاء عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى (وإن يونس لمن المرسلين) إلى (المدحضين) وقال (وما
كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) الآية (قال الشافعي) رحمه الله وقف الفلك بالذين
ركب معهم يونس فقالوا إنما وقف لراكب فيه لا نعرفه فيقرع فأيكم خرج سهمه ألقى فخرج سهم
يونس فألقى فالتقمه الحوت كما قال الله تبارك وتعالى ثم تداركه بعفوه عز وجل فأما مريم فلا يعدو الملقون
لأقلامهم يقترعون عليها أن يكونوا سواء في كفالتها لأنه إنما يقارع من يدلى بحق فيما يقارع ولا يعدون إذا
كان أرفق بها وأجمل في أمرها أن تكون عند واحد لا يتداولها كلهم مدة مدة ويكونوا يقسموا كفالتها
فهذا أشبه معناها عندنا والله أعلم فاقترعوا أيهم يتولى كفالتها دون صاحبه أو تكون يدافعوها لئلا يلزم
كفالتها واحدا دون أصحابه وأيهما كان فقد اقترعوا لينفرد بكفالتها ويخلوا منها من بقي (قال الشافعي)
رحمه الله فلما كان المعروف لنساء الرافق بالنساء أن يخرج بواحدة منهن فهن في مثل هذا المعنى ذوات
الحق كلهن فإذا خرج سهم واحدة كان السفر لها دونهن وكان هذا في معنى القرعة في مريم وقرعة
يونس حين استوت الحقوق أقرع لتنفرد واحدة دون الجميع
119

الخلاف في القسم في السفر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فخالفنا بعض الناس في السفر وقال: هو والحضر سواء وإذا
أقرع فخرج واحدة ثم قدم قسم لكل واحدة منهن من عدد الأيام بمثل ما غاب بالتي خرج بها فقلت
له أيكون للمرء أن يخرج بامرأة بلا قرعة ويفعل ذلك في الحضر فيقيم معها أياما ثم يقسم للنسوة سواها
بعدد تلك الأيام؟ قال نعم قلت له فما معنى القرعة إذا أو في كل واحدة منهن مثل عدد الأيام التي
غاب بالتي خرجت قرعتها وكان له إخراجها بغير قرعة أنت رجل خالفت الحديث فأردت التشبيه على
من سمعك بخلافه فلم يخف خلافك علينا ولا أراه يخفى على عالم؟ قال فرق بين السفر والحضر قلت
فرق الله بينهما في قصر الصلاة في السفر ووضع الصوم فيه إلى أن يقضى وفرق رسول الله صلى الله عليه
وسلم في التطوع في السفر فصلى حيث توجهت به راحلته راكبا وجمع فيه بين الصلاة ورخص الله فيه
في التيمم بدلا من الماء أفرأيت لو عارضك معارض في القبلة فقال قد أمر الله تبارك وتعالى بالتوجه إلى
البيت والنافلة والفرض في ذلك سواء عندك بالأرض مسافرا كان صاحبها أو مقيما فكيف قلت للراكب
صل إن شئت إلى غير القبلة؟ قال أقول صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غير القبلة قلت فنقول
لك فلا قول ولا قياس مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قلت ولا فرق بينه وبين مثله قال لا
وهذا لا يكون إلا من جاهل قلنا فكيف كان هذا منك في القرعة في السفر؟ قال إني قلت لعله
قسم؟ قلت فإن قال لك قائل فلعل الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى قبل المشرق في
السفر قاله في سفر إذا استقبل فيه المشرق فكانت قبلته قال لا تخفى عليه القبلة وهو لا يقول صلى نحو
المشرق إلا وهو خلاف القبلة قلت فهو إذا أقرع لم يقسم بعدد الأيام التي غاب بالتي خرجت قرعتها.
نشوز الرجل على امرأته
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (الرجال قوامون على النساء) إلى قوله
(سبيلا) (قال الشافعي) رحمه الله قال الله عز وجل (واللاتي تخافون نشوزهن) يحتمل إذا رأى
الدلالات في إيغال المرأة وإقبالها على النشوز فكان للخوف موضع أن يعظها فإن أبدت نشوزا هجرها
فإن أقامت عليه ضربها وذلك أن العظة مباحة قبل الفعل المكروه إذا رؤيت أسبابه وأن لا مؤنة فيها
عليها تضربها وأن العظة غير محرمة من المرء لأخيه فكيف لا مرأته؟ والهجرة لا تكون إلا بما يحل به
الهجرة لأن الهجرة محرمة في غير هذا الموضع فوق ثلاث والضرب لا يكون إلا ببيان الفعل فالآية في
العظة والهجرة والضرب على بيان الفعل تدل على أن حالات المرأة في اختلاف ما تعاتب فيه وتعاقب
من العظة والهجرة والضرب مختلفة فإذا اختلفت فلا يشبه معناها إلا ما وصفت (قال الشافعي) رحمة الله عليه
وقد يحتمل قوله (تخافون نشوزهن) إذا نشزن فخفتم لجاجتهن في النشوز أن يكون لكم جمع
العظة والهجرة والضرب (قال) وإذا رجعت الناشز عن النشوز لم يكن لزوجها هجرتها ولا ضربها لأنه
إنما أبيحا له بالنشوز فإذا زايلته فقد زايلت المعنى الذي أبيحا له به (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
وإنما قلنا لا يقسم للمرأة الممتنعة من زوجها. المتغيبة عنه بإذن الله لزوجها بهجرتها في المضجع
120

وهجرتها فيه اجتنابها بها لم تحرم والله أعلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن
شهاب عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم (لا تضربوا إماء الله) قال فأتاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يا رسول الله ذئر النساء
على أزواجهن فأذن في ضربهن فأطاف بآل محمد عليه الصلاة والسلام نساء كثير كلهن يشتكين
أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لقد أطاف الليلة بآل محمد نساء كثير أو قال سبعون امرأة
كلهن يشتكين أزواجهن فلا تجدون أولئك خياركم) (قال الشافعي) رحمه الله فجعل لهم الضرب
وجعل لهم العفو وأخبر أن الخيار ترك الضرب إذا لم يكن لله عليها حد على الوالي أخذه وأجاز العفو عنها
في غير حد في الخير الذي تركت حظها وعصت ربها (قال الشافعي) رحمه الله وقول الله تبارك وتعالى
(وللرجال عليهن درجة) (1) هما مما وصفت الله وذكرنا من أن له عليها في بعض الأمور ما ليس لها عليه
ولها في بعض الأمور عليه ما ليس له عليها من حمل مؤنتها وما أشبه ذلك.
ما لا يحل أن يؤخذ من المرأة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى ذكره (وعاشروهن بالمعروف) إلى قوله (ميثاقا
غليظا) ففرض الله عشرتها بالمعروف وقال عز وجل (فإن كرهتموهن) فدل على أنه أباح حبسها
مكروهة واكتفى بالشرط في عشرتها بالمعروف لا أنه أباح أن يعاشرها مكروهة بغير المعروف ثم قال
(وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) الآية فأعلم أنه إذا كان الاخذ من الزوج من غير أمر من المرأة
في نفسها ولا عشرتها ولم تطب نفسا بترك حقها في القسم لها ومالها فليس له منعها حقها ولا حبسها إلا
بمعروف وأول المعروف تأدية الحق وليس له أخذ مالها بلا طيب نفسها لأن الله تبارك وتعالى إنما أذن
بتخليتها على ترك حقها إذا تركته طيبة النفس به وأذن بأخذ مالها محبوسة ومفارقة بطيب نفسها فقال
(وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) إلى قوله (مريئا) وقال (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا) الآية وهذا
إذن بحبسها عليه إذا طابت بها نفسها كما وصفت قول الله تعالى (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم
إلى بعض) حظر لاخذه إلا من جهة الطلاق قبل الافضاء وهو الدخول فيأخذ نصفه بما جعل له وأنه لم
يوجب عليه أن يدفع إلا نصف المهر في تلك الحال وليس بحظر منه إن دخل أن يأخذه إذا كان ذلك
من قبلها وذلك أنه إنما حظر أخذه إذا كان من قبل الرجل فأما إذا كان من قبلها وهي طيبة النفس به
فقد أذن به في قول الله تبارك وتعالى (فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به)
والحال التي أذن به فيها مخالفة الحال التي حرمه فيها فإن أخذ منها شيئا على طلاقها فأقر أنه أخذ
بالاضرار بها مضى عليه الطلاق ورد ما أخذ منها وكان له عليها الرجعة إلا أن يكون طلقها ثلاثا.
الوجه الذي يحل به للرجل أن يأخذ من امرأته
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (الطلاق مرتان) إلى قوله (فيما افتدت به)

(1) قوله: هما أي هذه الجملة والجملة قبلها في الآية وانظر.
121

(قال الشافعي) رحمه الله: فنهى الله تعالى الزوج كما نهاه في الآي قبل هذه الآية أن يأخذ مما أتى
المرأة شيئا (إن أن يخافا أن لا يقيما حدود الله فإن خافا أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت
به) وأباح لهما إذا انتقلت عن حد اللاتي حرم أموالهن على أزواجهن لخوف أن لا يقيما حدود الله أن
يأخذ منها ما افتدت به لم يحدد في ذلك أن لا يأخذ إلا ما أعطاها ولا غيره وذلك أنه يصير حينئذ
كالبيع والبيع إنما يحل ما تراضى به المتبايعان لاحد في ذلك بل في كتاب الله عز وجل دلالة على إباحة
ما كثر منه وقل لقوله) فلا جناح عليهما فيما افتدت به) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال
أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة أن حبيبة بنت سهل أخبرتها أنها كانت عند ثابت بن قيس
بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى صلاة الصبح فوجد حبيبة بنت سهل على بابه
في الغلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من هذه؟ فقالت أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله
فقال (ما شأنك؟) قالت لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها فلما جاء ثابت قيس قال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم (هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر) فقالت حبيبة يا رسول الله
كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذ منها)) فأخذ منها وجلست في أهلها
أخبرنا الربيع قال الشافعي رحمه الله قال أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن حبيبة أنها
جاءت تشكو شيئا ببدنها في الغلس ثم ساق الحديث بمعنى حديث مالك وقول الله تبارك وتعالى (إلا
أن يخافا أن لا يقيما حدود الله) يحتمل أن يكون الابتداء بما يخرجهما إلى خوف أن لا يقيما حدود الله
من المرأة بالامتناع من تأدية حق الزوج والكراهية له أو عارض منها في حب الخروج منه من غير بأس
منه ويحتمل أن يكون من الزوج فلما وجدنا حكم الله بتحريم أن يأخذ الزوج من المرأة شيئا إذا أراد
استبدال زوج مكان زوج استدللنا أن الحال التي باح بها للزوج الاخذ من المرأة الحال المخالفة الحال
التي حرم بها الاخذ تلك الحال هي أن تكون المرأة المبتدئة المانعة لأكثر ما يجب عليها من حق الزوج ولم
يكن له الاخذ أيضا منها حتى يجمع أن تطلب الفدية منه لقوله عز وجل (فلا جناح عليهما فيا افتدت
به) وافتداؤها منه شئ تعطيه من نفسها لأن الله عز وجل يقول (وإن خفتم شقاق بينهما) الآية فكانت
هذه الحال التي تخالف هذه الحال وهي التي لم تبذل فيها المرأة المهر والحال التي يتداعيان فيها الإساءة
لا تقر المرأة أنها منها (قال الشافعي) وقول الله تبارك وتعالى (إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله) كما
وصفت من أن يكون لهما فعل تبدأ به المرأة يخاف عليهما فيه أن لا يقيما حدود الله لا أن خوفا منها بلا
سبب فعل (قال الشافعي) وإذا ابتدأت المرأة بترك تأدية حق الله تعالى ثم نال منها الزوج ماله من أدب
لم يحرم عليه أن يأخذ الفدية وذلك أن حبيبة جاءت تشكو شيئا ببدنها نالها به ثابت ثم أمرها رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن تفتدي واذن لثابت في الاخذ منها وذلك أن الكراهة من حبيبة كان لثابت
وأنها تطوعت بالفداء (قال الشافعي) وعدتها إذا كان دخل بها عدة مطلقة (1) وكذلك كل ناكح كان
يعد فسخا أو طلاقا صحيحا كان أو فاسدا فالعدة أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس
عن ابن عباس رضي الله عنه في رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه بعد فقال يتزوجها إن شاء
لأن الله عز وجل يقول (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) إلى قوله (أن يتراجعا)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو عن عكرمة قال كل شئ أجازه المال

(1) قوله: وكذلك كل ناكح الخ كذا في الأصل ولعل فيه تحريفا، فانظر.
122

فليس بطلاق أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن
(1) جهمان مولى الأسلمية عن بكرة الأسلمية أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد ثم أتيا عثمان في
ذلك فقال هي تطليقة إلا أن تكون سميت شيئا فهو ما سميت (قال الشافعي) ولا أعرف جهمان ولا أم
بكرة بشئ يثبت به خبرهما ولا يرده، وبقول عثمان نأخذ وهي تطليقة وذلك أنى رجعت الطلاق من
قبل الزوج ومن ذهب مذهب ابن عباس كان شبيها أن يقول قول الله تبارك وتعالى (فلا جناح عليهما
فيما افتدت به) يدل على أن الفدية هي فسخ ما كان له عليها وفسخ ما كان عليها لا يكون إلا بفسخ
العقد وكل أمر نسب فيه الفرقة إلى انفساخ العقد لم يكن طلاقا إنما الطلاق ما أحدث والعقدة قائمة
بعينها وأحسب من قال هذا منهم إنما أرادوا أن الخلع يكون فسخا إن لم يسم طلاقا وليس هكذا حكم
طلاق غيره فهو يفارق الطلاق بأنه مأذون به لغير العدة وفي غير شئ (قال الشافعي) ومن ذهب
المذهب الذي روى عن عثمان أشبه أن يقول العقد كان صحيحا فلا يجوز فسخه وإنما يجوز إحداث
طلاق فيه فإذا أحدث فيه فرقة عدت طلاقا وحسبت أقل الطلاق إلا أن يسمى أكثر منها إنما كان لا
رجعة له بأنه أخذ عوضا والعوض هو ثمن فلا يجوز أن يملك الثمن ويملك المرأة ومن ملك ثمنا لشئ
خرج منه لم يكن له الرجعة فيما ملكه غيره ومن قال: هذا معارضة معارض بقول ابن عباس قال أو
لست أجد العقد الصحيح ينفسخ في ردة أحد الزوجين. وفى الأمة تعتق وفي امرأة العنين تختار فراقه
وعند بعض المدنيين في المرأة يوجد بها جنون أم جذام أو برص والرجل يوجد به أحد ذلك فيكونان
بالخيار في المقام أو الفرقة وإنما الفرقة فسخ لا إحداث طلاق فإذا أذن الله تبارك وتعالى بالفدية وأذن
بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت فاسخة (قال الشافعي) إن أعطته ألفا على أن يطلقها واحدة أو
اثنتين أو ثلاثا لزمه ما طلق ولا رجعة له في واحدة ولا اثنتين للثمن الذي أخذه منها (قال الشافعي)
وإذا اختلعت منه ثم طلقها في العدة لم يلزمها طلاق وذلك أنها غير زوجة (قال الشافعي) فإذا كان في
حكم الله أن لا يؤخذ من المرأة في الخلع إلا بطيب نفسها (2) ولا يؤخذ من أمة خلع بإذن سيدها لأنها
ليست تملك شيئا ولا يؤخذ من محجور عليها من الحرائر إنما يؤخذ مال امرأة جائزة الامر في مالها بالبلوغ
والرشد والحرية.
الخلاف في طلاق المختلعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس في المختلعة فقال إذا طلقت في العدة لحقها
الطلاق فسألته هل يروى في قوله خبرا؟ فذكر حديثا لا تقوم بمثله حجة عندنا ولا عنده فقلت هذا
عندنا وعندك غير ثابت (3) قال فقد قال بعض التابعين عندك لا يقوم به حجة لو لم يخالفهم غيرهم
قال فما حجتك في أن الطلاق لا يلزمها؟ قلت حجتي فيه من القرآن والأثر والاجماع على ما يدل على
أن الطلاق لا يلزمها قال وأين الحجة من القرآن؟ قلت قال الله تعالى (والذين يرمون أزواجهم) إلى

(1) قوله: جهمان ضبطه في الخلاصة بضم الجيم وفتح الهاء وفي المسند " جهمان " بتقديم الميم على الهاء ومثله في
التهذيب
(2) قوله: ولا يؤخذ من أمة الخ كذا في الأصل، ولعل وجه العبارة " ولا يؤخذ من أمة مال خلع الا باذن
سيدها " وانظر. كتبه مصححه.
(3) قوله: قال فقد قال الخ كذا في النسخ التي انفردت بهذه الزيادة، ولعل فيها سقطا، فانظر.
123

آخر الآيتين وقال الله تبارك وتعالى (للذين يؤلون من نسائهم) الآية وقال (والذين يظاهرون منكم من
نسائهم) الآية وقال (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) وقال عز وجل (ولهن الربع مما تركتم) أفرأيت لو
قذفها أيلاعنها؟ أو آلى منها أيلزمه الايلاء؟ أو تظاهر منها أيلزمه الظهار أو ماتت أيرثها أو مات أترثه؟
قال لا قلت ألا أن أحكام الله تبارك وتعالى هذه الخمسة تدل على أنها ليست بزوجة؟ قال نعم قلت
وحكم الله أنه إنما تطلق الزوجة لأن الله تبارك وتعالى قال (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن) قال نعم
فقلت له كتاب الله إذا كان كما زعمنا وزعمت يدل على أنها ليست بزوجة وهي خلاف قولكم أخبرنا
مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قالا في المختلعة يطلقها زوجها
قالا لا يلزمها طلاق لأنه طلق ما لا يملك وأنت تزعم أنك لا تخالف واحدا من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم إلا إلى قول مثله فخالفت ابن عباس وابن الزبير معا وآيات من كتاب الله تعالى ما أدرى لعل
أحدا لو قال مثل قولك هذا لقلت له ما يحل لك أن تتكلم في العلم وأنت تجهل أحكام الله ثم قلت فيها
قولا لو تخاطأت فقلته كنت قد أحسنت الخطأ وأنت تنسب نفسك إلى النظر قال وما هذا القول؟ قلت
زعمت أنه إن قال للمختلعة أنت بتة وبرية وخلية ينوى الطلاق لم يلزمها الطلاق وهذا يلزم الزوجة وأنه
إن آلى منها أو تظاهر أو قذفها لم يلزمها ما يلزم الزوجة وأنه إن قال كل امرأة له طالق ولا ينويها ولا
غيرها طلق نساؤه ولم تطلق هي لأنها ليست بامرأة له ثم قلت وإن قال لها أنت طالق طلقت فكيف
يطلق غير امرأته.
الشقاق بين الزوجين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (وإن خفتم شقاق بينهما) الآية قال الله أعلم
بمعنى ما أراد من خوف الشقاق الذي إذا بلغاه أمره أن يبعث حكما من أهله وحكما من أهلها
(1) والذي يشبه ظاهر الآية فما عم الزوجين معا حتى يشتبه فيه حالاهما الآية وذلك أنى وجدت الله عز
وجل أذن في نشوز الزوج أن يصطلحا وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وأذن في نشوز المرأة
بالضرب وأذن في خوفهما أن لا يقيما حدود الله بالخلع ودلت السنة أن ذلك برضا من المرأة وحظر أن
يأخذ لرجل مما أعطى شيئا إذا أراد استبدال زوج مكان زوج فلما أمر فيمن خفنا الشقاق بينه بالحكمين
دل ذلك على أن حكمهما غير حكم الأزواج غرهما وكان يعرفهما بإبانة الأزواج أن يشتبه حالاهما في
الشقاق فلا يفعل الرجل الصفح ولا الفرقة ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية أو تكون الفدية لا تجوز من
قبل مجاوزة الرجل ماله من أدب المرأة وتباين حالهما في الشقاق والتباين هو ما يصيران فيه من القول
والفعل إلى مالا يحل لهما ولا يحسن ويمتنعان كل واحد منهما من الرجعة ويتماديان فيما ليس لهما ولا يعطيان
حقا ولا يتطوعان ولا واحد منهما بأمر يصيران به في معنى الأزواج غيرهما فإذا كان هذا بعث حكما من
أهله وحكما من أهلها ولا يبعث الحكمان إلا مأمونين وبرضا الزوجين ويوكلهما الزوجان بأن يجمعا أو يفرقا
إذا رأيا ذلك أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أخبرنا الثقفي عن أيوب عن محمد بن
سريرة عن عبيدة عن علي في هذه الآية (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من

(1) قوله: والذي يشبه، إلى قوله والتباين كذا في الأصل، ونظر. كتبه مصححه
124

أهلها) ثم قال للحكمين هل تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا وإن رأيتما أن تفرقا
أن تفرقا قالت المرأة رضيت بكتاب الله بما على فيه ولى وقال الرجل أما الفرقة فلا فقال علي رضي الله عنه
كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به قال فقول علي رضي الله عنه يدل على ما وصفت من أن
ليس للحاكم أن يبعث حكمين دون رضا المرأة والرجل بحكمهما وعلى أن الحكمين إنما هما وكيلان للرجل
والمرأة بالنظر بينهما في الجمع والفرقة فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قلنا لو كان الحكم إلى علي رضي الله عنه
دون الرجل والمرأة بعث هو حكمين ولم يقل ابعثوا حكمين فإن قال قائل فقد يحتمل أن يقول
ابعثوا حكمين فيجوز حكمهما بتسمية الله إياهما حكمين كما يجوز حكم الحاكم الذي يصيره الامام فمن سماه
الله تبارك وتعالى حاكما أكثر معنى أو يكونا كالشاهدين إذا رفعا شيئا إلى الامام انفذه عليهما أو يقول
ابعثوا حكمين اي دلوني منكم على حكمين صالحين كما تدلوني على تعديل الشهود قلنا الظاهر ما وصفنا
والذي يمنعنا من أن نحيله عنه مع ظهوره أن قول علي رضي الله عنه للزوج كذبت والله حتى تقر بمثل
الذي أقرت به يدل على أنه ليس للحكمين أن يحكما إلا بأن يفوض الزوجان ذلك إليهما وذلك أن
المرأة فوضت وامتنع الزوج من تفويض الطلاق فقال علي رضي الله عنه كذبت حتى تقر بمثل الذي
أقرت به يذهب إلى أنه إن لم يقر لم يلزمه الطلاق وإن رأياه ولو كان يلزمه طلاق بأمر الحاكم أو
تفويض المرأة لقال له لا أبالي أقررت أم سكت وأمر الحكمين أن يحكما بما رأيا، أخبرنا مسلم بن خالد
عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة أنه سمعه يقول تزوج عقيل بن أبي طالب فاطمة بنت عتبة بن ربيعة
فقالت أصبر لي وأنفق عليك فكان إذا دخل عليها قالت أين عتبة بن ربيعة أين شيبة بن ربيعة؟
فيسكت حتى دخل عليها يوما وهو برم فقالت أين عتبة بن ربيعة أين شيبة بن ربيعة فقال على يسارك
في النار إذا دخلت فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان فذكرت له ذلك كله فأرسل ابن عباس ومعاوية
فقال ابن عباس لأفرقن بينهما وقال معاوية ما كنت لافرق بين شيخين من بنى عبد مناف قال فأتياهما
فوجداهما قد شدا عليهما أثوابهما وأصلحا أمرهما. وهذا يشبه ما روى عن علي رضي الله عنه، ألا ترى
أن الحكمين ذهبا وابن عباس يقول أفرق بينهما ومعاوية يقول لا أفرق بينهما فلما وجداهما قد اصطلحا
رجعا وذلك أن اصطلاحهما يدل على أنهما لو جاءهما فسخا وكالتهما فرجعا ولم تعد المرأة ولا الرجل
إلى الشقاق علمناه (قال الشافعي) رحمة الله عليه ولو عاد الشقاق عادا للحكمين ولم تكن الأولى أولى
من الثانية فإن شأنهما بعد مرة ومرتين وأكثر واحد في الحكمين. وإذا كان الخبر يدل على أن معنى الآية
أن يجوز على الزوجين وكالة الحكمين في الفرقة والاجتماع بالتفويض إليهما دل ذلك على جواز الوكالات
وكانت هذه الآية للوكالات أصلا والله أعلم. ودل ذلك على أن للامام أن يولى الحكم دونه من ليس
يليه إلا بتوليته إياه وأن يولوا الحكم في بعض الأمور دون بعض لأن هذا حكم خاص (قال) ولو
فوضنا مع الخلع والفرقة إلى الحكمين الاخذ لكل واحد منهما من صاحبه كان على الحكمين الاجتهاد إن
رأيا الجمع في الاخذ لأحدهما من صاحبه فيما يريانه صلاحا لهما إذا كان الأغلب عندهما بعد معرفة
أخلاقهما ومذاهبهما أن ذلك أصلح لامرهما والاخذ من مال أحدهما لصاحبه وكان تفويض ذلك إليهما
مثل الفرقة أو أولى من الفرقة بينهما فإذا جازت توليتهما لهما الفرقة جاز الاخذ بتوليتهما وعلى السلطان إن لم
يرضيا بحكمين عندي أن لا يجيزهما على حكمين وأن يحكم عليهما فيأخذ لكل واحد منهما من صاحبه من
نفقة وقسم ويجبر المرأة على ما عليها وكل واحد منهما على ما يلزمه وله أن يعاقب أيهما رأى إن امتنع
بقدر ما يستوجب ولو قال قائل يجبرهما السلطان على الحكمين كان مذهبا.
125

حبس المرأة لميراثها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا
النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) إلى (كثيرا) (قال الشافعي) رحمه الله يقال والله
أعلم نزلت في الرجل يكره المرأة فيمنعها كراهية لها حق الله في عشرتها بالمعروف ويحبسها مانعا لحقها
ليرثها من غير طيب نفس منها بإمساكه إياها على المنع فحرم الله تعالى ذلك على هذا المعنى وحرم على
الأزواج أن يعضلوا النساء ليذهبوا ببعض ما أوتين واستثنى إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وإذا أتين بفاحشة
مبينة وهي الزنا فأعطين ببعض ما أوتين ليفارقن حل ذلك إن شاء الله تعالى ولم تكن معصيتهن الزوج فيما
يجب له بعير فاحشة أولى أن نحل ما أعطين من أن يعصين الله والزوج بالزنا وأمر الله في اللاتي يكرههن
أزواجهن ولم يأتين بفاحشة أن يعاشرن بالمعروف وذلك بتأدية الحق وإجمال العشرة. وقال (فإن
كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا) الآية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فأباح عشرتهن على الكراهية
بالمعروف وأخبر أن الله عز وجل قد يجعل في الكره خيرا كثيرا والخير الكثير الاجر في الصبر وتأدية الحق
إلى سن يكره أو التطول عليه وقد يغتبط وهو كاره لها بأخلاقها ودينها وكفاءتها وبذلها وميراث إن كان لها
وتصرف حالاته إلى الكراهية لها بعد الغبطة بها.
الفرقة بين الأزواج بالطلاق والفسخ
أخبرنا الربيع: قال أخبرنا الشافعي قال الفرقة بين الزوجين وجوه يجمعها اسم الفرقة ويفترق بها
أسماء دون اسم الفرقة فمنها الطلاق، والطلاق ما ابتدأه الزوج فأوقعه على امرأته بطلاق صريح أو كلام
يشبه الطلاق يريد به الطلاق، وكذلك ما جعل إلى امرأته من أمرها فطلقت نفسها أو إلى غيرها
فطلقها فهو كطلاقه لأنه بأمره وقع وهذا كله إذا كان الطلاق فيه من الزوج أو ممن جعله إليه الزوج
واحدة أو اثنتين فالزوج يملك فيه رجعة المطلقة ما كانت في عدة منه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
وكذلك إن آلى من امرأته فطلق أو قال لامرأته أنت طالق البتة فحلف ما أراد إلا واحدة أو أنت خلية
أو بائن أو برية فحلف ما أراد إلا واحدة فهي واحدة يملك الرجعة لا يكون من هذا شئ بائن أبدا إن
كانت الزوجة مدخولا بها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقال لي بعض الناس ما الحجة فيما قلت؟
قلت الكتاب والسنة والآثار والقياس قال: فأوجدني ما ذكرته قلت قال الله تبارك وتعالى (الطلاق
مرتان فإمساك بمعروف) الآية وقال تعالى ذكره (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) إلى قوله
(إصلاحا) وقلت أما يتبين لك في هاتين الآيتين أن الله تبارك وتعالى جعل لكل مطلق لم يأت على
جميع الطلاق الرجعة في العدة ولم يخصص مطلقا دون مطلق ولا مطلقة دون مطلقة. وأن الله تبارك
وتعالى إذا قال (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) فإنما أمر بالامساك من له أن يمسك وبالتسريح
من له أن يسرح قال: فما التسريح ههنا؟ قلت ترك الحبس بالرجعة في العدة تسريح بمتقدم الطلاق
وقلت له: إن هذا في غير هاتين الآيتين أيضا كهو في هاتين الآيتين قال فاذكره؟ قلت قال الله عز
وجل (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف) إلى قوله (لتعتدوا) قال فما معنى قوله
(فبلغن أجلهن؟) قلت يعنى والله تعالى أعلم قاربن بلوغ أجلهن، قال وما الدليل على ذلك؟
126

قلت: الآية دليل عليه لقول الله عز وجل (فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن
ضرارا لتعتدوا) فلا يؤمر بالامساك والسراح إلا من هذا إليه ثم شرط عليهم في الامساك أن يكون
بمعروف وهذه كالآية قبلها في قوله (فبلغن أجلهن) قال وتقول هذا العرب؟ قلت نعم تقول للرجل إذا
قارب البلد يريده أو الامر يريده قد بلغته وتقوله إذا بلغه. وقلت له قال الله تبارك وتعالى (فأمسكوهن
بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم) قال فلم قلت: إنها تكون للأزواج الرجعة في
العدة قبل التطليقة الثالثة؟ فقلت له لما بين الله عز وجل في كتابه (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى
تنكح زوجا غيره) إلى (أن يتراجعا) قال فلم قلت في قول الله تعالى في المطلقات فإذا بلغن أجلهن
فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) إذا قاربن بلوغ أجلهن؟ وقلت في قول الله عز وجل في
المتوفى عنها زوجها (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف) هذا إذا
قضين أجلهن والكلام فيهما واحد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقلت له (بلغن أجلهن) يحتمل
قاربن البلوغ وبلغن فرغن مما عليهن فكان سباق الكلام في الآيتين دليلا على فرق بينهما لقول الله تبارك
وتعالى في الطلاق (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) وقال (ولا تمسكوهن
ضرارا لتعتدوا) فلا يؤمر بالامساك إلا من يجوز له الامساك في العدة (1) فيمن ليس لهن أن يفعلن في
أنفسهن ما شئن في العدة حتى تنقضي العدة وهو كلام عربي هذا من أبينه وأقله خفاء لأن الآيتين
تدلان على افتراقهما بسياق الكلام فيهما. ومثل قول الله تعالى ذكره في المتوفى في قوله تعالى (ولا تعزموا
عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) حتى تنقضي عدتها فيحل نكاحها (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: فقال وما السنة فيه؟ قلت أخبرني عمى محمد بن علي عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع
ابن عجير بن عبد يزيد أن ركامة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية البتة ثم أتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال يا رسول الله إني طلقت امرأتي سهيمة البتة والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لركانة (والله ما أردت إلا واحدة؟) فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها
إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان قال: فما الأثر
فيه؟ قلت: أو يحتاج مع حكم الله تبارك وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلى غيرهما؟ فقال إن
كان عندك أثر فلا عليك أن تذكره قلت أخبرنا سفيان ابن عيينة عن عمرو أنه سمع محمد بن عباد بن
جعفر يقول أخبرني المطلب بن حنطب أنه طلق امرأته البتة ثم أتى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى
عنه فذكر ذلك له فقال ما حملك على ذلك؟ قال قد فعلته قال فقرأ (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به
لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا) ما حملك على ذلك؟ قلت قد فعلته قال أمسك عليك امرأتك فإن
الوحدة لا تبت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن أبي
سلمة عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للتومة مثل قوله للمطلب. أخبرنا
الشافعي قال: أخبرنا الثقة عن الليث عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار أن رجلا من بنى زريق
طلق امرأته البتة فقال له عمر: احلف فقال أتراني يا أمير المؤمنين أقع في الحرام والنساء كثير؟ فقال له
احلف فحلف (قال الشافعي) أخبرنا سعيد القداح عن ابن جريج أنه قال لعطاء البتة فقال يدين فإن
كان أراد ثلاثا فهي ثلاث وإن أراد واحدة فهي واحدة (قال الشافعي) أخبرنا سعيد عن ابن جريج

(1) قوله: فيمن ليس لهن ان يفعلن في أنفسهن ما شئن في العدة، هذه زيادة انفردت بها نسخة من النسخ
التي بيدنا، فليعلم اه‍ مصححه.
127

عن عطاء أن شريحا دعاه بعض أمرائهم فسأله عن رجل قال لامرأته أنت طالق البتة فاستعفاه شريح
فأبى أن يعفيه فقال أما الطلاق فسنة، وأما البتة فبدعة، فأما السنة فالطلاق فأمضوها وأما البدعة
فالبتة فقلدوه إياها ودينوه فيها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا: سعيد عن ابن جريج أنه قال
لعطاء الرجل يقول لا مرأته أنت خلية أو خلوت منى وقوله: أنت بريئة أو برئت منى أو يقول أنت بائنة
أو بنت منى قال سواء قال عطاء أما قوله أنت طالق فسنة لا يدين في ذلك وهو الطلاق قال: ابن
جريج قال عطاء أما قوله أنت بريئة أو بائنة؟ فذلك ما أحدثوا فيدين فإن كان أراد الطلاق فهو
الطلاق وإلا فلا (قال الشافعي) أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه قال في قوله أنت
بريئة أو أنت بائنة أو خلية أو برئت منى أو بنت منى قال يدين، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن
طاوس عن أبيه أنه قال إن أراد الطلاق فهو الطلاق كقوله أنت على حرام (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: قال فما الوجوه التي ذكرت التي تكون بها الفرقة بين الزوجين؟ فقلت له كل ما حكم فيه
بالفرقة وإن لم ينطق بها الزوج ولم يردها وما لو أراد الزوج أن لا توقع عليه الفرقة أوقعت فهذه فرقة لا
تسمى طلاقا لأن الطلاق ليس من الزوج وهو لم يقله ولم يرضه بل يريده رده ولا يرد قال: ومثل ماذا؟
قلت مثل الأمة تعتق عند العبد فتختار فراقه ومثل المرأة تكون عند العنين فيؤجل سنة فلا يمس فتختار
فراقه فهاتان الفرقتان وإن كانتا صيرتا للمرأتين بعلة العبودية في الزوج والعجز فيه وليس أن الزوج
طلق. ومثل ذلك أن تزوج المرأة الرجل فينتسب حرا فيوجد عبدا فتخير فتفارقه ويتزوجها الرجل
فتجده أجذم أو مجنونا أو أبرص فتختار فراقه قال: أفتعد شيئا من هذا طلاقا؟ قلت لا هذا فسخ عقد
النكاح لا إحداث طلاق فيها، ومثل الزوجين يسلم أحدهما ولا يسلم الآخر حتى تنقضي العدة (قال
الشافعي) رحمه الله: قال وما يشبه هذا؟ قلت العبد يبتاعه فيظهر منه على عيب فيكون له رده
بالعيب ورده فسخ العقد الأول وليس استئناف بيع فيه ولا يجوز أن يستأنف بيعا بغير رضا المردود عليه
وهذا كله فرقة من المرأة وفرقة المرأة بغير تمليك الزوج إياها لا تكون إلا فسخ عقدة النكاح لأن الطلاق
الذي جعله الله تعالى ثلاثا لا تحل النساء بعده إلا بزوج وهو إلى الرجال لا إلى النساء قال فهل من شئ
فرقه غير هذا؟ قلت نعم كل ما عقد فاسدا من نكاح مثل نكاح بغير ولى ونكاح العبد بغير إذن سيده
ونكاح الأمة بغير إذن سيدها فكل ما وقع من النكاح كله ليس بتام يحل فيه الجماع بالعقد ويقع الميراث
بين الزوجين ولا يكون لاحد فسخه زوج ولا زوجة ولا ولى فكل ما كان هكذا فالنكاح فيه فاسد يفرق
العقدة ولم تعد الفرقة طلاقا ولكنه فسخ العقد، قال فهل من تفرقة غير هذا؟ قلت نعم ردة أحد
الزوجين أو إسلام أحدهما والآخر مقيم على الكفر وقد حرم الله على الكافرين أن يغشوا المؤمنات وعلى
المؤمنين غشيان الكوافر سوى أهل الكتاب وليس واحد منهما فراقا من الزوج هذا فسخ كله قال فهل من
وجه من الفرقة غير هذا؟ قلت نعم الخلع قال فما الخلع عندك؟ فذكرت له الاختلاف فيه، قال فإن
أعطته ألفا على أن يطلقها واحدة أو اثنتين أفيملك الرجعة؟ قلت: لا قال ولم والطلاق منه لو أراد لم
يوقعه؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقلت له يقول الله عز وجل (فلا جناح عليهما فيما افتدت
به) والفدية ممن ملك عليه أمره لا تكون إلا بإزالة الملك عنه وغير جائز أن يأذن الله تعالى لها بالفدية
وله أن يأخذها ثم يملك عليها أمرها بغير رضا منها ألا ترى أن كل من أخذ شيئا على شئ يخرجه من
يديه لم يكن له سبيل على ما أخرج من يديه لما أخذ عليه من العوض وقد أذن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لثابت بن قيس أن يأخذ من امرأته حين جاءته ولم يقل له لا تأخذ منها إلا في قبل عدتها كما أمر
128

المطلق غيره ولم يسم له طلاقا يطلقها إياه ورأي رضاه بالأخذ منها فرقة، والخلع اسم مفارق للطلاق
وليس المختلع بمبتدئ طلاقا إلا يجعل والمطلقون غيره لم يستجعلوا، وقلت له الذي ذهب إليه من قول
الله تبارك وتعالى (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف) الآية إنما هو على من عليه العدة لقول الله عز وجل
(طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) إلى قوله (جميلا) أفرأيت إن عارضك معارض في المطلقة واحدة
قبل أن يدخل بها؟ فقال إن الله قال (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وهذه مطلقة
واحدة فيمسكها ما الحجة عليه؟ قال قول الله تعالى (فبلغن أجلهن فأمسكوهن) وقوله في العدة (أحق
بردهن في ذلك) فلما لم تكن هذه معتدة بحكم الله علمت أن الله تبارك وتعالى إنما قصد بالرجعة في
العدة قصد المعتدات وكان المفسر من القرآن يدل على معنى المجمل ويفترق بافتراق حال المطلقات
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقلت له فما منعك من هذه الحجة في المختلعة وقد فرق الله تبارك
وتعالى بينهما بأن جعلها مفتدية وبأن هذا طلاق بمال يؤخذ وبأن المسلمين لم يختلفوا في أن الرجل إذا
قال لامرأته أنت طالق واحدة ملك الرجعة وإن قال لها أنت طالق واحدة على شئ يأخذه لم يملك
الرجعة؟ قال هذا هكذا لأنه إذا تكلم بكلمة واحدة فلا يجوز أن أجعل ما أخذ عليه مالا كمن لم يأخذ
المال. والحجة فيه ما ذكرت من أن من ملك شيئا بشئ يخرج منه لم يكن له على ما خرج منه سبيل
كما لا يكون على ما في يديه مما أخرجه إليه مالكه لمالكه الذي أخرجه إليه سبيل (قال الشافعي) رحمه
الله: قال فأوجدني اللفظ الذي يكون فراقا في الحكم لا تدينه فيه! قلت له: هو قول الرجل أنت
طالق أو قد طلقتك أو أنت سراح أو قد سرحتك أو قد فارقتك، قال فمن أين قد فرقت بين هؤلاء
الكلمات في الحكم وبين ما سواهن وأنت تدينه فيما بينه وبين الله فيهن كما تدينه في غيرهن؟ قلت:
هؤلاء الكلمات التي سمى الله تبارك وتعالى بهن الطلاق فقال (إذا طلقتم النساء) وقال (فأمسكوهن
بمعروف أو فارقوهن بمعروف) وقال عز وجل (فمتعوهن وسرحوهن) الآية فهؤلاء الأصول وما أشبهن
مما لم يسم طلاقا في كتاب ولا سنة ولا أثر إلا بنيته فإن نوى صاحبه طلاقا مع قول يشبه الطلاق كان
طلاقا وإن لم ينوه لم يكن طلاقا.
الخلاف في الطلاق
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقال: إنا نوافقك في معنى ونخالفك في معنى، فقلت فاذكر
المواضع التي تخالفنا فيها، قال تزعم أن من قال لامرأته أنت طالق فهو يملك الرجعة إلا أن يأخذ
جعلا على قوله أنت طالق، قلت هذا قولنا وقول العامة، قال وتقول إن قال لامرأته أنت خلية أو برية
أو بائنة أو كلمة غير تصريح الطلاق فلم يرد بها طلاقا فليس بطلاق قلت وهذا قولي، قال وتزعم أنه
إن أراد بهذا الذي ليس بصريح الطلاق الطلاق وأراد واحدة كانت واحدة بائنة وكذلك إن قال
واحدة شديدة أو غليظة إذا شدد الطلاق بشئ فقلت له: أفقلت هذا خيرا أو قياسا؟ فقال قلت
بعضه خبرا وقست ما بقي منه على الخبر بها (قال الشافعي) رحمه الله قلت ما الذي قلته خبرا وقست

(1) قوله: وأنت تدينه الخ هكذا في جميع النسخ ولعل النافي قبل الفعل سقط من قلم الناسخ فانظر كتبه مصححه.
(2) ولعل هنا نقصا اختلط به كلام الشافعي بكلام المخالف كما يظهر من قوله بعد " فقلت له أفقلت هذا خيرا أو
قياسا " فانظر.
129

ما بقي منه على الخير؟ قال: روينا عن علي رضى الله تعالى عنه أنه قال في الرجل يخير امرأته أو
يملكها إن اختارته فتطليقة يملك فيها الرجعة وإن اختارت نفسها فتطليقة بائنة قلت أرويت عن علي
رضى الله تعالى عنه أنه جعل البتة ثلاثا؟ قال نعم، قلت: أنت تخالف ما رويت عن علي قال وأين؟
قلت أنت تقول إذا اختارت المرأة المملكة أو التي جعل أمرها بيدها زوجها فلا شئ قال نعم فقلت قد
رويت عنه حكما واحدا خالفت بعضه ورويت عنه أيضا أنه فرق بين البتة والتخيير و التمليك فقلت في
البتة نيته فإن أراد واحدة فواحدة بائن وهو يجعلها ثلاثا، فكيف زعمت أنك جعلت البتة قياسا على
التخيير والتمليك وهما عندك طلاق لم يغلظ وألبتة طلاق قد غلظ؟ فكيف قست أحدهما بالآخر وعلى
رضى الله تعالى عنه يفرق بينهما وهو الذي عليه أصلك زعمت اعتمدت؟ قال فإني إنما قلت في البتة
بحديث ركانة فقلت له أليس جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم البتة في حديث ركانة واحدة يملك
الرجعة وأنت تجعلها بائنا؟ فقال قال شريح نقفه عند بدعته فقلت ونحن قد وقفناه عند بدعته فلما أراد
واحدة جعلناها تملك الرجعة كما جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر وأنت رويت عن أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم في البتة واحدة ويملك الرجعة أو ثلاثا فخرجت من قولهم معا بتوهم في
قول شريح وشريح رجل من التابعين ليس لك عند نفسك ولا لغيرك أن يقلده ولا له عندك أن يقول
مع أحد من أصحاب رسول الله صلى الله وعليه وسلم ومن قال في البتة ثلاثا فإنه يذهب إلى الذي يغلب
على القلب أنه إذا نطق بالطلاق ثم قال البتة فإنما أراد الابتات والذي ليست بعده رجعة وهو ثلاث
ومن قال البتة واحدة إذا لم يرد أكثر منها ذهب فيما نرى والله تعالى أعلم إلى أن البتة كلمة تحتمل أكثر
الطلاق، وإن يقول البتة يقينا كما تقول لا آتيك البتة وأذهب البتة وتحتمل صفة الطلاق فلما احتملت
معاني لم نستعمل عليه معنى يحتمل غيره ولم تفرق بينه وبين أهله بالتوهم وجعلنا ما أحتمل المعاني (1)
يقابله وقولك كله خارج من هذا مفارق له قال فإنا قد روينا عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه لا
يكون طلاق بائن إلا خلع أو إيلاء فقلنا قد خالفته فجعلت كثيرا من الطلاق بائنا سوى الخلع والايلاء
وقلت له أرأيت لو أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قولك في البتة وروينا عن
النبي عليه الصلاة والسلام ما يخالفه أفي رجل أو رجال من أصحابه حجة معه؟ قال لا قلنا فقد
خالفت ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البتة وخالفت أصحابه فلم تقل بقول واحد منهم
فيها وقلت له أو يختلف عندك قول الرجل لامرأته أنت طالق البتة وخلية وبرية وبائن وما شدد به
الطلاق أو كنى عنه وهو يريد الطلاق؟ فقال لا كل هذا واحد قلت فإن كان كل واحد من هذا عندك
في معنى واحد فقد خالفت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في معناه ثم قلت فيه قولا متناقضا
قال وأين؟ قلت زعمت أنه إن قال لامرأته أنت طالق واحدة غليظة أو شديدة كانت بائنا وإن قال هلا
أنت طالق واحدة طويلة كان يملك الرجعة وكلتا الكلمتين صفة التطليقة وتشديد لها فكيف كان يملك
في إحداهما الرجعة ولا يملكها في الأخرى؟ أرأيت لو قال لك قائل إذا قال طويلة فهي بائن لأن
الطويلة ما كان لها منع الرجعة حتى يطول ذلك وغليظة وشديدة ليست كذلك فهو يملك الرجعة أما
كان أقرب بما فرق إلى الصواب منك؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقلت له لقد خالفت في هذا
القول معاني الآثار مع فراقك معاني القرآن والسنة (2) والآثار والقياس قال فمن أصحابك من يقول لا
(هامش (1) قوله: يقابله، كذا في النسخ، وانظر
(2) قوله " والآثار " لعلها مكررة مع " الآثار " " الأولى "، كتبه مصححه
130

أثق به في الطلاق قلت أولئك خالفونا وإياك فإن قلت بقولهم حاججناك وإن خالفتهم فلا تحتج بقول
من لا تقول بقوله.
انفساخ النكاح بين الأمة وزوجها العبد إذا عتقت
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ربيعة عن القاسم بن محمد عن عائشة
رضى الله تعالى عنها أنها قالت كانت في بريرة ثلاث سنن وكان في إحدى السنن أنها أعتقت فخيرت في
زوجها أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول في الأمة تكون تحت العبد فتعتق أن لها الخيار
ما لم يمسها فإذا مسها فلا خيار لها أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن مولاة لبني عدى
بن كعب يقال لها زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبد وهي أمة يومئذ فعتقت قالت فأرسلت إلى حفصة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم فدعتني فقالت: إني مخبرتك خيرا ولا أحب أن تصنعي شيئا إن أمرك
بيدك ما لم يمسك زوجك قالت ففارقته ثلاثا (قال الشافعي) رحمه الله وبهذا نأخذ في تخيير رسول الله
صلى الله عليه وسلم بريرة حين عتقت في المقام مع زوجها أو فراقه دلائل منها أن الأمة إذا عتقت عن
عبد كان لها الخيار في المقام معه أو فراقه وإذا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار للأمة دون
زوجها فإنما جعل لها الخيار في فسخ العقدة التي عقدت عليها وإذا كانت العقدة تنفسخ فليس الفسخ
بطلاق إنما جعل الله الطلاق المعدود على الرجال ما طلقوهم فأما ما فسخ عليهم فذلك لا يحتسب
عليهم والله تعالى أعلم لأنه ليس بقولهم ولا بفعلهم كان (قال) وفي الحديث دلالة على أن الملك يزول
عن الأمة المزوجة وعقد النكاح ثابت عليها إلا أن تفسخه حرية أو اختيار في العبد خاصة وهذا يرد
على من قال بيع الأمة طلاقها لأنه إذا لم يكن خروجها من ملك سيدها الذي زوجها إياه بالعتق
يخرجها من نكاح الزوج كان خروجها من ملك سيدها الذي زوجها إلى رق كرقه أولى أن لا يخرجها
ولا يكون لها خيار إذا خرجت إلى الرق وبريرة قد خرجت من رق مالكها إلى ملك عائشة رضى الله
تعالى عنها ومن ملك عائشة إلى العتق فجمعت الخروجين من الرق إلى الرق ومن الرق إلى العتق ثم
خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدهما قال ولا يكون لها الخيار إلا بأن تكون عند عبد فأما عند
حر، فلا.
الخلاف في خيار الأمة
(قال الشافعي) فخالفنا بعض الناس في خيار الأمة فقال تخير تحت العبد وقالوا روينا عن عائشة
رضي الله عنها أن زوج بريرة كان حرا قال فقلت له رواه عروة عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أن
زوج بريرة كان عيدا وهما أعلم بحديث عائشة من رويت هذا عنه قال فهل تروون عن غير عائشة أنه كان
عبدا؟ فقلت هي المعتقة وهي أعلم به من غيرها وقد روى من وجهين قد ثبت أنت ما هو أضعف منهما
ونحن إنما نثبت ما هو أقوى منهما قال فاذكرهما قلت أخبرنا سفيان عن أيوب عن مكرمة عن ابن عباس
أنه ذكر عنده زوج بريرة فقال كان ذلك مغيث عبد بنى فلان كأني أنظر إليه يتبعها في الطريق وهو
يبكى أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن زوج بريرة
131

كان عبدا قال فقال فلم تخير تحت العبد ولا تخير تحت الحر؟ فقلت له لاختلاف حالة العبد والحر قال وما
اختلافها؟ قلت له الاختلاف الذي لم أر أحدا يسأل عنه قال وما ذاك؟ قلت إذا صارت حرة لم يكن
العبد لها كفؤا لنقصه عنها ألا ترى أنه لا يكون وليا لبنته يزوجها ألا ترى أنه يوجب بالنكاح على الناكح
أشياء لا يقدر العبد على كمالها ويتطوع الزوج الحر على المرأة بأشياء لا يقدر العبد على كمالها؟ ومنها أن
المرأة ترث زوجها ويرثها والعبد لا يرث ولا يورث ومنها أن نفقة ولد الحر عليه من الحرة ومنها أن عليه
أن يعدل لامرأته وسيد العبد قد يحول بينه وبين العدل عليها ومنها أشياء يتطوع لها بها من المقام معها جل
نهاره ولسيد العبد منعه من ذلك مع أشباه لهذا كثيرة يخالف فيها الحر العبد (قال الشافعي) رحمه الله
فقال أنا إنما ذهبنا في هذا إلى أن خيار الأمة تحت الحر والعبد أنها نكحت وهي غير مالكة لأمرها ولما
ملكت أمرها كان لها الخيار في نفسها فقلت له أرأيت الصبية يزوجها أبوها فتبلغ قبل الدخول أو بعده
أيكون لها الخيار إذا بلغت؟ قال لا قلت فإذا زعمت أنك إنما خيرتها لأن العقدة كانت وهي لا خيار
لها فإذا صار الخيار لها اختارت لها اختارت لزمك هذا في الصبية يزوجها أبوها قال فإن افترق بينها وبين الصبية؟
قلت أو يفترقان؟ قال نعم قلت فكيف تقيسها عليها والصبية وارثة موروثة وهذه غير وارثة ولا موروثة
بالنكاح ثم تقيسها عليها في الخيار التي فارقتها فيه؟ قال إنهما وإن افترقا في بعض أمرهما فهما يجتمعان في
بعضه قلت وأين؟ قال الصبية لم تكن يوم تزوجت ممن لها خيار للحداثة قلت وكذلك الأمة للرق قال
فلو كانت حرة كان لها الخيار؟ قلت وكذلك لو كانت الصبية بالغة قال فهي لا تشبهها قلت فكيف
تشبهها بها وأنت تقول إذا بلغت الصبية لم يزوجها أبوها إلا برضاها وهو يزوج أمته بغير رضاها؟ قال
فأشبهها بالمرأة تزوج وهي لا تعلم أن لها الخيار إذا علمت قلت هذا خطأ في المرأة هذه لا نكاح لها ولو
كان ما قلت كما قلت كنت قد قستها على ما يخالفها قال وأين مخالفها؟ قلت أرأيت المرأة تنكح ولا تعلم
ثم تموت قبل أن تعلم أيرثها زوجها أو يموت أترثه؟ قال ولا يحل له جماعها قبل أن تعلم؟ قال لا
قلت أفتجد الأمة يزوجها سيدها هل يحل سيدها جماعها؟ قال نعم قلت وكذلك بعدما تعتق ما لم تختر
فسخ النكاح قال نعم قلت ولو عتقت فماتت ورثها زوجها؟ قال نعم قلت ولو مات ورثته؟ قال نعم قلت
أفتراها تشبه واحدة من الاثنتين التين شبهتهما بها؟ قال فما حجتك في الفرق بين العبد والحر؟ قلت ما
وصفت لك فإن أصل النكاح كان حلالا جائزا فلم يحرم النكاح بتحول حال المرأة إلى أحسن ولا أسوأ
من حالها الأول إلا بخبر لا يسع خلافه فلما جاءت السنة بتخيير بريرة وهي عند عبد قلنا به اتباعا لأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ألزمنا الله اتباعه حيث قالوا قلنا الحر خلاف العبد لما وصفنا وأن
الأمة إذا خرجت إلى الحرية لم تكن أحسن حالا منه أكثر ما فيها أن تساويه وهو إذا كان مملوكا فعتقت
خرجت من مساواته قال وكيف لم تجعلوا الحر قياسا على العبد؟ فقلت وكيف نقيس بالشئ خلافه؟
قال: إنهما يجتمعان في معنى انهما زوجان قلت ويفترقان في أن حالهما مختلفة قال فلم لا تجمع بينهما
حيث يجتمعان؟ قال قلت افتراقهما أكثر من اجتماعهما والذي هو أولى بي إذا كان الأكثر من أمرهما
الافتراق أن يفرق بينهما ونحن نسألك قال سل قلت ما تقول في الأمة إذا أعتقت تخير؟ قال نعم قلت
فإن بيعت تخير؟ قال لا قلت ولم وقد زال رق الذي زوجها فصار في حاله هذه لو ابتدأ نكاحها لم يجز
كما لو أنكحها حرة بغير إذنها لم يجز؟ قال هما وإن اجتمعا في أن ملك المنكح زائل عن المنكحة فحال
الأمة المنكحة مختلفة في أنها انتقلت من رق إلى رق وهي في العتاقة انتقلت من رق إلى حرية. قلت
ففرقت بينهما إذا افترقا في معنى وإن اجتمعا في آخر؟ قال نعم قلت فتفريقي بين الخيار في عبد وحر
132

أكثر مما وصفت وأصل الحجة فيه ما وصفت من أن النكاح كان حلالا وما كان حلالا لم يجز تحريمه ولا
فسخه إلا بسنة ثابتة أو أمر أجمع الناس عليه فلما كانت السنة في تخيير الأمة إذا عتقت عند عبد لم نعد
ما روينا من السنة ولم يحرم النكاح إلا في مثل ذلك المعنى وإنما جعل للأمة الخيار في التفريق والمقام،
والمقام لا يكون إلا والنكاح حلال (1) إلا أن الخيار إنما يكون عندنا والله تعالى أعلم لنقص
العبد عن الحرية والعلل التي فيه التي قد يمنع فيها ما يحب وتحب امرأته.
اللعان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة
شهداء) الآية وقال تعالى (والذين يرمون أزواجهم) إلى (أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين)
فلما حكم الله في الزوج القاذف بأن يلتعن دل ذلك على أن الله إنما أراد بقوله (والذين يرمون
المحصنات) الآية القذفة غير الأزواج وكان القاذف الحر الذمي والعبد المسلم والذمي إذا قذفوا الحرة
المسلمة جلدوا الحد معا فجلدوا الحر حد الحر والعبد حد العبد وأنه لم يبرأ قاذف بالغ يجري عليه الحكم
من لم يحد حده إن لم يحرج منه بما أخرجه الله تعالى به من الشهود على المقذوفة لأن الآية عامة على
المقذوفة كانت الآية في اللعان كذلك والله تعالى أعلم عامة على الأزواج القذفة فكان كل زوج قاذف
يلاعن أو يحد إن كانت المقذوفة ممن لها حد أو لم تكن الان على من قذفها إذا لم يكن لها حد تعزيزا
وعليها حد إذا لم تلتعن بكل حال لأنه لا افتراق بين عموم الآيتين معا وكما جعل الله الطلاق إلى الأزواج
قال (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) وقال عز وجل (وإن طلقتموهن من قبل أن
تمسوهن) وقال (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن) فكان هذا عاما للأزواج والنساء لا يخرج منه
زوج مسلم حر ولا عبد ولا ذمي حر ولا عبد فكذلك اللعان لا يخرج منه زوج ولا زوجة (وقال) فيما
حكى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لا عن بين أخوى بنى العجلان ولم يتكلف أحد حكاية
حكم النبي صلى الله عليه وسلم في اللعان أن يقول قال للزوج قل كذا ولا للمرأة قولي كذا إنما تكلفوا
حكاية جملة اللعان دليل على أن الله عز وجل إنما نصب اللعان حكاية في كتابه فإنما لا عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين بما حكم الله عز وجل في القرآن وقد حكى من حضر اللعان في اللعان
ما احتيج إليه مما ليس في القرآن منه (قال) فإذا لا عن الحاكم بين الزوجين وقال للزوج قل (أشهد بالله
إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا) ثم ردها عليه حتى يأتي بها أربع مرات فإذا فرغ من الرابعة
وقفه وذكره وقال (اتق الله تعالى أن تبوء بلعنة الله فإن قولك (إن لعنة الله على إن كنت من الكاذبين فيما
رميتها به من الزنا) موجبة يوجب عليك اللعنة إن كنت كاذبا فإن وقف كان لها عليه الحد إن قامت به
وإن حلف لها فقد أكمل ما عليه من اللعان وينبغي أن يقول للزوجة فتقول أشهد بالله إنه لمن الكاذبين
فيما رماني به من الزنا حتى تقولها أربعا فإذا أكملت أربعا وقفها وذكرها وقال (اتقى الله واحذري أن
تبوئي بغضب الله فإن قولك: على غضب الله إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا) يوجب
عليك غضب الله إن كنت كاذبة فإن مضت فقد فرغت مما عليها وسقط الحد عنهما وهذا الحكم عليهما

(1) قوله: الا ان الخيار، هكذا في النسخ، وانظر. كتبه مصححه.
133

والله ولى أمرهما فيما غاب عما قالا فإن لاعنها بإنكار ولد أو حبل فال أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما
رميتها به من الزنا وإن ولدها هذا أو حبلها هذا إن كان حبلا لمن زنا ما هو منى ثم يقولها في كل شهادة
وفي قوله وعلى لعنة الله حتى تدخل مع حلفه على صدقه على الزنا لأنه قد رماها بشيئين بزنا وحمل أو
ولد ينفيه فلما ذكر الله عز وجل الشهادات أربعا ثم فصل بينهن باللعنة في الرجل والغضب في المرأة دل
ذلك على حال افتراق الشهادات في اللعنة والغضب واللعنة والغضب بعد الشهادة موجبتان على من
أوجب عليه لأنه متجرئ على النفي وعلى الشهادة بالله تعالى باطلا ثم يزيد فيجترئ على أن يلتعن
وعلى أن يدعو بلعنة الله فينبغي للوالي إذا عرف من ذلك ما جهلا أن يفقههما نظرا لهما استدلالا بالكتاب
والسنة * أخبرنا ابن عيينة عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم
حين لاعن بين المتلاعنين أمر رجلا أن يضع يده على فيه في الخامسة وقال إنها موجبة أخبرنا مالك عن
ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري
فقال له يا عاصم أرأيت لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي يا
عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره رسول الله
صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما
رجع إلى أهله جاءه عويمر فقال يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عاصم
لعويمر لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها فقال عويمر والله لا
انتهى حتى أسأله عنها فجاء عويمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال يا رسول الله أرأيت
رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد
أنزل الله فيك وفي صاحبتك فاذهب فائت بها) فقال سهل فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن
يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مالك و قال ابن شهاب فكانت تلك سنة المتلاعنين (قال
الشافعي) رحمه الله سمعت إبراهيم بن سعد بن إبراهيم يحدث عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أنه
أخبره قال جاء عويمر العجلاني إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال: يا عاصم بن عدي سل لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل وجد مع امرأته رجلا أيقتله فيقتل به أم كيف يصنع؟ فسال
عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل فلقيه عويمر
فقال ما صنعت؟ قال صنعت أنك لم تأتني بخير سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب المسائل
فقال عويمر والله لاتين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأسألنه فأتاه فوجده قد أنزل الله عليه فيهما
فدعاهما فلا عن بينهما فقال عويمر لئن انطلقت بها لقد كذبت عليها ففارقها قبل أن يأمره رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال ابن شهاب فصارت سنة في المتلاعنين ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(أبصروها فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق وإن جاءت به
أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا) قال فجاءت به على النعت المكروه (قال الشافعي) رحمه الله
الوحرة دابة تشبه الوزغ أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن
عتبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن جاءت به أشقر سبطا فهو لزوجها وإن جاءت به أديعج فهو
للذي يتهمه) فجاءت به أديعج أخبرنا عبد الله بن نافع عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن سهل بن
سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين مثل معنى حديث مالك وإبراهيم فلما انتهى إلى فراقها
134

قال في الحديث ففارقها وما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقها فمضت سنة المتلاعنين وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (انظروها فإن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة فلا أحسبه إلا كذب
عليها وإن جاءت به أسحم أعين ذا أليتين فلا أحسبه إلا قد صدق عليها) فجاءت به على الامر المكروه
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أخ بنى ساعدة أن رجلا من
الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله وعليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا
أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فأنزل الله عز وجل في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد قضى فيك وفي امرأتك) فتلاعنا وأنا شاهد ثم فارقها عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم فكانت السنة بعد فيهما أن يفرق بين المتلاعنين قال فكانت حاملا فأنكره فكان ابنها
يدعى إلى أمه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى في حديث ابن أبي ذئب دليل على أن سهل بن سعد
قال فكانت سنة المتلاعنين وفي حديث مالك وإبراهيم كأنه قول ابن شهاب وقد يكون هذا غير مختلف
يقوله مرة ابن شهاب ولا يذكر سهلا ويقوله أخرى ويذكر سهلا ووافق ابن أبي ذئب إبراهيم بن سعد
فيما زاد في آخر الحديث على حديث مالك وقد حدثنا سفيان عن ابن شهاب عن سهل بن سعد قال
شهدت المتلاعنين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة ثم ساق الحديث ولم
يتقنه إتقان هؤلاء أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن يحيى ابن سعيد حدثه عن القاسم بن محمد
عن ابن عباس أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: والله مالي عهد
بأهلي منذ عفار النخل وعفارها أنها إذا كانت تؤبر تعفر أربعين يوما ولا تسقى إلا بعد الابار قال
فوجدت مع امرأتي رجلا قال وكان زوجها مصفرا حمش الساقين سبط الشعر والذي رميت به خدلا
إلى السواد جعدا قططا مستها (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم بين) ثم لاعن بينهما
فجاءت برجل يشبه الذي رميت به أخبرنا ابن عيينة عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد قال شهدت
ابن عباس رضي الله عنهما يحدث بحديث المتلاعنين قال فقال له رجل أهي التي قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم (لو كنت راجما أحدا بغير بينة رجمتها؟) فقال ابن عباس لا؟ تلك امرأة كانت قد
أعلنت أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد ابن الهاد عن عبد الله بن يونس أنه سمع المقبري يحدث عن
محمد بن كعب القرظي قال المقبري وحدثني أبو هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول لما نزلت آية المتلاعنين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة أدخلت على قوم من
ليس منهم فليست من الله في شئ ولن يدخلها الله جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب
الله منه وفضحه به على رؤوس الأولين والآخرين) وسمعت ابن عيينة يقول أخبرنا عمرو بن دينار عن
سعيد بن جبير عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمتلاعنين (حسابكما على الله أحدكما
كاذب لا سبيل لك عليها) قال يا رسول الله مالي قال (لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما
استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها أو منه) (أخبرنا) سفيان بن عيينة
عن أيوب عن سعيد بن جبير قال سمعت ابن عمر يقول فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوى
بنى العجلان قال هكذا بأصبعه المسبحة والوسطى فقرنهما الوسطى والتي تليها يعنى المسبحة قال (الله
يعلم إن أحدكما كاذب فهل منكما تائب) (أخبرنا) مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجلا لا عن امرأته

(1) قوله: مستها، بضم فسكون ففتح، قال في اللسان أراد به ضخم الأليتين. كتبه مصححه
135

في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق
الولد بالمرأة (قال الشافعي) ففي حكم اللعان في كتاب الله ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دلائل
واضحة ينبغي لأهل العلم ان ينتدبوا بمعرفته ثم يتحروا أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم في غيره
على أمثاله (1) فهو دون الفرض وتنقى عنهم الشبه التي عارض بها من جهل لسان العرب وبعض السنن
وغبى عن موضع الحجة منها أن عويمرا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل وجد مع امرأته
رجلا فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل. وذلك أن عويمرا لم يخبره أن هذه المسألة كانت،
وقد أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
(إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شئ لم يكن فحرم من أجل مسألته) وأخبرا ابن
عيينة عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه قال الله عز
وجل (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) إلى قوله (بها كافرين) (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: كانت المسائل فيها فيما لم ينزل إذا كان الوحي ينزل بمكروه لما ذكرت من قول الله تبارك وتعالى ثم
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره فيما في معناه وفي معناه كراهية لكم أن تسألوا عما لم يحرم فإن
حرمه الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حرم أبدا إلا أن ينسخ الله تحريمه في كتابه أو
ينسخ على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم سنة لسنة. وفيه دلائل على أن ما حرم رسول الله صلى الله
عليه وسلم حرام بإذن الله تعالى إلى يوم القيامة بما وصفت وغيره من افتراض الله تعالى طاعته في غير آية
من كتابه وما جاء عنه صلى الله عليه وسلم مما قد وصفت في غير هذا الموضع، وفيه دلالة على أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم حين وردت عليه هذه المسألة وكانت حكما وقف عن جوابها حتى أتاه من الله عز
وجل الحكم فيها فقال لعويمر (قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك) فلا عن بينهما كما أمر الله تعالى في اللعان
ثم فرق بينهما وألحق الولد بالمرأة ونفاه عن الأب وقال له (لا سبيل لك عليها) ولم يردد الصداق على
الزوج فكانت هذه أحكاما وجبت باللعان ليست باللعان بعينه فالقول فيها واحد من قولين، أحدهما
أنى سمعت ممن أرضى دينه وعقله وعلمه يقول إنه لم يقض فيها ولا غيرها إلا بأمر الله تبارك وتعالى
قال: فأمر الله إياه وجهان أحدهما وحي ينزله فيتلى على الناس والثاني رسالة تأتيه عن الله تعالى بأن
افعل كذا فيفعله ولعل من حجة من قال هذا القول أن يقول قال الله تبارك وتعالى (وأنزل الله عليك
الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم) فيذهب إلى أن الكتاب هو ما يتلى عن الله تعالى والحكمة هي
ما جاءت به الرسالة عن الله مما بيت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله عز وجل لا زواجه
(واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) ولعل من حجته أن يقول قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لأبي الزاني بامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما
بكتاب الله عز ذكره أما إن الغم والخادم رد عليك وإن امرأته ترجم إذا اعترفت) وجلد ابن الرجل
مائة وغربه عاما، ولعله يذهب إلى أنه إذا انتظر الوحي في قضية لم ينزل عليه فيها انتظره كذلك في كل
قضية وإذا كانت قضية أنزل عليه كما أنزل في حد الزاني (2) وقضاها على ما أنزل عليه وإذا ما أنزلت

(1) قوله: فهو دون، هكذا في النسخ، ولعلها محرفة، والأصل " فيؤدون " فانظر
(2) قوله: وقضاها الخ هكذا في النسخ على ما في بعضها من تحريف وزيادة ونقص وعدم نقط، ولعل الواو
قبل قضاها زائدة فانظر. كتبه مصححه
136

عليه جملة في تبين عن الله يمضى معنى ما أراد معرفة الوحي المتلو والرسالة إليه التي تكون بها سنته لما
يحدث في ذلك المعنى بعينه (وقال غيره) سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهان: أحدهما ما تبين
مما في كتاب الله المبين عن معنى ما أراد الله بحمله خاصا وعاما، والاخر ما ألهمه الله من الحكمة وإلهام
الأنبياء وحى ولعل من حجة من قال هذا القول أن يقول قال الله عز وجل فيما يحكى عن إبراهيم (إني
أرى في المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر) فقال غير واحد من أهل التفسير
رؤيا الأنبياء وحى لقول ابن إبراهيم الذي أمر بذبحه (يا أبت افعل ما تؤمر) ومعرفته أن رؤياه أمر أمر به
وقال الله تبارك وتعالى لنبيه (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) إلى قوله (في القرآن) (وقال
غيرهم) سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحى وبيان عن وحى وأمر جعله الله تعالى إليه بما ألهمه من
حكمته وخصه به من نبوته وفرض على العباد اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه (قال)
وليس تعدو السنن كلها واحدا من هذا المعاني التي وصفت باختلاف من حكيت عنه من أهل العلم وأيها
كان فقد ألزم الله تعالى خلقه وفرض عليهم اتباع رسوله فيه، وفي انتظار النبي صلى الله عليه وسلم
الوحي في المتلاعنين حتى جاءه فلا عن ثم سن الفرقة وسن نفى الولد ولم يرد الصداق على الزوج وقد
طلبه دلالة على أن سنته لا تعدو واحدا من الوجوه التي ذهب إليها أهل العلم بأنها تبين عن كتاب الله إما
برسالة من الله أو الهام له وإما بأمر جعله الله إليه لموضعه الذي وضعه من دينه وبيان الأمور منها أن الله
تعالى أمره أن يحكم على الظاهر ولا يقيم حدا بين اثنين إلا به لأن الظاهر يشبه الاعتراف من المقام عليه
الحد أو بينة ولا يستعمل على أحد في حد ولا حق وجب عليه دلالة على كذبه ولا يعطى أحدا بدلالة
على صدقه حتى تكون الدلالة من الظاهر في العام لا من الخاص فإذا كان هذا هكذا في أحكام
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من بعده من الولاة أولى أن لا يستمل دلالة ولا يقضى إلا بظاهر
أبدا فإن قال قائل ما دل على هذا؟ قلنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين (إن أحدكما
كاذب) فحكم على الصادق والكاذب حكما واحدا أن أخرجهما من الحد وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم (إن جاءت به أحيمر فلا أراه إلا قد كذب عليها وإن جاءت به أديعج فلا أراه إلا قد
صدق) فجاءت به على النعت المكروه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أمره لبين لولا ما حكم
الله) (1) فأخبر أن صدق الزوج على الملتعنة بدلالة على صدقه وكذبه بصفتين فجاءت دلالة على صدقه
فلم يستعمل عليها الدلالة وأنفذ عليها ظاهر حكم الله تعالى من ادراء الحد واعطائها الصداق مع قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أمره لبين لولا ما حكم الله) وفي مثل معنى هذا من سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم قوله (إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من
بعض فأقضى له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة
من النار) فأخبر أنه يقضى على الظاهر من كلام الخصمين وإنما يحل لهما ويحرم عليهما فيما بينهما وبين الله
على ما يعلمان، ومن مثل هذا المعنى من كتاب الله قول الله عز وجل (إذا جاءك المنافقون) إلى قوله
(الكاذبون) فحقن رسول الله صلى الله عليه وسلم دماءهم بما أظهروا من الاسلام وأقرهم على
المناكحة والموارثة وكان الله أعلم بدينهم بالسرائر فأخبره الله تعالى أنهم في النار فقال (إن المنافقين في
الدرك الأسفل من النار) وهذا يوجب على الحكام ما وصفت من ترك الدلالة الباطنة والحكم بالظاهر

(1) فأخبر ان صدق الخ، كذا في الأصل وحرر.
137

من القول أو البينة أو الاعتراف أو الحجة ودل أن عليهم أن ينتهوا إلى ما انتهى بهم إليه كما انتهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين إلى ما انتهى به إليه ولم يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في
حكم الله وأمضاه على الملاعنة بما ظهر له من صدق زوجها عليها بالاستدلال بالولد أن يحدها حد
الزانية فمن بعده من الحكام أولى أن لا يحدث في شئ لله في حكم ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم غير
ما حكما به بعينه أو ما كان في معناه وواجب على الحكام والمفتين أن لا يقولا إلا من وجه لزم من كتاب
الله أو سنة أو إجماع فإن لم يكن في واحد من هذه المنازل اجتهدوا عليه حتى يقولوا مثل معناه ولا يكون
لهم والله أعلم أن يحدثوا حكما ليس في واحد من هذا ولا في مثل معناه ولما حكم الله على الزوج يرمى
المرأة باللعان ولم يستثن إن سمى من يرميها به أو لم يسمه ورمى العجلاني امرأته برجل بعينه فالتعن ولم
يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرمى بالمرأة والتعن العجلاني استدللنا على أن الزوج إذا التعن لم
يكن للرجل الذي رماه بامرأته عليه حد ولو كان أخذه له رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث إلى
المرمى فسأله فإن أقر حد وإن أنكر حد له الزوج (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا للامام إذا رمى
رجل رجلا بزنا أوحد أن يبعث إليه ويسأله عن ذلك لأن الله عز وجل يقول (ولا تجسسوا) (قال) وإن
شبه على أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أنيسا إلى امرأة رجل فقال (إن اعترفت فارجمها)
فتلك امرأة ذكر أبو الزاني بها أنها زنت فكان يلزمه أن يسأل فإن أقرت حدت وسقط الحد عمن قذفها
وإن أنكرت حد قاذفها وكذلك لو كان قاذفها زوجها لزمه الحد إن لم تقر وسقط عنه إن أقرت ولزمها
فلا يجوز والله أعلم أن يحد رجل لامرأة ولعلها تقرب ما قال ولا يترك الامام الحد لها وقد سمع قذفها حتى
تكون تتركه فلما كان القاذف لامرأته إذا التعن لو جاء المقذوف بعينه يطلب حده لم يؤخذ له الحد في
القذف الذي يطلبه المقذوف بعينه لم يكن لمسألة المقذوف معنى إلا أن يسأل ليحد ولم يسأله رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وإنما سأل المقذوفة والله أعلم للحد الذي يقع لها إن لم تقر بالزنا، ولم يلتعن الزوج
ولو أقرت بالزنا لم يحد زوجها ولم يلتعن وجلدت أو رجمت وإن رجعت لم تحد لأن لها فيما أقرت به من
حد الله عز وجل الرجوع ولم يحد زوجها لأنها مقرة بالزنا ولما حكى سهل بن سعد شهود المتلاعنين مع
حداثته وحكاه ابن عمر استدللنا على أن اللعان لا يكون إلا بمحضر طائفة من المؤمنين لأنه لا يحضر أمرا
يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستره ولا يحصره إلا وغيره حاضر له وكذلك جميع حدود الزنا
يشهدها طائفة من المؤمنين أقلهم أربعة لأنه لا يجوز في شهادة الزنا أقل منهم وهذا يشبه قول الله عز
وجل في الزانيين (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) وقال سهل بن سعد في حديثه فطلقها ثلاثا قبل
أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن أبي ذئب وابن جريج في حديث سهل وكانت سنة
المتلاعنين وقال ابن شهاب في حديث مالك وإبراهيم بن سعد فكانت سنة المتلاعنين فاحتمل معنيين
أحدهما أنه إن كان طلقها قبل الحكم فكان ذلك إليه لم يكن اللعان فرقة حتى يجددها الزوج ولم يجبر
الزوج عليها، وقد روى عن سعيد بن المسيب مثل معنى هذا القول ولو كان هذا هكذا كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يعيب على المطلق ثلاثا أن يطلقها لأنه لو لم يكن له أن يطلقها إلا واحدة قال لا
تفعل مثل هذا والله أعلم فسئل وإذ لم ينهه النبي صلى الله عليه وسلم عن الطلاق ثلاثا بين يديه فلو كان
طلاقه إياها كصمته عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان اللعان فرقة فجهله المطلق ثلاثا أشبه والله أعلم
أن يعلمه أنه ليس له أن يطلق ثلاثا في الموضع الذي ليس له فيه الطلاق ويحتمل طلاقه ثلاثا أن يكون
بما وجد في نفسه بعلمه بصدقه وكذبها وجراءتها على اليمين طلقها ثلاثا جاهلا بأن اللعان فرقة فكان
138

كمن طلق من طلق عليه بغير طلاقه وكمن شرط العهدة في البيع والضمان والسلف وهو يلزمه شرط أو لم
يشرط فإن قال قائل ما دل على أن هذا المعنى أولى المعاني به؟ قيل قال سهل بن سعد وابن شهاب
ففارقها حاملا فكانت تلك سنة المتلاعنين فمعنى قولهما الفرقة لا أن سنة المتلاعنين أنه لا تقع فرقة إلا
بطلاقه ولو كان ذلك كذلك لم يكن عليه أن يطلق وزاد ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فرق
بين المتلاعنين وتفريق النبي صلى الله عليه وسلم غير فرقة الزوج إنما هو تفريق حكم، فإن قال قائل
هذان حديثان مختلفان فليسا عندي مختلفين وقد يكون ابن عمر شهد متلاعنين غير المتلاعنين اللذين
شهدهما سهل وأخبر عما شهد وأخبر سهل عما شهد فيكون اللعان إذا كان فرقة بطلاق الزوج وسكوته
سواء أو يكون ابن عمر شهد المتلاعنين اللذين شهد سهل فسمع النبي صلى الله عليه وسلم حكم أن
اللعان فرقة فحكى أنه فرق بين المتلاعنين سمع الزوج طلق أو لم يسمعه وذهب على سهل حفظه أو لم
يذكره في حديثه وليس هذا اختلافا هذا حكاية لمعنى بلفظين مختلفين أو مجتمعي المعنى مختلفي للفظ
أو حفظ بعض ما لم يحفظ من حضر معه ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين (حسابكما
على الله أحدكما كاذب) دل على ما وصفت في أول المسألة من أنه يحكم على ما ظهر له الله ولى ما
غاب عنه ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا سبيل لك عليها) استدللنا على أن المتلاعنين لا
يتناكحان أبدا إذا لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تكذب نفسك أو تفعل كذا أو يكون كذا
كما قال الله تبارك وتعالى في المطلق الثالثة (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن
طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا) واستدللنا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفى الولد وقد قال عليه
الصلاة والسلام (الولد للفراش) ولا يجوز أن ينفى الولد والفراش ثابت فإن قال قائل فيزول الفراش
عند النفي ويرجع إذا أقر به قيل له لما سأل زوج المرأة الصداق الذي أعطاها قال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم (إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد
لك منها أو منه) دل ذلك على أن ليس له الرجوع بالصداق الذي قد لزمه بالعقد والمسيس مع العقد
وكانت الفرقة من قبله جاءت فإن قال قائل على أن الفرقة جاءت من قبله وقد رماها بالزنا قيل له قد
كان يحل له المقام معها وإن زنت وقد يمكن أن يكون كذب عليها فالفرقة به كانت لأنه لم يحكم عليه
بها إلا بقذفه والتعانه وإن كانت هي لها سببا كما يكون سببا للخلع فيكون من قبله من قبل أنه لو شاء لم
يقبل الخلع والملاعن ليس بمغرور من نكاح فاسد ولا بحرام وما أشبهه يرجع بالمهر على من غره وما قال
ابن جريج في حديث سهل الذي حكى فيه حكم النبي صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين أنها كانت
حاملا فأنكر حملها فكان ولدها ينسب إلى أمه دل ذلك على معان منها قد شبه على بعض من نسب
إلى العلم فيها أنه رماها بالزنا ورميه إياها بالزنا يوجب عليه الحد أو اللعان ومنها أنه أنكر حملها فلا عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما بالرمي بالزنا وجعل الحمل إن كان منفيا عنه إذ زعم أنه من الزنا
وقال إن جاءت به كذا فهو للذي يتهمه فجاءت به على ذلك النعت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
فلو أن رجلا قال لامرأته وهي ترى أنها حبلى ما هذا الحمل منى قيل له أردت أنها زنت؟ فإن قال لا
وليست بزانية ولكني لم أصبها قيل له فقد يحتمل أن يخطئ هذا الحبل فتكون صادقا وتكون غير زانية
فلا حد ولا لعان حتى تضع فإذا استيقنا أنه حبل قلنا ما أردت، فإن قال كما قال أول مرة قلنا قد
يحتمل أن تأخذ نطفتك فتدخلها فتحبل منك فتكون أنت صادقا في الظاهر بأنك لم تصبها وهي
139

صادقة بأنه ولدك فإن قذفت لاعنت ونفيت الولد أو حددت ولا يلاعن بحمل لا قذف معه (1) لأنه قد
يكون حملا وقد ذهب بعض من نظر في العلم إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لا عن بالحمل وإنما
لاعن بالقذف ونفى الولد إذا كان من الحمل الذي به القذف ولما نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم
الولد عن العجلاني بعدما وضعته أمه وبعد تفريقه بين المتلاعنين استدللنا هذا الحكم وحكم أن الولد
للفراش على أن الولد لا ينفى إلا بلعان وعلى أنه كان للزوج نفيه وامرأته عنده وإذا لاعنها كان له نفى
ولدها وإن جاءت به بعد ما يطلقها ثلاثا لأنه بسبب النكاح المتقدم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نفاه يوم نفاه وليست له بزوجة ولكنه من زوجة كانت وبإنكار متقدم له (قال) وسواء قال رأيت فلانا
يزنى بها أو لم يسمه فإذا قذفها بالزنا وادعى الرؤية للزنا أو لم يدعها أو قال استبرائها قبل أن تحمل حتى
علمت أن الحمل ليس منى أو لم يقله يلاعنها في هذه الحالات كلها وينفى عنه الولد إذا أنكره فيها
كلها إلا في خصلة واحدة، وهي في أن يذكر أنها زنت في وقت من الأوقات لم يرها تزني قبله ببلد
لأقل من ستة أشهر من ذلك الوقت فيعلم أنه ابنه وأنه لم يدع زنا يمكن أن يكون هذا الحبل منه إنما
ينفى عنه إذا ادعى ما يمكن أن يكون من غيره بوجه من الوجوه أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج
أنه قال لعطاء: الرجل يقذف امرأته وهو يقر بأنه قد أصابها في الطهر الذي رأى عليها فيه ما رأى أو
قبل ان يرى عليها ما رأى أي قال يلاعنها ولولد لها (قال ابن جريج) قلت لعطاء أرأيت إن نفاه بعد
أن تضعه؟ قال يلاعنها والولد لها (قال الشافعي) رحمه الله وبهذا كله نقول وهو معنى الكتاب والسنة
إلا أن يقر بحملها فلا يكون له نفيه بعد الاقرار به أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء
الرجل يقذف امرأته قبل أن تهدى إليه قال يلاعنها والولد لها (قال) أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن
عمر وابن دينار أنه قال يلاعنها والولد لها إذا قذفها قبل أن تهدى إليه أخبرنا سعيد عن ابن جريج في
الرجل يقول لا مرأته يا زانية وهو يقول لم أر ذلك عليها قال يلاعنها وبهذا كله نأخذ وقد ذهب
بعض من ينسب إلى العلم إلى أنه ينفى الولد إذا قال قد استبرأتها فكأنه إنما ذهب إلى نفى الولد عن
العجلاني إذ قال لم أقربها منذ كذا وكذا ولسنا نقول بهذا نحن ننفي الولد عنه بكل حال إذا أنكره فيما
يمكن أن يكون من غيره فإن قال قائل آخذ بالحديث على ما جاء قيل له فالحديث على أن العجلاني
سمى الذي رأى بعينه يزني بها وذكر أنه لم يصب هو امرأته منذ أشهر صلى الله عليه وسلم العلامة التي
تثبت صدق الزوج في الولد أفرأيت إن قذف الرجل امرأته ولم يسم من أصابها ولم يدع رؤيته؟ فإن
قال يلاعنها قيل له أفرأيت إن أنكر الحمل ولم ير الحاكم فيه علامة بصدق الزوج أينفيه؟ فإن قال نعم
قيل فقد لا عنت قبل ادعاء رؤيته وإنما لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بادعاء رؤية الزوج ونفيت
بغير دلالة على صدق الزوج وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم صدق الزوج في شبه الولد. فإن قال:
فما حجتنا وحجتك في هذا؟ قلت مثل حجتنا إذا فارق الرجل امرأته قلنا قبل أن يأمره رسول الله صلى
الله عليه وسلم وكانت سنة المتلاعنين الفرقة ولم يقل حين فرق إنها ثلاث. فإن قال وما الدليل على ما
وصفت من أن ينفى الولد وإن لم يدع الزوج الاستبراء ويلاعن وإن لم يدع الزوج الرؤية؟ قيل مثل
الدليل على كيف لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يحك عنه فعلمنا أنه لم يعد ما أمره الله به.
فإن قال قائل: فأوجدنا ما وصفت قلت قال الله تبارك وتعالى في الذين يرمون المحصنات (ثم لم يأتوا

(1) قوله: لأنه يكون هكذا في الأصل ولعل وجه الكلام " لأنه قد لا يكون " باثبات النافي. كتبه مصححه.
140

بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) فكانت الآية عامة على رامي المحصنة فكان سواء قال الرامي لها
رأيتها تزني أو رماها ولم يقل رأيتها تزني فإنه يلزمه اسم الرامي قال الله تبارك وتعالى (والذين يرمون
أزواجهم) إلى (فشهادة أحدهم) الآية فكان الزوج راميا قال رأيت أو علمت بغير رؤية فما قبل منه ما
لم يقل فيه ممن القذف رأيت يلاعن به بأنه داخل في جملة القذفة غير خارج منهم إذا كان إنما قبل في
هذا قوله وهو غير شاهد لنفسه قبل قوله إن هذا الحمل ليس منى وإن لم يذكر استبراء قبل القذف
لاختلاف بين ذلك (قال) وقد يكون استبرأها وقد علقت من الوطئ قبل الاستبراء ألا ترى أنه لو قال
وقالت قد استبرأني تسعة أشهر حضت فيها تسع حيض ثم جاءت بعد بولد لزمه وإن الولد يلزمه
بالفراش وأن الاستبراء لا معنى له ما كان الفارش قائما فلما أمكن أن يكون الاستبراء قد كان وحمل قد
تقدمه فأمكن أن يكون قد أصابها والحمل من غيره وأمكن أن يكون كاذبا في جميع دعواه للزنا ونفى
الولد وقد أخرجه الله من الحد باللعان ونفى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه الولد استدللنا على أن
هذا كله إنما هو بقوله ولما كنا إذا أكذب نفسه حددناه وألحقنا به الولد استدللنا على أن نفى الولد بقوله
ولو كان نفى الولد لا يكون إلا بالاستبراء فمضى الحكم بنفيه لم يكن له أن يلحقه نفسه لأنه لم يكن
بقوله فقط دون الاستبراء والاستبراء غير قوله فلما قال الله تبارك وتعالى بعدما وصف من لعان الزوج
(ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله) الآية استدللنا على أن الله عز وجل أوجب عليها
العذاب والعذاب الحد لا تحتمل الآية معنى غيره والله أعلم. فقلنا له حاله قبل التعانه مثل حاله بعد
التعانه لأنه كان محدودا بقذفه إن لم يخرج منه باللعان فكذلك أنت محدودة بقذفه والتعانه بحكم الله
أنك تدرئين الحد به فإن لم تلتعني حددت حدك كان حدك رجما أو جلدا لاختلاف في ذلك بينك
وبينه (قال) ولا يلاعن ولا يحد إلا بقذف مصرح ولو قال لم أجدك عذراء من جماع وكانت العذرة
تذهب من غير جماع ومن جماع فإذا قال هذا وقف فإن أراد الزنا حد أو لاعن وإن لم يرد حلف ولا حد
ولا لعان (أخبرنا) سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء في الرجل يقول لامرأته لم أجدك عذراء ولا
أقول ذلك من زنا فلا يحد (قال الشافعي) رحمه الله: وإن قذفها ولم يكمل اللعان حتى رجع حد وهي
امرأته أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت الذي يقذف امرأته ثم ينزع عن الذي
قال قبل ان يلاعنها؟ قال هي امرأته ويحد (قال الشافعي) رحمه الله وإن طلق امرأته طلاقا لا يملك
الرجعة أو خالعها ثم قذفها بغير ولد حد إلا لعان لأنها ليست زوجة وهي أجنبية إذا لم يكن ولد ينفيه
عنه أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال إذا خالع الرجل امرأته ثم قذفها حد وإن
كان ولد ينفيه لاعنها بنفي الولد من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفى الولد بعد الفرقة لأنه كان
قبلها فإن قذفها فمات قبل أن يلاعنها ورثته لأنهما على النكاح حتى يلتعن هو وإن قذفها بعد طلاق
يملك الرجعة في العدة لاعنها وإن انقضت العدة فهي مثل المبتوتة التي لا رجعة له عليها ومن أقر بولد
امرأته لم يكن له نفيه وإن قذفها بعدما يقر أنه منه جلد الحد وهو ولده وإن قال هذا الحمل منى وقد
زنت قبله أو بعده فهو منه ويلاعنها لأنها قد تزني قبل الحمل منه وبعده وليس له نفي ولده بعد إقراره به
مرة فأكثر بأن لا يراه يشبهه وغير ذلك من الدلالات إذا أقر بأنه ولد على فراشه فليس له إنكاره بحال
أبدا إلا أن ينكره قبل إقراره أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ان
رجلا من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم (هل لك من إبل؟) قال نعم: قال (وما ألوانها؟) قال حمر قال (هل فيها من
141

أورق؟) قال نعم: قال (أنى ترى ذلك؟) قال عرقا نزعه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (ولعل
هذا عرق نزعه) أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن أعرابيا من بنى فزارة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم (هل لك من إبل؟) قال نعم: قال (فما ألوانها؟) قال حمر: قال (هل فيها
أورق؟) قال إن فيها لورقا قال (فأنى أتاها ذلك؟) قال لعله نزعه عرق قال النبي صلى الله عليه وسلم
(وهذا لعله نزعه عرق) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وبهذا نأخذ وفي الحديث دلالة ظاهرة على
أنه ذكر ان امرأته ولدت غلاما أسود وهو لا يذكره إلا منكرا له وجواب النبي صلى الله عليه وسلم له
وضربه له المثل بالإبل بدل على ما وصفت من إنكاره وتهمته المرأة فلما كان قول الفزاري تهمة الأغلب
منها عند من سمعها أنه أراد قذفها أن جاءت بولد أسود فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فلم يره قذفا
يحكم عليه فيه باللعان أو الحد إذا كان لقوله وجه يحتمل أن لا يكون أراد به القذف من التعجب
والمسألة عن ذلك لا قذف امرأته استدللنا على أنه لا حد في التعريض وإن غلب على السامع ان
المعرض أراد القذف إن كان له وجه يحتمله ولا حد إلا في القذف الصريح وقد قال الله تبارك وتعالى في
الممتدة (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) إلى (ولكن لا تواعدوهن سرا) فأحل
التعريض بالخطبة وفى إحلاله إياها تحريم وقد قال الله تبارك وتعالى في الآية (لا تواعدوهن سرا)
والسر الجماع واجتماعهما على العدة بتصريح العقدة بعد انقضاء العدة وهو تصريح باسم نهى عنه وهذا
قول الأكثر من أهل مكة وغيرهم من أهل البلدان في التعريض وأهل المدينة فيه مختلفون فمنهم من قال
بقولنا ومنهم من حد في التعريض، وهذه الدلالة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الفزاري
موضوعة بالآثار فيها والحجج في كتاب الحدود وهو أملك بها من هذا الموضع وإن كان الفزاري أقر
بحلم امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو الدليل على ما قلنا بأنه ليس له أن ينفيه بعد إقراره
(وقال) السر الجماع قال امرؤ القيس:
ألا زعمت بسباسة القوم انني * كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي
كذبت لقد أصبى على المرء عرسه * وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي
وقال جرير يرثى امرأته:
كانت إذا هجر الخليل فراشها * خزن الحديث وعفت الاسرار
الخلاف في اللعان
(قال الشافعي) رحمه الله: خالفنا بعض الناس في جملة اللعان وفي بعض فروعه فحكيت ما في
جملته لأنه موجود في الكتاب والسنة وتركت ما في فروعه لأن فروعه في كتاب اللعان وهو موضوع فيه
وإنما كتبنا في كتابنا (إذا نكحتم المؤمنان ثم طلقتموهن) كما قلنا في قول الله عز وجل وأن حكم
الكتاب والسنة فيه فقال بعض من خالفنا لا يلاعن بين الزوجين أبدا حتى يكونا حرين مسلمين ليسا
بمحدودين في قذف ولا واحد منهما فقلت له ذكر الله عز وجل اللعان بين الأزواج لم يخص واحدا منهم
دون غيره، وما كان عاما في كتاب الله تبارك وتعالى فلا نختلف نحن ولا أنت أنه على العموم كما قلنا في
قول الله عز وجل (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم)
142

فزعمنا نحن وأنتم أنها على الأزواج عامة كانوا مماليك أو أحرارا عندهم مملوكة أو حرة أو ذمية فكيف
زعمتم أن اللعان على بعض الأزواج دون بعض؟ قالوا روينا في ذلك حديثا فاتبعناه، قلنا: وما
الحديث؟ قالوا روى عمر وبن شعيب عن عبد الله بن عمر وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أربع
لا لعان بينهن وبين أزواجهن اليهودية والنصرانية تحت المسلم والحرة تحت العبد والأمة عند الحر
والنصرانية عند النصراني) قلنا له رويتم هذا عن رجل مجهول ورجل غلط وعمر وبن شعيب عن عبد الله
ابن عمرو منقطع واللذان روياه يقول أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم والآخر يقفه على عبد الله بن
عمرو موقوفا مجهولا فهو لا يثبت عمرو بن شعيب ولا عبد الله بن عمرو ولا يبلغ به النبي صلى الله
عليه وسلم إلا رجل غلط وفيه أن عمرو بن شعيب قد روى لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أحكاما
توافق أقاويلنا وتخالف أقاويلكم يرويها عنه الثقات فنسندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرددتموها علينا
ورددتم روايته ونسبتموه إلى الغلط فأنتم محجوجون إن كان ممن ثبت حديثه بأحاديثه التي بها وافقناها
وخالفتموها في نحو من ثلاثين حكما عن النبي صلى الله عليه وسلم خالفتم أكثرها فأنتم غير منصفين إن
احتججتم برواية وهو ممن لا نثبت روايته ثم احتججتم منها بما لو كان ثابتا عنه وهو ممن يثبت حديثه لم
يثبت لأنه منقطع بينه وبين عبد الله بن عمرو وقلت لهم لو كان كما أردتم كنتم محجوجين به قال وكيف؟
قلت أليس ذكر الله عز وجل الأزواج والزوجات في اللعان عاما؟ قال بلى قلت ثم زعمت أن حديثا
جاء أخرج من الجملة العامة أزواجا وزوجات مسمين؟ قال نعم قلت أو كان ينبغي أن يخرج من
جملة القرآن زوجا أو زوجة بالحديث إلا من أخرج الحديث خاصة كما ذكر الله عز وجل الوضوء فمسح
النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين فلم يخرج من الوضوء إلا الخفين خاصة ولم يجعل غيرهما من
القفازين والبرقع والعامة قياسا عليهما؟ قال هكذا هو قلت فكيف قلت في حديثك أليس اليهودية
والنصرانية عند المسلم والنصرانية عند النصراني والحرة تحت العبد والأمة تحت الحر لا يلاعنون؟ قال هو
هكذا قلت فكان ينبغي أن تقولا لا لعان بين هؤلاء وما كان من زوج سواهن لا عن قال وما بقي
بعدهن؟ قلت الحرة تحت الحر المحدودين أو أحدهما في القذف والأمة تحت الحر أليس قد زعمت أن
هذين لا يلاعنان؟ قال فإني قد أخذت طرح اللعان عمن طرحته عنه من معنيين أحدهما الكتاب
والآخر السنة قلت أو عندك في السنة شئ غير ما ذكرت وذكرنا من الحديث الذي رويت عن عمرو
بن شعيب؟ قال لا قلت فقد طرح اللعان عمن نطق القرآن به وحديث عمر وإن كان ثابتا أنه لا
يلاعن لأنه إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما قلت ففي قوله (أربع لا لعان بينهن) ما دل
على أن من سواهن من الأزواج يلاعن والقرآن يدل على أن الأزواج يلاعنون لا يخص زوجا دون زوج
قال فمن أخرجت من الأزواج من اللعان بغير حديث عمرو بن شعيب فإنما أخرجته استدلالا بالقرآن
قلت وأين ما استدللت به من القرآن؟ قال قال الله عز وجل (ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة
أحدهم) فلم يجز أن يلاعن من لا شهادة له لأن شرط الله عز وجل في الشهود العدول وكذلك لم يجز
المسلمون في الشهادة إلا العدول فقلت له قولك هذا خطأ عند أهل العلم وعلى لسانك وجهل بلسان
العرب قال فما دل على ما قلت؟ قلت الشهادة ههنا يمين قال وما دلك على ذلك؟ قلت أرأيت العدل
أيشهد لنفسه؟ قال لا قلت ولو شهد أليس شهادته مرة في أمر واحد كشهادته أربعا؟ قال بلى قلت ولو
شهد لم يكن عليه أن يلتعن؟ قال بلى قلت ولو كانت شهادته في اللعان واللعان شهادة حتى تكون كل
شهادة له تقوم مقام شاهد ألم يكف الأربع دون الخامسة وتحد امرأته؟ قال بلى قلت ولو كان شهادة
143

أيجيز المسلمون في الحدود شهادة النساء؟ قال لا قلت ولو أجازوا شهادتهن انبغى أن تشهد المرأة ثمان
مرات وتلتعن مرتين؟ قال بلى قلت افتراها في معاني الشهادات؟ قال لا ولكن الله عز وجل لما سماها
شهادة رأيتها شهادة قلت هي شهادة يمين يدفع بها كل واحد من الزوجين عن نفسه ويجب بها أحكام
لا في معاني الشهادات التي لا يجوز فيها إلا العدول ولا يجوز في الحدود منها النساء ولا يجوز أن يكون
فيها المرء شاهدا لنفسه قال ما هي من الشهادة التي يؤخذ بها لبعض الناس من بعض فإن تمسكت بأنها
اسم شهادة ولا يجوز فيها إلا العدول قال قلت يدخل عليك ما وصفت وأكثر منه ثم يدخل عليك
تناقض قولك قال فأوجدني تناقضه قلت كله متناقض قال فأوجدني قلت إن سلكت بمن يلاعن من
تجوز شهادته دون من لا تجوز شهادته فقد لا عنت بين من لا تجوز شهادته وأبطلت اللعان بين من تجوز
شهادته قال وأين؟ قلت لا عنت بين الأعميين النخعين (1) غير العدلين وفيهما علل مجموعة منها أنهما لا
يريان الزنا فإنهما غير عدلين ولو كانا عدلين كانا ممن لا تجوز شهادته عندك أبدا وبين الفساق والمجان
والسراق والقتلة وقطاع الطريق وأهل المعاصي ما لم يكونوا محدودين في قذف قال إنما منعت المحدود في
القذف من اللعان لأن شهادته لا تجوز أبدا قلت وقولك لا تجوز أبدا خطأ ولو كانت كما قلت وكنت لا
تلاعن بين من لا تجوز شهادته أبدا لكنت قد تركت قولك لأن الأعميين النخعين لا تجوز شهادتهما
عندك أبدا وقد لا عنت بينهما فقال من حضره أما هذا فيلزمه وإلا ترك أصل قوله فيها وغيره قال أما
الفساق الذين لا تجوز شهادتهم فهم إذا تابوا قبلت شهادتهم قلت أرأيت الحال الذي لا عنت بينهم فيها
أهم ممن تجوز شهادتهم في تلك الحال؟ قال لا ولكنهما إن تابا قبلت شهادتهما قلت والعبد إن عتق
قبلت شهادته من يومه إذا كان معروفا بالعدل والفاسق لا تقبل إلا بعد الاختبار فكيف لا عنت بين
الذي هو أبعد من أن تقبل شهادته إذا انتقلت حاله وامتنعت من أن تلاعن من هو أقرب من أن تجوز
شهادته إذا انتقلت حاله؟ قال فإن قلت إن حال العبد تنتقل بغيره وحال الفاسق تنتقل بنفسه؟ قلت
له أو لست تسوى بينهما إذا صار إلى الحرية والعدل؟ قال بلى قلت فكيف تفرق بينهما في أمر تساوى
بينهما فيه؟ وقلت له ويدخل عليك ما أدخلت على نفسك في النصراني يسلم لأنه تنقل حاله بنقل
نفسه فينبغي أن تجيز شهادته لأنه إذا أسلم قبلت قال ما أفعل وكذلك المكاتب عبده ما يؤدى إن أدى
عتق أفرأيت إن قذف قبل الأداء؟ قال لا يلاعن قلت وأنت لو كنت إنما تلاعن بين من تجوز شهادته
لا عنت بين الذميين لأنها ممن تجوز شهادتهما عندك قال وإنما تركت اللعان بينهما للحديث قلت فلو كان
الحديث ثابتا أما يدلك على أنك أخطأت إذا قبلت شهادة النصارى إذ قلت لا يلاعن إلا بين من تجوز
شهادته؟ فقال بعض من حضره فأنا أكلمك على معنى غير هذا قلت فقل قال فإني إنما ألا عن بين
الزوجين إذا كانت الزوجة المقذوفة ممن يحد لها حين قذفها من قبل أنى وجدت الله عز وجل حكم في
قذف المحصنات بالحد ودرأ عن الزوج بالتعانه فإذا كانت المقذوفة ممن لا حد لها التعن الزوج وخرج من
الحد وإلا فلا قلت فما تقول في عبد تحته حرة مسلمة فقذفها؟ قال يحد قلت فإن كان الزوج حرا
فقذفها؟ قال يلاعن قلت له فقد تركت أصل قولك قال بعض من حضره أما في هذا فنعم ولكنه لا
يقول به قلت فلم يزعم أنه يقول به قلت لبعض من حكيت قوله: لا أراك لا عنت بين الزوجين على
الحرية لأنك لو لاعنت على الحرية لا عنت بين الذميين ولا على الحرية والاسلام لأنك لو فعلت لا عنت

(1) قوله النخعين، كذا في النسخ من غير نقط فيه وفي نظيره الآتي، وانظر وحرر كتبه مصححه
144

بين المحدودين الحرين المسلمين ولا أراك لا عنت بينهما على العدل لأنك لو لاعنت بينهما على العدل لم
تلاعن بين الفاسقين ولا أراك لا عنت بينهما على ما وصف صاحبك من أن المقذوفة إذا كانت حرة
مسلمة فعلى قاذفها الحد وأنت لا تلاعن بينها وبين زوجها الحر المحدود في القذف ولا زوجها العبد وما
لاعنت بينهما بعموم الآية ولا بالحديث مع الآية ولا منفردا ولا قلت فيها قولا مستقيما على أصل ما
أدعيت ثابتا كان أو غير ثابت قال فلم لا تأخذ أنت بحديث عمرو بن شعيب؟ قلت له لا نعرفه عن
عمرو إنما رواه عنه رجل لا يثبت حديثه ولو كان من حديثه منقطعا عن عبد الله بن عمرو ونحن لا
نقبل الحديث المنقطع عمن هو أحفظ من عمرو إذا كان منقطعا وقلنا بظاهر الآية وعمومها لم يفرق بين
زوج فيها ولا زوجة إذ ذكرها الله عز وجل عامة فقال لي كيف؟ قلت إذا التعن، الزوج فأبت المرأة
ان تلتعن حدت حدها رجما كان أو جلدا فقلت له بحكم الله عز وجل، قال فاذكره، قلت قول الله
تبارك وتعالى، من بعد ذكره التعان الزوج (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله) الآية،
فكان بينا غير مشكل، والله أعلم في الآية أنها تدرأ عن نفسها بما لزمها إن لم تلتعن بالالتعان قال:
فهل توضح هذا بغيره؟ قلت ما فيه إشكال ينبغي لمن قرأ كتاب الله عز وجل وعرف من أحكامه
ولسان العرب أن يبتغى معه غيره قال: فإن كنت تعلم معنى توضحه غيره فقله قلت أرأيت الزوج إذا
قذف امرأته ما عليه؟ قال عليه الحد إلا أن يخرج منها بالالتعان قلت أو ليس قد يحكم في القذفة
بالحد إلا أن يأتوا بأربعة شهداء؟ قال بلى قلت وقال، في الزوج (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم
شهداء إلا أنفسهم) الآية قال نعم قلت أفتجد في التنزيل سقوط الحد عنه؟ قال أما نصا فلا وأما
استدلالا فنعم لأنه إذا ذكر غير الزوج يخرج من الحد بأربعة شهداء؟ ثم قال في الزوج يشهد أربعا
استدلالا على أنه إنما يوجب عليه الشهادة ليخرج بها من الحد فإذا لم يشهد لم يخرج من معنى
القذفة (1) أرأيت لو قال قائل إنما شهادته للفرقة ونفى الولد دون الحد فإذا خالف الله بين الزوج في
القذف وغيره ولم أحد الزوج في القذف لأن الآية تحتمل ما قلت ولا أجد فيها دلالة على حده. قال
ليس ذلك له وكل شئ إلا وهو يحتمل قلت: وأظهر معانيه أن يفرق بينه وبين القاذف غيره إذا شهد
وقلت ويجمع بينه وبين القاذف غيره إذا لم يشهد؟ قال: نعم قلت وتعلم أن شهادة الزوج وإن لم يذكر
في القرآن أنها تسقط الحد لا تكون إلا لمعنى أن يخرج بها من الحد وكذلك كل من أحلفته ليخرج عن
شئ؟ قال نعم، قلت أفتجد الشهادة للزوج إذا كانت أخرجته وأوجبت على المرأة اللعان وفيها هذه
العلل التي وصفت؟ قال نعم قلت فشهادة المرأة أخرجتها من الحد، قال هي تخرجها من الحد، قلت
ولا معنى لها في الشهادة إلا الخروج من الحد؟ قال نعم قلت فإذا كانت تخرجها من الحد كيف لم تكن
محدودة إن لم تشهد فتخرج بالشهادة منه كما قلت في الزوج إذا لم يشهد حد وكيف اختلف حالاهما
عندك فيها فقلت في الزوج ما وصفت من أنه محدود إن لم يشهد وفي المرأة ليست بمحدودة والآية
تحتمل في الزوج معاني غير الحد وليس في التنزيل أن الزوج يدرأ بالشهادة حدا. وفي التنزيل ان المرأة
تدرأ بالشهادة العذاب وهو الحد عندنا وعندك. فليس في شهادة المرأة معنى غير درء الحد لأن الحد
عليها في الكتاب والمعقول والقياس أثبت فتركها الشهادة كالاقرار منها بما قال الزوج فما علمتك إلا
فرقت بين حد المرأة والرجل فأسقط حد المرأة وهو أبينهما في الكتاب وأثبت حد الرجل وقلت له

(1) لعله سقط من الناسخ لفظ " قلت " قبل " أرأيت " لأن المقام يقتضيها. كتبه مصححه
145

أرأيت لو قالت لك المرأة المقذوفة إن كانت شهادته على بالزنا شهادة تلزمني فحدني وإن كانت لا
تلزمني فلا تحلفني وحده لي. وكذلك تصنع في أربعة لو شهدوا على وكانوا عدولا حددتني وإن لم يثبتوا
الشهادة حددتهم أو عبيدا أو مشركين حددتهم قال أقول حكمك وحكم الزوج خارج من حكم
الشهود عليك غير الزوج، قلت فقالت لك فإن كانت شهادة لا توجب على حدا فامتنعت من أن
أشهد لم حبستني وأنت لا تحبس إلا بحق؟ قال أقول حبستك لتحلفي قالت وليميني معنى؟ قال نعم
تخرجين بها من الحد؟ قالت فإن لم أفعل فالحبس هو الحد؟ قال ليس به قلت فقالت فلم تحبسني لغير
المعنى الذي يجب على من الحد؟ قال للحد حبستك قالت فتقيمه على فأقمه قال لا قلت فإن قالت
فالحبس ظلم لا أنت أخذت منى حدا ولا منعت عن حبسا فمن أين وجدت على الحبس أتجده في
كتاب أو سنة أو أمر أجمع عليه أهل العلم أو قياس؟ قال أما كتاب أو سنة أو إجماع فلا وأما قياس فنعم
قلت أوجدنا القياس قال إني أقول في الرجل يدعى عليه الدم يحلف ويبرأ فإن لم يفعل لم أقتله وحبسته
(قال الشافعي) رحمه الله فقلت له أو يقبل منك القياس على غير كتاب ولا سنة ولا أمر مجمع عليه ولا
أثر؟ قال لا قلت فمن قال لك من ادعى عليه دم حبس حتى يحلف فيبرء أم يقر فيقتل؟ قال
استحسنه، قلت له أفعلى الناس أن يقبلوا منك ما استحسنت إن خالفت القياس؟ فإن كان ذلك
عليهم قبلوا من غيرك مثل ما قبلوا منك لأن أجهل الناس لو اعترض فسئل عن شئ فخرص فيه فقال
لم يعد قوله أن يكون خيرا لازما من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس على واحد من هذا أو خارجا منه
فيكون استحسنه كما استحسنته أنت قال ما ذلك لاحد قلت فقد قلته في هذا الموضع وغيره وخالفت
فيه الكتاب وقياس قولك قال وأين خالفت قياس قولي؟ قلت ما تقول فيمن ادعى على رجل درهما
فأكثر إلى أي غاية شاء من الدعوى أو غصب دارا أو عبدا أو غيره؟ قال يحلف فإن حلف برئ وإن
نكل لزمه ما نكل عنه وكذلك لو ادعى عليه جرحا في موضحة عمدا فصاعدا من الحراج دون النفس
إن حلف برئ وإن نكل اقتص منه قال نعم قلت فكل من جعلت عليه اليمين فيما دون النفس إن حلف
برئ وإن نكل قام النكول في الحكم مقام الاقرار فأعطيت به القود والمال؟ قال نعم، قلت ولم لم
يكن هذا في النفس هكذا؟ قال لي استعظاما للنفس قلت فأنت تقطع اليدين والرجلين وتفقأ العينين
وتشق الرأس قصاصا وهذا يكون منه التلف بالنكول وتزعم أنه بقوم مقام الاقرار فلا تأخذ به النفس
قال أما في القياس فيلزمنا أن نأخذ به النفس وقد تفرق فيه صاحباي فقال أحدهما أحبسه كما قلت وقال
الآخر لا أحبسه وآخذ منه دية وحبسه ظلم قلت وأخذ الدية منه في أصل قول صاحبك ظلم لأن الدية
عنده لا تؤخذ في العمد إلا بصلح وهذا لم يصالح فإن كان صاحباك أخطأ في دعوى القتل فأقررت
عليهما معا بترك القياس فتقيس على أصل خطأ ثم تقيس عليه ما لا يشبهه ما قد حكم الله عز وجل فيه
نصا يدرأ به العذاب والدرء لا يكون إلا لما قد وجب. وإن قلت العذاب السجن فذاك أخطأ لك أما
السجن حد هو؟ فإن كان حدا فكم تحبسها؟ أمائة يوم أو إلى أن تموت إن كانت ثيبا؟ قال ما السجن
بحد وما السجن إلا لتبيين الحد قلت وقد قال الله تبارك وتعالى في الزانيين (وليشهد عذابهما طائفة من
المؤمنين) أفتراه عنى بعذابهما الحد أو الحبس؟ قال بل الحد وليس السجن بحد والعذاب في الزنا الحدود
ولكن السجن قد يلزمه اسم عذاب (1) قلت والسفر اسم عذاب والدهق والتعليق وغيره مما يعذب به

(1) الدهق بالتحريك ضرب من العذاب. كذا في اللسان.
146

الناس عذاب فإن قال لك قائل أعذبها إن لم تحلف ببعض هذا؟ قال ليس له وإنما العذاب الحد،
قلت أجل وأجدك تروحت إلى مالا حجة فيه ولو كانت لك بهذه حجة كانت عليه لغيرك بمثلها وأبين
فيها.
الخلاف في الطلاق ثلاث
أخبرنا الشافعي عن مالك بن أنس عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام فبعث إليها
وكيله بشعير فسخطته فقال والله مالك علينا من شئ فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك
له فقال (ليس لك عليه نفقة) (قال الشافعي) رحمه الله: وابن عمر رضي الله عنهما طلق امرأته البتة
وعلم ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأسقط نفقتها لأنه لا رجعة له عليها والبتة التي لا رجعة له عليها
ثلاث ولم يعب النبي صلى الله عليه وسلم طلاق الثلاث وحكم فيما سواها من الطلاق بالنفقة والسكنى
فإن قال قائل ما دل على أن البتة ثلاث؟ فهي لو لم يكن سمى ابن عمر رضي الله عنهما ثلاثا البتة أو
نوى بالبتة ثلاثا كانت واحدة يملك الرجعة وعليه نفقتها، ومن زعم أن البتة ثلاث بلا نية المطلق ولا
تسمية ثلاث قال إن النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يعب الطلاق الذي هو ثلاث دليل على أن الطلاق
بيد الزوج ما أبقى منه أبقى لنفسه وما أخرج منه من يده لزمه غير محرم عليه كما لا يحرم عليه أن يعتق
رقبة ولا يخرج من ماله صدقة وقد يقال له لو أبقيت ما تستغنى به عن الناس كان خيرا لك فإن قال
قائل ما دل على أن أبا عمرو لا يعود أن يكون سمى ثلاثا أو نوى بالبتة ثلاثا؟ قلنا الدليل عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا عمى محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي
بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية البتة ثم
أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني طلقت امرأتي سهيمة البتة والله ما أردت إلا واحدة فقال
النبي صلى الله عليه وسلم لركانة (والله ما أردت إلا واحدة؟) فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة
فردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان رضي الله عنهما
(قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أنه أخبره أنه تلاعن عويمر
وامرأته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مع الناس، فلما فرغا من ملاعنتهما قال عويمر كذبت
عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال مالك:
قال ابن شهاب فكانت تلك سنة المتلاعنين (قال الشافعي) رحمه الله: فقد طلق عويمر ثلاثا بين يدي
النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان ذلك محرما لنهاه عنه. وقال إن الطلاق وإن لزمك فأنت عاص بأن
تجمع ثلاثا فافعل كذا كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر أن يأمر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
حين طلق امرأته حائضا أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء
أمسك فلا يقر النبي صلى الله عليه وسلم بطلاق لا يفعله أحد بين يديه إلا نهاه عنه لأنه العلم بين الحق
والباطل لا باطل بين يديه إلا يغيره، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو
ابن دينار قال سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول أخبرني المطلب بن حنطب أنه طلق امرأته البتة. ثم
أتى عمر فذكر ذلك له فقال ما حملك على ذلك؟ قال قد فعلته فتلا (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به
147

لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا) ما حملك على ذلك؟ قال قد فعلته قال أمسك عليك امرأتك فإن الواحدة
تبت (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال: قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الله
ابن أبي سلمة عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للتومة مثل ما قال للمطلب
(قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن الليث بن سعد عن بكير عن سليمان أن رجلا من بنى زريق طلق
امرأته البتة قال عمر رضي الله عنه: ما أردت بذلك قال أتراني أقيم على حرام والنساء كثير؟ فأحلفه
فحلف (قال الشافعي) رحمه الله: أراه قال فردها عليه قال وهذا الخبر في الحديث في الزرقي يدل
على أن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه للمطلب ما أردت بذلك يريد أو واحدة أو ثلاثا؟ فلما
أخبره أنه لم يرد به زيادة في عدد الطلاق وأنه قال بلانية زيادة ألزمه واحدة وهي أقل الطلاق، وقوله
(ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به) لو طلق فلم يذكر البتة إذ كانت كلمة محدثة ليست في أصل الطلاق
تحتمل صفة الطلاق وزيادة في عدده ومعنى غير ذلك فنهاه عن المشكل من القول ولم ينهه عن الطلاق
ولم يعبه ولم يقل له لو أردت ثلاثا كان مكروها عليك وهو لا يحلفه على ما أراد إلا ولو أراد أكثر من
واحدة ألزمه ذلك (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن طلحة بن
عبد الله بن عوف وكان أتعلمهم بذلك وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن طلق امرأته البتة
وهو مريض فورثها عثمان منه بعد انقضاء عدتها (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا عبد الوهاب عن
أيوب عن ابن سيرين أن امرأة عبد الرحمن نشدته الطلاق فقال إذا حضت ثم طهرت فآذنيني فطهرت
وهو مريض فأذنته فطلقها ثلاثا (قال الشافعي) رحمه الله: والبتة في حديث مالك بيان هذا الحديث
ثلاثا لما وصفنا من أن يقول طالق البتة ينوي ثلاثا وقد بينه ابن سيرين فقطع موضع الشك فيه. (أخبرنا
الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن
محمد بن إياس بن بكير قال طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ثم بدا له ان ينكحها فجاء
يستفتى فذهبت معه أسأل له فسأل أبا هريرة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم عن ذلك فقالا: لا
نرى أن تنكحها حتى تنكح زوجا غيرك قال إنما كان طلاقي إياها واحدة فقال ابن عباس: إنك
أرسلت من يدك ما كان لك من فضل (قال الشافعي) رحمه الله: وما عاب ابن عباس ولا أبو هريرة
عليه أن يطلق ثلاثا ولو كان ذلك معيبا لقالا له لزمك الطلاق وبئسما صنعت ثم سمى حين راجعه فما
زاده ابن عباس على الذي هو عليه أن قال له: إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل ولم يقل
ببئسما صنعت ولا خرجت في إرساله (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى
ابن سعيد عن بكير عن النعمان بن أبي عياش الأنصاري عن عطاء بن يسار قال جاء رجل يستفتى
عبد الله بن عمرو عن رجل طلق امرأته ثلاثا قبل أن يمسها قال عطاء فقلت إنما طلاق البكر واحدة
فقال عبد الله بن عمر إنما أنت قاص الواحدة تبينها وثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره ولم يقل له
عبد الله بئسما صنعت حين طلقت ثلاثا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى
ابن سعيد أن بكيرا أخبره عن النعمان بن أبي عياش أنه كان جالسا عند عبد الله بن الزبير وعاصم بن
عمر فجاء هما محمد بن إياس بن البكير فقال إن رجلا من أهل البادية طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل
بها فماذا تريان؟ فقال ابن الزبير إن هذا الامر مالنا فيه قول اذهب إلى ابن عباس وأبي هريرة فإني
تركتهما عند عائشة فسلهما ثم إئتنا فأخبرنا فذهب فسألهما فقال ابن عباس لأبي هريرة أفته يا أبا هريرة
فقد جاءتك معضلة فقال أبو هريرة رضي الله عنه الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره
148

وقال ابن عباس مثل ذلك ولم يعيبا عليه الثلاث ولا عائشة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرني مالك عن ابن شهاب عن عروة، أن مولاة لبنى عدى يقال لها زبراء أخبرته أنها كانت تحت
عبد وهي يومئذ أمة فعتقت فقالت فأرسلت إلى حفصة فدعتني يومئذ فقالت إني مخبرتك خبرا ولا
أحب أن تصنعي شيئا إن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك قالت ففارقته ثلاثا فلم تقل لها حفصة لا يجوز
لك أن تطلقي ثلاثا ولو كان ذلك معيبا على الرجل إذا لكان ذلك معيبا عليها إذ كان بيدها فيه ما بيده
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن جهمان عن أم بكرة
الأسلمية أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد ثم أتيا عثمان في ذلك فقال هي تطليقة إلا أن تكون
سميت شيئا فهو ما سميت فعثمان رضي الله عنه يخبره أنه إن سمى أكثر من واحدة كان ما سمى ولا يقول
له لا ينبغي لك أن تسمى أكثر من واحدة بل في هذا القول دلالة على أنه جائز له أن يسمى أكثر من
واحدة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد
ابن عمر وبن حزم أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال البتة ما يقول الناس فيها فقال أبو بكر فقالت
له كان أبان بن عثمان يجعلها واحدة فقال عمر لو كان الطلاق ألفا ما أبقت البتة منه شيئا من قال البتة
فقد رمى الغاية القصوى (قال الشافعي) ولم يحك عن واحدة منهم على اختلافهم في البتة أنه عاب البتة ولا
عاب ثلاثا (قال الشافعي) قال مالك في المخيرة إن خيرها زوجها فاختارت نفسها فقد طلقت ثلاثا
وإن قال زوجها لم أخيرك إلا في واحدة فليس له في ذلك قول وهذا أحسن ما سمعت (قال الشافعي)
فإذا كان مالك يزعم أن من مضى من سلف هذه الأمة قد خيروا وخير رسول الله صلى الله عليه وسلم
والخيار إذا اختارت المرأة نفسها يكون ثلاثا كان ينبغي أن يزعم أن الخيار لا يحل لأنها إذا اختارت كان
ثلاثا وإذا زعم أن الخيار يحل وهي إذا اختارت نفسها طلقت ثلاثا فقد زعم أن النبي صلى الله عليه
وسلم قد أجاز طلاق ثلاث وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فإن قال أنت طالق
البتة ينوى ثلاثا فهي ثلاث وان نوى واحدة فواحدة وإن قال أنت طالق ينوى بها ثلاثا فهي ثلاث
(قال الشافعي) أحب أن يكون الخيار وفي طهر لم يمسها فيه (قال الشافعي) أحب أن لا يملك الرجل
امرأته ولا يرها ولا يخالعها ولا يجعل إليها طلاقا بخلع ولا غيره ولا يوقع عليها طلاقا إلا طاهرا قبل
جماع قياسا على المطلقة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تطلق طاهرا وقال الله عز وجل (فطلقوهن
لعدتهن) فإذا كان هذا طلاقا يوقعه الرجل أو توقعه المرأة بأمر الرجل فهو كإيقاعه فلا أحب أن يكون إلا
وهي طاهر من غير جماع (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا سعيد ابن سالم عن ابن جريج عن عكرمة
بن خالد أن سعيد بن جبير أخبره أن رجلا أتى ابن عباس فقال طلقت امرأتي مائة فقال ابن عباس
رضي الله عنه تأخذ ثلاثا وتدع سبعا وتسعين (قال الشافعي) أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء
ومجاهدا قالا إن رجلا أتى ابن عباس فقال طلقت امرأتي مائة فقال ابن عباس تأخذ ثلاثا وتدع سبعا
وتسعين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن أن جريج عن عطاء وحده
عن ابن عباس أنه قال وسبعا وتسعين عدوانا أتخذت بها آيات الله هزوا فعاب عليه ابن عباس كل ما
زاد عن عدد الطلاق الذي لم يجعله الله إليه ولم يعب عليه ما جعل الله إليه من الثلاث وفي هذا دلالة
على أنه يجوز له عنده أن يطلق ثلاثا ولا يجوز له ما لم يكن إليه.
149

ما جاء في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه
(قال الشافعي) رحمه الله إن الله تبارك وتعالى (1) لما خص به رسوله من وحيه وأبان من فضله من
المباينة بينه وبين خلقه بالفرض على خلقة بطاعته في غير آية من كتابه فقال (من يطع الرسول فقد أطاع
الله) وقال (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) وقال (لا تجعلوا
دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) وقال (إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة)
وقال (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) (قال الشافعي) رحمه الله: افترض الله عز وجل على
رسوله الله صلى الله عليه وسلم أشياء حففها عن حلقه ليزيده بها إن شاء الله قربة إليه وكرامة وأباح له
أشياء حظرها على خلقه زيادة في كرامته وتبينا لفضيلته مع ما لا يحصى من كرامته له وهي موضعة في
مواضعها (قال الشافعي) رحمه الله فمن ذلك من ملك زوجة سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم
يكن عليه أن يخبرها في المقام معه أو فراقها له وله حبسها إذا أدى إليها ما يجب عليه لها وإن كرهته وأمر
الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخير نساءه فقال (قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا
وزينتها) إلى قوله (أجرا عظيما) فخيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنه فلم يكن الخيار إذا
اخترنه طلاقا ولم يجب عليه أن يحدث لهن طلاقا إذا اخترنه (قال الشافعي) رحمه الله وكان تخيير رسول
الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله كما أمره الله عز وجل إن أردن الحياة الدنيا وزينتها ولم يخترنه
وأحدث لهن طلاقا لا ليجعل الطلاق إليهن لقول الله عز وجل (فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا
جميلا) أحدث لكن إذا اخترتن الحياة الدنيا وزينتها متاعا وسراحا فلما اخترنه لم يوجب ذلك عليه أن
يحدث لهن طلاقا ولا متاعا فأما قول عائشة رضي الله عنها قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاخترناه أفكان ذلك طلاقا؟ فتعنى والله أعلم لم يوجب ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم أن يحدث
لنا طلاقا (قال الشافعي) رحمه الله وإذا فرض الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم إن اخترن
الحياة الدنيا أن يمتعهن فاخترن الله ورسوله فلم يطلق واحدة منهن فكل من خير امرأته فلم تختر الطلاق
فلا طلاق عليه (قال الشافعي) رحمه الله كل من خير فليس له الخيار بطلاق حتى تطلق
المخيرة نفسها أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي
عن مسروق أن عائشة قالت قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ذلك طلاقا أخبرنا الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها بمثل
معنى هذا الحديث (قال الشافعي) فأنزل الله تبارك وتعالى (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل
بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك) (قال الشافعي) قال بعض أهل العلم أنزلت
عليه (لا يحل لك) بعد تخييره أزواجه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو عن
عطاء عن عائشة انها قالت ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء أخبرنا الربيع قال
قال الشافعي كأنها تعنى اللاتي حظرن عليه في قول الله تبارك وتعالى (لا يحل لك النساء من بعد ولا
أن تبدل بهن من أزواج) (قال الشافعي) وأحسب قول عائشة أحل له النساء لقول الله تبارك وتعالى

(1) قوله: لما خص به رسوله من وحيه الخ هكذا في النسخ ولعل في العبارة سقط أو تحريفا فانظر. كتبه مصححه.
150

(إنا أحللنا لك أزواجك إلى قوله: خالصة لك من دون المؤمنين) (الشافعي) فذكر الله عز
وجل ما أحل له فذكر أزواجه اللاتي آتي أجورهن وذكر بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات
خالاته وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي قال فدل ذلك على معنيين أحدهما أنه أحل له مع أزواجه
من ليس له بزوج يوم أحل له وذلك أنه لم يكن عنده صلى الله عليه وسلم من بنات عمه ولا بنات عماته
ولا بنات خاله ولا بنات خالاته امرأة وكان عنده عدد نسوة وعلى أنه أباح له من العدد ما حظر على
غيره (1) ومن لم يأتهب بغير مهر ما حظره على غيره (قال الشافعي) رحمه الله ثم جعل له في اللاتي
يهبن أنفسهن له أن يأتهب ويترك فقال (ترجى من تشاء منهن وتؤوى إليك من تشاء) إلى (عليك)
(قال الشافعي) فمن ايتهب منهن فهي زوجة لا تحل لاحد بعده ومن لم يأتهب فليس يقع عليها اسم
زوجة وهي تحل له ولغيره أخبرنا الربيع قال أخبرنا ا 2 لشافعي، قال أخبرنا مالك عن أبي حازم عن
سهل بن سعد أن امرأة وهبت نفسها للنبي صلى الله على وسمل فقامت قياما طويلا فقال رجل يا رسول
الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فذكر أنه زوجه إياها (قال الشافعي) رحمه الله وكان مما خص
الله عز وجل به نبيه صلى الله عليه وسلم قوله (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) وقال
(وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله صلى الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) فحرم نكاح نسائه
من بعده على العالمين ليس هكذا نساء أحد غيره وقال عز وجل (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء
إن اتقيتن) فأثابهن به صلى الله عليه وسلم من نساء العالمين (قال الشافعي) رحمه الله وقوله (وأزواجه
أمهاتهم) مثل ما وصفت من اتساع لسان العرب وأن الكلمة الواحدة تجمع معاني مختلفة ومما وصفت
من أن الله أحكم كثيرا من فرائضه بوحيه وسن شرائع واختلافها على لسان نبيه وفي فعله فقوله
(أمهاتهم) يعنى في معنى دون معنى وذلك أنه لا يحل لهم نكاحهن بحال ولا يحرم عليهم نكاح بنات لو
كن لهن كما يحرم عليهم نكاح بنات أمهاتهم اللاتي ولدنهم أو أرضعنهم (قال الشافعي) رحمه الله: فإن
قال قائل ما دل على ذلك؟ فالدليل عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج فاطمة بنته وهو أبو
المؤمنين وهي بنت خديجة أم المؤمنين زوجها عليا رضي الله عنه وزوج رقية وأم كلثوم عثمان وهو بالمدينة
وأن زينب بنت أم سلمة تزوجت، وأن الزبير ابن العوام تزوج بنت أبي بكر وأن طلحة تزوج ابنته
الأخرى وهما أختا أم المؤمنين وعبد الرحمن بن عوف تزوج ابنة جحش أخت أم المؤمنين زينب ولا
يرثهن المؤمنون ولا يرثنهم كما يرثون أمهاتهم ويرثنهم ويشبهن أن يكن أمهات لعظم الحق عليهم مع تحريم
نكاحهن (قال الشافعي) رحمه الله وقد ينزل القرآن في النازلة ينزل على ما يفهمه من أنزلت فيه
كالعامة في الظاهر وهي يراد بها الخاص والمعنى دون ما سواه (قال الشافعي) رحمه الله والعرب تقول
للمرأة ترب أمرهم أمنا وأم العيال وتقول ذلك للرجل يتولى أن يقوتهم أم العيان بمعنى أنه وضع نفسه
موضع الام التي ترب أمر العيال (2) وقال تأبط شرا وهو يذكر غزاة غزاها ورجل من أصحابه ولى
قوتهم:

(1) قوله: ومن لم يأتهب كذا في النسخ ولعل لم زائدة من الناسخ والصواب حذفها وقوله يأتهب على لغة أهل
الحجاز من ابدال فاء الافتعال في المثال حرف لين من جنس حركته ما قبله نحو ائتصل يائصل فهو متصل وهكذا،
وقد سبق في الام من ذلك كثيرا فليعلم. كتبه مصححه.
(2) قوله: قال تأبط الخ نسب الشعر في الصحاح والمحكم إلى الشنفري وفي اللسان قال ابن بري وأراد بأم عيال
تأبط شرا وكان طعامهم على يده وإنما قتر عليهم خوفا ان تطيل بهم الغزاة فيفني زادهم فصار لهم بمنزلة الام وصاروا
بمنزلة الأولاد اه‍. كتبه مصححه.
151

وأم عيال قد شهدت تقوتهم * إذا احترتهم أقفرت وأقلت
تخالف علينا الجوع إن هي أكثرت * ونحن جياع أي أول تألت
وما إن بها ضن بما في وعائها * ولكنها من خشية الجوع أبقت
قلت: الرجل يسمى أما وقد تقول العرب للناقة والبقرة والشاة والأرض هذه أم عيالنا على معنى
التي تقوت عيالنا (قال الشافعي) قال الله عز وجل (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم
إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم) يعنى أن اللائي ولدنهم أمهاتهم بكل حال الوارثات والموروثات المحرمات
بأنفسهن والمحرم بهن غيرهن اللائي لم يكن قط إلا أمهات ليس اللائي يحدثن رضاعا للمولود فيكن به
أمهات وقد كن قبل إرضاعه غير أمهات له ولا أمهات المؤمنين عامة يحرمن بحرمة أحدثنها أو يحدثها
الرجل أو أمهات المؤمنين اللائي حرمن بأنهن أزوج النبي صلى الله عليه وسلم فكل هؤلاء يحرمن بشئ
يحدثه رجل يحرمهن أو يحدثنه أو حرمه النبي صلى الله عليه وسلم والام تحرم نفسها وترث وتروث فيحرم
بها غيرها فأراد بها الام في جميع معانيها لا في بعض دون بعض كما وصفنا ممن يقع عليه اسم الام
غيرها والله أعلم (قال الشافعي) رحمه الله في هذا دلالة على أشباه له من القرآن جهلها من قصر علمه
باللسان والفقه فأما ما سوى ما وصفنا من أن للنبي صلى الله عليه وسلم من عدد النساء أكثر مما للناس
ومن اتهب بغير مهر ومن إن أزواجه أمهاتهم لا يحللن لاحد بعده وما في مثل معناه من الحكم بين
الأزواج فيما يحل منهن ويحرم بالحادث ولا يعلم حال الناس يخالف حال النبي صلى الله عليه وسلم في
ذلك فمن ذلك أنه كان يقسم لنسائه فإذا أراد سفرا أقرع بينهن فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه وهذا
لكل من له أزواج من الناس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني محمد بن علي أنه سمع ابن
شهاب يحدث عن عبيد الله عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد
سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها (قال الشافعي) رحمه الله ومن ذلك أنه أراد فراق
سودة فقالت لا تفارقني ودعني حتى يحشرني الله في أزواجك وأنا أهب ليلتي ويومى لأختي عائشة
(قال) وقد فعلت ابنة محمد بن مسلمة شبيها بهذا حين أراد زوجها طلاقها ونزل فيها ذكر (قال
الشافعي) أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن المسيب في ذلك (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا) إلى
(صلحا) (قال الشافعي) وهذا موضوع في موضعه بحججه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب ابنة أبى سلمة عن أم حبيبة بنت أبي سفيان
قالت قلت يا رسول الله هل لك في أختي بنت أبي سفيان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأفعل
ماذا؟) قالت تنكحها قال (أختك) قالت نعم قال (أو تحبين ذلك؟) قالت نعم لست لك بمخلية
وأحب من شركني في خير أختي قال (فإنها لا تحل لي) فقلت والله لقد أخبرت أنك تخطب ابنة أبى
سلمة قال (ابنة أم سلمة؟) قالت نعم قال (فوالله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة
أخي من الرضاعة أرضعتني وإياها ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن) (قال الشافعي) رحمه
الله وكل ما وصفت لك مما فرض الله على النبي صلى الله عليه وسلم وجعل له دون الناس وبينه في
كتاب الله أو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله أو أمر اجتمع عليه أهل العلم عندنا لم يختلفوا
فيه.
152

ما جاء في أمر النكاح
قال الله تبارك وتعالى (وأنكحوا الأيامى منكم) إلى قوله (يغنهم الله من فضله) (قال الشافعي)
رحمه الله والامر في الكتاب والسنة وكلام الناس يحتمل معاني أحدها أن يكون الله عز وجل حرم شيئا
ثم أباحه فكان أمره إحلال ما حرم كقول الله عز وجل (وإذا حللتم فاصطادوا) وكقوله (فإذا قضيت
الصلاة فانتشروا في الأرض) الآية (قال الشافعي) رحمه الله وذلك أنه حرم الصيد على المحرم ونهى
عن البيع عند النداء ثم أباحهما في وقت غير الذي حرمهما فيه كقوله (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) إلى
(مريئا) وقوله (فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا) (قال الشافعي) وأشباه لهذا كثير في كتاب الله
عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ليس أن حتما أن يصطادوا إذا حلوا ولا ينتشروا لطلب التجارة
إذا صلوا ولا يأكل من صداق امرأته إذا طابت عنه به نفسا ولا يأكل من بدنته إذا نحرها (قال)
ويحتمل أن يكون دلهم على ما فيه رشدهم بالنكاح لقوله عز وجل (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من
فضله) يدل عليه ما فيه سبب الغنى والعفاف كقول النبي صلى الله عليه وسلم (سافروا تصحوا وترزقوا)
فإنما هذا دلالة لا حتم أن يسافر لطلب صحة ورزق (قال الشافعي) ويحتمل أن يكون الامر بالنكاح
حتما وفي كل الحتم من الرشد فيجتمع الحتم والرشد وقال بعض أهل العلم الامر كله على الإباحة والدلالة
على الرشد حتى توجد الدلالة من الكتاب أو السنة أو الاجماع على أنه إنما أريد بالامر الحتم فيكون
فرضا لا يحل تركه كقوله الله عز وجل (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) فدل على أنهما حتم وكقوله (خذ
من أموالهم صدقة) وقوله (وأتموا الحج والعمرة لله) وقوله (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه
سبيلا) فذكر الحج والعمرة معا في الامر وأفرد الحج في الفرض فلم يقل أكثر أهل العلم العمرة على الحتم
وإن كنا نحب أن لا يدعها مسلم وأشباه هذا في كتاب الله عز وجل كثير (قال الشافعي) وما نهى الله
عنه فهو محرم حتى توجد الدلالة عليه بأن النهى عنه على غير التحريم وأنه إنما أريد به الارشاد أو تنزها
أو أدبا للمنهى عنه وما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أيضا (قال الشافعي) رحمه الله
ومن قال الامر على غير الحتم حتى تأتى دلالة على أنه حتم انبغى أن تكون الدلالة على ما وصفت من
الفرق بين الأمر والنهي وما وصفنا في مبتدأ كتاب الله القرآن والسنة وأشباه لذلك سكتنا عنه اكتفاء بما
ذكرنا عما لم نذكر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن أبيه عن
أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ذروني ما تركتكم فإنه إنما هلك من
كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فما أمرتكم به من أمر فائتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم
عنه فانتهوا) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه (قال الشافعي) رحمه الله وقد يحتمل أن يكون الامر في
معنى النهى فيكونان لا زمين إلا بدلالة أنهما غير لا زمين ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم (فائتوا منه
ما استطعتم) أن يقول عليهم إتيان الامر فيما استطعتم لأن الناس إنما كلفوا ما استطاعوا في الفعل
استطاعة شئ لأنه شئ متكلف وأما النهى فالترك لكل ما أراد تركه يستطيع لأنه ليس بتكلف شئ

(1) قوله: عليهم اتيان الامر الخ كذا في النسخ وفي العبارة تحريف ظاهر ودقة تحتاج إلى نظر وامعان
فتأمل. كتبه مصححه.
153

يحدث إنما هو شئ يكف عنه (قال الشافعي) رحمه الله وعلى أهل العلم عند تلاوة الكتاب ومعرفة
السنة طلب الدلائل ليفرقوا بين الحتم والمباح والارشاد الذي ليس يحتم في الأمر والنهي معا (قال) فحتم
لازم الأولياء الأيامى والحرائر البوالغ إذا أردن النكاح ودعوا إلى رضا من الأزواج أن يزوجوهن لقول
الله تعالى (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم
بالمعروف) (قال الشافعي) رحمه الله فإن شبه على أحد أن مبتدأ الآية على ذكر الأزواج ففي الآية دلالة
على أنه إنما نهى عن العضل الأولياء لأن الزوج إذا طلق فبلغت المرأة الأجل فهو أبعد الناس منها
فكيف يعضلها من لا سبيل ولا شرك له في أن يضلها في بعضها؟ فإن قال قائل قد تحتمل إذا قاربن
بلوغ أجلهن لأن الله عز وجل يقول للأزواج (إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو
سرحوهن بمعروف) فالآية تدل على أنه لم يرد بها هذا المعنى وأنها لا تحتمله لأنها إذا قاربت بلوغ أجلها
أو لم تبلغه فقد حظر الله تعالى عليها أن تنكح لقول الله عز وجل (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ
الكتاب أجله) فلا يأمر بأن لا يمنع من النكاح من قد منعها منه إنما يأمر بأن لا يمتنع مما أباح لها من هو
بسبب من منعها (قال الشافعي) رحمه الله وقد حفظ بعض أهل العلم أن هذه الآية نزلت في معقل
ابن يسار وذلك أنه زوج أخته رجلا فطلقها وانقضت عدتها ثم طلب نكاحها وطلبته فقال زوجتك
دون غيرك أختي ثم طلقتها لا أنكحك أبدا فنزلت (إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) إلى (أزواجهن)
قال وفي هذه الآية دلالة على أن النكاح يتم برضا الولي مع الزوج والزوجة وهذا موضع في ذكر
الأولياء والسنة تدل على ما يدل عليه القرآن من أن على ولى الحرة أن ينكحها (قال الشافعي) أخبرنا
مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها) وقال (أيما امرأة نكحت بغير إذن
وليها فنكاحها باطل فإن اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له) (قال الشافعي) رحمه الله وإذا كانت
أحق بنفسها وكان النكاح يتم به لم يكن له منعها النكاح وقول النبي صلى الله عليه وسلم (فإن اشتجروا
فالسلطان ولى من لا ولى له) يدل على أن السلطان ينكح المرأة لا ولى لها والمرأة لها ولى يمتنع من
إنكاحها إذا أخرج الولي نفسه من الولاية بمعصيته بالعضل وهذان الحديثان مثبتان في كتاب الأولياء
(قال الشافعي) رحمه الله والرجل يدخل في بعض أمره في معنى الأيامى الذين على الأولياء أن
ينكحوهن إذا كان مولى بالغا يحتاج إلى النكاح ويقدر بالمال فعلى وليه إنكاحه فلو كانت الآية والسنة في
المرأة خاصة لزم ذلك عندي الرجل لأن معنى الذي أريد به نكاح المرأة العفاف لما خلق فيها من
الشهوة وخوف الفتنة وذلك في الرجل مذكور في الكتاب لقول الله عز وجل (زين للناس حب
الشهوات من النساء) (قال الشافعي) رحمه الله إذا كان الرجل ولى نفسه والمرأة أحببت لكل واحد
منهما النكاح إذا كان ممن تتوق نفسه إليه لأن الله عز وجل أمر به ورضيه وندب إليه وجعل فيه أسباب
منافع قال (وجعل منها زوجها ليسكن إليها) وقال الله عز وجل (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا
وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) وقيل إن الحفدة الاصهار وقال عز وجل (فجعله نسبا وصهرا)
فبلغننا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسقط) وبلغنا أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أحب فطرتي فليستن بسنتي، ومن سنتي النكاح) وبلغنا أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال (من مات له ثلاثة من الولد لم تمسه النار) ويقال إن الرجل ليرفع بدعاء ولده
من بعده (قال) وبلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ما رأيت مثل من ترك النكاح بعد هذه
154

الآية (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن
عمرو بن دينار أن ابن عمر أراد أن لا ينكح فقالت له حفصة تزوج فإن ولد لك ولد فعاش من بعدك
دعوا لك (قال الشافعي) رحمه الله ومن لم تتق نفسه ولم يحتج إلى النكاح من الرجال والنساء بأن لم
تخلق فيه الشهوة التي جعلت في أكثر الخلق فإن الله عز وجل يقول (زين للناس حب الشهوات من
النساء) أو بعارض أذهب الشهوة من كبر أو غيره فلا أرى بأسا أن يدع النكاح بل أحب ذلك وأن
يتخلى لعبادة الله وقد ذكر الله عز وجل القواعد من النساء فلم ينههن عن القعود ولم يندبهن إلى نكاح
فقال (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات
بزينة) الآية وذكر عبدا أكرمه قال (وسيدا وحصورا) والحصور الذي لا يأتي النساء ولم يندبه إلى نكاح
فدل ذلك والله أعلم على أن المندوب إليه من يحتاج إليه ممن يكون محصنا له عن المحارم والمعاني التي في
النكاح فإن الله عز وجل يقول: (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت
ايمانهم فإنهم غير ملومين) (قال الشافعي) رحمه الله والرجل لا يأتي النساء إذا نكح فقد غر المرأة ولها
الخيار في المقام أو فراقه إذا جاءت سنة أجلها من يوم يضرب له السلطان (قال الشافعي) أحب النكاح
للعبيد والإماء اللاتي لا يطؤهن ساداتهن احتياطا للعفاف وطلب فضل وغنى فإن كان إنكاحهن واجبا
كان قد أدى فرضا وإن لم يكن واجبا كان مأجورا إذا احتسب نيته على التماس الفضل بالاحتياط
والتطوع (قال الشافعي) ولا أوجبه إيجاب نكاح الأحرار لأني وجدت الدلالة في نكاح الأحرار ولا
أجدها في نكاح المماليك.
ما جاء في عدد ما يحل من الحرائر والإماء وما تحل به الفروج
أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما
ملكت أيمانهم) وقال (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم
غير ملومين) وقال عز وجل (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا
تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) فأطلق الله عز وجل ما ملكت الايمان فلم يحد فيهن حد ينتهى
إليه فللرجل أن يتسرى كم شاء ولا اختلاف علمته بين أحد في هذا وانتهى ما أحل الله بالنكاح إلى
أربع ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله عز وجل على أن انتهاءه إلى أربع تحريما
منه لأن يجمع أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم بين أكثر من أربع لا أنه يحرم ان ينكح في عمره أكثر
من أربع إذا كن متفرقات ما لم يجمع بين أكثر منهن ولأنه أباح الأربع وحرم الجميع بين أكثر منهن
فقال لغيلان بن سلمة ونوفل بن معاوية وغيرهما وأسلموا وعندهم أكثر من أربع (أمسك أربع وفارق
سائرهن) وقال عز وجل (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم) وذلك مفرق في
مواضعه في القسم بينهن والنفقة والمواريث وغير ذلك. وقوله (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على
أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) دليل على أمرين: أحدها أنه أحدهما أنه أحل النكاح وما ملكت اليمين. والثاني
يشبه أن يكون إنما أباح الفعل للتلذذ وغيره بالفرج في زوجة أو ما ملكت يمين من الآدميين ومن الدلالة
على ذلك قول الله تبارك وتعالى (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) وإن لم تختلف الناس في
تحريم ما ملكت اليمين من البهائم فلذلك خفت أن يكون الاستمناء حراما من قبل أن ليس من
155

الوجهين اللذين أبيحا للفرج (قال الشافعي) فإن ذهب ذاهب إلى أن يحله لقول الله تعالى (وليستعفف
الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) فيشبه أن يكونوا إنما أمروا بالاستعفاف عن أن يتناول
المرء بالفرج ما لم يبح له به فيصبر إلى أن يغنيه الله من فضله فيجد السبيل إلى ما أحل الله والله أعلم،
وهو يشبه أن يكون في مثل معنى قول الله عز وجل في مال اليتيم (ومن كان غنيا فليستعفف) وإنما أراد
بالاستعفاف أن لا يأكل منه شيئا. فإن ذهب ذاهب إلى أن للمرأة ملك يمين فقال فلم لا تتسرى
عبدها كما يتسرى الرجل أمته؟ قلنا إن الرجل هو الناكح المتسري والمرأة المنكوحة المتسراة فلا يجوز أن
يقاس بالشئ خلافه فإن قيل كيف يخالفه؟ قلنا إذا كان الرجل يطلق المرأة فتحرم عليه وليس لها أن
تطلقه ويطلقها واحدة فيكون له أن يراجعها في العدة وإن كرهت دل على أن منعها له وأنه القيم عليها
وانها لا تكون قيمة عليه ومخالفة له فلم يجز أن يقال لها أن تتسرى عبدا لأنها المتسراة والمنكوحة لا
المتسرية ولا الناكحة (قال الشافعي) ولما أباح الله عز وجل لمن لا زوجة له أن يجمع بين أربع زوجات
قلنا حكم الله عز وجل يدل على أن من طلق أربع نسوة له طلاقا لا ملك رجعة أو يملك الرجعة فليس
واحدة منهن في عدتها منه حل له أن ينكح مكانهن أربعا لأنه لا زوجة له ولا عدة عليه، وكذلك
ينكح أخت إحداهن (قال الشافعي) ولما قال الله عز وجل (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى
وثلاث ورباع * فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) كان في هذه الآية دليل والله أعلم
على أنه إنما خاطب بها الأحرار دون المماليك لأنهم الناكحون بأنفسهم لا المنكحهم غيرهم والمالكون
لا الذي يملك عليهم غيرهم وهذا ظاهر معنى الآية وإن احتملت أن تكون على كل ناكح وإن كان
مملوكا أو مالكا وهذا وإن كان مملوكا فهو موضوع في نكاح العبد وتسريه.
الخلاف في هذا الباب
(قال الشافعي) فقال بعض الناس إذا طلق الرجل أربع نسوة له ثلاثا أو طلاقا يملك الرجعة أو لا
رجعة له على واحدة منهن فلا ينكح حتى تنقضي عدتهن ولا يجمع ماءه في أكثر من أربع ولو طلق
واحدة ثلاثا لم يكن له أن ينكح أختها في عدتها (قال الشافعي) قلت لبعض من يقول هذا القول هل
لمطلق نسائه ثلاثة زوجة؟ قال لا قلت فقد أباح الله عز وجل لمن لا زوجة له أن ينكح أربعا وحرم
الجمع بين الأختين ولم يختلف الناس في إباحة كل واحدة منهما إذا لم يجمع بينهما على الانفراد فهل
جمع بينهما إذا طلق إحداهما ثلاثا وقد حكم الله بين الزوجين أحكاما فقال (للذين يؤلون من نسائهم
تربص) وقال (الذين يظاهرون منكم من نسائهم) وقال (والذين يرمون أزواجهم) وقال (ولكم نصف
ما ترك أزواجكم) وقال (ولهن الربع مما تركتم) أفرأيت المطلق ثلاثا إن آلى منها في العدة أيلزمه إيلاء؟
قال: لا قلت فإن تظاهر أيلزمه الظهار؟ قال لا: قلت فإن قذف أيلزمه اللعان أو مات أترثه أو ماتت
أيرثها؟ قال: لا قلت فهذه الأحكام التي حكم الله عز وجل بها بين الزوجين تدل على أن الزوجة
المطلقة ثلاثا ليست بزوجة وإن كانت تعتد؟ قال نعم قلت له فهذه سبعة أحكام لله خالفتها وحرمت
عليه أن ينكح أربعا وقد أباحهن الله تعالى له وان ينكح أخت امرأته وهو إذا نكحها لم يجمع بينهما وهي
في عدد من أباح الله له، فأنت تريد زعمت إبطال اليمين مع الشاهد بأن تقول تخالف القرآن وهي لا
تخالفه وهي سنة رسول الله صلى الله وعليه وسلم ثم تخالف أنت سبع آيات من القرآن لا تدعى فيها خبرا
156

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خبرا صحيحا عن أحد من أصحابه قال قد قاله بعض التابعين،
قلت: فإن من سميت من التابعين وأكثر منهم إذا قالوا شيئا ليس فيه كتاب ولا سنة لم يقبل قولهم لأن
القول الذي يقبل ما كان في كتاب الله عز وجل أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو حديث صحيح عن
أحد من أصحابه أو إجماع فمن كان عندك هكذا يترك قوله لا يخالف به غيره أتجعله حجة على كتاب
الله عز وجل؟ ومن قال قولك في أن لا ينكح ما دام الأربع في العدة وجعلها في معاني الأزواج لزمه
أن يقول يلحقها الايلاء والظهار واللعان ويتوارثان قال فما أقوله؟ قلت فلم لا تكون في حكم الزوجة
عندك في معنى واحد دون المعاني فقال أقال قولك غيرك؟ قلت نعم: القاسم بن محمد وسالم بن عبيد
الله وعروة وأكثر أهل دار السنة وأهل حرم الله عز وجل ما يحتاج فيه إلى أن يحكى قول أحد لثبوت
الحجة فيها بأحكام الله تعالى المنصوصة التي لا يحتاج إلى تفسيرها لأنه لا يحتمل غير ظاهرها (قال
الشافعي) أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم وعروة بن الزبير أنهما كانا يقولان في
الرجل عنده أربع نسوة فيطلق إحداهن البتة إنه يتزوج إن شاء ولا ينتظر أن تمضى عدتها (قال
الشافعي) فقال فإني إنما قلت هذا لئلا يجتمع ماؤه في أكثر من أربع ولئلا يجتمع في أختين (قال
الشافعي) فقلت له: فإنما كان (1) للعالمين ذوي العقول من أهل العلم أن يقولوا من خبر أو قياس
عليه، ولا يكون لهم أن يخرجوا منهما عندنا وعندك. ولو كان لهم أن يخرجوا منهما كان لغيرهم أن
يقول معهم؟ قال أجل. قلت: أفقلت قولك هذا بخبر لازم أو قياس فهو خلاف هذا كله وليس لك
خلاف واحد منهم في أصل ما تقول؟ قال يتفاحش أن يجتمع ماؤه في أكثر من أربع أو في أختين:
قلت المتفاحش ان تحرم عليه ما أحل الله تعالى له وإحدى الأختين مما أحل الله عز وجل له وقلت له:
لو كان في قولك لا يجتمع ماؤه في أكثر من أربع حجة فكنت إنما حرمت عليه أن ينكح حتى تنقضي
عدة الأربع للماء كنت محجوجا بقولك قال: وأين؟ قلت أرأيت إذا نكح أربعا فأغلق عليهن، أو
أرخى الأستار ولم يمس واحدة منهن أعليهن العدة؟ قال نعم قلت أفينكح أربعا سواهن قبل أن تنقضي
عدتهن؟ قال لا قلت أفرأيت لو دخل بهن فأصابهن ثم غاب عنهن سنين ثم طلقهن ولا عهد له بواحدة
منهن قبل الطلاق بثلاثين سنة أينكح في عدتهن؟ قال: لا قلت أفرأيت لو كان يعزل عنهن ثم
طلقهن أينكح في عدتهن؟ قال لا قلت لا أرأيت لو كان قولك إنما حرمت عليه أن ينكح في عدتهن
للماء كما وصفت أتبيح له أن ينكح في عدة من سميت وفي عدة المرأة تلد فيطلقها ساعة تضع قبل أن
يمسها وفي المرأة يطلقها حائضا أتبيح له أن ينكح بما لزمك في هذه المواضع وقلت أعزل عمن نكحت
ولا تصب ماءك حتى تنقضي عدة نسائك اللاتي طلقت؟ قال أفأقفه عن إصابة امرأته؟ فقلت
يلزمك ذلك في قولك قال ومن أين يلزمني أفتجدني أقول مثله؟ قلت نعم أنت تزعم أنه لو نكح امرأة
فأخطأها إلى غيرها فأصابها فرق بينهما وكانت امرأة الأول واعتزلها زوجها حتى تنقضي عدتها وتزعم أن
له أن ينكح المرحمة والحائض ولا يصيب واحدة منهما وتقول له أن ينكح الحبلى من زنا ولا يصيبها فقلت
له وما الماء من النكاح؟ أرأيت لو أصابهن وفيهن ماؤه ثم أراد العود لإصابتهن أما ذلك مما يحل له؟
قال: بلى قلت كما يباح له لو لم يصبهن قبل ذلك؟ قال نعم، فقلت فإذا طلقهن وفيهن ماؤه ثلاثا
أيكون له أن يعيد فيهن ماء آخر وإنما أقر فيهن ماءه قبل ذلك بساعة قال لا وقد انتقل حكمه. قلت:

(1) قوله: للعالمين الخ كذا في النسخ، وانظر.
157

فالماء ههنا وغير الماء سواء فيما يحل له ويحرم عليه؟ قال نعم. قلت: فكيف لا يكون هكذا في مثل هذا
المعنى ومعه كتاب الله عز وجل وقلت أرأيت المرأة إذا أصيبت ليلا في شهر رمضان ثم أصبح الزوجان
جنبين أيفسد صومهما أو صوم المرأة كينونة الماء فيها؟ قال لا، قلت له فكذلك لو أصابها ثم أحرما
جنبين وفيها الماء ثم حج بها وفيها الماء؟ قال نعم. قلت وليس له أن يصيبها نهارا ولا محرما حين تحولت
حاله ولا يصنع الماء في أن يحلها له ولا يفسد عليه حجا ولا صوما إذا كان مباحا ثم انتقلت حالها إلى
حالة حظرت إصابتها فيه شيئا؟ قال نعم فقلت له: فالماء كان فيهن وهن أزواج يحل ذلك فيهن ثم
طلقهن ثلاثا فانتقل حكمه وحكمهن إلى أن كان غير ذي زوجة وكن أبعد الناس منه غير ذوات المحارم
ولا يحللن له إلا بانقضاء عدة ونكاح غيره وطلاقه أو موته والعدة منه والنساء سواهن يحللن له من ساعته
فحرمت عليه أبعد النساء من أن تكون زوجا له إلا بما يحل له وزعمت أن الرجل يعتد وقد خالفت الله
بين حكم الرجل والمرأة فجعل إليه أن يطلق وأن ينفق وزعمت أن ليس له ما جعل الله تعالى إليه ولا
عليه ما فرضت السنة عليه من النفقة وأن عليه كل ما جعل له وعليه ثم جعل الله عليها أن تعتد فأدخلته
معها فيما جعل عليها دونه فخالفت أيضا حكم الله فألزمتها الرجل وإنما جعلها الله على المرأة فكانت هي
المعتدة والزوج المطلق أو الميت فتلزمها العدة بقوله أو موته ثم قلت في عدته قولا متناقضا قال وما قلت؟
قلت إذا جعلت عليه العدة كما جعلتها عليها أفيحد كما تحد ويجتنب من الطيب كما تجتنب من الصبغ
والحلى مثلها؟ قال لا. قلت ويعتد من وفاتها كما تعتد من وفاته فلا ينكح أختها ولا أربعا سواها حتى
تأتى عليه أربعة أشهر وعشر؟ قال لا قلت وله أن ينكح قبل دفنها أختها إن شاء وأربعا سواها؟ قال:
نعم قلت له هذا في قولك يعتد مرة ويسقط عنه في عدته اجتناب ما تجتنب المعتدة ولا يعتد أخرى
أفيقبل من أحد من الناس مثل هذا القول المتناقض؟ وما حجتك على جاهل لو قال لا تعتد من طلاق
ولكن تجتنب الطيب وتعتد من الوفاة هل هو إلا أن يكون عليه ما عليها من العدة فيكون مثلها في كل
حال أم لا يكون فلا يعتد بحال؟
ما جاء في نكاح المحدودين
قال الله تبارك وتعالى (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم
ذلك على المؤمنين) (قال الشافعي) فاختلف أهل التفسير في هذه الآية اختلافا متباينا والذي يشبهه
عندنا والله أعلم ما قال ابن المسيب (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن
المسيب أنه قال هي منسوخة نسختها (وأنكحوا الايامي منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) فهي
من أيامي المسلمين فهذا كما قال ابن المسيب إن شاء الله وعليه دلائل من الكتاب والسنة (قال
الشافعي) أخبرنا سفيان عن عبد الله بن أبي يزيد عن بعض أهل العلم أنه قال في هذه الآية إنها حكم
بينهما (قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن مجاهد أن هذه الآية نزلت في بغايا من بغايا
الجاهلية كانت على منازلهم رأيت (قال الشافعي) رحمه الله: وروى من وجه آخر غير هذا عن
عكرمة أنه قال لا يزنى الزاني إلا بزانية أو مشركة والزانية لا يزنى بها إلا زان أو مشرك قال أبو عبد الله
يذهب إلى قوله ينكح أي يصيب فلو كان كما قال مجاهد نزلت في بغايا من بغايا الجاهلية فحرمن على
الناس إلا من كان منهم زانيا أو مشركا فإن كن على الشرك فهن محرمات على زناة المشركين وغير زناتهم
158

وإن كن أسلمن فهن بالاسلام محرمات على جميع المشركين لقول الله تعالى (فإن علمتموهن مؤمنات
فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) (قال الشافعي) والاختلاف بين أحد من
أهل العلم في تحريم الوثنيات عفائف كن أو زواني على من آمن زانيا كان أو عفيفا ولا في أن المسلمة
الزانية محرمة على المشرك بكل حال (قال الشافعي) وليس فيما روى عن عكرمة (لا يزنى الزاني إلا
بزانية أو مشركة) تبيين شئ إذا زنى فطاوعنه مسلما كان أو مشركا أو مسلمة كانت أو مشركة فهما زانيان
والزنا محرم على المؤمنين فليس في هذا أمر يخالف ما ذهبنا إليه فنحتج عليه (قال الشافعي) ومن قال
هذا حكم بينهما فالحجة عليه بما وصفنا من كتاب الله عز وجل الذي اجتمع على ثبوت معناه أكثر أهل
العلم فاجتماعهم أولى أن يكون ناسخا، وذلك قول الله عز وجل: (فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن
حل لهم ولا هم يحلون لهن) وقوله عز وجل (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن والأمة مؤمنة خير من
مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) فقد قيل إن هاتين الآيتين في مشركات أهل
الأوثان وقد قيل في المشركات عامة ثم رخص منهن في حرائر أهل الكتاب، ولم يختلف الناس فيما
علمنا في أن الزانية المسلمة لا تحل لمشرك وثنى ولا كتابي، وأن المشركة الزانية لا تحل لمسلم زان ولا غيره
فإجماعهم على هذا المعنى في كتاب الله حجة على من قال هو حكم بينهما لأن في قوله إن الزانية المسلمة
ينكحها الزاني أو المشرك وقد اعترف ما عز عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حلف رسول الله
صلى الله عليه وسلم (1) بكرا في الزنا فجلده وجلد امرأة فلا نعلمه قال للزوج: هل لك زوجة فتحرم
عليك إذا زنيت ولا يزوج هذا الزاني ولا الزانية إلا زانية أو زانيا بل يروى عنه صلى الله عليه وسلم أن
رجلا شكا من امرأته فجورا فقال (طلقها) فقال إني أحبها فقال (استمتع بها) وقد روى عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه أنه قال لرجل أراد أن ينكح امرأة أحدثت وتذكر حدثها فقال عمر (انكحها
نكاح العفيفة المسلمة).
ما جاء فيما يحرم من نكاح القرابة والرضاع وغيره
(قال الشافعي) رحمه الله: قال الله عز وجل (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم
وعماتكم) إلى قوله (إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما) (قال الشافعي) فالأمهات أم الرجل
وأمهاتها وأمهات آبائه وإن بعدن الجدات لأنه يلزمهن اسم الأمهات والبنات بنات الرجل لصلبه
وبنات بنيه وبناته وإن سفلن فكلهن يلزمهن اسم البنات والأخوات من ولد أبوه لصلبه أو أمة بعينها
وعماته من ولد جده وجدته ومن فوقهما من أجداده وجداته وخالاته من ولدته جدته أم أمه ومن فوقها
من جداته من قبلها وبنات الأخ كل من ولد الأخ لأبيه أو لامه أو لهما ومن ولد ولده وأولاده بنى أخيه
وإن سفلوا وهكذا بنات الأخت وحرم الله الام والأخت من الرضاعة فتحريمهما يحتمل معنيين أحدهما
إذا ذكر الله تحريمهما ولم يذكر في الرضاع تحريم غيرهما لأن الرضاعة أضعف سببا من النسب فإذا كان
النسب الذي هو أقوى سببا قد يحرم به ذوات نسب ذكرن ويحل ذوات نسب غيرهن إن سكت عنهن
أولى أن يكون الرضاع هكذا ولا يحرم به إلا الام والأخت وقد تحرم على الرجل أم امرأته وإن لم يدخل

(1) قوله: وقد حلف، كذا في نسخة ولعله محرف عن " حد " وليست هذه الجملة في باقي النسخ، فانظر. كتبه
مصححه.
159

بامرأته ولا تحرم عليه ابنتها إذا لم يدخل بواحدة منهما، والمعنى الثاني إذا حرم الله الام والأخت من الرضاعة كما حرم الله الوالدة والأخت التي ولدها أحد الوالدين أو هما ولم يحرمهما بقرابة غيرهما ولا بحرمة
غيرهما كما حرم ابنة امرأته بحرمة امرأته وامرأة الابن بحرمة الابن وامرأة الأب بحرمة الأب فاجتمعت
الام من الرضاعة إذ حرمت بحرمة نفسها والأخت من الرضاعة إذ حرمت نصا وكانت ابنة الام أن
تكون من سواها من قرابتها تحرم كما تحرم بقرابة الام الوالدة والأخت للأب أو الام أو لهما فلما احتملت
الآية المعنيين كان علينا أن نطلب الدلالة على أولى المعنيين فنقول به فوجدنا الدلالة بسنة النبي صلى الله
عليه وسلم على أن هذا المعنى أولاهما فقلنا يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة عن عائشة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة) (قال الشافعي) إذا حرم من الرضاع
ما حرم من الولادة حرم لبن الفحل (قال الشافعي) لو تزوج الرجل المرأة فماتت أو طلقها ولم يدخل بها
فلا أرى له ان ينكح أمها لأن الله عز وجل قال (وأمهات نسائكم) ولم يشترط فيهن كما شرط في
الربائب وهو قول الأكثر ممن لقيت من المفتين وكذلك جداتها وإن بعدن لأنهن أمهات امرأته وإذا
تزوج الرجل فلم يدخل بها حتى ماتت أو طلقها فأبانها فكل بنت لها وإن سفلت حلال لقول الله عز
وجل (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح
عليكم) فإن دخل بالام لم تحل له الابنة ولا ولدها وإن تسفل كل من ولدته قال الله عز وجل
(وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) فأي امرأة نكحها رجل دخل بها أو لم يدخل بها لم يكن
للأب أن ينكحها أبدا، ومثل الأب في ذلك آباؤه كلهم من قبل أبيه وأمه فكذلك كل من نكح ولد
ولده الذكور والإناث وإن سفلوا لأنهم بنوه قال الله عز وجل (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء
(قال الشافعي) وكذلك امرأة ابنه الذي أرضع تحرم هذه بالكتاب وهذه بأن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة)) وليس هو خلافا للكتاب لأنه إذا حرم حلائل الأبناء من
الأصلاب فلم يقل غير أبنائهم من أصلابهم وكذلك الرضاع في هذا الموضع يقوم مقام النسب فأي
امرأة ينكحها رجل دخل بها أو لم يدخل بها لم يكن لولده ولا لولد ولده الذكور والإناث ون سفلوا أن
ينكحها أبدا لأنها امرأة أب لأن الأجداد آباء في الحكم وفي أمهات النساء لأنه لم يستثن فيهما ولا في
أمهات النساء وكذلك أبو المرضع له. والله تعالى أعلم
ما يحرم الجمع بينه من النساء في قول الله عز وجل
(وأن تجمعوا بين الأختين)
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (وأن تجمعوا بين الأختين) (قال الشافعي) ولا يجمع بين
أختين أبدا بنكاح ولا وطئ ملك وكل ما حرم من الحرائر بالنسب والرضاع حرم من الإماء مثله إلا
العدد والعدد ليس من النسب والرضاع بسبيل فإذا نكح امرأة ثم نكح أختها فنكاح الآخرة باطل
ونكاح الأولى ثابت وسواء دخل بها أو لم يدخل بها ويفرق بينه وبين الآخرة وإذا كانت عنده أمة يطؤها
لم يكن له وطئ الأخت إلا بأن يحرم عليه فرج التي كان يطأ بأن يبيعها أو يزوجها أو يكاتبها أو يعتقها
160

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها)
(قال الشافعي) فأيتهما نكح أولا ثم نكح عليها أخرى فسد نكاح الآخرة ولو نكحها في عقدة كانت
العقدة مفسوخة وينكح أيتهما شاء بعد وليس في أن (لا يجمع بين المرأة وعمتها خلاف كتاب الله عز
وجل لأن الله ذكر من تحرم بكل حال من النساء ومن يحرم بكل حال إذا فعل في غير شئ مثل
الربيبة إذا دخل بأمها حرمت بكل حال وكانوا يجمعون بين الأختين فنهوا عن ذلك و ليس في نهيه عنه
إباحة ما سوى جمعا بين غير الأختين لأنه قد يذكر الشئ في الكتاب فيحرمه ويحرم على لسان نبيه غيره
كما ذكر المرأة المطلقة ثلاثا فقال ((فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى ينكح زوجا غيره) فبين على لسان
نبيه صلى الله عليه وسلم يصيبها. الا لم تحل له مع كثير بينه الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم
(قال) وكذلك ليس في قوله (وأحل لكم ما وراء ذلكم) إباحة غيره مما حرم في غير هذه الآية على
لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ألا ترى أنه يقول (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل أسلم وعنده عشر نسوة (أمسك أربعا وفارق سائرهن) فبينت
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن انتهاء الله إلى أربع حظر أن يجمع بين أكثر منهن فلو نكح رجل
خامسة على أربع كان نكاحها مفسوخا ويحرم من غير جهة الجمع كما حرم نساء منهن المطلقة ثلاثا
ومنهن الملاعنة ويحرم إصابة المرأة بالحيض والاحرام فكل هذا متفرق في مواضعه * وما حرم على
الرجل من أم امرأته وأو بنتها أو امرأة أبيه أو امرأة ابنه بالنكاح فأصيبت من غير ذلك بالزنا لم تحرم لأن
حكم النكاح مخالف حكم الزنا وقال الله عز وجل (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم)
والمحصنات اسم جامع فجماعه أن الاحصان المنع والمنع يكون بأسباب مختلفة منها المنع بالحبس والمنع
يقع على الحرائر بالحرية ويقع على المسلمات بالاسلام ويقع على العفائف بالعفاف ويقع على ذوات
الأزواج بمنع الأزواج فاستدللنا بأن أهل العلم لم يختلفوا فيما علمت بأن ترك تحصين الأمة والحرة
بالحبس لا يحرم إصابة واحدة منهما بنكاح ولا ملك ولانى لم أعلمهم اختلفوا في أن العفائف وغير
العفائف فيما يحل منهن بالنكاح والوطئ بالملك سواء على أن هاتين ليستا بالمقصود قصدهما بالآية،
والآية تدل على أنه لم يرد بالاحصان ههنا الحرائر أنه إنما قصد بالآية قصد ذوات الأزواج ثم دل
الكتاب وإجماع أهل العلم أن ذوات الأزواج من الحرائر والإماء محرمات على غير أزواجهن حتى
يفارقهن أزواجهن بموت أو فرقة طلاق أو فسخ نكاح إلا السبايا فإنهن مفارقات لهن بالكتاب والسنة
والاجماع لأن المماليك غير السبايا لما وصفنا من هذا ومن أن السنة دلت أن المملوكة غير السبية إذا بيعت
أو أعتقت لم يكن بيعها طلاقا لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة حين أعتقت في المقام مع زوجها
أو فراقه ولو كان زوال الملك الذي فيه العقدة يزيل عقدة النكاح كان الملك إذا زال بعتق أولى أن يزول
العقد منه إذا زال ببيع ولو زال بالعتق لم يخير بريرة وقد زال ملك بريرة بأن بيعت فأعتقت فكان زواله
بمعنيين ولم يكن ذلك فرقة لأنها لو كانت فرقة لم يقل لك الخيار فيما لا عقد له عليك أن تقيمي معه أو
تفارقيه (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن
عائشة رضي الله عنها أن بريرة أعتقت فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) فإذا لم يحل فرج
ذات الزوج بزوال الملك في العتق والبيع فهي إذا لم تبع لم تحل بملك يمين حتى يطلقها زوجها وتخالف
السبية في معنى آخر وذلك أنها إن بيعت أو وهبت فلم يغر حالها من الرق وإن عتقت تغير بأحسن من
161

حالها الأول والسبية تكون حرة الأصل فإذا سبيت سقطت الحرية واستوهبت فوطئت بالملك فليس
انتقالها من الحرية بسبائها بأولى من فسخ نكاح زوجها عنها وما صارت به في الرق بعد أكثر من فرقة
زوجها.
الخلاف في السبايا
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) ذكرت لبعض الناس ما ذهبت إليه في قول الله عز وجل (إلا ما
ملكت أيمانكم) فقال هذا كما قلت ولم يزل يقول به ولا يفسره هذا التفسير الواضح غير أنا نخالفك منه
في شئ قلت وما هو؟ قال: نقول في المرأة يسبيها المسلمون قبل زوجها تستبرأ بحيضة، وتصاب،
ذات زوج كانت أو غير ذات زوج قال: ولكن إن سبيت وزوجها معها، فهما على النكاح (قال
الشافعي) فقلت له سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بنى المصطلق، ونساء هوازن بحنين،
وأوطاس، وغيره فكانت سنته فيهم، أن لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض، وأمر أن
يستبرءان بحيضة حيضة، وقد أسر رجالا من بنى المصطلق وهوازن فما علمناه سأل عن ذات زوج ولا
غيرها، فاستدللنا على أن السباء قطع للعصمة، والمسبية إن لم يكن السباء يقطع عصمتها من زوجها إذا
سبى معها لم يقطع عصمتها لو لم يسب معها ولا يجوز لعالم ولا ينبغي أن يشكل عليه بدلالة السنة إذ لم
يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذات زوج ولا غيرها، وقد علم أن فيهن ذوات أزواج بالحمل
وأذن بوطئهن بعد وضع الحمل وقد أسر من أزواجهن معهن أن السباء قطع للعصمة، (قال الشافعي)
رحمه الله فقال إني لم أقل هذا بخبر ولكني قلته قياسا فقلت فعلى ماذا قسته؟ قال قسته على المرأة تأتى
مسلمة مع زوجها فيكونان على النكاح ولو أسلمت قبله وخرجت من دار الحرب انفسخ النكاح فقلت
له والذي قست عليه أيضا خلاف السنة فتخطئ خلافها وتخطئ القياس قال وأين أخطأت القياس؟
قلت أجعلت إسلام المرأة مثل سبيها؟ قال نعم قلت أفتجدها إذا أسلمت ثبتت على الحرية فازدادت
خيرا بالاسلام؟ قال نعم قلت أفتجدها إذا سبيت رقت وقد كانت حرة؟ قال نعم قلت أفتجد حالها
واحدة؟ قال أما في الرق فلا ولكن في الفرج فقلت له فلا يستويان في قولك في الفرج قال وأين
يختلفان؟ قلت أرأيت إذا سبيت الحرة في دار الحرب فاستؤمنت وهرب زوجها وحاضت حيضة
واحدة أتوطأ؟ قال أكره ذلك فإن فعل فلا بأس قلت وهي لا توطأ إلا والعصمة منقطعة بينها وبين
زوجها؟ قال نعم، قلت وحيضة استبراء كما لو لم يكن لها زوج قال وتريد ماذا؟ قلت أريد إن قلت
تعتد من زوج أعتدت عندك حيضتين إن ألزمتها العدة بأنها أمة وإن ألزمتها بالحرية فحيض قال ليست
بعدة، قلت أفتبين لك أن حالها في النساء إذا صارت سبيا بعد الحرية فيما يحل به من فرجها سواء
كانت ذات زوج أو غير ذات زوج؟ قال إنها الآن تشبه ما قلت، قلت له فالحرة تسلم قبل زوجها
بدار الحرب؟ قال فهما على النكاح الأول حتى تحيض ثلاث حيض فإن أسلم قبل أن تحيض ثلاث
حيض كانا على النكاح الأول، قلت فلم خالفت بينهما في الأصل والفرع؟ قال: ا وجدت من
ذلك بدا، قلت له: فلرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة في الحرائر يسلمن وأخرى في الحرائر يسبين
فيسترقين والأخرى في الإماء لا يسبين فكيف جاز ان تصرف سنة إلى سنة وهما عند أهل العلم سنتان
مختلفتان باختلاف حالات النساء فيهما؟ وقلت له فالحرة تسلم قبل زوجها أو زوجها قبلها أيهما أسلم قبل
162

الآخر ثم أسلم الآخر قبل انقضاء عدة المرأة فالنكاح الأول ثابت فإن انقضت العدة قبل إسلام الآخر
منهما فقد انقطعت العصمة بينهما وسواء في ذلك كان إسلام المرأة قبل الرجل أو الرجل قبل امرأة إذا
افترقت دارهما أو لم تفترق ولا تصنع الدار فيما يحرم من الزوجين بالاسلام شيئا سواء خرج المسلم منهما
إلى دار الاسلام أو صارت داره دار الاسلام أو كان مقيما بدار الكفر لا تغير الدار من الحكم بينهما شيئا
(قال الشافعي) رحمه الله، فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل له: أسلم أبو سفيان بن حرب بمر
الظهران وهي دار خزاعة وخزاعة مسلمون قبل الفتح في دار الاسلام فرجع إلى مكة وهند بنت عتبة
مقيمة على غير الاسلام فأخذت بلحيته وقالت اقتلوا الشيخ الضال ثم أسلمت هند بعد إسلام أبي سفيان
بأيام كثيرة وقد كانت كافرة مقيمة بدار ليست بدار الاسلام يومئذ وزوجها مسلم في دار الاسلام
وهي في دار الحرب ثم صارت مكة دار الاسلام وأبو سفيان بها مسلم وهند كافرة ثم أسلمت قبل
انقضاء العدة فاستقرا على النكاح لأن عدتها لم تنقض حتى أسلمت وكان كذلك حكيم بن حزام
وإسلامه وأسلمت امرأة صفوان بن أمية وامرأة عكرمة بن أبي جهل بمكة فصارت دارهما دار الاسلام
وظهر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وهرب عكرمة إلى اليمن وهي دار حرب وصفوان يريد
اليمن وهي دار حرب ثم رجع صفوان إلى مكة وهي دار إسلام وشهد حنينا وهو كافر ثم أسلم فاستقرت
عنده امرأته بالنكاح الأول ورجع عكرمة وأسلم فاستقرت عنده امرأته بالنكاح الأول وذلك أن عدتهما
لم تنقض فقلت له ما وصفت لك من أمر أبي سفيان وحكيم بن حزام وأزواجهما وأمر صفوان وعكرمة
و أزواجهما أمر معروف عند أهل العلم بالمغازي فهل ترى ما احتججت به من أن الدار لا تغير من الحكم
شيئا إذا دلت السنة على خلاف ما قلت وقد حفظ أهل المغازي أن امرأة من الأنصار كانت عند رجل
بمكة فأسلمت وهاجرت إلى المدينة فقدم زوجها وهي في العدة فأسلم فاستقرا على النكاح ونحن
وأنت نقول إذا كانا في دار حرب فأيهما أسلم قبل الآخر لم يحل الجماع وكذلك لو كانا في دار الاسلام وإنما
يمنع أحدهما من الآخر في الوطئ بالدين لأنهما لو كانا مسلمين في دار حرب حل الوطئ فقال إن من
أصحابك من يفرق بين المرأة والرجل وأنا أقوم بحجته فقلت له القيام بقول تدين به ألزم لك فإن كنت
عجزت عنه فلعلك لا تقوى على غيره قال فأنا أقوم به فأحتج بأن الله عز وجل قال (ولا تمسكوا بعصم
الكوافر) فقلت له: أيعدو قول الله عز وجل: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) أن يكون إذا أسلم وزوجته
كافرة كان الاسلام قطعا للعصمة بينهما حين يسلم لأن الناس لا يختلفون في أنه ليس له أن يطأها في
تلك الحال إذا كانت وثنية أو يكون قول الله عز وجل (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) إذا جاءت عليهن
مدة لم يسلمن فيها أو قبلها؟ قال ما يعدو هذا قلت فالمدة هل يجوز بأن تكون هكذا أبدا إلا بخير في
كتاب الله عز وجل أو سنة أو إجماع؟ قال لا قلت وذلك أن رجلا لو قال مدتها ساعة وقال الآخر يوما
وقال آخر سنة وقال آخر مائة سنة لم يكن ههنا دلالة على الحق من ذلك إلا بخبر؟ قال نعم قلت
والرجل يسلم قبل امرأته (1) فقلت بأيهما شئت وليس قولك من حكيت قوله داخلا في واحد من هذين
القولين قال فهم يقولون إذا أسلم قبلها وتقارب ما بين إسلامهما قلت أليس قد أسلم وصار من ساعته لا
يحل له إصابتها ثم أسلمت فقرت معه على النكاح الأول في قولهم؟ قال بلى قلت فلم تقطع بالاسلام

(1) فقلت الخ كذا في النسخ ولا نأمن من تحريف العبارة أو سقوط شئ منها والنسخ في هذا الموضع سقيمة
فحرر. كتبه مصححه.
163

بينهما وقطعتها بمدة بعد الاسلام؟ قال نعم ولكنه يقول كان بين إسلام أبي سفيان وهند شئ يسير قلت
أفتحده؟ قال لا ولكنه شئ يسير قلت لو كان أكثر منه انقطعت عصمتها منه؟ قال وما علمته يذكر
ذلك قلت فإسلام صفوان بعد إسلام امرأته بشهر أو أقل منه وإسلام عكرمة بعد إسلام امرأته بأيام فإن
قلنا إذا مضى الأكثر وهو نحو من شهر انقطعت العصمة بين الزوجين لأنا لا نعلم أحدا ترك أكثر مما ترك
صفوان أيجوز ذلك؟ قال لا قلت هم يقولون إن الزهري حمل حديث صفوان وعكرمة وقال في
الحديث غير هذا قلت فقال الزهري إلا أن يقدم زوجها وهي في العدة فجعل العدة غاية انقطاع ما بين
الزوجين إذا أسلمت المرأة فلم لا يكون هكذا إذا أسلم الزوج؟ والزهري لم يرو في حديث مالك أمر أبي سفيان
وهو أشهر من أمر صفوان وعكرمة والخبر فيهما واحد والقرآن فيهم والاجماع واحد؟ قال الله تبارك
وتعالى (فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن * فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم
ولا هم يحلون لهن) فلم يفرق بين المرأة تسلم قبل زوجها ولا الرجل يسلم قبل امرأته قلت فحرم الله عز
وجل على الكفار نساء المؤمنين لم يبح واحدة منهن بحال ولم يختلف أهل العلم في ذلك وحرم على
رجال المؤمنين نكاح الكوافر إلا حرائر الكتابيين منهم فزعم أن إحلال الكوافر اللاتي رخص في بعضهن
للمسلمين أشد من إحلال الكفار الذين لم يرخص لهم في مسلمة بما وصفنا من قولهم إذا أسلمت المرأة
لم ينفسخ النكاح إلا لانقضاء العدة وزوجها كافر وإذا أسلم الزوج انفسخ نكاح المرأة قبل العدة ولو
كان يجوز أن يفرق بينهما بغير خبر كان الذي شددوا فيه أولى ان يرخصوا فيه والذي رخصوا فيه أولى أن
يشددوا فيه والله الموفق.
الخلاف فيما يؤتى بالزنا
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وقلنا إذا نكح رجل امرأة حرمت على ابنه وأبيه وحرمت
عليه أمها بما حكيت من قول الله عز وجل (قال) فإن زنى بامرأة أبيه أو ابنه أو أم امرأته، فقد عصى
الله تعالى ولا تحرم عليه امرأته، ولا على أبيه، ولا على ابنه امرأته لو زنى بواحدة منهما، لأن الله عز
وجل إنما حرم بحرمة الحلال تعزيزا لحلاله وزيادة في نعمته بما أباح منه بأن أثبت به الحرم التي لم تكن
قبله، وأوجب بها الحقوق والحرام خلاف الحلال، وقال بعض الناس إذا زنى الرجل بامرأة حرمت
عليه أمها، وابنتها وإن زنى بامرأة أبيه أو ابنه حرمت عليهما امرأتاهما، وكذلك إن قبل واحدة منهما،
أو لمسها بشهوة فهو مثل الزنا والزنا يحرم ما يحرم الحلال فقال لي لم قلت إن الحرام لا يحرم ما يحرم
الحلال؟ فقلت له استدلالا بكتاب الله عز وجل والقياس على ما أجمع المسلمون عليه بما هو في معناه
والمعقول، والأكثر من قول أهل دار السنة والهجرة وحرم الله قال فأوجدني ما وصفت قلت قال الله
تبارك وتعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) وقال تعالى (وحلائل أبنائكم) وقال (وأمهات
نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) أفلست تجد التنزيل إنما حرم
من سمى بالنكاح أو النكاح والدخول؟ قال بلى، قلت أفيجوز أن يكون الله تبارك وتعالى باسمه حرم
بالحلال شيئا فأحرمه بالحرام والحرام ضد الحلال؟ فقال لي فما فرق بينهما؟ قلت فقد فرق الله تعالى
بينهما قال فأين؟ قلت وجدت الله عز وجل ندب إلى النكاح وأمر به وجعله سبب النسب والصهر
والألفة والسكن وأثبت به الحرم والحق لبعض على بعض بالمواريث والنفقة، والمهر وحق الزوج بالطاعة
164

وإباحة ما كان محرما قبل النكاح. قال: نعم، قلت: ووجدت الله تعالى حرم الزنا فقال (ولا تقربوا
الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) فقال أجد جماعا وجماعا فأقيس أحد الجماعين بالآخر: قلت فقد
وجدت جماعا حلالا حمدت به ووجدت جماعا حراما رجمت به صاحبه أفرأيتك قسته به؟ فقال:
وما يشبهه؟ فهل توضحه بأكثر من هذا؟ قلت في أقل من هذا كفاية وسأذكر لك بعض ما يحضرني منه
قال ما ذاك؟ قلت جعل الله تبارك وتعالى اسمه الصهر نعمة فقال (فجعله نسبا وصهرا) قال نعم قلت
وجعلك محرما لام امرأتك وابنتها وابنتها تسافر بها؟ قال نعم قلت وجعل الزنا نقمة في الدنيا بالحد. وفي
الآخرة بالنار إن لم يعف، قال: نعم قلت أفتجعل الحلال الذي هو نعمة قياسا على الحرام الذي هو
نقمة أو الحرام قياسا عليه ثم تخطئ القياس وتجعل الزنا لو زنى بامرأة محرما لامها وابنتها؟ قال هذا أبين
ما احتججت به منه، قلت: فإن الله تبارك وتعالى قال في المطلقة الثالثة (فإن طلقها فلا تحل له من
بعد حتى تنكح زوجا غيره) وجاءت السنة بأن يصيبها الزوج الذي نكح فكانت حلاله له قبل الثلاث
ومحرمة عليه بعد الثلاث حتى تنكح ثم وجدناها تنكح زوجا ولا تحل له حتى يصيبها الزوج ووجدنا
المعنى الذي يحلها الإصابة أفرأيت إن احتج بهذا عليك رجل يغبى غباءك عن معنى الكتاب فقال
الذي يحلها للزوج بعد التحريم هو الجماع لأني قد وجدتها مزوجة فيطلقها الزوج أو يموت عنها فلا تحل
لمن طلقها ثلاثا إذا لم يصبها الزوج الآخر وتحل إن جامعها فإنما معنى الزوج في هذا الجماع وجماع
بجماع، وأنت تقول جماع الزنا يحرم ما يحرم جماع الحلال فإن جاء معها رجل بزنا حلت له قال إذا
يخطئ، قلت ولم؟ أليس لأن الله أحلها بزوج والسنة دلت على إصابة الزوج فلا تحل حتى يجتمع
الأمران فتكون الإصابة من زوج؟ قال نعم قلت: فإن كان الله إنما حرم بنت المرأة وأمها وامرأة الأب
بالنكاح فكيف جاز أن تحرمها بالزنا؟ وقلت له قال الله تعالى (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن)
وقال (فإن طلقها) فملك الرجال الطلاق وجعل على النساء العدد، قال: نعم قلت أفرأيت المرأة إذا
أرادت تطلق زوجها ألها ذلك؟ قال لا قلت فقد جعلت لها ذلك قال وأين؟ قلت زعمت أنها إذا
كرهت زوجها قبلت ابنه بشهوة فحرمت على زوجها بتقبيلها ابنه فجعلت إليها ألم يجعل الله إليها
فخالفت حكم الله ههنا وفي الآي قبله، فقال قد تزعم أنت أنها إن ارتدت عن الاسلام حرمت على
زوجها؟ قلت وإن رجعت وهي في العدة فهما على النكاح أفتزعم أنت هذا في التي تقبل ابن زوجها؟
قال لا قلت فإن مضت العدة ثم رجعت إلى الاسلام كان لزوجها أن ينكحها بعد؟ أفتزعم في التي
تقبل ابن زوجها أن لزوجها أن ينكحها بعد بحال؟ قال لا قلت فأنا أقول إذا ثبتت على الردة حرمتها
على المسلمين كلهم لأن الله حرم مثلها عليهم أفتحرم التي تقبل ابن زوجها على المسلمين كلهم؟ قال لا
قلت وأنا أقتل المرتدة وأجعل مالها فيئا أفتقتل أنت التي تقبل ابن زوجها وتجعل مالها فيئا؟ قال لا قلت
فبأي شئ شبهتها؟ بها قال إنها لمفارقة لها قلت نعم في كل أمرها؟ وقلت له أرأيت لو طلق امرأته ثلاثا
أتحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره؟ قال نعم قلت فإن زنى بها ثم طلقها ثلاثا أتحرم عليه حتى تنكح
زوجا غيره؟ قال لا قلت فأسمعك قد حرمت بالطلاق إذا طلقت زوجة حلال ما لم تحرم بالزنا لو طلق
مع الزنا. قال لا يشتبهان قلت أجل وتشبيهك إحداهما بالأخرى الذي أنكرنا عليك قال أفيكون شئ
يحرمه الحلال لا يحرمه الحرام؟ قلت: نعم قال وما هو؟ قلت ما وصفناه وغيره أرأيت الرجل إذا نكح
امرأة أيحل له أن ينكح أختها أو عمتها عليها؟ قال لا قلت فإذا نكح أربعا أيحل له أن ينكح عليهن
خامسة؟ قال لا قلت أفرأيت لو زنى بامرأة له أن ينكح أختها أو عمتها من ساعته أو زنى بأربع في
165

ساعة أيكون له أن ينكح أربعا سواهن؟ قال نعم ليس يمنعه الحرام مما يمنعه الحلال. وقلت له قال الله
عز وجل (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن
يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) ثم حد الزاني الثيب على
لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وفي فعله أعظم حدا حده الرجم وذلك أن القتل بغير رجم أخف
منه وهتك بالزنا حرمة الدم فجعل حقا أن يقتل بعد تحريم دمه ولم يجعل فيه شيئا من الأحكام التي
أثبتها باحلال فلم يثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أهل دين الله بالزنا نسبا ولا ميراثا ولا
حرما أثبتها بالنكاح وقالوا في الرجل إذا نكح المرأة فدخل بها كان محرما لا بنتها يدخل عليها ويخلو بها
ويسافر وكذلك أمها وأمهاتها وكذلك يكون بنوه من غيرها محرما لها يسافرون بها ويخلون وليس يكون
من زنى بامرأة محرما لامها ولا ابنتها ولا ينوه محرما لها بل حمدوا بالنكاح وحكموا به وذموا على الزنا
وحكموا بخلاف حكم الحلال وإنما حرم الله أم المرأة وامرأة الأب والابن بحرمة أثبتها الله عز وجل لكل
على كل وإنما ثبتت الحرمة بطاعة الله فأما معصية الله بالزنا فلم يثبت بها حرمة بل هتكت بها حرمة
الزانية والزاني فقال ما يدفع ما وصفت؟ فقلت فكيف أمرتني أن أجمع بين الزنا والحلال وقد فرق الله
تعالى ثم رسوله ثم المسلمون بين أحكامهما؟ قال فهل فيه حجة مع هذا؟ قلت بعض هذا عندنا وعندك
يقوم بالحجة وإن كانت فيه حجج سوى هذا قال وما هي قلت: أرأيت المرأة ينكحها ولا يراها حتى
تموت أو يطلقها أتحرم عليه أمها وأمهاتها وإن بعدن والنكاح كلام؟ قال نعم قلت ويكون بالعقدة محرما
لامها يسافر ويخلو بها؟ قال نعم قلت أفرأيت المرأة يواعدها الرجل بالزنا تأخذ عليه الجعل ولا ينال منها
شيئا أتحرم عليه أمها بالكلام بالزنا وإلا تعاد به وباليمين لتفين له به؟ قال لا ولا تحرم إلا بالزنا واللمس
والقبلة بالشهوة، قلت أرأيت المرأة إذا نكحها رجل ولم يدخل بها ويقع عليها وقذفها أو نفى ولدها أو
يحد لها ويلاعن أو آلى منها أيلزمه إيلاء أو ظاهر أيلزمه ظهار أو مات أترثه أو ماتت أيرثها؟ قال نعم قلت
فإن طلقها قبل أن يدخل بها وقع عليها طلاقه؟ قال نعم قتل أفرأيت إن زنى بها ثم طلقها ثلاثا أتحرم
عليه كما حرم الله عز وجل المنكوحة بعد ثلاث أو قذفها أيلاعنها أو آلى منها أو تظاهر أو مات أترثه أو
ماتت أيرثها؟ قال لا قلت ولم؟ ألأنها ليست له بزوجة وإنما أثبت الله عز وجل هذا بين الزوجين؟ قال
نعم قلت له ولو نكح امرأة حرمت عليه أمها وأمهاتها وإن لم يدخل بالبنت؟ قال نعم قلت له ولو نكح
الام فلم يدخل بها حتى تموت أو يفارقها حلت له البنت؟ قال نعم فقلت قد وجدت العقدة تثبت لك
عليها أمورا منها لو ماتت لأنها زوجته وتثبت بينك وبينها ما يثبت بين الزوجين من الظهار والايلاء
واللعان فلما افترقتما قبل الدخول حرمت عليك أمها ولم تحرم عليك بنتها فلم فرقت بينهما وحرمت مرة
بالعقدة والجماع وأخرى بالعقدة دون الجماع؟ قال لما أحل الله تعالى الربيبة إن لم يدخل بالام وذكر الام
مبهمة فرقت بينهما قلت فلم لم تجعل الام قياسا على الربيبة وقد أحلها غير واحد؟ قال لما أبهم الله الام
أبهمناها فحرمناها بغير الدخول ووضعت الشرط في الربيبة وهو الموضع الذي وضعه الله تعالى فيه ولم
يكن اجتماعهما في أن كل واحدة منهما زوجة حكمها حكم الأزواج بأن كل واحدة منهما تحرم صاحبتها
يعد الدخول يوجب على أن أجمع بينهما في غيره إذا لم يدل على اجتماعهما خبر لازم قلت له فالحلال
أشد مباينة للحرام أم الام للابنة؟ قال بل الزنا للحلال أشد فراقا قلت فلم فرقت بين الام والابنة وقد
اجتمعنا في خصال وافترقنا في واحدة وجمعت بين الزنا والحلال وهو مفارق له عندك في أكثر أمره
وعندنا في كل أمره؟ فقال فإن صاحبنا قال يوجدكم الحرام يحرم الحلال، قلت له في مثل ما اختلفنا
166

فيه من أمر النساء، قال لا ولكن في غيره من الصلاة والمأكول والمشروب والنساء قياس عليه قلت له
أفتجيز لغيرك أن يجعل الصلاة قياسا على النساء والمأكول والمشروب؟ قال أما في كل شئ فلا فقلت له
الفرق لا يصلح إلا بخبر أو قياس على خبر لازم، قلت فإن قال قائل فأنا أقيس الصلاة بالنساء والنساء
بالمأكول والمشروب حيث تفرق وأفرق بينهما حيث تقيس فما الحجة عليه؟ قال ليس له أن يفرق إلا
بخبر لازم، قلت ولا لك قال أجل قلت له وصاحبك قد أخطأ القياس ان قاس شريعة بغيرها وأخطأ
لو جاز له في ذلك القياس قال وأين أخطأ؟ قلت صف قياسه قال: قال الصلاة حلال والكلام فيها
حرام فإذا تكلم فيها فسدت صلاته فقد أفسد الحلال بالحرام فقلت له لم زعمت أن الصلاة فاسدة لو
تكلم فيها؟ الصلاة لا تكون فاسدة ولكن الفاسد فعله لا هي ولكني قلت لا تجزئ عنك الصلاة ما لم
تأت بها كما أمرت فلو زعمت أنها فاسدة كانت على غير معنى ما أفسدت به النكاح قال وكيف؟ قلت
أنا أقول له عد لصلاتك الآن فائت بها كما أمرت ولا أزعم أن حراما عليه أن يعود لها ولا أن كلامه فيها
يمنعه من العودة إليها ولا تفسد عليه صلاته قبلها ولا بعدها ولا يفسدها إفساده إياها على غيره ولا نفسه
قال وأنا أقول ذلك قلت وأنت تزعم أنه إذا قبل امرأة حرمت عليه أمها وابنتها أبدا قال أجل قلت
وتحل له هي؟ قال نعم قلت وتحرم على أبيه وابنه؟ قال نعم قلت وهكذا قلت في الصلاة؟ قال لا قلت
أفتراهما يشتبهان؟ قال أما الآن فلا وقد قال صاحبنا الماء حلال والخمر حرام فإذا صب الماء في الخمر
حرم الماء والخمر فقلت له أرأيت إذا صببت الماء في الخمر أما يكون الماء الحلال مستهلكا في الحرام؟
قال بلى قلت أفتجد المرأة التي قبلها للشهوة وابنتها كالخمر والماء؟ قال وتريد ماذا؟ قلت أتجد المرأة
محرمة على كل أحد كما تجد الخمر محرمة على كل أحد؟ قال: لا قلت أو تجد المرأة وابنتها تختلطان
اختلاط الماء والخمر حتى لا تعرف واحدة منهما من صاحبتها كما لا يعرف الخمر من الماء؟ قال لا قلت
أفتجد القليل من الخمر إذا صب في كثير الماء نجس الماء؟ قال لا قلت أفتجد قليل الزنا والقبلة للشهوة
لا تحرم ويحرم كثيرها؟ قال لا ولا يشبه أمر النساء الخمر والماء قلت فكيف قاسه بالمرأة؟ ولو قاسه كان
ينبغي أن يحرم المرأة التي قبلها وزنى بها وابنتها كما حرم الخمر والماء قال ما يفعل ذلك وما هذا بقياس
قلت فكيف قبلت هذا منه؟ قال ما وجدنا أحدا قط بين هذا لنا كما بينته ولو كلم صاحبنا بهذا لظننت
أنه لا يقيم على قوله ولكنه (1) عقل وضعف من كلمة قلت أفيجوز لاحد أن يقول في رجل يعصى الله
في امرأة فيزني بها فلا يحرم الزنا عليه أن ينكحها وهي التي عصى الله فيها إذا أتاها بالوجه الذي أحله
الله له وتحرم عليه ابنتها وهو لم يعص الله في ابنتها؟ فهل رأيت قط عورة أبين من عروة هذا القول؟ قال
فالشعبي قال قولنا قلت فلو لم يكن في قولنا كتاب ولا سنة ولا ما أوجدناك من القياس والمعقول أكان
قول الشعبي عندك حجة؟ قال لا وقد روى عن عمران بن الحصين قلت من وجه لا يثبت، قال نقل
وروى عن ابن عباس قولنا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فرجع عن قولهم وقال الحق عندك والعدل
في قولكم ولم يصنع أصحابنا شيئا والحجة علينا بما وصفت وأقام أكثرهم على خلاف قولنا والحجة
عليهم بما وصفت (قال) فقال لي فاجمع في هذا قولا قلت إذا حرم الشئ بوجه استدللنا على أنه لا
يحرم بالذي يخالفه كما إذا أحل شئ بوجه لم يحل بالذي يخالفه والحلال ضد الحرام والنكاح حلال
والزنا ضد النكاح ألا ترى أنه يحل لك الفرج بالنكاح ولا يحل لك بالزنا الذي يخالفه؟ فقال لي منهم

(1) قوله عقل الخ كذا في النسخ، وفي الكلام تحريف.
167

قائل فإنا روينا عن وهب بن منبه قال مكتوب في التوراة ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها (قال)
قلت له ولا يدفع هذا وأصغر ذنبا من الزاني بالمرأة وابنتها والمرأة بلا ابنة ملعون قد لعنت الواصلة
والموصولة والمختفي (قال الربيع) المختفى النباش والمختفية فالزنا أعظم من هذا كله ولعله أن يكون
ملعونا بالزنا بأحدهما وإن لم ينظر إلى فرج أم ولا ابنتها لأن الله تبارك وتعالى قد أوعد على الزنا، ولو
كنت إنما حرمته من أجل أنه ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها لم يجز أن تحرم على الرجل امرأته إن
زنى بها أبوه فإنه لم ينظر مع فرج امرأته إلى فرج أمها ولا ابنتها ولو كنت حرمته لقوله ملعون لزمك مكان
هذا في آكل الربا ومؤكله وأنت لا تمنع من أربى إذا اشترى بأجل أن يحل له غير السلعة التي أربى ولا
إذا اختفى قبرا من القبور أن يحل له أن يحفر غيره ويحفر هو إذا ذهب الميت بالبلى قال اجل قلت
فكيف لم تقل لا يمنع الحرام الحلال كما قلت في الذي أربى واختفى؟
ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم
أخبرنا الربع قال (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات
فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن * فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم
يحلون لهن) وقال تبارك وتعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو
أعجبتكم) الآية فنهى الله عز وجل في هاتين الآيتين عن نكاح نساء المشركين كما نهى عن إنكاح
رجالهم (قال) وهاتان الآيتان تحتملان معنيين أن يكون أريد بهما مشركو أهل الأوثان خاصة فيكون
الحكم فيهما بحاله لم ينسخ ولا شئ منه لأن الحكم في أهل الأوثان ان لا ينكح مسلم منهم امرأة كما لا
ينكح رجل منهم مسلمة (قال) وقد قيل هذا فيها وفيما هو مثله عندنا والله أعلم به (قال) وتحتملان أن
تكونا في جميع المشركين وتكون الرخصة نزلت بعدها في حرائر أهل الكتاب خاصة كما جاءت في
ذبائح أهل الكتاب من بين المشركين خاصة قال الله تبارك وتعالى (أحل لكم الطيبات وطعام الذين
أوتوا الكتاب حل لكم) الآية وقال الله تبارك وتعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات
المؤمنات) إلى قوله (ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم) (قال الشافعي) رحمه الله
فبهذا كله نقول لا تحل مشركة من غير أهل الكتاب بنكاح ولا يحل أن ينكح من أهل الكتاب إلا حرة
ولا من الإماء إلا مسلمة ولا تحل الأمة المسلمة حتى يجتمع الشرطان معا فيكون ناكحها لا يجد طولا
لحرة ويكون يخاف العنت إن لم ينكحها وهذا أشبه بظاهر الكتاب وأحب إلى لو ترك نكاح الكتابية
وإن نكحها فلا بأس وهي كالحرة المسلمة في القسم لها والنفقة والطلاق والايلاء والظهار والعدة وكل
أمر غير أنهما لا يتوارثان وتعتد منه عدة الوفاة وعدة الطلاق وتجتنب في عدتها من تجتنب المعتدة وكذلك
الصبية ويجبرها على الغسل من الجنابة والتنظيف فأما الأمة المسلمة فإن نكحها وهو يجد طولا لحرة فسخ
النكاح ولكنه إن لم يجد طولا ثم نكحها ثم أيسر لم يفسخ النكاح لأن العقدة انعقدت صحيحة فلا
يفسدها ما بعدها، ولو عقد نكاح حرة وأمة فقد قيل تثبت عقدة الحرة وعقدة الأمة مفسوخة وقد
قيل: هي مفسوخة معا (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن عمرو عن أبي الشعثاء قال لا يصلح
نكاح الإماء اليوم لأنه يجد طولا إلى حرة (قال الشافعي) فقال بعض الناس لم قلت لا يحل نكاح إماء
أهل الكتاب؟ فقلت استدلالا بكتاب الله عز وجل قال وأين ما استدللت منه؟ فقلت قال الله تبارك
168

وتعالى (ولا تنحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم) وقال (إذا
جاءكم المؤمنات) الآية فقلنا نحن وأنتم لا يحل لمن لزمه اسم كفر نكاح مسلمة حرة ولا أمة بحال أبدا ولا
يختلف في هذا أهل الكتاب وغيرهم من المشركين لأن الآيتين عامتان واسم المشرك لازم لأهل الكتاب
وغيرهم من المشركين ووجدنا الله عز وجل قال (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) فلم نختلف نحن
وأنتم انهن الحرائر من أهل الكتاب خاصة إذا خصص وتكون الإماء منهن من جملة المشركات المحرمات
فقال إنا نقول قد يحل الله الشئ ويسكت عن غيره غير محرم لما سكت عنه وإذا أحل حرائرهم دل
ذلك على إحلال إمائهم ودل ذلك على أنه عنى بالآيتين المشركين غرهم من أهل الأوثان فقلت:
أرأيت إن عارضك معارض بمثل حجتك التي قلت فقال وجدت في أهل الكتاب حكما مخالفا حكم
أهل الأوثان فوجدت الله عز وجل أباح نكاح حرائر أهل الكتاب وإنما تقاس إماؤهم بحرائرهم
فكذلك أنا أقيس رجالهم بنسائهم فأجعل لرجالهم أن ينكحوا المسلمات إذا كانوا خارجين من الآيتين
قال ليس ذلك له والارخاص في حرائر نسائهم ليس الارخاص في أن ينكح رجالهم المسلمات؟
قلت: فإن قال لك ولكنه في مثل معناه قياسا عليه قال ولا يكون عليه قياسا وإنما قصد بالتحليل عين
من جملة محرمة قلت فهذه الحجة عليك لأن إماءهم غير حرائرهم كما رجالهم غير نسائهم وإنما
حرائرهم مستثنون من جملة محرمة. قال: قد اجتمع الناس على أن لا يحل لرجل منهم أن ينكح
مسلمة. قلت: فإجماعهم على ذلك حجة عليك لأنهم إنما حرموا ذلك بكتاب الله عز وجل فرخصوا
في الحرائر بكتاب الله قال قد اختلفوا في الإماء من أهل الكتاب. قلت: فإذا اختلفوا فالحجة عنده
وعندك لمن وافق قوله معنى كتاب الله عز وجل ومن حرمهن فقد وافق معنى كتاب الله لأنهن من جملة
المشركات وبرئوا من أن يكونوا من الحرائر المخصوصات بالتحليل (قال) وقلنا لا يحل نكاح أمة
مسلمة إلا بأن لا يجد ناكحها طولا لحرة ولا تحل وإن لم يجد طولا لحرة حتى يخاف العنت فيجتمع فيه
المعنيان اللذان لهما أبيح له نكاح الأمة وخالفنا فقال: يحل نكاح الأمة بكل حال كما يحل نكاح الحرة
فقال لنا ما الحجة فيه؟ فقلت كتاب الله الحجة فيه. و الدليل على أن لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب
مع ما وصفنا من الدلالة عليه؟ فقلت له: قد حرم الله الميتة فقال (حرمت عليكم الميتة والدم)
واستثنى إحلاله للمضطر أفيجوز لاحد أن يقول لما حلت الميتة بحال لواحد موصوف وهو المضطر حلت
لمن ليس في صفته؟ قال لا. قلت وقد أمر الله تبارك وتعالى بالطهور وأرخص في السفر والمرض أن يقوم
الصعيد مقام الماء لمن يعوزه الماء في السفر وللمريض مثل المحذور في السفر والحضر بغير إعواز أفيجوز
لاحد أن يقول أجيز له التيمم في السفر على غير إعواز كما يجوز للمريض؟ قال: لا يجوز أبدا إلا لمعوز
مسافر وإذا أحل شئ بشرط لم يحلل إلا بالشرط الذي أحله الله تعالى به واحدا كان أو اثنين. قلت:
وكذلك حين أوجب عتق رقبة في الظهار ثم قال (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) لم يكن له أن
يصوم وهو يجد عتق رقبة؟ قال نعم: فقلت له قد أصبت: فإن كانت لك بهذا حجة على أحد لو
خالفك فكذلك هي عليك في إحلالك نكاح إماء أهل الكتاب. وإنما أذن الله تعالى في حرائرهم
ونكاح إماء المؤمنين بكل حال وإنما أذن الله فيهن لمن لم يجد طولا ولمن يخاف العنت وما يلزمه في هذا
أكثر مما وصفنا وفيما وصفت كفاية إن شاء الله تعالى. قال: فمن أصحابك من قال يجوز نكاح الإماء
المسلمات بكل حال قلت فالحجة على من أجاز نكاح إماء المؤمنين بغير ضرورة الحجة عليك والقرآن
يدل على أن لا يجوز نكاحهن إلا بمعنى الضرورة إلا أن لا يجد الناكح طولا لحرة ويخاف العنت فمن
169

وافق قوله كتاب الله عز وجل كان معه الحق.
باب التعريض في خطبة النكاح
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل (ولا جناح عليكم فيما
عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم) الآية (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الرحمن
بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول في قول الله عز وجل (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة
النساء) أنه يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها إنك على لكريمة واني فيك لراغب فإن
الله لسائق إليك خيرا ورزقا ونحو هذا من القول (قال الشافعي) كتاب الله يدل على أن التعريض في
العدة جائز لما وقع عليه اسم التعريض إلا ما نهى الله عز وجل عنه من السر وقد ذكر القاسم بعضه
والتعريض كثير واسع جائز كله وهو خلاف التصريح وهو ما يعرض به الرجل للمرأة مما يدلها على أنه
أراد به خطبتها بغير تصريح والسر الذي نهى الله عنه والله أعلم يجمع بين أمرين أنه تصريح
والتصريح خلاف التعريض وتصريح بجماع وهذا كأقبح التصريح فإن قال قائل: ما دل على أن السر
الجماع؟ قيل فالقرآن كالدليل عليه إذا أباح التعريض والتعريض عند أهل العلم جائز سرا وعلانية فإذا
كان هذا فلا يجوز أن يتوهم أن السر سر التعريض ولا بد من معنى غيره وذلك المعنى الجماع وقال امرؤ
القيس:
ألا زعمت بسياسة القوم أنني * كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي
كذبت لقد أصبى على المرء عرسه * وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي
وقال جرير يرثي امرأته:
كانت إذا هجر الخليل فراشها * خزن الحديث وعفت الاسرار
(قال الشافعي) فإذا علم أن حديثها مخزون فخزن الحديث أن لا يباح به سرا ولا علانية فإذا وصفها
فلا معنى للعفاف غير الاسرار والاسرار: الجماع.
ما جاء في الصداق
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) وقال عز وجل (فانكحوهن
بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن) وقال (أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين * فما استمتعتم به منهن
فآتوهن أجورهن) وقال (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) وقال (وإن أردتم استبدال زوج
مكان زوج وآتيتم) الآية وقال (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا
من أموالهم) وقال (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) فأمر الله الأزواج أن
يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن والاجر هو الصداق والصداق هو الاجر والمهر وهي كلمة عربية تسمى
بعدة أسماء فيحتمل هذا أن يكون مأمورا بالصداق من فرضه دون من لم يفرضه دخل أو لم يدخل لأنه
حق ألزمه نفسه ولا يكون له حبس لشئ منه إلا بالمعنى الذي جعله الله له وهو أن يطلق قبل الدخول
قال الله عز وجل (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن
170

يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) ويحتمل أن يكون يجب بالعقدة وإن لم يسم مهرا ولم يدخل،
ويحتمل أن يكون المهر لا يلزم إلا بأن يلزمه المرء نفسه أو يدخل بالمرأة وإن لم يسم لها مهرا فلما احتمل
المعاني الثلاث كان أولاها ان يقال به ما كانت عليه الدلالة من كتاب الله أو سنة أو إجماع فاستدللنا
بقول الله عز وجل (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن)
على أن عقدة النكاح تصح بغير فريضة صداق. وذلك أن الطلاق لا يقع إلا على من تصح عقدة
نكاحه، وإذا جاز أن يعقد النكاح بغير مهر فيثبت بهذا دليل على أن الخلاف بين النكاح والبيوع،
البيوع لا تنعقد إلا بثمن معلوم والنكاح ينعقد بغير مهر وإذا جاز أن ينعقد بغير مهر فيثبت استدلالنا على
أن العقدة تصح بالكلام وأن الصداق لا يفسد عقدة النكاح أبدا وإذا كان هكذا فلو عقد النكاح بمهر
مجهول أو حرام ثبتت العقدة بالكلام وكان للمرأة مهر مثلها إذا أصيبت على أنه لا صداق على من
طلق إذا لم يسم مهرا ولم يدخل وذلك أنه يجب بالعقدة والمسيس وإن لم يسم مهرا بالآية وبقول الله
عز وجل (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي ان يستنكحها خالصة لك من دون
المؤمنين) يريد والله تعالى أعلم بالنكاح والمسيس بغير مهر على أنه ليس لأحد غير رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن ينكح فيمس إلا لزمه مهر مع دلالة الآي قبله. ودل قول الله تبارك وتعالى (وآتيتم
إحداهن قنطارا) على أن لا وقت في الصداق كثر أو قل لتركه النهى عن القنطار وهو كثير وتركه حدا
للقليل ودلت عليه السنة والقياس على الاجماع فنقول أقل ما يجوز في المهر أقل ما يتمول الناس مما لو
استهلكه رجل لرجل كانت له قيمة وما يتبايعه الناس بينهم فإن قال قائل وما دل على ذلك؟ قل قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (أدوا العلائق) قيل وما العلائق يا رسول الله؟ قال (ما تراضى عليه
الأهلون) ولا يقع اسم علق إلا على ما يتمول وإن قل ولا يقع اسم مال إلا على ماله قيمة يباع بها
وتكون إذا استهلكها مستهلك أدى قيمتها وإن قلت وما لا يطرحه الناس من أموالهم مثل الفلس وما
أشبه ذلك الذي يطرحونه (قال الشافعي) والقصد في المهر أحب إلينا وأستحب أن لا يريد في المهر
على ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وبناته وذلك خمسمائة درهم طلب البركة في كل أمر
فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد العزيز بن محمد
عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة قال سألت عائشة رضي الله عنها: كم كان
صداق النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونش قالت أتدري ما
النش؟ قلت: لا قالت نصف أوقية فذلك خمسمائة درهم فذاك صداق رسول الله صلى الله عليه
وسلم لأزواجه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت إني وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام
رجل من الأنصار فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم (هل عندك شئ تصدقها إياه؟) فقال ما عندي إلا إزاري هذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم
(إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك قال فالتمس شيئا قال ما أجد شيئا فقال النبي صلى الله عليه وسلم
(التمس ولو خاتما من حديد) (قال الشافعي) فالخاتم من الحديد لا يسوى درهما ولا قريبا منه ولكن له
ثمن قدر ما يتبايع به الناس على ما وصفنا في الذي قبل هذا (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن حميد
عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف تزوج على وزن نواة.
171

باب الخلاف في الصداق
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولما ذكر الله عز وجل الصداق غير موقت واختلف الصداق في
زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتفع وانخفض وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ما وصفنا
من خاتم الحديد وقال ما تراضى به الأهلون ورأينا المسلمين قالوا في التي لا يفرض لها إذا أصيبت لها
مهر مثلها استدللنا على أن الصداق ثمن من الأثمان والثمن ما تراضى به من يجب له ومن يجب عليه من
ماله من قل أو كثر فعلمنا أن كل ما كانت له قيمة قلت أو كثرت فتراضى به الزوجان كان صداقا
وخالفنا بعض الناس في هذا فقال لا يكون الصداق أقل من عشرة دراهم وسألنا عن حجتنا بما قلنا
فذكرنا له ما قلنا من هذا القول فيما كتبنا وقلنا بأي شئ خالفتنا؟ قال روينا عن بعض أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم لا يكن الصداق أقل من عشرة دارهم وذلك ما تقطع فيه اليد قلت قد حدثناك
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ثابتا وليس في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة
وحديثك عمن حدثت عنه لو كان ثابتا لم يكن فيه حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف
وليس بثابت؟ قال فيقبح أن نبيح فرجا بشئ تافه؟ قلنا أرأيت رجلا لو اشترى جارية بدرهم أيحل له
فرجها؟ قال نعم قلت فقد أحللت الفرج بشئ تافه وزدت مع الفرج رقبة وكذلك تبيح عشر جواز
بدرهم في البيع وقلت له أرأيت شريفا ينكح امرأة دنية سيئة الحال بدرهم أدرهم أكثر لها على قدرها
وقدره أو عشره دراهم لامرأة شريفة جميلة فاضلة من رجل دنئ صغير القدر؟ قال بل عشرة لهذه
لقدرها أقل قلت: فلم تجيز لها التافه في قدرها؟ وأنت لو فرضت لها مهرا فرضته الأقل ولو فرضت
الأخرى لم تجاوز بها عشرة دراهم لأن ذلك كثير لها ولا يجاوز به مهر مثلها قال رضيت به قلت فلو كان
أقل من مهر مثلها مائة مرة أجزته لها وعليها؟ قال نعم قلت أليس لأنها رضيت به؟ قال بلى قلت قد
رضيت الدنيئة بدرهم وهو لها بقدرها أكثر فزدتها على تسعة دراهم قلت أرأيت لو قال لك لك قائل:
لو أن امرأة كان مهر مثلها ألفا فرضيت بمائة ألحقتها بمهر مثلها، ولو أن امرأة كان مهر مثلها ألفا
فأصدقها رجل عشرة آلاف رددتها إلى ألف حتى يكون الصداق موقتا على ألف قدر مهر مثلها؟ قال
ليس ذلك له قلت وتجعله ههنا كالبيوع تجيز فيه التغابن لأن الناكح رضى بالزيادة والمنكوحة رضيت
بالنقصان وأجزت على كل ما رضى به؟ قال نعم. قلت: فكذلك لو نكحت بغير مهر فأصابها جعلت
لها مهر مثلها عشرة كان أو ألفا؟ قال نعم قلت فأسمعك تشبه المهر بالبيع في كل شئ بلغ عشرة دراهم
وتجيز فيه ما تراضيا عليه ثم ترده إلى مهر مثلها إذا لم يكن بصداق وتفرق بينه وبين البيوع في أقل من
عشرة دراهم فتقول إذا رضيت بأقل من عشرة دراهم رددتها حتى أبلغ بها عشرة والبيع عندك إذا
رضى فيه بأقل من درهم أجزته قلت أرأيت لو قال لك قائل: لا أراك قمت من الصداق على شئ
يعتد فيه قولك فأرجع بك في الصداق إلى أن الله عز وجل قال: (وإن أردتم استبدال زوج مكان
زوج وآتيتم إحداهن قنطارا) وذكر الصداق في غير موضع من القرآن سواء فلم يجد فيه حدا فتجعل
الصداق قنطارا لا أنقص منه ولا أزيد عليه. قال ليس ذلك له لأن الله عز وجل لم يفرضه على الناس
وان النبي صلى الله عليه وسلم أصدق أقل منه وأصدق في زمانه وأجاز أقل منه فقلنا قد أوجدناك رسول
الله صلى الله عليه وسلم أجاز في الصداق أقل من عشرة دراهم فتركته وقلت بخلافه وقلت ما تقطع فيه
اليد وما لليد والمهر وقلت أرأيت لو قال قائل أحد الصداق ولا أجيز أن يكون أقل من مهر النبي صلى
172

الله عليه وسلم خمسمائة درهم أو قال هو ثمن للمرأة لا يكون أقل من خمسمائة درهم أو قال في البكر
كالجناية ففيه أرش جائفة أو قال لا يكون أقل مما تجب في الزكاة وهو مائتا درهم أو عشرون دينارا ما
لحجة عليه؟ قال ليس المهر من هذا بسبيل قلت أجل ولا مما تقطع فيه اليد بل بعض هذا أولى أن
يقاس عليه مما تقطع فيه اليد إن كان هذا منه بعيدا.
باب ما جاء في النكاح على الإجارة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الصداق ثمن من الأثمان فكل ما يصلح أن يكون ثمنا صلح أن
يكون صداقا وذلك مثل أن تنكح المرأة إلى الرجل على أن يخيط لها الثوب ويبنى لها البيت ويذهب بها البلد
ويعمل لها العمل فإن قال قائل ما دل على هذا؟ قيل إذا كان المهر ثمنا كان في معنى هذا وقد اجازه الله
عز وجل في الإجارة في كتابه وأجازه المسلمون وقال الله عز وجل (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن)
وقال عز وجل (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وذكر قصة شعيب وموسى صلى الله عليهما
وسلم في النكاح فقال (قالت يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين * قال إني أريد أن
أنكحك إحدى ابنتي هاتين) الآية وقال (فلما قضى موسى الأجل وسارا بأهله آنس من جانب الطور نارا)
قال ولا أحفظ من أحد خلافا في أن ما جازت عليه الإجارة جاز أن يكون مهرا فمن نكح بأن يعمل
عملا فعمله كله ثم طلق قبل الدخول رجع بنصف قيمة العمل ومن لم يعمله ثم طلق قبل الدخول عمل
نصفه فإن فات المعمول بأن يكون ثوبا فهلك كان للمرأة مثل نصف أجر خياطة الثوب أو عمله ما كان
(قال الربيع) رجع الشافعي رحمه الله فقال يكون لها نصف مهر مثلها غير أن بعض الناس قال يجوز
هذا في كل شئ غير تعليم الخير فإنه لا أجر على تعليم الخير، ولو نكح رجل امرأة على أن يعلمها خيرا
كان لها مهر مثلها لأنه لا يصلح أن يستأجر رجل رجلا على أن يعلمه خيرا قرآنا ولا غيره، ولو صلح
هذا كان تعليم الخير كخياطة الثوب يجوز النكاح عليه ويكون القول فيه كالقول في خياطة الثوب إذا
علمها الخير وطلقها رجع عليها بنصف أجر تعليم ذلك الخير وإن طلقها قبل أن يعلمها رجعت عليه
بنصف أجر تعليم ذلك الخير لأنه ليس له أن يخلو بها ويعلمها وهذا قول صحيح على ألسنة والقياس
معا لو تابعنا في تجويز الاجر على تعليم الخير (رجع الشافعي فقال لها مهر مثلها) قال الربيع للشافعي
قول آخر إذا تزوجها على أن يخيط لها ثوبا بعينه أو يعطيها شيئا بعينه فطلقها قبل أن يدخل بها فهلك
الثوب قبل ان يخيطه أو هلك الشئ الذي بعينه رجعت عليه بنصف صداق مثلها. واحتج بأن من
اشترى شيئا بدينار فهلك الشئ قبل أن يقبضه رجع بديناره فأخذه فهذه المرأة إنما ملكت خياطة
الثوب ببضعها فلما هلك الثوب قبل أن تقبضه فلم يقدر على خياطته رجعت عليه بما ملكت به الخياطة
وهو بضعها وهو الثمن الذي اشترت به الخياطة (قال الربيع) وهذا أصح القولين وهو آخر قولي الشافعي
رحمه الله تعالى.
باب النهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي: قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم أن
173

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرتا مالك عن أبي الزناد ومحمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) (قال الشافعي) وهذان الحديثان
يحتملان أن يكون الرجل منهما إذا خطب غيره امرأة أن لا يخطبها حتى تأذن أو يترك رضيت المرأة
الخاطب أو سخطته ويحتمل أن يكون النهى عنه إنما هو عند رضا المخطوبة وذلك أنه إذا كان
الخاطب الآخر أرجح عندها من الخاطب الأول الذي رضيته تركت ما رضيت به الأول فكان هذا
فسادا عليه وفي الفساد ما يشبه الاضرار به والله تعالى أعلم فلما احتمل المعنيين وغيرهما كان أولاهما أن
يقال به ما وجدنا الدلالة توافقه فوجدنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أنهى أن
يخطب الرجل على خطبة أخيه إذا كانت المرأة راضية (قال) ورضاها إن كانت ثيبا أن تأذن بالنكاح
بنعم وإن كانت بكرا أن تسكت فيكون ذلك إذنها وقال لي قائل أنت تقول الحديث على عمومه
وظهوره وإن احتمل معنى غير العام والظاهر حتى تأتى دلالة على أنه خاص دون عام وباطن دون ظاهر
قلت: فكذلك أقول قال فما منعك أن تقول في هذا الحديث (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه)
وإن لم تظهر المرأة رضا أنه لا يخطب حتى يترك الخطبة فكيف صرت فيه إلى ما لا يحتمله الحديث
باطنا خاصا دون ظاهر عام؟ قلت بالدلالة قال وما الدلالة؟ قلت أخبرنا مالك عن عبد الله بن زيد
مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لها (إذا حللت فآذنيني) قالت فلما حللت أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباني فقال (أما
معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه أنكحي أسامة) فكرهته فقال
(أنكحني أسامة) فنكحته فجعل الله لي فيه خيرا واغتبطت به (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقلت له
قد أخبرته فاطمة أن رجلين خطباها ولا أحسبهما يخطبانها إلا وقد تقدمت خطبة أحدهما خطبة الآخر
لأنه قل ما يخطب اثنان معا في وقت فلم تعلمه قال لها ما كان ينبغي لك أن يخطبك واحد حتى يدع
الآخر خطبتك ولا قال ذلك لها وخطبها هو صلى الله عليه وسلم على غيرهما ولم يكن في حديثها أنها
رضيت واحدا منهما ولا سخطته وحديثها يدل على أنها مرتادة ولا راضية بهما ولا بواحد منهما ومنتظرة
غيرهما أو مميلة بينهما فلما خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسامة ونكحته دل على ما وصفت من
أن الخطبة واسعة للخاطبين ما لم ترض المرأة (قال الشافعي) وقال أرأيت إن قلت هذا مخالف حديث
(لا يخطب المرء على خطبة أخيه) وهو ناسخ له؟ فقلت له أو يكون ناسخ أبدا إلا ما يخالفه الخلاف
الذي لا يمكن استعمال الحديثين معا؟ قال لا قلت أفيمكن استعمال الحديثين معا على ما وصفت من أن
الحال التي يخطب المرء على خطبة أخيه بعد الرضا مكروهة وقبل الرضا غير مكروهة لاختلاف حال
المرأة قبل الرضا وبعده؟ قال نعم. قلت له فكيف يجوز أن يطرح حديث وقد يمكن أن لا يخالفه ولا
يدري أيهما الناسخ أرأيت إن قال قائل حديث فاطمة الناسخ ولا بأس أن يخطب الرجل المرأة بكل
حال ما حجتك عليه إلا مثل حجتك على من خالفك فقال أنت ونحن نقول إذا احتمل الحديثان أن
يستعملا لم يطرح أحدهما بالآخر فأبن لي ذلك قلت له نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيم بن
حزام عن بيع ما ليس عنده وأرخص في أن يسلف في الكيل المعلوم إلى أجل معلوم وهذا بيع ما ليس
عند البائع فقلت النهى عن بيع ما ليس عندك بعينه غير مضمون عليك فأما المضمون فهو بيع صفة
فاستعملنا الحديثين معا قال هكذا نقول قلت هذه حجة عليك قال فإن صاحبنا قال لا يخطب رضيت
174

أولم ترض حتى يترك الخاطب. قلت: فهذا خلاف الحديث ضرر على المرأة في أن يكف عن خطبتها
حتى يتركها من لعله يضارها ولا يترك خطبتها أبدا قال هذا أحسن مما قال أصحابنا وأنا أرجع إليه
ولكن قد قال غيرك لا يخطبها إذا ركنت وجاءت الدلالة على الرضا بأن تشترط لنفسها فكيف زعمت
بأن الخاطب لا يدع الخطبة في هذه الحال ولا يدعها حتى تنطق الثيب بالرضا وتسكت البكر؟
فقلت له لما وجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرد خطبة أبى جهم ومعاوية فاطمة ويخطبها على
أسامة على خطبتهما لم يكن للحديث مخرج إلا ما وصفت من أنها لم تذكر رضا ولم يكن بين النطق
بالرضا والسكوت عنه عند الخطبة منزلة مباينة لحالها الأولى عند الخطبة فإن قلت الركون والاشتراط؟
قلت له أو يجوز للولي أن يزوجها عند الركون والاشتراط؟ قال: لا حتى تنطق بالرضا إن كانت ثيبا
وتسكت إن كانت بكرا، فقل له أرى حالها عند الركون وبعد غير الركون بعد الخطبة سواء لا يزوجها
الولي في واحدة منهما قال أجل ولكنها راكنة مخالفة حالها غير راكنة، قلت أرأيت إذا خطبها فشتمته
وقالت لست لذلك بأهل وحلفت لا تنكحه ثم عاود الخطبة فلم تقل: لا ولا نعم أحال الأخرى
مخالفة لحالها الأولى؟ قال: نعم قلت أفتحرم خطبتها على المعنى الذي ذكرت لاختلاف حالها؟ قال:
لا لأن الحكم لا يتغير في جواز تزويجها إنما تستبين في قولك إذا كشف ما يدل على أن الحالة التي تكف
فيها عن الرضا غير الحال التي تنطق فيها بالرضا حتى يجوز للولي تزويجها فيها قال هذا أظهر معانيها،
قلت فأظهرها أولاها بنا وبك.
ما جاء في نكاح المشرك
(قال الشافعي) قال الله عز وجل (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) فانتهى
عدد ما رخص فيه للمسلمين إلى أربع لا يحل لمسلم أن يجمع بين أكثر من أربع إلا ما خص الله به
رسوله صلى الله عليه وسلم دون المسلمين من نكاح أكثر من أربع يجمعهن ومن النكاح بغير مهر فقال عز
وعلا (خالصة لك من دون المؤمنين) (قال الشافعي) أخبرنا الثقة أحسبه إسماعيل بن إبراهيم (شك
الشافعي) عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشر نسوة
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (أمسك أربعا وفارق سائرهن) (قال الشافعي) أخبرنا بعض أصحابنا
عن أبي الزناد عن عبد المجد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن عوف بن الحرث عن نوفل بن
معاوية الديلي: قال أسلمت وتحتي خمس نسوة فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال (فارق واحدة
وأمسك أربعا) فعمدت إلى أقدمهن عندي عجوزا عاقرا منذ ستين سنة فارقتها، أخبرنا الشافعي قال
أخبرني ابن أبي يحيى عن إسحاق بن عبد الله عن أبي وهب الجيشاني عن أبي خراش عن الديلمي أو
ابن الديلمي قال أسملت وتحتي أختان فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسك أيتهما شئت
وأفارق الأخرى (قال الشافعي) فبهذا نقول إذا أسلم المشرك وعنده أكثر من أربع نسوة أمسك منهن
أربعا أيتهن شاء وفارق سائرهن لأنه لا يحل له غير ذلك لقول الله عز وجل وما جاء عن النبي صلى الله
عليه وسلم أن لا يجمع بين أكثر من أربع نسوة في الاسلام (قال الشافعي) ولا أبالي كن في عقدة
واحدة أو عقد متفرقة أو أيتهن فارق الأولى ممن نكح أم الآخرة إذا كان من يمسك منهن غير ذات محرم
يحرم عليه في الاسلام أن يبتدئ نكاحها بكل وجه وذلك مثل أن يسلم وعنده أختان فلا بد أن يفارق
175

أيتهما شاء لأن محرما بكل وجه أن يجمع بينهما في الاسلام ومثله أن يكون نكح امرأة وابنتها فأصابهما
فيحرم أن يبتدئ نكاح واحدة منهما في الاسلام وقد أصابهما بالنكاح الذي قد يجوز مثله. ولو نكح
أختين معا ولم يدخل بواحدة منهما قلت له فارق أيتهما شئت وأمسك الأخرى ولا أنظر في ذلك إلى
أيتهما نكح أولا وهذا القول كله موافق لمعنى السنة والله أعلم ولو أسلم رجل وعنده يهودية أو نصرانية كانا
على النكاح لأنه يحل له نكاح واحدة منهما وهو مسلم ولو أسلم وعنده وثنية أو مجوسية لم يكن له إصابتها
إلا أن تسلم قبل أن تنقضي العدة وله وطئ اليهودية والنصرانية بالملك، وليس له وطئ وثنية ولا مجوسية
بملك إذا لم يحل له نكاحها لم يحل له وطؤها وذلك للدين فيهما ولا أعلم أحدا من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم وطئ سبية عربية حتى أسلمت وإذ حرم النبي صلى الله عليه وسلم على من أسلم أن يطأ
امرأة وثنية حتى تسلم في العدة دل ذلك على أن لا توطأ من كانت على دينها حتى تسلم من حرة أو
أمة.
باب الخلاف في الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) قال لي بعض الناس ما حجتك أن يفارق ما زاد على أربع وإن
فارق اللاتي نكح أولا ولم تقل يمسك الأربع الأوائل ويفارق سائرهن؟ فقلت له بحديث الديلمي
وحديث نوفل بن معاوية قال أفرأيت لو لم يكن ثابتا أو كانا غير ثابتين أيكون لك في حديث ابن
عمر حجة؟ قلت نعم وما على فيما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال هل فيه حجة غيره بل
على وعليك التسليم وذلك طاعة الله عز وجل قال هذا كله كما قلت وعلينا أن نقول به إن كان ثابتا قلت
إن كنت لا تثبت مثله وأضعف منه فليس عليك حجة فيه فأردد ما كان مثله قال فأحب أن تعلمني هل
في حديث ابن عمر حجة لو لم يأت غيره؟ قلت: نعم قال وأين هي؟ قلت: لما أعلم النبي صلى الله عليه
وسلم غيلان أنه لا يحل له أن يمسك أكثر من أربع ولم يقل له الأربع الأوائل استدللنا على أنه لو بقي
فيما يحل له ويحرم عليه معنى غيره علمه إياه لأنه مبتدئ للاسلام لا علم له قبل إسلامه فيعلم بعضا
ويسكت له عما يعلم في غيره قال أو ليس قد يعلمه الشيئين فيؤدي أحدهما دون الآخر؟ قلت: بلى قال
فلم جعلت هذا حجة وقد يمكن فيه ما قلت؟ قلت له في حديث النبي صلى الله عليه وسلم شيئان
أحدهما العفو عما فات من ابتداء عقدة النكاح ومن يقع عليه النكاح من العدد فلما لم يسأل عما وقع عليه
العقد أولا ولم يسأل عن أصل عقدة نكاحهن. وكان أهل الأوثان لا يعقدون نكاحا إلا نكاحا لا
يصلح أن يبتدأ في الاسلام فعفاه وإذا عفا عقدا واحدا فاسدا لأنه فائت في الشرك فسواء كل عقد
فاسد فيه بأن ينكح بغير ولى وبغير شهود وما أشبه ذلك مما لا يجوز ابتداؤه في الاسلام فأكثر ما في
النكاح الزوائد على الأربع في الشرك بأن يكون نكاحهن فاسدا كفساد ما وصفنا فإذا كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يعفو عن ذلك لكل من أسلم من أهل الشرك ويقرهم على نكاحهم وإن كان فاسدا
عندنا فكذلك إن أراد أن يحبس ما عقد بعد الأربع في الشرك يجوز ذلك له لأن أكثر حالاتهن أن
يكون نكاحهن فاسدا ولا شئ أولى أن يشبه بشئ من عقد فاسد يعفى عنه بعقد يعفى عنه. ولو لم
176

يكن في هذا حجة غير هذا لا كتفي بها فكيف ومعه تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه وترك
مسألته عن الأوائل والأواخر كما ترك مسألة من أسلم من أهل الشرك عن نكاحه ليعلم أفاسد أم صحيح
وهو معفو يجوز كله والآخر أنه حظر عليه في الاسلام ما لا يجوز أن يجاوز بعده أربعا ومن الجمع بين
الأختين فحكم في العقد بفواته في الجاهلية حكم ما قبض من الربا قال الله تعالى (اتقوا الله وذروا
ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم الله في أن لم يرد ما قبض
من الربا لأنه فات ورد ما لم يقبض منه لأن الاسلام أدركه غير فائت فكذلك حكم الله عز وجل في
عقد النكاح في الجاهلية إن لم يرده رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه فات إنما هو شئ واحد لا
يتبعض فيجاز بعضه ويرد بعضه وحكم فيمن أدركه الاسلام من النساء عقدة حكم الاسلام فلم يجز أن
يجمع بين أكثر من أربع نسوة ولا أن يجمع بين الأختين لأن هذا غير فائت أدركهن الاسلام معه كما
أدرك ما لم يفت من الربا بقبض. قال أفتوجدني سوى هذا ما يدل على أن العقدة في النكاح تكون
كالعقدة في البيوع والفوت مع العقدة؟ فقلت فيما أو جدتك كفاية قال: فاذكر غيره إن علمته قلت
أرأيت امرأة نكحتها بغير مهر فأصبتها أو بمهر فاسد؟ قال فلها مهر مثلها والنكاح ثابت لا ينفسخ قلت
له ولو عقدت البيع بغير ثمن مسمى أو ثمن محرم رد البيع إن وجد فإن هلك في يديك كان عليك
قيمته؟ قال نعم قلت: أفتجد عقد النكاح ههنا أخذ كعقد البيع يربونه؟ قال نعم قلت فما منعك في
عقد النكاح في الجاهلية أن تقول هو كفائت ما اقتسموا عليه وقبضوا القسم وما أربوا فمضى قبضه ولا
أرده، وقلت أرأيت قولك أنظر إلى العقدة فإن كانت لو ابتدئت في الاسلام جازت أجزتها وإن كانت
لو ابتدئت في الاسلام ردت رددتها أما ذلك فيما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن
الديلمي ونوفل بن معاوية ما قطع عنك موضع الشك قال فإنما كلمتك على حديث الزهري لأن جملته
قد يحتمل أن يكون عاما على ما وصفت وإن لم يكن عاما في الحديث فقلت له: هذا لو كان كان
أشد عليك ولو لم يكن فيه إلا حديث ابن عمر ولم يكن في حديث ابن عمر دلالة كنت محجوجا على
لسانك مع أن في حديث ابن عمر دلالة عندنا على قولنا والله أعلم قال: فأوجدني ما يدل على خلاف
قولي لو لم يكن في حديث ابن عمر دلالة بينة قلت أرأيت رجلا ابتدأ في الاسلام نكاحا بشهادة أهل
الأوثان أيجوز؟ قال لا ولا بشهادة أهل الذمة لأنهم لا يكونون شهداء على المسلمين قلت: أفرأيت
غيلان بن سلمة أمن أهل الأوثان كان قبل الاسلام؟ قال: نعم قلت أفرأيت أحسن ما كان عنده
أليس أن ينكح بشهادة أهل الأوثان؟ قال بلى قلت: فإذا زعمت أن يقر مع أربع وأحسن حاله فيهن
أن يكون نكاحهن بشهادة أهل الأوثان أما خالفت أصل قولك؟ قال إن هذا ليلزمني، قلت: فلو لم
يكن عليك حجة غيره كنت محجوجا مع أنا لا ندري لعلهم كانوا ينكحون بغير ولى وبغير شهود وفي
العدة: قال إن هذا ليمكن فيهم ويروى عنهم أنهم كانوا ينكحون بغير شهود وفي العدة قال أجل ولكن
لم أسمع إن النبي صلى الله عليه وسلم كيف سألهم أصل نكاحهم قلت أفرأيت إن قال لك قائل كما قلت لنا
قد يجوز أن يكون سألهم ولم يؤد إليك في الخبر قال إذا يكون ذلك له على قلت له أفتجد بدا من أن
يكون لما لم يؤد في الخبر أنه سألهم عن أصل العقدة كان ذلك عفوا عن العقدة لأنها لا تكون لأهل
الأوثان إلا على ما يصلح أن يبتدئها في الاسلام مسلم أن تكون تقول في العقدة قولك في عدد النساء أنه
يفرق بينه وبين من تحرم بكل وجه عليه فتقول يبتدئون معا للنكاح في الاسلام قال لا أقوله قلت وما
منعك ان تقوله؟ أليس بأن السنة دلت على أن العقدة معفوة لهم؟ قال بلى! قلت: وإذا كانت
177

معفوة لم ينظر إلى فسادها كما لا ينظر إلى فساد نكاح من لا يجوز نكاحه ولا الجمع بينه ولا ما جاوزت
أربعا قال والعقدة مخالفة لهذا قال قلت فكيف جمعت بين المختلف ونظرت إلى فسادها مرة ولم تنظر
إليه أخرى؟ فرجع بعضهم إلى قولنا قال يمسك أربعا أيتهن شاء ويفارق سائرهن وعاب قول أصحابه
وقال نحن نفرق بين ما لا يتفرق في العقول بقول الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكيف
إذا جاء قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي ألزمناه الله تبارك وتعالى ولكن حد لي فيه حدا، قلت
في نكاح الشرك شيئان عقدة وما يحرم مما تقع عليه العقدة بكل وجه ومجاوزة أربع فلما رد النبي صلى الله
عليه وسلم ما جاوز أربعا دل على أنه يرد ذوات المحارم على الناكح وذلك في كتاب الله عز وجل ولما لم
يسأل عن العقدة علمت أنه عفا عن العقدة فعفونا عما عفا عنه وانتهينا عن إفساد عقدها إذا كانت
المعقود عليها ممن تحل بحال ولولا ذلك رددنا نكاح أهل الأوثان كله وقلنا ابتدءوه في الاسلام حتى
يعقد بما يحل في الاسلام
باب نكاح الولاة والنكاح بالشهادة
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض)
وقال في الإماء (فانكحوهن بإذن أهلهن) وقال عز وجل (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا
تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف) (قال الشافعي) رحمه الله فهذه الآية أبين
آية في كتاب الله عز وجل دلالة على أن ليس للمرأة الحرة أن تنكح نفسها فإن قال قائل ترى ابتداء
الآية مخاطبة الأزواج لأن الله تبارك وتعالى يقول ((وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن
ينكحن أزواجهن) فدل على أنه إنما أراد غير الأزواج من قبل أن الزوج إذا انقضت عدة المرأة ببلوغ
أجلها لا سبيل له عليها فإن قال قائل فقد يحتمل قوله (فبلغن أجلهن) إذا شارفن بلوغ أجلهن لأن
القول للأزواج (فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) نهيا أن يرتجعها ضرارا ليعضلها
فالآية تدل على أنه لم يرد بها هذا المعنى لأنها لا تحتمله لأن المرأة المشارفة بلوغ أجلها ولم تبلغه لا يحل لها
أن تنكح وهي ممنوعة من النكاح بآخر العدة كما كانت ممنوعة منه بأولها فإن الله عز وجل يقول (فلا
تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا) فلا يؤمر بأن يحل إنكاح الزوج إلا من قد حل له الزوج
وقال بعض أهل العلم إن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار زوج أخته فطلقها زوجها فانقضت عدتها
فأراد زوجها أو أرادت أن يتناكحا فمنعه معقل بن يسار أخوها وقال زوجتك أختي وآثرتك على غيرك ثم
طلقتها فلا أزوجكها أبدا فنزلت (فلا تعضلوهن) وفي هذه الآية الدلالة على أن النكاح يتم برضا الولي
والمنكحة والناكح وعلى أن على الولي أن لا يعضل فإذا كان عليه أن لا يعضل فعلى السلطان التزويج
إذا عضل لأن من منع حقا فأمر السلطان جائز عليه أن يأخذه منه وإعطاؤه عليه والسنة تدل على ما دل
عليه القرآن وما وصفنا من الأولياء والسلطان أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال حدثنا سعيد بن
سالم عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثا فإن أصابها فلها
المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له) (قال الشافعي) رحمه الله ففي
178

سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالات منها أن للولي شركا في بضع المرأة ولا يتم النكاح إلا به ما لم
يعضلها ثم لا نجد لشركه في بضعها معنى تملكه وهو معنى فضل نظر بحياطة الموضع أن ينال المرأة من لا
يساويها وعلى هذا المعنى اعتمد من ذهب إلى الأكفاء والله أعلم ويحتمل أن تدعوا المرأة الشهوة إلى أن
تصير إلى ما لا يجوز من النكاح فيكون الولي أبرأ لها من ذلك فيها وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم
البيان من أن العقدة إذا وقعت بغير ولى فهي منفسخة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (فنكاحها
باطل) والباطل لا يكون حقا إلا بتجديد نكاح غيره ولا يجوز لو أجازه الولي أبدا لأنه إذا انعقد النكاح
باطلا لم يكن حقا إلا بان يعقد عقدا جديدا غير باطل وفي السنة دلالة على أن الإصابة إذا كانت
بالشبهة ففيها المهر ودرئ الحد لأنه لم يذكر حدا وفيها أن على الولي أن يزوج إذا رضيت المرأة وكان
البعل رضا فإذا منع ما عليه زوج السلطان كما يعطى السلطان ويأخذ ما منع مما عليه (قال الشافعي)
أخبرنا مالك عن عبد الله ابن الفضل عن نافع عن جبير بن مطعم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها)
(قال الشافعي) ففي هذا الحديث دلالة على الفرق بين البكر والثيب في أمرين أحدهما ما يكون فيه
إذنهما وهو أن إذن البكر الصمت فإذا كان إذنها الصمت فإذن التي تخالفها الكلام لأنه خلاف
الصمت وهي الثيب والثاني أن أمرهما في ولاية أنفسهما لأنفسهما مختلف فولاية الثيب أنها أحق من الولي
والولي ههنا الأب والله أعلم دون الأولياء ومثل هذا حديث خنساء بنت خذام حين زوجها أبوها ثيبا
وهي كارهة فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه والبكر مخالفة لها حين اختلف في أصل لفظ النبي صلى
الله عليه وسلم فإذا خالفتها كان الأب أحق بأمرها من نفسها فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل
اللفظ بالحديث يدل على فرق بينهما إذ قال الثيب أحق بنفسها وأمر في البكر أن تستأذن ولو كانتا معا
سواء كان اللفظ هما أحق بأنفسهما وإذن البكر الصمت وإذن الثيب الكلام فإن قال قائل فقد أمر
باستئمارها فاستئمارها يحتمل أن لا يكون للأب تزويجها إلا بأمرها ويحتمل أن تستأمر معنى استطابة
نفسها وأن تطلع من نفسها على أمر لو أطلعته لأب كان شبيها أن ينزهها بأن لا يزوجها فإن قال قائل
فلم قلت يجوز نكاحها وإن لم يستأمرها؟ قيل له بما وصفت من الاستدلال بفرق رسول الله صلى الله
عليه وسلم بين البكر والثيب إذ قال (الأيم أحق بنفسها من وليها) ثم قال (والبكر تستأذن في نفسها)
فلا يجوز عندي إلا أن يفرق حالهما في أنفسهما ولا يفرق حالهما في أنفسهما إلا بما قلت من أن للأب على
البكر ما ليس له على الثيب كما استدللنا إذ قال في البكر (وإذنها صماتها) ولم يقل في الثيب (إذنها
الكلام) على أن إذن الثيب خلاف البكر ولا يكون خلاف الصمت إلا النطق بالاذن قال فهل على ما
وصفت من دلالة؟ قيل نعم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه عن
عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة سبع وبنى بي وأنا بنت
تسع سنين (قال الشافعي) زوجه إياها أبوها فدل ذلك على أن أبا البكر أحق بإنكاحها من نفسها لأن
ابنة سبع سنين وتسع لا أمر لها في نفسها وليس لأحد غير الآباء أن يزوجوا بكرا حتى تبلغ ويكون لها أمر
في نفسها فإن قال قائل فلم لا تقول في ولى غير الأب له أن يزوج البكر وإن لم تأذن وجعلتها فيمن بقي
من الأولياء بمنزلة الثيب؟ قلت فإن الولي الأب الكامل بالولاية كالأم الوالدة وإنما تصير الولاية بعد
الأب لغيره بمعنى فقده أو إخراجه نفسه من الولاية بالعضل كما تصير الام غير الام كالوالدة بمعنى رضاع
أو نكاح أب أو ما يقع عليه اسم الام لأنها إذا قيل أم كانت الام التي تعرف الوالدة ألا ترى أن لا ولاية
179

لاحد مع أب ومن كان وليا بعده (1) فقد يشركه في الولاية غير الاخوة وبنو العم مع المولى يكونون شركاء
في الولاية ولا يشرك الأب أحد في الولاية بانفراده بالولاية بما وجب له من اسم الأبوة مطلقا له دون
غيره كما أوجب للام الوالدة اسم الام مطلقا لها دون غيرها فإن قال قائل فإنما يؤمر بالاستئمار من له أمر
في نفسه يرد عنه إن خولف أمره وسأل عن الدلالة على ما قلنا من أنه قد يؤمر بالاستئمار من لا يحل محل
أن يرد عنه خلاف ما أمر به فالدلالة عليه أن الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم (فاعف عنهم
واستغفر لهم وشاورهم في الامر) فإنما افترض عليهم طاعته فيما أحبوا وكرهوا وإنما أمر بمشاورتهم والله
أعلم لجمع الألفة وأن يستن بالاستشارة بعده من ليس له من الامر ماله وعلى أن أعظم لرغبتهم وسرورهم أن
يشاوروا لا على أن لاحد من الآدميين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرده عنده إذا عزم
رسول الله صلى الله عليه وسلم على الامر به والنهى عنه ألا ترى إلى قوله عز وجل (فليحذر الذين
يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) وقال عز وجل (النبي أولى بالمؤمنين من
أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) وقوله (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في
أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (قال الشافعي) أخبرنا مسلم عن ابن جريج أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أمر نعيما أن يؤامر أم ابنته فيها ولا يختلف الناس أن ليس لامها فيها أم ولكن على
معنى استطابة النفس وما وصفت أو لا ترى أن في حديث نعيم ما بين ما وصفت لأن ابنة نعيم لو كان لها
أن ترد أمر أبيها وهي بكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسئلتها فإن أذنت جاز عليها وإن لم تأذن رد
عنها كما رد عن خنساء ابنة خذام ولو كان نعيم استأذن ابنته وكان شبيها أن لا يخالف أمها ولو خالفها أو
تفوت عليها فكان نكاحها بإذنها كانت أمها شبيها أن لا تعارض نعيما في كراهية إنكاحها من رضيت
ولا أحسب أمها تكلمت إلا وقد سخطت ابنتها أو لم تعلمها رضيت أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن حارثة عن
خنساء بنت خذام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت النبي صلى الله عليه وسلم
فرد نكاحها (قال الشافعي) رحمه الله وهذا موافق قول النبي صلى الله عليه وسلم (الأيم أحق بنفسها
من وليها) والدليل على ما قلنا من أن ليس للمرأة أن تنكح إلا بإذن ولى ولا للولي أن يزوجها إلا بإذنها
ولا يتم نكاح إلا برضاهما معا ورضا الزوج (قال الشافعي) وروى عن الحسن بن أبي الحسن أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) وهذا وإن كان منقطعا دون النبي
صلى الله عليه وسلم فإن أكثر أهل العلم يقول به ويقول الفرق بين النكاح والسفاح الشهود (قال
الشافعي) وهو ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فالنكاح يثبت بأربعة أشياء الولي ورضا المنكوحة ورضا الناكح وشاهدي عدل إلا ما وصفنا من البكر
يزوجها الأب والأمة يزوجها السيد بغير رضاهما فإنهما مخالفان ما سواهما وقد تأول فيها بعض أهل العلم
قول الله عز وجل (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) وقال الأب في ابنته البكر والسيد في أمته وقد
خالفه غيره فيما تأول قال هو الزوج يعفو فيدع ماله من أخذ نصف المهر وفي الآية كالدلالة على أن
الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج والله سبحانه أعلم وهذا مكتوب في كتاب الطلاق فإذا كان يتم
بأشياء فنقص منها واحد فهو غير تام ولا جائز فأي هذه الأربعة نقص لم يجز معه النكاح ويجب خامسة

(1) قوله: فقد يشركه في الولاية غير الخ، لعل في العبارة تحريفا، فانظر. كتبه مصححه.
180

أن يسمى المهر وإن لم يفعل كان النكاح جائزا فيما ذكرنا من حكم الله تعالى في المهور.
الخلاف في نكاح الأولياء والسنة في النكاح
(قال الشافعي) رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في الأولياء فقال: إذا نكحت المرأة كفؤا بمهر
مثلها فالنكاح جائز وإن لم يزوجها ولى وإنما أريد بهذا أن يكون ما يفعل أن يأخذ به حظها فإذا أخذته
كما يأخذه الولي فالنكاح جائز وذكرت له لبعض ما وصفت من الحجة في الأولياء وقلت له: أرأيت لو
عارضك معارض بمثل حجتك؟ فقال: إنما أريد من الاشهاد أن لا يتجاحد الزوجان فإذا نكحها
بغير بينة فالنكاح ثابت فهو كالبيوع تثبت وإن عقدت بغير بينة قال ليس ذلك له، قلنا ولم؟ قال لأن
سنة النكاح البينة. فقلت له: الحديث في البينة في النكاح عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطع وأنت
لا تثبت المنقطع ولو أثبته دخل عليك الولي. قال: فإنه عن ابن عباس وغيره متصل قلت: وهكذا
أيضا الولي عنهم والحديث رضي الله عنه أنه رد النكاح بغير إذن ولى، وعن غيره من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف أفسدت النكاح بترك الشهادة فيه وأثبته بترك الولي وهو أثبت في
الاخبار من الشهادة؟ ولم تقل إن الشهود إنما جعلوا لاختلاف الخصمين فيجوز إذا تصادق الزوجان،
وقلت لا يجوز لعلة في شئ جاءت به سنة وما جاءت به سنة فإنه يثبت بنفسه ولا يحتاج إلى أن يقاس
على سنة أخرى لأنا لا ندري لعله أمر به لعلة أم لغيرها ولو جاز هذا لنا أبطلنا عامة السنن وقلنا إذا
نكحت بغير صداق ورضيت لم يكن لها صداق وإن دخل بها لأنا إنما نأخذ الصداق لها وأنها إذا عفت
الصداق جاز فنجيز النكاح والدخول بلا مهر فكيف لم تقل في الأولياء هكذا؟ قال: فقد خالفت
صاحبي في قوله في الأولياء وعلمت أنه خلاف الحديث فلا يكون النكاح إلا بولي (قال الشافعي)
رحمه الله: فقلت له وإنما فارقت قول صاحبك ورأيته محجوجا بأنه يخالف الحديث وإنما القياس
الجائز أن يشبه ما لم يأت فيه حديث بحديث لازم فأما أن تعمد إلى حديث والحديث عام فتحمله على
أن يقاس فما للقياس ولهذا الموضع إن كان الحديث يقاس؟ فأين المنتهى إذا كان الحديث قياسا؟ قلت
من قال هذا فهو منه جهل وإنما العلم اتباع الحديث كما جاء. قال نعم: قلت فأنت قد دخلت في
بعض معنى قول صاحبك قال وأين؟ قلت زعمت أن المرأة إذا نكحت بغير إذن وليها فالنكاح موقوف
حتى يجيزه السلطان إذا رآه احتياطا أو يرده: قال: نعم قلت: فقد خالفت الحديث يقول النبي صلى
الله عليه وسلم نكاحها باطل وعمر رضي الله عنه يرده فخالفتهما معا، فكيف يجيز السلطان عقدة إذا
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطلها؟ قال وكيف تقول؟ قلت: يستأنفها بأمر يحدثه فإذا فعل
ذلك فليس ذلك بإجازة العقدة الفاسدة بل الاستئناف وهو نكاح جديد يرضيان به. قلت أرأيت رجلا
نكح امرأة على أنه بالخيار أو هي أيجوز الخيار؟ قال: لا قلت ولم لا يجوز كما يجوز في البيوع؟ قال
ليس كالبيوع قلت والفرق بينهما أن الجماع كان محرما قبل العقدة فلما انعقدت حال الجماع ولا يجوز أن
تكون العقدة التي بها يكون الجماع بالنكاح تاما أبدا إلا والجماع مباح وإن كان غير مباح فالعقدة غير
ثابتة لأن الجماع ليس بملك مال يجوز للمشترى هبتة للبائع، وللبائع هبتة للمشترى إنما هي إباحة شئ
كان محرما يحل بها لا شئ يملكه ملك الأموال، قال ما فيه فرق أحسن من هذا وإنما دون هذا
181

الفرق، قلت له تركت في المرأة تنكح بغير إذن ولى الحديث والقياس وزعمت أن العقدة مرفوعة
والجماع غير مباح، فإن أجازها الولي جازت وقد كان العقد فيها غير تام ثم زعمت هذا أيضا في المرأة
يزوجها الولي بغير إذنها فقلت إن أجازت النكاح جاز وإن ردته فهو مردود وفي الرجل يزوج المرأة بغير
علمه إن أجاز النكاح جاز وإن رده فهو مردود وأجزت أن تكون العقدة منعقدة والجماع غير مباح
وأجزت الخيار في النكاح وهو خلاف السنة وخلاف أصل من ذلك قال فما تقول أنت؟ قلت كل عدة
انعقدت غير تامة (1) يكون الجماع بها مباحا فهي مفسوخة لا نجيزها بإجازة رجل ولا امرأة ولا ولى ولا
سلطان ولا بد فيها من استئناف بالسنة والقياس عليها وكل ما زعمت أنت من هذا أنه موقوف على رضا
امرأة أو رجل أو ولى أو سلطان فهو مفسوخ عندي، وقلت له قال صاحبك في الصبية يزوجها غير
الأب النكاح ثابت و لها الخيار إذا بلغت فجعلها وارثة موروثة يحل جماعها وتختار إذا بلغت فأجاز الخيار
بعد إباحة جماعها إذا احتملت الجماع قبل تبلغ قال فقد خالفناه في هذا فقلنا لا خيار لها والنكاح ثابت
فقلت له ولم أثبت النكاح على الصغيرة لغير الأب فجعلتها يملك عليها أمرها غير أبيها ولا خيار لها، وقد
زعمت أن الأمة إنما جعل لها الخيار إذا عتقت لأنها كانت لا تملك نفسها بأن تأذن فيجوز عليها ولا
ترد فيرد عنها فلم يصلح عندك أن تتم عليها عقدة انعقدت قبل أن يكون لها الامر ثم يكون لها أمر فلا
تملك النكاح ولا رد إجازته؟ قال فتقول ماذا؟ قلت لا يثبت على صغيرة ولا صغير إنكاح أحد غير
أبيها وأبيه ولا يتوارثان؟ قال فإنا إنما أجزناه عليها على وجه النظر لها قلت: فيجوز أن ينظر لها نظرا
يقطع به حقها الذي أثبته لها الكتاب والسنة وإجماع المسلمين من أنه ليس لغير الأب أن يزوج حرة
بالغه إلا برضاها وذلك أن تزويجها إثبات حق عليها لا تخرج منه. فإن زوجها صغيرة ثم صارت بالغة
لا أمر لها في رد النكاح فقد قطعت حقها المجعول لها وإن جعلت لها الخيار دخلت في المعنى الذي
عبت من أن تكون وارثة موروثة ولها بعد خيار (قال الشافعي) فقال لي فقد يدخل عليك في الأمة مثل
ما دخل على قلت: لا الأمة أنا أخيرها عند العبد بالاتباع ولا أخيرها عند الحر لاختلاف حال العبد
والحر وأن العبد لو انتسب حرا فتزوجها على ذلك خيرتها لأنه لا يصل من أداء الحق لها والتوصل إليها
إلى ما يصل إليه الحر والأمة مخالفة لها والأمة الثيب البالغ يزوجها سيدها كارهة ولا يزوج البالغة البكر
ولا الصغيرة غير الأب كارهة. قال فما ترى لو كانت فقيرة فزوجت نظرا لها أن النكاح جائز؟ قلت:
أيجوز أن أنظر إليها بأن أقطع الحق الذي جعل لها في نفسها؟ هل رأيت فقير يقطع حقه حقه في نفسه
ولا يقطع حق الغنى؟ قال: فقد بيع عليها في مالها، قلت: فيما لا بد لها منه. وكذلك أبيع على
الغنية وفي النظر لهما أبيع وحقهما في أموالهما مخالف حقهما في أنفسهما، قال: فما فرق بينهما؟ قلت:
أفرأيت لودعت المرأة البالغة أو الرجل البالغ المولى عليهما إلى بيع شئ من أموالهما إمساكه خير لهما بلا
ضرورة في مطعم ولا غيره أتبيعه؟ قال لا، قلت: ولو وجب على أحدهما أو احتيج إلى بيع بعض ماله
في ضرورة نزلت به أو حق يلزمه أتبيعه وهو كاره؟ قال نعم قتل: فلو دعت البالغ إلى منكح كف ء
أتمنعها؟ قال لا. قلت ولو خطبها فمنعته أتنكحها؟ قال لا قلت: أفترى حقها في نفسها يخالف حقها
في مالها؟ قال نعم، وقد يكون النكاح للفقيرة الصغيرة والكبيرة سواء، قلت له: وكيف زعمت أن لا
نفقة لها حتى تبلغ الجماع فعقدت عليها النكاح ولم تأخذ لها مهرا ولا نفقة ومنعتها بذلك من غير من

(1) قوله: يكون الجماع الخ كذا في النسخ ولعل " لا " ساقطة من الناسخ، فانظر. كتبه مصححه.
182

زوجته إياها ولعل غيره خير لها أو أحب إليها أو أوفق لها في دين أو خلق أو غير ذلك؟ فلست أرى
عقدك عليها إلا خلاف النظر لها لأنها لو كانت بالغا كانت أحق بنفسها منك كان النظر يكون بوجوه
منها أن توضع في كفاءة أو عند ذي دين أو عند ذي خلق أو عند ذي مال أو عند من تهوى فتعف به
عن التطلع إلى غيره وكان أحد لا يقوم في النظر لها في الهوى والمعرفة والموافقة لها مقام نفسها لأنه لا
يعرف ذات نفسها من الناس إلا هي فإنكاحها وإن كانت فقيرة قد يكون نظرا عليها وخلاف النظر
لها، قال أما في موضع الهوى في الزوج فنعم قلت فهي لو كانت بالغة فدعوتها إلى خير الناس ودعت
إلى دونه إذا كان كفؤا كان الحق عندك أن زوجها من دعت إليه وكانت أعلم بمن يوافقها وحرام عندك
أن تمنعها إياه ولعلها تفتتن به أليس تزوجه؟ قال نعم. قلت فأراها أولى بالنظر لنفسها منك وأرى نظرك
لها في الحال التي لا تنظر فيه لنفسها قد يكون عليها، قتل أفتزوج الصغيرة الغنية؟ قال نعم، قلت:
قد يكون تزويجها نظرا عليها تموت فيرثها الذي زوجتها إياه وتعيش عمرا غير محتاجة إلى مال الزوج
ومحتاجة إلى موافقته وتكون أدخلتها فيما لا توافقها. وليست فيها الحاجة التي اعتللت بها في الفقيرة، قال
فيقبح أن نقول تزوج الفقيرة ولا تزوج الغنية قلت كلاهما قبيح. قال فقد تزوج بعض التابعين، قلت
قد نخالف نحن بعض التابعين بما حجتنا فيه أضعف من هذه الحجة وأنت لا ترى قول أحد من التابعين
يلزم فكيف تحتج به (1)؟ قلت له أرأيت إذا جامعنا في أن لا نكاح إلا بشاهدين واكتفينا إذا قلت
بشاهدين إني إنما أردت الشاهدين الذين تجوز شهادتهما فأما من لا تجوز شهادته فلا يجوز النكاح به
كما يكون من شهد بحق ممن لا تجوز شهادته غير مأخوذ بشهادته حق فقلت أنت تجيز النكاح بغير من
تجوز شهادته إذا وقع عليها اسم الشهادة فكيف قلت بالاسم دون العدل هنا ولم تقل هناك؟ قال لما
جاء الحديث فلم يذكر عدلا قلت هذا معفو عن العدل فيه فقلت له قد ذكر الله عز وجل شهود الزنا
والقذف والبيع في القرآن ولم يذكر عدلا وشرط العدل في موضع غير هذا الموضع أفرأيت إن قال لك
رجل بمثل حجتك إذا سكت عن ذكر العدل وسمى الشهود اكتفيت بتسمية الشهود دون العدل؟ قال
ليس ذلك له إذا ذكر الله الشهود وشرط فيهم العدالة في موضع ثم سكت عن ذكر العدالة فيهم في غيره
استدللت على أنه لم يرد بالشهود إلا أن يكونوا عدولا قلت وكذلك إذا قلت لرجل في حق ائت
بشاهدين لم تقبل إلا عدولا؟ قال: نعم قلت أفيعد النكاح أن يكون كبعض هذا فلا يقبل فيه إلا
العدل وكالبيوع لا يستغني فيه عن الشهادة إذا تشاجر الزوجان أو يكون فيه خير عن أحد يلزم قوله
فينتهى إليه؟ قال ما فيه خبر وما هو بقياس ولكنا استحسناه ووجدنا بعض أصحابك يقول قريبا منه،
فقلت له إذا لم يكن خبرا ولا قياسا وجاز لك أن تستحسن خلاف الخبر فلم يبق عندك من الخطأ شئ
إلا قد أجزته، قال فقد قال بعض أصحابك إذا أشيد بالنكاح ولم يعقد بالشهود جاز وإن عقد بشهود
ولم يشد به لم يجز (قال الربيع أشيد يعني إذا تحدث الناس بعضهم في بعض فلان تزوج وفلانة خدر)
فقلت له أفترى ما احتججت به من هذا فتشبه به على أحد؟ قال لا هو خلاف الحديث وخلاف
القياس لأنه لا يعدو أن يكون كالبيوع فالبيوع يستغنى فيها عن الشهود وعن الإشادة ولا ينقضها الكتمان
أو تكون سنته الشهود والشهود إنما يشهدون على العقد والعقد ما لم يعقد فإذا وقع العقد بلا شهود لم تجزه
الإشادة والإشادة غير شهادة. قلت له فإذا كان هذا القول خطأ عندك فكيف احتججت به وبالسنة

(1) قوله: قلت له أرأيت الخ كذا في النسخ وهي في مثل هذا الموضع سقيمة، فحرر، كتبه مصححه.
183

عليه؟ قال غيره من أصحابه فإن احتججت بالذي قال بالإشادة فقلت إنما أريد بالإشادة أن يكون
يذهب التهمة ويكون أمرهما عند غير الزوجين أنهما زوجان قلت: فإن قال لك قائل هذا في المتنازعين
في البيع فجاء المدعى بمن يذكر أنه سمع في الإشادة أن فلانا اشترى دار فلان أتجعل هذه بيعا؟ قال:
لا قلت فإن كانوا ألفا؟ قال فإني لا أقبل إلا البينة القاطعة قلت: فهكذا نقول لك في النكاح بل
النكاح أولى لأن أصل النكاح لا يحل إلا بالبينة وأصل البيع يحل بغير بينة وقلت: أرأيت لو أشيد
بنكاح امرأة وأنكرت المرأة النكاح أكنا نلزمها النكاح بلا بينة؟
باب طهر الحائض
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله: وإذا انقطع عن الحائض الدم لم يقربها زوجها
حتى تطهر للصلاة فإن كانت واجدة للماء فحتى تغتسل وإن كانت مسافرة غير واجدة للماء فحتى تتيمم
لقول الله عز وجل (ولا تقربوهن حتى يطهرن) أي حتى ينقطع الدم ويرين الطهر (فإذا تطهرن) يعني
والله تعالى أعلم الطهارة التي تحل بها الصلاة لها ولو أتى رجل امرأته حائضا أو بعد تولية الدم ولم
تغتسل فليستغفر الله ولا يعد حتى تطهر وتحل لها الصلاة، وقد روى فيه شئ لو كان ثابتا أخذنا به ولكنه
لا يثبت مثله.
باب في إتيان الحائض
(قال الشافعي) قال الله عز وجل (ويسألونك عن المحيض قال هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض
ولا تقربوهن حتى يطهرن) يحتمل معنيين أحدهما فاعتزلوهن في غير الجماع ولا تقربوهن في الجماع
فيكون اعتزالهن من وجهين والجماع أظهر معانيه لأمر الله بالاعتزال ثم قال (ولا تقربوهن) فأشبه أن
يكون أمرا بينا وبهذا نقول لأنه قد يحتمل أن يكون أمر باعتزالهن ويعنى أن اعتزالهن الاعتزال في الجماع
(قال الشافعي) وإنما قلنا بمعنى الجماع مع أنه ظهر الآية بالاستدلال بالسنة.
الخلاف في اعتزال الحائض
(قال الشافعي) رحمه الله: قال بعض الناس إذا اجتنب الرجل موضع الدم من امرأته
وجاريته حل به ما سوى الفرج الذي فيه الأذى، قال الله عز وجل (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا
تقربوهن حتى يطهرن) فاستدللنا على أنه إنما أمر باعتزال الدم. قلت: فلما كان ظاهر الآية أن يعتزلن
لقول الله تبارك وتعالى (فاعتزلوا النساء) وقوله تعالى (ولا تقربوهن حتى يطهرن) فإذا تطهرهن كانت
الآية محتملة اعتزالها اعتزالا غير اعتزال الجماع فلما نهى أن يقربن دل ذلك على أن لا يجامعن قال إنها
تحتمل ذلك ولكن كيف قلت يعتزل ما تحت الإزار دون سائر بدنها؟ قلت له احتمل اعتزالهن
(اعتزلوا) جميع أبدانهن واحتمل بعض أبدانهن دون بعض فاستدللنا بالسنة على ما أراد الله من
اعتزالهن فقلت به كما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
184

باب ما ينال من الحائض
(قال الشافعي) قال الله عز وجل (ويسألونك عن المحيض قال هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض
ولا تقربوهن) (قال الشافعي) فالبين في كتاب الله أن يعتزل إتيان المرأة في فرجها للأذى فيه. وقوله
(حتى يطهرن) يعنى يرين الطهر بعد انقطاع الدم (فإذا تطهرن) إذا اغتسلن (فأتوهن من حيث
أمركم الله) قال بعض الناس من أهل العلم من حيث أمركم الله أن تعتزلوهن يعنى عاد الفرج إذا
طهرهن فتطهرن بحاله قبل تحيض حلالا قال جل ثناؤه (فاعتزلوا النساء في المحيض) يحتمل فاعتزلوا
فروجهن بما وصفت من الأذى، ويحتمل اعتزال فروجهن وجميع أبدانهن وفروجهن وبعض أبدانهن
دون بعض وأظهر معانيه اعتزال أبدانهن كلها لقول الله عز وجل (فاعتزلوا النساء في المحيض) فما
احتمل هذه المعاني طلبنا الدلالة على معنى ما أراد جل وعلا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فوجدناها تدل مع نص كتاب الله على اعتزال الفرج؟ وتدل مع كتاب الله عز وجل على أن يعتزل من
الحائض في الاتيان والمباشرة ما حول الإزار فأسفل ولا يعتزل ما فوق الإزار إلى أعلاها فقلنا بما وصفنا
لتشدد الحائض إزارا على أسفلنا ثم يباشرها الرجل من إتيانها من فوق الإزار ما شاء. فإن اتاها حائضا
فليستغفر الله ولا يعد (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أن ابن عمر رضي الله عنه
ما أرسل إلى عائشة رضي الله عنها يسألها هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض؟ فقالت لتشدد إزارها
على أسفلها ثم يباشرها إن شاء (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا أراد الرجل أن يباشر امرأته حائضا لم
يباشرها حتى تشد إزارها على أسفلها ثم يباشرها من فوق الإزار منها مفضيا إليه ويتلذذ به كيف شاء منها
ولا يتلذذ بما تحت الإزار منها ولا يباشرها مفضيا إليها والسرة ما فوق الإزار.
الخلاف في مباشرة الحائض
(قال الشافعي) رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في مباشرة الرجل امرأته وإتيانه إيها وهي حائض
فقال ولم؟ قلت لا ينال منها بفرجه ولا يباشرها فيما تحت الإزار وينال فيما فوق الإزار فقلت له بالذي
ليس لي ولك ولا لمسلم القول بغيره وذكرت فيه السنة فقال قد روينا خلاف ما رويتم فروينا أن يخلف
موضع الدم ثم ينال ما شاء فذكر حديثا لا يثبته أهل العلم بالحديث فقال فهل تجد لما بين تحت الإزار
وما فوقه فرقا مع الحديث؟ فقلت له: نعم وافرق أقوى من الحديث أحد الذي يتلذذ به منها سوى
الفرج مما تحت الإزار الأليتان والفخذان فأجدهما يفارقان ما فوق الإزار في معنيين: أحدهما الدم إذا
سال من الفرج جرى فيهما وعليهما، والثاني أن الفرج عورة و الأليتين عورة (1) فهما فرج واحد من بطن
الفخذين متصلين بالفرج نفسه وإذا كشف عنها الإزار كاد أن ينكشف عنه والإزار يكشف عن الفرج
ويكون عليه وليس على ما فوقه.

(1) قوله: فهما فرج واحد الخ كذا في النسخ، وانظر. كتبه مصححه.
185

باب إتيان النساء في أدبارهن
(قال الشافعي) رضي الله عنه قال الله عز وجل (نساؤكم حرث لكم) الآية (قال الشافعي)
احتملت الآية معنين أحدهما أن تؤتى المرأة من حيث شاء زوجها لأن (أنى شئتم) يبين أين شئتم لا
محظور منها كما لا محظور من الحرث، واحتملت أن الحرث إنما يراد به النبات وموضع الحرث الذي
يطلب به الولد الفرج دون ما سواه لا سبيل لطلب الولد غيره فاختلف أصحابنا في إتيان النساء في
أدبارهن فذهب ذاهبون منهم إلى إحلاله وآخرون إلى تحريمه، وأحسب كلا الفريقين تأولوا ما وصفت
من احتمال الآية على موافقة كل واحد منهما (قال الشافعي) فطلبنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم فوجدنا حديثين مختلفين أحدهما ثابت وهو حديث ابن عيينة عن محمد بن المنكدر أنه سمع جابر
بن عبد الله يقول: كانت اليهود تقول من أتى امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول فأنزل الله عز
وجل (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا
عمى محمد بن علي بن شافع قال أخبرني عبد الله بن علي بن السائب عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح
أو عمرو بن فلان بن أحيحة بن الجلاح أنا شككت (يعنى الشافعي) عن خزيمة بن ثابت أن رجلا
سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن أو إتيان الرجل امرأته في دبرها فقال النبي
صلى الله عليه وسلم (أي حلال) فلما ولى الرجل دعاه أو أمر به فدعى فقال (كيف؟ قلت في اي
الخربتين أو في أي الخرزتين أو في أي الخصفتين أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها فلا
فإن الله لا يستحى من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن) قال فما تقول؟ قلت عمى ثقة وعبد الله بن علي
ثقة وقد أخبرني محمد عن الأنصاري المحدث بها أنه أثنى عليه خبرا وخزيمة ممن لا يشك عالم في ثقته
فلست أرخص فيه بل أنهى عنه.
باب ما يستحب من تحصين الإماء عن الزنا
(قال الشافعي) قال الله عز وجل (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا) الآية فزعم
بعض أهل العلم بالتفسير أنها نزلت في رجل قد سماه له إماء يكرههن على الزنا ليأتينه بالأولاد فيتخولهن
وقد قيل نزلت قبل حد الزنا والله أعلم فإن كانت نزلت قبل حد الزنا ثم جاء حد الزنا فما قبل الحدود
منسوخ بالحدود وهذا موضوع في كتاب الحدود وإن كانت نزلت بعد حد الزنا فقد قيل إن قول الله عز
وجل (فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) نزلت في الإماء المكرهات أنه مغفور لهن بما أكرهن
عليه، وقيل غفور أي هو أغفر وأرحم من أن يؤاخذهن بما أكرهن عليه وفي هذا كالدلالة على إبطال
الحد عنهن إذا أكرهن على الزنا وقد أبطل الله تعالى عمن أكره على الكفر، وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيا وضع الله عن أمته وما استكرهوا عليه.
باب نكاح الشغار
(أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى
186

الله عليه وسلم نهى عن الشغار، والشغار أن يزوج الرجل الرجل ابنته على أن يزوجه الرجل الاخر ابنته
وليس بينهما صداق (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي تجيح عن
مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا شغار في الاسلام) (قال الشافعي) رحمه الله وبهذا
نقول والشغار أن يزوج الرجل ابنته الرجل على أن يزوجه ابنته صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى
فإذا وقع النكاح على هذا فهو مفسوخ فإن دخل بها فلها المهر بالوطئ ويفرق بينها (قال الشافعي)
أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي قال الزهري وكان الحسن أرضاهما
عن أبيهما عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر تحريم المتعة (قال الشافعي) والمتعة أن ينكح
الرجل المرأة إلى أجل معلوم فإذا وقع النكاح على هذا فهو مفسوخ دخل بها أو لم يدخل فإن أصابها فلها
المهر بالمسيس.
الخلاف في نكاح الشغار
(قال الشافعي) رحمه الله: فقال بعض الناس أما الشغار فالنكاح فيه ثابت ولكل واحدة من
المنكوحتين مهر مثلها وأما المتعة فإن قلت فهو فاسد فما يدخل على؟ قلت ما لا يشتبه فيه خطؤك قال وما
هو؟ قلت ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الشغار ولم تختلف الرواية عنه صلى الله عليه
وسلم فأجزت الشغار الذي لا مخالف عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهى عنه ورددت نكاح المتعة
وقد اختلف عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها قال فإن قلت فإن أبطلا الشرط في المتعة جاز النكاح وإن
لم يبطلاه فالنكاح مفسوخ قلت له إذا تخطئ خطأ بينا قال فكيف؟ قلت روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم النهى عنها وما نهى عنه حرام ما لم يكن فيه رخصة بحلال وروى عنه أنه أحله فلم يحلله وأحدثت
بين الحديثين شيئا خارجا منهما خارجا من مذاهب الفقه متناقضا قال وما ذاك؟ قلت أنت تزعم أنه لو
نكح رجل امرأة على أن كل واحد منهما بالخيار كان النكاح باطلا لأن الخيار لا يجوز في النكاح لأن
ما شرط في عقده الخيار لم يكن العقد فيه تاما وهذا وإن جاز في الشرع لم يجز في النكاح عندنا
وعندك، فإن قلت فإن أبطل المتناكحان نكاح المتعة الشرط فقد زعمت أن عقد النكاح وقع والجماع
لا يحل فيه ولا الميراث إن مات أحدهما قبل إبطال الشرط لم تجزه بعد وقوعه غير جائز فقد أجزت فيه
الخيار للزوجين وأنت تزعم أن الخيار لهما يفسد العقدة. ثم أحللته بشئ آخر عقدة لم يشترط فيها خيار
ثم أحدثت لهما شيئا من قبلك أن جعلت لهما خيارا ولو قسته بالبيوع كنت قد أخطأت فيه القياس قال
ومن أين؟ قلت: الخيار في البيوع لا يكون عندك إلا بأن يشترى ما لم ير عينه فيكون له الخيار إذا رآه
أو يشترى فيجد عيبا فيكون بالخيار إن شاء رده وإن شاء حبس، والنكاح برئ من هذين الوجهين
عندك؟ قال: نعم قلت والوجه الثاني الذي تجيز غيه الخيار في البيوع أن يتشارط المتبايعان أو أحدهما
الخيار وإن وقع عقدهما البيع على غير الشرط لم يكن لهما ولا لاحد منهما خيار إلا بما وصفت من أن لا
يكون المشترى رأى ما اشتراه أو دلس له بعيب، قال: نعم قلت فالمتناكحان نكاح المتعة إنما نكحا
نكاحا يعرفانه إلى مدة لم يشترطا خيارا فكيف يكون زوجها اليوم وغدا غير زوجها بغير طلاق يحدثه
والعقد إذا عقد ثبت إلا أن يحدث فرقة عندك؟ أو كيف تكون زوجة ولا يتوارثان؟ أم كيف يتوارثان
يوما ولا يتوارثان في غده؟ قال: فإن قلت فالنكاح جائز والشرط في المدة في النكاح باطل قلت فأنت
187

تحدث للمرأة والرجل نكاحا بغير رضاهما ولم يعقداه على أنفسهما وإنما قسته بالبيع والبيع لو عقد (1)
فقال البائع والمشترى أشترى منك هذا عشرة أيام كل يوم كان البيع مفسوخا لأنه لا يجوز أن أملكه إياه
عشرا دون الأبد ولا يجوز أن أملكه إياه عشرا وقد شرط أن لا يملكها إلا عشرا فكان يلزمك أن لو لم
يكن في نكاح المتعة خير يحرمه أن تفسده إذا جعلته قياسا على البيع فأفسدت البيع قال فقال فإن
جعلته قياسا على الرجل يشترط للمرأة دارها أن يكون النكاح ثابتا والشرط باطلا؟ قلت له: فإن
جعلته قياسا على هذا أخطأت من وجوه قال وما هي؟ قلت من الناس من يقول لها شرطها ما كان
والنكاح ثابت بينهما وبينها وبينه وما بين الزوجين من الميراث وغيره فإن قسته على هذا القول لزمك أن
تقول ذلك في المتناكحين نكاح متعة، قال: لا أقيسه على هذا القول ولا يجوز أن يثبت بينهما ما يثبت
بين الزوجين وهي زوجة في أيام غير زوجة بعده؟ فقلت: فإن قسته على من قال إن النكاح ثابت
وشرطها دارها باطل فقد أحدثت لهما تزويجا بغير شرطهما أن ليسا بزوجين ما لم يرضه أحد منهما فكنت
رجلا زوج اثنين بلا رضاهما ولزمك إن أخطأت القياس من وجه آخر، قال وأين؟ قلت: الناكحة
المشترطة دارها نكحت على الأبد فليس في عقدها النكاح على الأبد شئ يفسد النكاح وشرطت أن
لا يخرج بها من دارها نكحت على الأبد والشرط فهي وإن كان لها شرطها أو أبطل عنها فهي حلال
الفرج في دارها وغير دارها والشرط زيادة في مهرها والزيادة في المهر عندنا وعندك كانت جائزة أو
فاسدة لا تفسد العقدة وللناكحة متعة لم ينكحها على الأبد إنما نكحته يوما أو عشرا فنكحته على أن
زوجها حلال في اليوم أو العشر محرم بعده لأنها بعده غير زوجة لا يجوز أن يكون فرج يوطأ بنكاح يحل
في هذه ويحرم في أخرى قال ما هي بقياس عليها أن تكون زوجته اليوم وغير زوجته الغد بلا إحداث
فرقة (قال الشافعي) رحمه الله: فقلت له أرأيت لو استقامت قياسا على واحد مما أردت ان تقيسها
عليه أيجوز في العلم عندنا وعندك أن يعمد إلى المتعة وقد جاء فيها خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم
بتحريم وخبر بتحليل؟ فزعمنا نحن وأنت أن التحليل منسوخ فتجعله قياسا على شي ء غيره ولم يأت فيه
عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر؟ فإن جاز هذا لك جاز عليك أن يقول لك قائل حرم الطعام والجماع في
الصوم والصلاة وحرم الجماع في الاحرام فأحرم الطعام فيه أو أحرم الكلام في الصوم كما حرم في
الصلاة قال لا يجوز هذا في شئ من العلم تمضى كل شريعة على ما شرعت عليه وكل ما جاء فيه خبر
على ما جاء، قلت: فقد عمدت في نكاح المتعة وفيه خبر فجعلته قياسا في النكاح على ما لا خبر فيه
فجعلته قياسا على البيوع وهو شريعة غيره ثم تركت جميع ما قست عليه وتناقض قولك فقال فإنه كان
من قول أصحابنا إفساده قلت فلم لم تفسده كما أفسده من زعم أن العقدة فيه فاسدة ولم تجزه كما أجازه
من زعم أنه حلال على ما تشارطا ولم يقم لك فيه قول على خبر ولا قياس ولا معقول؟ قال فلأي شئ
أفسدت أنت الشغار والمتعة؟ قلت: بالذي أوجب الله عز وجل على من طاعة رسوله الله صلى الله عليه
وسلم وما أجد في كتاب الله من ذلك فقال (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن
تكون لهم الخيرة من أمرهم) وقال (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في
أنفسهم حرجا مما قضيت) قال فكيف يخرج نهى النبي صلى الله عليه وسلم عندك؟ قلت ما نهى عنه
مما كان محرما حتى أحل بنص من كتاب الله عز وجل أو خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى

قوله: فقال البائع الخ كذا في النسخ ولا تخلو العبارة من تحريف أو سقط، فحرر. كتبه مصححه.
188

من ذلك عن شئ فالنهي يدل على أن ما نهى عنه لا يحل قال ومثل ماذا؟ قلت مثل النكاح كل
النساء محرمات الجماع إ لا بما أحل الله وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم من النكاح الصيح أو ملك
اليمين فمتى انعقد النكاح أو الملك بما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من النكاح الصحيح أو
ملك اليمين فمتى انعقد النكاح أو الملك بما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحلل ما كان منه
محرما وكذلك البيوع ثم أموال الناس محرمة على غيرهم إلا بما أحل الله من بيع وغيره فإن انعقد البيع بما
نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل بعقدة منهى عنه فلما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن
الشغار والمتعة قلت: المنكوحات بالوجهين كانتا غير مباحتين إلا بنكاح صحيح ولا يكون ما نهى عنه
رسول الله صلى الله عليه وسلم من النكاح ولا البيع صحيحا. قال هذا عندي كما زعمت ولكن قد
يقول بعض الفقهاء في النهى ما قلت ويأتي نهى آخر فيقولون فيه خلافه ويوجهونه على أنه لم يرد به
الحرام. فقلت له إن كان ذلك بدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرد بالنهي الحرام فكذلك
ينبغي لهم وإن لم يكن فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالة لم يكن لهم ان يزعموا أن النهى مرة
محرم وأخرى غير محرم فلا فرق بينهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فدلني في غير هذا على مثله؟
فقلت أرأيت لو قال لك قائل: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها
فعلمت أنه لم ينه عن الجمع بين ابنتي العم ولهما قرابة ولا بين القرابات غيرهما فكانت العمة والخالة وابنة
الأخ والأخت حلالا ان يبتدأ بنكاح كل واحدة منهن على الانفراد أنهن أحللن وخرجن عن معنى
الام والبنت وما حرم على الأبد بحرمة نفسه أو بحرمة غيره فاستدللت على أن النهى عن ذلك إنما هو
كراهية أن يفسد ما بينهما والعمة والخالة ووالدتان ليستا كابنتي العم اللتين لا شئ لواحدة منهما على
الأخرى إلا للأخرى مثله فإن كانتا راضيتين بذلك مأمونتين بإذنهما وأخلاقهما على أن لا يتفاسدا بالجمع
حل الجمع بينهما قال ليس ذلك له قلت: وكذلك الجمع بين الأختين قال: نعم قلت فإن نكح امرأة
على عمتها فلما انعقدت العقدة قبل يمكن الجمع بينهما ماتت التي كانت عنده وبقيت التي نكح قال
فعقدة الآخرة فاسدة قلت فإن قال قد ذهب الجمع وصارت التي نهى أن ينكح على هذه المرأة الميتة
فقال لك أنا لو ابتدأت نكاحها الآن جاز فأقرر نكاحها الأول؟ قال ليس ذلك له إن انعقدت العقدة
بأمر نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تصح بحال يحدث بعدها فقلت له فهكذا قلت في
الشغار والمتعة قد انعقد بأمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه لا نعلمه في غيره وما نهى عنه
بنفسه أولى أن لا يصح مما نهى عنه بغيره فإن افترق القول في النهى كان الجمع بين المرأة وعمتها ونكاح
الأخت على أختها إذا ماتت الأولى منهما قبل أن تجتمع هي والآخرة أولى أن يجوز لأنه إنما نهى عنه
لعلة الجمع وقد زال الجمع قال فإن زال الجمع فإن العقد كان وهو ثابت على الأولى فلا يثبت على
الآخرة وهو منهى عنه قلت له: فالذي أجزته في الشغار والمتعة هكذا أو أولى أن لا يجوز من هذا؟
فقلت له: أرأيت لو قال قائل: إنه أمر بالشهود في النكاح أن لا يتجاحد الزوجان فيجوز النكاح على
غير الشهود ما تصادقا؟ قال لا يجوز النكاح بغير شهود. قلت: وإن تصادقا على أن النكاح كان جائزا
أو أشهدا على إقرارهما بذلك؟ قال لا يجوز. قلت ولم؟ ألأن المرأة كانت غير حلال إلا بما أحلها الله ثم
رسوله صلى الله عليه وسلم به فلما انعقدت عقده النكاح بغير ما أمر به لم يحل المحرم إلا من حيث أحل؟
قال نعم قلت فالامر بالشهود لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرا بثبوت النهى عن الشغار والمتعة
ولو ثبت كنت به محجوجا لأنك إذا قلت في النكاح بغير سنة لا يجوز لأن عقد النكاح كان بغير كمال ما
189

أمر به وإن انعقدت بغير كمال ما أمر به فهي فاسدة قلنا لك فأيهما أولى أن يفسد العقدة التي انعقدت بغير
ما أمر به أو العقدة التي انعقدت بما نهى عنه والعقدة التي تعقد بما نهى عنه تجمع النهى وخلاف
الامر؟ قال كل سواء قلت وإن كانا سواء لم يكن لك ان تجيز واحدة وترد مثلها أو أوكد وإن من الناس
لمن يزعم أن النكاح بغير بينة جائز غير مكروه كالبيوع وما من الناس أحد إلا يكره الشغار وينهى عنه
وأكثرهم يكره المتعة وينهى عنها ومنهم من يقول يرجم فيها من ينكحها وقد نهى النبي صلى الله عليه
وسلم عن بيع الطعام قبل ان يقبض أفرأيت لو تبايع رجلان بطعام قبل ان يقبض ثم تقابضا فذهب
الغرر أيجوز؟ قال: لا لأن العقدة انعقدت فاسدة منهيا عنها قلت وكذلك إذا نهى عن بيع وسلف
وتبايعا أيتم البيع ويرد السلف لو رفعا إليك؟ قال لا يجوز لأن العقدة انعقدت فاسدة. قيل: وما
فسادها وقد ذهب المكروه منها؟ قال انعقدت بأمر منهى عنه. قلنا: وهكذا أفعل في كل أمر ينهى
عنه ولو لم يكن في إفساد نكاح المتعة إلا القياس انبغى ان يفسد من قبل أنها إذا زوجت نفسها يومين
كنت قد زوجت كل واحد منهما ما لم يزوج نفسه وأبحت له ما لم يبح لنفسه قال فكيف تفسده؟ قلت
لما كان المسلمون لا يجيزون أن يكون النكاح إلا على الأبد حتى يحدث فرقة لم يجز ان يحل يومين ويحرم
أكثر منهما ولم يجز أن يحل في أيام لم ينكحها فكان النكاح فاسدا
نكاح المحرم
(قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أخي بنى عبد الدار أخبره أن
عمر ابن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان وأبان يومئذ أمير الحاج وهما محرمان: إني قد أردت ان أنكح
طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير وأردت ان تحضر فأنكر ذلك أبان وقال سمعت عثمان بن عفان
يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ينكح المحرم ولا ينكح) (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة
عن أيوب بن موسى عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان أظنه عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم مثل معناه (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن
يزيد بن الأصم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا
الشافعي) قال أخبرنا مالك عن ربيعة عن سليمان بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع
مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة ابنة الحرث ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أن يخرج
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن مسلمة عن إسماعيل بن أمية عن ابن المسيب
قال ما نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة إلا وهو حلال (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي)
قال: أخبرنا مالك عن داود بن الحصين أن أبا غطفان بن طريف المرى أخبره أن أباه طريفا تزوج
امرأة وهو محرم فرد عمر نكاحه (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مالك عن نافع أن
ابن عمر كان يقول: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب على نفسه ولا على غيره (أخبرنا الربيع) قال
(أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن قدامة بن موسى عن شوذب أن زيد بن ثابت رد
نكاح محرم (قال الشافعي) رحمه الله وبهذا كله نأخذ فإذا نكح المحرم أو أنكح غيره فنكاحه مفسوخ
وللمحرم أن يراجع امرأته لأن الرجعة قد ثبتت بابتداء النكاح وليست بالنكاح إنما هي شئ له في
نكاح كان وهو غير محرم وكذلك له أن يشترى الأمة للوطئ وغيره وبهذا نقول فإن نكح المحرم فنكاحه
مفسوخ.
190

باب الخلاف في نكاح المحرم
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) رحمه الله فخالفنا بعض الناس في نكاح المحرم فقال لا بأس أن
ينكح المحرم ما لم يصب وقال روينا خلاف ما رويتم فذهبنا إلى ما روينا وذهبتم إلى ما رويتم روينا أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح وهو محرم فقلت له أرأيت إذا اختلفت الرواية عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم بأيها تأخذ؟ قال بالثابت عنه قلت أفترى حديث عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم
ثابتا؟ قال: نعم قلت وعثمان غير غائب عن نكاح ميمونة لأنه مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وفي
سفره الذي بنى بميمونة فيه في عمرة القضية وهو السفر الذي زعمت أنت بأنه نكحها فيه وإنما نكحها
قبله وبنى بها فيه قال: نعم ولكن الذي روينا عنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نكحها وهو محرم
فهو وإن لم يكن يوم نكحها بالغا ولا له يومئذ صحبة فإنه لا يشبه أن يكون خفى عليه الوقت الذي
نكحها فيه مع قرابته بها ولا يقبله هو وإن لم يشهده إلا عن ثقة فقلت له يزيد بن الأصم ابن أختها
يقول نكحها حلالا ومعه سليمان بن يسار عتيقها أو ابن عتيقها فقال نكحها حلالا فيمكن عليك ما
أمكنك فقال هذان ثقة ومكانهما منها المكان الذي لا يخفى عليهما الوقت الذي نكحها فيه لحطها
وحط من هو منها نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز أن يقبلا ذلك وإن لم يشهداه إلا بخبر
ثقة فيه فتكافأ خبر هذين وخبر من رويت عنه في المكان منها وإن كان أفضل منهما فهما ثقة أو يكون خبر
اثنين أكثر من خبر واحد ويزيدونك معهما ثالثا ابن المسيب وتنفرد عليك رواية عثمان التي هي أثبت من
هذا كله فقلت له: أو ما أعطيتنا أن الخبرين لو تكافئا نظرنا فيما فعل أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعده فنتبع أيهما كان فعلهما أشبه وأولى الخبرين أن يكون محفوظا فتقبله ونترك الذي خالفه؟
قال: بلى قلت فعمر ويزيد بن ثابت يردان نكاح المحرم ويقول ابن عمر لا ينكح ولا ينكح ولا أعلم
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما مخالفا قال فإن المكيين يقولون ينكح. فقلت مثل ما
ذهبت إليه والحجة تلزمهم مثل ما لزمتك ولعلهم خفى عليهم ما خالف ما رووا من نكاح النبي صلى
الله عليه وسلم محرما قال فإن من أصحابك من قال إنما قلنا لا ينكح لأن العدة يحل الجماع وهو محرم
عليه قلت له الحجة فيا حكينا لك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا فيما وصفت أنهم
ذهبوا إليه من هذا وإن كنت أنت قد تذهب أحيانا إلى أضعف منه وليس هذا عندنا مذهب المذاهب
في الخبر أو علة بينة فيه قال فأنتم قلتم للمحرم أن يراجع امرأته إذا كانت في عدة منه وان يشترى
الجارية للإصابة قلت إن الرجعة ليست بعقد نكاح إنما هي شئ جعله الله للمطلق في عقدة النكاح
أن يكون له الرجعة في العدة وعقدة النكاح كان وهو حلال فلا يبطل العقدة حق الاحرام ولا يقال
للمراجع ناكح بحال فأما الجارية تشترى فإن البيع مخالف عندنا وعندك للنكاح من قبل أنه قد يشترى
المرأة قد أرضعته ولا يحل له إصابتها ويشترى الجارية وأمها وولدها لا يحل له أن يجمع بين هؤلاء فأجيز
الملك بغير جماع وأكثر ما في ملك النكاح الجماع ولا يصلح أن ينكح امرأة لا يحل له جماعها وقد يصلح
أن يشترى من لا يحل له جماعها.
باب في إنكاح الوليين
(أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا إسماعيل بن علية عن سعيد بن أبي عروبة عن
191

قتادة عن الحسن عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أنكح الوليان فالأول
أحق وإذا باع المجيزان فالأول أحق) (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) فبهذا نقول وهذا في المرأة
توكل رجلين فيزوجانها فيزوجها أحدهما ولا يعلم الآخر حين زوجها فنكاح الأول ثابت لأنه ولى موكل
ومن نكحها بعده فقد بطل نكاحه وهذا قول عوام الفقهاء لا أعرف بينهم فيه خلافا ولا أدرى أسمع
الحسن منه أم لا؟ (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن المسيب أن علي بن أبي طالب
رضى الله تعالى عنه قال إذا طلق الرجل امرأته فهو أحق برجعتها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة في
الواحدة والاثنتين.
باب في إتيان النساء قبل إحداث غسل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا كان للرجل إماء فلا بأس أن يأتيهن معا قبل أن يغتسل ولو
أحدث وضوءا كلما أراد إتيان واحدة كان أحب إلى لمعنيين أحدهما أنه قد روى فيه حديث وإن كان مما
لا يثبت مثله والآخر انه أنظف وليس عندي بواجب عليه وأحب إلى لو غسل فرجه قبل إتيان التي يريد
ابتداء إتيانها وإتيانهن معا واحدة بعد واحدة كإتيان الواحدة مرة بعد مرة وإن كن حرائر فحللنه
فكذلك وإن لم يحللنه لم أر أن يأتي واحدة في ليلة الأخرى التي يقسم لها فإن قيل فهل في هذا
حديث؟ قيل إنه يستغنى فيه عن الحديث بما قد يعرف الناس وقد روى فيه شئ (قال الشافعي) من
أصاب امرأة حرة أو أمة ثم أراد ان ينام فلا ينام حتى يتوضأ وضوءه للصلاة بالسنة.
إباحة الطلاق
أخبرنا الربيع بن سليمان قال (قال الشافعي) قال الله عز وجل (إذا طلقتم النساء فطلقوهن
لعدتهن) الآية وقال (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) وقال (إذا نكحتم المؤمنات ثم
طلقتموهن) الآية وقال (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) وقال (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف
أو تسريح بإحسان) مع ما ذكرته من الطلاق في غير ما ذكرت ودلت عليه سنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم من إباحة الطلاق فالطلاق مباح لكل زوج لزمه الفرض ومن كانت زوجته لا تحرم من
محسنة ولا مسيئة في حال إلا أنه ينهى عنه لغير العدة وإمساك كل زوج محسنة أو مسيئة بكل حال مباح
إذا أمسكها بمعروف وجماع المعروف إعفاها بتأدية الحق.
كيف إباحة الطلاق
(قال الشافعي) رحمه الله: اختار للزوج أن لا يطلق إلا واحدة ليكون له الرجعة في المدخول بها
ويكون خاطبا في غير المدخول بها ومتى نكحها بقيت له عليها اثنتان من الطلاق ولا يحرم عليه ان

(1) ق. له: اعفاها كذا في النسخ ولعله محرف عن " اعفائها " وانظر. كتبه مصححه.
192

يطلق اثنتين ولا ثلاثا لأن الله تبارك وتعالى أباح الطلاق وما أباح فليس بمحظور على أهله وان النبي
صلى الله عليه وسلم علم عبد الله ابن عمر موضع الطلاق ولو كان في عدد الطلاق مباح ومحظور علمه
إن شاء الله تعالى إياه لأن من خفى عليه أن يطلق امرأته طاهرا كان ما يكره من عدد الطلاق ويجب لو
كان فيه مكروه أشبه ان يخفى عليه وطلق عويمر العجلاني امرأته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم
ثلاثا قبل أن يأمره وقبل أن يخبره انها تطلق عليه باللعان ولو كان ذلك شيئا محظورا عليه نهاه النبي صلى
الله عليه وسلم ليعلمه وجماعة من حضره وحكت فاطمة بنت قيس ان زوجها طلقها البتة يعنى والله أعلم
ثلاثا فلم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وطلق ركانة امرأته البتة وهي تحتمل واحدة
وتحتمل ثلاثا فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن نيته وأحلفه عليها ولم نلمه نهى أن يطلق البتة يريد بها
ثلاثا وطلق عبد الرحمن بن عوف امرأته ثلاثا.
جماع وجه الطلاق
(قال الشافعي) قال الله تعالى: (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) وقرئت (لقبل عدتهن) وهما
لا يختلفان في معنى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه طلق امرأته في زمان النبي صلى الله عليه
وسلم وهي حائض قال عمر فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال " مرة فليراجعها ثم ليمسكها
حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن شاء أمسكها وإن شاء طلقها قبل أن يمس العدة التي أمر الله عز وجل
أن تطلق لها النساء) أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع
عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل عبد الله بن عمر وأبو الزبير يسمع فقال كيف ترى في رجل طلق
امرأته حائضا؟ فقال ابن عمر طلق عبد الله بن عمر امرأته حائضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم (مره
فليراجعها فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك) قال ابن عمر، قال الله تبارك وتعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم
النساء فطلقوهن في قبل عدتهن) أو لقبل عدتهن (شك الشافعي) أخبرنا مسلم وسعيد بن سالم عن ابن
جريج عن مجاهد أنه كان يقرؤها كذلك أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه كان يقرؤها
(إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن) (قال الشافعي) فبين والله أعلم في كتاب الله عز وجل بدلالة
سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن والسنة في المرأة المدخول بها التي تحيض دون من سواها من
المطلقات أن تطلق لقبل عدتها وذلك أن حكم الله تعالى أن العدة على المدخول بها وأن النبي صلى الله
عليه وسلم إنما يأمر بطلاق طاهر من حيضها التي يكون لها طهر وحيض، وبين أن الطلاق يقع على
الحائض لأنه إنما يؤمر بالمراجعة من لزمه الطلاق فأما من لم يلزمه الطلاق فهو بحاله قبل الطلاق. وقد
أمر الله تعالى بالامساك بالمعروف والتسريح بالاحسان ونهى عن الضرر وطلاق الحائض ضرر عليها لأنها
لا زوجة ولا في أيام تعتد فيها من زوج ما كانت في الحيضة وهي إذا طلقت وهي تحيض بعد جماع لم
تدر ولا زوجها عدتها الحمل أو الحيض؟ ويشبه أن يكون أراد أن يعلما معا العدة ليرغب الزوج وتقصر
المرأة عن الطلاق إن طلبته، وإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر ان يعلم ابن عمر موضع الطلاق
فلم يسم له من الطلاق عددا فهو يشبه أن لا يكون في عدد ما يطلق سنة إلا أنه أباح له الطلاق واحدة
واثنتين وثلاثا مع دلائل تشبه هذا الحديث ودلائل القياس.
193

تفريع طلاق السنة في غير المدخول بها والتي لا تحيض
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا تزوج الرجل المرأة فلم يدخل بها وكانت ممن تحيض أو لا
تحيض فلا سنة في طلاقها إلا أن الطلاق يقع متى طلقها فيطلقها متى شاء فإن قال لها أنت طالق
للسنة، أو أنت طالق للبدعة، أو أنت طالق، لا للسنة ولا للبدعة، طلقت مكانها (قال) ولو تزوج
رجل امرأة ودخل بها وحملت، فقال لها أنت طالق للسنة أو للبدعة أو بلا سنة ولا بدعة كانت مثل المرأة
التي لم يدخل بها لا تختلف هي وهي في شئ مما يقع به الطلاق، عليها حين يتكلم به (قال) ولو تزوج
امرأة ودخل بها وأصابها وكانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر فقال لها أنت طالق للسنة فهي مثل
المرأتين قبلها لا يختلف ذلك في وقوع الطلاق عليها حين يتكلم به لأنه ليس في طلاق واحدة ممن
سميت سنة إلا أن الطلاق يقع عليها حين يتكلم به بلا وقت لعدة لأنهن خوارج من أن يكن مدخولا
بهن وممن ليست عددهن الحيض وإن نوى أن يقعن في وقت لم يدين في الحكم ودين فيما بينه وبين الله
عز وجل.
تفريع طلاق السنة في المدخول بها التي تحيض إذا كان الزوج غائبا
(قال الشافعي) رحمه الله: إذا كان الرجل غائبا عن امرأته فأراد ان يطلقها للسنة كتب إليها (إذا
أتاك كتابي هذا وقد حضت بعد خروجي من عندك فإن كنت طاهرا فأنت طالق) وإن كان علم أنها قد
حاضت قبل ان يخرج ولم يمسها بعد الطهر أو علم أنها قد حاضت وطهرت وهو غائب كتب إليها (إذا
أتاك كتابي فإن كنت طاهرا فأنت طالق وإن كنت حائضا فإذا طهرت فأنت طالق) (قال) وإذا قال
الرجل لامرأته التي تحيض وقد دخل بها أنت طالق للسنة سألته فإن قال أردت ان يقع الطلاق عليها
للسنة أو لم يكن له نية فإن كانت طاهرا ولم يجامعها في طهرها ذلك وقع الطلاق عليها في حالها تلك
وإن كانت طاهرا قد جامعها في ذلك الطهر أو حائضا أو نفساء وقع الطلاق عليها حين تطهر من
النفاس أو الحيض ووقع على الطاهر المجامعة حيت تطهر من أول حيضة تحيضها بعد قوله يقع على كل
واحدة منهن حين ترى الطهر وقبل الغسل وإن قال أردت أن يقع حين تكلمت وقعت حائضا كانت أو
طاهرا بإرادته، وإذا قال الرجل لا مرأته التي تحيض أنت طالق ثلاثا للسنة وقعن جميعا معا في وقت
طلاق السنة إذا كانت طاهرا من غير جماع وقعن حين قاله وإن كانت نفساء أو حائضا أو طاهرا فإذا
طهرت قبل تجامع ولو نوى أن يقعن عند كل طهر واحدة وقعن معا كما وصفت في الحكم، فأما فيما
بينه وبين الله تعالى فيقعن علي ما نواه ويسعه رجعتها وإصابتها بين كل تطليقتين ما لم تنقض عدتها (قال
الشافعي) وتنقضي عدة المرأة بأن تدخل في الحيضة الثالثة من يوم وقع الطلاق في الحكم ولها أن لا
تنكحه وتمتنع منه، وإذا قال أنت طالق ثلاثا عند كل قرء لك واحدة فإن كانت طاهرا مجامعة أو غير
مجامعة وقعت الأولى لأن ذلك قرء ولو طلقت فيه اعتدت به وإن كانت حائضا أو نفساء وقعت الأولى
إذا طهرت من النفاس ووقعت الأخرى إذا طهرت من الحيضة الثانية إذا طهرت من الحيضة
الثالثة ويبقى عليها من عدتها قرء، فإذا دخلت في الدم من الحيضة الرابعة فقد انقضت عدتها من
الطلاق كله (قال) ولو قال لها هذا القول وهي طاهر أو وهي حبلى وقعت الأولى ولم تقع الثنتان كانت
194

تحيض على الحبل أو لا تحيض حتى تلد ثم تطهر فيقع عليها إن ارتجع فإن لم يحدث لها رجعة فقد
انقضت عدتها ولا تقع الثنتان لأنها قد بانت منه وحلت لغيره ولا يقع عليها طلاقه وليست بزوجة له
(قال) وسواء قال طالق واحدة أو ثنتين أو ثلاثا يقعن معا لأنه ليس في عدد الطلاق سنة إلا أنى أحب
له أن يطلق إلا واحدة وكذلك إن قال أردت طلاقا للسنة أن السنة ان يقع الطلاق عليها إذا طلقت
فهي طالق مكانه ولو قال لها أنت طالق ولا نية له أو وهو ينوى وقوع الطلاق على ظاهر قوله وقع
الطلاق حين تكلم به ولو قال لها أنت طالق للسنة واحدة وأخرى للبدعة فإن كانت طاهرا قد جومعت
أو حائضا أو نفساء وقعت تطليقة البدعة. فإذا طهرت وقعت السنة وسواء قال لها أنت طالق
تطليقة سنية وأخرى بدعية أو تطليقة للسنة وأخرى للبدعة (قال) ولو قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة
وثلاثا للبدعة وقعت عليها ثلاثا حين تكلم به لأنها لا تعدو أن تكون في حال سنة أو حال بدعة فيقعن
في أي الحالين كانت (قال الشافعي) وكذلك لو قال لها أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن
للبدعة جعلنا القول قوله فإن أراد اثنتين للسنة وواحدة للبدعة أوقعنا اثنتين للسنة في موضعهما. وواحدة
للبدعة في موضعها، وهكذا لو قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة وللبدعة فإن قال أردت بثلاث للسنة
والبدعة أن يقعن معا وقعن في أي حال كانت المرأة وهكذا إن قال أردت أن السنة والبدعة في هذا
سواء ولو قال بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة ولا نية له فإن كانت طاهرا من غير جماع وقعت ثنتان
للسنة حين يتكلم بالطلاق وواحدة للبدعة حين تحيض. وإن كانت مجامعة أو في دم نفاس أو حيض
وقعت حين تكلم اثنتان للبدعة وإذا طهرت واحدة للسنة (قال) ولو قال لها أنت طالق أحسن الطلاق
أو أجمل الطلاق أو أفضل الطلاق أو أكمل الطلاق أو خير الطلاق أو ما أشبه هذا من تفصيل الكلام
سألته عن نيته فإن قال لم أنو شيئا وقع الطلاق للسنة وكذلك لو قال ما نويت إيقاعه في وقت أعرفه
وكذلك لو قال ما أعرف حسن الطلاق ولا قبيحة بصفة غير أنى نويت أن يكون أحسن الطلاق وما
قلت معه أن يقع الطلاق حين تكلمت به لا يكون له مدة غير الوقت الذي تكلمت به فيه فيقع حينئذ
حين يتكلم به أو يقول أردت بأحسنه أنى طلقت من الغضب أو غيره فيقع حين يتكلم به إذا جاء بدلالة
(قال) ولو قال لها أنت طالق أقبح أو أسمج أو أقذر أو أشر أو أنتن أو آلم أو أبغض الطلاق أو ما أشبه
هذا مما يقبح به الطلاق سألناه عن نيته فإن قال أردت ما يخالف السنة منه أو قال أردت إن كان فيه
شئ يقبح الأقبح وقع طلاق بدعة إن كانت طاهرا مجامعة أو حائضا أو نفساء حين تكلم به وقع مكانه
وإن كانت طاهرا من غير جماع وقع إذا حاضت أو نفست أو جومعت وإن قال لم أنو شيئا أو خرس
أو عته قبل يسأل وقع الطلاق في موضع البدعة فإن سئل فقال نويت أقبح الطلاق لها إذا طلقتها لريبة
رأيتها منها أو سوء عشرة أو بغضة منى لها أو لبغضها من غير ريبة فيكون ذلك يقبح بها وقع الطلاق حين
تكلم به لأنه لم يصفه في أن يقع في وقت فيوقعه فيه (قال) ولو قال لها أنت طالق واحدة حسنة قبيحة
أو جميلة فاحشة أو ما أشبه هذا مما يجمع الشئ وخلافه كانت طالقا حين تكلم بالطلاق لأن ما أوقع
في ذلك وقع بإحدى الصفتين وإن قال نويت أن يقع في وقت غير هذا الوقت لم أقبل منه لأن الحكم
في ظاهر قوله ثنتان أن الطلاق يقع حين تكلم به ويسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن لا يقع الطلاق إلا
على نيته، ولو قال لها أنت طالق إن كان الطلاق الساعة أو الآن أو في هذا الوقت أو في هذا الحين
يقع عليك للسنة فإن كانت طاهرا من غير جماع وقع عليها الطلاق، وإن كانت في تلك الحال مجامعة
أو حائضا أو نفساء لم يقع عليها الطلاق في تلك الحال ولا غيرها بهذا الطلاق، ولو قال لها أنت طالق
195

إن كان الطلاق الآن أو الساعة أو في هذا الوقت أو في هذا الحين يقع عليك للبدعة فإن كانت مجامعة
أو حائضا أو نفساء طلقت وإن كانت طاهرا من غير جماع لم تطلق، ولو كانت المسألة الأولى في هذا
كله غير مدخول بها أو مدخولا بها لا تحيض من صغر أو كبر أو حبلى وقع هذا كله حين تكلم به وإن أراد
بقوله في المدخول بها التي تحيض في جميع المسائل أردت طلاقا ثلاثا،) وأراد بقوله أنت طالق أحسن
الطلاق أو بقوله: أنت طالق أقبح الطلاق ثلاثا كان ثلاثا وكذلك إن أراد اثنتين وإن لم يرد زيادة في
عدد الطلاق كانت في هذا كله واحدة، ولو قال أنت طالق أكمل الطلاق فهكذا، ولو قال لها أنت
طالق أكثر الطلاق عددا أو قال أكثر الطلاق ولم يزد على ذلك فهن ثلاث ويدين فيما بينه وبين الله
تعالى لأن ظاهر هذا ثلاث (قال) وطلاق المدخول بها حرة مسلمة أو ذمية أو أمة مسلمة سواء في وقت
إيقاعه وإن نوى شيئا وسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن لا يقع الطلاق إلا في الوقت الذي نوى، ولو قال
أنت طالق ملء مكة فهي واحدة إلا أن يريد أكثر منها، وكذلك إن قال ملء الدنيا أو قال ملء شئ
من الدنيا لأنها لا تملأ شيئا إلا بكلام فالواحدة والثلاث سواء فيما يملا بالكلام (قال) ولو وقت فقال
أنت طالق غدا أو إلى سنة أو إذا فعلت كذا وكذا أو كان منك كذا طلقت في الوقت الذي وقت ولا
تطلق قبله، ولو قال للمدخول بها التي تحيض إذا قدم فلان أو عتق فلان أو إذا فعل فلان كذا وكذا أو
إذا فعلت كذا فأنت طالق لم يقع ذلك إلا في الوقت الذي يكون فيه ما أوقع به الطلاق حائضا كانت
أو طاهرا، ولو قال أنت طالق في وقت كذا للسنة فإن كان ذلك الوقت وهي طاهر من غير جماع وقع
الطلاق وإن كان وهي حائض أو نفساء أو مجامعة لم يقع إلا بعد طهرها من حيضة قبل الجماع، ولو قال
لها أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة أو للسنة والبدعة كانت طالقا حين تكلم بالطلاق.
طلاق التي لم يدخل بها
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وقال
تبارك وتعالى (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) (قال الشافعي) والقرآن يدل والله
أعلم على أن من طلق زوجة له دخل بها أو لم يدخل بها ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره فإذا قال
الرجل لامرأته التي لم يدخل بها أنت طالق ثلاثا فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره أخبرنا مالك
عن ابن شهاب عن الزهري عن محمد بن عبد الرحمن ابن ثوبان عن محمد بن إياس بن الكبير قال
طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ثم بدا له أن ينكحها فجاء يستفتى فسأل أبو هريرة وعبد الله
بن عباس فقالا لا نرى أن تنكحها حتى تتزوج زوجا غيرك فقال إنما كان طلاقي إياها واحدة فقال
ابن عباس إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير ابن
عبد الله بن الأشج عن النعمان بن أبي عياش الأنصاري عن عطاء بن يسار قال جاء رجل يسأل عبد الله
ابن عمرو ابن العاص عن رجل طلق امرأته ثلاثا قبل ان يمسها قال عطاء فقلت إنما طلاق البكر واحدة
فقال عبد الله بن عمرو إنما أنت قاص الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره (قال
الشافعي) قال الله عز وجل: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقال (وبعولتهن أحق بردهن
في ذلك) الآية فالقرآن يدل على أن الرجعة لمن طلق واحدة أو اثنتين إنما هي على المعتدة لأن الله عز
وجل إنما الرجعة في العدة وكان الزوج لا يملك الرجعة إذا انقضت العدة لأنه يحل للمرأة في تلك
196

الحال أن تنكح زوجا غير المطلق فمن طلق امرأته ولم يدخل بها تطليقة أو تطليقتين فلا رجعة له عليها ولا
عدة ولها أن تنكح من شاءت ممن يحل لها نكاحه وسواء البكر في هذا والثيب (قال) ولو قال للمرأة غير
المدخول بها أنت طالق ثلاثا للسنة أو ثلاثا للبدعة أو ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة وقعن معا
حين تكلم به لأنه ليس فيها سنة ولا بدعة وهكذا لو كانت مدخولا بها لا تحيض من صغر أو كبر أو حبلى
وإذا أراد في المدخول بها ثلاثا أن يقعن في رأس كل شهر واحدة لزمه في حكم الطلاق ثلاثا يقعن معا
ويسعه فيما بينه وبين الله عز وجل أن يطلقها في رأس كل شهر واحدة ويرتجعها فيما بين ذلك ويصيبها
ويسعه فيما بينه وبين الله تعالى ولا يسعها هي ان تصدقه ولا تتركه ونفسها لأن ظاهره انهن وقعن معا
وهي لا تعلم ذلك كما قال وقد يكذب على قلبه ولو قال للتي لم يدخل بها أنت طالق ثلاثا للسنة وقعن
حين تكلم به فإن نوى أن يقعن في رأس كل شهر فلا يسعها أن تصدقه لأنه لا عدة عليها فتقع الثنتان
عليها في رأس كل شهر واحدة ويسعه فيما بينه وبين الله عز وجل أن تقع واحدة ولا تقع اثنتان لأنهما
يقعان وهي غير زوجة ولا معتدة. ولو قال لامرأة تحيض ولم يدخل بها أنت طالق إذا قدم فلان واحدة
للسنة أو ثلاثا للسنة فدخل بها قبل ان يقدم فلان وقعت عليها الواحدة أو الثلاث إذا قدم فلان وهي
طاهر من غير جماع، وإن قدم فلان وهي طاهر من أول حيض طلقت قبل يجامع وأسأله هل أراد إيقاع
الطلاق بقدوم فلان فقط؟ فإن قال: نعم أو قال أردت إيقاع الطلاق بقدوم فلان للسنة في غير
المدخول بها لا سنة التي دخل بها أوقعته عليه كيفما كانت امرأته لأنها لم يكن فيها حين حلف ولا حين
نوى السنة في التي لم يدخل بها وبنى وإني أوقع الطلاق بنيته مع كلامه، وإذا قال الرجل لامرأته لم يدخل
بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق وقعت عليها الأولى ولم تقع عليها الثنتان من قبل أن الأولى كلمة
تامة وقع بها الطلاق فبانت من زوجها بلا عدة عليها ولا يقع الطلاق على غير زوجة أخبرنا محمد بن
إسماعيل بن أبي فديك عن أبن أبي ذئب عن أبي قسيط عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن
هشام أنه قال في رجل قال لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق ثم أنت طالق ثم أنت طالق فقال أبو بكر
أيطلق امرأة على ظهر الطريق؟ قد بانت منه من حين طلقها التطليقة الأولى.
ما جاء في الطلاق إلى وقت من الزمان
(قال الشافعي) رحمه الله: إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق غدا فإذا طلع الفجر من ذلك اليوم
فهي طالق وكذلك إن قال لها أنت طالق في غرة شهر كذا فإذا رأى غرة شهر كذا فتلك غرته فإن
أصابها وهو لا يعلم أن الفجر طلع يوم أوقع عليها الطلاق أو لا يعلم أن الهلال رؤي ثم عليم أن الفجر طلع
قبل إصابته إياها أو الهلال رؤي قبل إصابته إياها إلا أنه يعلم أن إصابته كانت بعد المغرب ثم رؤي
الهلال فقد وقع الطلاق قبل إصابته إياها ولها عليه مهر مثلها بإصابته إياها بعد وقوع طلاقه عليها ثلاثا
إن كان طلقها ثلاثا أو تطليقة لم يكن بقي عليها من الطلاق إلا هي وإن طلقها واحدة فلها عليه مهر
مثلها، ولا تكون إصابته إياها رجعة، والقول في الإصابة قول الزوج مع يمينه وكذلك هو في
الحنث إلا أن تقوم عليه بينه في الحنث بخلاف ما قال أو بينة بإقراره بإصابة توجب عليه شيئا
فيؤخذ لها (قال) ولو قال لها أنت طالق في شهر كذا أو إلى شهر كذا أو في غرة هلال شهر كذا أو في
دخول شهر كذا أو في استقبال شهر كذا كانت طالقا ساعة تغيب الشمس من الليلة التي يرى فيها هلال
197

ذلك الشهر ولو رؤي هلال ذلك الشهر بعشى لم تطلق إلا بمغيب الشمس لأنه لا يعد الهلال إلا من
ليلته لا من نهار يرى فيه لم ير قبل ذلك في ليلته. ولو قال أنت طالق إذا دخلت سنة كذا أو في مدخل
سنة كذا أو في سنة كذا أو إذا أتت سنة كذا كان هذا كالشهر لا يختلف إذا دخلت السنة التي أوقع فيها
الطلاق وقع عليها الطلاق، ولو قال لها أنت طالق في انسلاخ شهر كذا أو بمضي شهر كذا أو نفاذ شهر
كذا فإذا نفذ ذلك الشهر فرؤى الهلال من أول ليلة من الشهر الذي يليه فهي طالق.
الطلاق بالوقت الذي قد مضى
(قال الشافعي) وإذا قال لامرأته أنت طالق أمس أو طالق عام أول أو طالق في الشهر الماضي أو
في الجمعة الماضية ثم ات أو خرس فهي طالق الساعة وتعتد من ساعتها، وقوله طالق في وقت قد
مضى يريد إياقعه الآن محال (قال الربيع) وفيه قول آخر للشافعي أنه إذا قال لها أنت طالق أمس وأراد
إيقاعه الساعة في أمس فلا يقع به الطلاق لأن أمس قد مضى فلا يقع في وقت غير موجود (قال
الشافعي) رحمه الله: ولو سئل فقال قلته بلا نية شئ أو قال قلته لأن يقع عليها الطلاق في هذا الوقت
وقع عليها الطلاق ساعة تكلم به واعتدت من ذلك الوقت ولو قال قلته مقرا أنى قد طلقتها في هذا
الوقت ثم أصبتها فلها عليه مهر مثلها وتعتد من يوم أصابها وإن لم يصبها بعد الوقت الذي قال لها أنت
طالق في وقت كذا وصدقته أنه طلقها في ذلك الوقت اعتدت منه من حين قاله وإن قالت لا أدرى
اعتدت من حين استيقنت وكانت كامرأة طلقت ولم تعلم (قال) ولو كانت المسألة بحالها فقال قد كنت
طلقتها في هذا الوقت فعنيت أنك كنت طالقا فيه بطلاقي إياك أو طلقها زوج في هذا الوقت فقلت أنت
طالق أي مطلقة في هذا الوقت فإن علم أنها كانت مطلقة في هذا الوقت منه أو من غيره ببينة تقوم أو
بإقرار منها أحلف ما أراد به إحداث طلاق وكان القول قوله وإن نكل حلف وطلقت وهكذا لو قال لها
أنت مطلقة في بعض هذه الأوقات وهكذا إن قال كنت مطلقة أو يا مطلقة في بعض هذه الأوقات
(قال) وإذا قال الرجل لامرأته وقد أصابها أنت طالق إذا طلقتك أو حين طلقتك أو متى ما طلقتك أو
ما أشبه هذا لم تطلق حتى يطلقها فإذا طلقها واحدة وقعت عليها التطليقة بابتدائه الطلاق وكان وقوع
الطلاق عليها غاية طلقها إليها كقوله أنت طالق إذا قدم فلان وإذا دخلت الدار وما أشبه هذا فتطلق
الثانية بالغاية ولم يقع عليها بعده طلاق ولو قال لها أنت طالق كلما وقع عليك طلاقي أو ما أشبه هذا لم
تطلق حتى يقع عليها طلاقة فإذا أوقع عليها تطليقة يملك الرجعة وقعت عليها الثلاث الأولى بإيقاعه
للطلاق والثانية بوقوع التطليقة الأولى التي هي غاية لها. والثالثة بأن الثانية غاية لها وكان هذا كقوله كلما
دخلت الدار وكلما كلمت فلانا فأنت طالق فكلما أحدثت شيئا مما جعله غاية يقع عليها الطلاق به
طلقت. ولو قال إنما أردت بهذا كله أنك إذا طلقتك طالق بطلاقي لم يدين في القضاء لأن ظاهر قوله
غير ما قال وكان له فيما بينه وبين الله تعالى أن يحبسها ولا يسعها هي أن تقيم معه لأنها لا تعرف من
صدقه ما يعرف من صدق نفسه وهكذا إن طلقها بصريح الطلاق أو كلام يشبه الطلاق نيته فيه
الطلاق وهكذا إن خيرها فاختارت نفسها أو ملكها فطلقت نفسها واحدة لأن كل هذا بطلاقه وقع
عليها وكذلك كل طلاق من قبل الزوج مثل الايلاء وغيره مما يملك فيه الرجعة (قال) وإن وقع الطلاق
الذي أوقع لا يملك فيه الرجعة لم يقع عليها إلا الطلاق الذي أوقع يملك فيه الرجعة لأن الطلاق الثاني
198

والثالث لا يقع إلا بغاية الأولى بعد وقوعها فلا يقع طلاقه على امرأة لا يملك رجعتها وذلك مثل قوله
إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق فخالعها فوقعت عليها تطليقة الخلع ولا يقع عليها غيرها لأن الطلاق
الذي أوقع بالخلع يقع وهي بعده غير زوجة ولا يملك رجعتها (قال الربيع) إذا قال لها أنت طالق إذا
طلقتك فأراد أن تكون طالقا بالطلاق إذا طلقها فهي واحدة.
الفسخ
(قال الشافعي) رحمه الله: وكل فسخ كان بين الزوجين فلا يقع به طلاق لا واحدة ولا ما بعدها
وذلك أن يكون عبد تحته أمة فتعتق فتختار فراقه أو يكون عنينا فتخير فراقه أو ينكحها محرما فيفسخ
نكاحه أو نكاح متعة ولا يقع بهذا نفسه طلاق ولا بعده لأن هذا فسخ بلا طلاق، ولو قال رجل
لامرأته أنت طالق أين كنت فطلقها تطليقة لم يقع عليها إلا هي لأنها إذا طلقت واحدة فهي طالق أين
كانت وهكذا لو قال لها أنت طالق حيث كنت وأنى كنت ومن أين كنت. ولو قال لها أنت طالق طالقا
كانت طالقا واحدة ويسأل عن قوله طالقا فإن قال أردت أنت طالق إذا كنت طالقا وقع اثنتان الأولى
بإيقاعه الطلاق. والثانية بالحنث والأولى لها غاية. فإن قال أردت اثنتين وقعت اثنتان معا وأن قال
أردت إفهام الأولى بالثانية أحلف، وكانت واحدة (قال) ولو قال لها أنت طالق إذا قدم فلان بلد كذا
وكذا فقدم فلان ذلك البلد طلقت وإن لم يقدم ذلك البلد وقدم بلدا غيره لم تطلق. ولو قال أنت
طالق كلما قدم فلان فكلما قدم فلان طلقت تطليقة ثم كلما غاب من المصر وقدم فهي طالق أخرى حتى
يأتي على جميع الطلاق؟ ولو قال لها أنت طالق إذا قدم فلان فقدم بفلان ميتا لم تطلق لأنه لم يقدم.
ولو قال لها أنت طالق إذا قدم فلان فقدم بفلان مكرها لم تطلق لأن حكم ما فعل به مكرها كما لم يكن
ولو قال أنت طالق متى رأيت فلانا بهذا البلد فرأته وقد قدم به مكرها طلقت لأنه أوقع الطلاق برؤيتها
نفس فلان و ليس في رؤيتها فلانا إكراه لها يبطل به عنها الطلاق (قال الربيع) إذا كان كل قدومه وهي
في العدة فأما إذا خرجت من العدة فغاب ثم قدم لم يقع عليها طلاق لأنها ليست بزوجة وهي كأجنبية
(قال الشافعي) ولو قال لها أنت طالق إن كلمت فلانا فكلمت فلانا وهو حي طلقت وإن كلمته حيث
يسمع كلامها طلقت وإن لم يسمعه وإن كلمته ميتا أو نائما أو بحيث لا يسمع أحد كلام من كلمه بمثل
كلامها لم تطلق. ولو كلمته وهي نائمة أو مغلوبة على عقلها لم تطلق لأنه ليس بالكلام الذي يعرف
الناس ولا يلزمها به حكم بحال، وكذلك لو أكرهت على كلامه لم تطلق وإذا قال لامرأته وقد دخل
بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق وقعت الأولى ويسأل عما نوى في اللتين بعدها فإن كان أراد تبيين
الأولى فهي واحدة وإن كان أراد إحداث طلاق بعد لاولى فهو ما أراد. وإن أراد بالثالثة تبيين الثانية
فهي اثنتان وإن أراد بها طلاقا ثالثا فهي ثالثة وإن مات قبل أن يسأل فهي ثلاث لأن ظاهر قوله إنها
ثلاث، ولو قال لها أنت طالق وطالق طالق وقعت عليها اثنتان الأولى والثانية التي كانت بالواو لأنها
استئناف كلام في الظاهر ودين في الثالثة فإن أراد بها طلاقا فهي طالق. وإن لم يرد بها طلاقا وأراد
إفهام الأول أو تكريره فليس بطلاق. ولو قال أردت بالثانية إفهام الكلام الأول والثالثة إحداث
طلاق كانت طالقا ثالثا في الحكم لأن ظاهر الثانية ابتداء طلاق لا إفهام ودين فيما بينه وبين الله تعالى
ولا يدين في القضاء وتقع الثالثة لأنه أراد بها ابتداء طلاق لا إفهاما وإن احتملته. وهكذا إن قال لها
199

أنت طالق ثم أنت طالق ثم أنت طالق وقعت اثنتان ودين في الثالثة كما وصفت ولو قال لها أنت طالق
وأنت طالق ثم أنت طالق وقعت ثلاث لأن الأولى ابتداء طلاق والثانية استئناف وكذلك الثالثة لا
تكون في الظاهر إلا استئنافا لأنها ليست على سياق الكلام الأول ولو قال لها أنت طالق بل طالق
كانت طالقا اثنتين ولو قال أردت إفهاما أو تكرير الأولى عليها لم يدين في الحكم لأن بل إيقاع طلاق
حادث لا إفهام ماض غيره ولو قال لها أنت طالق طلاقا كانت واحدة إلا أن يريد بقوله طلاقا ثانية
لأن طالق طلاقا ابتداء صفة طلاق كقوله طلاقا حسنا أو طلاقا قبيحا.
الطلاق بالحساب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو قال لها أنت طالق واحدة قبلها واحدة أو واحدة بعدها
واحدة كانت طالقا اثنتين. فإن قال أردت واحدة ولم أرد بالتي قبلها أو بعدها طلاقا لم يدين في الحكم
ودين فيما بينه وبين الله تعالى: ولو طلقها واحدة ثم راجعها. ثم قال أنت طالق واحدة قبلها واحدة،
فقال أردت أنى كنت قد طلقتها قبلها واحدة أحلف ودين في الحكم. ولو قال أنت طالق واحدة
بعدها واحدة. ثم سكت. ثم أردت بعلها واحدة أوقعها عليك بعد وقت أو لا أوقعها عليك الا
بعده لم يدين في الحكم ودين فيما بينه وبين الله تعالى. وإذا قال الرجل لامرأته بدنك أو رأسك أو
فرجك أو رجلك أو يدك أو سمى عضوا من جسدها أو إصبعها أو طرفا ما كان منها طالق فهي طالق،
ولو قال لها بعضك طالق أو جزء منك طالق أو سمى جزءا من ألف جزء طالقا كانت طالقا والطلاق لا
يتبعض وإذا قال لها أنت طالق نصف أو ثلث أو ربع تطليقة أو جزء من ألف جزء كانت طالقا
والطلاق لا يتبعض، ولو قال لها أنت طالق نصفى تطليقة كانت طالقا واحدة إلا أن يريد اثنتين أو
يقول أردت أن يقع نصف بحكمه ما كان ونصف مستأنف بحكمه ما كان فتطلق اثنتين وكذلك لو قال لها
أنت طالق ثلاثة أثلاث تطليقة أو أربعة أرباع تطليقة كان كل واحد من هؤلاء تطليقة واحدة لأن كل
تطليقة تجمع نصفين أو ثلاثة أثلاث أو أربعة أرباع إلا ن ينوى به أكثر فيقع بالنية مع اللفظ، وهكذا
لو قال لها أنت طالق نصف وثلث وسدس تطليقة أو نصف وربع وسدس تطليقة ولو نظر رجل إلى
امرأة له وامرأة معها ليست له بامرأة فقال إحداكما طالق كان القول قوله، فإن أراد امرأته فهي طالق
وإن أراد الأجنبية لم تطلق امرأته، وإن قال أردت الأجنبية أحلف وكانت امرأته بحالها لم يقع عليها
طلاق، ولو قال لامرأته أنت طالق واحدة في ثنتين كانت طالقا واحدة وسئل عن قوله في اثنتين فإن
قال ما نويت شيئا لم تكن طالقا إلا واحدة لأن الواحدة لا تكون داخلة في اثنتين بالحساب فهو ما أراد
فهي طالق اثنتين، إن قال أردت واحدة في اثنتين مقرونة بثنتين كانت طالقا ثلاثا في الحكم (قال)
ولو قال أنت طالق واحدة وواحدة كانت طالقا اثنتين، ولو قال واحدة واثنتين باقية لي عليك كانت
طالق واحدة وكذلك لو قال واحدة وواحدة باقية لي عليك وواحدة لا أوقعها عليك إلا واحدة، ولو
قال أنت طالق واحدة لا يقع عليك إلا واحدة تقع عليك وقعت عليها واحدة حين تكلم بالطلاق،
وإذا كان لرجل أربع نسوة فقال قد أوقعت بينكن تطليقة كانت كل واحدة منهن طالقا واحدة وكذلك
لو قال اثنتين أو ثلاثا أو أربعا إلا أن يكون نوى أن كل واحدة من الطلاق تقسم بينهن فتكون كل
واحدة منهن طالقا ما سمى من جماعتهن واحدة أو ثنتين أو ثلاثا أو أربعا، فإن قال قد أوقعت بينكن
200

خمس تطليقات فكل واحدة منهن طالق اثنتين، وكذلك ما زاد إلى أن يبلغ ثمان تطليقات فإن زاد
على الثمان شيئا من الطلاق كن طوالق ثلاثا ثلاثا، فإن قال أردت أن يكون ثلاثا أو أربعا أو خمسا
لواحدة منهن كانت التي أراد طالقا ثلاثا ولم يدين في الاخر معها في الحكم ودين فيما بينه وبين الله تعالى
وكان من بقي طالقا اثنتين اثنتين، ولو كان قال بينكن خمس تطليقات لبعضكن فيها أكثر مما لبعض
كان القول قوله وأقل ما تطلق عليه منهن واحدة في الحكم ثم يوقف حتى يوقع على من أراد بالفضل
منهن الفضل ولا يكون له أن يحدث إياقعا لم يكن أراده في أصل الطلاق فإن لم يكن نوى بالفضل
واحدة منهن فشاء أن تكون التطليقة الفضل بينهن أرباعا فكن جميعا تطليقتين ويكون أحق بالرجعة
كان ذلك له * وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين فهي طالق واحدة وإن قال أنت
طالق ثلاثا إلا واحدة فهي طالق اثنتين وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا كانت طالقا ثلاثا إنما يكون
الاستثناء جائزا إذا بقي مما سمى شئ يقع به شئ مما أوقع، فأما إذا لم يبق مما سمى شيئا مما استثنى فلا
يجوز الاستثناء والاستثناء حينئذ محال، ولو قال لها أنت طالق ثم طالق وطالق إلا واحدة كانت طالقا
ثلاثا لأنه قد أوقع كل تطليقة وحدها ولا يجوز أن يستثنى واحدة من واحدة كما لو قال لغلامين له مبارك
حر وسالم حر إلا سالم لم يجز الاستثناء ووقع العتق عليهما معا كما لا يجوز أن يقول سالم حر إلا سالم لا يجوز
الاستثناء إذا فرق الكلام ويجوز إذا جمعه ثم بقي شئ يقع به بعض ما أوقع، وإذا طلق واحدة
واستثنى نصفها فهي طالق واحدة لأن ما بقي من الطلاق يكون تطليقة تامة لو ابتدأه وإذا قال
لامرأته أنت طالق إن شاء الله لم تطلق والاستثناء في الطلاق والعتاق والنذر كهو في الايمان لا يخالفها.
ولو قال: أنت طالق إن شاء فلان لم تطلق حتى يشاء فلان، وإن مات فلان قبل أن يشاء أو خرس أو
غاب فهي امرأته بحالها، فإن قالت قد شاء فلان وقال الزوج لم يشأ فلان فالقول قول الزوج مع
يمينه، ولو شاء فلان وهو معتوه أو مغلوب على عقله من غير سكر لم تكن طالقا ولو شاء وهو سكران
كانت طالق لأن كلامه سكران كلام يقع به الحكم، وإذا قال لامرأته أنت طالق واحدة بائنا فهي
طالق واحدة يملك الرجعة ولا يكون البائن بائنا مما ابتدأ من الطلاق إلا ما أخذ عليه جعلا كما لو قال
لعبد أنت حر ولا ولاء لي عليك كان حرا وله ولاؤه لأن قضاء النبي صلى الله عليه وسلم أن الولاء لمن
أعتق وقضاء الله تبارك وتعالى أن المطلق واحدة واثنتين يملك الرجعة في العدة فلا يبطل ما جعل الله عز
وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لا مرئ بقول نفسه وإن قال لها أنت طالق واحدة غليظة أو واحدة
أغلظ أو أشد أو أفظع أو أعظم أو أطول أو أكبر فهي طالق واحدة لا أكثر منها ويكون الزوج في كلها
يملك الرجعة لما وصفت، وإذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا تقع في كل يوم واحدة كان كما قال ولو
وقعت عليها واحدة في أول يوم فإن ألقت حملا فبانت منه ثم جاء الغد ولا عدة عليها منه لم تقع الثانية
ولا الثالثة، فإن قال أنت طالق في كل شهر فوقعت الأولى في أول شهر ووقعت الآخرتان واحدة في كل
شهر قبل مضى العدة وقعت الثلاث ولو مضت العدة فوقع منهن شئ بعد مضى العدة لم يلزمها لأنه
وقع وهي غير زوجة ولو قال لها أنت طالق ثلاثا كل سنة واحدة فوقعت الأولى فلم تنقض عدتها منها
حتى راجعها فجاءت السنة الثانية وهي زوجة وقعت الثانية فإن راجعها في العدة وجاءت السنة
الثالثة وقعت الثالثة وكذلك لو لم يراجعها في العدة ولكن نكحها بعد مضى العدة فجاءت السنة وهي
عنده وقع الطلاق ولو وقعت الأولى ثم جاءت السنة الثانية وهي غير زوجة ولا في عدة منه لم تقع الثانية
ولو نكحها بعده وجاءت السنة الثانية وهي عنده وقعت الثانية وإن نكحها بعده وجاءت السنة الثالثة
201

وهي عنده وقعت الثالثة لأنها زوجة، ولو خالعها فكانت في عدة منه وجاءت سنة وهي في عدة إلا
أنه لا يملك رجعتها لم يقع عليها الطلاق في عدة لا يملك رجعتها فيها، ولو قال لها أنت طالق كلما
مضت سنة فخالعها ثم مضت السنة الأولى وليست له بزوجة كانت في عدة منه أو في غير عدة لم يلزمه
الطلاق لأن وقت الطلاق وقع وليست له بزوجة فإن نكحها نكاحا جديدا فكلما مضت سنة من يوم
نكحت وقعت تطليقة حتى ينقضى طلاق الملك كله (قال الربيع) وللشافعي قول آخر: أنه إذا خالعها
ثم تزوجها لم يقع عليها الطلاق بمجئ السنة لا هذا غير النكاح الأول (قال الشافعي) ولو قال لها
أنت طالق في كل شهر واحدة أو في مضى كل شهر واحدة ثم طلقها ثلاثا قبل أن يقع منهن شئ أو بعد
ما وقع بعضهن ونكحت زوجا غيره فأصابها ثم نكحها فمرت تلك الشهور لم يلزمها من الطلاق شئ
لأن طلاق ذلك الملك مضى عليه كله وحرمت عليه فلا تحل إلا بعد زوج ونكاح جديد وكانت كمن
لم تنكح قط في أن لا يقع عليها طلاق عقده في الملك الذي بعد الزوج، ولو كان طلقها واحدة أو
اثنتين فبقي من طلاق ذلك الملك شئ ثم مرت لها مدة أوقع عليها فيها الطلاق وهو يملكها وقع،
وهكذا لو قال كلما دخلت هذه الدار فأنت طالق فكلما دخلتها وهي زوجة له أو في عدة من الطلاق
يملك فيه الرجعة فهي طالق وكلما دخلتها وهي غير زوجة له أو في عدة من فرقة لا يملك الرجعة فهي
غير طالق فإذا طلقها ثلاثا فحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ثم نكحت زوجا غيره فأصابها ثم
نكحها ثم دخل بها لم يقع عليها الطلاق بكلام متقدم في ملك نكاح قد حرم حتى كان بعده زوجا
أحل استئناف النكاح وإذا هدم نكاح الزوج الطلاق حتى صارت كمن ابتدأ نكاحه ممن لم تنكحه
قط هدم اليمين التي يقع بها الطلاق لأنها أضعف من الطلاق. وهكذا لو قال أنت طالق كلما حضت
وغير ذلك مما يقع الطلاق فيه في وقت فعلى هذا الباب كله وقياسه، ولو قال لها أنت طالق كل سنة
ثلاثا فطلقت ثلاثا في أول سنة ثم تزوجت زوجا أصابها ثم نكحها زوجها نكاحا جديدا لم يقع عليها
فيما يمضى من السنين بعد شئ لأن طلاق الملك الذي عقد فيه الطلاق بوقت قد مضى، ولو قال لها
أنت طالق في كل سنة تطليقة فوقعت عليها واحدة أو اثنتان ثم تزوجها زوج غيره ثم دخل بها ثم طلقها
أو مات عنها فنكحها الأول ثم مضت سنة وقعت عليها تطليقة حتى تعد ثلاث تطليقات لأن الزوج
يهدم الثلاث ولا يهدم الواحدة ولا الثنتين.
الخلع والنشوز
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال: قال الله تبارك وتعالى (وإن
امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) (قال
الشافعي) أخبرنا سفيان ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب ان ابنة محمد بن مسلمة كانت عند
رافع بن خديج فكره منها أمرا إما كبرا أو غيره فأراد طلاقها فقالت لا تطلقني وأمسكني وأقسم لي ما
بدا لك فأنزل الله تعالى (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) الآية (قال الشافعي) وقد روى
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هم بطلاق بعض نسائه فقالت لا تطلقني ودعني يحشرني الله تعالى في
نسائك وقد وهبت يومى وليلتي لأختي عائشة (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن
أبيه أن سودة وهبت يومها لعائشة (قال الشافعي) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس
202

أن النبي صلى الله عليه وسلم توفى عن تسع نسوة وكان يقسم لثمان (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ
والقرآن يدل على مثل معاني الأحاديث بأن بينا فيه إذا خافت المرأة نشوز بعلها أن لا بأس عليهما أن
يصالحا ونشوز البعل عنها بكراهيته لها فأباح الله تعالى له حبسها على الكره لها فلها وله أن يصالحا وفي
ذلك دليل على أن صلحها إياه بترك بعض حقها له. وقد قال الله عز وجل (وعاشروهن بالمعروف) إلى
(خيرا كثيرا) (قال الشافعي) فيحل للرجل حبس المرأة على ترك بعض القسم لها أو كله ما طابت به
نفسا فإذا رجعت فيه لم يحل له إلا العدل لها أو فراقها لأنها إنما تهب في المستأنف ما لم يجب لها فما
أقامت على هبته حل وإذا رجعت في هبته حل ما مضى بالهبة ولم يحل ما يستقبل إلا بتحديد الهبة له
(قال) وإذا وهبت له ذلك فأقام عند امرأة له أياما ثم رجعت استأنف العدل عليها وحل له ما مضى
قبل رجوعها (قال) فإن رجعت ولا يعلم بالرجوع فأقام على ما حللته منه ثم علم أن قد رجعت استأنف
العدل من يوم علم ولا بأس عليه فيما مضى وإن قال لا أفارقها ولا أعدل لها أجبر على القسم لها ولا يجبر
على فراقها (قال) ولا يجبر على أن يقسم لها الإصابة وينبغي له أن يتحرى لها العدل فيها (قال) وهكذا
لو كانت منفردة به أو مع أمة له يطؤها أمر بتقوى الله تعالى وأن لا يضربها في الجماع ولم يفرض عليه منه
شئ بعينه إنما يفرض عليه ما لا صلاح لها إلا به من نفقة وسكنى وكسوة وأن يأوى إليها فأما الجماع
فموضع تلذذ ولا يجبر أحد عليه (قال) ولو أعطاها ما لا على أن تحلله من يومها وليلتها فقبلته فالعطية
مردودة عليه غير جائزة لها وكان عليه أن يعدل لها فيوفيها ما ترك من القسم لها لأن ما أعطاها عليه لا
عين مملوكة ولا منفعة (قال) ولا حللته فوهب لها شيئا على غير شرط كانت الهبة لها جائزة ولم يكن له
الرجوع فيها إذا قبضتها وإن رجعت هي في تحليله فيما مضى لم يكن لها وإن رجعت في تحليله فيما لم
يمض كان لها وعليه أن يعدل لأنها لم تملك ما لم يمض فيجوز تحليلها له فيما ملكت.
جماع القسم للنساء
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل
الميل فتذروها كالمعلقة) (قال الشافعي) سمعت بعض أهل العلم يقول قولا معناه ما أصف (لن تستطيعوا
أن تعدلوا) إنما ذلك في القلوب (فلا تميلوا كل الميل) لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم فيصير الميل الذي
ليس لكم فتذروها وما أشبه ما قالوا عندي بما قالوا لأن الله عز وجل تجاوز عما في القلوب وكتب على
الناس الافعال والأقاويل فإذا مال بالقول والفعل فذلك كل الميل قال الله عز وجل (قد علمنا ما فرضنا
عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم) وقال في النساء (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) وقال
وعاشروهن بالمعروف) (قال الشافعي) وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم القسم بين النساء فيما وصفت
من قسمه لأزواجه في الحضر وإحلال سودة له يومها وليلتها (قال الشافعي) ولم أعلم مخالفا في أن على
المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم فيعدل ثم يقول
(اللهم هذا قسمي فيما أملك وأنت أعلم بما لا أملك) يعني والله أعلم قلبه وقد بلغنا أنه كان يطاف به
محمولا في مرضه على نسائه حتى مللنه.
203

تفريع القسم والعدل بينهن
(قال الشافعي) عماد القسم الليل لأنه سكن قال الله تبارك وتعالى (وجعل لكم الليل لتسكنوا فيه)
وقال (وجعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها) (قال الشافعي) فإذا كان عند الرجل أزواج
حرائر مسلمات أو كتابيات، أو مسلمات وكتابيات. فهن في القسم سواء وعليه أن يبيت عند كل واحدة
منهن ليلة (قال الشافعي) وإذا كان فيهن أمة قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة (قال) ولا يكون له أن
يدخل في الليل على التي لم يقسم لها لأن الليل هو القسم ولا بأس أن يدخله في النهار للحاجة لا ليأوى
فإذا أراد أن يأوى إلى منزله أوى إلى منزل التي يقسم لها ولا يجامع امرأة في غير يومها فإن فعل فلا كفارة
عليه (قال) وإن مرضت إحدى نسائه عادها في النهار ولم يعدها في الليل وإن ماتت فلا بأس أن يقيم
عندها حتى يواريها ثم يرجع إلى التي لها القسم وإن ثقلت فلا بأس أن يقيم عندها حتى تخف أو تموت
ثم يوفى من بقي من نسائه مثل ما أقام عندها (قال) وإن أراد أن يقسم ليلتين ليلتين وثلاثا ثلاثا كان
ذلك له وأكره مجاوزة الثلاث من العدد من غير أن أحرمه وذلك أنه قد يموت قبل أن يعدل للثانية
ويمرض وإن كان هذا قد يكون فيما دون الثلاث (قال) وإذا قسم لامرأة ثم غاب ثم قدم ابتدأ القسم
للتي تليها في القسم، وهكذا إن كان حاضرا فشغل عن المبيت عندها ابتدأ القسم كما يبتدئه القادم من
الغيبة فيبدأ بالقسم للتي كانت ليلتها (قال) وإن كان عندها بعض الليل ثم غاب ثم قدم ابتدأ فأوفاها
قدر ما بقي من الليل ثم كان عند التي تليها في آخر الليل حتى يعدل بينهن في القسم (قال) وإن كان
عندها مريضا أو متداويا أو هي مريضة أو حائض أو نفساء فذلك قسم يحسبه عليها وكذلك لو كان
عندها صحيحا فترك جماعها حسب ذلك من القسم عليها إنما القسم على المبيت كيف كان المبيت
(قال) ولو كان محبوسا في موضع يصلن إليه فيه عدل بينهن كما يعدل بينهن لو كان خارجا (قال)
والمريض والصحيح في القسم سواء وإن أحب أن يلزم منزلا لنفسه ثم يبعث إلى كل واحدة منهن يومها
وليلتها فتأتيه كان ذلك له وعليهن فأيتهن امتنعت من إتيانه كانت تاركة لحقها عاصية ولم يكن عليه
القسم لها ما كانت ممتنعة (قال) وهكذا لو كانت في منزله أو في منزل يسكنه فغلقته دونه وامتنعت منه
إذا جاءها أو هربت أو ادعت عليه طلاقا كاذبة حل له تركها والقسم لغيرها وترك أن ينفق عليها حتى
تعود إلى أن لا تمتنع منه وهذه ناشز، وقد قال الله تبارك وتعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن
واهجروهن في المضاجع واضربوهن) فإذا أذن في هجرتها في المضجع لخوف نشوزها كان مباحا له أن
يأتي غيرها من أزواجه في تلك الحال وفيما كان مثلها (قال الشافعي) رحمه الله: وهكذا الأمة إذا
امتنعت بنفسها أو منعها أهلها منه فلا نفقة ولا قسم لها حتى تعود إليه. وكذلك إذا سافر بها أهلها بإذنه
أو غير إذنه فلا نفقة ولا قسم (قال) وإذا سافرت الحرة بإذنه أو بغير إذنه فلا قسم لها ولا نفقة إلا أن
يكون هو الذي أشخصها فلا يسقط عنه نفقتها ولا قسمها وهي إذا أشخصها مخالفة لها إذا شخص هو
وهي مقيمة لأن إشخاصه إياها كنقلها إلى منزل فليس له تركها فيه بلا نفقة ولا قسم وشخوصه هو
شخوص بنفسه وهو الذي عليه القسم لا له (قال) وإذا جنت امرأة من نسائه أو خبلت فغلبت على
عقلها فكانت تمتنع منه سقط حقها في القسم، فإن لم تكن تمتنع فلها حقها في القسم وكذلك لو
خرست أو مرضت أو ارتتقت كان لها حقها في القسم ما لم تمتنع منه أو يطلقها. وإنما قلنا يقسم للرتقاء
وإن لم يقدر عليها كما قلنا يقسم للحائض ولا يحل له جماعها لأن القسم على السكن لا على الجماع ألا
204

ترى أنا لا نجبره في القسم على الجماع وقد يستمتع منها وتستمتع منه بغير جماع (قال) وإذا كان الزوج
عنينا أو خصيا أو مجبوبا أو من لا يقدر على النساء بحال أو لا يقدر عليهن إلا بضعف أو إعياء فهو
والصحيح القوي في القسم سواء لأن القسم على ما وصفت من السكن وكذلك هو في النفقة على النساء
وما يلزم لهن (قال) وإذا تزوج المخبول أو الصحيح فغلب على عقله وعنده نسوة انبغى لوليه القائم
بأمره أن يطوف به عليهن أو يأتيه بهن حتى يكن عنده ويكون عندهن كما يكون الصحيح العقل عند
نسائه ويكن عنده وإن أغفل ذلك فبئس ما صنع وإن عمد أن يجوز به أثم هو ولا مأثم على مغلوب
على عقله. (قال) ولو كان رجل يجن ويفيق وعنده نسوة فعزل في يوم جنونه عن نسائه جعل يوم جنونه
كيوم من غيبته واستأنف القسم بينهن وإن لم يفعل فكان في يوم جنونه عند واحدة منهن حسب كما إذا
كان مريضا فقسم لها وقسم للأخرى يومها وهو صحيح (قال) ولو قسم لها صحيحا فجن في بعض
الليل وكان عندها كانت قد استوفت وإن خرج من عندها أو في لها ما بقي من الليل (قال) وإن جنت
هي أو خرجت في بعض الليل كان له أن يكون عند غيرها ولا يوفيها شيئا من قسمها ما كانت ممتنعة منه
ويقسم لنسائه البواقي قسم النساء امرأة معهن غيرهن (قال) ولو استكرهه سلطان أو غيره أو خرج
طائعا من عند امرأة في الليل عاد فأوفاها ما بقي من الليل (قال) وإن كان ذلك في النهار لم يكن عليه
فيه شئ إذا لم يكن ذاهبا إلى غيرها من نسائه ولا أكره في النهار شيئا إلا أثرة غيرها من أزواجه فيه
بمقام أو جماع، فإذا أقام عند غيرها في نهارها أوفاها ذلك من يوم التي أقام عندها (قال) ولو كان له
مع نسائه إماء يطؤهن لم يكن للاماء قسم مع الأزواج ويأتيهن كيف شاء أكثر مما يأتي النساء في الأيام
والليالي والجماع وأقل كما يكون له أن يسافر ويغيب في المصر عن النساء فإذا صار إلى النساء عدل بينهن
وكذلك يكون له ترك الجواري والمقام مع النساء غير أني أحب في الأحوال كلها أن لا يؤثر على النساء
وأن لا يعطل الجواري (قال) وهكذا إذا كان له جوار لا امرأة معهن كان عند أيتهن شاء ما شاء وكيفما
شاء وأحب له أن يتحرى استطابة أنفسهن بمقارنة وأن يجعل لكل واحدة منهن حظا منه (قال) وإذا
تزوج الرجل امرأة وخلى بينه وبينها فعليه نفقتها والقسم لها من يوم يخلون بينه وبينها (قال) وإذا كان
لرجل أربع نسوة فقسم لثلاث وترك واحدة عامدا أو ناسيا قضاها الأيام التي ترك القسم لها فيها
متتابعات لا فرق بينهن واستحلها إن كان ترك القسم لها أربعين ليلة فلها منها عشر فيقضيها العشر
متتابعات ولو كان نساؤه الحواضر ثلاثا فترك القسم (1) لهن ثلاثين ليلة وقدمت امرأة له كانت غائبة بدأ
فقسم للتي ترك القسم لها يومها ويوم المرأتين اللتين قسم لهما وتركها وذلك ثلاث ثم قسم للغائبة يوما ثم
قسم للتي ترك القسم لها ثلاثا حتى يوفيها جميع ما ترك لها من القسم، ولو قسم رجل بين نسائه يومين
أو ثلاثا لكل امرأة ثم طلق امرأة لم يقسم لها أو ترك القسم لها لم يكن عليه إلا أن يستحل التي ترك
القسم لها ولو راجعها أو نكحها نكاحا جديدا أوفاها ما كان لها من القسم (قال) ولو كان لرجل زوجة
مملوكة وحرة فقسم للحرة يومين ثم دار إلى المملوكة فعتقت فإن كانت عتقت وقد أوفاها يومها وليلتها دار
إلى الحرة فقسم لها يوما وللأمة التي أعتقت يوما، وإن لم يكن أوفاها ليلتها حتى عتقت يبيت عندها
ليلتين حتى يسويها بالحرة لأنها قد صارت كهي قبل ان تستكمل حظها من القسم (قال) ويقسم للمرأة
قد آلى منها وللمرأة قد تظاهر منها ولا يقرب التي تظاهر منها وكذلك إذا أحرمت بأمره قسم لها ولم يقربها

(1) قوله: لهن، كذا في النسخ ولعله محرف عن " لإحداهن " كما هو ظاهر. كتبه مصححه.
205

وكذلك القسم لو كان هو محرما ولا يقرب واحدة ممن معه في إحرامه.
القسم للمرأة المدخول بها
(قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن جزم عن
عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة وأصبحت
عنده قال لها (ليس بك على أهلك هو إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك
ودرت) (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن حبيب بن أبي ثابت أن عبد الحميد بن
عبد الله بن أبي عمرو القاسم بن محمد بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام أخبراه أنهما سمعا أبا بكر
بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام يحدث عن أم سلمة أنها أخبرته أنها لما قدمت المدينة أخبرتهم أنها
ابنة أبي أمية بن المغيرة فكذبوها وقالوا ما أكذب الغرائب حتى أنشأ أناس منهم الحج فقالوا أتكتبين إلى
أهلك فكتبت معهم فرجعوا إلى المدينة قالت فصدقوني وازددت عليهم كرامة فلما حللت جاءني رسول
الله صلى الله عليه وسلم فخطبني فقلت له ما مثلي نكح أما أنا فلا ولد في وأنا غيور ذات عيال قال (أنا
أكبر منك وأما الغيرة فيذهبها الله تعالى وأما العيال فإلى الله ورسوله) فتزوجها رسول الله صلى الله عليه
وسلم فجعل يأتيها ويقول (أين زناب؟) حتى جاء عمار بن ياسر فاختلحها فقال هذه تمنع رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكانت ترضعها فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (أين زناب؟) فقالت
قريبة بنت أبي أمية وواقفها عندما أخذها عمار بن ياسر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني آتيكم
الليلة) قالت فقمت فوضعت ثقالي وأخرجت حبات من شعير كانت في جرة وأخرجت شحما
فعصدته له أو صعدته (شك الربيع) قالت فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبح فقال حين
أصبح (إن لك على أهلك كرامة فإن شئت سبعت لك وإن أسبع أسبع لنسائي) (قال الشافعي)
أخبرنا مالك عن حميد عن أنس أنه قال للبكر سبع وللثيب ثلاث (قال الشافعي) وحديث ابن جريج
ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه دلالة على أن الرجل إذا تزوج البكر كان له أن يقيم عندها
سبعا وإذا تزوج الثيب كان له أن يقيم عندها ثلاثا ولا يحسب عليه لنسائه اللاتي كن عنده قبلها فيبدأ
من السبع ومن الثلاث (قال) وليس له في البكر ولا الثيب إلا إيفاؤهما هذا العدد ولا أن يحللاه منه
(قال) وإن لم يفعل وقسم لنسائه عاد فأوفاهما هذا العدد كما يعود فيما ترك من حقهما في القسم فيوفيهما
(قال) ولو دخلت عليه بكران في ليلة أو ثيبان أو بكر وثيب كرهت له ذلك وإن دخلتا معا عليه أقرع
بينهما فأيتهما خرج سهمها بدأ فأوفاها أيامها ولياليها، وإن لم يقرع فبدأ بإحداهما رجوت أن يسعه لأنه
لا يصل إلى أن يوفيهما حقهما إلا بأن يبدأ بإحداهما ولا أحب له أن يقسم بينهما أربع عشرة لأن حق كل
واحدة منهما موالاة أيامها (قال) فإن فعل لم أر عليه إعادة أيام لها بعد العدة التي أوفاها إياها وإن
دخلت عليه إحداهما بعد الأخرى بدأ فأوفى التي دخلت عليه أولا أيامها (قال) وإذا بدأ بالتي دخلت
عليه آخرا أحببت له أن يقطع ويوفى الأولى قبلها فإن لم يفعل ثم أوفى الأولى لم يكن لها زيادة على
أيامها ولا يزاد أحد في العدد بتأخير حقها (قال) وإذا فرغ من أيام البكر والثيب استأنف القسم بين
أزواجه فعدل بينهم (قال) فإن كانت عنده امرأتان ثم نكح عليهما واحدة فدخلت بعدما قسم لواحدة
فإذا أو في التي دخلت عليه أيامها بدأ بالتي كان لها القسم بعد التي كانت عنده (قال) ولا يضيق عليه
206

أن يدخل عليها في أي يوم أو أي ليلة شاء من ليالي نسائه (قال) ولا أحب في مقامه عند بكر ولا ثيب
أن يتخلف عن صلاة ولا بر كان يعمل قبل العرس ولا شهود جنازة ولا يجوز له أن يتخلف عن إجابة
دعوة.
سفر الرجل بالمرأة
(قال الشافعي) رحمه الله: أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع عن ابن شهاب عن عبيد الله
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن
خرج سهمها خرج بها (قال الشافعي) فإذا كان للرجل نسوة فأراد سفرا فليس بواجب أن يخرج بهن
ولا بواحدة منهن وإن أراد الخروج بهن أو ببعضهن فذلك له فإن أراد الخروج بواحدة أو اثنتين أقرع
بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها ولم يكن له أن يخرج بغيرها وله أن يتركها إن شاء، وهكذا إن
أراد الخروج باثنتين أو ثلاث لم يخرج بواحدة منهن إلا بقرعة فإن خرج بواحدة منهن بغير قرعة كان
عليه أن يقسم لمن بقي بقدر مغيبه مع التي خرج بها (قال) فإذا خرج بامرأة بالقرعة كان لها السفر
خالصا دون نسائه لا يحتسب عليها ولا لهن من مغيبها معه في السفر منفردة شئ وسواء قصر سفره أو
طال (قال) ولو أراد السفر لنقله لم يكن له أن ينتقل بواحدة منهن إلا أوفى البواقي مثل مقامه معها
(قال) ولو خرج مسافرا بقرعة ثم أزمع المقام لنقلة كان للتي سافر بها بالقرعة ما مضى قبل إزماعه المقام
على النقلة وحسب عليها مقامه معها بعد النقلة فأوفى البواقي حقوقهن فيها (قال) ولو أقرع بين نسائه على
سفر فخرج سهم واحدة فخرج بها ثم أراد سفرا قبل رجوعه من ذلك السفر كان ذلك كله كالسفر
الواحد ما لم يرجع فإذا رجع فأراد سفر أقرع (قال) ولو سافر بواحدة فنكح في سفره أخرى كان للتي
نكح ما للمنكوحة من الأيام دون التي سافر بها ثم استأنف القسم بينهما بالعدد ولا يحسب لنسائه اللاتي
خلف من الأيام التي نكح في سفره شيئا لأنه لم يكن حيث يمكنه القسم لهن.
نشوز المرأة على الرجل
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على
بعض) إلى قوله (سبيلا) (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر
عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تضربوا إماء الله) قال
فأتاه عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن فأذن في ضربهن فأطاف بال
محمد نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لقد أطاف الليلة بآل محمد
سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم) (قال الشافعي) في نهى النبي صلى
الله عليه وسلم عن ضرب النساء. ثم إذنه في ضربهن وقوله (لن يضرب خياركم) يشبه أن يكون صلى
الله عليه وسلم نهى عنه على اختيار النهى وأذن فيه بأن مباحا لهم الضرب في الحق واختار لهم أن لا
يضربوا لقوله (لن يضرب خياركم) (قال) ويحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن ثم أذن لهم بعد
نزولها بضربهن (قال الشافعي) وفي قوله (لن يضرب خياركم) دلالة على أن ضربهن مباح لا فرض أن
207

يضربن ونختار له من ذلك ما اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحب للرجل ان لا يضرب امرأته في
انبساط لسانها عليه وما أشبه ذلك (قال الشافعي) وأشبه ما سمعت والله أعلم في قوله (واللاتي تخافون
نشوزهن) أن لخوف النشوز دلائل فإذا كانت (فعظوهن) لأن العظة مباحة فإن لججن فأظهرن نشوزا
بقول أو فعل (فاهجروهن في المضاجع) فإن أقمن بذلك على ذلك (فاضربوهن) وذلك بين أنه لا يجوز
هجرة في المضجع وهو منهى عنه ولا ضرب إلا بقول أو فعل أو هما (قال) ويحتمل في (تخافون
نشوزهن) إذا نشزن فابن النشوز فكن عاصيات به أن تجمعوا عليهن العظة والهجرة والضرب (قال) ولا
يبلغ في الضرب حدا ولا يكون مبرحا ولا مدميا ويتوقى فيه الوجه (قال ويهجرها في المضجع حتى
ترجع عن النشوز ولا يجاوز بها في هجرة الكلام ثلاثا لأن الله عز وجل إنما أباح الهجرة في المضجع.
والهجرة في المضجع تكون بغير هجرة كلام ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجاوز بالهجرة في
الكلام ثلاثا (قال) ولا يجوز لاحد أن يضرب ولا يهجر مضجعا بغير بيان نشوزها (قال) وأصل ما
ذهبنا إليه من أن لا قسم للممتنعة من زوجها ولا نفقة ما كانت ممتنعه لأن الله تبارك وتعالى أباح هجرة
مضجعها وضربها في النشوز والامتناع نشوز (قال) ومتى تركت النشوز لم تحل هجرتها ولا ضربها
وصارت على حقها كما كانت قبل النشوز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قي قوله عز وجل (وللرجال
عليهن درجة) وقوله (وعاشروهن بالمعروف) وهو ما ذكرنا مما لها عليه في بعض الأمور من مؤنتها وله
عليها مما ليس لها عليه ولكل واحد منهما على صاحبه.
الحكمين
(قال الشافعي) قال الله عز وجل (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها)
الآية (قال الشافعي) والله أعلم بمعنى ما أراد فأما ظاهر الآية فإن خوف الشقاق بين الزوجين أن يدعى
كل واحد منهما على صاحبه منع الحق ولا يطيب واحد منهما لصاحبه بإعطاء ما يرضى به ولا ينقطع ما
بينهما بفرقة ولا صلح ولا ترك القيام وبالشقاق وذلك أن الله عز وجل أذن في نشوز المرأة بالعظة والهجرة
والضرب ولنشوز الرجل الصلح فإذا خافا أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ونهى
إذا أراد الزوج استبدال زوج مكان زوج أن يأخذ مما آتاها شيئا (قال الشافعي) فإذا ارتفع الزوجان
المخوف شقاقهما إلى الحاكم فحق عليه أن يبعث حكما من أهله وحكما من أهلها من أهل القناعة
والعقل ليكشفا أمرهما ويصلحا بينهما إن قدرا (قال) وليس له أن يأمرهما يفرقان إن رأيا إلا بأمر الزوج
ولا يعطيا من مال المرأة إلا بإذنها (قال) فإن اصطلح الزوجان وإلا كان على الحاكم أن يحكم لكل
واحد منهما على صاحبه بما يلزمه من حق في نفس ومال وأدب (قال) وذلك أن الله عز وجل إنما ذكر
أنهما (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) ولم يذكر تفريقا (قال) وأختار للامام أن يسأل الزوجين أن
يتراضيا بالحكمين ويوكلاهما معا فيوكلهما الزوج إن رأيا أن يفرقا بينهما فرقا على ما رأيا من أخذ شئ أو
غير أخذه إن اختبرا توليا من المرأة عنه (قال) وإن جعل إليهما إن رضيت بكذا وكذا فأعطياها ذلك عني
واسألاها أن تكف عني كذا وللمرأة أن توكلهما إن شاءت بأن يعطيا عنها في الفرقة شيئا تسميه إن رأيا أنه
لا يصلح الزوج غيره (1) وإن رأيا أن يعطياه أن يفعلا أوله كذا ويترك لها كذا فإن فعل ذلك الزوجان

(1) في العبارة نقص أو تحريف، وكذلك وقع في النسخ. فانظر
208

أمر الحكمين بأن يجتهدا فإن رأيا الجمع خيرا لم يصيرا إلى الفراق وإن رأيا الفراق خيرا أمرهما فصارا إليه
وإن رجع الزوجان أو أحدهما بعدما يوكلانهما عن الوكالة أو بعضها أمرهما بما أمر ما به أولا من
الاصلاح ولم يجعلهما وكيليهما إلا فيما وكلا فيه (قال) ولا يجبر الزوجان على توكيلهما إن لم يوكلا وإذا
وكلاهما معا كما وصفت لم يجز أمر واحد منهما دون صاحبه فإن فرق أحدهما ولم يفرق الآخر لم يجز
الفرقة، وكذلك إن أعطى أحدهما على الآخر شيئا (قال) وإن غاب أحد الحكمين أو غلب على عقله
بعث حكما غير الغائب أو المغلوب المصلح من قبل الحاكم وبالوكالة إن وكله بها الزوجان (قال) وإن
غلب أحد الزوجين على عقله لم يمض الحكمان بينهما شيئا حتى يعود إليه عقله ثم يجدد وكالة (قال) وإن
غاب أحد الزوجين ولم يفسخ الوكالة أمضى الحكمان رأيهما ولم تقطع غيبة واحد منهما الوكالة (قال
الشافعي) أخبرنا الثقفي عن أيوب بن أبي تميمة عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني أنه قال في هذه الآية (وإن
خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) قال جاء رجل وامرأة إلى علي رضي الله عنه
ومع كل واحد منهما فئام من الناس فأمرهم على فبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ثم قال للحكمين:
تدريان ما عليكما! عليكما إن رأيتما أن يجمعا ان تجمعا وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا قالت المرأة رضيت
بكتاب الله بما علي فيه ولى، وقال الرجل أما الفرقة فلا. فقال علي رضي الله عنه كذبت والله حتى تقر
بمثل الذي أقرت به (قال الشافعي) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة سمعه يقول: تزوج
عقيل ابن أبي طالب فاطمة بنت عتبة فقالت له أصبر لي وأنفق عليك فكان إذا دخل عليها قالت أين
عتبة بن ربيعة؟ أين شيبة بن ربيعة؟ فيسكت عنها حتى دخل عليها يوما وهو برم فقالت أين عتبة بن
ربيعة أين شيبة بن ربيعة؟ فقال على يسارك في النار إذا دخلت فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان بن
عفان فذكرت له ذلك فأرسل ابن عباس ومعاوية فقال ابن عباس لأفرقن بينهما وقال معاوية ما كنت
لافرق بين شيخين من بني عبد مناف قال فأتياهما فوجداهما قد شدا عليهما أثوابهما وأصلحا أمرهما (قال
الشافعي) حديث علي ثابت عندنا وهو إن شاء الله كما قلنا لا نخالفه لأن عليا إذا قال لهم ابعثوا حكما من
أهله وحكما من أهلها والزوجان حاضران فإنما خاطب به الزوجين أو من اعرب عنهما بحضرتهما بوكالة
الزوجين أو رضاهما بما قال وقوله للرجل لا والله حتى تقر بمثل ما أقرت به أن لا يقضى الحكمان إن رأيا
الفرقة إذا رجعت عن توكيلهما حتى تعود إلى الرضا بأن يكونا بوكالتك ناظرين بما يصلح أمركما ولو كان
للحاكم أن يبعث حكمين بفرقة بلا وكالة الزوج ما احتاج علي رضي الله عنه إلى أن يقول لهما ابعثوا
ولبعث هو ولقال للزوج إن رأيا الفراق أمضيا ذلك عليك وإن لم تأذن به ولم يحلف لا يمضي الحكمان
حتى يقر ولو كان للحاكم جبر الزوجين على أن يوكلا كان له أن يمضيه بلا أمرهما (قال) وليس في
الحديث الذي روى عن عثمان دلالة كالدلائل في حديث علي رضي الله عنه وهو يشبه أن يكون
كالحديث عن علي فإن قال قائل: فقد يحتمل خلافه قيل نعم: وموافقته فلست بأولى بأحد الوجهين
من غيرك بل هو إلى موافقة حديث علي كرم الله وجهه أقرب من أن يكون قوله خلافه.
ما يجوز به أخذ مال المرأة منها
(قال الشافعي) قال الله عز وجل (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) الآية (قال الشافعي) فكان في
هذه الآية إباحة أكله إذا طابت نفسها ودليل على أنها إذا لم تطب به نفسا لم يحل أكله (قال) وقد قال
209

الله عز وجل (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) إلى (مبينا) (قال) وهذه الآية في معنى الآية التي
كتبنا قبلها، وإذا أراد الرجل الاستبدال بزوجته ولم ترد هي فرقته لم يكن له أن يأخذ من مالها شيئا بأن
يستكرهها عليه ولا أن يطلقها لتعطيه فدية منه فإن فعل وأقر بذلك أو قامت عليه بينة رد ما أخذ منها
عليها وإن كان طلقها عليه لزمه ما سمى من عدد الطلاق وكان يملك فيه الرجعة إن لم يأت على جميع
طلاقها (قال) ويشبه والله تعالى أعلم أن لا يكون له إذا أزمع على فراقها أن يأتهب من مالها شيئا ثم
يطلقها، وذلك أن إعطاءها يكون على استطابة نفسه بحبسها لا على فراقها ويشبه معاني الخديعة لها
(قال) ولا يبين لي رد ذلك عليها لو وهبته بلا ضرورة ثم طلقها لأن ظاهره أنها طابت به نفسا (قال)
ولو علمته يريد الاستبدال بها ولم يمنعها حقها فنشزت ومنعته بعض الحق وأعطته ما لا جاز له أخذه
وصارت في معنى من يخاف أن لا يقيم حدود الله وخرجت من أن يكون يراد فرقها فيفارق بلا سبب
منها ولا منع لحق في حال متقدمة لإرادته ولا متأخرة.
حبس المرأة على الرجل يكرهها ليرثها
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) الآية
(قال الشافعي) يقال والله أعلم نزلت في الرجل يمنع المرأة حق الله تعالى عليه في عشرتها بالمعروف عن
غير طيب نفسها ويحبسها لتموت فيرثها أو يذهب ببعض ما آتاها استثنى إلا أن يأتين بفاحشة مبينة.
وقيل لا بأس بأن يحبسها كارها لها إذا أدى حق الله تعالى فيها لقول الله عز وجل (وعاشروهن
بالمعروف) قرأ إلى (كثيرا) (قال) وقيل في هذه الآية دلالة على أنه إنما حرم عليه حبسها مع منعها
الحق ليرثها أو يذهب ببعض ما آتاها (قال) وإذا منعها الحق وحبسها وذهب ببعض ما آتاها فطلبته فهو
مردود عليها إذا أقر بذلك أو قامت به بينة (قال الشافعي) وقد قيل فإن أتت عنده بفاحشة وهي الزنا
فحبسها على منع الحق في القسم لا أن ضربها ولا منعها نفقة فأعطته بعض ما آتاها حل له أخذه
وكانت معصيتها الله بالزنا ثم معصيته أكبر من معصيتها في غير الزنا وهي إذا عصته فلم تقم حدود الله لم
يكن عليه جناح فيما افتدت به (قال) فإن حبسها مانعا لها الحق ولم تأت بفاحشة ليرثها فماتت عنده لم
يحل له أن يرثها ولا يأخذ منها شيئا في حياتها فإن أخذه رد عليها وكان أملك برجعتها. وقيل إن هذه
الآية منسوخة وفي معنى (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) إلى (سبيلا) فنسخت بآية الحدود
(الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) فقال النبي صلى الله عليه وسلم (خذوا عني خذوا
عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب الرجم) فلم
يكن على امرأة حبس يمنع به حق الزوجة على الزوج وكان عليها الحد (قال) وما أشبه ما قيل من هذا
بما قيل والله أعلم لأن لله أحكاما بين الزوجين بأن جعل له عليها أن يطلقها محسنة ومسيئة ويحبسها محسنة
ومسيئة وكارها لها وغير كاره ولم يجعل له منعها حقها في حال.
ما تحل به الفدية
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) إلى (فيما
210

افتدت به) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة أن حبيبة بنت سهل أخبرتها أنها
كانت عند ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى صلاة الصبح فوجد
حبيبة بنت سهل عند بابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من هذه؟) قالت أنا حبيبة بنت سهل
يا رسول الله لا أنا ولا ثابت لزوجها فلما جاء ثابت قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذه حبيبة قد
ذكرت ما شاء الله أن تذكر) فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم (خذ منها) فأخذ منها وجلست في أهلها (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد
عن عمرة عن حبيبة بنت سهل أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم في الغلس وهي تشكو شيئا ببدنها
وهي تقول لا أنا ولا ثابت بن قيس فقالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا ثابت خذ منها)
فأخذ منها وجلست (قال الشافعي) فقيل والله أعلم في قوله تعالى (فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا
جناح عليهما فيما افتدت به) أن تكون المرأة تكره الرجل حتى تخاف أن لا تقيم حدود الله بأداء ما يجب
عليها له أو أكثره إليه ويكون الزوج غير مانع لها ما يجب عليه أو أكثر فإذا كان هذا حلت الفدية للزوج
وإذا لم يقم أحدهما حدود الله فليسا معا مقيمين حدود الله. وقيل: وهكذا قول الله عز وجل (فلا
جناح عليهما فيما افتدت به) إذا حل ذلك للزوج فليس بحرام على المرأة والمرأة في كل حال لا يحرم
عليها ما أعطت من مالها وإذا حل له ولم يحرم عليها فلا جناح عليهما معا، وهذا كلام صحيح جائز إذا
اجتمعا معا في أن لا جناح عليهما وقد يكون الجناح على أحدهما دون الآخر. فلا يجوز أن يقال: فلا
جناح عليهما وعلى أحدهما جناح (قال) وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل لأن الله عز وجل حرم على
الرجل إذا أراد استبدال زوج مكان زوج أن يأخذ مما آتاها شيئا (قال) وقيل أن تمتنع المرأة من أداء
الحق فتخاف على الزوج أن لا يؤدي الحق إذا منعته حقا فتحل الفدية (قال) وجماع ذلك أن تكون
المرأة المانعة لبعض ما يجب عليها له المفتدية تحرجا من أن لا تؤدي حقه أو كراهية له، فإذا كان هكذا
حلت الفدية للزوج ولو خرج في بعض ما تمنعه من الحق إلى إيذائها بالضرب أجزت ذلك له لأن النبي
صلى الله عليه وسلم قد أذن لثابت يأخذ الفدية من حبيبة وقد نالها بالضرب (قال) وكذلك لو لم تمنعه
بعض الحق وكرهت صحبته حتى خافت تمنعه كراهية صحبته بعض الحق فأعطيته الفدية طائعة حلت
له، وإذا حل له أن يأكل ما طابت به نفسا على غير فراق حل له أن يأكل ما طابت له نفسا ويأخذ
عوضا بالفراق (قال) ولا وقت في الفدية كانت أكثر مما أعطاها أو أقل لأن الله عز وجل يقول (فلا
جناح عليهما فيما افتدت به) وتجوز الفدية عند السلطان ودونه كما يجوز إعطاء المال والطلاق عند
السلطان ودونه.
الكلام الذي يقع به الطلاق ولا يقع
(قال الشافعي) رحمه الله: الخلع طلاق فلا يقع إلا بما يقع به الطلاق فإذا قال لها إن أعطيتني
كذا وكذا فأنت طالق أو قد فارقتك أو سرحتك وقع الطلاق، ثم لم أحتج إلى النية (قال) وإن قال لم
أنو طلاقا دين فيما بينه وبين الله عز وجل وألزم في القضاء، وإذا قال لها إن أعطيتني كذا فأنت بائن أو
خلية أو برية سئل: فإن أراد الطلاق فهي طالق وإن لم يرد الطلاق فليس بطلاق ويرد شيئا إن أخده
منها (قال) وإذا قال لها قد خالعتك أو فاديتك أو ما أشبه هذا لم يكن طلاقا إلا بإرادته الطلاق لأنه
211

ليس بصريح الطلاق (قال) وسواء كان هذا عند غضب أو رضا وذكر طلاق أو غير ذكره إنما أنظر إلى
عقد الكلام الذي يلزم لا سببه، وإذا قالت المرأة لزوجها اخلعني أو بتني أو أبني أو بارئني أو أبرأ مني
ولك على ألف أو لك هذه الألف أو لك هذا العبد وهي تريد الطلاق فطلقها فله ما ضمنت له وما
أعطته (قال) وكذلك لو قالت له اخلعني على ألف ففعل كانت له الألف ما لم يتناكرا فإن قالت إنما
قلت على ألف ضمنها لك غيري أو على الف لي عليك لا أعطيك أو على ألف فلس وأنكر تحالفا وكان
له عليها مهر مثلها، وإذا قالت المرأة للرجل طلقني ولك على ألف درهم فقال أنت طالق على ألف إن
شئت فلها المشيئة وقت الخيار فإن لم تشأ حتى مضي وقت الخيار لم يكن لها مشيئة وان شاءت بعد
ذلك كانت مشيئتها باطلة وهي امرأته بحالها (قال) وهكذا فإن قال لها أنت طالق إن أعطيتني ألفا.
فقالت خذها مما لي عليك. أو قالت أنا أضمنها لك وأعطيك بها رهنا لم يكن هذا طلاقا لأنها لم تعطه
ألفا في واحد من هذه الأحوال (قال) ولو أعطته ألفا في وقت الخيار لزمه الطلاق فإن لم تعطه الألف
حتى يمضي وقت الخيار ثم أعطته إياها لم يلزمه الطلاق وسواء هرب الزوج أو غاب حتى مضى وقت
الخيار أو أبطأت هي بإعطائه الألف حتى مضى وقت الخيار (قال) وإذا كان للرجل امرأتان فسألتاه
أن يطلقهما بألف فطلقهما في ذلك المجلس لزمهما الطلاق وفي المال قولان أحدهما أن الألف عليهما على
قدر مهور مثلهما والآخر أن على كل واحدة منهما مهر مثلها لأن الخلع وقع على كل واحدة منهما بشئ
مجهول (قال الربيع) وهذا أصح القولين عندي (قال) وإن قالت له امرأتان له لك ألف فطلقنا معا
فطلق إحداهما في وقت الخيار ولم يطلق الأخرى لزم المطلقة مهر مثلها ولو طلق الأخرى بعد ذلك
الوقت لزمه الطلاق وكان يملك فيه الرجعة ولم يلزمها من المال شئ إنما يلزمها المال إذا طلقها في وقت
الخيار (قال) ولو قالتا طلقنا بألف فقال إن شئتما فأنتما طالقان لم تطلقا حتى يشاءا معا في وقت الخيار
فإن شاءت إحداهما ولم تشأ الأخرى حتى مضى وقت الخيار لم تطلقا قال فإن شاءتا معا فله على كل
واحدة منهما مهر مثلها (قال) وإذا قال رجل لامرأته: إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فأعطته ألفا في
وقت الخيار وقع الطلاق وليس له أن يمتنع إذا دفعتها إليه في ذلك الوقت ولا لها أن ترجع فيها (قال)
وهكذا إن قال أعطيتني أو إن أعطيتني وما أشبه هذا فإنما ذلك على وقت الخيار فإذا مضى لم يقع في
شئ (قال) وإن قال متى أعطيتني أو أي وقت أعطيتني أو أي حين أعطيتني ألفا فأنت طالق فلها أن
تعطيه ألفا متى شاءت وليس له أن يمتنع من أخذها ولا لها إذا أعطته ألفا أن ترجع فيها لأن هذا كله
غاية كقوله متى دخلت الدار فأنت طالق أو متى قدم فلان فأنت طالق فليس له أن يقول قد رجعت
فيما قلت وعليه متى دخلت الدار أو قدم فلان أن تطلق.
ما يقع الخلع من الطلاق
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا خالع الرجل امرأته فنوى الطلاق ولم ينو عددا منه بعينه
فالخلع تطليقة لا يملك فيها الرجعة لأنها بيع من البيع ولا يجوز أن يملك عليها مالها ويكون أملك بها.
وإنما جعلناها تطليقة لأن الله تعالى يقول (الطلاق مرتان) فعقلنا عن الله تعالى أن ذلك إنما يقع بإيقاع
الزوج وعلمنا أن الخلع لم يقع إلا بإيقاع الزوج (قال) وإذا خالع الرجل امرأته فسمى طلاقا على خلع
أو فراق أو سراح فهو طلاق وهو ما نوى وكذلك وان سمى ما يشبه الطلاق من الكلام بنية الطلاق
212

(قال) وجماع هذا أن ينظر إلى كل كلام يقع به الطلاق بلا خلع فنوقعه به في الخلع وكل ما لا يقع به
طلاق بحال على الابتداء يوقع به خلع فلا نوقع به خلعا حتى ينوي به الطلاق وإذا لم يقع به طلاق فما
أخذ الزوج من المرأة مردود عليها (قال) فإن نوى بالخلع اثنتين أو ثلاثا فهو ما نوى (قال) وكذلك إن
سمى عددا من الطلاق فهو ما سمى وقد روى نحو من هذا عن عثمان رضي الله عنه (قال الشافعي) أخبرنا
مالك عن هشام عن أبيه عن طهمان مولى الأسلميين عن أم بكرة الأسلمية (قال الشافعي) وهذا كما
روى عن عثمان رضي الله عنه إن لم يسم بالخلع تطليقة لأنه من قبل الزوج ولو سمى أكثر من تطليقة فهو
ما سمى (قال) والمختلعة مطلقة فعدتها عدتها ولها السكنى ولا نفقة لها لأن زوجها لا يملك الرجعة
(قال) وإذا خالعها ثم طلقها في العدة لم يقع عليها الطلاق لأنها ليست بزوجة ولا في معاني الأزواج
بحال بأن يكون له عليها رجعة ولا تحل له إلا بنكاح جديد كما كانت قبل أن ينكحها وكذلك لو آلى منها
أو تظاهر أو قذفها لم يقع عليه إيلاء ولا ظهار ولا لعان إن لم يكن ولد ولو ماتت أو مات لم يتوارثا
(قال) وإنما قتل هذا بدلالة كتاب الله عز وجل لأن الله تعالى حكم بهذه الأحكام الخمسة من
الايلاء والظهار واللعان والطلاق والميراث بين الزوجين، فلما عقلنا عن الله تعالى أن هذين غير زوجين لم
يجز أن يقع عليها طلاقه فإن قال قائل فهل فيه من أثر؟ فأخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء
عن ابن عباس وابن الزبير (قال الشافعي) ولو خالعها ثم أخذ منها شيئا على أن طلقها ثانية أو ثالثة لم
يلزمها الطلاق وكان الخلع عليها مردودا لأنه أخذه على ما لا لزمه لها (قال) وإذا جاز ما أخذ من
المال على الخلع والطلاق فيه واقع فلا يملك الزوج فيه الرجعة لأن الله عز وجل يقول (فلا جناح
عليهما فيما افتدت به) ولا تكون مفتدية وله عليها الرجعة ولا يملك المال وهو يملك الرجعة لأن من ملك
شيئا بعوض أعطاه لم يجز أن يكون يملك ما خرج منه وأخذ المال عليه (قال) ولو خالعت المرأة زوجها
بألف ودفعتها إليه ثم أقامت بينة أو أقر أن نكاحها كان فاسدا أو أنه قد كان طلقها ثلاثا قبل الخلع أو
تطليقة لم يبق له عليها غيرها أو خالعها ولم يجدد لها نكاحا رجعت عليه في كل هذا بما أخذ منها (قال)
وهكذا لو خالعته ثم وجد نكاحها فاسدا كان الخلع باطلا وترجع بما أخذ منها ولا نكاح بينهما.
ما يجوز خلعه وما لا يجوز
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: جماع معرفة من يجوز خلعه من النساء أن ينظر إلى كل من جاز
أمره في ماله فنجيز خلعه ومن لم يجز أمره في ماله فنرد خلعه، فإن كانت المرأة صبية لم تبلغ أو بالغا
ليست برشيدة أو محجورا عليها أو مغلوبة على عقلها فاختلعت من زوجها بشئ قل أو كثر فكل ما أخذ
منها مردود عليها وما طلقها على ما أخذ منها واقع عليها وهذا يملك الرجعة فإذا بطل ما أخذ ملك
الرجعة في الطلاق الذي وقع به إلا أن يكون طلقها ثلاثا أو تطليقة لم يكن بقي له عليها غيرها (قال)
وهكذا إن خالع عنها وليها بأمرها من مالها كان (1) أو غيره فالمال مردود وليس للسلطان أن يخالع عنها
من مالها فإن فعل فالطلاق واقع والخلع مردود عليها ولو خالع عنها وهي صبية بأن أبرأ زوجها من
مهرها أو دين لها عليه أو أعطاه شيئا من مالها كان الطلاق الذي وقع بالمال واقعا عليها وكان مالها الذي

(1) أنظره مع ما يأتي في الصحيفة بعده عند علامة 3.
213

دفعته إليه مردودا عليها وحقها ثابت عليه من الصداق وغيره ولا يبرأ الزوج من شئ مما أبرأه منه الأب
والولي غير الأب (قال) ولو كان أبو الصغيرة وولى المحجور عليها خالع عنها بأن أبرأه من صداقها وهو
يعرفه على أنه ضامن لما أدركه فيه كان صداقها على الزوج يؤخذ به ويرجع به الزوج على الذي ضمنه
أيا كان أو وليا أو أجنبيا ولا يرجع به الضامن على المرأة لأنه ضمن عنها متطوعا في غير نظر لها (قال
الشافعي) ولو كان دفع إلى الزوج عبدا من مالها على أن ضمن له ما أدركه في العبد فالعبد مردود عليها
ويرجع الزوج على الضامن بقيمة العبد لأنه إنما ضمن له العبد لا غيره ولا يشبه الضامن البائع ولا
المختلعة وقد قيل له صداق مثلها وإن أفلس الضامن فالزوج غريم له ولا يرجع على المرأة بحال (قال)
ولا يجوز خلع المحجور عليها بحال إلا بأن يتطوع عنها أحد يجوز أمره في ماله فيعطي الزوج شيئا على أن
يفارقها فيجوز للزوج (قال) والذمية المحجور عليها في هذا كالمسلمة المحجور عليها (قال) والأمة
هكذا وفي أكثر من هذا لأنها لا تملك شيئا بحال وسواء كانت رشيدة بالغا أو شفيهة محجورا عليها لا
يجوز خلعها بحال إلا أن يخالع عنها سيدها أو من يجوز أمره في مال نفسه من مال نفسه متطوعا به
فيجوز للزوج (قال) وإن أذن لها سيدها بشئ تخلعه فالخلع جائز وكذلك المدبرة وأم الولد (قال) ولا
يجوز ما جعلت المكاتبة على الخلع ولو أذن لها الذي كاتبها لأنه ليس بمال له فيجوز إذنه فيه ولا لها
فيجوز ما صنعت في مالها (قال) ولا يجوز خلع زوج حتى يجوز طلاقه، وذلك أن يكون بالغا غير
مغلوب على عقله، فإذا كان غير مغلوب على عقله فخلعه جائز محجورا عليه كان أو رشيدا أو ذميا أو
مملوكا من قبل ان طلاقه جائز، فإذا جاز طلاقه بلا شئ يأخذه كان أخذه ما أخذ عليه فضلا أولى أن
يجوز من طلاقه بلا شئ وهو في الخلع كالبالغ الرشيد فلو كان مهر امرأته ألفا وخالعته بدرهم جاز عليه
ولولى المحجور أن يلي عليه ما أخذ بالخلع لأنه مال من ماله وما أخذ العبد بالخلع فهو لسيده (قال)
فإن استهلكا ما أخذا قبل إذن ولى المحجور وسيد العبد له رجع ولى المحجور وسيد العبد به على المختلعة
من قبل انه حق لزمها له كما لو كان عليها دين أو أرش جناية فدفعته إليه رجع به وليه وسيد العبد عليها
(قال الشافعي) وإن خلع أبو الصبي أو المعتوه أو وليه عنه امرأته أو أبا امرأته فالخلع باطل والنكاح
ثابت، وما أخذا من المرأة أو وليها على الخلع فهو مردود كله وهي امرأته بحالها وكذلك إن كان مغلوبا
على عقله أو غير بالغ فخالع عن نفسه فهي امرأته بحالها، وكذلك سيد العبد إن خالع عن عبده بغير
إذنه لأن الخلع طلاق فلا يكون لاحد أن يطلق عن أحد أب ولا سيد ولا ولى ولا سلطان إنما يطلق
المرء عن نفسه أو يطلق عليه السلطان بما لزم من نفسه إذا امتنع هو أن يطلق وكان ممن له طلاق وليس
الخلع من هذا المعنى بسبيل.
الخلع في المرض
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والخلع في المرض والصحة جائز كما يجوز البيع في المرض
والصحة وسواء أيهما كان المريض أحدهما دون الآخر أو هما معا ويلزمه فيه ما سمى الزوج من الطلاق
(قال) فإن كان الزوج المريض فخالعها بأقل من مهر مثلها ما كان أو أكثر فالخلع جائز وإن مات من
المرض لأنه لو طلقها بلا شئ كان الطلاق جائزا (قال) وإن كانت هي المريضة وهو صحيح أو مريض
فسواء وإن خالعته بمهر مثلها أو أقل فالخلع جائز، وإن خالعته بأكثر من مهر مثلها ثم ماتت من مرضها
214

قبل أن تصح جاز لها مهر مثلها من الخلع وكان الفضل على مهر مثلها وصية يحاص أهل الوصاية بها ولا
ترث المختلعة في المرض ولا في الصحة زوجها ولا يرثها ولو مات أحدهما وهي في العدة (قال) ولو
خالعها على عبد بعينه أو دار بعينها وقيمة العبد والدار مائة ومهر مثلها خمسون ثم ماتت من مرضها كان
له الخيار في أن يكون له نصف العبد أو الدار أو يرجع بمهر مثلها نقدا كما لو اشتراه فاستحق نصفه كان
له إن شاء أن يأخذ النصف بنصف الثمن وإن شاء نقض البيع ورجع بالثمن (قال الربيع) وللشافعي
قول آخر أنه إن اشترى عبدا فاستحق بعضه أن الصفقة باطلة من قبل أنها جمعت شيئين أحدهما حرام
والآخر حلال فبطلت كلها، وهكذا الخلع على عبد استحق بعضه لأن الخلع بيع من البيوع وله مهر
مثلها والعبد مردود (قال الشافعي) وسواء كان للمرأة ميراث (1) أو كان الزوج بحاله أصاب منه أقل أو
أكثر أو مثل صداق مثلها أو الصداق الذي أعطاها أو لم يكن إنما الخلع كالبيع، ألا ترى أن الخلع
يفسد فيرجع عليها بمهر مثلها كما يرجع في البيوع الفائتة الفاسدة بقيمة السلعة (2) مال والميراث وهو لا
يملك حتى تموت المرأة وهو زوج والخلع الذي هو عوض من البضع.
ما يجوز أن يكون به الخلع وما لا يجوز
(قال الشافعي) رحمه الله: جماع ما يجوز به الخلع ولا يجوز أن ينظر إلى كل ما وقع عليه الخلع
فإن كان يصلح أن يكون مبيعا فالخلع به جائز وإن كان لا يصلح أن يكون مبيعا فهو مردود وكذلك إن
صلح أن يكون مستأجرا فهو كالمبيع (قال) وذلك مثل أن يخالع الرجل امرأته بخمر أو خنزير أو بجنين
في بطن أمه أو عبد آبق أو طائر في السماء أو حوت في ماء أو بما في يده أو بما في يدها ولا يعرف الذي
هو في يده أو بثمرة لم يبد صلاحها على أن يترك أو بعبد بغير عينه ولا صفة أو بمائة دينار إلى ميسرة أو إلى ما
شاء أحدهما بغير أجل معلوم أو ما في معنى هذا أو يخالعها بحكمه أو بما شاء فلان أو بما لها كله وهو لا
يعرفه أو بما في بيتها وهو لا يعرفه (قال) وإذا وقع الخلع على هذا فالطلاق واقع لا يرد ويرجع عليها
أبدا بمهر مثلها، وكذلك إن خالعها على عبد رجل أو دار رجل فسلم ذلك الرجل العبد أو الدار لم يجيز
لأن البيع كان لا يجوز فيهما حين عقد وهكذا إن خالعها على عبد فاستحق أو وجد حرا أو مكاتبا
رجع عليها بصداق مثلها لا قيمة ما خالعها عليه ولا ما أخذت منه من المهر كما يشتري الشئ شراء
فاسد فيهلك في يدي. المشتري فيرجع البائع بقيمة الشئ المشترى الفائت لا بقيمة ما اشتراه به والطلاق
لا يرجع فهو كالمستهلك فيرجع بما فات منه وقيمة ما فات منه صداق مثلها كقيمة السلعة الفائتة (قال)
ولو اختلعت منه بعبد فاستحق نصفه أو أقل أو أكثر كان الزوج بالخيار بين أن يأخذ النصف ويرجع
عليها بنصف مهر مثلها أو يرد العبد ويرجع عليها بمهر مثلها كحكمه لو اشتراه فاستحق نصفه (قال
الربيع) وقول الشافعي الذي نأخذ به إن استحق بعضه بطل كله ورجع بصداق مثلها (قال) وكذلك
لو خالعها على أنه برئ من سكناها كان الطلاق واقعا وكان ما اختلعت به غير جائز لأن إخراجها من
المسكن محرم ولها السكنى ويرجع عليها بمهر مثلها ولو خالعها على أن عليها رضاع ابنها وقتا معلوما كان
جائزا لأن الإجازة تصح على الرضاع بوقت معلوم فلو مات المولود وقد مضى نصف الوقت رجع عليها

(1) لعل " أو " بمعنى الواو.
(2) قوله: ومال الميراث الخ، هكذا في النسخ، وانظر كتبه مصححه.
215

بنصف مهر مثلها ولو لم ترضع المولود حتى مات أو انقطع لبنها أو هربت منه حتى مضى الرضاع رجع
عليها بمهر مثلها وإنما قلت إذا مات المولود رجع عليها بمهر مثلها ولم أقل يأتيها بمولود مثله ترضعه كما
يتكارى منها المنزل فيسكنه غيره والدابة فتحمل عليها ورثته غيره إذا مات ويفعل ذلك هو وهو حي لأن
إبداله مثلها ممن يسكن سكنه ويركب ركوبه سواء لا يفرق السكن ولا الدابة بينهما وأن المرأة تدر على
المولود ولا تدر على غيره ويقبل المولود ثديها ولا يقبله غيره ويستمريه منها ولا يستمريه من غيرها ولا ترى
أمه ولا تطيب نفسها له وليس هذا في دار ولا دابة يركبها راكب ولا يسكنها ساكن (قال) ولو اختلعت
منه بأن عليها ما يصلح المولود من نفقة وشئ إن نابه وقتا معلوما لم يجز لأن ما ينوبه مجهول لما يعرض له
من مرض وغيره، وكذلك نفقته إلا أن تسمى مكيلة معلومة ودراهم معلومة تختلع منه بها ويأمرها
بنفقتها عليه ويصدقها بها أو يدفعها إلى غيره أو يوكل غيرها بها فيقبضها في أوقات معلومة فإن وكل
غيرها بأن يقبضها إذا احتاج لم يجز لأن حاجته قد تقدم وتأخر وتكثر وتقل وإذا لم يجز رجع عليها بمهر
مثلها وإن قبض منها مع الشرط الفاسد شيئا لا يجوز رده عليها أو مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم
يكن له مثل (قال) وهكذا لو خالعها على نفقة معلومة في وقت معلوم وأن تكفنه وتدفنه إن مات أو
نفقته وجعل طبيب إن مرض لأن هذا يكون ولا يكون وتكون نفقة المرض مجهولة وجعل الطبيب فإذا
أنفقت عليه رجعت عليه بالنفقة وانفسخ الشرط وكان عليها مهر مثلها (قال) ولو خالعها بسكنى دار
لها سنة معلومة أو خدمة عبد سنة معلومة جاز الخلع فإن انهدمت الدار أو مات العبد رجع عليها بمهر
مثلها (قال) ولو اختلعت منه بما في بيتها من متاع فإن تصادقا على أنهما كانا يعرفان جميع ما في بيتها ولا
بيت لها غيره أو سميا البيت بعينه جاز وإن كانا أو أحدها لا يعرفه أو كان لها بيت غيره فلم يسميا البيت
وإن عرفا ما فيه فالخلع جائز وله مهر مثلها (قال) وإن اختلعت منه بالحساب الذي كان بينها فإن
كانت تعرفه ويعرفه جاز وإن كانا يجهلانه وقع الخلع وله عليها مهر مثلها وإن عرفه أحدهما وادعى
الآخر جهالته تحالفا وله مهر مثلها وإن عرفاه فادعى الزوج أنه كان في البيت شئ فأخرج منه أو المرأة
أنه لم يكن في البيت شئ فأدخله وله عليها مهر مثلها.
المهر الذي مع الخلع
(قال الشافعي) وإذا خالع الرجل امرأته دخل بها أو لم يدخل بها قبضت منه الصداق أو لم تقبضه
فالخلع جائز فإن كانت خالعته على دار أو دابة أو عبد بعينه أو شئ أو دنانير مسماة أو شئ يجوز عليه
الخلع ولم يذكر واحد منها المهر فالخلع جائز ولا يدخل المهر في شئ منه فإن كان دفع إليها المهر وقد
دخل بها فهو لها لا يأخذ منه شيئا، وإن لم يكن دفع إليها فالمهر لها عليه وإن كان لم يدخل بها وقد دفع
المهر إليها رجع عليها بنصف المهر وإن كان لم يدفع منه شيئا إليها أخذت منه نصف المهر وإن كان المهر
فاسدا أخذت منه نصف مهر مثلها (قال) والخلع والمبارأة والفدية سواء كله في هذا إذا أريد به الفراق
ولا يختلف وكذلك الطلاق على شئ موصوف (قال) وإن تخالعا وقد سمى لها صداقا ولم يذكراه فهو
كما وصفت لها الصداق إن دخل ونصفه إن لم يدخل فإن كان الصداق فاسدا فلها مهر مثلها إن دخل
ونصف مهر مثلها إن لم يدخل وإن لم يكن سمى صداقا فلها المتعة والخلع جائز (قال) فإن قالت
أبارئك على مائة دينار وأدفعها إليك فهو كقولها أخالعك وإن قالت أبارئك على مائه دينار على أن لا
تباعة لواحد منا على صاحبه فتصادقا على البراءة من الصداق جاز وإن لم يتصادقا وأراد البراءة من
216

الصداق وقالت لم أبرئك منه تحالفا وكان لها مهر مثلها وليس هذا كالمسألة قبلها المبارأة ههنا مطلقة على
المبارأة من عقد النكاح والمبارأة ههنا على أن لا تباعة لواحد منهما على صاحبه تحتمل عقد النكاح والمال
فلذلك جعلنا هذا مبارأة مجهولة ورددناها إلى مهر مثلها فيها إذا تناكرا في الصداق
الخلع على الشئ بعينه فيتلف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اختلعت المرأة من زوجها بعبد بعينه فلم تدفعه إليه حتى
مات العبد رجع عليها بمهر مثلها كما يرجع لو اشتراه منها فمات قبل أن يقبضه رجع عليها بثمنه الذي
قبضت منه وينتقض فيه البيع، ولو قبضه منها ثم غصبته إياه أو قتلته كان له عليها قيمته وكان كعبد له
لم تملكه قط جنت عليه أو غصبته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وكذلك لو اختلعت منه على دابة
أو ثوب أو عرض فمات أو تلف رجع عليها بمهر مثلها، ولو اختلعت منه على دار فاحترقت قبل أن
يقبضها كان له الخيار في أن يرجع بمهر مثلها أو تكون له العرصة بحصتها من الثمن، فإن كانت حصتها
من الثمن النصف كانت له به ورجع عليها بنصف مهر مثلها (قال) ولو اختلعت منه بعبد معيب فرده
بالعيب رجع عليها بمهر مثلها، ولو خالعته على ثوب وشرطت أنه هروي فإذا هو غير هروي فرده بأنه
ليس كما شرطت رجع عليها بالمهر والخلع في كل ما وصفت كالبيع لا يختلف.
خلع المرأتين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت للرجل امرأتان فقالتا له طلقنا معا بألف لك علينا
فطلقهما في ذلك المجلس لزمه الطلاق وهو بائن لا يملك فيه الرجعة والقول في الألف واحد من
قولين فمن أجاز أن ينكح امرأتين معا بمهر مسمى فيكون بينهما على قدر مهر مثلهما أجاز هذا وجعل على
كل واحدة منهما من الألف بقدر مهر مثلها كان مهر مثل إحداهما مائة والأخرى مائتين فعلى التي مهر
مثلها مائة ثلث الألف والتي مهر مثلها مائتان ثلثاها (قال) ومن قال هذا قال فإن طلق إحداهما دون
الأخرى في وقت الخيار وقع عليها الطلاق وكانت عليها حصتها من الألف ثم إن طلق الأخرى قبل
مضي وقت الخيار لزمها الطلاق وكانت عليها حصتها من الألف، وإن مضى وقت الخيار فطلقها
لزمها الطلاق وهو يملك فيه الرجعة ولا شئ له من الألف (1) ولو طلق إحداهما في وقت الخيار ولم
يطلق الأخرى حتى يمضي وقت الخيار لزم التي طلق في وقت الخيار حصتها من الألف وكان طلاقا بائنا
ولم يلزم التي طلق بعد وقت الخيار شئ وكان يملك في طلاقها الرجعة (قال) وله أن لا يطلقها في
وقت الخيار ولا بعد، وإن أرادتا الرجوع فيما جعلتا له في وقت الخيار لم يكن لهما، وكذلك لو قال هو
لهما إن اعطيتماني ألفا فأنتما طالقان ثم أراد أن يرجع لم يكن ذلك له في وقت الخيار فإذا مضى فأعطياه
ألفا لم يكن عليه أن يطلقهما إلا أن يشاء أن يبتدئ لهما طلاقا (قال) وإن قالتا طلقنا بألف فطلقهما ثم
ارتدتا لزمتهما الألف بالطلاق وأخذت منهما (قال) ولو قالتا هذا له ثم ارتدتا فطلقهما بعد الردة وقف

(1) قوله ولو طلق إحداهما في وقت الخيار الخ كذا في النسخ وهو بمعنى ما قبله، وفي بعض النسخ، إسقاط
الصورة التي قبلها وهو أوضح، فتأمل.
217

الطلاق فإن رجعتا إلى الاسلام في العدة لزمتهما وكانتا طالقين باثنتين لا يملك رجعتهما وعدتهما من يوم
تكلم بالطلاق لا من يوم ارتدتا ولا من يوم رجعتا إلى الاسلام وإن لم ترجعا إلى الاسلام حتى تمضي
العدة أو تقتلا أو تموتا لم يقع الطلاق ولم يكن له من الألف شئ (قال) ولو كانت لرجل امرأتان
محجورتان فقالتا على ألف فطلقهما فالطلاق لازم وهو يملك فيه الرجعة إذا لم يكن جاء على
طلاقهما كله ولا شئ له عليهما من الألف (قال) وإن كانت إحداهما محجورا عليها والأخرى غير محجور
عليها لزمهما الطلاق وطلاق غير المحجور عليها جائز بائن وعليها حصتها من الألف وطلاق المحجور عليها
يملك فيه الرجعة إذا أبطلت ماله بكل حال جعلت الطلاق يملك الرجعة وإن كان أراد هو أن لا يملك
الرجعة ألا ترى أنه لو قال لامرأته أنت طالق واحدة بائن كانت واحدة يملك الرجعة (قال) ولو
كانت امرأته أمة فخالعها كانت التطليقة بائنا ولا شئ عليها ما كانت مملوكة إذا لم يأذن لها السيد
ويتبعها بالخلع إذا عتقت وإنما أبطلته عنها في الرق لأنها لا تملك شيئا كما أبطلته عن المفلس حتى يوسر
فلو خلع رجل امرأة له مفلسة كان الخلع في ذمتها إذا أيسرت لأني لم أبطله من جهة الحجر فيبطل
بكل حال (قال) وإذا قال الرجل لامرأته اختلعي على ألف على أن أعطيك هذا العبد فمن أجاز نكاحا
وبيعا معا أجاز هذا الخلع وجعل العبد مبيعا ومهر مثلها بألف كأن قيمة العبد ألف وقيمة مهر مثلها ألف
فالعبد مبيع بخمسمائة فإذا وجدت به عيبا فمن قال إذا جمعت الصفقة شيئين لم يردا إلا معا فردت
العبد رجع عليها بمهر مثلها وكان لها الألف يحاصها بها ومن قال إذا جمعت الصفقة شيئين مختلفين رد
أحدهما بعيبه بحصته من الثمن رده بخمسمائة (قال) وقد يفترق هذا والبيع لأن أصل ما عقد هذا عليه
أن الطلاق لا يرد بحال فيجوز لمن قال لا يرد البيع إلا معا أن يرد العبد بخمسمائة من الثمن ويفرق بينه
وبين البيع (قال) وإذا كانت للرجل امرأتان فقالت إحداهما طلقني وفلانة على أن لك على ألف درهم
أو على ألف درهم ففعل فالألف للتي خاطبه لازمة يتبعها بها وهكذا لو قال ذلك له أجنبي فإن طلق
التي لم تخاطبه وأمسك التي خاطبته لزمت المخاطبة حصة التي طلقت من الصداق على ما وصفت من
أن يقسم الصداق على مهر مثلها فيلزمها حصة مهر مثل مطلقة (قال) وهكذا لو قال هذا له أجنبي
(قال) وإذا كان لرجل امرأتان فقالت له إحداهما لك على إن طلقتني ألف وحبست صاحبتي فلم
تطلقها أبدا فطلقها كان له عليها مهر مثلها لفساد الشرط في حبس صاحبتها أبدا وهو مباح له أن يطلقها
(قال) ولو قالت لك على ألف درهم على أن تطلق صاحبتي ولا تطلقني أبدا فأخذها رجعت بها عليه
وكان له أن يطلقها، ولو قالت لك على ألف درهم على أن تطلق صاحبتي ولا تطلقني أبدا فطلق
صاحبتها كان له عليها مثل مهر صاحبتها كان أقل من ألف أو أكثر ولم تكن له الألف لفساد الشرط
وكان له أن يطلقها متى شاء (قال) ولو قالت له لك على ألف درهم على أن تطلقني وصاحبتي فطلقهما
لزمتها الألف وإن طلق أحدهما كان له من الألف بقدر حصة مهر مثل المطلقة منهما (قال والقول
الثاني) أن رجلا لو كانت له امرأتان لأعطتاه ألفا على أن يطلقهما فطلقهما كان له عليهما مهور أمثالهما ولم
يكن له من الألف شئ وكذلك لو أعطته واحدة ألف درهم على أن يطلقها ويعطيها عدا له لم يكن لها
العبد وكان له عليها مهر مثلها وأصل هذا إذا كان مع طلاق واحدة شئ غير طلاقها أو شئ تأخذه مع
طلاقها كان الشرط باطلا والطلاق واقع ورجع عليها بمهر مثلها وأصل هذا إذا كان مع شئ تأخذ
مع طلاقها في هذه الوجوه كلها (قال) وما أعطته امرأة عن نفسها أو أعطاه أجنبي عنها أن يطلقها
فسواء إذا كان ما أعطاه مما يجوز أن يملك تم له وجاز الطلاق وإذا كان مما لا يجوز أن يملك رجع عليها
218

إن كانت المعطية عن نفسها أو غيرها أو أعطت عن غيرها أو أعطى عنها أجنبي ما لزمها من ذلك في
نفسها لزمها في غيرها وما لزمها في نفسها لزم الأجنبي فيها إذا أعطاه عنها لا يفترق ذلك كما يلزم
ما يؤخذ في البيوع (قال) وإذا قالت المرأة للرجل طلقني ثلاثا ولك على ألف درهم فطلقها ثلاثا
فله الألف وإن طلقها اثنتين فله ثلثا الألف وإن طلقها واحدة فله ثلث الألف والطلاق بائن في الواحدة
والثنتين (قال) ولو لم يبق له عليها من الطلاق إلا واحدة فقالت له طلقني ثلاثا ولك ألف درهم فطلقها
واحدة كانت له الألف لأن الواحدة تقوم مقام الثلاث في أن تحرمها عليه حتى تنكح زوجا غيره
(قال) ولو كانت بقيت له عليها اثنتان فقالت له طلقني ثلاثا وكل ألف درهم فطلقها اثنتين كانت له
الألف لأنها تحرم عليه بالاثنتين حتى تنكح زوجا غيره ولو طلقها واحدة كان له ثلثا الألف لأنها تبقى
معه بواحدة ولا تحرم عليه حتى يطلقها إياها فلا تأخذ أكثر من حصتها من الألف (قال) ولو قالت
طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا كانت له الألف وكان متطوعا بالثنتين اللتين زادهما (قال) ولو قالت له
إن طلقتني واحدة فلك ألف أو ألفان فطلقها واحدة كان له مهر مثلها لأن الطلاق لم ينعقد على شئ
معلوم، وكذلك لو قالت لي الخيار أن أعطيك ألفا لا أنقصك منها أو ألفين أو لك الخيار أولى ولك
الخيار (قال) ولو كانت بقيت عليها واحدة من الطلاق فقالت طلقني ثلاثا واحدة أحرم بها واثنتين إن
نكحتني بعد اليوم كان له مهر مثلها إذا طلقها كما قالت (قال) ولو قالت له إن طلقتني فعلى أن أزوجك
امرأة تغنيك وأعطيك صداقها أو أي امرأة شئت وأعطيك صداقها وسمت صداقها أو لم تسمه فالطلاق
واقع وله مهر مثلها وإنما منعني أن أجيزه إذا سمت المهر أنها ضمنت له تزويج امرأة قد لا يزوجه ففسد
الشرط فإذا فسد فإنما له مهر مثلها (قال) وهكذا لو قالت له إن طلقتني واحدة فلك ألف ولك إن
خطبتني أن أنكحك بمائة فطلقها فله مهر مثلها ولا يكون له عليها أن تنكحه إن طلقها، قال وهكذا لو
قالت له طلقني ولك ألف ولك أن لا أنكح بعدك أبدا فطلقها فله مهر مثلها ولها أن تنكح من شاءت
(قال) وإذا وكل الزوج في الخلع فالوكالة جائزة والخلع جائز فمن جاز أن يكون وكيلا بمال أو خصومة
جاز أن يكون وكيلا بالخلع للرجل وللمرأة معا وسواء كان الوكيل حرا أو عبدا أو محجورا أو رشيدا أو
ذميا كل هؤلاء تجوز وكالته (قال) ولا يجوز أن يوكل غير بالغ ولا معتوها. فإن فعل فالوكالة باطلة إذا
كان هذان لا حكم لكليهما على أنفسهما فيما لله عز وجل وللآدميين فلا يلزمهما لم يجز أن يكونا وكيلين
يلزم غيرهما بهما قول (قال) وأحب إلى أن يسمى الموكلان ما يبلغ الوكيل لكل واحد منهما الرجل بأن
يقول وكلته بكذا لا يقبل أقل منه، والمرأة بأن يعطى عنها وكيلها كذا لا يعطى أكثر منه (قال) وإن لم
يفعلا جازت وكالتهما وجاز لهما ما يجوز للوكيل ورد من فعلهما ما يرد من فعل الوكيل فإن أخذ وكليل
الرجل من المرأة أو وكيلها أقل من مهر مثلها فشاء الموكل أن يقبله ويجوز عليه الخلع فيكون الطلاق فيه
بائنا فعل، وإن شاء أن يرده فعل، فإذا رده فالطلاق فيه جائز يملك الرجعة وهو في هذه الحال في
حكم من اختلع من محجور عليها لا أنه قياس عليه (قال) وكذلك إن خالعها بعرض أو بدين فشاء
أن يكون له الدين ما كان كان هل، وإن شاء أن لا يكون له ويلزمه الطلاق ثم يملك فيه الرجعة كان
(قال) وإن أخذ وكيل الرجل من المرأة نفسها أكثر من مهر مثلها جاز الخلع وكان قد ازداد للذي وكله
(قال) وإن أعطى وكيل المرأة عنها الزوج نفسه مهر مثلها أو أقل نقدا أو دينا جاز عليها وإن أعطى عليها
دينا أكثر من مهر مثلها فشاءت لزمها وتم الخلع وإن شاءت رد عليها كله ولزمها مهر مثلها. وكان حكمها
حكم امرأة اختلعت بما إلا يجوز أو بشئ بعينه فتلف فيلزمها مهر مثلها نقدا يجوز في الخلع ما يجوز في
219

البيع ولا يلزم الزوج أن يؤخذ له عرض ولا دين إلا أن يشاء ولا المرأة أن يعطى عليها عرض ويعطى
عليها دين مثل أو أقل من مهر مثلها نقدا. وإنما لزمها أنها إن شاءت أدته نقدا وإن شاءت حسبته
فاستفضلت تأخيره ولم تزد عليها في عدده فلا يكون الخلع لوكيل إلا بدنانير أو دراهم كما لا يكون البيع
لوكيل إلا بدنانير أو دراهم (قال) ولا يغرم وكيل المرأة ولا الرجل شيئا وإن تعديا إلا أن يعطي وكيل
المرأة أكثر من مهر مثلها فيتلف ما أعطى فيضمن الفضل من مهر مثلها فأما إذا كان قائما بعينه في يد
الزوج فينتزع منه لا يغرم الوكيل ولا يشبه هذا البيوع وذلك أنه إن وكله بسلعة فاشتراها بأكثر من ثمن
مثلها لزمته السلعة بيعا لنفسه وأخذ منه الموكل الثمن الذي أعطاه إن لم يختر أخذ السلعة والوكيل لا يملك
المرأة ولا يرد الطلاق بحال وطلاقها كشئ اشتراه لها فاستهلكته فإذا كان الثمن مجهولا أو فاسد ضمنت
قيمته ولم يضمنها الوكيل (قال) ولو وكله رجل بأن يأخذ من امرأته مائة ويخالعها فأخذ منها خمسين لم
يجز الخلع وكانت امرأته بحالها كما لو قال هلا إن أعطيتني مائة فأنت طالق فأعطته خمسين لم تكن طالقا
ولو وكلت هي رجلا على أن يعطي عنها مائة على أن يطلقها زوجها فأعطى عنها مائتين فطلقها زوجها
بالمائتين فإن قال الوكيل لك مائتا دينار على أن تطلقها فطلقها فالمائتان لازمة للوكيل تؤخذ منها المائة التي
وكلته بها ومائة بضمانه إياها وإن كان قال له لك مائتا دينار من مال فلانة لا أضمنها لك أو قاله وسكت
ففعل فطلقها لزمها الأكثر من المائة التي وكلت بها الوكيل أو مهر مثلها ولم يلزمها ما زاد على ذلك من
المائتين ولا الوكيل لأنه لم يضمن له شيئا ولو كان الوكيل قال له طلقها على أن أسلم لك مائتي دينار من
مالها فالوكيل ضامن إن لم تسلم ذلك له المرأة أخذ الزوج من مال المرأة الأكثر من مائة دينار ومهر مثلها
ورجع على الوكيل بالفضل عن ذلك حتى يستوفى مائتي دينار ولو أفلست المرأة كانت المائتا الدينار له
على الوكيل بالضمان بتسليم المائتين ولو كان مكان الوكيل أب أو أم أو ولى أو أجنبي لم توكله ولا واحدا
منهم فقال للزوج اخلعها على أن أسلم لك من مالها مائتي دينار ففعل الزوج ثم رجع كان له عليه مائتا
دينار ولم يرجع المتطوع بالضمان عنها عليها بشئ لأنها لم توكله بأن يخالع بينها وبين زوجها.
مخاطبة المرأة بما يلزمها من الخلع وما لا يلزمها
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا قالت المرأة للرجل إن طلقتني ثلاثا فلك على مائة فسواء هو
كقول الرجل بعني ثوبك هذا بمائة لك على أو بعني ثوبك هذا بمائة قال فإن طلقها ثلاثا فله عليها مائة
دينار (قال) ولو قالت له طلقني بألف فقال أنت طالق بألف فقالت أردت فلوسا وقال هو أردت
دراهم أو قالت أردت دراهم وقال هو أردت دنانير تحالفا وكان له مهر مثلها (قال) ولو قالت له طلقني
على ألف فقال أنت طالق على ألف، فقالت أردت طلقني على ألف على أبى أو أخي أو جاري أو
أجنبي فالألف لازمة لها لأن الطلاق لا يرد. وظاهر هذا أنه كقولها طلقني على ألف علي (قال) ولو
قالت إن طلقتني فلك ألف درهم فطلقها في وقت الخيار كانت له عليها ألف درهم والطلاق بائن وأن
طلقها بعد مضي وقت الخيار لزمه الطلاق وهو يملك فيه الرجعة ولا شئ له عليها (قال) وكذلك لو
قال لها أنت طالق إن ضمنت لي ألف درهم أو أمرك بيدك تطلقين نفسك إن ضمنت لي ألف درهم أو
قد جعلت طلاقك إليك إن ضمنت لي ألف درهم فضمنتها في هذه المسائل في وقت الخيار كانت
طالقا وكانت عليها ألف وإن ضمنتها بعد وقت الخيار لم تكن طالقا ولم يكن عليها شئ (قال) وجماع
220

هذا إذا كان الشئ يتم بها وبه لم يجز إلى مدة ولم يجز إلا في وقت الخيار كما لا يجوز ما جعل إليها من
أمرها إلا في وقت الخيار لأنه قد تم بها وبه (قال) ولو قال لها إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فقالت قد
ضمنت لك ألفا أو أعطته عرضا بألف أو نقدا أقل من ألف لم يكن طلاقا إلا بأن تعطيه ألفا في وقت
الخيار فإن مضى وقت الخيار لم تطلق وإن أعطته ألفا إلا بأن يحدث لها طلاقا بعد (قال الشافعي) ولو
قال لها أنت طالق إذا دفعت إلى ألفا فدفعت إليه شيئا رهنا قيمته أكثر من ألف لم تطلق ولا تطلق إلا
بأن تدفع إليه الألف (قال) ولو قال لها إن أعطيتني ألف درهم طلقتك فأعطته ألف درهم لم يلزمه أن
يطلقها ويلزمه أن يرد الألف عليها وهذ موعد لا إيجاب طلاق وكذلك إن قال إذا أعطيتني ألف درهم
طلقتك. وهكذا إن قالت له إن أعطيتك ألف درهم تطلقني أو طلقتني؟ قال نعم، ولا يلزمه طلاق
بما أعطته حتى يقول إذا أعطيتني ألف درهم فأنت طالق أو أنت طالق إذا أعطيتني ألف درهم فتعطيه
ألف درهم في وقت الخيار، ولو قال لها إذا أعطيتني ألف درهم فأنت طالق فأعطته ألف درهم طبرية
لم تطلق إلا بأن تعطيه وزن سبعة ولو أعطته ألفا بغلية طلقت لأنها ألف درهم وزيادة وكان كمن قال
إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فأعطته ألفا وزيادة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أعطته ألفا رديئة
مردودة فإن كانت فضة يقع عليها اسم الدراهم طلقت وكان له عليها أن تبدله إياها، وإن كانت لا
يقع عليها اسم الدراهم أو على بعضها اسم فضة لأنها ليست فضة لم تطلق ولو قال إن أعطيتني عبدا
فأنت طالق فأعطته عبدا أي عبد ما كان أعور أو معيبا فهي طالق ولا يملك العبد وله عليها صداق
مثلها، وكذلك لو قال لها إن أعطيتني شاة ميتة أو خنزيرا أو زق خمر فأنت طالق فأعطته بعض هذا
كانت طالقا لأن هذا كقوله لها إن دخلت الدار فأنت طالق ولا يملك شيئا من هذا ويرجع عليها بمهر
مثلها في كل مسألة من هذا. وإن قال لها إن أعطيتني شيئا يعرفانه جميعا بعينه فأنت طالق فأعطته إياه
كانت طالقا فإن وجد به عيبا كان له رده ويرجع عليها بمهر مثلها، وإن أعطته عبدا فوجده مدبرا لها
لم يكن له رده لأن لها بيعه وإن وجده مكاتبا لم يكن له، ولو عجز بعدما يطلقها لم يكن له لأن العقد
وقع عليه وهو لا يجوز بيعه وإن وجده حرا أو لغيرها فيه. شرك لم يكن له ولو سلمه صاحبه وكان له في
هذا كله مهر مثلها.
اختلاف الرجل والمرأة في الخلع
(قال الشافعي) وإذا اختلفت المرأة والرجل في الخلع على الطلاق فهو كاختلاف المتبايعين فإن
قالت طلقتني واحدة أو أكثر على ألف درهم وقال بل على ألفين تحالفا وله صداق مثلها كان أقل من
ألف أو أكثر من ألفين، وهكذا لو قالت له خالعتني على ألف إلى سنة وقال بل خالعتك على ألف نقدا
أو قال له خالعني على إبرائك من مهري فقال بل خالعتك على ألف آخذها منك لا على مهرك أو على ألف
مع مهرك تحالفا وكان مهرها بحاله ويرجع عليها بصداق مثلها (قال) وهكذا لو قالت له ضمنت لك
ألفا أو أعطيتك ألفا على أن تطلقني وفلانة أو تطلقني وتعتق عبدك فطلقتني ولم تطلقها أو طلقتني ولم تعتق
عبدك وقال بل طلقتك بألف وحدك تحالفا ورجع عليها بمهر مثلها وكذلك لو قالت له أعطيتك ألفا
على أن تطلقني ثلاثا فلم تطلقني إلا واحدة وقال بل أخذت منك الألف على الخلع وبينونة طلاق فإنما
هي واحدة أو على ثنتين فطلقتكهما تحالفا ورجع بمهر مثلها ولم يلزمه من الطلاق إلا ما أقر به وهكذا لو
221

قالت له أعطيتك ألفا على أن تطلقني ثلاثا وتطلقني كلما نكحتني ثلاثا فقال ما أخذت الألف إلا على
الطلاق الأول تحالفا ورجع عليها بمهر مثلها. وكذلك لو أقر لها بما قالت رجع عليها بمهر مثلها لأنه لا
يجوز أن يأخذ الجعل على أن يطلقها قبل أن ينكحها، ألا ترى أنه لو أخذ من أجنبية مالا على أنها
طالق متى نكحها كان المال مردودا لأنه لا يملك من طلاقها شيئا وقد لا ينكحها ابدا (قال) ولو قالت له
سألتك أن تطلقني ثلاثا بمائة وقال بل سألتني أن أطلقك واحدة بألف تحالفا وله مهر مثلها. فإن أقامت
المرأة البينة على دعواها وأقام الزوج البينة على دعواه وشهدت البينة أن ذلك بوقت واحد وأقر به
الزوجان تحالفا وله صداق مثلها وسقطت البينة كما تسقط في البيوع إذا اختلفا والسلعة قائمة بعينها ويرد
البيع وإن كان مستهلكا فقيمة المبيع (قال) والطلاق لا يرد وقيمة مثل البضع مهر مثلها (قال) وهكذا
لو اختلفا فأقاما البينة ولم توقت بينتهما وقتا يدل على الخلع الأول فإن وقتت بينهما وقتا يدل على الخلع
الأول فالخلع الأول هو الخلع الجائز، والثاني باطل إذا تصادقا إن لم يكن ثم نكاح ثم خلع فيكونان
خلعين. ألا ترى أن رجلا لو خالع امرأته بمائة ثم خالعها بعد ولم يحدث نكاحا بألف كانت الألف
باطلا ولم يقع بها طلاق لأنه طلق ما لا يملك والأول جائز لأنه طلق ما يملك (قال) ولو قالت طلقتني
ثلاثا بألف فقال بل طلقتك واحدة بألفين وأقام كل واحد منهما البينة على ما قال وتصادقا أن لم يكن
طلاق إلا واحدة تحالفا وكان له مهر مثلها (قال) ولو قالت له طلقتني على ألف وأقامت شاهدا حلف
وكانت امرأته ولو كانت المسألة بحالها فقال طلقتك على ألفين فلم تقبلي وجحدت كان القول قولها في
المال ولم يلزمه الطلاق لأنه لم يقر بالطلاق إذ زعم أنه لم يقع (قال) ولو ادعت انه خالعها وجحد
فأقامت شاهدا بأنه خالعها على مائة وشاهدا أنه خالعها على ألف أو عرض فالشهادة لاختلافهما باطلة
كلها ويحلف (قال) وهكذا لو كان هو المدعى أنه خالعها على ألف وأقام بها شاهد وشاهدا آخر بألفين
أو بعض فالشهادة باطلة وهي تجحد لزمها الطلاق بإقراره ولم يلزمها المال وحلفت عليه ولا يملك
الرجعة لأنه يقر أن طلاقه طلاق خلع لا يملك فيه الرجعة (قال) ولو قالت له سألتك أن تطلقني ثلاثا
بألف فلم تطلقني إلا واحدة وقال بل طلقتك ثلاثا فإن كان ذلك في وقت الخيار فهي طالق ثلاثا وله
الألف. وإن كان اختلافهما وقد مضى وقت الخيار تحالفا. وكان له مهر مثلها (قال الشافعي) وإذا
اختلف الزوج والمرأة فقال الزوج طلقتك على ألف وقالت المرأة طلقتني على غير شئ فالقول قول المرأة
وعلى الزوج البينة والطلاق واقع ولا يملك فيه الزوج الرجعة لأنه مقر أن لا رجعة له على المرأة فيه وأن
عليها له مالا فلا يصدق فيما يدعى عليها ويصدق على نفسه (قال) ولو قالت المرأة سألتك أن تطلقني
بألف فمضى وقت الخيار ولم تطلقني ثم طلقتني بعد على غير شئ وقال هو بل طلقتك قبل أن يمضي
وقت الخيار كان القول قول المرأة في الألف وعلى الزوج البينة والطلاق لازم له ولا يملك الرجعة (قال)
ولو قالت طلقتني أمس على غير شئ فقال بل طلقتك اليوم بألف فهي طالق اليوم بإقراره ولا يملك
الرجعة ولا شئ له عليها من المال لأنها لم تقربه.
باب ما يفتدي به الزوج من الخلع
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق ثلاثا على أن تعطيني ألفا فلم
تعطه ألفا فليست طالقا. وهو كقوله أنت طالق إن أعطيتني ألفا وأنت طالق إن دخلت الدار. وهكذا
222

إن قال لها أنت طالق على أن عليك ألفا فإن أقرت كانت طالقا وإن لم تضمنها لم تكن طالقا
(قال) وهذا مثل قوله لها أنت طالق إن ضمنت لي ألفا (قال) ولو قال لها أنت طالق وعليك ألف
كانت طالقا واحدة يملك الرجعة وليس عليها ألف وهذا مثل قوله أنت طالق وعليك حج وأنت طالق
وحسنة وطالق وقبيحة (قال) وإن ضمنت له الألف على الطلاق لم يلزمها وهو يملك الرجعة كما لو ابتدأ
الآن طلاقها فطلقها واحدة. ثم قالت له اجعل الواحدة التي طلقتني بائنا بألف لم تكن بائنا. وإن
أخذ منها عليها ألفا فعليه ردها عليها (قال) ولو تصادقا على أنها سألته الطلاق بألف فقال أنت طالق
وعليك ألف كانت عليها وكان الطلاق بائنا (قال) ولو قال لامرأته أنت طالق إن أعطيتني عبدك فأعطته
إياه فإذا هو حر طلقت ورجع عليها بمهر مثلها. ولو قالت له اخلعني على ما في هذه الجرة من الخل
وهي مملوءة فخالعها فوجده خمرا وقع الطلاق وكان عليها له مهر مثلها.
خلع المشركين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اختلعت المرأة الذمية من زوجها بخمر بعينه أو بصفة
فدفعتها إليه ثم جاءوا بعد إلينا أجزنا الخلع ولم نرده عليها بشئ ولو لم تدفعها إليه ثم ترافعوا إلينا أجزنا
الخلع وأبطلنا الخمر جعلنا له عليها مهر مثلها (قال) وهكذا أهل الحرب إن رضوا بحكمنا لا يخالفون
الذميين في شئ إلا أنا لا نحكم على الحربيين حتى يجتمعا على الرضا ونحكم على الذميين إذا جاء
أحدهما (قال) ولو أسلم أحد الزوجين وقد تقابضا فهكذا وإن لم يتقابضا بطل الخمر بينهما وكان له
عليها مهر مثلها لا يجوز إن كان هو المسلم لمسلم أن يأخذ خمرا ولا إن كانت هي المسلمة أن تعطي خمرا
ولو قبضها منها بعدما يسلم عزر وكان له عليها مهر مثلها إن طلبه. وكذلك لو كانت هي المسلمة فدفعتها
إليه عزرت وكان له عليها مهر مثلها إن طلبه وهكذا كل ما حرم وإن استحلوه مالا مثل الخنزير وغيره
فهما في جميع الأحكام كالمسلمين لا يختلف الحكم عليهم وعلى المسلمين إلا فيما وصفت مما مضى في
الشرك ولا يرد في الاسلام.
الخلع إلى أجل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اختلعت المرأة من زوجها بشئ مسمى إلى أجل فالخلع
جائز وما سميا من المال إلى ذلك الأجل كما تكون البيوع ويجوز فيه ما يجوز في البيع والسلف إلى
الآجال، وإذا اختلعت بثياب موصوفة إلى أجل مسمى فالخلع جائز والثياب لها لازمة، وكذلك رقيق
وماشية وطعام يجوز فيه ما يجوز في السلف ويرد فيه ما يرد في السلف (قال) ولو تركت أن تسمى حيث
يقيض منه الطعام أو تركت أن تسمى بعض صفة الطعام جاز الطلاق ورجع عليها بمهر مثلها (قال)
ولو قالت المرأة سألتك أن تطلقني بألف فمضى وقت الخيار ولم تطلقني ثم طلقتني بعد على غير شئ وقال
هو بل طلقتك قبل أن يمضي وقت الخيار كان القول قول المرأة في الألف وعلى الزوج البينة والطلاق
لازم له ولا يملك الرجعة.
223

العدد
عدة المدخول بها التي تحيض
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال الله تبارك وتعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة
قروء) قال والأقراء عندنا والله تعالى أعلم الأطهار، فإن قال قائل ما دل على أنها الأطهار وقد قال
غيركم الحيض؟ قيل له دلالتان أولهما الكتاب الذي دلت عليه السنة والآخر اللسان فإن قال وما
الكتاب؟ قيل قال الله تبارك وتعالى (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: أخبرنا مالك عن نافع ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها ثم
ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله
عز وجل أن تطلق لها النساء (قال الشافعي) أخبرنا مسلم وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن أبي الزبير
انه سمع ابن عمر يذكر طلاق امرأته حائضا، وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم فإذا طهرت فليطلق
أو ليمسك وتلا النبي صلى الله عليه وسلم (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن أو في قبل عدتهن)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أنا شككت (قال الشافعي) فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
الله عز وجل أن العدة الطهر دون الحيض وقرأ (فطلقوهن لقبل عدتهن) أن تطلق طاهرا لأنها حينئذ
تستقبل عدتها ولو طلقت حائضا لم تكن مستقبلة عدتها إلا بعد الحيض فإن قال فما اللسان؟ قيل القرء
اسم وضع لمعنى فلما كان الحيض دما يرخيه الرحم فيخرج والطهر دم يحتبس فلا يخرج كان معروفا من
لسان العرب أن القرء الحبس لقول العرب هو يقري الماء في حوضه وفي سقائه، وتقول العرب هو يقري
الطعام في شدقه يعني يحبس الطعام في شدقه (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن ابن شهاب
عن عروة بن الزبير عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن حين دخلت
في الدم من الحيضة الثالثة قال ابن شهاب فذكر ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت صدق عروة وقد
جادلها في ذلك ناس فقالوا إن الله تبارك اسمه يقول: ثلاثة قروء فقالت عائشة رضى الله تعالى عنها
صدقتم وهل تدرون ما الأقراء؟ الأقراء الأطهار أخبرنا مالك عن ابن شهاب قال سمعت أبا بكر بن
عبد الرحمن يقول ما أدركت أحد من فقهائنا إلا وهو يقول هذا يريد الذي قالت عائشة أخبرنا سفيان
عن الزهري عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت إذا طعنت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة
فقد برئت منه، أخبرنا مالك عن نافع وزيد بن أسلم عن سليمان بن يسار أن الأحوص بن حكيم هلك
بالشام حين دخلت امرأته في الدم من الحيضة الثالثة. وقد كان طلقها فكتب معاوية إلى زيد بن ثابت
يسأله عن ذلك فكتب إليه زيد إنها إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها،
ولا ترثه ولا يرثها. أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري قال حدثنا سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت،
قال: إذا طعنت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه. ولا يرثها أخبرنا مالك
عن نافع عن ابن عمر قال إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في المد من الحيضة الثالثة. فقد برئت منه
وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها، أخبرنا مالك عن الفضيل بن أبي عبد الله مولى المهري أنه سأل القاسم
بن محمد وسالم بن عبد الله عن المرأة إذا طلقت فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقالا قد بانت منه
وحلت، أخبرنا مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وأبي بكر بن عبد الرحمن
224

وسليمان بن يسار وابن شهاب أنهم كانوا يقولون إذا دخلت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة فقد بانت
منه ولا ميراث (قال الشافعي) والأقراء الأطهار والله تعالى أعلم، فإذا طلق الرجل امرأته طاهرا قبل
جماع أو بعده اعتدت بالطهر الذي وقع عليها فيه الطلاق ولو كان ساعة من نهار وتعتد بطهرين تامين
بين حيضتين فإذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة حلت، ولا يؤخذ أبدا في القرء الأول إلا أن يكون
فيما بين أن يوقع الطلاق وبين أول حيض ولو طلقها حائضا لم تعتد بتلك الحيضة. فإذا طهرت
استقبلت القرء (قال) ولو طلقها فلما أوقع الطلاق حاضت فإن كانت على يقين من أنها كانت طاهرا
حين تم الطلاق ثم حاضت بعد تمامه بطرفة عين فذلك قرء وإن علمت أن الحيض وتمام الطلاق كانا
معا استأنفت العدة في طهرها من الحيض ثلاثة قروء، وإن اختلفا فقال الزوج وقع الطلاق وأنت
حائض وقالت المرأة بل وقع وأنا طاهر فالقول قولها بيمينها، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن
عبيد بن عمير قال اؤتمنت المرأة على فرجها (قال الشافعي) وإذا طلق الرجل امرأته واحدة أو اثنتين
فهو أحق بها ما لم تر الدم من الحيضة الثالثة فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد حلت منه وهو
خاطب من الخطاب لا يكون له عليها رجعة ولا ينكحها إلا كما ينكحها مبتدئا بولي وشاهدين ورضاها
وإذا رأت الدم في وقت الحيضة الثالثة يوما ثم انقطع ثم عاودها بعد أو لم يعاودها أياما كثرت أو قلت
فذلك حيض تحل به (قال) وتصدق على ثلاث حيض في أقل ما حاضت له امرأة قط، وأقل ما
علمنا من الحيض يوم وإن علمنا أن طهر امرأة أقل من خمس عشرة صدقنا المطلقة على أقل ما علمنا
من طهر امرأة وجعلنا القول قولها، وكذلك إن كان يعلم منها أنها تذكر حيضها وطهرها وهي غير مطلقة
على شئ فادعت مثله قبلنا قولها مع يمينها، وإن ادعت ما لم يكن يعرف منها قبل الطلاق ولم يوجد في
امرأة لم تصدق إنما يصدق من ادعى ما يعلم أنه يكون مثله، فأما من ادعى ما لم يعلم أنه يكون مثله
فلا يصدق، وإذا لم أصدقها فجاءت مدة تصدق في مثلها وأقامت على قولها قد حضت ثلاثا أحلفتها
وخليت بينها وبين النكاح حين أن يمكن أن تكون صدقت، ومتى شاء زوجها أن أحلفها ما انقضت
عدتها فعلت؟ ولو رأت الدم من الحيضة الثالثة ساعة أو دفعة ثم ارتفع عنها يومين أو ثلاثا أو أكثر من
ذلك فإن كانت الساعة التي رأت فيها الدم أو الدفعة التي رأت فيها الدم في أيام حيضها نظرنا فإن رأت
صفرة أو كدرة ولم تر طهرا حتى تكمل يوما وليلة فهي حيض تخلو عدتها بها من الزوج، وإن كانت في
غير أيام الحيض فكذلك إذا أمكن أن يكون بين رؤيتها الدم والحيض قبله قدر طهر فإن كان أتى عليها
من الطهر الذي يلي هذا الدم أقل ما يكون بين حيضتين من الطهر كان حيضا تنقضي فيه عدتها وتنقطع
به نفقتها إن كان يملك الرجعة وتركت الصلاة في تلك الساعة وصلت إذا طهرت وتركت الصلاة إذا
عاودها الدم، وإن كانت رأت الدم بعد الطهر الأول بيومين أو ثلاثا أو أكثر مما لا يمكن أن يكون
طهرا لم تحل به من زوجها ولم تنقطع نفقتها ونظرنا أول حيض تحيضه فجعلنا عدتها تنقضي به وإن رأت
الدم أقل من يوم. ثم رأت الطهر لم يكن حيضا، وأقل الحيض يوما وليلة. والكدرة والصفرة في
الحيض حيض، ولو كانت المسئلة بحالها فطهرت من حيضة أو حيضتين. ثم رأت دما فطبق عليها فإن
كان دمها ينفصل فيكون في أيام أحمر قانئا محتدما، وفي الأيام التي بعده رقيقا قليلا فحيضها أيام الدم
المحتدم الكثير وطهرها أيام الدم الرقيق القليل. وإن كان دمها مشتبها كله كان حيضها بقدر عدد أيام
حيضها فيما مضى قبل الاستحاضة وإذا رأت الدم في أول الأيام التي أجعلها أيام حيضها في الحيضة
الثالثة حلت من زوجها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: جعل الله تبارك وتعالى عدة من تحيض من
225

النساء ثلاثة قروء وعدة من لم تحض ثلاثة أشهر وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المستحاضة أن تترك
الصلاة في أيام حيضها إذا كان دمها ينفصل وفي قدر عدد أيام حيضها قبل أن يصيبها ما أصابها.
وذلك فيما نرى إذا كان دمها لا ينفصل نجعلها حائضا تاركا للصلاة في بعض دمها وطاهرا تصلى في
بعض دمها فكان الكتاب ثم السنة يدلان على أن للمستحاضة طهرا وحيضا فلم يجز والله تعالى أعلم
أن تعتد المستحاضة إلا بثلاثة قروء * قال فإذا أراد زوج المستحاضة طلاقها للسنة طلقها طاهرا من
غير جماع في الأيام التي نأمرها فيها بالغسل من دم الحيض والصلاة. فإذا طلقت المستحاضة أو
استحيضت بعدما طلقت فإن كان دمها منفصلا فيكون منه شئ أحمر قانئ وشئ رقيق إلى الصفرة
فأيام حيضها هي أيام الأحمر القانئ وأيام طهرها هي أيام الصفري فعدتها ثلاث حيض إذا رأت الدم
الأحمر القانئ من الحيضة الثالثة انقضت عدتها (قال) وإن كان دمها مشتبها غير منفصل كما وصفنا
فإن كان لها أيام حيض معروفة فأيام حيضها في الاستحاضة عدد أيام حيضها المعروف ووقتها وقتها إن
كان حيضها في أول الشهر أو وسطه أو آخره فتلك أيام حيضها، فإذا كان أول يوم من الحيضة الثالثة
فقد انقضت عدتها. وإن كان حيضها يختلف فيكون مرة ثلاثا ومرة خمسا ومرة سبعا ثم استحيضت
أمرتها أن تدع الصلاة أقل أيام حيضها ثلاثا وتغتسل وتصلي وتصوم لأنها أن تصلي وتصوم وليس
ذلك عليها إذا لم تستيقن أنها حائض خير من أن تدع الصلاة وهي عليها واجب وأحب إلى لو
أعادت صوم أربعة أيام وليس ذلك بلازم لها، وتخلو من زوجها بدخول أول يوم من أيام حيضتها
الثالثة وليس في عدد الحيضتين الأوليين شئ يحتاج إليه إذا أتت على ثلاث وسبع وأيام طهر فلا حاجة
بنا إلى علمها * (قال) وإن كانت امرأة ليس لها أيام حيض ابتدئت مستحاضة أو كانت فنسيتها تركت
الصلاة أقل ما حاضت امرأة قط وذلك يوم وليلة وهو أقل ما علمنا امرأة حاضت فإن كانت قد عرفت
وقت حيضتها فمبتدأ تركها الصلاة في مبتدأ حيضتها وإن كانت لم تعرفه استقبلنا بها الحيض من أول
هلال يأتي عليها بعد وقوع الطلاق فإذا استهل الهلال الثالث انقضت عدتها منه، ولو طلقت امرأة
فاستحيضت أو مستحاضة فكانت تحيض يوما وتطهر يوما، أو يومين وتطهر يومين أو ما أشبه هذا
جعلت عدتها تنقضي بثلاثة أشهر، وذلك المعروف من أمر النساء أنهن يحضن في كل شهر حيضة فأنظر
أي وقت طلقها فيه فأحسبها شهرا. ثم هكذا حتى إذا دخلت في الشهر الثالث حلت من زوجها وذلك
أن هذه مخالفة للمستحاضة التي لها أيام حيض كحيض النساء فلا أجد معنى أولى بتوقيت حيضتها من
الشهور لأن حيضها ليس ببين، ولو كانت تحيض خمسة عشر متتابعة أو بينها فصل ونطهر خمسة عشر
متتابعة لافصل بينها جعلت عدتها بالطهر ثلاثة قروء (قال) وعدة التي تحيض الحيض وإن تباعد كأنها
كانت تحيض في كل سنة أو سنتين فعدتها الحيض وهكذا إن كانت مستحاضة فكانت لها أيام تحيضها
كما تكون تطهر في أقل من شهر فتخلو بدخول الحيضة الثالثة فكذلك لا تخلو إلا بدخول الحيضة الثالثة
وإن تباعدت، وكذلك لو أرضعت فكان حيضها يرتفع للرضاع اعتدت بالحيض (قال) وإذا كانت
تحيض في كل شهر أو شهرين فطلقت فرفعتها حيضتها سنة أو حاضت حيضة ثم رفعتها حيضتها سنة أنها
لا تجل للأزواج إلا بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة وإن تباعد ذلك وطال وهي من أهل الحيض
حتى تبلغ أن تيأس من المحيض وهي لا تيأس من المحيض حتى تبلغ السن التي من بلغتها من نسائها لم
تحض بعدها فإذا بلغت ذلك خرجت من أهل الحيض وكانت من المؤيسات من المحيض اللاتي جعل
الله عز وجل عددهن ثلاثة أشهر استقبلت ثلاثة أشهر من يوم بلغت سن المؤيسات من المحيض لا تخلو
226

إلا بكمال الثلاثة الأشهر وهذا يشبه والله تعالى أعلم ظاهر القرآن لأن الله تبارك وتعالى جعل على الحيض
الأقراء وعلى المؤيسات وغير البوالغ الشهور فقال (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم
فعدتهن ثلاثة أشهر) فإذا كانت تحيض فإنها تصبر إلى الإياس من المحيض بالسن التي من بلغتها من
نسائها أو أكثرهن لم تحض فينقطع عنها الحيض في تلك المدة، وقد قيل إن مدتها أكثر الحمل (1) وهو
أربع سنين ولم تحض كانت مؤيسة من المحيض فاعتدت ثلاثة أشهر وقيل تتربص تسعة أشهر والله تعالى
أعلم. ثم تعتد ثلاثة أشهر (قال) والحيض يتباعد فعدة المرأة تنقضي بأقل من شهرين إذا حاضت
ثلاث حيض ولا تنقضي إلا بثلاث سنين وأكثر إن كن حيضها يتباعد لأنه إنما جعل عليهن الحيض
فيعتددن به وإن تباعد وإن كانت البراءة من الحمل تعرف بأقل من هذا فإن الله عز وجل حكم
بالحيض فلا أحيله إلى غيره. فلهذا قلنا عدتها الحيض حتى تؤيس من المحيض بما وصفت من أن تصير
إلى السن التي من بلغها من أكثر نسائها لم تحض. وقد يروى عن ابن مسعود وغيره مثل هذا القول.
أخبرنا مالك عن محمد بن يحيى بن حبان أنه كان عند جده هاشمية وأنصارية فطلق الأنصارية وهي
ترضع فمرت بها سنة ثم هلك ولم تحض فقالت أنا أرثه لم أحض فاختصموا إلى عثمان فقضى للأنصارية
بالميراث فلامت الهاشمية عثمان فقال هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بهذا يعني علي بن أبي طالب
رضى الله تعالى عنه. أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عبد الله أبى بكرة أخبره أن رجلا من
الأنصار يقال له حبان بن منقذ طلق امرأته وهو صحيح وهي ترضع ابنته فمكثت سبعة عشر شهرا لا
تحيض يمنعها الرضاع أن تحيض ثم مرض حبان بعد أن طلقها بسبعة أشهر أو ثمانية فقلت له إن امرأتك
تريد أن ترث فقال لأهله احملوني إلى عثمان فحملوه إليه فذكر له شأن امرأته وعنده علي بن أبي طالب
وزيد بن ثابت فقال لهما عثمان ما تريان؟ فقالا نرى أنها ترثه إن مات ويرثها إن ماتت فإنها ليست من
القواعد التي قد يئسن من المحيض وليست من الابكار اللاتي لم يبلغن المحيض. ثم هي على عدة حيضها
ما كان من قليل أو كثير فرجع حبان إلى أهله فأخذ ابنته فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة ثم حاضت
حيضة أخرى ثم توفى حبان من قبل أن تحيض الثالثة فاعتدت عدة المتوفى عنها زوجها وورثته أخبرنا
سعيد عن ابن جريج انه بلغه عن عمر بن عبد العزيز في امرأة حبان مثل خبر عبد الله بن أبي بكرة.
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء المرأة تطلق وهم يحسبون أن يكون المحيض قد أدبر عنها ولم
يبن لهم ذلك كيف تفعل؟ (قال) كما قال الله عز وجل إذا يئست اعتدت ثلاثة أشهر قلت ما ينتظر بين
ذلك؟ قال إذا يئست اعتدت ثلاثة أشهر كما قال الله تبارك وتعالى. أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه
قال لعطاء: أتعتد أقراءها ما كانت إن تقاربت وإن تباعدت؟ قال: نعم كما قال الله تبارك وتعالى.
أخبرنا سعيد عن المثنى عن عمرو بن دينار في امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعتها
حيضتها فقال أما أبو الشعثاء فكان يقول أقراؤها حتى يعلم أنها قد يئست من المحيض. أخبرنا مالك عن
ابن شهاب أنه سمعه يقول عدة المطلقة الأقراء وإن تباعدت (قال الشافعي) وإن طلقت فارتفع محيضها
أو حاضت حيضة أو حيضتين لم تحل إلا بحيضة ثالثة وإن بعد ذلك، فإذا بلغت تلك السن استأنفت
ثلاثة أشهر من يوم تبلغها. أخبرنا مالك عن يحيي بن سعيد ويزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن

(1) قوله: أربع سنين ولم تحض الخ لعل فيه سقطا ووجهه " وهي أربع سنين ولم تحض
الخ "
227

المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعتها حيضتها فإنها
تنتظر تسعة أشهر فإن بان بها حمل فذلك وإلا اعتدت بعد التسعة أشهر ثم حلت (قال الشافعي) قد
يحتمل قول عمر أن يكون في المرأة قد بلغت السن التي من بلغها من نسائها يئسن من المحيض فلا يكون
مخالفا لقول ابن مسعود وذلك وجهه عندنا * ولو أن امرأة يئست من المحيض طلقت فاعتدت بالشهور
ثم حاضت قبل أن تكمل بالشهور فسقطت عدة الشهور واستقبلت الحيض فإن حاضت ثلاث حيض
فقد قضت عدتها وإن لم تحضه حتى مرت عليها بعد الحيضة الأولى تسعة أشهر استقبلت العدة
بالشهور، وإن جاءت عليها ثلاثة أشهر قبل أن تحيض فقد أكملت عدتها لأنها من اللاتي يئسن من
المحيض، فإن حاضت قبل أن تكمل الثلاثة الأشهر فقد حاضت حيضتين فتستقبل تسعة أشهر فإن
حاضت فيها أو بعدها في الثلاثة الأشهر فقد أكملت وإن لم تحض فيها اعتدت، فإذا مرت بها تسعة
أشهر ثم ثلاثة بعدها حلت، ولو حاضت بعد ذلك لم تعتد بعد بالشهور (قال) والذي يروى عن عمر
عندي يحتمل أن يكون إنما قاله في المرأة قد بلغت السن التي يؤيس مثلها من المحيض فأقول بقول عمر
على هذا المعنى وهو قول ابن مسعود على معناه في اللائي لم يؤيسن من المحيض ولا يكونان مختلفين
عندي والله تعالى أعلم * قال الله عز وجل في الآية التي ذكر فيها المطلقات ذوات الأقراء (والمطلقات
يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) الآية (قال الشافعي) فكان بينا في الآية بالتنزيل أنه لا يحل للمطلقة أن
تكتم ما في رحمها من المحيض وذلك أن يحدث للزوج عند خوفه انقضاء عدتها رأي في ارتجاعها أو
يكون طلاقه إياها أدبا لها لا إرادة أن تبين منه فلتعلمه ذلك لئلا تنقضي عدتها فلا يكون له سبيل إلى
رجعتها وكان ذلك يحتمل الحمل مع الحيض لأن الحمل مما خلق الله تعالى في أرحامهن، وإذا سأل
الرجل امرأته المطلقة أحامل هي أو هل حاضت؟ فبين عندي أن لا يحل لها أن تكتمه واحدا منهما ولا
أحدا رأت أنه يعلمه إياه، وإن لم يسألها ولا أحد يعلمه إياه فأحب إلى لو أخبرته به وإن لم يسألها لأنه
قد يقع اسم الكتمان على من ظن أنه يخبر الزوج لما له في إخباره من رجعة أو ترك كما يقع الكتمان على
من كنتم شهادة لرجل عنده، ولو كتمته بعد المسألة الحمل والأقراء حتى خلت عدتها كانت عندي آثمة
بالكتمان إذ سئلت وكتمت وخفت عليها الاثم إذا كتمته وإن لم تسأل ولم يكن له عليها رجعة لأن الله عز
وجل إنما جعلها له حتى تنقضي عدتها فإذا انقضت عدتها فلا رجعة له عليها أخبرنا سعيد عن ابن
جريج أنه قال لعطاء ما قوله (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) قال الولد لا تكتمه
ليرغب فيها وما أدري لعل الحيضة معه. أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه سأل عطاء أيحق عليها أن تخبره
بحملها وإن لم يرسل إليها يسألها عنه ليرغب فيها (قال) تظهره وتخبر به أهلها فسوف يبلغه. أخبرنا سعيد
عن ابن جريج أن مجاهدا قال في قول الله عز وجل (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن)
المرأة المطلقة لا يحل لها أن تقول انا حبلى وليست بحبلى ولا لست بحبلى وهي حبلى ولا أنا حائض وليست
بحائض ولا لست بحائض وهي حائض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهذا إن شاء الله تعالى
كما قال مجاهد لمعان منها أن لا يحل الكذب والآخر أن لا تكتمه الحبل والحيض لعله يرغب فيراجع
ولا تدعيهما لعله يراجع وليست له حاجة بالرجعة لولا ما ذكرت من الحمل والحيض فتغره والغرور لا
يجوز. أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت إن أرسل إليها فأراد ارتجاعها فقالت قد
انقضت عدتي وهي كاذبة فلم نزل تقوله حتى انقضت عدتها؟ قال: لا وقد خرجت (قال الشافعي)
هذا كما قال عطاء إن شاء الله تعالى وهي آثمة إلا أن يرتجعها فإن ارتجعها وقد قالت قد انقضت عدتي ثم
228

أكذبت نفسها فرجعته عليها ثابتة ألا ترى أنه إن ارتجعها فقالت قد انقضت عدتي فأحلفت فنكلت
فحلف كانت له عليها الرجعة ولو أقرت أن لم تنقض عدتها كانت له عليها الرجعة لأنه حق له جحدته
ثم أقرت به.
عدة التي يئست من المحيض والتي لم تحض
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: سمعت من أرضى من أهل العلم يقول: إن أول ما أنزل الله عز
وجل من العدد (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) فلم يعلموا ما عدة المرأة التي لا أقراء لها وهي
التي لا تحيض ولا الحامل فأنزل الله عز ذكره (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن
ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) فجعل عدة المؤيسة والتي لم تحض ثلاثة أشهر وقوله (إن ارتبتم) فلم تدروا
ما تعتد غير ذات الأقراء. وقال: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) قال وهذا والله تعالى
أعلم يشبه ما قالوا * وإذا أراد الرجل أن يطلق التي لا تحيض للسنة فطلقها أية ساعة شاء ليس في وجه
طلاقها سنة إنما السنة في التي تحيض وكذلك ليس في وقت طلاق الحامل سنة وإذا طلق الرجل امرأته
وهي كمن لا تحيض من صغر أو كبر فأوقع الطلاق عليها في أول الشهر أو آخره اعتدت شهرين بالأهلة
وإن كان الهلالان معا تسعا وعشرين وشهرا ثلاثين ليلة في أي الشهر طلقها وذلك أنا نجعل عدتها من
ساعة وقع الطلاق عليها فإن طلقها قبل الهلال بيوم عددنا لها ذلك اليوم فإذا أهل الهلال عددنا لها
هلالين بالأهلة ثم عددنا لها تسعا وعشرين ليلة حتى تكمل ثلاثين يوما وليلة باليوم الذي كان قبل
الهلالين، وكذلك لو كان قبل الهلال بأكثر من يوم وعشر أكملنا ثلاثين بعد هلالين وحلت وأي ساعة
طلقها من ليل أو نهار انقضت عدتها بأن تأتي عليا تلك الساعة من اليوم الذي يكمل ثلاثين يوما بعد
الشهرين بذلك اليوم فتكون قد أكملت ثلاثين يوما عددا وشهرين بالأهلة وله عليها الرجعة في الطلاق
الذي ليس ببائن حتى تمضي جميع عدتها، ولو طلقها ولم تحض فاعتدت بالشهور حتى أكملتها ثم
حاضت مكانها كانت عدتها قد انقضت ولو بقي من إكمالها طرفة عين فأكثر خرجت من اللائي لم
يحضن لأنها لم تكمل ما عليها من العدة بالشهور حتى صارت ممن له الأقراء واستقبلت الأقراء وكانت
من أهلها فلا تنقضي عدتها إلا بثلاثة قروء. أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء المرأة
تطلق ولم تحض فتعتد بالأشهر فتحيض بعدما يمضي شهران من الثلاثة الأشهر (قال) لتعتد حينئذ
بالحيض ولا يعتد بالشهر الذي قد مضى (قال الشافعي) ولو ارتفع عنها الحيض بعد أن حاضت كانت
في القول الأول لا تنقضي عدتها حتى تبلغ أن تؤيس من المحيض إلا أن تكون بلغت السن التي يؤيس
مثلها فيها من المحيض فتتربص تسعة أشهر ثم تعتد بعد التسعة ثلاثة أشهر (قال) واعجل من سمعت به
من النساء حضن نساء تهامة يحضن لتسع سنين، فلو رأت امرأة الحيض قبل تسع سنين فاستقام
حيضها اعتدت به وأكملت ثلاثة أشهر في ثلاث حيض فإن ارتفع عنها الحيض وقد رأته في هذه
السنين فإن رأته كما ترى الحيضة ودم الحيضة بلا علة إلا كعلل الحيضة ودم الحيضة ثم ارتفع لم تعتد إلا
بالحيض حتى تؤيس من المحيض فإن رأت دما يشبه دم الحيضة لعلة في هذه السن اكتفت بثلاثة أشهر
إذا لم يتتابع عليها في هذه السن ولم تعرف أنه حيض لم يكن حيضا إلا أن ترتاب فتستبرئ نفسها من
الريبة، ومتى رأت الدم بعد التسع سنين فهو حيض إلا أن تراه من شئ أصابها في فرجها من جرح أو
229

قرحة أو داء فلا يكون حيضا وتعتد بالشهور، ولو أن امرأة بالغا بنت عشرين سنة أو أكثر لم تحض قط
فاعتدت بالشهور فأكملتها ثم حاضت كانت منقضية العدة بالشهور كالتي لم تبلغ تعتد بثلاثة أشهر ثم
تحيض فلا يكون عليها عدة مستقبلة وقد أكملتها بالشهور ولو لم تكملها حتى حاضت استقبلت الحيض
وسقطت الشهور.
باب لا عدة على التي لم يدخل بها زوجها
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى: (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما
لكم عليهن من عدة تعتدونها) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فكان بينا في حكم الله عز وجل أن
لا عدة على المطلقة قبل أن تمس وأن المسيس هو الإصابة ولم أعلم في هذا خلافا ثم اختلف بعض
المفتين في المرأة يخلو بها زوجها فيغلق بابا ويرخى سترا وهي غير محرمة ولا صائمة فقال ابن عباس
وشريح وغيرهما لا عدة عليها إلا بالإصابة نفسها لأن الله عز وجل هكذا قال. أخبرنا مسلم عن ابن
جريج عن ليث عن طاوس عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلو
بها ولا يمسها ثم يطلقها ليس لها إلا نصف الصداق لأن الله عز وجل يقول: (وإن طلقتموهن من قبل
ان تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) (قال الشافعي) رحمه تعالى وبهذا أقول وهو
ظاهر كتاب الله عز ذكره (قال الشافعي) فإن ولدت المرأة التي قال زوجها لم أدخل بها إلى أربع سنين
لستة أشهر فأكثر من يوم عقد عقدة نكاحها لزم الزوج الولد إلا بأن يلتعن فإن لم يلتعن حتى مات أو
عرض عليه اللعان وقد أقر به أو نفاه أو لم يقر به ولم ينفه لحق نسبه بأبيه وعليه المهر تاما إذا ألزمناه الولد
حكمنا عليه بأنه مصيب لها (قال الربيع) وفيه قول آخر أنه إذا لم يلتعن الحقنا به الولد ولم نغرمه إلا
نصف الصداق لأنها قد تستدخل نطفة فتحبل فيكون ولده من غير مسيس بعد أن يحلف بالله ما أصابها
(قال الشافعي) فإن التعن نفينا عنه الولد وأحلفناه ما أصابها وكان عليه نصف المهر، ولو أقر بالخلوة
بها فقال لم أصبها وقالت أصابني ولا ولد فالقول قوله مع يمينه إذا جعلته إذا طلق لا يلزمه إلا نصف
الصداق إلا أن يصيب وهي مدعية بالإصابة عليه نصف الصداق لا يجب إلا بالإصابة فالقول قوله فيما
يدعى عليه مع يمينه وعليها البينة فإن جاءت ببينة بأنه أقر بإصابتها أخذته بالصداق كله، وكذلك إن
جاءت بشاهد أحلفتها مع شاهدها وأعطيتها الصداق فإن جاءت بشاهد وامرأتين قضيت لها بلا يمين
وإن جاءت بامرأتين لم أحلفها أو بأربع لم أعطها بهن لا أجيز شهادة النساء وحدهن إلا على ما لا يراه
الرجال من عيوب النساء خاصة وولادهن أو مع رجل * وقد قال غيرنا إذا خلا بها فأغلق بابا وأرخى
سترا وليس بمحرم ولا هي صائمة جعلت لها المهر تاما وعليها العدة تامة ولو صدقته أنه لم يمسها لأن
العجز جاء من قبله. وقال غيره لا يكون لها المهر تاما إلا بالإصابة أو بأن يستمتع منها حتى يخلق ثيابها
ونحو هذا.
عدة الحرة من أهل الكتاب عند المسلم والكتابي
(قال الشافعي) رحمه الله والحرة والكتابية يطلقها المسلم أو يموت عنها مثل الحرة المسلمة في العدة
230

والنفقة والسكنى لا يختلفان في شي ء من العدة والنفقة والسكنى وجميع ما لزم المسلمة لازم لها من
الاحداد وغير ذلك وإن أسلمت في العدة قبل أن تكملها لم تستأنف وبنت على عدتها وهكذا إن طلقها
الكتابي أو مات عنها وإن أرادت أن تخرج في العدة كان للزوج حيا وورثته ميتا من منعها الخروج
مالهم من منع المسلمة لا مختلفان في شئ غير أنها لا ترث المسلم ولا يرثها.
العدة من الموت والطلاق والزوج غائب
(قال الشافعي) رحمه الله: قال الله عزول (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن
بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) وقال (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقال عز ذكره (واللائي
يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن
أن يضعن حملهن) قال: فكان بينا في حكم الله عز ذكره أن العدة من يوم يقع الطلاق وتكون الوفاة
(قال) وإذا علمت المرأة يقين وفاة الزوج أو طلاقه ببينة تقوم لها على موته أو طلاقه أو أي علم صادق
ثبت عندها اعتدت من يوم يكون الطلاق وتكون الوفاة (1) وإن لم تعتد حتى تمضي عدة الطلاق
والوفاة لم يكن عليها عدة لأن العدة إنما هي مدة تمر عليها فإذا مرت عليها فليس عليها مقام مثلها
(قال) وإذا خفي ذلك عليها وقد استيقنت بالطلاق أو الوفاة اعتدت من يوم استيقنت أنها اعتدت منه
وقد روى عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (تعتد من يوم يكون الطلاق أو
الوفاة) أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء الرجل يطلق امرأته أو يموت عنها وهو بمصر وهي
بمصر آخر من أي يوم تعتد؟ قال من يوم مات أو طلقها تعتد. أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج
عن داود بن أبي عاصم قال سمعت سعيد بن المسيب يقول: إذا قامت بينة فمن يوم طلقها أو مات
عنها. أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن شهاب أنه قال في رجل طلق امرأته قال تعتد من يوم
طلقت أخبرنا سعيد عن ابن أبي ذئب عن الزهري قال: المتوفى عنها تعتد من يوم مات والمطلقة من
يوم طلقت.
عدة الأمة
(قال الشافعي) رحمه الله: ذكر الله عز وجل العدد من الطلاق بثلاثة قروء وثلاثة أشهر ومن
الوفاة بأربعة أشهر وعشر وذكر الله الطلاق للرجال باثنتين وثلاثة فاحتمل أن يكون ذلك كله على
الأحرار والحرائر والعبيد والإماء واحتمل أن يكون ذلك على بعضهم دون وكان عز وجل قد فرق
في حد الزاني بين المماليك والأحرار فقال: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وقال في
الإماء (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) وقال في الشهادات
(وأشهدوا ذوي عدل منكم) فلم يختلف من لقيت أنها على الأحرار دون العبيد وذكر المواريث فلم
يختلف أحد لقيته في أن المواريث للأحرار دون العبيد، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم الثيب

(1) قوله: وإن لم تعتد الخ كذا في النسخ والمعنى: وإن لم تقصد العدة الخ لأن العدة مدة الخ اي فلا يلزم فيها
القصد اه‍.
231

الحر الزاني ولم يختلف من لقيت أن لا رجم على عبد ثيب (قال) وفرض الله عز وجل العدة ثلاثة قروء
أو ثلاثة أشهر، وفي الموت أربعة أشهر وعشرا وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستبرأ الأمة بحيضة
ففرق بين استبراء الأمة والحرة وكانت العدة في الحرائر استبراء وتعبدا، وكذلك الحيضة في الأمة
استبراء وتعبد (قال الشافعي) فلم أعلم مخالفا ممن حفظت عنه من أهل العلم في أن عدة الأمة نصف
عدة الحرة فيما كان له نصف معدود ما لم تكن حاملا فلم يجز إذ وجدنا ما وصفت من الدلائل على
الفرق فيما ذكرنا وغيره بين عدة الأمة والحرة إلا أن تجعل عدة الأمة نصف عدة الحرة فيما له نصف
وذلك الشهور. فأما الحيض فلا يعرف له نصف فتكون عدتها فيه أقرب الأشياء من النصف إذا لم
يسقط من النصف شئ وذلك حيضتان ولو جعلناها حيضة أسقطنا نصف حيضة ولا يجوز أن يسقط
عنها من العدة شئ فأما الحمل فلا نصف له. قد يكون يوما من يوم وقع عليها الطلاق وسنة وأكثر كما
لم يكن للقطع نصف فيقطع الحر والعبد والأمة والحرة، وكان للزنا حدان أحدهما الجلد فكان له نصف
فجعل عليها النصف ولم يكن للرجم نصف فلم يجعل عليها ولم يبطل عنها حد الزنا وحدت بأحد حديه
على الأحرار. وبهذا مضت الآثار عمن روينا عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال
الشافعي) فإذا تزوجت الأمة الحر أو العبد فطلقها أو مات عنها فسواء والعدة بها، تعتد إذا كانت ممن
تحيض حيضتين إذا دخلت في الدم من الحيضة الثانية حلت، وتعتد في الشهور خمسا وأربعين إذا
كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر، وتعتد في الوفاة شهرين وخمس ليال، وفي الحمل أن تضع
حملها متوفى عنها أو كانت مطلقة (قال) ولزوجها في الطلاق إذا كانت يملك الرجعة عليها ما على
الحرة في عدتها وكذلك عليه من نفقتها في العدة ما عليه من نفقة الحرة. ولا يسقط ذلك عنه إلا أن
يخرجها سيدها فيمنعها العدة في منزلة فتسقط النفقة عنه كما تسقط لو كانت له زوجة فأخرجها عنه
إلى بلد غير بلده. وكذلك إن كانت مطلقة طلاقا لا يملك الرجعة كانت عليه نفقتها حاملا ما لم
يخرجها سيدها من منزله لأن الله عز وجل يقول في المطلقات (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن
حتى يضعن حملهن) ولم نجد أثرا لازما ولا إجماعا بأن لا ينفق على الأمة الحامل ولو ذهبنا إلى أن نزعم
ان النفقة على الحامل إنما هي للحمل كانت نفقة الحمل لا تبلغ بعض نفقة أمة وكما يكون لو كان
مولودا لم تبلغ نفقته بعض نفقة أمه ولكنه حكم الله تعالى علينا اتباعه تعبدا، وقد ذهب بعض الناس
إلى أن جعل للمطلقة لا يملك زوجها رجعتها النفقة قياسا على الحامل فقال الحامل محبوسة بسببه،
وكذلك المعتدة بغير الحمل محبوسة بسببه عن الأزواج، فذهبنا إلى أنه غلط وإنما أنفقنا على الحامل
بحكم الله عز وجل لا بأنها محبوسة بسببه وقد تكون محبوسة بسببه بالموت ولا نفقة لها، واستدللنا
بالسنة على أن لا نفقة للتي لا يملك زوجها رجعتها إذا لم تكن حاملا (قال) والأمة في النفقة بعد
الفراق والسكنى ما كانت في العدة كالحرة إلا ما وصفت من أن يخرجها سيدها، أخبرنا سفيان عن
محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة عن عمر ابن الخطاب
رضى الله تعالى عنه أنه قال ينكح العبد امرأتين ويطلق تطليقتين وتعتد الأمة حيضتين فإن لم تكن
تحيض فشهرين أو شهرا ونصفا: قال سفيان وكأنه ثقة، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو
ابن أوس الثقفي عن رجل من ثقيف أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لو استطعت لجعلتها
حيضة ونصفا فقال رجل فاجعلها شهرا ونصفا فسكت عمر (قال) وإذا طلق الحر أو العبد الأمة طلاقا
يملك فيه الرجعة فعدتها عدة أمة وإذا مضت عدتها، ثم عتقت لم تعد لعدة ولم نزد على عدتها
232

الأولى، وإن أعتقت قبل مضى العدة بساعة أو أقل أكملت عدة حرة لأن العتق وقع وهي في معاني
الأزواج في عامة أمرها. فإن مات بعد الطلاق الذي يملك فيه الرجعة قبل العتق لم ترثه وكذلك لو
ماتت لم يرثها. وإن مات أو ماتت وقد عتقت قبل مضى عدة الحرة توارثا
ويقع عليها ايلاء وطلاقه وظهاره وما يقع بين الزوجين (قال) وإذا كان طلاقه وايلاؤه وظهاره يقع عليها
إذا طلقت طلاقا يملك فيه الرجعة إلى أن تنقضي عدتها فعتقت قبل أن تنقضي عدتها لم يجز والله
تعالى أعلم، إلا أن تعتد عدة حرة ويتوارثان قبل انقضاء عدتها التي لزمتها بالحرية، ولو كانت الأمة
عند عبد فطلقها طلاقا يملك فيه الرجعة فلم تنقض عدتها حتى عتقت فاختارت فراقه كان ذلك لها
وكان اختيارها فراقه فسخا بغير طلاق وتكمل منه عدة حرة من الطلاق الأول لأنها صارت حرة قبل أن
تنقضي عدتها من طلاق يملك فيه الرجعة ولا تستأنف عدة لأنه لو كان أحدث لها رجعة ثم طلقها ولم
يصبها بنت على العدة الأولى لأنها مطلقة لم تمس فإنما عليها من العدة الأولى إكمال عدة حرة. ولو كان
طلاق الأمة طلاقا لا يملك فيه الرجعة ثم عتقت في العدة ففيها قولان أحدهما أن تبني على العدة الأولى
وأن لا خيار لها لأنها غير زوجة ولا تستأنف عدة لأنها ليست بزوجة ولا في معاني الأزواج لا يقع عليها
طلاقه ولا إيلاؤه ولا ظهاره ولا يتوارثان لو كانا في تلك الحال حرين. والقول الثاني أن عليها أن
تكمل عدة حرة ولا تكون حرة تكمل عدة أمة ومن ذهب إلى هذا ذهب إلى أن يقيسه على العدة في
الطلاق الذي يملك فيه الرجعة. وقال المرأة تعتد بالشهور ثم تحيض تستقبل الحيض ولا يجوز أن تكون
في بعض عدتها ممن تحيض وهي تعتد بالشهور فيقول وهكذا لا يجوز أن تكون في بعض عدتها حرة
وهي تعتد عدة أمة وقال في المسافر يصلى ركعة ثم ينوى المقام يتم أربعا ولا يجوز أن يكون في بعض
صلاته مقيما يصلى صلاة مسافر وهذا أشبه القولين والله تعالى أعلم بالقياس (قال) والأمة من
الأزواج فإذا اجتمعت عليها عدتان قضتهما كما كما تقضيهما الحرة وهي في النكاح الفاسد والاحداد
كالحرة يثبت عليها ما يثبت على الحرة ويرد عنه ما يرد عنها.
استبراء أم الولد
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال في أم الولد يتوفى عنها سيدها قال تعتد بحيضة (قال
الشافعي) وإذا ولدت الأمة من سيدها فأعتقها أو مات عنها استبرأت بحيضة ولا تحل من الحيضة
للأزواج حتى ترى الطهر فإذا رأته حلت وإن لم تغتسل. وإن أعتقها أو مات عنها وهي حائض لم يعتد
بتلك الحيضة، وإن أعتقها أو مات عنها وهي لا تعلم فاستيقنت أنها قد حاضت بعد العتق حلت وإن
لم تستيقن استبرأت نفسها بحيضة من ساعة يقينها ثم حلت (قال) وإن كانت حاملا فأجلها أن تضع
حملها. وإن استرابت لم تنكح حتى تستبرأ وهي كالحرة في الاستبراء من العدة سواء. وإذا ولدت
جارية الرجل منه أحببت له أن لا يزوجها وإن استبرأها ثم زوجها فالنكاح ثابت عليها رضيت أو لم
ترض. فإن مات سيدها ولم يطلقها زوجها ولم يمت فلا استبراء عليها من سيدها وإن طلقها زوجها
طلاقا يملك فيه الرجعة أو طلاقا بائنا فلم تنقض عدتها حتى مات سيدها لم يكن عليها استبراء من
سيدها لأن فرجها ممنوع منه بشئ أباحه لغيره بنكاح وعدة من نكاح. وكذلك لو مات عنها زوجها
فلم تنقض عدتها منه حتى يموت سيدها لم تستبرئ من سيدها لأن فرجها ممنوع منه بعدة من نكاح.
233

ولو مات زوجها أو طلقها فانقضت عدتها منه ثم مات سيدها استبرأت من سيدها (قال) ولو
مات زوجها وسيدها ويعلم أن أحدهما مات قبل الآخر بيوم أو شهرين وخمس ليال أو أكثر ولا يعلم
أيهما مات قبل اعتدت من حين مات الآخر منهما أربعة أشهر وعشرا تأتي فيها بحيضة وإنما قلنا تدخل
إحدى العدتين في الأخرى أنهما لا يلزمانها معا وإنما يلزمها إحداهما فإذا جاءت بهما معا على الكمال في
وقت واحد فذلك أكثر ما يلزمها إن كان سيدها مات قبل زوجها فلا استبراء عليها من سيدها
وعليها أربعة أشهر وعشر وإن كان زوجها مات قبل سيدها ولم تستكمل شهرين وخمس ليال فلا استبراء
عليها من سيدها. وإن كان سيدها مات بعد مضي شهرين وخمس ليال فعليها أن تستبرئ من سيدها
بحيضة ولا ترث زوجها حتى تستيقن أن سيدها مات قبل زوجها، ولو كان زوج هذه طلقها تطليقة
يملك الرجعة ثم مات سيدها. ثم مات زوجها وهي العدة وكان الزوج حرا اعتدت عدة الوفاة من يوم
مات زوجها أربعة أشهر وعشرا وورثت زوجها ولم تبال أن لا تأتي بحيضة لأنه لا استبراء عليها من
سيدها إذا كانت في عدة من زوجها. ولو كان زوجها عبدا فطلقها تطليقة يملك الرجعة ثم مات
سيدها وهي في عدتها من الطلاق أو أعتقها فلم تختر فراق الزوج حتى مات الزوج حرا كان لها منه
الميراث وتستقبل منه عدة أربعة أشهر وعشرا من يوم مات الزوج ولا استبراء عليها من سيدها، ولو
اختارت فراقه حين عتقت قبل أن يموت كان الفراق فسخا بغير طلاق ولم يكن عليها عدة وفاة ولم ترثه
وأكملت عدة الطلاق ولم يكن له عليها رجعة بعد اختيارها فراقه قبل موته ولا استبراء لسيدها (قال)
وإذا جاءت أم ولد رجل بعد موته بولد الأكثر ما تلد له النساء من آخر ساعات حياته فالولد لا حق به،
وهكذا في الحياة لو أعتقها إذا لم يدع أنه استبرها ولو جاءت به الأكثر مما تلد له النساء من يوم مات أو
أعتق لم يلزمه (قال) وعدة أم الولد إذا كانت حاملا أن تضع حملها وإن لم تكن حاملا فحيضة
(قال) وإذا مات الرجل عن مدبرة له كان يطؤها أو أمة كان يطؤها استبرأت بحيضة فإن نكحت هي
أو أم الولد قبلها فسخ النكاح وإن كانت أمة لا يطؤها فلا استبراء عليها وأحب إلي لو لم تنكح حتى
تستبرئ نفسها، وإذا كانت للعبد امرأة ثم كاتب فاشتراها للتجارة فالشراء جائز كما يجوز شراؤه لغيرها
والنكاح فاسد إذا جعلته يملكها لم أجعل له نكاحها وتعتد من النكاح بحيضتين فإن لم تكن تحيض
فشهر ونصف وليس له أن يطأها بالملك لأنه لا يملك ملكا تاما، وإن عتق قبل مضى عدتها كان له أن
يطأها وهي تعتد من مائة إنما تحرم على غيره في عدتها منه ولا تحرم عليه ولا أكره له وطأها في هذه
الحال إنما أكره له ذلك في الماء الفاسد ولا أحرمه عليه ولا أفسد النكاح ولو وقع وهي تعتد من الماء
الفاسد، ولو مات المكاتب قبل أن يؤدي أكملت بقية عدتها من انفساخ نكاحه وكانت مملوكة للسيد
ترك وفاء أم لم يتركه أو ولدا كانوا معه في الكتابة أو أحرارا ولم يدعهم، ولو رضى السيد أن يزوجه إياها
فزوجه إياها لم يجز لأنها ملك للمكاتب كما يملك ماله ولو رضى ان يتسراها لم يكن ذلك له ولو تسراها
المكاتب فولدت ألحقت به الولد ومنعته الوطئ وفيها قولان: أحدهما لا يبيعها بحال خاف العجز أو لم
يخفه لأني قد حكمت لولدها بحكم الحرية وإن عتق أبوه والثاني: أن له بيعها إن خاف العجز ولا يجوز
له أن يبيعها إن لم يخفه، وإن مات استبرأت بحيضة كما تستبرئ الأمة وكذلك إذا منعته وطأها أو أراد
بيعها استبرأت بحيضة لا تزيد عليها، وإذا تزوج المكاتب امرأة حرة ثم ورثته فسد النكاح واعتدت منه
عدة مطلقة وإن مات (1) حين تمكثه حرا أو مملوكا فسواء النكاح ينفسخ وعدتها عدة مطلقة لا عدة

(1): قوله حين تمكثه كذا في النسخ ولعله حين " تمكثها " والتأنيث اي: اعتدادها. تأمل.
234

متوفى عنها زوجها ولا ترث منه إن كان حرا لأن النكاح انفسخ ساعة وقع عقد الملك وهذا لو كانت
بنت سيده زوجه إياها بإذنها فالنكاح ثابت ومتى ورثت منه شيئا كان كما وصفت وإذا مات الرجل
وجاءت امرأته بولد لأكثر ما تلد له النساء ألزمت الميت الولد أقرت بانقضاء العدة أو لم تقر بها ما لم
تنكح زوجا يمكن أن يكون منه، ولو جاءت بولد فأنكر الورثة أن تكون ولدته فجاءت بأربع نسوة
يشهدن على أنها ولدته لزم الميت، وهكذا كل زوج جحد ولاد امرأته ولم يقذفها فقال لم تلدي هذا
الولد لم يلزمه إلا بأن يقربه أو بالحمل به أو تأتي المرأة بأربع نسوة يشهدن على ولادها فيلزمه إلا أن ينفيه
بلعان، وإذا نكح الرجل المرأة فلم يقر بالدخول بها ولا ورثته وجاءت بولد لستة أشهر من يوم نكحها
أو أكثر لزمه، وكذلك لو طلقها لزمه لأكثر ما تلد له النساء إلا أن ينفقه بلعان، وإذا مات الصبي
الذي لا يجامع مثله عن امرأته دخل بها أو لم يدخل بها حتى مات فعدتها أربعة أشهر وعشر لأن الحمل
ليس منه ولا يلحق به إذا أحاط العلم أن مثله لا ينزل بعد موته ولا في حياته، وإن وضعت الحمل قبل
أربعة أشهر وعشر أكملت أربعة أشهر وعشرا وإن مضت الأربعة الأشهر والعشر قبل وضع الحمل
حلت منه وتحد في الأربعة الأشهر والعشر ولا تحد بعدها، وإذا نكح الخصي غير المجبوب والخصي
المجبوب وعلمت زوجتاهما قبل النكاح فرضيتا أو بعد النكاح فاختارتا المقام فالنكاح جائز، وإذا
أصاب الخصي غير المجبوب فهو كالرجل غير الخصي يجب المهر بإصابته، وإذا كان أبقى للخصي
شئ يغيب في الفرج فهو كالخصي غير المجبوب، وإن لم يبق شئ وكان والخصي ينزلان لحقهما الولد
كما يلحق الفحل واعتدت زوجتاهما منهما كما تعتد زوجة الفحل من الطلاق والوفاة وطلاقهما بكل حال
إذا كانا بالغين كطلاق الفحل البالغ، ولا يجوز طلاق الصبي حتى يستكمل خمس عشرة أو تحتلم
قبلها، ولا طلاق المعتوه، ولا طلاق المجنون الذي يجن ويفيق إذا طلق في حال جنونه وإن طلق في
حال صحته جاز (قال) ويجوز طلاق السكران. ومن لم يجز طلاقه فالمرأة امرأته حتى يموت أو يصير إلى
أن يجوز طلاقه وكل بالغ مغلوب على عقله يلزمه الولد كما يلزم الصحيح ولا يكون له أن ينفي الولد بلعان
لأنه ليس ممن يعقل لعانا ولا تبين منه امرأته.
عدة الحامل
قال الله عز وجل في المطلقات (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) (قال الشافعي)
رحمه الله: فأي مطلقة طلقت حاملا فأجلها أن تضع حملها (قال) ولو كانت تحيض على الحمل
تركت الصلاة واجتنبها زوجها ولم تنقض عدتها بالحيض لأنها ليست من أهله إنما أجلها أن تضع
حملها (قال) فإن كانت ترى أنها حامل وهي تحيض فارتابت أحصت الحيض ونظرت في الحمل فإن
مرت لها ثلاث حيض فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة وقد بان لها أن ليس بها حمل فقد انقضت
عدتها بالثلاث الحيض فإن ارتجعها زوجها في حال ارتيابها بعد ثلاث حيض وقفنا الرجعة فإن بان
حمل فالرجعة ثابتة، وإن بان أن ليس بها حمل فالرجعة باطلة، وإن عجل فأصابها فلها المهر بما
أصاب منها وتستقبل عدة أخرى ويفرق بينهما وهو خاطب، وهكذا المرأة المطلقة التي لم تحض ترتاب
من الحمل فتمر بها ثلاثة أشهر لا تخالف حال التي ارتابت من الحمل وهي تحيض فحاضت ثلاث
حيض إن برئت من الحمل برئت من العدة في الثلاثة الأشهر التي مرت بها بعد الطلاق في حال ريبة
235

مرت بها أو غير ريبة، وإن لم تبرأ من الحمل وبان بها الحمل بأجلها أن تضع حملها وإن راجعها
زوجها في الثلاثة الأشهر ثبتت الرجعة كانت حاملا أو لم تكن، فإذا راجعها بعد الثلاثة الأشهر وقفت
الرجعة فإن برئت من الحمل فالرجعة باطلة، وإن كان الطلاق يملك الرجعة أنفق عليها في الحيض أو
الشهور، وإن أنفق عليها وهو يراه حملا بطلت النفقة من يوم أكملت الحيض والشهور ويرجع عليها
بما أنفق بعد مضى العدة بالشهور والحيض ويرجع بما أنفق حين كان يراها حاملا فإن كنت حاملا
فالرجعة ثابتة ولها النفقة فإن دخل بها فأبطلت الرجعة جعلت لها الصداق بالمسيس واستأنفت العدة من
يوم أصابها وكان خاطبا فإن راجعها وهي ترى أنها حامل بعد الثلاثة الأشهر ثم أنفش ما في بطنها فعلم
أنها غير حامل فالرجعة باطلة (قال الربيع) انفش ذهب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا تنكح
المرتابة من المطلقات ولا المتوفى عنها زوجها من الحمل وإن أوفين عددهن لأنهن لا يدرين ما عددهن؟
الحمل أو ما اعتدن به؟ وإن نكحن لم نفسخ النكاح ووقفناه فإن برئن من الحمل فالنكاح ثابت وقد
أسأن حين نكحن وهن مرتابات، وإن كان الحمل منعناهن الدخول حتى يتبين أن ليس حمل فإن
وضعن أبطلنا النكاح وإن بان أن لا حمل خلينا بينهن وبين الدخول (قال) ومتى وضعت المعتدة ما في
بطنها كله فقد انفضت عدتها مطلقة كانت أو متوفى عنها ولو كان ذلك بعد الطلاق أو الموت بطرفة
عين. وإن كانت حاملا باثنين أو ثلاثة فوضعت الأول فلزوجها عليها الرجعة حتى تضع الثاني. فإن
راجعها بعد وضع الأول وهي تجد حركة ولد أوقفنا الرجعة فإن ولدت ولدا آخر أو أسقطت سقطا تبين
له من خلق الآدميين شئ فرجعته ثابتة وإن لم تضع شيئا إلا ما يخرج من النساء مما يتبع الولد أو مالا
يتبين فيه شئ من خلق الآدميين فالرجعة باطلة وكذلك هذا لو وضعت الأولين وبقي ثالث أو شئ
تجده تراه ثالثا. أو ثلاثة وبقى رابع لا تخلوا أبدا من زوجها إلا بوضع آخر حملها وليس ما يتبع الحمل
من المشيمة وغيرها مما لا يبين له خلق آدمي حملا (قال) ولو ارتجعها وقد خرج بعض ولدها وبقي
بعضه كانت له عليها الرجعة ولا تخلو منه حتى يفارقها كله خارجا منها فإذا فارقها كله فقد انقضت
عدتها. وإن لم يقع في طست ولا غيره (قال) وأقل ما تخلو به المعتدة من الطلاق والوفاة من وضع
الحمل أن تضع سقطا قد بان له من خلق بني آدم شئ عين أو ظفر أو إصبع أو رأس أو يد أو رجل أو
بدن أو ما إذا رؤي علم من رآه أنه لا يكون إلا خلق آدمي لا يكون دما في بطن ولا حشوة ولا شيئا لا
يبين خلقه. فإذا وضعت ما هو هكذا حلت به من عدة الطلاق والوفاة (قال) وإذا ألقت شيئا مجتمعا
شك فيه أهل العدل من النساء أخلق هو أم لا لم تحل به ولا تخلو إلا بما لا يشككن فيه. وإن اختلفت
هي وزوجها فقالت قد وضعت ولدا أو سقطا قد بان خلقه، وقال زوجها لم تضعي فالقول قولها مع
يمينها، وإن لم تحلف ردت اليمين على زوجها. فإن حلف على البت ما وضعت كانت له الرجعة وإن لم
يخلف لم يكن له الرجعة قال ولو قالت وضعت شيئا أشك فيه أو شيئا لا أعقله وقد حضره نساء
فاستشهدت بهن وأقل من يقبل في ذلك أربع نسوة حرائر عدول مسلمات لا يقبل أقل منهن ولا يقبل
فيهن والدة ولا ولد وتقبل أخواتها وغيرهن من ذوي قرابتها والأجنبيات ومن أرضعها من النساء. ولو
طلق رجل امرأته وولدت فلم تدر هي أوقع الطلاق عليها قبل ولادها أو بعده؟ وقال هو وقع بعدما

(1) قوله: ولو قلت وضعت الخ كذا في النسخ وتأمل في جواب " لو " ولعله في قوله " فاستشهدت بهن "
تأمل.
236

ولدت فلى عليك الرجعة وكذبته فالقول قوله وهو أحق بها لأن الرجعة حق له. والخلو من العدة حق
لها فإذا لم تدع حقها فتكون أملك بنفسها لأنه فيها دونه لم يزل حقه إنما يزول بأن تزعم هي أنه زال
(قال) ولو لم يدر هو ولا هي أوقع الطلاق قبل الولاد أو بعده بأن كان عنها غائبا حين طلقها بناحية من
مصرها أو خارج منه كانت عليها العدة لأن العدة تجب على المطلقة فلا تزيلها عنها إلا بيقين أن تأتي بها
وكان الورع أن لا يرتجعها لأني لا أدري لعلها قد حلت منه ولو ارتجعها لم أمنعه لأنه لا يجوز لي منعه
رجعتها إلا بيقين أن قد حلت منه (قال) والحرة الكتابية تكون تحت المسلم أو الكتابي في عدد الطلاق
أو الوفاة وما يلزم المعتدة من ترك الخروج والاحداد وغير ذلك ويلزم لها بكل وجه سواء لا يختلفان في
ذلك والحرة المسلمة الصغيرة كذلك وكذلك الأمة المسلمة إلا أن عدة الأمة في غير الحمل نصف عدة
الحرة وأن لسيد الأمة أن يخرجها وإذا أخرجها لم يكن لها نفقة على مطلق يملك الرجعة ولا حمل
(قال) وتجتمع العدة من النكاح الثابت والنكاح الفاسد في شئ وتفترق في غيره. وإذا اعتدت المرأة
من الطلاق والمنكوحة نكاحا فاسدا بالفرقة فعدتهما سواء لا يختلفان في موضع الحمل والأقراء والشهور
غير أن لا نفقة لمنكوحة نكاحا فاسد في الحمل ولا سكنى إلا أن يتطوع المصيب لها بالسكنى ليحصنها
فيكون ذلك لها بتطوعه وله بتحصينها. وإذا نكح الرجل المرأة نكاحا فاسدا فمات عنها ثم علم فساد
النكاح بعد موته أو قبله فلم يفرق بينهما حتى مات فعليها أن تعتد هذه مطلقة ولا تعتد عدة متوفى عنها
ولا تحد في شئ من عدته ولا ميراث بينهما لأنها لم تكن زوجة وإنما تستبرأ بعدة مطلقة لأن ذلك أقل
ما تعتد به حرة فتعتد إلا أن تكون حاملا فتضع حملها فتحل للأزواج بوضع الحمل. وإذا طلق
الرجل امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة أو لا يملكها فلم يحدث لها الزوج رجعة ولا نكاحا حتى ولدت
الأكثر من أربع سنين من يوم طلقها الزوج وأنكر الزوج الولد ولم يقر بالحمل فالولد منفى عنه بلا لعان
لأنها ولدت بعد الطلاق لما لا تلد له النساء. وإن كان الطلاق لا يملك في الرجعة ردت نفقة الحمل
إن كانت أخذتها. وإن كان يملك الرجعة فلم تقر بثلاث حيض مضت أو تكون ممن تعتد بالشهور فتقر
بمضي ثلاثة أشهر فلها النفقة في أقل ما تحيض له ثلاث حيض وذلك أني أجعلها طاهرا حين طلقها ثم
تحيض من يومها ثم أحسب لها أقل ما كانت تحيض فيه ثلاث حيض فأجعل لها فيه النفقة إلى أن تدخل
في الدم من الحيضة الثالثة ابتدئ ذلك بما وصفت من أن أجعل طهرها قبل حيضها من يوم طلقها
وأقل ما تحيض وتطهر وإن كان حيضها يختلف فيطول ويقصر لم أجعل لها إلا أقل ما كانت تحيض لأن
ذلك اليقين وأطرح عنه الشك وأجعل العدة منقضية بالحمل لأنها مفسدة للحيضة وواضعة للحمل فلو
كانت عدتها الشهور جعلت لها نفقة ثلاثة أشهر من يوم طلقها وبرئت من العدة بوضع الحمل. وإن لم
يلزمه الولد كان من غيره (قال) ولو أقر به الزوج كان ابنه لأنه قد يرتجع وينكح نكاحا جديدا ويصيب
بشبهة في العدة فيكون ولده. ولو لم يقربه الزوج ولكن المرأة ادعت أنه راجعها في العدة أو نكحها إذا
كان الطلاق بائنا وأصابها وهي ترى أن له عليها الرجعة وأنكر ذلك كله أو مات ولم يقر لم يلزمه الولد في
شئ من هذا وعليه اليمين على دعواها إن كان حيا وعلى ورثته على علمهم إن كان ميتا وسألت أيمانهم.
وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة أو لا يملكها فأقرت بانقضاء العدة أو لم تقربها حتى
ولدت ولدا لم يجاوز أربع سنين من الساعة التي وقع فيها الطلاق أو أقل فالولد أبدا لا حق بالأب الأكثر
ما يكون له حمل النساء من يوم طلقها كان الأب حيا أو ميتا لا ينفى الولد عن الأب إلا بأن تأتي به
لأكثر مما تحمل النساء من يوم طلقها أو يلتعن فينفيه بلعان أو تزوجت زوجا غيره فتكون فراشا وإذا
237

تزوجت زوجا غيره وقد أقرت بانقضاء العدة وأقر بالدخول بها أو لم يقر حتى جاءت بولد لستة أشهر من
يوم وقعت عقدة النكاح فالولد له إلا أن ينفيه بلعان. وكذلك لو قالت كذبت في قولي أنقضت
العدة لم تصدق على الزوج الأول ولو ولدته لأقل من ستة أشهر من يوم وقعت عقدة النكاح الآخر وتمام
أربع سنين أو أقل من يوم فارقها الأول كان للأول. ولو وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم فارقها
الأول كان للأول. ولو وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم نكحها الآخر وأكثر من أربع سنين من يوم
طلقها الأول لم يكن ابن واحد منهما لأنها وضعته من طلاق الأول لما لا تحمل له النساء ومن نكاح
الآخر لما لا تلد له النساء. وإذا قال الرجل لا مرأته كلما ولدت فأنت طالق فولدت ولدين في بطن واحد
وقع الطلاق بالولد الأول وانقضت عدتها بالولد الآخر ولم يقع به طلاق لأن الطلاق وقع ولا عدة عليها
ولو ولدت ثلاثة في بطن وقعت تطليقتان بالولدين الأولين لأن الطلاق وقع وهو يملك الرجعة وانقضت
عدتها بالثالث ولا يقع به طلاق ولو كانت المسألة بحالها وولدت أربعة في بطن وقع الثلاث بالثلاث
الأوائل وانقضت العدة بالولد الرابع. ولو قال رجل لامرأته كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدين
بين كل واحد منهما سنة وقع الطلاق بالأول و حلت للأزواج بالآخر وإن كان الطلاق لا يملك فيه
الرجعة فلا نفقة فيه وإن كان يملك الرجعة فلها النفقة كما وصفت في أقل ما كانت تحيض فيه ثلاث
حيض حتى تدخل في الدم من الحيضة الثالثة (قال) وإنما فرقت بين هذا والمسائل قبله لأن الزوج (1)
ابتدأ الطلاق كما يقع على الحانث بكلام تقدم قبل وضع حملها وقع بوضع حملها منه ثم لم يحدث
نكاحا ولا رجعة فيلزمه بواحد منهما ولم يقر به فيلزمه إقراره وكان الولد منفيا عنه بلا لعان وغير ممكن
أن يكون أبدا في الظاهر منه. فإن قال قائل: فكيف لم ينف الولد إذا أقرت أمه بانقضاء العدة ثم
ولدته لأكثر من ستة أشهر بعد اقرارها؟ قيل لما أمكن أن تكون تحيض وهي حامل فتقر بانقضاء العدة
على الظاهر والحمل قائم لم نقطع حق الولد بإقرارها بانقضاء العدة وألزمناه الأب ما أمكن أن يكون
حملا منه وذلك أكثر ما تحمل له النساء من يوم طلقها وكان الذي يملك الرجعة والذي لا يملكها في
ذلك سواء. ولما كان هذا هكذا كانت إذا لم تقر بانقضاء العدة وجاءت بولد لأكثر ما تلد له النساء من
يوم وقع الطلاق لم أجعل الولد ولده في واحد منهما. فإن قال: فإن التي يملك عليها الرجعة في معاني
الأزواج ما لم تقر بانقضاء العدة ففي بعض الامر دون بعض. ألا ترى أنها تحل بالعدة لغيره وليس هكذا
وقيل له أيحل له إصابتها بعد الطلاق بغير رجعة؟ فإن قال لا ولكنه لو أصابها جعلتها رجعة؟ قيل:
فكيف يكون عاصيا بالإصابة مراجعا بالمعصية؟ ويقال له أرأيت لو أصابها في عدة من طلاق بائن
فجاءت بولد فادعى الشبهة؟ فإن قال يلزمه قيل فقد ألزمته الولد بالإصابة في العدة من طلاق بائن
إلزامكه الولد في العدة من طلاق يملك فيه الرجعة فكيف نفيته عنه في أحدهما وأثبته عليه في الآخر
وحكمهما في إلحاق الولد عندك سواء؟
عدة الوفاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية
لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) الآية (قال الشافعي) حفظت عن غير واحد من أهل العلم

(1) كذا في النسخ ولعله " لما ابتدأ الخ " تأمل.
238

بالقرآن أن هذه الآية نزلت قبل نزول آي المواريث وأنها منسوخة وحفظت أن بعضهم يزيد على بعض
فيما يذكر مما أحكى من معاني قولهم وإن كنت قد أوضحت بعضه بأكثر مما أوضحوه به وكان بعضهم
يذهب إلى أنها نزلت مع الوصية للوالدين والأقربين وأن وصية المرأة بمتاع سنة وذلك نفقتها وكسوتها
وسكنها وأن قد حظر على أهل زوجها إخراجها ولم يحظر عليها أن تخرج ولم تخرج ولم يحرج زوجها ولا
وارثه بخروجها إذا كان غير إخراج منهم لها ولا هي لأنها إنما هي تاركة الحق لها وكان مذهبهم أن
الوصية لها بالمتاع إلى الحول والسكنى منسوخة بأن الله تعالى ورثها الربع إن لم يكن لزوجها ولد والثمن إن
كان له ولد وبين أن الله عز وجل أثبت عليها عدة أربعة أشهر وعشرا ليس لها الخيار في الخروج منها
ولا النكاح قبلها قال ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن عليها أن تمكث في بيت زوجها
حتى يبلغ الكتاب أجله إلا أن تكون حاملا فيكون أجلها أن تضع حملها بعد أو قرب، ويسقط
بوضع حملها عدة أربعة أشهر وعشر (قال) وما وصفت من نسخ الوصية لها بالمتاع إلى الحول بالميراث
ما لا اختلاف فيه من أحد علمته من أهل العلم. وكذلك لا اختلاف علمته في أن إليها عدة الأربعة
أشهر وعشر وقول الأكثر من أهل العلم مع السنة أن أجلها إذا كانت حاملا وكل ذات عدة أن تضع
حملها (قال) وكذلك قول الأكثر بأن عليها أن تعتد في بيت زوجها وليس لها الخيار في أن تخرج مع
الاستدلال بالسنة (قال) وكان قول الله عز وجل (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن
بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا) يحتمل أن يكون على كل زوجة حرة وأمة حامل وغير حامل، واحتمل
أن يكون على الحرائر دون الإماء وغير ذوات الحمل دون الحوامل، ودلت السنة على أنها على غير
الحوامل من الأزواج وأن الطلاق والوفاة في الحوامل المعتدات سواء وأن أجلهن كلهن أن يضعن
حملهن. ولم أعلم مخالفا في أن الأمة الحامل في الوفاة والطلاق كالحرة تحل بوضع حملها أخبرنا مالك
عن عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال سئل ابن عباس وأبو هريرة رضى الله تعالى
عنهما عن المتوفي عنها زوجها وهي حامل؟ فقال ابن عباس آخر الأجلين. وقال أبو هريرة إذا ولدت
فقد حلت فدخل أبو سلمة على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت:
ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بنصف شهر فخطبها رجلان أحدهما شاب والآخر كهل
فخطبت إلى الشاب فقال الكهل لم تحلل وكان أهلها غيبا ورجا إذا جاء أهلها أن يؤثروه بها فجاءت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (قد حللت فانكحي من شئت) أخبرنا مالك عن يحيي بن سعيد
عن سليمان بن يسار أن عبد الله بن عباس وأبا سلمة اختلفا في المرأة تنفس بعد وفاة زوجها بليال فقال
ابن عباس آخر الأجلين وقال أبو سلمة إذا نفست فقد حلت قال فجاء أبو هريرة فقال أنا مع ابن أخي
يعنى أبا سلمة فبعثوا كريبا مولى ابن عباس إلى أم سلمة يسألها عن ذلك فجاءهم فأخبرهم أنها قالت:
ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها (قد
حللت فانكحي) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة أن سبيعة الأسلمية
نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنته في أن تنكح فأذن لها.
أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبه بن مسعود عن أبيه أن سبيعة بنت
الحرث وضعت بعد وفاة زوجها بأيام فمر بها أبو السنابل بن بعكك بعد ذلك بأيام فقال قد تصنعت
للأزواج إنها أربعة أشهر وعشر فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال كذب أبو السنابل وليس
كما قال إنك قد حللت فتزوجي. أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن المرأة يتوفى عنها
239

زوجها وهي حامل فقال ابن عمر إذا وضعت حملها فقد حلت فأخبره رجل من الأنصار أن عمر بن
الخطاب رضى الله تعالى عنه قال: لو ولدت وزوجها على سريره لم يدفن لحلت (قال الشافعي)
وليس للمتوفى عنها نفقة حاملا كانت أو غير حامل. أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن أبي الزبير
عن جابر بن عبد الله أنه قال ليس للمتوفى عنها زوجها نفقة حسبها الميراث (قال الشافعي) وكذلك لو
كانت مشركة أو مملوكة لا ترث لم يكن لها النفقة لأن ملكه عن المال قد انقطع بالموت وإذا وضعت
المتوفى عنها جميع حملها حلت للأزواج مكانها ولم تنتظر أن تطهر وكان لها أن تنكح ولم يكن لزوجها
أن يصيبها حتى تطهر، وهكذا هي إن كانت مطلقة وهكذا المعتدة من الطلاق إذا دخلت في الدم من
الحيضة الثالثة جل لها أن تنكح ولم يكن لزوجها أن يصيبها حتى تطهر فإذا ولدت ولدا وكانت تجد
حركة تخاف أن يكون ولدا ثانيا أو وضعت ثانيا وخافت أن تكون الحركة ولدا ثالثا لم تنكح حتى تعلم أن
ليس في بطنها ولد غير الذي ولدت أولا، وإن نكحت بعد ولاد الأول والثاني وهي تجد حركة فالنكاح
موقوف فإن ولدت فالنكاح مفسوخ وإن علم أنه ليس ولد فالنكاح ثابت فإن كانت مطلقة لزوجها
عليها الرجعة فوضعت ولدا فارتجعها زوجها وهي تجد حركة وقفت الرجعة فإن ولدت آخر أو أسقطته
قد تبين بعض خلقه فالرجعة ثابتة، وإن لم تضعه فالرجعة باطلة (قال) وسواء ولدته سقطا أو تماما أو
ضربه إنسان أو هي فألقته ميتا أو حيا تخلو عدتها بذلك كله لأنها قد وضعت حملها وهي ومن ضربه
آثمان بضربه، وهذا هكذا في الطلاق وكل عدة على كل امرأة بوجه من الوجوه وسواء هذا في
الاستبراء وفى كل عدة من نكاح فاسد تحل بوضع الحمل ولا تحل به حتى يتبين له خلق من خلف بني آدم
رأس أو رجل أو ظفر أو عين شعر أو فرج أو ما يعرف به أنه من خلق الآدميين، فأما ما لا
يعرف به أنه خلق آدمي فلا تحل به وعدتها فيه ما فرض عليها من العدة غير عدة أولات الأحمال وسواء
في الخروج بوضع الحمل من العدة بالوفاة والطلاق والنكاح الفاسد والمفسوخ والاستبراء كل امرأة حرة
وأمة وذمية وبأي وجه اعتدت وأي أمة استبرأت وتعتد المتوفى عنها زوجها الحرة المسلمة والذمية من أي
زوج كان حرا أو عبدا أو ذمي لحرة ذمية عدة واحدة إذا لم تكن حاملا أربعة أشهر وعشرا ينظر إلى
الساعة التي توفى فيها الزوج فتعتد منها بالأيام فإذا رأت الهلال اعتدت بالأهلة (قال) كأنه مات نصف
النهار وقد بقي من الشهر خمس ليال سوى يومها الذي مات فيه فاعتدت خمسا ثم رؤي الهلال
فتحصى الخمس التي قبل الهلال ثم تعتد أربعة أهلة وإن اختلفت فكان ثلاث منها تسعا
وعشرين وكان واحد منها ثلاثين أو كانت كلها ثلاثين إنما الوقت فيها الأهلة فإذا أوفت الأهلة الأربعة
اعتدت أربعة أيام بلياليهن واليوم الخامس إلى نصف النهار حتى يكمل لها عشرا سوى الأربعة الأشهر،
وإن مات وقد مضى من الهلال عشر ليال أحصت ما بقي من الهلال فإن كان عشرين أو تسعة عشر
يوما حفظتها ثم اعتدت ثلاثة أشهر بالأهلة ثم استقبلت الشهر الرابع فأحصت عدد أيامه فإذا كمل لها
ثلاثون يوما بلياليها فقد أوفت أربعة أشهر واستقبلت عشرا بلياليها، فإذا أوفت لها عشرا إلى الساعة التي
مات فيها فقد مضت عدتها، ولو كانت محبوسة أو عمياء لا ترى الهلال ولا تخبر عنه أو أطبق عليها الغيم
اعتدت بالأيام على الكمال الأربعة الأشهر مائة وعشرين يوما والعشر بعدها عشر فذلك مائة وثلاثون
يوما ولم تحل في شئ من ذلك من زوجها حتى توفى هذه العدة أو يثبت لها أن قد خلت عدتها قبله
بالأهلة والعشر كما وصفت وليس عليها وليس عليها أن تأتى في الأربعة الأشهر والعشر بحيضة لأن الله عز وجل جعل
للحيض موضعا فكان بفرض الله العدة لا الشهور فكذلك إذا جعل الشهور والأيام عدة فلا موضع
240

للحيضة فيها، ومن قال تأتى فيها بحيضة جعل عليها ما لم يجعل الله عليها. أرأيت لو كانت تعرف انها
لا تحيض في كل سنة أو سنتين إلا مرة أما يكون من جعلها تعتد سنة أو سنتين جعل عليها ما ليس
عليها؟ ولكن لو ارتابت من نفسها استبرأت نفسها من الريبة كما يكون ذلك في جميع العدد، وكذلك
لو جاءت في الأربعة الأشهر والعشر بحيضة وحيض ثم ارتابت استبرأت من الريبة (قال) ولو طلقها
ثلاثا أو تطليقة لم يبق له عليها من الطلاق غيرها حتى يكون لا يملك رجعتها وهو صحيح ثم مات لم
ترثه واعتدت عدة الطلاق، ولو طلقها مريضا ثم صح من مرضه ثم مات وهي في العدة لم ترثه
واعتدت عدة الطلاق لأنه قد صح في حال لو ابتدأ طلاقها فيها ثم مات لم ترثه فكان في الصحة مطلقا
ولم يحدث رجعة ولو طلقها مريضا ثم مات من مرضه وهي في العدة فإن كان الطلاق يملك فيه الرجعة
ورثته وورثها لو ماتت لأنها في معاني الأزواج، وهكذا لو كان هذا الطلاق في الصحة (قال) ولو طلقها
لا يملك فيه رجعتها وهو مريض ثم مات في العدة لم يرثها، وإن مات وهي في العدة فقول كثير من أهل
الفتيا أنها ترثه في العدة وقول بعض أصحابنا أنها ترثه وإن مضت العدة وقول بعضهم لا ترث مبتوتة.
هذا مما أستخير الله عز وجل فيه (قال الربيع) وقد استخار الله تعالى فيه فقال لا ترث المبتوتة طلقها
مريضا أو صحيحا (قال الربيع) من قبل أنه لو آلى منها لم يكن موليا ولو تظاهر منها لم يكن مظاهرا ولو
قذفها كان عليه الحد ولو ماتت لم يرثها فلما كانت خارجة من معاني الأزواج وإنما ورث الله تعالى
الزوجة فقال " ولهن الربع " وإنما خاطب الله عز ذكره الزوجة فكانت غير زوجة في جميع الأحكام لم
ترث وهذا قول ابن الزبير وعبد الرحمن بن عوف طلقها على أهنا؟ لا ترث إن شاء الله عنده (قال
الشافعي) واختلف أصحابنا فيها إن نكحت فالذي اختار إن ورثت بعد مضى العدة أن ترث ما لم
تتزوج فإذا تزوجت فلا ترثه فترث زوجين وتكون كالتاركة لحقها بالتزويج وقد قال بعض أصحابنا ترثه
وإن تزوجت عددا وترث أزواجا، وقال غيرهم ترث في العدة لا ترث بعدها. أخبرنا عبد المجيد عن
ابن جريج عن أبي مليكة أنه سأل ابن الزبير عن المرأة يطلقها الرجل فيبتها ثم يموت وهي في عدتها
فقال ابن الزبير طلق عبد الرحمن بن عوف تماضر بنت الأصبغ الكلبية فبتها ثم مات وهي في عدتها
فورثها عثمان فقال ابن الزبير فأما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة. وقال غيرهم إن كانت مبتوتة لم ترثه في
عدة ولا غيرها وهذا قول يصح لمن قال به، وقد ذهب إليه بعض أهل الآثار والنظر فقال: وكيف ترثه
امرأة لا يرثها ولا يحل له وإنما ورث الله تعالى عز ذكره الأزواج وهي ليست بزوجة وجعل على الأزواج
العدة؟ فإن قلتم لا تعتد لأنها ليست بزوجة فكيف ترثه من لا تعتد منه من وفاته؟ فإن قلتم تعتد فكيف
تعتد منه غير زوجة له؟ وإن مضت بها ثلاث حيض قبل موته أفتعتد امرأة أربعة أشهر وعشرا بعد
ثلاث حيض، وإن كانت إذا مضت لها ثلاث حيض وهو مريض فنكحت جاز لها النكاح أفتعتد منه
إن توفى وهي تحل لغيره؟ ومن ورثها في العدة أو بعد مضيها انبغى أن يقول أورثها بالاتباع ولا أجعل
عليها عدة لأنها ليست من الأزواج وإنما جعل الله تعالى العدة على الأزواج، وإذا مات عنها فلم تعلم
وقت موته اعتدت من يوم تستيقن موته أربعة أشهر وعشرا (قال) وإن لم يبلغها موته حتى يمضى لها
أربعة أشهر وعشر ثم قامت بينة بموته فقد مضت عدتها ولا تعود لعدة ولا إحداد (قال الشافعي) وكذا
المطلقة في هذا كله، ولو ارتد زوج المرأة عن الاسلام أمرناها تعتد عدة الطلاق فإن قضتها قبل ان
يرجع إلى الاسلام فقد بانت منه وإن لم تقضها حتى تاب الزوج بالرجوع إلى الاسلام ثم مات قبل
مضى آخر عدتها أو بعده فسواء وترثه في هذا كله لأنها زوجته بحالها، ولو اختلفت وهي وورثة الزوج
241

فقالوا قد مضت عدتك قبل ان يتوب وقالت لم تمض حتى تاب وهم يتصادقون على توبة الزوج فالقول
قول المرأة مع يمينها، ولو أقرت بانقضاء العدة قبل ان يتوب فلا شئ لها في ماله وكانت عليها عدة
الوفاة والاحداد تأتى فيها بثلاث حيض لأنها مقرة بأن عليها العدتين في إقرارتين مختلفين، ولو لم يمت
ولكن قالت قد انقضت عدتي قبل أن يتوب ثم قالت بعد ما تاب وقبل أن يموت لم تنقض عدتي كانت
امرأته بحالها وأصدقها أن عدتها لم تنقض. وهكذا كل مطلقة لزوجها عليها الرجعة قالت قد انقضت
عدتي ثم قالت لم تنقض فلزوجها الرجعة، وإن قالت قد انقضت عدتي فكذبها الزوج أحلفت
فإن حلفت فالقول قولها مع يمينها وإن لم تحلف حلف هو على البت ما انقضت عدتها فإن نكل لم ترد
عليها، وإذا مات الرجل وله امرأتان قد طلق أحدهما طلاقا لا يملك فيه الرجعة ولا تعرف بعينها
اعتدتا أربعة أشهر وعشر تكمل كل واحد منهما فيها ثلاث حيض والله الموفق.
مقام المتوفى عنها والمطلقة في بيتها
(قال الشافعي) رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى في المطلقات " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن
إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " (قال) فكانت هذه الآية في المطلقات وكانت المعتدات من الوفاة معتدات
كعدة المطلقة فاحتملت أن تكون في فرض السكنى للمطلقات ومنع إخراجهن تدل على أن في مثل
معناهن في السكنى ومنع الاخراج المتوفى عنهن لأنهن في معناهن في العدة (قال) ودلت سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم على أن على المتوفى عنها أن تمكث في بيتها حتى تبلغ الكتاب أجله واحتمل أن
يكون ذلك على المطلقات دون المتوفى عنهن فيكون على زوج المطلقة أن يسكنها لأنه مالك ماله ولا
يكون على زوج المرأة المتوفى عنها سكنها لأن ماله مملوك لغيره (1) وإنما كانت السكنى بالموت إذ لا مال
له والله تعالى أعلم. أخبرنا مالك عن سعيد بن إسحاق ابن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب
ابن عجرة أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها أنها جاءت إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بنى خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا
حتى إذا كان في طرف القدوم لحقهم فقتلوه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي
فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم "
فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم
فدعيت له فقال " كيف قلت؟ " قالت فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي. فقال
" امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا. قالت فلما كان
عثمان بن عفان رضي الله عنه أرسل إلى فسألني عن ذلك فأخبرته فأتبعه وقضى به. قال: وبهذا نأخذ
(قال) وإذا طلق الرجل المرأة فلها سكناها في منزله حتى تنقضي عدتها ما كانت العدة حملا أو شهورا
كان الطلاق يملك فيه الرجعة أولا يملكها (قال) وإن كان المنزل بكراء فالكراء على الزوج المطلق أو
في مال الزوج الميت ولا يكون للزوج المطلق إخراج المرأة من مسكنها الذي كانت تسكن معه كان له

(1) قوله: وإنما كانت السكنى الخ كذا في النسخ وضبب عليه في بعضها علامة على التوقف فهو غير ظاهر
تأمل. كتبه مصححه.
242

المسكن أو لم يكن، ولزوجها إذا تركها فيما يسعها من المسكن وستر بينه وبينها أن يسكن فيما سوى ما
يسعها (قال) وإن كان على زوجها دين لم يبع مسكنها فيما يباع من ماله حتى تنقضي عدتها (قال)
وهذا إذا كان قد اسكنها مسكنا له أو منزلا قد اعطى كراءه (قال) وذلك أنها قد ملكت عليه سكناها
فيما يكفيها طلقها كما يملك من اكترى من رجل مسكنه سكنى مسكنه دون مالك الدار حتى ينقضى
كراؤه (قال) فأما إن كان أنزلها منزلا عارية أو في كراء فانقضى أو بكراء لم يدفعه وأفلس فلاهل هذا
كله أن يخرجوها منه وعليه أن يسكنها غيره إلا أن يفلس فإن أفلس ضربت مع الغرماء بأقل قيمة
سكنى ما يكفيها بالغا ما بلغ واتبعته بفضله متى أيسر (قال) وهكذا تضرب مع الغرماء بنفقتها حاملا
وفى العدة من طلاقه (قال) ولو كانت هذه المسائل كلها في موته كان القول فيها واحدا من قولين.
أحدهما: ما وصفت في الطلاق لا يخالفه. ومن قال هذا قال: وفى قول النبي صلى الله عليه وسلم
للفريعة " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " دليل على أن للمتوفى عنها السكنى (قال) ويجعل
لها السكنى في مال الميت بعد كفه من رأس ماله ويمنع منزلها الذي تركها فيه أن يباع أو يقسم حتى
تنقضي عدتها ويتكارى لها إن أخرجت من منزل كان بيده عارية أو بكراء. والقول الثاني: أن
الاختيار لورثته أن يسكنوها وإن لم يفعلوا هذا فقد ملكوا المال دونه ولم يكن لنا السكنى حين كان ميتا
لا يملك شيئا ولا سكنى لها كما لا نفقة لها ومن قال هذا قال إن قول النبي صلى الله عليه وسلم " امكثي
في بيتك " يحتمل ما لم تخرجي منه إن كان لغيرك لأنها قد وصفت أن المنزل ليس لزوجها. فإن كان لها
المنزل أو للقوم فلم يخرجوها منه لم يجز أن تخرج منه حتى تنقضي عدتها (قال) وإذا أسكنها ورثته فلهم
أن يسكنوها حيث شاءوا لا حيث شاءت إذا كان موضعها حريزا ولم يكن لها أن تمتنع من ذلك، وإن
لم يسكنوها اعتدت حيث شاءت من المصر (قال) ولو كانت تسكن في منزل لها معه فطلقها وطلبت أن
تأخذ كراء مسكنها منه كان لها في ماله أن تأخذ كراء أقل ما يسعها من المسكن فقط (قال) ولو كان
نقلها إلى منزل غير منزله الذي كانت معه فيه ثم طلقها أو مات عنها بعد أن مات عنها بعد أن صارت في المنزل الذي نقلها
إليه اعتدت في ذلك المنزل الذي نقلها إليه وأذن لها أن تنتقل إليه، ولو كان أذن لها في النقلة إلى منزل
بعينه أمر أمرها تنتقل حيث شاءت فنقلت متاعها وخدمها ولم تنتقل ببدنها حتى مات أو طلقها اعتدت
في بيتها الذي كانت فيه ولا تكون منتقلة إلا ببدنها. فإذا انتقلت ببدنها وإن لم تنتقل بمتاعها ثم طلقها
أو مات عنها اعتدت في الموضع الذي انتقلت إليه بإذنه (قال) سواء أذن لها في منزل بعينه أو قال لها
انتقلي حيث شئت أو انتقلت بغير إذنه فأذن لها بعد في المقام في ذلك المنزل كل هذا في أن تعتد فيه
سواء (قال) ولو انتقلت بغير إذنه ثم يحدث لها إذنا حتى طلقها أو مات عنها رجعت فاعتدت في بيتها
الذي كانت تسكن معه فيه. وهكذا السفر يأذن لها به فإن لم تخرج حتى يطلقها أو يتوفى عنها أقامت
في منزلها ولم تخرج منه حتى تنقضي عدتها وإن أذن لها بالسفر فخرجت أو خرج بها مسافرا إلى حج أو
بلد من البلدان فمات عنها أو طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة فسواء ولها الخيار في أن تمضي في سفرها
ذاهبة أو جائية وليس عليها أن ترجع إلى بيته قبل أن ينقضي سفرها فلا تقيم في المصر الذي أذن لها في
السفر إليه إلا أن يكون أذن لها في المقام فيه أو في النقلة إليه فيكون ذلك عليها إذا بلغت ذلك المصر.
وإن كان أخرجها مسافرة أقامت ما يقيم المسافر مثلها ثم رجعت فإن بقي من عدتها شئ أكملته في بيته
وإن لم يبق منها شئ فقد انقضت عدتها (قال) وسواء كانت قريبا من مصرها الذي خرجت منه إذا
مات أو طلقها أو بعيدا وإذنه لها بالسفر وخروجها فيه كإذنه بالنقلة وانتقالها لأن نقلة المسافر هكذا.
243

وإن رجعت قبل ان ينقضي سفرها اعتدت بقية عدتها في منزله ولها الرجوع لأنه لم يأذن لها بالسفر إذن
مقام فيه إلا مقام مسافر، وإن كان أذن لها بالنقلة إلى مصر أو مقام فيه فخرجت ثم مات أو بقي حيا
فإذا بلغت ذلك المصر فله إن كان حيا ولوليه إن كان حاضرا أو وكيل له أن ينزلها حيث يرضى
من المصر حتى تنقضي عدتها، وعليه سكناها حتى تنقضي عدتها في ذلك المصر، وإن لم يكن حاضرا
ولا وكيل له ولا وارث حاضر كان على السلطان أن يحصنها حيث ترضى لئلا يلحق بالميت أو بالمطلق
ولدا ليس منه. وإذا أذن الرجل لا مرأته أن تنتقل إلى أهلها أو غيرهم أو منزل من المنازل أو قال أقيمي
في أهلك أو في منزل فلم تخرج حتى طلقها طلاقا لا رجعة له عليها فيه أو مات اعتدت في منزله. وإن
خرجت إلى ذلك الموضع فبلغته أو لم تبلغه. ثم طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة أو مات عنها مضت
إليه وحين زايلت منزله بإذنه إلى حيث أمرها أن تنتقل أو تقيم فمنزلها حيث أمرها وسواء في هذا كله
أخرجت متاعها أو تركته أو منعها متاعها أو تركها وإياه. وهكذا إن قال لها: أقيمي فيه حتى يأتيك
أمري وقوله هذا وسكوته سواء لأن المقام ليس بموضع زيارة وليس عليها لو نقلها ثم أمرها أن
تعود إلى منزله أن تعود إليه وسواء قال إنما قلت هذا لها لتزور أهلها أو لم يقله إذا طلقها طلاقا يملك فيه
الرجعة أو لا يملكها لم يكن له نقلها عن الموضع الذي قال لها انتقلي إليه أقيمي فيه حتى يراجعها
فينقلها إن شاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إن كان أذن لها في زيارة أهلها أو غيرهم أو النزهة إلى
موضع في المصر أو خارجا منه فخرجت إلى ذلك الموضع الذي أذن لها فيه ثم مات عنها أو طلقها طلاقا
لا يملك فيه الرجعة فعليها أن ترجع إلى منزله فتعتد فيه لأن الزيارة ليست مقاما. فإن قال في هذا كله
قبل الطلاق أو الموت إنما نقلتها إليه ولم تعلم هي كان لها أن تقيم حيث أقر انه أمرها أن تنتقل لأن النقلة
إليه وهي متنقلة لم يكن لها أن ترجع، ولو أذن لها بعد الطلاق الذي لا يملك فيه الرجعة أو يملكها قبل
ان يرتجعها أو قال لها في مرضه إذا مت فانتقلي حيث شئت فمات لم يكن لها أن تعتد في غيره (قال)
ولو كان أذن لها فيما وصفت فنوت هي النقلة وقالت أنا انتقل ولم ينو هو النقلة. وقال هو إنما أرسلتك
زائرة. ثم مات أو طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة كان عليها أن ترجع فتعتد في بيته لأن النقلة ليست
لها إلا بإذنه (قال) وإذنه لها في المصر إلى موضع معلوم وإلى أين شاءت سواء أن أذن لها في النقلة ثم
طلقها لم يكن عليها أن ترجع إلى منزله حتى تنقضي عدتها إلا أن يراجعها فيكون أحق بها. وإن أذن
لها في الزيارة أو النزهة ثم طلقها فعليها أن ترجع إلى منزله لأن الزيارة والنزهة ليست بنقلة ولو انتقلت لم
يكن ذلك لها ولا له وكان عليها أن ترجع فتعتد في بيته (قال) ولو كان أذن لها أن تخرج إلى الحج فلم
تخرج حتى طلقها أو مات عنها لم يكن لها أن تخرج، ولو خرجت من منزله ففارقت المصر أو لم تفارقه
إلا أنها قد فارقت منزله بإذنه للخروج إلى الحج ثم مات عنها أو طلقها كان لها أن تمضي في وجهها وتقيم
فيه مقام الحاج ولا تزيد فيه وتعود مع الحاج فتكمل بقية عدتها في منزله إلا أن يكون أذن لها في هذا أن
تقيم بمكة أو في بلد غيرها إذا قضت الحج فتكون هذه كالنقلة وتقيم في ذلك البلد (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى ولا تخرج إلى الحج بعد مضي العدة إلا مع ذي محرم إلا أن تكون حجة الاسلام وتكون
مع نساء ثقات فلا بأس أن تخرج مع غير ذي محرم ولو أذن لها إلى سفر يكون مسيرة يوم وليلة غير حجة
الاسلام لم يكن لها أن تخرج إلا مع ذي محرم، فإن خرجت من منزله ولم تبلغ السفر حتى طلقها أو
مات عنها كان عليها أن ترجع فتعتد في منزله. ولو بلغت ذلك الموضع وقد سمى لها وقتا تقيمه في ذلك
الموضع أو قال زوري أهلك فنوت هي النقلة أو لم تنوها أو خرجت إليه فلا أنظر إلى نيتها هي في النقلة
244

لأن ذلك لا يتم لها إلا بقوله قبل الطلاق أو الموت قد أذنت لها في النقلة، فإذا قال ذلك فهي منتقلة
تعتد في ذلك الموضع الذي أذن لها في النقلة إليه ولا تعتد في غيره وإن لم يقل هو شيئا حتى مات فقالت
هي قد أذن لي فالقول قولها وتعتد حيث أذن لها من ذلك المصر إذا كانت هي قد انتقلت قبل أن يقع
عليها الطلاق أو يموت زوجها وليس لورثته أن يمنعوها منه ولا إكذابها وإن أكذبوها كان القول قولها
(قال) ولو قال لها أخرجي إلى مصر كذا أو موضع كذا فخرجت إليه أو منزل كذا من مصر فخرجت
إليه ولم يقل لها حجى ولا أقيمي ولا ترجعي منه ولا لا ترجعي إلا أن تشائي ولا تزوري فيه أهلك أو
بعض معرفتك ولا تتنزهي إليه كانت هذه نقلة وعليها أن تعتد في ذلك الموضع من طلاقه ووفاته إلا أن
تقر هي أن ذلك الاذن إنما كان لزيارة أو لمدة نقيمها فيكون عليها أن ترجع إذا بلغها الوفاة فتعتد في
بيته وفي مقامها قولان: أحدهما أن لها أن تقيم إلى المدة أمرها أن تقيم إليها لأنه نقلها إلى مدة فإن
كانت المدة حتى تنقضي عدتها فقد أكملت عدتها إن شاءت رجعت وإن شاءت لم ترجع وإن كانت
المدة ما لا تنقضي فيها عدتها رجعت إذا انقضت المدة. والثاني أن هذه زيارة لا نقلة إلى مدة فعليها
الرجوع إذا طلقها أو مات عنها لأن العلم قد أحاط أنها ليست بنقلة (قال) ولو قال لها في المصر اسكني
هذا البيت شهرا أو هذه الدار شهرا أو سنة كان هذا مثل قوله في السفر أقيمي في بلد كذا شهرا أو سنة
وهذا كله في كل مطلقة ومتوفى عنها سواء غير أن لزوج المطلقة التي يملك رجعتها أن يرتجعها فيقلها من
حيث شاء إلى حيث شاء، ولو أراد نقلتها قبل أن يرتجعها من منزلها الذي طلقها فيه أو من سفر أذن لها
إليه أو من منزل حولها إليه لم يكن ذلك له عندي كما لا يكون له في التي لا يملك رجعتها (قال) وإن
كانت المتوفى عنها أو المطلقة طلاقا بائنا بدوية لم تخرج من منزل زوجها حتى ينتوي أهلها فإن انتوى
أهلها انتوت وذلك أن هكذا سكن أهل البادية إنما سكنهم سكن مقام ما كان المقام غبطة فإذا كان
الانتواء غبطة انتووا (أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال في المرأة البدوية يتوفى عنها
زوجها إنها تنتوي حيث ينتوي أهلها) أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج عن هشام بن
عروة عن أبيه وعن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة أو مثل معناه لا يخالفه (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وإنما كان لها أن تنتوي لأن سكن أهل البادية هكذا إنما هو سكن مقام غبطة وظعن غبطة وأن
الظعن إذا أجدب موضعها أو خف أهلها عذر بأنها تبقى بموضع مخوف أو غير ستير بنفسها ولا معها من
يسترها فيه (قال) فإذا كانت السنة تدل على أن المرأة تخرج من البذاء عن أهل زوجها فإذا كان العذر
كان في ذلك المعنى أو أكثر وذلك أن يتهدم المسكن الذي كانت تسكنه وتحدث الفتنة في ناحيتها أو
المكاثرة أو في مصرها أو تخاف سلطانا أو لصوصا فلها في هذا كله أن تنتقل عن المصر إن كان عاما في
المصر عن الناحية التي هي فيها إلى ناحية آمن منها ولزوجها أن يحصنها حيث شاء إذا كان موضعا آمنا.
ويجبر زوجها على الكراء لها إذا انهدم المنزل الذي كانت تسكنه أو غصب عليه (قال الشافعي) رحمه
الله وللحاكم أن يخرج المرأة في العدة في كل ما لزمها من حد أو قصاص أو خصومة (قال) وإذا
أخرجت المرأة فيما يلزمها من حكومة أو حد أو غيره من المصر فانقضى ما أخرجت له رجعت إلى منزلها
حيث كان فإن كان الحاكم الذي يخرجها إليه بالمصر فمتى انصرفت من عنده انصرفت إلى بيتها (قال)
وكل ما جعلت على الزوج المطلق فيه السكنى والنفقة قضيت بذلك في ماله إن غاب وكل ما جعلت
للزوج تصيير المرأة إليه من المنازل إذا كان العذر الذي تنتقل به المرأة جعلت لمن أسكنها أجنبيا متطوعا
كان الذي أسكنها أو السلطان ولم أقض على الزوج بكراء سكنها وقضيت عليه بنفقتها إن كانت عليه
245

نفقة (قال) وإذا مات الزوج فأسكنها وارثه منزله فليس لها أن تخرج حتى تنقضي عدتها ووارثه يقوم في
ذلك مقامه. فأما امرأة صاحب السفينة إذا كانت مسافرة معه فكالمرأة المسافرة لا تخالفها في شئ إن
شاءت مضت إلى الموضع الذي خرجا في السفر إليه ورجعت فأكملت عدتها في منزله وإن شاءت
رجعت إلى منزله فاعتدت فيه وكذلك لو أذن لها فخرجت في سفينة (قال) ولو كان الزوج خرج
بامرأته إلى بادية زائرا أو متنزها ثم طلقها أو مات عنه رجعت إلى منزلها فاعتدت فيه وليس هذا كالنقلة
ولا كالسفر يأذن لها به إلى غاية وذلك مثل النقلة وهذه زيارة لا نقلة.
الاحداد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ذكر الله تعالى عدة الوفاة والطلاق وسكنى المطلقة بغاية إذا
بلغتها المعتدة حلت وخرجت وجاءت السنة بسكنى المتوفى عنها كما وصفت ولم يذكر إحدادا فلما أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم المتوفى عنها أن تحد كان ذلك كما أحكم الله عز وجل فرضه في كتابه وبين
كيف فرضه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من عدد الصلوات والهيئة فكان على المتوفى عنها والمطلقة
عدة بنص كتاب الله تعالى: وللمطلقة سكن بالكتاب وللمتوفى عنها بالسنة كما وصفت وعلى المتوفي
عنها إحداد بنص السنة. وكانت المطلقة إذا كان لها السكنى وكان للمتوفى عنها بالسنة وبأنه يشبه أن
يكون لها السكنى لأنهما معا في عدة غير ذواتي زوجين يشبه أن يكون على المعتدة من طلاق لا يملك
زوجها عليه فيه الرجعة إحداد كهو على المتوفى عنها. وأحب إلي للمطلقة طلاقا لا يملك زوجها فيه
عليها الرجعة تحد إحداد المتوفى عنها حتى تنقضي عدتها من الطلاق لما وصفت وقد قاله بعض التابعين
ولا يبين لي أن وجبه عليها لأنهما قد يختلفان في حال وإن اجتمعا في غيره (قال الشافعي) رحمه الله:
أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن حميد بن نافع عن زينب
بنت أبي سلمة أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة (قال) قالت زينب دخلت على أم حبيبة زوج النبي
صلى الله عليه وسلم حين توفى أبو سفيان فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه
جارية ثم مست بعارضيها. ثم قالت والله مالي بالطيب من حاجة غير أنى سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة
أشهر وعشرا)) وقالت زينب دخلت على زينب بنت جحش حين توفى أخوها عبد الله فدعت بطيب
فمست منه ثم قالت مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر
(لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر
وعشرا) قالت زينب وسمعت أمي أم سلمة تقول جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت
يا رسول الله إن ابنتي توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينيها أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى اله عليه
وسلم (لا) مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول (لا) ثم قال ((إنما هي أربعة أشهر وعشرا وقد كانت إحداكن
في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول) قال حميد فقلت لزينب وما ترمى بالبعرة على رأس الحول؟
قالت زينب كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاء ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا
حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فتقبض به فقلما تقبض بشئ إلا مات ثم تخرج فتعطى
بعرة فترمى بها ثم تراجع بعدما شاءت من طيب أو غيره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى الحفش البيت
246

الصغير الذليل من الشعر والبناء وغيره والقبض ان تأخذ من الدابة موضعا بأطراف أصابعها والقبض
الاخذ بالكف كلها (قال الشافعي) وترمى بالبعرة من ورائها على معنى أنها قد بلغت الغاية التي لها أن تكون
ناسية زمام الزوج بطول ما حدث عليه كما تركت البعرة وراء ظهرها (قال الشافعي) أخبرنا مالك
عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن عائشة وحفصة أو عائشة أو حفصة أو رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة
أشهر وعشرا) (قال الشافعي) كان الاحداد على المتوفى عنهن الزوج في الجاهلية سنة فأقر الاحداد على
المتوفى عنهن في عددهن وأسقط عنهن في غير عددهن ولم يكن الاحداد في سكنى البيوت فتسكن
المتوفى عنها اي بيت كانت فيه جيد أو ردئ وذلك أن الاحداد إنما هو في البدن وترك لزينة البدن (1)
وهو أن يدخل على البدن من غير شئ بزينة أو طيب معها عليها يظهر بها فندعو إلى شهوتها فأما اللبس
نفسه فلا بد منه. قال فزينة البدن المدخل عليه من غيره الدهن كله في الرأس فلا خير في شئ منه
طيب ولا غيره زيت ولا شيرق ولا غيرهما وذلك أن كل الادهان تقوم مقاما واحدا في ترجيل الشعر
وإذهاب الشعر الشعث وذلك هو الزينة وإن كان بعضها أطيب من بعض وهكذا رأيت المحرم يفتدى
بأن يدهن رأسه ولحيته بزيت أو دهن طيب لما وصفت من الترحيل وإذهاب الشعث (قال) فأما بدنها
فلا بأس أن تدهنه بالزيت وكل ما لا طيب فيه من الدهن كما لا يكون بذلك بأس للمحرم، وإن
كانت الحاد تتخالف المحرم في بعض أمرها لأنه ليس بموضع زينة للبدن ولا طيب تظهر ريحه فيدعو إلى
شهوتها، فأما الدهن الطيب والبخور فلا خير فيه لبدنها لما وصفت من أنه طيب يدعو إلى شهوتها وينبه
بمكانها وإنما الحاد من الطيب شئ أذنت فيه الحاد، والحاد إذا مست الطيب لم يجب عليها فدية ولم
ينتقض إحدادها وقد اساءت (قال) وكل كحل كان زينة فلا خير فيه لها مثل الإثمد وغيره مما يحسن
موقعه في عينها، فأما الكحل الفارسي وما أشبهه إذا احتاجت إليه فلا بأس لأنه ليس فيه زينة بل هو
يزيد العين مرها وقبحها وا اضطرت إليه مما فيه زينة من الكحل اكتحلت به الليل ومسحته بالنهار
وكذلك الدمام وما أرادت به الدواء (قال الشافعي) أخبرنا مالك أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم
دخل على أم سلمة وهي حاد على أبي سلمة فقال (ما هذا يا أم سلمة) فقالت يا رسول الله إنما هو صبر
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار) (قال الشافعي) الصبر يصفر
فيكون زينة وليس يطيب وأذن لها أن تجعله بالليل حيث لا يراه أحد وتمسحه بالنهار (قال الشافعي) ولو
كان في بدنها شئ لا يرى فجعلت عليه الصبر بالليل والنهار لم يكن بذلك بأس. ألا ترى انه أذن لها
فيه بالليل حيث لا يرى وأمرها بمسحه بالنهار (قال) وفي الثياب زينتان. إحداهما جمال الثياب على
اللابس التي تجمع الجمال وتستر العورة قال الله تعالى (خذوا زينتكم عند كل مسجد) فقال بعض أهل
العلم بالقرآن الثياب فالثياب زينة لمن لبسها وإذا أفردت العرب التزيين على بعض اللابسين دون بعض
فإنما تقول تزين من زين الثياب التي هي الزينة بأن يدخل عليها شئ من غيرها من الصبغ خاصة ولا
بأس أن تلبس الحاد كل ثوب وإن جاد من البياض لأن البياض ليس بمزين، وكذلك الصوف والوبر
وكل ما نسج على وجهه وكذلك كل ثوب منسوج على وجهه لم يدخل عليه صبغ من خز أو مروى

(1) قوله: وهو ان يدخل إلى قوله إلى شهوتها كذا في الأصول وعبارة المزني عن الشافعي " وهو ان تدخل على البدن
شيئا من غيره بزينة أو طيبا يظهر عليها فيدعو الخ. كتبه مصححه.
247

إبريسم أو حشيش (3) أو صوف أو وبر أو شعر أو غيره، وكذلك لك صبغ لم يرد به تزيين الثوب مثل
السواد وما أشبهه فإن من صبغ بالسواد إنما صبغه لتقبيحه للحزن وكذلك كل ما صبغ لغير تزيينه إما
لتقبيحه وإما لنفي الوسخ عنه مثل الصباغ بالسدر وصباغ الغزل بالخضرة تقارب السواد لا الخضرة
الصافية وما في مثل معناه فأما كل صباغ كان زينة أو وشى في الثوب بصبغ كان زينة أو تلميع كان زينة
مثل العصب والحبرة والوشى وغيره فلا تلبسه الحاد غلظا كان أو رقيقا (قال) والحرة الكبيرة المسلمة
والصغيرة و الذمية والأمة المسلمة في الاحداد كلهن سواء من وجبت عليه عدة الوفاة وجب عليه
الاحداد لا يختلفن. ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) على أن على المعتدة من الوفاة تكون
بإحداد أن لا تعتد امرأة بغير إحداد لأنهن إن دخلن في المخاطبات بالعدة دخلن في المخاطبات
بالاحداد ولو تركت امرأة الاحداد في عدتها حتى تنقضي أو في بعضها كانت مسيئة ولم يكن عليها أن
تستأنف إحدادا لأن موضع الاحداد في العدة فإذا مضت أو مضى بعضها لم تعد لما مضى (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو كان المتوفي عنها أو المطلقة مغمى عليها أو مجنونة فمضت عدتها وهي
بتلك الحال لا تعقل حلت ولم يكن عليها استئناف عدة ولا إحداد من قبل أن العدة إنما هي وقت يمر
عليها تكون فيه محتبسة عن الأزواج كما تكون الزكاة في وقت إذا مر على رب المال زكاة وسواء كان
معتوها أو كان يعقل لأنه لا عمل له في وقت يمر عليه وإذا سقط عن المعتوه العمل في الصلاة سقط
عن المعتدة العمل في الاحداد، وينبغي لأهلها ان يجتنبوها في عدتها ما تجتنب الحاد، وعدة المتوفي
عنها والمطلقة من يوم يموت عنها زوجها أو يطلقها فإن لم يأتها طلاق ولا وفاة حتى تنقضي عدتها لم يكن
عليها عدة، وكذلك لو لم يأتها طلاق ولا وفاة حتى يمضي بعض عدتها أكملت ما بقي من عدتها حادة
ولم تعد ما مضى منها (قال الشافعي) وإن بلغها يقين وفاته أو طلاقه ولم تعرف اليوم الذي طلقها فيه ولا
مات عنها اعتدت من يوم استيقنت بطلاقه ووفاته حتى تكمل عدتها ولم تعتد بما تشك فيه كأنه شهد
عندها أنه مات في رجب وقالوا لا ندري في أي رجب مات فتعتد في آخر ساعات النهار من رجب
فاستقبلت بالعدة شعبان وإذا كان اليوم العاشر بعد الأربعة في آخر ساعات نهاره حلت فكانت قد
استكملت أربعة أشهر وعشرا.
اجتماع العدتين
(قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وسليمان أن طليحة
كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها البتة فنكحت في عدتها فضربها عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه
وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرق بينهما) ثم قال عمر بن الخطاب (أيما امرأة نكحت في عدتها
فإن كان الزوج الذي تزوج بها لم يدخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول كان
خاطبا من الخطاب وإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول ثم اعتدت
من زوجها الآخر ثم لم ينكحها أبدا (قال الشافعي) قال سعيد ولها مهرها بما استحل منها (قال
الشافعي) أخبرنا يحيى بن حسان عن جرير عن عطاء ابن السائب عن زاذان أبي عمر عن علي رضى

(1) ولعل في العبارة تحريفا واصلها " على أن العدة من الوفاة تكون باحداد وان لا تعتد الخ "
248

الله تعالى عنه أنه قضى في التي تزوج في عدتها أنه يفرق بينهما ولها الصداق بما استحل من فرجها وتكمل
ما أفسدت من عدة الأول وتعتد من الآخر (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرنا
عطاء أن رجلا طلق امرأته فاعتدت منه حتى إذا بقي شئ من عدتها نكحها رجل في آخر عدتها جهلا
ذلك وبنى بها فأبى علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه في ذلك ففرق بينهما وأمرها أن تعتد ما بقي
من عدتها الأولي. ثم تعتد من هذا عدة مستقبلة، فإذا انقضت عدتها فهي بالخيار إن شاءت نكحت
وإن شاءت فلا قال وبقول عمر وعلي نقول في المرأة تنكح في عدتها تأتي بعدتين معا وبقول علي نقول
أنه يكون خاطبا من الخطاب ولم تحرم عليه. وذلك أنا إذا جعلنا النكاح الفاسد يقوم مقام النكاح
الصحيح في أن المنكوحة نكاحا فاسدا إذا أصيبت عدة كعدتها في النكاح الصحيح فنكحت امرأة في
عدتها فأصيبت فقد لزمتها عدة الزوج الصحيح ثم لزمها عدة من النكاح الفاسد فكان عليها حقان
بسبب زوجين إ لا يؤديهما عنها إلا بأن تأتي بهما معا وكذلك كل حقين لزماها من وجهين لا يؤديهما عن
أحد لزماه أحدهما دون الاخر. ولو أن امرأة طلقت أو ميت عنها فنكحت في عدتها ثم علم ذلك فسخ
نكاحها فإن كان الزوج الاخر لم يصبها أكملت عدتها من الأول ولا يبطل عنها من عدتها شئ في
الأيام التي عقد عليها فيها النكاح الفاسد لأنها في عدتها ولم تصب فإن كان أصابها أحصت ما مضى
من عدتها قبل إصابة الزوج الآخر وأبطلت كل ما مضى منها بعد إصابته حتى يفرق بينه وبينها
واستأنفت البنيان على عدتها التي كانت قبل إصابته من يوم فرق بينه وبينها حتى تكمل عدتها من الأول
ثم تستأنف عدة أخرى من الآخر فإذا أكملتها حلت منها والآخر خاطب من الخطاب إذا مضت عدتها
من الأول وبعد لا تحرم عليه لأنه إذا كان يعقد عليها النكاح الفاسد فيكون خاطبا إذا لم يدخل بها فلا
يكون دخوله بها في النكاح الفاسد أثر من زناه بها وهو لو زنى بها في العدة كان له أن ينكحها إذا
انقضت العدة (قال) فإذا انقضت عدتها من الأول فللآخر أن يخطبها في عدتها منه وأحب إلى لو كف
عنها حتى تنقضي عدتها من مائة الفاسد ولو كانت هذه الناكح في عدتها المصابة لا تحيض فاعتدت من
الأول شهرين ثم نكحها الآخر فأصابها ثم فرقنا بينهما فقلنا لها استأنفي شهرا من يوم فارقك تكملين به
الشهرين الأولى اللذين اعتددت فيه من النكاح الصحيح فحاضت قبل أن تكمل الشهرين سقطت
عدتها بالشهور وابتدأت من الأول عدتها ثلاث حيض إذا طعنت في الدم من الحيضة الثالثة فقد حلت
من الأول ثم كانت في حيضتها الثالثة خلية من الأول وغير معتدة من الآخر وللآخر أن يخطبها في
حيضتها الثالثة فإذا طهرت منها اعتدت من الآخر ثلاثة أطهار وإذا طعنت في الدم بعدما تكمل الطهر
الثالث حلت من الآخر أيضا لجميع الخطاب (قال الشافعي) ولو كانت تحيض فاعتدت حيضة أو
اثنتين ثم أصابها الزوج الآخر فحملت وفرق بينهما اعتدت بالحمل فإذا وضعته لأقل من ستة أشهر من
يوم نكحها فهو للأول، وإن كانت وضعته لستة أشهر من يوم نكحها الآخر فأكثر إلى أقل من أربع
سنين من يوم فارقها الأول دعى له القافة وإن كانت وضعته لأكثر من أربع سنين ساعة من يوم فارقها
الأول فكان طلاقه لا يملك الرجعة فهو للآخر وإن كان طلاقه يملك الرجعة وتداعياه أو لم يتداعياه ولم
ينكراه، ولا واحد منهما أريه القافة فبأيهما ألحقوه به لحق وإن ألحقوه بالأول فقد انقضت عدتها من
الأول وحل للآخر خطبتها وتبتدئ عدة من الآخر فإذا قضتها حلت خطبتها للأول وغيره فإن ألحقوه
بالآخر فقد انقضت عدتها من الآخر وتبتدئ فتكمل على ما مضى من عدة الأول، وللأول عليها
الرجعة في عدتها منه إن كان طلاقه يملك الرجعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإن لم يلحقوه
249

بواحد منهما أو ألحقوه بهما أو لم تكن قافة أو مات قبل ان تراه القافة أو ألقته ميتا فلم تره القافة فلا يكون
ابن واحد منها في هذه الحال. ولو كان أوصى له بشئ فولد فملكه ثم مات وقف عنهما معا حتى
يصطلحا فيه، وإن كان مات بعد ولادة وقبل موت قريب له يرثه المولود وقف له ميراثه حتى يتبين أمره
فإن لم يتبين أمره لم يعط شيئا من ميراثه من لا يعرف وارث له أو ليس بوارث (قال الربيع) فإن لم
يلحقاه بأحد منهما رجعا عليه بما أنفقا عليها ولم تحل من عدتها به (قال الشافعي) ونفقة أمه حبلى في
قول من يرى النفقة للحامل في النكاح الفاسد عليهما معا فإن لم يلحق بواحد منهما لم يرجع واحد منهما
على صاحبه بشئ من نفقتها وإن ألحق بأحدهما رجع الذي نفى عنه على الذي لحق به بما أخرج من
نفقتها والقول في رضاعه حتى يتبين أمره كالقول في نفقة أمه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
وأما أنا فلا أرى على الناكح نكاحا فاسدا نفقة في الحمل والنفقة على الزوج الصحيح النكاح فلا آخذه
بنفقتها حتى تلد فإن ألق به الولد أعطيتها نفقة الحمل من يوم طلقها هو وإن أشكل أمره لم آخذه بنفقة
حتى ينتسب إليه الولد فأعطيها النفقة، وإن الحق بصاحبه فلا نفقة عليه لأنها حبلى من غيره، وإذا
كان أمر الولد مشكلا كما وصفت فقد انقضت إحدى العدتين بوضع الحمل وتستأنف الأخرى بعد
وضع الحمل ولا رجعة للأول عليها في العدة الأخرى بعد الحمل وإنما قلت تستأنف العدة لأني لا
أدري العدة بالحمل من الأول هي فتستأنف العدة من الآخر أو من الآخر فتبنى فلما أشكلت جعلناها
تستأنف وتلغى ما مضى من عدتها قبل الحمل ولا يكون الآخر خاطبا حتى ينقضي آخر عدتها (قال
الربيع) وهذا إذا أنكراه جميعا فأما إذا ادعياه فكل واحد منهما مقر بأن النفقة تلزمه (قال الشافعي)
ولو ادعاه أحدها وأنكره الآخر أريته القافة وألحقته بمن ألحقوه به ولا حد على الذي أنكره من قبل أن
يعزيه إلى أب قبل أن يتبين له أب غيره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهكذا لاقول لو نكحت ثلاثة
أو أربعة فمضت عدتها من الأول ومن كل من أصابها ممن بعده ولا عدة عليها ممن لم يصبها منهم (قال
الشافعي) رحمه الله: ولو كان النكاحان جميعا فاسدين الأول والآخر كان القول فيه كالقول في
النكاح الصحيح والفاسد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهكذا كل زوجة حرة مسلمة أو ذمية أو
أمة مسلمة إلا أن عدة الأمة نصف عدة الحرة في الشهور وحيضتان في الحيض ومثلها في وضع الحمل
فتصنع الأمة في عدتها مثل ما تصنع الحرة في عدتها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا طلق
الرجل المرأة فأقرت بانقضاء العدة ونكحت فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم نكحها وأقل من
أربع سنين من يوم طلقت فهو للأول وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم نكحها وأكثر من أربع
سنين من يوم طلقها الأول فليس للأول ولا للآخر.
باب سكنى المطلقات ونفقاتهن
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن
وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) الآية
وقال عز ذكره في المطلقات (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن
وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فذكر الله
عز وجل المطلقات جملة لم يخصص منهن مطلقة دون مطلقة فجعل على أزواجهن أن يسكنوهن من
250

وجدهن وحرم عليهم ان يخرجوهن وعليهن أن لا يخرجن إلا بفاحشة مبينة فيحل إخراجهن، فكان
من خوطب بهذه الآية من الأزواج يحتمل ان إخراج الزوج امرأته المطلقة من بيتها منعها السكنى لأن
الساكن إذا قيل أخرج من مسكنه فإنما قيل منه مسكنه وكما كان كذلك إخراجه إياها وكذلك خروجها
بامتناعها من السكن فيه وسكنها في غيره فكان هذا الخروج المحرم على الزوج والزوجة رضيا بالخروج
معا أو سخطاه معا أو رضى به أحدهما دون الآخر فليس للمرأة الخروج ولا للرجل إخراجها إلا في
الموضع الذي استثنى الله عز ذكره من أن تأتي بفاحشة مبينة وفي العذر فكان فيما أوجب الله تعالى على
الزوج والمرأة من هذا تعبدا لهما، وقد يحتمل مع التعبد أن يكون لتحصين فرج المرأة في العدة وولد إن
كان بها والله تعالى أعلم (قال) ويحتمل أمر الله عز وجل بإسكانهن وأن لا يخرجن ولا يخرجن مع ما
وصفت أن لا يخرجن بحال ليلا ولا نهارا ولا لمعنى إلا معنى عذر، وقد ذهب بعض من ينسب إلى
العلم في المطلقة هذا المذهب فقال لا يخرجن ليلا ولا نهارا بحال إلا من عذر (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: ولو فعلت هذا كان أحب إلى وكان احتياطا لا يبقى في القلب معه شئ، وإنما منعنا من
إيجاب هذا عليها مع احتمال الآية لما ذهبنا إليه من إيجابه على ما قال ما وصفنا من احتمال الآيات قبل لما
وصفنا، وأن عبد المجيد أخبرنا عن ابن جريج: قال أخبرنا أبو الزبير عن جابر قال طلقت خالتي
فأرادت ان تجد نخلا لها فزجرها رجل أن تخرج فأتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال (بلى فجدي
نخلك فلعلك أن تصدقي أو تفعلي معروفا) (قال الشافعي) نخل الأنصار قريب من منازلهم والجدد إنما
تكون نهارا (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني إسماعيل بن كثير عن مجاهد قال
استشهد رجال يوم أحد فآم نساؤهم وكن متجاورات في دار فجئن النبي صلى الله عليه وسلم فقلن يا
رسول الله: إنا نستوحش بالليل أفنبيت عند أحدنا فإذا أصبحنا تبددنا إلى بيوتنا؟ فقال النبي صلى
الله عليه وسلم (تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن فإذا أردتن النوم فلتؤب كل امرأة منكن إلى بيتها)
(قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن عبيد الله أنه كان يقول
لا يصلح للمرأة ان تبيت ليلة واحدة إذا كانت في عدة وفاة أو طلاق إلا في بيتها.
العذر الذي يكون للزوج ان يخرجها
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى في المطلقات (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن
يأتين بفاحشة مبينة) (قال الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن محمد بن
إبراهيم عن ابن عباس أنه كان يقول: الفاحشة المبينة ان تبذو على أهل زوجها فإذا بذت فقد حل
إخراجها: أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم أن عائشة كانت تقول
اتقى الله يا فاطمة فقد علمت في اي شئ كان ذلك: قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى
الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها
البتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله مالك علينا من شئ فجاءت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال (ليس لك عليه نفقة) وأمرها ان تعتد في بيت أم
شريك. ثم قال (تلك امرأة يغشاها أصحابي فاعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين
ثيابك) (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم ابن أبي يحيى عن عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه قال
251

قدمت المدينة فسألت عن أعلم أهلها فدفعت إلى سعيد بن المسيب فسألته عن المبتوتة؟ فقال تعتد في
بيت زوجها فقلت: فأين حديث فاطمة بنت قيس؟ فقال هاه ووصف أنه تغيظ، وقال فتنت
فاطمة الناس كانت للسانها ذرابة فاستطاعت على أحمائها فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد
في بيت ابن أم مكتوم قال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم وسليمان أنه سمعهما يذكران
أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم البتة فانتقلها عبد الرحمن بن الحكم
فأرسلت عائشة إلى مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فقالت: اتق الله يا مروان واردد المرأة إلى بيتها،
فقال مروان في حديث سليمان أن عبد الرحمن غلبني. وقال مروان في حديث القاسم أو ما بلغك شأن
فاطمة بنت قيس؟ فقالت عائشة لا عليك أن لا تذكر شأن فاطمة فقال: إن كان إنما بك الشر
فحسبك ما بين هذين من الشر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع، أن ابنة
لسعيد بن زيد كانت عند عبد الله فطلقها البتة فخرجت فأنكر ذلك عليها ابن عمر (قال الشافعي)
فعائشة ومروان وابن المسيب يعرفون أن حديث فاطمة في أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بأن تعتد في
بيت ابن أم مكتوم كما حدثت ويذهبون إلى أن ذلك إنما كان للشر ويزيد ابن المسيب يتبين استطالتها
على أحمائها ويكره لها ابن المسيب وغيره أنها كتمت في حديثها السبب الذي أمرها النبي صلى الله عليه
وسلم أن تعتد في غير بيت زوجها خوفا أن يسمع ذلك سامع فيرى ان للمبتوتة أن تعتد حيث شاءت
(قال الشافعي) وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث فاطمة بنت قيس إذ بدت على أهل زوجها
فأمرها ان تعتد في بيت ابن أم مكتوم تدل على معنيين أحدهما أن ما تأول ابن عباس في قول الله عز
وجل (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) هو البذاء على أهل زوجها كما تأول إن شاء الله تعالى قال: وبين إنما
أذن لها أن تخرج من بيت زوجها فلم يقل لها النبي صلى الله عليه وسلم اعتدى حيث شئت ولكنه حصنها
حيث رضى إذ كان زوجها غائبا ولم يكن له وكيل بتحصينها. فإذا بذت المرأة على أهل زوجها فجاء
من بذائها ما يخاف تساعر بذاءة إلى تساعر الشر فلزوجها إن كان حاضرا إخراج أهله عنها فإن لم
يخرجهم أخرجها إلى منزل غير منزله فحصنها فيه وكان عليه كراؤه إذا كان له منعها أن تعتد حيث
شاءت كان عليه كراء المنزل وإن كان غائبا كان لوكيله من ذلك ماله. وإن لم يكن له وكيل كان
السلطان ولى الغائب يفرض لها منزلا فيحصنها فيه، فإن تطوع السلطان به أو أهل المنزل فذلك ساقط
عن الزوج، ولم نعلم فيما مضى أحدا بالمدينة أكرى أحدا منزلا إنما كانوا يتطوعون بإنزال منازلهم
وبأموالهم مع منازلهم، وإن لم يتطوع به السلطان ولا غيره فعلى زوجها كراء المنزل الذي تصير إليه. ولا
يتكارى لها السلطان إلا بأخف ذلك على الزوج وإن كان بذاؤها حتى يخاف أن يتساعر ذلك بينها وبين
أهل زوجها عذرا في الخروج من بيت زوجها كان كذلك كل ما كان في معناه وأكثر من أن يجب حد
عليها فتخرج ليقام عليها أو حق فتخرج لحاكم فيه أو يخرجها أهل منزل هي فيه بكراء أو عارية ليس
لزوجها أو ينهدم منزلها الذي كانت فيه أو تخاف في منزل هي فيه على نفسها أو مالها أو ما أشبه هذا من
العذر فللزوج في هذه الحالات أن يحصنها حيث صيرها وإسكانها وكراء منزلها (قال) وإن أمرها أن
تكارى منزلا بعينه فتكارته فكراؤه عليه متى قامت به عليه وإن لم يأمرها فتكارت منزلا فلم ينهها ولم
يقل لها أقيمي فيه فإن طلبت الكراء وهي في العدة استقبل كراء منزلها من يوم تطلبه حتى تنقضي العدة
وإن لم تطلبه حتى تنقضي العدة فحق لها تركته وعصت بتركها أن يسكنها فلا يكون لها وهي عاصية
سكنى وقد مضت العدة، وإن أنزلها منزلا له بعد الطلاق أو طلقها في منزل له أو طلقها وهي زائرة
252

فكان عليها أن تعود إلى منزل له قبل أن يفلس ثم فلس فهي أحق بالمنزل منه ومن غرمائه كما تكون أحق
به لو أكراها وأخذ كراءه منها من غرمائه أو أقر لها بأنها تملك عليه السكنى قبل أن يقوم غرماؤه عليه،
وإن كان في المنزل الذي أنزلها فيه فضل عن سكناها كانت أحق بما يكفيها ويسترها من منزله وكان
الغرماء أحق بما بقي منه لأنه شئ أعطاها إياه لم يستحق أصله عليه ولم يهبه لها فتكون أحق به إنما هو
عارية، وما أعار فلم يملكه من أعيره فغرماؤه أحق به ممن أعيره ولو كان طلاقه إياها بعدما يقف
السلطان ماله للغرماء، كانت أسوة الغرماء في كراء منزل يقدر كرائة ويحصنها حيث يكارى لها، فإن
كان لأهلها منزل أو لغير أهلها فأرادت نزوله وأراد إنزالها غيره فإن تكارى لها منزلا فهو أحق بأن ينزلها
حيث أراد وإن لم يتكار لها منزلا ولم يجده لم يكن عليها أن تعتد حيث أراد زوجها بلا منزل يعطيها إياه
حيث قدرت إذا كان قرب ثقة ومنزلا ستيرا منفردا أو مع من لا يخاف، فإن دعت إلى حيث يخاف
منعته، ولو أعطاها السلطان في هذا كله كراء منزل كان أحب إلى وحصنها له فيه (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: وكل نكاح صحيح طلق رجل فيه امرأته مسلمة حرة أو ذمية أو مملوكة فهو كما
وصفت في الحرة إلا أن لأهل الذمية أن يخرجوها في العدة ومتى أخرجوها فلا نفقة لها إن كانت
حاملا ولا سكنى كان طلاق زوجها يملك الرجعة أو لا يملكها. وهكذا كل زوج حر مسلم وذمي وعبد
أذن له سيده في النكاح فعليه من سكنى امرأته ونفقتها إذا كانت حرة أو أمة متروكة معه ما على الحر
وليس نفقتها وهي زوجة له بأوجب من سكناها في الفراق ونفقتها عليه (قال الشافعي) وإذا كان
الطلاق لا يملك فيه الزوج الرجعة فهكذا القول في السكنى فأما طلاق يملك فيه الزوج الرجعة فحال
المرأة في السكنى والنفقة حال امرأته التي لم تطلق لأنه يرثها وترثه في العدة ويقع عليها إيلاؤه وليس له
أن ينقلها من منزله إلى غيره إلا أن تبذو أو يراجعها فيحولها حيث شاء. وله أن يخرجها قبل مراجعتها
إن بذت عليه كما تخرج التي لا يملك رجعتها. والله سبحانه وتعالى الموفق.
نفقة المرأة التي لا يملك زوجها رجعتها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى في المطلقات (أسكنوهن من حيث سكنتم
من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) الآية إلى (فآتوهن أجورهن) قال فكان بينا والله تعالى أعلم
في هذه الآية أنها في المطلقة التي لا يملك زوجها رجعتها من قبل أن الله عز وجل لما أمر بالسكنى عاما
ثم قال في النفقة (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) دل على أن الصنف الذي
أمر بالنفقة على ذوات الأحمال منهن صنف دل الكتاب على أن لا نفقة على غير ذوات الأحمال منهن
لأنه إذا أوجب لمطلقة بصفة نفقة ففي ذلك دليل على أنه لا تجب نفقة لمن كان في غير صفتها من
المطلقات (قال الشافعي) فلما لم أعلم مخالفا من أهل العلم في أن المطلقة التي يملك زوجها رجعتها في
معاني الأزواج في أن عليه نفقتها وسكناها وأن طلاقه وإيلاءه وظهاره ولعانه يقع عليها وأنه يرثها وترثه
كانت الآية على غيرها من المطلقات ولم يكن من المطلقات واحدة تخالفها إلا مطلقة لا يملك الزوج
رجعتها (قال الشافعي) والدليل من كتاب الله عز وجل كاف فيما وصفت من سقوط نفقة التي لا يملك
الزوج رجعتها وبذلك جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن
عبد الله بن يزيد مولى الأسود ابن سفيان عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص
253

طلقها البتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال مالك علينا نفقة فأتت النبي صلى
الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال (ليس لك عليهم نفقة) أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز ابن
جريج (قال) أخبرني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أنه سمعه يقول نفقة المطلقة ما لم تحرم فإذا حرمت
فمتاع بالمعروف. وأخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: قال عطاء ليست المبتوتة الحبلى منه في شئ إلا
أنه يتفق عليها من أجل الحبل فإذا كانت غير حبلى فلا نفقة لها (قال الشافعي) فكل مطلقة كان زوجها
يملك رجعتها فلها النفقة ما كانت في عدتها منه، وكل مطلقة كان زوجها لا يملك رجعتها فلا نفقة لها
في عدتها منه إلا أن تكون حاملا فيكون عليه نفقتها ما كانت حاملا. وسواء في ذلك كل زوج حر
وعبد وذمي وكل زوجة أمة وحرة وذمية (قال) وكل ما وصفنا من متعة لمطلقة أو سكنى لها أو نفقة
فليست إلا في نكاح صحيح ثابت. فأما كل نكاح كان منسوخا فليست فيه نفقة ولا متعة ولا سكنى
وإن كان فيه مهر بالمسيس حاملا كانت أو غير حامل (قال) وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه
الرجعة فأدعت حبلا وأنكره الزوج أو لم ينكره ولم يقربه ففيها قولان. أحدهما: أن تحصى من يوم
طلقها وكم نفقة مثلها في كل شهر من تلك الشهور فإذا ولدت قضى لها بذلك كله عليه لأن الحمل لا
يعلم بقين حتى تلده (قال) ومن قال هذا قال: إن الله عز وجل قال (وإن كن أولات حمل فأنفقوا
عليهن حتى يضعن حملهن) يحتمل فعليكم نفقتهن حتى يضعن حملهن ليست بساقطة سقوط من لا
نفقة به غير الحوامل. وقال: قد قال الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) فلو
مات رجل وله حبل لم يوقف للحبل ميراث رجل ولا ميراث ابنة لأنه قد يكون عددا ووقفنا الميراث
حتى يتبين فإذا بان أعطيناه. وهكذا لو أوصى لحبل أو كان الوارث أو الموصى له غائبا ولا يعطي إلا
بيقين وقال: أرأيت لو أريها النساء فقلن بها حمل فأنفقنا عليها ثم انفش فعلمنا أن ليس بها حمل
أليس قد علمنا أنا أعطينا من مال الرجل ما لم يجب عليه؟ وإن قضينا برده فنحن لا نقضي بشئ مثله
ثم نرده؟ والقول الثاني: أن تحصى من يوم طلقها الزوج ويراها النساء فإن قلن بها حمل أنفق عليها
حتى تضع حملها، وإن قلن لا يبين أحصى عليها وتركت حتى يقلن قد بان فإذا قلن قد بان أنفق
عليها لما مضى من يوم طلقها إلى أن تضع حملها ثم لا نفقة عليه بعد وضعها حملها إلا أن ترضع
فيعطيها أجر مثلها في الرضاعة أجرا لا نفقة، ولو طلقها ثم ظهر بها حبل فذكر له فنفاه وقذفها لا عنها
ولا نفقة عليه إن كان لاعنها فأبرأناه من النفقة ثم أكذب نفسه حد ولحق به الحمل إن تم واخذت منه
النفقة التي أبطلت عنه، وكذلك إن كان إقراره بالكذب بعد رضاع الولد ألزمته رضاعة ونفقته،
وهكذا لو أكذب نفسه بعد موت الولد أخذت منه نفقة الحمل والرضاع والولد، وإذا قال القوابل
بالمطلقة التي لا يملك رجعتها حبل فأنفق عليها الزوج بغير أمر سلطان أو جبره الحاكم على النفقة عليها
ثم علم أن لم يكن بها حبل رجع عليها في الحالين معا لأنه إنما أعطاها إياه على أنه واجب عليه فلما علم
أنه لم يجب عليه رجع عليها بمثل ما أخذت منه إن كان له مثل أو قيمته يوم دفعه إليها إن لم يكن له
مثل * وكل زوجة صحيحة النكاح فرقت بينهما بحال كما ذكرناه في المختلعة والمخيرة والمملكة والمبتدأ
طلاقها والأمة تخير فتختار الفراق والرجل يغر المرأة بنسب فيوجد دونه فتختار فراقه والمرأة تغر بأنها حرة
فتوجد أمة أو تجده أجذم أو أبرص أو مجنونا فتختار فراقه أو يجدها كذلك فيفارقها فتكون حاملا في
هذه الحالات فعلى الزوج نفقتها حتى تضع حملها (قال) وكل نكاح كان فاسدا بكل حال مثل
النكاح بغير ولى أو بغير شهود أو نكاح المرأة ولم ترض أو كارهة فحملت فلها الصداق بالمسيس ولا نفقة
254

لها في العدة ولا الحمل (قال أبو محمد) وفيها قول: أن لها النفقة بالحمل وإن كان نكاحا فاسد لأنه
يلحق به الولد فلما كان إذا طلقها غير حامل لم تكن زوجة فبرئت منه لم يكن لها نفقة علمنا أنه جعلت
النفقة لو أقر بالحمل (قال الشافعي) وكل مطلقة يملك زوجها الرجعة كانت عدتها الشهور فحاضت
بعد مضى شهرين استقبلت الحيض ثم عليه النفقة ما كانت في العدة ولو حاضت ثلاث حيض
استبرأت نفسها من الريبة وكانت لها النفقة حتى تطعن في الدم من الحيضة الثالثة فإن ارتابت أمسكت
عن النكاح ووقف عن نفقتها فإن بان بها حبل كان القول فيها كالقول فيمن بان بها حبل بالنفقة حتى
يبين أو الوقف حتى تضع فإن انفش ما ظن من حملها ردت من النفقة ما أخذت بعد دخولها في الدم
من الحيضة الثالثة (قال) وهكذا إن كانت عدتها الشهور فارتابت سواء لا يختلفان، ولو كانت عدتها
الشهور فارتابت أمسكت عن الريبة فإن حاضت بعد ثلاثة أشهر فلها النفقة في الثلاثة حتى تنقضي ولا
نفقة لها بعد الثلاثة ولا عدة عليها فإن ارتابت بحمل أمسكت ولم ينفق عليها حتى يبين ثم يكون القول
فيه كالقول في الحمل إذا بان سواء من رأى أن لا ينفق عليها حتى تضع أمسك حتى تضع ثم أعطاها
نفقة من يوم قطع النفقة عنها إلى أن وضعت، ومن رأى أن لا ينفق عليها إذا بان الحمل أعطاها النفقة
منذ أمسك عنها إلى أن بان بها الحمل ومن حين بان الحمل إلى أن تضع فإن بطل الحمل ردت النفقة
بعد الثلاثة الأشهر وينفق عليها حتى تضع آخر حملها وإن كان بين وضع ولادها أيام (قال) وإن كان
بها حبل ولا يملك زوجها رجعتها فأنفق عليها زوجها من حين طلقها حتى جاوزت أربع سنين فلم تلد
ردت النفقة من يوم طلقها لأنها لا نلحق به الحمل ولا نفقة لها في العدة إلا أن تكون حاملا منه.
امرأة المفقود
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم)
قال وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزوج نفقة امرأته وحكم الله عز وجل بين الزوجين
أحكاما منها اللعان والظهار والايلاء ووقوع الطلاق (قال الشافعي) فلم يختلف المسلمون فيما علمته في
أن ذلك لكل زوجة على كل زوج غائب وحاضر. ولم يختلفوا في أن لا عدة على زوجة إلا من وفاة أو
طلاق. وقال الله عز وجل (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن) الآية وقال تعالى
(ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد) إلى قوله (فلهن الثمن مما تركتم) (قال) فلم أعلم
مخالفا في أن الرجل أو المرأة لو غابا أو أحدهما برا أو بحرا علم مغيبهما أو لم يعلم فماتا أو أحدهما فلم يسمع
بهما بخبر أو أسرهما العدو فصيروهما إلى حيث لا خبر عنهما لم نورث واحدا منهما من صاحبه إلا بيقين
وفاته قبل صاحبه. فكذلك عندي امرأة الغائب أي غيبة كانت مما وصفت أو لم أصف بإسار عدو أو
بخروج الزوج ثم خفى مسلكه أو بهيام من ذهاب عقل أو خروج فلم يسمع له ذكر أو بمركب في بحر
فلم يأت له خبر أو جاء خبر أن غرقا كأن يرون أنه قد كان فيه ولا يستيقنون أنه فيه لا تعتد امرأته ولا
تنكح أبدا حتى يأتيها يقين وفاته ثم تعتد من يوم استيقنت وفاته وترثه، ولا تعتد امرأة من وفاة ومثلها
يرث إلا ورثت زوجها الذي اعتدت من وفاته، ولو طلقها وهو خفي الغيبة بعد أي هذه الأحوال كانت
أو آلى منها أو تظاهر أو قذفها لزمه ما يلزم الزوج الحاضر في ذلك ذلك كله وإذا كان هذا هكذا لم يجز
أن تكون امرأة رجل يقع عليها ما يقع على الزوجة تعتد لا من طلاق ولا وفاة كما لو ظنت أنه طلقها أو
255

مات عنها لم تعتد من طلاق إلا بيقين وهكذا لو تربصت سنين كثيرة بأمر حاكم واعتدت وتزوجت
فطلقها الزوج الأول المفقود لزمها الطلاق، وكذلك إن آلى منها أو تظاهر أو قذفها لزمه ما يلزم الزوج.
وهكذا لو تربصت بأمر حاكم أربع سنين ثم اعتدت فأكملت أربعة أشهر وعشرا ونكحت ودخل بها
أو نكحت ولم يدخل بها أو لم تنكح وطلقها الزوج الأول المفقود في هذه الحالات لزمها الطلاق لأنه
زوج، وهكذا لو تظاهر منها أو قذفها أو آلى منها لزمه ما يلزم المولى غير أنه ممنوع من فرجها بشبهة بنكاح
غيره فلا يقال له فئ حتى تعتد من الآخر إذا كانت دخلت عليه فإذا أكملت عدتها أجل من يوم
تكمل عدتها أربعة أشهر وذلك حين حل له فرجها وإن أصابها فقد خرج من طلاق الايلاء وكفر وإن
لم يصبها قيل له أصبها أو طلق (قال) وينفق عليها من مال زوجها المفقود من حين يفقد حتى يعلم يقين
موته (قال) وإن أجلها حاكم أربع سنين أنفق عليها فيها وكذلك في الأربعة الأشهر والعشر من مال
زوجها فإذا نكحت لم ينفق عليها من مال الزوج المفقود لأنها مانعة له نفسها، وكذلك لا ينفق عليها
وهي في عدة منه لو طلقها أو مات عنها ولا بعد ذلك، ولم أمنعها النفقة من قبل أنها زوجة الآخر ولا
أن عليها منه عدة ولا أن بينهما ميراثا ولا أنه يلزمها طلاقة ولا شئ من الأحكام بين الزوجين إلا لحوق
الولد به إن أصابها وإنما منعتها الفقه من الأول لأنها مخرجة نفسها من يديه ومن الوقوف عليه كما تقف
المرأة على زوجها الغائب بشبهة فمنعتها نفقتها في الحال التي كانت فيها مانعة نفسها بالنكاح والعدة وهي
لو كانت في المصر مع زوج فمنعته نفسها منعتها نفقتها بعصيانها ومنعتها نفقتها بعد عدتها من زوجها الآخر
بتركها حقها من الأول وإباحتها نفسها لغيره على معنى أنها خارجة من الأول، ولو أنفق عليها في غيبته
ثم ثبتت البينة على موته في وقت ردت كل ما أخذت من النفقة من حين مات فكان لها الميراث، ولو
حكم لها حاكم بأن تزوج فتزوجت فسخ نكاحها وإن لم يدخل بها فلا مهر لها وإن دخل بها فأصابها
فلها مهر مثلها لا ما سمى لها وفسخ النكاح وإن لم يفسخ حتى ماتت أو ماتت فلا ميراث لها منه ولا له
منها وإن حكم لواحد منهما بالميراث من صاحبه رد الميراث فإن كان الزوج الميت رد ميراثه على ورثته
وإن كانت هي الميتة وقف ميراث الزوج الأول حتى يعلم أحي هو فيرثها أو ميت فيرد على ورثتها غير
زوجها الآخر، لو مات زوجها الأول ورثته وأخر جناها من يدي الآخر بكل حال ولو تربصت أربع
سنين ثم أعتدت أربعة أشهر وعشرا ثم نكحت فولدت أولادا ثم جاء الأول كان الولد ولد الآخر لأنه
فراش بالشبهة وردت على الزوج ومنع إصابتها حتى تعتد ثلاث حيض. وإن كانت ممن لا تحيض لا
يأس من المحيض أو صغر فثلاثة أشهر، وإن كانت حبلى فأن تضع حملها، وإذا وضعت حملها
فلزوجها الأول منعها من رضاع ولدها إلا اللبأ وما إن تركته لم يغذه مرضع غيرها ثم يمنعها ما سوى
ذلك، ولا ينفق عليها في أيام عدتها ولا رضاعها ولد غيره شيئا، ولو ادعى الزوج الأول والآخر الولد
وقد ولدت وهي مع الآخر أريته القافة (قال) ومتى طلقها الأول وقع عليها طلاقه ولو طلقها زوجها
الأول أو مات عنها وهي عند الزوج الآخر كانت عند غير زوج فكانت عليها عدة الوفاة والطلاق ولها
الميراث في الوفاة والسكنى في العدة في الطلاق وفيمن رآه لها بالوفاة ولو مات الزوج الآخر لم ترثه
وكذلك لا يرثها لو ماتت، ولو ماتت امرأة المفقود والمفقود ولا يعلم أيهما مات أولا لم يتوارثا كما لم
يتوارث من خفى موته من أهل الميراث من القتلى والغرقى وغيرهم إلا بيقين أن أحدهما مات قبل الأول
فيرث الآخر الأول. ولو مات الزوج الأول والزوج الآخر ولا يعلم أيهما مات أولا بدأت فاعتدت أربعة
أشهر وعشرا لأنه النكاح الصحيح والعدة الأولى بالعقد الأول ثم اعتدت بعد ثلاث حيض تدخل
256

إحداهما في الأخرى لأنها وجبت عليها من وجهين مفترقين فلا يجزئها أن تأتي بإحداهما دون الأخرى
لأنهما في وقت واحد ولو كان الزوج الأول مات أولا فاعتدت شهرا أو أكثر ثم ظهر بها حمل فوضعت
حملها حلت من الذي حملت منه وهو الزوج الآخر فاعتدت من الأول أربعة أشهر وعشرا لأنها لا
تستطيع تقديم عدتها من الأول وعليها عدة حمل من الآخر (قال) ولكن لو مات الأول قبل فاعتدت
شهرا أو أكثر ثم رأت أن بها حملا قيل لها تربصي فإن تربصت وهي تراها حاملا ثم مرت بها أربعة
أشهر وعشرا وهي تحيض في ذلك وتراها تحيض على الحمل ثم حاضت ثلاث حيض وبان لها أن لا
حمل بها فقد أكملت عدتها منهما جميعا وليس عليها أن تستأنف عدة أخرى تحد فيها كما لو مات عنها
زوجها ولا تعلم هي حتى مرت أربعة أشهر وعشر قيل لها ليس عليك استئناف عدة أخرى. وهكذا لو
ماتا معا ولم تعلم حتى مضت أربعة أشهر وعشر وثلاث حيض بعد يقين موتهما معا لم تعد لعدة ولو مات
الزوج الآخر اعتدت منه ثلاث حيض فإن أكملتها ثم مات الأول اعتدت عدة الوفاة وإن لم تكملها
استقبلت عدة الوفاة (1) من يوم مات الآخر لأنها عدة صحيحة. ثم اعتدت حيضتين تكملة الحيض
التي قبلها من نكاح الآخر. ولو أن امرأة المفقود ماتت عند الزوج الآخر ثم قدم الأول أخذ ميراثها وإن
لم تدع شيئا لم يأخذ من المهر شيئا إذا لم يجد امرأته بعينها فلا حق له في مهرها فإن قال قائل: فهل قال
غيرك هذا؟ قيل: نعم وروى فيه شئ عن بعض السلف، وقد روى عن الذي روى عنه هذا أنه
رجع عنه فإن قال: فهل تحفظ عمن مضى مثل قولك في أن لا تنكح امرأة المفقود حتى تستيقن
موته؟ قلنا: نعم عن علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه أخبرنا يحيى بن حسان عن أبي عوانة عن
منصور عن أبي المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي رضى الله تعالى عنه أنه قال في
امرأة المفقود إنها لا تتزوج، أخبرنا يحيى بن حسان عن هشيم بن بشير عن سيار أبى الحكم عن علي
رضى الله تعالى عنه أنه قال في امرأة المفقود إذا قدم وقد تزوجت امرأته هي امرأته إن شاء طلق وإن
شاء أمسك ولا تخير، أخبرنا يحيى بن حسان عن جرير عن منصور عن الحكم أنه قال: إذا فقدت
المرأة زوجها لم تتزوج حتى تعلم أمره.
عدة المطلقة يملك زوجها رجعتها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا طلق الرجل المرأة طلاقا يملك فيه رجعتها ثم مات قبل أن
تنقضي عدتها اعتدت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا وورثت ولها السكنى والنفقة قبل أن يموت ما
كانت في عدتها إذا كان يملك رجعتها فإذا مات فلا نفقة لها: وليس عليها أن تجتنب طيبا ولا لها أن
تخرج من منزله ولو أذن لها وليس له منها ولا لها منه من نظر ولا من تلذذ ولا من خلوة شئ حتى
يراجعها وهي محرمة عليه تحريم المبتوتة حتى يراجعها، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه طلق
امرأته وهي في مسكن حفصة وكانت طريقه إلى المسجد فكان يسلك الطريق الأخرى من أدبار البيوت
كراهية أن يستأذن عليها حتى راجعها (قال الشافعي) أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء ما يحل

(1) قوله من يوم مات الاخر اي الزوج الاخر في الوفاة وهو في الحقيقة الزوج الأول وقوله تكملة الحيض ولعله
تكملة العدة الخ وقوله في حديث عطاء فضلا هو بضمتين اي في قميص واحد، فتنبه. كتبه مصححه.
257

للرجل من المرأة يطلقها؟ قال لا يحل له منها شئ ما لم يراجعها، أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن
عمرو بن دينار قال مثل ذلك، أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء وعبد الكريم قالا لا يراها فضلا
(قال الشافعي) أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت إن كان في نفسه ارتجاعها ما يحل له
منها قبل أن يراجعها وفي نفسه ارتجاعها؟ قال سواء في الحل إذا كن يريد ارتجاعها وإن لم يرده ما لم
يراجعها (قال الشافعي) وهذا كما قال عطاء إن شاء الله تعالى وإن أصابها في العدة فقال أردت
ارتجاعها وأقر أنه لم يشهد فقد أخطأ ولها عليه مهر مثلها بما أصاب منها وتعتد من مائة الآخر وتحصى
العدة من الطلاق الأول فإذا أكملت العدة من الطلاق لم يكن له عليها رجعة. وله عليها الرجعة ما لم
تكملها وتكمل عدتها من الإصابة الآخرة ولا تحل لغيره حتى تنقضي عدتها من الإصابة الآخرة وله هو
أن يخطبها في عدتها من مائة الآخر، ولو ترك ذلك كان أحب إلى (قال الشافعي) وأكره للمرأة يملك
زوجها رجعتها من التعريض للخلوة معه ما أكره للتي لا يملك رجعتها خوفا من أن يصيبها قبل أن
يرتجعها، فإذا طلق الرجل امرأته تطليقة فحاضت حيضة أو حيضتين ثم راجعها ثم طلقها قبل أن
يمسها ففيها قولان: أحدها أنها تعتد من الطلاق الأخير عدة مستقبلة. والقول الثاني أن العدة من
الطلاق الأول ما لم يدخل بها، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه سمع أبا
الشعثاء يقول تعتد من يوم طلقها. قال ابن جريج وعبد الكريم وطاوس وحسن بن مسلم يقولون تعتد
من يوم طلقها. وإن لم يكن مسها قال سعيد: يقولون طلاقه الآخر قال سعيد: وكان ذلك رأى ابن
جريج، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: أرى أن تعتد من يوم طلقها. (قال
الشافعي) وقد قال هذا بعض المشرقيين. وقد قال بعض أهل العلم بالتفسير، إن قول الله عز وجل
(وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) إنما نزلت في ذلك كان
الرجل يطلق امرأته ما شاء بلا وقت فيمهل المرأة حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها فإذا
شارفت انقضاء عدتها راجعها فنزل (الطلاق مرتان) أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه، قال كان
الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تقضى عدتها كان ذلك له وإن طلقها ألف مرة فعمد رجل
إلى امرأته فطلقها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها ارتجعها. ثم طلقها، قال: والله لا آويك إلى ولا
تحلين أبدا فنزل الله عز وجل (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) فاستقبل الناس
الطلاق جديدا من كان منهم طلق ومن لم يطلق. قال ومن قال هذا انبغى أن يقول إن رجعته إياها في
العدة مخالف لنكاحه إياها نكاحا جديدا مستقبلا. ثم يطلقها قبل أن يمسها وذلك أن حكمها في عدتها
حكم الأزواج في بعض أمرها. وإنما تستأنف العدة لأنه قد كان مس قبل الطلاق الذي أتبعه هذا
الطلاق فلزم فحكمه حكم الطلاق الواحد بعد الدخول وأي امرأة طلقت بعد الدخول اعتدت. ومن
قال هذا أشبه أن يلزمه أن يقول ذلك وإن لم يحدث لها رجعة فيقول إذا طلقها بعد الدخول واحدة
فحاضت حيضة أو حيضتين. ثم أتبعها أخرى استقبلت العدة من التطليقة الآخرة، وإن تركها حتى
تحيض حيضة أو حيضتين ثم طلقها استقبلت العدة من التطليقة الآخرة ولم يبال أن لا يحدث بين ذلك
رجعة ولا مسيسا، ومن قال هذا أشبه أن يحتج بأن الرجل يطلق امرأته فتحيض حيضة أو حيضتين
قبل أن يموت فإن كان طلاقا يملك فيه الرجعة اعتدت عدة وفاة وورثت كما تعتد التي لم تطلق وترث ولو
كان طلاقا لا يملك فيه الرجعة لم تعتد عدة وفاة ولم ترث إن طلقها صحيحا. ولو طلقها مريضا طلاقا
لا يملك فيه الرجعة فورثته لم تعتد عدة الوفاة لأنها غير زوجة وقد قيل في الرجل يطلق امرأته تطليقة
258

يملك فيها الرجعة أو تطليقتين ثم يرتجعها. ثم يطلقها أو يطلقها ولم يرتجعها العدة من الطلاق الأول ولا
تعتد من الطلاق الآخر لأن وإن ارتجعها فقد كانت حرمت عليه إلا بأن يرتجعها كما حرمت عليه في
الطلاق الذي لا يملك فيه الرجعة إلا بنكاح ولو نكحها ثم طلقها قبل أن يصيبها لم تعتد فكذلك لا
تعتد من طلاق أحدثه لها. وإن لزمها في العدة لم يحدث رجعة. ومن قال هذا ذهب إلى أن المطلق
كان إذا ارتجع في العدة ثبتت الرجعة لما جعل الله عز وجل في العدة له من الرجعة وإلى أن قول الله عز
وجل (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) لمن راجع ضرارا في العدة لا يريد حبس المرأة رغبة
ولكن عضلا عن أن تحل لغيره. وقد قال الله تعالى (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن
لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) فنهى عن إمساكهن للعضل ثم يطلقهن فذهب
إلى أن الآية قبل هذا يحتمل أن يكون نهى عن رجعتهن للعضل لا للرغبة وهذا معنى يحتمل الآية ولا
يجوز إلا واحد من القولين والله تعالى أعلم بالصواب.
عدة المشركات
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت اليهودية أو النصرانية تحت المسلم فطلقها أو مات عنها
فهي في العدة والسكنى والنفقة والاحداد مثل المسلمة لا خلاف بينهما وله عليها الرجعة في العدة كما
يكون له على المسلمة (قال) وهكذا المجوسية تحت المجوسي والوثنية تحت الوثني لأزواجهن عليهن من
الرجعة ما لزوج المسلمة وعليهن من العدد والاحداد ما على المسلمة لأن حكم الله تعالى على العباد
واحد فلا يحل لمسلم إذا تحاكم إليه مشرك أن يحكم له ولا عليه إلا يحكم الاسلام لقول الله عز وجل
لنبيه صلى الله عليه وسلم في المشركين (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) الآية (قال) والقسط
حكم الله تعالى الذي أنزل على نبيه. وقول الله تبارك وتعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع
أهواءهم، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) قال وأهواءهم يحتمل سبيلهم فأمره صلى
الله عليه وسلم أن لا يحكم الا بما أنزل الله إليه ولا يحل لمسلم أن يحكم إلا بحكم الله المنزل على نبيه صلى
الله عليه وسلم (قال) وإذا طلق المسلم النصرانية ثلاثا فانقضت عدتها فنكحت نصرانيا فأصابها أحلها
ذلك لزوجها المسلم ويحصنها لأنه زوج يحل له نكاحة ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم
يهوديين ومن سنته أن لا يرجم إلا محصنا فلو كانت إصابة الذمي لا تحصن المرأة لم يرجمها النبي صلى
الله عليه وسلم وإذا أحصنها أحلها مع إحلالها لأن الله عز وجل قال (حتى تنكح زوجا غيره) وأنه زوج
نكحها.
أحكام الرجعة
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال قال قال الله عز وجل (الطلاق
مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وقال (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن
أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن
أرادوا إصلاحا) (قال الشافعي) رحمه الله في قول الله عز وجل (إن أرادوا إصلاحا) فقال إصلاح
259

الطلاق الرجعة والله أعلم فمن أراد الرجعة فهي له لأن الله تبارك وتعالى جعلها له (قال الشافعي)
رحمه الله: فأيما زوج حر طلق امرأته بعد ما يصيبها واحدة أو اثنتين فهو أحق برجعتها ما لم تنقض
عدتها بدلالة كتاب الله عز وجل ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ركانة طلق امرأته البتة ولم يرد
إلا واحدة فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك عندنا في العدة والله تعالى أعلم (قال) وسواء
في هذا كل زوجة تحت حر مسلمة أو ذمية أو أمة (قال) وطلاق العبد اثنتان. فإذا طلق واحدة فهو
كالحر يطلق الحرة واحدة أو اثنتين ويملك من رجعتها بعد واحدة ما يملك الحر من رجعة امرأته بعد
انقضاء واحدة أو اثنتين والحر الكافر الذمي وغير الذمي في الطلاق والرجعة كالحر المسلم، فإذا انقضت
العدة فلا سبيل لزوج على امرأته إلا بنكاح جديد لأن الله عز وجل إذ جعل الرجعة له عليها في العدة
فبين أن لا رجعة عليها بعدها مع قول الله عز وجل (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في
أنفسهن بالمعروف).
كيف تثبت الرجعة
(قال الشافعي) رحمه الله لما جعل الله عز وجل الزوج أحق برجعة امرأته في العدة كان بينها أن
ليس لها منعه الرجعة ولا لها عوض في الرجعة بحال لأنها له عليها لا لها عليه ولا أمر لها فيما له دونها، فلما
قال الله عز وجل (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) كان بينها أن الرد إنما هو بالكلام دون الفعل من
جماع وغيره لأن ذلك رد بلا كلام فلا تثبت رجعة لرجل على امرأته حتى يتكلم بالرجعة كما لا يكون
نكاح ولا طلاق حتى يتكلم بهما فإذا تكلم بها في العدة ثبتت له الرجعة، والكلام بها أن يقول قد
راجعتها أو قد ارتجعتها أو قد رددتها إلى أو قد ارتجعتها إلى فإذا تكلم بهذا فهي زوجة، ولو مات أو
خرس أو ذهب عقله كانت امرأته، وإن لم يصبه من هذا شئ فقال لم أرد به رجعة فهي رجعة في
الحكم إلا أن يحدث طلاقا (قال) ولو طلقها فخرجت من بيته فردها إليه ينوي الرجعة أو جامعها ينوى
الرجعة أو لا ينويها ولم يتكلم بالرجعة لم تكن هذه رجعة حتى يتكلم بها (قال) وإذا جامعها بعد
الطلاق ينوي الرجعة أو لا ينويها فالجماع جماع شبهة لا حد عليهما فيه، ويعزر الزوج والمرأة إن كانت
عالمة، ولها عليه صداق مثلها، والولد لا حق وعليها العدة (قال الربيع) وفيها قول آخر إذا قال قد
رددتها إلى أنها لا تكون رجعة حتى ينوي بها رجعتها فإذا قال قد راجعتها أو ارتجعتها هذا تصريح
الرجعة كما لا يكون النكاح إلا بتصريح النكاح أن يقول قد تزوجتها أو نكحتها فهذا تصريح النكاح ولا
يكون نكاحا بأن يقول قد قبلتها حتى يصرح بما وصفت لأن النكاح تحليل بعد تحريم، وكذلك الرجعة
تحليل بعد تحريم فالتحليل بالتحليل شبيه فكذلك أولى أن يقاس بعضه على بعض ولا يقاس بالتحريم
بعد التحليل كما لو قال قد وهبتك أو اذهبي أو لا حاجة لي فيك أنه لا يكون طلاقا حتى ينوي به
الطلاق وهو لو أراد بقوله قد رددتك إلى الرجعة لم تكن رجعة ينوى به الرجعة (قال الشافعي) فإن
طلقها واحدة فاعتدت حيضتين ثم أصابها ينوي الرجعة فحكمنا أن لا رجعة إلا بكلام فإن تكلم
بالرجعة قبل أن تحيض الثالثة فهي رجعة وإن لم يتكلم بها حتى تحيض الثالثة فلا رجعة له عليها ولها
عليه مهر مثلها ولا تنكح حتى تكمل ثلاث حيض ولا تكون كالمرأة تعتد من رجلين فتبدأ عدتها من
الأول فتكملها ثم تستقبل للآخر عدة لأن تينك العدتين لحق جعل لرجلين وفي ذلك نسب يلحق
260

أحدهما دون الآخر وهذا حق لرجل واحد ونسب واحد لا يتنازع لمن كان منه ولد ولو طلقها فحاضت
حيضة ثم أصابها استأنفت ثلاث حيض من يوم أصابها وكانت له عليها الرجعة حتى تحيض حيضة
وتدخل في الدم من الحيضة الثالثة ثم لم يكن له عليها رجعة ولم تحل لغيره حتى ترى الدم من الحيضة
الثالثة من إصابته إياها وهي الرابعة من يوم طلقها وله عليها الرجعة ما بقي من العدة شئ وسواء علمت
بالرجعة أو لم تعلم إذا كانت تعلم فتمتنع من الرجعة فتلزمها لأن الله تعالى جعلها له عليها فعلمها
وجهالتها سواء وسواء كانت غائبة أو حاضرة أو كان عنها غائبا أو حاضرا (قال) وإن راجعها حاضرا
وكتم الرجعة أو غائبا فكتمها أو لم يكتمها فلم تبلغها الرجعة حتى مضت عدتها ونكحت دخل بها
الزوج الذي نكحته أ ولم يدخل فرق بينها وبين الزوج الآخر ولها مهر مثلها إن أصابها لا ما سمى لها ولا
مهر ولا متعة إن لم يصبها لأن الله عز وجل جعل للزوج المطلق الرجعة في العدة ولا يبطل ما جعل الله
عز وجل له منها بباطل من نكاح غيره ولا بدخول لم يكن يحل على الابتداء لو عرفناه كانا عليه
محدودين، وفي مثل معنى كتاب الله عز وجل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنكح الوليان
فالأول أحق لا استثناء في كتاب الله عز وجل ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل زوج آخر أو
لم يدخل ومن جعله الله عز ذكره ثم رسوله أحق بأمر فهو أحق به (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا الثقة
يحيى بن حسان عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن سعيد بن جبير عن علي
ابن أبي طالب رضي الله عنه في الرجل يطلق امرأته ثم يشهد على رجعتها ولم تعلم بذلك فنكحت قال
هي امرأة الأول دخل بها الآخر أو لم يدخل.
وجه الرجعة
(قال الشافعي) رحمه الله: ينبغي لمن راجع ان يشهد شاهدين عدلين على الرجعة لما أمر الله تعالى به
من الشهادة لئلا يموت قبل ان يقر بذلك أو يموت قبل أن تعلم الرجعة بعد انقضاء عدتها فلا يتوارثان إن
لم تعلم الرجعة في العدة، ولئلا يتجاحدا أو يصيبها فتنزل منه إصابة غير زوجة، ولو تصادقا أنه راجعها
ولم يشهد فالرجعية ثابتة عليها لأن الرجعة إليه دونها، وكذلك لو ثبت عليها ما كانت في العدة إذا
أشهد على أنه قال قد راجعتها فإذا مضت العدة فقال قد راجعتها وأنكرت فالقول قولها وعليه البينة أنه
قال قد راجعتها في العدة. والله تعالى الموفق.
ما يكون رجعة وما لا يكون
(قال الشافعي) وإذا قال الرجل لامرأته وهي في العدة من طلاقة إذا كان غد فقد راجعتك وإذا
كان يوم كذا وكذا فقد راجعتك وإذا قدم فلان فقد راجعتك وإذا فعلت كذا فقد راجعتك فكان كل
ما قال لم يكن رجعة، ولو قال لها إن شئت فقد راجعتك فقالت قد شئت لم تكن رجعة حتى يحدث
بعدها رجعة. وهذا مخالف قوله إن شئت فأنت طالق (قال الشافعي) وإذا قال الرجل لا مرأته إذا كان
أمس فقد راجعتك لم تكن رجعة بحال، ولو نوى إذا كان أمس يوم الاثنين فقد راجعتك لم يكن
رجعة وليس بأكثر من قوله لها إذا كان غد فقد راجعتك فلا يكون رجعة، ولو قال كلما طلقتك فقد
261

راجعتك لم يكن رجعة (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا قال لها في العدة قد راجعتك أمس أو يوم كذا
ليوم ماض بعد الطلاق كانت رجعة. وهكذا لو قال كنت راجعتك بعد الطلاق، ولو قال لها في
العدة قد راجعتك كانت رجعة. فإن وصل الكلام فقال فقد راجعتك بالمحبة أو راجعتك بالأذى
وراجعتك بالكرامة أو راجعتك بالهوان سئل فإذا أراد الرجعة وقال عنيت راجعتك بالمحبة منى لك أو
راجعتك بالأذى في طلاقك أو ما أشبه هذا كانت رجعة، وإن قال أردت قد رجعت إلى محبتك بعد
بغضك أو إلى أذاك كما كنت أو ما أشبه هذا لم يكن رجعة، وإذا طلق الأخرس امرأته بكتاب أو
إشارة تعقل لزمه الطلاق وكذلك إذا راجعها بكتاب له أو إشارة تعقل لزمتها الرجعة، وإذا مرض
الرجل فخبل لسانه فهو كالأخرس في الرجعة والطلاق وإذا أشار إشارة تعقل أو كتب كتابا لزمها
الطلاق وألزمت له الرجعة ولو لم يخبل ولكنه ضعف عن الكلام فأشار بطلاق أو برجعة إشارة تعقل أو
كتب كتابا يعقل كانت رجعة (1) حتى يعقل فيقول لم تكن رجعة فتبرأ منه بالطلاق الأول وكل زوج
بالغ غير مغلوب على عقله تجوز رجعته كما يجوز طلاقه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا تجوز
رجعة المغلوب على عقله كما لا يجوز طلاقه، ولو أن رجلا صحيحا طلق امرأته ثم خبل عقله بجنون أو
خبل أو برسام أو غيره ما يغلب على العقل غير المسكر ثم ارتجع امرأته في العدة لم تجز رجعته ولا تجوز
رجعته إلا في الحين الذي لو طلق جاز طلاقه، وإن كان يجن ويفيق فراجع في حال جنونه لم تجز
رجعته وإن راجع في حال إفاقته جازت رجعته، ولو اختلفا بعد مضى العدة فقالت راجعتني وأنت
ذاهب العقل ثم لم تحدث لي رجعة وعقلك معك حتى انقضت عدتي وقال بل راجعتك ومعي عقلي
فالقول قوله لأن الرجعة إليه دونها وهي في العدة تدعى إبطالها لا يكون لها إبطالها إلا ببينة
دعوى المرأة انقضاء العدة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا طلقت المرأة فمتى ادعت انقضاء العدة في مدة يمكن في
مثلها أن تنقض العدة فالقول قولها، ومتى ادعت انقضاء العدة في مدة لا يمكن في مثلها انقضاء
عدتها لم تصدق ولا تصدق إلا في مدة يمكن فيها انقضاء العدة والقول قوله إذا ادعيت ما لا يمكن مثله
بحال، ولو طلق رجل امرأته فقالت من يومها قد انقضت عدتي لم يقبل منها حتى تسأل: فإن قالت
قد أسقطت سقطا بان بعض خلقه أو ولدت ولدا ومات كان القول قولها إذا كان يلد مثلها فإن كانت
صغيرة لا يلد مثلها أو عجوزا لا يمكن في مثلها أن تلد لم تصدق بحال، ولو قالت قد انقضت عدتي
في يوم أو غيره سئلت فإن قالت حضت ثلاث حيض لم تصدق لأنه لا يحيض من النساء أحد ثلاث
حيض في مثل هذه المدة. وإن قالت قد حضت في أربعين ليلة ثلاث حيض وما أشبه هذا نظر. فإن
كانت المدعية لانقضاء عدتها في مثل هذه المدة تذكر قبل الطلاق أنها كانت تحيض هكذا وتطهر
صدقت في الحكم، وكذلك إن كان من نساء الناس من يذكر ما وصفت، وإن لم تكن هي ولا
واحدة من النساء تذكر مثل هذا لم تصدق، ومتى صدقتها في الحكم فلزوجها عليها اليمين بالله عز
وجل ولقد انقضت عدتها بما ذكرت من حيض وطهر أو سقط أو ولد، فإن حلفت برئت منه، وإن

(1) قوله: حتى يعقل الخ، كذا في النسخ ولعل الكلمة محرفة تأمل. كتبه مصححه.
262

نكلت أحلفته ما انقضت عدتها وجعلت له عليها الرجعة، وإذا صدقتها في الحكم بقولها قد انقضت
عدتي صدقتها به قبل ارتجاعه إياها وصدقتها إذا قال قد راجعتك اليوم فقالت انقضت عدتي أمس أو
في وقت من اليوم قبل الوقت الذي راجعها فيه إلا أن تقر بعد مراجعته إياها بأن لم تنقض عدتها ثم
تدعى انقضاء العدة فلا أصدقها لأن الرجعة قد ثبتت بإقرارها، وإن شاءت أن أحلفه لها ما علم عدتها
انقضت فعلت فإن حلف لزمتها الرجعة وإن نكل أحلفت على البت لقد انقضت عدتها فإن حلفت
فلا رجعة له عليها وإن نكلت فله عليها الرجعة، ولو قال لها راجعتك فقالت قد انقضت عدتي أو
قالت قد انقضت عدتي قبل أن تقول قد راجعتك في مدة يمكن فيها انقضاء عدتها ثم راجعها فقالت
قد كنت كذبت فيما ادعيت من انقضاء عدتي أو قالته قبل ان يراجعها فراجعها ثبتت عليها الرجعة، ولو
رجعت عن الاقرار بانقضاء العدة لم يسقط ذلك الرجعة وهي كمن جحد حقا عليه ثم أقر به، ولو
قالت قد انقضت عدتي ثم قالت كذبت لم تنقض عدتي ووهمت ثم قالت قد انقضت عدتي قبل أن
يرتجعها ثم ارتجعها لم يكن له عليها رجعة إلا بأن تكذب نفسها بعد الرجعة فتقول لم تنقض عدتي،
وإذا قالت قد انقضت عدتي في مدة لا تنقضي عدة امرأة في مثلها فأبطلت قولها ثم جاءت عليها مدة
تنقضي العدة في مثلها وهي ثابتة على قولها الأول قد انقضت عدتي فعدتها منقضية لأنها مدعية
لانقضاء العدة في الحالين معا، ولو طلق الرجل امرأته ثم قال أعلمتني بأن عدتها قد انقضت ثم
راجعها لم يكن هذا إقرارا بأن عدتها قد انقضت لأنها قد تكذبه فيما أعلمته وتثبت الرجعة إذا قالت
المرأة لم تنقض عدتي، وإن قال قد انقضت عدتها وقالت هي قد انقضت عدتي ثم قال كذبت لم
يكن له عليها رجعة لأنه أقر بانقضاء عدتها وكذلك لو صدقها بانقضاء العدة ثم كذبها لم يكن له عليها
رجعة.
الوقت الذي تكون له الرجعة بقوله
(قال الشافعي) وإذا قال الرجل وامرأته في العدة قد راجعتها اليوم أو أمس أو قبله في العدة
وأنكرت فالقول قوله إذا كان له أن يراجعها في العدة فأخبر أن قد فعل بالأمس كان كابتدائه الفعل
الآن، ولو قال بعد مضى العدة قد راجعتك في العدة وأنكرت كان القول قولها وعليه البينة أنه قد صدقته فالرجعة ثابتة. فإن
كذبته بعد التصديق أو كذبته قبل التصديق ثم صدقته كانت الرجعة، ثابتة، وهكذا لو كانت زوجته أمة
فصدقته كانت كالحرة في جميع أمرها، ولو كذبه مولاها لم أقبل قوله لأن التحليل بالرجعة والتحريم
بالطلاق فيها، ولها ولو كانت المرأة صبية لم تحض أو معتوهة مغلوبة على عقلها فقال زوجها بعد انقضاء
عدتها قد راجعتها في العدة لم يصدق إلا ببينة تقوم له، ولو صدقته لأنها ممن لا فرض له عليها،
وكذلك لو صدقه وليها أباها كان أو غيره لم أقبل ذلك، ولو كانت صحيحة فعرض لها مرض
أذهب عقلها ثم قال بعد انقضاء عدتها قد كنت راجعتها في العدة لم تكن زوجته فإذا أفاقت فصدقته
كانت زوجته بالاقرار وكانت الرجعة عليها ثابتة، وإذا دخل الرجل بالمرأة فقال قد أصبتها وطلقتها
وقالت لم يصبني فالقول قولها ولا رجعة له عليها، ولو قالت قد أصابني وقال لم أصبها فعليها العدة
بإقرارها أنها عليها لا تحل للأزواج حتى تنقضي عدتها ولا رجعة له عليها بإقراره أن لا عدة له عليها،
263

ويسعه فما بينه وبين الله عز وجل أن يراجعها إن علم أنه كذب ويسعها فيما بينها وبين الله تعالى إن
علمت أنها كذبت بادعائها بالإصابة أن تنكح قبل أن تعتد لأنه لا عدة عليها، فأما الحكم فكما
وصفت، وسواء في هذا أغلق عليها بابا أو أرخى سترا أو لم يغلقه أو طال مقامه معها أو لم يطل لا تجب
عليها العدة ولا يكمل لها إذا طلقت إلا بالوطئ نفسه، وإذا اختلفا في الوطئ فالقول قول الزوج
لأنه يؤخذ منه فضل الصداق، وإذا طلق الرجل امرأته فقال بعد انقضاء عدتها قد راجعتك في العدة
وأنكرت فحلفت ثم تزوجت ودخل بها أو لم يدخل ثم أقام شاهدين أنه قد راجعها في العدة فسخ
نكاحها من الآخر وكانت زوجة الأول الذي راجعها في العدة وأمسك عنها في العدة وأمسك عنها حتى تعتد من الآخر إن
كان أصابها فإن لم يكن أصابها لم يمسك عنها، وإن ماتت أو مات وهي في العدة من الآخر توارثا ولو
كانت المسألة بحالها وكذبته ونكحت زوجا غيره ثم صدقت الزوج الأول أنه راجعها في العدة لم تصدق
على إفساد نكاح الزوج الآخر ولم يفسخ نكاحها إلا ببينة تقوم على رجعة الزوج الأول في العدة (قال
أبو يعقوب البويطي والربيع) وله عليها صداق مثلها بإقرارها أنها أتلفت نفسها عليه (قال الشافعي) في
قول الله تبارك وتعالى " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف " إذا
شارفن بلوغ أجلهن فراجعوهن بمعروف أو أو دعوهن تنقضي عددهن بمعروف. ونهاهم أن يمسكوهن
ضررا ليعتدوا ولا يحل إمساكهن ضرارا.
نكاح المطلقة ثلاثا
(قال الشافعي) أي امرأة حل ابتداء نكاحها فنكاحها حلال متى شاء من كانت تحل له وشاءت
إلا امرأتان الملاعنة فإن الزوج إذا التعن لم تحل له أبدا بحال والحجة في الملاعنة مكتوبة في كتاب
اللعان. والثانية المرأة يطلقها الحر ثلاثا فلا تحل له حتى يجامعها زوج غيره لقول الله عز وجل في المطلقة
الثالثة " فإن طلقها فلا تحل من بعد حتى تنكح زوجا غيره " قال: فاحتملت الآية حتى يجامعها زوج
غيره ودلت على ذلك السنة فكان أولى المعاني بكتاب الله ما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن المسور بن رفاعة القرضي عن الزبير أن
رفاعة طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فنكحها عبد الرحمن
بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول الذي
كان طلقها فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فنهاه أن يتزوجها فقال " لا تحل لك حتى تذوق العسيلة "
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن شهاب عن عروة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه
وسلم سمعها تقول جاءت امرأة رفاعة القرضي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت انى كنت عند رفاعة
القرضي فطلقني فبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فتبسم النبي
صلى الله عليه وسلم وقال " أتردين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتك "
قالت وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم وخالد بن سعيد ابن العاص بالباب ينتظر أن يؤذن له
فنادى يا أبا بكر ألا تسمع ما تجهر به هذه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فإذا
تزوجت المطلقة ثلاثا زوجا صحيح النكاح فأصابها ثم طلقها فانقضت عدتها حل لزوجها الأول ابتداء
نكاحها لقول الله عز وجل " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح
264

عليها أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله " الآية وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة " لا
ترجعي إلى رفاعة حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " يعنى يجامعك (قال) وإذا جامعها الزوج ثم
مات عنها حلت للزوج المطلقها ثلاثا كما تحل له بالطلاق لأن الموت في معنى الطلاق بافتراقهما بعد
الجماع أو أكثر، وهكذا لو نكحها زوج فأصابها ثم بانت منه بلعان أو ردة أو غير ذلك من الفرقة،
وهكذا كل زوح نكحها عبدا أو حرا إذا كان نكاحه صحيحا وأصابهما، وفى قول الله تعالى " أن
يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله " والله تعالى أعلم بما أراد. أما الآية فتحتمل إن أقاما الرجعة لأنها من
حدود الله تعالى هذا يشبه قول الله تعالى " وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا " أي
اصلاح ما أفسدوا بالطلاق بالرجعة فالرجعة ثابتة لكل زوج غير مغلوب على عقله إذا أقام الرجعة
وإقامتها أن يتراجعا في العدة التي جعل الله عز ذكره له عليها فيها الرجعة (قال) وأحب لهما أن ينويا
إقامة حدود الله تعالى فيما بينهما وغيره من حدود الله تبارك اسمه
الجماع الذي تحل به المرأة لزوجها
(قال الشافعي) إذا جامع المطلقة ثلاثا زوج بالغ فبلغ إن تغيب الحشفة في فرجها فقد ذاق عسيلتها
وذاقت عسيلته ولا تكون العسيلة إلا في القبل وبالذكر وذلك يحلها لزوجها الأول إذا فارقها
هذا ويوجب عليها الغسل والحد لو كان هذا زنا وسواء كان الذي أصابها قوى الجماع أو ضعيفه لا يدخله
إلا بيده إذا بلغ هذا منها، وكذلك لو استدخلته هي بيدها، وإن كان غير مراهق لم يحلها جماعه لأنه
لا يقع موقع جماع الكبير ولا يجوز أن يقال غير هذا، ولو جاز جاز أن يقال لا يحلها إلا من تشتهى
جماعه ويكون مبالغا فيه قويا، وإن كان الزوج صبيا فكان جماعه يقع موقع الكبير بأن يكون مراهقا
يغيب ذلك منه في ذلك منها أحلها وكذلك إن كان خصيا غير مجبوب أو مجبوبا بقي له ما يغيبه فيها
بقدر ما تغيب حشفة غير الخصي أحلها ذلك إن كانت بكرا فلا يحلها إلا ذهاب
العذرة وذلك أنه لا يبلغ هذا منها إلا ذهبت العذرة وسواء في ذلك كل زوج جائز النكاح من عبد
ومكاتب وحر وكل زوجة حرة ومملوكة وذمية بالغ إذا كان يجامع مثلها ولو أصابها في دبرها
فبلغ ما شاء منها لم تحلها تلك الإصابة لأنها ليست موضع العسيلة التي دل رسول الله صلى الله عليه وسلم
على أنها تحلها ولو أفضاها زوجها حلت بالافضاء لأن الافضاء لا يكون إلا ببلوغ ما يحلها ومجاوزته
وهكذا الذمية تكون عند المسلم فيطلقها ثلاثا فينكحها الذمي فبلغ هذا منها وكذلك لو كانت الزوجة
مغلوبة على عقلها أو الزوج مغلوبا على عقله أو هما معا فجامعها أحلها ذلك الزوج ولو نكحها الذمي
نكاحا صحيحا فأصابها كان يحلها من جماعه للمسلم ما يحلها من جماع زوج مسلم لو نال ذلك منها لأنه
زوج وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا و إنما يرجم المحصنين ولا يحلها إلا زوج
صحيح النكاح وأصل معرفة هذا أن ينظر إلى كل زوج إذا انعقد نكاحه لا ينفسخ بفساد عقد وإن
انفسخ بعد لمعنى فأصابها فهو يحلها وإن كان أصل نكاحه غير ثابت عند العقد فلا تحلها إصابته لأنه
غير زوج، فإذا نكحها مملوك فعتقت فاختارت فراقه وقد أصابها أحلها لأن عقده كان ثابتا وكذلك
الأمة ينكحها الحر ثم يملكها، والحرة ينكحها العبد فتملكه فينفسخ النكاح في الحالين وتحلها إصابته
قبل الفسخ وكذلك الأجذم والأبرص والمجنون ينكح المرأة فيصيبها تحلها إصابته ولو اختارت فسخه إذا كانت
الإصابة قبل الفسخ ولو أصابها أحد هؤلاء قبل اختيارها لفسخ نكاحه أحلتها الإصابة لأنها كانت وهي
265

زوجة وكذلك الزوجان يصيبها الزوج ثم يرتد أحدهما بعد الإصابة تحلها تلك الإصابة لأنه كان زوجها
ولو كانت الإصابة بعد ردة أحدهما أو ردتهما معا لم تحلها ولو رجع المرتد منهما إلى الاسلام بعد لأن
الإصابة كانت والمرأة موقوفة على العدة محرمة في حالها تلك بكل حال عليه ولو أصاب المرأة زوجها
وهي محرمة أو صائمة أو حائض أو هو محرم أو صائم كان مسيئا وأحلها ذلك لزوجها الذي طلقها ثلاثا
لأنه لا محرم عليه من المرأة في هذه الحال إلا الجماع للعلة التي فيه أو فيها ويقع ظهاره وإيلاؤه وطلاقه
وبينها وبينه ما بين الزوجين ويحل له أن يراها حاسرا وليس هكذا الزوجان يرتد أحدهما وإذا نكح الحر
الأمة وهو لا يجد طولا لحرة ويخاف العنت فأصابها أحلها ذلك ولو نكحها وهو يجد طولا أو لا يجد
طولا ولا يخاف العنت لم تحلها إصابته، وإذا نكح الرجل نكاحا فاسد بأي وجه كان فأصاب لم
يحلها ذلك لزوجها وذلك أن ينكحها متعة أو محرمة أو ينكحها نكاح شغار أو ينكحها بغير ولى أو أي
نكاح فسخه في عقده لم يحلها الجماع فيه لأنه ليس بزوج ولا يقع عليها طلاقه ولا ما بين الزوجين والعبد
في هذا مثل الحر إلا أن العبد إذا طلق اثنتين فقد أتى على جميع طلاقه وهما له كالثلاث للحر وسواء
طلق الحر ثلاثا في مقام أو متفرقة لأنه قد جاء على جميع طلاقه وكذلك العبد في الاثنتين وطلاق الحر
لزوجته أمة وحرة وكتابية ثلاث وطلاق العبد لزوجته اثنتان الطلاق للرجال والعدة على النساء، ولو
طلق رجل امرأة لم يدخل بها واحدة ثم أتبعها طلاقا لم يقع عليها إلا الأولى وإن نكحت بعده زوجا
وأصابها من نكحها فهي عنده على ما بقي من الطلاق.
ما يهدمه الزوج من الطلاق وغيره
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تعالى في المطلقة الثالثة (فإن طلقها فلا تحل له من بعد
حتى تنكح زوجا غيره) فعل حكم المطلقة ثلاثا محرمة بكل حال على مطلقها ثلاثا إلا بأن يصيبها
زوج غير مطلقها فإذا طلقت المرأة ثلاثا فأصابها زوج غير مطلقها سقط حكم الطلاق الأول وكان
لزوجها الذي طلقها ثلاثا إذا طلقها زوجها الذي أصابها أو مات عنها أن ينكحها فإذا نكحها كان
طلاقه إياها مبتدأ كهو حين ابتدأ نكاحها قبل أن يطلقها لا يحرم عليه نكاحه حتى يطلقها ثلاثا فإذا
فعل عادت حراما عليه بكل وجه حتى يصيبها زوج غيره ثم هكذا أبدا كلما أتى على طلاقها ثلاثا
حرمت عليه حتى يصيبها زوج غيره ثم حلت له بعد إصابة زوج غيره وسقط طلاق الثلاث وكانت
عنده لا تحرم عليه حتى يطلقها ثلاثا وإذا هدم الزوج طلاق الثلاث كله فكذلك إن كان آلى منها في
ملك ثم طلقها ثلاثا سقط الايلاء حيت لا يكون له به طلاق أبدا إذا تناكحا وإذا أصابها الزوج الذي
آلى منها في ملك نكاح بعد زوج كفر كفارة يمين وإن لم يصبها لم يوقف وقف الايلاء.
ما يهدم الزوج من الطلاق وما لا يهدم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن طلقها الزوج واحدة أو اثنتين فنكحها زوج غيره وأصابها ثم
بانت منه فنكحها الزوج الأول بعد كانت عنده على ما بقي من طلاقها كهى قبل يصيبها زوج غيره
يهدم الزوج المصيبها بعده الثلاث ولا يهدم الواحدة والثنتين، فإن قال قائل فقد قال غيرك إذا هدم
266

الثلاث هدم الواحدة والثنتين فكيف لم تقل به؟ قيل إن شاء الله تعالى استدلالا موجودا في حكم الله
عز وجل فإن قال وأين؟ قيل قال الله عز وجل (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)
وقال: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى دل
حكم الله عز وجل على الفرق بين المطلقة واحدة واثنتين والمطلقة ثلاثا وذلك أنه أبان أن المرأة يحل
لمطلقها رجعتها من واحدة واثنتين فإذا طلقت ثلاثا حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره فلما لم يكن
لزوج غيره حكم يحلها لمطلقها واحدة واثنتين إلا لأنها حلال إذا طلقت واحدة أو اثنتين قبل الزوج كان
معنى نكاحه وتركه النكاح سواء ولما كانت المطلقة ثلاثا حراما على مطلقها الثلاث حتى تنكح زوجا
غيره فكانت إنما تحل في حكم الله تبارك وتعالى اسمه بنكاحه كان له حكم بين أنها محرمة حتى ينكحها
هذا الزوج الآخر فلم يجز أن يقاس ماله حكم بما لا حكم له وكان أصل الامر أن المحرم إنما يحل للمرء
بفعل نفسه كما يحرم عليه الحلال بفعل نفسه فلما حلت المطلقة ثلاثا بزوج غيره بعد مفارقتها نساء أهل
الدنيا في هذا الحكم لم يجز أن يكون الزوج في غير الثلاث في هذا المعنى وكان في المعنى أنه لا يحل
نكاحه للزوج المطلق واحدة واثنتين ولا يحرم شيئا لأن المرأة لم تحرم فتحل به وكان هو غير الزوج ولا
يحل له شئ بفعل غيره ولا يكون لغيره حكم في حكمه إلا حيث جعله الله عز وجل الموضع الذي
جعله الله تعالى مخالفا لهذا فلا يجوز أن يقاس عليه خلافه، فإن قال فهل قال هذا أحد غيرك؟ قيل نعم
أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار
أنهم سمعوا أبا هريرة يقول سألت عمر بن الخطاب عن رجل من أهل البحرين طلق امرأته تطليقة أو
تطليقتين ثم انقضت عدتها فتزوجها رجل غيره ثم طلقها أو مات عنها ثم تزوجها زوجها الأول قال
هي عنده على ما بقي (قال الشافعي) رحمه الله وإذا طلقت المرأة ثلاثا فنكحت زوجا فادعت أنه
أصابها وأنكر الزوج أحلها ذلك الزوج لزوجها المطلقها ثلاثا ولم تأخذ من الذي أنكر إصابتها إلا نصفا
تصدق على ما تحل به ولا تصدق على ما تأخذ من مال زوجها وهكذا لو لم يعلم الزوج الذي يطلقها
ثلاثا أنها نكحت فذكرت انها نكحت نكاحا صحيحا وأصيبت حلت له إذا جاءت عليها مدة يمكن
فيها القضاء عدتها منه ومن الزوج الذي ذكرت أنه أصابها ولو كذبها في هذا كله ثم صدقها كان له
نكاحها والورع أن لا يفعل إذا وقع في نفسه أنها كاذبة حتى يجد ما يل على صدقها ولو أن رجلا
شك في طلاق امرأته فلم يدر أطلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثا فنكحت زوجا غيره فأصابها ثم طلقها
فنكحها الزوج الأول، ثم طلقها واحدة أو اثنتين فقالت قد أتى على جميع طلاقي لأنه لم يطلقني إلا
واحدة أو اثنتين قبل نكاحي الزوج الآخر الذي نكحني بعد فراقك أو قاله بعض أهلها ولم تقله وأقر
الزوج بأنه لم يدر أطلقها قبل نكاحها الزوج الآخر واحدة أو اثنتين أو ثلاثا قيل له هي عندك على ما بقي من
الطلاق فإن استيقن إنه طلقها قبل نكاحها الزوج واحدة فطلقها في هذا الملك واحدة أو اثنتين بنى على
الطلاق الأول فإذا استكملت ثلاثا بالطلاق الذي قبل الزوج والطلاق الذي بعده فقد حرمت عليه حتى تنكح
زوجا غيره وأجعلها تعتد في الطلاق الأول ما يستيقن وتطرح ما يشك فيه ولو قال بعد ما قال أشك في ثلاث
أنا استيقن أني طلقتها قبل الزوج ثلاثا أحلف على ذلك وكان القول قوله.
من يقع عليه الطلاق من النساء
قال الله تبارك وتعالى (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن) وقال (إذا طلقتم النساء فطلقوهن
267

لعدتهن) وقال عز وجل (للذين يؤلون من نسائهم) وقال (الذين يظاهرون منكم من نسائهم) وقال
(ولكم نصف ما ترك أزواجكم) وقال عز وجل (ولهن الربع مما تركتم) مع ما ذكر به الأزواج ولم أعلم
مخالفا في أن أحكام الله تعالى في الطلاق والظهار والايلاء لا تقع إلا على زوجة ثابتة النكاح يحل
للزوج جماعها وما يحل للزوج من امرأته إلا أنه محرم الجماع في الاحرام والمحيض وما أشبه ذلك حتى
ينقضى ولا يحرم أن ينظر منها إلى ما لا ينظر إليه غيره ولم أعلم مخالفا في أن الميراث بين الزوجين لا يكون
إلا في نكاح صحيح وأن يكون دينا الزوجين غير مختلفين ويكونا حرين فكل نكاح كان ثابتا وقع فيه
الطلاق وكل من وقع عليه الطلاق من الأزواج وقع عليه الظهار والايلاء وكيفما كان الزوجان حرين أو
عبدين أو أحدهما حر والآخر عبد أو مكاتب أو مدبر أو لم تكمل فيه الحرية ويحل لأي زوج وزوجة
ويقع الميراث بين كل حرين من الأزواج مجتمعي الدين فكل اسم نكاح كان فاسد لم يقع فيه شئ
من هذا الاطلاق ولا غيره لأن هذين ليسا من الأزواج وجميع ما قلنا أن نكاحه مفسوخ من نكاح
الرجل المرأة بغير ولى ولا سلطان أو أن ينكحها ولى بغير رضاها رضيت بعد أو لم ترض فالعقد فاسد لا
نكاح بينهما، وكذلك لو كان هو الزوج ولم ترض لم يكن زوجا بذلك النكاح وإن رضى، وكذلك
المرأة لم تبلغ يزوجها غير أبيها والصبي لم يبلغ يزوجه غير أبيه، وكذلك نكاح المتعة وما كان في معناه
ونكاح المحرم، وكذلك الرجل ينكح أخت امرأته وأختها عنده أو خامسة، والعبد لم تكمل فيه الحرية
ينكح ثالثة والحر يجد الطول فينكح أمة والحر والعبد ينكحان أمة كتابية وما كان في هذا المعنى مما يفسخ
نكاحه وما كان أصل نكاحه ثابتا فهو يتفرق بمعنيين. أحدهما: هكذا لا يخالفه وذلك الرجل الحر لا
يجد طولا فينكح أمة ثم يملكها فإذا تم له ملكها فسد النكاح ولم يقع عليها شئ مما يقع على الأزواج من
طلاق ولا غيره، وذلك أن الله عز وجل يقول (والذين هم لفروجهم حافظون * الا على أزواجهم أو
ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) فلم يحل الجماع إلا بنكاح أو ملك وحكم أن يقع في النكاح ما
وصفنا من طلاق يحرم به الحلال من النكاح وغيره وحكم في الملك بأن يقع من المالك فيه العتق
فيحرم به الوطئ بالملك، وفرق بين إحلالهما وتحريمهما فلم يجز أن يوطأ الفرج إلا بأحدهما دون الآخر فلما
ملك امرأته فحالت عن النكاح إلى الملك انفسخ النكاح (قال الربيع) يريد بأحدهما دون الآخر أنه لا
يجوز أن تكون امرأته وهو يملكها أو بعضها حتى يكون ملك وحده بكماله أو التزويج وحده بكماله (قال
الشافعي) رحمه الله: وكذلك إذا ملك منها شقصا وإن قل لأنها خرجت من أن تكون زوجته لو قذفها
ولم تحل له بالملك حتى يستكمل بملكها، وهكذا المرأة تملك زوجها ولا يختلف الملك بين الزوجين بأي
وجه ما كان الملك ميراثا أو هبة أو صدقة أو غير ذلك، وهكذا البيع إذا تم كله، وتمام الميراث أن
يموت الموروث قبضه الوارث أو لم يقبضه قبله أو لم يقبله لأنه ليس له رده، وتمام الهبة أو الصدقة أن
يقبلها الموهوب له والمصدق عليه ويقبضها، وتمام الوصية أن يقبلها الموصى له وإن لم يقبضها
وتمام البيع أن لا يكون فيه شرط حتى يتفرقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه، وما لم يتم البيع
والصدقة والهبة فلو أن رجلا وهبت له امرأته أو اشتراها أو تصدق بها عليه فلم يقبض الموهوب له ولا
المصدق عليه ولم يفارق البيعان مقامهما الذي تبايعا فيه ولم يخير أحدهما صاحبه بعد البيع فيختار البيع لم
يكن له أن يطأ امرأته بالنكاح لأنه له فيها شبها بملك حتى يرد الملك فتكون زوجته بحالها أو يتم الملك
فينفسخ النكاح ويكون له الوطئ بالملك، وإذا طلقها في حال الوقف أو تظاهر أو آلى منها وقف ذلك
268

فإن رد الملك وقع عليها الطلاق والايلاء وما يقع بين الزوجين (1) وإن لم يتم ملكه فيها بالعقد الأول من
الصدقة أو الهبة أو البيع سقط ذلك كله عنه لأنا علمنا حين تم البيع أنها غير زوجة حين أوقع ذلك
عليها، فإذا عتقت الأمة عند العبد فلها الخيار فإن أوقع عليها الطلاق بعد العتق قبل الخيار فالطلاق
موقوف فإن ثبتت عنده وقع وإن فسخت النكاح سقط. والوجه الثاني: أن يكون الزوجان مشركين
وثنيين فيسلم الزوج أو الزوجة فيكون النكاح موقوفا على العدة فإن أسلم المتخلف عن الاسلام منهما كان
النكاح ثابتا وإن لم يسلم حتى تمضى العدة كان النكاح مفسوخا وما أوقع الزوج في هذه الحال على
امرأته من طلاق أو ما يقع بين الزوجين فهو موقوف فإن ثبت النكاح بإسلام المتخلف منهما وقع وإن
انفسخ النكاح بأن لم يسلم المتخلف عن الاسلام منهما سقط وكل نكاح أبدا يفسد من حادث من
واحد من الزوجين أو حادث في واحد منهما ليس بطلاق من الزوج فهو فسخ بلا طلاق.
الخلاف فيما يحرم بالزنا
(قال الشافعي) رحمه الله: أما الرجل يزنى بامرأة أبيه أو امرأة ابنه فلا تحرم واحدة منهما على
زوجها بمعصية الآخر فيها، ومن حرمها على زوجها بهذا أشبه أن يكون خالف حكم الله تعالى لأن الله
عز وجل جعل التحريم بالطلاق إلى الأزواج فجعل هذا إلى غير الزوج أن يحرم عليه امرأته أو إلى المرأة
نفسها أن تحرم نفسها على زوجها، وكذلك الزوج يزنى بأم امرأته أو بنتها لا تحرم عليه امرأته ومن حرم
عليه أشبه أن يدخل عليه أن يخالف حكم الله تعالى في أن الله حرمها على زوجها بطلاقه إياها فزنى
زوجها بأمها فلم يكن الزنا طلاقا لها ولا فعلا يكون في حكم الله جل ثناؤه ولا في سنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم تحريما لها وكان فعلا كما وصفت وقع على غيرها فحرمت به فقال قولا مخالفا للكتاب محالا
بأن يكون فعل الزوج وقع على غيرها فحرمت به امرأته عليه وذكر الله عز وجل ما من به على العباد
فقال (فجعله نسبا وصهرا) فحرم بالنسب الأمهات والأخوات والعمات والخالات ومن سمى، وحرم
بالصهر ما نكح الآباء وأمهات النساء وبنات المدخول بهن منهن فكان تحريمه بأنه جعله للمحرمات على
من حرم عليه حقا ليس لغيرهن عليهن وكان ذلك منا منه بما رضى من حلاله، وكان من حرمن عليه
لهن محرما يخلو بهن ويسافر ويرى منهن ما لا يرى غير المحرم، وإنما كان التحريم لهن رحمة لهن ولمن
حرمن عليها ومنا عليهن وعليهم لا عقوبة لواحد منهما، ولا تكون العقوبة فيما رضى ومن حرم بالزنا الذي
وعد الله عليه النار حد عليه فاعله وقرنه مع الشرك به وقتل النفس التي حرم الله أحال العقوبة إلى أن
جعلها موضع رحمة. فمن دخل عليه خلاف الكتاب فيما وصفت وفي أن الله تعالى حين حكم الأحكام
بين الزوجين من اللعان والظهار والايلاء والطلاق والميراث كان عندنا وعنده على النكاح الصحيح فإذا زعمنا
أن الذي أراد الله عز وجل بأحكامه في النكاح ما صح وحل فكيف جاز له أن يحرم بالزنا وهو حرام غير نكاح
ولا شبهة.
من لا يقع طلاقه من الأزواج
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يقع طلاق من لزمه فرض الصلاة والحدود، وذلك كل بالغ من

(1) كذا في النسخ، ووجهه " وان تم " باسقاط النافي تأمل.
269

الرجال غير مغلوب على عقله لأنه إنما خوطب بالفرائض من بلغ لقول الله تعالى (وإذا بلغ الأطفال
منكم الحلم فليستأذنوا) ويقول الله تبارك وتعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم
رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) ولان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز ابن عمر في القتال ابن خمس
عشرة ورده ابن أربع عشرة، ومن غلب على عقله بفطرة خلقة أو حادث علة لم يكن سببا لاجتلابها
على نفسه بمعصية لم يلزمه الطلاق ولا الصلاة ولا الحدود وذلك مثل المعتوه والمجنون والموسوس والمبرسم
وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوبا على عقله. فإذا ثاب إليه عقله فطلق في حاله تلك أو
أتى حدا أقيم عليه ولزمته الفرائض، وكذلك المجنون يجن ويفيق. فإذا طلق في حال جنونه لم يلزمه وإذا طلق
في حال إفاقة لزمه وإن شهد شاهدان على رجل أنه طلق امرأته فقال طلقت في حال جنوني أو مرض غالب
على عقلي فإن قامت له بينة على مرض غلب على عقله في الوقت الذي طلق فيه سقط طلاقه
وأحلف ما طلق وهو يعقل، وإن قالت امرأته قد كان في يوم كذا في أول النهار مغلوبا على عقله وشهد
الشاهدان على الطلاق فأثبتا أنه كان يعقل حين طلق لزمه الطلاق لأنه قد يغلب على عقله في اليوم
ويفيق وفي الساعة ويفيق، وإن لم يثبت شاهدا الطلاق أنه كان يعقل حين طلق أو شهد الشاهدان
على الطلاق وعرف أن قد كان في ذلك اليوم مغلوبا على عقله أحلف ما طلق وهو يعقل والقول قوله،
وإن شهدا عليه بالطلاق ولم يثبتا أيعقل أم لا؟ وقال هو كنت مغلوبا على عقلي فهو على أنه يعقل حتى
يعلم ببينة تقوم أنه قد كان في مثل ذلك الوقت يصيبه ما يذهب عقله أو يكثر أن يعتريه ما يذهب عقله
في اليوم والأيام فيقبل قوله لأن له سببا يدل على صدقه.
طلاق السكران
(قال الشافعي) رحمه الله: ومن شرب خمرا أو نبيذا فأسكره فطلق لزمه الطلاق والحدود كلها
والفرائض ولا تسقط المعصية بشرب الخمر والمعصية بالسكر من النبيذ عنه فرضا ولا طلاقا. فإن قال
قائل: فهذا مغلوب على عقله والمريض والمجنون مغلوب على عقله؟ قيل المريض مأجور ومكفر عنه
بالمرض مرفوع عنه القلم إذا ذهب عقله، وهذا آثم مضروب على السكر غير مرفوع عنه القلم فكيف
يقاس من عليه العقاب بمن له الثواب؟ والصلاة مرفوعة عمن غلب على عقله ولا ترفع عن السكران.
وكذلك الفرائض من حج أو صيام أو غير ذلك، ومن شرب بنجا أو حريفا أو مرقدا ليتعالج به من
مرض فأذهب عقله فطلق لم يلزمه الطلاق من قبل أن ليس في شئ من هذا أن نضربهم على شربه في
كتاب ولا سنة ولا إجماع فإذا كان هكذا كان جائزا أن يؤخذ الشئ منه للمنفعة لا لقتل النفس ولا
إذهاب العقل. فإن جاء منه قتل نفس أو إذهاب عقل كان كالمريض يمرض من طعام وغيره وأجدر
أن لا يأثم صاحبه بأنه لم يرد واحدا منها كما يكون جائزا له بط الجرح وفتح العرق والحجامة وقطع
العضو رجاء المنفعة وقد يكون من بعض ذلك سبب التلف ولكن الأغلب السلامة وأن ليس يراد ذلك
لذهاب العقل ولا للتلذذ بالمعصية.
طلاق المريض
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ملك الله تعالى الأزواج الطلاق، فمن طلق من الأزواج وهو
270

بالغ غير مغلوب على عقله جاز طلاقه لأنه تحريم لامرأته بعد أن كانت حلالا له فسواء كان صحيحا
حين يطلق أو مريضا فالطلاق واقع، فإن طلق رجل امرأته ثلاثا أو تطليقة لم يبق له عليها من الطلاق
غيرها أو لا عنها وهو مريض فحكمه في وقوع ذلك على الزوجة وتحريمها عليه حكم الصحيح، وكذلك
إن طلقها واحدة ولم يدخل بها، وكذلك كل فرقة وقعت بينهما ليس للزوج عليها فيها رجعة بعد
الطلاق فإن لم يصح الزوج حتى مات فقد اختلف في ذلك أصحابنا منهم من قال لا ترثه وذهب إلى
أن حكم الطلاق إذا كان في الصحة والمرض سواء فإن الطلاق يقع على الزوجة، وإن الزوج لا يرث
المرأة لو ماتت فكذلك لا ترثه لأن الله تعالى ذكره إنما ورث الزوجة من الزوج والزوج من الزوجة ما
كانا زوجين وهذان ليسا بزوجين ولا يملك رجعتها فتكون في معاني الأزواج فترث وتورث، وذهب
إلى أن على الزوجة أن تعتد من الوفاة أربعة أشهر وعشرا وهذه لا تعتد من الوفاة وإلى أن الزوجة إذا
كانت وارثة إن مات زوجها كانت موروثة إن ماتت قبله وهذه لا يرثها الزوج، وذهب إلى أن الزوجة
تغسل الزوج ويغسلها وهذه لا تغسله ولا يغسلها وإلى أن ينكح أختها وأربعا سواها وكل هذا يبين أن
ليست زوجة، ومن قال هذا فليست عليه مسألة صح الزوج بعد الطلاق أو لم يصح أو نكحت الزوجة
أو لم تنكح ولم يورثها منه إذا لم يكن له عليها رجعة ولا هو منها، ولو طلقها ساعة يموت أو قال أنت
طالق قبل موتى بطرفة عين أو بيوم ثلاثا لم ترث في هذا القول بحال (قال الشافعي) أخبرنا ابن أبي رواد
ومسلم بن خالد عن ابن جريج قال أخبرني ابن أبي مليكة انه سأل ابن الزبير عن الرجل يطلق المرأة
فيبتها ثم يموت وهي في عدتها فقال عبد الله بن الزبير طلق عبد الرحمن ابن عوف تماضر بنت الأصبغ
الكلبية فبتها ثم مات عنها وهي في عدتها فورثها عثمان، قال ابن الزبير وأما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال وكان أعلمهم بذلك
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته البتة وهو مريض فورثها عثمان
منه بعد انقضاء عدتها (قال الشافعي) رحمه الله فذهب بعض أصحابنا إلى أن يورث المرأة وإن لم
يكن للزوج عليها رجعة إذا طلقها الزوج وهو مريض وإذا انقضت عدتها قبل موته وقال بعضهم وإن
نكحت زوجا غيره، وقال غيرهم ترثه ما امتنعت من الأزواج. وقال بعضهم ترثه ما كانت في العدة
فإذا انقضت العدة لم ترثه. وهذا مما أستخير الله عز وجل فيه (الربيع) وقد استخار الله تعالى فيه فقال
لا ترث المبتوتة (قال الشافعي) رحمه الله غير أنى أيما قلت فإني أقول لا ترث المرأة زوجها إذا طلقها
مريضا طلاقا لا يملك فيه الرجعة فانقضت عدتها ونكحت لأن حديث ابن الزبير متصل وهو يقول
ورثها عثمان في العدة وحديث ابن شهاب منقطع وأيهما قلت فإن صح بعد الطلاق ساعة ثم مات لم
ترثه، وإن طلقها قبل أن يمسها فأيهما قلت فلها نصف ما سمى لها إن كان سمى لها شيئا ولها المتعة إن لم
يكن سمى لها شيئا ولا عدة عليها من طلاق ولا وفاة. ولا ترثه لأنها لا عدة عليها وأيهما قلت فلو طلقها
وقد أصابها وهي مملوكة أو كافرة وهو مسلم طلاقا لا يملك فيه الرجعة ثم أسلمت هذه وعتقت هذه ثم
مات مكانه لم ترثاه لأنه طلقها ولا معنى لفراره من ميراثها. ولو مات في حاله تلك لم ترثاه ولو كان
طلاقه يملك فيه الرجعة ثم عتقت هذه وأسلمت هذه ثم مات وهما في العدة ورثتاه. وإن مضت العدة
لم ترثاه لأن الطلاق كان وهما غير وارثين لو مات وهما في حالهما تلك وإن كانتا من الأزواج، وإذا طلق
الرجل امرأته وهو مريض طلاقا يملك فيه الرجعة ثم مات بعد انقضاء عدتها لم ترث في قول
من ذهب إلى قول ابن الزبير لأن من ذهب إليه نظر إليه حين يموت فإن كانت من الأزواج أو في معاني
271

الأزواج من المطلقات اللاتي عليهن الرجعة وهن عدتهن ورثها، وكذلك إن ماتت ورثها الزوج.
وإن لم يكن عليها عدة لم يورثها لأنها خارجة من الأزواج ومعانيهن، وفي قول من ذهب إلى القول
الآخر ترثه ما لم تنقض عدتها، وإن طلقها طلاقا صحيحا لا يملك فيه الرجعة ثم صح ثم مرض فمات
لم ترثه وإن كانت في العدة لأنه قد صح فلو ابتدأ طلاقها في ذلك الوقت لم ترثه وإن كان يملك
الرجعة فمات في العدة ورثته * والمرض الذي يمنع صاحبه فيه من الهبة وإتلاف ماله إلا في الثلث إن
مات ويورث منه من يورث إذا طلق مريضا كل مرض مخوف مثل الحمى الصالب والبطن وذات
الجنب والخاصرة وما أشبهه مما يضمنه على الفراش ولا يتطاول، فأما ما أضمنه مثله وتطاول مثل السل
والفالج إذا لم يكن به وجع غيرهما أو يكون بالمفلوج منه سورة ابتدائه في الحال التي يكون مخوفا فيها،
فإذا تأول فإنه لا يكاد يكون مخوفا، فأما إذا كانت حمى الربع برجل فالأغلب منها أنها غير مخوفة
وأنها إلى السلامة، فإذا لم تضمنه حتى يلزم الفراش من ضمن فهو كالصحيح، وإذا أضمنته كان
كالمريض وإذا آلى رجل من امرأته وهو صحيح فمضت الأربعة الأشهر وهو مريض فمات قبل أن يوقف
فهي زوجته وإن وقف ففاء بلسانه وهو لا يقدر على الجماع فهي زوجته، وإن طلق والطلاق يملك
الرجعة فإن مات وهي في العدة ورثته وإن ماتت ورثها. وإن مات وقد انقضت العدة لم يرثها ولا
ترثه، ولو قذفها وهو مريض أو صحيح فلم يلاعنها حتى مرض ثم مات كانت زوجته، وكذلك لو
التعن فلم يكمل اللعان حتى مات كانت زوجته ترثه ولو أكمل اللعان وقعت الفرقة ولم ترثه وإن كان
مريضا حين وقعت الرفقة في واحد من القولين وذلك أن اللعان حكم حكم الله تعالى به يحده السلطان
إن لم يلتعن وإن الفرقة لزمته بالسنة أحب أو كره وأنهما لا يجتمعان بحال أبدا فحالهما إذا وقع اللعان غير
حال الأزواج فلا ترثه ولا يرثها إذا التعن هو ولو تظهر منها صحيحا أو مريضا فسواء هي زوجته ليس
الظهار بطلاق إنما هي كاليمين يكفرها فإن لم يكفرها حتى مات أو ماتت توارثا. وإذا قال الرجل
لامرأته وهو مريض إن دخلت دار فلان أو خرجت من منزلي أو فعلت كذا لأمر نهاها عنه أن تفعله ولا
تأثم بتركه فأنت طالق ثلاثا أو طالق ولم يبق له عليها من الطلاق إلا واحدة ففعلت ذلك طلقت ثم
مات لم ترثه في العدة بحال لأن الطلاق وإن كان من كلامه كان فبفعلها وقع. وكذلك لو قال لها إن
شئت فأنت طالق ثلاثا فشاءت، وكل ما كان من هذا كان يتم بها وهي تجد منه بدا فطلقت منه طلاقا
لا يملك فيه الرجعة لم ترثه ولم يرثها عندي في قياس جميع الأقاويل. وكذلك لو سألته أن يطلقها ثلاثا
فطلقها ثلاثا لم ترثه، ولو سألته أن يطلقها واحدة فطلقها ثلاثا ورثته في العدة في قول من يورث امرأة
المريض إذا طلقها، ولكنه لو قال لها وهو مريض أنت طالق إن صليت المكتوبة أو تطهرت للصلاة أو
صمت شهر رمضان أو كلمت أباك أو أمك أو قدت أو قمت ومثل هذا مما تكون عاصية بتركه أو يكون
لا بد لها من فعله ففعلته وهو مريض ثم مات ورثته في العدة في قول من ذهب إلى توريثها إذا طلقها
مريضا وهكذا لو حلف صحيحا على شئ لا يفعله هو ففعله مريضا ورثت في هذا القول، فأما قول
ابن الزبير فيقطع هذا كله وأصله أن ينظر إلى حالها يوم يموت فإن كانت زوجة أو في معناها من طلاق
يملك فيه الزوج الرجعة وكانت لو ماتت في تلك الحال ورثها ورثها منه (1) وإن لم يكن يرثها لو ماتت
في تلك الحال لم تكن زوجة ولا في طلاق يملك فيه الرجعة ولم نورثها في أي حالة كان القول

(1) قوله: وإن لم يكن يرثها لو ماتت إلى قوله ولو قال لها وهو مريض كذا في النسخ والحكم مفهوم مما قبله وإن كان
في العبارة زيادة أو تحريف من النساخ، تأمل.
272

والطلاق مريضا كان أو صحيحا ولو قال لها وهو مريض: أنت طالق ثلاثا إن صمت اليوم تطوعا أو
خرجت إلى منزل أبيك فصامت تطوعا أو خرجت إلى منزل أبيها لم ترثه من قبل أنه قد كان لها من هذا
بد وكانت غير آثمة بتركها منزل أبيها ذلك اليوم وكل ما قيل مما وصفت انها ترثه في العدة في قول من يورثها إذا
كان القول في المرض ووقع الطلاق في المرض فقاله في المرض. ثم صح ثم وقع لم ترثه إذا كان الطلاق لا
يملك الرجعة وكل ما قال في الصحة مما يقع في المرض فوقع الطلاق به في المرض وكان طلاقا لا
يملك فيه الرجعة لم ترثه مثل أن يقول أنت طالق غدا أو إذا جاء هلال كذا أو إذا جاءت سنة كذا أو
إذا أقدم فلان وما أشبه هذا فوقع به الطلاق البائن وهو مريض لم ترث لأن القول كان في الصحة
(قال الشافعي) رحمه الله: ولو قال لها إذا مرضت فأنت طالق ثلاثا فمرض فمات قبل أن يصح ورثت
في قول من يورثها إذا كان الطلاق في المرض لأنه عمد أن أوقع الطلاق في المرض. وإذا مرض
الرجل فأقر أنه قد كان طلق امرأته في الصحة ثلاثا وقع الطلاق بإقراره ساعة تكلم و استقبلت العدة من
ذلك اليوم ولا ترثه عندي بحال، وإذا قال الرجل لامرأته وهو مريض أنت طالق ثلاثا إذا صححت
فصح ثم مرض فمات لم ترثه لأنه أوقع الطلاق في وقت لو ابتدأ فيه لم ترثه، وإذا قال الرجل لامرأته
صحيحا أنت طالق ثلاثا قبل أن أقتل بشهر أو قبل أن أموت بشهر أو قبل أن أموت من الحمى أو سمى
مرضا من الأمراض فمات من غير ذلك المرض لم يقع الطلاق وورثته. وكذلك لو مات من ذلك
المرض قبل الشهر لأن الطلاق لم يقع ولا يقع إلا بأن يموت من ذلك المرض ويكون قبل موته بشهر
فيجتمع الأمران، ولها الميراث في الأقاويل وإن مضى شهر من يوم قال تلك المقالة. ثم مات من
ذلك المرض بعينه لم يقع الطلاق ولا يقع الطلاق حتى يعيش بعد القول أكثر من شهر بوقت من
الأوقات يقع فيه الطلاق فيكون لقوله موضع. فأما إذا كان موته مع الشهر سواء فلا موضع لقوله وترث
ولم يقع عليها طلاق وإذا قال أنت طالق قبل موتى بشهرين أو ثلاثة أشهر أو أكثر ثم عاش أقل مما سمى
ثم مات فإن الطلاق لا يقع عليها ولها الميراث وإن عاش من حين تكلم بالطلاق إلى أن مات أكثر مما سمى
بطرفة عين أو أكثر وقع الطلاق عليها في ذلك الوقت وذلك قبل موته بما سمى ولا ترث إذا كان ذلك
القول وهو صحيح، ولو طلقها ثلاثا وهو مريض ثم ارتدت عن الاسلام، ثم عادت إليه ثم مات ولم
يصح لم ترثه لأنها أخرجت نفسها من الميراث، ولو كان هو المرتد ثم عاد إلى الاسلام فمات من مرضه
لم ترثه عندي وترثه في قول غيري لأنه فار من الميراث، ولو كانت زوجته أمة فقال لها وهو صحيح أنت
طالق ثلاثا إذا عتقت فعتقت وهو مريض ثم مات وهي في العدة لم ترثه، وإن كان قاله لها وهو
مريض لم ترث في قول ابن الزبير وترث في القول الآخر (قال الشافعي) رحمه الله: ولو قال لها وهي
أمة أنت طالق ثلاثا غدا وهو مريض وقال لها سيدها أنت حرة اليوم بعد قوله لم ترثه لأنه قاله وهي غير
وارث وكذلك إن كانت مشركة وهو مسلم، ولو قال لها سيدها والزوج مريض أنت حرة غدا وقال
الزوج أنت طالق ثلاثا بعد غد ولم يعلم عتق السيد لم ترثه وإن مات من مرضه. وإن كان يعلم عتق
السيد لم ترثه في قول ابن الزبير وترثه في قول الآخر لأنه فار من الميراث (قال) وإن كانت تحت المسلم
مملوكة وكافرة فمات والمملوكة حرة والكافرة مسلمة فقالت هذه عتقت قبل أن يموت وقال ذلك الذي
أعتقها وقالت هذه أسلمت قبل أن يموت وقال الورثة مات وأنت مملوكة وللأخرى مات وأنت كافرة
فالقول قول الورثة وعليها البينة (قال أبو محمد) فيه قول آخر إن القول قول التي قالت لم أكن مملوكة
لأن أصل الناس الحرية وعلى التي قالت لم أكن نصرانية البينة، وإذا قال الورثة لامرأة الرجل كنت
273

كافرة حين مات ثم أسلمت أو مملوكة حين مات ثم عتقت ولم يعلم أنها كافرة ولا مملوكة وقالت لم أكن
كافرة ولا مملوكة فالقول قولها وعلى الورثة البينة.
طلاق المولى عليه والعبد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويجوز طلاق المولى عليه البالغ ولا يجوز عتقه لام ولده ولا
غيرها. فإن قال قائل فكيف يجوز طلاقه؟ قيل لأن الصلاة والحدود عليه واجبة فإذا كان ممن يقع
عليه التحريم حد على إتيان المحرم من الزنا والقذف والقتل وكان كغير المولى عليه في أن عليه فرضا
وحراما وحلالا فالطلاق تحريم يلزمه كما يلزم غيره، فإن قيل فقد يتلف به مالا؟ قيل ليس له من مال
امرأته شئ فيتلفه بطلاقها إنا هو أن يحرم عليه منها شئ كان مباحا له، فإن قيل فقد يرثها، قيل لا
يرثها حتى تموت ولم تمت حين طلقها فإن قيل فيحتاج إلى نكاح غيرها قيل فذلك ليس بإتلاف شئ
فيها إنما هو شئ يلزمه لغيرها إن أراد النكاح (قال الشافعي) رحمه الله: فإن قيل فلم لا يجوز عتقه أم
ولده وإنما هي له مباحة إباحة فرج؟ قيل ماله فيها أكثر من الفرج (قال الربيع) يريد ان له فيها أكثر
من الفرج: ألا ترى أنه يقول إذا قتلت آخذ قيمتها وإذا جنى عليها آخذ الأرش فيأخذ قيمتها ويجنى
عليها فيأخذ أرش الجناية عليها وتكسب المال فيكون له ويوهب لها وتجد الكنز فيكون له ويكون له
خدمتها والمنافع فيها كلها وأكثر ما يمنع منها بيعها فأما سوى ذلك فهي له أمة يزوجها وهي كارهة
ويختدمها * قال ويجوز طلاق السكران من الشراب المسكر وعتقه ويلزمه ما صنع، ولا يجوز طلاق
المغلوب على عقله من غير السكر ويجوز طلاق العبد بغير إذن سيده والحجة فيه كالحجة في المحجور
وأكثر، فإن قال قائل فهل خالفكم في هذا أحد من أهل الحجاز؟ قيل: نعم قد قال بعض من مضى
منهم لا يجوز طلاق السكران وكأنه ذهب إلى أنه مغلوب على عقله. وقال بعض من مضى إنه ليس
للعبد طلاق والطلاق بيد السيد، فإن قال فهل من حجة على من قال لا يجوز طلاق العبد؟ قيل ما
وصفنا من أن الله تعالى قال في المطلقات ثلاثا (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره)
وقال في المطلقات واحدة (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا) فكان العبد ممن عليه
حرام وله حلال فحرامه بالطلاق ولم يكن السيد ممن حلت له امرأة فيكون له تحريمها. فإن قال قائل
فهل غير هذا؟ قيل هذا هو الذي عليه اعتمدنا وهو قول الأكثر ممن لقينا، فإن قال فترفعه إلى أحد من
السلف؟ قيل: نعم أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال إذا طلق العبد امرأته اثنتين فقد حرمت
عليه حتى تنكح زوجا غيره وحرة كانت أو أمة وعدة الحرة ثلاث حيض وعدة الأمة حيضتان. قال
مالك حدثني نافع عن ابن عمر كان يقول: من أذن لعبده أن ينكح فالطلاق بيد العبد ليس بيد غيره
من طلاقه شئ (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مالك قال حدثني عبد ربه بن سعيد عن محمد بن
إبراهيم بن الحرث أن نفيعا مكاتبا لام سلمة استفتى زيد بن ثابت فقال إني طلقت امرأة لي حرة
تطليقتين فقال زيد حرمت عليك (قال الشافعي) أخبرنا مالك قال حدثني أبو الزناد عن سليمان بن
يسار أن نفيعا مكاتبا لام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أو عبدا كانت تحته امرأة حرة فطلقها
اثنتين ثم أراد ان يراجعها فأمره أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي عثمان بن عفان فيسأله عن ذلك
فذهب إليه فلقيه عند الدرج آخذا بيد زيد بن ثابت فسألهما فابتدراه جميعا فقالا حرمت عليك حرمت
عليك (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك قال وحدثني ابن شهاب عن ابن المسيب ان نفيعا
274

مكاتبا لام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم طلق امرأته حرة تطليقتين فاستفتى عثمان بن عفان فقال
له عثمان بن عفان حرمت عليك، فإن قال قائل فهل لكم حجة على من قال لا يجوز طلاق
السكران؟ قيل نعم ما وصفنا من أن عليه الفرائض وعليه حرام، فإن قال ليس عليه حرام في حاله
تلك لزمه أن يقول ولا صلاة ولا قود في قتل ولا جراح ولا غيره كما يكون المغلوب على عقله بغير السكر
ولا يجوز إذا حرم الله تعالى بالكلام أن لا يكون داخلا في حكم الله تعالى أن الطلاق يحرم عليه ولا
يخرج من حكم الله تعالى إلا بدلالة كتاب أو سنة أو إجماع وليس فيه واحد من هذا، وأكثر من لقيت
من المفتين على أن طلاقه يجوز، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ
وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ) والسكران ليس واحدا من هؤلاء ولا في معناه
والمرضى الذاهبو العقول في معنى المجنون لأنهم غير آثمين بالمرض والسكران آثم بالسكر.
من يلزمه الطلاق من الأزواج
(قال الشافعي) رحمه الله: وكل امرأة طلقها زوج بالغ صبية أو معتوهة أو حرة بالغ أو أمة أو
مشركة لزمهن الطلاق لأن الطلاق تحريم من الأزواج على أنفسهن، فإذا عتقت الأمة وقد زوجت
عبدا وهي صبية فاختارت وهي صبية الفراق. أو ملك الرجل امرأته وهي صبية نفسها أو خيرها
فاختارت الفراق فليس ذلك لها لأنه لا أمر لها في نفسها وكذلك المعتوهة فإذا أفاقت المعتوهة أو بلغت
الصبية فلها الخيار في المقام معه أو فراقه (قال) وإن عتقت قبل ان تبلغ أو بعدما بلغت فلم تختر فلا
خيار لها. وإذا اختارت المرأة فراق زوجها فهو فسخ بلا طلاق وكذلك امرأة العنين وامرأة الأجذم
والأبرص تختار فراقه فذلك كله فسخ بلا طلاق لأن الطلاق يملك فيه الرجعة.
الطلاق الذي تملك فيه الرجعة
(قال الشافعي) رحمه الله: قال الله تعالى (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)
وقال (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أو يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) الآية
كلها. (قال الشافعي) فكان بينا في كتاب الله تعالى أن كل طلاق حسب على مطلقة فيه عدد طلاق
إلا الثلاث فصاحبه يملك فيه الرجعة. وكان ذلك بينا في حديث ركانة عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم. وإلا الطلاق الذي يؤخذ عليه المال، لأن الله تعالى أذن به وسماه فدية فقال (فلا جناح عليهما
فيما افتدت به) فكان بينا في كتاب الله تعالى إذ أحل له أخذ المال أنه إذا ملك مالا عوضا من شئ لم
يجز أن يكون له على ما ملك به المال سبيل والمال هو عوض من بضع المرأة فلو كان له عليها فيه رجعة
كان ملك مالها ولم تملك نفسها دونه (قال) وسام الفدية أن تفدى نفسها بأن تقطع ملكه الذي له به
الرجعة عليها ولو ملك الرجعة لم تكن مالكة لنفسها ولا واقعا عليها اسم فدية بل كان مالها مأخوذا وهي
بحالها قبل أخذه والأحكام فيما أخذ عليه المال بأن يملكه من أعطى المال (قال) وبهذا قلنا طلاق
الايلاء وطلاق الخيار والتمليك كلها إلى الزوج فيه الرجعة ما لم يأت على جميع الطلاق (قال
الشافعي) رحمه الله: وبهذا قلنا إن كل عقد فسخناه شاء الزوج فسخه أو أبى لم يكن طلاقا وكان
275

فسخا بلا طلاق. وذلك أنا لو جعلناه طلاقا جعلنا الزوج يملك فيه الرجعة وأنما ذكر الله عز وجل
الطلاق من قبل الرجال فقال (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف) وقال (الطلاق
مرتان فإمساك بمعروف) (قال) وكان معقولا عن الله عز وجل في كل هذا أنه الطلاق الذي من قبل
الزوج. فأما الفسخ فليس من قبل الزوج وذلك مثل أن ينكح نكاحا فاسدا فلا يكون زوجا فيطلق
ومثل إسلام أحد الزوجين أو ردة أحدهما فلا يحل لكم أن يكون تحته وثنية ولا لمسلمة أن يكون زوجها
كافرا ومثل الأمة تعتق فيكون الخيار إليها بلا مشيئة زوجها. ومثل الخيار إلى المرأة إذا كان زوجها عنينا
أو خصيا مجبوبا وما خيرناها فيه مما يلزمه فيه الفرقة وإن كره فإنما ذلك كله فسخ للعقدة لا إيقاع طلاق
بعدها. ومثل المرأة تملك زوجها أو يملكها فيفسخ النكاح (قال الشافعي) ومثل الرجل يغر بالمرأة
فيكون له الخيار فيختار فراقها فذلك فسخ بلا طلاق، ولو ذهب ذاهب إلى أن يكون طلاقا لزمه أن
يجعل للمرأة نصف المهر الذي فرض لها إذا لم يمسها لأن الله تبارك وتعالى يقول (وإن طلقتموهن من
قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم).
ما يقع به الطلاق من الكلام وما لا يقع
(قال الشافعي) رحمه الله: ذكر الله تبارك وتعالى الطلاق في كتابه بثلاثة أسماء: الطلاق والفراق
والسراح فقال عز وجل (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) وقال جل ثناؤه (فإذا بلغن أجلهن
فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) وقال تبارك اسمه لنبيه صلى الله عليه وسلم في أزواجه (إن كنتن
تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين) الآية (قال الشافعي) فمن خاطب امرأته فأفرد لها اسما من هذه
الأسماء فقال أنت طالق أو قد طلقتك أو فارقتك أو قد سرحتك لزمه الطلاق ولم ينو في الحكم ونويناه
فيما بينه وبين الله تعالى، ويسعه إن لم يرد بشي منه طلاقا أن يمسكها ولا يسعها أن تقيم معه لأنها لا
تعرف من صدقه ما يعرف من صدق نفسه وسواء فيما يلزم من الطلاق ولا يلزم تكلم به الزوج عند
غضب أو مسألة طلاق أو رضا وغير مسألة طلاق، ولا تصنع الأسباب شيئا إنما تصنعه الألفاظ لأن
السبب قد يكون ويحدث الكلام على غير السبب ولا يكون مبتدأ الكلام الذي له حكم فيقع فإذا لم
يصنع السبب بنفسه شيئا لم يصنعه بما بعده ولم يمنع ما بعده أن يصنع ماله حكم إذا قيل. ولو وصل
كلامه فقال قد فارقتك إلى المسجد أو إلى السوق أو إلى حاجة أو قد سرحتك إلى أهلك أو إلى المسجد أو
قد طلقتك من عقالك أو ما أشبه هذا لم يلزمه طلاق ولو مات لم يكن طلاقا، وكذلك لو خرس أو
ذهب عقله لم يكن طلاقا ولا يكون طلاقا إلا بأن يقول أردت طلاقا وإن سألت امرأته أن يسأل سئل
وإن سألت أن يحلف أحلف فإن حلف ما أراد طلاقا لم يكن طلاقا. وإن نكل قيل إن حلفت طلقت
وإلا فليس بطلاق قال وما تكلم به مما يشبه الطلاق سوى هؤلاء الكلمات فليس بطلاق حتى يقول كان
مخرج كلامي به على أني نويت به طلاقا وذلك مثل قوله لا مرأته أنت خلية أو خلوت مني أو خلوت
منك أو أنت بريئة أو برئت مني أو برئت منك أو أنت بائن أو بنت مني أو بنت منك أو اذهبي أو اعزبي
أو تقنعي أو أخرجي أو لا حاجة لي فيك أو شأنك بمنزل أهلك أو الزمي الطريق خارجة أو قد ودعتك
أو قد ودعتني أو اعتدي أو ما أشبه هذا مما يشبه الطلاق فهو فيه كله غير مطلق حتى يقول أردت
بمخرج الكلام مني الطلاق فيكون طلاقا بإرادة الطلاق مع الكلام الذي يشبه الطلاق (قال الشافعي)
276

رحمه الله: ولو قال لها أنت خلية أو بعض هذا. وقال قلته ولا أنوى طلاقا ثم أنا الآن أنوى
طلاقا لم يكن طلاقا حتى يبتدئه ونيته الطلاق فيقع حينئذ به الطلاق (قال) ولو قال لها أنت
طالق واحدة بائن كانت واحدة تملك الرجعة لأن الله عز وجل حكم في
الواحدة والثنتين بأن الزوج يملك الرجعة بعدهما في العدة. ولو تكلم باسم من أسماء الطلاق
وقرن به اسما من هذه الأسماء التي تشبه الطلاق أو شدد الطلاق بشئ معه وقع الطلاق بإظهار أحد
أسمائه ووقف في الزيادة معه على نيته فإن أراد بها زيادة في عدد الطلاق كانت الزيادة على ما أراد.
وإن لم يرد بها زيادة في عدد الطلاق كانت الزيادة كما لم تكن على الابتداء إذا لم يرد بها طلاقا وإن
أراد بها حينئذ تشديد طلاق لم يكن تشديدا وكان كالطلاق وحده بلا تشديد وذلك مثل أن يقول أنت
طالق البتة أو أنت طالق وبتة أو أنت طالق وخلية أو أنت طالق وبائن أو أنت طالق واعتدى أو أنت
طالق ولا حاجة لي فيك أو أنت طالق والزمي أهلك أو أنت طالق وتقنعي فيسأل عن نيته في الزيادة
فإن أراد بها زيادة في عدد طلاق فهي زيادة وهي ما أراد من الزيادة في عدد الطلاق وإن لم يرد بها
زيادة لم تكن زيادة. وإن قال لم أرد بالطلاق ولا بالزيادة معه طلاقا لم يدين في الطلاق في الحكم
ودين في الزيادة معه وإن قال أنت طالق واحدة شديدة أو واحدة غليظة أو واحدة ثقيلة أو واحدة
طويلة أو ما أشبه هذا كانت واحدة يملك فيها الرجعة ولا يكون طلاق بائن إلا ما أخذ عليه المال لأن
المال ثمن فلا يجوز أن يملك المال ويملك البضع الذي أخذ عليه المال.
الحجة في البتة وما أشبهها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن
السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة ثم أتى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني طلقت امرأتي سهيمة البتة ووالله ما أراد إلا واحدة فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لركانة (والله ما أردت إلا واحدة؟) فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة
فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمان عمر رضي الله عنه والثالثة في زمان عثمان
رضي الله عنه (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن عباد بن جعفر عن
المطلب بن حنطب أنه طلق امرأته البتة. ثم أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر ذلك له فقال له
عمر ما حملك على ذلك؟ فقال قد قلته فتلا عمر (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد
تثبيتا) ما حملك على ذلك؟ قال قد قلته فقال عمر رضي الله عنه أمسك عليك امرأتك فإن الواحدة
تبت (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمر وبن عبد الله بن أبي سلمة عن سليمان بن يسار أن
عمر بن الخطاب قال للتومة مثل الذي قال للمطلب (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن
جريج أنه قال لعطاء البتة؟ فقال يدين فإن كان أراد ثلاثا فثلاث وإن كان أراد واحدة فواحدة (قال
الشافعي) أخبرنا سعيد ابن سالم عن ابن جريج عن عطاء أن شريحا دعاه بعض أمرائهم فسأله عن
رجل قال لامرأته أنت طالق البتة فاستعفاه شريح فأبى أن يعفيه، فقال: أما الطلاق فسنة. وأما البتة
فبدعة. فأما السنة والطلاق فأمضوه. واما البدعة والبتة فقلدوه إياه ودينوه فيها (قال الشافعي) أخبرنا
سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء الرجل يقول لا مرأته أنت خلية أو خلوت مني أو أنت برية
277

أو برئت مني أو يقول أنت بائنة أو قد بنت مني؟ قال سواء: قال عطاء: وأما قوله أنت طالق فسنة لا
يدين في ذلك هو الطلاق قال ابن جريج قال عطاء: أما قوله أنت برية أو بائنة، فذلك ما أحدثوا،
سئل فإن كان أراد الطلاق فهو الطلاق وإلا فلا (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج
عن عمرو بن دينار أنه قال في قوله أنت برية أو أنت بائنة أو أنت خلية أو برئت مني أو بنت مني قال
يدين (قال الشافعي) أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أن قال: إن أراد الطلاق
فهو الطلاق كقوله أنت على حرام (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن سفيان الثوري عن حماد
قال: سألت إبراهيم عن الرجل يقول لامرأته أنت على حرام؟ قال إن نوى طلاقا فهو طلاق وإلا فهو
يمين (قال الشافعي) رحمه الله: والبتة تشديد الطلاق ومحتملة لأن تكون زيادة في عدد الطلاق وقد
جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يرد ركانة إلا واحدة واحدة يملك فيها الرجعة ففيه دلائل.
منها: أن تشديد الطلاق لا يجعله بائنا وأن ما احتمل الزيادة في عدد الطلاق مما سوى اسم الطلاق لا
يكون طلاقا إلا بإرادة المتكلم به وأنه إذا أراد الطلاق كان طلاقا ولو كان إذا أراد به زيادة في عدد
الطلاق ولم يكن طلاقا لم يحلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أراد إلا واحدة وإذا كان نوى زيادة في
عدد الطلاق بما يشبه الطلاق وقع بإرادته. فإن أراد فيما يشبه الطلاق أن يطلق واحدة فواحدة وإن
أراد اثنتين فاثنتين وإن أراد ثلاثا فثلاثا فإذا وقعت ثلاث بإرادته الطلاق مع ما يشبه الطلاق واثنتان
وواحدة. كان إذا تكلم باسم الطلاق الذي يقع به طلاق بنية طلاق أو غير نية أولى أن يقع. فإن قال
أنت طالق ينوى اثنتين أو ثلاثا فهو ما نوى مع الواحدة من الزيادة ولا أعلم شيئا مما سوى ما سمى الله عز
وجل به الطلاق أشبه في الظاهر بأن يكون طلاقا ثلاثا من البتة. فإذا كان إذا تكلم بها مع الطلاق لم
يكن طلاقا إلا بإرادته كان ما هو أضعف منها في الظاهر من الكلام أولى أن لا يكون طلاقا إلا بإرادته
الطلاق، ولو قال رجل لا مرأته اختاري أو امرك بيدك أو قال ملكتك أمرك أو أمرك إليك فطلقت
نفسها فقال ما أردت بشئ من هذا طلاقا لم يكن طلاقا. وسواء قال ذلك في المجلس أو بعده لا يكون
طلاقا إلا بأن يقر انه أراد بتمليكها وتخييرها طلاقا قال: وهكذا لو قالت له خالعني فقال قد خالعتك
أو خلعتك أو قد فعلت لم يكن طلاقا إلا بإرادته الطلاق ولم يأخذ مما أعطته شيئا إلا أن يريد به
طلاقا، وذلك أن طلاق البتة يحتمل الاثبات الذي ليس بعده شئ ويحتمل تطليقة واحدة لأنه يقع
عليها أنها منبتة حتى يرتجعها، والخلية والبرية والبائن منه يحتمل خلية ما يعنيني وبرية مما يعنيني وبائن
من النساء ومني بالمودة، واختاري اختاري شيئا غير الطلاق من مال أو ضرب أو مقام على حسن أو
قبيح، وأمرك بيدك أنك تملكين أمرك في مالك غيره، وكذلك أمرك إليك وكذلك ملكتك أمرك،
ولو قال لامرأته أنت طالق تطليقة شديدة أو غليظة أو ما أشبه هذا من تشديد الطلاق أو تطليقة بائن
كان كل هذا تطليقة تملك الرجعة، وإذا طلق الرجل امرأته في نفسه ولم يحرك به لسانه لم يكن طلاقا
وكل ما لم يحرك به لسانه فهو من حديث النفس الموضوع عن بني آدم، وهكذا إن طلق ثلاثا بلسانه
واستثنى في نفسه لزمه طلاق ثلاث ولم يكن له استثناء لأن الاستثناء حديث نفس لا حكم له في
الدنيا، وإن كلم امرأته بما لا يشبه الطلاق وقال أردت به الطلاق لم يكن طلاقا، وإنما تعمل النية مع
ما يشبه ما نويته به وذلك أن يقول لها بارك الله فيك أو اسقيني أو أطعميني أو زوديني أو ما أشبه هذا
ولكنه لو قال لها افلحي أو اذهبي أو اغربي أو أشربي يريد به طلاقا كان طلاقا، وكل هذا يقال
للخارج والمفارق يقال له أفلح كما يقال له اذهب ويقال له أعزب اذهب بعدا، ويقال للرجل يكلم ما
278

يكره أو يضرب اشرب، وكذلك ذق أو أطعم قال الله عز وجل وهو يذكر بعض من عذب (ذق أنك
أنت العزيز الكريم) ولو قال لها اذهبي وتزوجي أو تزوجي من شئت لم يكن طلاقا حتى يقول أردت به
الطلاق، وهكذا إن قال اذهبي فاعتدي، ولو قال الرجل لامرأته أنت على حرام لم يقع به طلاق
حتى يريد الطلاق فإذا أراد به الطلاق فهو طلاق وهو ما أراد من عدد الطلاق وإن أراد طلاقا ولم يرد
عددا من الطلاق فهي واحدة يملك الرجعة، وإن قال أردت تحريمها بلا طلاق لم تكن حراما وكانت
عليه كفارة يمين ويصيبها إن شاء قبل أن يكفر وإنما قلنا عليه كفارة يمين إذا أراد تحريمها ولم يرد طلاقها
أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم جاريته فأمر بكفارة يمين والله تعالى أعلم. قال الله تعالى (يا أيها النبي
لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم)
الآية فلما لم يرد الزوج بتحريم امرأته طلاقا كان أوقع التحريم على فرج مباح له لم يحرم بتحريمه فلزمته
كفارة فيه كما لزم من حرم أمته كفارة فيها ولم تحرم عليه بتحريمه لأنهما معا تحريم لفرجين لم يقع بواحد
منهما طلاق، ولو قال كل ما أملك على حرام يعنى امرأته وجواريه وماله كفر عن المرأة والجواري كفارة
كفارة إذا لم يرد طلاق المرأة ولو قال مالي على حرام لا يريد امرأته ولا جواريه لم يكن عليه كفارة ولم
يحرم عليه ماله.
باب الشك واليقين في الطلاق
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل أنا أشك أطلقت امرأتي أم لا، قيل له الورع
أن تطلقها فإن كنت تعلم أنك إن كنت قد طلقت لم تجاوز واحدة قلنا قد طلقت واحدة فاعتدت منك
بإقرارك بالطلاق وإن أردت رجعتها في العدة فأنت أملك بها وهي معك باثنتين وإذا طلقتها باثنتين وقد
أوقعت أولا الثالثة حرمت عليك حتى يحلها لك زوج فتكون معك هكذا وإن كنت تشك في الطلاق
فلم تدر أثلاثا طلقت أو واحدة فالورع أنك تقر بأنك طلقها ثلاثا والاحتياط لك ان توقعها فإن كانت
وقعت لم تضرك الثلاث وإن لم تكن وقعت أوقعتها بثلاث لتحل لك بعد زوج يصيبها، ولا يلزمك في
الحكم من هذا شئ لأنها كانت حلال لك فلا تحرم عليك إلا بيقين تحريم فإن تشك في تحريم فلا
تحريم عليك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الشيطان يأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه فلا
ينصرف يسمع صوتا أو يجد ريحا) (قال الشافعي) رحمه الله: هذا كان على يقين الوضوء وشك في
انتفاضه فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يثبت على يقين الوضوء ولا ينصرف من الصلاة بالشك
حتى يستيقن بانتقاض الوضوء بأن يسمع من نفسه صوتا أو يجد ريحا، وهو في معنى الذي يكون على
يقين النكاح ويشك في تحريم الطلاق ولا يخالفه، وإن سألت يمينه أحلف ما طلقها فإن حلف فهي
امرأته وإن نكل وحلفت طلقت عليه وإن نكلت فهي امرأته بحالها، وإن ماتت فسأل ذلك ورثتها
ليمنعوه ميراثها فذلك لهم ويقومون في ذلك مقامها (قال الشافعي) وإن كان هو الميت فسأل ورثته أن
تمنع ميراثها منه بقوله فليس لهم ذلك وإن سألوا يمينها وقالوا إنه طلقها ثلاثا وهو صحيح أحلف ما
علمت ذلك فإن حلف ورثت وإن نكلت حلفوا لقد طلقها ثلاثا ولم ترث، ولو استيقن بطلاق
واحدة وشك في الزيادة لزمته واحدة باليقين وكان فيما شك فيه من الزيادة كهو فيما شك أولا من تطليقة
أو ثلاث (قال) ولو شك في طلاق فأقام معها فأصابها وماتت وأخذ ميراثها ثم استيقن أنه كان طلقها في
279

الوقت الذي نسب إلى نفسه فيه الشك في طلاقها أو قامت عليه بينة أخذ منه مهر مثلها بالإصابة ورد
جميع ما أخذ من ميراثها، ولو كان هو الشاك في طلاقها ثلاثا ومات وقد أصابها بعد شكه وأخذت
ميراثه ثم أقرت أنها قد علمت أنه كان قد طلقها في تلك الحال ثلاثا ردت الميراث ولم تصدق على أن
لها مهرا بالإصابة ولو ادعت الجهالة بأن الإصابة كانت تحرم عليها أو ادعت غصبه إياها عليه أو لم تدع
من ذلك شيئا تصدق على ما عليها أحلفناه ولا تصدق على ما تأخذ من مال غيرها، ولو أقر لها الورثة
بما ذكرت كان لها مهر مثلها وتر ما أخذت من ميراثه، ولو شك في عتق رقيقة كان هكذا لا يعتقون
إلا بيقينه بعتقهم، وإن أرادوا أحلفناه لهم فإن حلف فهم رقيقه وإن نكل فحلفوا عتقوا، وإن حلف
بعضهم ونكل بعض عتق من حلف منهم ورق من لم يحلف، وإن كان فيهم صغير أو معتوه كان رقيقا
بحاله ولا نحلفه إلا لمن أراد يمينه منهم، ولو استيقن أنه حنث في صحته بأحد أمرين طلاق أو عتاق
وقفناه عن نسائه ورقيقه حتى يبين أيهم أراد ونحلفه للذي زعم أنه لم يرد باليمين، وإن مات قبل أن
يحلف أقرع بينهم فإن وقعت القرعة على الرقيق عتقوا من رأس المال وإن وقعت على النساء لم نطلقهن
بالقرعة ولم نعتق الرقيق وورثه النساء لأن الأصل أنه أزواج حتى يستيقن بأنه طلقهن ولم يستيقن
والورع أن يدعن ميراثه وإن كان ذلك وهو مريض فسواء كله لأن الرقيق يعتقون من الثلث (قال) وإذا
قال لامرأتين له إحداكما طالق ثلاثا ولنسوة له إحداكن طالق أو اثنتان منكن طالقان منع منهم كلهن
وأخذ بنفقتهن حتى يقول التي أردت هذه والله ما أردت هاتين. فإن أراد البواقي أن يحلف لهن أحلف
بدعواهن عليه وإن لم يردنه لم أحلفه لهن لأنه قد أبان أن طلاقه لم يقع عليهن وأنه وقع على غيرهن،
ولو كانتا اثنتين فقال لإحداهما لم أعن هذه بالطلاق كان ذلك إقرارا منه بأنه طلق الأخرى إذا كان
مقرا بطلاق إحداهما فإن كان منكرا لم يلزمه طلاق إحداهما بعينها إلا بإقرار يحدثه بطلاقها، ولو قال
ليست هذه التي أوقعت عليها الطلاق التي أردت أوقعن الطلاق عليها أو لم نوقعه حتى قال أخطأت
وهذه التي زعمت أني لم أردها بالطلاق التي أردتها به طلقتا معا بإقراره به، هكذا إذا كان في أكثر
من اثنتين من النساء، وإذا قال الرجل لامرأتين له إحداكما طالق وقال والله ما أدري أيتها عنيت وقف
عنهما واختير له أن يطلقهما ولم نجبره على ذلك حتى يبين أيتهما أراد بالطلاق فإن قال قائل: أولى أن
أوقع الطلاق على إحداهما؟ قيل له: إن فعلت ألزمناك ما أوقعت الآن ولم نخرجك من الطلاق الأول
فأنا على يقين من أنه أوقع على إحداهما ولا نخرجك منه إلا بأن تزعم أن تخرجه على واحدة بعينها دون
الأخرى، وإن قلته فأردت الأخرى أحلفناك لها فإن لم يقل أردت واحدة بعينها ولم يحلف حتى ماتت
إحداها وقفنا له ميراثه منها فإن زعم أن التي طلق الحية ورثنا من الميتة وإن أراد ورثتها أحلفناه لهم ما
طلقها وجعلنا له ميراثه منها إذا كنا لا نعرف أيتهما طلق إلا بقوله فسواء ماتت إحداهما وبقيت الأخرى
أو ماتتا معا أو لم يموتا، وهكذا لو ماتت إحداها قبل الأخرى أو ماتتا جميعا معا أو لم يعرف أيتهما
ماتت قبل وقفنا له من كل واحدة منهما ميراث زوج فإذا قال لإحداهما هي التي طلقت ثلاثا رددنا على
أهلها ما وقفنا لزوجها وأحلفناه لورثة الأخرى إن شاءوا فجعلنا له ميراثه منها وإن كان في وريثها صغار
ولم يرد الكبار يمينه لم نعطه ميراثها إلا بيمين، وهكذا إن كان فيهم غائب. ولو كان الطلاق في هذا كله
يملك الرجعة فماتتا في العدة ورثهما أو مات ورثتاه لأنهما معا في معاني الأزواج في الميراث وأكبر أمرهما،
ولو كانت المسألة بحالها وكان هو الميت قبلهما والطلاق ثلاثا وقفنا لهما ميراث امرأة حتى يصطلحا لأنا لو
قسمناه بينهما أيقنا أنا قد منعنا الزوجة نصف حقها وأعطينا غير الزوجة نصف حق الزوجة، وإذا
280

وقفناه فإن عرفناه لإحداهما فلما لم يبين لأيهما هو وقفناه حتى نجد على الزوج بينة تأخذ بها أو تصادقا
منهما فليلزمهما أن يصطلحا فتكون إحداهما قد عفت بعض حقها أو تركت ما ليس لها فلا يكون لنا في
صلحهما حكم ألزمناهما كارهين ولا إحداهما، ولو ماتت إحداهما قبله ثم مات قبل أن يبين ثم ماتت
الأخرى بعده سئل الورثة فإن قالوا إن طلاقه قد وقع على الميتة ورثته الحية بلا يمين على واحد منهم
لأنهم يقرون أن في ماله حقا للحية ولا حق له في ميراث الميتة، وهذا إذا كان الورثة كبارا رشدا يكون
أمرهم في أموالهم جائزا، وإن كان فيهم صغير جاز في حق الكبار الرشد إقرارهم ووقف للزوج الميت
حصة الصغار ومن كان كبيرا غير رشيد من ميراث زوج حتى يبلغوا الرشد والحلم والمحيض، ووقف
للزوجة الحية بعد حصتها من ميراث امرأة حتى يبلغوا، ولو كان الورثة كبارا فقالوا التي طلق ثلاثا هي
المرأة الحية بعده ففيها قولان. أحدهما: أنهم يقومون مقام الميت فيحلفون على البت أن فلانة الحية
بعده التي طلق ثلاثا ولا يكون لها ميراث منه و يأخذون له ميراثه من الميتة قبله كما يكون له الحق بشاهد
فيحلفون أن حقه لحق و يقومون مقامه في اليمين واليمين على البت لأنهم قد يعلمون ذلك بخبره وخبر من
يصدقون غيره، وإن كان فيهم صغار وقف حق الصغار من ميراث الأب من الميتة قبله حتى يحلفوا
فيأخذوه أو ينكلوا فيبطل أو يموتوا فيقوم ورثتهم مكانهم كما يكون فيما وصفنا من يمين وشاهد ويوقف قدر
حقهم من ميراث أبيهم للمرأة الحية بعده ليقروا لها فيأخذوه ويبطل حقهم من الأخرى ويحلفوا فيأخذوا
حقهم من الأخرى ويبطل حقها الذي وقف. والقول الثاني: أن يوقف له ميراث زوج من الميتة قبله
وللميتة بعده ميراث امرأة منه حتى تقوم بينة أو يصطلح ورثته وورثتها (قال الشافعي) رحمه الله: ولو
رأى امرأة من نسائه مطلعة فقال أنت طالق ثلاثا وقد أثبت أنها من نسائه ولا يدري أيتهن هي؟ فقالت
كل واحدة منهن أنا هي أو جحدت كل واحدة منهن أن تكون هي أو ادعت ذلك واحدة منهن أو
اثنتان وجحد البواقي فسواء ولا يقع الطلاق على واحده منهن إلا أن يقول هي هذه فإذا قال لواحدة
منهن هي هذه وقع عليها الطلاق، ومن سأل منهن أن يحلف لها ما طلقها أحلف ومن لم تسأل لم يحلف
لأنه أوقع الطلاق على واحدة ولم نعلمه طلق اثنتين، ولو أقر لواحدة ثم قال أخطأت هي هذه الأخرى
لزمه الطلاق للأولى (1) التي أقر لها وهكذا لو صنع هذا فيهن كلهن لزمه الطلاق لهن كلهن، ولو قال
هي هذه أو هذه أو هذه بل هذه لزمه طلاق التي قال بل هذه وطلاق إحدى الاثنتين اللتين قال هي
هذه أو هذه، ولو قال هي هذه بل هذه طلقت الأولى ووقع على الثانية التي قال بل هذه، ولو قال
إحداكن طالق ثم قال في واحدة هي هذه ثم قال والله ما أدري أهي هي أو غيرها طلقت الأولى بالاقرار
ووقف عن البواقي ولم يكن كالذي قال على الابتداء ما أدري أطلقت أولا هذا مطلق بيقين ثم أقر
لواحدة فألزمنا له الاقرار ثم أخبرنا أنه لا يدري أصدق في إقراره فحل له منهن غيرها أو لم يصدق
فتكون واحدة منهن محرمة عليه ويكون في البواقي كهو في الابتداء ما كان مقيما على الشك، فإذا قال قد
استيقنت أن الذي قلت أولا هي التي طلقت كما قلت فالقول قوله وأيتهن أرادت أن أحلفه لها أحلفته،
ولو قال هي هذه ثم قال ما أري أهي هي أم لا ثم مات قبل أن يتبين لم ترثه التي قال هي هذه إن كان
لا يملك رجعتها وورثه الثلاث معا ولا يمنعن ميراثه بالشك في طلاقهن ولا طلاق واحدة منهن ولو قال

(1) اي مع طلاق التي انتقل إليها أيضا وهكذا، فتأمل
281

على الابتداء ما أدري أطلقت نسائي أم واحدة منهن أم لا؟ ثم مات ورثته معا ولا يمنعن ميراثه بالشك
في طلاقهن.
الايلاء واختلاف الزوجين في الإصابة
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال: قال الله تبارك وتعالى
(للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم * وإن عزموا الطلاق
فإن الله سميع عليهم) (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال:
أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يقول بوقف المولى (قال الشافعي)
أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق الشيباني عن الشعبي عن عمرو بن سلمة قال: شهدت عليا
رضى الله تعالى عنه أوقف المولى (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن
مروان بن الحكم أن عليا رضى الله تعالى عنه أوقف المولى (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن مسعر بن
كدام عن حبيب بن أبي تابت عن طاوس أن عثمان ابن عفان رضى الله تعالى عنه كان يوقف المولى
(قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن القاسم ابن محمد قال: كانت عائشة
رضى الله تعالى عنها إذا ذكر لها الرجل يحلف أن لا يأتي امرأته فيدعها خمسة خمسة أشهر لا ترى ذلك
شيئا حتى يوقف وتقول كيف قال الله عز وجل؟ (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) (قال الشافعي)
رحمه الله: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق
وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف فإما أن يطلق وإما أن يفئ (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن جعفر
بن محمد عن أبيه أن عليا رضى الله تعالى عنه كان يوقف المولى.
اليمين التي يكون بها الرجل موليا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: اليمين التي فرض الله تعالى كفارتها اليمين بالله عز وجل ولا يحلف
بشئ دون الله تبارك وتعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن
كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) (قال الشافعي) فمن حلف بالله عز وجل فعليه الكفارة إذا حنث
ومن حلف بشئ غير الله تعالى فليس بحانث ولا كفارة عليه إذا حنث والمولى من حلف بيمين يلزمه بها
كفارة ومن أوجب على نفسه شيئا يجب عليه إذا أوجبه على نفسه إن جامع امرأته فهو في معنى المولى
لأنه لا يعدو أن يكون ممنوعا من الجماع إلا بشئ يلزمه به وما ألزم نفسه مما لم يك يلزمه قبل إيجابه أو
كفارة يمين (قال) ومن أوجب على نفسه شيئا لا يجب عليه ما أوجب ولا بدل منه فليس بمول وهو
خارج من الايلاء، ومن حلف باسم من أسماء الله تعالى فعليه الكفارة كما لو حلف بالله عز وجل
وجب عليه الكفارة، وإذا قال الرجل لامرأته والله لا أقربك يعني الجماع أو تالله أو بالله لا أقربك فهو
مول في هذا كله، وإن قال الله لا أقربك فإن أراد اليمين فهو مول وإن لم يرد اليمين فليس بمول لأنها
ليست بظاهر اليمين، وإذا قال هايم الله أو أيم الله أو ورب الكعبة أو ورب الناس أو وربى أو ورب
كل شئ أو وخالقي أو خالق كل شئ أو ومالكي ومالك كل شئ لا أقربك فهو في هذا كله مول،
282

وكذا إن قال أقسم بالله أو أحلف بالله أو أولى بالله لا أقربك فهو مول وإن قال أقسمت بالله أو آليت
بالله أو حلفت بالله أقربك سئل فإن قال عنيت بهذا إيقاع اليمين كان موليا وإن قال عنيت أنى آليت
منها مرة فإن عرف ذلك اعتراف منها أو ببينة تقوم عليه أنه حلف مرة فهو كما قال وليس بمول وهو خارج
من حكم ذلك الايلاء، وإن لم تقم بينة ولم تعرف المرأة فهو مول في الحكم وليس بمول فيما بينه وبين
الله عز وجل، وكذلك إن قال أردت الكذب وإن قال أنا مول منك أو على يمين إن قربتك أو على
كفارة يمين إن قربتك فهو مول في الحكم فإن قال أردت بقولي أحلف بالله أنى سأحلف به فليس بمول
وإذا قال لا مرأته مالي في سبيل الله تعالى أو على مشى إلى بيت الله أو على صوم كذا أو نحر كذا من الإبل
إن قربتك فهو مول لأن هذا إما لزمه وإما لزمته به كفارة يمين (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا قال إن
قربتك فغلامي فلان حر أو امرأتي فلانة طالق فهو مول والفرق بين العتق والطلاق وما وصفت أن العتق
والطلاق حقان لآدميين بأعيانهما يقعان بإيقاع صاحبهما ويلزمان تبررا أو غير تبرر وما سوى هذا إنما يلزم
بالتبرر (قال الشافعي) رحمه الله: ولو قال والكعبة أو عرفة أو والمشاعر أو وزمزم أو والحرم أو المواقف
أو الخنس أو والفجر أو والليل أو والنهار أو وشئ مما يشبه هذا لا أقربك لم يكن موليا لأن كل هذا
خارج من اليمين وليس بتبرر ولا حق لآدمي يلزم حتى يلزمه القائل له نفسه (قال الشافعي) وكذلك إن
قال إن قربتك فأنا انحر ابنتي أو ابني أو بعير فلان أو أمشى إلى مسجد مصر أو مسجد غير المسجد الحرام
أو مسجد المدينة أو مسجد بيت المقدس لم يلزمه بهذا إيلاء لأنه ليس بيمين ولا يلزمه المشي إليه ولا
كفارة بتركه، وإن قال إن قربتك فأنا أمشى إلى مسجد مكة كان موليا لأن المشي إليه أمر يلزمه أو يلزمه
به كفارة يمين (قال الشافعي) رحمه الله: ولا يلزمه الايلاء حتى يصرح بأحد أسماء الجماع التي هي
صريحة وذلك والله لا أطؤك أو والله لا أغيب ذكرى في فرجك أو لا أدخله في فرجك أو لا أجامعك أو
يقول إن كانت عذراء والله لا أفتضك أو ما في هذا المعنى، فإن قال هذا فهو مول في الحكم وإن قال
لم أرد الجماع نفسه كان مدينا فيما بينه وبين الله عز وجل ولم يدين في الحكم (قال الشافعي) وإن قال
والله لا أباشرك أو والله لا أباضعك أو والله لا ألامسك أو لا ألمسك أو لا أرشفك أو ما أشبه هذا فإن
أراد الجماع نفسه فهو مول وإن لم يرده فهو مدين في الحكم والقول فيه قوله. وميت قلت القول قوله
فطلبت يمينه أحلفته لها فيه (قال) ولو قال والله لا أجامعك إلا جماع سوء فإن قال عنيت لا أجامعك
إلا في دبرك فهو مول والجماع نفسه في الفرج لا الدبر، ولو قال عنيت لا أجامعك إلا بأن لا أغيب
فيك الحشفة فهو مول لأن الجماع الذي له الحكم إنما يكون بتغيب الحشفة، وإن قال عنيت لا
أجامعك إلا جماعا قليلا أو ضعيفا أو متقطعا أو ما أشبه هذا فليس بمول (قال الشافعي) رحمه الله:
وإن قال والله لا أجامعك في دبرك فهو محسن غير مول لأن الجماع في الدبر لا يجوز، وكذلك إن قال
والله أجامعك في كذا من جسدك غير الفرج لا يكون موليا إلا بالحلف على الفرج أو الحلف مبهما فيكون
ظاهره الجماع على الفرج وإن قال والله لا أجمع رأسي و رأسك بشئ أو والله لأسوأنك أو لأغيظنك أو
لا أدخل عليك أو لا تدخلين على أو لتطولن غيبتي عنك أو ما أشبه هذا فكله سواء لا يكون موليا الا
بان يرد الجماع، وان قال والله ليطولن عهدي بجماعك أو ليطولن تركي لجماعك فإن عنى أكثر من
أربع أشهر مستقبلة من يوم حلف فهو مول، وإن عنى أربعة أشهر أو أقل لم يكن موليا وإن قال والله
لا أغتسل منك ولا أجنب منك وقال أردت أن أصيبها ولا أنزل ولست أرى الغسل إلا على من أنزل
ولا الجنابة دين في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى، وإن قال أردت أن أصيبها ولا أغتسل منها حتى
283

أصيب غيرها فأغتسل منه دين أيضا، وإن قال أردت أن أصيبها ولا أغتسل وإن وجب الغسل لم
يدين في القضاء ودين فيما بينه وبين الله عز وجل (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا قال الرجل لامرأته
والله لا أقربك ثم قال في ذلك المجلس أو بعده والله لا أقربك وفلانة لامرأة له أخرى طالق أو قال في
مجلس آخر فلان غلامه حر إن قربتك فهو مول يوقف وقفا واحدا، وإذا أصاب حنث بجميع ما حلف
(قال وكذلك لو قال لها والله لا أقربك خمسة أشهر ثم قال في يمين أخرى لا أقربك ستة أشهر وقف
وقفا واحدا وحنث وإذا أصاب بجميع الايمان وإن قال والله لا أقربك أربعة أشهر أو أقل ثم قال والله لا
أقربك خمسة أشهر كان موليا بيمينه لا يقربها خمسة أشهر وغير مول باليمين التي دون أربعة أشهر وأربعة
أشهر (قال الشافعي) ولو كانت يمينه على أكثر من أربعة أشهر وأربعة أشهر وتركت وقفه عند الأولى
والثانية كان لها وقفه ما بقي عليه من الايلاء شئ لأنه ممنوع من الجماع بعد أربعة أشهر بيمين (قال) ولو
قال لها والله لا أقربك خمسة أشهر ثم قال غلامي حر إن قربتك إذا مضت الخمسة الأشهر فتركته
حتى مضت خمسة أشهر أو أصابها فيها خرج من حكم الايلاء فيها. فإن طلبت الوقف لم يوقف لها
حتى تمضي الخمسة الأشهر من الايلاء الذي أوقع آخرا ثم أربعة أشهر بعده ثم يوقف، وكذلك لو قال
على الابتداء إذا مضت خمسة أشهر أو ستة أشهر فوالله لا أقربك لم يكن موليا حتى يمضي خمسة أشهر
أو ستة أشهر ثم يوقف بعد الأربعة الأشهر من يوم أوقع الايلاء لأنه إنما ابتدأه من يوم أوقعه، ولو قال
والله لا أقربك خمسة أشهر ثم قال إذا مضت خمسة أشهر فوالله لا أقربك سنة فوقف في الايلاء الأول
فطلق ثم راجع فإذا مضت أربعة أشهر بعد رجعته وبعد الخمسة الأشهر وقف فإن كان رجعته في
وقت لم يبق عليه فيه من السنة إلا أربعة أشهر أو أقل لم يوقف لأني أجعل له أربعة أشهر من يوم يحل له
الفرج ويجب عليه الايلاء فإذا جعلته هكذا فلا وقف عليه (قال الشافعي) وإن قال والله لا أقربك إن
شئت فليس بمول إلا أن تشاء فإن شاءت فهو مول، وإن قال والله لا أقربك كلما شئت فإن أراد بها كلما
شاءت أن لا يقربها لم يقربها فشاءت أن لا يقربها كان موليا ولا يكون موليا حتى تشاء، وإن قال
أردت أنى لا أقربك في كل حين شئت فيه أن أقربك لا أنى حلفت لا أقربك بمثل المعنى قبل هذا
ولكني أقربك كلما أشاء لا كلما تشائين فليس بمول وإن قال قربتك فعلى يمين أو كفار يمين فهو مول في
الحكم، وإن قال لم أرد إيلاء دين فيما بينه وبين الله عز وجل وإن قال على حجة إن قربتك فهو مول
وإن قال إن قربتك فعلى حجة بعدما أقربك فهو مول وإن قال قربتك فعلى صوم هذا الشهر كله لم يكن
موليا كما لا يكون موليا لو قال إن قربتك فعلى صوم أمس وذلك أنه لا يلزمه صوم أمس لو نذره بالتبرر
فإذا لم يلزمه بالتبرر لم يلزمه بالايلاء ولكنه لو أصابها وقد بقي عليه من الشهر شئ كانت عليه كفارة يمين
أو صوم ما بقي منه وإذا قال الرجل لا مرأته إن قربتك فأنت طالق ثلاثا وقف فإن فاء فإذا غابت
الحشفة طلقت ثلاثا فإن أخرجه ثم أدخله بعد فعليه مهر مثلها فإن أبى أن يفئ طلق عليه واحدة فإن
راجع كانت له أربعة أشهر وإذا مضت وقف ثم هكذا حتى تنقضي طلاق هذا الملك وتحرم عليه حتى
تنكح زوجا غيره ثم إن نكحها بعد زوج فلا إيلاء ولا طلاق وإن أصابها كفر (قال الشافعي) رحمه
الله: ولو كان آلى منها سنة فتركته حتى مضت سقط الايلاء ولو لم تدعه فوقف لها ثم طلق ثم راجع كان
كالمسألة الأولى فإذا مضت له أربعة أشهر بعد الرجعة وقف إلى أن تنقضي السنة قبل ذلك ولو قال
رجل لامرأته أنت على حرام يريد تحريمها بلا طلاق أو اليمين بتحريمها فليس بمول لأن التحريم شئ
حكم فيه بالكفارة إذا لم يقع به الطلاق كما لا يكون الظهار والايلاء طلاقا وإن أريد بهما الطلاق لأنه
284

حكم فيهما بكفارة (قال الربيع) وفيه قول آخر: إذا قال لامرأته إن قربتك فأنت علي حرام ولا يريد
طلاقا ولا إيلاء فهو مول يعني قوله أنت علي حرام (قال الشافعي) وإن قال لامرأته إن قربتك فعبدي
فلان حر عن ظهاري فإن كان متظهرا فهو مول ما لم يمت العبد أو يبيعه أو يخرجه من ملكه، وإن كان
غير متظهر فهو مول في الحكم لأن ذلك إقرار منه بأنه متظهر وإن وصل الكلام فقال إن قربتك فعبدي
فلان حر عن ظهاري إن تظهرت لم يكن موليا حتى يتظهر فإذا تظهر والعبد في ملكه كان موليا لأنه
حالف حينئذ بعتقه ولم يكن أولا حالفا، فإن قال إن قربتك فلله علي أن أعتق فلانا عن ظهاري وهو
متظهر كان موليا وليس عليه أن يعتق فلانا عن ظهاره وعليه فيه كفارة يمين لأنه يجب لله عليه عتق رقبة
فأي رقبة أعتقها غيره أجزأت عنه، ولو كان عليه صوم يوم فقال لله على أن أصوم يوم الخميس عن
اليوم الذي على لم يكن عليه صومه لأنه لم ينذر فيه بشئ يلزمه وأن صوم يوم لازم له فأي يوم صامه
أجزأ عنه ولو صامه بعينه أجزأ عنه من الصوم الواجب لا من النذر، وهكذا لو أعتق فلانا عن ظهاره
أجزأ عنه وسقطت عنه الكفارة (قال) وإذا قال الرجل لامرأته إن قربتك فلله على أن لا أقربك لم
يكن موليا لأنه لو كان قال لها ابتداء لله على أن لا أقربك لم يكن موليا لأنه لا حالف ولا عليه نذر في
معاني الايمان يلزمه به كفارة يمين وهذا نذر في معصية (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا آلى الرجل من
امرأته ثم قال الأخرى من نسائه قد أشركتك معها في الايلاء لم تشركها لأن اليمين لزمته للأولى واليمين لا
يشترك فيها (قال) وإذا حلف لا يقرب امرأته وامرأة ليست له لم يكن موليا حتى يقرب تلك المرأة فإن
قرب تلك المرأة كان موليا حينئذ وإن قرب امرأته حنث باليمين (قال) وإن قال إن قربتك فأنت زانية
فليس بمول إذا قربها وإذا قربها فليس بقاذف يحد حتى يحدث لها قذفها صريحا يحد به أو يلاعن،
وهكذا إن قال إن قربتك ففلانة لامرأة له أخرى زانية.
الايلاء في الغضب
(قال الشافعي) والايلاء في الغضب والرضا سواء كما يكون اليمين في الغضب والرضاء سواء وإنما
أوجبنا عليه الايلاء بما جعله الله عز وجل من اليمين وقد أنزل الله تعلى الايلاء مطلقا لم يذكر فيه غضبا
ولا رضا. ألا ترى أن رجلا لو ترك امرأته عمره لا يصيبها ضرارا لم يكن موليا. ولو كان الايلاء إنما
يجب بالضرار وجب على هذا ولكنه يجب بما أوجبه الله عز وجل وقد أوجبه مطلقا.
المخرج من الايلاء
(قال الشافعي) ومن أصل معرفة الايلاء أن ينظر كل يمين منعت الجماع بكل حال أكثر من أربعة
أشهر إلا بأن يحنث الحالف فهو مول وكل يمين كان يجد السبيل إلى الجماع بحال لا يحنث فيها وإن حنث
في غيرها فليس بمول (قال الشافعي) رحمه الله: وكل حالف مول وإنما معنى قولي ليس بمول ليس
يلزمه حكم الايلاء من فيئة أو طلاق وهكذا ما أوجب مما وصفته في مثل معنى اليمين (قال الشافعي)
أخبرنا سعيد بن سالم عن إسماعيل بن إبراهيم ابن المهاجر عن أبيه عن مجاهد قال تزوج ابن الزبير أو الزبير
(شك الربيع) امرأة فاستزاده أهلها في المهر فأبى فكان بينه وبينهم شر فحلف أن لا يدخلها عليه حتى
285

يكون أهلها الذين يسألونه ذلك فلبثوا سنين ثم طلبوا ذلك إليه فقالوا أقبض إليك أهلك ولم يعد ذلك
إيلاء وأدخلها عليه (قال الشافعي) لأن أهلها الذين طلبوا إدخالها عليه (قال الشافعي) ويسقط الايلاء
من وجه بأن يأتيها ولا يدخلها عليه ولعله أن لا يكون أراد هذا المعنى بيمينه (قال الشافعي) وإذا قال
الرجل لامرأته والله لا أقربك إن شاء الله تعالى فلا إيلاء وإن قال والله لا أقربك إن شاء فلان فليس
بإيلاء حتى يشاء فلان فإن شاء فلان فهو مول وإذا قال والله أقربك حتى يشاء فلان فليس بمول لأن
فلانا قد يشاء. فإن خرس فلان أو غلب على عقله فليس بمول لأنه قد يفيق فيشاء، فإن مات فلان
الذي جعل إليه المشيئة فهو مول لأنه لا يشاء إذا مات. وكذلك إن قال لا أقربك حتى يشاء أبوك أو
أمك أو أحد من أهلك وكذلك إن قال حتى تشائي أو حتى أشاء أو حتى يبدو لي أو حتى أرى رأيي
(قال الشافعي) وكذلك إن قال والله لا أقربك بمكة أو المدينة أو حتى أخرج من مكة أو المدينة أو لا
أقربك إلا ببلد كذا أو لا أقربك إلا في البحر أو لا أقربك على فراشي أو لا أقربك على سرير أو ما أشبه
هذا لأنه لا يقدر على أن يقربها على غير ما وصفت ببلد غير البلد الذي حلف أن لا يقربها فيه
ويخرجها من البلد الذي حلف لا يقربها فيه ويقربها في حال غير الحال التي حلف لا يقربها فيها ولا
يقال له أخرجها من البلد الذي حلفت لا تقربها فيه قبل أربعة أشهر إذا جعلته ليس بمول لم
احكم عليه الايلاء، وكذلك لو قال ولله لا أقربك حتى أريد أو حتى اشتهى لم يكن موليا.
أقول به أرد أو أشته، وإن قال ولله لا أقربك حتى تفطمي ولدك لم يكون مواليا لأنها قد تفطمه قبل
أربعة أشهر إلا أن يريد لا أقربك أكثر من أربعة أشهر. وإن قال والله لا أقربك حتى أفعل أو تفعلي
أمرا لا يقدر واحد منهما على فعله بحال كان موليا، وذلك مثل أن يقول والله لا أقربك حتى احمل
الجبل كما هو أو الأسطوانة كما هي أو تحميله أنت أو تطيري أو أطير أو ما لا يقدر واحد منهما على فعله
بحال أو تحبلي وتلدي في يومى هذا، ولو قال لامرأته والله لا أقربك إلا ببلد كذا وكذا لا يقدر على أن
يقربها بتلك البلدة بحال إلا بعد أربعة أشهر كان موليا يوقف بعد الأربعة أشهر كان موليا يوقف بعد الأربعة الأشهر ولو قال والله لا
أقربك حتى تحبلي وهي ممن يحل مثلها بحال لم يكن موليا لأنها قد تحبل ولو قال والله لا أقربك إلا في
سفينة في البحر لم يكن موليا لأنه يقدر على أن يقربها في سفينة في البحر.
الايلاء من نسوة ومن واحدة بالايمان
(قال الشافعي) وإذا قال الرجل لأربع نسوة له والله لا أقربكن فهو مول منهن كلهن يوقف لكل
واحدة منهن فإذا أصاب واحدة أو اثنتين أو ثلاثا خرج من حكم الايلاء فيهن، وعليه للباقية أن يوقف
حتى يفئ أو يطلق ولا حنث عليه حتى يصيب الأربع اللاتي حلف عليهن كلهن، فإذا فعل فعليه
كفارة يمين، ويطأ منهن ثلاثا ولا إيلاء عليه فيهن، ويكون حينئذ في الرابعة موليا لأنه
يحنث بوطئها، ولو ماتت إحداهن سقط عنه الايلاء لأنه يجامع البواقي ولا يحنث ولو طلق واحدة منهن
أو اثنتين أو ثلاثا كان موليا بحاله في البواقي لأنه لو جامعهن والتي طلق حنث باليمين مع
المأثم بالزنا وإن نكحها بعد خرج من حكم الايلاء (قال الشافعي) رحمه الله: ولو قال لأربع نسوة له
والله لا أقرب واحدة منكن وهو يريدهن كلهن فأصاب واحدة حنث وسقط عنه حكم الايلاء في
286

البواقي ولو لم يقرب واحدة منهن كان موليا منهن يوقف لهن فأي واحدة أصاب منهن خرج من حكم
الايلاء في البواقي لأنه قد حنث بإصابة واحدة فإذا حنث مرة لم يعد الحنث عليه، ولو قال والله لا
أقرب واحدة منكن يعنى واحدة دون غيرها فهو مول من التي حلف لا يقربها وغير مول من غيرها.
التوقيف في الايلاء
(قال الشافعي) وإذا آلى الرجل من امرأته لا يقربها فذلك على الأبد وإلا مضت أربعة أشهر
فطلبت أن يوقف لها وقف فإما أن يفئ وإما أن يطلق، وإن لم تطلب لم أعرض لا لها ولا له، وإن
قالت قد تركت الطلب ثم طلبت أو لا أقول فيه شيئا ثم طلبت كان لها ذلك لأنها تركت
ما لم يجب لها في حال دون حال فلها أن تطلبه بعد الترك، وإن طلبته قبل أربعة أشهر لم يكن لها وإن
كانت مغلوبة على عقلها أو أمة فطلبه ولى المغلوبة على عقلها أو سيد الأمة فليس ذلك لواحد منهما ولا
يكون الطلب إلا للمرأة نفسها، ولو عفاه سيد الأمة لطلبته كان ذلك لها دونه (قال الشافعي) وكل من
حلف مول على يوم حلف أو أقل أو أكثر ولا نحكم بالوقف في الايلاء إلا على من حلف على يمين يجاوز
فيها أربعة أشهر فأما من حلف على أربعة أشهر أو أقل فلا يلزمه حكم الايلاء لأن وقت الوقف يأتي وهو
خارج من اليمين. وإنما قولنا ليس بمول في الموضع الذي لزمته فيه اليمين ليس عليه حكم الايلاء (قال
الشافعي) ومن حلف بعتق رقيقه أن لا يقرب امرأته على الأبد فمات رقيقه أو أعتقتهم خرج من حكم
الايلاء لأنه لم يبق عليه شئ يحنث به ولو باعهم خرج من حكم الايلاء ما كانوا خارجين من ملكه
فإذا عادوا إلى ملكه فهو مول لأنه يحنث لو جامعها (قال الربيع) وللشافعي قول آخر أنه لو باع رقيقه ثم
اشتراهم كان هذا ملكا حادثا ولا يحنث فيهم وهو أحب إلي (قال الشافعي) ولو حلف بطلاق امرأته أن
لا يقرب امرأة له أخرى فماتت التي حلف بطلاقها أو طلقها ثلاثا خرج من حكم الايلاء لأنه لا يحنث
بطلاقها في هذه اليمين أبدا ولو طلقها كان خارجا من حكم الايلاء ما لم تكن زوجته ولا عليها رجعة،
وإذا كانت أقل من الثلاث وله عليها الرجعة أو نكحها بعد البينونة من واحدة أو اثنتين بالخروج من
العدة أو الخلع فهو مول (قال الربيع) وللشافعي قول آخر في مثل هذا أنها إذا خرجت من العدة من
طلاق بواحدة أو اثنتين أو خالعها فملكت نفسها ثم تزوجها ثانية كان هذا النكاح غير النكاح الأول ولا
حنث ولا إيلاء عليه (قال الشافعي) ومن حلف أن لا يقرب امرأته أكثر من أربعة أشهر فتركته امرأته
فلم تطلبه حتى مضى الوقت الذي حلف عليه فقد خرج من حكم الايلاء لأن اليمين ساقطة عنه (قال)
ولو قال لامرأة إذا تزوجتك فوالله لا أقربك لم يكن موليا فإذا قربها كفر، ولو قال لامرأته إذا كان غد
فوالله لا أقربك أو إذا قدم فلان فوالله لا أقربك فهو مول من غد ومن يوم يقدم فلان. وإن قال إن
أصبتك فوالله لا أصيبك لم يكن موليا حين حلف لأن له أن يصيبها مرة بلا حنث فإذا أصابها مرة
وكان موليا وإذا قال والله لا أصيبك سنة إلا مرة لم يكن موليا من قبل ان له ان يصيبها مرة بلا حنث.
فإذا أصابها مرة كان موليا (قال الربيع) إن كان بقي من يوم أصابها من مدة يمينه أكثر من أربعة أشهر
فهو مول وإن لم يكن بقي عليه أكثر من أربعة أشهر سقط الايلاء عنه (قال الشافعي) وإذا قال والله لا
أصيبك إلا إصابة سوء وإصابة ردية فإن نوى أن لا يغيب الحشفة في ذلك منها فهو مول. وإن أراد
قليلة أو ضعيفة لم يكن موليا. وإن أراد أن لا يصيبها إلا في دبرها فهو مول. لأن الإصابة والحلال
287

للطاهر في الفرج. ولا يجوز في الدبر ولو قال والله لا أصيبك في دبرك أبدا لم يكن موليا وكان مطيعا
بتركه إصابتها في دبرها. ولو قال والله لا أصيبك إلى يوم القيامة أو لا أصيبك حتى يخرج الدجال أو
حتى ينزل عيسى بن مريم فإن مضت أربعة أشهر قبل أن يكون شئ مما حلف عليه وقف فإما أن يفئ
وإما أن يطلق (قال الربيع) وإذا قال والله لا أقربك حتى أموت أو تموتي كان موليا من ساعته وكان
كقوله: والله لا أقربك أبدا لأنه إذا مات قبل أن يقربها أو ماتت لم يقدر أن يقربها (قال الشافعي)
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال الايلاء أن يحلف بالله على الجماع نفسه وذلك أن
يحلف لا يمسها فأما أن يقول لا أمسك ولا يحلف أو يقول قولا غليظا ثم يهجرها فليس ذلك بإيلاء (قال
الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه في الايلاء أن يحلف لا يمسها
أبدا أو ستة أشهر أو أقل أو أكثر ونحو ذلك مما زاد على الأربعة الأشهر.
من يلزمه الايلاء من الأزواج
(قال الشافعي) ويلزم الايلاء كل من إذا طلق لزمه الطلاق ممن تجب عليه الفرائض وذلك كل
زوج بالغ غير مغلوب على عقله وسواء في ذلك الحر والعبد ومن لم تكمل فيه الحرية والذمي والمشرك غير
الذمي رضيا بحكمنا. وإنما سويت بين العبد والحر فيه أن الايلاء يمين جعل الله تبارك وتعالى لها وقتا دل
جل ثناؤه على أن على الزوج إذا مضى الوقت أن يفئ أو يطلق فكان العبد والحر في اليمين سواء.
وكذلك يكونان في وقت اليمين وإنما جعلتها على الذمي والمشرك إذا تحاكما إلينا أن ليس لأحد أن يحكم
بغير حكم الاسلام أو أن الايلاء يمين يقع بها طلاق أو فيئة في وقت فألزمناهموها (قال الشافعي) وكفارة
العبد في الحنث الصوم ولا يجزئه غيره وإذا كان الزوج ممن لا فرض عليه وذلك الصبي غير البالغ
والمغلوب على عقله بأي وجه كانت الغلبة إلا السكران فلا إيلاء عليه ولا حنث لأن الفرائض عنه
ساقطة وإذا آلى السكران من الخمر والشراب المسكر لزمه الايلاء لأن الفرائض له لازمة لا تزول عنه
بالسكر وإن كان المغلوب على عقله يجن ويفيق فآلى في حال إفاقته لزمه الايلاء وإن آلى في حال جنونه
لم يلزمه. وإن قالت المرأة آليت منى صحيحا وقال الزوج ما آليت منك وإن كنت فعلت فإنما آليت
مغلوبا على عقلي فالقول قوله مع يمينه. وإذا كان لا يعرف له جنون فقالت آليت منى فقال آليت منك
وأنا مجنون فالقول قولها وعليه البينة إذا لم يعلم ذهاب عقله في وقت يجوز أن يكون موليا فيه في وقت
دعواها ولو اختلفا فقالت قد آليت منى وقال لم أول أو قالت قد آليت ومضت أربعة أشهر وقال قد
آليت وما مضى إلا يوم أو أقل أو أكثر كان القول في ذلك قوله مع يمنه وعليها البينة، وإذا قامت البينة
فهو مول من يوم وقتت بينتها. ولو قامت له بينة بإيلاء وقتوا فيه غير وقتها كان موليا ببينتها وبينته وليس
هذا اختلافا إنما هذا مول ابلاءين (قال الشافعي) ولا يلزم الايلاء إلا زوجا صحيح النكاح فأما فاسد
النكاح فلا يلزمه إيلاء. ولا يلزم الايلاء إلا زوجة ثابتة النكاح أو مطلقة له وعليها رجعة في العدة فإنها
في حكم الأزواج فأما مطلقة لا رجعة له عليها في العدة فلا يلزمه إيلاء منها وإن آلى في العدة وكذلك
لا يلزمه إيلاء من مطلقة يملك رجعتها إذا كان إيلاؤه منها بعد مضى العدة لأنها ليست في معاني
الأزواج إذا مضت عدتها (قال الشافعي) رحمه الله: والايلاء من كل زوجة مسلمة أو ذمية أو أمة
288

سواء لا يختلف في شئ.
الوقف
(قال الشافعي) وإذا آلى الرجل من امرأته فمضت أربعة أشهر وقف وقيل له إن فئت وإلا فطلق والفيئة
الجماع إلا من عذر. ولو جامع في الأربعة الأشهر خرج من حكم الايلاء وكفر عن يمينه، فإن قال
أجلني في الجماع لم أؤجله أكثر من يوم فإن جامع فقد خرج من حكم الايلاء وعليه الحنث في يمينه
فإن كان لها كفارة كفر وإن قال أنا أفئ فأجلني أكثر من يوم لم أؤجله ولا يتبين لي أن أؤجله ثلاثا. لو
قال قائل كان مذهبا فإن فاء وإلا قلت له طلق فإن طلق لزمه الطلاق وإن لم يطلق طلق عليه السلطان
واحدة. وكذلك إن قال أنا أقدر على الجماع ولا أفئ طلق عليه السلطان واحدة. فإن طلق عليه أكثر
من واحدة كان ما زاد عليها باطلا. وإنما جعلت له ان يطلق عليه واحدة لأنه كان على المولى أن يفئ
أو يطلق فإذا كان الحاكم لا يقدر على الفيئة إلا به فإذا امتنع قدر على الطلاق عليه ولزمه حكم
الطلاق كما نأخذ منه كل شئ وجب عليه أن يعطيه من حد وقصاص ومال وبيع وغيره إذا امتنع من
أن يعطيه وكما يشهد على طلاقه فيطلق عليه وهو ممتنع من الطلاق جاحد له (قال) وإن قال أنا أصبتها
ثم جب قبل أربعة أشهر فلها الخيار مكانها في المقام معه أو فراقه. وإن قال أنا أصبتها فعرض له مكانه
مرض يمنع الإصابة قلنا فئ بلسانك ومتى أمكنك أن تصيبها وقفناك فإن أصبتا وإلا فرقنا بينك
وبينه. ولو كان المرض عارضا لها حتى لا يقدر على أن يجامع مثلها لم يكن عليه سبيل ما كانت مريضة
فإذا قدر على جماع مثلها وقفناه حتى يفئ أو يطلق (قال) ولو وقفناه فحاضت لم يكن عليه شئ حتى
تطهر فإذا طهرت قيل له أصب أو طلق (قال) ولو أنها سألت الوقف فوقف فهربت منه أو أقرت
بالامتناع منه لم يكن عليه الايلاء حتى تحضر وتخلى بينه وبين نفسها فإذا فعلت فإذا فاء وإلا طلق أو
طلق عليه، ولو أنها طلبت الوقف فوقف لها فأحرمت مكانها بإذنه أو بغير إذنه فلم يأمرها بإحلال لم
يكن عليه طلاق حتى تحل ثم يوقف فإما أن يفئ وإما أن يطلق، وهكذا لو ارتدت عن الاسلام لم
يكن عليه طلاق حتى ترجع إلى الاسلام في العدة فإذا رجعت قيل له فئ أو طلق وإن لم ترجع حتى
تنقضي العدة بانت منه بالردة ومضى العدة (قال) وإذا كان منع الجماع من قبلها بعد مضى الأربعة
الأشهر قبل الوقف أو معه لم يكن لها على الزوج سبيل حتى يذهب منع الجماع من قبلها ثم يوقف مكانه
لأن الأربعة الأشهر قد مضت وإذا كان منع الجماع من قبلها في الأربعة الأشهر بشئ تحدثه غير
الحيض الذي خلقه الله عز وجل فيها ثم أبيح الجماع من قبلها أجل من يوم أبيح أربعة أشهر كما جعل الله
تبارك وتعالى له أربعة أشهر متتابعة فإذا لم تكمل له حتى يمضى حكمها استؤنفت له متتابعة كما جعلت له
أولا (قال) ولو كان آلى منها ثم ارتد عن الاسلام في الأربعة الأشهر أو ارتدت أو طلقها أو خالعها ثم
راجعها أو رجع المرتد منهما إلى الاسلام في العدة استأنف في هذه الحالات كلها أربعة أشهر من يوم
حل له الفرج بالمراجعة أو النكاح أو رجوع المرتد منهما إلى الاسلام ولا يشبه هذا الباب الأول لأنها في
هذا الباب صارت محرمة. كالأجنبية الشعر والنظر والجس والجماع. وفي تلك الأحوال لم تكن محرمة
بشئ غير الجماع وحده. فأما الشعر والنظر والجس فلم يحرم منها وهكذا لو ارتدا معا (قال الشافعي)
رحمه الله: ولو آلى من امرأته ثم طلق إحدى نسائه في الأربعة الأشهر ولم يدر أيتهن طلق فمضت أربعة
289

أشهر فطلبت أن يوقف فقال هي التي طلقت حلف للبواقي وكانت التي طلق ومتى راجعها فمضت
أربعة أشهر وقفته أبدا حتى يمضى طلاق الملك كما وصفت، ولو مضت الأربعة الأشهر ثم طلبت أن
يوقف فقال لا أدرى أهي التي طلقت أم غيرها. قيل له إن قلت هي التي طلقت فهي طالق وإن قلت
ليست هي حلفت لها إن ادعت الطلاق ثم فئت أو طلقت وإن قلت: لا أدرى فأنت أدخلت منع
الجماع على نفسك فإن طلقتها فهي طالق وإن لم تطلقها وحلفت أنها ليست التي طلقت أو صدقتك هي
ففئ أو طلق وإن أبيت ذلك كله طلق عليك بالايلاء لأنها زوجة مولى منها عليك أن تفئ إليها أو
تطلقها. فإن قلت لا أدرى لعلها حرمت عليك فلم تحرم بذلك عليك تحريما يبينها عليك وأنت مانع
الفيئة والطلاق فتطلق عليك. فإن قامت بينة أنها التي طلقت عليك قبل طلاق الايلاء سقط طلاق
الايلاء. وإن لم تقم بينة لزمك طلاق الايلاء وطلاق الاقرار معا. ثم هكذا البواقي (قال) وإذا آلى
وبينه وبين امرأته أكثر من أربعة أشهر فطلبت ذلك امرأته أو وكيل لها أمر بالفئ بلسانه والمسير إليها كما
يمكنه وقيل فإن فعلت وإلا فطلق (قال) وأقل ما يصير به فائيا أن يجامعها حتى تغيب الحشفة. وإن
جامعها محرمة أو حائضا أو هو محرم أو صائم خرج من الايلاء وأثم بالجماع في هذه الأحوال. ولو آلى
منها ثم جن فأصابها في حال جنونه أو جنت فأصابها في حال جنونها خرج من الايلاء. وكفر إذا أصابها
وهو صحيح وهي مجنونة ولم يكفر إذا أصابها وهو مجنون لأن القلم عنه مرفوع في تلك الحال. ولو أصابها
وهي نائمة أو مغمى عليها خرج من الايلاء وكفر (قال) وكذلك إذا أصابها أحلها لزوجها وأحصنها
وإنما كان فعله فعلا بها لأنه يوجب لها المهر بالإصابة وإن كانت هي لا تعقل الإصابة فلزمها بهذا
الحكم وأنه حق لها أداه إليها في الايلاء كما يكون لو أدى إليها حقا في مال أو غيره برئ منه.
طلاق المولى قبل الوقف وبعده
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا أوقف المولى فطلق واحدة أو امتنع من الفئ بلا عذر فطلق عليه
الحاكم واحدة فالتطليقة تطليقة يملك فيها الزوج الرجعة في العدة وإن راجعها في العدة فالرجعة ثابتة
عليه والايلاء قائم بحاله ويؤجل أربعة أشهر من يوم راجعها وذلك يوم يحل له فرجها بعد تحريمه فإن
مضت أربعة أشهر وقف لها فإن طلقها أو امتنع من الفيئة من غير عذر فطلق عليه فالطلاق يملك
الرجعة. وإن راجعها وهي في العدة فالرجعة ثابتة عليه فإن مضت أربعة أشهر من يوم راجعها وقف
فأن طلق أو لم يفئ فطلق عليه فقد مضى الطلاق ثلاثا وسقط حكم الايلاء فإن نكحت زوجا آخر
وعادت إليه بنكاح بعد زوج لم يكن عليه حكم الايلاء ومتى أصابها كفر. (قال الشافعي) وهذا معنى
القرآن لا يخالفه لأن الله تعالى جعل له إذا امتنع من الجماع بيمين أجل أربعة أشهر فلما طلق الأولى
وراجع كانت اليمين قائمة كما كانت أولا فلم يجز أن يجعل له أجلا إلا ما جعل الله عز وجل له ثم هكذا
في الثانية والثالثة. وهكذا لو آلى منها ثم طلقها واحدة أو اثنتين ثم راجعها في العدة ما كانت لم تصر
أولى بنفسها منه (قال) وإذا طلقها فكانت أملك بنفسها منه بأن تنقضي عدتها أو يخالعها أو يولى منها
قبل أن يدخل بها ثم يطلقها. فإذا فعل هذا ثم نكحها نكاحا جديدا بعد العدة أو قبلها سقط حكم
الايلاء عنه وإنما سقط حكم الايلاء عنه بأنها عنه بأنها قد صارت لو طلقها لم يقع عليها طلاقه، ولا يجوز أن
يكون عليه حكم الايلاء وهو لو أوقع الطلاق لم يقع. وكذلك يكون بعد لو طلقها ثلاثا بهذه العلة ولو
جاز أن تبين امرأة المولى منه حتى تصير أملك بنفسها منه ثم ينكحها فيعود عليه حكم الايلاء إذا
290

نكحها جاز هذا بعد طلاق الثلاث وزوج غيره لأن اليمين قائمة بعينها يكفر إذا أصابها وكانت قائمة قبل
الزوج. وهكذا الظهار مثل الايلاء لا يختلفان (قال الربيع) والقول الثاني أنه يعود عليه الايلاء ما بقي
من طلاق الثلاث شئ (قال الشافعي) وإذا بانت امرأة المتظهر منه ولم يحبسها بعد الظهار ساعة. ثم
نكحها نكاحا جديدا لم يعد عليه التظهر لأنه لم يلزمه في الملك الذي تظهر منها كفارة ولو حبسها بعد
التظهر ساعة ثم بانت منه لزمه التظهر لأنه قد عاد لما قال. وكذلك لو ماتت في الوجهين معا (قال
الشافعي) وإنما جعلت عليه الكفارة لأنها يمين لزمته. ألا ترى أنه لو حلف لا يصيب غير امرأته فأصابها
كانت عليه كفارة مع المأثم بالزنا.
إيلاء الحر من الأمة والعبد من امرأته وأهل الذمة والمشركين
(قال الشافعي) وإيلاء الحر من امرأته الأمة والحرة سواء فإن آلى من امرأته وهي أمة ثم اشتراها
سقط الايلاء بانفساخ النكاح فإن خرجت من ملكه ثم نكحها أمة أو حرة لم يعد الايلاء لأن
ملكه هذا غير الملك الذي آلى فيه وهكذا العبد يولى من امرأته حرة أو أمة فتملكه سقط بانفساخ
النكاح فإن عتق فنكحها أو خرج من ملكها فنكحها لم يعد الايلاء ولو أن الحر المشترى لامرأته الأمة
بعد الايلاء منها أصابها بالملك كفر إذا كانت يمينه والله لا أقربك وإن لم يصبها لم يكن عليه وقف إذا
كانت إصابته بالملك كما لو آلى من أمته لم يكن موليا لأن الله تبارك وتعالى إنما جعل الايلاء من الأزواج
فإن خرجت من ملكه ثم نكحها لم يعد عليه الايلاء لأنه قد حنث به مرة ولو كان قد قال لها والله لا
أقربك وأنت زوجة لي ثم ملكها فأصابها بالملك لم يحنث ومتى نكحها نكاحا جديدا غير النكاح الذي
آلى فيه لم يعد عليه الايلاء، وهكذا العبد يولى من امرأته ثم تملكه ثم ينكحها، وهكذا لو كانت امرأة
أحدهما أمة فارتدت فانفسخ النكاح ثم نكحته بعد لا يعود الايلاء إذا حرم عليه نكاحها لأن هذا غير
النكاح الذي آلى منه (قال) وإذا حلف العبد بالله أو بما لزمه فيه يمين من تبرر كان موليا، وإن حلف
بكل شئ له في سبيل الله أو بعتق مماليكه أو صدقت شئ من ماله لم يكن مواليا لأنه لا يملك شيئا
وكذلك المدبر والمكاتب، ولم حلف المعتق بعضه بصدقة شئ من ماله لزمه الايلاء لأن له ما كسب في
يومه (قال الشافعي) والذمي كالمسلم فيما يلزمه من الايلاء إذا حاكم إلينا لأن الايلاء يمين يلزمه وطلاقه
كطلاق المسلم وكذلك يلزمه من اليمين ما يلزم المسلمين. ألا ترى أنه لو أعتق عبده أو أصاب امرأته
ألزمناه الايلاء لأن العتق حق لغيره وإن لم يؤجر فيه وإن أعتق عبده تبرا ألزمناه وإن لم يؤجر فيه في
حاله تلك فكذلك ما سواه وفرض الله عز وجل على العباد واحد. فإن قيل هو إن تصدق على
المساكين لم يكفر عنه؟ قيل: وهكذا إن حد في زنا لم يكفر بالحد عنه والحدود للمسلمين كفارة
للذنوب ونحن نحده إذا زنى وأتانا راضيا بحكمنا وحكم الله عز وجل على العباد واحد وإنما حددناه لأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا بما أمره الله تعالى به أن يحكم بينهم بما أنزل الله.
الايلاء بالألسنة
(قال الشافعي) إذا كان لسان الرجل غير لسان العرب فآلى بلسانه فهو مول، وإذا تكلم بلسانه
بكلمة تحتمل الايلاء وغيره كان كالعربي يتكلم بالكلمة وتحتمل معنيين ليس ظاهرهما الايلاء فيسأل
291

فإن قال أردت الايلاء فهو مول وإن قال لم أرد الايلاء فالقول قوله مع يمينه إن طلبته امرأته وإن كان
عربيا يتكلم بألسنة العجم أو بعضها فآلى فأي لسان منها آلى به فهو مول. وإن قال لم أرد الايلاء دين
فيما بينه وبين الله تعالى ولا يدين في الحكم. وإن كان عربيا لا يتكلم بأعجمية فتكلم بإيلاء ببعض
ألسنة العجم فقال ما عرفت ما قلت وما أردت إيلاء فالقول قوله مع يمينه. وليس حاله كحال الرجل
يعرف بأنه يتلكم بلسان من ألسنة العجم ويعقله. وهكذا الأعجمي يولى بالعربية إذا كان يعرف الايلاء
بالعربية لم يصدق في الحكم على أن يقول لم أرد إيلاء ولكن سبقني لساني لم يدين في الحكم ودين
فيما بينه وبين الله تعالى.
إيلاء الخصي غير المجبوب والمجوب
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا آلى الخصي غير المجبوب مع امرأته فهو كغير الخصي وهكذا لو
كان مجبوبا قد بقي له ما يبلغ به من المرأة ما يبلغ الرجل حتى تغيب حشفته كان كغير الخصي في
جميع أحكامه. وإذا آلى الخصي المجبوب من امرأته قيل له فئ بلسانك لا شئ عليه غيره لأنه ممن
لا يجامع مثله وإنما الفئ الجماع وهو ممن لا جماع عليه (قال) ولو تزوج رجل امرأة ثم آلى منها ثم خصى
ولم يجب كان كالفحل ولو جب كان لها الخيار مكانها في المقام معه أو فراقه فإن اختارت المقام معه قيل
له إذا طلبت الوقف ففئ بلسانك لأنه ممن لا يجامع (قال الربيع) إن اختارت فراقه فالذي أعرف
للشافعي أنه يفرق بينهما وإن اختارت المقام معه فالذي أعرف للشافعي أن امرأة العنين إذا اختارت
المقام معه بعد الأجل أنه لا يكون لها خيار ثانية والمجبوب عندي مثله (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا
آلى العنين من امرأته أجل سنة ثم خيرت إلا أن يطلقها عند الأربعة الأشهر فإن طلقها ثم راجعها في
العدة عاد الايلاء عليه وخيرت عند السنة في المقام معه أو فراقه.
إيلاء الرجل مرارا
(قال الشافعي) وإذا آلى الرجل من امرأته فلما مضى شهران أو أكثر أو أقل آلى منها مرة أخرى
وقف عند الأربعة الأشهر الأولى فإما أن يفئ وإما أن يطلق فإن فاء حنث في اليمين الأولى واليمين الثانية
ولم يعد عليه الايلاء لأنه قد حنث في اليمينين معا وإن أراد باليمين الثانية الأولى فكفارة واحدة وإن أراد
يمينا عليه غيرها فأحب إلى أن لو يكفر كفارتين وقد قيل كفارة واحدة تجزئه لأنهما يمينان في شئ
واحد. وهكذا لو آلى منها فلما مضت أربعة أشهر آلى ثانية قبل يوقف أو يطلق ولكنه لو آلى فوقف فطلق
طلاقا يملك الرجعة ثم آلى في العدة ثم ارتجع أو فاء ثم آلى إيلاء آخر كان عليه إيلاء مستقبل (قال)
وإذا آلى الرجل من امرأته فحيل بينه وبينها بأمر ليس من قبله قبل يكمل أربعة أشهر ثم قدر عليها
استؤنف له أربعة أشهر كما جعل الله عز وجل له أربعة أشهر متتابعة فإذا لم يتكمل له حتى يمضى حكمها
استؤنف له متتابعة كما جعلت له أولا. وذلك مثل أن تحبس فلا يقدر عليها. ومثل أن يكون آلى منها
صبية لا يقدر على جماعها بحال أو مضناة من مرض لا يقدر على جماعها بحال وإذا صارتا في حد من
يجامع مثله وقف لهما بعد أربعة أشهر من يوم يقدر على جماعهما فإن فاء وإلا طلق وإن أبى طلق عليه
292

(قال) وإن كانت مريضة يقدر على جماعها بحال أو صبية يجامع مثلها فهي كالصحيحة البالغ، وسواء
آلى من بكر أو ثيب ولا فيئة في البكر إلا بذهاب العذرة ولا في الثيب إلا بمغيب الحشفة، وإذا كان
الحبس عن الجماع في الأربعة الأشهر لا بسبب المرأة ولا منها ولا أنها حرمت عليه كما تحرم الأجنبية إلا
بحال يحدثها فالايلاء له لازم ولا يزاد على أربعة أشهر شيئا فإذا مضت الأربعة الأشهر وقف حتى يطلق
أو يفئ فئ جماع أو فئ معذور وذلك مثل أن يؤلى فيمرض هو أربعة أشهر فإذا مضت
وقف فإن كان يقدر على الجماع بحال فلا فئ له إلا فئ الجماع وإن كان لا يقدر عليه فاء بلسانه ومثل
أن يؤلى فيحبس أو يؤلى وهو محبوس فإذا مضت أربعة أشهر وهو يقدر على الجماع بحال فاء أو طلق وإن
لم يقدر على الجماع بحال للحبس فاء بلسانه (قال الشافعي) رحمه الله: ومن قلت له فئ بلسانك فإذا
قدر على الجماع بحال وقفته مكانه فإن فاء وإلا طلق أو طلق عليه ولا أؤجله إلى أجل الصحيح إذا وقفته
بعد أربعة أشهر (قال) وإذا آلى فغلب على عقله فإذا مضت أربعة أشهر لم يوقف حتى يرجع إليه عقله
فإن عقل بعد الأربعة الأشهر وقف مكانه فإما أن يفئ وإما أن يطلق، وإذا آلى الرجل من امرأته ثم
أحرم قيل له إذا مضت أربعة أشهر فإن فئت فسد إحرامك وخرجت من حكم الايلاء وإن لم تفئ
طلق عليك لأنك أحدثت منع الجماع وإن آلى ثم تظاهر وهو يجد الكفارة فإذا مضت أربعة أشهر وقف
فقيل له أنت أدخلت منع الجماع على نفسك فإن فئت فأنت عاص بالإصابة وأنت متظاهر وليس لك
أن تطأ قبل الكفارة وإن لم تفئ فطلق أو يطلق عليك، وهكذا لو تظاهر ثم آلى لأن ذلك كله جاء منه
لا منها ولم تحرم عليه بالظهار حرمة الأجنبية.
اختلاف الزوجين في الإصابة
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا وقفنا المولى فقال قد أصبتها وقالت لم يصبني فإن كانت ثيبا
فالقول قوله مع يمينه لأنها تدعى ما تكون به الفرقة التي هي إليه وإن كانت بكرا أريها النساء فإن قلن
هي بكر فالقول قولها مع يمينها، وإذا قالت قد أصابني وإنما أدخله بيده حتى غيب الحشفة فذلك
فئ إن صدقها (قال الربيع) وإن غلبته على نفسه حتى أدخلته بيدها فقد فاء وسقط عنه الايلاء ولا
كفارة عليه لأنه مكره (قال الشافعي) وإن وقف لأنها سألت وقفه فادعى إصابتها في الأربعة الأشهر
وأنكرت فأقول فيها كالقول إذا وقفناه بعد أربعة أشهر يصدق إن كانت ثيبا وتصدق هي إن كانت
بكرا.
من يجب عليه الظهار ومن لا يجب عليه
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (قال الشافعي) رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى (الذين يظاهرون
منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا
وإن الله لعفو غفور) (قال الشافعي) فكل زوج جاز طلاقه وجرى عليه الحكم من بالغ غير مغلوب
على عقله وقع عليه الظهار سواء كان حرا أو عبدا أو من لم تكمل فيه الحرية أو ذميا من قبل أن أصل
الظهار كان طلاق الجاهلية فحكم الله تعالى فيه بالكفارة فحرم الجماع على المتظاهر بتحريمه للظهار حتى
293

يكفر وكل هؤلاء ممن يلزمه الطلاق ويحرم عليه الجماع بتحريمه إذا كانوا بالغين غير مغلوبين على عقولهم
(قال) وظهار كل واحد من هؤلاء يقع على زوجته دخل بها أو لم يدخل بها صغيرة كانت أو كبيرة يحل
جماعها ويقدر عليه أو لا يحل ولا يقدر عليه بأن تكون حائضا أو محرمة أو رتقاء أو صغيرة لا يجامع مثلها
أو خارجة من هذا كله (قال) ولو تظاهر من امرأته وهي أمة ثم اشتراها فسد النكاح والظهار بحالة
لا يقربها حتى يكفر من قبل أن الظهار لزمه وهي زوجة، وإذا تظاهر السكران لزمه الظهار. فأما
المغلوب على عقله بغير سكر فلا يلزمه، وإذا تظاهر الأخرس وهو يعقل الإشارة أو الكتابة لزمه
الظهار، وإذا تظاهر من امرأته ثم قال لامرأة له أخرى قد أشركتك معها أو قال أنت مثلها أو ما أشبه
هذا يريد به الظهار فإن عليه فيها مثل ما عليه في التي تظاهر منها وهو ظهار، فإن لم يرد به ظهارا ولا
تحريما فليس بظهار ولا شئ عليه وإذا قال لامرأة له أنت على كظهر أمي إن شاء الله فليس بظهار،
ولو قال إن شاء الله فلان فليس بظهار وحتى يعلم أن فلانا قد شاء، وإذا تظاهر الرجل من امرأته ثم
تركها أكثر من أربعة أشهر فهو متظاهر ولا إيلاء عليه يوقف له لأن الله تعالى قد حكم في الظهار غير
حكمه في الايلاء فلا يكون المتظاهر موليا ولا المولى متظاهرا بأحد القولين ولا يكون عليه بأحدهما إلا
أيهما جعل على نفسه لأنه مطيع لله تعالى بترك الجماع في الظهار عاص لو جامع قبل أن يكفر وعاص
بالايلاء، سواء كان مضارا بالظهار أو غير مضار إلا أنه يأثم بالضرار كما يأثم لو إلى أقل من أربعة أشهر
يريد ضرارا ولا يحكم عليه حكم الايلاء بالضرار ويأثم لو تركها الدهر بلا يمين يريد ضرارا ولا يحكم
عليه حكم الايلاء ولا يحال حكم عما أنزل الله تبارك وتعالى فيه.
الظهار
(قال الشافعي) رحمه الله: قال الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير
رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من
قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) (قال الشافعي) سمعت من أرضى من أهل العلم
بالقرآن يذكر أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون بثلاثة الظهار والايلاء والطلاق فأقر الله تعالى الطلاق
طلاقا وحكم في الايلاء فأن أمهل الموالي أربعة أشهر ثم جعل عليه أن يفئ أو يطلق وحكم في الظهار
بالكفارة فإذا تظاهر الرجل من امرأته يريد طلاقها أو يريد تحريمها بلا طلاق فلا يقع به طلاق بحال
وهو متظاهر وكذلك إن تكلم بالظهار ولا ينوى شيئا فهو متظاهر لأنه متكلم بالظهار ويلزم الظهار من
لزمه الطلاق ويسقط عمن سقط عنه وإذا تظاهر الرجل من امرأته قبل أن يدخل بها أو بعد ما دخل
بها فهو متظاهر وإذا طلقها فكان لا يملك رجعتها في العدة ثم تظاهر منها لم يلزمه الظهار، وإذا طلق
امرأتيه فكان يملك رجعة إحداهما ولا يملك رجعة الأخرى فتظاهر منهما في كلمة واحدة لزمه الظهار
من التي يملك رجعتها ويسقط عنه من التي لا يملك رجعتها (قال الشافعي) وإذا تظاهر من أمته أم
ولد كانت أو غير أم ولد لم يلزمه الظهار لأن الله عز وجل يقول (والذين يظاهرون من نسائهم) وليست
من نسائه ولا يلزمه الايلاء ولا الطلاق فيما لا يلزمه الظهار وكذلك قال الله تبارك وتعالى (للذين يؤلون
من نسائهم تربص أربعة أشهر) فلو آلى من أمته لم يلزمه الايلاء، وكذلك قال (والذين يرمون
أزواجهم) وليست من الأزواج فلو رماها لم يلتعن لأنها عقلنا عن الله عز وجل أنها ليست من نسائنا وإنما
نساؤنا أزواجنا ولو جاز أن يلزم واحدا من هذه الأحكام لزمها كلها لأن ذكر الله عز وجل لها واحد.
294

ما يكون ظهارا وما لا يكون
(قال الشافعي) رحمه الله: والظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت على كظهر أمي فإذا قال لها أنت
منى كظهر أمي أو أنت معي أو ما أشبه هذا كظهر أمي فهو ظهار، وكذلك لو قال لها فرجك أو رأسك
أو بدنك أو ظهرك أو جلدك أو يدك أو رجلك على كظهر أمي كان هذا ظهارا، وكذلك لو قال أنت أو
بدنك على كظهر أمي أو كبدن أمي أو كرأس أمي أو كيدها أو كرجلها كان هذا ظهارا لأن التلذذ بكل
أمه محرم عليه كتحريم التلذذ بظهرها (قال) وإذا قال لامرأته أنت على كظهر أختي أو كظهر امرأة
محرمة علية من نسب أو رضاع قامت في ذلك مقام الام. اما الرحم فإن ما يحرم عليه من أمه يحرم
عليه منها، وأما الرضاع فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فأقام
النبي صلى الله عليه وسلم الرضاع مقام النسب فلم يجز أن يفرق بينهما (قال الربيع) معنى قول الشافعي
إن الله عز وجل نسب الظهار إلى الام فقال عز وجل من قائل (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما
هن أمهاتهم) فكل ما كان محرما على المرء كما تحرم الام فظاهر من امرأته فنسبه إلى من تحرم عليه
كحرمة الام لزمه الظهار، ولك مثل أن يقول أنت على كظهر أختي ولم تزل أخته محرمة عليه لم تحل له
قط فكان بذلك متظاهرا قال الربيع فإن قال أنت علي كظهر أجنبية لم يكن مظاهرا من قبل أن
الأجنبية وإن كانت في هذا الوقت محرمة فهي تحل له لو تزوجها والام لم تكن حلالا قط له ولا تكون
حلالا أبدا. فإن قال أنت على كظهر أختي من الرضاعة فإن كانت قد ولدت قبل أن ترضعه أمها فقد
كانت قبل أن يكون الرضاع حلالا له ولا يكون مظاهرا بها وليست مثل الأخت من النسب التي لم
تكن حلالا قط له وهذه قد كانت حلالا له قبل أن ترضعه أمها فإن كانت أمها قد أرضعته قبل أن
تلدها فهذه لم تكن قط حلالا له في حين لأنها ولدتها بعد أن صار ابنها من الرضاعة (قال الربيع)
وكذلك امرأة أبيه فإذا قال الرجل لامرأته أنت على كظهر امرأة أبى. فإن كان أبوه قد تزوجها قبل أن
يولد فهو مظاهر من قبل أنها لم تكن له حلالا قط ولم يولد إلا وهي حرام عليه، وإن كان قد ولد قبل
أن يتزوجها أبوه فقد كانت في حين حلالا له فلا يكون بها متظاهرا (قال الشافعي) رحمه الله: وإن
قال أنت على كظهر (1) امرأة أبى أو امرأة ابني أو امرأة رجل سماه أو امرأة لا عنها أو امرأة طلقها ثلاثا
لم يكن ظهارا من قبل أن هؤلاء قد كن وهن يحللن له. وإن قال أنت علي كظهر أبى أو ابني لم يكن
ظهارا من قبل أن ما يقع على النساء من تحريم وتحليل لا يقع على الرجال (قال) وإن قالت امرأة
رجل له أنت على كظهر أبى أو أمي لم يكن ظهارا ولا عليها كفارة من قبل أنه ليس لها أن توقع
التحريم على رجل إنما للرجل أن يوقعه عليها (قال الشافعي) ويلزم الظهار من الأزواج من لزمه
الطلاق ويلزم بما يلزم به الطلاق من الحنث لأن فيه تحريما للمرأة حتى يكفر، فإذا قال لامرأته إن
دخلت الدار فأنت على كظهر أمي فدخلت الدار كان متظاهرا حين دخلت. وكذلك إن قال إن قدم
فلان أو نكحت فلانة ولو قال لامرأة لم ينكحها إذا نكحتك فأنت على كظهر أمي فنكحها لم يكن
متظاهرا لأنه لو قال في تلك الحال أنت على كظهر أمي لم يكن متظاهرا لأنه إنما يقع التحريم من

(1) في امرأة الأب التفصيل المتقدم بدليل العلة، فتنبه.
295

النساء على من حل (1) ثم حرم فأما من لم يحل فلا يقع عليه تحريم ولا حكم تحريم لأنه محرم فلا معنى
للتحريم في التجريم لأنه في الحالين قبل التحريم وبعده محرم التحريم (قال الشافعي) ويروى مثل معنى ما
قلت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عن علي وابن عباس رضى الله تعالى عنهما وغيرهم وهو القياس.
وإذا قال أنت على كظهر أمي يريد طلاقا واحدا أو ثلاثا أو طلاقا بلا نية عدد لم يكن طلاقا لما وصفت من
حكم الله عز وجل في الظهار وأن بينا في حكم الله تعالى أن ليس الظهار اسم الطلاق ولا ما يشبه الطلاق مما
ليس لله تبارك وتعالى فيه نص حكم ولا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان خارجا من هذا مما يشبه
الطلاق فإنما يكون قياسا على الطلاق إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق كظهر أمي يريد الظهار فهي طالق ولا
ظهار عليه لأنه صرح بالطلاق ولم يكن لكظهر أمي معنى إلا أنك حرام بالطلاق وكظهر أمي محال لا معنى له
فلزمه الطلاق وسقط الظهار وهكذا إن قال أنت علي حرام كظهر أمي يريد الطلاق فهو طلاق وإن لم يرد
الطلاق فهو متظاهر. وإن قال لامرأته أنت علي حرام كظهر أمي ثم قال لاخرى من نسائه قد أشركتك معها
أو أنت كهى أو أنت شريكتها أو ما أشبه هذا لا يريد به ظهارا لم يلزمه ظهار لأنها تكون شريكتها ومعها ومثلها
في أنها زوجة له كهى وعاصية له كهى ومطيعة له كهى وما أشبه هذا مما ليس بظهار (قال) وإذا تظاهر الرجل
من أربع نسوة له بكلمة واحدة أو بكلام متفرق فسواء وعليه في كل واحدة منهن كفارة لأن التظاهر تحريم
لكل واحدة منهن لا تحل له بعد حتى يكفر كما يطلقهن معا في كلمة واحدة أو بكلام متفرق فسواء وعليه في
كل واحدة منهن كفارة لأن التظاهر تحريم لكل واحدة منهن لا تحل له بعد حتى يكفر كما يطلقهن معا في كلمة
واحدة أو كلام متفرق فتكون كل واحدة منهن طالقا. وإذا تظاهر الرجل من امرأته مرتين أو ثلاثا أو أكثر يريد
بكل واحدة منهن ظهارا غير صاحبه قبل يكفر فعليه في كل تظاهر كفارة كما يكون عليه في كل تطليقة تطليقة
لأن التظاهر طلاق جعل المخرج منه كفارة. ولو قالها متتابعة فقال أردت ظهارا واحدا كان واحدا كما يكون لو
أراد طلاقا واحدا وإبانة بكلمة واحدة. وإذا تظاهر من امرأته ثم كفر ثم تظاهر منها مرة أخرى كفر مرة أخرى
ولو قال لامرأته إذا تظاهرت من فلانة امرأة له أخرى فأنت علي كظهر أمي فتظاهر منها كان من امرأته التي
قال لها ذلك متظاهرا ولو قال لامرأته إذا تظاهرت من فلانة امرأة أجنبية فأنت علي كظهر أمي فتظاهر من
الأجنبية لم يكن عليه ظهار لأن ذلك ليس بظهار. وكذلك لو قال لها إذا طلقتها فأنت طالق فطلقها لم تكن
امرأته طالقا لأنه طلق غير زوجته (قال) وإذا قال الرجل لامرأته أنت على أو عندي كأمي أو أنت مثل أمي أو
أنت عدل أمي وأراد في الكرامة فلا ظهار وإن أراد ظهارا فهو ظهار وإن قال لا نية لي فليس بظهار.
متى نوجب على المظاهر الكفارة
(قال الشافعي) رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا)
(فتحرير رقبة) الآية (قال الشافعي) الذي علقت مما سمعت في (يعودون لما قالوا)
أن المتظاهر حرم مس امرأته بالظهار فإذا أتت عليه مدة بعد القول بالظهار لم يحرمها بالطلاق الذي
يحرم به ولا شئ يكون له مخرج من أن تحرم عليه به فقد وجب عليه كفارة الظهار كأنهم يذهبون إلى
أنه إذا أمسك ما حرم على نفسه أنه حلال فقد عاد لما قال فخالفه فأحل ما حرم. ولا أعلم له معنى
أولى به من هذا ولم أعلم مخالفا في أن عليه كفارة الظهار وإن لم يعد بتظاهر آخر فلم يجز أن يقال لما لم
أعلم مخالفا في أنه ليس بمعنى الآية. وإذا حبس المتظاهر امرأته بعد الظهار قدر ما يمكنه أن يطلقها ولم

(1) قوله: ثم حرم اي بهذا التحريم، فتنبه.
296

يطلقها فكفارة الظهار له لازمة. ولو طلقها بعد ذلك أو لاعنها فحرمت عليه على الأبد لزمته كفارة
الظهار. وكذلك لو ماتت أو ارتدت فقتلت على الردة. ومعنى قول الله تعالى (من قبل أن يتماسا) وقت
لأن يؤدى ما أوجب عليه من الكفارة فيها قبل المماسة فإذا كانت المماسة قبل الكفارة فذهب الوقت لم
تبطل الكفارة ولم يزد عليه فيها كما يقال له أد الصلاة في وقت كذا وقبل وقت كذا فيذهب الوقت
فيؤديها لأنها فرض عليه فإذا لم يؤدها في الوقت أداها قضاء بعده ولا يقال له زد فيها لذهاب الوقت
قبل أن تؤديها (قال) وهكذا لو كانت امرأته معه فأصابها قبل أن يكفر واحدة من الكفارات أو كفر
بالصوم فأصاب في ليل الصوم لم ينتقض صومه ومضى على الكفارة. ولو تظاهر منها ثم مات مكانه
أو ماتت مكانها قبل أن يمكنه أن يطلق لم يكن عليه ظهار، ولو تظاهر منها فأتبع التظاهر طلاقا تحل له
بعده قبل زوج له عليها فيه الرجعة أو لا رجعة له لم يكن عليه بعد الطلاق كفارة لأنه أتبعها الطلاق
مكانه فإن راجعها في العدة فعليه الكفارة في التي يملك رجعتها ولو طلقها ساعة نكحها لأن مراجعتها
بعد الطلاق أكثر من حبسها بعد الظهار وهو يمكنه أن يطلقها. ولو تظاهر منها ثم أتبعها طلاقا لا يملك
فيه الرجعة ثم نكحها لم تكن عليه كفارة لأن هذا ملك غير الملك الأول الذي كان فيه الظهار. ألا
ترى أنه لو تظاهر منها بعد طلاق لا يملك فيه الرجعة لم يكن فيه متظاهرا. ولو طلقها ثلاثا أو طلاقا لا
تحل له حتى تنكح زوجا غيره سقط عنه الظهار، ولو نكحها بعد زوج لم يكن متظاهرا لما وصفت
وبأن طلاق ذلك الملك قد مضى وحرمت ثم نكحها فكانت مستأنفة حكمها حكم من لم تنكح قط
إذا سقط الطلاق سقط ما كان في حكمه وأقل من ظهار وإيلاء، ولو تظاهر مها ثم لاعنها مكانه بلا
فصل كانت فرقة لها يفرق بينهما وسقط الظهار، ولو حبسها بعد الظهار قدر ما يمكنه اللعان فلم يلاعن
كانت عليه كفارة الظهار لا عن أو لم لا يلاعن، وإذا تظاهر المسلم من امرأته، ثم ارتد أو ارتدت مع
الظهار فإن عاد المرتد منهما إلى الاسلام في العدة فحبسها قدر ما يمكنه الطلاق لزمه الظهار وإن طلقها
مع عودة المرتد منهما إلى الاسلام أو لم يعد المرتد منهما إلى الاسلام فلا ظهار عليه إلا أن يتناكحا قبل أن
تبين منه بثلاث فيعود عليه الظهار، وإذا تظاهر الرجل من امرأته وهي أمة ثم عتقت فاختارت فراقه
فالظهار لازم له لأنه حبسها بعد الظهار مدة يمكنه فيها لاطلاق، ولو تظاهر منها وهي أمة فلم يكفر حتى
اشتراها لم يكن له لأنه حبسها بعد الظهار مدة يمكنه فيها الطلاق، ولو تظاهر منها وهي أمة فلم يكفر
حتى اشتراها لم يكن له أن يقربها حتى يكفر لأن كفارة الظهار لزمته وهي أمة زوجة، وإذا قال الرجل
لامرأته أنت على كظهر أمي إن شاء الله لم يكن ظهارا وإن قال إن شاء فلان لم يكن ظهارا حتى يشاء
فلان وكذلك إن شئت فلم تشأ فليس بظهار وإن شاءت فظهار، وإذا قال الرجل لامرأته أنت على
كظهر أمي والله لا أقربك أو قال والله لا أقربك وأنت على كظهر أمي فهو مول متظاهر يؤمر بأن يكفر
للظهار من ساعته ويقال له: إن قدمت الفيئة قبل الأربعة الأشهر فهو خير لك، وإن فئت كنت
خارجا بها من حكم الايلاء وعاصيا إن قدمتها قبل كفارة الظهار فإن أخرتها إلى أن تمضى أربعة أشهر
فسألت امرأتك أن توقف للايلاء وقفت فإن فئت خرجت من الايلاء وإن لم تفئ قيل لك طلق وإلا
طلقنا عليك ثم هكذا كلما راجعت في العدة فمضت أربعة أشهر توقف كما يوقف من لا ظهار عليه من
قبل ان الحبس عن الجماع جاء من قبلك بأمر أدخلته على نفسك قدمت الايلاء قبل الظهار أو الظهار
أكثر مما يمكنك ذلك فإن كنت مريضا ففيأتك باللسان وإن قلت أصوم قلنا ذلك شهران وإنما أمرت
بعد الأشهر بأن تفئ أو تطلق ولا يجوز أن نجعل لك سنة فإن قال أمهلني بالعتق والاطعام، قيل ما
297

أمهلك به إلا ما أمهلك إذا لم يكن عليك ظهار والفيئة في اليوم وما أشبه.
باب عتق المؤمنة في الظهار
قال الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا وجبت كفارة الظهار على الرجل وهو واجد لرقبة أو ثمنها لم يجزه
فيها إلا تحرير رقبة ولا تجزئه رقبة على غير دين الاسلام لأن الله عز وجل يقول في القتل (فتحرير رقبة
مؤمنة)) وكان شرط الله تعالى في رقبة القتل إذا كانت كفارة كالدليل والله تعالى أعلم على أن لا يجزئ
رقبة في الكفارة إلا مؤمنة كما شرط الله عز وجل العدل في الشهادة في موضعين وأطلق الشهود في
ثلاثة مواضع فلما كانت شهادة كلها اكتفينا بشرط الله عز وجل فيما شرط فيه واستدللنا على أن ما أطلق
من الشهادات إن شاء الله تعالى على مثل معنى ما شرط وإنما رد الله عز ذكره أموال المسلمين على
المسلمين لا على المشركين فمن أعتق في ظهار غير مؤمنة فلا يجزئه وعليه أن يعود فيعتق مؤمنة قال وأحب
إلى أن لا يعتق إلا بالغة مؤمنة فإن كانت أعجمية فوصفت الاسلام أجزأته، أخبرنا مالك عن هلال
ابن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم أنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا
رسول الله إن جارية لي كانت ترعى غنما لي فجئتها وفقدت شاة من الغنم فسألتها عنها فقالت أكلها
الذئب فأسفت عليها وكنت من بني آدم فلطمت وجهها وعلى رقبة أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله صلى
الله عليه وسلم (أين الله؟) فقالت في المساء فقال (من أنا؟) فقالت أنت رسول الله قال (فأعتقها)
فقال عمر بن الحكم أشياء يا رسول الله كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتى الكهان فقال النبي صلى الله
عليه وسلم (لا تأتوا الكهان) فقال عمر، وكنا نتطير فقال (إنما ذلك شئ يجده أحدكم في نفسه فلا
يصدنكم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى اسم الرجل معاوية بن الحكم كذلك روى الزهري ويحيى
ابن أبي كثير (قال الشافعي) وإذا أعتق صبية أحد أبويها مؤمن أجزأت عنه إن شاء الله تعالى لأنا نصلى
عليها ونورثها ونحكم لها حكم الايمان، وإن أعتق مرتدة عن الاسلام لم تجزئ ولو رجعت بعد عتقه
إياها إلى الاسلام لأنه أعتقها وهي غير مؤمنة وإن ولدت خرساء على الايمان وكانت تشير به وتصلى
أجزأت عنه إن شاء الله تعالى وإن جاءتنا من بلاد الشرك مملوكة خرساء فأشارت بالايمان وصلت
وكانت إشارتها تعقل فأعتقها أجزأت إن شاء الله تعالى وأحب إلى أن لا يعتقها إلا أن لا تتكلم بالايمان
وإن سبيت صبية مع أبويها كافرين فعقلت ووصفت الاسلام إلا أنها لم تبلغ فأعتقها عن ظهاره لم
تجزئ حتى تصف الاسلام بعد البلوغ فإذا فعلت فأعتقها أجزأت عنه وإذا وصفت الاسلام بعد البلوغ
فأعتقها مكانه أجزأت عنه ووصفها الاسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتبرأ مما
خالف الاسلام من دين فإذا فعلت فهذا كمال وصف الاسلام وأحب إلى لو امتحنها بالاقرار بالبعث
بعد الموت وما أشبهه.
من يجزئ من الرقاب إذا أعتق ومن لا يجزئ
(قال الشافعي) رحمه الله: لا يجزئ في ظهار ولا رقبة واجبة رقبة تشترى بشرط أن تعتق لأن
298

ذلك يضع من ثمنها ولا يجزئ فيها مكاتب أدى من نجومه شيئا أو لم يؤد لأنه ممنوع من بيعه فإذا عجز
المكاتب أو اختار العجز فأعتق بعد عجزه أو اختياره العجز أجزأه ولا تجزئ أم الولد في قول من لا
يبيعها وتجزئ في قول من يرى للسيد بيعها ويجزئ المدبر لأنه يباع وكذلك يجزئ المعتق إلى أجل وإن
أعتق عبدا له مرهونا أو جانيا جناية فأدى الرهن أو الجناية أجزأ عنه وإن أعتق ما في بطن أمته عن
ظهاره أو رقبة لزمته ثم ولدته تاما لم يجزه لأنه أعتقه ولا يدرى أيكون أولا يكون ولا يجزئ من العتق إلا
عتق من صار إلى الدنيا وإن أعتق عبدا له غائبا فأثبت أنه كان حيا يوم وقع العتق أجزأ عنه وإن لم
يثبت ذلك لم يجزئ عنه لأنه على غير يقين من أنه أعتق لأن العتق لا يكون إلا لحى، وإن وجبت
عليه رقبة فاشترى من يعتق عليه عتق عليه إذا ملكه وكان عتقه وصمته سواء ساعة يملكه يعتق عليه ولا
يجزئه عتقه وبأي وجه ملك عبدا له يثبت له عليه الرق فأعتقه بعد الملك أجزأ عنه ولو كان عبد بين
رجلين فأعتقه أحدهما وهو موسر ينوى أن يكون حرا عن ظهاره أجزأه من قبل أنه لم يكن لشريكه أن
يعتق رقبة تامة عن ظهاره ولو كان قال لعبيد له أو لك يدخل هذه الدار فهو حر ثم أمر أحدهم أن
يدخل الدار ونوى أن يعتق بالحنث عن ظهاره لم يجزه إذا دخل الدار فعتق عليه لأنه يعتق بالحنث بكل
حال ويمنع من بقي من رفيقه أن يعتق بحنث ولو قال له رجل لك على عشرة دنانير على أن تعتق عبدك
فأعتقه عن ظهاره وأخذ العشرة لم يجزه لأنه أخذ عليه جعلا ولو أخذ الجعل وأعتقه ثم رده لم يجزه ولو
أبى الجعل أولا ثم أعتقه عن ظهاره أجزأه (قال الشافعي) ولا يجزئه أن يعتق رقبة عن ظهاره ولا واجب
عليه إلا بنية يقدمها قبل العتق أو معه عن الواجب عليه، وجماع ذلك أن يقصد بالعتق قصد واجب
لا أن يرسل بلا نية إرادة واجب ولا تطوع ولو كان على رجل ظهار فأعتق عند رجل عبدا للمعتق بغير
أمره لم يجزئه وكان ولاؤه لسيده الذي أعتقه ولو كان الذي عليه الظهار أعطاه شيئا على أن يعتق عنه
عبدا له بعينه أو لم يعطه فسأله أن يعتق عنه عبدا له بعينه فأعتقه أجزأه والولاء للذي عليه الظهار الذي
أعتق عنه وهذا منه كشراء مقبوض أو هبة مقبوضة وكما لو اشترى رجل من رجل عبدا فلم يقبضه
المشترى حتى يعتقه جاز عتقه وكان ضمانة منه والعتق غيره عن الآخر لأنه قصد به قصد واجب ولو
أعتق آخر عنهما أجزأ بهذا المعنى لأنه قد استكمل عتق عبدين ظهارين نصفا بعد نصف قال وإذا أعتق
عبدين عن ظهارين أو ظهار وقتل كل واحد منهما عن الكفارتين معا جعل كل واحد منها عن أبهما شاء
وإن لم يجعله أجزأتا معا لأنه قصد بهما قصد كفارتين وأجزناه بما وصفت أن كل واحد من الكفارتين قد
أعتق فيها عبدا تاما نصفا عن واحدة ونصفا عن واحدة ثم أخرى نصفا عن واحدة و نصفا عن واحدة
فكمل فيها العتق وعتقه عن نفسه للظهار لزمه لا عن امرأته فإذا قصد قصد الكفارة عن الظهار أجزأته
ولو أعتق عبدين عن ظهار واحد فأراد أن يجعل أحدهما عن ظهاره الذي أعتق عنه والآخر عن ظهار
عليه غيره لم يكن له ذلك لأن عتقها قد مضى لا ينوى به إلا أحد الظهارين فيجزئه ما نوى ولا يجرئه
ما لم ينو قال ولو وجبت عليه رقبة فشك أن تكون عن ظهار أو قتل أو نذر فأعتق رقبة عن أيها كان عليه
أجزأه لأنه قصد بها قصد الواجب ولم يخرج ما وجب عليه من نيته بالعتق وإن أعتقها لا ينوى واحدا
من الذي عليه لم يجزئه، وإن أعتقها عن قتل ثم علم أن لم يكن عليه قتل أو ظهار ثم علم أن لم يكن
عليه ظهار فأراد أن يجعلها عن الذي عليه لم تجزئ عنه لأنه أعتقها على نية شئ بعينه لم يجب عليه
وأخرج الواجب عليه فأعتق عنه ولا يجزء عنه أن يصرف النية إلى غيره مما قد أخرجه من نيته في العتق
ولو أعتق جارية عن ظهاره واستثنى ما في بطنها أجزأت عنه وما في بطنها حر ولو أعتقها عن ظهار على
299

أن تعطيه شيئا لم يجزه ولو أبطل الشئ عنها بعد العتق لم يجزه لأنه أعتقها على جعل وإن تركه ولو كان
قال لها أعتقك على كذا فقالت نعم ثم أبطل ذلك فأعتقها على غير جعل ينوى بها أن تعتق عن ظهاره
أجزأته.
ما يجزئ من الرقاب الواجبة وما لا يجزئ
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (فتحرير رقبة مؤمنة) (قال الشافعي) فكان ظاهر الآية أن
كل رقبة مجزئة عمياء وقطعاء ومعيبة ما كان العيب إذا كانت فيه الحياة لأنها رقبة وكانت الآية محتملة أن
يكون أريد بها بعض الرقاب دون بعض قال ولم أر أحدا ممن مضى من أهل العلم ولا حكى لي عنه ولا
بقي خالف في أن من ذوات النقص من الرقاب ما لا يجزئ فدل ذلك على أن المراد من الرقاب
بعضها دون بعض قال ولم أعلم مخالفا ممن مضى في أن من ذوات النقص ما يجزئ فدل ذلك على أن
المراد من الرقاب بعضها دون بعض قال ولم أعلم مخالفا ممن مضى في أن من ذوات النقص ما يجزئ
فدل ذلك على أن من ذوات العيب ما يجزئ، قال ولم أر شيئا أعدل في معنى ما ذهبوا إليه إلا ما أقول والله
تعالى أعلم وجماعة أن الأغلب فيما يتخذ له الرقيق العمل ولا يكون العمل تاما حتى تكون يدا المملوك باطشتين
ورجلاه ماشيتين ويكون له بصر وإن كان عينا واحدة ويكون يعقل فإذا كان هكذا أجزأه وإن كان أبكم أو
أصم أو أحمق أو يجن ويفيق أو ضعيف البطش أو المشي أو أعور أو معيبا عيبا لا يضر بالعمل ضررا بينا وأنظر
كل نقص كان في اليدين والرجلين فإن كان يضر بالعمل ضررا بينا لم يجز عنه وإن كان لا يضربه ضررا بينا
أجزأه والذي يضر به ضررا بينا قطع أو شلل اليد كلها أو شلل الابهام أو قطعها وذلك في المسبحة و الوسطى
معا، وكل واحدة منهما على الانفراد بينة الضرر بالعمل والذي لا يضر ضررا بينا شلل الخنصر أو قطعها فإن
قطعت التي إلى جنبها من يدها أضر ذلك بالعمل فلم يجز وإن قطعت إحداهما من يد والأخرى من يد أخرى لم
يضر بالعمل ضررا بينا ثم اعتبر هذا في الرجلين على هذا المعنى واعتبره في البصر فإن كان ذاهب إحدى العينين
ضعيف الأخرى ضعفا يضر بالعمل ضررا بينا لم يجز وإن لم يكن يضر بالعمل ضررا بينا أجزأه، وسواء هذا في
الذكر والأنثى والصغير والكبير وتجزئ الأنثى الرتقاء والذكر المجبوب والخصي وليس هذا من العمل بسبيل
وتجزئ الرقاب مع كل عيب لا يضر بالعمل ضررا بينا والذي يفيق ويجن يجزئ وإذا كان الجنون مطبقا لم يجز
ويجزئ المريض لأنه قد يرجى أن يصح والصغير لأنه قد يكبر وإن لم يكبر ولم يصح وسواء أي مريض ما كان
ما لم يكن معضوبا عضبا لا يعمل معه عملا تاما أو قريبا من التمام كما وصفت.
من له الكفارة بالصيام في الظهار
قال الله عز وجل (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن
يتماسا) (قال الشافعي) فإذا لم يجد المتظاهر رقبة يعتقها وكان يطيق الصوم فعليه الصوم. ومن كان له
مسكن وخادم وليس له مملوك غيره ولا ما يشترى به مملوكا غيره كان له الصوم ومن كان له مملوك غير
خادمه ومسكن كان عليه أن يعتق. وكذلك لو كان له ثمن مملوك كان عليه أن يشترى مملوكا فيعتقه
(قال) فإن ترك أن يشترى به وهو واجد فأعسر كان له أن يصوم. ولو وجبت عليه كفارة الظهار وهو
300

معسر أو أعسر بعدها قبل أن يكفر ثم أيسر قبل أن يدخل في الصوم كان عليه أن يعتق ولم يكن له أن
يصوم في حال هو فيها موسر (قال الشافعي) وحكم وقت مرضه في الكفارة حين يكفر كما حكمه في
الصلاة حين يصلى بوضوء أو تيمم أو مرض أو صحيح (قال الربيع) وقد قال مرة حكمه يوم يحنث في
الكفارة (قال الشافعي) ولو كان عند الكفارة غير واجد فعرض عليه رجل أن يهب له عبدا أو أوصى له
أو تصدق عليه به أو ملكه بأي وجه ما كان الملك لم يكن عليه قبوله وكان له رده والاختيار له قبوله
وعتقه غير الميراث، فإذا ورثه لزمه وكان عليه عتقه أو عتق غيره (قال الشافعي) ولو اشتراه على نية أن
يعتقه كان له أن يسترقه ويعتق غيره. ولا يجب عليه عتق عبد اشتراه أبدا حتى يعتقه أو يوجب عتقه
تبررا (قال الشافعي) فإذا كان له الصيام فلم يدخل في الصيام حتى أيسر فعليه العتق. وإن دخل فيه
قبل أن يوسر ثم أيسر كان له أن يمضى في الصيام. والاختيار له أن يدع الصوم ويعتق كما يتيمم فتحل
له الصلاة فإن لم يدخل فيها حتى يجد الماء لم يكن له أن يصلى حتى يتوضأ وإن دخل فيها ثم وجد الماء
كان له أن يمضى في صلاته. وإن قال لعبد له أنت حر الساعة عن الظهار أن تظهر به كان حرا الساعة
ولم يجزه عن ظهار أن يتظهره لأنه أتقه ولم يجب عليه الظهار ولم يكن لسبب منه. وكذلك لو أطعم
مساكين فقال هذا عن يمين إن حنثت بها ولم يحلف ولم يجب عليه الظهار ولم يكن لسبب منه. وكذلك
لو أطعم مساكين فقال هذا عن يمين إن حنثت بها ولم يحلف لم يجزه لأنه لم يكن بسبب من اليمين،
والسبب أن يحلف ثم يكفر قبل أن يحنث فيجزئه ذلك كما يكون له المال فيؤدى زكاته قبل أن يحول الحول
فيجزئه لأن بيده سبب ما تكون به الزكاة ولو لم يكن بيده مال فيه زكاة فتصدق بدراهم لم يجزه لأنه لم
يكن بسبب من زكاة. أو قال عن مال إن أفدته فوجبت على فيه الزكاة ثم أفاد ما لا فيه زكاة لم يجزه
لأنه لم يكن بسبب من زكاة.
الكفارة بالصيام
(قال الشافعي) رحمه الله: ومن وجب عليه أن يصوم شهرين في الظهار لم يجزه إلا أن يكونا
متتابعين كما قال الله عز ذكره ومتى أفطر من عذر أو غير عذر فعليه أن يستأنف ولا يعتد بما مضى من
صومه. وكذلك إن صام في الشهرين يوما من الأيام التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها وهي
خمس يوم الفطر ويوم الأضحى وأيام منى الثلاث بعد النحر استأنف الصوم بعد مضيهن ولم يعتد بهن
ولا بما كان قبلهن واعتد بما بعدهن ومتى دخل عليه شئ يفطره في يوم من صومه استأنف الصوم حتى
يأتي بالشهرين متتابعين ليس فيهما فطر. وإذا صام بالأهلة صام هلالين وإن كانا تسعة أو ثمانية
وخمسين أو ستين يوما. وإذا صام بعد مضى يوم من الهلال أو أكثر صام بالعدد الشهر الأول وبالهلال
الشهر الثاني ثم أكمل على العدد الأول بتمام ثلاثين يوما (قال) ولو صام شهرين متتابعين بلانية للظهار
لم يجزه حتى يقدم النية قبل الدخول في الصوم ولو نوى أن يصوم شهرين متتابعين فصام أياما ثم نوى
أن يحيل الصوم بعد الأيام تطوعا فصام أياما أو يوما ينوى به التطوع، ثم وصل صومه ينوى به صوم
الشهرين بالشهرين الواجبين عليه لم يعتد بما مضى من صومه قبل الأيام التي تطوع بها ولا بصوم الأيام
التي تطوع فيها واعتد بصومه من يوم نوى فلم يفصل بينه بتطوع ولا فطر، ولو نوى صوم يوم فأغمى
عليه فيه ثم أفاق قبل الليل أو بعده ولم يطعم أجزأه إذا دخل فيه قبل الفجر وهو يعقله، ولو أغمي عليه
301

قبل الفجر لم يجزه لأنه لم يدخل في الصوم وهو يعقله ولو أغمي عليه فيه وفي يوم بعده أو في أكثر ولم
يطعم استأنف الصوم لأن حكمه في اليوم الذي أغمي عليه قبل أن يفيق أنه غير صائم عن ظهار لأنه لا
يعقله (قال) ولو صام مسافرا أو مقيما أو مريضا عن ظهار شهرين أحدهما شهر رمضان لم يجزه واستأنف
الصوم لا يجزئ رمضان من غيره لأنه إذا رخص له في فطره بالمرض والسفر فإنما يخفف عنه فإذا لم
يخففه عن نفسه فلا يكون تطوعا ولا صوما عن غيره وعليه أن يستأنف شهرين ويقضى شهر رمضان
لأنه صامه بغير نية شهر رمضان (قال) ولا يجزئه في صوم واجب عليه إلا أن يتقدم بنيته قبل الفجر
فإن لم يتقدم بنيته قبل الفجر لم يجزه ذلك اليوم ولا يجزئه إلا أن ينوى كل يوم منه على حدته قبل الفجر
لأن كل يوم منه غير صاحبه، وإن دخل في يوم منه بنية تجزئه ثم عزبت عنه النية في آخر يومه أجزأه
لأن النية بالدخول لا في كل طرفة عين منه، فإذا أحال النية فيه إلى أن يجعله تطوعا أو واجبا غير الذي
دخل به فيه لم يجزه واستأنف الصوم بعده ولو كان عليه ظهاران فصام شهرين عن أحدهما ولا ينوى عن
أيهما هو كان له أن يجعله عن أيهما شاء ويجزئه، وكذلك لو صام أربعة أشهر عنهما وهكذا لو كانت عليه
ثلاث كفارات فأعتق مملوكا له ليس له غيره وصام شهرين ثم مرض فأطعم ستين مسكينا ينوى بجميع
هذه الكفارات الظهار أجزأه وإن لم ينو واحدة منهن بعينها كان مجزئا عنه لأن نيته على كل واحدة منهن
أداؤها عن كفارة يمين لزمته وسواء كفر أي كفارات الظهار شاء مما يجوز كانت امرأته عنده أو ميتة أو
عند زوج غيره أو مرتدة أو بأي حال كانت (قال الشافعي) رحمه الله: ولو ارتد الزوج بعد ما وجب
عليه الظهار فأعتق عبدا عن ظهاره في ردته وقف فإن رجع إلى الاسلام أجزأ عنه لأنه قد أدى ما عليه
كما لو كان عليه دين فأداه برئ منه وهكذا لو كان ممن عليه إطعام مساكين فأطعمهم في ردته ثم أسلم
لم يكن عليه أن يعود وهكذا لو كان قصاصا أو حدا فأخذه منه في ردته لم يعد عليه لأن هذا إخراج
شئ من ماله أو عقوبة على بدنه لمن وجبت له. فإن قيل فهذا لا يكتب له أجره ولا يكفر به عنه.
قيل: والحدود نزلت كفارات للذنوب وحد رسول الله صلى الله عليه وسلم يهوديين بالرجم ونحن نعلم
أنها ليست كفارة لهما بخلافهما في دين الاسلام ولكنها كانت عقوبة عليهما فأخذت وإن لم تكتب لهما،
ولو كان عليه صوم فصامه في ردته لم يجزه لأن الصوم عمل على البدن والعمل على البدن لا يجزئ عنه
ولا يجزئ إلا لمن يكتب له.
الكفارة بالاطعام
قال الله تعالى (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا
فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) (قال الشافعي) رحمه الله فمن تظاهر ولم يجد رقبة ولم يستطع حين
يريد الكفارة عن الظهار صوم شهرين متتابعين بمرض أو علة ما كانت أجزأه أن يطعم قال ولا يجزئه أن
يطعم أقل من ستين مسكينا كل مسكين مدا من طعام بلده الذي يقتاته حنطة أو شعيرا أو أرزا أو تمرا أو
سلتا أو زبيبا أو أقطا ولو أطعم ثلاثين مسكينا مدين مدين في يوم واحد أو أيام متفرقة لم يجزه إلا عن
ثلاثين وكان متطوعا بما زاد كل مسكين على مد لأن معقولا عن الله عز وجل إذا أوجب طعام ستين
مسكينا أن كل واحد منهم غير الآخر كما كان ذلك معقولا عنه في عدد الشهود وغيرهما مما أوجب ولا
يجزئه أن يعطيهم ثمن الطعام أضعافا ولا يعطيهم إلا مكيلة طعام لكل واحد ولا يجزئه أن يغديهم وإن
302

أطعمهم ستين مدا أو أكثر لأن أخذهم الطعام يختلف فلا أدرى لعل أحدهم يأخذ أقل من مد والآخر
أكثر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما سن مكيلة الطعام في كل ما أمر به من كفارة ولا يجزئه أن
يعطيهم دقيقا ولا سويقا ولا خبزا حتى يعطيهم حبا، ولا يجوز أن يكسوهن مكان الطعام، وكل
مسكين أعطاه مدا أجزأ عنه ما خلا أن يكون مسكينا يجبر على نفقته فإنه لا يجزئه أن يعطى مسكينا
يجبر على نفقته، ولا يجزئه إلا مسكين مسلم وسواء الصغير منهم والكبير ولا يجزئه أن يطعم عبدا ولا
مكاتبا ولا أحد على غير دين الاسلام وإن أعطى رجلا وهو يراه مسكينا فعلم بعد أنه أعطاه وهو غنى
أعاد الكفارة لمسكين غيره، ولو شك في غناه بعد أن يعطيه على أنه مسكين فليست عليه إعادة ومن
قال له إني مسكين ولا يعلم غناه أعطاه، وسواء السائل من المساكين والمتعفف في أنه يجزئ (قال)
ويكفر في الطعام قبل المسيس لأنها في معنى الكفارة قبلها.
تبعيض الكفارة
(قال الشافعي) ولا يكون له أن يبعض الكفارة ولا يكفر إلا كفارة كاملة من أي الكفارات كفر لا
يكون له أن يعتق نصف رقبة ثم لا يجد غيرها فيصوم شهرا ولا يصوم شهرا ثم يمرض فيطعم ثلاثين
مسكينا ولا يطعم مع نصف رقبة حتى يكفر أي الكفارات وجبت عليه بكمالها (قال) وإن فرق الطعام
في أيام مختلفة أجزأه إذا أتى عليه ستين مسكينا (قال الشافعي) وكفارة الظهار وكل كفارة وجبت على
أحد بمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تختلف الكفارات وكيف تختلف وفرض الله عز وجل تنزل على
رسوله وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه يمده وكيف يجوز أن يكون بمد من لم يولد في
عهده أو بمد أحدث بعد مدة بيوم واحد؟
كتاب اللعان
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (أخبرنا الشافعي) قال: قال الله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم
لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) الآية (قال الشافعي) ثم لم أعلم مخالفا في أن ذلك إذا
طلبت ذلك المقذوفة الحرة ولم يأت القاذف بأربعة شهداء يخرجونه من الحد، وهكذا كل ما أوجبه
الله تعالى لاحد وجب على الامام أخذه له إن طلبه أخذه له بكل حال. فإن قال قائل فما الحجة في
ذلك؟ قيل قول الله تعالى اسمه (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) فبين أن
السلطان للولي ثم بين فقال في القصاص (فمن عفى له من أخيه شئ) فجعل العفو إلى الولي وقال:
(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو
الذي بيده عقدة النكاح) فأبان في هذه الآيات أن الحقوق لأهلها وقال في القتل (النفس بالنفس)
إلى قوله (والجروح قصاص) (قال) فأبان الله عز وجل أن ليس حتما أن يأخذ هذا من وجب لله ولا أن
حتما أن يأخذه الحاكم لمن وجب له ولكن حتما أن يأخذه الحاكم لمن وجب له إذا طلبه. (قال) وإذا
قذف الرجل زوجته فلم تطلب الحد حتى فارقها أو لم يفارقها ولم تعفه ثم طلبته التعن أو حد إن أبى أن
يلتعن، وكذلك لو ماتت كان لوليها أن يقوم به فيلتعن الزوج أو يحد وقال الله تعالى (والذين يرمون
303

أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين) إلى
قوله (أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) (قال الشافعي) فكان بينا في كتاب الله عز وجل أن
الله أخرج الزوج من قذف المرأة بشهادته (أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن لعنة
الله إن كان من الكاذبين) كما أخرج قاذف المحصنة غير الزوجة بأربعة شهود يشهدون عليها بما قذفها به
من الزنا، وكانت في ذلك دلالة أن ليس على الزوج أن يلعن حتى تطلب المرأة المقذوفة حدها وكما
ليس على قاذف الأجنبية حد حتى تطلب حدها (قال) وكانت في اللعان أحكام بسنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم مهنا الفرقة بين الزوجين ونفى الولد قد ذكرناها في مواضعها.
من يلاعن من الأزواج ومن لا يلاعن
(قال الشافعي) رحمه الله: ولما ذكر الله عز وجل اللعان على الأزواج مطلقا كان اللعان على كل
زوج جاز طلاقه ولزمه الفرض، وكذلك على كل زوجة لزمها الفرض وسواء كان الزوجان حرين
مسلمين أو كان أحدهما حرا والآخر مملوكا أو كانا مملوكين معا أو كان الزوج مسلما والزوجة ذمية أو كانا
ذميين تحاكما إلينا لأن كلا زوج وزوجه يجب عليه الفرض في نفسه دون صاحبه وفي نفسه لصاحبه
ولعانهم كلهم سواء لا يختلف القول فيه والقول في نفى الولد وتختلف الحدود لمن وقعت له وعليه وسواء
في ذلك الزوجان المحدودان في قذف والأعميان وكل زوج يجب عليه فرض وسواء قال الزوج رأيتها
تزني أو قال زنت أو قال يا زانية كما يكون ذلك سواء إذا قذف أجنبية، وإذا قذف الزوج الذي لاحد
عليه امرأته وهي ممن عليه الحد أو ممن لاحد عليه فسواء ولا حد عليه ولا لعان ولا فرقة بينه وبينها ولا
ينفى الولد إن نفاه عنه ولا طلاق له لو طلقها، وكذلك المعتوه وكل مغلوب على عقله بأي وجه كانت
الغلبة على العقل غير السكر لأن القول والفعل يلزم السكران ولا يلزم الفعل ولا القول من غلب على
عقله بغير سكر، وكذلك الصبي لم يستكمل خمس عشرة أو يحتلم قبلها وإن كان عاقلا فلا يلزمه حد
ولا لعان (قال) ومن عزب عقله من مرض في حال فأفاق في أخرى فما صنع في حال عزوب عقله
سقط عنه وما صنع في الحال التي يثوب فيها عقله لزمه طلاق ولعان وقذف وغيره. وإن اختلف
الزوجان فقالت المرأة قذفتني في حال إفاقتك وقال ما قذفتك في حال إفاقتي ولئن كنت قذفتك ما
قذفتك إلا وأنا مغلوب على عقلي فالقول فالقول قوله وعليها البينة إذا كانت المرأة تقر، أو كان يعلم أنه
يذهب عقله، ولو قذفها فقال قذفتك وعقلي ذاهب من مرض وقالت ما كنت ذاهب العقل فإن لم
تعلم أنه كان في الوقت الذي قذفها فيه وقبله ومعه في مرض قد يذهب عقله فيه فلا يصدق وهو قاذف
يلتعن أو يحد وإن علم ذلك صدق وحلف (قال) وإذا كان الزوج أخرس يعقل الإشارة والجواب أو
يكتب فيعقل فقذف لاعن بالإشارة أو حد فإن لم يعقل فلا حد ولا لعان وإن استطلق لسانه فقال قد
قذفت ولم يلتعن حد إلا أن يلتعن، وإن قال لم أقذف ولم ألتعن لم يحد ولا ترد إليه امرأته بقوله لم التعن
وقد ألزمناه الفرقة بحال ويسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن يمسكها، وكذلك لو طلق فألزمناه الطلاق ثم
أفاق فقال ما طلقت لم نردها إليه ووسعه فيما بينه وبين الله تعالى المقام عليها، ولو أصابه هذا من مرض
تربصوا به حتى يفيق أو يطول ذلك به ويشير إشارة تعقل أو يكتب كتابا يعقل فيصير كالأخرس الذي
ولد أخرس (قال) وإذا كانت هي الخرساء لم نكلفها لعانه إلا أن تكون تعقل لأنه لا معنى لها في
304

الفرقة ولا نفى الولد ولأنها غير قاذفة لاحد يسأل أن نأخذ له حقه. فإن قيل فعليها حق الله تعالى؟
قيل: لا يجب إلا ببينة أو اعتراف وهي لا تعقل الاعتراف. وإن كانت تعقل كما تعقل الإشارة أو
الكتابة التعنت وإن لم تلتعن حدت إن كانت لا يشك في عقلها، فإن شك في عقلها لم تحد إن أبت
الالتعان. ولو قالت له قذفتني فأنكر وأتت بشاهدين أنه قذفها لاعن وإن لم يلاعن حد. وليس إنكاره
إكذابا لنفسه بقذفها إنما هو جحد أن يكون قذفها (قال) ولو قذفها قبل بلوغه بساعة ثم بلغ فطلبت
الالتعان أو الحد لم يكن لها إلا أن يحدث لها قذفها بعد البلوغ. وكذلك لو قذفها مغلوبا على عقله ثم
أفاق بعد ذلك بساعة (قال) ولا يكون عليه لعان حتى تطلب ذلك الزوجة فإن قذف الزوج
زوجته البالغة فتركت طلب ذلك لم يكن عليه لعان وإن ماتت فترك ذلك ورثتها لم يكن عليه لعان وإن
اعترفت بالزنا الذي قذفها به لم يكن عليه لعان وإن شاء هو أن يلتعن ليوجب عليها الحد وتقع الفرقة
وينفى ولدا إن كان، كان ذلك له، ولو كانت محدودة في زنا، ثم قذفها بذلك الزنا أو زنا كان في
غير ملكه عزر إن طلبت ذلك إن لم يلتعن، وإن أردنا حده لامرأته أو تعزيزه لها قبل اللعان أو بعد
اللعان فأكذب نفسه وألحق به ولدها فأرادت امرأته العفو عنه أو تركته فلم تطلبه لم نحده ولا نحده إلا
بأن تكون طالبة بحدها غير عافية عنه، ولو كانت زوجته ذمية فقذفها أو مملوكة أو جارية يجامع مثلها
ولم تبلغ فقذفها بالزنا وطلبت أن يعزر قيل له إن التعنت خرجت من أن تعزر ووقعت الفرقة بينك وبين
زوجتك وإن لم تلتعن عزرت وهي زوجتك بحالها وإن التعنت وأبت أن تلتعن فكانت كتابية أو صبية لم
تبلغ لم تلتعن ولم تحد الكتابية البالغ إلا أن تأتينا طالبة لحكمنا وإن كانت مملوكة بالغة فعليها خمسون
جلدة ونفى نصف سنة وإن قلن نحن نلتعن التعنت المملوكة ليسقط الحد ولا التعان على صبية لأنه لا
حد عليها ولا أجبر النصرانية على الالتعان إلا أن ترغب في أن نحكم عليها فتلتعن فإن لم تفعل حددناها
إن ثبتت على الرضا بحكمنا وإن رجعت عنه تركناها. فإن كانت زوجته خرساء أو
مغلوبة على عقلها فقذفها قيل له إن التعنت فرقنا بينك وبينها وإن انتفيت من حمل أو ولدها فلاعنت
نفيناه عنك مع الفرقة وإن لم تلتعن فهي امرأتك ولا نجبرك على الالتعان لأنه لاحد عليك ولا تعزير إذا
لم تلبه وهي لا يطلب مثلها ونحن لا ندري لعلها لو عقلت اعترفت فسقط ذلك كله عنك (قال) وإن
التعن فلا حد على الخرساء ولا المغلوبة على العقل، ولو طلب أولياؤها أن يلتعن الزوج أو يحد لم يكن
ذلك لهم، وكذلك لو قذف امرأته وهي أمة بالغة فلم تطلبه فطلب سيدها أن يلتعن أو يعزر أو قذف
صغيرة فطلب ذلك وليها لم يكن ذلك لواحد منهم وإنما الحق في ذلك لها فإن لم تطلبه لم يكن لاحد
يطلبه لها ما كانت حية، ولو لم تطلبه واحدة من هؤلاء ولا كبيرة قذفها زوجها ولم تعفه الكبيرة ولم
تعترف حتى ماتت أو فورقت فطلبه وليها بعد موتها أو هي بعد فرقها كان على الزوج أن يلتعن أو يحد
للكبيرة الحرة المسلمة ويعزز لغيرها (قال) ولو أن رجلا طلق امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة ثم قذفها
في العدة فطلبت القذف لاعن فإن لم يفعل حد وإن التعن فعليها الالتعان فإن لم تلتعن حدت لأنها في
معاني الأزواج، وهكذا لو مضت العدة وقد قذفها في العدة (قال) وإذا كان الطلاق لا يملك فيه
الرجعة فقذفها في العدة أو كان يملك فيه الرجعة فقذفها بعد مضى العدة بزنا نسبه إلى أنه كان وهي
زوجته أو لم ينسبه إلى ذلك فطلبت حدها، حد ولا لعان إن لم يكن ينفى به ولدا ولدته أو حملا يلزمه
(قال) وإنما حددته إذا قذفها وهي بائن منه أنها غير زوجة ولا بينها وبينه بسبب النكاح ولد يلزم نسبه
305

ولا حكم من حكم الأزواج فكانت محصنة مقذوفة. فإن قال قائل: أفرأيت إن ظهر بها حمل أو
حدث لها ولد يلحق نسبه به فانتفى منه بأن قذفها والقذف كان وهي غير زوجة كيف لاعنت بينهما؟
قيل له إن شاء الله تعالى كما ألحقت الولد به وإن كانت بائنا منه بأنها كانت زوجته فجعلت حكم ولدها
منه غير حكمها منفردة دون الولد بأنها كانت زوجة فكذلك لاعنت بينهما بالولد لأنها كانت زوجة ألا
ترى أنها في لحوق الولد بعد بينونتها منه كهى لو كانت معه وكذلك يلتعن وينفيه وإذا نفى رسول الله
صلى الله عليه وسلم الولد وهي زوجة فأزال الفراش كان الولد بعدما تبين أولى أن ينفى أو في مثل حاله
قبل أن تبين ولو قال رجل لامرأته قد ولدت هذا الولد وليس بابني قيل له ما أردت؟ فإن قال زنت به
لا عن أو حد إذا طلبت ذلك وإذا لاعن نفى عنه وإن سكت لم ينف عنه ولم يلاعن فإن طلبت الحد
حلف ما أراد قذفها فإن حلف برئ وإن نكل حد أو لاعن وذلك أنه يقال قد تستدخل المرأة ماء
الرجل فتحبل فلذلك لم أجعله قذفها ولا ألاعن بينهما حتى يقذفها بالزنا فيحد أو يلتعن لأنه الموضع
الذي جعل الله عز وجل فيه اللعان لا غير ولو قال قد حبسك رجل أو فتشك أو نال منك ما دون الجماع
لم يلاعنها لأن هذا ليس بقذف في زنا وعزر لها إن طلبت ذلك قال ولو قال لها أصابك رجل في دبرك
فطلبت ذلك حد أو لاعن لأن هذا جماع يجب عليها به الحد ولا يحد لها إلا في القذف بجماع يجب عليها
فيه حد لو فعلته وحد على مجامعتها إذا كان حراما ولو قال لها عبثت بك امرأة فأفحش لم يحد ولم يلاعن
ويعزر إن طلبت ذلك ولو قال لها ركبت أنت رجلا حتى غاب ذلك منه في ذلك منك كان قذفا
يلاعن به أو يحد لأن عليهما معا الحد ولو قال لها وهي زوجة زنيت قبل ان أنكحك فلا لعان ويحد إن
طلبت ذلك ولو قال لها بعدما تبين منه زنيت وأنت امرأتي ولا ولد ولا حبل ينفيه حد ولم يلاعن لأنه
قاذف غير زوجته ولو قال لامرأته يا زانية بنت الزانية وأمها حرة مسلمة غير حاضرة فطلبت امرأته حد
أمها لم يكن لها وإذا طلبته أمها أو وكيلها حد لها إن لم يأت بأربعة شهداء على ما قال: قال ومتى
طلبت امرأته حدها كان عليه ان يلتعن أو يحد ولو طلبتاه جميعا حد للام مكانه وقيل له التعن لامرأتك
فإن لم يلتعن حبس حتى يبرأ جلده فإذا برأ حد إلا أن يلتعن ومتى أبى اللعان فجلدته ثم رجع فقال أنا
ألتعن قبلت رجوعه وإن لم يبق إلا سوط واحد ولا شئ له فيما مضى من الضرب.
أين يكون اللعان
(قال الشافعي) رحمه الله روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين الزوجين على المنبر فإذا لاعن
الحاكم بين الزوجين بملكة لاعن بينهما بين المقام والبيت فإذا لاعن بينهما بالمدينة لاعن بينهما على المنبر
وإذا لاعن بينهما ببيت المقدس لاعن بينهما في مسجده وكذلك يلاعن بين كل زوجين في مسجد كل
بلد قال ويبدأ فيقيم الرجل قائما والمرأة جالسة فيلتعن ثم يقيم المرأة قائمة فتلتعن إلا أن يكون بأحدهما
علة لا يقدر على القيام معها فيلتعن جالسا أو مضطجعا إذا لم يقدر على الجلوس وإن كانت المرأة حائضا
التعن الزوج في المسجد والمرأة على باب المسجد وإن كان الزوج مسلما والزوجة مشركة التعن الزوج في
المسجد والزوجة في الكنيسة وحيث تعظم وإن شاءت الزوجة المشركة أن تحضر الزوج في المساجد كلها
حضرته إلا أنها لا تدخل المسجد الحرام لقول الله تعالى (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام
بعد عامهم هذا) (قال الشافعي) رحمه الله وإن أخطأ الامام بمكة أو المدينة أو غيرهما فلاعن بين
306

الزوجين في غير المسجد لم يعد اللعان عليهما لأنه قد قضى اللعان عليهما ولأنه حكم قد مضى. بينهما
وكذلك إن لاعن ولم يحضر أحدهما الآخر. قال: وإذا كان الزوجان مشركين لاعن بينهما معا في
الكنيسة وحيث يعظمان وإذا كانا مشركين لا دين لهما تحاكما إلينا لاعن بينهما في مجلس الحكم.
أي الزوجين يبدأ باللعان؟
(قال الشافعي) رحمه الله: ويبدأ الرجل باللعان حتى يكمله فإذا أكمله خمسا التعنت المرأة وإن
أخطأ الحاكم فبدأ بالمرأة قبل الزوج فالتعنت أو بدأ بالرجل فلم يكمل اللعان حتى أمر المرأة تلتعن
فالتعنت فإذا أكمل الرجل اللعان عادت المرأة فالتعنت ولو لم يبق من لعان الرجل إلا حرف واحد من
قبل أن الله عز وجل بدأ بالرجل في اللعان فلا يجب على المرأة لعان حتى يكمل الرجل اللعان لأنه لا
معنى لها في اللعان إلا رفع الحد عن نفسها والحد لا يجب حتى يلتعن الرجل ثم يجب لأنها تدفع الحد
عن نفسها بالالتعان وإلا حدت وإذا بدأ الرجل فالتعن قبل أن يأتي الحاكم أو بعدما أتاه قبل أن يأمره
بالالتعان أو المرأة أو هما أعاد أيهما بدأ قبل أمر الحاكم إياه بالالتعان لأن ركانة أتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأخبره بطلاق امرأته البتة وحلف له فأعاد النبي صلى الله عليه وسلم اليمين على ركانة ثم رد إليه
امرأته بعد حلفه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد امرأته إليه قبل حلفه بأمره (أخبرنا الربيع)
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك قال حدثني ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن
عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي فقال له أرأيت يا عاصم لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا
أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فلما رجع
عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عاصم
لعويمر لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها فقال عويمر والله لا
انتهى حتى أسأله فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس فقال يا رسول الله
أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(قد أنزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها) فقال سهل ابن سعد فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا قال عويمر لقد كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل
أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن شهاب فكانت تلك سنة في المتلاعنين أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سهل عن رجل وجد مع امرأته رجلا فقتله أيقتل به أم
كيف يصنع؟ فسأل عاصم النبي صلى الله عليه وسلم فعاب النبي صلى الله عليه وسلم المسائل فلقيه عويمر
فقال ما صنعت؟ فقال إنك لم تأتني بخير سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب المسائل فقال
عويمر والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه فأتاه فوجده قد أنزل عليه فيهما فدعا بهما
فلاعن بينهما فقال عويمر لئن انطلقت بها لقد كذبت عليها ففارقها قبل أن يأمره رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (انظروها فإن جاءت به أسحم أدعج عظيم الأليتين فلا
أراه إلا قد صدق وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا) فجاءت به على النعت المكروه
قال ابن شهاب فصارت سنة المتلاعنين أخبرنا عبد الله بن نافع عن ابن أبي ذئيب عن ابن شهاب عن
سهل بن سعد الساعدي ان عويمرا جاء إلى عاصم فقال أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله
307

أتقتلونه؟ سل لي يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فكره المسائل
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعابها فرجع عاصم إلى عويمر فأخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم كره
المسائل وعابها فقال عويمر والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه وقد نزل القرآن خلاف
عاصم فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (قد أنزل الله عز وجل فيكما القرآن فتقدما فتلاعنا) ثم
قال كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها ففارقها وما أمره النبي صلى الله عليه وسلم فمضت سنة
المتلاعنين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (انظروها فإن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة فلا
أحسبه إلا قد كذب عليها وإن جاءت له أسحم أعين ذا أليتين فلا أحسبه إلا قد صدق عليها) فجاءت به
على النعت المكروه (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن سعيد بن المسيب وعبيد
الله بن عبد الله بن عتبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن جاءت به أشيقر سبطا فهو لزوجها وإن
جاءت به أديعج فهو للذي يتهمه) قال فجاءت به أديعج أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن
شهاب عن سهل بن سعد أخي بنى ساعدة أن رجلا من الأنصار جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا
رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فأنزل الله عز وجل في
شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين فقال النبي صلى الله عليه وسلم (قد قضى فيك وفي امرأتك)
قال فتلاعنا وأتا شاهد ثم فارقها عند النبي صلى الله عليه وسلم فكانت السنة بعدهما أن يفرق بين
المتلاعنين قال وكانت حاملا فأنكره فكان ابنها يدعى إلى أمه أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن القاسم
ابن محمد قال شهدت ابن عباس رضى الله تعالى عنهما يحدث بحدث المتلاعنين فقال له ابن شداد أهي
التي قال النبي صلى الله عليه وسلم (لو كنت راجما أحدا بغير بينة رجمتها؟) فقال ابن عباس لا تلك
امرأة كانت قد أعلنت أخبرنا عبد العزيز ابن محمد عن يزيد بن الهادي عن عبد الله بن يونس أنه سمع
المقبري يحدث القرظي قال المقبري حدثني أبو هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لما نزلت آية
الملاعنة قال النبي صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في
شئ ولن يدخلها الله تعالى جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه أحتجب الله تعالى منه وفضحه به
على رؤوس الخلائق من الأولين والآخرين) سمعت سفيان بن عيينة يقول أخبرنا عمرو بن دينار عن
سعيد بن جبير عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمتلاعنين (حسابكما على الله عز وجل
أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها) فقال يا رسول الله مالي. فقال (لا مال لك إن كنت صدقت عليها
فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها أو منه) أخبرنا سفيان بن عيينة
عن أيوب بن أبي تميمة عن سعيد بن جبير قال سمعت ابن عمر يقول فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم
بين أخوي بني العجلان وقال هكذا بإصبعيه المسبحة والوسطى فقرنها والتي تليها يعني المسبحة وقال (الله
يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب) أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رجلا لا عن
امرأته في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما
وألحق الولد بالمرأة.
كيف اللعان؟
(قال الشافعي) رحمه الله العان أن يقول الامام للزوج (قل أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما
308

رميت به زوجتي فلانة بنت فلان ويشير إليها أن كانت حاضرة من الزنا) ثم يعود فيقولها حتى يكمل
ذلك أربع مرات فإذا أكمل أربعا وقفه الامام وذكره الله وقال (إني أخاف إن لم تكن صدقت أن تبوء
بلعنة الله) فإن رآه يريد أن يمضي أمر من يضع يده على فيه ويقول إن قولك (وعلى لعنة الله إن كنت
من الكاذبين) موجبة إن كنت كاذبا فإن أبى تركه وقال قل (على لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما
رميت به فلانة من الزنا) (قال الشافعي) فإن قذفها بأحد يسميه بعينه واحد أو اثنين أو أكثر قال مع
كل شهادة (أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا بفلان وفلان وفلان) وقال عند الالتعان
(وعلى لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا بفلان أو فلان وفلان) وإن كان معها ولد
فنفاه أو بها حبل فانتفى منه قال مع كل شهادة (أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا وإن
هذا الولد ولد زنا ما هو منى) وإن كان حملا قال (وإن هذا الحمل إن كان بها حمل لحمل من الزنا ما
هو مني) وقال في الالتعان (وعلى لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا وأن هذا الولد ولد
زنا ما هو مني) فإذا قال هذا فقد فرغ من الالتعان (قال الشافعي) وإذا أخطأ الامام ولم يذكر نفي الولد
أو الحمل في الالتعان قال للزوج إن أردت نفيه أعدت عليك اللعان ولا تعيد المرأة بعد إعادة الزوج
اللعان أن كانت فرغت منه بعد التعان الزوج الذي أغفل الامام فيه نفي الولد والحمل وإن أخطأ وقد
قذفها برجل ولم يلتعن بقذفه فأراد الرجل حده أعاد عليه اللعان وإلا حد له إن لم يلتعن وأي الزوجين
كان أعجميا التعن له بلسانه بشهادة عدلين وأحب إلى لو كانوا أربعة ويجزئ عدلان يعرفان بلسانه فإن
كان أخرس تفهم إشارته التعن بالإشارة فإن انطلق لسانه بعد الخرس لم يعد قال ثم تقام المرأة فتقول
(أشهد بالله إن زوجي فلانا وتشير إليه إن كان حاضرا لمن الكاذبين فيا رماني به من الزنا) ثم تعود حتى
تقول ذلك أربع مرات فإذا فرغت من الرابعة وقفها الامام وذكرها الله تبارك و تعالى وقال لها (احذري
أن تبوئي بغضب من الله عز وجل إن لم تكوني صادقة في ايمانك) فإن رآها تمضي وحضرتها امرأة أمرها
أن تضع يدها على فيها وإن لم تحضرها فرآها تمضى قال لها قولي (وعلى غضب الله إن كان من الصادقين
فيما رماني به من الزنا) فإذا قالت ذلك فقد فرغت من اللعان وإنما أمرت بوقفهما وتذكيرهما أن سفيان
أخبرنا عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمر رجلا حين لاعن بين المتلاعنين أن يضع يده على فيه عند الخامسة وقال إنها موجبة (قال الشافعي)
وسواء في أيمانها و التعانها لا عنها بنفي ولد أو حمل أو بلا واحد منهما لأنه لا معنى لها في الولد و الولد ولدها
بكل حال وإنما ينفي عنه هو أو يثبت قال وسواء كل زوج وزوجة بالغين ليسا بمغلوبين على عقولهما في
الموضع الذي يلتعنان فيه والقول الذي يلتعنان فيه حزين أو مملوكين أو حر ومملوك وسواء الكافران أو
أحدهما كافر في القول الذي يلتعنان به ويختلفان في الموضع الذي يلتعنان فيه قال وإن لم يلاعن بينهما
الامام قائمين ولا على المنبر أو لم يحضرهما أربع أو لم يحضر أحدهما وحضر الآخر لم يرد عليهما اللعان.
ما يكون بعد اللعان الزوج من الفرقة ونفى الولد وحد المرأة
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) فإذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان فقد زال فراش امرأته
ولا تحل له أبدا بحال وإن أكذب نفسه لم تعد إليه التعنت أو لم تلتعن حدت أو لم تحد قال وأنما قلت
هذا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الولد للفراش) وكانت فراشا فلم يجز أن ينفي الولد عن
309

الفراش إلا بأن يزول الفراش فلا يكون فراش أبدا وقد أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين وألحق الولد بالمرأة (قال الشافعي) رحمه الله عن نافع عن
ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين وألحق الولد بالمرأة (قال الشافعي) رحمه
الله وكان معقولا في حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ألحق الولد بأمه أنه نفاه عن أبيه وأن نفيه
عن أبيه بيمينه والتعانه لا بيمين أمه على كذبه بنفيه ومعقول في إجماع الناس أن الزوج إذا أكذب نفسه
ألحق به الولد وجلد الحد لأن لا معنى للمرأة في نفيه وأن المعنى للزوج بما وصفت من نفيه وكيف
يكون لها معنى في يمين الزوج ونفي الولد وإلحاقه والولد بكل حال ولدها لا ينفي عنها إنما عنه ينفي وإليها
ينسب إذا نسب (قال الشافعي) فإذا أكمل الزوج اللعان فقد بانت منه امرأته لأنه لا يزول النسب إلا
بزوال الفراش ولو مات أو ماتت امرأته بعد كمال التعانه لم يتوارثا لأن الفرقة وقعت بالذي وقع به نفي
الولد قال ولو قالت لا ألتعن (1) أو أقذف بالزنا أو خرست أو ماتت فسواء الولد منفى والفرقة واقعة قال
ولو خلف الايمان كلها وبقي الالتعان أو حلف ثلاثة أيمان والتعن أو نقص ممن الايمان أو الالتعان شيئا
كانا بحالهما أيها مات ورثه صاحبه والولد غير منفي حتى يكمل الالتعان، قال وسواء إذا لم يتم اللعان كله
في أن لا فرقة ولا نفي ولد لو جن أو عته أو غاب أو أكذب نفسه، قال وإن حلف اثنتين أو ثلاثا ثم
هرب فالنكاح بحاله حتى يقدر عليه فيلتعن وكذلك لوعته أو خرس أو برسم أو أصابه ما لا يقدر معه
على الكلام أو ما يذهب عقله فالنكاح بحاله فمتى قدر عليه أو ثاب إليه عقله التعن فإن قال هو لا ألتعن
وطلبت أن يحد لها حد وهو زوجها والولد ولده و إن لم تطلب أن يحد لها فطلب ذلك رجل قذفها بزناه
بها كان ذلك له وحد له و إن ماتت وطلب ذلك ورثتها ولم تكن عفت حدها كان ذلك لهم، وكذلك
لو مات المقذوف بها وطلب ذلك ورثته كان ذلك لهم فإن طلبته أو ورثتها فحد لها ثم طلبه الذي قذفها
به لم يحد له لأنه قذف واحد ولو قالت المرأة قبل أن يتم الزوج اللعان أنا التعن لم يكن ذلك عليها ولو
أخطأ الامام فأمرها فالتعنت لم يكن ذلك شئ يدرأ به عن نفسها حد ولا يجب به حكم ومتى التعن
الزوج فعليها أن تلتعن فإن أبت حدت وإن كانت حين التعن الزوج حائضا فسأل الزوج أن تؤخر حتى
تدخل المسجد لم يكن ذلك عليها وأحلفت بباب المسجد فإن كانت مريضة لا تقدر على الخروج
أحلف في بيتها، قال وإن امتنعت من اليمين وهي مريضة فكانت ثيبا رجمت وكذلك إن كان في يوم
بارد أو ساعة صائفة لأن القتل يأتي عليها وإن كانت بكرا لم تحد حتى تصح وينقص البرد والحر ثم تحد
وإنما قلت تحد إذا التعن الزوج لقول الله تعالى (ويدرأ عنها العذاب) الآية (قال الشافعي) والعذاب
الحد فكان عليها أن تحد إذا التعن الزوج ولم تدرأ عن نفسها بالالتعان، قال ولو غابت أو عتهت أو
غلبت على عقلها فإذا حضرت وثاب إليها عقلها التعنت فإن لم تفعل حدت وإن لم يثب إليها عقلها فلا
حد ولا التعان لأنها ليست ممن عليها الحدود، ولو قال الزوج لا ألتعن وأمر بأن يقام عليه الحد فضرب
بالسياط فلم يتمه حتى قال أنا التعن قبلنا ذلك منه ولا شئ له فيما ناله من الحد ولو أتى على نفسه كما
يقذف المرأة فيقال أئت ببينة فيقول لا آتي بها فيضرب بعض الحد ثم يقول أنا آتي بهم فيكون ذلك له
ولو قيل للمرأة التعني فأبت فأمر بها يقام عليها الحد فأصابها بعضه ثم قالت أنا التعن تركت حتى تلتعن
بهذا المعنى ولو قذف الرجل امرأته ونفى ولدها ثم خرس أو ذهب عقله فمات الولد قبل أن يفيق فأخذ

(1) قوله: أو اقذف بالزنا، كذا في النسخ ولعل الصواب " أو أقرت بالزنا " تأمل. كتبه مصححه
310

له ميراثه منه ثم أفاق الزوج فالتعن ونفى الولد عنه رد الميراث ولو قذف امرأته بولد فصدقته لم يكن عليه
حد ولا لعان لها ولا ينفي الولد وإن صدقته حتى يلتعن الزوج فينفي عنه بالتعانه (قال الشافعي) الولد
للفراش والأصل أن ولد الزوجة للزوج بغير اعتراف مات الزوج أو عاش ما لم ينفه (2) أو يلاعن ولازم
للمعتوه ولا احتياج إلى دعوة ولد الزوجة، قال ولا ينفي الولد عن الزوج إلا في مثل الحال التي نفي فيها
رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن العجلاني قذف امرأته وأنكر حملها فأتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلاعن بينهما ونفى الولد عنه قال وأظهر العجلاني قذفها عند استبانة حملها وإذا علم الزوج
بالولد وأمكنه الحاكم فأتى الحاكم فنفناه لاعن بينهما وإن علم أمكنه الحاكم فترك ذلك وقد أمكنه
إمكانا بينا ثم نفاه لم يكن ذلك له كما يكون أصل بيع الشقص صحيحا فيكون للشفيع أخذه إذا أمكنه
فإن ترك ذلك في تلك المدة لم تكن له شفعة وهكذا كل من له شئ في مدة دون غيرها فمضت لم يكن
له ولو جحد بأن يكون يعلم بالولد فيكون له نفيه حتى يقربه جاز بعد أن يكون الولد شيخا وهو يختلف
معه اختلاف ولده، قال وإمكان الانتقاء من الولد أن يعلم به ويمكنه أن يلقي الحاكم ويكون قادرا على
لقائه أوله من يلقاه له فإذا كان هذا هكذا فلم ينفه لم يكن له نفيه ولا وقت في هذا إلا ما وصفت ولو
قال قائل فإذا كان حاضرا فكان هذا فالمدة التي ينقطع فيها أن يكون له نفيه فيها ثلاثة أيام كان مذهبا
محتملا فإن لم يصل إلى الحاكم أو مرض أو شغل أو حبس فأشهد فيها على نفيه ثم طلب بعدها كان
مذهبا لما وصفنا في غير هذا الموضع من أن الله تعالى منع من قضى بعذابه ثلاثا وأن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أذن للمهاجر بعد قضاء نسكه بمقامه ثلاثا بمكة، قال وأي مدة قلت له نفيه فأشهد على
نفيه وهو مشغول بأمر يخاف فوته أو يمرض لم ينقطع نفيه وإن كان غائبا فبلغه فأقام وهو يمكنه المسير لم
يكن له نفيه إلا بأن يشهد أنه على نفيه ثم يقدم، قال وإن قال قد سمعت بأنها ولدت ولم أصدق فأقمت
فالقول قوله أو قال لم أعلم فالقول قوله ولو كان حاضرا ببلدها فقال لم أعلم أنا ولدت فالقول قوله
وعليها البينة، قال وإن كان مريضا لا يقدر على الخروج أو محبوسا أو خائفا فكل هذا عذر فأي هذه
الحال كان فله أن ينفه حتى تأتي المدة التي لا يكون له بعدها نفيه وهكذا إن كان غائبا ولو نفى رجل
ولد امرأته قبل موتها ثم مات قبل أن يلاعنها أو ماتت قبل أن ينتفى من ولدها ثم انتفى منه التعن
ونفاه وسواء كانت ميتة أو حية وإذا قذفها ثم ماتت أو قذفها بعد الموت وانتفى من ولدها فلم يلتعن
فلورثتها أن يحدوه.
الوقت في نفي الولد
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا أقر الرجل بحبل امرأته فولدت ولدا في ذلك الحبل أو أكثر ثم
نفى الولد أو الولدين من الحمل لم يكن منفيا عنه بلعان ولا غيره وإن قذفها مع نفيه فطلبت الحد حد
لها وإن لم تطلبه لم يحد لها، وإن لم يقذفها وقال لم تلدي هذا الولد الذي أقررت به ولا من الحمل
الذي أقررت به فالولد لاحق ولا حد لها ولعان فإن قال أقررت أن الحمل مني وأنا كاذب ولا
أقذفك أحلف ما أراد قذفها إذا طلبت ذلك فإن حلف لم يحد وإن لم يحلف فحلفت لقد أراد قذفها

(2) قوله: أو يلاعن، كذا في النسخ، ب‍ " أو " والظاهر الواو كما يعلم مما قبله وما بعده اه‍ - كتبه مصححه.
311

حد، قال والاقرار باللسان دون الصمت فلو أن رجلا رأى امرأته حبلى فلم يقل في حبلها شيئا ثم
ولدت فنفاه فيسأل هل أقررت بحبلها فإن قال لا أو قال كنت لا أدري لعله ليس بحمل لا عن ونفاه
إن شاء وإن قال بلى أقررت بحملها وقلت لعله يموت فأستر عليها وعلى نفسي لزمه ولم يكن له نفيه ولو
ولدت ولدا وهو غائب فقدم فنفاه حين علم به وقال لم أعلم به في غيبتي كان له نفيه بلعان ولو قالت قد
علم به وأقر، فقال: قيل لي ولم أصدق وما أقررت به حلف ما أقربه وكان له نفيه ولو كان حاضرا أو
غائبا فهنئ به فرد على الذي هنأه به خيرا ولم يقرر به لم يكن هذا إقرارا لأنه يكافئ الدعاء بالدعاء ولا
يكون إقرارا كما لو قال له رجل بارك الله تعالى لك في تزويجك أو في مولودك فدعا له ولم يتزوج ولم يولد
له لم يكن هذا إقرارا بتزويج ولا ولد.
ما يكون قذفا ولا يكون
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا لعان حتى يقذف الرجل امرأته بالزنا صريحا لقول الله عز وجل
(والذين يرمون أزواجهم) قال فإذا فعل فعليه اللعان إن طلبته وله نفي ولده وحمله إذا قال هو من الزنا
الذي رميتها به ولو ولدت ولدا فقال ليس بابني أو رأى حملا فقال ليس مني ثم طلبت الحد فلا حد ولا
لعان حتى يقفه في الولد فيقول لم قلت هذا؟ فإن قال لم أقذفها ولكنها لم تلده أو ولدته من زوج غيري
قبلي وقد عرف نكاحها فلا يلحقه نسبه إلا أن تأتي بأربع نسوة يشهدن أنها ولدته وهي زوجته في وقت
يعلم أنها كانت فيه زوجته يمكن أن تلد منه عند نكاحها في أقل ما يكون من الحمل أو أكثر فإن لم
يكن لها أربع نسوة يشهدن فسألت يمينه ما ولدته وهي زوجته أو ما ولدته في الوقت الذي إذا ولدته فيه
لحقه نسبه أحلفناه فإن حلف برئ وإن نكل أحلفناها فإن حلفت لزمه وإن لم تحلف لم يلزمه (قال
الربيع) رحمه الله وفيه قول آخر أنها وإن لم تحلف لزمه الولد لأن للولد حقا في نفسه وتركها اليمين لا
يبطل حقه في نفسه فلما لم تحلف فتبرأ لزمه الولد (قال الشافعي) ولو جاءت بأربع نسوة يشهدن أنها
ولدته وهي زوجته أو في وقت من الأوقات يدل على أنها ولدته بعد تزويجه إياها بما يمكن أن يكون منه
ويحددن حدا علمنا أن ذلك بعدما تزوجها بستة أشهر فأكثر ألحقت الولد به، قال وإنما قلت إذا نفى
الرجل حمل امرأته ولم يقذفها بزنا لم ألاعن بينهما لأنه قد يكون صادقا فلا يكون هذا حملا وإن نفى
ولدا ولدته ولم يقذفها وقال لا ألا عنها ولا أقذفها لم يلاعنها ولزمه الولد وإن قذفها لاعنها لأنه إذا لاعنها
بغير قذف فإنما يدعي أنها لم تلده وقد حكمت أنها قد ولدته وإنما أوجب الله عز وجل اللعان بالقذف
وإلا يجب بغيره (قال الشافعي) رحمه الله وإذا لاعن الرجل امرأته بولد فنفياه عنه ثم جاءت بولد لستة
أشهر أو أكثر وما يلزم به نسب ولد المبتوتة فهو ولده إلا أن ينفيه بلعان فإن نفاه بلعان فذلك له،
وإذا ولدت امرأة الرجل ولدين في بطن فأقر بالأول ونفى الآخر أو أقر بالآخر ونفى الأول فهو سواء وهما
ابناه ولا يكون حمل واحد بولدين إلا من واحد، فإذا أقر بأحدهما لم يكن له نفى الآخر الذي ولد معه
في بطن كما لا يكون له نفي الولد الذي أقر به وإن كان نفى أيهما نفى بقذف لامه فطلبت حدها فعليه
الحد، وإذا ولدت ولدا فنفاه فمات الولد قبل يلتعن الأب فإن التعن الأب نفى عنه المولود، ولو كان
رجل جنى على المولود فقتله فأخذ الأب ديته أو جنى عليه جنينا فأخذ الأب ديته ردها الأب إذا نفى
عنه فهو غير أبيه، وهكذا لو ولد له ولدان فمات أحدهما ثم نفاهما فالتعن نفى عنه الميت والحي ولو
312

ولدت له ولدا فنفاه بلعان ثم ولدت آخر بعده بيوم فأقر به لزماه جميعا لأنه حبل واحد وحد لها إن كان
قذفها وطلبت ذلك (قال) ولو لم ينفه ولم يقربه وقف فإن نفاه وقال اللعان الأول يكفيني لأنه حبل
واحد لم يكن ذلك له حتى يلتعن من الآخر ولو ولدا معا لم يلتعن إلا بنفيهما معا وكذلك لو التعن من
الأول ثم الثاني ثم نفى الثالث التعن به أيضا لا ينفي ولد حادث إلا بلعان به بعينه ولو قذف رجل امرأته
وبها حمل أو معها ولد وأقر بالحمل والولد أو لم ينفه كان لازما له لأنها قد تزني وهي حبلى منه ووالد منه
ويلتعن للقذف أو يحد إن طلبت ذلك ولو قال رجل لامرأته زنيت وأنت صغيرة أو قال لامرأته وقد
كانت نصرانية أو أمة زنيت وأنت نصرانية أو أمة أو قال لامرأته زنيت مستكرهة أو أصابك رجل نائمة أو
زنى بك صبي لا يجامع مثله لم يكن عليه حد في شئ من هذا، وإن كان أوقع هذا عليها قبل نكاحها
لم يكن عليه لعان وعزز للأذى وإن كان أوقع هذا عليها وهي امرأته ولم ينسبه إلى حين لم تكن له فيه
امرأة فلا حد عليه وإن التعن فلا يعزر وتقع الفرقة وإن لم يلتعن عزر للأذى ولو قال لامرأة إن تزوجتك
فأنت زانية أو إذا تزوجتك فأنت زانية أو قال لا مرأته إذا قدم فلان فأنت زانية أو خيرها فقال إن
اخترت نفسك فأنت زانية فلا حد ولا لعان ويؤدب إن طلبت ذلك على إظهار الفاحشة قبل أن ينكحها
وقبل أن تختار وبعد النكاح والاختيار ولو قال رجل لامرأته يا زانية فقالت زنيت بك وطلبا معا مالهما
سألناها فإن قالت عنيت أنه أصابني وهو زوجي حلفت ولا شئ عليها لأن إصابته إياها ليست بزنا
وعليه أن يلتعن أو يحد، وإن قالت زنيت به قبل أن ينكحني فهي قاذفة له وعليها الحد ولا حد عليه
لأنها مقرة بالزنا ولا لعان ولو قال لها يا زانية فقالت أنت أزنى مني فعليه الحد أو اللعان ولا شئ عليها في
قولها أنت أزنى مني لأنه ليس بقذف بالزنا إذا لم ترد به القذف ولو قال لها أنت ازنى من فلانة لم يكن
هذا قذفا ولا لعان ولا حد ويؤدب في الأذى فإن أراد به القذف فعليه الحد أو اللعان ولو قال لها أنت
أزنى الناس لم يكن قاذفا إلا بأن يريد القذف ويعزر وهذا لأن هذا أكبر من قوله أنت أزنى من فلانة
ولو قال لامرأته يا زان كان عليه الحد أو اللعان وهذا ترخيم كما يقول الرجل لمالك يا مال ولحارث يا حار
ولو قال لها زنأت في الجبل أحلفناه بالله ما أراد قذفها بالزنا ولا لعان ولا حد لأن زنأت في الجبل رقيت
في الجبل ولو قالت له هي يا زانية فعليها الحد لأنها قد أكملت القذف وزادته حرفا أو اثنين وإذا قال
الرجل لامرأته زنيت قبل أن أتزوج حد ولا لعان لأنه أوقع القذف وهي غير زوجة ولو جعلته يلاعن
لأنه إنما تكلم بالقذف الآن جعلته يلاعن أو يحد إذا قال الرجل لا مرأة له بالغ زنيت وأنت صغيرة
ولكني أنظر إلى يوم تكلم به لأن القذف يوم يوقعه ولو قذف رجل امرأة بالزنا قبل أن ينكحها فطلبته
بالحد حد ولا لعان لأن القذف كان وهي غير زوجة ولو قذفها بالزنا ولم تطلبه بالحد حتى نكحها ثم
قذفها ولاعنها وطلبته بحد القذف قبل النكاح حد لها ولو لم يلاعنها حتى حده لها الامام في القذف
الأول ثم طلبته بالقذف بعد النكاح لاعن أو حد ولو طلبته بهما معا حده بالقذف الأول وعرض عليه
اللعان بالقذف الآخر فإن أبى حده أيضا لأن حكمه قاذفا غيره زوجة الحد وحكمه قاذفا زوجة حد أو
لعان فإذا التعن فالفرقة واقعة بينهما وإن لم أحده وألا عن بينهما لم يكن حده في القذف بأوجب على من
حمله على اللعان أو الحد في القذف الآخر وكان لغيري أن لا يحده ولا يلاعن وإذا جاز طرح اللعان
بقذف زوجة وحد أو طرح الحد باللعان جاز طرحهما معا وكذلك لو قذفها وامرأة معها أجنبية في كلمة
واحدة حد للأجنبية ولاعن امرأته أو حد لها ولو قذف أربع نسوة له بكلمة واحدة أو كلمات فقمن معا أو
متفرقات لاعن كل واحدة منهن أو حد لها وأيتهن لاعن سقط حدها وأيتهن نكل عن أن يلتعن حد لها
313

إذا طلبت حدها ويلتعن لهن واحدة واحدة وإذا تشاححن أيتهن تبدأ؟ أقرع بينهن فأيتهن بدأ الامام بها
بغير قرعة رجوت للامام أن لا يأثم لأنه لا يمكنه أن يأخذ ذلك إلا واحدا واحدا إذا طلبته واحدة
واحدة ولو قذف رجل امرأته بزنايين في ملكه التعن مرة أو حد مرة لأن حكمهما واحد وكذلك لو قذف
امرأة أجنبية مرتين كان حدا واحدا ولو قذف رجل نفرا بكلمة واحدة أو كلمات كان لكل واحد منهم
حده ولو قال رجل لامرأته أنت طالق ثلاثا أو طالق واحدة لم يبق له عليها من الطلاق إلا هي أو طالق
ولم يدخل بها أو أي طلاق ما كان لا رجعة له عليها بعده وأتبع الطلاق مكانه يا زانية حد ولا لعان إلا
أن يكون ينفي به ولدا أو حملا فيلاعن للولد ويوقف الحمل فإذا ولدت التعن فإن لم تلد حد ولو بدأ
فقال يا زانية أنت طالق ثلاثا التعن لأن القذف وقع وهي امرأته ولو قال أنت طالق ثلاثا يا زانية حد
ولا لعان إلا أن ينفي ولدا فيلاعن به ويسقط الحد ولو قذف رجل امرأته فصدقته ثم رجعت فلا حد ولا
لعان إلا أن ينفي ولدا فلا ينفي إلا بلعان ولو قذف رجل امرأته ثم زنت بعد القذف أو وطئت وطأ حراما
فلا حد ولا لعان إلا أن يفني ولدا أو يريد أن يلتعن فيثبت عليها الحد إن لن تلتعن وإذا قذف رجل امرأته
فارتدت عن الاسلام وطلبت حدها لا عن أو حد لأن القذف كان وهي زوجة مسلمة ولو كان هو المرتد
كان هكذا ولا يشبه هذا أن يقذفها ثم تزني لأن زناها دليل على صدقه بزنيتها وردتها لا تدل على أنها
زانية وإذا كانت تحت المسلم ذمية فقذفها ثم أسلمت فطلبت حدها لاعن أو عزر ولا حد لأن القذف
كان وهي كافرة وكذلك لو كانت مملوكة فعتقت أو صبية فبلغت وإذا ملك الرجل امرأته أمرها
فاختارت نفسها ثم قذفها فإن كان الطلاق يملك فيه الرجعة لاعن أوحد وإن كان لا يملك الرجعة حد
ولا يلاعن فإن قذفها ثم طلقها لا عن لأن القذف كان وهي زوجة وإذا طلق الملاعن امرأته لم يقع عليها
الطلاق وللملاعنة السكنى ولا نفقة لها وإذا لاعن الرجل امرأته ونفى عنه ولدها ثم أقربه وأكذب نفسه
حد إن طلبت الحد وألحق به الولد وهكذا لو أقربه الأب وهو مريض فطلبت حدها فلم يحد حتى مات
فهو ابنه يرثه ويثبت نسبه منه وإن لم يحد لامه ولو كانت المسألة بحالها وكان الابن هو الميت والأب هو
الحي فادعاه بعد الموت وللابن مال أو لا مال له أوله ولد أو لا ولد له ثبت نسبه منه وورثه الأب ولو
كان قتل فانتسب إليه أخذ حصته من ديته ولو كان الولد المنفى عن أبيه منع ميراثه من قبل أبيه في حياته
لأنه كان منفيا عن ميراثه الذي منعه لأن أصل امره أن نسبه ثابت فإنه إنما هو منفى ما كان أبوه
ملاعنا مقيما على نفيه باللعان وإذا التعن الزوجان بولد أو غير ولد ثم قذف الزوج امرأته التي لا عن فلا
حد عليه كما لو حد لها بقذف فقذفها لم يحد ثانية ونهى عن قذفها فإن انتهى وإلا عزر وإذا قذفها غير
الزوج الذي لاعنها فعليه الحد وإذا قال رجل لابن ملاعنة لست ابن فلان أحلف ما أراد قذف أمه ولا
حد عليه لأنا قد حكمنا أنه ليس ابنه ولو أراد قذف أمه حددناه ولو قال بعدما يقر الذي نفاه أنه ابنه أو
يكذب نفسه لست ابن فلان كان قاذفا لامه فإن طلبت الحد حد لها إن كانت حرة مسلمة وإن كانت
كافرة أو أمة عزر وإذا قذف الرجل المرأة فقال أنت أمة أو كافرة فعليها البينة أنها حرة مسلمة والقول
قوله مع يمينه إن لم تكن بينة لأنه يؤخذ منه الحد ولو ادعى الأب الولد فطلبت المرأة حدها حد لها ولزمه
وإن لم تطلبه لزمه الولد ولا يحد ومتى طلبته حد لها ولو قذفها قبل الحد ثم طلبت منه الحد حد لها حدا
واحدا لأن اللعان بطل وصار مفتريا عليها مرتين فأما الأجنبي فيحد لها قبل اعتراف الأب بالولد وبعده
ولو قامت بينة على الأب أنه أكذب نفسه في اللعان أو أقر بالولد لزمه وإن جحد وحد إن طلبت الحد
ولو أقامت بينة أنه قذفها وأكذب نفسه حد ولم يلتعن إذا طلبت وإن جحد ذلك كله ولو قال رجل لامرأته يا
314

زانية ثم قال عنيت زنأت في الجبل حد أو لاعن لأن هذا ظاهر التزنية ولو وصل الكلام فقال يا زانية في
الجبل أحلف ما أراد إلا الرقي في الجبل ولا حد فإن لم يحلف حد لها إذا حلفت لقد أراد القذف ولو قال
لها يا فاجرة أو يا خبيثة أو يا جرية أو يا غلمة أو يا ردية أو يا فاسقة وقال لم أرد الزنا أحلفه ما أراد تزنيتها
وعزر في أذاها ولو قال لها يا غلمة أو يا شبقة أو ما أشبه هذا لم يكن في شئ من هذا قذف وكذلك
لو قال لها أنت تحبين الجماع أو تحبين الظلمة أو تحبين الخلوات فعليه في هذا كله إن طلبت اليمين يمينه.
الشهادة في اللعان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا جاء الزوج وثلاثة يشهدون على امرأته معا بالزنا لا عن الرجل
فإن لم يلتعن حد لأن حكم الزوج غير حكم الشهود والشهود لا يلاعنون بحال ويكونون عند أكثر
المفتين قذفة يحدون إذا لم يتموا أربعة والزوج منفردا يلاعن ولا يحد قال وإذا زعم الزوج أنه رآها تزني
فبين أنها قد وترته في نفسه بأعظم من أن تأخذ أكثر ماله أو تشتم عرضه أو تناله بشديد ضرب من أجل
ما يبقى عليه من العار في نفسه بزناها عنده على ولده فلا عداوة تصير إليهما فيما بينها وبينه أكثر من هذا
تكاد تبلغ هذا ونحن لا نجيز شهادة عدو على عدوه والأجنبي يشهد عليها ليس مما وصفت بسبيل وسواء
قذف الزوج امرأته أو جاء شاهدا عليها بالزنا هو بكل حال قاذف فإن جاء بأربعة يشهدون على المرأة
بالزنا حدث ولم يلاعن الا ان ينفي ولدا لها بذلك الزنا فيجد أو يلتعن فينفي الولد، وان قذفها وانتفى
من حملها وجاء بأربعة يشهدون عليها بالزنا لم يلاعن حتى تلد فيلتعن أن أراد نفى الولد فإن لم يلتعن لم
تنفه عنه، ولم تحد حتى تلد وتحد بعد الولادة، ولو جاء بشاهدين يشهدان على اقرارها بالزنا وهي تجحد فلا
حد عليها ولا عليه ولا لعان، ولو كان الشاهدان ابنيه منها أو من غيرها لم تجز شهادتهما، ولا تجوز
شهادة الولد لوالده، ولو كان الشاهدان ابنيها من غيره جازت شهادتهما عليها لأنهما يبطلان عنه
حدها. ولا يثبت عليها بالاعتراف شئ من الحد الا ان تشاء هي ان يثبت عليها فتحد، وإذا قذف
الرجل امرأته ثم جاء بأربعة شهداء متفرقين يشهدون عليها بالزنا سقط عنه الحد وحدت، وإن كان
نفى مع ذلك ولدا لم ينف عنه حتى يلتعن هو ولو شهد ابنا المرأة على أبيهما انه قذف أمهما والأب يجحد
والام تدعى فالشهادة باطلة لأنهما يشهدان لامهما وكذلك لو شهد أبوها وابنها أو شهد رجل وامرأتان لا
تجوز شهادة النساء في غير الأموال وما لا يراه الرجال ولو شهد لامرأة ابنان لها على زوج لها غير أبيهما انه
قذفها أو على أجنبي انه قذفها لم تجز شهادتهما لامهما، ولو شهد شاهد على رجل ان قذف امرأته بالزنا
يوم الخميس وشهد آخر ان الزوج أقر انه قذفها بالزنا يو الخميس وهو يجحد لم يكن عليه حد ولا
لعان لأن الاقرار بالقذف غير قول القذف، ولو شهد رجل انه قذفها بالزنا يوم الخميس وشهد آخر انه
قذفها بالزنا يوم الجمعة لم تجز شهادتهما، ولو شهد شاهد انه قدف امرأته بالزنا والاخر أنه قال لابنها منه
يا ولد الزنا لم تجز الشهادة فإذا لم تجز فلا حد ولا لعان، وان طلبت ان يحلف لها احلف بالله ما قذفها
فإن حلف برئ وان نكل حلفت لقد قذفها ثم قيل له ان التعنت والا حددت، وكذلك لو ادعت
عليه القذف ولم تقم عليه شاهدا حلف، ولو شهد شاهد انه قذفها بالفارسية وآخر انه قذفها بالعربية في
مقام واحد أو مقامين فسواء لا تجوز الشهادة لأن كل واحد من هذا كلام غير الاخر، ولو شهد
عليه شاهد أنه قال لها زنى بك فلان واخر أنه قال لها زنى بك فلان رجل آخر لم تجز الشهادة لأن
315

هذين قذفان مفترقان بتسمية رجلين مفترقين، ولو قذفها برجل بعينه فجاءت تطلب الحد وجاء الرجل
يطلب الحد قيل له ان التعنت فلا حد للرجل وإن لم تلتعن حددت لها حدا واحدا لأنه قذف واحد،
وان جاء الرجل يطلب الحد قبل المرأة والمرأة ميتة أو حية التعن وبطل عنه الحد فإن لم يلتعن حد،
وكذلك إن كانت المرأة حية ولم تطلب الحد أو ميتة ولم يطلب ذلك ورثتها قيل له ان شئت التعنت
فدرأت حد المرأة والرجل، وان شئت لم تلتعن فحددت لأيهما طلب فإن جاء الاخر فطلب حده لم
يكن له لأن حكمه حكم الواحد إذا كان لعان واحد، وإذا شهد عليه شاهدان انه قذف أمهما وامرأته
في كلمتين متفرقتين جازت شهادتهما لغير أمهما وبطلت لامهما وسواء كانت المقذوفة مع أمهما امرأة
القاذف وأمهما امرأته أو لم يكونا أو كانت إحداهما ولم تكن الأخرى، وإذا شهد شاهدان على زوج
بقذف حبس حتى يعدلا فيحد أو يلتعن وان شهد شاهد فشاءت ان يحلف احلف وإن لم تشأ لم
يحبس بشاهد واحد، ولا يقبل في رجل في حد ولا لعان، وإذا شهدا بنا الرجل على أبيهما وأمهما امرأة
أبيهما انه قذف امرأة له غير أمهما جازت شهادتهما لأنهما شاهدان عليه بحد وللأب ان يلتعن وليس ذلك
عليه فالتعانه احداث طلاق ولم يشهدا عليه بطلاق، ولو شهدا انه طلق امرأة له غير أمهما فقد قيل ترد
شهادتهما لأن أمهما تنفرد بابيهما وما هذا عندي ببين لأن لأبيهما ان ينكح غيرها ولا أعلم في هذا جر
منفعة إلى أمهما بشهادتهما، ولك من قلت تجوز شهادته فلا تجوز حتى يكون عدلا، ولو أن شاهدين
شهدا على رجل بقذف امرأته أو غيرها ثم ماتا مضى عليه الحد أو اللعان، وكذلك لو عميا ولو تغيرت
حالاهما حتى يصيرا ممن لا تجوز شهادتهما بفسق فلا حد ولا لعان حتى يكونا يوم يكون الحكم بالحد
واللعان غير مجروحين في أنفسهما (قال) وتقبل الوكالة في تثبيت البينة على الحدود فإذا أراد القاضي يقيم
الحد أو يأخذ اللعان أحضر المأخوذ لها الحد واللعان إن كانت حية حاضرة، وإذا شهد
شاهدان على قذف وهما صغيران أو عبدان أو كافران فأبطلنا شهادتهما ثم بلغ الصغيران وعتق العبدان
واسلم الكافران فأقامت المرأة البينة بالقذف أجزنا شهادتهم لأنا ليس إنما رددناها بان لم يكونوا شهودا
عدولا في تلك الحال وسواء كانوا عدولا أو لم يكونوا عدولا، ولو كان شهد على ذلك حران مسلمان
مجروحان في أنفسهما فأبطلت شهادتهما ثم عدلا وطلبت المرأة حدها لم يكن لها من قبل انا حكمنا على
هذين بان شهادتهما باطلة ومثلهما في تلك الحال قد يكون شاهدا لو كان عدلا غير عدو، ولو شهد هؤلاء
على رؤية أو سماع يثبت حقا لاحد أو عليه في تلك الحال التي لا يجوز فيها شهادتهم وأقاموا الشهادة عليه
في الحال التي يجوز فيها شهادتهم أجزتها، وكذلك أن يكون عدوان لرجل أو فاسقان سمعا رجلا يقذف
امرأة فلم تطلب ذلك المرأة أو طلبته فلم يشهدا حتى ذهبت عداوتهما للرجل أو عدلا جازت شهادتهما
لأنه لم يحكم برد شهادتهما حتى يشهدا، وكذلك العبيد يسمعون والصبيان والكفار ثم لا يقيمون
الشهادة الا بعد أن يبلغ الصبيان أو يعتق العبيد ويسلم الكفار فإذا قذف الرجل امرأته فأقر أو أقامت
عليه بينة فجاء بشاهدين يشهدان على اقرارها بالزنا فلا حد عليه ولا لعان ولا عليها ولا يقام عليها حد
بأحد يشهد عليها باقرار وان كانوا أربعة حتى تقر هي وتثبت على الاقرار حتى يقام عليها الحد، ولو جاء
بشاهد وامرأتين يشهدون على اقرارها بالزنا فلا حد عليها ولا يدرأ عنه الحد لأن شهادة النساء لا تجوز في
هذا ويحد أو يلاعن، وكذلك لو شهد عليها ابناها منه بالاقرار بالزنا كانت شهادتهما لأبيهما باطلا وحد
أو لاعن، ولو عفت امرأته عن القذف أو أجنبية ثم أرادت القيام به عليه بعد العفو لم يكن لها، ولو
أقرت بالزنا فلا حد ولا لعان على الزوج، ولو شهد شاهدان على رجل قد ادعيا عليه انه قذفهما ثم
316

شهدا انه قرف امرأته أو قذف امرأته ثم قذفهما لم أجز شهادتهما للمرأة لأن دعواهما عليه القذف عداوة
وخصومة ولو عفوا القذف لم أجز شهادتهما عليه لامرأته الا ان لا يشهدا عليه الا بعد عفوهما عنه وبعد
ان يرى ما بينه وبينهما حسن لا يشبه العداوة فأجيز شهادتهما لامرأته لأني قد اختبرت صلحه وصلحهما
بعد الكلام الذي كان عداوة وليسا له بخصمين ولا يجرحان بعداوة ولا خصومة، وإذا أقرت المرأة
بالزنا مرة فلا حد على قذفها، وإذا شهد شاهدان على رجل انه قذف امرأته فأقام الزوج شاهدين انها
كانت أمة أو ذمية يوم وقع القذف فلا حد ولا لعان ويعزر الا ان يلتعن ولو كان شاهدا المرأة شهدا انها
كانت يوم قذفها حرة مسلمة لأن كل واحدة من من البينتين تكذب الأخرى في أن لها الحد فلا يحد
ويعزر الا ان يلتعن، ولو لم يقم بينة وشهد شاهداها على القذف ولم يقولا كانت حرة يوم قذفت ولا
مسلمة وهي حين طلبت حرة مسلمة فقال الزوج كانت يوم قذفتها أمة أو كافرة كان القول قوله ودرأت
الحد عنه حتى تقيم البينة انها كانت حرة مسلمة فإن كانت حرة الأصل أو مسلمة الأصل فالقول قولها
وعليه الحد أو اللعان الا ان يقيم البينة على أنها كانت مرتدة يوم قذفها (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا
قذف الرجل امرأته فادعى بينة على أنها زانية أو مقرة بالزنا وسأل الأجل لم يؤجل في ذلك أكثر من يوم
أو يومين فإن لم يأت ببينة حد أو لاعن، وإذا قذف الرجل امرأته فرافعته وهي بالغة فقال قذفتك
وأنت صغيرة فالقول قوله وعليها البينة انه قذفها كبيرة، ولو أقام البينة انه قذفها وهي صغيرة وأقامت
هي البينة انه قذفها كبيرة لم يكن هذا اختلافا من البينة وكان هذان قذفين قذف من الصغر وقذف من الكبر
وعليه الحد الا ان يلاعن ولو اتفق الشهود على يوم واحد فقال شهود المرأة كانت حرة مسلمة بالغة
وشهود الرجل كانت صبية أو غير مسلمة فلا حد ولا لعان لأن كل واحدة من البينتين تكذب
الأخرى، ولو أقامت المرأة بينة ان الزوج أقر بولدها لم يكن له ان ينفيه فإن فعل وقذفها فمتى أقامت
المرأة البينة ان زوجها قذفها بعد أو أقر اخذ لها بحدها الا ان يلاعن فارقها أو لم يفارقها، ولو فارقها
وكانت عند زوج غيره فطلبت حدها حد لها الا ان يلتعن، أخبرنا الربيع قال الشافعي قال أخبرنا
سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء الرجل يقول لامرأته يا زانية وهو يقول لم أر ذلك عليها أو
عن غير حمل قال يلاعنها (قال الشافعي) من حلف بالله أو باسم من أسماء الله تعالى فعليه الكفارة إذا
حنث ومن حلف بشئ غير الله فليس بحالف ولا كفارة عليه إذا حنث، والمولى من حلف بالذي يلزمه
به كفارة. ومن أوجب على نفسه شيئا يجب عليه إذا أوجبه فأوجبه عليه نفسه ان جامع امرأته فهو في
معنى المولى لأنه لم يعد إن كان ممنوعا من الجماع الا بشئ يلزمه ما ألزم نفسه مما لم يكن يلزمه قبل ايجابه
أو كفارة يمين ومن أوجب على نفسه شيئا لا يجب عليه ما أوجب ولا بدل منه فليس بمول وهو خارج
من الايلاء.
تم الجزء الخامس من كتاب: (الام) للإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه
ويليه - إن شاء الله - الجزء السادس: وأوله:
(كتاب الجراح - أصل تحريم القتل)
317