الكتاب: فتح العزيز
المؤلف: عبد الكريم الرافعي
الجزء: ١
الوفاة: ٦٢٣
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

فتح العزيز
شرح الوجيز
وهو الشرح الكبير للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 ه‍
..
الجزء الأول
دار الفكر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد الله الحق ذا الجلال والاكرام * وأصلي على رسوله محمد خير الأنام * وأسلم عليه وعلى
آله وأصحابه أفضل الصلاة والسلام * وأقول إن المبتدئين بتحصيل المذهب من أبناء الزمان
قد تولعوا بكتاب الوجيز للامام حجة الاسلام أبى حامد الغزالي قدس الله روحه * وهو كتاب
غزير الفوائد * جم العوائد * وله القدح المعلي والحفظ الأوفى من استيفاء أقسام الحسن والكمال
73

واستحقاق صرف الهمة إليه والاعتناء بالاكباب عليه والاقبال * والاختصاص بصعوبة اللفظ
ودقة المعنى لما فيه من حسن النظم وصغر الحجم * وإنه من هذا الوجه محوج إلى أحد أمرين:
إما مراجعة غيره من الكتب وإما شرح يذلل صعابه: ومعلوم أن المراجعة لا تتأتي لكل أحد
وفي كل وقت وأنها لا تقوم مقام الشرح المغنى لايضاح الكتاب * فدعاني ذلك إلى عمل
شرح يوضح فقه مسائله فيوجهها: ويكشف عما انغلق من الألفاظ ودق من المعاني ليغتنمه
74

الشارعون في ذلك الكتاب المخصوصون بالطبع السليم: ويعينهم على بغيتهم ويتنبه الذين
غيره أولي بهم لما ذهب عليهم من فقه الكتاب ودقائقه واستصعابه عليه فينكشف لهم
أنهم حرموا شيئا كثيرا (ولقبته بالعزيز في شرح الوجيز) (1) وهو عزيز على المتخلفين بمعنى *
وعند المبرزين المنصفين بمعنى * وربما تلتبس على المبتدئين والمتبلدين أمور الكتاب فيطمعون في
اشتمال هذا الشرح على ما يشفيهم ولا يظفرون به * فليعلموا أن السبب فيه أن تلك

(1) قال ابن السبكي في الطبقات تحرز بعض أصحابنا عن تسميته بالعزيز اه‍ ولذلك جرينا في الطبع على هذا وسميناه بفتح العزيز
75

المواضع لا تستحق شرحا يودع بطون الأوراق * والقصور في أفهامهم * فدواؤهم الرجوع إلى
من يطلعهم على ما يطلبون * والله ولي التيسير * وهذا حين افتتح القول فيه مستعينا بالله تعالى:
ومتوخيا للاختصار ما استطعت والله حسبي ونعم الوكيل *
أما ديباجة الكتاب فلا يتعلق بشرحها (1) غرض ولكن من شرطك أن تطالعها وتعرف

(1) (تنبيه) رمز المصنف إلى الخلاف بحروف مخصوصة الميم لمالك والحاء لأبي حنيفة
والزاي للمزني والواو
لوجه أو قولي بعيد مخرج للأصحاب وجعلها بالهمزة فوق الكلمات وهذه الرموز ساقطة من نسخة الشرح واتماما
للفائدة أثبتناها في عبارة المتن بجعل الحرف بين قوسين بعد الكلمة المختلف فيها
76

منها غاية حجة الاسلام رحمه الله بالرموز التي قصد أن يسم بها الكلمات إشعارا بالأقوال والوجوه
ومذاهب سائر الأئمة وتتبين أنه ليس للشارح اهمالها على غزارة فائدتها فإنها لا تعطي الا معرفة خلاف
في المسألة فأما كيفيته واطلاقه وتفصيله فلا * ولذلك نجد أكثر النسخ عاطلة عنها في معظم المسائل
77

ونحن لا نلتزم الوفاء بها فان اختلاف العلماء فن عظيم لا يمكن جعله علاوة كتاب ولكن نتعرض
منها لما هو أهم في غرض الكتاب ويستدعيه لفظه وبالله التوفيق قال (رحمة الله عليه)
78

كتاب الطهارة
(وفيه ثمانية أبواب
الباب الأول في المياه الطاهرة
(والمطهر للحدث والخبث (ح) هو الماء من بين سائر المائعات) أراد بالطهارة بعض أنواع
الطهارة وهو الطهارة بالماء والا فمن شرطه ادراج التيمم في أبواب هذا الكتاب لأنه إحدى
79

الطهارات الا تري إلى قول الشافعي رضي الله عنه طهارتان فكيف يفترقان فلما أفرده دل
انه أراد الطهارة بالماء: ثم الأحكام المتعلقة بالطهارة تنقسم إلى ما يجرى مجرى المقدمات كالقول
في المياه والي ما يجرى مجرى المقاصد كالقول في نفس الوضوء والغسل فجعل من الأبواب الثمانية
أربعة في المقدمات وأربعة في المقاصد ولهذا قال عند تمام الأربعة الأولي هذا قسم المقدمات: ثم
الماء اما أن يكون معلوم الحكم أو لا يكون فإن كان فهو اما طاهر أو نجس وان لم يكن فهو الذي
80

يشكل ويشتبه حاله: ثم هو على التقديرين اما أن يكون في إناء يحفظ فيه ويستعمل منه أو لا يكون
فجعل الباب الأول في المياه الطاهرة: والطاهر ينتظم الطهور وغيره والثاني في المياه النجسة والثالث فيما
اشتبه حكمه والرابع فيما يعتوره من الأحكام باعتبار الظروف والأواني * وقوله والمطر للحدث
والخبث هو الماء من بين سائر المائعات فيه كلامان أحدهما ان الخبث مرقوم في النسخ برقم أبي حنيفة
رحمة الله عليه دون الحدث بناء على أن المشهوران الطهورية مخصوصة بالماء في الحدث اجماعا لكنه
في الخبث مختلف فيه بيننا وبينه: ولك ان تقول دعوى الاجماع في الحدث على اطلاقه لا يستقيم
81

لان نبيذ التمر عنده طهور في السفر عند اعواز الماء وإذا كان كذلك فلو جعل الرقم على قوله هو الماء
ليشملهما جميعا لم يضر: الثاني لم قال من بين سائر المائعات ولم يقتصر على قوله والمطهر للحديث
والخبث هو الماء والجواب انه لو اقتصر عليه لا شكل بالتراب فإنه مطهر وليس بماء. واعلم أنه لو أراد
تخصيص الطهورية في الحدث والخبث جميعا بالماء لما لزم هذا الاشكال لكنه لم يرد التخصيص
في الفصلين جميعا وإنما أراد التخصيص في كل واحد منهما فوجب الاحتراز: فان قلت ولم اختصت
الطهورية بالماء: قلنا أما في الحدث فلقوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) لولا اختصاص الوضوء
82

بالماء لما نقل إلى التراب الا بعد فقد ما يشارك الماء في الطهورية من المائعات ليأتي بأكمل الطهارات
واما في الخبث فلما نستوفي من الخلاف *
قال (ثم المياه على ثلاثة أقسام الأول الماء المطلق الباقي على أوصاف خلقته فهو طهور ومنه ماء
البحر وماء البئر وكل ما نزل من السماء أو نبع من الأرض) قوله ثم المياه يعني المياه الداخلة في
هذا الباب وهي الطاهرة: وإنما انقسمت إلى ثلاثة أقسام لأنها اما ان تبقى على أصل الخلقة
أو لا تبقى وان لم تبق فلما ان يخرج بما تغير من الصفات عن أن يسمى ماء مطلقا أو لا يكون كذلك
الأول الباقي على أوصاف خلقته فهو طهور لوقوع اسم مطلق الماء عليه واندراجه تحت النصوص
83

الآمرة باستعمال الماء والمجوزة له. وقد ورد في ماء البحر قوله صلى الله عليه وسلم (البحر هو الطهور ماؤه) (1)
84

وفى ماء البئر انه توضأ من بئر (1) بضاعة فان قلت لم اعتبر الاطلاق مع البقاء على أصل الخلقة حيث
90

قال الماء المطلق الباقي على أوصاف خلقته ثم إذا اعتبر فكيف عد منه ماء البحر وماء البئر وهذا
مقيد لا مطلق: فالجواب ان وصف الماء بالاطلاق قد تكرر في كلام الأئمة ثم منهم من يفسر
المطلق بالباقي على أوصاف الخاتمة ومنهم من يفسره بالعاري عن القيود والأوصاف ويقول الماء
ينقسم إلى مطلق والي مضاف ثم من المضاف ما هو طهور كماء الكوز والبحر ومنه ما ليس بطهور
كماء الزعفران وماء الشجر: فيجوز ان يقال أراد بالمطلق الباقي على أوصاف الخلقة وبه يشعر
94

ظاهر كلامه في الوسيط وعلى هذا يكون تعقيب المطلق بالباقي على وصف الخلقة تفسيرا وبيانا
للمعنى. ويجوز أن يقال أراد العاري عن القيود والإضافات أي كل ما يسمى ماء من غير قيد
فهو طهور وهذا لا ينافيه وقوع اسم الماء عليه مضافا بل تصح الإشارة إلى الماء المعين بأنه ماء
وبأنه ماء عين أو نهر وبهذا يظهر فساد تقسيم من قسم الماء إلى مطلق ومضاف لأن المطلق يجوز
95

أن يكون مضافا وبالعكس أيضا فيدخل أحد القسمين في الآخر فإذا عرفت ذلك فان أراد المعني
الأول فهما شئ واحد فلا معنى لقول القائل لم اعتبر الاطلاق مع البقاء على أصل الخلقة وان أراد
المعنى الثاني فقد ذكرنا انه لا منافاة بين كونه مطلقا بهذا المعنى ومضافا ثم ليس ذلك على سبيل
96

اشتراط الاطلاق لان كل باق على أصل الخلقة يقع عليه اسم الماء عريا عن الإضافة عن القيود
والأوصاف فهو إذا ملازم للبقاء على أصل الخلقة وإنما هو إشارة إلى أن المعني المقتضي للطهورية
اطلاقه والدخول في النصوص على ما سبق ويتبين مما ذكرناه انه لو حذف لفظ المطلق لم يضر:
قال (ولا يستثنى عنه الا الماء المستعمل في الحدث فإنه طاهر (ح) غير مطهر على القول الجديد
97

لتأدى العبادة به وانتقال المنع إليه: فالمستعمل في الكرة الرابعة طهور لعدم المعنيين: أما المستعمل
في الثانية والثالثة أو في تجديد الوضوء أو في غسل الذمية إذا اغتسلت من الحيض ليحل للزوج
غشيانها فيه وجهان لوجود أحد المعنيين دون الثاني) * استثناء المستعمل من الباقي على أوصاف
الخلقة يبين انه ليس المراد من الأوصاف كل ما يصح وصف الماء به حتى الإضافات والاعتبارات
والا فإنه قبل الاستعمال موصوف بأنه غير مستعمل وبعده بأنه مستعمل فلا يكون باقيا على الأوصاف
98

كلها حتى يستثنى منه وإنما المراد الصفات المعنوية ثم الاعتبار منها باللون والطعم والرائحة وهي
المنظور إليها في التغير بالنجاسة كما سيأتي والصفات المعنوية باقية بحالها في المستعمل ثم هو
غير طهور على المذهب فوجب استثناؤه * وفقه الفصل أن الماء المستعمل في الحدث طاهر وفي رواية
عن أبي حنيفة رحمه الله هو نجس وبه قال أبو يوسف رحمه الله * لنا وجهان أحدهما قال صلي الله
99

عليه وسلم خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ الا ما غير طعمه أو ريحه (1) ولا تغير ههنا: والثاني
100

أن الصحابة فمن بعد هم كانوا يتوضؤن في ثيابهم ولا يحترزون عما يتقاطر إليهم وإلى ثيابهم: وهل
هو طهور أم لا قال في الجديد لا لأنهم ما كانوا يجمعون المياه المستعملة للاستعمال ثانيا ولو جاز
الاستعمال لجمعوها كي لا يحتاجوا إلى التيمم: وحكي عن القديم انه طهور وبه قال مالك رحمه الله
لان الطهور ما يتكرر منه الطهارة كالقتول والشتوم من يتكرر منه الفعل ولأنه ماء باق على
اطلاقه فأشبه غيره: ومنهم من لم يثبت هذا القول وجزم بالجديد وسواء ثبت أم لا فالفتوى على
الجديد: ثم ذكر الأصحاب في أنه لم سقطت طهورية المستعمل معنيين أحدهما تأدى عبادة الطهارة
105

به والثاني تأدي فرض الطهارة به: فمن قال بالأول أسقط طهورية المستعمل في الكرة الثانية
والثالثة وتجديد الوضوء والمضمضة والاستنشاق وغسل الجمعة والعيدين وسائر مسنونات الطهارة
والطهارة المسنونة وقالوا ببقاء الطهورية فيما اغتسلت به الذمية عن الحيض لتحل لزوجها المسلم
إذ لا تصح منها العبادة: ومن قال بالآخر عكس الحكم واتفقوا على أنهما ليستا علتين مستقلتين
والا لما صار بعضهم إلى ثبوت الطهورية في هذه الصور وعلى أنهما ليستا جزأي علة واحدة والا
لما صار بعضهم إلى النفي وإنما اختلفوا في أن المعنى هذا أو ذاك وكل واحد منهما ملائم: أما تأدي
106

العبادة فلان الآلة المستعملة في المقصود الحسي يورثها ضعفا وكلالا فكذلك الآلة المستعملة في
المقصود الشرعي: وأما تأدى الفرض به فلان المراد منه رفع الحدث به أو رفع منعه من الصلاة
حيث لا يرتفع هو كما في وضوء صاحب الضرورة وذلك يقتضى تأثر الماء الا ترى أن غسالة
النجاسة لما أثرت في المحل حتى لم يبق المحل كما كان قبل الغسل تأثرت هي بالاستعمال حتى لم تبق
107

كما كانت قبل الغسل يحكي هذا التقرير عن ابن سريج ويجوز أن لا يقدر لكل واحد من فريقي
الأصحاب التعليل بالمعنى الذي أبداه استقلالا بل يقول هؤلاء ما ذكرناه من المعنى واقع في
موضع الاتفاق ملائم للحكم فلا يحذف عن درجة الاعتبار ويزعمون أن المعنى الثاني لغو: والآخرون
يدعون مثل ذلك في المعني الثاني فينتظم الخلاف على هذا التقدير أيضا *
108

واعلم أن ظاهر المذهب اعتبار أداء الفرض دون المعني الثاني حتى لا تسقط طهورية المستعمل
في المرة الثانية وأخواتها وتسقط في مسألة الذمية: والوجهان في الذمية مخصوصان بقولنا ان
الذمية إذا أسلمت يجب عليها إعادة ذلك الغسل وهو الصحيح أما إذا قلنا لا تجب الإعادة عليها
فهو مستعمل على المعنيين لأنه قد ارتفع به المنع من الوطئ وأفاد جواز العبادة به لو ارتفع مانع
الكفر: وقوله في الأصل لتأدي العبادة به وانتقال كذلك يوجد في بعض النسخ بل في
أكثرها وفي بعض النسخ المحدثة أو انتقال المنع إليه وشغف به جماعة من محصلي هذا الكتاب
لما ذكرنا ان العلة غير مركبة من المعنيين: وإنما اختلفوا في أن العلة ماذا ولا شك ان ما شرحناه
من كلام الأصحاب واختلافهم يقتضي ذلك ولكن الواو واو قد يستعمل أحدهما في موضع الآخر
فالواقف على حظ المعنى قد ينزل الواو على أو ولا يغير صورة الكتاب ونظيره يكثر في المذهب
ثم الحدث ليس شيئا محققا يفرض انتقاله من البدن إلى الماء لكن المعنى ان باستعمال الماء يرتفع
منع كان في البدن وهو انه كان ممنوعا من الصلاة وغيرها ويحدث منع في الماء لم يكن وهو أنه
109

لا يستعمل مرة أخرى فعبر عن ارتفاع منع وحدوث منع بالانتقال توسعا: وينبغي أن تعلم أن
انتقال المنع الذي ذكره هو الذي عبر عنه غيره من الأصحاب بأداء الفرض لان رفع الحدث
فرض ولا نعنى بالفرض في مثل هذا ما يلحق الاثم بتركه بل ما لا بد منه ولذلك نحكم باستعمال
ما توضأ به الصبي الا على وجه لا يعبأ به وباستعمال ما توضأ به البالغ لصلاة النفل: وعبارة أداء الفرض
أوضح وأولى:
قال (فروع ثلاثة (الأول) المستعمل في الحدث لا يستعمل في الخبث على أحسن الوجهين
(الثاني) إذا جمع الماء المستعمل حتى بلغ قلتين عاد طهورا على أقيس الوجهين كالماء النجس (الثالث)
110

إذا انغمس الجنب في ماء قليل ناويا وخرج منه ارتفعت (و) جنابته وصار الماء مستعملا بعد
الخروج والانفصال)
اعلم أنه يتفرع على القول الجديد مسائل (إحداها) المستعمل في الحدث هل يستعمل
في الخبث فيه وجهان قال الأنماطي وابن خيران نعم لان للماء قوتين ولم يستوف الا أحداهما
وقال الأكثرون وهو الأصح لا كما أن المستعمل في الحدث الأصغر لا يستعمل في الا كبر
وبالعكس: ولا يقال الماء له قوتان ولم يستوف الا إحداهما: ويجرى الوجهان في المستعمل في الخبث
هل يستعمل في الحدث إذا فرعنا على أن المستعمل في الخبث طاهر غير طهور وهو المذهب على
ما سيأتي: ولك أن تقول إذا كان المستعمل في الخبث بحيث لا نحكم بنجاسته كان باقيا على
أوصاف خلقته وهو غير طهور على الظاهر فيكون مستثني مع المستعمل في الحدث عن الماء الباقي
على أوصاف الخلقة فكيف ساغ للامام رضي الله عنه أن يقول ولا يستثنى عنه الا الماء المستعمل
في الحدث (المسألة الثانية) إذا جمع الماء المستعمل حتى بلغ قلتين هل يعود طهورا وجهان أصحهما نعم
111

لأنه لو لم يعد إلى الطهورية لقبل النجاسة وقد قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل
خبثا (1) ولأن الماء النجس المتفرق إذا جمع ولا تغير يعود طهورا فالمستعمل أولى لأن النجاسة أقوى
من الاستعمال ولأنه صار إلى حالة لو كان عليها في الابتداء لم يتأثر بالاستعمال فإذا عاد إلى تلك
الحالة يسقط حكم الاستعمال: والثاني لا يعود طهورا لان قوته صارت مستوفاة بالاستعمال فالتحق
بماء الورد وسائر المائعات (الثالثة) إذا انغمس الجنب في ماء قليل ونوى نظر ان نوى بعد تمام
انغماسه فيه واتصال الماء بجميع البدن فلا خلاف في أنه يرتفع حدثه ويصير الماء مستعملا: أما
ارتفاع الحدث فلوصول الماء الطهور إلى محل الحدث مع النية: وأما الاستعمال فلأداء العبادة
112

المفروضة به: وهل يحكم باستعماله في حق غيره قبل انفصاله عنه فيه وجهان أحدهما لا: وإنما يثبت
حكم الاستعمال بعد الانفصال الا ترى ان الماء ما دام مترددا على أعضاء المتطهر لا يحكم باستعماله:
والثاني وهو الأصح نعم وإنما لا يحكم بالاستعمال ما دام الماء مترددا جاريا للحاجة إلى انغسال
الباقي ولا ضرورة في حق غيره والماء منفصل عنه: فعلى هذا ليس لغيره ان يرفع به الحدث
113

وعلى الأول يجوز: ولو خاص جنبان فيه ونويا معا بعد تمام الانغماس ارتفع حدثهما على الوجهين:
وان نوى الجنب قبل تمام الانغماس إما في أولى الملاقاة أو بعد غمس بعض البدن ففيه وجهان
قال أبو عبد الله الخضري لا ترتفع الجنابة الا عن أول الجزء الملاقي مع النية لأن الماء يصير مستعملا
بملاقاته فلا ترتفع الجنابة عن الباقي بخلاف ما إذا كان الماء واردا على البدن حيث لا يحكم باستعماله
بأول الملاقاة لاختصاصه بقوة الورود والأصح انه ترتفع الجنابة ولا يصير الماء مستعملا بأول
114

الملاقاة لأنا إنما لم نحكم بالاستعمال عند ورود الماء على البدن للحاجة إلى رفع الحدث وعسر إفراد كل موضع
بماء جديد وهذا المعنى موجود سواء كان الماء واردا أو كان هو واردا على الماء: وإذا عرفت ذلك نشأ لك
البحث والنظر في أمور من ألفاظ الكتاب في الفرع الثالث: أحدها ان مراده ما إذا نوى بعد تمام الانغماس أما إذا
نوى قبله أم كلتا الحالتين (1) أما اللفظ فهو شامل لهما والتزويل عليهما صحيح لما ذكر بأنه لا خلاف في

(1) كذا في جميع النسخ وهو محل تأمل اه‍
115

ارتفاع الجنابة في الحالة الأولى وان الصحيح في الحالة الثانية أيضا الارتفاع لكنه ما أراد الحالة
الأولى وحدها لان قوله ارتفعت جنابته معلم بالواو ولا خلاف في ارتفاع الجنابة في تلك الحالة
بقي احتمالان إرادة الحالة الثانية وحدها وعلامة الواو إشارة إلى وجه الخضري واحتمال ارادتهما
جميعا ويصح الاعلام بالواو أيضا لان الصائر إلى النفي في إحدى الصورتين يخالف المثبت في
116

الصورتين والاحتمال الثاني أقرب إلى اطلاق اللفظ والأول قضية ايراده في الوسيط (الثاني) انه
لم قيد صورة الفرع بالخروج فقال إذا انغمس الجنب في ماء قليل وخرج: اعلم أن ارتفاع الجنابة لا يحتاج
إلى هذا القيد بل سواء خرج أو لم يخرج ترتفع الجنابة: وأما صيرورة الماء مستعملا ففي كلام الأصحاب
ما يقتضى توقف الحكم بالاستعمال على خروجه منه وهو مشكل لان المقتضي للاستعمال انه رفع
117

الحدث فإذا ارتفع الحدث وجب أن يصير هو مستعملا سواء انفصل عن البدن أم لا هذا
بالإضافة إليه وأما بالإضافة إلى غيره ففيه ما حكينا من الوجهين * وإذا عرفت ذلك فقد رتب على
الانغماس والخروج شيئين ارتفاع الجنابة وصيرورة الماء مستعملا والأول مستغن عن شرط الخروج
والثاني بتقدير أن يكون محتاجا إليه: ففي قوله بعد الخروج والانفصال ما يفيد التعرض لهذا الشرط
118

فإذا قوله وخرج ضائع (الثالث) لم جمع بين لفظي الخروج والانفصال ظني أن هذا مما يجرى
به القلم لاعن قصد أو مما يقصد به البسط في العبارة ايضاحا وعلى التقديرين فلا يطلب لكل
لفظة فائدة تخصها وان زعم زاعم أنه إذا لم يبق في الماء الا عضو واحد من المنغمس يسمى خارجا
من الماء ولا يسمى منفصلا وحكم الاستعمال إنما يثبت بعد الانفصال: قلت له هب انه كذلك
119

لكن هذا وجه الحاجة إلى تعقيب الخروج بالانفصال فما الجواب عن قول القائل لم جمع بينهما
وهلا اقتصر على الانفصال:
قال (القسم الثاني ما تغير عن وصف خلقته تغيرا يسيرا لا يزايله اسم الماء المطلق فهو
طهور كالمتغير (و) بيسير الزعفران * وكذا المتغير بما يجاوره (و) كالعود والكافور الصلب
120

وكذا المتغير بما لا يمكن صون الماء عنه كالمتغير بالطين والطحلب وكذلك المتغير بطول المكث
والتراب والزرنيخ والنورة فان كل ذلك لا يسلب عنه اسم الماء المطلق وكذا المسخن والمشمس وفي
المشمس كراهية من جهة الطب إذا شمس في البلاد المفرطة الحرارة في الأواني المنطبعة)
ذكرنا أن المتغير عن أوصاف الخلقة قسمان أحدهما المتغير الذي لا يسلب اسم الماء المطلق عنه: والثاني
121

ما يسلب * أما القسم الأول فقد أدرج فيه أنواعا منها أن يكون التغير يسيرا وإن كان المغير خليطا
مستغنى عنه كالزعفران والدقيق ونحوهما فظاهر المذهب أنه لا يقدح في الطهورية لأنه لا يبطل
اسم الماء المطلق وفيه وجه أنه يقدح كالتغير بالنجاسة يسلب الطهارة سواء كان يسيرا أو فاحشا:
ومنها أن يتغير بشئ يجاور الماء ولا يخالطه كالعود ونحوه: وهل يؤثر في سلب الطهورية فيه
قولان أصحهما وهو الذي ذكره في الكتاب أنه لا يؤثر لان هذا النوع من التغير تروح لا يسلب
122

اطلاق اسم الماء كتغير الماء بجيفة ملقاة على شط نهر: والثاني نعم لأنه تغير بما يلاقي الماء فأشبه
التغير بما يخالط: وفي معنى العود الدهن والشمع وما لا يختلط بالماء * والكافور نوعان أحدهما
يذوب في الماء ويختلط به والثاني لا ينماع فيه فالأول كالدقيق والزعفران والثاني كالعود فلذلك
123

قيد الكافور بالصلابة: ومنها أن يتغير بما لا يمكن صون الماء عنه كالمتغير بالطين والطحلب
والكبريت والنورة في مقر الماء وممره فهذا التغير لا يسلب الطهورية لوجهين أحدهما أن أهل
اللسان والعرف لا يمتنعون من إيقاع اسم الماء المطلق عليه والثاني عسر الاحتراز عنه: ومن
124

هذا القبيل المتغير بالتراب الذي يثور وينبث في الماء ويختلط به والمتغير بالزرنيخ * ومنها
المتغير بطول المكث وهو على طهوريته لما روى أنه صلى الله عليه وسلم توضأ من بئر بضاعة
وكان ماؤها كنقاعة الحناء وذلك التغير لا يمكن أن يكون بالنجاسة والا لما توضأ به فبعد
125

ذلك لا يخلو إما أن يكون بنفسه أو بشئ طاهر آخر إن كان بنفسه صح المدعى وإن كان
126

بغيره فكذلك لان تغيره بنفسه أهون من تغيره بغيره فإذا لم يقدح الثاني فأولى ان لا يقدح
127

الأول * ومنها المسخن فهو على طهوريته لبقاء اطلاق الاسم ولأنهم تطهروا بين يدي رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالماء المسخن ولم ينكر عليهم (1) * ومنها المشمس وهو على طهوريته كالمسخن
128

وهل في استعماله كراهية أم لا فيه وجهان أحدهما لا وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله
كماء الحياض والسواقي إذا تأثرت بالشمس وكما أن التسخين لا يؤثر في الكراهية: والثاني وهو
129

الأصح نعم لما روى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاها عن التشميس
وقال إنه يورث البرص (1) *
130

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (1) من
131

اغتسل بماء مشمس فأصابه وضح فلا يلومن الا نفسه *
132

وكره عمر رضي الله عنه المشمس وقال إنه يورث البرص (1) فان قلنا بالكراهية ففي محلها
اختلاف منشؤه إشارة النقل بعد النهى إلى سببه وهو خوف الوضح فقال قائلون من أصحابنا إنما
يكره إذا خيف منه هذا المحذور وإنما يخاف عند اجتماع شرطين أحدهما أن يجرى التشميس
في الأواني المنطبعة كالحديد والرصاص والنحاس لان الشمس إذا أثرت فيها استخرجت
133

منها زهومة تعلو الماء ومنها يتولد المحذور: والثاني أن يتفق في البلاد المفرضة الحرارة دون الباردة
والمعتدلة فان تأثير الشمس فيها ضعيف: ولا فرق عند القائلين بهذه الطريقة بين أن يقع ذلك
قصدا أو اتفاقا فان المحذور لا يختلف: وأيدوا طريقتهم بالمشمس في الحياض والبرك فإنه غير مكروه
بالاتفاق وإنما كان ذلك لأنه لا يخاف منه مكروه: وقال آخرون لا تتوقف الكراهية على
134

خوف المحذور لا طلاق النهى والتعرض للمحذور إشارة إلى حكمته فلا يشترط حصولها في كل
صورة وهؤلاء طردوا الكراهية في الأواني المنطبعة وغيرها كالخزفية وفى البلاد الحارة وغيرها
واعتذروا عن ماء الحياض والبرك بتعذر الاحتراز: والطريقة الأولى أقرب إلى كلام الشافعي
رضي الله عنه فإنه قال ولا أكره المشمس الا من جهة الطب أي إنما أكرهه شرعا حيث يقتضى الطب
محذورا فيه. واستثنى بعضهم من المنطبعات الذهب والفضة لصفاء جوهرهما وبعد انفصال محذور
135

عنهما وإذا عرفت ذلك نعد إلى ألفاظ الكتاب: واعلم أن قوله ما تغير عن وصف خلقته تغيرا يسيرا لا يزايله
اسم الماء المطلق ليس المراد من اليسير سوى انه بحيث لا يزايله اسم الماء المطلق وتعقيبه به مذكور تفسيرا
لليسير وان لم يكن كذلك وجرينا على ظاهر اللفظ لزم اشتراط كون التغير يسيرا لبقاء الطهورية في جميع
المسائل المعدودة وليس كذلك بل التغير بطول المكث وما لا يمكن صون الماء عنه وبالمجاور
136

لا يفترق حكمه بين اليسير والفاحش وقوله وكذا المتغير بطول المكث والتراب والزرنيخ عطفه
على المتغير بالطين والطحلب أحسن منه على المتغير بما يجاوره والمتغير بما لا يمكن صون الماء عنه
ليكون تعذر الصور نوعا يدخل تحته المتغير بطول المكث وما لا يخلو الماء عنه في المقر والممر
فمنه الطين والطحلب ومنه التراب الذي يثور وينتصر فيه * وأما الماء الذي يطرح فيه قصدا فقد ذكره
من بعد: والاختلافات التي ذكرناها في المشمس تقتضي أن يكون لفظ الكراهية في قوله وفي
137

المشمس كراهية معلما بالواو والحاء والميم والألف وهو علامة أحمد رضي الله عنه وأن يكون
قوله من جهة الطب معلما بالواو إشارة إلى خلاف من اتبع ظاهر النهى ولم تقف الكراهية على
موضع خوف الوضح ولا بأس أن يعلم قوله في الأواني المنطبعة بذلك أيضا إشارة إلى استثناء من
استثنى التبزين *
قال (القسم الثالث ما تفاحش تغيره بمخالطة ما يستغنى الماء عنه حتى زايله اسم الماء المطلق
138

فليس بطهور (ح) وان لم يستجد اسما آخر كالمتغير بالصابون والزعفران الكثير (ح) واجناسهما) *
إذا بلغ تغير الماء حدا ينسلب به اسم الماء المطلق عنه خرج عن كونه طهورا ولا فرق بين أن يقع
اسم الماء عليه مضافا إلى الخليط المغير كماء الزعفران والدقيق أو لا يقع ويحدث له أسم آخر كالصبغ
والمرق والحبر خلافا لا بي حنيفة رضي الله عنه في الحالة الأولي: لنا وجهان أحدهما القياس على
ماء الباقلاء ونحوه والثاني أن النصوص الواردة في طهورية الماء متعرضة لاسم الماء عريا عن القيود
139

والإضافات والكلام فيما انسلب عنه اسم الماء عريا عن القيود والإضافات فلا يلحق بمورد
النص لظهور الفرق في خاصيته الرقة وغيرها: فان قيل النصوص متناولة للماء وماء الزعفران
ماء: قلنا لا نسلمه بل الماء المضاف على ضربين منه ما يصح اطلاق اسم الماء عليه كماء البحر وماء الكوز:
ومنه ما لا يصح كماء الورد وماء الباقلي فلم قلتم بأن ماء الزعفران من قبيل الأول لا من قبيل الثاني
بل هو من الثاني فان التغير الفاحش يصح قول القائل هذا ليس بماء وإنما هو ماء الزعفران
140

ولهذا لو حلف ان لا يشرب ماء فشرب ماء الزعفران لا يحنث وكان اسم الماء عريا عن القيود
والإضافات غير موضوع للحقيقة المشتركة بين الماء وماء الزعفران بل كمالا يتفاحش تغير صفاته
الأصلية والله أعلم: وهل يعتبر تغير اللون والطعم والرائحة جميعا أم يكفي تغير واحد منها ذكر
الموفق بن طاهر في شرح مختصر الجويني أن صاحب جمع الجوامع حكي فيه قولين اختار ابن
141

سريج الثاني منهما وهو المشهور المتوجه: وحكي قولا آخر عن رواية الربيع أن التغير في اللون
وحده وفى الطعم والرائحة معا يمنع الطهورية وفى أحدهما لا يمنع: وينبغي أن يتنبه من ألفاظ الكتاب
للاحتراز عن التغيرات التي لا تقدح: فقوله ما تفاحش تغيره يخرج عنه التغير اليسير وإن كان
142

بخليط مستغني عنه: وقوله بمخالطة ما يستغني عنه يخرج عنه التغير بالمجاور وبما لا يمكن صون
الماء عنه *
قال (فرع ثلاثة) الأول المتغير بالتراب المطروح فيه قصدا فيه وجهان أظهرهما أنه طهور
ويقرب منه الملح إذا طرح (و) في الماء فصدا لأنه اجزاء سبخة من الأرض بها يصير ماء البحر ما لحا
143

فيضاهي التراب: الثاني إذا تفتتت الأوراق في المياه وخالطتها ففيها ثلاثة أوجه يفرق في الثالث
بين الربيعي والخريفي لتعذر الاحتراز عن الخريفي: الثالث لو صب مائع على ماء قليل ولم يغيره
فإن كان بحيث لو خالف في اللون لتفاحش تغيره زالت الطهورية به وإن كان أقل منه فهو طهور
ويجوز استعمال الكل على الأظهر وقيل إذا بقي قدر ذلك المائع لم يجز استعماله)
في المتغير بالتراب المطروح فيه قصدا وجهان: وقيل قولان: أحدهما أنه ليس بطهور لأنه
144

تغير بمخالطة مستغنى عنه فأشبه التغير بالزعفران: والثاني وهو الأظهر انه على طهوريته لان التغير الحاصل
بالتراب ليس إلا الكدورة وهي لا تسلب اسم الماء ولان التراب يوافق الماء في الطهورية ولان الشرع امر
بالتعفير في ولوغ الكلب ولو سلب طرح التراب في الماء الطهورية لما امر به: واما المتغير بالملح المطروح
فيه فينظر فيه إن كان الملح مائيا فوجهان أظهرهما انه طهور لأنه منعقد من عين الماء كالجمد والثلج والثاني
145

لا وليس الملح عين الماء بل المياه نزلت عذبة من السماء ثم تختلط بها الاجزاء السبخات فتنعقد ملحا
ولهذا لا يذوب في الشمس ولو كان منعقدا من الماء لذاب كالجمد: وإن كان جبليا ترتب على المائي ان
سبلنا الطهورية تمة فههنا أولي وإلا فوجهان أظهرهما السلب أيضا لأنه خليط مستغنى عنه غير منعقد من
الماء ومن لم يسلب زعم أنه في الأصل كان ماء أيضا ولهذا يذوب في الماء وإذا أطلقت الكلام في
146

الملح فقل في التغير به ثلاثة أوجه ثالثها الفرق بين الجبلي والمائي تشبيها للمائي بالجمد واستبعد الامام
الغزالي ذلك وقال لو كان كالجمد لذاب في الشمس ولكن تعليله التشبيه بالتراب المطروح فيه
قصدا لان ماء البحر ملح وملوحته من اجزاء سبخة في الأرض تنتشر فيه فالملح إذا من اجزاء
الأرض فان حصل التغير به من غير قصد كماء البحر فهو طهور كالمتغير بالتراب من غير قصد وان
147

كان بقصد فهو على الخلاف كالمتغير بالتراب المطروح فيه قصدا وهذا معنى قوله في الكتاب
ويقرب منه الملح إلى قوله فيضا هي التراب: ولك أن تقول الملح اما أن يكون فيه ما ينعقد من
محض الماء أو لا يكون إن كان فتشبيهه بالجمد قوى ولهذا لو تغير الماء العذب بذلك الماء الملح لم يؤثر
فكذلك التغير بالمنعقد منه: والقول بأنه لو كان كالجمد لذاب في الشمس ممنوع على هذا التقدير
148

بل من المنعقد الماء ما يذوب ومنه ما لا يذوب وان لم يكن فيه ما ينعقد من محض الماء بل كان كل ملح
من اجزاء الأرض فإنما يتضح تشبيه الخالف فيه بالخلاف في التراب أن لو جرى ذلك الخلاف في
جميع اجزاء الأرض وليس كذلك بل نص الأصحاب على أنه لا يجرى في الجص والنورة وغيرهما
واستبعدوا خلاف من خالف فيه: وإذا كان كذلك فما الفرق بين الجص والملح وكل واحد منهما
ليس بتراب: وقوله وبها يصير ماء البحر مالحا ربما تجد في بعض النسخ ملحا: ولا شك في أنه أفصح
في اللغة قال الله تعالى (وهذا ملح أجاج) وورد المالح في لفظ الشافعي رضي الله عنه واعترض عليه
149

معترضون وزعموا أنه لا يصح في اللغة وأجاب الأصحاب عنه وصححوه هذا أحد الفروع *
الثاني الأوراق إذا تناثرت في الماء وتروح الماء بها من غير أن يعرض لها عفونة واختلاط فهذا ماء
متغير بشئ مجاور فيبقى على طهوريته على أظهر القولين كما سبق وان تعفنت واختلطت به ففيه
ثلاثة أوجه أظهرها انه لا يسلب الطهورية كالمتغير بالطين والطحلب وسائر ما يعسر الاحتراز
عنه: والثاني يسلب كسائر المتغيرات التي تلحق بالماء من خارج: والثالث وبه قال أبو زيد
المروزي لا يسلب التغير بالخريفي لغلبة التناثر في الخريف بخلاف الربيعي: ولان الأوراق الخريفية
قد امتصت الأشجار رطوبتها وقرب طبعها من طبع الخشب بخلاف الربيعية فان فيها رطوبة ولزوجة
150

تقتضي الامتزاج وهذه الوجوه فيما إذا تناثرت الماء بنفسها وهو مسألة الكتاب: فلو طرحت فيه
قصدا فطريقان أحدهما القطع بسلب الطهورية للاستغناء عنه والثاني طرد الوجوه الثلاثة والفارق
على الوجه الثالث ههنا إنما هو المعنى الثاني لا غير: الثالث إذا اختلط بالماء مائع. يوافق الماء في
الصفات كماء ورد منقطع الرائحة وماء الشجر والماء المستعمل ففيه وجهان أحدهما انه إن كان الخليط
أقل من الماء فهو طهور وإن كان أكثر أو مثله فلا لأنه تعذر اعتبار الأوصاف فيعدل إلى اعتبار الاجزاء
ويجعل الحكم للغالب فإذا استويا أخذنا بالاحتياط والثاني وهو المذكور في الكتاب وهو الأظهر انه
إن كان الخليط قدرا لو خالف الماء في طعم أولون أو رائحة لتغير الماء فهو مسلوب الطهورية وإن كان
لا يؤثر مع المخالفة فلا لان التغير سالب للطهورية وهذا الخليط بسبب الموافقة في الأوصاف لا يغير
فيعتبر تغيره لاستفادة ما طلبناه كما يفعل في معرفة الحكومات: ثم إذا اقتضى الحال بقاء الطهورية
إما لقلة الخليط على الوجه الأول أو لتقاعده عن التغير على الثاني مع تقدير المخالفة فهل يستعمل جميعه
أم يبقى قدر الخليط فيه ثلاثة أوجه أظهرها انه يستعمل الجميع لاستهلاك الخليط فيه وانطلاق اسم
151

الماء عليه: والثاني انه يبقى قدر الخليط وإلا كان مستعملا لغير الماء يقينا وصار كما لو حلف ان
لا يأكل تمرة وخلطها بتمر كثير لا يحنث ما بقيت تمرة وان استوعب الكل حنث: وأطبقوا على
ضعف هذا الوجه: والثالث إن كان الماء وحده يكفي لواجب الطهارة فله استعمال الجميع وإلا فلا:
فان قلنا يجوز استعمال الجميع ومعه من الماء ما لا يكفيه وحده ولو كمله بما يستهلك فيه لكفاه لزمه
ذلك: واعلم أن الخلاف في أن الجميع هل يستعمل جار فيما إذا استهلكت النجاسة المائعة في الماء
الكثير وفيما إذا استهلك الخليط الطاهر في الماء لقلته مع مخالفة الأوصاف لأوصاف الماء ولو لم
يتغير الماء الكثير لموافقة النجاسة له في الأوصاف فالاعتبار بتقدير المخالفة لا بالاجزاء بلا خلاف
كذلك ذكروه لتغليظ امر النجاسة واعتبروا في النجاسة بالمخالف الذي هو أشد صفة احتياطا:
152

وفى الطاهرات بالوسط المعتدل فلا يعتبر في الطعم حدة الخل ولا في الرائحة ذكاء المسك: وقضية
هذا الوجه ان ينطر إلى صفات الماء عذوبة وملوحة ورقة وصفاء فان لها أثرا ظاهرا في حصول
التغير وعدمه ثم عد إلى ألفاظ الكتاب واعلم أن قوله إن كان بحيث لو خالفه في اللون ليس لاعتبار
اللون بعينه وإنما ذكره مثالا وسائر الأوصاف في معناه وفيه ما قدمناه عن رواية الربيع رحمه الله:
وقوله لتفاحش تغيره إشارة إلى أنه لو كان التغير يسيرا لم يؤثر كما سبق: وقوله زالت الطهورية
153

ينبغي ان يعلم بالواو: وكذا قولة فهو طهور لان الحكم لا يتعلق بتقدير التغير وعدمه عند من يعتبر
الاجزاء: وقوله في أول هذا الفرع إذا صب مائع على ماء قليل ينبغي ان يعرف ان الصب لا اثر
له بل انصباب المائع عليه واختلاطه به كالصب وإنما يفرق بين الوقوع فيه والطرح قصدا فيما
يتعذر الاحتراز عنه وكذلك التعرض للقليل ليس للتقييد بل القليل والكثير في هذا الحكم
سواء ولو حذف لفظ القليل لم يضر * قال:
154

الباب الثاني
(في المياه النجسة)
(وفيه فصول أربعة
الأول في النجاسات والجمادات كلها على الطهارة إلا الخمر وكل نبيذ (ح)
مسكر والحيوانات كلها على الطهارة الا الكلب والخنزير وفروعهما)
155

لما كان الأصل في الماء الطهارة نجاسة عارضة تطرأ بملاقاة شئ نجس حسن القول في أن النجس ما ذا أولا
فعقد الفصل الأول في النجاسات وأداها في تقسيم اقتدى في معظمه بامام الحرمين رحمه الله وهو ان
الأعيان تنقسم إلى جماد وحيوان والأصل في الجميع الطهارة لأنها مخلوقة لمنافع العباد وإنما يحصل
الانتفاع أو يكمل بالطهارة ولا يستثنى عن هذا الأصل من الجمادات إلا الخمر وما يسكر من الأنبذة
156

اما الخمر فلوجهين (أحدهما) انها محرمة التناول لا لاحترام وضرر ظاهر والناس مشغوفون بها
فينبغي أن يكون محكوما بنجاستها تأكيدا للزجر الا ترى ان الشرح حكم بنجاسة الكلاب لما
نهى عن مخالطتها مبالغة في المنع: (الثاني) ان الله تعالى سماها رجسا والرجس والنجس عبارتان
عن معنى واحد: واما الأنبذة المسكرة فلأنها ملحقة بها في التحريم فكذلك في النجاسة: وينبغي
157

أن يكون النبيذ معلما بعلامة أبي حنيفة رحمة الله عليه فأن يقول بالطهارة حيث يقول بالحل: وبالواو
أيضا لان يحيى اليمنى حكي في البيان وجها ضعيفا ان النبيذ طاهر لاختلاف الناس فيه بخلاف الخمر
بل ينبغي أن يكون لفظ الخمر معلما بالواو أيضا لأمور ثلاثة أحدها ان الشيخ أبا على حكي خلافا
في نجاسة المثلث المسكر الذي يبيحه أبو حنيفة مع الحكم بالتحريم قطعا: والثاني انه حكي وجها في
158

طهارة الخمر المحترمة والثالث انهم ذكروا وجها في أن بواطن حبات العنقود مع استحالتها خمر الا يحكم بنجاستها
تشبيها بما في باطن الحيوان وكل ذلك ينافي اطلاق القول بالنجاسة: واعلم أنه لا يريد بالجماد في هذا التقسيم.
مطلق ما لا حياة فيه بل وما لم يكن حيوانا من قبل ولا جزءا من الحيوان ولا خارجا منه وإلا لدخل في الجمادات
الميتات واجزاء الحيوانات وما ينفصل من باطن الحيوان وحينئذ لا ينتظم قصر الاستثناء على الخمر والنبيذ
159

وأما الحيوانات فهي طاهرة ويستثني منها ثلاثة: أحدها الكلب لقوله صلى الله عليه وسلم في
الحديث المشهور انها ليست (1) بنجسة يعنى الهرة: ووجه الاستدلال منه مشهور ولان سؤره
نجس بدليل ورود الامر بالإراقة في خبر الولوغ: ونجاسة السؤر تدل على نجاسة الفم وإذا
كان فمه نجسا كانت سائر أعضائه نجسة لان فمه أطيب من غيره: ويقال إنه أطيب الحيوان
160

نكهة لكثرة ما يلهث: والثاني الخنزير وهو أسوأ حالا من الكلب فهو أولى بأن يكون نجسا
والثالث المتولد من أحدهما نجس لتولده من أصحل نجس: وعن مالك ان الكلب والخنزير طاهران
ويغسل من ولوغهما تعبدا: ولك أن تعلم قوله والحيوانات على الطهارة بالواو لان أبا العباس
الجرجاني في آخرين نقلوا وجها أن الدود المتولد من نفس الميتة نجس العين كولد الكلب فعلى
ذلك الوجه لا ينحصر الاستثناء فيما ذكره لكن هذا الوجه ساقط ولو صح ذلك للزم أن يحكم
بنجاسة الحيوان من حكم بنجاسة العلقة والمضغة ومني غير المأكول *
قال (والميتات كلها على النجاسة الا السمك والجراد وكذا الآدمي على الصحيح وكذا دود
الطعام فهو طاهر على الصحيح ولا يحرم أكله مع الطعام على الأصح وما ليس له نفس سائلة لا ينجس
الماء إذا مات فيه على الجديد وقيل إنها نجست (ح م) بالموت وهذا عفو لتعذر الاحتراز عنه وقيل إنها
لا تنجس بالموت إذا ليس فيها دم معفن فأشبهت النبات)
الأصل في الميتات النجاسة قال الله تعالى (حرمت عليكم الميتة) وتحريم ما ليس بمحترم ولا فيه ضرر كالسم
161

يدل على نجاسته ويستثنى منها أنواع: أحدهما (1) السمك والجرد قال صلى الله عليه وسلم
أحلت لنا ميتتان الخبر ولو كانا نجسين لكان محرمين
الثاني الآدمي وفي نجاسته بالموت قولان أحدهما ينجس بالموت لأنه حيوان طاهر في الحياة
غير مأكول بعد الموت فيكون نجسا كغيره والثاني وهو الأصح لا ينجس لقوله تعالي (ولقد
كرمنا بني آدم) وقضية التكريم أن لا يحكم بنجاسة ولأنه لو نجس بالموت لكان نجس العين
كسائر الميتات ولو كان كذلك لما امر بغسله كسائر الأعيان النجسة روى هذا الاستدلال عن
162

ابن سريج قال أبو إسحاق عليه لو كان طاهرا لما أمر بغسله كسائر الأعيان الطاهرة أجابوا عنه
بان غسل نجس العين غير معهود أما غسل الطاهر معهود في حق الجنب والمحدث على أن الغرض
منه تكريمه وإزالة الأوساخ عنه: وقال أبو حنيفة ينجس بالموت ويطهر بالغسل وهو خلاف
القولين جميعا: الثالث الحيوانات التي ليست لها نفس سائلة هل تنجس الماء إذا ماتت فيه
اختلف فيه قول الشافعي رضي الله عنه على قولين: أحدهما نعم لأنها ميتة فتكون نجسة كسائر
الميتات وإذا كانت نجسة نجس الماء بها كسائر النجاسات: والثاني وهو الأصح: لا: لقوله صلى الله
163

عليه وسلم " إذا سقط الذباب في إناء أحدكم فامقلوه فان في أحد جناحيه شفاء وفى الآخر داء وانه
يقدم الداء " (1) وقد يفضى المقل إلى الموت سيما إذا كان الطعام حارا فلو نجس الماء لما أمر به
164

وعن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كل طعام وشراب وقعت
فيه دابة ليس لها دم فماتت فهو الحلال أكله وشر به والوضوء منه) ولان الاحتراز عنها مما يعسر
وهذا الخلاف في غير ما نشؤه في الماء وأما ما نشؤه فيه وليس له نفس سائلة فلا ينجس الماء بلا خلاف
فلو طرح فيه من خارج عاد الخلاف: فان قلنا إنها تنجس الماء فلا شك في نجاستها. وان قلنا
لا تنجس فهل هي نجسة في نفسها قال الأكثرون نعم كسائر الميتات وهو ظاهر المذهب: وقال
القفال لا لأن هذه الحيوانات لا تستحيل بالموت لان الاستحالة إنما تأتي من قبل انحصار الدم
واحتباسه بالموت في العروق واستحالته وتغيره: وهذه الحيوانات لا دم لها: وما فيها من الرطوبة
كرطوبة النبات: وإذا عرفت ما ذكرناه عرفت انه لم يرتب الخلاف في النجاسة على الجديد: فقال
وقيل إنها نجست بالموت وعرفت أن هذه الحيوانات على ظاهر المذهب غير مستثناة عن الميتات
166

وإنما الاستثناء على قول القفال واما جعله القول بعدم نجاسة الماء قوله الجديد: فإنما أخذه من
امام الحرمين وروى القاضي أبو المحاسن الروياني خلاف ذلك فسمي هذا القول القديم: والأكثرون
أرسلوا ذكر القولين من غير تعيين جديد وقديم: وأما ما ذكره في دود الطعام فايراده يشعر بمغايرة حكمه
لحكم ما ليس له نفس سائلة اشعارا بينا وليس كذلك: بل من قال بنجاسة ما ليس له نفس سائلة صرح
بأنه لا فرق بين ما يتولد من الطعام كدود الخل والتفاح وغيرهما وبين ما لا يتولد منه كالذباب
والخنفساء وقالوا ينجس الكل بالموت لكن لا ينجس الطعام الذي يموت فيه كما ذكرنا في نجاسة
ما نشؤه في الماء: ومن قال لا ينجس ما ليس له نفس سائلة بالموت فلا شك أنه يقول به في دود
الطعام بطريق الأولى فإذا قوله وكذا دود الطعام طاهر على الصحيح اختيار لطريقة القفال والمعنى
على الصحيح من القولين ذهابا إلى أن القول بعدم نجاسة الماء بموت ما ليس له نفس سائلة فيه مبنى
167

على أنه ليس بنجس وأما قوله ولا يحرم أكله مع الطعام على الأصح فاعلم أن التقييد بكونه مع
الطعام غير محتاج إليه لثبوت أصل الخلاف: ويجوز أن يكون محتاجا إليه: لكن القول بالحل أصح
أما الأول فلانه ذكر في النهاية أنه لو جمع جامع من دود الطعام شيئا وأعتمد أكله فهل يحل فيه: وجهان
أحدهما نعم لأنه كالجزء من الطعام طعما وطبعا وأصحهما التحريم فنقل الوجهين في أكله منفردا وقد
أطلق في الوسيط الوجهين في الحل من غير تخصيص بالاكل مع الطعام أو منفردا: وأما الثاني
فلان إفراده بالاكل مستغنى عنه وهو مستقذر مندرج تحت عموم تحريم الميتة: أما التمييز بينه وبين
الطعام عند الاكل فعسير جاز أنه يعفى عنه وبهذا المعنى قلنا لا ينجس الطعام بلا خلاف: وان
حكمنا بنجاسته: وربما يخطر بالبال أن الخلاف في حل الاكل مبنى على الخلاف في الطهارة والنجاسة
ان قلنا بالنجاسة يحرم: والا فيحل: وليس الامر فيه على هذا الاطلاق: بل الخلاف منتظم مع
168

حكمنا بالطهارة فوجه التحريم الاستقذار وشمول اسم الميتة وصار كما لا نفس له سائلة مما لا يكون
نشؤه في الطعام فإنه يحرم: وان حكم بطهارته: ووجه الحل انه كالجزء من الطعام طبعا وطعما وأما إذا
حكمنا بالنجاسة فوجه التحريم بين: ووجه الحل إذا كان يؤكل مع الطعام عسر الاحتراز والتمييز
وعن الانفراد لا ينقدح شئ والله أعلم واعرف بعد هذا شيئين أحدهما قوله والميتات على النجاسة
لا يعنى الميتة بجميع اجزائها بل ما سوى الشعر وما في معناه وفيها من الخلاف والتفصيل ما ذكره
في باب الأواني: والثاني ظاهر كلامه حصر المستثنى من الميتات في الأنواع المذكورة وليس
كذلك بل الجنين الذي يوجد ميتا عند ذبح الام حلال طاهر أيضا وكذا الصيد إذا مات بالضغط
على أحد القولين *
169

قال (أما الأجزاء المنفصلة عن ظاهر الحيوان فكل ما أبين من حي فهو ميت الا الشعور المنتفع
بها في المفارش والملابس فإنها طاهرة بعد الجز للحاجة)
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ما أبين من حي فهو ميت (1) فالأصل فيما بان من الحي النجاسة
ويستثنى منه شعر المأكول المجزور في حياته فهو طاهر للحاجة إليه في الملابس ولو قدر قصر الانتفاع على
ما يكون على المذكي لضاع معظم الشعور * وفي معنى الشعور الريش والصوف والوبر وقد قيل في قوله تعالي
170

(ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) ان المراد إلى حين فنائها هذا فيما
بيان بطريق الجز: وفي النتف والتناثر وجهان والأصح الحاقها بالجز وعلى هذا فقوله في الكتاب
فإنها طاهرة بعد الجز ليس مذكورا ليكون قيدا في الطهارة وعلى الوجه الآخر يمكن جعله قيدا:
واعلم أن ظاهر قوله فكل ما أبين من حي فهو ميت الا الشعور المنتفع بها لا يمكن العمل به لا في
طرف المستثني ولا في طرف المستثنى منه أما المستثنى فلانه يتناول جملة الشعور المجزوزة والطهارة
171

مخصوصة بشعر المأكول وأيضا فلانه يتناول الشعر المبان على العضو المبان من الحيوان وانه
نجس في أصح الوجهين وأما المستثنى منه فلانه يدخل فيه العضو المبان من الآدمي ومن السمك
والجراد ومشيمة الآدمي وهذه الأشياء طاهرة على المذهب الصحيح وكذلك يدخل فيها شعر الآدمي لأنه
غير منتفع به حتى يدخل في المستثنى وإذا لم يتناوله الاستثناء بقي داخلا في المستثنى منه ومع ذلك
فهو طاهر فظهر تعذر العمل بالظاهر ووقوع الحاجة بالتأويل ومما ينبغي أن يتنبه له معرفة أن تفصيل
172

الشعور المبانة وتقسيمها إلى طاهر ونجس مبنى على ظاهر المذهب في نجاسة الشعور بالموت فان
قلنا لا ينجس بالموت فلا ينجس بالإبانة أيضا بحال *
قال: (وأما الأجزاء المنفصلة عن باطن الحيوان فكل مترشح ليس له مقر يستحيل فيه فهو
طاهر من كل حيوان طاهر كالدمع واللعاب والعرق وما استحال في الباطن فأصله على النجاسة
173

كالدم والبول والعذرة الا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه وجهان وكذا في جزء الجراد
والسمك وما ليس له نفس سائلة وجهان لشبهها بالنبات)
المنفصل عن باطن الحيوان قسمان أحدهما ما ليس له اجتماع واستحالة في الباطن وإنما يرشح رشحا والثاني
ما يستحيل ويجتمع في الباطن ثم يخرج فالأول كاللعاب والدمع والعرق فحكمه حكم الحيوان المترشح منه
174

إن كان نجسا فهو نجس وإن كان طاهرا فهو طاهر سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنتوضأ بما
أفضلت الحمر فقال نعم وبما أفضلت السباع كلها " (1): حكم بطهارة السؤر وذلك يدل على طهارة اللعاب
175

وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا معروريا لأبي طلحة وركضه ولم يحترز عن العرق (1):
والقسم الثاني كالدم والبول والعذرة وهذه الأشياء نجسة من الآدمي ومن سائر الحيوانات
المأكول منها وغير المأكول: أما في غير المأكول فبالاجماع: وأما في المأكول فبالقياس عليه

(1) قلت ويقبل في زكاة الحيوان منهما إذا كان اهلا للزكاة اه‍ من هامش نسخة الأذرعي
177

لأنها متغيرة مستحيلة: وذهب مالك وأحمد رحمهما الله إلى طهارة بول ما يؤكل لحمه وروثه وبه
قال أبو سعيد الإصطخري من أصحابنا واختاره القاضي الروياني وتمسكوا بأحاديث مشهورة
في الباب مع تأويلاتها ومعارضاتها وهل نحكم بنجاسة هذه الفضلات من رسول الله صلى الله عليه
178

وآله وسلم فيه وجهان قال أبو جعفر الترمذي لا لان أبا طيبة الحاجم شرب دمه (1) لم ينكر عليه
179

وروى أن أم أيمن شربت بوله فقال إذا لا تلج النار بطنك (1) ولم ينكر عليها ويروى شرب دمه
182

عن علي وابن الزبير أيضا رضي الله عنهما وقال معظم الأصحاب حكمها حكمها من غيره قياسا وحملوا
الاخبار على التداوي وقد روى أنه قال لا بي طيبة لا تعد الدم كله حرام (1) وفي خرء السمك
والجراد وبولهما وجهان أظهرهما النجاسة قياسا على غيرهما لوجود الاستحالة والتغير وبه قال أبو
حنيفة وكذا في زرق الطيور الا الدجاجة والثاني الطهارة لجواز ابتلاع السموك حية وميتة
واطباق الناس على أكل المملحة منها على ما في بطونها وكذلك في خرء ما ليس له نفس سائلة
وجهان أظهرهما النجاسة: والثاني لا لان الرطوبة المنفصلة منه كالرطوبة المنفصلة من النبات
لمشابهة صورته بعد الموت صورته في الحياة ولهذا لم يحكم بنجاسة بالموت على رأي ولهذا بنى
بعضهم الخلاف في طهارة روثه على الخلاف في نجاسة بالموت * ونعود بعد هذا إلى ألفاظ الكتاب
184

أما قوله فكل مترشح ليس له مقر يستحيل فيه فالمراد منه القسم الأول: وقوله وما استحال في
الباطن فالمراد منه القسم الثاني: والتعرض للترشح في الأول إنما وقع لان الغالب فيه الخروج
على هيئة الترشح لا أنه من خواصه أو أن الطهارة منوطة به ألا ترى أن الدم والصديد قد يترشحان
من القروح والنفاطات وهما نجسان وقوله ليس له مقر يستحيل فيه لا يلزم من ظاهره ألا يكون مستحيلا أصلا
لجواز أن يكون مستحيلا لا في مقرفان الدمع وسائر ما يقع في هذا القسم لا يستحيل أصلا فالتعرض لنفي المقر
ضرب من التأكيد والبيان وإن كان يستحيل لا في المقر فالحكم منوط بنفي الاستحالة في المقر لا بمطلق نفى
الاستحالة وحينئذ يكون قوله وما استحال في الباطن منصرفا إليه * والمعنى وما استحال في مقر في الباطن
وقوله كالدم والبول والعذرة ينبغي أن يعلم البول والعذرة بالميم والألف والواو إشارة إلى ما حكينا
من مذهب مالك واحمد والاصطخري بل لا بأس باعلام الدم أيضا بالواو لان في المتحلب من
الكبد والطحال وجها أنه طاهر وكذلك في دم السمك والله أعلم *
185

قال (والألبان طاهرة من الآدمي (ح) ومن كل حيوان مأكول: والإنفحة مع استحالتها في الباطن
قيل بطهارتها لحاجة الجبن إليها) *
اللبن من جملة المستحيلات في الباطن الا أن الله تعالى من علينا بألبان الحيوانات المأكولة
فقال تعالى (وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها) الآية وجعل ذلك
رفقا عظيما بالعباد * وأما غير المأكول فإن كان نجسا فلا تخفى نجاسته منه وإن كان
طاهرا فهو إما آدمي أو غيره أما الآدمي فلبنه طاهر إذ لا يليق بكرامته أن يكون نشؤه
على الشئ النجس ولأنه لم ينقل أن النسوة أمرن في عصره بغسل الثياب والا بدان مما يصيبهن
من اللبن وحكي وجه أنه نجس كسائر ما لا يؤكل وإنما يربى الصبي به لضرورة: وأما غير الآدمي
فالمذهب نجاسة لبنه على قياس المستحيلات وإنما خالفنا في المأكول تبعا للحم وفي الادمي
186

لكرامته: وعن أبي سعيد الإصطخري انه طاهر كالسؤر والعرق * وإذا عرفت ذلك فالمعتبر عنده
في طهارة اللبن طهارة الحيوان لا كونه مأكولا. فلا بأس لو أعلمت المأكول في قوله ومن كل حيوان
مأكول بالواو. لأنه مذكور قيدا في الطهارة. وكذلك قوله من الآدمي للوجه الذي رويناه * ومما
يستثنى من المستحيلات الإنفحة في أصح الوجهين: ولم يذكر كثيرون سوا أنها طاهرة لاطباق
الناس على أكل الجبن من غير انكار والثاني أنها نجسة على قياس الاستحالة فان الإنفحة لبن
مستحيل في جوف السخلة وإنما يجرى الوجهان بشرطين أحدهما أن يؤخذ من السخلة المذبوحة
فان ماتت فهي نجسة بلا خلاف والثاني الا تطعم الا اللبن والا فهي نجسة بلا خلاف *
قال (والمني طاهر من الآدمي (م) وفي سائر الحيوانات الطاهرة ثلاثة أوجه تخصص الطهارة في
الثالث بمأكول اللحم منها لأنه يشبه بيض الطير المأكول وفي بزر القز وبيض ما لا يؤكل لحمه وجهان:
أما دود القز فطاهر والمسك طاهر وفأرته كذلك على الأظهر) *
187

المني قسمان مني الآدمي ومنى غيره فاما منى الآدمي فهو طاهر لما روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت
كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلى فيه وفي رواية وهو في الصلاة (1) والاستدلال
بها أقوى ولأنه مبدأ خلق الآدمي فأشبه التراب فان قيل هذا منقوض بالعلقة والمضغة قلنا أصح
188

الوجهين فيهما الطهارة أيضا وحكي بعضهم عن صاحب التلخيص قولين في مني المرأة وحكي آخرون
عنه أن منى المرأة نجس وفي منى الرجل قولان وهذا أقوى النقلين عنه ويوجه القول بنجاسة المنى
189

وهو مذهب أبي حنيفة ومالك بما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال يغسل الثوب من البول والمذي
والمني (1) وبما روى أنه عليه السلام قال لعائشة رضي الله عنها اغسليه رطبا وافركيه يابسا وإذا
نصرنا ظاهر المذهب حملنا هما على الاستحباب جمعا بين الاخبار * والمذهب الأول وهو طهارة
المنى من الرجل والمرأة نعم قال الأئمة ان قلنا رطوبة فرج المرأة نجسة نجس منيا بملاقاتها ومجاورتها
وليس ذلك لنجاسة المنى في أصله بل هو كما لو بال الرجل ولم يغسل ذكره فان منيه ينجس
190

بملاقات المحل النجس * وأما مني غير الآدمي فينظر إن كان ذلك الغير نجسا فهو نجس: وإن كان
طاهرا ففيه ثلاثة أوجه أظهرها أنه نجس لأنه مستحيل في الباطن كالدم وإنما حكم بطهارته من
الآدمي تكريما له والثاني أنه طاهر لأنه أصل حيوان طاهر فأشبه منى الآدمي: والثالث انه طاهر
من المأكول نجس من غيره كاللبن * وبيض الطائر المأكول طاهر كلبن الانعام: وفي بيض
ما لا يؤكل لحمه وجهان كما في منيه والأظهر النجاسة: ويجرى الوجهان في بزر القز فإنه أصل الدود
191

كالبيض فإنه أصل الطير وفيه معني آخر وهو أن الدود من جملة ما ليس له نفس سائلة وقد ذكرنا
في روث ما ليس له نفس سائلة وجهين فإن كان البزر روثا عاد فيه ذلك الخلاف وان لم يكن روثا
بل كان بيضا له فإذا كان روثه على الخلاف فبيضه أولى أن يكون كذلك * وأما دود القز فلا
192

خلاف في طهارته كسائر الحيوانات * وليس المسك من جملة النجاسات وان قيل إنه دم لأنه كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعمله وكان أحب الطيب إليه (1) * وفي فأرته وجهان: أحدهما
النجاسة لأنها جزء انفصل من حي وأظهرهما الطهارة لأنه منفصل بالطبع كالجنين ولان المسك
فيها طاهر ولو كانت نجسة لكان المظروف نجسا وموضع الوجهين ما إذا انفصلت في حياة
الظبية أما لو انفصلت منها بعد موتها فهي نجسة كالجنين واللبن وحكي وجه آخر انها طاهرة
كالبيض المتصلب: وألفاظ الكتاب في هذه المسائل بينه: نعم قوله في مني غير الآدمي يخصص
193

الطهارة في الثالث بمأكول اللحم منه لأنه أشبه بيض الطير يقتضى ظاهره أن تكون الطهارة في
البيض مخصوصة ببيض المأكول وفاقا وليس كذلك بل في بيض غير المأكول وجهان كما في
منى غير المأكول فالمراد تشبيه مني المأكول ببيض المأكول لا ثبات الطهارة فيه من جهة أن كل
واحد منهما أصل الحيوان المأكول لا لتخصيص الطهارة به ولا خلاف في طهارة بيض المأكول
وصاحب الوجه الثالث يقول ينبغي أن يكون المنى كذلك وأما من غير المأكول فيبقي على
قياس المستحيلات *
194

(قال) (الفصل الثاني في الماء الراكد)
(والقليل منه ينجس بملاقاة النجاسة وان لم يتغير: والكثير لا ينجس الا إذا تغير ولو يسيرا وإن
زال التغير بطول المكث عاد طهورا وان زال بطرح المسك والزعفران فلا: وان زال بطرح التراب
فقولان للتردد في أنه مزيل أو سائر)
الماء قسمان راكد وجار وبينهما بعض الاختلافات في كيفية قبول النجاسة وزوالها
195

فلا بد من التمييز بينهما: أما الراكد فينقسم إلى قليل وكثير وسيأتي معناهما: أما القليل
فينجس بملاقاة النجاسة تغير بها أم لا روى أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا بلغ الماء قلتين لم
يحمل خبثا (1) ويروى نجسا والمعنى أنه يدفعه ولا يقبله فدل ان ما دون القلتين يقبله:
وقد استوى حكم القليل والكثير عند التغير فيرجع الفرق إلى النجاسة من غير التغير ويدل
عليه أنه يستحب غسل اليدين للمستيقظ من النوم قبل إدخالهما الاناء وفي الخبر تعليل
196

ذلك باحتمال النجاسة وهو قوله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يدرى أين باتت يده (1)
ولولا أن قيل النجاسة يؤثر في الماء القليل لما كان لهذا الاستحباب معني وقال مالك لا ينجس
197

القليل الا بالتغير كالكثير لقوله صلى الله عليه وسلم خلق الماء طهورا لا ينجسه شئ إلا ما غير
طعمه أو ريحه (1) واختاره القاضي الروياني في الحلية: والشافعي رضي الله عنه حمل هذا الخبر على
الكثير لأنه ورد في بئر بضاعة وكان ماؤها كثيرا: وأما الكثير فينجس إذا تغير بالنجاسة
لقوله صلى الله عليه وسلم خلق الماء طهورا الخبر نص على الطعم والريح وقاس الشافعي
رضي الله عنه اللون عليهما: وان لم يتغير نظر إن كان ذلك لقلة النجاسة واستهلاكها فيه لم ينجس
الماء لقوله صلى الله عليه وسلم لم يحمل خبثا وهل يستعمل جميع ذلك الماء أم يبقى قدر
النجاسة: فيه الوجهان المذكوران من قبل: وإن كان عدم التغير لموافقتها الماء في الأوصاف
فيقدر بما يخالف على ما سبق: ثم لو طال مكث الماء وزوال تغيره بنفسه عاد طهورا لان الأصل
199

في الماء الطهورية وإنما حكمنا بنجاسة الكثير منه لمكان التغير فإذا زال سبب النجاسة عمل
المقتضى للطهارة عمله: وحكي في التتمة وجها عن الإصطخري انه إذا زال التغير بنفسه لا يطهر
وكما لم ينجس الا بوارد عليه لا يطهر الا بوارد عليه: ولو طرح فيه المسك فلم توجد رائحة النجاسة
أو الزعفران فلم يوجد لونها أو الخل فلم يوجد طعمها فلا يعود طهورا لأنا لا ندري أن أوصاف
النجاسة زالت أم غلب عليها المطروح فيه فسترها بل الظاهر الاستتار ألا ترى أن ذكاء رائحة
المسك يغلب الروائح الكريهة بحيث لا يحس بها ثم إذا فترت رائحة المسك حصل الاحساس
بها: وان طرح فيه التراب فلم يكف التغير فهل يعود طهورا فيه قولان أحدهما ويروى عن المزني
نعم لان التراب لا يغلب عليه شئ من الأوصاف الثلاثة حتى يفرض ستره إياها فإذا لم يصادف
200

تغييرا أشعر ذلك بالزوال وأصحهما انه لا يعود طهورا لأنه وان لم تغلب عليه هذه الأوصاف إلا أنه
يكدر الماء والكدورة من أسباب الستر فلا يدرى معها ان التغير زائل أو مغلوب * ووجه بعضهم
القول الأول بان التراب يوافق الماء في الطهارية فيتعاونان في دفع النجاسة ولهذا يجمع بينهما في
إزالة النجاسة المغلظة * وهذا التوجيه يليق بمن يزعم اختصاص القولين بالتراب لكن الطريقة
الصحيحة طرد القولين في الجص والنورة التي لم تطبخ وغير ذلك مما لا يكون الوصف المتغير من
الماء غالبا عليه * هذا فقه الفصل * ثم نتكلم فيما يتعلق بألفاظ الكتاب من الفوائد أما قوله والقليل
منه ينجس بملاقاة النجاسة وان لم يتغير يدخل فيه النجاسة المجاورة والمخالطة ولا يدخل فيه
201

ما إذا تروح الماء بجيفة ملقاة على شط النهر لأنه لا ملاقاة واعلم أنه ليس المراد تأثر الماء القليل
بملاقات كل نجاسة فان من النجاسات ما لا يؤثر فيه كميته ما لا نفس له سائلة على الجديد كما سبق
كالنجاسة التي لا يدركها الطرف وكما إذا ولغت الهرة بعد نجاسة فمها في ماء قليل وفيها خلاف
سيأتي وإنما الغرض بيان كيفية التأثر ان التغير غير معتبر فيه وأما ان النجاسة المؤثرة أية نجاسة
فذلك شئ آخر * وأما قوله والكثير لا ينجس الا إذا تغير تغيرا يسيرا هكذا في أكثر النسخ
ورأيت في بعضها طرح قوله تغيرا يسيرا لأنه يوهم التقييد باليسير ومتى كان التغير اليسير قادحا
فالفاحش أولي أن يكون قادحا فيستحيل التقيد باليسير فان طرح فذاك * وقوله الا إذا تغير
202

يشمل اليسير والفاحش وان لم يطرح فالمراد الا إذا تغير وإن كان تغيرا يسيرا لا كالتغير
بالطاهرات فإنه إنما يسلب الطهورية إذا تفاحش: ثم ننبه لأمور أحدها قوله والكثير لا ينجس
الا إذا تغير لا يمكن العمل بظاهره لأنه يقتضي أن لا ينجس إذا لم يتغير أصلا وليس كذلك
لما ذكرنا أنه لو لم يتغير للموافقة في الأوصاف تعذر كونه مخالفا فإن كان بحيث تغير لو كان
مخالفا فالماء نجس وان لم يتغير: فإذا اللفظ محتاج إلى التأويل: الثاني قوله الا إذا تغير يعم
التغير بالنجاسة المخالطة والمجاورة والنوعان يسلبان الطهارة على ظاهر المذهب وفي وجه التغير
بالنجاسة المجاورة لا يسلب الطهارة كما أن التغير بالطاهر المجاور لا يسلب الطهورية فلو أعلم
قوله الا إذا تغير بالواو إشارة إلى هذا الوجه لم يكن ممتنعا: الثالث قضية اللفظ أنه
203

لا ينجس الا إذا تغير كله أما إذا تغير بعضه فلا لان قوله إذا تغير صفة الكثير وذلك يتناول
الكل الا ترى انه إذا تغير البعض يصح أن يقال ما تغير هذا الماء وإنما تغير بعضه أو طرف
منه ولكن ظاهر المذهب نجاسة الكل. وإن كان المتغير البعض وهو المذكور في المهذب وغيره
وخرج وجه أنه لا ينجس الا لقدر المتغير وهذا يوافق ظاهر اللفظ وأما قوله وان زال بطرح
التراب فقولان للتردد في أنه مزيل أو ساتر ففيه استدراك لفظي وهو ان قوله وان زال فرض
المسألة في الزوال مع الفرض في الزوال كيف ينتظم التردد في أن الحاصل زوال أم لا: وأشد
من هذا قوله في الوسيط وان زال بطرح المسك والزعفران فلا لأنه استتار لا زوال فطريق
الجواب التأويل اما بحمل الزوال الأول على فقد التغير وحمل الثاني على الحقيقة وأما باضمار بأن
204

يقال المعنى وان اعتقد الزوال أو ما أشبه ذلك وذكر بعضهم أن هذا الخلاف في مسألة التراب
مفروض في تغير الرائحة أما لو تغير اللون لم يؤثر طرح التراب فيه بحال والأصول المعتمدة
ساكتة عن هذا التفصيل *
قال (والكثير قلتان (ح) لقوله عليه الصلاة والسلام إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا والأشبه
أنهما ثلاثمائة من تقريبا لا تحديدا) * روينا الخبر الوارد في اعتبار القلتين وفي بعض الروايات
إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر ثم روى الشافعي رضي الله عنه عن ابن جريج أنه قال رأيت
قلال هجر فالقلة منها تسع قربتين أو قربتين وشيئا واحتاط الشافعي رضي الله عنه فحسب الشئ
نصفا لأنه لو كان فوق النص لقال تسع ثلاث قرب الا شيئا وهذا عادة أهل اللسان: فإذا
205

جملة القلتين خمس قرب واختلفوا في تقدير ذلك بالوزن على ثلاثة أوجه أحدها ذهب أبو عبد الله
الزهري رحمة الله عليه إلى أن القلتين ثلاثمائة من لان القلة ما يقله البعير ولا يقل الواحد من بعر ان
العرب غالبا أكثر من وسق والوسق ستون صاعا وذلك مائة وستون منا فالقلتان ثلاثمائة وعشرون
يحط منها عشرون للظروف والحبال يبقى ثلاثمائة وهذا اختيار القفال والأشبه عند صاحب الكتاب:
والثاني ان القلتين ألف رطل لان القربة قد تسع مائة رطل فالاحتياط الاخذ بالأكثر ويحكي
هذا عن أبي زيد: والثالث وهو المذهب أن القلتين خمسمائة رطل مائتان وخمسون منا بالبغدادي
206

لان القربة الواحدة لا تزيد على مائة رطل في الغالب ويحكي هذا عن نص الشافعي رضي الله عنه
ثم ذلك معتبر بالتقريب أم بالتحديد فيه وجهان أصحهما وهو الذي ذكره في الكتاب أنه معتبر
بالتقريب لان ابن جريج رد القلة إلى القرب تقريبا والشافعي رضي الله عنه حمل الشئ على
النصف احتياطا وتقريبا والقلال في الأصل تكون متفاوتة أيضا كما نعهده اليوم في الحباب
والكيزان والثاني أنه معتبر بالتحديد كنصاب السرقة ونحو ذلك فان قلنا بهذا لم نسامح
بنقصان شئ وان قلنا بالأول فنسامح بالقدر الذي لا يتبين بنقصانه تفاوت في التغير بالقدر المعين
من الأشياء المغيرة وعند أبي حنيفة وأصحابه لا اعتبار بالقلال وإنما الكثير هو الذي إذا حرك
207

جانب منه لم يتحرك الثاني هذه رواية ولهم روايات سواها *
قال (فروع خمسة الأول يدركه الطرف من النجاسة الأول ما لا يدركه الطرف من النجاسة اضطرب فيه نص الشافعي رضي الله عنه
والأقرب ان ما انتهت قلته إلى حد لا يدركه الطرف مع مخالفة لونه للون ما يتصل به
فلا يدخل تحت التكليف التحفظ عنه وما يدركه عند مخالفة اللون فينبغي أن لا يعفى عنه لا في الثوب
ولا في الماء) * النجاسة التي لا يدركها الطرف كنقطة الخمر والبول التي لا تبصر والذبابة
تقع على النجاسة ثم تطير عنها هل تؤثر كالنجاسة المدركة أم يعفى عنها لفظه في المختصر بشعر
بأنها لا تؤثر ونقل عن الام انه لا فرق بينها وبين النجاسة المدركة وعن الاملاء التسوية
208

بينهما في الثوب واختلف الأصحاب فيه على سبعة طرق: أحدها أن في تأثيرها في الماء والثوب
قولين: والثاني أنها تؤثر فيهما بلا خلاف: والثالث لا تؤثر فيهما بلا خلاف: والرابع تؤثر في
الماء وفي الثوب قولان: والخامس تؤثر في الثوب وفى الماء قولان: والسادس تؤثر في الماء دون
الثوب بلا خلاف: والسبع تؤثر في الثوب دون الماء بلا خلاف: فهذا هو اضطراب النص
ومقالات الأصحاب: وأما التوجيه فمن ألحق هذه النجاسة بما يدركه بما يدركه الطرف قال الظواهر المقتضية
لاحتساب النجاسة عامة تتناول التي يدركها الطرف والتي لا يدركها ومن سامح بهذه
النجاسة علل بتعذر الاحتراز فان الذباب يقع على النجاسات ثم يطير ويقع في الماء وعلى الثياب
فأشبه دم البراغيث وسائر ما يتعذر الاحتراز عنه: ومن قال تؤثر في الماء دون الثوب فرق من
وجهين أحدهما أن صون الماء بتغطية رأس الاناء ممكن بخلاف الثياب: والثاني أن الذبابة إذا
ارتفعت عن النجاسة جف ما نجس منها بالهواء فلا يؤثر في الثوب ويؤثر في الماء فلو كان الثوب
209

رطبا كان كالماء: ومن قال يؤثر في الثوب دون الماء قال الماء أقوى على دفع النجاسات بدليل
الماء الكثير: وأما ما ذكره حجة الاسلام رحمه الله من أنه ان انتهت القلة إلى حد لا يدرك مع
مخالفة لونه للون ما يتصل به فهو معفو عنه في الماء وغيره والا فلا: فهذا تفصيل لا نراه لغيره
ووجهه في غير الوجيز بأن قال إذا بلغت القلة الحد المذكور كانت هذه النجاسة كما تحملها الرباح من
النجاسات مثل الذر وتبثها على المياه والثياب ومعلوم أن ذلك مما لا يبالي به فكذلك ههنا ولك
أن تقول غير هذا التفصيل أجود منه لان الكلام فيما لا يدركه الطرف لقلته لا للموافقة في
اللون وما لا يدرك لقلته لا يدرك اختلف اللون أو اتفق: فأحد القسمين وهو أن يكون بحيث
يدرك عند اختلاف اللون خارج عن صورة المسألة وإنما صورتها القسم الثاني ثم القول فيه بالعفو
اختيار القول المنقول في عدم تأثير هذه النجاسة في الماء والثوب جميعا: وظاهر المذهب عند
210

المعظم خلافه: ثم في عبارة الكتاب بسط وتطويل ولا يخفى ايراد الغرض في أقصر منها
لمن يبتغى الايجاز *
قال (الثاني قلتان نجستان غير متغرتين إذا جمعتا ولا تغير عادتا طاهرتين فإذا فرقتا بقيتا على الطهارة ولم
يضر التفريق بينهما الا إذا كانت النجاسة جامدة فبقيت في إحدى القلتين) * الماء القليل النجس إذا كوثر
حتى بلغ قلتين هل يعود طهورا نظر: إن كوثر بغير الماء فلا بل لو كمل الماء الناقص عن القلتين
بماء ورد وصار مستهلكا فيه ثم وقعت فيه نجاسة تنجس وان لم يتغير وإنما لا تقبل النجاسة قلتان
من محض الماء على ما قال صلى الله عليه وسلم إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا وان كوثر بالماء
نظر إن كان مستعملا ففي عود الطهورية وجهان: أحدهما لا يعود لانسلاب قوة المستعمل والتحاقه
بسائر المائعات: وأظهرها تعود لان الأصل فيه الطهورية والضعف الذي عرض له ليس بأكثر
211

من أن تعرض له النجاسة: ولو كوثر الماء النجس بماء نجس ولا تغير: عادت الطهورية ومأخذ هذا
الخلاف كمأخذ الخلاف في أن المستعمل هل يعود بالكثرة طهورا: وان لم يكن مستعملا عادت
الطهورية فان الأصل في الماء الطهورية والنجاسة عرضت لعلة القلة فإذا كثر عمل الأصل عمله
ثم التفريق بعد عود الطهورية لا يضر كما لو كان الماء قلتين عند وقوع النجاسة فيه ولم يتغير ثم
فرق: ولا فرق بين أن يقع التكميل بماء طاهر أو نجس في عود الطهورية: وصورة مسألة الكتاب
ما إذا كان كل واحد من المكمل والمكمل نجسا: ثم لا يخفى أن عود الطهورية إنما يكون بشرط
عدم التغير في المجموع وهل يشترط أن لا يكون فيه نجاسة جامدة فيه خلاف التباعد: ولو كوثر
الماء القليل بما يغلب عليه ويغمره ولكن لم يبلغ قلتين فهل تزول نجاسته فيه وجهان أظهرهما لا تزول:
212

وان قلنا بالزوال فهو طاهر غير طهور وذلك بشروط أحدها أن يكون التكميل بماء طاهر لا ينجس:
والثاني أن يورد الطاهر على النجس: والثالث أن يكون المكمل أكثر من المكمل مما لا يكون
فيه نجاسة وكل ذلك فيما إذا بلغ قلتين بخلافه: ويشترط أيضا أن لا يكون فيه نجاسة جامدة
لا محالة: وقوله في الكتاب جمعتا عادتا طاهرتين في لفظ الجمع إشارة إلى ما ذكره الأصحاب
أن المعتبر في المكاثرة الضم والجمع دون الخلط حتى لو كان أحد البعضين صافيا والآخر كدرا
وانضما تزول النجاسة من غير توقف على الاختلاط المانع من التمييز وقوله عادتا معلم بالألف لما
روى عن أحمد وعن أصحابه أنه لا تعود الطهارة: وليس المراد من قوله عادتا طاهرتين مجرد
الطهارة بل مع الطهورية *
213

قال (الثالث نجاسة جامدة وقعت في ماء راكد كثير يجوز الاغتراف من جوانبها على القول
القديم هو الاقيس ويجب التباعد عنها بقدر القلتين في القول الجديد)
إذا وقع في الماء الكثير الراكد نجاسة جامدة كالميتة فهل يجوز الاغتراف مما حوالي
النجاسة أم يجب التباعد عنها بقدر القلتين فيه قولان القديم وهو ظاهر المذهب على خلاف
الغالب أنه يجوز الاغتراف من أي موضع شاء ولا حاجة إلى التباعد لأنه طاهر كله فيستعمله
المستعمل كيف شاء والدليل على أنه طاهر كله قوله صلى الله عليه وسلم إذا بلغ الماء قلتين
الخبر: والجديد أنه يبعد عن النجاسة بقدر قلتين ثم يغترف لان ما دون القلتين مما يجاور النجاسة
لو كان وحده لكان مجتنبا فكذلك إذا كان معه غيره وأثر الكثيرة دفع النجاسة عما وراء ذلك
214

القدر قال من نصر المذهب ذلك القدر المجتنب لو كان وحده محكوم له بالنجاسة في حالة
الانفراد فاما أن يكون محكوما له بالنجاسة ههنا أيضا أولا يكون ان يكن فقد تغير حكمه عما كان
عليه وحده وإن كان فلينجس ما يجاوره بمجاورته كما ينجس هو بمجاورة النجاسة وهكذا حتى
تنتشر النجاسة إلى الكل لا يقال هذا مائع وذلك جامد وحكم النجاسة المائعة أخف الا ترى ان
النجاسة المائعة لو وقعت في ماء كثير وانغمرت فيه جاز استعمال الكل لأنا نقول إذا كان حكم
النجاسة المائعة ما ذكرتم فلنأخذ حكم الطهارة ههنا أيضا لاتصاله بالملأ الكثير وحصوله فيه وإذا
كان طاهرا وجب أن يجوز الاغتراف والاستعمال واعلم أن من أصحابنا العراقيين من حكى خلاف
215

التباعد وجهين ونقل القولين أثبت فان فرعنا على وجوب التباعد فلا يكفي أن يبعد في البحر
بقدر شبر على أحد العمق في حساب القلتين بل يتباعد بقدر القلتين في ابعاد متماثلة طولا
وعرضا وعمقا فإن كان الماء في موضع لا يتأتي فيه ذلك كما لو وقف في موضع منبسطا من غير عمق يتباعد
في الطول والعرض قدر ما يبلغ قلتين في ذلك العمق وقال الإمام محمد بن يحي رضي الله عنه لا يغنى التباعد
بقدر قلتين في هذه الصورة بل يبعد إلى حيث يعلم أن النجاسة لا تنتشر إليه كما يعتبره أبو حنيفة رحمة
الله عليه في بعض الروايات في الماء الكثير ولو كان الماء قلتين بلا زيادة فعلى الجديد لا يجوز
لاعتراف منه وعلى القديم يجوز ذلك في أصح الوجهين كما في الحالة الأولى والثاني لا لان المأخوذ
بعض الباقي والباقي نجس بالانفصال فكذلك المأخوذ وينبني ان يبحث على القولين في مسألة
216

التباعد أهما في جواز الاستعمال وعدمه بعد الاتفاق على الطهارة أم في الطهارة والنجاسة: وذلك
يترتب عليه فإن كان الثاني فلم تكلم الأكثرون في الاغتراف والاستعمال نفيا واثباتا واشتهرت
المسألة بالتباعد وهلا تكلموا في الطهارة والنجاسة على المعهود في نظائره ثم يفرع عليه جواز
الاستعمال وعدمه: وإن كان الأول فيم يوجه المنع من الاستعمال مع الحكم بالطهارة ولم تكلم بعضهم
في النجاسة ونفيها وفرض فيها الخلاف وهل هما طريقتان هذا موضع نظر وتأمل ويدل على الاحتمال
الأول اخبار القلتين فإنها تنفي نجاسة الماء الكثير وأيضا فقد صرح بعض المعلقين عن الشيخ
أبي محمد بأنه لا خلاف في الطهارة وإنما الخلاف في جواز الاستعمال وأما لفظ الكتاب فاعلم أن
217

قضية كلامه في وجوب اجتناب الحريم في الفصل الثالث يقتضي أن يكون مراده من قوله ههنا
يجوز الاعتراف من جوازها على القول القديم ما وراء الحريم الا ان المذهب ان حكم الحريم
حكم غيره على ما سيأتي *
قال (الرابع كوز فيه ماء نجس غير متغير طريق تطهيره ان يغمس في ماء كثير فإذا استوى
عليه الماء صار طهورا للاتصال به)
إذا غمس كوز فيه ماء نجس في ماء طاهر هل يعود طهورا إن كان الكوز ضيق الرأس
فوجهان أحدهما نعم لحصول الكثرة والاتصال وأصحهما لا لأنه لا يحصل به ما يقيد تأثير أحدهما
218

بالآخر لان ماء الكوز كالمودع بظرفه فيه وليس معدودا جزءا منه وإن كان واسع الرأس فعلى هذين
الوجهين لكن الأظهر هنا الطهارة لتأثر كل واحد منهما بالآخر عند سعة رأس الاناء وحيث
يحكم بعود الطهارة فتعود على الفور أم بعد أن تمكث زمانا: فيه وجهان أظهرهما لا تعود على الفور
بل لابد من مضي زمان يزول فيه التغير لو كان متغيرا ولا شك أن ذلك الزمان يكون في ضيق
الرأس أطول منه في واسعه وإذا عرفت ذلك فعد إلى ألفاظ الكتاب: وأعلم قوله صار طهورا
بالواو للوجه الثاني لعود الطهارة والطهورية * وقوله فإذا استوى عليه الماء أيضا إشارة إلى
الوجه الصائر إلى اشتراط المكث ثم تنبه لأمور: أحدها قوله غير متغير ليس مذكورا للتقييد
219

فإنه لو كان متغيرا فزال التغير بالاتصال عادت الطهورية أيضا فكأنه تعرض لهذا الوصف
لأنه حكم بعود الطهورية باستواء الماء عليه وبتقدير التغير لا تعود الطهورية بمجرد استواء الماء
بل لابد من زوال التغير: الثاني قوله فإذا استوى عليه ينبه على أنه لو لم يكن الكوز ملانا وغمسه
فيه فما دام يدخل فيه الماء فلا اتصال وهو على نجاسته: الثالث حكم بالطهورية من غير التعرض
للخلاف فإن كان يختار ذلك سواء ضاق رأس الكوز أم اتسع فهو معمول بظاهره وان قال بالمنع
عند ضيق الرأس كما حكينا انه ظاهر المذهب ففي الكلام اضمار تقديره كوز واسع الرأس فيه
ماء نجس والاحتمال الثاني هو قضية كلامه في سائر كتبه *
220

قال (الخامس فأرة وقعت في البئر فتمعط شعرها فالطريق إلى تطهيره ان يستقي الماء
الموجود في البئر فما تحصل بعد ذلك فان رؤي فيه شعر فنجس والا فطهور إذ الأصل طهارته
وبقاء الشعر مشكوك فيه وإخراج الجميع هو الغالب باستقاء الماء)
ماء البئر كغيره في قبول النجاسة وزوالها: لكن ضرورة التدرج إلى الاستقاء منها قد
يخصه لضرب من العسر فإن كان قليلا وقد تنجس بوقوع نجاسة فيه فليس من الرأي ان
ينزح لينبع بعده الماء الطهور لأنه وان نزح فقعر البئر يبقي نجسا وقد يفضى النزح إلى تنجيس
جدران البئر أيضا بل ينبغي ان يترك ليزداد ويبلغ حد الكثرة فإن كانت قليلة الماء لا يتوقع
221

كثرته صب فيها ماء من خارج حتى يكثر: وينبغي أن يزول التغير أيضا لو كان متغيرا فإن كان
ماؤها كثيرا وقد تنجس بالتغير فتكاثر إلى زوال التغير أو يترك بحاله حتى يزول التغير
بطول المكث أو بازدياد الماء فلو تفتت الشئ النجس فيه كالفأرة تمعط شعرها فقد يبقى على
طهوريته لكثرته وعدم التغير لكن يتعذر استعماله بسبب أنه لا ينزح منه دلو الا وفيه شئ
من أجزاء النجاسة فينبغي أن يستقى الماء كله لتخرج الشعور في صحبته فإن كان العين فوارة
وتعذر استقاء الكل فينزح بقدر ما يغلب على الظن ان الشعر قد خرج معه كله فما يبقي بعد
ذلك في البئر وما يحدث فيه فهو طهور لأنه ماء غير مستيقن النجاسة ولا مظنون النجاسة ولا
222

أثر للشك والتردد في بقاء الشعر فيه ووقوعه فيما حدث لحصول الظن باخراج الجميع نعم ان تحقق
شيئا بعد ذلك على خلاف الغالب اتبعه وقيل أن ينزح إلى الحد المذكور فإذا غلب على ظنه انه
لا يخلو كل دلو عن شئ من النجاسة ولكنه لم يره ولا تيقنه فجواز الاستعمال على القولين في
الأصل والغالب إذا تعارضا كما سيأتي نظائر ذلك واعلم أن فرض المسألة في تمعط الشعور مبنى على
نجاسة شعور الحيوانات بالموت فإن لم ينجسها فليقع الفرض في سائر الأجزاء *
قال (الفصل الثالث في الماء الجاري فان وقعت فيه نجاسة مائعة لم تغيره فهو طاهر إذا الأولون
لم يحترزوا من الأنهار الصغيرة)
223

نشرح مسائل الماء الجاري على ما ذكرها ورواها في الأصل ثم نردفها بما ينبغي فنقول الماء الجاري
ينقسم إلى ماء الأنهار المعتدلة وإلى ماء الأنهار العظيمة * القسم الأول ماء الأنهار المعتدلة والنجاسة
الواقعة فيه اما أن تكون مائعة أو جامدة فإن كانت مائعة فينظر هل تغير الماء أم لا فان غيرته
فالقدر المتغير نجس وحكم غيره معه كحكمه مع النجاسة الجامدة وان لم تغيره فينظر إن كان عدم التغير
للموافقة في الأوصاف فالحكم على ما ذكرنا في الراكد وإن كان لقلة النجاسة وانمحاقها فيه لم
ينجس الماء وإن كان قليلا لان الأولين كانوا يستنجون على شطوط الأنهار الصغيرة ولا يرون
224

ذلك تنجيسا لمياهها وهذه الحالة هي المرادة في الكتاب (وإن كانت النجاسة جامدة تجري بجري
الماء فما فوق النجاسة وتحتها طاهر لتفاصل جريات الماء وما على جانبيها فيه طريقان قيل بطهارته
وقيل بتخريجه على قول التباعد: وإن كانت النجاسة واقفة فالحكم ما سبق الا أن ما يجرى من الماء
على النجاسة وينفصل عنها فهو نجس فيما دون القلتين: فان زاد على القلتين أعني ما بين المغترف والنجاسة
فوجهان أظهرهما المنع الا أن يجتمع في حوض مترادفان الجاري لا تراد له فهو متفاصل الاجزاء)
أما إذا كانت النجاسة جامدة كالميتة فان غيرت شيئا من الماء فهو نجس وان لم تغير فينظر أتجري
مع الماء أم هي واقفة والماء يجرى عليها: فإن كانت تجرى مع الماء فما فوقها الذي لم يصل النجاسة وما
225

تحتها الذي لم يصل إليه النجاسة طاهران لتفاصل أجزاء الماء الجاري فان كل جرية منه طالبة لما أمامها
هاربة عما خلفها بخلاف الراكد فان أجزاءه مترادة متعاضدة: وأما ما على يمينها و شمالها وفي سمتها
إلى العمق أو وجه الماء فيه طريقان: أحدهما القطع بالطهارة لما ذكرنا من تفاصل الاجزاء: والثاني
التخريج على قولي التباعد كالراكد: و التفاصل إنما يكون في طول النهر لانحدار الماء فيه لا في العرض
ومنهم من أجرى خلاف التباعد بما تحت النجاسة دون ما فوقها لان ما تحتها مستمد من موضعها
وفى كلام العراقيين ما يقتضى طرده في جميع الجوانب فينبغي أن يعلم قوله فما فوق النجاسة وما تحتها
طاهر بالواو إشارة إلى الخلاف المذكور: وإن كانت النجاسة واقفة والماء يجرى عليها فالحكم كما لو
226

كانت جارية مع الماء ونزيدها هنا أن ما يجرى من الماء على النجاسة وهو قليل ينجس بملاقاتها
ولا يجوز الاغتراف منها إذا كان بين النجاسة وموضع الاغتراف دون القلتين: فان بلغ قلتين في
الطول فوجهان: أحدهما وبه قال صاحب التلخيص وأبو إسحاق رحمهما الله انه طاهر يجوز الاغتراف
منه لحيلولة قدر القلتين ودفعه النجاسة وأصحهما وبه قال ابن سريج انه نجس وان امتد الجدول
فراسخ لما سبق ان أجزاء الماء الجاري متفاصلة فلا يتقوى البعض منها بالبعض ولا تندفع النجاسة
الا بأن تجتمع في حوض أو حفرة مترادا وقد يسأل فيقال ماء هو الف قلة وهو نجس من غير
أن يتغير بالنجاسة هذا صورته *
227

قال (وهذا كله في الأنهار المعتدلة فأما النهر العظيم الذي يمكن التباعد فيه عن جوانب النجاسة
بقدر القلتين فلا يجتنب فيه الا حريم (و) النجاسة) ولا يعود فيه الخلاف الذي ذكرناه في التباعد عما
حوالي النجاسة (وهو الذي تغير شكله بسبب النجاسة وهذا الحريم مجتنب أيضا في الماء الراكد)
بينا انقسام الماء الجاري إلى ماء الأنهار المعتدلة وإلى ماء الأنهار العظيمة وذكرنا حكم القسم
الأول أما النهر العظيم فلا يجتنب فيه الا حريم النجاسة ولا يعود في الخلاف الذي ذكرناه في
التباعد عما حوالي النجاسة: وحكي في البسيط وجها آخر أنه يجرى الخلاف في أيضا ولابد من
بيان العظيم والحريم وقد أشار إلى تفسيرهما في الكتاب أما العظيم فقد قال هو الذي يمكن التباعد
228

فيه عن جوانب النجاسة كلها بقدر القلتين والمعتدل ما لا يمكن فيه ذلك ويدخل فيه الجداول
الصغيرة التي يجرى فيها الماء اليسير والأنهار التي يبلغ ما بين حافتيها قدر قلتين ولكن لا يمكن
التباعد فيها بقدر قلتين من كل جانب وذكر إمام الحرمين رضي الله عنه أن النهر المعتدل هو
الذي يفرض تغيره بالنجاسات المعتادة والعظيم ما لا يمكن تغيره بها
قال (والبعرة في النهر المعتدل كالجيفة في الوادي العظيم وأما الحريم فقد فسره بما يتغير
شكله بسبب النجاسة)
يعنى ما ينسب إلى النجاسة بتحريكه إياها وانعطافه عليها أو التفافه بها ولهذا اعتبر التغير
229

في الشكل دون الرائحة وسائر الصفات وفي وجوب اجتناب الحريم وجهان حكاهما في البسيط
أحدهما أنه لا يجتنب كغيره: والثاني وهو الذي ذكره ها هنا أنه يجتنب وان لم يوجب التباعد
لأنه في العيافة والاستقذار كالمتغير بالنجاسة: ثم قال وهذا الحريم مجتنب في الماء الراكد أيضا وذكر
في البسيط أنه لا يجتنب في الماء الراكد وفرق بينه وبين الجاري على أحد الوجهين بأن الراكد
لا حركة له حتى ينفصل البعض عن البعض في الحكم فكما يجوز الاغتراف مما بعد من النجاسة
يجوز الاغتراف من جوارها وهذه الاختلاف تقتضي اعلام المستثنى والمستثني منه في قوله
فلا يجتنب فيه الا حريم النجاسة لان منهم من أوجب اجتناب غير الحريم ومنهم من لم يوجب
230

اجتناب الحريم أيضا وكذلك اعلام قوله: وهذا الحريم يجتنب أيضا في الماء الراكد: فهذا
شرح ما ذكره ونعود إلى الموعود ونذكر أمورا من شرط محصل هذا الكتاب أن يعرفها:
أحدها حكمه بطهورية القليل من الجاري إذا وقعت فيه نجاسة مائعة ولم تغيره كأنه اختيار القول
القديم الذي حكاه صاحب التلخيص وغيره في أن الماء الجاري لا ينجس الا بالتغير وذلك القول
قد اختاره طائفة من الأصحاب ووجهوه بشئ آخر سوى ما ذكره في الكتاب: وهو أن الماء
الجاري وارد على النجاسة فلا ينجس إلا بالتغير كالماء الذي تزال به النجاسة لكن المذهب
الذي عليه الجمهور الفرق بين القليل والكثير كما في الراكد ونجاسة القليل بمجرد الملاقاة
231

ويدل عليه الاخبار الفارقة بين القليل والكثير فإنها تعم الراكد والجاري: والثاني لم يتعرض
في تفصيل النجاسة الجامدة للفرق بين القليل من الماء والكثير ولابد منه لأنه لا يمكن أن
تكون مسائله كلها مفروضة في الكثير وحده ولا في الكثير والقليل جميعا وإلا كان الوجهان
في نجاسة الماء الجاري على الميتة جاريين في الكثير الذي تبلغ كل جرية منه قلتين فصاعدا وهو
محال ولا يمكن أن تكون كلها مفروضة في القليل وحده والا كان خلاف التباعد جاريا فيما على
يمين النجاسة ويسارها مع قلة الماء وهو بعيد بل الوجه الحكم بالنجاسة عند القلة وكذلك ذكره
232

صاحب التهذيب وغيره: الثالث قضية كلام الأكثرين تصريحا وتلويحا انه لا فرق بين
الحريم وغيره لا في الراكد ولا في الجاري على خلاف ما ذكره لأنه اما أن يكون طاهرا في نفسه
أو نجسا إن كان طاهرا فلا معنى لوجوب الاجتناب: وإن كان نجسا فيلزم نجاسة ما يجاوره
بملاقاته حتى يتعدى إلى جميع الراكد والي جميع ما في عرض النهر في الماء الجاري *
233

قال (الفصل الرابع في إزالة النجاسة)
(فإن كانت حكيمة فيكفي اجراء الماء على موردها وإن كانت عينية فلابد من إزالة عينها
فان بقي طعم لم يطهر لان ازالته سهل وان بقي لون بعد الحت والقرض فمعفو عنه والرائحة كاللون
على الأصح)
234

الشئ النجس ينقسم إلى نجس العين وغيره أما نجس العين فلا يطهر بحال الا الخمر تطهر
بالتخلل وجلد الميتة يطهر بالدباغ والعلقة والمضغة والدم الذي هو حشو البيض إذا نجسناها
فاستحالت حيوانا: وأما غيره فالنجاسة تنقسم إلى حكيمة وإلى عينية: أما الحكيمة فهي التي
لا تحس مع تيقن وجودها كالبول إذا جف على المحل ولم توجد له رائحة ولا أثر فيكفي اجراء
235

الماء على موردها إذ ليس ثم ما يزال ولا يجب في الاجزاء عدد خلافا لأبي حنيفة حيث شرط
في إزالة النجاسة الحكمية الغسل ثلاثا في رواية: وفي رواية الشرط أن يغلب على ظن الغاسل
طهارته ولا حمد رحمه الله حيث قال في إحدى الروايتين يشترط الغسل سبعا في جميع النجاسات
236

كما في نجاسة الكلب: لنا قوله صلى الله عليه وسلم لأسماء رضي الله عنها حتيه ثم اقرصيه
ثم اغسليه بالماء (1) أمر بالغسل من غير اعتبار عدد، وأما العينية فلا يكفي فيها اجراء الماء بل لا بد من
محاولة إزالة أوصافها الثلاثة الطعم واللون والرائحة أو ما وجد منها فان بقي طعم لم يطهر سواء
237

بقي مع غيره من الصفات أو وحده لان الطعم سهل الإزالة ويظهر تصويره فيما إذا دميت لثته أو
تنجس فوة بنجاسة أخرى فغسله فهو غير طاهر ما دام يجد طعمه في فيه وان لم يبق الطعم نظر: ان
بقي اللون وحده وكان سهل الإزالة فلا يطهر: وإن كان عمر الإزالة كدم الحيض يصيب الثوب
238

وربما لا يزول بعد المبالغة والاستعانة بالحت والقرص فيطهر لما روى أن نسوة رسول الله صلى
الله عليه وسلم وسلم سألنه عن دم الحيض يصيب الثوب وذكرن أن لون الدم يبقى فقال ألطخنه
بزعفران المعنى أن اللون الباقي لا أثر له فان كرهتن رؤيته فالطخنه بزعفران وعن خولة بنت
239

يسار قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض فقال اغسليه فقلت اغسله
فيبقى أثره فقال يكفيك ولا يضرك اثره (1) وان بقيت الرائحة وحدها وهي عسرة الإزالة
كرائحة الخمر فهل يطهر المحل فيه قولان: وقيل وجهان والأول أصح أحدهما لا: لان بقاء الرائحة
يدل على بقاء العين فصار كالطعم وهذا هو القياس في اللون لكن منعنا عنه الاخبار: والثاني وهو الأصح
240

يطهر لأنا إنما احتملنا بقاء اللون لمكان المشقة في ازالته وهذا المعنى موجود الرائحة وروى
في اللون أيضا وجه أنه لا يطهر المحل ما دام باقيا ذكره في التتمة ونسبه امام الحرمين إلى صاحب
التلخيص فلو أعلمت قوله فمعفو إشارة إلى هذا الوجه لما كان به بأس وان بقي اللون والرائحة
معا فلا يطهر المحل لقوة دلالتهما على بقاء العين وفيه وجه ضعيف ويتبين لك بما حكيناه أن قوله
فان بقي طعم لم يطهر مجري على اطلاقه لأنه لا فرق بين أن يبقى وحده أو مع غيره في الصفات
الثلاث: وقوله في الرائحة واللون غير محمول على اطلاقه بل المراد ما إذا كان كل واحد منهما
وحده: ثم لك في قوله وان بقي لون بعد الحت والقرص فمعفو مباحثتان أحداهما: الاستعانة بالحت
241

والقرص وهل هي شرط أم لا: ظاهر كلامه يقتضى الاشتراط وبه يشعر نقل بعضهم لكن الذي
نص عليه المعظم خلافه واحتجوا عليه بحديث خولة واقتصروا على الاستحباب: الثانية لم قال
فمعفو ولم يقل فطاهر: أهو نجس لكن يعفى عنه: أم كيف الحال: أطلق الأكثرون القول بالطهارة
ويجوز أن يقال أنه نجس لكن يعفى عنه كما في أثر محل الاستنجاء ودم البراغيث: وليس في
الاخبار تصريح بالطهارة وإنما يقتضي العفو والمسامحة: وقد تعرض في التتمة لمثل هذا في الرائحة
فقال إن قلنا لا يطهر فهو معفو عنه كدم البراغيث *
قال (ثم يستحب الاستظهار بغسلة ثانية وثالثة وفي وجوب العصر وجهان فان وجب العصر
242

ففي الاكتفاء بالجفاف وجهان)
قوله ثم يستحب الاستظهار يجوز أن يقرأ بالطاء والظاء فالاستطهار طلب الطهارة والاستظهار
طلب الاحتياط وهذا كما قال الشافعي رضي الله عنه في المبتدأة المميزة إذا استحيضت ولا يجوز لها
أن تستظهر بثلاثة أيام قرئ بهما جميعا والغرض ان التثليث مستحب في إزالة النجاسة كما في رفع
الحدث واحتجوا عليه بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستيقظ من نومه بان لا يغمس يده في
الاناء حتى يغسلها ثلاثا (1) لتوهم النجاسة فعند تحققها أولي وإنما يتأدى الاستحباب إذا وقعت المرة
الثانية والثالثة بعد زوال النجاسة: أما الغسلات المحتاج إليها لا زالة النجاسة فلا بد منها: واستحباب
243

الاستظهار يشمل النجاسة الحكمية والعينية وقد حكينا عن مذهب احمد ان العدد واجب في إزالة
النجاسات مطلقا فينبغي أن يكون قوله ثم يستحب معلما بالألف: وأما العصر فقد اختلفوا في حصول
الطهارة قبله على وجهين وبنوهما على أن الغسالة طاهرة أم نجسة: ان قلنا إنها طاهرة فلا حاجة إلى
العصر وهو الأصح: والا فالغسالة باقية فلا تطهر وعلى هذا هل يكتفى بالجفاف: فيه وجهان أصحهما
نعم: لان زوال الغسالة بالجفاف أبلغ منه بالعصر: والثاني لا: لأنا بالعصر نتوهم انتقال أجزاء النجاسة
في صحبة الماء وعند الجفاف لا يزول الا بلل الماء وتبقي أجزاء النجاسة: وقد يستدرك على العبارة
التي ذكرها في تفريع الوجهين في الجفاف على وجوب العصر لان التفريع على الشئ لا ينبغي أن يرفع
244

الأصل ومن قال يطهر بالجفاف لا ينتظر منه القول بوجوب العصر واشتراطه بل الشرط عنده زوال
البلل اما بالعصر أو بالجفاف فالعبارة السليمة أن يقال غسل المحل ولم يعصر هل يطهر مع بقاء البلل
فيه وجهان: ان قلنا لا يطهر فهل يطهر إذا جف فيه وجهان *
قال (فروع سبعة الأول إذا أورد الثوب النجس على ماء قليل نجس الماء ولم يطهر الثوب على الأظهر)
ما سبق من طهارة المحل بالغسل اما مع العصر أو دونه فيما إذا كان الماء واردا على المحل أما لو ورد المحل
النجس كالثوب انغمس في إجابة فيها ماء ويغسل فيه فهل يطهر فيه وجهان قال ابن سريج يطهر كما لو كان
الماء واردا عليه وقال الأكثرون وهو الأصح لا يطهر لان بالملاقاة بين الماء القليل والنجاسة يقتضى
245

نجاسة خالفنا فيما إذا كان الماء واردا فان الوارد عامل والقوة للعامل ويدل على الفرق انه صلى الله عليه
وسلم منع المستيقظ من النوم من غمس اليد في الاناء قبل الغسل ثلاثا ولولا الفرق بين الوارد
والمورود لما انتظم المنع من الغمس والامر بالغسل والوجه الأول فيما إذا قصد بالغمس إزالة النجاسة
فاما لو ألقته الريح فيه والماء قليل نجس الماء بلا خلاف قال الأئمة ومن هذا نشأ ظن من نقل عن ابن سريج
أنه يشترط النية في إزالة النجاسة
قال (الثاني إذا أصاب الأرض بول فصب عليها الماء حتى صار مغلوبا ونضب الماء طهر (ح) وكذا
إذا لم ينضب إذا حكمنا بطهارة الغسالة وان العصر لا يجب) * إذا أصاب الأرض بول فصب عليها من الماء
246

ما يغمره وتستهلك فيه النجاسة طهرت بعد نضوب الماء وقبله: وجهان: ان قلنا إن الغسالة طاهرة والعصر
لا يجب فنعم وان قلنا إنها نجسة والعصر واجب فلا وعلى هذا فلا يتوقف الحكم بالطهارة على الجفاف
بل يكفي أن يفاض الماء كالثوب المعصور لا يشترط فيه الجفاف والنضوب كالعصر وقال أبو حنيفة
لا تطهر الأرض حتى تحفر إلى الموضع الذي وصلت إليه النداوة وينقل التراب لنا ما روى أن أعرابيا
بال في ناحية المسجد (1) فقال النبي صلى الله عليه وسلم صبوا عليه ذنوبا من ماء ولم يأمر بنقل التراب وقوله
247

حتى صار مغلوبا إشارة إلى أن المعتبر أن يكون الماء المصبوب على الموضع غالبا على النجاسة غامرا لها
ولا بأس لو أعلمته أو أعلمت قوله طهر: بالواو لوجهين رويا على خلاف ظاهر المذهب أحدهما يجب أن
يكون الماء سبعة أضعاف البول: الثاني يجب أن يصب على بول الواحد ذنوب وعلى بول الاثنين ذنوبان
وعلى هذا أبدا ثم الخمر وسائر النجاسات المائعة كالبول تطهر الأرض عنها بالمكاثرة ولا تقدير على
على ظاهر المذهب: وقوله إذا حكمنا بطهارة الغسالة وان العصر لا يجب لا ضرورة إلى الجمع بينهما بل
248

لو اقتصر على نفى وجوب العصر لحصل الغرض فان الخلاف في العصر مبنى على الخلاف في الغسالة
قال (الثالث اللبن المعجون بماء نجس يطهر إذا صب عليه الماء الطهور فان طبخ طهر ظاهره
بإفاضة الماء دون باطنه)
اللبن النجس ضربان أحدهما ان يختلط بالتراب نجاسة جامدة من روث أو عظام ميتة أو غيرهما فيضرب
منه لبن فهو نجس ولا سبيل إلى تطهيره بحال لما فيه من عين النجاسة: فلو طبخ فالمذهب الجديد
انه على نجاسته والنار لا تطهر شيئا بل الطهورية مخصوصة بالماء: وفي القديم قول أن الأرض
النجسة تطهر إذا زال اثر النجاسة بالشمس والريح ومرور الزمان (1) فخرج أبو زيد والخضري
249

وآخرون منه قولا في تأثير النار وقالوا تأثير النار أشد وأقوى من تأثير الشمس: فعلى هذا
يطهر ظاهره بالطبخ لان النار تحرق ما عليه من النجاسة: وان قلنا بالجديد الصحيح فلو غسل
هل يطهر ظاهره: المنصوص في الام انه لا يطهر لانتشار أجزاء النجاسة والتصاقها بالمحل وزوال
الجميع غير معلوم وقال أبو الحسين بن المرزبان والقفال يطهر لان عين النجاسة قد زالت فإذا
ورد عليه الماء طهر محله النجس والظاهر الأول: الضرب الثاني أن لا يختلط به نجاسة جامدة
250

ولكن يعجن بماء نجس أو بول وهو الذي ذكره في الكتاب فهذا اللبن يمكن تطهيره كسائر
الأعيان التي أصابتها نجاسة مائعة وطريق تطهير ظاهره إفاضة الماء عليه على سبيل غسل سائر
الأعيان وطريق تطهير باطنه أن ينقع في الماء حتى يصل الماء إلى جميع اجزائه كالعجين بمائع
نجس إنما يطهر بوصول الماء إلى جميع اجزائه هكذا حكمه ما لم يطبخ فان طبخ فعلى التخريج
الذي سبق يطهر ظاهره وكذلك باطنه في أظهر القولين لتأثره بالنار وعلى الجديد هو على نجاسته
وإذا غسل طهر ظاهره دون باطنه لأنه استحجر بالطبخ فلا يتغلغل الماء فيه وإنما يطهر الكل
إذا دق حتى صار كالتراب ثم أفيض الماء عليه: ولو كان رخوا لا يمتنع نفوذ الماء فيه بعد الطبخ
251

فهو كما قبل الطبخ: وأما ما يتعلق بلفظ الكتاب فقوله يطهر إذا صب فيه الماء الطهور ليس المراد
منه طهارة الظاهر وحده بدليل قوله بعده فان طبخ طهر ظاهره دون باطنه فإنه بين إرادة طهارة
الكل في الأول وحينئذ فمجرد الصب لا يكفي بل في الكلام اضمار: المعنى إذا صب فيه الماء
الطهور حتى ينتقع فيه ويصل الماء إلى جميع اجزائه وفي بعض النسخ إذا نضب وهو عبارة الوسيط
وتقييد الماء بالطهورية في هذا الموضع كالمستغني عنه لوضوح اشتراط الطهورية في الماء الذي تزال
به النجاسات مطلقا وعدم اختصاصه بهذا الموضع وقوله فان طبخ طهر ظاهره بإفاضة الماء يجوز
أن يعلم قوله بإفاضة الماء بالواو إشارة إلى التخريج المذكور فان من صار إليه قال بأنه يطهر
252

بالطبخ لا بإفاضة الماء عليه كذلك قوله دون باطنه لما ذكرنا أن أحد القولين على قاعدة القول
المخرج طهارة الباطن أيضا
قال (الرابع بول الصبي قبل أن يطعم يكفي فيه رش الماء (ح م) ولا يجب الغسل بخلاف
بول الصبية للحديث)
الواجب في إزالة النجاسات الغسل الا في بول الصبي الذي لم يطعم ولم يشرب سوى اللبن
فيكفي فيه الرش ولا يجب الغسل خلافا لأبي حنيفة ومالك وأحمد: لنا ما روى أنه صلى الله عليه
253

وسلم قال إنما يغسل من بول الصبية ويرش على بول الغلام (1)
254

وعن أم قيس أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي لها لم يأكل الطعام فأجاسته في حجره فبال
على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله (1) واعلم أنه لابد من أن يصيب الماء جميع موضع البول ثم لا يراده
ثلاث درجات إحداها النضح المجرد: الثانية النضح مع الغلبة والمكاثرة: الثالث أن ينضم
إلى ذلك الجريان والسيلان ولا حاجة في الرش إلى الدرجة الثالثة وهل يحتاج إلى الثانية فيه
258

وجهان أظهرهما نعم والرش والغسل يفترقان في أمر السيلان والتقاطر وهل يلحق بول الصبية
ببول الصبي فيه وجهان أحدهما نعم كما يستوي بول الرجل والمرأة في الحكم وأصحهما وهو
المذكور في الكتاب انه لا يلحق به للخبر ويفرق بينهما من جهة المعني بأن بول الصبي كالماء وبول
الصبية أصفر ثخين وأيضا بأن طبعها أحر فبولها الصق بالمحل
259

(الخامس ولوغ الكلب يغسل سبعا إحداهن بالتراب وعرقه وسائر اجزائه كاللعاب وفي
الحاق (م) الخنزير به قولان والأظهر أنه لا يقوم الصابون والأشنان (ز) مقام التراب
ولا الغسلة الثامنة ولو كان التراب نجسا أو مزج بالخل فوجهان ولو ذر التراب على المحل لم يكف
بل لا بد من ماء يعفر به فيوصله إليه)
ولوغ الكلب ما ولغ فيه والولوغ المصدر وقاعده الفرع أنه يغسل من ولوغ الكلب سبعا
إحداهن بالتراب خلافا لأبي حنيفة حيث قال حكمه حكم سائر النجاسات ولا حمد حيث قال في
رواية يغسل ثمان مرات: لنا ما روى أبو هريرة رضي الله أن النبي صلى الله عليه قال إذا ولغ
الكلب في إناء أحدكم فليرقه وليغسله سبعا أو لا هن أو إحداهن بالتراب (1) ثم فيه مسائل
260

إحداها عرقه وسائر اجزائه وفضلاته كاللعاب إذا تنجس الشئ بها وجب العدد والتعفير لان
فمه أنظف من غيره كما سبق فإذا ورد التغليظ فيه ففي غيره أولى وفى وجه غير اللعاب كسائر
النجاسات قياسا وعند مالك لا يغسل من غير الولوغ لان الكلب طاهر عنده والغسل من الولوغ
تعبد: الثانية في الحاق الخنزير بالكلب في هذا التغليظ قولان الجديد أنه يلحق به لأنه حيوان
261

نجس العين والسؤر كالكلب فهو أولى بالتغليظ لأنه لا يجوز اقتناؤه بحال والقديم انه لا يلحق
به لان القياس يقتضى الاقتصار على المرة الواحدة وإنما ورد التغليظ في الكلاب فطما لهم عن
عادة مخالطتها ومنهم من قطع بالحاق الخنزير بالكلب ولم يثبت القول القديم فلك أن تعلم قوله
قولان بالواو ويشير إلى هذه الطريقة الثالثة هل يقوم الصابون والأشنان مقام التراب فيه ثلاثة
262

أقوال أظهرها لا: لظاهر الخبر ولأنها طهارة متعلقة فلا يقوم غيره مقامه كالتيمم والثاني نعم
كالدباغ يقوم فيه غير الشب والقرظ مقامهما وكالاستنجاء يقوم فيه غير الحجارة مقامها. الثالث
أن وجد التراب لم يعدل إلى غيره وان لم يجده جاز إقامة غيره مقامه للضرورة ومنهم من قال
يجوز إقامة غير التراب مقامه فيما يفسد باستعمال التراب فيه كالثياب ولا يجوز فيما لا يفسد
263

كالأواني: الرابعة لو اقتصر على الماء وزاد في عدد الغسلات على السبع هل يطهر فيه وجهان
أصحهما لا لظاهر الخبر ولأنه غلظ أمر هذه النجاة بالجمع فيه بين جنسين فلا يجوز الاقتصار
على أحدهما كزنا البكر لما غلظ أمره بالجمع بين الجلد والتغريب لا يقصر على أحدهما: والثاني
نعم لان المقصود التطهير والماء أبلغ في التطهير من التراب ثم منهم من رتب هذا الخلاف على أن
الصابون والأشنان ونحوهما هل تقوم مقام التراب أم لا ان قلنا لا فكذلك الغسلة الثامنة وان
قلنا نعم فههنا وجهان لان ثم استعان بشئ آخر سوى الماء ومنهم من بناه على الخلاف فيما إذا
غمس الاناء الذي ولغ فيه الكلب في ماء كثير هل يطهر أم لا يعتد بذلك غسلة واحدة
264

ويجب غسله ستا إحداهن بالتراب فان قلنا بالأول طهر بالغسلة الثامنة وان قلنا بالثاني فلا: وحكى
القاضي الروياني في المسألة وجها ثالثا أن الغسلة الثامنة تقوم مقام التراب عند عدمه: ولا تقوم
مقامه عند وجوده وهو نظير القول الثالث في المسألة السابقة: الخامسة لو كان التراب نجسا ففيه
وجهان أحدهما يجزى كالدبغ بالشئ النجس فان المقصود الاستعانة على القلع بشئ آخر وأصحهما
لا كما لو تيمم بالتراب النجس وهذه المسألة تناظر مسألة أخرى وهي أن الأرض الترابية لو
265

تنجست بإصابة الكلب إياها هل يحتاج في تطهيرها إلى التراب أم يكفي محض الماء ان قلنا
يجوز التطهير بالتراب النجس فلا حاجة إلى تراب آخر وان قلنا لا يجوز فلابد من استعمال تراب
آخر والا ظهر في هذه المسألة أنه لا حاجة إلى استعمال التراب لأنه لا معنى للتعفير في التراب:
السادسة لا يكفي ذر التراب على المحل وان غسله سبعا بل لابد من مائع يمزجه ليصل التراب
بواسطته إلى جميع أجزاء المحل ثم ذلك المائع إن كان ماء حصل الغرض وإن كان غيره كالخل
266

وماء الورد وغسله ستا بالماء فوجهان أحدهما يكفي لان المقصود من تلك الغسلة التراب
وأصحهما لا لقوله صلى الله عليه وسلم فليغسله سبعا إحداهن بالتراب المعنى فليغسله بالماء سبعا
والا لجاز الغسل بغير الماء وبنى طبقة من الأئمة ومنهم صاحب الكتاب الخلاف في المسائل
والأربع الأخيرة على النظر في أن التعفير لماذا روعي فمنهم من قال هو تعبد يتبع فيه ظاهر النقل
وقيل سببه الاستظهار بغير الماء وقيل سببه الجمع بين نوعي الطهور فعلى الأول لا يغني استعمال
267

غير التراب ولا الغسلة الثامنة والتراب النجس والمزج بسائر المائعات لكن لا تجزى الغسلة الثامنة
وعلى الثالث يمنع الكل الا المزج بسائر المائعات وقد يتوقف المتأمل في بعض هذه التفاريع وقوله
في الأصل بل لابد من مائع يغيره ليوصله إليه يجوز أن يقرأ بالياء من التغير أي يغير التراب
ذلك المائع فيوصل المائع التراب إليه ويمكن أن يجعل الفعل للمائع على معنى أنه يغير التراب عن
هيئته فيهيأ للنفوذ والوصول إلى جميع الأجزاء وفي بعض النسخ يغبر به وكل جائز
268

قال (السادس سؤر الهرة طاهر فان أكلت فأرة ثم ولغت في ماء قليل ففيه ثلاثة أوجه
يفرق في الثالث بين أن تلغ في الحال أو بعد غيبة محتملة للولوغ في الماء الكثير والأحسن تعميم
العفو للحاجة) *
سؤر الهرة طاهر لأنها طاهرة العين وما هو طاهر العين فهو طاهر السؤر ولذلك لما تعجبوا
من اصغاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الاناء للهرة قال إنها ليست بنجسة انها من الطوافين
عليكم (1) جعل طهارة العين علة طهارة السؤر فلو أكلت فأرة أو تنجس فمها بسبب آخر ثم ولغت
في ماء قليل ونحن نتيقن نجاسة فمها بعد فهل ينجس: فيه وجهان أحدهما لا لكثرة اختلاطها وعسر
الاحتراز ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يصغى لها الاناء ولا شك أنه تعترى النجاسة لفيها
ولم يكن بقرب حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء كثير ترده الهرة وأصحهما نعم كسائر النجاسات
والاحتراز وان عسر فإنما يعسر عن مطلق الولوغ فأما عن الولوغ بعد تيقن نجاسة الفم فممنوع
269

وتغطية رأس الاناء هينة واصغاء النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل انه كان عند العلم بالطهارة
أو عدم العلم بالنجاسة وان لم يتيقن عند الولوغ ان فمها نجس بعد فان غابت واحتمل ولوغها في
ماء كثير أو ماء جاز فهل ينجس وجهان أحدهما لا لأنه ماء معلوم الطهارة فلا يحكم بنجاسته
بالشك والثاني نعم استصحابا لنجاسة الفم إذ لم تتيقن طهارته والأول أظهر وصاحب الكتاب
قد جمع بين الحمالتين وجعل المسألة على ثلاثة أوجه وهو حسن لكن اختار تعميم العفو وهو خلاف
ما صححه معظم الأصحاب والله أعلم
قال (السابع غسالة النجاسة ان تغيرت فهو نجس وان لم تتغير فحكمه حكم المحل بعد الغسل
ان طهر فطاهر (ح) وفي القديم هي طاهرة بكل حال ما لم تتغير وقيل حكمه حكم المحل قبل الغسل
وفائدته تظهر في رشاش الغسلة الثانية من ولوغ الكلب)
270

الماء المستعمل في إزالة النجاسة وهو الغسالة اما أن يتغير بعض أوصافه بالنجاسة فهو نجس
لقوله صلى الله عليه وسلم (الا ما غير طعمه أو ريحه) أو لا يتغير ففيه ثلاثة أقوال الجديدان
حكمه حكم المحل بعد الغسل إن كان نجسا بعد فهو نجس والا فطاهر غير طهور لان البلل الباقي في
المحل بعضه: والماء الواحد القليل لا يتبعض في الطهارة والنجاسة وإنما حكمنا بسقوط الطهورية لما
سبق في المستعمل في الحدث: والثاني وهو مخرج على الجديد انه نجس لأنه ماء قليل أصابته نجاسة
والعبارة عن هذا القول إن حكم الغسالة حكم المحل قبل استعمالها فيه كما في المستعمل في الحدث ومنه
خرج: والثالث وهو القول القديم انه طاهر طهور بكل حال لما سبق في توجبه القديم في المستعمل
في الحدث والعبارة عنه أن حكم الغسالة حكمها قبل الورود على المحل ومنهم من يعبر عن هذا
الخلاف بالوجوه لأنها غير منصوصة ويخرج على هذا الخلاف غسالات الماء المستعمل في إزالة نجاسة
271

الكلب فلو تطاير منها شئ في المرة الأولى إلى ثوب أو غيره غسل ذلك الموضع على الأول ست
مرات لأنه حكم المحل المغسول بعد تلك الغسلة وعلى الثاني يغسل سبعا لأنه حكم المحل قبل تلك
الغسلة وعلى الثالث لا حاجة إلى غسله أصلا وعلى هذا لو تطاير من السابعة غسل على الثاني مرة
ولا يغسل منها أصلا فقس المرة الثانية وما بعدها حتى تنتهي إلى المرة السابعة فيغسل منهما
على القول الثاني مرة ولا يغسل منها أصلا على الأول ولثالث ومتى وجب الغسل
عنها نظر هل سبق التعفير للمرة المصاب منها أم لا فإن لم يسبق لزم رعايته وفي
وجه لكل غسلة سبع حكم المحل لأنها تزيل سبع النجاسة فيغسل منها مرة وهذا الوجه يتضمن
التسوية بين الغسلة المشتملة على التعفير وبين سائر الغسلات وهو اسقاط لا ثر التعفير ولا يخفى
عليك بعد هذا ان قوله حكمه حكم المحل قبل الغسل أي قبل ذلك لا قبل مطلق الغسل وان
ذكر الغسلة الثانية جرى على سبيل المثال والكناية في قوله وتظهر فائدته يجوز أن يعود إلى
القول الثالث ويجوز أن يعود إلى الخلاف واستخراج العبارات الثلاث والأول أحسن وأولى
272

فهذا شرح ما في الكتاب على النظم: وينبغي أن يتنبه فيه لمسائل إحداها ن ما ذكره من الخلاف
مخصوص بالماء القليل إذا غسل به النجاسة وان أطلق اللفظ والا فلا خلاف في أن الكثير
لا ينجس الا بالتغير: الثانية أطلق الخلاف فيما إذا لم يتغير ولو لم يتغير ولكن ازداد وزنه عند
الانفصال على ما كان فهو نجس بمثابة ما لو تغير في أصح الوجهين: الثالثة الخلاف المذكور في المستعمل
في واجب الإزالة أما المستعمل في مندوبها ففيه وجهان أظهرهما انه طاهر طهور بلا خلاف: والثاني
انه كالمستعمل في واجبها فيعود فيه القول الأول: والثالث دون الثاني *
قال (الباب الثالث في الاجتهاد * مهما اشتبه عليه إناء تيقن نجاسته بمشاهدة أو سماع عن
عدل بإناء طاهر لم يحز (و) استعمال أحد الإنائين الا باجتهاد (ز) وطلب علامة تغلب ظن الطهارة)
إذا اشتبه عليه إناء طاهر بإناء نجس واحتاج إلى الطهارة فماذا يفعل: فيه ثلاثة أوجه أحدها
يستعمل ما شاء من غير اجتهاد ونظر: لان الذي يقصده بالاستعمال غير معلوم النجاسة والأصل
273

فيه الطهارة: والثاني انه إنما يأخذ أحدهما إذا ظن طهارته ولكن لا يشترط استناده إلى اجتهاد
وأمارة بل له ان يأخذ بما سبق وهمه إليه وكفى ذلك مرجحا لأصل الطهارة: والثالثة وهو المذهب ولم
يذكر في الكتاب سواه انه لا يجوز أخذ أحدهما الا بالاجتهاد وطلب علامة تغلب ظن طهارة المأخوذ
ونجاسة المتروك لان أصل الطهارة عارضه يقين النجاسة وعرفنا أن ذلك الأصل صار متروكا اما
في هذا أو في ذلك فيجب النظر في التعيين: وقال المزني يتيمم ولا يجتهد: وإن كان الاشتباه في ثوبين
صلى فيهما صلاتين وبه قال احمد: وقال أبو حنيفة يجتهد في الثياب ولا يجتهد في الأواني الا إذا
كان عدد الطاهر أكثر:؟؟ قياس الأواني على الثياب وقد أعلموا لفظ الكتاب بالعلامات المشعرة
بهذه الاختلافات فقوله لم يجز معلم بالواو ولفظ الإنائين معلم بالحاء وقوله الا باجتهاد بالألف
والزاي ولو كان سبب الاشتباه اخبار عدل إياه عن نجاسة أحدهما على الابهام وجب الاجتهاد
كما لو عرفه بنفسه وكذلك لو أخبره عن نجاسة أحدهما بعينه ثم اشتبه عليه وسبيله سبيل الرواية فكل
274

من تقبل روايته من ذكر وأنثى وعبد وحر يقبل قوله في ذلك بشرط العدالة وهل يقبل قول
الصبي المميز وفيه وجهان ويشترط أن يعلم من حال المخبر أنه لا يخبر الا عن حقيقة لان المذاهب
مختلفة في أسباب النجاسات فقد يظن ما ليس بمنجس منجسا ولعلك تقول لفظ الكتاب يقتضي
أن يكون اخبار العدل مفيدا لليقين لأنه قال تيقن نجاسته بمشاهدة أو سماع عن عدل وقول
الواحد لا يفيد اليقين فاعلم أن الفقهاء كثيرا ما يعبرون بلفظ المعرفة واليقين عن الاعتقاد القوى
علما كان أو ظنا مؤكدا ويجري ذلك في لسان أهل العرف وهذا على ذلك المذهب: ولك أن
تستفيد من قوله لم يجز أخذ أحد الإنائين الا بالاجتهاد فائدة وهي النظر فيما لو خرج أحد
الإنائين عن أن يستعمل اما بالانصباب أو بتقاطر شئ من الآخر فيه هل يحتاج إلى الاجتهاد
في الثاني: الذي يقتضيه لفظ الكتاب أنه يحتاج إليه وهو الظاهر وفيه وجهان آخران أحدهما
يتوضأ به من غير تحر: والثاني لا يتوضأ به أصلا بل يتيمم: وقوله الا بالاجتهاد وطلب علامة تغلب
275

ظن الطهارة ليس فيه الا الايضاح ولو اقتصر على قوله لم يجز أخذ أحد الإنائين الا بالاجتهاد
أو قال الا بطلب علامة لحصل به الغرض *
قال (وان غلب على ظنه نجاسة أحد الإنائين بكونه من مياه مدمني الخمر أو الكفار
المتدينين باستعمال النجاسة فهو كاستيقان النجاسة على أحد القولين وعليه تمتنع الصلاة في المقابر
المنبوشة ومع طين الشوارع وكل ما الغالب نجاسته) *
الشئ الذي لا يتيقن نجاسته ولكن الغالب في مثله النجاسة يستصحب طهارته أم يؤخذ بنجاسته قولان
أحدهما يستصحب طهارته تمسكا بالأصل المتيقن إلى أن يزول بيقين بعده كما في الاحداث: والثاني يؤخذ
عملا بالظن المستفاد من الغلبة بخلاف الاحداث فان عروصها أكثر فخفف الامر فيها بطرح الظن كالشك
ويشهد هذان القولان لقولي تعارض الأصل والظاهر وللمسألة نظائر كثيرة منها ثياب مدمني الخمر وأوانيهم
وثياب القصابين والصبيان الذين لاحتراز لهم عن النجاسات وطين الشوارع حيث لا تتيقن
276

نجاسته والمقابر المنبوشة حيث لا تتيقن النجاسة ومنها أواني الكفار الذين يتدينون باستعمال
النجاسات كالمجوس يغتسلون ببول البقر ويتقربون بذلك ولا يلحق بهم الكفار الذين لا يتدينون
باستعمالها كاليهود والنصارى: نعم المنهمكون منهم في الخمر والتلوث بالخنزير يجرى في ثيابهم
وأوانيهم القولان لا محالة كمدمني الخمر من المسلمين وربما أطلقوا نقل القولين فيما إذا غلب على
الظن النجاسة ولم يستيقن ولكن له شرط وهو أن تكون غلبة الظن مستندة إلى أن الغالب في
مثله النجاسة أما لو كان سبب الظن غير ذلك لم يلزم طرد القولين حتى لو رأى ظبية تبول في ماء
كثير وكان بعيدا عن الماء فانتهى إليه ووجده متغيرا وشك في أن تغيره بالبول أم بغيره فهو
نجس نص عليه الشافعي رضي الله عنه وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ثم الظاهر من القولين
استصحاب الأصل فإنه أصدق وأضبط من الغالب الذي يختلف باختلاف الزمان والأحوال والنقل
277

يعضد ذلك مثل ما روى أنه صلى الله عليه وسلم حمل امامة بنت أبي العاص في صلاته (1) وكانت
هي بحيث لا تحترز عن النجاسات إذا تقرر هذا الأصل فنقول: ان ألحقنا غلبة الظن باليقين فلو
اشتبه عليه اناء طاهر باناء الغالب في مثله النجاسة كان كما لو اشتبه باناء مستيقن النجاسة فيحتاج
إلى الاجتهاد كما سبق: وان لم نلحقها باليقين فلا حاجة إلى الاجتهاد ويستعمل أيها شاء وكليهما
أيضا وقوله وعليه يخرج امتناع الصلاة في المقابر المنبوشة وفي بعض النسخ وعليه تمتنع الصلاة
أي على قول الحاق الغلبة باليقين تمتنع الصلاة في المقابر المنبوشة وكذلك حكم التيمم بترابها
وامتناع الصلاة مع طين الشوارع ونحوه ويجوز أن يرجع الكتابة في قوله وعليه يخرج
إلى الخلاف *
278

قال (ثم للاجتهاد شرائط الأول أن يكون للعلامة مجال في المجتهد فيه فيجوز (ز) الاجتهاد
في الثياب والأواني ولا يجوز في تمييز المحرم والميتة عن المذكاة والأجنبية) *
الشرائط جمع شريطة وحقها أن يقال الأولى والثانية فقوله الأول والثاني محمول على المعني:
التقدير الشرط الأول والثاني إذا عرفت ذلك فمن شرائط الاجتهاد أن يكون للعلامة مجال في
المجتهد فيه فيجوز في الثياب والأواني إذا اشتبه بعضها ببعض لأنها محال العلامات على ما سيأتي
أما إذا كان الاشتباه فيما لا يتوقع ظهور الحال فيه بالعلامات لفقدها فلا يجوز الاجتهاد كما لو اختلط
محرم له بنسب أو رضاع بأجنبية أو أجنبيات محصورات فلا يجوز نكاح واحدة بالاجتهاد
279

إذ لا علامة تمتاز بها المحرم عن الأجنبية ولو اشتبه عليه ميتة ومذكاة أو لبن بقرة بلبن اتان
فوجهان أصحهما لا يجتهد أيضا إذ لا علامة: والثاني يجتهد إذ الميتة تطفوا الماء واعلم أنه لو منع مانع
فقد الامارات في المحرم والأجنبية وادعى امكان الامتياز بالأمور الخلقية والأخلاق وغيرها لم
يبعد وكذلك في الصورة الثانية ثم إنما ينتظم التعليل بفقد الامارات إذا اعتبرنا في الاجتهاد النظر
في الامارات أما إذا قلنا يأخذ بما سبق وهمه إليه فليست العلة هذا وإنما العلة فيه أن سبق الوهم
إنما يؤخذ به اعتمادا على أن الأصل في الماء الطهارة وههنا الأصل في الابضاع الحرمة وليست اللحوم
على الإباحة أيضا ألا ترى أنه لو ذبح المشرف على الموت وشك في أن حركته عند الذبح كانت
حركة المذبوح أو حياة مستقرة يغلب التحريم ولك أن تقول في توجيه المنع على قاعدة اعتبار
280

العلامات ان فقدت العلامات ههنا فقد تعذر الاجتهاد وان وجدت فالعلامات إنما تعتمد عند
تأييدها بالأصل لما سيأتي ولم توجد ههنا *
قال (الثاني أن يتأيد الاجتهاد باستصحاب الحال فلا يجوز الاجتهاد عند اشتباه البول
أو ماء الورد (ح) بالماء على أظهر الوجهين) *
إذا اشتبه عليه ماء وبول أو ماء وماء ورد فهل يجتهد فيه فيه وجهان أحدهما نعم: اعتمادا على
الامارات كما في الماء النجس: وأصحهما لا: لان الاجتهاد وهم أو رجم ظن لا يعتمد الا إذا اعتضد
بأصل الطهارة والطهورية فعلى هذا يعرض ههنا في الصورة الأولى ويتيمم: وفي الثانية يتوضأ بهذا
مرة وبهذا مرة وان قلنا بالأول فلا شك أن ههنا لا يكتفى بسبق الوهم بفقد الأصل فلا بد من
281

الامارات وبنى بعضهم الخلاف في الصورتين جميعا على الخلاف في إنا هل نكتفي في الاجتهاد
بسبق الوهم أم يعتبر النظر في الامارات: ان قلنا بالأول فلا يجتهد وان قلنا بالثاني فيجتهد *
قال (الثالث أن يعجز عن الوصول إلى اليقين فإن كان على شط نهر امتنع الاجتهاد في الثياب
والأواني على أحد الوجهين) *
هل يجتهد مع امكان الطهارة فيه وجهان أحدهما لا لان الاجتهاد إنما يصار إليه عند العجز
عن درك اليقين ألا ترى أن في الحوادث لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص: وأظهرهما نعم لان
تركه التطهير بالماء المقطوع بطهارته والعدول إلى المشكوك في طهارته جائز وهذا أصل يتخرج
عليه مسائل: منها ما إذا كان على شط نهر أمكنه التطهر به والا عراض عن المائين المشتبهين جميعا
282

وأمكن غسل الثياب المشتبهة به وهذه الصورة هي المذكورة في الكتاب ومنها أن يكون عنده
قلتا ماء أحداهما نجسة من غير تغير ولو جمعها لبلغ المجموع قلتين ومنها أن يشتبه عليه ماء طهور
ومستعمل ومنها أن يشتبه عليه ماء. وماء ورد فيجرى الوجهان في جميع هذه الصور الا أن
الظاهر في الصورة الا خيرة منع الاجتهاد لا من جهة هذا الأصل بل للمعنى الذي سبق *
قال (الرابع أن تلوح علامة النجاسة كحركة الماء أو نقصانه أو انصبابه أو ابتلال طرف
الاناء إذا كانت النجاسة بولوغ الكلب ويشترك في دركه الأعمى (و) والبصير فإن لم تلح
علامة صب الماء وتيمم فان تيمم قبل الصب وجب القضاء لان معه ماء طاهرا بيقين)
ان قلنا يأخذه ويستعمله من غير اجتهاد أو قلنا ما سبق وهمه إلى طهارته أخذ به فلا يحتاج
إلى العلامات وان اعتبرنا الامارات والعلامات وهو الصحيح وعليه بنى صاحب الكتاب
الكلام فلا بد من أن تلوح علامة النجاسة ليمتاز عنده النجس عن الطاهر مثال ذلك أن يعرف
283

أن سبب النجاسة ولوغ الكلب ثم يرى نقصان ماء أحد الإنائين أو حركته أو ابتلال طرف
الاناء أو قرب أثر قدم الكلب من أحدهما فهذه الأمور مشعرة بكونه نجسا وقد تدل حركة
الماء وابتلال طرف الاناء على النجاسة من غير ولوغ الكلب أيضا فإن لم تلح له علامة وتحير تيمم
لعجزه عن الوضوء ثم إن كان تيممه بعد صب الماء في الإنائين فلا قضاء عليه ويعذر في صبه
لدفع القضاء بخلاف ما إذا صب ما عنده من الماء الطاهر عبثا وتيمم حتى يقضى على أحد الوجهين
وفي معنى الصب ما لو جمع بينهما لتنجسا وان تيمم قبل ذلك قضى لان معه ماء طاهرا بيقين وهل
يجتهد الأعمى في الأواني فيه قولان أحدهما لا كما لا يجتهد في القبلة بل يقلد فيهما وأصحهما نعم
وهو الذي ذكره في الكتاب لأنه يعرف باللمس اعوجاج الاناء واضطراب الغطاء وسائر
العلامات فصار كالاجتهاد في الوقت فعلى الأول من شرائط الاجتهاد كونه بصيرا وعلى الثاني
لا فرق: ثم إن عجز الأعمى ولم يغلب على ظنه شئ فوجهان أظهرها أن له أن يقلد بخلاف البصير
284

إذا تحير فيه هذا آخر الشروط وإذا تأملتها عرفت أن اشتراط الكل مختلف فيه أما الثاني والثالث
فظاهر وأما الأول والرابع فهما مبنيان على اعتبار العلامات ولعلك تقول الاجتهاد هو البحث
والنظر وثمرته ظهور العلامات وثمرة الشئ تتأخر عنه والشرط يتقدم فكيف جعل ظهور
العلامات شرطا فالجواب أن قوله ثم للاجتهاد شرائط أي للعمل بالاجتهاد أو لكونه مفيدا
أو ما أشبه ذلك *
قال (فرع لو أدى اجتهاده إلى اناء وصلى به الصبح ثم أدى عند الظهر اجتهاده إلى الثاني
تيمم ولا يستعمل لان الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد وخرج ابن سريج أنه يستعمل ونورده على
جميع الموارد الأول: لأن هذه قضية أخرى وعلى النص هل يقضي الصلاة الثانية لان معه ماء
طاهرا بحكم الاجتهاد فيه وجهان) *
إذا غلب على ظنه طهارة أحد الإنائين فالمستحب ان يريق الثاني لئلا يتغير اجتهاده فيشكل
عليه الامر فلو لم يفعل وقد صلى الصبح مثلا بما ظن طهارته ثم تغير اجتهاده عند الظهر إلى طهارة
الثاني فلا يخلو اما ألا يبقى من الأول شئ أو بقي فهما حالتان أحدهما ألا يبقى من الأول شئ
وهذه الحالة هي التي تكلم فيها في الكتاب فنقول أولا لا يجب عليه إعادة الاجتهاد ههنا إذا
حضرته الصلاة الثانية لكن لو أعاد وتغير اجتهاده فظن طهارة الثاني ففيه قولان أحدهما وهو
المنصوص أنه لا يستعمله بل يتيمم لأنه لو استعمله فاما أن يغسل ما اصابه الماء الأول من بدنه
285

وثيابه فيلزم نقض الاجتهاد أو لا يغسل ذلك فيكون مصليا مع تعين النجاسة والثاني خرجه
ابن سريج من تغير الاجتهاد في القبلة أنه يتوضأ بالثاني ولا يتيمم لأن هذه قضية مستأنفة
فلا يؤثر فيها الاجتهاد الماضي لكن لابد من ايراد الماء على جميع المواضع التي أصابها الماء الأول
وغسلها لإزالة النجاسة ثم يتوضأ بعد ذلك لان من على بدنه نجاسة وأراد أن يتوضأ أو يغتسل
لم تكف الغسلة الواحدة عنهما جميعا ثم على النص هل تقضى الصلاة الثانية المؤداة بالتيمم فيه
وجهان أصحهما لا إذ ليس معه ماء طاهر بيقين والثاني نعم لان معه ماء طاهرا بحكم الاجتهاد
وأما الصلاة الأولى فلا حاجة إلى قضائها لا على النص ولا على التخريج: الحالة الثانية أن يبقي
من الأول شئ فإن كانت البقية كافية لطهارته فالحكم على ما ذكرناه في الحالة الأولى لا في شيئين
أحدهما انه يجب إعادة الاجتهاد للصلاة الثانية لان معه ماء مستيقن الطهارة والثاني ان الصلاة
الثانية المؤداة بالتيمم يجب قضاؤها لان معه ماء طاهرا بيقين أما هذا أو ذاك هذا هو النص وفيه
وجه أنه لا يجب لان ما معه من الماء ممنوع من استعماله شرعا فأشبه الذي حال بينه وبينه سبع
وان لم تكن البقية كافية زاد النظر في أن ما لا يكفيه من الماء هل يجب استعماله أم لا ان قلنا لا
فكما لو لم يبق شئ من الأول والا فكما لو بقي ولو صب الماء الثاني في الحالة الأولى أو صبهما
جميعا في الحالة الثانية ثم تيمم سقط القضاء بلا خلاف *
286

قال (الباب الرابع في الأواني وهي ثلاثة أقسام)
(القسم الأول المتخذ من الجلود واستعماله جائز بشرط أن يكون الجلد طاهرا وطهارته
بالذكاة فيما يؤكل لحمه (ح) أو بالدباغ في الجميع الا الكلب (ح) والخنزير) *
جعل الأواني على ثلاثة أقسام لأنها اما أن تتخذ من الجلود أو من العظام أو من غيرهما
وعلى الأحوال فالأعيان المتخذ منها أما أن تكون نجسة فلا يجوز استعمالها في الشرب والطهارة
وسائر وجوه الاستعمال أو طاهرة فيجوز ويستثنى الذهب والفضة على ما سيأتي وهذه الجملة ظاهرة
نعم الحاجة تمس إلى بيان الطاهر والنجس من الجلود والعظام وتمييز أحدهما عن الآخر وإلى حكم
287

المتخذ من الذهب والفضة فحصر كلام الأقسام الثلاثة في هذه الأمور وإنما يكون الجلد المتخذ
منه الاناء طاهرا في حالتين أحدهما أن يكون جلد المأكول المذكي فهو على طهارته كاللحم وسائر الأجزاء وقد يؤكل الجلد على الرؤوس والمسموط ولا يلحق غير المأكول بالمأكول في ذلك بل
جلد غير المأكول نجس وان ذكي كلحمه خلافا لأبي حنيفة رحمه الله الثانية أن يكون مدبوغا
فالدباغ يفيد طهارة الجلد من المأكول وغيره خلافا لا حمد لنا ما روى أنه عليه السلام مر بشاة
ميتة لميمونة فقال هلا اتخذتم اهابها فدبغتموه فانتفعتم به فقيل إنها ميتة فقال أيما أهاب دبغ
فقد طهر ويستثنى جلد الحيوان النجس في الحياة وهو الكلب والخنزير وفروعهما خلافا لأبي حنيفة
288

في الكلب لنا أن جلدها لم ينجس بالموت لما بينا أنهما نجسان في الحياة والدباغ إنما يطهر جلدا
نجس بالموت لان غاية الدباغ نزع الفضلات ودفع الاستحالات ومعلوم أن الحياة أبلغ في ذلك
من الدباغ فإذا لم تفد الحياة الطهارة حتى كان نجسا قبل الموت فأولى أن لا يفيدها الدباغ: ونعود
إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب أما قوله المتخذ من الجلد فاستعماله جائز بشرط أن يكون الجلد طاهرا
فاعلم أن هذا كما هو شرط في المتخذ من الجلد فهو شرط في المتخذ من سائر الأعيان وان لم يذكره
في سائر الأقسام: وقوله وطهارته بالذكاة ليس على معنى أن الذكاة تطهر فان التطهير يستدعي سبق
النجاسة وهو طاهر في الحياة وإنما المراد أن الجلد الذي يتخذ منه الاناء لا يكون طاهرا الا إذا
وجد أحد المعنيين أما الذكاة في المأكول أو الدباغ: وقوله فيما يؤكل لحمه ينبغي أن يكون معلما
بالحاء لان عنده لا حاجة إلى هذا القيد وموضع باقي العلامات ظاهر بعد ما نقلناه من الخلاف
وقوله الا الكلب والخنزير يوجب حصر الاستثناء فيهما وهو ظاهر المذهب بعد الحاق فروعهما
289

بهما ولنا قول أن الآدمي ينجس بالموت على تقدم ذكره فعلى ذلك القول هل يطهر جلده
بالدباغ فيه وجهان أظهرهما نعم لعموم الخبر ولأنه طاهر في الحياة فأشبه جلده سائر الجلود: والثاني
وهو مذهب أبي حنيفة أنه لا يطهر لما فيه من الامتهان فعلى هذا يلحق جلد الآدمي بالمتثنى
ولك أن تعلم قوله وبالدباغ مع الألف المشيرة إلى مذهب أحمد بالواو لا لمصير بعض الأصحاب
إلى المنع من الدباغ فليس فيهم من يقول به لكن لان صاحب التتمة حكي وجها عن رواية ابن القطان
أن جلد الميتة لا ينجس وإنما أمر بالدبغ لا زالة الزهومة فإذا كان طاهرا قبل الدباغ لم تكن
طهارته بالدباغ *
قال (وكيفية الدباغ نزع الفضلات بالأشياء الحريفة ولا يكفي الترتيب (ح) والتشميس (ح)
ولا يجب استعمال الماء في أثناء الدباغ على أقيس الوجهين ويجب إفاضة الماء المطلق على الجلد المدبوغ
على أظهر الوجهين) *
290

لك في قوله وكيفية الدباغ نزع الفضلات مباحثتان إحداهما أن تقول ما الذي أراد بكيفية الدباغ
أراد به حقيقته أم غير ذلك: وكيف يجوز إرادة الحقيقة وقد اشتهر في كلام الفقهاء ان مقصود
الدباغ نزع الفضلات وعد ذلك كلاما صحيحا منتظما مقصود الشئ غير حقيقته: وان أراد غير
ذلك فما هو: والجواب يجوز أن يكون المعنى والكيفية المعتبرة في الدباغ نزع الفضلات ويجوز أن
يريد بكيفيته حقيقته لكن الدباغ يطلق بمعنيين يطلق بمعنى الفعل المخصوص في الجلد على الهيأة التي يبتغي
بها صلاح الجلد ويطلق بمعنى الفعل المصلح ولهذا يقال يحصل الدباغ بكذا ولا يحصل بكذا
ومع وجود الدلك والاستعمال على الهيئة التي يبتغي بها الصلاح فبالمعنى الأول ينتظم أن يقال مقصود
الدباغ نزع الفضلات وبالمعنى الثاني ينتظم أن يقال حقيقة الدباغ نزع الفضلات: الثانية أن يقول
كيف اعتبر مجرد النزع والأصحاب يقولون يعتبر عند الشافعي رضي الله عنه في الدباغ
ثلاثة أشياء نزع الفضول وتطييب الجلد وصيرورته بحيث لو نقع في الماء لم يعد الفساد والنتن
291

والجواب أنه لا فرق في المعنى فإنه إذا نزعت الفضلات طاب الجلد وصار إلى الحالة المذكورة
وإذا اعتبرنا أحد الأمور المتلازمة فقد اعتبرناها جميعا وقوله بالأشياء الحريفة يجوز أن يكون
معلما بالواو لشيئين أحدهما أن هذا اللفظ يعم الشب والقرظ الواردين في خبر الدباغ وغيرهما
كالعفص وقشور الرمان: وحكي بعضهم وجها أنه يختص الدباغ بالشب والقرظ كما يختص تطهير
ولوغ الكلب بالتراب على الأظهر والمذهب أنه لا فرق بينهما وبين غيرهما مما يصلح للدباغ: والشب
بالباء كذلك ذكره الأزهري وفي الصحاح أن الشب بالباء شئ يشبه الزاج والشث بالثاء
نبت يدبغ به: الثاني أنه يعم الطاهر والنجس من آلات الدباغ سواء كان نجس العين كذرق
الطائر أو غيره وفيه وجهان أحدهما لا يجوز الدباغ بالنجس لان النجس لا يصلح للتطهير وأظهرهما
وهو ظاهر ما ذكره الجواز: لان الغرض اخراج الجلد عن التعرض للعفونة والاستحالة وهذا يحصل
بالطاهر والنجس جميعا وهذا في طهارة العين ويجب غسله بعد ذلك لا محالة بخلاف المدبوغ بالشئ
292

الطاهر ففي وجوب غسله خلاف يأتي ذكره وإذا عرفت ذلك فاعلم أن النزع إنما اعتبر ليصير
الجلد نظيفا مصونا عن الاستحالات والتغيرات فيطهر كما كان في حال الحياة ويترتب عليه أن
التجميد بالالقاء في التراب والشمس لا يكفي لان الفضلات لا تزول ألا ترى أنه إذا نقع في الماء
عاد الفساد: وعن أبي حنيفة أنه يكفي ذلك وبه قال بعض الأصحاب لحصول الجفاف وطيب
الرائحة: ثم في الفصل مسألتان أحداهما هل يجب استعمال الماء في أثناء الدباغ مع الأدوية فيه وجهان
أحدهما نعم لان معنى الإزالة في الدباغ أغلب والماء متعين لا زالة النجاسات وأيضا فقد روي
أنه صلى الله عليه وسلم قال أليس في الشب والقرظ والماء ما يطهره (1) وأظهرهما لا: لقوله صلى الله
عليه وسلم سلم أيما أهاب دبغ فقد طهر والغالب في الدباغ الإحالة دون الإزالة ومعناه أن
الجلد بنزع الفضلات يستحيل إلى الطهارة كالخمر يستحيل خلا: الثانية إذا دبغ الجلد بشئ طاهر
فهل يجب غسله بعد الدباغ فيه وجهان أظهرهما نعم لا زالة أجزاء الأدوية فإنها نجست بملاقات
293

الجلد وبقيت ملتصقة به: والثاني لا لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم فقد طهر فان قلنا يجب
فالجلد بعد الدباغ طاهر العين كالثوب النجس بخلاف ما إذا أوجبنا استعمال الماء في أثناء الدباغ
ولم يستعمل فإنه يكون نجس العين وهل يطهر بمجرد نقعه في الماء أم لا بد من استعمال الأدوية ثانيا
فيه وجهان: وإذا أوجبنا الغسل بعد الدباغ لم يجز أن يكون الماء متغيرا بالأدوية وإذا أوجبنا
الاستعمال في أثناء الدباغ لم يضر كونه متغيرا بها بل لا بد منه فلهذا وصف الماء في المسألة الثانية
بكونه مطلقا ولم يتعرض لذلك في الأولى *
قال (ثم الجلد المدبوغ طاهر ظاهره وباطنه (وم) يجوز بيعه (وم) ويحل أكله
على أقيس القولين) *
294

هل يطهر بالدباغ باطن الجلد كظاهره أم لا يطهر الا ظاهره: فيه قولان الجديد انه يطهر الباطن
والظاهر حتى يصلى فيه وعليه ويباع ويستعمل في الأشياء الرطبة واليابسة لما روى أنه صلى الله عليه
وسلم قال أيما أهاب دبغ فقد طهر ولقوله هلا أخذتم أهابها فدبغتموه فانتفعتم به
أطلق ولم يفصل بين الانتفاع في الرطب واليابس ولان الدباغ يؤثر في الظاهر والباطن جميعا
والقديم وهو مذهب مالك أنه لا يطهر باطنه حتى يصلى عليه ولا يصلى فيه ولا يباع ولا يستعمل
295

في الأشياء الرطبة لقوله صلى الله عليه وسلم لا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب ظاهره
المنع مطلقا خالفنا في ظاهر الجلد جمعا بينه وبين الأخبار المجوزة للدباغ وأما الا كل منه فإن كان
296

جلد مأكول فقولان الجديد الجواز لقوله صلى الله عليه وسلم دباغ الأديم ذكاته (1) والقديم المنع
298

لقوله عليه السلام إنما حرم من الميتة أكلها وإن كان من غير مأكول فطريقان أحدهما طرد
القولين وأظهرهما القطع بالمنع كما في الذكاة وقد أطلق في الكتاب ذكر القولين في الاكل فيجوز أن يريد
من المأكول ويجوز أن يريد المأكول وغيره على طريقة طرد القولين فيهما وبها قال القفال: ثم
الخلاف في الاكل يجوز أن يجعل من فروع الخلاف في طهارة الباطن وهو قضية ايراده في الأصل
ويجوز أن يجعل خلافا مستقلا ويوجه بما سبق وكذلك جعله بعضهم وجها لا قولا وكذلك
حكاه في الوسيط *
قال (القسم الثاني المتخذ من العظام * والعظم ينجس (ح) بالموت على ظاهر المذهب
وقيل قولان كما في الشعر ولا ينجس (و) شعر الآدمي بالموت والإبانة ولا شعر الحيوان المأكول
بالجز قولا واحدا فان حكمنا أن الشعر لا ينجس بالموت فالأصح أن شعر الكلب والخنزير نجس
لنجاسة المنبت) *
الشعور هل تنجس بالموت والإبانة فيه قولان أحدهما لا لأنه لا تحلها الحياة بدليل أنها
لا تحس ولا تألم وإنما يتأثر بالموت ما تحله الحياة: وأظهرهما نعم لأنه ان حلها الحياة كانت كسائر الأجزاء
والا فهي حادثة من الجملة فتكون تابعة لها في الطهارة والنجاسة كما تجعل تابعة لها في حكم
الجنابة وغيره ويجرى القولان في الصوف والوبر والريش وأما العظام ففيها طريقان أظهرهما القطع
بالنجاسة لأنها تحس وتألم: والثاني طرد القولين كما فيها لان الظفر يقلم ولا يألم والظلف تبرد بالمبرد
ولا يحس به الحيوان فان قلنا الشعر والعظم ينجسان بالموت والإبانة وجعلنا حكمهما حكم سائر الأجزاء
فيستثنى عنهما موضعان أحدهما شعر المأكول إذا أبين في حياته كما سبق: والثاني شعر
الآدمي وفيه قولان أو وجهان مبنيان على نجاسته بالموت ان قلنا لا ينجس وهو الأصح
فلا ينجس شعره بالموت والإبانة وان قلنا ينجس ينجس شعره أيضا بالموت والإبانة وعلى هذا
القول إذا سقطت منه شعرة أو شعرتان وصلى فيها فلا بأس للقلة وتعذر الاحتراز فان كثرت
299

لم يحتمل كدم البراغيث وان قلنا ينجس شعره بالموت والإبانة فهل يستثنى شعر الرسول صلى الله
عليه وسلم فيه وجهان: وجه الاستثناء أنه لما حلق شعره ناوله أبا طلحة رضي الله عنه ليفرقه على
أصحابه ولم يمنعهم من استصحابه (1) وإذا كان الصحيح في شعر غيره الطهارة فما ظنك بشعره
صلى الله عليه وسلم: وجلد الميتة إذا دبغ وعليه شعر فهل يطهر على هذا القول فيه قولان أظهرهما لا
لان الشعور لا تتأثر بالدباغ بل هي قبله وبعده على هيئة واحدة بخلاف الجلد: والثاني أنها تطهر
تبعا لطهارة الجلد كما نجست بالموت تبعا وإذا فرعنا على أن الشعور لا تنجس بالموت فهي ملحقة
بالجمادات وجميعا طاهر الا شعر الكلب والخنزير ففيه وجهان أصحهما أنه نجس ويستثنى هو من
الجمادات كما استثنى صاحبه من الحيوانات والثاني أنه طاهر كشعر غيره والوجهان يشملان
حالتي الموت والحياة جميعا فهذا فقه هذه المسائل وحظ الباب منه أن العظم إذا كان طاهرا
فاستعمال الاناء المتخذ منه جائز والا فلا: وإنما يكون طاهرا إذا كان من المذكي المأكول أو فرعنا
على القول الضعيف أن العظام لا تنجس أصلا. واعلم أن القطع في قوله ولا ينجس شعر الآدمي بالموت
والإبانة ولا شعر المأكول لحمه بالجز قولا واحدا لا يرجع إلى المسألتين وإنما يرجع إلى المسألة
الا خيرة وفي شعر الآدمي هل ينجس بالموت والإبانة ما سبق من الخلاف وشعر المأكول قد سبق في
الكتاب في فصل النجاسات وإنما أعاده ههنا ليتبين أنه ليس موضع القولين وقوله فان حكمنا بأن الشعر
لا ينجس بالموت هكذا الصواب وربما نجد في بعض النسخ فان حكمنا بان شعر الآدمي لا ينجس
بالموت وقوله فالأصح أن شعر الكلب والخنزير نجس ليس المعنى أنه نجس بالموت لأنه نجس
في الحياة والموت جميعا على الأصح وظاهر فيهما على الثاني وعلى التقديرين فلا يكون نجسا بالموت
وإنما المعنى التعرض لنفس النجاسة وقوله لنجاسة المنبت قد يعترض عليه بأن هذا التعليل يقتضي
نجاسة الزرع النابت على السرقين وقد نصوا على أنه ليس بنجس العين لكنه نجس بملاقات
النجاسة فإذا غسل طهر وإذا تسنبل فالحبات الخارجة منه طاهرة ويجوز أو يجاب عنه بأنه أراد
300

بالمنبت ما منه النبات والذي ينبت منه الشعر نجس أما الزرع فإنه ينبت من الحبات المنبثة
في السرقين لا من نفس السرقين *
قال (القسم الثالث المتخذ من الذهب والفضة وهو محرم الاستعمال على الرجال والنساء
ولا يجوز تزيين الحوانيت به على الأصح ولا يجوز اتخاذه (و) ولا قيمة على كاسره (و)
ولا يتعدى التحريم إلى الفيروزج والياقوت على الأصح لان نفاستهما ما لا يدركها الا الخواص)
عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا
في صحافهما (1) يكره استعمال الأواني المتخذة من الذهب والفضة وهل ذلك على سبيل
التحريم أو هو على سبيل التنزيه فيه قولان قال في القديم أنه على التنزيه لان جهة المنع ما فيه من
السرف والخيلاء وانكسار قلوب المساكين ومثل هذا لا يقتضى التحريم وقال في الجديد انه
على التحريم وهو الصحيح وبه قطع بعضهم لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجر جر في جوفه نار جهنم رتب الوعيد بالنار عليه
301

ويستوى في المنع الرجال والنساء لشمول معني الخيلاء وان جاز للنساء التحلي بالذهب والفضة
يزينا كما أن افتراش الحرير يحرم عليهن كما يحرم على الرجال ولا يحرم اللبس عليهن ثم الخبر وان
ورد في الأكل والشرب منهما فسائر وجوه الاستعمال في معناهما كالتوضئ والاكل بملعقة الفضة
والتطيب بماء الورد من قارورة الفضة والتجمر بمجمرة الفضة إذا احتوى عليها ولا حرج في اتيان
الرائحة من بعد وهل يجوز اتخاذ الأواني الذهبية والفضية ان قلنا لا يحرم استعمالها على القديم
فيجوز وان قلنا يحرم فوجهان أحدهما يجوز لجمع المال واحرازه كيلا يتفرق: والثاني وهو الأصح
والمذكور في الكتاب أنه لا يجوز لان ما حرم استعماله حرم اتخاذه كآلات الملاهي فان قيل آلات
الملاهي تتشوف النفس إلى استعمالها بخلاف الأواني قيل لا نسلم أن الأواني لا تتشوف النفس إلى
استعمالها بل الواجد لها يلتذ باستعمالها واحتجوا لهذا الوجه أيضا بأنه لا خلاف في وجوب الزكاة
فيها ولو كان اتخاذها مباحا لكان وجوب الزكاة فيها على القولين في الحلى المباح وعلى الوجهين
يبنى جواز الاستئجار على اتخاذها وغرامة الصنعة على من كسرها ان قلنا يجوز اتخاذها جاز
الاستئجار ووجب الغرم والا فلا: وفي جواز تزيين البيوت والحوانيت والمجالس بها وجهان
لأنه ليس باستعمال لكن السرف والخيلاء يكاد يكون أبلغ ثم في كلام بعضهم بناء الخلاف في
الاتخاذ على هذا الخلاف ان حرمناه فلا منفعة فيها بحال فلا يجوز اتخاذها والا فيجوز ويجوز
أن يعكس هذا البناء فيقال ان حرمنا الاتخاذ حرم التزيين لان ما حرم اتخاذه يجب اتلافه
والتزيين يتضمن الامساك وان أبحنا الاتخاذ فلا منع الا من الاستعمال: وقال امام الحرمين رحمة
الله عليه الوجه عندي تحريم التزيين بها للسرف مع الخلاف في حرمة الصنعة وأما الأواني المتخذة
من سائر الجواهر النفيسة كالفيروزج والياقوت والزبرجد وغيرها فهل هي في معني المتخذ من الذهب
والفضة فيه قولان بناهما الأئمة على أن تحريم إناء الذهب والفضة لعينهما أو لمعنى فيهما قالوا وفيه قولان
الجديد أنه لعينهما كاختصاصهما بتقويم الأشياء بهما ووجوب حق المعدن فيهما وجعلهما رأس مال
القراض ونحو ذلك: والثاني أنه لمعنى فيهما وهو السرف والخيلاء فعلى الأول لا يحرم ما اتخذ من
302

غيرهما من الجواهر النفيسة وعلى الثاني يحرم واعتبر العراقيون والامام معني السرف والخيلاء لا محالة
وقالوا حسم باب المعني مع ظهوره بعيد لكن وجه الجواز ان التبرين يظهر ان لكافة الناس
والجواهر النفيسة يختص بمعرفتها بعضهم فيكون السرف والخيلاء في التبرين أكثر وهذا قضية
قول صاحب الكتاب لان نفاستها لا يدركها الا الخواص وكيف ما كان فالأصح انها ليست في معنى
الذهب والفضة ولا خلاف في أن ما تكون نفاسته بسبب الصنعة لا يحرم استعماله ولا يكره كلبس
الكتان النفيس
قال (والمموه لا يحرم على أظهر المذهبين والمضبب في محل يلقي فم الشارب محظور على الأظهر
فإن لم يلق فإن كان صغيرا لا يلوح من البعد أو على قدر حاجة الكسر فجائز (و) وان
انتفى المعنيان فحرام (ح) وان وجد أحدهما دون الثاني فوجهان وفي المكحلة الصغيرة تردد)
لو اتخذ اناء من حديد أو غيره وموهه بالذهب أو الفضة نظر إن كان يحصل منها شئ
بالعرض على النار منع من استعماله وليس هذا موضع الخلاف وان لم يحصل شئ فهل يمنع من
الاستعمال فيه وجهان مبنيان على مثل ما ذكرنا في الجواهر النفيسة: قال آخرون معنى الخيلا معتبر
لكن من جوز قال المموه لا يكاد يخفى ولا يلتبس بالتبر ولو اتخذ اناء من ذهب أو فضة
وموهه بنحاس أو غيره جرى الخلاف ان قلنا التحريم لعين الذهب والفضة يحرم
303

وان قلنا المعنى الخيلاء فلا: ولو غشي ظاهره وباطنه جميعا بالنحاس قال الامام الذي أراه القطع بجواز
استعماله والذي يجئ على قول من يقول التحريم لعين الذهب والفضة أن يقول بالتحريم ههنا أيضا وقوله
في الأصل على أظهر المذهبين يعنى الوجهين اللذين ذكرنا هما وأما المضبب فينظر إن كانت الضبة
على شفة الاناء بحيث تلقى فم الشارب فوجهان أحدهما التحريم وبه قال مالك قدس الله روحه سواء كانت
صغيرة أو كبيرة على قدر الحاجة أو فوقها لكونها في موضع الاستعمال: والثاني أنها كما لو كانت في موضع
آخر وصاحب الكتاب في آخرين جعلوا الوجه الأول أظهر ولعل الذي دعاهم إليه أنه أشبه بكلام الشافعي
رضي الله عنه في المختصر لكن معظم العراقيين على أنه لا فرق بين أن تكون الضبة على موضع الشرب
أو غيره وهو أوفق للمعني لان التحريم إن كان لعين الذهب والفضة فلا فرق وإن كان لمعني الخيلاء
فكذلك وقد تكون الزينة في غير موضع الشرب أكثر وليس لقائل أن يقول إذا كان شاربا على
فضة كان متناولا بالنص لان لفظ الخبر المنع من الشرب في آنية الفضة لا على الفضة والمضبب ليس
بآنية الفضة ثم من نصر الوجه الأول فمن شرطه أن يقول لو كان الاستعمال في غير الشرب وكانت الضبة
على الموضع الذي يمسه المستعمل ويلاقيه يحرم أيضا ولا ينساغ غير ذلك وإن كانت الضبة على غير موضع
304

الشرب نظر إن كانت صغيرة وكانت على قدر الحاجة فلا تحريم ولا كراهة روى أن حلقة قصعة النبي صلى الله
عليه وسلم كانت من فضة (1) وكذلك قبيعة سيفه (2) وإن كانت كبيرة وفوق الحاجة حرم
الاستعمال لظهور الزينة ووجود عين الذهب والفضة وإن كانت صغيرة لكنها فوق قدر الحاجة أو كبيرة
لكنها بقدر الحاجة فوجهان أحدهما التحريم لظهور معنى الخيلاء: أما في الصورة الأولي فلانه للزينة دون
الحاجة: وأما في الثانية فلكبر الضبة وافتتان الناظرين بها كأصل الاناء وأصحهما وهو الذي ذكره
الشيخ أبو حامد والعراقيون أنه يكره ولا يحرم أما في الصورة الأولى فلصغرها وقدرة معظم الناس على
مثلها: وأما في الثانية فلظهور قصد الحاجة دون الزينة وبنى بعضهم الوجهين على الأصل الذي سبق ان قلنا
305

التحريم لعين الذهب والفضة حرم وإن قلنا لمعنى الخيلاء فلا * وفي أصل المسألة وجهان آخر ان أحدهما
أن المضبب يكره استعماله ولا يحرم بحال وبه قال أبو حنيفة والثاني أنه يحرم مطلقا حكاه الشيخ أبو
محمد تخريجا على اعتبار العين وإذا عرفت ذلك فليكن قوله على قدر حاجة الكسر فجائز معلما بالواو
للوجه الثاني وقوله وان انتفى المعنيان فحرام بالحاء والواو للوجه الأول ثم ههنا مباحثات إحداها هل
هذا الخلاف والتفصيل في المضبب بالفضة خاصة أو يعم المضبب بالفضة والذهب جميعا ذكر الشيخ
أبو إسحاق الشيرازي رحمة الله عليه انه يحرم التضبيب بالذهب مطلقا وهذا الخلاف والتفصيل في
المضبب بالفضة ووجهه قوله صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير هذان حرام على ذكور أمتي (1)
306

وأيضا فقد روى أنه صلى الله عليه وسلم وسلم قال من شرب في آنية الذهب والفضة أو
في أنا فيه شئ من ذلك فإنما يجر جر في جوفه نار جهنم (1) قضية الخبر تحريم المضبب بهما مطلقا
خالفنا في الفضة لما ورد من خبر القبعة والحلقة فبقي في الذهب على ظاهره والذي نص عليه
الجمهور التسوية بين ضبة الذهب وضبة الفضة كأصل الاناء: الثانية ما حد الصغر والكبر قال بعضهم
الكبير ما يستوعب جزء من الاناء كأسفله أو جانبا من جوانبه أو تكون عروته أو شفته أو غيرهما
من الاجزاء كله من ذهب أو فضة: والصغير ما دون ذلك واستعبد امام الحرمين هذا وقال لعل
الوجه أن يقال ما يلمع على البعد للناظر فهو كبير وما لا فهو صغير فيكون مأخذ ذلك مدانيا للقليل
والكثير من طين الشوارع وهذا ما أشار إليه في الأصل حيث قال فإن كان صغيرا لا يلوح
من البعد أراد تفسير الصغير بما لا يلوح من البعد ولو بحث باحث عن حد البعد فلا يجد مرجعا
فيه الا العرف والعادة وإذا كان كذلك فلو رجعنا في الفرق بين الصغير والكبير إلى العرف والعادة
وطرحنا الواسطة لما كان به بأس وقد فعل بعض الأصحاب ذلك وقال المرجع في الفرق بين الصغير
والكبير إلى العرف والعادة: الثالثة هل يسوى بين الذهب والفضة في الصغر والكبر لم يتعرض
الأكثرون لذلك وعن الشيخ أبي محمد انه لا ينبغي أن يسوى بينهما فان الخيلاء في قليل الذهب
كالخيلاء في كثير الفضة وأقرب معتبر فيه أن ينظر إلى قيمة ضبة الذهب إذا قومت بالفضة وهذا
الكلام يقرب ما خذه مما حكيناه عن الشيخ أبي إسحاق وقياس الباب أن لا فرق: الرابعة ما معني الحاجة
التي أطلقناها في المسألة والجواب يعنى بها الاغراض المتعلقة بالتضبيب سوى التزيين كإصلاح
موضع الكسر وكالشد والتوثيق فإذا كان على قدر ما يستدعيه الكسر فهو بقدر الحاجة وقوله في الأصل
على حاجة الكسر إشارة إلى هذا ولا يعتبر العجز عن التضبيب بغير الذهب والفضة فان الاضطرار
308

يبيح استعمال أصل الاناء من الذهب والفضة: الخامسة قدر الضبة المجوزة لو اتخذ منه اناء صغير كالمكحلة
وظرف الغالية هل يجوز حكي فيه وجهان للشيخ أبي محمد أحدهما نعم كما لو ضبب به غيره وأظهرهما لا: لأنه الآن
يقع عليه اسم الآنية فيندرج تحت النهى وخصوا هذا التردد بالفضة وقياس ما سبق التسوية بين الذهب
والفضة وذكر في التهذيب أنه لو اتخذ للاناء حلقة من فضة أو سلسلة أو رأسا يجوز لأنه منفصل عن الاناء
لا يستعمله ولك أن تقول لا نسلم انه لا يستعمله بل هو مستعمل بحسبه تبعا للاناء ثم هب انه لا يستعمله
لكن في اتخاذ الأواني من غير استعمال خلاف سبق فليكن هذا على ذلك الخلاف أيضا ويجوز
أن يوجه التجويز بالمضبب أو تجعل هذه الأشياء كالظروف الصغيرة كما سبق والله أعلم *
قال (هذا قسم المقدمات أما قسم المقاصد ففيه أربعة أبواب الباب الأول في صفة الوضوء
309

وفرائضه ستة الأولى النية وهي شرط في كل طهارة عن حدث (ح) ولا تجب (و) في إزالة النجاسة
ولا يصح (ح و) وضوء الكافر وغسله إذ لا عبرة بنيته الا الذمية تحت المسلم تغتسل عن الحيض لحق
الزوج فلا يلزمها الإعادة بعد الاسلام على أحد الوجهين والردة بعد الوضوء لا تبطله (و) وبعد
التيمم تبطله في أحد الوجهين لضعف التيمم:)
ذكرنا في أول الكتاب ان أحكام الطهارة على قسمين مقدمات ومقاصد وجعل قسم المقاصد
على أربعة أبواب أحدها في صفة الوضوء وله فرائض وسنن أما الفرائض فهي ست: الفرض
الأول منها النية فهي واجبة في طهارات الاحداث خلافا لأبي حنيفة الا في التيمم لنا قوله
310

صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات واعتبار ما عدا التيمم بالتيمم وأما إزالة النجاسة فلا
يعتبر فيها النية لأنها من قبيل التروك والمقصود هجران النجاسة والتروك لا تعتبر فيها النية كترك
الشرب والزنا وغيرهما وطهارات الاحداث عبادات فأشبهت سائر العبادات ويحكي عن ابن
سريح اشتراط النية فيها وبه قال أبو سهل الصعلوكي فيما حكاه صاحب التتمة وإذا عرفت ذلك
فاعلم أنه بنى على اعتبار النية في الطهارات امتناع صحتها من الكافر فلو اغتسل الكافر في كفره
أو توضأ ثم أسلم لم يعتد بما فعله في الكفر لأنه ليس أهلا للنية فيلزم الإعادة بعد الاسلام ولان
311

الطهارة عبادة والكافر ليس أهلا للعبادات ولهذا لا يصح منه الصلاة والصوم ولعل هذا أولى
من التعليل بأنه لا يصح منه النية لأن النية المعتبرة في الوضوء نية رفع الحدث وهي متصورة من
الكافر وقال أبو بكر الفارسي لا يجب إعادة الغسل ويجب إعادة الوضوء لان الغسل يصح من
الكافر في بعض الأحيان بدليل غسل الذمية عن الحيض لزوجها المسلم والوضوء لا يصح منه بحال
وحكي وجه آخر أنه لا يجب إعادة الغسل ولا الوضوء وبه قال أبو حنيفة وأما مسألة الذمية فإنها إذا
طهرت من الحيض والنفاس فلا يحل لزوجها المسلم غشيانها حتى تغتسل كالمسلمة المجنونة تطهر من
312

الحيض ثم لو أسلمت الذمية بعد ذلك الغسل أو أفاقت المجنونة فهل يلزمها الإعادة فيه وجهان أحدهما
وبه قال أبو بكر الفارسي لا يلزم لأنه غسل صح في حق حل الوطئ فيصح في حكم الصلاة وغيره
وأصحهما انه يلزم الإعادة لأنه ليس للكافر والمجنون أهلية العبادة وإنما صح في حل الوطئ لضرورة
حق الزوج ولهذا تجبر الزوجة على الغسل من الحيض مسلمة كانت أو ذمية لحقه هذا حكم الكافر الأصلي
أما المرتد فلا تصح منه الطهارة بحال ولم يجروا منه الخلاف المذكور في الكافر الأصلي لان من قال
ثم لا حاجة إلى الإعادة أخذ ذلك من غسل الذمية بحل الوطئ أو من التخفيف والعفو عند الاسلام
313

ولا يفرض واحد منهما في المرتد: ولو توضأ المسلم ثم ارتد هل يبطل وضوءه فيه وجهان أحدهما نعم
لان ابتداء الوضوء لا يصح مع الردة فإذا طرأت في دوامه أبطله كالصلاة لا يصح ابتداؤها مع
الردة وتبطل إذا طرأت في دوامها وأصحهما وهو المذكور في الكتاب انه لا يبطل حتى لا تجب
الإعادة إذا عاد إلى الاسلام لأنه بعد الفراغ من الوضوء مستديم حكمه لا فعله وإذا كان كذلك
لم يتأثر ما سبق بالردة الا ترى انه إذا ارتد لم يبطل ما مضى من صومه وصلاته حتى لا تجب اعادته
بعد السلام وهل يجرى هذا الخلاف في الغسل المشهور انه لا يجري لان الغسل يجامع الكفر
بدليل مسألة الذمية والوضوء بخلافه ومنهم من أجرى الخلاف فيه أيضا والتوجيه ما ذكرنا في
314

الوضوء: وأما التيمم ففي بطلانه بعروض الردة وجهان أيضا لكن الأصح فيه البطلان لان التيمم
لاستباحة الصلاة وإذا ارتد خرج عن أهلية الاستباحة فلا يفيد تيممه الإباحة بعد ذلك كما إذا تيمم
قبل الوقت لا يستبيح به الصلاة بعد دخول الوقت ومنه من يرتب فيقول إن بطل الوضوء بالردة
فالتيمم أولى وان لم يبطل ففي التيمم وجهان والفرق ضعف التيمم وتقاعده عن إفادة الإباحة بعد
تعذر الاستباحة
قال (ثم وقت النية حالة غسل الوجه ولا يضر الغروب بعده ولو اقترنت بأول سنن الوضوء
315

وعزبت قبل غسل الوجه فوجهان)
لا يجوز ان تتأخر النية عن أول غسل الوجه لأنها لو تأخرت لخلا أول الفرض عن النية وصار
كالصلاة يشترط فيها المقارنة بأولها بخلاف الصوم يحتمل فيه التقدم تارة والتأخر أخرى لعسر
مراقبة طلوع الفجر وتطبيق النية عليه ثم إذا لم تتأخر فاما ان يحدث مقارنة لأول غسل الوجه أو
يتقدم عليه فان حدثت مقارنة لأول غسل الوجه صح الوضوء ولا يجب الاستصحاب إلى آخر
الوضوء لما فيه من العسر ولكن لا يحصل له ثواب ما قبله من السنن إذ ليس للمؤمن من عمله الا
316

ما نوى وان تقدمت عليه نظران استصحبها إلى أن ابتدأ بغسل الوجه صح الوضوء وحصل ثواب
السنن المنوبة قبله وان قارنت ما قبله من السنن وعزبت قبل غسل الوجه ففي صحة الوضوء وجهان
أحدهما الصحة لان تلك السنن من جملة الوضوء فإذا اقترنت النية بها فقد اقترنت بأول
العبادة وان لم تكن فرضا وأصحهما المنع لان المقصود من العبادة واجباتها والمندوبات توابع وتزينات
فلا يكفي اقتران النية بها ولأنها أمور سابقة على فرض الوضوء فلا يكفي اقتران النية بها كالاستنجاء
ثم لا خلاف في أن المضمضة والاستنشاق من سنن الوضوء واختلفوا فيما قبل ذلك كغسل اليدين
317

والسواك والتسمية فلم يعدها كثيرون من سننه وإن كانت مندوبة في ابتدائه وعدها آخرون من
سننه وهو الوجه ولهذا تقع معتدا بها مثابا عليها إذا نوي مطلق الوضوء ولو لم تكن معدودة من
أفعاله لما اعتد بها بنية الوضوء: وفى لفظ الكتاب أشياء ينبغي أن يتنبه لمثلها الأول ان قوله وقت
النية حالة غسل الوجه مؤول لأن اطلاق غسل الوجه يتناول جميعه والجميع ليس بوقت النية لا بمعني
انه يجب اقتران النية بالكل كقولنا وقت الصوم النهار لأنه يجوز أن يغسل الوجه على التدريج
ولا تقترن النية بما سوى الجزء الأول ولا بمعنى انه تجزى النية أي بعض من ابعاضه اتفقت
كقولنا وقت الصلاة كذا لان اقترانها بما سوى الجزء الأول لا يغني فإذا المراد أول غسل الوجه:
والثاني ان قوله ولا يضر الغروب بعده ليس على اطلاقه لان الذي لا يضر ليس مطلق الغروب
بل الغروب بشرط ان لا تحدث نية أحرى حتى لو عزبت نيته المعتبرة وحدثت له نية تبرد أو
تنظف لم يصح وضوءه في أصح الوجهين لأن النية الأولى غير باقية حقيقة والثانية حاصلة حقيقة
فتكون أقوى: والثالث قوله ولو اقترنت بأول سنن الوضوء ليس من شرط هذه الصورة أن يكون
الاقتران بالنية الأولى بل سواء اقترنت النية بالأولى أو بغيرها وعزبت قبل الشروع في غسل الوجه
318

حصل الوجهان وبالله التوفيق
قال (وكيفيتها ان ينوى رفع الحدث أو استباحة الصلاة أو ما لا يباح الا بالطهارة أو أداء فرض
الوضوء فان نوى رفع بعض الحدث دون البعض فسدت نيته على أحد الوجهين وان نوى استباحة
صلاة لا بعينها صحت نيته على أحد الوجهين وقيل يفسد في الكل وقيل يباح له ما نوي ولو نوى ما يستحب
له الوضوء كقراءة القرآن للمحدث فوجهان ولو شك في الحدث بعد تيقن الطهارة فتوضأ احتياطا
ثم تبين الحدث ففي وجوب الإعادة وجهان للتردد في النية وان نوى بوضوءه رفع الحدث والتبرد
لم يضر على الأظهر وكذا إذا نوى غسل الجنابة مع غسل الجمعة حصلا معا)
الوضوء نوعان وضوء رفاهية ووضوء ضرورة أما وضوء الرفاهية فعلى صاحبه أن ينوى أحد
أمور ثلاثة أو لها رفع الحدث أو الطهارة عنه فان أطلق كفاه لان المقصود من الوضوء رفع مانع
الصلاة ونحوها فإذا نواه فقد تعرض لما هو المطلوب بالفعل وحكى وجه انه إن كان يمسح على الخف
لم يجزه نية رفع الحدث بل ينوى استباحة الصلاة كالمتيمم ولو نوى رفع بعض الاحداث دون بعض
بأن كان قد نام وبال ومس فنوى رفع حدث منها ففيه وجوه أصحها انه يصح وضوءه لأنه نوى رفع البعض
فوجب ان يرتفع والحدث لا يتجزأ فإذا ارتفع البعض ارتفع الكل والثاني لا يصح لان ما لم ينو
319

رفعه يبقي والاحداث لا تتجزأ فإذا بقي البعض بقي الكل ويكاد هذان الكلامان يتقاومان
لكن من نصر الأول قال نفس النوم والبول لا يرفع وإنما يرفع حكمهما وهو شئ واحد تعددت
أسبابه والتعرض لها ليس بشرط فإذا تعرض له مضافا إلى سبب واحد لغت الإضافة إلى السبب
وارتفع والثالث ان لم ينف رفع ما عداه صح وضوءه وان نفاه فلا لان نيته حينئذ تتضمن رفع
الحدث وابقاءه فصار كما لو قال أرفع الحدث لا أرفع الحدث والرابع ان نوى رفع الحدث الأول صح
وضوءه وان نوى غيره فلا. لان الأول هو الذي أثر في المنع ونقض الطهارة والخامس ان نوي رفع
الحدث الأخير صح وان نوى غيره فلا لان الأخير أقرب وذكر بعضهم ان الخلاف فيما إذا نواه
ونفى غيره فإن لم ينف صح بلا خلاف وهذا إذا كان الحدث الذي خصه بالرفع واقعا له فإن لم يكن
كما إذا نوى رفع حدث النوم ولم ينم وإنما بال نظر إن كان غالطا صح وضوءه لان التعرض لها ليس
بشرط فلا يضر الغلط فيها وإن كان عامدا لم يصح في أصح الوجهين لأنه متلاعب بطهارته الثاني
استباحة الصلاة أو غيرها مما لا يباح الا بالطهارة كالطواف وسجدة التلاوة والشكر ومس المصحف
فإذا نواها وأطلق أجزأه لان رفع الحدث إنما يطلب لهذه الأشياء فإذا نواها فقد نوى غاية المقصد
320

وروى وجه أنه لا يصح الوضوء بنية الاستباحة لان الصلاة ونحوها قد تستباح مع بقاء الحدث
بدليل المتيمم وان نوى استباحة صلاة معينة فإن لم يتعرض لما عداها بالنفي والاثبات
صح أيضا وان نفى غيرها فثلاثة أوجه أصحها الصحة لان المنوية ينبغي أن تباح ولا تباح الا إذا
ارتفع الحدث والحدث لا يتبعض: والثاني المنع لان نيته تضمنت رفع الحدث وابقاءه كما سبق
والثالث يباح له المنوي دون غيره لظاهر قوله صلى الله عليه وآله ولكل امرئ ما نوى
321

وان نوى ما يستحب له الوضوء كقراء القرآن للمحدث وسماع الحديث وروايته والقعود في المسجد
وغيرها فوجهان أظهرهما لا يصح وضوءه لأن هذه الأفعال مباحة مع الحدث فلا يتضمن قصدها
قصد رفع الحدث: والثاني يصح لأنه قصد أن يكون ذلك الفعل على أكمل أحواله وأن يكون
كذلك الا إذا ارتفع الحدث: والوجهان جاريان فيما إذا كان الوضوء مستحبا في ذلك الفعل
لمكان الحدث كما ذكرنا من الأمثلة وفيما إذا كان الاستحباب لا باعتبار الحدث كتجديد الوضوء
322

فان المقصد منه زيادة النظافة لكن المنع في القسم الثاني أظهر منه في الأول ولذلك قطع بعضهم
بنفي الصحة فيه: ولو شك في الحدث بعد يقين الطهارة فتوضأ احتياطا ثم تبين أنه كان محدثا
فهل يعتد بهذا الوضوء فيه هذان الوجهان لان الوضوء والحالة هذه محبوب للاحتياط
لا للحدث وفي المسألة معنى آخر وهو أنه عند الوضوء متردد في الحدث فيكون مترددا
323

في نية رفع الحدث وإذا كان كذلك وجب أن لا يعتد بوضوءه لاختلال النية وهذا بخلاف
ما إذا شك في الطهارة بعد يقين الحدث حيث يؤمر بالوضوء ويحكم بصحته مع التردد لان الأصل
ثم بقاء الحدث والتردد الذي يعتضد أحد طرفيه بالأصل لا يضر لحصول الرجحان والظهور وهذا المعنى
على العكس ههنا أما إذا كان الفعل بحيث لا يتوقف على الوضوء ولا يستحب الوضوء له كدخول
السوق فتوضأ له لم يصح الثالث: أداء فرض الوضوء بهذه النية كما إذا نوى المصلي
324

أداء فرض الصلاة وهذا لأن النية معتبرة في الوضوء لجهة كونه قربة فأشبه سائر القربات ولهذا
ذكروا وجهين في اشتراط الإضافة إلى الله تعالى كما في الصوم والصلاة وسائر العبادات والأولى
أن لا يجعل اعتبار النية في الوضوء على سبيل القربات بل يعتبرها للتمييز ولو كان الاعتبار على
وجه القربة لما جاز الاقتصار على أداء الوضوء وحذف الفرضية لأن الصحيح أنه يشترط التعرض
للفرضية في الصلاة وسائر العبادات وقد نصوا على أنه لو نوى أداء الوضوء كفاه بل يلزم أن يجب التعرض
للفرضية ولو نوى رفع الحدث أو الاستباحة والله أعلم. فان قيل إذا لم يدخل وقت الصلاة فليس
عليه وضوء ولا صلاة فكيف ينوى فرض الوضوء فالجواب أن الشيخ أبا على ذكر أن الموجب
325

للطهارة هو الحدث وقد وجد الا أن وقتها لا يتضيق عليه ما لم يدخل وقت الصلاة فلذلك صح
الوضوء بنية الفرضية قبل دخول الوقت لكن هذا الجواب مبني على أن الموجب للطهارة هو
الحدث وقد صار بعض الأصحاب إلى أن الموجب هو دخول الوقت أو أحدهما بشرط الآخر
ويجوز أن يقال لا نعنى بالفرضية انه يلزمه الاتيان به والا لامتنع أن يتوضأ الصبي المميز بهذه
النية ولكن المراد أنه ينوى إقامة طهارة الحدث المشروطة في الصلاة وشروط الشئ تسمى فروضه
326

وربما نذكر في معنى فرضية الصلاة التي ينويها المصلى ما يقارب هذا ونبين ما فيه من الاشكال
في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى: ثم إذا نوى بوضوءه أحد الأمور الثلاثة وقصد معه شيئا آخر
يحصل ذلك الشئ من غير قصد ونية كما لو نوى بوضوءه رفع الحدث والتبرد أو استباحة
الصلاة والتبرد ففي صحة الوضوء وجهان أحدهما يحكى عن ابن سريح أنه لا يصح لان الاشتراك
في النية بين القربة وغيرها مما لا يخل بالاخلاص وأصحهما أنه يصح لان التبرد حاصل وان لم ينو
327

فنيته لاغية وصار كما لو كبر الامام وقصد مع التحريم اعلام القوم لا يضر ولو اغتسل بنية رفع
الجنابة والتبرد فعلى هذين الوجهين ولو كان يغتسل ضحوة الجمعة فنوى رفع الجنابة وغسل الجمعة
فهذا يبنى على أنه لو اقتصر على نية رفع الجنابة هل يتأدى به سنة غسل الجمعة أم لا وفيه قولان
ان قلنا لا فقضيته أنه لا يصح الغسل أصلا كما لو نوى بصلاته الفرض والنفل جميعا وان قلنا
يتأدى به وهو الأصح فوجهان كالوجهين في ضم نية التبرد إلى رفع الحدث أصحهما أنه لا يضر كما
328

لو صلى الفرض عند دخول المسجد ونوى التحية أيضا لا يضر لان التحية تحصل وان لم ينوها
ولا فرق في جريان الوجهين في مسألة التبرد بين أن يضم قصد التبرد إلى النية المعتبرة في الابتداء
وبين أن يحدثها في الأثناء وهو ذاكر للنية المعتبرة أما إذا كان غافلا عنها لم يصح ما أتي به بعد
ذلك في أصح الوجهين وقد قدمنا هذا: هذا شرح مسائل الفصل على الاختصار ونعود إلى ما يتعلق
بخصوص الكتاب: قوله وكيفيته أن ينوى رفع الحدث يجوز أن يعلم رفع الحدث بالواو إشارة
إلى الوجه الذي ذكرناه في حق الماسح على الخف فان ذلك القائل لا يصحح الوضوء بنية رفع
الحدث على الاطلاق بل في حق غير الماسح وقوله أو استباحة الصلاة ينبغي أن يعلم أيضا بالواو للوجه
الذي رويناه: وقوله أو أداء فرض الوضوء ليس ذكر الفرضية على سبيل الاعتبار والاشتراط كما
سبق وقد أوضح ذلك في الوسيط فقال ينوى أداء الوضوء أو فريضة الوضوء وقوله ولو نوى
رفع بعض الحدث دون البعض يشمل ما إذا لم يتعرض للباقي أصلا وما إذا نفى رفع الباقي والخلاف
جار في الحالتين على أظهر الطريقين كما سبق فهو مجرى على اطلاقه لكن قوله وان نوى استباحة
صلاة بعينها المراد منه ما إذا عينها ونفى غيرها لأنه لا خلاف فيما إذا لم يتعرض لما سواها: وقوله
في مسألة الشك للتردد في النية إشارة إلى المعنى الثاني لوجه عدم الاجزاء لكن المناسب لا يراد
المسألة مقرونة بما إذا نوى بوضوءه الافعال المستحبة المعنى الأول: وقوله وكذا لو نوى غسل الجنابة
329

والجمعة حصلا يجوز أن يريد به العطف على الأظهر في مسألة التبرد بناء على أنه يحصل غسل الجمعة وان
اقتصر على رفع الجنابة وعلى هذا فاللفظ يشعر بالخلاف في المسألة ولا حاجة إلى اعلامه بالواو
ويجوز أن يحمل على الابتداء وعلى هذا يحتاج إلى العلامة بالواو وعلى التقديرين هو معلم بالميم
لان صاحب البيان حكي عن مالك أنه لا يجزيه الغسل الواحد عنهما *
قال (والمستحاضة لا يكفيها نية رفع الحدث بل تنوى استباحة الصلاة ورفع الحدث ولو
330

اقتصر على نية الاستباحة جاز على الأصح) *
تكلمنا في كيفية النية في وضوء الرفاهية أما النوع الثاني في وضوء الضرورة وهو وضوء من به
حدث دائم كالمستحاضة وسلس البول ونحوهما فنقول لو اقتصرت المستحاضة على نية رفع الحدث
فهل يصح وضوءها فيه وجهان أصحهما وهو المذكور في الكتاب أنه لا يصح لان حدثها لا يرتفع
331

بالوضوء وكيف يرتفع ومنه ما يقارن وضوءها ويتأخر عنه: والثاني يصح لان رفع الحدث يتضمن
استباحة الصلاة فقصد رفع الحدث يؤثر بمتضمنه وان لم يؤثر بخصوصه ولو اقتصرت على نية
الاستباحة فوجهان أصحهما أنه يصح وضوءها كما يصح التيمم بهذه النية: والثاني لا يصح يحكي
ذلك عن أبي بكر الفارسي والخضري لان لها أحداثا سابقة وأخرى لاحقة فتنوى الرفع لما تقدم
332

والاستباحة لما تأخر وان جمعت بينهما فهو الغاية ثم لو نوت استباحة فريضة واحدة لا غير جاز
بلا خلاف بخلاف ما إذا فعل ذلك صاحب طهارة الرفاهية لان طهارته لا تفيد الا فريضة واحدة
ولو نوت استباحة نافلة بعينها عاد ذلك الخلاف ثم النظر في كون المستباح فرضا أو نفلا أو مطلق
الصلاة وفيما يباح لها إذا نوت النفل كما سيأتي في التيمم *
قال (ولو أغفل لمعة في الأولى فانغسلت في الكرة الثانية على قصد التنفل ففي
ارتفاع الحدث وجهان ولو فرق النية على أعضاء الوضوء لم يجز على أظهر الوجهين) *
في الفصل مسألتان إحداهما لو كان يتوضأ ثلاثا كما هو السنة فترك لمعة في المرة الأولى غافلا
وانغسلت في الغسلة الثانية أو الثالثة وهو يقصد التنفل بهما فهل يعتد بغسل تلك اللمعة أم يحتاج
إلى اعادته فيه وجهان مخرجان على أصلين سبق ذكرهما أحدهما انه إذا لم تبق نيته الأولى وحدثت
نية أخرى كما إذا عزبت نية رفع الحدث وقصد التبرد أو التنظف فقد حكينا فيه وجهين وههنا
333

كذلك لأنه لم يبق له في المرة الثانية والثالثة نية رفع الحدث ضرورة اعتقاده ارتفاع الحدث
بالمرة الأولي: والثاني ان تلك اللمعة ما صارت مغسولة بنية رفع الحدث وما في معناه بل على قصد
التنفل فيكون كما لو نوي بوضوئه ما يستحب له الطهارة: ولو أغفل لمعة في وضوئه وانغسلت في
تجديد الوضوء بعد ذلك فعلى هذين الوجهين لكن الأصح الاعتداد بالمنغسل في المرة الثانية والثالثة وعدم
الاعتداد بالمنغسل في التجديد والفرق أن الغسلات في المرات الثلاث طهارة واحدة وقضية نية الأولى أن
تحصل الغسلة الثانية بعد الأولى فما لم ينغسل عن الأولى لا يقع عن الثانية وتوهمه الغسل عن الثانية لا يمنع الوقوع
عن الأولى كما لو ترك سجدة من الأولى ناسيا وسجد في الثانية تتم بها الأولي وإن كان توهم خلاف ذلك
وأما التجديد فهو طهارة مستقلة منفردة بنية لم تتوجه إلى رفع الحدث أصلا (المسألة الثانية) إذا
334

فرق النية على أعضاء الوضوء فنوى عند غسل الوجه رفع الحدث عنه وعند غسل اليدين رفع
الحدث عنهما وهكذا ففي صحة وضوئه وجهان أظهرهما عند صاحب الكتاب المنع لان الوضوء
عبادة واحدة فلا يجوز تفريق النية على ابعاضها كالصوم والصلاة: والثاني وهو الأصح عند المعظم
أنه يصح لأنه يجوز تفريق أفعاله على الصحيح ولا يشترط فيه الموالاة وإن كان عبادة واحدة
فكذلك يجوز تفريق النية على أفعاله بخلاف الصلاة وغيرها لا يجوز التفريق في ابعاضها ثم
من الأصحاب من يبني تفريق النية على تفريق الافعال ان جوزنا تفريق الافعال جوزنا تفريق
النية والا فلا ومنهم من رتب فيقول إن لم يجز التفريق في الافعال ففي النية أولي وان جوزنا
ذاك ففي هذا وجهان والفرق أنه وان فرق أفعاله فهو عبادة واحدة يرتبط بعضها ببعض ألا ترى أنه
335

لو أراد مس المصحف بوجهه المغسول قبل غسل باقي الأعضاء لا يجوز وإذا كان كذلك فليشملها
نية واحدة بخلاف الافعال فإنها لا تتأتى الا متفرقة ثم الخلاف في مطلق تفريق النية أم فيما إذا
نوى رفع الحدث عن العضو المغسول ونفي غسل سائر الأعضاء دون ما إذا اقتصر على رفع
الحدث عنه والمشهور الأول: وحكي عن بعض الأصحاب الثاني: وإذا قلنا في المسألة الأولي
أنه لا يعتد بغسل اللمعة في الكرة الثانية والثالثة فهل يبطل ما مضى من طهارته أم يجوز البناء
فيه وجها تفريق النية: ان قلنا لا يجوز التفريق يمتنع البناء لأنه محتاج عند البناء إلى تجديد
النية للباقي وان قلنا يجوز جاز البناء ويبقي النظر في طول الفصل وعدمه فان اعتبرنا الموالاة
لم يحتمل طول الفصل *
336

قال (الفرض الثاني استيعاب غسل الوجه وهو من مبتدأ تسطيح الجبهة إلى منتهى الذقن
ومن الاذن إلى الاذن واجب ولا تدخل النزعتان ولا موضع الصلع في التحديد وموضع التحذيف
من الوجه على الأظهر والغمم إذا استوعب جميع الجبهة وجب ايصال الماء إليه فإن لم يستوعب فوجهان)
غسل الوجه أول الأركان الظاهرة في الوضوء قال الله تعالى (فاغسلوا وجوهكم) وحد الوجه
على ما اختاره صاحب الكتاب من مبتدأ تسطيح الجبهة إلى منتهى الذقن في الطول ومن الاذن
إلى الاذن في العرض ومعنى ذلك أن ميل الرأس إلى التدوير ومن أول الجبهة يأخذ الموضع في
التسطيح وتقع به المحاذاة والمواجهة فحد الوجه في الطول من حيث يبتدئ التسطيح وما فوق ذلك
من الرأس: وإذا عرفت ذلك فمما يخرج عن الحد النزعتان وهما البياضان المكتنفان للناصية أعلى
337

الجبينين لأنهما في سمت الناصية وهما جميعا في حد التدوير ومما يخرج عنه موضع الصلع لأنه فوق
ابتداء التسطيح ولا عبرة بانحسار الشعر عنه نظرا إلى الأعم الأغلب ومما يخرج عنه موضعا
الصدغين وهما في جانبي الاذن يتصلان بالعذارين من فوق لأنهما خارجان عما بين الاذنين
لكونهما فوق الاذنين وحكي في الصدغين وجه أنهما من الوجه ومما يدخل في الحد موضع الغمم
لأنه في تسطيع الجبهة ولا عبرة بنبات الشعر على خلاف الغلب كما لا عبرة بانحساره عن موضع الصلع على
خلاف الغالب هذا إذا استوعب الغمم جميع الجبهة والا فوجهان أصحهما أن الامر لا يختلف وهو من الوجه
لما ذكرنا: والثاني أنه من الرأس لأنه على هيئته والباقي المكشوف هو من الجبهة بخلاف ما إذا أخذ الغمم جميع
الجبهة فان العادة لم تجربان لا يكون للانسان جبهة أصلا وربما وجه أحد هذين الوجهين: أنه مقبل في صفحة الوجه
338

والثاني بأنه في تدوير الرأس ومعناه أن الأغم ينتأ من أوائل جبهته شئ ولا ينقطع شكل تدوير
رأسه حيث ينقطع من غيره فذلك الموضع متصل بتدوير الرأس لكنه مقبل في صفحة الوجه وأما
موضع التحذيف وهو الذي ينبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار والنزعة وربما يقال بين
الصدغ والنزعة والمعنى لا يختلف لان الصدغ والعذار متلاصقان وهل هو من الوجه أو الرأس
فيه وجهان قال ابن سريج وغيره هو من الوجه لمحاذاته بياض الوجه ولذلك تعتاد النساء والاشراف
إزالة الشعر عنه ولهذا سمى موضع التحذيف وقال أبو إسحاق وغيره هو من الرأس لنبات الشعر
عليه متصلا بسائر شعر الرأس والأول هو الأظهر عند المصنف: والذي عليه الأكثرون الثاني
وهو الذي يوافق نص الشافعي رضي الله عنه في حد الوجه وحاول امام الحرمين تقدير موضع
التحذيف فقال إذا وضع طرف خيط على رأس الاذن والطرف الثاني على زاوية الجبين فما يقع
منه في جانب الوجه فهو من الوجه ولك أن تقول توجيه من يجعله من الوجه لا يقتضي التقدير بهذا
المقدار فان من يحذف قد يحذف أكثر من ذلك أو أقل ولا يراعي هذا الضبط فلا بد للتقدير
من دليل * وأما لفظ الكتاب فقوله استيعاب غسل الوجه كان الأحسن أن يقول استيعاب
الوجه بالغسل وقوله من مبتدأ تسطيح الجبهة إلى آخره تحديد للوجه وكلمتا من وإلى إذا دخلتا
339

في مثل هذا الكلام قد يراد بهما دخول ما وردتا عليه في الحد وقد يراد خروجه: نظير الأول
حضر القوم من فلان إلى فلان ونظير الثاني من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة كذا ذراعا وهما
في قوله من مبتدأ تسطيح الجبهة إلى منتهى الذقن مستعملتان بالمعنى الأول إذ لا يراد بمبتدأ التسطيح
الا أوله وبمنتهى الذقن الا آخرة ومعلوم أنهما داخلان في الوجه وفي قوله من الاذن إلى الاذن
مستعملتان بالمعنى الثاني لان الاذنين خارجتان من الوجه وأعلم قوله من الاذن إلى الاذن بالميم لان مالكا
يعتبر من العذار إلى العذار ويخرج البياض الذي بين العذار والاذن عن حد الوجه: فان قيل
يدخل في هذا الحد ما ليس من الوجه ويخرج منه ما هو من الوجه أما الأول فلانه يدخل فيه
داخل الفم والأنف فإنه بين تسطيح الجبهة ومنتهى الذقن وليس من الوجه: وأما الثاني فلانه
تخرج عنه اللحية المسترسلة وهي من الوجه لما روى أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا غطى
لحيته وهو في الصلاة فقال اكشف لحيتك فإنها من الوجه قلنا أما الأول فللكلام
تأويل: المعني ظاهر ما بين تسطيح الجبهة ومنتهى الذقن ولهذا لو بطن جزء. بالالتحام وظهر
جزء خرج الظاهر عن أن يكون من الوجه وصار الباطن من الوجه وعلى هذا المعنى نقيم الشعر
مقام البشرة من صاحب اللحية الكثة وأما الثاني فتسمية اللحية وجها على سبيل التبعية والمجاز
340

لامرين أحدهما أنه لولا ذلك لكانت وجوه المرد والنسوان ناقصة ولصح أن يقال لمن حلقت
لحيته قطع بعض وجهه ومعلوم أنه ليس كذلك: والثاني انه يصح قول القائل اللحية من الشعور
النابتة على الوجه وفي المسترسلة انها نازلة عن حد الوجه وذلك يدل على ما ذكرنا
قال (ويجب ايصال الماء إلى منابت الشعور الخفيفة غالبا كالحاجبين والأهداب والشاربين
والعذارين وأما شعر الذقن فان كشف بحيث لا تترا آي البشرة للناظر لم يجب ايصال الماء إلى منابته الا
للمرأة فان لحيتها نادرة وفي العنفقة وجهان لان كثافتها قد تعد نادرة ويجب إفاضة الماء على ظاهر اللحية
الخارجة عن حد الوجه على أحد القولين)
لما تكلم في حد الوجه عاد إلى الشعور النابتة عليه وهي قسمان حاصلة في حد الوجه وخارجة عنه
والقسم الأول على ضربين أحدهما ما يندر فيه الكثافة كالحاجبين والأهداب والشاربين والعذارين
والعذار هو القدر المحاذي للاذن يتصل من الأعلى بالصدغ ومن الأسفل بالعارض فهذه الشعور يجب
غسلها ظاهرا وباطنا كالسلعة النابتة على محل الفرض ويجب غسل البشرة تحتها لأنها من الوجه ولا عبرة
بحيلولة الشعر لامرين أظهرهما ان الغالب في هذه الشعور الخفة فيسهل ايصال الماء إلى منابتها فان فرضت
فيها الكثافة على سبيل الندرة فالنادر ملحق بالغالب: والثاني أن بياض الوجه محيط بها اما من جميع
341

كالحاجبين والأهداب أو من جانبين كالعذارين والشاربين فيجعل موضعها تبعا لما يحيط به ويعطي
حكمه وفى كلام بعض الأئمة حكاية وجه أنها إذا كشفت لا يجب غسل منابتها كاللحية فلك أن تعلم قوله
ويجب ايصال الماء إلى منابت الشعور الخفيفة غالبا بالواو إشارة إلى هذا الوجه واقتصاره على ذكر المنابت
ليس لان الشعور لا تغسل بل إذا وجب غسل المنابت وجب غسل الشعور بطريق الأولي ففي ذكر
المنابت تنبيه عليها: والضرب الثاني ما لا يندر فيه الكثافة وهو شعر الذقن و العارضين والعارض ما ينحط
عن القدر المحاذي للاذن فينظر فيه إن كان خفيفا وجب غسله مع البشرة تحته كالشعور الخفيفة غالبا وإن كان
كثيفا وجب غسل ظاهره ولم يجب غسل البشرة تحته لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم
توضأ فغرف غرفة غسل بها وجهه وكان صلى الله عليه وسلم كث اللحية (1) ولا يبلغ ماء الغرفة الواحدة
أصول
الشعر مع الكثافة والمعني فيه عسر ايصال الماء إلى المنابت مع الكثافة الغير النادرة وحكي فيه قول
قديم أنه يجب غسل البشرة تحته لأنها الوجه وهذا شعر نابت عليه ومنهم من يحكيه وجها وهو
قول المزني رحمه الله وليكن قوله لم يجب ايصال الماء إلى منابتها معلما بالزاي والواو لهذا الخلاف
342

والمذهب الأول ويستثنى عن اللحية الكثيفة ما إذا خرجت للمرأة لحية كثيفة فيجب ايصال الماء
إلى منابتها لان أصل اللحية لها نادر فكيف بصفة الكثافة وكذلك لحية المشكل إذا لم
يكن نبات اللحية مزيلا للاشكال وفيه خلاف يأتي ذكره فإذا اللحية في حقها من الضرب الأول
وعنفقة الرجل من الضرب الأول أو من الضرب الثاني فيه: وجهان مبنيان على المعنيين المذكورين
في الحاجبين ونحوهما ان عللنا بالمعني الأول وهو ندرة الكثافة في تلك الشعور فالعنفقة ملحقة
بها وان عللنا بإحاطة البياض فلا: بل هي كاللحية والمعني الأول أظهر لأنهم حكوا عن نص الشافعي رضي الله عنه
التعليل بان هذه الشعور لا تستر ما تحتها غالبا ويدل عليه لحية المرأة والله أعلم: ثم ههنا سؤالان أحدهما
ما الفرق بين الخفيف والكثيف والجواب. عبارة أكثر الأصحاب أن الخفيف ما تتراءى البشرة
من خلاله في مجلس التخاطب والكثيف ما يستر ويمنع الرؤية وهذا ما يشعر به لفظ الشافعي
343

رضي الله عنه وهو الذي حكاه المصنف وقال بعض الأصحاب الخفيف ما يصل الماء إلى منبته
من غير مبالغة واستقصاء والكثيف ما يفتقر إليه ورأيت الشيخ أبا محمد والمسعودي وطبقة
المحققين يقربون كل واحدة من العبارتين من الأخرى ويقولون انهما يرجعان إلى معنى واحد
لكن بينهما تفاوت مع التقارب الذي ذكروه لان لهيئة النبات وكيفية الشعر في السبوطة والجعودة
تأثيرا في الستر وفي وصول الماء إلى المنبت وقد يؤثر شعره في أحد الامرين دون الآخر وإذا
ظهر الاختلاف فلك أن ترجح العبارة الثانية وتقول الشارب معدود من الشعور الخفيفة وليس
كونه مانعا من رؤية البشرة تحته بأمر نادر: الثاني شعر الضرب الثاني لو كان بعضه خفيفا
344

وبعضه كثيفا ما حكمه. الجواب فيه وجهان أصحهما أن للخفيف حكم الخفيف وللكثيف حكم الكثيف
توفى المقتضي كل واحد منهما عليه والثاني للكل حكم الخفيف وهو الذي ذكره في التهذيب وعلله
بأن كثافة البعض مع خفة البعض نادر فصار كشعر الذراع إذا كثف ولك أن تمنع ما ذكره
وتدعى أن الكثافة في البعض والخفة في البعض أغلب من كثافة الكل وهذه المسألة يحتاج الناظر
في الكتاب إلى معرفتها لأنه قال أما شعر الذقن فان كثف إلى آخره فظاهره يتناول ما إذا كثفت
اللحية كلها ولم يبين حكم ما إذا لم تكثف كلها ويفرض ذلك على وجهين أحدهما أن تخف كلها
ولا يخفى حكمه: والثاني أن يخف البعض ويكثف البعض وهو هذه المسألة: هذا كله في الشعور
الحاصلة في حد الوجه: القسم الثاني الخارجة عن حد الوجه ففيما خرج عن حد الوجه من اللحية
طولا وعرضا قولان أحدهما لا يجب غسله وبه قال أبو حنيفة والمزني لان الشعر النازل عن حد
الرأس لا يثبت له حكم الرأس حتى لا يجوز المسح عليه فكذلك الشعر النازل عن حد الوجه
لا يثبت له حكم الوجه وأصحهما يجب لأنه من الوجه بحكم التبعية لما سبق من الخبر ولان الوجه
ما تقع به المخاطبة والمواجهة ولأنه متدل من محل الفرض فأشبه الجلدة المتدلية وهذا الخلاف
يجرى أيضا في الخارج عن حد الوجه من الشعور الخفيفة كالعذار والسبال إذا طال ولا فرق:
345

وذكر بعضهم في السبال أنه يجب غسله قولا واحدا والظاهر الأول فان قلت قد عرفت المسألة
فلماذا اشتهرت الإفاضة فالناقلون يقولون تجب الإفاضة في قول ولا تجب في قول وكذلك ذكر
المصنف ولم يتكلموا في الغسل فاعلم أن لفظ الإفاضة في اصطلاح الأئمة المتقدمين إذا استعمل
في الشعر لا مرار الماء على الظاهر: ولفظ الغسل للامرار على الظاهر مع الادخال في الباطن ولذلك
اعترضوا على أبي عبد الله الزبيري رضي الله عنه لما قال في هذه المسألة يجب الغسل في قول
والإفاضة في قول وقالوا الغسل غير واجب قولا واحدا وإنما الخلاف في الإفاضة وإذا تبين ذلك
فقصدهم بهذه اللفظة بيان أن داخل المسترسل لا يجب غسله قولا واحدا كالشعور النابتة تحت
الذقن لكن المصنف تعرض لظاهر اللحية في لفظه والإفاضة على هذا الاصطلاح مغنية عن التقييد
بالظاهر ثم مع هذا كله فقد حكي وجه أنه يجب غسل الوجه الباطن من الطبقة العليا من المسترسل
إذا أوجبنا غسل الوجه البادي منه وهو بعيد عند علماء المذهب *
قال (الفرض الثالث غسل اليدين مع المرفقين فلو قطع يده من الساعد غسل الباقي وان
قطع من العضد استحب غسل الباقي لتطويل الغرة وإن كان من المفصل يجب غسل رأس العظم
الباقي على أصح القولين لأنه من المرفق ولو نبتت يد زائدة من ساعده وجب غسلها وان لم تتميز الزائدة عن
الأصلية وجب غسلهما وان خرجت من العضد لا تغسل الا إذا حاذت محل الفرض فيغسل
346

القدر المحاذي) *
هذا نصه قال الله تعالى (وأيديكم إلى المرافق) وكلمة إلى قد تستعمل بمعنى مع كقوله تعالى
(ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) وقوله عز اسمه (من أنصاري إلى الله) وهو المراد ههنا
لما روى أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أمر الماء على مرفقيه وروى أنه أدار الماء
على مرفقيه ثم قال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به ثم اليد إن كانت واحدة من كل
جانب على ما هو الغالب وكانت كاملة فذاك وان قطع بعضها فله ثلاثة أحوال أحدها أن يكون
القطع مما تحت المرفق كالكوع والذراع فغسل الباقي واجب فالميسور لا يسقط بالمعسور والثانية
أن يكون مما فوق المرفق فلا فرض لسقوط محله ولكن الباقي من العضد يستحب غسله لتطويل
الغرة كما لو كان سليم اليد يستحب له غسل ذلك الموضع لهذا المعني فان قيل غسل ذلك
347

الموضع مستحب تبعا فإذا سقط المتبوع فهلا سقط التابع كمن فاتته صلوات في أيام الجنون لما سقط
قضاء الأصل سقط قضاء الرواتب التي هي أتباع: قلنا سقوط القضاء ثم مسامحة ورخصة والا فهو
ممكن والتبع أولى بالمسامحة وسقوط الأصل ههنا ليس على سبيل الترخص بل هو متعذر في نفسه
فحسن الاتيان بالتبع محافظة على العبادة بقدر الامكان كالمحرم إذا لم يكن على رأسه شعر يستحب
له امرار الموسى على الرأس وقت الحلق: فان قيل تطويل الغرة إنما يفر ض في الوجه والذي في
اليد تطويل التحجيل فكيف قال يغسل الباقي لتطويل الغرة: قلنا تطويل الغرة والتحجيل نوع
واحد من السنن فيجوز أن يكون قوله لتطويل الغرة إشارة إلى النوع على أن أكثرهم لا يفرق
348

بينهما ويطلق تطويل الغرة في اليد ورأيت بعضهم احتج عليه بقوله صلى الله عليه وسلم
من أراد منكم أن يطيل غرته فليفعل (1) قال وإنما يمكن الإطالة في اليد لان استيعاب الوجه
349

بالغسل واجب وليس هذا الاحتجاج بشئ لان للمعترض أن يقول الإطالة في الوجه أن يغسل
إلى الليت وصفحة العنق وهو مستحب نص عليه الأئمة: والثالثة أن يكون القطع من مفصل المرفق
فهل يجب غسل رأس العظم الباقي فيه طريقان أحدهما القطع بالوجوب لأنه من محل الفرض وقد بقي
فأشبه الساعد إذا كان القطع من الكوع والثاني وهو الذي ذكره في الكتاب فيه قولان القديم
ومنقول المزني انه لا يجب والأصح وهو منقول الربيع أنه يجب واختلفوا في مأخذ القولين: منهم
من قال مأخذهما أن المرفق في اليد السليمة يغسل تبعا أم مقصودا فمن قائل تبعا وضرورة
لاستيعاب غسل اليدين إلى المرافق كما يغسل شئ من الرأس تبعا وضرورة لاستيعاب الوجه
350

بالغسل: ومن قائل يغسل مقصودا كسائر أجزاء محل الفرض وكأطراف الوجه بالإضافة إلى
وسطه. ومنهم من قال بل مأخذهما الخلاف في حقيقة المرفق فمن قائل المرفق عبارة عن طرف عظم
الساعد ولم يبق ومن قائل المرفق مجموع العظمين وقد بقي أحدهما فيغسل وهذا ما أشار إليه بقوله
لأنه من المرفق هذا كله في اليد الواحدة أما إذا خلقت لشخص واحد من جانب واحد يدان
فلا يخلو اما أن تتميز الزائد من محمل الفرض كالساعد والمرفق وجب غسلها مع الأصلية كالإصبع
الزائدة والسلعة النابتة ولا فرق بين أن يجوز طولها الأصلية أو لا يجاوز وان خرجت مما
فوق محل الفرض فإن لم تبلغ إلى محاذاة محل الفرض لم يجب غسل شئ منها وان بلغت
إلى محاذاة محل الفرض فالمنقول عن نصه في الام انه يجب غسل القدر المحاذي دون ما فوقه
لوقوع اسم اليد عليها وحصول ذلك القدر في محل الفرض بخلاف الجلدة المنكشطة من
351

العضد لا يغسل منها لا المحاذي ولا غيره لان اسم اليد لا يقع عليها وفيه وجه صار إليه كثير من
المعتبرين وقرروه انه لا يجب غسل المحاذي ولا غيره لأن هذه الزائد ليست على محل الفرض
فتجعل تبعا ولا هي أصلية حتى تكون مقصودة بالخطاب وحملوا نصه في الام على ما إذا التصق
شئ منها بمحل الفرض أما إذا لم تتميز الزائدة عن الأصلية وجب غسلهما جميعا سواء خرجتا من
المنكب أو من المرفق أو الكوع لكن إذا خرجتا من المنكب يغسلان ضرورة أداء الواجب
منهما وإذا خرجتا من المرفق أو الكوع غسلتا حتما ومن الامارات المميزة للزائدة عن الأصلية أن
تكون إحداها قصيرة فاحشة القصر والأخرى في حد الاعتدال فالزائدة القصيرة ومنها نقصان
الأصابع ومنها فقد البطش وضعفه *
352

قال (الفرض الرابع مسح الرأس وأقله ما يسمي (ح) مسحا (م ز) ولو على شعرة
واحدة (و) بشرط أن لا يخرج محل المسح عن حد الرأس ولا يستحب الغسل ولا يكره على الأظهر
وفي البل دون المد وجهان)
قال الله (وامسحوا برؤوسكم) وليس من الواجب استيعاب الرأس بالمسح بل الواجب
ما ينطلق عليه الاسم لان من أمر يده على هامة اليتيم صح أن يقال مسح برأسه ولان النبي صلى الله
353

عليه وسلم مسح في وضوءه بناصيته وعلى عمامته (1) ولم يستوعب * وقال مالك يجب
الاستيعاب وهو اختيار المزني واحدى الروايتين عن أحمد والثانية انه يجب مسح أكثر
الرأس * وقال أبو حنيفة يتقدر بالربع ثم إن كان يمسح على بشرة الرأس فذاك ولا يضر كونها تحت
الشعر وقال الروياني في البحر به لا يجوز لانتقال الفرض إلى الشعر وإن كان يمسح على الشعر
فكذلك يجوز وان اقتصر على مسح شعرة واحدة أو بعضها ولا تقدير وعن ابن القاص انه
لا أقل من ثلاث شعرات كما يعتبر ازالتها في التحلل عن النسك وفي ايجاب الدم على المحرم وهل
يختص هذا الوجه بما إذا كان يمسح على الشعر أم يجري في مسح البشرة ويشترط المسح على
موضع ثلاث شعرات: في كلام النقلة ما يشعر بالاحتمالين جميعا والأول أظهر ثم شرط الشعر
354

الممسوح أن لا يخرج عن حد الرأس فلو كان مسترسلا خارجا عن حده وكان جعدا كانتا في حد
الرأس لكنه بحيث لو مد لخرج عن حده لم يجز المسح عليه لان الماسح عليه غير ما سح على الرأس:
واعلم أن كل شعر مد في جهة النبات يكون خارجا عن حد الرأس وإن كان في غاية القصر وكان
المراد المد في جهة الرقبة والمنكبين وهي جهة النزول ثم بعد حصول هذا الشرط هل يشترط أن لا يجاوز
منبته: فيه وجهان أحدهما يشترط ذلك فلا يجوز المسح على ما جاور منبته وإن كان في حد الرأس فإنه
كالغطاء لما تحته كالعمامة وأصحهما انه لا يشترط لوقوع اسم الرأس عليه ولو غسل الرأس بدلا عن
المسح ففي اجزائه وجهان أحدهما لا يجزيه لأنه مأمور بالمسح والغسل ليس بمسح وأصحهما انه
يجزيه لان الغسل مسح وزيادة وهو أبلغ من المسح فكان مجزيا بطريق الأولي وهذا قضية
ما ذكره في الكتاب لأنه نفى الاستحباب والكراهية عنه وهو مسعر بالاجزاء وهل يكره الغسل
بدلا عن المسح وان أجزأ فيه وجهان أحدهما نعم لأنه سرف كغسل الخف بدلا عن مسحه
وكالغسلة الرابعة وأظهرهم لا يكره لان الأصل هو الغسل إذ به تحصل النظافة والمسح تخفيف من
الشرع نازل منزلة الرخص فإذا عدل إلى الأصل لم يكن مكروها لكن لا يستحب ذلك لما أشار
355

إليه النبي صلى الله عليه وسلم في باب الرخص بقوله إن الله قد تصدق عليكم فاقبلوا صدقته (1)
وقوله لا يستحب الغسل ولا يكره على الأظهر ربما أوهم عود الخلاف إليهما وليس كذلك وإنما
الخلاف في الكراهية وحدها ولو بل رأسه ولم يمد اليد أو غيرها مما يمسح به على الموضع فهل
يجزيه ذلك فيه وجهان أصحهما نعم لان المقصود وصول الماء فلا ينظر إلى كيفية الا يصال كما في الغسل
لا يفترق الحال بين أن يجرى الماء على الأعضاء أو يخوض ببدنه في الماء والثاني وهو اختيار
القفال لا يجزى لأنه لا يسمى مسحا وهو مأمور بالمسح ولو قطر على رأسه قطرة ولم تجر هي على
الموضع فعلى الخلاف فان جرت كفى وهذا يدل على أن المقصود الوصول ولا عبرة باسم المسح
هذا ان سلم ان الامساس والوضع ليس بمسح
356

قال الفرض الخامس غسل الرجلين مع الكعبين
قال الله تعالى (وأرجلكم إلى الكعبين) وحكم الرجل على أنقسامها إلى الكاملة والناقصة
كما سبق في اليد. والكعبان هما العظمان الناتئان من الجانبين عند مفصل الساق والقدم وروي
القاضي ابن كج وغيره عن بعض الأصحاب ان الكعب هو الذي فوق مشط القدم: وجه الأول
ما روى النعمان بن بشير رضي الله عنه قال أمسنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقامة
الصفوف فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب أخيه وكعبه بكعبه (1) والذي يتصور فيه التزاق القائمين
في الصف ما ذكرنا دون ظهر القدم وقد يمتحن فيسأل عن وضوء ليس فيه غسل الرجلين وصورته
ما إذا غسل الجنب جميع بدنه الا رجليه ثم أحدث والأصل في المسألة على الاختصار أن من
اجتمع في حقه الحدث الأكبر والأصغر هل يكفيه الغسل أم يحتاج معه إلى الوضوء فيه وجهان
أحدهما لا يكفيه لان الطهارتين عبادتان مختلفتان فلا تتداخلان كالصلاتين ولأنهما مختلفتا السبب
والأثر والفعل وهذه الاختلافات تمنع التداخل وأصحهما أنه يكفيه الغسل لظاهر الاخبار نحو ما روى
357

أنه صلى الله عليه وسلم قال أما انا فأحثى على رأسي ثلاث حثيات فإذا أنا قد طهرت (1)
ولم يفصل بين الجنابة المجردة والجنابة مع الحدث مع أن الغالب ان الجنابة لا تتجرد فعلى الأول
يجب الوضوء والغسل ولا ترتيب بينهما: وعلى الثاني وهو الأصح هل من شرط الغسل ليكفي مراعاة
الترتيب في أعضاء الوضوء فيه وجهان أحدهما نعم لان الترتيب خاصية الوضوء والتداخل إنما
يجرى فيما يشترك المتداخلان فيه من الافعال دون خواصهما فعلى هذا يكفي غسل البدن مرة واحدة
ولكن يشترط أن تكون أعضاء الوضوء مغسولة على الترتيب وزاد بعضهم على هذا الوجه شرطا
آخر وهو ان يمسح الرأس لأنه من خاصية الوضوء أيضا بناء على أن الغسل لا يقوم مقام المسح
والثاني وهو الأصح لا يشترط رعاية الترتيب لما أشرنا إليه من الظواهر ولا يبعد أن يدخل الأصغر
في الأكبر فلا تبقى خاصيته الا ترى أن العمرة تفوت بما يفوت به الحج إذا دخلت تحته بالقران ولو
انفردت لا تفوت: فقد بطلت خاصيتها حين ما دخلت في الأكبر فعلى هذا هل يحتاج إلى أن ينويهما
جميعا بغسله أم يكفيه نية الأكبر فيه وجهان أحدهما يحتاج إلى الجمع كالحج والعمرة يتداخلان
358

في الافعال دون النية وأصحهما لا حاجة إليه لان الطهارات موضوعة على التداخل فعلا ونية ألا
ترى انه إذا اجتمعت الاحداث كفى فعل واحد ونية واحدة هذا كله إذا اتفق وقوع الأكبر
والأصغر معا أو سبق الأصغر الأكبر: أما إذا سبق الأكبر الأصغر فطريقان أحدهما طرد
الخلاف والثاني الاكتفاء بالغسل بلا خلاف لان الأكبر إذا تقدم تأثر به جميع البدن
فلا يؤثر فيه الأصغر بعد ذلك والأصغر إذا تقدم جاز أن يؤثر الأكبر فيه بعده لعظمه وزيادة
آثاره * إذا عرفت هذا الأصل فنعود إلى الصورة المذكورة ونقول ان قلنا يجب وضوء وغسل
عند اجتماع حدثين وجب غسل الرجلين عن الجنابة ووضوء كامل عن الحدث يقدم منهما ما شاء
ويؤخر ما شاء وتكون الرجل مغسولة مرتين وان قلنا يكفي الغسل ثم يشترط الترتيب في أعضاء
الوضوء وجب غسل الرجلين مؤخرا عن سائر أعضاء الوضوء ويكون غسلهما واقعا عن الجهتين
الجنابة والحدث جميعا وان قلنا يكفي الغسل من غير اشتراط الترتيب فعليه غسل الرجلين عن
جهة الجنابة إما قبل سائر أعضاء الوضوء أو بعدها أو في خلالها ويغسل سائر الأعضاء عن
الحدث على الترتيب وهذا هو الأصح واختيار ابن سريج وابن الحداد وعلى هذا الوجه يكون
المأتي به وضوءا خاليا عن غسل الرجلين لان الرجلين قد اجتمع فيهما الحدثان ونحن على هذا
الوجه نحكم باضمحلال الأصغر في جنب الأكبر فليست الرجلان مغسولتين عن جهة الوضوء
359

فهذه هي صورة الامتحان وينبغي أن يعلم أن هذا لا يختص بغسل الرجلين بل لو غسل الجنب
من بدنه ما سوى الرأس والرجلين ثم أحدث كان الكلام في الرأس والرجلين على ما ذكر في
الرجلين ولزم أن نقول على الوجه الصحيح هذا وضوء خال عن مسح الرأس والرجلين وعلى
هذا القياس لو غسل جميع بدنه سوى اليدين والرأس والرجلين فلهذا لا يتنجح المحصل بأمثال
هذه الامتحانات (فائدة) عدوا غسل الرجلين أحد فروض الوضوء وأركانه لكن المتوضئ
غير مكلف بغسل الرجلين بعينه بل الذي يلزمه أحد أمرين إما غسل الرجلين أو المسح على
الخفين بشرطه فلو عبر معبر عن هذا الركن هكذا لكان مصيبا والمراد عند الاطلاق ما إذا كان
لا يمسح أو ان الأصل الغسل والمسح بدل *
(الفرض السادس الترتيب (ح م ز) الا إذا اغتسل سقط الترتيب في أظهر الوجهين فإنه
يكفي للجنابة فللأصغر أولى والنسيان ليس بعذر في ترك الترتيب (ح) على الجديد وإذا خرج منه
بلل واحتمل الجنابة والحدث فان شاء اغتسل ولم يغسل الثوب وان شاء توضأ وضوءا مرتبا
وغسل الثوب)
روى أنه صلى الله عليه وسلم وسلم قال لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه
360

فيغسل وجهه ثم يغسل يديه ثم يمسح برأسه ثم يغسل رجليه وهذا ونحوه ظاهر في اعتبار الترتيب
وخلاف أبي حنيفة ومالك فيه مشهور وقد تكلم في هذا الركن في أمور أحدها لو اغتسل المحدث
بدلا عن الوضوء هل يجزيه ذلك: نظر ان أتي بالغسل بحيث يتأتي فيه تقدير الترتيب في لحظات
متعاقبة كما إذا انغمس في الماء ومكث فيه زمانا ففيه وجهان أحدهما لا يجزيه لان الترتيب من
واجبات الوضوء والواجب لا يسقط بفعل ما ليس بواجب وأصحهما يجزيه لمعنيين أحدهما ان الغسل
أكمل من الوضوء فإنه يكفي لرفع أعلى الحدثين فالأصغر أولى: كيف والأصل هو الغسل وإنما
حط تخفيفا: والثاني ان الترتيب حاصل في الحالة المفروضة فإنه إذا لاقي الماء وجهه وقد نوى يرتفع
الحدث عن وجهه وبعده عن اليدين لدخول وقت غسلهما وهكذا إلى آخر الأعضاء فعلى المعنى
الأول وهو الذي ذكره في الكتاب ايثار الغسل على الوضوء يسقط الترتيب: وعلى الثاني الترتيب
حامل والرافع للحدث هو الوضوء المندرج تحت الغسل كما لو اغتسل مراعيا للترتيب في أعضاء
الوضوء حقيقة يرتفع حدثه بلا خلاف وان لم يتأت فيه تقدير الترتيب بأن انغمس وخرج على
الفور أو غسل الأسافل قبل الأعالي ففيه وجهان مبنيان على الوجهين في الحالة الأولى: ان قلنا
لا يجزي ثم فهنا أولى وان قلنا يجزى فيبنى على المعنيين ان قلنا الترتيب ساقط و الرافع للحدث
هو الغسل أجزأه ههنا أيضا وان قلنا بالمعني الثاني فلا والمعنى الثاني أصح: فلا جرم الأصح في هذه
الحالة انه لا يجزيه ولا خلاف في الاعتداد بغسل الوجه في الحالتين جميعا إذا قارنته النية والكلام
فيما عداه وعنهم من قال في الحالة الأولى يجريه ما أتى به بلا خلاف والخلاف في الحالة الثانية وهذا
إذا نوي رفع الحدث فان نوى رفع الجنابة ان قلنا لا يجزيه إذا نوى رفع الحدث فههنا أولى وان
قلنا يجزيه فوجهان ههنا أحدهما لا يجزيه لأنه إذا نوى رفع الجنابة نوى طهرة غير مرتبة وأصحهما
361

الجواز والنية لا تتعلق بخصوص الترتيب نفيا واثباتا وهذا كله في المحدث المحض يغتسل: أما إذا
أجنب وأحدث فالظاهر أنه يكفيه الغسل كما تقدم والأصغر يتلاشى في جنب الا كبر وإذا
عرفت ما ذكرناه ونظرت في لفظ الكتاب وجدته يعم الحالتين ما إذا اغتسل بحيث يتأتى فيه
تقدير الترتيب وما ذا اغتسل بحيث لا يتأتي فيه ذلك فان أرادهما جميعا فالخلاف شامل لكن الأظهر
عند الجمهور أنه لا يجزيه الغسل في الحالة الثانية على خلاف ما ذكره. وان أراد الحالة الأولى فالنقل
والاختيار كما ذكره غيره: الثاني لو ترك الترتيب عامدا لم يجزه وضؤه لكن يعتد بغسل الوجه
وبما بعده على الانتظام فلو استعان بأربعة غسلوا أعضاءه دفعة واحدة لم يجزه الوضوء كما لو نكس
لان المعية تنافى الترتيب أيضا وفيه وجه أن الشرط عدم التنكيس ويجزيه الوضوء ههنا وان ترك
الترتيب ناسيا فقولان الجديد انه كما لو ترك عامدا كما لو ترك سائر الأركان ناسيا وفي القديم
قول انه يعذر بالنسيان وذكر الأئمة انه مخرج من القول القديم في ترك الفاتحة ناسيا ووجه
362

الشبه أن قراءة الفاتحة وإن كانت ركنا لكنها ليست قائمة بنفسها كالركوع والقيام ونحوهما
وإنما هي زينة وتتمة للقيام: كذلك الترتيب زينة وهيئة في سائر الأركان: الثالث الوضوء نوعان
أحدهما وضوء من يتيقن ان حدثه الأصغر فيعتبر فيه الترتيب والثاني وضوء من يجوز أن يكون
حدثه الأكبر ونظيره ما إذا خرج منه بلل واحتمل أن يكون منيا واحتمل أن يكون مذيا ففيما
يلزمه وجوه: أحدها انه يجب عليه الوضوء لان غسل ما زاد على الأعضاء الأربعة مشكوك فيه
والمستيقن هذا القدر وعلى هذا الوجه لو عدل إلى الغسل كان كالمحدث يغتسل بدلا عن الوضوء
والثاني يجب عليه الوضوء وغسل وسائر البدن وغسل ما أصابه ذلك البلل لان شغل ذمته بإحدى
الطهارتين معلوم وصلاته موقوفة على الطهارة التي لزمته فعليه الاتيان بها ليخرج عن العهدة بيقين
والثالث وهو الأصح انه يتخير بين أن يغتسل أخذا بأنه منى أو يتوضأ أخذا بأنه مذي لان كل
واحد منهما محتمل فإذا أتى بموجب أحدهما وجب أن تصح صلاته لان لزوم الآخر مشكوك فيه
والأصل العدم وهذا الوجه هو الذي ذكره في الكتاب وليكن قوله فان شاء وان شاء معلمين
بالواو إشارة إلى ما روينا من الوجهين ثم على هذا الوجه الأظهر وجب أن يغسل
ما أصابه ذلك البلل من ثوب وغيره لأنه على التقدير الذي يجب الوضوء يكون ذلك الخارج نجسا
363

وفيه وجه انه لا يجب غسل الثوب وهو ضعيف ولا بد أن يكون الوضوء المأتي به مرتبا وفيه وجه
انه لا يجب الترتيب لأنه إذا شك في كونه منيا أو غيره فقد شك في أن الواجب الطهارة الصغرى
أو الكبرى والترتيب من خاصية الطهارة الصغرى فلا يجب بالشك كما لا يجب ما يختص بالطهارة
الكبرى وإنما يجب المشترك بينهما ويقال كان القفال يقول بهذا الوجه ثم رجع إلى الأول وهو المذهب
لأنه اما مني فموجبه الغسل أو غيره فموجبه الوضوء بأركانه فإذا لم يرتب الوضوء ولا اغتسل فقد
صلى مع أحد الحدثين يقينا ويجرى هذا الخلاف فيما إذا أولج خنثى مشكل في دبر رجل فهما
بتقدير ذكورة الخنثى جنبان والا فمحدثان فالجنابة محتملة غير مستيقنة فإذا توضئا وجب عليهما
المحافظة على الترتيب في ظاهر المذهب وفي وجه لا يجب لان لزومك الترتيب مشكوك فيه وهذا
الوجه هو الذي دعا إلى ايراد مسألة البلل ههنا وان لم يذكره في لفظ الكتاب والله أعلم *
364

القول (في سنن الوضوء وهي ثماني عشرة أن يستاك بقضبان الأشجار عرضا ويستحب ذلك
عند كل صلاة وعند تغير النكهة ولا يكره الا بعد الزوال (ح م) للصائم) *
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال السواك مطهرة للفم مرضاة للرب (1) إلى
أخبار كثيرة فيستحب الاستياك مطلقا ولا يكره الا بعد الزوال للصائم خلافا لأبي حنيفة
ومالك وأحمد رحمهم الله وسنذكر تفصيل مذهبهم في الصوم إن شاء الله تعالى * لنا انه يزيل
365

أثر العبادة وهو خلوف الفم وانه مشهود له بالطيب قال صلى الله عليه وسلم لخوف فم
الصائم أطيب عند الله من ريح المسك (1)
وإذا كان كذلك فيكره ازالته كدم الشهيد وإنما خص بما بعد الزوال لان تغيير الفم بسبب الصوم وحينئذ
يطهر وفى غيره هذه الحالة يطرد الاستحباب لكنه أكد في مواضع منها عند الصلاة وإن كان على
367

الطهارة سواء كان متغير الفم أو لم يكن لقوله صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتي
لامرتهم بالسواك عند كل صلاة (1) ومنها عند تغيير النكهة وذلك قد يكون للنوم فيستحب
368

عند الاستيقاظ الاستياك: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ استاك (1) وروى أنه كان
يشوص فاه بالسواك وقد يكون لطول السكوت وقد يكون لترك الاكل وقد يكون لاكل ما له
رائحة كريهة فيستحب الاستياك عندها جميعا لأنها أسباب تغير الفم فتشبه النوم: ومنها اصفرار
الأسنان وقد يفرض ذلك من غير تغير النكهة: ومنها قراءة القرآن تعظيما وتطهيرا له: ومنها عند الوضوء
369

وان لم يصل في الحال: روى في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم قال لولا أن أشق على
أمتي لامرتهم بتأخير العشاء والسواك عند كل وضوء (1) وقد حكينا فيما تقدم عن بعض الأصحاب
أن السواك لا يعد من سنن الوضوء فلك أن تعلم قوله أيستاك بالواو إشارة إلى ذلك الوجه وقوله
بقضبان الأشجار ليس على سبيل الاشتراط لكنها أولى من غيرها والأولى منها الأراك والأحب
أن يكون يابسا لين بالماء دون ما لم يلين فإنه يقرح اللثة ودون الرطب فإنه لا ينقى اللزوجة وأصل
السنة تتأدى بكل خشن يصلح لإزالة القلح كالخرقة الخشنة ونحوها نعم لو كان جزءا منه كإصبعه
370

الخشنة ففيه ثلاثة أوجه أظهرها لا يجزى لأنه لا يسمى استياكا: والثاني يجزى لحصول مقصود الاستياك
به: والثالث ان قدر على العود ونحوه فلا يجزى والا فيجزى لمكان العذر: وأما قوله عرضا
فقد ذكر امام الحرمين أنه عد السواك على طول الأسنان وعرضها فان اقتصر على إحدى الجهتين
فالعرض أولى لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال استاكوا عرضا وهكذا أورده المصنف
في الوسيط وذكر آخرون منهم صاحب التتمة أن يستاك في عرض الا سنان لا في طولها ورووا في
371

الخبر أنه قال استاكوا عرضا لا طولا (1) فعلى الأول قوله عرضا ليس لأنه متعين في إقامة
هذه السنة بل خصه بالذكر لأنه أولي وعلى الثاني هو تعيين *
372

قال (وأن يقول بسم الله في الابتداء وأن يغسل يديه ثلاثا قبل ادخالهما في الاناء)
ومن سنن الوضوء أن يقول في ابتدائه بسم الله على سبيل التبرك والتيمن وذهب أحمد إلى أن
373

التسمية واجبة لقوله صلى الله عليه وسلم لا وضوء لمن لم يسم الله عليه (1) قلنا المعنى لا وضوء
386

كاملا كذلك روى في بعض الروايات ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم من توضأ وذكر اسم
الله كان طهورا لجميع بدنه ومن توضأ ولم يذكر اسم الله كان طهورا لأعضاء وضوءه ولو كانت
التسمية واجبة لما طهر شئ: ثم لو نسي التسمية في ابتداء وتذكرها في أثناء الوضوء اتى بها كما
لو نسي التسمية في ابتداء الاكل يأتي بها إذا تذكر في الأثناء: ولو تركها في الابتداء عمدا فهل
يشرع له التدارك في الأثناء هذا محتمل ولك أن تعلم قوله وأن يقول بسم الله بالألف والواو
فالألف لان احمد عدها من الواجبات والواو لان بعض الأصحاب لم يعدها من سنن الوضوء
392

وقال هي محبوبة في كل امر ذي بال فلا اختصاص لها بالوضوء: ومن سننه غسل اليدين إلى الكوعين
قبل غسل الوجه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك في وضوءه (1) ولا فرق في
استحبابه بين القائم من النوم وغيره ولا بين ان يتردد في طهارة يديه أو يتيقنها ولا بين من يدخل
يديه في الاناء في توضئه وبين من لا يفعل ذلك ولفظ الكتاب لا يقتضى الا الاستحباب في حق
من يدخل يديه في الاناء: ثم من يدخل يديه في الاناء ولم يتيقن طهارة يديه بان قام من النوم واحتمل
تنجس يديه في طوافهما وهو نائم يختص بشئ وهو انه يكره له ذلك قبل الغسل قال رسول الله
394

صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا
فإنه لا يدرى أين باتت يده (1) وكذلك لو كان مستيقظا ولم يستيقن طهارة اليدين وإن تيقن
طهارة يديه فهل يكره له الغمس قبل الغسل فيه وجهان أظهرهما لا بل يتخير بين تقديم الغمس وتأخيره لان
سبب المنع ثم الاحتياط للماء لاحتمال نجاسة اليد وهذا مفقود ههنا: والثاني يكره لان المتيقن والمتردد
يستويان في أصل استحباب الغسل فكذلك في استحباب تقديم الغسل على الغمس وليكن
قوله وان يغسل يديه معلما بالألف والواو أيضا اما الألف فلان عند احمد ان قام من نوم الليل يجب
غسل اليدين قبل ادخالهما الاناء وان قام من نوم النهار لا يجب واما الواو فلان بعضهم لا يعده
من سنن الوضوء على ما سبق واما قوله ثلاثا فليس ذلك من خاصية هذه السنة بل التثليث مستحب
في جميع أفعال الوضوء كما سيأتي *
395

قال (وأن يتمضمض ثم يستنشق فيأخذ غرفة لفيه وغرفة لا نفه على أحد القولين وفي الثاني
يأخذ غرفة لهما ثم يخلط على أحد الوجهين إذا كانت الغرفة واحدة ويقدم المضمضة في الوجه الثاني
وأن يبالغ فيهما الا أن يكون صائما فيرفق)
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمضمض ويستنشق في وضوئه (1) فهما مستحبان فيه
396

خلافا لأحمد حيث قال بوجوبهما: لنا ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عشر
من السنة وعد منها المضمضة والاستنشاق ثم أصل الاستحباب يتأدى بايصال الماء إلى الفم والأنف
سواء كان بغرفة واحدة أو أكثر لكن اختلفوا في الكيفية التي هي أفضل على طريقين أصحهما
أن فيه قولين أصحهما أن الفصل بين المضمضة والاستنشاق أفضل لما روى عن طلحة بن مصرف
عن أبيه عن جده قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين المضمضة والاستنشاق
ويقال ان عثمان وعليا رضي الله عنهما كذلك روياه ولأنه أقرب إلى النظافة: والثاني الجمع بينهما أفضل لما
روى عن علي رضي الله عنه في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يتمضمض مع الاستنشاق
بماء واحد ونقل مثله عن وصف عبد الله بن زيد والرواية عنه وعن عثمان وعلي رضي الله عنهم في الباب
397

مختلفة: والطريق الثاني أن الفصل أفضل بلا خلاف وحيث ذكر الجمع أراد بيان الجواز فان قلنا
بالفصل ففي كيفيته وجهان أصحهما أنه يأخذ غرفة يتمضمض منها ثلاثا وغرفة أخري يستنشق منها
ثلاثا لان عليا رضي الله عنه كذلك رواه: والثاني أنه يأخذ ثلاث غرفات للمضمضة وثلاثا
للاستنشاق لأنه أقرب إلى النظافة وأيسر ثم على هذا القول يقدم المضمضة على الاستنشاق وهذا
التقديم مستحق على أظهر الوجهين لأنهما عضوان فيتعين الترتيب بينهما كما في سائر الأعضاء
والثاني أنه مستحب لأنهما لتقاربهما بمنزلة العضو الواحد كاليمين مع اليسار * وان قلنا بالجمع ففي كيفيته
398

وجهان أيضا أظهرهما أنه يأخذ غرفة يتمضمض منها ثم يستنشق ثم يأخذ غرفة أخرى يتمضمض منها
ثم يستنشق ثم يأخذ ثالثة فيعمل بها مثل ذلك كذلك روى عن وصف عبد الله بن زيد: والثاني
أنه يأخذ غرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثا ويستنشق ثلاثا روى ذلك في بعض الروايات أيضا
ثم على هذا الوجه وهو اتخاذ الغرفة هل يخلط المضمضة بالاستنشاق أم يقدم المضمضة فيه وجهان
أحدهما انه يخلط فيتمضمض ويستنشق مرة بما معه ثم يفعل ذلك ثانية وثالثة لان اتحاد الغرفة
يدل على أنهما في حكم عضو واحد: والثاني يقدم المضمضة على الاستنشاق فان ذلك أقرب إلى
399

النظافة * ولنبين ما يشتمل عليه الكتاب من هذا الاختلافات أما قوله فيأخذ غرفة لفيه وغرفة لا نفه
على أحد القولين فهو قول الفصل بالكيفية المذكورة في الوجه الأول من الوجهين المذكورين على
هذا القولين: وأما قوله وفي الثاني يأخذ غرفة لهما فهو قول الجمع بالكيفية المذكورة في الوجه الثاني على
هذا القول: وقوله ثم يخلط على أحد الوجهين إلى آخره هما الوجهان المذكوران أخيرا ومن
سنن الوضوء المبالغة في المضمضة والاستنشاق ففي المضمضة يبلغ الماء أقصي الحنك ووجهي الأسنان
واللثات مع امرار الإصبع عليها وفي الاستنشاق يصعد الماء بالنفس إلى الخيشوم مع ادخال الإصبع وإزالة
ما فيه من الأذى لكن لو كان صائما لا يبالغ فيهما كيلا يصل الماء إلى الدماغ أو البطن وقد روي
400

عن لقيط بن صبرة قال قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء قال صلى الله آله وسلم أسبغ
الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق الا أن تكون صائما (1)
قال (وان يكرر الغسل والمسح " ح م و " في الجميع وان شك أخذ بالأقل)
405

توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ثم قال هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي
ووضوء خليلي إبراهيم * وروي أنه توضأ ثلاثا ثلاثا وقال من زاد على هذا فقد أساء وظلم (1) ولا فرق
بين المغسول من الأعضاء والممسوح المفروض منهما وغير المفروض لأنه لفظ الخبر مطلق
يتناول المغسول والممسوح * وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله لا يستحب التكرار في مسح
الرأس وحكاه أبو عيسى الترمذي في جامعة عن الشافعي رضي الله عنه ونقله أبو عبد الله الحناطي
408

وجها للأصحاب فيه وفي مسح الاذنين * واحتجوا عليه بما روى أنه صلى الله عليه وسلم مسح
رأسه مرة واحدة (1) وعن علي وعثمان رضي الله عنهما أنهما في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه
409

وسلم مسحا رؤوسهما مرة واحدة: قلنا ورد في رواية الربيع بنت معوذ انه مسح رأسه مرتين (1)
410

وعن عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح رأسه ثلاثا (1) على أن ما رويتموه يجوز أن يكون فعله
في بعض الأحوال لبيان الجواز وهذا لبيان الفضيلة فلو شك في أنه غسل أو مسح مرة أو مرتين
أو شك في أنه فعل ذلك مرتين أو ثلاثا فوجهان أصحهما وهو المذكور في الكتاب انه يأخذ بالأقل
كما لو شك في عدد ركعات الصلاة: والثاني ذكره الشيخ أبو محمد أنه يأخذ بالأكثر حذرا من
411

ان يزيد غسلة رابعة فإنها بدعة وترك السنة أهون من اقتحام البدعة لكن من قال بالأول لا يسلم
ان الرابعة بدعة على الاطلاق بل البدعة اتيانه بالرابعة عن علم منه بحقيقة الحال *
قال (وان يخلل اللحية إذا كانت كثيفة)
ما لا يجب ايصال الماء إلى باطنه ومنابته من شعر الوجه يستحب تخليله بالأصابع روى
412

عن عثمان رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته (1)
وروى أنه كان يخلل لحيته ويدلك عارضيه بعض الدلك وعن المزني ان التخليل واجب
ورواه القاضي ابن كج عن بعض الأصحاب فان أراد المزني فتفرداته لا تعد من المذهب إذا لم
يخرجها على أصل الشافعي رضي الله عنه وان أراد غيره حصل وجه موافق لما ذهب إليه المزني
414

قال (وأن يقدم اليمنى على اليسرى)
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في كل شئ حتى في وضؤه وانتعاله (1)
419

وعن أبي هريرة رضي الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأتم فابدأوا بميامنكم (1)
وزعم المرتضى من الشيعة ان الشافعي رضي الله عنه في القديم كان يوجب تقديم اليمنى على اليسرى
وليس لهذا ذكر في كتب أصحابنا ولا اعتماد عليه ويدل على نفى الوجوب ما روى عن علي رضي الله عنه
أنه قال ما أبالي بيميني بدأت أو بشمالي إذا أكملت الوضوء ثم استحباب تقديم اليمنى
420

على اليسرى في كل عضوين يعتبر ايراد الماء عليهما دفعة واحدة كاليدين والرجلين: أما الأذنان
فلا يستحب البداية باليمنى منهما لان مسحهما معا أهون وكذلك الخدان يغسلان معا: نعم الأقطع
يعجز عن غسل الخدين ومسح الاذنين دفعة واحدة فيراعى التيامن هكذا ذكر القاضي أبو المحاسن
وليكن قوله وأن يقدم اليمنى مرقوما بالألف لان أحمد صار إلى وجوبه *
421

قال (وأن يطول الغرة)
روي أنه صلى الله عليه وسلم قال أمتي يوم القيامة غر محجلون من آثار الوضوء (1)
422

قال أبو هريرة فكنا بعد ذلك نغسل أيدنا إلى الآباط واختلف الأصحاب في التفسير ففرق بعضهم
بين تطويل الغرة وتطويل التحجيل فقالوا تطويل الغرة غسل مقدمات الرأس مع الوجه وكذلك
غسل صفحة العنق والتحجيل غسل بعض العضد عند غسل اليد وغسل بعض الساق عند غسل
الرجل وغاية ذلك استيعاب العضد والساق وفسر كثيرون تطويل الغرة بغسل شئ من العضد
والساق وأعرضوا عن ذكر ما حوالي الوجه والأول أولى وأوفق لظاهر الخبر *
423

قال (وأن يستوعب الرأس بالمسح فان عسر تنحية العمامة كمل المسح على العمامة)
من سنن الوضوء استيعاب الرأس بالمسح والأحب في كيفيته أن يضع يده على مقدم رأسه وكل واحدة من
سبابتيه ملصقة بالأخرى وإبهاماه على صدغيه ثم يذهب بهما إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه
روى عن عبد الله بن زيد في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مسح رأسه بيديه
أقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى الموضع الذي بدأ منه (1) وهل
الذهاب باليد والرد مسحة واحدة أم الذهاب وحده مسحة ان لم يكن على رأسه شعر أو كان
عليه شعر لا ينقلب بذهابه باليد وردها لكونه ضفيرة معقودة أو لطوله فامرار اليد من المقدم إلى
424

المؤخر مسحة واحدة قال في التهذيب ولا يحسب الرد والحالة هذه مسحة أخري لصيرورة البلل
مستعملا بحصول مسح جميع الرأس وإن كان على رأسه شعر ينقلب بالذهاب باليد وردها فهما
جميعا مسحة واحدة ليستوعب البلل جميع الرأس فان منابت الشعور مختلفة منها ما يكون وجهه
إلى مقدم الرأس ومنها ما يكون وجهه إلى مؤخره فبالذهاب ينبل بواطن القسم الأول وظواهر الثاني
425

وبالرد ينبل ظواهر الأول وبواطن الثاني والأولى أن يمسح من الرأس الناصية مسح رسول الله
صلى الله عليه وسلم بناصيته وعلى عمامته (1) ولا يجوز الاقتصار على مسح العمامة لان المأمور به
مسح الرأس والماسح على العمامة ليس بماسح على الرأس ولو عسر عليه تنحية ما على رأسه من عمامة
وغيرها ومسح من الرأس قدر ما يجب كمل بالمسح على العمامة بدلا من الاستيعاب وتشبها به:
426

قال (وأن يمسح اذنيه بماء جديد ظاهرهما وباطنهما)
يستحب مسح الاذنين لما روى أنه صلى الله عليه وسلم مسح في وضؤه برأسه وأذنيه
ظاهرهما وباطنهما وأدخل إصبعيه في صماخي اذنيه (1) وينبغي أن يمسحهما بماء جديد لما روى عن
427

عبد الله بن زيد في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم انه توضأ فمسح أذنيه بماء غير
الماء الذي مسح به الرأس (1) وليس من الشرط أن يأخذ ماء جديدا حينئذ بل لو أمسك بعض أصابعه
428

من البلل المأخوذ لمسح الرأس ومسح به الاذنين تأدت هذه السنة روى أنه صلى الله عليه وسلم
429

وسلم أمسك بسبابتيه وابهاميه عن الرأس لمسح الاذنين فمسح بسبابتيه باطنهما وبابهاميه ظاهرهما (1)
ويمسح الصماخين بماء جديد أيضا نص عليه لأنه من الاذن كالفم والأنف من الوجه وحكى قول
آخر انه يكفي مسحه ببقية بلل الاذن لان الصماخ من الاذن والأحب في إقامة هذه السنة أن يدلل
430

مسحتيه في صماخيه ويديرهما على المعاطف ويمر ابهاميه على ظهورهما ثم يلصق كفيه وهما مبلولتان
بالأذنين استظهارا ولك أن تعلم قوله وأن يمسح أذنيه بالألف لان احمد قال بوجوبه وبالميم
لان مالكا قال في رواية هما من الوجه يغسلان معه ولا يمسحان وقوله بماء جديد بالحاء لان
أبا حنيفة يقول هما من الرأس يمسحان بالبلل المأخوذ للرأس وبالميم لان مالكا يقول
431

في رواية هما من الوجه يمسحان بالبلل الباقي عن غسل الوجه وبالألف لان احمد مع قوله بالوجوب
يجوزه بالمأخوذ لمسح الرأس وعن مالك روايتان أخريان إحداهما مثل مذهبنا والأخرى مثل
مذهب أبي حنيفة
432

قال (وأن يمسح الرقبة)
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مسح الرقبة أمان من الغل (1) وعن ابن عمر رضى
433

الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من توضأ ومسح على عنقه وقي الغل يوم القيامة (1)
وهل يمسح بماء جديد أم بما يبقي من بلل مسح الرأس أو الاذن: بناه بعضهم على وجهين
في أن مسح العنق سنة أم أدب ان قلنا سنة مسح بماء جديد وان قلنا أدب فمسح بالبلل الباقي *
واعلم أن السنة والأدب يشتركان في أصل الندبية والاستحباب لكن السنة ما يتأكد شأنها
والأدب دون ذلك ثم اختيار القاضي الروياني انه ينبغي أن يمسح بماء جديد وميل الأكثرين
434

إلى أنه يكفي مسحه بالبلل الباقي وهو قضية كلام المسعودي وصاحب التهذيب لان المسعودي
قال إنه غير مقصود في نفسه بل هو تابع للقفا في المسح والقفا تابع للرأس لتطويل الغرة وقال صاحب
التهذيب يستحب مسحه تبعا للرأس أو الاذن إطالة للغرة وإذ كان استحبابه لتطويل الغرة كفى
فيه البلل الباقي والله أعلم *
435

قال (وأن يخلل أصابع الرجلين بخنصر اليد اليسرى من أسفل أصابع الرجل اليمنى ويبتدئ
بخنصر اليمنى ويختم بخنصر اليسرى) *
من سنن الوضوء تخليل أصابع الرجلين في غسلهما لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال للقيط بن صبرة
إذا توضأ فخلل الأصابع (1) وهذا إذا كان الماء يصل إليها من غير تخليل فلو كانت الأصابع
ملتفة لا يصل الماء إليها الا بالتخليل فحينئذ يجب التخليل لا لذاته لكن لأداء فرض الغسل وإن كان
ت ملتحمة لم يجب الفتق ولا يستحب أيضا والأحب في كيفية التخليل أن يخلل بخنصر
اليد اليسرى من أسفل الأصابع مبتدئا بخنصر الرجل اليمنى ومختتما بخنصر اليسرى
ورد الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك ذكره الأئمة وعن أبي ظاهر الزيادي
انه يخلل ما بين كل إصبعين من أصابع رجله بإصبع من أصابع يده ليكون بماء جديد ويفصل الابهامان فلا
436

يخلل بهما لما فيه من العسر وهل التخليل من خاصية أصابع الرجلين أم هو مستحب في أصابع
اليدين أيضا معظم أئمة المذهب ذكروه في أصابع الرجلين وسكتوا عنه في اليدين لكن القاضي
أبا القاسم بن كج قال إنه مستحب فيهما واستدل بخبر لقيط بن صبرة فان لفظ الأصابع ينتظمها وفي جامع
أبي عيسى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا
توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك وعلى هذا فالذي يقرب من الفهم ههنا أن يشبك بين الأصابع
ولا تعود فيه الكيفية المذكورة في الرجلين ولك أن تعلم قوله بخنصر اليد اليسرى بالواو إشارة
إلى ما حكينا عن الأستاذ أبي طاهر *
437

قال (وان يوالي بين الافعال فهي سنة على الجديد)
اختلف قول الشافعي رضي الله عنه في الموالاة فقال في القديم هي واجبة وبه قال مالك واحمد
في رواية لان النبي صلى الله عليه وسلم وسلم توضأ على سبيل الموالاة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به (1) ولأنه عبادة ينقضها الحدث فيعتبر فيها الموالاة كالصلاة وقال في الجديد هي
438

سنة لما روى أن رجلا توضأ وترك لمعة في عقبه فلما كان بعد ذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم
وسلم بغسل ذلك الموضع ولم يأمره بالاستئناف ولم يبحث عن قدر المدة الفاصلة: وعن ابن عمر رضي
الله عنهما انه كان يتوضأ في سوق المدينة فدعى إلى جنازة وقد بقي من وضؤه فرض الرجلين
فمذهب معها إلى المصلى ثم مسح على خفيه وكان لابسا ولان أفعال الوضوء يجوز أن يتخللها الزمان
اليسير فكذلك الزمان الكثير بخلاف الصلاة: ثم لجريان القولين شرطان وان أطلق في الكتاب
439

أحدهما أن يهمل الموالاة بتفريق كثير أما التفريق اليسير فلا يقدح بلا خلاف سواء كان بعذر
أو بغير عذر والتفريق الكثير أن يمضي من الزمان ما يجف فيه المغسول مع اعتدال الهواء ومزاج
الشخص ولا عبرة بحال المحموم ولا يتباطئ الجفاف بسبب برودة الهواء ولا بتسارعه بسبب
الحرارة وقيل يؤخذ الكثير والقليل من العادة و قيل إذا مضي قدر ما يمكن فيه اتمام الطهارة فقد
كثر التفريق واعتبار مدة التفريق من آخر الفعل المأتي به من أفعال الوضوء حتى لو غسل وجهه
440

ويديه ووقع فصل ثم مسح رأسه قبل جفاف ماء اليدين لم يضر وان جف الماء على وجهه: و إذا غسل
ثلاثا فالاعتبار من الغسلة الأخيرة * الشرط الثاني أن يكون التفريق الكثير بغير عذر أما إذا
كان بعذر فلا يضر ولا يعود فيه القول القديم قال المسعودي لان الشافعي رضي الله عنه جوز في
القديم تفريق الصلاة بالعذر فإنه إذا سبقه الحدث يتطهر ويبنى ففي الطهارة أولي والعذر كما إذا نفد
ماؤه فذهب لطلبه أو خاف من شئ فهرب وهل النسيان من الاعذار فيه وجهان للشيخ أبي
محمد والأظهر انه من الاعذار ومنهم من طرد القولين في التفريق بالعذر أيضا والأكثرون على
441

الأول وحكي عن نص الشافعي رضي الله عنه ما يدل عليه وإذا عرفت موضع القولين فنقول ان
فرعنا على القديم وفرق وجب عليه الاستئناف وان فرعنا على الجديد فله البناء ثم إن كان مستديما
للنية فذاك وان لم يكن فهل يحتاج إلى تجديد النية فيه وجهان أحدهما نعم لان استيفاء النية حكما
خلاف الحقيقة إنما يصار إليه عند تواصل الافعال وأظهرهما لا لان التفريق إذا كان جائزا كانت
النية الأولى كافية ألا ترى أن الحج إذا جاز فيه التفريق كفت النية الأولى فيه *
442

قال (وأن لا يستعين في الوضوء بغيره وأن لا ينشف الأعضاء فهي سنة على أظهر الوجهين وان لا ينفض
يديه للنهي عنه وأن يدعو بالدعوات المأثورة المشهورة عند غسل الأعضاء)
هذه البقية تشتمل على أربع سنن إحداها ان لا يستعين في وضوء بغيره روى أنه صلى الله عليه وسلم قال أنا لا أستعين
على وضوئي بأحد (1) قاله لعمر رضي الله عنه وقد بادر ليصب الماء على يديه ولأنه نوع من التنعم
والتكبر ذلك لا يليق بحال المتعبد والاجر على قدر النصب وهل تكره الاستعانة فيه وجهان
443

أحدهما نعم لما ذكرناه وأظهرهما لا لان النبي صلى الله عليه وسلم قد استعان أحيانا منها ما روى أن
أسامة (1) والربيع بنت معوذ صبا الماء على يديه (2) ومنها ما روى أنه استعان بالمغيرة بن شعبة لمكان
جبة ضيقة الكمين كان قد لبسها فعسر عليه الاسباغ منفردا (3) ولا يستبعدن الخلاف في أن الاستعانة
444

هل تكره مع الجزم بأن تركها محبوب فان الشئ قد يكون أولي ولا يوصف ضده بالكراهية
كاستغراق الأوقاف بالعبادة وتركه: الثانية هل يستحب ترك تنشيف الأعضاء فيه وجهان
445

أظهرهما نعم لما روى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينشف أعضاءه (1) وعن عائشة
رضى عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصبح جنبا فيغسل ثم يخرج إلى الصلاة
ورأسه يقطر ماء (2) والثاني لا يستحب ذلك وعلى هذا اختلفوا منهم من قال لا يستحب التنشيف
أيضا وقد روى من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم التنشيف وتركه وكل حسن ولا ترجيح
ومنهم من قال يستحب التنشيف لما فيه من الاحتراز عن التصاق الغبار وإذا فرعنا على الأظهر وهو
استحباب الترك فهل نقول التنشيف مكروه أم لا فيه ثلاثة أوجه أظهرها لا لان النبي صلى الله عليه
446

وسلم اغتسل فأتى بملحفة ورسية فالتحف بها حتى رؤي أثر الورس في عكنه (1) ولو كان مكروها
لما فعل: والثاني نعم لأنه إزالة الأثر العبادة فأشبه إزالة خلوف فم الصائم: والثالث حكى عن القاضي
447

الحسين انه إن كان في الصيف كره وإن كان في الشتاء لم يكره لعذر البرد: الثالثة أن لا ينفض يديه
448

فهو مكروه لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ تم فلا تنفضوا أيديكم فإنها مراوح
الشيطان (1) (الرابعة) أن يحافظ على الدعوات الواردة في الوضوء فيقول في غسل الوجه اللهم بيض
وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه وعند غسل اليد اليمني اللهم اعطني كتابي بيميني وحاسبني
449

حسابا يسيرا وعند غسل اليسرى اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري وعند مسح
الرأس اللهم حرم شعري وبشري على النار وروى اللهم احفظ رأسي وما حوى وبطني وما وعى
وعند مسح الاذنين اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وعند غسل
الرجلين اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الاقدام ورد بها الأثر عن السلف الصالحين
(خاتمتان) إحداهما السنن التي أوردها يعود يصفها في الغسل التسمية وغسل اليدين والمضمضة
450

والاستنشاق والمبالغة فيهما والتكرار والموالاة وترك الاستعانة والتنشيف والنفض: وفي التسمية وجه انها
لا تستحب في الغسل وفي الموالاة طريق انها لا تجب في الغسل بلا خلاف (الثانية) ظاهر لفظ
الكتاب حصر السنن في العدد المذكور لكن للوضوء مندوبات أخرمها أن يقول بعد التسمية
الحمد لله الذي جعل الماء طهورا وأن يستصحب النية في جميع الأفعال وأن يجمع في النية بين اللسان القلب
451

وان يتعهد الماقين بالسبابتين (1) وما تحت الخاتم بتحريك الخاتم (1) وكذلك المواضع التي يحتاج فيها
إلى الاحتياط وأن يبدأ في غسل الوجه بأعلاه وفي مسح الرأس بمقدمه وفي اليد والرجل بأطراف الأصابع ويختم
452

بالمرافق والكعب إن كان يصب الماء عليهما بنفسه وان صبه عليه غيره بدأ بالمرفق والكعب وأن لا ينقص
الماء المتوضأ به عن مدو أن لا يسرف في صب الماء (1) وأن لا يزيد على ثلاث مرات وأن لا يتكلم
453

في أثنائه ولا يلطم الوجه بالماء وان يتوضأ في مكان لا يرجع رشاش الماء إليه وان يمر اليد على الأعضاء
المغسولة (1) وأن يقول بعد الوضوء مستقبلا للقبلة اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمد
عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين سبحانك اللهم وبحمدك اشهد
أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وليس لك أن تقول هذا من الأذكار والأدعية وقد
454

أشار إليها في الكتاب فلا يكون وراء ما ذكره لان الأدعية التي أشار إليها في الكتاب هي المأثورة
عند غسل الأعضاء وهذا متأخر عن غسلها *
455

قال (الباب الثاني في الاستنجاء)
(وهو واجب وفيه فصول أربعة
الأول في آداب قضاء الحاجة وهي أن يستر عورته ولا
يحاذي بها الشمس والقمر والقبلة استقبالا واستدبارا الا إذا كان في بناء وان لا يجلس
في متحدث الناس)
الاستنجاء واجب عندنا خلافا لا بي حنيفة: لنا ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام وليستنج
أحدكم بثلاثة أحجار ونحوه ثم المحوج إلى الاستنجاء إنما هو قضاء الحاجة فلذلك قدم فصلا أولا
في آدابه وذكر منها أمورا أحدها أن يستر عورته عن العيون بشجرة أو بقية جدار ونحوهما
456

لما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وآله قال من أتي الغائط
فليستتر فإن لم يجد الا ان يجمع كثيبا من ر مل فليفعل (1) وهذا إذا لم يكن في بناء ساتر وهو أن
يكون مسقفا أو محوطا يمكن تسقيفه فلو كان في بستان محوط وجلس بعيدا عن الجدار أو جلس
في عرصة دار فيحاء فهو كما لو جلس في الصحراء فينبغي أن يستتر بشئ ثم ليكن الساتر قريبا من
مؤخرة الرجل وليكن بينه وبين الساتر قدر ثلاثة أذرع فما دونها ولو أناخ راحلته وتستر بها
أو جلس في وهدة أو نهر أو أرخى ذيله حصل الغرض: (الثاني) ان لا يستقبل الشمس والقمر بفرجه
457

فقد ورد النهي عنه (1) ويشترك فيه الصحراء والبنيان كذلك ذكره المحاملي (الثالث) إذا كان في بناء
أو بين يديه سافر فالأدب ان لا يستقبل ولا يستدبرها وإذا كان في الصحراء ولم يستتر بشئ
458

حرم عليه استقبال القبلة واستدبارها لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا ذهب أحدكم الغائط
فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول (1) وروى أنه عليه الصلاة والسلام قال لا تستقبلوا
القبلة بغائط ولا بول ولكن شرقوا أو غربوا (2) ولا يحرم ذلك في البناء وإن كان الخبر مطلقا خلافا
لأبي حنيفة وذلك لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رقيت السطح مرة فرأيت رسول
459

الله صلى الله عليه وآله جالسا على لبنتين مستقبلا بيت المقدس ومن استقبل بيت المقدس
بالمدينة فقد استدبر الكعبة (1) وعن جابر قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نستقبل
القبلة بفروجنا (2) ثم رأيته قبل موته بعام مستقبل القبلة وسبب المنع في الصحراء فيما ذكر الأصحاب
أن الصحراء لا تخلوا عن مصل من ملك أو جنى أو انسى فربما وقع بصره على عورته (3): فاما في
460

في الأبنية فالحشوش لا يحضرها الا الشياطين (1) ومن يصلى يكون خارجا عنها فيحول البناء بينه
وبين المصلى وليس السبب مجرد احترام الكعبة (2) وقد نقل ما ذكروه عن ابن عمر وعن الشعبي
رضي الله عنهما: الرابع أن لا يجلس في متحدث الناس كيلا يفسد عليهم مجلسهم فيلعنوه وقد قال
صلى الله عليه وسلم اتقوا الملاعن (3) ثم في لفظ الكتاب في الأدب الثاني والثالث
كلامان أحدهما قوله ولا يحاذي بها الشمس والقمر والقبلة استقبالا واستدبارا يقتضى المنع من
استقبال الشمس والقمر واستدبار هما جميعا كالقبلة سواء رجع قوله استقبالا واستدبار إلى الشمس
والقمر والقبلة أو إلى القبلة وحدها: أما على التقدير الأول فظاهر واما على الثاني فلان لفظة المحاذاة
461

وهي تشمل الاستقبال والاستدبار. وأكثر الكتب ساكتة عن استدبارهما وإن كان
المنع عن استقبالهما مشهورا لكنه صحيح حكاه في البيان عن الصيمري ورأيته في الشافي لا بي
العباس الجرجاني وفي الخبر ما يدل عليه الثاني ظاهر كلامه يقتضي عود الاستثناء في قوله الا
إذا كان في بناء إلى الشمس والقمر والقبلة جميعا ولا شك أنه ليس كذلك بل هو مخصوص
بالقبلة ثم الاحتراز عن استقبال النيرين واستدبارهما ليس بواجب بحال وإنما هو أدب والاحتراز عن
462

استقبال الكعبة واستدبارها أدب في حال وواجب في حال كما سبق بيانه وإذا عرفت
ذلك فيتوجه للناظر أن يقول إن أراد الامام بالمنع حالة التحريم لم يحسن درجه في جملة الآداب
ولا الجمع بين القبلة والشمس والقمر في جملة واحدة وان أراد حالة الكراهة فلم استثنى ما إذا كان
في بناء والأدب الاحتراز في البناء أيضا
463

قال (وأن لا يبول في الماء الراكد ولا في الجخرة ولا تحت الأشجار المثمرة ولا في مهاب
الرياح استنزاها من البول)
ومن الآداب ان لا يبول في الماء الراكد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لا يبول أحدكم
في الماء الدائم (1) ويروى في الراكد وهذا المنع يشمل القليل والكثير لما فيه من الاستقذار
ثم إن كان قليلا ففيه شئ آخر وهو انه تنجيس للماء وتعطيل لفوائد فإن كان بالليل زاد شئ
آخر وهو ما قيل إن الماء بالليل للجن فلا ينبغي أن يبال فيه ولا يغتسل خوفا من آفة تصيب من
جهتهم ومنها أن لا يبول في الجحرة لما روى قتادة عن عبد الله بن سرجس ان النبي صلى الله عليه وسلم
464

وسلم نهى عنه (1) قيل لقتادة ما بال الجحرة قال يقال إنها مساكن الجن: ومنها أن يجلس تحت الأشجار
المثمرة (2) صيانة لها عن التلويث والتنجيس وهذا في البول والغائط جميعا وإن كان نظم الكتاب يخص
465

البول: ومنها ان لا يبول في مهاب الرياح استنزاها من البول وحذارا من رشاشه قال صلى الله عليه
466

وسلم استنزهوا من البول فان عامة عذاب القبر منه (1) وروى أنه صلى الله عليه وسلم
467

كان يتمخر الريح أي ينظر أين مجراها فلا يستقبلها لئلا يرد عليه البول لكن يستدبرها (1)
469

قال (ويعتمد في الجلوس على الرجل اليسرى ويعد النبل ولا يستنجي بالماء في موضع قضاء
الحاجة ولا يستصحب شيئا عليه اسم الله تعالى ورسوله ويقدم الرجل اليسرى في دخوله الخلاء واليمني في
الخروج وان يستبرئ من البول بالتنحنح والنتر)
ومنها ان يعتمد إذا جلس على الرجل اليسرى لما روى عن سراقة بن مالك قال علمنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا أتينا الخلاء أن نتوكأ على اليسرى (1) ومنها أن يعد النبل إن كان
471

يستنجي بالأحجار ثم يشتغل بعد ذلك بقضاء الحاجة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم وسلم قال
اتقوا الملاعن واعدوا النبل (1) والمعنى فيه خوف الانتشار لو طلبها بعد قضاء الحاجة والنبل
أحجار الاستنجاء جمع نبلة وأصلها الحصاة الصغيرة: ومنها ان لا يستنجي بالماء في موضع قضاء
الحاجة بل ينتقل عنه ثم يستنجي تحرزا من عود الرشاش إليه إذا أصاب الماء النجاسة وأما إذا أكان
يستنجي بالحجر فلا يقوم عن الموضع كيلا تنتشر النجاسة: ومنها أن لا يستصحب شيئا عليه اسم الله
تعالى كالخاتم والدراهم التي عليها اسم الله تعالى كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل الخلاء
وضع خاتمه لأنه كان عليه محمد رسول الله وألحق باسم الله تعالى اسم رسوله صلى الله عليه وسلم
وسلم تعظيما وتوقيرا له وكذلك يحترز عن استصحاب ما عليه شئ من القرآن وهل
472

يختص هذا الأدب بالبنيان لم يعم البنيان والصحارى فيه اختلاف للأصحاب والأظهر التعميم
ورأيت للصيمري أنه إذا كان على فص الخاتم ذكر الله تعالى خلعه قبل دخول الخلاء أو ضم
كفه عليه فخير بينهما وكلام غيره يشعر بأنه لا بد من النزع نعم قيل إنه لو غفل عن النزع حتى
اشتغل بقضاء الحاجة ضم كفه عليه حتى لا يظهر ومنها أن يقدم رجله اليسرى في دخول الخلاء
واليمني في الخروج على العكس من دخول المسجد والخروج منه لان اليسار للأذى واليمني لغيره
473

وهل يختص ذلك بالبنيان أم لا اختلف فيه كلام الأصحاب والذي ذكره في الوسيط يقتضى
الاختصاص لكن الأكثرين على أنه لا يختص حتى يقدم رجله اليسرى إذا بلغ موضع جلوسه
في الصحراء أيضا وإذا فرغ قدم اليمنى: ومنها أن يستبرئ من البول بالتنحنح عند انقطاعه وبالنتر
ثلاثا بان يمر بعض أصابعه على أسفل الذكر ويدلكه لاخراج ما هنا لك من البقايا وهذا
474

للاستنزاه من البول أيضا ويروى أنه صلى الله عليه وسلم قال فلينتر ذكره ولو
استبرأ بالمشي عقيب البول فلا بأس وأكثره فيما قيل سبعون خطوة ويكره حشو الإحليل
بالقطنة ونحوها *
قال (الفصل الثاني فيما يستنجي عنه * وهي كل نجاسة ملوثة خارجة عن المحل المعتاد نادرة كانت
أو معتادة جاز الاقتصار فيها على الجحر ما لم تنتشر الا ما ينتشر من العامة ولا يقتصر على الجحر
في دم الحيض: وفي النجاسات النادرة قول إنه يتعين الماء فيه وقيل المذي نادر وان خرجت
دودة لم تلوث ففي وجوب الاستنجاء وجهان)
475

الخارج من البدن اما ريح فلا استنجاء منها أو عين فان وجبت بخروجها الطهارة الكبرى
كالمني والحيض فيجب الغسل ولا يمكن الاقتصار على الحجارة وان لم تجب به الطهارة الكبرى
نظر ان لم تجب به الصغرى أيضا فإن كان طاهرا فذاك وإن كان نجسا كدم الفصد والحجامة
فيزال كما تزال سائر النجاسات ولا مدخل للحجر فيه وان وجبت به الطهارة الصغرى فان خرج
من الثقبة التي تنفتح ويحكم بانتقاض الطهارة بالخارج منها على ما سيأتي فتزال كسائر النجاسات
أم للحجارة فيه مدخل: فيه وجوه ثلاثة قد ذكرها في الكتاب في باب الاحداث ونذكرها في
476

موضعها إن شاء الله تعالى وان خرج من السبيل نظر ان لم يكن ملوثا كالدودة والحصاة التي لا
رطوبة معها ففي وجوب الاستنجاء منه قولان أصحها لا يجب لا بالماء ولا بالحجر لان المقصود من
الاستنجاء إزالة النجاسة أو تخفيفها عن المحل فإذا لم يتلوث المحل ولم يتنجس فلا معني للإزالة
ولا للتخفيف: والثاني يجب لأنه لا يخلو عن رطوبة وان قلت وخفيت وإن كان ملوثا فينظر إن
كان نادرا كالدم والقيح ففيه قولان أحدهما أنه يتعين ازالته بالماء رواه الربيع حيث حكي عن نصه
انه إن كان في جوف مقعدته بواسير يخرج منها الدم والقيح يجب غسله بالماء ووجهه ان الاقتصار
477

على الحجر تخفيف على خلاف القياس ورد فيما يعم به البلوى فلا يلحق به غيره: والثاني رواه المزني
وحرملة وهو الأصح أنه يجوز فيه الاقتصار على الحجر نظرا إلى المخرج المعتاد فان خروج النجاسات
منه على الانقسام إلى الغالبة والنادرة مما يتكرر ويعسر البحث عنها والوقوف على كيفياتها فيناط
الحكم بالمخرج ومنهم من قطع بهذا وحمل ما رواه الربيع على ما إذا كان بين الأليتين لا في الداخل:
ومن جملة النجاسات النادرة المذي فيجئ فيه هذا الاختلاف وحكي عن القفال تفصيل في النجاسات
النادرة وهو ان ما يخرج منها مشوبا بالمعتاد كفى الحجر وان تمحض النادر فلا بد من الماء هذا
478

في الخارج النادر: أما المعتاد فإن لم يعد المخرج فعليه أحد الامرين إما ازالته بالماء كسائر النجاسات وإما
التخفيف بجامد على الشرط المذكور في الفصل الثالث وذلك أن الأصل في النجات الإزالة
بالماء بحيث لا يبقى عين ولا أثر فان جرى على الأصل فذاك والا أجزأه الاقتصار على الأحجار تخفيفا روى
479

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا ذهب أحدكم إلى الغائط
فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بها فإنها تجزى عنه وان عدا المخرج نطر ان لم ينتشر أكثر من
القدر المعتاد فكذلك يتخير بين الامرين وذلك القدر من الانتشار يتعذر أو يتعسر الاحتراز
عنه ونقل المزني رحمه الله أنه إذا عدا المخرج لا يجزى فيه الا الماء فمنهم من أثبته قولا آخر وزعم
أن الضرورة تختص بالمخرج فلا تسامح فيما عداه بالاقتصار على الأحجار والأكثرون امتنعوا من
اثباته قولا وانقسموا إلى مغلط ومؤول وان انتشر أكثر من القدر المعتاد وهو أن يعد والمخرج وما
حواليه فينظر ان لم يجاوز الغائط الا ليتين ففي جواز الاقتصار فيه على الأحجار (2) قولان أظهرهما
480

الجواز رواه الربيع واحتج الشافعي رضي الله عنه لهذا القول بأن قال لم يزل في زمان رسول الله
صلى الله عليه وسلم والي اليوم رقة البطون وكان أكثر اقواتهم التمر وهو مما يرقق البطن
ومن رق بطنه انتشر خلاؤه عن الموضع وما حواليه ومع ذلك أمروا بالاستجمار والثاني ذكره
في القديم أنه لا يجوز لأنه انتشار لا يعمم ولا يغلب فإذا اتفق وجب غسله كسائر النجاسات وفيه
481

طريقتان أخريان أحداهما القطع بالقول الأول رواها الشيخ أبو محمد والمسعودي والثانية القطع بالقول
الثاني حكاها كثيرون من الأئمة: وأما البول فالحشفة فيه بمثابة الا ليتين في الغائط والامر فيه على
هذا الاختلاف وعن أبي إسحاق المروزي أنه قال إذا جاوز البول الثقب لم يجز فيه الحجر قولا
واحدا والخلاف والتفصيل في الغائط والفرق ان البول ينفصل على سبيل التزريق فيبعد فيه
482

الانتشار وان جاوز الغائط الأليتين والبول الحشفة تعينت الإزالة بالماء كسائر النجاسات لأنه
نادر نحوه: ولا فرق بين القدر المجاوز وغيره ومنهم من جعل ما لم يجاوز على الخلاف ثم حيث
يجوز الاقتصار على الحجر فذاك بشرط ان لا تنتقل النجاسة عن الموضع الذي أصابته عند الخروج
فلو قام وانضمت أليتاه عند الخطو وانتقلت النجاسة تعين الماء ويشترط ان لا يصيب
483

موضع النجو نجاسة من خارج حتى لو عاد إليه رشاش ما أصاب الأرض تعين الماء
ويشترط أن لا يجف الخارج على الموضع فان جف تعين الماء وحكي القاضي الروياني انه إن كان يقلعه
الحجر يجزي فيه الحجر والا فلا واختار هذا الوجه والله أعلم * هذا فقه مسائل الفصل وألفاظ
الكتاب في بعض المواضع من الفصل تفتقر إلى مزيد بيان فنقول أما قوله الفصل الثاني فيما يستنجي
484

عنه فلفظ الاستنجاء يشمل الإزالة بالماء والتخفيف بالأحجار لأنه مشتق من النجو وهو القلع الا أن
المراد ههنا إنما هو الاستنجاء بالحجر لا مطلق الاستنجاء والا فلا يشترط في مطلق الاستنجاء كونه خارجا
من المخرج المعتاد ولا كونه غير منتشر لكن قوله في آخر الفصل فإذا خرجت دودة لم تلوث ففي
وجوب الاستنجاء وجهان ليس المراد منه الاستنجاء بالحجر بل مطلق الاستنجاء على ما بينا
485

المسألة من قبل وقد عبر عن الخلاف في المسألة بالوجهين وكذلك نقل الشيخ أبو محمد والصيدلاني
والامام والأكثرون نقلوا قولين ومنهم من حكاهما عن الجامع الكبير والله أعلم * وأما قوله كل
نجاسة يخرج عنه الأشياء الطاهرة وقوله ملوثة يخرج عنه ما لا يلوث واشتراط هذا القيد على
الخلاف المذكور وقوله خارجة عن المخرج المعتاد يخرج عنه دم الفصد والحجامة وكذا الخارج عن
الثقبة المنفتحة وان حكمنا بانقاض الطهر بالخارج منها وفيه الخلاف الذي أشرنا إليه من قبل لكن
486

الأظهر أنه لا يقتصر فيه على الحجر فلا بأس بخروجه عن الضابط: وقوله نادرة كانت أو معتادة جرى
على أصح القولين في النجاسات النادرة وهو انه يقتصر فيها على الحجر وقد ذكر القول الثاني
بعد ذلك: وقوله ما ينتشر الا ما ينتشر من العامة ينبغي أن تكون كلمة الاستثناء منه مرقوم بالواو إشارة إلى
مذهب من جعل منقول المزني قولا فان عدم الانتشار شرط عنده من غير استثناء وكذلك قوله
ما ينتشر من العامة إشارة إلى القول رواه الربيع انه وان زاد على ذلك جاز الاقتصار فيه على
الحجر ما لم يجاوز الأليتين والذي ذكره جواب على القول المنسوب إلى القديم واختيار له وقد
487

رجحه امام الحرمين وكثيرون لكن منقول الربيع أظهر كما سبق وكذلك ذكره المسعودي والقاضي
الروياني وآخرون وبه أجاب المحاملي في المقنع: وأما قوله وقيل المذي نادر فيقتضى اثبات خلاف
أي انه هل يعد من النجاسات النادرة ولكلامه في الوسيط اشعار به أيضا لكن الذي يشتمل
488

عليه كتب الأصحاب قديمها وحديثها عده من النجاسات النادرة من غير التعرض لخلاف فيه
وطرح بعضهم لهذا السبب لفظة قيل من الكتاب وقد أحسن ولك أن تستدرك فتقول ما ذكره
في الضابط لا يحوي جملة الشرائط المعتبرة في جواز الاقتصار على الحجر لان منها ان لا تجف النجاسة
489

على الموضع ولا تنتقل عنه ولا تصيبه نجاسة أخرى كما سبق وقد سكته عنها *
قال (الفصل الثالث فيما يستنجى به وهو كل عين طاهرة منشفة غير محترمة فلا يجز بالروث
والزجاج الأملس والمطعوم وفي سقوط الفرض بالمطعوم وجهان والعظم مطعوم والجلد الطاهر يجوز
الاستنجاء به على أصح الأقوال)
490

قوله فيما يستنجي به أي من الجامدات وله شروط أحدها أن يكون طاهرا خلافا لأبي حنيفة
لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستنجاء بالروث والرمة ولأن النجاسة لا تزال بالنجس
كما لا تزال بالماء النجس ولا فرق بين نجس العين كالروث وما تنجس بعارض ألا ترى أن الشافعي
رضي الله عنه قال ولا يستنجى بحجر قد مسح به مرة الا أن يكون قد طهر بالماء فلو استنجي بنجس
491

هل يتعين استعمال الماء بعد ذلك أم له الاقتصار على الحجر كما قبل استعماله: فيه وجهان أحدهما
له الاقتصار على الحجر لان النجس لا يتأثر بالنجاسة فيبقى حكمه كما كان وأظهرهما أنه يتعين الماء
لان المحل قد اصابته نجاسة أجنبية باستعماله فيه والاقتصار على الحجر تخفيف فيما تعمم به البلوى
492

فلا يلحق به: والثاني أن يكون منشفا قالعا للنجاسة فما لا يقلع لملاسته كالزجاج الأملس والقصب
والحديد المملس لا يجوز الاستنجاء به لأنه لا يزيل النجاسة وينقلها عن موضعها وكذلك ما لا يقلع
للزوجته أو لتناثر أجزائه كالحممة الرخوة والتراب لا يجوز الاستنجاء به وقد نقل عن الشافعي رضي
493

الله عنه جواز الاستنجاء بالمقابس ونقل انه لا يجوز بالحممة فمنهم من أثبت قولين والأصح تنزيلهما على
حالين ان بقيت فيه صلابة اما لضعف تأثير النار فيه أو لقوة في جوهره كالغضا فيجوز الاستنجاء به وهو
المراد بالمقابس وإن كان يتناثر عند الاعتماد فلا يجوز وهو المراد بالحممة وكذلك نقل اختلاف النص في
494

التراب وأثبت بعضهم فيه قولين وإن كان يتناثر والأصح انه حيث جوز أراد المدر المتماسك وحيث
منع أراد المتناثر لأنه يلتصق بالنجاسة ولا يتأتي التحامل عليه ولو تحامل لتعدت النجاسة موضعها
وانتشرت ثم لو استنجي بما لا يقلع لم يسقط الفرض به وان أنقى ويتعين بعده الإزالة بالماء ان
نقل النجاسة من موضع إلى موضع وان لم ينقل جاز الاقتصار على الحجر وخرجوا على الشرط
الأول والثاني امتناع الاستنجاء بالحجر الرطب ونحوه لان البلل الذي عليه ينجس بإصابة النجاسة إياه
ويعود شئ منه إلى محل النجو فيحصل عليه نجاسة أجنبية ويكون كاستعمال الخجر النجس ولان
الشئ الرطب لا يزيل النجاسة بل يزيد التلوث والانتشار وحكي القاضي بن كج وغيره وجها
495

آخر أنه يجوز الاستنجاء بالشئ الرطب ولمن نصره أن يقول لا نسلم ان البلل الذي عليه ينجس
بإصابة النجاسة إياه وإنما ينجس عندي بالانفصال كالماء الذي يغسل به النجاسات وأما قوله إنه
لا يزيل النجاسة ممنوع نعم لو كان عليه شئ محسوس من الماء فربما كان كذلك أما مجرد البلل فلا:
والثالث أن لا يكون محترما فلا يجوز الاستنجاء بالمطعومات لحرمتها والعظم معدود من المطعومات
496

لان النبي صلى الله عليه وآله نهي عن الاستنجاء بالعظم وقال إنه زاد اخوانكم من الجن (1)
وليس له حكم طعامنا من تحريم الربا فيه وغيره وعند مالك لا منع من الاستنجاء بالعظم الطاهر والخبر
حجة عليه ومن الأشياء المحترمة ما كتب عليه شئ من العلم كالحديث والفقه وفي جزء الحيوان
المتصل به كاليد والعقب من المستنجي وغيره كذنب الحمار وجهان أصحهما أنه لا يجوز الاستنجاء
به لحرمته ومنهم من فرق بين أن يستنجي بيد نفسه أو يد غيره فقال لا يجوز أن يستنجى بيد نفسه
497

ويجوز أن يستنجى بيد غيره كما يجوز أن يسجد على يد غيره دون يد نفسه وعكس امام الحرمين
ذلك فقال له أن يستنجي بيد نفسه دون يد غيره لأنه لا حرج على المرء في تعاطى النجاسات
ومهما جرى الخلاف في جزء الحيوان ففي جملة الحيوان أولى وصورته أن يستنجى بعصفورة حية
وما في معناها ولا يلحق بالمحترمات في هذا الحكم الذهب والفضة في أظهر الوجهين فيجوز الاستنجاء
بالقطعة الخشنة من الذهب والجواهر النفيسة كما يجوز أن يستنجى بالقطعة من الديباج ثم إذا
498

استنجي بشئ محترم من مطعوم وغيره عصي وهل يجزئه ذلك عن الفرض فيه وجهان أحدهما نعم
لان المقصود قلع النجاسة وقد حصل فصار كالاستنجاء باليمين وأظهرهما أنه لا يجزئه لان الاقتصار
على الأحجار من قبيل الرخص والرخص لا تناط بالمعاصي وعلى هذا فله أن يقتصر على الأحجار
كما لو لم يستعمل شيئا الا إذا نقل النجاسة عن موضعها كما في الأملس ويلتحق بهذا الشرط القول
في الجلد: والطاهر منه ضربان غير المدبوغ وهو جلد المأكول المذكي والمدبوغ من المأكول
499

وغيره أما غير المدبوغ ففي جواز الاستنجاء به قولان أحدهما الجواز كالثياب وسائر الأعيان وإن كان
فيه حرمة فليست هي بحيث تمنع الاستعمال في سائر النجاسات فكذلك في هذه النجاسة وأصحهما
المنع لا مرين أحدهما أن فيه دسومة تمنع التنشيف والثاني أنه مأكول ألا ترى أنه يؤكل على
الرؤس والا كارع فصار كسائر المطعومات ومنهم من قال لا يجوز بلا خلاف واليه مال الشيخ
أبو حامد وكثيرون وحملوا ما نقل من تجويز الاستنجاء على ما بعد الدباغ: وأما الضرب الثاني وهو
500

المدبوغ ففيه قولان أيضا أصحهما الجواز لان الدباغ يزيل ما فيه من الدسومة ويقلبه عن طبع اللحوم
إلى طبع الثياب والثاني لا يجوز لأنه من جنس ما يؤكل ويجوز أكله إذا دبغ وإن كان جلد ميتة على
اختلاف فيه قد قدمناه ومنهم من قال يجوز ههنا بلا خلاف وما نقل من المنع محمول على ما قبل
الدباغ وإذا جرينا على الطريقة الظاهرة وهي اجراء القولين في الصورتين واعتبرنا مطلق الجلد
انتظم ثلاثة أقوال كما ذكر في الكتاب المنع مطلقا والتجويز مطلقا والفرق بين المدبوغ وغيره وهو الأصح
في المذهب وان جعل صاحب الكتاب الثاني أصح وليس من شرط المستنجى به أن لا يكون قد
استنجى به مرة بل إن تلوث وتنجس جاز استعماله مرة أخرى إذا طهر وجف وان لم ينجس كالحجر
501

الثاني والثالث إذا لم يبق على الموضع شئ جاز استعماله في الحال وفيه وجه أنه لا يجوز كالتراب
المستعمل ولو كان كذلك لما جاز أيضا بعد غسله ولم يختلفوا في جواز استعماله بعد الغسل *
قال (الفصل الرابع في كيفية الاستنجاء * فيستنجي بثلاثة أحجار والعدد واجب (ح م ز) فإن لم
يحصل الانقاء استعمل رابعة فان حصل أوتر بخامسة ويمر كل حجر على جميع الموضع على أحسن
الوجهين وقيل إن واحدة للصفحة اليمني وواحدة وواحدة للصفحة اليسرى وواحدة للوسط وينبغي أن
يضع الحجر على موضع طاهر حتى لا يلقى جزءا من النجاسة ثم يدير ليختطف النجاسة ولا يمر
502

فينقلها فان أمر ولم ينقل كفى على أصح الوجهين ويستنجي بيده اليسرى (والاستنجاء
واجب اما بالماء أو الحجر) (7) والأفضل أن يجمع بين الماء والحجر) * في الفصل مسائل
إحداها إذا كان يستنجى بالجامد وجب أن يستوفى ثلاث مسحات اما باحرف حجر واحد وما

(7) ما بين القوسين ساقط من بعض النسخ
503

في معناه أو بأحجار لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا جلس أحدكم لحاجته فليمسح
ثلاث مسحات (1) وعن سلمان رضي الله عنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
504

أن لا نجتزئ بأقل من ثلاثة أحجار وظاهر الامر للوجوب فيجب رعاية العدد * وعند أبي حنيفة الاستنجاء
مستحب من أصله والعدد فيه غير مستحب وإنما الاعتبار للانقاء: وقال مالك إذا حصل الانقاء
505

بما دون الثلاث كفى ولا صحابنا وجه يوافقه حكاه أبو عبد الله الحناطي وغيره ويحتج له بما روي
506

أنه صلى الله عليه وسلم قال من استجمر فليوتر ومن لا فلا حرج (1) ومن أوجب العدد حمله
على ما بعد الثلاث جمعا بين الاخبار وحينئذ لا حرج في ترك الايتار ثم قوله وليستنج بثلاثة أحجار
ليس لتخصيص الحكم بها لان غير الحجر بالشرائط المذكورة مشارك للحجر في تحصيل مقصود
507

الاستنجاء وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال وليستنج بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع
ولا عظم (1) هذا يشعر بان الحكم غير مخصوص بالحجر والا فلا فرق بين الرجيع والعظم وسائر
ما ليس بحجر ولعل ذكر الأحجار جري لغلبتها والقدرة عليها في عامة الأماكن ثم إذا استنجي
بثلاثة أحجار ونحوها واستوفى العدد لكنه لم ينق وجب عليه أن يزيد حتى ينقي فإنه المقصود
الأصلي من شرع الاستنجاء فلو حصل الانقاء بالرابعة استحب ان يوتر بخامسة لما روى أنه صلى
508

الله عليه وسلم قال إذا استجمر أحدكم فليستجمر وترا (1) وإذا عرفت ذلك لم يخف
عليك ان قوله فيستنجي بثلاثة أحجار مسوق على موافقة الخبر والا فالحكم غير مخصوص بالأحجار
509

وقوله استعمل رابعة أي وجوبا وقوله أو تر بخامسة أي استحبابا (المسألة الثانية) في كيفية الاستنجاء
وجهان أظهرهما وبه قال ابن أبي هريرة وأبو المروزي انه يمسح بكل حجر جميع المحل بان يضع
واحدا على مقدم الصفحة اليمنى فيمسحها به إلى مؤخرها ويديرها إلى الصفحة اليسرى فيمسحها
به من مؤخرها إلى مقدمها فيرجع إلى الموضع الذي بدأ منه ويضع الثاني على مقدم الصفحة اليسرى
ويفعل به مثل ذلك ويمسح بالثالث الصفتين والمسربة وتوجيه ما روى أنه صلى الله عليه وسلم
510

وسلم قال وليستنج بثلاثة أحجار يقبل بواحدة ويدبر بأخرى ويحلق بالثالث والثاني (1) قاله أبو
511

اسحق ان حجرا للصفحة اليمنى وحجرا لليسرى وحجرا للوسط لما روى أنه صلى الله عليه وآله
512

وسلم قال حجر للصفحة اليمني وحجر للصفحة اليسرى وحجر للوسط (1) وحكي في التهذيب
وجها ثالثا وهو انه يأخذ واحدا فيضعه على مقدم المسربة ويديره إلى مؤخرها ويضع الثاني على
مؤخرها ويديره إلى مقدمها ويحلق بالثالث كأن المراد بالمسربة جميع الموضع وعلى هذا الوجه
يمسح بالحجر الأول والثاني جميع الموضع كأنه صفحة واحدة ويدير الحجر الثالث على المنفد
وبهذا يفارق هذا الوجه الأول فإنه على ذلك الوجه يطيف الحجرين الأولين ويمسح بالثالث
513

جميع الموضع وهذا الخلاف في الاستحقاق أم في الأولوية والاستحباب فيه وجهان عن الشيخ أبي
محمد أن الوجهين موضوعان على التنافي فصاحب الوجه الأول لا يجيز الثاني لان تخصيص كل حجر
بموضع مما يمنع رعاية العدد الواجب ولا يحصل في كل موضع الا مسحة واحدة وصاحب الوجه
الثاني لا يجيز الأول للخبر المصرح بالتخصيص ويقول العدد معتبر بالإضافة إلى جملة الموضع دون
كل جزء منه وقال المعظم الخلاف في الأولوية والاستحباب لثبوت الروايتين جميعا وكل منهما
514

جائز وقوله في هذه المسألة ويمر كل حجر على جميع الموضع يعنى به المسح المشترك بين الامرار
والإدارة دون خصوص الامرار ألا تراه يقول بعد ذلك يدير الحجر ولا يمره (المسألة الثالثة)
ينبغي أن يضع الحجر على موضع طاهر بالقرب من النجاسة لأنه لو وضع على النجاسة لبقي شيئا منها ونشرها
وحينئذ يتعين الغسل بالماء ثم إذا انتهي إلى النجاسة أدار الحجر قليلا قليلا حتى يرفع كل جزء منه جزءا
من النجاسة ولو أمره من غير إدارة لنقل النجاسة من الموضع إلى الموضع وتعين الماء ولو أمر ولم
515

ينقل هل يجزئه ذلك فيه وجهان أحدهما لا لان الجزء الثاني من المحل يلقى ما تنجس من الحجر
والاستنجاء بالنجس لا يجوز وأظهرهما أنه يجزئه لان الاقتصار على الحجر رخصة وتكليف الإدارة
يضيق باب الرخصة وقد يعبر عن هذا الخلاف بان الإدارة هل تجب أم لا: المسألة الرابعة الأدب
الاستنجاء باليسار دون اليمين لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت كانت يد رسول الله صلى
516

الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه وكانت اليسرى لخلائه وما كان من أذى (1) فإن كان
يستنجي بالماء صبه بيمينه ومسح بيساره وإن كان يستنجى بالجامد ففي الغائط يأخذ الحجر
بيساره ويمسح به الموضع ولا يستعين باليمنى بخلاف ما في الماء وكذلك تفعل المرأة في الاستنجاء
من البول وأما الرجل إذا كان يستنجي من البول فينظر ان استنجى بما لا يحتاج إلى ضبطه كالصخرة
العظيمة والجدار أخذ ذكره باليسار ومسحه عليه وإن كان يحتاج إلى ضبطه كالحجر
517

الصغير فيمسكه بين ابهامي الرجلين أو بين العقبين ويأخذ ذكره بيساره ويمسحه عليه فان احتاج إلى الاستعانة باليمين اخذ الحجر باليمين والذكر باليسار ويحرك اليسار دون اليمين فلو حركهما
جميعا أو خص اليمين بالحركة كان مستنجيا باليمين ومنهم من قال الأولي ان يأخذ الحجر بيساره
والذكر بيمينه ويمر الحجر على الذكر لان الاستنجاء يقع بالحجر فامساكه باليسار أولى والأول
أظهر وأشهر لان مس الذكر باليمين مكروه: روى أبو قتادة انه صلى الله عليه وسلم قال
518

إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه (1) وذكر بعضهم انه لا طريق للاحتراز عن هذه
الكراهية الا الامساك بين العقبين أو الابهامين أما إذا استعمل اليمين فيه كان مرتكبا للنبي كيف
فعل (الخامسة) الأفضل ان يجمع بين الماء والحجر أو ما في معناه قد أثنى الله تعالى على أهل قباء
519

بذلك وأنزل فيه قوله تعالي فيه رجال يحبون ان يتطهروا (1) الآية وفيه من طريق المعنى
ان العين تزول بالحجر والأثر بالماء فلا يحتاج إلى مخامرة عين النجاسة وهي محبوبة فان اقتصر على
520

أحدهما فالماء أولى لأنه يزيل العين والأثر والحجر لا يزيل الا العين والله أعلم * ونختم الباب بمسألة
في حال المستنجين باعتبار الذكورة والأنوثة فنقول لا فرق بين الخنثى المشكل وبين واضح الحال
521

في الاستنجاء من الغائط وأما في البول فليس للمشكل أن يقتصر على الحجر إذا بال من مسلكيه
522

أو إحداهما لان كل واحد منهما إذا أفرد بالنظر احتمل أن يكون زائدا فسبيل النجاسة الخارجة
523

منه سبيل دم الفصد والحاجة نعم يجئ في مسلكيه الخلاف الذي نذكره في جواز الاقتصار
524

على الحجر في الثقبة المنفتحة مع انفتاح المسلك المعتاد إذا قلنا تنتقض الطهارة بالخارج منها وأما
525

واضح الحال فالرجل مخير ان شاء اقتصر على الماء وان شاء استعمل الأحجار أو ما في معناها
526

وكذلك البكر لان البكارة تمنع من نزول الماء في الفرج واما الثيب فالغالب انها إذا بالت تعدى البول
527

إلى فرجها الذي هو مدخل الذكر ومخرج الولد لان ثقبة البول فوقه فيسيل إليه فان تحققت ان
528

الامر كذلك لم يجزئها الا الماء وان لم تتحقق جاز لها الاقتصار على الحجر لان موضع خروج البول
لا يختلف بالثيابة والبكارة وانتشار البول إلى غيره غير معلوم وحكي وجه أنه لا يجوز لها الاقتصار
529

على الحجر بحال ثم القدر المغسول من الرجل ظاهر وهو من المرأة ما يظهر إذا جلست على القدمين
وفي وجه تغسل الثيب باطن فرجها كما تخلل أصابع رجليها لأنه صار ظاهرا بالثيابة *
530