الكتاب: كتاب الأم
المؤلف: الإمام الشافعي
الجزء: ٤
الوفاة: ٢٠٤
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤٠٣ - ١٩٨٣ م
المطبعة:
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
ردمك:
ملاحظات: الطبعة الأولى - ١٤٠٠ - ١٩٨٠ م

الأم
تأليف
الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس
الشافعي
150 - 204
الجزء الرابع
دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع
1

حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى 1400 ه‍ 1980 م
الطبعة الثانية: 1403 ه‍ 1983 م
2

كتاب الشفعة
(أخبرنا الربيع) قال قال الشافعي رحمه الله: إذا كانت الهبة معقودة على الثواب فهو كما قال
إذا أثيب منها ثوابا قيل لصاحب الشفعة إن شئت فخذها بمثل الثواب إن كان له مثل أو بقيمته إن
كان لا مثل له وإن شئت فاترك وإذا كانت الهبة على غير ثواب فأثيب الواهب فلا شفعة لأنه لا
شفعة فيما وهب إنما الشفعة فيما بيع والمثيب متطوع بالثواب فما بيع أو وهب على ثواب فهو مثل البيع
والهبة باطلة من قبل أنه اشترط أن يثاب فهو عوض من الهبة مجهول فلما كان هكذا بطلت الهبة وهو
بالبيع أشبه لأن البيع لم يعطه إلا بالعوض وهكذا هذا لم يعطه إلا بالعوض والعوض مجهول فلا يجوز
البيع بالمجهول وكذلك لو نكح امرأة على شقص من دار فإن هذا كالبيع وكذلك لو استأجر عبدا أو
حرا على شقص من دار فكل ما ملك به مما فيه عوض فللشفيع فيه الشفعة بالعوض وإن اشترى
رجل شقصا فيه شفعة إلى أجل فطلب الشفيع شفعته قيل له إن شئت فتطوع بتعجيل الثمن وتعجل
الشفعة وإن شئت فدع حتى يحل الأجل ثم خذ بالشفعة وليس على أحد أن يرضى بأمانة رجل
فيتحول على رجل غيره وإن كان أملا منه، قال ولا يقطع الشفعة عن الغائب طول الغيبة وإنما
يقطعها عنه أن يعلم فيترك الشفعة مدة يمكنه أخذها فيها بنفسه أو بوكيله قال ولو مات الرجل وترك
ثلاثة من الولد ثم ولد لأحدهم رجلان ثم مات المولود له ودارهم غير مقسومة فبيع من الميت حق
أحد الرجلين فأراد أخوه الاخذ بالشفعة دون عمومته ففيها قولان أحدهما أن ذلك له ومن قال هذا
القول قال أصل سهمهم هذا فيها واحد، فلما كان إذا قسم أصل المال كان هذان شريكين في
الأصل دون عمومتهما فأعطيته الشفعة بأن له شركا دون شركهم وهذا قول له وجه والثاني أن يقول
أنا إذا ابتدأت القسم جعلت لكل واحد سهما وإن كان أقل من سهم صاحبه فهم جميعا شركاء
شركة واحدة فهم شرع في الشفعة وهذا قول يصح في القياس قال وإذا كانت الدار بين ثلاثة
لأحدهم نصفها وللآخر سدسها وللآخر ثلثها وباع صاحب الثلث فأراد شركاؤه الاخذ بالشفعة
ففيها قولان أحدهما أن صاحب النصف يأخذ ثلاثة أسهم وصاحب السدس يأخذ سهما على قدر
ملكهم من الدار ومن قال هذا القول ذهب إلى أنه إنما يجعل الشفعة بالملك فإذا كان أحدهما أكثر
ملكا من صاحبه أعطى بقدر كثرة ملكه ولهذا وجه والقول الثاني أنهما في الشفعة سواء وبهذا القول
أقول ألا ترى أن الرجل يملك شفعة من الدار فيباع نصفها أو ما خلا حقه منها فيريد الاخذ بالشفعة
بقدر ملكه فلا يكون ذلك له ويقال له خذ الكل أو دع فلما كان حكم قليل المال في الشفعة حكم
كثيره كان الشريكان إذا اجتمعا في الشفعة سواء لأن اسم الملك يقع على كل واحد.
3

ما لا يقع فيه شفعة
(أخبرنا الربيع) (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن عبد الله بن إدريس عن محمد بن عمارة عن أبي
بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم عن أبان بن عثمان بن عفان أن عثمان
(1) (قال الشافعي) لا شفعة في بئر إلا أن يكون لها بياض يحتمل مقسم
أو تكون واسعة محتملة لأن تقسم فتكون بئرين ويكون في كل واحدة منهما عين أو تكون البئر بيضاء
فيكون فيها شفعة لأنها تحتمل القسم قال وأما الطريق التي لا تملك فلا شفعة فيها ولا بها وأما عرصة
الدار تكون بين القوم محتملة لأن تكون مقسومة وللقوم طريق إلى منازلهم فإذا بيع منها شئ ففيه
الشفعة (قال الشافعي) وإذا باع الرجل شقصا في دار على أن البائع بالخيار والمبتاع فلا شفعة حتى
يسلم البائع المشترى وإن كان الخيار للمشترى دون البائع عقد خرجت من ملك البائع برضاه وجعل
الخيار للمشترى ففيها الشفعة (قال الربيع) وفيها قول آخر أن لا شفعة فيها حتى يختار المشترى أو
تمضى أيام الذي كان له الخيار فيتم له البيع من قبل أنه إذا أخذها بالشفعة منع المشترى من الخيار
الذي كان له (قال الشافعي) وكل من كانت في يده دار فاستغلها ثم استحقها رجل بملك متقدم
رجع المستحق على الذي في يده الدار والأرض بجميع الغلة من يوم ثبت له الحق وثبوته يوم شهد
شهوده أنه كان له، لا يوم يقضى له به ألا ترى أنه لا معنى للحكم اليوم إلا ما ثبت يوم شهد
شهوده وإنما تملك الغلة بالضمان في الملك الصحيح لأن الغلة بالضمان في الملك حدثت من شئ
المالك كان يملكه لا غيره (قال الشافعي) وإذا اشترى الرجل شقصا لغيره فيه شفعة ثم زعم أنه لا
يعلم الثمن بنسيان أحلف بالله ما تثبت الثمن ولا شفعة إلى أن يقيم المستشفع بينة فيؤخذ له ببينته وسواء
قد تم الشراء وحديثه لأن الذكر قد يكون في الدهر الطويل والنسيان قد يكون في المدة القصيرة
(قال الشافعي) وإذا كان لرجل حصة في دار فمات شريكه وهو غائب فباع ورثته قبل القسم أو
بعده فهو على شفعته ولا يقطع ذلك القسم لأنه كان شريكا لهم غير مقاسم (2)
4

باب القراض
(أخبرنا الربيع) بن سليمان قال (قال الشافعي) رحمه إذا دفع الرجل إلى الرجل مالا قراضا
فأدخل معه رب المال غلامه وشرط الربح بينه وبين المقارض وغلام رب المال فكل ما ملك غلامه
فهو ملك له لا ملك لغلامه إنما ملك العبد شئ يضاف إليه لا ملك صحيح فهو كرجل شرط له
ثلثي الربح وللمقارض ثلثه.
5

ما لا يجوز من القراض في العروض
(قال الشافعي) رحمه الله: خلاف مالك بن أنس في قوله من البيوع ما يجوز إذا تفاوت أمده
وتفاحش وإن تقارب رده (قال الشافعي) كل قراض كان في أصله فاسدا فللمقارض العامل فيه
أجر مثله ولرب المال المال وربحه لأنا إذا أفسدنا القراض فلا يجوز أن يجعل إجارة قراض والقراض
6

غير معلوم وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإجارة إلا بأمر معلوم (1) (قال الشافعي) والبيوع
وجهان حلال لا يرد وحرام يرد وسواء تفاحش رده أو تباعد والتحريم من وجهين أحدهما خبر لازم
والآخر قياس. وكل ما قسناه حلالا حكمنا له حكم الحلال في كل حالاته وكل ما قسناه حراما
حكمنا له حكم الحرام فلا يجوز أن نرد شيئا حرمناه قياسا من ساعته أو يومه ولا نرده بعد مائة سنة
الحرام لا يكون حلالا بطول السنين وإنما يكون حراما وحلالا بالعقد.

(1) قوله: (قال الشافعي) والبيوع وجهان الخ هذه العبارة ليست في لمحة السراج البلقيني تأملها مع ما قبلها كتبه مصححه.
7

الشرط في القراض
(قال الشافعي) رحمه الله: لا يجوز أن أقارضك بالشئ جزافا لا أعرفه ولا تعرفه فلما كان
هكذا لم يجز أن أقارضك إلى مدة من المدد. وذلك أنى لو دفعت إليك ألف درهم على أن تعمل
8

بها سنة فبعت بها واشتريت في شهر بيعا فربحت ألف درهم، ثم اشتريت بها كنت قد اشتريت
بمالي ومالك غير مفرق ولعلى لا أرضى بشركتك فيه واشتريت برأس مال لي لا أعرفه لعلى لو نض لي
لم آمنك عليه أو لا أريد أن يغيب عنى كله فيجمع أن يكون القراض مجهولا عندي لأني لم أعرف
كم رأس مالي ونحن لم نجزه بجزاف ويجمع أنه يزيد على الجزاف أنى قد رضيت بالجزاف ولم أرض
بأن أقارضك بهذا الذي لم أعرفه.
وفى باب الصدقة والهبة من اختلاف العراقيين
وإذا وهب الرجل للرجل الهبة وقبضها دارا أو أرضا ثم عوضه بعد ذلك منها عوضا وقبض الواهب فأن أبا
حنيفة رحمه الله كان يقول ذلك جائز ولا تكون فيه شفعة وبه يأخذ وليس هذا بمنزلة الشراء وكان ابن أبي ليلى
يقول هذا بمنزلة الشراء ويأخذ الشفيع بالشفعة بقيمة العوض ولا يستطيع الواهب أن يرجع في الهبة بعد العوض
في قولهما جميعا (قال الشافعي) وإذا وهب الرجل للرجل شقصا من دار فقبضه ثم عوضه الموهوب له شيئا
فقبضه الواهب سأل الواهب فإن قال وهبتها للثواب كان فيها شفعة وإن قال وهبتها لغير ثواب لم يكن فيها شفعة
وكانت المكافأة كابتداء الهبة وهذا كله في قول من قال: للواهب الثواب إذا قال أردته فأما من قال لا ثواب
للواهب إن لم يشترطه في الهبة فليس له الرجوع في شئ وهبه ولا الثواب منه (قال الربيع) وفيه قول آخر إذا
وهب واشترط الثواب فالهبة باطل من قبل أنه اشترط عوضا مجهولا وإذا وهب لغير الثواب وقبضه الموهوب فليس
له أن يرجع في شئ وهبه وهو معنى قول الشافعي رحمه الله.
السلف في القراض
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا دفع الرجل إلى الرجل مالا قراضا وأبضع منه بضاعة فإن
كان عقد القراض على أنه يحمل له البضاعة فالقراض فاسد يفسخ إن لم يعمل فيه فإن عمل فيه فله
أجر مثله والربح لصاحب المال وإن كانا تقارضا ولم يشرطا من هذا شيئا ثم حمل المقارض له
بضاعة فالقراض جائز ولا يفسخ بحال غير أنا نأمرهما في الفتيا أن لا يفعلا هذا على عادة ولا لعلة مما
اعتل به ولو عادا لما ذكرنا كرهناه لهما ولم نفسد به القراض ولا نفسد العقد
الذي يحل بشئ تطوعا به
وقد مضت مدة العقدة ولا تطر (1) إنما تفسد بما عقدت عليه إلا بما حدث بعدها (قال الشافعي)

(1) قوله: " ولا نطر " كذا بالأصول بدون نقط ولعل صوابه " ولا شرط "
9

أكره منه ما كره مالك أن يأخذ الرجل مالا قراضا ثم يسأل صاحب المال أن يسلفه إياه (قال
الشافعي) وإنما كرهته من قبل أنه لم يبرأ المقارض من ضمانه ولم يعرف المسلف كم أسلف من
أجل (1) الخوف.
المحاسبة في القراض
(قال الشافعي) رحمه الله: وهذا كله كما قال مالك إلا قوله يحضر المال حتى يحاسبه فإن كان عنده
صادقا فلا يضره يحضر المال أو لا يحضره.
مسألة البضاعة
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله: قال إذا أبضع الرجل مع الرجل
ببضاعة وتعدى فاشترى بها شيئا فإن هلكت فهو ضامن وإن وضع فيها فهو ضامن وإن ربح فالربح
لصاحب المال كله إلا أن يشاء تركه فإن وجد في يده السلعة التي اشتراها بماله فهو بالخيار في أن
يأخذ رأس ماله أو السلعة التي ملكت بماله فإن هلكت تلك السلعة قبل أن يختار أحدهما لم يضمن له
إلا رأس المال من قبل أنه لم يختر أن يملكها فهو لا يملكها إلا باختياره أن يملكها والقول الثاني:
وهو أحد قوليه - أنه إذا تعدى فاشترى شيئا بالمال بعينه فربح فيه فالشراء باطل والبيع مردود وإن
اشترى بمال لا بعينه ثم نقد المال فهو متعد بالنقد والربح له والخسران عليه وعليه مثل المال الذي
تعدى فيه فنقده ولصاحب المال إن وجده في يد البائع أن يأخذه فإن تلف المال فصاحب المال مخير
إن أحب أخذه من الدافع وهو المقارض وإن أحب أخذه من الذي تلف في يده وهو البائع.
المساقاة
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال معنى قوله " إن شئتم فلكم
وإن شئتم فلى " أن يخرص النخل كأنه خرصها مائة وسق وعشرة أوسق وقال إذا صارت تمرا
نقصت عشرة أوسق فصحت منها مائة وسق تمرا فيقول إن شئتم دفعت إليكم النصف الذي ليس
لكم الذي أنا قيم بحق أهله على أن تضمنوا لي خمسين وسقا تمرا من تمر يسميه بعينه ولكم أن
تأكلوها وتبيعوها رطبا كيف شئتم وإن شئتم فلى أكون هكذا في نصيبكم فأسلم وتسلمون إلى

(1) قوله: من أجل الخوف كذا في نسخة منقوطة وفى أخرى بدون نقط وتأمل، وحرر. كتبه مصححه.
10

انصباءكم وأضمن لكم هذه المكيلة (قال الشافعي) وإذا كان البياض بين أضعاف النخل جاز فيه
المساقاة كما يجوز في الأصل وإن كان منفردا عن النخل له طريق غيره لم تجز فيه المساقاة ولم تصح
إلا أن يكترى كراء وسواء قليل ذلك وكثيره ولا حد فيه إلا ما وصفت وليس للمساقي في النخل أن
يزرع البياض إلا بإذن مالك النخل وإن زرعها فهو متعد وهو كمن زرع أرض غيره قال وإن كان
دخل على الإجارة بأن له أن يعمل ويحفظ بأن له شيئا من الثمار قبل أن يبدو صلاح التمر فالإجارة
فاسدة وله أجر مثله فيما عمل وكذلك إن كان دخل على أن يتكلف من المؤنة شيئا غير عمل يديه
وتكون أجرته شيئا من الثمار كانت الإجارة فاسدة فإن كان دخل في المساقاة في الحالين معا ورضى
رب الحائط أن يرفع عنه من المؤنة شيئا فلا بأس بالمساقاة على هذا قال وكل ما كان مستزادا في
الثمرة من إصلاح للمار وطريق الماء وتصريف الجريد وإبار النخل وقطع الحشيش الذي يضر بالنخل
أو ينشف عنه الماء حتى يضر بثمرتها شرطه على المساقاة وأما سد الحظار فليس فيه مستزاد لاصلاح
في الثمرة ولا يصلح شرطه على المساقى فإن قال فإن أصلح للنخل أن يسد الحظار فكذلك أصلح لها
أن يبنى عليها حظار لم يكن وهو لا يجيزه في المساقاة وليس هذا الاصلاح من الاستزادة في شئ
من النخل إنما هو دفع الداخل (قال الشافعي) والمساقاة جائزة في النخل والكرم لأن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أخذ فيهما بالخرص وساقى على النخل وثمرها مجتمع لا حائل دونه وليس هكذا
شئ من الثمر كله دونه حائل وهو متفرق غير مجتمع ولا تجوز المساقاة في شئ غير النخل والكرم
وهي في الزرع أبعد من أن تجوز ولو جازت إذا عجز عنه صاحبه جازت إذا عجز صاحب الأرض
عن زرعها أن يزارع فيها على الثلث والربع وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وقال إذا
أجزنا المساقاة قبل أن تكون ثمرا بتراضي رب المال والمساقي في أثناء السنة وقد تخطئ الثمرة فيبطل
عمل العامل وتكثر فيأخذ أكثر من عمله أضعافا كانت المساقاة إذا بدا صلاح الثمر وحل بيعه وظهر
أجوز قال وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم المساقاة فأجزناها بإجازته وحرم كراء الأرض البيضاء
ببعض ما يخرج منها فحرمناها بتحريمه وإن كانا قد يجتمعان في أنه إنما للعامل في كل بعض ما
يخرج النخل أو الأرض ولكن ليس في سنته إلا اتباعها وقد يفترقان في أن النخل شئ قائم
معروف أن الأغلب منه أنه يثمر وملك النخل لصاحبه والأرض البيضاء لا شئ فيها قائما إنما
يحدث فيها شئ بعد لم يكن وقد أجاز المسلمون المضاربة في المال يدفعه ربه فيكون للمضارب
بعض الفضل والنخل أبين وأقرب من الأمان من أن يخطئ من المضاربة وكل قد يخطئ ويقل
ويكثر ولم يجز المسلمون أن تكون الإجارة إلا بشئ معلوم ودلت السنة والاجماع أن الإجارات إنما
هي شئ لم يعلم إنما هو عمل يحدث لم يكن حين استأجره قال: وإذا ساقى الرجل الرجل النخل
فكان فيه بياض لا يوصل إلى عمله إلا بالدخول على النخل فكان لا يوصل إلى سقيه إلا بشرب
النخل الماء وكان غير متميز يدخل فيسقى ويدخل على النخل جاز أن يساقى عليه مع النخل لا
منفردا وحده ولولا الخبر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دفع إلى أهل خيبر (1) على أن لهم
النصف من النخل والزرع وله النصف فكان الزرع كما وصفت بين ظهراني النخل لم يجز فأما إذا

(1) قوله: إلى أهل خيبر الخ الذي في أبى داود " دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن الخ " كتبه
مصححه.
11

انفرد فكان بياضا يدخل عليه من غير أن يدخل على النخل فلا تجوز المساقاة فيه قليلا كان أو كثيرا
ولا يحل فيه إلا الإجارة.
الشرط في الرقيق والمساقاة
(قال الشافعي) رحمه الله: ساقى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر والمساقون عمالها لا عامل
للنبي صلى الله عليه وسلم فيها غيرهم وإذا كان يجوز للمساقي أن يساقى نخلا على أن يعمل فيه عمال
الحائط لأن رب الحائط رضى ذلك جاز أن يشترط رقيقا ليسوا في الحائط يعملون فيه لأن عمل
من فيه وعمل من ليس فيه سواء وإن لم تجز إلا بأن يكون على الدخل في المساقاة العمل كله لم يجز
أن يعمل في الحائط أحد من رقيقه وجواز الامرين من أشبه الأمور عندنا والله أعلم. قال ونفقة
الرقيق على ما تشارطا عليه وليس نفقة الرقيق بأكثر من أجرتهم فإذا جاز أن يعملوا للمساقي بغير
أجرة جاز أن يعملوا له بغير نفقة. والله أعلم.
المزارعة
أخبرنا الربيع بن سليمان قال (قال الشافعي) السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على
معنيين أحدهما أن تجوز المعاملة في النخل على الشئ مما يخرج منها وذلك اتباع لسنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأن الأصل موجود يدفعه مالكه إلى من عامله عليه أصلا يتميز ليكون للعامل
بعمله المصلح للنخل بعض الثمرة ولرب المال بعضها وإنما أجزنا المقارضة قياسا على المعاملة على
النخل ووجدنا رب المال يدفع ماله إلى المقارض يعمل فيه المقارض فيكون له بعمله بعض الفضل
الذي يكون في المال المقارضة لولا القياس على السنة والخبر عن عمر وعثمان رضي الله عنهما بإجازتها
أولى أن لا تجوز من المعاملة على النخل وذلك أنه قد لا يكون في المال فضل كبير وقد يختلف
الفضل فيه اختلافا متباينا وأن ثمر النخل قلما يتخلف قلما يختلف فإذا اختلفت تقارب اختلافها
وإن كانا قد يجتمعان في أنهما مغيبان معا يكثر الفضل فيهما ويقل ويختلف وتدل سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم على أن لا تجوز المزارعة على الثلث ولا الربع ولا جزء من أجزاء وذلك أن المزارع
يقبض الأرض بيضاء لا أصل فيها ولا زرع ثم يستحدث فيها زرعا والزرع ليس بأصل والذي هو
في معنى المزارعة الإجارة ولا يجوز أن يستأجر الرجل الرجل على أن يعمل له شيئا إلا بأجر معلوم
يعلمانه قبل أن يعمله المستأجر لما وصفت من السنة وخلافها للأصل والمال يدفع وهذا إذا كان النخل
منفردا والأرض للزرع منفردة ويجوز كراء الأرض للزرع بالذهب والفضة والعروض كما يجوز كراء
المنازل وإجارة العبيد والأحرار وإذا كان النخل منفردا فعامل عليه رجل وشرط أن يزرع ما بين
ظهراني النخل على المعاملة وكان ما بين ظهراني النخل لا يسقى إلا من ماء النخل ولا يوصل إليه
إلا من حيث يوصل إلى النخل كان هذا جائزا وكان في حكم ثمرة النخل ومنافعها من الجريد
والكرانيف وإن كان الزرع منفردا عن النخل له طريق يؤتى منها أو ماء يشرب متى شربه لا يكون
12

شربه ريا للنخل ولا شرب النخل ريا له لم تحل المعاملة عليه وجازت إجارته وذلك أنه في حكم
المزارعة لا حكم المعاملة على الأصل وسواء قل البياض في ذلك أو كثر فإن قال قائل ما دل على ما
وصفت وهذا مزارعه؟ قيل كانت خيبر نخلا وكان الزرع فيها كما وصفت فعامل النبي صلى الله عليه
وسلم أهلها على الشطر من الثمرة والزرع ونهى في الزرع المنفرد عن المعاملة فقلنا في ذلك اتباعا وأجزنا
ما أجاز ورددنا ما رد وفرقنا بفرقه عليه الصلاة والسلام بينهما وما به يفترقان من الافتراق أو بما
وصفت فلا يحل أن تباع ثمرة النخل سنين بذهب ولا فضة ولا غير ذلك (أخبرنا) ابن عيينة عن
حميد بن قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن
بيع السنين (أخبرنا) سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه
وسلم مثله (أخبرنا) سفيان عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول نهيت ابن الزبير عن بيع
النخل معلومة (قال الشافعي) وإذا اشترك الرجلان من عند أحدهما الأرض ومن عندهما معا البذر
ومن عندهما معا البقر أو من عند أحدهما ثم تعاملا على أن يزرعا أو يزرع أحدهما فما أخرجت
الأرض فهو بينهما نصفان أو لأحدهما فيه أكثر مما للآخر فلا تجوز المعاملة في هذا إلا على معنى
واحد أن يبذرا معا ويمونان الزرع معا بالبقر وغيره مؤنة واحدة ويكون رب الأرض متطوعا بالأرض
لرب الزرع فأما على غير هذا الوجه من أن يكون الزارع يحفظ أو يمون بقدره ما سلم له رب الأرض
فيكون البقر من عنده أو الآلة أو الحفظ أو ما يكون صلاحا من صلاح الزرع فالمعاملة على هذا
فاسدة فإن ترافعاها قبل أن يعملا فسخت وإن ترافعاها بعد ما يعملان فسخت وسلم الزرع لصاحب
البذر وإن كان البذر منهما معا فلكل واحد منهما نصفه وإن كان من أحدهما فهو للذي له البذر
ولصاحب الأرض كراء مثلها وإذا كان البقر من العامل أو الحفظ أو الاصلاح للزرع ولرب الأرض
من البذر شئ أعطيناه من الطعام حصته ورجع الحافظ وصاحب البقر على رب الأرض بقدر ما
يلزم حصته من الطعام من قيمة عمل البقر والحفظ وما أصلح به الزرع فإن أرادا أن يتعاملا من
هذا على أمر يجوز لهما تعاملا على ما وصفت أولا وإن أرادا أن يحدثا غيره تكارى رب الأرض من
رب البقر بقره وآلته وحراثه أياما معلومة بأن يسلم إليه نصف الأرض أو أكثر يزرعها وقتا معلوما
فتكون الإجارة في البقر صحيحة لأنها أيام معلومة كما لو ابتدئت إجارتها بشئ معلوم ويكون ما
أعطاه من الأرض بكراء صحيح كما لو ابتدأ كراءه بشئ معلوم ثم إن شاءا أن يزرعا ويكون عليهما
مؤنة صلاح الزرع مستويين فيها حتى يقسما الزرع كان هذا جائزا من قبل أن كل واحد منهما زرع
أرضا له زرعها ويبذر له فيها ما أخرج ولم يشترط أحدهما على الآخر فضلا عن بذره ولا فضلا في
الحفظ فتنعقد عليه الإجارة فتكون الإجارة قد انعقدت على ما يحل من المعلوم وما لا يحل من
المجهول فيكون فاسدا قال ولا بأس لو كان كراء الأرض عشرين دينارا وكراء البقر دينا أو مائة دينار
فتراضيا بهذا كما لا يكون بأس بأن أكريك بقرى وقيمة كرائها مائة دينار بأن يخلى بيني وبين أرض
أزرعها سنة قيمة كرائها دينار أو ألف دينار لأن الإجارة بيع ولا بأس بالتغابن في البيوع ولا في
الإجارات وإن اشتركا على أن البقر من عند أحدهما والأرض من عند الآخر كان كراء الأرض
ككراء البقر أو أقل والزرع بينهما فالشركة فاسدة حتى يكون عقدها على استئجار البقر أياما معلومة
وعملا معلوما بأرض معلومة لأن الحرث يختلف فيقل ويكثر ويجود ويسوء ولا يصلح إلا بمثل ما
تصلح به الإجارات على الانفراد فإذا زرعا على هذا والبذر من عندهما فالبذر بينهما نصفان ويرجع
13

صاحب البقر على صاحب الأرض بحصته من الأرض بقدر ما أصابها من العمل ويرجع صاحب
الأرض على صاحب الزرع بحصة كراء ما زرع من أرضه قل أو كثر الزرع أو عل أو احترق فلم يكن
منه الشئ (1)
الإجارة وكراء الأرض
(أخبرنا الربيع) قال قال الشافعي لا بأس أن يكرى الرجل أرضه ووكيل الصدقة أو الإمام
الأرض الموقوفة أرض الفئ بالدراهم والدنانير وغير ذلك من طعام موصوف يقبضه قبل أن يفترقا
وكذلك جميع ما أجرها به ولا بأس أن يجعل له أجلا معلوما وأن يفارق صاحبه قبل أن يقبضه وإن
لم يكن له أجل معلوم والإجارة في هذا مخالفة لما سواها غير أنى أحب إذا اكتريت أرضا بشئ مما
يخرج مثله من مثلها أن يقبض ولو لم يقبض لم أفسد الكراء من أجل أنه إنما يصلح أن يؤجرها
بطعام موصوف وهذه صفة بلا عين فقد لا تخرج من تلك الصفة وقد تخرجها ويكون لرب الأرض
أن يعطيه تلك الصفة من غيرها فإذا كان ذلك الدين في ذمته بصفة فلا بأس من أين أعطاه وهذا
خلاف المزارعة المزارعة أن تكرى الأرض بما يخرج منها ثلث أو ربع أو أقل أو أكثر وقد يخرج
ذلك قليلا وكثيرا فاسدا وصحيحا وهذا فاسد بهذه العلة قال وإذا تقبل الرجل الأرض من الرجل
سنين ثم أعارها رجلا أو أكراها إياه فزرع فيها الرجل فالعشر على الزارع والقبالة على المتقبل وهكذا
أرض الخراج إذا تقبلها رجل من الوالي فقبالتها عليه فإن زرعها غيره بأمره بعارية أو كراء فالعشر
على الزارع والقبالة على المتقبل ولو كان المتقبل زرعها كان على المتقبل القبالة والعشر في الزرع إن
كان مسلما وإن كان ذميا فزرع أرض الخراج فلا عشر عليه وكذلك لو كانت له أرض صلح
فزرعها لم يكن عليه عشر في زرعها لأن العشر زكاة ولا زكاة إلا على أهل الاسلام ولا أعرف ما
يذهب إليه بعض الناس في أرض السواد بالعراق من أنها مملوكة لأهلها وأن عليهم خراجا فيها فإن
كانت كما ذهب إليه فلو عطلها ربها أو هرب أخذ منه خراجها إلا أن يكون صلحه على غير هذا
فيكون على ما صالح عليه قال ولو شرط رب الأرض أو متقبلها أو والى الأرض المتصدق بها أن
الزارع لها له زرعه مسلما لا عشر عليه فيه فالعشر عليه من أجل أنها مزارعة فاسدة لأن العشر إنما
هو على الزارع وقد يقل ويكثر فإذا ضمن عنه
ما لا يعرف فسدت الإجارة فإن أدركت قبل أن يزرع
فسخت الإجارة وإن أدركت بعدما يزرع فله زرعه وعليه كراء مثل الأرض ذهبا أو فضة بالأغلب
من نقد البلد الذي تكاراها به كان ذلك أقل مما أكراه به أو أكثر قال وإذا كانت الأرض عنوة
فتقبلها رجل فعجز عن عمارتها وأداء خراجها قيل له إن أديت خراجها تركت في يديك وإن لم تؤده
فسخت عنك وكنت مفلسا وجد عين المال عنده ودفعت إلى من يؤدى خراجها قال وللعامل على
العشر مثل ماله على الصدقات لأن كليهما صدقة فله يقدر أجر مثله على كل واحد منهما أو على أيهما عمل قال وإذا فتحت الأرض عنوة فجميع ما كان عامرا فيها للذين فتحوها وأهل الخمس فإن

(1) هنا زيادة في نسخ الربيع تتعلق بكراء الأرض البيضاء الآتي بعد هذا فألحقناها به ولم توجد في نسخة
السراج البلقيني أصلا لا بعد المزارعة ولا في الإجارات. كتبه مصححه.
14

تركوا حقوقهم منها لجماعة المسلمين فذلك لهم وما كان من أرض العنوة مواتا فهو لمن أحياه من
المسلمين لأنه كان وهو غير مملوك لمن فتح عليه فيملك بملكه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" من أحياء مواتا فهو له " ولا يترك ذمي يحييه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله لمن أحياه من
المسلمين فلا يكون للذمي أن يملك على المسلمين ما تقدم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ملك
لمن أحياه منهم وإذا كان فتحها صلحا فهو على ما صالحوا عليه.
كراء الأرض البيضاء
(أخبرنا الربيع) قال قال الشافعي ولا بأس بكراء الأرض البيضاء بالذهب والورق والعروض
وقول سالم بن عبد الله اكتر ورافع لم يخالفه في أن الكراء بالذهب والورق لا بأس به إنما روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم النهى عن كرائها ببعض ما يخرج منها ولا بأس أن يكرى الرجل أرضه
البيضاء بالتمر وبكل ثمرة يحل بيعها إلا أن من الناس من كره أن يكريها ببعض ما يخرج منها ومن
قال هذا القول قال إن زرعت حنطة كرهت كراءها بالحنطة لأنه نهى أن يكون كراؤها بالثلث
والربع وقال غيره كراؤها بالحنطة وإن كانت إلى أجل غير ما يخرج منها لأنها موصوفة لا يلزمه إذا
جاء بها على صفة أن يعطيه مما يخرج من الأرض ولو جاءت الأرض بحنطة على غير صفتها لم يكن
للمكتري أن يعطيه غير صفته وإذا تعجل المكرى الأرض كراءها من الحنطة فلا بأس بذلك في
القولين معا قال ولا تكون المساقاة في الموز ولا القصب ولا يحل بيعهما إلى أجل لا يحل بيعهما إلا أن
يريا القصب جزة والموز بجناه ولا يحل أن يباع ما لم يخلق منهما وإذا لم يحل أن يبيعهما مثل أن يكونا
بصفة لم يحل أن يباع منهما ما لم يكن منهما بصفة ولا غير صفة لأنه في معنى ما كرهنا وأزيد منه
لأنه لم يخلق قط (1) ولا بأس أن يتكارى الرجل الأرض للزرع بحنطة أو ذرة أو غير ذلك مما تنبت
الأرض أو لا تنبته مما يأكله بنو آدم أو لا يأكلونه مما تجوز به إجارة العبد والدار إذا قبض ذلك كله
قبل دفع الأرض أو مع دفعها كل ما جازت به الإجارة في البيوت والرقيق جازت به الإجارة في
الأرض قال وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض فيما
روى عنه فأما ما أحاط العلم أنى قد قبضته ودفعت الأرض إلى صاحبها فليس في معنى ما نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عنه إنما معنى ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه أن تكون الإجارة
بشئ (2) قد يكون الأشياء ويكون ألفا من الطعام ويكون إذا كان جيدا أو رديئا غير موصوف وهذا
يفسد من وجهين إذا كان إجارة من وجه أنه مجهول الكيل والإجارة لا تحل بهذا ومن وجه أنه
مجهول الصفة ولو كان معروف الكيل وهو مجهول الصفة لم تحل الإجارة بهذا فأما ما فارق هذا المعنى
فلا بأس به ولو شرط الإجارة إلى أجل ولم يسم لها أجلا ولم يتقابضا كانت الإجارة من طعام لا
تنبته الأرض أو غيره من نبات الأرض أو هو مما تنبت الأرض غير الطعام أو عرض أو ذهب أو
فضة فلا بأس بالإجارة إذا قبض الأرض وإن لم يقبض الإجارة كانت إلى أجل أو غير أجل وإن

(1) من هنا إلى آخر الباب هو الزيادة المنبه عليها قبل.
(2) قوله: بشئ قد يكون الخ كذا بالأصل وليحرر من أصل صحيح. كتبه مصححه.
15

شرطها بشئ من الطعام مكيل مما تخرجه الأرض كرهته احتياطا ولو وقع الاجر بهذا وكان طعاما
موصوفا ما أفسدته من قبل أن الطعام مكيل معلوم الكيل موصوف معلوم الصفة وأنه لازم للمستأجر
أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرجه وقد تخرج الأرض طعاما بغير صفته فلا يلزم المستأجر ان يدفعه
ويدفعه بالصفة فعلى هذا الباب كله وقياسه (قال الشافعي) إذا تكارى الرجل الأرض ذات الماء
من العين أو النهر نيل أو غير نيل أو الغيل أو الآبار على أن يزرعها غلة الشتاء والصيف فزرعها
إحدى الغلتين والماء قائم ثم نضب الماء فذهب قبل الغلة الثانية فأراد رد الأرض بذهاب الماء فدلك
له ويكون عليه من الكراء بحصة ما زرع إن كانت حصة الزرع الذي حصد الثلث أو النصف أو
الثلثين أو أقل أو أكثر أدى ذلك وسقطت عنه حصة الزرع الثاني الذي انقطع الماء قبل أن يكون
وهذا مثل الدار يكتريها فيسكنها بعض السنة ثم تنهدم في آخرها فيكون عليه حصة ما سكن وتبطل
عنه حصة ما لم يقدر على سكنه فالماء إذا كان لا صلاح للزرع إلا به كالبناء الذي لا صلاح
للمسكن إلا به وإذا تكارى من الرجل الأرض السنة على أن يزرعها ما شاء فزرعها وانقضت
السنة وفيها زرع لم يبلغ أن يحصد فإن كانت السنة قد يمكنه فيها أن يزرع زرعا يحصد قبلها فالكراء
جائز وليس لرب الزرع أن يثبت زرعه وعليه أن ينقله عن رب الأرض إلا أن يشاء رب الأرض
تركه قرب ذلك أو بعد، لا خلاف في ذلك، وإن كان شرط أن يزرعها صنفا من الزرع
يستحصد أو يستقصل قبل السنة فأخره إلى وقت من السنة وانقضت السنة قبل بلوغه فكذلك أيضا
وإن تكاراها مدة هي أقل من سنة وشرط أن يزرعها شيئا بعينه ويتركه حتى يستحصد فكان يعلم
أنه لا يمكنه أن يستحصد في مثل هذه المدة التي تكاراها إليها فالكراء فاسد من قبل أنى أثبت
بينهما شرطهما ولو أثبت على رب الأرض أن يبقى زرعه فيها بعد انقطاع المدة أبطل شرط رب الزرع
أن يتركه حتى يستحصد وإن أثبت له زرعه حتى يستحصد أبطلت شرط رب الأرض فكان هذا
كراء فاسد ولرب الأرض كراء مثل أرضه إذا زرع وعليه ترك الزرع حتى يستحصد، وإن ترافعا
قبل يزرع فسخت الكراء بينهما، وإذا تكارى الرجل من الرجل الأرض التي لا ماء لها والتي إنما
تسقى بنطف السماء أو السيل إن حدث فلا يصلح كراؤها إلا على أن يكريه إياها أرضا بيضاء لا
ماء لها يصنع بها المكترى ما شاء في سنة إلا أنه لا يبنى ولا يغرس فيها، وإذا وقع على هذا الكراء
صح فإذا جاءه ماء من سيل أو مطر فزرع عليه أو لم يزرع أو لم يأته ماء فالكراء له لازم، وكذلك
إن كان شرطه أن يزرعها وقد يمكنه زرعها عثريا بلا ماء أو يمكنه أو يشترى لها ماء من موضع
فأكراه إياها أرضا بيضاء لا ماء لها على أن يزرعها إن شاء أو يفعل بها ما شاء صح الكراء ولزمه
زرع أو لم يزرع، وإن أكراه إياها على أن يزرعها ولم يقل أرضا بيضاء لا ماء لها وهما يعلمان أنها لا
تزرع إلا بمطر أو سيل يحدث فالكراء فاسد في هذا كله فإن زرعها فله ما زرع وعليه أجر مثلها
(وقال الربيع) فإن قال قائل لم أفسدت الكراء في هذا؟ قيل من قبل أنه قد لا يجئ الماء عليها
فيبطل الكراء وقد يجئ فيتم الكراء،
فلما كان مرة يتم ومرة لا يتم بطل الكراء (قال الشافعي) وإذا
تكارى الرجل الأرض ذات النهر مثل النيل وغيره مما يعلو الأرض على أن يزرعها زرعا هو معروف
أن ذلك الزرع لا يصلح إلا بأن يرويها النيل لا يتركها ولا تشرب غيره كرهت هذا الكراء وفسخته
إذا كانت الأرض بيضاء ثم لم يصح حتى يعلو الماء الأرض علوا يكون ريا لها أو يصلح به الزرع
بحال فإذا تكوريت ريا بعد نضوب الماء فالكراء صحيح لازم للمكتري زرع أو لم يزرع قل ما يخرج
16

من الزرع أو كثر، وإن تكاراها والماء قائم عليها وقد ينحسر لا محالة في وقت يمكن فيه الزرع
فالكراء فيه جائز وإن كان قد ينحسر ولا ينحسر كرهت الكراء إلا بعد انحساره وكل شئ أجزت
كراءه أو بيعه أجزت النقد فيه وإن تكارى الرجل للزرع فزرعها أو لم يزرعها حتى جاء عليها النيل
أو زاد أو أصابها شئ يذهب الأرض انتقض الكراء بين المستأجر ورب الأرض من يوم تلفت
الأرض ولو كان بعض الأرض تلف وبعض لم يتلف ولم يزرع فرب الزرع بالخيار إن شاء أخذ ما
بقي بحصته من الكراء وإن شاء ردها لأن الأرض لم تسلم له كلها وإن كان زرع أبطل عنه ما تلف
ولزمته حصة ما زرع من الكراء وهكذا كراء الدور وأثمان المتاع والطعام إذا جمعت الصفقة منه
مائة صاع بثمن معلوم فتلف خمسون صاعا فالمشترى بالخيار في أن يأخذ الخمسين بحصتها من الثمن
أو يرد البيع لأنه لم يسلم له كله كما اشترى (قال الشافعي) وإذا اكترى الرجل الأرض من الرجل
بالكراء الصحيح ثم أصابها غرق منعه الزرع أو ذهب بها السيل أو غصبها فحيل بينه وبينها سقط عنه
الكراء من يوم أصابها ذلك وهي مثل الدار يكتريها سنة ويقبضها فتهدم في أول السنة أو آخرها
والعبد يستأجره السنة فيموت في أول السنة أو آخرها فيكون عليه من الإجارة بقدر ما سكن
واستخدم ويسقط عنه ما بقي وإن أكراه أرضا بيضاء يصنع فيها ما شاء أو لم يذكر أنه اكتراها
للزرع ثم انحسر الماء عنها في أيام لا يدرك فيها زرعا فهو بالخيار بين أن يأخذ ما بقي بحصته من
الكراء أو يرده لأنه قد انتقص مما اكترى وكذلك إن اكتراها للزرع وكراؤها للزرع أبين في أن له أن
يردها إن شاء وإن كان مر بها ماء فأفسد زرعه أو أصابه حريق أو ضريب أو جراد أو غير ذلك فهذا
كله جائحة على الزرع لا على الأرض فالكراء له لازم فإن أحب أن يجدد زرعا جدده إن كان ذلك
يمكنه وإن لم يمكنه فهذا شئ أصيب به في زرعه لم تصب به الأرض فالكراء له لازم وهذا مفارق
للجائحة في الثمرة يشتريها الرجل فتصيبها الجائحة في يديه قبل أن يمكنه جدادها ومن وضع
الجائحة ثم انبغى أن أن لا يضعها ههنا فإن قال قائل إذا كانتا جائحتين فما بال إحداهما توضع
والأخرى لا توضع فإن من وضع الجائحة الأولى فإنما يضعها بالخبر وبأنه إذا كان البيع جائزا في
شراء الثمرة إذا بدا صلاحها وتركها حتى تجد فإنما ينزلها بمنزلة الكراء الذي يقبض به الدار ثم تمر به
أشهر ثم تتلف الدار فيسقط عنه الكراء من يوم تلفت وذلك أن العين التي اكترى واشترى تلفت
وكان الشراء في هذا الموضع إنما يتم بسلامته إلى أن يجد والمكترى الأرض لم يشتر من رب الأرض
زرعا إنما اكترى أرضا إلا ترى أنه لو تركها فلم يزرعها حتى تمضى السنة كان عليه كراؤها ولو
أراد أن يزرعها بشئ يقيم تحت الأرض حتى لو مر به سيل لم ينزعه كان ذلك له؟ ولو تكاراها
حتى إذا استحصدت فأصاب الأرض حريق فاحترق الزرع لم يرجع على رب الأرض بشئ من
قبل أنه لم يتلف شئ كان أعطاه إياه إنما تلف شئ يضعه الزراع من ماله كما لو تكارى منه دارا
للبر فاحترق البر ولا مال له غيره وبقيت الدار سالمة لم ينتقص سكنها كان الكراء له لازما ولم يكن
احتراق المتاع من معنى الدار بسبيل، وإذا تكارى الرجل من الرجل الأرض سنة مسماة أو سنته
هذه فزرعها وحصد وبقى من سنته هذه شهر أو أكثر أو أقل لم يكن لرب الأرض أن يخرجها من
يده حتى تكمل سنته ولا يكون له أن يأخذ جميع الكراء إلا باستيفاء المكترى جميع السنة وسواء
كانت الأرض أرض المطر أو أرض السقي لأنه قد يكون فيها منافع من زرع وعثرى وسيل ومطر ولا
يؤيس من المطر على حال ولمنافع سوى هذا لا يمنعها المكترى وإذا استأجر الرجل من الرجل
17

الأرض ليزرعها قمحا فأراد أن يزرعها شعيرا أو شيئا من الحبوب سوى القمح فإن كان الذي أراد
ان يزرعه لا يضر بالأرض إضرارا أكثر من إضرار ما شرط أنه يزرع ببقاء عروقه في الأرض أو
إفساده الأرض بحال من الأحوال فله زرعها ما أراد بهذا المعنى كما يكترى منه الدار على أن يسكنها
فيسكنها مثله، وإن كان ما أراد زرعها ينقصها بوجه من الوجوه أكثر من نقص ما اشترط أن
يزرعها لم يكن له زرعها فإن زرعها فهو متعد ورب المال بالخيار بين أن يأخذ منه الكراء الذي سمى
له وما نقص زرعه الأرض عما ينقصها الزرع الذي شرط له أو يأخذ منه كراء مثلها في مثل ذلك
الزرع وإن كان قائما في وقت يمكنه فيه الزرع كان لرب الأرض قطع زرعه إن شاء ويزرعها
المكترى مثل الزرع الذي شرط له أو ما لا يضر أكثر من إضراره وإذا تكارى الرجل من الرجل
البعير ليحمل عليه خمسمائة رطل قرطا فحمل عليه خمسمائة رطل حديد أو تكارى ليحمل عليه
حديدا فحمل عليه قرطا بوزنه فتلف البعير فهو ضامن من قبل أن الحديد يستجمع علي ظهره
استجماعا لا يستجمعه القرط فبهذه يتلف وأن القرط ينتشر على ظهر البعير انتشارا لا ينتشره الحديد
فيعمه فيتلف وأصل هذا أن ينظر إذا اكترى منه بعيرا على أن يحمل عليه وزنا من شئ بعينه فحمل
عليه وزنه من شئ غيره فإن كان الشئ الذي حمل عليه يخالف الشئ الذي شرط أن يحمله حتى
يكون أضر بالبعير منه فتلف ضمن وإن كان لا يكون أضر به منه وكان مثله أو أحرى أن لا يتلف
البعير فحمله فتلف لم يضمن، وكذلك إن تكارى دابة ليركبها فحمل عليها غيره مثله في الخفة أو
أخف منه فهكذا لا يضمن وإن كان أثقل منه فتلف ضمن وإن كان أعنف ركوبا منه وهو مثله في
الخفة فانظر إلى العنف فإن كان العنف شيئا ليس كركوب الناس وكان متلفا ضمن وإن كان
كركوب الناس لم يضمن وذلك (1) إن أركب الناس قد يختلف بركوب ولا يوقف للركوب على حد
إلا أنه إذا فعل في الركوب ما يكون خارجا به من ركوب العامة ومتلفا فتلف الدابة ضمن، وإذا
تكارى الرجل من الرجل أرضا عشر سنين على أن يزرع فيها ما شاء فلا يمنع من شئ من الزرع
بحال، فإن أراد الغرس فالغراس غير الزرع لأنه يبقى فيها بقاء لا يبقاه الزرع ويفسد منها ما لا
يفسد الزرع فإن تكاراها مطلقة عشر سنين ثم اختلفا فيما يزرع فيها أو يغرس كرهت الكراء وفسخته
ولا يشبه هذا السكن السكن شئ على وجه الأرض وهذا شئ على وجهها وبطنها فإذا تكاراها على
أن يغرس فيها ويزرع ما شاء ولم يزد على ذلك فالكراء جائز وإذا انقضت سنوه لم يكن لرب
الأرض قلع غراسه حتى يعطيه قيمته في اليوم الذي يخرجه منها قائما على أصوله وبثمره إن كان
فيه ثمر ولرب الغراس إن شاء أن يقلعه على أن عليه إذا قلعه ما نقص الأرض والغراس كالبناء إذا
كان بإذن مالك الأرض مطلقا لم يكن لرب الأرض أن يقلع البناء حتى يعطيه قيمته قائما في اليوم
الذي يخرجه (قال الشافعي) وإذا استأجر الرجل من الرجل الأرض يزرعها وفيها نخلة أو مائة نخلة
أو أقل أو أكثر وقد رأى ما استأجر منه من البياض زرع في البياض ولم يكن له من ثمر النخل قليل
ولا كثير وكان ثمر النخل لرب النخل ولو استأجرها منه بألف دينار على أن له ثمر نخلة يسوى درهما أو
أقل أو أكثر كانت الإجارة فاسدة من قبل أنها انعقدت عقدة واحدة على حلال ومحرم فالحلال
الكراء والحرام ثمر النخلة إذا كان هذا قبل أن يبدو صلاحه، وإن كان بعدما يبدو صلاحه فلا

(1) قوله: إن أركب الناس الخ كذا بالأصل وحرره. كتبه مصححه.
18

بأس به إذا كانت النخلة بعينها (قال الشافعي) وسواء في هذا كثر الكراء في الأرض أو الدار وقلت
الثمرة أو كثرت أو قل الكراء كما كان لا يحل أن تباع ثمرة نخلة قبل أن يبدو صلاحها وكان هذا فيها
محرما كما هو في ألف نخلة وكذلك إذا وقعت الصفقة على بيعه قبل يبدو صلاحه بحال لأن الذي
يحرم كثيرا يحرم قليلا وسواء كانت النخلة صنوانا واحد في الأرض أو مجتمعة في ناحية أو متفرقة
(قال الشافعي) وإذا تكارى الرجل الدار أو الأرض إلى سنة كراء فاسدا فلم يزرع الأرض ولم ينتفع
بها ولم يسكن الدار ولم ينتفع بها إلا أنه قد قبضها عند الكراء ومضت السنة لزمه كراء مثلها كما كان
يلزمه إن انتفع بها ألا ترى أن الكراء لو كان صحيحا فلم ينتفع بواحدة منهما حتى تمضى سنة لزمه
الكراء كله من قبل أنه قبضه وسلمت له منفعته فترك حقه فيها فلا يسقط ذلك حق رب الدار عليه
فلما كان الكراء الفاسد إذا انتفع به المكترى يرد إلى كراء مثله كان حكم كراء مثله في الفاسد
كحكم الكراء الصحيح، وإذا تكارى الرجل من الرجل الدار سنة فقبضها المكترى ثم غصبه إياها
من لا يقوى عليه سلطان أو من يرى أنه يقوى عليه سلطان فسواء لا كراء عليه في واحد منهما ولو
أراد المكترى أن يكون خصما للغاصب لم يكن له خصما إلا بوكالة من رب الدار وذلك أن
الخصومة للغاصب إنما تكون في رقبة الدار فلا يجوز أن يكون خصما في الدار إلا رب الدار أو
وكيل لرب الدار والكراء لا يسلم للمكتري إلا بأن يكون المكرى مالكا للدار والمكترى لم يكتر على
أن يكون خصما لو كان ذلك جائزا له، أرأيت لو خاصمه فيها سنة فلم يتبين للحاكم أن يحكم
بينهما أتجعل على المكترى كراء ولم يسلم له أم تجعل للمخاصم إجارة على رب الدار في عمله ولم
يوكله؟ أو رأيت لو أقر رب الدار بأنه كان غصبها من الغاصب ألا يبطل الكراء؟ أو رأيت لو أقر
المتكارى أن رب الدار غصبها من الغاصب أيقضى على رب الدار أنه غاصب بإقرار غير مالك ولا
وكيل؟ فهل يعدو المكترى إذا قبض الدار ثم غصبت أن يكون الغصب على رب الدار ولم تسلم
للمكتري المنفعة بلا مؤنة عليه كما اكترى؟ فإن كان هذا هكذا فسواء غصبها من لا يقوى عليه
سلطان أو من يقوى عليه سلطان ولا يكون عليه كراء لأنه لم تسلم له المنفعة أو يكون الغصب على
المكترى دون رب الدار ويكون ذلك شيئا أصيب به المكترى كما يصاب ماله فيلزمه الكراء غصبها
إياه من يقوى عليه السلطان أو من لا يقوى عليه وإذا ابتاع الرجل من الرجل العبد ودفع إليه الثمن
أو لم يدفعه وافترقا عن تراض منهما ثم مات العبد قبل أن يقبضه المشترى وإن لم يحل البائع بينه وبينه
كان حاضرا عندهما قبل البيع وبعده حتى توفى العبد فالعبد من مال البائع لا من مال المبتاع وإن
حدث بالعبد عيب كان المبتاع بالخيار بين أن يقبض العبد أو يرده وكذلك لو اشتراه وقبضه كان
الثمن دارا أو عبدا أو ذهبا بأعيانها أو عرضا من العروض فتلف الذي ابتاع به العبد مما وصفنا في
يدي مشترى العبد كان البيع منتقضا وكان من مال مالكه فإن قال قائل قد هلك هذا العبد وهذا
العرض ثم لم يحدث واحد منهما حولا بينه وبين ملكه إياه فكيف يكون من مال البائع حتى يسلمه
للمبتاع؟ فقيل له بالامر البين مما لا يختلف الناس فيه من أن من كان بيده ملك لرجل مضمونا
عليه أن يسلمه إليه من دين عليه أو حق لزمه من وجه من الوجوه أرش جناية أو غيرها أو غصب أو
أي شئ ما كان فأحضره ليدفع إلى مالكه حقه فيه عرضا بعينه أو غير عينه فهلك في يده لم يبرأ
بهلاكه في يده وإن لم يحل بينه وبين صاحبه وكان ضمانه منه حتى يسلمه إليه ولو أقاما بعد إحضاره
إياه في مكان واحد يوما واحدا أو سنة أو أقل أو أكثر لأن ترك الحول بغير الدفع لا يخرج من عليه
19

الدفع إلا بالدفع فكان أكثر ما على المتبايعين أن يسلم هذا ما باع وهذا ما اشترى به فلما لم يفعلا لم
يخرجا من ضمان بحال وقال الله جل وعلا " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " فلو أن امرءا نكح امرأة
واستخزنها ماله ولم يحل بينها وبين قبض صداقها ولم يدفعه إليها لم يبرأ منه بأن يكون واجدا له وغير
حائل دونه وأن تكون واجدة له غير محول بينها وبينه وقال الله عز وجل " وأقيموا الصلاة وآتوا
الزكاة " فلو أن امرءا أحضر مساكين وأخبرهم أن لهم في ماله دراهم أخرجها بأعيانها من زكاة ماله
فلم يقبضوها ولم يحل بينهم وبينها لم تخرج من أن تكون مضمونة عليه حتى يؤديها ولو تلفت في يده
تلفت من ماله وكذلك لو تطهر للصلاة وقام يريدها ولا يصليها لم يخرج من فرضها حتى يصليها ولو
وجب عليه أن يقتص من نفسه من دم أو جرح فأحضر الذي له القصاص وخلى بينه وبين نفسه أو
خلى الحاكم بينه وبينه فلم يقتص ولم يعف لم يخرج هذا مما عليه من القصاص ثم لا يخرج أحدهما
مما قبله إلا بأن يؤديه إلى من هو له أو يعفوه الذي هو له وهكذا أصل فرض الله عز وجل في جميع ما
فرض قال الله عز وجل " ودية مسلمة إلى أهله " فجعل التسليم الدفع لا الوجود وترك الحول والدفع
وقال في اليتامى " فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم " وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم " وآت
ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل " ففرض على كل من صار إليه حق لمسلم أو حق له (1) أن
يكون مؤديه وأداؤه دفه لا ترك الحول دونه وسواء دعاه إلى قبضه أو لم يدعه ما لم يبرئه منه فيبرأ منه
بالبراءة أو يقبضه منه في مقامه أو غير مقامه ثم يودعه إياه وإذا قبضه ثم أودعه إياه فضمانه من
مالكه (قال الربيع) يريد القابض له وهو المشترى (قال الشافعي) وإذا اكترى الرجل من الرجل
الأرض أو الدار كراء صحيحا بشئ معلوم سنة أو أكثرتم قبض المكترى ما اكترى فالكراء له لازم
فيدفعه حين يقبضه إلا أن يشترطه إلى أجل فيكون إلى أجله فإن سلم له ما اكترى فقد استوفى وإن
تلف رجع بما قبض منه من الكراء كله فيما لم يستوف فإن قال قائل فكيف يجوز أن يكون يدفع إليه
الكراء كله ولعل الدار أن تتلف أو الأرض قبل أن يستوفى؟ قيل لا أعلم يجوز غير هذا من أن تكون
الدار التي ملك منفعتها مدفوعة إليه فيستوفى المنفعة المدة التي شرطت له وأولى الناس أن يقول بهذا
من زعم أن الجائحة موضوعة وقد دفع البائع الثمرة إلى المشترى ولو شاء المشترى أن يقطعها كلها
قطعها فلما كان المشترى إذا تركها إلى أوان يرجو أن تكون خيرا له فتلف رجع بحصة ما تلف كان في
الدار التي لا يقدر على قبض منفعتها إلا في مدة تأتى عليها أولى أن يجعل الثمن للمكري حالا كما
يجعله للثمرة إلا أن يشترطه إلى أجل فإن قال قائل من قال هذا؟ قيل له عطاء بن أبي رباح وغيره
من المكيين فإن قال فما حجتك على من قال من المشرقيين إذا تشارطا فهو على شرطهما وإن لم
يتشارطا فكلما مر عليه يوم له حصة من الكراء كان عليه أن يدفع كراء يومه قيل له من قال هذا لزمه
في أصل قوله أن يجيز الدين بالدين إذا لم يقل كما قلنا إن الكراء يلزم بدفع الدار لأنه لا يوجد في
هذا أبدا دفع غيره وقال المنفعة تأتى يوما بعد يوم فلا أجعل دفع الدار يكون في حكم دفع المنفعة
قيل فالمنفعة دين لم يأت والمال دين لم يأت وهذا الدين بالدين وسواء كانت أرض نيل أو غيرها أو
أرض مطر (قال) وإذا تكارى الرجل المسلم من الذمي أرض عشر أو خراج فعليه فيما أخرجت من
الزرع الصدقة فإن قال قائل فما الحجة في هذا؟ قيل لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة من

(1) قوله: أي حق له كذا بالأصل والكلام مستقيم بدونه فحرر. كتبه مصححه.
20

قوم كانوا يملكون أرضهم من المسلمين وهذه أرض من زرعها من المسلمين فإنما زرع مالا يملك من
الأرض وما كان أصله فيئا أو غنيمة فإن الله جل ذكره خاطب المؤمنين بأن قال لنبيه صلى الله عليه
وسلم " خذ من أموالهم صدقه تطهرهم وتزكيهم بها " وخاطبهم بأن قال " وآتوا حقه يوم حصاده " فلما
كان الزرع مالا من مال المسلم والحصاد حصاد مسلم تجب فيه الزكاة وجب عليه ما كان لا يملك
رقبة الأرض فإن قال فهل من شئ توضحه غير هذا؟ قيل نعم الرجل يتكارى من الرجل الأرض
أو يمنحه إياها فيكون عليه في زرعها الصدقة كما يكون عليه لو زرع أرض نفسه فإن قال فهذه
لمالك معروف قيل فكذلك يتكارى في الأرض الموقوفة على أبناء السبيل وغيرهم ممن لا يعرف بعينه
وإنما يعرف بصفته فيكون عليه في زرعها الصدقة فإن قال هذا هكذا ولكن أصل هذه لمسلم أو
لمسلمين وأصل تلك لمشرك قيل لو كانت لمشرك ما حل لنا إلا بطيب نفسه ولكنها لما كانت عنوة أو
صلحا كانت مالا للمسلمين كما تغنم أموالهم من الذهب والفضة فيكون علينا فيها الصدقة كما يكون
علينا فيما ورثنا من آبائنا لأن ملكهم قد انقطع عنهم فصار لنا وكذلك الأرض فإن قال قائل فهي
لقوم غير معروفين قيل هي لقوم معروفين بالصفة من المسلمين وإن لم يكونوا معروفين بأعيانهم كما
تكون الأرض الموقوفة لقوم موصوفين فإن قال فالخراج يؤخذ منها قيل لولا أن الخراج كراء ككراء
الأرض الموقوفة وكراء الأرض للرجل حرم على المسلم أن يؤدى خراجا وعلى الآخذ منه أن يأخذ منها
خراجا ولكنه إنما هو كراء ألا ترى أن الرجل يكترى الأرض بالشئ الكثير فلا يحسب عليه ولا له
فيخفف عنه من صدقتها شئ لما أدى من كرائها (قال الشافعي) فإذا ابتاع الرجل من الرجل عبدا
فتصادقا على البيع والقبض واختلفا في الثمن والعبد قائم تحالفا وترادا فإن كان العبد تالفا تحالفا
وترادا قيمة العبد وإذا كان قائما وهما يتصادقان في البيع ويختلفان في الثمن رد العبد بعينه فكل ما
كان على إنسان أن يرده بعينه ففات رده بقيمته لأن القيمة تقوم مقام العين إذا فاتت العين فإن كان
هذا في كل شئ فما أخرج هذا من تلك الأشياء؟ لا يجوز أن يفرق بين المجتمع في المعنى إلا بخبر
يلزم وهكذا في الدور والأرضين إذا اختلفا قبل أن يسكن أو يزرع تحالفا وترادا فإذا اختلفا بعد
الزرع والسكن تحالفا وترادا قيمة الكراء وإن سكن بعضا رد قيمة ما سكن وفسخ الكراء فيما لم
يسكن وإن تكارى أرضا لزرع فزرعها وبقى له سنة أو أكثر تحالفا وتفاسخا فيما بقي ورد كراء مثلها
فيما زرع قال وإذا اكترى الرجل من الرجل الدابة بعشرة تصادقا على الكراء ومبلغه واختلفا في
الموضع الذي تكارى إليه فقال المكترى اكتريتها إلى المدينة بعشرة وقال المكرى اكتريتها بعشرة إلى
أيلة فإن لم يكن ركب الدابة تحالفا وترادا وإن كان ركبها تحالفا وكان لرب الدابة كراء مثلها إلى
الموضع الذي ركبها إليه وفسخ الكراء في ذلك الموضع لأن كليهما مدع ومدعى عليه لأن الكراء بيع
من البيوع وهذا مثل معنى قولنا في البيوع وإذا استأجر الرجل من الرجل الأرض ليزرعها فغرقت
كلها قبل الزرع رجع بالإجارة لأن المنفعة لم تسلم له وهي مثل الدار تنهدم قبل السكنى فإن غرق
بعضها فهذا نقص دخل عليه فيما اكترى وله الخيار بين حبسها بالكراء أو ردها لأنه لم يسلم له ما
اكترى كما اكترى كما يكون له في الدار لو انهدم بعضها أن يحبس ما بقي بحصته من الكراء كأن
انهدم نصفها فأراد أن يقيم في نصفها الباقي بنصف الكراء فذلك له لأنه نقص دخل عليه فرضى
21

بالنقص وإن شاء أن يخرج ويفسخ الكراء كان ذلك له إذا كان (1) بعض ما بقي من الدار
والأرض ليس مثل ما ذهب (قال الشافعي) وكذلك لو اشترى مائة أردب طعاما فلم يستوفها حتى
تلف نصفها في يدي البائع كان له إن شاء أن يأخذ النصف بنصف الثمن (قال الربيع) الطعام
عندي خلاف الدار ينهدم بعضها لأن الطعام شئ واحد والدار لا يكون بعضها مثل بعض سواء
مثل الطعام (قال الشافعي) وأصل هذا أن ينظر إلى البيعة فإذا وقعت على شئ يتبعض ويجوز أن
يقبض بعضه دون بعض فتلف بعضه قلت فيه هكذا، وإن وقعت على شئ لا يتبعض مثل عبد
اشتريته فلم تقبضه حتى حدث به عيب كنت فيه بالخيار بين أخذه بجميع الثمن أو رده لأنه لم يسلم
لك فتقبضه غير معيب فإن قال قائل ما فرق بين هذين؟ قيل لا يكون العبد يتبعض من العيب ولا
العيب يتبعض من العبد فقد يكون المسكن متبعضا من المسكن من الدار والأرض وكذلك إذا
تكارى الرجل من الرجل الأرض عشر سنين بمائة دينار لم يجز حتى يسمى لكل سنة شيئا معلوما:
وإذا اكترى الرجل من الرجل أرضه أو داره فقال أكتريها منك كل سنة بدينار أو أكثر ولم يسم
السنة التي يكتريها ولا السنة التي ينقطع إليها الكراء فالكراء فاسد لا يجوز إلا على أمر يعرفه المكرى
والمكترى. كما لا تجوز البيوع إلا على ما يعرف وهذا كلام يحتمل أن يكون الكراء فيه ينقضى إلى
مائة سنة أو أكثر أو أقل ويحتمل أن يكون سنة ويحتمل أقل من سنة فكان هذا كراء مجهولا يفسخه
قبل السكنى. فإن فات فيه السكنى جعلنا فيه على المكترى أجر مثله كان أكثر مما وقع به الكراء أو
أقل. إذا أبطلنا أصل العقد فيه وصيرناه قيمة لم نجعل الباطل دليلا على الحق (قال الشافعي) فإذا
زرع الرجل أرض رجل فادعى أن رب الأرض أكراه أو أعاره إياها وجحد رب الأرض فالقول
قول رب الأرض مع يمينه ويقلع الزارع في زرعه وعلى الزارع كراء مثل أرضه إلى يوم يقلع زرعه
(قال الشافعي) وسواء كان ذلك في إبان الزرع أو في غير إبانه إذا كان زارع الأرض المدعى
للكراء حبسها عن مالكها فإنما أحكم عليه حكم الغاصب وإذا تكارى الرجل من الرجل أرضا
فيها زرع لغيره لا يستطيع إخراجه منها إلى أن يحصده فالكراء مفسوخ لا يجوز حتى يكون المكترى
يرى الأرض لا حائل دونها من الزرع ويقبضها لا حائل دونها من الزارعين لأنا نجعله بيعا من البيوع
فلا يجوز أن يبيع لرجل عينا لا يقدر المبتاع على قبضها حين تجب له ويدفع الثمن ولا أن نجعل على
المبتاع والمكترى الثمن ولعل المكترى أن يتلف قبل أن يقبضه ولا يجوز أن نقول له الثمن دين إلى أن
يقبض فذلك دين بدين (قال الشافعي) ولا بأس بالسلف في الأرض والدار قبل أن يكتريهما
ويقبضهما ولكن يكترى الأرض والدار ويقبضهما مكانهما لا حائل بينهما ومتى حدث على واحد منهما
حادث يمنع من منفعته رجع المكترى بحصته من الكراء من يوم حدث الحادث وهكذا العبد
وجميع الإجارات وليس هذا بيع وسلف إنما البيع والسلف أن تنعقد العقدة على إيجاب بيع وسلف
بين المتبايعين فيكون الثمن غير معلوم من قبل أن للمبيع حصة من السلف في أصل ثمنه لا تعرف لأن
السلف غير مملوك (قال الشافعي) وكل ما جاز لك أن تشتريه على الانفراد جاز لك أن تكتريه على
الانفراد والكراء بيع من البيوع وكل ما لم يجز لك أن تشتريه على الانفراد لم يجز لك أن تكتريه على

(1) قوله: إذا كان بعض ما بقي كذا بالأصل لا يخفى استقامة الكلام بدون " بعض " إن لم يكن محرفا عن
" البعض الباقي " فحرر. كتبه مصححه.
22

الانفراد ولو أن رجلا اكترى من رجل أرضا بيضاء ليزرعها شجرا قائما على أن له الشجر وأرضه
كان في الشجر ثم بالغ أو غض أو لم يكن فيه كان هذا كراء جائزا كما يكون بيعا جائزا (قال الربيع)
يريد أن لصاحب الأرض البيضاء الشجر وأرض الشجر (قال الشافعي) ولو تكارى الأرض بالثمرة
دون الأرض والشجر فإن كانت الثمرة قد حل بيعها جاز الكراء بها وإن كانت لم يحل بيعها لم يحل
الكراء بها. قال الله تبارك وتعالى " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض
منكم " وقال عز وجل " ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا " فكانت
الآيتان مطلقتين على إحلال البيع كله إلا أن تكون دلالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في
إجماع المسلمين الذين لا يمكن أن يجهلوا معنى ما أراد الله تخص تحريم بيع دون بيع فنصير إلى قول
النبي صلى الله عليه وسلم فيه لأنه المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد الله خاصا وعاما ووجدنا
الدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم شيئين أحدهما التفاضل في النقد والآخر النسيئة كلها
وذلك أنه يحرم الذهب بالذهب إلا مثل يمثل يدا بيد وكذلك الفضة وكذلك أصناف من الطعام
الحنطة والشعير والتمر والملح فحرم في هذا كله معنيان التفاضل في الجنس الواحد وأباح التفاضل في
الجنسين المختلفين وحرم فيه كله النسيئة فقلنا الذهب والورق هكذا لأن نصه في الخبر وقلنا كل ما
كان مأكولا ومشروبا هكذا لأنه في معنى ما نص في الخبر. وما سوى هذا فعلى أصل الآيتين من
إحلال الله، البيع حلال كله بالتفاضل في بعضه على بعض يدا بيد ونسيئة فكانت لنا بهذا دلائل
مع وصفنا منها أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع عبدا بعبدين وأجاز ذلك علي بن أبي طالب وابن
المسيب وابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم، ولو لم يكن فيه هذا الخبر ما جاز فيها إلا هذا القول على
هذا المعنى أو قول ثان وهو أن يقال إذا كان الشيئان من صنف واحد فلا يجوز إلا أن يكونا سواء
بسواء وعينا بعين ومثلا بمثل كما يكون الذهب بالذهب وإذا اختلفا فلا بأس بالتفاضل يدا بيد ولا
خير فيه نسيئة كما يكون الذهب بالورق والتمر بالحنطة. ثم لم يجز أن يباع بعير ببعيرين يدا بيد من قبل
أنهما من صنف واحد وإن اختلفت رحلتهما ونجابتهما. وإذا لم يجز يدا بيد كانت النسيئة أولى أن لا
تجوز، فإن قال قائل: قد يختلفان في الرحلة وكذلك التمر قد يختلف في الحلاوة والجودة حتى
يكون المد من البردى خيرا من المدين من غيره ولا يجوز إلا مثل بمثل ويدا بيد لأنهما تمران يجمعان
معا على صاحبهما في الصدقة لأنهما جنس وكذلك البعيران جنس يجتمعان على صاحبهما في
الصدقة وكذلك الذهب منه ما يكون المثقال ثمن ثلاثين درهما لجودته ومنه ما يكون المثقال بشئ
أقل منه بكثير لتفاضلهما ولا يجوز وإن تفاضلا أن يباعا إلا مثلا بمثل يدا بيد ويجمعان على صاحبهما
في الصدقة، فإما أن تجرى الأشياء كلها قياسا عليه. وإما أن يفرق بينها وبينه كما قلنا وبالدلائل
التي وصفنا، وبأن المسلمين أجمعوا على أن الذهب والورق يسلمان فيما سواهما بخلاف ما سواهما
فيهما، فأما أن يتحكم المتحكم فيقول مرة في شئ من الجنس لا يجوز الفضل في بعضه على بعض
قياسا على هذا. ثم يقول مرة أخرى ليس هو من هذا فإن كان هذا جائزا لاحد جاز لكل امرئ أن
يقول ما خطر على قلبه وإن لم يكن من أهل العلم لأن الخاطر لا يعدو أن يوافق أثرا أو يخالفه أو
قياسا أو يخالفه فإذا جاز لاحد الاخذ بالأثر وتركه والاخذ بالقياس وتركه لم يكن ههنا معنى إلا أن
يقول امرؤ بما شاء وهذا محرم على الناس (قال الشافعي) الإجارة كما وصفت بيعا من البيوع فلا
بأس أن تستأجر العبد سنة بخمسة دنانير فتعجل الدنانير أو تكون إلى سنة أو سنتين أو عشر سنين فلا
23

بأس إن كانت عليك خمسة دنانير حالة أن تؤاجر بها عبدا لك من رب الدنانير إذا قبض العبد
وليس من هذا شئ دينا بدين الحكم في المستأجر أن يدفع إلى المستأجر له نقدا غير أن صاحبه
يستوفى الإجارة في مدة تأتى ولولا أن الحكم فيه هكذا ما جازت الإجارة بدين أبدا من قبل أن
هذا دين بدين ولا عرفت لها وجها تجوز فيه وذلك أنى إن قلت لا تجب الإجارة إلا باستيفاء
المستأجر من المنفعة ما يكون له حصة من الثمن كانت الإجارة منعقدة والمنفعة دين فكان هذا دينا
بدين. ولو قلت يجوز أن أستأجر منك عبدك بعشرة دنانير شهرا فإذا مضى الشهر دفعت إليك
العشرة كانت العشرة دينا وكانت المنفعة دينا فكان هذا دينا بدين ولو قلت أدفع إليك عشرة
وأقبض العبد يخدمني شهرا كان هذا سلفا في شئ غير موصوف وسلفا غير مضمون على صاحبه
وكان هذا في هذه المعاني كلها إبطال الإجارات وقد أجازها الله تعالى وأجازتها السنة وأجازها
المسلمون وقد كتبنا تثبيت إجازتها في كتاب الإجارات ولولا أن ما قلت كما قلت إن دفع المستأجر
من دار وعبد إلى المستأجر دفع العين التي فيها المنفعة فيحل في الإجارة النقد والتأخير لأن هذا نقد
بنقد ونقد بدين ما جازت الإجارات بحال أبدا فإن قال قائل فهي لا يقدر على المنفعة فيها إلا في
مدة تأتى قلنا قد عقلنا أن الإجارات منذ كانت هكذا فإن حكمها حكم الطعام يبتاع كيلا فتشرع
في كيله فلا تأخذ منه ثانيا أبدا إلا بعد بادئ وكذلك أنه لا يمكنك فيه غير هذا وكذلك السكنى
والخدمة لا يمكن فيهما أبدا غير هذا فأما من قال ممن أجاز الإجارات يجوز أن يستأجر العبد شهرا
بدينار أو شهرين أو ثلاثة ثم قال ولا يجوز أن يكون لي عليك دينار فاستأجره منك به لأن هذا دين
بدين فالذي أجاز هو الدين بالدين إذا كانت الإجارة دينا لا شك والذي أبطل هو الذي ينبغي أن
يجيز من قبل أنه يجوز لي أن يكون لي عليك دينار فآخذ به منك دراهم ويكون كينونته عليك
كقبضك إياه من يدي ولا يجوز أن يعطيك دراهم بدينار مؤجل ويزعم هنا في الصرف أنه نقد
ويزعم في الإجارة أنه دين فلا بد أن يكون الحكم أنه نقد فيهما جميعا أو دين فيهما جميعا فإن جاز
هذا جاز لغيره أن يجعله نقدا حيث جعله دينا ودينا حيث جعله نقدا (قال الشافعي) البيوع
الصحيحة صنفان: بيع عين يراها المشترى والبائع وبيع صفة مضمونة على البائع وبيع ثالث وهو
الرجل يبيع السلعة بعينها غائبة عن البائع والمشترى غير مضمونة على البائع إن سلمت السلعة حتى
يراها المشترى كان فيها بالخيار باعه إياها على صفة وكانت على تلك الصفة التي باعه إياها أو مخالفة
لتلك الصفة لأن بيع الصفات التي تلزم المشترى ما كان مضمونا على صاحبه ولا يتم البيع في هذا
حتى يرى المشترى السلعة فيرضاها ويتفرقان بعد البيع من مقامهما الذي رآها فيه فحينئذ يتم البيع
ويجب عليه الثمن كما يجب عليه الثمن في سلعة حاضرة اشتراها حتى يتفرقا بعد البيع عن تراض
فيلزمهما ولا يجوز أن تباع هذه السلعة بعينها إلى أجل من الآجال قريب ولا بعيد من قبل أنه إنما يلزم
بالأجل ويجوز فيما حل لصاحبه وأخذه مشتريه ولزمه بكل وجه، فأما بيع لم يلزم فلا يجوز أن يكون
إلى أجل وكيف يكون على المشترى دين إلى أجل ولم يتم له بيع ولم يره ولم يرضه؟ فإن تطوع فنقد
فيه على أنه إن رضى كان نقد الثمن وإن سخط رجع بالثمن لم يكن بهذا بأس وليس هذا من بيع
وسلف ولا ان أسلفك في الطعام إلى أجل فآخذ منك بعد مجئ الأجل بعض طعام وبعض رأس
مال فإن ذهب ذاهب إلى أن هذين أو أحدهما أو ما كان في مثل معناهما أو معنى واحد منهما من
بيع وسلف فليس هذا من ذلك بسبيل ألا ترى أن معقولا لا شك فيه في الحديث إذا كان إنما نهى
24

عن بيع وسلف فإنما نهى أن يجمعا ونهيه أن يجمعا معقول وذلك أن الأثمان لا تحل إلا معلومة فإذا
اشتريت شيئا بعشرة على أن أسلفك عشرة أو تسلفني عشرة فهذا بيع وسلف لأن الصفقة جمعتهما
معلوم السلف غير مملوك للمستسلف فله حصة من الثمن غير معلومة أو لا ترى بأن لا بأس بأن أبيعك
على حدة وأسلفك على حدة إنما النهى أن يكونا بالشرط مجموعين في صفقة فأما إذا أعطيتك
عشرة دنانير على مائة فرق إلى أجل فحلت فإنما لي عليك المائة فإن أخذتها كلها فهي مالي وإن
أخذت بعضها فهي بعض مالي وأقيلك فيما بقي منها بإحداث شئ لم يكن على ولم يكن في أصل عقد
البيع فيحرم به البيع وإذا جاز أن أقيلك منها كلها فيكون هذا إحداث إقالة لم تكن على جاز هذا
في بعضها (قال الربيع) (قال الشافعي) البيع بيعان لا ثالث لهما أحدهما بيع عين يراها البائع
والمشترى عند تبايعهما وبيع مضمون بصفة معلومة وكيل معلوم وأجل معلوم والموضع الذي يقبض فيه
(قال الربيع) وقد كان الشافعي يجيز بيع السلعة بعينها غائبة بصفة ثم قال لا يجوز من قبل أنها قد
تتلف فلا يكون يتم البيع فيها فلما كانت مرة تسلم فيتم البيع ومرة تعطب فلا يتم البيع كان هذا
مفسوخا.
كراء الدواب
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال وإذا تكارى رجل دابة من مكة إلى مر فركبها إلى
المدينة فعليه الكراء الذي تراضيا عليه إلى مر. فإن سلمت الدابة فعليه كراء مثلها إلى المدينة وإن
عطبت الدابة فعليه الكراء إلى مر وقيمة الدابة وإن نقصت بعيب دخلها من ركوبه فأثر فيها مثل الدبر
والعور وما أشبه ذلك ردها وأخذ قيمة ما نقصها كما يأخذ قيمتها لو هلكت وإذا رجعت إلى صاحبها
أخذ ما نقصها وكراء مثلها إلى حيث تعدى وإذا هلكت الدابة فلم يتعد المكترى البلد الذي تكاراها إليه
ولم يتعد بأن يحمل عليها ما ليس له ولا أن يركبها ركوبا لا تركبه الدواب فلا ضمان عليه وإن كان الكراء
ذاهبا وجائيا فإنما عليه في الذهاب نصف الكراء إلا أن يكون الذهاب والجيئة يختلفان فيقسم الكراء
على قدر اختلافهما بقول أهل العلم باختلافهما ولو تعدى عليها بعد ما بلغت المكان الذي تكارها إليه ميلا
أو أقل ثم ردها فعطبت في الموضع الذي اكتراها إليه ضمن لا يخرج من الضمان الذي تعدى إلا
بأدائها سالمة إلى ربها.
الإجارات
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال قائل ليس كراء البيوت ولا الأرضين ولا
الظهر يلازم ولا جائز وذلك أنه تمليك والتمليك بيع ولما رأينا البيوع تقع على أعيان حاضرة ترى وأعيان
غائبة موصوفة مضمونة، والكراء ليس بعين حاضر ولا غائب يرى أبدا ورأينا من أجازهما، قال إذا
انهدم المنزل أو هلك العبد انتقض الكراء والإجارة فيهما، وإنما التمليك ما انقطع ملك صاحبه عنه إلى
من ملكه إياه وهو إذا ملك مستأجره منفعته فالإجارة ليست هكذا ملك العبد لمالكه، ومنفعته
لمستأجره إلى المدة التي تشترط وخدمة العبد مجهولة أيضا مختلفة بقدر نشاطه وبذله وكسله وضعفه،
25

وكذلك الركوب مختلف ففيها أمور تفسدها وهي عندنا بيع والبيوع كما وصفنا، ومن أجازها فقد يحكم
فيها بحكم البيع لأنها تمليك ويخالف بينها وبين البيع في أنها تمليك وليست محاطا بها، فإن قال أشبهها
بالبيع فليحكم لها بحكمه، وإن قال هي بيع فقد أجاز فيها ما لا يجيزه في البيع (قال الشافعي) وهذا
القول جهل ممن قاله والإجارات أصول في أنفسها بيوع على وجهها وهذا كلها جائز قال الله تبارك
وتعالى " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " فأجاز الإجارة على الرضاع والرضاع يختلف لكثرة رضاع
المولود وقلته وكثرة اللبن وقلته ولكن لما لم يوجد فيها إلا هذه جازت الإجارة عليه، وإذا جازت عليه
جازت على مثله وما هو في مثل معناه وأحرى أن يكون أبين منه، وقد ذكر الله عز وجل الإجارة في
كتابه وعمل بها بعض أنبيائه. قال الله عز وجل: " قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من
استأجرت القوى الأمين * قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج "
الآية (قال الشافعي) قد ذكر الله عز وجل أن نبيا من أنبيائه آجر نفسه حججا مسماة ملكه بها بضع
امرأة، فدل على تجويز الإجارة وعلى أنه لا بأس بها على الحجج إن كان على الحجج استأجره وإن كان
استأجره على غير حجج فهو تجويز الإجارة بكل حال، وقد قيل استأجره على أن يرعى له والله تعالى
أعلم.
(قال الشافعي) فمضت بها السنة وعمل بها غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا يختلف أهل العلم ببلدنا علمناه في إجارتها وعوام فقهاء الأمصار (أخبرنا) مالك عن ربيعة بن أبي
عبد الرحمن عن حنظلة من قيس أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض فقال: نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض فقال أبا لذهب والورق؟ قال أما بالذهب والورق فلا بأس به
(قال الشافعي) فرافع سمع النهى من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعلم بمعنى ما سمع وإنما حكى
رافع النهى عن كرائها بالثلث والربع وكذلك كانت تكرى وقد يكون سالم سمع عن رافع بالخبر جملة
فرأى أنه حدث به عن الكراء بالذهب والورق فلم ير بالكراء بالذهب والورق بأسا لأنه لا يعلم أن
الأرض تكرى بالذهب والورق وقد بينه غير مالك عن رافع أنه على كراء الأرض ببعض ما يخرج منها
(أخبرنا) مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه سأله عن استكراء الأرض بالذهب
والورق فقال لا بأس به (أخبرنا) مالك عن هشام بن عروة عن أبيه شبيها به، أخبرنا مالك بن أنس
عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه مثله، أخبرنا مالك انه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف تكارى أرضا
فلم تزل بيده حتى هلك قال ابنه فما كنت أراها إلا أنها له من طول ما مكثت بيده حتى ذكرها عند
موته فأمرنا بقضاء شئ بقي عليه من كرائها من ذهب أو ورق (قال الشافعي) والإجارات صنف من
البيوع لأن البيوع كلها إنما هي تمليك من كل واحد منهما لصاحبه يملك بها المستأجر المنفعة التي في
العبد والبيت والدابة إلى المدة التي اشترط حتى يكون أحق بالمنفعة التي ملك من مالكها ويملك بها
مالك الدابة والبيت العوض الذي أخذه عنها وهذا البيع نفسه فإن قال قائل قد تخالف البيوع في أنها
بغير أعيانها وأنها غير عين إلى مدة (قال الشافعي) فهي منفعة معقولة من عين معروفة فهي كالعين
(قال الشافعي) والبيوع قد تجتمع في معنى أنها ملك وتختلف في أحكامها ولا يمنعها اختلافها في عامة
أحكامها وأنه يضيق في بعضها الامر ويتسع في غيره من أن تكون كلها بيوعا يحللها ما يحلل البيع
ويحرمها ما يحرم البيع في الجملة ثم تختلف بعد في معان أخر فلا يبطل صنف منها خالف صنفا في
بعض أمره بخلافه صاحبه وإن كانا قد يتفقان في معنى غير المعنى الذي اختلفا فيه فالبيوع لا تحل إلا
26

برضا من البائع والمشترى وثمن معلوم وعندنا لا تجب إلا بأن يتفرق البائع والمشترى من مقامهما أو أن
يخير أحدهما صاحبه بعد البيع فيختار إجازة البيع ثم تختلف البيوع فيكون منها المتصارفان لا يحل لهما أن
يتبايعا ذهبا بذهب وإن تفاضلت الذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد وزنا بوزن ثم يكونان إن تصارفا ذهبا
بورق فلا بأس بالفضل في أحدهما على الآخر يدا بيد فإن تفرق المتصارفان الأولان أو هذان قبل أن
يتقابضا انتقض البيع بينهما ويكون المتبايعان السلعة سوى الصرف يتبايعان الثوب بالنقد ويقبض الثوب
المشترى ولا يدفع الثمن إلا بعد حين فلا يفسد البيع ويكون السلف في الشئ المضمون إلى أجل يعجل
الثمن ويكون المشترى غير حال على صاحبه إلا أنه يكون مضمونا ويضيق فيما كان يكون غير هذا من
البيوع التي جازت في هذا مع اختلاف البيوع في غير هذا وكل ما يقع عليه جملة اسم البيع ولا يحل
إلا بتراض منهما فحكمهما في هذا واحد وفى سواه مختلف (قال الشافعي) وقبض الإجارات الذي يجب
به على المستأجر دفع الثمن كما يجب دفع الثمن إذا دفعت السلعة المشتراة بعينها أن يدفع الشئ الذي فيه
المنفعة إن كان عبدا استؤجر دفع العبد وإن كان بعيرا دفع البعير وإن كان مسكنا دفع المسكن حتى
يستوفى المنفعة التي فيه كمال (1) الشرط إلى المدة التي اشترط وذلك أنه لا يوجد له دفع إلا هكذا فإن
قال قائل هذا دفع مالا يعرف فهذا من علة أهل الجهالة الذين أبطلوا الإجارات (قال الشافعي)
والمنفعة من عين معروفة قائمة إلى مدة كدفع العين وإن كانت المنفعة غير عين ترى فهي معقولة من عين
وليس دفع المنفعة بدفع الشئ الذي به المنفعة وإن كانت المنفعة غير عين ترى حين دفعت فأول أن
يفسد البيع من ملك المنفعة وإن كانت غير عين وإذا صح أن يملكها من السلعة والمسكن وهي غير عين
ولا مضمونة فلم تفسد كما زعم من أفسدها لأنها وإن كانت غير عين فهي كالعين بأنها من عين فكأنه
شئ انتفعوا به من عين معروفة وأجازه المسلمون له فدفعه إذا دفع كما لا يستطاع غيره أولى أن يقوم مقام
الدفع من الأعيان والدفع أخف من ملك العقدة لأن العقدة تفسد فيبطل الدفع والدفع يفسد ولا تفسد
العقدة فإذا جاز أن يكون ملك المنفعة معروفا وإن كان بغير عينه من عين فيصح ويلزم كما يصح ملك
الأعيان جاز أن يكون الدفع للعين التي فيها المنفعة يقوم مقام دفع الأعيان إذا دفعت العين التي فيها
المنفعة فهو كدفع العين إذا كان هذا الدفع الذي لا يستطاع فيها غيره أبدا (قال الشافعي) فقال قولنا في
إجازة الإجارات بعض الناس وشددها واحتج فيها بالآثار وزعم أن ما احتججنا به فيها حجة على من
خالفنا في ردها لا يخرج منها ثم عاد لما ثبت منها فقال فيها أقاويل كأنه عمد نقض بعض ما ثبت منها
وتوهين ما شدد فقال الإجارات جائزة وقال إذا استأجر الرجل من الرجل عبدا أو منزلا لم يكن
للمستأجر أن يأخذ المؤجر بالإجارة وإنما يجب له من الإجارة بقدر ما اختدم العبد أو سكن المسكن
كأنه تكارى بيتا بثلاثين درهما في كل شهر فما لم يسكن لم يجب عليه شئ ثم إذا سكن يوما فقد وجب
عليه درهم ثم هكذا على هذا الحساب (قال الشافعي) فقلت لبعض من يقول هذا القول " الخبر
وإجماع الفقهاء بإجازة الإجارة ثابت عندنا وعندك والإجارة ملك من المستأجر للمنفعة ومن المؤجر
للعوض الذي بالمنفعة والبيوع إنما هي تحويل الملك من شئ لملك غيره وكذلك الإجارة فقال منهم قائل
ليست الإجارة ببيع قلنا وكيف زعمت أنها ليست ببيع وهي تمليك شئ بتمليك غيره؟ قال ألا ترى

(1) قوله: التي فيه كمال الشرط كذا بالأصل ولعل الصواب " التي فيه كما شرط إلى المدة التي الخ " وتأمل. كتبه
مصححه.
27

أن لها اسما غير البيع؟ قلنا قد يكون للبيوع أسماء مختلفة تعرف دون البيوع والبيوع تجمعها مثل الصرف
والسلم يعرفان بلا اسم بيع وهما من البيوع عندنا وعندك قال فكيف يقع البيع مغيبا لعله لا يتم قلنا أو ليس
قد نوقع نحن وأنت البيع على المغيب إلى المدة البعيدة في السلم ونوقعها أيضا على الرطب بكيل
والرطب قد ينفد ثم تخير أنت المشترى إذا لم يقبض حتى ينفد في رده إلى رأس ماله وأن تترك إلى رطب
قابل فإما أخر ماله عن غلة سنة إلى سنة أخرى وإما رجع إليه رأس ماله بعد حبسه وقد كان يملك به
رطبا بكيل معلوم فلم يقبض ما ملك ولم يكن في يديه رأس ماله؟ قال هذا كله مضمون قلنا أو لست
قد جعلته مضمونا ثم صرت إلى أن تحكم له في المضمون بأحد حكمين تخيره أنت في أن يرد رأس المال
وتبطل ما وجب له وضمن الرطب بعدما انتفع به المسلم إليه ولم ينتفع المسلم وأما أن يؤخر ماله عن غلة
سنة بلا طيب من نفسه إلى سنة أخرى فقال هذا كله كما قلت ولكني لا أجد غيره فيه قلت فإذا كان
قولك لا أجد غيره فيه حجة فكيف لم تجعل لنا الذي هو أوضح وأبين ونحن لا نجد فيه غيره حجة؟
قال وما ذاك؟ قلنا زعمنا أن البيوع تجوز ويحل ثمنها مقبوضا وأن القبض مختلف، فمنه ما يقبض باليد
ومنه ما يدفع إليه المفتاح وذلك في الدور ومنه ما يخلى المالك بينه وبين المشترى وهو لا يغلق عليه ولا
يقبضه بيده وذلك مثل الأرض المحدودة ومنه ما هو مشاع في الأرض لا يدرى أشرقيها هو أم غربيها؟
غير أنه شريك في كلها ومنه ما هو مشاع في العبد لا ينفصل أبدا وكل هذا يقال له دفع يقبض به الثمن
ويجب دفعه ويتم به البيع وهو قبض مختلف وذلك أنه لا يوجد فيه مع اختلافه غير هذا، فلو قال لك
مشترى نصف العبد البيع يتم مقبوضا والقبض ما يكون منفصلا معروفا وليس يكون في نصف العبد
قبض فأنا أنقض البيع قلت القبض يختلف فإذا لم يكن دون نصف العبد حائل وسلمه إليك فهذا
القبض الذي لا يستطاع غيره في هذا ومن الدفع الذي لا يستطاع غيره فقد وجب له الثمن فالمنفعة
التي في العبد بالإجارة لا يستطاع دفعها إلا بأن يسلم العبد أو المسكن فإذا دفعت كما لا يستطاع غيره
فلم لا يجب ما تملك به المنفعة؟ ما بين هذا فرق وقبض الإجارة إنما هو دفع الذي فيه الإجارة وسلامته
فإذا دفع الدار وسلمت فله سكناها إلى المدة وإذا دفع العبد وسلم فله خدمته إلى مدة شرطه وخدمته
حركة يحدثها العبد وليست في الدار حركة تحدثها إنما منفعته فيها محليته إياها ولا يستطاع أبدا في دفع ما
ملك المستأجر غير تسليم ما فيه المنفعة إليه وسلامة ما فيه المنفعة حتى تتم المنفعة إلى مدتها فإن قال قائل
فهذا ليس كدفع الأعيان الأعيان بدفع يرى وهذا بدفع لا يرى قيل وما يختلف دفع الأعيان فيه
فتكون عين أشتريها بعينها عندك ونصف لي فإذا رأيتها كنت بالخيار وقد كانت عند تبايعنا عينا مضمونة
كالسلم مضمونا ويكون السلم بالصفة بغير عينه ويجب ثمنه وإنما هو صفة لا عين فإذا أراد المسلم
نقض البيع أو المسلم إليه لم يكن ذلك لواحد منهما وإن جاء به المسلم إليه فقال المسلم: لا
أرضى، قلت له: ليس ذلك لك إذا جاء على الصفة التي شرطت لم يكن لك خيار قال بلى قد يفعل
هذا كله ولكن الإجارات مغيبة قلنا مغيبة معقولة كالسلم مغيب موصوف قال هو وإن كان موصوفا بغير
عينه يصير إلى أن يكون عينا، قلت: يكون عينا وهو لم ير فلا يكون فيها خيار كما يكون في الأعيان
التي لم تر قال فهي على الصفة قلنا ولم لا تجعل ما اشترى ولم ير من غير السلم وقد وصف كما وصف
السلم إذا جاء على الصفة يلزم كما يلزم السلم؟ قال البيوع قد تختلف قلنا فنراك تجيزها مع اختلافها
لنفسك وتريد أن لا تجيزها مع اختلافها لنا قال إني وإن أجزتها فهي صائرة عينا قلنا الصفة في السلم
قبل يكون الشراء مغيبة موصوف بها شئ لم يخلق بعد من ثياب وطعام قال ولكنها تقع على عين
28

فتعرف قلنا فالإجارة في عين قائم تكون في ذلك العين قائمة تعرف فإن زعمت أن الإجارة إنما هي
منفعة والمنفعة مغيبة وقد تختلف فلم أجزتها ولم تقل فيها قول من ردها وعبت من ردها ونسبته إلى
الجهالة؟ قال لأنه ترك السنة وإجماع الفقهاء وليس في السنة ولا إجماع الفقهاء إلا التسليم ولا تضرب له
الأمثال ولا تدخل عليه المقاييس قلنا فإذا اجتمع الفقهاء على إجازتها وصيروها ملك منفعة معقولة وإن
كانت لا تكون شيئا يكال ولا يوزن ولا يذرع وأجازها مغيبة وأوجبوها كما أوجبوا غيرها من البيوع ثم
صرت إلى عيب قولنا فيها وأنت تجيزها وقولنا قول مستقيم على السنة والآثار وصرت بحجة من أبطلها
فإذا قيل لك إن كانت في هذا حجة فأبطلها وإن لم يكن فيه حجة فلا تحتج به قلت لا أبطلها لأنها
السنة وإجماع الفقهاء فإن قال قائل فدع حجة من أخطأ في إبطالها وأجزها كما أجازها الفقهاء فقد
أجازوها وإذا أجازوها فلا يجوز عندنا أن يكونوا أجازوها إلا على أنها تمليك منفعة معقولة وما كان
تمليكا فقد يوجب ثمنه وإلا صرت إلى حجة من أبطلها، فإن قال لك قائل فكيف صيرت هذا قبضا
والقبض ما يصير في يدي صاحبه الذي قبضه ويقطع عنه ملك الذي دفعه؟ قيل له إن الدفع من
المالك لمن ملكه يختلف ألا ترى أن رجلا لو ابتاع بيوعا ودفع إليه أثمانها ثم حاكمه إلى القاضي قضى
عليه بدفعها فإن كان عبدا أو ثوبا أو شيئا واحدا سلمه إليه وإن كان شيئا يتجزأ بعينه فكان طعاما في
بيت استوجبه كله بكيل على أن كل مد بدرهم قال كله له فكان يقبضه شيئا بعد شئ لا جملة
كقبضه الواحد فيقضى عليه بدفع كل صنف من هذا كما يستطاع قبضه فكذلك قضى عليه بدفع
الإجارة كما يستطاع ولا يستطاع فيها أكثر من تسليم الذي فيه المنفعة إلى الذي ملك فيه المنفعة، والمنفعة
فيها معروفة كما الشراء في الدار المشاعة معروف بحساب وفى غيره فإن قال قائل فإن الذي فيه المنفعة
بسلم ثم ينهدم المنزل أو يموت العبد فتكون أوجبت عليه دفع ماله وهو مائة ثم لا يستوفى بالمائة إلا حق
بعضها ويكون المؤاجر قد انتفع بالثمن قلنا بذلك رضى المستأجر قال ما رضى إلا بأن يستوفى قلنا إن قدر
على الاستيفاء فذلك له وإن لم يقدر أخذ ماله قال وأي شئ يشبه هذا من البيوع؟ قلنا ما وصفنا من
السلم أدفع لهذا مائة درهم في رطب فمضى الرطب ولم يوف منه شيئا فيعود إلى أن يقول لي خذ رأس
مالك وقد انتفع به المسلم إليه أو أخر مالك بعد محله سنة بلا رضا منك إلى سنة أخرى فإذا قلت قد
انتفع بمالي فإن أخذته فقد أخذ منفعة مالي بلا عوض أخذته وإن أخرته سنة فقد انتفع بمالي سنة بلا
طيب نفسي ولا عوض أعطيته منه قال لا أجد إلا هذا فإن قلت لك وصدقني المسلم إليه بأنه تغيب
منى حتى مضى الرطب قلت لا أجد شيئا أعديك عليه لأنك رضيت أمانته، قلت: ما رضيت إلا
بالاستيفاء وقد كان يقدر على أن يوفيني قلت: وقد فات الرطب الذي يوفيك منه قيل فالمستأجر للعين
إنما استأجره وهو يعلم أن العين إذا ذهبت المنفعة فكيف عبته فيه وهو يعلمه ولم تعب في المسلم إليه الذي
ضمن لصاحبه الرطب كيلا معلوما بصفة من غير شئ يعينه المسلم إليه كان أولى أن تعيبه فيه من
المستأجر وهو يقول: في الرجل يبتاع الشئ من الرجل والشئ المبتاع بعينه ببلد غائب عن المتبايعين
ويدفع المشتري إلى المشترى منه الثمن وافيا على أن يسلم البائع للمشترى ما اشترى منه وأشهد به له
ودفع إليه ثمنه ثم هلك الشئ المبتاع فيقول يرجع المشترى بالثمن وقد انتفع به رب السلعة ولم يأخذ رب
المال عوضا فيقول للمشترى أنت رضيت بذلك وقد كانت لك السلعة لو تمت فلما لم تتم انتقض البيع
وإنما رضيت بتمامها ويقول أيضا في الرجل ينكح المرأة بعبد فتخليه ونفسها فلم يدخل بها وتخليتها إياه
ونفسها هو الذي يلزمها فإذا فعلت جبرته على دفع العبد إليها ويكون ملكها له صحيحا فإن باعت أو
29

وهبت أو أعتقت أو دبرت أو كاتبت جاز لأنه لها ملك تام فإن طلقها قبل يكون من هذا شئ رجع
بنصف العبد فكان شريكها فيه فقد زعمت أن ملكها فيه تام كما يتم ملك من دفع العوض بالعبد ثم انتقض ملكها في نصفه فإن قيل لك كيف يتم ملكها ثم ينتقض؟ قلت ليس في هذا قياس هو لم
يدخل بها فلها نصف المهر إذا طلقها فإن قيل لك كيف ينتقض نصفه رأيت ذلك جهلا ممن يقوله؟
وقلت: هذا مما لا يختلف فيه الفقهاء وتزعم أيضا أنه إذا اشترى عبدا فدلس له فيه عيب كان ملكا
صحيحا إن باع أو وهب أو أعتق فإن لم يفعل فشاء حبسه بالعيب حبسه وإن لم يشأ حبسه وشاء نقض
البيع وقد كان تاما نقضه وقد يبيع الرجل الشقص من الرجل فيكون المشترى تام الملك لا سبيل للبائع
عليه ولا على أخذه منه ويكون له أن يبيع ويهب ويصنع ما يصنع ذو المال في ماله فإن كان له شفيع
فأراد اخذه من يديه بالثمن الذي اشتراه به وإن كان كارها أخذه وقد نجعل نحن وأنت ملكا تاما ويؤخذ
به الثمن ثم ينتقض بأسباب بعد تمامه فكيف عبت هذا في الإجارة وأن ما نقوله في الإجارة إذا فات
الشئ فيه الذي المنفعة فلم يكن إلى الاستيفاء سبيل ويرد المستأجر ما بقي من حقه كما يرده لو
اشترى سفينة طعام كل قفيز بكذا فاستوفى عشرة أقفزة ثم استهلكها ثم هلك ما بقي من الطعام رددناه
بما بقي من المال وألزمناه عشرة بحصتها من الثمن وأنت تنقض الملك والأعيان التي فيها الملك قائمة ثم لو
عابك أحد بهذا قلت: هذا من أمر الناس فإن كان في نقض الإجارة إذا كانت العين التي فيها المنفعة
قد فاتت عيب فنقض الملك والعين المملوكة قائمة أعيب فإن لم يكن فيه عيب فعيبه فيه جهل. (قال
الشافعي) ثم قالوا فيها أيضا إن دفع المستأجر الإجارة كلها إلى المؤجر قبل أن يسكن البيت أو يركب
الدابة ثم أراد أن يرجع فيما دفع لم يكن ذلك له فإن كان دفع ما يجب عليه فهو ما قلنا وإن كان دفع ما
لا يجب عليه فلم لا يرجع به فهو لم يهبه ولم يقطع عنه ملكه إلا بأمر يزعم أنه لا يجب عليه أن يدفعه ولا
يحق عليه منه شئ إلا أن يسكن أو يركب وهم يقولون إذا انفسخت الإجارة رده لأنه إنما دفعه باسم
الإجارة لا واهبا له فإن كان دفعه بالإجارة والإجارة لا يلزمه بها دفع فينبغي أن يرده عليه متى شاء ثم
قال فيه قولا آخر أعجب من هذا قال إن تكارى دابة بمائة درهم فلم يجب من المائة شئ فأراد أن
يدفعها دنانير يصرفها كان حلالا فقيل له أتعني به تحول الكراء إلى الدنانير وتنقضه من الدراهم؟ قال
لا ولكنه يصارفه بها بسعر يومه قلنا أو يحل الصرف في شئ لم يجب؟ قال هو واجب فلما قالوا يجب على
صاحبه إذا لم يسم له أجلا دفع مكانه كما لو اشترى رجل سلعة بمائة أو ضمن عن رجل مائة ولم يسم
أجلا كان عليه أن ي يدفع المائة مكانه وهذا قولنا وقولك في الواجب كله إذا لم يسم له أجلا فكيف
قلت في المستأجر الإجارة واجبة عليه وليس عليه أن يدفعها وله أن يصارف بها والإجارة إلى غير أجل
(قال الشافعي) فإن قال هي إلى أجل معلوم وذلك أنه إذا استأجر عبدا سنة فكل يوم من السنة أجل
معلوم ولكل يوم من السنة أجرة معلومة والمائة الدرهم التي استأجر بها العبد السنة لازمة على هذا
الحساب قيل له فما تقول فيه إن مرض أحد عشر شهرا من السنة أو شهرا من أولها أو وسطها فلم يقدر
على الخدمة؟ أليس إن قلت ينتظر فإذا صح استخدمه فيما يستقبل؟ فقد زعمت أن حصة الأحد عشر
شهرا أو الشهر قد كانت في وقت لازم ثم استأخر عنه أو كان واجبا ثم بطل فإن جعلت له أن يستخدمه
أحد عشر شهر أو شهرا من سنة أخرى فقد جعلت اجلا بعد أجل ونقلت عمل سنة في سنة أخرى وإن
قلت واجبة إن كانت فهذا الفساد الذي لا يشكل لأن الإجارة تمليك منفعة من عين معروف والمنفعة
معروفة بتمليك دراهم مسماة فإذا كان التمليك مغيبا لا يدرى أيكون أم لا يكون لأنه قد يموت العبد
30

ويأبق ويمرض فكيف يجوز أن تملك منفعة مغيبة بدراهم معينة مسماة؟ هذا تمليك الدين بالدين
والمسلمون ينهون عن بيع الدين بالدين والتمليك بيع فإن قلت يملك المنفعة إن كانت فهذا أفسد من قبل
ان هذا مخاطرة ويلزم أن تفسد الإجارة كما أفسدها من عاب قوله قال: فقد يلزمك في هذا شبيه بما
يلزمني فليس يلزمني إذا زعمت أن الإجارة تجب بالقبض وأن المنفعة معلومة وأنه لا قبض لها إلا
بقبض الذي فيه المنفعة فإذا قبضت كان ذلك قبضا للمنفعة إن سلمت المنفعة وقد أجاز المسلمون هذا
كله كما أجازوا البيوع على اختلافها وكما يحل بيع الطعام بضربين أحدهما بصفة والآخر عين فلو اشتريت
من طعام عين مائة قفيز كان صحيحا فإن أخذت في اكتياله واستهلكت ما اكتلت منه وهلك بعض
المائة القفيز وجب على ما استهلكت بحصته من الثمن وبطل عنى ثمن ما هلك فإن قال فالخدمة ليست
ثمنا فهي معلومة من عين لا يوصل إلى أخذها لتستوفى إلا بأخذ العين فأخذ العين بكمالها التي هي أكثر
من المنفعة يوجب الثمن على شرط سلامة المنفعة لا تعدو الإجارة أن تكون واجبة فعليه دفعها أو تكون
غير واجبة والصرف عندنا وعندك فيها ربا (قال الشافعي) فإذا قيل له فإن كانت أثمان الإجارات غير
واجبة فلا يحل له أن يأخذ بشئ لم يكن ولا يدرى أيكون أم لا يكون ثم يأخذ من جهة الصرف فيفسد
من أنه غير واجب لأن الصرف فيما لم يجب ربا قال نعم ولكن الإجارة واجبة وثمنها واجب فلا يكون ربا
فإذا قيل له وإذا كان واجبا فليدفعه قال ليس بواجب، وهم يروون عن عمر أو ابن عمر أنه تكارى
من رجل بالمدينة ثم صارفه قبل أن يركب فإن كان ثابتا عن عمر فهو موافق قولنا وحجة لنا عليهم قال
وإذا تكارى الرجل الدار من الرجل فالكراء لازم له لا ينفسخ بموت المكترى ولا المكرى ولا بحال أبدا
ما دامت الدار قائمة فإذا دفع الدار إلى المكترى كان الكراء لازما للمكترى كله إلا أن يشترط عند عقدة
الكراء أنه إلى أجل معلوم فيكون إليه كالبيوع وقال بعض الناس تفسخ الإجارات بموت أيهما مات
ويفسخها بالعذر ثم ذكر أشياء يفسخها بها قد يكون مثلها ولا يفسخها به (قال الشافعي) فقيل لبعض
من يقول هذا القول أقلت هذا بخبر؟ قال روينا عن شريح أنه قال إذا ألقى المفتاح برئ فقيل له
أكذا نقول بقول شريح فشريح لا يرى الإجارة لازمة ويرى أن لكل واحد منهما فسخها بلا موت ولا
عذر قال هكذا قال شريح ولسنا نأخذ بقوله قيل فلم تحتج بما تخالف فيه وتزعم أنه ليس بحجة؟ قال فما
عندنا فيه خبر ولكنه يقبح أن يتكارى رجل منزلا يسكنه فيموت وولده لا يحتاجون إليه فيقال إن شئتم
فاسكنوه وهم أيتام ويقبح أن يموت المؤجر فيتحول ملك الدار لغيره فتكون الدار لولده والميت لا يملك
شيئا ويسكنها المستأجر بأمر الميت والميت لا أمر له حين مات فقيل له أو يملكها الوارث إلا بملك الميت؟
قال لا قيل أفيزيد الوارث أبدا على أن يقوم إلا مقام الميت فيها؟ قال لا قلنا فالميت قبل موته كان يقدر
أن يفسخ هذه الإجارة عن داره ساعة واحدة قبل انقضاء مدتها عندك من غير عذر؟ قال لا، قيل
أفيكون الوارث الذي إنما ملك عن الميت الكل أو البعض أحسن حالا من المالك؟ قال فهل رأيت
ملكا ينتقل ويملك على من أنتقل إليه فيه شئ؟ قلنا الذي وصفنا لك من أنه إنما ملك ما كان الميت
يملك كاف لك منه ونحن نوجدك ملكا ينتقل ويملك على من أنتقل إليه فيه شئ قال وأين؟ قلنا،
أرأيت رجلا رهن رجلا دارا تسوى ألفا بمائة ثم مات الراهن أينفسخ الرهن؟ قال لا. قلنا ولم وقد
انتقل ملك الدار فصار للوارث؟ قال إنما يملكها الوارث كما كان يملكها الميت والميت قد أوجب فيها
حقا لم يكن له فسخه إلا بإيفاء الغريم حقه فالوارث أولى أن لا يفسخه، قلنا فلا نسمعك تقبل مثل
هذا ممن يحتج به عليك في الإجارة وتحتج به في الرهن ولا بد من أن تكون تاركا للحق في رده في
31

الإجارة أو في إنفاذه في الرهن لأن حالهما ولحد قد أوجب الميت في كليهما حقا عندنا وعندك فلا
نفسخه بوجه حتى يستوفيه من أوجبه له عندنا بحال وعندك إلا من عذر ثم تفسخه بعد الموت في
الإجارة مما لا يكون عذرا في حياة المؤاجر والعذر أيضا شئ ما وضعته أنت لا أثرا ولا معقولا وأنت لا
تفسخه بعذر ولا غير عذر في الرهن وما بينهما في هذا فرق كلاهما أوجب له فيه مالكه حقا جائزا عندنا
وعندك فإما أن يثبتا معا بكل حال وإما أن يزول أحدهما بشئ فيزول الآخر، أرأيت لو قال لك قائل
وضعت العذر تفسخ به الإجارة وأنا أبطله في الإجارة وأضعه في الرهن فأفسخ به الرهن أتكون الحجة
عليه؟ إلا أن يقال ما ثبت فيه حق لمسلم وكان الحق حلالا لم يفسخه عذر وقد تقدمه الحق الواجب
عند المسلمين (قال الشافعي) مع كثير من مثل هذا يقولونه من ذلك الرجل يوصى للرجل برقبة داره
ولآخر أن ينزلها في كل سنة عشرة أيام ثم يموت الموصى له برقبة الدار فيملك وارثه الدار فإن أراد منع
الموصى له بالنزول قيل ليس ذلك لك أنت للدار مالك ولهذا شرط في النزول ولا تملك عن أبيك إلا
ما كان يملك ولا يكون لك فيها أكثر مما كان له (قال الشافعي) فأما قوله إن مات المستأجر فلا حاجة
بالورثة إلى المسكن، فلو قاله غيره أشبه أن يقول له لست تعرف ما تقول (قال الشافعي) أرأيت لو أن
رجلا كان يريد التجارة فاشترى دابة بألف وهو لا يملك إلا ألفا فلما استوجبها مات وله ورثة أطفال
والراحلة تسوى ألفا أو مائة فقال عنهم وصى أو كان فيهم مدرك محتاج كان أبو هؤلاء يعنى بالرواحل
لتكسبه فيها وهؤلاء لا يكتسبون أو يعنى بها لضرب من الجسارة وقد أصبح هؤلاء أيتاما وناقة الرجل في
يده لم تخرج بعد من يده فأفسخ البيع ورد الدراهم لحاجة الأيتام ولا تنزعها من أيديهم إن لم يكن
أبوهم دفعها أو كان هذا في حمام اشتراه أو ما أشبهه مما لا منفعة فيه أو مما فيه المنفعة اليسيرة قال لا أفسخ
شيئا من هذا وأمضى عليهم ما فعل أبوهم في ماله لأنه فعله وهو يملك فأملكهم عنه ما كان هو يملك
في حياته ولا يكونون أحسن حالا من أبيهم فيما ملكوه عنه (قال الشافعي) قيل وكذلك الكراء يتكاراه
وهو حلال جائز له فقد ملكوا ما ملك أبوهم من منفعة المسكن فإن شاءوا وأسكنوا فإن شاءوا أكروا. قال
وزعم أن رجلا لو تكارى من الرجل ألف بعير على أن يسير من بغداد ثمان عشرة إلى مكة فخلف
الجمال إبله وعلفها بأثمانها أو أقل أو أكثر وخرج الحاج فلم يبق إلا هو وترك الجمال الكراء من غيره
للشرط حتى فاته الحج كان له ذلك ولم يغرم شيئا فإن قال لك الجمال قد غررتني ومنعتني الكراء من
غيرك وكلفتني مؤنة أتت على أثمان إبلي
وصدقه المكترى فلا يقضى له عليه بشئ ويجلس بلا مؤنة عليه
لأنه لم يأخذ منه شيئا وإن كان قد غره، وقال قائل هذا القول فإن أراد الجمال أن يجلس وقال بدا لي
أن أدع الحج وأنصرف إلى غيره فليس ذلك له فإذا قيل له ولم لا يكون ذلك له؟ قال من قبل أنه غره
فمنعه أن يكترى من غيره وعقد له عقدة حلالا فليس له أن يفسخها (قال الشافعي) فلم لا يكون
للجمال على المتكاري أن يجلس وقد عقد له كما قال عقدة حلالا وغره كما كان للمتكاري أن يجلس
وحالهما وحجتهما واحدة لو كان يكون لأحدهما في العقدة ما ليس للآخر انبغى أن يكون الكراء
للمتكاري ألزم بكل وجه من قبل أن المؤنة على الجمال في العلف وحبس الإبل وضمانها ومن قبل أن لا
مؤنة على المكترى فعمد إلى أحقهما لو تفرق الحكم فيهما أن يلزمه فأبطل عنه وأحقهما أن يبطل عنه
فألزمه؟ قال ولا فرق بينهما من قبل أن العقدة حلال لا تنفسخ إلا باجتماعهما على فسخها (قال
الشافعي) وسئل هل وجد عقدة حلالا لا شرط فيها ولا عيب يكون لاحد المتعاقدين فيها ما ليس
ليس للآخر فلا أعلمه ذكرها؟ فقيل وما بال هذه العقدة من بين العقد لا خبر ولا قياس؟ (قال
32

الشافعي) وإذا اختلف المكارى والمكترى في قولنا وقولهم تحالفا وترادا، قيل لهم في هذا كيف تحكمون
بحكم البيوع؟ قال: هو تمليك وإنما البيوع تمليك فقيل لهم فاحكموا له بحكم البيوع فيما أثبتم فيه حكم
البيوع فيقولون ليس ببيع وهم لا يقبلون هذا من أحد فإذا قيل لبعضهم أنتم لا تصيرون في هذه
الأقاويل إلى خبر يكون حجة زعمتم ولا قياس ولا معقول فكيف قلتموه؟ قالوا قاله أصحابنا وقال لنا
بعضهم ما في الإجارة إلا ما قلتم من أن نحكم لها بحكم البيوع ما كانت السلامة للمنفعة قائمة أو تبطل
ولا تجوز بحال فقيل له فتصير إلى أحد القولين فلا أعلمه صار إليه (قال) وإن تكارى رجل من رجل
دابة من مكة إلى مر فتعدى بها إلى عسفان فإن سلمت الدابة كان عليه كراؤها إلى مر وكراء مثلها إلى
عسفان فإن عطبت الدابة فله الكراء إلى مر وقيمة الدابة في أكثر ما كانت ثمنا من حين تعدى بها من
الساعة التي تعدى بها فيها كان أو بعدها ولا يكون عليه قيمتها قبل التعدي إنما يكون عليه حين صار
ضامنا في حال التعدي. وقال بعضهم لصاحب الدابة إن شاء الكراء بحساب وإن شاء يضمنه قيمة
الدابة وإن سلمت وليس نقول بهذا قولنا هو الأول لا يضمنها حتى تعطب (قال الشافعي) ومن أعطى
مالا رجلا قراضا ونهاه عن سلعة يشتريها بعينها فاشتراها فصاحب المال بالخيار، إن أحب أن تكون
السلعة قراضا على شرطها وإن شاء ضمن المقارض رأس ماله. قال الربيع وله قول آخر أنه إذا أمره أن
يشترى سلعة بعينها فتعدى فاشترى غيرها فإن كان عقد الشراء بالعين بعينها فالشراء باطل وإن كان
الشراء بغير العين فالشراء قد تم ولزم المشترى الثمن والربح له والنقصان عليه وهو ضامن للمال لأنه لما
اشترى بغير عين المال صار المال في ذمة المشتري وصار له الربح والخسارة عليه وهو ضامن المال
لصاحب المال (قال الشافعي) فإن أعطى رجل رجلا شيئا ليشترى له شيئا بعينه فاشترى له ذلك
الشئ وغيره بما أعطاه أو أمره أن يشترى له شاة فاشترى شاتين أو عبدا فاشترى عبدين ففيها قولان،
أحدهما أن صاحب المال بالخيار في أخذ ما أمر به وما ازداد له بغير أمره أو أخذ ما أمره به بحصته من
الثمن والرجوع على المشترى بما يبقى من الثمن وتكون الزيادة التي اشترى للمشترى وكذلك إن اشترى
بذلك الشئ وباع والخيار في ذلك إلى رب المال لأنه بماله ملك ذلك كله وبماله باع وفى ماله كان
الفضل، والقول الآخر أنه قد رضى أن يشترى له شيئا بدينار فاشتراه وازداد معه شيئا فهو له فإن شاء
أمسكه وإن شاء وهبه لأن من رضى شيئا بدينار فلم يتعد من زاده معه غيره لأنه قد جاء بالذي رضى
وزاده شيئا لا مؤنة عليه في ماله وهو معنى قول الشافعي. وقال بعض الناس في الدابة يسقط الكراء
حيث تعدى لأنه ضامن، وقال في المقارض إذا تعدى ضمن وكان له الفضل بالضمان ولا أدرى أقال
يتصدق به أم لا؟ (قال الشافعي) وقال في الذي اشترى ما أمره به وغيره معه للامر ما أمره به بحصته
من الثمن وللمأمور ما بقي ولا يكون للامر بحال لأنه اشترى بغير أمره (قال الشافعي) فجعل هذا القول
بابا من العلم ثبته أصلا قاس عليه في الإجارات والبيوع والمقارضة شيئا كثيرا أحسبه لو جمع كان دفاتر
(قال الشافعي) فقيل لبعض من قال هذا القول قد زعمنا وزعمتم أن الأصل من العلم لا يكون أبدا إلا
من كتاب الله تعالى أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
أو بعضهم أوامر أجمعت عليه عوام الفقهاء في الأمصار فهل قولكم هذا واحد من هذا؟ قال لا قيل
فإلى أي شئ ذهبتم فيه؟ قال قال شريح في بعضه قلنا قد رددنا نحن وأنتم هذا الكلام وأكثرنا
أتزعمون أن شريحا حجة على أحد إن لم يقله إلا شريح؟ قال لا وقد نخالف شريحا في كثير من أحكامه
بآرائنا: قلنا فإذا لم يكن شريح عندكم حجة على الانفراد فيكون حجة على خبر رسول الله صلى الله
33

عليه وسلم أو على أحد من أصحابه؟ قال: لا وقال ما دلكم على أن الكراء والربح والضمان قد
يجتمع؟ فقلنا لو لم يكن فيه خبر كان معقولا وقلنا دلنا عليه الخبر الثابت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وعبد الله بن عمر والخبر عندكم الذي تثبتونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي)
ولو كان ما قالوا من أن من ضمنت له دابته أو بيته أو شئ من ملكه لم يكن له إجارة أو ماله لم يكن له
من ربحه شئ كانوا قد أكثروا خلافه (قال الشافعي) وهم يزعمون أن رجلا لو تكارى من رجل بيتا لم
يكن له أن يعمل فيه رحى ولا قصارة ولا عمل الحدادين لأن هذا مضر بالبناء فإن عمل هذا فانهدم
البيت فهو ضامن لقيمة البيت وإن سلم البيت فله أجره ويزعمون أن من تكارى قميصا فليس له أن
يأتزر به لأن القميص لا يلبس هكذا فإن فعل فتخرق ضمن قيمة القميص وإن سلم كان له أجره ويزعمون أنه لو تكارى قبة لينصبها فنصبها في شمس أو مطر فقد تعدى لاضرار ذلك بها فإن عطبت
ضمن وإن سلمت فعليه أجرها مع أشياء من هذا الضرب يكتفى بأقلها حتى يستدل على أنهم قد تركوا
ما قالوا ودخلوا فيما عابوا مما مضت به الآثار ومما فيه صلاح الناس (قال الشافعي) وأما ما قالوا الحيلة
يسيرة لمن لا يخاف الله أن يعطى مالا قراضا فيغيب به ويتعدى فيه فيأخذ فضله ويمنعه رب المال
ويتكارى دابة ميلا فيسير عليها أشهرا بلا كراء ولا مؤنة إن سلمت قال قائل منهم إنا لنعلم أن قد تركنا
قولنا حيث ألزمنا الضمان والكراء ولكنا استحسنا قولنا، قلنا إن كان قولك عندك حقا فلا ينبغي أن
تدعه وإن كان غير حق فلا ينبغي أن تقيم على شئ منه فما الأحاديث التي عليها اعتمدتم؟ قلنا لهم:
أما أحاديثكم فإن سفيان بن عيينة أخبرنا عن شبيب ابن غرقدة أنه سمع الحي يحدثون عن عروة بن أبي
الجعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشترى له به شاة أو أضحية فاشترى له شاتين فباع
إحداهما بدينار وأتاه بشاة ودينار فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعه بالبركة فكان لو اشترى
ترابا لربح فيه (قال الشافعي) وروى هذا الحديث غير سفيان بن عيينة عن شبيب بن غرقدة فوصله
ويرويه عن عروة بن أبي الجعد بمثل هذه القصة أو معناها (قال الشافعي) فمن قال له جميع ما اشترى
له بأنه بماله اشترى فهو ازدياد مملوك له قال إنما كان ما فعل عروة من ذلك ازديادا ونظرا لرسول الله
صلى الله عليه وسلم ورضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنظره وازدياده واختار أن لا يضمنه وأن يملك
ما ملك عروة بماله ودعا له في بيعه ورأي عروة بذلك محسنا غير عاص ولو كان معصية نهاه ولم يقبلها
ولم يملكها في الوجهين معا (قال الشافعي) ومن رضى أن يملك شاة بدينار فملك بالدينار شاتين كان به
أرضى وإن معنى ما تضمنه إن أراد مالك المال بأنه إنما أراد ملك واحدة وملكه المشترى الثانية بلا امره
ولكنه إن شاء ملكها على المشترى ولم يضمنه. ومن قال هما له جميعا بلا خيار قال إذا جاز عليه أن
يشترى شاة بدينار فأخذ شاتين فقد أخذ واحدة تجوز بجميع الدينار فأوفاه وازداد له بديناره شاة لا مؤنة
عليه في ماله في ملكها وهذا أشبه القولين بظاهر الحديث والله تعالى أعلم (قال الشافعي) والذي
يخالفنا يقول في مثل هذه المسألة هو مالك لشاة بنصف دينار والشاة الأخرى وثمن إن كان لها للمشترى
لا يكون للامر أن يملكها أبدا بالملك الأول والمشترى ضامن لنصف دينار (أخبرنا) مالك عن زيد بن
أسلم عن أبيه أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنهم خرجا في جيش إلى
العراق فلما قفلا مرا على عامل لعمر فرحب بهما وسهل وهو أمير البصرة، وقال لو أقدر لكما على أمر
أنفعكما به لفعلت. ثم قال بلى ههنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه
فتبتاعان متاعا من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون لكما الربح
34

فقالا وددنا ففعل وكتب لهما إلى عمر أن يأخذ منهما المال فلما قدما المدينة باعا فربحا فلما دفعا إلى عمر قال
لهما أكل الجيش أسلفه كما أسلفكما؟ فقالا لا: فقال عمر قال إنا أمير المؤمنين فأسلفكما فأديا المال وربحه
فأما عبد الله فسكت. وأما عبيد الله فقال ما ينبغي لك هذا يا أمير المؤمنين لو هلك المال أو نقص
لضمناه فقال أدياه فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر يا أمير المؤمنين لو جعلته
قراضا فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح ذلك المال (قال
الشافعي) ألا ترى إلى عمر يقول " أكل الجيش أسلفه كما أسلفكما؟ " كأنه والله أعلم يرى أن المال لا
يحمل إليه مع رجل يسلفه فيبتاع به ويبيع إلا وفى ذلك حبس للمال بلا منفعة للمسلمين وكان عمر والله
تعالى أعلم يرى أن المال يبعث به أو يرسل به مع ثقة يسرع به المسير ويدفعه عند مقدمة لا حبس فيه ولا
منفعة للرسول أو يدفع بالمصر الذي يجتاز إليه إلى ثقة يضمنه ويكتب كتابا بأن يدفع في المصر الذي فيه
الخليفة بلا حبس أو يدفع قراضا فيكون فيه الحبس بلا ضرر على المسلمين ويكون فضل إن كان فيه
حبس إن كان له فلما لم يكن المال المدفوع إلى عبد الله وعبيد الله بواحد من هذه الوجوه ولم يكن ملكا
للوالي الذي دفعه إليهما فيجيز أمره فيما يملك إليه فيما يرى أن الربح والمال للمسلمين فقال عمر " أدياه
وربحه " فلما راجعه عبيد الله وأشار عليه بعض جلسائه وبعض جلسائه عندنا من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن يجعله قراضا رأى أن يفعل وكأنه والله تعالى أعلم رأى أن الوالي لقائم به الحاكم
فيه حتى يصير إلى عمر ورأي أن له أن ينفذ ما صنع الوالي مما يوافق الحكم فلما كان لو دفعه الوالي قراضا
كان على عمر أن ينفذ الحبس له والعوض بالمنفعة للمسلمين في فضله رد ما صنع الوالي إلى ما يجوز مما
لو صنعه لم يرده عليه، ورد منه فضل الربح الذي لم ير له أن يعطيهما وأنفذ لهما نصف الربح الذي كان
له أن يعطيهما (قال الشافعي) قد كانا ضامنين للمال وعلى الضمان أخذاه ولو هلك ضمناه، ألا ترى أن
عمر لم يرد على عبيد الله قوله لو هلك أو نقص كنا له ضامنين، ولم يرده أحد ممن حضره من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل عمر ولا أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكما
الربح بالضمان، بل جمع عليهما الضمان وأخذ منهما بعض الربح، فقال قائل فلعل عمر استطاب
أنفسهما، قلنا أو ما في الحديث دلالة على أنه إنما حكم عليهما، ألا ترى أن عبيد الله راجعه قال فلم
أخذ نصف الربح ولم يأخذه كله؟ قلنا حكم فيه بأن أجاز منه ما كان يجوز على الابتداء لأن الوالي لو
دفعه إليهما على المقارضة جاز، فلما رأى ومن حضره أن أخذهما المال غير تعد منهما وأنهما أخذاه من وال
له فكانا يريان والوالي أن ما صنع جائز فلم يزعم ومن حضره ما صنع يجوز إلا بمعنى القراض أنفذ فيه
القراض لأنه كان نافذا لو فعله الوالي أولا ورد فيه الفضل الذي جعله لهما على القراض ولم يره بنفذ لهما
بلا منفعة للمسلمين فيه (أخبرنا) عبد الوهاب عن داود بن أبي هند عن رياح بن عبيدة قال بعث
رجل مع رجل من أهل البصرة بعشرة دنانير إلى رجل بالمدينة فابتاع بها المبعوث معه بعيرا ثم باعه بأحد
عشر دينارا فسأل عبد الله بن عمر فقال الأحد عشر لصاحب المال، ولو حدث بالبعير حدث كنت له
ضامنا (أخبرنا) الثقة من أصحابنا عن عبد الله بن عمر مثل معناه (قال الشافعي) وابن عمر يرى على
المشترى بالبضاعة لغيره الضمان ويرى الربح لصاحب البضاعة ولا يجعل الربح لمن ضمن إذ المبضع
معه تعدى في مال رجل بعينه والذي يخالفنا في هذا يجعل له الربح، ولا أدرى أيأمره أن يتصدق به
أم لا؟ وليس معه خبر إلا توهم عن شريح وهم يزعمون أن الأقاويل التي تلزم ما جاء عن النبي صلى
الله عليه وسلم أو عن رجل من أصحابه أو اجتمع الناس عليه فلم يختلفوا وقولهم هذا ليس داخلا في
35

واحد من هذه الأشياء التي تلزم عندنا وعندهم.
كراء الإبل والدواب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: كراء الإبل جائز للمحامل والزوامل والرواحل وغير ذلك من
الحمولة وكذلك كراء الدواب للسروج والأكف والحمولة (قال الشافعي) ولا يجوز من ذلك شئ على
شئ مغيب لا يجوز حتى يرى الراكب والراكبين وظرف المحمل والوطاء وكيف الظل إن شرطه لأن
ذلك يختلف فيتباين أو تكون الحمولة بورن معلوم أو كيل معلوم أو ظروف ترى أو تكون إذا شرطت
عرفت مثل غرائر الحلبة وما أشبه هذا (قال الشافعي) فإن قال أتكارى منك محملا أو مركبا أو زاملة
فهو مفسوخ ألا ترى أنهما إذا اختلفا لو يوقف على حد هذا وإن شرط وزنا؟ وقال المعاليق أو أراه محملا
وقال ما يصلحه فالقياس في هذا كله أنه فاسد لأن ذلك غير موقوف على حده، وإن شرط وزنا وقال
المعاليق أو أراه محملا فكذلك ومن الناس من قال أجيزه بقدر ما يراه الناس وسطا (قال الشافعي)
فعقدة الكراء لا تجوز إلا بأمر معلوم كما لا تجوز البيوع إلا معلومة (قال الشافعي) وإذا تكارى رجل
محملا من المدينة إلى مكة فشرط سيرا معلوما فهو أصح وإن لم يشترط فالذي أحفظ أن المسير معلوم وأنه
المراحل فيلزمان المراحل لأنها الأغلب من سير الناس، فإن قال قائل كيف لا يفسد في هذا الكراء
والسير يختلف؟ قيل ليس للافساد ههنا
موضع فإن قال فبأي شئ قسته؟ قيل بنقد البلد، البلد له
نقد وصنج وغلة مختلفة فيبيع الرجل بالدراهم ولا يشترط نقدا بعينه ولا يفسد البيع ويكون له الأغلب
من نقد البلد وكذلك يلزمهما الغالب من مسير الناس (قال الشافعي) فإن أراد المكترى مجاوزة المراحل أو
الجمال التقصير عنها أو مجاوزتها فليس ذلك لواحد منهما إلا برضاهما فإن كان بعدد أيام فأراد الجمال أن
يقيم ثم يطوى بقدر ما أقام أو أراده المكترى فليس لواحد منهما وذلك أنه يدخل على المكترى التعب
والتقصير وكذلك يدخل على الجمال (قال الشافعي) فإن تكارى منه لعبده عقلة فأراد ان يركب الليل
دون النهار بالأميال أو النهار دون الليل أو أراد ذلك به الجمال فليس ذلك لواحد منهما ويركب على ما
يعرف الناس العقبة ثم ينزل فيمشي بقدر ما تركب ثم يركب بقدر ما مشى ولا يتابع المشي فيفدحه ولا
الركوب فيضر بالبعير، قال وإن تكارى إبلا بأعيانها ركبها، قال وإن تكارى حمولة ولم يذكر بأعيانها ركب
ما يحمله فإن حمله على بعير غليظ فإن كان ذلك ضررا متفاحشا أمر أن يبدله وإن كان شبيها بما يركب
الناس لم يجبر على إبداله (قال الشافعي) وإن كان البعير يسقط أو يعثر فيخاف منه العنت على راكبه أمر
بإبداله (قال الشافعي) وعليه أن يركب المرأة البعير باركا وتنزل عنه باركا لأن ذلك ركوب النساء أما
الرجال فيركبون على الأغلب من ركوب الناس وعليه أن ينزله للصلوات وينتظر حتى يصليها غير معجل
له ولما لا بد له منه كالوضوء وليس عليه أن ينتظره لغير ما لا بد له منه، قال: وليس للجمال إذا كانت
القرى هي المنازل أن يتعداها إن أراد الكلأ ولا للمكتري إذا أراد عزلة الناس وكذلك إن اختلفا في
الساعة التي يسيران فيها، فإن أراد الجمال أو المكترى ذلك في حر شديد نظر إلى مسير الناس بقدر
المرحلة التي يريدان (قال الشافعي) ولا خير في أن يتكارى بعيرا بعينه إلى أجل معلوم ولا يجوز أن
يتكارى إلا عند خروجه لأن المكارى ينتفع بما أخذ من المكترى ولا يلزم الجمال الضمان للحمولة إن
مات البعير بعينه لا يجوز أن يشترى شيئا غائبا بعينه إلى أجل وإنما يجوز الكراء على مضمون بغير عينه
36

مثل السلم أو على شئ يقبض المكترى فيه ما اكترى عند اكترائه كما يقبض المبيع (قال الشافعي) فإن
تكارى إبلا بأعيانها فركبها ثم ماتت رد الجمال مما أخذ منه بحساب ما بقي ولم يضمن له الحمولة وذلك
بمنزلة المنزل يكتريه والعبد يستأجره وإنما تلزمه الحمولة إذا شرطها عليه غير إبل بأعيانها كانت لازمة
للجمال بكل حال والكراء لازم للمكتري والكراء بكل حال لا يفسخ أبدا بموتهما ولا بموت واحد
منهما، هو في مال الجمال إن مات ومال المكترى إن مات وتحمل ورثة الميت حمولته، أو وزنها وراكبا
مثله وورثة الجمال إن شاءوا قاموا بالكراء وإلا باع السلطان في ماله واستأجر عليه من يوفى المكترى ما
شرط له من الحمولة (قال الشافعي) وإن اختلفا في الراحلة رجل لا مكبوبا ولا مستلقيا وإن انكسر
المحل أو الظل أبدل محملا مثله أو ظلا مثله وإن اختلفا في الزاد الذي ينفد بعضه فقال صاحب الزاد
أبدله بوزنه فالقياس أن يبدل له حتى يستوفى الوزن، قال: ولو قال قائل ليس له أن يبدل من قبل
أنه معروف أن الزاد ينقص قليلا ولا يبدل مكانه كان مذهبا - والله أعلم - من مذاهب الناس (قال
الشافعي) والدواب في هذا مثل الإبل إذا اختلفا في المسير سار كما يسير الناس إن لم يكن بينهما شرط لا
متعبا ولا مقصرا كما يسير الأكثر من الناس ويعرف خلاف الضرر بالمكتري للدابة والمكري فإن كانت
صعبة نظر فإن كانت صعوبتها مشابهة صعوبة عوام الدواب أو تقاربها لزمت المكترى وإن كان ذلك
منها مخوفا فإن يكاراها بعينها ولم يعلم تناقضا الكراء إن شاء المكترى، وإن تكارى مركبا فعلى المكرى
الدابة له غيرها مما لا يباين دواب الناس (قال الشافعي) وعلف الدواب والإبل على الجمال أو مالك
الدواب فإن تغيب واحد منهما فعلف المكترى فهو متطوع إلا أن يرفع ذلك إلى السلطان، وينبغي
للسلطان أن يوكل رجلا من أهل الرفقة بأن يعلف ويحسب ذلك على رب الدابة والإبل وإن ضاق
ذلك فلم يوجد أحد غير الراكب فإن قال قائل يأمر الراكب أن يعلف لأن من حقه الركوب والركوب
لا يصلح إلا بعلف ويحسب ذلك على صاحب الدابة وهذا موضع ضرورة ولا يوجد فيه إلا هذا لأنه
لا بد من العلف وإلا تلفت الدابة ولم يستوف المكترى الركوب كان مذهبا (قال الشافعي) وفى هذا أن
المكترى يكون أمين نفسه وإن رب الدابة إن قال لم يعلفها إلا بكذا وقال الأمين علفتها بكذا لأكثر فإن
قبل قول رب الدابة في ماله سقط كثير من حق العالف وإن قيل قول المكترى العالف كان القول قوله
فيما يلزم غيره، وإن نظر إلى علف مثلها فصدق به فيه فقد خرج مالك الدابة والمكترى من أن يكون
القول قولهما وقد ترد أشباه من هذا في الفقه فيذهب
بعض أصحابنا إلى أن لا قياس وأن القياس
ضعيف وقد ذكر في غير هذا الموضع ويقولون يقضى فيما بين الناس بأقرب الأمور في العدل فيما يراه إذا
لم يجد فيه متقدم من حكم يتبعه (قال الشافعي) فيعيب هذا المذهب بعض الناس ويقول لا بد من
القياس على متقدم الاحكام ثم يصير إلى أن يكثر القول بما عاب ويرد ما يشبه هذا فيما يرى رده من كره
الرأي فإن جاز أن يحكم فيه بما يكون عدلا عند الناس فيما يرى الحاكم فهو مذهب أصحابنا في بعض
أقاويلهم وإن لم يجز فقد يترك أهل القياس القياس فيكون (1) والله أعلم فمن ذهب مذهب أصحابنا
حمل الناس على أكثر معاملتهم وعلى الأقرب من صلاحهم وأنفذ الحكم على كل أحد من المتنازعين
بقدر ما يحضره مما يسمع من قضيتهما مما يشبه الأغلب ومن ذهب مذهب القياس أعاد الأمور إلى
الأصول ثم قاسها عليها وحكم لها بأحكامها وهذا ربما تفاحش.

(1) قوله: فيكون كذا في نسخة وفى سخة " فيكثرون " ثم إن هذه العبارة من أولها إلى آخرها محرفة في الأصول
التي بيدنا فلتحرر على أصل صحيح إن وجد. كتبه مصححه.
37

مسألة الرجل يكترى الدابة فيضربها فتموت (1)
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) وإذا اكترى الرجل من الرجل الدابة فضربها أو نخسها بلجام
أو ركضها فماتت سئل أهل العلم بالركوب فإن كان فعل من ذلك ما تفعل العامة فلا يكون فيه عندهم
خوف تلف أو فعل بالكبح والضرب مثل ما يفعله بمثلها عندما فعله فلا أعد ذلك خرقة ولا شئ عليه
وإن كان فعل ذلك عند الحاجة إليه بموضع قد يكون بمثله تلف أو فعله في الموضع الذي لا يفعل في
مثله ضمن في كل حال من قبل أن هذا تعد والمستعير هكذا إن كان صاحبه لا يريد أن يضمنه فإن أراد
صاحبه أن يضمنه العارية فهو ضامن تعدى أو لم يتعد وأما الرائض فإن من شأن الرواض الذي يعرف
به إصلاحهم للدواب الضرب على حملها من السير والحمل عليها من الضرب أكثر ما يفعل الركاب
غيرهم فإذا فعل من ذلك ما يكون عند أهل العلم بالرياضة إصلاحا وتأديبا للدابة بلا إعناف بين لم
يضمن إن عيت. وإن فعل خلاف هذا كان متعديا وضمن والمستعير الدابة هكذا كالمكتري في ركوبها
إذا تعدى ضمن وإذا لم يتعد لم يضمن (قال الربيع) قوله الذي نأخذ به في المستعير أنه يضمن تعدى
أو لم يتعد لحديث النبي صلى الله عليه وسلم " العارية مضمونة مؤداة " وهو آخر قوله (قال الشافعي)
والراعي إذا فعل ما للرعاء أن يفعلوه مما لا صلاح للماشية إلا به وما يفعله أهل الماشية بمواشي أنفسهم
على استصلاحها ومن إذا رأوا من يفعله بمواشيهم ممن يلي رعيتها كان عندهم صلاحا لا تلفا ولا خرقة
ففعله الراعي لم يضمن وإن تلف فيه وإن فعل ما يكون عندهم خرقة فتلف منه شئ ضمنه عند من لا
يضمن الأجير ومن ضمن الأجير ضمنه في كل حال.
مسألة الاجراء
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال: الاجراء كلهم سواء فإذا تلف في
أيديهم شئ من غير جنايتهم فلا يجوز أن يقال فيه إلا واحد من قولين أحدهما أن يكون كل من أخذ
اكراء على شئ كان له ضامنا يؤديه على السلامة أو يضمنه أو ما نقصه ومن قال هذا القول فينبغي أن
يكون من حجته أن يقول: الأمين هو من دفعت إليه راضيا بأمانته لا معطى أجرا على شئ مما دفعت
إليه وإعطائي هذا الاجر تفريق بينه وبين الأمين الذي أخذ ما استؤمن عليه بلا جعل أو يقول قائل لا
ضمان على أجير بحال من قبل أنه إنما يضمن من تعدى فأخذ ما ليس له أو أخذ الشئ على منفعة له فيه
إما بتسلط على إتلافه كما يأخذ سلفا فيكون مالا من ماله فيكون إن شاء ينفقه ويرد مثله. وإما مستعير
سلط على الانتفاع بما أعير فيضمن لأنه أخذ ذلك لمنفعة نفسه لا لمنفعة صاحبه فيه وهذان معا نقص
على المسلف والمعير أو غير زيادة له والصانع والأجير من كان ليس في هذا المعنى فلا يضمن بحال إلا ما
جنت يده كما يضمن المودع ما جنت يده وليس في هذا سنة أعلمها ولا أثر يصح عند أهل الحديث
عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وقد روى فيه شئ عن عمر وعلي ليس يثبت عند
.

(1) هذه المسألة ذكرت في الأصول في آخر الجنايات فنقلها السراج هنا في نسخته لمناسبتها للإجازات كما نبه
على ذلك بقوله " وترجم بعد مسألة الحجام والخاتن والبيطار مسألة الرجل يكترى الخ ". كتبه مصححه
38

أهل الحديث عنهما، ولو ثبت عنهما لزم من يثبته أن يضمن الاجراء من كانوا فيضمن أجير الرجل
وحده والأجير المشترك والأجير على الحفظ والرعي وحمل المتاع والأجير على الشئ يصنعه لأن عمر إن
كان ضمن الصناع فليس في تضمينه لهم معنى إلا أن يكون ضمنهم بأنهم أخذوا أجرا على ما ضمنوا
فكل من كان أخذ أجرا فهو في معناهم وإن كان علي رضي الله عنه ضمن القصار والصائغ فكذلك كل
صانع وكل من أخذ أجرة. وقد يقال للراعي صناعته الرعية وللحمال صناعته الحمل للناس، ولكنه
ثابت عن بعض التابعين ما قلت أولا من التضمين أو ترك التضمين ومن ضمن الأجير بكل حال فكان
مع الأجير ما قلت مثل أن يستحمله الشئ على ظهره أو يستعمله الشئ في بيته أو غير بيته وهو حاضر
لماله أو وكيل له بحفظه فتلف ماله بأي وجه ما تلف به إذا لم يجن عليه جان فلا ضمان على الصانع ولا
على الأجير وكذلك إن جنى عليه غيره فلا ضمان عليه والضمان على الجاني ولو غاب عنه أو تركه يغيب
عليه كان ضامنا له من أي وجه ما تلف وإن كان حاضرا معه فعمل فيه عملا فتلف بذلك العمل وقال
الأجير هكذا يعمل هذا فلم أتعد بالعمل وقال المستأجر ليس هكذا يعمل وقد تعديت وبينهما بينة أو لا
بينة بينهما فإن كانت البينة سئل عدلان من أهل ذلك الصناعة، فإن قالا هكذا يعمل هذا فلا يضمن
وإن قالا هذا تعدى في عمل هذا ضمن كان التعدي ما كان قل أو كثر وإذا لم تكن بينة كان القول
قول الصانع مع يمينه ثم لا ضمان عليه وإذا سمعتني أقول القول قول أحد فلست أقوله إلا على معنى ما
يعرف إذا ادعى الذي اجعل القول قوله ما يمكن بحال من الحالات جعلت القول قوله وإذا ادعى مالا
يمكن بحال من الحالات لم أجعل القول قوله. ومن ضمن الصانع فيما يغيب عليه فجنى جان على ما في
يديه فأتلفه فرب المال بالخيار في تضمين الصانع لأنه كان عليه أن يرده إليه على السلامة فإن ضمنه
رجع به الصانع على الجاني أو يضمن الجاني فإن ضمنه لم يرجع به الجاني على الصانع وإذا ضمنه
الصانع فأفلس به الصانع كان له أن يأخذ من الجاني وكان الجاني في هذا الموضع كالحميل وكذلك لو
ضمنه الجاني فأفلس به الجاني رجع به على الصانع إلا أن يكون أبرأ كل واحد منهما عند تضمين
الآخر فلا يرجع به وللصانع في كل حال ويرجع به على الجاني إذا أخذ من الصانع وليس للجاني أن
يرجع به على الصانع إذا أخذ منه بحال. قال وإذا تكارى الرجل من الرجل على الوزن المعلوم والكيل
المعلوم والبلد المعلوم فزاد الوزن أو الكيل أو نقصا وتصادقا على أن رب المال ولى الوزن والكيل. قلنا في
الزيادة والنقصان لأهل العلم بالصناعة هل يزيد ما بين الوزنين وينقص ما بينهما. وبين الكيلين هكذا
فيما لم تدخله آفة؟ فإن قالوا نعم قد يزيد وينقص. قلنا في النقصان لرب المال قد يمكن النقص عما زعم أهل
العلم بلا جناية ولا آفة، فلما كان النقص يكون ولا يكون، قلنا إن شئت أحلفنا لك الحمال ما خانك
ولا تعدى بشئ أفسد متاعك ثم لا ضمان عليه وقلنا للحمال في الزيادة كما قلنا لرب المال في النقصان
إذا كانت الزيادة قد تكون لا من حادث ولا زيادة ويكون النقصان وكانت ههنا زيادة فإن لم تدعها
فهي لرب المال ولا كراء لك فيها وإن ادعيتها أو فينا رب المال ماله تاما ولم نسلم لك الفضل إلا بأن
تحلف ما هو من مال رب المال وتأخذه وإن كان زيادة لا يزيد مثلها أو فينا رب المال ماله وقلنا الزيادة
لا يدعيها رب المال فإن كانت لك فخذها. وإن لم تكن لك جعلناها كمال في يديك لا مدعى له
وقلنا الورع أن لا تأكل ما ليس لك فإن ادعاها رب المال وصدقته كانت الزيادة له وعليه كراء مثلها
وإن كنت أنت الكيال للطعام بأمر رب الطعام ولا أمين معك قلنا لرب الطعام هو يقر بأن هذه الزيادة
لك. فإن ادعيتها فهي لك وعليك في المكيلة التي اكتريت عليها ما سميت من الكراء وعليك اليمين ما
39

رضيت أن يحمل لك الزيادة ثم هو ضامن لأن يعطيك مثل قمحك ببلدك الذي حمل لأنه متعد إلا بأن
ترضى أن تأخذه من موضعك فلا يحال بينك وبين عين مالك ولا كراء عليك بالعدوان وإن قلت
رضيت بأن يحمل لي مكيلة بكراء معلوم وما زاد فبحسابه فالكراء في المكيلة جائز وفى الزيادة فاسد
والطعام لك وله كراء مثله في كله فإن كان نقصان لا ينقص مثله، فالقول فيه كالقول في المسألة
الأولى. فمن رأى تضمين الحمال ما نقص عن المكيلة لا يرفع عنه شيئا، ومن لم ير تضمينه لم
يضمنه وطرح عنه من الكراء بقدر النقصان.
اختلاف الأجير والمستأجر (1)
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اختلف الرجلان في الكراء وتصادقا في
العمل تحالفا وكان للعامل أجر مثله فيما عمل قال وإذا اختلفا في الصنعة فقال أمرتك أن تصبغه أصفر
40

أو تخيط قميصا فخطته قباء وقال الصانع عملت ما قلت لي تحالفا وكان على الصانع ما نقص الثوب ولا
أجر له وإن زاد الصبغ فيه كان شريكا بما زاد الصبغ في الثوب وإن نقصت منه فلا ضمانة عليه ولا أجر
له (قال الربيع) الذي يأخذ به الشافعي في هذا أن القول قول رب الثوب وعلى الصانع ما نقص الثوب
وإن كان نقصه شيئا لأنه مقر يأخذ الثوب صحيحا ومدع على أنه أمره بقطعه أو صبغه كما وصفت
فعليه البينة بما قال فإن لم يكن بينة حلف رب الثوب ولزم الصانع ما نقصته الصنعة وإن كانت زادت
الصنعة فيه شيئا كان الصانع شريكا بها إن كانت عينا قائمة فيه مثل الصبغ ولا يأخذ من الأجرة شيئا
41

كانت زادت الصنعة فيه شيئا كان الصانع شريكا بها إن كانت عينا قائمة فيه مثل الصبغ ولا يأخذ من الأجرة
شيئا فإن لم تكن عين قائمة فلا شئ له (1).
إحياء الموات
(أخبرنا الربيع) قال: قال محمد بن إدريس الشافعي ولم أسمع هذا الكتاب منه وإنما أقرأه على
معرفة أنه كان من كلامه قال: وبلاد المسلمين شيئان عامر وموات فالعامر لأهله وكل ما صلح به العامر
إن كان مرفقا لأهله من طريق وفناء ومسيل ماء أو غيره فهو كالعامر في أن لا يملكه على أهل العامر
أحد ألا بإذنهم والموات شيئان موات قد كان عامرا لأهل معروفين في الاسلام ثم ذهبت عمارته فصار
مواتا لا عمارة فيه فذلك لأهله كالعامر لا يملكه أحد أبدا إلا عن أهله وكذلك مرافقه وطريقه وأفنيته
ومسايل مائه ومشاربه والموات الثاني ما لم يملكه أحد في الاسلام بعرف ولا عمارة، ملك في الجاهلية
أو لم يملك فذلك الموات الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحيا مواتا فهو له " والموات الذي
للسلطان أن يقطعه من يعمره خاصة وأن يحمى منه ما رأى أن يحميه عاما لمنافع المسلمين وسواء كل
موات لا مالك له إن كان إلى جنب قرية جامعة عامرة وفى واد عامر بأهله وبادية عامرة بأهلها وقرب
نهر عامر أو صحراء أو أين كان لا فرق بين ذلك، قال وسواء من أقطعه الخليفة أو الوالي أو حماه هو بلا
قطع من أحد مواتا لا مالك له (2) وكل هؤلاء أحياء لا فرق بينهم.
ما يكون إحياء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإنما يكون الاحياء ما عرفه الناس إحياء لمثل المحيا إن كان
مسكنا فأن يبنى بمثل ما يبنى به مثله من بنيان حجر أو لبن أو مدر يكون مثله بناء وهكذا ما أحيا
الآدمي من منزل له أو لدواب من حظار أو غيره فأحياه ببناء حجر أو مدر، أو بماء لأن هذه العمارة
بمثل هذا ولو جمع ترابا لحظار أو خندق لم يكن هذا إحياء، وكذلك لو بنى خياما من شعر أو جريد أو
خشب لم يكن هذا إحياء تملك له الأرض بالاحياء، وما كان هذا قائما لم يكن لاحد أن يزيله فإذا
أزاله صاحبه لم يملكه وكان لغيره أن ينزله ويعمره وهذا كالفسطاط يضربه المسافر أو المنتجع لغيث
وكالخباء وكالمناخ وغيره ويكون الرجل أحق به حتى يفارقه فإذا فارقه لم يكن له فيه حق وهكذا الحظار
بالشوك والخصاف وغيره، وعمارة الغراس والزرع أن يغرس الرجل الأرض فالغراس كالبناء إذا أثبته
في الأرض كان كالبناء يبنيه انقطع الغراس كان كانهدام البناء وكان مالكا للأرض مالكا لا يحول عنه
إلا منه وبسببه، وأقل عمارة الزرع الذي لا يظهر ماء لرجل عليه التي تملك بها الأرض كما يملك ما
ينبت من الغراس أن يحظر على الأرض بما يحظر بمثله من حجر أو مدر أو سعف أو تراب مجموع
ويحرثها ويزرعها، فإذا اجتمع هذا فقد أحياها إحياء تكون به له وأقل ما يكفيه من هذا أن يجمع ترابا
يحيط بها وإن لم يكن مرتفعا أكثر من أن تبين به الأرض مما حولها ويجمع مع هذا حرثها وزرعها وهكذا

(1) وجد في هامش بعض الأصول ما نصه: " كان هذا الباب مكتوبا في النكاح فنقلناه إلى هنا " اه‍.
(2) قوله: " وكل هؤلاء أحياء الخ " كذا بالأصل وتأمله اه‍ مصححه.
42

إن ظهر عليه ماء سيل أو غيل مشترك أو ماء مطر لأن الماء مشترك فإن كان له ماء خاص وذلك ماء عين
أو نهر يحفرها يسقى بها أرضا فهذا إحياء لها وهكذا إن ساق إليها من نهر أو واد أو غيل مشترك في ماء
عين له أو خليج خاصة فسقاها به فقد أحياها الاحياء الذي يملكها به (قال الشافعي) ما لا يملكه أحد
من المسلمين صنفان، أحدهما يجوز أن يملكه من يحييه وذلك مثل الأرض تتخذ للزرع والغراس والآبار
والعيون والمياه ومرافق هذا الذي لا يكمل صلاحه إلا به، وهذا إنما تجلب منفعته بشئ من غيره لا
كبير منفعة فيه هو نفسه وهذا إذا أحياه رجل بأمر وال أو غير أمره ملكه ولم يملك أبدا إلا أن يخرجه
من أحياه من يده، والصنف الثاني ما تطلب المنفعة منه نفسه ليخلص إليها لا شئ يجعل فيه من غيره
وذلك المعادن كلها الظاهرة والباطنة من الذهب والتبر والكحل والكبريت والملح وغير ذلك، وأصل
المعادن صنفان ما كان ظاهرا كالملح الذي يكون في الجبال ينتابه الناس فهذا لا يصلح لاحد أن يقطعه
أحدا بحال والناس فيه شرع، وهكذا النهر والماء الظاهر فالمسلمون في هذا كلهم شركاء. وهذا كالنبات
فيما لا يملكه أحد وكالماء فيما لا يملكه أحد، فإن قال قائل ما الدليل على ما وصفت؟ قيل: (أخبرنا)
ابن عيينة عن معمر عن رجل من أهل مأرب عن أبيه أن الأبيض بن حمال سأل رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يقطعه ملح مأرب فأراد أن يقطعه أو قال أقطعه إياه، فقيل له إنما كالماء العد، قال فلا
إذن (قال الشافعي) فنمنعه إقطاع مثل هذا فإنما هذا حمى وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
" لا حمى إلا لله ورسوله " فإن قال قائل فكيف يكون حمى؟ قيل هو لا يحدث فيه شيئا تكون المنفعة
فيه من عمله ولا يطلب فيه شيئا لا يدركه إلا بالمؤنة عليه إنما يستدرك فيه شيئا ظاهرا ظهور الماء والكلأ
فإذا تحجر ما خلق الله من هذا، فقد حمى لخاصة نفسه فليس ذلك له، ولكنه شريك فيه كشركته
في الماء والكلأ الذي ليس في ملك أحد، فإن قال قائل فإقطاع الأرض للبناء والغراس ليس حمى،
قيل إنه إنما يقطع من الأرض ما لا يضر بالناس وما يستغنى به وينتفع به هو وغيره، قال: ولا يكون
ذلك إلا بما يحدثه هو فيه من ماله فتكون منفعته بما استحدث من ماله من بناء أحدثه أو غرس أو زرع
لم يكن لآدمي وماء احتفره ولم يكن وصل إليه آدمي إلا باحتفاره، وقد أقطع رسول الله صلى الله عليه
وسلم الدور والأرضين، فدل على أن الحمى الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أن يحمى
الرجل الأرض لم تكن ملكا له ولا لغيره بلا مال ينفقه فيها ولا منفعة يستحدثها بها فيها لم تكن فيها
فهذا معنى قطيع مأذون فيه لا حمى منهى عنه (قال الربيع) يريد الذي هو مأذون فيه الذي استحدث
فيه بالنفقة من ماله وأما ما كان فيه منفعة بلا نفقة على من حماه فليس له أن يحميه (قال الشافعي)
ومثل هذا كل عين ظاهرة كنفط أو قار أو كبريت أو مومياء أو حجارة ظاهرة كمومياء في غير ملك
لاحد فليس لأحد أن يتحجرها دون غيره ولا لسلطانها أن يمنعها لنفسه ولا لخاص من الناس لأن هذا
كله ظاهر كالماء والكلأ، وهكذا عضاه الأرض ليس للسلطان أن يقطعها لمن يتحجرها دون غيره لأنها
ظاهرة ولو أقطعه أرضا يعمرها فيها عضاه فعمرها كان ذلك له لأنه حينئذ يحدث فيها ما وصفت بماله
مما هو أنفع مما كان فيها، ولو تحجر رجل لنفسه من هذا شيئا أو منعه له سلطان كان ظالما، ولو أخذ في
هذا الحال من هذا شيئا لم يكن عليه أن يرده إلا أنه يشرك فيه من منعه منه ولا أن يغرم لمن منعه شيئا
بمنعه، وذلك أنه لم يأخذ شيئا كان لاحد فيضمن له ما أخذ منه وإن منع الرجل مما للرجل أن يأخذه
من جهة الإباحة، لا يلزمه غرما إلا أنه لم يمنعه أن يحتطب حطبا أو ينزل أرضا لم يضمن له شيئا إنما
يضمن ما أتلف لرجل أو أخذ مما كان ملكه لرجل ولو أحدث على شئ من هذا بناء قيل له حول
43

بناءك ولا قيمة له فيما أحدث بتحويله لأنه أحدث فيما ليس له بغير إذن فإن كان أحدث البناء في عين
لا يمنع منفعتها لم يحول بناؤه، وقيل له لك بناؤك ولا تمنع أحدا من هذه المنفعة ولا يمنعك وأنت وهم
فيها شرع، ولو كان بقعة من الساحل أو الأرض يرى أنها تصلح للملح لا يوجد فيها إلا بصنعة وذلك
أن يحفر ترابا من أعلاها فينحى ثم يسرب إليها ماء فيدخلها فيظهر ملحها بذلك أو يحفر عنها التراب
فيظهر فيها من وقت من الأوقات ماء ثم يظهر فيها ملح كان للسلطان والله تعالى أعلم أن يقطعها
وللرجل أن يعمرها ثم تكون له كما تكون له الأرض بالزرع والبناء، وذلك أن هذا أكثر عمارتها وأن هذا
شئ لا تأتى منفعته إلا بصنعة وفى وقت ليس بدائم (1) وحديث معمر ان النبي صلى الله عليه وسلم
أقطع الملح فلما أخبر أنه دائم كالماء منعه ذلك وهذا كالأرض يقطعها فيحفر فيها البئر لأن المنفعة كانت
محولا دونها إلا بعمله، وقد يعمل فيها فتقل المنفعة وتكثر ويخلف ولا يخلف (قال الشافعي) ثم تفرق
القطائع فرقين فتكون بما وصفت مما إذا أقطعه الرجل فأحياه ملكه من الأرض بالبناء والغراس والزرع
والآبار والملح وما أشبه هذا فإذا ملكه لم يملك أبدا إلا عنه وهكذا إذا أحياه ولم يقطعه لأن كل من أحيا
مواتا فيقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحياه وعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عطاء كل
أحد بعده من سلطان وغيره، ثم يكون شئ يقطعه المرء فيكون له الانتفاع به ومنعه من غيره ما أقام فيه أو
وكيل له، فإذا فارقه لم يكن ملكا له ولا يكون له أن يبيعه، وذلك أنه إقطاع أرفاق لا تمليك وذلك
مثل المقاعد بالأسواق التي هي طرق المسلمين كافة، فمن قعد في موضع منها لبيع كان أحق به بقدر ما
يصلح له ومتى قام عنه لم يكن له أن يمنعه من غيره، قال وهكذا القوم من العرب يحلون الموضع من
الأرض في أبنيتهم من الشعر وغيره، ثم ينتجعون عنه لا تكون هذه عمارة يملكون بها حيث نزلوا،
وكذلك لو بنوا خياما لأن الخيام تجف وتحول تحويل أبنية الشعر والفساطيط وهذا والمقاعد بالسوق ليس
بإحياء موات، وفى إقطاع المعادن قولان أحدهما أنه مخالف لاقطاع الأرض لأن من أقطع أرضا فيها
معادن أو عملها ليست لاحد فسواء في ذلك كله وسواء كانت المعادن ذهبا، أو فضة أو نحاسا أو
حديدا أو شيئا في معنى الذهب والفضة مما لا يخلص إلا بمؤنة ولم يكن ملكا لاحد فللسلطان أن
يقطعها من استقطعه إياها ممن يقوم به وكانت هذه كالموات في أن له أن يقطعه إياها ومخالفة للموات
في أحد القولين، وإن الموات إذا أحييت مرة ثبت إحياؤها وهذه إذا أحييت مرة ثم تركت دثر إحياؤها
وكانت في كل يوم مبتدأ الاحياء يطلبون فيها مما يطلب في المعادن فإقطاعه الموات ليحييه يثبته له ملكا ولا ينبغي
أن يقطعه المعادن إلا على أن يكون له منفعتها ما أحياها وإحياؤها إدامة العمل فيها فإذا عطلها فليس له
منعها من أحد عمل فيها ولا ينبغي أن يقطعه منها ما لا يعمل ولا وقت في قدر ما يقطعه منها إلا ما
احتمل عمله قل منها ما عمل أو كثر والتعطيل للمعادن أن يقول عجزت عنها (قال الشافعي) فمن
خالف بين إقطاع المعادن والأرضين للزرع انبغى أن يكون من حجته أن يقول إن المعادن إنما هي شئ
يطلب فيه ذهب أو فضة أو غير ذلك مما هو غائب عن الطالب مخلوق فيه ليست للآدميين فيه صنعة إنما
يلتمسونه ويخلصونه والتماسه وتخليصه ليس صنعة فيه فلا يكون لاحد أن يحتجزه على أحد إلا ما كان
يعمل فيه فأما أن يمنع المنفعة فيه غيره ولا يعمل هو فيه فليس له ولقد رأيت للسلطان أن لا يقطع معدنا
إلا على ما أصف من أن يقول أقطع فلانا معادن كذا على أن يعمل فيها فما رزق الله أدى ما يجب عليه

(1) قوله: وحديث معمر الخ كذا بالأصل وتأمل اه‍ مصححه.
44

فيما يخرج منه وإذا عطلها كان لمن يحييها العمل فيها وليس له أن يبيعها له قال ومن حجة من فرق بين
ملكها وبين ملك الأرض أن يقول ليس له بيعها ولا بيع الأرض لا معدن فيها، قال ومن قال هذا قال
ولو ملكه إياها السلطان وهو يعملها ملكا بكل حال لم يكن له إلا على ما وصفت وكان هذا جورا من
السلطان يرد وإن عملها هو بغير عطاء من السلطان كانت له حتى يعطلها، ومن قال هذا أشبه أن يحتج
بأن الرجل يحفر البئر بالبادية فتكون له فإذا أورد ماشيته لم يكن له منع فضل مائها وجعل عمله فيها غير
إحياء له جعله مثل المنزل ينزل بالبادية فلا يكون لاحد أن يحوله عنه وإذا خرج منه لم يمنع منه من ينزله
وجعله غير مملوك وسواء في هذا معدن الذهب والفضة وكل تبر وغيره مما يطلب بالعمل ولا يكون ظاهرا
كظهور الماء والملح الظاهر، وأما ما كان من هذا ظاهرا من ذهب أو غيره فليس لأحد أن يقطعه ولا
يمنعه وللناس أن يأخذوا منه ما قدروا عليه وكذلك الشذر يوجد في الأرض ولو أن رجلا أقطع أرضا
فأحياها بعمارة بناء أو زرع أو غيره فظهر فيها معدن كان يملكه ملك الأرض وكان له منعه كما يمنع أرضه
في القولين معا، والقول الثاني أن الرجل إذا أقطع المعدن فعمل فيه فقد ملكه ملك الأرض، وكذلك
إذا عمله بغير إقطاع، وما قلت في القولين معا في المعادن فإنما أردت بها الأرض القفر تكون أرض
معادن فيعملها الرجل معادن، وفي القول الأول يكون عمله فيها لا يملكه إياها إلا ملك الاستمتاع يمنعه
ما كان يعمل فيه فإذا عطله لم يمنعه غيره، وفي القول الثاني إذا عمل فيها فهو كإحياء الأرض يملكها أبدا
ولا تملك إلا عنه (قال) وكل معدن عمل جاهليا ثم أراد رجل استقطاعه ففيه أقاويل: منها أنه كالبئر
الجاهلية والماء المعد فلا يمنع أحد العمل فيه ولا يكون أحد أولى به من أحد يعمل فيه فإذا استبقوا إليه
فإن وسعهم عملوا معا وإن ضاق أقرع بينهم أيهم يبدأ ثم يتبع الآخر فالآخر حتى يتواسوا فيه، والثاني
أن للسلطان أن يقطعه على المعنى الأول يعمل فيه من أقطعه ولا يملكه ملك الأرض فإذا تركه عمل فيه
غيره، والثالث يقطعه فيملكه ملك الأرض إذا أحدث فيه عمارة وكل ما وصفت من إحياء الموت
وإقطاع المعادن وغيرها فإنما أعني في عفو بلاد العرب الذي عامره عشر وعفوه غير مملوك قال: وكل ما
ظهر عليه عنوة من بلاد العجم فعامره كله لمن ظهر عليه من المسلمين على خمسة أسهم لأهل الخمس
سهم وأربعة لمن أوجف عليه فيقسم بينهم قسم الميراث وما ملكوا بوجه من الوجوه وما كان في قسم
أحدهم من معدن فهو له كما يظهر المعدن في دار الرجل فيكون له ويظهر بئر الماء فيكون له (قال
الشافعي) وإن كان فيها معدن ظاهر فوقع في قسم رجل بقيمته فذلك له كما يقع في قسمه العمارة بقيمة
فتكون له وكل ما كان في بلاد العنوة مما عمر مرة ثم ترك فهو كالعامر القائم العمارة وذلك ما ظهرت عليه
الأنهار وعمر بغير ذلك على نطف السماء وبالرشاء وكل ما كان لم يعمر قط من بلادهم وكان مواتا فهو
كالموات من بلاد العرب لا يختلف في أنه ليس بملك لاحد دون أحد ومن أراد أن يقطع منه أقطع ممن
أوجف أو لم يوجف هم سواء فيه لا تختلف حالاتهم فيما أحيوا وأرادوا من الاقطاع، قال: وما كان
من بلاد العجم صلحا فأنظر مالكه فإن كان المشركون مالكيه فهو لهم ليس لأحد أن يعمل فيه معدنا
ولا غيره إلا بإذنهم وعليهم ما صولحوا عليه. قال: وإن كان المسلمون مالكين شيئا منه بشئ ترك لهم
فخمس ما صولح عليه المسلمون لأهل الخمس وأربعة أخماسه لجماعة أهل الفئ من المسلمين حيث
كانوا فيقسم لأهل الخمس رقبة الأرض والدور ولجماعة المسلمين أربعة أخماس فمن وقع في ملكه شئ
كان له وإن صالحوا المسلمين على موات مع العامر فالموات مملوك كالعامر وما كان في حق امرئ من
معدن فهو له وما كان في حق جماعة من معدن فبينهم كما يكون بينهم ما سواه وإن صالحوا المسلمين على
45

أن لهم الأرض ويكونون أحرارا ثم عاملهم المسلمون بعد فإن الأرض كلها صلح وخمسها لأهل
الخمس وأربعة أخماسها لجماعة المسلمين كما وصفت وإذا وقع صلحهم على العامر ولم يذكروا العامر
فقالوا لكم أرضنا فلهم من أرضهم ما وصفت من العامر والعامر ما فيه أثر عمارة أو ظهر عليه النهر أو عرفت
عمارته بوجه وما كان من الموات في بلادهم فمن أراد اقطاعه ممن صالح عليه أو لم يصالح أو عمره ممن
صالح أو لم يصالح فسواء لأن ذلك كان غير مملوك كما كان عفو بلاد العرب غير مملوك لهم ولو وقع
الصلح على عامرها ومواتها كان الموات مملوكا لمن ملك العامر كما يجوز بيع الموات من بلاد المسلمين إذا
حازه رجل يجوز الصلح من المشركين إذا جازوه دون المسلمين فمن عمل في معدن في أرض ملكها
لواحد أو جماعة فجميع ما خرج من المعدن لمن ملك الأرض ولا شئ للعامل في عمله لأنه متعد
بالعمل ومن عمل في معدن بينه وبين غيره أدى إلى غيره نصيبه مما خرج من المعدن وكان متطوعا
بالعمل لا أجر له فيه وإن عمل بإذنه أو على أن له ما خرج من عمله فسواء وأكثر هذا أن يكون هبة لا
يعرفها الواهب ولا الموهوب له ولم يقبض فالآذن في العمل والقائل اعمل ولك ما خرج من عملك
سواء له الخيار في أن يتم ذلك للعامل وكذلك أحب له أن يرجع فيأخذ نصيبه مما خرج من غلة
ويرجع عليه العامل بأجر مثله في قول من قال يرجع وليس هذا كالدابة يأذن له في ركوبها لأنه قد
عرف ما أعطاه وقبضه.
عمارة ما ليس معمورا من الأرض التي لا مالك لها
(قال الشافعي) كان يقال الحرم دار قريش ويثرب دار الأوس والخزرج وأرض كذا دار بنى فلان
على معنى أنهم ألزم الناس لها وأن من نزلها غيرهم إنما ينزلها شبيها بالمجتاز وعلى معنى أن لهم مياهها التي
لا تصلح مساكنها إلا بها وليس ما سمته العرب من هذا دارا لبنى فلان بالموجب لهم أن يكون ملكا مثل
ما بنوه أو زرعوه أو اختبروه لأنه موات أحيى كماء نزلوه مجتازين وفارقوه وكما يحيى ما قارب ما عمروا
وإنما يملكون بما أحيوا ما أحيوا ولا يملكون ما لم يحيوا (قال الشافعي) وبيان ما وصفت في السنة ثم الأثر
منه ما وصفت قبل هذا الباب من قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا حمى إلا لله ورسوله " ثم قول عمر
رضي الله عنه " إنها لبلادهم ولولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله تعالى ما حميت عليهم من
بلادهم شبرا " أي أنها تنسب إليهم إذا كانوا ألزم الناس لها وأمنعه (أخبرنا) مالك عن هشام بن عروة
عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أحيا مواتا فهو له وليس لعرق ظالم فيه حق " (قال
الشافعي) وجماع العرق الظالم كل ما حفر أو غرس أو بنى ظلما في حق امرئ بغير خروجه منه
(أخبرنا) سفيان عن طاوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أحيا مواتا من الأرض فهو له
وعادى الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم منى " (قال الشافعي) ففي هذين الحديثين وغيرهما الدلالة
على أن الموات ليس ملكا لاحد بعينه وأن من أحيا مواتا من المسلمين فهو له وأن الاحياء ليس هو
بالنزول فيه وما أشبهه وأن الاحياء الذي يعرفه الناس هو العمارة بالحجر والمدر والحفر لما بنى دون
اضطراب الأبنية وما أشبه ذلك ومن الدليل على ما وصفت أيضا أن ابن عيينة أخبرنا عن عمرو بن
دينار عن يحيى بن جعدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أقطع الناس الدور فقال حي
من بنى زهرة يقال لهم بنو عبد بن زهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم " نكب عنا ابن أم عبد " فقال
46

رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلم ابتعثني الله إذا؟ إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه "
(قال الشافعي) والمدينة بين لا بتين تنسب إلى أهلها من الأوس والخزرج ومن فيه من العرب والعجم
لما كانت المدينة صنفين أحدهما معمور ببناء وحفر وغراس وزرع والآخر خارج من ذلك فاقطع رسول
الله صلى الله عليه وسلم الخارج من ذلك من الصحراء استدللنا على أن الصحراء وإن كانت منسوبة
إلى حي بأعيانهم ليست ملكا لهم كملك ما أحيوا ومما يبين ذلك أن مالكا أخبرنا عن ابن هشام عن
سالم بن عبد الله عن أبيه قال: كان الناس يحتجرون على عهد عمر بن الخطاب فقال عمر " من أحيا
أرضا مواتا فهي له " (أخبرنا) عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأزرقي عن أبيه عن علقمة بن
نضلة أن أبا سفيان بن حرب قام بفناء داره فضرب برجله وقال سنام الأرض إن لها أسناما زعم ابن
فرقد الأسلمي أنى لا أعرف حقي من حقه، لي بياض المروة وله سوادها ولى ما بين كذا إلى كذا فبلغ
ذلك عمر بن الخطاب فقال ليس لأحد إلا ما أحاطت عليه جدرانه إن إحياء الموات ما يكون زرعا أو
حفرا أو يحاط بالجدران وهو مثل إبطاله التحجير بغير ما يعمر به مثل ما يحجر (قال الشافعي) وإذا أبان
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من أحيا أرضا مواتا فهي له والموات ما لا ملك فيه لاحد خالصا دون
الناس فللسلطان أن يقطع من طلب مواتا فإذا أقطع كتب في كتابه ولم أقطعه حق مسلم ولا ضررا عليه
(قال الشافعي) وخالفنا في هذا بعض الناس فقال ليس لأحد إن يحمى مواتا إلا بإذن سلطان ورجع
صاحبه إلى قولنا فقال: وعطية رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبت العطايا فمن أحيا مواتا فهو له بعطية
رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس للسلطان أن يعطى إنسانا ما لا يحل للانسان أن يأخذه من موات
لا مالك له أو حق لغيره يعرفه له والسلطان لا يحل له شيئا ولا يحرمه ولو أعطى السلطان أحدا شيئا لا
يحل له لم يكن له أخذه (أخبرنا (ابن عيينة عن هشام عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع
الزبير أرضا وأن عمر رضي الله عنه أقطع العقيق وقال أين المستقطعون منذ اليوم أخبرناه مالك عن
ربيعة (قال الشافعي) ومن أقطعه السلطان اليوم قطيعا أو تحجر أرضا فمنعها من أحد يعمرها ولم يعمرها
رأيت للسلطان والله أعلم أن يقول له هذه أرض كان المسلمون فيها سواء لا يمنعها منهم أحد وإنما
أعطيناكها أو تركناك وجوزها لأنا رأينا العمارة لها غير ضرر بين على جماعة المسلمين منفعة لك وللمسلمين
فيها ينالون من رفقها فإن أحييتها وإلا خلينا من أراد إحياءها من المسلمين فأحياها فإن أراد أجلا رأيت
أن يؤجل (قال الشافعي) وإذا كان هذا هكذا كان للسلطان أن لا يعطيه ولا يدعه يتحجر على
المسلمين شيئا لا يعمره ولم يدعه أن يتحجر كثيرا يعلمه لا يقوى عليه وتركه وعمارة ما يقوى عليه (قال
الشافعي) وإن كانت أرضا يطلب غير واحد عمارتها، فإن كانت تنسب إلى قوم فطلبها بعضهم وغيرهم
كان أحب إلى أن يعطيها من تنسب إليهم دون غيرهم ولو أعطاها الإمام غيرهم لم أر بذلك بأسا إن
كانت غير مملوكة لاحد ولو تشاحوا فيها فضاقت عن أن تسعهم رأيت أن يقرع بينهم فأيهم خرج سهمه
أعطاه إياها ولو أعطاهم بغير قرعة لم أر عليه بأسا إن شاء الله وإن اتسع الموضع أقطع من طلب منه فإن
بدأ بأحد فأقطعه ترك له حريما للطريق ومسيلا للماء ومغيضة وكل ما لا صلاح لما أقطعه إلا به.
من أحيا مواتا كان لغيره
(قال الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد بن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضى
47

الله عنه استعمل مولى له يقال له هنى على لحمي فقال له يا هنى ضم جناحك للناس واتق دعوة المظلوم
فإن دعوة المظلوم مجابة وأدخل رب الصريمة والغنيمة وإياي ونعم ابن عفان ونعم ابن عوف فإنهما إن
تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع وإن رب الصريمة والغنيمة يأتي بعياله فيقول يا أمير المؤمنين
أفتاركهم أنا لا أبالك فالماء والكلأ أهون على من الدنانير والدراهم وأيم الله لعلى ذلك إنهم ليرون أنى
قد ظلمتهم إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الاسلام ولولا المال الذي أحمل عليه
في سبيل الله ما حميت على المسلمين من بلادهم شبرا فقال ولو ثبت هذا عن عمر بإسناد موصول
أخذت به، وهذا أشبه ما روى عن عمر رضي الله عنه من أنه ليس لأحد أن يتحجر.
من قال لا حمى إلا حمى من الأرض الموات وما يملك به
الأرض وما لا يملك وكيف يكون الحمى
(قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن
الصعب بن جثامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا حمى إلا لله ورسوله " (وحدثنا) غير
واحد من أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى النقيع (قال الشافعي) كان الرجل العزيز
من العرب إذا انتجع بلدا مخصبا أوفى بكلب على جبل إن كان به أو نشز إن لم يكن جبل ثم استعواه
ووقف له من يسمع منتهى صوته بالعواء فحيث بلغ صوته حماه من كل ناحية فيرعى مع العامة فيما سواه
ويمنع هذا من غيره لضعفاء سائمته وما أراد قرنه معها فيرعى معها فنرى أن قول رسول الله صلى الله عليه
وسلم والله أعلم " لا حمى إلا لله ورسوله " لا حمى على هذا المعنى الخاص وأن قوله لله كل محمى وغيره
ورسوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان يحمى لصلاح عامة المسلمين لا لما يحمى له غيره من
خاصة نفسه وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لا يملك إلا ما لا غناء به وبعياله عنه ومصلحتهم حتى يصير
ما ملكه الله من خمس الخمس مردودا في مصلحتهم وكذلك ماله إذا حبس فوق سنته مردودا في
مصلحتهم في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله وأن ماله ونفسه كان مفرغا لطاعة الله تعالى فصلى الله
عليه وسلم وجزاه أفضل ما جزى به نبيا عن أمته (قال الشافعي) والحمى ليس بإحياء موات فيكون لمن
أحياه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا حمى إلا لله ورسوله "
يحتمل معنيين أحدهما أن لا يكون لاحد أن يحمى للمسلمين غير ما حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن ذهب هذا المذهب قال يحمى الوالي كما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاد لجماعة
المسلمين على ما حماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكون لوال إن رأى صلاحا لعامة من حمى أن
يحمى بحال شيئا من بلاد المسلمين والمعنى الثاني أن قوله " لا حمى إلا لله ورسوله " يحتمل لا حمى إلا
على مثل ما حمى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذهب هذا المذهب قال للخليفة خاصة دون
الولاة أن يحمى على مثل ما حمى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي عرفناه نصا ودلالة فيما
حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حمى لنقيع والنقيع بلد ليس بالواسع الذي إذا حمى ضاقت البلاد
بأهل المواشي حوله حتى يدخل ذلك الضرر على مواشيهم أو أنفسهم كانوا يجدون فيما سواه من البلاد
سعة لأنفسهم ومواشيهم وأن ما سواه مما لا يحمى أوسع منه وأن النجع يمكنهم فيه وأنه لو ترك فكان
48

أوسع عليهم لا يقع موقع ضرر بين عليهم لأنه قليل من كثير غير مجاوز القدر وفيه صلاح لعامة المسلمين
بأن تكون الخيل المعدة لسبيل الله وما فضل من سهمان أهل الصدقات وما فضل من النعم التي تؤخذ
من أهل الجزية ترعى فيه فأما الخيل فقوة لجميع المسلمين وأما نعم الجزية فقوة لأهل الفئ من المسلمين
ومسلك سبل الخير أنها لأهل الفئ المحامين المجاهدين قال: وأما الإبل التي تفضل عن سهمان أهل
الصدقة فيعاد بها على أهل سهمان الصدقة لا يبقى مسلم إلا دخل عليه من هذا صلاح في دينه ونفسه
ومن يلزمه أمره من قريب أو عامة من مستحقي المسلمين فكان ما حمى عن خاصتهم أعظم منفعة
لعامتهم من أهل دينهم وقوة على من خالف دين الله من عدوهم وحمى القليل الذي حمى عن عامة
المسلمين وخواص قراباتهم الذين فرض الله لهم الحق في أموالهم ولم يحم عنهم شيئا ملكوه بحال (قال
الشافعي) وقد حمى من حمى على هذا المعنى وأمر أن يدخل الحمى ماشية من ضعف عن النجعة ممن
حول الحمى ويمنع ماشية من قوى على النجعة فيكون الحمى مع قلة ضرره أعم منفعة من أكثر منه مما
لم يحم وقد حمى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه أرضا لم نعلم رسول الله صلى الله
عليه وسلم حماها وأمر فيها بنحو مما وصفت من أنه ينبغي لمن حمى أن يأمر به (أخبرنا) عبد العزيز بن
محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر استعمل مولى له يقال هنى على الحمى فقال له " يا هنى ضم
جناحك للناس واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مجابة وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة وإياي
ونعم ابن عفان ونعم ابن عوف فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع وإن رب الغنيمة
والصريمة يأتي بعياله فيقول يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبالك فالماء والكلأ أهون على من الدراهم
والدنانير وأيم الله لعلى ذلك إنهم ليرون أنى قد ظلمتهم إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا
عليها في الاسلام، ولولا المال الذي احمل عليه في سبيل الله ما حميت على المسلمين من بلادهم
شبرا " (قال الشافعي) في معنى قول عمر " إنهم يروني انى قد ظلمتهم إنها لبلادهم قاتلوا عليها في
الجاهلية، وأسلموا عليها في الاسلام إنهم يقولون إن منعت لاحد من أحد فمن قاتل عليها وأسلم أولى
أن تمنع له " وهذا كما قال لو كانت تمنع لخاصة فلما كان لعامة لم يكن في هذا إن شاء الله مظلمة،
وقول عمر " لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت على المسلمين من بلادهم شبرا إني لم
أحمها لنفسي ولا لخاصتي وإني حميتها لمال الله الذي أحمل عليه في سبيل الله وكانت من أكثر ما
عنده مما يحتاج إلى الحمى فنسب الحمى إليها لكثرتها وقد أدخل الحمى خيل الغزاة في سبيل الله " فلم
يكن ما حمى ليحمل عليه أولى بما عنده من الحمى مما تركه أهله ويحملون عليها في سبيل الله لأن كلا
لتعزيز الاسلام وأدخل فيها إبل الضوال لأنها قليل لعوام من أهل البلدان وأدخل فيها ما فضل من
سهمان أهل الصدقة من إبل الصدقة وهم عوام من المسلمين يحتاجون إلى ما جعل مع إدخاله من ضعف
عن النجعة ممن قل ماله وفى تماسك أموالهم عليهم غنى عن أن يدخلوا على أهل الفئ من المسلمين
وكل هذا وجه عام النفع للمسلمين (قال الشافعي) أخبرني عمى محمد بن علي عن الثقة أحسبه محمد
بن علي بن حسين أو غيره عن مولى لعثمان بن عفان رضي الله عنه قال: بينا أنا مع عثمان في ماله
بالعالية في يوم صائف إذ رأى رجلا يسوق بكرين وعلى الأرض مثل الفراش من الحر فقال ما على هذا
لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح ثم دنا الرجل فقال انظر من هذا فقلت أنا رجلا معمما بردائه يسوق
بكرين ثم دنا الرجل فقال انظر فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقلت هذا أمير المؤمنين فقام عثمان
فأخرج رأسه من الباب فأداه لفح السموم فأعاد رأسه حتى حاذاه فقال ما أخرجك هذه الساعة؟
49

فقال بكران من إبل الصدقة تخلفا وقد مضى بإبل الصدقة فأردت أن الحقهما بالحمى وخشيت أن
يضيعا فيسألني الله عنهما فقال عثمان يا أمير المؤمنين هلم إلى الماء والظل وتكفيك فقال عد إلى ظلك
فقلت عندنا من يكفيك فقال عد إلى ظلك فمضى فقال عثمان " من أحب أن ينظر إلى القوى الأمين
فلينظر إلى هذا " فعاد إلينا فألقى نفسه (قال الشافعي) في حكاية قول عمر لعثمان في البكرين اللذين
تخلفا وقول عثمان " من أحب أن ينظر إلى لقوى الأمين فلينظر إلى هذا " (أخبرنا) مالك عن ابن شهاب
يعنى بما حكاه عن عمر وعثمان (قال الشافعي) وإن كان للخليفة مال يحمل عليه في سبيل الله من إبل
وخيل فلا بأس أن يدخلها الحمى وإن كان منها مال لنفسه فلا يدخلها الحمى فإنه إن يفعل ظلم لأنه
منع منه وأدخل لنفسه وهو من أهل القوة (قال الشافعي) وهكذا من كان له مال يحمل عليه في سبيل
الله دون الخليفة قال ومن سأل الوالي أن يقطعه في الحمى موضعا يعمره فإن كان حمى النبي صلى الله
عليه وسلم لم يكن إلا منعه إياه وأن عمر أبطل عمارته وكان كمن عمر فيما ليس له أن يعمر فيه وإن كان
حمى أحدث بعده فكان يرى الحمى حقا كان له منعه ذلك وإن أراد العمارة كان له منعه العمارة وإن
سبق فعمر لم يبن لي أن تبطل عمارته والله تعالى أعلم. ويحتمل إذا جعل الحمى حقا وكان هو في معنى ما
حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه حمى لمثل ما حماه له أن يبطل عمارته، وإن أذن له الوالي
بعمارة لم يكن له إبطال عمارته لأن إذنه له إخراج له من الحمى وقد يجوز أن يخرج ما أحدث حماه من
الحمى ويحمى غيره إذا كان غير ضرر على من حماه عليه، وليس للوالي بحال أن يحمى من الأرض إلا
أقلها، وقد يوسع الحمى حتى يقع موقعا ويبين ضرره على من حمى عليه، وما أحدث من حمى
فرعاه أحد لم يكن عليه في رعيته شئ أكثر من أن يمنع رعيته، فأما غرم أو عقوبة فلا أعلمه عليه.
تشديد أن لا يحمى أحد على أحد
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال " من منع فضول الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته يوم القيامة " (قال الشافعي)
ففي هذا الحديث ما دل على أنه ليس لأحد أن يمنع فضل مائه وإنما يمنع فضل رحمة الله بمعصية الله
فلما كان منع فضل الماء معصية لم يكن لاحد منع فضل الماء، وفى هذا الحديث دلالة على أن مالك
الماء أولى أن يشرب به ويسقى وأنه إنما يعطى فضله عما يحتاج إليه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: " من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته " وفضل الماء الفضل عن حاجة مالك
الماء (قال الشافعي) وهذا أوضح حديث روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الماء، وأشبه معنى
لأن مالكا روى عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا
يمنع نفع البئر (قال الشافعي) فكان هذا جملة ندب المسلمون إليها في الماء، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه
أصحها وأبينها معنى (قال الشافعي) وكل ماء ببادية يزيد في عين أو بئر أو غيل أو نهر بلغ مالكه
منه حاجته لنفسه وماشيته وزرع إن كان له فليس له منع فضله عن حاجته من أحد يشرب أو يسقى ذا
روح خاصة دون الزرع وليس لغيره أن يسقى منه زرعا ولا شجرا إلا أن يتطوع بذلك مالك الماء، وإذا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته " ففي هذا
50

دلالة إذا كان الكلأ شيئا من رحمة الله أن رحمة الله رزقه خلقه عامة للمسلمين وليس لواحد منهم أن
يمنعها من أحد إلا بمعنى ما وصفنا من السنة والأثر الذي في معنى السنة وفى منع الماء ليمنع به الكلأ
الذي هو من رحمة الله عام يحتمل معنيين أحدهما أن ما كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل وكذلك
ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله تعالى (قال الشافعي) فإن كان هذا هكذا ففي هذا ما يثبت أن
الذرائع إلى الحلال والحرام تشبه معاني الحلال والحرام ويحتمل أن يكون منع الماء إنما يحرم لأنه في
معنى تلف على ما لا غنى به لذوي الأرواح والآدميين وغيرهم فإذا منعوا فضل الماء منعوا فضل الكلأ،
والمعنى الأول أشبه والله أعلم فلو أن جماعة كان لهم مياه ببادية فسقوا بها واستقوا، وفضل منها شئ
فجاء من لا ماء له يطلب أن يشرب أو يسقى إلى واحد منهم دون واحد لم يجز لمن معه فضل من الماء
وإن قل منعه إياه إن كان في عين أو بئر أو نهر أو غيل لأنه فضل ماء يزيد ويستخلف، وإن كان الماء
في سقاء أو جرة أو وعاء ما كان، فهو مختلف للماء الذي يستخلف فلصاحبه منعه وهو كطعامه إلا أن
يضطر إليه مسلم والضرورة أن يكون لا يجد غيره بشراء أو يجد بشراء، ولا يجد ثمنا فلا يسع عندي والله
أعلم منعه لأن في منعه تلفا له وقد وجدت السنة توجب الضيافة بالبادية والماء أعز فقدا وأقرب من أن
يتلف من منعه وأخف مؤنة على من أخذ منه من الطعام فلا أرى من منع الماء في هذه الحال إلا آثما إذا
كان معه فضل من ماء في وعاء فأما من وجد غنى عن الماء بماء غير ماء صاحب الوعاء فأرجو أن لا
يخرج من منعه.
إقطاع الوالي
(قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال: لما قدم
رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أقطع الناس الدور فقال حي من بنى زهرة يقال لهم بنو عبد بن
زهرة نكب عنا ابن أم عبد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلم ابتعثني الله إذا؟ إن الله لا يقدس
أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه " (قال الشافعي) في هذا الحديث دلائل: منها أن حقا على الوالي
إقطاع من سأله القطيع من المسلمين لأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله لا يقدس أمة لا
يؤخذ للضعيف فيهم حقه " دلالة أن (1) لمن سأله الاقطاع أن يؤخذ للضعيف فيهم حقه وغيره ودلالة
على أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الناس بالمدينة وذلك بين ظهراني عمارة الأنصار من المنازل
والنخل فلم يكن لهم بالعامر منع غير العامر ولو كان لهم لم يقطعه الناس وفى هذا دلالة على أن ما قارب
العامر وكان بين ظهرانيه وما لم يقارب من الموات سواء في أنه لا مالك له فعلى السلطان إقطاعه ممن
سأله من المسلمين (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن هشام عن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أقطع الزبير أرضا وأن عمر بن الخطاب أقطع العقيق أجمع وقال أين المستقطعون؟ (قال
الشافعي) والعقيق قريب من المدينة وقوله " أين المستقطعون نقطعهم " وإنما أقطع رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثم عمر ومن أقطع ما لا يملكه أحد يعرف من الموات وفى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
" من أحيا مواتا فهو له " دليل على أن من أحيا مواتا كان له كما يكون له إن أقطعه واتباع في أن يملك

(1) قوله دلالة: أن لمن سأله الاقطاع كذا بالأصول التي عندنا، وتأمل. كتبه مصححه.
51

من أحيا الموات ما أحيا كاتباع أمره في أن يقطع الموات من يحييه لا فرق بينهما، ولا يجوز أن يقطع
الموات من يحييه ولا مالك له، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحيا مواتا فهو له " فعطية
رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة لمن أحيا الموات فمن أحيا الموات فبعطية رسول الله صلى الله عليه
وسلم أحياه، وعطيته في الجملة أثبت من عطية من بعده في النص والجملة، وقد روى عن عمر مثل
هذا المعنى لا يخالفه.
باب الركاز يوجد في بلاد المسلمين
(قال الشافعي) رحمه الله: الركاز دفن الجاهلية أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن عبيد الله
بن عبد الله عن ابن عباس عن المصعب بن جثامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا حمى إلا لله
ورسوله " (قال الشافعي) فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حمى إلا لله ورسوله " لم يكن
لاحد أن ينزل بلدا غير معمور فيمنع منه شيئا يرعاه دون غيره وذلك أن البلاد لله عز وجل لا مالك لها
من الآدميين وإنما سلط الله الآدميين على منع مالهم خاصة لا منع ما ليس لأحد بعينه وقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم " لا حمى إلا لله ولرسوله " أن لا حمى إلا حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في
صلاح المسلمين الذين هم شركاء في بلاد الله ليس أنه حمى لنفسه دونهم ولولاة الامر بعد رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن يحموا من الأرض شيئا لمن يحتاج إلى الحمى من المسلمين، وليس لهم أن يحموا
شيئا لأنفسهم دون غيرهم (قال الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل مولى له يقال له هنى على الحمى (قال الشافعي) وقول عمر
إنهم ليرون أنى قد ظلمتهم يقول يذهب رأيهم أنى حميت بلادا غير معمورة لنعم الصدقة ولنعم الفئ
وأمرت بإدخال أهل الحاجة الحمى دون أهل القوة على المرعى في غير الحمى إلى أنى قد ظلمتهم (قال
الشافعي) ولم يظلمهم عمر رضي الله عنه وإن رأوا ذلك، بل حمى على معنى ما حمى عليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم لأهل الحاجة دون أهل الغنى وجعل الحمى حوزا لهم خالصا كما يكون ما عمر
الرجل له خالصا دون غيره وقد كان مباحا قبل عمارته فكذلك الحمى لمن حمى له من أهل الحاجة وقد
كان مباحا قبل يحمى. قال وبيان ذلك في قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لولا المال الذي أحمل
عليه في سبيل الله ما حميت على المسلمين من بلادهم شبرا أنه لم يحم إلا لما يحمل عليه (1) لمن يحتاج
إلى الحمى من المسلمين أن يحموا ورأي إدخال الضعيف حقا له دون القوى فكل ما لم يعمر من الأرض
فلا يحال بينه وبين المسلمين أن ينزلوا ويرعوا فيه حيث شاءوا إلا ما حمى الوالي لمصلحة عوام المسلمين
فجعله لما يحمل عليه في سبيل الله من نعم الجزية وما يفضل من نعم الصدقة فيعده لمن يحتاج إليه من
أهلها، وما يصير إليه من ضوال المسلمين وماشية أهل الضعف دون أهل القوة (قال الشافعي) وكل
هذا عام المنفعة بوجوه لأن من حمل في سبيل الله فذلك لجماعة المسلمين ومن أرصد له أن يعطى من
ماشية الصدقة فذلك لجماعة ضعفاء المسلمين، وكذلك من ضعف من المسلمين فرعيت له ماشيته

(1) قوله: لمن يحتاج إلى الحمى الخ، كذا بالأصول ولعل الصواب " فليس لمن يحتاج الخ " وحرر اه‍
مصححه.
52

فذلك لجماعة ضعفاء المسلمين وأمر عمر رضي الله عنه أن لا يدخل نعم ابن عفان وابن عوف لقوتهما في
أموالهما وإنهما لو هلكت ماشيتهما لم يكونا ممن يصير كلا على المسلمين فكذلك يصنع بمن له غنى غير
الماشية.
الأحباس
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال جميع ما يعط الناس من أموالهم
ثلاثة وجوه.
ثم يتشعب كل وجه منها، والعطايا منها في الحياة وجهان، وبعد الوفاة واحد:
فالوجهان من العطايا في الحياة مفترقا الأصل والفرع، فأحدهما يتم بكلام المعطى والآخر يتم بأمرين،
بكلام المعطى وقبض المعطى أو قبض من يكون قبضه له قبضا (قال الشافعي) والعطايا التي تتم بكلام
المعطى دون أن يقبضها المعطى ما كان إذا خرج به الكلام من المعطى له جائزا على ما أعطى لم يكن
للمعطى أن يملك ما خرج منه فيه الكلام بوجه أبدا وهذه العطية الصدقات المحرمات الموقوفات على
قوم بأعيانهم أو قوم موصوفين وما كان في معنى هذه العطايا مما سبل محبوسا على قوم موصوفين وإن لم
يسم ذلك محرما فهو محرم باسم الحبس (قال الشافعي) فإذا أشهد الرجل على نفسه بعطية من هذه
فهي جائزة لمن أعطاها، قبضها أو لم يقبضها، ومتى قام عليه أخذها من يدي معطيها وليس لمعطيها
حبسها عنه على حال بل يجبر على دفعها إليه وإن استهلك منها شيئا بعد إشهاده بإعطائها ضمن ما
استهلك كما يضمنه أجنبي لو استهلكه لأنه إذ خرج من ملكه فهو والأجنبي فيما استهلك منه سواء ولو
مات من جعلت هذه الصدقة عليه قبل قبضها وقد أغلت غلة أخذ وارثه حصته من غلتها لأن الميت قد
كان مالكا لما أعطى وإن لم يقبضه كما يكون له غلة أرض لو غصبها أو كانت وديعة في يدي غيره
فجحدها ثم أقر بها وإن لم يكن قبض ذلك ولو مات بها قبل أن يقبضها من تصدق بها عليه لم يكن
لوارثه منها شئ وكانت لمن تصدق بها عليه ولا يجوز أن يقال ترجع موروثة والموروث إنما يورث ما
كان ملكا للميت فإذا لم يكن للمتصدق الميت أن يملك شيئا في حياته ولا بحال أبدا لم يجز أن يملك
الوارث عنه بعد وفاته ما لم يكن له أن يملك في حياته بحال أبدا. قال وفى هذا المعنى العتق. إذا تكلم
الرجل يعتق من يجوز له عتقه ثم العتق ولم يحتج إلى أن يقبله المعتق ولم يكن للمعتق ملكه ولا لغيره
ملك رق يكون له فيه بيع ولا هبة ولا ميراث بحال، والوجه الثاني من العطايا في الحياة ما أخرجه
المالك من يده ملكا تاما لغيره بهبته أو ببيعه ويورث عنه وهذا من العطايا يحل لمن أخرجه من يديه أن
يملكه بوجوه، وذلك أن يرث ممن أعطاه أو يرد عليه المعطى العطية أو يهبها له أو يبيعه إياها وهذا مثل
النحل والهبة والصدقة غير المحرمة ولا التي في معناها بالتسبيل وغيره وهذه العطية تتم بأمرين: إشهاد
من أعطاها وقبضها بأمر من أعطاها والمحرمة والمسبلة تجوز بلا قبض. قيل تقليد الهدى وإشعاره وسياقه
وإيجابه بغير تقليد يكون على مالكه بلاغة البيت ونحره والصدقة فيه بما صنع منه ولم يقبضه من جعل له
وليس كذلك ما تصدق به بغير حبس مما لا يتم إلا بقبض من أعطيها لنفسه أو قبض غيره له ممن قبضه
له قبض وهذا الوجه من العطايا لمعطيه أن يمنعه من أعطاه إياه ما لم يقبضه، ومتى رجع في عطيته
قبل قبض من اعطيه فذلك له وإن مات المعطى قبل يقبض العطية فالمعطي بالخيار إن أحب أن يعطيها
ورثته عطاء مبتدأ لا عطاء موروثا عن المعطى لأن المعطى لم يملكها فعل وذلك أحب إلي له وإن شاء حبسها
53

عنهم وإن مات المعطى قبل يقبضها المعطى فهي لورثة المعطى لأن ملكها لم يتم للمعطى. قال:
والعطية بعد الموت هي الوصية لمن أوصى له في حياته فقال إذا مت فلفلان كذا فله أن يرجع في
الوصية ما لم يمت فإذا مات ملك أهل الوصايا وصاياهم بلا قبض كان من المعطى ولا بعده وليس للورثة أن
يمنعوه الموصى لهم وهو لهم ملكا تاما قال: وأصل ما ذهبنا إليه أن هذا موجود في السنة والآثار أو
فيهما ففرقنا بينه اتباعا وقياسا.
الخلاف في الصدقات المحرمات
(قال الشافعي) رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في الصدقات المحرمات وقال من تصدق بصدقة
محرمة وسبلها فالصدقة باطل وهي ملك للمتصدق في حياته ولوارثه بعد موته قبضها من تصدق بها
عليه أو لم يقبضها وقال لي بعض من يحفظ قول قائل هذا: إنا رددنا لصدقات الموقوفات بأمور قلت له
وما هي؟ فقال قال شريح جاء محمد صلى الله عليه وسلم بإطلاق الحبس فقلت له وتعرف الحبس
التي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها؟ قال لا أعرف حبسا إلا الحبس بالتحريم فهل تعرف
شيئا يقع عليه اسم الحبس غيرها؟ (قال الشافعي) فقلت له أعرف الحبس التي جاء رسول الله صلى
الله عليه وسلم بإطلاقها وهي غير ما ذهبت إليه وهي بينة في كتاب الله عز وجل قال أذكرها قلت قال
الله عز وجل " ما جعل الله من بحيرة وسائبة ولا وصيلة ولا حام " فهذه الحبس التي كان أهل
الجاهلية يحبسونها فأبطل الله شروطهم فيها وأبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبطال الله إياها وهي
أن الرجل كان يقول إذا نتج فحل إبله ثم ألقح فأنتج منه هو حام أي قد حمى ظهره فيحرم ركوبه
ويجعل ذلك شبيها بالعتق له ويقول في البجيرة والوصيلة على معنى يوافق بعض هذا ويقول لعبده أنت
حر سائبة لا يكون لي ولاؤك ولا على عقلك قال فهل قيل في السائبة غير هذا؟ فقلت نعم قيل إنه أيضا
في البهائم قد سيبتك (قال الشافعي) فلما كان العتق لا يقع على البهائم رد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ملك البحيرة والوصيلة والحام إلى مالكه وأثبت العتق وجعل الولاء لمن أعتق السائبة وحكم له بمثل
حكم النسب ولم يحبس أهل الجاهلية علمته دارا ولا أرضا تبررا بحبسها وإنما حبس أهل الاسلام (قال
الشافعي) فالصدقات يلزمها اسم الحبس وليس لك أن تخرج مما لزمه اسم الحبس شيئا إلا بخبر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على ما قلت وقلت أخبرنا سفيان عن عبد الله بن عمر بن حفص
العمرى عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب ملك مائة سهم من خيبر اشتراها فأتى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا رسول الله إني أصبت ما لا لم أصب مثله قط وقد أردت أن أتقرب به
إلى الله عز وجل " فقال " حبس الأصل، وسبل الثمرة " (قال الشافعي) وأخبرني عمر بن حبيب
القاضي عن عبد الله بن عون عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب قال " يا رسول الله إني أصبت
مالا من خيبر لم أصب مالا قط أعجب إلي أو أعظم عندي منه " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" إن شئت حبست أصله وسبلت ثمره " فتصدق به عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم حكى صدقته به
(قال الشافعي) فقال إن كان هذا ثابتا فلا يجوز إلا أن يكون الحبس التي أطلق غير الحبس التي أمر
بحبسها قلت هذا عندنا وعندك ثابت وعندنا أكثر من هذا وإن كانت الحجة تقوم عندنا وعندك بأقل
54

منه قال فكيف أجزت الصدقات المحرمات وإن لم يقبضها من تصدق بها عليه؟ فقلت اتباعا وقياسا
فقال وما الاتباع؟ فقلت له لما سأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماله فأمره أن يحبس أصل
ماله ويسبل ثمره دل ذلك على إجازة الحبس وعلى أن عمر كان يلي حبس صدقته ويسبل ثمرها بأمر
النبي صلى الله عليه وسلم، لا يليها غيره، قال: فقال: أفيحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم
" حبس أصلها وسبل ثمرها " اشترط ذلك؟ قلت نعم والمعنى الأول أظهرهما وعليه من الخبر دلالة
أخرى قال وما هي؟ قلت إذا كان عمر لا يعرف وجه الحبس أفيعلمه حبس الأصل وسبل الثمر ويدع
أن يعلمه أن يخرجها من يديه إلى من يليها عليه ولمن حبسها عليه لأنها لو كانت لا تتم إلا بأن
يخرجها المحبس من يديه إلى من يليها دونه، كان هذا أولى أن يعلمه، لأن الحبس لا يتم إلا به،
ولكنه علمه ما يتم له، ولم يكن في إخراجها من يديه شئ يزيد فيها ولا في إمساكها يليها هو شئ
ينقص صدقته ولم يزل عمر بن الخطاب المتصدق بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يلي فيما بلغنا
صدقته حتى قبضه الله تبارك وتعالى ولم يزل علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلي صدقته بينبع حتى
لقى الله عز وجل ولم تزل فاطمة عليها السلام تلى صدقتها حتى لقيت الله تبارك وتعالى (قال الشافعي)
أخبرنا بذلك أهل العلم من ولد فاطمة وعلى وعمر ومواليهم ولقد حفظنا الصدقات عن عدد كثير من
المهاجرين والأنصار لقد حكى لي عدد كثير من أولادهم وأهليهم أنهم لم يزالوا يلون صدقاتهم حتى
ماتوا ينقل ذلك العامة منهم عن العامة لا يختلفون فيه وإن أكثر ما عندنا بالمدينة ومكة من الصدقات
لكما وصفت لم يزل يتصدق بها المسلمون من السلف يلونها حتى ماتوا وأن نقل الحديث فيها كالتكلف
وإن كنا قد ذكرنا بعضه قبل هذا فإذا كنا إنما أجزنا الصدقات وفيها العلل التي أبطلها صاحبك بها من
قول شريح جاء محمد بإطلاق الحبس بأنه لا يجوز أن يكون مال مملوكا ثم يخرجه مالكه من ملكه إلى
غير مالك له كله إلا بالسنة واتباع الآثار فكيف اتبعناهم في إجازتها وإجازتها أكثر ونترك اتباعهم في أن
يجوزها كما حازوها ولم يولوها أحدا؟ فقال فما الحصة فيه من القياس؟ قلت له لما أجاز رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن يحبس الأصل أصل المال وتسبل الثمرة دل ذلك على أنه أجاز أن يخرجه مالك المال
من ملكه بالشرط إلى أن يصير المال محبوسا لا يكون لمالكه بيعه ولا أن يرجع إليه بحال كما لا يكون لمن
سبل ثمره عليه بيع الأصل ولا ميراثه فكان هذا مالا مخالفا لكل مال سواه لأن كل مال سواه يخرج
من مالكه إلى مالك فالمالك يملك بيعه وهبته ويجوز للمالك الذي أخرجه من ملكه أن يملكه بعد
خروجه من يديه ببيع وهبة وميراث وغير ذلك من وجوه الملك ويجامع المال المحبوس الموقوف العتق
الذي أخرجه مالكه من ماله بشئ جعله الله إلى غير ملك نفسه ولكن ملكه منفعة نفسه بلا ملك
لرقبته كما ملك المحبس من جعل منفعة المال له بغير ملك منه لرقبة المال وكان بإخراجه الملك من يديه
محرما على نفسه أن يملك المال بوجه أبدا كما كان محرما أن يملك العبد بشئ أبدا فاجتمعا في معنيين،
وإن كان العبد مفارقه في أنه لا يملك منفعة نفسه غير نفسة كما يملك منفعة المال مالك وذلك أن المال
لا يكون مالكا إنما يملك الآدميون فلو قال قائل لماله أنت حر لم يكن حرا ولو قال أنت موقوف لم يكن
موقوفا لأنه لم يملك منفعته أحدا وهو إذا قال لعبده أنت حر فقد ملكه منفعة نفسه فقال قد قال فيها
فقهاء المكيين وحكامهم قديما وحديثا وقد علمنا أنهم يقولون قولك، وأبو يوسف حين أجاز الصدقات
قال قولك في أنها تجوز وإن وليها صاحبها حتى يموت واحتج فيها بأنه إنما أجازها اتباعا وأن المتصدقين
بها من السلف ولوها حتى ماتوا ولكنا قد ذهبنا فيها وبعض البصريين إلى أن الرجل إن لم يخرجها من
55

ملكه إلى من يليها دونه في حياته لمن تصدق بها عليه كانت منتقضة وأنزلها منزلة الهبات، وتابعنا
بعض المدنيين فيها وخالفنا في الهبات (قال الشافعي) فقلت له قد حفظنا عن سلفنا ما وصفت وما
أعرف عن أحد من التابعين أنه أبطل صدقة بأن لم يدفعها المتصدق بها إلى وال في حياته وما هذا إلا
شئ أحدثه منهم من لا يكون قوله حجة على أحد وما أدرى لعله سمع قولكم أو قول بعض البصريين
فيه فاتبعه فقال وأنا أقوم بهذا القول عليك قلت له هذا قول تخالفه فكيف تقوم به؟ قال أقوم به لمن
قاله من أصحابنا وأصحابك فأقول إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه نحل عائشة جداد عشرين وسقا
فمرض قبل تقبضه فقال لها لو كنت خزنتيه وقبضتيه كان لك وإنما هو اليوم مال الوارث وإن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه قال " ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا ثم يمسكونها فإن مات أحدهم قال مال
أبى نحلنيه وإن مات ابنه قال مالي وبيدي لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد حتى يكون إن مات
أحق بها " وأنه شكى إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه قول عمر فرأى أن الوالد يجوز لولده ما داموا
صغارا، فأقول إن الصدقات الموقوفات قياسا على هذا ولا أزعم ما تزعمت من أنها مفترقة فقلت له
أفرأيت لو اجتمعت هي والصدقات في معنى واختلفتا في معنيين أو أكثر الجمع بينهما أولى بتأويل أو
التفريق؟ قال بل التفريق فقلت له أفرأيت الهبات كلها والنحل والعطايا سوى الوقف لو تمت لمن أعطيها
ثم ردها على الذي أعطاها أو لم يقبلها منه أو رجعت إليه بميراث أو شراء أو غير ذلك من وجوه الملك
أيحل له أن يملكها؟ قال نعم: قلت ولو تمت لمن اعطيها حل له بيعها وهبتها؟ قال نعم: قلت
أفتجد الوقف إذا تم لمن وقف له يرجع إلى مالكه أبدا بوجه من الوجوه أو يملكه من وقف عليه ملكا
يكون له فيه بيعه وهبته وأن يكون موروثا عنه؟ قال: لا، قلت والوقوف خارجة من ملك مالكها
بكل حال ومملوكة المنفعة لمن وقفت عليه غير مملوكة الأصل؟ قال نعم: قلت أفترى العطايا تشبه
الوقوف في معنى واحد من معانيها؟ قال في أنها لا تجوز إلا مقبوضة: قلت كذلك. قلت أنت فأراك
جعلت قولك أصلا قال قسته على ما ذكرت إن خالف بعض أحكامه: قلت فكيف يجوز أن يقاس
الشئ بخلافه وهي مخالفة ما ذكرت من العطايا غيرها؟ أو رأيت لو قال لك قائل أراك تسلك بالعطايا
كلها مسلكا واحدا فأزعم أن الرجل إذا أوجب الهدى على نفسه بكلام أو ساقه أو قلده أو أشعره كان
له أن يبيعه ويهبه ويرجع لأنه لمساكين الحرم ولم يقبضوه أله ذلك؟ قال: لا. قلت وأنت تقول لو دفع
رجل إلى وال مالا يحمل به في سبيل الله أو يتصدق به متطوعا لم يكن له أن يخرجه من يدي الوالي بل
يدفعه؟ قال نعم قال ما العطايا بوجه واحد قلت فعمدت إلى ما دلت عليه السنة وجاءت الآثار
بإجازته من الصدقات المحرمات فجعلته قياسا على ما يخالفه وامتنعت من أن تقيس عليه ما هو أقرب
منه مما لا أصل فيه تفرق بينه وبينه. قال: وقلت له لو قال لك قائل أنا أزعم أن الوصية لا تجوز إلا
مقبوضة. قال وكيف تكون الوصية مقبوضة؟ قلت بأن يدفعها الموصى إلى الموصى له ويجعلها له بعد
موته فإن مات جازت وإن لم يدفعها لم تجز كما أعتق رجل مماليك له فأنزلها النبي صلى الله عليه وسلم
وصية، وكما يهب في المرض فيكون وصية قال ليس ذلك له. قلت: فإن قال لك ولم؟ قال أقول
لأن الوصايا مخالفة للعطايا في الصحة قلت: فاذكر من قال لك يجوز بغير ما وصفنا من السلف. قال
ما أحفظه عن السلف وما أعلم فيه اختلافا: قلنا فبان لك أن المسلمين فرقوا بين العطايا! قال ما
وجدوا بدا من التفريق بينهما. قلت: والوصايا بالعطايا أشبه من الوقف بالعطايا فإن الموصى أن
يرجع في وصيته بعد الاشهاد عليها ويرجع في ماله إن مات من أوصى له بها أو ردها فكيف باينت بين
56

العطايا والوصايا سواها وامتنعت من المباينة بين الوقف والعطايا سواه وأنت تفرق بين العطايا سواه فرقا
بينا فنقول في العمرى هي لصاحبها لا ترجع إلى الذي أعطاها ولا تقول هذا في العارية ولا العطية غير
العمرى، قال بالسنة. قلت: وإذا جاءت السنة اتبعتها؟ قال فذلك يلزمني. قلت: فقد وصفت،
لك في الوقف السنة والخبر العام عن الصحابة ولم تتبعه، وقلت له أرأيت النحل والهبة والعطايا غير
الوقف ألصاحبها أن يرجع فيها ما لم يقبضها من جعلها له؟ قال نعم: قلت: فمن تقويت به فمن
قال قولك من أصحابنا يقول لا يرجع فيها وإن مات قبل يقبضها من أعطيها رجعت ميراثا يكون في
ذلك الوقف فيسوى بين قوليه، قال فهذا قول لا يستقيم ولا يجوز فيه إلا واحد من قولين إما أن يكون
كما قلت إذا تكلم بالوقف أو العطية تمت لمن جعلها له وجبر على إعطائها إياه، وإما أن يكون لا يتم
إلا بالقبض مع العطايا فيكون له أن يرجع ما لم تتم بقبض من أعطيها ولا يجوز أبدا أن يكون له حبسها
إذا تكلم بإعطائها ولا يكون لوارثه ملكها عنه إذا لم ترجع في حياته إلى ملكه لم ترجع في وفاته إلى
ملكه فتكون موروثة عنه. وهذا قول محال وكل ما وهبت لك فلى الرجوع فيه ما لم تقبضه أو يقبض
لك وهذا مثل أن أقول قد بعتك عبدي بألف فإن قلت قد رجعت قبل تختار اخذه كان لي الرجوع
وكل أمر لا يتم إلا بأمرين لم يجز أن يملك بواحد. فقلت هذا كما قلت إن شاء الله ولكن رأيتك ذهبت
إلى رد الصدقات قال ما عندي فيها أكثر مما وصفت فهل لك فيها حجة غير ما ذكرت مما لزمك به
عندنا إثبات الصدقات؟ قال ما عندي فيها أكثر مما وصفت (قال الشافعي) رحمه الله قلت ففيما
وصفت أن صدقات المهاجرين والأنصار بالمدينة معروفة قائمة وقد ورث المهاجرين والأنصار النساء
الغرائب والأولاد ذوو الدين والاهلاك لأموالهم والحاجة إلى بيعه فمنعهم الحكام في كل دهر إلى اليوم
فكيف أنكرت إجازتها مع عموم العلم؟ وأنت تقول لو أخرج رجل بيتا من داره فبناه مسجدا وأذن فيه
لمن صلى ولم يتكلم بوقفه كان وقفا للمصلين ولم يكن له أن يعود في ملكه إذا أذن للمصلين فيه وفى
قولك هذا أنه لم يخرجه من ملكه ولو كان إذنه في الصلاة إخراجه من ملكه كان إخراجه إلى غير
مالك بعينه فكان مثل الحبس الذي يلزمك إطلاقها لحديث شريح فعمدت إلى ما جاءت به السنة من
الوقف في الأموال والدور وما أخرجه مالكه من ملك نفسه فأبطلته بعلة وأجزت المسجد بلا خبر من
أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاوزت القصد فيه فأخرجته من ملك صاحبه
ولم يخرجه صاحبه من ملكه إنما يخرجه بالكلام وأنت تعيب على المدنيين أن يقضوا بحيازة عشرة
وعشرين سنة إذا حاز الرجل الدار والمحوز عليه حاضر يراه يبنيها ويهدمها وهو يبيع المنازل لا يكلمه
فيها. وقلت الصمت والحوز لا يبطل الحق إنما يبطله القول وتجعل إذن صاحب المسجد وهو لم
ينطق بوقفه وقفا فتزكن عليه وتعيب ما هو أقوى في الحجة من قول المدنيين في الحيازة من قولك في
المسجد وتقول هذا وهو إزكان وقلت له أرأيت لو أذن في داره للحاج أن ينزلوها سنة أو سنتين: أتكون
صدقة عليهم. قال لا وله منعهم متى شاء من النزول فيها، قلت: فكيف لم تقل هذا في المسجد
يخرجه من الدار ولا يتكلم بوقفه. فقال إن صاحبينا قد عابا قول صاحبهم وصارا إلى قولكم في إجازة
الصدقات، فقلت له ما زاد قولنا قوة بنزوعهما إليه ولا ضعفا بفراقهما حين فارقاه ولهما بالرجوع إليه
أسعد، وما علمتهما أفادا حين رجعا إليه علما كانا يجهلانه، قال ولكن قد يصح عندهما الشئ بعد
أن لم يصح، فقلت الله أعلم كيف كان رجوعهما ومقامهما والرجوع بكل حال خير لهما إن شاء الله وقلت
له أيجوز لعالم أن يأتيه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر منصوص فيقول به وإن عارضه
57

معارض بخبر غير منصوص فيقول به ثم يأتي مثله فلا يقبله ويصرف أصلا إلى أصل؟ قال لا، قلت
فقد فعلت وصرف الصدقات إلى النحل وهما مفترقان عندك، وقلت له أيجوز أن يأتيك الحديث عن
بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقات بأمر يدل على أنهم تصدقوا بها وولوها وهم لا
يفعلون إلا الجائز عندهم ثم يقولون في النحل عندهم إنما تكون بأن تكون مقبوضات فتقول اجعلوا
الصدقات مثله، قال لا: قلت فقد فعلت: قال فلو كان هذا مأثورا عندهم عرفه الحجازيون،
فقلت قد ذكرت لك بعض ما حضرني من الاخبار على الدلالة عليه وأنه قول المكيين ولا أعلم من
متقدمي المدنيين أحدا قال بخلافه (قال الشافعي) ووصفت لك أهل أن أهل هذه الصدقات من آل
على وغيرهم قد ذكروا ما وصفت من أن عليا رضي الله عنه ومن تصدق لم يزل يلي صدقته وصدقاتهم
فيه جارية ثم ثبتت قائمة مشهورة القسم والموضع إلى اليوم وهذا أقوى من خبر الخاصة، فقال فما تقول
في الرجل يتصدق على ابنه أو ذي رحمه أو أجنبي بصدقة غير محرمة ولا في سبيل المحرمة بالتسبيل
أيكون له ما لم يقبضها المتصدق عليه أن يرجع فيها؟ قلت نعم: قال وسبيلها سبيل الهبات والنحل؟
قلت نعم، قال فأين هذا لي؟ قلت معنى تصدقت عليك متطوعا معنى وهبت لك ونحلتك لأنه إنما هو
شئ من مالي لم يلزمني أن أعطيكه ولا غيرك أعطيتك متطوعا وهو يقع عليه اسم صدقة ونحل وهبة
وصلة وإمتاع ومعروف وغير ذلك من أسماء العطايا وليس يحرم على لو أعطيتكه فرددته على أن أملكه
ولو مت أن أرثه كما يحرم على لو تصدقت عليك بصدقة محرمة أن املكها عنك بميراث أو غيره وقد لزمها
اسم صدقة بوجه أبدا؟ قلت له نعم أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي بكر بن محمد
بن عمرو بن حزم أن عبد الله بن زيد الأنصاري ذكر الحديث (قال الشافعي) وأخبرنا الثقة أو سمعت
مروان بن معاوية عن عبد الله بن عطاء المديني عن ابن بريدة الأسلمي عن أبيه أن رجلا سأل النبي
صلى الله عليه وسلم فقال إني تصدقت على أمي بعبد وإنها ماتت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" قد وجبت صدقتك وهو لك بميراثك " قال فلم جعلت ما تصدق به غير واجب عليه على أحد بعينه
في معنى الهبات تحل لمن لا تحل له الصدقة الواجبة فهل من دليل على ما وصفت؟ قلت نعم أخبرني
محمد بن علي بن شافع قال أخبرني عبد الله بن حسن بن حسين عن غير واحد من أهل بيته وأحسبه قال
زيد بن علي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقت بمالها علي بني هاشم وبني المطلب
وأن عليا رضي الله عنه تصدق عليهم وأدخل معهم غيرهم (قال الشافعي) وأخرج إلى والى المدينة
صدقة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخبرني أنه أخذها من آل أبي رافع وأنها كانت عندهم فأمر
بها فقرئت على فإذا فيها تصدق بها علي رضي الله عنه علي بني هاشم وبني المطلب وسمى معهم
غيرهم، قال وبنو هاشم وبنو المطلب تحرم عليهم الصدقة المفروضة ولم يسم على ولا فاطمة منهم غنيا
ولا فقيرا وفيهم غنى (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم عن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان
يشرب من سقايات كان يضعها الناس بين مكة والمدينة فقلت أو قيل له؟ فقال إنما حرمت علينا
الصدقة المفروضة (قال الشافعي) فقال أفتجيز أن يتصدق الرجل على الهاشمي والمطلبي والغنى منهم
ومن غيرهم متطوعا؟ فقلت نعم استدلالا بما وصفت وأن الصدقة تطوعا إنما هي عطاء ولا بأس أن
يعطى الغنى تطوعا قال فهل تجد أنه يجوز أن يعطى الغنى؟ فقلت ما للمسألة من هذا موضع وما بأس
أن يعطى الغنى قال فاذكر فيه حجة قلت أخبرنا سفيان عن معمر عن الزهري عن السائب ابن يزيد
عن حويطب بن عبد العزى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال استعملني قال فهل تحرم الصدقة
58

تطوعا على أحد؟ فقلت لا إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأخذها ويأخذ الهدية وقد يجوز
تركه إياها على ما رفعه الله به وأبانه من خلقه تحريما ويجوز لغير ذلك لأن معنى الصدقات من العطايا
هبة لا يراد ثوابها ومعنى الهدية يراد ثوابها قال: أفتجد دليلا على قبوله الهدية؟ فقلت: نعم، أخبرنيه
مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
دخل فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت فقال " ألم أر برمة لحم " فقالوا ذلك شئ تصدق به على بريرة
فقال " هو لها صدقة وهو لنا هدية " فقال ما الذي يجوز أن يكون صدقة محرمة؟ قلت كل ما كان
الشهود يسمونه بحدود من الأرضين والدور معمورها وغير معمورها والرقيق فقال أما الأرضون والدور
فهي صدقات من مضى فكيف أجزت الرقيق وأصحابنا لا يجيزون الصدقة بالرقيق إلا أن يكونوا في
الأرض المتصدق؟ بها فقلت له تصدق السلف بالدور والنخل ولعل في النخل زرعا أفرأيت إن قال
قائل لا أجيز الصدقة بحمام ولا مقبرة لأنهما مخالفان للدور وأراضي النخل والزرع هل الحجة عليه إلا أن
يقال إذا كان السلف تصدقوا بدور وأراضي نخل وزرع فكان ذلك إنما يعرف بالحدود وقد تتغير وكذلك
الحمام والمقبرة يعرفان بحد وإن تغيرا قال هذه حجة عليه قال فإذا كانوا يعرفون العبيد بأعيانهم أتجدهم
في معرفة الشهود بهم في معنى الأرضين والنخل أو أكثر بأنهم إذا عرفوا بأعيانهم كانوا كأرض تعرف
حدودها؟ قال إنهم لقريب مما وصفت قلت فكيف أبطلت الصدقة المحرمة فيهم؟ قال قد يهلكون
ويأبقون وتنقطع منفعتهم قلت فكل هذا يدخل الأرض والشجر قد تخرب الأرض بذهاب الماء ويأتي
عليها السيل فيذهب بها وتنهدم الدار ويذهب بها السيل فما كانت قائمة فهي موقوفة ولا جناية لنا فيما أتى
عليها من قضاء الله عز وجل قلت وكذلك العبد لا جناية لنا في ذهابه ولا نقصه (قال الشافعي) وكل
ما عرف بعينه وقطع عليه الشهود مثل الإبل والبقر والغنم أنه صدقة محرمة جازت الصدقة في الماشية قال
وتتم الصدقات المحرمات أن يتصدق بها مالكها على قوم معروفين بأعيانهم وأنسابهم وصفاتهم ويجمع
في ذلك أن يقول المتصدق بها تصدقت بداري هذه على قوم أو رجل معروف بعينه يوم تصدق بها أو
صفته أو نسبه حتى يكون إنما أخرجها من ملكه لمالك ملكه منفعتها يوم أخرجها ويكون مع ذلك أن
يقول صدقة لا تباع ولا توهب أو يقول لا تورث أو يقول غير موروثة أو يقول صدقة محرمة أو يقول
صدقة مؤبدة فإذا كان واحد من هذا فقد حرمت الصدقة فلا تعود ميراثا أبدا وإن قال صدقة محرمة
على من لم يكن بعد بعينه ولا نسبه ثم علي بنى فلان أو قال صدقة محرمة على من كان بعدي بعينه
فالصدقة منفسخة ولا يجوز أن يخرجها من ملكه إلا إلى مالك منفعة له فيها يوم يخرجها إليه وإذا
انفسخت عادت في ملك صاحبها كما كانت قبل يتصدق بها ولو تصدق بداره صدقة محرمة على رجل
بعينه أو قوم بأعيانهم ولم يسلبها على من بعدهم كانت محرمة أبدا فإذا انقرض الرجل المتصدق بها عليه
أو القوم المتصدق بها عليهم كانت هذه صدقة محرمة بحالها أبدا ورددناها على أقرب الناس بالرجل
الذي تصدق بها يوم ترجع الصدقة إنما تصير غير راجعة موروثة بواحد مما وصفنا أو ما كان في معناه
وإنما فسخناها إذا تصدق بها فكانت حين عقدت صدقة لا مالك لمنفعتها لأنه لا يجوز أن تخرج من
مالك إلى غير مالك منفعة لأنها لا تملك منفعة نفسها كما يملك العبد منفعة نفسه بالعتق ولا يزول عنها
الملك إلا إلى مالك منفعة فيها فأما إذا لم يقل في صدقته محرمة أو بعض ما قلنا مما هو في معنى تحريمها
من شرط المتصدق فالصدقة كالهبات تملك بما تملك به الأموال غير المحرمات وكالعمرى أو غيرها من
العطايا، وسواء في الصدقات المحرمات يوم يتصدق بها إلى مالك يملك منفعتها سبلت بعده أو لم تسبل
59

أو دفعت إليه أو إلى غير المتصدق أو لم تدفع كل ذلك يحرم بيعها بكل حال وسواء في الصدقات كل ما
جازت فيه الصدقات المحرمات من أرض ودار وغيرهما وعلى ما شرط المتصدق لمن تصدق بها عليه من
منفعتها فإن شرط ان لبعضهم على بعض الأثرة بالتقدمة أو الزيادة من المنفعة فذلك على ما اشترط فإن
شرطها عليهم بأسمائهم وأنسابهم فسواء كانوا أغنياء أو فقراء فإن قال الأحوج منهم فالأحوج كانت على
ما شرط لا يعدى بها شرطه وإن شرطها على جماعة رجال ونساء تخرج النساء منها إذا تزوجن ويرجعن
إليها بالفراق وموت الأزواج كانت على ما شرط وكذلك إن شرط بأن يخرج الرجال منها بالغين
ويدخلوا صغارا أو يخرجوا أغنياء ويدخلوا فقراء أو يخرجوا غيبا عن البلد الذي به الصدقة ويدخلوا
حضورا كيفما شرط أن يكون ذلك كان إذا بقي لمنفعتها مالك سوى من أخرجه منها.
الخلاف في الحبس وهي الصدقات الموقوفات (1)
(قال الشافعي) رحمه الله: وخالفنا بعض الناس في الصدقات الموقوفات فقال لا تجوز بحال قال
وقال شريح جاء محمد صلى الله عليه وسلم بإطلاق الحبس قال وقال شريح لا حبس عن فرائض الله
تعالى (قال الشافعي) والحبس التي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها والله أعلم ما وصفنا من
البحيرة والوصيلة والحام والسائبة إن كانت من البهائم فإن قال قائل ما دل على ما وصفت؟ قيل ما
علمنا جاهليا حبس دارا على ولد ولا في سبيل الله ولا على مساكين وحبسهم كانت ما وصفنا من البحيرة
والسائبة والوصيلة والحام فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها والله أعلم وكان بينا في كتاب الله
عز وجل إطلاقها فإن قال قائل فهو يحتمل ما وصفت ويحتمل إطلاق كل حبس فهل من خبر يدل على
أن هذا الحبس في الدور والأموال خارجة من الحبس المطلقة؟ قيل نعم أخبرنا سفيان عن عبد الله بن
عمر عن ابن عمر قال جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله " إني أصبت مالا لم
أصب مثله قط وقد أردت أن أتقرب به إلى الله عز وجل " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حبس
أصله وسبل ثمرته " (قال الشافعي) وحجة الذي أبطل الصدقات الموقوفات أن شريحا قال لا حبس عن
فرائض الله تعالى لا حجة فيها عندنا ولا عنده لأنه يقول قول شريح على الانفراد لا يكون حجة ولو
كان حجة لم يكن في هذا حبس عن فرائض الله عز وجل فإن قال وكيف؟ قيل إنما أجزنا الصدقات
الموقوفات إذا كان المتصدق بها صحيحا فارغة من المال فإن كان مريضا لم نجزها إلا من الثلث إذا مات
من مرضه ذلك وليس في واحدة من الحالين حبس عن فرائض الله تعالى فإن قال قائل وإذا حبسها
صحيحا ثم مات لم تورث عنه قيل فهو أخرجها وهو مالك لجميع ماله يصنع فيه ما يشاء ويجوز له أن
يخرجها لأكثر من هذا عندنا وعندك أرأيت لو وهبها لأجنبي أو باعه إياها فحاباه أيجوز؟ فإن قال نعم
قال فإذا فعل ثم مات أتورث عنه؟ فإن قال لا قيل فهذا قرار من فرائض الله تعالى فإن قال لا لأنه
أعطى وهو يملك وقبل وقوع فرائض الله تعالى قيل وهكذا الصدقة تصدق بها صحيحا قبل وقوع

(1) قال السراج البلقيني في نسخته ما نصه " وترجم) يعنى الربيع بعد ترجمة السائبة عقيب الخلاف في
النذور في غير طاعة الله. الخلاف في الحبس الخ " اه‍ كتبه مصححه
60

فرائض الله تعالى وقولك لا حبس عن فرائض الله تعالى محال لأنه فعله قبل أن تكون فرائض الله في
الميراث لأن الفرائض إنما تكون بعد موت المالك وفى المرض (قال الشافعي) وحجة الذي صار إليه من
أبطل الصدقات أن قال إنها في معنى البحيرة والوصيلة والحام لأن سيدها أخرجها من ملكه إلى غير
مالك قيل له قد أخرجها إلى مالك يملك منفعتها بأمر جعله لله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
والبحيرة والوصيلة والحام لم تخرج رقبته ولا منفعته إلى مالك فهما متباينان فكيف تقيس أحدهما بالآخر؟
(قال الشافعي) والذي يقول هذا القول يزعم أن الرجل إذا تصدق بمسجد له جاز ذلك ولم يعد في
ملكه وكان صدقة موقوفا على من صلى فيه فإذا قيل له فهل أخرجه إلى مالك يملك منه ما كان مالكه
يملك؟ قال لا ولكن ملك من صلى فيه الصلاة وجعله لله تبارك وتعالى فلو لم يكن عليه حجة بخلاف
السنة إلا ما أجازه في المسجد مما ليس فيه سنة ورد من الدور والأرضين وفى الأرضين سنة كان
محجوجا فإن قال قائل أجيز الأرضين والدور لأن في الأرضين سنة والدور مثلها لأنها أرضون تغل وأرد
المساجد كان أولى أن يكون قوله مقبولا ممن رد الدور والأرضين وأجاز المساجد ثم تجاوز في المساجد إلى
أن قال: لو بنى رجل في داره مسجدا فأخرج له بابا وأذن للناس أن يصلوا فيه كان حبسا وقفا وهو لم
يتكلم بوقفه ولا بحبسه وجعل إذنه بالصلاة كالكلام بحبسه ووقفه (قال الشافعي) فعاب هذا القول عليه
صاحباه واحتجا عليه بما ذكرنا وأكثر منه وقالا هذا جهل صدقات المسلمين في القديم والحديث أشهر
من أن ينبغي أن يجهلها عالم وأجازوا الصدقات المحرمات في الدور والأرضين على ما أجزناها عليه ثم
اعتدل قول أبى يوسف فيها فقال بأحسن قول فقال تجوز الصدقات المحرمات إذا تكلم بها صاحبها
قبضت أو لم تقبض وذلك أنا إنما أجزناها اتباعا لمن كان قبلنا مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي
طالب رضي الله عنهما وغيرهم وهم ولوا صدقاتهم حتى ماتوا فلا يجوز أن نخالفهم في أن لا نجيزها إلا
مقبوضة وهم قد أجازوها غير مقبوضة بالكلام بها فنوافقهم في إجازتها (قال الشافعي) وما قال فيها أبو
يوسف كما قال (قال الشافعي) أخبرني غير واحد من آل عمر وآل على أن عمر ولى صدقته حتى مات
وجعلها بعده إلى حفصة وولى على صدقته حتى مات ووليها بعده الحسن ابن علي رضي الله عنهما وأن
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وليت صدقتها حتى ماتت وبلغني عن غير واحد من الأنصار
أنه ولى صدقته حتى مات (قال الشافعي) وفى أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أن يسبل ثمر أرضه ويحبس أصلها دليل على أنه رأى ما صنع جائزا فبهذا نراه بلا قبض جائزا ولم
يأمره أن يخرجه عمر من ملكه إلى غيره إذا حبسه ولما صارت الصدقات مبدأة في الاسلام لا مثال لها
قبله علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فلم يكن فيما أمره به إذا حبس أصلها وسبل ثمرتها أن
يخرجها إلى أحد يحوزها دونه دلالة على أن الصدقة تتم بأن يحبس أصلها ويسبل ثمرتها دون وال يليها
كما كان في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا إسرائيل أن يصوم ويستظل ويجلس ويتكلم دلالة على أن لا
كفارة عليه ولم يأمره في ذلك بكفارة (قال الشافعي) وخالفنا بعض الناس في الصدقات المحرمات
فقال لا تجوز حتى يخرجها المتصدق بها إلى من يحوزها عليه والحجة عليه ما وصفنا وغيره من افتراق
الصدقات الموقوفات وغيرها مما يحتاج فيه إلى أن لا يتم الا بقبض.
61

وثيقة في الحبس (1)
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي إملاء قال: هذا كتاب كتبه فلان بن فلان
الفلاني في صحة من بدنه وعقله وجواز أمره وذلك في شهر كذا من سنة كذا إني تصدقت بداري التي
بالفسطاط من مصر في موضع كذا أحد حدود جماعة هذه الدار ينتهى إلى كذا والثاني والثالث والرابع
تصدقت بجميع أرض هذه الدار وعمارتها من الخشب والبناء والأبواب وغير ذلك من عمارتها وطرقها
ومسايل مائها وأرفاقها ومرتفقها وكل قليل وكثير هو فيها ومنها وكل حق هو لها داخل فيها وخارج منها
وحبستها صدقة بتة مسبلة لوجه الله وطلب ثوابه لا مثنوية فيها ولا رجعة حبسا محرمة لا تباع ولا تورث
ولا توهب حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين وأخرجتها من ملكي ودفعتها إلى فلان بن
فلان يليها بنفسه وغيره ممن تصدقت بها عليه على ما شرطت وسميت في كتابي هذا وشرطي فيه أنى
تصدقت بها على ولدى لصلبي ذكرهم وأنثاهم من كان منهم حيا اليوم أو حدث بعد اليوم وجعلتهم فيها
سواء ذكرهم وأنثاهم صغيرهم وكبيرهم شرعا في سكناها وغلتها لا يقدم واحد منهم على صاحبه ما لم
تتزوج بناتي فإذا تزوجت واحدة منهن وباتت إلى زوجها انقطع حقها ما دامت عند زوج وصار بين
الباقين من أهل صدقتي كما بقي من صدقتي يكونون فيهم شرعا ما كانت عند زوج فإذا رجعت بموت
زوج أو طلاق كانت على حقها من داري كما كانت عليه قبل ان تتزوج وكلما تزوجت واحدة من بناتي
فهي على مثل هذا الشرط تخرج من صدقتي ناكحة ويعود حقها فيها مطلقة أو ميتا عنها لا تخرج
واحدة منهن من صدقتي إلا بزوج وكل من مات من ولدى لصلبي ذكرهم وأنثاهم رجع حقه على
الباقين معه من ولدى لصلبي فإذا انقرض ولدى لصلبي فلم يبق منهم واحد كانت هذه الصدقة حبسا
على ولد ولدى الذكور لصلبي وليس لولد البنات من غير ولدى شئ ثم كان ولد ولدى الذكور من
الإناث والذكور في صدقتي هذه على مثل ما كان عليه ولدى لصلبي الذكر والأنثى فيها سواء وتخرج
المرأة منهم من صدقتي بالزوج وترد إليها بموت الزوج أو طلاقه وكل من حدث من ولدى الذكور من
الإناث والذكور فهو داخل في صدقتي مع ولد ولدى وكل من مات منهم رجع حقه على الباقين معه
حتى لا يبقى من ولد ولدى أحد فإذا لم يبق من ولد ولدى لصلبي أحد كانت هذه الصدقة بمثل هذا
الشرط على ولد ولد ولدى للذكور الذين إلى عمود نسبهم تخرج منها المرأة بالزوج وترد إليها بموته أو
فراقه ويدخل عليهم من حدث أبدا من ولد ولد ولدى ولا يدخل قرن ممن إلى عمود نسبه من ولد
ولدى ما تناسلوا على القرن الذين هم أبعد إلى منهم ما بقي من ذلك القرن أحد ولا يدخل عليهم أحد
من ولد بناتي الذين إلى عمود انتسابهم إلا أن يكون من ولد بناتي من هو من ولد ولدى الذكور الذين
إلى عمود نسبه فيدخل مع القرن الذين عليهم صدقتي لولادتي إياه من قبل أبيه لا من قبل أمه ثم
هكذا صدقتي أبدا على من بقي من ولد أولادي الذين إلى عمودي نسبهم وإن سفلوا أو تناسخوا حتى يكون
بيني وبينهم مائة أب وأكثر ما بقي أحد إلى عمود نسبه فإذا انقرضوا كلهم فلم يبق منهم أحد إلى عمود
نسبه فهذه الدار حبس صدقة لا تباع ولا توهب لوجه الله تعالى على ذوي رحمي المحتاجين من قبل

(1) قال السراج البلقيني في " نسخته هذه الوثيقة مذكورة عقب أبواب العتق ترجم عليها في وضع الصدقات "
اه‍.
62

أبى وأمي يكونون فيها شرعا سواء ذكرهم وأنثاهم والأقرب إلى منهم والابعد منى فإذا انقرضوا ولم يبق
منهم أحد فهذه الدار حبس على موالي الذين أنعمت عليهم وأنعم عليهم آبائي بالعتاقة لهم وأولادهم
وأولاد أولادهم ما تناسلوا ذكرهم وأنثاهم صغيرهم وكبيرهم ومن بعد إلى وإلى آبائي نسبه بالولاء ونسبه
إلى من صار مولاي بولاية سواء فإذا انقرضوا فلم يبق منهم أحد فهذه الدار حبس صدقة لوجه الله تعالى
على من يمر بها من غزاة المسلمين وأبناء السبيل وعلى الفقراء والمساكين من جيران هذه الدار وغيرهم من
أهل الفسطاط وأبناء السبيل والمارة من كانوا حتى يرث الله الأرض ومن عليها ويلي هذه الدار ابني
فلان بن فلان الذي وليته في حياتي وبعد موتى ما كان قويا على ولايتها أمينا عليها بما أوجب الله تعالى
عليه من توفير غلة إن كانت لها والعدل في قسمها وفى إسكان من أراد السكن من أهل صدقتي بقدر
حقه فإن تغيرت حال فلان بن فلان ابني يضعف عن ولايتها أو قلة أمانة فيها أوليها من ولدى أفضلهم
دينا وأمانة على الشروط التي شرطت على ابني فلان ويليها ما قوى وأدى الأمانة فإذا ضعف أو تغيرت
أمانته فلا ولاية له فيها وتنتقل الولاية عنه إلى غيره من أهل القوة والأمانة من ولدى ثم كل قرن صارت
هذه الصدقة إليه وليها من ذلك القرن أفضلهم قوة وأمانة ومن تغيرت حاله ممن وليها بضعف أو قلة
أمانة نقلت ولايتها عنه إلى أفضل من عليه صدقتي قوة وأمانة وهكذا كل قرن صارت صدقتي هذه إليه
يليها منه أفضلهم دينا وأمانة على مثل ما شرطت على ولدى ما بقي منهم أحد ثم من صارت إليه هذه
الدار من قرابتي أو موالي وليها ممن صارت إليه أفضلهم دينا وأمانة ما كان في القرن الذي تصير إليهم
هذه الصدقة ذو قوة وأمانة وإن حدث قرن ليس فيهم ذو قوة ولا أمانة ولى قاضى المسلمين صدقتي
هذه من يحمل ولايتها بالقوة والأمانة من أقرب الناس إلى رحما ما كان ذلك فيهم فإن لم يكن ذلك فيهم
فمن موالي وموالى آبائي الذين أنعمنا عليهم فإن لم يكن ذلك فيهم فرجل يختاره الحاكم من المسلمين
فإن حدث من ولدى أو من ولد ولدى أو من موالي رجل له قوة وأمانة نزعها الحاكم من يدي من ولاه
من قبله وردها إلى من كان قويا وأمينا ممن سميت وعلى كل وال يليها أن يعمر ما وهي من هذه الدار
ويصلح ما خاف فساده منها ويفتح فيها من الأبواب ويصلح منها ما فيه الصلاح لها والمسترد في غلتها
وسكنها مما يجتمع من غلة هذه الدار ثم يفرق ما يبقى على من له هذه الغلة سواء بينهم ما شرطت لهم
وليس للوالي من ولاة المسلمين أن يخرجها من يدي من وليته إياها ما كان قويا أمينا عليها ولا من يدي
أحد من القرن الذي تصير إليهم ما كان فيهم من يستوجب ولايتها بالقوة والأمانة ولا يولى غيرهم وهو
يجد فيهم من يستوجب الولاية، شهد على إقرار فلان بن فلان، فلان بن فلان ومن شهد.
كتاب الهبة
وترجم في اختلاف مالك والشافعي " باب القضاء في الهبات "
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي
الغطفان بن طريف المرى عن مروان بن الحكم أن عمر بن الخطاب قال " ومن وهب هبة لصلة رحم
أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد به الثواب فهو على هبته يرجع
فيها إن لم يرض منها " وقال مالك إن الهبة إذا تغيرت عند الموهوب للثواب بزيادة أو نقصان فإن على
63

الموهوب له ان يعطى الواهب قيمتها يوم قبضها فقلت للشافعي فإنا نقول بقول صاحبنا فقال الشافعي
فقد ذهب عمر في الهبة يراد ثوابها أن الواهب على هبته إن لم يرض منها ان للواهب الخيار حتى يرضى
من هبته ولو أعطى أضعافها في مذهبه والله أعلم كان له أن يرجع فيها ولو تغيرت عند الموهوب
له بزيادة كان له أخذها وكان كالرجل يبيع الشئ وله فيه الخيار عبد أو أمة فيزيد عند المشترى فيختار
البائع نقض البيع فيكون له نقضه وإن زاد العبد المبيع أو الأمة المبيعة فكثرت زيادته ومذهبكم خلاف
ما رويتم عن عمر بن الخطاب.
وفي اختلاف العراقيين " باب الصدقة والهبة "
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا وهبت المرأة لزوجها هبة أو تصدقت أو تركت له من مهرها ثم
قالت أكرهني وجاءت على ذلك ببينة فإن أبا حنيفة كان يقول لا أقبل بينتها وأمضى عليها ما فعلت من
ذلك وكان ابن أبي ليلى يقول أقبل بينتها على ذلك وأبطل ما صنعت (قال الشافعي) وإذا تصدقت
المرأة على زوجها بشئ أو وضعت له من مهرها أو من دين كان لها عليه فأقامت البينة أنه أكرهها على
ذلك والزوج في موضع القهر للمرأة أبطلت ذلك عنها كله وإذا وهب الرجل هبة وقبضها الموهوبة له
وهي دار فبناها بناء وأعظم النفقة أو كانت جارية صغيرة فأصلحها أو صنعها حتى شبت وأدركت فإن
أبا حنيفة كان يقول: لا يرجع الواهب في شئ من ذلك ولا من كل هبة زادت عند صاحبها خيرا ألا
ترى أنه فد حدث فيها في ملك الموهوبة له شئ لم يكن في ملك الواهب، أرأيت إن ولدت الجارية
ولدا أكان للواهب أن يرجع فيه ولم يهبه له ولم يملكه قط؟ وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول له أن
يرجع في ذلك كله وفى الولد (قال الشافعي) وإذا وهب الرجل للرجل جارية أو دارا فزادت الجارية
في يديه أو بنى الدار فليس للواهب الذي ذكر انه وهب للثواب ولم يشترط ذلك أن يرجع في الجارية
أي حال ما كانت زادت خيرا أو نقصت كما لا يكون له إذا أصدق المرأة جارية فزادت في يديها ثم
طلقها أن يرجع بنصفها زائدة فأما الدار فإن الباني إنما بنى ما يملك فلا يكون له أن يبطل بناءه ولا
يهدمه ويقال له: إن أعطيته قيمة البناء أخذت نصف الدار والبناء كما يكون لك وعليك في الشفعة
يبنى فيها صاحبها ولا ترجع بنصفها كما لو أصدقها دارا فبنتها لم يرجع بنصفها لأنه مبنيا أكثر قيمة منه
غير مبنى ولو كانت الجارية ولدت كان الولد للموهوبة له لأنه حادث في ملكه بائن منها كمباينة
الخراج والخدمة لها كما لو ولدت في يد المرأة المصدقة ثم طلقت قبل الدخول كان الولد للمرأة ورجع
بنصف الجارية إن أراد ذلك، وإذا وهب الرجل جاريته لابنه وابنه كبير وهو في عياله فإن أبا حنيفة
كان يقول لا يجوز إلا أن يقبض وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول إذا كان الولد في عيال أبيه وإن كان
قد أدرك فهذه الهبة له جائزة وكذلك الرجل إذا وهب لامرأته (قال الشافعي) وإذا وهب الرجل لابنه
جارية وابنه في عياله فإن كان الابن بالغا لم تكن الهبة تامة حتى يقبضها الابن وسواء كان في عياله أو
لم يكن كذلك روى عن أبي بكر وعائشة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم في البالغين وعن عثمان أنه
رأى أن الأب يحوز لولده ما كانوا صغارا فهذا يدل على أنه لا يحوز لهم إلا في حال الصغر (قال
الشافعي) وهكذا كل هبة ونحلة وصدقة غير محرمة فهي كلها من العطايا التي لا يؤخذ عليها عوض ولا
تتم إلا بقبض المعطى وإذا وهب الرجل دارا لرجلين أو متاعا وذلك المتاع مما يقسم فقبضاه جميعا فإن
64

أبا حنيفة كان يقول لا تجوز تلك الهبة إلا أن يقسم لكل واحد منهما حصته وكان ابن أبي ليلى يقول
الهبة جائزة وبهذا يأخذ وإذا وهب اثنان لواحد وقبض فهو جائز وقال أبو يوسف هما سواء (قال
الشافعي) وإذا وهب الرجل لرجلين بعض دار لا تقسم أو طعاما أو ثيابا أو عبدا لا ينقسم فقبضا
جميعا الهبة فالهبة جائزة كما يجوز البيع وكذلك لو وهب اثنان دارا بينهما تنقسم أو لا تنقسم أو عبد
الرجل وقبض جازت الهبة وإذا كانت الدار لرجلين فوهب أحدهما حصته لصاحبه ولم يقسمه له فإن أبا
حنيفة كان يقول الهبة في هذا باطلة ولا تجوز وبهذا يأخذ ومن حجته في ذلك أنه قال لا تجوز الهبة إلا
مقسومة معلومة مقبوضة بلغنا عن أبي بكر رضي الله عنه أنه نحل عائشة أم المؤمنين جداد عشرين وسقا
من نخل له بالعالية فلما حضره الموت قال لعائشة " إنك لم تكوني قبضتيه وإنما هو مال الوارث فصار بين
الورثة " لأنها لم تكن قبضته وكان إبراهيم يقول لا تجوز الهبة إلا مقبوضة وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى
يقول إذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فهذا قبض منه للهبة وهذه معلومة وهذه
جائزة وإذا وهب الرجلان دارا لرجل فقبضها فهو جائز في قول أبي حنيفة ولا تفسد الهبة لأنها كانت
لاثنين وبه يأخذ (قال الشافعي) وإذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فقبض
الهبة فالهبة جائزة والقبض أن تكون كانت في يدي الموهوبة له ولا وكيل معه فيها أو يسلمها ربها ويخلى
بينه وبينها حتى يكون لا حائل دونها دونها هو ولا وكيل له فإذا كان هذا هكذا كان قبضا، والقبض
في الهبات كالقبض في البيوع ما كان قبضا في البيع كان قبضا في الهبة وما لم يكن قبضا في البيع لم
يكن قبضا في الهبة وإذا وهب الرجل للرجل الهبة وقبضها دارا أو أرضا ثم عوضه بعد ذلك منها عوضا
وقبضه الواهب فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول ذلك جائز ولا تكون فيه شفعة وبه يأخذ وليس هذا
بمنزلة الشراء (1) ويأخذ الشفيع بالشفعة بقيمة العوض ولا يستطيع الواهب أن يرجع في الهبة بعد
العوض في قولهما جميعا (قال الشافعي) وإذا وهب الرجل لرجل شقصا من دار فقبضه ثم عوضه
الموهوبة له شيئا فقبضه الواهب سئل الواهب فإن قال وهبتها للثواب كان فيها شفعة وإن قال وهبتها لغير
ثواب لم يكن فيها شفعة وكانت المكافأة كابتداء الهبة وهذا كله في قول من قال للواهب الثواب إذا قال أردته
فأما من قال لا ثواب للواهب إن لم يشترطه في الهبة فليس له الرجوع في شئ وهبه ولا الثواب منه
(قال الربيع) وفيه قول آخر وإذا وهب واشترط الثواب فالهبة باطلة من قبل أنه اشترط عوضا مجهولا
وإذا وهب لغير الثواب وقبضه الموهوب فليس له أن يرجع في شئ وهبه وهو معنى قول الشافعي وإذا
وهب الرجل للرجل هبة في مرضه فلم يقبضها الموهوبة له حتى مات الواهب فإن أبا حنيفة كان يقول
الهبة في هذا باطل لا تجوز وبه يأخذ ولا يكون له وصية إلا أن يكون ذلك في ذكر وصية، وكان ابن أبي
ليلى يقول هي جائزة من الثلث (قال الشافعي) وإذا وهب الرجل في مرضه الهبة فلم يقبضها
الموهوبة له حتى مات الواهب لم يكن للموهوبة له شئ وكانت الهبة للورثة. الحجاج بن أرطاة عن
عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لا تجوز الصدقة إلا مقبوضة. الأعمش عن
إبراهيم قال الصدقة إذا علمت جازت الهبة لا تجوز إلا مقبوضة وكان أبو حنيفة يأخذ بقول ابن عباس
في الصدقة، وهو قول أبى يوسف (قال الشافعي) وليس للواهب أن يرجع في الهبة إذا قبض منها
عوضا، قل أو كثر.

(1) قوله: ويأخذ الشفيع الخ لعل قبل ذلك سقطا والأصل " وكان ابن أبي ليلى يقول هو بمنزلة الشراء ويأخذ
الشفيع الخ " فتأمل، وحرر. كتبه مصححه.
65

باب في العمرى من كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما
(قال الربيع) سألت الشافعي عمى أعمر عمري له ولعقبه فقال هي للذي يعطاها لا ترجع إلى
الذي أعطاها فقلت ما الحجة في ذلك؟ قال السنة الثابتة من حديث الناس وحديث مالك عن النبي
صلى الله عليه وسلم. (أخبرنا) مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أيما رجل أعمر عمري له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى
الذي أعطاها " لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث (قال الشافعي) وبهذا نأخذ ويأخذ عامة أهل
العلم في جميع الأمصار بغير المدينة وأكابر أهل المدينة وقد روى هذا مع جابر بن عبد الله زيد بن ثابت
عن النبي صلى الله عليه وسلم فقلت للشافعي فإنا نخالف هذا فقال تخالفونه وأنتم تروونه عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم؟ فقلت إن حجتنا فيه أن مالكا قال أخبرني يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن
القاسم أنه سمع مكحولا الدمشقي يسأل القاسم بن محمد عن العمرى وما يقول الناس فيها فقال له
القاسم ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا (قال الشافعي) ما أجابه القاسم
في العمرى بشئ وما أخبره إلا أن الناس على شروطهم فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول العمرى من
المال والشرط فيها جائز فقد يشترط الناس في أموالهم شروطا لا تجوز لهم. فإن قال قائل وما هي؟ قيل
الرجل يشترى العبد على أن يعتقه والولاء للبائع فيعتقه فهو حر والولاء للمعتق والشرط باطل. فإن قال
السنة تدل على إبطال هذا الشرط قلنا والسنة تدل على إبطال الشرط في العمرى فلم أخذتم بالسنة مرة
وتركتموها مع أن قول القاسم يرحمه الله، لو كان قصد به قصد العمرى فقال إنهم على شروطهم فيها
لم يكن في هذا ما يرد به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فإن قال قائل ولم؟ قيل نحن لا نعلم
أن القاسم قال هذا إلا بخبر يحيى عن عبد الرحمن عنه وكذلك علمنا قول النبي صلى الله عليه وسلم
في العمرى بخبر ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره فإذا قبلنا خبر
الصادقين فمن روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أرجح مما روى هذا عن القاسم لا يشك عالم أن ما
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يقال به مما قاله ناس بعده قد يمكن فيهم أن لا يكونوا
سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بلغهم عنه شئ وأنهم أناس لا نعرفهم. فإن قال قائل لا
يقول القاسم قال الناس إلا لجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من أهل العلم لا
يجهلون للنبي صلى الله عليه وسلم سنة ولا يجتمعون أبدا من جهة الرأي ولا يجتمعون إلا من جهة السنة،
فقيل له قد أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلا كانت عنده وليدة لقوم
فقال لأهلها شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة وأنتم تزعمون أنها ثلاث. وإذا قيل لكم لم لا تقولون
قول القاسم والناس إنها تطليقة؟ قلتم لا ندري من الناس الذين يروى هذا عنهم القاسم فلئن لم يكن
قول القاسم رأى الناس حجة عليكم في رأى أنفسكم لهو عن أن يكون على رسول الله صلى الله عليه
وسلم حجة أبعد ولئن كان حجة لقد أخطأتم بخلافكم إياه برأيكم. وإنا لنحفظ عن ابن عمر في
العمرى مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخبرنا) ابن عيينة عن عمرو بن دينار وحميد الأعرج
عن حبيب ابن أبي ثابت قال كنت عند ابن عمر فجاءه رجل من أهل البادية فقال إني وهبت لابني
هذا ناقة حياته وإنها تناتجت إبلا فقال ابن عمر هي له حياته وموته فقال إني تصدقت عليه بها قال
ذلك أبعد لك منها (أخبرنا) سفيان عن ابن أبي نجيح عن حبيب بن أبي ثابت مثله إلا أنه قال
66

أضنت (1) يعنى كبرت واضطربت (أخبرنا) الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار
عن سليمان بن يسار أن طارقا قضى بالمدينة بالعمرى عن قول جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه
وسلم (أخبرنا) ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت أن النبي
صلى الله عليه وسلم جعل العمرى للوارث (أخبرنا) سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء بن أبي
رباح عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو
أرقبه فهو سبيل الميراث " (أخبرنا) سفيان عن أيوب عن ابن سيرين قال حضرت شريحا قضى لأعمى
بالعمرى فقال له الأعمى يا أبا أمية بم قضيت لي؟ فقال شريح لست أنا قضيت لك ولكن محمد
صلى الله عليه وسلم قضى لك منذ أربعين سنة قال " من أعمر شيئا حياته فهو لورثته إذا مات " (قال
الشافعي) فتتركون ما وصفتم من العمرى مع ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنه قول زيد بن
ثابت وجابر بن عبد الله وابن عمر وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير وهكذا عندكم عمل بعد النبي صلى
الله عليه وسلم لتوهم في قول القاسم وأنتم تجدون في قول القاسم يعنى في رجل قال لامة قوم شأنكم
بها فرأى الناس أنها تطليقة ثم تخالفونه برأيكم وما روى القاسم عن الناس.
وفى بعض النسخ مما ينسب للام (في العمرى)
(قال الشافعي) وهو يروى عن ربيعة إذ ترك حديث العمرى أنه يحتج بأن الزمان قد طال وأن
الرواية يمكن فيها الغلط فإذا روى الزهري عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم " من
أعمر عمري له ولعقبه فهي للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطى لأنه أعطى عطاء وقعت فيه
المواريث (قال الشافعي) وقد أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن جابر أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " من أعمر شيئا فهو له " (قال الشافعي) وأخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن
حجر المدري عن زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " العمرى للوارث " (قال
الشافعي) وأخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار وابن أبي نجيح عن حبيب بن أبي ثابت قال كنا عند
عبد الله بن عمر فجاءه أعرابي فقال له إني أعطيت بعض بنى ناقة حياته قال عمر وفى الحديث وإنها
تناتجت. وقال ابن أبي نجيح في حديثه وإنها اضنت واضطربت فقال هي له حياته وموته. قال فانى
تصدقت بها عليه قال " فذلك أبعد لك منها " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان وعبد الوهاب عن أيوب
عن محمد بن سيرين أن شريحا قضى بالعمرى لأعمى فقال بم قضيت لي يا أبا أمية؟ فقال ما أنا
قضيت لك ولكن قضى لك محمد صلى الله عليه وسلم منذ أربعين سنة قضى من أعمر شيئا حياته فهو
له حياته وموته. قال سفيان وعبد الوهاب فهو لورثته إذا مات (قال الشافعي) فترك هذا وهو يرويه عن
النبي صلى الله عليه وسلم جابر بن عبد الله من وجوه ثابتة وزيد بن ثابت ويفتى به جابر بالمدينة ويفتى
به ابن عمر ويفتى به عوام أهل البلدان لا أعلمهم يختلفون فيه بأن قال أخبرني يحيى بن سعيد عن
عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا يسأل القاسم بن محمد عن العمرى وما يقول الناس فيها فقال

(1) قوله: أضنت الخ قال في النهاية: هكذا روى، والصواب " ضنت " أي كثر أولادها اه‍ فتأمل كتبه
مصححه.
67

القاسم ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا (قال الشافعي) والقاسم يرحمه الله
لم يجبه في العمرى بشئ إنما أخبره أنه إنما أدرك الناس على شروطهم ولم يقل له إن العمرى من تلك
الشروط التي أدرك الناس عليها ويجوز أن لا يكون القاسم سمع الحديث ولو سمعه ما خالفه إن شاء الله.
قال فإذا قيل لبعض من يذهب مذهبه، لو كان القاسم قال هذا في العمرى أيضا فعارضك معارض
بأن يقول أخاف أن يغلط على القاسم من روى هذا عنه إذا كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
كما وصفنا يروى من وجوه يسندونه. قال لا يجوز أن يتهم أهل الحفظ بالغلط فقيل ولا يجوز أن يتهم من
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قال لا يجوز قلنا ما يثبت عن النبي أولى أن يكون لازما لأهل
دين الله أو ما قال القاسم أدركت الناس ولسنا نعرف الناس الذين حكى هذا عنهم، فإن قال لا يجوز
على مثل القاسم في علمه أن يقول أدركت الناس إلا والناس الذين أدرك أئمة يلزمه قولهم قيل له فقد
روى يحيى بن سعيد عن القاسم أن رجلا كانت عنده وليدة لقوم فقال لأهلها شأنكم بها فرأى الناس
أنها تطليقة وهو يفتى برأي نفسه أنها ثلاث تطليقات فإن قال في هذه لا أعرف الناس الذين روى
القاسم هذا عنهم جاز لغيره أن يقول لا أعرف الناس الذين روى هذا عنهم في الشروط وإن كان يقول
إن القاسم لا يقول الناس إلا الأئمة الذين يلزمه قولهم فقد ترك قول القاسم برأي نفسه وعاب على غيره
اتباع السنة.
كتاب اللقطة الصغيرة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: في اللقطة مثل حديث مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء
وقال في ضالة الغنم إذا وجدتها في موضع مهلكة فهي لك فكلها فإذا جاء صاحبها فأغرمها له. وقال
في المال يعرفه سنة ثم يأكله إن شاء فإن جاء صاحبه غرمه له، وقال يعرفها سنة ثم يأكلها موسرا كان أو
معسرا إن شاء إلا أنى لا أرى له أن يخلطها بماله ولا يأكلها حتى يشهد على عددها ووزنها وظرفها
وعفافها ووكائها فمتى جاء صاحبها غرمها له وإن مات كانت دينا عليه في ماله ولا يكون عليه في الشاة
يجدها بالمهلكة تعريف إن أحب أن يأكلها فهي له ومتى لقى صاحبها غرمها له، وليس ذلك له في
ضالة الإبل ولا البقر لأنهما يدفعان عن أنفسهما، وإنما كان ذلك له. في ضالة الغنم والمال لأنهما لا
يدفعان عن أنفسهما ولا يعيشان والشاة يأخذها من أرادها وتتلف لا تمتنع من السبع إلا أن يكون معها
من يمنعها والبعير والبقرة يردان المياه وإن تباعدت ويعيشان أكثر عمرها بلا راع فليس له أن يعرض
لواحد منهما والبقر قياسا على الإبل (قال الشافعي) وإن وجد رحل شاة ضالة في الصحراء فأكلها ثم
جاء صاحبها قال يغرمها خلاف مالك (قال الشافعي) ابن عمر لعله أن لا يكون سمع الحديث عن
النبي صلى الله عليه وسلم في اللقطة ولو لم يسمعه انبغى أن يقول لا يأكلها كما قال ابن عمر انبغى أن
يفتيه أن يأخذها وينبغي للحاكم أن ينظر فإن كان الآخذ لها ثقة أمره بتعريفها وأشهد شهودا على
عددها وعفاصها ووكائها أمره أن يوقفها في يديه إلى أن يأتي ربها فيأخذها وإن لم يكن ثقة في ماله
وأمانته أخرجها من يديه إلى من يعف عن الأموال ليأتي ربها وأمره بتعريفها لا يجوز لاحد ترك لقطة
وجدها إذا كان من أهل الأمانة ولو وجدها فأخذها ثم أراد تركها لم يكن ذلك له وهذا في كل ما
68

سوى الماشية فأما الماشية فإنها تخرق بأنفسها فهي مخالفة لها، وإذا وجد رجل بعيرا فأراد رده على
صاحبه فلا بأس بأخذه وإن كان إنما يأخذه ليأكله فلا وهو ظالم وإن كان للسلطان حمى ولم يكن على
صاحب الضوال مؤنة تلزمه في رقاب الضوال صنع كما صنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه تركها في
الحمى حتى يأتي صاحبها وما تناتجت فهو لمالكها ويشهد على نتاجها كما يشهد على الام حين يجدها
ويوسم نتاجها ويوسم أمهاتها وإن لم يكن للسلطان حمى وكان يستأجر عليها فكانت الأجرة تعلق في
رقابها غرما رأيت أن يصنع كما صنع عثمان بن عفان إلا في كل ما عرف أن صاحبه قريب بأن يعرف
بعير رجل بعينه فيحبسه أو يعرف وسم قوم بأعيانهم حبسها لهم اليوم واليومين والثلاثة ونحو ذلك.
اللقطة الكبيرة
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا التقط الرجل اللقطة مما لا
روح له ما يحمل ويحول فإذا التقط الرجل لقطة، قلت أو كثرت، عرفها سنة ويعرفها على أبواب
المساجد والأسواق ومواضع العامة ويكون أكثر تعريفه إياها في الجماعة التي أصابها فيها ويعرف عفاصها
ووكاءها وعددها ووزنها وحليتها ويكتب ويشهد عليه فإن جاء صاحبها وإلا فهي له بعد سنة على أن
صاحبها متى جاء غرمها وإن لم يأت فهي مال من ماله وإن جاء بعد السنة وقد استهلكها والملتقط حي
أو ميت فهو غريم من الغرماء يحاص الغرماء فإن جاء وسلعته قائمة بعينها فهي له دون الغرماء والورثة
وأفتى الملتقط إذا عرف رجل العفاص والوكاء والعدد والوزن
ووقع في نفسه أنه لم يدع باطلا أن يعطيه
ولا أجبره في الحكم إلا ببينة تقوم عليها كما تقوم على الحقوق فإن ادعاها واحد أو اثنان أو ثلاثة فسواء
لا يجبر على دفعها إليهم إلا ببينة يقيمونها عليه لأنه قد يصيب الصفة بأن الملتقط وصفها ويصيب الصفة
بأن الملتقطة عنه قد وصفها فليس لإصابته الصفة معنى يستحق به أحد شيئا في الحكم، وإنما قوله
أعرف عفاصها ووكاءها والله أعلم أن تؤدى عفاصها ووكاءها مما تؤدى منها ولنعلم إذا وضعتها في
مالك أنها اللقطة دون مالك ويحتمل أن يكون ليستدل على صدق المعترف وهذا الأظهر إنما قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعى " فهذا مدع أرأيت لو أن عشرة أو أكثر وصفوها كلهم
فأصابوا صفتها ألنا أن نعطيهم إياها يكونون شركاء فيها ولو كانوا ألفا أو ألفين ونحن نعلم أن كلهم كاذب
إلا واحدا بغير عينه ولعل الواحد يكون كاذبا ليس يستحق أحد بالصفة شيئا ولا تحتاج إذا التقطت أن
تأتي بها إماما ولا قاضيا (قال الشافعي) فإذا أراد الملتقط أن يبرأ من ضمان اللقطة ويدفها إلى من
اعترفها فليفعل ذلك بأمر حاكم لأنه إن دفعها بغير أمر حاكم ثم جاء رجل فأقام عليه البينة ضمن.
قال وإذا كان في يدي رجل العبد الآبق أو الضالة من الضوال فجاء سيده فمثل اللقطة ليس عليه أن
يدفعه إلا ببينة يقيمها فإذا دفعه ببينة يقيمها عنده كان الاحتياط له أن لا يدفعه إلا بأمر الحاكم لئلا
يقيم عليه غيره بينة فيضمن لأنه إذا دفعه ببينة تقوم عنده فقد يمكن أن تكون البينة غير عادلة ويقيم آخر
بينة عادلة فيكون أولى وقد تموت البينة ويدعى هو أنه دفعه ببينة فلا يقبل قوله غير أن الذي قبض منه
إذا أقر له فيضمنه القاضي للمستحق الآخر رجع هذا على المستحق الأول إلا أن يكون أقر أنه له فلا
يرجع عليه وإذا أقام رجل شاهدا على اللقطة أو ضالة حلف مع شاهده وأخذ ما أقام عليه بينة لأن
هذا مال وإذا أقام الرجل بمكة بينة على عبد ووصفت البينة العبد وشهدوا أن هذه صفة عبده وأنه لم
69

يبع ولم يهب أو لم نعلمه باع ولا وهب وحلف رب العبد كتب الحاكم بينته إلى قاضى بلد غير مكة
فوافقت الصفة العبد الذي في يديه لم يكن للقاضي أن يدفعه إليه بالصفة ولا يقبل إلا أن يكون شهود
يقدمون عليه فيشهدون عليه بعينه ولكن إن شاء الذي له عليه بينة أن يسأل القاضي أن يجعل هذا العبد
ضالا فيبيعه فيمن يزيد ويأمر من يشتريه ثم يقبضه من الذي اشتراه (قال الشافعي) وإذا أقام عليه
البينة بمكة بعينه أبرأ القاضي الذي اشتراه من الثمن بإبراء رب العبد ويرد عليه الثمن إن كان قبضه منه
وقد قيل يختم في رقبة هذا العبد ويضمنه الذي استحقه بالصفة فإن ثبت عليه الشهود فهو له ويفسخ
عنه الضمان وإن لم يثبت عليه الشهود رد، وإن هلك فيما بين ذلك كان له ضامنا وهذا يدخله أن
يفلس الذي ضمن ويستحقه ربه فيكون القاضي أتلفه ويدخله أن يستحقه ربه وهو غائب فإن قضى
على الذي دفعه إليه بإجازته في غيبته قضى عليه بأجر ما لم يغصب ولم يستأجر وإن أبطل عنه كان قد
منع هذا حقه بغير استحقاق له ويدخله أن يكون جارية فارهة لعلها أم ولد لرجل فيخلى بينها وبين
رجل يغيب عليها ولا يجوز فيها إلا القول الأول (قال الشافعي) وإذا اعترف الرجل الدابة في يدي رجل
فأقام رجل عليها بينة أنها له قضى له القاضي بها فإن ادعى الذي هي في يديه أنه اشتراها من رجل
غائب لم يحبس الدابة عن المقضى له بها ولم يبعث بها إلى البلد الذي فيها البيع كان البلد قريبا أو بعيدا
ولا أعمد إلى مال رجل فأبعث به إلى البلد لعله يتلف قبل أن يبلغه بدعوى إنسان لا أدرى كذب أم
صدق ولو علمت أنه صدق ما كان لي أن أخرجها من يدي مالكها نظرا لهذا أن لا يضيع حقه على
المغتصب لا تمنع الحقوق بالظنون ولا تملك بها وسواء كان الذي استحق الدابة مسافرا أو غير مسافر ولا
يمنع منها ولا تنزع من يديه إلا أن يطيب نفسا عنها ولو أعطى قيمتها أضعافا لأنا لا نجبره على بيع سلعته
(قال الشافعي) ويأكل اللقطة الغنى والفقير ومن تحل له الصدقة ومن لا تحل له فقد أمر النبي صلى الله
عليه وسلم أبي بن كعب وهو أيسر أهل المدينة أو كأيسرهم وجد صرة فيها ثمانون دينارا أن يأكلها
(أخبرنا) الدراوردي عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن علي بن أبي طالب
رضي الله عنه أنه وجد دينارا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم
فأمره أن يعرفه فلم يعترف فأمره أن يأكله ثم جاء صاحبه فأمره أن يغرمه (قال الشافعي) وعلي بن أبي
طالب رضي الله عنه ممن تحرم عليه الصدقة لأنه من صلبية بني هاشم وقد روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم الاذن بأكل اللقطة بعد تعريفها سنة علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وزيد بن خالد الجهني
وعبد الله بن عمرو بن العاص وعياض ابن حماد المجاشعي رضي الله عنهم (قال الشافعي) والقليل من
اللقطة والكثير سواء لا يجوز أكله إلا بعد سنة فأما أن آمر الملتقط وإن كان أمينا أن يتصدق بها فما
أنصفت الملتقط ولا الملتقط عنه إن فعلت إن كانت اللقطة مالا من مال الملتقط بحال فلم آمره أن
يتصدق وأنا لا آمره أن يتصدق به ولا بميراثه من أبيه وإن أمرته بالصدقة فكيف أضمنه ما آمره
باتلافه؟ وإن كانت الصدقة مالا من مال الملتقط عنه فكيف آمر الملتقط بأن يتصدق بمال غيره بغير
إذن رب المال؟ ثم لعله يجده رب المال مفلسا فأكون قد أتويت ماله ولو تصدق بها ملتقطها كان متعديا
فكان لربها أن يأخذها بعينها فإن نقصت في أيدي المساكين أو تلفت رجع على الملتقط إن شاء بالتلف
والنقصان وإن شاء أن يرجع بها على المساكين رجع بها إن شاء (قال الشافعي) وإذا التقط العبد اللقطة
فعلم السيد باللقطة فأقرها بيده فالسيد ضامن لها في ماله في رقبة العبد وغيره إذا استهلكها العبد قبل
السنة أو بعدها دون مال السيد لأن أخذه اللقطة عدوان، إنما يأخذ اللقطة من له ذمة يرجع بها عليه
70

ومن له مال يملكه والعبد لا مال له ولا ذمة وكذلك إن كان مدبرا أو مكاتبا أو أم ولد، والمدبر والمدبرة
كلهم في معنى العبد إلا أن أم الولد لا تباع ويكون في ذمتها إن لم يعلمه السيد وفى مال المولى إن علم
(قال الربيع) وفى القول الثاني إن علم السيد أن عبده التقطها أو لم يعلم فأقرها في يده فهي كالجناية
في رقبة العبد ولا يلزم السيد في ماله شئ (قال الشافعي) والمكاتب في اللقطة بمنزلة الحر لأنه يملك
ماله والعبد بعضه حر وبعضه عبد يقضى بقدر رقه فيه فإن التقط اللقطة في اليوم الذي يكون لنفسه فيه
أقرت في يديه وكانت مالا من ماله لأن ما كسب في ذلك اليوم في معاني كسب الأحرار وإن التقطها
في اليوم الذي هو فيه للسيد أخذها السيد منه لأن ما كسبه في ذلك اليوم للسيد وقد قيل إذا التقطها
في يوم نفسه أقر في يدي العبد بقدر ما عتق منه وأخذ السيد بقدر ما يرق منه وإذا اختلفا فالقول قول
العبد مع يمينه لأنها في يديه ولا يحل للرجل أن ينتفع من اللقطة بشئ حتى تمضى سنة وإذا باع
الرجل الرجل اللقطة قبل السنة ثم جاء ربها كان له فسخ البيع وإن باعها بعد السنة فالبيع جائز ويرجع
رب اللقطة على البائع بالثمن أو قيمتها إن شاء فأيهما شاء كان له (قال الربيع) ليس له إلا ما باع إذا
كان باع بما يتغابن الناس بمثله، فإن كان باع بما لا يتغابن الناس بمثله، غله ما نقص عما يتغابن الناس
بمثله (قال الشافعي) وإذا كانت الضالة في يدي الوالي فباعها فالبيع جائز ولسيد الضالة ثمنها فإن كانت
الضالة عبدا فزعم سيد العبد أنه أعتقها قبل البيع قبلت قوله مع يمينه إن شاء المشترى يمينه وفسخت
البيع وجعلته حرا ورددت المشترى بالثمن الذي أخذ منه (قال الربيع) وفيه قول آخر أنه لا يفسخ البيع
إلا ببينة تقوم لأن بيع الوالي كبيع صاحبه فلا يفسخ بيعه إلا ببينة أنه أعتقه قبل بيعه لأن رجلا لو باع
عبدا ثم أقر أنه أعتقه قبل أن يبيعه لم يقبل قوله فيفسخ على المشترى بيعه إلا ببينة تقوم على ذلك (قال
الشافعي) وإذا التقط الرجل الطعام الرطب الذي لا يبقى فأكله ثم جاء صاحبه غرم قيمته وله أن يأكله
إذا خاف فساده وإذا التقط الرجل ما يبقى لم يكن له أكله إلا بعد سنة مثل الحنطة والتمر وما أشبهه
(قال الشافعي) والركاز دفن الجاهلية فما وجد من مال الجاهلية على وجه الأرض فهو لقطة من اللقط
يصنع فيه ما يصنع في اللقطة لأن وجوده على ظهر الأرض وفى مواضع اللقطة يدل على أنه ملك
سقط من مالكه ولو تورع صاحبه فأدى خمسه كان أحب إلى ولا يلزمه ذلك (قال الشافعي) وإذا
وجد الرجل ضالة الإبل لم يكن له أخذها فإن أخذها ثم أرسلها حيث وجدها فهلكت ضمن
لصاحبها قيمتها والبقر والحمير والبغال في ذلك بمنزلة ضوال الإبل وغيرها وإذا أخذ السلطان الضوال
فإن كان لها حمى يرعونها فيه بلا مؤنة على ربها رعوها فيه إلى أن يأتي ربها وإن لم يكن لها حمى باعوها
ودفعوا أثمانها لأربابها، ومن أخذ ضالة فأنفق عليها فهو متطوع بالنفقة لا يرجع على صاحبها بشئ
وإن أراد أن يرجع على صاحبها بما أنفق فليذهب إلى الحاكم حتى يفرض لها نفقة ويوكل غيره بأن
يقبض لها تلك النفقة منه وينفق عليها ولا يكون للسلطان أن يأذن له أن ينفق عليها إلا اليوم واليومين وما
أشبه ذلك مما لا يقع من ثمنها موقعا فإذا جاوز ذلك أمر ببيعها، ومن التقط لقطة فاللقطة مباحة فإن
هلكت منه بلا تعد فليس بضامن لها والقول قوله مع يمينه وإذا التقطها ثم ردها في موضعها فضاعت
فهو ضامن لها وإن رآها فلم يأخذها فليس بضامن لها وهكذا إن دفعها إلى غيره فضاعت أضمنه من
ذلك ما أضمن المستودع وأطرح عنه الضمان فيما أطرح عن المستودع (قال الشافعي) وإذا حل الرجل
دابة الرجل فوقفت ثم مضت أو فتح قفصا لرجل عن طائر ثم خرج بعد لم يضمن لأن الطائر والدابة
أحدثا الذهاب والذهاب غير فعل الحال والفاتح وهكذا الحيوان كله وما فيه روح وله عقل يقف فيه
71

بنفسه ويذهب بنفسه فأما ما لا عقل له ولا روح فيه مما يضبطه الرباط مثل زق زيت وراوية ماء فحلها
الرجل فتدفق الزيت فهو ضامن إلا أن يكون حل الزيت وهو مستند قائم فكان الحل لا يدفقه فثبت
قائما ثم سقط بعد فإن طرحه إنسان فطارحه ضامن لما ذهب منه وإن لم يطرحه إنسان لم يضمنه الحال
الأول لأن الزيت إنما ذهب بالطرح دون الحل وأن الحل قد كان ولا جناية فيه (قال الشافعي) ولا
جعل لاحد جاء بآبق ولا ضالة إلا أن يكون جعل له فيه فيكون له ما جعل له وسواء في ذلك من
يعرف بطلب الضوال ومن لا يعرف به ومن قال لأجنبي إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرة دنانير ثم
قال لآخر إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرون دينار ثم جاءا به جميعا فلكل واحد منهما نصف جعله
لأنه إنما أخذ نصف ما جعل عليه كله كان صاحب العشرة قد سمع قوله لصاحب العشرين أو لم يسمعه
وكذلك لو قال لثلاثة فقال لأحدهم: إن جئتني به فلك كذا ولآخر ولآخر فجعل أجعالا مختلفة ثم
جاءوا به جميعا فلكل أحد منهم ثلث جعله.
وفى اختلاف مالك والشافعي اللقطة
(قال الربيع) سألت الشافعي رحمه الله عمن وجد لقطة قال يعرفها سنة ثم يأكلها إن شاء موسرا
كان أو معسرا فإذا جاء صاحبها ضمنها له فقلت له وما الحجة في ذلك؟ فقال السنة الثابتة وروى هذا
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأكلها وأبى من مياسير
الناس يومئذ وقبل بعد (أخبرنا) مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد
بن خالد الجهني أنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة فقال " أعرف
عفاصها ووكاءها ثم عرفها فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها " (أخبرنا) مالك عن أيوب بن موسى عن
معاوية بن عبد الله بن بدر أن أباه أخبره أنه نزل منزل قوم بطريق الشام فوجد صرة فيها ثمانون دينارا
فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقال له عمر عرفها على أبواب المساجد واذكرها لمن يقدم من الشام سنة
فإذا مضت السنة فشأنك بها (قال الشافعي) فرويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن عمر أنه أباح
بعد سنة أكل اللقطة ثم خالفتم ذلك فقلتم يكره أكل اللقطة للغنى والمسكين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع أن رجلا وجد لقطة فجاء إلى عبد الله بن عمر فقال إني وجدت
لقطة فماذا ترى؟ فقال له ابن عمر عرفها، قال قد فعلت، قال فزد قال فعلت قال لا آمرك أن تأكلها
ولو شئت لم تأخذها (قال الشافعي) وابن عمر لم يوقت في التعريف وقتا وأنتم توقتون في التعريف سنة
وابن عمر كره للذي وجد اللقطة أكلها غنيا كان أو فقيرا وأنتم ليس هكذا تقولون وابن عمر يكره له
أخذها وابن عمر كره له أن يتصدق بها وأنتم لا تكرهون له أخذها بل تستحبونه وتقولون: لو تركها
ضاعت.
وترجم في كتاب اختلاف علي وابن مسعود رضي الله عنهما اللقطة
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال دخل علي بن قيس قال سمعت هزيلا يقول رأيت عبد الله
أتاه رجل بصرة مختومة فقال عرفتها ولم أجد من يعرفها قال استمتع بها وهذا قولنا إذا عرفها سنة فلم يجد
72

من يعرفها فله أن يستمتع بها وهكذا السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث ابن مسعود
يشبه السنة، وقد خالفوا هذا كله ورووا دينا عن عامر عن أبيه عن عبد الله أنه اشترى جارية فذهب
صاحبها فتصدقوا بثمنها وقال: اللهم عن صاحبها فإن كره فلى وعلى الغرم، ثم قال وهكذا نفعل
باللقطة فخالفوا السنة في اللقطة التي لا حجة فيها، وخالفوا حديث
ابن مسعود الذي يوافق السنة وهو
عندهم ثابت واحتجوا بهذا الحديث الذي عن عامر وهم يخالفونه فيما هو بعينه يقولون: إن ذهب
البائع فليس للمشترى أن يتصدق بثمنها ولكنه يحبسه حتى يأتي صاحبها متى جاء.
كتاب اللقيط
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال سمعت الشافعي رحمه الله يقول في المنبوذ هو حر ولا ولاء له وإنما
يرثه المسلمون بأنهم قد خولوا كل مال لا مالك له ألا ترى أنهم يأخذون مال النصراني ولا وارث له؟
ولو كانوا أعتقوه لم يأخذوا ماله بالولاء ولكنهم خولوا ما لا مالك له من الأموال ولو ورثه المسلمون
وجب على الإمام أن لا يعطيه أحدا من المسلمين دون أحد وأن يكون أهل السوق والعرب من المسلمين
فيه سواء ثم وجب عليه أن يجعل ولاءه يوم ولدته أمه لجماعة الاحياء من المسلمين الرجال والنساء ثم
يجعل ميراثه لورثته من كان حيا من المسلمين من الرجال دون النساء كما يورث الولاء ولكنه مال كما
وصفنا لا مالك له ويرد على المسلمين يضعه الإمام على الاجتهاد حيث يرى.
وترجم في سير الأوزاعي الصبي يسبى ثم يموت
سئل أبو حنيفة رحمه الله عن الصبي يسبى وأبوه كافر وقعا في سهم رجل ثم مات أبوه وهو كافر ثم
مات الغلام قبل أن يتكلم بالاسلام فقال لا يصلى عليه وهو على دين أبيه لأنه لا يقر بالاسلام وقال
الأوزاعي: مولاه أولى من أبيه يصلى عليه وقال لو لم يكن معه أبوه وخرج أبوه مستأمنا لكان لمولاه أن
يبيعه من أبيه وقال أبو يوسف إذا لم يسب معه أبوه صار مسلما ليس لمولاه أن يبيعه من أبيه إذا دخل
بأمان وهو ينقض قول الأوزاعي إنه لا بأس أن يبتاع السبي ويرد إلى دار الحرب في مسألة قبل هذا
فالقول في هذا ما قال أبو حنيفة إذا كان معه أبواه أو أحدهما فهو على دينه حتى يقر بالاسلام وإذا لم
يكن معه أبواه أو أحدهما فهو مسلم (قال الشافعي) سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بني قريظة
وذراريهم فباعهم من المشركين فاشترى أبو الشحم اليهودي أهل بنت عجوز ولدها من النبي صلى الله
عليه وسلم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بما بقي من السبايا أثلاثا ثلثا إلى تهامة وثلثا إلى نجد وثلثا
إلى طريق الشام فبيعوا بالخيل والسلاح والإبل والمال وفيهم الصغير والكبير وقد يحتمل هذا أن يكونوا
من أجل أن أمهات الأطفال معهم ويحتمل أن يكون في الأطفال من لا أم له فإذا سبوا مع أمهاتهم
فلا بأس أن يباعوا من المشركين وكذلك لو سبوا مع آبائهم ولو مات أمهاتهم وآباؤهم قبل أن يبلغوا
فيصفوا الاسلام لم يكن لنا أن نصلى عليهم لأنهم على دين الأمهات والآباء إذا كان النساء بلغا فلنا
بيعهم بعد موت أمهاتهم من المشركين لأنا قد حكمنا عليهم بأن حكم الشرك ثابت عليهم إذا تركنا الصلاة
عليهم كما حكمنا به وهم مع آبائهم لا فرق بين ذلك إذا لزمهم حكم الشرك كان لنا بيعهم من المشركين
73

وكذلك النساء البوالغ قد استوهب رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية بالغا من أصحابه ففدى بها
رجلين (1)
وترجم في اختلاف مالك والشافعي باب المنبوذ
(أخبرنا) مالك عن ابن شهاب عن سنين أبى جميلة رجل من بنى سليم أنه وجد منبوذا في زمان
عمر بن الخطاب فجاء به إلى عمر فقال ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ قال وجدتها ضائعة فأخذتها
فقال عريفي يا أمير المؤمنين أنه رجل صالح فقال أكذلك؟ قال نعم قال عمر اذهب فهو حر وولاؤه لك
وعلينا نفقته قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا في المنبوذ أنه حر وأن ولاءه للمسلمين فقلت للشافعي
فبقول مالك نأخذ (قال الشافعي) فقد تركتم ما روى عن عمر في المنبوذ فإن كنتم تركتموه لأن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " الولاء لمن أعتق " فقد زعمتم أن في ذلك دليلا على أن لا يكون الولاء إلا لمن
أعتق ولا يزول عن معتق فقد خالفتم عمر استدلالا بالسنة ثم خالفتم السنة فزعمتم أن السائبة لا يكون
ولاؤه للذي أعتقه وهو معتق فخالفتموها جميعا وخالفتم السنة في النصراني يعتق العبد المسلم فزعمتم أن
لا ولاء له وهو معتق وخالفتم السنة في المنبوذ إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول " فإنما الولاء لمن
أعتق " فهذا نفى أن يكون الولاء لمن أعتق والمنبوذ غير معتق ولا ولاء له فمن أجمع ترك السنة وخالف
عمر فيا ليت شعري من هؤلاء المجمعون لا يسمون فإنا لا نعرفهم وهو المستعان ولم يكلف الله أحدا أن
يأخذ دينه عمن لا يعرفه ولو كلفه أفيجوز له أن يقبل عمن لا يعرف؟ إن هذه لغفلة طويلة فلا أعرف
أحدا يؤخذ عنه هذا العلم يؤخذ عليه مثل هذا في قوله واحد يترك ما روى في اللقيط عن عمر للسنة ثم يدع
السنة فيه في موضع آخر في السائبة والنصراني يعتق المسلم (قال الشافعي) وقد خالفنا بعض الناس في
هذا فكان قوله أشد توجيها من قولكم قالوا يتبع ما جاء عن عمر في اللقيط لأنه قد يحتمل أن لا يكون
خلافا للسنة وأن تكون السنة في المعتق (2) فيمن لا ولاء له ويجعل ولاء الرجل يسلم على يديه الرجل
للمسلم بحديث عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا في السائبة
والنصراني يعتق المسلم قولنا فزعمنا أن عليهم حجة بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإنما الولاء لمن
أعتق " لا يكون الولاء إلا لمعتق ولا يزول عن معتق فإن كانت لنا عليهم بذلك حجة فهي عليكم أبين
لأنكم خالفتموه حيث ينبغي أن توافقوه ووافقتموه حيث كان لكم شبهة لو خالفتموه.

(1) (قال) شيخنا شيخ الاسلام أيده الله تعالى: لم يذكر الشافعي رضي الله عنه جوابه في الصبي الذي يسبى
وحده وقد جوز في الخبر أنه يحتمل أن يكون في الأطفال من لا أم له وهذا الاحتمال يقتضى أنه لم يجزم الشافعي بأنه
يبيع الصبي إذا لم يكن معه أحد أبويه وهو وجه في المسألة وليس بشاذ كما قال صاحب الروضة بل كلام الشافعي يقتضيه
اه‍.
(2) قوله: فيمن لا ولاء له، كذا بالأصل ولعل قبله سقطا هكذا " وما جاء عن عمر فيمن لا ولاء له الخ "
وحرر فليس عندنا في هذا المقام أصل ثان يعززه. والله المستعان. كتبه مصححه.
74

باب الجعالة وليس في التراجم
وفى آخر اللقطة الكبيرة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا جعل لاحد جاء بآبق ولا ضالة إلا
أن يكون جعل له فيه فيكون له ما جعل له وسواء في ذلك من يعرف بطلب الضوال ومن لا يعرف به
ومن قال لأجنبي: إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرة دنانير ثم قال الآخر: إن جئتني بعبدي الآبق فلك
عشرون دينارا ثم جاءا به جميعا فلكل واحد منهما نصف جعله لأنه إنما أخذ نصف ما جعل عليه كان صاحب
العشرة قد سمع قوله لصاحب العشرين أو لم يسمعه وكذلك لو قال لثلاثة فقال لأحدهم إن جئتني به فلك
كذا، ولآخر ولآخر. فجعل أجعالا مختلفة ثم جاءوا به معا فلكل واحد منهم ثلث جعله (1).
كتاب الفرائض
" باب المواريث "
من سمى الله تعالى له الميراث وكان يرث، ومن خرج من ذلك
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فرض الله تعالى ميراث الوالدين والاخوة والزوجة والزوج (2)
فكان ظاهره أن من كان والدا أو أخا محجوبا وزوج وزوجة، فإن ظاهره يحتمل أن يرثوا وغيرهم ممن
سمى له ميراث إذا كان في حال دون حال فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقاويل أكثر أهل
العلم على أن معنى الآية أن أهل المواريث إنما ورثوا إذا كانوا في حال دون حال، قلت للشافعي:
وهكذا نص السنة؟ قال لا ولكن هكذا دلالتها، قلت وكيف دلالتها؟ قال أن يكون النبي صلى الله
عليه وسلم قال قولا يدل على أن بعض من سمى له ميراث لا يرث، فيعلم أن حكم الله تعالى لو كان
على أن يرث من لزمه اسم الأبوة والزوجة وغيره عاما لم يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد
لزمه اسم الميراث بأن لا يرث بحال، قيل للشافعي فاذكر الدلالة فيمن لا يرث مجموعة، قال لا يرث
أحد ممن سمى له ميراث حتى يكون دينه دين الميت الموروث ويكون حرا، ويكون بريئا من أن يكون
قاتلا للموروث، فإذا برئ من هذه الثلاث الخصال ورث، وإذا كانت فيه واحدة منهم لم يرث،
فقلت: فاذكر ما وصفت، قال أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان
عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم "
وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن علي بن
الحسين قال: إنما ورث أبا طالب عقيل وطالب ولم يرثه على ولا جعفر، قال: فلذلك تركنا نصيبنا

(1) انتهى الجزء الثالث حسب تجزئة الأصل.
(2) قوله: فكان ظاهره. إلى قوله " فدلت سنة الخ " كذا في النسخ. والعبارة لا تخلو من سقط أو تحريف.
فلتحرر كتبه مصححه.
75

من الشعب (قال الشافعي) فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وصفت لك من أن
الدينين إذا اختلفا بالشرك والاسلام لم يتوارث من سميت له فريضة، أخبرنا سفيان عن الزهري عن
سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من باع عبدا له مال فماله للبائع إلا أن يشترط
المبتاع (قال الشافعي) فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مال العبد إذا بيع لسيده دل هذا
على أن العبد لا يملك شيئا، وأن اسم ماله إنما هو إضافة المال إليه، كما يجوز في كلام العرب أن يقول
الرجل لأجير في غنمه وداره وأرضه هذه أرضك وهذه غنمك على الإضافة لا الملك، فإن قال
قائل: ما دل على أن هذا معناه وهو يحتمل أن يكون المال ملكا له؟ قيل له قضاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم بأن ماله للبائع دلالة على إن ملك المال لمالك الرقبة وأن المملوك لا يملك شيئا، ولم أسمع
اختلافا في أن قاتل الرجل عمدا لا يرث من قتل من دية ولا مال شيئا، ثم افترق الناس في القاتل
خطأ، فقال بعض أصحابنا يرث من المال ولا يرث من الدية وروى ذلك عن بعض أصحابنا عن
النبي صلى الله عليه وسلم بحديث لا يثبته أهل العلم بالحديث، وقال غيرهم: لا يرث قاتل الخطأ من
دية ولا مال وهو كقاتل العمد، وإذا لم يثبت الحديث فلا يرث قاتل عمد ولا خطأ شيئا أشبه بعموم
أن لا يرث قاتل ممن قتل.
باب الخلاف في ميراث أهل الملل
وفيه شئ يتعلق بميراث العبد والقاتل
(قال الربيع) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فوافقنا بعض الناس، فقال: لا يرث مملوك ولا
قاتل عمدا ولا خطأ ولا كافر شيئا، ثم عاد فقال: إذا ارتد الرجل عن الاسلام فمات على الردة أو قتل
ورثه ورثته المسلمون (قال الشافعي) فقيل لبعضهم أيعدو المرتد أن يكون كافرا أو مسلما؟ قال بل
كافر، قيل فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يرث الكافر المسلم " ولم يستثن من الكفار أحدا
فكيف ورثت مسلما كافرا؟ فقال إنه كافر قد كان ثبت له حكم الاسلام ثم أزاله عن نفسه، قلنا فإن
كان زال بإزالته إياه، فقد صار إلى أن يكون ممن قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يرثه مسلم
ولا يرث مسلما، وإن كان لم يزل بإزالته إياه، أفرأيت أن من مات له ابن مسلم وهو مرتد أيرثه؟ قال
لا: قلنا ولم حرمته؟ قال للكفر، قلنا فلم لا يحرم منه بالكفر كما حرمته؟ هل يعدو أن يكون في
الميراث بحاله قبل أن يرتد فيرث ويورث أو يكون خارجا من حاله قبل أن يرتد فلا يرث ولا يورث وقد
قتلته؟ وذلك يدل على أن حاله قد زالت بإزالته وحرمت عليه امرأته وحكمت عليه حكم المشركين في
بعض وحكم المسلمين في بعض قال فإني إنما ذهبت إلى أن عليا رضى الله تعالى عنه ورث ورثة مرتد
قتله من المسلمين ماله قلنا قد رويته عن علي رضي الله عنه وقد زعم بعض أهل العلم بالحديث قبلك أنه
غلط على علي كرم الله وجهه ولو كان ثابتا عنه كان أصل مذهبنا ومذهبك أنه لا حجة في أحد مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فيحتمل أن يكون لا يرث الكافر الذي لم يزل كافرا قلنا فإن كان
حكم المرتد مخالفا حكم من لم يزل كافرا فورثه فورثته المسلمون إذا ماتوا قبله فعلى لم ينهك عن هذا قال
هو داخل في جملة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت: فإن كان داخلا في جملة الحديث
76

عن النبي صلى الله عليه وسلم لزمك أن تترك قولك في أن ورثته من المسلمين يرثونه (قال الشافعي) وقد
روى عن معاذ بن جبل ومعاوية ومسروق وابن المسيب ومحمد بن علي بن الحسين أن المؤمن يرث الكافر
ولا يرثه الكافر وقال بعضهم كما تحل لنا نساؤهم ولا تحل لهم نساؤنا فإن قال لك قائل قضاء النبي صلى
الله عليه وسلم كان في كافر من أهل الأوثان وأولئك لا تحل ذبائحهم ولا نساؤهم وأهل الكتاب غيرهم
فيرث المسلمون من أهل الكتاب اعتمادا على ما وصفنا أو بعضهم لأنه يحتمل لهم ما احتمل لك بل لهم
شبهة ليست لك بتحليل ذبائح أهل الكتاب ونسائهم قال: لا يحل له ذلك قلنا ولم؟ قال لأنهم
داخلون في الكافرين وحديث النبي صلى الله عليه وسلم جملة. قلنا: فكذلك المرتد داخل في جملة
الكافرين. (112)
باب من قال لا يورث أحد حتى يموت
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل " إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها
نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد " وقال الله عز وجل " ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم
77

يكن لهن ولد " وقال عز وعلا " ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد " وقال النبي صلى الله عليه وسلم
" لا يرث المسلم الكافر " (قال الشافعي) وكان معقولا عن الله عز وجل ثم عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثم في لسان العرب وقول عوام أهل العلم ببلدنا أن امرأ لا يكون موروثا أبدا حتى يموت فإذا مات
كان موروثا وأن الاحياء خلاف الموتى فمن ورث حيا دخل عليه - والله تعالى أعلم - خلاف حكم
الله عز وجل وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا والناس معنا بهذا لم يختلف في جملته وقلنا به
في المفقود وقلنا لا يقسم ماله حتى يعلم يقين وفاته.
وقضى عمر وعثمان في امرأته بأن تتربص أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا. وقد يفرق بين
الرجل والمرأة بالعجز عن إصابتها. ونفرق نحن بالعجز عن نفقتها وهاتان سببا ضرر، والمفقود قد يكون
سبب ضرر أشد من ذلك، فعاب بعض المشرقيين القضاء في المفقود وفيه قول عمر وعثمان وما وصفنا
مما يقولون فيه بقولنا ويخالفونا وقالوا كيف يقضى لامرأته بأن يكون ميتا بعد مدة ولم يأت يقين موته؟ ثم
دخلوا في أعظم مما عابوا خلاف الكتاب والسنة، وجملة ما عابوا، فقالوا في الرجل يرتد في ثغر من
ثغور المسلمين فيلحق بمسلحة من مسالح المشركين فيكون قائما فيها يترهب أو جاء إلينا مقاتلا يقسم
ميراثه بين ورثته المسلمين وتحل ديونه ويعتق مدبروه وأمهات أولاده ويحكم عليه حكم الموتى في جميع
أمره ثم يعود لما حكم به عليه فيقول فيه قولا متناقضا خارجا كله من أقاويل الناس والقياس والمعقول
(قال الشافعي) فقال ما وصفت بعض من هو أعلمهم عندهم أو كأعلمهم فقلت له ما وصفت،
وقلت له أسألك عن قولك فقد زعمت أن حراما أن يقول أحد أبدا قولا ليس خبرا لازما أو قياسا
أقولك في أن يورث المرتد وهو حي إذا لحق بدار الكفر خبرا أو قياسا؟ فقال أما خبر فلا، فقلت
فقياس؟ قال نعم من وجه: قلت فأوجدنا ذلك الوجه قال: ألا ترى أنه لو كان معي في الدار وكنت
قادرا عليه قتلته؟ فقلت فإن لم تكن قادرا عليه فتقتله أفمقتول هو أم ميت بلا قتل؟ قال لا: قلت
فكيف حكمت عليه حكم الموتى وهو غير ميت؟ أو رأيت لو كانت علتك بأنك لو قدرت عليه في
حاله تلك فقتلته فجعلته في حكم الموتى فكان هاربا في بلاد الاسلام مقيما على الردة دهرا من دهره
أتقسم ميراثه؟ قال: لا، قلت فأسمع علتك بأنك لو قدرت عليه قتلته. قال فإن لم تقدر عليه حكم
عليه حكم الموتى كانت باطلا عندك فرجعت إلى الحق عندك في أن لا تقتله إذا كان هاربا في بلاد
الاسلام وأنت لو قدرت عليه قتلته. ولو كانت عندك حقا فتركت الحق في قتله إذا كان هاربا في بلاد
الاسلام. قلت: فإنما قسمت ميراثه بلحوقه بدار الكفر دون الموت؟ قال نعم. قلت: فالمسلم يلحق
بدار الكفر أيقسم ميراثه إذا كان في دار لا يجرى عليه فيها الحكم؟ قال لا. قلنا فالدار لا تميت أحدا
ولا تحييه، فهو حي حيث كان حيا وميت حيث كان ميتا. قال نعم: قلنا أفتستدرك على أحد أبدا
بشئ من جهة الرأي أقبح من أن تقول الحي ميت؟ أرأيت لو تابعك أحد على أن تزعم أن حيا يقسم
ميراثه ما كان يجب عليك أن من تابعك على هذا مغلوب على عقله أو غبي لا يسمع منه، فكيف إذا
كان الكتاب والسنة يدلان معا على دلالة المعقول على خلافكما معا؟ (قال الشافعي) وقلت له عبتم على
من قال قول عمر وعثمان رضى الله تعالى عنهما في امرأة المفقود ومن أصل ما تذهبون كما تزعمون أن
الواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال قولا كان قوله غاية ينتهي إليها وقبلتم عن
عمر أنه قال إذا أرخيت الستور وجب المهر والعدة ورددتم على من تأول الآيتين: وهما قول الله عز
وجل " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن " وقوله " فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " وقد روى هذا
78

عن ابن عباس وشريح وذهبا إلى أن الارخاء والاغلاق لا يصنع شيئا إنما يصنعه المسيس فكيف لم
تجيزوا لمن تأول على قول عمر وقال بقول ابن عباس؟ وقلتم عمر في إمامته أعلم بمعنى القرآن، ثم
امتنعتم من القبول عن عمر وعثمان القضاء في امرأة المفقود وهما لم يقضيا في ماله بشئ علمناه، وقلتم
لا يجوز أن يحكم عليه حكم الموتى قبل ان تستيقن وفاته وإن طال زمانه. ثم زعمتم أنكم تحكمون على
رجل حكم الموت وأنت على يقين من حياته في طرفة عين فلقلما رأيتكم عبتم على أحد في الاخبار التي
انتهى إليها شيئا قط إلا قلتم من جهة الرأي بمثله وأولى أن يكون معيبا فأي جهل أبين من أن تعيب في
الخبر الذي هو عندك فيما تزعم؟ غاية ما نقول من جهة الرأي ما عبت منه أو مثله، وقلت لبعضهم
أرأيت قولك لو لم يعب بخلاف كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا معقول وسكت لك عن هذا
كله ألا يكون قولك معيبا بلسانك؟ (قال) وأين؟ قلت أرأيت إذا كان الردة واللحوق بدار الحرب
يوجب عليه حكم الموت لم زعمت أن القاضي إن فرط أو لم يرفع ذلك إليه حتى يمضى سنين وهو في
دار الحرب، ثم رجع قبل أن يحكم القاضي مسلما أنه على أصل ملكه، ولم زعمت أن القاضي إن
حكم في طرفة عين عليه بحكم الموت ثم رجع مسلما كان الحكم ماضيا في بعض دون بعض. ما
زعمت أن حكم الموت يجب عليه بالردة واللحوق بدار الحرب لأنك لو زعمت ذلك، قلت: لو
رجع مسلما أنفذ عليه الحكم لأنه وجب ولا زعمت أن الحكم إذا أنفذ عليه ورجع مسلما رد الحكم
فلا ينفذ. فأنت زعمت أن ينفذ بعضا ويرد بعضا (قال) وما ذلك؟ قلت: زعمت أنه يعتق مدبروه
وأمهات أولاده ويعطى غريمه الذي حقه إلى ثلاثين سنة حالا ويقسم ميراثه فيأتي مسلما ومدبروه
وأمهات أولاده وماله قائم في يدي غريمه يقر به ويشهد عليه ولا يرد من هذا شيئا وهو ماله بعينه فكل
مال في يدي الغريم ماله بعينه وتقول لا ينقض الحكم. ثم تنزع ميراثه من يدي ورثته فكيف نقضت
بعض الحكم دون بعض؟ قال: قلت هو ماله بعينه لم يحلل له ومدبروه وأمهات أولاده بأعيانهم. ثم
زعمت أنه ينقض الحكم للورثة وأنه إن استهلك بعضهم ماله وهو موسر لم يغرمه إياه وإن لم يستهلكه
بعضهم أخذته ممن لم يستهلكه هل يستطيع أحد كمل عقله وعلمه لو تخاطأ أن يأتي بأكثر من هذا في
الحكم بعينه؟ أرأيت من نسبتم إليه الضعف من أصحابنا وتعطيل النظر وقلتم إنما يتخرص فيلقى ما جاء
على لسانه هل كان تعطيل النظر يدخل عليه أكثر من خلاف كتاب وسنة، فقد جمعتهما جميعا أو
خلاف معقول أو قياس أو تناقض قول فقد جمعته كله فإن كان أخرجك عند نفسك من أن تكون
ملوما على هذا أنك أبديته وأنت تعرفه فلا أحسب لمن أتى ما ليس له وهو يعرفه عذرا عندنا، لأنه إذا
لم يكن للجاهل بأن يقول من قبل أنه يخطئ ولا يعلم فأحسب العالم غير معذور بأن يخطئ وهو يعلم
(قال الشافعي) فقال فما تقول أنت؟ فقلت أقول إني أقف ماله حتى يموت فأجعله فيئا أو يرجع إلى
الاسلام فأرده إليه ولا أحكم بالموت على حي فيدخل على بعض ما دخل عليك.
باب رد المواريث
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى، قال الله عز وجل " إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها
نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد " وقال الله عز وجل " وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر
79

مثل حظ الأنثيين " وقال " ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم
الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين " وقال تعالى " ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد
فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم " وقال عز اسمه " ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان
له ولد، فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس " (قال الشافعي)
فهذه الآي في المواريث كلها تدل على أن الله عز وجل انتهى بمن سمى له فريضة إلى شئ، فلا ينبغي
لاحد أن يزيد من انتهى الله به إلى شئ غير ما انتهى به ولا ينقصه فبذلك قلنا: لا يجوز رد المواريث
(قال الشافعي) وإذا ترك الرجل أخته أعطيتها نصف ما ترك وكان ما بقي للعصبة فإن لم تكن عصبة
فلمواليه الذين أعتقوه، فإن لم يكن له موال أعتقوه كان النصف مردودا على جماعة المسلمين من أهل
بلده، ولا تزاد أخته على النصف وكذلك لا يرد على وارث ذي قرابة ولا زوج ولا زوجة له فريضة
ولا تجاوز بذى فريضة فريضته والقرآن إن شاء الله تعالى يدل على هذا وهو قول زيد بن ثابت وقول
الأكثر ممن لقيت من أصحابنا.
باب الخلاف في رد المواريث
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقال لي بعض الناس إذا ترك الميت أخته ولا وارث لها غيرها ولا
مولى أعطيت الأخت المال كله، قال: فقلت لبعض من يقول هذا إلى أي شئ ذهبتم؟ قال ذهبنا
إلى أن روينا عن علي بن أبي طالب وابن مسعود رد المواريث: فقلت له ما هو عن واحد منهما فيما
علمته بثابت، ولو كان ثابتا كنت قد تركت عليهما أقاويل لهما في الفرائض غير قليلة لقول زيد بن ثابت
فكيف إن كان زيد لا يقول بقولهما لا يرد المواريث لم لم تتبعه دونهما كما اتبعته دونهما في غير هذا من
الفرائض؟ (قال الشافعي) فقال فدع هذا ولكن أرأيت إذا اختلف القولان في رد المواريث أليس
يلزمنا أن نصير إلى أشبه القولين بكتاب الله تبارك وتعالى؟ قلنا بلى قال فعدهما خالفاه أي القولين أشبه
بكتاب الله تبارك وتعالى؟ قلنا قول زيد بن ثابت لا شك إن شاء الله تعالى قال وأين الدلالة على موافقة
قولكم في كتاب الله عز وجل دون قولنا؟ قلت قال الله عز وجل " إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت
فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد " وقال " فإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ
الأنثيين " فذكر الأخت منفردة فانتهى بها إلى النصف وذكر الأخ منفردا فانتهى به إلى الكل وذكر
الأخ والأخت مجتمعين فجعلها على النصف من الأخ في الاجتماع كما جعلها في الانفراد أفرأيت إن
أعطيتها الكل منفردة أليس قد خالفت حكم الله تبارك وتعالى نصا؟ لأن الله عز وجل انتهى بها إلى
النصف وخالفت معنى حكم الله إذ سويتها به وقد جعلها الله تبارك وتعالى معه على النصف منه (قال
الشافعي) فقلت له وآي المواريث كلها تدل على خلاف رد المواريث قال فقال أرأيت إن قلت لا
أعطيها النصف الباقي ميراثا؟ قلت له قل ما شئت قال أراها موضعه قلت فإن رأى غيرك غيرها موضعه
فأعطاها جارة له محتاجة أو جارا له محتاجا أو غريبا محتاجا؟ قال فليس له ذلك قلت ولا لك بل هذا
أعذر منك، هذا لم يخالف حكم الكتاب نصا وإنما خالف قول عوام المسلمين لأن عوام منهم يقولون
هو لجماعة المسلمين.
80

باب المواريث
أخبرنا الربيع بن سليمان قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " ونادى نوح ابنه
وكان في معزل يا بنى " وقال عز وجل " وإذا قال إبراهيم لأبيه آزر " فنسب إبراهيم إلى أبيه وأبوه كافر
ونسب ابن نوح إلى أبيه نوح وابنه كافر وقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في زيد بن حارثة
" ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم " وقال تبارك
وتعالى " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه " فنسب الموالي نسبين أحدهما إلى الآباء والآخر إلى
الولاء وجعل الولاء بالنعمة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بال رجال يشترطون شروطا ليست
في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق
وشرطه أوثق وإنما الولاء لمن أعتقه " فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولاء إنما يكون للمعتق قال
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب " فدل
الكتاب والسنة على أن الولاء إنما يكون بمتقدم فعل من المعتق كما يكون النسب بمتقدم ولاد من الأب
ألا ترى أن رجلا لو كان لا أب له يعرف جاء رجلا فسأله أن ينسبه إلى نفسه ورضى ذلك الرجل لم
يجز أن يكون له ابنا أبدا فيكون مدخلا به على عاقلته مظلمة في أن يعقلوا عنه ويكون ناسبا إلى نفسه
غير من ولد وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش " وكذلك إذا لم يعتق الرجل الرجل
لم يجز أن يكون منسوبا إليه بالولاء فيدخل على عاقلته المظلمة في عقلهم عنه وينسب إلى نفسه ولاء من
لم يعتق وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء " لمن أعتق " فبين في قوله " إنما الولاء لمن أعتق "
أنه لا يكون الولاء إلا لمن أعتق أو لا ترى أن رجلا لو أمر ابنه أن ينتسب إلى غيره أو ينتفى من نسبه
وتراضيا على ذلك لم تنقطع أبوته عنه بما أثبت الله عز وجل لكل واحد منهما على صاحبه؟ أولا ترى
أنه لو أعتق عبدا له ثم أذن له بعد العتق أن يوالي من شاء أو ينتفى من ولايته ورضى بذلك المعتق لم
يكن لواحد منهما أن يفعل ذلك لما أثبت الله تعالى عليه من النعمة؟ فلما كان المولى في المعنى الذي فيه
النسب ثبت الولاء بمتقدم المنة كما ثبت النسب بمتقدم الولادة لم يجز أن يفرق بينهما أبدا إلا بسنة أو
إجماع من أهل العلم وليس في الفرق بينهما في هذا المعنى سنة ولا إجماع (قال الشافعي) قد حضرني
جماعة من أصحابنا من الحجازيين وغيرهم فكلمني رجل من غيرهم بأن قال إذا أسلم الرجل على يدي
رجل فله ولاؤه إذا لم يكن له ولاء نعمة وله أن يوالي من شاء، وله أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه فإذا
عقل عنه لم يكن له أن ينتقل عنه، وقال لي فما حجتك في ترك هذا؟ قلت خلافه ما حكيت من قول
الله عز وجل " ادعوهم لآبائهم " الآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم " فإنما الولاء لمن أعتق " فدل ذلك
على أن النسب يثبت بمتقدم الولاد كما ثبت الولاء بمتقدم العتق، وليس كذلك الذي يسلم على يدي
الرجل، فكان النسب شبيها بالولاء والولاء شبيها بالنسب، فقال لي قائل: إنما ذهبت في هذا إلى
حديث رواه ابن موهب عن تميم الداري قلت لا يثبت، قال أفرأيت إذا كان هذا الحديث ثابتا أيكون
مخالفا لما رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن أعتق " قلت لا: قال فكيف تقول؟ قلت
أقول إن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق ونهيه عن بيع الولاء وعن هبته، وقوله
الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب فيمن أعتق لأن العتق نسب والنسب لا يحول، والذي
يسلم على يدي الرجل ليس هو المنهى أن يحول ولاؤه، قال فبهذا قلنا، فما منعك منه إذا كان الحديثان
81

محتملين أن يكون لكل واحد منهما وجه؟ قلت: منعني أنه ليس بثابت، إنما يرويه عبد العزيز بن
عمر عن ابن موهب عن تميم الداري، وابن موهب ليس بالمعروف عندنا ولا نعلمه لقى تميما، ومثل
هذا لا يثبت عندنا ولا عندك من قبل أنه مجهول ولا نعلمه متصلا، قال: فإن من حجتنا أن عمر
قال: في المنبوذ هو حر ولك ولاؤه، يعنى للذي التقطه، قلت: وهذا لو ثبت عن عمر حجة عليك
لأنك تخالفه، قال: ومن أين؟ قلت: أنت تزعم أنه لا يوالي عن الرجل إلا نفسه بعد أن يعقل،
وأن له إذا والى عن نفسه أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه، فإن زعمت أن موالاة عمر عنه لأنه وليه
جائزة عليه، فهل لوصي اليتيم أن يوالي عنه؟ قال: ليس ذلك له، قلت: فإن زعمت أن ذلك
للوالي دون الوصي، فهل وجدته يجوز للوالي شئ في اليتيم لا يجوز للوصي (1)؟ فإن زعمت أن ذلك
حكم من عمر والحكم لا يجوز عندك على أحد إلا بشئ يلزمه نفسه أو فيما لا بد له منه مما لا يصلحه
غيره، ولليتيم بد من الولاء، فإن قلت هو حكم فلا يكون له أن ينتقل به فكيف يجوز أن يكون له أن
ينتقل إذا عقد على نفسه عقدا ما لم يعقل عنه، ولا يكون له أن ينتقل إن عقده عليه غيره؟ (قال)
فإن قلت هو أعلم بمعنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت ونعارضك بما هو أثبت عن
ميمونة وابن عباس من هذا عن عمر بن الخطاب، قال وما هو؟ قلت وهبت ميمونة ولاء بني يسار
لابن أختها عبد الله بن عباس فاتهبه، فهذه زوج النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس وهما اثنان،
قال فلا يكون في أحد ولو كانوا عددا كثيرا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة، قلنا فكيف احتججت
بأحد على النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال هكذا يقول بعض أصحابنا، قلت أبيت أن تقبل هذا من
غيرك، فقال من حضرنا من المدنيين هذه حجة ثابتة، قال فأنتم إن كنتم ترونها ثابتة فقد تخالفونها في
شئ قالوا ما نخالفها في شئ، وما نزعم أن الولاء يكون إلا لذي نعمة (قال الشافعي) فقال لي
قائل اعتقد عنهم جوابهم، فأزعم أن للسائبة أن يوالي من شاء، قلت لا يجوز هذا إذا كان من
احتججنا به من الكتاب والسنة والقياس، إلا أن يأتي فيه خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر
أجمع الناس عليه فنخرجه من جملة المعتقين اتباعا، قال فهم يروون أن حاطبا أعتق سائبة على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلنا ونحن: لا نمنع أحدا أن يعتق سائبة، فهل رويت أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال ولاء السائبة إليه يوالي من شاء؟ قال لا: قلت فداخل هو في معنى المعتقين؟ قال
نعم: قلت أفيجوز أن يخرج وهو معتق من أن يثبت له وعليه الولاء، قال فإنهم يروون أن رجلا قتل
سائبة فقضى عمر بعقله على القاتل فقال أبو القاتل أرأيت لو قتل ابني؟ قال إذا لا يغرم، قال فهو إذا
مثل الأرقم، قال عمر فهو مثل الأرقم، فاستدلوا بأنه لو كانت له عاقلة بالولاء قضى عمر بن
الخطاب على عاقلته؟ قلت فأنت إن كان هذا ثابتا عن عمر محجوج به، قال وأين؟ قلت تزعم أن
ولاء السائبة لمن أعتقه، قال فأعفني من ذا فإنما أقوم لهم بقولهم. قلت: فأنت تزعم أن من لا ولاء له
من لقيط ومسلم وغيره إذا قتل إنسانا قضى بعقله على جماعة المسلمين لأن لهم ميراثه، وأنت تزعم أن
عمر لم يقض بعقله على أحد. قال: وهكذا يقول جميع المفتين. قلت: أفيجوز لجميع المفتين أن
يخالفوا عمر؟ قال لا هو عن عمر منقطع ليس بثابت. قلت: فكيف احتججت به؟ قال لا أعلم

(1) قوله: فإن زعمت أن ذلك حكم الخ كذا في جميع النسخ بدون ذكر لجواب الشرط، ولعل واو
" الحكم " محرفة عن الفاء فيكون هو الجواب أو غير ذلك وحرر. كتبه مصححه.
82

لهم حجة غيره. قلت: فبئس ما قضيت على من قمت بحجته إذا كان احتج بغير حجة عندك، قال
فعندك في السائبة شئ مخالف لهذا؟ قلت: إن قبلت الخبر المنقطع فنعم (قال الشافعي) أخبرنا سعيد
ومسلم عن ابن جريج عن عطاء أن طارق بن المرقع أعتق أهل أبيات من أهل اليمن سوائب فانقلعوا عن
بضعة عشر ألفا فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فأمر أن تدفع إلى طارق أو إلى ورثة طارق (قال
الشافعي) فهذا إن كان ثابتا يدلك على أن عمر يثبت ولاء السائبة لمن سيبه، وهذا معروف عن أبي
بكر الصديق رضي الله عنه في تركة سالم الذي يقال له سالم مولى أبى حذيفة أن أبا بكر أعطى
فضل ميراثه عمرة بنت يعار الأنصارية وكانت أعتقته سائبة. وروى عن ابن مسعود أنه قال في
السائبة شبيها بمعنى ذلك فيما أظن حديث منقطع. قال: فهل عندك حجة تفرق بين السائبة وبين
الذي يسلم على يدي الرجل غير الحديث المنقطع قلت نعم من القياس. قال ما هو؟ قلت: إن الذي
يسلم على يدي الرجل وينتقل بولائه إلى موضع إنما ذلك برضا المنتسب والمنسوب إليه وله أن ينتقل بغير
رضا من أنتسب إليه وإن السائبة يقع العتق عليه بلا رضا منه وليس له أن ينتقل منه ولو رضى بذلك هو
ومعتقه، وإنه ممن يقع عليه عتق المعتق مع دخوله في جملة المعتقين. كان أهل الجاهلية يبحرون
البحيرة ويسيبون السائبة ويوصلون الوصيلة ويعفون الحام وهذه من الإبل والغنم. فكانوا يقولون في
الحام إذا ضرب في إبل الرجل عشر سنين وقيل نتج له عشرة حام أي حمى ظهره فلا يحل أن يركب.
ويقولون في الوصيلة وهي من الغنم إذا وصلت بطونا توما ونتج نتاجها فكانوا يمنعونها مما يفعلون بغيرها
مثلها، ويسيبون السائبة. فيقولون قد أعتقناك سائبة ولا ولاء لنا عليك ولا ميراث يرجع منك
ليكون أكمل لتبررنا فيك. فأنزل الله عز وجل " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا
وحام " الآية فرد الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم الغنم إلى مالكها إذا كان العتق من لا يقع على غير
الآدميين وكذلك لو أنه أعتق بعيره لم يمنع بالعتق منه إذا حكم الله عز وجل أن يرد إليه ذلك ويبطل
الشرط فيه، فكذلك أبطل الشروط في السائبة ورده إلى ولاء من أعتقه مع الجملة التي وصفنا لك
(قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد أن عبد الله بن أبي بكر وعبد العزيز أخبراه أن عمر بن عبد
العزيز كتب في خلافته في سائبة مات أن يدفع ميراثه إلى الذي أعتقه (قال الشافعي) وإن كانت
الكفاية فيما ذكرنا من الكتاب والسنة والقياس. فقال فما تقول في النصراني يعتق العبد المسلم؟ قلت
فهو حر. قال فلمن ولاؤه؟ قلت للذي أعتقه. قال فما الحجة فيه؟ قلت ما وصفت لك إذ كان الله عز
وجل نسب كافرا إلى مسلم ومسلما إلى كافر والنسب أعظم من الولاء، قال فالنصراني لا يرث المسلم،
قلت وكذلك الأب لا يرث ابنه إذا اختلف أديانهما وليس منعه ميراثه بالذي قطع نسبه منه هو ابنه
بحاله إذ كان ثم متقدم الأبوة، وكذلك العبد مولاه بحاله إذ كان ثم متقدم العتق. قال وإن أسلم
لمعتق؟ قلت يرثه. قال فإن لم يسلم؟ قلت فإن كان للمعتق ذوو رحم مسلمون فيرثونه. قال وما الحجة
في هذا؟ ولم إذ دفعت الذي أعتقه عن ميراثه تورث به غيره إذ لم يرث هو فغيره أولى أن لا يرث
بقرابته منه؟ قلت هذا من شبهك، قال فأوجدني الحجة فيما قلت؟ قلت أرأيت الابن إذا كان مسلما
فمات وأبوه كافر؟ قال لا يرثه قلت فإن كان له إخوة أو أعمام أو بنو عم مسلمون؟ قال يرثونه، قلت
وبسبب من ورثوه؟ قال بقرابتهم من الأب، قلت فقد منعت الأب من الميراث وأعطيتهم بسببه، قال
إنما منعته بالدين فجعلته إذا خالف دينه كأنه ميت وورثته أقرب الناس به ممن هو على دينه قلت فما
منعنا من هذه الحجة في النصراني؟ قال هي لك ونحن نقول بها معك ولكنا احتججنا لمن خالفك من
83

أصحابك، قلت: أو رأيت فيما احتججت به حجة؟ قال لا وقال أرأيت إذا مات رجل ولا ولاء
له؟ قلت فميراثه للمسلمين، قال: بأنهم مواليه؟ قلت لا ولا يكون المولى إلا معتقا وهذا غير معتق،
قال فإذا لم تورثهم بأنهم موال وليسوا بذوي نسب فكيف أعطيتهم ماله؟ قلت لم أعطهموه ميراثا ولو
أعطيتهموه ميراثا وجب على أن أعطيه من على الأرض حين يموت كما أجعله لو كانوا معا أعتقوه، وأنا
وأنت إنما نصيره للمسلمين يوضع منهم في خاصة والمال الموروث لا يوضع في خاصة فكان يدخل
عليك لو زعمت بأنه ورث بالولاء هذا وأن تقول أنظر اليوم الذي أسلم فيه فأثبت ولاءه لجماعة من كان
حيا من المسلمين يومئذ فيرثه ورثة أولئك الاحياء دون غيرهم ويدخل عليك في النصراني يموت ولا
وارث له فتجعل ماله لجماعة المسلمين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر " قال فبأي شئ تعطى المسلمين ميراث من لا نسب له ولا ولاء له من المسلمين وميراث النصراني إذا لم
يكن له نسب ولا ولاء؟
قلت بما أنعم الله تعالى به على أهل دينه فخولهم من أموال المشركين إذا قدروا
عليها ومن كل مال لا مالك له يعرف من المسلمين. مثل الأرض الموات فلم يحرم عليهم أن يحيوها،
فلما كان هذان المالان لا مالك لهما يعرف خولهما الله أهل دين الله من المسلمين
الرد في المواريث
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن كانت له فريضة في كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله صلى
الله عليه وسلم أو ما جاء عن السلف انتهينا به إلى فريضته، فإن فضل من المال شئ لم نرده عليه،
وذلك أن علينا شيئين. أحدهما أن لا ننقصه مما جعله الله تعالى له والآخر أن لا نزيده عليه والانتهاء إلى
حكم الله عز وجل هكذا وقال بعض الناس نرده عليه إذا لم يكن للمال من يستغرقه وكان من ذوي
الأرحام وأن لا نرده على زوج ولا زوجة وقالوا روينا قولنا هذا عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم، قلنا لهم أنتم تتركون ما تروون عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود في
أكثر الفرائض لقول زيد بن ثابت وكيف لم يكن هذا مما تتركون؟ قالوا إنا سمعنا قول الله عز وجل
" وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " فقلنا معناها على غير ما ذهبتهم إليه، ولو كان على
ما ذهبتهم إليه كنتم قد تركتموه قالوا فما معناها؟ قلنا توارث الناس بالحلف والنصرة ثم توارثوا بالاسلام
والهجرة، ثم نسخ ذلك فنزل قول الله عز وجل " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله "
على معنى ما فرض الله عز ذكره وسن رسوله صلى الله عليه وسلم لا مطلقا هكذا. ألا ترى أن الزوج
يرث أكثر مما يرث ذوو الأرحام ولا رحم له، أو لا ترى أن ابن العم البعيد يرث المال كله ولا يرثه
الخال والخال أقرب رحما منه فإنما معناها على ما وصفت لك من أنها على ما فرض الله لهم وسن رسول
الله صلى الله عليه وسلم. وأنتم تقولون: إن الناس يتوارثون بالرحم وتقولون خلافه في موضع آخر
تزعمون أن الرجل إذا مات وترك أخواله ومواليه فماله لمواليه دون أخواله فقد منعت ذوي الأرحام الذين
قد تعطيهم في حال وأعطيت المولى الذي لا رحم له المال. قال فما حجتك في أن لا ترد المواريث؟
قلنا ما وصفت لك من الانتهاء إلى حكم الله عز وجل وأن لا أزيد ذا سهم على سهمه ولا أنقصه قال
فهل من شئ تثبته سوى هذا؟ قلت: نعم، قال الله عز وجل " إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت
فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد " وقال عز ذكره " وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر
84

مثل حظ الأنثيين "
فذكر الأخ والأخت منفردين فانتهى بالأخت إلى النصف وبالأخ إلى الكل وذكر
الاخوة والأخوات مجتمعين فحكم بينهم مثل حكمه بينهم منفردين قال " فللذكر مثل حظ الأنثيين "
فجعلها على النصف منه في كل حال، فمن قال برد المواريث قال أورث الأخت المال كله فخالف
قوله الحكمين معا، قلت: فإن قلتم نعطيها النصف بكتاب الله عز وجل ونرد عليها النصف لا ميراثا.
قلنا بأي شئ ترده عليها؟ قال ما نرده أبدا إلا ميراثا أو يكون مالا حكمه إلى الولاة فما كان كذلك
فليس الولاة بمخيرين، وعلى الولاة أن يجعلوه لجماعة المسلمين ولو كانوا فيه مخيرين كان للوالي أن يعطيه
من شاء والله تعالى الموفق.
باب ميراث الجد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقلنا إذا ورث الجد مع الاخوة قاسمهم ما كانت المقاسمة خيرا له
من الثلث فإذا كان الثلث خيرا له منها أعطيه وهذا قول زيد بن ثابت وعنه قبلنا أكثر الفرائض وقد روى
هذا القول عن عمر وعثمان أنهما قالا فيه قول زيد بن ثابت وقد روى هذا أيضا عن غير واحد من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول الأكثر من فقهاء البلدان وقد خالفنا بعض الناس في ذلك
فقال: الجد أب، وقد اختلف فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر وعائشة وابن
عباس وعبد الله بن عتبة وعبد الله بن الزبير رضي الله عنه: إنه أب إذا كان معه الاخوة طرحوا وكان
المال للجد دونهم وقد زعمنا نحن وأنت أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا اختلفوا لم نصر إلى
قول واحد منهم دون قول الآخر إلا بالتثبت مع الحجة البينة عليه وموافقته للسنة وهكذا نقول وإلى
الحجة ذهبنا في قول زيد بن ثابت ومن قال قوله، قال فإنا نزعم أن الحجة في قول من قال الجد أب
لخصال منها أن الله عز وجل قال " يا بني آدم " وقال " ملة أبيكم إبراهيم " فأقام الجد في النسب أبا
وأن المسلمين لم يختلفوا في أن لم ينقصوه من السدس وهذا حكمهم للأب وأن المسلمين حجبوا بالجد
الأخ للام وهكذا حكمهم في الأب فكيف جاز أن يجمعوا بين أحكامه في هذه الخصال وأن يفرقوا
بين أحكامه وحكم الأب فيما سواها قلنا إنهم لم يجمعوا بين أحكامه فيها قياسا منهم للجد على الأب
قالوا وما دل على ذلك؟ قلنا أرأيتم الجد لو كان إنما يرث باسم الأبوة هل كان اسم الأبوة يفارقه لو كان
دونه أب أو يفارقه لو كان قاتلا أو مملوكا أو كافرا؟ قال لا قلنا فقد نجد اسم الأبوة يلزمه وهو غير وارث
وإنما ورثناه بالخبر في بعض المواضع دون بعض لا باسم الأبوة قال فإنهم لا ينقصونه من السدس
وذلك حكم الأب قلنا ونحن لا ننقص الجدة من السدس أفترى ذلك قياسا على الأب فتقفها موقف
الأب فتحجب بها الاخوة؟ قالوا لا ولكن قد حجبتم الاخوة من الام بالجد كما حجبتموهم بالأب
قلنا نعم قلنا هذا خبرا لا قياسا ألا ترى أنا نحجبهم بابنة ابن متسفلة ولا نحكم لها بحكم الأب وهذا يبين
لكم أن الفرائض تجتمع في بعض الأمور دون بعض قالوا وكيف لم تجعلوا أبا الأب كالأب كما جعلتم
ابن الابن كالابن؟ قلنا لاختلاف الأبناء والآباء لأنا وجدنا الأبناء أولى بكثرة المواريث من الآباء
وذلك أن الرجل يترك أباه وابنه فيكون لابنه خمسة أسداس ولأبيه السدس ويكون له بنون يرثونه معا
ولا يكون أبوان يرثانه معا وقد نورث نحن وأنتم الأخت ولا نورث ابنتها أو نورث الام ولا نورث ابنتها
إذا كان دونها غيرها وإن ورثناها لم نورثها قياسا على أمها وإنما ورثناها خبرا لا قياسا قال فما حجتكم
85

في أن أثبتم فرائض الاخوة مع الجد؟ قلنا ما وصفنا من الاتباع وغير ذلك قالوا وما غير ذلك؟ قلنا
أرأيت رجلا مات وترك أخاه وجده هل يدلى واحد منهما إلى الميت بقرابة نفسه؟ قالوا لا قلنا أليس إنما
يقول أخوه أنا ابن أبيه ويقول جده أنا أبو أبيه وكلاهما يطلب ميراثه لمكانه من أبيه؟ قالوا بلى قلنا أفرأيتم
لو كان أبوه الميت في تلك الساعة أيهما أولى بميراثه؟ قال يكون لابنه خمسة أسداسه ولأبيه السدس قلنا
وإذا كانا جميعا إنما يدليان بالأب فابن الأب أولى بكثرة ميراثه من أبيه فكيف جاز أن يحجب الذي
هو أولى بالأب الذي يدليان بقرابته بالذي هو أبعد منه؟ قلنا ميراث الإخوة ثابت في القرآن ولا فرض
للجد فيه فهو أقوى في القرآن والقياس في ثبوت الميراث قال فكيف جعلتم الجد إذا كثر الاخوة أكثر
ميراثا من أحدهم؟ قلنا خبرا ولو كان ميراثه قياسا جعلناه أبدا مع الواحد وأكثر من الاخوة أقل ميراثا
فنظرنا كل ما صار للأخ ميراثا فجعلنا للأخ خمسة أسهم وللجد سهما كما ورثناهما حين مات ابن الجد
أبو الابن قال فلم لم تقولوا بهذا؟ قلنا لم نتوسع بخلاف ما روينا عنه من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم إلا أن يخالف بعضهم إلى قول بعض فنكون غير خارجين من أقاويلهم.
ميراث ولد الملاعنة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقلنا إذا مات ولد الملاعنة وولد الزنا ورثت أمه حقها في كتاب
الله عز وجل وإخوته لامه حقوقهم ونظرنا ما بقي فإن كانت أمه مولاة عتاقة كان ما بقي ميراثا لموالي أمه
وإن كانت عربية أو لا ولاء لها كان ما بقي لجماعة المسلمين وقال بعض الناس بقولنا فيها إلا في خصلة
واحدة إذا كانت أمه عربية أو لا ولاء لها ردوا ما بقي من ميراثه على عصبة أمه وكان عصبة أمه عصبته
واحتجوا فيه برواية ليست بثابتة وأخرى ليست مما يقوم بها حجة وقالوا كيف لم تجعلوا عصبته عصبة أمه
كما جعلتم مواليه موالي أمه؟ قلنا بالامر الذي لم نختلف نحن وأنتم في أصله ثم تركتم قولكم فيه قلت أرأيتم
المولاة العتيقة تلد من مملوك أو ممن لا يعرف أليس يكون ولاء ولدها تبعا لولائها حتى يكونوا كأنهم
أعتقوا معا ما لم يجر أب ولاءهم؟ قالوا بلى قلنا أو يعقل عنهم موالي أمهم ويكونون أولياء في التزويج
لهم؟ قالوا بلى قلنا فإن كانت عربية فتكون عصبتها عصبة ولدها فيعقلون عنهم ويزوجون بناتهم قالوا لا
قلنا فإذا كان موالي الام يقومون مقام العصبة في ولد مولاتهم وكان الأخوال لا يقومون ذلك المقام في
بنى أختهم فكيف أنكرت ما قلنا والأصل الذي ذهبنا إليه واحد؟
ميراث المجوس
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقلنا إذا أسلم المجوسي وابنة الرجل امرأته أو أخته أمه نظرنا إلى
أعظم السببين فورثناها به وألغينا الآخر وأعظمهما أثبتهما بكل حال وإذا كانت أم أختا ورثناها بأنها أم
وذلك أن الام قد تثبت في كل حال والأخت قد تزول وهكذا جميع فرائضهم على هذه المنازل وقال
بعض الناس أورثها من الوجهين معا فقلنا له أرأيت إذا كان معها أخت وهي أخت أم؟ قال احجبها
من الثلث بأن معها أختين وأورثها من الوجه الآخر لأنها أخت قلنا أرأيت حكم الله عز وجل إذ جعل
للأم الثلث في حال ونقصها منه بدخول الاخوة عليها أليس إنما نقصها بغيرها لا بنفسها؟ قال بلى
86

بغيرها نقصها فقلنا وغيرها خلافها؟ قال نعم قلنا فإذا نقصتها بنفسها أفليس قد نقصتها بخلاف ما
نقصها الله عز وجل به؟ وقلنا أرأيت إذا كانت أما على الكمال فكيف يجوز أن تعطيها بنقصها دون
الكمال وتعطيها أما كاملة وأختا كاملة وهما بدنان وهذا بدن؟ قال فقد دخل عليك أن عطلت أحد
الحقين قلنا لما لم يكن سبيل إلى استعمالهما إلا بخلاف الكتاب وخلاف المعقول لم يجز إلا تعطيل أصغرهما
لا أكبرهما قال فهل تجد علينا شيئا من ذلك؟ قلنا نعم قد تزعم أن المكاتب ليس بكامل الحرية ولا
رقيق وأن كل من لم تكمل فيه الحرية صار إلى حكم العبيد لأنه لا يرث ولا يورث ولا تجوز شهادته ولا
يحد من قذفه ولا يحد هو إلا حد العبيد فتعطل موضع الحرية منه قال: إني أحكم عليه أنه رقيق قلت
أفي كل حاله أو في بعض حاله دون بعض؟ قال بل في بعض حاله دون بعض لأني لو قلت لك في
كل حاله قلت لسيد المكاتب أن يبيعه ويأخذ ماله، قلت: فإذا كان قد اختلط أمره فلم يمحض عبدا
ولم يمحض حرا فكيف لم تقل فيه بما رويته عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه يعتق منه بقدر ما
أدى وتجوز شهادته بقدر ما أدى ويحد بقدر ما أدى ويرث ويورث بقدر ما أدى؟ قال لا تقول به قلنا
وتصير على أصل أحكامه وهو حكم العبيد فيما نزل به وتمنعه الميراث؟ قال نعم قلنا فكيف لم تجز لنا في
فرض المجوس ما وصفنا؟ وإنما صيرنا المجوس إلى أن أعطيناهم بأكثر ما يستوجبون فلم نمنعهم حقا من
وجه إلا أعطيناهم ذلك الحق أو بعضه من وجه آخر وجعلنا الحكم فيهم حكما واحدا معقولا لا
متبعضا لا أنا جعلنا بدنا واحدا في حكم بدنين.
ميراث المرتد (1)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسين عن
عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يرث المسلم الكافر ولا
87

الكافر المسلم " (قال الشافعي) وبهذا نقول فكل من خالف دين الاسلام من أهل الكتاب ومن أهل
الأوثان فإن ارتد أحد من هؤلاء عن الاسلام لم يرثه المسلم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطع الله
الولاية بين المسلمين والمشركين فوافقنا بعض الناس على كل كافر إلا المرتد وحده فإنه قال ترثه ورثته من
المسلمين فقلنا فيعدو المرتد أن يكون داخلا في معنى الكافرين أو يكون في أحكام المسلمين؟ فإن
قلت: هو في بعض حكمه في أحكام المسلمين، قلنا أفيجوز أن يكون كافرا في حكم مؤمنا في غيره؟
فيقول لك غيرك فهو كافر حيث جعلته مؤمنا ومؤمن حيث جعلته كافرا، قال لا، قلنا أفليس يجوز لك

(1) قوله: وقد تصادفا على أنه ملك المالك الخ لعله " على أنه نقل ملك المالك " وحرر. كتبه مصححه.
88

من هذا شئ إلا جاز عليك مثله؟ قال فإنا إنما صرنا في هذا إلى أثر رويناه أن علي بن أبي طالب
رضي الله عنه قتل المستورد وورث ميراثه ورثته المسلمين قلنا فقد زعم بعض أهل الحديث منكم أنه
غلط ونحن نجعله لك ثابتا أفرأيت حكمه في سوى الميراث أحكم مشرك أو مسلم؟ قال بل حكم مشرك
قلنا فإن حبست المرتد لتقتله أو لتستتيبه فمات ابن له مسلم أيرثه؟ قال لا، قلنا أفرأيت أحدا قط لا
يرث ولده إلا أن يكون قاتله ويرثه ولده؟ إنما أثبت الله عز وجل المواريث للأبناء من الآباء حيث
أثبت المواريث للآباء من الأبناء وقطع ولاية المسلمين من المشركين وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم
89

أن لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم فإن كان المرتد خارجا من معنى حكم الله تبارك وتعالى وحكم
رسوله صلى الله عليه وسلم من بين المشركين بالأثر الذي زعمت لزمك أن تكون قد خالفت الأثر لأن
علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يمنعه ميراث ولده لو ماتوا وهو لو ورث ولده منه انبغى أن يورثه
ولده إذا كان عنده مخالفا لغيره من المشركين ولو جاز أن يرثوه ولا يرثهم كان في مثل معنى ما حكم به
معاوية بن أبي سفيان وتابعه عليه غيره فقال نرث المشركين ولا يرثونا كما تحل لنا نساؤهم ولا تحل لهم
نساؤنا أفرأيت إن احتج عليك أحد بهذا من قول معاوية ومن تابعه عليه منهم سعيد بن المسيب ومحمد
بن علي بن الحسين وغيرهما وقد روى عن معاذ بن جبل شبيهه، وقد قاله معاوية ومعاذ في أهل
الكتاب، وقال لك إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يحكم به على أهل الأوثان والنساء اللاتي
يحللن للمسلمين نساء أهل الكتاب لا نساء أهل الأوثان فقال لمعاذ بن جبل ولمعاوية ولهما فقه وعلم فلم لم
توافق قولهما؟ وقد يحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " أن
يكون أراد به الكفار من أهل الأوثان واتبع معاوية ومعاذا في أهل الكتاب فأورث المسلم من الكافر ولا
أورث الكافر من المسلم كما أقول في نكاح نسائهم قال لا يكون ذلك له لأنه إذا قال النبي صلى الله
عليه وسلم " لا يرث المسلم " الكافر فهذا على جميع الكفار، قلنا ولم لا تستدل بقول من سمينا مع أن
الحديث محتمل له؟ قال إنه قل حديث إلا وهو يحتمل معاني والأحاديث على ظاهرها لا تحال عنه إلى
معنى تحتمله إلا بدلالة عمن حدث عنه قلنا ولا يكون أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإن
كان مقدما حجة في أن يقول بمعنى يحتمله الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا قلنا
فكل ما قلت من هذا حجة عليك في ميراث المرتد وفيما رويت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
90

مثله (قال الشافعي) وقلنا لا يؤخذ مال المرتد عنه حتى يموت أو يقتل على ردته وإن رجع إلى الاسلام
كان أحق بماله. وقال بعض الناس إذا ارتد فلحق بدار الحرب قسم الإمام ميراثه كما يقسم ميراث
الميت وأعتق أمهات أولاده ومدبريه وجعل دينه المؤجل حالا وأعطى ورثته ميراثه فقيل له عبت أن
يكون عمر وعثمان رضى الله تعالى عنهما حكما في دار السنة والهجرة في امرأة المفقود الذي لا يسمع له
بخبر والأغلب أنه قد مات بأن تتربص امرأته أربع سنين ثم أربعة أشهر وعشرا ثم تنكح فقلت وكيف
نحكم بحكم الوفاة على رجل امرأته وقد يمكن أن يكون حيا؟ وهم لم يحكموا في ماله بحكم الحياة
إنما حكموا به لمعنى الضرر على الزوجة، وقد نفرق نحن وأنت بين الزوج وزوجته بأقل من هذا الضرر على
الزوجة فنزعم أنه إذا كان عنينا فرق بينهما ثم صرت برأيك إلى أن حكمت على رجل حي لو ارتد
بطرسوس فامتنع بمسلحة الروم ونحن نرى حياته بحكم الموتى في كل شئ في ساعة من نهار خالفت
فيه القرآن ودخلت في أعظم من الذي عبت. وخالفت من عليك عندك اتباعه فيما عرفت وأنكرت
قال وأين القرآن الذي خالفت؟ قلت قال: قال الله عز وجل " إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت
فلها نصف ما ترك " وقال عز وجل " ولكم نصف ما ترك أزواجكم " فإنما تقل ملك الموتى إلى الاحياء
والموتى خلاف الاحياء ولم ينقل بميراث قط ميراث حي إلى حي فنقلت ميراث الحي إلى الحي وهو
خلاف حكم الله تبارك وتعالى. قال فإني أزعم أن ردته ولحوقه بدار الحرب مثل موته، قلت قولك هذا
خبر؟ قال ما فيه خبر ولكني قلته قياسا. قلت فأين القياس؟ قال ألا ترى أنى لو وجدته في هذه أحال
قتلته فكان ميتا، قلت قد علمت أنك إذا قتلته مات فأنت لم تقتله فأين القياس؟ إنما قتله لو أمته
فأنت لم تمته. ولو كنت بقولك لو قدرت عليه قتلته كالقاتل له لزمك إذا رجع إلى بلاد الاسلام أن
يكون حكمه الميت فتنفذ عليه حكم الموتى. قال ما أفعل وكيف أفعل وهو حي؟ قلت قد فعلت؟ ولا
وهو حي ثم زعمت أنك إن حكمت عليه بحكم الموتى فرجع تائبا وأم ولده قائمة ومدبره قائم وفى يد
غريمه ماله بعينه الذي دفعته إليه وهو إلى عشر سنين وفى يد أبيه ميراث فقال لك رد على مالي وهذا
غريمي يقول هذا مالك بعينه لم أغيره وإنما هو لي إلى عشر سنين وهذه أم ولدى ومدبري بأعيانهما قال
لا أرده عليه لأن الحكم قد نفذ فيه، قلنا فكيف رددت عليه ما في يدي وارثه وقد نفذ له به الحكم؟
قال هذا ماله بعينه، قلنا والمال الذي في يد غريمه وأم ولده ومدبره ماله بعينه، فكيف نقضت الحكم
في بعضه دون بعض؟ هل قلت هذا خبرا أو قياسا قال ما قلته خبرا ولكن قلته قياسا، قلنا فعلى أي
شئ قسته؟ قال على أموال أهل البغى يصيبها أهل العدل، فإن تاب أهل البغى فوجدوا أموالهم
بأعيانها أخذوها وإن لم يجدوها بأعيانها لم يغرمها أهل العدل، وكذلك ما أصاب أهل العدل لأهل
البغى، قلنا فهذا وجد ماله بعينه فرددت بعضه ولم تردد بعضه فأما أهل العدل لو أصابوا لأهل الغى
أم ولد أو مدبرة رددتهما على صاحبهما وقلت لا يعتقان ولا يملكهما غير صاحبهما وليس هكذا قلت في
مال المرتد.
ميراث المشركة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قلنا إن المشركة زوج وأم وأخوان لأب وأم وأخوان لام فللزوج
النصف وللأم السدس وللأخوين من الام الثلث ويشركهم بنو الأب لأن الأب لما سقط حكمه صاروا
91

بنى أم معا وقال بعض الناس مثل قولنا إلا أنهم قالوا لا يشركهم بنو الأب والام واحتجوا علينا بأن
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيها فقال بعضهم قولنا وقال بعضهم قولهم فقالوا اخترنا قول
من قلنا بقوله من قبل أنا وجدنا بنى الأب والام قد يكونون مع بنى الام فيكون للواحد منهم الثلثان
وللجماعة من بنى الام الثلث ووجدنا بنى الأب والام قد يشركهم أهل الفرائض فيأخذون أقل مما يأخذ
بنو الام فلما وجدناهم مرة يأخذون أكثر مما يأخذون ومرة أقل مما يأخذون فرقنا بين حكميهم فورثنا كلا
على حكمه لأنا وإن جمعتهم الام لم نعطهم دون الأب وإن أعطيناهم بالأب مع الام فرقنا بين حكميهم
فقلنا إنا إنما أشركناهم مع بنى الام لأن الام جمعتهم وسقط حكم الأب فإذا سقط حكم الأب كان
كأن لم يكن ولو صار للأب موضع يكون له فيه حكم استعملناه قل نصيبهم أو كثر قال فهل تجد مثل ما
وصفت من أن يكون الرجل مستعملا في حال ثم تأتى حال فلا يكون مستعملا فيها؟ قلنا نعم قال وما
ذاك؟ قلنا ما قلنا نحن وأنت وخالفت فيه صاحبك من الزوج ينكح المرأة بعد ثلاث تطليقات ثم
يطلقها فتحل للزوج قبله ويكون مبتدئا لنكاحها وتكون عنده على ثلاث ولو نكحها بعد واحدة أو
اثنتين لم يهدم الواحد ولا الثنتين كما يهدم الثلاث لأنه لما كان له معنى في إحلال المرأة هدم الطلاق
الذي تقدمه إذا كانت لا تحل إلا به ولما لم يكن له معنى في الواحدة والثنتين وكانت تحل لزوجها
بنكاح قبل زوج كما كانت تحل لو لم يطلقها لم يكن له معنى فلم نستعمله قال إنا لنقول هذا خبرا عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قلت وقياسا كما وصفنا لأنه قد خالف عمر فيه غيره قال فهل تجد لي
هذا في الفرائض؟ قلت نعم الأب يموت ابنه وللابن إخوة فلا يرثون مع الأب فإذا كان الأب قاتلا
ورثوا ولم يورث الأب من قبل أن حكم الأب قد زال وما زال حكمه كان كمن لم يكن فلم نمنعهم
الميراث به إذا صار لا حكم له كما منعناهم به إذا كان له حكم وكذلك لو كان كافرا أو مملوكا قال فهذا
لا يرث بحال وأولئك يرثون بحال قلنا أو ليس إنما ننظر في الميراث إلى الفريضة التي يدلون فيها بحقوقهم
لا ننظر إلى حالهم قبلها ولا بعدها؟ قال وما تعنى بذلك؟ قلت لو لم يكن قاتلا ورث وإذا صار قاتلا لم
يرث ولو كان مملوكا فمات ابنه لم يرث ولو عتق قبل أن يموت ورث قال هذا هكذا؟ قلنا فنظرنا إلى
الحال التي لم يكن فيها للأب حكم في الفريضة أسقطناه ووجدناهم لا يخرجون من أن يكونوا إلى
بنى الام.
كتاب الوصايا
أخبرنا الربيع بن سليمان قال كتبنا هذا الكتاب من نسخة الشافعي من خطه بيده ولم نسمعه منه
وذكر الربيع في أوله وإذا أوصى الرجل للرجل بمثل نصيب أحد ولده وذكر بعده تراجم وفى آخرها ما
ينبغي أن يكون مقدما وهو:
باب الوصية وترك الوصية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فيما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوصية: إن قوله صلى
الله عليه وسلم " ما حق امرئ له مال يحتمل ما لا مرئ أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده "
ويحتمل ما المعروف في الأخلاق إلا هذا لا من وجه الفرض.
92

باب الوصية يمثل نصيب أحد ولده أو أحد ورثته ونحو ذلك، وليس في التراجم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وصى الرجل للرجل بمثل نصيب أحد ولده، فإن كانوا
اثنين فله الثلث وإن كانوا ثلاثة فله الربع حتى يكون مثل أحد ولده، وإن كان أوصى بمثل نصيب
ابنه، فقد أوصى له بالنصف فله الثلث كاملا إلا أن يشاء الابن أن يسلم له السدس (قال) وإنما
ذهبت إذا كانوا ثلاثة إلى أن يكون له الربع وقد يحتمل أن يكون له الثلث لأنه يعلم أن أحد ولده الثلاثة
يرثه الثلث وأنه لما كان القول محتملا أن يكون أراد أن يكون كأحد ولده وأراد أن يكون له مثل ما يأخذ
أحد ولده، جعلت به الأقل فأعطيته إياه لأنه اليقين ومنعته الشك، وهكذا لو قال أعطوه مثل نصيب
أحد ولدى فكان في ولده رجال ونساء أعطيته نصيب امرأة لأنه أقل، وهكذا لو كان ولده ابنة وابن
ابن، فقال أعطوه مثل نصيب أحد ولدى أعطيته السدس، ولو كان ولد الابن اثنين أو أكثر أعطيته
أقل ما يصيب واحدا منهم، ولو قال له مثل نصيب أحد ورثتي، فكان في ورثته امرأة ترثه ثمنا ولا
وارث له يرث أقل من ثمن أعطيته إياه، ولو كان له أربع نسوة يرثنه ثمنا أعطيته ربع الثمن، وهكذا لو
كانت له عصبة فورثوه أعطيته مثل نصيب أحدهم وإن كان سهما من ألف سهم، وهكذا لو كانوا
موالي، وإن قل عددهم وكان معهم وارث غيرهم زوجة أو غيرها أعطيته أبدا الأقل مما يصيب أحد
ورثته، ولو كان ورثته إخوة لأب وأم وإخوة لأب وإخوة لأم، فقال أعطوه مثل نصيب أحد إخوتي
أو له مثل نصيب أحد إخوتي فذلك كله سواء، ولا تبطل وصيته بأن الإخوة للأب لا يرثون ويعطى
مثل نصيب أقل إخوته الذين يرثونه نصيبا، إن كان أحد إخوته لام أقل نصيبا أو بنى الام والأب
أعطى مثل نصيبه (قال) ولو قال أعطوه مثل أكثر نصيب وارث لي نظر من يرثه فأيهم كان أكثر له
ميراثا أعطى مثل نصيبه حتى يستكمل الثلث، فإن جاوز نصيبه الثلث لم يكن له إلا الثلث، إلا أن
يشاء ذلك الورثة، وهكذا لو قال أعطوه أكثر مما يصيب أحدا من ميراثي أو أكثر نصيب أحد ولدى
أعطى ذلك حتى يستكمل الثلث ولو قال أعطوه ضعف ما يصيب أكثر ولدى نصيبا أعطى مثلي ما
يصيب أكثر ولده نصيبا ولو قال ضعفي ما يصيب ابني نظرت ما يصيب ابنه فإن كان مائة أعطيته ثلاثمائة
فأكون أضعفت المائة التي تصيبه بميراثه مرة ثم مرة فذاك ضعفان وهكذا إن قال ثلاثة أضعاف وأربعة
لم أزد على أن أنظر أصل الميراث فأضعفه له مرة بعد مرة حتى يستكمل ما أوصى له به ولو قال أعطوه
مثل نصيب أحد من أوصيت له أعطى أقل ما يصيب أحدا ممن أوصى له لأني إذا أعطيته أقل فقد
أعطيته ما أعلم أنه أوصى له به فأعطيته باليقين ولا أجاوز ذلك لأنه شك والله تعالى أعلم.
باب الوصية بجزء من ماله
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو قال لفلان نصيب من مالي أو جزء من مالي أو حظ من مالي
كان هذا كله سواء ويقال للورثة أعطوه منه ما شئتم لأن كل شئ جزء ونصيب وحظ، فإن قال
الموصى له قد علم الورثة أنه أراد أكثر من هذا أحلف الورثة ما تعلمه أراد أكثر مما أعطاه ونعطيه وهكذا
لو قال أعطوه جزءا قليلا من مالي أو حظا أو نصيبا ولو قال مكان قليل كثيرا ما عرفت للكثير حدا وذلك
أنى لو ذهبت إلى أن أقول الكثير كل ما كان له حكم وجدت قوله تعالى " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا
93

يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " فكان مثقال ذرة قليلا وقد جعل الله تعالى لها حكما يرى في الخير
والشر ورأيت قليل مال الآدميين وكثيره سواء يقضى بأدائه على من أخذه غصبا أو تعديا أو استهلكه
(قال الشافعي) ووجدت ربع دينار قليلا وقد يقطع فيه (قال الشافعي) ووجدت مائتي درهم قليلا
وفيها زكاة وذلك قد يكون قليلا فكل ما وقع عليه اسم قليل وقع عليه اسم كثير فلما لم يكن للكثير حد
يعرف وكان اسم الكثير يقع على القليل كان ذلك إلى الورثة وكذلك لو كان حيا فأقر لرجل بقليل ماله
أو كثيره كان ذلك إليه فمتى لم يسم شيئا ولم يحدده فذلك إلى الورثة لأني لا أعطيه بالشك ولا أعطيه
إلا باليقين.
باب الوصية بشئ مسمى بغير عينه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أوصى لرجل فقال أعطوه عبدا من رقيقي أعطوه أي عبد
شاءوا وكذلك لو قال اعطوه شاة من غنمي أو بعيرا من إبلي أو حمارا من حميري أو بغلا من بغالي أعطاه
الورثة أي ذلك شاءوا مما سماه ولو قال أعطوه أحد رقيقي أو بعض رقيقي أو رأسا من رقيقي أعطوه أي
رأس شاءوا من رقيقه ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا معيبا أو غير معيب وكذلك إذا قال دابة من دوابي
أعطوه أي دابة شاءوا أنثى أو ذكرا صغيرة كانت أو كبيرة وكذلك يعطونه صغيرا من الرقيق إن شاءوا أو
كبيرا ولو أوصى فقال أعطوه رأسا من رقيقي أو دابة من دوابي فمات من رقيقه رأس أو من دابة فقال
الورثة هذا الذي أوصى لك به وأنكر الموصى له ذلك فقد ثبت للموصى له عبد أو رأس من رقيقه
فيعطيه الورثة أي ذلك شاءوا وليس عليه ما مات ما حمل الثلث ذلك كما لو أوصى له بمائة دينار
فهلك من ماله مائة دينار لم يكن عليه أن يحسب عليه ما حمل ذلك الثلث وذلك أنه جعل المشيئة فيما
يقطع به إليهم فلا يبرءون حتى يعطوه إلا أن يهلك ذلك كله فيكون كهلاك عبد أوصى له به بعينه وإن
لم يبق إلا واحد مما أوصى له به من دواب أو رقيق فهو له وإن هلك الرقيق أو الدواب أو ما أوصى له به
كله بطلت الوصية.
باب الوصية بشئ مسمى لا يملكه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو قال الموصى أعطوا فلانا شاة من غنمي أو بعيرا من إبلي أو
عبدا من رقيقي أو دابة من دوابي فلم يوجد له دابة ولا شئ من الصنف الذي أوصى له به بطلت
الوصية لأنه أوصى له بشئ مسمى أضافه إلى ملكه لا يملكه وكذلك لو أوصى له وله هذا الصنف
فهلك أو باعه قبل موته بطلت الوصية له ولو مات وله من صنف ما أوصى فيه شئ فمات ذلك الصنف
إلا واحدا كان ذلك الواحد للموصى له إذا حمله الثلث ولو مات فلم يبق منه شئ بطلت وصية الرجل
له بذهابه ولو تصادقوا على أنه بقي منه شئ فقال الموصى له استهلكه الورثة وقال الورثة بل هلك من
السماء كان القول قول الورثة وعلى الموصى له البينة فإن جاء بها قيل للورثة أعطوه ما شئتم مما يكون مثله
ثمنا لأقل الصنف الذي أوصى له به والقول في ثمنه قولكم إذا جئتم بشئ يحتمل واحلفوا له إلا أن يأتي
ببينة على أن أقله ثمنا كان مبلغ ثمنه كذا ولو استهلك ذلك كله وارث أو أجنبي كان للموصى له أن
94

يرجع على مستهلكة من كان بثمن أي شئ سلمه له الوارث منه فإن أخذ الوارث منه ثمن بعض ذلك
الصنف وأفلس ببعضه رجع الموصى له على الوارث بما أصاب ما سلم له الوارث من ذلك الصنف بقدر
ما أخذ كأنه أخذ نصف ثمن غنم فقال الوارث أسلم له أدنى شاة منها وقيمتها درهمان فيرجع على الوارث
بدرهم وهكذا هذا في كل صنف، والله تعالى أعلم.
باب الوصية بشاة من ماله
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن رجلا أوصى لرجل بشاة من ماله قيل للورثة أعطوه أي
شاة شئتم كانت عندكم أو اشتريتموها له صغيرة أو كبيرة ضائنة أو ماعزة فإن قالوا نعطيه ظبيا أو
أو أروية لم يكن ذلك لهم وإن وقع على ذلك اسم شاة لأن المعروف إذا قيل شاة ضائنة أو ماعزة وهكذا
لو قالوا نعطيك تيسا أو كبشا لم يكن ذلك لهم لأن المعروف إذا قيل شاة أنها أنثى وكذلك لو قال أعطوه
بعيرا أو ثورا من مالي لم يكن لهم أن يعطوه ناقة ولا بقرة لأنه لا يقع على هذين اسم البعير ولا الثور على
الانفراد وهكذا لو قال أعطوه عشر أينق من مالي لم يكن لهم أن يعطوه فيها ذكرا وهكذا لو قال أعطوه
عشرة أجمال أو عشرة أثوار أو عشرة أتياس لم يكن لهم أن يعطوه أنثى من واحد من هذه الأصناف ولو
قال أعطوه عشرا من غنمي أو عشرا من إبلي أو عشرا من أولاد غنمي أو إبلي أو بقرى أو قال أعطوه
عشرا من الغنم أو عشرا من البقر أو عشرا من الإبل كان لهم أن يعطوه عشرا إن شاءوا إناثا كلها وإن
شاءوا ذكورا كلها وإن شاءوا ذكورا وإناثا لأن الغنم والبقر والإبل جماع يقع على الذكور والإناث ولا
شئ أولى من شئ ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس فيما دون خمس ذود صدقة " فلم
يختلف الناس أن ذلك في الذكور دون الإناث والإناث دون الذكور والذكور والإناث لو كانت لرجل
ولو قال أعطوا فلانا من مالي دابة قيل لهم أعطوه إن شئتم من الخيل أو البغال أو الحمير أنثى أو ذكرا
لأنه ليس الذكر منها بأولى باسم الدابة من الأنثى ولكنه لو قال أنثى من الدواب أو ذكرا من الدواب لم
يكن له إلا ما أوصى به ذكرا كان أو أنثى صغيرا كان أو كبيرا أعجف كان أو سمينا معيبا كان أو
سليما. والله تعالى الموفق.
باب الوصية بشئ مسمى فيهلك بعينه أو غير عينه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أوصى الرجل لرجل بثلث شئ واحد بعينه مثل عبد وسيف
ودار وأرض وغير ذلك فاستحق ثلثا ذلك الشئ أو هلك وبقى ثلثه مثل دار ذهب السيل بثلثيها أو
أرض كذلك فالثلث كالباقي للموصى له به إذا خرج من الثلث من قبل أن الوصية موجودة وخارجة
من الثلث.
باب ما يجوز من الوصية في حال ولا يجوز في أخرى
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو قال أعطوا فلانا كلبا من كلابي وكانت له كلاب كانت الوصية
95

جائزة لأن الموصى له يملكه بغير ثمن وإن استهلكه الورثة ولم يعطوه إياه أو غيرهم لم يكن له ثمن يأخذه
لأنه لا ثمن للكلب ولو لم يكن له كلب فقال أعطوا فلانا كلبا من مالي كانت الوصية باطلة لأنه ليس
على الورثة ولا لهم أن يشتروا من ثلثه كلبا فيعطوه إياه ولو استوهبوه فوهب لهم لم يكن داخلا في ماله
وكان ملكا لهم ولم يكن عليهم أن يعطوا ملكهم للموصى له والموصى لم يملكه ولو قال أعطوه طبلا من
طبولي وله الطبل الذي يضرب به للحرب والطبل الذي يضرب به للهو فإن كان الطبل الذي يضرب به
للهو يصلح لشئ غير اللهو قيل للورثة أعطوه أي الطبلين شئتم لأن كلا يقع عليه اسم طبل ولو لم يكن
له إلا أحد الصنفين، لم يكن لهم أن يعطوه من الآخر وهكذا لو قال أعطوه طبلا من مالي وطبل
له ابتاع له الورثة أي الطبلين شاءوا بما يجوز له فيه وإن ابتاعوا له الطبل الذي يضرب به للحرب فمن
أي عود أو صفر شاءوا ابتاعوه ويبتاعونه وعليه أي جلد شاءوا مما يصلح على الطبول فإن أخذه بجلدة لا
تعمل على الطبول لم يجز ذلك حتى يأخذوه بجلدة يتخذ مثلها على الطبول وإن كانت أدنى من
ذلك (1) فإن اشترى له الطبل الذي يضرب به فكان يصلح لغير الضرب واشترى له طبلا فإن كان
الجلدان اللذان يجعلان عليهما يصلحان لغير الضرب أخذ بجلدته وإن كانا لا يصلحان لغير الضرب أخذ
الطبلين بغير جلدين وإن كان يقع على طبل الحرب اسم طبل بغير جلدة أخذته الورثة إن شاءوا بلا جلد
وإن كان الطبل الذي يضرب به لا يصلح إلا للضرب لم يكن للورثة أن يعطوه طبلا إلا طبلا للحرب
كما لو كان أوصى له بأي دواب الأرض شاء الورثة لم يكن لهم أن يعطوه خنزيرا ولو قال أعطوه كبرا كان
الكبر الذي يضرب به دون ما سواه من الطبول ودون الكبر الذي يتخذه النساء في رؤوسهن لأنهن إنما
سمين ذلك كبرا تشبيها بهذا وكان القول فيه كما وصفت إن صلح لغير الضرب جازت الوصية وإن لم
يصلح إلا للضرب لم تجز عندي ولو قال أعطوه عودا من عيداني وله عيدان يضرب بها وعيدان قسى
وعصى وغيرها فالعود إذا وجه به المتكلم للعود الذي يضرب به دون ما سواه مما يقع عليه اسم عود فإن
كان العود يصلح لغير الضرب جازت الوصية ولم يكن عليه إلا أقل ما يقع عليه اسم عود وأصغره بلا
وتر وإن كان لا يصلح إلا للضرب بطلت عندي الوصية وهكذا القول في المزامير كلها وإن قال مزمار
من مزاميري أو من مالي فإن كانت له مزامير شتى فأيها شاءوا أعطوه وإن لم يكن له إلا صنف منها
أعطوه من ذلك الصنف وإن قال مزمار من مالي أعطوه أي مزمار شاءوا ناي أو قصبة أو غيرها
إن صلحت لغير الزمر وإن لم تصلح إلا للزمر لم يعط منها شيئا ولو أوصى رجل لرجل بجرة خمر بعينها
بما فيها أهريق الخمر وأعطى ظرف الجرة ولو قال أعطوه قوسا من قسي وله قسى معمولة وقسى غير
معمولة أو ليس له منها شئ فقال أعطوه عودا من القسي كان عليهم أن يعطوه قوسا معمولة أي قوس
شاءوا صغيرة أو كبيرة عربية أو أي عمل شاءوا إذا وقع عليها اسم قوس ترمى بالنبل أو النشاب
أو الحسبان ومن أي عود شاءوا ولو أرادوا أن يعطوه قوس جلاهق أو قوس نداف أو قوس كرسف لم
يكن لهم ذلك لأن من وجه بقوس فإنما يذهب إلى قوس رمى بما وصفت وكذلك لو قال أي قوس
شئتم أو أي قوس الدنيا شئتم ولكنه لو قال أعطوه أي قوس شئتم مما يقع عليه اسم قوس أعطوه إن شاءوا
قوس نداف أو قوس قطن أو ما شاءوا مما وقع عليه اسم قوس ولو كان له صنف من القسي فقال أعطوه

(1) قوله: فإن اشترى له الطبل الذي يضرب به فكان يصلح إلى قوله " وإن كان الطبل الذي يضرب به الخ " كذا في
جميع النسخ ولعل في العبارة سقطا وحرر. كتبه مصححه.
96

من قسي لم يكن لهم أن يعطوه من غير ذلك الصنف ولا عليهم وكان لهم أن يعطوه أيها شاءوا كانت عربية أو
فارسية أو دودانية أو قوس حسبان أو قوس قطن.
باب الوصية في المساكين والفقراء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل فقال ثلث مالي في المساكين فكل من لا مال
له ولا كسب يغنيه داخل في هذا المعنى وهو للأحرار دون المماليك ممن لم يتم عتقه (قال) وينظر أين
كان ماله فيخرج ثلثه فيقسم في مساكين أهل ذلك البلد الذي به ماله دون غيرهم فإن كثر حتى يغنيهم
نقل إلى أقرب البلدان له ثم كان هكذا حيث كان له مال صنع به هذا وهكذا لو قال ثلث مالي في
الفقراء كان مثل المساكين يدخل فيه الفقير والمسكين لأن المسكين فقير والفقير مسكين إذا أفرد الموصى
القول هكذا ولو قال ثلث مالي في الفقراء والمساكين، علمنا أنه أراد التمييز بين الفقر والمسكنة، فالفقير
الذي لا مال له ولا كسب يقع منه موقعا، والمسكين من له مال أو كسب يقع منه موقعا ولا يغنيه،
فيجعل الثلث بينهم نصفين ونعني به مساكين أهل البلد الذي بين أظهرهم ماله وفقراءهم وإن قل،
ومن أعطى في فقراء أو مساكين، فإنما أعطى لمعنى فقر أو مسكنة، فينظر في المساكين فإن كان فيهم
من يخرجه من المسكنة مائة وآخر يخرجه من المسكنة خمسون أعطى الذي يخرجه من المسكنة مائة
سهمين والذي يخرجه خمسون سهما، وهكذا يصنع في الفقراء على هذا الحساب ولا يدخل فيهم ولا
يفضل ذو قرابة على غيره إلا بما وصفت في غيره من قدر مسكنته أو فقره (قال) فإذا نقلت من بلد إلى
بلد أو خص بها بعض المساكين والفقراء دون بعض كرهته، ولم يبن لي أن يكون على من فعل ذلك
ضمان، ولكنه لو أوصى لفقراء ومساكين فأعطى أحد الصنفين دون الآخر ضمن نصف الثلث وهو
السدس لأنا قد علمنا أنه أراد صنفين فحرم أحدهما، ولو أعطى من كل صنف أقل من ثلاثة
ضمن، ولو أعطى واحدا ضمن ثلثي السدس لأن أقل ما يقسم عليه السدس ثلاثة، وكذلك لو كان
الثلث لصنف كان أقل ما يقسم عليه ثلاثة، ولو أعطاها اثنين ضمن حصة واحد إن كان الذي أوصى
به السدس فثلث السدس وإن كان الثلث فثلث الثلث لأنه حصة واحدة، وكذلك لو قال ثلث مالي
في المساكين يضعه حيث رأى منهم كان له أقل ما يضعه فيه ثلاثة يضمن إن وضعه في أقل حصة ما
بقي من الثلاثة وكان الاختيار له أن يعمهم، ولا يضيق عليه أن يجتهد فيضعه في أحوجهم، ولا
يضعه كما وصفت في أقل من ثلاثة، وكان له الاختيار إذا خص أن يخص قرابة الميت لأن إعطاء
قرابته يجمع أنهم من الصنف الذي أوصى لهم وأنهم ذو رحم على صلتها ثواب.
باب الوصية في الرقاب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أوصى بثلث ماله في الرقاب أعطى منها في المكاتبين ولا
يبتدئ منها عتق رقبة، وأعطى من وجد من المكاتبين بقدر ما بقي عليهم وعموا كما وصفت في الفقراء
والمساكين لا يختلف ذلك وأعطى ثلث كل مال له في بلد في مكاتبي أهله (قال) وإن قال يضعه
منهم حيث رأى فكما قلت في الفقراء والمساكين لا يختلف، فإن قال يعتق به عنى رقابا لم يكن له أن
97

يعطى مكاتبا منه درهما وإن فعل ضمن (1) وإن بلغ أقل من ثلاث رقاب لم يجزه أقل من عتق ثلاث
رقاب، فإن فعل ضمن حصة من تركه من الثلث، وإن لم يبلغ ثلاث رقاب وبلغ أقل من رقبتين
يجدهما ثمنا وفضل فضل جعل الرقبتين أكثر ثمنا حتى يذهب في رقبتين ولا يحبس شيئا لا يبلغ رقبة،
وهكذا لو لم يبلغ رقبتين وزاد على رقبة، ويجزيه أي رقبة اشترى صغيرة أو كبيرة أو ذكرا أو أنثى،
وأحب إلى أزكي الرقاب وخيرها وأحراها أن يفك من سيده ملكه، وإن كان في الثلث سعة تحتمل
أكثر من ثلاث رقاب فقيل أيهما أحب إليك إقلال الرقاب واستغلاؤها أو إكثارها واسترخاصها؟ قال
إكثارها واسترخاصها أحب إلى، فإن قال ولم؟ لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من
أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار " ويزيد بعضهم في الحديث " حتى الفرج
بالفرج ".
باب الوصية في الغارمين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أوصى بثلث ماله في الغارمين فالقول أنه يقسم في غارمي
البلد الذي به ماله وفي أقل ما يعطاه ثلاثة فصاعدا كالقول في الفقراء والرقاب وفى أنه يعطى الغارمون
بقدر غرمهم كالقول في الفقراء لا يختلف، ويعطى من له الدين عليهم أحب إلى، ولو أعطوه في
دينهم رجوت أن يسع.
باب الوصية في سبيل الله
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى، وإذا أوصى الرجل بثلث ماله في سبيل الله أعطيه من أراد الغزو
لا يجزى عندي غيره، لأن من وجه بأن أعطى في سبيل الله لا يذهب إلى غير الغزو وإن كان كل ما
أريد الله به من سبيل الله. والقول في أن يعطاه من غزا من غير البلد الذي به مال الموصى ويجمع
عمومهم وأن يعطوا بقدر مغازيهم إذا بعدت وقربت مثل القول في أن تعطى المساكين بقدر منسكنتهم
لا يختلف، وفى أقل من يعطاه وفى مجاوزته إلى بلد غيره مثل القول في المساكين لا يختلف، ولو قال
أعطوه في سبيل الله أو في سبيل الخير أو في سبيل البر أو في سبيل الثواب جزئ أجزاء فأعطيه ذو
قرابته فقراء كانوا أو أغنياء والفقراء والمساكين وفى الرقاب والغارمين والغزاة وابن السبيل والحاج،
ودخل الضيف وابن السبيل والسائل والمعتر فيهم أو في الفقراء والمساكين لا يجزئ عندي غيره أن يقسم
بين هؤلاء لكل صنف منهم سهم فإن لم يفعل الوصي ضمن سهم من منعه إذا كان موجودا ومن لم
يجده حبس له سهمه حتى يجده بذلك البلد أو ينقل إلى أقرب البلدان به ممن فيه ذلك الصنف
فيعطونه.

(1) قوله: وإن بلغ أقل من ثلاث رقاب وقوله بعد " وبلغ أقل من رقبتين " كذا في النسخ بزيادة لفظ " أقل من " في
الموضعين، والظاهر أنهما من زيادة الناسخ والمعنى على سقوطهما فتأمل. كتبه مصححه.
98

باب الوصية في الحج
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى. وإذا مات الرجل وكان قد حج حجة الاسلام فأوصى أن يحج
عنه فإن بلغ ثلثه حجة من بلده أحج عنه رجل من بلده وإن لم يبلغ أحج عنه رجلا من حيث بلغ ثلثه
(قال الربيع) الذي يذهب إليه الشافعي أنه من لم يكن حج حجة الاسلام أن عليه أن يحج عنه من
رأس المال وأقل ذلك من الميقات (قال الشافعي) ولو قال أحجوا عنى فلانا بمائة درهم وكانت المائة
أكثر من إجارته أعطيها لأنها وصية له كان بعينه أو بغير عينه ما لم يكن وارثا، فإن كان وارثا فأوصى له
أن يحج عنه بمائة درهم وهي أكثر من اجر مثله قيل له إن شئت فأحجج عنه بأجر مثلك ويبطل الفضل
عن أجر مثلك لأنها وصية والوصية لوارث لا تجوز، وإن لم تشأ أحججنا عنه غيرك بأقل ما يقدر عليه
أن يحج عنه من بلده، والإجارة بيع من البيوع فإذا لم يكن فيها محاباة فليست بوصية، ألا ترى أنه لو
أوصى أن يشترى عبد لوارث فيعتق فاشترى بقيمته جاز؟ وهكذا لو أوصى أن يحج عنه فقال وارثه أنا
أحج عنه بأجر مثلي جاز له أن يحج عنه بأجر مثله (قال) ولو قال أحجوا عنى بثلثي حجة وثلثه يبلغ أكثر
من حجج جاز ذلك لغير وارث، ولو قال أحجوا عنى بثلثي وثلثه يبلغ حججا فمن أجاز أن يحج عنه
متطوعا أحج عنه بثلثه بقدر ما بلغ لا يزيد أحدا ويحج عنه على أجر مثله فإن فضل من ثلثه ما لا يبلغ
أن يحج عنه أحد من بلده أحج عنه من أقرب البلدان إلى مكة حتى ينفد ثلثه. فإن فضل درهم أو
أقل مما لا يحج عنه به أحد رد ميراثا وكان كمن أوصى لمن لم يقبل الوصية (قال) فإن أوصى أن يحج
عنه حجة أو حججا في قول من أجاز أن يحج عنه فأحج عنه ضرورة لم يحج فالحج عن الحاج لا عن
الميت ويرد الحاج جميع الأجرة (قال) ولو استؤجر عنه من حج فأفسد الحج رد جميع الإجارة لأنه
أفسد العمل الذي استؤجر عليه ولو أحجوا عنه امرأة أجزأ عنه وكان الرجل أحب إلى، ولو أحجوا
رجلا عن امرأة أجزأ عنها (قال) وإحصار الرجل عن الحج مكتوب في كتاب الحج، وإذا أوصى
الرجل أن يحجوا عنه رجلا فمات الرجل قبل أن يحج عنه أحج عنه غيره كما لو أوصى أن يعتق عنه رقبة
فابتيعت فلم تعتق حتى ماتت أعتق عنه أخرى. ولو أوصى رجل قد حج حجة الاسلام فقال أحجوا
عنى فلانا بمائة درهم وأعطوا ما بقي من ثلثي فلانا وأوصى بثلث ماله لرجل بعينه فللموصى له بالثلث
نصف الثلث لأنه قد أوصى له بالثلث وللحاج وللموصى له بما بقي من الثلث نصف الثلث ويحج عنه
رجل بمائة.
باب العتق والوصية في المرض
أخبرنا الشافعي: قال أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن
حصين أن رجلا أعتق سنة مملوكين له عند موته ليس له مال غيرهم، وذكر الحديث (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى فعتق البتات في المرض إذا مات المعتق من الثلث، وهكذا الهبات والصدقات في
المرض لأن كله شئ أخرجه المالك من ملكه بلا عوض مال أخذه فإذا أعتق المريض عتق بتات وعتق
تدبير ووصية بدئ بعتق البتات قبل عتق التدبير والوصية وجميع الوصايا فإن فضل من الثلث فضل
99

عتق منه التدبير والوصايا وأنفذت الوصايا لأهلها، وإن لم يفضل منه فضل لم تكن وصية وكان كمن
مات لا مال له، وهكذا كل ما وهب فقبضه الموهوب له أو تصدق به فقبضه لأن مخرج ذلك في
حياته وأنه مملوك عليه إن عاش بكل حال لا يرجع فيه فهي كما لزمه بكل حال في ثلث ماله بعد
الموت وفى جميع ماله إن كانت له صحة والوصايا بعد الموت لم تلزمه إلا بعد موته فكان له أن يرجع
فيها في حياته فإذا أعتق رقيقا له لا مال له غيرهم في مرضه ثم مات قبل أن تحدث له صحة فإن كان
عتقه في كلمة واحدة مثل أن يقول: إنهم أحرارا أو يقول رقيقي أو كل مملوك لي حر أقرع بينهم فأعتق
ثلثه وأرق الثلثان. وإن أعتق واحدا أو اثنين ثم أعتق من بقي بدئ بالأول من أعتق فإن خرج من
الثلث فهو حر وإن لم يخرج عتق ما خرج من الثلث ورق ما بقي وإن فضل من الثلث شئ عتق الذي
يليه. ثم هكذا أبدا لا يعتق واحد حتى يعتق الذي بدأ بعتقه، فإن فضل فضل عتق الذي يليه لأنه
لزمه عتق الأول قبل الثاني، وأحدث عتق الثاني والأول خارج من ملكه بكل حال إن صح وكل حال
بعد الموت إن خرج من الثلث، فإن لم يفضل من الثلث شئ بعد عتقه فإنما أعتق ولا ثلث له (قال)
وهكذا لو قال لثلاثة أعبد له: أنتم أحرار. ثم قال ما بقي من رقيقي حر بدئ بالثلاثة. فإن خرجوا
من الثلث أعتقوا معا وإن عجز الثلث عنهم أقرع بينهم وإن عتقوا معا وفضل من الثلث شئ أقرع بين
من بقي من رقيقه إن لم يحملهم الثلث. ولو كان مع هؤلاء مدبرون وعبيد. وقال إن مت من مرضى
فهم أحرار بدئ بالذين أعتق عتق البتات فإن خرجوا من الثلث ولم يفضل شئ لم يعتق مدبر ولا
موصى بعتقه بعينه ولا صفته، وإن فضل من الثلث عتق المدبر والموصى بعتقه بعينه وصفته، وإن عجز
عن أن يعتقوا منه كانوا في العتق سواء لا يبدأ المدبر على عتق الوصية لأن كلا وصية ولا يعتق بحال إلا
بعد الموت وله أن يرجع في كل في حياته ولو كان في المعتقين في المرض عتق بتات إماء فولدن بعد
العتق وقبل موت العتق فخرجوا من الثلث ولم يخرج الولد عتقوا، والإماء من الثلث والأولاد أحرار
من غير الثلث لأنهم أولاد حرائر. ولو كانت المسألة بحالها وكان الثلث ضيقا عن أن يخرج جميع من
أعتق من الرقيق عتق بتات قومنا الإماء كل أمة منهن معها ولدها لا يفرق بينها وبينه. ثم أقرعنا بينهم
فأي أمة خرجت في سهم العتق عتقت من الثلث وتبعها ولدها من غير الثلث لأنا قد علمنا أنه ولد
حرة لا يرق. وإذا ألغينا قيم الأولاد الذين عتقوا بعتق أمهم فزاد الثلث أعدنا القرعة بين من بقي. فإن
خرجت أمة معها ولدها أعتقت من الثلث وعتق ولدها لأنه ابن حرة من غير الثلث، فإن بقي من
الثلث شئ أعدناه هكذا أبدا حتى نستوظفه كله (قال) وإن ضاق ما يبقى من الثلث فعتق ثلث أم
ولد منهن عتق ثلث ولدها معها ورق ثلثاه كما رق ثلثاها. ويكون حكم ولدها حكمها فما عتق منها قبل
ولادة عتق منه. وإذا وقعت عليها قرعة العتق فإنما أعتقناها قبل الولادة. وهكذا لو ولدتهم بعد العتق
البتات وموت المعتق لأقل من ستة أشهر أو أكثر (قال الشافعي) وإذا أوصى الرجل بعتق أمة بعد موته
فإن مات من مرضه أو سفره فولدت قبل أو يموت الموصى فولدها مماليك لأنهم ولدوا قبل أن يعتق في
الحين الذي لو شاء أرقها وباعها. وفى الحين الذي لو صح بطلت وصيتها ولو كان عتقها تدبيرا كان فيه
قولان أحدهما هذا لأنه يرجع في التدبير. والآخر أن ولدها بمنزلتها لأنه عتق واقع بكل حال ما لم
يرجع فيه. وقد اختلف في الرجل يوصى بالعتق ووصايا غيره فقال غير واحد من المفتين يبدأ بالعتق
ثم يجعل ما بقي من الثلث في الوصايا فإن لم يكن في الثلث فضل عن العتق فهو رجل أوصى فيما ليس
له (قال) ولست اعرف في هذا أمرا يلزم من أثر ثابت ولا إجماع لا اختلاف فيه ثم اختلف قول من
100

قال هذا في العتق مع الوصايا فقال مرة بهذا وفارقه أخرى فزعم أن من قال لعبده إذا مت فأنت حر
وقال إن مت من مرضى هذا فأنت حر فأوقع له عتقا بموته بلا وقت بدئ بهذا على الوصايا فلم يصل
إلى أهل الوصايا وصية إلا فضلا عن هذا وقال إذا قال أعتقوا عبدي هذا بعد موتى أو قال عبدي هذا
حر بعد موتى بيوم أو بشهر أو وقت من الأوقات لم يبدأ بهذا على الوصايا وحاص هذا أهل الوصايا
واحتج بأنه قيل يبدأ بالعتق قيل الوصية وما أعلمه قال يبدأ بالعتق قبل الوصية مطلقا ولا يحاص العتق
الوصية مطلقا بل فرق القول فيه بغير حجة فيما أرى والله المستعان (قال) ولا يجوز في العتق في الوصية
إلا واحد من قولين إما أن يكون العتق إذا وقع بأي حال ما كان بدئ على جميع الوصايا فلم يخرج
منها شئ حتى يكمل العتق وإما أن يكون العتق وصية من الوصايا يحاص بها المعتق أهل الوصايا فيصيبه
من العتق ما أصاب أهل الوصايا من وصاياهم ويكون كل عتق كان وصية بعد الموت بوقت أو بغير
وقت سواء أو يفرق بين ذلك خبر لازم أو إجماع ولا أعلم فيه واحدا منهما فمن قال عبدي مدبر أو عبدي
هذا حر بعد موتى أو متى مت أو إن مت من مرضى هذا أو اعتقوه بعد موتى أو هو مدبر في حياتي فإذا
مت فهو حر فهو كله سواء ومن جعل المعتق يحاص أهل الوصايا فأوصى معه بوصية حاص العبد في
نفسه أهل الوصايا في وصاياهم فأصابه من العتق ما أصابهم ورق منه ما لم يخرج من الثلث وذلك أن
يكون ثمن العبد خمسين دينارا وقيمة ما يبقى من ثلثه بعد العتق خمسين دينارا فيوصى بعتق العبد
ويوصى لرجل بخمسين دينارا ولآخر بمائة دينار فيكون ثلثه مائة ووصيته مائتين فلكل واحد من الموصى
لهم نصف وصيته فيعتق نصف العبد ويرق نصفه ويكون لصاحب الخمسين خمسة وعشرون وللموصى
له بالمائة خمسون.
باب التكملات
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أوصى رجل لرجل بمائة دينار من ماله أو بدار موصوفة بعين أو
بصفة أو بعبد كذلك أو متاع أو غيره وقال ثم ما فضل من ثلثي فلفلان كان ذلك كما قال يعطى الموصى
له بالشئ بعينه أو صفته ما أوصى له به فإن فضل من الثلث شئ كان للموصى له بما فضل من الثلث
وإن لم يفضل شئ فلا شئ له (قال الشافعي) ولو كان الموصى له به عبدا أو شيئا يعرف بعين أو صفة
مثل عبد أو دار أو عرض من العروض فهلك ذلك الشئ هلك من مال الموصى له وقوم من الثلث ثم
أعطى الذي أوصى له بتكملة الثلث ما فضل عن قيمة الهالك كما يعطاه لو سلم الهالك فدفع إلى الموصى
له به قال) ولو كان الموصى به عبدا فمات الموصى وهو صحيح ثم أعور قوم صحيحا بحاله يوم مات
الموصى وبقيمة مثله يومئذ فأخرج من الثلث ودفع إلى الموصى له به كهيئته ناقصا أو تاما وأعطى الموصى
له بما فضل عنه ما فضل عن الثلث: وإنما القيمة في جميع ما أوصى به بعينه يوم يموت الميت.
وذلك يوم تجب الوصية (قال الشافعي) وإذا قال الرجل ثلث مالي إلى فلان يضعه حيث أراه الله
فليس له أن يأخذ لنفسه شيئا كما لا يكون له لو أمره أن يبيع له شيئا أن يبيعه من نفسه لأن معنى يبيعه
أن يكون مبايعا به وهو لا يكون مبايعا إلا لغيره وكذلك معنى يضعه يعطيه غيره وكذلك ليس له أن
يعطيه وارثا للميت لأنه إنما يجوز له ما كان يجوز للميت، فلما لم يكن يجوز للميت أن يعطيه لم يجز لمن
صيره إليه أن يعطى منه من لم يكن له أن يعطيه (قال) وليس له أن يضعه فيما ليس للميت فيه نظر كما ليس له
101

لو وكله بشئ أن يفعل فيه ما ليس له فيه نظر ولا يكون له أن يحبسه عند نفسه ولا يودعه غيره لأنه لا
أجر للميت في هذا. وإنما الاجر للميت في أن يسلك في سبيل الخير التي يرجى أن تقربه إلى الله عز
وجل (قال الشافعي) فاختار للموصى إليه أن يعطيه أهل الحاجة من قرابة الميت حتى يعطى كل رجل
منهم دون غيرهم فإن اعطاءهموه أفضل من إعطاء غيرهم لما ينفردون به من صلة قرابتهم للميت
ويشركون به أهل الحاجة في حاجاتهم (قال) وقرابته ما وصفت من القرابة من قبل الأب والام معا
وليس الرضاع قرابة (قال) وأحب له إن كان له رضعاء أن يعطيهم دون جيرانه. لأن حرمة الرضاع
تقابل حرمة النسب ثم أحب له أن يعطى جيرانه الأقرب منهم فالأقرب. وأقصى الجوار فيها أربعون
دارا من كل ناحية ثم أحب له أن يعطيه أفقر من يجده وأشده تعففا واستتارا. ولا يبقى منه في يده شيئا
يمكنه أن يخرجه ساعة من نهار.
باب الوصية للرجل وقبوله ورده
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أوصى الرجل المريض لرجل بوصية ما كانت ثم مات
فللموصى له قبول الوصية وردها لا يجبر أن يملك شيئا لا يريد ملكه بوجه أبدا إلا بأن يرث شيئا فإنه
إذا ورث لم يكن له دفع الميراث وذلك أن حكما من الله عز وجل أنه نقل ملك الموتى إلى ورثتهم من
الاحياء فأما الوصية والهبة والصدقة وجميع وجوه الملك غير الميراث فالمملك لها بالخيار إن شاء قبلها
وإن شاء ردها. ولو أنا أجبرنا رجلا على قبول الوصية جبرناه إن أوصى له بعبيد زمني أن ينفق عليهم
فأدخلنا الضرر عليه وهو لم يحبه ولم يدخله على نفسه (قال الشافعي) ولا يكون قبول ولا رد في وصية
حياة الموصى فلو قبل الموصى له قيل موت الموصى كان له الرد إذا مات ولو رد في حياة الموصى كان له
أن يقبل إذا مات ويجبر الورثة على ذلك لأن تلك الوصية لم تجب إلا بعد موت الموصى. فأما في حياته
فقبوله ورده وصمته سواء لأن ذلك فيما لم يملك (قال) وهكذا لو أوصى له بأبيه وأمه وولده كانوا كسائر
الوصية إن قبلهم بعد موت الموصى عتقوا. وإن ردهم فهم مماليك تركهم الميت لا وصية فيهم فهم
لورثته (قال الربيع) فإن قبل بعضهم ورد بعضا كان ذلك له وعتق عليه من قبل. وكان من لم يقبل
مملوكا لورثة الميت ولو مات الموصى ثم مات الموصى له قبل أن يقبل أو يرد كان لورثته أن يقبلوا أو يردوا
فمن قبل منهم فله نصيبه بميراثه مما قبل. ومن رد كان ما رد لورثة الميت. ولو أن رجلا تزوج جارية
رجل فولدت له ثم أوصى له بها ومات فلم يعلم الموصى له بالوصية حتى ولدت له بعد موت سيدها
أولادا كثيرا. فإن قبل الوصية فمن ولدت له بعد موت السيد له تملكهم بما ملك به أمهم وإذا ملك
ولده عتقوا عليه ولم تكن أمهم أم ولد له حتى تلد بعد قبولها منه لستة أشهر فأكثر فتكون بذلك أم ولد
وذلك أن الوطئ الذي كان قبل القبول إنما كان وطئ نكاح والوطئ بعد القبول وطئ ملك والنكاح
منفسخ ولو مات قبل أن يرد أو يقبل قام ورثته مقامه، فإن قبلوا الوصية فإنما ملكوا لأبيهم فأولاد أبيهم
الذين ولدت بعد موت سيدها الموصى أحرار وأمهم مملوكة وإن ردوها كانوا مماليك كلهم وأكره لهم
ردها وإذا قبل الموصى له الوصية بعد أن تجب له بموت الموصى ثم ردها فهي مال من مال الميت
موروثة عنه كسائر ماله ولو أراد بعد ردها أخذها بأن يقول إنما أعطيتكم ما لم تقبضوا جاز أن يقولوا له لم
تملكها بالوصية دون القبول. فلما كنت إذا قبلت ملكتها وإن لم تقبضها لأنها لا تشبه هبات الاحياء التي
102

لا يتم ملكها إلا بقبض الموهوبة له لها جاز عليك ما تركت من ذلك كما جاز لك ما أعطيت بلا قبض
في واحد منهما وجاز لهم أن يقولوا ردكها إبطال لحقك فيما أوصى لك به الميت ورد إلى ملك الميت
فيكون موروثا عنه (قال) ولو قبلها ثم قال قد تركتها لفلان من بين الورثة أو كان له على الميت دين فقال
فقد تركته لفلان من بين الورثة قيل قولك تركته لفلان يحتمل معنيين أظهرهما تركته تشفيعا لفلان أو
تقربا إلى فلان فإن كنت هذا أردت فهذا متروك للميت فهو بين ورثته كلهم وأهل وصاياه ودينه كما ترك
وإن مت قبل أن تسأل فهو هكذا لأن هذا أظهر معانيه كما تقول عفوت عن ديني على فلان لفلان
ووضعت عن فلان حقي لفلان أي بشفاعة فلان أو حفظ فلان أو التقرب إلى فلان وإن لم تمت
فسألناك فقلت تركت وصيتي أو تركت ديني لفلان وهبته لفلان من بين الورثة فذلك لفلان من بين
الورثة لأنه وهب له شيئا يملكه وإذا أوصى رجل لرجلين بعبد أن غيره فقبل أحدهما ورد الآخر فللقابل
نصف الوصية ونصف الوصية مردود في مال الميت ولو أوصى رجل لرجل بجارية فمات الموصى ولم
يقبل الموصى له ولم يرد حتى وهب إنسان للجارية مائة دينار والجارية ثلث مال الميت ثم قبل الوصية
فالجارية له لا يجوز فيما وهب لها وفى ولد ولدته بعد موت السيد وقبل قبول الوصية وردها إلا واحد من
قولين أن يكون ما وهب للجارية أو ولدها ملكا للموصى له بها لأنها كانت خارجة من مال الميت إلى
ماله إلا أن له إن شاء أن يردها. ومن قال هذا قال هو وإن كان له ردها فإنما ردها إخراج لها من ماله
كما له أن يخرج من ماله ما شاء فإذا كانت هي وملك ما وهب للأمة وولدها لمن يملكها فالموصى له بها
المالك لها. ومن قال هذا قال فإن استهلك رجل من الورثة شيئا مما وهب لها أو ولدها فهو ضامن له
للموصى له بها. وكذلك إن جنى أجنبي على مالها أو نفسها أو ولدها فالموصى له بها إن قيل الوصية
الخصم في ذلك لأنه له وإن مات الموصى له بها قبل القبول والرد فورثته يقومون مقامه في ذلك كله.
والقول الثاني أن ذلك كله لورثة الموصى وان الموصى له إنما يملك إذا اختار قبول الوصية وهذا قول
منكر لا نقول به لأن القبول إنما هو على شئ ملك متقدما ليس بملك حادث وقد قال بعض الناس
تكون له الجارية وثلث أولادها وثلث ما وهب لها. وإن كانت الجارية لا تخرج من الثلث فولدت
أولادا بعد موت الموصى ووهب لها مال. لم يكن في كتاب الشافعي من هذه المسألة غير هذا. بقي في
المسألة الجواب.
باب ما نسخ من الوصايا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن
ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين * فمن بدله بعدما سمعه " الآية (قال
الشافعي) وكان فرضا في كتاب الله تعالى على من ترك خيرا والخير المال أن يوصى لوالديه وأقربيه ثم
زعم بعض أهل العلم بالقرآن أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخة واختلفوا في الأقربين غير
الوارثين فأكثر من لقيت من أهل العلم ممن حفظت عنه قال الوصايا منسوخة لأنه إنما أمر بها إذا كانت
إنما يورث بها فلما قسم الله تعالى ذكره المواريث كانت تطوعا (قال الشافعي) وهذا إن شاء الله تعالى كله
كما قالوا، فإن قال قائل ما دل على ما وصفت؟ قيل له قال الله تبارك وتعالى " ولأبويه لكل واحد منهما
103

السدس مما ترك إن كان له ولد * فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث * فإن كان له إخوة فلأمه السدس
" أخبرنا ابن عيينة عن سليمان الأحول عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا
وصية لوارث " وما وصفت من أن الوصية للوارث منسوخة بآي المواريث وأن لا وصية لوارث مما لا
أعرف فيه عن أحد ممن لقيت خلافا (قال الشافعي) وإذا كانت الوصايا لمن أمر الله تعالى ذكره
بالوصية منسوخة بآي المواريث وكانت السنة تدل على أنها لا تجوز لوارث وتدل على أنها تجوز لغير قرابة
دل ذلك على نسخ الوصايا للورثة وأشبه أن يدل على نسخ الوصايا لغيرهم (قال) ودل على أن الوصايا
للوالدين وغيرهما ممن يرث بكل حال إذا كان في معنى غير وارث فالوصية له جائزة، ومن قبل أنها إنما
بطلت وصيته إذا كان وارثا فإذا لم يكن وارثا فليس بمبطل للوصية. وإذا كان الموصى يتناول من شاء
بوصيته كان والده دون قرابته إذا كانوا غير ورثة في معنى من لا يرث ولهم حق القرابة وصلة الرحم.
فإن قال قائل فأين الدلالة على أن الوصية لغير ذي الرحم جائزة؟ قيل له إن شاء الله تعالى حديث
عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له ليس له مال فيهم فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم
ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة، والمعتق عربي وإنما كانت العرب تملك من لا قرابة بينها وبينه
فلو لم تجز الوصية إلا لذي قرابة لم تجز للمملوكين وقد أجازها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
باب الخلاف في الوصايا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن طاوس عن أبيه (قال الشافعي)
والحجة في ذلك ما وصفنا من الاستدلال بالسنة وقول الأكثر ممن لقينا فحفظنا عنه والله تعالى أعلم.
باب الوصية للزوجة.
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا
وصية لأزواجهم " الآية. وكان فرض الزوجة أن يوصى لها الزوج بمتاع إلى الحول ولم أحفظ عن أحد خلافا
أن المتاع النفقة والسكنى والكسوة إلى الحول وثبت لها السكنى فقال " غير إخراج " ثم قال " فإن خرجن
فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف " فدل القرآن على أنهن إن خرجن فلا جناح على
الأزواج لأنهن تركن ما فرض لهن ودل الكتاب العزيز إذا كان السكنى لها فرضا فتركت حقها فيه ولم
يجعل الله تعالى على الزوج حرجا أن من ترك حقه غير ممنوع له لم يخرج من الحق عليه. ثم حفظت
عمن أرضى من أهل العلم أن نفقة المتوفى عنها زوجها وكسوتها حولا منسوخ بآية المواريث. قال الله عز
وجل " ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد
وصية يوصين بها أو دين * ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما
تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين " (قال الشافعي) ولم أعلم مخالفا فيما وصفت من نسخ نفقة
المتوفى عنها وكسوتها سنة وأقل من سنة. ثم احتمل سكناها إذ كان مذكورا مع نفقتها بأنه يقع عليه
اسم المتاع أن يكون منسوخا في السنة وأقل منها كما كانت النفقة والكسوة منسوختين في السنة وأقل منها
واحتمل أن تكون نسخت في السنة وأثبتت في عدة المتوفى عنها حتى تنقضي عدتها بأصل هذه الآية
104

وأن تكون داخلة في جملة المعتدات فإن الله تبارك وتعالى يقول في المطلقات " لا تخرجوهن من بيوتهن
ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " فلما فرض الله في المعتدة من الطلاق السكنى وكانت المعتدة
من الوفاة في معناها احتملت أن يجعل لها السكنى لأنها في معنى المعتدات. فإن كان هذا هكذا
فالسكنى لها في كتاب الله عز وجل منصوص أو في معنى من نص لها السكنى في فرض الكتاب. وإن
لم يكن هكذا فالفرض في السكنى لها في السنة ثم فما أحفظ عمن حفظت عنه من أهل العلم أن
للمتوفى عنها السكنى ولا نفقة. فإن قال قائل فأين السنة في سكنى المتوفى عنها زوجها؟ قيل أخبرنا
مالك عن سعد بن إسحاق عن كعب بن عجرة (قال الشافعي) وما وصفت في متاع المتوفى عنها هو
الامر الذي تقوم به الحجة والله تعالى أعلم وقد قال بعض أهل العلم بالقرآن إن آية المواريث للوالدين
والأقربين وهذا ثابت للمرأة. وإنما نزل فرض ميراث المرأة والزوج بعد وإن كان كما قال فقد أثبت لها
الميراث كما أثبته لأهل الفرائض وليس في أن يكون ذلك بآخر ما أبطل حقها. وقال بعض أهل العلم
إن عدتها في الوفاة كانت ثلاثة قروء كعدة الطلاق ثم نسخت بقول الله عز وجل " والذين يتوفون
منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " فإن كان هذا هكذا فقد بطلت عنها
الأقراء وثبتت عليها العدة بأربعة أشهر وعشر منصوصة في كتاب الله عز وجل ثم في سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم فإن قال قائل فأين هي في السنة؟ قيل أخبرنا: حديث المغيرة عن حميد بن نافع
قال الله عز وجل في عدة الطلاق " واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن "
فاحتملت الآية أن تكون في المطلقة لا تحيض خاصة لأنها سياقها واحتملت أن تكون في المطلقة كل
معتدة مطلقة تحيض ومتوفى عنها لأنها جامعة ويحتمل أن يكون استئناف كلام على المعتدات. فإن قال
قائل فأي معانيها أولى بها؟ قيل والله تعالى أعلم. فأنا الذي يشبه فإن تكون في كل معتدة ومستبرأة، فإن
قال ما دل على ما وصفت؟ قيل قال الشافعي لما كانت العدة استبراء وتعبدا وكان وضع الحمل براءة
من عدة الوفاق هادما للأربعة الأشهر والعشر كان هكذا في جميع العدد والاستبراء. والله أعلم مع أن
المعقول أن وضع الحمل غاية براءة الرحم حتى لا يكون في النفس منه شئ، فقد يكون في النفس
شئ في جميع العدد والاستبراء وإن كان ذلك براءة في الظاهر، والله سبحانه وتعالى الموفق.
باب استحداث الوصايا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى في غير آية في قسم الميراث " من بعد وصية
توصون بها أو دين " و " من بعد وصية يوصين بها أو دين " (قال الشافعي) فنقل الله تبارك وتعالى ملك
من مات من الاحياء إلى من بقي من ورثة الميت فجعلهم يقومون مقامه فيما ملكهم من ملكه وقال الله
عز وجل " من بعد وصية توصون بها أو دين " قال فكان ظاهر الآية المعقول فيها " من بعد وصية توصون
بها أو دين " إن كان عليهم دين (قال الشافعي) وبهذا نقول ولا أعلم من أهل العلم فيه مخالفا وقد تحتمل
الآية معنى غير هذا أظهر منه وأولى بأن العامة لا تختلف فيه فيما علمت وإجماعهم لا يكون عن جهالة
بحكم الله إن شاء الله (قال الشافعي) وفى قول الله عز وجل " من بعد وصية توصون بها أو دين " معان
سأذكرها إن شاء الله تعالى فلما لم يكن بين أهل العلم خلاف علمته في أن ذا الدين أحق بمال الرجل
في حياته منه حتى يستوفى دينه وكان أهل الميراث إنما يملكون عن الميت ما كان الميت أملك به كان بينا
105

والله أعلم في حكم الله عز وجل ثم ما لم أعلم أهل العلم فاختلفوا فيه أن الدين مبدأ على الوصايا
والميراث فكان حكم الدين كما وصفت منفردا مقدما وفى قول الله عز وجل " أو دين " ثم إجماع
المسلمين أن لا وصية ولا ميراث إلا بعد الدين دليل على أن كل دين في صحة كان أو في مرض بإقرار
أو بينة أو أي وجه ما كان سواء لأن الله عز وجل لم يخص دينا دون دين (قال الشافعي) وقد روى في
تبدئة الدين قبل الوصية حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يثبت أهل الحديث مثله أخبرنا سفيان
عن أبي إسحاق عن الحرث عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل
الوصية وأخبرنا سفيان عن هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس أنه قيل له كيف تأمرنا بالعمرة
قبل الحج والله تعالى يقول " وأتموا الحج والعمرة لله؟ " فقال كيف تقرءون الدين قبل الوصية أو الوصية
قبل الدين؟ فقالوا الوصية قبل الدين قال فبأيهما تبدءون؟ قالوا بالدين قال فهو ذاك (قال الشافعي)
يعنى أن التقديم جائز وإذا قضى الدين كان للميت أن يوصى بثلث ماله فإن فعل كان للورثة الثلثان
وإن لم يوص أو أوصى بأقل من ثلث ماله كان ذلك مالا من ماله تركه قال فكان للورثة ما فضل عن
الوصية من المال إن أوصى (قال الشافعي) ولما جعل الله عز ذكره للورثة الفضل عن الوصايا والدين
فكان الدين كما وصفت وكانت الوصايا محتملة أن تكون مبدأة على الورثة ويحتمل أن تكون كما وصفت
لك من الفضل عن الوصية وأن يكون للوصية غاية ينتهى بها إليها كالميراث بكل وارث غاية كانت
الوصايا مما أحكم الله عز وجل فرضه بكتابه وبين كيف فرضه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخبرنا مالك عن ابن شهاب (قال الشافعي) فكان غاية منتهى الوصايا التي لو جاوزها الموصى كان
للورثة رد ما جاوز ثلث مال الموصى قال وحديث عمران بن حصين يدل على أن من جاوز الثلث من
الموصين ردت وصيته إلى الثلث ويدل على أن الوصايا تجوز لغير قرابة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين رد عتق المملوكين إلى الثلث دل على أنه حكم به حكم الوصايا والمعتق عربي وإنما كانت العرب
تملك من لا قرابة بينها وبينه والله تعالى أعلم.
باب الوصية بالثلث وأقل من الثلث وترك الوصية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل فواسع له أن يبلغ الثلث وقال في قول النبي
صلى الله عليه وسلم لسعد " الثلث والثلث كثير أو كبير، إنك ان تدع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم
عالة يتكففون الناس " (قال الشافعي) غيا كما قال من بعده في الوصايا وذلك بين في كلامه لأنه إنما
قصد قصد اختيار أن يترك الموصى ورثته أغنياء فإذا تركهم أغنياء اخترت له أن يستوعب الثلث وإذا لم
يدعهم أغنياء كرهت له أن يستوعب الثلث وأن يوصى بالشئ حتى يكون يأخذ بالحظ من الوصية ولا
وقت في ذلك إلا ما وقع عليه اسم الوصية لمن لم يدع كثير مال ومن ترك أقل مما يغنى ورثته وأكثر من
التافه زاد شيئا في وصيته ولا أحب بلوغ الثلث إلا لمن ترك ورثته أغنياء (قال الشافعي) في قول النبي
صلى الله عليه وسلم " الثلث والثلث كثير أو كبير " يحتمل الثلث غير قليل وهو أولى معانيه لأنه لو كرهه
لسعد لقال له غض منه وقد كان يحتمل أن له بلوغه ويحب له الغض منه وقل كلام إلا وهو محتمل
وأولى معاني الكلام به ما دل عليه الخبر والدلالة ما وصفت من أنه لو كرهه لسعد أمره أن يغض منه
قيل للشافعي فهل اختلف الناس في هذا؟ قال لم أعلمهم اختلفوا في أن جائزا لكل موص أن يستكمل
106

الثلث قل ما ترك أو كثر وليس بجائز له أن يجاوزه فقيل للشافعي وهل اختلفوا في اختيار النقص عن
الثلث أو بلوغه؟ قال نعم وفيما وصفت لك من الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أغنى عما
سواه. فقلت فاذكر اختلافهم. فقال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر.
باب عطايا المريض
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى لما أعتق الرجل ستة مملوكين له لا مال له غيرهم في
مرضه ثم مات فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنين وأرق أربعة دل ذلك على أن كل ما أتلف المرء
من ماله في مرضه بلا عوض يأخذه مما يتعوض الناس ملكا في الدنيا فمات من مرضه ذلك فحكمه
حكم الوصية ولما كان إنما يحكم بأنه كالوصية بعد الموت فما أتلف المرء من ماله في مرضه ذلك فحكمه
حكم الوصايا فإن صح تم عليه ما يتم به عطية الصحيح وإن مات من مرضه ذلك كان حكمه حكم
وصيته ومتى حدثت له صحة بعدما أتلف منه ثم عاوده مرض فمات تمت عطيته إذا كانت الصحة بعد
العطية فحكم العطية حكم عطية الصحيح (قال الشافعي) وجماع ذلك ما وصفت من أن يخرج من
ملكه شيئا بلا عوض يأخذه الناس من أموالهم في الدنيا فالهبات كلها والصدقات والعتاق ومعاني هذه
كلها هكذا فما كان من هبة أو صدقة أو ما في معناها لغير وارث ثم مات فهي من الثلث فإن كان معها
وصايا فهي مبدأة عليها لأنها عطية بتات قد ملكت عليه ملكا يتم بصحته من جميع ماله ويتم بموته من
ثلثه إن حمله والوصايا مخالفة لهذا. الوصايا لم تملك عليه وله الرجوع فيها ولا تملك إلا بموته وبعد
انتقال الملك إلى غيره (قال الشافعي) وما كان من عطية بتات في مرضه لم يأخذ بها عوضا أعطاه إياها
وهو يوم أعطاه ممن يرثه لو مات أولا يرثه فهي موقوفة فإذا مات فإن كان المعطى وارثا له حين مات
أبطلت العطية لأني إذا جعلتها من الثلث لم أجعل لوارث في الثلث شيئا من جهة الوصية وإن كان
المعطى حين مات المعطى غير وارث أجزتها له لأنها وصية لغير وارث (قال الشافعي) وما كان من
عطايا المريض على عوض أخذه مما يأخذ الناس من الأموال في الدنيا فأخذ به عوضا يتغابن الناس
بمثله ثم مات فهو جائز من رأس المال وإن أخذ به عوضا لا يتغابن الناس بمثله فالزيادة عطية بلا عوض
فهي من الثلث فمن جازت له وصية جازت له ومن لم تجز له وصية لم تجز له الزيادة وذلك، الرجل
يشترى العبد أو يبيعه أو الأمة أو الدار أو غير ذلك مما يملك الآدميون فإذا باع المريض ودفع إليه ثمنه أو
لم يدفع حتى مات فقال ورثته حاباك فيه أو غبنته فيه نظر إلى قيمة المشترى يوم وقع البيع والثمن لذي
اشتراه به فإن كان اشتراه بما يتغابن أهل المصر بمثله كان الشراء جائزا من رأس المال وإن كان اشتراه بما
لا يتغابن الناس بمثله كان ما يتغابن أهل المصر بمثله جائزا من رأس المال وما جاوزه جائزا من الثلث
فإن حمله الثلث جاز له البيع وإن لم يحمله الثلث قيل للمشترى لك الخيار في رد البيع إن كان قائما
وتأخذ ثمنه الذي أخذ منك أو تعطى الورثة الفضل عما يتغابن الناس بمثله مما لم يحمله الثلث فإن كان
البيع فائتا رد ما بين قيمة ما لا يتغابن الناس بمثله مما لم يحمله الثلث وكذلك إن كان البيع قائما قد دخله
عيب رد قيمته (قال الشافعي) فإن كان المريض المشترى فهو في هذا المعنى ويقال للبائع البيع جائز فيما
يتغابن الناس بمثله من رأس المال وبما جاوز ما يتغابن الناس بمثله من الثلث فإن لم يكن له ثلث أو كان
107

فلم يحمله الثلث قيل له إن شئت سلمته بما سلم لك من رأس المال والثلث وتركت الفضل والبيع جائز
وإن شئت رددت ما أخذت ونقضت البيع إن كان البيع قائما بعينه (قال الشافعي) وإن كان مستهلكا
ولم تطب نفس البائع عن الفضل فللبائع من مال الميت ما يتغابن الناس بمثله في سلعته وما حمل
الثلث مما لا يتغابن الناس بمثله ويرد الفضل عن ذلك على الورثة (1) وإن كان السلعة قائمة قد دخلها
عيب (قال الشافعي) وإن كان المبيع عبدا أو غيره فاشتراه المريض فظهر منه على عيب فأبرأ البائع من
العيب فكان في ذلك غبن كان القول فيه كالقول فيما انعقد عليه البيع وفيه غبن وكذلك لو اشتراه
صحيحا ثم ظهر منه على عيب وهو مريض فأبرأه منه أو اشتراه وله فيه خيار رؤية أو خيار شرط أو خيار
صفقة فلم يسقط خيار الصفقة بالتفرق ولا خيار الرؤية بالرؤية ولا خيار الشرط بانقضاء الشرط حتى
مرض ففارق البائع أو رأى السلعة فلم يردها أو مضت أيام الخيار وهو مريض فلم يرده لأن البيع تم في
هذا كله وهو مريض (قال الشافعي) وسواء في هذا كله كان البائع الصحيح والمشترى المريض أو
المشترى الصحيح والبائع المريض على أصل ما ذهبنا إليه من أن الغبن يكون في الثلث وهكذا لو باع
مريض من مريض (1) أو صحيح من صحيح (2) ولو اختلف ورثة المريض البائع والمشترى الصحيح في
قيمة ما باع المريض فقال المشترى اشتريتها منه وقيمتها مائة وقال الورثة بل باعكها وقيمتها مائتان ولو
كان المشترى في هذا كله وارثا أو غير وارث فلم يمت الميت حتى صار وارثا كان بمنزلة من لم يزل وارثا له
إذا مات الميت فإذا باعه الميت وقبض الثمن منه ثم مات فهو مثل الأجنبي في جميع حاله إلا فيما زاد
على ما يتغابن الناس به فإن باعه بما يتغابن الناس بمثله جاز وإن باعه بما لا يتغابن الناس بمثله قيل
للوارث حكم الزيادة على ما يتغابن الناس بمثله حكم الوصية وأنت فلا وصية لك فإن شئت فاردد
البيع إذا لم يسلم لك ما باعك وإن شئت فأعط الورثة من ثمن السلعة ما زاد على ما يتغابن الناس بمثله
ثم هو في فوت السلعة وغبنها مثل الأجنبي وكذلك إن باع مريض وارث من مريض وارث.
باب نكاح المريض
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويجوز للمريض أن ينكح جميع ما أحل الله تعالى أربعا وما
دونهن كما يجوز له أن يشترى فإذا أصدق كل واحدة منهن صداق مثلها جاز لها من جميع المال وأيتهن
زاد على صداق مثلها فالزيادة محاباة فإن صح قبل أن يموت جاز لها من جميع المال وإن مات قبل أن
يصح بطلت عنها الزيادة على صداق مثلها وثبت النكاح وكان لها الميراث (قال الشافعي) أخبرنا سعيد
بن سالم عن ابن جريج عن مومى ابن عقبة عن نافع مولى بن عمر أنه قال كانت ابنة حفص بن المغيرة
عند عبد الله بن أبي ربيعة فطلقها تطليقة ثم إن عمر بن الخطاب تزوجها بعده فحدث أنها عاقر لا تلد
فطلقها قبل أن يجامعها فمكث حياة عمر وبعض خلافة عثمان بن عفان ثم تزوجها عبد الله ابن أبي
ربيعة وهو مريض لتشرك نساءه في الميراث وكان بينها وبينه قرابة. أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج

(1) قوله: وإن كانت السلعة قائمة كذا في جميع النسخ ولعله " وكذلك إن كانت الخ ".
(1) قوله: أو صحيح من صحيح كذا في جميع النسخ وانظره اه‍.
(2) قوله: ولو اختلف ورثة المريض الخ كذا في النسخ جميعها بدون جواب ولعله مما وقع في كتاب الشافعي من
غير جواب عنه فنقله الربيع وفاته التنبيه على ذلك أو سقط من الناسخ وحرر. كتبه مصححه.
108

عن عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة بن خالد يقول أراد عبد الرحمن بن أم الحكم في شكواه أن يخرج
امرأته من ميراثها منه فأبت فنكح عليها ثلاث نسوة وأصدقهن ألف دينار كل امرأة منهم فأجاز ذلك
عبد الملك بن مروان وشرك بينهن في الثمن (قال الشافعي) أرى ذلك صداق مثلهن ولو كان أكثر من
صداق مثلهن لجاز النكاح وبطل ما زادهن على صداق مثلهن إذا مات من رضه ذلك لأنه في حكم
الوصية والوصية لا تجوز لوارث (قال الشافعي) وبلغنا أن معاذ بن جبل قال في مرضه الذي مات فيه
زوجوني لا ألقى الله تبارك وتعالى وأنا عزب (قال) وأخبرني سعيد بن سالم أن شريحا قضى في نكاح
رجل نكح عند موته فجعل الميراث والصداق في ماله (قال الشافعي) ولو نكح المريض فزاد المنكوحة
على صداق مثلها ثم صح ثم مات جازت لها الزيادة لأنه قد صح قبل أن يموت، فكان كمن ابتدأ
نكاحا وهو صحيح ولو كانت المسألة بحالها ثم لم يصح حتى ماتت المنكوحة فصارت غير وارث كان لها
جميع ما أصدقها صداق مثلها من رأس المال والزياد من الثلث كما يكون ما وهب لأجنبية فقبضته من
الثلث فما زاد من صداق المرأة على الثلث إذا ماتت مثل الموهوب المقبوض (قال الشافعي) ولو كانت
المسألة بحالها والمتزوجة ممن لا ترث بأن تكون ذمية ثم مات وهي عنده جاز لها جميع الصداق صداق
مثلها من جميع المال والزيادة على صداق مثلها من الثلث لأنها غير وارث ولو أسلمت فصارت وارثا
بطل عنها ما زاد على صداق مثلها (قال الشافعي) ولو نكح المريض امرأة نكاحا فاسدا ثم مات لم ترثه
ولم يكن لها مهر إن لم يكن أصابها فإن كان أصابها فلها مهر مثلها كان أقل مما سمى لها أو أكثر (قال
الشافعي) ولو كانت لرجل أمة فأعتقها في مرضه ثم نكحها وأصدقها صداقا وأصابها بقي الجواب
" قال الربيع " أنا أجيب فيها وأقول ينظر فإن خرجت من الثلث كان العتق جائزا وكان النكاح جائزا
بصداق مثلها إلا أن يكون الذي سمى لها من الصداق أقل من صداق مثلها فليس لها إلا ما سماه لها فإن
كان أكثر من صداق مثلها ردت إلى صداق مثلها وكانت وارثة وإن لم تخرج نم الثلث عتق منها ما
احتمل الثلث وكان لها صداق مثلها بحساب ما عتق منها ولم تكن وارثة لأن بعضها رقيق.
هبات المريض
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وما ابتدأ المريض هبة في مرضه لوارث أو غير وارث فدفع إليه
ما وهب له فإن كان وارثا ولم يصح المريض حتى مات من مرضه الذي وهب فيه فالهبة مردودة كلها
وكذلك إن وهبه له وهو غير وارث ثم صار وارثا فإن استغل ما وهب له ثم مات الواهب قبل أن يصح
رد الغلة لأنه إذا مات استدللنا على أن ملك ما وهب له كان في ملك الواهب ولو وهب لوارث وهو
مريض ثم صح ثم مرض فدفع إليه الهبة في مرضه الذي مات فيه كانت الهبة مردودة لأن الهبة إنما تتم
بالقبض وقبضه إياها كان وهو مريض ولو كانت الهبة وهو مريض ثم كان الدفع وهو صحيح ثم مرض
فمات كانت الهبة تامة من قبل أنها تمت بالقبض وقد كان للواهب حبسها وكان دفعه إياها كهبته إياها
ودفعه وهو صحيح (قال الشافعي) ولو كانت الهبة لمن يراه يرثه فحدث دونه وارث فحجبه فمات وهو
غير وارث أو لأجنبي كانت سواء لأن كليهما غير وارث فإذا كانت هبته لهما صحيحا أو مريضا وقبضهما
الهبة وهو صحيح فالهبة لهما جائزة من رأس ماله خارجة من ملكه وكذلك لو كانت هبته وهو مريض ثم
صح ثم مات كان ذلك كقبضهما وهو صحيح ولو كان قبضهما الهبة وهو مريض فلم يصح كانت الهبة
109

وهو صحيح أو مريض فذلك سواء والهبة من الثلث مبدأة على الوصايا لأنها عطية بتات وما حمل
الثلث منها جاز وما لم يحمل رد وكان الموهوب له شريكا للورثة بما حمل الثلث مما وهب له (قال
الشافعي) وما نحل أو ما تصدق به على رجل بعينه فهو مثل الهبات لا يختلف لأنه لا يملك من هذا
شئ إلا بالقبض وكل ما لا يملك إلا بالقبض فحكمه حكم واحد لا يختلف ألا ترى أن الواهب
والناحل والمتصدق لو مات قبل أن يقبض الموهوب له والمنحول والمتصدق عليه ما صير لكل واد منهم
بطل ما صنع وكان مالا من مال الواهب الناحل المتصدق لورثته؟ أولا ترى ان جائزا لمن أعطى هذا
أن يرده على معطيه فيحل لمعطيه ملكه ويحل لمعطيه شراؤه منه وارتهانه منه ويرثه إياه فيملكه كما كان يملكه قبل
خروجه من يده؟ (قال الشافعي) ولو كانت دار رجل أو عبده في يدي رجل بسكنى أو إجارة أو عارية
فقال: قد وهبت لك الدار التي في يديك وكنت قد أذنت لك في قبضه لنفسك كانت هذه هبة مقبوضة
للدار والعبد الذي في يديه ثم لم يحدث له منعا لما وهب له حتى مات علم أنه لها قابض (قال الشافعي) وما كان
يجوز بالكلام دون القبض مخالف لهذا وذلك الصدقات المحرمات فإذا تكلم بها المتصدق وشهد بها عليه فهي
خارجة من ملكه تامة لمن تصدق بها عليه لا يزيدها القبض تماما ولا ينقص منها ترك ذلك وذلك أن
المخرج لها من ملكه أخرجها بأمر منعها به أن يكون ملكه منها متصرفا فيما يصرف فيه المال من بيع
وميراث وهبة ورهن وأخرجها من ملكه خروجا لا يحل له أن يعود إليه بحال فأشبهت العتق في كثير من
أحكامها ولم تخالفه إلا في المعتق يملك منفعة نفسه وكسبها وأن منفعة هذه مملوكة لمن جعلت له وذلك
أنها لا تكون مالكة وإنما منعنا من كتاب الآثار في هذا أنه موضوع في غيره فإذا تكلم بالصدقة المحرمة
صحيحا ثم مرض أو مريضا ثم صح فهي جائزة خارجة من ماله وإذا كان تكلم بها مريضا فلم يصح
فهي من ثلثه جائزة بما تصدق به لمن جازت له الوصية بالثلث ومردودة عمن ترد عنه الوصية بالثلث.
باب الوصية بالثلث
" وفيه الوصية بالزائد على الثلث وشئ يتعلق بالإجارة ولم يذكر الربيع ترجمة تدل على الزائد على
الثلث ".
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن لا يجوز لاحد
وصية إذا جاوز الثلث مما ترك فمن أوصى فجاوز الثلث ردت وصاياه كلها إلى الثلث إلا أن يتطوع الورثة
فيجيزون له ذلك فيجوز بإعطائهم وإذا تطوع له الورثة فأجازوا ذلك له فإنما أعطوه من أموالهم فلا يجوز
في القياس إلا أن يكون يتم للمعطى بما يتم به له ما ابتدءوا به عطيته من أموالهم من قبضة ذلك ويرد
بما رد به ما ابتدءوا من أموالهم إن مات الورثة قيل أن يقبضه الموصى له (1) (قال الشافعي) فلو أوصى
110

لرجل بثلث ماله ولآخر بنصفه ولآخر بربعه فلم تجز ذلك الورثة اقتسم أهل الوصايا الثلث على قدر ما
أوصى لهم به يجزأ الثلث ثلاثة عشر جزءا فيأخذ منه صاحب النصف ستة وصاحب الثلث أربعة
وصاحب الربع ثلاثة ولو أجاز الورثة اقتسموا جميع المال على أنه دخل عليهم عول نصف السدس
فأصاب كل واحد منهم من العول نصف سدس وصيته واقتسموا المال كله كما اقتسموا الثلث حتى
يكونوا سواء في العول (قال الشافعي) ولو قال لفلان غلامي فلان ولفلان داري ووصفها ولفلان
خمسمائة دينار فلم يبلغ هذا الثلث ولم تجزه لهم الورثة وكان الثلث ألفا والوصية ألفين وكانت قيمة الغلام
خمسمائة وقيمة داره ألفا والوصية خمسمائة دخل على كل واحد منهم في وصيته عول النصف وأخذ
نصف وصيته فكان للموصى له بالغلام نصف الغلام وللموصى له بالدار نصف الدار وللموصى له
بالخمسمائة مائتان وخمسون دينارا لا تجعل وصية أحد منهم أوصى له في شئ بعينه إلا فيما أوصى له
به ولا يخرج إلى غيره إلا ما سلمها الورثة فإن قال الورثة لا نسلم له من الدار إلا ما لزمنا قيل له ثلث
الدار شريك لكم بها إن شاء وشئتم اقتسمتم ويضرب بقيمة سدس الدار الذي جاز له من وصيته في
مال الميت يكون شريكا لكم به وهكذا العبد وكل ما أوصى له به بعينه فلم تسلمه له الورثة والله تعالى
الموفق (1).
باب الوصية في الدار والشئ بعينه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أوصى رجل لرجل بدار فقال داري التي كذا ووصفها
وصية لفلان فالدار له بجميع بنائها وما ثبت فيها من باب وخشب وليس له متاع فيها ولا خشب ولا
أبواب ليست بثابتة في البناء ولا لبن ولا حجارة ولا آخر لم يبن به لأن هذا لا يكون من الدار حتى يبنى
به فيكون عمارة للدار ثابتة فيها ولو أوصى له بالدار فانهدمت في حياة الموصى لم يكن له ما انهدم من
الدار وكان له ما بقي لم ينهدم من الدار وما ثبت فيها لم ينهدم منها من خشب وأبواب وغيره ولو جاء
عليها سبيل فذهب بها أو ببعضها بطلت وصيته أو بطل منها ما ذهب من الدار وهكذا لو أوصى له بعبد
فمات أو أعور أو نقص منه شئ بعينه فذهب لم يكن له فيما بقي من الثلث سوى ما أوصى له به شئ
لأن ما أوصى له به قد ذهب وهكذا كل ما أوصى له به بعينه فهلك أو نقص وهكذا لو أوصى له بشئ
فاستحق على الموصى بشئ بشراء أو هبة أو غصب بطلت الوصية لأنه أوصى له بما لا يملك.
111

باب الوصية بشئ بصفته
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أوصى رجل لرجل بعبد فقال له غلامي البربري أو غلامي
الحبشي أو نسبه إلى جنس من الأجناس وسماه باسمه ولم يكن له عبد من ذلك الجنس يسمى بذلك
الاسم كان غير جائز ولو زاد فوصفه وكان له عبد من ذلك الجنس يسمى باسمه وتخالف صفته صفته
كان جائزا له (قال الربيع) أخاف أن يكون هذا غلطا من الكاتب لأنه لم يقرأ على الشافعي ولم يسمع
منه والجواب فيها عندي أنه إن وافق اسمه أنه إن أوصى له بغلام وسماه باسمه وجنسه ووصفه فوجدنا له
غلاما بذلك الاسم والجنس غير أنه مخالف لصفته كأنه قال في صفته: أبيض طوال حسن الوجه
فأصبنا ذلك الاسم والجنس أسود قصير أسمج الوجه لم نجعله له (قال الشافعي) ولو كان سماه باسمه
ونسبه إلى جنسه فكان له عبدان أو أكثر من ذلك الجنس فاتفق اسماهما وأجناسهما لا تفرق بينهما صفة
ولم تثبت الشهود أيهما أراد (قال الربيع) ففيها قولان أحدهما أن الشهادة باطلة إذا لم يثبتوا العبد بعينه
كما لو شهدوا لرجل على رجل أن له هذا العبد أو هذه الجارية ان الشهادة باطلة لأنهم لم يثبتوا العبد
بعينه والقول الثاني أن الوصية جائزة في أحد العبدين وهما موقوفان بين الورثة والموصى له حتى
يصطلحوا لأنا قد عرفنا أن له أحدهما وإن كان بغير عينه (1).
باب المرض الذي تكون عطية المريض فيه جائزة أو غير جائزة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: المرض مرضان فكل مرض كان الأغلب منه أن الموت مخوف
منه فعطية المريض فيه إن مات في حكم الوصايا وكل مرض كان الأغلب منه أنه غير مخوف فعطية
المريض فيه كعطية الصحيح وإن مات منه، فأما المرض الذي الأغلب منه أن الموت مخوف منه فكل
حمى بدأت بصاحبها حتى جهدته أي حمى كانت، ثم إذا تطاولت فكلها مخوف إلا الربع فإنها إذا
استمرت بصاحبها ربعا كان الأغلب فيها أنها غير مخوفة فما أعطى الذي استمرت به حمى الربع وهو في
حماه فهو كعطية الصحيح وما أعطى من به حمى غير ربع فعطية مريض، فإن كان مع الربع غيرها من
الأوجاع وكان ذلك الوجع مخوفا فعطيته كعطية المريض ما لم يبرأ من ذلك الوجع وذلك مثل البر سام
والرعاف الدائم وذات الجنب والخاصرة والقولنج وما أشبه هذا وكل واحد من هذا انفرد فهو مرض
مخوف، وإذا ابتدأ البطن بالرجل فأصابه يوما أو يومين لا يأتي فيه دم ولا شئ غير ما يخرج من
الخلاء لم يكن مخوفا، فإن استمر به بعد يومين حتى يعجله أو يمنعه نوما أو يكون منخرقا فهو مخوف،

(1) زاد السراج البلقيني في نسخته ما نصه:
" باب الوصية بالغلة للدار أو ثمرة البستان أو خدمة العبد " وليس في التراجم
وقد ذكر حكمه في اختلاف العراقيين في " باب اليمين " فقال رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل للرجل بغلة دار
أو ثمرة بستان والثلث يحتمله فذلك جائز وإذا أوصى له بخدمة عبد والثلث يحمل العبد فذلك جائز وإن لم يحمل
الثلث العبد جاز ولزمه ما حمل الثلث ورد ما لم يحمل. هذا ما ذكره هناك.
112

وإن لم يكن البطن منخرقا وكان معه زحير أو تقطيع فهو مخوف (قال) وما أشكل من هذا أن يخلص
بين مخوفه وغير مخوفه سئل عنه أهل العلم به، فإن قالوا هو مخوف لم تجز عطيته إذا مات إلا من ثلثه،
وإن قالوا لا يكون مخوفا جازت عطيته جواز عطية الصحيح، ومن ساوره الدم حتى تغير عقله أو
تغلبه، وإن لم يتغير عقله أو المزار فهو في حاله تلك مخوف عليه، وإن تطاول به كان كذلك، ومن
ساوره البلغم كان مخوفا عليه في حال مساورته، فإن استمر به فالج فالأغلب أن الفالج يتطاول به وأنه
غير مخوف المعاجلة، وكذلك إن أصابه سل فالأغلب أن السل يتطاول وهو غير مخوف المعاجلة، ولو
أصابه طاعون فهذا مخوف عليه حتى يذهب عنه الطاعون، ومن أنفذته الجراح حتى تصل منه إلى جوف
فهو مخوف عليه ومن أصابه من الجراح ما لا يصل منه إلى مقتل فإن كان لا يحم عليها ولا يجلس لها ولا
يغلبه لها وجع ولا يصيبه فيها ضربان ولا أذى ولم يأكل ويرم فهذا غير مخوف، وإن أصابه بعض هذا
فهو مخوف (قال الشافعي) ثم جميع الأوجاع التي لم تسم على ما وصفت يسأل عنها أهل العلم بها فإن
قالوا مخوفة فعطية المعطى عطية مريض، وإن قالوا: غير مخوفة فعطيته عطية صحيح، وأقل ما يكون
في المسألة عن ذلك والشهادة به شاهدان ذوا عدل.
باب عطية الحامل وغيرها ممن يخاف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وتجوز عطية الحامل حتى يضربها الطلق لولاد أو إسقاط فتكون
تلك حال خوف عليها إلا أن يكون بها مرض غير الحمل مما لو أصاب غير الحامل كانت عطيتها عطية
مريض وإذا ولدت الحامل فإن كان بها وجع من جرح أو ورم أو بقية طلق أو أمر مخوف فعطيتها عطية
مريض وإن لم يكن بها من ذلك شئ فعطيتها عطية صحيح (قال الشافعي) فإن ضربت المرأة أو
الرجل بسياط أو خشب أو حجارة فثقب الضرب جوفا أو ورم بدنا أو حمل قيحا فهذا كله مخوف وهو
قبل أن يبلغ هذا في أول ما يكون الضرب إن كان مما يصنع مثله مثل هذا مخوف، فإن أتت عليه أيام
يؤمن فيها أن يبقى بعدها وكان مقتلا فليس بمخوف.
باب عطية الرجل في الحرب والبحر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وتجوز عطية الرجل في الحرب حتى يلتحم فيها فإذا التحم
كانت عطيته كعطية المريض كان محاربا مسلمين أو عدوا (قال الربيع) وله فيما أعلم قول آخر أن عطيته
عطية الصحيح حتى يجرح (قال) وقد قال لو قدم في قصاص لضرب عنقه إن عطيته عطية الصحيح
لأنه قد يعفى عنه، فإذا أسر فإن كان في أيدي المسلمين جازت عطيته في ماله وإن كان في أيدي
مشركين لا يقتلون أسيرا فكذلك وإن كان في أيدي مشركين يقتلون الاسرى ويدعونهم فعطيته عطية
المريض، لأن الأغلب منهم أن يقتلوا وليس يخلو المرء في حال أبدا من رجاء الحياة وخوف الموت
لكن إذا كان الأغلب عنده وعند غيره الخوف عليه فعطيته عطية مريض وإذا كان الأغلب عنده وعند
غيره الأمان عليه مما نزل به من وجع أو إسار أو حال كانت عطيته عطية الصحيح (قال الشافعي) وإن
113

كان في مشركين يفون بالعهد فأعطوه أمانا على شئ يعطيهموه أو على غير شئ فعطيته عطية
الصحيح.
باب الوصية للوارث
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان عن سليمان الأحول عن مجاهد يعنى في حديث
" لا وصية لوارث " (قال الشافعي) ورأيت متظاهرا عند عامه من لقيت من أهل العلم بالمغازي ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته عام الفتح " لا وصية لوارث " ولم أر بين الناس في ذلك
اختلافا، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا وصية لوارث " فحكم الوصية لوارث حكم ما لم
يكن فمتى أوصى رجل لوارث وقفنا الوصية فإن مات الموصى والموصى له وارث فلا وصية له، وإن
حدث للموصى وارث يحجبه أو خرج الموصى له من أن يكون يوم يموت وارثا له، بأن يكون أوصى
صحيحا لامرأته ثم طلقها ثلاثا ثم مات مكانه فلم يرثه فالوصية لها جائزة لأنها غير وارثة وإنما ترد الوصية
وتجوز إذا كان لها حكم ولا يكون لها حكم إلا بعد موت الموصى حتى تجب أو تبطل، ولو أوصى
لرجل وله دونه وارث يحجبه فمات الوارث قبل الموصى فصار الموصى له وارثا أو لامرأة ثم نكحها ومات
وهي زوجته بطلت الوصية لهما معا لأنها صارت وصية لوارث ولو أوصى لوارث وأجنبي بعبد أو أعبد أو
دار أو ثوب أو مال مسمى ما كان بطل نصيب الوارث وجاز للأجنبي ما يصيبه وهو النصف من جميع
ما أوصى به للوارث والأجنبي، ولكن لو قال أوصيت بكذا لفلان وفلان فإن كان سمى للوارث ثلثا
وللأجنبي ثلثي ما أوصى به جاز للأجنبي ما سمى له ورد عن الوارث ما سمى له، ولو كان له ابن يرثه
ولابنه أم ولدته أو حضنته أو أرضعته أو أب أرضعه أو زوجة أو ولد لا يرثه أو خادم أو غيره فأوصى
لهؤلاء كلهم أو لبعضهم جازت لهم الوصية لأن كل هؤلاء غير وارث وكل هؤلاء مالك لما أوصى له به
لملكه ماله إن شاء منعه ابنه وإن شاء أعطاه إياه، وما أحد أولى بوصيته من ذوي قرابته ومن عطف على
ولده ولقد ذكر الله تبارك وتعالى الوصية فقال " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " وان الأغلب
من الأقربين لأنهم يبتلون أولاد الموصى بالقرابة ثم الأغلب أن يزيدوا وأن يبتلوهم بصلة أبيهم لهم
بالوصية وينبغي لمن منع أحدا مخافة أن يرد على وارث أو ينفعه أن يمنع ذوي القرابة وان لا يعتق العبيد
الذين قد عرفوا بالعطف على الورثة، ولكن لا يمنع أحد وصية غير الوارث بالخبر عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم وما لا يختلف فيه من أحفظ عنه ممن لقيت.
باب ما يجوز من إجازة الوصية للوارث وغيره وما لا يجوز
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أراد الرجل أن يوصى لوارث فقال للورثة إني أريد أن
أوصى بثلثي لفلان وارثي فإن أجزتم ذلك فعلت وإن لم تجيزوا أوصيت بثلثي لمن تجوز الوصية له
فأشهدوا له على أنفسهم بأن قد أجازوا له جميع ما أوصى له وعلموه ثم مات فخير لهم فيما بينهم وبين
الله عز وجل أن يجيزوه لأن في ذلك صدقا ووفاء بوعد وبعدا من غدر وطاعة للميت وبرا للحى فإن لم
يفعلوا لم يجبرهم الحاكم على إجازته ولم يخرج ثلث مال الميت في شئ إذا لم يخرجه هو فيه وذلك أن
114

إجازتهموه قبل أن يموت الميت لا يلزمهم بها حكم من قبل أنهم أجازوا ما ليس لهم ألا ترى أنهم قد
يكونون ثلاثة واثنين وواحدا فتحدث له أولاد أكثر منهم فيكونون أجازوا كل الثلث إنما لهم بعضه
ويحدث له وارث غيرهم يحجبهم ويموتون قبله فلا يكونون أجازوا في واحدة من الحالين في شئ
يملكونه بحال وإن أكثر أحوالهم فيه أنهم لا يملكونه أبدا إلا بعد ما يموت أو لا ترى أنهم لو أجازوها
لوارث كان الذي أجيزت له الوصية قد يموت قبل الموصى فلو كان ملك الوصية بوصية الميت وإجازتهم
ملكها كان لم يملكها ولا شئ من مال الميت إلا بموته وبقائه بعده فكذلك الذين أجازوا له الوصية
أجازوها فيما لا يملكون وفيما قد لا يملكونه أبدا (قال) وهكذا لو استأذنهم فيما يجاوز الثلث من وصيته
فأذنوا له به وهكذا لو قال رجل منهم ميراثي منك لاخى فلان أو لبنى فلان لم يكن له لأنه أعطاه ما لم
يملك وهكذا لو استأذنهم في عتق عبيد له فأعتقهم بعد موته فلم يخرجوا من الثلث كان لهم رد من لا
يخرج من الثلث منهم وخير في هذا كله أن يجيزوه ولكنه لو أوصى لوارث بوصية فقال فإن أجازها
الورثة وإلا فهي لفلان رجل أجنبي أو في سبيل الله أو في شئ مما تجوز له الوصية به مضى ذلك على
ما قال إن أجازها الورثة جازت وإن ردوها فذلك لهم وعليهم أن ينفذوها لمن أوصى له بها إن لم تجزها
الورثة لأنها وصية لغير وارث وكذلك لو أوصى بوصية لرجل فقال فإن مات قبلي فما أوصيت له به
لفلان فمات قبله كانت الوصية لفلان وكذلك لو قال لفلان ثلثي إلا أن يقدم فلان قدم فلان هذا البلد
فهو له جاز ذلك على ما قال.
باب ما يجوز من إجازة الورثة للوصية وما لا يجوز
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الميت لمن لا تجوز له وصيته من
وارث أو غيره أو بما لا تجوز به مما جاوز الثلث فمات وقد علموا ما أوصى به وترك فقالوا قد أجزنا ما
صنع ففيها قولان أحدهما أن قولهم بعد علمهم وقصهم ميراثه لهم قد أجزنا ما صنع جائز لمن أجازوه له
كهبته لو دفعوه إليه من أيديهم ولا سبيل لهم في الرجوع فيه ومن قال هذا القول قال إن الوصاية بعد
الموت مخالفة عطايا الاحياء التي لا تجوز إلا بقبض من قبل أن معطيها قد مات ولا يكون مالكا قابضا
لشئ يخرجه من يديه وإنما هي إدخال منه لأهل الوصية على الورثة فقوله في وصيته يثبت لأهل
الوصية فيما يجوز لهم يثبت لهم ما يثبت لأهل الميراث وإذا كان هكذا فأجاز الورثة بعد علمهم وملكهم
فإنما قطعوا حقوقهم من مواريثهم عما أوصى به الميت (1) مضى على ما فعل منه جائز له جواز ما فعل مما
لم يردوه وليس ما أجازوا لأهل الوصايا بشئ في أيديهم فيخرجونه إليهم إنما هو شئ لم يصر إليهم إلا
بسبب الميت وإذا سلموا حقوقهم سلم ذلك لمن سلموه له كما يبرءون من الدين والدعوى فيبرأ منها من
أبرءوه ويبرؤون من حقوقهم من الشفعة فتنقطع حقوقهم فيها ولهذا وجه محتمل والقول الثاني أن يقول ما
ترك الميت مما لا تجوز له الوصية به فهو ملك نقله الله تعالى إليهم فكينونته في أيديهم وغير كينونته سواء
وإجازتهم ما صنع الميت هبة منهم لمن وهبوه له فمن دفعوه إليه جاز له ولهم الرجوع ما لم يدفعوه كما

(1) كذا في النسخ وتأمله. كتبه مصححه.
115

تكون لهم أموال ودائع في أيدي غيرهم فيهبون منها الشئ لغيرهم فلا تتم له الهبة إلا بالقبض ولهذا
وجه محتمل والله تعالى أعلم، وإن قالوا أجزنا ما صنع ولا نعلمه وكنا نراه يسيرا انبغى في الوجهين
جميعا أن يقال أجيزوا يسيرا واحلفوا ما أجزتموه إلا وأنتم ترونه هكذا ثم لهم الرجوع فيما بقي وكذلك إن
كانوا غيبا وإن أقيمت عليهم البينة بأنهم علموه جازت عليهم في قول من أجاز إجازتهم بغير قبض وإنما
تجوز عليهم إذا أوصى بثلثي ماله أو بماله كله أو بجزء معلوم منه إن علموا كم ترك كأن أوصى بشئ
يسميه فقال لفلان كذا وكذا دينارا ولفلان عبدي فلان ولفلان من إبلي كذا وكذا فقالوا قد أجزنا له
ذلك ثم قالوا إنما أجزنا ذلك ونحن نراه يجاوز الثلث بيسير لأنا قد عهدنا له مالا فلم نجده أو عهدناه غير
ذي دين فوجدنا عليه دينا ففيه قولان أحدهما أن يقال هذا يلزمهم في قول من أجاز إجازتهم لأنهم
أجازوا ما يعرفون وما لا يعذرون بجهالتهم والآخر أن لهم أن يحلفوا ويردوا الآن هذا إنما يجوز من مال
الميت ويقال لهم إذا احلفوا: أجيزوا منه ما كنتم ترونه يجاوز الثلث سدسا كان أو ربعا أو أقل أو
أكثر،
باب اختلاف الورثة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن أجاز بعض الورثة فيما تلزم الإجازة فيه ولم يجز بعضهم جاز في
حصة من أجاز ما أجاز كأن الورثة كانوا اثنين فيجب للموصى له نصف ما أوصى له به مما جاوز الثلث
(قال الشافعي) ولو كان في الورثة صغير أو بالغ محجور عليه أو معتوه لم يجز على واحد من هؤلاء أن يجيز
في نصيبه بشئ جاوز الثلث من الوصية ولم يكن لولى واحد من هؤلاء ان يجيز ذلك في نصيبه ولو أجاز
ذلك في ماله كان ضامنا له في ماله وإن وجد في يدي من أجيز له أخذ من يديه وكان للولي أن يتبع
من أعطاه إياه بما أعطى منه لأنه أعطاه ما لا يملك.
الوصية للقرابة
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا أوصى الرجل فقال ثلث مالي لقرابتي أو لذوي قرابتي أو لرحمي
أو لذوي رحمي أو لأرحامي أو لأقربائي أو قراباتي فذلك كله سواء والقرابة من قبل الام والأب في
الوصية سواء وأقرب قرابته وأبعدهم منه في الوصية سواء الذكر والأنثى والغنى والفقير والصغير والكبير
لأنهم أعطوا باسم القرابة فاسم القرابة يلزمهم معا كما أعطى من شهد القتال باسم الحضور، وإذا كان
الرجل من قبيلة من قريش فأوصى في قرابته فلا يجوز إذا كان كل من يعرف نسبه إلا أن يكون بينه
وبين من يلقاه إلى أب وإن بعد قرابة فإذا كان المعروف عند العامة أن من قال من قريش لقرابتي لا
يريد جميع قريش ولا من هو أبعد منهم ومن قال لقرابتي لا يريد أقرب الناس أو ذوي قرابة أبعد منه
بأب وإن كان قريبا صير إلى المعروف من قول العامة ذوي قرابتي فينظر إلى القبيلة التي ينسب إليها؟
فيقال من بنى عبد مناف ثم يقال قد يتفرق بنو عبد مناف فمن أيهم؟ فيقال من بني المطلب فيقال
أيتميز بنو المطلب؟ قيل نعم هم قبائل فمن أيهم؟ قيل من بنى عبد يزيد بن هاشم بن المطلب فيقال
أفيتميز هؤلاء؟ قيل نعم هم قبائل قيل فمن أيهم؟ قيل من بنى عبيد بن عبد يزيد قيل أفيتميز هؤلاء؟
116

قيل نعم هم بنو السائب بن عبيد بن عبد يزيد قيل وبنو شافع وبنو على وبنو عباس وكل هؤلاء من بنى
السائب، فإن قيل أفيتميز هؤلاء؟ قيل نعم كل بطن من هؤلاء يتميز عن صاحبه، فإذا كان من آل
شافع فقال لقرابته فهو لآل شافع دون آل على وآل عباس، وذلك أن كل هؤلاء يتميزون ظاهر التمييز من
البطن الآخر يعرف ذلك منهم إذا قصدوا آباءهم دون الشعوب والقبائل في آبائهم وفى تناصرهم وتناكحهم
ويحول بعضهم لبعض على هؤلاء الذين معهم، ولو قال ثلث مالي لأقرب قرابتي أو لأدنى
قرابتي أو لالصق قرابتي كان هذا كله سواء ونظرنا إلى أقرب الناس منه رحما من قبل أبيه وأمه فأعطيناه
إياه ولم نعطه غيره ممن هو أبعد منه كأنا وجدنا له عمين وخالين وبنى عم وبنى خال وأعطينا المال عميه
وخاليه سواء بينهم دون بنى العم والخال لأنهم يلقونه عند أبيه وأمه قبل بنى عمه وخاله وهكذا لو
وجدنا له إخوة لأب وإخوة لأم وعمين وخالين أعطينا المال إخوته لأبيه وإخوته لامه دون عميه وخاليه
لأنهم يلقونه عند أبيه وأمه الادنين قبل عميه وخاليه ولو كان مع الإخوة للأب والإخوة للأم إخوة لأب
وأم كان المال لهم دون الإخوة للأب والإخوة للأم لأنا إذ عددنا القرابة من قبل الأب والام سواء
فجمع الإخوة للأب والام قرابة الأب والام كانوا أقرب بالميت ولو كان مع الإخوة للأب والام ولد ولد
متسفل لا يرث كان المال له دون الاخوه لأنه ابن نفسه، وابن نفسه أقرب إليه من ابن أبيه ولو كان مع
ولد الولد المتسفل جد كان الولد أولى منه وإن كان جد أدنى (قال) ولو كان مع الإخوة للأب أو الام
جد كان الاخوة أولى من الجد في قول من قال الاخوة أولى بولاء الموالي من الجد لأنهم أقرب منه
وأنهم يلقون الميت قبل أن يصير الميت إلى الجد ولو قال في هذا كله ثلث مالي لجماعة من قرابتي فإن كان
أقرب الناس به ثلاثة فصاعدا فهو لهم وسواء كانوا رجالا أو نساء وإن كانوا اثنين ثم الذين يلونهم واحد
أو أكثر كان للاثنين الثلثان من الثلث وللواحد فأكثر ما بقي من الثلث وإن كانوا واحدا فله ثلث الثلث
ولمن يليه من قرابته إن كانوا اثنين فصاعدا ثلثا الثلث ولو كان أقرب الناس واحدا والذي يليه في القرابة
واحد أخذ كل واحد منهما ثلث الثلث واخذ الذين يلونهما في القرابة واحد أو أكثر الثلث الباقي سواء
بينهم،
باب الوصية لما في البطن والوصية بما في البطن
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وتجوز الوصية بما في البطن ولما في البطن إذا كان مخلوقا يوم وقعت
الوصية ثم يخرج حيا فلو قال رجل ما في بطن جاريتي فلانة لفلان ثم توفى فولدت جاريته لأقل من
ستة أشهر من يوم تكلم بالوصية كان لمن أوصى له به وإن ولدت لستة أشهر فأكثر لم يكن له لأنه قد
يحدث الحمل فيكون الحمل الحادث غير الذي أوصى به ولو قال ولد جاريتي أو جاريتي أو عبد بعينة
وصية لما في بطن فلانة امرأة يسميها بعينها فإن ولدت تلك المرأة لأقل من ستة أشهر من يوم تكلم
بالوصية فالوصية جائزة وإن ولدت لستة أشهر من يوم تكلم بالوصية فأكثر فالوصية مردودة لأنه قد
يحدث حمل بعد الوصية فيكون غير ما أوصى له وإن كان الحمل الذي أوصى به غلاما أو جارية أو
غلاما وجارية أو أكثر كانت الوصية بهم كلهم جائزة لمن أوصى له بهم وإن كان الحمل الذي أوصى له
غلاما أو جارية أو أكثر كانت الوصية بينهم سواء على العدد وإن مات الموصى قبل أن تلد التي أوصى
لحملها وقفت الوصية حتى تلد فإذا ولدت لأقل من ستة أشهر كانت الوصية له.
117

باب الوصية المطلقة والوصية على الشئ
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن أوصى فقال إن مت من مرضى هذا ففلان لعبد له
حر ولفلان كذا وصية ويتصدق عنى بكذا ثم صح من مرضه الذي أوصى فيه ثم مات بعده فجأة أو
من مرض غير ذلك المرض بطلت تلك الوصية لأنه أوصى إلى أجل (1) ومن أوصى له واعتق على
شرط لم يكن وكذلك إذا حد في وصيته حدا فقال إن مت في عامي هذا أو في مرضى هذا فمات من
مرض سواه بطل فإن أبهم هذا كله وقال هذه وصيتي ما لم أغيرها فهو كما قال وهي وصيته ما لم يغيرها
ولكنه لو قال هذا وأشهد أن وصيته هذه ثابتة ما لم يغيرها كانت وصيته نافذة (قال الشافعي) وإن
أوصى فقال إن حدث بي حدث الموت وصية مرسلة ولم يحدد لها حدا أو قال متى حدث بي حدث
الموت أو متى مت فوصيته ثابتة ينفذ جميع ما فيها مما جاز له متى مات ما لم يغيرها.
باب الوصية للوارث
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك
خيرا الوصية للوالدين " الآية إلى " المتقين " وقال عز وجل في آي المواريث " ولأبويه لكل واحد منهما
السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث " وذكر من ورث جل ثناؤه
في آي من كتابه (قال الشافعي) واحتمل إجماع أمر الله تعالى بالوصية للوالدين والأقربين معنين أحدهما
أن يكون للوالدين والأقربين الأمران معا فيكون على الموصى أن يوصى لهم فيأخذون بالوصية ويكون لهم
الميراث فيأخذون به واحتمل أن يكون الامر بالوصية نزل ناسخا لأن تكون الوصية لهم ثابتة فوجدنا
الدلالة على أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخة بآي المواريث من وجهين أحدهما اخبار
ليست بمتصلة عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الحجازيين منها أن سفيان بن عيينة أخبرنا عن
سليمان الأحول عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا وصية لوارث " وغيره يثبته بهذا الوجه
ووجدنا غيره قد يصل فيه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا المعنى ثم لم نعلم أهل العلم في
البلدان اختلفوا في أن الوصية للوالدين منسوخة بآي المواريث واحتمل إذا كانت منسوخة أن تكون
الوصية للوالدين ساقطة حتى لو أوصى لهما لم تجز الوصية وبهذا نقول، وما روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم وما لم نعلم أهل العلم اختلفوا فيه يدل على هذا وإن كان يحتمل أن يكون وجوبها منسوخا وإذا
أوصى لهم جاز وإذا أوصى للوالدين فأجاز الورثة فليس بالوصية أخذوا وإنما أخذوا بإعطاء الورثة لهم
ما لهم لأنا قد أبطلنا حكم الوصية لهم فكان نص المنسوخ في وصية الوالدين وسمى معهم الأقربين
جملة فلما كان الوالدان وارثين قسنا عليهم كل وارث وكذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان
الأقربون ورثة وغير ورثة أبطلنا الوصية للورثة من الأقربين بالنص والقياس والخبر " ألا لا وصية
لوارث " وأجزنا الوصية للأقربين ولغير الورثة من كان فالأصل في الوصايا لمن أوصى في كتاب الله عز
وجل وما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لم أعلم من مضى من أهل العلم اختلفوا فيه في أن

(1) قوله: ومن أوصى له كذا في النسخ ولعله محرف عن " قد " وتأمل. كتبه مصححه.
118

ينظر إلى الوصايا فإذا كانت لمن يرث الميت أبطلتها وإن كانت لمن لا يرثه أجزتها على الوجه الذي تجوز
به وموجود عندي والله تعالى أعلم فيما وصفت من الكتاب وما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
وحيث إن ما لم نعلم من مضى من أهل العلم اختلفوا فيه أنه إنما يمنع الورثة الوصايا لئلا يأخذوا مال
الميت من وجهين وذلك أن ما ترك المتوفى يؤخذ بميراث أو وصية فلما كان حكمهما مختلفين لم يجز أن
يجمع لواحد الحكمان المختلفان في حكم واحد وحال واحدة كما لا يجوز أن يعطى بالشئ وضد
الشئ ولم يحتمل معنى غيره بحال فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول إنما لم تجز الوصية للوارث من قبل تهمة
الموصى لأن يكون يحابى وارثه ببعض ماله فلولا أن العناء مستعل على بعض من يتعاطى الفقه ما كان
فيمن ذهب إلى هذا المذهب عندي والله أعلم للجواب موضع لأن من خفى عليه هذا حتى لا
يتبين له الخطأ فيه كان شبيها أن لا يفرق بين الشئ وضد الشئ فإن قال قائل فأين هذا؟ قيل له إن
شاء الله تعالى أرأيت امرءا من العرب عصبته يلقونه بعد ثلاثين أبا قد قتل آباء عصبته آباءه وقتلهم آباؤه
وبلغوا غاية العداوة بينهم بتسافك الدماء وانتهاك المحارم والقطيعة والنفي من الأنساب في الاشعار
وغيرها وما كان هو يصطفى ما صنع بآبائه ويعادي عصبته عليه غاية العداوة ويبذل ماله في أن يسفك
دماءهم وكان من عصبته الذين يرثونه من قتل أبويه فأوصى من مرضه لهؤلاء القتلة وهم ورثته مع
غيرهم من عصبته كان الوارث معهم في حال عداوتهم أو كان له سلما به برا وله واصلا وكذلك كان
آباؤهما أتجوز الوصية لأعدائه وهو لا يتهم فيهم؟ فإن قال لا قيل وكذلك لو كان من الموالي فكان مواليه
قد بلغوا بآبائه ما بلغ بهم وبأبيهم ما وصفت من حال القربى فأوصى لورثته من مواليه ومعهم ابنته
أتجوز الوصية لهم وهو لا يتهم فيهم؟ فإن قال لا. قيل وهكذا زوجته لو كانت ناشزة منه عاصية له
عظيمة البهتان وترميه بالقذف قد سقته سما لتقتله وضربته بالحديد لتقتله فأفلت من ذلك وبقيت ممتنعة
منه وامتنع من فراقها إضرارا لها ثم مات فأوصى لها لم تجز وصيته لأنها وارث. فإن قال نعم: قيل ولو
أن أجنبيا مات ليس له وارث (1) أعظم النعمة عليه صغيرا وكبيرا وتتابع إحسانه عليه، وكان معروفا
بمودته فأوصى له بثلث ما له أيجوز؟ فإن قال نعم، قيل وهكذا تجوز الوصية له وإن كان ورثته أعداء
له. فإن قال نعم تجوز وصيته في ثلثه كان ورثته أعداء له أو غير أعداء. قيل له أرأيت لو لم يكن في أن
الوصية تبطل للوارث وأنه إذا خص بإبطال وصيته الوارث لم يكن فيها معنى إلا ما قلنا. ثم كان الأصل
الذي وصفت لم يسبقك إليه أحد يعقل من أهل العلم شيئا علمناه أما كنت تركته؟ أو ما كان يلزمك
أن تزعم أنك تنظر إلى وصيته أبدا فإن كانت وصيته لرجل عدو له أو بغيض إليه أو غير صديق أجزتها
وإن كان وارثا. وإن كانت لصديق له أو لذي يد عنده أو غير عدو فأبطلتها. وإذا فعلت هذا خرجت
مما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ومما يدخل فيما لم يختلف فيه أهل العلم علمناه. أو رأيت لو كان
له عبد يعلم أنه أحب الناس إليه وأوثقه في نفسه وأنه يعرف بتوليج ماله إليه في الحياة ولد ولد دون
ولده. ثم مات ولده فصار وارثه عدوا له فأعتق عبده في وصيته أليس يلزمك أن لا تجيز العتق لشأن
تهمته فيه حيا إذا كان يؤثره بماله على ولد نفسه وميتا إذ كان عنده بتلك الحال وكان الوارث له عدوا؟
أو رأيت لو كان وارثه له عدوا فقال والله ما يمنعني أن أدع الوصية فيكون الميراث وافرا عليك إلا حب
أن يفقرك الله ولا يغنيك. ولكني أوصى بثلث مالي لغيرك فأوصى لغيره أليس إن أجاز هذا أجاز ما

(1) قوله: أعظم النعمة الخ، لعل هنا سقطا من النساخ وأصل الكلام " وله صديق أعظم النعمة عليه الخ " فانظر
119

ينبغي أن يرد ورد ما كان ينبغي أن يجوز من الوصية لوارث عدو في أصل قوله؟ أو رأيت إذا كانت
السنة تدل على أن للميت أن يوصى بثلث ماله ولا يحظر عليه منه شئ أن يوصى به إلا لوارث (1) إذ
دخل عليه أحد أن يحظر عليه الوصية لغير وارث بحال أليس قد خالفنا السنة؟ أو رأيت إذا كان حكم
الثلث إليه ينفذه لمن رأى غير وارث لو كان وارثه في العداوة له على ما وصفت من العداوة. وكان بعيد
النسب أو كان مولى له فأقر لرجل آخر بمال قد كان يجحده إياه أو كان لا يعرف بالاقرار له به ولا الآخر
بدعواه أليس إن أجازه له مما يخرج الوارث من جميع الميراث أجابه له أكثر من الثلث وهو متهم على
أن يكون صار الوارث؟ وإن أبطله أبطل إقرارا بدين أحق من الميراث لأن الميراث لا يكون إلا بعد
الدين (قال الشافعي) الاحكام على الظاهر والله ولى المغيب ومن حكم على الناس بالازكان جعل
لنفسه ما حظر الله تعالى عليه ورسوله صلى الله عليه وسلم لأن الله عز وجل إنما يولى الثواب والعقاب على
المغيب لأنه لا يعلمه إلا هو جل ثناؤه. وكلف العباد أن يأخذوا من العباد بالظاهر ولو كان لاحد أن
يأخذ بباطن عليه دلالة كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وما وصفت من هذا يدخل في
جميع العلم، فإن قال قائل ما دل على ما وصفت من أنه لا يحكم بالباطن؟ قيل كتاب الله ثم سنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر الله تبارك وتعالى المنافقين فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم " إذا جاءك
المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله " قرأ إلى " فصدوا عن سبيل الله " فأقرهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم يتناكحون ويتوارثون ويسهم لهم إذا حضروا القسمة ويحكم لهم أحكام المسلمين، وقد أخبر الله
تعالى ذكره عن كفرهم وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم اتخذوا أيمانهم جنة من القتل بإظهار
الايمان على الايمان. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلى ولعل
بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع منه. فمن قضيت له بشئ من
حق أخيه فلا يأخذ به فإنما أقطع له بقطعة من النار " فأخبرهم أنه يقضى بالظاهر وأن الحلال والحرام
عند الله على الباطن وأن قضاءه لا يحل للمقتضى له ما حرم الله تعالى عليه إذا علمه حراما. وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن محارم الله تعالى فمن أصاب منكم من
هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله " فأخبرهم أنه لا
يكشفهم عما لا يبدون من أنفسهم وأنهم إذا أبدوا ما فيه الحق عليهم أخذوا بذلك، وبذلك أمر الله
تعالى ذكره فقال " ولا تجسسوا " وبذلك أوصى صلى الله عليه وسلم. ولا عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بين أخوى بنى العجلان، ثم قال " انظروا فإن جاءت به كذا فهو للذي يتهمه " فجاءت به على
النعت الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو للذي يتهمه به، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" إن أمره لبين لولا ما حكم الله " ولم يستعمل عليهما الدلالة البينة التي لا تكون دلالة أبين منها، وذلك
خبره أن يكون الولد، ثم جاء الولد على ما قال مع أشياء لهذا كلها تبطل حكم الازكان من الذرائع في
البيوع وغيرها من حكم الازكان فأعظم ما فيما وصفت من الحكم بالازكان خلاف ما أمر الله عز وجل
به أن يحكم بين عباده من الظاهر وما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم يمتنع من حكم
بالازكان ان اختلفت أقاويله فيه حتى لو لم يكن آثما بخلافه ما وصفت من الكتاب والسنة كان ينبغي
أن تكون أكثر أقاويله متروكة عليه لضعف مذهبه فيها. وذلك أنه يزكن في الشئ الحلال فيحرمه. ثم

(1) إذا دخل الخ كذا في النسخ ولعل في العبارة تحريفا فتأمل وحرر. كتبه مصححه.
120

يأتي ما هو أولى أن يحرمه منه إن كان له التحريم بالازكان فلا يحرمه، فإن قال قائل ومثل ماذا من
البيوع؟ قيل أرأيت رجلا اشترى فرسا على أنها عقوق، فإن قال لا يجوز البيع لأن ما في بطنها مغيب
غير مضمون بصفة عليه، قيل له وكذلك لو اشتراها وما في بطنها بدينار، فإن قال نعم قيل أرأيت إذا
كان المتبايعان بصيرين فقالا هذه الفرس تسوى خمسة دنانير إن كانت غير عقوق وعشرة إن كانت عقوقا
فأنا آخذها منك بعشرة ولولا أنها عندي عقوق لم أزدك على خمسة ولكنا لا نشترط معها عقوقا لافساد
البيع فإن قال هذا البيع يجوز لأن الصفقة وقعت على الفرس دون ما في بطنها ونيتهما معا وإظهارهما
الزيادة لما في البطن لا يفسد البيع إذا لم تعقد الصفقة على ما يفسد البيع ولا أفسد البيع ههنا بالنية قيل
له إن شاء الله تعالى وكذلك لا يحل نكاح المتعة ويفسخ. فإن قال نعم. قيل وإن كان أعزب أو آهلا؟
فإن قال نعم، قيل فإن أراد أن ينكح امرأة ونوى أن لا يحبسها إلا يوما أو عشرا إنما أراد أن يقضى منها
وطرا وكذلك نوت هي منه غير أنهما عقدا النكاح مطلقا على غير شرط، وان قال: هذا يحل قيل له
ولم تفسده بالنية إذا كان العقد صحيحا؟ فإن قال نعم، قيل له إن شاء الله تعالى فهل تجد في البيوع
شيئا من الذرائع أو في النكاح شيئا من الذرائع تفسد به بيعا أو نكاحا أولى أن تفسد به البيع من شراء
الفرس العقوق على ما وصف وكل ذات حمل سواها والنكاح على ما وصفت فإذا لم تفسد بيعا ولا
نكاحا بنية يتصادق عليها المتبايعان والمتناكحان إيما كانت نيتهما ظاهرة قبل العقد ومعه وبعده، وقلت
لا أفسد واحدا منهما لأن عقد البيع وعقد النكاح وقع على صحة والنية لا تصنع شيئا وليس معها كلام
فالنية إذا لم يكن معها كلام أولى أن لا تصنع شيئا يفسد به بيع ولا نكاح (قال الشافعي) وإذا لم يفسد
على المتبايعين نيتهما أو كلامهما فكيف أفسدت عليهما بأن أزكنت عليهما أنهما نويا أو أحدهما شيئا والعقد
صحيح فأفسدت العقد الصحيح بإزكانك أنه نوى فيه ما لو شرط في البيع أو النكاح فسد فإن قال
ومثل ماذا؟ قال قيل له مثل قولك والله تعالى الموفق.
باب تفريع الوصايا للوارث
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فكل ما أوصى به المريض في مرضه الذي يموت فيه الوارث من
ملك مال ومنفعة بوجه من الوجوه لم تجز الوصية لوارث بأي هذا كان.
الوصية للوارث
قال الربيع (قال الشافعي) وإذا استأذن الرجل أن يوصى لوارث في صحة منه أو مرض فأذنوا له
أو لم يأذنوا فذلك سواء فإن وفوا له كان خيرا لهم وأتقى لله عز ذكره وأحسن في الأحدوثة أن يجيزوه،
فإن لم يفعلوا لم يكن للحاكم أن يجبرهم على شئ منه وذلك بما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
من الميراث (قال الشافعي) أخبرنا سفيان ابن عيينة قال سمعت الزهري يقول زعم أهل العراق أن
شهادة المحدود لا تجوز فأشهد لأخبرني فلان أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لأبي بكرة " تب
تقبل شهادتك " أو " إن تبت قبلت شهادتك " قال سفيان سمى الزهري الذي أخبره فحفظته ثم نسيته
وشككت فيه فلما قمنا سألت من حضر فقال لي عمرو بن قيس هو سعيد بن المسيب فقلت هل شككت
121

فيما قال؟ فقال لا هو سعيد بن المسيب غير شك (قال الشافعي) وكثيرا ما سمعته يحدثه فيسمى سعيدا
وكثير ما سمعته يقول عن سعيد إن شاء الله تعالى. وقد روى غيره من أهل الحفظ عن سعيد ليس فيه
شك وزاد فيه أن عمر استتاب الثلاثة فتاب اثنان فأجاز شهادتهما وأبى أبو بكر فرد شهادته.
مسألة في العتق
(قال) ومن أوصى بعتق عبده ولا يحمله الثلث فأجاز له بعض الورثة وأتى بعض أن يجيز عتق منه
ما حمل الثلث وحصة من أجاز وكان الولاء للذي أعتق لا للذي أجاز إن قال أجزت لا أرد ما فعل
الميت ولا أبطله من قبل أنه لعله أن يكون لزمه عتقه في حياته أو وجه ذكره مثل هذا، ومن أوصى له
بثلث رقيق وفيهم من يعتق عليه إذا ملكه فله الخيار في أن يقبل أو يرد الوصية، فإن قبل عتق عليه
من يعتق عليه إذا ملكه وقوم عليه ما بقي منه إن كان موسرا وكان له ولاؤه، ويعتق على الرجل كل من
ولد الرجل من أب وجد أب وجد أم إذا كان له والدا من جهة من الجهات وإن بعد. وكذلك كل
من كان ولد بأي جهة من الجهات وإن بعد. ولا يعتق عليه أخ ولا عم ولا ذو قرابة غيرهم، ومن
أوصى لصبي لم يبلغ بأبيه أو جده كان للوصي أن يقبل الوصية لأنه لا ضرر عليه في أن يعتق على
الصبي وله ولاؤه. وإن أوصى له ببعضه لم يكن للولي أن يقبل الوصية على الصبي وإن قبل لم يقوم على
الصبي وعتق منه ما ملك الصبي، وإنما يجوز له أمر الولي فيما زاد الصبي أو لم ينقص أو فيما لا بد له
منه. فأما ما ينقصه مما له منه بد فلا يجوز عليه وهذا نقص له منه بد، وإذا كان العبد بين اثنين فأعطى
أحدهما خمسين دينارا على أن يعتقه أو يعتق نصيبه منه فأعتقه عتق عليه ورجع شريكه عليه بنصف
الخمسين وأخذها ونصف قيمة العبد، وكان له ولاؤه ورجع السيد على العبد بالخمسة والعشرين التي
قبضها منه السيد. ولو كان السيد قال إن سلمت لي هذه الخمسون فأنت حر لم يكن حرا وكان
للشريك أن يأخذ منه نصف الخمسين لأنه مال العبد وماله بينهما. ومن قال إذا مت فنصف غلامي
حر فنصف غلامه حر ولا يعتق عليه النصف الثاني وإن حمل ذلك ثلثه لأنه إذا مات فقد انقطع ملكه
عن ماله وإنما كان له أن يأخذ من ماله ما كان حيا. فلما أوقع العتق في حال ليس هو فيها مالك لم يقع
منه إلا ما أوقع وإذا كنا في حياته لو أعتق نصف مملوك ونصفه لغيره وهو معسر لم نعتقه عليه فهو بعد
الموت لا يملك في حاله التي أعتق فيها ولا يفيد ملكا بعده، ولو أعتقه فبت عتقه في مرضه عتق عليه
كله لأنه أعتق وهو مالك للكل أو الثلث وإذا مات فحمل الثلث عتق كله وبدئ على التدبير والوصايا
(قال الشافعي) وإذا كان العبد بين رجلين أو أكثر فأعتق أحدهم وهو موسر وشركاؤه غيب عتق كله
وقوم فدفع إلى وكلاء شركائه نصيبهم من العبد وكان حرا وله ولاؤه فإن لم يكن لهم وكلاء وقف ذلك
لهم على أيدي من يضمنه بالنظر من القاضي لهم أو أقره على المعتق إن كان مليئا ولا يخرجه من يديه
إذا كان مليئا مأمونا إنما يخرجه إذا كان غير مأمون. وإذا قال الرجل لعبده: أنت حر على أن عليك
مائة دينار أو خدمة سنة أو عمل كذا فقبل العبد العتق على هذا لزمه ذلك وكان دينا عليه، فإن مات
قبل أن يخدم رجع عليه المولى بقيمة الخدمة في ماله إن كان له (قال الشافعي) ولو قال في هذا أقبل
العتق ولا أقبل ما جعلت على لم يكن حرا وهو كقولك أنت حر إن ضمنت مائة دينار أو ضمنت كذا
وكذا ولو قال أنت حر وعليك مائة دينار وأنت حر ثم عليك مائة دينار أو خدمة فإن ألزمه العبد نفسه أو
122

لم يلزمه نفسه عتق في الحالين معا ولم يلزمه منه شئ لأنه أعتقه ثم استأنف أن جعل عليه شيئا فجعله
على رجل لا يملكه ولم يعقد به شرطا فلا يلزمه إلا أن يتطوع بأن يضمنه له (قال الشافعي) وإذا أعتق
الرجل شركا له في عبد فإنما أنظر إلى الحال التي أعتق فيها فإن كان موسرا ساعة أعتقه أعتقته وجعلت
له ولاءه وضمنته نصيب شركائه وقومته بقيمته حين وقع العتق وجعلته حين وقع العتق حرا جنايته
والجناية عليه وشهادته وحدوده وجميع أحكامه أحكام حر وإن لم يدفع القيمة ولم يرتفع إلى القاضي
إلا بعد سنة أو أكثر، وإن كانت قيمته يوم أعتقه مائة دينار ثم نقصت ثم لم يرافعه إلى الحاكم حتى
تصير عشرة أو زادت حتى تصير ألفا فسواء وقيمته مائة. وإن كانت المعتقة أمة فولدت أولادا بعد العتق
فالقيمة قيمة الام يوم وقع العتق حاملا كانت أو غير حامل ولا قيمة لما حدث من الحمل ولا من
الولادة بعد العتق لأنهم أولاد حرة ولو كان العبد بين رجلين فأعتقه أحدهما وأعتقه الثاني بعد عتق
الأول فعتقه باطل. وهذا إذا كان الأول موسرا فله ولاؤه وعليه قيمته وإن كان معسرا فعتق الثاني جائز
والولاء بينهما وإن أعتقاه جميعا معا لم يتقدم أحدهما صاحبه في العتق كان حرا ولهما ولاؤه وهكذا إن
وليا رجلا عتقه فأعتقه كان حرا وكان ولاؤه بينهما ولو قال أحدهما لصاحبه إذا أعتقت فهو حر فاعتقه
صاحبه كان حرا حين قال المعتق ولا يكون حرا لو قال إذا أعتقتك فأنت حر لأنه أوقع العتق بعد كمال
الأول وكان كمن قال إذا أعتقه فهو حر ولا ألتفت إلى القول الآخر. وإذا كان العبد بين شريكين
فأعتقه أحدهما وهو معسر فنصيبه حر وللمعتق نصف ماله وللذي لم يعتق نصفه ولو كان موسرا كان حرا
وضمن لشريكه نصف قيمته وكان مال العبد بينهما ولا مال للعبد إنما ماله لمالكه إن شاء أن يأخذه
أخذه وعتقه غير هبة ماله (قال الشافعي) وهو غير ماله وهو يقع عليه العتق ولا يقع على ماله ولو قال
رجل لغلامه أنت حر ولماله أنت حر كان الغلام حرا ولم يكن المال حرا ما كان المال من حيوان أو غيره
لا يقع العتق إلا علي بني آدم. وإذا أعتق الرجل عبدا بينه وبين رجل وله من المال ما يعتق عليه ثلاثة
أرباعه أو أقل أو أكثر إلا أن الكل لا يخرج عتق عليه ما احتمل ماله منه وكان له من ولائه بقدر ما
عتق منه ويرق منه ما بقي وسواء فيما وصفت العبد بين المسلمين أو المسلم والنصراني وسواء أيهما أعتقه
وسواء كان العبد مسلما أو نصرانيا فإذا أعتقه النصراني وهو موسر فهو حر كله وله ولاؤه وهو فيه مثل
المسلم إلا أنه لا يرثه لاختلاف الدينين كما لا يرث ابنه فإن أسلم بعد ثم مات المولى المعتق ورثه. ولا يبعد
النصراني أن يكون مالكا معتقا فعتق المالك جائز. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن
أعتق " ولا يكون مالكا لمسلم فلو أعتقه لم يجز عتقه. فأما مالك معتق يجوز عتقه ولا يكون له ولاؤه فلم
أسمع بهذا. وهذا خلاف السنة وإذا ملك الرجل أباه أو أمه بميراث عتقا عليه وإذا ملك بعضهما عتق
منهما ما ملك ولم يكن عليه أن يقوما عليه لأن الملك لزمه وليس له دفعه لأنه ليس له دفع الميراث.
لأن حكم الله عز وجل أنه نقل ميراث الموتى إلى الاحياء الوارثين. ولكنه لو أوصى له أو وهب له أو
تصدق به عليه أو ملكه بأي ملك ما شاء غير الميراث عتق عليه وإن ملك بعضهما بغير ميراث كان عليه
أن يقوما عليه ولو اشترى بعضهما لأنه قد كان له دفع هذا الملك كله ولم يكن عليه قبوله ولم يكن مالكا
له إلا بأن يشاء فكان اختياره الملك ملك ماله قيمة، والعتق يلزم العبد أحب أو كره، ولو أعتق الرجل
شقصا له في عبد قوم عليه فقال عند القيمة إنه آبق أو سارق كلف البينة. فإن جاء بها قوم كذلك،
وإن أقر له شريكه قوم كذلك وإن لم يقر له شريكه أحلف، فإن حلف قوم بريا من الإباق والسرقة.
فإن نكل عن اليمين رددنا اليمين على المعتق فإن حلف قومناه آبقا سارقا وإن نكل قومناه صحيحا.
123

باب الوصية بعد الوصية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أوصى رجل بوصية مطلقة ثم أوصى بعدها بوصية أخرى
أنفذت الوصيتان معا. وكذلك إن أوصى بالأولى فجعل إنفاذها إلى رجل وبالأخرى فجعل إنفاذها
إلى رجل كانت كل واحدا من الوصيتين إلى من جعلها إليه وإن كان قال في الأولى وجعل وصيته
وقضاء دينه وتركته إلى فلان وقال في الأخرى مثل ذلك كان كل ما قال في واحدة من الوصيتين ليس
في الأخرى إلى الوصي في تلك الوصية دون صاحبه وكان قضاء دينه ولا تركته إليهما معا ولو قال
في إحدى الوصيتين أوصى بما في هذه الوصية إلى فلان وقال في الأخرى أوصى بما في هذه الوصية
وولاية من خلف وقضاء دينه إلى فلان فهذا مفرد بما أفرده به من قضاء دينه وولاية تركته وما في وصيته ليست
في الوصية الأخرى وشريك مع الآخر فيما في الوصية الأخرى.
باب الرجوع في الوصية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وللرجل إذا أوصى بوصية تطوع بها ان ينقضها كلها أو يبدل
منها ما شاء التدبير أو غيره ما لم يمت، وإن كان في وصيته إقرار بدين أو غيره أو عتق بتات فذلك
شئ واجب عليه أوجبه على نفسه في حياته لا بعد موته فليس له أن يرجع من ذلك في شئ.
باب ما يكون رجوعا في الوصية وتغييرا لها وما لا يكون رجوعا ولا تغييرا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أوصى رجل بعبد بعينه لرجل ثم أوصى بذلك العبد بعينه
لرجل فالعبد بينهما نصفان ولو قال العبد الذي أوصيت به لفلان لفلان أو قد أوصيت بالعبد الذي
أوصيت به لفلان لفلان كان هذا ردا للوصية الأولى وكانت وصيته للآخر منهما ولو أوصى لرجل بعبد
ثم أوصى أن يباع ذلك العبد كان هذا دليلا على إبطال وصيته به، وذلك أن البيع والوصية لا يجتمعان
في عبد، وكذلك لو أوصى لرجل بعبد ثم أوصى بعتقه أو أخذ مال منه وعتقه كان هذا كله إبطالا
للوصية به للأول ولو أوصى لرجل بعبد ثم باعه أو كاتبه أو دبره أو وهبه كان هذا كله إبطالا للوصية فيه
(قال الشافعي) ولو أوصى به لرجل ثم أذن له في التجارة أو بعثه تاجرا إلى بلد أو أجره أو علمه كتابا أو
قرآنا أو علما أو صناعة أو كساه أو وهب له مالا أو زوجه لم يكن شئ من هذا رجوعا في الوصية، ولو
كان الموصى به طعاما فباعه أو وهبه أو أكله أو كان حنطة فطحنها أو دقيقا فعجنه أو خبزه فجعلها سويقا
كان هذا كله كنقض الوصية ولو أوصى له بما في هذا البيت من الحنطة ثم خلطها بحنطة غيرها كان هذا
إبطالا للوصية، ولو أوصى له مما في البيت بمكيلة حنطة ثم خلطها بحنطة مثلها لم يكن هذا إبطالا
للوصية وكانت له المكيلة التي أوصى بها له.
124

تغيير وصية العتق
أخبرنا الربيع بن سليمان قال حدثنا الشافعي إملاء قال وللموصى أن يغير من وصيته ما شاء من
تدبير وغير تدبير لأن الوصية عطاء يعطيه بعد الموت فله الرجوع فيه ما لم يتم لصاحبه بموته، قال وتجوز
وصية كل من عقل الوصية من بالغ محجور عليه وغير بالغ لأنا إنما نحبس عليه ماله ما لم يبلغ رشده،
فإذا صار إلى أن يحول ملكه لغيره لم نمنعه أن يتقرب إلى الله تعالى في ماله بما أجازت له السنة من
الثلث، قال ونقتصر في الوصايا على الثلث، والحجة في أن يقتصر بها على الثلث وفى أن تجوز لغير
القرابة حديث عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند الموت فأقرع النبي صلى الله عليه
وسلم بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة فاقتصر بوصيته على الثلث وجعل عتقه في المرض إذا مات وصية
وأجازها للعبيد وهم غير قرابة وأحب إلينا أن يوصى للقرابة (قال الشافعي) وإذا أوصى رجل لرجل
بثلث ماله أو شئ مسمى من دنانير أو دراهم أو عرض من العروض وله مال حاضر لا يحتمل ما
أوصى به ومال غائب فيه فضل عما أوصى به أعطينا الموصى له ما أوصى له بما بينه وبين أن يستكمل
ثلث المال الحاضر وبقينا ما بقي له ولكما حضر من المال شئ دفعنا إلى الورثة ثلثيه وإلى الموصى له ثلثه
حتى يستوفوا وصاياهم، وإن هلك المال الغائب هلك منهم ومن الورثة، وإن أبطأ عليهم أبطأ عليهم
معا وأحسن حال الموصى له أبدا أن يكون كالوارث ما احتملت الوصية الثلث فإذا عجز الثلث عنها
سقط معه فأما أن يزاد أحد بحال أبدا على ما أوصى له به قليلا أو كثيرا فلا إلا أن يتطوع له الورثة
فيهبون له من أموالهم أرأيت من زعم أن رجلا لو أوصى لرجل بثلاثة دراهم وترك ثلاثة دراهم وعرضا
غائبا يساوى ألف فقال أخير الورثة بين أن يعطوا الموصى له هذه الثلاثة دراهم كلها ويسلم لهم ثلث مال
الميت أو أجبرهم على درهم من الثلاثة لأنه ثلث ما حضر وأجعل للموصى له ثلثي الثلث فيما غاب من
ماله أليس كان أقرب إلى الحق وأبعد من الفحش في الظلم لو جبرهم على أن يعطوه من الثلاثة دراهم
درهما؟ فإذا لم يجز عنده أن يجبرهم على درهمين يدفعونهما من قبل أن لا يكون له أن تسلم إليه وصيته ولم تأخذ
الورثة ميراثهم كان أن يعطوه قيمة ألوف أحرم عليه وأفحش في الظلم وإنما أحسن حالات الموصى له
أن يستوفى ما أوصى له به لا يزاد عليه بشئ ولا يدخل عليه النقص فأما الزيادة فلا تحل ولكن كلما
حضر من مال الميت أعطينا الورثة الثلثين وله الثلث حتى يستوفى وصيته وكذلك لو أوصى له بعبد
بعينه ولم يترك الميت غيره إلا مالا غائبا سلمنا له ثلثه وللورثة الثلثين وكلما حضر من المال الغائب شئ له
ثلث زدنا الموصى له في العبد أبدا حتى يستوفى رقبته أو يعجز الثلث فيكون له ما حمل الثلث ولا أبالي
ترك الميت دارا أو أرضا أو غير ذلك لأنه لا مأمون في الدنيا قد تنهدم الدار وتحترق ويأتي السيل عليها
فينسف أرضها وعمارتها وليس من العدل أن يكون للورثة ثلثان بكتاب الله عز وجل وللموصى له ثلث
تطوعا من الميت فيعطى بالثلث ما لا تعطى الورثة بالثلثين.
باب وصية الحامل
أخبرنا الربيع بن سليمان قال (قال الشافعي) تجوز وصية الحامل ما لم يحدث لها مرض غير الحمل
125

كالأمراض التي يكون فيها صاحبها مضنيا أو تجلس بين القوابل فيضربها الطلق فلو أجزت أن توصى
حامل مرة ولا توصى أخرى كان لغيري أن يقول إذا ابتدأ الحمل تغثى نفسها وتغير عن حال الصحة
وتكره الطعام فلا أجيز وصيتها في هذه الحال وأجزت وصيتها إذا استمرت في الحمل وذهب عنها
الغثيان والنعاس وإقهام الطعام ثم يكون أولى أن يقبل قوله ممن فرق بين حالها قبل الطلق وليس في هذا
وجه يحتمله إلا ما قلنا لأن الطلق حادث كالتلف أو كأشد وجع في الأرض مضن وأخوفه أو لا تجوز
وصيتها إذا حملت بحال لأنها حاملا مخالفة حالها غير حامل وقد قال في الرجل يحضر القتال تجوز هبته
وجمع ما صنع في ماله في كل ما لم يجرح فإذا جرح جرحا مخوفا فهذا كالمرض المضنى أو أشد خوفا فلا
يجوز مما صنع في ماله إلا الثلث وكذلك الأسير يجوز له ما صنع في ماله وكذلك من حل عليه
القصاص ما لم يقتل أو يجرح من قبل أنه قد يمكن أن يحيا.
صدقة الحي عن الميت
أخبرنا الربيع بن سليمان قال حدثنا الشافعي إملاء قال: يلحق الميت من فعل غيره وعمله ثلاث
حج يؤدى عنه ومال يتصدق به عنه أو يقضى ودعاء فأما ما سوى ذلك من صلاة أو صيام فهو لفاعله
دون الميت وإنما قلنا بهذا دون ما سواه استدلالا بالسنة في الحج خاصة والعمرة مثله قياسا وذلك
الواجب دون التطوع ولا يحج أحد عن أحد تطوعا لأنه عمل على البدن فأما المال فإن الرجل يحب عليه
فيما له الحق من الزكاة وغيرها فيجزيه أن يؤدى عنه بأمره لأنه إنما أريد بالفرض فيه تأديته إلى أهله لا
عمل على البدن فإذا عمل امرؤ عنى على ما فرض في مالي فقد أدى الفرض عنى واما الدعاء فإن الله
عز وجل ندب العباد إليه وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به فإذا جاز أن يدعى للأخ حيا جاز أن
يدعى له ميتا ولحقه إن شاء الله تعالى بركه ذلك مع أن الله عز ذكره واسع لأن يوفى الحي أجره ويدخل
على الميت منفعته وكذلك كلما تطوع رجل عن رجل صدقة تطوع.
باب الأوصياء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا تجوز الوصية إلا إلى بالغ مسلم عدل أو امرأة كذلك ولا تجوز
إلى عبد أجنبي ولا عبد الموصى ولا عبد الموصى له ولا إلى أحد لم تتم فيه الحرية من مكاتب ولا غيره
ولا تجوز وصية مسلم إلى مشرك فإن قال قائل فكيف لم تجز الوصية إلى من ذكرت أنها لا تجوز إليه؟ قيل
لا تعدو الوصية أن تكون كوكالة الرجل في الحق له فلسنا نرد على رجل وكل عبدا كافرا خائنا لأنه
أملك بماله ونجيز له أن يوكل بما يجوز له في ماله ولا نخرج من يديه ما دفع إليه منه ولا نجعل عليه فيه
أمينا ولا أعلم أحدا يجيز في الوصية ما يجيز في الوكالة من هذا وما أشبهه فإذا صاروا إلى أن لا يجيزوا هذا
في الوصية فلا وجه للوصية إلا بأن يكون الميت نظر لمن أوصى له بدين وتطوع من ولاية ولده فأسنده
إليه بعد موته فلما خرج من ملك الميت فصار يملكه وارث أو ذو دين أو موصى له لا يملكه الميت فإذا
قضى عليهم فيما كان لهم بسببه قضاء يجوز أن يبتدئ الحاكم القضاء لهم به لأنه نظر لهم أجزته وكان
فيه معنى أن يكون من أسند ذلك إليه يعطف عليهم من الثقة بمودة للميت أو للموصى لهم فإذا ولى حرا
126

أو حرة عدلين أجزنا ذلك لهما بما وصفت من أن ذلك يصلح على الابتداء للحاكم أن يولى أحدهما فإذا
لم يول من هو في هذه الصفة بان لنا أن قد أخطأ عامدا أو مجتهدا على غيره ولا نجيز خطأه على غيره إذا
بان ذلك لنا كما نجيز أمر الحاكم فيما احتمل أن يكون صوابا ولا نجيزه فيما بان خطؤه ونجيز أمر الوالي فيما
صنع نظرا ونرده فيما صنع من مال من يلي غير نظر ونجيز قول الرجل والمرأة في نفسه فيما أمكن أن يكون
صدقا ولا نجيزه فيما لا يمكن أن يكون صدقا وهكذا كل من شرطنا عليه في نظره أن يجوز بحال لم يجز
في الحال التي يخالفها وإذا أوصى الرجل إلى من تجوز وصيته ثم حدث للموصى إليه حال تخرجه من
حد أن يكون كافيا لما أسند إليه أو أمينا عليه أخرجت الوصية من يديه إذا لم يكن أمينا وأضم إليه
إذا كان أمينا ضعيفا عن الكفاية قويا على الأمانة فإن ضعف عن الأمانة أخرج بكل حال وكلما صار
من أبدل مكان وصى إلى تغير في أمانة وضعف كان مثل الوصي يبدل مكانه كما يبدل مكان الوصي
إذا تغيرت حاله وإذا أوصى إلى رجلين فمات أحدهما أو تغيرت حاله أبدل مكان الميت أو المتغير رجل
آخر لأن الميت لم يرض قيام أحدهما دون الآخر ولو أوصى رجل إلى رجل فمات الموصى إليه
وأوصى بما أوصى به إلى رجل لم يكن وصى الوصي وصيا للميت الأول الميت الأول لم يرض الموصى
الآخر (قال الشافعي) ولو قال أوصيت إلى فلان فإن حدث به حدث فقد أوصيت إلى من أوصى إليه
لم يجز ذلك لأنه إنما أوصى بمال غيره وينبغي للقاضي ان ينظر فيمن أوصى إليه الوصي الميت فإن كان
كافيا أمينا ولم يجد آمن منه أو مثله في الأمانة ممن يراه أمثل لتركة الميت من ذي قرابة الميت أو مودة له
أو قرابة لتركته أو مودة لهم ابتدأ لتوليته بتركة الميت وإن وجد أكفأ وأملا ببعض هذه الأمور منه ولى
الذي يراه أنفع لمن يوليه أمره إن شاء الله تعالى (قال الشافعي) وإذا اختلف الوصيان أو الموليان أو
الوصي ولا مولى معه في المال قسم ما كان منه يقسم فجعل في أيديهما نصفين وآمر بالاحتفاظ بمالا
يقسم منه معا وإذا أوصى الميت بإنكاح بناته إلى رجل فإن كان وليهن الذي لا أولى منه زوجهن بولاية
النسب أو الولاء دون الوصية جاز وإن لم يكن وليهن لم يكن له أن يزوجهن وفى إجازة تزويج الوصي
إبطال للأولياء إذا كان الأولياء أهل النسب ولا يجوز أن يلي غير ذي نسب فإن قال قائل يجوز بوصية
الميت أن يلي ما كان يلي الميت؟ فالميت لا ولاية له على حي فيكون يلي أحد بولاية الميت إذا مات
صارت الولاية لأقرب الناس بالمزوجة من قبل أبيها بعده أحبت ذلك أو كرهته ولو جار هذا لوصي
الأب جاز لوصي الأخ والمولى ولكن لا يجوز لوصي فإن قيل قد يوكل أبوها الرجل فيزوجها فيجوز؟
قيل نعم ووليها من كان والولاية حينئذ للحى منهما والوكيل يقوم مقامه (قال الشافعي) فإذا قال الرجل
قد أوصيت إلى فلان بتركتي أو قال قد أوصيت إليه بمالي أو قال بما خلفت (قال الربيع) أنا أجيب فيها
أقول: يكون وصيا بالمال ولا يكون إليه من النكاح شئ إنما النكاح إلى العصبة الأقرب فالأقرب من
المزوجة والله تعالى أعلم.
باب ما يجوز للوصي أن يصنعه في أموال اليتامى
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يخرج الوصي من مال اليتيم كل ما لزم اليتيم من زكاة ماله
وجنايته وما لا غنى به عنه من كسوته ونفقته بالمعروف وإذا بلغ الحلم ولم يبلغ رشده زوجه وإذا احتاج
إلى خادم ومثله يخدم اشترى له خادم وإذا ابتاع له نفقة وكسوة فسرق ذلك أخلف له مكانها وإن
127

أتلف ذلك فائته يوما يوما وأؤمره بالاحتفاظ بكسوته فإن أتلفها رفع ذلك إلى القاضي وينبغي للقاضي
أن يحبسه في إتلافها ويخيفه ولا بأس بأن يأمر أن يكسى أقل ما يكفيه في البيت مما لا يخرج فيه فإذا
رأى أن قد أدبه أمر بكسوته ما يخرج فيه وينفق على امرأته إن زوجه وخادم إن كانت لها بالمعروف
ويكسوهما وكذلك ينفق على جاريته إن اشتراها له ليطأها ولا أرى أن يجمع له امرأتين ولا جاريتين
للوطئ، وإن اتسع ماله لأنا إنما نعطيه منه ما فيه الكفاية مما يخرج من حد الضيق وليس بامرأة ولا
جارية لوطئ ضيق إلا أن تسقم أيتهما كانت عنده حتى لا يكون فيها موضع للوطئ فينكح أو يتسرى
إذا كان ماله محتملا لذلك وهذا ما لا صلاح له إلا به إن كان يأتي النساء فإن كان مجبوبا أو حصورا
فأراد جارية يتلذذ بها لم تشتر له وإن أراد جارية للخدمة اشتريت له فإن أراد أن يتلذذ بها تلذذ بها وإن
أراد امرأة لم يزوجها لأن هذا مما له منه بد وإذا زوج المولى عليه فأكثر طلاقها أحببت أن يتسرى فإن
أعتق فالعتق مردود عليه.
الوصية التي صدرت من الشافعي رضي الله عنه
قال الربيع بن سليمان: هذا كتاب كتبه محمد بن إدريس بن العباس الشافعي في شعبان سنة
ثلاث ومائتين وأشهد الله عالم خائنة الأعين وما تخفى الصدور وكفى به جل ثناؤه شهيدا ثم من سمعه أنه
شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله لم يزل يدين بذلك وبه يدين حتى
يتوفاه الله ويبعثه عليه إن شاء الله وأنه يوصى نفسه وجماعة من سمع وصيته بإحلال ما أحل الله عز وجل
في كتابه ثم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وتحريم ما حرم الله في الكتاب ثم في السنة وأن لا يجاوز
من ذلك إلى غيره وأن مجاوزته ترك رضا الله وترك ما خالف الكتاب والسنة وهما من المحدثات
والمحافظة على أداء فرائض الله عز وجل في القول والعمل والكف عن محارمه خوفا لله وكثرة ذكر الوقوف
بين يديه " يوم تجد كل نفس ما علمت من خير محضرا وما علمت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا
بعيدا " وأن تنزل الدنيا حيث أنزلها الله فإنه لم يجعلها دار مقام إلا مقام مدة عاجلة الانقطاع وإنما جعلها
دار عمل وجعل الآخرة دار قرار وجزاء فيها بما عمل في الدنيا من خير أو شر إن لم يعف الله جل
ثناؤه، وأن لا يخال أحدا إلا أحدا خاله لله فمن يفعل الخلة في الله تبارك وتعالى ويرجى منه إفادة علم
في دين وحسن أدب في الدنيا، وأن يعرف المرء زمانه ويرغب إلى الله تعالى ذكره في الخلاص من
شر نفسه فيه، ويمسك عن الاسراف من قول أو فعل في أمر لا يلزمه وأن يخلص النية لله عز وجل فيما
قال وعمل، وأن الله تعالى يكفيه مما سواه ولا يكفي منه شئ غيره، وأوصى متى حدث به حادث
الموت الذي كتبه الله عز وجل على خلقه الذي أسأل الله العون عليه، وعلى ما بعده وكفاية كل هول
دون الجنة برحمته ولم يغير وصيته هذه، أن يلي أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي النظر في أمر ثابت
الخصي الأقرع الذي خلف بمكة، فإن كان غير مفسد فيما خلفه محمد بن إدريس فيه أعتقه عن محمد
بن إدريس فإن حدث بأحمد بن محمد حدث قبل أن ينظر في أمره نظر في أمره القائم بأمر محمد بن
إدريس بعد أحمد فأنفذ فيه ما جعل إلى أحمد وأوصى أن جاريته الأندلسية التي تدعى فوز التي
ترضع ابنه أبا الحسن بن محمد بن إدريس إذا استكمل أبو الحسن بن محمد بن إدريس سنتين واستغنى
128

عن رضاعها أو مات قبل ذلك فهي حرة لوجه الله تعالى وإذا استكمل سنتين ورؤى أن الرضاع خير له
أرضعته سنة أخرى ثم هي حرة لوجه الله تعالى إلا أن يرى أن ترك الرضاع خير له أن يموت فتعتق بأيهما
كان ومتى أخرج إلى مكة أخرجت معه حتى يكمل ما وصفت من رضاعه ثم هي حرة وإن عتقت قبل
أن يخرج إلى مكة لم تكره في الخروج إلى مكة وأوصى أن تحمل أم أبى الحسن أم ولده دنانير وأن
تعطى جاريته سكة السوداء وصية لها أو أن يشترى لها جارية أو خصى بما بينها وبين خمسة وعشرين
دينارا أو يدفع إليها عشرون دينارا وصية لها فأي واحد من هذا اختارته دفع إليها وإن مات ابنها أبا
الحسن قبل أن تخرج به إلى مكة فهذه الوصية لها إن شاءتها وإن لم تعتق حتى تخرج بأبي الحسن إلى
مكة حملت وابنها معها مع أبي الحسن وإن مات أبو الحسن قبل أن تخرج به إلى مكة عتقت فوز
وأعطيت ثلاثة دنانير وأوصى أن يقسم ثلث ماله بأربعة وعشرين سهما على دنانير سهمان من أربعة
وعشرين سهما من ثلث ماله ما عاش ابنها وأقامت معه ينفق عليها منه وإن مات ابنها أبو الحسن
وأقامت مع ولد محمد بن إدريس فذلك لها ومتى فارقت ابنها وولده قطع عنها ما أوصى لها به وإن
أقامت فوز مع دنانير بعدما تعتق فوز ودنانير مقيمة مع ابنها محمد أو ولد محمد بن إدريس وقف على فوز
سهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث مال محمد بن إدريس ينفق عليها منه ما أقامت معها ومع ولد
محمد بن إدريس فإن لم تقم فوز قطع عنها ورد على دنانير أم ولد محمد بن إدريس وأوصى لفقراء آل
شافع بن السائب بأربعة أسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله يدفع إليهم سواء فيه صغيرهم
وكبيرهم وذكرهم وإناثهم وأوصى لأحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي بستة أسهم مع أربعة وعشرين
سهما من ثلث ماله وأوصى أن يعتق عنه رقاب بخمسة أسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله
ويتحرى أفضل ما يقدر عليه وأحمده ويشترى منهم مسعدة الخياط إن باعه من هوله فيعتق وأوصى أن
يتصدق على جيران داره التي كان يسكن بذى طوى من مكة بسهم واحد من أربعة وعشرين سهما
من ثلث ماله يدخل فيهم كل من يحوى إدريس ولاءه وموالى أمه ذكرهم وإناثهم فيعطى كل واحد
منهم ثلاثة أضعاف ما يعطى واحدا من جيرانه وأوصى لعبادة السندية وسهل وولدهما مواليه وسليمة
مولاة أمه ومن أعتق في وصيته بسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله يجعل لعبادة ضعف ما
يجعل لكل واحد منهم ويسوى بين الباقين ولا يعطى من مواليه إلا من كان بمكة وكل ما أوصى به من
السهمان من ثلثه بعدما أوصى به من الحمولة والوصايا يمضى بحسب ما أوصى به بمصر فيكون مبدأ ثم
يحسب باقي ثلثه فيخرج الاجزاء التي وصفت في كتابه وجعل محمد بن إدريس إنفاذ ما كان من
وصاياه بمصر وولاية جميع تركته بها إلى الله تعالى ثم إلى عبد الله بن عبد الحكم القرشي ويوسف بن
عمرو بن يزيد الفقيه وسعيد بن الجهم الأصبحي فأيهم مات أو غاب أو ترك القيام بالوصية قام
الحاضر القائم بوصيته مقاما يغنيه عمن غاب عن وصية محمد بن إدريس أو تركها وأوصى يوسف بن
يزيد وسعيد بن الجهم وعبد الله بن عبد الحكم أن يلحقوا ابنه أبا الحسن متى أمكنهم إلحاقه بأهله بمكة
ولا يحمل بحرا وإلى البر سبيل بوجه ويضموه وأمه إلى ثقة وينفذوا ما أوصاهم به بمصر ويجمعوا ماله
ومال أبى الحسن ابنه بها ويلحقوا ذلك كله ورقيق أبى الحسن معه بمكة حتى يدفع إلى وصى محمد بن
إدريس بها وما يخلف لمحمد بن إدريس أو ابنه أبى الحسن بن محمد بمصر من شئ فسعيد بن الجهم
وعبد الله بن عبد الحكم ويوسف بن عمرو أوصياءه فيه وولاة ولده ما كان له ولهم بمصر على ما شرط أن
يقوم الحاضر منهم في كل ما أسند إليه مقام كلهم وما أوصلوا إلى أوصياء محمد بن إدريس بمكة وولاة
129

ولده مما يقدر على إيصاله فقد خرجوا منه وهم قائمون بدين محمد بن إدريس قبضا وقضاء دين إن كان
عليها بها وبيع ما رأوا بيعه من تركته وغير ذلك من جميع ماله وعليه بمصر وولاية ابنه أبى الحسن ما كان
بمصر وجميع تركة محمد بن إدريس بمصر من أرض وغيرها وجعل محمد بن إدريس ولاء ولده بمكة
وحيث كانوا إلى عثمان وزينب وفاطمة بنى محمد بن إدريس وولاء ابنه أبى الحسن بن محمد بن
إدريس من دنانير أم ولده إذا فارق مصر والقيام بجميع أموال ولده الذين سمى وولدان حدث لمحمد بن
إدريس حتى يصيروا إلى البلوغ والرشد معا وأموالهم حيث كانت إلا ما يلي أوصياؤه بمصر فإن ذلك إليهم ما
قام به قائم منهم فإذا تركه فهو إلى وصيه بمكة وهما أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي وعبيد الله بن
إسماعيل بن مقرظ الصراف فإن عبيد الله توفى أو لم يقبل وصية محمد بن إدريس فأحمد بن محمد القائم
بذلك كله ومحمد يسأل الله القادر على ما يشاء أن يصلى على سيدنا محمد عبده ورسوله وأن يرحمه فإنه
فقير إلى رحمته وأن يجيره من النار فإن الله تعالى غنى عن عذابه وأن يخلفه في جميع ما يخلف بأفضل
ما خلف به أحدا من المؤمنين وأن يكفيهم فقده ويجبر مصيبتهم من بعده وأن يقيهم معاصيه وإتيان ما
يقبح بهم والحاجة إلى أحد من خلقه بقدرته ولله الحمد أشهد محمد بن إدريس الشافعي على نفسه في
مرضه أن سليما الحجام ليس له إنما هو لبعض ولده وهو مشهود على فإن بيع فإنما ذلك على وجه النظر
له فليس في مالي منه شئ وقد أوصيت بثلثي ولا يدخل في ثلثي ما لا قدر له من فخار وصحاف
وحصر من سقط البيت وبقايا طعام البيت وما لا يحتاج إليه مما لا خطر له شهد على ذلك.
130

باب الولاء والحلف
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال أمر الله تبارك وتعالى أن ينسب من
كان له نسب من الناس نسبين من كان له أب أن ينسب إلى أبيه ومن لم يكن له أب فلينسب إلى مواليه
وقد يكون ذا أب وله موال فينسب إلى أبيه ومواليه وأولى نسبيه أن يبدأ به أبوه وأمر أن ينسبوا إلى الاخوة
في الدين مع الولاء وكذلك ينسبون إليها مع النسب والاخوة في الدين ليست بنسب إنما هو صفة تقع
على المرء بدخوله في الدين ويخرج منها بخروجه منه والنسب إلى الولاء والآباء إذا ثبت لم يزله المولى
من فوق ولا من أسفل ولا الأب ولا الولد والنسب اسم جامع لمعان مختلفة فينسب الرجل إلى العلم وإلى
الجهل وإلى الصناعة وإلى التجارة وهذا كله نسب مستحدث من فعل صاحبه وتركه الفعل وكان منهم
صنف ثالث لا آباء لهم يعرفون ولا ولاء فنسبوا إلى عبودية الله وإلى أديانهم وصناعاتهم، وأصل ما
قلت من هذا في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما أجمع عليه عوام أهل العلم قال
الله تبارك وتعالى " أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين
ومواليكم " وقال عز وجل " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق
الله " وقال تبارك وتعالى " ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بنى اركب معنا ولا تكن مع الكافرين *
قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج
فكان من المغرقين " وقال عز وجل " واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا * إذ قال لأبيه يا
أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا؟ " وقال تقدست أسماؤه " لا تجد قوما يؤمنون
بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " فميز
131

الله عز وجل بينهم بالدين ولم يقطع الأنساب بينهم فدل ذلك على أن الأنساب ليست من الدين في
شئ. والأنساب ثابتة لا تزول والدين شئ يدخلون فيه أو يخرجون منه ونسب ابن نوح إلى أبيه وابنه
كافر ونسب إبراهيم خليله إلى أبيه وأبوه كافر وقال عز وجل ذكره " يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان "
فنسب إلى آدم المؤمن من ولده والكافر ونسب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بأمر الله عز وجل
إلى آبائهم كفارا كانوا أو مؤمنين وكذلك نسب الموالي إلى ولائهم وإن كان الموالي مؤمنين والمعتقون مشركين
(قال الشافعي) أخبرنا مالك وسفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى عن بيع الولاء وعن هبته (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا محمد بن الحسين عن يعقوب عن عبد الله
بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عيله وسلم قال " الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا
يوهب " (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عليا رضى الله تعالى عنه قال
" الولاء بمنزلة الخلف أقره حيث جعله الله عز وجل " (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن
عمر عن عائشة أنها أرادت أن تشترى جارية تعتقها فقال أهلها نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت
ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم " فقال لا يمنعك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق " (قال الشافعي)
أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها قالت جاءتني بريرة
فقالت إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني فقالت لها عائشة إن أحب أهلك
أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس
فقالت إني قد عرضت عليهم ذلك فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه
وسلم فسألها فأخبرته عائشة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذيها واشترطي لهم الولاء فإن الولاء
لمن أعتق " ففعلت عائشة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه فقال
" أما بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى ما كان من شرط ليس في كتاب الله
فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرطه أوثق وإنما الولاء لمن أعتق " (قال الشافعي) في
حديث هشام عن عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم دلائل قد غلط في بعضها من يذهب مذهبهم
من أهل العلم فقال لا بأس ببيع المكاتب بكل حال ولا أراه إلا قد غلط الكتابة ثابتة فإذا عجز
المكاتب فلا بأس أن يبيعه فقال لي قائل بريرة كانت مكاتبة وبيعت وأجاز رسول الله صلى الله عليه
وسلم البيع فقلت له ألا ترى أن بريرة جاءت تستعين في كتابتها وتذهب مساومة بنفسها لمن يشتريها
وترجع بخبر أهلها؟ فقال بلى ولكن ما قلت في هذا؟ قلت إن هذا رضا منها بأن تباع قال أجل قلت
ودلالة على عجزها أو رضاها بالعجز قال أما رضاها بالعجز فإذا رضيت بالبيع دل ذلك على رضاها
بالعجز وأما على عجزها فقد تكون غير عاجزة وترضى بالعجز رجاء تعجيل العتق فقلت له والمكاتب
إذا حلت نجومه فقال قد عجزت لم يسأل عنه غيره ورددناه رقيقا وجعلنا للذي كاتبه بيعه ويعتق ويرق
قال أما هذا فلا يختلف فيه أحد أنه إذا عجز رد رقيقا قلت ولا يعلم عجزه إلا أن يقول قد عجزت أو
تحل نجومه فلا يؤدى ولا يعلم له مال قال أجل ولكن ما دل على أن بريرة لم تكن ذات مال قلت
مسألتها في أوقية وقد بقيت عليها أواق ورضاها بأن تباع دليل على أن هذا عجز منها على لسانها قال إن
هذا الحديث ليحتمل ما وصفت ويحتمل جواز بيع المكاتب قلت أما ظاهره فعلى ما وصفت والحديث
على ظاهره ولو احتمل ما وصفت ووصفت كان أولى المعنيين أن يؤخذ به ما لا يختلف فيه أكثر أهل
العلم من أن المكاتب لا يباع حتى يعجز ولم ينسب إلى العامة أن يجهل معنى حديث ما روى عن النبي
132

صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فبين في كتاب الله عز وجل ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم
مالا تمتنع منه العقول من أن المرء إذا كان مالكا لرجل فأعتقه فانتقل حكمه من العبودية إلى الحرية
فجازت شهادته وورث وأخذ سهمه في المسلمين وحد حدودهم وحد له فكانت هذه الحرية إنما تثبت
العتق للمالك وكان المالك المسلم إذا أعتق مسلما ثبت ولاؤه عليه فلم يكن للمالك المعتق أن يرد ولاءه
فيرده رقيقا ولا يهبه ولا يبيعه ولا للمعتق ولا لهما لو اجتمعا على ذلك فهذا مثل النسب الذي لا يحول
وبين في السنة وما وصفنا في الولاء أن الولاء لا يكون بحال إلا لمعتق ولا يحتمل معنى غير ذلك فإن قال
قائل ما دل على ذلك؟ قيل له إن شاء الله تعالى قال الله عز وجل " إنما الصدقات للفقراء والمساكين "
فلم يختلف المسلمون أنها لا تكون إلا لمن سمى الله وأن في قول الله تبارك وتعالى معنيين أحدهما أنها لمن
سميت له والآخر أنها لا تكون لغيرهم بحال وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن
أعتق " فلو أن رجلا لا ولاء له والى رجلا أو أسم على يديه لم يكن مولى له بالاسلام ولا الموالاة ولو
اجتمعا على ذلك وكذلك لو وجده معبودا فالتقطه ومن لم يثبت له ولاء بنعمة تجرى عليه للمعتق فلا
يقال لهذا مولى أحد ولا يقال له مولى المسلمين فإن قال قائل فما باله إذا مات كان ماله للمسلمين؟ قيل
له ليس بالولاء ورثوه ولكن ورثوه بأن الله عز وجل من عليهم بأن خولهم ما لا مالك له دونه فلما لم يكن
لميراث هذا مالك بولاء ولا بنسب ولا له مالك معروف كان مما خولوه فإن قال وما يشبه هذا؟ قيل
الأرض في بلاد المسلمين لا مالك لها يعرف هي لمن أحياها من المسلمين والذي يموت ولا وارث له
يكون ماله لجماعتهم لا أنهم مواليه. ولو كانوا أعتقوه لم يرثه من أعتقه منهم وهو كافر ولكنهم خولوا ماله
بأن لا مالك له. ولو كان حكم المسلمين في الذي لا ولاء له إذا مات أنهم يرثونه بالولاء حتى كأنه
أعتقه جماعة المسلمين وجب علينا فيه أمران. أحدهما أن ينظر إلى الحال التي كان فيها مولودا لا رق
عليه ومسلما فيجعل ورثته الاحياء يومئذ من المسلمين دون من حدث منهم فإن ماتوا ورثنا ورثة الاحياء
يومئذ من الرجال ماله أو جعلنا من كان حيا من المسلمين يوم يموت ورثته قسمناه بينهم قسم ميراث
الولاء. ولا نجعل في واحدة من الحالين ماله لأهل بلد دون أهل بلد وأحصينا من في الأرض من
المسلمين ثم أعطينا كل واحد منهم حظه من ميراثه كما يصنع بجماعة لو أعتقت واحدا فتفرقوا في الأرض
ونحن والمسلمون إنما يعطون ميراثه أهل البلد الذي يموت فيه دون غيرهم ولكنا إنما جعلناه للمسلمين من
الوجه الذي وصفت لا من أنه مولى لاحد فكيف يكون مولى لاحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول " فإنما الولاء لمن أعتق " وفى قوله إنما الولاء لمن أعتق تثبيت أمرين أن الولاء للمعتق بأكيد (1)
ونفى أنه لا يكون الولاء إلا لمن أعتق وهذا غير معتق (قال الشافعي) ومن أعتق عبدا له سائبة فالعتق
ماض وله ولاؤه. ولا يخالف المعتق سائبة في ثبوت الولاء عليه والميراث منه غير السائبة لأن هذا معتق
وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق وهكذا المسلم يعتق مشركا فالولاء للمسلم وإن
مات المعتق لم يرثه مولاه باختلاف الدينين، وكذلك المشرك الذمي وغير الذمي فالعتق جائز والولاء
للمشرك المعتق وإن مات المسلم المعتق لم يرثه المشرك الذي أعتقه باختلاف الدينين وأن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قضى أن لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم فكان هذا في النسب والولاء لأن النبي صلى الله
عليه وسلم لم يخص واحدا منهم دون الآخر (قال الشافعي) وإذا قال الرجل لعبده أنت حر عن فلان

(1) قوله: ونفى أنه لا يكون الولاء إلا الخ كذا في الأصل. وتأمله.
133

ولم يأمره بالحرية وقبل المعتق عنه ذلك بعد العتق أو لم يقبله فسواء وهو حر عن نفسه لا عن الذي أعتقه
عنه وولاؤه له لأنه أعتقه (قال الشافعي) وإذا مات المولى المعتق وكانت له قرابة من قبل أبيه ترثه بأصل
فريضة أو عصبة أو إخوة لام يرثونه بأصل فريضة أو زوجة أو كانت امرأة وكان لها زوج ورث أهل
الفرائض فرائضهم والعصبة شيئا إن بقي عنهم. فإن لم يكن عصبة قام المولى المعتق مقام العصبة فيأخذ
الفضل عن أهل الفرائض، فإذا مات المولى المعتق قبل المولى المعتق ثم مات المولى المعتق ولا وارث له
غير مواليه أو له وارث لا يحوز ميراثه كله خالف ميراث الولاء ميراث النسب كما سأصفه لك إن شاء الله
تعالى. فأنظر فإن كان للمولى المعتق بنون وبنات أحياء يوم يموت المولى المعتق فأقسم مال المولى المعتق أو
ما فضل عن أهل الفرائض منه بين بنى المولى المعتق فلا تورث بناته منه شيئا فإن مات المولى المعتق ولا
بنين للمولى المعتق لصلبه وله ولد ولد متسفلون أو قرابة نسب من قبل الأب فأنظر الاحياء يوم مات
المولى المعتق من ولد ولد المولى المعتق فإن كان واحد منهم أقعد إلى المولى المعتق باب واحد فقط فأجعل
الميراث له دون من بقي من ولد ولده. وإن استووا في القعود فاجعل الميراث بينهم شرعا فإن كان المولى
المعتق مات ولا ولد له ولا والد للمولى المعتق وله إخوة لأبيه وأمه وإخوة لأبيه وإخوة لأمه فلا حق
للاخوة من ألام في ولاء مواليه (1) ولم يكن معهم غيرهم والميراث للاخوة من الأب والام دون الإخوة للأب
ولو كان الإخوة للأب والام واحدا. وهكذا منزلة أبناء الاخوة ما كانوا مستوين، فإذا كان
بعضهم أقعد من بعض فأنظر فإن كان القعدد لبنى الإخوة للأب والام أو لواحد منهم فاجعل الميراث
له. وكذلك إن كانوا مثله في القعدد لمساواته في القعدد ولانفراده بقرابة الام دونهم ومساواته إياهم في
قرابة الأب فإن كان القعدد لابن الأخ لأب دون بنى الأب والام فاجعله لأهل القعدد بالمولى المعتق
وهكذا منزلة عصبتهم كلهم بعدوا أو قربوا في ميراث الولاء (قال الشافعي) فإن كانت المعتقة امرأة
ورثت من أعتقت وكذلك من أعتق من أعتقت ولا ترث من أعتق أبوها ولا أمها ولا أحد غيرها وغير
من أعتق من أعتقت وإن سفلوا ويرث ولد المرأة المعتقة من أعتقت كما يرث ولد الرجل الذكور دون
الإناث فإن انقرض ولدها وولد ولدها الذكور وإن سفلوا ثم مات مولى لها أعتقته ورثه أقرب الناس بها
من رجال عصبتها لا عصبة ولدها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبيه أنه أخبره أن العاص بن
هشام هلك وترك بنين له ثلاثة اثنان لام ورجل لعلة فهلك أحد الذين لام وترك مالا وموالى فورثه أخوه
الذي لامه وأبيه ماله وولاء مواليه. ثم هلك الذي ورث المال وولاء الموالي وترك ابنه وأخاه لأبيه فقال
ابنه قد أحرزت ما كان أبى أحرز من المال وولاء الموالي: وقال أخوه ليس كذلك وإنما أحرزت المال
فأما ولاء الموالي فلا، أرأيت لو هلك أخي اليوم ألست أرثه أنا؟ فاختصما إلى عثمان فقضى لأخيه بولاء
الموالي (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أباه أخبره أنه كان جالسا عند أبان بن
عثمان فاختصم إليه نفر من جهينة ونفر من بني الحرث بن الخزرج وكانت امرأة من جهينة عند رجل
من بنى الحرث بن الخزرج يقال له إبراهيم بن كليب فماتت المرأة وتركت مالا وموالى فورثها ابنها
وزوجها ثم مات ابنها فقالت ورثته لنا ولاء الموالي قد كان ابنها أحرزه. وقال الجهنيون ليس كذلك إنما
هم موالي صاحبتنا. فإذا مات ولدها فلنا ولاؤهم ونحن نرثهم فقضى أبان بن عثمان للجهنيين بولاء

(1) قوله: ولم يكن معهم كذا في النسخ والظاهر " وإن لم " تأمل. كتبه مصححه.
134

الموالي (قال الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي حكيم أن عمر بن
عبد العزيز أعتق عبدا له نصرانيا فتوفى العبد بعدما عتق قال إسماعيل فأمرني عمر بن عبد العزيز أن
آخذ ماله فأجعله في بيت مال المسلمين (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ.
ميراث الولد الولاء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا مات الرجل وترك ابنين وبنات وموالى هو أعتقهم فمات
المولى المعتق ورثه ابناه ولم يرثه أحد من بناته. فإن مات أحد الابنين وترك ولدا ثم مات أحد الموالي
الذين أعتقهم ورثه ابن المعتق لصلبه دون بنى أخيه لأن المعتق لو مات يوم يموت المولى كان ميراثه لابنه
لصلبه دون ابن ابنه ثم هكذا ميراث الولد وولد الولد أبدا وإن تسفلوا في الموالي أنسب ولد الولد أبدا
إلى المولى المعتق يوم يموت المولى المعتق فأيهم كان أقرب إليه بأب واحد فاجعل له جميع ميراث المولى
المعتق ولو أعتق رجلا غلاما ثم مات المعتق وترك ثلاثة بنين ثم مات البنون الثلاثة وترك أحدهم ابنا
والآخر أربعة بنين والآخر خمسة بنين ثم مات المولى المعتق اقتسموا ميراث المولى على عشرة أسهم للابن
سهم وللأربعة البنين أربعة أسهم وللخمسة خمسة أسهم كما يقتسمون ميراث الجد لو مات يومئذ وهم
ورثته لاختلاف حال ميراث الولاء والمال ولو كان الجد الميت فورثه ثلاثة بنون ثم مات البنون وترك
أحدهم ابنا والآخر أربعة والآخر خمسة ثم ظهر للجد مال اقتسم بنو البنين على أنه ورثه ثلاثة بنين ثم
ورث الثلاثة البنين أبناؤهم فللابن المنفرد بميراث أبيه ثلث ميراث الجد، وذلك حصة أبيه من ميراث
الجد وللأربعة البنين ثلث ميراث الجد أرباعا بينهم وذلك حصة ميراث أبيهم، وللخمسة البنين ثلث
ميراث الجد أخماسا بينهم. وذلك حصة أبيهم من ميراث جدهم. ولو كان معهم في المال بنات دخلن
ولا يدخلن في ميراث الولاء. فإذا أعتق رجل عبدا فمات المولى المعتق وترك أباه وأولادا ذكورا فميراث
المولى المعتق لذكور ولده دون بناته وجده لا يرث الجد مع ولد المعتق شيئا ما كان فيهم ذكر ولا ولد
ولده وإن سفلوا، فإذا مات المولى المعتق وترك أباه وإخوته لأبيه وأمه أو لأبيه فالمال للأب دون الاخوة
لأنهم إنما يلقون الميت عند أبيه فأبوه أولى بولاء الموالي إذا كانوا إنما يدلون بقرابته فإذا مات المولى المعتق
وترك جده وإخوته لأبيه وأمه أو لأبيه فاختلف أصحابنا في ميراث الجد والأخ، فمنهم من قال الميراث
للأخ دون الجد وذلك لأنه يجمعه والميت أب قبل الجد، ومن قال هذا القول قال وكذلك ابن الأخ
وابن ابنه وإن سفلوا لأن الأب يجمعهم والمولى المعتق قبل الجد وبهذا أقول، ومن أصحابنا من قال
الجد والأخ في ولاء الموالي بمنزلة لأن الجد يلقى المولى المعتق عند أول أب ينتسب إليه فيجمعه والميت المعتق
أب يكونان فيه سواء، وأول من ينسب إليه الميت أبو الميت والميت ابنه والجد أبوه فذهب إلى أن يشرك
الجد والميت المعتق أب هما شرع فيه الجد بالأبوة والابن بولادته ويذهب إلى أنهما سواء، ومن قال هذا
قال الجد أولى بولاء الموالي من بنى الأخ إذا سوى بينه وبين الأخ جعل المال للجد بالقرب من الميت
(قال الشافعي) الاخوة أولى بولاء الموالي من الجد، وبنو الاخوة أولى بولاء الموالي من الجد، فعلى
هذا الباب كله وقياسه، فأما إن مات المولى المعتق وترك جده وعمه ومات المولى المعتق فالمال للجد دون
العم لأن العم لا يدلى بقرابة إلا بأبوة الجد فلا شئ له مع من يدلى بقرابته، ولو مات رجل وترك عمه
135

وجد أبيه كان القول فيها على قياس من قال الاخوة أولى بولاء الموالي من الجد أن يكون المال للعم لأنه
يلقى الميت عند جد يجمعهما قبل الذي ينازعه وكذلك ولد العم وإن تسفلوا لأنهم يلقونه عند أب لهم
ولد قبل جد أبيه ومن قال الأخ والجد سواء فجد الأب والعم سواء لأن العم يلقاه عند جده وجد أبيه
أبو جده (قال الشافعي) فإن كان المنازع لجد الأب ابن العم فجد الأب أولى كما يكون الجد أولى من
ابن الأخ للقرب من المولى المعتق (قال الشافعي) وإذا مات المولى المعتق ثم مات المولى المعتق ولا وارث
للمولى المعتق وترك أخاه لأمه وابن عم قريب أو بعيد فالمال لابن العم القريب أو البعيد لأن الأخ من
الام لا يكون عصبة، فإن كان الأخ من الام من عصبته وكان في عصبته من هو أقعد منه من أخيه
لامه الذي هو من عصبته كان للذي هو أقعد إلى المولى المعتق فإن استوى أخوه لامه الذي هو من
عصبته وعصبته فالميراث كله للأخ من الام لأنه ساوى عصبته في النسب وانفرد منهم بولادة الام
وكذلك القول في عصبته بعدوا أو قربوا، لا اختلاف في ذلك، والله تعالى الموفق.
الخلاف في الولاء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقال لي بعض الناس الكتاب والسنة والقياس والمعقول والأثر
على أكثر ما قلت في أصل ولاء السائبة وغيره ونحن لا نخالفك منه إلا في موضع ثم نقيس عليه غيره
فيكون مواضع. قلت: وما ذاك؟ قال الرجل إذا أسلم على يدي الرجل كان لا ولاؤه كما يكون
للمعتق. قلت: أتدفع أن الكتاب والسنة والقياس يدل على ما وصفنا من أن المنعم بالعتق يثبت له
الولاء كثبوت النسب؟ قال لا. قلت والنسب إذا ثبت فإنما الحكم فيه أن الولد مخلوق من الوالد؟ قال
نعم. قلت: فول أراد الوالد بعد الاقرار بأن المولود منه نفيه وأراد ذلك الولد لم يكن لهما ولا لواحد منهما
ذلك. قال نعم. قلت فلو أن رجلا لا أب له رضى أن ينتسب إلى رجل ورضى ذلك الرجل وتصادقا
مع التراضي بأن ينتسب أحدهما إلى الآخر وعلم أن أم المنسوب إلى المنتسب إليه لم تكن للمنتسب إليه
زوجة ولا أمه وطئها بشبهة لم يكن ذلك لهما ولا لواحد منهما؟ قال نعم قلت لأنا إنما ننسب بأمرين
أحدهما الفراش وفى مثل معناه ثبوت النسب بالشبهة بالفراش والنطفة بعد الفراش؟ قال نعم قلت ولا
ننسب بالتراضي إذا تصادقا إذا لم يكن ما ينسب به، قال نعم: قلت: وثبت له حكم الأحرار
وينتقل عن أحكام العبودية. قال نعم قلت والولاء هو إخراجك مملوكك من الرق بعتقك والعتق فعل
منك لم يكن لمملوكك رده عليك؟ قال نعم. قلت: ولو رضيت أن تهب ولاءه أو تبيعه لم يكن ذلك
لك؟ قال نعم. قلت فإذا كان هذا ثبت فلا يزول بما وصفت من متقدم العتق والفراش والنطفة وما
وصفت من ثبوت الحقوق في النسب والولاء، أفتعرف أن المعنى الذي اجتمعنا عليه في تثبيت النسب
والولاء لا ينتقل وإن رضى المنتسب والمنتسب إليه، والمولى المعتق والمولى المعتق لم يجز له ولا لهما بتراضيهما
قال نعم. هكذا السنة والأثر وإجماع الناس فهل تعرف السبب الذي كان ذلك؟ (قال الشافعي)
فقلت له في واحد ما وصفت ووصفنا كفاية والمعنى الذي حكم بذلك بين عندي والله تعالى أعلم. قال
فما هو؟ قلت إن الله عز وجل أثبت للولد والوالد حقوقا في المواريث وغيرها وكانت الحقوق التي تثبت
لكل واحد منهما على صاحبه تثبت للوالد على ولد الولد، وللولد من الام على والدي الوالد حقوقا في
المواريث وولاء الموالي وعقل الجنايات وولاية النكاح وغير ذلك، فلو ترك الوالد والولد حقهما من ذلك
136

ومما يثبت لأنفسهما لم يكن لهما تركه لآبائهما أو أبنائهما أو عصبتهما، ولو جاز للابن أن يبطل حقه عن
الأب في ولاية الصلاة عليه لو مات والقيام بدمه لو قتل والعقل عنه لو جنى، لم يجز له أن يبطل ذلك
لآبائه ولا أبنائه ولا لاخوته، ولا عصبته. لأنه قد ثبت لآبائه وأبنائه وعصبته حقوق على الولد لا يجوز
للوالد إزالتها بعد ثبوتها، ومثل هذه الحال الولد. فلما كان هذا هكذا لم يجز أن يثبت رجل على آبائه
وأبنائه وعصبته نسب من قد علم أنه لم يلده فيدخل عليهم ما ليس له (1) ولا من قبل أحد من المسلمين
ميراث من نسب إليه من نسب له والمولى المعتق كالمولود فيما يثبت له من عقل جنايته ويثبت عليه من أن
يكون موروثا وغير ذلك، فكذلك لا يجوز أن ينتسب إلى ولاء رجل لم يعتقه لأن الذي يثبت المرء على
نفسه يثبت على ولده وآبائه وعصبته ولايتهم، فلا يجوز له أن يثبت عليهم ما لا يلزمهم من عقل وغيره
بأمر لا يثبت ولا لهم بأمر لم يثبت. فقال هذا كما وصفت إن شاء الله تعالى قلت فلم جاز لك أن توافقه
في معنى وتخالفه في معنى؟ وما وصفت في تثبيت الحقوق في النسب والولاء. قال: أما القياس على
الأحاديث التي ذكرت وما يعرف الناس فكما قلت لولا شئ أراك أغفلته والحجة عليك فيه قائمة.
قلت وما ذاك؟ قال حديث عمر بن عبد العزيز قلت له ليس يثبت مثل هذا الحديث عند أهل العلم
بالحديث. قال لأنه خالف غيره من حديثك الذي هو أثبت منه. قلت لو خالفك ما هو أثبت منه لم
نثبته وكان علينا أن نثبت الثابت ونرد الأضعف. قال أفرأيت لو كان ثابتا أيخالف حديثنا حديثك عن
النبي صلى الله عليه وسلم في الولاء؟ فقلت لو ثبت لاحتمل خلافها وأن لا يخالفها لأنا نجد توجيه
الحديثين معا لو ثبت وما وجدنا له من الأحاديث توجيها استعملناه مع غيره، قال فكيف كان يكون
القول فيه لو كان ثابتا؟ قلت: يقال الولاء لمن أعتق لا ينتقل عنه أبدا ولو نقله عن نفسه وبوجه قول
النبي صلى الله عليه وسلم " فإنما الولاء لمن أعتق " على الاخبار عن شرط الولاء فيمن باع فأعتقه غيره أن
الولاء للذي أعتق إذا كان معتقا لا على العام أن الولاء لا يكون إلا لمعتق إذ جعل رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولاء لغير معتق ممن أسلم على يديه. قال هذا القول المنصف غاية النصفة فلم لم تثبت هذا
الحديث فنقول بهذا؟ قلت لأنه عن رجل مجهول ومنقطع ونحن وأنت لا نثبت حديث المجهولين ولا
المنقطع من الحديث. قال: فهل يبين لك أنه يخالف القياس إذا لم يتقدم عتق؟ قلت نعم وذلك إن
شاء الله تعالى بما وصفنا من تثبيت الحق له وعليه بثبوت العتق وأنه إذا كان يثبت بثبوت العتق لم يجز أن
يثبت بخلافه. قال فإن قلت يثبت على المولى بالاسلام لأنه أعظم من العتق فإذا أسلم على يديه فكأنما
أعتقه. قلت: فما تقول في مملوك كافر ذمي لغيرك أسلم على يديك أيكون إسلافه ثابتا؟ قال نعم.
قلت: أفيكون ولاؤه لك أم يباع على سيده ويكون رقيقا لمن اشتراه؟ قال: بل يباع ويكون رقيقا لمن
اشتراه. قلت فلست أراك جعلت الاسلام عتقا ولو كان الاسلام يكون عتقا كان للعبد الذمي أن يعتق
نفسه ولو كان كذلك كان الذمي الحر الذي قلت هذا فيه حرا وكان إسلامه غير إعتاق من أسلم على
يديه لأنه إن كان مملوكا للمسلمين فلهم عندنا وعندك أن يسترقوه ولا يخرج بالاسلام من أيديهم وإن
قلت كان مملوكا للذميين فينبغي أن يباع ويدفع ثمنه إليهم قال ليس بمملوك للذميين وكيف يكون مملوكا
لهم وهو يوارثهم وتجوز شهادته ولا للمسلمين بل هو حر، قلت وكيف كان الاسلام كالعتق؟ قال
بالخبر، قلت لو ثبت قلنا به معك إن شاء الله تعالى، وقلت له: وكيف قلت في الذي لا ولاء له ولم

(1) قوله: ولا من قبل أحد الخ كذا في الأصل ولتحرر العبارة. كتبه مصححه.
137

يسلم على يدي رجل يوالي من شاء؟ قال قياسا أن عمر قال في المنبوذ هو حر ولك ولاؤه، قلت
أفرأيت المنبوذ إذا بلغ أيكون له أن ينتقل بولائه؟ قال: فإن قلت لا لأن الوالي عقد الولاء عليه قلت
أفيكون للوالي أن يعقد عليه ما لم يسببه به حرية ولم يعقد على نفسه؟ قال فإن قلت هذا حكم من
الوالي؟ قلت أو يحكم الوالي على غير سبب متقدم يكون به لاحد المتنازعين على الآخر حق أو يكون
صغيرا يبيع عليه الحاكم فيما لا بد له منه وما يصلحه، وإن كان كما وصفت أفيثبت الولاء بحكم الوالي
للملتقط فقست الموالي عليه؟ قلت فإذا والى فأثبت عليه الولاء، ولا تجعل له أن ينتقل بولائه ما لم
يعقل عنه فأنت تقول ينتقل بولائه، قال فإن قلت ذلك في اللقيط؟ قلت فقد زعمت أن للمحكوم
عليه أن يفسخ الحكم، قال: فإن قلت ليس للقيط ولا للموالي أن ينتقل وإن لم يعقل عنه؟ قلت فهما
يفترقان، قال وأين افتراقهما؟ قلت اللقيط لم يرض شيئا وإنما لزمه الحكم بلا رضا منه، قال ولكن
بنعمة من الملتقط عليه، قلت فإن أنعم على غير لقيط أكثر من النعمة على اللقيط فأنقذ من قتل وغرق
وحرق وسجن وأعطاه مالا أيكون لاحد بهذا ولاؤه؟ قال لا: قلت فإذا كان الموالي لا يثبت عليه
الولاء إلا برضاه فهو مخالف للقيط الذي يثبت به بغير رضاه فكيف قسته عليه؟ قال ولأي شئ خالفتم
حديث عمر؟ قلنا: وليس مما يثبت مثله هو عن رجل ليس بالمعروف، وعندنا حديث ثابت معروف
أن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهبت ولاء بنى يسار لابن عباس، فقد أجازت ميمونة وابن
عباس هبة الولاء فكيف تركته؟ قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته، قلنا
أفيحتمل أن يكون نهيه على غير التحريم؟ قال هو على التحريم وإن احتمل غيره، قلت: فإن قال
لك قائل لا يجهل ابن عباس وميمونة كيف وجه نهيه، قال قد يذهب عنهما الحديث رأسا فتقول ليس
في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة، قلت فكيف أغفلت هذه الحجة في اللقيط؟ فلم ترها
تلزم غيرك كما لزمتك حجتك في أن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قد يعزب عن بعض
أصحابه، وأنه على ظاهره ولا يحال إلى باطن ولا خاص إلا بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا عن
غيره، قال فهكذا نقول: قلت نعم في الجملة وفى بعض الامر دون بعض، قال قد شركنا في هذا
بعض أصحابك، قلت أفحمدت ذلك منهم؟ قال: لا. قلت فلا أشركهم فيما لم تحمد وفيما نرى
الحجة في غيره، فقال لمن حضرنا من الحجازيين: أكما قال صاحبكم في أن لا ولاء إلا لمن أعتق؟
فقالوا نعم وبذلك جاءت السنة، قال فإن منكم من يخالف في السائبة والذمي يعتق المسلم، قالوا:
نعم. قال فيكلمه بعضكم أو أتولى كلامه لكم؟ قالوا افعل فإن قصرت تكلمنا، قال فأما أتكلم عن
أصحابك في ولاء السائبة ما تقول في ولاء السائبة وميراثه إذا لم يكن له وارث إلا من سيبه؟ فقلت
ولاؤه لمن سيبه وميراثه له، قال فما الحجة في ذلك؟ قلت الحجة البينة أمعتق المسيب للمسيب؟
قال: نعم قلت: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن أعتق " وجعل المسلمون ميراث
المعتق لمن أعتقه إذا لم يكن دونه من يحجبه بأصل فريضة، قال فهل من حجة غير هذه؟ قلت ما
احسب أحدا سلك طريق النصفة يريد وراءها حجة، قال: بلى. وقلت له: قال الله تبارك وتعالى
" ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " قال وما معنى هذا؟ قلت سمعت من أرضى من
أهل العلم يزعم أن الرجل كان يعتق عبده في الجاهلية سائبة فيقول لا أرثه، ويفعل في الوصيلة من
الإبل والحام أن لا يركب، فقال الله عز وجل " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام "
على معنى ما جعلتم فأبطل شروطهم فيها وقضى أن الولاء لمن أعتق ورد البحيرة والوصيلة والحام إلى
138

ملك مالكها إذا كان العتق في حكم الاسلام أن لا يقع على البهائم، قال فهل تأول أحد السائبة على
بعض البهائم؟ قلت: نعم. وهذا أشبه القولين بما يعرف أهل العلم والسنة، قال أفرأيت قولك قد
أعتقتك سائبة أليس خلاف قولك قد أعتقتك؟ قلت أما في قولك أعتقتك فلا، وأما في زيادة سائبة
فنعم. قال: فهما كلمتان خرجتا معا فإنما أعتقه على شرط، قلت: أو ما أعتقت بريرة على شرط أن
الولاء للبائعين فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرط؟ فقال " الولاء لمن أعتق " قال بلى: قلت
فإذا أبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم شرط البائع والمبتاع المعتق وإنما انعقد البيع عليه، لأن الولاء
لمن أعتق ورده إلى المعتق فكيف لا يبطل شرط المعتق ولم يجعله لغيره من الآدميين؟ قال فإن قلت فله
الولاء ولا يرثه؟ قلت فقل إذا الولاء للمعتق المشترط عليه أن الولاء لغيره ولا يرثه، قال لا يجوز أن
أثبت له الولاء وأمنعه الميراث وديناهما واحد (قال الشافعي) وقلت له أرأيت الرجل يملك أباه ويتسرى
الجارية ويموت لمن ولاء هذين؟ قال لمن عتقا بملكه وفعله، قلت أفرأيت لو قال لك قائل قال النبي
صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " ولم يعتق واحد من هذين. هذا ورث أباه فيعتقه وإن كره
وهذا ولدت جاريته ولم يعتقها بالولد وهو حي فأعتقها به بعد الموت فلا يكون لواحد من هذين ولاء
لأن كليهما غير معتق هل حجتنا وحجتك عليه إلا أنه إذا زال عنه الرق بسبب من يحكم له بالملك كان
له ولاؤه؟ قال لا وكفى بهذا حجة منك، وهذا في معاني المعتقين، قلت فالمعتق سائبة هو المعتق
وهذا أكثر من الذي في معاني المعتقين، قال فإن القوم يذكرون أحاديث، قلت فاذكرها قال ذكروا
أن حاطب بن أبي بلتعة أعتق سائبة، قلت ونحن نقول إن أعتق رجل سائبة فهو حر وولاؤه له، قال
فيذكرون عن عمر وعثمان ما يوافق قولهم ويذكر سليمان بن يسار أن سائبة أعتقه رجل من الحاج فأصابه
غلام من بنى مخزوم فقضى عمر عليهم بعقله، فقال أبو المقضى عليه لو أصاب ابني، قال إذا لا
يكون له شئ، قال فهو إذا مثل الأرقم، قال عمر فهو إذا مثل الأرقم، فقلت له هذا إذا ثبت
بقولنا أشبه، قال ومن أين؟ قلت لأنه لو رأى ولاءه للمسلمين رأى عليهم عقله، ولكن يشبه أن
يكون رأى عقله على مواليه فلما كانوا لا يعرفون لم ير فيه عقلا حتى يعرف مواليه ولو كان على ما تأولوا،
وكان الحديث يحتمل ما قالوا كانوا يخالفونه، قال وأين؟ قلت هم يزعمون أن السائبة لو قتل كان
عقله على المسلمين، ونحن نروي عن عمر وغيره مثل معنى قولنا، قال فاذكره: قلت أخبرنا سفيان
عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أن طارق بن المرقع أعتق أهل بيت سوائب فأتى بميراثهم،
فقال عمر بن الخطاب أعطوه ورثة طارق فأبوا أن يأخذوا، فقال عمر فاجعلوه في مثلهم من
الناس، قال فحديث عطاء مرسل قلت يشبه أن يكون سمعه من آل طارق وإن لم يسمعه عنهم فحديث
سليمان مرسل قال فهل غيره؟ قلت أخبرنا سفيان عن سليمان بن مهران عن إبراهيم النخعي أن رجلا
أعتق سائبة فمات فقال عبد الله هو لك قال لا أريد قال فضعه إذا في بيت المال فإن له وارثا كثيرا (قال
الشافعي) أخبرنا سفيان قال أخبرني أبو طوالة عبد الله ابن عبد الرحمن عن معمر قال كان سالم مولى أبى
حذيفة لامرأة من الأنصار يقال لها عمره بنت يعار أعتقته سائبة فقتل يوم اليمامة فأتى أبو بكر بميراثه
فقال أعطوه عمرة فأبت تقبله، قال قد اختلفت فيه الأحاديث قلت فما كنا نحتاج إليها مع قول النبي
صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن أعتق " وإذا اختلفت فالذي يلزمنا أن نصير إلى أقربها من السنة، وما
قلنا معنى السنة مع ما ذكرنا من الاستدلال بالكتاب، قال: فإن قالوا إنما أعتق السائبة عن
المسلمين، قلنا: فإن قال قد أعتقتك عن نفسي سائبة لا عن غيري وأشهد بهذا القول قبل العتق
139

ومعه، فقال أردت أن يكمل أجرى بأن لا يرجع إلى ولاؤه، قال فإن قالوا: فإذا قال هذا؟ فهذا
يدل على أنه أعتقه عن المسلمين، قلنا هذا الجواب محال، يقول أعتقتك عن نفسي ويقول أعتقه عن
المسلمين، فقال هذا قول غير مستقيم، قلت أرأيت لو كان أخرجه من ملكه إلى المسلمين أكان له أن
يعتقه ولم يأمروه بعتقه؟ ولو فعل لكان عتقه باطلا إذا أعتق ما أخرج من ملكه إلى غيره بغير أمره، فإن
قال إنما أجزته لأنه مالك معتق فقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن الولاء لمن أعتق، قال فما
حجتك عليهم في الذمي يسلم عبده فيعتقه؟ قلت مثل أول حجتي في السائبة أنه لا يعدو أن يكون
معتقا، فقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولاء لمن أعتق، أو يكون إذا اختلف الدينان لا يجوز
عتقه فيكون عتقه باطلا؟ قال بل هو متق والعتق جائز قلت فما أعلمك بقيت للمسألة موضعا قال بلى
لو مات العبد لم يرثه المعتق قلت وما منع الميراث إنما منع الميراث الذي منعه الورثة أيضا غير المعتق
باختلاف الدينين وكذلك يمنعه وارثه بالنسب باختلاف الولاء والنسب قال أفيجوز أن يثبت له عليه
ولاء وهو لا يرثه؟ قلت نعم كما يجوز أن يثبت له على أبيه أبوة وهو لا يرثه إذا اختلف الدينان أو يجوز أن
يقال: إن الذمي إذا أعتق العبد المسلم وللذمي ولد مسلمون كان الولاء لبنيه المسلمين ولا يكون للذي
أعتقه؟ لئن لم يكن للمعتق فالمعتق لهم من بنيه أبعد أن يجوز قال وأنت تقول مثل هذا؟ قلت وأين؟
قال تزعم أن رجلا لو كان له ولد مسلمون وهو كافر فمات أحدهم ورثته إخوته المسلمون ولم يرثه أبوه
وبه ورثوه قلت أجل فهذه الحجة عليك قال وكيف؟ قلت أرأيت أبوته زالت عن الميت باختلاف
دينهما؟ قال لا، هو أبوه بحاله قلت وإن أسلم قبل أن يموت ورثته قال نعم قلت وإنما حرم الميراث
باختلاف الدينين قال نعم قلت فلم لم تقل في المولى هذا القول فتقول مولاه من أعتقه ولا يرثه ما اختلف
ديناهما فإذا أسلم المعتق ورثه إن مات بعد إسلامه قال فإنهم يقولون إذا أعتقه الذمي ثبت ولاؤه
للمسلمين ولا يرجع إليه قلت وكيف ثبت ولاؤه للمسلمين وغيرهم أعتقه؟ قال فبأي شئ يرثونه؟
قلت ليسوا يرثونه ولكن ميراثه لهم لأنه لا مالك له بعينه قال وما دلك على ما تقول فإن الذي يعرف
أنهم لا يأخذونه إلا ميراثا؟ قلت أفيجوز أن يرثوا كافرا؟ قال لا قلت أفرأيت الذمي لو مات ولا وارث
له من أهل دينه لمن ميراثه؟ قال للمسلمين قلت لأنه لا مالك له لا أنه ميراث قال نعم قلت وكذلك
من لا ولاء من لقيط ومسلم لا ولاء له أو ولاؤه لكافر لا قرابة له من المسلمين وذكرت ما ذكرت في
أول الكتاب من أنه لا يؤخذ على الميراث قال فإن من أصحابنا من خالفك في معنى آخر فقال لو أن
مسلما أعتق نصرانيا فمات النصراني ورثه إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر في
النسب " فقلت أموجود ذلك في الحديث؟ قال فيقولون الحديث يحتمله قلت أفرأيت إن عارضنا
وإياهم غيرنا فقال فإنما معنى الحديث في الولاء؟ قال ليس ذلك له قلت ولم؟ ألان الحديث لا
يحتمله؟ قال بل يحتمله ولكنه ليس في الحديث والمسلمون يقولون هذا في النسب قلت ليس كل
المسلمين يقولونه في النسب فمنهم من يورث المسلم الكافر كما يجيز له النكاح إليه ولا يورث الكافر
المسلم قال فحديث النبي صلى الله عليه وسلم جملة؟ قلت أجل في جميع الكفار والحجة على من قال
هذا في بعض الكافرين في النسب كالحجة على من قاله في الولاء قلت فإنهم يقولون إن عمر بن عبد
العزيز قضى به فقلت قد أخبرتك أن ميمونة وهبت ولاء بنى يسار لابن عباس فأتهيبه وقلت: إذا جاء
الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة فهو على جمله ولم نحمله ما احتمل إلا بدلالة عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال وكذلك أقول قلت فلم لم تقل هذا في المسلم يعتق النصراني مع أن الذي روينا
140

عن عمر بن عبد العزيز أنه وضع ميراث مولى له نصراني في بيت المال وهذا أثبت الحديثين عنه
وأولاهما به عندنا والله تعالى أعلم والحجة في قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا
الكافر المسلم " وقد روى عن عمر بن عبد العزيز خلاف هذا قال فقد يحتمل أن يكون هذا من عمر بن
عبد العزيز ترك شئ وإن كان له قلت نعم وأظهر معانيه عندنا أنه ليس له ان يرث كافرا وأنه إذا منع
الميراث للولد والوالد والزوج بالكفر كان ميراث المولى أولى أن يمنعه لأن المولى أبعد من ذي النسب قال
فما حجتك على أحد إن خالفك في الرجل يعتق عبده عن الرجل بغير أمره فقال الولاء للمعتق عنه
دون المعتق لعبده لأنه عقد العتق عنه؟ قلت أصل حجتي عليك ما وصفت من أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " الولاء لمن أعتق " وهذا معتق قال فقد زعمت أنه إن أعتق عبده عنه بأمره كان الولاء للامر
المعتق عنه عبده وهذا معتق عنه قلت نعم من قبل أنه إذا أعتق عنه بأمره فإنما ملكه عبده وأعتقه عنه
بعدما ملكه قال أفقبضه المالك المعتق عنه؟ قلت إذا أعتقه عنه بأمره فعتقه أكثر من قبضه هو لو قبضه
قال ومن أين؟ قلت إذا جاز للرجل أن يأمر الرجل أن يعتق عبد نفسه فأعتقه فجاز بأنه وكيل له
ماضي الامر فيه ما لم يرجع في وكالته وجاز للرجل أن يشترى العبد من الرجل فيعتقه المشترى بعد
تفرقهما عن المقام الذي تبايعا فيه وقبل القبض فينفذ العتق لأنه مالك جاز إذا ملكه سيد العبد عبده أن
ينفذ عليه عتقه وعتق غيره بأمره قال والولاء للامر قلت نعم لأنه مالك معتق قال ومن أين يكون معتقا
وإنما أعتق عنه غيره بأمره؟ قلت إذا أمر بالعتق رجلا فأعتق عنه فهو وكيل له جائز العتق وهو المعتق إذا
وكل ونفذ العتق بأمره قال فكيف؟ قلت في الرجل يعتق عن غيره عبده بغير أمره العتق جائز قلت نعم
لأنه أعتق ما يملك قال أرأيت قوله هو حر عن فلان ألهذا معنى؟ قلت أما معنى له حكم يرد به العتق
أو ينتقل به الولاء فلا، قال فما الحجة في هذا سوى ما ذكرت أرأيت لو قال إذا أعتقه عنه بغير أمره
فقبل العتق كان له الولاء قلت إذا يلزمه فيه العلة التي لا نرضى أن نقوله قال وما هو؟ قلت يقال له هل
يكون العتق إلا لمالك؟ قال يقول لا قلنا فمتى ملك؟ قال حين قبل قلت أفرأيت حين قبل أقبل حرا أو
مملوكا؟ قال فأقول بل قبل حرا قلنا أفيعتق حرا أو يملكه قال فأقول بل حين فعل علمنا أنه كان مالكا
حين وهبه له قلت أفرأيت إن قال لك قد قبلت وأبطلت عتقك أيكون العبد المعتق مملوكا له؟ قال
وكيف يكون مملوكا له؟ قلت تجعله بإعتاقه إياه عنه مملوكا له قبل العتق وإذا ملكتني عبدك ثم أعتقته
أنت، جاز تمليكك إياي وبطل عنه عتقك إذا لم أحدث له عتقا ولم آمرك تحدثه لي قال هذا يلزم من
قال هذا وهذا خطأ بين ما يملكه إياه إلا بعد خروجه من الرق وما أخرجه من الرق غيره فالولاء له كما
قلت وهذا قول قد قاله غيرك من أصحابنا أفتوضحه لي بشئ؟ قلت نعم أرأيت لو أعتقت عبدا لي ثم
قلت بعد عتقه قد جعلت أجره وولاءه الآن لك؟ قال فلا يكون لي أجره ولا ولاؤه وإنما يقع الاجر
والولاء يوم أعتقت فلما أعتقت عن نفسك لم ينتقل إلى أجرك كما لا ينتقل أجر عملك غير هذا إلى (قال
الشافعي) وقلت له الولاء لا يملكه إلا من أعتق ولا يكون لمن أعتق إخراجه من ملكه إلى غيره وهو غير
الأموال المملوكة التي يحولها الناس من أموالهم إلى أموال من شاءوا قال نعم قلت فهذه الحجة على من
خالفنا في هذا.
141

الوديعة (1)
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال إذا استودع الرجل الرجل الوديعة وأراد المستودع
سفرا فلم يثق بأحد يجعلها عنده فسافر بها برا أو بحرا فهلكت ضمن وكذلك لو أراد سفرا فجعل الوديعة
في بيت مال المسلمين فهلكت ضمن وكذلك إن دفنها ولم يعلم بها أحدا يأمنه على ماله فهلكت
ضمن، وكذلك إن دفنها ولم يخلف في منزله أحدا يحفظه فهلكت، ضمن وإذا أودع الرجل الوديعة
فتعدى فيها فلم تهلك حتى أخذها وردها في موضعها فهلكت ضمن من قبل أنه قد خرج من حد
الأمانة إلى أن كان متعديا ضامنا للمال بكل حال حتى يحدث له المستودع أمانة مستقبلة، وكذلك لو
تكارى دابة إلى بلد فتعدى بها ذاهبا أو جائيا ثم ردها سالمة إلى الموضع الذي له في الكراء فهلكت من
قبل أن يدفعها كان لها ضامنا من قبل أنه صار متعديا ومن صار متعديا لم يبرأ حتى يدفع إلى من تعدى
عليه ماله وكذلك لو سرق دابة لرجل من حرزها ثم ردها إلى حرزها فهلكت ضمن ولا يبرأ من ضمن
إلا بدفع ما ضمن إلى مالكه ولو أودعه عشرة دراهم فتعدى منها في درهم فأخرجه فأنفقته ثم أخذه
فرده بعينه ثم هلكت الوديعة ضمن الدرهم ولا يضمن التسعة لأنه تعدى بالدرهم ولم يتعد بالتسعة
وكذلك إن كان ثوبا فلبسه ثم رده بعينه ضمنه (قال الربيع) قول الشافعي إن كان الدرهم الذي أخذه
ثم وضع (2) غيره معروفا من الدراهم ضمن الدرهم ولم يضمن التسعة وإن كان لا يتميز ضمن العشرة
(قال الشافعي) وإذا أودع الرجل الرجل الدابة فأمره بسقيها وعلفها فأمر بذلك من يسقى دوابه
ويعلفها فتلفت من غير جناية لم يضمن وإن كان سقى دوابه في داره فبعث بها خارجا من داره
ضمن، قال وإذا استودع الرجل الرجل الدابة فلم يأمره بسقيها ولا علفها ولم ينهه فحبسها المستودع
مدة إذا أتت على مثلها ولم تأكل ولم تشرب تلفت فتلفت فهو ضامن، وإن كات تلفت في مدة قد
تقيم الدواب في مثلها ولا تتلف فتلفت لم يضمن من تركها، وإذا دفع إليه الدابة وأمره أن يكريها ممن
يركبها بسرج فأكراها ممن يحمل عليها فعطبت ضمن، ولو أمره أن يكريها ممن يحمل عليها تبنا فأكراها
ممن يحمل عليها حديدا فعطبت ضمن ولو أمره أن يكريها ممن يحمل عليها حديدا فأكراها ممن يحمل
عليها تبنا بوزنه فعطبت ضمن لأنه يفترش عليها من التبن ما يعم فيقتل ويجمع عليها من الحديد ما يلهد
فيتلعى ويرم فيقتل، ولو أمره أن يكريها ممن يركب بسرج فأكراها ممن يركبها بلا سرج فعطبت ضمن
لأن معروفا ان السرج أوقى لها، وإن كان يعرف أنه ليس بأوقى لها لم يضمن لأنه زادها خفة، ولو
كانت دابة ضئيلة فأكراها ممن يعلم أنها لا تطيق حمله ضمن لأنه إذا سلطه على أن يكريها فإنما يسلطه
على أن يكريها ممن تحمله فأكراها ممن لا تحمله ضمن، وإذا أمره أن يكريها ممن يركبها بسرج فأكراها
ممن يركبها بإكاف فكان الاكاف أعم أو أضر في حال ضمن، وإن كان أخف أو مثل السرج لم يضمن
(قال الشافعي) وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فأراد المستودع السفر فإن كان المستودع حاضرا أو
وكيل له لم يكن له أن يسافر حتى يردها إليه أو إلى وكيله أو يأذنا له أن يودعها من رأى، فإن فعل

(1) هذه الترجمة وكذا التراجم التي تليها في قسم الفئ والغنيمة وما يتعلق بها من الكلام على الأنفال قد
ذكرت في هذا الموضع من نسخة السراج البلقيني فأثبتناها هنا تبعا لها.
(2) قوله: غيره لعله " عينه " فإنه السابق قبله تأمل. كتبه مصححه.
142

فأودعها من شاء فهلكت ضمن إذا لم يأذنا له، وإن كان غائبا فأودعها من يودع ماله ممن يكون أمينا
على ذلك فهلكت لم يضمن، فإن أودعها ممن يودع ماله ممن ليست له أمانة فهلكت ضمن، وسواء
كان المودع من أهلها أو من غيرهم أو حرا أو عبدا أو ذكرا أو أنثى لأنه يجوز له أن يستهلك ماله ولا يجوز
له أن يستهلك مال غيره، ويجوز له أن يوكل بماله غير أمين ولا يجوز له أن يوكل بأمانته غير أمين،
وهكذا لو مات المستودع فأوصى إلى رجل بماله والوديعة أو الوديعة دون ماله فهلكت فإن كان الموصى
إليه بالوديعة أمينا لم يضمن الميت وإن كان غير أمين ضمن، ولو استودعه إياها في قرية آهلة فانتقل
إلى قرية غير آهلة أو في عمران من القرية فانتقل إلى خراب من القرية وهلكت ضمن في الحالين، ولو
استودعه إياها في خراب فانتقل إلى عمارة أو في خوف فانتقل إلى موضع آمن لم يكن ضامنا لأنه زاده
خيرا، ولو كان شرط عليه أن لا يخرجها من هذا الموضع فتعدى فأخرجها من غير ضرورة فهلكت
ضمن، فإن كانت ضرورة فأخرجها إلى موضع أحرز من الموضع الذي كانت فيه لم يضمن. وذلك
مثل النار تغشاه والسيل، ولو اختلفا في السيل أو النار فقال المستودع لم يكن سيل ولا نار وقال المستودع
قد كان فإن كان يعلم أنه قد كان في تلك الناحية ذلك بعين ترى أو أثر يدي فالقول قول المستودع،
وإن لم يكن فالقول قول المستودع، ومتى ما قلت لواحد منهما القول قوله فعليه اليمين إن شاء الذي
يخالفه أحلفه (قال) وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فاختلفا فقال المستودع دفعتها إليك وقال
المستودع لم تدفعها فالقول قول المستودع ولو كانت المسألة بحالها غير أن المستودع قال أمرتني أن أدفعها
إلى فلان فدفعتها وقال المستودع آمرك فالقول قول المستودع وعلى المستودع البينة. وإنما فرقنا بينهما أن
المدفوع إليه غير المستودع. وقد قال الله عز وجل: " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أوتمن أمانته "
فالأول إنما ادعى دفعها إلى من أئتمنه، والثاني إنما ادعى دفعها إلى غير المستودع بأمره فلما أنكر أنه
أمره أغرم له لأن المدفوع إليه غير الدافع. وقد قال الله عز وجل: " فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم
أموالهم " وقال عز اسمه " فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم " وذلك أن ولى اليتيم إنما هو وصى أبيه
أو وصى وصاه الحاكم ليس أن اليتيم استودعه، فلما بلغ اليتيم أن يكون له أمر في نفسه وقال لم أرض
أمانة هذا ولم استودعه فيكون القول قول المستودع كان على المستودع أن يشهد عليه إن أراد أن يبرأ،
وكذلك الوصي فإذا أقر المدفوع إليه أنه قد قبض بأمر المستودع فإن كانت الوديعة قائمة ردها وإن كان
استهلكها رد قيمتها، فإن قال هلكت بغير استهلاك ولا تعد فالقول قوله ولا يضمن من قبل أن الدافع
إليه بعد إنما دفع إليه بقول رب الوديعة، قال وإذا استودع الرجل الرجل المال في خريطة فحولها إلى
غيرها، فإن كانت التي حولها إليها حرزا كالتي حولها منها لا يضمن وإن كانت لا تكون حرزا ضمن إن
هلكت، وإن استودعه إياها على أن يجعلها في صندوق على أن لا يرقد عليه أو على أن لا يقفله أو على
أن لا يضع عليه متاعا فرقد عليه أو أقفله أو وضع عليه متاعا فسرق لم يضمن لأنه زاده خيرا. وكذلك
لو استودعه على أن يدفنها في موضع من البيت ولا يبنى عليه فوضعها في ذلك الموضع وبنى عليه بنيانا
بلا أن يكون مخرجا لها من البيت فسرقت لم يضمن لأنه زادها بالبناء حرزا. وإذا استودع الرجل
الرجل الوديعة على أن يجعلها في بيت ولا يدخله أحد فأدخله قوما فسرقها بعض الذين دخلوا أو
غيرهم، فإن كان الذي سرقها ممن أدخلها فعليه غرمها وإن كان الذي سرق لم يدخله فلا غرم عليه
(قال) وإذا سأل الرجل الرجل الوديعة فقال ما استودعتني شيئا، ثم قال قد كنت استودعتني فهلكت
فهو ضامن لها من قبل أنه قد أخرج نفسه من الأمانة وكذلك لو سأله إياها فقال قد دفعتها إليك ثم قال
143

بعد قد ضاعت في يدي فلم أدفعها إليك كان ضامنا، ولو قال مالك عندي شئ، ثم قال كان لك
عندي شئ فهلك كان القول قوله لأنه صادق أنه ليس له عنده شئ إذا هلكت الوديعة (قال) وإذا
استودع الرجل الرجل الوديعة فوضعها في موضع من داره يحرز فيه ماله ويرى الناس مثله حرزا وإن
كان غيره من داره أحرز منه فهلكت لم يضمن وإن وضعها في موضع من داره لا يراه الناس حرزا ولا
يحرز فيه مثل الوديعة فهلكت ضمن، وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة ذهبا أو فضة في منزله على
أن لا يربطها في كمه أو بعض ثوبه فربطها فخرج فهلكت ضمن، ولو كان ربطها في مكانه ليحرزها
فإن كان إحرازها يمكنه فتركها حتى طرت ضمن، وإن كان لا يمكنه بغلق لم ينفتح أو ما أشبه ذلك لم
يضمن. (قال) وإذ استودعه إياها خارجا من منزله على أن يحرزها في منزله وعلى أن لا يربطها في
كمه فربطها فضاعت فإن كان ربطها من كمه فيما بين عضده وجنبه لم يضمن وإن كان ربطها ظاهرة
على عضده ضمن لأنه لا يجد من ثيابه شيئا أحرز من ذلك الموضع وقد يجد من ثيابه ما هو أحرز من
إظهارها على عضده، وإذا استودعه إياها على أن يربطها في كمه فأمسكها في يده فانفلتت من يده
ضمن، ولو أكرهه رجل على أخذها لم يضمن، وذلك أن يده أحرز من كمه ما لم يجن هو في يده
شيئا هلك به (قال) وإذا استودع الرجل الرجل شيئا من الحيوان ولم يأمره بالنفقة عليه انبغى له أن
يرفعه إلى الحاكم حتى يأمره بالنفقة عليه ويجعلها دينا على المستودع ويوكل الحاكم بالنفقة من يقبضها
منه وينفقها غيره لئلا يكون أمين نفسه أو يبيعها وإن لم يفعل فأنفق عليها فهو متطوع ولا يرجع عليه
بشئ، وكذلك إذا أخذ له دابة ضالة أو عبدا آبقا فأنفق عليه فهو متطوع ولا يرجع عليه بشئ،
وإذا خاف هلاك الوديعة فحملها إلى موضع آخر فلا يرجع بالكراء على رب الوديعة لأنه متطوع به
(قال وإذا استودع الرجل الرجل الذهب فخلطها مع ورق له، فإن كان خلطها ينقصها ضمن
النقصان ولا يضمنها لو هلكت وإن كان لا ينقصها لم يضمن وكذلك لو خلطها مع ذهب يتميز منها
فهلكت لم يضمن وإن كان يتميز منها تميزا بينا فهلكت ضمن، وإذا استودع الرجل الرجل دنانير
أو دراهم فأخذ منها دينارا أو درهما ثم رد مكانه بدله فإن كان الذي رد مكانه يتميز من دنانيره ودراهمه
فضاعت الدنانير كلها ضمن ما تسلف فقط وإن كان الذي وضع بدلا مما أخذ لا يتميز ولا يعرف
فتلفت الدنانير ضمنها كلها (1).
144

قسم الفئ
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أصل قسم ما يقوم به الولاة من جمل المال ثلاثة
وجوه أحدها ما جعله الله تبارك تعالى طهورا لأهل دينه. قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم
" خذ من أموالهم صدقة " الآية فكل ما أوجب الله عز وجل على مسلم في ماله بلا جناية جناها هو ولا
غيره ممن يعقل عنه ولا شئ لزمه من كفارة ولا شئ ألزمه نفسه لاحد ولا نفقة لزمته لوالد أو ولد أو
مملوك أو زوجة أو ما كان في معنى هذا فهو صدقة طهور له وذلك مثل صدقة الأموال كلها عينيها
وحوليها وماشيتها وما وجب في مال مسلم من زكاة أو وجه من وجوه الصدقة في كتاب أو سنة أو أثر
أجمع عليه المسلمون. وقسم هذا كله واحد لا يختلف في كتاب الله عز ذكره، قال الله تبارك وتعالى
في سورة براءة " إنما الصدقات للفقراء " الآية وعلى المسلم في ماله إيتاء واجبة في كتاب أو سنة ليست
من هذا الوجه، وذلك مثل نفقة من تلزمه نفقته والضيافة وغيرها وما لزم بالجنايات والاقرار والبيوع
وكل هذا خروج من دين أو تأدية واجب أو نافلة يوصل فيها الاجر كل هذا موضوع على وجهه في
كتاب الصدقات في كل صنف منه في صنفه الذي هو أملك به.
قسم الغنيمة والفئ
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وما أخذ من مشرك بوجه من الوجوه غير ضيافة من مر بهم من
145

المسلمين فهو على وجهين لا يخرج منهما كلاهما مبين في كتاب الله تعالى وعلى لسان رسول الله صلى الله
عليه وسلم وفى فعله فأحدهما الغنيمة قال الله عز وجل في سورة الأنفال " واعلموا أنما غنمتم من شئ
فإن لله خمسه " الآية. والوجه الثاني الفئ وهو مقسوم في كتاب الله عز ذكره في سورة الحشر قال الله
تبارك وتعالى " وما أفاء الله على رسوله منهم " إلى قوله " رؤوف رحيم " فهذان المالان اللذان خولهما الله
تعالى من جعلهما له من أهل دينه، وهذه أموال يقوم بها الولاة لا يسعهم تركها وعلى أهل الذمة
ضيافة، وهذا صلح صولحوا عليه غير مؤقت فهو لمن مر بهم من المسلمين خاص دون العام من المسلمين
خارج من المالين. وعلى الإمام إن امتنع من صولح على الضيافة من الضيافة أن يلزمه إياها.
جماع سنن قسم الغنيمة والفئ
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه "
الآية وقال الله تعالى " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى " الآية، وقال عز وجل " وما أفاء الله على
رسوله منهم " الآية. (قال الشافعي) فالغنيمة والفئ يجتمعان في أن فيهما معا الخمس من جميعهما لمن
سماه الله تعالى له ومن سماه الله عز وجل له في الآيتين معا سواء مجتمعين غير مفترقين. قال ثم يتعرف
الحكم في الأربعة الا خمس بما بين الله عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وفى فعله فإنه قسم
أربعة أخماس والغنيمة والغنيمة هي الموجف عليها بالخيل والركاب لمن حضر من غنى وفقير والفئ وهو
ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم في قرى عرينة التي أفاءها الله
عليه أن أربعة أخماسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون المسلمين يضعه رسول الله صلى الله
عليه وسلم حيث أراه الله عز وجل. أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان،
قال سمعت عمر بن الخطاب وعلي والعباس رحمة الله عليهم يختصمان إليه في أموال النبي صلى الله عليه
وسلم فقال عمر كانت أموال بنى النضير مما أفاء الله على رسوله مما لو يوجف عليها المسلمون بخيل ولا
ركاب فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خالصا دون المسلمين فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتفق منها
على أهله نفقة سنة فما فضل جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل ثم توفى النبي صلى
الله عليه وسلم فوليها أبو بكر بمثل ما وليها به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وليها عمر بمثل ما وليها به
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ثم سألتماني أن أوليكماها فوليتكماها على أن تعملا فيها بمثل ما وليها
به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وليها به أبو بكر ثم وليتها به فجئتماني تختصمان أتريدان أن أدفع إلى
كل واحد منكما نصفا أتريدان منى قضاء غير ما قضيت به بينكما أولا؟ فلا والله الذي بإذنه تقوم السماء
والأرض لا أقضى بينكما قضاء غير ذلك فإن عجزتما عنها فادفعاها إلى أكفكماها (قال الشافعي) فقال
لي سفيان لم أسمعه من الزهري ولكن أخبرنيه عمرو بن دينار عن الزهري قلت كما قصصت؟ قال نعم
(قال الشافعي) فأموال بنى النضير التي أفاء الله على رسوله عليه الصلاة والسلام التي يذكر عمر فيها ما
بقي في يدي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الخمس وبعد أشياء قد فرقها النبي صلى الله عليه وسلم منها
بين رجال من المهاجرين لم يعط منها أنصاريا إلا رجلين ذكرا فقرا وهذا مبين في موضعه. وفى هذا
الحديث دلالة على أن عمر إنما حكى أن أبا بكر وهو أمضيا ما بقي من هذه الأموال التي كانت بيد
رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه ما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به فيها وأنهما لم يكن
146

لهما مما لم يوجف عليه المسلمون من الفئ ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهما كانا فيه أسوة
للمسلمين وذلك سيرتهما وسيرة من بعدهما، والامر الذي لم يختلف فيه أحد من أهل العلم عندنا علمته
ولم يزل يحفظ من قولهم أنه ليس لأحد ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من صفى الغنيمة ولا من
أربعة أخماس ما لم يوجف عليه منها (قال الشافعي) وقد مضى من كان ينفق عليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم من أزواجه وغيرهن لو كان معهن فلم أعلم أحدا من أهل العلم قال لورثتهم تلك النفقة التي
كانت لهم ولا خلاف في أن تجعل تلك النفقات حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل فضول
غلات تلك الأموال فيما فيه صلاح الاسلام وأهله (قال الشافعي) فما صار في أيدي المسلمين من فئ
لم يوجف عليه فخمسه حيث قسمه الله تبارك وتعالى وأربعة أخماسه على ما سأبينه إن شاء الله، وقد
سن النبي صلى الله عليه وسلم ما فيه الدلالة على ما وصفت. أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يقتسمن ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة أهلي
ومؤنة عاملي فهو صدقة " أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بمثل معناه (قال
الشافعي) وقد أخبرنا أن النفقة إنما هي جارية بقوت منه على أعيان أهله وأن ما فضل من نفقتهم فهو
صدقة ومن وقفت له نفقة لم تكن موروثة عنه (قال الشافعي) والجزية من الفئ وسبيلها سبيل جميع
ما أخذ مما أوجف من مال مشرك أن يخمس فيكون لمن سمى الله عز وجل الخمس وأربعة أخماسه على
ما سأبينه إن شاء الله، وكذلك كل ما أخذ من مال مشرك بغير إيجاف، وذلك مثل ما أخذ منه إذا
اختلف في بلاد المسلمين ومثل ما أخذ منه إذا مات ولا وارث له وغير ذلك مما أخذ من ماله. وقد كان
في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فتوح في غير قرى عرينة التي وعدها الله رسوله صلى الله عليه وسلم
قبل فتحها فأمضاها النبي صلى الله عليه وسلم كلها لمن هي ولم يحبس منها ما حبس من القرى التي
كانت له وذلك مثل جزية أهل البحرين وهجر وغير ذلك وقد كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم
فئ من غير قرى عرينة وذلك مثل جزية أهل البحرين فكان له أربعة أخماسها يمضيها حيث أراه الله عز وجل
كما يمضى ماله وأوفى خمسه من جعله الله له، فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل أخبرنا ابن عيينة
عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله الحديث (قال الربيع) قال غير الشافعي قال النبي صلى الله
عليه وسلم لجابر " لو جاءني مال البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا " فتوفى النبي صلى الله عليه وسلم ولم
يأته فجاء أبا بكر فأعطاني.
تفريق القسم فيما أوجف عليه الخيل والركاب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا غزا المسلمون بلاد أهل الحرب بالخيل والركاب فغنموا
أرضهم وديارهم وأموالهم وأنفسهم أو بعض ذلك دون بعض فالسنة في قسمه أن يقسمه الإمام معجلا
على وجه النظر فإن كان معه كثيرا في ذلك الموضع آمنين لا يكر عليهم العدو فلا يؤخر قسمه إذا أمكنه
في موضعه الذي غنمه فيه وإن كانت بلاد حرب أو كان يخاف كرة العدو عليهم أو كان منزله غير رافق
بالمسلمين تحول عنه إلى أرفق بهم منه وآمن لهم من عدوهم ثم قسمه وإن كانت بلاد شرك (قال
الشافعي) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم أموال بنى المصطلق وسبيهم في الموضع الذي غنمه
147

فيه قبل أن يتحول عنه وما حوله كله بلاد شرك وقسم أموال أهل بدر (1) بسير على أميال من بدر ومن
حول سير وأهله مشركون وقد يجوز أن يكون قسمه بسير لأن المشركين كانوا أكثر من المسلمين فتحول
إلى موضع لعل العدو لا يأتونه فيه ويجوز أن يكون سير أوصف بهم في المنزل من بدر (قال الشافعي)
وأكثر ما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمراء سراياه ما غنموا ببلاد أهل الحرب (قال الشافعي)
وما وصفت من قسم النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه معروف عند أهل العلم عندنا لا يختلفون فيه
فقال لي بعض الناس لا تقسم الغنيمة إلا في بلاد الاسلام وبلغني أن بعض أصحابه خالفه وقال فيه
قولنا والحجة على من خالفنا فيه ما وصفنا من المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم من القسم ببلاد
العدو وإذا حوله الإمام عن موضعه إلى موضع غيره فإن كانت معه حمولة حمله عليها وإن لم تكن معه
فينبغي للمسلمين أن يحملوه له إن كان معهم حمولة بلا كراء وإن امتنعوا فوجد كراء كاري على الغنائم
واستأجر عليها ثم أخرج الكراء والإجارة من جميع المال (قال الشافعي) ولو قال قائل يجبر من معه
فضل محمل كان مذهبا (قال الشافعي) وإن لم يجد حمولة ولم يحمل الجيش قسمه مكانه ثم من شاء
أخذ ماله (قال الشافعي) ولو قال قائل يجبرون على حمله بكراء مثلهم لأن هذا موضع ضرورة كان
مذهبا (قال الشافعي) وإذا خرجت سرية من عسكر فغنمت غنيمة فالامر فيها كما وصفت في الجيش
في بلاد العدو (قال الشافعي) فإن ساق صاحب الجيش أو السرية سبيا (2) أو خرثيا أو غير ذلك
فأدركه العدو فخاف أن يأخذوه منه أو أبطأ عليه بعض ذلك فالامر الذي لا أشك فيه أنه إن أراد قتل
البالغين من الرجال قتلهم وليس له قتل من لم يبلغ ولا قتل النساء منهم ولا عقر الدواب ولا ذبحها
وذلك أنى إنما وجدت الدلالة من كتاب الله عز وجل ثم سنة النبي صلى الله عليه وسلم ثم ما لا يختلف
أهل العلم فيه عندنا أنه إن ما أبيح قتله من ذوات الأرواح من البهائم فإنما أبيح أن يذبح إذا قدر على
ذبحه ليؤكل ولا يقتل بغير الذبح والنحر الذي هو مثل الذبح وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن
تصير البهائم وهي أن ترمى بعدما تؤخذ وأبيح ما امتنع منها بما نيل به من سلاح لاحد معنيين أن يقتل
ليؤكل وتلك ذكاته لأنه لا يقدر من ذكاته على أكثر من ذلك أما قتل ما لا يؤكل لضرره وأذاه لأنه
في معاني الأعداء أو الحوت أو الجراد فإن قتله ذكاته وهو يؤكل بلا ذكاة وأما ما سوى ذلك فلا أجده
أبيح (قال الشافعي) وقد قيل تذبح خيلهم وتعقر ويحتج بأن جعفرا عقر عند الحرب ولا أعلم ما روى
عن جعفر من ذلك ثابتا لهم موجودا عند عامة أهل المغازي ولا ثابتا بالاسناد المعروف الموتصل فإن كان
من قال هذا إنما أراد غيط المشركين لما في غيظهم من أن يكتب به عمل صالح فذلك فيما أغيظوا به
مما أبيح لنا وكذلك إن أراد توهينهم وذلك أنا نجد مما يغيظهم ويوهنهم ما هو محظور علينا غير مباح لنا
فإن قال قائل وما ذلك؟ فلنا قتل أبنائهم ونسائهم ولو قتلوا كان أغيظ وأهون لهم وقد نهى النبي صلى
الله عليه وسلم عن ذلك وقتل ذوي الأرواح بغير وجهه عذاب فلا يجوز عندي لغير معنى ما أبيح من
أكله وإطعامه أو قتل ما كان عدوا منه (قال الشافعي) فأما ما لا روح فيه من أموالهم فلا بأس بتحريقه
وإتلافه بكل وجه وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حرق أموال بنى النضير وعقر النخل بخيبر
والعنب بالطائف وإن تحريق هذا ليس بتعذيب له لأنه لا يألم بالتحريق إلا ذو روح وهذا مكتوب في

(1) سير بالتحريك اسم جبل وبعضهم ضبطه بالفتح راجع " معجم ياقوت " اه‍، كتبه مصححه.
(2) الخرثى بالضم أثاث البيت أو أردأ المتاع والغنائم اه‍ من القاموس، كتبه مصححه.
148

غير هذا الموضع (قال الشافعي) ولو كان رجل في الحرب فعقر رجل فرسه رجوت أن لا يكون به بأس
لأن ذلك ضرورة، وقد يباح في الضرورات ما لا يباح في غير الضرورات.
الأنفال
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ثم لا يخرج من رأس الغنيمة قبل الخمس شئ غير السلب،
أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبى قتادة عن أبي قتادة
قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا
من المشركين قد علا رجلا من المسلمين قال فاستدرت له حتى أتيته من ورائه قال فضربته على حبل
عاتقه ضربة وأقبل على فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر
بن الخطاب فقلت له: ما بال الناس؟ فقال أمر الله ثم إن الناس رجعوا فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه " فقمت فقلت من يشهد لي؟ ثم جلست ثم قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه " فقمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" مالك يا أبا قتادة؟ " فقصصت عليه القصة فقال رجل من القوم صدق يا رسول الله وسلب ذلك
القتيل عندي فأرضه منه فقال أبو بكر لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله عز وجل يقاتل عن الله
وعن رسوله فيعطيك سلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صدق فأعطه إياه " فأعطانيه فبعت
الدرع وابتعت به مخرفا في بنى سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الاسلام (قال الشافعي) هذا حديث
ثابت معروف عندنا والذي لا أشك فيه أن يعطى السلب من قتل والمشرك مقبل يقاتل من أي جهة قتله
مبارزا أو غير مبارز وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم سلب مرحب من قتله مبارزا وأبو قتادة غير
مبارز ولكن المقتولين جميعا مقبلان ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطى أحدا قتل موليا
سلب من قتله والذي لا أشك فيه أن له سلب من قتل الذي يقتل المشرك والحرب قائمة والمشركون
يقاتلون ولقتلهم هكذا مؤنة ليست لهم إذا انهزموا أو انهزم المقتول ولا أرى ان يعطى السلب إلا من
قتل مشركا مقبلا ولم ينهزم جماعة المشركين وإنما ذهبت إلى هذا أنه لم يحفظ عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قط أنه أعطى السلب قاتلا قتل مقبال وفى حديث أبي قتادة ما دل على أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال " من قتل قتيلا له سلبه " يوم حنين بعدما قتل أبو قتادة الرجل وفى هذا دلالة على أن
بعض الناس خالف السنة في هذا فقال لا يكون للقاتل السلب إلا أن يقول الإمام قبل القتال من قتل
قتيلا فله سلبه وذهب بعض أصحابنا إلى أن هذا من الإمام على وجه الاجتهاد وهذا من النبي صلى الله
عليه وسلم عندنا حكم وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم السلب للقاتل في غير موضع (قال
الشافعي) ولو اشترك نفر في قتل رجل كان السلب بينهم ولو أن رجلا ضرب رجلا ضربة لا يعاش من
مثلها أو ضربة يكون مستهلكا من مثلها وذلك مثل أن يقطع يديه أو رجليه ثم يقتله آخر كان السلب
لقاطع اليدين أو الرجلين لأنه قد صيره في حال لا يمنع فيها سلبه ولا يمتنع من أن يذفف عليه وإن
ضربه وبقى فيه ما يمنع نفسه ثم قتله بعده آخر فالسلب للآخر إنما يكون السلب لمن صيره بحال لا يمتنع
فيها (قال الشافعي) والسلب الذي يكون للقاتل كل ثوب عليه وكل سلاح عليه ومنطقته وفرسه إن كان
راكبه أو ممسكه فإن كان منفلتا منه أو مع غيره فليس له وإنما سلبه ما أخذ من يديه أو مما على بدنه أو
149

تحت بدنه (قال الشافعي) فإن كان في سلبه سوار ذهب أو خاتم أو تاج أو منطقة فيها نفقة فلو ذهب
ذاهب إلى أن هذا مما عليه من سلبه كان مذهبا ولو قال ليس هذا من عدة الحرب وإنما له سلب
المقتول الذي هو له سلاح كان وجها والله أعلم (قال الشافعي) ولا يخمس السلب (قال الشافعي)
فعارضنا معارض فذكر أن عمر بن الخطاب قال إنا كنا لا نخمس السلب وأن سلب البراء قد بلغ شيئا
كثيرا ولا أرى انى إلا خامسه قال فخمسه وذكر عن ابن عباس أنه قال السلب من الغنيمة وفيه الخمس
(قال الشافعي) فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " من قتل قتيلا فله سلبه " فآخذ خمس السلب
أليس إنما يكون لصاحبه أربعة أخماسه لا كله وإذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ لم يجز تركه
فإن قال قائل فلعل النبي صلى الله عليه وسلم أعطى السلب أنه لم يكن ذا خطر وعمر يخبر أنه لم يكن
يخمسه وإنما خمسه حين بلغ مالا كثيرا فالسلب إذا كان غنيمة فأخرجناه من أن يكون حكمه حكمها
وقلنا قد يحتمل أن يكون قول الله تعالى " فإن لله خمسه " على أكثر الغنيمة لا على كلها فيكون السلب مما
لم يرد من الغنيمة وصفى النبي صلى الله عليه وسلم وما غنم مأكولا فأكله من غنمه ويكون هذا بدلالة
السنة وما بقي تحتمله الآية وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أعطى السلب من قتل لم يجز عندي والله
أعلم أن يخمس ويقسم إذ كان اسم السلب يكون كثيرا وقليلا ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم قليل
السلب ولا كثيره أن يقول يعطى القليل من السلب دون الكثير ونقول دلت السنة أنه إنما أراد بما
يخمس ما سوى السلب من الغنيمة (قال الشافعي) وهذه الرواية من خمس السلب عن عمر ليست
من روايتنا وله رواية عن سعد بن أبي وقاص في زمان عمر تخالفها. أخبرنا ابن عيينة عن الأسود بن
قيس عن رجل من قومه يسمى سير بن علقمة قال بارزت رجلا يوم القادسية فقتلته فبلغ سلبه اثنى
عشر ألفا فنفلنيه سعد بن أبي وقاص. (قال الشافعي) واثنى عشر ألفا كثير.
الوجه الثاني من النفل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم
بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد فغنموا إبلا كثيرة فكانت سهمانهم اثنى عشر بعيرا أو أحد عشر
بعيرا ثم نفلوا بعيرا بعيرا أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج أنه سمع سعيد بن المسيب يقول كان
الناس يعطون النفل من الخمس (قال الشافعي) وحديث ابن عمر يدل على أنهم إنما أعطوا مالهم مما
أصابوا على أنهم نفلوا بعيرا بعيرا والنفل هو شئ زيدوه غير الذي كان لهم وقول ابن المسيب يعطون
النفل من الخمس كما قال إن شاء الله وذلك من خمس النبي صلى الله عليه وسلم فإن له خمس من
كل غنيمة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يضعه حيث أراه الله كما يضع سائر ماله فكان الذي يريه الله
تبارك وتعالى ما فيه صلاح المسلمين (قال الشافعي) وما سوى سهم النبي صلى الله عليه وسلم من جميع
الخمس لمن سماه الله عز وجل له فلا يتوهم عالم أن يكون قوم حضروا فأخذوا مالهم وأعطوا مما لغيرهم
إلا أن يطوع به عليهم غيرهم (قال الشافعي) والنفل في هذا الوجه من سهم النبي صلى الله عليه وسلم
فينبغي للإمام أن يجهد فإذا كثر العدو واشتدت الشوكة وقل من بإزائه من المسلمين نفل منه اتباعا لسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا لم يكن ذلك لم ينفل وذلك أن أكثر مغازى النبي صلى الله عليه وسلم
150

وسراياه لم يكن فيها أنفال من هذا الوجه (قال الشافعي) والنفل في أول مغزى والثاني وغير ذلك سواء
على ما وصفت من الاجتهاد (قال الشافعي) والذي يختار من أرضى من أصحابنا أن لا يزاد أجد على
ماله لا يعطى غير الأخماس أو السلب للقاتل ويقولون لم نعلم أحدا من الأئمة زاد أحدا على حظه من
سلب أو سهما من مغنم إلا أن يكون ما وصفت من كثرة العدو وقلة المسلمين فينفلون وقد روى بعض
الشاميين في النفل في البدأة والرجعة الثلث في واحدة والربع في الأخرى ورواية ابن عمر أنه نفل
نصف السدس فهذا يدل على أنه ليس للنفل حد لا يجاوزه الإمام وأكثر مغازى رسول الله صلى الله
عليه وسلم لم يكن فيها إنفال فإذا كان للإمام أن لا ينفل فنفل فينبغي لتنفيله أن يكون على الاجتهاد غير
محدود.
الوجه الثالث من النفل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال بعض أهل العلم إذا بعث الإمام سرية أو جيشا فقال لهم
قبل اللقاء من غنم شيئا فهو له بعد الخمس فذلك لهم على ما شرط الإمام لأنهم على ذلك غزوا وبه
رضوا وقالوا يخمس جميع ما أصاب كل واحد منهم غير السلب في إقبال الحرب وذهبوا في هذا إلى
أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر قال " من أخذ شيئا فهو له " وذلك قبل نزول الخمس والله أعلم ولم
أعلم شيئا يثبت عندنا عن النبي صلى الله عليه إلا ما وصفنا من قسمة الأربعة الأخماس بين من
حضر القتال وأربعة أخماس الخمس على أهله ووضعه سهمه حيث أراه الله عز وجل وهو خمس
الخمس، وهذا أحب إلى والله أعلم، ولهذا مذهب وذلك أن يقال إنما قاتل هؤلاء على هذا الشرط
والله أعلم.
كيف تفريق القسم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وكل ما حصل مما غنم من أهل دار الحرب من شئ قل أو كثر من دار أو أرض وغير ذلك من المال أو سبى قسم كله إلا الرجال البالغين فالإمام فيهم بالخيار بين أن
يمن على من رأى منهم أو يقتل أو يفادى أو يسبى وإن من أو قتل فذلك له وإن سبى أو فادى فسبيل ما
سبى وما أخذ مما فادى سبيل ما سواه من الغنيمة قال وذلك إذا أخذ منهم شيئا على إطلاقهم فأما أن
يكون أسير من المسلمين فيفاديه بأسيرين أو أكثر فذلك له ولا شئ للمسلمين على ما فادى من
المسلمين بأسارى المشركين وإذا جاز له أن يمن عليهم فلا يعود على المسلمين منه منفعة يقبضونها كان أن
يستخرج أسيرا من المسلمين أنفع وأولى أن يجوز، أخبرنا ابن عيينة عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي
المهلب عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم فادى رجلا برجلين (قال الشافعي) وفى
الرجل يأسره الرجل فيسترق أو تؤخذ منه الفدية قولان أحدهما ما أخذ منه كالمال يغنم وأنه إن استرق
فهو كالذرية وذلك يخمس وأربعة أخماسه بين جماعة من حضر فلا يكون ذلك لمن أسره وهذا قول
صحيح لا أعلم خبرا ثابتا يخالفه وقد قيل الرجل مخالف للسبي والمال لأن عليه القتل فهو لمن أخذه وما
أخذ منه فلمن أخذه كما يكون سلبه لمن قتله لأن أخذه أشد من قتله وهذا مذهب والله أعلم، فينبغي
151

للإمام أن يعزل خمس ما حصل بعدما وصفنا كاملا ويقر أربعة أخماسه ويحسب من حضر القتال من
الرجال المسلمين البالغين ويعرف من حضر من أهل الذمة وغير البالغين من المسلمين ومن النساء فينفلهم
شيئا فمن رأى أن ينفلهم من الأربعة الأخماس لهم نفلهم وسيذكر هذا في موضعه إن شاء الله، ثم
يعرف عدد الفرسان والرجالة من بالغي المسلمين الذين حضروا القتال فيضرب للفارس ثلاثة أسهم
وللراجل سهما فيسوى بين الراجل والراجل فيعطيان سهما سهما ويفضل ذو الفرس فإن الله عز وجل
ندب إلى اتخاذ الخيل فقال " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " الآية، فأطاع في الرباط وكانت عليه
مؤنة في اتخاذه وله غناء بشهوده عليه ليس الراجل شبيها به أخبرنا الثقة عن إسحاق الأزرق عن عبد الله
عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب للفرس بسهمين وللفارس بسهم فزعم بعض
الناس أنه لا يعطى فرس إلا سهما وفارس سهما ولا يفضل فرس على مسلم فقلت لبعض من يذهب
مذهبه: هو كلام عربي وإنما يعطى الفارس بسبب القوة والغناء مع السنة والفرس لا يملك شيئا إنما
يملكه فارسه ولا يقال لا يفضل فرس على مسلم والفرس بهيمة لا يقاس بمسلم ولو كان هذا كما قال
صاحبك لم يجز أن يسوى بين فرس ومسلم وفى قوله وجهان أحدهما خلاف السنة والآخر قياسه الفرس
بالمسلم وهو لو كان قياسا له دخل عليه أن يكون قد سوى فرسا بمسلم وقال بعض أصحابه بقولنا في
سهمان الخيل وقال هذه السنة التي لا ينبغي خلافها (قال الشافعي) وأحب الأقاويل إلى وأكثر قول
أصحابنا أن البراذين والمقاريف يسهم لها سهمان العربية ولأنها قد تغنى غناءها في كثير من المواطن واسم
الخيل جامع لها وقد قيل يفضل العربي على الهجين وإذا حضر الرجل بفرسين أو أكثر لم يسهم إلا
لفرس واحد ولو جاز أن يسهم لاثنين جاز أن يسهم لأكثر وهو لا يلفى أبدا إلا على واحد ولو تحول عنه
كان تاركا له آخذا لمثله (قال الشافعي) وليس فيما قلت من أن لا يسهم إلا لفرس واحد ولا خلافه
خبر يثبت مثله والله تعالى أعلم وفيه أحاديث منقطعة أشبها أن يكون ثابتا أخبرنا ابن عيينة عن هشام
بن عروة عن يحيى بن سعيد بن عباد بن عبد الله ابن الزبير أن الزبير بن العوام كان يضرب في المغنم
بأربعة أسهم سهما له وسهمين لفرسه وسهما في ذي القربى (قال الشافعي) يعنى والله تعالى أعلم بسهم
ذي القربى سهم صفية أمه وقد شك سفيان أحفظه عن هشام عن يحيى سماعا ولم يشك سفيان أنه من
حديث هشام عن يحيى هو ولا غيره ممن حفظه عن هشام (قال الشافعي) وحديث مكحول عن النبي
صلى الله عليه وسلم مرسل أن الزبير حضر خيبر بفرسين فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أسهم
سهما له وأربعة أسهم لفرسه ولو كان كما حدث مكحول أن الزبير حضر خيبر بفرسين فأخذ خمسة أسهم كان ولده أعرف بحديثه وأحرص على ما فيه زيادة من غيرهم إن شاء الله تعالى (قال الشافعي) ولا
يسهم لراكب دابة غير الفرس لا بغل ولا حمار ولا بعير ولا فيل ولا غيره وينبغي للإمام ان يتعاهد
الخيل فلا يدخل إلا شديدا ولا يدخل حطما ولا قحما ضعيفا ولا ضرعا ولا أعجف رازحا فإن غفل
فشهد رجل على واحد من هذه فقد قيل لا يسهم له لأنه ليس لواحد منها غناء الخيل التي أسهم لها
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم نعلمه أسهم لاحد فيما مضى على مثل هذه الدواب (قال الشافعي)
ولو قال رجل أسهم للفرس كما أسهم للرجل ولم يقاتل كانت شبهة ولكن في الحاضر غير المقاتل العون
بالرأي والدعاء وإن الجيش قد ينصرون بأضعفهم وأنه قد لا يقاتل ثم يقاتل وفيهم مرضى فأعطى سهمه
سنة وليست في فرس ضرع ولا قحم ولا واحد مما وصفنا من هذه المعاني (قال الشافعي) وإنما أسهم
للفارس بسهم فارس إذا حضر شيئا من الحرب فارسا قبل أن تنقطع الحرب فأما إن كان فارسا إذا
152

دخل بلاد العدو وكان فارسا بعد انقطاع الحرب وقبل جمع الغنيمة فلا يسهم له بسهم فارس قال وقال
بعض الناس إذا دخل بلاد العدو فارسا ثم مات فرسه أسهم له سهم فارس وإن أفاد فرسا ببلاد العدو
قبل القتال فحضر عليه لم يسهم له (قال الشافعي) فقيل له ولم أسهمت له إذا دخل أدنى بلاد العدو
فارسا وإن لم يحضر القتال فارسا؟ قال لأنه قد يثبت في الديوان فارسا قيل فقد يثبت هو في الديوان
فإن مات فلا يسهم له إلا أن يموت بعدما تحرز الغنيمة قيل فقد أثبت هو وفرسه في الديوان فزعمت أن
الموت قبل إحراز الغنيمة وإن حضر القتال يقطع حظه في الغنيمة وان موت فرسه قبل حضور القتال لا
يقطع حظه قبل فعليه وقد أوفى أدنى بلاد العدو قيل فذلك كله يلزمك في نفسه ويلزمك في الفرس
أرأيت الخراساني أو اليماني يقود الفرس للروم حتى إذا لم يكن بينه وبين أدنى بلاد العدو إلا ميل فمات
فرسه أيسهم لفرسه؟ قال لا قيل فهذا قد تكلف من المؤنة أكثر مما يتكلف رجل من أهل الثغور ابتاع
فرسا ثم غزا عليه فأمسى بأدنى بلاد العدو ثم مات فرسه فزعمت أنك تسهم له، ولو كنت بالمؤنة التي
لزمته في الفرس تسهم له كان هذا أولى ان تحرمه من الذي تكلف أكثر مما تكلف فحرمته (قال
الشافعي) ولو حاصر قوم مدينة فكانوا لا يقاتلون إلا رجالة أو غزا قوم في البحر فكانوا لا يقاتلون إلا
رجالة لا ينتفعون بالخيل في واحد من المعنيين أعطى الفارس سهم الفارس لم ينقص منه (قال
الشافعي) ولو دخل رجل يريد الجهاد فلم يجاهد أسهم له ولو دخل أجير يريد الجهاد فقد قيل يسهم له
وقيل يخير بين أن يسهم له ويطرح الإجارة أو الإجارة ولا يسهم له وقد قيل يرضخ له (قال الشافعي)
ولو أنفلت أسير في أيدي العدو قبل أن تحرز الغنيمة فقد قيل لا يسهم له إلا أن يكون قتال فيقاتل فأرى
أن يسهم له وقد قيل يسهم له ما لم تحرز الغنيمة ولو دخل قوم تجار فقاتلوا لم أر بأسا أن يسهم لهم وقد
قيل لا يسهم لهم (قال الشافعي) فأما الذمي غير البالغ والمرأة يقاتلون فلا يسهم لهم ويرضخ لهم وكان
أحب إلى في الذمي لو استؤجر بشئ من غير الغنيمة أو المولود في بلاد الحرب يرضخ له ويرضخ لمن
قاتل أكثر ما يرضخ لمن لم يقاتل وليس ذلك عندي حد معروف يعطون من الخرثى والشئ المتفرق مما
يغنم ولو قال قائل يرضخ لهم من جميع المال كان مذهبا وأحب إلى أن يرضخ لهم من الأربعة الأسهم
لأنهم حضروا القتال والسنة بالرضخ لهم بحضورهم كما كانت بالاسهام لغيرهم بحضورهم (قال
الشافعي) فإن جاء مدد للمسلمين بلاد الحرب قبل أن تنقطع الحرب فحضروا من الحرب شيئا قل أو
كثر شركوا في الغنيمة وإن لم يأتوا حتى تنقطع الحرب ولا يكون عند الغنيمة مانع لها لم يشركوهم ولو
جاءوا بعدما أحرزت الغنيمة ثم كان قتال بعدها فإن غنموا شيئا حضروه شركوا فيه ولا يشركون فيما
أحرز قبل حضورهم ولو أن قائدا فرق جنده في وجهين فغنمت إحدى الفرقتين ولم تغنم الأخرى أو
بعث سرية من عسكر أو خرجت هي فغنمت في بلاد العدو ولم يغنم العسكر أو عنم العسكر ولم تغنم
السرية شرك كل واحد من الفريقين صاحبه لأنه جيش واحد كلهم رد، لصاحبه قد مضت خيل
المسلمين فغنمت بأوطاس غنائم كثيرة وأكثر العسكر: " حنين " فشركوهم وهم مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم (قال الشافعي) ولو كان قوم مقيمين ببلادهم فخرجت منهم طائفة فغنموا لم يشركهم
المقيمون وإن كان منهم قريبا لأن السرايا كانت تخرج من المدينة فتغنم ولا يشركهم أهل المدينة ولو أن
إماما بعث جيشين على كل واحد منهما قائد وامر كل واحد منهما أن يتوجه ناحية غير ناحية صاحبه من
بلاد عدو فغنم أحد الجيشين لم يشركهم الآخرون فإن اجتمعوا فغنموا مجتمعين فهم كجيش واحد
ويرفعون الخمس إلى الإمام وليس واحد من القائدين بأحق بولاية الخمس إلى أن يوصله إلى الإمام
153

من الآخر وهما فيه شريكان (قال الشافعي) ولو غزت جماعة باغية مع جماعة أهل عدل شركوهم في
الغنيمة ولأهل العدل بطاعة الإمام أن يلوا الخمس دونهم حتى يوصلوه إلى الإمام.
سن تفريق القسم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك اسمه " واعلموا أنما غنمتم من شئ " الآية (قال
الشافعي) أخبرنا مطرف عن معمر عن الزهري ان محمد بن جبير بن مطعم أخبره عن أبيه قال لما قسم
النبي صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى بين بنى بني هاشم وبني المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان
فقلنا يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بني هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم.
أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا أو منعتنا وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة. فقال النبي صلى
الله عليه وسلم " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد هكذا وشبك بين أصابعه " أخبرنا الربيع قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أحسبه داود العطار عن ابن المبارك عن يونس عن ابن شهاب الزهري عن
ابن المسيب عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل معناه. أخبرنا الثقة عن محمد بن إسحاق
عن الزهري عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل معناه (قال
الشافعي) فذكرت لمطرف بن مازن أن يونس وابن إسحاق رويا حديث ابن شهاب عن ابن المسيب
فقال مطرف حدثنا معمر كما وصفت ولعل ابن شهاب رواه عنهما معا. أخبرنا عمى محمد بن علي بن
شافع عن علي بن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وزاد " لعن الله من فرق بين بني هاشم
وبني المطلب " (قال الشافعي) وأخبرنا عن الزهري عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم قال قسم رسول
الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب ولم يعط منه أحدا من بنى عبد
شمس ولا بنى نوفل شيئا (قال الشافعي) فيعطى جميع سهم ذي القربى حيث كانوا لا يفضل منهم
أحد حضر القتال على أحد لم يحضره إلا بسهمه في الغنيمة كسهم العامة ولا فقير على غنى ويعطى
الرجل سهمين والمرأة سهما ويعطى الصغير منهم والكبير سواء، وذلك أنهم إنما أعطوا باسم القرابة
وكلهم يلزمه اسم القرابة. فإن قال قائل قد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم مائه وسق
وبعضهم أقل (قال الشافعي) فكل من لقيت من علماء أصحابنا لم يختلفوا فيما وصفت من التسوية
بينهم وبأنه إنما قيل أعطى فلانا كذا لأنه كان ذا ولد فقيل أعطاه كذا. وإنما أعطاه حظه وحظ عياله
والدلالة على صحة ما حكيت مما قالوا عنهم ما وصفت من اسم القرابة وأن النبي صلى الله عليه وسلم
أعطاه من حضر خيبر ومن لم يحضرها وأنه لم يسم أحدا من عيال من سمى أنه أعطى بعينه وأن حديث
جبير بن مطعم فيه أنه قسم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب والقسم إذا لم يكن تفضيل
يشبه قسم المواريث. وفى حديث جبير بن مطعم الدلالة على أنه لهم خاصة. وقد أعطى النبي صلى الله
عليه وسلم من سهمه غير واحد من قريش والأنصار لا من سهم ذي القربى (قال الشافعي) وتفرق
ثلاثة أخماس الخمس على من سمى الله عز وجل على اليتامى والمساكين وابن السبيل في بلاد الاسلام
كلها يحصون ثم توزع بينهم لكل صنف منهم سهمه كاملا لا يعطى واحد من أهل السهمان سهم صاحبه
(قال الشافعي) وقد مضى النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي ماضيا وصلى الله عليه وملائكته
154

فاختلف أهل العلم عندنا في سهمه فمنهم من قال يرد على السهمان التي ذكرها الله عز وجل معه لأني
رأيت المسلمين قالوا فيمن سمى له سهم من أهل الصدقات فلم يوجد يرد على من سمى معه. وهذا
مذهب يحسن. وإن كان قسم الصدقات مخالفا قسم الفئ، ومنهم من قال يضعه الإمام حيث رأى
على الاجتهاد للاسلام وأهله، ومنهم من قال يضعه في الكراع والسلاح (قال الشافعي) والذي أختار
أن يضعه الإمام في كل أمر حصن به الاسلام وأهله من سد ثغر وإعداد كراع أو سلاح أو إعطاء أهل
البلاد في الاسلام نفلا عند الحرب وغير الحرب إعدادا للزيادة في تعزير الاسلام وأهله على ما صنع
فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطى المؤلفة ونفل في الحرب
وأعطى عام خيبر نفرا من أصحابه من المهاجرين والأنصار أهل الحاجة وفضل وأكثرهم أهل فاقة نرى
ذلك كله والله تعالى أهلم من سهمه. وقال بعض الناس بقولنا في سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل
وزاد سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذي القربى: فقلت له أعطيت بعض من قسم الله عز وجل
له ماله وزدته ومنعت بعض من قسم الله له ماله فخالفت الكتاب والسنة فيما أعطيت ومنعت، فقال
ليس لذي القربى منه شئ (قال الشافعي) وكلمونا فيه بضروب من الكلام قد حكيت ما حضرني منها
وأسأل الله التوفيق. فقال بعضهم ما حجتكم فيه؟ قلت الحجة الثابتة من كتاب الله عز وجل وسنة
نبيه. وذكرت له القرآن والسنة فيه قال: فإن سفيان بن عيينة روى عن محمد بن إسحاق قال سألت أبا
جعفر محمد بن علي ما صنع على رحمه الله في الخمس؟ فقال سلك به طريق أبى بكر وعمر وكان
يكره أن يؤخذ عليه خلافهما، وكان هذا يدل على أنه كان يرى فيه رأيا خلاف رأيهما فاتبعهما، فقلت
له هل علمت أن أبا بكر قسم على العبد والحر وسوى بين الناس وقسم عمر فلم يجعل للعبيد شيئا وفضل
بعض الناس على بعض وقسم على فلم يجعل للعبيد شيئا وسوى بين الناس؟ قال نعم: قلت افتعلمه
خالفهما معا؟ قال نعم: قلت أو تعلم عمر قال لا تباع أمهات الأولاد وخالفه على؟ قال نعم: قلت
وتعلم أن عليا خالف أبا بكر في الجد؟ قال نعم: قلت فكيف جاز لك أن يكون هذا الحديث عندك
على ما وصفت من أن عليا رأى غير رأيهما فاتبعهما وبين عندك أنه قد يخالفهما فيما وصفنا وفي غيره؟ قال
فما قوله سلك به طريق أبى بكر وعمر، قلت هذا كلام جملة يحتمل معاني فإن قلت كيف صنع فيه
على؟ فذلك يدلني على ما صنع فيه أبو بكر وعمر (قال الشافعي) وأخبرنا عن جعفر بن محمد عن أبيه أن
حسنا وحسينا و عبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر سألوا عليا رضي الله عنه وعنهم نصيبهم من الخمس
فقال هو لكم حق ولكني محارب معاوية فإن شئتم تركتم حقكم منه (قال الشافعي) فأخبرت بهذا
الحديث عبد العزيز بن محمد فقال صدق: هكذا كان جعفر يحدثه أفما حدثكه عن أبيه عن جده؟
قلت: لا قال ما أحسبه إلا عن جده: قال فقلت له أجعفر أوثق وأعرف بحديث أبيه أم ابن إسحاق
؟ قال بل جعفر، فقلت له هذا بين لك إن كان ثابتا أن ما ذهبت إليه من ذلك على غير ما
ذهبت إليه فينبغي أن يستدل أن أبا بكر وعمر أعطياه أهله (قال الشافعي) محمد بن علي مرسل عن أبي
بكر وعمر وعلى لا أدرى كيف كان هذا الحديث، قلت: وكيف احتججت به إن كان حجة فهو
عليك وإن لم يكن حجة فلا تحتج بما ليس بحجة واجعله كما لم يكن: قال فهل في حديث جعفر
أعطاهموه؟ قلت أيجوز على على أو على رجل دونه أن يقول هو لكم حق ثم يمنعهم؟ قال: نعم إن
طابت أنفسهم قلنا: وهم إن طابت أنفسهم عما في أيديهم من مواريث آبائهم وأكسابهم حل له
أخذه، قال فإن الكوفيين قد رووا فيه عن أبي بكر وعمر شيئا أفعلمته؟ قلت: نعم ورووا ذلك عن أبي
155

بكر وعمر مثل قولنا، قال وما ذاك؟ قلت أخبرنا إبراهيم بن محمد عن مطر الوراق ورجل لم يسمه
كلاهما عن الحكم بن عيينة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال لقيت عليا عند أحجار الزيت،
فقلت له بأبي وأمي ما فعل أبو بكر وعمر في حقكم أهل البيت من الخمس؟ فقال على أما أبو بكر
فلم يكن في زمانه أخماس وما كان فقد أوفاناه: واما عمر فلم يزل يعطيناه حتى جاء مال السوس
والأهواز، أو قال فارس " قال الربيع أنا أشك " فقال في حديث مطر أو حديث الآخر، فقال في
المسلمين خلة فإن أحببتم تركتم حقكم فجعلناه في خلة المسلمين حتى يأتينا مال فأوفيكم حقكم منه:
فقال العباس لعلى لا نطمعه في حقنا: فقلت يا أبا الفضل ألسنا أحق من أجاب أمير المؤمنين ورفع
خلة المسلمين فتوفى عمر قبل أن يأتيه مال فيقضيناه، وقال الحكم في حديث مطر أو الآخر إن عمر
قال: لكم حق ولا يبلغ علمي إذ كثر أن يكون لكم كله فإن شئتم أعطيتكم منه بقدر ما أرى لكم
فأبينا عليه إلا كله فأبى أن يعطينا كله، فقال فإن الحكم يحكى عن أبي بكر وعمر أنهما أعطيا ذوي
القربى حقهم ثم تختلف الرواة عنه في عمر فتقول مره أعطاهم حتى جاءهم مال السوس ثم استسلفه
منهم للمسلمين وهذا تمام على اعطاءهم القليل والكثير منه وتقول مرة أعطاهموه حتى كثر ثم عرض
عليهم حين كثر أن يعطيهم بعض ما يراه لهم حقا لا كله وهذا أعطاهم بعضه دون بعض، وقد روى
الزهري عن ابن هرمز عن ابن عباس عن عمر قريبا من هذا المعنى قال: فكيف يقسم سهم ذي
القربى وليست الرواية فيه عن أبي بكر وعمر متواطئة؟ وكيف يجوز أن يكون حقا لقوم ولا يثبت عنهما
من كل وجه أنهما أعطياه عطاء بينا مشهورا؟ فقلت له قولك هذا قول من لا علم له، قال وكيف؟
قلت هذا الحديث يثبت عن أبي بكر أنه أعطاهموه في هذا الحديث وعمر حتى كثر المال، ثم اختلف
عنه في الكثرة وقلت أرأيت مذهب أهل العلم في القديم والحديث إذا كان الشئ منصوصا في كتاب
الله عز وجل مبينا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أو فعله أليس يستغنى به عن أن يسأل عما بعده
ويعلم أن فرض الله عز وجل على أهل العلم اتباعه؟ قال بلى: قلت: قلت أفتجد سهم ذي القربى
مفروضا في آيتين من كتاب الله تبارك وتعالى مبينا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وفعله ثابت بما
يكون من أخبار الناس من وجهين، أحدهما ثقة المخبرين به واتصاله وأنهم كلهم أهل قرابة برسول الله
صلى الله عليه وسلم الزهري من أخواله وابن المسيب من أخوال أبيه وجبير بن مطعم ابن عمه وكلهم
قريب منه في جذم النسب وهم يخبرونك مع قرابتهم وشرفهم أنهم مخرجون منه وأن غيرهم مخصوص
به دونه ويخبرك أنه طلبه هو وعثمان فمنعاه وقرابتهما في حدم النسب قرابة بني المطلب الذين أعطوه.
قال نعم: قلت فمتى تجد سنة أبدا أثبتت بفرض الكتاب وصحة الخبر وهذه الدلالات من هذه السنة
لم يعارضها عن النبي صلى الله عليه وسلم معارض بخلافها وكيف تريد إبطال اليمين مع الشاهد بأن
تقول: ظاهر الكتاب يخالفهما وهو لا يخالفهما ثم نجد الكتاب بينا في حكمين منه بسهم ذي القربى من
الخمس معه السنة فتريد إبطال الكتاب والسنة هل تعلم قولا أولى بأن يكون مردودا من قولك هذا
وقول من قال قولك؟ (قال الشافعي) له أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال أراك قد
أبطلت سهم ذي القربى من الخمس، فأنا أبطل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل قال ليس ذلك
له قلنا فإن قال فأثبت لي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهموه أو أن أبا بكر وعمر أعطاهموه أو
أحدهما. قال ما فيه خبر ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عمن بعده. غير أن الذي يجب علينا
أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه من أعطى الله إياه، وأن أبا بكر وعمر عملا بذلك بعده إن
156

شاء الله تعالى: قلنا أفرأيت لو قال فأراك تقول نعطى اليتامى والمساكين وابن السبيل سهم النبي صلى
الله عليه وسلم وسهم ذي القربى فإن جاز لك أن يكون الله عز وجل قسمه على خمسة فجعلته لثلاثة
فأنا أجعله كله لذوي القربى لأنهم مبدءون في الآية على اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يعرفون
معرفتهم ولان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ذوي القربى ولا أجد خبرا مثل الخبر الذي يحكى أنه
عليه الصلاة والسلام أعطى ذوي القرى سهمهم (1) واليتامى والمساكين وابن السبيل ولا أجد ذلك
عن أبي بكر ولا عمر فقال ليس ذلك له: قلنا ولم؟ قال لأن الله تعالى إذ قسم لخمسة لم يجز أن
يعطاها واحد، قلت فكيف جاز لك. وقد قسم الله عز وجل لخمسة أن أعطيته ثلاثة وذوو القربى
موجودون؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقال لعل هذا إنما كان في حياة النبي صلى الله عليه
وسلم لمكانهم منه فلما توفى النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لهم قلت له أيجوز لاحد نظر في العلم أن
يحتج بمثل هذا؟ قال ولم لا يجوز إذا كان يحتمل وإن لم يكن ذلك في الخبر ولا شئ يدل عليه؟
قلت: فإن عارضك جاهل بمثل حجتك فقال ليس لليتامى والمساكين وابن السبيل بعد النبي صلى الله
عليه وسلم شئ لأنه يحتمل أن يكون ذلك حقا ليتامى المهاجرين والأنصار الذين جاهدوا في سبيل الله
مع رسوله وكانوا قليلا في مشركين كثير ونابذوا الأبناء والعشائر وقطعوا الذمم وصاروا حزب الله فهذا
لأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم فإذا مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار الناس مسلمين ورأينا
ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن لآبائه سابقة معه من حسن اليقين والفضل أكثر ممن يرى
أخذوا وصار الامر واحدا فلا يكون لليتامى والمساكين وابن السبيل شئ إذا استوى في الاسلام، قال
ليس ذلك له قلت ولم؟ قال لأن الله عز وجل إذا قسم شيئا فهو نافذ لمن كان في ذلك المعنى إلى يوم
القيامة قلت له فقد قسم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لذوي القربى فلم لم تره نافذا لهم إلى
يوم القيامة؟ قال فما منعك أن أعطيت ذوي القربى أن تعطيهم على معنى الحاجة فيقضى دين ذي
الدين ويزوج العزب ويخدم من لا خادم له ولا يعطى الغنى شيئا: قلت له منعني أنى وجدت كتاب
الله عز وجل ذكره في قسم الفئ وسنة النبي صلى الله عليه وسلم المبينة عن كتاب الله عز وجل على غير
هذا المعنى الذي دعوت إليه، وأنت أيضا تخالف ما دعوت إليه. فتقول لا شئ لذوي القربى، قال
إني أفعل فهلم الدلالة على ما قلت قلت قول الله عز وجل " وللرسول ولذي القربى " فهل تراه أعطاهم
بغير اسم القرابة؟ قال لا وقد يحتمل أن يكون أعطاهم باسم القرابة ومعنى الحاجة: قلت فإن وجدت
رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى من ذوي القربى غنيا لا دين عليه ولا حاجة به بل يعول عامة أهل
بيته ويتفضل على غيره لكثرة ماله، وما من الله عز وجل به عليه من سعة خلقه، قال إذا يبطل المعنى
الذي ذهبت إليه، قلت فقد أعطى أبا الفضل العباس ابن عبد المطلب وهو كما وصفت في كثرة المال
يعول عامة بني المطلب ويتفضل على غيرهم، قال فليس لما قلت من أن يعطوا على الحاجة معنى إذا
أعطيه الغنى، وقلت له أرأيت لو عارضك معارض أيضا فقال قال الله عز وجل في الغنيمة " واعلموا
أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه " الآية، فاستدللنا أن الأربعة الأخماس لغير أهل الخمس فوجدنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها من حضر القتال وقد يحتمل أن يكون أعطاهموها على أحد معنين
أو عليهما فيكون أعطاها أهل الحاجة ممن حضر دون أهل الغنى عنه أو قال قد يجوز إذا كان بالغلبة

(1) لعله " في اليتامى والمساكين الخ " تأمل
157

أعطاهموه أن يكون أعطاه أهل البأس والنجدة دون أهل العجز عن الغناء أو أعطاه من جمع الحاجة
والغناء ما تقول له؟ قال أقول ليس ذلك له قد أعطى الفارس ثلاثة أسهم والراجل سهما قلت:
أفيجوز أن يكون أعطى الفارس والراجل ممن هو بهذه الصفة؟ قال إذ حكى أنه أعطى الفارس
والراجل فهو عام حتى تأتى دلالة بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه خاص وهو على الغنى والفقير
والعاجز والشجاع لأنا نستدل أنهم أعطوه لمعنى الحضور، فقلت له فالدلالة على أن ذوي القربى أعطوا
سهم ذوي القربى بمعنى القرابة مثله أو أبين قلت فيمن حضر أرأيت لو قال قائل ما غنم في زمان النبي صلى
الله عليه وسلم؟ ليس بالكثير فلو غزا قوم فغنموا غنائم كثيرة أعطيناهم بقدر ما كانوا يأخذون في زمان
النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس ذلك له قد علم الله أن يستغنموا القليل والكثير فإذا بين النبي صلى
الله عليه وسلم أن لهم أربعة أخماس فسواء قلت أو كثرت أو قلوا أو كثروا أو استغنوا أو افتقروا: قلت فلم
لا تقول هذا في سهم ذي القربى؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقلت له أرأيت لو غزا نفر يسير
بلاد الروم فغنموا ما يكون السهم فيه مائة ألف وغزا آخرون الترك فلم يغنموا درهما ولقوا قتالا شديدا
أيجوز أن تصرف من التكثير الذي غنمه القليل بلا قتال من الروم شيئا إلى إخوانهم المسلمين الكثير الذين
لقوا القتال الشديد من الترك ولم يغنموا شيئا؟ قال لا قلت ولم وكل يقاتل لتكون كملة الله هي العليا؟
قال لا يغير شئ عن موضعه الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بمعنى ولا علة، قلت وكذلك
قلت في الفرائض التي أنزلها الله عز وجل وفيما جاء منها عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،
قال وما ذلك؟ قلت أرأيت لو قال لك قد يكون ورثوا لمعنى منفعتهم للميت كانت في حياته وحفظه
بعد وفاته ومنفعة كانت لهم ومكانهم كان منه وما يكون منهم مما يتخلى منه غيرهم فأنظر فأيهم كان
أحب إليه وخيرا له في حياته وبعد وفاته وأحوج إلى تركته وأعظم مصيبة به بعد موته فأجعل لهم سهم
من خالف هذا ممن كان يسئ إليه في حياته وإلى تركته بعد موته وهو غنى عن ميراثه قال ليس له ذلك
بل ينفل ما جعله الله عز وجل لمن جعله قلت وقسم الغنيمة والفئ والمواريث والوصايا على الأسماء دون
الحاجة؟ قال نعم قلت له بل قد يعطى أيضا من الفئ الغنى والفقير قال نعم قد أخذ عثمان وعبد
الرحمن عطاءهما ولهما غنى مشهور فلم يمنعاه من الغنى قلت فما بال سهم ذوي القربى وفيه الكتاب
والسنة وهو أثبت ممن قسم له ممن معه من اليتامى وابن السبيل وكثير مما ذكرنا أدخلت فيه ما لا يجوز أن
يدخل في مثله أضعف منه؟ قال فأعاد هو وبعض من يذهب مذهبه قالوا أردنا أن يكون ثابتا عن أبي
بكر وعمر قلت له أو ما يكتفى بالكتاب والسنة، قال بلى قلت فقد أعدت هذا أفرأيت إذا لم
يثبت بخبر صحيح عن أبي بكر ولا عمر إعطاء اليتامى والمساكين وابن السبيل أطرحتم؟ قال لا قلت
أو رأيت إذا لم يثبت عن أبي بكر أنه أعطى المبارز السلب ويثبت عن عمر أنه أعطاه أخرى وخمسه
فكيف قلت فيه وكيف استخرجت تثبيت السلب إذا قال الإمام هو لمن قتل وليس يثبت عن أبي بكر
وخالفت عمر في الكثير منه وخالفت ابن عباس وهو يقول السلب من الغنيمة وفى السلب الخمس
لقول الله عز وجل " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه " الآية، قال إذا ثبت الشئ عن النبي
صلى الله عليه وسلم لا يوهنه أن لا يثبت عمن بعده ولا من خالفه من بعده قلت وإن كان معهم
التأويل؟ قال وإن، لأن الحجة في رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت له قد ثبت حكم الله عز وجل
وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لذوي القربى بسهمهم فكيف أبطلته وقلت وقد قال الله تعالى
" خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " وقال النبي صلى الله عليه وسلم " فيما سقى بالسماء العشر "
158

لم يخص مال دون مال في كتاب الله عز وجل ولا في هذا الحديث وقال إبراهيم النخعي فيما أنبتت
الأرض فكيف قلت ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة؟ قال فإن أبا سعيد رواه عن النبي صلى الله
عليه وسلم فقلت له هل تعلم أحدا رواه تثبت روايته غير أبي سعيد؟ قال لا قلت أفالحديث أن النبي
صلى الله عليه وسلم أعطى لذي القربى سهمهم أثبت رجالا وأعرف وأفضل أم من روى دون أبي سعيد
عن أبي سعيد هذا الحديث؟ قال بل من روى منهم ذي القربى قلت وقد قرأت لرسول الله صلى
الله عليه وسلم ثلاثة عهود عهده لابن سعيد بن العاص على البحرين وعهده لعمرو بن حزم على نجران
وعهدا ثالثا ولأبي بكر عهدا ولعمر عهودا ولعثمان عهودا فما وجدت في واحد منها قط " ليس فيما دون
خمسة أوسق صدقة " وقد عهدوا في العهود التي قرأت على العمال ما يحتاجون إليه من أخذ الصدقة
وغيرها ولا وجدنا أحدا قط يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث ثابت " ليس فيما دون خمسة
أوسق صدقة " غير أبي سعيد ولا وجدنا أحدا قط يروى ذلك عن أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا على
فهل وجدته؟ قال لا قلت أفهذا لأنهم يأخذون صدقات الناس من الطعام في جميع البلدان وفى
السنة مرارا لاختلاف زروع البلدان وثمارها أولى أن يؤخذ عنهم مشهورا معروفا أم سهم ذي القربى
الذي هو لنفر بعدد وفى وقت واحد من السنة؟ قال كلاهما مما كان ينبغي أن يكون مشهورا قلت
أفتطرح حديث أبي سعيد " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " لأنه ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم
إلا من وجه واحد وأن إبراهيم النخعي تأول ظاهر الكتاب وحديثا مثله ويخالفه هو ظاهر القرآن لأن
المال يقع على ما دون خمسة أوسق وأنه غير موجود عن أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا على؟ قال لا
ولكني أكتفى بالسنة من هذا كله فقلت له قال الله عز وجل " قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على
طاعم يطعمه " الآية وقد قال ابن عباس وعائشة وعبيد بن عمير لا بأس بأكل سوى ما سمى الله عز
وجل أنه حرام واحتجوا بالقرآن وهم كما تعلم في العلم والفضل وروى أبو إدريس عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع ووافقه الزهري فيما يقول قال كل ذي ناب من
السباع حرام والنبي صلى الله عليه وسلم أعلم بمعنى ما أراد الله عز وجل وذكره من خالف شيئا مما روى
عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس في قوله حجة ولو علم الذي قال قولا يخالف ما روى عن النبي
صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله رجع إليه وقد يعزب عن الطويل الصحبة السنة
ويعلمها بعيد الدار قليل الصحبة وقلت له جعل أبو بكر وابن عباس وعائشة وابن الزبير وعبد الله بن أبي
عتبة وغيرهم الجد أبا وتأولوا القرآن فخالفته لقول زيد وابن مسعود قال نعم وخالفت أبا بكر في إعطاء
المماليك فقلت لا يعطون قال نعم وخالفت عمر في امرأة المفقود والبتة وفى التي تنكح في عدتها وفى أن
ضعف الغرم على سراق ناقة المزني وفى أن قضى في القسامة بشطر الدية وفى أن جلد في التعريض الحد
وجلد في ريح الشراب الحد وفي أن جلد وليدة حاطب وهي ثيب حد الزنا حد البكر وفى شئ كثير
منه ما تخالفه لقول غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومنه ما تخالفه ولا مخالف له منهم قال
نعم أخالفه لقول غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قلت له وسعد بن عبادة قسم ماله
صحيحا بين ورثته ثم مات فجاء أبو بكر وعمر قيسا فقالا نرى أن تردوا عليه فقال قيس بن سعد لا أرد
شيئا قضاه سعد ووهب لهم نصيبه وأنت تزعم أن ليس عليهم رد شئ أعطوه وليس لأبي بكر وعمر في
هذا مخالف من أصحابهما فترد قولهما مجتمعين ولا مخالف لهما وترد قولهما مجتمعين في قطع يد السارق بعد
يده ورجله لا مخالف لهما إلا ما لا يثبت مثله عن علي رضوان الله تعالى عليه (قال الشافعي) رحمه الله
159

ثم عددت عليه ثلاث عشرة قضية لعمر بن الخطاب لم يخالفه فيها غيره من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم بحديث يثبت مثله نأخذ بها نحن ويدعها هو منها أن عمر قال في التي نكحت في عدتها
فأصيبت تعتد عدتين وقاله على ومنها أن عمر قضى في الذي لا يجد ما ينفق على امرأته أن يفرق بينهما
ومنها أن عمر رأى أن الايمان في القسامة على قوم ثم حولها على آخرين فقال إنما ألزمنا الله عز وجل
قول رسوله صلى الله عليه وسلم وفرض علينا أن نأخذ به أفيجوز أن تخالف شيئا روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم ولو خالفه مائة وأكثر ما كانت فيهم حجة قلت فقد خالفت كتاب الله عز وجل وسنة نبيه
صلى الله عليه وسلم في سهم ذي القربى ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه
خالفه قال فقد روى عن ابن عباس كنا نراه لنا فأبى ذلك علينا قومنا قلت هذا كلام عربي يخرج عاما
وهو يزاد به الخاص قال ومثل ماذا؟ قلت مثل قول الله عز وجل " الذين قال لهم الناس " الآية فنحن
وأنت نعلم أن لم يقل ذلك إلا بعض الناس والذين قالوه أربعة نفر وأن لم يجمع لهم الناس كلهم إنما
جمعت لهم عصابة انصرفت عنهم من أحد قال هذا كله هكذا؟ قلت فإذا لم يسم ابن عباس أحدا
من قومه ألم تره كلاما من كلهم وابن عباس يراه لهم؟ فكيف لم تحتج بأن ابن عباس لا يراه لهم إلا
حقا عنده واحتججت بحرف جملة خبر فيه أن غيره قد خالفه فيه مع أن الكتاب والسنة فيه أثبت من
أن يحتاج معهما إلى شئ قال أفيجوز أن قول ابن عباس فأبى ذلك علينا قومنا يعنى غير أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم قلت نعم يجوز أن يكون عنى به يزيد بن معاوية وأهله قال فكيف لم يعطهم عمر بن
عبد العزيز سهم ذي القربى؟ قلت فأعطى عمر بن عبد العزيز سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل قال
لا أراه إلا قد فعل قلت أفيجوز أن تقول أراه قد فعل في سهم ذي القربى؟ قال أراه ليس بيقين قلت
أفتبطل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل حتى تتيقن أن قد أعطاهموه عمر بن عبد العزيز قال لا قلت
ولو قال عمر بن عبد العزيز في سهم ذي القربى لا أعطيهموه وليس لهم كان علينا أن نعطيهموه إذا
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطاهموه قال نعم قلت وتخالف عمر بن عبد العزيز في حكم لو
حكم به لم يخالفه فيه غيره؟ قال نعم وهو رجل من التابعين لا يلزمنا قوله وإنما هو كأحدنا قلت فكيف
احتججت بالتوهم عنه وهو عندك هكذا؟ قال: فعرضت بعض ما حكيت مما كلمت به من كلمني
في سهم ذي القربى على عدد من أهل العلم من أصحابنا وغيرهم فكلهم قال إذا ثبت عن النبي صلى
الله عليه وسلم فالفرض من الله عز وجل على خلقه اتباعه والحجة الثابتة فيه ومن عارضه بشئ يخالفه
عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مخطئ ثم إذا كان معه كتاب الله عز وجل فذلك ألزم له
وأولى ان لا يحتج أحد معه وسهم ذي القربى ثابت في الكتاب والسنة.
الخمس فيما لم يوجف عليه
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى وما أخذ الولاة من المشركين من حزيتهم
والصلح عن أرضهم وما أخذ من أموالهم إذا اختلفوا في بلاد المسلمين ومن أموالهم إن صالحوا بغير
إيجاف خيل ولا ركاب ومن أموالهم إن مات منهم ميت لا وارث له وما أشبه هذا مما أخذه الولاة من
مال المشركين فالخمس في جميعه ثابت فيه وهو على ما قسمه الله عز وجل لمن قسمه له من أهل
160

الخمس الموجف عليه من الغنيمة وهذا هو المسمى في كتاب الله عز وجل (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى قال لي قائل قد احتججت بأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى سهم ذي القربى عام خيبر ذوي
القربى وخيبر مما أوجف عليه فكيف زعمت أن الخمس لهم مما لم يوجف عليه؟ فقلت له وجدت
المالين أخذا من المشركين وخولهما بعض أهل دين الله عز وجل وجدت الله تبارك وتعالى اسمه حكم في
خمس الغنيمة بأنه على خمسة لأن قول الله تبارك وتعالى " لله " مفتاح كلام كل شئ وله الامر من قبل
ومن بعد فأنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لذوي القربى حقهم فلا يشك أنه قد أنفذ لليتامى
والمساكين وابن السبيل حقهم وأنه قد انتهى إلى كل ما أمره الله عز وجل به فلما وجدت الله عز وجل
قد قال في سورة الحشر " وما أفاء الله على رسوله منهم " الآية فحكم فيها حكمه فيما أوجف عليه بالخيل
والركاب ودلت السنة على أن ذلك الحكم على خمسها علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمضى
لكن جعل الله له شيئا مما جعل الله له وإن لم نثبت فيه خبرا عنه كخبر جبير بن مطعم عنه في سهم ذي
القربى من الموجف عليه كما علمت أن قد أنفذ لليتامى والمساكين وابن السبيل فيما أوجف عليه مما جعل
لهم بشهادة أقوى من خبر رجل عن رجل بأن الله عز وجل قد أدى إليه رسوله كما أوجب عليه أداءه
والقيام به فقال لي قائل فإن الله تبارك وتعالى جعل الخمس فيما أوجف عليه على خمسة وجعل الكل
فيما لا يوجف عليه على خمسة فكيف زعمت أنه إنما للخمسة الخمس لا الكل؟ فقلت له ما أبعد ما
بينك وبين من يكلمنا في إبطال سهم ذي القربى! أنت تريد أن تثبت لذي القربى خمس الجميع مما
لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وغيرك يريد أن يبطل عنهم خمس الخمس قال إنما قصدت في هذا
قصد الحق فكيف لم تقل بما قلت به وأنت شريكي في تلاوة كتاب الله عز وجل ولك فيما زاد لذي
القربى؟ فقلت له إن حظى فيه لا يدعوني أن أذهب فيه إلى ما يعلم الله عز وجل أنى أرى الحق في
غيره قال فما دلك على أنه إنما هو لمن له خمس الغنيمة الموجف عليها (1) خمس الفئ الذي لم يوجف
عليه دون الكل قلت أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان
عن عمر قال كانت بنو النضير مما أفاء الله عز وجل على رسوله مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب
فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا دون المسلمين فقال لست أنظر إلى الأحاديث والقرآن
أولى بنا ولو نظرت إلى الحديث كان هذا الحديث يدل على أنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة
فقلت له هذا كلام عربي إنما يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يكون للمسلمين الموجفين
وذلك أربعة أخماس قال فاستدللت بخبر عمر على أن الكل ليس لأهل الخمس مما أوجف عليه قلت
نعم قال فالخبر أنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فما دل على الخمس لأهل الخمس معه؟
قلت لما احتمل قول عمر أن يكون الكل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تكون الأربعة الأخماس
التي كانت تكون للمسلمين فيما أوجف عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون الخمس فكان النبي
صلى الله عليه وسلم يقوم فيها مقام المسلمين استدللنا بقول الله عز وجل في الحشر " فلله وللرسول ولذي
القربى " الآية على أن لهم الخمس وأن الخمس إذا كان لهم ولا يشك أن النبي صلى الله عليه وسلم
سلمه لهم فاستدللنا إذ كان حكم الله عز وجل في الأنفال " وأعلموا أنما غنمتم من شئ فإن الله

(1) المعنى 8 ما ذلك على أن خمس الفئ الذي لم يوجف عليه دون كله لمن له خمس الغنيمة الموجف عليها. تأمل.
161

خمسه " الآية فاتفق الحكمان في سورة الحشر وسورة الأنفال لقوم موصوفين وإنما لهم من ذلك
الخمس لا غيره فقال فيحتمل أن يكون لهم مما لم يوجف عليه الكل؟ قلت نعم فلهم الكل وندع الخبر
قال لا يجوز عندنا ترك الخبر والخبر يدل على معنى الخاص والعام فقال لي قائل غيره فكيف زعمت أن
الخمس ثابت في الجزية وما أخذه الولاة من مشرك بوجه من الوجوه فذكرت له الآية في الحشر قال
فأولئك أوجف عليهم بلا خيل ولا ركاب فأعطوه بشئ ألقاه الله عز وجل في قلوبهم (1) قلت أرأيت
الجزية التي أعطاها من أوجف عليه بلا خيل ولا ركاب لما كان أصل إعطائها منهم للخوف من الغلبة
وقد سير إليهم بالخيل والركاب فأعطوا فيها أهي أقرب من الايجاف أم من أعطى بأمر لم يسير إليه
بالخيل والركاب؟ قال نعم قلت فإذا كان حكم الله فيما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب حتى يكون
مأخوذا مثل صلح لا مثل ما أوجف عليه بغير صلح أن يكون لمن سمى كيف لم تكن الجزية وما أخذه
الولاة من مشرك بهذه الحال؟ قال فهل من دلالة غير هذا؟ قلت في هذا كفاية وفى أن أصل ما قسم
الله من المال ثلاثة وجوه الصدقات وهي ما أخذ من مسلم فتلك لأهل الصدقات لا لأهل الفئ وما
غنم بالخيل والركاب فتلك على ما قسم الله عز وجل والفئ الذي لا يوجف عليه بخيل ولا ركاب
فهل تعلم رابعا؟ قال لا قلت فبهذا قلنا الخمس ثابت لأهله في كل ما أخذ من مشرك لأنه لا يعدو ما
أخذ منه أبدا أن يكون غنيمة أو فيئا والفئ ما رده الله تعالى على أهل دينه.
كيف يفرق ما أخذ من الأربعة الأخماس الفئ غير الموجف عليه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وينبغي للإمام أن يحصى جميع ما في البلدان من المقاتلة وهم من
قد احتلم أو قد استكمل خمس عشرة من الرجال ويحصى الذرية وهم من دون المحتلم ودون خمس
عشرة سنة والنساء صغيرهن وكبيرهن ويعرف قدر نفقاتهم وما يحتاجون إليه في مؤناتهم بقدر معاش
مثلهم في بلدانهم ثم يعطى المقاتلة في كل عام عطاءهم والذرية ما يكفيهم لسنتهم من كسوتهم ونفقتهم
طعاما أو قيمته دراهم أو دنانير ويعطى المنفوس شيئا ثم يزاد كلما كبر على قدر مؤنته وهذا يستوى في أنهم
يعطون الكفاية ويختلف في مبلغ العطايا باختلاف أسعار البلدان وحالات الناس فيها فإن المؤنة في
بعض البلدان أثقل منها في بعض ولم أعلم أصحابنا اختلفوا في أن العطاء للمقاتلة حيث كانت إنما
يكون من الفئ وقالوا في إعطاء الرجل نفسه لا بأس أن يعطى لنفسه أكثر من كفايته وذلك أن عمر
بلغ بالعطاء خمسة آلاف وهي أكثر من كفاية الرجل نفسه ومنهم من قال خمسة آلاف بالمدينة لرجل
يغزى إذا غزا ليست بأكثر من الكفاية إذا غزا عليها لبعد المغزى وقال هي كالكفاية على أنه يغزى وإن لم
يغز في كل سنة وقالوا ويفرض لمن هو أقرب للجهاد أو أرخص سعر بلد أقل ولم يختلف أحد لقيته في
أن ليس للمماليك في العطاء ولا للاغراب الذين هم أهل الصدقة واختلفوا في التفضيل على السابقة والنسب فمنهم من قال أساوي بين الناس ولا أفضل على نسب ولا سابقة وإن أبا بكر حين قال له عمر
أتجعل الذين جاهدوا في الله بأموالهم وأنفسهم وهجروا ديارهم له كمن إنما دخل في الاسلام كرها؟
فقال أبو بكر إنما عملوا لله وإنما أجورهم على الله عز وجل وإنما الدنيا بلاغ وخير البلاغ أو سعه وسوى

(1) وقوله: أرأيت الخ تأمل هذه العبارة فإن النسخة - كنا - غير موثوق به اه‍. كتبه مصححه.
162

علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه بين الناس فلم يفضل أحدا علمناه (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وهذا الذي أختار وأسأل الله التوفيق وذلك أنى رأيت قسم الله تبارك وتعالى اسمه في المواريث
على العدد وقد تكون الاخوة متفاضلي الغناء على الميت والصلة في الحياة والحفظ بعد الموت فلا
يفضلون وقسم النبي صلى الله عليه وسلم لمن حضر الوقعة من الأربعة الأخماس على العدد ومنهم من
يغنى غاية الغناء ويكون الفتوح على يديه ومنهم من يكون محضره إما غير نافع وإما ضرر بالجبن والهزيمة
فلما وجدت السنة تدل على أنه إنما أعطاهم بالحضور وسوى بين الفرسان أهل الغناء وغيرهم والرجالة
وهم يتفاضلون كما وصفت كانت التسوية أولى عندي والله تعالى أعلم من التفضيل على نسب وسابقة ولو
وجدت الدلالة على التفضيل أرجح بكتاب أو سنة كنت إلى التفضيل بالدلالة من الهواء في التفضيل
أسرع ولكني أقول يعطون على ما وصفت وإذا قرب القوم من الجهاد ورخصت أسعارهم أعطوا أقل ما
يعطى من بعدت داره وغلا سعره وهذا وإن تفاضل عدد العطية من التسوية على معنى ما يلزم كل
واحد من الفريقين في الجهاد إذا أراده (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وعليهم إن يغزوا إذا أغزوا ويرى
الإمام في إغزائهم رأيه فإذا أغزى البعيد أغزاه إلى أقرب المواضع من مجاهده فإن استغنى مجاهده بعدد
وكثر من قربهم أغزاهم إلى أقرب المواضع من مجاهدهم ولهذا كتاب غير هذا.
إعطاء النساء والذرية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى واختلف أصحابنا في إعطاء من دون البالغين من الذرية وإعطاء
نساء أهل الفئ فمنهم من قال يعطون من الفئ وأحسب من حجتهم أن يقولوا أنا إذا معناهم الفئ
ومؤنتهم تلزم رجالهم كنا لم نعطهم ما يكفيهم وإن أعطينا رجالهم الكفاية لأنفسهم فعليهم مؤنة عيالهم
وليس في إعطائهم لأنفسهم كفاية ما يلزمهم فدخل علينا أن لم نعطهم مال الكفاية من الفئ ومنهم
من قال إذا كان أصل المال غنيمة وفيئا وصدقة فالفئ لمن قاتل عليه أو من سوى معهم في الخمس
والصدقة لمن لا يقاتل من ذرية ونساء وليسوا بأولى بذلك من ذرية الأغراب ونسائهم ورجالهم الذين لا
يعطون من الفئ إذ لا يقاتلون عليه * أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري عن مالك
بن أوس بن الحدثان أن عمر بن الخطاب قال ما أحد إلا وله في هذا المال حق اعطيه أو منعه إلا ما
ملكت أيمانكم * أخبرنا إبراهيم بن محمد بن المنكدر عن مالك بن أوس عن عمر نحوه وقال لئن
عشت ليأتين الراعي بسر وحمير حقه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهذا الحديث يحتمل معاني
منها أن يقول ليس أحد يعطى بمعنى حاجة من أهل الصدقة أو بمعنى أنه من أهل الفئ الذين يغزون
لا وله حق في مال الفئ أو الصدقة وهذا كأنه أولى معانيه فإن قال قائل ما دل على هذا؟ قيل قد قال
النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقة " لاحظ فيها لغنى ولا لذي مرة مكتسب " وقال لرجلين سألاه
" إن شئتما إن قلتما نحن محتاجون أعطيتكما إذا كنت لا أعرف عيالكما ولاحظ فيها لغنى " والذي أحفظه
عن أهل العلم أن الاعراب لا يعطون من الفئ ولو قلنا معنى قوله " إلا وله في هذا المال " يعنى الفئ
حق كنا خالفنا ما لا نعلم الناس اختلفوا فيه أنه ليس لمن أعطى من الصدقة ما يكفيه ولا لمن كان غنيا
من أهل الصدقات الذين يؤخذ منهم في الفئ نصيب ولو قلنا يعنى عمر إلا له في هذا المال حق مال
الصدقات كنا قد خالفنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم " لاحظ فيها لغنى " وما لا نعلم الناس
163

اختلفوا فيه أنه ليس لأهل الفئ من الصدقة نصيب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأهل الفئ كانوا
في زمان النبي صلى الله عليه وسلم بمعزل عن الصدقة وأهل الصدقة بمعزل عن الفئ قال والعطاء
الواجب من الفئ لا يكون إلا لبالغ يطيق مثله القتال (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبيد
الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم عام أحد وأنا ابن أربع
عشرة سنة فردني ثم عرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني قال نافع فحدثت بهذا
الحديث عمر بن عبد العزيز فقال هذا الفرق بين المقاتلة والذرية وكتب في أن يفرض لابن خمس
عشرة في المقاتلة ومن لم يبلغها في الذرية (قال الشافعي) رحمه الله وإن كان المستكمل خمس عشرة
سنة أعمى لا يقدر على القتال أبدا أو منقوص الخلق لا يقدر على القتال أبدا لم يفرض له فرض المقاتلة
وأعطى بمعنى الكفاية في المقام والكفاية في المقام شبيه بعطاء الذرية لأن الكفاية في القتال للسفر
والمؤنة أكثر وكذلك لو كان سالما في المقاتلة ثم عمى أو أصابه ما يعلم أنه لا يجاهد معه أبدا صير إلى أن
يعطى الكفاية في المقام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن مرض مرضا طويلا قد يرجى برؤه منه
أعطاه عطاء المقاتلة ويخرج العطاء في كل عام للمقاتلة في وقت من الأوقات وأحب إلى لو أعطيت
الذرية على ذلك الوقت وإذا صار مال الفئ إلى الوالي ثم مات ميت قبل أن يأخذ عطاءه أعطى ورثته
عطاءه وإن مات قبل أن يصير المال الذي فيه عطاؤه لذلك العام إلى الوالي لم تعط ورثته عطاءه وإن
فضل من المال فضل بعدما وصفت من إعطاء العطاء وضعه الإمام في إصلاح الحصون والازدياد في
السلاح والكراع وكل ما قوى به المسلمين فإن استغنى به المسلمون وكملت كل مصلحة لهم فرق ما بقي
منه بينهم كله على قدر ما يستحقون في ذلك المال وإن ضاق الفئ عن مبلغ العطاء فرق بينهم بالغا ما
بلغ لم يحبس عنهم منه شيئا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويعطى من الفئ رزق الحكام وولاة
الاحداث والصلات بأهل الفئ وكل من قام بأمر أهل الفئ من وال وكاتب وجندي ممن لا غنى
لأهل الفئ عنه رزق مثله فإن وجد من يغنى غناءه ويكون أمينا كهو يلي له بأقل مما ولى لم يزد أحدا
على أقل ما يحدثه أهل الغناء وذلك أن منزلة الوالي من رعيته بمنزلة والى مال اليتيم من ماله لا يعطى منه
على الغناء على اليتيم إلا أقل ما يقدر عليه قال وإن ولى أحد على أهل الصدقات كان رزقه مما يؤخذ منها
لأن له فيها حقا ولا يعطى من الفئ عليها كما لا يعطى من الصدقات على الفئ ولا يرزق من الفئ
على ولاية شئ إلا ما لا صلاح فلا يدخل الأكثر فيمن يرزقه على الفئ وهو يغنيه الأقل وإن ضاق
الفئ عن أهله آسى بينهم فيه.
الخلاف
(قال الشافعي) فاختلف أصحابنا وغيرهم في قسم الفئ فذهبوا به مذاهب لا أحفظ عنهم
تفسيرها ولا أحفظ أيهم قال ما أحكى من القول دون ما خالفه وسأحكي ما حضرني من معاني كل من
قال في الفئ شيئا فمنهم من قال هذا المال لله دل على من يعطاه فإذا اجتهد الوالي فأعطاه ففرقه في
جميع من سمى له على قدر ما يرى من استحقاقهم بالحاجة إليه وإن فضل بعضهم على بعض في
164

العطاء فذلك تسوية إذا كان ما يعطى كل واحد منهم لسد خلته ولا يجوز أن يعطيه صنفا منهم ويحرم
صنفا ومنهم من قال إذا اجتمع المال ونظر في مصلحة المسلمين فرأى أن يصرف المال إلى بعض
الأصناف دون بعض فكان الصنف الذي يصرفه إليه لا يستغنى عن شئ مما يصرف إليه كان أرفق
بجماعة المسلمين صرفه وإن حرم غيره ويشبه قول الذي يقول هذا إن طلب المال صنفان فكان إذا حرمه
أحد الصنفين تماسك ولم يدخل عليه خلة مضرة وإن آسى بينه وبين الصنف الآخر كانت على الصنف
الآخر مضرة أعطاه الذي فيهم الخلة المضرة كله إذا لم يسد خلتهم غيره وإن منعه المتماسكين كله ثم قال
بعض من قاله إذا صرف مال الفئ إلى ناحية فسدها وحرم الأخرى ثم جاء مال آخر أعطاها دون
الناحية التي سدها فكأنه ذهب إلى أنه إنما جعل أهل الخلة وأخر غيرهم حتى أفاءهم بعد (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى ولا أعلم أحدا منهم قال يعطى من يعطى من الصدقات ولا يجاهد من الفئ
شيئا وقال بعض من أحفظ عنه فإن أصابت أهل الصدقات سنة تهلك أموالهم أنفق عليهم من الفئ
فإذا استغنوا منعوا من الفئ ومنهم من قال في مال الصدقات هذا القول يزيد بعض أهل الصدقات
على بعض والذي أقول به وأحفظه عمن أرضى ممن سمعت منه ممن لقيت أن لا يؤخر المال إذا اجتمع
ولكن يقسم فإذا كانت نازلة من عدو وجب على المسلمين القيام بها وإن غشيهم عدو في دارهم وجب
النفير على جميع من غشيه من الرجال أهل الفئ وغيرهم أخبرنا من أهل العلم انه لما قدم على عمر بن
الخطاب رضي الله عنه بما أصيب بالعراق قال له صاحب بيت المال الا أدخله بيت المال؟ قال لا ورب
الكعبة لا يؤدى تحت سقف بيت حتى أقسمه فامر به فوضع في المسجد ووضعت عليه الأنطاع وحرسه رجال
المهاجرين والأنصار فلما أصبح غدا مع العباس ابن عبد المطلب وعبد الرحمن بن عوف اخذ بيد أحدهما
أو أحدهما أخذ بيده فلما رأوه كشطوا الأنطاع عن الأموال فرأى منظرا لم ير مثله رأى الذهب فيه
والياقوت والزبرجد واللؤلؤ يتلألأ فبكى عمر بن الخطاب فقال له أحدهما والله ما هو بيوم بكاء ولكنه
يوم شكر وسرور فقال إني والله ما ذهبت حيث ذهبت ولكنه والله ما كثر هذا في قوم قط إلا وقع
بأسهم بينهم ثم أقبل على القبلة ورفع يديه إلى السماء وقال " اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرجا "
فإني أسمعك تقول " سنستدرجهم من حيث لا يعلمون " الآية ثم قال أين سراقة بن جعشم؟ فأتى به
أشعر الذراعين دقيقهما فأعطاه سواري كسرى فقال ألبسهما ففعل فقال الله أكبر ثم قال الحمد لله الذي
سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة بن جعشم أعرابيا من بنى مدلج وجعل يقلب بعض ذلك بعضا ثم
قال إن الذي أدى هذا لأمين فقال له رجل أنا أخبرك أنت أمين الله وهم يؤدون إليك ما أديت إلى الله
عز وجل فإذا رتعت رتعوا قال صدقت ثم فرقه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإنما ألبسهما سراقة لأن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لسراقة ونظر إلى ذراعيه " كأني بك وقد لبست سواري كسرى " (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى ولم يجعل له إلا سوارين * أخبرنا الثقة من أهل المدينة قال أنفق عمر على
أهل الرمادة حتى وقع مطر فترحلوا فخرج إليهم عمر راكبا فرسا ينظر إليهم وهم يترحلون بظعائنهم
فدمعت عيناه فقال له رجل من بنى محارب بن خصفة أشهد أنها انحسرت عنك ولست بابن أمة فقال
له ويلك ذاك لو كنت أنفقت عليهم من مالي ومال الخطاب إنما أنفقت عليهم من مال الله عز وجل.
165

ما لم يوجف عليه من الأرضين بخيل ولا ركاب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فكل ما صالح عليه المشركون بغير قتال بخيل ولا ركاب فسبيله
سبيل الفئ يقسم على قسم الفئ فإن كانوا ما صالحوا عليه أرض ودور فالدور والأرضون وقف
للمسلمين تستغل ويقسم الإمام غلها في. كل عام ثم كذلك أبدا وأحسب ما ترك عمر من بلاد أهل
الشرك هكذا أو شيئا استطاب أنفس من ظهروا عليه بخيل وركاب فتركوه كما استطاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنفس أهل سبى هوازن فتركوا حقوقهم وحديث جرير بن عبد الله عن عمر أنه عوضه من
حقه وعوض امرأة من حقها بميراثها من أبيها كالدليل على ما قلت ويشبه قول جرير بن عبد الله عن عمر
لولا أنى قاسم مسؤول لتركتكم على ما قسم لكم أن يكون قسم لهم بلاد صلح مع بلاد إيجاف فرد
قسم الصلح وعوض من بلاد الايجاف بخيل وركاب.
باب تقويم الناس في الديوان على منازلهم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل " إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " الآية وروى عن
الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم عرف عام حنين على كل عشرة عريفا (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وجعل النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجرين شعارا وللأوس شعارا وللخزرج شعارا وعقد النبي
صلى الله عليه وسلم الألوية عام الفتح فعقد للقبائل قبيلة قبيلة حتى جعل في القبيلة ألوية كل لواء لأهله
وكل هذا ليتعارف الناس في الحرب وغيرها وتخف المؤنة عليهم باجتماعهم وعلى الوالي كذلك لأن في
تفريقهم إذا أريد والامر مؤنة عليهم وعلى واليهم وهكذا أحب للوالي أن يضع ديوانه على القبائل
ويستظهر على من غاب عنه ومن جهل ممن يحضره من أهل الفضل من قبائلهم (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى وأخبرنا غير واحد من أهل العلم من قبائل قريش أن عمر بن الخطاب لما كثر المال في زمانه
أجمع علي تدوين الديوان فاستشار فقال بمن ترون أبدأ؟ فقال له رجل أبدأ بالأقرب فالأقرب بك قال
ذكرتموني بل أبدأ بالأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ ببنى هاشم * أخبرنا سفيان
بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر محمد بن علي أن عمر لما دون الدواوين قال بمن ترون أبدأ؟
قيل له أبدأ بالأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم * أخبرنا غير واحد من أهل العلم
والصدق من أهل المدينة ومكة من قبائل قريش وغيرهم وكان بعضهم أحسن اقتصاصا للحديث من
بعض وقد زاد بعضهم على بعض في الحديث أن عمر لما دون الديوان قال ابدأ ببنى هاشم ثم قال
حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم وبني المطلب فإذا كانت السن في الهاشمي قدمه على
المطلبي وإذا كانت في المطلبي قدمه على الهاشمي فوضع الديوان على ذلك وأعطاهم عطاء القبيلة
الواحدة ثم استوت له بنو عبد شمس ونوفل في جذم النسب فقال عبد شمس إخوة النبي صلى الله عليه
وسلم لأبيه وأمه دون نوفل فقدمهم ثم دعا بنى نوفل يتلونهم ثم استوت له عبد العزى وعبد الدار فقال
في بنى أسد ابن عبد العزى أصهار النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم أنهم من المطيبين وقال بعضهم وهم
من حلف الفضول وفيهم كان النبي صلى الله عليه وسلم وقد قيل ذكر سابقة فقدمهم علي بنى عبد الدار
ثم دعا بنى عبد الدار يتلونهم ثم انفردت له زهرة فدعاها تتلو عبد الدار ثم استوت له بنو تيم ومخزوم فقال
166

في بنى تيم إنهم من حلف الفضول والمطيبين وفيهما كان النبي صلى الله عليه وسلم وقيل ذكر سابقة وقيل
ذكر صهرا فقدمهم على مخزوم ثم دعا مخزوم يتلونهم ثم استوت له سهم وجمح وعدى بن كعب فقيل
له ابدأ بعدي فقال بل أقر نفسي حيث كنت فإن الاسلام دخل وأمرنا وأمر بنى سهم واحد ولكن
انظروا بنى سهم وجمح فقيل قدم بنى جمح ثم دعا بنى سهم فقال وكان ديوان عدى وسهم مختلطا
كالدعوة الواحدة فلما خلصت إليه دعوته كبر تكبيرة عالية ثم قال الحمد لله الذي أوصل إلى حظى من
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا بنى عامر ابن لؤي فقال بعضهم إن أبا عبيدة بن الجراح الفهري
لما رأى من تقدم عليه قال أكل هؤلاء تدعو أمامي؟ فقال يا أبا عبيدة اصبر كما صبرت أو كلم قومك
فمن قدمك منهم على نفسه لم أمنعه فأما أنا وبنو عدى فنقدمك إن أحببت على أنفسنا قال فقدم معاوية
بعد بنى الحرث ابن فهر ففصل بهم بين بنى عبد مناف وأسد بن عبد العزى وشجر بين بنى سهم وعدى
شئ في زمان المهدى فافترقوا فأمر المهدى ببنى عدى فقدموا على سهم وجمح للسابقة فيهم (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا فرغ من قريش قدمت الأنصار على قبائل العرب كلها لمكانهم من
الاسلام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الناس عباد الله فأولاهم أن يكون مقدما أقربهم بخيرة الله
لرسالته ومستودع أمانته وخاتم النبيين وخير خلق رب العالمين محمد عليه الصلاة والسلام (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى ومن فرض له الوالي من قبائل العرب رأيت أن يقدم الأقرب فالأقرب منهم برسول الله
صلى الله عليه وسلم في النسب فإذا استووا قدم أهل السابقة على غير أهل السابقة ممن هم مثلهم في
القرابة.
كتاب الجزية
* أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى " وما خلقت الجن والإنس
إلا ليعبدون " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى خلق الله تعالى الخلق لعبادته ثم ابان جل وعلا أن خيرته
من خلقه أنبياؤه فقال تبارك اسمه " كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين " فجعل
النبيين صلى الله عليهم وسلم من أصفيائه دون عباده بالأمانة على وحيه والقيام بحجته فيهم ثم ذكر من
خاصته صفوته فقال عز وجل " إن الله اصطفى آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين " فخص
آدم ونوحا بإعادة ذكر اصطفائهما وذكر إبراهيم فقال جل ثناؤه " واتخذ الله إبراهيم خليلا " وذكر إسماعيل
بن إبراهيم فقال عز ذكره " واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا " ثم أنعم
الله عز وجل على آل إبراهيم وعمران في الأمم فقال تبارك وتعالى " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل
إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى ثم اصطفى الله عز وجل سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم من خير آل إبراهيم وأنزل كتبه قبل إنزاله
الفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم بصفة فضيلته وفضيلة من اتبعه به فقال عز وجل " محمد رسول
الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا " الآية وقال لامته " كنتم خير أمة
أخرجت للناس " ففضيلتهم بكينونتهم من أمته دون أمم الأنبياء ثم أخبر عز وجل أنه جعله فاتح رحمته
عند فترة رسله فقال " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا
من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير " وقال " هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته
167

ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة " وكان في ذلك ما دل على أنه بعث إلى خلقه لأنهم كانوا أهل
كتاب أو أميين وأنه فتح به رحمته وختم به نبوته فقال عز وجل " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم
ولكن رسول الله وخاتم النبيين " وقضى أن أظهر دينه على الأديان فقال عز وجل " هو الذي أرسل رسوله
بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " وقد وصفنا بيان كيف يظهره على الدين
في غير هذا الموضع
مبتدأ التنزيل والفرض على النبي صلى الله عليه وسلم ثم على الناس
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويقال والله تعالى أعلم إن أول ما أنزل الله عز وجل على رسوله
صلى الله عليه وسلم " اقرأ باسم ربك الذي خلق " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لما بعث الله تعالى
محمدا صلى الله عليه وسلم أنزل عليه فرائضه كما شاء لا معقب لحكمه ثم اتبع كل واحد منها فرضا بعد
فرض في حين غير حين الفرض قبله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويقال والله تعالى أعلم إن أول ما
أنزل الله عليه " اقرأ باسم ربك الذي خلق " ثم أنزل عليه بعدها ما لم يؤمر فيه بأن يدعو إليه المشركين
فمرت لذلك مدة. ثم يقال أتاه جبريل عليه السلام عن الله عز وجل بأن يعلمهم نزول الوحي عليه
ويدعوهم إلى الايمان به فكبر ذلك عليه وخاف التكذيب وأن يتناول فنزل عليه " يا أيها الرسول بلغ ما
أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " فقال يعصمك من قتلهم
أن يقتلوك حين تبلغ ما أنزل إليك ما أمر به فاستهزأ به قوم فنزل عليه " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن
المشركين * إنا كفيناك المستهزئين " (قال الشافعي) وأعلمه من علمه منهم أنه لا يؤمن به فقال " وقالوا
لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار
خلالها تفجيرا " قرأ الربيع إلى " بشرا رسولا " (قال الشافعي) وأنزل الله عز وجل فيما يثبته به إذا ضاق
من اذاهم " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك " إلى آخر السورة. ففرض
عليه إبلاغهم وعبادته ولم يفرض عليه قتالهم وأبان ذلك في غير آية من كتابه ولم يأمره بعزلتهم وأنزل
عليه " قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون " وقوله " فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما
حملتم " قرأ الربيع الآية: وقوله " ما على الرسول إلا البلاغ " مع أشياء ذكرت في القرآن في غير موضع
في مثل هذا المعنى وأمرهم الله عز وجل بأن لا يسبوا اندادهم فقال عز وجل " ولا تسبوا الذين يدعون
من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم " الآية مع ما يشبهها (قال الشافعي) ثم أنزل الله تبارك وتعالى بعد
هذا في الحال التي فرض فيها عزلة المشركين فقال " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض
عنهم (1) " مما فرض عليه فقال " وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ
بها " قرأ الربيع إلى " إنكم إذا مثلهم ".
الاذن بالهجرة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى، وكان المسلمون مستضعفين بمكة زمانا لم يؤذن لهم فيه بالهجرة

(1) هكذا في الأصل وحرر. كتبه مصححه.
168

منها ثم أذن الله عز وجل لهم بالهجرة وجعل لهم مخرجا فيقال نزلت " ومن يتق الله يجعل له مخرجا "
فأعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد جعل الله تبارك وتعالى لهم بالهجرة مخرجا وقال " ومن
يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة " الآية وأمرهم ببلاد الحبشة فهاجرت إليها منهم
طائفة ثم دخل أهل المدينة في الاسلام فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفة فهاجرت إليهم غير
محرم على من بقي ترك الهجرة إليهم وذكر الله جل ذكره للفقراء المهاجرين وقال " ولا يأتل أولو الفضل
منكم والسعة " قرأ الربيع إلى " في سبيل الله " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ثم أذن الله تبارك وتعالى
لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة ولم يحرم في هذا على من بقي بمكة المقام بها وهي دار
شرك وإن قلوا بأن يفتنوا ولم يأذن لهم بجهاد. ثم أذن الله عز وجل لهم بالجهاد، ثم فرض بعد هذا
عليهم أن يهاجروا من دار الشرك وهذا موضوع في غير هذا الموضع.
مبتدأ الاذن بالقتال
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأذن لهم بأحد الجهادين بالهجرة قبل أن يؤذن لهم بأن يبتدئوا
مشركا بقتال، ثم أذن لهم بأن يبتدئوا المشركين بقتال: قال الله تعالى " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا
وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق " الآية، وأباح لهم القتال بمعنى أبانه
في كتابه فقال عز وجل " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن لا يحب المعتدين *
واقتلوهم حيث ثقفتموهم " قرأ الربيع إلى " كذلك جزاء الكافرين " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
يقال نزل هذا في أهل مكة وهم كانوا أشد العدو على المسلمين وفرض عليهم في قتالهم ما ذكر الله عز
وجل. ثم يقال نسخ هذا كله والنهى عن القتال حتى يقاتلوا والنهى عن القتال في الشهر الحرام بقول
الله عز وجل " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " الآية ونزول هذه الآية بعد فرض الجهاد وهي موضوعة في
موضعها.
فرض الهجرة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولما فرض الله عز وجل الجهاد على رسوله صلى الله عليه وسلم
وجاهد المشركين بعد إذ كان أباحه وأثخن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل مكة ورأوا كثرة من
دخل في دين الله عز وجل اشتدوا على من أسلم منهم ففتنوهم عن دينهم أو من فتنوا منهم فعذر الله من
لم يقدر على الهجرة من المفتونين فقال " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان " وبعث إليهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم " إن الله عز وجل جعل لكم مخرجا وفرض على من قدر على الهجرة الخروج إذا كان ممن
يفتن عن دينه ولا يمتنع " فقال في رجل منهم توفى تخلف عن الهجرة فلم يهاجر " الذين تتوفاهم الملائكة
ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم " الآية وأبان الله عز وجل عذر المستضعفين فقال " إلا المستضعفين من
الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة " إلى " رحيما " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويقال
" عسى " من الله واجبة (قال الشافعي) ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن فرض الهجرة
على من أطاقها إنما هو على من فتن عن دينه بالبلد الذي يسلم بها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن
169

لقوم بمكة أن يقيموا بها بعد إسلامهم العباس بن عبد المطلب وغيره إذ لم يخافوا الفتنة وكان يأمر
جيوشه أن يقولوا لمن أسلم " إن هاجرتم فلكم ما للمهاجرين وإن أقمتم فأنتم كأعراب وليس يخيرهم إلا
فيما يحل لهم ".
أصل فرض الجهاد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولما مضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدة من هجرته أنعم
الله تعالى فيها على جماعة باتباعه حدثت لهم بها مع عون الله قوة بالعدد لم تكن قبلها ففرض الله تعالى
عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضا فقال تبارك وتعالى " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى
أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم " وقال عز وجل " إن الله اشترى من
المؤمنين أنفسهم وأموالهم " الآية وقال تبارك وتعالى " وقاتلوا في سبيل الله واعلموا ان الله سميع عليم "
وقال عز وجل " وجاهدوا في الله حق جهاد " وقال " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا
أثخنتموهم فشدوا الوثاق " وقال عز وجل " مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم " إلى " قدير "
وقال " انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم " الآية ثم ذكر قوما تخلفوا عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ممن كان يظهر الاسلام فقال " لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك " الآية فأبان في
هذه الآية أن عليهم الجهاد فيما قرب وبعد بعد إبانته ذلك في غير مكان في قوله " ذلك بأنهم لا
يصيبهم ظمأ ولا نصب " قرأ الربيع إلى " أحسن ما كانوا يعملون " وسنبين من ذلك ما حضرنا على
وجهه إن شاء الله تعالى قال الله عز وجل " فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله " قرأ الربيع الآية
وقال " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص " وقال " ومالكم لا تقاتلون في
سبيل الله " مع ما ذكر به فرض الجهاد وأوجب على المتخلف عنه.
من لا يجب عليه الجهاد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فلما فرض الله تعالى الجهاد دل في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله
عليه وسلم أنه لم يفرض الخروج إلى الجهاد على مملوك أو أنثى بالغ ولا حر لم يبلغ لقول الله عز وجل
" انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا " وقرأ الربيع الآية فكأن الله عز وجل حكم أن لا مال للمملوك ولم يكن
مجاهد إلا ويكون عليه للجهاد مؤنة من المال ولم يكن للمملوك مال. وقد قال لنبيه صلى الله عليه وسلم
" حرض المؤمنين على القتال " فدل على أنه أراد بذلك الذكور دون الإناث لأن الإناث المؤمنات.
وقال عز وجل " وما كان المؤمنون لينفروا كافة " وقال " كتب عليكم القتال " وكل هذا يدل على أنه أراد
به الذكور دون الإناث وقال عز وجل إذا أمر
بالاستئذان: " وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم
فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم " فأعلم أن فرض الاستئذان إنما هو على البالغين. وقال: " وابتلوا
اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا) فلم يجعل لرشدهم حكما تصير به أموالهم إليهم إلا
بعد البلوغ فدل على أن الفرض في العمل إنما هو على البالغين، ودلت السنة ثم ما لم أعلم فيه مخالفا من
أهل العلم على مثل ما وصفت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله أو
عبيد الله عن نافع عن ابن عمر " شك الربيع " قال عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم " أحد "
170

وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني وعرضت عليه عام " الخندق " وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم القتال عبيد ونساء وغير بالغين
فرضخ لهم ولم يسهم وأسهم لضعفاء أحرار بالغين شهدوا معه فدل دلك على أن السهمان إنما تكون
فيمن شهد القتال من الرجال الأحرار، ودل ذلك على أن لا فرض في الجهاد على غيرهم وهذا
موضوع في موضعه.
من له عذر بالضعف والمرض والزمانة في ترك الجهاد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل في الجهاد: " ليس على الضعفاء ولا على
المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله " الآية وقال " ليس على
الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقيل
الأعرج المقعد والأغلب انه الأعرج في الرجل الواحدة، وقيل نزلت في أن لا حرج أن لا يجاهدوا.
وهو أشبه ما قالوا وغير محتمل غيره وهم داخلون في حد الضعفاء وغير خارجين من فرض الحج ولا
الصلاة ولا الصوم ولا الحدود ولا يحتمل والله تعالى أعلم أن يكون أريد بهذه الآية إلا وضع الحرج في
الجهاد دون غيره من الفرائض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى الغزو غزوان غزو يبعد عن المغازي وهو ما بلغ
مسيرة ليلتين قاصدتين حيث تقصر الصلاة وتقدم مواقيت الحج من مكة وغزو يقرب وهو ما كان دون ليلتين
مم لا تقصر فيه الصلاة وما هو أقرب من المواقيت إلى مكة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان الغزو
البعيد لم يلزم القوى السالم البدن كله إذا لم يجد مركبا وسلاحا ونفقة ويدع لمن تلزمه نفقته قوته إذن قدر
ما يرى أنه يلبث وإن وجد بعض هذا دون بعض فهو ممن لا يجد ما ينفق (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى نزلت " ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض
من الدمع حزنا " الآية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وجد هذا كله دخل في جملة من يلزمه
فرض الجهاد فإن تهيأ للغزو ولم يخرج أو خرج ولم يبلغ موضع الغزو أو بلغه ثم أصابه مرض أو صار ممن
لا يجد في أي هذه المواضع كان فله أن يرجع وقد صار من أهل العذر، فإن ثبت كان أحب إلى ووسعه
الثبوت وإذا كان ممن لم يكن لهم قوتهم لم يحل له أن يغزو على الابتداء ولا يثبت في الغزو إن غزا ولا
يكون له أن يضيع فرضا ويتطوع لأنه إذا لم يجد فهو متطوع بالغزو، ومن قلت له أن لا يغزو فله أن
يرجع إذا غزا بالعذر وكان ذلك له ما لم يلتق الزحفان فإذا التقيا لم يكن له ذلك حتى يتفرقا.
العذر بغير العارض في البدن
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا كان سالم البدن قويه واجدا لما يكفيه ومن خلف يكون داخلا
فيمن عليه فرض الجهاد لو لم يكن عليه دين ولم يكن له أبوان ولا واحد من أبوين يمنعه فلو كان عليه
دين لم يكن له أن يغزو بحال إلا بإذن أهل الدين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان يحجبه
مع الشهادة عن الجنة الدين فبين أن لا يجوز له الجهاد وعليه دين إلا بإذن أهل الدين وسواء كان الدين
لمسلم أو كافر وإذا كان يؤمر بأن يطيع أبويه أو أحدهما في ترك الغزو فبين أن لا يؤمر بطاعة أحدهما إلا
والمطاع منهما مؤمن، فإن قال قائل كيف تقول لا تجب عليه طاعة أبويه ولا واحد منهما حتى يكون
171

المطاع مسلما في الجهاد ولم تقله في الدين؟ قيل الدين مال لزمه لمن هو له لا يختلف فيه من وجب له
من مؤمن ولا كافر لأنه يجب عليه أداؤه إلى الكافر كما يجب عليه إلى المؤمن وليس يطيع في التخلف عن
الغزو صاحب الدين بحق يجب لصاحب الدين عليه إلا بماله فإذا برئ من ماله فأمر صاحب الدين
ونهيه سواء ولا طاعة له عليه لأنه لا حق له عليه بغير المال فلما كان الخروج بعرض إهلاك ماله لديه لم
يخرج إلا بإذنه أو بعد الخروج من دينه وللوالدين حق في أنفسهما لا يزول بحال للشفقة على الولد
والرقة عليه وما يلزمه من مشاهدتهما لبرهما فإذا كانا على دينه فحقهما لا يزول بحال ولا يبرأ منه بوجه
وعليه أن لا يجاهد إلا بإذنهما وإذا كانا على غير دينه فإنما يجاهد أهل دينهما فلا طاعة لهما عليه في ترك
الجهاد وله الجهاد وإن خالفهما والأغلب أن منعهما سخط لدينه ورضا لدينهما لا شفقة عليه فقط وقد
انقطعت الولاية بينه وبينهما في الدين، فإن قال قائل فهل من دليل على ما وصفت؟ قيل جاهد ابن
عتبة بن ربيعة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد وأبوه مجاهد النبي
صلى الله عليه وسلم فلست أشك في كراهية أبيه لجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم وجاهد عبد الله بن
عبد الله بن أبي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه متخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم ب‍ " أحد "
ويخذل عنه من أطاعه مع غيرهم ممن لا أشك إن شاء الله تعالى في كراهتهم لجهاد أبنائهم مع النبي
صلى الله عليه وسلم إذا كانوا مخالفين مجاهدين له أو مخذلين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأي
الأبوين أسلم كان حقا على الولد أن لا يغزو إلا بإذنه إلا أن يكون الولد يعلم من الوالد نفاقا فلا يكون له
عليه طاعة في الغزو وإن غزا رجل وأحد أبويه أو هما مشركان ثم أسلما أو أحدهما فأمره بالرجوع فعليه
الرجوع عن وجهه ما لم يصر إلى موضع لا طاقة له بالرجوع منه إلا بخوف أن يتلف وذلك أن يصير إلى
بلاد العدو فلو فارق المسلمين لم يأمن أن يأخذه العدو فإذا كان هذا هكذا لم يكن له أن يرجع للتعذر
في الرجوع وكذلك إن لم يكن صار إلى بلاد مخوفة إن فارق الجماعة فيها خاف التلف وهكذا إذا غزا
ولا دين عليه ثم ادان فسأله صاحب الدين الرجوع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن سأله أبواه أو
أحدهما الرجوع وليس عليه خوف في الطريق ولا له عذر فعليه أن يرجع للعذر وإذا قلت ليس له أن
يرجع فلا أحب أن يبادر ولا يسرع في أوائل الخيل ولا الرجل ولا يقف الموقف الذي يقفه من يتعرض
للقتل لأنه إذا نهيته عن الغزو لطاعة والديه أو لذي الدين نهيته إذا كان له العذر عن تعرض القتل
وهكذا أنهاه عن تعرض القتل لو خرج وليس له أن يخرج بخلاف صاحب دينه وأحد أبويه أو خلاف
الذي غزا وأحد أبويه وصاحب دينه كاره وليس على الخنثى المشكل الغزو فإن غزا وقاتل لم يعط سهما
ويرضخ له ما يرضخ للمرأة والعبد يقاتل فإن بان لنا أنه رجل فعليه من حين يبين الغزو وله فيه سهم
رجل.
العذر الحادث
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أذن للرجل أبواه في الغزو فغزا ثم امراه بالرجوع فعليه
الرجوع إلا من عذر حادث والعذر ما وصفت من خوف الطريق أو جدبه أو من مرض يحدث به لا
يقدر معه على الرجوع أو قلة نفقة لا يقدر على أن يرجع يستقل معها أو ذهاب مركب لا يقدر على
172

الرجوع معه أو يكون غزا يجعل مع السلطان ولا يقدر على الرجوع معه ولا يجوز أن يغزو بجعل من مال
رجل فإن غزا به فعليه ان يرجع ويرد الجعل وإنما أجزت له هذا من السلطان أنه يغزو بشئ من حقه
وليس للسلطان حبسه في حال قلت عليه فيها الرجوع إلا في حال ثانية أن يكون يخاف برجوعه
ورجوع من هو في حاله أن يكثروا وأن يصيب المسلمين خلة برجوعهم بخروجهم يعظم الخوف فيها
عليهم فيكون له حبسه في هذه الحال ولا يكون لهم الرجوع عليها فإذا زالت تلك الحال فعليهم أن
يرجعوا وعلى السلطان أن يخليهم إلا من غزا منهم بجعل إذا كان رجوعهم من قبل والد أو صاحب دين
لا من علة بأبدانهم فإن أراد أحد منهم الرجوع لعلة ببدنة تخرجه من فرض الجهاد فعلى السلطان تخليته
غزا بجعل أو غير جعل وليس له الرجوع في الجعل لأنه حق من حقه أخذه وهو يستوجبه وحدث له
حال عذر وذلك أن يمرض أو يزمن بإقعاد أو بعرج شديد لا يقدر معه على مشى الصحيح وما أشبه هذا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإني لأرى العرج إذا نقص مشيه عن مشى الصحيح وعدوه كله عذرا
والله تعالى أعلم وكذلك إن رجل عن دابته أو ذهبت نفقته خرج من هذا كله من أن يكون عليه فرض
الجهاد ولم يكن للسلطان حبسه عليه إلا في حال واحدة أن يكون خرج إلى فرض الجهاد بقلة الوجود
فعليه أن يعطيهم حتى يكون واجدا فإن فعله حبسه وليس للرجل الامتناع من الاخذ منه إلا أن يقيم
معه في الجهاد حتى ينقضى فله إذا فعل الامتناع من الاخذ منه وإذا غزا الرجل فذهبت نفقته أو دابته
فقفل ثم وجد نفقة أوفاد دابة فإن كان ذلك ببلاد العدو لم يكن له الخروج وكان عليه الرجوع إلا أن
يكون يخاف في رجوعه وإن كان قد فارق بلاد العدو فالاختيار له العود إلا أن يخاف فلا يجب عليه
العود لأنه قد خرج وهو من أهل العذر فإن كانت تكون خلة برجوعه أو كانوا جماعة أصابهم ذلك
وكانت تكون بالمسلمين خلة برجوعهم فعليهم وعلى الواحد أن يرجع إذا كانت كما وصفت إلا أن
يخاف إذا تخلفوا أن يقتطعوا في الرجوع خوفا بينا فيكون لهم عذر بأن لا يرجعوا.
تحويل حال من لا جهاد عليه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان الرجل ممن لا جهاد عليه بما وصفت من العذر أو كان
ممن عليه جهاد فخرج فيه فحدث له ما يخرج به من فرض الجهاد بالعذر في نفسه وماله ثم زالت
الحال عنه عاد إلى أن يكون ممن عليه فرض الجهاد وذلك أن يكون أعمى فذهب العمى وصح بصره أو
إحدى عينيه فيخرج من حد العمى أو يكون أعرج فينطلق العرج أو مريضا فيذهب المرض أو لا يجد
ثم يصير واحدا أو صبيا فبلغ أو مملوكا فيعتق أو خنثى مشكلا فيبين رجلا لا يشكل أو كافرا فيسلم
فيدخل فيمن عليه فرض الجهاد فإن كان بلده كان كغيره ممن عليه فرض الجهاد فإن كان قد غزا وله
عذر ثم ذهب العذر وكان ممن عليه فرض الجهاد لم يكن له الرجوع عن الغزو دون رجوع من غزا معه أو
بعض الغزاة في وقت يجوز فيه الرجوع قال وليس للإمام (1) أن يجمر بالغزو فإن جمرهم فقد أساء
ويجوز لكلهم خلافه والرجوع وإن اطاعته منهم طائفة فأقامت فأراد بعضهم الرجوع لم يكن لهم

(1) * وله: أن يجمر أي أن يحبس. ففي القاموس وجمر 6 لجيش حبسهم في أرض العدو ولم يقفلهم الخ اه‍
مصححه.
173

الرجوع إلا أن يكون من تخلف منهم ممتنعين بموضعهم ليس الخوف بشديد أن يرجع من يريد الرجوع
فيكون حينئذ لمن أراد الرجوع أن يرجع وسواء في ذلك الواحد يريد الرجوع والجماعة لأن الواحد قد
يخل بالقليل والجماعة لا تخل بالكثير ولذي العذر الرجوع في كل حال إذا جمر وجوزته قدر الغزو وإن
أخل بمن معه وكل منزلة قلت لا ينبغي لاحد أن يرجع فيها فعلى الإمام فيها أن يأذن في الوقت الذي
قلت: لبعضهم الرجوع ويمنع في الوقت الذي قلت: ليس لهم فيه الرجوع.
شهود من لا فرض عليه القتال
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والذين لا يأثمون بترك القتال والله تعالى أعلم بحال ضربان
ضرب أحرار بالغون معذورون بما وصفت وضرب لا فرض عليهم بحال وهم العبيد أو من لم يبلغ من
الرجال الأحرار والنساء ولا يحرم على الإمام أن يشهد معه القتال الصنفان معا ولا على واحد من
الصنفين أن يشهد معه القتال (قال الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه
عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو
بالنساء؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟ فقال قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء
فيداوين الجرحى ولم يكن يضرب لهن بسهم ولكن يحذين من الغنيمة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
ومحفوظ أنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال العبيد والصبيان وأحذاهم من الغنيمة (قال)
وإذا شهد من ليس عليه فرض الجهاد قويا كان أو ضعيفا القتال أحذى من الغنيمة كما كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يحذي النساء وقياسا عليهن وخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في العبيد والصبيان
ولا يبلغ بحذية واحد منهم سهم حر ولا قريبا منه ويفضل بعضهم على بعض في الحذية إن كان منهم
أحد له غناء في القتال أو معونة للمسلمين المقاتلين ولا يبلغ بأكثرهم حذية سهم مقاتل من الأحرار وإن
شهد القتال رجل حر بالغ له عذر في عدم شهود القتال من زمن أو ضعف بمرض أو عرض أو فقير
معذور ضرب له بسهم رجل تام فإن قال من أين ضربت لهؤلاء وليس عليهم فرض القتال ولا لهم غناء
بسهم ولم تضرب به للعبيد ولهم غناء ولا للنساء والمراهقين
وإن أغنوا وكل ليس عليه فرض القتال؟ قيل
له قلنا خبرا وقياسا فأما الخبر فإن النبي صلى الله عليه وسلم أحذى النساء من الغنائم وكان العبيد
والصبيان ممن لا فرض عليهم وإن كانوا أهل قوة على القتال ليس بعذر في أبدانهم وكذلك العبيد لو
أنفق عليهم لم يكن عليهم القتال فكانوا غير أهل جهاد بحال كما يحج الصبي والعبد ولا يجزئ عنهما من
حجة الاسلام لأنهما ليسا من أهل الفرض بحال ويحج الرجل والمرأة الزمنان اللذان لهما العذر بترك الحج
والفقيران الزمنان فيجزئ عنهما عن حجة الاسلام لأنهما إنما زال الفرض عنهما بعذر في أبدانهما
وأموالهما متى فارقهما ذلك كانا من أهله ولم يكن هكذا الصبي والعبد في الحج قال وكذلك لو لم يكونا
كذا والمرأة مثلهما في الجهاد وضربت للزمن والفقير اللذين لا غزو عليهم لأن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أسهم لمرضى وجرحى وقوم لا غناء لهم على الشهود وأنهم لم يزل فرض الجهاد عليهم إلا بمعنى
العذر الذي إذا زال صاروا من أهله فإذا تكلفوا شهوده كان لهم ما لأهله.
174

من ليس للإمام ان يغزو به بحال
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغزا معه بعض من يعرف
نفاقه فانخزل يوم أحد عنه بثلثمائة ثم شهدوا معه يوم الخندق فتكلموا بما حكى الله عز وجل من قولهم
" وما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا " ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم بنى المصطلق فشهدها معه عدد
فتكلموا بما حكى الله تعالى من قولهم " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل " وغير ذلك مما
حكى الله عز وجل من نفاقهم ثم غزا غزوة تبوك فشهدها معه قوم منهم نفروا به ليلة العقبة ليقتلوه فوقاه
الله عز وجل شرهم وتخلف آخرون منهم فيمن بحضرته ثم أنزل الله عز وجل في غزاة تبوك أو منصرفه
عنها ولم يكن في تبوك قتال من أخبارهم فقال " ولو أرادوا الخروج الا عدوا له عدة ولكن كره الله
انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فأظهر الله عز وجل لرسوله
صلى الله عليه وسلم أسرارهم وخبر السماعين لهم وابتغاءهم ان يفتنوا من معه بالكذب والارجاف
والتخذيل لهم فأخبره انه كره انبعاثهم فثبطهم إذ كانوا على هذه النية كان فيها ما دل على أن الله عز
وجل أمر أن يمنع من عرف بما عرفوا به من أن يغزو مع المسلمين لأنه ضرر عليهم ثم زاد في تأكيد بيان
ذلك بقوله " فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله " قرأ الربيع إلى " الخالفين " (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى فمن شهر بمثل ما وصف الله تعالى المنافقين لم يحل للإمام أن يدعه يغزو معه ولم يكن لو
غزا معه أن يسهم له ولا يرضخ لأنه ممن منع الله عز وجل أن يغزو مع المسلمين لطلبته فتنتهم وتخذيله
إياهم وأن فيهم من يستمع له بالغفلة والقرابة والصداقة وأن هذا قد يكون أضر عليهم من كثير من
عدوهم (قال) ولما نزل هذا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليخرج بهم أبدا وإذا حرم الله
عز وجل أن يخرج بهم فلا سهم لهم لو شهدوا القتال ولا رضخ ولا شئ لأنه لم يحرم أن يخرج بأحد
غيرهم فأما من كان على غير ما وصف الله عز وجل من هؤلاء أو بعضه ولم يكن يحمد حاله أو ظن
ذلك به وهو ممن لا يطاع (1) ولا يضر ما وصف الله تعالى عن هؤلاء الذين وصف الله عز وجل بشئ
من أحكام الاسلام إلا ما منعمه الله عز وجل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرهم على أحكام
الاسلام بعد الآية وإنما منعوا الغزو مع المسلمين للمعنى الذي وصف الله عز وجل من ضررهم (2) وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا أن يصلى عليهم بخلاف
صلاته صلاة غيره (قال الشافعي) وإن كان مشرك يغزو مع المسلمين وكان معه في الغزو من يطيعه من
مسلم أو مشرك وكانت عليه دلائل الهزيمة والحرص على غلبة المسلمين وتفريق جماعتهم لم يجز أن يغزو به
وإن غزا به لم يرضخ له لأن هذا إذا كان في المنافقين مع استتارهم بالاسلام كان في المكتشفين في
الشرك مثله فيهم أو أكثر إذا كانت أفعاله كأفعالهم أو أكثر، ومن كان من المشركين على خلاف هذه
الصفة فكانت فيه منفعة للمسلمين بدلالة على عورة عدو أو طريق أو ضيغة أو نصيحة للمسلمين فلا
بأس أن يغزى به وأحب إلى أن لا يعطى من الفئ شيئا ويستأجر إجارة من مال لا مالك له بعينه وهو

(1) سقط من هنا جواب " أما " ولعله " فلا يمنع من الغزو تأمل ".
(2) كذا في النسخة، والغرض ان تحريم صلاة النبي عليهم لا تنفي عنهم الاسلام لأنه لم يمنع أحدا الخ وتأمل.
175

غير سهم النبي صلى الله عليه وسلم فإن أغفل ذلك أعطى من سهم النبي صلى الله عليه وسلم ورد النبي
صلى الله عليه وسلم يوم " بدر " مشركا قيل نعيم فأسلم ولعله رده رجاء إسلامه وذلك واسع للإمام أن يرد
المشرك فيمنعه الغزو ويأذن له وكذلك الضعيف من المسلمين ويأذن له ورد النبي صلى الله عليه وسلم من
جهة إباحة الرد والدليل على ذلك والله أعلم أنه قد غزا بيهود بنى قينقاع بعد بدر وشهد صفوان ابن أمية
معه حنينا بعد الفتح وصفوان مشرك (قال) ونساء المشركين في هذا وصبيانهم كرجالهم لا يحرم أن
يشهدوا القتال وأحب إلى لو لم يعطوا وإن شهدوا القتال فلا يبين أن يرضخ لهم إلا أن تكون منهم منفعة
للمسلمين فيرضخ لهم بشئ ليس كما يرضخ لعبد مسلم أو لامرأة ولا صبي مسلمين وأحب إلى لو لم
يشهدوا الحرب إن لم تكن بهم منفعة لأنا إنما أجزنا شهود النساء مع المسلمين والصبيان في الحرب
رجاء النصرة بهم لما أوجب الله تعالى لأهل الايمان وليس ذلك في المشركين.
كيف تفضل فرض الجهاد
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " كتب عليكم القتال
وهو كره لكم " مع ما أوجب من القتال في غير آية من كتابه وقد وصفنا أن ذلك على الأحرار المسلمين
البالغين غير ذوي العذر بدلائل الكتاب والسنة فإذا كان فرض الجهاد على من فرض عليه محتملا لأن
يكون كفرض الصلاة وغيرها عاما ومحتملا لأن يكون على غير العموم فدل كتاب الله عز وجل وسنة نبيه
صلى الله عليه وسلم على أن فرض الجهاد إنما هو على أن يقوم به من فيه كفاية للقيام به حتى يجتمع
أمران أحدهما أن يكون بإزاء العدو المخوف على المسلمين من يمنعه والآخر أن يجاهد من المسلمين من
في جهاده كفاية حتى يسلم أهل الأوثان أو يعطى أهل الكتاب الجزية قل فإذا قام بهذا من المسلمين
من فيه الكفاية به خرج المتخلف منهم من المأثم في ترك الجهاد وكان الفضل للذين ولو الجهاد على
المتخلفين عنه قال الله عز وجل " لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل
الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة " الآية (قال الشافعي)
وبين إذ وعد الله عز وجل القاعدين غير أولى الضرر الحسنى أنهم لا يأثمون بالتخلف ويوعدون الحسنى
بالتخلف بل وعدهم لما وسع عليهم من التخلف الحسنى إن كانوا مؤمنين لم يتخلفوا شكا ولا سوء نية
وإن تركوا الفضل في الغزو وأبان الله عز وجل في قوله في النفير حين أمرنا بالنفير " انفروا خفافا وثقالا "
وقال عز وجل " إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما " وقال تبارك وتعالى " وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا
نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين " الآية فأعلمهم أن فرض الجهاد على الكفاية من
المجاهدين (قال الشافعي) ولم يغز رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاة علمتها إلا تخلف عنه فيها بشر
فغزا بدرا وتخلف عنه رجال معروفون وكذلك تخلف عنه عام الفتح وغيره من غزواته صلى الله عليه وسلم
في غزوة تبوك وفى تجهزه للجمع للروم " ليخرج من كل رجلين رجل فيخلف الباقي الغازي في أهله
وماله " (قال الشافعي) وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيوشا وسرايا تخلف عنها بنفسه مع حرصه
على الجهاد على ما ذكرت (قال الشافعي) وأبان أن لو تخلفوا معا أثموا معا بالتخلف بقوله عز وجل " إلا
تنفروا يعذبكم عذابا أليما " يعنى والله تعالى أعلم، إلا إن تركتم النفير كلكم عذبتكم قال ففرض الجهاد
على ما وصفت يخرج المتخلفين من المأثم بالكفاية فيه، ويأثمون معا إذا تخلفوا معا.
176

تفريع فرض الجهاد
(قال الشافعي) قال الله عز وجل " قاتلوا الذين يلونكم من الكفار " قال ففرض الله جهاد المشركين
ثم أبان من الذين نبدأ بجهادهم من المشركين فأعلمهم أنهم الذين يلون المسلمين وكان معقولا في فرض
الله جهادهم أن أولاهم بأن يجاهد أقربهم بالمسلمين دارا لأنهم إذا قووا على جهادهم وجهاد غيرهم
كانوا على جهاد من قرب منهم أقوى وكان من قرب أولى أن يجاهد من قربه من عورات المسلمين وأن
نكاية من قرب أكثر من نكاية من بعد قال فيجب على الخليفة إذا استوت حال العدو أو كانت
بالمسلمين عليهم قوة أن يبدأ بأقرب العدو من ديار المسلمين لأنهم الذين يلونهم ولا يتناول من خلفهم
من طريق المسلمين على عدو دونه حتى يحكم أمر العدو دونه بأن يسلموا أو يعطوا الجزية إن كانوا أهل
كتاب وأحب له إن لم يرد تناول عدو وراءهم ولم يطل على المسلمين عدو أن يبدأ بأقربهم من المسلمين
لأنهم أولى باسم الذين يلون المسلمين، وإن كان كل يلي طائفة من المسلمين فلا أحب أن يبدأ بقتال
طائفة تلى قوما من المسلمين دون آخرين وإن كانت أقرب منهم من الأخرى إلى قوم غيرهم، فإن
اختلف حال العدو فكان بعضهم أنكى من بعض أو أخوف من بعض فليبدأ الإمام بالعدو الأخوف أو
الأنكى ولا بأس أن يفعل وإن كانت داره أبعد إن شاء الله تعالى حتى ما يخاف ممن بدأ به مما لا
يخاف من غيره مثله وتكون هذه بمنزلة ضرورة لأنه يجوز في الضرورة ما لا يجوز في غيرها وقد بلغ النبي
صلى الله عليه وسلم عن الحرث بن أبي ضرار أنه يجمع له فأغار النبي صلى الله عليه وسلم وقربه عدو
أقرب منه وبلغه أن خالد بن أبي سفيان (1) بن شح يجمع له فأرسل ابن أنيس فقتله وقربه عدو أقرب
(قال الشافعي) وهذه منزلة لا يتباين فيها حال العدو كما وصفت والواجب أن يكون أول ما يبدأ به سد
أطراف المسلمين بالرجال وإن قدر على الحصون والخنادق وكل أمر دفع العدو قبل انتياب العدو في
ديارهم حتى لا يبقى للمسلمين طرف إلا وفيه من يقوم بحرب من يليه من المشركين وإن قدر على أن
يكون فيه أكثر فعل ويكون القائم بولايتهم أهل الأمانة والعقل والنصيحة للمسلمين والعلم بالحرب
والنجدة والأناة والرفق والاقدام في موضعه وقلة البطش والعجلة (قال الشافعي) فإذا أحكم هذا في
المسلمين وجب عليه أن يدخل المسلمين بلاد المشركين في الأوقات التي لا يغرر بالمسلمين فيها ويرجو أن
ينال الظفر من العدو فإن كانت بالمسلمين قوة لم أر أن يأتي عليه عام إلا وله جيش أو غارة في بلاد
المشركين الذين يلون المسلمين من كل ناحية عامة وإن كان يمكنه في السنة بلا تغرير بالمسلمين أحببت
له أن لا يدع ذلك كلما أمكنه وأقل ما يجب عليه أن لا يأتي عليه عام إلا وله فيه غزو حتى لا يكون
الجهاد معطلا في عام إلا من عذر، وإذا غزا عاما قابلا غزا ببلدا غيره ولا يتابع الغزو على بلد ويعطل
من بلاد المشركين غيره إلا أن يختلف حال أهل البلدان فيتابع الغزو على من يخاف نكايته أو من يرجو
غلبة المسلمين على بلاده فيكون تتابعه على ذلك وعطل غيره بمعنى ليس في غيره مثله. قال: وإنما
قلت بما وصفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخل من حين فرض عليه الجهاد من أن غزا بنفسه
أو غيره في عام من غزوة أو غزوتين أو سرايا وقد كان يأتي عليه الوقت لا يغزو فيه ولا يسرى سرية وقد
يمكنه ولكنه يستجم ويجم له ويدعو ويظاهر الحجج على من دعاه، ويجب على أهل الإمام أن يغزوا

(1) كذا في النسخ وحرر اه‍.
177

أهل الفئ يغزوا كل قوم إلى من يليهم من المشركين ولا يكلف الرجل البلاد البعيدة وله مجاهد أقرب
منها إلا أن يختلف حال المجاهدين فيزيد عن القريب عن يكفيهم فإن عجز القريب عن كفايتهم كلفهم
أقرب أهل الفئ بهم. قال: ولا يجوز أن يغزوا أهل دار من المسلمين كافة حتى يخلف في ديارهم
من يمنع دارهم منه (قال الشافعي) فإذا كان أهل دار المسلمين قليلا إن غزا بعضهم خيف العدو على
الباقين منهم لم يغز منهم أحد وكان هؤلاء في رباط الجهاد ونزلهم (قال الشافعي) وإن كانت ممتنعة غير
مخوف عليها ممن يقاربها فأكثر ما يجوز أن يغزى من كل رجلين رجلا فيخلف المقيم الظاعن عن أهله
وماله، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تجهز إلى تبوك فأراد الروم وكثرت جموعهم، قال ليخرج
من كل رجلين رجل ومن في المدينة ممتنع بأقل ممن تخلف فيها، وإذا كان القوم في ساحل من
السواحل كسواحل الشام وكانوا على قتال الروم والعدو الذي يليهم أقوى ممن يأتيهم من غير أهل بلدهم
وكان جهادهم عليه أقرب منه على غيرهم فلا بأس أن يغزوا إليهم من يقيم في ثغورهم مع من تخلف
منهم وإن لم يكن من خلفوا منهم يمنعون دارهم لو انفردوا إذا صاروا يمنعون دارهم بمن تخلف من
المسلمين معهم ويدخلون بلاد العدو فيكون عدوهم أقرب ودوابهم أجم وهم ببلادهم أعلم وتكون
دارهم غير ضائعة بمن تخلف منهم وخلف معهم من غيرهم قال: ولا ينبغي أن يولى الإمام الغزو إلا ثقة
في دينه شجاعا في بدنه حسن الأناة عاقلا للحرب بصيرا بها غير عجل ولا نزق وأن يقدم إليه وإلى من
ولاه أن لا يحمل المسلمين على مهلكة بحال ولا يأمرهم بنقب حصن يخاف أن يشدحوا تحته ولا دخول
مطمورة يخاف أن يقتلوا ولا يدفعوا عن أنفسهم فيها ولا غير ذلك من أسباب المهالك فإن فعل
ذلك الإمام فقد أساء ويستغفر الله تعالى ولا عقل ولا قود عليه ولا كفارة إن أصيب أحد من المسلمين
بطاعته. قال: وكذلك لا يأمر القليل منهم بانتياب الكثير حيث لا غوث لهم ولا يحمل منهم أحدا على
غير فرض القتال عليه وذلك أن يقاتل الرجل الرجلين لا يجاوز ذلك وإذا حملهم على ما ليس له
حملهم عليه فلهم أن لا يفعلوه. قال: وإنما قلت لا عقل ولا قود ولا كفارة عليه أنه جهاد ويحل لهم
بأنفسهم أن يقدموا فيه على ما ليس عليهم بعرض القتل لرجاء إحدى الحسنيين، ألا ترى أنى لا أرى
ضيقا على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسرا أو يبادر الرجل وإن كان الأغلب أنه مقتول لأنه قد بودر
بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل رجلا من الأنصار حاسرا على جماعة من المشركين يوم
بدر بعد إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بما في ذلك من الخير فقتل.
تحريم الفرار من الزحف
قال الله تبارك وتعالى " يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتل إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا
مائتين وقال عز وجل " الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا
مائتين " الآية أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال لما نزلت " إن يكن منكم عشرون
صابرون يغلبوا مائتين " فكتب عليهم أن لا يفر العشرون من المائتين فأنزل الله عز وجل " الآن خفف الله
عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين " فخفف عنهم وكتب عليهم أن لا
يفر مائة من المائتين: (قال الشافعي) وهذا كما قال ابن عباس إن شاء الله تعالى مستغنى فيه بالتنزيل
عن التأويل. وقال الله تعالى: " إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار " الآية فإذا غزا المسلمون
178

أو غزوا فتهيئوا للقتال فلقوا ضعفهم من العدو حرم عليهم أن يولوا عنهم إلا متحرفين إلى فئة فإن كان
المشركون أكثر من ضعفهم لم أحب لهم أن يولوا عنهم ولا يستوجب السخط عندي من الله عز وعلا لو
ولوا عنهم إلى غير التحرف للقتال والتحيز إلى فئة لأن بينا أن الله عز وجل إنما يوجب سخطه على من
ترك فرضه وأن فرض الله عز وجل في الجهاد إنما هو على أن يجاهد المسلمون ضعفهم من العدو ويأثم
المسلمون لو أطل عدو على أحد من المسلمين وهم يقدرون على الخروج إليه بلا تضييع لما خلفهم من
ثغرهم إذا كان العدو ضعفهم وأقل. قال: وإذا لقى المسلمون العدو فكثرهم العدو أو قووا عليهم وإن
لم يكثروهم بمكيدة أو غيرها فولى المسلمون غير متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة رجوت أن لا يأثموا
ولا يخرجون والله تعالى أعلم من المأثم إلا بأن لا يولوا العدو دبرا إلا وهم ينوون أحد الامرين من
التحرف إلى القتال أو التحيز إلى فئة فإن ولوا على غير نية واحد من الامرين خشيت أن يأثموا وأن يحدثوا
بعد نية خير لهم ومن فعل هذا منهم تقرب إلى الله عز وجل بما استطاع من خير بلا كفارة معلومة فيه.
قال: ولو ولوا يريدون التحرف للقتال أو التحيز إلى الفئة ثم أحدثوا بعد نية في المقام على الفرار بلا
واحدة من النيتين كانوا غير آثمين بالتولية مع النية لاحد الامرين وخفت أن يأثموا بالنية الحادثة أن يثبتوا
على الفرار لا لواحد من المعنيين (1) وإن بعض أهل الفئ نوى أن يجاهد عدوا بلا عذر خفت عليه
المأثم، ولو نوى المجاهد أن يفر عنه لا لواحد من المعنيين كان خوفي عليه من المأثم أعظم، ولو شهد
القتال من له عذر في ترك القتال من الضعفاء والمرضى الأحرار خفت أن يضيق على أهل القتال لأنهم
إنما عذروا بتركه فإذا تكلفوه فهم من أهله كما يعذر الفقير الزمن بترك الحج فإذا حج لزمه فيه ما لزم من
لا يعذر بتركه من عمل ومأثم وفدية قال: وإن شهد القتال عبد أذن له سيده كان كالاحرار ما كان في
إذن سيده يضيق عليه التولية لأن كل من سميت من أهل الفرائض الذين يجرى عليهم المأثم ويصلحون
للقتال: قال: ولو شهد القتال عبد بغير إذن سيده لم يأثم بالفرار على غير نية واحد من الامرين، لأنه
لم يكن القتال، ولو شهد القتال مغلوب على عقله بلا سكر لم يأثم بأن يولى، ولو شهده مغلوب على
عقله بسكر من خمر فولى كان كتولية الصحيح المطبق للقتال، ولو شهد القتال من لم يبلغ لم يأثم
بالتولية لأنه ممن لا حد عليه ولم تكمل الفرائض عليه، ولو شهد النساء القتال فولين رجوت أن لا يأثمن
بالتولية لأنهن لسن ممن عليه الجهاد كيف كانت حالهن. قال: وإذا حضر العدو القتال فأصاب
المسلمون غنيمة ولم تقسم حتى ولت منهم طائفة، فإن قالوا ولينا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة
كانت لهم سهمانهم فيما غنم بعد وإن لم يكونوا مقاتلين ولا ردءا ولو غنم المسلمون غنيمة ثم لم تقسم
خمست أو لم تخمس حتى ولوا وأقروا أنهم ولوا بغير نية واحد من الامرين وادعوا أنهم بعد التولية
أحدثوا نية أحد الامرين والرجعة ورجعوا لم يكن لهم غنيمة لأنها لم تصر إليهم حتى صاروا ممن عصى
بالفرار وترك الدفع عنها وكانوا آثمين بالترك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ولى القوم غير
متحرفين إلى فئة ثم غزوا غزاة أخرى وعادوا إلى ترك الغزاة فما كان فيها من غنيمة شهدوها ولم يولوا
بعدها فلهم حقهم منها. وإذا رجع القوم القهقري بلا نية لاحد الامرين كانوا كالمولين لأنه إنما أريد
بالتحريم الهزيمة عن المشركين، وإذا غزا القوم فذهبت دوابهم لم يكن لهم عذر بأن يولوا وإن ذهب
السلاح والدواب وكانوا يجدون شيئا يدفعون به من حجارة أو خشب أو غيرها، وكذلك إن لم يجدوا

(1) كذا في الأصل: ولعله " أن لا يجاهد " وحرر اه‍.
179

من هذا شيئا فأحب إلى أن يولوا فإن فعلوا أحببت أن يجمعوا مع الفعل على أن يكونوا متحرفين لقتال أو
متحيزين إلى فئة ولا يبين أن يأثموا لأنهم ممن لا يقدر في هذه الحالة على شئ يدفع به عن نفسه،
وأحب في هذا كله أن لا يولى أحد بحال إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة، ولو غزا المشركون بلاد
المسلمين كان تولية المسلمين عنهم كتوليتهم لو غزاهم المسلمون إذا كانوا نازلين لهم عليهم أن يبرزوا إليهم.
قال: ولا يضيق على المسلمين أن يتحصنوا من العدو في بلاد العدو وبلاد الاسلام وإن كانوا قاهرين
للعدو فيما يرون إذا ظنوا ذلك أزيد في قوتهم ما لم يكن العدو يتناول من المسلمين أو أموالهم شيئا في
تحصنهم عنهم فإذا كان واحد من المعنيين ضررا على المسلمين ضاق عليهم إن أمكنهم الخروج أن
يتخلفوا عنهم، فأما إذا كان العدو قاهرين فلا بأس أن يتحصنوا إلى أن يأتيهم مدد أو تحدث لهم قوة
وإن ونى عليهم فلا بأس أن يولوا عن العدو ما لم يلتقوا هم والعدو لأن النهى إنما هو في التولية بعد
اللقاء (قال الشافعي) رحمه الله: والتحرف للقتال الاستطراد إلى أن يمكن المستطرد الكرة في أي حال
ما كان الامكان والتحيز إلى الفئة أين كانت الفئة ببلاد العدو أو ببلاد الاسلام بعد ذلك أقرب إنما يأثم
في التولية من لم ينو واحدا من المعنيين * أخبرنا ابن عيينة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي
ليلى عن ابن عمر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فلقوا العدو فحاص الناس
حيصة فأتينا المدينة وفتحنا بابها فقلنا يا رسول الله: نحن الفرارون قال " أنتم العكارون وأنا فئتكم "
أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أنا فئة كل
مسلم.
في إظهار دين النبي صلى الله عليه وسلم على الأديان
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين
كله ولو
كره المشركون " أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي
نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله " (قال الشافعي) لما أتى كسرى بكتاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم مزقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يمزق ملكه " (قال الشافعي) وحفظنا أن قيصر
أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ووضعه في مسك فقال النبي صلى الله عليه وسلم " يثبت ملكه "
(قال الشافعي) ووعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فتح فارس والشام فأغزى أبو بكر الشام على
ثقة من فتحها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح بعضها وتم فتحها في زمان عمر وفتح العراق
وفارس (قال الشافعي) فقد أظهر الله عز وجل دينه الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم على
الأديان بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق وما خالفه من الأديان باطل وأظهره بأن جماع الشرك دينان
دين أهل الكتاب ودين الأميين فقهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأميين حتى دانوا بالاسلام طوعا
وكرها وقتل من أهل الكتاب وسبى حتى دان بعضهم الاسلام وأعطى بعض الجزية صاغرين وجرى
عليهم حكمه صلى الله عليه وسلم وهذا ظهور الدين كله قال: وقد يقال ليظهرن الله عز وجل دينه على
الأديان حتى لا يدان الله عز وجل إلا به وذلك متى شاء الله تبارك وتعالى (قال الشافعي) وكانت
180

قريش تنتاب الشام انتيابا كثيرا مع معايشها منه وتأتى العراق، قال فلما دخلت في الاسلام ذكرت
للنبي صلى الله عليه وسلم خوفها من انقطاع تعايشها بالتجارة من الشام والعراق إذا فارقت الكفر
ودخلت في الاسلام مع خلاف ملك الشام والعراق لأهل الاسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا
هلك كسرى فلا كسرى بعده " (قال الشافعي) فلم يكن بأرض العراق كسرى بعده ثبت له أمر بعده،
قال: " وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده " فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده وأجابهم على ما قالوا له
وكان كما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطع الله الأكاسرة عن العراق وفارس وقيصر ومن قام
بالامر بعده عن الشام (قال الشافعي) قال النبي صلى الله عليه وسلم في كسرى " يمزق ملكه " فلم يبق
للأكاسرة ملك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقال في قيصر " يثبت ملكه " فثبت له ملك ببلاد
الروم إلى اليوم وتنحى ملكه عن الشام وكل هذا أمر يصدق بعضه بعضا.
الأصل فيمن تؤخذ الجزية منه ومن لا تؤخذ
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: بعث الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بمكة وهي بلاد
قومه وقومه أميون وكذلك من كان حولهم من بلاد العرب ولم يكن فيهم من العجم إلا مملوك أو أجير أو
مجتاز أو من لا يذكر قال الله تبارك وتعالى " هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته " الآية
فلم يكن من الناس أحد في أول ما بعث أعدى له من عوام قومه ومن حولهم، وفرض الله عز وجل
عليه جهادهم فقال " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " فقيل فيه فتنة شرك ويكون
الدين كله واحدا لله وقال في قوم كان بينه وبينهم شئ " فإذا انسلخ الأشهر الحرام فاقتلوا المشركين
حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم " الآية مع نظائر لها في القرآن * أخبرنا عبد العزيز بن محمد
عن محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا أزال أقاتل
الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " أخبرنا
سفيان بن عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن أبي عصام المزني عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان إذا بعث سرية قال " إن رأيتم مسجدا أو سمعتم مؤذنا فلا تقتلوا أحدا " أخبرنا سفيان عن ابن شهاب
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل
الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله "
قال أبو بكر " هذا من حقها لو منعوني عقالا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه "
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى يعنى من منع الصدقة ولم يرتد * أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة أن عمر قال لأبي بكر هذا القول أو ما معناه (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وهذا مثل الحديثين قبله في المشركين مطلقا وإنما يراد به والله تعالى أعلم
مشركو أهل الأوثان ولم يكن بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قربه أحد من مشركي أهل
الكتاب إلا يهود المدينة وكانوا حلفاء الأنصار ولم تكن أنصار اجتمعت أول ما قدم رسول الله صلى الله
عليه وسلم إسلاما فوادعت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تخرج إلى شئ من عداوته بقول يظهر
ولا فعل حتى كانت وقعة بدر فكلم بعضها بعضا بعداوته والتحريض عليه فقتل رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيهم ولم يكن بالحجاز علمته إلا يهودي أو نصراني بنجران وكانت المجوس بهجر وبلاد البربر
181

وفارس نائين عن الحجاز دونهم مشركون أهل أوثان كثير (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فأنزل الله عز
وجل على رسوله فرض قتال المشركين من أهل الكتاب فقال " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم
الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله " الآية ففرق الله عز وجل كما شاء لا معقب لحكمه بين قتال أهل
الأوثان ففرض أن يقاتلوا حتى يسلموا وقتل أهل الكتاب ففرض أن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية أو أن
يسلموا وفرق الله تعالى * بين قتالهم أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن محمد بن أبان عن علقمة بن مرثد
عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية أو جيشا أمر عليهم
قال " إذا لقيت عدوا من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو ثلاث خلال شك علقمة
أدعهم إلى الاسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم أدعهم إلى التحول من دارهم إلى دار
المهاجرين فإن أجابوك فاقبل منهم وأخبرهم أنهم إن فعلوا أن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما عليهم وإن
اختاروا المقام في دارهم أنهم كأعراب المسلمين يجرى عليهم حكم الله عز وجل كما يجرى على المسلمين
وليس لهم في الفئ شئ إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن لم يجيبوك إلى الاسلام فادعهم إلى إعطاء
الجزية، فإن فعلوا فاقبل منهم ودعهم. فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم (قال الشافعي) حدثني
عدد كلهم ثقة عن غير واحد كلهم ثقة لا أعلم إلا أن فيهم سفيان الثوري عن علقمة بمثل معنى هذا
الحديث لا يخالفه (قال الشافعي) وهذا في أهل الكتاب خاصة دون أهل الأوثان وليس يخالف هذا
الحديث حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا
إله إلا الله " ولكن أولئك الناس أهل الأوثان والذين أمر الله أن تقبل منهم الجزية أهل الكتاب،
والدليل على ذلك ما وصفت من فرق الله بين القتالين ولا يخالف أمر الله عز وجل أن يقاتل المشركون
حتى يكون الدين لله ويقتلوا حيث وجدوا حتى يتوبوا ويقيموا الصلاة وأمر الله عز وجل بقتال أهل
الكتاب حتى يعطوا الجزية ولا تنسخ واحدة من الآي غيرها ولا واحد من الحديثين غيره وكل فيما أنزل
الله عز وجل ثم سن رسوله فيه (قال الشافعي) ولو جهل رجل فقال إن أمر الله بالجزية نسخ أمره
بقتال المشركين حتى يسلموا جاز عليه أن يقول جاهل مثله بل الجزية منسوخة بقتال المشركين حتى
يسلموا ولكن ليس فيهما ناسخ لصاحبه ولا مخالف.
من يلحق بأهل الكتاب
(قال الشافعي) انتوت قبائل من العرب قبل أن يبعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وينزل
عليه الفرقان فدانت دين أهل الكتاب وقارب بعض أهل الكتاب العرب من أهل اليمن فدان بعضهم
دينهم وكان من أنزل الله عز وجل فرض قتاله من أهل الأوثان حتى يسلم مخالفا دين من وصفته دان
دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان على نبي الله صلى الله عليه وسلم لتمسك أهل الأوثان بدين آبائهم
فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من أكيدر دومة وهو رجل يقال من غسان أو من كندة وأخذ
رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من ذمة أهل اليمن وعامتهم عرب ومن أهل نجران وفيهم عرب
فدل ذلك على ما وصفت من أن الاسلام لم يكن وهم أهل أوثان بل دائنين دين أهل الكتاب مخالفين
دين أهل الأوثان وكان في هذا دليل على أن الجزية ليست على النسب إنما هي على الدين وكان أهل
الكتاب المشهور عند العامة أهل التوراة من اليهود والإنجيل من النصارى وكانوا من بني إسرائيل
182

وأحطنا بأن الله عز وجل أنزل كتبا غير التوراة والإنجيل والفرقان قال الله عز وجل " أم لم ينبأ بما في
صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى " فأخبر أن لإبراهيم صحفا وقال تبارك وتعالى " وإنه لفى زبر
الأولين " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فكانت المجوس يدينون غير دين أهل الأوثان ويخالفون أهل
الكتاب من اليهود والنصارى في بعض دينهم وكان أهل الكتاب اليهود والنصارى يختلفون في بعض
دينهم وكان المجوس بطرف من الأرض لا يعرف السلف من أهل الحجاز من دينهم ما يعرفون من دين
النصارى واليهود حتى عرفوه وكانوا والله تعالى أعلم أهل كتاب يجمعهم اسم انهم أهل كتاب مع اليهود
والنصارى * أخبرنا ابن عيينة عن أبي سعد سعيد بن المرزيان عن نصر بن عاصم قال قال فروة بن
نوفل الأشجعي على م تؤخذ الجزية من المجوس وليسوا بأهل كتاب؟ فقام إليه المستورد فأخذ بلبه وقال
يا عدو الله تطعن علي أبى بكر وعلى أمير المؤمنين يعنى عليا وقد أخذوا منهم الجزية فذهب به إلى القصر
فخرج على عليهما فقال ألبدا فجلسا في ظل القصر فقال على رضى الله تعالى عنه أنا أعلم الناس
بالمجوس كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه وإنما ملكهم سكر فوقع على ابنته أو أخته فاطلع عليه
بعض أهل مملكته فلما صحا خاف أن يقيموا عليه الحد فامتنع منهم فدعا أهل مملكته فلما اتوه قال
تعلمون دينا خيرا من دين آدم؟ وقد كان آدم ينكح بنيه بناته وأنا على دين آدم ما يرغب بكم عن
دينه؟ فتابعوه وقاتلوا الذين خالفوه حتى قتلوهم فأصبحوا وقد أسرى على كتابهم فرفع من بين أظهرهم
وذهب العلم الذي في صدورهم فهن أهل كتاب وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر
منهم الجزية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وما روى عن علي من هذا دليل على ما وصفت أن المجوس
أهل كتاب ودليل أن عليا كرم الله وجهه ما خبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ الجزية منهم إلا
وهم أهل كتاب ولا من بعده فلو كان يجوز أخذ الجزية من غير أهل الكتاب لقال على الجزية تؤخذ
منهم كانوا أهل كتاب أو لم يكونوا أهله، ولم أعلم ممن سلف من المسلمين أحدا أجاز أن تؤخذ الجزية
من غير أهل الكتاب * أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو أنه سمع بجالة يقول ولم يكن عمر أخذ الجزية
من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس أهل
هجر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وحديث بجالة متصل ثبات لأنه أدرك عمر وكان رجلا في زمانه
كاتبا لعماله وحديث نصر بن عاصم عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم متصل وبه يأخذ وقد روى
من حديث الحجاز حديثان منقطعان بأخذ الجزية من المجوس * أخبرنا مالك عن جعفر بن محمد عن
أبيه أن عمر بن الخطاب ذكر له المجوس فقال ما أدرى كيف أصنع في أمرهم فقال له عبد الرحمن
بن عوف أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى إن كان ثابتا فنفتي في أخذ الجزية لأنهم أهل كتاب لا أنه يقال إذا قال سنوا
بهم سنة أهل الكتاب والله تعالى أعلم في أن تنكح نساؤهم وتؤكل ذبائحهم قال ولو أراد جميع
المشركين (1) غير أهل الكتاب لقال والله تعالى أعلم سنوا بجميع المشركين سنة أهل الكتاب ولكن لما قال
سنوا بهم فقد خصهم وإذا خصهم فغيرهم مخالف ولا يخالفهم إلا غير أهل الكتاب * أخبرنا مالك
عن ابن شهاب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس البحرين وأن عثمان بن

(1) أي ان الشافعي يفتن بحمل الحديث على معاملة المجوس معاملة أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط اه‍.
183

عفان رضى الله تعالى عنه أخذها من البربر (قال الشافعي) رحمه الله ولا يجوز أن يسأل عمر عن
المجوس ويقول ما أدرى كيف أصنع بهم وهو يجوز عنده أن تؤخذ الجزية من جميع المشركين لا يسأل
عما يعلم أنه جائز له ولكنه سأل عن المجوس إذ لم يعرف من كتابهم ما عرف من كتاب اليهود والنصارى
حتى أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بأخذه الجزية وأمره بأخذ الجزية منهم فيتبعه وفى كل ما
حكيت ما يدل على أنه لا يسعه أخذ الجزية من غير أهل الكتاب.
تفريع من تؤخذ منه الجزية من أهل الأوثان
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) فكل من دان ودان آباؤه أو دان بنفسه وإن لم يدن آباؤه دين
أهل الكتاب اي كتاب كان قبل نزول الفرقان وخالف دين أهل الأوثان قبل نزول الفرقان فهو خارج
من أهل الأوثان وعلى الإمام إذا أعطاه الجزية وهو صاغر أن يقبلها منه عربيا كان أو عجميا، وكل من
دخل عليه الاسلام ولا يدين دين أهل الكتاب ممن كان عربيا أو عجميا، فأراد ان تؤخذ منه
الجزية ويقر على دينه أو يحدث أن يدين دين أهل الكتاب فليس للإمام ان يأخذ منه الجزية، وعليه
ان يقاتله حتى يسلم كما يقاتل أهل الأوثان حتى يسلموا، قال: وأي مشرك ما كان إذا لم يدع أهل
دينه دين أهل الكتاب فهو كأهل الأوثان وذلك مثل أن يعبد الصنم وما استحسن من شئ ومن يعطل
ومن في معناهم، ومن غزا المسلمون ممن يجهلون دينه فذكروا لهم أنهم أهل كتاب (1) فهم أهل كتاب
سئلوا متى دانوا به وآباؤهم، فإن ذكروا أن ذلك قبل نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
قبلوا قولهم إلا أن يعلموا غير ما قالوا، فإن علموا ببينة تقوم عليهم لم يأخذوا منهم الجزية ولم يدعوهم
حتى يسلموا أو يقتلوا وإن علموه بإقرار فكذلك، وإن أقر بعضهم أنه لم يدن ولم يدن آباؤه دين أهل الكتاب
إلا في وقت يذكرونه يعلم أنه قبل أن ينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم أقررناهم على دينه
وأخذنا منهم الجزية، ولا يكون الإمام أخذها إلا أن يقول آخذها منكم حتى أعلم أن لم تدينوا وآباؤكم
هذا الدين إلا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا علمته لم آخذها منكم فيما أستقبل ونبذت إليكم
فإما أن تسلموا وإما أن تقتلوا (2) فإذا أخبرنا من الذين أسلموا منهم قوما عدولا فأثبتوا لنا على هؤلاء
الذين أخذت منهم الجزية بقولهم بأن لم يدينوا دين أهل الكتاب بحال إلا بعد نزول الفرقان، وإن
شهد هؤلاء النفر المسلمون أو اثنان منهم على جماعتهم أن لم يدينوا دين أهل الكتاب إلا في وقت
كذا وأن آباءهم كانوا يدينون دين أهل الكتاب نبذت إلى من بلغ منهم ولم يدن دين أهل الكتاب إلا
في وقت كذا وكان ذلك بعد نزول الفرقان، قال ولم ينبذ إلى صغارهم إذ كان آباؤهم دانوا دين أهل
الكتاب قبل نزول الفرقان، ولو أن هؤلاء النفر العدول شهدوا على أنفسهم أنهم لم يكونوا دانوا دين
أهل الكتاب إلا بعد نزول الفرقان كان إقرارا منهم على أنفسهم لا أجعله شهادة على غيرهم ولا أقبل
الشهادة على أحد منهم إلا بأن يثبتوها عليه أن الفرقان نزل ولا يدين دين أهل الكتاب فإذا فعلوا لم
أقبل منه الجزية ولو كان آباؤهم من أهل الكتاب لأنه لا يكون دينه دين آبائه إذا بلغ إنما يكون مقرا

(1) قوله: فهم أهل كتاب لعله زائد من الناسخ، تأمل، فإن الجواب ما بعده، وحرر.
(2) وقوله: فإذا أخبرنا الخ لم يذكر الجواب ولعله ينبذ إليهم " فتأمل.
184

على دين آبائه ما لم يبلغ فلو شهدوا أن أبا رجلين مات على دين أهل الكتاب يهوديا أو نصرانيا وله ابن
بالغ مخالف دين أهل الكتاب وابن صغير ونزل الفرقان وهما بتلك الحال فبلغ الصغير ودان دين أهل
الكتاب وعاد البالغ إلى دينهم أخذت الجزية من الصغير لأنه كان يقر على دين أبيه ولم يدن بعد البلوغ
دينا غيره ولا اخذها من الكبير الذي نزل الفرقان وهو على دين غير دين أهل الكتاب.
من ترفع عنه الجزية
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما
حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم
صاغرون " قال فكان بينا في الآية والله تعالى أعلم أن الذين فرض الله عز وجل قتالهم حتى يعطوا
الجزية الذين قامت عليهم الحجة بالبلوغ فتركوا دين الله عز وجل وأقاموا على ما وجدوا عليه آباءهم من
أهل الكتاب وكان بينا أن الذين أمر الله بقتالهم عليها الذين فيهم القتال وهم الرجال البالغون (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى ثم أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل معنى كتاب الله عز وجل فأخذ
الجزية من المحتلمين دون من دونهم ودون النساء وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تقتل النساء
من أهل الحرب ولا الولدان وسباهم فكان ذلك دليلا على خلاف بين النساء والصبيان والرجال ولا
جزية على من لم يبلغ من الرجال ولا على امرأة وكذلك لا جزية على مغلوب على عقله من قبل أنه لا
دين لا تمسك به ترك له الاسلام وكذلك لا جزية على مملوك لأنه لا مال له يعطى منه الجزية فأما من
غلب على عقله أياما ثم أفاق أو جن فتؤخذ منه الجزية لأنه يجري عليه القلم في حال إفاقته وليس يخلو
بعض الناس من العلة يغرب بها عقله ثم يفيق فإذا أخذت من صحيح ثم غلب على عقله حسب له من يوم
غلب على عقله فإن أفاق لم ترفع عنه الجزية وإن لم يفق رفعت عنه من يوم غلب على عقله قال وإذا
صولحوا على أن يؤدوا عن أبنائهم ونسائهم سوى من يؤدون عن أنفسهم فإن كان ذلك من أموال الرجال
فذلك جائز وهو كما ازديد عليهم من أقل الجزية ومن الصدقة ومن أموالهم إذا اختلفوا وغير ذلك مما
يلزمهم إذا شرطوه لنا وإن كانوا على أن يؤدوها من أموال نسائهم أو أبنائهم الصغار لم يكن ذلك عليهم
ولا لنا أن نأخذه من أبنائهم ولا نسائهم بقولهم (1) فلا شيئا عليك فإن قالت فأنا أؤدي بعد علمها قبل
ذلك منها ومتى امتنعت وقد شرطت أن تؤدى لم يلزمها الشرط ما أقامت في بلادها وكذلك لو تجرت
بمالها لم يكن عليها أن تؤدى إلا أن تشاء ولكنها تمنع الحجاز فإن قالت أدخلها على شئ يؤخذ منى
فألزمته نفسها جاز عليها لأنه ليس لها دخول الحجاز وإذا صالحت على أن يؤخذ من مالها شئ في غير
بلاد الحجاز فإن أدته قبل وإن منعته بعد شرطه فلها منعه لأنه لا يبين لي أن على أهل الذمة أن يمنعوا
من غير الحجاز ولو شرط هذا صبي أو مغلوب على عقله لم يجز الشرط عليه ولا يؤخذ من ماله وكذلك
لو شرط أبو الصبي أو المعتوه أو وليهما ذلك عليهما لم يكن ذلك لنا ولنا أن نمنعهما من أن يختلفا في بلاد
الحجاز وكذلك يمنع مالهما مع الذي لا يؤدى شيئا عن نفسه ولا يكون لنا منعه من مسلم ولا ذمي يؤدى
عن ماله وتمنع أنفسهما قال ولو أن أهل دار من أهل الكتاب امتنع رجالهم من أن يصالحوا على جزية أو

(1) لعله " ويقال لهم فلا شئ عليك " تأمل. كتبه مصححه
185

يجرى عليهم الحكم وأطاعوا بالجزية ولنا قوة عليهم وليس في صلحهم نظر فسألوا أن يؤدوا الجزية عن
نسائهم وأبنائهم دونهم لم يكن ذلك لنا وإن صالحوهم على ذلك فالصلح منتقض ولا نأخذ منهم شيئا
إن سموه على النساء والأبناء لأنهم قد منعوا أموالهم بالأمان وليس على أموالهم جزية وكذلك لا نأخذها
من رجالهم وإن شرطها رجالهم ولم يقولوا من أبنائنا ونسائنا أخذناها من أموال من شرطها بشرطه
وكذلك لو دعا إلى هذا النساء والأبناء لم يؤخذ هذا منهم وكذلك لو كان النساء والأبناء أخلياء من
رجالهم ففيها قولان أحدهما ليس لنا ان نأخذ منهم الجزية ولنا أن نسبيهم لأن الله عز وجل إنما أذن
بالجزية مع قطع حرب الرجال وأن يجري عليهم الحكم ولا حرب في النساء والصبيان إنما هن غنيمة
وليسوا في المعنى الذي أذن الله عز وجل بأخذ الجزية به والقول الثاني: ليس لنا سباؤهم وعلينا الكف
عنهم إذا أقروا بأن يجرى عليهم الحكم وليس لنا أن نأخذ من أموالهم شيئا وإن أخذناه فعلينا رده قال
وتؤخذ الجزية من الرهبان والشيخ الفاني الزمن وغيره ممن عليه الحكم من رجال المشركين الذين أذن
الله عز وجل بأخذ الجزية منهم وإذا صالح القوم من أهل الذمة على الجزية ثم بلغ منهم مولود قبل
حولهم بيوم أو أقل أو أكثر فرضى بالصلح سئل فإن طابت نفسه بالأداء لحوله قومه أخذت منه وإن لم
تطب نفسه فحوله حول نفسه لأنه إنما وجب عليه الجزية بالبلوغ والرضا ويأخذ منه الإمام من حين
رضى على حوله أصحابه وفضل إن كان عليه من سنة قبلها لئلا تختلف أحوالهم كأن بلغ قبل الحول
بشهر فصالحه على دينار كل حول فيأخذ منه إذا حال حول أصحابه نصف سدس دينار وفى حول
مستقبل معهم دينار فإذا أخره أخذ منه في حول أصحابه دينار ونصف سدس دينار.
الصغار مع الجزية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل " حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " قال
فلم يأذن الله عز وجل في أن تؤخذ الجزية ممن أمر بأخذها منه حتى يعطيها عن يد صاغرا (قال
الشافعي) وسمعت عددا من أهل العلم يقولون الصغار أن يجزى عليهم حكم الاسلام (قال الشافعي)
وما أشبه ما قالوا بما قالوا لامتناعهم من الاسلام فإذا جرى عليهم حكمه فقد أصغروا بما يجرى عليهم منه
(قال الشافعي) وإذا أحاط الإمام بالدار قبل أن يسبى أهلها أو قهر أهلها القهر البين ولم يسبهم أو كان
على سبيه بالإحاطة من قهره لهم ولم يغزهم لقربهم أو قلتهم أو كثرتهم وقوته فعرضوا عليه أن يعطوا
الجزية على أن يجرى عليهم حكم الاسلام لزمه أن يقبلها منهم ولو سألوه أن يعطوها على أن لا يجرى
عليهم حكم الاسلام لم يكن ذلك له وكان عليه أن يقاتلهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية وهم صاغرون
بأن يجرى عليهم حكم الاسلام قال فإن سألوه أن يتركوا من شئ من حكم الاسلام إذا طلبهم به
غيرهم أو وقع عليهم بسبب غيرهم لم يكن له أن يجيبهم إليه ولا يأخذ الجزية منهم عليه فأما إذا كان في
غزوهم مشقة أو من بإزائهم من المسلمين ومن ينتابهم عنهم ضعف أو بهم (1) انتصاف فلا بأس أن
يوادعوا وإن لم يعطوا شيئا أو أعطوه على النظر وإن لم يجر عليهم حكم الاسلام كما يجوز ترك قتالهم
وموادعتهم على النظر وهذا موضوع في كتاب الجهاد دون الجزية،

(1) لعله " أو بهم أي بالمسلمين انتقاص تأمل. كتبه مصححه.
186

مسألة إعطاء الجزية بعدما يؤسرون
(قال الشافعي) وإذا أسر الإمام قوما من أهل الكتاب وحوى نساءهم وذراريهم وأولادهم فسألوه
تخليتهم وذراريهم ونسائهم على إعطاء الجزية لم يكن ذلك له في نسائهم ولا أولادهم ولا ما غلب من
ذراريهم وأموالهم وإذا سألوه إعطاء الجزية في هذا الوقت لم يقبل ذلك منهم لأنهم صاروا غنيمة أو فيئا
وكان له القتل والمن والفداء كما كان ذلك له في أحرار رجالهم البالغين خاصة لأن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قد من وفادى وقتل أسرى الرجال وأذن الله عز وجل بالمن والفداء فيهم فقال " فضرب
الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء " (قال الشافعي) ولو كان أسر أكثر
الرجال وحوى أكثر النساء والذراري والأموال وبقيت منهم بقية لم يصل إلى أسرهم بامتناع في موضع
أو هرب كان له وعليه أن يعطى الممتنعين أحد الجزية والأمان على أموالهم ونسائهم إن لم يكن أحرز من
ذلك شيئا فإن أعطاهم ذلك مطلقا فكان قد أحرز من ذلك شيئا لم يكن له الوفاء به وكان عليه أن
يقسم ما أحرز لهم وخيرهم بين أن يعطوا الجزية عن أنفسهم وما لم يحرز لهم أو ينبذ إليهم ولو جاء الإمام
رسل بعض أهل الحرب فأجابهم إلى أمان من جاءوا عنده من بلد كذا وكذا على أخذ الجزية وخالف
الرسل من غزا من المسلمين فافتتحوها وحووا بلادهم نظر فإن كان الأمان كان لهم قبل الفتح وقبل أن
يحووا البلاد خلى سبيلهم وكانت لهم الذمة على ما أعطوا ولو أعطوا ذمة منتقصة خلى سبيلهم ونبذ إليهم
وإن كان سبأوهم والغلبة على بلادهم كان قبل إعطاء الإمام إياهم ما أعطاهم مضى عليهم السباء
وبطل ما أعطى الإمام لأنه أعطى الأمان ما كان رقيقا وماله غنيمة أو فيئا كما لو أعطى قوما حووا أن
يرد إليهم أموالهم لم يكن ذلك له.
مسألة اعطاء الجزية على سكنى بلد ودخوله
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " إنما المشركون نجس " الآية قال فسمعت بعض أهل العلم
يقول المسجد الحرام الحرم (قال الشافعي) وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا ينبغي لمسلم
أن يؤدى الخراج ولا لمشرك أن يدخل الحرم " قال وسمعت عددا من أهل العلم بالمغازي يروون أنه كان
في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم بعد عامهم هذا فإن سأل أحد ممن
تؤخذ منه الجزية أن يعطيها ويجرى عليه الحكم على أن يترك يدخل الحرم بحال فليس للإمام أن يقبل
منه على ذلك شيئا ولا أن يدع مشركا يطأ الحرم بحال من الحالات طبيبا كان أو صانعا بنيانا أو غيره
لتحريم الله عز وجل دخول المشركين المسجد الحرام وبعده تحريم رسوله ذلك وإن سأل من تؤخذ منه
الجزية أن يعطيها ويجرى عليه الحكم على أن يسكن الحجاز لم يكن ذلك له والحجاز مكة والمدينة
واليمامة ومخالفيها كلها لأن تركهم بسكنى الحجاز منسوخ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم استثنى على
أهل خيبر حين عاملهم فقال " أقركم ما أقركم الله " ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجلائهم من
الحجاز ولا يجوز صلح ذمي على أن يسكن الحجاز بحال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأحب إلى أن
لا يدخل الحجاز مشرك بحال لما وصفت من أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال ولا يبين لي أن يحرم أن
يمر ذمي بالحجاز مارا لا يقيم ببلد منها أكثر من ثلاث ليال وذلك مقام مسافر لأنه قد يحتمل أمر النبي
187

صلى الله عليه وسلم بإجلائهم عنها أن لا يسكنوها ويحتمل لو ثبت عنه " لا يبقين دينان بأرض العرب "
لا يبقين دينان مقيمان ولولا أن عمر ولى الخراج أهل الذمة لما ثبت عنده من أن أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم محتمل ما رأى عمر من أن أجل من قدم من أهل الذمة تاجرا ثلاث لا يقيم فيها بعد ذلك
لرأيت أن لا يصالحوا بدخولها بكل حال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يتخذ ذمي شيئا من
الحجاز دارا ولا يصالح على دخولها إلا مجتازا إن صولح * أخبرنا يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر
عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب (1) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا أذن لهم أن
يدخلوا الحجاز فذهب لهم بها مال أو عرض بها شغل قيل لهم: وكلوا بها من شئتم من المسلمين
واخرجوا ولا يقيمون بها أكثر من ثلاث وأما مكة فلا يدخل الحرم أحد منهم بحال أبدا كان لهم بها مال
أو لم يكن وإن غفل عن رجل منهم فدخلها فمرض أخرج مريضا أو مات أخرج ميتا ولم يدفن بها وإن
مات منهم ميت بغير مكة دفن حيث يموت أو مرض فكان لا يطيق أن يحمل إلا بتلف عليه أو زيادة
في مرضه ترك حتى يطيق الحمل ثم يحمل قال وإن صالح الإمام أحدا من أهل الذمة على شئ يأخذه
في السنة منهم مما قلت لا يجوز الصلح عليه على أن يدفعوا إليه شيئا فيقبض ما حل عليهم فلا يرد منه
شيئا لأنه قد وفى له بما كان بينه وبينه وإن علم بعد مضى نصف السنة نبذه إليهم مكانه وأعلم أن
صلحهم لا يجوز وقال إن رضيتم صلحا يجوز جددته لكم وإن ترضوه أخذت منكم ما وجب عليكم
وهو نصف ما صالحتكم عليه في السنة لأنه قد تم لكم ونبذت إليكم وإن كانوا صالحوا على أن سلفوه
شيئا لسنتين رد عليهم ما صالحوه عليه إلا قدر ما استحق بمقامهم ونبذ إليهم ولم أعلم أحدا أجلى أحدا
من أهل الذمة من اليمن وقد كانت بها ذمة وليست بحجاز فلا يجلبهم أحد من اليمن ولا بأس أن
يصالحهم على مقامهم باليمن فأما سائر البلدان ما خلا الحجاز فلا بأس أن يصالحوا على المقام بها فإذا
وقع لذمي حق بالحجاز وكل به ولم أحب أن يدخلها بحال ولا يدخلها لمنفعة لأهلها ولا غير ذلك من
أسباب الدخول كتجارة يعطى منها شيئا ولا كراء يكريه مسلم ولا غيره (2) فإن أمر بإجلائه من موضع
فقد يمنع من الموضع الذي أجلى منه وهذا إذا فعل فليس في النفس منه شئ وإذا كان هذا هكذا فلا
يتبين أن يمنعوا ركوب بحر الحجاز ويمنعون المقام في سواحله وكذلك إن كانت في بحر الحجاز جزائر
وجبال تسكن منعوا سكناها لأنها من أرض الحجاز وإذا دخل الحجاز منهم رجل في هذه الحالة فإن
كان تقدم إليه أدب وأخرج وإن لم يكن تقدم إليه لم يؤدب وأخرج وإن عاد أدب وإن مات منهم
ميت في هذه الحال بمكة أخرج منها وأخرج من الحرم فدفن في الحل ولا يدفن في الحرم بحال لأن
الله عز وجل قضى أن لا يقرب مشرك المسجد الحرام ولو أنتن أخرج من الحرم ولو دفن بها نبش ما لم
ينقطع وإن مات بالحجاز دفن بها وإن مرض في الحرم أخرج فإن مرض بالحجاز يمهل بالاخراج حتى
يكون محتملا للسفر فإن أحتمله أخرج قال وقد وصفت مقدمهم بالتجارات بالحجاز فيما يؤخذ منهم
وأسأل الله التوفيق وأحب إلى أن لا يتركوا بالحجاز بحال لتجارة ولا غيرها.

(1) قد بيض في الأصل لمتن الحديث.
(2) وقوله: فإن أمر بإجلائه الخ لعل المراد " أيام أمرنا بإجلائه من الحجز " وهذا يتضمن المنع من الإقامة به. وتأمل.
188

كم الجزية؟
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " حتى يعطوا الجزية عن يد " وكان معقولا أن الجزية شئ
يؤخذ في أوقات وكانت الجزية محتملة للقليل والكثير (قال الشافعي) وكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم جزية أهل اليمن دينارا في
كل سنة أو قيمته من المعافري وهي الثياب وكذلك روى أنه أخذ من أهل أيلة ومن نصارى مكة دينارا
عن كل إنسان قال وأخذ الجزية من أهل نجران فيها كسوة ولا أدرى ما غاية ما أخذ منهم وقد سمعت
بعض أهل العلم من المسلمين ومن أهل الذمة من أهل نجران يذكر ان قيمة ما أخذ من كل واحد أكثر
من دينار وأخذها من أكيدر ومن مجوس البحرين لا أدرى كم غاية ما أخذ منهم ولم أعلم أحدا قط
حكى عنه أنه أخذ من أحد أقل من دينار * أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني إسماعيل بن أبي حكيم
عن عمر بن عبد العزيز أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن " إن على كل إنسان منكم
دينارا أو قيمته من المعافري " يعنى أهل الذمة منهم * أخبرني مطرف بن مازن وهشام بن يوسف بإسناد
لا أحفظه غير أنه حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض على أهل الذمة من أهل اليمن دينارا كل سنة
قلت لمطرف بن مازن فإنه يقال وعلى النساء أيضا فقال ليس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من
النساء ثابتا عندنا (قال الشافعي) وسألت محمد بن خالد وعبد الله بن عمرو بن مسلم وعدة من علماء
أهل اليمن فكل حكى عن عدد مضوا قبلهم كلهم ثقة أن صلح النبي صلى الله عليه وسلم لهم كان
لأهل ذمة اليمن على دينار كل سنة ولا يثبتون أن النساء كن فيمن تؤخذ منه الجزية وقال عامتهم ولم
يأخذ من زروعهم وقد كانت لهم الزروع ولا من مواشيهم شيئا علمناه وقال لي بعضهم قد جاءنا بعض الولاة
فخمس زروعهم أو أرادوها فأنكر ذلك عليه وكل من وصفت أخبرني أنى عامة ذمة أهل اليمن من
حمير (قال الشافعي) سألت عددا كثيرا من ذمة أهل اليمن مفترقين في بلدان اليمن فكلهم أثبت لي لا
يختلف قولهم أن معاذا أخذ منهم دينارا على كل بالغ وسموا البالغ الحالم قالوا كان في كتاب النبي صلى
الله عليه وسلم مع معاذ " إن على كل حالم دينارا " أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث أن النبي
صلى الله عليه وسلم ضرب على نصراني بمكة يقال له موهب دينارا كل سنة وان النبي صلى الله عليه
وسلم ضرب على نصارى أيلة ثلاثمائة دينار كل سنة وأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثا ولا يغشوا
مسلما * أخبرنا إبراهيم عن إسحاق ابن عبد الله أنهم كانوا يومئذ ثلاثمائة فضرب النبي صلى الله عليه وسلم
يؤمئذ ثلاثمائة دينار كل سنة (قال الشافعي) فإذا دعا من يجوز أن تؤخذ منه الجزية إلى الجزية على ما يجوز
وبذل دينارا عن نفسه كل سنة لم يجز للإمام إلا قبوله منه وإن زاده على دينار ما بلغت الزيادة قلت أو
كثرت جاز للإمام أخذها منه لأن اشتراط النبي صلى الله عليه وسلم على نصارى أيلة في كل سنة دينارا
على كل واحد والضيافة زيادة على الدينار وسواء معسر البالغين من أهل الذمة وموسرهم بالغا ما بلغ
يسره لأنا نعلم أنه إذا صالح أهل اليمن وهم عدد كثير على دينار على المحتلم في كل سنة أن منهم المعسر
فلم يضع عنه وأن فيهم الموسر فلم يزد عليه فمن عرض دينارا موسرا كان أو معسرا قبل منه وإن عرض
أقل منه لم يقبل منه لأن من صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نعلمه صالح على أقل من دينار قال
فالدينار أقل ما يقبل من أهل الذمة وعليه أن بذلوه قبوله منه عن كل واحد منهم وإن لم يزد ضيافة ولا
شيئا يعطيه من ماله فإن صالح السلطان أحدا ممن يجوز أخذ الجزية منه وهو يقوى عليه على الأبدي على
189

أقل من دينار أو على أن يضع عمن أعسر من أهل دينه الجزية أو على أن ينفق عليهم من بيت المال
فالصلح فاسد وليس له أن يأخذ من أحد منهم إلا ما صالحه عليه إن مضت مدة بعد الصلح توجب
عليه بشرطه شيئا وعليه أن ينبذ إليهم حتى يصالحوه صلحا جائزا وإن صالحوه صلحا جائزا على دينار أو
أكثر فأعسر واحد منهم بجزيته فالسلطان غريم من الغرماء ليس بأحق بماله من غرمائه ولا غرماؤه منه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن فلسه لأهل دينه قبل أن يحول الحول عليه ضرب مع غرمائه بحصة
جزيته لما مضى عليه من الحول وإن قضاه الجزية دون غرمائه كان له ما لم يستعد عليه غرماؤه أو
بعضهم فإذا استعدى عليه بعضهم فليس له أن يأخذ جزيته دونهم لأن عليه حين استعدى عليه أن
يقف ماله إذا أقر به أو ثبت عليه ببينة فإن لم يستعد عليه كان له أخذ جزيته منه دونهم لأنه لم يثبت
عليه حق عنده حين أخذ جزيته وإن صالح أحدا من أهل الذمة على ما يجوز له فغاب الذمي فله أخذ
حقه من ماله وإن كان غائبا إذا علم حياته وإن لم يعلم حياته سأل وكيله ومن يقوم بماله عن حياته فإن
قالوا مات وقف ماله وأخذ ما استحق فيه إلى يوم يقولون مات فإن قالوا حي وقف ماله إلا أن يعطوه
متطوعين الجزية ولا يكون له أخذها من ماله وهو لا يعلم حياته إلا أن يعطوه إياها متطوعين أو يكون
بعلم ورثته كلهم وأن لا وارث له غيرهم وأن يكونوا بالغين يجوز أمرهم في مالهم فيجيز عليه إقرارهم
على أنفسهم لأنه إن مات فهو مالهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن أخذ الجزية من ماله لسنتين ثم
ثبت عنده أنه مات قبلهما رد حصة ما لم يستحق وكان عليه أن يحاص الغرماء فإن كان ما يصيبه إذا
حاصصهم في للجزية عليه أقل مما أخذ رده عليهم وإن كان ورثته بالغين جائزي الامر فقالوا مات أمس
وشهد شهود أنه مات عام أول فسأل الورثة الوالي أن يرد عليهم جزيته سنة لم يكن على الوالي أن يردها
عليهم لأنهم يكذبون الشهود بسقوط الجزية عنه بالموت ولو جاءنا وارثان فصدق أحدهما الشهود وكذبهم
الآخر فكانا كرجلين شهد لهما رجلان بحقين فصدقهما أحدهما ولم يصدقهما الآخر فتجوز شهادتهما للذي
صدقهما وترد للذي كذبهما وكان على الإمام أن يرد نصف الدينار على الوارث الذي صدق الشهود ولا
يرد على الذي كذب الشهود (قال الشافعي) وإن أخذنا الجزية من أحد من أهلها فافتقر كان الإمام
غريما من الغرماء ولم يكن له أن ينفق من مال الله عز وجل على فقير من أهل الذمة لأن مال الله عز
وجل ثلاثة أصناف الصدقات فهي لأهلها الذين سمى الله عز وجل في سورة براءة والفئ فلأهله
الذين سمى الله عز وجل في سورة الحشر والغنيمة فلأهلها الذين حضروها وأهل الخمس المسمين في
الأنفال وكل هؤلاء مسلم فحرام على الإمام والله تعالى أعلم أن يأخذ من حق أحد من المسلمين فيعطيه
مسلما غيره فكيف بذمي لم يجعل الله تبارك وتعالى فيما تطول به على المسلمين نصيبا؟ ألا ترى أن الذمي
منهم يموت فلا يكون له وارث فيكون ماله للمسلمين دون أهل الذمة لأن الله عز وجل أنعم على
المسلمين بتخويلهم ما لم يكونوا يتخولونه قبل تخويلهم وبأموال المشركين فيئا وغنيمة (قال الشافعي)
ويروون ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل على نصارى أيلة جزية دينار على كل إنسان وضيافة من مر
بهم من المسلمين وتلك زيادة على الدينار (قال الشافعي) فإن بذل أهل الذمة أكثر من دينار بالغا ما
بلغ كان الازدياد أحب إلى ولم يحرم على الإمام مما زادوه شئ وقد صالح عمر أهل الشام على أربعة
دنانير وضيافة * أخبرنا مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب ضرب
الجزية على أهل المذهب أربعة دنانير ومع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام (قال الشافعي) وقد
روى أن عمر ضرب على أهل الورق ثمانية وأربعين وعلى أهل اليسر وعلى أهل الأوساط أربعة وعشرين
190

وعلى من دونهم اثنى عشر درهما وهذا في الدرهم أشبه بمذهب عمر بأنه عدل الدراهم في الداية اثنى
عشر درهما بدينار أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضر أن عمر بن الخطاب
فرض على أهل السواد ضيافة يوم وليلة فمن حبسه مرض أو مطر أنفق من ماله (قال الشافعي) وحديث
أسلم ضيافة ثلاثة أيام أشبه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الضيافة ثلاثا وقد يكون جعلها على
قوم ثلاثا وعلى قوم يوما وليلة ولم يجعل على آخرين ضيافة كما يختلف صلحه لهم فلا يرد بعض الحديث
بعضا.
بلاد العنوة
(قال الشافعي) وإذا ظهر الإمام على بلاد أهل الحرب ونفى عنها أهلها أو ظهر على بلاد وقهر أهلها
ولم يكن بين بلاد الحرب التي ظهر عليها وبين بلاد الاسلام مشرك أو كان بينه وبينهم مشركون لا يمنعون
أهل الحرب الذين ظهروا على بلادهم وكان قاهرا لمن بقي محصورا ومناظرا له وإن لم يكن محصورا
فسأله أولئك من العدو أن يدع لهم أموالهم على شئ يأخذ منهم فيها أو منها قل أو كثر لم يكن ذلك له
لأنها قد صارت بلاد المسلمين وملكا لهم ولم يجز له إلا قسمها بين أظهرهم كما صنع رسول الله صلى الله
عليه وسلم بخيبر فإنه ظهر عليها وهو في عدد المشركون من أهلها أكثر منهم وقربها مشركون من العرب
غير يهود وقد أرادوا منعهم منه فلما بان له أنه قاهر قسم أموالهم كما يقسم ما أحرز في بلاد المسلمين
وخمسها وسألوه وهم متحصنون منه لهم شوكة ثابتة أن يؤمنهم ولا يسبى ذراريهم فأعطاهم ذلك لأنه لم
يظهر على الحصون ومن فيها فيملكها المسلمون ولم يعطهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ظهر عليه
من الأموال إذ رأى أن لا قوة بهم على أن يبرزوا عن الحصون لمنع الأموال وكذلك لم يعطهم ذلك في
حصن ظهر فيه بصفية بنت حيى وأختها وصارت في يديه لأنه ظهر عليه كما ظهر على الأموال ولم يكن
لهم قوة على منعه إياه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهكذا كل ما ظهر عليه من قليل أموال المشركين
أو كثيره أرض أو دار أو غيره لا يختلف لأنه غنيمة وحكم الله عز وجل في الغنيمة أن تخمس وقد بين
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأربعة الأخماس لمن أوجف عليها بالخيل والركاب وإن ظهر المسلمون
على طرف من أطراف المشركين حتى يكون بهم قوة على منعه من المشركين وإن لم ينالوا المشركين فهو
بلد عنوة يجب عليه قسمه وقسم أربعة أخماسه بين من أوجف عليه بخيل وركاب إن كان فيه عمارة أو
كانت لأرضه قيمة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكل ما وصفت أنه يجب قسمه فإن تركه الإمام ولم
يقسمه فوقفه المسلمون أو تركه لأهله رد حكم الإمام فيه لأنه مخالف للكتاب ثم السنة معا فإن قيل فأين
ذكر ذلك في الكتاب؟ قيل قال الله عز وجل " واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول
الآية " وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأربعة الأخماس على من أوجف عليه بالخيل والركاب من
كل ما أوجف عليه من أرض أو عمارة أو مال وإن تركها لأهلها اتبع أهلها بجميع ما كان في أيديهم من
غلتها فاستخرج من أيديهم وجعل أجر مثلهم فيما قاموا عليه فيها وكان لأهلها أن يتبعوا الإمام بكل ما
فات فيها لأنها أموالهم أفاتها، قال فإن ظهر الإمام على بلاد عنوة فخمسها ثم سأل أهل الأربعة
الأخماس ترك حقوقهم منها فأعطوه ذلك طيبة به أنفسهم فله قبوله إن أعطوه إياه يضعه حيث يرى فإن
191

تركوه كالوقف على المسلمين فلا بأس أن يقبله من أهله وغير أهله بما يجوز للرجل أن يقبل به أرضه
وأحسب عمر بن الخطاب إن كان صنع هذا في شئ من بلاد العنوة إنما استطاب أنفس أهلها عنها
فصنع ما وصفت فيها كما استطاب النبي صلى الله عليه وسلم أنفس من صار في يديه سبى هوازن
ب‍ " حنين " فمن طاب نفسا رده ومن لم يطب نفسا لم يكرهه على أخذ ما في يديه.
بلاد أهل الصلح
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا غزا الإمام قوما فلم يظهر عليهم حتى
عرضوا عليه الصلح على شئ من أرضهم أو شئ يؤدونه عن أرضهم فيه ما هو أكثر من الجزية أو مثل
الجزية فإن كانوا ممن يؤخذ منهم الجزية وأعطوه ذلك على أن يجري عليهم الحكم فعليه أن يقبله منهم
وليس له قبوله منهم إلا على أن يجري عليهم الحكم وإذا قبله كتب بينه وبينهم كتابا بالشرط بينهم
واضحا يعمل به من جاء بعده وهذه الأرض مملوكة لأهلها الذين صالحوا عليها على ما صالحوا على أن
يؤدوا عنها شيئا فهي مملوكة لهم على ذلك وإن هم صالحوه على أن للمسلمين من رقبة الأرض شيئا فإن
المسلمين شركاؤهم في رقاب أرضهم بما صالحوهم عليه وإن صالحوا على أن الأرض لهم وعليهم أن
يؤدوا كذا من الحنطة أو يؤدوا من كل ما زرعوا في الأرض كذا من الحنطة لم يجز حتى يستبين فيه ما
وصفت فيمن صالح على صدقة ماله وإذا صالحوهم على أن الأرض كلها للمشركين فلا بأس أن
يصالحهم على ذلك ويجعلوا عليهم خراجا معلوما إما شئ مسمى يضمنونه في أموالهم كالجزية وإما
شئ مسمى يؤدى عن كل زرع من الأرض كذا من الحنطة أو غيرها إذا كان ذلك إذا جمع مثل
الجزية أو أكثر ولا خير في أن يصالحوهم على أن الأرض كلها للمشركين وأنهم إن زرعوا شيئا من
الأرض للمسلمين من كل جريب أو فدان زرعوه مكيلة معلومة أو جزء معلوم لأنهم قد يزرعون فلا
ينبت أو يقل أو يكثر أو لا يزرعون ولا يكونون حينئذ صالحوه على جزية معلومة ولا أمر يحيط العلم أنه
يأتي كأقل الجزية أو يجاوز ذلك * وأهل الصلح أحرار إن لم يظهر عليهم ولهم بلادهم إلا ما أعطوه
منها * وعلى الإمام أن يخمس ما صالحوا عليه فيدفع خمسه إلى أهله وأربعة أخماسه إلى أهل الفئ فإن
لم يفعل ضمن في ماله ما استهلك عليهم منه كما وصفت في بلاد العنوة وعلى الإمام أن يمنع أهل العنوة
والصلح لأنهم أهل جزية كما وصفته يمنع أهل الجزية.
الفرق بين نكاح من تؤخذ منه الجزية وتؤكل ذبائحهم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى حكم الله عز وجل في المشركين حكمان فحكم أن يقاتل أهل
الأوثان حتى يسلموا وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية أو يسلموا قال وأحل الله عز وجل نساء أهل
الكتاب وطعامهم فقيل طعامهم ذبائحهم فاحتمل إحلال الله نكاح نساء أهل الكتاب وطعامهم كل
أهل الكتاب وكل من دان دينهم واحتمل أن يكون أراد بذلك بعض أهل الكتاب دون بعض فكانت
دلالة ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم مالا أعلم فيه مخالفا أنه أراد أهل التوراة والإنجيل من
بني إسرائيل دون المجوس فكان في ذلك دلالة على أن بني إسرائيل المرادون بإحلال النساء والذبائح
192

والله تعالى اعلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولم أعلم مخالفا في أن لا تنكح نساء المجوس ولا
تؤكل ذبائحهم فلما دل الاجماع على أن حكم أهل الكتاب حكمان وأن منهم من تنكح نساؤه وتؤكل
ذبيحته ومنهم من لا تنكح نساؤه ولا تؤكل ذبيحته وذكر الله عزو جل نعمته علي بني إسرائيل في غير
موضع من كتابه وما آتاهم دون غيرهم من أهل دهرهم كان من دان دين بني إسرائيل قبل الاسلام
من غير بني إسرائيل في غير معنى من بني إسرائيل ان ينكح لأنه لا يقع عليهم أهل الكتاب بأن آباءهم
كانوا غير أهل الكتاب ومن غير نسب بني إسرائيل فلم يكونوا أهل كتاب إلا بمعنى لا أهل كتاب مطلق
فلم يجز والله تعالى أعلم أن ينكح نساء أحد من العرب والعجم غير بني إسرائيل دان دين اليهود
والنصارى بحال. أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن دينار عن سعد الجاري أو عبد الله بن سعيد
مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب قال ما نصارى العرب بأهل كتاب وما تحل لنا ذبائحهم
وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب أعناقهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فمن كان من بني إسرائيل
يدين دين اليهود والنصارى نكح نساؤه وأكلت ذبيحته ومن نكح نساؤه فسبى منهم أحد وطئ
بالملك ومن دان دين بني إسرائيل من غيرهم لم تنكح نساؤه ولم تؤكل ذبيحته ولم توطأ أمته وإذا لم
تنكح نساؤهم ولم توطأ منهم أمة بملك اليمين (1) لم تنكح منهم امرأة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن
كان الصابئون والسامرة من بني إسرائيل ودانوا دين اليهود والنصارى فلأصل التوراة ولاصل الإنجيل
نكحت نساؤهم وأحلت ذبائحهم وإن خالفوهم في فرع من دينهم لأنهم فروع قد يختلفون بينهم وإن
خالفوهم في أصل التوراة لم تؤكل ذبائحهم ولم تنكح نساؤهم (قال الشافعي) وكل من كان من بني إسرائيل
تؤكل ذبائحهم وتنكح نساؤهم بدينه اليهودية والنصرانية حل ذلك منه حيثما كان محاربا أو
مهادنا أو معطيا للجزية لا فرق بين ذلك غير أنى أكره للرجل النكاح ببلاد الحرب خوف الفتنة والسباء
عليه وعلى ولده من غير أن يكون محرما والله تعالى أعلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن ارتد من
نساء اليهود إلى النصرانية أو من نساء النصارى إلى اليهودية أو رجالهم لم يقروا على الجزية ولم ينكح من
ارتد عن أصل دين آبائه وكذلك إذا ارتدوا إلى مجوسية أو غيرها من الشرك لأنه إنما أخذ منهم على
الاقرار على دينهم فإذا بدلوه بغير الاسلام حالت حالهم عما أخذ إذن بأخذ الجزية منهم عليه وأبيح من
طعامهم ونسائهم.
تبديل أهل الجزية دينهم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أصل ما نبنى عليه أن الجزية لا تقبل من أحد دان دين كتابي
إلا أن يكون آباؤه أو هو دان ذلك الدين قبل نزول القرآن وتقبل من كل من يثبت على دينه ودين آبائه
قبل نزول القرآن ما ثبتوا على الأديان التي أخذت الجزية منهم عليها فإن بدل يهودي دينه بنصرانية أو
مجوسية أو نصراني دينه بمجوسية أو بدل مجوسي دينه بنصرانية أو انتقل أحد منهم من دينه إلى غير دينه
من الكفر مما وصفت أو التعطيل أو غيره لم يقتل لأنه إنما يقتل من بدل دين الحق وهو الاسلام، وقيل
إن رجعت إلى دينك أخذنا منك الجزية وإن أسلمت طرحنا عنك فيما يستقبل ونأخذ منك حصة

(1) قوله: لم تنكح منهم امرأة كذا في النسخ ولعله " لم تؤكل ذبيحتهم " تأمل.
193

الجزية التي لزمتك إلى أن أسلمت أو بدلت وإذا بدلت بغير الاسلام نبذنا إليك ونفيناك عن بلاد
الاسلام لأن بلاد الاسلام لا تكون دار مقام لاحد إلا مسلم أو معاهد ولا يجوز أن نأخذ منك الجزية
على غير الدين الذي أخذت منك أولا عليه ولو أجزنا هذا أجزنا أن يتنصر وثنى اليوم أو يتهود أو
يتمجس فنأخذ منه الجزية فيترك قتال الذين كفروا حتى يسلموا وإنما أذن الله عز وجل يأخذ الجزية
منهم على ما دانوا به قبل محمد صلى الله عليه وسلم وذلك خلاف ما أحدثوا من الدين بعد رسول الله
صلى الله عليه وسلم فإن كان له مال بالحجاز قيل وكل به ولم يترك يقيم إلا ثلاثا وإن كان له بغير الحجاز
لم يترك يقيم في بلاد الاسلام إلا بقدر ما يجمع ماله، فإن أبطأ فأكثر ما يؤجل إلى الخروج من بلاد
الاسلام أربعة أشهر لأنه أكثر مدة جعلها الله تعالى لغير الذميين من المشركين وأكثر مدة جعلها رسول
الله صلى الله عليه وسلم لهم قال الله تبارك وتعالى براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين "
قرأ الربيع إلى " غير معجزي الله " فأجلهم النبي صلى الله عليه وسلم ما أجلهم من الله أربعة أشهر (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا لحق بدار الحرب فعلينا أن نؤدى إليه ماله وليس لنا أن نغنمه بردته عن
شرك إلى شرك لما سبق من الأمان له، فإن كانت له زوجة وولد كبار وصغار لم يبدلوا أديانهم أقرت
الزوجة والولد الكبار والصغار في بلاد الاسلام، وأخذ من ولده الرجال الجزية وإن ماتت زوجته أو أم
ولده ولم تبدل دينها وهي على دين يؤخذ من أهله الجزية أقر ولدها الصغار، وإن كانت بدلت دينها
وهي حية معه أو بدلته ثم ماتت أو كانت وثنية وله ولد صغار منه ففيهم قولان. أحدهما أن يخرجوا لأنه
لا ذمة لأبيهم ولا أمهم يقرون بها في بلاد الاسلام. والثاني لا يخرجون لما سبق لهم من الذمة وإن بدلوا
هم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قلت في زوجته وولده الصغير وجاريته وعبده ومكاتبه
ومدبره: أقره في بلاد الاسلام فأراد إخراجهم وكرهوه فليس ذلك له وآمره فيمن يجوز له بيعه من
رقيقه أن يؤكل به أو يبيعه وأوقف مالا إن وجدت له وأشهد عليه أنه ملكه للنفقة على أولاده الصغار
وزوجته ومن تلزمه النفقة عليه وإن لم أجد له شيئا فلا ينشأ له وقف ونفيته بكل حال عن بلاد الاسلام
إن لم يسلم أو يرجع إلى دينه الذي أخذت عليه منه الجزية. وإذا مات قبل إخراجه ورثت ماله من
كان يرثه قبل أن يبدل دينه لأن الكفر كله ملة واحدة ويورث الوثني الكتابي والمجوسي وبعض الكتابين
بعضا وإن اختلفوا كما الاسلام ملة.
جماع الوفاء بالنذر والعهد ونقضه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: جماع الوفاء بالنذر وبالعهد كان بيمين أو غيرها في قوله تعالى " يا
أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " وفي قوله تعالى " يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا " وقد ذكر
الله عز وجل الوفاء بالعقود بالايمان في غير آية من كتابه، منه قوله عز وجل " وأوفوا بعهد الله إذا
عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها " قرأ الربيع الآية وقوله " يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق "
مع ما ذكر به الوفاء بالعهد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهذا من سعة لسان العرب الذي
194

خوطبت به وظاهره عام على كل عقد ويشبه والله تعالى أعلم أن يكون أراد الله عز وجل أن يوفى بكل
عقد نذر إذا كانت في العقد لله طاعة ولم يكن فيما أمر بالوفاء منها معصية فإن قال قائل ما دل على ما
وصفت والامر فيه كله مطلق؟ ومن أين كان لاحد أن ينقص عهدا بكل حال؟ قيل الكتاب ثم السنة
صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا بالحديبية على أن يرد من جاء منهم فأنزل الله تبارك وتعالى
في امرأة جاءته منهم مسلمة " إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن " ففرض
الله عز وجل عليهم أن لا ترد النساء وقد أعطوهم رد من جاء منهم وهن منهم فحبسهن رسول الله صلى
الله عليه وسلم بأمر الله عز وجل وعاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما من المشركين فأنزل الله عز
وجل عليه " براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين " الآية. وأنزل " كيف يكون
للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا " الآية. فإن
قال قائل كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل الحديبية ومن صالح من المشركين؟ قيل كان
صلحه لهم طاعة لله، إما عن أمر الله عز وجل بما صنع نصا، وإما أن يكون الله تبارك وتعالى جعل له
أن يعقد لمن رأى بما رأى ثم أنزل قضاءه عليه فصاروا إلى قضاء الله جل ثناؤه ونسخ رسول الله صلى الله
عليه وسلم فعله بفعله بأمر الله وكل كان لله طاعة في وقته، فإن قال قائل وهل لاحد أن يعقد عقدا
منسوخا ثم يفسخه؟ قيل له أن يبتدئ عقدا منسوخا وإن كان ابتدأه فعليه أن ينقضه كما ليس له أن
يصلى إلى بيت المقدس ثم يصلى إلى الكعبة لأن قبلة بيت المقدس قد نسخت. ومن صلى إلى بيت
المقدس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نسخها فهو مطيع لله عز وجل كالطاعة له حين صلى إلى
الكعبة. وذلك أن قبلة بيت المقدس كانت طاعة لله قبل أن تنسخ ومعصية بعدما نسخت، فلما قبض
رسول الله صلى الله عليه وسلم تناهت فرائض الله عز وجل فلا يزاد فيها ولا ينقص منها فمن عمل منها
بمنسوخ بعد علمه به فهو عاص وعليه أن يرجع عن المعصية، وهذا فرق بين نبي الله وبين من بعده من
الولاة في الناسخ والمنسوخ وفى كل ما وصفت دلالة على أن ليس للإمام ان يعقد عقدا غير مباح له
وعلى أن عليه إذا عقده أن يفسخه ثم تكون طاعة الله في نقضه، فإن قيل فما يشبه يشبه هذا؟ قيل له
هذا مثل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصى الله فلا
يعصه " وأسر المشركون امرأة من الأنصار وأخذوا ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فانطلقت الأنصارية على
ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فنذرت إن نجاها الله عز وجل عليها أن تنحرها فذكر ذلك للنبي صلى الله
عليه وسلم فقال " لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى يعنى
والله تعالى أعلم لا نذر يوفى به فلما دلت السنة على إبطال النذر فيما يخالف المباح من طاعة الله عز وجل
دل على إبطاله العقود في خلاف ما يباح من طاعة الله عز وجل ألا ترى أن نحر الناقة لم يكن معصية لو
كانت لهما فلما كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنذرت نحرها كان نحرها معصية بغير إذن مالكها
فبطل عنها عقد النذر، وقال الله تبارك وتعالى في الايمان " لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن
يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته إطعام عشرة مساكين " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من
حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " فأعلم أن طاعة الله عز
وجل أن لا يفي باليمين إذا رأى غيرها خيرا منها وأن يكفر بما فرض الله عز وجل من الكفارة وكل هذا
يدل على أنه إنما يوفى بكل عقد نذر وعهد لمسلم أو مشرك كان مباحا لا معصية لله عز وجل فيه فأما ما
فيه لله معصية فطاعة الله تبارك وتعالى في نقضه إذا مضى ولا ينبغي للإمام ان يعقده.
195

جماع نقض العهد بلا خيانة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على
سواء إن الله لا يحب الخائنين " (قال الشافعي) نزلت في أهل هدنة بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عنهم
شئ استدل به على خيانتهم (قال الشافعي) فإذا جاءت دلالة على أن لم يوف أهل هدنة بجميع ما
هادنهم عليه فله أن ينبذ إليهم، ومن قلت له أن ينبذ إليه فعليه أن يلحقه بمأمنه ثم له أن يحاربه كما
يحارب من لا هدنة له (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإن قال الإمام أخاف خيانة قوم ولا دلالة له
على خيانتهم من خبر ولا عيان فليس له والله تعالى أعلم نقض مدتهم إذا كانت صحيحة لأن
معقولا أن الخوف من خيانتهم الذي يجوز به النبذ إليهم لا يكون إلا بدلالة على الخوف (1) ألا ترى أنه
لو لم يكن بما يخطر على القلوب قبل العقد لهم ومعه وبعده من أن يخطر عليها أن يخونوا، فإن قال
قائل فما يشبهه؟ قيل: قول الله عز وجل " واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع "
فكان معلوما أن الرجل إذا عقد على المرأة النكاح ولم يرها فقد يخطر على باله أن تنشز منه بدلالة
ومعقولا عنده أنه إذا أمره بالعظة والهجر والضرب لم يؤمر به إلا عند دلالة النشوز وما يجوز به من بعلها
ما أتيح له فيها.
نقض العهد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وادع الإمام قوما مدة أو أخذ الجزية من قوم فكان الذي
عقد الموادعة والجزية عليهم رجلا أو رجالا منهم لم تلزمهم حتى نعلم أن من بقي منهم قد أقر بذلك
ورضيه وإذا كان ذلك فليس لأحد من المسلمين أن يتناول لهم مالا ودما، فإن فعل حكم عليه بما
استهلك ما كانوا مستقيمين، وإذا نقض الذين عقدوا الصلح عليهم أو نقضت منهم جماعة بين
أظهرهم فلم يخالفوا الناقض بقول أو فعل ظاهر قبل أن يأتوا الإمام أو يعتزلوا بلادهم ويرسلوا إلى
الإمام إنا على صلحنا أو يكون الذين نقضوا خرجوا إلى قتال المسلمين أو أهل ذمة للمسلمين فيعينون
المقاتلين أو يعينون على من قاتلهم منهم فللإمام أن يغزوهم فإذا فعل فلم يخرج منهم إلى الإمام خارج
مما فعله جماعتهم فللإمام قتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وغنيمة أموالهم كانوا في وسط دار الاسلام أو في
بلاد العدو. وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة عقد عليهم صاحبهم الصلح
بالمهادنة فنقض ولم يفارقوه فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقر دارهم وهي معه بطرف
المدينة فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وغنم أموالهم وليس كلهم اشترك في المعونة على النبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه ولكن كلهم لزم حصنه فلم يفارق الغادرين منهم إلا نفر فحقن ذلك دماءهم وأحرز
عليهم، وكذلك إن نقض رجل منهم فقاتل كان للإمام قتال جماعتهم كما كان يقاتلهم قبل الهدنة قد أعان
على خزاعة وهم في عقد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من قريش فشهدوا قتالهم فغزا النبي صلى

(1) قوله: ألا ترى إلى قوله أن يخونوا كذا في النسخ ولعل الأصل " ألا ترى أنه أي النبذ لم يكن بما يخطر على
القلوب قبل العقد لهم ومعه فلا يكون بعده من أن الخ ".
196

الله عليه وسلم قريشا عام الفتح بغدر النفر الثلاثة (1) وترك الباقون معونة خزاعة، فإن خرج منهم
خارج بعد مسير الإمام والمسلمين إليهم إلى المسلمين مسلما أحرز له الاسلام ماله ونفسه وصغار
ذريته، وإن خرج منهم خارج فقال: أنا على الهدنة التي كانت وكانوا أهل هدنة لا أهل جزية وذكر
أنه لم يكن ممن غدر ولا أعان قبل قوله إذا لم يعلم الإمام غير ما قال، فإن علم الإمام غير ما قال نبذ إليه
ورده إلى مأمنه ثم قاتله وسبى ذريته وغنم ماله إن لم يسلم أو يعط الجزية إن كان من أهلها، فإن لم يعلم
غير قوله وظهر منه ما يدل على خيانته وختره أو خوف ذلك منه نبد إليه الإمام وألحقه بمأمنه ثم قاتله
لقول الله عز وجل " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
نزلت والله تعالى أعلم في قوم أهل مهادنة لا أهل جزية، وسواء ما وصفت فيمن تؤخذ منه الجزية أو لا
تؤخذ إلا أن من لا تؤخذ منه الجزية إذا عرض الجزية لم يكن للإمام أخذها منه على الأبد وأخذها منه
إلى مدة، قال وإن أهل الجزية ليخالفون غير أهل الجزية في أن يخاف الإمام غدر أهل الجزية فلا
يكون له أن ينبذ إليهم بالخوف والدلالة كما ينبذ إلى غير أهل الجزية حتى ينكشفوا بالغدر أو الامتناع من
الجزية أو الحكم، وإذا كان أهل الهدنة ممن يجوز أن تؤخذ منهم الجزية فخيف خيانتهم نبذ إليهم، فإن
قالوا نعطى الجزية على أن يجري علينا الحكم لم يكن للإمام إلا قبولها منهم، وللإمام أن يغزو دار من
غدر من ذي هدنة أو جزية يغير عليهم ليلا ونهارا ويسبيهم إذا ظهر الغدر والامتناع منهم، فإن تميزوا أو
يخالفهم قوم فأظهروا الوفاء وأظهر قوم الامتناع كان له غزوهم ولم يكن له الإغارة على جماعتهم، وإذا
قاربهم دعا أهل الوفاء إلى للخروج فإن خرجوا وفى لهم وقاتل من بقي منهم فإن لم يقدروا على الخروج
كان له قتل الجماعة ويتوقى أهل الوفاء فإن قتل منهم أحدا لم يكن فيه عقل ولا قود لأنه بين المشركين
وإذا ظهر عليهم ترك أهل الوفاء فلا يغنم لهم مالا ولا يسفك لهم دما، وإذا اختلطوا فظهر عليهم فادعى
كل أنه لم يغدر وقد كانت منهم طائفة اعتزلت أمسك عن كل من شك فيه فلم يقتله ولم يسب ذريته ولم
يغنم ماله وقتل وسبى ذرية من علم أنه غدر، وغنم ماله.
ما أحدث الذين نقضوا العهد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وادع الإمام قوما فأغاروا على قوم موادعين أو أهل ذمة أو
مسلمين فقتلوا أو أخذوا أموالهم قبل أن يظهروا نقض الصلح فللإمام غزوهم وقتلهم وسباؤهم وإذا ظهر
عليهم ألزمهم بمن قتلوا وجرحوا وأخذوا ماله الحكم كما يلزم أهل الذمة من عقل وقود وضمان. قال:
وإن نقضوا العهد وآذنوا الإمام بحرب أو أظهروا نقض العهد وإن لم يأذنوا الإمام بحرب إلا أنهم قد
أظهروا الامتناع في ناحيتهم ثم أغاروا أو أغير عليهم فقتلوا أو جرحوا وأخذوا المال حوربوا وسبوا وقتلوا،
فإن ظهر عليهم ففيها قولان: أحدهما لا يكون عليهم قود في دم ولا جرح وأخذ منهم ما وجد عندهم
من مال بعينه ولم يضمنوا ما هلك من المال (1) ومن قال هذا قال إنما فرقت بين هذا وقد حكم الله عز

(1) قوله: وترك الباقون عطف على " أعان " وتأمل.
(1) قوله ومن قال هذا الخ كذا في الأصل الذي بيدنا ولا تخلوا العبارة من تحريف ولعل الأظهر " فإن قال قائل
لم فرقت؟ " فحرر. كتبه مصححه.
197

وجل بين المؤمنين بالقود وزعمت أنك تحكم بين المعاهدين به ويجري على المعاهدين ما يجري على
المؤمنين. قلت استدلالا بالسنة في أهل الحرب وقياسا عليهم ثم ما لم أعلم فيه مخالفا. فإن قال فأين؟
قلت: قلت وحشى حمزة بن عبد المطلب يوم أحد ووحشي مشرك، وقتل غير واحد من قريش غير
واحد من المسلمين ثم أسلم بعض من قتل فلم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على قاتل منهم قودا
وأحسب ذلك لقول الله عز وجل " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " يقال نزلت في
المحاربين من المشركين فكان المحاربون من المشركين خارجين من هذا الحكم وما وصفت من دلالة السنة
ثم أسلم طليحة وغيره ثم ارتدوا وقتل طليحة وأخوه ثابت بن أفرم وعكاشة بن محصن بعدما أظهر طليحة
وأخوه الشرك فصارا من أهل الحرب والامتناع. (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ورجم رسول الله
صلى الله عليه وسلم يهوديين موادعين زنيا بأن جاءوه ونزل عليه " فإن جاءوك فأحكم بينهم بما أنزل الله "
فلم يجز إلا أن يحكم على كل ذمي وموادع في مال مسلم ومعاهد أصابه بما أصاب ما لم يصر إلى
اظهار المحاربة فإذا صار إليها لم يحكم عليه بما أصاب بعد إظهارها والامتناع كما لم يحكم على من صار
إلى الاسلام ثم رجع عنه بما فعل في المحاربة والامتناع مثل طليحة وأصحابه، فإذا أصابوا وهم في دار
الاسلام غير ممتنعين شيئا فيه حق لمسلم أخذ منه وإن امتنعوا بعده لم يزدهم الامتناع خيرا وكانوا في غير
حكم الممتنعين ثم ينالون بعد الامتناع دما ومالا أولئك إنما نالوه بعد الشرك والمحاربة وهؤلاء نالوه قبل
المحاربة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن مسلما قتل ثم ارتد وحارب ثم ظهر عليه وتاب كان عليه
القود، وكذلك ما أصاب من مال مسلم أو معاهد شيئا، وكذلك ما أصاب المعاهد والموادع لمسلم أو
غيره ممن يلزم أن يؤخذ له، ويخالف المعاهد المسلم فيما أصاب من حدود الله عز وجل فلا تقام على
المعاهدين حتى يأتوا طائعين أو يكون فيه سبب حق لغيرهم فيطلبه، وهكذا حكمهما معاهدين قبل
يمتنعان أو ينقضان.
والقول الثاني: أن الرجل إذا أسلم أو القوم إذا أسلموا ثم ارتدوا وحاربوا أو امتنعوا وقتلوا ثم ظهر
عليهم أقيد منهم في الدماء والجراح وضمنوا الأموال تابوا أو لم يتوبوا، ومن قال هذا قال ليسوا
كالمحاربين من الكفار لأن الكفار إذا أسلموا غفر لهم ما قد سلف وهؤلاء إذا ارتدوا حبطت أعمالهم فلا
تطرح عنهم الردة شيئا كان يلزمهم لو فعلوه مسلمين بحال من دم ولا قود ولا مال ولا حد ولا غيره ومن
قال هذا قال لعله لم يكن في الردة قاتل يعرف بعينه أو كان فلم يثبت ذلك عليه أو لم يطلبه ولاة الدم
(قال الربيع) وهذا عندي أشبههما بقوله عندي في موضع آخر وقال في ذلك إن لم تزده الردة شرا لم
تزده خيرا لأن الحدود عليهم قائمة فيما نالوه بعد الردة.
ما أحدث أهل الذمة الموادعون مما لا يكون نقضا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أخذت الجزية من قوم فقطع قوم منهم الطريق أو قاتلوا
رجلا مسلما فضربوه أو ظلموا مسلما أو معاهدا أو زنى منهم زان أو أظهر فسادا في مسلم أو معاهد حد
فيما فيه الحد وعوقب عقوبة منكلة فيما فيه العقوبة ولم يقتل إلا بأن يجب عليه القتل ولم يكن هذا نقضا
للعهد يحل دمه ولا يكون النقض للعهد إلا بمنع الجزية أو الحكم بعد الاقرار والامتناع بذلك ولو قال
198

أودى الجزية ولا أقر بحكم نبذ إليه ولم يقاتل على ذلك مكانه وقيل قد تقدم لك أمان بأدائك للجزية
وإقرارك بها وقد أجلناك في أن تخرج من بلاد الاسلام ثم إذا خرج فبلغ مأمنه قتل إن قدر عليه وإن
كان عينا للمشركين على المسلمين يدل على عوراتهم عوقب عقوبة منكلة ولم يقتل ولم ينقض عهده وإن
صنع بعض ما وصفت من هذا أو ما في معناه موادع إلى مدة نبذ إليه فإذا بلغ مأمنه قوتل إلا أن يسلم
أو يكون ممن تقبل منه الجزية فيعطيها لقول الله عز وجل " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على
سواء " الآية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأمر في الذين لم يخونوا أن يتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم
في قوله " إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فاتموا إليهم
عهدهم إلى مدتهم " الآية.
المهادنة
(قال الشافعي) فرض الله عز وجل قتال غير أهل الكتاب حتى يسلموا وأهل الكتاب حتى يعطوا
الجزية وقال " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " فهذا فرض الله على المسلمين قتال الفريقين من المشركين
وأن يهادنوهم وقد كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتال كثير من أهل الأوثان بلا مهادنة إذا
انتاطت دورهم عنهم مثل بنى تميم وربيعة وأسد، وطئ حتى كانوا هم الذين أسلموا وهادن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ناسا ووادع حين قدم المدينة يهودا على غير ما خرج أخذه منهم (قال الشافعي) وقتال
الصنفين من المشركين فرض إذا قوى عليهم وتركه واسع إذا كان بالمسلمين عنهم أو عن بعضهم ضعف
أو في تركهم للمسلمين نظر للمهادنة وغير المهادنة فإذا قوتلوا فقد وصفنا السيرة فيهم في موضعها (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ضعف المسلمون عن قتال المشركين أو طائفة منهم لعبد دارهم أو كثرة
عددهم أو خلة بالمسلمين أو بمن يليهم منهم جاز لهم الكف عنهم ومهادنتهم على غير شئ يأخذونه من
المشركين وإن أعطاهم المشركون شيئا قل أو كثر كان لهم أخذه ولا يجوز أن يأخذوه منهم إلا إلى مدة
يرون أن المسلمين يقوون عليها إذا لم يكن فيه وفاء بالجزية أو كان فيه وفاء ولم يعطوا أن يجري عليهم
الحكم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا خير في أن يعطيهم المسلمون شيئا بحال على أن يكفوا عنهم
لأن القتل للمسلمين شهادة وأن الاسلام أعز من أن يعطى مشرك على أن يكف عن أهله لأن أهله
قاتلين ومقتولين ظاهرون على الحق إلا في حال واحدة وأخرى أكثر منها وذلك أن يلتحم قوم من
المسلمين فيخافون أن يصطلحوا لكثرة العدو وقلتهم وخلة فيهم فلا بأس أن يعطوا في تلك الحال شيئا من
أموالهم على أن يتخلصوا من المشركين لأنه من معاني الضرورات يجوز فيها مالا يجوز في غيرها أو يؤسر
مسلم فلا يخلى إلا بفدية فلا بأس أن يفدى لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلا من أصحابه
أسره العدو برجلين، أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن
حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلا برجلين.
المهادنة على النظر للمسلمين
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قامت الحرب بين رسول الله صلى الله عليه
199

وسلم وقريش ثم أغارت سراياه على أهل نجد حتى توقى الناس لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفا
للحرب دونه من سراياه وإعداد من يعد له من عدوه بنجد فمنعت منه قريش أهل تهامة ومنع أهل نجد
منه أهل نجد المشرق ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة الحديبية في ألف وأربعمائة فسمعت به
قريش فجمعت له وجدت على منعه ولهم جموع أكثر ممن خرج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فتداعوا الصلح فهادنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مدة ولم يهادنهم على الأبد لأن قتالهم حتى
يسلموا فرض إذا قوى عليهم وكانت الهدنة بينه وبينهم عشر سنين ونزل عليه في سفره في أمرهم " إنا
فتحنا لك فتحا مبينا " قال ابن شهاب فما كان في الاسلام فتح أعظم منه كانت الحرب قد أحرجت
الناس فلما أمنوا لم يتكلم بالاسلام أحد يعقل إلا قبله فلقد أسلم في سنين من تلك الهدنة أكثر ممن أسلم
قبل ذلك ثم نقض بعض قريش ولم ينكر عليه غيره إنكارا يعتد به عليه ولم يعتزل داره فغزاهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم عام الفتح مخفيا لوجهه ليصيب منهم غرة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكانت
هدنة قريش نظرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين للامرين اللذين وصفت من كثرة جمع
عدوهم وجدهم على قتاله وإن أرادوا الدخول عليهم وفراغه لقتال غيرهم وأمن الناس حتى دخلوا في
الاسلام قال فأحب للإمام إذا نزلت بالمسلمين نازلة وأرجوا أن لا ينزلها الله عز وجل بهم إن شاء الله
تعالى مهادنة يكون النظر لهم فيها ولا يهادن إلا إلى مدة ولا يجاوز بالمدة مدة أهل الحديبية كانت النازلة
ما كانت فإن كانت بالمسلمين قوة قاتلوا المشركين بعد انقضاء المدة فإن لم يقو الإمام فلا بأس أن يجدد
مدة مثلها أو دونها ولا يجاوزها من قبل أن القوة للمسلمين والضعف لعدوهم قد يحدث في أقل منها وإن
هادنهم إلى أكثر منها فمنتقضة لأن أصل الفرض قتال المشركين حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية فإن الله عز
وجل أذن بالهدنة فقال " إلى الذين عاهدتم من المشركين " وقال تبارك وتعالى " إلا الذين عاهدتم " فلما لم
يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدة أكثر من مدة الحديبية لم يجز أن يهادن إلا على النظر للمسلمين
ولا تجاوز (قال) وليس للإمام أن يهادن القوم من المشركين على النظر إلى غير مدة هدنة مطلقة فإن
الهدنة المطلقة على الأبد وهي لا تجوز لما وصفت ولكن يهادنهم على أن الخيار إليه حتى إن شاء أن ينبذ
إليهم فإن رأى نظرا للمسلمين ان ينبذ فعل فإن قال قائل فهل لهذه المدة أصل؟ قيل نعم افتتح رسول الله
صلى الله عليه وسلم أموال خيبر عنوة وكانت رجالها وذراريها إلا أهل حصن واحد صلحا فصالحوه على أن
يقرهم ما أقرهم الله عز وجل ويعملون له وللمسلمين بالشطر من الثمر فإن قيل ففي هذا نظر
للمسلمين؟ قيل نعم كانت خيبر وسط مشركين وكانت يهود أهلها مخالفين للمشركين وأقوياء على منعها
منهم وكانت وبئة لا توطأ إلا من ضرورة فكفوهم المؤنة ولم يكن بالمسلمين كثرة فينزلها منهم من يمنعها
فلما كثر المسلمون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باجلاء اليهود عن الحجاز فثبت عند عمر ذلك
فأجلاهم فإذا أراد الإمام أن يهادنهم إلى غير مدة هادنهم على أنه إذا بدا له نقض الهدنة فذلك إليه
وعليه أن يلحقهم بما منهم. فإن قيل فلم لا يقول ما أقركم الله عز وجل؟ قيل للفرق بينه وبين رسول
الله صلى الله عليه وسلم في أن أمر الله عز وجل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي ولا يأتي
أحدا غيره بوحي (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن جاء من المشركين يريد الاسلام فحق على الإمام
أن يؤمنه حتى يتلو عليه كتاب الله عز وجل ويدعوه إلى الاسلام بالمعنى الذي يرجو أن يدخل الله عز
وجل به عليه الاسلام لقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم " وإن أحد من المشركين استجارك
فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه " الآية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن قلت ينبذ إليه
200

أبلغه مأمنه وإبلاغه مأمنه أن يمنعه من المسلمين والمعاهدين ما كان في بلاد الاسلام أو حيث يتصل
ببلاد الاسلام وسواء قرب ذلك أم بعد (قال الشافعي) ثم أبلغه مأمنه: يعنى والله تعالى أعلم منك أو
ممن يقتله على على دينك (1) ممن يطيعك لا أمانه من غيرك من عدوك وعدوه الذي لا يأمنه ولا
يطيعك، فإذا أبلغه الإمام أدنى بلاد المشركين شيئا فقد أبلغه مأمنه الذي كلف إذا أخرجه سالما من
أهل الاسلام ومن يجرى عليه حكم الاسلام من أهل عهدهم فإن قطع به بلادنا وهو أهل الجزية كلف
المشي ورد إلا أن يقيم على إعطاء الجزية قبل منه، وإن كان ممن لا يجوز فيه الجزية يكلف المشي أو
حمل ولم يقر ببلاد الاسلام وألحق بمأمنه وإن كانت عشيرته التي يأمن فيها بعيدة فأراد أن يبلغ أبعد منها
لم يكن على الإمام وإن كان له مأمنان فعلى الإمام إلحاقه بحيث كان يسكن منهما وإن كان له بلدا
شرك كان يسكنهما معا ألحقه الإمام بأيهما شاء الإمام، ومتى سأله أن يجيره حتى يسمع كلام الله ثم
يبلغه مأمنه وغيره من المشركين كان ذلك فرضا على الإمام ولو لم يجاوز به موضعه الذي استأمنه منه
رجوت أن يسعه.
مهادنة من يقوى على قتاله
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا سأل قوم من المشركين مهادنة فللإمام مهادنتهم على النظر
للمسلمين رجاء أن يسلموا أو يعطوا الجزية بلا مؤنة وليس له مهادنتهم إذا لم يكن في ذلك نظر وليس
له مهادنتهم على النظر على غير الجزية أكثر من أربعة أشهر لقول الله عز وجل براءة من الله ورسوله
إلى الذين عاهدتم من المشركين إلى قوله " إن الله برئ من المشركين ورسوله " الآية وما بعدها (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى لما قوى أهل الاسلام أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم مرجعه
من تبوك " براءة من الله ورسوله " فأرسل بهذه الآيات مع علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه فقرأها
على الناس في الموسم وكان فرضا أن لا يعطى لاحد مدة بعد هذه الآيات إلا أربعة أشهر لأنها الغاية
التي فرضها الله عز وجل، قال وجعل النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية بعد فتح مكة بسنين
أربعة أشهر لم أعلمه زاد أحدا بعد أن قوى المسلمون على أربعة أشهر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
فقيل كان الذين عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم قوما موادعين إلى غير مدة معلومة فجعلها الله عز وجل
أربعة أشهر ثم جعلها رسوله كذلك وأمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في قوم عاهدهم إلى
مدة قبل نزول الآية أن يتم إليهم عهدهم إلى مدتهم ما استقاموا له ومن خاف منه خيانة نبذ إليه فلم يجز
أن يستأنف مدة بعد نزول الآية وبالمسلمين قوة إلى أكثر من أربعة أشهر لما وصفت من فرض الله عز
وجل فيهم وما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال ولا أعرف كم كانت مدة النبي صلى الله عليه
وسلم ومدة من أمر أن يتم إليه عهده إلى مدته قال ويجعل الإمام المدة إلى أقل من أربعة أشهر إن رأى
ذلك وليس بلازم له أن يهادن بحال إلا على النظر للمسلمين ويبين لمن هادن ويجوز له في النظر لمن رجا
إسلامه وإن تكن له شوكة أن يعطيه مدة أربعة أشهر إذا خاف إن لم يفعل أن يلحق بالمشركين وإن ظهر
على بلاده فقد صنع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بصفوان حين خرج هاربا إلى اليمن من الاسلام ثم

(1) لعله: " أو ممن يطيعك " تأمل. كتبه مصححه.
201

أنعم الله عز وجل عليه بالاسلام من قبل أن تأتي مدته ومدته أشهر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن
جعل الإمام لمن قلت ليس له أن يجعل له مدة أكثر من أربعة أشهر فعليه أن ينبذ إليه لما وصفت من أن
ذلك لا يجوز له ويوفيه المدة إلى أربعة أشهر لا يزيده عليها، وليس له إذا كانت مدة أكثر من أربعة
أشهر ان يقول لا أفي لك بأربعة أشهر لأن الفساد إنما هو فيما جاوز الأربعة الأشهر.
جماع الهدنة على أن يرد الإمام من جاء بلده مسلما أو مشركا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ذكر عدد من أهل العلم بالمغازي أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم هادن قريشا عام الحديبية على أن يأمن بعضهم بعضا وأن من جاء قريشا من المسلمين مرتدا لم
يردوه عليه ومن جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة منهم رده عليهم ولم يعطهم أن يرد عليهم
من خرج منهم مسلما إلى غير المدينة في بلاد الاسلام والشرك وإن كان قادرا عليه ولم يذكر أحد منهم
أنه أعطاهم في مسلم غير أهل مكة شيئا من هذا الشرط وذكروا أنه أنزل عليه في مهادنتهم " إنا فتحنا
لك فتحا مبينا " فقال بعض المفسرين قضينا لك قضاء مبينا فتم الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم
وبين أهل مكة على هذا حتى جاءته أم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط مسلمة مهاجرة فنسخ الله عز
وجل الصلح في النساء وأنزل الله تبارك وتعالى " إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم
بإيمانهن " الآية كلها وما بعدها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويجوز للإمام من هذا ما روى أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل في الرجال دون النساء لأن الله عز وجل نسخ رد النساء إن كن في
الصلح ومنع أن يرددن بكل حال فإذا صالح الإمام على مثل ما صالح عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم أهل الحديبية صالح على أن لا يمنع الرجال دون النساء للرجال من أهل دار الحرب إذا جاء أحد
من رجال أهل دار الحرب إلى منزل الإمام نفسه وجاء من يطلبه من أوليائه خلى بينه وبينهم بأن لا
يمنعه من الذهاب به وأشار على من أسلم أن لا يأتي منزله وأن يذهب في الأرض فإن أرض الله عز
وجل واسعة فيها مراغم كثيرة، وقد كان أبو بصير لحق بالعيص مسلما ولحقت به جماعة من المسلمين
فطلبوهم من النبي صلى الله عليه وسلم فقال " إنما أعطيناكم أن لا نؤيهم ثم لا نمنعكم منهم إدا جئتم
ونتركهم ينالون من المشركين ما شاءوا " (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا صالح الإمام على أن يبعث
إليهم بمن كان يقدر على بعثه منهم ممن لم يأته لم يجز الصلح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث
إليهم منهم بأحد ولم يأمر أبا بصير ولا أصحابه بإتيانهم وهو يقدر على ذلك وإنما معنى رددناه إليكم لم
نمنعه كما نمنع غيره. وإذا صالحهم على أن لا يمنعهم من نساء مسلمات جئنه لم يجز الصلح وعليه منعهم
منهن لأنهن إن لم يكن دخلن في الصلح بالحديبية فليس له أن يصالح على هذا فيهن وإن كن دخلن
فيه فقد حكم الله عز وجل أن لا ترجعوهن إلى الكفار ومنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جاءه من
النساء وهكذا من جاءه من معتوه أو صبي هاربا منهم لم تكن له التخلية بينه وبينهم لأنهما يجامعان
النساء في أن لا يمنعا معا ويزيدان على النساء أن لا يعرفا ثوابا في أن ينال منهما المشركون شيئا ولا يرد
إليهم في صبي ولا في معتوه شيئا كما لا يرد إليهم في النساء غير المتزوجات شيئا لأن الرد إنما هو في
المتزوجات (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن جاءه من عبيدهم مسلما لم يرده إليهم وأعتقه
202

بخروجه إليه وفي إعطائهم القيمة قولان أحدهما أن يعطوها ذكرا أو أنثى لأن رقيقهم ليس منهم ولهم
حرمة الاسلام. فإن قال قائل فكيف لا يكون منهم؟ قيل فإن الله عز وجل يقول " وأشهدوا ذوي
عدل منكم " فلم يختلف المسلمون أنها على الأحرار دون المماليك ذوي العدل ولا يقال لرقيق الرجل
هم منك إنما يقال هم مالك وإنما يرد عليهم القيمة بأنهم إذا صولحوا أمنوا على أموالهم ولم أمان فلما
حكم الله عز وجل بأن يرد نفقة الزوجة لأنها فائنه حكم بأن يرد قيمة المملوك لأنه فائت. وما رددنا
عليهم فيه من النفقة. قلنا أن نأخذ منهم إذا فات المسلمين إليهم مثله وما لم نعطهم فيه شيئا من الاحرا
الرجال أو غير ذوات الأزواج لم نأخذ منهم شيئا إذا مات المسلمين إليهم مثله لأن الله عز وجل إنما
حكم بأن يرد إليهم العوض في الموضع الذي حكم للمسلمين بأن يأخذوا منهم مثله. والقول الثاني لا
يرد إليهم قيمة ولا يأخذ منهم فيمن فات إليهم من رقيق عينا ولا قيمة لأن رقيقهم ليسوا منهم. ولا يجوز
للإمام إذا لم يصالح القوم إلا على ما وصفت أن يمكنهم من مسلم كان أسيرا في أيديهم فانفلت منهم ولا
يقضى لهم عليه بشئ ولو أقر عبدهم أنهم أرسلوه على أن يؤدى إليهم شيئا لم يجز له أن يأخذه لهم ولم
يخرج المسلم بحسبه لأنه أعطاهموه على ضرورة هي أكثر الاكراه وكل ما أعطى المرء على الاكراه لم يلزمه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن أسيرا في بلاد الحرب أخذ منهم مالا على أن يعطيهم منه
عوضا كان بالخيار بين أن يعطيهم مثل مالهم إن كان له مثل أو مثل قيمته إن لم يكن له مثل أو العوض
الذي رضوا به، وإن كان في يده إليهم بعينه إن لم يكن تغير وإن كان تغير رده ورد ما نقصه لأنه
أخذه على أمان وإنما أبطلت عنه الشرط بالاكراه والضرورة فيما لم يأخذ به عوضا. وهكذا لو صالحنا
قوما من المشركين على مثل ما وصفت فكان في أيديهم أسير من غيرهم فانفلت فأتانا لم يكن لنا رده
عليهم من قبل أنه ليس منهم وأنهم قد يمسكون عن قتل وتعذيب من كان منهم إمساكا لا يمسكونه عن
غيره.
أصل نقض الصلح فيما لا يجوز
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى حفظنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح أهل الحديبية
الصلح الذي وصفت فخلى بين من قدم عليه من الرجال ووليه وقدمت عليهم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي
معيط مسلمة مهاجرة فجاء أخواها يطلبانها فمنعها منهما وأخبر أن الله عز وجل نقض الصلح في
النساء وحكم فيهن غير حكمه في الرجال وإنما ذهبت إلى أن النساء كن في صلح الحديبية بأنه لو لم
يدخل ردهن في الصلح لم يعط أزواجهن فيهن عوضا والله تعالى أعلم (قال الشافعي) وذكر بعض أهل
التفسير أن هذه الآية نزلت فيها " إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن " قرأ الربيع الآية، ومن
قال إن النساء كن في الصلح قال بهذه الآية مع الآية التي في " براءة " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
وبهذه الآية مع الآية في براءة قلنا إذا صالح الإمام على ما لا يجوز فالطاعة نقضه كما صنع رسول الله
صلى الله عليه وسلم في النساء وقد أعطى المشركين فيما حفظنا فيهن ما أعطاهم في الرجال بأن لم يستثنين
وأنهن منهم وبالآية في براءة، وبهذا قلنا إذا ظفر المشركون برجل من المسلمين فأخذوا عليه عهودا
وأيمانا بأن يأتيهم أو يبعث إليهم بكذا أو بعدد أسرى أو مال فحلال له أن لا يعطيهم قليلا ولا كثيرا لأنها
ايمان مكره وكذلك لو أعطى الإمام عليه أن يرده عليهم إن جاءه. فإن قال قائل ما دل على ذلك قيل
203

له: لم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بصير من وليه حين جاءاه فذهبا به فقتل أحدهما وهرب
الآخر منه فلم ينكر ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بل قال قولا يشبه التحسين له ولا حرج
عليه في الايمان لأنها ايمان مكره وحرام على الإمام أن يرده إليهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو
أراد هو الرجوع حبسه، وكذلك حرام على الإمام أن يأخذ منه شيئا لهم مما صالحهم عليه، وكذلك
إن أعطاهم هذا في عبد له أو متاع غلبوا عليه لم يكن للإمام أن يأخذ منه الشئ (1) يعطونه إياه
فيأخذه الإمام برد السلف أو مثله أو قيمته إن لم يكن له مثل، ولو أعطوه إياه بيعا فهو بالخيار بين أن
يرده إليهم إن لم يكن تغير أو يعطيهم قيمته أو الثمن لأنه مكره حين اشتراه وهو أسير فلا يلزمه ما اشترى
وللإمام أن يعطيهم منه ما وجب لهم عليه بما اشتراه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وبهذا قلنا لو أعطى
الإمام قوما من المشركين الأمان على أسير في أيديهم من المسلمين ثم جاءوه لم يحل له إلا نزعة من أيديهم
بلا عوض لما وصفت من خلاف حال الأسير وأموال المسلمين في أيدي المشركين (2) ما أعطى النبي
صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية من رد رجالهم الذين هم أبناؤهم وإخوانهم وعشائرهم الممنوعين منهم
ومن غيرهم أن ينالوا بتلف. فإن ذهب ذاهب إلى رد أبى جندل بن سهيل إلى أبيه وعياش بن أبي
ربيعة إلى أهله بما أعطاهم قيل له آباؤهم وأهلوهم أشفق الناس عليهم وأحرص على سلامتهم وأهلهم
كانوا سيقونهم بأنفسهم مما يؤذيهم فضلا عن أن يكونوا متهمين على أن ينالوهم بتلف أو أمر لا يحملونه
من عذاب وإنما نقموا منهم خلافهم دينهم ودين آبائهم فكانوا يتشددون عليهم ليتركوا دين الاسلام
وقد وضع الله عز وجل عنهم المأثم في الاكراه فقال " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان " ومن أسر
مسلما من غير قبيلته وقرابته فقد يقتله بألوان القتل ويبلوه بالجوع والجهد، وليس حالهم واحدة ويقال
له أيضا ألا ترى أن الله عز وجل نقض الصلح في النساء إذا كن إذا أريد بهن الفتنة ضعفن عند
عرضها عليهن ولم يفهمن فهم الرجال أن التقية تسعهن في إظهار ما أراد المشركون من القول وكان فيهن
أن يصيبهن أزواجهن وهن حرام فأسرى المسلمين في أكثر من هذا الحال إلا أن الرجال ليس ممن ينكح
وربما كان في المشركين من يفعل فيما بلغنا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
جماع الصلح في المؤمنات
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل " إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن "
قرأ الربيع الآية (قال الشافعي) وكان بينا في الآية منع المؤمنات المهاجرات من أن يرددن إلى دار الكفر
وقطع العصمة بالاسلام بينهن وبين أزواجهن، ودلت السنة على أن قطع العصمة إذا انقضت عددهن
ولم يسلم أزواجهن من المشركين وكان بينا فيها أن يرد على الأزواج نفقاتهم ومعقول فيها أن نفقاتهم التي
ترد نفقات اللائي ملكوا عقدهن وهي المهور إذا كانوا قد أعطوهن إياها، وبين أن الأزواج الذين
يعطون النفقات لأنهم الممنوعون من نسائهم وأن نساءهم المأذون للمسلمين بأن ينكحوهن إذا آتوهن
أجورهن لأنه لا إشكال عليهم في أن ينكحوا غير ذوات الأزواج إنما كان الاشكال في نكاح ذوات

(1) فيه سقط ولعل الأصل " لم يكن للإمام أن يأخذه منه لهم ويأخذ منه الشئ الخ " تأمل.
(2) قوله: ما أعطى مفعول فلان. فتنبه.
204

الأزواج حتى قطع الله عز وجل عصمة الأزواج بإسلام النساء وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
ذلك بمضي العدة قبل إسلام الأزواج فلا يؤتى أحد نفقته من امرأة فاتت إلا ذوات الأزواج وقد قال
الله عز وجل للمسلمين " ولا تمسكوا بعصم الكوافر " فأبانهن من المسلمين وأبان رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن ذلك بمضي العدة فكان الحكم في إسلام الزوج الحكم في إسلام المرأة لا يختلفان. قال
" واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا " يعنى والله تعالى أعلم أن أزواج المشركات من المؤمنين إذا منعهم
المشركون إتيان أزواجهم بالاسلام أوتوا ما دفع إليهن الأزواج من المهور كما يؤدي المسلمون ما دفع
أزواج المسلمات من المهور وجعله الله عز وجل حكما بينهم ثم حكم لهم في مثل هذا المعنى حكما ثانيا،
فقال عز وعلا " وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم " والله تعالى أعلم يريد فلم تعفوا عنهم
إذا لم يعفوا عنكم مهور نسائكم " فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا " كأنه يعنى من مهورهن
إذا فاتت امرأة مشرك أتتنا مسلمة قد أعطاها مائة في مهرها وفاتت امرأة مشركة إلى الكفار قد أعطاها
مائة حسبت مائة المسلم بمائة المشرك فقيل تلك العقوبة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويكتب بذلك
إلى أصحاب عهود المشركين حتى يعطى المشرك ما قاصصناه به من مهر امرأته للمسلم الذي فاتت
امرأته إليهم ليس له غير ذلك، ولو كان للمسلمة التي تحت مشرك أكثر من مائة رد الإمام الفضل عن
المائة إلى الزوج المشرك. ولو كان مهر المسلمة ذات الزوج المشرك مائتين ومهر امرأة المسلم الفائتة إلى
الكفار مائة ففاتت امرأة مشركة أخرى قص من مهرها مائة وليس على الإمام أن يعطى ممن فاتته زوجته
من المسلمين إلى المشركين إلا قصاصا من مشرك فاتت زوجته إلينا وإن فاتت زوجة المسلم مسلمة أو
مرتدة فمنعوها فذلك له وإن فاتت على أي الحالين كان فردوها لم يؤخذ لزوجها منهم مهر وتقتل إن لم
تسلم إذا ارتدت وتقر مع زوجها مسلمة.
تفريع أمر نساء المهادنين
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا جاءت المرأة الحرة من نساء أهل الهدنة
مسلمة مهاجرة من دار الحرب إلى موضع الإمام من دار الاسلام أو دار الحرب فمن طلبها من ولى سوى
زوجها منع منها بلا عوض وإذا طلبها زوجها بنفسه أو طلبها غيره بوكالته منعها وفيها قولان أحدهما
يعطى العوض والعوض ما قال الله عز وجل " فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا " (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى ومثل ما أنفقوا يحتمل والله تعالى أعلم ما دفعوا بالصداق لا النفقة غيره ولا
الصداق كله إن كانوا لم يدفعوه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا جاءت امرأة رجل قد نكحها
بمائتين فأعطاها مائة ردت إليه مائة وإن نكحها بمائة فأعطاها خمسين ردت إليه خمسون لأنها لم تأخذ
من الصداق إلا خمسين، وإن نكحها بمائة ولم يعطها شيئا من الصداق لم نرد إليه شيئا لأنه لم
ينفق بالصداق شيئا ولو أنفق من عرس وهدية وكرامة لم يعط من ذلك شيئا لأنه تطوع به ولا ينظر في
ذلك إلى مهر مثلها إن كان زادها عليه أو نقصها منه لأن الله عز وجل أمر بأن يعطوا مثل ما أنفقوا
ويعطى الزوج هذا الصداق من سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الفئ والغنيمة دون ما سواه من
المال لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود
205

فيكم " يعني والله تعالى أعلم في مصلحتكم وبأن الأنفال كانت تكون عنه، وأن عمر روى أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يجعل فضل ماله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى فإن ادعى الزوج صداقا وأنكره الإمام أو جهله، فإن جاء الزوج بشاهدين من المسلمين أو شاهد
حلف معه أعطاه وإن لم يجد شاهدا إلا مشركا لم يعطه بشهادة مشرك وينبغي للإمام أن يسأل المرأة فإن
أخبرته شيئا وأنكر الزوج أو صدقته لم يقبله الإمام وكان على الإمام أن يسأل عن مهر مثلها في ناحيتها
ويحلفه بأنه دفعه ثم يدفعه إليه وقل قوم إلا ومهورهم معروفة ممن معهم من المسلمين الاسرى والمستأمنين
أو الحاضرين لهم أو المصالح عليهم لم يكن معهم مسلمون منها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن
أعطاه المهر على واحد من هذه المعاني بلا بينة ثم أقام عنده شاهدا أنه أكثر مما أعطاه رجع عليه
بالفضل الذي شهدت له به البينة ولو أعطاه بهذه المعاني أو ببينة ثم أقر عنده أنه أقل مما أعطاه رجع
عليه بالفضل وحبسه فيه ولم يكن هذا نقضا لعهده، وإن لم يقدم زوجها ولا رسوله بطلبها حتى مات
فليس لورثته فيما أنفق من صداقها شئ لأنه لو كان حيا فلم يطلبه إياه، وإنما جعل له ما أنفق إذا منع
ردها إليه وهو لا يقال له ممنوع ردها إليه حتى يطلبها فيمنع ردها إليه، وإن قدم في طلبها فلم يطلبها إلى
الإمام حتى مات كان هكذا، وكذلك لو لم يطلبها إلى الإمام حتى طلقها ثلاثا أو ملكها أن تطلق
نفسها ثلاثا فطلقت نفسها ثلاثا أو تطليقة لم يبق له عليها من الطلاق غيرها لم يكن له عوض لأنه قد
قطع حقه فيها حتى لو أسلم وهي في عدة لم تكن له زوجة فلا يرد إليه المهر من امرأة قد قطع حقه فيها
بكل حال، وكذلك لو خالعها قبل أن يرتفع إلى الإمام لأنه لو أسلم ثبت الخلع وكانت بائنا منه لا
يعطى من نفقته شئ من امرأة قطع أن تكون زوجة له بحال، ولو طلقها واحدة يملك الرجعة ثم طلب
العوض لم نعطه حتى يراجعها فإن راجعها في العدة من يوم طلقها ثم طلبها أعطى العوض لأنه لم يقطع
حقه في العوض لا يكون قطعه حقه في العوض إلا بأن يحدث طلاقا لو كانت ساعتها تلك أسلمت
وأسلم لم يكن له عليها رجعة ولو كانت المرأة قدمت غير مسلمة كان هذا هكذا، قال ولو قدمت
مسلمة وجاء زوجها فلم يطلبها حتى ماتت لم يكن له عوض لأنه إنما يعاوض بأن يمنعها وهي بحضرة
الإمام، ولو كانت المسألة بحالها فلم تمت ولكن غلبت على عقلها كان لزوجها العوض ولو قدم الزوج
مسلما وهي في العدة كان أحق بها ولو قدم يطلبها مشركا ثم أسلم قبل أن تنقضي عدتها كانت زوجته
ورجع عليه بالعوض فأخذ منه إن كان أخذه ولو طلب العوض فأعطيه ثم لم يسلم حتى تنقضي عدتها ثم
أسلم فله العوض لأنها قد بانت منه بالاسلام في ملك النكاح ولو نكحها بعد لم نرجع عليه بالعوض
لأنه إنما ملكها بعقد غيره، وإن قدمت امرأة من بلاد الاسلام أو غيرها حيث ينفذ أمر الإمام ثم جاء
زوجها يطلبها إلى الإمام لم يعط عوضا لأنها لم تقدم عليه وواجب على كل من كانت بين ظهرانيه من
المسلمين أن يمنعها زوجها ومتى ما صارت إلى دار الإمام فمنعها منه فله العوض ومتى طلبها زوجها وهي
في دار الإمام فجاء زوجها فلم يرفعها إلى الإمام حتى تنحت عن دار الإمام لم يكن له عوض لأنه
يكون له العوض بأن تقيم في دار الإمام، ومتى طلبها بعد مدتها أن مغيبها عن دار الإمام فلا عوض
له، ولو قدمت مسلمة ثم ارتدت استتيبت فإن تابت وإلا قتلت فإن قدم زوجها بعد القتل فقد فاتت
ولا عوض، وإن قدم قبل أن ترتد فارتدت وطلبها لم يعطها وأعطى العوض واستتيبت فإن تابت وإلا
قتلت، وإن قدم وهي مرتدة قبل أن تقتل فطلبها أعطى العوض وقتلت مكانها، ومتى طلبها فقد
استوجب العوض لأن على الإمام منعه منها، وإن قدمت وطلبها الزوج ثم قتلها رجل فعليه القصاص
206

أو العقل ولزوجها العوض وكذلك لو قدم وفيها الحياة لم تمت وإن كان يرى أنها في آخر رمق لأنه يمنعها
في هذه الأحوال إلا أن تكن جنى عليها جناية فصارت في حال لا تعيش فيها إلا كما تعيش الذبيحة
فهي في حال الميتة فلا يعطى فيها عوضا، وإذا كان على الإمام منعه إياها في هذه الأحوال بأن تكون
في حكم الحياة كان له العوض ولا يستوجب العوض بحال إلا أن يطلبها إلى الإمام أو وال يخلفه ببلده
فإن طلبها إلى من دون الإمام من عامة أو خاصة الإمام أو وال ممن لم يوله الإمام هذا فهذا لا يكون له
به العوض، ومتى وصل إلى الإمام طلبه بها وإن لم يصل إليه فله العوض، وإن ماتت قبل أن تصل
إلى الإمام ثم طلبها إليه فلا عوض له، وإن كانت القادمة مملوكة متزوجة رجلا حرا أو مملوكا أمر الإمام
باختيار فراق الزوج إن كان مملوكا وإن كان حرا فطلبها أو مملوكا فلم تختر فراقه حتى قدم مسلما فهي على
النكاح، وإن قدم كافرا فطلبها فمن قال تعتق ولا عوض لمولاها لأنها ليست منهم فلا عوض لمولاها ولا
لزوجها كما لا يكون لزوج المرأة المأسورة فيهم من غيرهم عوض، ومن قال تعتق ويرد الإمام على
سيدها قيمتها فلزوجها العوض إذا كان حرا وإن كان مملوكا فلا عوض له إلا أن يجتمع طلبه وطلب
السيد فيطلب هو امرأته بعقد النكاح والسيد المال (1) مع طلبه، فإن انفرد أحدهما دون الآخر فلا
عوض له، وإن كان هذا بيننا وبين أحد من أهل الكتاب فجاءتنا امرأة رجل منهم مشركة أو امرأة غير
كتابي وهذا العقد بيننا وبينه فطلبها زوجها لم يكن لنا منعه منها إذا كان الزوج القادم أو محرما لها بوكالته
إذا سألت ذلك، وإن كان الزوج القادم فطلبها زوجها وأسلمت أعطيناه العوض وإن لم تسلم دفعناها
إليه، ولو خرجت امرأة رجل منهم معتوهة منعنا زوجها منها حتى يذهب عنها، فإذا ذهب فإن قالت
خرجت مسلمة وأن أعقل ثم عرض لي فقد وجب له العوض، وإن قالت خرجت معتوهة ثم ذهب
هذا عنى فأنا أسلم منعناها منه وإن طلبها يومئذ أعطيناه العوض وإن لم يطلبها فلا عوض له (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وإن خرجت إلينا منهم زوجة رجل لم تبلغ وإن عقلت فوصفت الاسلام
منعناها منه بصفة الاسلام ولا يعطى حتى تبلغ فإذا بلغت وثبتت على الاسلام أعطيناه العوض إذا
طلبها بعد بلوغها وثبوتها على الاسلام فإن لم يطلبها بعد ذلك لم يكن له عوض من قبل أنه لا يكمل
إسلامها حتى تقتل على الردة إلا بعد البلوغ، ولو جاءتنا جارية لم تبلغ فوصفت الاسلام وجاء زوجها
وطلبها فمنعناه منها فبلغت ولم تصف الاسلام بعد البلوغ فتكون من الذين أمرنا إذا علمنا إيمانهن أن لا
ندفعهن إلى أزواجهن فمتى وصفت الاسلام بعد وصفها الاسلام والبلوغ لم يكن له عوض وكذلك إن
بلغت معتوهة لم يكن له عوض، والقول الثاني: أن له العوض في كل حال منعناها منه بصفة
الاسلام وإن كانت صبية، وإذا جاء زوج المرأة يطلبها فلم يرتفع إلى الإمام حتى أسلم وقد خرجت
امرأته من العدة لم يكن له عوض ولا على امرأته سبيل لأنه لا يمنع من امرأته إذا أسلم إلا بانقضاء
عدتها ولو كانت في عدتها كانا على النكاح وإنما يعطى العوض من يمنع امرأته، ولو قدم وهي في العدة
ثم أسلم ثم طلبها إلى الإمام خلى بينه وبينها فإن لم يطلبها حتى ارتدت بعد إسلامه ثم طلب العوض لم
يكن له لأنه لما أسلم صار ممن لا يمنع امرأته فلا يكون له عوض لأني أمنعها منه بالردة، فإن لحق بدار
الحرب مرتدا فسأل العوض لم يعطه لما وصفت، ولو قدمت مسلمة ثم ارتدت ثم طلب (2) منها

(1) قوله: مع طلبه، أي طلب المملوك امرأته. فتنبه.
(2) لعله: لم يمنع منها بالاسلام الخ وتأمل. كتبه مصححه.
207

الاسلام الأول ويمنع منها بالردة وإن رجعت إلى الاسلام وهي في العدة فهو أحق بها وإن رجعت بعد
مضى العدة والعصمة منقطعة بينهما فلا عوض وكل ما وصفت فيه العوض في قول من رأى أن يعطى
العوض وفيه قول ثان لا يعطى الزوج المشرك الذي جاءت زوجته مسلمة العوض ولو شرط الإمام برد
النساء كان الشرط منتقضا ومن قال هذا قال: إن شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الحديبية
إذ دخل فيه أن يرد من جاءه منهم وكان النساء منهم كان شرطا صحيحا فنسخه الله ثم رسوله لأهل
الحديبية ورد عليهم فيما نسخ منه العوض ولما قضى الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا ترد النساء لم
يكن لاحد ردهن ولا عليه عوض فيهن لأن شرط من شرط رد النساء بعد نسخ الله عز وجل ثم رسوله
لها باطل ولا يعطى بالشرط الباطل شئ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن قال هذا لم يرد مملوكا
بحال ولا يعطيهم فيه عوضا وأشبههما أن لا يعطوا عوضا والآخر كما وصفت يعطون فيه العوض، ومن
قال هذا لا نرد إلى أزواج المشركين عوضا لم يأخذ للمسلمين فيما فات من أزواجهم عوضا، وليس
لاحد أن يعقد هذا العقد إلا الخليفة أو رجل بأمر الخليفة لأنه يلي الأموال كلها فمن عقده غير خليفة
فعقده مردود وإن جاءت فيه امرأة أو رجل لم يرد للمشركين ولم يعطوا عوضا ونبذ إليهم، وإذا عقد
الخليفة فمات أو عزل واستخلف غيره فعليه أن يفي لهم بما عقد لهم الخليفة قبله، وكذلك على والى
الامر بعده إنفاذه إلى انقضاء المدة فإن انقضت المدة فمن قدم من رجل أو امرأة لم يرده ولم يعط عوضا
وكانوا كأهل دار الحرب قدم عينا نساؤهم ورجالهم مسلمين فنقبلهم ولا نعطى أحدا عوضا من
امرأته في قول من أعطى العوض فإن هادناهم على الترك سنة فقدمت علينا امرأة رجل منهم وكان
الذين هادنونا من أهل الكتاب أو ممن دان دينهم قبل نزول الفرقان وأسلموا في دارهم أو أعطوا الجزية
ثم جاءونا يطلبون رجالهم ونساءهم قيل قد انقضت الهدنة وخير لكم دخولكم في الاسلام وهؤلاء
رجالكم فإن أحبوا رجعوا وإن أحبوا أقاموا وإن أحبوا انصرفوا، ولو نقضوا العهد بيننا وبينهم لم يعطوا
عوضا من امرأة رجل منهم ولم يرد إليهم منهم مسلم وهكذا لو هادنا قوما هكذا وأتانا رجالهم فخلينا بين
أوليائهم وبينهم ثم نقضوا العهد كان لنا إخراجهم من أيديهم وعلينا طلبهم حتى نخرجهم من أيديهم
لأنهم تركوا العهد بيننا وبينهم وسقط الشر وهكذا لو هادنا من لا تؤخذ منه الجزية في كل ما وصفته إلا
أنه ليس لنا أن نأخذ الجزية وإذا هادنا قوما رددنا إليهم ما فات إلينا من بهائم أموالهم وأمتعتهم لأنه
ليس في البهائم حرمة يمنعن بها من أن نصيرها إلى مشرك وكذلك المتاع وإن صارت في يد بغضنا فعليه
أن يصيرها إليهم ولو استمتع بها واستهلكها كان كالغصب يلزمه لهم ما يلزم الغاصب من كراء إن كان
لها وقيمة ما هلك منها في أكثر ما كانت قيمته.
إذا أراد الإمام أن يكتب كتاب صلح على الجزية كتب بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب كتبه عبد الله فلان أمير المؤمنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول سنة كذا وكذا لفلان بن
فلان النصراني من بني فلان الساكن بلد كذا وأهل النصرانية من أهل بلد كذا إنك سألتني أن أؤمنك
وأهل النصرانية من أهل بلد كذا وأعقد لك ولهم ما يعقد لأهل الذمة على ما أعطيتني وشرطت لك
ولهم وعليك وعليهم فأجبتك إلى أن عقدت لك ولهم على وعلى جميع المسلمين الأمان ما استقمت
208

واستقاموا بجميع ما أخذنا عليكم وذلك أن يجري عليكم حكم الاسلام لا حكم خلافه بحال يلزمكموه
ولا يكون لكم أن تمتنعوا منه في شئ رأيناه نلزمكم به وعلى أن أحدا منكم إن ذكر محمدا صلى الله
عليه وسلم أو كتاب الله عز وجل أو دينه بما لا ينبغي أن يذكره به فقد برئت منه ذمة الله ثم ذمة أمير
المؤمنين وجميع المسلمين ونقض ما أعطى عليه الأمان وحل لأمير المؤمنين ماله ودمه كما تحل أموال أهل
الحرب دماؤهم، وعلى أن أحدا من رجالهم إن أصاب مسلمة بزنا أو اسم نكاح أو قطع الطريق على
مسلم أو فتن مسلما عن دينه أو أعان المحاربين على المسلمين بقتال أو دلالة على عورة المسلمين وإيواء
لعيونهم فقد نقض عهده وأحل دمه وماله، وإن نال مسلما بما دون هذا في ماله أو عرضه أو نال به
من على مسلم منعه من كافر له عهد أو أمان لزمه فيه الحكم وعلى أن نتتبع أفعالكم في كل ما جرى
بينكم وبين مسلم فما كان لا يحل لمسلم مما لكم فيه فعل رددناه وعاقبناكم عليه وذلك أن تبيعوا مسلما
بيعا حرا ما عندنا من خمر أو خنزير أو دم ميته أو غيره ونبطل البيع بينكم فيه ونأخذ ثمنه منكم إن
أعطاكموه ولا نرده عليكم إن كان قائما ونهريقه إن كان خمرا أو دما ونحرقه إن كان ميتة وإن استهلكه
لم نجعل عليه فيه شيئا ونعاقبكم عليه، وعلى أن لا تسقوه أو تطعموه محرما أو تزوجوه بشهود منكم أو
بنكاح فاسد عندنا وما بايعتم به كافرا منكم أو من غيركم لم نتبعكم فيه ولم نسألكم عنه ما تراضيتم به.
وإذا أراد البائع منكم أو المبتاع نقض البيع وأتانا طالبا له فإن كان منتقضا عندنا نقضناه وإن كان جائزا
أجزناه إلا أنه إذا قبض المبيع وفات لم يرده لأنه بيع بين مشركين مضى ومن جاءنا منكم أو من غيركم
من أهل الكفر يحاكمكم أجريناكم على حكم الاسلام ومن لم يأتنا لم نعرض لكم فيما بينكم وبينه،
وإذا قتلتم مسلما أو معاهدا منكم أو من غيركم خطأ فالدية على عواقلكم كما تكون على عواقل المسلمين
وعواقلكم قراباتكم من قبل آبائكم وإن قتله منكم رجل لا قرابة له فالدية على في ماله، وإذا قتله
عمدا فعليه القصاص إلا أن تشاء ورثته دية فيأخذونها حالة، ومن سرق منكم فرفعه المسروق إلى
الحاكم قطعه إذا سرق ما يجب فيه القطع وغرم، ومن قذف فكان للمقذوف حد حد له، وإن لم
يكن حد عزر حتى تكون أحكام الاسلام جارية عليكم بهذه المعاني فيما سمينا ولم نسم وعلى أن ليس
لكم أن تظهروا في شئ من أمصار المسلمين الصليب ولا تعلنوا بالشرك ولا تبنوا كنيسة ولا موضع
مجتمع لصلاتكم ولا تضربوا بناقوس ولا تظهروا قولكم بالشرك في عيسى بن مريم ولا في غيره لاحد
من المسلمين، وتلبسوا الزنانير من فوق جميع الثياب الأردية وغيرها حتى لا تخفى الزنانير وتخالفوا
بسروجكم وركوبكم وتباينوا بين قلانسكم وقلانسهم بعلم تجعلونه بقلانسكم وأن لا تأخذوا على
المسلمين سروات الطرق ولا المجالس في الأسواق وأن يؤدى كل بالغ من أحرار رجالكم غير مغلوب عن
عقله جزية رأسه دينارا مثقالا جيدا في رأس كل سنة لا يكون له أن يغيب عن بلده حتى يؤديه أو يقيم
به من يؤديه عنه لا شئ عليه من جزية رقبته إلى رأس السنة ومن افتقر منكم فجزيته عليه حتى تؤدي
عنه وليس الفقر بدافع عنكم شيئا ولا ناقض لذمتكم (1) عن ما به فمتى وجدنا عندكم شيئا أخذتم
به، ولا شئ عليكم في أموالكم سوى جزيتكم ما أقمتم في بلادكم واختلفتم ببلاد المسلمين غير تجار
وليس لكم دخول مكة بحال وإن اختلفتم بتجارة على أن تؤدوا من جميع تجاراتكم العشر إلى المسلمين
فلكم دخول جميع بلاد المسلمين إلا مكة والمقام بجميع بلاد المسلمين كما شئتم إلا الحجاز فليس لكم

(1) كذا في النسخ. وحرر
209

المقام ببلد منها إلا ثلاث ليال حتى تظعنوا منه، وعلى أن من أنبت الشعر تحت ثيابه أو احتلم أو استكمل
خمس عشرة سنة قبل ذلك فهذه الشروط لازمة له إن رضيها فإن لم يرضها فلا عقد له ولا جزية على
أبنائكم الصغار ولا صبي غير بالغ ومغلوب على عقله ولا مملوك فإذا أفاق المغلوب على عقله وبلغ
الصبي وعتق المملوك منكم فدان دينكم فعليه جزيتكم والشرط عليكم وعلى من رضيه ومن سخطه
منكم نبذنا إليه ولكم أن نمنعكم وما يحل ملكه عندنا لكم ممن أرادكم من مسلم أو غيره بظلم بما نمنع
به أنفسنا وأموالنا ونحكم لكم فيه على من جرى حكمنا عليه بما نحكم به في أموالنا وما يلزم المحكوم في
أنفسكم فليس علينا أن نمنع لكم شيئا ملكتموه محرما من دم ولا ميتة ولا خمر ولا خنزير كما نمنع ما
يحل ملكه ولا نعرض لكم فيه إلا أنا لا ندعكم تظهرونه في أمصار المسلمين فما ناله منه مسلم أو غيره لم
نغرمه ثمنه لأنه محرم ولا ثمن لمحرم ونزجره عن العرض لكم فيه فإن عاد أدب بغير غرامة في شئ منه
وعليكم الوفاء بجميع ما أخدنا عليكم وأن لا تغشوا مسلما ولا تظاهروا عدوهم عليهم بقول ولأفعل
عهد الله وميثاقه وأعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه من الوفاء بالميثاق ولكم عهد الله وميثاقه وذمة
فلان أمير المؤمنين وذمة المسلمين بالوفاء لكم وعلى من بلغ من أبنائكم ما عليكم بما أعطيناكم ما وفيتم
بجميع ما شرطنا عليكم فإن غيرتم أو بدلتم فذمة الله ثم ذمة فلان أمير المؤمنين والمسلمين بريئة منكم
ومن غاب عن كتابنا ممن أعطيناه ما فيه فرضيه إذا بلغه فهذه الشروط لازمة له ولنا فيه ومن لم يرض
نبذنا إليه شهد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن شرط عليهم ضيافة فإذا فرغ من ذكر الجزية كتب
في أثر قوله ولا شئ عليكم في أموالكم غير الدينار في السنة والضيافة على ما سمينا فكل من مر به مسلم
أو جماعة من المسلمين فعليه أن ينزله في فضل منازله فيما يمكنه من حر أو برد ليلة ويوما أو ثلاثا إن
شرطوا ثلاثا ويطعمه من نفقة عامة أهله مثل الخبز والخل والجبن واللبن والحيتان واللحم والبقول
المطبوخة ويعلفه دابة واحدة تبنا أو ما يقوم مقامه في مكانه فإن أقام أكثر من ذلك فليس عليه ضيافة
ولا علف دابة وعلى الوسط أن ينزل كل من مر به رجلين وثلاثة لا يزيد عليهم ويصنع لهم ما وصفت
وعلى الموسع أن ينزل كل من مر به ما بين ثلاثة إلى ستة لا يزيدون على ذلك ولا يصنعون بدوابهم إلا ما
وصفت إلا أن يتطوعوا لهم بأكثر من ذلك فإن قلت المارة من المسلمين يفرقهم وعدلوا في تفريقهم فإن
كثر الجيش حتى لا يحتملهم منازل أهل الغني ولا يجدون منزلا أنزلهم أهل الحاجة في فضل منازلهم
وليست عليهم ضيافة فإن لم يجدوا فضلا من منازل أهل الحاجة لم يكن لهم أن يخرجوهم وينزلوا
منازلهم وإذا كثروا وقل من يضيفهم فأيهم سبق إلى النزول فهو أحق به وإن جاءوا معا أقرعوا فإن لم
يفعلوا وغلب بعضهم بعضا ضيف الغالب ولا ضيافة على أحد أكثر مما وصفت فإذا نزلوا بقوم آخرين
من أهل الذمة أحببت أن يدع الذين قروا القرى ويقرى الذين لم يقروا فإذا ضاق عليهم الامر فإن لم
يقرهم أهل الذمة لم يأخذ منهم ثمنا للقرى فإذا مضى القرى لم يؤخذوا به (1) إذا سبأ لهم المسلمون ولا
يأخذ المسلمون من ثمار أهل الذمة ولا أموالهم شيئا بغير إذنهم وإذا لم يشترطوا عليهم ضيافة فلا ضيافة
عليهم وأيهم قال أو فعل شيئا مما وصفته نقضا للعهد وأسلم لم يقتل إذا كان ذلك قولا وكذلك إذا كان
فعلا لم يقتل إلا أن يكون في دين المسلمين إن فعله قتل حدا أو قصاصا فيقتل بحد أو قصاص لا نقض
عهد وإن فعل ما وصفنا وشرط أنه نقض لعهد الذمة فلم يسلم ولكنه قال أتوب وأعطى الجزية كما كنت

(1) كذا في النسخ ولعله " ينالهم أو انتابهم " أو نحوه.
210

أعطيها أو على صلح أجدده عوقب ولم يقتل إلا أن يكون فعل فعلا (1) يوجب القصاص بقتل أو قود
فأما ما دون هذا من الفعل أو القول وكل قول فيعاقب عليه ولا يقتل (قال الشافعي) رحمه الله فإن
فعل أو قال ما وصفنا وشرط أنه يحل دمه فظفرنا به فامتنع من أن يقول أسلم أو أعطى جزية قتل وأخذ
ماله فيئا.
الصلح على أموال أهل الذمة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل " حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " قال
فكان معقولا في الآية أن تكون الجزية غير جائزة والله تعالى أعلم إلا معلوما ثم دلت سنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم على مثل معنى ما وصفت من أنها معلوم فأما ما لم يعلم أقله ولا أكثره ولا كيف أخذ من
أخذه من الولاة له ولا من أخذت منه من أهل الجزية فليس في معنى سنة رسوله صلى الله عليه
وسلم ولا نوقف على حده ألا ترى إن قال أهل الجزية نعطيكم في كل مائة سنة درهما وقال الوالي بل
آخذ منكم في كل شهر دينارا لم يقم على أحد هذا ولا يجوز فيها إلا أن يستن فيها بسنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم فنأخذ بأقل ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكون لوال أن يقبل أقل منه ولا
يرده لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها معلومة ألا ترى أنه أخذها دينارا وازداد فيها ضيافة فأخذ
من كل إنسان من أهل اليمن دينارا ومن أهل أيلة مثله وأخذ من أهل نجران كسوة وأعلمني علماء من
أهلها أنها تتجاوز قيمة دينار ولم يجز في الآية إلا أن تكون على كل بالغ لا على بعض البالغين دون بعض
من أهل دين واحد فلا يجوز والله تعالى أعلم أن تؤخذ الجزية من قوم من أموالهم على معنى تضعيف
الصدقة بلا ثنى عليهم فيها وذلك أن ذلك لو جاز كان منهم من لا مال له تجب فيه الصدقة وإن كان له
مال كثير من عروض ودور كغلة وغيرها فيكونون بين أظهرنا مقرين على دينهم بلا جزية ولم يبح هذا لنا
ولا أن يكون أحد من رجالهم خليا من الجزية ويجوز أن يؤخذ من الجزية على ما صالحوا عليه من
أموالهم تضعيف صدقة أو عشر أو ربع أو نصف أو نصف أموالهم أو أثلاثها أو ثنى أن يقال من كان له
منكم مال أخذ منه ما شرط على نفسه وشرطوا له ما كان يؤخذ منه في السنة تكون قيمته دينارا أو أكثر
فإذا لم يكن له ما يجب فيه ما شرط أو هو أقل من قيمة دينار فعليه دينار أو تمام دينار وإنما اخترت هذا
أنها جزية معلومة الأقل وأن ليس منهم خلى منها قال ولا يفسد هذا لأنه شرط يتراضيان به لا بيع بينهما
فيفسد بما تفسد به البيوع كما لم يفسد أن يشترط عليهم الضيافة وقد تتابع عليهم فتلزمهم وتغب فلا
تلزمهم بإغبابها شئ قال ولعل عمر أن يكون صالح من نصارى العرب على تضعيف الصدقة وأدخل
هذا الشرط وإن لم يحك عنه وقد روى عنه أنه أبى أن يقر العرب إلا على الجزية فأنفوا منها وقالوا
تأخذها منا على معنى الصدقة مضعفة كما يؤخذ من العرب المسلمين فأبى فلحقت منهم جماعة بالروم
فكره ذلك وأجابهم إلى تضعيف الصدقة عليهم فصالحه من بقي في بلاد الاسلام عليها فلا بأس أن
يصالحهم عليها على هذا المعنى الذي وصفت من الثنى.

(1) وقوله: يوجب القصاص الخ لعل أصله " يوجب القتل بخد أو قود الخ " وتأمل. كتبه مصححه.
211

كتاب الجزية على شئ من أموالهم
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) وإذا أراد الإمام أن يكتب لهم كتابا على الجزية بشرط
معنى الصدقة كتب:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب كتبه عبد الله فلان أمير المؤمنين لفلان بن فلان النصراني من بنى فلان الفلاني من أهل
بلد كذا وأهل النصرانية من أهل بلد كذا أنك سألتني لنفسك وأهل النصرانية من أهل بلد كذا أن
أعقد لك ولهم على وعلى المسلمين ما يعقد لأهل الذمة على ما شرطت عليك وعليهم ولك ولهم فأجبتك
إلى ما سألت لكم ولمن رضى ما عقدت من أهل بلد كذا على ما شرطنا عليه في هذا الكتاب وذلك أن
يجري عليكم حكم الاسلام لا حكم خلافه ولا يكون لاحد منكم الامتناع مما رأيناه لازما له فيه ولا
مجاوزا به ثم يجري الكتاب على مثل الكتاب الأول لأهل الجزية التي هي ضريبة لا تزيد ولا تنقص فإذا
انتهى إلى موضع الجزية كتب على أن من كان له منكم إبل أو بقر أو غنم أو كان ذا زرع أو عين مال أو
تمر يرى فيه المسلمون على من كان له منهم فيه الصدقة أخذت جزيته منه الصدقة مضعفة وذلك أن
تكون غنمه أربعين فتؤخذ منه فيها شاتان إلى عشرين ومائة فإذا بلغت إحدى وعشرين ومائة أخذت
فيها أربع شياه إلى مائتين فإذا زادت شاة على مائتين أخذت فيها ست شياه إلى أن تبلغ ثلاثمائة وتسعة
وتسعين فإذا بلغت أربعمائة أخذ فيها ثمان شياه ثم لا شئ في الزيادة حتى تكمل مائة ثم عليه في كل مائة
منها شاتان ومن كان منكم ذا بقر فبلغت بقره ثلاثين فعليه فيها تبيعان ثم لا شئ عليه في زيادتها حتى
تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين فعليه فيها مسنتان ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ ستين فإذا بلغتها ففيها
أربعة أتبعة ثم لا شئ في زيادتها إلى ثمانين فإذا بلغتها ففيها أربع مسنات ثم لا شئ في زيادتها حتى
تبلغ تسعين فإذا بلغتها ففيها ستة أتبعة ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ مائة فإذا بلغتها فعليه فيها مسنتان
وأربعة أتبعة ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ مائة وعشرا فإذا بلغتها فعليه فيها أربع مسنات وتبيعان ثم
لا شئ في زيادتها حتى تبلغ مائة وعشرين فإذا بلغتها فعليه فيها ست مسنات ثم يجرى الكتاب بصدقة
البقر مضعفة ثم يكتب في صدقة الإبل فإن كانت له إبل فلا شئ فيها حتى تبلغ خمسا فإذا بلغتها
فعليه فيها شاتان ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ عشرا فإذا بلغتها فعليه فيها أربع شياه ثم لا شئ في
الزيادة حتى تبلغ خمس عشرة فإذا بلغتها فعليه فيها ست شياه ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ عشرين
فإذا بلغتها فعليه فيها ثمان شياه لا شئ في زيادتها حتى تبلغ خمسا وعشرين فإذا بلغتها فعليه فيها
ابنتا مخاض فإن لم يكن فيها ابنتا مخاض فابنا لبون ذكران، وإن كانت له ابنة مخاض واحدة وابن لبون
واحد أخذت بنت المخاض وابن اللبون ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ ستا وثلاثين فإذا بلغتها فعليه
فيها ابنتا لبون ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ ستا وأربعين فإذا بلغتها فعليه فيها حقتان طروقتا الجمل ثم
لا شئ في زيادتها حتى تبلغ إحدى وستين فإذا بغلتها ففيها جذعتان ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ
ستا وسبعين فإذا بلغتها ففيها أربع بنات لبون ثم لا شئ في زيادتها حتى تبلغ إحدى وتسعين فإذا بلغتها
ففيها أربع حقائق ثم ذلك فرضها حتى تنتهي إلى عشرين ومائة فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة طرح
هذا وعدت فكان في كل أربعين منها ابنتا لبون وفى كل خمسين حقتان وإذا لم يوجد في مال من عليه
212

الجزية من الإبل السن التي شرط عليه أن تؤخذ في ست وثلاثين فصاعدا فجاء بها قبلت منه وإن لم
يأت بها فالخيار إلى الإمام بأن يأخذ السن التي دونها ويغرمه في كل بعير لزمه شاتين أو عشرين درهما
أيهما شاء الإمام أخذه وإن شاء الإمام أخذ السن التي فوقها ورد إليه في كل بعير شاتين أو عشرين
درهما أيهما شاء الإمام فعل وأعطاه إياه، وإذا اختار الإمام أن يأخذ السن العليا على أن يعطيه الإمام
الفضل أعطاه الإمام أيهما كان أيسر نقدا على المسلمين، وإذا اختار أن يأخذ السن الأدنى ويغرم له
صاحب الإبل فالخيار إلى صاحب الإبل فإن شاء أعطاه شاتين وإن شاء أعطاه عشرين درهما، ومن
كان منهم ذا زرع يقتات من حنطة أو شعير أو ذرة أو دخن أو أرز أو قطنية لم يؤخذ منه فيه شئ حتى
يبلغ زرعه خمسة أوسق يصف الوسق في كتابه بمكيال يعرفونه فإذا بلغها زرعه فإن كان مما يسقى
بغرب ففيه العشر وإن كان مما يسقى بنهر أو سيح أو عين ماء أو نيل ففيه الخمس. ومن كان منهم ذا
ذهب فلا جزية عليه فيها حتى تبلغ ذهبه عشرين مثقالا فإذا بلغتها فعليه فيها دينار نصف العشر وما زاد
فبحساب ذلك. ومن كان ذا ورق فلا جزية عليه في ورقه حتى تبلغ مائتي درهم وزن سبعة فإذا
بلغت مائتي درهم فعليه فيها نصف العشر ثم ما زاد فبحسابه، وعلى أن من وجد منكم ركازا فعليه
خمساه، وعلى أن من كان بالغا منكم داخلا في الصلح فلم يكن له مال عند الحول يجب على مسلم
لو كان له فيه زكاة أو كان له مال يجب فيه على مسلم لو كان له الزكاة فأخذنا منه ما شرطنا عليه فلم
يبلغ قيمة ما أخذنا منه دينارا فعليه أن يؤدى إلينا دينارا إن لم نأخذ منه شيئا وتمام دينار إن نقص ما
أخذنا منه عن قيمة دينار وعلى أن ما صالحتمونا عليه على كل ما بلغ غير مغلوب على عقله من
رجالكم وليس ذلك منكم على بالغ مغلوب على عقله ولا صبي ولا امرأة. قال: ثم يجري الكتاب كما
أجريت الكتاب قبله حتى يأتي على آخره وإن شرطت عليهم في أموالهم قيمة أكثر من دينار كتبت
أربعة دنانير كان أو أكثر وإذا شرطت عليهم ضيافة كتبتها على ما وصفت عليهم في الكتاب قبله وإن
أجابوك إلى أكثر منها فاجعل ذلك عليهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا بأس فيهم وفيمن وقت
عليهم الجزية أن يكتب على الفقير منهم كذا ولا يكون أقل من دينار ومن جاوز الفقر كذا لشئ أكثر
منه ومن دخل في الغنى كذا لأكثر منه ويستوون إذا أخذت منهم الجزية هم وجميع من أخذت منه
جزية مؤقتة فيما شرطت لهم وعليهم وما يجري من حكم الاسلام على كل، وإذا شرط على قوم أن على
فقيركم دينارا وعلى من جاوز الفقر ولم يلحق بغنى مشهور دينارين وعلى من كان من أهل الغنى المشهور
أربعة دنانير جاز، وينبغي أن يبينه فيقول وإنما انظر إلى الفقر والغنى يوم تحل الجزية لا يوم عقد
الكتاب، فإذا صالحهم على هذا فاختلف الإمام ومن تؤخذ منه الجزية فقال الإمام لأحدهم أنت
غنى مشهور الغنى وقال بل أنا فقير أو وسط فالقول قوله إلا أن يعلم غير ما قال ببينة تقوم عليه بأنه غنى
لأنه المأخوذ منه، وإذا صالحهم على هذا فجاء الحول ورجل فقير فلم تؤخذ منه جزيته حتى يوسر يسرا
مشهورا أخذت جزيته دينارا على الفقر لأن الفقر حاله يوم وجبت عليه الجزية، وكذلك إن حال عليه
الحول وهو مشهور الغنى فلم تؤخذ جزيته حتى افتقر أخذت جزيته أربعة دنانير على حاله يوم حال عليه
الحول وإن لم توجد له إلا تلك الأربعة الدنانير فإن أعسر ببعضها أخذ منه ما وجد له منها وأتبع بما بقي
دينا عليه وأخذت جزيته ما كان فقيرا فيما استأنف دينارا لكل سنة على الفقر ولو كان في الحول مشهور
الغنى حتى إذا كان قبل الحول بيوم افتقر أخذت جزيته في عامه ذلك جزية فقير، وكذلك لو كان في
حوله فقيرا فلما كان قيل الحول بيوم صار مشهورا بالغنى أخذت جزيته جزية غنى.
213

الضيافة مع الجزية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لست أثبت من جعل عمر عليه الضيافة ثلاثا ولا من جعل عليه
يوما وليلة ولا من جعل عليه الجزية ولم يسم عليه ضيافة بخبر عامة ولا خاصة يثبت ولا أحد الذين ولوا
الصلح عليها بأعيانهم لأنهم قد ماتوا كلهم وأي قوم من أهل الذمة اليوم أقروا أو قامت على أسلافهم
بينة بأن صلحهم كان على ضيافة معلومة وأنهم رضوها بأعيانهم ألزموها ولا يكون رضاهم الذي ألزموه
إلا بأن يقولوا صالحنا على أن نعطى كذا ونضيف كذا وإن قالوا أضفنا تطوعا بلا صلح لم ألزمهموه
وأحلفهم ما ضيفوا على إقرار بصلح وكذلك إن أعطوا كثيرا أحلفتهم ما أعطوه على إقرار بصلح فإذا
حلفوا جعلتهم كقوم ابتدأت أمرهم الآن فإن أعطوا أقل الجزية وهو دينار قبلته وإن أبوا نبذت إليهم
وحاربتهم وأيهم أقر بشئ في صلحه وأنكره منهم غيره ألزمته ما أقر به ولم أجعل إقراره لازما لغيره إلا
بأن يقولوا صلحنا على أن نعطى كذا ونضيف كذا فأما إذا قالوا أضفنا تطوعا بلا صلح فلا ألزمهموه
قال ويأخذهم الإمام بعلمه وإقرارهم وبالبينة إن قامت عليهم من المسلمين ولا نجيز شهادة بعضهم على
بعض وكذلك نصنع في كل أمر غير مؤقت مما صالحوا عليه وفى كل مؤقت لم يعرفه أهل الذمة بالاقرار
به وإذا أقر قوم منهم بشئ يجوز للوالي أخذه ألزمهموه ما حيوا وأقاموا في دار الاسلام وإذا صالحوا على
شئ أكثر من دينار ثم أرادوا أن يمتنعوا إلا من أداء دينار ألزمهم ما صالحوا عليه كاملا فإن امتنعوا منه
حاربهم فإن دعوا قبل أن يظهر على أموالهم وتسبى ذراريهم إلى أن يعطوا الإمام الجزية دينارا لم يكن
للإمام أن يمتنع منهم وجعلهم كقوم ابتدأ محاربتهم فدعوه إلى الجزية أو قوم دعوه إلى الجزية بلا حرب
فإذا أقر منهم قرن بشئ صالحوا عليه ألزمهموه فإن كان فيهم غائب لم يحضر لم يلزمه وإذا حضر ألزم ما
أقر به مما يجوز الصلح عليه وإذا نشأ أبناؤهم فبلغوا الحلم أو استكملوا خمس عشرة سنة فلم يقروا بما أقر به
آباؤهم قيل إن أديتم الجزية وإلا حاربناكم فإن عرضوا أقل الجزية وقد أعطى آباؤهم أكثر منها لم يكن
لنا أن نقاتلهم إذا أعطوا أقل الجزية ولا يحرم علينا أن يعطونا أكثر مما يعطينا آباؤهم ولا يكون صلح
الآباء صلحا على الأبناء إلا ما كانوا صغارا لا جزية عليهم أو نساء لا جزية عليهن أو معتوهين لا جزية
عليهم فأما من لم يجز لنا إقراره في بلاد الاسلام إلا على أخذ الجزية منه فلا يكون صلح أبيه ولا غيره
صلحا عنه إلا برضاه بعد البلوغ ومن كان سفيها بالغا محجورا عليه منهم صالح عن نفسه بأمر وليه فإن
لم يفعل وليه وهو معا حورب فإن غاب وليه جعل له السلطان وليا يصالح عنه فإن أبى المحجور عليه
الصلح حاربه وإن أبى وليه وقبل المحجور عليه جبر وليه أن يدفع الجزية عنه لأنها لازمة إذا أقر بها لأنها
من معنى النظر له لئلا يقتل ويؤخذ ما له فيئا وإذا كان هذا هكذا وكان من صالحهم ممن مضى من الأئمة
بأعيانهم قد ماتوا فحق الإمام أن يبعث أمناء فيجمعون البالغين من أهل الذمة في كل بلد ثم يسألونهم
عن صلحهم فما أقروا به مما هو أزيد من أقل الجزية قبله منهم إلا أن تقوم عليهم بينة بأكثر منه ما لم
ينقضوا العهد فيلزمه منهم من قامت عليه بينة ويسأل عمن نشأ منهم فمن بلغ عرض عليه قبول ما
صالحوا عليه فإن فعل قبله منه وإن امتنع إلا من أقل الجزية قبل منه بعد أن يجتهد بالكلام على
استزادته ويقول هذا صلح أصحابك فلا تمتنع منه ويستظهر بالاستعانة بأصحابه عليه وإن أبى إلا أقل
الجزية قبله منه فإن اتهم أن يكون أحد منهم بلغ ولم يقر عنده بأن قد استكمل خمس عشرة سنة أو قد
احتلم ولم يقم بذلك عليه بينة مسلمون أقل من يقبل في ذلك شاهدان عدلان كشفه كما كشف رسول
214

الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة فمن أنبت قتله فإذا أنبت قال له إن أديت الجزية وإلا حاربناك فإن
قال أنبت من أنى تعالجت بشئ تعجل إنبات الشعر لم يقبل منه ذلك إلا أن يقوم شاهدان مسلمان على
ميلاده فيكون لم يستكمل خمس عشرة فيدعه ولا يقبل لهم ولا عليهم شهادة غير مسلم عدل ويكتب
أسماءهم وحلاهم في الديوان ويعرف عليهم ويحلف عرفاؤهم لا يبلغ منهم مولود إلا رفعه إلى واليه
عليهم ولا يدخل عليهم أحد من غيرهم إلا رفعوا إليه فكلما دخل فيهم أحد من غيرهم ممن لم يكن له
صلح وكان ممن تؤخذ منه الجزية فعل به كما وصفت فيمن فعل وكلما بلغ منهم بالغ فعل به ما وصفت
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن دخل من له صلح ألزمته صلحه ومتى أخذ منه صلحه رفع عنه أن
تؤخذ عنه في غير بلده فإن كان صالح على دينار وقد كان له صلح قبله على أكثر أخذ منه ما بقي من
الفضل على الدينار لأنه صالح عليه وإن كان صلحه الأول على دينار ببلده ثم صالح ببلد غيره على
دينار أو أكثر قيل له إن شئت رددنا عليك الفضل عما صالحت عليه أولا إلا أن يكون نقض العهد ثم
أحدث صلحا فيكون صلحه الآخر كان أقل أو أكثر من الصلح الأول ومتى مات منهم ميت أخذت
من ماله الجزية بقدر ما مر عليه من سنته كأنه مر عليه نصفها لم يؤدها يؤخذ نصف جزيته وإن عته رفع
عنه الجزية ما كان معتوها فإذا أفاق أخذتها منه من يوم أفاق فإن جن فكان يجن ويفيق لم ترفع الجزية
لأن هذا ممن تجرى عليه الاحكام في حال إفاقته وكذلك إن مرض فذهب عقله أياما ثم عاد إنما ترفع
عنه الجزية إذا ذهب عقله فلم يعد وأيهم أسلم رفعت عنه الجزية فيما يستقبل وأخذت لما مضى وإن
غاب فأسلم فقال أسلمت من وقت كذا فالقول قوله مع يمينه إلا أن تقوم بينة بخلاف ما قال (قال
الربيع) وفيه قول آخر أن عليه الجزية من حين غاب إلى أن قدم فأخبرنا أنه مسلم إلا أن تقوم له بينة بأن
إسلامه قد تقدم قبل أن يقدم علينا بوقت فيؤخذ بالبينة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أسلم ثم
تنصر لم يؤخذ الجزية وإن أخذت ردت وقيل إن أسلمت وإلا قتلت وكذلك المرأة إن أسلمت وإلا
قتلت قال ويبين وزن الدينار والدنانير التي تؤخذ منهم وكذلك صفة كل ما يؤخذ منهم وإن صالح
أحدهم وهو صحيح فمرت به نصف سنة ثم عته إلى آخر السنة ثم أفاق أو لم يفق أخذت منه جزية
نصف السنة التي كان فيها صحيحا ومتى أفاق استقبل به من يوم أفاق سنة ثم أخذت جزيته منه لأنه
كان صالح فلزمه الجزية ثم عنه فسقطت عنه وإن طابت نفسه أن يؤديها ساعة أفاق قبلت منه وإن لم
تطب لم يلزمها إلا بعد الحول وإذا عتق العبد البالغ من أهل الذمة أخذت منه الجزية أو نبذ إليه وسواء
أعتقه مسلم أو كافر.
الضيافة في الصلح
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقر أهل الذمة بضيافة في صلحهم ورضوا بها فعلى الإمام
مسألتهم عنها وقبول ما قالوا أنهم يعرفونه منها إذا كانت زيادة على أقل الجزية ولا تقبل منهم ولا يجوز أن
يصالحهم عليها بحال حتى تكون زيادة على أقل الجزية فإن أقروا بأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين
يوما وليلة أو ثلاثا أو أكثر وقالوا ما حددنا في هذا حد ألزموا أن يضيفوا من وسط ما يأكلون خبزا
وعصيدة وأداما من زيت أو لبن أو سمن أو بقول مطبوخة أو حيتان أو لحم أو غيره أي هذا تيسر عليهم
215

وإذا أقروا بعلف دواب ولم يحددوا شيئا علفوا التبن والحشيش مما تحشاه الدواب ولا يبين أن يلزموا حبا
لدواب ولا ما جاوز أقل ما تعلفه الدواب إلا بإقرارهم ولا يجوز بأن يحمل على الرجل منهم في اليوم
والليلة ضيافة إلا بقدر ما يحتمل أن احتمل واحدا أو اثنين أو ثلاثة ولا يجوز عندي أن يحمل عليه أكثر من
ثلاثة وان أيسر إلا بإقرارهم ويؤخذ بأن ينزل المسلمين الذين يضيفهم حيث يشاء من منازله التي ينزلها
السفر التي تكن من مطر وبرد وحر وإن لم يقروا بهذا فعلى الإمام أن يبين إذا صالحهم كيف يضيف
الموسر الذي بلغ يسره كذا ويصف ما يضيف من الطعام والعلف وعدد من يضيفه من المسلمين وعلى
الوسط الذي يبلغ ماله عدد كذا من الأصناف وعلى من عنده فضل عن نفعه وأهل بيته عدد كذا
واحدا أو أكثر منه ومنازلهم وما يقرى كل واحد منهم ليكون ذلك معلوما إذا نزل بهم الجموع ومرت
الجيوش فيؤخذون به ويجعل ذلك كله مدونا مشهودا عليه به ليأخذه من وليهم من ولاته بعده ويكتب
في كتابهم أن كل من كان معسرا فرجع إلى ماله حتى يكون موسرا نقل إلى ضيافة المياسير.
الصلح على الاختلاف في بلاد المسلمين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا أحب أن يدع الوالي أحدا من أهل الذمة في صلح إلا
مكشوفا مشهودا عليه وأحب أن يسأل أهل الذمة عما صالحوا عليه مما يؤخذ منهم إذا اختلفوا في بلاد
المسلمين فإن أنكرت منهم طائفة أن تكون صالحت على شئ يؤخذ منها سوى الجزية لم يلزمها ما
أنكرت وعرض عليها إحدى خصلتين أن لا تأتى الحجاز بحال أو تأتى الحجاز على أنها متى أتت الحجاز
أخذ منها ما صالحها عليه عمر وزيادة إن رضيت به وإنما قلنا لا تأتى الحجاز لأن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أجلاها من الحجاز وقلنا تأتيه على ما أخذ عمر أن ليس في إجلائها من الحجاز أمر يبين أن
يحرم أن تأتى الحجاز منتابة وإن رضيت بإتيان الحجاز على شئ مثل ما أخذ عمر أو أكثر منه أذن لها أن
تأتيه منتابة لا تقيم ببلد منه أكثر من ثلاث فإن لم ترض منعها منه وإن دخلته بلا إذن لم يؤخذ من مالها
شئ وأخرجها منه وعاقبها إن علمت منعه إياها ولم يعاقبها إن لم تعلم منعه إياها وتقدم إليها فإن عادت
عاقبها ويقدم إلى ولاته أن لا يجيزوا بلاد الحجاز إلا بالرضا والاقرار بأن يؤخذ منهم ما أخذ عمر بن
الخطاب رضى الله تعالى عنه وإن زادوه عليها شيئا لم يحرم عليه فكان أحب إلى وإن عرضوا عليه أقل
منه لم أحب أن يقبله وإن قبله لخلة بالمسلمين رجوت أن يسعه ذلك لأنه إذا لم يحرم أن يأتوا الحجاز
مجتازين لم يحل إتيانهم الحجاز كثير يؤخذ منهم ويحرمه قليل وإذا قالوا نأتيها بغير شئ لم يكن ذلك
للوالي ولا لهم ويجتهد أن يجعل هذا عليهم في كل بلد انتابوه فإن منعوا منه في البلدان فلا يبين لي أن له
أن يمنعهم بلدا غير الحجاز ولا يأخذ من أموالهم وإن أتجروا في بلد غير الحجاز شيئا ولا يحل أن يؤذن
لهم في مكة بحال (1) وإن أتوها على الحجاز أخذ منهم ذلك وإن جاءوها على غير شرط لم يكن له أن
يأخذ منهم شيئا وعاقبهم إن علموا نهيه عن إتيان مكة ولم يعاقبهم إن لم يعلموا (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وينبغي أن يبتدئ صلحهم على البيان من جميع ما وصفت ثم يلزمهم ما صالحوا عليه فإن أغفلهم منعهم الحجاز كله فإن دخلوه بغير صلح لم يأخذ مهم شيئا ولا يبين لي أن يمنعهم غير الحجاز

(1) أي وإن أتوا مكة على الشرط الذي شرطه في الحجاز تأمل. كتبه مصححه.
216

من البلدان قال ولا أحسب عمر بن الخطاب ولا عمر بن عبد العزيز أخذ ذلك منهم إلا عن رضا منهم
بما أخذ منهم فأخذه منهم كما تؤخذ الجزية فأما أن يكون ألزمهموه بغير رضا منهم فلا أحسبه وكذلك
أهل الحرب يمنعون الاتيان إلى بلاد المسلمين بتجارة بكل حال إلا بصلح فما صالحوا عليه جاز لمن
أخذه وإن دخلوا بأمان وغير صلح مقرين به لم يؤخذ منهم شئ من أموالهم وردوا إلى مأمنهم إلا أن
يقولوا إنما دخلنا على أن يؤخذ منا فيؤخذ منهم وإن دخلوا بغير أمان غنموا وإذا لم يكن لهم دعوى أمان
ولا رسالة كانوا فيئا وقتل رجالهم إلا أن يسلموا أو يؤدوا الجزية قبل أن نظفر بهم إن كانوا ممن يجوز أن
تؤخذ منهم الجزية وإن دخل رجل من أهل الذمة بلدا أو دخلها حربي بأمان فأدى عن ماله شيئا ثم
دخل بعد لم يؤخذ ذلك منه إلا بأن يصالح عليه قبل الدخول أو يرضى به بعد الدخول فأما الرسل ومن
ارتاد الاسلام فلا يمنعون الحجاز لأن الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم (وإن أحد من
المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) وإن أراد أحد من الرسل الإمام وهو بالحرم فعلى الإمام
أن يخرج إليه ولا يدخله الحرم إلا أن يكون يغنى الإمام فيه الرسالة والجواب فيكتفى بهما، فلا يترك
يدخل الحرم بحال.
ذكر ما أخذ عمر رضى الله تعالى عنه من أهل الذمة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه
أن عمر ابن الخطاب رضى الله تعالى عنه كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر يريد
بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ويأخذ من القطنية العشر * أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب
بن يزيد أنه قال كنت عاملا مع عبد الله بن عتبة على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب فكان
يأخذ من النبط العشر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لعل السائب حكى أمر عمر أن يأخذ من النبط
العشر في القطنية كما حكى سالم عن أبيه عن عمر فلا يكونان مختلفين أو يكون السائب حكى العشر في
وقت فيكون أخذ منهم مرة في الحنطة والزيت عشرا ومرة نصف العشر ولعله كما بصلح يحدثه في وقت
برضاه ورضاهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لست أحسب عمر أخذ ما أخذ من النبط إلا عن
شرط بينه وبينهم كشرط الجزية وكذلك أحسب عمر بن عبد العزيز أمر بالأخذ منهم ولا يأخذ من أهل
الذمة شيئا إلا عن صلح ولا يتركون يدخلون الحجاز إلا بصلح ويحدد الإمام فيما بينه وبينهم في تجاراتهم
وجميع ما شرط عليهم أمرا يبين لهم وللعامة ليأخذهم به الولاة غيره ولا يترك أهل الحرب يدخلون بلاد
المسلمين تجارا فإن دخلوا بغير أمان ولا رسالة غنموا وإن دخلوا بأمان وشرط أن يأخذ منهم عشرا أو أكثر
أو أقل أخذ منهم فإن دخلوا بلا أمان ولا شرط ردوا إلى مأمنهم ولم يتركوا يمضون في بلاد الاسلام ولا
يؤخذ منهم شئ وقد عقد لهم الأمان إلا عن طيب أنفسهم وإن عقد لهم الأمان على دمائهم لم يؤخذ
من أموالهم شئ إن دخلوا بأموال إلا بشرط على أموالهم أو طيب أنفسهم (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وسواء كان أهل الحرب بين قوم يعشرون المسلمين إن دخلوا بلادهم أو يخمسونهم لا يعرضون لهم
في أخذ شئ من أموالهم إلا عن طيب أنفسهم أو صلح يتقدم منهم أو يؤخذ غنيمة أو فيئا إن لم يكن
لهم ما يأمنون به على أمواله لأن اله عز وجل أذن بأخذ أموالهم غنيمة وفيئا وكذلك الجزية فيما أعطوها
217

أيضا طائعين وحرم أموالهم بعقد الأمان لهم ولا يؤخذ إذا أمنوا إلا بطيب أنفسهم بالشرط فيما يختلفون به
وغيره فيحل به أموالهم.
تحديد الإمام ما يأخذ من أهل الذمة في الأمصار
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وينبغي للإمام أن يحدد بينه وبين أهل الذمة جميع ما يعطيهم
ويأخذ منهم ويرى أنه ينوبه وينوب الناس منهم فيسمى الجزية وأن يؤديها على ما وصفت ويسمى شهرا
تؤخذ منهم فيه وعلى أن يجرى عليهم حكم الاسلام إذا طلبهم به طالب أو أظهروا ظلما لاحد وعلى أن
لا يذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بما هو أهله ولا يطعنوا في دين الاسلام ولا يعيبوا من حكمه
شيئا فإن فعلوا فلا ذمة لهم ويأخذوا عليهم أن لا يسمعوا المسلمين شركهم وقولهم في عزير وعيسى عليهما
للسلام وإن وجدوهم فعلوا بعد التقدم في عزير وعيسى عليهما السلام إليهم عاقبهم على ذلك عقوبة لا
يبلغ بها حدا لأنهم قد أذن بإقرارهم على دينهم مع علم ما يقولون ولا يشتموا المسلمين وعلى أن لا يغشوا
مسلما وعلى أن لا يكونوا عينا لعدوهم ولا يضروا بأحد من المسلمين في حال وعلى أن نقرهم على دينهم
وأن لا يكرهوا أحدا على دينهم إذا لم يرده من أبنائهم ولا رقيقهم ولا غيرهم وعلى أن لا يحدثوا في مصر
من أمصار المسلمين كنيسة ولا مجتمعا لضلالاتهم ولا صوت ناقوس ولا حمل خمر ولا إدخال خنزير
ولا يعذبوا بهيمة ولا يقتلوها بغير الذبح ولا يحدثوا بناء يطيلونه علي بناء المسلمين وأن يفرقوا بين هيأتهم
في اللباس والمركب وبين هيئات المسلمين وأن يعقدوا الزنانير في أوساطهم فإنها من أبين فرق بينهم وبين
هيئات المسلمين ولا يدخلوا مسجدا ولا يبايعوا مسلما بيعا يحرم عليهم في الاسلام وأن لا يزوجوا مسلما
محجورا إلا بإذن وليه ولا يمنعوا من أن يزوجوه حرة إذا كان حرا ما كان بنفسه أو محجورا بإذن وليه
بشهود المسلمين ولا يسقوا مسلما خمرا ولا يطعموه محرما من لحم الخنزير ولا غيره ولا يقاتلوا مسلما ولا
غيره ولا يظهروا الصليب ولا الجماعة في أمصار المسلمين وإن كانوا في قرية يملكونها منفردين لم يمنعهم
إحداث كنيسة ولا رفع بناء ولا يعرض لهم في خنازيرهم وخمرهم وأعيادهم وجماعاتهم وأخذ عليهم
أن لا يسقوا مسلما أتاهم خمرا ولا يبايعوه محرما ولا يطعموه ولا يغشوا مسلما وما وصفت سوى ما أبيح
لهم إذا ما انفردوا قال وإذا كانوا بمصر للمسلمين لهم فيه كنيسة أو بناء طائل كبناء المسلمين لم يكن
للإمام هدمها ولا هدم بنائهم وترك كلا على ما وجده عليه ومنع من إحداث الكنيسة وقد قيل يمنع من
البناء الذي يطاول به بناء المسلمين وقد قيل إذا ملك دارا لم يمنع مما لا يمنع المسلم (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: وأحب إلى أن يجعلوا بناءهم دون بناء المسلمين بشئ وكذلك إن أظهروا الخمر
والخنزير والجماعات وهذا إذا كان المصر للمسلمين أحبوه أو فتحوه عنوة وشرطوا على أهل الذمة هذا فإن
كانوا فتحوه على صلح بينهم وبين أهل الذمة من ترك إظهار الخنازير والخمر وإحداث الكنائس فيما
ملكوا لم يكن له منعهم من ذلك وإظهار الشرك أكثر منه ولا يجوز للإمام أن يصالح أحدا من أهل
الذمة على أن ينزله من بلاد المسلمين منزلا يظهر فيه جماعة ولا كنيسة ولا ناقوسا إنما يصالحهم على ذلك
في بلادهم التي وجدوا فيها فنفتحها عنوة أو صلحا فأما بلاد لم تكن لهم فلا يجوز هذا له فيها فإن فعل
ذلك أحد في بلاد بملكه منعه الإمام منه فيه ويجوز أن يدعهم أن ينزلوا بلدا لا يظهرون هذا فيه
ويصلون في منازلهم بلا جماعات ترتفع أصواتهم ولا نواقيس ولا نكفهم إذا لم يكن ذلك ظاهرا عما
218

كانوا عليه إذا لم يكن فيه فساد لمسلم ولا مظلمة لاحد فإن أحد منهم فعل شيئا مما نهاه عنه مثل الغش
لمسلم أو بيعه حراما أو سقيه محرما أو الضرب لاحد أو الفساد عليه عاقبه في ذلك بقدر ذنبه ولا يبلغ به
حدا وإن أظهروا ناقوسا أو اجتمعت لهم جماعات أو تهيئوا بهيئة نهاهم عنها تقدم إليهم في ذلك فإن
عادوا عاقبهم وإن فعل هذا منهم فاعل وباع مسلما بيعا حراما فقال ما علمت تقدم إليه الوالي وأحلفه
وأقاله في ذلك فإن عاد عاقبه ومن أصاب منهم مظلمة لاحد فيها حد مثل قطع الطريق والفرية وغير
ذلك أقيم عليه وإن غش أحد منهم المسلمين بأن يكتب إلى العدو لهم بعورة أو يحدثهم شيئا أرادوه بهم
وما أشبه هذا عوقب وحبس ولم يكن هذا ولا قطع الطريق نقضا للعهد ما أدوا الجزية على أن يجرى
عليهم الحكم.
ما يعطيهم الإمام من المنع من العدو
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وينبغي للإمام أن يظهر لهم أنهم إن كانوا في بلاد الاسلام وبين
أظهر أهل الاسلام منفردين أو مجتمعين فعليه أن يمنعهم من أن يسبيهم العدو أو يقتلهم منعه ذلك من
المسلمين وإن كانت دارهم وسط دار المسلمين وذلك أن يكون من المسلمين أحد بينهم وبين العدو فلم
يكن في صلحهم أن يمنعهم فعليه منعهم لأن منعهم منع دار الاسلام دونهم وكذلك إن كان لا يوصل
إلى موضع هم فيه منفردون إلا بأن توطأ من بلادهم شئ كان عليه منعهم وإن لم يشترط ذلك لهم
وإن كانت بلادهم داخلة ببلاد الشرك ليس بينها وبين بلاد الاسلام شرك حرب فإذا أتاها العدو لم يطأ
من بلاد الاسلام شيئا ومعهم مسلم فأكثر كان عليه منعهم وإن لم يشترط ذلك لهم لأن منع دارهم منه مسلم وكذلك إن لم يكن معهم مسلم وكان معهم مال لمسلم فإن كانت دارهم كما وصفت متصلة ببلاد
الاسلام وبلاد الشرك إذا غشيها المشركون لم ينالوا من بلاد الاسلام شيئا وأخذ الإمام منهم الجزية فإن
لم يشترط لهم منعهم فعليه منعهم حتى يبين في أصل صلحهم أنه لا يمنعهم فيرضون بذلك وأكره له
إذا اتصلوا كما وصفت ببلاد الاسلام أن يشترط أن لا يمنعهم وأن يدع منعهم ولا يبين أن عليه منعهم
فإن كان أصل صلحهم أنهم قالوا لا تمنعنا ونحن نصالح المشركين بما شئنا لم يحرم عليه أن يأخذ الجزية
منهم على هذا وأحب إلى لو صالحهم على منعهم لئلا ينالوا أحدا يتصل ببلاد الاسلام فإن كانوا قوما
من العدو دونهم عدو فسألوا أن يصالحوا على جزية ولا يمنعوا جاز للوالي أخذها منهم ولا يجوز له أخذها
بحال من هؤلاء ولاغيرهم إلا على أن يجرى عليهم حكم الاسلام لأن الله عز وجل لم يأذن بالكف
عنهم إلا بأن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون والصغار أن يجرى عليهم حكم الاسلام فمتى صالحهم
على أن لا يجرى عليهم حكم الاسلام فالصلح فاسد وله أخذ ما صالحوه عليه في المدة التي كف فيها
عنهم وعليه أن ينبذ إليهم حتى تصالحوا على أن يجرى عليهم الحكم أو يقاتلهم ولا يجوز أن يصالحهم
على هذا إلا أن تكون بهم قوة ولا يجوز أن يقول آخذ منكم الجزية إذا استغنيتم وأدعها إذا افتقرتم ولا
أن يصالحهم إلا على جزية معلومة لا يزاد فيها ولا ينقص ولا أن يقول متى افتقر منكم مفتقر أنفقت
عليه من مال الله تعالى قال ومتى صالحهم على شئ مما زعمت أنه لا يجوز الصلح عليه وأخذ عليه منهم
جزية أكثر من دينار في السنة رد الفضل على الدينار ودعاهم إلى أن يعطوا الجزية على ما يصلح فإن لم
219

يفعلوا نبذ إليهم وقاتلهم ومتى أخذ منهم الجزية على أن يمنعهم فلم يمنعهم إما بغلبة عدوله حتى هرب
عن بلادهم وأسلمهم وإما تحصن منه حتى نالهم العدو فإن كان تسلف منهم جزية سنة أصابهم فيها ما
وصفت رد عليهم جزية ما بقي من السنة ونظر فإن كان ما مضى من السنة نصفها أخذ منه ما صالحهم
عليه لأن الصلح كان تاما بينه وبينهم حتى أسلمهم فيومئذ انتقض صلحه وإن كان لم يتسلف منهم شيئا
وإنما أخذ منهم جزية سنة قد مضت وأسلمهم في غيرها لم يرد عليهم شيئا ولا يسعه إسلامهم فإن غلب
غلبة فعلى ما وصفت وإن أسلمهم غلبة فهو آثم في إسلامهم وعليه أن يمنع من آذاهم وإذا أخذ منهم
الجزية أخذها بإجمال ولم يضرب منهم أحدا ولم يقل لهم قبيح والصغار أن يجرى عليهم الحكم لا أن يضربوا ولا
يؤذوا ويشترط عليهم أن لا يحيوا من بلاد الاسلام شيئا ولا يكون له أن يأذن لهم فيه بحال وإن أقطعه رجلا
مسلما فغمره ثم باعهموه لم ينقض البيع وتركهم وحياءه لأنهم ملكوه بأموالهم وليس له أن يمنعهم الصيد في بر
ولا بحر لأن الصيد ليس بإحياء أموات وكذلك لا يمنعهم الحطب ولا الرعى في بلاد المسلمين لأنه لا يملك.
تفريع ما يمنع من أهل الذمة
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا كان علينا أن نمنع أهل الذمة إذا كانوا
معنا في الدار وأموالهم التي يحل لهم أن يتمولوها مما نمنع منه أنفسنا وأموالنا من عدوهم إن أرادهم أو ظلم
ظالم لهم وان تستنقذهم من عدوهم لو أصابهم وأموالهم التي تحل لهم لو قدرنا فإذا قدرنا استنقذناهم وما
حل لهم ملكه ولم نأخذ لهم خمرا ولا خنزيرا فإن قال قائل كيف تستنقذهم وأموالهم التي يحل لهم ملكها
ولا تستنقذ لهم الخمر والخنزير وأنت تقرهم على ملكها؟ قلت إنما منعتهم بتحريم دمائهم فإن الله عز
وجل جعل في دمائهم دية وكفارة وأما منعي ما يحل من أموالهم فبذمتهم وأما ما أقررتهم عليه فمباح لي
بأن الله عز وجل أذن بقتالهم حتى يعطوا الجزية فكان في ذلك دليل على تحريم دمائهم بعد ما أعطوها
وهم صاغرون ولم يكن في إقراري لهم عليها معونة عليها ألا ترى أنه لو امتنع عليهم عبد أو ولد من
الشرك فأرادوا إكراههم لم أقرهم على إكراهه بل منعتهم منه وكما لم أكن بإقرارهم على الشرك معينا لهم
باقرارهم عليه ولا يمنعهم من العدو معينا عليه فكذلك لم يكن إقرارهم على الخمر والخنزير عونا لهم
عليه ولا أكون عونا لهم على أخذ الخمر والخنزير وإن أقررتهم على ملكه فإن قال فلم لم تحكم لهم بقيمته
على من استهلكه قلت أمرني الله عز وجل أن أحكم بينهم بما أنزل الله ولم يكن فيما أنزل الله تبارك
وتعالى ولا ما دل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم المنزل عليه المبين عن الله عز وجل ولا فيما بين
المسلمين أن يكون للمحرم ثمن، فمن حكم لهم بثمن محرم حكم بخلاف حكم الاسلام ولم يأذن الله
تعالى لاحد أن يحكم بخلاف حكم الاسلام وأنا مسؤول عما حكمت به ولست مسؤولا عما عملوا مما
حرم عليهم مما لم أكلف منعه منهم ومن سرق لهم من بلاد المسلمين أو أهل الذمة ما يجب فيه القطع
قطعته وإذا سرقوا فجاءني المسروق قطعتهم وكذلك أحدهم إن قذفوا وأعزر لهم من قذفهم وأؤدب لهم
من ظلمهم من المسلمين وآخذ لهم منه جميع ما يجب لهم مما يحل أخذه وأنهاه عن العرض له وإذا
عرض لهم بما يوجب عليه في ماله أو بدنه شيئا أخذته منه وإذا عرض لهم بأذى لا يوجب ذلك عليه
زجرته عنه فإن عاد حبسته أو عاقبته عليه وذلك مثل أن يهريق خمرهم أو يقتل خنازيرهم وما أشبه
220

هذا فإن قال قائل فكيف لا تجيز شهادة بعضهم على بعض وفي ذلك إبطال الحكم عنهم؟ قيل قال
الله عز وجل (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) وقال (ممن ترضون من الشهداء) فلم يكونوا من
رجالنا ولا ممن نرضى من الشهداء فلما وصف الشهود منا دل على أنه لا يجوز أن يقضى بشهادة شهود
من غيرنا لم يجز أن نقبل شهادة غير مسلم وأما إبطال حقوقهم فلم نبطلها إذا إذا لم يأتنا ما يجوز فيه
وكذلك يصنع بأهل البادية والشجر والبحر والصناعات لا يكون منهم من يعرف عدله وهم مسلمون. فلا
يجوز شهادة بعضهم على بعض وقد تجرى بينهم المظالم والتداعي والتباعات كما تجرى بين أهل الذمة
ولسنة آثمين فيما جنى جانيهم ومن أجاز شهادة من لم يؤمر بإجازة شهادته أثم بذلك لأنه عمل نهى عن
عمله فإن قال: فإن الله عز وجل يقول (شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) قرأ الربيع إلى
(فيقسمان بالله) فما معناه؟ قيل والله تعالى أعلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا أبو سعيد معاذ بن
موسى الجعفري عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حبان قال بكير قال مقاتل أخذت هذا التفسير عن
مجاهد والحسن والضحاك في قوله تبارك وتعالى (اثنان ذوا عدل منكم) الآية أن رجلين نصرانيين من
أهل دارين أحدهما تميمي والآخر يماني صحبهما مولى لقريش في تجارة فركبوا البحر ومع القرشي مال
معلوم قد علمه أولياؤه من بين آنية (1) وبز ورقة فمرض القرشي فجعل وصيته إلى الداريين فمات وقبض
الداريان المال والوصية فدفعاه إلى أولياء الميت وجاء ببعض ماله وأنكر القوم قلة المال فقالوا للداريين إن
صاحبنا قد خرج ومعه مال أكثر مما أتيتمانا به فهل باع شيئا أو اشترى شيئا فوضع فيه؟ أو هل طال
مرضه فأنفق على نفسه؟ قالا: لا قالوا فإنكما خنتمانا فقبضوا المال ورفعوا أمرهما إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأنزل الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) إلى آخر الآية
فلما نزلت أن يحبسا من بعد الصلاة أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقاما بعد الصلاة فحلفا بالله رب
السماوات ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به وأنا لا نشتري بأيماننا ثمنا قليلا من الدنيا (ولو كان
ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين) فلما حلفا خلى سبيلهما ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناءا من
آنية الميت فأخذوا الداريين فقالا اشتريناه منه في حياته وكذبا فكلفا البينة فلم يقدرا عليها فرفعوا ذلك
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل (فإن عثر) يقول فإن اطلع (على أنهما استحقا
إثما) يعنى الداريين أي كتما حقا (فآخران) من أولياء الميت (يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم
الأوليان فيقسمان بالله) فيحلفان بالله إن مال صاحبنا كان كذا وكذا وإن الذي نطلب قبل الداريين لحق
(وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين) هذا قول الشاهدين أولياء الميت (ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على
وجهها) يعنى الداريين والناس أن يعودوا لمثل ذلك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يعنى من كان في
مثل حال الداريين من الناس ولا أعلم الآية تحتمل معنى غير حمله على ما قال وإن كان لم يوضح بعضه
لأن الرجلين اللذين كشاهدي الوصية كانا أميني الميت فيشبه أن يكون إذا كان شاهدان منكم أو من
غيركم أمينين على ما شهدا عليه فطلب ورثة الميت أيمانهما أحلفا بأنهما أمينان لا في الشهود فإن قال
فكيف تسمى في هذا الوضع شهادة؟ قيل كما سميت أيمان المتلاعنين شهادة وإنما معنى شهادة بينكم
أيمان بينكم إذا كان هذا المعنى والله تعالى أعلم فإن قال قائل فكيف لم تحتمل الشهادة؟ قيل ولا نعلم
المسلمين اختلفوا في أنه ليس على شاهد يمين قبلت شهادته أو ردت ولا يجوز أن يكون إجماعهما خلافا

(1) قوله: وبز، أي ثياب. ورقة: أي فضة، فتنبه كتبه مصححه.
221

لكتاب الله عز وجل ويشبه قول الله تبارك وتعالى (فإن عثر على أنهما استحقا إثما) يوجد من مال الميت
في أيديهما ولم يذكرا قبل وجوده أنه في أيديهما فلما وجد ادعيا ابتياعه فاحلف أولياء الميت على مال
الميت فصار مالا من مال الميت بإقرارهما وادعيا لأنفسهما شراءه فلم تقبل دعواهما بلا بينة فأحلف وارثاه
على ما ادعيا وإن كان أبو سعيد لم يبينه في حديثه هذا التبيين فقد جاء بمعناه (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وليس في هذا رد اليمين إنما كانت يمين الداريين على ادعاء الورثة من الخيانة ويمين ورثة الميت
على ما ادعى الداريان مما وجد في أيديهما وأقرا أنه للميت وأنه صار لهما من قبله وإنما أجزنا رد اليمين من
غير هذه الآية فإن قال قائل فإن الله عز وجل يقول (أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم) فذلك والله
تعالى أعلم أن الايمان كانت عليهم بدعوى الورثة أنهم اختانوا ثم صار الورثة حالفين بإقرارهم أن هذا
كان للميت وادعائهم شراءه منه فجاز أن يقال أن ترد أيمان تثنى عليهم الايمان بما يجب عليهم إن
صارت لهم الايمان كما يجب على من حلف لهم وذلك قول الله والله تعالى أعلم (يقومان مقامهما) يحلفان
كما أحلفنا وإذا كان هذا كما وصفت فليست هذه الآية بناسخة ولا منسوخة لأمر الله عز وجل بإشهاد
ذوي عدل منكم ومن نرضى من الشهداء.
الحكم بين أهل الذمة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لم أعلم مخالفا من أهل العلم بالسير أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لما نزل بالمدينة وادع يهود كافة على غير جزية وأن قول الله عز وجل (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو
أعرض عنهم) إنما نزلت في اليهود
الموادعين الذين لم يعطوا جزية ولم يقروا بأن يجري عليهم الحكم وقال
بعض نزلت في اليهوديين اللذين زنيا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والذي قالوا يشبه ما قالوا لقول
الله عز وجل (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله) وقوله تبارك وتعالى (وأن أحكم بينهم بما
أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك) الآية يعنى والله تعالى أعلم إن تولوا عن حكمك بغير
رضاهم وهذا يشبه أن يكون ممن أتى حاكما غير مقهور على الحكم والذين حاكموا إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم في امرأة منهم ورجل زنيا موادعون وكان في التوارة الرجم ورجوا أن لا يكون من حكم
رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجم فجاءوا بهما فرجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وإذا
وادع الإمام قوما من أهل الشرك، ولم يشترط أن يجرى عليهم الحكم ثم جاءوه متحاكمين فهو بالخيار
بين أن يحكم بينهم أو يدع الحكم، فإن اختار أن يحكم بينهم حكم بينهم حكمه بين المسلمين لقول الله
عز وجل (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) والقسط حكم الله عز وجل الذي أنزله عليه صلى الله عليه
وسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وليس للإمام الخيار في أحد من المعاهدين الذين يجرى عليهم
الحكم إذا جاءوه في حد لله عز وجل وعليه أن يقيمه ولا يفارقون الموادعين إلا في هذا الموضع، ثم
على الإمام أن يحكم على الموادعين حكمه على المسلمين إذا جاءوه فإن امتنعوا بعد رضاهم بحكمه
حاربهم، وسواء في أن له الخيار في الموادعين إذا أصابوا حد الله أو حدا فيما بينهم لأن المصاب منه
الحد لم يسلم ولم يقر بأن يجرى عليه الحكم.
222

الحكم بين أهل الجزية
(قال الشافعي) قال الله عز وجل (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى فكان الصغار والله تعالى أعلم أن يجرى عليهم حكم الاسلام وأذن الله بأخذ الجزية منهم على
أن قد علم شركهم به واستحلالهم لمحارمه فلا يكشفوا عن شئ مما استحلوا بينهم ما لم يكن ضررا
على مسلم أو معاهد أو مستأمن غيرهم وإن كان فيه ضرر على أحد من أنفسهم لم يطلبه لم يكشفوا عنه
فإذا أبى بعضهم على بعض ما فيه له عليه حق فأتى طالب الحق إلى الإمام يطلب حقه فحق لازم
للإمام والله تعالى أعلم أن يحكم له على من كان له عليه حق منهم وإن لم يأته المطلوب راضيا بحكمه
وكذلك إن أظهر السخطة لحكمه لما وصفت من قول الله عز وجل (وهم صاغرون) ولا يجوز أن تكون
دار الاسلام دار مقام لمن يمتنع من الحكم في حال ويقال نزلت (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) فكان
ظاهر ما عرفنا أن يحكم بينهم والله تعالى أعلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن جاءت امرأة رجل
منهم تستعدى عليه بأنه طلقها أو آلى منها حكمت عليه حكمي على المسلمين فألزمته الطلاق وفيئية الايلاء
فإن فاء وإلا أخذته بأن يطلق وإن قالت تظاهر منى أمرته أن لا يقربها حتى يكفر ولا يجزئه في كفارة
الظهار إلا رقبة مؤمنة وكذلك لا يجزئه في القتل إلا رقبة مؤمنة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن قال
قائل فكيف يكفر الكافر؟ قيل كما يؤدى الواجب وإن كان لا يؤجر على أدائه من دية أو أرش جرح أو
غيره وكما يحد وإن كان لا يكفر عنه بالحد لشركة فإن قال فيكفر عنه خطيئة الحد؟ قيل فإن جاز أن
يكفر خطيئة الحد جاز أن يكفر عنه خطيئة الظهار واليمين وإن قيل يؤدي ويؤخذ منه الواجب وإن لم
يؤجر وإن لم يكفر عنه؟ قيل و كذلك الظهار والايمان والرقبة في القتل فإن جاءنا يريد أن يتزوج لم
نزوجه إلا كما يزوج المسلم برضا من الزوجة ومهر وشهود عدول من المسلمين وإن جاءتنا امرأة قد
نكحها تريد فساد نكاحها بأنه نكحها بغير شهود مسلمين أو غير ولى وما يرد به نكاح المسلم مما لا حق
فيه لزوج غيره لم يرد نكاحه إذا كان اسمه عندهم نكاحا لأن النكاح ماض قبل حكمنا فإن قال قائل
من أين قلت هذا؟ قلت قال الله تبارك و تعالى في المشركين بعد إسلامهم (اتقوا الله وذروا ما بقي من
الربا) وقال وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم) فلم يأمرهم برد ما بقي من الربا وأمرهم بأن لا يأخذوا ما لم
يقبضوا منه ورجعوا منه إلى رؤوس أموالهم وأنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاح المشرك بما كان
قبل حكمه وإسلامهم وكان مقتضيا ورد ما جاوز أربعا من النساء لأنهن بواق فتجاوز عما مضى كله في
حكم الله عز وجل وحكم رسوله وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذمة وأهل هدنة يعلم أنهم
ينكحون نكاحهم ولم يأمرهم بأن ينكحوا غيره ولم نعلمه أفسد لهم نكاحا ولا منع أحدا منهم أسلم
امرأته وامرأته بالعقد المتقدم في الشرك بل أقرهم على ذلك النكاح إذا كان ماضيا وهم مشركون وإن
كانوا معاهدين ومهادنين وهكذا إن جاءنا رجلان منهم قد تبايعا خمرا ولم يتقابضاها أبطلنا البيع وإن
تقابضاها لم نرده لأنه قد مضى، وإن تبايعاها فقبض المشترى بعضا ولم يقبض بعضا لم يرد المقبوض
ورد ما لم يقبض وهكذا بيوع الربا كلها ولو جاءتنا نصرانية قد نكحها مسلم بلا ولى أو شهود نصارى
أفسدنا النكاح لأنه ليس للمسلم أن يتزوج أبدا غير تزويج الاسلام فنفذ له ولو جاءنا نصراني باع
مسلما خمرا أو نصراني ابتاع من مسلم خمرا تقابضاها أو لم يتقابضاها أبطلناها بكل حال ورددنا المال
إلى المشترى وأبطلنا ثم الخمر عنه إن كان المسلم المشترى لها لم يملك خمرا. وإن كان البائع لا لم يكن
223

له أن يملك ثمن خمر ولا آمر الذمي أن يرد الخمر على المسلم وأهريقها على الذمي إذا كان ملكها على
المسلم لأنها ليست كماله وإن كان المسلم القابض للخمر يرد ثمن الخمر على المسلم وأهريقت الخمر لأني
لا أقضى على مسلم أن يرد خمرا. ويجوز أن أهريقها لأن الذمي عصى بإخراجها إلى المسلم مع معصيته
بملكها وأخرجها طائعا فأدبته بإهراقها ولم أكن أهريقها ولم يأذن فيها إنما أهريقها بعد ما أذن فيها بالبيع
وإن جاءتنا امرأة الذمي قد نكحته في بقية من عدتها من زوج غيره فرقنا بينه وبينها لحق الزوج الأول
وليس هذا كفساد عقدة نجيزها له إذا كانت جائزة عنده لا ضرر فيها على غيره ولا تجوز في الاسلام
بحال وإن طلق رجل امرأته ثلاثا ثم تزوجها وذلك جائز عنده فسخنا النكاح وجعلنا لها مهر مثلها إن
أصابها ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره يصيبها فإذا نكحت زوجا غيره مسلما أو ذميا فأصابها حل له
نكاحها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وتبطل بينهم البيوع التي تبطل بين المسلمين كلها فإذا مضت
واستهلكت لم نبطلها إنما نبطلها ما كانت قائمة وإن جاءنا عبد أحدهم قد أعتقه أعتقنا عليه وإن كاتبه كتابة
جائزة عندما أجزناها له أو أم ولد يريد بيعها لم ندعه يبيعها في قول من لا يبيع أم الولد ويبيعها في قول
من يبيع أم الولد فإذا أسلم عبد الذمي بيع عليه فإن أعتقه الذمي أو وهبه أو تصدق به وأقبضه فكل
ذلك جائز لأنه مالكه وولاؤه للذمي لأنه الذي أعتقه ولا يرثه إن مات بالولاء لاختلاف الدينين، فإن
أسلم قبل أن يموت ثم مات ورثه بالولاء وهكذا أمته فإن أسلمت أم ولده عزل عنها وأخذ بنفقتها وكان
له أن يؤاجرها فإذا مات فهي حرة وإن دبر عبدا له فأسلم العبد قبل موت السيد ففيها قولان، أحدهما
أن يباع عليه كما يباع عبده لو قال له أنت حر إذا دخلت الدار أو كان غد أو جاء شهر كذا والآخر لا
يباع حتى يموت فيعتق إلا أن يشاء السيد بيعه فإذا شاء جاز بيعه وإن كاتب عبده فأسلم العبد قيل
للمكاتب إن شئت فاترك الكتابة وتباع وإن شئت فأنت على الكتابة فإذا أديت عتقت ومتى عجزت
أبعت وهكذا لو أسلم العبد ثم كاتبه سيده النصراني أو أسلم ثم دبر أو أسلمت أمته ثم وطئها فحبلت لأنه
مالك لهم في هذه الحال ولاحد عليه ولا عليها، وإذا جنى النصراني على النصراني عمدا فالمجني عليه
بالخيار بين القود والعقل إن كان جنى جناية فيها القود فإذا اختار العقل فهو حال في مال الجاني، وإن
كانت الجناية خطأ فعلى عاقلة الجاني كما تكون على عواقل المسلمين، فإن لم يكن للجاني عاقلة فالجناية
في ماله دين يتبع بها ولا يعقل عنه النصارى ولا قرابة بينه وبينهم وهم لا يرثون ولا يعقل المسلمون عنه
وهم لا يأخذون ما ترك إذا مات ميراثا إنما يأخذونه فيئا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وولاة دماء
النصارى كولاة دماء المسلمين إلا أنه لا يجوز بينهم شهادة إلا شهادة المسلمين ويجوز إقرارهم بينهم كما
يجوز إقرار المسلمين بعضهم لبعض وكل حق بينهم يؤخذ لبعضهم من بعض كما يؤخذ للمسلمين بعضهم
من بعض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإذا أهراق واحد منهم لصاحبه خمرا أو قتل له خنزيرا أو
حرق له ميتة أو خنزيرا أو جلد ميتة لم يدبغ لم يضمن له في شئ من ذلك شيئا لأن هذا حرام ولا يجوز
أن يكون للحرام ثمن ولو كانت الخمر في زق فخرقه أو جر فكسره ضمن ما نقص الجر أو الزق ولم
يضمن الخمر لأنه يحل ملك الزق والجرة إلا أن يكون الزق من ميتة لم يدبغ أو جلد خنزير دبغ أو لم
يدبغ فلا يكون له ثمن ولو كسر له صليبا من ذهب لم يكن عليه شئ ولو كسره من عود وكان العود إذا
فرق لم يكن صليبا يصلح لغير الصليب فعليه ما نقص الكسر العود، وكذلك لو كسر له تمثالا من
ذهب أو خشب يعبده لم يكن عليه في الذهب شئ ولم يكن أيضا في الخشب شئ إلا أن يكون
الخشب موصولا فإذا فرق صلح لغير تمثال فيكون عليه ما نقص كسر الخشب لا ما نقص قيمة الصنم
224

ولو كسر له طنبورا أو مزمارا أو كبرا فإن كان في هذا شئ يصلح لغير الملاهي فعليه ما نقص الكسر
وإن لم يكن يصلح إلا للملاهي فلا شئ عليه وهكذا لو كسرها نصراني لمسلم أو نصراني أو يهودي أو
مستأمن أو كسرها مسلم لواحد من هؤلاء أبطلت ذلك كله قال ولو أن نصرانيا أفسد لنصراني ما أبطل
عنه فغرم المفسد شيئا بحكم حاكمهم أو شئ يرونه حقا يلزمه بعضهم بعضا أو شئ تطوع له به وضمنه
ولم يقبضه المضمون له حتى جاءنا الضامن أبطلناه عنه لأنه لم يقبض ولو لم يأتنا حتى يدفع إليه ثم سألنا
إبطاله ففيها قولان أحدهما لا نبطله ونجعله كما مضى من بيوع الربا والآخر أن نبطله بكل حال لآنه أخذ
منه على غير بيع إنما أخذ بسبب جناية لا قيمة لها. ولو كان الذي غرم له ما أبطل عنه في الحكم مسلما
وقبضه منه ثم جاءني رددته على المسلم كما لو أربى على مسلم أو أربى عليه مسلم وتقابضا رددت ذلك
بينهما وكذلك لو أهراق نصراني لمسلم خمرا أو أفسد له شيئا مما أبطله عنه وترافعا إلى وغرم له النصراني
قيمته متطوعا أو بحكم ذمي أو بأمر رآه النصراني لازما له ودفعه إلى المسلم ثم جاءني أبطلته عنه
ورددت النصراني به على المسلم لأنه ليس لمسلم قبض حرام وما مضى من قبضه الحرام وبقى سواء في
أنه يرد عنه وأنه لا يقر على حرام جهله ولا عرفه بحال. ويجوز للنصراني أن يقارض المسلم وأكره للمسلم
أن يقارض النصراني أو يشاركه خوف الربا واستحلال البيوع الحرام وإن فعل لم أفسخ ذلك لأنه قد
يعمل بالحلال ولا أكره للمسلم أن يستأجر النصراني وأكره أن يستأجر النصراني المسلم ولا أفسخ
الإجارة إذا وقعت وأكره أن يبيع المسلم من النصراني عبدا مسلما أو أمة مسلمة وإن باعه لم يبن لي أن
أفسخ البيع وجبرت النصراني على بيعه مكانه إلى أن يعتقه أو يتعذر السوق عليه في موضعه فألحقه
بالسوق ويتأنى به اليوم واليومين والثلاثة ثم أجبره على بيعه قال وفيه قول آخر أن البيع مفسوخ، وإن باع
مسلم من نصراني مصحفا فالبيع مفسوخ، وكذلك إن باع منه دفترا فيه أحاديث عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم وإنما فرق بين هذا وبين العبد والأمة أن العبد والأمة قد يعتقان فيعتقان بعتق النصراني
وهذا مال لا يخرج من ملك مالكه إلا إلى مالك غيره وإن باعه دفاتر فيها رأى كرهت ذلك له ولم
أفسخ البيع، وإن باعه دفاتر فيها شعر أو نحو لم أكره ذلك له ولم أفسخ البيع، وكذلك إن باعه طبا أو عبارة
رؤيا وما أشبههما في كتاب قال: ولو أن نصرانيا باع مسلما مصحفا أو أحاديث من أحاديث النبي صلى
الله عليه وسلم أو عبدا مسلما لم أفسخ له البيع ولم أكرهه إلا أنى أكره أصل ملك النصراني فإذا أوصى
المسلم للنصراني بمصحف أو دفتر فيه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطلت الوصية. ولو أوصى
بها النصراني لمسلم لم أبطلها ولو أوصى المسلم للنصراني بعبد مسلم فمن قال أفسخ بيع العبد المسلم لو
اشتراه النصراني أبطل الوصية ومن قال أجبره على بيعه أجاز الوصية، وهكذا هبة المسلم للنصراني
واليهودي والمجوسي في جميع ما ذكرت، ولو أوصى مسلم لنصراني بعبد نصراني فمات المسلم (1) ثم أسلم
النصراني جازت الوصية في القولين معا لأنه قد ملكه بموت الموصى وهو نصراني ثم أسلم فيباع عليه،
ولو أسلم قبل موته النصراني كان كوصية له بعبد مسلم لا يختلفان، فإذا أوصى النصراني بأكثر من ثلثه
فجاءنا ورثته أبطلنا ما جاوز الثلث إن شاء الورثة كما نبطله إن شاء ورثة المسلم ولو أوصى بثلث ماله أو
بشئ منه يبنى به كنيسة لصلاة النصراني أو يستأجر به خدما للكنيسة أو يعمر به الكنيسة أو يستصبح به
فيها أو يشترى به أرضا فتكون صدقة على الكنيسة وتعمر بها أو ما في هذا المعنى كانت الوصية باطلة،

(1) قوله: ثم أسلم النصراني، أي العبد النصراني الموصى به، فتدبر. كتبه مصححه.
225

وكذلك لو وصى أن يشترى به خمرا أو خنازير فيتصدق بها أو أوصى بخنازير له أو خمرا أبطلنا الوصية
في هذا كله، ولو أوصى أن تبنى كنيسة ينزلها مار الطريق أو وقفها على قوم يسكنونها أو جعل كراءها
للنصارى أو للمساكين جازت الوصية وليس في بنيان الكنيسة معصية إلا أن تتخذ لمصلى النصارى
الذين اجتماعهم فيها على الشرك وأكره للمسلم أن يعمل بناء أو نجارة أو غيره في كنائسهم التي
لصلواتهم، ولو أوصى أن يعطى الرهبان والشمامسة ثلثه جازت الوصية لأنه قد تجوز الصدقة على
هؤلاء، ولو أوصى أن يكتب بثلثه الإنجيل والتوراة لدرس لم تجز الوصية لأن الله عز وجل قد ذكر
تبديلهم منها فقال (الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله) وقال (وإن منهم لفريقا
يلوون ألسنتهم بالكتاب) قرأ الربيع الآية ولو أوصى أن يكتب به كتب طب فتكون صدقة جازت له
الوصية ولو أوصى أن تكتب به كتب سحر لم يجز. ولو أوصى أن يشترى بثلثه سلاحا للمسلمين جاز ولو
أوصى أن يشترى به سلاحا للعدو من المشركين لم يجز، ولو أوصى بثلثه لبعض أهل الحرب جاز لأنه لم
يحرم أن يعطوا مالا وكذلك لو أوصى أن يفتدى منه أسير في أيدي المسلمين من أهل الحرب قال:
ومن استعدى على ذمي أو مستأمن أعدى عليه وإن لم يرض ذلك المستعدى عليه إذا استعدى عليه في
شئ فيه حق للمستعدى وإن جاءنا محتسب من المسلمين أو غيرهم يذكر أن الذميين يعملون فيما بينهم
أعمالا من رباء لم نكشفهم عنها لأن ما أقررناهم عليه من الشرك أعظم ما لم يكن لها طالب يستحقها
وكذلك لا يكشفون عما استحلوا من نكاح المحارم فإن جاءتنا محرم للرجل قد نكحته فسخنا النكاح فإن
جاءتنا امرأة نكحها على أربع أجبرناه بأن يختار أربعا ويفارق سائرهن وإن لم تأتنا لم نكشفه عن ذلك
فإن قال قائل فقد كتب عمر يفرق بين كل ذي محرم من المجوس فقد يحتمل أن يفرق إذا طلبت ذلك
المرأة أو وليها أو طلبه الزوج ليسقط عنه مهرها وتركنا لهم على الشرك أعظم من تركنا لهم على نكاح
ذات محرم وجمع أكثر من أربع ما لم يأتونا فإن جاءنا منهم مسروق بسارق قطعناه له وإن جاءنا منهم
سارق قد استعبده مسروق بحكم له أبطلنا العبودية عنه وحكمنا عليه حكمنا على السارق قال:
وللنصراني الشفعة على المسلم وللمسلم الشفعة عليه ولا يمنع النصراني أن يشترى من مسلم ماشية فيها
صدقة ولا أرض زرع ولا نخلا وإن أبطل ذلك الصدقة فيها كما لا يمنع الرجل المسلم أن يبيع ذلك مفرقا
من جماعة فتسقط فيه الصدقة قال: ولا يكون لذمي أن يحيى مواتا من بلاد المسلمين فإن أحياها لم
تكن له بإحيائها وقيل له خذ عمارتها وإن كان ذلك فيها والأرض للمسلمين لأن إحياء الموات فضل من
الله تعالى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم أحياه ولم يكن له قبل يحييه كالفئ وإنما جعل الله
تعالى الفئ وملك ما لا مالك له لأهل دينه لا لغيرهم.
كتاب قتال أهل البغى وأهل الردة
باب فيمن يجب قتاله من أهل البغى
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (وإن طائفتان
من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى حتى تفئ إلى أمر
الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
فذكر الله عز وجل اقتتال الطائفتين والطائفتان الممتنعتان الجماعتان كل واحدة تمتنع أشد الامتناع أو
226

أضعف إذا لزمها اسم الامتناع وسماهم الله تعالى المؤمنين وأمر بالاصلاح بينهم فحق على كل أحد دعاء
المؤمنين إذا افترقوا وأرادوا القتال أن لا يقاتلوا حتى يدعوا إلى الصلح وبذلك قلت لا يبيت أهل البغى قبل
دعائهم لأن على الإمام الدعاء كما أمر الله عزول قبل القتال وأمر الله عز وجل بقتال الفئة الباغية وهي
مسماة باسم الايمان حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت لم تكن لاحد قتالها لأن الله عز وجل إنما أذن في
قتالها في مدة الامتناع بالبغي إلى أن تفئ (قال الشافعي) والفئ الرجعة عن القتال بالهزيمة أو التوبة
وغيرها وأي حال ترك بها القتال فقد فاء والفئ بالرجوع عن القتال الرجوع عن معصية الله تعالى ذكره
إلى طاعته في الكف عما حرم الله عز وجل قال وقال أبو ذؤيب يعير نفرا من قومه انهزموا عن رجل
من أهل في وقعة فقتل:
لا ينسأ الله منا معشرا شهدوا * يوم الأميلح لا غابوا ولا جرحوا
عقوا بسهم فلم يشعر به أحد * ثم استفاءوا وقالوا حبذا الوضح
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأمر الله تعالى إن فاءوا أن يصلح بينهما بالعدل ولم يذكر تباعة في
دم ولامال وإنما ذكر الله تعالى الصلح آخرا كما ذكر الاصلاح بينهم أولا قبل الاذن بقتالهم فأشبه هذا
والله تعالى أعلم أن تكون التباعات في الجراح والدماء وما فات من الأموال ساقطة بينهم قال وقد يحتمل
قول الله عز وجل فإن (فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل) أن يصلح بينهم بالحكم إذا كانوا قد فعلوا ما فيه
حكم فيعطى بعضهم من بعض ما وجب له لقول الله عز وجل (بالعدل) أخذ الحق لبعض الناس من
بعض (قال الشافعي) وإنما ذهبنا إلى أن القود ساقط والآية تحتمل المعنيين (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر بن راشد عن الزهري قال أدركت الفتنة الأولى أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم فكانت فيها دماء وأموال فلم يقتص فيها من دم ولا مال ولا قرح أصيب بوجه
التأويل إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيدفع إلى صاحبه (قال الشافعي) وهذا كما قال الزهري عندنا قد
كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول وأتلفت فيها أموال ثم صار الناس إلى أن
سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم فما علمته اقتص أحد من أحد ولا غرم له مالا أتلفه ولا
علمت الناس اختلفوا في أن ما حووا في البغى من مال فوجد بعينه فصاحبه أحق به (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد
بن عمرو بن نفيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من قتل دون ماله فهو شهيد) (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن للمرء أن يمنع ماله وإذا منعه بالقتال
دونه فهو إحلال للقتال والقتال سبب الاتلاف لمن يقاتل في النفس وما دونها قال ولا يحتمل قول رسول
الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم (من قتل دون ماله فهو شهيد) إلا أن يقاتل دونه ولو ذهب
رجل إلى أن يحمل هذا القول على أن يقتل ويؤخذ ماله كان اللفظ في الحديث من قتل وأخذ ماله أو
قتل ليؤخذ ماله ولا يقال له، قتل دون ماله ومن قتل بلا أن يقاتل فلا يشك أحد أنه شهيد (قال
الشافعي) وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربان، منهم قوم اغروا بعد الاسلام مثل
طليحة ومسيلمة والعنسي وأصحابهم ومنهم قوم تمسكوا بالاسلام ومنعوا الصدقات فإن قال قائل ما دل
على ذلك والعامة تقول لهم أهل الردة؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فهو لسان عربي فالردة
الارتداد عما كانوا عليه بالكفر والارتداد بمنع الحق قال ومن رجع عن شئ جاز أن يقال ارتد عن كذا
وقول عمر لأبي بكر أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا
227

إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) في قول أبى بكر (هذا
من حقها لو منعوني عناقا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه) معرفة منهما معا بأن ممن
قاتلوا من هو على التمسك بالايمان ولولا ذلك ما شك عمر في قتالهم ولقال أبو بكر قد تركوا لا إله إلا
الله فصاروا مشركين وذلك بين في مخاطبتهم جيوش أبى بكر وأشعار من قال الشعر منهم ومخاطبتهم لأبي
بكر بعد الأسئار فقال شاعرهم:
ألا أصبحنا قبل نائرة الفجر * لعل منايانا قريب وما ندري
أطعنا رسول الله ما كان وسطنا * فيا عجبا ما بال ملك أبى بكر
فإن الذي يسألكمو فمنعتم * لكالتمر أو أحلى إليهم من التمر
سنمنعهم ما كان فينا بقية * كرام على العزاء في ساعة العسر
وقالوا لأبي بكر بعد الأسئار ما كفرنا بعد إيماننا ولك شححنا على أموالنا (قال الشافعي) وقول أبى
بكر لا تفرقوا بين ما جمع الله يعنى فيما أرى والله تعالى أعلم أنه مجاهدهم على الصلاة وأن الزكاة مثلها
ولعل مذهبه فيه أن الله عز وجل يقول (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا
الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) وأن الله تعالى فرض عليهم شهادة الحق والصلاة والزكاة وأنه
متى منع فرضا قد لزمه لم يترك ومنعه حتى يؤديه أو يقتل (قال الشافعي) فسار إليهم أبو بكر بنفسه حتى
لقى أخا بنى بدر الفزاري فقاتله معه عمر وعامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمضى أبو
بكر خالد بن الوليد في قتال من ارتد ومن منع الزكاة معا فقاتلهم بعوام من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال ففي هذ الدليل على أن من منع ما فرض الله عز وجل عليه فلم يقدر الإمام على
أخذ منه بامتناعه قاتله وإن أتى القتال على نفسه وفي هذا المعنى كلحق لرجل على رجل منعه قال
فإذا امتنع رجل من تأدية حق وجب عليه والسلطان يقدر على أخذه منه أخذه ولم يقتله وذلك أن
يقتل فيقتله أو يسرق فيقطعه أو يمنع أداء دين فيباع فيه ماله أو زكاة فتؤخذ منه فإن امتنع دون هذا أو
شئ منه بجماعة وكان إذا قيل له أد هذا قال لا أوديه ولا أبدؤكم بقتال إلا أن تقاتلوني قوتل عليه لأن
هذا إنما يقاتل على ما منع من حق لزمه وهكذا من منع الصدقة ممن نسب إلى الردة فقاتلهم أبو بكر
بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) ومانع الصدقة ممتنع بحق ناصب دونه فإذا لم
يختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتاله فالباغي يقاتل الإمام العادل في مثل هذا المعنى
في أنه لا يعطى الإمام العادل حقا إذا وجب عليه ويمتنع من حكمه و يزيد على مانع الصدقة أن يريد
أن يحكم هو على الإمام العادل ويقاتله فيحل قتاله بإرادته قتال الإمام قال وقد قاتل أهل الامتناع
بالصدقة وقتلوا ثم قهروا فلم يقد منهم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلا هذين
متأول أما أهل الامتناع فقالوا قد فرض الله علينا أن نؤديها إلى رسوله كأنهم ذهبوا إلى قول الله عز وجل
لرسوله صلى الله عليه وسلم (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) وقالوا لا نعلمه يجب علينا أن نؤديها إلى
غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما أهل البغى فشهدوا على من بغوا عليه بالضلال ورأوا أن جهاده
حق فلم يكن على واحد من الفريقين عند تقضى الحرب قصاص عندنا والله تعالى أعلم ولو أن رجلا
واحدا قتل على التأويل أو جماعة غير ممتنعين ثم كانت لهم بعد ذلك جماعة ممتنعون أو لم تكن كان عليهم
القصاص في القتل والجراح وغير ذلك كما يكون على غير المتأولين فقال لي قائل فلم قلت في الطائفة
الممتنعة الناصبة المتأولة تقتل وتصيب المال أزيل عنها القصاص وغرم المال إذا تلف ولو أن رجلا تأول
228

فقتل أو أتلف مالا اقتصصت منه وأغرمته المال؟ فقلت له وجدت الله تبارك وتعالى يقول (ومن قتل
مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحل دم
مسلم (أو قتل نفس بغير نفس) وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (من اعتبط مسلما بقتل فهو
قود يده) ووجدت الله تعالى قال (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما
على الأخرى فقاتلوا التي تبغى حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله
يحب المقسطين) فذكر الله عز وجل قتالهم ولم يذكر القصاص بينهما فأثبتنا القصاص بين المسلمين على
ما حكم الله عز وجل في القصاص وأزلناه في المتأولين الممتعين ورأينا أن المعنى بالقصاص من المسلمين
هو من لم يكن ممتنعا متأولا فأمضينا الحكمين على ما أمضيا عليه وقلت له: علي بن أبي طالب كرم الله
تعالى وجهه ولى قتال المتأولين فلم يقصص من دم ولا مال أصيب في التأويل وقتله ابن ملجم متأولا
فأمر بحبسه وقال لولده إن قتلتم فلا تمثلوا ورأي له القتل وقتله الحسن بن علي رضى الله تعالى عنهما وفي
الناس بقية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نعلم أحدا أنكر قتله ولا عابه ولا خالفه في أن
يقتل إذ لم يكن له جماعة يمتنع بمثلها ولم يقد على وأبو بكر قبله ولى من قتلته الجماعة الممتنع بمثلها على
التأويل كما وصفنا ولا على الكفر (قال الشافعي) والآية تدل على أنه إنما أبيح قتالهم في حال وليس في
ذلك إباحة أموالهم ولا شئ منها وأما قطاع الطريق ومن قتل على غير تأويل فسواء جماعة كانوا أو
وحدانا يقتلون حدا وبالقصاص بحكم الله عز وجل في
القتلة وفى المحاربين.
باب السيرة في أهل البغى
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: روى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين
رضى الله تعالى عنهما قال دخلت على مروان بن الحكم فقال ما رأيت أحدا أكرم غلبة من أبيك ما هو
إلا أن ولينا يوم الجمل فنادى مناديه (لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح) (قال الشافعي) فذكرت
هذا الحديث للدراوردي فقال ما أحفظه يريد يعجب بحفظه هكذا ذكره جعفر بهذا الاسناد * قال
الدراوردي أخبرنا جعفر عن أبيه أن عليا رضى الله تعالى عنه كان لا يأخذ سلبا وأنه كان يباشر القتال
بنفسه وأنه كان لا يذفف على جريح ولا يقتل مدبرا. (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا رضى
الله تعالى عنه قال في ابن ملجم بعد ما ضربه (أطعموه وأسقوه وأحسنوا إساره إن عشت فأنا ولى دمى أعفوا إن شئت وإن شئت
استقدت وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا).
باب الحال التي لا يحل فيها دماء أهل البغى
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن قوما أظهروا رأى الخوارج وتجنبوا جماعات الناس
وكفروهم لم يحلل بذلك قتالهم لأنهم على حرمة الايمان لم يصيروا إلى الحال التي أمر الله عز وجل بقتالهم
فيها بلغنا أن عليا رضى الله تعالى عنه بينا هو يخطب إذ سمع تحكيما من ناحية المسجد (لاحكم إلا لله
عز وجل) فقال على رضى الله تعالى عنه (كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاث لا نمنعكم مساجد
229

الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفئ ما كانت أيديكم مع أيدينا ولا نبدؤكم بقتال) (قال
الشافعي) رحمه الله أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأزرقي الغساني عن أبيه أن عديا كتب
لعمر بن عبد العزيز أن الخوارج عندنا يسبونك فكتب إليه عمر بن عبد العزيز (إن سبوني فسبوهم أو
اعفوا عنهم وإن أشهروا السلاح فأشهروا عليهم وإن ضربوا فاضربوهم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
وبهذا كله نقول ولا يحل للمسلمين بطعنهم دماؤهم ولا أن يمنعوا الفئ ما جرى عليهم حكم الاسلام
وكانوا أسوتهم في جهاد عدوهم ولا يحال بينهم وبين المساجد والأسواق قال ولو شهدوا شهادة الحق
وهم مظهرون لهذا قبل الاعتقاد أو بعده وكانت حالهم في العفاف والعقول حسنة البغى للقاضي أن
يحصيهم بأن يسأل عنهم فإن كانوا يستحلون في مذاهبهم أن يشهدوا لمن يذهب مذهبهم بتصديقه على
ما لم يسمعوا ولم يعاينوا أو يستحلوا أن ينالوا من أموال من خالفهم أو أبدانهم شيئا يجعلون الشهادة
بالباطل ذريعة إليه لم تجز شهادتهم وإن كانوا لا يستحلون ذلك جازت شهادتهم وهكذا من بغى من
أهل الأهواء ولا يفرق بينهم وبين غيرهم فيما يجب لهم وعليهم من أخذ الحق والحدود والاحكام ولو
أصابوا في هذه الحال حدا لله عز وجل أو للناس دما أو غيره ثم اعتقدوا ونصبوا إماما وامتنعوا ثم سألوا
أن يؤمنوا على أن يسقط عنهم ما أصابوا قبل أن يعتقدوا أو شئ منه لم يكن للإمام أن يسقط عنهم منه
شيئا لله عز ذكره ولا للناس وكان عليه أخذهم به كما يكون عليه أخذ من أحدث حدا لله تبارك وتعالى
أو للناس ثم هرب ولم يتأول ويمتنع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أن قوما كانوا في مصر أو
صحراء فسفكوا الدماء وأخذوا الأموال كان حكمهم كحكم قطاع الطريق وسواء المكابرة في المصر أو
الصحراء ولو افترقا كانت المكابرة في المصر أعظمهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكذلك لو أن قوما
كابروا فقتلوا ولم يأخذوا مالا أقيم عليهم الحق في جميع ما أخذوا وكذلك لو امتنعوا فأصابوا دما وأموالا
على غير التأويل ثم قد عليهم أخذ منهم الحق في الدماء والأموال وكل ما أتوا من حد (قال الشافعي)
ولو أن قوما متأولين كثيرا كانوا أن قليلا اعتزلوا جماعة الناس فكان عليهم وال لأهل العدل يجرى حكمه
فقتلوه وغير قبل أن ينصبوا إماما ويعتقدوا ويظهروا حكما مخالفا لحكمه كان عليهم في ذلك القصاص
وهكذا كان شأن الذين اعتزلوا عليا رضى الله تعالى عنه ونقموا عليه الحكومة فقالوا لا نساكنك في بلد
فاستعمل عليهم عاملا فسمعوا له ما شاء الله ثم قتلوه فأرسل إليهم أن ادفعوا إلينا قاتله نقتله به قالوا:
كلنا قاتله قال فاستسلموا نحكم عليكم قالوا لا فسار إليهم فقاتلهم فأصاب أكثرهم قال وكل ما أصابوه
في هذه الحال من حد لله تبارك وتعالى أو للناس أقيم عليهم متى قدر عليهم وليس عليهم في هذه الحال
أن يبدءوا بقتال حتى يمتنعوا من الحكم وينتصبوا قال وهكذا لو خرج رجل أو رجلان أو نفر يسير قليلو
العدد يعرف أن مثلهم لا يمتنع إذا أريد فأظهروا رأيهم ونابذوا إمامهم العادل وقالوا نمتنع من الحكم
فأصابوا دما وأموالا وحدودا في هذه الحال متأولين ثم ظهر عليهم أقيمت عليهم الحدود وأخذت منهم
الحقوق لله تعالى وللناس في كل شئ كما يؤخذ من غير المتأولين فإن كانت لأهل البغى جماعة تكثر
ويمتنع مثلها بموضعها الذي هي به بعض الامتناع حتى يعرف أن مثلها لا ينال حتى تكثر نكايته
واعتقدت ونصبوا إماما وأظهروا حكما وامتنعوا من حكم الإمام العادل فهذه الفئة الباغية التي تفارق
حكم من ذكرنا قبلها فينبغي إذا فعلوا هذا أن نسألهم ما نقموا فإن ذكروا مظلمة بينة ردت فإن لم
يذكروها بينة قيل لهم عودوا لما فارقتم من طاعة الإمام العادل وأن تكون كلمتكم وكلمة أهل دين الله
على المشركين واحدة وأن لا تمتنعوا من الحكم فإن فعلوا قبل منهم وإن امتنعوا قيل إنا مؤذنوكم بحرب
230

فإن لم يجيبوا قوتلوا ولا يقاتلون حتى يدعوا ويناظروا إلا أن يمتنعوا من المناظرة فيقاتلوا قال وإذا امتنعوا
من الإجابة وحكم عليهم بحكم فلم يسلموا أو حلت عليهم صدقة فمنعوها وحالوا دونها وقالوا لا نبدؤكم
بقتال قوتلوا حتى يقروا بالحكم ويعدوا ولما امتنعوا إن شاء الله تعالى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وما
أصابوا في هذه الحال على وجهين أحدهما ما أصابوا من دم ومال وفرج على التأويل ثم ظهر عليهم بعد
لم يقم عليهم منه شئ إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيؤخذ، والوجه الثاني ما أصابوا على غير وجه
التأويل من حد لله تعالى أو للناس ثم ظهر عليهم رأيت أن يقام عليهم كما يقام على غيرهم ممن هرب من حد
أو أصابه وهو في بلاد لا والى لها ثم جاء لها وال وهكذا غيرهم من أهل دار غلبوا الإمام عليها فصار لا
يجرى له بها حكم فمتى قدر عليهم أقيمت عليهم تلك الحدود ولم يسقط عنهم ما أصابوا بالامتناع ولا
يمنع الامتناع حقا يقام إنما يمنعه التأويل والامتناع معا فإن قال قائل فأنت تسقط ما أصاب المشركون
من أهل الحرب إذا أسلموا (1) فكذلك أسقط عن حربي لو قتل مسلما منفردا ثم أسلم وأقتل الحربي
بديئا من غير أن يقتل أحدا وليس هذا الحكم في المتأول في واحد من الوجهين (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى فإذا دعى أهل البغى فامتنعوا من الإجابة فقوتلوا فالسيرة فيهم مخالفة للسيرة في أهل الشرك
وذلك بأن الله عز وجل حرم ثم رسوله دماء المسلمين إلا بما بين الله تبارك وتعالى ثم رسوله صلى الله عليه
وسلم فإنما أبيح قتال أهل البغى ما كانوا يقاتلون وهم لا يكونون مقاتلين أبدا إلا مقبلين ممتنعين مريدين
فمتى زايلوا هذه المعاني فقد خرجوا من الحال التي أبيح بها قتالهم وهم لا يخرجون منها أبدا إلا إلى أن
تكون دماؤهم محرمة كهى قبل يحدثون وذلك بين عندي في كتاب الله عز وجل قال الله تبارك وتعالى
(فقاتلوا التي تبغى حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب
المقسطين) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولم يستثن الله تبارك وتعالى في الفيئة فسواء كان للذي فاء فئة
أو لم تكن له فئة فمتى فاء والفيئة الرجوع حرم دمه ولا يقتل منهم مدبر أبدا ولا أسير ولا جريح بحال لأن
هؤلاء قد صاروا في غير المعنى الذي حلت به دماؤهم وكذلك لا يستمتع من أموالهم بدابة تركب ولا
متاع ولا سلاح يقاتل به في حربهم وإن كانت قائمة ولابعد تقضيها ولا غير ذلك من أموالهم وما صار
إليهم من دابة فحبسوها أو سلاح فعليهم رده عليهم وذلك لأن الأموال في القتال إنما تحل من أهل
الشرك الذين يتخولون إذا قدر عليهم فأما من أسلم فحد في قطع الطريق والزنا والقتل فهو لا يؤخذ ماله
فهو إذا قوتل في البغى كان أخف حالا لأنه إذا رجع عن القتال لم يقتل فلا يستمتع من ماله بشئ
لأنه لا جناية على ماله بدلالة توجب في ماله شيئا قال ومتى ألقى أهل البغى السلاح لم يقاتلوا (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قاتلت المرأة أو العبد مع أهل البغى والغلام المراهق فهم مثلهم يقاتلون
مقبلين ويتركون مولين قال ويختلفون في الأسارى فلو أسر البالغ من الرجال الأحرار فحبس ليبايع
رجوت أن يسع ولا يحبس مملوك ولا غير بالغ من الأحرار ولا امرأة لتبايع وإنما يبايع النساء على
الاسلام فأما على الطاعة فهن لا جهاد عليهن وكيف يبايعن والبيعة على المسلمين المولودين في الاسلام
إنما هي على الجهاد وأما إذا انقضت الحرب فلا أرى أن يحبس أسيرهم ولو قال أهل البغى انظرونا ننظر
في أمرنا لم أر بأسا أن ينظروا قال ولو قالوا أنظرونا مدة رأيت أن يجتهد الإمام فيه فإن كان يرجو فيئتهم
أحببت الاستيناء بهم وإن لم يرج ذلك فإن جهادهم وإن كان يخاف على الفئة العادلة الضعف عنهم

(1) قوله: فكذلك الخ هو جواب (إن) ومحط الجواب آخر الكلام وهو قوله (وليس هذا الحكم الخ) تأمل.
231

رجوت تأخيرهم إلى أن يرجعوا أو تمكنه القوة عليهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو سألوا أن يتركوا
بجعل يؤخذ منهم لم ينبغ أن يؤخذ من مسلم جعل على ترك حق قبله ولا يترك جهاده ليرجع إلى حق منعه
أو عن باطل ركبه والاخذ منهم على هذا الوجه في معنى الصغار والذلة والصغار لا يجرى على مسلم قال
ولو سألوا أن يتركوا أبدا ممتنعين لم يكن ذلك للإمام إذا قوى على قتالهم وإذا تحصنوا فقد قيل يقاتلون
بالمجانيق والنيران وغيرها ويبيتون إن شاء من يقاتلهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأنا أحب إلى أن
يتوقى ذلك فيهم ما لم يكن بالإمام ضرورة إليه والضرورة إليه أن يكون بإزاء قوم متحصنا فيغزونه أو
يحرقون عليه أو يرمونه بمجانيق أو عرادات أو يحيطون به فيخاف الاصطلام على من معه فإذا كان هذا
أو بعضه رجوت أن يسعه رميهم بالمنجنيق والنار دفعا عن نفسه أو معاقبة بمثل ما فعل به قال ولا يجوز
لأهل العدل عندي أن يستعينوا على أهل البغى بأحد من المشركين ذمي ولا حربي ولو كان حكم
المسلمين الظاهر ولا أجعل لمن خالف دين الله عز وجل الذريعة إلى قتل أهل دين الله قال ولا بأس إذا
كان حكم الاسلام الظاهر أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين وذلك أنهم تحل دماؤهم مقبلين
ومدبرين ونياما وكيفما قدر عليهم إذا بلغتهم الدعوة وأهل البغى إنما يحل قتالهم دفعا لهم عما أرادوا من
قتال أو امتناع من الحكم فإذا فارقوا تلك الحال حرمت دماؤهم قال ولا أحب أن يقاتلهم أيضا بأحد
يستحل قتلهم مدبرين وجرحى وأسرى من المسلمين فيسلط عليهم من يعلم أنه يعمل فيهم بخلاف
الحق وهكذا من ولى شيئا ينبغي أن لا يولاه وهو يعلم أنه يعمل بخلاف الحق فيه ولو كان المسلمون
الذين يستحلون من أهل البغى ما وصفت يضبطون بقوة الإمام وكثرة من معه حتى لا يتقدموا على
خلافه وإن رأوه حقا لم أر بأسا أن يستعان بهم على أهل البغى على هذا المعنى إذا لم يوجد غيرهم يكفي
كفايتهم وكانوا أجزأ في قتالهم من غيرهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو تفرق أهل البغى فنصب
بعضهم لبعض فسألت الطائفتان أو إحداهما إمام أهل العدل معونتها على الطائفة المفارقة لها بلا رجوع
إلى جماعة أهل العدل وكانت بالإمام ومن معه قوة على الامتناع منهم لو أجمعوا عليه لم أر أن يعين
إحدى الطائفتين على الأخرى وذلك أن قتال إحداهما ليس بأوجب من قتال الأخرى وأن قتاله مع
إحداهما كالأمان للتي تقاتل معه وإن كان الإمام يضعف فذلك أسهل في أن يجوز معاونة إحدى
الطائفتين على الأخرى فإن انقضى حرب الإمام الأخرى لم يكن له جهاد التي أعان حتى يدعوها
ويعذر إليها فإن امتنعت من الرجوع نبذ إليها ثم جاهدها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو أن رجلا
من أهل العدل قتل رجلا من أهل العدل في شغل الحرب وعسكر أهل العدل فقال: أخطأت به
ظننته من أهل البغى أحلف وضمن ديته ولو قال عمدته أقيد منه (قال الشافعي) وكذلك لو صار إلى
أهل العدل بعض أهل البغى تائبا مجاهدا أهل البغى أو تاركا للحرب وإن لم يجاهد أهل البغى فقتله
بعض أهل الدار وقال قد عرفته بالبغي وكنت أراه إنما صار إلينا لينال من بعضنا غرة فقتلته أحلف
على ذلك وضمن ديته وإن لم يدع هذه الشبهة أقيد منه لأنه إذا صار إلى أهل العدل فحكمه حكمهم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو رجع نفر من أهل البغى عن رأيهم وأمنهم السلطان فقتل رجلا
منهم رجل فادعى معرفتهم أنهم من أهل البغى وجهالته بأمان السلطان لهم ورجوعهم عن رأيهم درئ
عنه القود وألزم الدية بعد ما يحلف على ما ادعى من ذلك وإن أتى ذلك عامدا أقيد بما نال من دم
وجرح يستطاع فيه القصاص وكان عليه الأرش فيما لا يستطاع فيه القصاص من الجراح قال ولو أن
تجارا في عسكر أهل البغى أو أهل مدينة غلب عليها أهل البغى أو أسرى من المسلمين كانوا في أيديهم
232

وكل هؤلاء غير داخل مع أهل البغى برأي ولا معونة قتل بعضهم بعضا أو أتى حدا لله أو للناس عارفا
بأنه محرم عليه ثم قدر على إقامته عليه أقيم عليه ذلك كله وكذلك لو كانوا في بلاد الحرب فأتوا ذلك
عالمين بأنه محرم وغير مكرهين على إتيانه أقيم عليهم كل حد لله عز وجل وللناس وكذلك لو تلصصوا
فكانوا بطرف ممتنعين لا يجرى عليهم حكم أو لا يتلصصون ولا متأولين إلا انهم لا تجرى عليهم الاحكام
وكانوا ممن قامت عليهم الحجة بالعلم مع الاسلام ثم قدر عليهم أقيمت عليهم الحقوق.
حكم أهل البغى في الأموال وغيرها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ظهر أهل الغبي على بلد من بلدان المسلمين فأقام إمامهم
على أحد حدا لله أو للناس فأصاب في إقامته أو أخذ صدقات المسلمين فاستوفى ما عليهم أو زاده مع
أخذه ما عليهم ما ليس عليهم ثم ظهر أهل العدل عليهم لم يعودوا على من حده إمام أهل البغى بحد ولا
على من أخذوا صدقته بصدقة عامة ذلك فإن كانت
وجبت عليهم صدقة فأخذوا بعضها استوفى إمام
أهل العدل ما بقي منها وحسب لهم ما أخذ أهل البغى منها: قال: وكذلك من مر بهم فأخذوا ذلك
منه. قال وإن أراد إمام أهل العدل أخذ الصدقة منهم فادعوا أن إمام أهل البغى أخذها منهم فهم
أمناء على صدقاتهم وإن ارتاب بأحد منهم أحلفه فإذا حلف لم تعد عليه الصدقة وكذلك ما أخذوا من
خراج الأرض وجزية الرقاب لم يعد على من أخذوه منه لأنهم مسلمون ظاهر حكمهم في الموضع الذي
أخذوا ذلك فيه ما عليهم من خراج وجزية رقبة وحق لزم في مال أو غيره. قال: ولو استقضى إمام
أهل البغى رجلا كان عليه أن يقوم بما يقوم به القاضي من أخذ الحق لبعض الناس من بعض في
الحدود وغيرها إذا جعل ذلك إليه: ولو ظهر أهل العدل على أهل البغى لم يردد من قضاء قاضى أهل البغى إلا ما يرد من قضاء القضاة
غيره وذلك خلاف الكتاب أو السنة أو إجماع الناس أو ما هو في
معنى هذا أو عمد الحيف برد شهادة أهل العدل في الحين الذي يردها فيه أو إجازة شهادة غير العدل
في الحين الذي يجيزها فيه ولو كتب قاضى أهل البغى إلى قاضى أهل العدل بحق ثبت عنده لرجل على
آخر من غير أهل البغى فالأغلب من هذا خوف أن يكون يرد شهادة أهل العدل بخلاف رأيه ويقبل
شهادة من لا عدل له بموافقته ومنهم من هو مخوف أن يكون يستحل بعض أخذ أموال الناس بما أمكنه
فأحب إلى أن لا يقبل كتابه وكتابه ليس بحكم نفذ منه فلا يكون للقاضي رده إلا بجور تبين له ولو كانوا
مأمونين على ما وصفنا براء من كل خصلة منه وكتب من بلاد نائية يهلك حق المشهود له إن رد كتابه
فقبل القاضي كتابه كان لذلك وجه والله تعالى أعلم: وكان كتاب قاضيهم إذا كان كما وصفت في فوت
الحق إن رد شبيها بحكمه. قال ومن شهد من أهل البغى عند قاض من أهل العدل في الحال التي يكون
فيها محاربا أو ممن يرى رأيهم في غير محاربة فإن كان يعرف باستحلال بعض ما وصفت من أن يشهد
لمن وافقه بالتصديق له على ما لم يعاين ولم يسمع أو باستحلال لمال المشهود عليه أو دمه أو غير ذلك من
الوجوه التي يطلب بها الذريعة إلى منفعة المشهود له أو نكاية المشهود عليه استحلالا لم تجز شهادته في
شئ وإن قل ومن كان من هذا بريئا منهم ومن غيرهم عدلا جازت شهادته، قال: ولو وقع لرجل
في عسكر أهل البغى على رجل في عسكر أهل العدل حق دم نفس أو جرح أو مال وجب على
233

قاضى أهل العدل الاخذ له به لا يختلف هو وغيره فما يؤخذ لبعضهم من بعض من الحق في المواريث
وغيرها، وكذلك حق على قاضى أهل البغى أن يأخذ من الباغي لغير الباغي من المسلمين وغيرهم
حقه، ولو امتنع قاضى أهل البغى من أخذ الحق منهم لمن خالفهم كان بذلك عندنا ظالما ولم يكن
لقاضي أهل العدل أن يمنع أهل البغى حقوقهم قبل أهل العدل بمنع قاضيهم الحق منهم قال:
وكذلك أيضا يأخذ من أهل العدل الحق لأهل الحرب والذمة وإن منع أهل الحرب الحق يقع عليهم
وأحق الناس بالصبر للحق أهل السنة من أهل دين الله تعالى وليس منع رئيس المشركين حقا قبل من
بحضرته لمسلم بالذي يحل لمسلم أن يمنع حربيا مستأمنا حقه لأنه ليس بالذي ظلمه فيحبس له مثل ما
أخذ منه ولا يمنع رجلا حقا بظلم غيره وبهذا يأخذ الشافعي. قال: ولو ظهر أهل البغى على مصر فولوا
قضاءه رجلا من أهله معروفا بخلاف رأى أهل البغى فكتب إلى قاض غيره نظر فإن كان القاضي
عدلا وسمى شهودا شهدوا عنده يعرفهم القاضي المكتوب إليه بنفسه أو يعرفهم أهل العدالة بالعدل
وخلاف أهل البغى قبل الكتاب فإن لم يعرفوا فكتابه كما وصفت من كتاب قاضى أهل البغى قال:
وإذا غزا أهل البغى المشركين مع أهل العدل والتقوا في بلادهم فاجتمعوا ثم قاتلوا معا فإن كان لكل
واحد من الطائفتين إمام فأهل البغى كأهل العدل جماعتهم كجماعتهم وواحدهم مثل واحدهم في كل
شئ ليس الخمس قال: فإن أمن أحدهم عبدا كان أو حرا أو امرأة منهم جاز الأمان وإن قتل أحد
منهم في الاقبال كان له السلب. وإن كان أهل البغى في عسكر ردءا لأهل العدل فسرى أهل العدل
فأصابوا غنائم أو كان أهل العدل ردءا فسرى أهل البغى فأصابوا غنائم شركت كل واحدة من
الطائفتين صاحبتها لا يفترقون في حال إلا أنهم إذا دفعوا الخمس من الغنيمة كان إمام أهل العدل أولى
به لأنه لقوم مفترقين في البلدان يؤديه إليهم لأن حكمه جار عليهم دون حكم إمام أهل البغى وأنه لا
يستحل حبسه استحلال الباغي قال: ولو وادع أهل البغى قوما من المشركين لم يكن لاحد من
المسلمين غزوهم فإن غزاهم فأصاب لهم شيئا رده عليهم ولو غزا أهل البغى قوما قد وادعهم إمام
المسلمين فسباهم أهل البغى فإن ظهر المسلمون على أهل البغى استخرجوا ذلك من أيديهم وردوه على
أهله المشركين قال: ويحل شراء أحد من ذلك السبي وإن اشترى فشراؤه مردود قال: ولو استعان
أهل البغى بأهل الحرب على قتال أهل العدل وقد كان أهل العدل وادعوا أهل الحرب فإنه حلال
لأهل العدل قتال أهل الحرب وسبيهم وليس كينونتهم مع أهل البغى بأمان إنما يكون لهم الأمان على
الكف فأما على قتال أهل العدل فلو كان لهم أمان فقاتلوا أهل العدل كان نقضا له: وقد قيل: لو
استعان أهل البغى بقوم من أهل الذمة على قتال المسلمين لم يكن هذا نقضا للعهد لأنهم مع طائفة من
المسلمين وأرى إن كانوا مكرهين أو ذكروا جهالة فقالوا كنا نرى علينا إذا حملتنا طائفة من المسلمين
على طائفة من المسلمين أخرى أنها إنما تحملنا على من يحل دمه في الاسلام مثل قطاع الطريق أو قالوا لم
نعلم أن من حملونا على قتاله مسلما لم يكن هذا نقضا لعهدهم ويؤخذون بكل ما أصابوا من أهل
العدل من دم ومال وذلك أنهم ليسوا بالمؤمنين الذين أمر الله بالاصلاح بينهم (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى ونتقدم إليهم ونجدد عليهم شرطا بأنهم إن درجوا إلى مثل هذا استحل قتلهم وأسأل الله التوفيق
قال: فإن أتى أحد من أهل البغى تائبا لم يقتص منه لأنه مسلم محرم الدم وإذا قاتل أهل الذمة مع
أهل العدل أهل الحرب لم يعطوا سلبا ولا خمسا ولا سهما وإنما يرضخ لهم ولو رهن أهل البغى نفرا منهم
عند أهل العدل ورهنهم أهل العدل رهنا وقالوا احبسوا رهننا حتى ندفع إليكم رهنكم وتوادعوا على
234

ذلك إلى مدة جعلوها بينهم فعدا أهل البغى على رهن أهل العدل فقتلوهم لم يكن لأهل العدل أن
يقتلوا رهن أهل البغى الذين عندهم ولا أن يحبسوهم إذا أثبتوا أن قد قتل أصحابهم لأن أصحابهم لا
يدفعون إليهم أبدا ولا يقتل الرهن بجناية غيرهم وإن كان رهن أهل البغى بلا رهن من أهل العدل
ووادعوهم إلى مدة فجاءت تلك المدة وقدر غدر أهل البغى لم يكن لهم حبس الرهن بغدر غيرهم. قال:
ولو أن أهل العدل أمنوا رجلا من أهل البغى فقتله رجل جاهل كان فيه الدية. وإذا قتل العدلي
الباغي عامدا والقاتل وارث المقتول أو قتل الباغي العدلي وهو وارثه لم أر أن يتوارثا والله تعالى أعلم
ويرثهما معا ورثتهما غير القاتلين، وإذا قتل أهل البغى في معركة وغيرها صلى عليهم لأن الصلاة سنة في
المسلمين إلا من قتله المشركون في المعركة فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه. وأما أهل البغى إذا قتلوا في
المعركة فإنهم يغسلون ويصلى عليهم ويصنع بهم ما يصنع بالموتى ولا يبعث برؤوسهم إلى موضع ولا
يصلبون ولا يمنعون الدفن، وإذا قتل أهل العدل أهل البغى في المعركة ففيهم قولان: أحدهما أن
يدفنوا بكلومهم ودمائهم والثياب التي قتلوا فيها إن شاءوا لأنهم شهداء ولا يصلى عليهم ويصنع بهم كما
يصنع بمن قتله المشركون لأنهم مقتولون في المعركة وشهدا. والقول الثاني: أن يصلى عليهم لأن أصل
الحكم في المسلمين الصلاة على الموتى إلا حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما تركها فيمن
قتله المشركون في المعركة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والصبيان والنساء من أهل البغى إذا قتلوا
معهم فهم في الصلاة عليهم مثل الرجال البالغين. قال: وأكره للعدلي أن يعمد قتل ذي رحمه من
أهل البغى ولو كف عن قتل أبيه أو ذي رحمه أو أخيه من أهل الشرك لم أكره ذلك له بل أحبه وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم كف أبا حذيفة ابن عتبة عن قتل أبيه وأبا بكر يوم أحد عن قتل أبيه،
وإذا قتلت الجماعة الممتنعة من أهل القبلة غير المتأولة أو أخذت المال فحكمهم حكم قطاع الطريق،
وهذا مكتوب في كتاب قطع الطريق * وإذا ارتد قوم عن الاسلام فاجتمعوا وقاتلوا فقتلوا وأخذوا المال
فحكمهم حكم أهل الحرب من المشركين، وإذا تابوا لم يتبعوا بدم ولا مال. فإن قال قائل: لم لا
يتبعون؟ قيل هؤلاء صاروا محاربين حلال الأموال والدماء وما أصاب المحاربون لم يقتص منهم وما
أصيب لهم لم يرد عليهم وقد قتل طليحة عكاشة ابن محصن وثابت بن أقرم ثم أسلم هو فلم يضمن عقلا
ولا قودا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والحد في المكابرة في المصر والصحراء سواء ولعل المحارب في
المصر أعظم ذنبا (قال الربيع) وللشافعي قول آخر: يقاد منهم إذا ارتدوا وحاربوا فقتلوا من قبل أن
الشرك إن لم يزدهم شرا لم يزدهم خيرا بأن يمنع القود منهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن
أهل البغى ظهروا على مدينة فأراد قوم غيرهم من أهل البغى قتالهم لم أرد أن يقاتلهم أهل المدينة
معهم، فإن قالوا نقاتلكم معا وسع أهل المدينة قتالهم دفعا لهم عن أنفسهم وعيالهم وأموالهم وكانوا في
معنى من قتل دون نفسه وماله إن شاء الله تعالى. ولو سبى المشركون أهل البغى وكانت بالمسلمين قوة
على قتال المشركين لم يسع المسلمين الكف عن قتال المشركين حتى يستنقذوا أهل البغى. ولو غزا
المسلمون فمات عاملهم فغزوا معا أو متفرقين وكل واحد منهم رد. لصاحبه شرك كل واحد منهم صاحبه
في الغنيمة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال لي قائل: فما تقول فيمن أراد مال رجل أو دمه أو
حرمته؟ قلت له: فله دفعه عنه. قال فإن لم يكن يدفع عنه إلا بقتال؟ قلت فيقاتله. قال وان أتى
القتال على نفسه؟ قلت: نعم. إذا لم يقدر على دفعه إلا بذلك. قال: وما معنى يقدر على دفعه بغير
ذلك؟ قلت: أن يكون فارسا والعارض له راجل فيمعن علي الفرس، أو يكون متحصنا فيغلق
235

الحصن الساعة فيمضى عنه. وإن أبى إلا حصره وقتاله قاتله أيضا، قال: أفليس قد ذكر حماد عن
يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس
بغير نفس) فقلت له حديث عثمان كما حدث به وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم مسلم
إلا بإحدى ثلاث) كما قال وهذا كلام عربي ومعناه أنه إذا أتى واحدة من ثلاث حل دمه. كما قال:
فكان رجل زنا ثم ترك الزنا وتاب منه أو هرب من الموضع الذي زنى فيه فقدر عليه قتل رجما ولو قتل
مسلما عامدا ثم ترك القتل فتاب وهرب عليه قتل قودا وإذا كفر فتاب زال عنه اسم الكفر وهذان لا
يفارقهما اسم الزنا والقتل ولو تابا وهربا فيقتلان بالاسم اللازم لهما والكافر بعد إيمانه لو هرب ولم يترك
القول بالكفر بعد ما أظهره قتل إلا أنه إذا تاب من الكفر وعاد إلى الاسلام حقن دمه وذلك أنه يسقط
عنه إذا رجع إلى الاسلام اسم الكفر فلا يقتل وقد عاد مسلما ومتى لزمه اسم الكفر فهو كالزاني
والقاتل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والباغي خارج من أن يقال له حلال الدم مطلقا غير مستثنى
فيه وإنما يقال إذا بغى وامتنع أو قاتل مع أهل الامتناع قوتل دفعا عن أن يقتل أو منازعة ليرجع أو يدفع
حقا إن منعه فإن أتى لا قتال على نفسه فلا عقل فيه ولا قود فإنا أبحنا قتاله، ولو ولى عن القتال أو
اعتزل أو جرح أو أسر أو كان مريضا لا قتال به لم يقتل في شئ من هذه الحالات ولا يقال للباغي
وحاله هكذا حلال الدم ولو حل دمه ما حقن بالتولية والأسئار والجرح وعزله القتال، و لا يحقن دم
الكافر حتى يسلم وحاله ما وصفت قبله من حال من أراد دم رجل أو ماله.
الخلاف في قتال أهل البغى
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: حضرني بعض الناس الذي حكيت حجته بحديث عثمان
فكلمني بما وصفت وحكيت له جملة ما ذكرت في قتال أهل البغى فقال هذا كما قلت وما علمت
أحدا احتج في هذا بشبيه بما احتججت به ولقد خالفك أصحابنا منه في مواضع. قلت: وما هي؟
قال: قالوا إذا كانت للفئة الباغية فئة ترجع إليها وانهزموا قتلوا منهزمين وذفف عليهم جرحى وقتلوا
أسرى فإن كانت حربهم قائمة فأسر منهم أسير قتل أسيرهم وذفف على جرحاهم، فأما إذا لم يكن
لأهل البغى فئة وانهزم عسكرهم فلا يحل أن يقتل مدبرهم ولا أسيرهم ولا يذفف على جرحاهم (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: فقلت له إذا زعمت أن ما احتججنا به حجة فكيف رغبت عن الامر
الذي فيه الحجة أقلت بهذا خبرا أو قياسا؟ قال: بل قلت به خبرا.
قلت: وما الخبر؟ قال إن على
ابن أبي طالب رضى الله تعالى عنه قال يوم الجمل: لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح فكان ذلك
عندنا على أنه ليس لأهل الجمل فئة يرجعون إليها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقلت له أفرويت
عن علي أنه قال لو كانت لهم فئة يرجعون إليها قتلنا مدبرهم وأسيرهم وجريحهم فتستدل باختلاف
حكمه على اختلاف السيرة في الطائفتين عنده؟ قال لا ولكنه عندي على هذا المعنى قلت أفبدلالة؟
فأوجدناها. فقال فكيف يجوز قتلهم مقبلين ولا يجوز مدبرين؟ قلت بما قلنا من أن الله عز وجل إنما
أذن بقتالهم إذا كانوا باغين. قال الله تبارك وتعالى (فقاتلوا التي تبغى حتى تفئ إلى أمر الله) وإنما
236

يقاتل من يقاتل، فأما من لا يقاتل فإنما يقال اقتلوه لا فقاتلوه ولو كان فيما احتججت به من هذا
حجة كانت عليك لأنك تقول لا تقتلون مدبرا ولا أسيرا ولا جريحا إذا انهزم عسكرهم ولم تكن لهم فئة
قال قلته اتباعا لعلي بن أبي طالب قلت فقد خالفت علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مثل ما اتبعته
فيه، وقلت أرأيت إن احتج عليك أحد بمثل حجتك وقال نقتلهم بكل حال وإن انهزم عسكرهم لأن
عليا قد يكون ترك قتلهم على وجه المن لا على وجه التحريم قال ليس ذلك له وإن احتمل ذلك
الحديث لأنه ليس في الحديث دلالة عليه قلت ولا لك لأنه ليس في حديث على رضى الله تعالى عنه
ولا يحتمله دلالة على قتل من كانت له فئة موليا وأسيرا وجريحا (قال) وقلت وما ألفيته من هذا المعنى
ما هو إلا واحد من معنيين أما ما قلنا بالاستدلال بحكم الله عز وجل وفعل من يقتدى به من السلف فإن
أبا بكر قد أسر غير واحد ممن منع الصدقة فما ضربه ولا قتله، وعلى رضى الله تعالى عنه قد أسر وقدر
على من امتنع فما ضربه ولا قتله، وإما أن يكون خروجهم إلى هذا يحل دماءهم فيقتلون في كل حال
كانت لهم فئة أو لم تكن قال لا يقتلون في هذه الحال. قلت أجل ولا في الحال التي أبحت دماءهم
فيها، وقد كان معاوية بالشام فكان يحتمل أن تكون لهم فئة كانوا كثيرا وانصرف بعضهم قبل بعض
فكانوا يحتملون أن تكون الفئة المنصرفة أولا فئة للفئة المنصرفة آخرا، وقد كانت في المسلمين هزيمة يوم
أحد وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة بالشعب فكان النبي صلى الله عليه وسلم فئة لمن أنحاز إليه
وهم في موضع واحد وقد يكون للقوم فئة فينهزمون ولا يريدونها ولا يريدون العودة للقتال ولا يكون لهم
فئة فينهزمون يريدون الرجوع للقتال وقد وجدت القوم يريدون القتال ويشحذون السلاح فتزعم نحن
وأنت أنه ليس لنا قتالهم ما لم ينصبوا إماما ويسيروا ونحن نخافهم على الايقاع بنا فكيف أبحت قتالهم
بإرادة غيرهم القتال أو بترك غيرهم الهزيمة وقد انهزموا هم وجرحوا وأسروا ولا تبيح قتالهم بإرادتهم
القتال؟ وقلت له لو لم يكن عليك في هذا حجة إلا فعل علي بن أبي طالب وقوله كنت محجوجا بفعل
على وقوله قال وما ذاك؟ قلت أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي فاختة أن عليا رضى
الله تعالى عنه أتى بأسير يوم صفين فقال لا تقتلني صبرا فقال على (لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب
العالمين) فخلى سبيله ثم قال أفيك خيرا أيبايع؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى والحرب يوم صفين
قائمة ومعاوية يقاتل جادا في أيامه كلها منتصفا أو مستعليا وعلى يقول لأسير من أصحاب معاوية لا
أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين وأنت تأمر بقتل مثله؟ قال فلعله من عليه قلت هو يقول إني
أخاف الله رب العالمين قال يقول إني أخاف الله فأطلب الاجر بالمن عليك قلت أفيجوز إذ قال لا يقتل
مدبر ولا يذفف على جريح لمن لا فئة له مثل حجتك؟ قال لا لأنه لا دلالة في الحديث عليه قلت ولا
دلالة في حديث أبي فاختة على ما قلت وفيه الدلالة على خلافك لأنه لو قاله رجاء الاجر قال إني
لأرجو الله واسم الرجاء بمن ترك شيئا مباحا له أولى من اسم الخوف واسم الخوف بمن ترك شيئا خوف
المأثم أولى وإن احتمل اللسان المعنيين قال فإن أصحابنا يقولون قولك لا نستمتع من أموال أهل البغى
بشئ إلا في حال واحدة قلت وما تلك الحال؟ قال إذا كانت الحرب قائمة استمتع بدوابهم
وسلاحهم فإذا انقضت الحرب رد ذلك عليهم وعلى ورثتهم قلت أفرأيت إن عارضنا وإياك معارض
يستحل مال من استحل دمه من أهل القبلة؟ فقال الدم عند الله تعالى أعظم حرمة من المال فإذا حل
الدم كان المال له تبعا هل الحجة عليه إلا أن يقال هذا في رجال أهل الحرب الذين خالفوا دين الله عز
وجل هكذا وتحل أموالهم أيضا بما لا تحل به دماؤهم وذلك أن يسبى ذراريهم ونساؤهم فيسترقون
237

وتؤخذ أموالهم والحكم في أهل القبلة مباين لهذا قد يحل دم الزاني منهم والقاتل ولا يحل من مالهما شئ
وذلك لجنايتهما ولا جناية على أموالهما والباغي أخف حالا منهما لأنه يقال للزاني المحصن والقاتل هذا
مباح الدم مطلقا لا استثناء فيه ولا يقال للباغي مباح الدم إنما يقال على الباغي أن يمنع من البغى فإن
قدر على منعه منه بالكلام أو كان باغيا غير ممتنع مقاتل لم يحل قتاله وإن يقاتل فلم يخلص إلى دمه حتى
يصير في غير معنى قتال بتولية أو أن يصير جريحا أو ملقيا للسلاح أو أسيرا لم يحل دمه فقال هذا الذي
إذا كان هكذا حرم أو مثل حال الزاني والقاتل محرم المال ما الحجة عليه إلا هذا وما فوق هذا
حجة؟ فقلت هل الذي حمدت حجة عليك؟ قال إني إنما آخذه لأنه أقوى لي وأوهن لهم ما كانوا
يقاتلون فقلت فهل يعدو ما أخذت من أمالهم أن تأخذ مال قتيل قد صار ملكه لطفل أو كبير لم
يقاتلك قط فتقوى بمال غائب عنك غير باغ على باغ يقاتلك غيره أو مال جريح أو أسير أو مول قد
صاروا في غير معنى أهل البغى الذين يحل قتالهم وأموالهم ومال رجل يقاتلك يحل لك دفعه وإن أتى
الدفع على نفسه ولا جناية على ماله أو رأيت لو سبى أهل البغى قوما من المسلمين أنأخذ من أموالهم ما
نستعين به على قتال أهل البغى لنستنقذهم فنعطيهم باستنقاذهم خيرا مما نستمتع به من أموالهم؟ قال لا
قلت وقليل الاستمتاع بأموال الناس محرم؟ قال نعم قلت فما أحل لك الاستمتاع بأموال أهل البغى
حتى تنقضي الحرب ثم استمتعت بالكراع والسلاح دون الطعام والثياب والمال غيرهما؟ قال فما فيه
قياس وما القياس فيه إلا ما قلت ولكني قلته خبرا قلت وما الخبر؟ قال بلغنا ان عليا رضى الله تعالى
عنه غنم ما في عسكر في قاتله فقلت له قد رويتم أن عليا عرف ورثة أهل النهروان حتى تغيب قدر أو
مرجل أفسار على علي بسيرتين إحداهما غنم والأخرى لم يغنم فيها؟ قال لا ولكن أحد الحديثين وهم
قلت فأيهما الوهم؟ قال ما تقول أنت؟ قلت ما أعرف منهما واحدا ثابتا عنه فإن عرفت الثابت فقل بما
يثبت عنه قال ماله أن يغنم أموالهم قلت ألان أموالهم محبة؟ قال نعم فقلت فقد خالفت الحديثين عنه
وأنت لا تغنم وقد زعمت أنه غنم ولا تترك وقد زعمت أنه ترك قال إنما استمتع بها في حال قلت
فالمحظور يستمتع به فيما سوى هذا؟ قال لا قلت أفيجوز أن يكون شيئان محظوران فيستمتع بأحدهما
ويحرم الاستمتاع بالآخر بلا خبر؟ قال لا قلت فقد أجزته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقلت له
أرأيت لو وجدت لهم دنانير أو دراهم تقويك عليهم أنأخذها؟ قال لا قلت فقد تركت ما هو أشد
لك عليهم تقوية من السلاح والكراع في بعض الحالات قال فإن صاحبنا يزعم أنه لا يصلى على قتلى
أهل البغى فقلت له ولم؟ وصاحبك يصلى على من قتله في حد والمقتول في حد يجب على صاحبك
قتله ولا يحل له تركه والباغي يحرم على صاحبك قتله موليا وراجعا عن البغى فإذا ترك صاحبك الصلاة
على أحدهما دون الآخر كان من لا يحل له إلا قتله أولى أن يترك الصلاة عليه؟ قال كأنه ذهب إلى أن
ذلك عقوبة ليتنكل غيره عن مثل ما صنع قلت أو يعاقبه صاحبك بما لا يسعه أن يعاقبه به؟ فإن كان
ذلك جائزا فليصلبه أو ليحرقه فهو أشد في العقوبة من ترك الصلاة عليه أو يجز رأسه فيبعث به؟ قال لا
يفعل به من هذا شيئا قلت وهل يبالي من قاتلك على أنك كافر أن لا تصلى عليه وهو يرى صلاتك لا
تقربه إلى الله تعالى؟ وقلت وصاحبك لو غنم مال الباغي كان أبلغ في تنكيل الناس حتى لا يصنعوا مثل
ما صنع الباغي قال ما ينكل أحد بما ليس له أن ينكل به قلت فقد فعلت وقلت له أتمنع الباغي أن
تجوز شهادته أو يناكح أو يوارث أو شيئا مما يحوز لأهل الاسلام؟ قال لا قلت قال فكيف منعته الصلاة
وحدها؟ أبخبر؟ لا قلت فإن قال لك قائل أصلى عليه وأمنعه أن يناكح أو يوارث قال ليس له أن
238

يمنعه شيئا مما لا يمنعه المسلم إلا بخبر قلت فقد منعه الصلاة بلا خبر وقال إذا قتل العادل أخاه وأخوه
باغ ورثه لأن له قتله وإذا قتله أخوه لم يرثه لأنه ليس له قتله فقلت له فقد زعم بعض أصحابنا أن من
قتل أخاه عمدا لم يرث من ماله ولا من دينه إن اخذت منه شيئا ومن قتله خطأ ورث من ماله ولم يرث
من ديته شيئا لأنه لا يتهم على أن يكون قتله ليرث ماله وروى هذا عمرو بن شعيب يرفعه فقلت حديث
عمرو بن شعيب ضعيف لا تقوم به حجة وقلت إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم (ليس لقاتل شئ) هذا على من لزمه اسم القتل أيما كان تعمد القتل أو مرفوعا عنه الاثم بأن عمد غرضا فأصاب إنسانا
فكيف لم يقل بهذا في القتيل من أهل البغى والعدل فيقول كل من يلزمه اسم قاتل فلا يرث كما
احتججت علينا؟ وأنت أيضا تسوى بينهما في القتل فتقول لا أقيد واحدا منهما من صاحبه وإن كان
أحدهما ظالما لأن كلا متأول قال فإن صاحبنا قال نقاتل أهل البغى ولا يدعون لأنهم يعرفون ما يدعون
إليه وقال حجتنا فيه أن من بلغته الدعوة من أهل الحرب جاز أن يقاتل ولا يدعى فقلت له لو قاس غيرك
أهل البغى بأهل الحرب كنت شبيها بالخروج إلى الاسراف في تضعيفه كما رأيتك تفعل في أقل من
هذا قال وما الفرق بينهم؟ قلت أرأيت أهل البغى إذا أظهروا إرادة الخروج علينا والبراءة منا واعتزلوا
جماعتنا أتقتلهم في هذه الحال؟ قال لا فقلت ولا نأخذ لهم مالا ولا نسبي لهم ذرية؟ قال لا قلت
أفرأيت أهل الحرب إذا كانوا في ديارهم لا يهمون بنا ولا يعرضون بذكرنا أهل قوة على حربنا فتركوها
أو ضعف عنها فلم يذكروها أيحل لنا أن نقاتلهم نياما كانوا أو مولين ومرضى ونأخذ ما قدرنا عليه من مال
وسبى نسائهم وأطفالهم ورجالهم؟ قال نعم قلت وما يحل منهم مقاتلين مقبلين ومدبرين مثل ما يحل منهم
تاركين للحرب غافلين؟ قال نعم قلت وأهل البغى مقبلين يقاتلون ويتركون مولين فلا يؤخذ لهم مال؟ قال نعم
قلت أفتراهم يشبهونهم، قال إنهم ليفارقونهم في بعض الأمور قلت بل في أكثرها أو كلها قال فما معنى
دعوتهم؟ قلت قد يطلبون الامر ببعض الخوف والارعاد فيجتمعون ويعتقدون ويسألون عزل العامل
ويذكرون جوره أو رد مظلمته أو ما أشبه هذا فيناظرون فإن كان ما طلبوا حقا أعطوه وإن كان باطلا
أقيمت الحجة عليهم فيه فإن تفرقوا قبل هذا تفرقا لا يعودون له فذاك وإن أبوا إلا القتال قوتلوا وقد
اجتمعوا في زمان عمر بن عبد العزيز فكلمهم فتفرقوا بلا حرب وقلت له وإذا كانوا عندنا وعندك إذا
قاتلوا فأكثروا القتل ثم ولوا لم يقتلوا مولين لحرمة الاسلام مع عظم الجناية فكيف تبيتهم فتقتلهم قبل
قتالهم ودعوتهم وقد يمكن فيهم الرجوع بلا سفك دم ولا مؤنة أكثر من الكلام ورد مظلمة إن كانت
يجب على الإمام ردها إذا علمها قبل أن يسألها.
الأمان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال بعض الناس يجوز أمان المرأة المسلمة، والرجل المسلم لأهل
الحرب فأما العبد المسلم فإن أمن أهل بغى أو حرب وكان يقاتل أجزنا أمانه كما نجيز أمان الحر وإن كان
لا يقاتل لم نجز أمانه، فقلت له لم فرقت بين العبد يقاتل ولا يقاتل؟ فقال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم (المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم) فقلت له هذه الحجة
عليك، قال ومن أين؟ قلت إن زعمت أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (يسعى بذمتهم
239

أدناهم) على الأحرار دون المماليك فقد زعمت أن المملوك يؤمن وهو خارج من الحديث، قال ما هو
بخارج من الحديث وإنه ليلزمه اسم الايمان، فقلت له فإن كان داخلا في الحديث فكيف زعمت
أنه لا يجوز أمانه إذا لم يقاتل؟ قال إنما يؤمن المقاتلين مقاتل، قلت ورأيت ذلك استثناء في الحديث
أو وجدت عليه دلالة منه؟ قال كان العقل يدل على هذا قلت ليس كما تقول الحديث والعقل معا
يدلان على أنه يجوز أمان المؤمن بالايمان لا بالقتال ولو كان كما قلت كنت قد خالفت أصل مذهبك
قال ومن أين؟ قلت زعمت أن المرأة تؤمن فيجوز أمانها والزمن لا يقاتل يؤمن فيجوز أمانه وكان يلزمك
في هذين على أصل ما ذهبت إليه أن لا يجوز أمانهما لأنهما لا يقاتلان قال فإني أترك هذا كله فأقول:
إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال (تتكافأ دماؤهم) فدية العبد أقل من دية الحر فليس بكف بدمه
لدمه، فقلت له القول الذي صرت إليه أبعد من الصواب من القول الذي بان لك تناقض قولك فيه،
قال ومن أين؟ قلت أتنظر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (تتكافأ دماؤهم) إلى القود أم إلى
الدية؟ قال إلى الدية، قلت فدية المرأة نصف دية الرجل وأنت تجيز أمانها، ودية بعض العبيد عندك
أكثر من دية المرأة فلا تجيز أمانه؟ وقد يكون العبد لا يقاتل أكثر دية من العبد يقاتل ولا تجيز أمانه
ويكون العبد يقاتل عن مائة درهم فتجيز أمانه فقد تركت أصل مذهبك في إجازة أمان العبد المقاتل
يسوى مائة درهم وفى المرأة، قال: فإن قلت إنما عنى (تتكافؤ دماؤهم) في القود، قلت فقله قال
فقد قلت فأنت تقيد بالعبد الذي لا يسوى عشرة دنانير الحر ديته ألف دينار كان العبد ممن يحسن قتالا أو
لا يحسنه، قال إني لافعل وما هذا على القود قلت أجل ولا على الدية ولا على القتال، ولو كان على
شئ من ذلك كنت قد تركته كله، قال فعلا م هو؟ قلت على اسم الايمان قال وإذا أسر أهل البغى
أهل العدل وكان أهل العدل فيهم تجار فقتل بعضهم بعضا أو استهلك بعضهم لبعض ما لا لم يقتص
لبعضهم من بعض ولم يلزم بعضهم لبعض في ذلك شئ لأن الحكم لا يجرى عليهم، وكذلك إن
كانوا في دار حرب، فقلت له أتعني أنهم في حال شبهة بجهالهم وتنحيهم عن أهل العلم وجهالة من
هم بين ظهرانيه من أهل بغى أو مشركين؟ قال لا ولو كانوا فقهاء يعرفون أن ما أتوا وما هو دونه محرم
أسقطت ذلك عنهم في الحكم لأن الدار لا يجرى عليها الحكم فقلت له إنما يحتمل قولك لا يجرى
عليها الحكم معنيين، أحدهما أن تقول ليس على أهلها أن يعطوا أن يكون الحكم عليهم جاريا،
والمعنى الثاني أن يغلب أهلها عليها فيمنعونها من الحكم في الوقت الذي يصيب فيه هؤلاء الحدود فأيهما
عنيت؟ قال أما المعنى الأول فلا أقول به على أهلها أن يصيروا إلى جماعة المسلمين ويستسلموا للحكم
وهم بمنعه ظالمون مسلمون كانوا أو مشركين ولكن إذا منعوا دارهم من أن يكون عليها طاعة يجرى فيها
الحكم كانوا قبل المنع مطيعين يجرى عليهم الحكم أو لم يكونوا مطيعين قبله فأصاب المسلمون في هذه
الدار حدودا بينهم أو لله لم تؤخذ منهم الحدود ولا الحقوق بالحكم وعليهم فيما بينهم وبين الله عز وجل
تأديتها، فقلت له نحن وأنت تزعم أن القول لا يجوز إلا أن يكون خبرا أو قياسا معقولا فأخبرنا في أي
المعنيين قولك؟ قال قولي قياس لاخبر قلنا فعلا م قسته؟ قال على أهل دار المحاربين يقتل بعضهم بعضا
ثم يظهر عليهم فلا نقيد منهم، قلت أتعني من المشركين؟ قال: نعم. فقله له أهل الدار من
المشركين يخالفون التجار والأسارى فيهم في المعنى الذي ذهبت إليه خلافا بينا، قال فأوجدنيه قلت
أرأيت المشركين المحاربين لو سبى بعضهم بعضا ثم أسلموا أتدع السابي يتخول المسبى موقوفا له؟ قال
نعم: قلت فلو فعل ذلك الأسارى أو التجار ثم ظهرنا عليهم، قال فلا يكون لهم أن يسترق بعضهم
240

بعضا قلت أفرأيت أهل الحرب لو غزونا فقتلوا فينا ثم رجعوا إلى دارهم فأسلموا أو أسلموا قبل الرجوع
أيكون على القاتل منهم قود؟ قال: لا. قلت فلو فعل ذلك الأسارى أو التجار غير مكرهين ولا مشتبه
عليهم؟ قال: يقتلون قلت أفرأيت المسلمين أيسعهم أن يقصدوا قصد الأسارى والتجار من المسلمين
ببلاد الحرب فيقتلونهم؟ قال لا بل محرم عليهم، قلت أفيسعهم ذلك في أهل الحرب، قال: نعم
قلت أرأيت الأسارى والتجار لو تركوا صلوات ثم خرجوا إلى دار الاسلام أيكون عليهم قضاؤها أو زكاة
كان عليهم أداؤها؟ قال: نعم قلت ولا يحل لهم في دار الحرب إلا ما يحل في دار الاسلام؟ قال:
نعم قلت فإن كانت الدار لا تغير مما أحل الله لهم وحرم عليهم شيئا فكيف أسقطت عنهم حق الله عز
وجل وحق الآدميين الذي أوجبه الله عز وجل فيما أتوا في الدار التي لا تغير عندك شيئا، ثم قلت ولا
يحل لهم حبس حق قبلهم في دم ولا غيره؟ وما كان لا يحل لهم حبسه كان على السلطان استخراجه
منهم عندك في غير هذا الموضع، فقال فإني أقيسهم على أهل البغى الذين أبطل ما أصابوا إذا كان
الحكم لا يجرى عليهم، قلت ولو قستهم بأهل البغى كنت قد أخطأت القياس، قال وأين؟ قلت أنت
تزعم أن أهل البغى ما لم ينصبوا إماما ويظهروا حكمهم يقاد منهم في كل ما أصابوا وتقام عليهم الحدود
والأسارى والتجار لا إمام لهم ولا امتناع فلو قستهم بأهل البغى كان الذي تقيم عليه الحدود من أهل
البغى أشبه بهم لأنه غير ممتنع بنفسه وهم غير ممتنعين بأنفسهم وأهل البغى عندك إذا قتل بعضهم بعضا
بلا شبهة ثم ظهرت عليهم أقدتهم وأخذت لبعضهم من بعض ما ذهب لهم من مال، فقال ولكن
الدار ممنوعة من أن يجرى عليها الحكم بغيرهم فإنما منعتهم بأن الدار لا يجرى عليها الحكم، فقلت له
فأنت إن قستهم بأهل الحرب والبغي مخطئ وإنما كان ينبغي أن تبتدئ بالذي رجعت إليه، قال
فيدخل على في الذي رجعت إليه شئ؟ قلت نعم قال وما هو؟ قلت أرأيت الجماعة من أهل القبلة
يحاربون فيمتنعون في مدينة أو صحراء فيقطعون الطريق ويسفكون الدماء ويأخذون الأموال ويأتون
الحدود؟ قال يقام هذا كله عليهم قلت ولم وقد منعوا هم بأنفسهم دارهم ومواضعهم حتى صاروا لا
تجرى الاحكام عليهم؟ وإن كنت إنما ذهبت إلى أنه أسقط الحكم عن المسلمين امتناع الدار فؤلاء
منعوا الدار بأنفسهم من أن يجرى عليها حكم وقد أجريت عليهم الحكم فلم أجريته على قوم في دار
ممنوعة من القوم وأسقطته عن آخرين؟ وإن كنت قلت يسقط عن أهل البغى فأولئك قوم متأولون مع
المنعية مشبه عليهم يرون أن ما صنعوا مباح لهم والأسارى والتجار الذين أسقطت عنهم الحدود يرون
ذلك محرما عليهم؟ قال فإنما قلت هذا في المحاربين من أهل القبلة بأن الله تعالى حكم عليهم أن يقتلوا أو
يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف قلت له أفيحتمل أن يكون الحكم عليهم إن كانوا غير
ممتنعين؟ قال نعم ويحتمل وقل شئ إلا وهو يحتمل ولكن ليس في الآية دلالة عليه والآية على ظاهرها
حتى تأتى دلالة على باطن دون ظاهر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قلت له ومن قال بباطن دون
ظاهر بلا دلالة له في القرآن والسنة أو الاجماع مخالف للآية قال نعم فقلت له فأنت إذا تخالف آيات من
كتاب الله عز وجل قال وأين؟ قلت قال الله تبارك وتعالى (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا)
وقال الله تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وقال عز ذكره (والسارق والسارقة
فاقطعوا أيديهما) فزعمت في هذا وغيره أنك تطرحه عن الأسارى والتجار بأن يكونوا في دار ممتنعة ولم
تجد دلالة على هذا في كتاب الله عز وجل ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إجماع فتزيل
ذلك عنهم بلا دلالة وتخصهم بذلك دون غيرهم وقال بعض الناس لا ينبغي لقاضي أهل البغى أن
241

يحكم في الدماء والحدود وحقوق الناس وإذا ظهر الإمام على البلد الذي فيه قاض لأهل البغى لم يرد
من حكمه إلا ما يرد من حكم غيره من قضاة غير أهل البغى وإن حكم على غير أهل البغى فلا ينبغي
للإمام أن يجيز كتابه خوف استحلاله أموال الناس بما لا يحل له (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا
كان غير مأمون برأيه على استحلال ما لا يحل له من مال امرئ أو دمه لم يحل قبول كتابه ولا إنفاذ
حكمه، وحكمه أكثر من كتابه فكيف يجوز أن ينفذ حكمه وهو الأكثر ويرد كتابه وهو الأقل؟ وقال من
خالفنا إذا قتل العادل أباه ورثه إذا قتل الباغي أباه لم يرثه وخالفه بعض أصحابه فقال هما سواء يتوارثان
لأنهما متأولان وخالفه آخر فقال لا يتوارثان لأنهما قاتلان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والذي هو
أشبه بمعنى الحديث أنهما سواء لا يتوارثان ويرثهما غيرهما من ورثتهما (قال الشافعي) قال من خالفنا
يستعين الإمام على أهل البغى بالمشركين إذا كان حكم المسلمين ظاهرا (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: فقلت له إن الله عز وجل أعز بالاسلام أهله فخولهم من خالفهم بخلاف دينه فجعلهم صنفين
صنفا مرقوقين بعد الحرية وصنفا مأخوذا من أموالهم ما فيه لأهل الاسلام المنفعة صغارا غير مأجورين
عليه ومنعهم من أن ينالوا نكاح مسلمة وأباح نساء حرائر أهل الكتاب للمسلمين ثم زعمت أن لا يذبح
النسك إذا كان تقربا إلى الله جل ذكره أحد من أهل الكتاب فكيف أجزت أن تجعل المشرك في منزلة
ينال بها مسلما حتى سفك بها دمه وأنت تمنعه من أن تسلطه على شاته التي يتقرب بها إلى ربه؟ قال
حكم الاسلام هو الظاهر قلت: والمشرك هو القاتل والمقتول قد مضى عنه الحكم وصيرت حتفه بيدي
من خالف دين الله عز وجل ولعله يقتله بعداوة الاسلام وأهله في الحال التي لا تستحل أنت فيها قتله
(قال الشافعي) وقلت له أرأيت قاضيا إن استقضى تحت يده قاضيا هل يولى ذميا مأمونا أن يقضى في
حزمة بقل وهو يسمع قضاءه فإن أخطأ الحق رده؟ قال: لا قلت ولم؟ وحكم القاضي الظاهر؟ قال
وإن. فإن عظيما أن ينفذ على مسلم شئ بقول ذمي قلت: إنه بأمر مسلم، قال وإن كان كذلك
فالذمي موضع حاكم فقلت له أفتجد الذمي في قتال أهل البغى قاتلا في الموضع الذي لا يصل الإمام
إلى أن يأمره بقتل إن رآه ولا كف؟ قال إن هذا كما وصفت ولكن أصحابنا احتجوا بأن النبي صلى الله
عليه وسلم استعان بالمشركين على المشركين قلت: ونحن نقول لك استعن بالمشركين على المشركين لأنه
ليس في المشركين عز محرم أن نذله ولا حرمة حرمت إلا أن نستبقيها كما يكون في أهل دين الله عز
وجل ولو جاز أن يستعان بهم على قتال أهل البغى في الحرب كان أن يمضوا حكما في حزمة بقل أجوز
وقلت له: ما أبعد ما بين أقاويلك قال في أي شئ؟ قلت أنت تزعم أن المسلم والذمي إذا تداعيا
ولذا جعلت الولد للمسلم وحجتهما فيه واحدة لأن الاسلام أولى بالولد قبل أن يصف الولد الاسلام.
وزعمت أن أحد الأبوين إذا أسلم كان الولد مع أيهما أسلم تعزيرا للاسلام فأنت في هذه المسألة تقول
هذا وفى المسألة قبلها تسلط المشركين على قتل أهل الاسلام.
كتاب السبق والنضال
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى قال: جماع ما يحل
أن يأخذه الرجل من الرجل المسلم ثلاثة وجوه أحدها ما وجب على الناس في أموالهم مما ليس لهم
دفعه من جناياتهم وجنايات من يعقلون عنه، وما وجب عليهم بالزكاة والنذور والكفارات وما أشبه
242

ذلك، وما أوجبوا على أنفسهم مما أخذوا به العوض من البيوع والإجارات والهبات للثواب وما في
معناه وما أعطوا متطوعين من أموالهم التماس واحد من وجهين أحدهما طلب ثواب الله تعالى، والآخر
طلب الاستحماد ممن أعطوه إياه وكلاهما معروف حسن ونحن نرجو عليه الثواب إن شاء الله تعالى ثم ما
اعطى الناس من أموالهم من غير هذه الوجوه وما في معناها واحد من وجهين أحدهما حق والآخر
باطل فما أعطوا من الباطل غير جائز لهم ولا لمن أعطوه وذلك قول الله عز وجل (ولا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل) فالحق من هذا الوجه الذي هو خارج من هذه الوجوه التي وصفت يدل على الحق في
نفسه وعلى الباطل فيما خالفه، وأصل ذكره في القرآن والسنة والآثار، قال الله تبارك وتعالى فيما ندب
إليه أهل دينه (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) فزعم أهل العلم بالتفسير أن القوة
هي الرمي، وقال الله تبارك وتعالى (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي
هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لاسبق إلا في نصل أو حافر أو
خف) (قال الشافعي) وأخبرني ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن عباد بن أبي صالح عن أبيه عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لاسبق إلا في حافر أو خف) قال: وأخبرنا أبن أبي
فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب قال: مضت السنة في النصل والإبل والخيل والدواب
حلال: قال: وأخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق
بين الخيل التي قد أضمرت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لاسبق
إلا في خف أو حافر أو نصل) يجمع معنيين أحدهما أن كل نصل رمى به من سهم أو نشابة أو ما ينكأ
العدو نكايتهما وكل حافر من خيل وحمير وبغال وكل خف من إبل يحت أو عراب داخل في هذا المعنى
الذي يحل فيه السبق. والمعنى الثاني أنه يحرم أن يكون السبق إلا في هذا: وهذا داخل في معنى ما
ندب الله عز وجل إليه وحمد عليه أهل دينه من الاعداد لعدوه القوة ورباط الخيل والآية الأخرى
(فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) لأن هذه الركاب لما كان السبق عليها يرغب أهلها في اتخاذها
لآمالهم إدراك السبق فيها والغنيمة عليها كانت من العطايا الجائزة بما وصفتها فالاستباق فيها حلال وفيما
سواها محرم فلو أن رجلا سابق رجلا على أن يتسابقا على أقدامهما أو سابقه على أن يعدو إلى رأس جبل
أو على أن يعدو فيسبق طائرا أو على أن يصيب ما في يديه أو على أن يمسك في يده شيئا فيقول له أركن
فيركن فيصيبه أو على أن يقوم على قدميه ساعة أو أكثر منها أو على أن يصارع رجلا أو على أن يداحي
رجلا بالحجارة فيغلبه كان هذا كله غير جائز من قبل أنه خارج من معاني الحق الذي حمد الله عليه
وخصته السنة بما يحل فيه السبق وداخل في معنى ما حظرته السنة إذ نفت السنة أن يكون السبق إلا في
خف أو نصل أو حافر وداخل في معنى أكل المال بالباطل لأنه ليس مما أخذ المعطى عليه عوضا ولا
لزمه بأصل حق ولا أعطاه طلبا لثواب الله عز وجل ولا لمحمدة صاحبه بل صاحبه يأخذه غير حامد له
وهو غير مستحق له فعلى هذا عطايا الناس وقياسها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والاسباق ثلاثة
سبق يعطيه الوالي أو الرجل غير الوالي من ماله متطوعا به وذلك مثل أن يسبق بين الخيل من غاية
إلى غاية فيجعل للسابق شيئا معلوما وإن شاء جعل للمصلى والثالث والرابع والذي يليه بقدر ما أرى فما
جعل لهم كان لهم على ما جعل لهم وكان مأجورا عليه أن يؤدى فيه وحلالا لمن أخذه. وهذا وجه
ليست فيه علة. والثاني يجمع وجهين وذلك أن يكون الرجلان يريدان يستبقان بفرسيهما ولا يريد كل
243

واحد منهما أن يسبق صاحبه ويريدان ان يخرجا سبقين من عندهما وهذا لا يجوز حتى يدخلا بينهما محللا
والمحلل فارس أو أكثر من فارس ولا يجوز المحلل حتى يكون كفؤا للفارسين لا يأمنان أن يسبقهما فإذا
كان بينهما محلل أو أكثر فلا بأس أن يخرج كل واحد منهما ما تراضيا عليه مائة مائة أو أكثر أو أقل
ويتواضعانها على يدي من يثقان به أو يضمنانها ويجرى بينهما المحلل فإن سبقهما المحلل كان ما أخرجا
جميعا وإن سبق أحدهما المحلل أحرز السابق ماله وأخذ مال صاحبه وإن أتيا مستويين لم يأخذ واحد
منهما من صاحبه شيئا وأقل السبق أن يفوت أحدهما صاحبه بالهادي أو بعضه أو بالكتد أو بعضه (قال
الربيع) الهادي عنق الفرس والكتد كتف الفرس والمصلى هو الثاني و المحلل هو الذي يرمى معي
ومعك ويكون كفؤا للفارسين فإن سبقنا المحلل أخذ منا جميعا وإن سبقناه لم نأخذ منه شيئا لأنه محلل وإن
سبق أحدنا صاحبه وسبقه المحلل أخذ المحلل منه السبق ولم يأخذ منى لأني قد أخذت سبقي (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان هذا في الاثنين هكذا فسواء لو كانوا مائة أخرج كل واحد منهم
مثل ما يخرج صاحبه وأدخلوا بينهم محللا إن سبق كان له جميع ذلك وإن سبق لم يكن عليه شئ وإنما
قلنا هذا لأن أصل السنة في السبق أن يكون بين الخيل وما يجرى فإن سبق غنم وإن سبق لم يغرم
وهكذا هذا في الرمي والثالث أن يسبق أحد الفارسين صاحبه فيكون السبق منه دون صاحبه فإن سبقه
صاحبه كان له السبق وإن سبق صاحبه لم يغرم صاحبه شيئا وأحرز هو ماله وسواء لو أدخل معه عشرة
هكذا ولا يجور أن يجرى الرجل مع الرجل يخرج كل واحد منها سبقا ويدخلان بينهما محللا إلا والغاية
التي يجريان منها والغاية التي ينتهيان إليها واحدة ولا يجوز أن ان ينفصل أحدهما عن الآخر بخطوة
واحدة.
ما ذكر في النضال
(قال الشافعي) رحمه الله: والنضال فيما بين الاثنين يسبق أحدهما الآخر والثالث بينهما المحلل كهو
في الخيل لا يختلفان في الأصل فيجوز في كل واحد منهما ما جاز في الآخر ويرد فيهما ما يرد في
الآخر ثم يتفرعان فإذا اختلفت عللهما اختلفا، وإذا سبق أحد الرجلين الآخر على أن يجعلا بينهما قرعا
معروفا خواسق (1) أو حوابي فهو جائز إذا سميا الغرض الذي يرميانه وجائز أن يتشارطا ذلك محاطة أو
مبادرة فإذا تشارطاه محاطة فكلما أصاب أحدهما بعدد وأصاب الآخر بمثله سقط كل واحد من العددين
واستأنفا عددا كأنهما أصابا بعشرة أسهم عشرة سقطت العشرة بالعشرة ولا شئ لواحد منهما على
صاحبه ولا يعتد كل واحد منهما على صاحبه إلا بالفضل من إصابته على إصابة صاحبه وهذا من حين
يبتدئان السبق إلى أن يفرغا منه وسواء كان لأحدهما فضل عشرين سهما ثم أصاب معه صاحبه بسهم
حط منهما سهما ثم كلما أصاب حطه حتى يخلص له فضل العدد الذي شرط فينضله وإن وقف وقرع
بينهما من عشرين خاسقا وله فضل تسعة عشر فأصاب بسهم وقفنا المفلوج وأمرنا الآخر بالرمي حتى

(1) قوله: أو جوابي جمع حاب وهو أن يرمى على أن يسقط الأقرب للغرض الا بعد منه ويقال حبا السهم يحبو
إذا زلج على الأرض ثم أصاب الهدف وإن أصاب الرقعة فهو خاسق وخارق فإن جاوز الهدف ووقع خلفه فهو زاهق
اه‍ وقوله: أصاب صاحبه أي الغرض اه‍. كتبه مصححه.
244

ينفذ ما في أيديهما في رشقها فإن حطه المفلوج عليه بطل فلجه وإن أنفد ما في يديه وللآخر في ذلك
الرشق عشرون لم يكلف أن يرمى معه وكان قد فلج عليه، وإن تشارطا أن القرع بينهما حواب كان
الحابي قرعة والخاسق قرعتين ويتقايسان إذا أخطأ في الوجه معا فإن كان أحدهما أقرب من صاحبه
بسهم فأكثر عدد ذلك عليه وإن كان أقرب منه بسهم ثم الآخر أقرب بأسهم بطلت أسهمه الذي هو
أقرب به لا يعد القرب لواحد ولا أكثر وثم واحد أقرب منه، وكذلك لو كان أحدهما أقرب بسهم
حسبناه له والآخر أقرب بخمسة أسهم بعد ذلك السهم لم نحسبها له إنما نحسب له الأقرب فأيهما كان
أقرب بواحد حسبناه له وإن كان أقرب بأكثر وإن كان أقرب بواحد ثم الآخر بعده أقرب بواحد ثم
الأول الذي هو أقربهما أقرب بخمسة أسهم لم يحسب له من الخمسة من قبل أن لمناضله سهما أقرب
منها، وإن كان أقرب بأسهم فأصاب صاحبه بطل القرب لأن المصيب أولى من القريب إنما يحسب
القريب لقربه من المصيب ولكن إن أصاب أحدهما وأخلى الآخر حسب للمصيب صوابه ثم نظر في
حوابيهما فإن كان الذي لم يصب أقرب بطل قربه بمصيب مناضله فإن كان المصيب أقرب مع مصيبه
لأنا إذا حسبنا له ما قرب من نبله مع غير مصيبه كانت محسوبة مع مصيبه، وقد رأيت من أهل الرمي
من يزعم أنهم إنما يتقايسون في القرب إلى موضع العظم وموضع العظم وسط الشن والأرض ولست
أرى هذا يستقيم في القياس فالقياس أن يتقاربوا إلى الشن من قبل أن الشن موضع الصواب وقد رأيت
منهم من يقايس بين النبل في الوجه والعواضد يمينا وشمالا ما لم يجاوز الهدف فإذا جاوز الهدف أو الشن
أو كان منصوبا ألغوها فلم يقايسوا بها ما كان عضدا أو كان في الوجه ولا يجوز هذا في القياس فالقياس
أن يقاس به خارجا أو ساقطا أو عاضدا أو كان في الوجه وهذا في المبادرة مثله في المحاطة لا
يختلفان، والمبادرة أن يسميا قرعا ثم يحسب لكل واحد منهما صوابه إن تشارطوا الصواب وحوابيه إن
تشارطوا الحوابي مع الصواب ثم أيهما سبق إلى ذلك العدد كان له الفضل (قال الربيع: الحابي الذي
يصيب الهدف ولا يصيب الشن) فإذا تقايسا بالحابي فاستوى حابياهما تباطلا في ذلك الوجه فلم
يتعادا لأنا إنما نعاد من كل واحد منهما ما كان أقرب به وليس واحد منهما بأقرب من صاحبه، وإذا
سبق الرجل الرجل على أن يرمى معه أو سبق رجل بين رجلين فقد رأيت من الرماة من يقول صاحب
السبق أولى أن يبدأ والمسبق يبدئ أيهما شاء ولا يجوز في القياس أن يتشارطا أيهما يبدأ فإن لم يفعلا
اقترعا، والقياس أن لا يرميا إلا عن شرط وإذا بدأ أحدهما من وجه بدأ الآخر من الوجه الذي يليه
ويرمى البادئ بسهم ثم الآخر بسهم حتى ينفذ نبلهما وإذا عرق أحدهما فخرج السهم من يده فلم يبلغ
الغرض كان له أن يعود فيرمى به من قبل العارض فيه وكذلك لو زهق من قبل العارض فيه أعاده فرمى
به وكذلك لو أنقطع وتره فلم يبلغ أو انكسر قوسه فلم يبلغ كان له أن يعيده، وكذلك لو أرسله فعرض
دونه دابة أو إنسان فأصابهما كان له أن يعيده في هذه الحالات كلها، وكذلك لو اضطربت به يداه أو
عرض له في يديه ما لا يمضى معه السهم كان له أن يعود فأما إن جاز وأخطأ القصد فرمى فأصاب
الناس أو أجاز من ورائهم فهذا سوء رمى منه ليس بعارض غلب عليه وليس له أن يعيده، وإذا كان رميهما
مبادرة فبدأ أحدهما فبلغ تسعة عشر من عشرين رمى صاحبه بالسهم الذي يراسله به ثم رمى البادئ
فإن أصاب بسهمه ذلك فلج عليه ولم يرم الآخر بالسهم لأن أصل السبق مبادرة والمبادرة أن يفوت
أحدهما الآخر وليست كالمحاطة، وإذا تشارطا الخواسق فلا يحسب لرجل خاسق حتى يخرق الجلد
ويكون متعلقا مثله، وإن تشارطا المصيب فلو أصاب الشن ولم يخرقه حسب له لأنه مصيب، وإذا
245

تشارطا الخواسق والشن ملصق بهدف فأصاب ثم رجع ولم يثبت فزعم الرامي أنه خسق ثم رجع لغلظ
لقيه من حصاة أو غيرها وزعم المصاب عليه أنه لم يخسق وأنه إنما قرع ثم رجع فالقول قوله مع يمينه
إلا أن تقوم بينهما بينة فيؤخذ بها، وكذلك إن كان الشن باليا فيه خروق فأصاب موضع الخروق فغاب
في الهدف فهو مصيب، وإن لم يغب في الهدف ولم يستمسك بشئ من الشن ثم اختلفا فيه فالقول
قول المصاب عليه مع يمينه، فإن أصاب طرفا من الشن فخرمه ففيها قولان. أحدهما: أنه لا يحسب
له خاسقا إذا كان شرطهما الخواسق إلا أن يكون بقي عليه من الشن طغية أو خيط أو جلد أو شئ من
الشن يحيط بالسهم فيكون يسمى بذلك خاسقا لأن الخاسق ما كان ثابتا في الشن وقليل ثبوته وكثيره
سواء، ولا يعرف الناس إذا وجهوا بأن يقال هذا خاسق إلا أن الخاسق ما أحاط به المخسوق فيه،
ويقال للاخر خارق لا خاسق. والقول الآخر أن يكون الخاسق قد يقع بالاسم على ما أوهى الصحيح
فخرقه فإذا خرق منه شيئا قل أو كثر ببعض الفصل فهو خاسق لأن الخسق الثقب وهذا قد ثقب
وإن خرم، وإن كان السهم ثابتا في الهدف وعليه جلدة من الشن أو طغية ليست بمحيطة
فقال الرامي
خرق هذا الجلدة فانخرمت أو هذه الطغية فانخرمت، وقال المخسوق عليه إنما وقع في الهدف متغلغلا
تحت هذه الجلدة أو الطغية اللتين هما طائرتان عما سواهما من الشن فالقول قوله مع يمينه ولا يحسب هذا
خاسقا بحال في واحد من القولين، ولو كان في الشن خرق فأثبت السهم في الخرق ثم ثبت في
الهدف كان خاسقا لأنه إذا ثبت في الهدف فالشن أضعف منه، ولو كان الشن منصوبا فرمى فأصاب
ثم مرق السهم فلم يثبت كان عندي خاسقا، ومن الرماة من لا يعده إذا لم يثبت، ولو اختلفا فيه فقال
الرامي أصاب ومار فخرج وقال المرمى عليه لم يصب أو أصاب حرف الشن بالقدح ثم مضى كان
القول قوله مع يمينه، ولو أصاب الأرض ثم ازدلف فخرق الشن فقد اختلفت الرماة فمنهم من أثبته
خاسقا وقال بالرمية أصاب وإن عرض له دونها شئ فقد مضى بالنزعة التي أرسل بها ومنهم من زعم
أن هذا لا يحسب له لأنه استحدث بضربته الأرض شيئا أحماه فهو غير رمى الرامي ولو أصاب وهو
مزدلف فلم يخسق وشرطهم الخواسق لم يحسب في واحد من القولين خاسقا. ولو كان شرطهما المصيب
حسب في قول من يحسب المزدلف وسقط في قول من يسقطه (قال الربيع) المزدلف الذي يصيب
الأرض ثم يرتفع من الأرض فيصيب الشن، ولو كان شرطهم المصيب فأصاب السهم حين تفلت غير
مزدلف الشن بقدحه دون نصله لم يحسب لأن الصواب إنما هو بالنصل دون القدح، ولو أرسله مفارقا
للشن فهبت ريح فصرفته فأصاب حسن له مصيبا، وكذلك لو صرفته عن الشن وقد أرسله مصيبا،
وكذلك لو أسرعت به وهو يراه قاصرا فأصاب حسب مصيبا، ولو أسرعت به وهو يراه مصيبا فأخطأ
كان مخطئا ولا حكم للريح يبطل شيئا ولا يحقه ليست كالأرض ولا كالدابة يصيبها ثم يزدلف عنها
فيصيب، ولو كان دون الشن شئ ما كان دابة أو ثوبا أو شيئا غيره فأصابه فهتكه ثم مر بحموته حتى
يصيب الشن حسب في هذه الحالة لأن إصابته وهتكه لم يحدث له قوة غير النزع إنما أحدث فيه
ضعفا، ولو رمى والشن منصوب فطرحت الريح الشن أو أزاله إنسان قبل يقع سهمه كان له أن يعود
فيرمى بذلك السهم لأن الرمية زالت، وكذلك لو زال الشن عن موضعه بريح أو إزالة إنسان بعد ما
أرسل السهم فأصاب الشن حيث زال لم يحسب له، ولكنه لو أزيل فتراضيا ان يرمياه حيث أزيل
حسب لكل واحد منهما صوابه، ولو أصاب الشن ثم سقط فانكسر سهمه أو خرج بعد ثبوته حسب له
خاسقا لأنه قد ثبت وهذا كنزع الانسان إياه بعد ما يصيب، ولو تشارطا أن الصواب إنما هو في الشن
246

خاصة فكان للشن وتر يعلق به أو جريد يقوم عليه فأثبت السهم في الوتر أو في الجريد لم يحسب ذلك
له لأن هذا وإن كان مما يصلح به الشن فهو غير الشن ولو لم يتشارطا فأثبت في الجريد أو في الوتر كان
فيهما قولان، أحدهما أن اسم الشن والصواب لا يقع على المعلاق لأنه يزايل الشن فلا يضر به وإنما
يتخذ ليربط به كما يتخذ الجدار ليسند إليه وقد يزايله فتكون مزايلته غير إخراب له ويحسب ما ثبت في
الجريد إذا كان الجريد مخيطا عليه لأن إخراج الجريد لا يكون إلا بضرر على الشن، ويحسب ما ثبت
في عرى الشن المخروزة عليه والعلاقة مخالفة لهذا، والقول الثاني أن يحسب أيضا ما يثبت في العلاقة
من الخواسق لأنها تزول بزواله في حالها تلك قال ولا بأس أن يناضل أهل النشاب أهل العربية وأهل
الحسبان لأن كلها نبل وكذلك القسي الدودانية والهندية وكل قوس يرمى عنها بسهم ذي نصل، ولا
يجوز أن يتناضل رجلان على أن في يد أحدهما من النبل أكثر مما في يد الآخر ولا على أنه إذا خسق
أحدهما حسب خاسقه خاسقين وخاسق الآخر ولا على أن لأحدهما خاسقا ثابتا لم يرم به يحسب مع
خواسقه ولا على أن يطرح من خواسق أحدهما خاسق ولا على أن أحدهما يرمى من عرض والآخر من
أقرب منه ولا يجوز أن يرميا إلا من عرض واحد وبعدد نبل واحد وأن يستبقا إلى عدد قرع لا يجوز أن
يقول أحدهما أسابقك على أن آتي بواحد وعشرين خاسقا فأكون ناضلا إن لم تأت بعشرين ولا تكون
ناضلا إن جئت بعشرين قبل أن آتي بواحد وعشرين حتى يكونا مستويين معا ولا يجوز أن يشترط
أحدهما على الآخر أن لا يرمى إلا بنبل بأعيانها إن تغيرت لم يبدلها ولا إن أنفذ سهما أن لا يبدله ولا على
أن يرمى بقوس بعينها لا يبدلها ولكن يكون ذلك إلى الرامي يبدل ما شاء من نبله وقوسه ما كان عدد
النبل والغرض والقرع واحدا وإن انتضلا فانكسرت نبل أحدهما أو قوسه أبدل نبدل وقوسا وإن انقطع
وتره أبدل وترا مكان وتره ومن الرماة من زعم أن المسبق إذا سمى قرعا يستبقان إليه أو يتحاطانه فكانا
على السواء أو بينهما زيادة سهم كان للمسبق أن يزيد في عدد القرع ما شاء ومنهم من زعم أنه ليس له
ان يزيد في عدد القرع ما لم يكونا سواء ومنهم من زعم أنهما إذا رميا على عدد قرع لم يكن للمسبق أن
يزيد فيه بغير رضا المسبق ولا خير في أن يجعل خاسق في السواد بخاسقين في البياض إلا أن يتشارطا
أن الخواسق لا تكون إلا في السواد فيكون بياض الشن كالهدف لا يحسب خاسقا وإنما يحسب حابيا ولا
خير في أن يسميا قرعا معلوما فلا يبلغانه ويقول أحدهما للاخر إن أصبت بهذا السهم الذي في يدك
فقد نضلت إلا أن يتناقضا السبق الأول ثم يجعل له جعلا معروفا على أن يصيب بسهم ولا بأس على
الابتداء أن يقف عليه فيقول إن أصبت بسهم فلك كذا وإن أصبت بأسهم فلك كذا وكذا فإن أصاب
بها فذلك له وإن لم يصب بها فلا شئ له لأن هذا سبق على غير نضال ولكن لو قال له أرم عشرة
أرشاق فناضل الخطأ بالصواب فإن كان صوابك أكثر فلك سبق كذا لم يكن في هذا خير لأنه لا
يصلح أن يناضل نفسه وإذا رمى بسهم فانكسر فأصاب النصل حسب خاسقا وإن سقط الشق الذي
فيه النصل دون الشن وأصاب بالقدح الذي لا نصل فيه لم يحسب ولو أنقطع باثنين فأصاب بهما معا
حسب له الذي فيه النصل وألغى عنه الآخر، ولو كان في الشن نبل فأصاب بسهمه فوق سهم من
النبل ولم يمض سهمه إلى الشن لم يحسب له لأنه لم يصب الشن وأعيد عليه فرمى به لأنه قد عرض له
دون الشن عارض كما تعرض له الدابة فيصيبها فيعاد عليه وإذا سبق الرجل الرجل على أن يرمى معه
فرمى معه ثم أراد المسبق أن يجلس فلا يرمى معه وللمسبق فضل أولا فضل له أو عليه فضل فسواء لأنه
قد يكون عليه الفضل ثم ينضل ويكون له الفضل ثم ينضل، والرماة يختلفون في ذلك فمنهم من يجعل
247

له أن يجلس ما لم ينضل، وينبغي أن يقول هو شئ إنما يستحقه بغير غاية تعرف وقد لا يستحقه
ويكون منضولا وليس بإجارة فيكون له حصته مما عمل، ومنهم من يقول ليس له أن يجلس به إلا من عذر وأحسب العذر عندهم أن يموت أو يمرض المرض الذي يضر بالرمي أو يصيبه بعض ذلك في
إحدى يديه أو بصره وينبغي إذا قالوا له هذا أن يقولوا فمتى تراضيا على أصل الرمي الأول فلا يجوز في
واحد من القولين أن يشترط المسبق أن المسبق إذا جلس به كان السبق له به لأن السبق على النضل
والنضل غير الجلوس وهذان شرطان وكذلك لو سبقه ولم يشترط هذا عليه ثم شرط هذا بعد السبق
سقط الشرط ولا خير في أن يقول له أرمى معك بلا عدد قرع يستبقان إليه أو يتحاطانه، ولا خير في
أن يسبقه على أنهما إذا تفالجا أعاد عليه وإن سبقه ونيتهما أن يعيد كل واحد منهما على صاحبه فالسبق
غير فاسد وأكره لهما النية إنما أنظر في كل شئ إلى ظاهر العقد فإذا كان صحيحا أجزته في الحكم وإن
كانت فيه نية لو شرطت أفسدت العقد لم أفسده بالنية لأن النية حديث نفس وقد وضع الله عن الناس
حديث أنفسهم وكتب عليهم ما قالوا وما عملوا، وإذا سبق أحد الرجلين الآخر على أن لا يرمى معه
إلا بنبل معروف أو قوس معروفة فلا خير في ذلك حتى يكون السبق مطلقا من قبل أن القوس قد
تنكسر وتعتل فيفسد عنها الرمي فإن تشارطا على هذا فالشرط يبطل السبق بينهما ولا بأس أن يرمى
الناشب مع صاحب العربية وإن سابقه على أن يرمى معه بالعربية رمى بأي قوس شاء من العربية وإن
أراد أن يرمى بغير العربية من الفارسية لم يكن له ذلك لأن معروفا أن الصواب عن الفارسية أكثر منه
عن العربية وكذلك كل قوس اختلفت. وإنما فرقنا بين أن لا نجيز أن يشترط الرجل على الرجل أن لا
يرمى إلا بقوس واحدة أو نبل وأجزنا ذلك في الفرس إن سابقه بفرس واحد لأن العمل في السبق في
الرمي إنما هو للرامي والقوس والنبل أداة فلا يجوز أن يمنع الرمي بمثل القوس والنبل الذي شرط أن
يرمى بها فيدخل عليه الضرر بمنع ما هو أرفق به من أداته التي تصلح رميه والفرس نفسه هو الجاري
المسبق ولا يصلح أن يبدله صاحبه وإنما فارسه أداة فوقه ولكنه لو شرط عليه أن لا يجريه إلا إنسان
بعينه لم يجز ذلك ولو أجزنا أن يراهن رجل رجلا بفرس بعينه فيأتي بغيره أجزنا أن يسبق رجل رجلا ثم
يبدل مكانه رجلا يناضله ولكن لا يجوز أن يكون السبق إلا على رجل بعينه ولا يبدله بغيره وإذا كان
عن فرس بعينه فلا يبدل غيره ولا يصلح أن يمنع الرجل أن يرمى بأي نبل أو قوس شاء إذا كانت من
صنف القوس التي سابق عليها ولا أرى أن يمنع صاحب الفرس أن يحمل على فرسه من شاء لأن
الفارس كالأداة للفرس والقوس والنبل كالأداة للرامي. ولا خير في أن يشترط المتناضلان أحدهما على
صاحبه ولا كل واحد منهما على صاحبه أن لا يأكل لحما حتى يفرغ من السبق ولا أن يفترش فراشا.
وكذلك لا يصلح أن يقول المتسابقان بالفرس لا يعلف حتى يفرغ يوما ولا يومين لأن هذا شرط تحريم
المباح والضرر على المشروط عليه وليس من النضال المباح. وإذا نهى الرجل أن يحرم على نفسه ما أحل
الله له لغير تقرب إلى الله تعالى بصوم كان أو يشرط ذلك عليه غيره أولى أن يكون منهيا عنه ولا خير في
أن يشترط الرجل على الرجل أن يرمى معه بقرع معلوم على أن للمسبق أن يعطيه ما شاء الناضل أو ما
شاء المنضول ولا خير في ذلك حتى يكون بشئ معلوم مما يحل في البيع والإجارات. ولو سبقه شيئا
معلوما على أنه إن نضله دفعه إليه وكان له عليه أن لا يرمى أبدا أو إلى مدة من المدد لم يجز لأنه يشترط
عليه أن يمتنع من المباح له. ولو سبقه دينارا على أن إن نضله كان ذلك الدينار له وكان له عليه أن
يعطيه صاع حنطة بعد شهر كان هذا سبقا جائزا إذا كان ذلك كله من مال المنضول ولكنه لو سبقه
248

دينارا على أنه إن نضله أعطاه المنضول ديناره وأعطى الناضل المنضول مد حنطة أو درهما أو أكثر أو أقل
لم يكن هذا جائزا من قبل أن العقد قد وقع منه على شيئين شئ يخرجه المنضول جائزا في السنة
للناضل وشئ يخرجه الناضل فيفسد من قبل أنه لا يصلح أن يتراهنا على النضال لا محلل بينهما لأن
التراهن من القمار ولا يصلح لأن شرط أن يعطيه المد ليس ببيع ولا سبق فيفسد من كل وجه ولو كان
على لك دينار فسبقتني دينارا فنضلتك فإن كان دينارك حالا فلك أن تقاصني وإن كان إلى أجل
فعليك أن تعطيني الدينار وعلى إذا حل الأجل أن أعطيك دينارك ولو سبقه دينارا فنضله إياه ثم أفلس
كان أسوة الغرماء لأنه حل في ماله بحق أجازته السنة فهو كالبيوع والإجارات ولو سبق رجل رجلا
دينارا إلا درهما أو دينارا إلا مدا من حنطة كان السبق غير جائز لأنه قد يستحق الدينار وحصة الدرهم
من الدينار عشر ولعل حصته يوم سبقه نصف عشره وكذلك المد من الحنطة وغيره. ولا يجوز أن
أسبقك ولا أن أشترى منك ولا أن أستأجر منك إلى أجل بشئ إلا شيئا يستثنى منه لامن غيره ولا أن
أسبقك بمد تمر إلا ربع حنطة ولا درهم إلا عشرة أفلس ولكن إن استثنيت شيئا من الشئ الذي
سبقتكه فلا بأس إذا سبقتك دينارا إلا سدسا فإنما سبقتك خمسة أسداس دينار وإن سبقتك صاعا إلا
مدا فإنما سبقتك ثلاثة أمداد فعلى هذا الباب كله وقياسه، قال: ولا خير في أن أسبقك دينارا على
أنك إن نضلتنيه أطعمت به أحدا بعينه ولا بغير عينه ولا تصدقت به على المساكين كما لا يجوز أن أبيعك
شيئا بدينار على أن تفعل هذا فيه ولا يجوز إذ ملكتك شيئا إلا أن يكون ملكك فيه تاما تفعل فيه ما
شئت دوني وإذا اختلف المتناضلان من حيث يرسلان وهما يرميان في المائتين يعنى ذراعا فإن كان أهل
الرمي يعلمون أن من رمى في هدف يقدم أمام الهدف الذي يرمى من عنده ذراعا أو أكثر حمل على
ذلك إلا أن يتشارطا في الأصل أن يرميا من موضع بعينه فيكون عليهما أن يرميا من موضع شرطهما
وإن تشارطا أن يرميا في شيئين موضوعين أو شيئين يريانهما أو يذكران سيرهما فأراد أحدهما أن يعلق ما
تشارطا على أن يضعاه أو يضع ما تشارطا على أن يعلقاه أو يبدل الشن بشن أكبر أو أصغر منه فلا يجوز
له ويحمل على أن يرمي على شرطه، وإذا سبقه ولم يسم الغرض فأكره السبق حتى يسبقه على غرض
معلوم وإذا سبقه على غرض معلوم كرهت أن يرفعه أو يخفضه دونه وقد أجاز الرماة للمسبق أن يرفع
المسبق ويخفضه فيرمى معه رشقا وأكثر في المائتين ورشقا وأكثر في الخمسين والمائتين ورشقا وأكثر في
الثلثمائة ومن أجاز هذا أجاز له أن يرمى به في الرقعة وفي أكثر من ثلاثمائة ومن أجاز هذا أجاز له أن يبدل
الشن وجعل هذا كله إلى المسبق ما لم يكونا تشارطا شرطا، ويدخل عليه إذا كانا رميا أول يوم بعشرة
أن يكون للمسبق أن يزيد في عدد النبل وينقص منها إذا استويا في حال أبدا جعلوا ذلك إليه، ولا
بأس أن يتشارطا أن يرميا أرشاقا معلومة كل يوم من أول النهار أو آخره ولا يتفرقان حتى يفرغا منها إلا
من عذر بمرض لأحدهما أو حائل يحول دون الرمي والمطر عذر لأنه قد يفسد النبل والقسي ويقطع
الأوتار ولا يكون الحر عذرا لأن الحر كائن كالشمس ولا الريح الخفيفة وإن كانت قد تصرف النبل
بعض الصرف ولكن إن كانت الريح عاصفا كان لأيهما شاء أن يمسك عن الرمي حتى تسكن أو
تخف، وإن غربت لهما الشمس قبل أن يفرغا من أرشاقهما التي تشارطا لم يكن عليهما أن يرميا في
الليل. وإن انكسرت قوس أحدهما أو نبله أبدل مكان القول والنبل والوتر متى قدر عليه فإن لم يقدر
على بدل القوس ولا الوتر فهذا عذر، وكذلك إن ذهبت نبله كلها فلم يقدر على بدلها فإن ذهب بعض
نبله ولم يقدر على بدله قيل لصاحبه إن شئت فاتركه حتى يجد البدل وإن شئت فارم معه بعدد ما بقي
249

في يديه من النبل وإن شئت فاردد عليه مما رمى به من نبله ما يعيد الرمي به حتى يكمل العدد وإذا رموا
اثنين واثنين وأكثر من العدد فاعتل واحد من الحزبين علة ظاهرة قيل للحزب الذين يناضلونه: إن
اصطلحتم على أن تجلسوا مكانه رجلا من كان فذلك وإن تشاححتم لم نخبركم على ذلك وان رضى
أحد الحزبين ولم يرض الآخر لم يجبر الذين لم يرضوا وإذا اختلف المتناضلان في موضع شن معلق فأراد
المسبق أن يستقبل به عين الشمس لم يكن ذلك له إلا أن يشاء المسبق كما لو أراد أن يرمى به في الليل أو
المطر لم يجبر على ذلك المسبق وعين الشمس تمنع البصر من السهم كما تمنعه الظلمة (قال الربيع) المسبق
أبدا هو الذي يغرم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو اختلفا في الارسال فكان أحدهما يطول
بالارسال التماس أن تبرد يد الرامي أو ينسى صنيعه في السهم الذي رمى به فأصاب أو أخطأ فيلزم
طريق الصواب ويستعتب من طريق الخطأ أو قال هو لم أنو هذا وهذا يدخل على الرامي لم يكن ذلك
له وقيل له أرم كما يرمى الناس لا معجلا عن أن تثبت في مقامك وفى إرسالك ونزعك ولا مبطئا لغير
هذا لادخال الحبس على صاحبك وكذلك لو اختلفا في الذي يوطن له فكان يريد الحبس وقال لا
أريده والموطن يطيل الكلام قيل للمواطن وطن له له بأقل ما يفهم به ولا تعجل عن أقل ما يفهم به،
ولو حضرهما من يحبسهما أو أحدهما أو يغلط فيكون ذلك مضرا بهما أو بأحدهما نهوا عن ذلك (قال
الربيع) الموطن الذي يكون عند الهدف فإذا رمى الرامي قال دون ذا قليل أرفع من ذا قليل (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اختلف الراميان في الموقف فخرجت قرعة أحدهما على أن يبدأ فبدأ
من عرض وقف حيث شاء من المقام ثم كان للاخر من العرض الآخر الذي بدأ منه أن يقف حيث شاء
من المقام وإذا سبق الرجل الرجل سبقا معلوما فنضله المسبق كان السبق في ذمة المنضول حالا يأخذه
به كما يأخذ بالدين فإن أراد الناضل أن يسلفه المنضول أو يشترى به الناضل ما شاء فلا بأس وهو متطوع
بإطعامه إياه وما نضله فله أن يحرزه ويتموله ويمنعه منه ومن غيره وهو عندي كرجل كان له على رجل
دينار فأسلفه الدينار ورده عليه أو أطعمه به فعليه دينار كما هو ولا يجوز عند أحد رأيته ممن يبصر الرمي
أن يسبق الرجل الرجل على أن يرمى بعشر ويجعل القرع من تسع ومنهم من يذهب إلى أن لا يجوز أن
يجعل القرع من عشر ولا يجيز إلا أن يكون القرع لا يؤتي به بحال إلا في أكثر من رشق فإذا كان لا يؤتي
به إلا بأكثر من الرشق فسواء قل ذلك أو كثر فهو جائز. فإذا أصاب الرجل بالسهم فخسق وثبت قليلا
ثم سقط بأي وجه سقط به حسب لصاحبه ولو وقف رجل على أن يفلج فرمى بسهم فقال إن أصبت
فقد فلجت وإن لم أصب (1) فالفلج لكم وقال له صاحبه إن أصبت بهذا السهم فلك به الفلوج وإن
لم يكن يبلغه به إذا أصابه وإن أخطأت به فقد أنضلتني نفسك فهذا كله باطل لا يجوز وهما على أصل
رميهما لا يفلج واحد منهما على صاحبه إلا أن يبلغ الفلوج ولو طابت نفس المسبق أن يسلم له السبق من
غير أن يبلغه كان هذا شيئا تطوع به من ماله كما وهب له. وإذا كانوا في السبق اثنين واثنين وأكثر فبدأ
رجلان فانقطع أوتارهما أو وتر أحدهما كان له أن يقف من بقي حتى يركب وترا وينفد نبله. وقد رأيت
من يقول هذا إذا رجى أن يتفالجا ويقول إذا علم أنهما والحرب كله لا يتفالجون لو أصابوا بما في أيديهم
لأنهم لم يقاربوا عدد الغاية التي بينهم يرمى من بقي ثم يتم هذان. وإذا اقتسموا ثلاثة وثلاثة فلا يجوز
أن يقترعوا وليقتسموا قسما معروفا ولا يجوز أن يقول أحد الرجلين أختار على أن أسبق ولا يختار على أن

(1) قوله: فالفلج لكم، في بعض النسخ (فالفلوج لكم) وكلاهما مصدر فلج بمعنى غلب اه‍.
250

يسبق ولا أن يقترعا فأيهما خرجت قرعته سبقه صاحبه ولكن يجوز ان يقتسما قسما معروفا ويسبق أيها
شاء متطوعا لا مخاطرة بالقرعة ولا بغيرها (2) من أن يقول أرمى أنا وأنت هذا الوجه فأينا أفضل على
صاحبه سبقه المفضول والسبق على من بذله دون حزبه إلا أن يدخل حزبه أنفسهم معه في ضمان السبق
أو يأمروه أن يسبق عنهم فيلزم كل واحد منهم حصته على قدر عدد الرجال لا على قدر جودة الرمي،
وإذا قال الرجل للرجل إن أصبت بهذا السهم فلك سبق فهذا جائز وليس هذا من وجه النضال،
فإن قال إن أخطأت بهذا السهم فلك سبق لم يكن ذلك له. وإن حضر الغريب أهل الغرض فقسموه
فقال من معه كنا نراه راميا، ولسنا نراه راميا أو قال أهل الحزب الذين يرمى عليهم كنا نراه غير رام وهو
الآن رام لم يكن لهم من إخراجه إلا ما لهم من إخراج من عرفوا رميه ممن قسموه وهم يعرفونه بالرمي
فسقط أو بغير الرمي فوافق، ولا يجوز أن يقول الرجل للرجل سبق فلانا دينارين على أن شريك في
الدينارين إلا أن يتطوع بأن يهب له أحدهما أو كليهما بعد ما ينضل، وكذلك لو تطارد ثلاثة فأخرج
اثنان سبقين وأدخلا محللا لم يجز أن يجعل رجلا لا يرمى عليه نصف سبق أحدهما على أن له نصف
الفضل إن أحرز على صاحبه وإذا سبق الرجل الرجل على أن له أن يبدأ عليه رشقين فأكثر لم يجز ذلك
له، وذلك أنا إذا أعطيناه ذلك أعطيناه فضل سهم أو أكثر ألا ترى أنهما لو رميا بعشر ثم ابتدأ الذي
بدأ كان لو فلج بذلك السهم الحادي عشر كنا أعطيناه أن يرمى بسهم يكون في ذلك الوقت فضلا على
مراسله عن غير مراسلة وإنما نجيز هذا له إذا تكافئا فكان أحدهما يبدأ في وجه والآخر في آخر، وإذا
سبق الرجل الرجل فجائز أن يعطيه السبق موضوعا على يديه أو رهنا به أو حميلا أو رهنا وحميلا أو
يأمنه كل ذلك جائز وإذا رميا إلى خمسين مبادرة فأفضل أحدهما على صاحبه خمسا أو أقل أو أكثر
فقال الذي أفضل عليه أطرح فضلك على أن أعطيك به شيئا لم يجز ولا يجوز إلا أن يتفاسخا هذا السبق
برضاهما ويتسابقان سبقا آخر.
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى في الصلاة في المضربة والأصابع إذا
كان جلدهما ذكيا مما يؤكل لحمه أو مدبوغا من جلد ما لا يؤكل لحمه ما عدا جلد كلب أو خنزير فإن
ذلك لا يظهر بالدباغ والله تعالى أعلم، فإن صلى الرجل والضربة والأصابع عليه فصلاته مجزئة عنه غير
أنى أكرهه لمعنى واحد إني آمره أن يفضى ببطون كفيه إلى الأرض وإذا كانت عليه المضربة والأصابع
منعتاه أن يقضى بجميع بطون كفيه لا معنى غير ذلك، ولا بأس أن يصلى متنكبا القوس والقرن إلا أن
يكونا يتحركان عليه حركة تشغله فأكره ذلك له وإن صلى أجزأه، ولا يجوز أن يسبق الرجل الرجل
على أن يرمى معه ويختار المسبق ثلاثة ولا يسميهم للمسبق ولا المسبق ثلاثة ولا يسميهم للمسبق قال: ولا يجوز السبق حتى يعرف كل واحد من المتناضلين من يرمى معه وعليه بأن يكون حاضرا يراه أو غائبا
يعرفه، وإذا كان القوم المتناضلون ثلاثة وثلاثة أو أكثر كان لمن له الارسال وحزبه ولمناضليهم أن يقدموا
أيهم شاءوا كما شاءوا ويقدم الآخرون كذلك، ولو عقدوا السبق على أن فلانا يكون مقدما وفلان معه
وفلان ثان وفلان معه كان السبق مفسوخا ولا يجوز حتى يكون القوم يقدمون من رأوا تقديمه، وإذا كان
البدء لاحد المتناضلين فبدأ المبدأ عليه فأصاب أو أخطأ رد ذلك السهم خاصة، وإن لم يعلما حتى يفرغا
من رميهما رد عليه السهم الأول فرمى به فإن كان أصاب به بطل عنه وإن كان أخطأ به رمى به فإن
أصاب به حسب له لأنه رمى به في البدء وليس له الرمي به فلا ينفعه مصيبا كان أو مخطئا إلا أن

(2) قوله: من أن يقول، كذا في النسخ، ولعله (مثل أن يقول) تأمل. كتبه مصححه.
251

يتراضيا به،
كتاب الحكم في قتال المشركين ومسألة مال الحربي
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: الحكم في قتال المشركين حكمان فمن غزا منهم أهل
الأوثان ومن عبد ما استحسن من غير أهل الكتاب من كانوا فليس له أن يأخذ منهم الجزية ويقاتلهم
إذا قوى عليهم حتى يقتلهم أو يسلموا وذلك لقول الله عز وجل (فإذا انسلخ الأشهر الحرم) الآيتين
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها
عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن كان
من أهل الكتاب من المشركين المحاربين قوتلوا حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فإذا
أعطوها لم يكن للمسلمين قتلهم ولا إكراههم على غير دينهم لقول الله عز وجل (قاتلوا الذين لا يؤمنون
بالله ولا باليوم الآخر) الآية وإذا قوتل أهل الأوثان وأهل الكتاب قتلوا وسبيت ذراريهم ومن لم يبلغ
الحلم والمحيض منهم ونساؤهم البوالغ وغير البوالغ ثم كانوا جميعا فيئا يرفع منهم الخمس ويقسم الأربعة
الأربعة الأخماس على من أوجف عليهم بالخيل والركاب، فإن أثخنوا فيهم وقهروا من قاتلوه منهم حتى
تغلبوا على بلادهم قسمت الدور والأرضون قسم الدنانير والدراهم لا يختلف ذلك تخمس وتكون
أربعة أخماسها لمن حضر، وإذا أسر البالغون من الرجال فالإمام فيهم بالخيار بين أن يقتلهم إن لم يسلم
أهل الأوثان أو يعط الجزية أهل الكتاب أو يمن عليهم أو يفاديهم بمال يأخذه منهم أو بأسرى من
المسلمين يطلقون لهم أو يسترقهم فإن استرقهم أو أخذ منهم مالا فسبيله سبيل الغنيمة يخمس ويكون
أربعة أخماسه لأهل الغنيمة، فإن قال قائل: كيف حكمت في المال والولدان والنساء حكما واحدا
وحكمت في الرجال أحكاما متفرقة، قيل ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريظة وخيبر فقسم
عقارهما من الأرضين والنخل قسمة الأموال وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدان بنى المصطلق
وهوازن ونساءهم فقسمهم قسمة الأموال وأسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بدر فمنهم من من
عليه بلا شئ أخذه منه، ومنهم من أخذ منه فدية ومنهم من قتله، وكان المقتولان بعد الأسئار يوم بدر
عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحرث، وكان من الممنون عليهم بلا فدية أبو عزة الجمحي تركه رسول الله
صلى الله عليه وسلم لبناته وأخذ عليه عهدا ان لا يقاتله فأخفره وقاتله يوم أحد فدعا رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن لا يفلت فما أسر من المشركين رجلا غيره فقال يا محمد امنن على ودعني لبناتي وأعطيك
عهدا أن لا أعود لقتالك فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تمسح على عارضيك بمكة تقول قد
خدعت محمدا مرتين) فأمر به فضربت عنقه، ثم أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمامة ابن أثال
الحنفي بعد فمن عليه ثم عاد ثمامة بن أثال فأسلم وحسن إسلامه * أخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلا من المسلمين برجلين
من المشركين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يجوز لاحد من المسلمين أن يعمد قتل النساء والولدان
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلهم أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن كعب ابن مالك
عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الذين بعث إلى ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان
(قال الشافعي) لا يعمدون بقتل وللمسلمين أن يشنوا عليهم الغارة ليلا ونهارا فإن أصابوا من النساء
252

والولدان أحدا لم يكن فيه عقل ولا قود ولا كفارة، فإن قال قائل ما دل على هذا؟ قيل أخبرنا سفيان
عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما عن الصعب بن
جثامة الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من
نسائهم وأبنائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هم منهم) وربما قال سفيان في الحديث (هم من
آبائهم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإن قال قائل قول النبي صلى الله عليه وسلم (هم من آبائهم) قيل
لا عقل ولا قود ولا كفارة، فإن قال فلم لا يعمدون بالقتل؟ قيل لنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن
يعمدوا به فإن قال فلعل الحديثين مختلفان؟ قيل: لا ولكن معناهما ما وصفت فإن قال ما دل على ما
قلت؟ قيل له إن شاء الله تعالى إذا لم ينه عن الإغارة ليلا فالعلم يحيط أن القتل قد يقع على الولدان
وعلى النساء. فإن قال فهل أغار على قوم ببلد غارين ليلا أو نهارا؟ قيل نعم أخبرنا عمر ابن حبيب عن
عبد الله بن عون أن نافعا مولى ابن عمر كتب إليه يخبره أن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما. أخبره أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أغاز عن بنى المصطلق وهم غارون في نعمهم بالمريسيع فقتل المقاتلة
وسبى الذرية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وفى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بقتل ابن أبي
الحقيق غارا دلالة على أن الغار يقتل وكذلك أمر بقتل كعب بن الأشرف فقتل غارا فإن قال قائل
فقد قال أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بقوم ليلا لم يغر حتى يصبح قيل له إذا كان
موجودا في سنته أنه أمر بما وصفنا من قتل الغارين وأغار على الغارين ولم ينه في حديث الصعب عن
البيات دل ذلك على أن حديث أنس غير مخالف لهذه الأحاديث ولكنه قد يترك الغارة ليلا لأن يعرف
الرجل من يقاتل أو أن لا يقتل الناس بعضهم بعضا وهم يظنون أنهم من المشركين فلا يقتلون بين
الحصن ولا في الآكام حيث لا يبصرون من قبلهم لا على معنى أنه حرم ذلك وفيما وصفنا من هذا كله
ما يدل على أن الدعاء للمشركين إلى الاسلام أو إلى الجزية إنما هو واجب لمن تبلغه الدعوة فأما من
بلغته الدعوة فللمسلمين قتله قبل أن يدعى وإن دعوه فذلك لهم من قبل أنهم إذا كان لهم ترك قتاله
بمدة تطول فترك قتاله إلى أن يدعى أقرب فأما من لم تبلغه دعوة المسلمين فلا يجوز أن يقاتلوا حتى يدعوا
إلى الايمان إن كانوا من غير أهل الكتاب أو إلى الايمان أو إعطاء الجزية إن كانوا من أهل الكتاب ولا
أعلم أحدا لم تبلغه الدعوة اليوم إلا أن يكون من وراء عدونا الذين يقاتلونا أمة من المشركين فلعل أولئك
أن لا تكون الدعوة بلغتهم وذلك مثل أن يكونوا خلف الروم أو الترك (1) أو الخزر أمة لا نعرفهم فإن
قتل أحد من المسلمين أحدا من المشركين لم تبلغه الدعوة وداه إن كان نصرانيا أو يهوديا دية نصراني أو
يهودي وإن كان وثنيا أو مجوسيا دية المجوسي وإنما تركنا قتل النساء والولدان بالخبر عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأنهم ليسوا ممن يقاتل فإن قاتل النساء أو من لم يبلغ الحلم لم يتوق ضربهم بالسلاح وذلك
أن ذلك إذا لم يتوق من المسلم إذا أراد دم المسلم كان ذلك من نساء المشركين ومن لم يبلغ الحلم منهم
أولى أن لا يتوقى وكانوا قد زايلوا الحال التي نهى عن قتلهم فيها وإذا أسروا أو هربوا أو جرحوا وكانوا ممن
لا يقاتل فلا يقتلون لأنهم قد زايلوا الحال التي أبيحت فيها دماؤهم وعادوا إلى أصل حكمهم بأنهم
ممنوعين بأن يقصد قصدهم بالقتل ويترك قتل الرهبان وسواء رهبان الصوامع ورهبان الديارات
والصحارى وكل من يحبس نفسه بالترهب تركنا قتله اتباعا لأبي بكر رضى الله تعالى عنه وذلك أنه إذا

(1) الخزر - بالتحريك - اسم جبل اه‍ قاموس.
253

كان لنا أن ندع قتل الرجال المقاتلين بعد المقدرة وقتل الرجال في بعض الحالات لم نكن آثمين بترك
الرهبان إن شاء الله تعالى وإنما قلنا هذا تبعا لا قياسا ولو أنا زعمنا أنا تركنا قتل الرهبان لأنهم في معنى
من لا يقاتل تركنا قتل المرضى حين نغير عليهم والرهبان وأهل الجبن والأحرار والعبيد وأهل الصناعات
الذين لا يقاتلون فإن قال قائل ما دل على أنه يقتل من لا قتال منه من المشركين؟ قيل قتل أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين دريد بن الصمة وهو في شجار مطروح لا يستطيع أن يثبت
جالسا وكان قد بلغ نحوا من خمسين ومائة سنة فلم يعب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله ولم أعلم
أحدا من المسلمين عاب أن نقتل من رجال المشركين من عدا الرهبان ولو جاز أن يعاب قتل من عدا
الرهبان بمعنى أنهم لا يقاتلون لم يقتل الأسير ولا الجريح المثبت وقد ذفف على الجرحى بحضرة رسول الله
صلى الله عليه وسلم منهم أبو جهل بن هشام ذفف عليه ابن مسعود وغيره وإذا لم يكن في ترك قتل
الراهب حجة إلا ما وصفنا غنمنا كل مال له في صومعته وغير صومعته ولم ندع له منه شيئا لأنه لاخير
في أن يترك ذلك له فيتبع وتسبى أولاد الرهبان ونساؤهم إن كانوا غير مترهبين. والأصل في ذلك أن
الله عز وجل أباح أموال المشركين فإن قيل فلم لا تمنع ماله؟ قيل كما لا أمنع مال المولود والمرأة وأمنع
دماءهما وأحب لو ترهب النساء تركهن كما أترك الرجال فإن ترهب عبد من المشركين أو أمة سبيتهما من
قبل أن السيد لو أسلم قضيت له أن يسترقهما ويمنعهما الترهب لأن المماليك لا يملكون من أنفسهم ما يملك
الأحرار فإن قال قائل وما الفرق بين المماليك والأحرار. قيل لا يمنع حر من غزو ولا حج ولا تشاغل ببر
عن صنعته بل يحمد على ذلك ويكون الحج والغزو لازمين له في بعض الحالات ولمالك العبد منعه من
ذلك وليس يلزم العبد من هذا شئ.
الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: المجوس والصائبون والسامرة أهل كتاب فخالفنا بعض الناس
فقال: أما الصابئون والسامرة فقد علمت أنهما صنفان من اليهود والنصارى وأما المجوس فلا أعلم أنهم
أهل كتاب وفي الحديث ما يدل على أنهم غير أهل كتاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (سنوا بهم سنة
أهل الكتاب) وأن المسلمين لا ينكحون نساءهم ولا يأكلون ذبائحهم (1) فإن زعم أنهم إذا أبيح أن
تؤخذ منهم الجزية فكل مشرك عابد وثن أن غيره فحرام إذا أعطى الجزية أن لا تقبل منه وحالهم حال
أهل الكتاب في أن تؤخذ منهم الجزية وتحقن دماؤهم بها إلا العرب خاصة فلا يقبل منهم إلا الاسلام
أو السيف وقال لي بعض من يذهب هذا المذهب ما حجتك في أن حكمت في المجوس حكم أهل
الكتاب ولم تحكم بذلك في غير المجوس؟ فقلت الحجة أن سفيان أخبرنا عن أبي سعيد عن نصر بن
عاصم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سئل عن المجوس فقال: (كانوا أهل كتاب) فما قوله (سنوا
بهم سنة أهل الكتاب) قلت كلام عربي والكتابان المعروفان التوراة والإنجيل ولله كتب سواهما قال وما
دل على ما قلت؟ قلت قال الله عز وجل (أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى)
فالتوراة كتاب موسى والإنجيل كتاب عيسى والصحف كتاب إبراهيم ما لم تعرفه العامة من العرب حتى

(1) كذا في غير نسخة. وتأمل العبارة فإنها غير تامة - ا ه‍.
254

أنزل الله وقال الله عز وجل (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) قال
فما معنى قوله (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) قلنا في أن تؤخذ منهم الجزية قال فما دل على أنه كلام
خاص قلنا لو كان عاما أكلنا ذبائحهم ونكحنا نساءهم (قال الشافعي) فقال ففي المشركين الذين
تؤخذ منهم الجزية حكم واحد أو حكمان؟ قيل بل حكمان قال وهل يشبه هذا شئ؟ قلنا نعم حكم الله
جل ثناؤه فيمن قتل من أهل الكتاب وغيرهم قال فإنا نزعم أن غير المجوس ممن لا تحل ذبيحته ولا
نساؤه قياسا على المجوس قلنا فأين ذهبت عن قول الله عز وجل (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) إلى
(فخلوا سبيلهم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)
فإن زعمت أنها والحديث منسوخان بقول الله عز وجل (حتى يعطوا الجزية) وبقول رسول الله صلى الله
عليه وسلم (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) قلنا فإذ زعمت ذلك دخل عليك أن تكون العرب ممن يعطون
الجزية وإن لم يكونوا أهل كتاب قال فإن قلت لا يصلح أن تعطى العرب الجزية قلنا أو ليسوا داخلين
في اسم الشرك؟ قال بلى ولكن لم أعلم النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منهم جزية قلنا أفعلمت أن النبي
صلى الله عليه وسلم أخذ جزية من غير كتابي أو مجوسي؟ قال لا قلنا فكيف جعلت غير الكتابين من
المشركين قياسا على المجوس؟ أرأيت لو قال لك قائل بل آخذها من العرب دون غيرهم ممن ليس من
أهل الكتاب ما تقول له؟ قال أفتزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من عربي؟ قلنا نعم وأهل
الاسلام يأخذونها حتى الساعة من العرب قد صالح النبي صلى الله عليه وسلم أكيدر الغساني في غزوة
تبوك وصالح أهل نجران واليمن ومنهم عرب وعجم وصالح عمر رضى الله تعالى عنه نصارى بنى تغلب
وبنى نمير إذا كانوا كلهم يدينون دين أهل الكتاب وهم تؤخذ منهم الجزية إلى اليوم (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى ولو جاز أن يزعم أن إحدى الآيتين والحديثين ناسخ للاخر جاز أن يقال الامر بأن تؤخذ
الجزية من أهل الكتاب في القرآن ومن المجوس في السنة منسوخ بأمر الله عز وجل أن نقاتل المشركين
حتى يسلموا وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)
ولكن لا يجوز أن يقال واحد منهما ناسخ إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمضيان جميعا على
وجوههما ما كان إلى إمضائهما سبيل بما وصفنا وذلك إمضاء حكم الله عز وجل وحكم رسوله معا
وقولك خارج من ذلك في بعض الأمور دون بعض قال فقال لي أفعلى أي شئ الجزية؟ قلنا على
الأديان لا على الأنساب ولوددنا أن الذي قلت على ما قلت إلا أن يكون لله سخط وما رأينا الله عز
وجل فرق بين عربي ولا عجمي في شرك ولا إيمان ولا المسلمون أنا لنقتل كلا بالشرك ونحقن دم كل
بإسلام ونحكم على كل بالحدود فيما أصابوا وغيرها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ظهر المسلمون
على رجال من العدو فأسروهم فأسلموا بعد الأسئار في فهم مرقوقون لا تحل دماؤهم وأي حال أسلموا
فيها قبل الأسئار حقنوا دماءهم وأحرزوا أموالهم إلا ما حووا قبل أن يسلموا وكانوا أحرارا ولم يسب من
ذراريهم أحد صغير فأما نساؤهم وأبناءهم البالغون فحكمهم حكم أنفسهم في القتل والسبي لا حكم الأب
والزوج وكذلك إن أسلموا وقد حصروا في مدينة أو بيت أو أحاطت بهم الخيل أو غرقوا في البحر
فكانوا لا يمتنعون ممن أراد أخذهم أو وقعوا في نار أو بئر وخرجوا وكانوا غير ممتنعين كانوا بهذا كله
محقوني الدماء ممنوعين من أن يسبوا ولكن لو سبوا فربطوا أو سجنوا غير مربوطين أو صاروا إلى الاستسلام
فأمر بهم الحاكم قوما يحفظونهم فأسلموا حقنت دماؤهم وجرى السبي عليهم فإن قال ما فرق بين هذه
الحال وبين المحاط بهم في صحراء أو بيت أو مدينة؟ قيل قد يمتنع أولئك حتى يغلبوا من أحاط بهم أو
255

يأتيهم المدد أو يتفرقون عنهم فيهربوا وليس من كان بهذه الحال ممن يقع عليه اسم السبي إنما يقع عليه
اسم السبي إذا حوى غير ممتنع ولو أسر جماعة من المسلمين فاستعان بهم المشركون على مشركين مثلهم
ليقاتلوهم فقد قيل يقاتلونهم وقيل قاتل الزبير وأصحاب له ببلاد الحبشة مشركين عن مشركين ومن قال
هذا القول قال وما يحرم من القتال معهم ودماء الذين يقاتلونهم وأموالهم مباحة بالشرك ولو قال قائل
قتالهم حرام لمعان منها أن واجبا على من ظهر من المسلمين على المشركين فغنم فالخمس لأهل الخمس
وهم متفرقون في البلدان وهذا لا يجد السبيل إلى أن يكون الخمس مما غنم لأهل الخمس ليؤديه إلى
الإمام فيفرقه وواجب عليهم إن قاتلوا أهل الكتاب فأعطوا الجزية أن يحقنوا دماءهم وهذا إن أعطوا
الجزية لم يقدر على أن يمنعهم حتى يحقنوا دماءهم كان مذهبا وإن لم يستكرهوهم على قتالهم كان أحب
إلى أن لا يقاتلوا ولا نعلم خبر الزبير يثبت ولو ثبت كان النجاشي مسلما كان آمن برسول الله صلى الله
عليه وسلم وصلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه وإذا غزا المسلمون بلاد الحرب فسرت سرية كثيرة أو قليلة
بإذن الإمام أو غير إذنه فسواء ولكني أستحب أن لا يخرجوا إلا بإذن الإمام لخصال منها أن الإمام
يغنى عن المسألة ويأتيه من الخبر ما لا تعرفه العامة فيقدم بالسرية حيث يرجو قوتها ويكفها حيث
يخاف هلكتها وإن أجمع لأمر الناس أن يكون ذلك بأمر الإمام وإن ذلك أبعد من الضيعة لأنهم قد
يسيرون بغير إذن الإمام فيرحل ولا يقيم عليهم فيتلفون إذا انفردوا في بلاد العدو ويسيرون ولا يعلم فيرى
الإمام الغارة في ناحيتهم فلا يعينهم ولو علم مكانهم أعانهم وأما أن يكون ذلك يحرم عليهم فلا أعلمه
يحرم، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الجنة فقال له رجل من الأنصار إن قتلت صابرا
محتسبا؟ قال (فلك الجنة) قال فانغمس في جماعة العدو فقتلوه وألقى رجل من الأنصار درعا كانت
عليه حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ثم انغمس في العدو فقتلوه بين يدي رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأن رجلا من الأنصار تخلف عن أصحابه ببئر معونة فرأى الطير عكوفا على مقتلة أصحابه
فقال لعمرو بن أمية سأتقدم إلى هؤلاء العدو فيقتلوني ولا أتخلف عن مشهد قتل فيه أصحابنا ففعل
فقتل فرجع عمرو بن أمية فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا حسنا ويقال فقال لعمرو
فهلا تقدمت فقاتلت حتى تقتل؟ فإذا حل الرجل المنفرد أن يتقدم على الجماعة الأغلب عنده وعند
من رآه أنها ستقتله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رآه حيث لا يرى ولا يأمن كان هذا أكثر
مما في انفراد الرجل والرجال بغير إذن الإمام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (يا
أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار) الآية وقال (يا أيها النبي حرض المؤمنين
على القتال) إلى قوله (والله مع الصابرين) أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما
(1) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهذا كما قال ابن عباس ومستغن بالتنزيل عن التأويل لما
كتب الله عز وجل من أن لا يفر العشرون من المائتين فكان هذا الواحد من العشرة ثم خفف الله عنهم
فصير الامر إلى أن لا تفر المائة من المائتين وذلك أن لا يفر الرجل من الرجلين (قال الشافعي) أخبرنا
سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن ابن عباس قال: من فر من ثلاثة فلم يفر ومن فر من اثنين فقد
فر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهذا مثل معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم وقول ابن عباس وقولنا
وهؤلاء الخارجون من السخط إن فروا من أكثر منهم حتى يكون الواحد فر من ثلاثة فصاعدا فيما نرى

(1) تقدم متن الحديث في باب (تحريم الفرار من الزحف) فانظره.
256

والله تعالى أعلم الفارين بكل حال، أما الذين يجب عليهم السخط فإذا فر الواحد من اثنين فأقل إلا
متحرفا لقتال أو متحيزا والمتحرف له يمينا وشمالا ومدبرا ونيته العودة للقتال والفار متحيزا إلى فئة من
المسلمين قلت أو كثرت كانت بحضرته أو منتئية عنه سواء إنما يصير الامر في ذلك إلى نية المتحرف
والمتحيز فإن كان الله عز وجل يعلم أنه إنما تحرف ليعود للقتال أو تحيز لذلك فهو الذي استثنى الله
فأخرجه من سخطه في التحرف والتحيز وإن كان لغير هذا المعنى خفت عليه إلا أن يعفو الله تعالى عنه
أن يكون قد باء بسخط من الله وإذا تحرف إلى الفئة فليس عليه أن ينفرد إلى العدو فيقاتلهم وحده ولو
كان ذلك الآن لم يكن له أولا أن يتحرف ولا بأس بالمبارزة وقد بارز يوم بدر عبيدة بن الحرث وحمزة
بن عبد المطلب وعلى بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وبارز محمد بن مسلمة مرحبا يوم خيبر بأمر النبي صلى
الله عليه وسلم وبارز يومئذ الزبير بن العوام ياسرا وبارز يوم الخندق علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود
وإذا بارز الرجل من المشركين بغير أن يدعو أو يدعى إلى المبارزة فبرز له رجل فلا بأس أن يعينه عليه
غيره لأنهم لم يعطوه أن لا يقاتله إلا واحد ولم يسألهم ذلك ولا شئ يدل على أنه إنما أراد ان يقاتله
واحد فقد تبارز عبيدة وعتبة فضرب عبيدة عتبة فأرخى عاتقه الأيسر وضربه عتبة فقطع رجله وأعان
حمزة وعلى فقتلا عتبة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى تعالى فأما إن دعا مسلم مشركا أو مشرك مسلما
إلى أن يبارزه فقال له لا يقاتلك غيري أو لم يقل له ذلك إلا أن يعرف أن الدعاء إلى مبارزة الواحد كل
من الفريقين معا سوى المبارزين أحببت أن يكف عن أن يحمل عليه غيره فإن ولى عنه المسلم أو
جرحه (1) فأثخنه فحمل عليه بعد تبارزهما فلهم أن يقتلوه إن قدروا على ذلك لأن قتالهما قد انقضى ولا
أمان له عليهم إلا أن يكون شرط أنه آمن منهم حتى يرجع إلى مخرجه من الصف فلا يكون لهم قتله
حتى يرجع إلى مأمنه ولو شرطوا ذلك له فخافوه على المسلم أو يجرح السلم فلهم أن يستنقذوا المسلم منه
بلا أن يقتلوه فإن امتنع أن يخليهم وإنقاذ صاحبهم وعرض دونه ليقاتلهم قاتلوه لأنه نقض أمان نفسه
ولو عرض بينه وبينهم فقال أنا منكم في أمان قالوا نعم إن خليتنا وصاحبنا فإن لم تفعل تقدمنا لاخذ
صاحبنا فإن قاتلتنا قاتلناك وكنت أنت نقضت أمانك فإن قال قائل وكيف لا يعان الرجل المبارز على
المشرك قاهرا له؟ قيل إن معونة حمزة وعلى على عتبة إنما كانت بعد أن لم يكن في عبيدة قتال ولم يكن
منهم لعتبة أمان يكفون به عنه فإن تشارطا الأمان فأعان المشركون صاحبهم كان للمسلمين أن يعينوا
صاحبهم ويقتلوا من أعان عليه المبارز له ولا يقتلوا المبارز ما لم يكن هو استنجدهم عليه (قال
الشافعي) وإذا تحصن العدو في جبل أو حصن أو خندق أو بحسك أو بما يتحصن به فلا بأس أن يرموا
بالمجانيق والعرادات والنيران والعقارب والحيات وكل ما يكرهونه وأن يبثقوا عليهم الماء ليغرقوهم أو
يوحلوهم فيه وسواء كان معهم الأطفال والنساء والرهبان أو لم يكونوا لأن الدار غير ممنوعة بإسلام ولا
عهد وكذلك لا باس أن يحرقوا شجرهم المثمر وغير المثمر ويخرجوا عامرهم وكل مالا روح فيه من
أموالهم فإن قال قائل ما الحجة فيما وصفت وفيهم الولدان والنساء المنهى عن قتلهم؟ قيل الحجة فيه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة ونحن نعلم أن فيهم النساء
والولدان وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع أموال بنى النضير وحرقها * أخبرنا أبو ضمرة أنس بن
عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق أموال بنى

(1) عبارة مختصر المزني (فلهم أن يحملوا عليه فيقتلوه الخ) تأمل، كتبه مصححه.
257

النضير (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق
أموال بنى النضير فقال قائل:
وهان على سراة بنى لؤي * حريق بالبويرة مستطبر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن قال قائل فقد نهى بعد التحريق في أموال بنى النضير؟ قيل
له إن شاء الله تعالى إنما نهى عنه أن الله عز وجل وعده بها فكان تحريقه إذهابا منه لعين ماله وذلك في
بعض الأحاديث معروف عند أهل المغازي فإن قال قائل فهل حرق أو قطع بعد ذلك؟ قيل نعم قطع
بخيبر وهي بعد بنى النضير وبالطائف وهي آخر غزوة غزاها لقى فيها قتالا فإن قال قائل كيف أجزت
الرمي بالمنجنيق وبالنار على جماعة المشركين فيهم الولدان والنساء وهم منهى عن قتلهم؟ قيل أجزنا بما
وصفنا وبأن النبي صلى الله عليه وسلم شن الغارة علي بنى المصطلق غارين وأمر بالبيات وبالتحريق
والعلم يحيط أن فيهم الولدان والنساء وذلك أن الدار دار شرك غير ممنوعة وإنما نهى أن تقصد النساء
والوالدان بالقتل إذا كان قاتلهم يعرفهم بأعيانهم للخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن النبي صلى الله
عليه وسلم سباهم فجعلهم مالا وقد كتب هذا قبل هذا فإن كان في الدار أسارى من المسلمين أو تجار
مستأمنون كرهت النصب عليهم بما يعم من التحريق والتغريق وما أشبه غير محرم له تحريما بينا وذلك أن
الدار إذا كانت
مباحة فلا يبين أن تحرم بأن يكون فيها مسلم يحرم دمه وإنما كرهت ذلك احتياطا ولان
مباحا لنا لو لم يكن فيها مسلم أن تجاوزها فلا نقاتلها وإن قاتلناها قاتلناها بغير ما يعم من التحريق
والتغريق ولكن لو التحم المسلمون أو بعضهم (1) فكان الذي يرون أنه ينكأ من التحمهم يغرقوه أو
يحرقوه كان ذلك رأيت لهم أن يفعلوا ذلك ولم أكرهه لهم بأنهم مأجورون أجرين أحدهما الدفع
عن أنفسهم والآخر نكاية عدوهم غير ملتحمين فتترسوا بأطفال المشركين فقد قيل لا يتوقون ويضرب
المتترس منهم ولا يعمد الطفل وقد قيل يكف عن المتترس به ولو تترسوا بمسلم رأيت أن يكف عمن
تترسوا به إلا أن يكون المسلمون ملتحمين فلا يكف عن المتترس ويضرب المشرك ويتوقى المسلم جهده
فإن أصاب في شئ من هذه الحالات مسلما أعتق رقبة وإذا حاصرنا المشركين فظفرنا لهم بخيل
أحرزناهم أو بنابها عنهم فرجعت علينا واستلحمنا وهي في أيدينا أو خفنا الدرك وهي في أيدينا ولا
حاجة لنا بركوبها إنما نريد غنيمتها أو بنا حاجة إلى ركوبها أو كانت معها ماشية ما كانت أو نحل أو ذو
روح من أموالهم مما يحل للمسلمين اتخاذه لمأكلة فلا يجوز عقر شئ منها ولا قتله بشئ من الوجوه إلا أن نذبحه كما قال أبو بكر (لا تعقروا شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ولا تغرقن نخلا ولا تحرقنه) فإن قال قائل فقد
قال أبو بكر (ولا تقطعن شجرا مثمرا فقطعته) قيل فإنا قطعناه بالسنة واتباع ما جاء عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم وكان أولى بي وبالمسلمين ولم أجد لأبي بكر في ذوات الأرواح مخالفا من كتاب ولا سنة
ولا مثله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حفظت فلو لم يكن فيه إلا اتباع أبى بكر كانت
في اتباعه حجة مع أن السنة تدل على مثل ما قال أبو بكر في ذوات الأرواح من أموالهم فإن قال قائل
ما السنة؟ قلنا أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى بنى عامر عن عبد الله بن
عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله
عز وجل عن قتله) قيل يا رسول الله وما حقها؟ قال (أن يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها) وقد نهى

(1) عبارة المختصر (ولكن لو التحموا فكان ينكأ من التحمهم أن يفعلوا ذلك رأيت لهم الخ) تأمل.
258

رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصبورة ووجدت الله عز وجل أباح قتل ذوات الأرواح من المأكول
بواحد من معنيين أحدهما أن تذكى فتؤكل إذا قدر عليها والآخران تذكى بالرمي إذا لم يقدر عليها ولم
أجده أباح قتلها لغير منفعة وقتلها لغير هذا الوجه عندي محظور فإن قال قائل ففي ذلك نكايتهم
وتوهين وغيظ قلنا وقد يغاظون بما يحل فنفعله وبما لا يحل فنتركه فإن قال ومثل ما يغاظون به فنتركه قلنا
قتل نسائهم وأولادهم فهم لو أدركونا وهم في أيدينا لم نقتلهم وكذلك لو كان إلى جنبنا رهبان يغيظهم
قتلهم لم نقتلهم ولكن إن قاتلوا فرسانا لم نر بأسا إذا كنا نجد السبيل إلى قتلهم بأرجالهم أن نعقر بهم كما
نرميهم بالمجانيق وإن أصاب ذلك غيرهم وقد عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد
فانكسعت به فرسه فسقط عنها فجلس على صدره ليذبحه فرآه ابن شعوب فرجع إليه يعدو كأنه سبع
فقتله واستنقذ أبا سفيان من تحته فقال أبو سفيان بعد ذلك شعرا:
فلو شئت نجتني كميت رجيلة * ولم أحمل النعماء لابن شعوب
وما زال مهري مزجر الكلب منهم * لدن غدوة حتى دنت لغروب
أقاتلهم طرا وأدعو لغالب * وأدفعهم عنى بركن صليب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن قال قائل ما الفرق بين العقر بهم وعقر بهائمهم؟ قيل العقر بهم
يجمع أمرين أحدهما دفع عن العاقر المسلم ولان الفرس أداة عليه يقبل بقوته ويحمل عليه فيقتله والآخر
يصل به إلى قتل المشرك والدواب توجف أو يخاف طلب العدو لها إذا قتلت ليست في واحد من هذين
المعنيين لا أن قتلها منع العدو للطلب ولا أن يصل المسلم من قتل المشرك إلى ما لم يكن يصل إليه قبل
قتلها وإذا أسر المسلمون المشركين فأرادوا قتلهم قتلوهم بضرب الأعناق ولم يجاوزوا ذلك إلى أن يمثلوا
بقطع يد ولا رجل ولا عضو ولا مفصل ولا بقر بطن ولا تحريق ولا تغريق ولا شئ يعدو ما وصفت
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة وقتل من قتل كما وصفت فإن قال قائل قد قطع أيدي
الذين استاقوا لقاحه وأرجلهم وسمل أعينهم فإن أنس بن مالك ورجلا رويا هذا عن النبي صلى الله
عليه وسلم ثم رويا فيه أو أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب بعد ذلك خطبة إلا أمر
بالصدقة ونهى عن المثلة، أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح أن هبار بن الأسود كان قد أصاب زينب
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ فبعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فقال (إن ظفرتم بهبار
بن الأسود فاجعلوه بين حزمتين من حطب ثم أحرقوه) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سبحان
الله ما ينبغي لاحد أن يعذب بعذاب الله عز وجل إن ظفرتم به فاقطعوا يديه ورجليه) (قال الشافعي)
رحمه الله وكان علي بن حسين ينكر حديث أنس في أصحاب اللقاح * أخبرنا ابن أبي يحيى عن
جعفر عن أبيه عن علي بن حسين وقال والله ما سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عينا ولا زاد أهل
اللقاح على قطع أيديهم وأرجلهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى في الأسارى من المسلمين في بلاد
الحرب يقتل بعضهم بعضا أو يجرح بعضهم بعضا أو يغصب بعضهم بعضا ثم يصيرون إلى بلاد
المسلمين إن الحدود تقام عليهم إذا صاروا إلى بلاد المسلمين ولا تمنع الدار حكم الله عز وجل ويؤدون
كل زكاة وجبت عليهم لا تضع الدار عنهم شيئا من الفرائض ولكنهم لو كانوا من المشركين فأسلموا ولم
يعرفوا الاحكام قتال بعضهم من بعض شيئا بجراح أو قتل درأنا عنهم الحد بالجهالة وألزمناهم الدية
في أموالهم وأخذنا منهم في أموالهم كل ما أصاب بعضهم لبعض وكذلك لو زنى رجل منهم بامرأة وهو لا
259

يعلم أن الزنا محرم درأنا عنه الحد بأن الحجة لم تقم وتطرح عنه حقوق الله ويلزمه حقوق الآدميين، ولو
كانت المرأة مسلمة أسرت أو استؤمنت ممن قد قامت عليهم الحجة فأمكنته من نفسها حدت ولم يكن
لها مهر ولم يكن عليه حد ولو أنه تزوجها بنكاح المشركين فسخنا النكاح وألحقنا به الولد ودرأنا عنه الحد
وجعلنا لها المهر ولو سرق بعضهم من بعض شيئا درأنا عنه القطع وألزمناه الغرامة ولو أربى بعضهم على
بعض رددنا الربا بينهم لأن هذا من حقوق الآدميين وقال في القوم من المسلمين ينصبون المجانيق على
المشركين فيرجع عليهم حجر المنجنيق فيقتل بعضهم فهذا قتل خطأ فدية المقتولين على عواقل القاتلين
قدر حصة المقتولين كأنه جر المنجنيق عشرة فرجع الحجر على خمسة منهم فقتلهم فأنصاف دياتهم على
عواقل القاتلين لأنهم قتلوا بفعلهم وفعل غيرهم ولا يؤدون حصتهم من فعلهم فهم قتلوا أنفسهم مع
غيرهم ولو رجع حجر المنجنيق على رجل لم يجره كان قريبا من المجنيق أو بعيدا معينا لأهل المنجنيق
بغير الحجر أو غير معين لهم كانت ديته على عواقل الجارين كلهم ولو كان فيهم رجل يمسك لهم من الحبال
التي يجرونها بشئ ولا يجر معهم في إمساكه لهم لم يلزمه ولا عاقلته شئ من قبل أنا لم ند إلا بفعل
القتل فأما بفعل الصلاح فلا ولو رجع عليهم الحجر فقتلهم كلهم أو سقط المنجنيق عليهم من جرهم
فقتل كلهم وهم عشرة ودوا كلهم ورفع عن عواقل من يديهم عشر دية كل واحد منهم لأنه قتل بفعل
نفسه وفعل تسعة معه فيرفع عنه حصة فعل نفسه ويؤخذ له حصة فعل غيره ثم هكذا كل واحد ولو رمى
رجل بعرادة أو بغيرها أو ضرب بسيف فرجعت الرمية عليه كأنها أصابت جدارا ثم رجعت إليه أو
ضرب بسيف شيئا فرجع عليه السيف فلا دية له لأنه جنى على نفسه ولا يضمن لنفسه شيئا ولو رمى
في بلاد الحرب فأصاب مسلما مستأمنا وأسيرا أو كافرا أسلم فلم يقصد قصده بالرمية ولم يره فعليه
تحرير رقبة ولا دية له وإن رآه وعرف مكانه. ورمى وهو مضطر إلى الرمي فقتله فعليه دية وكفارة وإن كان
عمده وهو يعرفه مسلما فعليه القصاص إذا رماه بغير ضرورة ولا خطأ وعمد قتله فإن تترس به مشرك
وهو يعلمه مسلما وقد التحم فرأى أنه لا ينجيه إلا ضربه المسلم فضربه يريد قتل المشرك فإن أصابه درأنا
عنه القصاص وجعلنا عليه الدية وهذا كله إذا كان في بلاد المشركين أوصفهم فأما إذا انفرج عن
المشركين فكان بين صف المسلمين والمشركين فذلك موضع يجوز أن يكون فيه المسلم والمشرك فإن قتل
رجل رجلا وقال ظننته مشركا فوجدته مسلما فهذا من الخطأ وفيه العقل فإن أتهمه أولياؤه أحلف لهم
ما علمه مسلما فقتله فإن قال قائل كيف أبطلت دية مسلم أصيب ببلاد المشركين برمي أو غارة لا يعمد
فيها بقتل؟ قيل قال الله عز وجل (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) إلى قوله (متتابعين) فذكر الله
عز وجل في المؤمن يقتل خطأ والذمي يقتل خطأ الدية في كل واحد منهما وتحرير رقبة فدل ذلك على
أن هذين مقتولان في بلاد الاسلام الممنوعة لا بلاد الحرب المباحة وذكر من حكمهما حكم المؤمن من
عدولنا يقتل فجعل فيه تحرير رقبة فلم تحتمل الآية والله تعالى أعلم إلا أن يكون قوله (فإن كان من قوم
عدو لكم يعنى في قوم عدو لكم) وذلك أنها نزلت وكل مسلم فهو من قوم عدو للمسلمين لأن مسلمى
العرب هم من قوم عدو للمسلمين وكذلك مسلمو العجم ولو كانت على أن لا يكون دية في مسلم
خرج إلى بلاد الاسلام من جماعة المشركين هم عدو لأهل الاسلام للزم من قال هذا القول أن يزعم أن
من أسلم من قوم مشركين فخرج إلى دار الاسلام فقتل كانت فيه تحرير رقبة ولم تكن فيه دية وهذا
خلاف حكم المسلمين وإنما معنى الآية إن شاء الله تعالى على ما قلنا وقد سمعت بعض من أرضى من
أهل العلم يقول ذلك فالفرق بين القتلين أن يقتل المسلم في دار الاسلام غير معمود بالقتل فيكون فيه
260

دية وتحرير رقبة أو يقتل مسلم ببلاد الحرب التي لا إسلام فيها ظاهر غير معمود بالقتل ففي ذلك تحرير
رقبة ولا دية.
مسألة مال الحربي
(قال الشافعي) وإذا دخل الذمي أو المسلم دار الحرب مستأمنا فخرج بمال من ما لهم يشترى لهم
شيئا فأما مع المسلم فلا نعرض له ويرد إلى أهله من أهل الحرب لأن أقل ما فيه أن يكون خروج المسلم
به أمانا للكافر فيه وأما مع الذمي (قال الربيع) ففيها قولان أحدهما أنا نغنمه لأنه لا تكون كينونته معه
أمانا له منا لأنه إنما روى (المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم) فلا يكون ما مع الذمي من
أموالهم (1) أمانا لأموالهم وإن ظن الحربي الذي بعث بماله معه أن ذلك أمان له كما لو دخل حربي
بتجارة إلينا بلا أمان منا كان لنا أن نسبيه ونأخذ ماله ولا يكون ظنه بأنه إذا دخل تاجرا أن ذلك أمان
له ولماله بالذي يزيل عنه حكما والقول الثاني أنا لا نغنم ما مع الذمي من مال الحربي لأنه لما كان علينا
أن لا نعرض للذمي في ماله كان معه من مال غيره له أمان مثل ماله كما لو أن حربيا دخل إلينا بأمان
وكان معه مال لنفسه ومال لغيره من أهل الحرب لم نعرض له في ماله لما تقدم له من الأمان ولا في المال
الذي معه لغيره فهكذا لما كان للذمي أمان متقدم لم يتعرض له في ماله ولا في المال الذي معه لغيره مثل هذا سواء. والله نسأل التوفيق برحمته. وكان آخر القولين أشبه إن شاء الله تعالى.
الأسارى والغلول
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال إذا أسر المسلم فكان في بلاد الحرب أسيرا موثقا أو
محبوسا أو مخلى في موضع يرى أنه لا يقدر على البراح منه أو موضع غيره ولم يؤمنوه ولم يأخذوا عليه أنهم
امنوا منه فله أخذ ما قدر عليه من ولدانهم ونسائهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن أمنوه أو
بعضهم وأدخلوه في بلادهم بمعروف عندهم في أمانهم إياه وهم قادرون عليه فإنه يلزمه لهم أن يكونوا
منه آمنين وإن لم يقل ذلك إلا أن يقولوا قد أمناك ولا أمان لنا عليك لأنا لا نطلب منك أمانا فإذا قالوا
هذا هكذا كان القول فيه كالقول في المسألة الأولى يحل له اغتيالهم والذهاب بأموالهم وإفسادها
والذهاب بنفسه فإن أمنوه وخلوه وشرطوا عليه أن لا يبرح بلادهم أو بلدا سموه وأخذوا عليه أمانا أو لم
يأخذوا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال بعض أهل العلم يهرب وقال بعضهم ليس له أن يهرب
وقال وإذا أسر العدو الرجل من المسلمين فخلوا سبيله وأمنوه وولوه من ضياعهم أو لم يولوه فأمانهم إياه
أمان لهم منه فليس له أن يغتالهم
ولا يخونهم وأما الهرب بنفسه فله الهرب فإن أدرك ليؤخذ فله أن يدفع
عن نفسه وإن قتل الذي أدركه لأن طلبه غير الأمان فيقتله إن شاء ويأخذ ماله ما لم يرجع عن طلبه

(1) كذا في النسخ ولعله (فلا يكون الحصول مع الذمي أمانا الخ) تأمل.
261

فإذا أسر المشركون المسلم فخلوه على فداء يدفعه إلى وقت وأخذوا عليه إن لم يدفع الفداء أن يعود في
إسارهم فلا ينبغي له أن يعود في إسارهم ولا ينبغي للإمام أن يدعه إن أراد العودة فإن كان امتنعوا من
تخليته إلا على مال يعطيهموه فلا يعطيهم منه شيئا لأنه مال أكرهوه على أخذه منه بغير حق وإن كان
أعطاهموه على شئ يأخذه منهم لم يحق له إلا أداؤه بكل حال وهكذا لو صالحهم مبتدئا على شئ
انبغى له أن يؤديه إليهم إنما أطرح عليهم ما استكره عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى في أسير في
أيدي العدو وأرسلوا معه رسلا ليعطيهم فداء أو أرسلوه بعهد أن يعطيهم فداء سماه لهم وشرطوا عليه إن لم
يدفعه إلى رسولهم أو يرسل به إليهم أن يعود في إسارهم (قال الشافعي) يروى عن أبي هريرة والثوري
وإبراهيم النخعي أنهم قالوا لا يعود في إسارهم ويفي لهم بالمال وقال بعضهم إن أراد العودة منعه السلطان العودة وقال ابن هرمز يحبس لهم بالمال وقال بعضهم يفي لهم ولا يحبسونه ولا يكون كديون
الناس وروى عن الأوزاعي والزهري يعود في إسارهم إن لم يعطهم المال وروى ذلك عن ربيعة وعن
ابن هرمز خلاف ما روى عنه في المسألة الأولى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن ذهب مذهب
الأوزاعي ومن قاله قوله فإنما يحتج فيما أراه بما روى عن بعضهم أنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم
صالح أهل الحديبية أن يرد من جاءه بعد الصلح مسلما فجاءه أبو جندل فرده إلى أبيه وأبو بصير فرده
فقتل أبو بصير المردود معه ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قد وفيت لهم ونجاني الله منهم فلم
يرده النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعب ذلك عليه وتركه فكان بطريق الشام يقطع على كل ما قريش
حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضمه إليه لما نالوه من أذاه (قال الشافعي) رحمه الله وهذا
حديث قد رواه أهل المغازي كما وصفت ولا يحضرني ذكر إسناده فأعرف ثبوته من غيره قال وإذا كان
المسلمون أسارى أو مستأمنين أو رسلا في دار الحرب فقتل بعضهم بعضا أو قذف بعضهم بعضا أو زنوا
بغير حربية فعليهم في هذا كله الحكم كما يكون عليهم ولو فعلوه في بلاد الاسلام وإنما يسقط عنهم
لو زنى أحدهم بحربية إذا ادعى الشبهة ولا تسقط دار الحرب عنهم فرضا كما لا تسقط عنهم صوما ولا
صلاة ولا زكاة فالحدود فرض عليهم وإذا أصاب الرجل حدا وهو محاصر للعدو أقيم عليه الحد ولا
يمنعنا الخوف عليه من اللحوق بالمشركين أن نقيم حد الله تعالى ولو فعلنا توقيا أن يغضب ما أقمنا عليه
الحد أبدا لأنه يمكنه من أي موضع أن يلحق بدار الحرب فيعطل عنه حكم الله جل ثناؤه ثم حكم
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد بالمدينة والشرك قريب منها
وفيها شرك كثير موادعون وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا
دخل الرجل بلاد الحرب فوجد في أيديهم أسيرا أو أسارى رجالا ونساء من المسلمين فاشتراهم
وأخرجهم من بلاد الحرب فأراد أن يرجع عليهم بما أعطى فيهم لم يكن ذلك له وكان متطوعا بالشراء
وزائدا أن اشترى ما ليس يباع من الأحرار فإن كان بأمرهم اشتراهم رجع عليهم بما أعطى فيهم من
قبل أنه أعطى بأمرهم وإذا أسرت المرأة فنكحها بعض أهل الحرب أو وطئها بلا نكاح ثم ظهر عليها
المسلمون لم تسترق هي ولا أولادها لأن أولادها مسلمون باسلامها فإن كان لها زوج في دار الاسلام لم
يلحق به هذا الولد ولحقوا بالنكاح المشرك وإن كان نكاحه فاسدا لأنه نكاح شبهة وإذا أسر المسلم فكان
في دار الحرب فلا تنكح امرأته إلا بعد يقين وفاته عرف مكانه أو خفى مكانه وكذلك لا يقسم ميراثه
وما صنع الأسير من المسلمين في دار الحرب أو في دار الاسلام أو المسجون وهو صحيح في ماله غير
مكره عليه فهو جائز من بيع وهبة وصدقة وغير ذلك.
262

المستأمن في دار الحرب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا دخل قوم من المسلمين بلاد الحرب بأمان فالعدو منهم آمنون
إلى أن يفارقوهم أو يبلغوا مدة أمانهم وليس لهم ظلمهم ولا خيانتهم وإن أسر العدو أطفال المسلمين
ونساءهم لم أكن أحب لهم الغدر بالعدو ولكن أحب لهم لو سألوهم أن يردوا إليهم الأمان وينبذوا إليهم
فإذا فعلوا قاتلوهم عن أطفال المسلمين ونسائهم.
ما يجوز للأسير في ماله إذا أراد الوصية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يجوز للأسير في بلاد العدو ما صنع في ماله في بلاد الاسلام
وإن قدم ليقتل ما لم ينله منه ضرب يكون مرضا وكذلك الرجل بين الصفين (قال الشافعي) أخبرنا
بعض أهل المدينة عن محمد بن عبد الله عن الزهري أن مسروقا قدم بين يدي عبد الله بن زمعة يوم الحرة
ليضرب عنقه فطلق امرأته ولم يدخل بها فسألوا أهل العلم فقالوا لها نصف الصداق ولا ميراث لها (قال
الشافعي) أخبرنا بعض أهل العلم عن هشام بن عروة عن أبيه أن عامة صدقات الزبير تصدق بها وفعل
أمورا وهو واقف على ظهر فرسه يوم الجمل وروى عن عمر بن عبد العزيز: عطية الحبلى جائزة حتى
تجلس بين القوابل وبهذا كله نقول (قال الشافعي) وعطية راكب البحر جائزة ما لم يصل إلى الغرق أو
شبه الغرق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقال القاسم بن محمد وابن المسيب: عطية الحامل جائزة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وما وصفت من قول من سميت وغيرهم من أهل المدينة وقد روى عن
ابن أبي ذئب أنه قال عطية الحامل من الثلث وعطية الأسير من الثلث وروى ذلك عن الزهري (قال
الشافعي) وليس يجوز إلا واحد من هذين القولين والله تعالى أعلم ثم قال قائل في الحبلى عطيتها جائزة
حتى تتم ستة أشهر وتأول قول الله عز وجل (حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت) وليس في قول الله عز
وجل (فلما أثقلت) دلالة على مرض ولو كانت فيه دلالة على مرض يغير الحكم (1) قد يكون مرضا غير
ثقيل وثقيلا وحكمه في أن لا يجوز له في ماله إلا الثلث سواء ولو كان ذلك فيه كان الأثقال يحتمل أن
يكون حضور الولاد حين تجلس بين القوابل لأن ذلك الوقت الذي يخشيان فيه قضاء الله عز وجل
ويسألانه أن يؤتيهما صالحا فإن قال قد يدعوان الله قبل؟ قيل نعم مع أول الحمل ووسطه وآخره وقبله
والحبلى في أول حملها أشبه بالمرض منها بعد ستة أشهر للتغير والكسل والنوم والضعف ولهى في شهرها
أخف منها في شهر البدء من حملها وما في هذا إلا أن الحبل سرور ليس بمرض حتى تحضر الحال
المخوفة للأولاد أو يكون تغيرها بالحبل مرضا كله من أوله إلى آخره فيكون ما قال ابن أبي ذئب، فأما
غير هذا لا يجوز والله تعالى أعلم لاحد أن يتوهمه.
المسلم يدل المشركين على عورة المسلمين
قيل للشافعي: أرأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب بأن المسلمين يريدون غزوهم أو

(1) هذا جواب (لو) وهو محل الرد أي فالمرض يغير الحكم من الكل إلى الثلث لا إلى العدم بالمرة. تأمل.
263

بالعورة من عوراتهم هل يحل ذلك دمه ويكون في ذلك دلالة على ممالاة المشركين؟ (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: لا يحل دم من ثبتت له حرمة الاسلام إلا أن يقتل أو يزنى بعد إحصان أو يكفر كفرا
بينا بعد إيمان ثم يثبت على الكفر وليس الدلالة على عورة مسلم ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين
يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بين، فقلت للشافعي: أقلت هذا خبرا أم
قياسا؟ قال قلته بما لا يسع مسلما علمه عندي أن يخالفه بالسنة المنصوصة بعد الاستدلال بالكتاب
فقيل للشافعي فذكر السنة فيه، قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد
عن عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت عليا يقول بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والمقداد والزبير
فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظغينة معها كتاب فخرجنا تعادى بنا خيلنا فإذا نحن
بالظعينة فقلنا لها أخرجي الكتاب فقالت ما معي كتاب، فقلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب
فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه (من حاطب بن أبي بلتعة إلى
ناس من المشركين ممن بمكة) يخبر ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما هذا يا حاطب؟) قال
لا تعجل على يا رسول الله إني كنت امرءا ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم ولم يكن لي بمكة قرابة فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم
يدا والله ما فعلته شكا في ديني ولا رضا لا كفر بعد الاسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنه قد
صدق) فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إنه قد
شهد بدرا وما يدريك لعل الله عز وجل قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)
قال فنزلت (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
في هذا الحديث مع ما وصفنا لك طرح الحكم باستعمال الظنون لأنه لما كان الكتاب يحتمل أن يكون
ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكا في الاسلام وأنه فعله ليمنع أهله ويحتمل أن يكون زلة لا
رغبة عن الاسلام واحتمل المعنى الأقبح كان القول قوله فيما احتمل فعله وحكم رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيه بأن لم يقتله ولم يستعمل عليه الأغلب ولا أحد أتى في مثل هذا أعظم في الظاهر من
هذا لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مباين في عظمته لجميع الآدميين بعده فإذا كان من خابر
المشركين بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غرتهم فصدقه ما عاب
عليه الأغلب مما يقع في النفوس فيكون لذلك مقبولا كان من بعده في أقل من حاله وأولى أن يقبل منه
مثل ما قبل منه قيل للشافعي أفرأيت إن قال قائل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قد صدق إنما
تركه لمعرفته بصدقة لا بأن فعله كان يحتمل الصدق وغيره فيقال له قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن المنافقين كاذبون وحقن دماءهم بالظاهر فلو كان حكم النبي صلى الله عليه وسلم في حاطب بالعلم
بصدقه كان حكمه على المنافقين القتل بالعلم بكذبهم ولكنه إنما حكم في كل بالظاهر وتولى الله عز وجل
منهم السرائر ولئلا يكون لحاكم بعده أن يدع حكما له مثل ما وصفت من علل أهل الجاهلية وكل ما
حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عام حتى يأتي عنه دلالة على أنه أراد به خاصا أو عن جماعة
المسلمين الذين لا يمكن فيهم أن يجعلوا له سنة أو يكون ذلك موجودا في كتاب الله عز وجل قلت
للشافعي أفتأمر الإمام إذا وجد مثل هذا بعقوبة من فعله أم تركه كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم؟
فقال الشافعي إن العقوبات غير الحدود فأما الحدود فلا تعطل بحال وأما العقوبات فللإمام تركها على
الاجتهاد وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (تجافوا لذوي الهيئات) وقد قيل في الحديث
264

(ما لم يكن حد) فإذا كان هذا من الرجل ذي الهيئة بجهالة كما كان هذا من حاطب بجهالة وكان غير
متهم أحببت أن يتجافى له وإذا كان من غير ذي
الهيئة كان للإمام والله تعالى أعلم تعزيره وقد كان النبي
صلى الله عليه وسلم في أول الاسلام يردد المعترف بالزنا (1) فترك ذلك من أمر النبي صلى الله عليه وسلم
لجهالته يعنى المعترف بما عليه وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم عقوبة من غل في سبيل الله فقلت
للشافعي أرأيت الذي يكتب بعورة المسلمين أو يخبر عنهم بأنهم أرادوا بالعدو شيئا ليحذروه من
المستأمن والموادع أو يمضى إلا بلاد العدو مخبرا عنهم قال يعزر هؤلاء ويحبسون عقوبة وليس هذا بنقض
للعهد يحل سبيهم وأموالهم ودماءهم وإذا صار منهم واحد إلى بلاد العدو فقالوا: لم نر بهذا نقضا للعهد
فليس بنقض للعهد ويعزر ويحبس قلت للشافعي أرأيت الرهبان إذا دلوا على عورة المسلمين؟ قال
يعاقبون وينزلون من الصوامع ويكون من عقوبتهم إخراجهم من أرض الاسلام فيخيرون بين أن يعطوا
الجزية ويقيموا بدار الاسلام أو يتركوا يرجعون فإن عادوا أودعهم السجن وعاقبهم مع السجن قلت
للشافعي أفرأيت إن أعانوهم بالسلاح والكراع أو المال أهو كدلالتهم على عورة المسلمين؟ قال إن كنت
تريد في أن هذا لا يحل دماءهم فنعم وبعض هذا أعظم من بعض ويعاقبون بما وصفت أو أكثر ولا
يبلغ بهم قتل ولاحد ولا سبي فقلت للشافعي فما الذي يحل دماءهم؟ قال إن قاتل أحد من غير أهل
الاسلام راهب أو ذمي أو مستأمن مع أهل الحرب حل قتله وسباؤه وسبى ذريته وأخذ ماله فأما ما دون
القتال فيعاقبون بما وصفت ولا يقتلون ولا تغنم أموالهم ولا يسبون.
الغلول
قلت للشافعي أفرأيت المسلم الحر أو العبد الغازي أو الذمي أو المستأمن يغلون من الغنائم شيئا قبل
أن تقسم؟ فقال لا يقطع ويغرم كل واحد من هؤلاء قيمة ما سرق إن هلك الذي أخذه قبل أن يؤديه
وإن كان القوم جهلة علموا ولم يعاقبوا فإن عادوا عوقبوا فقلت للشافعي أفيرجل عن دابته ويحرق سرجه
أو يحرق متاعه؟ فقال لا يعاقب رجل في ماله وإنما يعاقب في بدنه وإنما جعل الله الحدود على الأبدان
وكذلك العقوبات فأما على الأموال فلا عقوبة عليها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقليل الغلول
وكثيره محرم قلت فما الحجة؟ قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار وابن عجلان كلاهما عن عمرو
بن شعيب (1) وأخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس قال حاصرنا (تستر) فنزل الهرمزان على حكم عمر
فقدمت به على عمر فلما انتهينا إليه قال له عمر تكلم قال كلام حي أو كلام ميت؟ قال تكلم لا بأس
قال (إنا وإياكم معاشر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم كنا نتعبدكم ونقتلكم ونغصبكم فلما كان الله
عز وجل معكم لم يكن لنا بكم يدان) فقال عمر ما تقول؟ فقلت يا أمير المؤمنين تركت بعدي عدوا
كثيرا وشوكة شديدة فإن تقتله ييأس لقوم من الحياة ويكون أشد لشوكتهم فقال عمر أستحيي قاتل البراء
بن مالك ومجزأة بن ثور؟ فلما خشيت أن يقتله قلت ليس إلى قتله سبيل قد قلت له تكلم لا بأس فقال
عمر ارتشيت وأصبت منه فقلت والله ما ارتشيت ولا أصبت منه قال لتأتيني على ما شهدت به بغيرك أو

(1) لعله: (فنرى لك من النبي الخ) تأمل.
(1) ترك متن الحديث فلم يذكره. وتأمل ما بعده أيضا فإنه غير ظاهر فيما نحن فيه فتنبه. كتبه مصححه
265

لا بد أن بعقوبتك قال فخرجت فلقيت الزبير بن العوام فشهد معي وأمسك عمر وأسلم وفرض له (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وقبول من قبل من الهرمزان أن ينزل على لكم عمر يوافق سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل من بني قريظة حين حصرهم وجهد بهم
الحرب أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ (قال الشافعي) ولا بأس أن يقبل الإمام من أهل الحصن (2)
عقله ونظره للاسلام وذلك أن السنة دلت على أن قبول الإمام إنما كان لمن وصفت من أهل القناعة
والثقة فلا يجوز للإمام عندي أن يقبل خلافهم من غير أهل القناعة والثقة والعقل فيكون قبل خلاف ما
قبلوا منه ولو فعل كان قد ترك النظر ولم يكن له عذر فإن قال قائل وكيف يجوز أن ينزل على حكم من
لعله لا يدرى ما يصنع؟ قيل لما كان الله عز وجل أذن بالمن والفداء في الأسارى من المشركين وسن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لما بعد الحكم أبدا أن يمن أو يفادى أو يقتل أو يسترق فأي ذلك
فعل فقد جاء به كتاب الله تبارك وتعالى ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وقد
وصفنا أن للإمام في الأسارى الخيار في غير هذا الكتاب وأحب أن يكون على النظر للاسلام وأهله
فيقتل إن كان ذلك أوهن وأطفأ للحرب ويدع إن كان ذلك أشد لنشر الحرب وأطلب للعدو على نحو ما
أشار به أنس على عمر ومتى سبق من الإمام قول فيه أمان ثم ندم عليه لم يكن له نقض الأمان بعد ما
سبق منه وكذلك كل قول يشبه الأمان مثل قول عمر (تكلم لا بأس) (قال الشافعي) ولا قود على قاتل
أحد بعينه لأن الهرمزان قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور فلم ير عليه عمر قودا وقول عمر في هذا
موافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءه قاتل حمزة مسلما فلم يقتله به قودا وجاءه بشر كثير
كلهم قاتل معروف بعينه فلم ير عليه قودا وقول عمر (لتأتيني بمن يشهد على ذلك أو لا لا بدأن
بعقوبتك) يحتمل أن لم يذكر ما قال للهرمزان (1) من أن لا تقبل إلا بشاهدين ويحتمل أن احتياطا كما
احتاط في الاخبار ويحتمل أن يكون في يديه فجعل الشاهد غيره لأنه دافع عمن هو بيديه وأشبه
ذلك عندنا أن يكون احتياطا والله تعالى أعلم. (قال الشافعي) أخبرنا الثقفي عن حميد عن موسى بن
أنس عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه سأله (إذا حاصرتم المدينة كيف
تصنعون) قال نبعث الرجل إلى المدينة ونصنع له هنة من جلود قال (أرأيت إن رمى بحجر) قال إذا
يقتل فلا تفعلوا فوالذي نفسي بيده ما يسرني أن تفتحوا مدينة فيها أربعة آلاف مقاتل بتضييع رجل
مسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ما قال عمر بن الخطاب من هذا احتياط وحسن نظر للمسلمين
وإني أستحب للإمام ولجميع العمال وللناس كلهم أن لا يكونوا معترضين لمثل هذا ولا لغيره مما الأغلب
عليه منه التلف وليس هذا بمحرم على من عرضه والمبارزة ليست هكذا لأن المبارزة إنما يبرز لاحد فلا
يبين أنه مخاطر إنما المخاطر المتقدم على جماعة أهل الحصن فيرمى أو على الجماعة وحده الأغلب أن لا
يدان له بهم فإن قال قائل ما دل على أن لا بأس بالتقدم على الجماعة؟ قيل بلغنا أن رجلا قال يا رسول
الله إلا م يضحك الله من عبده؟ قال (غمسه يده في العدو حاسرا) فألقى درعا كانت عليه وحمل
خاسرا حتى قتل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى والاختيار أن يتحرز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى

(2) فيه سقط، ولعله: (أن يقبل الإمام من أهل الحصن النزول على حكم من عقله ونظره (الخ،
تأمل.
(1) كذا في النسخ وتأمل، فإن تحريفه أبهم معناه اه‍، كتبه مصححه.
266

أخبرنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر يوم أحد
بين درعين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس قال سار رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى خيبر فانتهى إليها ليلا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طرق قوما ليلا لم يغر عليهم حتى يصبح
فإن سمع أذانا أمسك وإن لم يكونوا يصلون أغار عليهم حين يصبح فلما أصبح ركب وركب معه المسلمون وخرج أهل القرية ومعهم مكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والخميس فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (الله أكبر الله أكبر خربت خيبر إنا إذا
نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) قال أنس
وإني لرديف أبى طلحة وإن قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وفي رواية أنس أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغير حتى يصبح ليس بتحريم للإغارة ليلا ونهارا ولا غارين في حال والله
تعالى أعلم ولكنه على أن يكون يبصر من معه كيف يغيرون احتياطا من أن يؤتوا من كمين أو حيث لا يشعرون
وقد تختلط الحرب إذا أغاروا ليلا فيقتل بعض المسلمين بعضا وقد أصابهم (1) ذلك في قتل ابن عتيك فقطعوا
رجلا أحدهم، فإن قال قائل ما دل على أن هذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليس بتحريم أن يغير أحد
ليلا؟ قيل قد أمر بالغارة على غير واحد من اليهود فقتلوه.
الفداء بالأسارى
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن
حصين قال أسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بنى عقيل فأوثقوه وطرحوه في الحرة فمر به
رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه أو قال أتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حمار وتحته
قطيفة فناداه يا محمد يا محمد فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال (ما شأنك) قال فيم أخذت وفيم أخذت
سابقة الحاج؟ قال (أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف) وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم فتركه ومضى فناداه يا محمد يا محمد فرحمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليه فقال
(ما شأنك) قال إني مسلم فقال (لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح) قال فتركه ومضى فناداه يا
محمد يا محمد فرجع إليه فقال إني جائع فأطعمني قال. وأحسبه قال وإني عطشان فاسقني قال هذه حاجتك
ففداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف وأخذ ناقته (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف) إنما هو أن المأخوذ مشرك مباح
الدم والمال لشركه من جميع جهاته والعفو عنه مباح فلما كان هكذا لم ينكر أن يقول أخذت أي حبست بجريرة
حلفائكم ثقيف ويحبسه بذلك ليصير إلى أن يخلوا من أراد ويصيروا إلى ما أراد (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وقد غلط بهذا بعض من يشدد الولاية فقال يؤخذ الولي من المسلمين وهذا مشرك يحل أن يؤخذ بكل
جهة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجلين مسلمين (هذا ابنك؟) قال نعم قال (أما إنه لا يجنى عليك
ولا تجنى عليه وقضى الله عز وجل أن لا تزر وازرة وزر أخرى) ولما كان حبس هذا حلالا بغير جناية غيره
وإرساله مباحا كان جائزا أن يحبس بجناية غيره لاستحقاقه ذلك بنفسه ويخلى تطوعا إذا نال به بعض ما يجب
حابسه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأسلم هذا الأسير فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لابنية فقال

(1) هكذا في الأصل، وحرر.
267

(لو قلتها وأنت تملك نفسك أفلحت كل الفلاح) وحقن بإسلامه دمه ولم يخله بالاسلام إذ كان بعد إساره
وهكذا من أسر من المشركين فأسلم حقن له إلا سلامه دمه ولم يخرجه إسلامه من الرق إن رأى الإمام استرقاقه
استدلالا بما وصفنا من الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (1) بعد إسلامه بالرجلين فهذا أثبت عليه الرق
بعد إسلامه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهذا رد لقول مجاهد لأن سفيان أخبرنا عن ابن أبي نجيح عن
مجاهد قال إذا أسلم أهل العنوة فهم أحرار وأموالهم فئ للمسلمين فتركنا هذا استدلالا بالخبر عن النبي صلى
الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا فأداه النبي صلى الله عليه وسلم برجلين من أصحابه فإنما
فأداه بهما أنه فك الرق عنه بأن خلوا صاحبيه / وفى هذا دلالة على أن لا بأس أن يعطى المسلمون المشركين من
يجرى عليه الرق وإن أسلم إذا كان من يدفعون إليهم من المسلمين لا يسترق وهذا العقيلي لا يسترق لموضعه فيهم
وإن خرج من بلاد الاسلام إلى بلاد الشرك وفى هذا دلالة على أنه لا بأس أن يخرج المسلم من بلاد الاسلام
إلى بلاد الشرك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا فدى صاحبيه فالعقيلي بعد إسلامه وبلاده بلاد شرك ففي
ذلك دلالة على ما وصفت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فداء النبي صلى الله عليه وسلم هذا بالعقيلي ورده
إلى بلده وهي أرض كفر لعلمه بأنهم لا يضرونه ولا يجترئون عليه لقدره فيهم وشرفه عندهم ولو أسلم رجل لم
يرد إلى قوم يقومون عليه أن يضروه إلا في مثل حال العقيلي (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وفداؤه بالعقيلي
والعقيلي لا يسترق خلاف أن يفدى بمن يسترق من المسلمين قال: ولا بأس أن يفدى بمن يسترق من المشركين
البالغين المسلمين وإذا جاز أن يفدى بمن يسترق جاز أن يبيع المسلمون المشركون البالغين من المشركين.
العبد المسلم يأبق إلى أهل دار الحرب
سألت الشافعي عن العدو يأبق إليهم العبد أو يشرد البعير أو يغيرون فينالونهما ويملكونهما أسهما؟ قال
لا فقلت للشافعي فما تقول فيهما إذا ظهر عليهم المسلمون فجاء أصحابهما قبل أن يقتسما؟ فقال هما
لصاحبهما فقلت أرأيت إن وقعا في المقاسم؟ فقال اختلفت فيهما المفتون فمنهم من قال هما قبل المقاسم
وبعدها سواء لصاحبهما ومنهم من قال هما لصاحبهما قبل المقاسم فإذا وقعت المقاسم وصارا في سهم
رجلا فلا سبيل إليهما ومنهم من قال صاحبهما أحق بهما ما لم يقسما فإذا قسما فصاحبهما أحق بهما
بالقيمة: قلت للشافعي فما اخترت من هذا؟ قال أن أستخير الله عز وجل فيه قلت فمع أي القولين
الآثار والقياس (2)؟ فقال دلالة السنة والله تعالى أعلم. فقلت للشافعي فاذكر السنة فقال أخبرنا الثقفي
عن أيوب عن أبي قلابة عن عمران بن حصين قال سبيت امرأة من الأنصار وكانت الناقة قد أصيبت قبلها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: كأنه يعنى ناقة النبي صلى الله عليه وسلم لأن آخر حديثه يدل على
ذلك قال عمران بن حصين فكانت تكون فيهم وكانوا يجيئون بالنعم إليهم فانفلتت ذات ليلة من الوثاق
فأتت الإبل فجعلت كلما أتت بعيرا منها فمسته رغا فتركته حتى أتت تلك الناقة فمستها فلم ترغ وهي ناقة
هدرة فقعدت في عجزها ثم صاحت بها فانطلقت وطلبت من ليلتها فلم يقدر عليها فجعلت لله عليها إن

(1) فيه سقط ولعله (فإنه صلى الله عليه وسلم فأداه بعد إسلامه بالرجلين فهذا يدل أنه أثبت الخ). تأمل كتبه
مصححه.
(2) تأمل هذه الجملة ولعل الأصل (دلالة السنة على أن لا يملك قبل القسم وبعده) وحرر
268

الله أنجاها عليها لتنحرنها فلما قدمت المدينة عرفوا الناقة وقالوا ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت
إنها قد جعلت لله تعالى عليها لتنحرنها فقالوا والله لا تنحريها حتى نؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأتوه فأخبروه أن فلانة قد جاءت على ناقتك وأنها قد جعلت لله عليها إن نجاها الله عليها لتنحرنها فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (لبئسما جزتها إن أنجاها الله عليها لتنحرنها لا وفاء لنذر في معصية الله ولا
وفاء لنذر فيما لا يملك العبد أو قال ابن آدم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهذا الحديث يدل على
أن العدو وقد أحرز ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأنصارية انفلتت من إسارهم عليهم بعد
إحرازهموها ورأت أنها لها فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنها قد نذرت فيما لا تملك ولا نذر لها
وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته ولو كان المشركون يملكون على المسلمين لم يعد أخذ الأنصارية
الناقة أن تكون ملكها بأنها أخذتها ولا خمس فيها لأنها لم توجف عليها وقد قال بهذا غيرنا ولسنا نقول
به أو تكون ملكت أربعة أخماسها وخمسها لأهل الخمس أو تكون من الفي ء الذي لم يوجف عليه
بخيل ولا ركاب فيكون أربعة أخماسها للنبي صلى الله عليه وسلم وخمسها لأهل الخمس ولا أحفظ
قولا لاحد أن يتوهمه في هذا غير أحد هذه الثلاثة الأقاويل. قال فما أخذ رسول الله صلى الله عليه
وسلم ناقته دل هذا على أن المشركين لا يملكون شيئا على المسلمين وإذا لم يملك المشركون على المسلمين
ما أوجفوا عليه بخيلهم فأحرزوه في ديارهم أشبه والله تعالى أعلم أن لا يملك المسلمون عنهم ما
لم يملكوا هم لأنفسهم قبل قسم الغنيمة ولا بعده، قلت للشافعي رحمه الله تعالى فإن كان هذا ثابتا
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف اختلف فيه؟ فقال قد يذهب بعض السنن على بعض أهل
العلم ولو علمها إن شاء الله تعالى قال بها، قلت للشافعي أفرأيت من لقيت ممن سمع هذا كيف تركه؟
فقال لم يدعه كله ولم يأخذ به كله، فقلت فكيف كان هذا؟ قال: الله تعالى أعلم ولا يجوز هذا
لاحد، فقلت فهل ذهب فيه إلى شئ؟ فقال كلمني بعض من ذهب هذا المذهب فقال (2) وهكذا
يقول فيه المقاسم فيصير عبد رجل في سهم رجل فيكون مفروزا من حقه وبتفرق الجيش فلا يجد أحدا
يتبعه بسهمه فينقلب لا سهم له. فقلت له أفرأيت لو وقع في سهمه حر أو أم ولد لرجل؟ قال يخرج
من يده ويعوض من بيت المال فقلت له وإن لم يستحق الحر الحرية ولا مالك أم الولد إلا بعد تفرق
الجيش؟ قال نعم ويعوض من بيت المال. فقلت له وما يدخل على من قال هذا القول في عبد الرجل
المسلم يخرج من يدي من صار سهمه ويعوض منه قيمته. فقال من أي يعوض؟ قلت من الخمس
خاصة. قال ومن أي الخمس؟ قلت سهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يعضه في الأنفال
ومصالح المسلمين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقال لي قائل تول الجواب عمن قال صاحب المال
أحق به قبل المقاسم وبعده قلت فأسأل فقال ما حجتك فيه؟ قلت ما وصفت من السنة في حديث
عمران ابن حصين والخبر عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن السنة إذا دلت أن
المشركين لا يملكون على المسلمين شيئا بحال لم يجز أن يملكوا عليهم بحال أخرى إلا بسنة مثلها. فقال
ومن أين؟ قلت إني إذا أعطيت أن مالك العبد إذ وجد عبده (1) قبل ما يحرزه العدو ثم يحرزه
المسلمون على العدو قبل أن يقسمه المسلمون فقد أعطيت أن العدو لم يملكوه ملكا يتم لهم ولو ملكوه

(2) لعله (فقال هكذا نقول تقع فيه المقاسم الخ).
(1) الأظهر (بعد ما يحرزه الخ) تأمل.
269

ملكا يتم لهم لم يكن العبد لسيده إذا ملكه الموجفون عليه من المسلمين قبل القسم ولابعده أرأيت لو
كان أسرهم إياه وغلبتهم عليه كبيع مولاه له منهم أوهبته إياه ثم أوجف عليه ألا يكون للموجفين؟ قال
بلى قلت أفتعدو غلبة العدو عليه أن تكون ملكا فيكون كمال لهم سواء مما وهب لهم أو اشتروه أو تكون
غصبا لا يملكونه عليه؟ فإذا كانت السنة والآثار والاجماع تدل على أنه كالغصب قبل أن يقسم
فكذلك ينبغي أن يكون بعد ما يقسم، ألا ترى أن مسلما متأولا أو غير متأول لو أوجف على عبد ثم
أخذ من يد من قهره عليه كان لمالكه الأول فإذا لم يملك مسلم على مسلم بغصب كان المشرك أولى أن لا
يكون مالكا مع أنك لم تجعل المشرك مالكا ولا غير مالك (قال الشافعي) فقال إن هذا ليدخله ولكنا
قلنا فيه بالأثر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أرأيت إن قال لك قائل هذه السنة والأثر تجامع ما قلنا
وهو القياس والمعقول فكيف صرت إلى أن تأخذ بشئ دون السنة وتدع السنة وشئ من الأثر أقل من
الآثار وتدع الأكثر فما حجتك فيه؟ قال إنا قد قلنا بالسنة والآثار التي ذهبت إليها ولم يكن فيها بيان أن
ذلك بعد القسمة كهو قبلها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قلت له: أما فيها بيان أن العدو لو ملكوا
على المسلمين ما أحرزوا من أموالهم ملكا تاما كان ذلك لمن ملك من المسلمين على المشركين دون مالكه
الأول؟ قال بلى: قلت أولا يكون مملوكا لمالكه الأول بكل حال أو للعدو إذا أحرزوه؟ فقال إن هذا
ليدخل ذلك ولكن صرنا إلى الأثر وتركنا القياس (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقلت له فهذه
السنة والآثار والقياس عليها فقال قد يحتمل أن يكون حكمه قبل ما يقسم (2) حكمه بعد ما يقسم حكمه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقلت له أما في قياس أو عقل فلا يجوز أن يكون هذا لو كان إلا
بالأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شئ ويروى عمن دونه
فليس في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة قال أفيحتمل من روى عنه قولنا من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم أن يكون ذهب عليه هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقلت أفيحتمل عندك؟
فقال نعم فقلت فما مسألتك عن أمر تعلم أن لا مسألة فيه؟ قال فأوجدني مثل هذا فقلت نعم وأبين قال
مثل ماذا؟ (قال الشافعي) قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السن بخمس وقضى عمر في
الضرس ببعير فكان يحتمل لذاهب لو ذهب مذهب عمر أن يقول السن ما أقبل والضرس ما أكل عليه
ثم يكون هذا وجها محتملا يصح المذهب فيه؟ فلما كانت السن داخلة في معنى الأسنان في حال فإن
باينتها باسم منفرد دونها كما تباين الأسنان بأسماء تعرف بها صرنا وأنت إلى ما روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم جملة وجعلنا الأعم أولى بقول النبي صلى الله عليه وسلم من الأخص وإن احتمل الأخص
من حكم كثير غير هذا نقول فيه نحن وأنت بمثل هذا قال هذا في هذا وغيره كما تقول قلت فما أحرز
المشركون ثم أحرز عنهم فكان لمالكه قبل القسم ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس له بعد
القسم أثر غير هذا فأحرى لا يحتمل معنى إلا أن المشركين لا يحرزون على المسلمين شيئا قال فإنا نأخذ
قولنا من غير هذا الوجه إذا دخل من هذا الوجه فأخذه من أنا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم (من
أسلم على شئ فهو له) وروينا عنه أن المغيرة أسلم على مال قوم قد قتلهم وأخفاه فكان له (قال
الشافعي) أرأيت ما رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه (من أسلم على شئ فهو له) أيثبت؟
قال هو من حديثكم قلت نعم منقطع ونحن نكلمك على تثبيته فنقول لك أرأيت إن كان ثابتا أهو عام

(2) لعله (وحمله بعد ما يقسم خلافه) تأمل.
270

أو خاص؟ قال فإن قلت هو عام؟ قلت إذا نقول لك أرأيت عدوا أحرز حرا أو أم ولد أو مكاتبا أو
مدبرا أو عبدا مرهونا فأسلم عليهم؟ قال لا يكون له حر ولا أم ولد ولا شئ لا يجوز ملكه (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى فقلت له فتركت قولك: إنه عام؟ قال نعم وأقول من أسلم على شئ يجوز
ملكه لمالكه الذي غصبه عليه قلنا فأم الولد يجوز ملكها لمالكها إلى أن يموت أفتجعل للعدو ملكها إلى
موت سيدها؟ قال لا لأن فرجها لا يحل لهم قلت إن أحللت ملكت رقبتها بالغصب حين تقيم الغاصب
مقام سيدها إنك لشبيه أن تحل فرجها أو ملكها وإن منعت فرجها، أو رأيت إن جعلت الحديث
خاصا وأخرجته من العموم أيجوز لك فيه أن تقول فيه بالخاص بغير دلالة عن النبي صلى الله عليه
وسلم؟ (قال الشافعي) فقال فأستدل بحديث المغيرة على أن المغيرة ملك ما يجوز له تملكه فأسلم عليه فلم
يخرجه النبي صلى الله عليه وسلم من يده ولم يخمسه قال فقلت له الذين قتل المغيرة مشركون فإن
زعمت أن حكم أموال المسلمين حكم أموال المشركين كلمناك على ذلك، قال: ما حكم أموال
المشركين حكم أموال المسلمين وإنه ليدخل على هذا القول ما وصفت، فهل تجد إن ثبت عن النبي
صلى الله عليه وسلم أقال من أسلم على شئ فهو له مخرجا صحيحا لا يدخل فيه شئ مثل ما دخل
هذا القول؟ (قال الشافعي) فقلت له نعم من أسلم على شئ يجوز له ملكه فهو له فقال هذا جملة فأبنه
فقلت له إن شاء الله تبارك وتعالى أعز أهل دينه (1) إلا بحقها فهي من غير أهل دينه أولى أن تكون
ممنوعة أو أقوى على منعها فإذا كان المسلم لو قهر مسلما على عبد ثم ورث عن القاهر أو غلبه عليه متأول
أو لص أخذه المقهور عليه بأصل ملكه الأول وكان لا يملكه مسلم بغصب فالكافر أولى أن يملكه
بغصب، وذلك أن الله حل ثناؤه خول المسلمين أنفس الكافرين المحاربين وأموالهم فيشبه والله تعالى
أعلم أن يكون المشركون إن كانوا إذا قدروا عليهم وأموالهم خولا لأهل دين الله عز وجل أن لا يكون لهم
أن يتحولوا من أموال أهل دين الله شيئا يقدر على إخراجه من أيديهم ولا يجوز أن يكون المتخول متخولا
على ممن يتخوله إذا قدر عليه قال فما الذي يسلمون عليه فيكون لهم؟ فقلت ما غصبه بعض المشركين
بعضا ثم أسلم عليه الغاصب كان له أخذه المغيرة من أموال المشركين وذلك أن المشركين الغاصبين
والمغصوبين لم يكونوا ممنوعي الأموال بدين الله عز وجل فلما أخذها بعضهم لبعض أو سبا بعضهم بعضا
ثم أسلم السابي الآخذ للمال كان له ما أسلم عليه لأنه أسلم على ما لو ابتدأ أخذه في الاسلام كان له ولم
يكن له أن يبتدئ في الاسلام أخذ شئ لمسلم فقال لي أرأيت من قال هذا القول كيف زعم في
المشركين إذا أخذوا لمسلم عبدا أو مالا غيره أو أمته أو أم ولده أو مدبره أو مكاتبه أو مرهونه أو أمة جانية
أو غير ذلك ثم أحرزها المسلمون؟ فقلت هذا يكون كله لمالكه على الملك الأول وبالحال الأول قبل أن
يحرزها العدو وتكون أم الولد أم ولد وإن مات سيدها عتقت بموته في بلاد الحرب أو بعد والمدبرة مدبرة
ما لم يرجع فيها سيدها والعبد الجاني والأمة الجانية جانيين في رقابهما الجناية لا يغير السباء منهما شيئا
وكذلك الرهن وغيره قال أفرأيت إن أحرز هذا المشركون ثم أحرزه عليهم مشركون غيرهم ثم أحرزه
المسلمون ثم أحرزه المشركون عليهم؟ قلت كيف كان هذا وتطاول؟ فهذا قول لا يدخل بحال هو على
الملك الأول وكل حادث فيه بعده لا يبطله ويدفعون إلى مالكيهم الأولين المسلمين فقلت للشافعي
رحمه الله تعالى فأجب على هذا القول أرأيت إن أحرز العدو جارية رجل فوطئها المحرز لها فولدت ثم

(1) أي: ومنع أموالهم بينهم إلا بحقها، تأمل.
271

ظهر عليها المسلمون فقال هي وأولادها لمالكها؟ فقلت فإن أسلموا عليها؟ قال تدفع الجارية إلى مالكها
ويأخذ ممن وطئها عقرها وقيمة أولادها يوم سقطوا (قال الشافعي) أخبرنا حاتم عن جعفر عن أبيه عن
يزيد بن هرمز أن نجده كتب إلى ابن عباس يسأله عن خلال فقال ابن عباس: إن ناسا يقولون إن ابن
عباس يكاتب الحرورية ولولا أنى أخاف أن أكتم علما لم أكتب إليه فكتب نجدة إليه أما بعد أخبرني
هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء وهل كان يضرب لهن بسهم وهل كان يقتل الصبيان
ومتى ينقضى يتم اليتيم وعن الخمس لمن هو؟ فكتب إليه ابن عباس (إنك كتبت تسألني هل كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء وقد كان يغزو بهن فيداوين المرضى ويحذين من الغنيمة وأما
السهم فلم يضرب لهن بسهم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل الولدان فلا تقتلهم إلا أن تكون
تعلم منهم ما علم الخضر من الصبي الذي قتله فتميز بين المؤمن والكافر فتقتل الكافر وتدع المؤمن وكتبت
متى ينقضى يتم اليتيم ولعمري إن الرجل لتشيب لحيته وإنه لضعيف الاخذ ضعيف الاعطاء فإذا أخذ
لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم وكتبت تسألني عن الخمس وإنا كنا نقول هو
لنا فأبى ذلك علينا قومنا فصبرنا عليه * سألت الشافعي عن المسلمين إذا غزوا أهل الحرب هل يكره
لهم أن يقطعوا الشجر المثمر ويخربوا منازلهم ومدائنهم ويغرقوها ويحرقوها ويخربوا ما قدروا عليه من
ثمارهم وشجرهم وتؤخذ أمتعتهم؟ (قال الشافعي) كل ما كان مما يملكوا لا روح له فإتلافه مباح بكل
وجه وكل ما زعمت أن مباح فحلال للمسلمين فعله وغير محرم عليهم تركه وأحب إذا غزا المسلمون بلا
دار الحرب وكانت غزاتهم غارة أو كان عدوهم كثيرا ومتحصنا ممتنعا لا يغلب عليهم أن تصير دارهم دار
الاسلام ولا دار عهد يجرى عليها الحكم أن يقطعوا ويحرقوا ويخربوا ما قدروا عليه من ثمارهم وشجرهم
ويؤخذ متاعهم وما كان يحمل من خفيف متاعهم فقدروا عليه اخترت أن يغنموه وما لم يقدروا عليه
حرقوه وغرقوه وإذا كان الأغلب عليهم أنها ستصير دار الاسلام أو دار عهد يجري عليهم الحكم اخترت
لهم الكف عن أموالهم ليغنموها إن شاء الله تعالى ولا يحرم عليهم تحريقها ولا تخريبها حتى يصيروا
مسلمين أو ذمة أو يصير منها في أيديهم شئ مما يحمل فينقل فلا يحل تحريق ذلك لأنه صار للمسلمين
ويحرقوا ما سواه مما لا يحمل وإنما زعمت أنه لا يحرم تحريق شجرهم وعامرهم وإن طمع بهم لأنه قد
يطمع بالقوم ثم يكون الامر على غير ما عليه الطمع وإنها حرقت ولم يحرزها المسلمون وإنما زعمت أن
لهم الكف عن تحريقها لأن هكذا أصل المباح وقد حرق النبي صلى الله عليه وسلم على قوم ولم يحرق
على آخرين وإن حمل المسلمون شيئا من أموالهم فلم يقتسموه حتى أدركهم عدو وخافوا غلبتهم عليه فلا
بأس أن يحرقوه بأن أجمعوا على ذلك وكذلك لو اقتسموه لم أر بأسا على أحد صار في يده أن يحرقه وإن
كانوا يرجون منعه لم أحب أن يعجلوا بتحريقه والبيض ما لم يكن فيه فراخ من غير ذوات الأرواح (1)
بمعنى الكفار وما ذبحوا من ذوات الأرواح حتى زايله الروح بمنزلة مالا روح له فيحرق كله إن أدركهم
العدو في بلاد المشركين على ما وصفت إن شاءوا ذلك وإن شاءوا تركوه فأما ذوات الأرواح من الخيل
والبقر والنحل وغيرها فلا تحرق ولا تعقر ولا تغرق إلا بما يحل به ذبحها أو في موضع ضرورة (2) فقلت
كتاب الله عز وجل ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى في بنى النضير حين حاربهم

(1) لعله زائد من قلم الناسخ لا معنى له أو محرف وأصله (من مقتضى الكفار) تأمل وحرر.
(2) كذا في النسخة ولعل أصله (فقلت وما دليلك؟ قال كتاب الله الخ) وحرر.
272

رسول الله صلى الله عليه وسلم (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب) قرأ إلى (يخربون بيوتهم
بأيديهم وأيدي المؤمنين) فوصف إخرابهم منازلهم بأيديهم وإخراب المؤمنين بيوتهم ووصفه إياه جل ثناؤه
كالرضا به وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخل من ألوان نخلهم فأنزل الله تبارك وتعالى رضا بما
صنعوا من قطع نخيلهم (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين)
فرضى القطع وأباح الترك فالقطع والترك موجودان في الكتاب والسنة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قطع نخل بنى النضير وترك وقطع نخل غيرهم وترك وممن غزا من لم يقطع نخله (قال الشافعي)
أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عبقة عن نافع عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قطع نخل بن النضير (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم ابن سعد بن إبراهيم عن ابن
شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق أموال بنى النضير فقال قائل:
وهان على سراة بنى لؤي * حريق بالبويرة مستطير
فإن قال قائل ولعل النبي صلى الله عليه وسلم حرق مال بنى النضير ثم ترك قيل على معنى ما أنزل
الله عز وجل قد قطع وحرق بخيبر وهي بعد النضير وحرق بالطائف وهي آخر غزاة قاتل بها وأمر أسامة
بن زيد أن يحرق على أهل أبنى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا بعض أصحابنا عن عبد الله بن
جعفر الأزهري قال سمعت ابن شهاب يحدث عن عروة عن أسامة بن زيد قال أمرني رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن أغزو صباحا على أهل أبنى وأحرق.
الخلاف في التحريق
قلت للشافعي رحمه الله تعالى: فهل خالف ما قلت في هذا أحد؟ فقال نعم بعض إخواننا من
مفتى الشاميين فقلت إلى أي شئ ء ذهبوا؟ قال إلى أنهم رووا عن أبي بكر أنه نهى أن يخرب عامر وأن
يقطع شجر مثمر فيها فيما نهى عنه قلت فما الحجة عليه؟ قال ما وصفت من الكتاب والسنة فقلت
علام تعد نهى أبى بكر عن ذلك؟ فقال الله تعالى أعلم أما الظن به فإنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم
يذكر فتح الشام فكان على يقين منه فأمر بترك تخريب العامر وقطع المثمر ليكون للمسلمين لا لأنه رآه
محرما لأنه قد حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم تحريقه بالنضير وخيبر والطائف فلعلهم أنزلوه على غير
ما أنزله عليه والحجة فيما أنزل الله عز وجل في صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وكل شئ في
وصية أبى بكر سوى هذا فيه نأخذ.
ذوات الأرواح
قلت للشافعي رحمه الله تعالى أفرأيت ما ظفر المسلمون به من ذوات الأرواح من أموال المشركين
من الخيل والنحل وغيرها من الماشية فقدروا على إتلافه قبل أن يغنموه أو غنموه فأدركهم العدو فخافوا
أن يستنقذوه منهم ويقووا به على المسلمين أيجوز لهم إتلافه بذبح أو عقر أو تحريق أو تغريق في شئ من
الأحوال؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لا يحل عندي أو يقصد قصده بشئ يتلفه إذا كان لا
273

راكب عليه فقلت للشافعي ولم قلت وإنما هو مال من أموالهم لا يقصد قصده بالتلف؟ (قال
الشافعي) لفراقه ما سواه من المال لأنه ذو روح يألم بالعذاب ولا ذنب له وليس كما لا روح له يألم
بالعذاب من أموالهم وقد نهى عن ذوات الأرواح أن يقتل ما قدر عليه منها إلا بالذبح لتؤكل وما امتنع
بما نيل من السلاح لتؤكل وما كان منها عداء وضارا للضرورة قلت للشافعي أذكر ما وصفت فقال
أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عز وجل عن قتلها) (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى فلما كان قتل ذوات الأرواح من البهائم محظورا إلا بما وصفت كان عقر الخيل والدواب التي لا
ركبان عليها من المشركين داخلا في معنى الحظر خارجا من معنى المباح فلم يجز عندي ان تعقر ذوات
الأرواح إلا على ما وصفت فإن قال قائل ففي ذلك غيظ المشركين وقطع لبعض قوتهم قيل له إنما ينال
من غيظ المشركين بما كان غير ممنوع من أن ينال فأما الممنوع فلا يغاظ أجد بأن يأتي الغائظ له ما نهى
عن إتيانه ألا ترى أنا لو سبينا نساءهم وولدانهم فأدركونا فلم نشك في استنفاذهم إياهم منا لم يجز لنا
قتلهم وقتلهم أغيظ لهم وأنكى من قتل دوابهم فإن قال قائل فقد روى أن جعفر ابن أبي طالب عقر
عند الحرب؟ فلا أحفظ ذلك من وجه يثبت على الانفراد ولا أعلمه مشهورا عند عوام أهل العلم
بالمغازي قيل للشافعي رحمه الله تعالى أفرأيت الفارس من المشركين أللمسلم أن يعقره؟ قال نعم إن شاء
الله تعالى لأن هذه منزلة يجد السبيل بها إلى قتل من أمر بقتله فإن قال قائل فاذكر ما يشبه هذا قيل
يكون له أن يرمى المشرك بالنبل والنار والمنجنيق فإذا صار أسيرا في يديه لم يكن له أن يفعل ذلك به
وكان له قتله بالسيف وكذلك له أن يرمى الصيد فيقتله فإذا صار في يديه لم يقتله إلا بالذكاء التي هي
أخف عليه وقد أبيح له دم المشرك بالمنجنيق وإن أصاب ذلك بعض من معهم ممن هو محظور الدم
للمرء في دفعه عن نفسه عدوه أكثر من هذا فإن قال فهل في هذا خبر؟ قيل نعم عقر حنظلة بن
الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد فرسه فانكسعت به وصرع عنها فجلس حنظلة على صدره
وعطف ابن شعوب على حنظلة فقتله وذلك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نعلم رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك عليه ولا نهاه ولا نهى غيره عن مثل هذا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
ولكنه إذا صار إلى أن يفارقه فارسه لم يكن له عقره في تلك الحال والله تعالى أعلم وكذلك لو كانت
عليه امرأة أو صبي لا يقاتل لم يعقر إنما يعقر لمعنى أن يوصل إلى فارسه ليقتل أو ليؤسر قيل للشافعي فهل
سمعت في هذا حديثا عمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال إنما الغاية أن يوجد على شئ دلالة
من كتاب أو سنة وقد وصفت لك بعض ما حضرني من ذلك فلا يزيده شئ وافقه قوة ولا يوهنه شئ
خالفه وقد بلغنا عن أبي أمامة الباهلي أنه أوصى ابنه لا يعقر جسدا وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى
عن عقر الدابة إذا هي قامت وعن قبيصة أن فرسا قام عليه بأرض الروم فتركه ونهى عن عقره (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وأخبرنا من سمع هشام بن الغازي يروى عن مكحول أنه سأله عنه فنهاه وقال
إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة قيل للشافعي أفرأيت ما أدرك معهم من أموال المشركين من
ذوات الأرواح؟ قال لا تعقروا منه شيئا إلا أن تذبحوه لتأكلوا كما وصفت بدلالة السنة وأما ما فارق
ذوات الأرواح فيصنعون فيما خافوا أن يستنقذ من أيديهم فيه ما شاءوا من تحريق وكسر وتغريق وغيره
قلت أو يدعون أولادهم ونساءهم ودوابهم؟ فقال نعم إذا لم يقدروا على استنقاذهم منهم فقلت
للشافعي أفرأيت إن كان السبي والمتاع قسم؟ قال كل رجل صار له من ذلك شئ فهو مسلط على ماله
274

ويدع ذوات الأرواح إن لم يقو على سوقها وعلى منعها ويصنع في غير ذوات الأرواح ما شاء فقلت
للشافعي أفرأيت الإمام إذا أحرز ما يحمل من المتاع فحرقه في بلاد الشرك وهو يقاتل أو حرقه عند
إدراك المشركين له وخوفه أن يستنقذوه قبل أن يقسم وبعد ما قسم؟ فقال كل ذلك في الحكم سواء إن
أحرقه بإذن من معه حل له ولم يضمن لهم سواه ويعزل الخمس لأهله فإن سلم به دفعه إليهم خاصة
وإن لم يسلم به لم يكن عليه شئ ومتى حرقه بغير إذنهم ضمنه لهم إن شاءوا وكذلك رجل من المسلمين
إن حرقه يضمن ما حرق منه إن حرقه بعد أن يجوزه المسلمون فأما إذا أحرقه قبل أن يحرز فلا ضمان
عليه.
السبي يقتل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا أسر المشركون فصاروا في يد الإمام ففيهم حكمان، أما
الرجال البالغون فللإمام إن شاء أن يقتلهم أو بعضهم أو يمن عليهم أو على بعضهم ولا ضمان عليه فيما
صنع من ذلك أسرتهم العامة أو أحد أو نزلوا على حكمهم أو وال هو أسرهم (قال الشافعي) ولا ينبغي
له أن يقتلهم إلا على النظر للمسلمين من تقوية دين الله عز وجل وتوهين عدوه وغيظهم وقتلهم بكل
حال مباح ولا ينبغي له أن يمن عليهم إلا بأن يكون يرى له سببا ممن من عليه يرجو إسلامه أو كفه
المشركين أو تخذيلهم عن المسلمين أو ترهيبهم بأي وجه ما كان وإن فعل على غير هذا المعنى كرهت له
ولا يضمن شيئا وكذلك له أن يفادى بهم المسلمين إذا كان له المن بلا مفاداة فالمفاداة أولى أن تكون له
(قال الشافعي) رحمه الله: ومن أرق منهم أو أخذ منه فدية فهو كالمال الذي غنمه المسلمون يقسم
بينهم ويخمس (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ودون البالغين من الرجال والنساء إذا أسروا بأي وجه
ما كان الأسئار فهم كالمتاع المغنوم ليس له ترك أحد منهم ولا قتله فإن فعل كان ضامنا لقيمته وكذلك
غيره من الجند إن فعل كان ضامنا لقيمة ما استهلك منهم وأتلف.
سير الواقدي
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا رحمه الله تعالى قال: أصل فرض الجهاد والحدود على البالغين
من الرجال والفرائض على البوالغ من النساء من المسلمين في الكتاب والسنة من موضعين فأما الكتاب
فقول الله تعالى (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) فأخبر أن عليهم
إذا بلغوا الاستئذان فرضا كما كان على من قبلهم من البالغين وقوله عز وجل (وابتلوا اليتامى حتى إذا
بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا) وكان بلوغ النكاح استكمال خمس عشرة وأقل فمن بلغ النكاح
استكمل خمس عشرة أو قبلها ثبت عليه الفرض كله والحدود ومن أبطأ عنه بلوغ النكاح فالسن التي
يلزمه بها الفرائض من الحدود وغيرها استكمال خمس عشرة والأصل فيه من السنة أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم رد عبد الله بن عمر عن الجهاد وهو ابن أربع عشرة سنة وأجازه وهو ابن خمس عشرة
سنة وعبد الله وأبو عبد الله طالبان لأن يكون عبد الله مجاهدا في الحالين فأجازه إذا بلغ أن تجب عليه
275

الفرائض ورده إذا لم يبلغها وفعل ذلك مع بضعة عشر رجلا منهم زيد بن ثابت ورافع بن خديج
وغيرهم فمن لم يستكمل خمس عشرة ولم يحتلم قبلها فلا جهاد ولاحد عليه في شئ من الحدود وسواء
كان جسيما شديدا مقاربا لخمس عشرة وليس بينه وبين استكمالها إلا يوما أو ضعيفا (1) موديا بينه
وبين استكمالها سنة أو سنتان لأنه لا يحد على الخلق إلا بكتاب أو سنة فأما إدخال الغفلة معهما فالغفلة
مردودة إذا لم تكن خلافهما فكيف إذا كانت بخلافهما؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وحد البلوغ
في أهل الشرك الذين يقتل بالغهم ويترك غير بالغهم أن ينبتوا الشعر وذلك أنهم في الحال التي يقتلون
فيها مدافعون للبلوغ لئلا يقتلوا وغير مشهود عليهم فلو شهد عليهم أهل الشرك لم يكونوا ممن تجوز
شهادتهم وأهل الاسلام يشهدون بالبلوغ على من بلغ فيصدقون بالبلوغ. فإن قال قائل فهل من خبر
سوى الفرق بين المسلمين والمشركين في حد البلوغ؟ قيل نعم كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة
حين قتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم فكان من سنته أن لا يقتل إلا رجل بالغ فمن كان أنبت قتله
ومن لم يكن أنبت سباه فإذا غزا البالغ فحضر القتال فسهمه ثابت وإذا حضر من دون البلوغ فلا سهم
له فيرضخ له وللعبد، والمرأة والصبي يحضرون الغنيمة ولا يسهم لهم ويرضخ أيضا للمشرك يقاتل معهم
ولا يسهم له.
الاستعانة بأهل الذمة على قتال العدو
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الذي روى مالك كما روى رد رسول الله صلى الله عليه وسلم
مشركا أو مشركين
في غزاة بدر وأبى أن يستعين إلا بمسلم ثم استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
بدر بسنتين في غزاة خيبر بعدد من يهود بنى قينقاع كانوا أشداء واستعان رسول الله صلى الله عليه وسلم
في غزاة حنين سنة ثمان بصفوان بن أمية وهو مشرك فالرد الأول إن كان لأن له الخيار أن يستعين (2)
بمسلم أو يرده كما يكون له رد المسلم من معنى يخافه منه أو لشدة به فليس واحد من الحديثين مخالفا
للاخر وإن كان رده لأنه لم ير أن يستعين بمشرك فقد نسخه ما بعده من استعانته بمشركين فلا بأس أن
يستعان بالمشركين على قتال المشركين إذا خرجوا طوعا ويرضخ لهم ولا يسهم لهم ولم يثبت عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه أسهم لهم ولا يجوز أن يترك العبيد من المسلمين بلا سهم وغير البالغين وإن قاتلوا
والنساء وإن قاتلن لتقصير هؤلاء عن الرجلية والحرية والبلوغ والاسلام ويسهم للمشرك وفيه التقصير
الأكثر من التقصير عن الاسلام وهذا قول من حفظت عنه وإن أكره أهل الذمة على أن يغزوا فلهم أجر
مثلهم في مثل مخرجهم من أهلهم إلى أن تنقضي الحرب وإرسالهم إياهم وأحب إلى إذا غزا بهم لو
استؤجروا.

(1) أي مستورا بالسلاح، يقال: أودى إذا تكفر بالسلاح واستتر به، راجع اللغة.
(2) لعله: (بمشرك) فتأمل.
276

الرجل يسلم في دار الحرب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا أسلم الرجل من أهل دار الحرب كان مشركا أو مستأمنا فيهم
أو أسيرا في أيديهم سواء ذلك كله فإذا خرج إلى المسلمين بعد ما غنموا فلا يسهم له وهكذا من جاءهم
من المسلمين مددا وإن بقي من الحرب شئ شهدها هذا المسلم الخارج أو الجيش شركوهم في الغنيمة
لأنها لم تحرز إلا بعد تقضى الحرب وقال عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه (الغنيمة لمن شهد
الوقعة) فإن حضر واحد من هؤلاء فارسا أسهم له سهم فارس وإن حضر راجلا أسهم له سهم راجل
فإن قاتل التجار مع المسلمين أسهم لهم سهم فرسان إن كانوا فرسانا وسهم رجالة إن كانوا رجالة.
في السرية تأخذ العلف والطعام
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يجوز لاحد من الجيش أن يأخذ شيئا دون الجيش مما يتموله
العدو إلا الطعام خاصة والطعام كله سواء وفي معناه الشراب كله فمن قدر منهم على شئ له ان يأكله أو
يشربه ويعلفه ويطعمه غيره ويسقيه ويعلف له وليس أن يبيعه وإذا باعه رد ثمنه في المغنم ويأكله بغير إذن الإمام
وما كان حلالا من مأكول أو مشروب فلا معنى للإمام فيه والله تعالى أعلم.
في الرجل يقرض الرجل الطعام أو العلف إلى دار الاسلام
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقرض الرجل رجلا طعاما أو علفا في بلاد العدو رده فإن
خرج من بلاد العدو لم يكن له رده عليه لأنه مأذون له في بلاد العدو في أكله وغير مأذون له إن فارق
بلاد العدو في أكله ويرده المستقرض على الإمام.
الرجل يخرج الشئ من الطعام أو العلف إلى دار الاسلام
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن فضل من يديه شئ من الطعام قل أو كثر فخرج به من
دار العدو إلى دار الاسلام لم يكن له أن يبيعه ولا يأكله وكان عليه أن يرده إلى الإمام فيكون في المغنم
فإن لم يفعل حتى يتفرق الجيش فلا يخرجه منه أن يتصدق به ولا بأضعافه كما لا يخرجه من حق
واحد ولا جماعة إلا تأديته إليهم فإن قال لا أجدهم فهو يجد الإمام الأعظم الذي عليه تفريقه فيهم ولا
أعرف لقول من قال يتصدق به وجها فإن كان ليس له مالا فليس له الصدقة بمال غيره فإن قال لا
أعرفهم قيل ولكن تعرف الوالي الذي يقوم به عليهم ولو لم تعرفهم ولا واليهم ما أخرجك فيما بينك وبين
الله إلا أداء قليل مالهم وكثيره عليهم.
277

الحجة في الأكل والشرب في دار الحرب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن قال قائل كيف أجزت لبعض المسلمين أن يأكل ويشرب
ويعلف مما أصاب في دار الحرب ولم تجز له أن يأكل بعد فراقه إياها؟ قيل إن الغلول حرام وما كان في
بلاد الحرب فليس لأحد أن يأخذ منه شيئا دون أحد حضره فهم فيه شرع سواء على ما قسم لهم فلو
أخذ إبرة أو خيطا كان محرما وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أدوا الخيط والمخيط فإن الغلول
عار وشنار ونار يوم القيامة) فكان الطعام داخلا في معنى أموال المشركين وأكثر من الخيط والمخيط
والفلس والخرزة التي لا يحل أخذها لاحد دون أحد فلما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطعام
في بلاد الحرب كان الاذن فيه خاصا خارجا من الجملة (1) التي استثنى فلم يجز أن نجيز لاحد أن يأكل
إلا حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالاكل وهو ببلاد الحرب خاصة فإذا زايلها لم يكن بأحق بما
أخذ من الطعام من غيره كما لا يكون بأحق بمخيط لو أخذه من غيره وكذلك كل ما أحل من محرم في
معنى لا يحل إلا في ذلك المعنى خاصة فإذا زايل ذلك المعنى عاد إلى أصل التحريم مثلا الميتة المحرمة
في الأصل المحلة للمضطر فإذا زايلت الضرورة عادت إلى أصل التحريم مع أنه يروى من حديث
بعض الناس مثل ما قلت من أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم أن يأكلوا في بلاد العدو ولا يخرجوا
بشئ من الطعام فإن كان مثل هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا حجة لاحد معه وإن كان لا
يثبت لأن في رجاله من يجهل وكذلك في رجال من روى عنه إحلاله من يجهل.
بيع الطعام في دار الحرب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تبايع رجلان طعاما بطعام في بلاد العدو فالقياس أنه لا
بأس به لأنه إنما أخذ مباحا بمباح فأكل كل واحد منهما ما صار إليه ما لم يخرج فإذا خرج رد الفضل
فإذا جاز له أن يأخذ طعاما فيطعمه غيره لأنه قد كان يحل لغيره أن يأخذ كما أخذ فيأكل فلا بأس أن
يبايعه به.
الرجل يكون معه الطعام في دار الحرب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا فضل في يدي رجل طعام ببلاد العدو بعد تقضى الحرب
ودخل رجل لم يشركهم في الغنيمة فبايعه لم يجز له بيعه لأنه أعطى من ليس له أكله والبيع مردود فإن
فات رد قيمته إلى الإمام ولم يكن له حبسها ولا إخراجها من يديه إلى من ليس له أكلها وكان كإخراجه
إياها من بلاد العدو إلى الموضع الذي ليس له أكلها فيه.

(1) كذا في النسخ ولعله (من الجملة التي استثنى منها) تأمل.
278

ذبح البهائم من أجل جلودها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأحب إلى إذا كانوا غير متفاوتين ولا خائفين من أن يدركوا في
بلاد العدو ولا مضطرين أن لا يذبحوا شاة ولا بعيرا ولا بقرة إلا لمأكله ولا يذبحوا لنعل ولا شراك ولا
سقاء يتخذونها من جلودها ولو فعلوا كان مما أكره ولم أجز لهم اتخاذ شئ من جلودها (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: وجلود البهائم التي يملكها العدو كالدنانير والدراهم لأنه إنما أذن لهم في الاكل من
لحومها ولم يؤذن لهم في ادخار جلودها وأسقيتها وعليهم رده إلى المغنم وإذا كانت الرخصة في الطعام
خاصة فلا رخصة في جلد شئ من الماشية ولا ظرف فيه طعام لأن الظرف غير الطعام والجلد غير
اللحم فيرد الظرف والجلد والوكاء فإن استهلكه فعليه قيمته وإن انتفع به فعليه ضمانه حتى يرده وما
نقصه الانتفاع وأجر مثله إن كان لمثله أجر.
كتب الأعاجم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وما وجد من كتبهم فهو مغنم كله وينبغي للإمام أن يدعو من
يترجمه فإن كان علما من طب أو غيره لا مكروه فيه باعه كما يبيع ما سواه من المغانم وإن كان كتاب
شرك شقوا الكتاب وانتفعوا بأوعيته وأداته فباعها ولا وجه لتحريقه ولا دفنه قبل أن يعلم ما هو.
توقيح الدواب من دهن العدو
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يوقح الرجل دابته ولا يدهن أشاعرها من أدهان العدو لأن
هذا غير مأذون له به من الاكل وإن فعل رد قيمته.
زقاق الخمر والخوابي
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ظهر المسلمون على بلاد الحرب حتى تصير دار الاسلام أو
ذمة يجرى عليها الحكم فأصابوا فيها خمرا في خواب أو زقاق أهراقوا الخمر وانتفعوا بالزقاق والخوابي
وطهروها ولم يكسروها لأن كسرها فساد وإذا لم يظهروا عليها وكان ظفرهم بها ظفر غارة لأظهر أن
يجرى بها حكم أهراقوا الخمر من الزقاق والخوابي فإن استطاعوا حملها أو حمل ما خف منها حملوه
مغنما وإن لم يستطيعوا أحرقوه وكسروه إذا ساروا وإذا ظفروا بالكشوث في الحالين انتفعوا به وكذلك
كل ما ظهروا عليه غير محرم وليس الكشوث وإن كان غير محرم وإن كان يطرح في السكر إذا كان حلالا
بأولى أن يحرم من الزبيب والعسل اللذين يعمل منهما المحرم ولا يحرق هذا ولا هذا لأنهما غير محرمين.
279

إحلال ما يملكه العدو
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا دخل القوم بلاد العدو فأصابوا منها شيئا سوى الطعام
فأصل ما يصيبونه سوى الطعام شيئان أحدهما محظور أخذه غلول والآخر مباح لمن أخذه. فأصل معرفة
المباح منه أن ينظر إلى بلاد الاسلام فما كان فيها مباحا من شجر ليس يملكه الآدمي أو صيد من بر أو
بحر فأخذ مثله في بلاد العدو فهو مباح لمن أخذه يدخل في ذلك القوس يقطعها الرجل من الصحراء
أو الجبل والقدح ينحته وما شاء من الخشب وما شاء من الحجارة البرام وغيرها إذا كانت غير مملوكة
محرزة. فكل ما أصيب من هذه فهو لمن أخذه لأن أصله مباح غير مملوك وكل ما ملكه القوم فأحرزوه
في منازلهم فهو ممنوع مثل حجر نقلوه إلى منازلهم أو عود أو غيره أو صيد فأخذ هذا غلول.
البازي المعلم والصيد المقرط والمقلد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أخذ الرجل بازيا معلما فهذا لا يكون إلا مملوكا ويرده في
الغنم وهكذا إن أخذ صيدا مقلدا أو مقرطا أو موسوما فكل هذا قد علم أنه قد كان له مالك وهكذا إن
وجد في الصحراء وتدا منحوتا أو قدحا منحوتا كان النحت دليلا على أنه مملوك فيعرف فإن عرفه
المسلمون فهو لهم وإن لم يعرفوه فهو مغنم لأنه في بلاد العدو.
في الهر والصقر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وما وجدنا من أموال العدو من كل شئ له ثمن من هر أو صقر
فهو مغنم وما أصيب من الكلاب فهو مغنم إن أراده أحد لصيد أو ماشية أو زرع وإن لم يكن في الجيش
أحد يريده لذلك لم يكن لهم حبسه لأن من اقتناه لغير هذا كان آثما ورأيت لصاحب الجيش أن
يخرجه فيعطيه أهل الأخماس من الفقراء والمساكين ومن ذكر معهم إن أراده أحد منهم لزرع أو ماشية
أو صيد فإن لم يرده قتله أو خلاه ولا يكون له بيعه وما أصاب من الخنازير فإن كانت تعدو إذا كبرت
بقتلها كلها ولا تدخل مغنما بحال ولا تترك وهو عواد إذا قدر على قتلها فإن عجل به مسير خلاها ولم
يكن ترك قتلها بأكثر من ترك قتال المشركين لو كانوا بإزائه.
في الأدوية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الطعام مباح أن يؤكل في بلاد العدو وكذلك الشراب وإنما
ذهبنا إلى ما يكون مأكولا مغنيا من جوع وعطش ويكون قوتا في بعض أحواله فأما الأدوية كلها
فليست من حساب الطعام المأذون وكذلك الزنجيل وهو مربب وغير مربب إنما هو من حساب الأدوية
وأما الألايا فطعام يؤكل فما كان من حساب الطعام فلصاحبه أكله لا يخرجه من بلاد العدو وما كان
من حساب الدواء فليس له أخذه في بلاد العدو
ولاغيرها.
280

الحربي يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة
(قال الشافعي) وإذا أسلم الرجل الحربي وثنيا كان أو كتابيا وعنده أكثر من أربع نسوة نكحهن في
عقدة أو عقد متفرقة أو دخل بهن كلهن أو دخل ببعضهن دون بعض أو فيهن أختان أو كلهن غير أخت
للأخرى قيل له أمسك أربعا أيتهن شئت ليس في الأربع أختان تجمع بينهما ولا ينظر في ذلك إلى
نكاحه أية كانت قبل وبهذا مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
أخبرنا الثقة وأحسبه ابن علية عن معمر عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده
عشر نسوة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمسك أربعا وفارق سائرهن) (قال الشافعي) أخبرنا
مالك عن ابن شهاب أن رجلا من ثقيف أسلم وعنده عشر نسوة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
(أمسك أربعا وفارق سائرهن) (قال الشافعي) أخبرني من سمع ابن أبي الزناد يقول أخبرني عبد المجيد
بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن عوف بن الحرث عن نوفل بن معاوية الديلمي قال أسلمت
وعندي خمس نسوة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمسك أربعا أيتهن شئت وفارق الأخرى) فعمدت إلى أقدمهن صحبة عجوز عاقر معي منذ ستين سنة فطلقتها (قال الشافعي) فخالفنا بعض
الناس في هذا فقال إذا أسلم وعنده أكثر من أربع نسوة فإن كان نكحهن في عقدة فارقهن كلهن وإن
كان نكح أربعا منهن في عقد متفرقة فيهن أختان أمسك الأولى وفارق التي نكح بعدها وإن كان
نكحهن في عقد متفرقة أمسك الأربع الأوائل وفارق اللواتي بعدهن وقال أنظر في هذا إلى كل ما لو
ابتدأه في الاسلام جاز له فأجعله إذا ابتدأه في الشرك جائرا له وإذا كان ابتدأه في الاسلام لم يجز
له جعلته إذا ابتدأه في الشرك غير جائز له (قال الشافعي) فقلت لبعض من يقول هذا القول لو لم يكن
عليك حجة إلا أصل القول الذي ذهبت إليه كنت محجوجا به قال ومن أين؟ قلت أرأيت أهل
الأوثان لو ابتدأ رجل نكاحا في الاسلام بولي منهم وشهود منهم أيجوز نكاحه؟ قال لا قلت أفرأيت
أحسن حال نكاح كان لأهل الأوثان قط أليس أن ينكح الرجل بولي منهم وشهود منهم؟ قال بلى قلت
فكان يلزمك في أصل قولك أن يكون نكاحهن كلهن باطلا لأن أحسن شئ كان منه عندك لا يجوز
في الاسلام مع أنهم قد كانوا ينكحون في العدة وبغير شهود قال فقد أجاز المسلمون لهم نكاحهم قلنا
اتباعا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت لم تتبع فيه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم في نكاحهن حكما جمع أمورا فكيف خالفت بعضها ووافقت
بعضها؟ قال فأين ما خالفت منها؟ قلت موجود على لسانك لو لم يكن فيه خبر غيره قال وأين؟ قلت
إذا زعمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عفا لهم عن العقد الفاسد في الشرك حتى أقامه مقام
الصحيح في الاسلام فكيف له تعفه لهم فتقول بما قلنا قال وأين عفا لهم عن النكاح الفاسد قلت نكاح
أهل الأوثان كله قال فقد علمت أنه فاسد لو ابتدئ في الاسلام ولكن اتبعت فيه الخبر قلنا فإذا كان
موجودا في الخبر أن العقد الفاسد في الشرك كالعقد في الاسلام كيف لم تقل فيه بقولنا تزعم أن العقود
كلها فاسدة ولكنها ماضية فهي معفوة وما أدرك الاسلام من النساء وهو باق فهو غير معفو العدد فيه
فنقول أصل العقد كله فاسد معفو عنه وغير معفو عما زاد من العدد فاترك ما زاد على أربع والترك إليك
وأمسك أربعا قال فهل تجد على هذا دلالة غير الخبر مما تجامعك عليه؟ قلت نعم قال الله عز وجل
(اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) إلى (تظلمون) فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عما
281

قبضوا من الربا فلم يأمرهم برده وأبطل ما أدرك حكم الاسلام من الربا ما لم يقبضوه فأمرهم بتركه
وردهم إلى رؤوس أموالهم التي كانت حلالا لهم فجمع حكم الله ثم حكم رسوله صلى الله عليه وسلم
في الربا أن عفا عما فات وأبطل ما أدرك الاسلام فكذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في النكاح
كانت العقدة فيه ثابتة فعفاها وأكثر من أربع نسوة مدركات في الاسلام فلم يعفهن وأنت لم تقل بأصل
ما قلت ولا القياس على حكم الله ولا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قولك خارجا من
هذا كله ومن المعقول. قال أفرأيت لو تركت حديث نوفل بن معاوية وحديث ابن الديلمي اللذين فيهما
البيان لقولك وخلاف قولنا واقتصرت على حديث الزهري أيكون فيه دلالة على قولك وخلاف قولنا؟
قلنا: نعم؟ قال وأين؟ قلت إذا كانوا مبتدئين في الاسلام لا يعرفون بابتدائه حلالا ولا حراما من
نكاح ولاغيره فعليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يمسكوا أكثر من أربع دل المعقول على أنه لو
كان أمرهم أن يمسكوا الأوائل كان ذلك فيما يعلمهم لأن كلا نكاح إلا أن يكون قليلا ثم هو أولى ثم
أحرى مع أن حديث نوفل بن معاوية ثبت قاطع لموضع الاحتجاج والشبهة.
الحربي يصدق امرأته
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأصل نكاح الحربي كله فاسد سواء كان بشهود أو بغير شهود
ولو تزوج الحربي حربية على حرام من خمر أو خنزير فقبضته ثم أسلما لم يكن لها عليه مهر ولو أسلما ولم
تقبضه كان لها عليه مهر مثلها. ولو تزوجها على حر مسلم أو مكاتب لمسلم أو أم ولد لمسلم أو عبد لمسلم ثم
أسلما وقد قبضت أو لم تقبض لم يكن لها سبيل على واحد منهم كان الحر حرا ومن بقي مملوكا لمالكه
الأول والمكاتب مكاتب لمالكه ولها مهر مثلها في هذا كله، والله سبحانه وتعالى الموفق.
كراهية نساء أهل الكتاب الحربيات
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أحل الله تبارك وتعالى نساء أهل الكتاب وأحل طعامهم فذهب
بعض أهل التفسير إلى أن طعامهم ذبائحهم فكان هذا على الكتابيين محاربين كانوا أو ذمة لأنه قصد
بهم قصد أهل الكتاب فنكاح نسائهم حلال لا يختلف في ذلك أهل الحرب وأهل الذمة كما لو كان
عندنا مستأمن غير كتابي وكان عندنا ذمة مجوس فلم تحلل نساؤهم إنما رأينا الحلال والحرام فيهم على أن
يكن كتابيات من أهل الكتاب المشهور من أهل التوراة و الإنجيل وهم اليهود والنصارى فيحللن ولو كن
يحللن في الصلح والذمة ويحرمن من المحاربة حل المجوسيات والوثنيات إذا كن مستأمنات غير أنا نختار
للمرء أن لا ينكح حربية خوفا على ولده أن يسترق ويكره له أن لو كانت مسلمة بين ظهراني أهل
الحرب أن ينكحها خوفا على ولده أن يسترقوا أن يفتنوا فأما تحريم ذلك فليس بمحرم والله تعالى أعلم.
من أسلم على شئ غصبه أو لم يغصبه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: روى ابن أبي مليكة مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من
282

أسلم على شئ فهو له) وكان معنى ذلك من أسلم على شئ يجوز له ملكه فهو له. وذلك كل ما كان
جائزا للمسلم من المشركين أسلم عليه مما أخذه من مال مشرك لا ذمة له فإن غصب بعضهم بعضا مالا
أو استرق منهم حرا فلم يزل في يده موقوفا حتى أسلم عليه فهو له. وكذلك ما أصاب من أموالهم فأسلم
عليها فهي له، وهو إذا أسلم وقد مضى ذلك منه في الجاهلية كالمسلمين يوجفون على أهل دار الحرب
فيكون لهم أن يسبوهم فيسترقوهم ويغنموا أموالهم فيتمولونها إلا أنه لا خمس عليهم من أجل أنه أخذه
وهو مشرك فهو له كله ومن أخذ من المشركين من أحد من المسلمين حرا أو عبدا أو أم ولد أو مالا
فأحرزه عليه ثم أسلم عليه فليس له منه شئ وكذلك لو أوجف المسلمون عليه في يدي من أخذه كان
عليهم رد ذلك كله بلا قيمة قبل القسم وبعده لا يختلف ذلك والدلالة عليه من الكتاب وكذلك دلت
السنة وكذلك يدل العقل والاجماع في موضع وإن تفرق في آخر لأن الله عز وجل أورث المسلمين
أموالهم وديارهم فجعلها غنما لهم وخولا لاعزاز أهل دينه وإذلال من حاربه سوى أهل دينه. ولا يجوز
أن يكون المسلمون إذا قدروا على أهل الحرب تخولوهم وتمولوا أموالهم ثم يكون أهل الحرب يحوزون على
الاسلام شيئا فيكون لهم أن يتخولوه أبدا، فإن قال قائل فأين السنة التي دلت على ما ذكرت؟ قيل
أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن
المشركين أسروا امرأة من الأنصار وأحرزوا ناقة للنبي صلى الله عليه وسلم فانفلتت الأنصارية من الأسئار
فركبت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فأرادت نحرها حين وردت المدينة وقالت إني نذرت لئن أنجاني
الله عليها لأنحرنها فمنعوها حتى يذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فذكروه له فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم (لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم) وأخذ ناقته (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: فلو كان المشركون إذا أحرزوا شيئا كان لهم لانتفى أن تكون الناقة إلا للأنصارية كلها لأنها
أحرزتها عن المشركين أو يكون لها أربعة أخماسها وتكون مخموسة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم
ير لها منها شيئا وكان يراها على أصل ملكه ولا أعلم أحدا يخالف في أن المشركين إذا أحرزوا عبدا
لرجل أو مالا له فأدركه قد أوجف المسلمون عليه قبل المقاسم أن يكون له بلا قيمة. ثم اختلفوا بعد ما
يقع في المقاسم فقال منهم قائل مثل ما قلت هو أحق به وعلى الإمام أن يعوض من صار في سهمه مثل
قيمته من خمس الخمس وهو سهم النبي صلى الله عليه وسلم وهذا القول يوافق الكتاب والسنة
والاجماع. ثم قال غيرنا يكون إذا وقع في المقاسم أحق به إن شاء بالقيمة وقال غيرهم لا سبيل إليه إذا
وقع في المقاسم وإجماعهم على أنه لمالكه بعد إحراز العدو له وإحراز المسلمين عن العدو له حجة عليهم
في أنه هكذا ينبغي أن يكون بعد القسم، وإذا كانوا لو أحرزه مسلمون متأولين أو غير متأولين فقدروا
عليه بأي وجه ما كان ردوه على صاحبه كان المشركون، أن لا يكون لهم عليهم سبيل أولى بهم وما
يعدوا الحديث لو كان ثابتا أن يكون من أسلم على شئ فهو له فيكون عاما فيكون مال المسلم والمشرك
سواء إذا أحرزه العدو فمن قال هذا لزمه أن يقول لو أسلموا على حر مسلم كان لهم أن يسترقوه أو يكون
خاصا فيكون كما قلنا بالدلائل التي وصفنا ولو كان إحراز المشركين لما أحرزوا من أموال المسلمين يصير
ذلك ملكا لهم لو أسلموا عليه ما جاز إذا ما أحرز المسلمون ماء أحرز المشركون أن يأخذه مالكه من
المسلمين بقيمة ولا بغير قيمة قبل القسم ولا بعده وكما لا يجوز فيما سوى ذلك من أموالهم (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا الثقة عن نافع عن ابن عمر أن عبدا له أبق وفرسا له عار فأحرزه
المشركون ثم أحرزه عليهم المسلمون فردا عليه بلاد قيمة. فلو أحرز المشركون امرأة رجل أو أم ولده أو
283

مدبرة أو جارية غير مدبرة فلم يصل إلى اخذها ووصل إلى وطئها لم يحرم عليه أن يطأ واحدة منهن لأنهن
على أصل ملكه والاختيار له أن لا يطأ منهن واحدة خوف الولد أن يسترق وكراهية أن يشركه في
بعضها غيره.
المسلم يدخل دار الحرب فيجد امرأته
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا دخل رجل مسلم دار الحرب بأمان فوجد امرأته أو امرأة
غيره أو ماله أو مال غيره من المسلمين أو أهل الذمة مما غصبه المشركون كان له أن يخرج به من قبل أنه
ليس بملك للعدو ولو أسلموا عليه لم يكن لهم فليس بخيانة كما لو قدر على مسلم غصب شيئا فأخذه بلا
علم المسلم فأداه إلى صاحبه لم يكن خان إنما الخيانة أخذ مالا يحل له أخذه ولكنه لو قدر على شئ من
أموالهم لم يحل له أن يأخذ منه شيئا قل أو كثر لأنه إذا كان منهم في أمان فهم منه في مثله ولأنه لا يحل
له في أمانهم إلا ما يحل له من أموال المسلمين وأهل الذمة لأن المال ممنوع بوجوه أولها إسلام صاحبه
والثاني مال من له ذمة والثالث مال من له أمان إلى مدة أمانه وهو كأهل الذمة فيما يمنع من ماله إلى
تلك المدة.
الذمية تسلم تحت الذمي
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أسلمت الذمية تحت الذمي حاملا كانت لها النفقة حتى
تضع حملها فإن أرضعته فلها أجر الرضاع وهي كالمبتوتة المسلمة الحامل أو أولى بالنفقة منها وإذا كان
بين المشركين ولد فأي الأبوين أسلم فكل من لم يبلغ من الولد تبع للمسلم يصلى عليه إذا مات ويورث
من المسلم ويرثه المسلم وإن كان الأبوان مملوكين لمشرك فأسلم أحدهما تبع المسلم الولدان الذين لم يبلغوا
لأن حكمهم حكم الاسلام لا يجوز عندي إلا هذا القول ما كان الأولاد صغارا وكانوا تبعا لغيرهم لا
يشرك دين الاسلام وغيره (1) في دين إلا كان الاسلام أولى به أو قول ثان أنهم إذا ولدوا على الشرك
كانوا عليه حتى يعربوا عن أنفسهم فلو أسلم أبوهم لم يكن حكم واحد منهم حكم مسلم ولست أقول
هذا ولا أعلم أحدا يقول به من أهل العلم فأما أن يقال الولد للأب حظ الام منه ولو اتبع الام دون
الأب كما يتبعها في العتق والرق كان أولى أن يغلط إليه من أن يقال هو للأب وإن كان الدين ليس من
معنى الرق ولكنه من المعنى الذي وصفت من أن الاسلام إذا شارك غيره في الدين والملك كان
الاسلام أولى والله تعالى أعلم.
باب النصرانية تسلم بعد ما يدخل بها زوجها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى في النصرانية تكون عند النصراني فتسلم بعد ما يدخل بها: لها المهر

(1) لعله (في ذي دين) قوله: مال لم يحدث لعل المراد به الجناية، تأمل.
284

فإن كانت قبضته وإلا أخذته بعد إسلامها أسلم أو لم يسلم فإن لم يكن دخل بها حتى أسلمت قبضت
منه مهرا أو لم تقبضه فسواء ولا يعدو أن يكون لها نصف المهر لأنه لو أسلم كان أحق بها أو لا يكون لها
شئ لأن فسخ النكاح جاء من قبلها فإذا كان هذا فعليها رد شئ إن كانت أخذته له كما لو أخذت منه
شيئا عوضا من شئ كالثمن للسلعة ففاتت السلعة كان عليها رد الثمن فأما لها ما أخذت ولا تأخذ شيئا إن
لم تكن أخذت فلا يشبه هذا من العلم شيئا. والله سبحانه وتعالى أعلم.
النصرانية تحت المسلم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت النصرانية عند المسلم فطهرت من الحيضة جبرت على
الغسل منها فإن امتنعت أدبت حتى تفعل لأنها تمنعه الجماع في الوقت الذي يحل له وقد قال الله عز
وجل (ولا تقربوهن حتى يطهرن) فزعم بعض أهل التفسير أنه حتى يطهرن من الحيض قال الله تعالى
(فإذا تطهرن) يعنى بالماء (فاتوهن من حيث أمركم الله) فلما كان ممنوعا من أن يأتي زوجته إلا بأن
تطهر من الحيضة وتطهر بالماء فيجتمع فيها المعنيان كان بينا أن نجبر النصرانية على الغسل من الحيضة
لئلا يمنع الجماع فأما الغسل من الجنابة فهو مباح له أن يجامعها جنبا فتؤمر به كما تؤمر بالغسل من الوسخ
والدخان وما غير ريحها ولا يبين لي أن تضرب عليه لو امتنعت منه لأنه غسل تنظيف لها.
نكاح نساء أهل الكتاب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أحل الله تبارك وتعالى حرائر المؤمنات واستثنى في إماء المؤمنات
أن يحللهن بأن يجمع ناكحهن أن لا يجد طولا لحرة وأن يخاف العنت في ترك نكاحهن فزعمنا أنه لا
يحل نكاح أمة مسلمة حتى يجمع ناكحها الشرطين اللذين أباح الله نكاحها بهما وذلك أن أصل ما
نذهب إليه إذا كان الشئ مباحا بشرط أن يباح به فلا يباح إذا لم يكن الشرط كما قلنا في الميتة تباح
للمضطر ولا تباح لغيره وفي المسح على الخفين يباح لمن لبسهما كامل الطهارة ما لم يحدث ولا يباح لغيره
وفي صلاة الخوف يباح للخائف أن يخالف بها الصلوات من غير الخوف ولا تباح لغيره وقال الله
تبارك وتعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) فأطلق التحريم تحريما بأمر وقع عليه اسم الشرك قال
(والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) والمحصنات منهن الحرائر فأطلقنا من استثنى الله
إحلاله وهن الحرائر من أهل الكتاب والحرائر غير الإماء (1) كما قلنا لا يحل نكاح مشركة غير كتابية
وقال غيرنا كذلك كان يلزمه أن يقول وغير حرة حتى يجتمع فيها أن تكون حرة كتابية فإذا كان نكاح
إماء المؤمنين ممنوعا إلا بشرطين كان فيه الدلالة على أنه لا يجوز نكاح غير إماء المؤمنين مع الدلالة الأولى
فإماء أهل الكتاب محرمات من الوجهين في دلالة القرآن، والله تعالى أعلم.

(1) لعله (فقلنا لا تحل الإماء كما قلنا الخ) وبعد ذلك فالعبارة هكذا في عدة نسخ ولا يخفى ما فيها، فتأمل.
285

إيلاء النصراني وظهاره
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا آلى النصراني من امرأته فتحاكما إلينا بعد الأربعة الأشهر
حكمنا عليه حكمنا على المسلم في أن يفئ أو يطلق ونأمره إذا فاء بالكفارة ولا نجبره عليها لأنه لا يسقط
عنه بالشرك من حق الله تعالى شئ وإن كان غير مقبول منه حتى يؤمن فإذا تظاهر من امرأته فرافعته
ورضيا بالحكم فليس في الظهار طلاق فنحكم عليه وإنما فيه كفارة فنأمره بها ولا نجبره عليها كما قلنا في
يمين الايلاء.
في النصراني يقذف امرأته
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قذف النصراني امرأته فرافعته ورضيا بالحكم لاعنا بينهما
وفرقنا ونفينا الولد كما نصنع بالمسلم ولو فعل وترافعا فأبى أن يلتعن عزرناه ولم نحده لأنه ليس على من
قذف نصرانية حد وأقررناها معه لأنا لا نفرق بينهما إلا بالتعانه.
فيمن يقع على جارية من المغنم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وقع الرجل من المسلمين قد شهد الحرب على جارية من
الرقيق قبل أن يقسم فإن لم تحمل أخذ منه عقرها وردت إلى المغنم فإن كان من أهل الجهالة نهى وإن
كان من أهل العلم عزر ولاحد من قبل الشبهة في أنه يملك منها شيئا وإن أحصى المغنم فعرف قدر ملكه
منها مع جماعة أهل المغنم وقع عنه من المهر بحصنه وإن حملت فهكذا وتقوم عليه وتكون أم ولده وإذا
كان الزنا بعينه فلا مهر فيه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن مهر البغى والبغي هي التي تمكن
من نفسها فتكون والذي زنى بها زانيين محدودين فإذا كانت مغصوبة فهي غير زانية محدودة فلها المهر
وعلى الزاني بها الحد.
المسلمون يوجفون على العدو، فيصيبون سبيا فيهم قرابة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أوجف المسلمون على العدو فكان فيهم ولد لمسلم مملوك
للعدو أو كان فيهم ولد لمسلم لم يزل من أهل الحرب وقد شهد ابنه الحرب فصار له الحظ في أبيه أو ابنه
منهم لم يعتق واحد منهما عليه حتى يقسموا فإذا صار أحدهما أو كلاهما في حظه عتق وإن لم يكن يعتق
فإن قال قائل فأنت تقول إذا ملك أباه أو ولده عتق عليه فإنما أقول ذلك إذا اجتلب هو في ملكه بأن
يشتريه أو يتهبه أو يزعم أنه وهب له أو أوصى له به لم أعتقه عليه حتى يقبله وكان له رد الهبة والوصية
فهو إذا أوجف عليه فله ترك حقه من الغنيمة ولا يعتق حتى يصير في ملكه بقسم أو شراء ولا يشبه هذا
الجارية بطؤها وله فيها حق من قبل أنا ندرا الحد بالشبهة ولا نثبت الملك بالشبهة. والله تعالى أعلم.
286

المرأة تسبى مع زوجها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء أهل الحرب من
أهل الأوثان حكمين فأما أحدهما فاللائي سبين فاستؤمن بعد الحرية فقسمهن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ونهى من صرن إليه أن يطأ حائلا حتى تحيض أو حاملا حتى تضع وذلك في سبى أوطاس ودل
ذلك على أن بالسباء نفسه انقطاع العصمة بين الزوجين وذلك أنه لا يأمر بوطئ ذات زوج بعد حيضة
إلا وذلك قطع العصمة وقد ذكر ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أن قول الله عز وجل (والمحصنات من
النساء إلا ما ملكت أيمانكم) ذوات الأزواج اللاتي ملكتموهن بالسبي ولم يكن استيماؤهن بعد الحرية
بأكثر من قطع العصمة بينهن وبين أزواجهن وسواء أسرن مع أزواجهن أو قبل أزواجهن أو بعد أوكن
في دار الاسلام أو دار الحرب لا تقع العصمة إلا ما كان بالسباء الذي كن به مستأميات بعد الحرية
وقد سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا من هوازن فما علمناه سأل عن أزواج المسبيات أسبوا
معهن أو قبلهن أو بعدهن أو لم يسبوا ولو كان في أزواجهن معنى لسأل عنهن إن شاء الله تعالى فأما قول
من قال خلاهن النبي صلى الله عليه وسلم فرجعن إلى أزواجهن فإن كان المشركون استحلوا شيئا من
نسائهم فلا حجة بالمشرك وإن كانوا أسلموا فلا يجوز أن يكن يرجعن إلى أزواجهن إلا بنكاح جديد من
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أباحهن لمالكيهن وهو لا يبحهن والنكاح ثابت عليهن ولا يبيحهن إلا
بعد انقطاع النكاح وإذا انقطع النكاح فلا بد من تجديد النكاح، والله تعالى أعلم.
المرأة تسلم قبل زوجها والزوج قبل المرأة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللائي أسلمن ولم يسبين
قبل أزواجهن وبعدهم سنة واحدة وذلك أن أبا سفيان وحكيم بن حزام أسلما بمر الظهران والنبي صلى
الله عليه وسلم ظاهر عليه ومكة دار كفر وبها أزواجهما ورجع أبو سفيان أمام النبي صلى الله عليه وسلم
مسلما وهند ابنة عتبة مشركة فأخذت بلحيته وقالت اقتلوا هذا الشيخ الضال وأقامت على الشرك حتى
أسلمت بعد الفتح بأيام فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على النكاح وذلك أن عدتها لم تنقض
وصارت مكة دار الاسلام وأسلمت امرأة صفوان بن أمية وامرأة عكرمة بن أبي جهل وأقامتا بمكة
مسلمتين في دار الاسلام وهرب زوجاهما مشركين ناحية اليمن إلى دار الشرك ثم رجعا فأسلم عكرمة بن أبي
جهل ولم يسلم صفوان حتى شهد حنينا كافرا ثم أسلم فأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على
نكاحهما وذلك أن عدتهما لم تنقض وفى هذا حجة على من فرق بين المرأة تسلم قبل الرجل والرجل يسلم
قبل المرأة وقد فرق بينهما بعض أهل ناحيتنا فزعم في المرأة تسلم قبل الرجل ما زعمنا وزعم في الرجل
يسلم قبل المرأة خلاف ما زعمنا وأنها تبين منه إلا أن يتقارب إسلامه وهذا خلاف القرآن والسنة والعقل
والقياس ولو جاز أن يفرق بينهما لكان ينبغي أن يقول في المرأة تسلم قبل الرجل قد انقطعت العصمة
بينهما لأن المسلمة لا تحل لمشرك بحال والمرأة المشركة قد تحل للمسلم بحال وهي أن تكون كتابية فشدد
في الذي ينبغي أن يهون فيه وهون في الذي ينبغي أن يشدد فيه لو كان ينبغي أن يفرق بينهما فإن قال
رجل ما السنة التي تدل على ما قلت دون ما قال؟ فما وصفنا قبل هذا وإن قال فما الكتاب؟ قيل قال
287

الله عز وجل (فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولاهم يحلون لهن) فلا يجوز في هذه الآية إلا
أن يكون اختلاف الدينين يقطع العصمة ساعة اختلفا أو يكون يقطع العصمة بينهما اختلاف الدينين
والثبوت على الاختلاف إلى مدة والمدة لا تجوز إلا بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد
دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وصفنا وجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمة
قبل زوجها والمسلم قبل امرأته فحكم فيهما حكما واحدا فكيف جاز أن يفرق بينهما؟ وجمع الله عز
وجل بينهما فقال (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) فإن قال قائل فإنما ذهبنا إلى قول الله عز وجل
(ولا تمسكوا بعصم الكوافر) فهي كالآية قبلها لا تعدو أن يكون الزوج ساعة يسلم قبل امرأته تنقطع
العصمة بينهما لأنه مسلم وهي كافرة أولا تكون العصمة تنقطع بينهما إلا إلى مدة فقد دل رسول الله
صلى الله عليه وسلم على المدة وقول من حكينا قوله لاقطع للعصمة بينهما إلا بالاسلام حين كان متأول
فكان وإن خالف قوله السنة قد ذهب إلى ما تأول ولا جعل لهما المدة التي دلت عليها السنة بل خرج من
القولين وأحدث مدة لا يعرفها أدمى في الأرض فقال إذا تقارب فإذا جاز له أن يقول إذا تقارب قال
إنسان التقارب بقدر النفس أو قدر الساعة أو قدر بعض اليوم أو قدر السنة؟ لأن هذا كله قريب وإنما
بحد مثل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أن يحد هذا بالرأي والغفلة فهذا ما لا يجوز مع الرأي
واليقظة والله تعالى أعلم.
الحربي يخرج إلى دار الاسلام
(قال الشافعي) وإذا أسلم الزوج قبل المرأة والمرأة في دار الحرب وخرج إلى دار الاسلام لم ينكح
أختها حتى تنقضي عدة امرأته ولم تسلم فتبين منه فله نكاح أختها وأربع سواها.
من قوتل من العرب والعجم ومن يجرى عليه الرق
(قال الشافعي) وإذا قوتل أهل الحرب من العجم جرى السباء على ذراريهم ونسائهم ورجالهم لا
اختلاف في ذلك وإذا قوتلوا وهم من العرب فقد سبا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى المصطلق
وهوازن وقبائل من العرب وأجرى عليهم الرق حتى من عليهم بعد فاختلف أهل العلم بالمغازي فزعم
بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أطلق سبى هوازن قال لو كان تاما على أحد من العرب سبى تم
على هؤلاء ولكنه إسار وفداء فمن أثبت هذا الحديث عم أن الرق لا يجرى على عربي بحال وهذا قول
الزهري وسعيد بن المسيب والشعبي ويروى عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز (قال الشافعي)
أخبرنا سفيان عن يحيى بن يحيى الغساني عن عمر بن عبد العزيز قال وأخبرنا سفيان عن الشعبي أن
عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال لا يسترق عربي (قال الربيع) قال الشافعي ولولا أنا نأثم
بالتمني لتمنينا أن يكون هذا هكذا (قال الشافعي) أخبرنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن ابن المسيب أنه
قال في المولى ينكح الأمة يسترق ولده وفى العربي ينكحها لا يسترق ولده وعليه قيمتهم (قال الربيع)
رأى الشافعي أن يأخذ منهم الجزية وولدهم رفيق ممن دان دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان (قال
288

الشافعي) رحمه الله تعالى ومن لم يثبت هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى أن العرب
والعجم سواء وأنه يجرى عليهم الرق حيث جرى على العجم. والله تعالى أعلم (قال الشافعي) في
الحربي يخرج إلى دار الاسلام مستأمنا وامرأته في دار الحرب على دينه: لا تنقطع بينهما العصمة إنما
تنقطع بينهما العصمة باختلاف الدينين فأما والدين واحد فلا تنقطع بينهما العصمة أرأيت لو أن مسلما
أسر وامرأته أو دخل دار الحرب مستأمنا وامرأته أو أسلم هو وامرأته في دار الحرب فقدر على الخروج ولم
تقدر امرأته أتنقطع العصمة بينهما وهما على دين واحد؟ لا تنقطع العصمة إلا باختلاف الدينين (قال
الشافعي) أي الزوجين أسلم فانقضت العدة قبل أن يسلم الآخر منهما فقد انقطعت العصمة بينهما وهو
فسخ بغير طلاق وإذا طلق النصراني الذمي امرأته النصرانية ثلاثا ثم أسلما
فرق بينهما ولم تحل له حتى
تنكح زوجا غيره وكذلك لو كان حربيا من قبل أنا إذا أثبتنا له عقد النكاح فجعلنا حكمه فيه كحكم
المسلم لزمنا أن نجعل حكمه حكم المسلم فيما يفسخ عقد النكاح وفسخ عقد النكاح التحريم بالطلاق.
المسلم يطلق النصرانية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا طلق المسلم امرأته النصرانية ثلاثا فنكحها نصراني أو عبد
فأصابها حلت له إذا طلقها زوجها وانقضت عدتها لأن كل واحد من هذين زوج وإنما قال الله عز
وجل (حتى تنكح زوجا غيره) فقد نكحت زوجا غيره وإذا جاز لنا أن نزعم أن النصراني ينكح
النصرانية فيحصنا حتى ترجمها لو زنت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا فقد زعمنا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاحه يحصنا فكيف يذهب علينا أن يكون لا يحلها وهو يحصنا؟
وطئ المجوسية إذا سبيت
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا سبى المجوسي وأهل الأوثان لم توطأ منهن امرأة بالغ حتى
تسلم وإن سبى منهن صبيات فمن كان منهن مع أحد أبويه ولم يسلم فلا توطأ لأن دينها دين أبيها وأمها
وإن أسلم أحد أبويها وهي صبية وطئت فإذا سبيت منفردة ليست مع أحد أبويها وطئت لأنا نحكم لها
بحكم الاسلام ونجبرها عليه ما لم تكن بالغا مشركة أو صغيرة مع أحد أبويها مشركا فإذا حكمنا لهم
بحكم الاسلام لم يكن لتحريم فرجها معنى.
ذبيحة أهل الكتاب ونكاح نسائهم
(قال الشافعي) من دان دين اليهود والنصارى من الصابئين والسامرة أكلت ذبيحته وحل نساؤه وقد روى عن عمر أنه كتب إليه فيهم أو في أحدهم فكتب بمثل ما قلنا فإذا كانوا يعرفون باليهودية أو
النصرانية فقد
علمنا أن النصارى فرق فلا يجوز إذا جمعت النصرانية بينهم أن تزعم أن بعضهم تحل
ذبيحته ونساؤه وبعضهم تحرم إلا بخبر يلزم مثله ولم نعلم في هذا خبرا فمن جمعه اليهودية والنصرانية
فحكمه حكم واحد وقال لا تؤكل ذبيحة المجوسي وإن سمى الله عليها.
289

الرجل تؤسر جاريته أو تغصب
(قال الشافعي) وإذا اغتصبت جارية الرجل أم ولد كانت أو غير أم ولد وأحرزها المشركون أو
غيرهم فصارت إليه لم يكن عليه استبراء في شئ من هذه الحالات لأنها لم تملك عليه كما لا يكون
عليه استبراء لو غابت عنه فلم يدر لعلها فجرت أو فجر بها والاختيار له في هذا كله أن لا يقربها حتى
يستبرئها (قال الشافعي) وإذا اشترى الرجل فجارية من المغنم أو وقعت في سهمه أو من سوق المسلمين لم
يقبلها ولم يباشرها ولم يتلذذ منها بشئ حتى يستبرئها.
الرجل يشترى الجارية وهي حائض
(قال الشافعي) وإذا ملك الرجل جارية بشراء أو غيره وهي في أول حيضتها أو وسطها أو آخرها لم
تكن هذه الحيضة استبراء كما لا تكون من العدة في قول من قال العدة الحيض ولا قول من قال العدة
الطهر وعليه أن يستبرئها بحيضة أمامها طهر ويجزيها حيضة واحدة وإذا ارتابت المستبرأة لم توطأ حتى
تذهب الريبة ولا وقت في ذلك إلا ذهاب الريبة وإن كانت مشتراة لم ترد بهذا وأريها النساء فإن قلن
هذا حمل أو داء ردت.
عدة الأمة التي لا تحيض
(قال الشافعي) اختلف الناس في استبراء الأمة التي لا تحيض من صغر أو كبر فقال بعضهم شهر
قياسا على الحيضة وقال بعضهم شهر ونصف وليس لهذا وجه وهو إما أن يكون شهرا وإما أن يكون ما
ذهب إليه بعض أصحابنا من ثلاثة أشهر (قال الشافعي) استبراء الأمة شهر إذا كانت ممن لا تحيض
قياسا على حيضة لأن الله عز وجل أقام ثلاثة أشهر مقام ثلاثة قروء فلكل حيضة شهر إلا أن يكون
مضى فيه أثر بخلافه يثبت مثله فالاثر أولى أن يتبع.
من ملك الأختين فأراد وطأهما
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ملك الرجل الأختين بأي وجه ما كان فله أن يطأ أيتهما
شاء وإذا وطئ إحداهما لم يجز له وطئ الأخرى حتى يحرم عليه فرج التي وطئ بأي وجه ما حرم من
نكاح أو عتاقة أو كتابة فإذا كان ذلك فوطئ الأخرى ثم عجزت المكاتبة أو طلقت ثبت على وطئ التي
وطئ بعدها ولم يكن له أن يطأ العاجزة ولا المطلقة فتكون في هذه الحال وأختها في الحالة الأولى.
وطئ الام بعد البنت من ملك اليمين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يحل وطئ الام بعد البنت ولا البنت بعد الام من ملك اليمين
290

ولا يحل وطئ المملوكات بشئ لا يحل من وطئ الحرائر مثله إلا أنهن يخالفن الحرائر في معنيين فيكون
للرجل أن يملك الام وولدها ولا يكون له أن ينكح الام وابنتها ويجمع بين بين الأختين من الملك ولا يجمع
بينهما من النكاح ويطأ من الولائد ما شاء بالملك في وقت واحد ولا يكون له أن يجمع بين أكثر من
أربع بالنكاح.
التفريق بين ذوي المحارم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ملك الرجل أهل البيت لم يفرق بين الام وولدها حتى يبلغ
الولد سبعا أو ثمان سنين فإذا بلغ ذلك جار أن يفرق بينهما فإن قال قائل فمن أين وقت سبعا أو ثمان
سنين؟ قيل روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خير غلاما بين أبويه وعن عمر رضي الله عنه والغلام
غير بالغ عندنا وعن علي رضى الله تعالى عنه أنه خير غلاما بين أمه وعمه وكان في الحديث عن علي
رضى الله تعالى عنه والغلام ابن سبع أو ثمان سنين ثم نظر إلى أخ له أصغر منه فقال وهذا لو بلغ مبلغ
هذا خيرناه فجعلنا هذا حدا لاستغناء الغلام والجارية وأنه أول مدة يكون لهما في أنفسهما قول وكذلك
ولد الولد من كانوا فأما الاخوان فيفرق بينهما فإن قال قائل فيكف فرقتم بين الأخوين ولم تفرقوا بين الولد
وأمه؟ قيل السنة في الام وولدها ووجدت حال الولد من الوالد مخالفا حال الأخ من أخيه ووجدتني
أجبر الولد على نفقة الوالد والوالد على نفقة الولد في الحين الذي لا غنى لواحد منهما عن صاحبه ولم
أجدني أجبر الأخ على نفقة أخيه.
الذمي يشتري العبد المسلم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اشترى الذمي عبدا مسلما فالشراء جائز وأجبره على بيعه
وإنما منعني من أن أجعل الشراء فيه باطلا أنه لو أسلم عنده جبرته على بيعه ولو أعتقه أو وهبه لمسلم أو
تصدق به عليه أو مات ولا وارث له قبض عنه وجاز فيه العتق في حياته والصدقة والهبة ولا يكون هذا
إلا لمن يكون ملكه ثابتا مدة من المدد وإن كنت لا أثبته على الأبد كما أثبت ملك المسلم وإذا كان
للذمي مملوكان امرأة ورجل بينهما ولد فأيهما أسلم جبرت السيد على بيع المسلم منهما والولد الصغار لأنهم
مسلمون بإسلام أي الأبوين أسلم.
الحربي يدخل دار الاسلام بأمان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا دخل الحربي دار الاسلام بأمان ومعه مملوكة أو مملوك فأسلما
أو أسلم أحدهما أجبرته على بيعهما أو بيع المسلم منهما ودفعت إليه ثمنها وليس له أمان يعطى به أن يملك
مسلما وأمان الذمي المعاهد أكثر من أمانه وأنا أجبره على بيع من أسلم من مماليكه.
291

العبد الذي يكون بين المسلم والذمي فيسلم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان العبد الكافر بين مسلم وذمي وأسلم جبرت الكافر على
بيع نصيبه فيه وجبرته على بيع كله أكثر من جبرته على بيع نصيبه وإذا حاصر المسلمون المشركين
فاستأمن رجل من المشركين لجماعة بأعيانهم كان لهم الأمان ولم يكن الأمان لغيرهم وكذلك لو استأمن
لعدد كان الأمان لأولئك العدد وليس لغيرهم وهكذا إن قال تؤمن لي مائة رجل وأخلى بينك وبين
البقية كان الأمان في المائة الرجل إليه فمن سمى فهو آمن (1) ومن لم يستثن فليس بآمن. وهكذا إن قال
تؤمن لي أهل الحصن على أن أدفع إليك مائة منهم فلا بأس والمائة رقيق كانوا من حربهم أو رقيقهم من
قبل أنى إذا قدرت عليهم كانوا جمعيا رقيقا فلما كنت قادرا على بعضهم كانوا رقيقا وكان من أمنت غير
رقيق وليس هذا بنقض للعهد ولا رجوع في صلح إنما هذا صلح على شرط فمن أدخله المستأمن في
الأمان فهو داخل فيه ومن أخرجه منه ممن لم أعطه الأمان فهو خارج منه حكمه حكم مشرك يجرى
عليه الرق إذا قدر عليه.
الأسير يؤخذ عليه العهد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا أسر المسلم فأحلفه المشركون أن يثبت في بلادهم ولا يخرج
منها على أن يخلوه فمتى قدر على الخروج منها فليخرج لأن يمينه يمين مكره ولا سبيل لهم على حبسه
وليس بظالم لهم بخروجه من أيديهم ولعله ليس بواسع أن يقيم معهم إذا قدر على التنحي عنهم ولكنه
ليس له أن يغتالهم في أموالهم وأنفسهم لأنهم إذا أمنوه فهم في أمان منه ولا نعرف شيئا يروى خلاف
هذا، ولو كان أعطاهم اليمين وهو مطلق لم يكن له الخروج إذا كان غير مكره إلا بأن يلزمه الحنث
وكان له أن يخرج ويحنث لأنه حلف غير مكره وإنما ألغيا عنه الحنث في المسألة الأولى لأنه كان
مكرها.
الأسير يأمنه العدو على أموالهم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أسر العدو الرجل من المسلمين فخلوا سبيله وأمنوه وولوه
ضياعهم أو لم يولوه فأمانهم إياه أمان لهم منه وليس له أن يغتالهم ولا يخونهم. وأما الهرب بنفسه فله
الهرب وإن أدرك ليؤخذ فله أن يدافع عن نفسه وإن قتل الذي أدركه لأن طلبه ليؤخذ إحداث من
الطالب غير الأمان فيقتله إن شاء ويأخذ ما له ما لم يرجع عن طلبه.
الأسير يرسله المشركون على أن يبعث إليهم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أسر المشركون المسلم فخلوه على فداء يدفعه إليهم إلى وقت

(1) أي: ومن لم يسم، تأمل.
292

وأخذوا عليه إن لم يدفع الفداء أن يعود في إسارهم فلا ينبغي أن يعود في إسارهم ولا ينبغي للإمام إذا
أراد أن يعود أن يدعه والعودة وإذا كانوا امتنعوا من تخليته إلا على مال يعطيهموه فلا يعطيهم منه شيئا
لأنه مال أكرهوه على أخذه منه بغير حق فإن كان أعطاهموه على شئ فأخذه منهم لم يحل له إلا أداؤه
إليهم بكل حال وهكذا لو صالحهم مبتدئا على شئ انبغى له أن يؤديه إليهم إنما أطرح عنه ما استنكره
عليه.
المسلمون يدخلون دار الحرب بأمان فيرون قوما
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا دخل جماعة من المسلمين دار الحرب بأمان فسبى أهل
الحرب قوما من المسلمين لم يكن للمستأمنين قتال أهل الحرب عنهم حتى ينبذوا إليهم فإذا نبذوا إليهم
فحذروهم وانقطع الأمان بينهم كان لهم قتالهم فأما ما كانوا في مدة الأمان فليس لهم قتالهم.
الرجل يدخل دار الحرب فتوهب له الجارية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا دخل الرجل دار الحرب بأمان فوهبت له جارية أو غلام أو
متاع لمسلم قد أحرزه عليه أهل الحرب ثم خرج به إلى دار الاسلام فعرفه صاحبه وأثبت عليه بينة أو أقر
له الذي هو في يديه بدعواه فعليه أن يدفعه إليه بلا عوض يأخذه منه ويجبره السلطان على دفعه.
الرجل يرهن الجارية ثم يسبيها العدو
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا رهن الرجل جارية بألف درهم وذلك قيمتها ثم سباها
العدو ثم أخذها صاحبها الراهن بثمن أو غير ثمن فهي على الرهن كما كانت لا يخرجها السباء من الرهن
ولو وجدت في يدي رجل من المسلمين أخرجت من يديه إلى ملك مالكها الذي سبيت عنه وكانت
على الرهن وإذا سبى المشركون الحرة والمدبرة والمكاتبة وأم الولد والعبد وأخذوا المال فكله سواء متى
ظهر عليه المسلمون قبل المقاسم أو بعدها أخرج من يدي من هو في يديه وكانت الحرة حرة والمكاتبة
مكاتبة والمدبرة مدبرة والأمة أمة والعبد عبدا وأم الولد أم ولد والمتاع على حاله لأن المشركين لا يملكون
على المسلمين ولو ملكوه عليهم ملك بعضهم على بعض ملكوا الحرة والمكاتبة وأم الولد والمدبرة كما يسبى
بعضهم بعضا ثم يسلمون فيقر المسبى خولا للسابي.
المدبرة تسبى فتوطأ ثم تلد ثم يقدر عليها صاحبها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا سبى المشركون المدبرة فوطئها رجل منهم فولدت أولادا ثم
سبيت وأولادها ردت إلى مالكها الذي دبرها وأولادها كما ترد المملوكة غير مدبرة ولا يبطل السباء
تدبيرها ولا يبطله إلا أن يرجع فيه المدبر فإن مات المدبر قبل أن يحرزها المسلمون فهي حرة وأولادها في
293

قول من أعتق ولد المدبرة بعتقها و ولاؤها للذي دبرها وولاء ولدها الذين أعتقوا بعتقها فإن ولدت
بعدهم أولادا فولاؤهم لموالي أبيهم وقال في المكاتبة كما قال في المدبرة إلا أن المكاتبة لا تعتق بموت
سيدها إنما تعتق بالأداء.
المكاتبة تسبى فتوطأ فتلد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ولدت المكاتبة أولادا في دار الحرب وهي مسبية ثم أدت
فعتقت عتق ولدها بعتقها في قول يعتق ولد المكاتبة بعتق أمه وإن عجزت رقت ورق ولدها.
أم ولد النصراني تسلم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا أسلمت أم ولد النصراني حيل بينه وبينها وأخذ بنفقتها
وأمرت أن تعمل له في موضعها ما يعمل مثلها لمثله فإن مات فهي حرة وإن أسلم خلى بينه وبينها ولا
يجوز فيها ما ذهب إليه بعض الناس من أن تعتق وتسعى في قيمتها من قبل أنها إن كان الاسلام يعتقها
فلا ينبغي أن يكون عليها سعاية وإن كان الاسلام لا يعتقها فما سبب عتقها وما سبب سعايتها؟ (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: العتق لو كان من قبل سيدها وأعتق منها سهما من مائة سهم عتقت كلها
ولم يكن العتق من قبل سيدها ولامن قبل شريك له، فإن قال من قبل نفسها فهي لا تقدر على أن
تعتق نفسها، فإن قال منهم قائل وهل ثبت الرق لكافر على مسلم؟ قيل أنت تثبته قال وأين؟ قلت
زعمت أن عبد الكافر إذا أسلم فأعتقه الكافر أو باعه أو وهبه أو تصدق به أجزت هذا كله فيه ولو كان
الاسلام يزيل ملكه عنه ما جاز له من هذا شئ وأنت تزعم أن للكافر أن يشترى المؤمن ثم يكون عليه
بيعه ويكون لمشتريه أن يرده على ملك الكافر بالعيب ثم تقول للكافر بعه فإن زعمت أنك تجبره على
بيعه، قيل فقل هذا في مدبره ومكاتبه، فإن قلت: لا. قيل فكذا قل في أم ولده ليس الاسلام
بعتق لها ولا أجد السبيل إلى بيعها لما سبق فيها ولا يجوز قول من قال أعتقها ولا سعاية عليها من قبل أنه
لا يعتق الأمة لم تلد إذا أسلمت وهي لنصراني ولا العبد ويقول آمره ببيعهما والرجل لا يكون عهدة
البيع عليه إلا فيما يملك وهو يجيز العتق والهبة والصدقة وهذا لا يجوز إلا لمالك. فإن قال لا أجده يملك
من أم الولد إلا الوطئ فقد حرم عليه الوطئ فهو يملك الرجل من أم ولده أن يأخذ مالها وكسبها والجناية
عليها ويستعملها وتموت فيصير إليه ما حوت وهذا كله غير وطئها ولو كان إذا حرم عليه الفرج عتقت أم
الولد كان لو زوج مالك أم ولده أو كاتبها انبغى أن يعتقها عليه من قبل أنه قد حيل بينه وبين فرجها
وحول بين الرجل وبين الفرج بسبب لا يمنع شيئا غيره وقد قال قائل تسعى في نصف قيمتها كأنه جعل
نصفها حرا بالولد ونصفها مملوكا إلى أن يموت السيد. ولا أعرف للولد حصة من العتق متبعضة (1) ولو
كانت حرة كلها من قبل أن الولد من السيد وهو لو أعتق السيد منها سهما من ألف سهم جعلها حرة كلها

(1) قوله: ولو كانت حرة كلها كذا في النسخ أي ولو فرض أن للولد حصته كانت حرة كلها من قبل الخ،
تأمل.
294

فلا أعرف لما ذهب إليه وجها. وإذا دخل الحربي بعبده أو أمته دار الاسلام مستأمنا فأسلما جبر على
بيعهما ولم يترك يخرج بهما.
الأسير لا تنكح امرأته
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أسر المسلم فكان في دار الحرب فلا تنكح امرأته إلا بعد
تيقن وفاته عرف مكانه أو خفى مكانه وكذلك لا يقسم ميراثه.
ما يجوز للأسير في ماله وما لا يجوز
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وما صنع الأسير من المسلمين في دار الحرب أو دار الاسلام أو
المسجون وهو صحيح في ماله غير مكره عليه فهو جائز من بيع وهبة وصدقة وغير ذلك فهو جائز لا
نبطل على واحد منهم إلا ما نبطل على الصحيح المطلق فإن كان مريضا فهو كالمريض في حكمه وهكذا
ما صنع الرجل في الحرب عند التقاء الصفين وقبل ذلك ما لم يجرح وهكذا ما صنع إذا قدم ليقتل فيما
من قتله فيه بدو فيما يجد قاتله السبيل إلى تركه مثل القتل في القصاص الذي يكون لصاحبه عفوه ومثل
قتل عصبته القاتل الذي قد تتركه وأما إذا قدم ليرجم في الزنا فلا يجوز له في ماله إلا الثلث لأنه لا
سبيل إلى تركه. والحامل يجوز ما صنعت في مالها ما لم يحدث لها مرض مع حملها أو يضربها الطلق
فإن ذلك مرض مخوف، فأما ما قبل ذلك فما صنعت فيه فهو جائز، وهكذا الرجل في السفينة في
الموضع المخوف من الغرق وغير المخوف لأن النجاة قد تكون في المخوف والهلاك قد يكون في غيره ولا
وجه لقول من قال تجوز عطية الحامل حتى تستكمل ستة أشهر ثم تكون كالمريض في عطيتها بعد الستة
عندي ولا لما تأول من قول الله عز وجل (حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما) وليس في هذا دلالة على حد الأثقال متى هو؟ أهو التاسع أو الثامن أو السابع أو السادس أو الخامس
أو الرابع أو الثالث حتى يتبين؟ ومن ادعى هذا بوقت لم يجز له إلا بخبر ولا يجوز أن يكون الأثقال
المخوف إلا حين تجلس بين القوابل، فإن قيل هي بعد ستة مخالفة لها قبل ستة فكذلك هي بعد شهر
مخالفة لها قبل الشهر بعد الشهرين وفي كل يوم زادت فيه أن يكبر ولدها وتقرب من وضع حملها وليس
إلا ما قلنا أو أن يقول رجل الحمل كله مرض ولا يفرق بين أوله وآخره فإن قال هذا فهو معروف في
الأثقال وغير الأثقال فالمرض الثقيل والمرض الخفيف عنده وعند الناس في العطية سواء ولا فرق في
الحكم بين المريض المخوف عليه الدنف وبين المريض الخفيف المرض فيما أعطيا ووهبا وقد يقال لهذا
ثقيل ولهذا خفيف وما أعلم الحامل بعد الشهر الأول إلا أثقل وأسوأ حالا وأكثر قيئا وامتناعا من الطعام
وأشبه بالمريض منها بعد ستة أشهر وكيف تجوز عطيتها في الوقت الذي هي فيه أقرب من المرض وترد
عطيتها في الوقت الذي هي فيه أقرب إلى الصحة؟ فإن قال: هذا وقت يكون فيه الولد تاما لو خرج
فخروجه تاما أشبه لسلامة أمه من خروجه لو خرج سقطا والحكم إنما هو لامه ليس له، والله أعلم.
295

الحربي يدخل بأمان وله مال في دار الحرب ثم يسلم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا دخل الحربي بلاد الاسلام بأمان وخلف في دار الحرب
أموالا وودائع في يد مسلم ويدى حربي ويدى وكيل له ثم أسلم فلا سبيل عليه ولا على ماله ولا على
ولده الصغار ما كان له عقار أو غيره وهكذا لو أسلم في بلاد الحرب وخرج إلى دار الاسلام لا سبيل
على مال مسلم حيث كان أسلم ابنا شعبة القرظيان ورسول الله صلى الله عليه وسلم محاصر بني قريظة
فأحرز لهما إسلامهما أنفسهما وأموالهما دورا كانت أو عقارا أو غيره ولا يجوز أن يكون مال المسلم مغنوما بحال
فأما ولده الكبار وزوجته فحكمهم حكم أنفسهم يجرى عليهم ما يجرى على أهل الحرب من القتل
والسباء وإن سبيت امرأته حاملا منه لم يكن إلى إرقاق ذي بطنها سبيل من قبل أنه إذا خرج فهو مسلم
بإسلام أبيه ولا يجرى السباء على مسلم.
الحربي يدخل دار الاسلام بأمان فأودع ماله ثم رجع
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا داخل الحربي دار الاسلام بأمان فأودع وباع وترك مالا ثم
رجع إلى دار الحرب فقتل بها فدينه وودائعه وما كان من مال مغنوم عنه لافرق بين الدين والوديعة
وإذا قدم الحربي دار الاسلام بأمان فمات فالأمان لنفسه وماله ولا يجوز أن يؤخذ من ماله شئ وعلى
الحاكم أن يرده إلى ورثته حيث كانوا ولا يقبل إن لك تعرف ورثته شهادة أحد غير المسلمين ولا يجوز
في هذه الحال ولا في غيرها شهادة أحد خالف دين الاسلام لقول الله تبارك وتعالى (ذوي عدل
منكم) وقوله (ممن ترضون من الشهداء) وهذا مكتوب في كتاب الشهادات.
في الحربي يعتق عبده
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أعتق الحربي عبده في دار الحرب ثم خرجا إلينا ولم يحدث له
قهرا في بلاد الحرب يستعبده به فأراد استعباده ببلاد الاسلام لم يكن له أن يستعبده مسلما كان العبد
أو كافرا أو مسلما كان السيد أو كافرا ولو أحدث له قهرا ببلاد الحرب أو لحر مثله ولم يعتقه حتى خرج
إلينا بأمان كان عبدا له قال وإن كانت الأرض المفتتحة من أهل الشرك بلاد عنوة أو صلح تخلى منه
أهله إلى المسلمين على شئ أخذوه منهم أمان أو غيره فهي مملوكة كما يملك الفئ والغنيمة وإن تركها
أهلها الذين كانت لهم ممن أوجف عليها أو غيرهم فوقفها السلطان على المسلمين فلا بأس أن يتكارى
الرجل منها الأرض ليزرعها وعليه ما تكاراها به والعشر كما يكون عليه ما تكارى به أرض المسلم
والعشر.
الصلح على الجزية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا أعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أحدا من أهل
296

الجزية على شئ إلا ما أصف صالح أهل أيلة على ثلاثمائة دينار وكان عددهم ثلاثمائة رجل وصالح
نصرانيا بمكة يقال له موهب على دينار وصالح ذمة اليمن على دينار دينار وجعله على المحتلمين من أهل
اليمن وأحسب كذلك جعله في كل موضع وإن لم يحك في الخبر كما حكى خبر اليمن ثم صالح أهل
نجران على حلل يؤدونها فدل صلحه إياهم على غير الدنانير على أنه يجوز ما صالحوا عليه وصالح عمر بن
الخطاب رضى الله تعالى عنه أهل الشام على أربعة دنانير وروى عنه بعض الكوفيين أنه صالح الموسر من
ذمتهم على ثمانية وأربعين والوسط على أربعة وعشرين والذي دونه على أثنى عشر درهما ولا بأس بما
صالح عليه أهل الذمة وإن كان أكثر من هذا إذا كان العقد على شئ مسمى بعينه وإن كان أضعاف
هذا وإذا عقد لهم العقد على شئ مسمى لم يجز عندي أن يزاد على أحد منهم فيه بالغا يسره ما بلغ
وإن صالحوا على ضيافة مع الجزية فلا بأس وكذلك لو صالحوا على مكيلة طعام كان ذلك كما يصالحون
عليه من الذهب والورق ولا تكون الجزية إلا في كل سنة مرة ولو حاصرنا أهل مدينة من أهل الكتاب
فعرضوا علينا أن يعطونا الجزية لم يكن لنا قتالهم إذا أعطوناها وأن يجرى عليهم حكمنا وإن قالوا
نعطيكموها ولا يجرى علينا حكمكم لم لم يلزمنا أن نقبلها منهم لأن الله عز وجل قال (حتى يعطوا الجزية
عن يد وهم صاغرون) فلم أسمع مخالفا في أن الصغار أن يعلو حكم الاسلام على حكم الشرك ويجرى
عليهم ولنا أن نأخذ منهم متطوعين وعلى النظر للاسلام وأهله وإن لم يجر عليهم الحكم كما يكون لنا ترك
قتالهم ولو عرضوا علينا أن يعطونا الجزية ويجرى عليهم الحكم فاختلفنا نحن وهم في الجزية فقلنا لا
نقبل إلا كذا وقالوا لا نعطيكم إلا كذا رأيت والله تعالى أعلم أن يلزمنا أن نقبل منهم دينارا دينارا لأن
النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذه من نصراني بمكة مقهور ومن ذمة اليمن وهم مقهورون ولم يلزمنا أن
نأخذ منهم أقل منه والله تعالى أعلم لأن لم نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدا من الأئمة أخذ
منهم أقل منه واثنا عشر درهما في زمان عمر رضى الله تعالى عنه كانت دينارا فإن كان أخذها فهي
دينار وهل أقل ما أخذ ونزداد منهم ما لم نعقد لهم شيئا مما قدرنا عليه وإن كنت في العقد لهم أن يخفف
عمن افتقر منهم إلى أن يجد كان ذلك جائزا وإن لم يكن في العقدة كان ذلك لازما لهم والبالغون منهم
في ذلك سواء الزمن وغير الزمن فإن أعوز أحدهم بجزيته فهي دين عليه يؤخذ منه متى قدر عليها وإن
غاب سنين ثم رجع أخذت منه لتلك السنين إذا كانت غيبته في بلاد الاسلام والحق لا يوضع عن
شيخ ولا مقعد ولو حال عليه حول أو أحوال ولم تؤخذ منه ثم أسلم أخذت منه لأنها كانت لزمته في
حال شركه فلا يضع الاسلام عنه دينا لزمه لأنه حق لجماعة المسلمين وجب عليه ليس للإمام تركه قبله
كما لم يكن له تركه قبله في حال شركه.
فتح السواد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لست أعرف ما أقول في أرض السواد إلا ظنا مقرونا إلى علم
وذلك أنى وجدت أصح حديث يرويه الكوفيون عندهم في السواد ليس فيه بيان ووجدت أحاديث
من أحاديثهم تخالفه منها أنهم يقولون السواد صلح ويقولون السواد عنوة ويقولون بعض السواد صلح
وبعضه عنوة ويقولون إن جرير بن عبد الله البجلي وهذا أثبت حديث عندهم فيه! أخبرنا الثقة عن ابن أبي
خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال كانت بجيلة ربع الناس فقسم لهم ربع
297

السواد فاستغلوه ثلاث أو أربع سنين أنا شككت ثم قدمت على عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه
ومعي فلانة ابنة فلان امرأة منهم لا يحضرني ذكر اسمها فقال عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه لولا
أنى قاسم مسؤول لتركتكم على ما قسم لكم ولكني أرى أن تردوا على الناس (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وكان في حديثه (وعاضني من حقي فيه نيفا وثمانين دينارا) وكان في حديثه فقالت فلانة: قد
شهدا أبى القادسية وثبت سهمه ولا أسلمه حتى تعطيني كذا أو تعطيني كذا فأعطاها إياه قال وفى هذا
الحديث دلالة إذا أعطى جريرا البجلي عوضا من سهمه والمرأة عوضا من سهم أبيها أنه استطاب أنفس
الذين أوجفوا عليه فتركوا حقوقهم منه فجعله وقفا للمسلمين وهذا حلال للإمام لو افتتح اليوم أرضا
عنوة فأحصى من أفتتحها وطابوا نفسا عن حقوقهم منها أن يجعلها الإمام وقفا وحقوقهم منها إلا الأربعة
الأخماس ويوفى أهل الخمس حقوقهم إلا أن يدع البالغون منهم حقوقهم فيكون ذلك لهم والحكم في
الأرض كالحكم في المال وقد سبى النبي صلى الله عليه وسلم هوازن وقسم الأربعة الأخماس بين
المسلمين ثم جاءته وفود هوازن مسلمين فسألوه أن يمن عليهم بأن يعطيهم ما أخذ منهم فخيرهم بين
الأموال والسبي فقالوا خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا فنختار أحسابنا فترك لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
حقه وحق أهل بيته فسمع بذلك المهاجرون فتركوا له حقوقهم فسمع بذلك الأنصار فتركوا له حقوقهم
ثم بقي قوم من المهاجرين الآخرين والفتحيين فأمر فعرف على كل عشرة واحدا ثم قال ائتوني بطيب
أنفس من بقي فمن كره فله على كذا وكذا من الإبل إلى وقت كذا فجاءوه بطيب أنفسهم إلا الأقرع بن
حابس وعتيبة بن بدر فإنهما أبيا ليعيرا هوازن فلم يكرههما رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى
كاناهما تركا بعد بأن خدع عتيبة عن حقه وسلم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حق من طاب نفسا
عن حقه وهذا أولى الأمور بعمر بن الخطاب رضي الله عنه تعالى عندنا في السواد وفتوحه إن كانت
عنوة فهو كما وصفت ظن عليه دلالة يقين وإنما منعنا أن نجعله بالدلالة ان الحديث الذي فيه تناقض لا
ينبغي أن يكون قسم إلا عن أمر عمر رضى الله تعالى عنه لكبر قدره ولو تفوت عليه فيه ما انبغى ان
يغيب عنه قسمه ثلاث سنين ولو كان القسم ليس لمن قسم له ما كان لهم منه عوض ولكان عليهم أن
تؤخذ منهم الغلة والله سبحانه وتعالى أعلم كيف كان ولم أجد فيه حديثا يثبت إنما أجدها متناقضة والذي
هو أولى بعمر عندي الذي وصفت فكل بلد فتحت عنوة فأرضها ودارها كدنانيرها ودراهمها وهكذا
صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر وبني قريظة فلمن أوجف عليها أربعة أخماس والخمس
لأهله من الأرض والدنانير والدراهم فمن طاب نفسا عن حقه فجائز للإمام حلال نظرا للمسلمين أن
يجعله وقفا على المسلمين تقسم غلته فيهم على أهل الخراج والصدقة وحديث يرى الإمام منهم ومن لم
يطب عنه نفسا فهو أحق بحقه وأيما أرض فتحت صلحا على أن أرضها لأهلها ويؤدون عنها خراجا
فليس لأحد أخذها من أيدي أهلها وعليهم فيها الخراج وما أخذ من خراجها فهو لأهل الفئ دون
أهل الصدقات لأنه فئ من مال مشرك وإنما فرق بين هذا والمسألة الأولى أن ذلك وإن كان من مشرك
فقد ملك المسلمون رقبة الأرض فيه فليس بحرام أن يأخذه صاحب صدقة ولا صاحب فئ ولا غنى
ولا فقير لأنه كالصدقة الموقوفة يأخذها من وقفت عليه من غنى وفقير وإذا كانت الأرض صلحا
فإنها لأهلها ولا بأس أن يأخذها منهم المسلمون بكراء ويزرعونها كما نستأجر منهم إبلهم
وبيوتهم ورقيقهم وما يجوز لهم إجارته منهم وما دفع إليهم أو إلى السلطان بوكالتهم فليس بصغار عليهم إنما هو
دين عليه يؤديه والحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لمسلم أن يؤدى خراجا ولا
298

لمشرك أن يدخل المسجد الحرام إنما هو خراج الجزية ولو كان خراج الكراء ما حل له أن يتكارى من
مسلم ولا كافر شيئا ولكنه خراج الجزية وخراج الأرض إنما هو كراء لا محرم عليه وإذا كان العبد
النصراني فأعتقه وهو على النصرانية فعليه الجزية وإذا كان العبد النصراني لمسلم فأعتقه المسلم فعليه
الجزية إنما نأخذ الجزية بالدين والنصراني ممن عليه الجزية ولا ينفعه أن يكون مولاه مسلما كما لا ينفعه أن
يكون أبوه وأمه مسلمين.
في الذمي إذا أتجر في غير بلده
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا أتجر الذمي في بلاد الاسلام إلى أفق من الآفاق في السنة
مرارا لم يؤخذ منه إلا مرة واحدة كما لا تؤخذ منه الجزية إلا مرة واحدة وقد ذكر عن عمر بن عبد
العزيز رحمه الله تعالى أنه أمر فيما ظهر من أموالهم وأموال المسلمين أن يؤخذ منهم شئ وقته وأمر أن
يكتب لهم براءة إلى مثله من الحول ولولا أن عمر أخذه منهم ما أخذنا منهم فهو يشبه أن يكون أخذه
إياه منهم على أصل صلح أنهم إذا أتجروا أخذ منهم ولم يبلغنا أنه أخذ من أحد في سنة مرتين ولا أكثر
فلما كانت الجزية في كل سنة مرة كان ينبغي أن يكون هذا عندنا في كل سنة مرة إلا أن يكونوا صولحوا
عند الفتح على أكثر من ذلك فيكون لنا أن نأخذ منهم ما صولحوا عليه ولسنا نعلمهم صولحوا على أكثر
ويؤخذ منهم كما أخذ عمر رضى الله تعالى عنه من المسلمين ربع العشر ومن أهل الذمة نصف العشر ومن
أهل الحرب العشر اتباعا له على ما أخذه لا تخالفه.
نصارى العرب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أكيدر الغساني وكان
نصرانيا عربيا على الجزية وصالح نصارى نجران على الجزية وفيهم عرب وعجم وصالح ذمة اليمن على
الجزية وفيهم عرب وعجم واختلفت الاخبار عن عمر في نصارى العرب من تنوخ وبهراء وبنى تغلب
فروى عنه أنه صالحهم على أن تضاعف عليهم الصدقة ولا يكرهوا على غير دينهم ولا يصبغوا أولادهم
في النصرانية وعلمنا أنه كان يأخذ جزيتهم نعما ثم روى أنه قال بعد ما نصارى العرب بأهل كتاب أخبرنا
إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن دينار عن سعد الفلجة أو ابنه عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه
قال ما نصارى العرب بأهل كتاب وما تحل لنا ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب أعناقهم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فأرى للإمام أن يأخذ منهم الجزية لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخذها من النصارى من العرب كما وصفت وأما ذبائحهم فلا أحب أكلها خبرا عن عمرو عن علي بن أبي
طالب وقد نأخذ الجزية من المجوس ولا نأكل ذبائحهم فلو كان من حل لنا أخذ الجزية منه حل لنا
أكل ذبيحته أكلنا ذبيحة المجوس ولا ننكر إذا كان في أهل الكتاب حكمان وكان أحد صنفيهم تحل
ذبيحته ونساؤه والصنف الثاني من المجوس لا تحل لنا ذبيحته ولا نساؤه والجزية تحل منهما معا أن يكون
هكذا في نصارى العرب فيحل أخذ الجزية منهم ولا تحل ذبائحهم والذي يروى من حديث ابن عباس
299

رضى الله تعالى عنهما في إحلال ذبائحهم إنما هو من حديث عكرمة أخبرنيه ابن الدراوردي وابن أبي
يحيى عن ثور الديلمي عن عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال قولا حكئا
هو إحلالها وتلا (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) ولكن صاحبنا سكت عن اسم عكرمة وثور لم يلق ابن
عباس والله أعلم.
الصدقة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق الشيباني عن رجل أن عمر رضى الله
تعالى عنه صالح نصارى بنى تغلب على أن لا يصبغوه أبناءهم ولا يكرهوا على غير دينهم وأن تضاعف
عليهم الصدقة (قال الشافعي) وهكذا حفظ أهل المغازي وساقوه أحسن من هذا السياق فقالوا رامهم
على الجزية فقالوا نحن عرب ولا نؤدى ما تؤدى العجم ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض يعنون
الصدقة فقال عمر رضى الله تعالى عنه: لا. هذا فرض على المسلمين فقالوا فزد ما شئت بهذا الاسلام
لا باسم الجزية ففعل فتراضى هو وهم على أن ضعف عليهم الصدقة (قال الشافعي) ولا أعلمه فرض
على أحد من نصارى العرب ولا يهودها الذين صالح والذين صالح بناحية الشام والجزيرة إلا هذا
الفرض فأرى إذا عقد لهم هذا أن يؤخذ منهم عليه وأرى للإمام في كل دهر إن امتنعوا أن يقتصر عليهم
بما قبل منهم فإن قبلوا أخذه وإن امتنعوا جاهدهم عليه وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية
على أهل اليمن دينارا على كل حالم والحالم المحتلم وكذلك يؤخذ منهم وفيهم عرب وصالح نصارى نجران
على كسوة تؤخذ منهم وكذلك تؤخذ منهم وفى هذا دلالتان إحداهما أن تؤخذ الجزية على ما صالحوا
عليه والأخرى أنه ليس لما صالحوا عليه وقت إلا ما تراضوا عليه كائنا ما كان وإذا ضعفت عليهم
الصدقة فانظر إلى مواشيهم وأطعمتهم وذهبهم وورقهم وما أصابوا من معادن بلادهم وركازها كل ما
أخذت فيه من مسلم خمسا فخذ منهم خمسين وعشرا فخذ منهم عشرين ونصف عشر فخذ منهم عشرا
وربع عشر فخذ منهم نصف عشر وعددا من الماشية فخذ منهم ضعف ذلك العدد ثم هكذا صدقاتهم
لا تختلف ولا تؤخذ منهم من أموالهم حتى يكون لأحدهم من النصف من المال ما لو كان لمسلم وجب
فيه الزكاة فإذا كان ذلك ضعف عليهم الزكاة وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع الجزية عن
النساء والصغار لأنه إذا قال خذ من كل حالم دينارا فقد دل على أنه وضع عمن دون الحالم ودل على
أنه لا يؤخذ من النساء (1) ولا يؤخذ من نصارى بنى تغلب وغيرهم ممن معهم من العرب لأنه لا يؤخذ
ذلك منهم على الصدقة وإنما يؤخذ منهم على الجزية وإن نحى عنهم من اسمها لا عنهم من اسمها ولا
يكرهون على دين غير دينهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من أكيدر دومة وهو عربي
وأخذها من عرب اليمن ونجران وأخذها الخلفاء بعده منهم وأخذها منهم على أن لا يأكلوا ذبائحهم
لأنهم ليسوا من أهل الكتاب أخبرنا الثقة سفيان أو عبد الوهاب أو هما عن أيوب عن محمد بن سيرين
عن عبيدة السلماني قال قال على رضى الله تعالى عنه (لا تأكلوا ذبائح نصارى بنى تغلب فإنهم لم
يتمسكوا من نصرانيتهم أو من دينهم إلا بشرب الخمر) [شك الشافعي] (قال الشافعي) وإنما تركنا

(1) قوله: ولا يؤخذ من نصارى إلى قوله (لأن النبي الخ) كذا في النسخ، وهي عبارة سقيمة، فلتحرر.
300

أن نجبرهم على الاسلام أو نضرب أعناقهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من نصارى
العرب وان عثمان وعمر وعليا قد أفروهم وإن كان عمر قد قال هكذا وكذلك لا يحل لنا نكاح نسائهم
لأن الله تبارك وتعالى إنما أحل لنا من أهل الكتاب الذين عليهم نزل وجميع ما أخذ من ذمي عربي
وغيره فمسلكه مسلك الفئ قال وما تجربه نصارى العرب وأهل ذمتهم فإن كانوا يهودا فسواء تضاعف
عليهم فيه الصدقة وما تجربه نصارى بني إسرائيل الذين هم أهل الكتاب فقد روى عمر ابن الخطاب
رضى الله تعالى عنه فيهم أنه أخذ منهم في بعض تجاراتهم العشر وفي بعضها نصف العشر وهذا عندنا
من عمر أنه صالحهم عليه كما صالحهم على الجزية المسماة ولست أعرف الذين صالحهم على ذلك من
الذين لم يصالحهم فعلى إمام المسلمين أن يفرق الكتب في الآفاق ويحكى لهم ما صنع عمر فإنه لا
يدرى من صنع به ذلك منهم دون غيره فإن رضوا به أخذه منهم وإن لم يرضوا به جدد بينه وبينهم
صلحا فيه كما يجدد فيمن ابتدأ صلحه ممن دخل في الجزية اليوم وإن صالحوا على أن يؤدوا في كل سنة
مرة من غير بلدانهم فكذلك وإن صالحوا أن نأخذ منهم كلما اختلفوا وإن اختلفوا في السنة مرارا فذلك
وكذلك ينبغي لإمام المسلمين أن يجدد بينه وبينهم في الضيافة صلحا فإن روى عن عمر رضى الله تعالى
عنه أنه جعل عليهم ضيافة ثلاثة أيام وروى عنه أنه جعل ضيافة يوم وليلة فإذا جدد عليهم الصلح في
الضيافة جدد بأمر بين أن يضيف الرجل الموسر كذا والوسط كذا ولا يضيف الفقير ولا الصبي ولا المرأة
وإن كانا غنيين لأنه لا تؤخذ منهم الجزية والضيافة صنف منها وسمى أن يعطموهم خبز كذا بأدم كذا
ويعلفوا دوابهم من التبن كذا ومن الشعير كذا حتى يعرف الرجل عدد ما عليه إذا نزل به ليس أن ينزل
به العساكر فيكلف ضيافتهم ولا يحتملها وهي مجحفة به وكذلك يسمى أن ينزلهم من منازلهم الكنائس
أو فضول منازلهم أو هما معا (قال الشافعي) حيثما زرع النصراني من نصارى العرب ضعف عليه
الصدقة كما وصفت وحيثما زرع النصراني الإسرائيلي لم يكن عليه في زرعه شئ وإنما الحراج كراء
الأرض كما لو تكارى أرضا من رجل فزرعها أدى الكراء والعشر والنصراني من نصارى العرب إذا زرع الخراج ضعفت عليه العشر وأخذت منه الخراج وإذا قدم المستأمن من أرض الحرب فكان على
النصرانية أو المجوسية أو اليهودية فنكح وزرع فلا خراج عليه ويقال له إن أردت المقام فصالحنا على أن
تؤدى الجزية وجزيته على ما صالح عليه وإن أبى الصلح أخرج وإن غفل عنه سنة أو سنين فلا خراج
عليه ولا يجب عليه الخراج إلا بصلحه ونمنعه الزرع إلا بأن يؤدى عنه ما صالح عليه وإن غفل حتى
يصرمه لم يؤخذ منه شئ ء وإن كان المستأمن وثنيا لم يترك حتى يقيم في دار الاسلام سنة ولم تؤخذ منه
جزية وإن غفل عنه حتى زرع سنة أو أكثر دفع إليه وأخرج وإن كانت المرأة مستأمنة فتزوجت في
بلاد الاسلام ثم أرادت الرجوع إلى بلاد الحرب فذلك إلى زوجها إن شاء أن يدعها تركها وإن شاء أن
يحبسها حبسناها له بسلطان الزوج على حبس امرأته لا بغير ذلك ومتى طلقها أو مات عنها فلها أن
ترجع فإن كان لها منه ولد فليس لها أن تخرج أولاده إلى دار الحرب لأن ذمتهم ذمة أبيهم ولها أن تخرج
بنفسها وإذا أبق العبد إلى بلاد العدو ثم ظهر عليهم أو أغار العدو على بلاد الاسلام فسبوا عبيدا وظهر
عليهم المسلمون فاقتسموا العبيد أو لم يقتسموا فسادتهم أحق بهم بلا قيمة ولا يكون العدو يملكون على
مسلم شيئا إذا لم يملك المسلم بالغلبة فالمشرك الذي هو خول للمسلم إذا قدر عليه أولى أن لا يملك على
مسلم ولا يعدو المشركون فيما غلبوا عليه أن يكونوا مالكين لهم كملكهم لأموالهم فإذا كان هذا هكذا
ملكوا الحر وأم الولد والمكاتب وما سوى ذلك من الرقيق وا لأموال ثم لم يكن لسيد واحد من هؤلاء أن
301

يأخذه قبل القسمة بلا قيمة ولابعد القسمة بقيمة كما لا يكون له أن يأخذ سائر أموال العدو أو لا يكون
ملك العدو ملكا فيكون كل امرئ على أصل ملكه ومن قال لا يملك العدو الحر ولا المكاتب ولا أم
الولد ولا المدبرة وهو يملك ما سواهن فهو يتحكم ثم يزعم أنهم يملكون ملكا محالا فيقول يملكونه وإن
ظهر عليهم المسلمون فأدركه سيدة قبل القسم فهو له بلا شئ وإن كان بعد القسم فهو له إن شاء
بالقيمة فهؤلاء ملكوه ولا ملكوه فإن قال قائل فهل فيما ذكرت حجة لمن قاله؟ قيل لا إلا شئ يروى لا
يثبت مثله عند أهل الحديث عن عمر رضى الله تعالى عنه فإن قال فهل لك حجة بأنهم لا يملكون
بحال؟ قلنا المعقول فيه ما وصفنا وإنما الحجة على من خالفنا ولنا فيه حجة بما لا ينبغي خلافه من سنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة وهو يروى عن أبي بكر رضى الله تعالى عنه، أخبرنا سفيان وعبد
الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين رضى الله تعالى عنه أن قوما
أغاروا فأصابوا امرأة من الأنصار وناقة للنبي صلى الله عليه وسلم فكانت المرأة والناقة عندهم ثم انفلتت
المرأة فركبت الناقة فأتت المدينة فعرفت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت (إني نذرت لئن نجاني الله
عليها لأنحرنها) فمنعوها أن تنحرها حتى يذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال (بئسما جزيتها أن
نجاك الله عليها ثم تنحريها لأنذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم) وقالا معا أو أحدهما في الحديث
وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته (قال الشافعي) فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته بعد ما
أحرزها المشركون وأحرزتها الأنصارية على المشركين ولو كانت الأنصارية أحرزت عليهم شيئا ليس
لمالك كان لها في قولنا أربعة أخماسه وخمسه لأهل الخمس وفي قول غيرنا كان لهما أحرزت لا خمس
فيه وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تملك ماله وأخذ ماله بلا قيمة أخبرنا الثقة عن مخرمة
بن بكير عن أبيه لا أحفظ عمن رواه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال فيما أحرز العدو من أموال
المسلمين مما غلبوا عليه أو أبق إليهم ثم أحرزه المسلمون مالكوه أحق به قبل القسم وبعده فإن اقتسم
فلصاحبه أخذه من يدي من صار في سهمه وعوض الذي صار في سهمه قيمته من خمس الخمس
وهكذا حر إن اقتسم ثم قامت البينة على حريته
في الأمان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون يد على من
سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم) قال فإذا أمن مسلم بالغ حر أو عبد يقاتل أو لا يقاتل أو
امرأة فالأمان جائز وإذا أمن من دون البالغين والمعتوه قاتلوا أو لم يقاتلوا لم نجز أمانهم وكذلك إن أمن
ذمي قاتل أو لم يقاتل لم نجز أمانه وإن أمن واحد من هؤلاء فخرجوا إلينا بأمان فعلينا ردهم إلى مأمنهم
ولا نعرض لهم في مال ولا نفس من قبل أنهم ليسوا يفرقون بين من في عسكرنا ممن يجوز أمانه ولا يجوز
وننبذ إليهم فنقاتلهم وإذا أشار إليهم المسلم بشئ يرونه أمانا فقال أمنتهم بالإشارة فهو أمان فإن قال لم
أو منهم بها فالقول قوله وإن مات قبل أن يقول شيئا فليسوا بآمنين إلا أن يجدد لهم الوالي أمانا وعلى الوالي
إذا مات قبل أن يبين أو قال وهو حي لم أو منهم أن يردهم إلى مأمنهم وينبذ إليهم قال الله تعالى: (قاتلوا
الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله) وقال الله عز وجل في غير أهل
302

الكتاب:
(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) فحقن الله دماء من لم يدن دين أهل
الكتاب من المشركين بالايمان لا غيره وحقن دماء من دان دين أهل الكتاب بالايمان أو إعطاء الجزية
عن يد وهم صاغرون والصغار أن يجرى عليهم الحكم لا أعرف منهم خارجا من هذا من الرجال وقتل
يوم حنين دريد بن الصمة ابن مائة وخمسين سنة في شجار لا يستطيع الجلوس فذكر ذلك للنبي صلى
الله عليه وسلم فلم ينكر قتله ولا أعرف في الرهبان خلاف أن يسلموا أو يؤدوا الجزية أو يقتلوا ورهبان
الديارات والصوامع والمساكن سواء ولا أعرف يثبت عن أبي بكر رضي الله عنه خلاف هذا ولو كان
يثبت لكان يشبه أن يكون أمرهم بالجد على قتال من يقاتلهم وأن لا يتشاغلوا بالمقام على صوامع هؤلاء
كما يؤمرون أن لا يقيموا على الحصون وأن يسيحوا لأنها تشغلهم (1) وأن يسيحوا لأن ذلك أنكى للعدو
وليس أن قتال أهل الحصون محرم عليهم وذلك أن مباحا لهم أن يتركوا (2) ولا يقتلوا كان التشاغل
بقتال من يقاتلهم أولى بهم وكما يروى عنه أنه نهى عن قطع الشجر المثمر ولعله لا يرى بأسا بقطع
الشجر المثمر لأنه قد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع الشجر المثمر علي بنى النضير وأهل خيبر
والطائف وحضره يترك وعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وعد بفتح الشام فأمرهم بترك قطعه
لتبقى لهم منفعته إذ كان واسعا لهم ترك قطعه وتسبى نساء الديارات وصبيانهم وتؤخذ أموالهم (قال
الشافعي) ويقتل الفلاحون والاجراء والشيوخ الكبار حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية.
المسلم أو الحربي يدفع إليه الحربي مالا وديعة
(قال الشافعي) رضي الله عنه: وأموال أهل الحرب مالان فمال يغصبون عليه ويتمول عليهم
فسواء من غصبه عليهم من مسلم أو حربي منهم ومن غيرهم وإذا أسلموا معا أن بعضهم قبل بعض لم
يكن على الغاصب لهم أن يرد عليهم من ذلك شيئا لأن أموالهم كانت مباحة غير ممنوعة بإسلامهم ولا
ذمتهم ولا أمان لهم ولا لأموالهم من خاص ولا علم ومال له أمان وما كان من المال له أمان فليس للذي
أمن صاحبه عليه أن يأخذه منه بحال وعليه أن يرده فلو أن رجلا من أهل الحرب أودع مسلما أو حربيا
في دار الحرب أو في بلاد الاسلام وديعة وأبضع منه بضاعة فخرج المسلم من بلاد الحرب إلى بلاد
الاسلام أو الحربي فأسلم كان عليهما معا أن يؤديا إلى الحربي ماله كما يكون علينا لو أمناه على ماله أن لا
نعرض لماله والوديعة إذا أودعنا أو أبضع معنا فذلك أمان منه لنا ومثل أمانه على ماله أو أكثر وهكذا
الدين.
في الأمة يسبيها العدو
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: في الأمة للمسلم يسبيها العدو فيطؤها رجل منهم فتلد له أولادا
ويولد لأولادها أولاد فيتناتجون ثم يظهر عليهم المسلمون فإنه يأخذها سيدها وأولادها الذين ولدتهم من

(1) كذا في النسخ، ولعله (عن أن يسيحوا) تأمل.
(2) لعله (ولو قاتلوا كان الخ) تأمل، كتبه مصححه.
303

الرجال والنساء وننظر إلى أولاد أولادها فنأخذ بنى بناتها ولا نأخذ بنى بنيها من قبل أن الرق إنما يكون
بالام لا بالأب كما ينكح الحر الأمة فيكون ولده رقيقا وكما ينكح العبد الحرة فيكون ولده كلهم أحرارا.
في العلج يدل على القلعة على أن له جارية سماها
(قال الشافعي) رضي الله عنه في علج دل قوما من المسلمين على قلعة على أن يعطوه جارية سماها فلما انتهوا إلى القلعة صالح صاحب القلعة على أن يفتحها لهم ويخلوا بينه وبين أهله ففعل فإذا أهله
تلك الجارية فأرى أن يقال للدليل إن رضيت العوض عوضناك قيمتها وإن لم ترض العوض فقد أعطينا
ما صالحناك عليه غيرك فإن رضى العوض أعطيه وتم الصلح وإن لم يرض العوض قيل لصاحب القلعة
قد صالحنا هذا على شئ صالحناك عليه بجهالة منا به فإن سلمت إليه عوضناك منه وإن لم تسلمه إليه
نبذنا إليك وقاتلناك وإن كانت الجارية قد أسلمت قبل أن يظفر بها فلا سبيل إليها ويعطى قيمتها وإن
ماتت عوض منها بالقيمة ولا يبين في الموت كما يبين إذا أسلمت.
في الأسير يكره على الكفر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: في الأسير يكره على الكفر وقلبه مطمئن بالايمان: لاتبين منه
امرأته وإن تكلم بالشرك ولا يحرم ميراثه من المسلمين ولا يحرمون ميراثهم منه إذا علم أنه إنما قال ذلك
مكرها وعلمهم ذلك أن يقول قبل قوله أو مع قوله أو بعد قوله إني إنما قلت ذلك مكرها، وكذلك ما
أكرهوا عليه من غير ضر أحد من أكل لحم الخنزير أو دخول كنيسة ففعل وسعه ذلك وأكره له أن يشرب
الخمر لأنها تمنعه من الصلاة ومعرفة الله إذا سكر ولا يبين أن ذلك محرم عليه وإذا وضع عنه الشرك
بالكره وضع عنه ما دونه مما لا يضر أحدا ولو أكرهوه على أن يقتل مسلما لم يكن له أن يقتله (قال
الشافعي) رضي الله عنه في رجل أسر فتنصر وله امرأة فمر به قوم من المسلمين فأشرف عليهم وهو في
الحصن فقال إنما تنصرت بلساني وأنا أصلى إذا خلوت فهذا مكره ولا تبين منه امرأته.
النصراني يسلم في وسط السنة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا أسلم الذمي قبل حلول وقت الجزية سقطت عنه وإن أسلم
بعد حلولها فهي عليه (قال الشافعي) رضي الله عنه: كل من خالف الاسلام من أهل الصوامع
وغيرهم ممن دان دين أهل الكتاب فلا بد من السيف أو الجزية (قال الشافعي) رحمه الله: كل شئ
بيع وفيه فضة مثل السيف والمنطقة والقدح والخاتم والسرج فلا يباع حتى تخلع الفضة فتباع الفضة
بالفضة ويباع السيف على حدة ويباع ما كان عليه من فضة بالذهب ولا يباع بالفضة.
304

الزكاة في الحلية من السيف وغيره
(قال الشافعي) رضي الله عنه: الخاتم يكون للرجل من فضة والحلية للسيف لا زكاة عليه في
واحد منهما في قول من رأى أن لا زكاة في الحلى وإن كانت الحلية لمصحف أو كان الخاتم لرجل من
ذهب لم تسقط عنه الزكاة ولولا أنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم تختم بخاتم فضة وأنه كان في
سيفه حلية فضة ما جاز أن يترك الزكاة فيه من رأى أن لا زكاة في الحلى لأن الحلى للنساء لا للرجال.
العبد يأبق إلى أرض الحرب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أبق العبد إلى بلاد العدو كافرا كان أو مسلما سواء لأنه على
ملك سيده وأنه لسيده قبل المقاسم وبعدها وإن كان مسلما فارتد فكذلك غير أنه يستتاب فإن تاب
وإلا قتل
في السبي
(قال الشافعي) رضي الله عنه: وإذا سبى النساء والرجال والولدان ثم أخرجوا إلى دار الاسلام
فلا بأس ببيع الرجال من أهل الحرب وأهل الصلح والمسلمين قد فادى رسول الله صلى الله عليه وسلم
الاسرى فرجعوا إلى مكة وهم كانوا عدوه وقاتلوه بعد فدائهم ومن عليهم وقاتلوه بعد المن عليهم وفدى
رجلا برجلين فكذلك لا بأس ببيع السبي البوالغ من أهل الحرب والصلح ومن كان من الولدان مع
أحد أبويه فلا بأس أن يباع من أهل الحرب والصلح ولا يصلى عليه إن مات قد باع رسول الله صلى الله
عليه وسلم سبى بني قريظة من أهل الحرب والصلح فبعث بهم أثلاثا، ثلثا إلى نجد وثلثا إلى تهامة
وهؤلاء مشركون أهل أوثان وثلثا إلى الشام وأولئك مشركون فيهم الوثني وغير الوثني وفيهم الولدان مع
أمهاتهم ولم أعلم منهم أحدا كان خليا من أمه فإذا كان مولود خليا من أمه لم أر أن يباع إلا من مسلم
وسواء كان السبي من أهل الكتاب أو من غير أهل الكتاب لأن بني قريظة كانوا أهل كتاب ومن
وصفت أن النبي صلى الله عليه وسلم من عليهم كانوا من أهل الأوثان وقد من على بعض أهل الكتابين
فلم يقتل، وقتل أعمى من بني قريظة بعد الأسئار وهذا يدل على قتل من لا يقاتل من الرجال البالغين
إذا أبى الاسلام أو الجزية. قال: ويقتل الأسير بعد وضع الحرب أو زارها وقد قتل النبي صلى الله عليه
وسلم بعد انقطاع الحرب بينه وبين من قتل في ذلك الأسر وكذلك يقتل كل مشرك بالغ إذا أبى
الاسلام أو الجزية وإذا دعا الإمام الأسير إلى الاسلام فحسن وإن لم يدعه وقتله فلا بأس، وإذا قتل
الرجل الأسير قبل بلوغ الإمام وبعده في دار الحرب وبعد الخروج منها بغير أمر الإمام فقد أساء ولا
غرم عليه من قبل أنه لما كان للإمام أن يرسله ويقتله ويفادى به كان حكمه غير حكم الأموال التي ليس
للإمام إلا إعطاؤها من أوجف عليها ولكنه لو قتل طفلا أو امرأة عوقب وغرم أثمانهما، ولو استهلك مالا
غرم ثمنه، وإذا سبق السبي فأبطئوا أوجفوا ولا محمل لهم بحال فإن شاءوا قتلوا الرجال وإن شاءوا
تركوهم وكذلك إن خيفوا وليس لهم قتل النساء ولا الولدان بحال ولا قتل شئ من البهائم إلا ذبحا
305

لمأكله لا غيره لا فرس ولاغيره، فإن اتهم الإمام الذي يسوق السبي أحلفه ولا شئ عليه، وإذا
جنت الجارية من السبي جناية لم يكن للإمام أن يمنعها من المجني عليه ولا يفديها من مال الجيش وعليه
أن يبيعها بالجناية فإن كان ثمنها أقل من الجناية أو مثلها دفعه إلى المجني عليه وإن كان أكثر فليست
له الزيادة على أرش جنايته والزيادة لأهل العسكر، وإن كان معها مولود صغير وولدت بعد ما جنت
وقبل تباع بيعت ومولودها وقسم الثمن عليهما فما أصابها كان للمجني عليه كما وصفت وما أصاب ولدها
فلجماعة الجيش لأنه ليس للجاني. قال: والبيع في أرض الحرب جائز فمن اشترى شيئا من المغنم ثم
خرج فلقيه العدو فأخذوه منه فلا شئ له وكان ينبغي للوالي أو يبعث مع الناس من يحوطهم (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: يجزئ في الرقاب الواجبة المولود على الاسلام الصغير وولد الزنا والله أعلم.
العدو يغلقون الحصون على النساء والأطفال والأسرى
هل ترمى الحصون بالمنجنيق؟
(قال الشافعي) رضى الله تعالى عنه: إذا كان في حصن المشركين نساء وأطفال وأسرى مسلمون
فلا باس بأن ينصب بالمنجنيق على الحصن دون البيوت التي فيها الساكن إلا أن يلتحم المسلمون قريبا
من الحصن فلا بأس أن ترمى بيوته وجدرانه فإذا كان في الحصن مقاتلة محصنون رميت البيوت
والحصون، وإذا تترسوا بالصبيان المسلمين أو غير المسلمين والمسلمون ملتحمون فلا بأس أن يعمدوا
المقاتلة دون المسلمين والصبيان وإن كانوا غير ملتحمين أحببت له الكف عنهم حتى يمكنهم أن يقاتلوهم
غير متترسين، وهكذا إن أبرزوهم فقالوا إن رميتمونا وقاتلتمونا قاتلناهم، والنفط والنار مثل المنجنيق
وكذلك الماء والدخان.
في قطع الشجر (1) وحرق المنازل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا بأس بقطع الشجر المثمر وتخريب العامر وتحريقه من بلاد
العدو وكذلك لا بأس بتحريق ما قدر لهم عليه من مال وطعام لا روح فيه لأن رسول الله صلى الله عليه
وسلم حرق نخل بنى النضير وأهل خيبر وأهل الطائف وقطع فأنزل الله عز وجل في بنى النضير (ما قطعتم
من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها) الآية فأما ماله روح فإنه يألم مما أصابه فقتله محرم إلا بأن يذبح
فيؤكل ولا يحل قتله لمغايظة العدو لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل عصفورا فما فوقها
بغير حقها سأله الله عنها) قيل وما حقها يا رسول الله قال: (يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمى به)
ولا يحرق نحلا ولا يغرق لأنه له روح وإذا كان المسلمون أسرى أو مستأمنين في دار الحرب فقتل
بعضهم بعضا أو قذف بعضهم بعضا أو زنوا بغير حربية فعليهم في هذا كله الحكم كما يكون عليهم لو
فعلوه في بلاد الاسلام إنما يسقط عنهم لو زنى أحدهم بحربية إذا ادعى الشبهة، ولا تسقط دار الحرب

(1) لعله (وتحريق المنازل) كتبه مصححه.
306

عنهم فرضا كما لا تسقط عنهم صوما ولا صلاة ولا زكاة والحدود فرض عليهم كما هذه فرض عليهم،
قال وإذا أصاب الرجل حدا وهو محاصر للعدو أقيم عليه الحد ولا يمنعنا الخوف عليه من اللحوق
بالمشركين أن نقيم عليه حدا لله عز وجل فلو فعلنا توقيا أن يغضب ما أقمنا الحد عليه أبدا لأنه يمكنه من
كل موضع أن يلحق بدار الحرب والعلة أن يلحق بدار الحرب فيعطل عنه الحد إبطالا لحكم الله عز
وجل ثم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلة جهالة وغيا قد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحد بالمدينة والشرك قريب منها وفيها شرك كثير موادعون وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منه وإذا
أصاب المسلم نفسه بجرح خطأ فلا يكون له عقل على نفسه ولا على عاقلته ولا يضمن المرء ما جنى على
نفسه وقد يروى أن رجلا من المسلمين ضرب رجلا من المشركين في غزاة أظنها خيبر بسيف فرجع
السيف عليه فأصابه فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجعل له النبي صلى الله عليه وسلم في
ذلك عقلا وإذا نصب القوم المنجنيق فرموا بها فرجع الحجر على أحدهم فقتله فديته على عواقل الذين
رموا بالمنجنيق فإن كان ممن رمى به معهم رفعت حصته من الدية وذلك أن يكونوا عشرة هو عاشرهم
فجناية العشر على نفسه مرفوعة عن نفسه وعاقلته ولا يضمن هو ولا عاقلته عما جنى على نفسه وعلى
عواقلهم تسعة أعشار ديته وعلى الرامين الكفارة ولا يكون كفارة ولا عقل على من سددهم وأرشدهم
وأمرهم حيث يرمون لأنه ليس بفاعل شيئا إنما تكون الكفارة والدية على الذين كان بفعلهم القتل
وتحمل العاقلة كل شئ كان من الخطأ ولو كان درهما أو أقل منه إذا حملت الأكثر حملت الأقل وقد
قضى النبي صلى الله عليه وسلم على العاقلة بدية الجنين وإذا دخل المسلم دار الحرب مستأمنا فادان دينا
من أهل الحرب ثم جاءه الحربي الذي أدانه مستأمنا قضيت عليه بدينه كما أقضى به للمسلم والذمي
في دار الاسلام لأن الحكم جار على المسلم حيث كان لا نزيل الحق عنه بأن يكون بموضع من المواضع
كما لا تزول عنه الصلاة أن يكون بدار الشرك فإن قال رجل الصلاة فرض فكذلك أداء الدين فرض
ولو كان المتداينان حربيين فاستأمنا ثم تطالبا ذلك الدين فإن رضيا حكمنا فليس علينا أن نقضي لهما
بالدين حتى نعلم أنه من حلال فإذا علمنا أنه من حلال قضينا لهما به وكذلك لو أسلما فعلمنا أنه حلال
قضينا لهما به إذا كان كل واحد منهما مقرا لصاحبه بالحق لا غاصب له عليه فإن كان غصبه عليه في دار
الحرب لم أتبعه بشئ لأني أهدر عنهم ما تغاصبوا به فإن قال قائل ما دل على أنك تقضى له به إذا لم
يغصبه؟ قيل له أبى أهل الجاهلية في الجاهلية ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تبارك
وتعالى (اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) وقال في سياق الآية (وإن تبتم فلكم رؤوس
أموالكم) فلم يبطل عنهم رؤوس أموالهم إذا لم يتقابضوا وقد كانوا مقرين بها ومستيقنين في الفضل فيها
فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ما أصابوا من دم أو مال لأنه كان على وجه الغصب لا على
وجه الاقرار به وإذا أحصن الذميان ثم زنيا ثم تحاكما إلينا رجمناهما وكذلك لو أسلما بعد إحصانهما ثم
زنيا مسلمين رجمناهما إذا عددنا إحصانهما وهما مشركان إحصانا نرجمهما به فهو إحصان بعد إسلامهما
ولا يكون إحصانا مرة وساقطا أخرى والحد على المسلم أوجب منه على الذمي وإذا أتيا جميعا فرضى
أحدهما ولم يرض الآخر حكمنا على الراضي بحكمنا وأي رجل أصاب زوجة صحيحة النكاح حرة ذمية
أو أمة مسلمة وهو حر بالغ فهو محصن وكذلك الحرة المسلمة يصيبها المسلم وكذلك الحرة الذمية يصيبها
الزوج المسلم أو الذمي إنما الاحصان الجماع بالنكاح لاغيره فمتى وجدنا جماعا بنكاح صحيح فهو
إحصان للحر منهما وإذا دخل الرجل دار الحرب فوجد في أيديهم أسرى رجالا ونساء من المسلمين
307

فاشتراهم وأخرجهم من دار الحرب وأراد أن يرجع عليهم بما أعطى لم يكن ذلك له وكان متطوعا
بالشراء لما ليس يباع من الأحرار فإن كانوا أمروه بشرائهم رجع عليهم بما أعطى فيهم من قبل أنه أعطى
بأمرهم وكذلك قال بعض الناس ثم رجع فنقض قوله فزعم أن رجلا لو دخل بلاد الحرب وفي أيديهم
عبد لرجل اشتراه بغير أمر الرجل ولا العبد كان له إلا أن يشاء سيد العبد أن يعطيه ثمنه وهذا خلاف
قوله الأول إذا زعم أن المشترى غير مأمور متطوع لزمه أن يزعم أن هذا العبد لسيده ولا يرجع على
سيده بشئ من ثمنه وهكذا نقول في العبد كما نقول في الحر لا يختلفان وإنما غلط فيه من قبل أنه
يزعم أن المشركين يملكون على المسلمين وأنه اشتراه مالك من مالك ويدخل عليه في هذا الموضع أنه لا
يكون عليه رده إلى سيده لأنه اشتراه مالك من مالك وكذلك لو كان الذمي اشتراه وإذا أسرت المسلمة
فنكحها بعض أهل الحرب أو وطئها بلا نكاح ثم ظهر عليها المسلمون لم تسترق هي ولا ولدها لأن
أولادها مسلمون بإسلامها فإن كان لها زوج في دار الاسلام لم يلحق به هذا الولد ولحق بالناكح المشرك
وإن كان نكاحه فاسدا لأنه نكاح شبهة وإذا دخل المستأمن بلاد الاسلام فقتله مسلم عمدا فلا قود
عليه وعليه الكفارة في ماله وديته فإن كان يهوديا أو نصرانيا فثلث دية المسلم وإن كان مجوسيا أو وثنيا فهو
كالمجوسي فثمانمائة درهم في ماله حالة فإن قتله خطأ فديته على عاقلته وعليه الكفارة في ماله * أخبرنا
فضيل بن عياض عن منصور عن ثابت الحداد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه قضى في اليهودي والنصراني أربعة آلاف أربعة آلاف وفي المجوسي ثمانمائة درهم أخبرنا بن عيينة
عن صدقة بن يسار قال أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله عن دية اليهودي والنصراني قال قضى فيه
عثمان بن عفان بأربعة آلاف فإن كان مع هذا المستأمن المقتول مال رد إلى ورثته كما يرد مال المعاهد إلى
ورثته إذا كان الدم ممنوعا بالاسلام والأمان فالمال ممنوع بذلك وإذا دخل المسلم أو الذمي دار الحرب
مستأمنا فخرج بمال من مالهم يشترى لهم به شيئا فأما ما مع المسلمين فلا نعرض له ويرد على أهله من
أهل دار الحرب لأن أقل ما فيه أن يكون خروج المسلم به أمانا للكافر فيه (1) وإذا أستأمن العبد من
المشركين على أن يكون مسلما ويعتق فذلك للإمام أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصار ثقيف
من نزل إليه من عبد فأسلم فشرط لهم أنهم أحرار فنزل إليه خمسة عشر عبدا من عبيد ثقيف فأعتقهم
ثم جاء سادتهم بعدهم مسلمين فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردهم إليهم فقال هم أحرار لا
سبيل عليهم ولم يردهم وإذا وجد الرجل من أهل الحرب على قارعة الطريق بغير سلاح وقال جئت
رسولا مبلغا قبل منه ولم نعرض له فإن ارتيب به أحلف فإذا حلف ترك وهكذا لو كان معه سلاح وكان
منفردا ليس في جماعة يمتنع مثلها لأن حالهما جميعا يشبه ما ادعيا ومن ادعى شيئا يشبه ما قال لا
يعرف بغيره كان القول قوله مع يمينه وإذا أتى الرجل من أهل الشرك بغير عقد عقد له المسلمون فأراد
المقام معهم فهذه الدار لا تصلح إلا لمؤمن أو معطى جزية فإن كان من أهل الكتاب قيل له إن أردت
المقام فأد الجزية وإن لم ترده فارجع إلى مأمنك فإن استنظر فأحب إلى أن لا ينظر إلا أربعة أشهر من
قبل أن الله عز وجل جعل للمشركين أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر وأكثر ما يجعل له أن لا يبلغ به
الحول لأن الجزية في الحول فلا يقيم في دار الاسلام مقام من يؤدى الجزية ولا يؤديها وإن كان من
أهل الأوثان فلا تؤخذ منه الجزية بحال عربيا كان أو أعجميا ولا ينظر إلا كإنظار هذا وذلك دون الحول

(1) لم يتكلم هنا على المال مع الذمي وقد ذكر فيما تقدم أن فيه قولين فتنبه، كتبه مصححه.
308

وإذا دخل قوم من المشركين بتجارة ظاهرين فلا سبيل عليهم لأن حال هؤلاء حال من لم يزل يؤمن من
التجار وإذا دخل الحربي دار الاسلام مشركا ثم أسلم قبل يؤخذ فلا سبيل عليه ولا على ماله ولو كان
جماعة من أهل الحرب ففعلوا هذا كان هذا هكذا ولو قاتلوا ثم أسروا فأسلموا بعد الأسئار فهم فئ
وأموالهم ولا سبيل على دمائهم للاسلام فإذا كان هذا ببلاد الحرب فأسلم رجل في أي حال ما أسلم فيها
قبل أن يؤسر أحرز له إسلامه دمه ولم يكن عليه رق وهكذا إن صلى فالصلاة من الايمان أمسك عنه
فإن زعم أنه مؤمن فقد أحرز ماله ونفسه وإن زعم أنه صلى صلاته وأنه على غير الايمان كان فيئا إن
شاء الإمام قتله وحكمه حكم أسرى المشركين.
الحربي إذا لجأ إلى الحرم
(قال الشافعي) رضي الله عنه: ولو أن قوما من أهل دار الحرب لجئوا إلى الحرم فكانوا ممتنعين فيه
أخذوا كما يؤخذون في غير الحرم فنحكم فيهم من القتل وغيره كما نحكم فيمن كان في غير الحرم فإن
قال قائل وكيف زعمت أن الحرم لا يمنعهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة (هي حرام
بحرمة الله لم تحلل لاحد قبلي ولا تحل لاحد بعدي ولم تحلل لي إلا ساعة من نهار) وهي ساعتها هذه
محرمة؟ قيل إنما معنى ذلك والله أعلم أنها لم تحلل أن ينصب عليها الحرب حتى تكون كغيرها فإن قال
ما دل على ما وصفت؟ قيل أمر النبي صلى الله عليه وسلم عندما قتل عاصم بن ثابت وخبيب (1) وابن
حسان بقتل أبي سفيان في داره بمكة غيلة إن قدر عليه. وهذا في الوقت الذي كانت فيه محرمة فدل
على أنها لا تمنع أحدا من شئ وجب عليه وأنها إنما يمنع أن ينصب عليها الحرب كما ينصب على غيرها
والله أعلم.
الحربي يدخل دار الاسلام بأمان ويشترى عبدا مسلما
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا دخل الحربي دار الاسلام بأمان فاشترى عبدا مسلما فلا
يجوز فيه إلا واحد من قولين أن يكون الشراء مفسوخا وأن يكون على ملك صاحبه الأول أو يكون
الشراء جائزا وعليه أن يبيعه فإن لم يظهر عليه حتى يهرب به إلى دار الحرب ثم أسلم عليه فهو له إن باعه
أو وهبه فبيعه وهبته جائزة ولا يكون حرا بإدخاله إياه دار الحرب ولا يعتق بالاسلام إلا في موضع وهو
أن يخرج من بلاد الحرب مسلما كما أعتق النبي صلى الله عليه وسلم من خرج من حصن ثقيف
مسلما. فإن قال قائل أفرأيت إن ذهبنا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعتقهم بالاسلام دون
الخروج من بلاد الحرب قيل له قد جاء النبي صلى الله عليه وسلم عبد مسلم ثم جاءه سيده يطلبه
فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم منه بعبدين ولو كان ذلك يعتقه لم يشتر منه حرا ولم يعتقه هو بعد ولكنه
أسلم غير خارج من بلاد منصوب عليها حرب.

(1) في نسخة (وحسان) ومع ذلك لم يذكر في السير فيمن كان مع عاصم من اسمه حسان، ولا ابن حسان،
فحرر.
309

عبد الحربي يسلم في بلاد الحرب
(قال الشافعي) رضي الله عنه: ولو أسلم عبد الحربي في دار الحرب ولم يخرج منها حتى ظهر
المسلمون عليها كان رقيقا محقون الدم بالاسلام.
الغلام يسلم
(قال الشافعي) رضي الله عنه: وإذا أسلم الغلام العاقل قبل أن يحتلم أو يبلغ خمس عشرة سنة
وهو الذمي ووصف الاسلام كان أحب إلى أن يبيعه وأن يباع عليه والقياس ان لا يباع عليه حتى يصف
الاسلام بعد الحلم أو بعد استكمال خمس عشرة سنة فيكون في السن التي لو أسلم ثم ارتد بعدها قتل. وإنما قلت: أحب إلى أن يباع عليه قياسا على من أسلم من عبيده (1) أجبره على بيعه وهو لم يصف
الاسلام وإنما جعلته مسلما بحكم غيره فكأنه إذا وصف الاسلام وهو يعقله في مثل ذلك المعنى أو
أكثر منه وإن كان قد يخالفه فيحتمل الأول أن يكون قياسا كان صحيحا وهذا قياس فيه شبهة.
في المرتد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ارتد الرجل عن الاسلام ولحق بدار الحرب أو هرب فلم
يدر أين هو أو خرس أو عته أوقفنا ماله فلم نقض فيه بشئ وإن لم يسلم قبل انقضاء عدة امرأته بانت
منه وأوقفنا أمهات أولاده ومدبريه وجميع ماله وبعنا من رقيقه مالا يرد عليه وما كان بيعه نظرا له ولم
يحلل من ديونه المؤجلة شئ فإن رجع إلى الاسلام دفعنا إليه ماله كما كان بيده قبل ما صنع فإن مات
قبل الاسلام فماله فئ يخمس فتكون أربعة أخماسه للمسلمين وخمسه لأهل الخمس. فإن زعم
بعض ورثته أنه قد أسلم قبل أن يموت كلف البينة فإن جاء بها أعطى ماله ورثته من المسلمين وإن لم
يأت بها وقد علمت منه الردة فماله فئ، وإن قدم ليقتل فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده
ورسوله وقتله بعض الولاة الذين لا يرون أن يستتاب بعض المرتدين فميراثه لورثته المسلمين وعلى قاتله
الكفارة والدية ولولا الشبهة لكان عليه القود وقد خالفنا في هذا بعض الناس وقد كتبناه في كتاب المرتد
وإذا عرضت الجماعة لقوم من مارة الطريق وكابروهم بالسلاح فإن قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا،
وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من
خلاف وإن لم يقتلوا ولم يأخذوا المال نفوا من الأرض ونفيهم أن يطلبوا فينفوا من بلد إلى بلد فإذا ظفر بهم أقيمت عليهم أي هذه الحدود كان حدهم ولا يقطعون حتى يبلغ قدر ما أخذ كل واحد منهم ربع
دينار فإن تابوا من قبل أن يقدر عليهم سقط عنهم مالله من هذه الحدود ولزمهم ما للناس من مال أو
جرح أو نفس حتى يكونوا يأخذونه أو يدعونه فإن كانت منهم جماعة رداءا لهم حيث لا يسمعون
الصوت أو يسمعونه عزروا ولم يصنع بهم شئ من هذه الحدود. ولا يحد ممن حضر المعركة إلا من فعل

(1) أي: وله ولد صغار أجبره على بيعه، أي بيع الولد وهو لم يصف الخ، تأمل.
310

هذا لأن الحد إنما هو بالفعل لا بالحضور ولا التقوية. وسواء كان هذا الفعل في قرية أو صحراء ولو
أعطاهم السلطان أمانا على ما أصابوا (2) كان ما أعطاهم عليه الأمان من حقوق الناس باطلا ولزمه أن
يأخذ لهم حقوقهم إلا أن يدعوها ولو فعلوا غير مرتدين عن الاسلام. ثم ارتدوا عن الاسلام بعد فعلهم
ثم تابوا أقيمت عليهم تلك الحدود لأنهم فعلوها وهم ممن تلزمهم تلك الحدود ولو كانوا ارتدوا عن
الاسلام قبل فعل هذا ثم فعلوه مرتدين ثم تابوا لم نقم عليهم شيئا من هذا لأنهم فعلوه وهم مشركون
ممتنعون قد ارتد طليحة فقتل ثابت ابن أفرم وعكاشة بن محصن بيده ثم أسلم فلم يقد منه ولم يعقل لأنه
فعل ذلك في حال الشرك ولا تباعة عليه في الحكم إلا أن يوجد مال رجل بعينه في يديه فيؤخذ
منه، ولو كانوا ارتدوا ثم فعلوا هذا ثم تابوا ثم فعلوا مثله أقيمت عليهم الحدود في الفعل الذي فعلوه وهم
مسلمون ولم تقم عليهم في الفعل الذي فعلوه وهم مشركون (قال) وللشافعي قول آخر في موضع آخر
إذا ارتد عن الاسلام ثم قتل مسلما ممتنعا وغير ممتنع قتل به وإن رجع إلى الاسلام لأن المعصية بالردة
إن لم تزده شرا لم تزده خيرا فعليه القود (قال الربيع) قياس قول الشافعي أنه إذا سرق العبد من المغنم
فبلغت سرقته تمام سهم حر وأكثر فكان ربع دينار وأكثر أنه يقطع لأنه يزعم أنه لا يبلغ بالرضخ للعبد
سهم رجل فإذا بلغ سهم رجل والذي بلغه بعد سهم رجل ربع دينار أو أكثر من السهم بربع قطع
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ارتد العبد عن الاسلام ولحق بدار الحرب ثم أمنه الإمام على أن
لا يرده إلى سيده فأمانه باطل وعليه أن يدفعه إلى سيده فلو حال بينه وبين سيده بعد وصوله إليه فمات
في يديه ضمن لسيده قيمته وكان كالغاصب وإن لم يمت كان لسيده عليه أجرته في المدة التي حبسه
عنه فيها، وإذا ضرب الرجل بالسيف ضربة يكون في مثلها قصاص اقتص منه وإن لم يكن فيها
قصاص فعليه الأرش، ولا تقطع يدا أحد إلا السارق وقد ضرب صفوان بن المعطل حسان بن ثابت
بالسيف ضربا شديدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقطع صفوان وعفا حسان بعد أن برأ
فلم يعاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوان وهذا يدل أن لا عقوبة على من كان عليه قصاص
فعفى عنه في دم ولا جرح، وإلى الوالي قتل من قتل على المحاربة لا ينتظر به ولى المتقول، وقد قال
بعض أصحابنا ذلك، قال ومثله الرجل يقتل الرجل من غير نائرة واحتج لهم بعض من يذهب
مذاهبهم بأمر المحدر بن زياد ولو كان حديثه مما نثبته قلنا به فإن ثبت فهو كما قالوا ولا أعرفه إلى يومى هذا
ثابتا وإن لم يثبت فكل مقتول قتله غير المحارب فالقتل فيه إلى ولى المقتول من قبل أن الله جل وعلا يقول
(ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا). وقال عز وجل (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع
بالمعروف) فبين في حكم الله عز وجل أنه جعل العفو أو القتل إلى ولى الدم دون السلطان إلا في
المحارب فإنه قد حكم في المحاربين أن يقتلوا أو يصلبوا فجعل ذلك حكما مطلقا لم يذكر فيه أولياء
الدم. وإذا كان ممن قطع الطريق من أخذ المال ولم يقتل وكان أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى قطعت
يده اليسرى ورجله اليمنى والحكم الأول في يده اليمنى ورجله اليسرى ما بقي منهما شئ لا يتحول إلى
غيرهما فإذا لم يبق منهما شئ يكون فيه حكم تحول الحكم إلى الطرفين الآخرين فكان فيهما ولا نقطع
قطاع الطريق إلا فيما تقطع فيه السراق وذلك ربع دينار يأخذه كل واحد منهم فصاعدا أو قيمته وقطع
الطريق بالعصا والرمي بالحجارة مثله بالسلاح من الحديد وإذا عرض اللصوص لقوم فلا حد إلا في

(1) الأوضح وهو المراد (كان ما أعطاهم من الأمان على حقوق الناس باطلا) تأمل.
311

فعل وإن اختلفت أفعالهم فحدودهم بقدر أفعالهم من قتل منهم واخذ المال قتل وصلب ومن قتل منهم
ولم يأخذ مالا قتل ولم يصلب ومن أخذ المال قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى من خلاف ومن كثر
جماعتهم ولم يفعل شيئا من هذا قاسمهم ما أصابوا أو لم يقاسمهم عزر وحبس وليس لأولياء الذين قتلهم
قطاع الطريق عفو لأن الله عز وجل حدهم بالقتل أو القتل والصلب أو القطع ولم يذكر الأولياء كما
ذكرهم في القصاص في الآيتين فقال عز وجل (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) وقال في
الخطأ (فدية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) وذكر القصاص في القتلى ثم قال عز وجل (فمن عفى له
من أخيه شئ فاتباع بالمعروف) فذكر في الخطأ والعمد أهل الدم ولم يذكرهم في المحاربة فدل على أن
حكم قتل المحارب مخالف لحكم قتل غيره والله أعلم (قال الشافعي) كل ما استهلك المحارب أو السارق
من أموال الناس فوجد بعينه أخذ وإن لم يوجد بعينه فهو دين عليه يتبع به قال وإن تاب المحاربون من
قبل أن نقدر عليهم سقط عنهم مالله عز وجل من الحد ولزمهم ما للناس من حق فمن قتل منهم دفع
إلى أولياء المقتول فإن شاء عفا وإن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية حالا من مال القاتل ومن جرح منهم
جرحا فيه قصاص فالمجروح بين خيرتين إن أحب فله القصاص وإن أحب فله عقل الجروح فإن كان
فيهم عبد فأصاب دما عمدا فولى الدم بالخيار بين أن يقتله أو يباع له فتؤدى إليه دية قتله إن كان حرا
وإن كان عبدا فقيمة قتيله فإن فضل من ثمنه شئ رد إلى مالكه فإن عجز عن الدية لم يضمن مالكه
شيئا وإن كان كفافا للدية فهو لولى القتيل إلا أن يشاء مالك العبد إذا عفى له عن القصاص أن يتطوع
بدية الذي قتله عبده أو قيمته وإذا كانت في المحاربين امرأة فحكمها حكم الرجال لأني وجدت
أحكام الله عز وجل على الرجال والنساء في الحدود واحدة قال الله تبارك وتعالى (الزانية والزاني
فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وقال (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ولم يختلف المسلمون في
أن تقتل المرأة إذا قتلت وإذا أحدث المسلم حدثا في دار الاسلام فكان مقيما بها ممتنعا أو مستخفيا أو
لحق بدار الحرب فسأل الأمان على إحداثه فإن كان فيها حقوق للمسلمين لم ينبغ للإمام أن يؤمنه عليها
ولو أمنه عليها فجاء طالبها وجب عليه أن يأخذه بها وإن كان ارتد عن الاسلام فأحدث بعد الردة ثم
استأمن أو جاء مؤمنا سقط عنه جميع ما أحدث في الردة والامتناع قد ارتد طليحة عن الاسلام وثنيا
وقتل ثابت بن أفرم وعكاشة بن محصن ثم أسلم فلم يقد بواحد ولم يؤخذ منه عقل لواحد منهما وإنما أمر الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام فقال (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى
يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) ولم أعلم بذلك في أحد من أهل الاسلام فإن قال قائل فلم لا تجعل
ذلك في أهل الاسلام الممتنعين كما تجعله في المشركين الممتنعين؟ قيل لما وصفنا من سقوط ما أصاب
المشرك في شرك وامتناعه من دم أو مال عنه وثبوت ما أصاب المسلم في امتناعه مع إسلامه فإن الحدود
إنما هي على المؤمنين لاعلى المشركين ووجدت الله عز وجل حد المحاربين وهم ممتنعون كما حد غيرهم
وزادهم في الحد بزيادة ذنبهم ولم يسقط عنهم بعظم الذنب شيئا كما أسقط عن المشركين وإذا أبق
العبد من سيده ولحق بدار الحرب ثم استأمن الإمام على أن لا يرده على سيده فعليه أن يرده على سيده
وكذلك لو قال على أنك حر كان عليه أن يرده إلى سيده وأمان الإمام في حقوق الناس باطل وإذا قطع
الرجل الطريق على رجلين أحدهما أبوه أو ابنه واخذ المال فإن كان ما أخذ من حصة الذي ليس بأبيه
يبلغ ربع دينار فصاعدا قطع كان مالهما مختلطا أو لم يكن لأن أحدهما لا يملك بمخالطته مال غيره إلا
مال نفسه فإن استيقنا أن قد وصل إليه ربع ديار من غير مال أبيه أو ابنه قطعناه وإذا قطع أهل الذمة
312

على المسلمين حدوا حدود المسلمين وإذا قطع المسلمون على أهل الذمة حدوا حدودهم لو قطعوا على
المسلمين إلا أنى أتوقف في أن أقتلهم إن قتلوا أو أضمنهم الدية وإذا سرق الرجل من المغنم وقد حضر
القتال عبدا كان أو حرا لم يقطع لأن لكل واحد منهما فيه نصيب الحر بسهمه والعبد بما يرضخ
له ويضمن وكذلك كل من سرق من بيت المال وكذلك كل من سرق من زكاة الفطر وهو من أهل
الحاجة ومن سرق خمرا من كتابي وغيره فلا غرم عليه ولا قطع وكذلك إن سرق ميتة من مجوسي فلا
قطع ولا غرم لا يكون القطع والغرم إلا فيما يحل ثمنه فإذا بلغت قيمه الظرف ربع دينار قطعته من قبل
أنه سارق لشيئين وعاء يحل بيعه والانتفاع به إذا غسل وخمر قد سقط القطع فيها كما يكون عليه القطع
لو سرق شاتين إحداهما ذكية والأخرى ميتة وكانت قيمة الذكية ربع دينار لم يسقط عنه القطع أن
يكون معها ميتة والميتة كلا شئ وكأنه منفرد بالذكية لأنه سارق لهما، والله أعلم.
تم بحمد الله وعونه وتوفيقه الجزء الرابع من كتاب: الام
ويليه إن شاء الله الجزء الخامس، وأوله:
(كتاب النكاح)
313