الكتاب: فتح العزيز
المؤلف: عبد الكريم الرافعي
الجزء: ١٢
الوفاة: ٦٢٣
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

فتح العزيز
شرح الوجيز
وهو الشرح الكبير للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 ه‍
..
الجزء الثاني عشر
دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم
1

قال (كتاب القراض * وفيه ثلاثة أبواب الباب الأول في أركان صحته)
(وهي ستة (الأول رأس المال) وشرائطه أربعة وهي أن يكون نقدا معينا معلوما مسلما *
احترزنا بالنقد عن العروض والنقرة التي ليست مضروبة فان ما يختلف قيمته إذا جعل رأس المال
فإذا رد بالأجرة إليه ليتميز الربح فربما ارتفع قيمته فيستغرق رأس المال جميع الربح * أو نقص فيصير
بعض رأس المال ربحا * ولا يجوز (و) على الفلوس ولا على الدراهم (ح و) المغشوشة) *
العقد المعقود له الباب هو أن يدفع مالا إلى غيره ليتجر فيه على أن يكون الربح بينهما ويسمى
ذلك قراضا ومقارضة وقد يسمى مضاربة وأشهر اللفظين القراض عند الحجازيين والمضاربة عند
العراقيين واشتقاق القراض من قولهم قرض الفأر الثوب أي قطعه ومنه المقراض لأنه يقطع به وسمى
قراضا اما لان المالك اقتطع قطعة من ماله فدفعها إلى العامل أو لأنه اقتطع له قطعة من الربح وقيل
اشتقاقه من المقارضة وهي المساواة والموازنة سمى به لتساويهما في قوام العقد بهما فمن هذا المال ومن
هذا العمل لتساويهما في استحقاق الربح (وأما) المضاربة فإنه تقع على هذا العقد لان كل واحد منهما
يضرب في الربح بسهم أو لما فيه من الضرب بالمال والتقليب * ويقال للمالك من اللفظة الأولى
مقارض والعامل مقارض ومن اللفظة الثانية للعامل مضارب لأنه الذي يضرب بالمال ولم يشتقوا للمالك
منها اسما * واحتج الأصحاب للقراض باجماع الصحابة ذكر الشافعي رضي الله عنه في اختلاف العراقيين
أن أبا حنيفة روى عن حميد بن عبد الله بن عبيد الأنصاري عن أبيه عن جده " أن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه أعطى مال يتيم مضاربة فكان يعمل به في العراق (1) " وروى " أن عبد الله وعبيد الله
2

ابني عمر بن الخطاب لقيا أبا موسى مصرفهما من غزوة نهاوند فتسلفا منه مالا وابتاعا به متاعا وقدما
المدينة فباعا وربحا فيه فأراد عمر رضي الله عنه أخذ رأس المال والربح كله فقالا لو تلف كان ضمانه
علينا فكيف لا يكون ربحه لنا فقال رجل لأمير المؤمنين لو جعلته قراضا فقال قد جعلته وأخذ منهما
نصف الربح " (1) يقال إن ذلك الرجل هو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأظهر ما ذكره الأصحاب
في محل القضية وبه قال ابن سريج ان ما جرى كان قرضا صحيحا وكان الربح ورأس المال لهما لكن
عمر رضي الله عنه استنزلهما عن بعض الربح خيفة أن يكون قصد أبو موسى ارفاقهما لا رعاية مصلحة
3

بيت المال * ولذلك قال في بعض الروايات أو أسلف كل الجيش كما أسلفكما * وعن العلاء بن
عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه " أن عثمان رضي الله عنه أعطاه مالا مقارضة " (1) وأيضا " عن علي
وابن مسعود وجابر وحكيم بن حزام رضي الله عنهم تجويز المضاربة " (2) وأيضا فان " السنة
الظاهرة وردت في المساقاة " وإنما (3) جوزت المساقاة للحاجة من حيث إن مالك النخيل قد لا يحسن
4

تعهدها ولا يتفرغ له ومن يحسن العمل قد لا يهلك ما يعمل فيه وهذا المعنى موجود في القرائض * ثم
كلام الكتاب مندرج في ثلاثة أبواب (أحدهما) فيما يعتبر لصحة هذا العقد وما يعتبر تارة يعتبر
في رأس المال وتارة في العمل وأخرى في صفة العقد وأخرى في العاقدين فسمى هذه الأمور أركانا
وبين ما يشترط في كل واحد منهما (والثاني) في أحكامه إذا صح (والثالث) فيما إذا انفسخ العقد
بفسخ وغيره ما حكمه وفيما إذا اختلفا في كيفية جريان العقد بينهما كيف يفصل الامر (أما الباب
الأول) فالركن الأول منه رأس المال وله شروط (أحدها) أن يكون نقدا وهو الدراهم والدنانير
المضروبة وفيه معنيان (أحدهما) أن القراض معاملة تشتمل على اغرار إذ العمل غير مضبوط والربح
غير موثوق به وإنما جوزت للحاجة فتختص بما تسهل التجارة عليه وتروج بكل حال (وأشهرهما)
وهو المذكور في الكتاب أن النقدين ثمنا لا يختلفان بالأزمنة والأمكنة إلا قليلا ولا يقومان بغيرهما
والعروض تختلف قيمتها فلو جعل شئ منها رأس المال لزم أحد الامرين أما أخذ المالك جميع الربح
أو أخذ العامل بعض رأس المال ووضع القراض على أن يشتركا في الربح وينفرد المالك برأس المال *
ووجه لزوم أحد الامرين أنهما إذا جعلا رأس المال ثوبا (فاما) أن يشترطا رد ثوب بتلك الصفات
أو رد قيمته * إن شرطا الأول فربما كان قيمة الثوب في الحال درهما ويبيعه ويتصرف فيه حتى
5

يبلغ المال عشرة ثم ترفع قيمة الثياب فلا يوجد مثل ذلك الثوب الا بعشرة فيحتاج العامل إلى
صرف جميع ما معه إلى تحصيل رأس المال فيذهب الربح في رأس المال وربما كانت قيمته عشرة
فباعه ولم يربح شيئا ثم صار يؤخذ مثله بشئ يسير فيشتريه ويطلب قسيمة الباقي فحينئذ يفوز العامل
ببعض رأس المال * وان شرطا رد القيمة فاما أن يشترطا قيمة حال المفاصلة أو قيمة حال الدفع
(والأول) غير جائز لأنها مجهولة ولأنه قد تكون قيمته في الحال درهما وعند المفاصلة عشرة فيلزم
المحذور الأول (والثاني) غير جائز لأنه قد تكون قيمته في الحال عشرة وتعود عند المفاصلة إلى درهم
فيلزم المحذور الثاني وفي النفس حسيكة من هذا الكلام لان لزوم أحد الامرين مبنى على أن رأس
المال قيمة يوم العقد أو يوم المفاصلة وبتقدير جواز القراض على العرض يجوز أن يكون رأس المال
ذلك العرض بصفاته من غير نظر إلى القيمة كما أنه المستحق في السلم وحينئذ إن ارتفعت القيمة فهو
كخسران حصل في أموال القراض وإن انخفضت فهو كزيادة قيمة بها * وعن الشيخ أبى محمد
أنه كان يعول في اختصاص القراض بالنقدين على الاجماع ولا يبعد أن يكون العدول إليه لهذا الاشكال
ويترتب على اعتبار النقدين امتناع القراض على الحلى والتبر وكل ما ليس بمضروب لأنها مختلفة القيمة
كالعروض وكذلك لا يجوز القراض على الفلوس ولا على الدراهم والدنانير المغشوشة لأنها نقد وعرض
وحكى الامام وجها أنه يجوز القراض على المغشوش اعتبارا برواجه وادعاء الوفاق على امتناع القراض
في الفلوس لكن صاحب التتمة ذكر فيها أيضا الخلاف وعن أبي حنيفة يجوز القراض في المغشوش
إذا لم يكن الغش أكثر *
6

قال (واحترزنا بالمعلوم عن القراض على صرة دراهم * فان جهل رأس المال يؤدى إلى جهل
الربح * واحترزنا بالمعين عن القراض على دين في الذمة * ولو عين وأيهم فقال قارضتك على أحد
هذين الألفين والاخر عندك وديعة وهما في كيسين متميزين ففيه وجهان * ولو كان النقد وديعة
أو رهنا في يده أو غصبا وقارضه عليه صح * وفي انقطاع ضمان الغصب خلاف) *
(الشرط الثاني) أن يكون معلوما فلو قارض على كفين من الدراهم أو صرة مجهولة القدر لم يجز
لأنه إذا كان رأس المال مجهولا * كان الربح مجهولا ويخالف رأس مال المسلم حيث يجوز أن يكون
مجهول القدر على أحد القولين لان السلم لا يعقد ليفسخ والقراض يعقد ليفسخ ويميز بين رأس المال
والربح * وفي الشامل وغيره ان عند أبي حنيفة يجوز أن يكون رأس المال مجهولا القدر * وإذا تنازعا
فيه عند المفاصلة فالمصدق العامل وعلى هذا فليكن قوله معلوما في الفصل السابق معلما بالحاء
ولو دفع إليه ثوبا وقال بعد وإذا قبضت ثمنه فقد قارضتك عليه لم يجز لأنه مجهول ولما فيه من تعليق
القرض وقال أبو حنيفة يصح (الشرط الثالث) أن يكون معينا فلو قارض على دراهم غير معينة
ثم أحضرها في المجلس وعينها حكم الامام عن القاضي وقطع به أنه يجوز كما في الصرف ورأس مال
السلم * والذي أورده صاحب التهذيب المنع * ولو كان له دين في ذمة إنسان فقال لغيره قارضتك
على ديني على فلان فاقبضه واتجر فيه لم يجز لأنا لم نجوز القراض على العرض لعسر التجارة والتصرف
فيها ومعلوم أن التصرف في الدين أكثر عسرا فكان بالمنع أولى * ووجهه الامام بأن ما في الذمة
لابد من تحصيله أولا وسنذكر أنه لا يجوز في القراض ضم عمل إلى التجارة ولكن مثل هذا العمل
7

يجوز أن يعد من توابع التجارة فلا يمتنع ضمه إلى عمل القراض يؤيده قولهم إنه لو كان له عند زيد
دراهم وديعة فقال لعمرو قارضتك عليها فخذها وتصرف فيها يجوز ولو أن صاحب الدين قال قارضتك
عليه لتقبض وتتصرف أو اقبضه * وقبضنيه فقد قارضتك عليه لم يصح أيضا وإذا قبض العامل وتصرف
فيه لم يستحق الربح المشروط بل الجميع للمالك وللعامل أجرة مثل التصرف إن كان قد قال إذا
قبضت فقد قارضتك وان قال قارضتك عليه لتقبض وتتصرف استحق مثل أجرة التقارض والقبض
أيضا * ولو قال للمديون قارضتك على الدين الذي عليك لم يصح القراض أيضا لأنه إذا لم يصح والدين
على الغير فلان لا يصح والدين عليه كان أولى لان المأمور لو استوفى ما على غيره ملكه وصح القبض
وما على المأمور لا يصير للمالك بعزله من ماله وقبضه للامر بل لو قال اعزل قدر حقي من مالك فعزله
ثم قال قارضتك لم يصح لأنه لم يملكه * وإذا تصرف المأمور فيما عزله نظر ان اشترى بعينه للقراض
فهو كالفضولي يشترى لغيره بعين ماله وان اشترى في الذمة ونقد ما عزله ففيه وجهان (أحدهما) أنه
للمالك لأنه اشترى له باذنه (والثاني) أنه للعامل لأنه إنما أذن في الشراء بمال القراض إما بعينه أو في الذمة
لينقده فيه وإذا لم يملكه فلا قراض وهذا أظهر عند الشيخ أبى حامد وفي التهذيب أن الأصح الأول
بحيث كان المال المعزول للمالك فالربح ورأس المال له لفساد القراض وعليه الأجرة للعامل * ولو دفع
إليه كيسين كل واحد منها ألف وقال قارضتك على أحدهما فوجهان (أحدهما) الصحة لتساويهما
(وأصحهما) المنع لعدم التعيين كما لو قال قارضتك على هذه الدراهم أو على هذه الدنانير وكما لو قال بعتك
8

أحد هذين العبدين ولو كانت دراهمه في يده غيره وديعة فقارضه عليها صح ولو كانت غصبا لم يصح
في وجه لأنه مضمون والقرض عقد أمانة (والأصح) الصحة كما إذا رهن من الغاصب وعلى هذا
لا يبرأ من ضمان الغصب كما في الرهن وعند أبي حنيفة ومالك أنه يبرأ *
قال (وأردنا بالمسلم أن يكون في يد العامل * فلو شرط المالك أن يكون في يده أو أن يكون
له يد أو يراجع في التصرف أو يراجع مشرفه فسد القراض لأنه تضييق للتجارة * ولو شرط أن يعمل
معه غلام المالك جاز على النص) *
(الشرط الرابع) أن يكون رأس المال مسلما إلى المعامل ويستقل باليد عليه والتصرف فيه ولو
شرط المالك أن يكون الكيس في يده ليوفى الثمن منه إذا اشترى العامل شيئا أو شرط أن يراجعه
العامل في التصرفات أو يراجع مشرفا نصبه فسد القراض لأنه قد لا يجده عند الحاجة أو لا يساعده
على رأيه فيفوت عليه التصرف الرابح فالقراض موضوع توسعا لطريق التجارة ولهذا الغرض احتمل
فيه ضرب من الجهالة فيصان عمل يخل به * ولو شرط أن يعمل معه المالك بنفسه فسد أيضا لان انقسام
التصرف يفضى إلى انقسام اليد ويبطل الاستقلال وفي الرقم لأبي الحسين العبادي أن أبا يحيى البليجي
جوز ذلك على طريق المعاونة والتبعية والمذهب الأول * ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك فوجهان
9

ويقال قولان (أحدهما) أنه لا يصح أيضا كما لو شرط أن يعمل بنفسه لان يد عبده يده (والثاني)
وبه قال ابن سريج وأبو إسحاق والأكثرون أنه يجوز لان العبد مال يدخل تحت اليد ولمالكه
اعارته واجارته فإذا دفعه إلى العامل فقد جعله معينا وخادما للعامل فوقع تصرفه للعامل تبعا لتصرفه
بخلاف ما إذا شرط المالك أن يعمل بنفسه فإنه لاوجه لجعله تابعا * وموضع الخلاف ما إذا لم يصرح
بحجر العامل فاما إذا قال على أن يعمل معه غلامي ولا يتصرف دونه أو يكون بعض المال في يده
فسد لا محالة ولو شرط في المضاربة أن يعطيه بهيمة يحمل عليها ففي التتمة أنه على الخلاف في مسألة
الغلام ومنهم من قال قضية كلامه القطع بالجواز ولو لم يشترط الغلام معه ولكن شرط أن يكون ثلث
الربح له والثلث لغلامه والثلث للعامل جاز وحاصله اشتراط ثلثي الربح لنفسه نص عليه في المختصر
حيث قال فان قارضه وجعل معه رب المال غلامه وشرط أن الربح بينه وبين العامل والغلام أثلاثا
فهو جائز وكان لرب المال الثلثان * (وأعلم) أن من لم يجوز شرط عمل الغلام قال المراد من هذا
النص أن يجعل مع العامل في قسمة الربح لا في العمل ومن جوزه عمل باطلاقه وقال لافرق بين
شرط عمله وبين تركه وهذا ما ينزل عليه قوله في الكتاب جاز على النص ولو شرط ثلث الربح لحر
فسيأتي في الركن الثالث *
10

(فرع) قال في التتمة ولو كان بينه وبين غيره دراهم مشتركة فقال لشريكه قارضتك على
نصيبي منها صح إذ ليس فيه الا الإشاعة فإنها لا تمنع صحة التصرفات قال وعلى هذا لو خلط الفين
بألف لغيره ثم قال صاحب الألفين للاخر قارضتك على أحدهما وشاركتك في الاخر فقبل جاز
وانفرد العامل بالتصرف في الف القراض ويشتركان في التصرف في باقي المال ولا يخرج على الخلاف
في الصفقة الواحدة تجمع عقدين مختلفين لأنهما جميعا يرجعان إلى التوكيل بالتصرف ولا يجوز أن
يجعل رأس مال القراض سكنى دار فان العروض إذا لم تجعل رأس مال فالمنافع أولى وهذا يمكن فهمه
من الضبط المذكور في الكتاب *
قال (الركن الثاني العمل * وهو عوض الربح * وشروطه ثلاثة وهي أن يكون تجارة غير
مضيقة بالتعيين والتأقيت) احترزنا بالتجارة عن الطبخ والخبز والحرفة * فان عقد القراض على
الحنطة ليربح بذلك فاسد * أما النقل والكيل والوزن ولواحق التجارة تبع للتجارة * والتجارة
هي الاسترباح بالبيع والشراء لا بالحرفة والصنعة) *
لما تكلم في رأس المال وشرائطه أخذ يتكلم فيما يقابله من طرف العامل وهو العمل ويشترط
فيه أمور (أحدهما) كونه تجارة ويتعلق بهذا القيد صور (منها) لو قارضه على أن يشترى الحنطة
11

فيطحنها ويخبزها والطعام ليطبخه ويبيع والربح بينهما فهو فاسد وتوجيه الملتئم من كلام الأصحاب
أن الطبخ والخبز ونحوهما أعمال مضبوطة يمكن الاستئجار عليها وما يمكن الاستئجار عليه فيستغني
عن الفراض إنما القراض لما لا يجوز الاستئجار عليه وهو التجارة التي لا ينضبط قدرها وتمس الحاجة
إلى العقد عليها فيحتمل فيه للضرورة جهالة العوضين وعلى هذا القياس ما إذا اشترط عليه أن يشترى
الغزل فينسجه أو الثوب فيقصره أو يصبغه ولو اشترى العامل الحنطة وطحنها من غير شرط فعن القاضي
الحسين في آخرين أنه يخرج الدقيق من كونه مال قراض ولو لم يكن في يده غيره ينفسخ القراض
لان الربح حينئذ لا يحال على البيع والشراء فقط بل على التعبير الحاصل في مال القراض بفعله وغير
التجارة لا يقابل بالربح المجهول وعلى هذا فلو أمر المالك العامل أن يطحن حنطة مال القراض كان
فاسخا للعقد والأظهر واليه ميل الامام وهو المذكور في التهذيب أن القراض بحاله ويلتحق ذلك بما
إذا زاد عبد القراض بكبر أو سمن أو بتعلم صنعة فإنه لا يخرج عن كونه مال القراض ولكن العامل
إذا استقل بالطحن صار ضامنا وعليه الغرم إن فرض نقص في الدقيق فان باعه لم يكن الثمن مضمونا
عليه فإنه لم ينعقد فيه ولا يستحق العامل بهذه الصناعات أجرة على المالك ولو استأجر عليه أجيرا
فأجرته عليه والربح بينه وبين المالك كما شرط (ومنها) لو قارضه على دراهم على أن يشترى نخيلا
12

أو دواب أو مستغلات ويمسك زمامها لثمارها أو نتاجها أو غلاتها وتكون الفوائد بينهما فهو فاسد
لأنه ليس استرباحا بطريق التجارة والتجارة التصرف بالبيع والشراء وهذه الفوائد تحصل من غير
مال لامن تصرفه (ومنها) لو شرط عليه أن يشترى شبكة ويصطاد بها ليكون الصيد بينهما فهو
فاسد ويكون للصائد وعليه أجرة الشبكة (وقوله) في الكتاب العمل وهو عوص الربح كان المراد
فيه أن قضية ملك المالك رأس المال ملكه الربح فالقدر المشروط للعامل إنما ملكه عوضا عن عمله
للمالك وربما يقال رأس المال والعمل عوضان متقابلان ونعني به أن رأس المال من المالك والعمل
من العامل يتقابلان والربح يحصل من معاونتهما (وقوله) فان عقد القراض على الحنطة ليربح بذلك
فهو فاسد أي الطحن والخبز وفي الصورة التي صورها للفساد سبب آخر وهو كون رأس المال عوضا
وإنما الصورة التي تختص بما نحن فيه أن يقارضه على دراهم على أن يشترى بها الحنطة ويطحن
ويخبز على ما سبق (وقوله) أما النقل والوزن ولواحق التجارة تبع للتجارة معناه أن هذه الأعمال
وإن كان العامل يأتي بها على ما سنبين في الباب الثاني ما على العامل فليس ذلك كالطحن والخبز
فإنها من توابع التجارة ولواحقها التي انبنى العقد لها *
قال (ثم لو عين الخز الأدكن أو الخيل الأبلق للتجارة عليه * أو عين شخصا للمعاملة معه
فهو فاسد (ح و) لأنه تضييق * ولو عين جنس الخز أو البز جاز لأنه معتاد) *
13

(الأمر الثاني) أن لا يكون مضيقا عليه بالتعيين فلو عين نوعا للاتجار فيه نظر إن كان مما
يندر وجوده كالياقوت الأحمر والخز والأدكن والخيل البلق والصيد حيث يوجد نادرا فسد القراض
فان هذا تضييق يخل بمقصوده وإن لم يكن نادر الوجود نظر إن كان يدوم شتاء وصيفا كالحبوب
والحيوان والخز والبز صح القراض وإن لم يدم كالثمار الرطبة فوجهان (أحدهما) أنه لا يجوز كما إذا
قارضه مدة ومنعه من التصرف بعدها نعم لو قال تصرف فيه فإذا انقطع فتصرف في كذا جاز
(وأصحهما) وبه قال أبو إسحاق أنه يجوز لأنه يمنع التجارة في تلك المدة ويخالف ما إذا قارضه مدة
لأنها قد تنقضي قبل أن يبيع ما عنده من العروض وهذا النوع سهل التصرف فيه ما دام موجودا
وإذا انقطع لم يبق عنده شئ ولو قال لا تشتري إلا هذه السلعة أو إلا هذا العبد فسد القراض بخلاف
ما إذا قال لا تشتري هذه السلعة وهذا العبد لان فيما سواهما مجالا واسعا وكذا لو شرط أن لا يبيع الا
من فلان ولا يشترى الا منه لم يجز ولو قال لا تبع من فلان أو لا تشتري منه جاز وفي بعض شروح
المفتاح أنه لا يجوز كما لو قال لا تبع الا منه والمذهب الأول وبقولنا قال مالك وقال أبو حنيفة وأحمد
يجوز أن يعين سلعة للشراء وشخصا للمعاملة معه كما في الوكالة وعن القاضي أبى الطيب أن الماسرخسي
قال إذا كان الشخص المعين بياعا لا ينقطع عنده المتاع الذي يتجر عليه نوعه غالبا جاز تعيينه *
14

(فرع) في اشتراط تعيين نوع يتصرف فيه مثل الخلاف المذكور في الوكالة والظاهر
وهو الذي أورده في النهاية أنه لا يشترط لان الوكالة نيابة محضة والحاجة تمس إليها في الاشغال الخاصة
والقراض معاملة يتعلق بها غرض كل واحد من المتعاقدين فمهما كان العامل أبسط يدا كان أفضى
إلى مقصوده *
(فرع) إذا جرى تعيين صحيح لم يكن للعامل مجاوزته كما في سائر التصرفات المستفادة
من الاذن فالاذن في البز يتناول ما يلبس من المنسوج من الإبريسم والقطن والكتان والصوف
دون الفرش والبسط وفي الأكسية وجهان لأنها ملبوسة لكن بائعها لا يمسى بزازا *
قال (ولو ضيق بالتأقيت إلى سنة مثلا ومنع من البيع بعدها فهو فاسد فإنه قد لا يجد زبونا
قبلها * وان قيد الشراء وقال لا تشتر بعد السنة ولك البيع فوجهان * إذ المنع عن الشراء مقدور له
في كل وقت فأمكن شرطه * فان قال قارضتك سنة مطلقا فعلى أي القسمين ينزل فيه وجهان) *
(الأمر الثالث) أن لا يضيق بالتأقيت (واعلم) أولا أن القراض لا يعتبر فيه بيان المدة
بخلاف المساقاة لان المقصود من المساقاة ينضبط بالمدة فان للثمر وقتا معلوما والمقصود من القراض
ليس له مدة مضبوطة فلم يشترط فيه التأقيت ولو أقت وقال قارضتك سنة فينظر إن منعه من
15

التصرف بعدها مطلقا أو من البيع فهو فاسد لأنه يخل بمقصود العقد ويخالف مقتضاه (أما الأول)
فلانه قد لا يجد راغبا في المدة فلا تحصل التجارة والربح (وأما الثاني) فلانه قد يكون عنده عروض
عند انقضاء السنة وقضية القراض أن ينض العامل ما في يده لآخر الامر ليتميز رأس المال من
الربح وان قال على أن لا أشتري بعد السنة ولك البيع فوجهان (أحدهما) المنع لان ما وضعه على
الاطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت وهذا الوجه ذكر الامام أن العراقيين نسبوه إلى أبى الطيب
بن سلمة ولا يكاد يوجد ذلك في كتبهم نعم يقولون أن أبا الطيب النساوى حكاه عن أبي إسحاق
فيما علقه من الزيادات على الشرح فكأنه اشتبه عليه أبو الطيب بابي الطيب (وأصحهما) الجواز
لان المالك يتمكن من منعه من الشراء مهما شاء فجاز أن يتعرض له في العقد بخلاف المنع من البيع
ولو اقتصر على قوله قارضتك سنة فوجهان (أصحهما) المنع لان قضية انتهاء القراض امتناع التصرف
بالكلية ولان ما يجوز فيه الاطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت كالبيع والنكاح (والثاني) يجوز
ويحمل على المنع من الشراء باستدامة العقد ولو قال قارضتك سنة على أن لا أملك الفسخ قبل
انقضائها فهو فاسد ولا يجوز أن يعلق القراض فيقول إذا جاء رأس الشهر فقد قارضتك كما لا يجوز
تعليق البيع ونحوه ولو قال قارضتك الآن ولكن لا تتصرف حتى يجى رأس الشهر ففي وجه يجوز
كالوكالة والأصح يمنع كما لو قال بعتك بشرط أن لا تملك الا بعد شهر *
16

قال (الثالث الربح * وشرائطه أربع وهي أن يكون مخصوصا بالعاقدين مشتركا معلوما
بالجزئية لا بالتقدير * وعنينا بالخصوص أنه لو أضيف جزء من الربح إلى ثالث لم يجز * وبالاشتراك
أنه لو شرط الكل للعامل أو للمالك فهو فاسد (م) * وبكونه معلوما احترزنا عما إذا قال لك من
الربح ما شرطه فلان لفلان فإنه مجهول * ولو قال على أن الربح بيننا ولم يقل نصفين فالأظهر (و)
التنزيل على التنصيف ليصح * واحترزنا بالجزئية عما إذا قال لك من الربح مائة أو درهم أولى درهم
والباقي بيننا فكل ذلك فاسد إذ ربما لا يكون الربح إلا ذلك المقدار) *
في الربح شروط (أحدهما) أن يكون مخصوصا بالمتعاقدين فلو شرط بعضه لثالث فقال على أن
17

يكون ثلثه لك وثلثه لزوجتي أو لأمي أو لأختي لم يصح القراض لأنه ليس بعامل ولا مالك
للمال إلا أن يشترط عليه العمل معه فيكون قراضا مع رجلين ولو كان المشروط له عبد المالك أو
العامل كان ذلك مضمونا للمالك أو العامل على ما تقدم (ولو) قال نصف الربح لك ونصفه لي ومن نصيبي
نصفه لزوجتي صح القراض وهذا وعد منه لزوجته (ولو) قال للعامل لك كذا على أن تعطى ابنك
أو امرأتك نصفه فعن القاضي أبى حامد أن ذكره شرطا فسد القراض وإلا لم يفسد (الثاني) أن
يكون مشتركا بينهما فلو قال قارضتك على أن يكون جميع الربح لك ففي حكمه وجهان (أصحهما)
أنه قراض فاسد رعاية للفظ (والثاني) أنه قراض صحيح رعاية للمعنى ويروى هذا عن أبي حنيفة ولا
18

يجئ الوجه الثاني في مثله من المساقاة لتعذر القراض (ولو) قال قارضتك على أن الربح كله لي فهو
قراض فاسد أو ابضاع فيه وجهان وعن مالك أنه يصح القراض في الصورتين ويجعل كائن الاخر
وهب نصيبه من المشروط له (ولو) قال أبضعتك على أن نصف الربح لك فهو إبضاع أو قراض فيه
الوجهان (ولو) قال خذ هذه الدراهم فتصرف فيها والربح كله لك فهو قرض صحيح عند ابن سريج
والأكثرين بخلاف ما لو قال قارضتك على أن الربح كله لك لان اللفظ يصرح بعقد آخر (قال) الشيخ
أبو محمد لافرق بين الصورتين (وعن) القاضي الحسين أن الربح والخسران للمالك وللعامل أجرة المثل
ولا يكون قرضا لأنه لا يملكه ولو قال تصرف فيها والربح كله لي فهو إبضاع (الثالث) أن يكون
19

معلوما فلو قال قارضتك على أن لك في الربح شركة أو شركا أو نصيبا فسد (ولو) قال لك مثل ما شرطه
فلان لفلان فإن كانا عالمين بالمشروط لفلان صح وإن جهلاه أو أحدهما فسد (ولو) قال على أن الربح
بيننا ولم يقل نصفين فوجهان (أحدهما) الفساد لأنه لم يبين ما لكل واحد منهما فأشبه ما لو اشترط
أن يكون الربح بينهما أثلاثا ولم يبين من له الثلثان ومن له الثلث (وأظهرهما) على ما ذكره في
الكتاب وبه أجاب الشيخ أبو حامد وحكاه عن ابن سريج أنه يصح وينزل على النصف كما لو قال
هذه الدراهم بيني وبين فلأن يكون اقرارا بالنصف (ولو) قال على أن ثلث الربح لك وما بقي فثلثه لي
وثلثاه لك صح وحاصله اشتراط سبعة أتساع الربح للعامل والحساب من عدد لثلثه ثلث وأقله تسعة
20

وهذا إذا علما عند العقد أن المشروط للعامل بهذه اللفظة كم هو فان جهلاه أو أحدهما فوجهان
(أحدهما) عن صاحب التقريب الذي أورده صاحب الشامل منهما الصحة لسهولة معرفة ما تضمنه
اللفظ ويجرى الخلاف فيما إذا قال على أن لك من الربح سدس ربع العشر وهما لا يعرفان قدره عند
العقد أو أحدهما (والرابع) أن يكون العلم به من حيث الجزئية لامن حيث القدر فلو قال لك من
الربح أولى من درهم أو مائة والباقي بيننا بالسوية فسد القراض لأنه ربما لا يربح إلا ذلك القدر فيلزم
اختصاص أحدهما بكل الربح وكذا لو قال لك نصف الربح سوى درهم وكذا لو شرط أن يوليه
سلعة كذا إذا اشتراها برأس المال لأنه ربما لا يربح إلا عليها وكذا لو شرط أنه يلبس الثوب الذي
21

يشتريه ويركب الدابة الذي يشتريها لان القراض جوز على العمل المجهول بالعوض المجهول للحاجة
ولا حاجة إلى ضمن ما ليس من الربح إليه ولأنه ربما ينقص بالاستعمال ويتعذر عليه التصرف فيه ولو
شرطا اختصاص أحدهما بربح صنف من المال فسد أيضا لأنه ربما لا يحصل الربح إلا فيه وكذا لو
شرط ربح أحد الألفين لهذا وربح الألف الثاني لهذا وشرط أن يكون الألفان متميزين ولو دفعهما
إليه ولا تمييز وقال ربح أحد الألفين لي وربح الاخر لك فعن بعض الأصحاب أنه يصح ولافرق
بينه وبين أن يقول نصف ربح الألفين لك (والأظهر) ويحكي عن ابن سريج أنه فاسد لأنه خصه
بربح بعض المال فأشبه ما إذا كان الألفان متميزين وما إذا وقع إليه ألفا على أن يكون له ربحها
ليتصرف له في الف آخر *
22

قال (الرابع الصيغة * وهي أن يقول قارضتك أو ضاربتك أو عاملتك على أن الربح بيننا
نصفين فيقول قبلت * ولو قال على أن النصف لي وسكت عن العامل فسد (و) * ولو قال على أن
النصف لك وسكت عن جانب نفسه جاز) *
القراض والمضاربة والمعاملة مستعملة في هذا العقد وإذا قال قارضتك أو ضاربتك أو عاملتك
على أن الربح بيننا كذا كان إيجابا صحيحا ويشترط فيه القبول على التواصل المعتبر في سائر العقود (ولو)
قال خذ هذه الدراهم واتجر عليها على أن الربح بيننا كذا ففي التهذيب أنه يكون قراضا ولا يفتقر
إلى القبول وهذا حكاه الامام عن القاضي الحسين ثم قال وقطع شيخي والطبقة العظمى من نقلة
23

المذهب أنه لابد من القبول بخلاف الجعالة والوكالة فان القراض عقد معاوضة يختص بمعين فلا يشبه
الوكالة التي هي إذن مجرد والجعالة التي يتهم فيها العامل فان قال قارضتك على أن نصف الربح لي
وسكت عن جانب العامل فوجهان (أحدهما) أنه يصح ويكون النصف الآخر للعامل لأنه الذي
يسبق إلى الفهم منه ولهذا قال ابن سريج (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب وبه قال المزني
لا يصح لان الربح فائدة رأس المال فيكون للمالك إلا إذا نسب منه شئ إلى العامل ولم ينسب
إليه شئ (ولو) قال على أن نصف الربح لك وسكت عن جانب نفسه فالصحيح الجواز وما لا ينسب
إلى العامل يكون للمالك بحكم الأصل بخلاف الصورة السابقة (وفي) النهاية ذكر وجه ضعيف أنه
لا يصح حتى تجرى الإضافة في الجزأين إلى الجانبين (وإذا قلنا) بالصحيح فلو قال على أن لك
24

النصف ولى السدس وسكت عن الباقي صح وكان الربح بينهما نصفين كما لو سكت عن ذكر
جميع النصف *
قال (الخامس والسادس العاقدان * ولا يشترط فيهما إلا ما يشترط في الوكيل والموكل *
نعم لو قارض العامل غيره بمقدار ما شرط به بإذن المالك ففيه وجهان لان وضع القراض أن يدور
بين عامل ومالك) *
صاحب الكتاب رحمه الله قد يعد العاقدين ركنين كما فعل ههنا وفي الوكالة وقد يعد العاقد
مطلقا ركنا واحدا كما فعل في البيع والرهن والفرض الأصلي لا يختلف لكنه لو استمر على طريقة
واحدة كان أحسن * وفقه الفصل أن القراض توكيل وتوكل في شئ خاص وهو التجارة فيعتبر في
العامل والمالك ما يعتبر في الوكيل والموكل فكما يجوز لولي الطفل التوكيل في أجور الطفل كذلك
25

يجوز لولي الطفل والمجنون أن يقارض على مالهما يستوى فيه الأب والجد ووصيهما والحاكم وأمينه
وهل يجوز لعامل القراض أن يقارض غيره (اما) بإذن المالك فقد ذكره ههنا وأعاده مرة أخرى في
الباب الثاني مع القسم الاخر وهو أن يقارض بغير إذن المالك ونحن نشرح المسألة بقسميها هناك
إن شاء الله تعالى *
قال (ولو كان المالك مريضا وشرط ما يزيد على أجرة المثل للعامل لم يحسب من الثلث
لان التفويت هو المقيد بالثلث والربح غير حاصل * وفي نظيره من المساقاة خلاف (و) لان
النخيل قد تثمر بنفسها فهو كالحاصل * ولو تعدد العامل واتحد المالك أو بالعكس فلا حرج) *
فيه مسألتان (أحدهما) لو قارض في مرض موته صح وإذا ربح العامل سلم له الجزء المشروط
وان زاد على أجرة مثل عمله ولا يحسب من الثلث لان المحسوب من الثلث ما يفوته من ماله والربح
26

ليس بحاصل حتى يفوته وإنما هو شئ يتوقع حصوله فإذا حصل حصل بتصرفات العامل وكسبه ولو ساقى
في مرض الموت وزاد الحاصل على أجرة المثل فوجهان (أحدهما) أنه لا يحتسب من الثلث أيضا
لأنه لم يكن حينئذ ثمرة وحصولهما منسوب إلى عمل العامل وتعهده (وأشبههما) احتساب الزيادة من
الثلث لان للثمار وقتا معلوما ينتظر وهي قد تحصل من عين النخيل من غير عمل فكانت كالشئ
الحاصل بخلاف الأرباح الثانية يجوز أن يقارض الواحد اثنين وبالعكس ثم إذا قارض الواحد اثنين
وشرط لهما نصف الربح بالسوية جاز ولو شرط لأحدهما نصف الربح وللآخر ربعه فان أبهم لم
يجز وان عين الثلث لهذا والربع لهذا جاز لان عقد الواحد مع اثنين كعقدين (وقال) مالك لا يجوز
لاشتراكهما في العمل (وقال) الامام وإنما يجوز أن يقارض اثنين إذا ثبت لكل واحد منهما الاستقلال
فان شرط على كل واحد منهما مراجعة الاخر لم يجز وما أرى أن الأصحاب يساعدونه عليه وإذا
27

قارض اثنان واحدا فليبينا نصيب العامل من الربح ويكون الباقي بينهما على قدر ماليهما ولو قالا
لك من نصيب أحدنا من الربح الثلث ومن نصيب الاخر الربع فان أيهما لم يجز وإن عينا وهو
عالم بقدر كل واحد منهما جاز إلا أن يشترطا كون الباقي بين المالكين على غير ما تقتضيه نسبة
المالين كافية من شرط الربح لمن ليس بمالك ولا عامل وعن أبي حنيفة تجويز هذا الشرط *
قال (ومهما فسد القراض بفوات شرط نفذ التصرفات وسلم كل الربح للمالك * وللعامل
أجرة مثله إلا إذا فسد بأن شرط كل الربح للمالك ففي استحقاقه الأجرة وجهان لأنه لم يطمع
في شئ أصلا) *
لما قضى حق القول في الأمور المعتبرة في القراض بين حكمه إذا فسد بتخلف بعض الشروط
وله ثلاثة أحكام (أحدهما) نفوذ تصرفاته لو كان القراض صحيحا لأنه يتصرف بالاذن والاذن
28

موجود وهذا كما أن تصرف الوكيل نافذ مع فساد الوكالة وليس كما إذا فسد البيع لا ينفذ تصرف
المشترى لان المشترى إنما يتصرف بالملك ولا ملك في البيع الفاسد (والثاني) سلامة الربح كله
للمالك بتمامه لأنه فائدة ماله وإنما يستحق العامل بعضه بالشرط بالعقد الصحيح (والثالث) استحقاق
العامل أجرة مثل عمله سواء كان في المال ربح أو لم يكن لأنه عمل طبعا في المسمى فإذا لم يسلم إليه
وجب أن يرد عمله عليه وانه متعذر فتجب قيمته كما إذا اشترى شيئا شراء فاسدا وقبضه فتلف
تلزمه قيمته (وعن) مالك أنه إن لم يحصل منه ربح فلا شئ له وإن حصل له فله ما يقارض به مثله
في ذلك المال وهذه الأحكام مطردة في صورة الفساد نعم لو قال قارضتك على أن جميع
الربح لي وفرعنا على أنه قراض فاسد لا إبضاع ففي استحقاق العامل أجرة المثل وجهان (أحدهما)
يستحق كما في سائر أسباب الفساد (وأصحهما) قال المزني المنع لأنه عمل مجانا غير طامع في شئ *
29

(فرع) قال المزني في المختصر لو دفع إليه ألف درهم وقال اشتريها هرويا أو مرويا بالنصف
فهو فاسد واختلفوا في تعليله (فالأصح) وهو سياق الكلام ما يقتضيه أن الفساد باعتبار أنه تعرض
للشراء دون البيع وهذا جواب على أصح الوجهين أن التعرض للشراء لا يغنى عن التعرض للبيع بل
لابد من لفظ المضاربة ونحوها ليتناول البيع والشراء أو من التصريح بالشراء والبيع جميعا وإذا
اقتصر على الشراء فللمدفوع إليه الاقتصار على الشراء دون البيع والربح كله للمالك والخسران عليه
(وفيه) وجه أن التعرض للشراء كاف وهو ينبه على البيع بعده وفيما إذا اتى بلفظ المضاربة والقراض
أيضا حكاية وجه ضعيف في النهاية أنه كما لو قال اشتر ولم يتعرض للبيع (وقيل) سبب الفساد في تصوير
المزني أنه قال بالنصف ولم يبين لمن هو فيحتمل أنه أراد شرطه لنفسه وحينئذ يكون نصيب العامل
مسكوتا عنه فيفسد العقد (واعترض) ابن سريج على هذا بان الشرط ينصرف إلى العامل لان المالك
30

يستحق بالمال لا بالشرط (وعن) ابن أبي هريرة أن سبب الفساد أنه تردد بين النوعين ولم يعين
واحدا ولا أطلق التصرف في أجناس الأمتعة (واعترض) القاضي الحسين عليه أنه لو عين أحدهما
لحكمنا بالصحة فإذا ذكرهما على الترديد فقد زاد العامل بسطة وتخيرا فينبغي أن يصح بطريق الأولى
(وقيل) سببه أن القراض إنما يصح إذا أطلق له التصرف في الأمتعة أو عين جنسا يعم وجوده والهروي
والمروى ليسا كذلك وهذا القائل كان يفرض في بلد لا يعمان به (وقال) الامام يجوز أن يكون سبب
الفساد أنه ارسل ذكر النصف ولم يقل بالنصف من الربح *
(الباب الثاني في حكم القراض الصحيح)
قال (وله خمسة أحكام (الحكم الأول) أن العامل كالوكيل في تقييد تصرفه بالغبطة * فلا
31

يتصرف بالغبن ولا بالنسيئة بيعا ولا شراء إلا بالاذن * ويبيع بالعرض فإنه عين التجارة * ولكل
واحد منهما الرد بالعيب * فان تنازعا فقال العامل يرد وامتنع رب المال أو بالعكس فيقدم جانب
الغبطة ولا يعامل العامل المالك * ولا يشترى بمال القراض أكثر من رأس المال * وإن اشترى
لم يقع للقراض * وانصرف إليه إن أمكن) *
من أحكام القراض تقييد تصرف العامل بالغبطة كتصرف الوكيل ثم الغبطة والمصلحة قد
تقتضي التسوية بينهما وقد تقتضي الفرق وبيع العامل وشراؤه الغبن كبيع الوكيل بلا فرق ولا
يبيع نسيئة بدون الاذن ولا يشترى أيضا لأنه ربما يهلك رأس المال فتبقى العهدة متعلقة به فان
أذن في البيع نسيئة ففعل وجب عليه الاشهاد ويضمن لو تركه ولا حاجة إليه في البيع حالا لأنه
يحبس المبيع إلى استيفاء الثمن ولو سلمه قبل استيفاء الثمن وضمن كالوكيل فإن كان مأذونا في التسليم
32

قبل قبض الثمن سلمه ولم يلزمه الاشهاد لان إعادة ما جرت بالاشهاد في البيع الحال ويجوز للعامل
أن يبيع بالعرض بخلاف الوكيل فان اشتراه بقدر قيمته قال في التتمة فيه وجهان لان الرغبات
في المعيب ما تقل وإن اشترى شيئا على ظن السلامة فبان معيبا فله أن ينفرد برده وإن كانت الغبطة
فيه ولا يمنعه منه رضى المالك بخلاف الوكيل لان العامل صاحب حق في المال وإن كانت الغبطة
في إمساكه ففي النهاية وجهان في تمكنه من الرد (وأظهرهما) المنع لاخلاله بمقصود العقد وحيث
ثبت الرد للعامل ثبت للمالك بطريق الأولى ثم الذي حكاه الامام أن العامل يرد على البائع
وينقض البيع (وأما) المالك فينظر إن كان الشراء بعين مال القراض فكمثل وإن اشترى العامل
في الذمة فيصرفه المالك عن مال القراض وفي انصرافه إلى العامل ما سبق في انصرافه العقد إلى
الوكيل إذا لم يقع للموكل ولو تنازع المالك والعامل في الرد وتركه فعل ما فيه الحظ ولا يجوز للمالك
معاملة العامل بأن يشترى من مال القراض شيئا لأنه ملكه كما أن السيد لا يعامل المأذون ولا يجوز
أن يشترى بمال القراض أكثر من رأس المال لان المالك لم يرض بان يشغل ذمته فلو فعل لم يقع
33

ما زاد عن جهة القراض حتى لو دفع مائة قراضا فاشترى عبدا بمائة ثم أجر للقراض أيضا لم
يقع الثاني للقراض ولكن ينظر إن اشتراه بعين المائة فالشراء باطل سواء اشترى الأول بعين المائة
أوفي الذمة (أما) إذا اشترى بعين المائة فلصيرورتها ملكا للبائع الأول (وأما) إذا اشترى في الذمة
فلصيرورتها مستحقة الصرف إلى العقد الأول وان اشترى العبد الثاني في الذمة لم يبطل ولكن
ينصرف إلى العامل حيث ينصرف شراء الوكيل المخالف إليه وإذا انصرف العبد الثاني إلى العامل
فان صرف مائة القراض إلى ثمنه فقد تعدى ودخلت المائة في ضمانه لكن العبد يبقى أمانة في يده
لأنه لم يتعد فيه فإذا تلفت المائة نظر إن كان الشراء الأول بعينها انفسخ وإن كان في الذمة لم ينفسخ
ويثبت للمالك على العامل مائة والعبد الأول للمالك وعليه لبائعه مائة فان أداها العامل بإذن المالك
وشرط له الرجوع ثبتت له مائة على المالك ووقع الكلام في التقاص وإن أدى من غير إذنه برئ
المالك عن حق بائع العبد ويبقى حقه على العامل ويجوز أن يعلم قوله من لفظ الكتاب فلا يتصرف
بالغبن ولا بالنسيئة بالحاء لان أبا حنيفة يخالف فيه كما ذكرنا في الوكالة *
34

قال (ولو اشترى من يعتق على المالك لم يقع عن المالك فإنه نقيض التجارة * ولو اشترى
زوجة المالك فوجهان * والوكيل بشراء عبد مطلق ان اشترى من يعتق على الموكل فيه وجهان *
والعبد المأذون ان قيل له اشترى عبدا فهو كالوكيل * وان قيل له اتجر فهو كالعامل * وان اشتري
العامل قريب نفسه ولا ربح في المال صح * وان ارتفعت الأسواق وظهر ربح وقلنا يملك بالظهور
عتق صحته (و) ولم يسر إذ لا اختيار في ارتفاع السوق * وإن كان في المال ربح وقلنا لا يملك
بالظهور صح ولم يعتق * وان قلنا يملك ففي الصحة وجهان لأنه مخالف للتجارة * فان صح عتق
(و) حصته وسرى إلى نصيب المالك لان المشترى مختار وغرم له حصته) *
مضمون الفصل مسألتان (إحداهما) إذا اشترى العامل من يعتق على المالك فاما أن يشتريه
بإذن المالك أو بغير اذنه (أما) الحالة الأولى فيصح الشراء ثم إن لم يكن في المال ربح عتق عن
المالك وارتفع القراض ان اشتراه بجميع مال القراض وخيار رأس المال الباقي ان اشتراه ببعضه وإن كان
في المال ربح ينبنى على أن العامل متى يملك نصيبه من الربح (ان قلنا) يملك بالقسمة عتق
35

أيضا وغرم المالك نصيبه من الربح وكأنه استرد طائفة من المال بعد ظهور الربح وأتلفه (وان قلنا)
انه يملك بالظهور عتق منه حصة رأس المال ونصيب المالك من الربح ويسرى إلى الباقي إن كان
موسرا أو يغرمه وإن كان معسرا بقي رقيقا وفيه وجه انه إذا كان في المال ربح وقد اشتراه ببعض
مال القراض نظران اشتراه بقدر رأس المال عتق وكأن المالك استرد رأس المال والباقي ربح
يتقاسمانه على قضية الشرط وان اشتراه بأقل من رأس المال فهو محسوب من رأس المال وان
اشتراه بأكثر حسب قدر رأس المال من رأس المال والزيادة من حصة المالك ما أمكن والظاهر
الأول وهو وقوعه سائغا على ما سنذكره في استرداد طائفة من المال بعد الربح والحكم فيما إذا أعتق
المالك عبدا من مال القراض كالحكم في شراء العامل من يعتق عليه باذنه (الحالة الثانية) أن
يشتريه بغير اذن المالك وهي التي قصدها صاحب الكتاب فلا يقع الشراء عن المالك بحال لان
مقصود العقد تحصيل الربح وفي شراء من يعتق عليه تفويت رأس المال أيضا لكن ينظر ان اشتراه
بعين مال القراض بطل من أصله وان اشتراه في الذمة وقع عن العامل ولزمه الثمن من ماله فان أداه
36

من مال القراض ضمن ولو اشترى العامل زوجة المالك أو زوج المالكة بغير إذنها فوجهان (أحدهما)
وبه قال أبو حنيفة أنه يصح لأنه اشترى له ما يتوقع فيه الربح ولا يتلف رأس المال (وأظهرهما) ويحكي
عن نصه في الاملاء المنع لأنه لو ثبت الملك لانفسخ النكاح وتضرر به والظاهر أنه لا يقصده بالاذن
وإنما يقصد مال فيه حظ فعلى هذا الحكم كما لو اشترى من يعتق على المالك بغير إذنه وإذا وكل
وكيلا بشراء عبد فاشترى من يعتق على الموكل ففي وقوعه للموكل وجهان نقلهما الامام (أحدهما)
المنع لأن الظاهر أنه يطلب عبد تجارة أو عبد قنية وبشراء من يعتق عليه لا يحصل واحدا من
الوصفين (وأظهرهما) وهو الذي أورده الجمهور الوقوع لان اللفظ يتناوله وان بقي له انتفع به وان عتق
عليه ناله ثوابه وإنما أخرجناه عن التناول بالقراض لقرينة غرض التجارة (فان قلنا) بالأول بطل
الشراء ان اشتراه بعينه والا وقع عن الوكيل والبعد المأذون له في التجارة إن اشترى من يعتق على
سيده باذن السيد صح وعتق عليه إن لم يركبه دين وان ركبه الدين ففي العتق قولان لان ما في يده
كالمرهون بالديون (وأن) اشترى بغير إذنه فقولان منصوصان (أحدهما) انه يصح ويعتق عليه لان
37

العبد لا يمكنه الشراء لنفسه وإنما يشترى لسيده فإذا أطلق الاذن انصرف ما يشتريه إليه مقيدا كان
أو غير مقيد والعامل يمكنه الشراء لنفسه كما يمكنه الشراء للمالك فما لا يقع مقصودا بالاذن ظاهرا
ينصرف إلى العامل (وأصحهما) وهو اختيار المزني أنه لا يصح كما في حق العامل لان السيد إنما أذن
في التجارة وهذا ليس من التجارة في شئ ورأي الامام القطع بهذا القول فيما إذا كان الاذن في
التجارة ورد الخلاف إلى ما إذا قال تصرف في هذا المال أو اشترى عبدا وعلى هذا جرى
صاحب الكتاب حيث قال إن قيل له اشتر عبدا فهو كالوكيل (وان قيل) اتجر فهو كالعامل
أي هو كالوكيل في أن الخلاف يجد مجالا ومضطربا ولا يمكن حمله على أن الخلاف كالخلاف فان
الخلاف في المأذون قولان مشهوران وفي الوكيل إن ثبت وجهان وقوله فهو كالعامل يجوز
إعلامه بالواو لان الأكثرين أثبتوا القولين مع تصويرهم في الاذن في التجارة وكذلك حكاه
المزني عن نصه في المختصر ويجوز إعلامه بالحاء أيضا لان المحكى عن أبي حنيفة أنه إن لم يدفع
السيد إليه وإنما أذن له في التجارة صح الشراء وعتق على السيد وان دفع إليه مالا فهو كالعامل ثم
38

هذا الخلاف فيما إذا لم يركبه دين فان ركبه وقد اشتراه بغير إذن السيد ترتب الخلاف على الخلاف
فيما إذا لم يركبه وعدم الصحة ههنا أولى وان صح ففي نفوذ العتق الخلاف السابق (المسألة الثانية)
إذا اشترى العامل من يعتق عليه نظر إن لم يكن في المال ربح صح الشراء ولم يعتق عليه كالوكيل
يشترى قريب نفسه لموكله ثم إن ارتفعت الأسواق وظهر ربح بني على القولين في أن العامل متي
يملك الربح (إن قلنا) يملكه بالقسمة لم يعتق بشئ منه (وان قلنا) بالظهور فاظهر الوجهين وهو
المذكور في الكتاب أنه يعتق عليه قدر حصته من الربح لأنه ملك بعض أبيه (والثاني) لا يعتق
لان الملك فيه غير تام من حيث أنه وقاية لرأس المال معدا لهذا الغرض إلى انفصال الامر بينهما
بالمقاسمة (فان قلنا) بالأول ففي الشراء به إن كان موسرا وتقديم الباقي عليه وجهان (أحدهما) وبه
أجاب الأكثرون أنها تثبت كما لو اشتراه وفيه ربح وقلنا إنه يملك بالظهور (والثاني) المنع وهو
الذي أورده في الكتاب لان العتق والحالة هذه يحصل في الدوام بسبب هو فيه غير مختار ومثل
ذلك لا يتعلق به الشراء ألا ترى أنه لو ورث بعض قريبه عتق عليه ولم يشتر ومن قال بالأول أجاب
39

بأنه لاختيار في الإرث أصلا وههنا الشراء أولا والامساك ثانيا إلى ارتفاع الأسواق اختياران وإن كان
في المالك ربح سواء كان حاصلا في الشراء أو حصل بنفس الشراء مثل إن كان رأس المال
مائة فاشترى بها أباه وهو يساوى مائتين (فان قلنا) إنه يملك الربح بالقسمة دون الظهور صح الشراء
ولم يعتق (وان قلنا) يملك بالظهور ففي صحة الشراء في قدر حصته من الربح وجهان (أظهرهما) الصحة
لأنه مطلق التصرف في ملكه (والثاني) المنع لأنه لو صح فاما أن يحكم بعتقه وهو يخالف غرض
الاسترباح الذي هو مقصود التجارة أولا يحكم فيختلف العتق عن ملك القريب (فان قلنا) بالمنع
ففي الصحة في نصيب المالك الوجهان السابقان (إن قلنا) يعتق فإن كان موسرا سرى العتق إلى
الباقي ولزمه الغرم لأنه مختار في الشراء والا بقي الباقي رقيقا هذا كله فيما إذا اشترى العامل قريب نفسه
بعين مال القراض (أما) إذا اشتراه في الذمة للقراض فحيث صححنا الشراء بعين مال القراض أوقعناه
ههنا عن القراض وحيث لم نصحح ههنا عن العامل وعتق عليه وعن صاحب التقريب قوله أنه
لو أطلق الشراء ولم يصرفه إلى القراض لفظا ثم قال كنت نويته (وقلنا) أنه إذا وقع عن القراض
لم يعتق منه شئ لا يقبل قوله لان الذي جرى عقد عتاقة فلا يمكن من رفعها *
40

(فرع) ليس لعامل القراض أن يكاتب عبد القراض بغير اذن المالك فان كاتباه معا
جاز وعتق بالأداء ثم إن لم يكن في المال ربح فولاؤه للمالك ولا ينفسخ القراض بما جرى من
الكتابة في أظهر الوجهين بل ينسحب على النجوم وإن كان فيه ربح فالولاء بينهما على حسب الشرط
وما يزيد على الثمن من القيمة ربح *
قال (الحكم الثاني * ليس لعامل القراض أن يقارض عاملا آخر بغير إذن المالك *
وفي صحته بالاذن خلاف (و) * فان فعل بغير الاذن وكثرت التصرفات والربح فعلى الجديد الربح
كله للعامل الأول ولا شئ للمالك * وللعامل الثاني أجر مثله على العامل الأول إذ الربح على الجديد
للغاصب * والعامل الأول هو الغاصب الذي عقد العقد له * وقيل كله للعامل الثاني فإنه الغاصب *
وعلى القديم يتبع موجب الشرط للمصلحة وعسر ابطال التصرفات وللمالك نصف (و) الربح والنصف الآخر
بين العاملين نصفين (و) كما شرطا * وهل يرجع العامل الثاني بنصف أجرة مثله لأنه كان
طمع في كل النصف من الربح ولم يسلم له فيها وجهان)
41

إذا قارض العامل غيره لم يخل أما أن يقارضه بإذن المالك أو بغير اذنه (أما الحالة الأولى)
فتتصور على وجهين (أحدهما) أن ينسلخ العامل من البين وينتهض وكيلا في القراض مع الثاني
كأن المالك سلم إليه المال وأذن له في أن يقارض غيره ان بدى له فهذا صحيح كما لو قارضه المالك
بنفسه ولا يجوز أن يشترط الأول لنفسه شيئا من الربح ولو فعل فسد القراض وللثاني أجرة المثل على
المالك لما مر أن شرط الربح لغير المالك والعامل ممتنع (والثاني) أن يأذن له في أن يعامل غيره
ليكون ذلك الغير شريكا له في العمل والربح المشروط له على ما يراه حكى الامام وصاحب الكتاب
فيه وجهين (أحدهما) الجواز كما لو قارضه المالك شخصين في الابتداء (وأشبههما) المنع لأنا لو
جوزنا ذلك لكان الثاني فرعا للأولى منصوبا من جهته والقراض معاملة تضيق محال القياس فيها
فلا يعدل بها عن موضوعها وهو أن يكون أحد المتعاقدين مالكا لا عمل له والثاني عاملا لا ملك
له وهذا ما أشار إليه صاحب الكتاب يقوله في الباب الأول حين ذكره هذه المسألة " لان وضع القراض
أن يدور بين مالك وعامل " وليكن لفظ الكتاب هناك معلما بالواو نعم لو قارض العامل غيره بمقدار
42

مما شرط له أما إذا قارض بمقدار ما شرط له كان ذلك غير التصوير الأول وهو جائز بلا خلاف (الحالة الثانية) أن
يقارض العامل بغير اذن المالك فهو فاسد لان المالك لم يأذن فيه ولا ائتمن على المال ويجئ فيه القول المذكور
في أن تصرفات الفضولي تنعقد موقوفة على الإجازة (وإذا قلنا) بالمذهب فلو أن الثاني تصرف في المال
وربح فهذا ينبني على أن الغاصب إذا اتجر في المال المغصوب ما حكم تصرفه ولم الربح الحاصل؟ (أما)
إذ تصرف في عين المغصوب فهو تصرف الفضولي (فاما) إذا باع سلما أو اشترى في الذمة وسلم
المغصوب فيما التزمه وربح (فعلى) الجديد الربح الغاصب لان التصرف صحيح والتسليم فاسد فيضمن
المال الذي سلمه ويسلم له الربح وهذا قياس ظاهر وعلى القديم هو للمالك توجيها بحديث عروة
البارقي فان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ رأس المال والربح وبأنا لو جعلنا للغاصب لاتخذه الناس ذريعة إلى الغصب
والخيانة في الودائع والبضاعات وبان تصرفات الغاصب قد تكثر فيتعسر بيع الأمتعة التي تداولتها
الأيدي المختلفة أو يتعذر وفي هذا القول مباحثات (أحدهما) الجزم على هذا القول بأن الربح للمالك
أو نوقفه على اجازته واختياره قيل بالوقف على الإجازة وبنى هذا القول على قول الوقف في بيع الفضولي
43

وإنما لم يتعرض الشافعي رضي الله عنه للفسخ والإجازة لان الغالب أنه يجيز إذا رأى الربح فعلى هذا
إذا رده يرتد سواء اشترى في الذمة أو بعين المغصوب (وقال) الأكثرون انه مجزوم به ومبنى على
المصلحة وكيف يستقيم توقيف شراء الغاصب لنفسه على إجازة غيره وإنما يجرى قول الوقف إذا
تصرف في عين مال الغير أو له (الثانية) إذا كان في المال ربح وكثرت التصرفات وعسر تتبعها
فهو موضع القول القديم أما إذا قلت وسهل التتبع ولاربح فلا مجال له قال الامام وحكى وجهين
فيما إذا سهل التتبع وهناك ربح أو عسر ولا ربح (الثالثة) لو اشترى في ذمته ولم يخطر له أن يؤدى
الثمن من الدراهم المغصوبة ثم سنخ له ذلك (قال) الامام ينبغي أن لا يجئ فيه القول القديم ان
صدقه صاحب الدراهم (واعلم) أن المسألة قد تلف بمسألة البضاعة وقد ذكرناها والاختلاف فيها على
44

الاختصار مرة في البيع وأخرى في الغصب إذا تقرر ذلك (فعلى) الجديد ينظر ان اشترى بعين مال
القراض فهو باطل وان اشترى في الذمة (فأحد) الوجهين ان كل الربح للعامل الثاني لأنه المتصرف
كالغاصب في صورة الغصب (وأصحهما) وبه أجاب المزني أن كله للأول لان الثاني تصرف للأول
باذنه فكان كالوكيل من جهته وعليه للثاني أجرة عمله ويحكم هذا عن أبي حنيفة (وان قلنا)
بالقديم ففيما يستحقه المالك من الربح وجهان (أحدهما) ولم أره الا في كتاب أبى الفرج السرخسي
أن كله للمالك كما في الغصب طردا لقياس هذا القول وعلى هذا فللعامل الثاني أجرة مثله وعلى من
تجب؟ فيه وجهان (أحدهما) أنها على العامل الأول لأنه استعمله وغيره (والثاني) على المالك لان
45

نفع عمله عاد إليه (وأصحهما) وبه أجاب المزني أن له نصف الربح لأنه رضى به بخلاف صورة الغصب
فإنه لم يوجد منه رضى به فصرفنا الكل إليه قطعا لطمع الغصاب والخائنين وعلى هذا ففي النصف
الثاني وجوه (أحدها) وهو اختيار ابن الصباغ ان كله للعامل الأول لان المالك إنما شرط له وعقده
مع الثاني فاسد فلا يتبع شرطه وعلى هذا فللثاني أجرة مثل عمله على الأول لأنه غره (والثاني) أن
كله للثاني لأنه العامل أما الأول فليس له عمل ولا ملك فلا يصرف إليه شئ من الربح (وأصحهما)
وهو المذكور في الكتاب أنه يكون بين العاملين بالسوية وبه أجاب المزني ووجهه أن تتبع
التصرفات غير والمصلحة اتباع الشرط إلا أنه تعذر الوفاء به في النصف الذي أخذه المالك فكأنه
تلف وانحصر الربح في الباقي وعلى هذا فهل يرجع العامل الثاني بنصف أجرة المثل فيه وجهان
46

(أحدهما) نعم لأنه كان قد طمع في نصف الربح بتمامه ولم يسلم له إلا نصف النصف (وأشبههما)
وبه قال المزني وأبو إسحاق لا لان الشرط محمول على ما يحصل لهما من الربح والذي حصل هو الربح
والوجهان فيما إذا كان العامل الأول قد قال على أن ربح هذا المال بيننا أو على أن لك نصه (أما)
إذا كانت الصيغة على أن ما يرزقنا الله تعالى من الربح فبيننا (قطع) الأكثرون بأنه لا يرجع لان
النصف هو الذي رزقاه (وعن) الشيخ أبى محمد اجراء الوجهين لان المفهوم تشرط جميع الربح ولا يخفى
أن جميع ما ذكرناه إذا جرى القراضان على المناصفة فإن كانا أو أحدهما على نسبة أخرى فعلى ما تشارطا
وهذا كله فيما إذا تصرف الثاني وربح (أما) إذا هلك المال في يده فإن كان عالما بالحال فهو
47

غاصب أيضا وإن كان يظن العامل مالكا فترتب يده على يد الأول كترتب يد المودع على يد
الغاصب لأنه يد أمانة (وفي) طريق هو كالمتهب من الغاصب لعود النفع إليه وقد بينا الحكم فيهما
ضمانا وقرارا من قبل (وقوله) في الكتاب وكثرت التصرفات والربح يشعر باعتبار الامرين لمجئ
الخلاف وفيه من التردد ما ذكرناه ثم ليس المراد وكثر الربح بل المعنى وحصل الربح وما أشبهه لان
الكثرة في الربح غير معتبرة بالاتفاق (قوله) والعامل الأول هو الغاصب أي هو الحائز الذي يقع
التصرف في المال له كما يقع في الغصب للغاصب (وقوله) وقيل كله للعامل الثاني فإنه الغاصب ليس
محمولا على ما ذكرناه في حق الأول لكن المعنى أنه الشبيه بالغاصب من حيث أنه المتصرف
48

في المال بيعا وشراء وأخذا واعطاء (وقوله) وللمالك نصف الربح (وقوله) بين العاملين معلم بالواو
لما عرفته *
قال (الحكم الثالث * ليس للعامل أن يسافر (ح م و) بمال القراض إلا بالاذن فإنه خطر
فان فعل نفذت تصرفاته واستحق الربح ولكنه ضامن بعدوانه * وإذا سافر بالاذن فأجرة النقل على
مال القراض كما أن نفقة الوزن والكيل والحمل الثقيل في الحضر أيضا على مال القراض * وليس على
العامل إلا التجارة والنشر والطي ونقل الشئ الخفيف * فان تعاطى شيئا مما ليس عليه فلا أجرة
له * وإن استأجر عليه ما عليه فعليه الأجرة * ونفقته على نفسه (م) في الحضر * ونص في السفر
49

أن له نفقته بالمعروف * فمنهم من نزله على نفقة النقل * ومنهم من قال فيه قولان * ووجه الفرق
بين الحضر والسفر أنه متجرد في السفر للشغل * فعلى هذا لو استصحب مع ذلك مال نفسه وزع
النفقة عليهما * ثم قد قيل القولان في القدر الذي يزيد في النفقة بسبب السفر * وقيل إنه
في الأصل) *
كلام الفصل على التفات بعضه بالبعض يشتمل على ثلاث مقاصد (أحدها) أنه ليس للعامل
أن يسافر بمال القراض بغير إذن المالك وعن أبي حنيفة ومالك أن له ذلك عند أمن الطريق
وفي تعليق الشيخ أبى حامد نقل قول مثله عن البويطي (لنا) أن فيه خطرا وتعريضا للهلاك فلا ينبغي
50

أن يستقل به فلو خالف ضمن المال ثم ينظر إن كان المتاع بالبلد التي سافر إليها أكثر قيمة أو
تساوت القيمتان صح البيع واستحق الربح لمكان الاذن وإن كان أقل قيمة لم يصح البيع بتلك
القيمة إلا أن يكون النقصان بقدر ما يتغابن به وإذا صححنا البيع فالثمن الذي يأخذه يكون مضمونا
عليه أيضا بخلاف ما إذا تعدى الوكيل بالبيع في المال ثم باعه وقبض الثمن لا يكون مضمونا عليه
لان العدوان لم يوجد في الثمن وههنا سبب العدوان السفر ومزايلة مكان المال وأنه شامل ولا تعود
الأمانة بالعود من السفر وإذا سافر بالاذن فلا عدوان ولا ضمان (قال) في التتمة وبيع المال في البلد
المنقول إليه بمثل ما كان يبيعه في المنقول عنه وبأكثر منه وأما بما دونه فان ظهر فيه غرض بان
51

كانت مؤنة الرد أكثر من قدر النقصان أو أمكن صرف الثمن إلى متاع يتوقع فيه الربح فله البيع
أيضا وإلا لم يجز لأنه محض تخسير (الثاني) على العامل أن يتولى ما جرت العادة به من نشر الثياب
وطيها وذرعها وادراجها في السفط وإخراجها ووزن ما يخف كالذهب والمسك والعود وقبض الثمن
وحمله وحفظ المتاع على باب الحانوت وفي السفر بالنوم عليه ونحوه وليس عليه وزن المتعة الثقيلة
وحملها ونقل المتاع من الخان إلى الحانوت والنداء عليه وما يجب عليه أن يتولاه لو استأجر عليه لزمه
الأجرة في ماله وما لا يجب عليه أن يتولاه له أن يستأجر عليه من مال القراض لأنه من تتمة التجارة
ومصالحها فان تولاه بنفسه لم يكن له أخذ الأجرة بل هو متبرع ومريد كسبا بالاسترباح (الثالث)
52

القول في المؤنات ولا يجوز للعامل أن ينفق في الحضر من مال القراض على نفسه أو يواسى منه بشئ
وعن مالك رضي الله عنه أن له أن ينفق منه على العادة كالغذاء ودفع الكسرة إلى السقاة وأجرة
الكيال والوزان والحمال في مال القراض وكذا أجرة النقل إذا سافر بالاذن وأجرة الحارس والرصدى
ونص في المختصر أن له النفقة بالمعروف وقال في البويطي لا نفقة له وللأصحاب طريقان (أصحهما)
أنهما قولان (أظهرهما) أنه لا نفقة كما في الحضر وهذا لأنه ربما لا يحصل إلا بذلك القدر فيختل
مقصود العقد (والثاني) تجب وبه قال مالك بخلاف ما إذا كان في الحضر لأنه في السفر سلم نفسه
وجردها لهذا الشغل فأشبه الزوجة تستحق النفقة إذا سلمت نفسها ولا تستحق إذا لم تسلم (والثاني)
القطع بالمنع وحمل ما نقله المزني على أجرة النقل ومنهم من قطع بالوجوب وحمل ما في البويطي على
المؤن النادرة كأجرة الحجام والطبيب وإذ أثبتنا القولين فهما في كل ما يحتاج إليه من الطعام
والكسوة والإدام تشبيها بما إذا سلمت الزوجة نفسها أو فيما يزيد بسبب السفر كالخف والإداوة وما
53

أشبههما لأنه لو كان في الحضر لم يستحق شيئا فيه وجهان (أصحهما) الثاني وبه قال مالك فيما رواه
ابن الصباغ وأبو سعيد المتولي ثم تفرع على هذا القول بالوجوب فروع (منهما) لو استصحب مال نفسه
مع مال القراض وزعت النفقة على قدر المالين (قال) الامام ويجوز أن ينظر إلى مقدار العمل على
المالين ويوزع على أجرة مثلهما (وفي) أمال أبى الفرج السرخسي أنها إنما توزع إذا كان ماله قدرا
يقصد السفر له وإن كان لا يقصد فهو كما لو لم يكن معه غير مال القراض (ومنها) لو رجع العامل وبقى
منه فضل زاد أو آلات أعدها للسفر كالمطهرة ونحوها هل عليه ردها إلى مال القراض فيه وجهان عن
الشيخ أبى محمد (وأظهرهما) نعم (ومنها) لو استرد المالك المال منه من الطريق أو في البلد التي سافر
إليها لم يستحق نفقة الرجوع على أظهر الوجهين كما لو خالع زوجته في السفر (ومنها) يشترط عليه أن
لا يسرف بل يأخذ بالمعروف وما يأخذ يحسب من الربح فإن لم يكن ربح فهو خسران لحق المال
(ومنها) أقام في طريقه فوق مدة المسافرين في بلد لم يأخذ لتلك المدة (ومنها) لو شرط نفقة السفر في ابتداء
54

القراض فهو زيادة تأكيد إذا قلنا بالوجوب (أما) إذا لم نقل به فأظهر الوجهين أنه يفسد العقد كما
لو شرط نفقة الحضر (والثاني) لا يفسد لأنه من مصالح العقد من حيث أنه يدعوه إلى السفر وهو
مظنة الربح غالبا وعلى هذا فهل يشترط تقديره فيه وجهان (وعن) رواية المزني في الجامع الكبير أنه
لابد من شرط النفقة للعقد مقدرة لكن الأصحاب لم يثبتوها (وقوله) في الكتاب ونفقته على نفسه
ونص في السفر أن له نفقته بالمعروف إلى آخره يقتضى ظاهره أخذ المنع في أحد القولين من أنه
لا نفقة في الحضر لا على سبيل التخريج لأنه لم يخل عن النص سواء الوجوب وليس كذلك بل
القولان عند من أثبتهما منصوصان هذا في رواية المزني وهذا رواية البويطي *
قال (الحكم الرابع * أختلف القول في أنه هل يملك الربح بمجرد (م ز) الظهور أم يقف
على المقاسمة * فان قلنا يملك بمجرد الظهور فهو ملك غير مستقر بل هو وقاية لرأس المال عن
الخسران * وإن وقع خسران انحصر في الربح * ولا يستقر إلا بالقسمة * وهل يستقر بالتنضيض
والفسخ قبل القسمة فيه وجهان * وان قلنا لا يملك (ح) فله حق مؤكد حتى لو مات يورث عنه *
55

ولو أتلف المالك المال غرم حصته * وكذا الأجنبي فان الاتلاف كالقسمة * ولو كان في المال جارية
لم يجز للمالك وطؤها لحقه) *
متى يملك العامل من الربح الحصة المشروطة له (أحد) قولي الشافعي أنه يملكها بالظهور كما
يملك عامل المساقاة نصيبه من الثمار بالظهور ولان سبب الاستحقاق الشرط الصحيح فإذا حصل الربح
فليثبت موجب الشرط ولأنه سبيل من مطالبة المالك بأن يقتسما الربح ولولا أنه مالك لما كان
كذلك (والثاني) لا يملك الا بالقسمة لأنه لو ملك بالظهور لكان شريكا في المال ولو كان
شريكا لكان النقصان الحديث بعد ذلك شائعا في المال فلما انحصر في الربح دل على عدم الملك
(وأيضا) فان الفراض معاملة جائزة والعمل فيها غير مضبوط فوجب أن لا يستحق العوض فيها الا
بتمام العمل كما في الجعالة وأصح القولين (الأول) عند الشيخ أبى حامد وطائفة (والثاني) عند
الأكثرين منهم المسعودي والقاضي الروياني وصاحب التهذيب وقد ذكرنا ذلك في الزكاة وبينا
أن أبا حنيفة قال بالأول والمزني قال الثاني وهو مذهب مالك *
56

(التفريع) إن قلنا إنه يملك بالظهور فليس ذلك ملكا مستقرا بل لا يتسلط العامل عليه
ولا يملك التصرف فيه لان الربح وقاية لرأس المال عن الخسران ما دامت المعاملة باقية حتى لو اتفق
خسر إن كان محسوبا من الربح دون رأس المال ما أمكن وكذلك نقول إذا طلب أحد المتعاقدين
قسمة الربح قبل فسخ القراض لا يجبر الاخر عليه أما إذا طلب المالك فلان العامل يقول لا آمن
الخسران فنحتاج إلى رد ما اقتسمنا (واما) إذا طلب العامل فلان المالك يقول الربح وقاية مالي فلا
أدفع إليك شيئا حتى تسلم لي رأس المال فإذا ارتفع القراض والمال ناض واقتسما حصل الاستقرار
وهو نهاية الامر وكذلك لو كان قدر رأس المال ناضا وأخذه المالك واقتسما الباقي وهل يحصل
الاستقرار بارتفاع العقد ونضوض المال من غير قسمة فيه وجهان (أحدهما) لا لان القسمة الباقية من
57

تتمة عمل العامل (وأصحهما) الاستقرار لارتفاع العقد والوثوق بحصول رأس المال وإن كان المال
عروضا فينبني على خلاف سيأتي في أن العامل هل يجبر على البيع والتنضيض (إن قلنا) نعم فظاهر
المذهب أنه لا استقرار لان العمل لم يتم (وإن قلنا لا) فوجهان كما لو كان المال ناضا ولو اقتسما
الربح بالتراضي قبل فسخ العقد لم يحصل الاستقرار بل لو حصل خسران بعده كان على العامل جبره بما
أخذ وبهذا يتبين أن قوله في الكتاب ولا يستقر إلا بالقسمة غير معمول بظاهره فيما يرجع إلى
الاكتفاء بالقسمة (وإن قلنا) انه لا يملك إلا بالقسمة فله فيه حق مؤكد حتى يورث عنه إذا مات
لأنه وإن لم يثبت الملك له فقد ثبت له حق التملك ويقدم على الغرماء لتعلق حقه بالعين وله أن يمتنع
عن العمل بعد ظهور الربح ويسعى في التنضيض ليأخذ منه حقه ولو أتلف المالك المال غرم حصة
58

العامل وإن كان الاتلاف بمثابة الاسترداد ولو استرد الكل غرم للعامل فكذلك إذا أتلف (وأما)
قوله وكذا الأجنبي فان الاتلاف كالقسمة (واعلم) أن الأجنبي إذا أتلف مال القراض ضمن بدله
وبقى القراض في بدله كما كان هذا ما ذكره الأصحاب في حكم المسألة وفي نظم الكتاب كلامين
(أحدهما) أن الغرض في هذا المقام التفريع على أن العامل إنما يملك حصته بالقسمة وعلى هذا القول
يكون كل الربح قبل القسمة للمالك وحينئذ يستحسن الكلام في أنه لو أتلف المالك غرم حصة العامل
لتعرف تأكيد حقه وان لم يكن مالكا لا يستحسن ذكر اتلاف الأجنبي لأنه لا يمكن أن يقال
يغرم حصة العامل إذ لا امتياز لها لبقاء القراض ولا اختصاص الغرم بها بل يغرم كل المال وأصل
الغرم لا دلالة له على حق العامل (والثاني) ان قوله فان الاتلاف كالقسمة لا ينصرف إلى
59

مسألة الأجنبي لان القراض إذا بقي في البدل لم يكن الاتلاف مفيدا للقسمة بل هو مصروف إلى
ما قبلها وهو إتلاف المالك وإنما كان كالقسمة لأنه أتلف ملكه وملك غيره أو حق غيره ولا يمكن
تغريمه ملك نفسه ولا تعطيل حق الغير فيغرم حق الغير وذلك يتضمن مقصود القسمة وهو التمييز
ولو كان في المال جارية لم يجز للمالك وطؤها إن كان في المال ربح لملك العامل أو حقه وإن لم
يكن ربح فكذلك الجواب ووجهوه بأن انتفاء الربح في المتقومات غير معلوم وإنما يستقر الحال
بالتنضيض واستبعد الامام التحريم إذا تيقن عدم الربح (قال) ويمكن تخريجه على أن العامل لو طلب بيعها
وأباه المالك هل له ذلك فيه خلاف سيأتي فان اسغناه فقد أثبتنا له علقة فيها فيحرم الوطئ بها (وإذا
قلنا) بالتحريم ووطئ فللشيخ أبى محمد تردد في أنه هل يكون ذلك فسخا للقراض والأظهر المنع
60

ولا يلزم الحد وحكم المهر سنذكره ولو وطئها العامل فعليه الحد إن لم يكن ربح إن كان عالما وإلا
فلا حد ويؤخذ منه جميع المهر ويجعل في مال القراض لأنه ربما يقع خسران يحتاج إلى الجبر ولو
استولدها لم تصر أم ولد (إن قلنا) انه لا يملك بالظهور (وإن قلنا) يملك ثبت الاستيلاد في نصيبه
ويقوم عليه الباقي إن كان موسرا ولا يجوز للمالك تزويج جارية القراض لان القراض لا يرتفع بالتزويج
وانه ينقص قيمتها فيتضرر العامل به *
قال (الحكم الخامس * الزيادة العينية كالثمرة والنتاج محسوب من الربح وهو مال القراض *
وكذا بدل منافع الدواب ومهر وطئ الجواري حتى لو وطئ السيد كان مستردا بمقدار العقر *
وأما النقصان فما يحصل بانخفاض السوق أو طريان عيب ومرض فهو خسران يجب جبره بالربح *
61

وما يقع باحتراق وسرقة وفوات عين فوجهان أصحهما أنه من الخسران كما أن زيادة العين من الربح *
ولو سلم إليه ألفين فتلف أحدهما قبل أن يشترى به شيئا أو بعد أن يشترى كما لو أشار إلى عبدين مثلا
ولكن قبل البيع فرأس المال ألف أو ألفان فيه وجهان وهو تردد في أنه هل يجعل ذلك من الخسران
وهو واقع قبل الخوض في التصرفات) *
مقصود الفصل الكلام فيما يقع من مال القراض زيادة أو نقصان أما الزيادة فثمرة الشجرة
المشتراة للتراض ونتاج البهيمة وكسب الرقيق وولد الجارية ومهرها إذا وطئت بالشبهة أطلق صاحب
الكتاب والامام القول بأنها من مال القراض لأنها من فوائده وكذا بدل منافع الدواب والأراضي
وذلك قد يجب بتعدى المتعدى باستعماله وقد يجب بإجارة تصدر من العامل فان له الإجارة إذا رأى
62

فيها المصلحة وفصل في التتمة فقال إن كان في المال ربح وملكنا العامل حصته بالظهور فالجواب
كذلك وإن لم يكن ربح أو لم نملكه فمن الأصحاب من عدها من مال القراض كالزيادات المتصلة
وقال عامتهم يفوز بها المالك لأنها ليست من فوائد التجارة ويشبه أن يكون هذا أولى فان جعلناها
مال القراض قال ههنا وفي الوسيط يجبر من الربح وهو قضية ما في التهذيب وأورد بعض أصحاب الإمام
أنها لا تعد من الربح خاصة ولا من رأس المال بل هي شائعة (وقوله) في الكتاب وهو مال
القراض بعد قوله محسوبة من الربح يستغني عنه (نعم) لو قدم وآخر فقال إنها مال القراض وهي محسوبة
من الربح كان حسنا وكذلك لفظ الوسيط وان وطئها المالك قال المصنف وغيره أنه يكون مستردا
مقدار العقر حتى يستقر نصيب العامل منه وفي التهذيب انه إن كان في المال ربح وملكناه بالظهور
63

وجب نصيب العامل من الربح وإلا لم يجب شئ فليعلم كذلك (قوله) في الكتاب كان مستردا
مقدار العقر بالواو واستيلاد المالك جارية القراض كاعتناقهما وإذا أوجبنا المهر بالوطئ الخالي عن
الاحبال فالظاهر الجمع بينه وبين القيمة (وأما) النقصان فما يحصل بانخفاض السوق فهو خسران مجبور
بالربح وكذا النقصان بالتعييب والمرض الحادث والنقصان العيني وهو تلف البعض ينظر إن حصل بعد
التصرف في المال بيعا وشراء فالأكثرون ذكروا أن الاحتراق وغيره من الآفات السماوية خسران مجبور
بالربح أيضا وفي التلف بالسرقة والغصب وجهان والفرق أن في الضمان الواجب ما يجبره فلا حاجة
إلى جبره بمال القراض وسوى المصنف وطائفة بين الهلاك بالآفة السماوية وغيرها وحكوا الوجهين في
النوعين ووجه المنع أنه نقصان لاتعلق له بتصرف العامل وتجارته بخلاف النقصان الحاصل بانخفاض
64

السوق وليس هو بناء شئ من نفس المال الذي اشتراه العامل بخلاف المرض والعيب فلا يجب على
العامل جبره وكيفهما كان فالأصح أنه مجبور بالربح وإن حصل النقصان قبل التصرف فيه بيعا
وشراء كما إذا دفع إليه الفي درهم قراضا فتلف الف قبل أن يتصرف فيه وجهان (أحدهما) أنه خسران
أيضا مجبور بالربح الحاصل بعده لأنه بقبض العامل صار مال القراض وعلى هذا فرأس المال الفان
كما كان ويقال هذا هو منقول المزني عن الجامع الكبير (وأظهرهما) أنه يتلف من رأس المال ويكون
رأس المال الألف الباقي لأن العقد لم يتأكد بالعمل ولو اشترى بألفين عبدين أو ثوبين فتلف
أحدهما (فان قلنا) لو تلف أحد الألفين قبل التصرف جبرناه بالربح فههنا أولى (وإن قلنا) يتلف
65

من رأس المال فوجهان (أحدهما) أن الجواب كذلك لان العبدين بدل الألفين ولا عبرة بمجرد
الشراء فإنه تهيئة محل التصرف والركن الأعظم في التجارة إذ به يظهر الربح (وأظهرهما) أنه
يتلف من الربح ويجب جبره لأنه تصرف في رأس المال ولا يأخذ شيئا بالربح حتى يرد ما تصرف
فيه إلى المالك هذا إذا تلف بعض المال (أما) إذا تلف كله بآفة سماوية قبل التصرف أو بعده ارتفع
القراض وكذا لو أتلفه المالك كما تقدم ولو أتلفه أجنبي أخذ بدله وبقى القراض فيه على ما مر وكذا
لو أتلف بعضه وأخذ بدله استمر القراض وما ذكرنا من الخلاف في أنه يجبر بالربح مفروض فيما إذا
تعذر أخذ البدل من المتلف ولو أتلف العامل المال قال الامام يرتفع القراض لأنه وإن وجب بدله
66

عليه فإنه لا يدخل في ملك المالك إلا بقبض منه وحينئذ يحتاج إلى استئناف القراض ولك أن تقول
ذكروا وجهين في أن مال القراض إذا غصب أو تلف من الخصم فيه وجهان (أظهرهما) أن الخصم
المالك إن لم يكن في المالك ربح وهما جميعا إن كان فيه ربح (والثاني) أن للعامل المخاصمة بكل
حال حفظا للمال ويشبه أن يكون الجواب المذكور في اتلاف الأجنبي تفريعا على أن العامل خصم
وبتقدير أن يقال إنه وإن لم يكن خصما لكن إذا خاصم المالك وأخذ عاد العامل إلى التصرف فيه
بحكم القراض لزمه مثله إذا كان العامل هو المتلف وإن قتل عبد القراض قاتل وفى المال ربح لم
ينفرد أحدهما بالقصاص بل الحق لهما وان تراضيا على العفو على مال أو على الاستيفاء جاز وان عفى
67

أحدهما سقط القصاص ووجبت القيمة هكذا ذكروه وهو ظاهر على قولنا انه يملك الربح بالظهور
وغير ظاهر على القول الآخر وان لم يكن فيه ربح فللمالك القصاص والعفو على غير مال وكذا لو
كانت الجناية موجبة للمال فله العفو عنه ويرتفع القراض وان أخذ المال أو صالح عن القصاص على
مال بقي القراض فيه (وقوله) في الكتاب كما أن زيادة العين من الربح ينبنى على ما ذكره في الزيادات
أنها محسوبة من الربح وفيه من الخلاف ما مر (وقوله) وهو تردد في أنه هل يجعل ذلك من الخسران
إلى آخره هذا اللفظ يتناول الصورة الأولى وهي تلف أحد الألفين قبل أن يشترى بهما شيئا (فأما)
68

الصورة الثانية فالتوجيه فيها ما قدمناه أن الاعتبار بالبيع دون الشراء إذ ظهور الربح وصيرورة
العرض نقدا يتعلق بالبيع *
(فرع) مال القراض ألف درهم واشترى بعينه ثوبا أو عبدا فتلف قبل التسليم بطل الشراء
وارتفع القراض وان اشترى في الذمة قال في البويطي يرتفع القراض ويكون الشراء للعامل فمن
الأصحاب من قال هذا إذا كان التلف قبل الشراء فان القراض والحالة هذه غير باق عند المشتري
فينصرف الشراء إلى العامل (أما) إذا تلف بعد الشراء فالشراء للمالك فإذا تلف الألف المعد للثمن
أبدله بألف آخر (وقال) ابن سريج يقع الشراء عن العامل سواء تلف الألف قبل الشراء أو بعده
69

وعليه الثمن ويرتفع القراض لان اذنه ينصرف إلى التصرف في ذلك الألف تعلق التصرف بعينه أم لا
(فان قلنا) بالأول فرأس المال الف أو الفان فيه وجهان يحكى الثاني منهما عن أبي حنيفة (فان قلنا)
بالأول فهو الألف الأول أو الثاني فيه وجهان تظهر فائدتهما عند اختلاف الألفين في صفة الصحة
وغيرها (وعن) مالك أن المالك بالخيار بين أن يدفع ألفا آخر ويكون هو رأس المال دون الأول وبين
أن لا يدفع فيكون الشراء للعامل ويمكن أن يجعل هذا وجها للأصحاب تخريجا من وجه ذكرناه
في باب مداينة العبيد مما إذا سلم إلى عبده ألفا ليتجر فيها فاشترى في الذمة ليصرفه إلى الثمن فتلف
70

أنه يتخير السيد بين أن يدفع إليه ألفا آخر فيمضي العقد أولا يدفع فيفسخ البائع العقد إلا أن ههنا
يمكن صرف العقد إلى المباشر إذا لم يخرج المعقود له ألفا آخر وهناك لا يمكن فيصار إلى الفسخ وهذا
الفرع قد ذكرنا طرفا منه هناك للحاجة والله أعلم *
(الباب الثالث في التفاسخ والتنازع)
قال (والقراض جائز ينفسخ بفسخ أحدهما * وبالموت وبالجنون كالوكالة فان انفسخ والمال
71

ناض لم يخف أمره * وإن كان عروضا فعلى العامل بيعه إن كان فيه ربح ليظهر نصيبه * وان لم يكن
ربح فهو جهان * مأخذ الوجوب أنه في عهدته أن يرد كما أخذ * فإن لم يكن ربح ورضى المالك به
وقال العامل أبيعه لم يكن له ذلك الا إذا وجد زبونا يستفيد به الربح * ومهما باع العامل قدر رأس
المال وجعله نقدا فالباقي مشترك بينهما وليس عليه بيعه * وان رد إلى نقد ليس من جنس رأس
المال لزمه الرد إلى جنسه)
72

الباب يتضمن فصلين (أحدهما) في فسخ القراض وفروعه والقراض جائز كالوكالة والشركة بل
هو عينهما فإنه وكالة في الابتداء وقد تصير شركة في الانتهاء فلكل واحد من المتعاقدين فسخه
والخروج منه متى شاء ولا يحتاج فيه إلى حضور الاخر ورضاه (وعن) أبي حنيفة اعتبار الحضور كما
ذكره في خيار الشرط وإذا مات أحدهما أو جن أو أغمي عليه انفسخ العقد ثم إذا فسخا أو أحدهما لم
يكن للعامل أن يشترى بعده ثم ينظر إن كان المال دينا فعلى العامل التقاضي والاستيفاء خلافا لأبي
حنيفة حيث فرق بين أن يكون في المال ربح فيلزمه الاستيفاء أولا يكون فلا يلزمه (واحتج) الأصحاب
بان الدين ملك ناقص وقد أخذ منه ملكا كاملا فليرد كما أخذ وإن لم يكن دينا نظر إن كان نقدا
73

من جنس رأس المالك ولا ربح أخذه المالك وإن كان فيه ربح اقتسماه بحسب الشرط فإن كان
الحاصل في يده مكسرة ورأس المالك صحاح نظر ان وجد من يبدلها بالصحاح وزنا بوزن أبدلها
وإلا باعها بغير جنسها من النقد واشترى بها الصحاح ويجوز أن يبيعها بعرض ويشترى به الصحاح
في أصح الوجهين (والثاني) لا يجوز لأنه قد يتعوق عليه بيع العرض فإن كان المال نقدا من غير
جنس رأس الملك أو عرضا فله حالتان (إحداهما) أن يكون فيه ربح فعلى العامل بيعه إن طلبه
المالك وله بيعه وإن أباه المالك وليس للعامل تأخير البيع إلى توسم رواج المتاع لان حق المالك
يعجل خلافا لمالك ولو قال للمالك تركت حقي لك ولا تكلفني البيع هل عليه فيه الإجابة فيه وجهان
74

(أقربهما) المنع ليرد المال كما أخذ فان في التنضيض مشقة ومؤنة * ثم اختلفوا في مأخذ الوجهين وكيفية
خروجهما (فمن) بان لهما على الخلاف في أنه متى يملك الربح (إن قلنا) بالظهور لم يلزم المالك قبول
ملكه ولم يسقط به طلب البيع (وإن قلنا) بالقسمة فيجاب لأنه لم يبق له توقع فائدة فلا معنى
لتكليفه تحمل مشقة (ومن) مفرع لهما أولا على أن حق العامل هل يسقط بالترك والاسقاط وهو مبنى
على أن الربح متى يملك (إن قلنا) بالظهور لم يسقط كسائر المملوكات (وإن قلنا) بالقسمة سقط على
أصح الوجهين فإنه ملك أن تملك فكان له العفو والاسقاط كالشفعة (فان قلنا) لا يسقط حقه بالترك
75

لم يسقط بتركه المطالبة بالبيع (وان قلنا) يسقط ففيه خلاف سنذكره في أنه هل يكلف البيع إذا
لم يكن في المال ربح ولو قال المالك لا تبع ونقتسم العروض بتقويم عدلين أو قال أعطيك نصيبك
من الربح ناضا ففي تمكن العامل من البيع وجهان بناهما قوم من الأصحاب على أن الربح متى يملك
(إن قلنا) بالظهور فله البيع لأنه قد يجد زبونا يشتريه بأكثر من قيمته (إن قلنا) بالقسمة فلا
لوصوله إلى حقه بما يقوله المالك وقطع الشيخ أبو حامد وغيره بالوجه الثاني وقالوا إذا عرس المستعير
في أرض العارية كان للمعير ان يتملكه عليه بالقيمة لان الضرر يندفع عنه بأخذ القيمة فههنا أولى
وحيث لزمه البيع قال الامام الذي قطع به المحققون إن ما يلزمه بيعه وتنضيضه قدر رأس المال (أما)
76

الزائد عليه فحكمه حكم عرض آخر يشترك فيه اثنان لا يكلف واحد منهما بيعه ثم ما يبيعه بطلب
المالك أو باذنه يبيعه بنقد البلد إن كان من جنس رأس المال وإن كان من غير جنسه باعه بما يرى
المصلحة فيه من نقد البلد ورأس المال فان باعه بنقد البلد حصل به رأس المال (الثانية) إذا لم يكن
في المال ربح هل للمالك تكليفه البيع فيه وجهان (أحدهما) لا لان غرض البيع أن يظهر الربح
ليصل العامل إلى حقه منه فإن لم يكن ربح وارتفع العقد لم يحسن تكليفه بيعا بلا فائدة (وأظهرهما)
نعم وبه قال الشيخان أبى محمد وأبو علي والقاضي حسين لأنه في عهده أن يرد المال كما أخذ وإلا لزم
77

المالك في رده إلى ما كان كلفة ومؤنة وهل للعامل بيعها إذا رضى المالك بامساكها حكى الامام فيه
وجهين (وجه) المنع انه كفاه شغلا بلا فائدة (ووجه) الاخر أنه قد يجد زبونا يشتريه بزيادة وهذا ما ذكره
عامة الأصحاب وقالوا له أن يبيع إذا توقع ربحا بأن ظفر بسوق أو راغب (ورأي) الامام تفصيلا فيه وهو
أنه ليس له البيع بما يساويه بعد الفسخ جزما وبيعه بأكثر مما يساويه عند الظفر بزبون محتمل لأنه
ليس ربحا في التحقيق وإنما هو رزق مساق إلى مالك العروض (وإذا قلنا) ليس للعامل البيع
إذا أراد المالك امساك العروض واتفقا على أخذ المالك العروض ثم ظهر ربح بارتفاع السوق فهل
للعامل نصيب فيه لحصوله بكسبه أم لا لظهوره بعد الفسخ فيه وجهان (أظهرهما) الثاني (وقوله) في
78

الكتاب وإن رد إلى نقد لا من جنس رأس المالك لزمه الرد إلى جنسه غير خاف مما أدرجناه في
أثناء الكلام ثم إنه يشمل ما إذا كان عند الفسخ نقدا من غير جنس رأس المال وكان الرد إليه
بعد الفسخ *
(فرع) كما يرتفع القراض بقول المالك فسخته يرتفع بقوله للعامل لا تتصرف بعد هذا
وباسترجاع المال منه ولو باع المالك ما اشتراه العامل بالقراض فينعزل العامل كما لو باع الموكل
ما وكل ببيعه ينعزل الوكيل أولا ينعزل ويكون ذلك إعانة له فيه وجهان (أشبههما) الثاني ولو حبس
العامل ومنعه من التصرف أو قال لاقراض بيننا ففي انعزاله وجهان (أشهرهما) أنه لا ينعزل أيضا
ذكرهما أبو العباس الروياني في الجرجانيات *
79

قال (ولو مات المالك فلوارثه مطالبة العامل بالتنضيض * وله أن يجدد العقد معه إن كان المال
نقدا * وإن كان في المال ربح أخذ بقدر حصته من ربحه عند القسمة * والباقي يتبع فيه موجب
الشرط * وإن كان عرضا ففي جواز التقرير عليه وجهان * ووجه الجواز أنه قد ظهر رأس المال
وجنسه من قبل فلم يوجد علة اشتراط النقدية ههنا * وان مات العامل لم يجز تقرير وارثه على
العرض فإنه ما اشتراه بنفسه فيكون كلا عليه * نعم إن كان نقدا فهل ينعقد القراض معه بلفظ
التقرير فيه وجهان) *
80

ذكرنا أن القراض ينفسخ بالموت وإذا مات المالك والمال ناض لأربح فيه أخذه الوارث وإن كان
فيه ربح اقتسماه وإن كان عرضا فالمطالبة بالبيع والتنضيض كما في حالة حصول الفسخ في حياتهما
وللعامل البيع ههنا حيث كان له البيع هناك ولا يحتاج إلى اذن الوارث اكتفاء باذن من تلقي
الوارث الملك عنه بخلاف ما إذا مات العامل حيث لا يتمكن وارثه من البيع دون إذن المالك فإنه
لم يرض بتصرفه وفي التتمة وجه أن العامل أيضا لا يبيع إلا باذن وارث المالك والمشهور الأول ويجرى
الخلاف في استيفائه الديون بغير إذن الوارث ولو أراد الاستمرار على العقد فإن كان المال ناضا فلهما
81

ذلك بأن يستأنفا عقدا بشرطه ولا بأس بوقوعه قبل القسمة لجواز القراض على المشاع وكذلك يجوز
القراض مع الشريك بشرط أن لا يشاركه في اليد ويكون للعامل ربح نصيبه ويتضاربان في ربح
نصيب الاخر وهل ينعقد بلفظ الترك والتقرير بأن يقول الوارث أو القائم بأمره تركتك أو أقررتك
على ما كنت عليه فيه وجهان (أحدهما) وبه قال الشيخ أبو محمد لا لأن العقد السابق قد ارتفع وهذا
ابتداء عقد فلابد من إذن صالح للابتداء والتقرير يشعر بالاستدامة (وأظهرهما) عند الامام نعم لفهم
المعني وقد يستعمل التقرير لانشاء عقد على موجب العقد السابق وليكن الوجهان مفرعان على أن
82

هذه العقود لا تنعقد بالكنايات فينبغي أن يجزم بالوجه الثاني وإن كان المال عروضا ففي جواز تقريره
على القراض وجهان (عن) أبى اسحق انه جائز لأنه استصحاب قراض فيظهر في جنس رأس المال
(والأظهر) المنع لان القراض الأول قد ارتفع فلو وجد قراض آخر لكان قراضا مستأنفا وحينئذ
يمتنع إيراده على العروض والأول ظاهر لفظه في المختصر لكن القائلين بالثاني حملوه على ما إذا كان
المال ناضا أو استأنفا عقدا (والأشبه) أن يختص الوجهان بلفظ الترك والتقرير ولا يتسامح باستعمال الألفاظ
83

التي تستعمل في الابتداء ثم حكي الامام فيما إذا فسخ القراض في الحياة طريقة طاردة للوجهين وأخرى
قاطعة بالمنع وهو الأشهر وعليها يضعف وجه جواز التقرير بعد الموت وهذا إذا مات المالك وإن
مات العامل واحتيج إلى البيع والتنضيض فان إذن المالك لوارث العامل فيه فذاك وإلا تولاه منصوب
من جهة الحاكم ولا يجوز تقرير وارثه على القراض إن كان عرضا ولا يخرج على الوجين
المذكورين في موت المالك وفرقوا بينهما بوجهين (أحدهما) أن ركن القراض من جانب العامل
عمله وقد فات بفواته ومن جانب المالك المال وهو باق بعينه انتقل إلى الوارث (والثاني) وهو
84

المذكور في الكتاب أن العامل هو الذي اشترى العروض والظاهر أنه لا يشترى إلا ما يسهل عليه
بيعه وترويجه وهذا المعنى لا يؤثر فيه موت المالك وإذا مات العامل فربما كانت العروض كلا على
وارثه لأنه لم يشترها ولم يخترها وإن كان المال ناضا فلهما الاستمرار بعقد منشأ وفي لفظ التقرير الوجهان
السابقان وهما كالوجهين في أن الوصية بالزائد على الثلث إذا جعلناها ابتداء عطية هل تنقض بلفظ
الإجازة ويجريان أيضا فيما إذا انفسخ البيع الجاري بينهما ثم أرادا إعادته فقال البائع قررتك على
موجب العقد الأول وقبل صاحبه وفي مثله من النكاح لا يعتبر ذلك وللامام احتمال فيه لجريان لفظ
85

النكاح مع التقرير (وقوله) في الكتاب فإن كان في المال ربح أخذ بقدر حصته من ربحه عند
القسمة والباقي يتبع فيه موجب الشرط (مثاله) إذا كان رأس المال الموروث مائة وربح عليه مائتين
وجدد الوارث العقد على النصف كما كان من غير أن يقتسما فرأس المال للوارث مائتان من الثلاثمائة والمائة
الباقية للعامل فعند القسمة يأخذها بقسطها من الربح ويأخذ الوارث رأس المال مائتين ويقتسمان
ما بقي (وقوله) ولم يوجد عليه اشتراط النقدية ههنا أي لا يعتبر في التقرير كونه نقدا بخلاف ما في
الابتداء لما مر (وقوله) وهل ينعقد القراض معه بلفظ التقرير فيه وجهان أشار به إلى أن تجديد العقد
86

جائز لا محالة كما إذا مات المالك والمال نقدا وإنما الخلاف في الصورتين في الانعقاد بلفظ التقرير
(فأما) إذا كان المال عرضا في صورة موت المالك فالخلاف هناك في أصل التقرير فلذلك قال في
جواز التقرير عليه وجهان *
قال (ومهما كان استرد المالك طائفة من المال وكان إذ ذاك في المال ربح فهو شائع ويستقر
ملك العامل على ما يخصه من ذلك القدر فلا يسقط بالنقصان * وإن كان فيه خسران لم يجب على
العامل جبر ما يخص المسترد من الخسران) *
87

استرداد المالك طائفة من المال إن كان قبل ظهور الربح وخسران رجع رأس المال إلى القدر
الباقي وإن كان بعد ظهور الربح في المال فالمسترد شائع ربحا وخسرانا على النسبة الحاصلة بين جملتي
الربح وبين رأس المال ويستقر ملك العامل على ما يخصه بحس الشرط مما هو ربح فيه فلا يسقط بالنقصان
الحادث وإن كان الاسترداد بعد ظهور الخسران إن كان الخسران موزعا على المسترد والباقي فلا
يلزم جبر حصة المسترد من الخسران كما أنه لو رد الكل بعد الخسران لم يلزمه شئ ويصير رأس المال
الباقي بعد المسترد وحصته من الخسران (مثال) الاسترداد بعد الربح رأس المال مائة ربح عليها عشرين
ثم استرد المالك عشرين والربح سدس المال يكون المأخوذ سدسه ربحا وهو ثلاثة دراهم وثلث
88

ويستقر ملك العامل على نصفه إن كان الشرط المناصفة وهو درهم وثلثا درهم حتى لو انخفضت السوق
وعاد ما في يده إلى ثمانين لم يكن للمالك أن يأخذ الكل ويقول كان رأس المال مائة وقد أخذت
عشرين أضمن إليها ثمانين لتتم لي المائة بل يأخذ العامل من الثمانين درهما وثلثي درهم ويرد الباقي وهو
ثمانية وسبعون درهما وثلث درهم (ومثال) الاسترداد بعد الخسران رأس المال مائة وخسر عشرين ثم
استرد العشرين فالخسران يوزع على المسترد والباقي يكون حصة المسترد خمسة لا يلزمه جبرها حتى
لو ربح بعد ذلك فبلغ المال ثمانين لم يكن للمالك أخذ الكل بل يكون رأس المال خمسة وسبعين
والخمسة الزائدة تقسم بينهما نصفين فيجعل للمالك من الثمانين سبعة وسبعين ونصف درهم *
89

قال (وان قال العامل تلف المال أو رددت (و) أو ما ربحت أو خسرت بعد الربح أو هذا
العبد اشتريته للقراض أو لنفسي أو ما نهيتني عن شرائه وخالفه المالك فالقول قول العامل * وان اختلفا
في قدر ما شرط له من الربح فيتحالفان ويرجع إلى أجر المثل * وان اختلفا في قدر رأس المال فالقول
قول العامل إذ الأصل عدم القبض) *
الفصل الثاني من الباب في التنازع وفيه وجوه (منها) أن يدعى العامل تلف المال في يده فهو
مصدق بيمينه كالمودع نعم إذا ذكر سبب التلف ففيه تفصيل نؤخره إلى كتاب الوديعة إن شاء الله
تعالى لان صاحب الكتاب أورد طرفا منه هناك (ومنها) إذا اختلف في رد المال ففيه وجهان
ذكرناهما في باب الرهن (وأظهرهما) ما أجاب به في الكتاب وهو تصديق العامل واعلم قوله
90

أو رددت بالواو إشارة إلى ذلك الخلاف (ومنها) إذا قال العامل ما ربحت أو قال لم أربح إلا ألفا
وقال المالك بل الفين صدق العامل بيمينه ولو قال ربحت كذا ثم غلطت في الحساب إنما الربح
كذا أو تبينت أن لا ربح أو قال كذبت فيما قلت خوفا من انتزاع المال من يدي لم يقبل رجوعه
لأنه أقر بحق لغيره فأشبه سائر الأقارير (وعن) مالك إن كان بين يديه موسم يتوقع فيه ربح يقبل قوله
كذبت ليترك المال في يدي لأربح في الموسم ولو قال خسرت بعد الربح الذي أخبرت عنه قبل
قال في التتمة وذلك عند الاحتمال بأن عرض للأسواق كساد فإن لم يحتمل لم يقبل ولو ادعى الخسارة
عند الاحتمال أو التلف بعد قوله كنت كاذبا فيما قلت ورددنا قوله قبل أيضا ولا نبطل أمانته بذلك
91

القول السابق هكذا قال الأصحاب ونسبه القاضي الروياني في التجربة إلى نصفه (ومنها) قال العامل
اشتريت هذا العبد للقراض وقال المالك بل لنفسك وإنما يقع هذا الاختلاف عند ظهور خسران
فيه غالبا أو قال العامل اشتريته لنفسي وقال المالك بل للقراض فالقول قول العامل لأنه أعرف بقصده
ونيته ولأنه في يده وإذا ادعي أنه ملكه صدق وعن ابن سريج أن في الصورة الأولى قولا آخر أن
القول قول المالك لان الأصل عدم وقوعه للقراض كمأخذ القولين فيما إذا قال الوكيل بعت ما أمرتني
ببيعه أو اشتريت ما أمرتني بشرائه فقال الموكل لم تفعل والظاهر الأول قال في المهذب فلو أقام المالك
بينة أنه اشتراه بمال القراض يعنى في الصورة الثانية ففي الحكم بها وجهان (وجه) المنع أنه يشترى
لنفسه بمال القراض متعديا فيبطل البيع ولا يكون للقراض (ومنها) قال المالك كنت نهيتك عن شراء
92

هذا العبد فقال العامل لم تنهني فالقول قول العامل لان الأصل عدم النهى لأنه لو كان كما يزعمه المالك
لكان خائنا والأصل عدم الخيانة (ومنها) قال العامل شرطت لي نصف الربح وقال المالك بل ثلثه
فيتحالفان لأنهما اختلفا في عوض النقد فأشبه اختلاف المتبايعين وإذا تحالفا فسخ العقد واختص
الربح والخسران بالمالك وللعامل أجرة مثل عمله وفيه وجه أنها إن كانت أكثر من نصف الربح فليس
له إلا قدر النصف لأنه لا يدعي أكثر منه (ومنها) لو اختلفا في قدر رأس المال فقال المالك دفعت
إليك الفين وقال العامل بل الفان فالقول قول العامل إن لم يكن في المال ربح لان الأصل عدم دفع
93

الزيادة وإن كان في المال ربح فكذلك على الأصح وفيه وجه أنهما يتحالفان لان قدر الربح يتفاوت
به فأشبه الاختلاف في القدر المشروط من الربح ومن قال بالأولى قال الاختلاف في القدر المشروط
من الربح اختلاف في كيفية العقد والاختلاف ههنا اختلاف في القبض فيصدق فيه الثاني كما لو
اختلف المتبايعان في قبض الثمن فان المصدق البائع ولو قارض رجلين على مال بشرط أن يكون
نصف الربح له والباقي بينهما بالسوية فربحا ثم قال المالك دفعت إليكما الفين وصدقه أحدهما وقال الآخر
بل ألفا لزم المقر ما أقر به وحلف المنكر وقضى له بموجب قوله فلو كان الأصل الفين أخذ المنكر
ربع الألف الزائد على ما أقر به والباقي يأخذه المالك ولو كان الحاصل ثلاثة آلاف فزعم المنكر أن
الربح منها الفان وأنه يستحق منهما خمسمائة فلتسلم إليه ويأخذ المالك من الباقي الفين من رأس المال
لاتفاق المالك والمقر عليه يبقي خمسمائة يتقاسمانهما أثلاثا لاتفاقهم على ما يأخذه المالك مثلا ما يأخذه كل
واحد من العاملين وما أخذه المنكر كالتالف منهما ولو قال المالك كان رأس المال دنانير وقال العامل
94

بل دراهم فالمصدق العامل أيضا ولو اختلفا في أصل القراض فقال المالك دفعت المال إليك لتشترى
لي وكالة وقال من في يده بل قارضتني فالمصدق المالك فإذا حلف أخذ المال وربحه ولا شئ عليه
للاخر وهذه فروع مبددة نختم بها الباب ليس للعامل التصرف في الخمر شراء وبيعا خلافا
لأبي حنيفة فيما إذا كان العامل ذميا فلو خالف واشترى خمرا أو خنزيرا أو أم ولد ودفع المال في ثمنه
عن علم فهو ضامن وإن كان جاهلا فكذلك على الأشهر لان حكم الضمان لا يختلف بالعلم والجهل
وقال القفال يضمن في الخمر دون أم الولد وليس لها أمارة تعرف به وفي التهذيب وجه غريب أنه لا يضمن
فيها وأبعد منه وجه نقله في الشامل أنه لا يضمن في حالة العلم أيضا لأنه قصد الفضل بحسب رأيه ولو
قارضه على أن ينقل المل إلى موضع ويشترى من أمتعته ثم يبيعها هناك أو يردها إلى موضع القراض
95

قال الامام ذهب الأكثرون إلى فساد القراض لان نقل المال من قطر إلى قطر عمل زائد على التجارة
فأشبه شرط الصحن والخبز ويخالف ما إذا أذن له في السفر فان الغرض منه رفع الحرج وعن الأستاذ
أبى اسحق وطائفة من المحققين ان شرط المسافرة لا يضر فإنها الركن الأعظم في الأموال والبضائع
الخطيرة ولو قال خذ هذه الدراهم قراض وصارف بها مع الصيارفة ففي صحة مصارفته مع غيرهم وجهان
(وجه) الصحة أن المقصود من مثله أن يكون تصرفه صرفا لا مع قوم بأعيانهم ولو خلط العامل مال القراض
بماله صار ضامنا وكذا لو قارضه رجلان هذا على مال وهذا على مال فخلط أحدهما بالآخر وكذا لو
قارضه واحد على مالين بعقدين فخلط خلافا لأبي حنيفة في الصورة الأخيرة ولو جرى ذلك باذن
96

المالك بأن دفع إليه ألفا قراضا ثم دفع إليه ألفا آخر وقال ضمنه إلى الأول فإن لم يتصرف بعد في الأول جاز
وكأنه دفعهما إليه دفعة واحدة وان تصرف في الأول لم يجز القراض في الثاني ولا الخلط لان حكم الأول قد
استقر بالتصرف ربحا وخسرانا وربح كل مال وخسرانه انه يختص به ولو دفع إليه ألفا قراض وقال ضمن إليها
ألفا من عندك على أن يكون ثلث ربحها لك وثلثاه لي أو بالعكس كان قراضا فاسدا لما فيه من شرط
التفاوت في الربح مع التشريك في المال ولا نظر إلى العمل بعد حصول الشركة في المال ولو دفع
إليه زيد ألفا قراضا وعمرو كذلك فاشترى لكل واحد منهما بألف عبدا ثم اشتبها عليه ففيه قولان
عن رواية حرملة (أحدهما) أن شراء العبدين ينقلب إليه ويغرم لهما لتفريطه حيث لم يفردهما حتى
97

تولد الاشتباه ثم المغروم عند الأكثرين الألفان وقال بعضهم يغرم قيمة العبدين وقد يزيد على الألفين
(والقول الثاني) أنه يباع العبدان ويقسم الثمن بينهما وان حصل ربح فهو بينهم على حسب الشرط
فان اتفق خسران قالوا يلزمه الضمان لتقصيره فاستدرك المتأخرون فقالوا إن كان الخسران لانخفاض
السوق لا يضمن لان غايته أن يجعل كالغاصب والغاصب لا يضمن نقصان السوق قال إمام الحرمين
والقياس مذهب ثالث وراء القولين وهو أن يبقى العبدان لهما على الاشكال إلى أن يصطلحا *
98

(كتاب المساقاة * وفيه بابان)
(الباب الأول في أركانها)
قال (وهي أربعة (الأولى متعلق العقد) وهو الأشجار إذ عليها يستعمل العامل بجزء من الثمار
كما يستعمل عامل القراض إلا أن المساقاة لازمة مؤقتة يستحق (و) الثمار فيها بمجرد الظهور بخلاف
القراض * وأصلها ما روى أنه صلى الله عليه وسلم " ساقى أهل خيبر على النصف من الثمر والزرع ") *
صورة المساقاة أن يعامل انسانا على نخله ليتعهدها بالسقي والتربية على أن ما رزق الله تعالى
99

من ثمره تكون بينهما ولفظ المساقاة مأخوذ من السقي لان أنفع الأعمال وأكثرها مؤنة أو تعبا السقي
خاصة بالحجاز لان أهلها يسقون من الابار والمعتمد في جوازها أن ابن عمر رضي الله عنه روى أن
النبي صلى الله عليه وسلم " عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع " (1) ومن جهة المعنى أن مالك
100

الأشجار قد لا يحسن تعهدها ولا يتفرع له ومن يحسن ويتفرغ قد لا يملك الأشجار فيحتاج ذلك
إلى الاستعمال وهذا إلى العمل ولو تعاقدا عقد الإجارة للزم المالك غرم الأجرة في الحال وربما
لا يحصل له من الأشجار شئ ويتهاون العامل فلم يبذل المجهود في تعهدها لأنه لا يتحصل من
فوائدها على شئ فدعت الحاجة إلى تجويز هذا العقد وبه قال مالك وأحمد وخالف فيه أبو حنيفة
وقد يقيس الأصحاب المساقاة على القراض في الحجاج معه ومسائل الكتاب مذكورة في بابين
(أحدهما) في أركان العقد (والثاني) في أحكامه كما ذكر في القراض (وأما) التفاسخ
والتنازع فلم يفرد لهما بابا لان حظهما من هذا العقد أما التفاسخ فلانه لازم وسبيل الفسخ
101

فيه سبيل الإقالات (وأما) التنازع فلانه معلوم مما ذكره في القراض وقد أشار إليه إشارة خفية
في آخر الكتاب *
(الباب الأول في الأركان) وهي كأركان القراض إلا أنه ذكر العاقدين اكتفاء بما مر في القراض
فبقيت أربعة (إحداهما) الأشجار وهي كرأس المال في القراض لأنها محل العمل والتصرف كالمال هناك
(وقوله) متعلق العقد يمكن أن يطابق فيه فيقال العقد كما يتعلق بالأشجار يتعلق بالثمار ولذلك عد الثمار ركنا
للعقد وليس للترجمة اختصاص بالأشجار نعم لو قال متعلق العمل كان قريبا (وقوله) إلا أن المساقاة لازمة
إلى آخره لا يخفي على الناظر أن لفظ الكتاب استثناء محققا ثم الغرض منه بيان أن العقدين يشتركان
102

في الأكثر ويفترقان في الأقل وذكر في افتراقهما مسائل (إحداهما) المساقاة ليس لأحد المتعاقدين
فسخها بخلاف القراض لان العمل في المساقاة يقع في أعيان تبقى بحالها وفي القراض لا تبق الأعيان
بعد العمل والتصرف فكان القراض شبيها بالوكالة والمساقاة بالإجارة وأيضا فانا لو حكمنا بالجواز فربما
يفسخ المالك بعد العمل وقبل ظهور الثمار وحينئذ فاما أن نقطع حق العامل عنها أو لانقطع إن
قطعناه ضاع شقاء العامل مع بقاء تأثيره في الثمار وانه ضرر وان لم نقطعه لم ينتفع المالك بالفسخ بل
يتضرر لحاجته إلى القيام ببقية الأعمال ويخالف القراض فان الربح ليس له وقت معلوم ولا تأثيره
بالأعمال السابقة فلا يلزم من فسخه ما ذكرناه (الثانية) المساقاة لابد من تأقيتها كالإجارة وسائر
103

العقود اللازمة وهذا لأنها لو تأبدت لتصور من ليس بمالك بصور المالكين وفيه إضرار بالمالكين
وأيضا فان المساقاة تفتقر إلى مدة يقع فيها التعهد وخروج الثمار ولحصول الثمار غاية معلومة يسهل ضبطها
والقراض يخل به التأقيت لان الربح ليس له وقت معلوم فربما لا يحصل في المدة المقدرة (الثالثة)
هل يملك العامل نصيبه من الثمار بالظهور فيه طريقان (إحداهما) انه على القولين في ربح مال القراض
(وأظهرهما) القطع بأنه يملك والفرق أن الربح وقاية لرأس المال عن الخسران فلا يملك الربح حتى
يسلم رأس المال عن الخسران المحوج إلى الجبران والثمر ليست وقاية للأشجار *
قال (وللأشجار ثلاث شرائط (الأول) أن يكون نخيلا أو كرما * وفيما عداهما من الأشجار
104

المثمرة قولان * وكل ما يثبت أصله في الأرض فشجر إلا البقل (و) فإنه يلتحق بالزرع والبطيخ
والباذنجان وقصب السكر وأمثاله) *
المساقاة على النخل وردت بها السنة والكرم في معناها (وأما) غيرها من النبات فينقسم
إلى ماله ساق والى غيره (القسم الأول) ماله ساق وهو على ضربين الأول ماله ثمر كالتين والجوز
واللوز والمشمش والتفاح ونحوها وفيها قولان القديم وبه قال مالك وأحمد أنه تجوز المساقاة عليها
للحاجة كالنخل والكرم وأيضا فقد روى أنه صلى الله عليه وسلم " عامل أهل خيبر بالشطر مما يخرج من النخل
والشجر " (1) والجديد المنع لأنها أشجار لا زكاة في ثمارها فأشبهت الأشجار الواقعة في الضرب
105

الثاني وتخالف النخيل والكرم لان ثمارها لا تكاد تحصل الا بالعمل وسائر الأشجار يثمر من غير
تعهد وعمل عليها ولان الزكاة تجب في ثمرتها فجوزت المساقاة سعيا في تثميرها ليرتفق بها المالك
والعامل والمساكين جميعا ولان الخرص يتأتى في ثمرتها لظهورها وتدلى عنا قيدها وثمار سائر الأشجار
تنتشر وتستتر بالأوراق فإذا تعذر الخرص تعذر تضمين الثمار للعامل وربما لا يثق المالك بأمانته
فاذن تجويز المساقاة عليها أهم وفي الشجر المقل وجهان تفريعا على الجديد (عن) ابن سريج تجويز المساقاة
عليها تخريجا لظهور ثمرتها (وقال) غيره بالمنع لأنه لا زكاة فيها (والضرب الثاني) مالا ثمرة له كالدلب
والصنوبر وما أشبههما فلا تجوز المساقاة عليها وعن الشيخ أبى على وآخرين انا إذا جوزنا المساقاة
106

على غير النخل والكرم من الأشجار المثمرة ففي المساقاة على شجر الفرصاد وجهان تنزيلا لأوراقها
منزلة ثمار الأشجار المثمرة وكذلك في شجر الخلاف لأغصانها التي تقصد كل سنة أو سنتين (والقسم
الثاني) مالا ساق لها من النبات فلا تجوز المساقاة عليه ومنه البطيخ والقثاء وقصب السكر والباذنجان
والبقول التي لا تثبت في الأرض ولا تجز إلا مرة (وأما) ما يثبت في الأرض ويجز مرة بعد أخرى
نقل صاحب التتمة فيه وجهين (الأصح) المشهور المنع لان المساقاة جوزت رخصة على خلاف القياس
فلا تتعدى إلى غير موردها ومن هذا القبيل الزروع على تنوعها فلا يجوز أن يعامل على الأرض
ببعض ما يخرج من زرعها على ما سنشرحه في الفصل الذي يلي هذا الفصل (وقوله) في الكتاب
107

وفيما عداه من الأشجار المثمرة قولان فيه لفظان الشجرة والأثمار أما الأثمار ففي التقييد به بيان انه
إذا لم يكن الشجر مثمرا لم تجز المساقاة عليه جزما وليس ذلك محل القولين (وأما) الشجر فقد بينه
بقوله وكل ما ثبت أصله فشجر أي هو الذي يجرى فيه القولان (أما) مالا ثبات له فلا يقع عليه
اسم الشجر وليس ذلك موضع القولين (وقوله) إلا البقل يعني أنه مع ثبوت عروقه في الأرض لا يقع
عليه اسم الشجر ولا يجرى فيه القولان فكان اسم الشجر مخصوصا بذي الساق في عرف اللسان
قال الله تعالى (والنجم والشجر يسجدان) قيل في التفسير النجم مالا ساق له من النبات والشجر
ماله ساق فلا يبعد اعلام قوله إلا البقل بالواو للوجه المروى في التتمة *
108

قال (ولا يجوز (و) هذه المعاملة عليه لنهيه عليه الصلاة والسلام عن المخابرة وهي أن يكون
البذر من العامل * وعن المزارعة وهي (و) أن يكون البذر من المالك * نعم يجوز ذلك على الأراضي
المتخللة بين النخيل والكرم تبعا للمساقاة بشرط اتحاد العامل وعسر افراز الأراضي بالعمل * فلو
وقعت متغايرة بتعدد الصفقة أو بتفاوت الجزء المشروط من الزرع والثمر أو بكثرة الأراضي وان عسر
افرازها بالعمل أو بكون البذر من العامل ففي بقاء حكم التبعية في الصحة خلاف) *
المخابرة من الخبير وهو الأكار ويقال هي مشتقة من الخبار وهي الأرض الرخوة ثم ذهب
بعض الأصحاب إلى أن المخابرة المزارعة عبارتان عن معبر واحد ويوافقه قوله في الصحاح والخبير
109

الأكار ولفظ المخابرة وهي المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض والصحيح وهو ظاهر نص الشافعي
رضي الله عنه انهما عقدان مختلفان فالمخابرة هي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر
من العامل والمزارعة هي هذه المعاملة والبذر من مالك الأرض وقد يقال المخابرة اكتراء الأرض ببعض
ما يخرج منها والمزارعة اكتراء العامل ليزرع الأرض ببعض ما يخرج منها وهذا المعنى لا يختلف
ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب وهو أن يكون البذر على العامل وكذا وهي أن يكون البذر من
المالك بالواو إشارة إلى قول من قال هما عبارتان عن معبر واحد فان عند ذلك القائل ليس واحدا
من هذين الخصومين بداخل في واحد من اللفظين بل هما عبارتان عن مجرد المعاملة على الأرض
110

ببعض ما يخرج منها وقد اشتهر في الاخبار النهى عن المخابرة " قال ابن عمر كنا نخابر ولا نرى بذلك
بأسا حتى أخبرنا رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه فتركناها لقول رافع " (1) وعن جابر وغيره
أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهي عن المخابرة " (2) وأما المزارعة فعن رواية ثابت بن الضحاك أن
النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن المزارعة " (3) وقال كثيرون لم يرد فيها نهى لكنها شبهت
بالمخابرة فأبطلت وساعدنا على ابطال المخابرة والمزارعة معا مالك وأبو حنيفة وأبطل أحمد المخابرة
وكذلك المزارعة فيجوز أن يعلم لذلك قوله في الكتاب فلا تجوز هذه المعاملة عليه كذلك بالواو
لان ابن سريج فيما حكاه المسعودي جوز المزارعة إذا تقرر ذلك فمهما أفردت الأرض مخابرة
111

أو مزارعة فالعقد باطل ثم إن كان البذر للمالك فالريع له وللعامل أجرة مثل عمله وأجرة مثل الآلات
والثيران إن كانت له وإن كان للعامل فالريع له ولمالك الأرض أجرة مثل الأرض على العامل وإن كان
البذر بينهما فالريع بينهما ولكل واحد منهما على الاخر أجرة ما انصرف من المنافع المستحقة له إلى
جهة المزارعة وإذا أراد أن يكون الزرع بينهما على وجه مشروع من غير أن يرجع أحدهما على الاخر
شئ نظر إن كان البذر بينهما والأرض لأحدهما والعامل والآلات للثاني فعن الشافعي رضي الله عنه
أن صاحب الأرض يعير نصف أرضه من العامل ويتبرع العامل بمنفعة بدنه ومنفعة آلاته فيما يتعلق
بصاحب الأرض وقال المزني يكرى صاحب الأرض نصف أرضه من العامل بعشرة مثلا ويكرى
112

العامل ليعمل على نصيبه بنفسه وآلاته بعشرة ويتقاصان قال الأصحاب يكريه نصف أرضه بنصف منافع
العامل ومنافع آلاته المصروفة إلى الزراعة فهذه ثلاث طرق (والثالث) أحوطها وإن كان البذر
لأحدهما خاصة فإن كان لصاحب الأرض أقرض نصف البذر من العامل واكترى منه نصف الأرض
بنصف عمله ونصف منافع الآلات وحينئذ لا شئ لأحدهما على الاخر إلا رد القرض وان شاء استأجر
العامل بنصف البذر ونصف منفعة تلك الأرض ليزرع له النصف الآخر وأعار منه نصف الأرض وإن
شاء استأجر بنصف البذر بنفقة تلك الأرض ليزرع ما يبقى من ذلك البذر في تلك الأرض وإن كان
البذر للعامل فان شاء أقرض نصف البذر من صاحب الأرض واكترى منه نصف الأرض
بنصف عمله ومنافع الآلات وان شاء اكترى نصف الأرض بنصف البذر ويتبرع بعمله ومنافع الآلات
وان شاء اكترى منه نصف الأرض بنصف البذر ونصف عمله ونصف منافع الآلات ولابد في هذه
113

الإجارات من رعاية الشرائط كرؤية الأرض والآلات وتقدير المدة وغيرها هذا إذا أفردت الأرض
بالعقد أما إذا كان بين النخيل بياض تجوز المزارعة عليه مع المساقاة على النخيل وعلى ذلك يحمل ما روى
أنه صلى الله عليه وسلم " ساقى أهل خيبر على نصف التمر والزرع " (1) وسببه الحاجة لعسر الافراد
ومداخلة البستان وشرط فيه اتحاد العامل فلا يجوز أن يساقي واحد ويزرع آخر لان غرض الاستقلال
لا يحصل ويشترط أيضا تعذر افراد النخيل بالسقي وأفراد البياض بالعمل لانتفاع النخيل بسقيه وتغليته
فان أمكن الافراد لم تجز المزارعة على البياض واختلفوا في اعتبار أمور أخر (أحدها) اتحاد الصفقة واعلم
أن لفظ المعاملة يشمل المساقاة والمزارعة فلو قال عاملتك على هذه النخيل والبياض بينهما بالنصف كفى
(وأما) لفظ المساقاة والمزارعة فلا يغنى أحدهما عن الاخر بل يساقي على النخيل ويزارع على البياض
وحينئذ فان قدم المساقاة نظر ان أتى بها على الاتصال فقد اتحدت الصفقة وتحقق الشرط وان فصل بينهما
114

ففي وجه تصرح المزارعة لحصولهما لشخص واحد والأصح المنع لأنها تبع ولا يجوز افرادها كما لو زارع
مع غير عامل زارع المساقاة وان قدم المزارعة فسدت فان البائع لا يتقدم على المتبوع كما لو باع
بشرط الرهن لا يجوز تقديم شرط الرهن على البيع وفيه وجه أنها تنعقد موقوفة أن ساقاه
بعدها على النخيل بأن صحتها وإلا فلا (والثاني) لو شرط للعامل من الثمر النصف ومن الزرع
الربع فأحد الوجهين أنه لا يجوز ويشترط تساوى المشروط لان الفضيل يبطل التبعية ألا ترى أنه
لو باع شجرة عليها ثمرة لم يبد فيها الصلاح وقال بعتك الشجرة بعشرة والثمرة بدينار لم يجز إلا بشرط
القطع (وأصحهما) الجواز لان المزارعة وان جوزت تبعا للمساقاة فكل منهما عقد برأسه (والثالث)
لو كثر البياض المتخلل فوجهان وان عسر الافراد (أحدهما) المنع لان الأكثر لا يتبع الأقل
(وأصحهما) الجواز لان الحاجة لا تختلف ثم النظر في الكثرة إلى زيادة الثمار والانتفاع أو إلى ساحة
115

البياض وساحة مغارس الأشجار فيه تردد للأئمة (والرابع) لو شرط كون البذر من العامل جاز
في أحد الوجهين وكانت المخابرة تبعا للمساقاة كالمزارعة ولم تجز في أصحهما لان الخبر ورد في المزارعة
وهي أشبه بالمساقاة لأنه لا يتوظف فيهما على العامل إلا العمل وشرط أن يكون البذر من المالك
والثور من العامل أو بالعكس فيه وجهان عن أبي عاصم العبادي (والأصح) الجواز إذا كان البذر
مشروطا على المالك لأنه الأصل فكأنه اكترى العامل وثوره (قال) وان حكمنا بالجواز فيما إذا
شرط الثور على المالك والبذر على العامل فينظر ان شرط الحب والتبن بينهما جاز وكذا لو شرط
الحب بينهما والتبن لأحدهما لاشتراكهما في المقصود وان شرط التبن لصاحب الثور المالك والحب
للاخر لم يجز لان المالك هو الأصل فلا يحرم المقصود وإن شرط التبن لصاحب البذر وهو العامل
(فوجهان) وقيل لا يجوز شرط الحب لأحدهما والتبن للاخر أصلا لأنه شركة مع الانقسام
116

فأشبه ما إذا ساقاه على الكروم والأشجار وشرط ثمار الكروم لأحدهما وثمار الأشجار للاخر
(واعلم) أنهم أطلقوا القول في المخابرة بوجوب أجرة المثل للأرض لكن في فتاوى القفال
والتهذيب وغيرهما أنه لو دفع أرضا إلى رجل ليغرس أو يبنى أو يزرع فيه من عنده على أن
تكون بينهما على النصف فالحاصل للعامل وفيما يلزمه من أجرة الأرض وجهان (أحدهما) أن
الواجب نصف الأجرة لان نصف الغراس كأن يغرسه لرب الأرض باذنه فكأنه رضى ببطلان
نصف منفعته من الأرض (وأصحهما) وجوب الجميع لأنه لم يرض ببطلان نصف المنفعة إلا إذا
حصل له نصف الغراس فإذا لم يحصل وانصرف كل المنفعة للعامل استحق كل الأجرة فاذن ما أطلقوه
في المخابرة اقتصار منهم على الأصح ثم العامل يكلف نقل البناء والغراس إن لم تنقص قيمتها وان
نقصت لم يقلع مجانا للاذن ويتخير مالك الأرض فيهما تخير المعير والزرع يبقى إلى الحصاد ولو زرع
117

العامل البياض بين النخيل من غير عقد قلع زرعه مجانا وعن مالك رضي الله عنه أنه إن كان
دون ثلث البستان كان تابعا وإذا لم نجوز المساقاة على ما سوى النخيل والكروم من الأشجار
المثمرة على الانفراد ففي جوازها تبعا للمساقاة كالمزارعة وجهان *
قال (الثاني أن لا تكون الثمار بارزة * وان ساقى بعد البروز (م) فسد على القديم وصح على
الجديد لأنه عن الغرر أبعد إذ العوض موثوق به) *
لو أخر هذا الشرط إلى الركن الثاني لكان جائزا أو أحسن وفقهه أن في جواز المساقاة بعد خروج
الثمار قولين رواية البويطي المنع لان الثمرة إذا ظهرت وملكا رب البستان كأن شرط شئ منها
كشرط شئ من النخيل وأيضا مقصود المساقاة أن تخرج الثمار بعمله وفي الام أنه جائز وبه قال
مالك وأحمد وهو الأصح لأن العقد والحالة هذه أبعد عن الغرر والوثوق بالثمار فهو أولى بالجواز
118

وفي موضع القولين ثلاثة طرق جمعها من شرح مختصر الجويني (أظهرها) أن القولين فيما إذا لم يبد
الصلاح فيها فأما بعده فلا تجوز بلا خلاف لان تجويز المساقاة لتربية الثمار وتنميتها وهي بعد الصلاح
لا تتأثر بالأعمال (والثاني) إجراء القولين فيما إذا بدا الصلاح وفيما إذا لم يبد ما لم يتناه نضجها فان
تناه ولم يبق إلا الجذاذ لم يجز بلا خلاف (والثالث) إجراء القولين في جميع الأحوال وهذه قضية
إطلاق المصنف فأما إذا كان بين النخيل بياض تجوز المزارعة عليه تبعا فلو كان فيه زرع موجود ففي
جواز المزارعة وجهان بناء على هذين القولين ويجوز اعلام قوله في الكتاب فسد بالميم والألف لما
119

ذكرناه من مذهبهما وتعبيره عن القولين بالقديم والجديد شئ اتبع فيه الامام ولم يتعرض الجمهور
لذلك ولا يمكن تنزيل القديم على رواية البويطي فان كتابه معدود من الجديد (وقوله) إذ العوض
موثوق به أي عوض العمل وهو الثمار *
قال (الثالث أن تكون الأشجار مرئية وإلا فهو باطل للغرر * وقيل إنه على قولي بيع الغائب) *
هل يشترط في المساقاة رؤية الحديقة والأشجار فيه طريقان (أحدهما) أنه على قولي بيع الغائب
(وثانيهما) القطع بالاشتراط وابطال العقد عند عدم الرؤية لان المساقاة عقد غرر من حيث أن العوض
120

معدوم في الحال وهما جاهلان بمقدار ما يحصل وبصفته فلا يحتمل فيه غرر عدم الرؤية أيضا وايراد
الكتاب يقتضى ترجيح هذه الطريقة *
قال (الركن الثاني الثمار وليكن مخصوصا بما شرط على الاستبهام معلوما (و) بالجزئية لا بالتقدير
كما في القراض) *
ويشترط في الثمار أن تكون مخصوصة بالمتعاقدين ومشتركة بينهما ومعلومة وأن يكون العلم
بها من حيث الجزئية دون التقدير وهي بعينها شروط الربح في عقد القراض فلو شرط
بعض الثمار لثالث فسد العقد وكذا لو قال ساقيتك على أن كل الثمار لك أو كلها لي وفى
استحقاق الأجرة عند شرط الكل للمالك وجهان كما في القراض (قال) المزني وهو الأصح لا أجرة له
لأنه عمل مجانا (وقال) ابن سريج يستحقها لان المساقاة تقتضي العوض فلا تسقط بالتراضي كالوطئ في
النكاح ولو قال ساقيتك على أن لك جزءا من الثمار فسد أيضا ولو قال على أنها بيننا أو على أن نصفها لي
121

وسكت عن الباقي أو على أن نصفها لك وسكت عن الباقي أو على أن ثمرة هذه النخلة أو النخلات لك
أولى والباقي بيننا أو على أن صاعا من الثمرة لك أولى والباقي بيننا فكل ذلك كما في القراض وقوله
في الكتاب مشروطه على الاستبهام أي على الاشتراك وقد استعمل الاستبهام والمساهمة بمعنى الاشتراك
والمشاركة وإن كان الأصل في الاستبهام الاقتراع وهذا بدل قوله في القراض عند ذكر شروط الربح
مشتركا وقد تقرأ هذه اللفظة على الاستبهام ذهابا منه إلى أن المراد منه ضد التعيين والتقدير ليخرج عنه
ما إذا شرط ثمرة نخلة بعينها لأحدهما والتقدم بصاع وما أشبهه لكن الأول أولى لان هذا معنى قوله
بالجزئية لا بالتقدير ويجوز اعلامه بالواو لان صاحب التتمة حكى وجها في صحة المساقاة إذا شرط
كل الثمرة للعامل لغرض القيام وتعهد الأشجار وتربيتها *
قال (ولو ساقى على ودي غير مغروض ليغرسه فهو فاسد (و) فإنه كتسليم البذر * وإن كان مغروسا
وقدر العقد بمدة لا يثمر فيها فهو باطل * وإن كان يتوهم وجود الثمار فان غلب الوجود صح (و) * وان
122

غلب العدم فلا (و) * وان تساوى الاحتمالات فوجهان * ثم إن ساقى عشر سنين وكانت الثمرة لا تتوقع
إلا في العاشرة جاز فيكون ذلك في مقابلة كل العمل كالأشهر في سنة واحدة) *
إذا ساقاه على ودي ليغرسه ويكون الشجر بينهما فالعقد فاسد لأنه كتسليم البذر في المزارعة وان
قال لتغرسه وتتعهد الشجرة مدة كذا على أن تكون الثمرة الحاصلة بيننا فهو فاسد أيضا لأنه قد
لا يعلق ولا حاجة إلى احتمال هذا النوع من الضرر وأيضا فالغراس ليس من أعمال المساقاة فضمنه إليها
كضمنه غير التجارة إلى عمل القراض وإذا عمل العامل في هذا العقد الفاسد استحق أجرة المثل إن كانت
الثمار متوقعة في تلك المدة والا فعلى ما ذكرنا من خلاف المزني وابن سريج وفي المسألة وجه أن الحكم
كما لو كان الودي مغروسا وساقاه عليه لان الحاجة قد تدعو إليه في المساقاة وابعد منه وجه عن حكاية
صاحب التقريب فيما إذا شرط بعض الشجرة للعامل ولو ساقاه على ودي مغروس نظر إن قد للعقد
مدة لا يثمر فيها في العادة لم تصح المساقاة لخلوها عن العوض وكالمساقاة على الأشجار التي لا تثمر وإذا
123

عمل ففي استحقاق أجرة المثل الخلاف السابق قال الامام هذا إذا كان عالما بأنها لا تثمر فيها وإن كان
جاهلا قطعنا باستحقاق الأجرة وإن قدرت بمدة يثمر فيها غلبا صح ولا بأس بخلو أكثر سنى المدة عن
الثمرة مثل ن يساقيه عشر سنين والثمرة لا تتوقع إلا في العاشرة وتكون هي بمثابة الأشهر من السنة
الواحدة ثم إن اتفق انها لم تثمر لم يستحق العامل شيئا كما لو قارضه فلم يربح أو ساقاه على النخيل المثمرة
فلم تثمر فان قدره بمدة يحتمل ان لا تثمر فوجهان (أصحهما) المنع وبه قال أبو إسحاق
لأنه عقد على عوض غير موجود ولا غالب الوجود فأشبه السلم في معدوم إلى وقت يحتمل أن يوجد
فيه ويحتمل خلافه (والثاني) يصح ويكتفى بالاحتمال ورجاء الوجود فعلى هذا إن أثمرت استحق والا فلا
شئ له وعلى الأول يستحق أجرة المثل لأنه عمل طامعا هذه الطريقة التي ذكرها عامة الأصحاب
وعلوا توقع حصول الثمرة على ثلاث مراتب كما فصلنا ونسب الامام هذه الطريقة إلى القاضي وحكى
طريقتين أخرتين (إحداهما) أنه ان غلب عدمها في تلك المدة بطل وإلا فوجهان (الثانية) ان غلب وجودها
124

صح وإلا فوجهان فيجوز أن يعلم للأولى قوله فان غلب الوجود صح بالواو وللثانية قوله فان غلب
العدم فلا (واعلم) أن صور الفصل مبنية على تجويز المساقاة أكثر من سنة وهو الصحيح وستعرف
ما فيه من الخلاف *
(فرع) دفع إليه وديا ليغرسه في أرض نفسه على أن يكون الغراس للدافع والثمار بينهما فهو
فاسد أيضا ولصاحب الأرض أجرتها على العامل *
قال (ولو قال ساقيتك على أن لك من الصيحاني نصفه ومن العجوة ثلثه لم يصح إلا إذا عرف
مقدار الأشجار * وإن شرط النصف منهما لم يشترط معرفة الاقدار * ولو ساقاه على إحدى الحديقتين
لا بعينهما * أو على أنه إن سقى بماء السماء فله الثلث أو بالدالية فله النصف فهو فاسد لتردده
بين جهتين) *
إذا كان في الحديقة نوعان من الثمر فصاعدا كالصيحاني والعجوة والدقل فساقي مالكها رجلا
125

على أن له من الصيحاني النصف ومن العجوة السدس أو الثلث نظر ان علما قدر كل نوع جاز كما لو
ساقاه على حديقتين على أن له النصف من هذه والثلث من هذه وان جهلا أو أحدهما لم يجز لما فيه
الغرر فان المشروط فيه أقل الجزأين قد يكون أكثر النصيبين ومعرفة كل نوع من الأشجار إنما
يكون بالظن والتخمين دون التحقيق وان ساقاه على أن له النصف أو الثلث من الكل صحت المساقاة
وان جهلا أو أحدهما قدر كل نوع قال ابن الصباغ والفرق أن قدر حقه من ثمرة الحديقة ههنا معلوم
بالجزئية وإنما المجهول النوع والصفة وهناك القدر مجهول أيضا لاحتمال اختلاف ثمرة النوعين في القدر
وحينئذ يكون قدر ماله من ثمرة الكل مجهولا لان المستحق على أحد التقديرين نصف الأكثر وثلث
الأقل وعلى الثاني ثلث الأكثر ونصف الأقل والأول أكثر من الثاني ومعلوم أن الجهل بالقدر أشد
ولو ساقاه على إحدى الحديقتين من غير تعيين أو على أنه ان سقى بماء السماء فله الثلث أو بالدالية فله
النصف لم يصح للجهل بالعمل والعوض وهو كما لو قارضه على أنه ان تصرف وربح كذا فله النصف أو
126

كذا فله الثلث ولو ساقاه على حديقة بالنصف على أن يساقيه على أخرى بالثلث أو سنة أخرى أو على أن
يساقيه العامل على حديقته فهو فاسد وهل تصح المساقاة (الثانية) قال في التهذيب ان عقدها على شرط
العقد الأول لم تصح والا فتصح وقد مر نظيره في الرهن *
قال (ولو ساقى شريكه في الحديقة وشرط له زيادة صح ان استبد بالعمل * وان شارك
الاخر بالعمل فلا) *
حديقة بين اثنين على السواء ساقى إحداهما الاخر وشرط له زيادة على ما كان يستحقه بالملك كما إذا
شرط له ثلثي الثمرة فالعقد صحيح وقد دفع إليه نصيبه بثلث ثمرته وإن شرط له نصف الثمار أو ثلثها لم يصح لأنه
يثبت له عوضا بالمساقاة إذ النصف مستحق له بالملك بل يشترط عليه في الصورة الثانية أن يترك بعض
ثمرته أيضا وإذا عمل في الصورتين ففي استحقاقه الأجرة اختلاف المزني وابن سريج ولو شرط له
جميع الثمرة فسد العقد وهل له الأجرة فيه وجهان لأنه لم يعمل له الا أنه انصرف إليه ولو شرط في المساقاة
127

مع الشريك بان يتعاونا على العمل فسدت وإن أثبت له زيادة على ما يستحقه بالملك كما لو ساقى أجنبيا
على هذا الشرط ثم تعاونا واستويا في العمل فلا اجرة لواحد منهما على الاخر وأن تعاونا فإن كان
عمل من شرط له زيادة أكثر استحق على الاخر الحصة من عمله وإن كان عمل الاخر أكثر ففي
استحقاقه الأجرة خلاف المزني وان سريج وقوله في الكتاب صح ان استبد بالعمل وإن شاركه
الاخر في العمل فلا ليس فيه تعريض للاشتراك لكنه محمول عليه معناه فان شرط مشاركة الاخر أما
المعاونة من غير شرط فهي غير ضائرة وكذا قوله إن استبد بالعمل معناه أن افاده العقد بالاستبداد
بشرط الاستبداد أو باطلاق العقد ولو ساقى شريكا الحديقة رجلا وشرطا له جزأ من ثمرة الحديقة جاز وان
لم يعلم العامل نصيب كل واحدا منهما وان قالا على أن لك من نصيب أحدنا النصف ومن نصيب الاخر
الثلث من غير تعين لم يجز فإن عينا فان علم نصيب كل واحد منهما جاز والا فلا *
(فرعان) الأول لو كانت الحديقة لواحد وساقى اثنين على أن لأحدهما نصف الثمرة وللآخر ثلثها أما
128

في صفقة أوفي صفقتين جاز إذا تميز من له النصف ومن له الثلث (الثاني) حديقة بين ستة أسداسا ساقوا
عليها واحدا على أن له من نصيب أحدهم النصف ومن نصيب الثاني الربع ومن الثالث ومن الرابع
الثلثين ومن الخامس الثلث ومن السادس السدس فحسابه إن مخرج النصف والربع يدخلان في مخرج الثمن
ومخرج الثلثين والثلث يدخلان في مخرج السدس فتبقى ستة وثمانية وبينهما موافقة بالنصف نضرب نصف
أحدهما في جميع الاخر يكون أربعة وعشرين نضربه في عدد الشركاء وهو ستة يبلغ مائة وأربعة وأربعين
129

لكل واحد منهم أربعة وعشرين يأخذ العامل ممن شرط له النصف اثنى عشر ومن الثاني ستة ومن
الثالث ثلاثة ومن الرابع ستة عشر ومن الخامس ثمانية ومن السادس أربعة فيجتمع له تسعة وأربعون
ويبقى الملاك على تفاوتهم فيه خمسة وسبعون *
قال (الركن الثالث العمل وشرطه أن لا يضم إليه عمل ليس من جنس المساقاة * وأن لا يشترط
مشاركة المالك معه في اليد بل يستبد العامل باليد * ثم لو شرط دخول المالك أيضا لم يضر (و) *
وأن لا يشترط عمل المالك معه بل ينفرد بالعمل * ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك صح على النص *
130

ثم النفقة على المالك إلا إذا شرط على العامل ففي جوازه وجهان * ووجهه المنع أنه قطع نفقة المالك
عن الملك * ولو شرط أن يستأجر العامل بأجرة على المالك ولم يبق للعامل الا الدهقنة والتحذق في
الاستعمال ففيه وجهان) *
شروط عمل المساقاة قريبة من شروط عمل القراض وان اختلفا في الجنس منها أنه لا يشترط
عليه عمل ليس من جنس اعمال المساقاة ومنها أن يستبد العامل باليد في الحديقة ليتمكن من العمل متى
شاء فلو شرط كونها في يد المالك أو مشاركته في اليد لم تجز ولو سلم المفتاح إليه وشرط المالك الدخول
131

عليه فوجهان أصحهما وهو المذكور في الكتاب أنه لا يضر بحصول الاستقلال والتمكن من العمل
ووجه الثاني أنه إذا دخل كانت الحديقة في يده وقد يتعوق بحضوره عن العمل ومنها إن نفرد العامل
بالعمل فلو شرط إن يشاركه المالك في العمل فسد العقد ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك فالنص الجواز
وللأصحاب فيه طريقان أحدهما أنه على وجهين كما ذكرنا في القراض ومن منع حمل النص على ما إذا شرط
أن يعمل الغلام ما يتوظف على المالك من الأعمال كحفر الأنهار وبناء الحيطان وأظهرهما الجواز جزما والفرق
بين المساقاة والقراض أن في المساقاة بعض الأعمال على المالك وله باعتبار ذلك يدور مداخلة فجاز ان يشترط
132

فيه عمل غلامه وفي القراض لاعمل على المالك أصلا فلا يجوز شرط عمل غلامه والمسألة مصورة فيما
إذا كان الشرط أن يعاونه ويكون تحت يده أما إذا شرط أن يكون التدبر للغلام ويعمل العامل برأيه
أو أن يعملا ما أنفق رأيهما عليه لم تجز بلا خلاف ثم إن جوزنا فلابد من معرفة الغلام بالرؤية أو الوصف
(وأما) نفقته ففي جواز شرطها على العامل وجهان (أحدهما) المنع لما فيه من قطع نفقة المالك على
الملك وبهذا قطع المسعودي (وأظهرهما) الجواز لان العمل في المساقاة على العامل ولا يبعد أن
يلتزم مؤنة من يعمل معه ويعاونه كاستئجار من يعمل معه وعلى هذا فهل يجب تقديرها فيه وجهان
133

(أحدهما) نعم فيبين ما يدفع إليه كل يوم من الخبز وإلا دام (والثاني) لا وبه أجاب الشيخ أبو حامد
بل يحمل على الوسط المعتاد لأنه يتسامح بمثل ذلك في المعاملات ولو شرط أن تكون النفقة على
المالك جاز وعن مالك منعه وان شرطاها في الثمار قال في التهذيب لا يجوز لان ما يبقى يكون مجهولا
وقال صاحب الافصاح يجوز لأنه قد يكون ذلك من صلاح المال ويشبه أن يكون ذلك يتوسط
فيقال إن شرطاهما من جزء معلوم بأن يتعاقدا بشرط أن يعمل الغلام على أن يكون ثلث الثمار للمالك
وثلثها للعامل ويصرف الثلث الثالث إلى نفقة الغلام فهو جائز وكان المشروط للمالك ثلثاها وان
134

شرطاها في الثمار من غير تقدير جزء لم يجز وان لم يتعرضا للنفقة أصلا فالمشهور انها على المالك بحكم
الملك وذكر صاحب الافصاح وراءه احتمالين (أحدهما) أنها تكون من الثمرة (والثاني) أنه يفسد
العقد وفي المهذب ذكر وجه أنها تكون على العامل لان العمل عليه وليس للعامل استعمال الغلام في
135

عمل نفسه إذا فرغ من عمل الحديقة ولو شرط أن يعمل له بطل العقد ولو كان له برسم الحديقة
غلمان يعملون فيها لم يدخلوا في مطلق المساقاة لأنه ربما يريد تفريغهم لشغل آخر و عن مالك انهم
يدخلون فيه ولو شرط استئجار العامل من يعمل معه من الثمرة بطل العقد لان قضية المساقاة أن
تكون الأعمال ومؤناتها على العامل ولأنه لا يدرى أن الحاصل للعامل كم هو حتى لو شرط له ثلثي
136

الثمرة ليصرف الثلث إلى الاجراء ويخلص له الثلث فعن القفال أنه يصح فإذا امتنع شرط الإجارة في
الثمرة فأولى أن يمتنع شرط أدائها من سائر أموال المالك هذا ما ذكره المزني وعامة الأصحاب ونقل صاحب
الكتاب وجهين فيما إذا شرط أن يستأجر بأجرة على المالك وأشار بقوله ولم يبق للعامل إلا الدهقنة
والتحذق في الاستعمال إلى توجيه الجواز معناه أن المالك قد لا يهتدى إلى الدهقنة واستعمال الاجراء
أولا يجد من يباشر الأعمال أو من لا يأتمنه فتدعو الحاجة إلى أن يساقى من يعرف ذلك لينوب عنه
في الاستعمال *
137

قال (ويشترط تأقيت المساقاة لأنها لازمة فيضر التأييد * وليعرف العمل جملة * ثم ليعرف
بالسنة العربية * فان عرف بادراك الثمار جاز على الأصح * فان عرف بالعربية فبرزت الثمار في آخر
المدة ولم تدرك في المدة فالعامل شريك فيها) *
اشتراط التأقيت في المساقاة قد سبق ذكره في أول الباب ويتعلق هذا الركن به من جهة أن
العمل يجب تعريفه ببيان المدة دون التعيين والتفصيل ثم إن أقتت بالأشهر أو السنين العربية فذاك
وان أقتت بادراك الثمار فوجهان (أحدهما) أنه لا يجوز لأنه قد يتقدم تارة ويتأخر أخرى فليقدر بما
138

تقدر به الإجارات والآجال في العقود (والثاني) لا يجوز لأنه المقصود من هذا العقد ألا ترى أنه لو
أقت بالزمان كان الشرط أن يعلم أو يظن الادراك فيه فإذا تعرض للمقصود كان أولى وهذا أصح عند
صاحب الكتاب والأول أصح عند الأكثرين وهو المذكور في التهذيب وإذا قلنا بالثاني فلو قال
ساقيتك سنة وأطلق فيحمل على سنة عربية أو على سنة الادراك فيه (وجهان) زعم الشيخ أبو الفرج
السرخسي أن أصحهما الثاني وإذا قلنا بالأول لو أقت بالزمان فأدركت الثمار وبعض المدة باقية وجب على
139

العامل أن يعمل في تلك البقية ولا أجرة له وان انقضت المدة وعلى الأشجار طلع أو بلح فللعامل نصيبه
منها وعلى المالك التعهد إلى الادراك فان حدث الطلع بعد المدة فلا حق له فيه وجواز المساقاة أكثر
من سنة على الأقوال التي نذكرها في جواز الإجارة أكثر من سنة وإذا جوزنا فهل يجب أن يعين
حصته كل سنة أم يكفي قوله ساقيتك على النصف لاستحقاق النصف كل سنة فيه وجهان أو
قولان كما في الإجارة وفي المهذب طريقة أخرى قاطعة بوجوب البيان لان الاختلاف في الثمار يكثر
وفي المنافع يقل ولو فاوت بين الجزء المشروط في السنتين لم يضر وفيه وجه أنه على الخلاف فيما إذا
140

أسلم في جنس إلى أجال ولو ساقاه سنتين وشرط له ثمرة سنة بعينها والأشجار بحيث تثمر كل سنة لم
يصح لأنها ربما لا تثمر تلك السنة فلا يكون للعامل شئ أو إلا تلك السنة فلا يكون للمالك شئ
ويخالف ما لو ساقاه على ودي عشر سنين والثمرة لا تتوقع إلا في العاشرة لتكون هي بينهما انه شرط
له سهما من جميع الثمرة ولو أنه أثمر قبل سنة التوقع لم يستحق العامل منها شيئا (وقوله) في الكتاب
وليعرف العامل عمله لا ينبغي ان يقرأ على الامر لأنه حينئذ يكون المراد منه أنه لا يشترط تفصيل
الأعمال وهذا قد ذكره آخر الباب فيلزم التكرار وأيضا فان المسألة لا تتعلق بركن العمل ولكنه
141

معطوف على قوله لأنها لازمة المعنى أنه يشترط تأقيت المساقاة للزومها وليكون التأقيت معرفا للعمل
مقدرا بجملته (وقوله) ثم ليعرف بالسنة العربية المراد ليعرف بالزمان وذكر العربية يجرى على سبيل
التمثيل لا لتخصيص التأقيت بها فان التأقيت بالرومية وغيرها جائز إذا علماها فإذا أطلقا لفظ السنة
انصرف إلى العربية وكذا سبيل قوله وان عرفت بالعربية *
142

قال (الركن الرابع الصيغة (و) فيقول ساقيتك على هذه النخيل بالنصف أو عاملتك فيقول
قبلت * فلو عقد بلفظ الإجارة لم يصح على الأظهر (و) لفقد شرط الإجارة * ولا يشترط (و) تفصيل
الأعمال فان العرف يعرفها) *
يجوز أن يعلم قوله الركن الرابع بالواو للوجه المكتفى به العقود بالتراضي والمعاطاة وكذا في القراض
وغيره ثم أشهر صيغ هذا العقد أن يقول ساقيتك على هذه النخيل بكذا أو عقدت معك عقد المساقاة
143

قال الأئمة وتنعقد بكل لفظ يؤدى معناها كقوله سلمت إليك نخلي لتتعدها على أن يكون لك كذا
أو عمل هذه النخيل أو تعهد نخيلي بكذا وهذا يجوز أن يكون جوابا على أن مثله من العقود ينعقد
بالكتابة ويجوز أن يكون ذهابا إلى أن هذه الألفاظ صريحة ونظيره أنا على رأى يقول صرائح
الرجعة غير محصورة ويعتبر القبول في المساقاة ولا تجئ فيها الوجوه المذكورة في القراض والوكالة للزومها
هكذا قال الامام وصاحب الكتاب ولو تعاقدا بلفظ الإجارة فقال المالك استأجرتك لتعهد نخيلي
144

بكذا من ثمارها فيه وجهان جاريان في الإجارة بلفظ المساقاة (أحدهما) الصحة لما بين العقدين من
المشابهة واحتمال كل واحد من اللفظين معني الاخر (وأظهرهما) المنع لان لفظ الإجارة صريح في غير
المساقاة فان أمكن تنفيذه في موضعه نفذ فيه والا فهو إجارة فاسدة والخلاف نازع إلى أن الاعتبار
باللفظ أو المعني ولو قال ساقيتك على هذه النخيل بكذا ليكون أجرة لك فلا بأس لسبق لفظ المساقاة
هذا إذا قصد بلفظ الإجارة المساقاة أما إذا قصد الإجارة نفسها فينظر إن لم تخرج الثمرة لم يجز لان
الشرط أن تكون الأجرة في الذمة أو موجودة ومعلومة وان خرجت فان بدا الصلاح فيها جاز سواء
شرط ثمرة نخلة معينة أو جزء شائعا هكذا أطلقوه لكن يجئ فيه ما سنذكره في مسألة قفيز الطحان
145

وأخواتها فإن لم يبد فيها الصلاح فان شرط له ثمرة نخلة بعينها جاز بشرط القطع وكذا لو شرط كل
الثمار له وان شرط جزء شائعا لم يجز وان شرط القطع لما سبق في البيع وإن عقد بلفظ المساقاة
فالصحيح وهو المذكور في الكتاب أنه لا حاجة إلى تفصيل الأعمال بل يحمل في كل ناحية على
عرفها الغالب وفيه وجه أنه يجب تفصيلها لان العرف يكاد يضطرب وما ذكرناه فيما إذا علم المتعاقدان
العرف المحمول عليه فان جهلا أو أحدهما وجب التفصيل لا محالة
146

(الباب الثاني في أحكامها)
قال (وحكمها وجوب كل عمل يتكرر في كل سنة وتحتاج إليه الثمار من السقي والتقليب
وتنقية الابار (و) والأنهار وتنحية الحشيش المضر والقضبان وتصريف الجريد وتسوية الجرين ورد
الثمار إليه * ومالا يتكرر في كل سنة ويعد من الأصول فهو على المالك كحفر الابار والأنهار الجديدة
وبناء الحيطان ونصب الدولاب وأمثاله * وفي أجرة الناطور وجذاذ الثمرة وردم ثلمة يسيرة في طرف
الجدار خلاف)
147

غرض الفصل بيان ما يجب على عامل المساقاة من الأعمال ومالا يجب وكل عمل تحتاج إليه
الثمار لزيادتها أو اصلاحها ويتكرر كل سنة فهو على العامل وإنما اعتبر التكرار كل سنة لان مالا
يتكرر كل سنة يبقى أثره وفائدته بعد ارتفاع المساقاة وتكليف العامل مثل ذلك إجحاف به فمن
هذا القبيل السقي وما يتبعه من اصلاح طريق الماء والأجاجين التي يقف فيها الماء وتنقية الابار
والأنهار من الحمأة ونحوها وإدارة الدولاب وفتح رأس الساقية وسدها عند السقي على ما يقتضيه الحال
وفي تنقية النهر وجهان آخران (أحدهما) أنها على المالك كحفر أصل النهر (والثاني) عن أبي إسحاق
المروزي أنها على من شرطت عليه من المتعاقدين فإن لم يذكراها فسد العقد وعنه تطييب الأرض
148

بالمساحي وتكريتها في المزارعة قال في التتمة وكذا تقويتها بالزبل وذلك بحسب العادة ومنها التلقيح
والطلع الذي يلقح به على المالك لأنه عين مال وإنما يكلف العامل العمل ومنه تنحية الحشيش المضر
والقضبان المضرة بالشجر وذكر الشافعي رضي الله عنه تصريف الجريد والجريد سعف النخل وحاصل
ما قاله الأزهري وغيره في تصريف الجديد شيئان (أحدهما) قطع ما يضر تركه يابسا وغير يابس
(والثاني) ردها عن وجوه العناقيد وتسوية العناقيد بينها لتصيبها الشمس وليتيسر قطعها عند الادراك
ومنه تعريش الكرم حيث جرت العادة به قال في التتمة ووضع الحشيش فوق العناقيد صونا لها عن
الشمس عند الحاجة وفي حفظ الثمار وجهان (أظهرهما) وهو الذي ذكره ابن الصباغ وغيره أنه على
149

العامل كما أن حفظ المال في المضاربة على العامل فإن لم يحفظ بنفسه فعليه مؤنة من يحفظ وأقيسهما
أنه على المالك والعامل جميعا بحسب اشتراكهما في الثمرة وهذا لان الذي يجب على العامل ما يتعلق
باستزادة الثمار وتنميتها ويجرى الوجهان في حفظ الثمار عن الطيور والزنابير بان يجعل كل عنقود في
قوصرة فيلزمه ذلك على الأظهر عند جريان العادة والقوصرة على المالك وفي جذاذ الثمار وجهان
(أحدهما) أنها لا تجب على العامل لوقوعه بعد كمال الثمار (وأصحهما) الوجوب لان الصلاح به يحصل
وهذا ما أورده الأكثرون وعن الرقم طرد الوجهين في تجفيف الثمار والظاهر وجوبه إذا اضطردت
العادة به أو شرطاه وإذا وجب التجفيف وجب تهيئة موضع التجفيف وتسويته ويسمى البيدر والجرين
150

ونقل الثمار إليه وتقليبها في الشمس من وجه إلى وجه وأما مالا يتكرر كل سنة ويقصد به حفظ الأصول
فهو من وظيفة المالك وذلك كحفر الأنهار والآبار الجديدة والتي انهارت بها الحيطان ونصب الأبواب
والدولاب ونحوها وردم الثلم اليسيرة التي تنفق في الجدران فيه وجهان كما في تنقية الأنهار والأشبه
اتباع العرف وكذلك في وضع الشوك على رؤس الجدران وجهان والآلات التي يوفى بها العمل كالفأس
والمعول والمنجل والمسحاة والثيران والعدان في المزارعة والثور الذي يدير الدولاب على المالك وفيه وجه
أنها على من شرط المتعاقدين ولا يجوز السكوت عنها وهذا ما أورده أبو الفرج السرخسي في الأمالي
ويحكى عن أبي إسحاق وخراج الأرض الخراجية على المالك وكذلك كل عين تتلف في العمل بلا
خلاف وكل ما يجب على العامل يجوز له استئجار المالك عليه ويجئ فيه وجه آخر ولو شرط على
151

المالك في العقد بطل العقد وكذلك ما يجب على المالك لو شرط على العامل بطل العقد ولو فعله العامل
بغير إذن لم يستحق شيئا وإن فعل بإذن المالك استحق الأجرة * واعلم أن جميع ما ذكرناه مبني على
الصحيح في أن تفصيل الأعمال لا يجب في العقد فان أوجبناه فالمتبع الشرط إلا أنه لا يجوز أن يكون
الشرط مغيرا وضع العقد هذا فقه الفصل وأما ما يتعلق بالكتاب خاصة فليعلم قوله وتنقية الابار والأنهار
بالواو واعترض من شرح هذا الكتاب في موضعين من الفصل (أحدهما) أن لفظ الكتاب
وتصريف الجرين ورد الثمار إليه والشافعي رضي الله عنه إنما ذكر تصريف الجريد بالدال قال
والصواب أن يكتب وتصريف الجريد وتسوية الجرين ورد الثمار إليه (والثاني) أنه جعل الجذاذ
من المختلف فيه وأنه على العامل بالاتفاق فلك أن تقول (أما الثاني) فدعوى الاتفاق وهم والوجهان
152

مسطوران في المهذب والتهذيب والرقم وغيرها (وأما الأول) فقد عرفت أن التجفيف قد يحوج
إلى تسوية الجرين وحمل التصريف على التسوية ليس يبعد فاذن لا ضرورة إلى تغيير نظم الكتاب
وغايته أن يكون تصريف الجريد مسكوتا عنه على أن قوله وتنحية الحشيش المضر والقضبان ما يفيد
بعض معناه وقوله وفي أجرة الناظور المراد منه مؤنة الحفظ والناظر والناظور حافظ الكروم والجمع
النواظر ذكر أن النظرة هي الحفظ بالعين وقد يقال ناطور بالطاء غير المعجمة *
قال (وإذا هرب العامل قبل تمام العمل استقرض القاضي عليه أو استأجر من يعمل عليه *
فان عمل المالك بنفسه سلم الثمار للعامل وكان هو متبرعا * وكذا لو استأجر عليه إذ ليس له أن
153

يحكم لنفسه * ولو عجز عن الحاكم فكمثل (و) إن لم يشهد على الاستئجار * وإن أشهد فوجهان *
ثم له أن يفسخ إذا عجز ويسلم إلى العامل أجرة مثل ما عمل قبل الهرب فان تبرع أجنبي
بالعمل فله أن يفسخ إذ قد لا يرضى بدخوله ملكه * وإن عمل الأجنبي قبل أن يشعر به المالك سلم
الثمار للعامل وكان الأجنبي متبرعا عليه لا على المالك) *
نصدر المسألة بقول جملي وهو أن بناء هذا الفصل والذي يليه على أن المساقاة لازمة على ما مر
لا كالقراض ثم نقول إذا هرب العامل قبل تمام العمل ينظر إن تبرع المالك بالعمل أو بمؤنته بقي
استحقاق العامل مجانا وإلا رفع الامر إلى الحاكم وأثبت عنده المساقاة لينفذ في طلبه فان وجده أجبره
154

على العمل والا استأجر عليه من يعمل ومم يستأجر إن كان العامل مال فمنه والا فإن كان بعد بدو
الصلاح باع نصيب العامل كله أو بعضه بحسب الحاجة من المالك أو من غيره واستأجر بثمنه وإن كان
قبل بدو الصلاح اما قبل خروج الثمرة أو بعده استقرض عليه من مالك أو من أجنبي أو من
بيت المال واستأجر به ثم يقضيه العامل إذا رجع أو يقضى من نصيبه من الثمرة بعد بدو الصلاح أو
الادراك ولو وجد من يستأجره بأجرة مؤجلة توفى بالأجرة استغنى عن الاستقراض وحصل الغرض
وان عمل المالك بنفسه أو أنفق عليه ليرجع نظر ان قدر على مراجعة الحاكم فلم يفعل فهو متبرع
لا رجوع له وان لم يقدر فإن لم يشهد عليه لم يرجع أيضا الا أن لا يمكنه الاشهاد ففيه وجهان وربما
155

حكى وجه مطلق أنه يرجع فان أشهد فأصح القولين أنه يرجع للضرورة (والثاني) لا يرجع والآصار
حاكما لنفسه على غيره وننبه ههنا لفائدتين (إحداهما) الوجهان في الرجوع إذا لم يمكنه الاشهاد
قريبان من الوجهين فيما إذا أشهد للعجز عن الحاكم للعذر والضرورة لكن الذي رجحه الجمهور انه
إذا لم يشهد لا يرجع من غير فرق بين الامكان وعدم الامكان ويجوز أن يكون سببه ان عدم امكان
الاشهاد نادر لا يعتد به (والثانية) الاشهاد المعتبر أن يشهد على العمل أو الاستئجار وانه بذل ذلك
بشرط الرجوع وأما الاشهاد على ذلك من غير التعرض للرجوع فهو كترك الاشهاد قاله في الشامل
وإذا أنفق المالك بإذن الحاكم ليرجع فيه وجهان (وجه المنع) انه متهم في حق نفسه فالطريق أن
156

يسلم المال إلى الحاكم ليأمر غيره بالانفاق ولو استأجره لباقي العمل ففيه وجهان أيضا بناء على ما لو أجر
داره ثم أكراها من المكترى ومتى تعذر اتمام العمل بالاستقراض تمم بغيره فإن لم تخرج الثمرة بعد
فللمالك فسخ العقد وعن ابن أبي هريرة أنه لا يفسخ ولكن يطالب الحاكم من يساقى عن العامل
فربما يفضل له شئ والمذهب الأول لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه فأشبه ما إذا أبق العبد المبيع قبل
القبض فان خرجت الثمرة فهي مشتركة فان بدا الصلاح فيها بيع نصيب العامل كله أو بعضه بقدر
ما يستأجر به من يعمل وإن لم يبد الصلاح وقد تعذر بيع بعضه أو كله لان شرط القطع في الشائع
لا يغني فأما أن يبيع المالك نصيبه معه يشترط القطع في الكل وأما أن يشترى المالك نصيبه فيجوز
157

على أحد الوجهين في أن بيع الثمار قبل بدو الصلاح من صاحب الشجرة يستغنى عن شرط القطع فإن لم
يرغب في بيع ولا شراء وقف الامر حتى يصطلحا ويتفرع على ثبوت الفسخ قبل خروج الثمرة
فرعان (أحدهما) إذا فسخ غرم للعامل أجرة مثل ما عمل ولا يقال تتوزع الثمار على أجرة مثل جميع
العمل إذا الثمار ليست معلومة عند العقد حتى يقتضى التوزيع فيها (والثاني) لو جاء أجنبي وقال
لا تفسح لاعمل نيابة عن العامل لم تلزمه الإجابة لأنه قد لا يأتمنه ولا يرضى بدخوله ملكه نعم لو عمل
نيابة عنه من غير شعور المالك حتى حصلت الثمار سلم للعامل نصيبه منها وكان الأجنبي متبرعا عليه
هذا ما ذكروه وقيل إذا وجد من يتبرع بالعمل كان كما لو وجد مال له يستأجر منه أو وجد من
158

يقرض حتى لا يجوز للمالك الفسخ لكان قريبا (وقوله) في الكتاب ولو عجز عن الحاكم فكمثل
ان لم يشهد يجوز أن يعلم بالواو للوجه المطلق وللوجه المخصوص بما إذا لم يشهد لعدم الامكان
(وقوله) ثم له أن يفسخ العقد مطلق لكن موضعه ما إذا لم تخرج الثمرة كما قررناه كذلك أورده
الأكثرون وفي المهذب أنه يفسخ فإذا فسخ نظر إن لم تخرج الثمرة فللعامل الأجرة فان خرجت فهي
159

بينهما وهذا يوافق اطلاق الكتاب لكن لا يكاد يفرض للفسخ بعد خروج الثمار فائدة ثم هو معلم
بالواو لوجه ابن أبي هريرة والعجز عن العمل بالمرض ونحوه كالهرب *
قال (فان مات العامل تم (و) الوارث العمل من تركته * فإن لم يكن تركة فله أن يتمم
من ماله لأجل الثمار * فان أبى (وم) لم يجب عليه شئ إذا لم يكن تركة وسلم إليه أجرة العمل
الماضي وفسخ العقد للمستقبل) *
إذا مات مالك الأشجار في أثناء المدة لم تنفسخ المساقاة بل يستمر العامل على شغله ويأخذ
نصيبه من الثمار وان مات العامل في المساقاة اما أن تكون واردة على عين العامل أو في الذمة ان
وردت على عينه انفسخت بموته كما لو مات الأجير المعين تنفسخ الإجارة وإن كانت في الذمة فقد
160

روي وجه انها تنفسخ وكأنه موجه بأنه ربما لا يرضى بيد غيره وتصرفه والصحيح وعليه يتفرع كلام
الكتاب لا تنفسخ كالإجارة وعلى هذا فينظر إن خلف العامل تركة يقتسم الوارث العمل بأن
يستأجر منها من يعمل وإلا فان أتم الوارث بنفسه أو أستأجر من ماله من يتم فعلى المالك تمكينه
إن كان أمينا مهتديا إلى اعمال المساقاة ويسلم له المشروط فأن أبى لم يجبر عليه وعن رواية القاضي
أبى حامد وصاحب التقريب وجه آخر انه يجبر عليه لقيامه مقام المورث وحكى هذا عن مالك
والمذهب الأول لان منافعه خالص حقه وإنما يجبر على توفية ما على المورث من تركته نعم لو خلف
تركة وامتنع الوارث من الاستئجار منها استأجر الحاكم وإن لم يخلف تركة فلا يستقرض على الميت
161

بخلاف الحي إذا هرب ومهما لم يتم العمل فالقول في ثبوت الفسخ وفي الشركة وفصل الامر إذا
خرجت الثمار كما ذكرنا في الهرب واعلم أن ما ذكرناه من انقسام المساقاة إلى ما يرد على العين وإلى
ما يتعلق بالذمة مبنى على ظاهر المذهب في صحة النوعين وتردد بعضهم في صحة المساقاة على العين لما
فيه من التضييق *
(فرع) نقل صاحب التتمة أنه إذا لم تثمر الأشجار أصلا أو تلفت الثمار كلها بجائحة أو
نصب فعلى العامل اتمام العمل وإن تضرر به كما أن عامل القراض يكلف التنضيض وإن ظهر الخسران
162

في المال ولم ينل إلا التعب وهذا أشبه مما ذكره في التهذيب أنه إذا هلكت الثمار كلها بالجائحة
ينفسخ العقد إلا أن يزيد بعد تمام العمل وتكامل الثمار قال وإن هلك بعضها فالعامل بالخيار بين أن
يفسخ العقد ولا شئ له وبين أن يجيز ويتم العمل ويأخذ نصيبه من الباقي *
قال (وان ادعى المالك سرقة أو خيانة على العامل فالقول قول العامل فإنه أمين * فان
ثبتت خيانته ينصب (و) عليه مشرف وعليه (و) أجرته إن ثبت بالبينة خيانته * وإن لم يكن
حفظه بالمشرف أزيلت (م و) يده واستؤجر عليه) *
163

دعوى المالك الخيانة والسرقة على العامل في الثمار أو السعف لا تقبل حتى يبين قدر ما خان فيه
ويحرر الدعوى فإذا حررها وأنكر العامل فالقول قوله مع يمينه وقوله في الكتاب فإنه أمين قد
يستدرك عليه فان الأمانة غير مؤثرة في هذا الحكم بل القول قول المدعى عليه في نفى المدعى
أمينا كان أو لم يكن فالذي ذكره المزني في جواب المسائل التي فرعها على أصل الشافعي رضي الله عنه
في المختصر أن يستأجر عليه من يعمل عنه وقال في موضع آخر يضم إليه أمين يشرف عليه
وبه قال مالك رضي الله عنه فجعلهما بعضهم قولين والجمهور نزلوهما على حالين إن أمكن حفظه بضم
164

مشرف إليه قنع به وإلا أزيلت يده بالكلية واستؤجر عليه من يعمل عنه وهذا ما أورده في
الكتاب ثم إذا استؤجر عليه فالأجرة في ماله لان العمل مستحق عليه (أما) أجرة المشرف فكذلك
الجواب فيها على المشهور في التتمة أن ذلك مبنى على أن مؤنة الحفظ على العامل لان المقصود من
ضم المشرف إليه الحفظ (اما) إذا قلنا إن الحفظ عليهما فكذلك أجرة المشرف وإذا عرفت ما ذكرناه جاز
لك إعلام أزيلت يده واستؤجر عليه بالميم وكذلك بالواو ومع قوله وينصب عليه مشرف لطريقة
165

القولين وقوله وعليه اجرته لما ذكرناه في التتمة وقوله إن ثبتت بالبينة خيانته غير محتاج إليه إذ
لافرق في وجوب الأجرة عليه بين أن تثبتت خيانته بالبينة أو بالاقرار أو اليمين بعد النكول وقد
ذكر في الوسيط أن اجرة المشرف على العامل ان ثبتت خيانته باقراره أو ببينة والا فعلى المالك فسوى
بين البينة والاقرار وقوله والا فعلى الملك فيه اشكال لأنه إذا لم تثبتت خيانته فما ينبغي أن يتمكن
المالك من ضم المشرف إليه لما فيه من ابطال استقلاله باليد *
166

قال (فان خرجت الأشجار مستحقة فللعامل أجرة عمله على الغاصب فإن كانت الثمار باقية
أخذها المستحق * فان تلف غرم العامل ما قبضه لنصيبه ضمان (و) المشترى فإنه أخذه في معاوضة
* ونصيب المساقى * وكذا الأشجار إذا تلفت يطالب بها الغاصب * وفي مطالبة العامل بها وجهان
من حيث إن يده لم تثبت عليه مقصودا بخلاف المودع * فان طولب رجع (و) به على الغاصب
رجوع المودع) *
167

الأشجار التي وردت المساقاة عليها إذا خرجت مستحقة أخذها المالك مع الثمار إن كانت
باقية وأن جففاها ونقصت القيمة بالتجفيف استحق الأرش أيضا ويرجع العامل على الغاصب الذي
ساقاه بأجرة المثل كما إذا غصب نقرة فاستأجر رجلا ليضربها دراهم يأخذها المالك ويرجع الضراب
بالأجرة على الغاصب وفيه وجه أنه لا أجرة له تخريجا على قولي الغرور لأنه هو الذي أتلف منفعة
نفسه وتشبيها بفوات الثمار بالاستحقاق بفواتها في المساقاة الصحيحة بجائحة وان اقتسما الثمار
واستهلكاها فاما نصيب العامل فالمالك بالخيار بين ان يطالب بضمانه الغاصب أو العامل وقرار
168

الضمان على العامل لأنه أخذه عوضا في معاوضة فأشبه المشترى من الغاصب وذكر في التتمة أن
بعض الأصحاب ذكر في المسألة على ما إذا أطعم الغاصب المالك الطعام المغصوب فيجئ من هذا
وجه ان القرار على الغاصب (وأما) نصيب الغاصب فللمستحق مطالبته بها وفي مطالبة العامل وجهان
(أظهرهما) عند المعظم المطالبة بثبوت يده عليها كما لا يطالب عامل القراض إذا خرج مال القراض مستحقا
وكما يطالب المودع من الغاصب (والثاني) المنع لان يده لم تثبت عليه مقصودا بخلاف المودع بل يد
العامل مستدامة حكما وهو نائب في الحفظ والعمل كأجير يعمل في حديقة وعلى الوجهين يخرج ما إذا
تلفت جميع الثمار قبل القسمة بجائحة أو غصبت فان أثبتنا يد العامل عليها فهو يطالب بضمانها وإلا فلا ولو
تلف شئ من الأشجار ففيه هذان الوجهان (وإذا قلنا) بأن العامل مطالب بنصيب الغاصب فإذا غرمه
169

ففي رجوعه على الغاصب الخلاف المذكور في رجوع المودع والظاهر أنه يرجع وهذا الذي ذكره صاحب
الكتاب ومواضع العلامات في الفصل غير خافية (ومنها) قوله ضمان المشترى فإنه قصد به الإشارة
إلى الاستقرار وفيه ما حكاه صاحب التتمة (وقوله) ونصب المساقى أراد به ههنا الغاصب الذي هو في
صورة المالك وقد يسمى العامل مساقيا لان كل واحد من المفاعلة مفاعل ولو حذف لفظ الغاصب
من قوله يطالب به الغاصب من لكان أقرب إلى الفهم لأنه إذا اختلف اللفظ أذهب الوهم إلى اختلاف
المعنى والمراد من المساقى هو الغاصب *
قال (وإن اختلف المتعاقدان في قدر الجزء المشروط تحالفا (م) كما في القراض)
170

إذا اختلف المتعاقدان في قدر المشروط للعامل ولا بينة تحالفا كما ذكرنا في القراض وإذا تحالفا وتفاسخا
قبل العمل في شئ للعامل وإن كان بعده فللعامل أجرة مثل عمله وعن مالك رضي الله عنه أنهما
لا يتحالفان بعد العمل بل القول قوله العامل وعن أحمد إن القول قول المالك وإن كان لأحدهما بينة
قضى له فإن كان لكل واحد منهما بينة (فان قلنا) بالتهاتر وهو الأصح فكما لو لم تكن بينة فيتحالفان
(وان قلنا) بالاستعمال فيقرع بينهما ولا يجرى قول الوقف والقسمة لان الاختلاف في العقد والعقد لا يوقف
ولا يقسم وقيل يجئ قول القسمة في القدر المختلف فيه فينقسم بينهما نصفين ولو ساقاه شريكا الحديقة
ثم قال العامل شرطنا لي نصف الثمار وصدقه أحدهما (وقال) الثاني بل شرطنا الثلث فنصيب المصدق
171

يقسم بينه وبين العامل وفي نصيب المكذب الحكم بالتحالف ولو شهد المصدق للمكذب أو للعامل
قبلت شهادته لأنه لا يجر بها نفعا ولا يدفع بها ضررا وإذا اختلف في قدر الأشجار المعقودة عليها أو في رد
شئ من المال أو هلاكه فالحكم على ما ذكرنا في القراض *
(فروع) أحدها إذا بدأ الصلاح في الثمرة فان وثق المالك بالعمل تركها في يده إلى وقت الادراك
فيقسمان حينئذ إن جوزناها أو يبيع أحدهما نصيبه من الثاني أو يبيعان من ثالث فإن لم يثق به وأراد تضمينه
التمر أو الزبيب فيبنى على أن غيره أو تضمين ان جعلتا غيره لم يجز وأن جعلنا تضمين فالأصح جوازه كما في الزكاة وقد
172

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه خرص على أهل خيبر " (1) وقيل لا يجوز لأنه بيع الرطب بالتمر مع تأخر أحد العوضين
ويخالف الزكاة لأنها مبنية على المسامحة وكذا قضية خيبر لأنه يتسامح في معاملات الكفار مالا يتسامح
في غيرها ويجرى الخلاف فيما لو أراد العامل تضمين المالك بالخرص (الثاني) إذا انقطع ماءا كبستان
وأمكن رده ففي تكليف المالك السقي وجهان (أحدهما) لا يكلف كما لا يجبر أحد الشريكين على
الضمان وكما لا يجبر المكرى على عمارة الدار المكراة (والثاني) يكلف لأنه لا يتمكن العامل من العمل إلا به
فأشبه ما إذا استأجره لقصارة ثوب بعينه يكلف تسليمه إليه فعلى هذا لو لم يسع في رده لزمه للعامل أجرة
عمله فإن لم يمكن رد الماء فهو كما لو تلفت الثمار بجائحة (الثالث) السواقط وهي السقف التي تسقط
من النخل يختص بها المالك وما يتبع الثمرة فهو بينهما (قال) الشيخ أبو حامد ومنه الشماريخ
173

(الرابع) دفع بهيمته إلى غيره ليعمل عليها وما رزق الله عز وجل فهو بينهما فالعقد فاسد
لان البهيمة يمكن اجارتها فلا حاجة إلى إيراد عقد عليها فيه غرر ولو قال تعهد هذه الأغنام
على أن يكون لك درها ونسلها فكذلك لان الدر لا يحصل بعمله ولو قال اعتلف هذه
من عندك ولك النصف من درها ففعل وجب بدل العلف على صاحب الشاة والقدر
المشروط من الدر لصاحب العلف مضمون في يده لحصوله بحكم بيع فاسد والشاة غير
مضمونة لأنها غير مقابلة بالعوض ولو قال خذ هذه الشاة واعلفها لتسمن وذلك نصفها ففعل
فالقدر المشروط منها لصاحب العلف مضمون عليه دون الباقي (الخامس) قال في التتمة
إن كانت المساقاة في الذمة فاللعامل أن يعامل غيره لينوب عنه ثم أن شرط له من الثمار مثل
ما شرط المالك له أو دونه فذاك وان شرط له أكثر من ذلك فعلى الخلاف في تفريق الصفقة
ان جوزناه وجبت للزيادة أجرة المثل وان لم نجوزه فالجميع له وإن كانت المساقاة على عينه
174

لم يكن له أن ينيب ويعامل غيره فلو فعل انفسخت المساقاة بشركة العمل وكانت الثمار كلها
للمالك ولا شئ للعامل والعامل الثاني إن كان عالما بفساد العقد فلا شئ له والا ففي استحقاقه
أجرة المثل ما ذكرناه في خروج الثمار مستحقة *
(كتاب الإجارة * وفيه ثلاثة أبواب)
(الباب الأول في أركان صحتها)
قال (وهي بعد العاقدين ولا يخفى أمرهما ثلاثة (الأول) الصيغة وهي أن يقول أكريتك
الدار أو أجرتك فيقول قبلت * ويقوم مقامهما (و) لفظ التمليك ولكن يشترط أن يضيف إلى
المنفعة فيقول ملكتك منفعة الدار شهرا * والظاهر (و) أن لفظ البيع لا يقوم مقام التمليك لأنه
موضوع لملك الأعيان) *
175

نفتتح الباب بمقدمات (إحداها) أنه سيعمل في هذا العقد لفظتان (إحداهما) الإجارة وهذه اللفظة وان
اشتهرت في العقد فهي في اللغة اسم للأجرة وهي كراء الأجير وذكر الجبان في الشامل أن يقال
لها إجارة أيضا بالواو ويقال استأجرت دار فلان وأجر لي داره ومملوكه يؤجرها إيجازا فهو مؤجر وذاك
مؤجر ولا يقال مؤاجر ولا آجر (أما) المؤاجر فهو من قولك أجر الأجير مؤاجرة كما يقال زارعه وعامله
وأجر هذا فاعل وأجر داره أفعل فاعل ولا يجر منه مفاعل (وأما) الاجر فهو فاعل قولك أجره يأجره
يأجيره ويأجره أجرا إذا أعطاه أجرا وقولك أجره إذا صار أجيرا له وقوله تعالى (على أن تأجرني
ثماني حجج) فسره بعضهم بالمعني الأول فقال تعطيني من تزويجي إياك رعى الغنم هذه المدة
وبعضهم بالثاني فقال تصير أجرى وإذا استأجرت عاملا لعمل فأنت أجر بالمعني الأول لأنك تعطى
176

الأجرة وهو آجر بالمعني الثاني لأنه يصير أجيرا لك وأجره إليه لغة في آجره أي أعطاه اجره والأجير
فعيل بمعني مفاعل كالجليس والنديم هذا تلخيص ما ذكره أئمة اللغة (والثانية) الاكراء يقول أكريت
177

الدار فهي مكراة ويقال اكتريت واستكريت وتكاريت بمعنى رجل مكارى والكرى على
فعيل المكارى والمكترى أيضا والكراء وان اشتهر اسما للأجرة فهي في الأصل مصدر كاريت
178

(المقدمة الثانية) أصل هذا العقد من الكتاب قوله تعالى (فان أرضعن لكن فآتوهن أجورهن)
وقصة موسى وشعيب عليهما السلام ومن الخبر نحو قوله صلى الله عليه وسلم " أعطوا الأجير أجرته
179

قبل أن يجف عرقه " (1) ومن الأثر فيما روى أن عليا عليه السلام " أجر نفسه من يهودي يستقى له
180

كل دلو بتمرة " (1) ثم الحاجة داعية إليه ظاهرة وهو متفق على صحته الا ما يحكى فيه عن عبد الرحمن
ابن كيسان الأصم والقاشاني (مقدمة أخرى) اختلف الأصحاب في أن المعقود عليه في الإجارة ماذا فعن أبي إسحاق
وغيره أن المعقود عليه العين ليستوفى منها المنفعة لان المنافع معدومة ومورد العقد يجب
181

أن يكون موجودا وأيضا فان اللفظ مضاف إلى العين ألا ترى أنك تقول أجرتك الدار وقال
المعظم العين غير معقود عليها لان المعقود عليه ما يستحق بالعقد ويجوز التصرف فيه والعين ليست
182

كذلك فان المعقود عليه المنفعة وبه قال أبو حنيفة رضي الله عنه ومالك وعليه يستوف قول الجمهور
إن الإجارة تمليك المنافع بعوض ثم حققوا ذلك بان عين الثوب مثلا تتعلق به ثلاثة أمور (أحدها)
183

صلاحيته لان يلبس (والثاني) الفائدة الحاصلة باللبس كاندفاع الحر والبرد (الثالث) نفس اللبس المتوسط
184

بينهما واسم المنفعة يقع عليهما جميعا ومورد العقد المستحق إنما هو الثالث ويشبه أن لا يكون
ما حكيناه خلافا محققا لان من قال المعقود عليه العين لا يعني به أن العين تملك بالإجارة كما تملك
بالبيع ألا ترى أنه قال المعقود عليه العين لاستيفاء المنفعة ومن قال المعقود عليه المنفعة لا يقطع الحق
185

عن العين بالكلية بل تسلم العين وامساكها مدة العقد لينتفع بها * وإذا عرفت هذه المقدمات فالإجارة
تنقسم إلى صحيحة وإلى غيرها وإذا صحت ترتب عليها أحكام ودامت إلى انتهاء مدتها الا أن
يفرض ما يقتضى فسخا أو انفساخا فالكلام في ثلاثة مقاصد أدرجها المصنف في ثلاثة أبواب (أحدها)
186

في أركان صحة الإجارة (والثاني) في أحكامها إذا صحت (والثالث) في العوارض المقتضية للفسخ
والانفساخ (أما الباب الأول) فقد نخطر لك أولا مترجمة بأركان الصحة فأضاف الأركان إلى الصحة
وكذلك فعل في القراض وأضاف في البيع وأكثر العقود الأركان إلى نفسها فهل لذلك من سبب
187

والجواب أنه لافرق بين عقد وعقد في الأمور المسماة أركانا فإذا أضيفت إلى نفس العقد فعلى المعنى
الذي حكيناه عن الوسيط في أول البيع وان أضيفت إلى الصحة فعلى المعنى الذي ذكرناه آخرا هناك
وهي أنها أمور معتبرة في الصحة على صفة مخصوصة (وثانيها) أنه عد الأركان دون العاقدين ثلاثة
188

وفي البيع مع المتعاقدين ثلاثة وسببه أنه في البيع أخذ المعقود عليه بمطلقه ركنا وأنه يشمل العوضين
وهاهنا جعل كل واحد منهما ركنا برأسه ولافرق في الحقيقة وقوله في العاقدين ولا يخفي أمرهما أشار
به إلى ما يعتبر فيهما من العقل والبلوغ كما تقدم في سائر التصرفات * (الركن الأول الصيغة) وهي
189

أن تقول أكريتك هذه الدار أو أجرتكها مدة كذا بكذا فيقول على الاتصال قبلت أو استأجرت
أو اكتريت ولو أضافهما إلى المنفعة فقال أكريتك منافع هذه الدار أو أجرتكها فوجهان (أظهرهما) وبه
أجاب في الشامل أنه يجوز ويكون ذكرا لمنفعته ضربا من التأكيد كما لو قال بعتك عين هذه الدار
ورقبتها يصح البيع (والثاني) المنع وهو الذي أورده في الكتاب لان لفظ الإجارة وضع مضافا إلى العين
190

وإن كان العقد في الذمة فقال ألزمت ذمتك كذا فقال قبلت جاز وأغني عن الإجارة والاكراء وإن تعاقدا
بصيغة التمليك نظر إن أضافها إلى المنفعة فقال ملكتك منفعتها شهرا جاز لان الإجارة تمليك منفعة
بعوض ولو قال بعتك منفعة هذه الدار شهرا فأحد الوجهين وبه قال ابن سريج أنه يجوز لان الإجارة
صنف من البيع (وأظهرهما) المنع لان البيع موضوع لملك الأعيان فلا يستعمل في المنافع كما لا ينعقد البيع
191

بلفظ الإجارة هذا هو النقل الظاهر (وقوله) في الكتاب ووراءه شيئان غريبان (أحدهما) طرد صاحب
التهذيب الوجهين في قوله بعتك منفعة هذه الدار فيما لو قال ملكتك منفعتها (والثاني) حكي أبو العباس
الروياني طريقة قاطعة بالمنع فيما إذا قال بعتك منفعة هذه الدار ويجوز أن يعلم للأول (قوله في الكتاب
192

ويقوم مقامها لفظ التمليك ولو قال ملكتك أو بعتك هذه الدار لم تنعقد به الإجارة *
قال (الركن الثاني الأجرة) فإن كانت في الذمة فهي كالثمن حتى يتعجل (ح م) بمطلق
العقد * وإن كان معينا فهو كالمبيع فيراعى شرائطه فلو أجر دارا بعمارتهما أو بدراهم معلومة بشرط
صرفها إلى العمارة بعمل المستأجر فهو فاسد لان العمل في العمارة مجهول * ولو كانت الأجرة صبرة
مجهولة جار كما في البيع * وقيل إنه على قولين كما في رأس مال السلم) *
193

الإجارة تنقسم إلى واردة على العين كما إذا استأجر دابة بعينها ليركبها أو يحمل عليها أو
شخصا بعينه لخياطة ثوب والى واردة على الذمة كما إذا استأجر دابة موصوفة المركوب أو للحمل أو
قال ألزمت ذمتك خياطة ثوب أو بناء جدار فقبل وقوله استأجرتك لكذا أو لتفعل كذا وجهان
194

(أظهرهما) أن الحاصل به إجارة عين للإضافة إلى المخاطب كما لو قال استأجرت هذه الدابة (والثاني)
ويحكى عن اختيار القاضي حسين أن الحاصل إجارة في الذمة لان المقصود حصول العمل في جهة
المخاطب فكأنه قال استحققت عليك كذا وإنما تكون إجارة عين على هذا إذا راد فقال استأجرت
195

عينك أو نفسك لكذا أو لتعمل بنفسك كذا وإجارات العقارات لا تكون إلا من القسم الأول لأنها
لا تثبت في الذمة ألا ترى أنه لا يجوز السلم في دار ولا أرش وإن وردت الإجارة على العين لم تجب
الأجرة في المجلس كما لا يجب تسليم الثمن في البيع ثم إن كانت في الذمة فهي كالثمن في الذمة في جواز
196

الاستبدال وفى أنه إذا شرط فيها التأجيل أو التنجيم كانت مؤجلة أو منجمة وإن شرط التعجيل كانت
معجلة وإن أطلق ذكرها تعجلت أيضا وملكها المكرى بنفس العقد واستحق استيفاءها إذا سلم
العين إلى المستأجر وبهذا قال قال أحمد وقال أبو حنيفة ومالك لا تملك الأجرة عند الاطلاق بنفس العقد
197

كما لا يملك المستأجر المنفعة فإنها معدومة ولكن يملكها شيئا فشيئا كذلك الأجرة إلا أن المطالبة كل
لحظة مما يعسر فضبط أبو حنيفة باليوم وقال كلما مضى يوم طالبه بأجرته وهذا رواية عن مالك رضي الله عنه
قال في رواية لا يستحق أخذ الأجرة حتى تنقضي المدة بتمامها * لنا أن الأجرة عوض في معاوضة تتعجل
198

بشرط التعجيل فتتجعل عند اطلاق كالثمن وكذلك نقول يملك المستأجر المنفعة في الحال وينفذ
تصرفه فيها إلا أنها تستوفى على التدريج وقولهم بأنها معدومة يشكل بما إذا شرط التعجيل فان الشرط
لا يجعل المعدوم موجودا ثم قال الأصحاب المنافع إما موجودة واما ملحقة بالموجودات ولهذا صح إيراد
199

العقد عليها وجاز أن تكون الأجرة دينا في الذمة ولولا أنها ملحقة بالموجودات لكان ذلك في معنى
بيع الدين بالدين ويجب أن تكون الأجرة معلومة القدر والوصف كالثمن إذا كان في الذمة وقد
روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من استأجر أجيرا فليعطه اجره " (1) قال اعمل كذا لأرضيك أو أعطيك
شيئا وما أشبه فسد العقد وإذا عمل استحق أجرة المثل ولو استأجر أجيرا بنفقته أو كسوته فسد
خلافا لمالك وأحمد حيث قالا تجوز ويستحق الوسط ولأبي حنيفة في المرضعة خاصة * لنا القياس على
عوض البيع والنكاح وان استأجر بقدر معلوم من الحنطة أو الشعير ووصفه كما يجب في السلم جاز أو
بأرطال من الخبز يبنى على جواز السلم في الخبز ولو أجر الدار بعمارتها أو الدابة بعلفها أو الأرض
200

بخراجها أو مؤنتها لم يجز وكذلك لو أجرها بدراهم معلومة على أن يعمرها ولا يحسب ما أنفق من الدراهم
وكذا لو أجرها بدراهم معلومة على أن يصرفها في العمارة لان الأجرة الدراهم والصرف إلى العمارة
والعمل في الصرف مجهول وإن كانت الدراهم معلومة ثم إذا صرفها إلى العمارة رجع بها ولو أطلق
العقد ثم أذن له في الصرف في العمارة وتبرع به المستأجر جاز فان اختلفا في قدر ما أنفقته فقولان
201

في أن القول قول من * ولو سلم إليه ثوبا وقال إن خطته اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف
درهم فالعقد فاسد والواجب أجرة مثله في أي يوم خاطه (وقال مالك وأبو حنيفة ان خاطه اليوم
استحق درهما وان خاطه غدا استحق أجرة المثل * وان قال إن خطته روميا فلك درهم وان خطته
فارسيا فنصف درهم فهو فاسد خلافا لأبي حنيفة والخياطة الرومية بغرزتين والفارسية بغرزة وإذا
202

شرط التأجيل في الأجرة فحل الأجل وقد تغير النقد فالاعتبار بيوم العقد وفي الجعالة الاعتبار بيوم
اللفظ أو بيوم تمام العمل حكى الامام فيه وجهين (أصحهما) الأول ووجه الثاني أن الاستحقاق يثبت
بتمام العمل * هذا إذا كانت الأجرة في الذمة * فإن كانت معينة ملكت في الحال كالمبيع واعتبرت فيه
الشرائط المعتبرة في المبيع حتى لو جعل الأجرة جلد شاة مذبوحة قبل السلخ لم يجز لأنه لا يعرف
203

حاله في الرقة والثخانة وسائر الصفات قبل السلخ وهل تغني مشاهدتها عن معرفة القدر فيه طريقان
(أحدهما) أنه على القولين في رأس مال السلم لان الإجارة تعرض للفسخ والانفساخ لتعذر استيفاء
المنافع كالسلم لانقطاع المسلم فيه (والثاني) القطع بالجواز لان المنافع ملحقة بالأعيان الموجودة لتعلقها
بالعين الحاضرة وكيف ما كان فالظاهر الجواز * هذا في إجارة العين (النوع الثاني) الإجارة الواردة
204

على الذمة فلا يجوز فيها تأجيل الأجرة والاستبدال عنها ولا الحوالة بها ولا عليها ولا الابراء بل
يجب التسليم في المجلس كرأس المال السلم لأنه سلم في المنافع وإن كانت الأجرة مشاهدة غير معلومة
القدر فهي على القولين في رأس مال السلم ولا يجئ ههنا الطريق الاخر * هذا إذا تعاقدا بلفظ السلم
بأن قال سلمت إليك هذا لدينار في دابة تحملني إلى موضع كذا فان تعاقدا بلفظ الإجارة بأن قال
205

استأجرت منك دابة صفتها كذا لتحملني إلى موضع كذا فوجهان بنوهما على أن الاعتبار باللفظ
أم بالمعنى (أصحهما) عند العراقيين والشيخ أبى على أن الحكم كما لو تعاقدا بلفظ السلم لأنه سلم
في المعنى وتابعهم صاحب التهذيب على اختيار هذا الوجه لكنه لا يلائم مصيره فيما إذا أسلم بلفظ
206

الشراء وكذلك ما نحن فيه * اختار مختارون اعتبار اللفظ وفيما إذا اشترى بلفظ السلم ذكرتم أن أظهر
القولين بطلان العقد والأئمة كالمتفقين عليه فهل من فارق * والجواب أن المسائل التي بنوها على هذا
الأصل كثيرة لكنها متنوعة فمنها أن يستعمل اللفظ فيما لا يوجد فيه تمام معناه وإن كان بينهما
207

بعض التشابه كالشراء بلفظ السلم فان تمام معنز السلم لا يوجد في البيع لأنه أخص منه (ومنها) أن
يكون آخر اللفظ رافعا لأوله كقوله بعتك بلا ثمن (ومنها) أن يكون الشئ الأصلي اللفظ مشترك
بين خاصين يشتهر اللفظ في أحدهما ثم يستعمل في الثاني كالسلم بلفظ الشراء فان المعنى الأصلي للشراء
208

موجود بتمامه في السلم إلا أنه اشتهر في شراء الأعيان وكذلك السلم في المنافع بلفظ الاستئجار
المشهور في إجارة العين فيشبه أن يقال الصيغة محيلة في النوع الأول والثاني ومنتظمة صحيحة الدلالة
على المقصود في النوع الثالث فيعتبر المعني ولا يخفي عليك بعد الشرح أن مسائل الكتاب في الصفة
209

ولقمة في النوع الأول من الإجارة ويجوز أن تكون الأجرة منفعة عين أخرى اتفق الجنس كما إذا
أجر دارا بمنفعة دار أخرى أو اختلفت كما إذا أجرها بمنفعة عبد خلافا لأبي حنيفة فيما إذا اتفق الجنس
بناء على أن الجنس الواحد يحرم النساء وفي الإجارة نساء وعندنا لا ربا في المنافع أصلا حتى لو أجر
دارا بمنعة دارين يجوز وكذلك لو أجر حليا ذهبا بذهب ولا يشترط القبض في المجلس *
210

قال (ولو استأجر السلاخ بالجلد والطحان بالنخالة أو بصاع من الدقيق فسد لنهيه عليه
الصلاة والسلام عن قفيز الطحان ولأنه باع ما هو متضل بملكه فهو كبيع نصف من سهم * ولو
شرط للمرضعة جزأ من المرتضع لرقيق بعد الفطام * ولقاطف الثمار جزأ من الثمار المقطوفة فهو أيضا
211

فاسد * وإن شرط جزأ من الرقيق في الحال أو من الثمار في الحال فالقياس صحته (و) * وظاهر كلام
الأصحاب دال على فساده حتى منعوا استئجار المرضعة على رضيع لها فيه شرك لان عملها لا يقع على
خاص ملك المستأجر) *
212

لا يجوز أن تجعل الأجرة ما يحصل بعمل الأجير كما إذا استأجر السلاخ لسلخ الشاة بجلدها أو
الطحان ليطحن الحنطة بثلث دقيقها أو بصاع منه أو بالنخالة أو المرضعة بجزء من الرقيق الرضيع
بعد الفطام أو قاطف الثمار بجزء من الثمار بعد القطاف أو النساج لينسج الثوب بنصفه * والمستحق
213

للأجير في هذه الصور أجرة مثل عمله وهو موجه أولا بالخبر حديث روى أنه صلى الله عليه وسلم " نهى عن
قفيز الطحان " (1) وتفسيره استئجار الطحان ليطحن الحنطة بقفيز من دقيقها ثم وجه ثانيا بثلاثة
214

أوجه (أحدها) أن المجعول أجرة متصل بغيره فهو كبيع نصف من سهم أو نصل وهذا قد ذكره
في الكتاب وسمى جعله أجرة بيعا حيث قال باع ما هو متصل بملكه لأنه في معناه ولك
215

أن تقول هذا إن اشتهر في الجلد لا يستمر في الجزء المشاع والحكم لا يختلف فان كنا نقنع
بما لا يطرد في هذا القبيل ففي المسائل بالفساد مأخذ أظهر من هذا كمسألة السلاخ
فان الجلد قبل السلخ مجهول ولا يجوز جعله أجرة مطلقا كما سبق وكمسألة النخالة فإنهما
216

مجهولة المقدار وإذا شرط صاعا من الدقيق فإن كانت الجملة مجهولة فهو كبيع صاع من صبرة مجهولة
الصيعان وقد مر * وفي مسألة الرقيق الرضيع وقطاف الثمار شئ آخر وهو أن الأجرة معينة وقد
أجلها بأجل مجهول والأعيان لا تؤجل بالآجال المعرمة فكيف بالمجهولة (والثاني) أن عمله لا يقع
للمستأجر في محل ملكه خاصة بل لنفسه وللمستأجر وفي ملكيهما * والشرط في الإجارة وقوع العمل
217

في خاص ملك المستأجر وهذا قد ذكره صاحب الكتاب أيضا في آخر الفصل وسيأتي الاشكال
عليه (والثالث) أن الأجرة غير حاصلة في الحال على الهيئة المشروطة وإنما تحصل بعمل الأجير من
بعد فهي إذا غير مقدور عليها في الحال ولو استأجر المرضعة بجزء من الرقيق في الحال أو قاطف الثمار
بجزء منها على رؤس الأشجار فحكاية الامام وصاحب الكتاب عن الأصحاب المنع أيضا توجيها
218

بأن عمل الأجير ينبغي أن يقع في خاص ملك المستأجر وأنهم خرجوا على هذا أنه لو كان الرضيع
ملكا لرجل وامرأة فاستأجرها الرجل وهي مرضع لترضعه بجزء من الرقيق أو غيره لم يجز لان
عملها لا يقع في خاص ملك المستأجر واعترضا عليه بأن القياس والحالة هذه الجواز ولا يضر وقوع
العمل في المحل المشترك ألا ترى أن أحد الشريكين لو ساقى صاحبه وشرط له زيادة من الثمار يجوز
وإن كان عمله يقع في المشترك وظاهر المذهب هذا الذي مالا إليه دون ما نقلاه قال في التهذيب
219

لو استأجر أحد الشريكين في الحنطة صاحبها ليطحنها أو في الدابة ليتعهدها بدرهم جاز ولو قال
استأجرتك بربع هذه الحنطة أو بصاع منها لتطحن الباقي (فالجواب) في التهذيب والتتمة الصحة
ثم يتقاسمان قبل الطحن فيأخذ الأجرة ويطحن الباقي * قال في التتمة وان شاء طحن الكل والدقيق
مشتر ك بينهما ومن صور الوسيط ما إذا استأجر حمال الجيفة بجلدها وتعليل الفساد فيها بأن جلد
الجيفة أجرة أوضح لكن الصورة الغريبة منها ما إذا استأجر لحمل شاة مذكاة إلى موضع
كذا بجلدها *
220

قال (الركن الثالث المنفعة * وشروطها خمسة أن تكون متقومة لا بانضمام عين إليها *
وأن تكون مقدورا على تسليمها * حاصلة للمستأجر معلومة * أما التقويم عنينا به أن استئجار
تفاحة للشم وطعام لتزيين الحانوت لا يصح * وكذا (ح) استئجار الدراهم والدنانير لتزيين
الحانوت فإنه لا قيمة له على الأصح (و) * وكذا استئجار الأشجار لتجفيف الثياب والوقوف في
ظلها * وكذا استئجار البياع على كلمة تروج لها السلعة ولا تعب فيها * وفي استئجار الكلب
للحراسة والصيد وجهان)
221

اعتبر في المنفعة المعقود عليها خمسة شروط (أحدها) أن تكون متقومة ليحسن بذل المال
في مقابلتها فإن لم يكن كذلك كان بذل المال لها سفها وتبذيرا فمنع منه كما منع من شراء مالا
ينتفع به وفيه صور (إحداهما) ذكر أن كراء تفاحة للشم فاسد وكأن المنع ناشئ من أن التفاحة
222

الواحدة لا تقصد للشم فيكون استئجارها كشراء الحبة الواحدة من الحنطة والشعير * فان كثر فالوجه
الصحة ولأنهم نصوا على جواز استئجار المسك والرياحين للشم ومن التفاح ما هو أطيب من كثير من
223

الرياحين (الثانية) في استئجار الدراهم والدنانير وجهان كما في إعارتها (والأصح) المنع والإعارة أولى
بالجواز لأنها مكرمة لا معاوضة ولذلك جوز بعضهم الإعارة مع منع الإجارة وذكرنا هناك بحثا في أن
موضع الخلاف اطلاق إعارة الدراهم أو التعرض لغرض البر بين بناء على الخلاف في أن صحة الإجارة
224

من غير تعيين لجهة المنفعة وههنا لا تصح الإجارة عند الاطلاق بمال لان تعيين الجهة في الإجارة
لابد منه وعن أبي حنيفة أنه إن عين جهة الانتفاع بها من تزيين الحوانيت أو الوزن بها أو الضرب
225

على طبعها صحت الإجارة وإلا كانت قرضا وأما استئجار الأطعمة لتزيين الحوانيت بها فكلام المصنف
ههنا وفي الوسيط يقتضى القطع بمنعه وكذلك ذكره القاضي حسين وعن الامام وغيره أنه على الوجهين
226

فيجوز اعلام قوله والطعام لتزيين الحوانيت بالواو والوجهان جاريان في استئجار الأشجار لتجفيف
الثياب والوقوف في ظلها وربط الدواب بها لان الاستئجار لا يقصد لهذه الاغراض وذهب بعضهم
227

إلى أن الأصح الصحة ههنا على خلاف الأصح في مسألة الدراهم والدنانير لأنها منافع مهمة ومنفعة
التزيين ضعيفة وأجرى في التهذيب الوجهين في استئجار الببغاء للاستئناس وبالجواز أجاب أبو سعيد
228

المتولي وكذلك في كل مستأنس بلونه كالطاوس أو بصوته كالعندليب (الثالثة) استئجار البياع على
كلمة البيع أو كملة تروج بها السلعة ولا تعب فيها فاسد لأنه لا قيمة لها ولم يجعلوا هذا من صور الوجهين
229

لكن المحكى عن الإمام محمد بن يحيى أن ذلك في المبيع المستقر قيمته في البلد كالخبز واللحم (وأما)
الثياب والعبيد وما يختلف قدر الثمن فيه باختلاف المتعاقدين فيختص بيعها من البياع بمزيد منفعة
230

وفائدة فيجوز الاستئجار وعليه فإذا لم يجز الاستئجار ولم يلحق البياع تعب فلا شئ له وإن تعب يكره
التردد وكثرة الكلام في تأليف أصل المعاملة فله أجرة المثل لا ما تواطأ عليه البياعون (الرابعة) في استئجار
231

الكلب المعلم للحراسة والسيد وجهان (أحدهما) الجواز كاستئجار الفهد والبازي والشبكة للاصطياد
والهرة لدفع الفأرة (وأصحهما) المنع لان اقتضاءه ممنوع الا لحاجة وما جوز للحاجة لا يجوز أخذ العوض
عليه وأيضا فإنه لا قيمة لعينه وكذلك لمنفعته *
232

قال (أما المتقوم دون العين معناه أن استئجار الكرم والبستان لثمارها والشاة لنتاجها ولبنها
وصوفها باطل فإنه بيع عين قبل الوجوه * واستئجار الشاة لارضاع السخلة باطل واستئجار المرأة
للارضاع مع الحضانة جائز * ودون الحضانة فخلاف * والأولى الجواز للحاجة * واستئجار الفحل
للضراب ففيه خلاف * والأولى المنع لأنه لا يوافق بتسليمه على وجه ينفع * أما القدرة على التسليم نعني
233

به أن استئجار الأخرس للتعليم والأعمى للحفظ باطل لان المقصود غير ممكن * ولو استأجر قطعة
أرش لا ماء لها للزارعة فهو باطل * وإن استأجر للسكنى فجائز * فان أطلق وكان في محل يتوقع
234

الزراعة كان كالتصريح بالزراعة * وإن كان الماء متوقعا ولكن على الندور ففاسد بناء على الحال *
وإن كان يعلم وجود الماء فصحيح * وإن كان يغلب وجود الماء بالامصار فالنص أنه فاسد نظر إلى
235

العجز في الحال * وقيل أنه صحيح إذ انقطاع الشر العد والماء الجاري أيضا ممكن * وإن استأجر
أرضا والماء مستو عليها في الحال ولا يعلم انحساره فهو باطل * وان علم انحساره فهو صحيح (و) ان
تقدمت رؤية الأرض أو كان الماء صافيا لا يمنع رؤية الأرض)
236

ترجمه هل الشرط ههنا وفي الفصل السابق بكون المنفعة متقومة بنفسها لا بعين تضم إليها كأنه
قدر انقسام المنفعة إلى متقومة بنفسها ومتقومة بعين تنضم إليها ولمانع أن يمنع ذلك ويقول إن العين
المنضمة إلى المنفعة هي المتقومة والمنفعة لا تستفيد من العين تقوما وقال في الوسيط معبرا عن هذا الشرط
انه لا يتضمن استيفاء عين قصد أو هذا أليق بمسائل الفصل وعلته أن الإجارة عقد ينبغي به المنافع
237

دون الأعيان هذا هو الأصل إلا أنه قد تستحق بها الأعيان تابعة لضرورة أو حاجة حاقة فتلحق
تلك الأعيان حينئذ بالمنافع وفيه مسائل (إحداها) استئجار الكروم والبستان لثمارها والشاة لنتاجها
أو صوفها أو لبنها باطل لان الأعيان لا تملك بعقد الإجارة وهذا في الحقيقة بيع لأعيان معدومة ومجهولة
(الثانية) الاستئجار لارضاع الطفل جائز ويستحق به منفعة وعين فالمنفعة أن تضع الصبي في حجرها
238

وتلقمه الثدي ويعصره عند الحاجة والعين اللبن الذي يمتصه الصبي وإنما جوزناه وأثبتناه به استحقاق
اللبن لأنا لو منعناه لاحتاج إلى شراء اللبن كل دقيقة وفيه من المشقة ما يعظم ثم الشراء إنما يمكن
بعد الحلب والتربية لا تتم باللبن المحض ثم الأصل الذي يتناوله العقد ماذا فيه وجهان (أحدهما) اللبن
وفعلها تابع لان اللبن مقصود لعينه وفعلها مقصود لايصال اللبن المقصود إلى الصبي (وأصحهما) أن
239

الأصل المتناول بالعقد فعلها وللبن مستحق تبعا لقوله تعالى (فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن)
علل الأجرة بفعل الارضاع لا بلبن وأيضا ان الإجارة موضوعة لاستحقاق المنافع فان استحق فيها
عين الضرورة تدعو إليه فهي تابعة كالبئر تستأجر لسقي مائها والدار تستأجر وفيها بئر يجوز لاستيفاء
منها أم ان استأجرها لحضانة فوجهان (أحدهما) لا يجوز لأنه لا يجوز استئجار الشاة لارضاع السخلة
240

(وأصحهما) الذي أورده الأكثرون انه يجوز كما يجوز أن تستأجر لمجرد الحضانة قال الامام وهذا الخلاف
فيما إذا قصر الإجارة على صرف اللبن وقطع عنه وضعه في الحجر ونحوه فاما الحضانة بالمعنى الذي نذكره
من بعد فلا خلاف في جواز قطعه عن الارضاع (الثالثة) استئجار الفحل للضراب حكمه ما ذكرنا في
241

الباب الثالث من كتاب البيع وقوله إنه لا يوافق بتسليمه على وجه ينفع أراد به انه أمر لا يتعلق باختيار
الحيوان ثم بتقدير أن ينزو فربما لا ينزل فان انزل فربما لا يحصل منه الولد وهو المقصود لكن المعتبر
القدرة على تسليم المنفعة المعقود عليها (فاما) وقوعه نافعا مرو سبيله إلى الغاية المقصودة فغير معتبر بالاتفاق
242

ومما يناسب مسائل الفصل استئجار القنوات وله ذكر في بعض نسخ الكتاب قبيل المسألة الثالثة
بهذه العبارة واستئجار القناة للزارعة بمائها الأصلح يجويزه للحاجة ولا وجه له في القياس إلا على قول
من لا يري الماء مملوكا فتكون القناة كالشبكة والماء كالصيد وغالب الظن أولا أن المسألة ليست من
243

متن الكتاب فليست هي ثابتة في الوسيط ثم حكمها تفريعا على أن الماء ليس بمملوك بين ما ذكره
وعلى قولنا انه مملوك فالمنافع آبار الماء وقد جوزنا استئجار بئر الماء للاستقاء والتي بعدها مستأجرة لاجراء
الماء فيها وقال القاضي الروياني في الحلية إذا اكترى قرار القناة ليكون أحق بمائها جاز في قول بعض
244

أصحابنا وهو الاختيار والمشهور منه ولفظه في تصوير المسألة يشبه أن يكون مبنيا على أن الماء لا يملك
(الشرط الثالث) للمنفعة أن تكون مقدورا على تسليمها فلا يجوز استئجار الآبق والمغصوب كبيعهما
ولا استئجار الأخرس للتعليم والأعمى لحفظ المتاع وكذا استئجار من لا يحسن القرآن ليعلمه قال في
245

الوسيط فان وسع عليه وقتا يقدر على التعلم قبل التعليم ففيه وجهان (الأصح) المنع لان المنفعة مستحقة
في عينه والعين لا تقبل شرط التأجيل والتأخير * وان استأجر أرضا للزارعة وجب أن تكون الزراعة
فيها متيسرة والأراضي أنواع منها أرض لها ماء دائم من نهر أو عين أو بئر ونحوها ومنها أرض لا ماء لها
246

ولكن يكفيها المطر المعتاد والنداوة التي تصيبها من الثلوج المعتادة كبعض أراضي الجبال أولا يكفيها
ذلك ولكنها تسقى بماء الثلج والمطر في الجبل والغالب فيها الحصول ومنها ارض لا ماء لها ولا تكفيها
الأمطار المعتادة ولا تسقى بماء غالب الحصول من الجبل ولكن ان أصابها مطر عظيم أو سيل نادر
247

أمكن أن تزع فالنوع الأول يجوز استئجاره والثالث لا يجوز لأنها منفعة غير مقدور عليها وامكان
الحصول غير كاف كامكان عود الآبق مرد المغصوب وفي النوع الثاني وجهان (أحدهما) وبه قال القفال
انه لا يجوز استئجاره لان السقي معجوز عنه في الحال والماء المتوقع لا يعرف حصوله وبتقدير حصوله
248

لا يعرف انه هل يحصل في الوقت الذي تمكن الزراعة فيه (والثاني) انه يجوز ويحكى عن القاضي
الحسين لأن الظاهر حصول المقصود والتمكن الظاهر كاف ألا ترى ان انقطاع ماء النهر والعين ممكن
أيضا لكن لما كان الظاهر فيه الحصول كفى لصحة العقد وهذا أقوي الوجهين وبه أجاب القاضي
ابن كج وصاحب التهذيب وغيرهما وإنما أضاف صاحب الكتاب الأول إلى النصف لأنه قال في المختصر
249

وان يكارى الأرض التي لا ماء لها وإنما تسقى بنطف من السماء أو بسيل ان جاء فلا يصح وظاهره
يشمل النوع الثاني والثالث وقد يشعر به قوله أو بسيل ان جاء والنطف القطر يقال نطف ينطف
نطفا وكل قاطر ناطف (ومنها) ارض على شط النيل أو الفرات أو غيرهما يعلو الماء عليها ثم ينحسر ويكفي
ذلك لزراعتها السنة فإذا استأجرها للزراعة بعد ما علاها الماء وانحسر صح وإن كان قبل ان يعلو
الماء عليها فإن لم يوثق به كالنيل لا ينضبط أجره لا يصح وإن كان الغالب حصوله فليكن على الخلاف
في استئجار النوع الثاني من الأراضي وإن كان موثوقا به كالمد بالبصرة صح كماء النهر وإن كان يتردد
250

في وصول المد إلى تلك الأراضي فهو كأرض ليست لها ماء معلوم وإن كان قد علاها الماء ولم ينحسر
فإن كان لا يرجى انحساره لم يجز استئجارها وكذا لو كان يتردد فيه لان العجز يقين وزواله مشكوك
فيه وإن كان يرجى انحساره وقت الزراعة بالعادة فالنص صحته قال الأصحاب فيه وجهان من الاشكال
(أحدهما) ان شرط الإجارة التمكن من الانتفاع عقيب العقد والماء مانع منه (والثاني) انه يمنع رؤية
251

الأرض فيكون إجارة الغائب (وأجيب) عن الأول بوجهين (أحدهما) ان موضع النص ما إذا كان
الاستئجار لزراعة ما تمكن زراعته في الماء كالأرز فإن كان غير ذلك لم يصح الاستئجار حكاه الشيخ
أبو حامد عن بعضهم (وأصحهما) أنه لافرق بين مزروع ومزروع لكن الماء فيها من مصالح العمارة والزراعة
فكان ابقاؤه فيها ضربا من العمارة وأيضا فان صرف الماء بفتح موضع ينصب إليه أو حفر بئر ممكن
252

في الحال وحينئذ يكون متمكنا من الاستعمال بالعمارة بهذه الوسائط فأشبه ماذا استأجر دارا مشحونة
بأمتعة يمكن الاستعمال بنقلها في الحال فإنه يجوز إلا أن الشيخ أبا محمد حكى وجها في منع إجارة الدار
المشحونة بالأمتعة بخلاف بيعها والأظهر الأول (واما) الثاني فمنهم من قال التصوير فيما إذا كان قد رأى
الأرض قبل حصول الماء فيها أو كان الماء صافيا لا يمنع رؤية الأرض وان لم يكن كذلك فعلى قولي
شراء الغائب ومنهم من قطع بالصحة (أما) عند حصول الرؤية فظاهر (وأما) إذا لم تحصل فلانه من
مصلحة المزارعة من حيث إنه يقوى الأرض ويقطع العروق المنتشرة فيها فأشبه استتار الجوز واللوز
بقشره (والظاهر) الصحة سواء أجرينا القولين أم لا وإن كانت الأرض على شط نهر الظاهر منها انها
تفرق وتنهار في الماء لم يجز استئجارها وان احتمل ولم يظهر جاز لان الأصل والغالب دوام السلامة
253

ويجوز أن تخرج حالة الظهور على مقابل الأصل والظاهر إذا عرف حكم الأنواع فكل ارض لها ماء
ومعلوم واستأجرها للزراعة مع شربها منه فذاك وان استأجرها للزراعة دون شربها جاز ان تيسر سقيها
من ماء آخر وان أطلق دخل فيه الشرب بخلاف ما إذا باعها لا يدخل الشرب فيه لان
المنفعة ههنا لا تحصل دونه وهذا إذا اطردت العادة للإجارة مع الشرب فان اضطربت فسيأتي الحكم
في الباب الثاني فكل ارض منعنا استئجارها للزراعة فان اكتراها لينزل فيها أو يسكنها أو يجمع الحطب
فيها أو يربط الدواب جاز وان اكتراها مطلقا نظر إن قال اكتريت هذه الأرض البيضاء ولا ماء
لها جاز لأنه يعرف بنفي الماء ان الاستئجار بغير منفعة الزراعة ثم لو حمل ماء من موضع وزرعها أو زرع
على توقع حصول ماء لم يمنع منه وليس له البناء والغراس فيها نص عليه ووجهوه بان تقدير المدة
254

يقتض ظاهره التفريع عند انقضائها والغراس والبناء للتأييد بخلاف ما لو استأجر للبناء والغراس فان
التصريح بها صرف اللفظ عن ظاهره وان لم يقل عند الإجارة ولا ماء لها فإن كانت الأرض بحيث
يطمع في سوق الماء إليها لم يصح العقد لان الغالب في مثلها الاستئجار للزراعة فكان ذكرها وإن كان
ت على قلة جبل لا يطمع في سوق الماء إليها (فوجهان) عن رواية أبي إسحاق (أظهرهما) الصحة وتكفى
255

هذه القرينة صارفة فإذا اعتبرنا نفى الماء ففي قيام علم المتعاقدين مقام التصريح بالنفي وجهان (أشبههما)
المنع لان العادة في مثلها الاستئجار للزراعة فلا بد من الصرف باللفظ الا ترى انه لما كانت العادة
في الثمار الابقاء واردنا خلافه اعتبرنا التصريح بشرط القطع واعلم أن في المسألة تصريحا بجواز الاستئجار
مطلقا من غير بيان جنس المنفعة وسيأتي الكلام فيه واما لفظ الكتاب فقوله وإن كان في محل تتوقع
الزراعة كان التصريح بالزراعة جواب على أحد الوجهين فاما على رأى من لا يفرق ويقول سواء
256

كانت الزراعة متوقعة أو لم تكن فالاطلاق كالتصريح بالزراعة فيجوز ان يعلم بالواو وقوله وكان في
محل تتوقع الزراعة وابعد الماء الدائم الذي لا انقطاع له (وقوله) فان علم انحساره فهو صحيح يمكن اعلامه
بالواو للوجه الذي رواه الشيخ أبو حامد في الفرق بين الأرز وغيره (وقوله) ان تقدمت رؤية
الأرض أو كان الماء صافيا لا يمنع رؤية الأرض والا فهو على الخلاف في شراء الغائب *
قال (وإجارة الدار للسنة القابلة فاسدة (ح) إذ لا تسلط عليه عقيب العقد مع اعتماد
العقد العين) *
عرفت انقسام الإجارة أي واردة على العين وواردة على الذمة أما إجارة العين فلا يجوز ايرادها
على المستقبل كايجار الدار للسنة القابلة والشهر الآتي وكذا إذا قال أجرتك سنة مبتدأة من الغد أو
من الشهر الآتي أو أجرتك هذه الدابة للركوب إلى موضع كذا على أن تخرج غدا (وقال) أبو حنيفة
257

وأحمد يجوز ذلك * لنا القياس على البيع فإنه لو باع على أن يسلم بعد شهر فإنه باطل ولو قال أجرتك
سنة فإذا انقضت السنة فقد أجرتك سنة أخرى فالعقد الثاني باطل على الصحيح كما لو قال إذا جاء
رأس الشهر فقد أجرتك مدة كذا فاما الإجارة الواردة على الذمة فيحتمل فيها التأجيل والتأخير كما
إذا قال ألزمت ذمتك حملي إلى موضع كذا على دابة صفتها كذا غدا أو غرة شهر كذا كما لو أسلم
في شئ مؤجلا وإن أطلق كان حالا وإن أجر داره سنة من زيد ثم أجرها من غيره السنة الثانية
قبل انقضاء الأولى لم يجز فان أجرها من زيد نفسه (فوجهان) ويقال قولان (أحدهما) المنع لأنه
إجارة سنة قابلة كما لون أجر من غيره أو منه مدة لا تتصل بآخر المدة الأولى (والثاني) وهو المنسوب إلى
نصه إنه يجوز لاتصال المدتين كما لو أجر منه السنتين في عقد واحد وهو أصح عند صاحب التهذيب
وغيره ورجح في الوسيط الوجه الأولى محتجا بان العقد الأولى قد ينفسخ فلا يتحقق شرط العقد
258

الثاني وهو الاتصال بالأول ولمن نص الوجه الثاني أن يقول رعاية الاتصال ظاهرا وذلك لا يقدح
فيه الانفساخ العارض ولو أجرها من زيد لسنة وأجرها زيد من عمرو ثم أجرها المالك من عمرو
السنة الثانية قبل انقضاء المدة الأولى ففيه الخلاف ولا يجوز أن يؤجرها من زيد ولا يؤجرها من
عمرو لان زيدا هو الذي عاقده فيضم إلى ما استحق بالعقد الأول السنة الثانية *
قال (ولو أجر سنة ثم أجر من نفس المستأجر السنة الثانية فوجهان * ولو قال استأجرت
هذه الدابة لأركبها نصف الطريق وأترك النصف إليك * قال المزني هو إجارة للزمان القابل إذ
لا يتعين له النصف الأول * وقال غيره يصح * وإنما التقطع بحكم المهايأة فهو كاستئجار نصف
الدابة ونصف الدار وهو صحيح (ح)) *
ولو أجر سنة وباعها في المدة وجوزناه لم يكن للمشترى أن يؤجر السنة الثانية من المكترى لأنه لم تكن
259

بينهما معاقدة ويرد نحوه أن الوارث هل يتمكن منه إذا مات المكرى في المدة لان الوارث نائبه ولا
يجوز أن يؤجر الدار والحانوت شهرا على أن ينتفع به الأيام دون الليالي لان زمان الانتفاع لا يتصل
بعضه ببعض فيكون إجارة للزمان المستقبل وفي مثله في العبد والبهيمة يجوز لأنهما لا يطيقان العمل
الدائم ويرفهان الليل على العادة وإن أطلق الإجارة ولو أجر دابته لموضع ليركبها المكرى زمانا ثم
المكترى زمانا لم يجز لتأخر حق المكترى وتعلق الإجارة بالزمان المستقبل وإن أجرها منه ليركب
المكترى بعض الطريق وينزل ويمشي في البعض أمر من اثنين ليركب هذا زمانا وهذا مثله ففيه
أوجه (أحدها) ان الإجارة فاسدة في الصورة الأولى صحيحة في الثانية لأنه إذا اكترى من اثنين
اتصل زمان الإجارة بعضه ببعض فإذا اكتري من واحد تفرق فتكون إجارة الزمان المستقبل
(وثانيهما) المنع في الصورتين لأنه إجارة إلى آجال متفرقة وأزمنة متقطعة (وثالثها) وبه قال المزني
260

في الجامع الكبير تخريجا ووافقه صاحب التلخيص أنه تجوز الإجارة في الصورتين مضمونة في
الذمة ولا تجوز على دابة معينة والفرق أنها إذا كانت في الذمة فان أجر من واحد فقد ملكه نصف
المنافع على الإشاعة فيقاسم المالك وان أجرها من اثنين ملكهما الكل نسقا فيتقاسمان (وأما) إجارة
العين فإنها تتعلق بأزمنة متقطعة فتكون إجارة الزمان المستقبل (وأصحهما) وهو نصه في الام جواز
الإجارة في الصورتين سواء وردت على العين أو الذمة ويثبت الاستحقاق في الحال ثم بتقسيم
المكترى والمكرى أو المكتريان والتأخير الواقع من ضرورة القسمة والتسليم لا يضر وهذه المسألة
تشهر بكراء العقب وهو جمع عقبة والعقبة النوبة وهما يتعاقبان على الراحلة إذا ركب هذا تارة وهذا
تارة (وإذا قلنا) بالجواز فلو كان بالطريق عادة مضبوطة إما بالزمان بان يركب يوما وينزل يوما أو
261

بالمسافة بأن يركب فرسخا ويمشي فرسخا حمل العقد عليها وليس لأحدهما أن يطلب الركوب ثلاثا
والنزول ثلاثا لما في دوام المشي من التعب وان لم تكن عادة مضبوطة فلابد من البيان في الابتداء
وان اختلفا في من يبدأ بالركوب فالحاكم القرعة ولو أكرى الدابة من اثنين ولم يتعرض للتعاقب
(قال) في التتمة إن احتملت الدابة ركوب شخصين اجتمعا على الركوب ولا فالركوب يخرج
على المهايأة كما سبق ولو قال أجرتك نصف الدابة إلى موضع كذا أو اجرتك الدابة لتركبها نصف
الطريق صح ويقتسمان اما بالزمان أو بالمسافة وهذه إجارة المشاع وبه قال مالك (وقال) أبو حنيفة
واحمد لا تصح إجارة المشاع الا من الشريك وفي إجارة نصف الدابة وجه أنها غير جائزة للتقطع
بخلاف إجارة نصف الطريق وبخلاف ما إذا أجر منهما ليركبان في محمل ونعود إلى ما يتعلق بلفظ
262

الكتاب خاصة (أما) تضمينه مسائل الفصل شرط القدرة على التسليم فكان سببه أن منافع الزمان
المستقبل غير مقدور عليها (أما) إذا نجز كان التسليم في الزمان الحاضر مقدورا عليه فينحسب حكمه
على جميع المدة المتواصلة للحاجة (وقوله) فاسد معلم بالحاء والألف وأراد بقوله إذ لا تسلط عليه عقب
العقد مع اعتماد العقد العين ان هذه الإجارة متعلقة بالعين غير واردة على الذمة وذلك يقتضى التسليط
في الحال وقوله (فوجهان) يجوز اعلامه بالواو ولان أبا الفرخ السرخسي حكى طريقة قاطعة بالمنع
كما لو أجر من غير المستأجر ولفظ الكتاب في مسألة كراء العقب لا يتناول الا الإجارة الواردة على
العين والا إذا اتحد المكترى لا يجئ حينئذ الا وجهان كما ذكرنا (وقوله) وهو صحيح يجوز أن يعلم
بالحاء والألف لمذهبهما في إجارة المشاع *
(فرع) لا تجوز إجارة مالا منفعة له في الحال ويصير منتفعا به كالحش لان الإجارة
263

موضوع على تعجيل المنافع بخلاف المساقاة على ما لا يثمر في تلك السنة ويثمر بعدها لان تأخر
الثمار محتمل في كل مساقاة *
قال (والعجز شرعا كالعجز حسا * فلو استأجر على قلع سن صحيحة وقطع يد صحيحة أو
استأجر حائضا على كنس مسجد فهو فاسد لان تسليمه شرعا متعذر ولو كانت اليد متأكلة أو
السن وجعة صحت * فان سكنت قبل القلع انفسخت الإجارة)
المعجوز عنه شرعا كالمعجوز عنه حسا كما قدمنا في البيع فلا يحوز الاستئجار لقلع سن صحيحة
وقطع يد صحيحة ولا استئجار الحائض لكنس المسجد وخدمته لأنها منافع متعذرة التسليم شرعا
(وقال) في الوسيط في إجارة الحائض لكنس المسجد احتمال فيجوز أن تصح وإن كانت تعصى به كما
تصح الصلاة في الأرض المغصوبة وإن كان يشغل ملك الغير والمنقول الأول وكذا لا يجوز الاستئجار
264

لتعليم التوراة والإنجيل وختان الصغير الذي لا يحتمل ألمه ولتعلم السحر والفحش ولو استأجر لقطع
يد متأكلة وقلع سن موجعة فالكلام أولا في جوازهما أما القلع فإنه يجوز إذا صعب الألم وقال أهل
البصر انه يريح الألم (وأما) القطع فلابد وان يذكر أهل الصنعة أنه نافع ومع ذلك ففي جوازه
265

خلاف عن حكاية الشيخ أبى محمد المنع أن القطع إنما يمنع إذا وضعت الحديدة على محل صحيح وأنه
ملك كما أنه الأكلة مهلكة وهذا الخلاف وما في جواز القطع من التفصيل مذكور في الكتاب
في باب ضمان الولاة فحيث لا يجوز القطع والقلع فالاستئجار لهما باطل وحيث يجوز ففي صحة الإجارة
266

وجهان (أحدهما) المنع لان الإجارة إنما تجوز في عمل موثوق به وجواز زوال العلة محتمل ليمتنع
الوفاء بقضية الإجارة وسبيل مثل هذا الغرض أن يحصل بالجعالة بأن يقول اقلع سنى هذه ولك
كذا (وأصحهما) الصحة إذ لا يشترط لصحة الإجارة القطع بسلامتهما عما يقطعها ورأي الامام
267

تخصيص الوجهين بالقلع لا أن احتمال فتور الوجع في الزمان الذي يفرض فيه القطع غير بعيد وأما
الاتكال بأرباب القطع فإنه غير محتمل واجري الخلاف في الاستئجار للفصد والحجامة ويزع
الدابة لأن هذه الايلامات إنما تياج بالحاجة وقد تزول الحاجة وإذا استأجر امرأة لكنس مسجد
268

فحاضت انفسخ العقد إن وردت الإجارة على عينها وعينت المدة وإن وردت على الذمة لم تنفسخ
لامكان أن تفوضه إلى الغير وأن تكنس بعد أن تطهر وإذا جوزنا الاستئجار لقلع السن الوجعة
فاستأجر له ثم سكن الوجع انفسخت الإجارة لتعذر القلع وهذا قد ذكره مرة أخرى في الباب
269

الثالث وسنذكر هناك ما يقتضى أعلام قوله إنفسخت الإجارة بالواو وإن لم يبرأ لكن امتنع
المستأجر من قلعه قال في الشامل لا يجب عليه الا أنه سلم الأجير نفسه ومضى مدة امكان العمل
270

وجب على المستأجر الأجرة ثم ذكر القاضي أبو الطيب أنها لا تستقر حتى لو انقلعت تلك السن
انفسخت الإجارة ووجب رد الأجرة كما لو مكنت الزوجة في النكاح ولم يطأها الزوج ويفارق ما إذا
حبس الدابة مدة امكان السير حيث تستقر عليه الأجرة لتلف المنافع عنده
271

قال (ولو استأجر منكوحة الغير دون اذن الزوج ففاسد (و) * ولو استأجرها الزوج لنفسه
فهو صحيح * وان استأجرها (و) لارضاع ولده منها صح) *
استئجار منكوحة الغير اما أن يفرض من غير الزوج أو منه اما غيره فله أن يستأجرها للرضاع
وغيره باذن الزوج وبغير اذنه وجهان (أحدهما) يجوز أيضا لان محله غير محل النكاح إذ لاحق له في
272

لبنها وخدمتها وأصحهما المنع وهو المذكور في الكتاب لان أوقاتها مستغرقة بحق الزوج فلا تقدر
على توفية ما التزمته فإن لم نصححه فذاك وان صححناه فللزوج فسخه كيلا يحيل حقه ولو أجرت
نفسها ولا زوج لها ثم نكحت في المدة فالإجارة بحالها وليس للزوج منعها بما التزمته كما لو
273

اجرت نفسها باذنه لكن يستمع بها في أوقات فراغها فإن كانت الإجارة للرضاع فهل لولي الطفل
الذي استأجرها لارضاعه منع الزوج من وطئها فيه وجهان (أحدهما) ويحكي عن أبي حنيفة
274

ومالك نعم لأنه ربما تحمل فينقطع اللبن والا فيقل والا فيضر بالطفل (والثاني) وأجاب أصحابنا
العراقيون لا لان الحمل متوهم ولا يمتنع به الوطئ المستحق وذكر في التهذيب انه إن كانت الإصابة
تضر باللبن منع الزوج من إصابتها وهذا إن أراد به الضرر والناشئ من الحبل الناشئ من الإصابة
275

فهو جواب على الوجه الأول ويجوز أن يحمل على اضرارها باللبن من غير توسط الحمل وإذا منع
الزوج فلا نفقة عليه في تلك المدة ولو أجر السيد الأمة المزوجة جاز ولم يكن للزوج منعها من
المستأجر لان يده يد السيد في الانتفاع وأما الزوج فلا يمنع من استئجارها إلا أنه إذا استأجرها
276

لارضاع ولده منها ففيه وجهان (أحدهما) وهو الذي ذكره العراقيون المنع ووجهوه بأنها أخذت
منه عوضا للاستمتاع وعوضا للحبس فلا تستحق شيئا آخر وهذا على ضعفه منقوض باستئجارها
لسائر الأعمال (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب الجواز كما لو استأجرها بعد البينونة وكما لو
277

استأجرها للطبخ والكنس ونحوهما وعن أبي حنيفة أنه لا يجوز استئجارها للطبخ وما أشبه لأنه
مستحق عليها في العادة وعلى هذا الخلاف استئجار الوالد ولده للخدمة وفي عكسه (وجهان) إذا كانت
الإجارة على عينه كالوجهين فيما إذا اجر المسلم نفسه من كافر
278

قال (أما الحصول للمستأجر نعني به ان استئجاره على الجهاد (و) والعبادات التي لا تجرى
النيابة فيها فاسد إذ يقع للأجير * وأما الحج وحمل الجنازة وحفر القبر وغسل الميت فيجرى فيها
279

النيابة والإجارة * وللامام (و) استئجار أهل الذمة للجهاد إذ لا يقع لهم * والاستئجار على الاذان
جائز للامام * وقيل إنه ممنوع كالجهاد * وقيل إنه يجوز لآحاد الناس ليحصل للمستأجر فائدة
معرفة الوقت * ولا يجوز الاستئجار على إمامة الصلوات الفرائض * وفي إمامة التراويح خلاف *
280

والأصح منعه وبالجملة فكل منفعة متقومة معلومة مباحة يلحق العامل فيها كلفة ويتطوع بها الغير
عن الغير يصح ايراد العقد عليها) *
281

(الشرط الرابع) حصول المنفعة للمستأجر والا اجتمع العوضان في ملك واحد فإنه إذا قال استأجرت
دابتك لتركبها بعشرة كانت المنفعة والعشرة حاصلة له * في كنز العناية في هذا الشرط نذكر حكم العبادات
في الاستئجار وضبطها امام الحرمين فقال هي على نوعين (أحدهما) الذي يتوقف الاعتداد بها على
282

النية فما لا تدخله النيابة منها لا يجوز الاستئجار عليه لان الاستئجار نيابة خاصة وما تدخله النيابة منها
يجوز الاستئجار عليه كالحج وتفرقة لزكاة وقال الامام ومن هذا القبيل غسل الميت إذا اعتبرنا فيه النية
كجريان النيابة فيه والنوع الثاني لا يتوقف الاعتداد بها على النية وهي تنقسم إلى فرض كفاية والى
283

شعار غير مفروض (القسم الأول) فرض الكفايات وهو على ضربين (أحدهما) ما يختص افراضه في
الأصل بشخص وموضع معين ثم يؤمر به غيره ان عجز كتجهيز الميت بالتكفين والغسل وحفر القبر
وحمل الجنازة والدفن فان هذه المؤنات تختص بتركة الميت فإن لم تكن فحينئذ يجب على الناس القيام
284

بها فمثل هذا يجوز الاستئجار عليه لان الأجير غير مقصود بفعله حتى يقع عند وعد من هذا القبيل
تعليم القرآن فان كل واحد يختص بوجوب التعليم وإن كان يسير القرآن وانبنا عنه من فروض الكفايات
وهذا إذا لم يتعين واحد لمباشرة هذه الأعمال فان تعين واحد لتجهيز الميت ولتعليم الفاتحة فوجهان
285

(أحدهما) المنع كفروض الأعيان ابتداء (وأصحهما) الجواز كما أن المضطر يجب اطعامه ويجوز
تغريمه (والضرب الثاني) ما يثبت افتراضه في الأصل شائعا غير مختص بشخص وموضع كالجهاد فلا
يجوز استئجار المسلم عليه لأنه مكلف بالجهاد والذب عن الملة فيقع عنه ويجوز استئجار الذمي عليه وسيأتي
286

ذلك في كتاب السير إن شاء الله تعالى (والقسم الثاني) شعائر غير مفروضة كالاذان تفريعا على الأصح
وفي جواز الاستئجار عليه ثلاثة أوجه ذكرناها وترتيبها في باب الاذان فان جوزنا فعن الشيخ أبى محمد
وغيره ثلاثة أوجه في أن المؤذن على م يأخذ الأجرة (أحدها) انه يأخذ على رعاية المواقيت (والثاني)
287

على رفع الصوت (والثالث) على الحيعلتين لأنهما ليسا من الأركان (والأصح) وجه رابع أنه يأخذه
على جميع الاذان بجميع صفاته ولا يبعد استحقاق على ذكر الله تعالى كما لا يبعد استحقاقها على
تعليم القرآن وان اشتمل على قراءة القرآن ويتخرج على هذه التقاسيم صور (منها) الاستئجار لامامة
288

الصلاة المفروضة ممنوع منه والإمامة في التراويح وسائر النوافل وجهان (الأصح) المنع لان الامام
حصل لنفسه ومهما صلى اقتدى به من يريد وان لم ينو الإمامة وان توقف على نيته شئ فهو احراز
فضيلة الجماعة وهذه فائدة تحصل له دون المستأجر ومن جوزه ألحقه بالاستئجار للاذان ليتأدى
289

الشعار (ومنها) الاستئجار للقضاء ممتنع لان المتصدي له قد تعلق بعمله أمر الناس عامة وأيضا فاعمال
القاضي غير مضبوطة (ومنها) أطلقوا القول بمنع الاستئجار التدريس وعن الشيخ أبى بكر
الطويسي ترديد جواب في الاستئجار لإعادة الدروس (قال) الامام لو عين شخصا أو جماعة ليعلمهم
290

مسألة أو مسائل مضبوطة فهو جائز ولذي أطلقوه فهو محمول على استئجار من يتصدى للتدريس
من غير تعين من يعلم وما يعلم لأنه كالجهاد في أنه إقامة مفروض على الكفاية ثابت على الشيوع
وكذلك يمتنع استئجار مقرى يقرى على هذه الصورة (قال) ويحتمل أن يجوز الاستئجار ويشبه
291

الاذان وللمنع وراء ما ذكره مأخذ آخر وهو أن عمله غير مضبوط كما ذكرنا في القاضي وقوله)
في الكتاب وللامام أن يستأجر أهل الذمة للجهاد يجوز أن يعلم بالواو لوجه ذكره في السير
292

سينتهي إليه الشرح ان وفق الله تعالى (وقوله) ليحصل للمستأجر فائدة معرفة الوقت هذا التوجيه
مبنى على جواز الاخذ بقول المؤذن والاعتماد عليه ثم قضية الاكتفاء بحصول فائدة المستأجر دون ان
تحصل له كل الفائدة ويلزم منه تجويز الاستئجار للإمامة ليحصل للمستأجر فضيلة الجماعة (وقوله)
293

فيما يحمله فكل منفعة متقومة إلى آخره قريب من قوله في أول الركن متقومة لانضمام عين إليها
إلى آخره وهما في ظاهر الامر كضابطين يتأدى بهما معني واحد لكن ينبغي أن يتنبه فيه لشيئين
(أحدهما) أن التعرض للمتقوم مغن عن قوله يلحق العامل بها كلفة لان مالا كلفة فيه لا يتقوم
294

كما سبق (والثاني) انه وان أطلق لفظ المنفعة لكن المراد ههنا الأعمال التي يستأجر لها الاجراء
والا لم ينتظم قوله يلحق العامل فيها كلفة أولا مجال لمفهومه في منفعة لبس الثوب وسكون الدار
وقد صرح بذلك في الوسيط فقال كل عمل معلوم متاع يلحق العامل فيه كلفة إلى آخره وكذلك
295

حكاه الامام عن القاضي الحسين ثم هذا الضابط سواء كان ضابطا لمنفعة أو لمنا فع أبدان الاجراء
لا اختصا له بهذا الموضع وذكره في غير هذا الموضع أحسن *
296

قال (وأما قوله معلومة فتفصيله في الآدمي والأراضي والدواب * (أما الآدمي) إذا استؤجر
لصنعة عرف بالزمان أو بمحل العمل كما لو استأجر الخياط يوما أو الخياطة ثوب معين * ولو قال
استأجرتك لتخيط هذا القميص في هذا اليوم فسد (و) لأنه ربما يتم العمل قبل اليوم أو بعده *
وفي تعليم القرآن يعلم بالسور أو بالزمان * وفي الارضاع يعين الصبي ومحل الارضاع * فان هذا مما
يختلف الغرض به) *
297

(الشرط الخامس) كون المنفعة معلومة وقد اعتبر في البيع العلم بثلاثة أمور من المبيع
العين والقدر والصفة أما العين فلما لا يجوز أن يقول بعتك أحد هذين العبدين لا يجوز أن يقول
أجرتك أحدهما بل اما أن يلتزم في الذمة كما يلتزم بالسلم واما أن يؤجر عينا معينة ثم إن لم تكن
298

لها إلا منفعة واحدة فالإجارة محمولة عليها وإن كانت لها منافع لابد من البيان وأما الصفة فقد ذكرنا
إن إجارة العين الغائبة على الخلاف في بيعها وأما القدر فهو المقصود بالذكر (فاعلم) أن قدر المنفعة
299

يشترط العلم به سواء كانت الإجارة في الذمة أو كانت إجارة عين بخلاف المبيع فان الشئ المعين
إذا بيع المشاهدة عن تحقيق القدر والفرق أن المنافع ليس لها حضور محقق وإنما هي متعلقة
بالاستقبال والمشاهدة لا يطلع فيها على الغرض ثم المنافع تقدر بطريقتين تارة تقدر بالزمان كما إذا
300

استأجر الدار ليسكنها سنة وتارة بمحل العمل كما إذا استأجر الخياط ليخيط له الثوب المعين أو
الدابة ليركبها إلى موضع كذا ثم قد يتعين الطريق الأول كما في استئجار العقارات فان منافعها
301

لا تنضبط إلا بالمدة وكالارضاع فان تقدير اللبن لا يمكن ولا سبيل فيه إلا الضبط بالزمان وقد يسوغ
الطريقان كما إذا استأجر عين شخص أو دابة يمكنه أن يقول ليعمل لي كذا شهرا وأن يقول
302

ليخيط هذا الثوب وفي الدابة أن يقول لاتردد عليها في حوائجي اليوم أو يقول لأركبها إلى موضع
كذا فأيهما كان كفى لتعريف المقدار فان جمع بينهما بأن قال استأجرتك لتخيط لي هذا القميص
303

اليوم ففيه وجهان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب وبه قال أبو حنيفة انه لا يجوز لان في
إضافة الزمان إلى العمل غرر لا حاجة إلى احتماله لجواز انتهاء العمل قبل انتهاء اليوم وبالعكس
304

وهذا كما إذا أسلم في قفيز حنطة بشرط أن يكون وزنه كذا لا يصح لاحتمال ان يزيد أو ينقص
فيتعذر التسليم (والثاني) يجوز والمدة مذكورة للتعجيل فلا تؤثر في فساد العقد وعلى هذا فوجهان
(أصحهما) أنه يستحق الأجرة بأسرعهما اتماما فان تم العمل قبل إتمام اليوم وجبت الأجرة وان
305

نقض اليوم قبله وجب اتمامه وبالأول أفتى القفال وذكر أنه ان انقض النهار أولا لم يلزمه خياطة
الباقي وان تم العمل أولا فللمستأجر ان يأتي بمثل ذلك القميص ليخيط بقية النهار فان قال في
الإجارة على أنك ان فرغت قبل تمام اليوم لم تخط غيره بطلت الإجارة لان زمان العمل يصير
306

مجهولا إذا عرفت ذلك فالمنافع متعلقة بالأعيان وتابعة لها وتحدد آحاد الأعيان التي تستأجر كالمعتذر
فعنى الأصحاب بثلاثة أنواع تكثر البلوى بإجارتها ليعرف طريق الضبط فيها ثم يقاس بها غيرها
(أحدها) لآدمي يستأجر لعمل أو صناعة كالخياطة فإن كانت الإجارة في الذمة قال لزمت ذمتك
307

خياطة هذا الثوب ولو أطلق وقال ألزمت ذمتك عمل الخياطة كذا يوما قال القاضي أبو الطيب
لا يصح وبه أجاب صاحب التتمة توجيها بأنه لم يعين عاملا يخيط ولا محلا للخياطة فلا ترتفع الجهالة
308

وان استأجر عينه قال استأجرتك لتخيط لي يوما أو شهرا نقل أكثرهم جوازه أيضا ويجب أن يبين
الثوب وما يريد منه من القميص أو القباء أو السراويل والطول والعرض وأن يبين نوع الخياطة أهي
رومية أو فارسية الا أن تطرد العادة بنوع فيحمل المطلق عليه ومن هذا النوع الاستئجار لتعليم القرآن
309

ذكر الامام وصاحب الكتاب انه يعين السورة والآيات التي يعلمها أو يقدر المدة فيقول لتعلمني شهرا
وفي ايراد غيرها ما يفهم عدم الاكتفاء بذكر المدة واشتراط تعيين السور والآيات لتفاوت التعليم سهولة
وصعوبة وفيه وجه انه لا يجب تعيين السور وإذا ذكر عشر آيات كفى وفي المهذب وجه انه لابد من
310

تعيين السور لكن يكتفى باطلاق العشر منها ولا يعين واحتج له بما (1) روى أنه صلى الله عليه وسلم قال في قصة التي
عرضت نفسها عليه لبعض القوم " أي أريد أن أزوجك هذه ان رضيت فقال ما رضيت لي يا رسول
311

الله فقد رضيت فقال للرجل هل عندك شئ قال لا قال ما تحفظ شيئا من القرآن قال سورة البقرة والتي
تليها قال قم فعلمها عشر آيات وهي امرأتك " وفي وجوب تعيين رواية ابن كثير ونافع وغيرهما
312

وجهان (أصحهما) المنع لان الامر فيهما قريب ويدل عليه الخبر السابق قال الامام وكنت أود ان لا يصح
الاستئجار للتعليم حتى يختبر حفظ المتعلم كما لا تصح إجارة الدابة للركوب حتى يعرف حال الراكب
لكن ظاهر كلام الأصحاب أنه لا يشترط والخبر يدل عليه وإنما يجوز الاستئجار لتعليم القرآن إذا
313

كان من يعلمه مسلما أو كافرا يرجى اسلامه فإن كان لا يرج لا يعلم القرآن كما لا يباع المصحف من
الكافر ولا يجوز الاستئجار له وإن كان المستأجر على تعليمه يعلم الشئ بعد الشئ ثم ينساه فهل
على الأجير إعادة التعليم فيه أوجه (أحدهما) أنه ان تعلم آية ثم نسيها لم يجب تعليمها ثانيا وان تعلم دون
314

آية ونسي وجب (والثاني) ان الاعتبار بالسورة (والثالث) ان نسي في مجلس التعليم وجب اعادته
وان نسي بعده فلا (والرابع) ان الرجوع فيه إلى العرف الغالب وهو الأصح *
(فرع) عن القاضي الحسن في فتاويه ان الاستئجار لقراءة القرآن على رأس القبر مدة جائز
315

كالاستئجار للاذان وتعليم القرآن * واعلم أن عود المنفعة إلى المستأجر شرط في الإجارة كما سبق فيجب
عود المنفعة إلى المستأجر أو ميته لكن المستأجر لا ينتفع بأن يقرأ الغير ومشهور أن الميت لا يلحقه
ثواب لقراءة المجردة فالوجه تنزيل الاستئجار على صور انتفاع الميت بالقراءة وذكر له طريقتين
(أحدهما) أن يعقب القراءة بالدعاء للميت فان الدعاء يلحقه والدعاء بعد القراءة أقرب إلى الإجابة
وأكثر بركة (والثاني) ذكر الشيخ عبد الكريم السالوسي أنه ان نوى القارئ بقراءته أن
يكون ثوابها للميت لم يلحقه لكن أن قرأ ثم جعل ما حصل من الاجر له فهو دعاء بحصول ذلك
316

ذلك الاجر للميت فينتفع الميت (ومنه) الاستئجار للرضاع يجب فيه التقدير بالمدة كما سبق ولا سبيل
إلى ضبط مرات لارضاع ولا القدر الذي يستوفيه في كل مرة وقد تعرض له الأمراض ولأسباب
317

الملهية ويجب تعيين الصبي لاختلاف الغرض باختلاف حال الرضيع وتعيين الموضع الذي يرضع فيه
أهو بيته أم ببيتها فان ارضاعها في بيتها أسهل عليها فالارضاع في بيته أشد وثوقا هذا ما ذكره في
318

استئجار الادمي وقد يستأجر لأمور أخر منها الحج وقد ذكرناه في بابه (ومنها) إذا استأجر لحفر
بئر أو نهر أو قناة قدرا ما بالزمان فيقول تحفر لي شهرا أو بالعمل فيقدر الطول والعرض والعمق
319

ويجب معرفة الأرض بالمشاهدة للوقوف على صلابتها ورخاوتها ويجب عليه اخراج التراب المحفور
فان انهار شئ من جوانب البئر لم يلزمه اخراج ذلك التراب وإذا انتهى إلى موضع صلب أو حجارة
320

نظر إن كان يعمل فيه المعول وجب حفره على أظهر الوجهين وبه قال القاضي أبو الطيب (والثاني)
لا يجب وبه قال ابن الصباغ لأنه خلاف ما اقتضته المشاهدة فعلى هذا له فسخ العقد وان لم يعمل
به المعول أو نبع الماء قبل أن ينتهى إلى القدر المشروط وتعذر الحفر انفسخ العقد في الباقي ولا يفسخ
321

فيما مضى على الأصح فتوزع الأجرة المسماة على ما عمل وعلى ما بقي * وان استأجر لحفر قبر بين الموضع
والطول والعرض والعمق ولا يكفي الاطلاق خلافا لأبي حنيفة ولا يجب عليه رد التراب بعد وضع
الميت خلافا له أيضا (ومنها) إذا استأجر لضرب اللبن قدر بالزمان أو العمل وإذا قدر بالعمل بين
322

العدد والقالب فإن كان القالب معروفا فذاك والا بين طوله وعرضه وسمكه وعن القاضي أبى الطيب
الاكتفاء بمشاهدة القالب ويجب بيان الموضع الذي يضرب فيه لأنه يبعد من الماء ويقرب وربما
يحتاج إلى نقل التراب أيضا ولا يجب عليه إقامتها حتى تجف خلافا لأبي حنيفة * ولو استأجر لطبخ اللبن
323

فطبخ يجب عليه الاخراج من الاتون خلافا له (ومنها) إذا استأجر لبناء قدر بالزمان أو بالعمل فان
قدر بالعمل بين موضعه وطوله وعرضه وسمكه وما ينبنى منه من الطين أو الاجر وان استأجر للتطيين
أو التجصيص قدر بالزمان ولا سبيل فيه إلى تقدير العمل فان سمكه لا ينضبط رقة وثخانة (ومنها) إذا
324

استأجر كحالا ليداوي عينيه قدر بالمدة دون البرء فان برئت عينيه قبل تمامها انفسخ العقد في الباقي
ولا يقدر بالعمل لان قدر الدواء لا ينضبط ويختلف بحسب الحاجة (ومنها) إذا استأجر للرعي وجب
بيان المدة وجنس الحيوان ثم يجوز العقد على قطيع معين ويجوز في المدة وحينئذ فاظهر الوجهين
325

عند الشيخ أبى اسحق الشيرازي أنه يجب بيان العدد (والثاني) وبه أجاب ابن الصباغ والقاضي
الروياني انه لا يجب ويحمل على ما جرت العادة أن يرعاه الواحد قال الروياني وهو مائة رأس من
الغنم على التقريب وان توالدت حكي ابن الصباغ أنه لا يلزمه رعى أولادها إن رد العقد على أعيانها
326

وإن كانت في الذمة لزمه (ومنها) إذا استأجر نساخا ليكتب له بين عدد الأوراق والأسطر في
كل صحيفة ولم يتعرضوا للتقدير بالمدة والقياس جوازه وأن يجب عند تقدير العمل بيان قدر الحواشي
والقطع الذي يكتب فيه *
(فرع) يجوز الاستئجار لاستيفاء الحد والقصاص خلافا لأبي حنيفة في قصاص النفس *
(فرع) يجوز الاستئجار لنقل الميتة عن الدار إلى المزبلة والخمر لترق وبل يجوز نقل الخمر
من بيت إلى بيت خلافا لأبي حنيفة *
327

قال ((أما الأراضي) فما يطلب للسكنى يرى المستأجر مواضع الغرض فينظر في الحمال إلى
البيوت وبئر الماء ومسقط القماش والاتون والوقود ويعرف قدر المنفعة بالمدة * فان أجر سنة فذاك *
فان زاد فالأصح (و) أنه جائز ولاضبط فيه وقولان آخران * (أحدهما) أنه لا يزاد على السنة لأنه
328

مقيد بالحاجة * (والثاني) أنه لا يزاد على ثلاثين سنة * ولو آجر سنين ولم يقدر حصة كل سنة من
الأجرة فالأصح (و) الجواز كما في الأشهر من سنة واحدة * ولو قال آجرتك شهرا بدرهم وما زاد
فبحسابه فهو فاسد إذ لم يقدر جملته * وقيل أنه يصح في الشهر الأول ويفسد في الباقي) *
329

(النوع الثاني) العقارات وتستأجر لأغراض منها السكني فإذا استأجر دارا وجب أن يعرف
موضعها وكيفية أبنيتها لاختلاف الغرض باختلافها وفي الحمام يعرف البيوت والبئر التي يسقى منها
ماؤه والقدر التي يسخن فيها والاتون وهو موضع الوقود ومبسط القماش والذي يجمع للاتون من
330

السرجين ونحوه والموضع الذي يجمع فيه الزبل والوقود ومطرح الرماد والمستنقع الذي يجمع فيه الماء
الخارج من الحمام وعلى هذا قياس سائر المساكن (وقوله) في الكتاب يرى المستأجر مواضع
الغرض فينظر في الحمام مبني على أن إجارة الغائب لا تجوز (أما) إذا جوزناها فلا تعتبر الرؤية
بل يكفي الذكر (وقوله) ومبسط القماش والاتون والوقود الوجه تقدم لفظ الوقود ليصير المعني ومبسط
القماش وموضع الوقود والاتون وهذا لفظه في الوسيط فاما نفس الوقود فلا حاجة إلى رؤيته ولا هو
331

داخل في بيع الحمام واجارتها كالأزر والأسطال والحبل والدلو وذكر في الشامل في رؤية قدر الحمام
انه اما أن يشاهد داخلها من الحمام أو ظاهرها من الأتون والقياس على اعتبار الرؤية أن يشاهد
الوجهين عند الامكان كما تعتبر مشاهدة وجهي الثوب وفي شرح المفتاح أنه لابد من ذكر عدد
السكان من الرجال والنساء والصبيان ثم لا يمتنع دخول زائر وضيف وان بات فيه ليالي في إجارة
الدار ولابد من تقدير هذه المنفعة بالمدة * ولما كانت منافع هذه العقارات لا تنعقد إلا بالمدة كما ذكرنا
332

في الفصل السابق تكلم في مدة الإجارة في هذا الموضع وفيها مسائل (أحدها) في إجارة الشئ أكثر
من سنة قولان (أحدهما) المنع لان الإجارة عقد على معدوم جوز رخصته للحاجة والحاجة تندفع
بالتجويز سنة لأنها مدة تنظيم الفصول وتتكرر فيها الزروع والثمار والمنافع بتكرر تكررها
333

(وأصحهما) الجواز كما يجوز الجمع في البيع بين أعيان كثيرة وهذا ما أجاب * في المختصر فقال وله
أن يؤجر داره وعبده ثلاثين سنة وعلى هذا فطريقان (أحدهما) أن المسألة على قولين (أحدهما)
أنه لا تجز الزيادة على ثلاثين سنة لأنها نصف العمر والغالب ظهور التغيير على الشئ بمضي هذه
334

المدة فلا حاجة إلى تجويز الزيادة عليها (وأصحهما) انه لا تقدر كما لا تقدر في الأعيان المختلفة في البيع
(والطريق الثاني) القطع بالقول الثاني وحمل ما ذكره المزني على التمثيل للكثرة لا للتحديد وعلى
هذا فهل من ضابط (قال) معظم الأصحاب يجب أن تكون المدة بحيث يبقى إليها ذلك الشئ
335

غالبا فلا يؤجر العبد أكثر من ثلاثين سنة والدابة إلى عشر سنين والثوب إلى سنتين أو سنة على
ما يليق به والأراضي إلى مائة أو أكثر وفي كتاب القاضي ابن كج أن العبد يؤجر إلى مائة وعشرين
سنة من عمره (وقال) بعضهم يصح وإن كانت المدة بحيث لا تبقى إليها العين في الغالب اعتمادا على أن
الأصل الدوام والاستمرار فان هلك بعارض فهو كانعدام الدار ونحوه في المدة وحاصل هذا الترتيب
336

أربعة أقوال التقدير لسنة التقدير بثلاثين سنة الضبط بمدة بقاء ذلك الشئ غالبا ومنع الضبط
والتقدير من كل وجه (وقوله) فالأصح انه جائز ولاضبط يجوز أن يحمل على ما قاله المعظم ويقال
المعنى أنه لاضبط بعد كون المدة بحيث يبقى إليها الشئ ويجوز أن يجرى على ظاهره فيكون اختيارا
للقول الرابع اختاره عن أصحاب الإمام (وقوله) وفيه قولان آخران يجوز اعلامه بالواو للطريقة القاطعة
لقول التقدير بالثلاثين (وقوله) لا يزاد على السنة ولا يزاد على ثلاثين سنة معلما بالحاء والميم والألف
337

لان عندهم لا تقدير وحكم الوقف في مدة الإجارة حكم الملك قال أبو سعيد المتولي الا ان الحكام
اصطلحوا على منع اجارته أكثر من ثلاث سنين في عقد واحد لئلا يندرس الوقف وهذا الاصطلاح
غير مطرد وهو قريب مما حكوه عن أبي حنيفة في منع إجارة الوقف أكثر من ثلاث سنين في عقد
واحد وفي أمالي أبى الفرج السرخسي ان المذهب منع إجارة الوقف أكثر من سنة إذا لم تمس إليها
338

الحاجة لعمارة وغيرها وهو قريب (المسألة الثانية) ان جوزنا الإجارة أكثر من سنة فهل يجب تقدير حصة
كل سنة قولان (أصحهما) لا كما لو باع أعيانا صفقة واحدة لا يجب تقديم حصة كل عين منها وكما
339

لو اجر سنة لا يجب تقدير حصة كل شهر (والثاني) ويحكى عن رواية الربيع وحرملة والمزني في الجامع
الكبير نعم لان المنافع تتفاوت قيمتها بالسنين وربما تهلك العين في المدة فيتنازعان في قدر الواجب
من الأجرة ومن قال بالأول يوزع الأجرة المسماة على قيمة منافع السنتين فينقطع النزاع وبني القولين
340

بعضهم على القولين فيما إذا أسلم في شيئين أو في شئ إلى أجلين ففي قول يجوز أخذا بظاهر المسألة
وفي قول لا لما عساه أن يقع من الجهالة بالأجرة ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب فالأصح الجواز
بالواو لان القاضي أبا القاسم بن كج حكى طريقة أخرى قاطعة بأنه لا يجب التقدير واختارها مذهبا
341

(الثالثة) قول العاقد أجرتك شهرا أو سنة محمول على ما يتصل بالعقد في أظهر الوجهين وبه قال
أبو حنيفة لأنه المفهوم المتعارف (والثاني) وبه قال احمد لابد وأن يقول من الآن والا فهو كقوله
بعتك عبدا من العبيد * ولو قال أجرتك شهرا من السنة قال لامام يفسد العقد بلا خلاف للابهام
واختلاف الاغراض وإذا قال أجرتك هذه الدار كل شهر بدرهم من الآن لم تصح الإجارة لأنه لم
342

يبين لها مدة وعن الاملاء أن تصح في الشهر الأول لأنه معلوم والزيادة مجهولة وبه قال الإصطخري
ولو قال أجرتك كل شهر من هذه السنة بدرهم لم يصح وعن ابن سريج أنه يصح في شهر واحد دون
ما زاد ورجحوا الأول واحتجوا له بأنه لم يضف الإجارة إلى جميع السنة وفى النهاية أن الأئمة بمثله
343

أجابوا فيما إذا قال بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم وقالوا انه لم يضف البيع إلى جميع الصبرة
بخلاف ما إذا قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم وكان ينبغي أن يفرق بين أن يقول بعتك
كل صاع بدرهم فيجعل كما لو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم ويصح العقد في الجميع وبين
344

أن يقول بعتك من هذه الصبرة كل صاع بدرهم فيحكم بالبطلان ههنا أو يصح في صاع واحد كما
حكيناه عن ابن سريج في البيع وكذلك ينبغي أن يقول في الإجارة وقد وفى بالقضية المذكورة
الشيخ أبو محمد فسوى بين قوله بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم وبين قوله بعتك هذه
345

الصبرة كل صاع بدراهم وصحح البيع في جميع الصبرة باللفظين * ثم اعلم أن عامة النقلة إنما نقلوا
التجويز في شهر واحد عن ابن سريج فيما إذا ضبط الأشهر بالسنة أما إذا أطلق وقال كل شهر
بدرهم فالخلاف فيها منسوب إلى الاملاء واختيار الإصطخري كما سبق والفرق بين الصورتين بين *
346

وحكى الامام والمصنف في الوسيط التجويز في شهر عن ابن سريج مع التصوير فيما إذ أطلق ذكر
الشهر ولم يساعدا عليه (وقوله) ههنا لو قال أجرتك شهرا بدرهم وما زاد فبحسابه أراد به الصورة
الأولى والثانية حيث حكى الخلاف فيه (وأما) ما يشعر به اللفظ فلا يجرى فيه خلاف لان قوله
347

أجرتك شهرا بدرهم إما أن يحمل على شهر غير معين أو على الشهر المتصل باللفظ إن كان الأول فلا
خلاف في فساد لاجارة وإن كان الثاني فالشهر مفرد بالعقد مقال بالعوض فيصح العقد فيه بلا
خلاف وكذلك أورده صاحب المهذب وغيره (واعلم) أن الحكم في مدة الإجارة كالحكم في أجل
348

السلم في أن مطلق الشهر يحمل على أمرين وكذا السنة في أنه إذا قيد بالعدد أو قال سنة رومية أو
فارسية أو شمسية كان الأجل ما ذكره في أن العقد إذا انطبق على أول الشهر اعتبر ذلك الشهر وما
بعده بالأهلة وإن لم ينطبق تمم المنكسر بالعدد من الاخر ويحسب الباقي بالأهلة وفي سائر المسائل
349

المذكورة في السلم وفي التأجيل بالسنة الشمسية وجه أنه لا يجوز وهو قريب من الوجه المذكور
هناك في التأقيت بفصح النصارى * ولو قال أجرتك شهرا من هذه السنة فإن لم يكن إلى من السنة
الأشهر صح وإن بقي أكثر من شهر لم يصح الجهالة هكذا ذكره في التهذيب والتتمة والحكم
350

بالبطلان فيما إذا كان الباقي أكثر من شهر يجوز أن يكون تفريعا على قولنا إن الشهر المطلق محمول
على المتصل بالعقد ويقال التعقيب بقوله من هذه السنة يمنع من فهم الشهر المتصل بالعقد ويوقع التردد
بينه وبين سائر الشهور *
351

قال (ولو قال اجرتك الأرض ولم يعين البناء ولزراعة والغراس لم يجز لأنه مجهول ولو
قال لتنتفع به ما شئت جاز (و) * ولو قال آجرتك للزراعة ولم يذكر ما يزرع ففيه خلاف لان
التفاوت فيه قريب * ولو قال أكريتك إن شئت فازرعها وإن شئت فاغرسها جاز على الأصح
352

(و) ويتخير كما لو قال انتفع كيف شيئت * ولو قال أكريتك فازرعها واغرسها ولم يذكر القدر فهو
فاسد * وقيل إنه ينزل على النصف * ولو اكترى الأرض للبناء وجب تعريف عرض البناء وموضعه *
وفي تعريف ارتفاعه خلاف (و) *
353

ومما تستأجر له الأرض البناء والزراعة والغراس فلو قال أجرتك هذه الأرض ولم يذكر البناء
ولاغيره وهي صالحة للكل مما تصح لان منافع هذه الجهات مختلفة وكذا ضررها اللاحق بالأرض
354

فوجب التعيين كما لو اجر بهيمة لا يجوز الاطلاق هذا جواب الأصحاب في هذا الموضع وقد رأوه متفقا
عليه حتى احتجوا به لاحد الوجهين فيما لو أعار الأرض مطلقا كما سبق في العارية لكنا قد نقلنا في
مسألة إجارة الأرض التي لا ماء لها تصريحهم بجواز الإجارة مطلقا فشبه أن تكون الإجارة مطلقا على
وجهين كاعارتها والظاهر المنع فيها وما ذكروه في إجارة الأرض التي لا ماء لها مفرع على الوجه الاخر
355

أمؤول ولو اجر دارا أو بيتا لم يحتج إلى ذكر السكني لان الدار لا تستأجر الا للسكنى ووضع المتاع فيها
وليس صررها مختلف فيحوز الاطلاق كذا ذكروه ويجوز ان يمنع فيقال كما تستأجر الدار للسكنى
كذلك تستأجر لتتخذ مسجدا ولعمل الحدادين والقصارين ولطرح المزابل فيها وهي أكثر ضررا
الا ترى أنه إذا استأجر للسكنى لم يكن له شئ من هذه الانتفاعات فإذا ما جعلوه مبطلا في إجارة
الأرض مطلقا موجود في الدار ولئن قيل الإجارة لا تكون الا لاستيفاء منفعة فإذا أجر الدار وأطلق
منزل على أدنى الجهات ضررا وهي السكنى ووضع المتاع لزم في إجارة مثله حتى ينزل على أدنى الجهات
356

ضررا وهي لزراعة ويصح العقد بها وهذا الاشكال ينساق إلى أنه لابد في استئجار الدار من بيان انه
يستأجر للسكنى أو العمل فيها وقد أجاب به بعض شارحي المفتاح ولو قال اجرتك هذه الأرض تنتفع
بها ما شئت فمنقول الامام وصاحب الكتاب ان الإجارة صحيحة وله ان ينتفع ما شاء لرضاه وفي التهذيب
وجه اخر أنها لا تصح كما لو قال بعتك من هذه العبيد من شئت ولو قال اجرتكما للزراعة ولم يذكر
ما يزرع أو للبناء والغراس وأطلق فوجهان كالوجهين المذكورين فيما إذا أعار الأرض للزراعة ولم يبين
الزرع (أظهرهما) عند الأكثرين الجواز وبالمنع قال أبو حنيفة وابن سريج ونقله القاضي ابن كج عن
357

نصه في الجامع الكبير وحكى للأول عن تخريج ابن القطان حكاية الشئ الغريب ومن جوز قاله ان
يزرع ما شاء لاطلاق اللفظ وكان يجوز أن ينزل على أقل الدرجات ولو قال اجرتكها لتزرع أو تغرس لم
يصح ولو قال إن شئت فازرعها وان شئت فاغرسها فاصح الوجهين على ما ذكر في الكتاب صحة الإجارة
ويخير المستأجر (والثاني) المنع كما لو قال بعتك بألف مسكرة ان شئت وصحيحة ان شئت واستشهد في
الكتاب للوجه الأول بماذا قال لتنتفع كيف شئت لكنا حكينا الخلاف فيه أيضا فلا فرق ولو قال
أكريتك فازرعها واغرسها أو لتغرسها وتزرعها ولم يبين القدر فوجهان (أحدهما) وبه قال ابن سلمة
يصح وينزل على النصف وعلى هذا فله ان يزرع الكل لجواز العدول من الغراس إلى الزرع ولا يجوز
358

أن يغرس الكل وأقربهما وبه قال المزني وابن سريج وأبو اسحق انه لا يصح لأنه لم يبين كم يزرع وكم يغرس
بل لو قال لتزرع النصف وتغرس النصف فعن القفال انه لا يصح لأنه لم يبن المغروس والمزروع فصار
359

كما إذا قال بعتك أحد هذين بألف والاخر بخمسمائة ويجب في استئجار الأرض للبناء بيان موضعه
وطوله وعرضه وفي بيان قدر ارتفاعه وجهان ذكرهما في كتاب الصلح بتوجيههما (والأظهر) ما أجاب
به في الكتاب هناك وهو انه لا حاجة إليه بخلاف ما إذا استأجر سقفا للبناء *
360

قال (أما الدوب) فان استؤجر للركوب عرف (م) الاجر الراكب برؤية شخصه أو
سماع صفته في الضخامة والنحافة ليعرف وزنه تخمينا * ويعرف المحمل (ح) بالصفة في السعة
والضيق وبالوزن فان ذكر الوزن دون الصفة أو بالعكس ففيه خلاف (و) * ويعرف تفاصيل
المعاليق * فان شرط المعاليق مطلقا فهو فاسد (ح م) على النص لتفاوت الناس فيه * والمستأجر
يعرف الدابة برؤيتها أو بوصفها إن أوردت الإجارة على العين أهي فرس أم بغل أم ناقة أم حمار * وفى
ذكر كيفية السير من كونها مهملجا أو بحرا خلاف (و) * ويعرف تفصيل السير والسري ومقدار
المنازل ومحل النزول أهو الفرى أو الصحراء إن لم يكن للعرف فيه ضبط * وإن كان فالعرف متبع) *
(النوع الثالث * الدواب وتستأجر لأغراض (منها) الركوب وفيه مسائل (إحداها)
361

يجب أن يعرف المؤجر الراكب وفي طريق معرفته وجوده قيل الطريق المشاهدة لان الغرض يتعلق
بثقل الراكب وخفته بالضخامة والنحافة وكثرة الحركات والسكنات والوصف لا يفي بذلك ومنهم
من قال إن كان غائبا وصفه وذكر وزنه وقال آخر بل يذكر صفته في الضخامة والنحافة ليعرف
وزنه تخمينا وهذا ما ذكره الامام وصاحب الكتاب وأكثر الأصحاب على اعتبار المشاهدة لكن
الحاق الوصف التام بهذا أشبه في المعنى لأنه يفيد التخمين كالمشاهدة ويجوز أن يعلم (قوله) عرف
المؤجر الراكب بالميم لان الحكاية عن مالك أنه يجوز فيه الاطلاق لتفاوت أجسام الناس غالبا
(الثانية) إن كان الراكب مجردا ليس معه ما يركب عليه فلا حاجة إلى ذكر ما يركب عليه لكن
المؤجر يركبه على ما يشاء من سرج أو اكاف زاملة على ما يليق بالعادة وإن كان يركب على رحل أو
فوق زاملة أو فوق محمل أو عمارية وفي غير الإبل أراد الركوب على سرج أو اكاف وجب ذكره
362

وينبغي أن يعرف المؤجر هذه الآلات فان شاهدها كفى والا فإن كانت سروجهم وما في معناها
على وزن وتقطيع لا يتفاضل فيه التفاوت كفى الاطلاق وحمل على معهودهم وان لم يكن معهود مطرد
فلابد من ذكر وزن السرج والا كاف والزاملة هذا هو المشهور وفي النهاية أن أحدا من الأصحاب
لم يتعرض لاشتراط الوزن في السرج والاكاف لأنه لا يكثر فيهما التفاوت وفي المحل والعمارية
ثلاثة أوجه (أحدهما) أنه لا يصح العقد ولابد من مشاهدتهما (وأشبههما) وهو المذكور في الكتاب
أنه يكفي فيها الوصف وذكر الوزن لافادتهما التخمين كالمشاهدة ولك أن تحتج بقوله في المختصر
فان ذكر محملا أو مركبا أو زاملة بغير رؤية ولا وصف فهو مفسوخ للجهل بذلك فاعتبر الوصف
كالرؤية وعلى هذا لو ذكر الوزن أو الصفة دون الوزن فوجهان (أظهرهما) أنه لا يكفي لبقاء الجهل
مع سهولة ازالته وذكر في التهذيب أن الزاملة تمتحن باليد ليعرف خفتها وثقلها بخلاف الراكب
363

لا يمتحن بعد المشاهدة وينبغي أن يكون المحمل والعمارية في ذلك كالزاملة ولابد في المحمل ونحوه
من الوطاء وهو الذي يفرش فيه ليجلس عليه فينبغي أن يعرف بالرؤية والوصف والغطاء الذي
يستظل به ويتوقى من المطر قد يكون وقد لا يكون فيحتاج إلى شرطه فجواب الشيخ
أبى حامد وابن الصباغ انه يكفي فيه الاطلاق لان التفاوت فيه قريب ويغطيه بجلد أو كساء أو لبد
وفي شرح القاضي ابن كج والتتمة انه يعتبر وصفه أو رؤيته كالوطاء وهو ظاهر النص نعم لو كان فيه
عرف مطرد كفى الاطلاق كما سبق في المحمل وغيره وقد يكون للمحمل طرف من لبو أو أدم فهو
كالغطاء وليعلم (قوله) في الكتاب ويعرف المحمل بالحاء لان عند أبي حنيفة يجوز فيه الاطلاق
ولا حاجة إلى تعريفه (وقوله) بالصفة بالواو للوجه الذاهب إلى المشاهدة (الثالثة) إذا استأجر للركوب
وشرط حمل المعاليق وهي السفرة والإدارة والقدر والقمقمة ونحوها نظران رآها المؤجر أو وصفها وذكر
364

وذنها فذاك وان أطلق قال الشافعي رضي الله عنه القياس انه فاسد ومن الناس من يقول له بقدر
ما يراه الناس وسطا وفيه طريقان للأصحاب (أشهرهما) ان في المسألة قولين وما ذكره تمثيل قولين
(أحدهما) وبه قال أبو حنيفة ومالك يتم العقد ويحمل الشرط على الوسط المعتاد (وأصحهما) المنع
لاختلاف الناس فيها (والثانية) القطع بالقول الثاني وحمل ما ذكره على نقل مذهب الغير وان استأجر
للركوب من غير شرط المعاليق لم يستحق حملها لان الناس فيه مختلفون فقد لا يكون للراكب معاليق
أصلا وفيه وجه انه كما لو شرط وأطلق وما ذكرناه في السفرة والإدواة الخاليتين فإن كان في هذه طعام
وفي تلك ماء فسيأتي في الباب الثاني إن شاء الله تعالى (الرابعة) إن كانت الإجارة على عين الدابة فلابد
من تعيينها وفي اشتراط رؤيتها الخلاف في شراء الغائب فإن كانت في الذمة فلابد من ذكر جنسها
أهي من الإبل أو الخيل أو البغال أو الحمير ومن ذكر نوعها أهي عربية أم نجيبة ومن ذكر الأنوثة والذكورة
365

لاختلاف الغرض فان الأنثى أسهل يسيرا والذكر أقوى وفي المسامحة به بذكر الأنوثة والذكورة وجه وهل
يجب أن يقول مهملج أو نحر أو قطوف فيه وجهان (أظهرهما) نعم لان معظم الغرض يتعلق بكيفية
السير (الخامسة) إذا استأجر دابة للركوب فليبينا قدر السير كل يوم فإذا بيناه حملا على المشروط فان
زادا في يوم أو نقصا فلا جبران بل يسيران بعد على المشروط وإذا أراد أحدهما المجاوزة عن المشروط
أو النزول دونه لخوف أو خصب لم يكن له ذلك الا ان يوافقه صاحبه قاله في التهذيب وكان يجوز ان
يجعل الخوف عذرا لم يحتاط ويؤمر الاخر بموافقته وان لم يبينا قدر السير واطلقا العقد نظر إن كان
في الطريق منازل مضبوطة صح العقد وحمل عليها وان لم يكن فيه منازل أو كانت والعادة مختلفة
فيها لم يصح العقد حتى يبينا أو يقدر بالزمان هذا ما اشتملت عليه الطرق ووراءه شيئان (أحدهما)
عن أبي إسحاق أنه قال إذا اكترى إلى مكة في زماننا لم يكن بد من ذكر المنازل لان السير في هذا
366

الزمان شاق لا تطيقه الحمولة فلا يمكن حمل الاطلاق عليه والثاني ذكر القاضي أبو الطيب انه إذا كان
الطريق مخوفا لم يجز تقدير السير فيه لأنه لا يتعلق بالاختيار وتابعه على هذا القاضي الروياني في التجريد
وقضيته امتناع التقدير بالزمان أيضا وحينئذ يتعذر الاستئجار في الطريق الذي ليس له منازل مضبوط
إذا كان مخوفا والقول في وقت السير لهو الليل أو النهار وفي موضع النزول في المرحلة أهو نفس
القرية أو الصحراء أو في الطريق الذي نسلكه إذا كان للمقصد طريقان على ما ذكرنا في قدر
السير في الحمل على المشروط المعهود وقد يختلف المعهود في فصلى الشتاء والصيف وحالتي الامن
والخوف فكل عادة تراعي في وقتها (وقوله) في الكتاب ويعرف تفصيل السير والسري المراد من
السير المسير بالنهار ومن السرى المسير بالليل أو المعنى انه يجب ذكر ذلك وبيانه ان لم يكن للعرف
ضبطا فيه وإن كان فيتبع ان أطلقا العقد ان إذا شرطا خلاف المعهود فهو المنبع لا المعهود *
367

قال (وان استؤجر للحمل فيعرف قدره بالتخمين إن كان حاضرا * فإن كان غائبا فبتحقق
الوزن بخلاف الراكب * وإن كان في الذمة فلا يشترط معرفة وصف الدابة إلا إذا كان المنقول زجاجا
إذ يختلف الغرض بصفات الدابة * وإذا شرط مائة من الحنطة بكون الظرف ورآه فليعرف قدره
ووزنه الا إذا تماثلت الغرائر بالعرف * وان قال مائة من فهو مع الظرف على الأصح (و) *
من الاغراض التي تستأجر لها الدواب للحمل عليها فينبغي أن يكون المحمول معلوما وإن كان
حاضرا ورآه المؤجر كفى وإن كان في ظرف وجب أن يمتحنه باليد تخمينا لوزنه فإن لم يكن حاضرا
فلابد من تقديره بالوزن أو الكيل إن كان مكيلا وبالوزن في كل شئ أولى وأخصر فلابد من
ذكر جنسه لان تأثير الجيد والقطن في الدابة وان استويا في القدر مختلف فالحديد يهد مؤخرة
الدابة والقطن يعمها ويتثاقل إذا دخله الريح نعم لو قال أجرتكها لتحمل عليها مائة مما شئت فأصح
368

الوجهين أنه يجوز ويكون رضا منه باضر الأشياء فلا حاجة مع ذلك إلى بيان الجنس وفي الرقم أن
حذاق المراوزة قالوا إذا استأجر دابة ليحمل مطلقا جاز وجعل راضيا بالأضر وحاصله الاستغناء بالتقدير
عن ذكر الجنس هذا في التقدير بالوزن (أما) إذا قدر بالكيل فالمفهوم مما أورده أبو الفرج والسرخسي
أنه لا يغنى عن ذكر الجنس وان قال عشرة أقفزة مما ينبت لاختلاف الأجناس في الثقل مع
الاستواء في الكيل لكن يجوز أن يجعل ذلك رضا بأثقل الأجناس كما جعل رضا بأضر الأجناس
ولو قال أجرتك لتحمل عليها ما شئت لم يجز بخلاف ما إذا أجر الأرض ليزرع ما شاء لان الدابة
لا تطيق كل ما يحمل وأما ظروف المتاع وجبا له فإن لم تدخل في الوزن فان قال مائة من من الحنطة
أو كان التقدير بالكيل فلابد من معرفتها بالرؤية أو الوصف إلا أن تكون هناك غرائر متماثلة اطرد
العرف باستعمالها فيحمل مطلق العقد عليها وان دخلت في وزن المتاع بان قال مائة من من الحنطة
369

بظرفها صح العقد لزوال الغرر بذكر الوزن هكذا ذكر لكنا إذا اعتبرنا ذكر الجنس مع الوزن
وجب أن يعرف قدر الحنطة وحدها وقدر الظرف وحده ولو اقتصر على قوله مائة من فأصح الوجهين
أن الظرف من المائة (والثاني) أنه وراءها لأنه السابق إلى الفهم فعلى هذا يكون الحكم كما لو قال
مائة من الحنطة وتصوير المسألة يتفرع على الاكتفاء بالتقدير واهمال ذكر الجنس اما مطلقا أو
إذا قال مائة مما شئت هذا حكم المحمل على الدابة أما الدابة الحاملة إن كانت معينة فعلى ما ذكرنا
في الركوب فإن كانت الإجارة على الذمة فلا يشترط معرفة جنس الدابة وصفتها بخلاف ما في الركوب
لان المقصود تحصيل المتاع في الموضع المنقول إليه فلا يختلف الغرض بحال الحامل نعم لو كان المحمول
زجاجا أو خزفا وما أشبهها فلابد من معرفة حال الدابة ولم ينظروا في سائر المحمولات إلى تعلق
الغرض بكيفية سير الدابة بسرعة أو بطء وقوة أو ضعف أو تخلفها عن القافلة على بعض التقديرات
ولو نظروا إليها لم يكن بعيدا والكلام في المعاليق وتقدير السير على ما ذكرنا في الاستئجار للركوب
370

(فرع) لو استأجره ليحمل هذه الصبرة إلى موضع كذا كل مكيلة بدرهم أو مكيلة منها
بدرهم وما زاد فبحسابه صح العقد كما لو باع كذلك بخلاف ما لو قال أجرتك كل شهر بدرهم لان جملة
الصبرة معلومة محصورة وليست الأشهر كذلك ولو قال لتحمل مكيلة منها بدرهم على أن تحمل كل مكيلة منها
بدرهم أو على أن ما زاد فبحسابه ففيه وجهان عن صاحب التقريب (أشبههما) المنع لأنه شرط عقد في عقد
(والثاني) الجواز والمعني أن كل قفيز بدرهم ولو قال لتحمل هذه الصبرة وهي عشرة مكاييل كل مكيلة
بدرهم فان زادت فبحساب ذلك صح العقد في العشرة المعلومة دون الزيادة المشكوكة وعلى هذا أول مؤلون
قوله في المختصر ولو اكترى حمل مكيلة وما زاد فبحسابه فهو في المكيلة جائز وفي الزيادة فاسد
وسهم من حمله على ما إذا قال لتحمل هذه المكاييل كل واحدة بدرهم فان قدم إلى طعام فبحساب
ذلك وعن أبي إسحاق في الزيادات على الشرح حمله على ما إذا قال استأجرتك لتحمل هذه الصبرة
371

مكيلة منها بكذا والباقي بحسابه لكن في هذه الصورة صحة العقد في الجميع لان الصبرة معلومة
المشاهدة والأجرة بالتقسيط ولو قال استأجرتك لتحمل من هذه الصبرة كل مكيلة بدرهم لم يصح على
المشهور وقد مر في نظيره من البيع أنه يصح في مكيلة واحدة فيعود ههنا *
قال (وان استأجر للبيهقي فيعرف قدر الدلاء والعدد وموضع البئر وعمقه * وإن كان للحراثة
فيعرف بالمدة (و) أو بتعيين الأرض فيعرف صلابتها ورخاوتها وعلى الجملة ما يتفاوت بها الغرض ولا
يتسامح به في المعاملة يشترط تعريفه) *
من الاغراض سقى الأرض بإدارة الدولاب أو لاستقاء من البئر بالدلو فإن كانت الإجارة
على عين الدابة وجب تعيينها كما في الركوب والحمل وإن كانت في الذمة لم يجب بيان الدابة ومعرفة
372

جنسها وعلى التقديرين فينبغي أن يعرف المكرى الدولاب والدلو وموضع البئر وعمقها بالمشاهدة أو
الوصف إن كان الوصف يضبطها وتقدر المنفعة إما بالزمان بأن يقول للبيهقي بهذا الدلو من هذه
البئر اليوم أو بالعمل بأن يقول لنسقي خمسين دلوا من هذه البئر بهذه (1) الدلو ولا يجوز التقدير
بالأرض بأن يقول لتسقي هذا البستان أو جزء منه لان ريه مختلف بحرارة الهواء وبرودته وكيفية
حال الأرض ولا تنضبط ومنها الحراثة فيجب ان يعرف المكترى الأرض لاختلاف الأراضي في
* هامش * (1) بياض بالأصل
373

الصلابة والرخاوة ومقدار المنفعة إما بالزمان بأن يقول لتحرث هذه الأرض اليوم مثلا أو بالعمل بأن يقول
لتحرث هذه القطعة أو إلى موضع كذا منها وفيه وجه آخر أن هذه المنفعة لا يجوز تقديرها بالمدة وبه
أجاب الشيخ أبو حامد في التعليق والظاهر الأول واما معرفة الدابة فلابد منها إن كانت الإجارة
في عين وإن كانت في الذمة فكذلك ان قدر بالمدة وجوزناه لان العمل يختلف باختلاف الدابة وان
قدر بالأرض المحروثة فلا حاجة إلى معرفتها - ومنها الدياس فيعرف المكرى الجنس الذي يريد دياسته
وتقدر المنفعة بالمدة أو بالزرع الذي يدوسه والقول في معرفة الدابة على ما ذكرنا في الحراثة والاستئجار
للطحن كالاستئجار للدياس (وقوله) في الكتاب في الاستئجار للحراثة فيعرف بالمدة يجوز اسلامه
بالواو ثم في (قوله) فيعرف بالمدة أو بتعين الأرض فيعرف صلابتها ورخاوتها مضايقة من جهة
374

ان ما فيه الخيار هو الضبط بالمدة والضبط بقدر الأرض أو بتقدير الأرض وتعتبر الأرض بالإشارة
عند المشاهدة وبالوصف أو في الوصف بالمقصود (وقوله) على الجملة إلى آخره كلام جملي ذكره ليعرف
ما يجب تعريفه في الإجارات شامل لما وقع النص عليه ولغيره والله أعلم
375