الكتاب: روضة الطالبين
المؤلف: محيى الدين النووي
الجزء: ٥
الوفاة: ٦٧٦
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود ، الشيخ علي محمد معوض
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

روضة الطالبين
للامام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي
المتوفى سنة 676
ومعه
المنهاج السوي في ترجمة الامام النووي
منتقى الينبوع
فيما زاد على الروضة من الفروع
للحافظ جلال الدين السيوطي
تحقيق
الشيخ عادل أحمد عبد الموجود - الشيخ علي محمد معرض
الجزء الخامس
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
1

جميع الحقوق محفوظة
الدار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
يطلب من: دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
صرب: 9424 / 11 تلكس: 41245
هاتف: 366135 - 810073
2

كتاب الفرائض (1)
الباب الأول في بيان أسباب التوريث والورثة وقدر استحقاقهم
فيه عشرة أبواب:
الأول (2): في بيان أسباب التوريث والورثة وقدر استحقاقهم، وتقدم عليه أن
يبدأ من تركة الميت بمؤنة تجهيزه بالمعروف ما لم يتعلق به حق غيره. فإن تعلق،
كالمرهون، وما يتعلق به زكاة، والعبد الجاني، والمبيع إذا مات المشتري مفلسا،
قدم حق الغير، ثم تقضى ديونه من تركته، وللورثة إمساك ما تركه، وغرامة ما
4

عليه من مالهم كما سبق في كتاب الرهن، ثم تنفذ وصاياه من ثلث الباقي، ثم يقسم
الباقي بين الورثة على فرائض الله تعالى.
فصل أسباب التوريث أربعة: قرابة، ونكاح، وولاء، وجهة
الاسلام. والمراد بجهة الاسلام: أن من مات ولم يخلف وارثا بالأسباب الثلاثة،
وفضل عنه شئ، كان ماله لبيت المال، يرثه المسلمون بالعصوبة، كما يحملون
ديته. هذا هو الصحيح المشهور. وفي وجه: أنه يوضع في بيت المال على سبيل
المصلحة، لا إرثا، لأنه لا يخلو عن ابن عم بعيد، فألحق ذلك بالمال الضائع
الذي لا يرجى ظهور مالكه. وحكى ابن اللبان والروياني هذا قولا.
قال المتولي: فإن جعلناه إرثا، لم يجز صرفه إلى المكاتبين والكفار. وفي
جواز صرفه إلى القاتل وجهان. وجه الجواز: أن تهمة الاستعجال لا تتحقق هنا،
لأنه لا يتعين مصرفا لماله.
قلت: الأصح أو الصحيح: المنع. والله أعلم.
وفي جواز صرفه إلى من أوصي له بشئ، وجهان. أحدهما: لا، لئلا
يجمع بين الوصية والإرث، ويخير بينهما. والثاني: يجوز.
5

قلت: الأصح: الجواز. والله أعلم.
ولا خلاف أنه يجوز تخصيص طائفة من المسلمين، ويجوز صرفه إلى من ولد
بعد موته، أو كان كافرا فأسلم بعد موته، أو رقيقا فعتق.
قلت: قد ضم صاحب التلخيص إلى هذه الأسباب الأربعة سببا خامسا،
وهو سبب النكاح، وهو غير النكاح، وذلك في المبتوتة في مرض الموت إذا قلنا
بالقديم: إنها ترث. والله أعلم.
فصل في بيان المجمع على توريثهم الرجال الوارثون خمسة عشر:
الابن، وابن الابن وإن سفل، والأب، والجد للأب وإن علا، والأخ للأبوين،
والأخ للأب، والأخ للام، وابن الأخ للأبوين، وابن الأخ للأب، والعم للأبوين،
والعم للأب، وابن العم للأبوين، وابن العم للأب، والزوج، والمعتق.
والنساء الوارثات عشر: البنت، وبنت الابن وإن سفل، والأم، والجدة
للأب، والجدة للأم - وإن علتا - والأخت للأبوين، والأخت للأب، والأخت
للام، والزوجة، والمعتقة. والمراد بالمعتق والمعتقة، من أعتق، أو عصبة أدلى
بمعتق. ويدخل في لفظ العم، عم الميت، وعم أبيه، وعم جده إلى حيث
ينتهي، وكذلك حيث أطلقنا لفظ العم في الورثة، بخلاف الأخ، فإن المراد به أخو
الميت فقط.
6

فرع: إذا اجتمع الرجال الوارثون، ورث منهم الابن، والأب، والزوج
فقط. وإذا اجتمع النساء، فالبنت، وبنت الابن، والأم، والزوجة، والأخت
للأبوين. وإذا اجتمع الصنفان غير أحد الزوجين، ورث خمسة: الأبوان،
والابن، والبنت، وأحد الزوجين. ومن انفرد من الرجال، حاز كل التركة، إلا
الزوج والأخ للام. ومن قال بالرد، لا يستثني إلا الزوج. ومن انفردت من النساء،
لم تحزها إلا المعتقة. ومن قال بالرد، يثبت لكلهن الحيازة إلا الزوجة.
قلت: وليس في الورثة ذكر يدلي بأنثى فيرث، إلا الأخ للام، وليس فيهم من
يرث مع من يدلي به إلا أولاد الام. قال صاحب التلخيص والقفال وغيرهما:
ليس لنا من يورث ولا يرث، إلا الجنين في غرته، والمعتق بعضه على الأظهر: أنه
يورث. والله أعلم.
فصل في ذوي الأرحام: هم كل قريب يخرج عن المذكورين في
الفصل السابق. وإن شئت قلت: كل قريب ليس بذي فرض ولا عصبة. وأما
تفصيلهم، فهم عشرة أصناف: أبو الأم، وكل جد وجدة ساقطين، وأولاد البنات،
7

وبنات الأخوة، وأولاد الأخوات، وبنو الأخوة للام، والعم للام، وبنات الأعمام،
والعمات، والأخوال، والخالات.
ومنهم من يعدهم أحد عشر، ويفصل الجد عن الجدة. ومنهم من يزيد على
ذلك، والمقصود لا يختلف، فهؤلاء لا يرثون بالرحم شيئا على الصحيح. وقال
المزني وابن سريج: إن لم يخلف الميت إلا ذا فرض لا يستغرق، رد الباقي عليه،
إلا الزوج والزوجة، فلا رد عليهما. فإن لم يخلف ذا فرض ولا عصبة، ورث ذوو
الأرحام.
وقولنا: إن الصحيح أنهم لا يرثون ولا يرد، هو فيما إذا استقام أمر بيت
المال، بأن ولي إمام عادل. أما إذا لم يكن إمام، ألم يكن مستجمعا لشروط
الإمامة، ففي مال من لا عصبة له ولا ذا فرض مستغرق وجهان. أصحهما عند أبي
حامد وصاحب المهذب: لا يصرف إلى الرد، ولا إلى ذوي الأرحام، لأنه
للمسلمين، فلا يسقط بفوات نائبهم. والثاني: أنه يرد ويصرف إلى ذوي الأرحام،
لأن المال مصروف إليهم أو إلى بيت المال بالاجماع. فإذا تعذر أحدهما، تعين
الآخر، وهذا اختيار ابن كج، وبه أفتى أكابر المتأخرين.
قلت: هذا الثاني، هو الأصح أو الصحيح عند محققي أصحابنا، وممن
صححه وأفتى به الإمام أبو الحسن بن سراقة من كبار أصحابنا ومتقدميهم، وهو
أحد أعلامهم في الفرائض والفقه وغيرهما، ثم صاحب الحاوي، والقاضي
حسين، والمتولي، والخبري - بفتح الخاء المعجمة وإسكان الباء الموحدة -
وآخرون، قال ابن سراقة: وهو قول عامة مشايخنا. قال: وعليه الفتوى اليوم في
8

الأمصار، ونقله صاحب الحاوي عن مذهب الشافعي رضي الله عنه، قال:
وغلط الشيخ أبو حامد في مخالفته، قال: وإنما مذهب الشافعي منعهم إذا استقام
بيت المال. والله أعلم.
فإن قلنا: لا يصرف إليهم ولا يرد، فإن كان في يد أمين، نظر، إن كان في
البلد قاض بشروط القضاء مأذون له في التصرف في مال المصالح، دفع إليه ليصرفه
فيها. وإن لم يكن قاض بشرطه، صرفه الأمين بنفسه إلى المصالح، وإن كان
قاض بشرطه غير مأذون له في التصرف في مال المصالح، فهل يدفعه إليه، أم يفرقه
الأمين بنفسه، أم يوقف إلى أن يظهر بيت المال ومن يقوم بشرطه؟ فيه ثلاثة
أوجه.
قلت: الثالث، ضعيف والأولان حسنان. وأصحهما: الأول. ولو قيل:
يتخير بينهما، لكان حسنا، بل هو عندي أرجح. والله أعلم.
وعلى الثاني، وقوف مساجد القرى، يصرفها صلحاء القرية في عمارة
المسجد ومصالحه. أما إذا لم يكن في يد أمين، فيدفع إليه ليفرقه. وإذا قلنا
بالصرف إلى ذوي الأرحام، فوجهان. أحدهما نقله ابن كج: أنه يصرف إلى الفقراء
منهم، يقدم الأحوج فالأحوج. والصحيح الذي عليه الجمهور: يصرف إلى
جميعهم. وهل هو إرث، أم شئ مصلحي؟ فيه وجهان. أشبههما بأصل
المذهب: أنه على سبيل المصلحة، واختاره الروياني، قال: ويصرف إليهم إن
كانوا محتاجين، أو إلى غيره من أنواع المصالح. فإن خيف على رأس المال من
حاكم الزمان، صرف إلى الأصلح بقول مفتي البلدة.
قلت: الصحيح الذي عليه جمهور من قال من أصحابنا بتوريث ذوي
الأرحام: أنه يصرف إلى جميعهم على سبيل الميراث، على تفصيل يأتي إن شاء
الله تعالى في الباب الثامن في كيفية توريثهم والرد. والله أعلم.
9

فصل في بيان ما يستحقه كل وارث من المجمع عليهم: ونقدم عليه
أن من له سهم مقدر في الكتاب أو السنة، فهو صاحب فرض. ومن ورث بالاجماع
ولا فرض له، فهو عصبة. وقولنا: بالاجماع، احتراز من ذوي الأرحام، فإن من
ورثهم لا يسميهم عصبة. وأصحاب الفروض قسمان. منهم من لا يرث إلا
بالفرضية، وهم: الزوجان، والأم، والجدة، وولد الأم. ومنهم من يرث
بالتعصيب أيضا. ثم من هؤلاء من لا يجمع الجهتين دفعة، بل يرث إما بهذه، وإما
بهذه، وهم البنات، وبنات الابن، والأخوات للأبوين، والأخوات للأب. ومنهم
من يرث بهما جمعا وانفرادا، وهما: الأب، والجد.
أما العصبة، فضربان:
عصبة بنفسه، وهو كل ذكر يدلي إلى الميت بغير واسطة، أو بتوسط محض
الذكور، وهؤلاء يأخذ المنفرد منهم جميع المال والباقي بعد أصحاب الفروض،
وربما سقطوا.
قلت: هذا الذي قاله في حد العصبة، غير مطرد ولا منعكس، فإنه يقتضي
دخول الزوج - فإن الغزالي وغيره عدوه ممن يدلي بنفسه - وخروج المعتقة، فينبغي
أن يقول: هو كل معتق وذكر نسيب يدلي إلى آخره. والله أعلم.
وعصبة بغيره، وهم البنات، وبنات الابن والأخوات للأبوين وللأب،
فيتعصبن بأخوتهن، ويتعصب الأخوات من الجهتين بالبنات وببنات الابن.
10

وقد يقال: العصبة ثلاثة. عصبة بنفسه، وبغيره، ومع غيره، على الترتيب
المذكور. أما قدر المستحق، فللزوج نصف المال إذا لم يكن للميتة ولد ولا ولد ابن،
وربعه إن كان لها ولد أو ولد ابن منه أو من غيره. وللزوجة الربع إذا لم يكن للميت
ولد ولا ولد ابن، والثمن إن كان له ولد أو ولد ابن منها أو من غيرها. والزوجات
يشتركن في الربع والثمن بالاجماع.
فصل وأما الأم، فلها ثلاثة أحوال. حال ترث ثلث المال إذا لم يكن
للميت ولد ولا ولد ابن، ولا اثنان من الأخوة والأخوات، وحال سدسه إذا لم يكن له
ولد أو ولد ابن، أو اثنان من الأخوة والأخوات من أي جهة كانوا، وحال يكون معها
زوج وأب، أو زوجة وأب، فلها ثلث ما يبقى على الصحيح المعروف في
المذهب. وقال ابن اللبان: لها الثلث كاملا.
فصل وأما الجدة، فترث أم الأم وأمهاتها المدليات بمحض الإناث،
وأم الأب وأمهاتها كذلك، وفي أم أب الأب، وأم من فوقه من الأجداد وأمهاتهن
قولان. المشهور: أنهن وارثات. والثاني: لا، نقله أبو ثور. وأما الجدة المدلية
بذكر بين أنثيين، كأم أب الأم، فلا ترث، بل هي من ذوي الأرحام كما سبق،
فحصل في ضبط الجدات الوارثات على المشهور عبارتان.
إحداهما: أن يقال: هي كل جدة أدلت بمحض إناث أو بمحض ذكور، أو
بمحض الإناث إلى محض الذكور.
الثانية: التي لا تدلي بمحض الوارثين غير وارثة، والباقيات وارثات. وعلى
من قول أبي ثور: لا ترد جدة تدلي بغير وارث، ولا من وقع في آخر نسبها أبوان
11

فصاعدا، وللجدة الواحدة السدس. وإن اجتمع جدتان فصاعدا وارثات، اشتركن
في السدس، فلو أدلت إحداهما بجهتين، كامرأة تزوج ابن بنتها بنت بنتها الأخرى،
فولد لهما ولد، فهذه المرأة أم أم أبيه، وأم أم أمه. فإذا مات الولد وخلف هذه،
وجدة أخرى هي أم أبي أبيه، أو أدلت بثلاث جهات فأكثر، بأن نكح الولد في المثال
المذكور بنت بنت أخرى لتلك المرأة، فولد لهما، فالمرأة جدة للولد الثاني من ثلاثة
أوجه. فالصحيح: أن السدس بينهما سواء. والثاني: يوزع على الجهات، قاله
ابن سريج، وابن حربويه.
فرع في تنزيل الجدات لك أم وأب، وهما في الدرجة الأولى من
أصولك، ولأبيك أم وأب، وكذلك لأمك، فالأربعة هم الواقعون في الدرجة الثانية
من درجات أصولك، وهذه هي الدرجة الأولى من درجات الأجداد والجدات، ثم
أصولك في الدرجة الثالثة ثمانية، لأن لكل واحد من الأربعة أبا وأما، وفي الدرجة
الرابعة ستة عشر، وفي الخامسة اثنان وثلاثون، والنصف من الأصول في كل درجة
ذكور، والنصف إناث، وهن الجدات، ففي الدرجة الثانية من الأصول جدتان،
12

وفي الثالثة أربع، وفي الرابعة ثمان، وفي الخامسة ست عشرة، وهكذا يتضاعف
عددهن في كل درجة. ثم منهن وارثات وغير وارثات، فإذا سئلت عن عدد من
الجدات الوارثات على أقرب ما يمكن من المنازل، فاجعل درجهن بعدد المسؤول
عنه ومحض نسبة الأولى إلى الميت من أمهات، ثم أبدل من اخر نسبة الثانية أما
بأب، وفي اخر نسبة الثالثة أمين بأبوين، وهكذا تنقص من الأمهات وتزيد في الآباء
حتى تتمحض نسبة الأخيرة آباء
مثاله: سئلت عن أربع جدات، فقل: هن أم أم أم أم، وأم أم أم أب، وأم
أم أبي أب، وأم أبي أبي أب، فالأولى من جهة أم الميت، والثانية من جهة أبيه،
والثالثة من جهة جده، والرابعة من جهة أبي جده. وهكذا إذا أردت زيادة زدت لكل
واحدة أبا. وإذا أردت معرفة من يحاذي الوارثات مع الساقطات، فإن كان السؤال
عن جدتين على أقرب ما يمكن، فليس في درجتهما غيرهما. وإن كان السؤال عن
أكثر، فألق من عدد الوارثات اثنين أبدا، وضعف الاثنين بعدد ما بقي منهن، فما
بلغ فهو عدد الجدات في تلك الدرجة الوارثات والساقطات. فإذا عرفت الوارثات
منهن، فالباقيات الساقطات.
مثاله: خذ من الأربع اثنتين وضعفهما مرتين، لأن الباقي اثنان، فيبلغ
ثمانية، فهن الوارثات والساقطات، وإذا فرضت ثلاث جدات، فخذ من الثلاثة
اثنتين، وضعفهما مرة، لأن الباقي واحد، فيبلغ أربعة، فهو عددهن، في هذه
الدرجة ثلاث وارثات، وواحدة ساقطة. واعلم أن الوارثات في كل درجة من درجات
الأصول بعد تلك الدرجة، ففي الثانية ثنتان، وفي الثالثة ثلاث، وفي الرابعة أربع.
وهكذا في كل درجة لا تزيد إلا وارثة واحدة وإن تضاعف عددهن في كل درجة،
وسببه أن الجدات ما بلغن، فنصفهن من قبل الأم، ونصفهن من قبل الأب، ولا
يرث من قبل الأم إلا واحدة، والباقيات من قبل الأب. فإذا صعدنا درجة، تبدلت
لكل واحدة منهن بأمها، وزادت أم الجد الذي صعدنا إليه، ولا يفي أن معظم ما
ذكرنا في تنزيل الجدات، تفريع على المشهور. فأما على منقول أبي ثور، فلا يرث
إلا جدتان.
فصل وللأب ثلاثة أحوال،
13

حال يرث بمحض الفرض، وهو إذا كان معه ابن، أو ابن ابن، فله
السدس، والباقي للابن أو ابن الابن.
وحال يرث بمحض العصوبة، وهو إذا لم يكن ولد ولا ولد ابن.
وحال يرث بهما، وهو إذا كان معه بنت، أو بنت ابن، أو بنات، فله السدس
فرضا، ولهن فرضهن والباقي له بالتعصيب.
فصل الجد كالأب في الميراث، إلا في مسائل.
إحداها: الأب يسقط الأخوة والأخوات مطلقا، والجد لا يسقط الأخوة
والأخوات للأبوين أو للأب. وسيأتي تفصيلهم إن شاء الله تعالى.
الثانية: الأب يرد الأم إلى ثلث ما يبقى في صورتي زوج وأبوين وزوجة وأبوين
كما سبق. ولو كان بدله جد، كان للأم الثلث كاملا.
الثالثة: الأب يسقط أم نفسه وأم كل جد، والجد لا يسقط أم الأب وإن أسقط
أم نفسه، وأبو الجد ومن فوقه كالجد، لكن كل واحد يحجب أم نفسه، ولا يحجبها
من فوقه.
الرابعة: سبق أن الأب يجمع بين الفرض والتعصيب، وفي الجد في مثل
ذلك الحال وجهان. أحدهما: أنه مثله. والثاني: لا، بل يأخذ الباقي بعد البنت
أو البنات بالتعصيب فقط، والجمع بينهما خاص بالأب. وهذا خلاف في العبارة
فقط والمأخوذ لا يختلف.
قلت: أصحهما وأشهرهما: الأول. والله أعلم.
14

فصل في الأولاد فالابن الواحد يستغرق جميع المال بالاجماع، وكذا
جماعة الأبناء يستغرقونه، وللبنت النصف، وللبنتين فصاعدا الثلثان. فإن اجتمع
الصنفان، فللذكر مثل حظ الأنثيين.
فرع إذا اجتمع أولاد الصلب وأولاد ابن أو بنين، فإن كان في أولاد
الصلب ذكر، لم يرث أولاد الابن، وإلا، فإن كان ولد الصلب بنتا، فلها النصف،
ثم ينظر، فإن كان ولد الابن ذكرا، فالباقي له. وإن كانوا ذكورا، أو ذكورا وإناثا، فالباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. وإن كان ولد الابن بنتا، فلها السدس، وإن
كن بنات، فالسدس بينهن. وإن كان ولد الصلب بنتين فصاعدا، فلهن الثلثان، ولا
شئ لبنات الابن. فإن كان معهن أو أسفل منهن ذكر، عصبهن في الباقي للذكر مثل
حظ الأنثيين. وسواء كان الذي في درجتهن أخاهن أو أخا بعضهن، أو ابن عمهن،
وإنما يعصبهن إذا لم يكن لهن فرض كما ذكرنا. فلو خلف بنت صلب، وبنت ابن،
وابن ابن ابن، وبنت ابن ابن، فللبنت النصف، ولبنت الابن السدس فرضا،
والباقي بين الأسفلين للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا يعصب ابن الابن من كان أسفل
منه، بل يختص بالباقي. وأولاد ابن الابن مع أولاد الابن، كأولاد الابن مع أولاد
الصلب في كل تفصيل، وكذا في كل درجة نازلة مع درجة عالية، حتى إذا خلف
بنت ابن، وبنت ابن ابن، فللعليا النصف، وللسفلى السدس. ولو خلف بنتي
ابن، وبنت ابن ابن، فلبنتي الابن الثلثان، ولا شئ للسفلى، إلا أن يكون في
درجتها أو أسفل منها من يعصبها.
فرع ليس في الفرائض من يعصب أخته وعمته وعمة أبيه وجده وبنات أعمامه وبنات
أعمام أبيه وجده، إلا المستقل من أولاد الابن
فصل في الأخوة والأخوات أما الأخوة والأخوات من الأبوين إذا
15

انفردوا، فكأولاد الصلب، للذكر جميع المال، وكذا للجماعة، وللأخت الفردة
النصف، وللأختين فصاعدا الثلثان، فإن اجتمع الأخوة والأخوات، فللذكر مثل حظ
الأنثيين بنص القرآن.
فرع الأخوة والأخوات للأب، عند انفرادهم كالأخوة والأخوات للأبوين،
إلا في المشركة، وهي زوج، وأم، وأخوان لام، وأخوان للأبوين، فللزوج
النصف، وللأم السدس، وللأخوين للأم الثلث يشاركهم فيه الاخوان للأبوين.
هذا هو المشهور والمذهب، وبه قطع الأصحاب. وحكى أبو بكر بن لآل من
أصحابنا في المسألة قولين. ثانيهما: سقوط الأخوين للأبوين بحسب اختلاف
الرواية عن زيد رضي الله عنه، والرواية عن زيد رضي الله عنه مختلفة كما ذكر،
لكن لم أجد لغيره نقل قول للشافعي رضي الله عنه، لكن ذهب ابن اللبان وأبو
منصور البغدادي، إلى الاسقاط، فعلى المذهب: للتشريك أربعة أركان. أن
يكون في المسألة زوج، وأم أو جدة، واثنان فصاعدا من ولد الأم، وأن يكون من
أولاد الأبوين ذكر، إما وحده، وإما مع ذكور أو إناث، أو كليهما، فإن لم يكن من
الأبوين ذكر، بل كان مع الأركان الثلاثة أخت أو أختان للأبوين أو للأب، فلا
تشريك، بل يفرض للواحد النصف، وللاثنين فصاعدا الثلثان، وتعال المسألة.
ولو كان ولد الأم واحدا، فله السدس، والباقي للعصبة من أولاد الأبوين، أو
الأب، ولو كان بدل أولاد الأبوين إخوة أب، سقطوا بالاتفاق، لأنه ليس لهم قرابة
أم فيشاركون أولاد الأم، فافترق الصنفان في هذه المسألة. وإذا شركنا في الثلث
بين أولاد الأم وأولاد الأبوين، تقاسموه سواء، ذكرهم كأنثاهم، لأنهم يأخذونه
بقرابة الأم.
قلت: قد ذكرنا أنه لو عدم في المشركة ولد الأبوين، وكان هناك أخت
للأب، فلها النصف فرضا. فلو كان معها أخوها لأب أيضا، سقط وأسقطها، لأنه
لا يفرض لها معه، فلا تشريك. والله أعلم.
16

فرع لو اجتمع أولاد الأبوين وأولاد الأب، فهو كاجتماع أولاد الصلب
وأولاد الابن، فأولاد الأبوين كأولاد الصلب، وأولاد الأب كأولاد الابن. فإن كان
في أولاد الأبوين ذكر، حجب أولاد الأب، وإلا، فإن كانت أنثى فقط، فلها
النصف، والباقي لأولاد الأب إن كانوا ذكورا، أو ذكورا وإناثا. وإن تمحضن إناثا،
أو أنثى فقط، فلهن أو لها السدس تكملة الثلثين. وإن كان من أولاد الأبوين ثنتان
فأكثر، فلهما الثلثان، ولا شئ لأولاد الأب، إلا أن يكون فيهن ذكر، فيعصب
الإناث. ولا يعصب الأخت إلا من في درجتها، بخلاف بنت الابن، فإنه يعصبها
من هو أسفل منها. فلو خلف أختين لأبوين، وأختا لأب، وابن أخت لأب، فللأختين
الثلثان، والباقي لابن الأخ، وتسقط الأخت للأب.
فرع الأخوة والأخوات للأم، لواحدهم السدس ذكرا كان أو أنثى،
وللاثنين فصاعدا الثلث يقسم بين ذكورهم وإناثهم بالسوية.
قلت: أولاد الأم يخالفون غيرهم في خمسة أشياء، فيرثون مع من يدلون به،
ويرث ذكرهم المنفرد كأنثاهم المنفردة، ويتقاسمون بالسوية. والرابع: أن ذكرهم
يدلي بأنثى، ويرث. والخامس: يحجبون من يدلون به، وليس لهم نظير. والله
أعلم.
فرع بنو الأخوة من الأبوين أو الأب ينزل كل واحد منهم منزلة أبيه في
17

حالتي الانفراد والاجتماع فيستغرق الواحد والجماعة للمال عند الانفراد،
وما فضل عن أصحاب الفروض، وعند الاجتماع يسقط ابن الأخ للأب، لكنهم
يخالفون الأخوة في أمور.
أحدها: أن الأخوة يردون الأم من الثلث إلى السدس، وبنوهم لا يردونها.
الثاني: أن الأخوة للأبوين وللأب يقاسمون الجد، وبنوهم يسقطون به.
الثالث: لو. كان بنو الأخوة للأبوين بدل آبائهم في المشركة سقطوا.
الرابع: الأخوة للأبوين ولأب يعصبون أخواتهم، وبنوهم لا يعصبون
أخواتهم.
قلت: ويخالفونهم في ثلاثة أشياء أخر.
أحدها: الأخوة للأبوين، يحجبون الأخوة للأب، وأولادهم لا يحجبونهم.
والثاني: الأخ من الأب، يحجب بني الأخ من الأبوين، ولا يحجبهم ابنه.
الثالث: بنو الأخوة لا يرثون ما لأخوات إذا كن عصبات مع البنات. والله
أعلم.
فصل الأخوات للأبوين وللأب، مع البنات وبنات الابن، عصبات
كالأخوة. حتى لو خلف بنتا وأختا، فللبنت النصف، وللأخت الباقي. ولو خلف
بنتين فصاعدا، أو أختا أو أخوات، فللبنات الثلثان، والباقي للأخت أو للأخوات.
ولو كان معهن زوج، فللبنتين الثلثان، وللزوج الربع، والباقي للأخت أو
الأخوات. ولو كان معهن أم، عالت المسألة، وسقطت الأخت والأخوات، كما لو
كان معهن أخ. ولو خلف بنتا وبنت ابن وأختا، فلها النصف، والسدس لبنت
الابن، وللأخت الباقي. وإذا اجتمعت الأخت للأبوين والأخت للأب مع البنت
وبنت الابن، فالباقي للأخت للأبوين، وسقطت الأخت للأب. ولو خلف بنتا وأختا
لأبوين وأخا لأب، كان الباقي للأخت، وسقط الأخ بها كسقوطه بالأخ للأبوين. ولو
خلف بنتا، وأخا وأختا لأبوين، فالباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين.
18

فرع خلف بنتا، وثلاث أخوات أو إخوة متفرقين، فللبنت النصف،
والباقي للأخت أو للأخ للأبوين، وسقط الباقون.
فصل العم للأبوين أو للأب، كالأخ من الجهتين، في أن من انفرد منهما
يأخذ جميع المال، أو ما بقي بعد الفرض. وإذا اجتمعا، أسقط العم للأبوين العم
للأب.
الباب الثاني
في بيان العصبات وترتيبهم
فالأقرب منهم يسقط الأبعد. وجملة عصبات النسب: الابن والأب ومن يدلي
بهما، ويقدم منهم الا بناء، ثم بنوهم وإن سفلوا، ثم الأب، ثم الجدة والأخوة
للأبوين أو للأب، وهم في درجة، ولذلك يتقاسمون على تفصيل يأتي إن شاء الله
تعالى. وأبو الجد وإن علا مع الأخ، كالجد مع الأخ، فيتقاسمان لقوة الجدودة،
ووقوع الاسم في القريب والبعيد. هذا هو المنصوص والمذهب والمعروف. وقال
الامام: الذي رأيته في ذلك - يعني للأصحاب - أن أبا الجد، يكون له السدس،
والباقي للأخ. ثم قال: وفي القلب من هذا شئ، وأبدى المذهب المنصوص
احتمالا. وإذا لم يكن أخ، فالمقدم الجد، ثم أبوه وإن علا، ويسقط ابن الأخ
19

بالجد العالي سقوطه بالأدنى، وفي النهاية وجه ضعيف: أن أبا الجد وابن الأخ
يتقاسمان، والصحيح المعروف هو الأول، فإنا إذا قدمنا نوعا على نوع، لا ننظر
إلى القرب والبعد. ألا ترى أن ابن الأخ وإن سفل، مقدم على العم مع قربه. وإذا
لم يكن جد، فالأخ من الأبوين، ثم من الأب، ثم بنو الأخوة من الأبوين، ثم من
الأب، وكذلك بنوهم وإن سفلوا، ثم العم من الأبوين، ثم من الأب، ثم بنو العم
كذلك ثم عم الأب من الأبوين، ثم من الأب، ثم بنوهما كذلك، ثم عم الجد من
الأبوين، ثم من الأب، ثم بنوهما كذلك، إلى حيث ينتهون. فإن لم يوجد أحد من
عصبات النسب، والميت عتيق، فالعصوبة لمعتقه. فإن لم يكن المعتق حيا،
فلعصباته، فإن لم يوجدوا، فلمعتق المعتق، ثم لعصباته إلى حيث ينتهون. فإن لم
يكن عتيقا، وأبوه أو جده عتيق، ثبت الولاء عليه لمعتق الأب أو الجد على ما سيأتي
في كتاب الولاء إن شاء الله تعالى. فإن لم يكن أحد منهم، فالمال لبيت المال.
فرع البعيد من الجهة المقدمة، يقدم على القريب من الجهة المؤخرة.
مثاله: ابن الابن وإن سفل، يقدم على الأب، وكذلك ابن الأخ وإن سفل،
يقدم على العم، وكذلك ابن العم النازل، يقدم على عم الأب، وإذا اتحدت
الجهة، قدم الأقرب. فإن استويا في القرب، قدم من يدلي بالأبوين على من يدلي
بالأب.
مثاله: الأخ للأبوين، يقدم على الأخ للأب، وابن الأخ للأب، يقدم على
ابن ابن الأخ للأبوين، وكذا القول في بني العم وبني عم الأب.
فرع إذا اشترك اثنان في جهة عصوبة، واختص أحدهما بقرابة أخرى،
كابني عم أحدهما أخ لام، نظر، إن أمكن التوريث بالقرابة الأخرى لفقد الحاجب،
فالنص أنه يورث بهما، فالأخ للام يأخذ السدس، والباقي بينهما بالعصوبة. ونص
فيما لو ترك ابني عم معتقه وأحدهما أخو المعتق لامه: أن جميع المال الذي هو أخوه
لامه. وللأصحاب فيهما طريقان.
أحدهما: جعلهما على قولين. أحدهما: ترجيح الأخ للام، فيأخذ جميع
المال في الصورتين، لأنهما استويا في العصوبة وزاد بقرابة الأم، فأشبه الأخ من
الأبوين مع الأخ للأب. والثاني: لا ترجيح، لأن مزيته بجهة تفرض لها، فلا يسقط
20

من يشاركه في جهة العصوبة كابني عم أحدهما زوج. فعلى هذا، في النسب له
السدس فرضا، والباقي بينهما بالعصوبة. وفي الولاء لا يمكن توريثه بالفرضية،
فالمال بينهما سواء بالعصوبة.
والطريق الثاني: وهو المذهب: القطع بالمنصوص في الموضعين.
والفرق: أن الأخ للام في النسب يرث، فأعطي فرضه، واستويا في الباقي
بالعصوبة، وفي الولاء لا يرث بالفرض، فرجح من يدلي بقرابة الأم. وهذا كله
تفريع على أن أخا المعتق من أبويه، يقدم على أخيه من أبيه، وفيه خلاف نذكره
قريبا إن شاء الله تعالى. ويجري الطريقان، فيما لو ترك ابني عم أبيه وأحدهما أخوه
لامه. فلو تركت المرأة ابني عم أحدهما زوجها، والآخر أخ لام، فعلى
المذهب: للزوج النصف، وللآخر السدس، والباقي بينهما بالسوية. وإن رجحنا
الأخ للام، فالباقي كله له. ولو تركت ثلاثة بني أعمام أحدهم زوج، والثاني أخ
لام، فعلى المذهب، للزوج النصف، وللأخ السدس، والباقي بينهم بالسوية.
وإن رجحنا الأخ للام، فللزوج النصف، والباقي للأخ. هذا كله إذا أمكن توريث
المختص بتلك القرابة. أما إذا لم يكن لحاجب، بأن ترك بنتا وابني عم أحدهما أخ
لام، فوجهان. أصحهما: للبنت النصف، والباقي بينهما بالسوية، لأن إخوة الام
سقطت بالبنت. والثاني: أن الباقي للأخ وحده، وبه قال ابن الحداد، واختاره
21

الشيخ أبو علي، كما لو اجتمع مع البنت أخ لأبوين وأخ لأب. وإذا قلنا بالأصح،
فترك ابن عم لأبوين، وآخر لأب وهو أخ لام، فللثاني السدس بالأخوة، والباقي
للأول، وتسقط به عصوبة الثاني. ولو تركت ثلاثة بني أعمام متفرقين، والذي هو
لام زوج، والذي هو لأب أخ لام، فللزوج النصف، وللأخ السدس، والباقي
للآخر. ولو ترك أخوين لا، وترك سواهما أخوين لام أحدهما ابن عم، فلهما
الثلث بالأخوة، والباقي لابن العم منهما بلا خلاف. ولو ترك ابني عم، أحدهما أخ
لام، وترك سواهما أخوين لام أحدهما ابن عم، فالحاصل أنه ترك أخوين هما ابنا
عم، وأخا ليس بابن عم، وابن عم ليس بأخ، فالثلث للأخوة الثلاثة، والباقي لبني
الأعمام الثلاثة.
فصل في عصبات المعتق قد سبق أن من لا عصبة له من النسب، فماله
أو ما يفضل عن الفروض لمعتقه إن كان عتيقا، سواء كان المعتق ذكرا أو أنثى. فإن
لم يوجد المعتق، فالاستحقاق لعصباته من النسب الذين يتعصبون بأنفسهم دون من
يعصبهم غيرهم، فلا ترث النساء بالولاء، إلا ممن أعتقن، أو أعتق من أعتقن، أو
جر الولاء إليهن من أعتقن. وإن شئت قلت: لا ترث امرأة بولاء، إلا معتقها، أو
منتميا إليه بنسب أو ولاء، لأن الولاء أضعف من النسب البعيد. وإذا بعد
النسب، ورث الذكور دون الإناث، فيرث ابن الأخ والعم وابنه، دون أخواتهم.
فإذا لم ترث بنت الأخ، فبنت المعتق أولى، ثم الذين يتعصبون بأنفسهم، ترتيبهم
في الولاء كترتيبهم في النسب، فيقدم ابن المعتق وابن ابنه على أبيه وجده، لكن
يفترق الترتيبان في مسائل.
إحداها: في الأخ للأبوين مع الأخ للأب طريقان. المذهب: يقدم الأخ
للأبوين كما في النسب. والثاني: على قولين. ثانيهما: يتساويان، إذ لا مدخل
لقرابة الأم هنا.
الثانية: في الجد والأخ قولان. أظهرهما عند الشيخ أبي حامد وأبي خلف
الطبري والأكثرين: أن الأخ مقدم. والثاني: يتساويان كالنسب، ورجحه البغوي.
22

فإن قلنا: يتساويان، فطريقان. أحدهما نقله الحناطي وغيره: فيه وجهان.
أحدهما: للجد ما هو خير له من المقاسمة وثلث المال، كما سيأتي إن شاء الله
تعالى في النسب. وأصحهما: أنه يقاسم الأخوة أبدا، لأنه لا مدخل للفرض
والتقدير في الولاء. والطريق الثاني وهو المذهب وبه قطع الجمهور: القطع
بالمقاسمة أبدا. ولو اجتمع مع جد المعتق إخوة لأبوين، وإخوة لأب، فوجهان.
أحدهما وهو اختيار ابن اللبان: يعد الأخوة من الأب على الجد، كما في النسب.
وأصحهما وبه قال ابن سريج والأكثرون: لا يعدون، بل الجد والأخ للأبوين
يقتسمان، والفرق أن الأخوة للأب قد يأخذون شيئا في النسب، كما إذا كان معهم
أخت للأبوين وجد، وهنا لا يأخذون شيئا بحال، لأنه لا يرث هنا إلا ذكر، ولا يرث
الأخ للأب مع الأخ للأبوين، فيبعد أن يدخل في القسمة من لا يأخذ بحال. وعلى
هذا القول الجد أولى من ابن الأخ على الأصح كالنسب. وقيل: يستويان. قال
البغوي تفريعا على هذا القول: الأخ أولى من أبي الجد، وأبو الجد مع ابن الأخ
يستويان. وإذا قلنا بالأظهر: إن الأخ مقدم على الجد، فابن الأخ مقدم أيضا كابن
23

الابن، والقولان في الأخ والجد يجريان في العم مع أبي الجد، وفي كل عم اجتمع
هو وجد إذا أدلى ذلك العم بابن ذلك الجد، ولا خلاف أن الجد أولى من العم.
المسألة الثالثة: إذا كان للمعتق ابنا عم أحدهما أخ، فالمذهب والمنصوص:
أنه مقدم كما سبق في الفصل قبله.
فرع إذا لم يوجد أحد من عصبات المعتق، فالمال لمعتق المعتق، ثم
لعصباته على النسق المذكور في عصبات المعتق، ثم لمعتق معتق المعتق. وعلى
هذا القياس. والقول في معتق الأب والجد وقواعد أخر ومسائل عويصة نذكره إن شاء
الله تعالى في كتاب الولاء.
الباب الثالث
في ميراث الجد مع الأخوة
إذا كان مع الجد إخوة وأخوات من الأبوين، أو من الأب، لم يسقطوا على
24

الصحيح. وقال المزني: يسقطون، واختاره محمد بن نصر المروزي من
أصحابنا، وابن سريج، وابن اللبان، وأبو منصور البغدادي.
والتفريع على الصحيح، فنقول: إذا كان معه إخوة وأخوات من الأبوين أو من
الأب، فإن لم يكن معهم ذو فرض، فللجد الأوفر من مقاسمتهم وثلث جميع
المال. فإن قاسم، كان كأخ. وإن أخذ الثلث، فالباقي بينهم للذكر مثل حظ
الأنثيين، وقد يستوي الأمران، فلا يكون فرق في الحقيقة، ولكن الفرضيون
يتلفظون بالثلث، لأنه أسهل. وإنما تكون القسمة أوفر إذا لم يكن معه إلا أخ، أو
أخت، أو أخ وأخت، أو أختان، أو أختان، أو ثلاث أخوات، فهي خمس مسائل. وإنما
يستويان، إذا لم يكن معهم إلا أخوان أو أخ وأختان، أو أربع أخوات. وفيما عدا
ذلك، الثلث أوفر.
وضابطه أن الأخوة والأخوات، إن كانوا مثليه، فالقسمة والثلث سواء. وإن
كانوا دون مثليه، فالقسمة أوفر. وإن كانوا فوق مثليه، فالثلث أوفر. وإن كان معهم
صاحب فرض - وأصحاب الفروض الوارثون مع الجد والأخوة ستة: البنت، وبنت
لابن، والأم، والجدة، والزوج، والزوجة - فإما أن لا يبقى بعد الفروض شئ،
كبنتين وأم وزوج، فيفرض للجد السدس، ويزاد في العول. وإما أن يبقى السدس
فقط، كبنتين وأم، فيصرف إلى الجد.
وإما أن يبقى دون السدس، كبنتين وزوج، فيفرض للجد السدس، وتعال
المسألة. وعلى هذه التقديرات الثلاثة يسقط الأخوة والأخوات. وإما أن يكون الباقي
أكثر من السدس، فللجد خير الأمور الثلاثة، وهي مقاسمة الأخوة والأخوات،
وثلث ما يبقى، وسدس جميع المال. أما إذا كان معه إخوة وأخوات لأبوين ولأب،
فللجد خير الامرين إن لم يكن هناك ذو فرض، وخير الأمور الثلاثة إن كان، كما إذا
لم يكن إلا أحد الصنفين، لكن هنا يعد أولاد الأبوين أولاد الأب على الجد في
القسمة. ثم إذا أخذ الجد حصته، نظر، إن كان ولد الأبوين عصبة، إما ذكرا،
وإما ذكورا، وإما ذكورا وإناثا، فلهم كل الباقي، ولا شئ لولد الأب. وإن لم يكن
عصبة، بل أنثى، أو إناث، فالاثنتان فصاعدا يأخذون إلى الثلثين ولا يبقى شئ،
25

فيسقط أولاد الأب، والواحدة تأخذ إلى النصف. فإن بقي شئ، فلأولاد الأب
ذكورا كانوا أو إناثا للذكر مثل حظ الأنثيين.
فرع إذا كان الصنفان معه وكان غير القسمة خيرا له، بأن كان معه أخت
للأبوين، وأخوان، أو أربع أخوات فصاعدا للأب، فللجد الثلث. قال بعض
الفرضيين: يجعل الباقي بين ولد الأبوين وولد الأب، ثم يرد ولد الأب على ولد
الأبوين قدر فرضه. قال ابن اللبان: والصواب، أن يفرض للأخت للأبوين
النصف، ويجعل الباقي لأولاد الأب.
فرع فرق فيما ذكرناه بين أن يتمحض مع الجد إخوة أو أخوات، أو
يختلطوا، فالجد في الأحوال كلها كأخ، والأخوات معه كهن مع أخ، فلا يفرض
لهن معه، ولا تعال مسألة بسببهن، بخلاف الجد حيث فرضنا له وأعلنا، لأنه
صاحب فرض بالجدودة، فرجع إليه لضرورة. وهذا أصل مطرد، إلا في المسألة
الأكدرية، وهي زوج، وأم، وجد، وأخت للأبوين أو للأب، فللزوج
النصف، وللأم الثلث، وللجد السدس، ويفرض للأخت النصف، وتعول من ستة
إلى تسعة، ثم يجمع نصيب الأخت والجد، ويجعل بينهما أثلاثا. وتصح من سبعة
وعشرين، للزوج تسعة، وللأم ستة، وللأخت أربعة، وللجد ثمانية. ويمتحن بها
فيقال: وراث أربعة، أخذ أحدهم ثلث المال، والثاني ثلث الباقي، والثالث ثلث
الباقي، والرابع الباقي.
ولو كان بدل الأخت أخ، سقط، إذ لا فرض له.
ولو كانت أختان، فللزوج النصف، وللأم السدس، وللجد السدس،
والباقي لهما، ولا عول، وبالله التوفيق.
الباب الرابع
في الحجب
هو نوعان، حجب نقصان - كحجب الولد الزوج من النصف إلى الربع،
26

والزوجة من الربع إلى الثمن، والأم من الثلث إلى السدس - وحجب حرمان، وهو
المقصود بالذكر، فالورثة قسمان قسم لا يتوسط بينهم وبين الميت غيرهم، وهم
: الأبوان، والزوجان، والأولاد، فهؤلاء لا يحجبهم أحد. وقسم يتوسط بينهم وبينه
غيرهم، وهم ثلاثة أضرب.
الضرب الأول: المنتسبون إلى الميت من جهة العلو، وهم الأصول. فالجد لا
يحجبه إلا الأب، وكذلك كل جد يحجب من فوقه.
وأما الجدات، فقد يحجبهن غيرهن، وقد يحجب بعضهن بعضا. فأما
الأول، فالأم تحجب كل جدة، سواء كان من جهتها، أو من جهة الأب، كما
يحجب الأب كل من يرث بالأبوة، والأب يحجب كل جدة من جهته، وكذا كل جد
يحجب أم نفسه وأم آبائه، ولا يحجب أم من دونه، والأب والأجداد لا يحجبون
الجدة من جهة الأم قريبة كانت أو بعيدة بالاجماع. وأما حجب بعضهن، فالقربى
من كل جهة تحجب البعدى من تلك الجهة، وهذا من جهة الأم لا يكون إلا والبعدى
مدلية بالقربى، ومن جهة الأب قد يكون كذلك، فالحكم كمثل، وقد لا يكون،
كأم الأب، وأم أب الأب، ففيه اختلاف عن الفرضيين، والذي ذكره البغوي
وغيره: أن القربى تحجب البعدى أيضا.
قلت: هذا هو الصحيح المعروف. والله أعلم.
ولو كانت البعدى مدلية بالقربى، لكن البعدى جدة من جهة أخرى، فلا
وتحجب.
27

مثاله: لزينب بنتان، حفصة، وعمرة، ولحفصة ابن، ولعمرة بنت بنت،
فنكح الابن بنت بنت خالته، فأتت بولد، فلا تسقط عمرة التي هي أم أم أمه أمها،
لأنها أم أم أبي المولود.
فرع القربى من جهة الأم، كأم الأم، تحجب البعدى من جهة الأب،
كأم أم الأب، كما أن الأم تحجب أم الأب. والقربى من جهة الأب، كأم الأب،
هل تحجب البعدى من جهة الأم، كأم أم الأم؟ فيه قولان. أظهرهما: لا، لان
الأب لا يحجبها، فأمه المدلية به أولى. وعلى هذا القياس نقل البغوي أن القربى
من جهة أمهات الأب، كأم أم الأب، تسقط البعدى من جهة آباء الأب، كأم أم أبي
الأب، وأم أبي أبي الأب، والقربى من جهة آباء الأب، كأم أبي الأب، هل تسقط
البعدى من جهة أمهات الأب، كأم أم أم الأب؟ فيه القولان
الضرب الثاني: المنتسبون إليه من جهة السفل، فابن الابن لا يحجبه إلا
الابن، وبنت الابن يحجبها الابن، وكذا بنتا صلب، إلا أن يكون معها أو أسفل
منها ذكر يعصبها، وكذا بنات ابن الابن يسقطهن ابن الابن، ويسقطن أيضا إذا
استكمل بنات الابن الثلثين، إلا أن يكون معهن أو أسفل منهن من يعصبهن، وكذا
إن كانت بنت صلب، وبنت ابن، أو بنات ابن، وعلى هذا القياس.
الضرب الثالث: المنتسبون إليه على الطرف، فالأخوة والأخوات للأم
يحجبهم أربعة: الولد، وولد الابن، والأب، والجد. والأخ للأبوين يحجبه
الأب، والابن، وابن الابن بالاجماع، وقد سبق وجه: أن الجد أيضا يسقطه.
والأخت للأبوين، لا يحجبها أيضا إلا هؤلاء. والأخ للأب يحجبه هؤلاء والأخ
للأبوين. والأخت للأب يحجبها الأربعة. وكذلك إذا استكملت الأخوات للأبوين
الثلثين، سقطت الأخوات للأب، إلا أن يكون معهن معصب وابن الأخ للأبوين
يحجبه ستة: الابن، وابن الابن، والأب، والجد، والأخ للأبوين، والأخ
28

للأب. وابن الأخ للأب يحجبه هؤلاء، وابن الأخ للأبوين. والعم للأبوين يحجبه
هؤلاء، وابن الأخ للأب. والعم للأب يحجبه هؤلاء، والعم للأبوين. وابن العم
للأبوين يحجبه هؤلاء، والعم للأب. وابن العم للأب يحجبه هؤلاء، وابن العم
للأبوين. والمعتق يحجبه عصبات النسب. وكل عصبة يحجبه أصحاب الفروض
المستغرقة.
فرع جميع ما ذكرناه من الحجب، هو فيما إذا كان الحاجب وارثا من
الميت. فإن لم يرث، نظر، إن كان امتناع الإرث لنقص، كالرق وغيره من
الموانع، فلا يحجب، لا حجب حرمان، ولا حجب نقصان. وإن كان لا يرث
لتقدم غيره عليه، فقد يحجب غيره حجب نقصان، وذلك في صور.
إحداها: مات عن أبوين وأخوين، فللأم السدس، والباقي للأب، لأنهما
يسقطان به.
الثانية: أم، وجد، وأخوان لام، للام السد س، والباقي للجد.
الثالثة: أب، وأم أب، وأم أم، فتسقط أم الأب بالأب، وفيما ترثه أم الام
وجهان. أصحهما: السدس. والثاني: نصف السدس.
الرابعة: إذا ترك جدا، وأخا لأبوين، وأخا لأب، ينقص بالأخ للأب نصيب
الجد، ولا يأخذ شيئا.
قلت: وصورة خامسة: أم، وأخ لأبوين، وأخ لأب. والله أعلم.
29

الباب الخامس
في بيان مانع الميراث
هو خمسة.
المانع الأول: اختلاف الدين، وفيه مسائل.
الأولى: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، ولا فرق بين النسيب
والمعتق والزوج، ولا بين من يسلم قبل القسمة أم لا.
الثانية: يرث الكفار بعضهم بعضا، كاليهودي من النصراني، والنصراني من
المجوسي، والمجوسي الحربي من الوثني، وبالعكوس عن ابن خيران وغيره وجه:
أنه لا ترث ملة منهم من أخرى. والصحيح المعروف، هو الأول. هذا إذا كان
اليهودي والنصراني مثلا ذميين أو حربيين، سواء كان الحربيان مختلفي الدار أو
متفقيها، كالروم والهند. فلو كان أحدهما ذميا، والآخر حربيا، فطريقان.
30

المذهب وبه قطع الأكثرون: لا يتوارثان، لانقطاع الموالاة بينهما، وربما نقل
الفرضيون الاجماع على هذا. والثاني: على قولين حكاهما الامام وغيره، ثانيهما:
التوارث، لشمول الكفر. والمعاهد والمستأمن، هل هما كالذمي، أم كالحربي؟
فيه وجهان. أصحهما وهو المنصوص: كالذمي، لأنهما معصومان بالعهد والأمان.
فعلى هذا، يتوارث الذمي والمستأمن. وعلى الآخر: في التوارث بينهما
الطريقان، ويتوارث هو والحربي.
فرع مات يهودي ذمي عن ابن مثله، وابن نصراني ذمي، وابن يهودي
معاهد، وابن يهودي حربي، فالمذهب: أن التركة لجميعهم، غير الحربي،
ويجئ في الحربي وجه: أنه يرث، وفي الآخرين وجه بالمنع، سوى الأول.
الثالثة: لا يرث المرتد أحدا، ولا يرثه أحد، وماله فيئ، سواء كسبه في
الاسلام أو في الردة، وسواء في المرتد المعلن والزنديق والمستسر، ولا ينزل
التحاقه بدار الحرب منزلة موته.
المانع الثاني: الرق. فلا يرث رقيق وإن عتق قبل القسمة، ولا يورث رقيق،
إذ لا ملك له، وإذا قلنا: يملك بتمليك السيد، فملكه غير مستقر، يعود إلى السيد
إذا زال ملكه عن رقبته. وسواء في ذلك القن والمكاتب والمدبر وأم الولد، فلا يرثون
ولا يورثون.
31

فرع المعتق بعضه، لا يرث على الصحيح المنصوص الذي قطع به
الأصحاب. وعن المزني وابن سريج: أنه يرث بقدر ما فيه من الحرية. وهل
يورث؟ قولان. القديم: لا، والجديد: نعم، لأنه تام الملك.
قلت: الجديد، هو الأظهر عند الأصحاب. والله أعلم.
فعلى القديم: فيما ملكه بحريته، وجهان. أصحهما عند الأكثرين وهو نصه
في القديم: أنه لمالك الباقي. والثاني: أنه لبيت المال، وهو منسوب إلى
الإصطخري، ونقله الفرضيون عن ابن سريج وقالوا: هو الأصح. وعلى الجديد:
يرثه قريبه أو معتقه.
قلت: وزوجته. والله أعلم.
وفي القدر الموروث، وجهان. أصحهما: جميع ما ملكه بنصفه الحر.
والثاني أنه يقسط ما ملكه بحريته على مالك الباقي والورثة بقدر رقه وحريته. فإن كان
نصفه حرا، فنصف ذلك للورثة، ونصفه لمالك باقيه، لأن الموت حل جميع
البدن، والبدن منقسم إلى رق وحرية.
المانع الثالث: القتل، وهو ضربان.
أحدهما: مضمون، وهو موجب للحرمان، سواء ضمن بقصاص أو دية أو
كفارة، كمن رمى صف الكفار ولم يعلم فيهم مسلما، فقتل قريبه المسلم، تجب
الكفارة، ولا دية، وسواء كان القتل عمدا أو خطأ. وحكى الحناطي قولا أن
المخطئ يرث مطلقا، والمشهور الأول. وسواء كان الخطأ بمباشرة، كمن رمى
صيدا فأصاب مورثه، أو بالسبب، كمن حفر بئرا عدوانا فسقط فيها مورثه، أو وضع
حجرا في الطريق فتعثر به مورثه. وسواء قصد بالتسبب مصلحته، كضرب الأب
والزوج والمعلم للتأديب، وكسقيه الدواء وبط جرحه للمعالجة إذا مات به الصبي أو
32

غيره، أو لا يقصد. وفي بط الجرح وسقي الدواء وجه حكاه ابن اللبان وغيره: أنه لا
يمنع. وعن صاحب التقريب وجه في مطلق القتل بالتسبب: أنه لا يمنع،
والصحيح الذي عليه الأصحاب الأول. وسواء صدر القتل من مكلف أو غيره،
ويجئ في الصبي وجه يتخرج من القول الذي حكاه الحناطي في المخطئ إذا
قلنا: عمد الصبي خطأ. وسواء فيه المكره والمختار، وفي المكره خلاف،
والمذهب المنع.
الضرب الثاني: قتل غير مضمون، وهو قسمان. مستحق مقصود، وغيره.
والأول نوعان.
أحدهما: ما لا يسوغ تركه. فإذا قتل الامام مورثه حدا بالرجم، أو في
المحاربة، ففي منعه أوجه. الثالث: إن ثبت بالبينة، منع. وإن ثبت بالاقرار،
فلا، لعدم التهمة
. قلت: الأصح المنع مطلقا، لأنه قاتل. والله أعلم.
النوع الثاني: ما يسوغ تركه، كالقصاص، فيه خلاف مرتب على قتل الامام
حدا، وأولى بالحرمان.
ولو شهد على مورثه بما يوجب الحد أو القصاص، فقتل بشهادته، أو شهد
على إحصانه، وشهد غيره بالزنا، أو زكى الشهود بالزنا على مورثه، فهو كما إذا قتله
قصاصا.
القسم الثاني: ما لا يوصف بأنه مستحق مقصود، كقتل الصائل والباغي،
ففيه خلاف مرتب على القصاص، وأولى بالحرمان، والباغي أولى بالحرمان من
العادل. والمذهب وظاهر نص الشافعي رضي الله عنه في الصور كلها: منع
الإرث. قال الروياني: لكن القياس والاختيار: أن ما لا ضمان فيه لا يمنع.
فرع قد يرث المقتول من قاتله، بأن جرح مورثه ثم مات قبل المجروح.
المانع الرابع: استبهام وقت الموت. فإذا مات متوارثان بغرق، أو حريق،
أو تحت هدم، أو في بلاد غربة، أو وجدا قتيلين في معركة، فله خمس صور.
إحداها: أن نعلم سبق موت أحدهما بعينه، وحكمه ظاهر.
33

الثانية: أن نعلم التلاحق ولا نعلم السابق.
الثالثة: أن نعلم وقوع الموتتين معا.
الرابعة: أن لا نعلم شيئا، ففي هذه الصور الثلاث لا نورث أحدهما من
صاحبه، بل نجعل مال كل واحد لباقي ورثته، لأنا لا نتيقن استحقاق واحد منهما
، ولأنا إن ورثنا أحدهما فقط، فهو تحكم. وإن ورثنا كلا من صاحبه، تيقنا الخطأ.
وقيل: إذا تلاحق الموتان، ولم يعلم السابق، أعطي كل وارث لهم ما يتيقن له، ويوقف
المشكوك فيه، قاله ابن اللبان، وحكاه عن ابن سريج. والصحيح المعروف
الأول، وهو أنه لا فرق، ويصرف الجميع إلى الورثة.
الخامسة: أن يعلم سبق موته، ثم يلتبس، فيوقف الميراث حتى يتبين أو
يصطلحا، لأن التذكر غير مأيوس منه، هذا هو الصحيح الذي عليه الأصحاب.
وفيه وجه: أنه كما لو لم يعلم السابق، وإليه ميل الامام.
المانع الخامس: الدور، وهو أن يلزم من التوريث عدمه. ومثاله: أقر الأخ
بابن لأخيه الميت، ثبت نسبه ولا يرث، وقد سبقت المسألة في كتاب الاقرار. ولو
أوصى بعبده لأبي العبد، فمات الأب قبل القبول، وقبلها أخوه، يعتق العبد ولا
يرث، وسيأتي بيانها في كتاب الوصية إن شاء الله تعالى. ولو اشترى المريض أباه،
عتق ولم يرث. ولو ادعى شخص نسبا على ورثه ميت، فأنكروا ونكلوا عن
34

اليمين، حلف وورث معهم إن لم يحجبهم. وإن كان يحجبهم، فوجهان.
أصحهما: لا يرث، وإلا، لبطل نكولهم ويمينه.
ولو ملك أخاه، ثم أقفي مرض موته أنه كان أعتقه في الصحة، قال
البغوي: ينفذ، ثم إن صححنا الاقرار للوارث، ورثه، وإلا، فلا، لأن توريثه
يوجب إبطال الاقرار بحريته. وإذا بطلت، بطل الإرث.
الباب السادس
في أسباب تمنع صرف المال إليه في الحال للشك في استحقاقه
هي أربعة:
السبب الأول: الشك في الوجود، كمن مات وله قريب مفقود لا يعلم حياته ولا
موته، وفيه مسألتان.
إحداهما: في التوريث منه.
فالمفقود: الذي انقطع خبره وجهل حاله في سفر أو حضر، في قتال أو عند
انكسار سفينة أو غيرهما، وله مال - وفي معناه: الأسير الذي انقطع خبره - فإن قامت
بينة على موته، قسم ميراثه، وإلا، فوجهان. أحدهما وهو اختيار أبي منصور
وغيره: أنه لا يقسم ماله حتى يتحقق حاله. وأصحهما وبه قطع الأكثرون: أنه إذا
مضت مدة يحكم الحاكم بأن مثله لا يعيش فيها، قسم ماله، وهذه المدة ليست
مقدرة عند الجمهور. وفي وجه شاذ: تتقدر بسبعين سنة، ويكفي ما يغلب على
الظن أنه لا يبقى إليه، ولا يشترط القطع بأنه لا يعيش أكثر منها على الصحيح.
وقيل: يشترط. ويجوز أن يراد بهذا القطع غلبة الظن. ثم إن كانت القسمة
بالحاكم، فقسمته تتضمن الحكم بالموت، وإن اقتسموا بأنفسهم، فظاهر كلام
الأصحاب في اعتبار حكمه مختلف، فيجوز أن يقال: فيه خلاف، إن اعتبرنا
القطع، فلا حاجة إلى الحكم، وإلا، فلا بد منه، لأنه في محل الاجتهاد. وإذا
مضت المدة المعتبرة، وقسم ماله، فهل لزوجته أن تتزوج؟ مفهوم كلام الأصحاب
دلالة وصريحا: أن لها ذلك، وأن المنع على قوله الجديد مخصوص بما قبل هذه
35

المدة. ألا ترى أنهم ردوا على القول القديم حيث قالوا: إذا لم يجز الحكم بموته في
قسمة ماله وعتق أمهات أولاده، لم يجز الحكم به في فراق زوجته، فأشعر بأنهم رأوا
الحكمين متلازمين. وعلى هذا، فالعبد المنقطع الخبر بعد هذه المدة، لا تجب
فطرته، ولا يجزئ عن الكفارة بلا خلاف. وموضع القولين ما قبل ذلك. ثم إنا
ننظر إلى من يرثه حين حكم الحاكم بموته، ولا يورث منه من مات قبيل الحكم ولو
بلحظة، لجواز أن يكون موت المفقود بين موته وبين حكم الحاكم. وأشار العبادي
في الرقم إلى أنه لا يشترط أن يقع حكم الحاكم بعد المدة، فقال: يضرب له
الحاكم مدة لا يعيش في الغالب أكثر منها، فإذا انتهت، فكأنه مات ذلك اليوم.
المسألة الثانية: في توريثه. فإذا مات له قريب قبل الحكم بموته، نظر، إن
لم يكن له وارث إلا المفقود، توقفنا حتى يبين أنه كان عند موت القريب حيا أو ميتا.
وإن كان له وارث غير المفقود، توقفنا في نصيب المفقود، وأخذنا في حق كل واحد
من الحاضرين بالأسوأ، فمن يسقط منهم بالمفقود، لا يعطى شيئا حتى يبين
حاله، ومن ينقص حقه بحياته، يقدر في حقه حياته، ومن ينقص حقه بموته،
يقدر في حقه موته. ومن لا يختلف نصيبه بحياته وموته، يعطى نصيبه.
مثاله: زوج مفقود، وأختان لأب وعم حاضرون، فإن كان حيا، فللأختين
أربعة من سبعة، ولا شئ للعم. وإن كان ميتا، فلهما اثنان من ثلاثة، والباقي
للعم، فيقدر في حقهم حياته.
أخ لأب مفقود، وأخ لأبوين وجد حاضران، فإن كان حيا، فللأخ الثلثان،
36

وللجد الثلث. وإن كان ميتا، فالمال بينهما بالسوية، فيقدر في حق الجد حياته،
وفي حق الأخ موته.
أخ لأبوين مفقود، وأختان لأبوين وزوج حاضرون، فإن كان حيا، فللزوج
النصف، والباقي بينهم، فيكون للأختين الربع. وإن كان ميتا، فللزوج ثلاثة من
سبعة، وللأختين أربعة من سبعة، فيقدر في الزوج موته، وفي حق الأختين حياته.
ابن مفقود، وبنت وزوج، للزوج الربع كل حال. هذا الذي ذكرناه في كل
الصور هو الصحيح وظاهر المذهب. وفي وجه: يقدر موته في حق الجميع، لان
استحقاق الحاضرين معلوم، واستحقاقه مشكوك فيه. فان ظهر خلافه، غيرنا
الحكم. وفيه وجه آخر: تقدر حياته في حق الجميع، لأن الأصل حياته. فإن ظهر
خلافه، غيرنا الحكم.
السبب الثاني: الشك في النسب. فإذا أشكل نسب مولود، بأن وطئ اثنان
فصاعدا امرأة بشبهة، فأتت بولد يمكن كونه من كل واحد، أو ادعى اثنان فصاعدا
مجهولا، فسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى: أنه لا يلحق إلا بواحد، بأن يعرض
على القائف. فلو مات في زمن الاشكال، وقفنا من ماله ميراث أب. وإن مات أحد
الواطئين، وقفنا من ماله ميراث المولود، وأخذنا في نصيب كل من يرث معه لو ثبت
نسبة بالأسوأ، كما سبق في المفقود.
السبب الثالث: الحمل، ونعني به كل حمل لو كان منفصلا، لورث منه، إما
مطلقا، وإما على تقدير. وهذا الحمل، قد يكون من الميت ويرث لا محالة، وقد
يكون من غيره، كما إذا كانت أمه حاملا من غير أبيه، أو من أبيه والأب ميت، أو
ممنوع برق ونحوه، وكذا زوجة ابنه أو أخيه أو جده والحمل من غيره، قد لا يرث إلا
على تقدير الذكورة، كحمل امرأة الأخ والجد، وقد لا يرث إلا على تقدير الأنوثة،
كما إذا ماتت عن زوج وأخت لأبوين وحمل من الأب، وفيه فصلان.
الفصل الأول: فيما بعد الانفصال، وإنما يرث بشرطين.
أحدهما: أن يعلم وجوده عند الموت فإذا كان الحمل منه، وانفصل لما بين
37

موته وبين أكثر مدة الحمل، ورث، لثبوت نسبه، وإن انفصل لما بعد ذلك، لم
يرث. وإن كان من غيره، نظر، إن لم يكن لها زوج يطؤها، فالحكم كما لو كان
منه قطعا. وإن كان زوج يطؤها، فان انفصل قبل تمام ستة أشهر من وقت
الموت، فقد علم وجوده حينئذ. وإن انفصل لستة أشهر فأكثر، لم يرث، لاحتمال
أن العلوق حصل بعده، إلا أن يعترف جميع الورثة بوجوده عند الموت.
وإذا مات حر عن أب رقيق تحته حرة حامل، فان ولدت قبل ستة أشهر من يوم
الموت، ورث المولود من أخيه، لأن الأب رقيق لا يحجبه. وإن ولدت لستة أشهر
فصاعدا، لم يرث، لاحتمال حدوث العلوق بعد الموت، إلا أن يتفقوا على وجوده
يومئذ، وينبغي أن يمسك الأب عن الوطئ حتى يظهر الحال. قال الامام: ولا يحرم
الوطئ.
الشرط الثاني: أن ينفصل حيا، فان انفصل ميتا، فكأن لا حمل، سواء كان
يتحرك في البطن، أم لا، وسواء انفصل ميتا بنفسه أو بجناية وإن كانت الجناية
توجب الغرة، وتصرف الغرة إلى ورثة الجنين، لأن إيجاب الغرة لا يتعين له تقدير
الحياة، ألا ترى إلى قول الأصحاب: الغرة إنما وجبت لدفع الجاني الحياة مع تهيؤ
الجنين لها، وبتقدير أن يكون وجوب الغرة بتقدير الحياة، فالحياة مقدرة في حق
الجاني فقط تغليظا، فتقدر في توريث الغرة فقط. واعلم أنه تشترط الحياة عند تمام
الانفصال.
فلو خرج بعضه حيا، ومات قبل تمام الانفصال، فهو كما لو خرج ميتا في
الإرث وسائر الأحكام. حتى لو ضرب بطنها بعد خروج بعضه، وانفصل ميتا،
فالواجب الغرة دون الدية. هذا هو الصحيح الذي عليه الجماهير. وعن القفال
وغيره: أنه إذا خرج بعضه حيا، ورث وإن انفصل ميتا، وبه قال أبو خلف الطبري
من أصحابنا. ولو مات عقب انفصاله حيا حياة مستقرة، ورث، ونصيبه لورثته.
وتعلم الحياة المستقرة: بصراخه، وكذا بالبكاء، أو العطاس، أو
التثاؤب، أو امتصاص الثدي، لدلالتها على الحياة. وحكى الامام اختلاف قول في الحركة
38

والاختلاج، ثم قال: وليس موضع القولين ما إذا قبض اليد وبسطها - فان هذه
الحركة تدل على الحياة قطعا - ولا الاختلاج الذي يقع مثله لانضغاط وتقلص عصب
فيما أظن، وإنما الاختلاف فيما بين هاتين الحركتين. والظاهر: كيفما قدر
الخلاف: أن ما لا تعلم به الحياة، ويمكن أن يكون مثله لانتشار بسبب الخروج من
المضيق أو لاستواء عن التواء، فلا عبرة به، كما لا عبرة بحركة المذبوح.
فرع لو ذبح رجل، فمات أبوه وهو يتحرك، لم يرثه المذبوح على
الصحيح. وحكى الروياني وجها: أنه يرث. وحكى الحناطي قريبا منه عن
المزني.
قلت: هذا الوجه غلط ظاهر، فان أصحابنا قالوا: من صار في حال النزع،
فله حكم الميت، فكيف الظن بالمذبوح والله أعلم.
الفصل الثاني: فيما قبل الانفصال، ومتى ظهرت مخايل الحمل، فلا بد من
التوقف كما سنفصله إن شاء الله تعالى. وإن لم تظهر مخايله، وادعت المرأة
الحمل، ووصفت علامات خفية، ففيه تردد للامام. والظاهر: الاعتماد على
قولها. وطرد التردد فيما إذا لم تدعه لكنها قريبة عهد بالوطئ واحتمال الحمل
قريب. إذا عرف هذا، فإن لم يكن للميت وارث سوى الحمل المنتظر، وقفنا المال
إلى أن ينفصل. وإن كان له وارث آخر، ففي وجه حكاه الفوراني، وحكاه الشيخ
أبو خلف قولا عن رواية الربيع: أنه يوقف جميع المال. والصحيح المشهور: أنه لا
39

يوقف الجميع، بل ينظر في الورثة الظاهرين، فمن احتمل حجبه بالحمل، لم يدفع
إليه شئ ومن لا يحجبه الحمل بحال وله مقدر لا ينقص، دفع إليه. وإن أمكن
العول، دفع إليه ذلك القدر عائلا.
مثاله: زوجة حامل، وأبوان، يدفع إليها ثمن عائل، وإليهما سدسان
عائلان، لاحتمال أن الحمل بنتان. وإن لم يكن له نصيب مقدر كالأولاد، فالصرف
إليهم مبني علو أن أقصى عدد الحمل هل له ضبط؟ وفيه وجهان. الأصح أو
الصحيح: أنه لا ضبط له، وبه قال شيخا المذهب: أبو حامد، والقفال،
والعراقيون، والصيدلاني، والقاضي حسين، لأنه وجد خمسة في بطن واثنا عشر
في بطن. والثاني: أن أقصى الحمل أربعة، وبهذا قطع ابن كج والغزالي، وجعله
الفرضيون قياس قول الشافعي رضي الله عنه، وأرادوا أن الشافعي رضي الله عنه،
يتبع في مثل ذلك الوجود، وأكثر الذي وجد أربعة، لكن هذا الذي قالوه مشكل بما
نقله الأولون فعلى الأول: لو خلف ابنا وأم ولد حاملا، لم يصرف إلى الابن
شئ. ولو خلف ابنا وزوجة حاملا، فلها الثمن، ولا يدفع إلى الابن شئ. وعلى
الثاني: له الخمس أو خمس الباقي على تقدير أنهم أربعة ذكور. وعلى هذا، هل
يمكن الذين صرف إليهم حصتهم من التصرف فيها؟ وجهان. أصحهما: نعم،
وإلا، لم يدفع إليهم. والثاني: المنع، قال القفال: لأنه قد يهلك الموقوف
للحمل، فيحتاج إلى الاسترداد، والحاكم وإن كان يلي أمر الأطفال، فلا يلي أمر
الأجنة، فلا يمكن حمل ما جرى على القسمة. ثم الموقوف للحمل على الوجه
الثاني، قد يكون بتقدير الذكورة أكثر، وقد يكون بتقدير الأنوثة أكثر، بأن خلفت
زوجا وأما حاملا من أبيها، فإن كان الحمل ذكرا، فله سدس المال. وإن كانوا
ذكورا، فثلث المال. وإن كان أنثيين، عالت المسألة إلى ثمانية، فيدفع إلى الزوج
ثلاثة من ثمانية، وإلى الأم سهم، ويوقف أربعة.
فرع مات كافر عن زوجة حامل، وقفنا الميراث للحمل، فأسلمت، ثم
ولدت، ورث الولد وإن كان محكوما بإسلامه لأنه كان محكوما بكفره يوم الموت.
فرع مات عن ابن وزوجة حامل، فولدت ابنا وبنتا، فاستهل أحدهما
ووجدا ميتين، ولم يعلم المستهل، أعطي كل وارث أقل ما يصيبه، ويوقف الباقي
40

حتى يصطلحوا، أو تقوم بينة.
السبب الرابع: الخنوثة سبق في كتاب الطهارة، بيان ما تعرف به ذكورته
وأنوثته. فلو مات له مورث في مدة إشكاله، نظر، إن لم يختلف ميراثه بالذكورة
والأنوثة، كولد الأم والمعتق، ورث. وإن اختلف، أخذ في حق الخنثى ومن معه
من الورثة باليقين، ويوقف المشكوك فيه، فإن كان يرث على أحد تقديري الأنوثة
والذكورة، دون الآخر، لم يدفع إليه شئ، ووقف ما يرثه على ذلك التقدير. وكذا
من يرث معه على أحد التقديرين. وإن كان الخنثى يرث على التقديرين، لكن يرث
على أحدهما أقل، دفع إليه الأقل، ووقف الباقي، وكذلك في حق من يرث معه
على التقديرين، ويختلف قدر ما يأخذه. وإن كان من معه يرث على التقديرين،
ولا يختلف حقه، دفع إليه حقه. ولنا وجه: أنه يؤخذ في حق الخنثى باليقين،
ويصرف الباقي إلى باقي الورثة، حكاه الأستاذ أبو منصور، ونسبه ابن اللبان إلى
تخريج ابن سريج. وحكى وجهين، في أنه هل يؤخذ من باقي الورث ضمين؟
فرع المال الموقوف بسبب الخنثى، لا بد من التوقف فيه ما دام الخنثى
باقيا على إشكاله. فان مات، فالمذهب: أنه لا بد من الاصطلاح عليه. وحكى أبو
ثور عن الشافعي رضي الله عنه: أنه يرد إلى ورثة الميت الأول.
فرع لو اصطلح الذين وقف المال بينهم على تساو أو تفاوت، جاز،
41

قال الامام: ولا بد أن يجري بينهما تواهب، وإلا لبقي المال على صورة التوقف،
وهذا التواهب لا يكون إلا عن جهالة، لكنها تحتمل للضرورة. ولو أخرج بعضهم
نفسه من البين، ووهبه لهم على جهل بالحال، جاز أيضا.
فرع لو قال الخنثى في أثناء الامر: أنا رجل، أو قال: أنا امرأة، قطع
الامام بأنه يقضى بقوله، ولا نظر إلى التهمة، فإنه لا اطلاع عليه إلا من جهته.
وحكى أبو الفرج السرخسي هذا عن نصه هنا، قال: ونص فيما إذا جني عليه
واختلف الجاني والخنثى في ذكورة الخنثى: أن القول قول الجاني. ومنهم من نقل
وخرج، ومنهم من فرق بأنا عرفنا هناك أصلا ثابتا، وهو براءة ذمة الجاني، فلا نرفعه
بقوله، وهنا بخلافه. وإذا قبلنا قوله، حلفناه عليه.
فرع في أمثلة مختصرة توضح مسائل الخنثى بنتان، وولد ابن خنثى،
وأخ، للبنتين الثلثان، ويوقف الباقي.
ولد خنثى، وأخ أو عم، للخنثى النصف، ويوقف الباقي.
ولد خنثى، وابن، يعطى الابن النصف، والخنثى الثلث.
ولد خنثى، وابنان، يعطى الخنثى الخمس، والابنان الثلثين.
ولد خنثى، وبنت، وعم، يعطى الخنثى الثلث، وكذا البنت.
زوج، وأب، وولد خنثى، للزوج الربع، وللأب السدس، وللخنثى
النصف.
زوج، وأم، وولد أب خنثى، للزوج النصف عائلا من ثمانية، وللأم الثلث
42

عائلا، وللخنثى سدس تام. وإذا اجتمع ولدان خنثيان، فلهما الثلثان ويوقف
الباقي.
ثلاثة أولاد خناثى، وعم، لكل واحد من الخناثى خمس المال لاحتمال أنه
أنثى وصاحباه ذكران.
ابن وخنثيان، يدفع إليه الثلث، وإلى كل واحد منهما الخمس.
ولد خنثى، وولد ابن خنثى، وعم، فللولد النصف.
بنت، وبنت ابن، وولد ابن خنثى، وعم، للبنت النصف، ولولدي الابن
السدس بالسوية.
ثلاثة أولاد ابن خناثى بعضهم أسفل من بعض، للأول النصف.
والباقي في كل هذه الصور يوقف حتى يبين الحال.
الباب السابع
في ميراث ولد الملاعنة وولد الزنا والمجوس
فيه ثلاثة فصول.
الفصل الأول: اللعان يقطع التوارث بين الملاعن والولد، لانقطاع
النسب، وكذا يقطع التوارث بين الولد وكل من يدلي بالملاعن، كأبيه وأمه
وأولاده. وفي السلسلة للشيخ أبي محمد وجه مخرج: أن اللعان لا يقطع
43

التوارث بين الولد والملاعن، بناء على الوجهين في أن الملاعن هل له نكاح البنت
التي نفاها باللعان إذا لم يدخل بأمها؟ إن قلنا: له ذلك كنكاح بنت الزنا، فلا
يرث، وإن منعناه لأن نسبها يعرض الثبوت، بأن يكذب نفسه، ورث، ولا
يعرف هذا الوجه لغيره.
قلت: هذا الوجه غلط، لأنه في الحال لا نسب. والله أعلم.
وأما الولد مع الأم، فيتوارثان توارث سائر الأولاد والأمهات. والتوأمان المنفيان
باللعان في توارثهما وجهان. الأصح: لا يتوارثان إلا بقرابة الأم، لانقطاع نسب
الأب. والثاني: يتوارثان بأخوة الأبوين، لأن اللعان يؤثر في حق المتلاعنين فقط،
فإذا قلنا بالأول، فلا عصبة للمنفي إلا من صلبه، أو بالولاء بأن يكون عتيقا أو أمه
عتيقة، فيثبت الولاء لمولاها عليه، وعصبة الأم لا يكونون عصبة له.
فرع إذا نفاه ثم استلحقه، لحقه. فإن كان بعد موت الولد، فكذلك،
وتنقض القسمة إن كانت تركته قسمت. حتى لو كان على أمه ولاء، فأخذ مولاها
ميراثه، كان للمستلحق استرداده، ولا فرق في اللحوق بين أن يخلف الميت ولدا،
أم لا.
الفصل الثاني: ولد الزنا كالمنفي باللعان، إلا في ثلاثة أشياء. أحدها: أن
الوجه المنقول عن السلسلة، لا يجئ هنا قطعا. والثاني: أن ولد الزنا لا يلحق
بالاستلحاق. الثالث: التوأمان من الزنا لا يتوارثان إلا بأخوة الأم قطعا. وفي وجه
حكاه الحناطي وصاحب الحاوي: يتوارثان بأخوة الأبوين.
قلت: هذا الوجه غلط فاحش، قال الامام: ولو علقت بتوأمين من واطئ
بشبهة، ثم جهل الواطئ، توارثا بأخوة الأبوين بلا خلاف. والله أعلم.
الفصل الثالث: فيما إذا اجتمع في شخص قرابتان، منع الشرع من مباشرة
سبب اجتماعهما، كأم هي أخت، وذلك يقع في المجوس، لاستباحتهم نكاح
44

المحارم، وربما أسلموا بعد ذلك، أو ترافعوا إلينا، وقد يتفق في المسلمين نادرا
بغلط واشتباه، والحكم أنه لا توريث بالقرابتين، بل يورث بأقواهما. وفي وجه:
يرث بهما إن كانتا بحيث لو كانتا في شخصين ورثا معا، وبه قال ابن سريج، وابن
اللبان. والصحيح: الأول، ويعرف الأقوى بكل واحد من أمرين. أحدهما: أن
تحجب إحداهما الأخرى، كبنت هي أخت لأم، أن يطأ أمه فتلد بنتا. والثاني: أن لا
تحجب إحداهما أصلا، أو يكون حجبها أقل، فالأول: كأم هي أخت. والثاني:
كأم أم هي أخت، فترث بالأمومة أو الجدودة، دون الأخوة، وعن ابن اللبان وجه:
أنها ترث في الصورة الثانية بالأخوة، دون الجدودة، لأن نصيب الأخت أكثر،
وليجبر هذا في أخوات الصورة. والصحيح المعروف: الأول، ولا يرثون بالزوجية
بلا خلاف، لبطلانها.
الباب الثامن
في الرد وذوي الأرحام
أصل المذهب فيهما وما اختاره الأصحاب لضرورة فساد بيت المال، ذكرناه
في أول الكتاب. فإذا قلنا بالرد، فمقصود الفتوى منه أنه إن لم يكن ممن يرد عليه
من ذوي الفروض إلا صنف، فإن كان شخصا واحدا، دفع إليه الفرض، والباقي
بالرد. وإن كانوا جماعة، فالباقي بينهم بالسوية. وإن اجتمع صنفان فأكثر، رد
الفاضل عليهم بنسبة سهامهم.
وأما الحساب وتصحيح المسائل، فيذكر إن شاء الله تعالى في باب الحساب.
فصل وأما توريث ذوي الأرحام، فالذاهبون إليه منا اختلفوا في
كيفيته، فأخذ بعضهم بمذهب أهل التنزيل، وبه قطع ابن كج وصاحب المهذب
والامام، لأن القائلين ممن ورثهم من الصحابة فمن بعدهم رضي الله عنهم أكثر،
45

ومنهم من أخذ بمذهب أهل القرابة، وهو مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، وبه قطع
البغوي والمتولي، وسمي الأولون: أهل التنزيل، لتنزيلهم كل فرع منزلة أصله،
وسمي الآخرون: أهل القرابة، لأنهم يورثون الأقرب فالأقرب كالعصبات.
قلت: الأصح الأقيس: مذهب أهل التنزيل. وللقائلين بتوريث ذوي
الأرحام، مذاهب غير هذين، لكن الذي اختاره أصحابنا منها هذان. والله أعلم.
والمذهبان متفقان على أن من انفرد من ذوي الأرحام، يحوز جميع المال ذكرا
كان أو أنثى، وإنما يظهر الاختلاف عند اجتماعهم. وبيان ذلك في طرفين.
الطرف الأول: فيما إذا انفرد صنف منهم، فمن الأصناف: أولاد البنات،
وبنات ابنة الابن، فأهل التنزيل ينزلونهم منزلة البنات وبنات الابن، ويقدمون
منهم من سبق إلى الوارث، فان استووا في السبق إلى الوارث، قدر كأن الميت
خلف من يدلون به من الورثة واحدا كان أو جماعة، ثم يجعل نصيب كل
واحد للمدلين به على حسب ميراثهم لو كان هو الميت، وقال أهل القرابة: إن
اختلفت درجاتهم، فالأقرب إلى الميت أولى ذكرا كان أو أنثى، فتقدم بنت البنت
على بنت بنت البنت، وعلى ابن بنت البنت. وإن لم تختلف، فإن كان فيهم من
يدلي بوارث، فهو أولى، فتقدم بنت بنت الابن على بنت بنت البنت. هذا إذا أدلى
بنفسه إلى الوارث، أما إذا أدلى بواسطة، كبنت بنت بنت الابن مع بنت بنت
بنت البنت، فلأصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه، فيه اختلاف. والصحيح
عندهم: أن لا ترجيح. ومقتضى ما ذكره أصحابنا، الترجيح، كما لو أدلى بنفسه.
وإن استووا في الادلاء، ورثوا جميعا. وكيف يرثون؟ اختلف فيه أبو يوسف ومحمد، فقال أبو يوسف:
46

يعتبرون بأنفسهم. فإن كانوا ذكورا أو إناثا، سوي
بينهم. فان اختلطوا، فللذكر مثل حظ الأنثيين. وقال محمد: ينظر في المتوسطين
بينهم وبين الميت من ذوي الأرحام. فان اتفقوا ذكورة وأنوثة، فالجواب كذلك.
وإن اختلفوا، فاما أن يكون الاختلاف في بطن واحد، وإما في أكثر. فإن كان في
بطن، قسمنا المال بين بطن الاختلاف، وجعلنا كل ذكر بعدد أولاده الذين يقسم
ميراثهم ذكورا، وكل أنثى بعدد أولادها الذين يقسم ميراثهم إناثا، ويقسم المال بين
الذكور والإناث الحاصلين من هذا التقدير للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم أصاب كل
واحد من الصنفين، يقسم بين أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين. وإن كان الاختلاف
في أكثر من بطن، قسم المال بين أعلى بطون الاختلاف كما ذكرنا، ثم ما أصاب
كل واحد من الصنفين، قسم على أولاده الذين فيهم الاختلاف على النحو المذكور
في البطن الأول، وهكذا يفعل حتى تنتهي القسمة إلى الاحياء. قال الناقلون: كل
واحد من أبي يوسف ومحمد، يدعي أن قوله قول أبي حنيفة رضي الله عنه،
والأكثرون صدقوا محمدا، لكن متأخروهم يفتون بقول أبي يوسف، وكذلك قال
البغوي والمتولي: إنه أظهر الروايتين. والمذهبان متفقان على تفضيل الذكر على
الأنثى في القسمة. وفي التتمة وجه آخر: أنه يسوى بين الذكر والأنثى، قال:
وهو اختيار الأستاذ أبي إسحاق الأسفراييني.
فرع في أمثلة توضح الغرض بنت بنت، وبنت بنت ابن، المنزلون
يجعلون المال بينهما أرباعا بالفرض والرد، كما يكون بين البنت وبنت الابن، وأهل
القرابة يجعلون الجميع لبنت البنت، لقربها.
بنت ابن بنت، وبنت بنت ابن، المال للثانية بالاتفاق. أما على
التنزيل، فلان السبق إلى الوارث هو المعتبر. وأما على القرابة، فلأنه المعتبر عند
استواء الدرجة.
47

بنت بنت، وابن، وبنت من بنت أخرى، المنزلون يجعلون المال من بنتي
الصلب تقديرا بالفرض والرد، ثم يقولون: نصف البنت الأولى لبنتها، ونصف
الأخرى لو لديها أثلاثا. وأهل القرابة يجعلون المال بين ثلاثتهم، للذكر مثل حظ
الأنثيين. ومحمد لا يخالف في هذه الصورة، وإنما يخالف فيما إذا اختلفت الأصول
الذين هم من ذوي الأرحام.
ابن بنت، وبنت بنت أخرى، وثلاث بنات بنت أخرى، المنزلون يقولون:
للابن الثلث، وللبنت الفردة كذلك، وللثلاث الثلث أثلاثا، وأهل القرابة يجعلون
المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
بنت بنت بنت، وبنت ابن بنت، عند المنزلين وأبي يوسف: المال بينهما
بالسوية، وعند محمد: ثلث المال للأولى، وثلثاه للثانية.
بنتا بنت بنت، وثلاث بنات ابن بنت أخرى، عند المنزلين: للبنتين النصف
بالسوية، وللثلاث النصف أثلاثا، وعند أبي يوسف: المال بين الخمس بالسوية،
وعند محمد: يقسم المال بين الذكر والأنثى المتوسطين، ويقدر الذكر ثلاثة ذكور
بعدد فروعه، والأنثى اثنتين بعدد فرعيها، فيكون المال على ثمانية، حصة الذكر
ستة، وهي لبناته بالسوية، وحصة الأنثى سهمان، هما لبنتيها.
بنت بنت بنت، وبنت بنت ابن بنت، وابن ابن ابن بنت، عند أبي يوسف:
المال بينهم على أربعة، وعند محمد: يقسم المال أولا بين أعلى بطني الاختلاف،
وفيه ابنان وبنت، فكل واحد منهما يعد واحدا، لأن الفروع آحاد، فيكون المال
بينهم على خمسة، حصة البنت سهم هو لبنت بنتها، وحصة الذكرين أربعة أسهم
تقسم على ولديهما للاختلاف، وهما ابن وبنت على ثلاثة، وأربعة لا تنقسم على
ثلاثة، فتضرب ثلاثة في خمسة، تكون خمسة عشر، كان للبنت في القسمة الأولى
سهم، فلها الآن ثلاثة، وكان لكل واحد من الابنين سهمان، فيكون ستة. فيجمع
بينهما، فيكون اثني عشر، يقسم بين ولديهما للذكر مثل حظ الأنثيين. فإذا لبنت
بنت البنت ثلاثة من خمسة عشر، وللأخرى أربعة من خمسة عشر، وللابن الثمانية
الباقية.
48

فصل ومن الأصناف، بنات الأخوة، وبنو الأخوة للام، وأولاد
الأخوات، فالمنزلون ينزلون كل واحد منزلة أبيه، أو أمه، ويرفعونهم عند التسفل
بطنا بطنا، فمن سبق إلى وارث قدموه، فان استووا في الانتهاء إلى الوارث، قسم
المال بين الأصول، فما أصاب كل واحد، قسم بين فروعه. وقال أهل القرابة: إن
اختلفوا في الدرجة، قدم منهم الأقرب إلى الميت من أي جهة كان، حتى تقدم بنت
الأخت للأب أو للام على بنت ابن الأخ من الأبوين. وإن لم يختلفوا في الدرجة،
فالأقرب إلى الوارث أولى من أي جهة كان، حتى تقدم بنت ابن الأخ من الأب على
بنت ابن الأخت من الأبوين. فان استووا فيه أيضا، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف
رضي الله عنهما: يقدم من كان من الأبوين، ثم من كان من الأب، ثم من كان من
الأم، رعاية لقوة القرابة، ولا ينظر إلى الأصول ومن يسقط منهم عند الاجتماع ومن
لا يسقط. وعند محمد: يقدم من كان من الأبوين على من كان من الأب، ولا يقدم
على من كان من جهة الأم، اعتبارا بالأصول.
فرع أولاد الإخوة والأخوات من الأم، يسوى بينهم في القسمة عند
الجمهور من المنزلين وأهل القرابة. قال الامام: وقياس المنزلين تفضيل الذكر،
لأنهم يقدرون أولاد الوارث كأنهم يرثون منه. وأما أولاد الإخوة والأخوات من الأبوين
ومن الأب، فيفضل ذكرهم عند المنزلين. وعن أبي حنيفة رضي الله عنه روايتان.
أظهرهما وبها قال أبو يوسف: أن الجواب كذلك. والثانية وبها قال محمد: إنه
يقسم المال بين الأصول أولا، ويؤخذ عددهم من الفروع، فما يصيب كل واحد
منهم يجعل لفروعه كما سبق في أولاد البنات.
فرع في أمثلته بنت أخت، وابنا أخت أخرى، وهما من الأبوين، أو من
الأب، عند المنزلين: نصف المال للبنت، ونصفه للابنين. وقال أهل القرابة:
المال بينهم على خمسة. ثلاث بنات إخوة متفرقين. قال المنزلون ومحمد: السدس لبنت الأخ من
الأم، والباقي لبنت الأخ من الأبوين، اعتبارا بالآباء.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف رضي الله عنهما: المال كله لبنت الأخ من
الأبوين. ثلاث بني أخوات متفرقات. قال المنزلون ومحمد: المال بينهم على
49

خمسة، كما يكون بين أمهاتهم بالفرض والرد. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف رضي الله
عنهما: المال كله لابن الأخت من الأبوين.
ولو كان بدلهم ثلاث بنات أخوات متفرقات، كان جواب الفريقين كذلك.
ولو اجتمع البنون الثلاثة والبنات الثلاث. قال المنزلون: المال بين أمهاتهم
على خمسة بالفرض والرد، فنصيب الأخت من الأبوين لو لديها أثلاثا، ونصيب
الأخت من الأب كذلك، ونصيب الثالثة لو لديها بالسوية.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف رضي الله عنهما: الكل لولدي الأخت من الأبوين.
وقال محمد: يجعل كأن في المسألة ست أخوات، اعتبارا بعدد الفروع، فيكون
للأخت من الأم الثلث بتقديرها أختين، وللأخت من الأبوين الثلثان بتقديرها
أختين، فحصة كل واحدة لو لديها، هذه بالتفضيل، وتلك بالسوية. قال الامام:
قد نظر محمد هنا إلى الأصول الوارثين، وفي أولاد البنات لم ينظر إلى الوارثين،
وإنما نظر إلى بطون الاختلاف من ذوي الأرحام كما سبق.
ابن أخت من الأبوين، وبنت أخ، كذلك عند المنزلين ومحمد: الثلثان لبنت
الأخ، والثلث لابن الأخت. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف رضي الله عنهما بالعكس.
فصل ومن الأصناف، الأجداد الساقطون، والجدات الساقطات،
فالمنزلون ينزلون كل واحد منهم منزلة ولده بطنا بطنا، ويقدمون منهم من انتهى إلى
الوارث أولا. فان استويا في الانتهاء، قسم المال بين الورثة الذين انتهوا إليهم،
وقسمت حصة كل وارث بين المدلين به. وقال أهل القرابة: إن اختلفت درجاتهم،
فالمال للأقرب من أي جهة كان، حتى يقدم أو الأم على أبي أم الأب. وأم أبي الام
على أبي أبي أبي الأم، فان استووا في الدرجة، لم يقدم هنا بالسبق إلى الوارث
على المشهور من مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه. ومن أصحابه من قدم به، فإن لم
يقدم به، أو قدم واستووا في السبق إليه، نظر، إن كان الكل من جهة أبي الميت،
فرواية الجوزجاني وهي الأظهر: أنه يجعل ثلثا المال لمن هو من جهة أبي الأب،
50

وثلثه لمن هو من جهة أم الأب. ورواية عيسى بن أبان: كل المال لمن هو من
أبيه، ويسقط به من هو من جهة الأم. وإن كان الكل من جهة أم الميت، اطردت
الروايتان في أنه يسقط من هو من جهة أمها، أم يجعل المال بين من هو من جهة أبيها
ومن هو من جهة أمها أثلاثا؟ وإن كان بعضهم من جهة أب الميت، وبعضهم من
جهة أمه، قسم المال بين الجهتين أثلاثا، وجعل كل قسم كأنه كل التركة، وأهل
كل جهة كأنهم كل الورثة، فتجئ فيهم الروايتان. ثم قسمة الثلثين على من هو من
جهة الأب للذكر مثل حظ الأنثيين، وقسمة الثلث على من هو من جهة الأم كمثل
ذلك، قاله البغوي في التهذيب.
فرع في أمثلته أم أبي الأم، وأبو أم الأم. عند المنزلين: المال لأبي أم
أم الأم، لأنه أسبق إلى الوارث، وعلى رواية الجوزجاني: الثلثان لام أبي الأم،
والثلث لأبي أم الأم، وعلى رواية عيسى: الكل لام أبي الأم.
أب أم أب، وأبو أبي أم. عند المنزلين: المال للأول، وعلى رواية عيسى:
للثاني، وعلى رواية الجوزجاني: الثلثان للثاني، والثلث للأول.
أب أبي أم، وأبو أم أب، قال المنزلون: المال للثاني، وكذلك الجواب عند
من رجح بالسبق إلى الوارث من أهل القرابة. وأما الظاهر عندهم، فالثلثان
للثاني والثلث للأول.
أبو أم أم، وأبو أم أب. عند المنزلين: المال بينهما نصفان، كما يكون بين
أم الأم وأم الأب فرضا وردا. وعند أهل القرابة: الثلث للأول، والثلثان للثاني.
أبو أبي أم، وأم أبي أم، وأبو أم أم. عند المنزلين: المال للثالث، وعلى
رواية عيسى: للأولين. وعلى رواية الجوزجاني: الثلثان بين الأولين للذكر مثل حظ
الأنثيين، والثلث للثالث.
51

أبو أبي أم أب، وأم أبي أم الأب، وأبو أبي أبي أم، وأم أبي أبي الأم، قال
المنزلون: المال للأولين. وقال أهل القرابة: الأولان من جهة الأب، والآخران من
جهة الأم، فيجعل المال أثلاثا بين الجهتين، ثم على رواية الجوزجاني: الثلثان بين
الأولين أثلاثا، والثلث بين الآخرين كذلك، وعلى رواية عيسى: الثلثان للأول من
الأولين، والثلث للأول من الآخرين
فصل ومن الأصناف، الخالات والأخوال، والعمات والأعمام من الأم،
نزل المنزلون الأخوال والخالات منزل الأم، وقسموا المال بينهم إذا انفردوا على
حسب ما يأخذون من تركة الأم لو كانت هي الميتة، واختلفوا في العمات والأعمام
للام، فالأصح: أنهم كالأب. والثاني: أنهم كالعم، واختلف هؤلاء، فقيل:
العمات من الجهات بمنزلة العم للأبوين. وقيل: كل عمة بمنزلة العم الذي هو
أخوها، ثم من جعل العمات كالأب أو كالعم من الأبوين مع افتراقهن، قال: إذا
انفردن، قسم المال بينهن على حسب استحقاقهن لو كان الأب هو الميت، ومن
نزلهن منزلة الأعمام المفترقين، قدم العمة من الأبوين، ثم العمة من الأب، ثم
العمة من الأم. وإذا اجتمعت العمات والخالات والأخوال، فالثلثان للعمات،
والثلث للأخوال والخالات، ويعتبر في كل واحد من النصيبين ما اعتبر في جميع
المال لو انفرد أحد الصنفين، وأما أهل القرابة، فقالوا: إذا انفردت الخالات، فان
كن من جهة واحدة، قسم المال بينهن بالسوية. وإن اختلفت الجهة، فالخالة من
الأبوين مقدمة، ثم الخالة من الأب. والأخوال المنفردون، كالخالات. وإذا
اجتمع الأخوال والخالات، فان كانوا من جهة، قسم المال بينهم للذكر مثل حظ
الأنثيين وإن كانوا من جهة الأم. وإن اختلفت الجهات، فمن اختص بقرابة الأبوين
أولى ثم من اختص بقرابة الأب. والعمات المنفردات كالخالات. وإذا اجتمع
العمات من الأم، والأعمام من الأب، فالمال بينهم للذكر الثلث، مثل حظ الأنثيين وإذا
اجتمعت العمات والخالات فللعمات الثلثان، وللخالات سواء اتفقت
جهة العمات والخالات، أو اختلفت على المشهور عندهم. وعند أبي يوسف: أنه
إذا اختلفت الجهة، فالمال لأقوى الصنفين جهة. ثم إذا قسم المال أثلاثا، اعتبر
في كل واحد من النصيبين ما يعتبر في جميع المال عند انفراد الصنف المصروف
إليهم.
52

فرع في أمثلته ثلاث خالات متفرقات. عند المنزلين: المال بينهن على
خمسة، كما لو ورثن من الأم. وعند أهل القرابة: هو للخالة من الأبوين، وبمثله
قالوا في ثلاثة أخوال متفرقين. وعند المنزلين: للخال من الأم السدس، والباقي
للخال من الأبوين. ولو اجتمع الأخوال المتفرقون، والخالات المتفرقات، قال أهل
القرابة: المال كله للخال والخالة من الأبوين للذكر مثل حظ الأنثيين. وقال
المنزلون: ثلثا المال لهما كذلك، وثلثه للخال والخالة للام كذلك. قال الامام:
وتفضيل الخال من الأم على الخالة من الأب مشكل مخالف للتسوية بين الذكور
والإناث من أولاد الأخ للام. ثلاثة أخوال متفرقون، وثلاث عمات متفرقات. عند
المنزلين: ثلث المال بين الخال للأبوين والخال للام على ستة، واحد للثاني،
والباقي للأول: وقسمة الثلثين تخرج على الخلاف في تنزيل العمات. إن جعلن
كالأعمام، فالثلثان للعمة من الأبوين. وإن نزلن منزلة الأب، فالثلثان بينهن على
خمسة، كما يرثن من الأب. وقال أهل القرابة: الثلثان للعمة من الأبوين، والثلث
للخال من الأبوين.
فرع أولاد الأخوال والخالات والعمات والأعمام للام عند المنزلين كآبائهم
وأمهاتهم عند الانفراد والاجتماع، ومن تسفل منهم رفع بطنا بطنا. فان سبق بعضهم
إلى وارث، قدم. وإن استووا فيه، قسم المال بين الذين يدلي بهم هؤلاء على
حسب استحقاقهم من الميت فما أصاب كل واحد منهم قسم بين المدلين به على
حسب استحقاقهم منه لو كان هو الميت. وقال أهل القرابة: الأقرب يسقط الأبعد
بكل حال. فان استووا في الدرجة، نظر، إن انفرد أولاد الأخوال والخالات، بأن
اختلفت الجهة، قدم الذين هم من الأبوين، ثم الذين هم من الأب، ثم يأخذ
الذين هم من الأم، وإن لم يختلف، ورثوا جميعا. ثم النظر عند أبي يوسف إلى
أبدانهم. وعند محمد: إلى آبائهم وأجدادهم كما سبق في أولاد الأخوات وبنات
الأخوة. وأولاد العمات عند الانفراد كأولاد الخالات والأخوال، فان اجتمع
53

الصنفان، فثلثا المال لأولاد العمات، وثلثه لأولاد الأخوال والخالات على ما ذكرنا
في آبائهم، ويعتبر في كل واحد من النصيبين ما يعتبر في جميع المال. وإذا اجتمع
مع هؤلاء جنات الأعمام من الأبوين، أو من الأب، ولم تختلف الدرجة، فبنات
الأعمام أولى، لسبقهن إلى الوارث.
فرع أخوال الأم وخالاتها عند المنزلين بمنزلة الجدة أم الأم، وأعمامها
وعماتها بمنزلة الجد أبي الأم. وأخوال الأب وخالاته بمنزلة الجدة أم الأب، وعماته
عند من تنزل عمة الميت منزلة أبيه بمنزلة الجد أبي الأب. وعند من نزل عمة الميت
منزلة عمة بمنزلة عم الأب فيقسم المال بينهم. وما أصاب كل واحد منهم، يجعل
للمدلين به على حسب استحقاقهم لو كان هو الميت، وعلى القياس: يجعلون كل
خال وخالة بمنزلة الجدة التي هي أختهما، وكعم وعمة بمنزلة الجد الذي هو
أخوهما.
وأما أهل القرابة، فيعتبرون في أخوال الميتة وخالاتها ما اعتبروه في أخوال
الميت وخالاته، وكذلك في عماتها إذا انفردن. وإن اجتمع أعمامها وعماتها،
فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على المشهور عندهم.
وفي رواية: إن كانوا من الأبوين أو من الأب، قدم الأعمام. ولو اجتمع
أعمامها وعماتها وأخوالها وخالاتها، فالثلث للأخوال والخالات، والثلثان للأعمام
والعمات، وخؤولة الأب وعمومته، كخؤولة الأم وعمومتها عند الانفراد والاجتماع.
ولو اجتمع القرابتان، فلقرابة الا ب الثلثان، ولقرابة الأم الثلث، ثم يقسم كل
نصيب بينهم، كما يقسم جميع المال لو انفردوا، فثلثا الثلثين لعمات الأب، وثلثه
لخالاته وأخواله، وكذلك الثلث. وسواء كان قرابة الأب من جنس قرابة الأم، أم لم
يكن، حتى لو ترك عم أمه وخالة أبيه، كان الثلثان للخالة، والثلث للعم. ولو ترك
ثلاث عمات متفرقات، وثلاث خالات متفرقات لأبيه، ومثلهن لامه، فعلى
الصحيح من قول أهل القرابة: ثلثا الثلثين لعمة الأب من الأبوين، وثلثها لخالة
الأب من الأبوين، وثلث الثلث لعمة الأم من الأبوين، وثلثه لخالة الأم من الأبوين،
ويسقط البواقي. وعند المنزلين: نصف سدس المال بين خالات الأب، ومثله بين
خالات الأم، لنزولهن منزلة الجدتين، والباقي لعمات الأب دون عمات الأم، لان
54

عمات الأب كأب الأب، وعمات الأم كأبي الأم. هذا تمام الطرف الأول.
الطرف الثاني: في ترتيب الأصناف. قال المنزلون: كل واحد من ذوي
الأرحام، ينزل منزلة الوارث الذي يدلي به، ثم ينظر في الورثة لو قدر اجتماعهم،
فان كانوا يرثون، يرث المدلون بهم، وإن حجب بعضهم بعضا، جرى الحكم
كذلك في ذوي الأرحام. وقال أهل القرابة: ذوو الأرحام وإن كثروا يرجعون إلى
أربعة أنواع. المنتمون إلى الميت، وهم أولاد البنات وأولاد بنات الابن، والمنتمي
إليهم الميت، وهم الأجداد والجدات الساقطون، والمنتمون إلى أبوي الميت، وهم
أولاد الأخوات وبنات الأخوة، والمنتمون إلى أجداده وجداته، وهم العمومة
والخؤولة. ومذهبهم: الظاهر تقديم النوع الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، فما دام
يوجد أحد من فروع الميت وإن سفل، فلا شئ لأصوله من ذوي الأرحام وإن
قربوا، وعلى هذا القياس. وعن أبي حنيفة رضي الله عنه رواية بتقديم النوع الثاني
على الأول. وقدم أبو يوسف ومحمد النوع الثالث على الثاني، واتفقوا على أن من
كان من العمومة والخؤولة وأولادهم ومن ولد جد أو جدة أقرب إلى الميت، فهو أولى
بالميراث وإن بعد ممن هو من ولد جد أو جدة أبعد منه. وإذا اجتمع الأجداد
والجدات من ذوي الأرحام مع الخالات والأخوال والعمات، فعند أبي حنيفة
رضي الله عنه: تقدم الجدودة. وعند صاحبيه: إن كانت العمومة أو الخؤولة من ولد
جد أو جدة، تساوى الجد والجدة الموجودين، أو أبعد، فالأجداد والجدات أولى.
وإن كانا من أصل أقرب منهما، فهم أولى. وعن أحمد بن حنبل رضي الله عنه:
تقديم الخال على ذوي الأرحام. وفي الباقين مذهبه مذهب أهل التنزيل في كل
فصل.
فصل قد يجتمع في الشخص من ذوي الأرحام قرابتان بالرحم، كبنت
بنت بنت هي بنت ابن بنت، وكبنت أخت الأب هي بنت أخ الأم، وكبنت خالة هي
بنت عمة، فالمنزلون ينزلون وجوه القرابة. فان سبق بعض الوجوه إلى وارث، قدم
به، وإلا قدروا الوجوه أشخاصا ورثوا بها على ما يقتضيه الحال. وأما أهل القرابة:
فمحمد يورثه بجهتي القرابة. وقال أبو يوسف: إن كان ذلك في أولاد البنات،
جعلت الوجوه كوجه ولم يورث بها. وإن كان في أولاد الإخوة والأخوات، ورث
55

بأقوى الجهتين. وإن كان في أولاد العمومة والخؤولة، ورث بالقرابتين، لأنهما
مختلفتان، وهذا أظهر عندهم. وعلى هذا، لو خلف بنت أخ لام هي بنت أخت لأب
، وبنت أخت أخرى، أو بنت أخ أخرى، ورثت بأقوى القرابتين، وهي كونها
بنت أخت لأب. ولو خلف بنت خال هي بنت عمة، وبنت عمة أخرى، فالثلث
لبنت الخال، والثلثان بينهما بالسوية.
ولو كان معها بنت خال، فالثلثان للأولى لأنها بنت عمة، والثلث بينهما
بالسوية.
فصل إذا كان مع ذوي الأرحام زوج أو زوجة، قال أهل القرابة: يخرج
نصيبه، ويقسم الباقي على ذوي الأرحام كما يقسم الجميع لو انفردوا، وللمنزلين
مذهبان. أصحهما: كذلك. والثاني: أن الباقي يقسم بينهم على نسبة سهام الذين
يدلي بهم ذوو الأرحام من الورثة مع الزوج أو الزوجة، ويعرف القائلون بالأول:
بأصحاب اعتبار ما بقي، والقائلون بالثاني: أصحاب اعتبار الأصل.
مثاله: زوجة، بنت بنت، وبنت أخت من الأبوين. عند أهل القرابة:
للزوجة الربع، والباقي لبنت البنت. وأصحاب القول الأول من المنزلين، جعلوا لها
الربع، والباقي بين بنت البنت وبنت الأخت بالسوية. ومن قال بالثاني قال: إذا
نزلناهما، فكأن في المسألة زوجة وبنتا وأختا، ولو كان كذلك، لكانت المسألة من
ثمانية، نصيب الزوجة منها واحد، يبقى سبعة يخرج منها تمام نصيب الزوجة،
يبقى ستة تقسم بينهما أسباعا. ولو خلفت زوجا وبنت بنت، وخالة، وبنت عم.
عند أهل القرابة: للزوج النصف، والباقي لبنت البنت، وعلى القول الأول
للمنزلين: للزوج النصف، ولبنت البنت نصف الباقي، وللخالة سدس الباقي،
ولبنت العم الباقي. وعلى القول الثاني: إذا نزلنا، حصل مع الزوج بنت وأم
وعم، وحينئذ يكون من اثني عشر، يخرج نصيب الزوج، يبقى تسعة، ثم يخرج تمام
النصف للزوج، يبقى ستة يقسمها على التسعة وبالله التوفيق.
الباب التاسع
في حساب الفرائض
فيه مقصودان. أحدهما: تصحيح المسائل. والثاني: قسمة التركات.
56

[المقصود] الأول: التصحيح، وفيه فصول.
(الفصل) الأول: في مقدماته، وهن أربع.
إحداها: الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى ستة: النصف، والربع،
والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس. وقد سبق بيان مستحقيها.
فالنصف فرض خمسة: الزوج، والبنت، وبنت الابن، والأخت للأبوين،
والأخت للأب.
والربع فرض الزوج، والزوجة أو الزوجات.
والثمن فرض الزوجة والزوجات.
والثلثان فرض أربعة وهن الإناث التي لواحدتهن النصف.
والثلث فرض ثلاثة: الأم وأولادها، والجد.
والسدس فرض سبعة: الأم، والجدة، والأب، والجد، وبنت الابن، مع
بنت الصلب، والأخت للأب مع الأخت للأبوين، وواحد أولاد الأم.
(المقدمة) الثانية: كل عددين، فهما متماثلان، أو متداخلان، أو
متوافقان، أو متباينان. فالمتماثلان، كثلاثة وثلاثة.
والمتداخلان، كثلاثة وستة، أو تسعة. فالثلاثة داخلة في الستة والتسعة.
والمتوافقان، كأربعة وستة، لكل واحد منهما نصف صحيح، وستة وتسعة
لهما ثلث صحيح، وثمانية واثني عشر لهما ربع صحيح ولأحد وعشرين وخمسة
وثلاثين سبع صحيح، ولاثنين وعشرين وثلاثة وثلاثين جزء من أحد عشر.
57

والمتباينان، كثلاثة وأربعة.
وطريق معرفة المداخلة، أن تسقط الأقل من الأكثر مرتين فصاعدا، أو زد على
الأقل مثله مرة فصاعدا. فان فني الأكثر بالأقل، أو تساويا بزيادة الأمثال،
فمتداخلان، وإلا، فلا.
وطريق الموافقة والمباينة، أن تسقط الأقل من الأكثر ما أمكن، فما بقي،
فأسقطه من الأقل، فان بقي منه شئ، فأسقطه مما بقي من الأكثر، ولا يزال يفعل
ذلك حتى يفنى العدد المنقوص منه آخرا، فان فني بواحد، فمتباينان. وإن فني
بعدد، فمتوافقان بالجزء المأخوذ من ذلك العدد. وإن فني باثنين، فبالنصف، أو
بثلاثة، فبالثلث، أو بعشرة، فبالعشرة، أو بأحد عشر، فبأجزاء أحد عشر. وعلى
هذا القياس.
مثاله: أحد وعشرون، وتسعة وأربعون، تسقط الأقل من الأكثر مرتين، يبقى
سبعة، تسقطها من الأقل ثلاث مرات، يفنى بها، فهما متوافقان بالأسباع.
المقدمة الثالثة: في أصول المسائل، أصلها العدد الذي يخرج منه سهامها.
ومسائل الفرائض نوعان.
أحدهما: أن يكون كل الورثة عصبات، بأن كانوا ذكورا، أو نسوة أعتقن عبدا
بينهن بالسوية، فالقسمة بينهم بالسوية. وإن كانت العصبة ذكورا وإناثا، قدرنا كل
ذكر اثنين، وأعطينا كل ذكر سهمين، وكل أنثى سهما، فعدد الرؤوس في هذا النوع
هو أصل المسألة.
58

النوع الثاني: المسائل التي ورثتها أصحاب فروض أو بعضهم ذو فرض.
فالأصول في هذا النوع سبعة عند المتقدمين، ومن المتأخرين من يقول: تسعة.
فالسبعة المتفق عليها: اثنان، وثلاثة، وأربعة، وستة، وثمانية، واثنا عشر،
وأربعة وعشرون، فكل مسألة فيها نصف وما بقي. كزوج وأخ، أو نصفان، كزوج
وأخت، فهي من اثنين وما فيها ثلثان وما بقي، كبنتين وعم، أو ثلث وما بقي، كأم
وأخ: أو ثلثان وثلث، كأختين لأب وولدي أم، فمن ثلاثة، وما فيها ربع وما بقي،
كزوج وابن، أو ربع ونصف وما بقي كزوج وبنت وأخ، فمن أربعة. وما فيها سدس
وما بقي، كأم وابن، أو سدس ونصف وما بقي، كأم وبنت أخ، أو سدس وثلث ما
بقي، كأم وولد أو وعم، أو نصف وثلثان، كزوج وأختين، أو نصف وثلث وما
بقي، كزوج وأم وأخ، فمن ستة. وما فيها ثمن وما بقي، كزوجة وابن، أو ثمن
ونصف وما بقي، كزوجة وبنت وأخ، فمن ثمانية. وما فيها ربع وثلثان وما بقي
، كزوج وابنتين وأخ، أو ربع وثلث وما بقي، كزوجة وأم وأخ، فمن ستة، أو ربع
وسدس وما بقي، كزوج وأم وابن، فمن اثني عشر. وما فيها ثمن وثلثان وما بقي،
كزوجة وبنتين وأخ، أو ثمن وسدس وما بقي، كزوجة وأم وابن، فمن أربعة
وعشرين.
قلت: ومن هذا الأخير، ثمن وسدسان وما بقي، كزوجة وأبوين وابن. والله
أعلم.
وأما الأصلان المزيدان، فثمانية عشر، وستة وثلاثون في مسائل الجد والأخوة
حيث يكون الثلث خيرا له.
فالأول: في كل مسألة فيها سدس وثلث ما بقي وما يبقى، كجد وأم
وإخوة.
59

والثاني: في كل مسألة فيها ربع وسدس وثلث ما بقي وما يبقى، كزوجة وأم
وجد وإخوة، ومن لم يقل بالزيادة يصحح المسألتين بالضرب.
فالأولى: من ستة، للأم سهم، يبقى خمسة، يضرب مخرج الثلث في
الستة، يبلغ ثمانية عشر.
والثانية: من اثني عشر، يخرج بالفرضين خمسة، ثم يضرب
مخرج الثلث في اثني عشر، تبلغ ستة وثلاثين، واستصوب الامام والمتولي صنيع
المتأخرين، لأن ثلث ما يبقى والحالة هذه، مضموم إلى السدس والربع، فلتكن
الفريضة من مخرجها. واحتج المتولي بأنهم اتفقوا في زوج وأبوين أنها من ستة،
ولولا جعلها من النصف وثلث الباقي، لكانت من اثنين، للزوج سهم، يبقى
سهم، فيضرب مخرج الثلث في اثنين، تبلغ ستة. واعلم أنه قد يتفق في
صور الجد نصف وثلث ما بقي، كبنت وجدوا إخوة، فيحتمل أن تكون من ستة
قطعا، كما ذكر في زوج وأبوين، ويحتمل أن يطرد فيه الخلاف.
قلت: الاحتمال أصح، والمختار أن الأصح الجاري على القاعدة: طريق
المتأخرين، كما اختاره الامام، لما سبق، ولكونها أخصر. والله أعلم.
المقدمة الرابعة: في العول.
60

إذا ضاق المال عن الفروض، فتعال المسألة، أي: ترفع سهامها ليدخل النقص على كل واحد بقدر فرضه، كأصحاب الديون والوصايا إذا ضاق المال.
والذي يعول من الأصول التسعة ثلاثة، وهي: ستة، واثنا عشر، وأربعة وعشرون،
فتعول الستة أربع مرات إلى سبعة، كزوج، وأختين لأب، وإلى ثمانية، كهؤلاء،
وأم، وإلى تسعة، كهؤلاء، وأخ لام، وإلى عشرة، كهؤلاء، وأخ آخر لام، وتسمى
هذه الأخيرة: الشريحية، لأن شريحا القاضي رحمه الله تعالى، قضى فيها،
وتسمى: أم الفروخ، لكثرة سهامها. ومتى عالت إلى أكثر من سبعة، لا يكون
الميت إلا امرأة.
وأما اثنا عشر، فتعول ثلاث مرات إلى ثلاثة عشر، كزوجة وأم وأختين لأب،
وإلى خمسة عشر، كهؤلاء وأخ لام. وإلى سبعة عشر، كهؤلاء وأخ آخر لام. ومن
صورها: أم الأرامل، وهي ثلاث زوجات وجدتان، وأربع أخوات لأم، وثمان
لأب، فهن سبع عشرة أنثى أنصباؤهن سواء. ولا يعول هذا الأصل إلى سبع عشرة
إلا والميت رجل.
وأما أربعة وعشرون، فتعول مرة فقط إلى سبعة وعشرين، كزوجة وبنتين
وأبوين، وتسمى: المنبرية، لأن عليا رضي الله عنه سئل عنها وهو على المنبر،
فقال ارتجالا: صار ثمنها تسعا. ولا يكون هذا العول إلا والميت رجل، بل لا
تكون المسألة من أربعة وعشرين إلا وهو رجل.
الفصل الثاني: في طريق التصحيح، وفيه نظران.
أحدهما: في تصحيح فريضة الميت الواحد.
والثاني: في التصحيح إذا مات وارثان فأكثر قبل القسمة، وتعرف:
بالمناسخات. أما النظر الأول: فان كانت الورثة كلهم عصبات، فأمر القسمة سهل، وقد
بينا أنه من عدد رؤوسهم. وإن كانوا أصحاب فروض، أو فيهم صاحب فرض،
61

وعرفت المسألة بعولها إن كانت عائلة، فانظر في السهام وأصحابها، فان انقسمت
عليهم جميعا، حصل الغرض وحاجة إلى الضرب، كزوج وثلاث بنين، هي من
أربعة، لكل واحد سهم. وكزوجة وبنت وثلاثة إخوة، من ثمانية، للزوجة سهم،
وللبنت أربعة، ولهم الباقي.
وإن لم تنقسم، فاما أن يقع الكسر على صنف، وإما على أكثر.
القسم الأول: على صنف، فينظر في سهامهم وعدد رؤوسهم، وإن كانا
متباينين، ضربت عدد رؤوسهم في أما المسألة بعولها، إن عالت وإن كانا
متوافقين ضربت جزء للوفق من عدد رؤوسهم من أصل المسألة بعولها، ثم
الحاصل على التقديرين، تصح منه المسألة.
مثال التباين زوج وأخوان، هي من اثنين، له سهم، يبقى سهم لا يصح
عليهما، ولا موافقة فيضرب عددهما في أصل المسألة تبلغ أربعة منها تصح.
مثال التوافق، أم وأربعة أعمام، هي من ثلاثة، يبقى اثنان يوافق عددهم
بالنصف، فتضرب وفق عددهم في المسألة، تبلغ ستة منها تصح. وإذا أمكنت
الموافقة بأجزاء، ضربنا أقلها.
القسم الثاني: الكسر على أكثر من صنف، فيمكن أن يقع على صنفين أو
ثلاثة أو أربعة، ولا تتصور الزيادة، لأن الوارثين في الفريضة لا يزيدون على خمسة
أصناف كما ذكرنا في أول الكتاب عند اجتماع من يرث من الرجال والنساء، ولا بد
من صحة نصيب أحد الأصناف عليه، لأن أحد الأصناف الخمسة، الزوج
62

والأبوان، والواحد يصح عليه نصيبه قطعا، فلزم الحصر. فإن وقع الكسر على
صنفين، نظرنا في سهام كل صنف وعدد رؤوسهم. والأحوال ثلاثة.
أحدها: أن لا يكون بين السهام والرؤوس موافقة في واحد من الصنفين،
فتترك رؤوس الصنفين بحالها. الثاني: أن تكون موافقة فيهما، فترد رؤوس كل
صنف إلى جزء الوفق. الثالث: بأن يكون الوفق في أحد الصنفين، فترد رؤوسه إلى
جزء الوفق، وتترك رؤوس الآخر بحالها. ثم الرؤوس - مردودين أو أحدهما أو غير
مردودين - إما أن يتماثلا، فتضرب أحدهما في أصل المسألة بعولها، وإما أن
يتداخلا، فتضرب أكثرهما في أصل المسألة بعولها، وإما أن يتوافقا، فتضرب جزء
الوفق من أحدهما في جميع الآخر، فما بلغ ضربته في أصل المسألة بعولها، وإما
أن يتباينا، فتضرب أحدهما في الآخر، فما حصل ضربت في أصل المسألة، فما
بلغ صحت منه.
ويخرج من هذه الأحوال اثنا عشرة مسألة، لأن في كل واحد من الأحوال
الثلاثة أربع حالات، والحاصل من ضرب ثلاثة في أربعة، اثنى عشر. وإن وقع
الكسر على ثلاثة أصناف أو أربعة، نظرنا أولا في سهام كل صنف وعدد رؤوسهم،
فحيث وجدنا الموافقة، رددنا الرؤوس إلى جزء الوفق. وحيث لم نجد، بقيناه
بحاله. ثم يجئ في عدد الأصناف الأحوال الأربعة، فكل عددين متماثلين، نقتصر
منهما على واحد. وإن تماثل الكل، اكتفينا بواحد وضربناه في أصل المسألة
بعولها، وكل عددين متداخلين نقتصر على أكثرهما، وإن تداخلت كلها، اكتفينا
بأكثرها وضربناه في أصل المسألة بعولها، وكل متوافقين نضرب وفق أحدهما في
الآخر، فما بلغ ضربناه في أصل المسألة. وإن توافق الكل، ففيه طريقان
للفرضيين
. قال البصريون: نقف أحدهما ونرد ما عداه إلى جزء الوفق، ثم ننظر أجزاء
63

الوفق، فنكتفي عند التماثل بواحد، وعند التداخل بالأكثر، وعند التوافق، نضرب
جزء الوفق من البعض في البعض. وعند التباين، نضرب البعض في البعض، ثم
نضرب الحاصل في العدد الموقوف، ثم ما حصل في أصل المسألة بعولها.
وقال الكوفيون: نقف أحد الاعداد ونقابل بينه وبين آخر، ونضرب وفق
أحدهما في جميع الآخر، ثم نقابل الحاصل بالعدد الثالث، ونضرب وفق أحدهما
في جميع الآخر، ثم نقابل الحاصل بالعدد الرابع ونضرب وفق أحدهما في جميع
الآخر ثم نضرب الحاصل في أصل المسألة بعولها، وتسمى صورة توافق الاعداد:
المسائل الموقوفات. وإن كانت الاعداد متباينة، ضربنا عددا منها في آخر، ثم ما
حصل في ثالث، ثم ما حصل في الرابع ثم ما حصل في أصل المسألة بعولها.
وإن شئت ضربت أحدها في أصل المسألة بعولها، ثم ما يحصل في الثاني، ثم في
الثالث، ثم في الرابع. وإذا لم يكن بين السهام وعدد الرؤوس، ولا بين أعداد
الرؤوس موافقة، سميت المسألة: صماء، ولا فرق في الاعداد المتوافقة بين عدد
وعدد، فتقف أيها شئت، والعدد الذي تصح منه المسألة بعد تمام العمل لا
يختلف. فإن حصل اختلاف، فاستدل به على الغلط، وإن وافق أحد الاعداد
الثلاثة الآخرين والآخران متباينان، لم يجز ان نقف إلا الذي يوافقهما، ويسمى هذا
الموقوف: المقيد.
فرع هذا الذي ذكرناه، بيان التصحيح. فإذا فرغت منه وأردت أن تعرف
نصيب كل واحد من الصنف، مما حصل من الضرب، فله طرق.
أشهرها وأخفها: أن تضرب نصيب كل صنف من أصل المسألة في العدد
المضروب في المسألة، ويعرف بعدد المنكسرين، فما بلغ، فهو نصيب ذلك
64

الصنف، فتقسمه على عدد رؤوسهم، فالخارج بالقسمة هو نصيب كل واحد من
ذلك الصنف.
مثاله: زوجتان، وأربع جدات، وست أخوات لأب، هي من اثني عشر،
وتعول إلى ثلاثة عشر، ويرجع عدد الجدات بالموافقة إلى اثنين، والأخوات إلى
ثلاث، فيحصل اثنان واثنان وثلاثة، تسقط أحد المتماثلين، وتضرب الآخر في
ثلاثة، تبلغ ستة، تضربها في أصل المسألة بعولها، تبلغ ثمانية وسبعين، كان
للزوجين من أصل المسألة ثلاثة، فتضرب في ستة، تبلغ ثمانية عشر، فهو
نصيبهما. وإذا قسم ذلك على رؤوسهما، خرج تسعة، وكان للجدات سهمان،
تضربهما في ستة، تبلغ اثني عشر، لكل واحدة ثلاثة، وكان للأخوات ثمانية،
تضرب في ستة، تبلغ ثمانية وأربعين، لكل واحدة ثمانية.
الطريق الثاني: تقسم سهام كل صنف من أصل المسألة على عدد رؤوسهم، فما
خرج من القسمة، يضرب في المضروب في أصل المسألة، فما حصل، فهو
نصيب كل واحد من الصنف. ففي المثال المذكور، يقسم نصيب الزوجتين على
عدد رؤوسهما، يخرج بالقسمة سهم ونصف، يضرب في الستة المضروبة في
المسألة، تبلغ تسعة، وهو نصيب كل زوجة، ويقسم نصيب الجدات عليهن،
يخرج نصف سهم، تضربه في الستة، تكون ثلاثة، فهو نصيب كل جدة، وعلى
هذا فقس الأخوات.
الطريق الثالث: تقسم العدد المضروب في المسألة على عدد رؤوس كل صنف،
فما خرج تضربه في نصيب ذلك الصنف، فما بلغ فهو نصيب الواحد من ذلك
الصنف، ففي المثال المذكور تقسم الستة على عدد رؤوس الزوجتين، يخرج
ثلاثة، تضربها في نصيبهما من أصل المسألة وهو ثلاثة، تبلغ تسعة، وهو نصيب
كل زوجة. وعلى هذا القياس.
الطريق الرابع: تقابل بين نصيب كل صنف وعدد رؤوسهم، وتضبط النسبة
65

بينهما وتأخذ بتلك النسبة في العدد المضروب في المسألة، فهو نصيب كل واحد
من ذلك الصنف، ففي المثال المذكور، نصيب الزوجتين ثلاثة وهما اثنان. والثلاثة
مثل الاثنين ومثل نصفهما، فتأخذ مثل العدد المضروب في المسألة، ومثل نصفه،
يكون تسعة، وهو نصيب كل زوجة، ونصيب الأخوات ثمانية، وعددهن ستة،
والثمانية مثل الستة، ومثل ثلثها، فلكل أخت مثل العدد المضروب. ومثل ثلثه
تكون ثمانية، ونصيب الجدات اثنان مثل نصف عددهن، فلكل جدة نصف العدد
المضروب.
الطريق الخامس: ويعرف به نصيب كل واحد من الورثة قبل الضرب والتصحيح.
إن كان الكسر على صنف، فانظر إن لم يوافق سهامهم عددهم، فنصيب كل واحد
منهم بعدد سهام جميع الصنف من أصل المسألة، ونصيب كل واحد من الأصناف
الذين لا كسر عليهم، بعدد رؤوس المنكسر عليهم إن كان لكل واحد منهم سهم
واحد. وإن كان أكثر من سهم، ضرب ما لكل واحد منهم من أصل المسألة في عدد
المنكسر عليهم، فما حصل، فهو نصيب كل واحد منهم. وإن وافق سهامهم
عددهم، فنصيب كل واحد من المنكسر عليهم بعدد وفق سهامهم من أصل
المسألة، ونصيب كل واحد ممن لم ينكسر عليهم وفق عدد الرؤوس المنكسر عليهم
على ما ذكرناه.
مثاله: زوج، وأخوان لام، وخمس أخوات لأب، تعول من ستة إلى تسعة،
وتصح من خمسة وأربعين، ونصيب كل أخت بعدد سهام جميعهن من أصل
المسألة، وهو أربعة، ونصيب كل أخ خمسة بعدد رؤوس الأخوات المنكسر
عليهن، ونصيب الزوج خمسة عشر، لأنه كان له أكثر من سهم، وهو ثلاثة،
فتضرب في عدد رؤوسهن. ولو كان عدد الأخوات عشرة، وافق سهامهن عددهن
بالنصف، وترد عددهن إلى النصف، ويكون نصيب كل أخت بعدد نصف ما
لجميعهن من أصل المسألة، وهو اثنان، ويكون لكل أخ خمسة نصف عدد رؤوس
الأخوات، وللزوج ثلاثة مضروبة في نصف عدد رؤوسهن. أما إذا كان الكسر على
صنفين، ولم يكن بين الرؤوس والسهام موافقة، أو كانت، ورددت الرؤوس إلى
66

وفقها، فانظر في عدد الرؤوس، ولهما أحوال.
أحدها: أن يكونا متباينين، فالحاصل من ضرب كل صنف في سهام الصنف
الآخر من أصل المسألة هو نصيب كل واحد من الصنف المضروب في سهامهم،
والحاصل من ضرب عدد أحد الصنفين في الآخر، إذا ضربته في نصيب الواحد من
الذين لا كسر عليهم، كان المبلغ نصيب ذلك الواحد من ذلك الصنف.
مثاله: خمس بنات، وأربع زوجات، وأربع جدات، وأخ لأب، هي من
أربعة وعشرين، وتصح من أربعمائة وثمانين، والكسر في البنات والزوجات، ولا
موافقة. فإذا ضربت رؤوس البنات في سهام الزوجات، حصل خمسة عشر، فهو
نصيب كل زوجة. وإذا ضربت الزوجات في سهام البنات، حصل أربعة وستون،
فهو نصيب كل بنت. وإذا ضربت البنات في الزوجات، حصل عشرون. فإذا
ضربته في نصيب كل واحد من الجدات، كان عشرين، لأن لكل واحدة واحدا،
فهو نصيب كل جدة. وكذلك نصيب الأخ.
ولو كان بدل الأربع جدتان، ضربت العشرين في اثنين، فالحاصل نصيب كل
جدة.
الحال الثاني: إذا كان عدد الرؤوس متوافقا، سواء تداخلا، أم لا، فإذا
ضربت وفق أحد العددين في سهام الآخر، كان الحاصل نصيب كل واحد من
الصنف المضروب في سهامهم. وإذا ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر ولا
تداخل بينهما، وضربت ما حصل في نصيب الواحد ممن لا كسر عليهم، كان
الحاصل نصيب الواحد من ذلك الصنف، وإن تداخلا، ضربت أكثرهما في
النصيب، فما حصل، فهو نصيب الواحد منهم.
مثاله: زوج، وتسعة إخوة لام، وخمسة عشر أختا لأب، هي من ستة،
وتعول إلى تسعة، وتصح من أربعمائة وخمسة، تضرب وفق عدد الأخوة في سهام
الأخوات، تبلغ اثني عشر، فهو نصيب كل أخت، ووفق عدد الأخوات في نصيب
الأخوة، تبلغ عشرة، فهو نصيب كل أخ، ووفق أحدهما في جميع الآخر، تبلغ
خمسة وأربعين، تضربه في سهام الزوج، وهي ثلاثة، تبلغ مائة وخمسة وثلاثين،
67

فهو نصيب الزوج. فإن كان عدد الأخوة اثني عشر، وعدد الأخوات ست عشرة،
فالسهام توافق الاعداد، فترجع الأخوة إلى ستة، والأخوات إلى أربعة، للموافقة
بالربع، وبين العددين موافقة بالنصف، فتصح المسألة من مائة وثمانية. وإذا
ضربت وفق الراجع من عدد الأخوة، وهو ثلاثة، في وفق سهام الأخوات، وهو
واحد، كان الحاصل ثلاثة، وهو نصيب كل أخت. وإذا ضربت وفق الراجع من
عدد الأخوات، وهو اثنان، في وفق سهام الأخوة، وهو واحد، كان الحاصل
اثنين، وهو نصيب كل أخ. وإذا ضربت وفق أحد الراجعين في جميع الآخر،
حصل اثنا عشر، فإذا ضربته في سهام الزوج من الأصل، حصل ستة وثلاثون، وهو
نصيب الزوج.
الحال الثالث: إذا كان عدد الرؤوس متماثلا، فنصيب كل واحد من كل
صنف بعدد ما كان لجميعهم من أصل المسألة، ونصيب كل واحد ممن لا كسر
عليهم، هو الحاصل من ضرب ما كان له في عدد أحد الصنفين المنكسر عليهم.
مثاله: خمس بنات، وخمس جدات، وأخ، هي من ستة، وتصح من
ثلاثين، ونصيب كل بنت مثل ما كان لهن، وهو أربعة، ونصيب كل جدة مثل ما
كان لهن، وهو واحد، ونصيب الأخ هو الحاصل من ضرب ما كان له في خمسة،
وهو خمسة. أما إذا كان الكسر على ثلاثة أصناف، فانظر، إن كانت أعداد الرؤوس
متباينة، فاعزل الصنف الذين تريد أن تعرف نصيبهم، واضرب عدد أحد الآخرين
في الآخر، فما بلغ فاضربه في نصيب الصنف الذين عزلتهم، فما بلغ فهو نصيب
كل واحد منهم، واضرب عدد رؤوس الأصناف الثلاثة بعضه في بعض، فما بلغ
فاضربه في نصيب من انقسم عليهم نصيبهم من أصل المسألة، فما بلغ فهو نصيب
كل واحد منهم.
مثاله: أربع زوجات، وثلاث جدات، وخمس بنات، وأخت لأب، هي من
أربعة وعشرين، وتصح من ألف وأربعمائة وأربعين. فإذا أردت أن تعرف نصيب
الزوجات، فاعزلهن واضرب البنات في الجدات، تبلغ خمسة عشر، اضربه في
نصيب الزوجات في الأصل، تبلغ خمسة وأربعين، فهو نصيب كل زوجة. وعلى
هذا القياس حكم البنات. واضرب لمعرفة نصيب الأخت عدد الأصناف المنكسر
68

عليهم بعضهم في بعض، تبلغ ستين، اضربه في نصيبها من أصل المسألة، وهو
واحد، تبلغ ستين، فهو نصيبها. وإن كانت الاعداد متوافقة أو متماثلة، فالعمل
على قياس ما ذكرنا في الكسرين. وصورة التماثل هينة، وأما التوافق، فكتسع
بنات، وست جدات، وخمسة عشر أخا، هي من ستة، وتصح من خمسمائة
وأربعين. فإذا أردت معرفة نصيب البنات، فاعزلهن واضرب وفق أحد الصنفين من
الجدات والأخوة في وفق الآخر، تبلغ عشرة، تضرب في نصيب البنات، تبلغ
أربعين، فهذا نصيب كل بنت. وكذا تعزل الجدات وتضرب وفق أحد الصنفين
الآخرين في وفق الثاني، تبلغ خمسة عشر، تضربها في نصيب الجدات، تبلغ
خمسة عشر، فهو نصيب كل جدة. وتعزل الأخوة، وتضرب وفق أحد الآخرين في
وفق الثاني، تبلغ ستة، تضربها في نصيبهم، تبلغ ستة، فهو نصيب كل أخ.
النظر الثاني: في المناسخات.
فإذا مات عن جماعة، ثم مات أحدهم قبل قسمة التركة، فللمسألة حالان.
أحدهما: أن تنحصر ورثة الميت الثاني في الباقين، ويكون إرثهم من الثاني
مثل الإرث من الأول، فتجعل الميت الثاني كأن لم يكن، وتقسم التركة على
الباقين، ويتصور ذلك إذا كان الإرث عنهما بالعصوبة، كمن مات عن إخوة وأخوات
من الأب، ثم مات أحدهم عن الباقين، أو عن بنين وبنات، ثم مات أحدهم عن
إخوته وأخواته. وفيما إذا كان الإرث عنهما بالفرض في بعض الصور، كمن ماتت
عن زوج، وأم، وأخوات مختلفات الآباء، ثم نكح الزوج إحداهن، فماتت عن
الباقين. وفيما إذا ورث بعضهم بالفرض وبعضهم بالعصوبة، كمن مات عن أم،
وإخوة لأم، ومعتق، ثم مات أحد الأخوة عن الباقين. ولا فرق بين أن يرث
كل الباقين من الثاني أو بعضهم، كمن مات عن زوجة وبنين، وليست أمهم، ثم مات
أحد البنين عن الباقين.
الحال الثاني: أن لا يكون كذلك، بأن لا ينحصروا، إما لأن الوارث
غيرهم، وإما لأن غيرهم يشركهم، وإما لاختلاف مقادير استحقاقهم، فنصحح
مسألتي الأول والثاني جميعا، وننظر في نصيب الثاني من مسأل الأول. فان انقسم
نصيبه على مسألته، فذاك، وإلا، فنقابل نصيبه بمسألته المصححة، إن كان بينهما
موافقة، ضرب أقل جزء الوفق من مسألة الثاني في جميع مسألة الأول. وإن لم
69

يكن، ضرب جميع مسألته في جميع مسألة الأول، فما بلغ، صحت منه
المسألتان. وإذا أردت معرفة نصيب كل واحد من الورثة مما حصل من الضرب،
فقل: كل من له شئ من المسألة الأولى، يأخذه مضروبا فيما ضربته في المسألة
الأولى، وهو جميع المسألة الثانية أو وفقها. ومن له شئ من الثانية، يأخذه مضروبا
في نصيب الميت الثاني من المسألة الأولى، أو في وفق النصيب إن كان بين مسألته
ونصيبه وفق. مثاله: زوج، وأختان لأب، ماتت إحداهما عن الأخرى وعن بنت، المسألة
الأولى من سبعة، والثانية من اثنين، ونصيب الميت الثاني من الأول اثنان.
زوجة، وثلاث بنين، وبنت، ثم ماتت البنت عن أم وثلاثة إخوة، وهم
الباقون من ورثة الأول، فالأولى من ثمانية، والثانية تصح من ثمانية عشر، ونصيب
الميتة من الأول سهم لا يوافق، فتضرب الثانية في الأولى، تبلغ مائة وأربعة
وأربعين، للزوجة سهم مضروب في ثمانية عشر، ولكل ابن سهمان في ثمانية
عشر، تبلغ ستة وثلاثين، وللأم من الثانية ثلاثة مضروبة في سهم الميتة وهو واحد،
ولكل أخ خمسة، فحصل للام من المسألتين أحد وعشرون، ولكل أخ أحد
وأربعون.
جدتان، وثلاث أخوات متفرقات، ثم ماتت الأخت للأم عن أخت لأم، وهي
الأخت للأبوين في المسألة الأولى. وعن أختين لأبوين، وعن أم أم وهي إحدى
الجدتين، فالأولى من اثني عشر، والثانية من ستة، ونصيب الميتة من الأولى
سهمان، ونصيبها ومسألتها يتوافقان بالنصف، فتضرب نصف مسألتها في الأولى،
تبلغ ستة وثلاثين، كان للجدتين سهمان، تضربهما في ثلاثة، تبلغ ستة، وكذا
الأخت للأب، وكان للأخت من الأبوين ستة، تضربها في ثلاثة، تبلغ ثمانية
عشر، ولها من الثانية سهم مضروب في وفق نصيب الميتة وهو سهم، وللأختين
للأبوين أربعة مضروبة في سهم، وللجدة سهم في سهم، فحصل للأخت الوارثة
في المسألتين تسعة عشر، وللجدة الوارثة فيهما أربع.
فرع لو مات ثالث قبل قسمة التركة، فلك طريقان. أحدهما: تصحح
المسائل الثلاث، وتأخذ نصيب الميت الثالث من الأولين، وتقابله بما صحت منه
70

مسألته، فان انقسم نصيبه على مسألته، فذاك، وإلا، فان توافقا، ضربت وفق
مسألته فيما صحت منه الأوليان. وإن تباينا، ضربت مسألته فيه. وعلى هذا القياس
تعمل إذا مات رابع وخامس قبل القسمة. ثم من كان له شئ من المسألتين
الأوليين، أو من إحداهما، أخذه مضروبا في الثالثة، أو في وفقها، ومن كان له
شئ من الثالثة، أخذه مضروبا في نصيب الثالث من المسألتين الأولين، أو في
وفقه.
الطريق الثاني: أن تصحح كل مسألة برأسها، وتقابل نصيب كل ميت
بمسألته، فمن انقسم نصيبه على مسألته، فلا اعتداد بمسألته. ومن لم ينقسم،
حفظت مسألته بتمامها إن لم توافق نصيبه، أو وفقها إن توافقا، وفعلت بها ما
تفعل بأعداد الأصناف المنكسر عليهم سهامهم من المسألة الواحدة، فما حصل
ضربته في المسألة الأولى، فما حصل قسمته، فتضرب ما لكل واحد من الأولى في
العدد المضروب فيها، فما خرج فهو له إن كان حيا، ولورثته إن كان ميتا.
مثاله: زوجة، وبنت، وثلاثة بني ابن، ثم ماتت البنت عن زوج، وأخ لام،
وأم وهي الزوجة، ثم مات أحد ابني الابن عن زوجة، وبنت، وابن ابن، وجدة،
وهي الزوجة في المسألة الأولى، ثم مات آخر عن هذه الجدة، وعن خمسة بنين
وخمس بنات، فالأولى، من ثمانية، والثانية، من ستة، والثالثة، من أربعة
وعشرين، والرابعة، من ثمانية عشر، ونصيب البنت يوافق مسألتها بالنصف، فترد
مسألتها إلى ثلاثة، فإذا معنا ثلاثة، وثمانية عشر، وأربعة وعشرون، والثلاثة داخلة
في أربعة وعشرين، فتقتصر عليها، وهي توافق ثمانية عشر بالسدس، فتضرب
سدس أحدهما في جميع الآخر، تبلغ اثنين وسبعين، تضربها في مسألة الميت
الأول وهي ثمانية، تبلغ خمسمائة وستة وسبعين، ومنها تصح المسائل، فمن له
شئ من الأولى، يضرب نصيبه في اثنين وسبعين ويقسم على ورثته.
زوجة وثلاثة إخوة، ثم مات أحدهم عن ابنين، والثاني عن ابنين وبنت،
والثالث عن ابن وبنت، فالأولى من أربعة، والثانية، من اثنين، والثالثة، من
خمسة، والرابعة، من ثلاثة، والسهام لا توافق المسائل فتضرب المسائل الثلاث
بعضها في بعض، تبلغ ثلاثين، تضربه في المسألة الأولى، تبلغ مائة وعشرين،
71

للزوجة منها سهم في ثلاثين، ولكل أخ كذلك. فما للأول لابنيه، لكل واحد
خمسة عشر. وما للثاني لابنيه وبنته، لكل ابن اثنا عشر، وللبنت ستة. وما للثالث
بين ابنه وبنته، له عشرون، ولها عشرة.
فرع هذا الذي ذكرنا، تصحيح المناسخات. قال الفرضيون: وقد يمكن
اختصار الحساب بعد الفراغ من عمل التصحيح، وذلك إذا كانت أنصباء الورثة كلها
متماثلة، فترد المسألة إلى عدد رؤوسهم، وكذلك إذا كانت متوافقة بجزء صحيح،
فيؤخذ ذلك الوفق من نصيب كل واحد، يقسم المال بينهم على ذلك العدد،
كزوجة، وبنت، وثلاثة بنين منها، ثم مات أحد البنين عن الباقين، فالمسألة
الأولى، من ثمانية، والثانية، من ستة، ونصيب الميت الثاني سهمان يوافقان مسألته
بالنصف، فتضرب نصف مسألته في الأولى، تبلغ أربعة وعشرين، للزوجة ثلاثة،
وللبنت ثلاثة، ولكل ابن ستة، ومن نصيب الثاني، للأم سهم، وللأخت سهم،
ولكل أخ سهمان، فمجموع ما للام أربعة، وللأخت كذلك، ولكل أخ ثمانية،
فالأنصباء متوافقة بالربع، فتأخذ ربع كل نصيب، يبلغ المجموع ستة، فتقسم المال
عليها اختصارا.
أما إذا لم يكن بين الأنصباء موافقة، أو وافق بعضها فقط، فلا يمكن
الاختصار.
المقصود الثاني: قسمة التركات،
وله أصل وفروع متشعبة.
أما الأصل، فإن كانت التركة دراهم أو دنانير أو غيرهما مما ينقسم بالاجزاء،
كالمكيلات والموزونات، قسمت عينها بين الورثة. وإن كان مما لا ينقسم
بالاجزاء، كالعبيد والجواري والدواب، قوم ثم قسم بينهم بالقيمة، فما أصاب كل
واحد من القيمة فله بقدرها من المقوم. وطريقه: أن ينظر في التركة، أهي عدد
صحيح من الدراهم وغيرها، أم عدد وكسر؟ فإن كان الأول، قابلت التركة بالمسألة
بعولها إن عالت. فان تماثلا، فلا إشكال، وإلا، فان تباينا، فاضرب نصيب كل
وارث من أصل المسألة بعولها، أو مما صحت منه المسألة في عدد التركة، فما بلغ
فاقسمه على أصل المسألة بعولها، أو على ما صحت منه المسألة، فما خرج من
القسمة، فهو نصيب ذلك الوارث.
72

وإن شئت قسمت التركة أولا على أصل المسألة بعولها، أو على ما صحت
منه، فما خرج بالقسمة، فاضربه في سهم كل وارث، فما بلغ فهو نصيبه. وإن كانا
متوافقين، فان عملت كما عملت في المتباينين، حصل الغرض، وإن أردت
الاختصار، فخذ وفقهما، واضرب سهم كل وارث في وفق التركة، فما بلغ فاقسمه
على وفق المسألة، فما خرج فهو نصيبه من التركة. وإن شئت فاقسم وفق التركة
على وفق المسألة، فما خرج فاضربه في سهم كل وارث، فما بلغ فهو نصيبه. وإذا
فرغت من العمل، امتحنت صحته، بأن تجمع ما أصاب كل واحد من الورثة،
وتنظر هل المجموع مثل التركة، أم لا؟
الأمثلة:
زوج، وأم، وأختان لأب، وأخوان لام، والتركة ستون دينارا، فالمسألة من
ستة، وتعول إلى عشرة. فان شئت ضربت سهام الزوج في ستين، تبلغ مائة
وثمانين، تقسمها على المسألة، يخرج ثمانية عشر، فهو نصيب الزوج، وتضرب
نصيب الأم في ستين، يكون ستين، تقسمه على المسألة، يخرج ستة، فهو
نصيبها. وتضرب نصيب الأخوين فيها يكون مائة وعشرين، تقسمه على المسألة
يخرج اثنا عشر، فهو نصيبهما وتضرب نصيب الأختين، يكون مائتين وأربعين،
تقسمها على المسألة، يخرج أربعة وعشرون، فهو نصيبهما. وإن شئت قسمت
التركة على المسألة، يخرج ستة، تضربها في سهام كل وارث، يخرج ما ذكرنا.
زوج، وأم، وأخت لأب، والتركة أربعة دراهم. المسألة تعول إلى ثمانية،
تضرب نصيب الزوج في التركة، يكون اثني عشر، تقسمه على سهام المسألة،
يخرج للسهم درهم ونصف، وكذلك نصيب الأخت. وتضرب نصيب الأم وهو
سهمان في أربعة، تبلغ ثمانية تقسم على المسألة، يخرج واحد، فهو نصيبها.
ثلاث زوجات، وأربعة إخوة لام، وخمس أخوات لأب، والتركة خمسة
وسبعون دينارا. المسألة تعول إلى خمسة عشر، وتوافق التركة بأجزاء خمسة عشر،
فتردهما إلى جزء الوفق، فتعود التركة إلى خمسة، والمسألة إلى واحد، ثم إن شئت
ضربت سهام الزوجات، وهي ثلاثة، في وفق التركة، وهو خمسة، تبلغ خمسة
73

عشر، فهو للزوجات. وضربت سهام الأخوة، وهي أربعة، في الخمسة، تبلغ
عشرين، فهو نصيبهم، وسهام الأخوات، وهي ثمانية، في الخمسة، تبلغ
أربعين، فهو نصيبهن. وإن شئت قسمت وفق التركة، وهو خمسة، على وفق
المسألة وهو واحد، يخرج خمسة، تضرب في سهام كل وارث، يكون على ما
ذكرنا.
فرع فإن كانت التركة عددا وكسرا، نظر، إن كان الكسر واحدا، ضربت
مخرج ذلك الكسر في الصحاح، فما خرج فرد عليه الكسر، وأقسم المجموع على
الورثة كما تقسم الصحاح، ثم اجعل ما خرج بالقسمة بعدد فخرج ذلك الكسر واحدا
صحيحا، وأضف إليه الباقي.
مثاله: زوج وأختان، والتركة عشرة دراهم ونصف، تضرب مخرج النصف،
وهو اثنان، في العشرة، تبلغ عشرين، وتزيد على النصف واحدا، فكأن التركة
أحد وعشرون صحاحا، تعمل بها عملك بالصحاح، فيخرج للزوج تسعة أنصاف
هي أربعة دراهم ونصف، ولكل أخت ستة أنصاف وهي ثلاثة دراهم.
ولو كانت المسألة بحالها، والتركة ثمانية وثلاثة أرباع، ضربت مخرج الربع،
وهو أربعة، في الثمانية، تبلغ اثنين وثلاثين، تزيد عليه الكسر، وهو ثلاثة، تبلغ
خمسة وثلاثين، تقسم كقسمة الصحاح، يخرج للزوج خمسة عشر، وهو ثلاثة
دراهم وثلاثة أرباع درهم، ولكل أخت عشرة، وهي درهمان ونصف.
وإن كان مع الصحاح كسران، كربع وسدس، أخذت مخرج مجموعهما،
وهو إثنا عشر وضربته في الصحاح، وتممت العمل كما ذكرنا.
74

فصل وأما الفروع المتشعبة، فتتنوع أنواعا كثيرة، نذكر منها مسائل إن
شاء الله تعالى.
مسألة: أخذ بعض الورثة قدرا معلوما من التركة، وأردت معرفة جملتها،
فأقم سهام المسألة بعولها إن عالت، ثم إن شئت ضربت المأخوذ في سهام المسألة،
فما بلغ قسمته على سهام الآخذ، فما خرج بالقسمة فهو جملة التركة. وإن شئت
قسمت المأخوذ على سهام الآخذ، وضربت الخارج من القسمة في سهام المسألة،
فما بلغ فهو التركة.
مثاله: زوج، وأم، وأختان لأب، وأخذ الزوج بحقه ثلاثين دينارا، إن شئت
ضربت الثلاثين في سهام المسألة وهي ثمانية، يكون مائتين وأربعين، تقسم على
سهام الزوج، وهي ثلاثة، يخرج ثمانون، فهو التركة. وإن شئت قسمت الثلاثين
على سهامه، يخرج عشرة، تضربها في سهام المسألة تبلغ ثمانين.
ولك طريق آخر، وهو أن تنظر فيما بين سهام الآخذ وسهام الباقين من النسبة،
وتزيد على المأخوذ مثل نسبة سهامهم من سهامه، فهو جملة التركة. ففي المثال
المذكور، سهام باقي الورثة مثل سهام الزوج، ومثل ثلثيها، فتزيد على الثلاثين
مثلها ومثل ثلثيها، تبلغ ثمانين.
مسألة: زوجة، وأم، وثلاث أخوات متفرقات، والتركة ثلاثون درهما
وثوب، أخذت الزوجة الثوب بنصيبها برضى الورثة، كم قيمة الثوب وجملة التركة؟
فالطريق فيها وفي أخواتها، أن تقيم أصل المسألة بعولها إن عالت، وهذه المسألة
تعول إلى خمسة عشر. ثم لك طريقان. أحدهما: أن تضرب سهام الزوجة من
المسألة في عدد الدراهم فتبلغ تسعين، فتقسم التسعين على ما بقي من سهام
المسألة بعد سهام الزوجة، وهي اثنا عشر، يخرج سبعة ونصف، فهو قيمة الثوب.
وإن شئت قسمت الدراهم على باقي سهام الورثة، وهي اثنا عشر، يخرج درهمان
ونصف، تضربه في سهام الزوجة، تبلغ سبعة ونصفا. وإن شئت نسبت سهامها إلى
سهام الباقين، فإذا هي ربع سهام الباقين، فتأخذ ربع الثلاثين، وهو سبعة ونصف،
فهذه ثلاثة أوجه.
الطريق الثاني: طريق الجبر، تقول: إذا أخذت بخمس التركة ثوبا، فجملة
75

التركة خمسة أثواب، وهي تعدل ثوبا وثلاثين درهما، فتسقط ثوبا بثوب، فتبقى
أربعة أثواب في مقابلة ثلاثين درهما، فتعلم أن الثوب الواحد سبعة ونصف. أو
تقول: خمس التركة خمس ثوب وستة دراهم، وقد أخذت بالخمس ثوبا، فهو
يعدل خمس ثوب وستة دراهم، تسقط الخمس بالخمس، يبقى أربعة أخماس ثوب
في مقابلة ستة دراهم، فتكمل الثوب بأن تزيد على الأخماس الأربعة ربعها، وتزيد
على العديل ربعه، وذلك سبعة ونصف.
ولو كانت المسألة بحالها، وأخذت مع الثوب خمسة دراهم، فعلى الطريق
الأول، تنقص الخمسة من الثلاثين، يبقى خمسة وعشرون، ثم تضرب نصيبها من
المسألة في الخمسة والعشرين، تكون خمسة وسبعين، تقسم على سهام الباقين،
وهي إثنا عشر، يخرج ستة دراهم وربع، وهو نصيبها من التركة. فإذا نقصت منها
الخمسة، يبقى درهم وربع، وهو قيمة الثوب. وبالجبر تقول: أخذت بخمس
التركة ثوبا وخمسة دراهم، فجميع التركة خمسة أثواب وخمسة وعشرون درهما، تعدل ثوبا
وثلاثين درهما، فتسقط ثوبا بالثوب، وخمسة وعشرين بالخمسة والعشرين، يبقى
أربعة أثواب في مقابلة خمسة دراهم، فالثوب الواحد درهم وربع. ولو كانت
المسألة بحالها، وأخذت الثوب وزدت ستة دراهم، فعلى الطريق الأول، تزاد السنة
المردودة على الثلاثين، وتضرب سهام الزوجة في الستة والثلاثين، تبلغ مائة
وثمانية، تقسم على اثني عشر، يخرج بالقسمة تسعة، فهو نصيبها من التركة. فإذا
زدت ستة على التسعة، فهي قيمة الثوب. وعلى طريق الجبر يقال: أخذت بخمس
التركة ثوبا إلا ستة دراهم، فجميع التركة خمسة أثواب إلا ثلاثين درهما، تعدل ثوبا
وثلاثين درهما، فتكمل الثياب بثلاثين درهما، ويزاد مثل ذلك على العديل، فتصير
خمسة أثواب معادلة لستين درهما وثوب، تسقط ثوبا بالثوب، يبقى أربعة أثواب في
مقابلة ستين درهما، فالثوب الواحد خمسة عشر. ولو كانت بحالها، والتركة ثلاثون
وثوب وعبد وخاتم، أخذت الزوجة بنصيبها الثوب، والأم العبد، والأخت للام
الخاتم، فعلى الطريق الأول، تضرب سهام الزوجة، وهي ثلاثة، في ثلاثين،
تبلغ تسعين، تقسمها على الثمانية التي للباقين، يخرج بالقسمة أحد عشر وربع، أو
تقسم الثلاثين على الباقي من المسألة بعد سهام الزوجة والأم والأخت للام، وهو
ثمانية، يخرج ثلاثة وثلاثة أرباع، تضربها في سهام الزوجة، تبلغ أحد عشر
76

وربعا، فهو قيمة الثوب، وفي سهمي الأم تبلغ سبعة ونصفا، فهو قيمة العبد،
وكذلك قيمة الخاتم. وبالجبر يقال: أخذت الزوجة بالخمس ثوبا، والأم بثلثي
الخمس عبدا، والأخت بمثله خاتما، بقي من السهام ثمانية، وهي خمسان وثلثا
خمس، يكون ثوبين وثلثي ثوب، فالجملة ثلاثة أثواب وثلثا ثوب وعبد وخاتم،
وهي تعدل ثوبا وعبدا وخاتما وثلاثين درهما، تسقط ثوبا بالثوب، والعبد بالعبد،
والخاتم بالخاتم، يبقى ثوبان وثلثا ثوب في مقابلة ثلاثين درهما، فالواحد يعدل أحد
عشر وربعا.
ولو كانت بحالها، والتركة ثلاثون وثوبان يتفاوتان في القيمة بدرهمين،
وأخذت الزوجة بنصيبها الثوب الأدنى على الطريق الأول، يزيد التفاوت بينهما على
الدراهم، فتصير اثنين وثلاثين، تضرب سهام الزوجة فيها، يكون ستة وتسعين،
تقسمها على الباقي من سهام المسألة بعد إسقاط نصيب الزوجة وهو ثلاثة، وبعد
إسقاط مثله للثوب الآخر، فالباقي تسعة يخرج من القسمة عشرة دراهم وثلثا درهم،
فهو قيمة ما أخذته. وبالجبر تقول: أخذت بالخمس ثوبا، فالجميع خمسة أثواب
تعدل التركة، وهي ثوبان واثنان وثلاثون درهما، تسقط ثوبين بثوبين، يبقى ثلاثة
أثواب تعدل اثنين وثلاثين درهما، فالواحد يعدل عشرة وثلثين.
ولو أخذت الزوجة بنصيبها الثوب الأعلى، فتزيد الدرهمين على الثلاثين
، تصير التركة اثنين وثلاثين درهما وثوبين متساويين، أخذت الزوجة بثلاثة أسهم ثوبا
ودرهمين، فيخص ثلاثة أسهم أخرى مثل ذلك. فإذا أسقطناها، بقي من سهام
المسألة تسعة، ومن التركة ثمانية وعشرون درهما، تضرب سهام الزوجة في ثمانية
وعشرين، تبلغ أربعة وثمانين، تقسمها على التسعة الباقية، يخرج تسعة وثلث،
فهو قيمة الثوب الأعلى، وقيمة الأدنى سبعة وثلث، وجميع التركة ستة وأربعون
درهما وثلثان.
مسألة: ابنان والتركة ثوبان بينهما تفاوت دينارين، أخذ أحدهما ثلاثة أرباع
الأعلى، كم قيمة كل واحد؟ فطريقه: أن تزيد التفاوت عليهما، فتجعل التركة
ثوبين ودينارين، ولكل ابن ثوب ودينار، وقد أخذ أحدهما ثلاثة أرباع ثوب ودينارا
ونصفا، فتقابل به حقه وهو ثوب ودينار، وتسقط ثلاثة أرباع ثوب بمثلها، ودينارا
77

بدينار، يبقى ربع ثوب في مقابلة نصف دينار، فالثوب الكامل يعدل دينارين، فهما
قيمة الأدنى، وقيمة الأعلى أربعة، وجملة التركة ستة.
مسألة: زوح، وابن، أخذ الزوج بميراثه وبدين له على الميتة ثلث المال،
المسألة من أربعة، تسقط منها سهم الزوج، يبقى ثلاثة تضربها في مخرج الكسر
المذكور، وهو ثلاثة، تبلغ تسعة، منها تخرج المسألة، للزوج ثلاثة، وللابن
ستة. وإذا كان للابن بثلاثة أسهم ستة، كان للزوج بسهم اثنان، فاثنان إرث،
وواحد دين. ونقول بطريق آخر: المسألة من أربعة، والدين شئ، فجملة التركة
أربعة أسهم وشئ، منها سهم وشئ ثلث المال، وثلاثة أسهم ثلثاه، والثلث يعدل
نصف الثلثين. فإذا سهم وشئ بعدل سهما ونصف سهم، السهم بالسهم، يبقى
شئ في مقابلة نصف سهم، فتعلم أن الشئ المضموم إلى السهام الأربعة نصف
سهم. فإذا بسطناها أنصافا كانت تسعة.
مسألة: ابن وبنت، انتهبا التركة، ثم رد كل واحد منهما على صاحبه ربع ما
انتهب، فوصل كل واحد إلى حقه من الميراث، يجعل ما انتهبه الابن أربعة أشياء،
وما انتهبته البنت أربعة دنانير. فإذا رد الابن ربع ما انتهبه، وأخذ منها ربع ما
انتهبته، حصل في يده ثلاثة أشياء ودينار، وفي يدها ثلاثة دنانير وشئ، ومعلوم أن
حقه ضعف حقها، فضعف ما معها مثل ما معه، وضعف ما معها ستة دنانير وشيئان،
تعدل ثلاثة أشياء ودينارا، فتسقط دينارا بدينار، وشيئين بشيئين، يبقى خمسة دنانير
تعدل شيئا، فعرفنا أن قيمة الشئ خمسة، وقيمة الدينار واحد، وجملة التركة أربعة
أشياء وأربعة دنانير، فيكون أربعة وعشرين، ما انتهبه الابن عشرون، وما انتهبته
البنت أربعة. فإذا دفع إليها خمسة وأخذ منها واحدا، كان معه ستة عشر، ومعها
ثمانية. وتعرف هذه المسألة ونظائرها ب‍ مسألة النهبى.
فصل في مسائل (من) الحساب، تتعلق بأبواب سبقت أحكامها إحكامها:
سبق أن المفقود إذا مات له قريب، (وخلف) ورثة أيضا حاضرين، يؤخذ في
حق الجميع بالأسوأ من حياة المفقود وموته في إسقاطه وفي دفع الأقل إليه. وطريق
معرفة الأقل: أن تصحح المسألة على تقديري حياته وموته، وتضرب إحداهما في
الأخرى إن لم تتوافقا، فان توافقتا، ضربت وفق إحداهما في جميع الأخرى، ثم
78

كل من ورث على التقديرين تضرب ما يرثه من كل مسألة في الأخرى، أو في وفقها،
وتصرف إليه الأقل مما حصل من الضربين.
مثاله: أختان لأب، وعم، وزوج مفقود. فإن كان حيا، فهي من سبعة،
وإلا، فمن ثلاثة، ولا موافقة بينهما، فتضرب أحدهما في الآخر، يبلغ أحدا
وعشرين، للأختين (من) مسألة الحياة أربعة في ثلاثة باثني عشر، ومن مسألة
الموت سهمان فس سبعة بأربعة عشر، فيصرف إليهما اثنا عشر، ويوقف الباقي، فان
عرف حياة الزوج، دفع إليه، وإن عرف موته، فسهمان من الموقوف للأختين،
والباقي للعم.
أم، وزوج، وأختان لأب، وابن مفقود. فإن كان حيا، فالمسألة من اثني
عشر، وإن كان ميتا، عالت إلى ثمانية، وهما متوافقان بالربع، فتضرب ربع
أحدهما في الآخر، تبلغ أربعة وعشرين، للام من مسألة الحياة سهمان مضروبان
في وفق مسألة الموت، تكون أربعة، ومن مسألة الموت سهم في وفق مسألة
الحياة، تكون ثلاثة، فتعطى ثلاثة، وللزوج من الحياة ثلاثة في وفق الموت، تكون
ستة، ومن الموت ثلاثة في وفق الحياة، تكون تسعة، فيعطى ستة، ويوقف
الباقي.
و (المسألة) الثانية: طريق تصحيح مسائل الخنثى على جميع الحالات، وطلب الأقل
المتيقن: أن تقيم المسألة على جميع الحالات. فإن كان الخنثى واحدا، فله
حالان. إما ذكر، وإما أنثى. وإن كان خنثيان، فلهما ثلاثة أحوال، لأنهما ذكران أو
أنثيان، أو ذكر وأنثى، ولثلاثة خناثى أربعة أحوال، وعلى هذا القياس. فإذا
ضبطت أصل كل حال، فخذ اثنين منها، وانظر أهما متماثلان، أم متداخلان، أم
متوافقان، أم متباينان؟ واعمل فيهما عملك عند الانكسار على فريقين، ثم قابل
الحاصل معك بأصل ثالث، وهكذا تفعل حتى تأتي على آخرها، ثم إن لم يكن في
المسألة صاحب فرض، صحت مما عندك، وإن كان، ضربته من مخرج الفرض ثم
قسمت.
79

مثاله: ولدان خنثيان، إن كانا ذكرين، فالمسألة من اثنين. أو أنثيين، فمن
ثلاثة، وكذا الذكر والأنثى، فتسقط أحد الثلاثتين، وتضرب الأخرى في
اثنين، تبلغ ستة، تعطي كل واحد اثنين، لأنه الأقل.
زوج، وولدان خنثيان، تضرب الستة التي صحت منها مسألتهما عند
انفرادهما في مخرج الربع، تبلغ أربعة وعشرين، للزوج منها ستة، ولكل واحد
منهما ستة، لاحتمال أنوثته وذكورة الآخر.
ابن، وولدان خنثيان، إن كانا ذكرين، فمن ثلاثة. أو أنثيين، فمن أربعة.
أو ذكرا وأنثى، فمن خمسة، وكلها متباينة، فتضرب بعضها في بعض، تبلغ
ستين، للابن عشرون، ولكل واحد منهما اثنا عشر، لاحتمال أنوثته وذكورة الآخر.
قلت: ثلاثة أولاد خناثى، إن كانوا ذكورا، فمن ثلاثة، أو إناثا، تصح من
تسعة، أو ذكرا وأنثيين، فمن أربعة، أو عكسه، فمن خمسة، والثلاثة داخلة في
التسعة، فتضرب الاعداد الثلاثة بعضها في بعض، تبلغ مائة وثمانين، منها
تنقسم، تعطي كل واحد سهما من خمسة في أربعة، ثم في تسعة بستة وثلاثين.
فإن بان واحد أنثى، لم ترده، لبقاء الاحتمال، وتزيد صاحبيه كل واحد تمام أربعين
إذ أسوأ أحوالهما أن يكونا أنثيين فإن بان أحد الآخرين أنثى، لم تزدهما، وتزيد
الأول تمام الأربعين. فان بان الثالث أنثى، فلا زيادة لهن. وإن بان ذكرا، تمم له
تسعون، ولكل واحد منهما خمسة وأربعون. والله أعلم.
80

(المسألة) الثالثة: في تصحيح مسائل الحمل تفريعا على أن أكثره أربعة، وأن من
ليس له فرض مقدر كالأولاد، يأخذ مع الحمل شيئا، فتقام المسألة على تقدير ولد
واحد، وله حالان، لأنه ذكر أو أنثى، وعلى تقدير ولدين، ولهما ثلاثة أحوال،
وعلى تقدير ثلاثة، ولهم أربعة أحوال، وعلى تقدير أربعة، ولهم خمسة أحوال،
ثم ينظر في الاعداد، ويكتفى مما تماثل بواحد، ومما تداخل بالأكثر، ومما توافق
بجزء الوفق، وتترك المتباينة بحالها، وتضرب ما حصل من الاعداد بعضها في
بعض، فما بلغ، صحت منه القسمة، ويعطى الموجود على تقدير الأضر.
(المسألة) الرابعة: في تصحيح مسائل الاستهلال.
فإذا مات عن ابن وزوجة حامل، فولدت ابنا وبنتا، واستهل أحدهما فوجدا
ميتين، ولم يعلم المستهل، فقد سبق أنه يعطى كل وارث أقل ما يستحقه. وطريق
معرفته أن يقال: المسألة الأولى تصح من ستة عشر إن كان المستهل، هو الابن،
للزوجة سهمان، ولكل ابن سبعة، ومسألة الابن المستهل من ثلاثة، والسبعة لا
تنقسم على الثلاثة، ولا توافقها، فتضرب ثلاثة في ستة عشر، تبلغ ثمانية
وأربعين، للزوجة الثمن ستة، ولكل ابن أحد وعشرون، للام منها سبعة، وللأخ
أربعة عشر، فيجتمع للام منها ثلاثة عشر، وللأخ خمسة وثلاثون. وإن كانت البنت
هي المستهلة، فالمسألة الأولى تصح من أربعة وعشرين، للبنت منها سبعة،
ومسألتها من ثلاثة، ولا تصح السبعة على ثلاثة ولا توافقها، فتضرب ثلاثة في أربعة
وعشرين، تبلغ اثنين وسبعين، للمرأة الثمن تسعة، وللابن اثنان وأربعون، وللبنت
أحد وعشرون، للام منها سبعة، وللأخ الباقي، فيجتمع للام ستة عشر، وللأخ
ستة وخمسون وهما متوافقان بالثمن، فترد ما صحت منه مسألة البنت وهو اثنان
وسبعون إلى ثمنها وهو تسعة، للام منها سهمان، وللابن سبعة. فانتهى الامر إلى
أن المسألة على تقدير استهلال الابن صحت من ثمانية وأربعين، وصحت مسألة
البنت من تسعة، وهما متوافقان بالثلث، فتضرب ثلث أحدهما في الآخر، تبلغ مائة
وأربع وأربعين، منها تصح في الحالين، للام بتقدير استهلال الابن تسعة وثلاثون،
81

وبتقدير استهلال البنت اثنان وثلاثون، فتعطى الأقل، وللابن بتقدير استهلال الابن
مائة وخمسة، وبتقدير استهلال البنت مائة واثني عشر، فتعطى الأقل، ويوقف
الباقي وهو سبعة أسهم بينهما.
فرع لابن الحداد مات عن زوجة حامل وأخوين، فولدت ابنا، ثم
صودف ميتا، فقالت الزوجة: انفصل حيا ثم مات، نظر، إن صدقاها، فهذا رجل
خلف زوجة وابنا، ثم مات الابن وخلف أما وعمين، فتصحان من أربعة وعشرين.
وإن كذباها، فالقول قولهما مع يمينهما، وتصح من ثمانية. وإن صدقها أحدهما
وكذبه الآخر، حلف المكذب وأخذ تمام حقه لو كذباها، وهو ثلاثة من ثمانية،
والباقي، وهو خمسة، يقسم بين المصدق والزوجة على النسبة الواقعة بين نصيبيهما
لو صدقاها، وذلك لاتفاقهما على أن المكذب ظالم يأخذ الزيادة، فكأنها تلفت من
التركة، ونصيب الزوجة لو صدقاها عشرة من أربعة وعشرين، ثلاثة من الزوج،
وسبعة من الابن، ونصيب العم سبعة، فالخمسة بينهما على سبعة عشر، وهي غير
منقسمة، فتضرب سبعة عشر في أصل المسألة، وهو ثمانية، تبلغ مائة وستة
وثلاثين، للمكذب ثلاثة مضروبة فيما ضربناه في المسألة، وهو سبعة عشر، يكون
أحدا وخمسين، والباقي، وهو خمسة وثمانون، تقسم على سبعة عشر، يكون لكل
سهم خمسة، فلها بعشرة خمسون، وله بسبعة خمسة وثلاثون، وقد زاد نصيب
المكذب على نصيب المصدق بستة عشر سهما. ولو كانت المسألة بحالها، لكن
ولدت بنتا، قال الشيخ أبو علي تخريجا على هذه القاعدة: إن صدقاها، صحت
المسألتان من ثمانية وأربعين. وإن كذباها، فمن ثمانية. وإن صدقها أحدهما،
فمن مائتين وثمانية وأربعين.
(المسألة) الخامسة: في حساب مسائل الرد. قال الأئمة: الرد نقيض العول، لان
الرد ينقص السهام عن سهام المسألة، والعول يزيد عليها، ثم للمردود عليه حالان.
أحدهما: أن لا يكون معه من لا يرد عليه، فينظر، إن كان شخصا واحدا، فجميع
المال له فرضا وردا. وإن كانوا جميعا من صنف، فالمال بينهم بالسوية ذكورا كانوا
أو إناثا. وإن كانوا صنفين أو ثلاثة، جعل عدد سهامهم من المسألة كأنه أصل
82

المسألة، ثم ينظر فعدد سهام كل صنف وعدد رؤوسهم، إن انقسم عليهم،
فذاك، وإلا، صحح بطريقه.
مثاله: أم، وبنت، وأصل المسألة من ستة، وسهامها أربعة، فنجعل المسألة
منها
. أم، وبنت، وبنت ابن، مجموع سهامهن خمسة، فنجعلها أصل المسألة.
فإن كان مع الأم والبنت ثلاث بنات ابن، ضربنا عددهن في خمسة، تبلغ خمسة
عشر، للام ثلاثة، وللبنت تسعة، ولبنات الابن ثلاثة.
الحال الثاني: إذا كان معهم من لا يرد عليه، دفع إليه فرضه من مخرجه،
وجعل الباقي لمن يرد عليه إن كان شخصا أو جماعة من صنف. فان كانوا صنفين
فأكثر، فخذ مخرج فروضهم وسهامهم منه، وانظر في الباقي من مخرج فرض من لا
رد عليه، فما بلغ جعلته أصل المسألة. فان وقع كسر، صحح بطريقه.
مثاله: زوجة، وأم، لها الربع، والباقي للام.
زوج، وست بنات، له الربع، والباقي لا يصح عليهن، ويتوافقان بالثلث،
فتضرب وفق عدده في أربعة، تبلغ ثمانية، منها تصح.
زوجة، وأم، وثلاث بنات، مخرج فرض الزوجة ثمانية، ومسألة الأم والبنات
من ستة، وسهامهن خمسة، والسبعة الباقية لا تصح على خمسة ولا توافقها،
فتضرب خمسة في ثمانية، تبلغ أربعين، للزوجة خمسة، والباقي بينهن أخماسا،
لام سبعة، يبقى ثمانية وعشرون لا تصح على ثلاثة، تضرب الثلاثة في أربعين،
تبلغ مائة وعشرين، منها تصح.
فرع باع بعض الورثة جميع نصيبه للباقين على قدر أنصبائهم، قدر كأنه
لم يكن، وقسم المال على الباقين.
مثاله: زوج، وابن، وبنت، باع الزوج نصيبه لهما على قدر حقهما، فكأنه
لا زوج، وتقسم التركة بينهما أثلاثا. ولو باع بعض نصيبه، جعلت المسألة من عدد
83

يوجل نصيب البائع منه الجزء المبيع، وينقسم ذلك على الباقين.
مثاله: باع الزوج في المثال المذكور نصف نصيبه، تجعل المسألة من ثمانية
ليكون لنصيبه منها وهم الربع نصف، لقن نصف ربع الثمانية لا ينقسم على الابن
والبنت أثلاثا، فتضرب الثمانية في مخرج الثلاث، تبلغ أربعة وعشرين، للزوج
ثلاثة، وللابن أربعة عشر، وللبنت سبعة، وعلى هذا القياس.
الباب العاشر
في المسائل الملقبات ومسائل المعاياة والقرابات المتشابهات
فيه ثلاثة فصول.
(الفصل) الأول: في الملقبات. منها: المشركة، والخرقاء، والأكدرية، وأم الفروخ، وأم الأرامل،
والصماء، وقد بيناهن.
ومنها: مربعات ابن مسعود رضي الله عنه، وهن: بنت، وأخت، وجد.
قال: للبنت النصف، والباقي بينهما مناصفة. وزوجة، وأم، وجد، وأخ، جعل
المال بينهم أرباعا. وزوجة، وأخت، وجد. قال: للزوجة الربع، وللأخت
النصف، والباقي للجد. فالصور كلها من أربعة، والأخيرة تسمى: مربعة
الجماعة، لأنهم كلهم جعلوها من أربعة وإن اختلفوا في بعض الأنصباء.
ومنها: المثمنة، وهي: زوجة، وأم، وأختان لأبوين، وأختان لام، وولد لا
يرث لرق ونحوه، لأن فيها ثمانية مذاهب عند الجمهور، هي من اثني عشر، وتعول
إلى سبعة عشر. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، تفريعا على إنكار العول: أن
الفاضل عن فرض الزوجة والأم وولدي الأم، لولدي الأبوين، فتصح من أربعة
وعشرين. وعنه أيضا رضي الله عنه: أن الفاضل عن الزوجة والأم، بين ولدي الام
84

وولدي الأبوين، فتصح من اثنين وسبعين. وعن معاذ رضي الله عنه: أن للأم الثلث
تفريعا على أن الأم لا تحجب إلا بأخوة، فتعول إلى تسعة عشر. وعن ابن مسعود
رضي الله عنه: إسقاط ولدي الأم وعنه: إسقاط ولدي الأبوين، وعنه: إسقاط
الصنفين، والباقي للعصبة، وعنه وهو الأشهر: أن للمرأة الثمن تفريعا على أن من
لا يرث من الأولاد، يحجب الزوجة والأم، فتكون المسألة من أربعة وعشرين،
وتعول إلى أحد وثلاثين، وتسمى لذلك: ثلاثينية ابن مسعود رضي الله عنه.
ومنها: تسعينية زيد رضي الله عنه: وهي: أم، وجد، وأخت لأبوين،
وأخوان، وأخت لأب، هي من ثمانية عشر أصلا أو ضربا، للام ثلاثة، وللجد
خمسة، وللأخت للأبوين تسعة، يبقى سهم على خمسة، فتضربهم في ثمانية عشر
تبلغ تسعين، منها تصح.
ومنها: النصفية، وهي: زوج، وأخت لأبوين، أو لأب، لأنه ليس في
الفرائض شخصان يرثان نصفي المال فرضا إلا هما، وربما سميت الصورتان:
يتيمتين.
ومنها: العمريتان، وهما: زوج، وأبوان، أو زوجة، وأبوان، لأن أول من
قضى فيها عمر رضي الله عنه.
ومنها: مختصرة زيد رضي الله عنه، وهي: أم، وجد، وأخت لأبوين،
وأخ، وأخت لأب، لأنها تعمل تارة بالبسط، فيقال: هي من ستة، للأم سهم،
والباقي بين الجد والأخ والأختين على ستة، فتضرب ستة في أصل المسألة، تبلغ
ستة وثلاثين، ويبقى بعد القسمة سهمان لولدي الأب لا يصحان، فتضرب ثلاثة في
ستة وثلاثين، تبلغ مائة وثمانية، والسهام بعد القسمة تتوافق بالأنصاف، فتردها إلى
أربعة وخمسين. وتارة بالاختصار فيقال: المقاسمة وثلث الباقي سواء للجد،
فتقسم من ثمانية عشر، يبقى سهم لا يصح على ولدي الأب، فتضرب ثلاثة في
ثمانية عشر، تبلغ أربعة وخمسين.
ومنها: مسألة الامتحان: وهي: أربع نسوة: وخمس جدات، وسبع بنات،
85

وتسعة إخوة لأب، هي من أربعة وعشرين، وتصح من ثلاثين ألفا ومائتين وأربعين.
قلت: سميت بالامتحان، لأنه يقال: ورثة لا تبلغ طائفة منهم عشرة، لم
تصح مسألتهم من أقل من كذا. والله أعلم.
ومنها: الغراء، هي: زوج، وأختان لأب، وولدا أم، وتسمى:
مروانية، لأنه يقال: إنها وقعت في زمن بني أمية، واشتهرت في الناس فسميت:
غراء.
ومنها: المروانية الأخرى، وهي: زوجة ورثت من زوجها دينارا ودرهما،
والتركة عشرون دينارا وعشرون درهما، يقال: إن عبد الملك سئل عنها
فقال: صورتها أختان لأبوين، وأختان لام، وأربع زوجات، للزوجات خمس
الباب بسبب العول، والخمس أربعة دنانير، وأربعة دراهم، لكل زوجة دينار
ودرهم.
ومنها: مسائل المباهلة، وهي مسائل العول، لأن ابن عباس رضي الله عنهما
قال: من شاء باهلته أن المسألة لا تعول.
ومنها: الناقضة، وهي: زوج، وأم، وأخوان لام، لأنها تنقض أحد أصلي
ابن عباس رضي الله عنهما، إن أعطاها الثلث، لزم العول. وإن أعطاها السدس،
لزم الحجب بأخوين وهو يمنع الحكمين، لكن قيل: إن الصحيح على قياس قوله أن
الباقي للأخوين.
ومنها: الدينارية، وهي: زوجة، وأم، وبنتان، واثنا عشر أخا، وأخت،
والتركة ستمائة دينار، خص الأخت دينار منها. يروى أنها جاءت عليا رضي الله عنه
متظلمة فقال: قد استوفيت حقك.
قلت: ويروى أنها قالت له رضي الله عنه: ترك أخي ستمائة دينار، أعطيت
86

دينارا، فقال: لعل أخاك ترك زوجة...، وذكر الباقين، وذكر الشيخ نصر
المقدسي رحمه الله تعالى: أنها تسمى: العامرية، وأن الأخت سألت عامرا الشعبي
رحمه الله تعالى عنها، فأجاب بما ذكرنا. والله أعلم.
ومنها: المأمونية، وهي: أبوان، وبنتان، لم تقسم التركة حتى ماتت إحدى
البنتين، وتركت الباقين، سأل المأمون عنها يحيى بن أكثم رضي الله عنه حين
أراد أن يوليه القضاء فقال: الميت الأول رجل، أم امرأة؟ فقال المأمون: إذا عرفت
الفرق عرفت الجواب، لأنه إن كان رجلا، فالا ب وارث في المسألة الثانية، وإلا،
فلا، لأنه أبو أم.
الفصل الثاني: في المعاياة، قالت حبلى لقوم يقسمون تركة: لا تعجلوا فإني
حبلى، إن ولدت ذكرا ورث، وإن ولدت أنثى، لم ترث. وإن ولدت ذكرا
وأنثى، ورث الذكر دون الأنثى، هذه زوجة كل عصبة سوى الأب والابن. ولو
قالت: إن ولدت ذكرا، أو ذكر أو أنثى، ورثا، وإن ولدت أنثى، لم ترث فهي
زوجة الأب، وفي الورثة أختان لأبوين، أو زوجة الابن، وفي الورثة بنتا صلب.
ولو قالت: إن ولدت ذكرا، لم يرث، وإن ولدت أنثى، ورثت، فهي زوجة
الابن، والورثة الظاهرون: زوج، وأبوان، وبنت أو زوجة الأب. والورثة
الظاهرون: زوج، وأم، وأختان لام. ولو قالت: إن ولدت ذكرا أو أنثى لم
87

ترث، وإن ولدتهما، ورثا، فهي زوجة الأب، وقد مات الأب قبله. والورثة
الظاهرون: أم، وجد، وأخت لأبوين.
نوع آخر: قالت: إن ولدت ذكرا، ورث وورثت. وإن ولدت أنثى، لم
ترث ولا أرث، فهي بنت ابن الميت، وزوجة ابن ابن له آخر، وهناك بنتا صلب.
ولو قالت: إن ولدت ذكرا، لم يرث ولم أرث، وإن ولدت أنثى، ورثنا،
فهي بنت ابن ابن الميتة، وزوجة ابن ابن آخر. والورثة الظاهرون: زوج،
وأبوان، وبنت ابن.
ولو قالت: إن ولدت ذكرا، فلي الثمن وله الباقي، أو أنثى، فالمال بيني
وبينها سواء، وإن أسقطت ميتا، فالمال كله لي، فهي امرأة أعتقت عبدا ثم تزوجته
فمات وهي حبلى منه.
نوع آخر: قال رجل: لا تعجلوا، فامرأتي غائبة، إن كانت ميتة، ورثت
أنا، وإن كانت حية، ورثت ولم أرث، فهذا أخو الميت لأبيه، وزوجته الغائبة أخت
الميت لامه، وله معها أم وأختان لأبوين. ولو قال: إن كانت حية، ورثت دونها،
أو ميتة، فلا شئ لنا، هي امرأة ماتت عن زوج وأم، وجد، وأخت لأم، وأخ
لأب قد نكحها، وهي الغائبة.
نوع آخر: امرأة وزوجها، أخذا ثلاثة أرباع المال، وأخرى وزوجها أخذا
الربع، صورته: أخت لأب، وأخرى لام وابنا عم أحدهما أخ لام، والذي هو أخ
لام، زوج الأخت للأب، والآخر زوج الأخت للأم، فللأخت للأب النصف،
وللأخ وللأخت للأم الثلث، والباقي بين ابني العم.
زوجان أخذا ثلث المال، وآخران ثلثيه، صورته: أبوان، وبنت ابن في
نكاح ابن ابن ابن آخر.
رجل وابنته، ورثا مالا نصفين، صورته: ماتت عن زوج هو ابن عم وبنت
منه.
رجل وزوجتاه، ورثوا المال أثلاثا، صورته: بنتا ابنين في نكاح ابن أخ، أو
ابن ابن ابن.
88

ابن زوجة، وسبعة إخوة لها، ورثوا مالا بالسوية، صورته: نكح ابن رجل أم
امرأته وأولدها سبعة، ومات الرجل بعد الابن عن زوجة وسبعة بني ابن، هم
إخوتها لام، فلها الثمن، ولهم الباقي.
نوع آخر: امرأة ورثت أربعة أزواج، واحد بعد واحد، فحصل لها نصف
أموالهم، هم أربعة إخوة لأب، كان لهم ثمانية عشر دينارا للأول ثمانية، وللثاني
ستة، وللثالث ثلاثة، وللرابع دينار.
امرأة ورثت خمسة أزواج، فحصل لها نصف أموالهم، هم خمسة إخوة،
لهم ثمانية وأربعون دينارا، للأول ستة عشر، وللثاني ثلاثة عشر، وللثالث تسعة
وللرابع ثلاثة، وللخامس سبعة. فلو كانوا ثلاثة، وورثت النصف، فهم ثلاثة
إخوة، لهم مائة وثمانية وثلاثون، للأول مائة وثمانية وعشرون، وللثاني ثمانية،
وللثالث ديناران
. نوع آخر: قال صحيح لمريض: أوص، فقال: إنما يرثني أنت وأخواك
وأبواك وعماك، فالصحيح، أخو المريض لامه وابن عمه، فأخواه أخوا المريض
لامه، وأبواه عم المريض وأمه، وعماه عما المريض، والحاصل ثلاثة إخوة لام،
وأم، وثلاثة أعمام. ولو قال: يرثني أبواك وعماك وخالاك، فالصحيح ابن أخي
المريض لأبيه، وابن أخته لامه، وله أخوان آخران لأب، وأخوان لام. ولو قال،
يرثني جدتاك وأختاك وزوجتاك وبنتاك، فجدتا الصحيح زوجتا المريض، وأختاه من
الأم أختا المريض من الأب، وزوجتا الصحيح إحداهما أم المريض، والأخرى أخته
للأب، وبنتا الصحيح أختا المريض من الأم، ولدتهما له أم المريض. والحاصل:
زوجتان وثلاث أخوات لأب، وأختان لام، وأم. ولو قال: يرثني زوجتاك،
وبنتاك، وأختاك، وعمتاك، وخالتاك، فزوجتا الصحيح أم المريض وأخته لأبيه،
وبنتا الصحيح أختا المريض لامه، وأختا الصحيح لامه أختا المريض لأبيه، وعمتا
الصحيح إحداهما لأب والأخرى لام، وخالتاه كذلك، وأربعهن زوجات المريض،
فالحاصل: أربع زوجات، وأم، وأختان لام، وثلاث أخوات لأب.
89

نوع آخر: ترك سبعة عشر دينارا على سبع عشرة أنثى، أصاب كل واحدة
دينار، هي أم الأرامل.
ترك أربعة وعشرين دينارا على أربع وعشرين أنثى، أصاب كل أنثى دينار،
هي ثلاث زوجات، وأربع جدات، وست عشرة بنتا، وأخت لأب.
الفصل الثالث: في القرابات المشتبهة.
رجلان، كل واحد عم الآخر، هما رجلان نكح كل أم صاحبه، فولد لكل
ابن، فكل ابن عم الآخر لامه.
رجلان، كل واحد خال الآخر، هما رجلان نكح كل واحد بنت الآخر، فولد
لهما ابنان، فكل ابن خال الآخر.
رجلان، كل عم أبي الآخر، صورته: نكح رجلان كل أم أبي الآخر، فولد
لهما ابنان. رجلان، كل عم أم الآخر، نكح كل بنت ابن الآخر، فولد لهما ابنان.
رجلان، كل خال أب الآخر، نكح كل أم أم الآخر فولدا ابنين.
رجلان، كل خال أم الآخر، نكح كل بنت بنت الآخر فولدا ابنين.
رجلان، أحدهما عم الآخر، والآخر خال الأول، صورته: نكح امرأة وابنه
أمها، فولد لكل ابن، فابن الأب عم ابن الابن وهو خال ابن الأب.
رجل هو عم وخال، صورته: أن ينكح أحد الأخوين لأب أخت الآخر للام
فتلد ابنا، فالأخ الآخر عم المولود لأبيه وخاله لامه.
رجل هو عم أبيه وعم أمه، صورته: أن ينكح أبو أبي أبيه أم أبي أمه، فتلد
ابنا، فذلك الابن عم أبيه للأب، وعم أمه للام.
رجل هو خال أبيه، وخال أمه، صورته: أن ينكح أبو أم أمه أم أم أبيه، فتلد
ابنا، فالأب خال أم الرجل لأبيه، وخال أبيه لامه.
رجلان كل ابن عم الآخر وابن خاله، صورته: أن ينكح رجلان كل أخت
الآخر فيولد لهما ابنان.
90

وعن حرملة: أن رجلا دفع رقعة إلى الشافعي - رضي الله عنه - فيها:
رجلا مات وخلى رجلا ابن عم ابن أخي عم أبيه
، فكتب الشافعي - رضي الله عنه - في أسفلها:
صار مال المتوفى كملا باتفاق القول لا مرية فيه
للذي خبرت عنه أنه ابن عم ابن أخي عم أبيه.
وذلك لأن ابن أخي عم الأب، هو الأب، فابن عمه هو ابن عم الأب.
ويعرف من هذا قول القائل: ورث من الميت خال ابن عمته دون أخيه من
الأبوين، لأن خال ابن العمة هو الأب والأعمام، والمراد هنا: الأب.
وقول القائل: ورث الميت عمة ابن خاله دون الجدة، لأنها هي الأم.
كتب هنا في الأصل المخطوط بخط الناسخ ما نصه: تم الجزء الثاني من الروضة بحمد
الله وعونه، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم على يد العبد الفقير الراجي عفو ربه العزيز:
عبد العزيز بن أبي بكر بن عبد العزيز غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين في السادس عشر من شهر
محرم المكرم سنة ثلاثين وسبعمائة
91

كتاب الوصايا
يقال: أوصيت لفلان بكذا، ووصيت، وأوصيت إليه: إذا جعلته وصيا.
ومن عنده وديعة، أو في ذمته حق لله تعالى، كزكاة، وحج، أو دين لآدمي، يجب
92

عليه أن يوصي به إذا لم يعلم به غيره.
قلت: المراد، إذا لم يعلم به من يثبت يقوله. والله أعلم.
ويستحب أن يوصي من له مال. وتعجيل الصدقة في الصحة ثم في الحياة
أفضل، وإذا أراد أن يوصي، فالأفضل أن يقدم من لا يرث من قرابته، ويقدم منهم
المحارم، ثم غير المحارم، ثم يقدم بالرضاع، ثم بالمصاهرة، ثم بالولاء، ثم
بالجوار، كما في الصدقة المنجزة. وفي أمالي السرخسي: أن من قل ماله،
وكثر عياله، يستحب أن لا يفوته عليهم بالوصية. والصحيح المعروف هو الأول.
ويشتمل الكتاب على أربعة أبواب.
(الباب) الأول: في أركانها، وهي أربعة.
(الركن) الأول: الموصي، وهو كل مكلف حر، فلا تصح وصية المجنون،
والمبرسم، والمعتوه الذي لا يعقل، والصبي الذي لا يميز قطعا، ولا تصح وصية
الصبي المميز. وتدبيره على الأظهر عند الأكثرين كهبته وإعتاقه، إذ لا عبارة له.
وتصح وصية المحجور عليه لسفه على المذهب. وقيل: قولان كالصبي. وأما
العبد، فإن أوصى، ومات رقيقا، فباطلة. وإن عتق، ثم مات، فباطلة أيضا على
الأصح. والمكاتب كالقن وكالصبي.
فرع تصح وصية الكافر بما يتمول أو يقتني، ولا تصح بخمر، ولا
93

خنزير، سواء أوصى لمسلم أو ذمي، ولا بمعصية، كعمارة كنيسة، أو بنائها، أو
كتب التوراة والإنجيل، أو قراءتهما، وما أشبههما.
الركن الثاني الموصى له. فإن كانت الوصية لجهة عامة، فشرطه: أن لا
تكون جهة معصية وسواء أوصى به مسلم أو ذمي، فلو وصى مسلم ببناء بقعة
لبعض المعاصي، لم يصح، كما لو وصى ذمي ببناء كنيسة.
فرع يجوز للمسلم والذمي الوصية لعمارة المسجد الأقصى وغير من
المساجد، ولعمارة قبور الأنبياء، والعلماء، والصالحين، لما فيها من إحياء
الزيارة، والتبرك بها، وكذا الوصية لفك أسارى الكفار من أيدي المسلمين، لان
المفاداة جائزة، وكذا الوصية ببناء رباط ينزله أهل الذمة، أو دار لتصرف غلتها
إليهم.
فرع عدوا من الوصية بالمعصية، ما إذا أوصى لدهن سراج الكنيسة
، لكن قيد الشيخ أبو حامد المنع بما إذا قصد تعظيم الكنيسة. فأما إذا قصد انتفاع
المقيمين أو المجاورين بضوئها، فالوصية جائزة، كما لو أوصى بشئ لأهل
الذمة.
94

فصل وإن كانت الوصية لمعين، فينبغي أن يتصور له الملك. ويتعلق
بهذا الضبط مسائل
. إحداها: الوصية للحمل جائزة، ثم ينظر، فإن قال: أوصيت لحمل فلانة،
أو لحمل فلانة الموجود الآن، فلا بد لنفوذها من شرطين.
أحدهما: أن يعلم وجوده حال الوصية، بأن ينفصل لأقل من ستة أشهر، فلو
انفصل لستة فصاعدا، نظر، إن كانت المرأة فراشا لزوج أو سيد، لم يستحق
شيئا، وان لم تكن فراشا، بل فارقها مستفرشها قبل الوصية. فإن كان الانفصال
لأكثر من أربع سنين من وقت الوصية، لم يستحق شيئا. وإن انفصل لدون ذلك،
فقولان، وقيل: وجهان. أظهرهما: أنه يستحق، لأن الظاهر وجوده. ولو قال:
أوصيت لحمل فلانة من زيد، اشترط مع ذلك ثبوت نسبه من زيد حتى لو كانت
الوصية بعد زوال الفراش، فأتت بولد لأكثر من أربع سنين من وقت الفراق، ولأقل
من ستة أشهر من يوم الوصية، لم يستحق شيئا، لأن النسب غير ثابت منه. ولو
اقتضى الحال ثبوت نسبه من زيد، فنفاه باللعان، فالصحيح الذي قاله ابن سريج
والجمهور: لا شئ له، لأنه لم يثبت. وعن أبي إسحاق، واختاره الأستاذ أبو
منصور: يستحق، لأن النسب كان ثابتا، واللعان إنما يؤثر في حق المتلاعنين،
95

ويجري الخلاف فيما لو أوصى لحمل أمة من سيدها، فادعى سيدها الاستبراء،
ورأيناه نافيا للنسب.
الشرط الثاني: أن ينفصل حيا، فلو فنفصل ميتا، فلا شئ له وإن انفصل
بجناية وأوجبنا الغرة، لما ذكرناه في الميراث.
فرع أتت بولدين بينهما أقل من ستة أشهر، وبين الوصية والأول أقل من
ستة أشهر، صحت الوصية لهما وإن زاد ما بين الوصية والثاني على ستة أشهر وكانت
المرأة فراشا، لأنهما حمل واحد.
فرع يقبل الوصية للحمل من يلي أمره بعد خروجه حيا. وإن قبلها قبل
انفصاله، ثم انفصل حيا، فعن القفال: أنه لا يعتد بقوله. وقال غيره: فيه قولان.
كمن باع مال أبيه على ظن حياته فبان ميتا.
فرع هذا الذي ذكرناه، فيما إذا قال: أوصيت لحملها، أو لحملها
الموجود. أما إذا قال: لحملها الذي سيحدث، فأوجه. أصحها عند الأكثرين:
بطلان الوصية، لأنها تمليك، وتمليك المعدوم ممتنع. والثاني: تصح، قاله أبو
إسحاق، وأبو منصور، كما تصح بالحمل الذي سيوجد. والثالث: إن كان الحمل
موجودا حال الموت، صح، وإلا، فلا.
المسألة الثانية: العبد الموصى له، إما أن يكون لأجنبي، وإما أن يكون
للموصي، وإما للورثة.
القسم الأول: لأجنبي، فتصح الوصية. ثم لا يخلو، إما أن يستمر رقه،
وإما أن لا يستمر.
الحالة الأولى: أن يستمر رقه، فالوصية للسيد، حتى لو قتل الموصي للعبد
الموصى له، لم تبطل الوصية، ولو قتله سيد العبد، كانت وصيت للقاتل. وفي
96

افتقار قبول العبد إلى إذن السيد وجهان سبقا في باب معاملة العبيد. أصحهما:
المنع، ولا. يصح من السيد مباشرة القبول بنفسه على الأصح، لأن الخطاب لم يكن
معه، والوجهان فيما حكى، مخصوصان بقولنا: إن قبول العبد يفتقر إلى إذن
السيد. ويجوز أن يعمما، لأن الملك للسيد بكل حال، فلا يبعد تصحيح القبول
منه وإن لم يسم في الوصية، ألا ترى أن وارث الموصى له يقبل وإن لم يسم في
الوصية. وأما قبول السيد ما وهب لعبده، فقال قائلون: هو على هذين الوجهين
. وقال الامام: هو باطل قطعا، لأن القبول في الهبة كالقبول في سائر العقود، بخلاف
قبول الوصية. وإذا صححنا قبول العبد بغير إذن سيده، فلو منعه من القبول فقبل،
قال الامام: الظاهر عندي الصحة، وحصول الملك للسيد، كما لو نهاه عن الخلع
فخالع. وإذا قلنا: لا يصح بلا إذن، فلو رد السيد، فهو أبلغ من عدم الإذن. فلو
بدا له أن يأذن في القبول، ففيه احتمال عند الامام، قال: وإذا صححنا القبول من
السيد، فيجب أن يبطل رد العبد لو رده.
الحالة الثانية: أن لا يستمر، بل يعتق. فينظر، إن عتق قبل موت الموصي،
فالاستحقاق للعبد، لأنه وقت الملك حر، وإن عتق بعد موته. فان قبل ثم عتق،
فالاستحقاق للسيد، وإن عتق ثم قبل، فان قلنا: الوصية تملك بالموت، أو
موقوفة، فالملك للسيد. وإن قلنا: تملك بالقبول، فللعبد. ولو أوصى لعبد هو
لزيد، فباعه لعمرو، فينظر في وقت البيع، ويجاب بمثل هذا التفصيل.
فرع أوصي لمن نصفه حر، ونصفه لأجنبي، فإن لم تكن بينه وبين سيده
97

مهايأة، وقبل بإذن السيد، فالموصى به بينهما بالسوية، كما لو احتش أو احتطب.
وإن قبل بغير إذنه، وقلنا: يفتقر قبول العبد إلى إذن سيده، فالقبول باطل في نصف
السيد. وفي نصفه وجهان، لأن ما يملكه ينقسم على نصفيه فيعزم دخول نصفه في
ملك السيد بغير إذنه. وإن كان بينهما مهايأة، بني على أن الأكساب النادرة هل
تدخل في المهاياة؟ وفيه خلاف سبق في زكاة الفطر، وفي كتاب اللقطة.
فإن قلنا: لا تدخل، فهو كما لو لم تكن مهايأة. وإن قلنا: تدخل، فلا حاجة إلى
إذن السيد في القبول، لأن المهاياة إذن له في جميع الأكساب الداخلة فيها. وهل
الاعتبار بيوم موت الموصي، أم بيوم القبول، أم بيوم الوصية؟ فيه أوجه. أصحها:
الأول. ولو وهب لمن نصفه حر، فعلى القولين في دخول الكسب النادر في
المهاياة. فإن أدخلنا ووقع العقد في يوم أحدهما، والقبض في يوم الآخر، بني على
أ / ن الهبة المقبوضة يستند الملك فيه إلى العقد، أم يثبت عقب القبض؟ فإن قلنا
بالأول، فالاعتبار بيوم العقد، وإلا، فيوم القبض على الأصح، وعلى الثاني بيوم
العقد.
فرع قال: أوصيت لنصفه الحر، أو لنصفه الرقيق خاصة. فعن القفال:
بطلان الوصية. قال: ولا يجوز أن يوصي لبعض شخص، كما لا يرث
بعضه، وقال غيره: يصح وينزل بتقييد الموصي منزلة المهاياة، فيكون
الموصى به للسيد إن وصى لنصفه الرقيق، وله إن أوصى لنفسه الحر.
قلت: الأصح: الثاني. والله أعلم.
98

فرع تردد الامام، فيما إذا صرحا بإدراج الأكساب النادرة في المهاياة،
أنها تدخل قطعا، أم تكون على الخلاف؟ وفيما لو عمت الهبات والوصايا في قطر،
أنها هل تدخل قطعا، أم تكون على الخلاف؟
قلت: الراجح طرد الخلاف مطلقا، لكثرة التفاوت. والله أعلم.
القسم الثاني: أن يكون العبد الموصى له للموصي، فينظر، إن أوصى لعبده
القن برقبته، فسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في القسم الثاني من الباب الثاني. وإن
أوصى له بجزء من رقبته، نفذت الوصية فيه، وعتق ذلك الجزء. وكذلك لو قال:
أوصيت له بثلث مالي ولا مال له سواه. ولو قال: أوصيت له بثلث ما أملك من رقبته
وغيرها من أموالي، نفذت الوصية في ثلثه، وبقي باقيه رقيقا للورثة، فيكون الثلث
من سائر أمواله وصية لمن بعضه حر وبعضه رقيق لوارثه. وسنذكره إن شاء الله
تعالى. ولو قال: أوصيت له بثلث ما أملك، أو بثلث أموالي، ولم ينص على
رقبته، فأوجه. أصحها وبه قال ابن الحداد: أن رقبته تدخل في الوصية، لأنها من
أمواله. والثاني: لا، لاشعاره بغيره. فعلى هذا، لا يعتق منه شئ، والوصية له
وصية للعبد بغير رقبته، وعلى الأول، هو كما لو قال: أوصيت له بثلث رقبته
، وثلث باقي أموالي. والثالثة: تجمع الوصية في رقبته، فإن خرج كله من الثلث،
عتق، وإن كان الثلث أكثر من قيمته، صرف الفضل إليه، وإن لم يخرج كله من
الثلث، عتق منه بقدر ما يخرج. ولو أوصى له بعين مال، أو قال: أعطوه من
مالي كذا، فان مات وهو ملكه، فالوصية للورثة. وإن باعه الموصي، فهو
للمشتري. وإن أعتقه، فهي للعتيق. ولو أوصى له بثلث جميع أمواله، وشرط
99

تقديم رقبته، عتق جميعه، ودفع إليه ما يتم به الثلث.
فرع تجوز الوصية لام ولده، لأنها تعتق بموته من رأس المال،
وللمكاتب، لأنه مستقل بالملك. ثم إن عجز ورق، صارت الوصية للورثة. وكذا
المدبر. ثم عتقه والوصية له معتبران من الثلث. فإن وفى بهما، عتق، ونفذت
الوصية. وإن لم يف الثلث بالمدبر، عتق منه بقدر الثلث، وصارت الوصية لمن
بعضه حر وبعضه رقيق للوارث، وإن وفى بأحد الامرين من المدبر والوصية، بأن
كان المدبر يساوي مائة، والوصية بمائة، وله غير هما مائة، فوجهان. أحدهما
وبه قطع الشيخ أبو علي: تقدم رقبته، فيعتق كله، ولا شئ له بالوصية. وأصحهما
عند البغوي: يعتق نصفه، والوصية وصية لمن بعض حر وبعضه رقيق للوارث.
قلت: الأول: أصح. والله أعلم.
القسم الثالث: أن يكون العبد لوارث الموصي، بأن باعه قبل موت
الموصي، فالوصية للمشتري، وإن أعتقه، فهي للعتيق، فإن استمر في ملكه،
فهي وصية لوارث، وسيأتي حكمها إن شاء الله تعالى. وكذا لو أوصى لعبد أجنبي،
ثم اشتراه وارثه، ثم مات الموصي.
ولو أوصى لمن نصفه حر، ونصفه لوارثه، فإن لم تكن بينه وبين السيد
مهايأة، أو كانت، وقلنا: لا تدخل الوصية فيها، فهو كالوصية لوارث. قال
الامام: وكان يحتمل أن يبعض الوصية، كما لو أوصى بأكثر من الثلث. وإن
جرت مهايأة، وقلنا: يدخل فيها، فقد سبق أن الاعتبار بيوم موت الموصي على
100

الأصح. فإن مات في يوم العبد، فالوصية صحيحة له، وإلا، فوصية لوارث.
وسواء كانت مهايأة يوم الوصية، أم أحدثاها قبل موت الموصي، قاله الشيخ أبو
علي.
فرع أوصى لمكاتب وارثه. فإن عتق قبل موت الموصي، نفذت الوصية
له، وكذا لو أعتق بعده بأداء النجوم. فان عجز، ورق، صارت وصية لوارث.
المسألة الثالثة: أوصى لدابة غيره، وقصد تمليكها، أو أطلق. قال
الأصحاب: الوصية باطلة، لأن مطلق اللفظ للتمليك، والدابة لا تملك. وفرقوا
بينه وبين الوصية المطلقة للعبد، بأن العبد تنتظم مخاطبته، ويتأتى منه القبول،
وربما عتق قبل موت الموصي، فثبت له الملك. وقد سبق في الوقف المطلق عليها
وجهان في كونه وقفا على مالكها، فيشبه أن تكون الوصية على ذلك الخلاف. وقد
يفرق بأن الوصية تمليك محض، فينبغي أن تضاف إلى من تملك.
قلت: الفرق أصح. والله أعلم.
ولو فسر بالصرف في علفها، صحت، لأن علفها على مالكها، فالقصد بهذه
الوصية المالك. هذا هو ظاهر المنقول، وبه قطع الغزالي، والبغوي، وغيرهما.
ويحتمل طرد خلاف سبق في مثله، في الوقف. فعلى الصحة في اشتراط قبول
المالك وجهان. اختيار أبي زيد: لا يشترط ويجعل وصية للدابة. والأصح:
الاشتراط، وبه قطع صاحب التلخيص كسائر الوصايا. وهي وصية لمالكها،
كما لو أوصى لعمارة داره، فعلى هذا، يتعين صرفه إلى جهة الدابة على الأصح.
وبه قطع صاحب التلخيص رعاية لغرض الموصي. فعلى هذا، يتولى الانفاق
الوصي. فإن لم يكن، فالقاضي، أو من يأمره من المالك أو غيره. قال القفال: لا
يتعين، بل له إمساكه، وينفق عليها من غيره.
فرع لو انتقلت الدابة من مالكها إلى غيره، فقياس كون الوصية للدابة،
الاستمرار لها. وقياس كونها للمالك، اختصاصها بالمنتقل عنه.
101

قلت: بل القياس اختصاصها بالمنتقل إليه، كما سبق في الوصية للعبد. والله
أعلم.
فرع أوصى لمسجد، وفسر بالصرف في عمارته ومصلحته، صحت
الوصية. وإن أطلق، فهل تبطل كالوصية للدابة، أم تصح تنزيلا على الصرف في
عمارته ومصلحته عملا بالعرف؟ وجهان. أصحهما: الثاني، ويصرفه القيم في
الأهم والأصلح باجتهاده.
وإن قال: أردت تمليك المسجد، فقد ذكر بعضهم أن الوصية باطلة. ولك
أن تقول: سبق أن للمسجد ملكا، وعليه وقفا، وذلك يقتضي صحة الوصية.
قلت: هذا الذي أشار الامام الرافعي إلى اختياره هو الأفقه والأرجح. والله
أعلم.
المسألة الرابعة: الوصية للذمي صحيحة بلا خلاف. وكذا للحربي والمرتد على
الأصح المنصوص في عيون المسائل.
(المسألة) الخامسة: في صحة الوصية للقاتل قولان. أظهرهما عند العراقيين والامام
والروياني: الصحة، كالهبة. وسواء كان القتل عمدا أو خطأ، بحق أم بغيره.
وقيل: القولان في القتل ظلما، وتصح للقاتل بحق قطعا، كالقصاص. وقال
القفال: إن ورثنا القاتل بحق، صحت، وإلا، فعلى هذا الخلاف. وقيل:
القولان فيمن أوصى لجارحه ثم مات. أما من أوصى لرجل، فقتله، فباطلة قطعا،
لأنه مستعجل، فحرم، كالوارث. وقيل: تصح في الجارح قطعا. والقولان في
الآخر. والمذهب الصحة مطلقا.
102

فرع المستولدة إذا قتلت سيدها، عتقت قطعا وإن استعجلت، لان
الاحبال كالاعتاق، ولو أعتق المريض عبدا، فقتل سيده، لم يؤثر في حريته.
ولو قتل المدبر سيده، فان قلنا: التدبير وصية، فهو كما لو أوصى لرجب فقتله. وإن
قلنا: تعليق عتق، بصفة، عتق قطعا، كالمستولدة. وقال البغوي: إن صححنا
الوصية للقاتل، عتق المدبر بقتل سيده، وإلا، فلا. ويبطل التدبير، سواء قلنا:
التدبير وصية، أم تعليق، لأنه وإن كان تعليقا، ففي معنى الوصية، لأنه من
الثلث.
فرع أوصى لعبد جارحه، أو لمدبره، أو لمستولدته، فان عتق قبل موت
الموصي، صحت الوصية للعتيق، وإن انتقل منه إلى غيره، صحت لذلك الغير،
وإلا، فهي وصية لجارح.
فرع أوصى لعبد زيد بشئ، فجاء العبد فقتل الموصي، لم تتأثر به
الوصية. فإن جاء زيد وقتله، فهو وصية للقاتل. ولو أوصى لمكاتب، فقتل
المكاتب الموصي، فان عتق، فهي وصية للقاتل. وإن عجز، فالوصية صحيحة
للسيد. وإن قتله سيد المكاتب، فالحكم بالعكس. وتجوز الوصية للعبد القاتل،
لأنها تقع لسيده.
فرع مستحق الدين المؤجل إذا قتل من عليه دين، حل دينه، لأن الحظ
له الآن في تعجيل براءته.
(المسألة) السادسة: في الوصية للوارث. يقدم عليها أنه ينبغي أن لا يوصي بأكثر
من ثلث ماله. فلو خالف وله وارث خاص، فرد، بطلت الوصية في الزيادة على الثلث،
وإن أجاز، دفع المال بالزيادة إلى الموصى له. وهل إجازته تنفيذ لتصرف
103

الموصي، أم ابتداء عطية من الوارث؟ قولان. أظهرهما: تنفيذ. وإن لم يكن
وارث خاص، فالزيادة على الثلث باطلة على الصحيح المعروف، وبه قطع
الجمهور، لأن الحق للمسلمين، فلا مجيز. وحكى أبو عاصم العبادي وجها في
صحتها. وقال المتولي: للامام ردها. وهل له إجازتها؟ يبنى على أن الامام، هل
يعطى حكم الوارث الخاص. وفي الوصية للوارث طريقان. أصحهما: أنه كما لو
أوصى لأجنبي بزيادة على الثلث، فتبطل برد سائر الورثة. فان أجازوا، فعلى
القولين. أحدهما: إجازتهم ابتداء عطية، والوصية باطلة. وأظهرهما: أنها
تنفيذ. والطريق الثاني: القطع ببطلانها وإن أجازت الورثة.
والفرق أن المنع من الزيادة هناك لحق الورثة، فإذا رضوا أجاز. والمنع هنا
لتغيير الفروض التي قدرها الله تعالى سبحانه للورثة، فلا أثر لرضاهم. فإن قلنا:
تنفيذ، كفى لفظ الإجازة، ولا يحتاج إلى هبة وتجديد قبول وقبض، وليس للمجيز
الرجوع وإن كان قبل القبض. وإن قلنا: ابتداء عطية، فلا يكفي قبول الوصية
104

أولا، بل لا بد من قبول آخر في المجلس، ولابد من القبض، وللمجيز الرجوع
قبل القبض، وهل يشترط لفظ التمليك أو لفظ الاعتاق إن كان الموصى به إعتاقا؟
وجهان. أصحهما: نعم، ولا يكفي لفظ الإجارة، كما لو تصرف تصرفا فاسدا من
بيع أو هبة ثم أجازه.
فرع خلف زوجة هي بنت عمه، وأباها، وكان أوصى لها، فأجاز أبوها
الوصية، فلا رجوع له إن جعلنا الإجازة تنفيذا، وإن جعلناها ابتداء عطية، فله
الرجوع.
فرع أعتق عبدا في مرضه، أو أوصى بعتقه، ولا مال له سواه، أو زادت
قيمته على الثلث، فان قلنا: الإجازة ابتداء عطية من الورثة، فولاء ما زاد على
الثلث للمجيزين ذكورهم وإناثهم بحسب استحقاقهم. وإن قلنا: تنفيذ، فولاء
جميعه للميت يرثه ذكور العصبة. وحكي عن ابن اللبان وجه: أن الولاء للميت على
القولين، وهو شاذ ضعيف. ولو أعتق المريض عبدا، فمات قبل سيده، فهل يموت
كله حرا، أم لا؟ فيه خلاف مذكور في باب العتق.
فروع تتعلق بالمسألة إحداها: الهبة في مرض الموت للوارث،
والوقف عليه وإبراؤه من دين كالوصية له، ففيها الخلاف.
الثاني: لا اعتبار برد الورثة وإجازتهم في حياة الموصي. فلو أجازوا في
حياته، أو أذنوا له في الوصية، ثم أرادوا الرد بعد موته، فلهم ذلك. فإن أجازوا
بعد الموت وقبل القسمة، فالصحيح لزومها. وقيل: كالإجازة قبل الموت، حكاه
أبو منصور.
الثالث: ينبغي أن يعرف الوارث قدر الزائد على الثلث، وقدر التركة، فان
جهل أحدهما، لم يصح إن قلنا: الإجازة ابتداء عطية. وإن قلنا: تنفيذ، فكالابراء
عن مجهول، وهو باطل على الأظهر.
الرابع: أجاز ثم قال: كنت أعتقد التركة قليلة، فبانت أكثر مما ظننت، قال
الشافعي رضي الله عنه في الأم: يحلف وتنفذ الوصية في القدر الذي كان
يتحققه. قال الأصحاب: إنما يحتاج إلى اليمين إذا حصل المال في يد الموصى
105

له. فإن لم يحصل، فلا حاجة إلى اليمين إن جعلناها ابتداء عطية، فإن الهبة قبل
القبض لا تلزم. وقال المتولي: التنفيذ في القدر المظنون مبني على أن الإجازة
تنفيذ، فتنزل منزلة الابراء. أما إذا قلنا: ابتداء عطية، فإذا حلف، بطل في
الجميع. واللفظ المحكي عن النص ينازعه فيما ادعاه. ولو أقام الموصى له بينة أنه
كان عالما قدر التركة عند الإجازة، لزمت إن جعلناها تنفيذا، وإن قلنا: عطية،
فلا، إذا لم يوجد القبض. ولو كانت الوصية بعبد معين، فأجاز، ثم قال: ظننت
التركة كثيرة وأن العبد خارج من ثلثها وقد بان خلافه، أو ظهر دين لم أعلمه، أو بان
لي أنه تلف بعضها، فإن قلنا: الإجازة عطية، صحت، لأن العبد معلوم،
والجهالة في غيره. وإن قلنا: تنفيذ، فقولان. أحدهما: الصحة، للعلم بالعبد.
والثاني: يحلف ولا يلزم إلا الثلث، كما في الوصية بالمشاع، وبهذا قطع
المتولي.
الخامس: الاعتبار في كونه وارثا بيوم الموت، حتى لو أوصى لأخيه ولا ابن
له، فولد له ابن قبل موته، صحت. ولو أوصى لأخيه وله ابن، فمات الابن قبل
الموصي، فهي وصية لوارث، وهذا متفق عليه. وذكرنا في الاقرار للوارث خلافا
في أن الاعتبار بيوم الاقرار، أم الموت؟ والفرق أن استقرار الوصية بالموت، ولا
ثبات لها قبله.
السادس: إذا أوصى لكل واحد من ورثته بقدر حصته من تركته، فوصيته
106

باطلة، لأنه يستحقه بلا وصية. ويجئ فيه أوجه: أنه يصح، لأن صاحب التتمة
حكى وجهين فيما إذا لم يكن له إلا وارث واحد فأوصى له بماله، الصحيح منهما: أن
الوصية باطلة، ويأخذ التركة بالإرث. والثاني: تصح، فيأخذها بالوصية إذا لم
ينقضها، قال: وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا ظهر دين. إن قلنا: إنه أخذ التركة
إرثا، فله إمساكها وقضاء الدين من غيرها. وإن قلنا بالوصية، قضاه منها ولصاحب
الدين الامتناع لو قضى من غيرها.
قلت: ومن فوائده لو حدثت من عين التركة زوائده. إن قلنا: وصية، لم
يملكها. وإن قلنا: إرث ملكها على الصحيح. والله أعلم.
ولو أوصى لكل وارث بعين هي قدر حصته، من ثوب، وعبد، وغيرهما،
فهل تحتاج هذه الوصية إلى الإجازة، أم لا بل يختص كل واحد بما عينه له؟
وجهان. أصحهما: تحتاج، لاختلاف الأغراض في الأعيان ومنافعها. ولهذا
أوصى أن تباع عين ماله لزيد، صحت الوصية على الصحيح. وفيه وجه حكاه
المتولي والشاشي.
السابع: لو باع المريض ماله لوارثه بثمن المثل، نفذ قطعا.
الثامن: أوصى بثلث ماله لأجنبي ووارث. إن صححنا الوصية للوارث،
وأجازت الورثة، فالثلث بينهما. وإن أبطلناها، أو ردها سائر الورثة، بقي السدس
للأجنبي على الصحيح. وقيل: تبطل فيه أيضا أخذا من تفريق الصفقة. وإن أوصى
لهذا بالثلث، ولهذا بالثلث، فإن صححنا الوصية للوارث، وأجاز سائر الورثة،
فلكل واحد منهما الثلث. وإن أبطلناها، أو ردوا، فلا شئ للوارث. ثم ينظر في
كيفية الرد، إن ردوا وصية الوارث، سلم الثلث للأجنبي على الصحيح. وقيل: لا
يسلم له إلا السدس. وإن قالوا: رددنا ما زاد على الثلث من الوصيتين، فالأصح:
107

أن للأجنبي الثلث. وقيل: السدس.
التاسع: أوصى لاحد ورثته بقدر نصيبه من التركة، أو بما دونه، وأجاز
الباقون، سلم له الموصى به، والباقي مشترك بينهم. قال الامام: وذلك القدر،
خرج عن كونه موروثا باتفاق الورثة، ولو أوصى لبعض الورثة بأكثر من قدر نصيبه،
فوجهان. أصحهما: أن الحكم كذلك. والثاني: أن الباقي لمن لم يوص له،
لاحتمال أن غرضه من الوصية تخصيصه بتلك الزيادة. ويتخرج على هذا الخلاف ما
إذا أوصى لأجنبي بنصف ماله، ولأحد ابنيه الحائزين بالنصف، وأجازا الوصيتين،
فللأجنبي النصف. وفيما يستحقه الابن الموصى له وجهان. أصحهما: النصف.
والثاني: الربع والسدس، ويبقى نصف سدس الذي لم يوص له. ولو أجاز الابن
الذي لم يوص له الوصيتين، ولم يجز الموصى له وصية الأجنبي، فالمسألة تصح
من اثني عشر، للأجنبي الثلث أربعة بلا إجازة، ويأخذ سهما آخر من نصيب الذي
أجاز، فيجتمع له خمسة، وللابن الموصى له سبعة، منها ستة بالوصية، وسهم لأنه
لم يجز وصية الأجنبي، كذا حكاه الأستاذ أبو منصور عن ابن سريج، وهو قياس
الوجه الأول، وقياس الثاني: أن يأخذ الابن الموصى له ستة أسهم، ويبقى للابن
الآخر سهم. ولو لم يجز الابن الذي لم يوص له وصية الأجنبي، فللأجنبي خمسة.
ثم على قياس الوجه الأول، للابن الموصى له ستة أسهم، وللآخر سهم، وعلى
قياس الثاني له خمسة، وللآخر سهمان.
العاشر: أوصى لزيد بثلث ماله، ولأحد ابنيه الحائزين بالكل، وأجازا
الوصيتين، فلزيد الثلث، والثلثان للابن الموصى له. وليس له زحمة زيد في
الثلث، لأن الوصية للأجنبي مستغنية عن الإجازة، وفيه احتمال للمتأخرين. وإن
ردا، فثلث زيد بحاله، ولا شئ للابن بالوصية.
ولو أوصى لزيد بالثلث، ولكل واحد من ابنيه بالثلث فردا، لم يؤثر ردهما
في حق زيد على الصحيح. وقيل: ليس له إلا ثلث الثلث بالشيوع.
الحادي عشر: وقف دارا في مرض موته على ابنه الحائز. فإن أبطلنا الوصية
للوارث، فهو باطل. وإن صححناها بالإجازة، فقال ابن الحداد: إن احتملها ثلث
ماله، لم يكن للوارث إبطال الوقف في شئ منها، لأن تصرف المريض في ثلث ماله
108

نافذ، فإذا تمكن من قطع حق الوارث عن الثلث بالكلية، فتمكنه من وقفه عليه
أولى، وإن زادت على الثلث، لم يبطل الوقف في قدر الثلث. وأما الزيادة، فليس
للمريض تفويتها على الوارث، فللوارث ردها وإبطالها. فإن أجاز، فإجازته وقف
منه على نفسه إن جعلنا إجازة الوارث عطية منه، وإن جعلناها تنفيذا، لزم الوقف.
وقال القفال: له رد الكل في الوقف لأن الوصية بالثلث في حق الوارث كهي بالزيادة
في حق غير الوارث. والصحيح المعروف قول ابن الحداد، وعليه تتفرع الصور
الآتية إن شاء الله تعالى. ثم ذكر الامام أن صورة المسألة فيما إذا نجز الوقف في
مرضه، وكان الابن طفلا فقبله له ثم مات فأراد الابن الرد أو الإجازة، لكن لا حاجة
إلى هذا التصوير، لأنه وإن كان بالغا فقبله بنفسه، لم يمتنع عليه الرد بعد
الموت، إذ الإجازة المعتبرة، هي الواقعة بعد الموت. ولو كان له ابن، وبنت،
فوقف ثلث الدار على الابن، والثلث على البنت، فلا رد لهما إن خرجت الدار من
الثلث. وإن زادت على الثلث، فلهما رد الوقف في الزيادة. وإن وقفها عليهما
نصفين، والثلث يحتملها، فإن رضي الابن، فهي كما وقف، وإلا، فظاهر كلام
ابن الحداد: أن له رد الوقف في ربع الدار، لأنه لما وقف عليه النصف، كان من
109

حقه أن يقف على البنت الربع، فإذا زاد، كان للابن رده، ثم لا يصير شئ منه وقفا
عليه، لأن الأب لم يقف عليه إلا النصف، بل يكون الربع المردود بينهما أثلاثا
ملكا، وتكون القسمة من اثني عشر، لحاجتنا إلى عدد لربعه ثلث، فتسعة منها
وقف عليهما، وثلاثة ملك، وكلاهما بالأثلاث. وقال الشيخ أبو علي: عندي أنه
ليس للابن إبطال الوقف إلا في سدس الدار، لأنه إنما تعتبر إجازته في حقه، وحقه
منحصر في ثلث الدار، وقد وقف عليه النصف، فليس له إلا تمام الثلثين، لكن
تتخير البنت في نصف السدس، إن شاءت أجازت، فيكون وقفا. وإن شاءت
ردت، فيكون ملكا.
قلت: قول أبي علي هو الأصح، أو الصحيح، أو الصواب. والله أعلم.
ولو وقف الدار على ابنه وزوجته نصفين ولا وارث سواهما، قال ابن
الحداد: قد نقص المريض من حق الابن ثلاثة أثمان الدار، وهي ثلاثة أسباع
حقه، فله رد الوقف في حقها وهو الثمن إلى أربعة أسباعه، ليكون الوقف عليها من
نصيبها كالوقف عليه من نصيبه، ويكون الباقي بينهما أثمانا ملكا، فتكون القسمة من
ستة وخمسين، لحاجتنا إلى عدد لثمنه سبع، فتكون أربعة أسباع الدار كلها - وهي
اثنان وثلاثون - وقفا، ثمانية وعشرون منها وقف على الابن، وأربعة على الزوجة،
والباقي - وهو أربعة وعشرون - ملكا، منها أحد وعشرون للابن، وثلاثة لها. قال
الشيخ أبو علي: ليس له رد الوقف إلا في تتمة حقه وهو ثلاثة أثمان الدار، وأما
الثمن، فالخيار فيه للزوجة. ولو وقف ثلث الدار على أبيه، وثلثها على أمه، ولا
وارث سواهما، فالجواب على قياس ابن الحداد: أنه نقص من نصيب الأب ثلث
الدار، لأنه يستحق ثلثيها، ولم يقف عليه إلا الثلث، وذلك ك نصف نصيبه، فله رد
الوقف في نصف نصيبها وهو سدس الدار، والباقي بينهما أثلاثا ملكا. وتقع القسمة
من ستة، لحاجتنا إلى عدد لثلثه نصف، فيكون نصف الدار وقفا، ونصفها ملكا
أثلاثا. وعلى قياس الشيخ: لا يرد الوقف إلا في تتمة حقه، وهو الثلث، ولها
الخيار في السدس. ولفظ ابن الحداد في المولدات يمكن تنزيله على ما قاله الشيخ،
فيرتفع الخلاف، لكنه يحوج إلى ضرب تعسف.
110

فصل والوصية للميت باطلة، سواء علم الموصي بموته، أم لا.
الركن الثالث: الموصى به، ويشترط فيه أربعة أمور.
أحدها: كونه مقصودا، فيخرج عنه ما لا يقصد. ويلتحق به ما يحرم
اقتناؤه والانتفاع به، فلا تصح الوصية به. فالمنفعة المحرمة كالمعدومة.
والثاني: أن يقبل النقل من شخص إلى شخص. فما لا يقبله، لا تصح
الوصية به، كالقصاص، وحد القذف، فإنهما وإن انتقلا بالإرث، لا يتمكن
مستحقهما من نقلهما. وكذلك لا تجوز الوصية بالحقوق التابعة للأموال، كالخيار
وحق الشفعة إذا لم تبطل بالتأخير لتأجيل الثمن.
قلت: فلو أوصى بالشقص الذي يستحق الشفعة بسببه، كان الشقص
للموصى له، والشفعة للورثة، قاله القاضي حسين في الفتاوى. والله أعلم.
الثالث: أن لا يزيد على الثلث، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
الرابع: أن يكون مختصا بالموصي إذا قلنا: لا تجوز الوصية بمال الغير، كما
سنذكره إن شاء الله تعالى.
فصل: الوصية بالحمل الموجود، إن أطلقها فقال: أوصيت بحمل فلانة،
111

أو قيدها، فقال: بحملها الموجود الآن، فهي صحيحة بشرط انفصاله حيا، ولوقت
يعلم وجوده عند الوصية، كما سبق في الوصية للحمل. فلو انفصل ميتا مضمونا
بجناية، لم تبطل، وتنفذ من الضمان، لأنه انفصل مقوما، بخلاف ما إذا أوصى
بحمل وانفصل ميتا بجناية، فإنها تبطل كما سبق، لأن المعتبر هناك المالكية. وهل
يصح قبول الموصي له قبل الوضع؟ فيه خلاف مبني على أن الحمل هل يعرف،
وإن كانت الوصية بحمل سيكون، صحت أيضا على الأصح.
فرع الوصية بثمار البستان الحاصلة في الحال صحيحة، وبالتي ستحدث
طريقان. أصحهما: على الوجهين في الحمل الذي سيحدث. والثاني: القطع
بالصحة، كالوصية بالمنافع، لأنها تحدث من غير إحداث أمر في أصلها، بخلاف
الولد.
فرع الوصية بصوف الشاة ولبنها، كالثمار.
فصل الوصية بمنافع الدار والعبد صحيحة، مؤبدة ومؤقتة، والاطلاق
يقتضي التأبيد.
فصل الوصية بما لا يقدر على تسليمه، كالآبق، والمغصوب، والطير
المفلت، صحيحة، وكذا بالمجهول، كقوله: أعطوه ثوبا أو عبدا.
فرع لو أوصى بأحد العبدين، صحت. ولو أوصى لاحد الرجلين، لم
تصح على الأصح، كسائر التمليكات. وقد يحتمل في الموصى به ما لا يحتمل في
الموصى له، ثم الابهام في الموصى له إنما يمنع إذا قال: أوصيت لاحد الرجلين.
فلو قال: أعطوا العبد أحد الرجلين، ففي المهذب والتهذيب وغيرهما: أنه
جائز تشبيها بما إذا قال لوكيله: بعه لاحد الرجلين، وإذا أبهم الموصى به، عينه
112

الوارث، وإذا أبهم الموصى له، فسنذكر حكمه إن شاء الله تعالى.
فصل تصح الوصية بما يحل الانتفاع به من النجاسات، كالكلب
المعلم، والزيت النجس، والزبل، وجلد الميتة، والخمر المحترمة، والخنزير،
لثبوت الاختصاص فيها وانتقالها من يد إلى يد بالإرث أو غيره. قال المتولي: ومن
هذا القبيل، شحم الميتة لدهن السفن ولحمها إذا جوزنا الانتفاع به. وفي الجرو
الذي يتوقع الانتفاع به وجهان، بناء على جواز إمساكه وتربيته لذلك، أصحهما:
الجواز. فأما ما لا يحل اقتناؤه والانتفاع به، كالخمر، والخنزير، والكلب
العقور، فلا تصح الوصية به. ونقل الحناطي وجها: أنه تصح الوصية، كالكلب
الذي لا يجوز اقتناؤه، وقولا: أنه لا تجوز الوصية بالمقتنى، وهما شاذان ضعيفان.
فصل تصح الوصية بنجوم الكتابة. فإن عجز، فلا شئ للموصى له،
وتصح برقبة المكاتب إن جوزنا بيعه، وإلا، فقال المتولي: هو كما لو أوصى بمال
الغير، وسنذكره إن شاء الله تعالى.
فصل أن أوصى بمال الغير فقال: أوصيت بهذا العبد، وهو ملك غيره،
113

أو بهذا العبد إن ملكته، فوجهان. أحدهما: تصح، لأنها تصح بالمعدوم، فذا
أولى. والثاني: لا، لأن مالكه يملك الوصية به، والشئ الواحد لا يكون محلا
لتصرف شخصين، وبهذا قطع الغزالي.
قلت: الأول أفقه وأجرى على قواعد الباب. والله أعلم.
فصل الوصية بالأصنام والسلاح للذمي والحربي، وبالعبد المسلم
والمصحف للكافر، كبيعها له.
فرع إذا قال: أعطوه كلبا من كلابي، وله كلاب يحل الانتفاع بها،
ككلب صيد، أو زرع، أو ماشية، أعطي واحدا منها. ولو قال: كلبا من مالي،
فكذلك وإن لم يكن الكلب مالا، لأن المنتفع به من الكلاب يقتنى وتعتوره الأيدي،
كالأموال، فقد يستعار له اسم المال. ولو قال: أعطوه كلبا من كلابي، أو من
مالي، وليس له كلب ينتفع به، بطلت الوصية، بخلاف ما إذا قال: أعطوه عبدا،
فإنه يشترى، لأن الكلب يتعذر شراؤه.
114

قلت: هذا هو الصحيح المعروف. وفي وجه حكاه الجرجاني في المعاياة
وغيره: أنه تصح الوصية ويعطى قيمة مثل الكلب من الجوارح الظاهرة، وهذا ليس
بشئ. والله أعلم.
ولو كان له كلب، ولا مال له، فأوصى بكلبه، لم تنفذ الوصية إلا في
ثلثه، كالمال، فإن أوصى ببعضه، أو كان له كلاب فأوصى ببعضها، ففي
وجه: لا يعتبر خروج الموصى به من الثلث، لأنها غير متقومة، ويكفي أن يبقى
للورثة شئ وإن قل. والصحيح اعتباره كالأموال. فعلى هذا، إن لم يكن إلا كلب
واحد، لم يخف اعتبار الثلث. وإن كان كلاب، ففي كيفيته أوجه. أصحها ومنهم
من قطع به: أنه ينظر إلى عدد الرؤوس، وتنفذ الوصية من ثلاثة في واحد.
والثاني: ينظر إلى قيمتها بتقدير المالية فيها، كما يقدر الرق في الحر عند الحاجة،
وتنفذ الوصية في الثلث بالقيمة. والثالث: تقوم منافعها، ويؤخذ الثلث من قيمة
المنافع. ولو لم يملك إلا كلبا، وطبل لهو، وزق خمر محترمة، فأوصى بواحد
منها، وأردنا اعتبار الثلث، لم يجز الوجه الأول ولا الثالث، لأنه لا تناسب بين
الرؤوس ولا المنفعة، فيتعين اعتبار القيمة. أما إذا كان له مال وكلاب، فأوصى
بكلها، أو ببعضها، فثلاثة أوجه. أصحها: نفوذ الوصية فيها وإن كثرت وقل
المال، لأن المعتبر أن يبقى للورثة ضعف الموصى به، والمال وإن قل خير من
115

ضعف الكلب، إذ لا قيمة له، وبهذا قال أبو علي وابن أبي هريرة والطبري والشيخ.
والثاني قاله الإصطخري: أن الكلاب ليست من جنس المال، فيقدر كأنه لا مال
له، وتنفذ الوصية في ثلاث كلاب على ما سبق. والثالث: تقوم الكلاب أو منافعها
على اختلاف الوجهين السابقين، وتضم إلى ما يملكه من المال، وتنفذ الوصية في
ثلث الجميع. ولو أوصى بثلث ماله لرجل، وبالكلاب لآخر، فعلى قول
الإصطخري: يعتبر ثلث الكلاب وحدها. وأما على الوجه الأول، فقال القاضي أبو
الطيب: تنفذ الوصية بجميع الكلاب، لأن ثلثي المال الذي يبقى للورثة، خير من
ضعف الكلاب، واستبعده ابن الصباغ، لأن ما يأخذه الورثة من الثلثين هو حصتهم
بسبب ما نقلت فيه الوصية، وهو الثلث، فلا يجوز أن يحسب عليهم مرة أخرى في
وصية الكلاب، فعلى هذا يلتقي الوجهان.
قلت: قول ابن الصباغ أصح. والله أعلم.
وقياس الوجه الثالث: أن تضم قيمة الكلاب أو منافعها إلى المال، ويدخل
المال في حساب الوصية بالكلاب وإن لم تدخل الكلاب في حساب الوصية بالمال.
فصل اسم الطبل يقع على طبل الحرب الذي يضرب به للتهويل، وعلى
طبل الحجيج والقوافل الذي يضرب به للاعلام بالنزول والارتحال، وعلى طبل
العطارين وهو سفط لهم، وعلى طبل اللهو، كالطبل الذي يضرب به المخنثون،
وسطه ضيق وطرفاه واسعان. فإن أطلق الطبل، ففيه كلام نذكره في أول الباب الثاني
إن شاء الله تعالى. وإن عين ما سوى طبل اللهو، صح. وإن عين طبل اللهو،
نظر، إن صلح للحجيج، أو الحرب، أو منفعة أخرى مباحة، إما على الهيئة التي
هو عليها، وإما بعد التغيير الذي يبقى معه اسم الطبل، فالوصية أيضا صحيحة،
وإلا، فباطلة، ولا نظر إلى المنافع المتوقعة بعد زوال اسم الطبل، لأنه إنما أوصى
بالطبل، هكذا ذكر المسألة جماهير الأصحاب. وقال الامام، والغزالي: إن لم
يصلح لغرض مباح مع بقاء اسم الطبل، وكان لا ينتفع إلا برضاضه، لم تصح
الوصية، لأنه لا يقصد منه الرضاض إلا إذا كان من شئ نفيس، كذهب، أو عود،
116

فتنزل الوصية عليه، وكأنه أوصى برضاضه إذا كسر، والوصية تقبل التعليق.
واعلم أنه سبق في بيع الملاهي التي يعد رضاضها مالا ثلاثة أوجه. ثالثها:
إن كانت متخذة من شئ نفيس، صح، وإلا، فلا. فإن اكتفينا بمالية
الرضاض لصحة البيع، فكذا الوصية، وإلا، فلا. فإذا ما ذكره الجمهور مع ما
ذكره الامام، وجهان في المسألة. وكما أطلق الجمهور بطلان البيع، فكذا
الوصية، وكما اختار الامام صحة البيع إذا كان شيئا نفيسا، فكذا صحح الوصية
فيه.
فصل سبق أن الموصى به ينبغي أن لا يزيد على ثلث المال، والأحسن أن
ينقص من الثلث شيئا. وقيل: إن كان ورثته أغنياء استوفى الثلث، وإلا،
فيستحب النقص منه. وبأي يوم يعتبر المال؟ وجهان. أحدهما: بيوم الوصية،
كما لو نذر التصدق بماله. وأصحهما: بيوم الموت، إذ يملك بعد الموت. فعلى
هذا، لو زاد ماله بعد الوصية، تعلقت الوصية به. وكذا لو هلك ثم كسب مالا،
تعلقت به. ولو أوصى بعشرة ولا مال له، ثم كسبه، تعلقت به. وعلى الوجه
الأول، كل ذلك بخلافه. ومنهم من قطع في اعتبار القدر بيوم الموت وخص
الخلاف بمن لم يملك شيئا أصلا ثم ملكه.
ثم الثلث الذي تنفذ فيه الوصية، هو ثلث الفاضل عن الديون. فلو كان عليه
دين مستغرق، لم تنفذ الوصية في شئ، لكن يحكم بانعقادها في الأصل حتى
ينفذها لو تبرع شخص بقضاء الدين أو أبرأه المستحق.
فرع التبرعات المعلقة بالموت - وهي الوصايا - معتبرة من الثلث، سواء
117

أوصى بها في صحته، أو في مرضه، وكذا التبرعات المنجزة في المرض المخوف
المتصل بالموت معتبرة من الثلث. ولو وهبه في صحته، وأقبض في مرضه، فمن
الثلث، لأن الهبة إنما تملك بالقبض. وهذه القاعدة يحتاج فيها إلى معرفة ثلاثة
أشياء: أن المرض المخوف ماذا؟ وأن التبرعات والتصرفات المحسوبة من الثلث ما
هي؟ وأنها كيف تحسب؟ فنعقد في كل واحدة فصلا.
الفصل الأول: في بيان المرض المخوف والأحوال التي هي في معناه، وبيان
طريق معرفته عند الاشكال، وبيان ما يحكم به المخوف وغير المخوف، فهذه ثلاثة
أمور.
(أما) الأول: فما بالانسان من مرض وعلة، إما أن ينتهي به إلى حال يقطع فيها
بموته منه عاجلا، وذلك بأن يشخص بصره عند النزع وتبلغ الروح الحنجرة، أو
يقطع حلقومه ومريه، أو يشق بطنه وتخرج حشوته. وقال الشيخ أبو حامد: أو يغرق
في الماء ويغمره، وهو لا يعرف السباحة، فلا اعتبار بكلامه ووصيته وغيرها في شئ
من هذه الأحوال، حتى لا يصح إسلام الكافر ولا توبة الفاسق والحالة هذه، لأنه
صار في حيز الأموات، وحركته حركة المذبوح.
قلت: واحتج أصحابنا بأن هذه هي الحال التي قال فيها فرعون: آمنت
فلم يصح منه. والله أعلم.
وإما أن لا ينتهي إليها، فأما أن يخاف منه الموت عاجلا، وهو المخوف الذي
يقتضي الحجر في التبرعات، وإما أن لا يكون كذلك، فحكمه حكم الصحة. هذا
118

ضابطه. ثم تكلم الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم في أمراض خاصة مخوفة،
وغير مخوفة.
فمن المخوفة: القولنج، وهو أن تنعقد أخلاط الطعام في بعض الأمعاء فلا
تنزل، ويصعد بسببه البخار إلى الدماغ فيؤدي إلى الهلاك.
ومنها: ذات الجنب، وهي قروح تحدث في داخل الجنب بوجع شديد، ثم
ينفتح في الجنب، ويسكن الوجع، وذلك وقت الهلاك، وكذلك وجع
الخاصرة.
ومنها: الرعاف الدائم، لأنه يسقط القوة، وابتداؤه ليس بمخوف.
ومنها: الاسهال، إن كان متواترا، فمخوف، لأنه ينشف رطوبات البدن.
وإن كان يوما ويومين ولم يدم، فليس مخوفا، إلا إذا انضم إليه أحد أمور.
أحدها: أن ينخرق البطن، فلا يمكنه الامساك ويخرج الطعام غير مستحيل.
الثاني: أن يكون معه زحير، وهو أن يخرج بشدة ووجع، أو تقطيع، وهو أن
يخرج كذلك ويكون منقطعا، وقد يتوهم انفصال شئ كثير، فإذا رآه نظره
كان قليلا.
الثالث: أن يعجله ويمنعه النوم.
الرابع: إذا كان معه دم، نقل المزني أنه ليس بمخوف. وفي الأم أنه إن
كان يوما أو يومين ولا يأتي معه دم، لا يكون مخوفا. وهذا يشعر بأنه مع الدم
مخوف. فمن الأصحاب من قال: سها المزني، وهو مخوف، لأنه يسقط القوة،
قاله المسعودي. وتأول الأكثرون فحملوا نقل المزني على دم يحدث من المخرج من
119

البواسير ونحوه. ونص في الأم على دم الكبد وسائر الأعضاء الشريفة، فهذا
مخوف، وذاك غير مخوف.
ومنها: السل، وهو داء يصيب الرئة، ويأخذ البدن منه في النقصان
والاصفرار. وقد أطلق في المختصر أنه ليس بمخوف، فأخذ بهذا الاطلاق
آخذون، حتى قال الحناطي: إنه ليس بمخوف لا في أوله ولا في آخره، ووجهوه
بأن السل وإن لم يسلم منه صاحبه غالبا، فإنه لا يخشى منه الموت عاجلا، فيكون
كالشيخوخة والهرم، وذكر صاحب المهذب والغزالي: أنه مخوف في انتهائه دون
ابتدائه، وعكسه البغوي، والأشبه بأصل المذهب ما قاله الحناطي وموافقوه.
ومنها: الفالج، وسببه غلبة الرطوبة والبلغم، وابتداؤه مخوف. فإذا
استمر، فليس بمخوف، وسواء كان معه ارتعاش، أم لا، لأنه لا يخاف منه الموت
عاجلا. وفي وجه: إن لم يكن معه ارتعاش، فمخوف.
120

ومنها: الحمى الشديدة، وهي ضربان: مطبقة، وغيرها.
فالمطبقة: هي اللازمة التي لا تبرح فإن كانت حمى يوم أو يومين، لم تكن
مخوفة. وإن زادت، فمخوفة. وفي وجه: الحمى من أول حدوثها مخوفة.
والصحيح: الأول. وعلى هذا، لو اتصل الموت بحمى يوم أو يومين، نظر في
عطيته، إن كانت قبل أن يعرق، فهي من الثلث، وقد بانت مخوفة، وإن كانت بعد
العرق، فمن رأس المال، لأن أثرها زال بالعرق، والموت بسبب آخر، ذكره صاحبا
التهذيب والتتمة.
الضرب الثاني: غير المطبقة. وهو أنواع. الورد، وهي التي تأتي كل يوم،
والغب، وهي التي تأتي يوما وتقلع يوما، والثلث. وهي التي تأتي يومين وتقلع
يوما. وحمى الأخوين، وهي التي تأتي يومين وتقلع يومين. والربع، وهي التي
تأتي يوما وتقلع يومين. فما سوى الربع والغب من هذه الأنواع، مخوف. والربع
على تجردها غير مخوفة، لأن المحموم يأخذ قوته في يوم الاقلاع. وفي الغب
وجهان.
قلت: أصحهما: مخوفة، وبه قطع الرافعي في المحرر. والله أعلم.
وأما الحمى اليسيرة، فغير مخوفة بحال.
ومنها: الدق، وهو داء يصيب القلب، ولا تمتد معه الحياة غالبا، وهو
مخوف.
ومنها: قال الشافعي رضي الله عنه: من ساوره الدم حتى تغير عقله، أو
المرار أو البلغم، كان مخوفا. وقال أيضا: الطاعون مخوف حتى يذهب. وقوله:
ساوره بالسين المهملة، أي: واثبه وهاج به. والمرار: الصفراء فهيجان
الصفراء والبلغم، مخوف. وكذا هيجان الدم، بأن يثور وينصب إلى عضو، كيد،
121

ورجل، فتحمر وتنتفخ، وقد يذهب العضو إن لم يتدارك أمره في الحال وإن سلم
الشخص، وقوله: حتى تغير عقله، ليس مذكورا شرطا، بل هو مخوف وإن لم
يتغير العقل، نص عليه في الأم. والطاعون فسره بعضهم بما ذكرناه من انصباب
الدم إلى عضو. وقال أكثرهم: إنه هيجان الدم في جميع البدن، وانتفاخه. قال
المتولي: وهو قريب من الجذام، من أصابه تأكلت أعضاؤه وتساقط لحمه.
ومنها: الجراحة، إن كانت على مقتل، أو نافذة إلى جوف، أو في موضع
كثير اللحم، أو لها ضربان شديد، أو حصل معها تأكل، أو ورم، فهي مخوفة،
وإلا، فلا. وقيل: الورم وحدة لا يجعلها مخوفة، بل يشترط معه التآكل.
ومنها: القئ إن كان معه دم أو بلغم أو غيرهما من الأخلاط، فمخوف،
وإلا، فلا إلا أن يدوم.
ومنها: البرسام، وهو مخوف.
فرع وأما الجرب، ووجع الضرس والعين والصداع، فغير مخوفة.
فرع هذا الذي ذكرناه، في الأمراض، وقد تعرض أحوال تشبه الأمراض
في اقتضاء الخوف، وفيها صور.
إحداها: إذا التقى الفريقان والتحم القتال بينهما واختلطوا.
الثانية: إذا كان في سفينة فاشتدت الريح وهاجت الأمواج.
122

الثالثة: إذا وقع في أسر الكفار وعادتهم قتل الأسارى.
الرابعة: قدم ليقتل قصاصا ولم يجرح بعد، فالحكاية عن نص الشافعي
رحمه الله في الصور الثلاث: الأولى أن لها حكم المخوف. وعن نصه في
الاملاء: في الرابعة: المنع. وللأصحاب فيها طريقان. أصحهما: على
قولين. أظهرهما: إلحاقها بالمخوف. والطريق الثاني: العمل بظاهر النصين.
والفرق أن مستحق القصاص لا تبعد منه الرحمة والعفو طمعا في الثواب أو المال.
وعن صاحب التقريب: أنه إن كان هناك ما يغلب على الظن أنه يقتص من شدة
حقد أو عداوة قديمة، فمخوف، وإلا، فلا. ثم موضع الخلاف في صورة التحام
القتال، ما إذا كان الفريقان متكافئين، أو قريبين من التكافؤ، وإلا، فلا خوف في
حق الغالبين قطعا، ولا خوف أيضا قطعا فيما إذا التحم الحرب ولم يختلط الفريقان
وإن كانا يتراميان بالنشاب والحراب، ولا فيما إذا كان البحر ساكنا، ولا في الأسير
في أيدي الكفار الذين لا يقتلون الأسارى، كالروم.
قلت: وسواء في مسألة القتال كان الفريقان مسلمين أو كفارا، أو فريقا
مسلمين وفريقا كفارا، كذا صرح به القاضي أبو الطيب، وغيره. والله أعلم.
الصورة الخامسة: إذا قدم ليقتل رجما في الزنا، أو ليقتل في قطع الطريق،
فهو كالتحام القتال. فعلى طريق: يقطع بأنه مخوف. وعلى طريق: قولان.
وقيل: إن ثبت الزنا بالبينة، فمخوف، بخلا ف الاقرار، لاحتمال الرجوع.
123

السادسة: إذا وقع الطاعون في البلد، وفشا الوباء، فهل هو مخوف في حق
من لم يصبه؟ وجهان. أصحهما: مخوف.
السابعة: الحامل قبل أن يحضرها الطلق، ليست فيحال خوف. وإن ضربها
الطلق، فقولان. أظهرهما: مخوف. وإذا وضعت، فالخوف باق إلى انفصال
المشيمة، فإذا انفصلت، زال الخوف، إلا إذا حصل من الولادة جراحة، أو ضربان
شديد، أو ورم. وإلقاء العلقة والمضغة، لا خوف فيه، قاله الشيخ أبو حامد، وابن
الصباغ، وقال المتولي: هو كالولادة.
قلت: الأصح أو الصحيح: أنه لا خوف فيهما، كذا نقله القاضي أبو الطيب
في تعليقه عن الأصحاب. قالوا: لأنه أسهل خروجا من الولد. والله أعلم.
وموت الولد في الجوف يوجب الخوف.
الأمر الثاني: إذا أشكل مرض فلم يدر أمخوف هو، أم لا؟ فالرجوع فيه إلى
أهل الخبرة، والعلم بالطب. ويشترط في المرجوع إليه: الاسلام، والبلوغ،
والعدالة، والحرية، والعدد، وقد ذكرنا وجها في جواز العدول من الوضوء إلى
التيمم بقول المراهق والفاسق، ووجها: أنه لا يشترط العدد، وعن أبي سليمان
الخطابي وجه لم نذكره هناك: أنه يجوز العدول بقول طبيب كافر، كما يجوز شرب
الدواء من يده ولا يدرى أنه دواء أم داء، ولا يبعد أن تطرد هذه الأوجه هنا. وقد قال
الامام هنا: الذي أراه أن لا يلحق بالشهادات من كل وجه، بل يلحق بالتقويم
وتعديل الأنصباء في القسمة حتى يختلف الرأي في اشتراط العدد.
قلت: المذهب: الجزم باشتراط العدد وغيره مما ذكرنا أولا، لأنه يتعلق بهذا
حقوق الآدميين من الورثة والموصى لهم، فاشترط شروط الشهادة كغيرها من
الشهادات، بخلاف التيمم، فإنه حق لله تعالى مبني على المسامحة، مع أنه ينتقل
إلى بدل، وليس كالتقويم الذي هو تخمين في محسوس يمكن تدارك الخطأ، إن
124

وقع فيه. والله أعلم.
فرع إذا اختلف الوارث والمتبرع عليه في كون المرض مخوفا بعد موت
المتبرع، فالقول قول المتبرع عليه، لأن الأصل عدم الخوف. وعلى الوارث
البينة، ولا تثبت دعواه إلا بشهادة رجلين، لأنها شهادة على غير المال وإن كان
المقصود المال. لكن لو كانت العلة بامرأة على وجه لا يطلع عليه الرجال غالبا،
قبلت شهادة رجلين، ورجل وامرأتين، وأربع نسوة. ويعتبر في الشاهدين العلم
بالطب، قاله البغوي.
الأمر الثالث: إذا وجدنا المرض مخوفا، حجرنا عليه في التبرع فيما زاد على
الثلث، ولم ننفذه. لكنه لو فعل، ثم برأ من مرضه، تبين صحة تبرعه وأن ذلك
المرض لم يكن مخوفا. ومن هذا القبيل ما إذا التحم القتال، وحكمنا بأنه مخوف،
ثم انقضت الحرب وسلم.
وأما إذا رأينا المرض غير مخوف، فاتصل به الموت، فينظر، إن كان بحيث
لا يحال عليه الموت، كوجع الضرس ونحوه، فالتبرع نافذ، والموت محمول على
الفجأة. وإن كان غيره، كإسهال يوم أو يومين، تبينا باتصال الموت به كونه مخوفا،
وكذلك حمى يوم أو يومين، قاله في الوسيط، وقد سبق الفرق بين أن يعرق أو لا
يعرق في هذه الصورة.
فرع قال الامام: لا يشترط في المرض المخوف، كون الموت منه غالبا،
بل يكفي أن لا يكون نادرا، بدليل البرسام. ولو قال أهل الخبرة: هذا المرض لا
يخاف منه الموت، لكنه سبب ظاهر في أن يتولد منه المرض المخوف، فالأول
مخوف أيضا. وهذا يشكل بالحمل قبل أن يأخذها الطلق. فإن قالوا: يفضي إلى
المخوف نادرا، فالأول ليس بمخوف.
125

قلت: وإذا كان المرض مخوفا، فتبرع، ثم قتله إنسان، أو سقط من سطح
فمات، أو غرق، حسب تبرعه من الثلث، كما لو مات بذلك المرض ذكره
البغوي. والله أعلم.
الفصل الثاني: في بيان التبرع المحسوب من الثلث، وهو إزالة الملك عن
مال مجانا، كالهبة، والوقف، والصدقة، وغيرها.
قلت: ينبغي أن يضم إليه ما يتناول التبرع بالكلب وسائر النجاسات،
وبالمنفعة التي تصح الوصية بها، فيقال: إزالة الاختصاص عن مال ونحوه. والله
أعلم.
وفيما يدخل في الضابط ويخرج، مسائل.
إحداها: ما يستحق عليه من ديون الله تعالى، كالزكاة، وحجة الاسلام،
وديون الآدميين، تخرج بعد موته، وتكون من رأس المال أوصى بها أو لم يوص.
وقيل: إذا أوصى بها، حسبت من الثلث، وهو ضعيف، وهذا الذي نوجبه، من
رأس المال بلا خلاف إذا لم يوص هو فيما وجب بأصل الشرع، كالزكاة، وحجة
الاسلام. وأما الكفارات، والنذور، ففيها خلاف سيأتي في الباب الثاني إن شاء الله
تعالى.
فرع لو قضى في مرضه ديون بعض الغرماء، لم يزاحمه غيره إن وفى
المال بجميع الديون، وكذا إذا لم يف على الصحيح المعروف.
(المسألة) الثالثة: البيع بثمن المثل نافذ من رأس المال، سواء باع للوارث، أم لغريمه، أم
لغيرهما. وإن باع بمحاباة، فإن كانت يسيرة يتسامح بمثلها، كان كالبيع
بثمن المثل، وإن كانت أكثر من ذلك، فإن كانت لوارث، فهي وصية لوارث،
وإلا، فمعتبرة من الثلث. فإن لم تخرج من الثلث، فإن أجاز الوارث، نفذ البيع
في الكل، وإلا، بطل فيما لا يخرج، وفيما يخرج، طريقان سبقا. وإذا لم
تبطل، ففي كيفية صحة البيع قولان. وقد سبق كل هذا في باب تفريق
126

الصفة. ثم المحاباة المعتبرة من الثلث، ما تزيد على ما يتغابن بمثله، ذكره
الحناطي، وأبو منصور. هذا كله إذا باع بثمن حال، فإن باع بمؤجل، ولم يحل
حتى مات، اعتبر من الثلث، سواء باع بثمن المثل أو أقل أو أكثر، لما فيه من
تفويت اليد على الورثة. وتفويت اليد ملحق بتفويت المال. ألا ترى أن الغاصب
يضمن بالحيلولة كما يضمن بتفويت المال، فليس له تفويت اليد عليهم، كما ليس
له تفويت المال. فإن لم يخرج من الثلث، ورد الوارث ما زاد، فالمشتري بالخيار
بين فسخ البيع والإجازة في الثلث بثلث الثمن. فإن أجاز، فهل يزيد ما صح فيه
البيع إذا أدى الثلث؟ فيه وجهان حكاهما في التهذيب. أصحهما: لا، لانقطاع
البيع بالرد. والثاني: نعم، لأن ما يحصل للورثة ينبغي أن نصحح الوصية في مثل
نصفه. فعلى هذا يصحح البيع في قدر نصف المؤدى، وهو السدس، بسدس
الثمن. فإذا أدى ذلك السدس، زيد بقدر نصف النصف، وهكذا إلى أن يحصل
الاستيعاب.
(المسألة) الثانية: نكاح المريض صحيح فإن نكح بمهر المثل أو أقل، فهو من
رأس المال، كما لو اشترى شيئا بثمن مثله، وإن كان بأكثر من مهر المثل،
استحقت مهر المثل، والزيادة تبرع على الوارث. وقد سبق حكمه. فإن لم تكن
وارثة، كالذمية، والمكاتبة، فالزيادة محسوبة من الثلث. فإن خرجت منه، نفذ
التبرع بها.
ولو ماتت الزوجة قبله، فإن كانت الزيادة تخرج من الثلث، سلمت لها، لأنه
لا يلزم الجمع بين التبرع والميراث. وإن لم تخرج، دارت المسألة، ونذكرها في
باب الدور إن شاء الله تعالى.
فرع لو نكحت المريضة بأقل من مهر المثل، فالنقصان تبرع على
الوارث، فللورثة رده وتكميل مهر المثل. فإن لم يكن وارثا، بأن كان عبدا، أو
مسلما وهي ذمية، لم يكمل مهر المثل، ولم يعتبر هذا النقص من الثلث. وإنما
جعل ذلك وصية في حق الوارث، ولم يجعل وصية في الاعتبار من الثلث لان
127

المريض إنما يمنع من تفويت ما عنده، وهذا ليس بتفويت، إنما هو امتناع من
الكسب. وأيضا فإن المنع فيما يتوهم بقاؤه للوارث وانتفاعه به، والبضع ليس
كذلك. هذا هو الصحيح الذي قطع به الجمهور.
وفي التتمة: أنه يعتبر من الثلث، وفرق بينه وبين ما إذا أجر نفسه بأقل من
أجرة المثل - فإنه لا يعتبر من الثلث مع أن كل واحد منهما لا يبقى للورثة - بفريقين.
أحدهما: أن النكاح بغير ذكر مهر يقتضي مهر المثل، فإذا تزوجت بدونه، فكأنها
أسقطته بعد وجوبه، فصار كالابراء. والثاني: أن المحاباة في المهر فيها نوع عار
على الورثة، فأثبت لهم ولاية رفعها، بخلاف الإجارة.
قلت: هذان الفرقان ضعيفان جدا. وكذا الحكم الذي ادعاه وشذ به. والله أعلم.
(المسألة) الرابعة: إجارة الدواب والعبيد وسائر الأموال بما دون أجرة المثل، معتبرة
من الثلث. وكذلك إعارتها. حتى لو انقضت مدة الإجارة أو الإعارة في مرضه،
واسترد العين، اعتبر قدر المحاباة في مسألة الإجارة وجميع الأجرة في الإعارة من
الثلث. ولو أجر نفسه بمحاباة، أو عمل لغيره متبرعا، لم يحسب من الثلث على
الأصح.
(المسألة) الخامسة: كاتب في مرضه عبدا، أو أوصى بكتابته، تعتبر قيمته من
الثلث، سواء كاتبه بقيمته، أو أقل، أو أكثر. ولو كاتب في الصحة، واستوفى
النجوم في مرضه، لم تعتبر قيمته من الثلث. ولو أعتقه في مرضه، أو أبرأه من
النجوم، اعتبر من الثلث أقل الأمرين من قيمته أو النجوم.
(المسألة) السادسة: الاستيلاد في المرض لا يعتبر من الثلث، كما يستهلكه من
الأطعمة اللذيذة، والثياب النفيسة، ويقبل إقرار المريض بالاستيلاد، لقدرته على
إنشائه، ولا تعتبر قيمتها من الثلث.
المسألة
128

السابعة: قال لعبده: أنت حر قبل مرض موتي بيوم أو شهر، ثم مرض
ومات، لم يعتبر من الثلث. وإن قال: قبل موتي بشهر، فإن نقص مرضه عن
شهر، فكذلك الجواب، وإلا، فهو كما لو علق عتق عبده في الصحة ووجدت
الصفة في المرض، وفيه قولان.
فرع باع بمحاباة، بشرط الخيار، ثم مرض وأجاز في مدة الخيار. إن
قلنا: الملك في زمن الخيار للبائع، فقدر المحاباة من الثلث، وإلا، فلا، لأنه
ليس بتفويت، بل امتناع من كسب، فصار كما لو أفلس المشتري والمبيع قائم عنده
ومرض البائع فلم يفسخ، وكما لو أمكنه فسخ النكاح بعيبها فترك حتى مات واستقر
المهر، فإنه لا يحسب من الثلث. وكذا لو اشترى بمحاباة، ثم مرض ووجد بالمبيع
عيبا، ولم يرد مع الامكان، لا يعتبر قدر المحاباة من الثلث. ولو وجد العيب،
وتعذر الرد بسبب، فأعرض عن الأرش، اعتبر قدر الأرش من الثلث. وقدر المحاباة
في الإقالة يعتبر من الثلث، وخلع المريض لا يعتبر من الثلث، لأن له أن يطلق
مجانا، وخلع المريضة مذكور في كتاب الخلع.
الفصل الثالث: في كيفية الاحتساب من الثلث. إذا وجد تبرعان، وأكثر،
وضاق الثلث عنها، فهي إما منجزة، وإما معلقة بالموت، وإما من النوعين.
129

القسم الأول، المنجزة، كالاعتاق، والابراء، والوقف، والصدقة، والهبة
المقبوضة، والمحاباة في العقود، فإن ترتبت، قدم الأول فالأول إلى استغراق الثلث.
فإذا تم الثلث، وقف أمر الزائد على إجازة الوارث على ما سبق. وسواء كان المتقدم
والمتأخر جنسا أو جنسين، وسواء تقدم العتق على المحاباة ونحوها أو تقدمت عليه
، لأن الأول لازم لا يفتقر إلى رضى الورثة، فكان أقوى. وإن وجدت دفعة واحدة،
واتحد الجنس، مثل أن قال لعبيد: أعتقتكم، أو أبرأ جماعة من ديونه، أو وهب
لهم، لم يقدم البعض على البعض. لكن في غير العتق يقسط الثلث على الجميع
باعتبار القيمة، كما يقتضيه الحال من التساوي أو التفاضل. وفي العتق، يقرع بين
العبيد، ولا توزع الحرية. وإن اختلف الجنس، بأن وكل في كل تبرع وكيلا،
فتصرفوا دفعة واحدة، فإن لم يكن فيها عتق، قسط الثلث على الجميع باعتبار
القيمة، وإن كان، فهل يقسط، أم يقدم العتق؟ قولان كما سنذكره في التبرعات
المعلقة بالموت إن شاء الله تعالى.
القسم الثاني: التبرعات المعلقة بالموت، كالوصايا، وتعليق العتق،
فلا يقدم عتق على عتق، ولا تبرع غير العتق على غيره وإن تقدم بعضها على بعض في
الايصاء، بل في العتق يقرع، وفي غيره يقسط الثلث على الجميع باعتبار القيمة.
وفي العتق هنا وجه: أنه يقسط، وتخص القرعة بالمنجز، لورود الحديث الصحيح
فيه، والصحيح: الأول. ثم هذا عند إطلاق الوصية. أما إذا قال: أعتقوا سالما
بعد موتي، ثم غانما، أو ادفعوا إلى زيد مائة، ثم إلى عمرو مائة، فيقدم ما قدمه
قطعا. وإذا اجتمع في هذا القسم عتق وغيره، فهل يقدم العتق لقوته، أم يسوى
فيه؟ قولان. أظهرهما: التسوية. هذا في وصايا التمليك مع العتق. أما إذا أوصى
للفقراء بشئ، وبعتق عبد، فقال البغوي: هما سواء، لاشتراكهما في القربة.
وقطع الشيخ أبو علي بطرد القولين، لوجود القوة والسراية.
قلت: الثاني أصح. والله أعلم.
130

وإذا سوينا، فما خص العبيد إذا ضاق عنهم، يقرع. والكتابة مع الهبة وسائر
الوصايا، كالعتق، فتكون على القولين. وقيل: يسوى هنا قطعا، إذ ليس لها قوة
وسراية.
القسم الثالث: إذا صدرت منه تبرعات منجزة، ومعلقة بالموت، قدمت
المنجزة، لأنها تفيد الملك ناجزا، ولأنها لازمة. ولا يملك المريض الرجوع فيها.
فرع علق عتق عبد بالموت، وأوصى بعتق آخر، فلا يقدم أحدهما على
الآخر، لأن وقت استحقاقهما واحد، وقد اشتركا في القوة. وفي وجه: المدبر أولى
بالعتق، لأنه سبق عتقه، فإن الآخر يحتاج إلى إنشاء عتقه، والصحيح الأول.
فرع لا يؤثر تقدم الهبة وحدها بلا قبض، لأن ملكها بالقبض، حتى لو
وهب المريض ثم أعتق، أو حابى في بيع ثم أقبض الموهوب، قدم العتق
والمحاباة، ولا تفتقر المحاباة في بيع ونحوه إلى قبض، لأنها في ضمن معاوضة.
فرع قال في مرضه: سالم حر، وغانم حر، وخالد حر، فهذا من صور
ترتيب التبرعات المنجزة. ولو قال: سالم وغانم وخالد أحرار، فهو من صور وقوعها
دفعة واحدة.
ولو علق عتقهم بالموت، أقرع بينهم، سواء قال: إذا مت، فسالم حر،
وغانم حر، وخالد حر، أو قال: فهم أحرار.
ولو قال: إذا مت فسالم حر، وإن مت من مرضي هذا، فغانم حر، فإن مات
من ذلك المرض ولم يف الثلث بهما، أقرع بينهما. وإن برأ، ومات بعده، بطل
التدبير المقيد، ويعتق سالم.
فرع قال: إن أعتقت غانما، فسالم حر، ثم أعتق غانما في مرض موته،
فإن خرجا من الثلث عتقا، وإن لم يخرج إلا أحدهما، فقيل: يقرع، كما لو قال:
أعتقتكما. والصحيح: أنه لا قرعة، بل يتعين غانم للعتق، لأنا لو أقرعنا، ربما
خرجت على سالم، فيلزم إرقاق غانم. فإن خرجا من الثلث، عتقا، وإن لم يخرج
إلا أحدهما، فقيل: يقرع، كما لو قال: أعتقتكما.
والصحيح: أنه لا قرعة، بل يتعين غانم للعتق، لأنا لو أقرعنا، ربما خرجت
131

على سالم، فيلزم إرقاق غانم. وإذا رق، لم يحصل شرط عتق سالم. ولو قال:
إن أعتقت غانما، فسالم حر في حال إعتاقي غان، ثم أعتق غانما في مرضه،
فكذلك الجواب بلا فرق. وعلى هذا، لو قال: إن أعتقت غانما، فسالم وغانم
حران، ثم أعتق غانما، والثلث لا يفي إلا بأحدهم، عتق غانم، ولا قرعة. وإن
فضل من الثلث شئ، أقرع بين الآخرين. فمن خرجت له قرعة الحرية، عتق كله
إن خرج كله، وبعضه إن لم يخرج إلا بعضه. وإن كان يخرج أحد الآخرين،
وبعض الثالث، عتق من خرجت قرعته، وعتق من الآخر بعضه.
فرع قال لعبده: إن تزوجت، فأنت حر. ثم تزوج في مرض الموت،
فقد ذكرنا أن مهم المثل محسوب من رأس المال، والزيادة من الثلث. وإن اقتضى
الحال تنفيذ الزيادة، نظر، إن خرجت الزيادة وقيمة العبد من الثلث نفذ، وإلا،
فيقدم المهر، كذا ذكروه توجيها بأن المهر أسبق، فإنه يجب بالنكاح، والعتق يترتب
عليه. لكن مقتضى قولنا: إن المرتب والمرتب عليه يقعان معا ولا يتلاحقان من
حيث الزمان، أن لا يقدم أحدهما على الآخر، بل يوزع الثلث على الزيادة وقيمة
العبد. وقد صرحوا بأنه لو قال: إن تزوجت، فأنت حر في حال تزوجي: أنه يوزع
الثلث كذلك، لأنه لا ترتب.
والفرق بين هذا وبين مسألة العبدين - حيث لا يوزع هناك، كما لا يقرع - أن
العتق هنا معلق بالنكاح، والتوزيع لا يرفع النكاح، ولا يقدح فيه، وهناك عتق سالم
معلق بعتق غانم كاملا. وإذا وزعنا، فلا يكمل عتق غانم، ولا يمكن إعتاق شئ
من سالم.
فرع قال لامته الحامل: إن أعتقت نصف حملك، فأنت حرة، ثم أعتق
نصف حملها في مرض موته، فمقتضى عتق نصف الحمل سرايته إلى باقيه وعتق
الأم بالتعليق. فإن خرجا من الثلث، عتقا، وإن لم يخرج من النصف إلا الأم، أو
النصف الآخر، بأن كان ماله ثلاثمائة، والأم منها خمسون، والولد مائة، فيقرع بين
الأم والنصف الآخر. وإن خرجت على النصف الآخر، عتق جميع الحمل، ورقت
الأم، وإن خرج على الأم، لم يعتق كلها، لأن الحمل في حكم جزء منها، يتبع
عتقه عتقها، فتوزع قيمة الثلث وهي خمسون على الأم، والنصف الباقي بالسوية،
132

فيعتق من الأم نصفها، ومن النصف الباقي نصفه، فيكون ثلاثة أرباعه حرا.
ولو كانت الصورة كما ذكرنا، إلا أن قيمة الأم مائة، وخرجت القرعة على
الأم وزعت الخمسون عليها وعلى النصف الآخر الباقي أثلاثا، فيعتق منها ثلثها،
وهو ثلثا الخمسين، ومن النصف الباقي ثلثه وهو ثلث الخمسين، وسدس جملته،
فيكون الحر من الأم الثلث، ومن الولد الثلثين.
فرع أوصى بعبد أو ثوب يخرج من ثلث ماله، وباقي ماله غائب، لا يدفع
كله إلى الموصى له، ولا يسلط على التصرف فيه ما لم يحضر من المال الغائب ما
يخرج الموصى به من ثلثه، لأن ما يحصل للموصى له ينبغي أن يجعل للوارث
مثلاه، وربما تلف الغائب. وهل يتسلط على التصرف في ثلثه؟ وجهان.
أصحهما: المنع، لأن تسليطه يتوقف على تسليط الورثة على مثلي ما تسلط عليه.
ولا يمكن تسليطهم، لاحتمال سلامة الغائب. فيخلص جميع الموصى به للموصى
له. فلو تصرفوا في ثلثي الحاضر، قال أبو الفرج السرخسي: إن بان هلاك
الغائب، تبينا نفوذ تصرفهم، ولك أن تقول: ينبغي تخريجه على وقف العقود.
قلت: بل ينبغي تخريجه على القولين فيمن باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا.
والله أعلم.
قال السرخسي: وإن سلم وعاد إليهم، تبينا بطلان التصرف على الصحيح
. وقيل: يمضى على الصحة، ويغرم للموصى له الثلثين، وهو ضعيف. ولو أعتق
عبدا هو ثلث ماله، أو دبره، وباقي ماله غائب، ففي نفوذ العتق والتدبير في ثلثه
الخلاف المذكور في الوصية. كذا ذكروه، وقد يستبعد التردد في العتق في الثلث،
فإنه حر على كل تقدير. بل الوجه: الجزم بحصول الملك في الثلث، وفي الوصية
أيضا. ورد الخلاف إلى أنه هل ينفذ تصرفه فيه، أم يمنع من التصرف إلى أن يتسلط
الوارث على مثليه؟.
الركن الرابع: الصيغة، فنتكلم في طرف الايجاب، ثم طرف القبول، أما
الايجاب، فلا بد منه، بأن يقول: أوصيت له بكذا، أو أعطوه، أو ادفعوا إليه بعد
موتي كذا، أو هوله، أو جعلته له بعد موتي، أو ملكته، أو وهبته له بعد موتي. أما
إذا اقتصر على قوله: وهبته له، ونوى الوصية، فالأصح أنه لا يكون وصية، لأنه
133

أمكن تنفيذه في موضوعه الصريح، وهو التمليك الناجز. ولو قال: هذا له، فهو
إقرار يؤاخذ به، ولا يجعل كناية عن الوصية، إلا أن يقول: هو له من مالي، أو
يقول: عبدي هذا لفلان، فيصح كناية عن الوصية، لأنه لا يصلح إقرارا. ولو قال: عينته له، فهذا كناية، لأنه يحتمل التعيين للتمليك بالوصية، والتعيين
للإعارة وتصح الوصية بالكتابة مع النية بلا خلاف، لما سبق في كتاب البيع:
أن ما يقبل مقصوده التعليق بالاغرار، كالكتابة، والخلع، ينعقد بالكتابة مع النية،
والوصية تقبل التعليق بالاغرار، فأولى أن تنعقد بالكتابة. ولو كتب: إني أوصيت
لفلان بكذا، قال المتولي: لا ينعقد إذا كان الشخص ناطقا، كما لو قيل له:
أوصيت لفلان بكذا؟ فأشار: أن نعم. ولو وجد له كتاب وصية بعد موته، ولم
تقم بينة على مضمونه، أو كان قد أشهد جماعة أن الكتاب خطي، وما فيه وصيتي،
ولم يطلعهم على ما فيه فقال جمهور الأصحاب: لا تنفذ الوصية بذلك، ولا يعمل
بما فيه حتى يشهد الشهود به مفصلا.
ونقل الامام، والمتولي: أن محمد بن نصر المروزي من أصحابنا قال:
يكفي الاشهاد عليه مبهما.
وروى أبو الحسن العبادي أنه قال: يكفي الكتاب من غير إشهاد، واحتج
بقول النبي (ص): إلا ووصيته مكتوبة عنده أشعر ذلك باعتبار الكتابة.
134

واعلم أن انعقاد الوصية بالكتابة ليس ببعيد وإن استبعدوه، لأن الكتابة
ككنايات الألفاظ. وقد سبق في البيع ذكر الخلاف في انعقاد البيع ونحوه بالكنايات.
وذكرنا الآن أن الوصية أشد قبولا للكنايات. فإذا كتب، وقال: نويت الوصية
لفلان، أو اعترف ورثته به بعد موته، وجب أن يصح.
فرع لو اعتقل لسانه، صحت وصيته بالإشارة والكتابة.
فصل وأما القبول، فإن كانت الوصية لغير معين، كالفقراء، لزمت
بالموت، ولم يشترط فيها القبول. وإن كانت لمعين، فالمذهب اشتراط القبول
ولا يصح قبول ولا رد في حياة الموصي، فله الرد وإن قبل في الحياة، وبالعكس،
لأنه حق له قبل الموت، فأشبه إسقاط الشفعة قبل البيع، ولا يشترط الفور في
القبول بعد الموت.
قلت: هذا هو الصحيح الذي قطع به الجمهور. وفيه وجه: يشترط الفور.
حكاه صاحب المستظهري وليس بشئ. والله أعلم.
فإن رد بعد الموت، فله أحوال.
أحدها: أن يقع قبل القبول، فترتد الوصية، ويستقر الملك للورثة في
الموصى به. ولو أوصى بالعين بالعين لواحد، وبالمنفعة الآخر، فرد الموصى له بالمنفعة،
فهل هي للورثة، أم للموصى له بالعين؟ وجهان. أصحهما: الأول. ولو أوصى
بخدمة عبد لرجل سنة، وقال: هو حر بعد سنة، فرد الموصى له، لم يعتق قبل
السنة.
الثاني: أن يقع بعد القبول، وقبل الموصى له، فلا يصح رده، فإن راضى
الورثة، فهو ابتداء تمليك منه لهم.
الثالث: أن يقع بعد القبول، وقبل القبض، فلا يصح الرد على الأصح. ولو
قال: رددت الوصية لفلان، يعني أحد الورثة، قال في الأم: إن قال: أردت
لرضاه، كان ردا على جميع الورثة. وإن قال أردت تخصيصه بالرد عليه، فهو هبة
135

له خاصة. قال الأصحاب: هذا تفريع على تصحيح الرد بعد القبول، وإلا، فما لا
يملكه لا يمكنه أن يملكه غيره. ثم لم يعتبر لفظ الهبة والتمليك. وقال القاضي أبو
الطيب: لا بد منه، وهو القياس. ولو مات ولم يبين ما أراده، جعل ردا على جميع
الورثة.
فرع إذا لم يقبل الموصى له، ولم يرد، فللوارث مطالبته بأحد الامرين.
فإن امتنع، حكم عليه بالرد.
فرع لو مات الموصى له قبل موت الموصي، بطلت الوصية. وإن مات
بعد موته، قام وارثه مقامه في القبول والرد.
فصل متى يملك الموصى له الموصى به؟ فيه ثلاثة أقوال. أحدها:
بالموت. والثاني: بالقبول. وعلى هذا، هل الملك قبل القبول للوارث، أم
للميت؟ وجهان. أصحهما: الأول. والثالث - وهو الأظهر -: أنه موقوف. فإن
قبل، تبينا أنه ملك بالموت، وإلا، بان أنه كان للوارث. ولو أوصى بإعتاق عبد
معين بعد موته، فالملك في العبد إلى أن يعتق للوارث بلا خلاف، لأنه ليس
تمليكا. ويتفرع على الأقوال مسائل.
إحداها: كسب العبد، وثمرة الشجرة، وسائر زوائد الموصى به، إن
حصلت قبل موت الموصي فهي له، ولا تتناولها الوصية، وإن
136

حصلت بعده وبعد قبول الموصى له، فهي للموصى له، وإن حصلت بعد موته،
وقبل القبول، فإن قلنا: يملك بالموت، فهي للموصى له، قبل الوصية أو ردها.
وفيما إذا ردها وجه: أن الزوائد ترتد أيضا. وإن قلنا: يملك بالقبول، لم تكن
الزوائد للموصى له، قبل الوصية أو ردها. وفيما إذا قبل وجه: أنها له، لأن له حق
التمليك من حين الموت، فهي
حادثة في محل حقه. وإن قلنا بالوقف، فهي موقوفة. فإن قبل، فله، وإلا، فلا. وحيث قلنا: ترتد
الزوائد، فإلى من ترتد؟ وجهان. أحدهما: إلى الموصي، فتكون من جملة تركته يقضى منها دينه، وتنفذ
وصاياه كالأصل. وأصحهما: أنها للوارث، لأنها حدثت بعد زوال ملك الموصي
. وعلى هذا الخلاف ولد الجارية والبهيمة الموصى بهما، ويتعلق بهما تفصيل وأحوال
نذكرها إن شاء الله تعالى على الأثر موضحة.
الثانية: فطرة العبد الموصى به، إذا وقع وقت وجوبها بين القبول والموت
على من تجب؟ يخرج على هذه الأقوال. وقد ذكرناه في زكاة الفطر. والنفقة
والمؤن المحتاج إليها بين القبول والموت، حكمها حكم الفطرة. وقال في
الوسيط: إنها على الموصى له إن قبل على كل قول، وعلى الوارث إن رد على
كل قول، والمعتمد ما نقلناه عن الأصحاب من طرد الخلاف. وإذا توقف الموصى
له في القبول والرد، ألزم النفقة، فإن أراد الخلاص، رد.
الثالثة: إذا زوج أمته حرا، وأوصى له بها، فإن رد الوصية، استمر النكاح،
إلا إذا قلنا: يملك بالموت، فيفسخ النكاح من يوم الموت وإن كان الملك ضعيفا
. وإن قبل، انفسخ النكاح، ويكون الانفساخ من يوم القبول إن قلنا: يملك بالقبول
، ومن يوم الموت على سبيل التبين إن قلنا بالتوقف. وإن كان زوجها وارثه، ثم أوصى
بها لغيره، فإن قبل الموصى له الوصية، استمر النكاح، إلا إذا قلنا: الملك يحصل
بالقبول، وإنه قبل القبول للوارث، فإنه ينفسخ على الأصح. وقيل: لا، لضعف
الملك، وإن رد، انفسخ النكاح. وفي استناد الفسخ إلى حالة الموت لضعف
الملك هذا الخلاف. هذا إذا خرجت الأمة من الثلث، فإن لم تخرج ولم يجز
الورثة، انفسخ النكاح، لدخول شئ مما يزيد على الثلث في ملك الزوج. وإن
أجازوا وقلنا: يملكه بالموت، أو موقوف، فهل ينفسخ؟ إن قلنا: إجازتهم تنفيذ
لما فعله الموصي، فلا. وإن قلنا: ابتداء عطية، فنعم.
137

الرابعة: أوصى بأمته الحامل من زوجها لزوجها، ولابن لها حر، ومات،
وخرجت كلها من الثلث، وقبلا الوصية وهما موسران، نظر، إن قبلا معا، عتقت
الأمة كلها على ابنها، نصفها بالملك، والباقي بالسراية، وعليه للزوج نصف
قيمتها، ويعتق الحمل عليهما بالسوية.
أما نصيب الزوج، فلأنه ولده. وأما نصيب الابن، فلان الأم عتقت عليه.
والعتق يسري من الحامل إلى ما يملكه المعتق من حملها. ولا يقوم نصيب واحد
منهما على الآخر، لأن العتق عليهما حصل دفعة واحدة، فأشبه ما إذا اشترى إبنان
أباهما، فإنه يعتق عليهما ولا تقويم، وإن قبل أحدهما قبل الآخر، فإن قلنا:
يحصل الملك بالموت، أو قلنا: بالوقف، فالجواب كذلك، لأن وقت الملك واحد
وإن اختلف وقت القبول.
وإن قلنا: يحصل بالقبول، فإن تقدم قبول الابن، عتقت الأمة والحمل
عليه.
أما الأم، فبالملك والسراية، وأما الحمل فبسراية عتق الأم إليه، وعليه
للزوج نصف قيمتها. وإن تقدم قبول الزوج، عتق جميع الحمل عليه، النصف
بالملك، والباقي بالسراية، فيغرم نصف قيمته يوم الولادة للابن، ولا يعتق عليه من
الأمة شئ. فإذا قبل الابن، عتق عليه جميعها بالملك والسراية، وغرم للزوج
نصف قيمتها.
قلت: ويجئ وجه: أن الأمة تعتق على الزوج تفريعا على قول الأستاذ أبي
إسحاق: إن عتق الجنين يسري إلى عتق الأم. والله أعلم.
وأما إذا قبل الزوج وحده، فيعتق عليه الحمل، نصفه بالملك، ونصفه
بالسراية، فيغرم نصف قيمته لورثة الموصي، ولا يسري العتق من الحمل إلى الأم،
لأن الحمل تبع لها، وليست تبعا له.
قلت: وفيه وجه أبي إسحاق. والله أعلم.
وإن قبل الابن وحده، عتقا عليه جميعا، وغرم نصف قيمتها لورثة
الموصي.
138

قلت: قد كرر الامام الرافعي نصف القيمة في هذه المسألة كما قاله غيره
. والقياس: أنه يجب قيمة النصف، وهي أقل، لأنه إنما أتلف نصفا. والله أعلم
. الخامسة: أوصى لانسان بمن يعتق عليه، كأبيه وابنه، لم يجب عليه قبول
الوصية، كما لا يجب شراؤه إذا قدر عليه، بل له الرد على الصحيح. وقيل: يمنع
الرد إن قلنا: يملك بالموت، لأنه يعتق عليه، وبه قطع المتولي تفريعا على هذا
القول والجمهور على خلافه، وأنه لا يعتق عليه قبل قبوله. ثم إن رد، فذاك،
وإن قبل و قلنا: يملك بالقبول، عتق عليه حينئذ.
وإن قلنا: بالموت، أو موقوف، تبين أنه عتق عليه يوم الموت. ولو ملك ابن
أخيه، وأوصى به لأجنبي، ووارثه أخوه، فقبل الموصى له الوصية، فهو للأجنبي
إن قلنا: يملك بالموت أو موقوف. وإن قلنا: يملك بالقبول، وأنه قبل القبول
للوارث، فمقتضاه العتق على الوارث يوم الموت، لكن المنقول عن الأصحاب أنه
لا يعتق عليه كي لا تبطل الوصية.
ولو أوصى لشخص بابنه، ومات الموصى له بعد موت الموصي وقبل القبول،
فأوجه.
أحدها: أن الرد يمنع، لعتقه عليه بالموت إذا قلنا: يملك به.
والثاني: ليس للوارث قبوله، لما فيه من العتق على الميت بغير إذنه وإثبات
الولاء له. هذا إذا قلنا: إن العتق إذا حصل وقع على الميت، وسنذكر الخلاف فيه
إن شاء الله تعالى. وهذان الوجهان ضعيفان جدا.
والثالث وهو الصحيح: أن الوارث يقوم مقامه في الرد والقبول، لنيابته عنه في
حقوقه. فإن قبل، فهو كقبول الموصى له بنفسه إن قلنا: يملك بالموت، أو
موقوف. وإن قلنا: يملك بالقبول، نظر. فإن لم يكن بين الموصى به، ووارث
الموصى له قرابة تقتضي عتقه عليه، بأن كان الوارث أخا الموصى له، فهل نحكم
بعتقه؟ وجهان. أحدهما: لا، وبه قطع ابن الصباغ وآخرون. وأصحهما: نعم،
لأن الموصي إنما أوجب الملك للموصى له فلا يثبت لغيره، وإنما اعتبرنا قبول وارثه
نيابة، وهذا كما لو نصب شبكة في حياته وتعلق بها صيد بعد موته، فإنا نحكم بثبوت
الملك له. وإن كان بين الموصى به ووارث الموصى له قرابة تقتضي العتق، بأن
139

كان الوارث أبا الموصى له، حكم بعتق الموصى به قطعا. ويعود الوجهان، في أنه
يعتق على الموصى له، أم على وارثه؟ وأن الولاء لمن يثبت؟ فإن قلنا: عن
الموصى له، قال الامام: يسند العتق إلى ألطف زمان قبل موت الموصى له. وإذا
لم نحكم بالعتق فيما إذا لم يكن بينهما قرابة، فهل تقضى منه ديون الموصى له؟
وجهان. أصحهما: نعم كديته فإنه تقضى منها ديونه وإن قلنا: إنها تثبت للورثة
ابتداء. هذا حكم العتق.
وهل يرث الذي عتق من الموصي؟ أما إذا قبل بنفسه، فينظر، إن قبل في
صحته، فنعم. وإن قبل في مرض موته، فإرثه مبني على أن عتقه إذا حصل الملك
فيه لا بعوض، بل بإرث، أو هبة، أو قبول وصية، هل يعتبر من الثلث، أم من
رأس المال؟ وفيه وجهان مذكوران في كتاب العتق. إن قلنا: من الثلث، لم يرثه،
وإلا، ورث، وهو الأصح. وإن مات قبل القبول، وقبل وارثه، فإن حكمنا بالحرية
عند القبول، لم يرث، لرقه. وإن حكمنا بها عند الموت، فإن كان القابل ممن
يحجبه الموصى به، كالأخ، لم يرث، لأنه لو ورث لحجب الأخ وأخرجه عن كونه
وارثا، ولبطل قبوله. وإن كان لا يحجبه، كابن الأخ، فالصحيح: أنه لا يرث
أيضا، للدور في نصفه. وقيل: يرث. وقال الداركي: إن ثبت القبول للموصى له
وهو مريض، لم يرث، لأن قبول ورثته كقبوله، ولو قبل لكان وصيه، والإرث لا
يجامعها
. أوصى له بمن يعتق عليه، فمات الموصى له عن ابنين، فالقول في
قبولهما تفريعا على الأقوال في وقت الملك كما سبق. والمذهب صحته ووقوع العتق
عن الميت. وإن قبل أحدهما فقط، صح القبول في النصف، وعتق على الميت.
ثم قال ابن الحداد وآخرون: ينظر، إن ورث القابل من الموصى له ما يفي بباقي
قيمة الموصى به، قوم عليه الباقي فيما ورثه، وإلا، فلا يقوم عليه، ولا اعتبار بيسار
القابل في نفس، ولا يثبت التقويم في نصيب الذي لم يقبل من التركة. أما عدم
اعتبار يساره، فلان العتق وقع عن الميت، فلا يكون التقويم على غيره. وأما عدم
ثبوته في نصيب الذي لم يقبل، فلان سبب العتق القبول، فالذي لم يقبل لم ينسب
إليه. ولك أن تقول: وإن لم ينسب إليه، فهو معترف بعتق نصيب القابل واقتضائه
التقويم، فالتقويم كدين يلحق التركة. وقال الشيخ أبو علي: يجب أن لا يقوم على
140

الميت، ويقصر العتق على القدر المقبول لمعنيين. أحدهما: أن الملك حصل
للميت بغير اختياره، بل بقبول الوارث، فأشبه ما إذا ورث شقصا من عبد فعتق
عليه، لا يقوم الباقي. والثاني: أن العتق يحصل بعد موته، ولا مال له حينئذ،
فأشبه ما إذا أعتق شقصا بعد الموت، لا يقوم الباقي. قال: ورأيت هذا لبعض
الأصحاب، وللأولين أن يقولوا: إنما حكمنا بالعتق على الميت لجعلنا الوارث نائبا
عنه، فكيف ينتفي اختياره مع النيابة؟ لكنهما حكميان. وأما الثاني: فلا يسلم أن العتق
يحصل بعد الموت، بل يستند إلى قبيل الموت كما سبق. ثم ولاء ما عتق منه
، للميت. وهل يشترك فيه الابنان، أم ينفرد به القابل؟ وجهان. ولو أوصى لانسان
ببعض من يعتق عليه، ومات الموصى له، وقبل وارثه، فالقول في عتقه على الميت
وتقويم الباقي عليه على ما ذكرناه في هذه المسألة.
السادسة: أوصى بأمة لابنها من غيره، فإن خرجت من الثلث، وقبل الابن
الوصية، عتقت عليه. وإن رد، بقيت للوارث. وإن لم تخرج، فالجواب في قدر
الثلث كذلك. وأما الزائد، فإن أعتقه الوارث وهو موسر، عتق عليه. ثم إن لم
يقبل ابنها الوصية، فقد تبينا أن جميعها للوارث، فيسري العتق من البعض الذي
أعتقه إلى الباقي. وإن قبل، عتق عليه ما قبل. قال ابن الحداد: ولا يقوم نصيبه
على الوارث، لأنا تبينا بالقبول حصول ملكه بالموت وتقدمه على إعتاق الوارث
الزيادة، ولا يقوم نصيب الوارث عليه، لأنه أعتق نصيبه قبل قبوله. قال الشيخ أبو
علي: الصواب عند الأصحاب أن يقال: إن قلنا: يملك بالموت ابتداء، وتبينا،
قوم نصيب الوارث عليه. وإن قلنا: يملك بالقبول، عتق الكل على الوارث، لأنه
يسري من نصيبه إلى قدر الثلث. والقبول بعده كإعتاق الشريك الثاني بعد إعتاق
الأول وهو موسر. هذا إذا حكمنا بحصول السراية بنفس الاعتاق. فإن قلنا: لا
تحصل إلا بأداء القيمة، فقبوله كإعتاق الشريك الثاني نصيبه قبل أخذ القيمة. وفيه
وجهان. أحدهما: ينفذ، لأنه ملكه. وأصحهما: لا، لأن الأول استحق تقويمه
عليه. فعلى هذا، له قيمة نصيبه على الوارث. فلو كانت المسألة بحالها، ووارث
الموصي ابن له من هذه الأمة بنكاح، فإن رد الموصى له، عتقت على الابن الذي
هو وارث السيد. وإن قبلها، نظر، إن خرجت من الثلث، عتقت على الموصى
له. وإن لم تخرج، فالزائد منها على الثلث. أطلق ابن الحداد: أنه يعتق في
141

الحال على الوارث، وفصل الشارحون، فقالوا: إن لم يجز الوارث الزيادة على
الثلث، فالجواب كذلك، وإن أجاز، فعتقه مبني على أن الإجازة ابتداء عطية، أم
تنفيذ؟ إن قلنا بالأول، فقد حكمنا للوارث بالملك قبل أن يعطى، فيعتق عليه. وإن
قلنا: تنفيذ، لم يعتق، لأنا على هذا القول لا نجعل الزائد للوارث، بل نقفه على
الرد والإجازة. فإذا أجاز، تبين أنه لم يملكه. وأما قدر الثلث، فإنه يعتق على
الموصى له، ولا يقوم نصيب أحدهما على الآخر.
السابعة: أوصى بعبد لشخصين، أحدهما قريبه الذي يعتق عليه. فإن قبلا
معا، عتق جميعه على القريب إن كان موسرا، النصف بالملك، والنصف بالسراية، ويغرم للأجنبي نصف قيمته. وإن قبل القريب أولا، فكذلك حكم
العتق، ويكون غرم النصف للأجنبي إن قبل بعد ذلك، ولوارث الموصي إن لم
يقبل. وإن قبل الأجنبي أولا، ملك نصيبه، ويبقى نصيب القريب موقوفا إلى أن
يقبل أو يرد، فإن أعتق الأجنبي نصيبه قبل قبول القريب، ثم قبل، فإن قلنا: يملك
بالقبول، قوم نصيبه على الأجنبي، وكان كما لو أعتق الشريك نصيبه وهو موسر ثم
أعتق الثاني نصيبه، وإن قلنا: يملك بالموت، تبينا أن عتق الأجنبي غير نافذ، وأنه
عتق جميعه على الوارث، وعليه نصف القيمة للأجنبي.
الثامنة: أوصى بجارية فولدت، فلها أحوال.
أحدها: أن تلد قبل موت الموصي، فينظر، إن انقضى أقل مدة الحمل من
يوم الوصية، وهو ستة أشهر، ثم ولدت، لم يدخل الولد في الوصية، لأنه يحتمل
حدوثه بعد الوصية. والأصل عدم الحمل يومئذ، فلا يجعل للموصى له بالشك.
وإن لم ينقض أقل مدة الحمل، علمنا وجوده يوم الوصية، فيبنى على الخلاف في
أن الحمل هل يعرف ويعطى حكما قبل الانفصال، أم لا؟ إن قلنا بالثاني، فالولد
غير داخل في الوصية، بل هو زيادة حدثت في ملك الموصي، فيكون لورثته. وإن
قلنا بالأول، فهو كما لو أوصى بالجارية وولدها بعد الانفصال، فينظر، أيقبلهما
الموصى له؟ أم يردهما؟ أم يقبل أحدهما دون الآخر؟ وفي هذا زيادة بحيث نذكره
في أول الباب الثاني إن شاء الله تعالى. فإن كان الموصى له زوج الجارية، وقبل
الوصية في الولد، عتق كله عليه بالملك، وله ولاؤه، ولا تصير الجارية أم ولد له،
142

لأنها علقت منه برقيق الحال الثاني: أن تلد بعد موت الموصي، وقبل قبول الموصى له، فهذا ثلاثة أقسام
. (القسم) الأول: ولدت بعد مضي أقل مدة الحمل من يوم الموت، فالولد غير
موصى به، لاحتمال حدوثه بعد الموت. ثم إن كان الموصى له زوج الجارية، بني
حكم الولد على أن الوصية متى تملك؟ إن قلنا بالقبول، وأنها قبل القبول لورثة
الموصي، فالولد لهم، لا إرثا من الميت، بل لحدوثه في ملكهم. وإن قلنا:
تملك بالموت، أو موقوف، فقبل، فالعلوق في ملكه، فينعقد الولد حرا لا ولاء
عليه، والجارية أم ولد له.
(القسم) الثاني: ولدت قبل أقل مدة الحمل من يوم الموت، وبعدها من يوم
الوصية، فيجعل كأنه حدث بعد الوصية. فإن قلنا: الحمل يعرف، فالولد زيادة
حدثت في ملك الموصي، فهو له، ولورثته بعده. وإن قلنا: لا يعرف، ولا يعطى
حكما، بني على أن الوصية متى تملك؟ إن قلنا بالقبول وأنها للورثة قبل القبول،
فالولد لهم، لحدوثه في ملكهم. وإن قلنا: بالموت، أو موقوف، وكان الموصى
له زوج الجارية، وقبل، عتق الولد عليه بالملك، وله عليه الولاء، ولا تصير
الجارية أم ولد.
(القسم) الثالث: أن تلد قبل مضي أقل مدة الحمل من يومي الموت والوصية
جميعا. فإن قلنا: الحمل يعرف، فكأنه أوصى بالجارية والحمل جميعا، وإلا،
فعلى الخلاف في أن الوصية متى تملك؟ على ما ذكرناه في القسم الثاني.
الحال الثالث: أن تلد بعد الموت والقبول، وله صور.
أحدها: تلد بعد مضي أقل مدة الحمل من وقت القبول، فالولد للموصى له.
فلو كان زوج الجارية، انعقد الولد حرا، وصارت أم ولد له.
الثانية: تلد قبل مضي هذه المدة من وقت القبول، وبعدها من وقت الموت.
فإن قلنا: الوصية تملك بالموت، أو موقوف، فقبل، فحكمه حكم الصورة
الأولى. وإن قلنا: تملك بالقبول، وأنها قبل القبول للورثة. فإن قلنا: الحمل
يعرف، فهو زيادة للورثة، وإلا، فللموصى له، وإذا كان الموصى له زوج
الجارية، عتق الولد عليه، وثبت له الولاء عليه، ولا تصير أم ولد.
143

الثالثة: تلد قبل مضي هذه المدة من وقت القبول والموت جميعا، وبعدها من
يوم الوصية. فإن قلنا: الحمل يعرف، فالولد غير داخل في الوصية. وإن قلنا:
لا، واعتبرنا حالة الانفصال، فالانفصال حصل في ملك الموصى له، فيكون الولد
له، ويعتق عليه إن كان زوجها، ولا استيلاد.
الرابعة: تلد قبل مضيها من يوم الوصية أيضا. فإن قلنا: الحمل يعرف، فهو
داخل في الوصية، وإلا، فهو حاصل في ملك الموصى له، فيكون له، فإن كان
زوجها، عتق عليه بالملك، ولا استيلاد.
فرع نتاج باقي الحيوان يقاس بما ذكرناه في الجارية، ويرجع في مدة
حملها إلى أهل الخبرة، فإنها تختلف.
فرع قال أبو الفرج الزاز: حيث حكمنا بمصير الجارية أم ولد، هل تعتبر
حقيقة الإصابة من يوم الملك، أم يكفي إمكان الا صابة؟ وجهان. والثاني هو
مقتضى كلام الجمهور. قال: وحيث بقينا الولد على ملك الوارث، فالمعتبر من
الثلث قيمة الجارية وحدها. وإذا لم نبقه، فالمعتبر من الثلث ما كان يوم موت
الموصي موجودا. فإن كانت حائلا، اعتبر قيمتها وحدها. وإن كانت حاملا،
فقيمتها مع قيمة الحمل، وحينئذ، فالنظر إلى قيمتها حاملا يوم موت الموصي عند
جماهير الأصحاب. وقال ابن سريج: تعتبر قيمتها يومئذ لو كانت حائلا، وتعتبر
قيمة الحمل في أول حال الانفصال. وإذا قومناهما فخرجا من الثلث، فذاك،
وإلا، فلا يقرع، بل تنفذ الوصية في القدر الذي يحتمله الثلث منهما على نسبة
واحدة.
فرع نقل المزني في المختصر: أنه لو أوصى بأمة لزوجها، فلم يعلم
حتى وضعت له بعد موت سيدها أولادا. فإن قبل، عتقوا ولم تكن أمهم أم ولد حتى
تلد منه بعد قبوله بستة أشهر. وفيه إشكال من وجهين.
أحدهما: أنه لم اعتبر عدم الحمل بالوصية؟ وهل يفترق الحال بين العلم
وعدمه؟ والثاني: أنه حكم بحرية الأولاد، وأنها لا تصير أم ولد. فإن فرع على
حصول الملك بالموت، أو على الوقف، فلم اعتبر مضي الأشهر في مصيرها أم
ولد؟ وإن؟ وإن فرع على الملك بالقبول، فلم حكم بحرية الأولاد في الحال؟! أما
144

الأول، فعن الخضري ما يقتضي الفرق بين العلم وعدمه، واحتج بأن الشافعي
رضي الله عنه قالوا وطئ أمة غيره يظن أنها زوجته الحرة، فالولد حر، ولو ظنها
زوجته الرقيقة، فالولد رقيق. والصحيح: أنه لا فرق في ثبوت أمية الولد في أمية
بين علمه وعدمه، حتى لو وطئ أمته يظنها أمة غيره، أو حرة فأحبلها، ثبتت
أمية الولد. فإذا قوله: ولم يعلم ليس بقيد، بل خرج على الغالب، فإن الغالب أن
الوصية لا تبقى مدة طويلة، لا مقبولة، ولا مردودة، إلا إذا لم يعلم الموصى له،
لغيبته أو نحوها.
وأما الثاني: فقيل: هو تخليط من المزني. فقوله: عتقوا، تفريع على
حصول الملك بالموت. وقوله: ولا تصير أم ولد، تفريع على حصوله بالقبول.
وقال الأكثرون: بل هو تفريع على قول الوقف. وأراد بالقبول، في قوله:
بعد قبوله الموت، فسماه قبولا، لأنه وقت القبول. وقال بعضهم: لفظ الشافعي
الموت لكن المزني سها فيه.
ولو كانت الجارية الموصى بها زوجة الموصى له، ومات الموصى له قبل
القبول والرد، فقد سبق أن ورثته يقومون مقامه في الرد والقبول، فإن قبلوا، فعلى
الخلاف في أن الملك متى يحصل؟ إن قلنا: بالموت، أو موقوف، فقبولهم كقبول
الموصى له في عتق الأولاد بالملك، وفي انعقادهم على الحرية ومصير الجارية أم
ولد وفي بقائهم مماليك لورثة الموصي، على اختلاف الأحوال السابقة بلا فرق، إلا
أنهم إذا عتقوا بقبول الموصى له، ورثوه. وإذا عتقوا بقبول الورثة، لم يرثوا كما
سبق. وإن قلنا: يملك بالقبول. فإن كان بين الوارث والأولاد قرابة تقتضي العتق،
بأن كان وارث الموصى له أباه، عتقوا عليه، وإلا، ففيه الوجهان السابقان، وإذا لم
يحصل العتق، فهل تقضى ديون الموصى له منها؟ أم تسلم للورثة؟ فيه الوجهان
السابقان أيضا، وبالله التوفيق.
الباب الثاني
في أحكام الوصية الصحيحة
إذا جمعت الوصية شروط صحتها، صحت، ثم ينظر في أحكامها، وهي
ثلاثة أقسام: لفظية، ومعنوية، وحسابية.
145

(القسم) الأول: اللفظية، وفيه طرفان.
(الطرف) الأول: في اللفظ المستعمل في الموصى به، وفيه مسائل
(المسألة) الأولى: إذا أوصى بجارية حامل، واستثنى حملها لنفسه، صح، بخلاف
البيع. وكذلك تصح الوصية بالحمل وحده، بشرطه المتقدم، بخلاف بيعه. ولو
أوصى بالحمل لرجل، وبالأم لآخر، صحت الوصيتان. ولو أطلق الوصية
بالجارية، ففي دخول الحمل فيها وجهان، أصحهما على ما دل عليه كلام
الأصحاب: الدخول، كالبيع، ولا تبعد الفتوى، بخلاف البيع، لأن الحمل
لا ينفرد بالبيع، فجعل تبعا، ويفرد بالوصية، فلا يتبع، ولان الأصل تنزيل الوصية
على المتيقن، ولأنها عقد ضعيف، فلا يستتبع. فإن قلنا بدخوله، لم تنقطع الوصية
بانفصال الحمل، بل يبقى موصى به، والانفصال زيادة حدثت فيه. ولو أوصى له
بالحمل والجارية معا، صح فيهما قطعا كما لو أوصى بهما لرجلين.
(المسألة) الثانية: الطبل أنواع سبق بيانها. وذكرنا أن طبل اللهو إن صلح لمنفعة
مباحة، إما على هيئته، وإما بعد التغيير الذي لا يبطل اسم الطبل، صحت الوصية
به، وإلا، فلا. إذا عرفت هذا، فإن أطلق وقال: أعطوه طبلا من مالي، ولم يكن
له طبل يحل الانتفاع به، اشتري ودفع إليه. وإن قال: طبلا من طبولي، فإن كان
له طبل يحل الانتفاع به، كطبل الحرب، وكان له أيضا طبل لهو لا تصح الوصية
به، صحت الوصية ونزل على طبل الحرب ونحوه. وإن لم يكن له إلا طبول لا تصح
الوصية بها، فالوصية باطلة. وإذا صحت الوصية بالطب، دفع إلى الموصى له معه
الجلد الذي عليه إن كان لا يقع عليه اسم الطبل دون الجلد.
فرع تجوز الوصية بالدف، فإن كان عليه جلاجل، وحرمناها، نزعت،
ولم تدف إليه إلا أن ينص عليها.
146

(المسألة) الثالثة: اسم العود يقع على عود اللهو الذي يضرب به، وعلى واحد
الأخشاب التي تستعمل في البناء والتي تصلح للسقي والعصي. والوصية بعود اللهو
كهي بطبل اللهو، فينظر، هل يصلح على هيئته لمنفعة مباحة أو بعد التغيير الذي لا
يبطل اسم العود، أم لا يصلح؟ وإذا صحت الوصية به لم يدفع الوتر والمضراب،
لأنه يسمى عودا دونهما. وإذا قال: أعطوه عودا من عيداني، نظر، إن لم يكن له
إلا عيدان القسي والبناء، أعطي واحدا منها. وكذا لو كان معها عيدان اللهو الصالحة
لمنفعة مباحة، أعطاه الوارث ما شاء من الجميع. ولو كان له عيدان لهو غير صالحة لمباح، وعيدان قسي وبناء، فوجهان. أحدهما: تنزل الوصية على عيدان القسي
والبناء، كمثله في الطبل، وكما لو لم يكن له إلا عيدان القسي والبناء، فيعطى واحدا
منها. وأصحهما وهو المنصوص: أن الوصية باطلة، تنزيلا على عيدان اللهو، لان
اسم العود عند الاطلاق لهذا الذي يضرب، واستعماله في غيره مرجوح، والطبل
يقع على الجميع وقوعا واحدا. وللقائل الأول أن يمنع ظهور اسم العود فيما يضرب
به، ويقول: هو مشترك بينه وبين الذي يتبخر يوفي واحد الأخشاب بحسب
الحاجة، ولا ترجيح.
فرع أوصى بعود، ولا عود له، فمقتضى تنزيل مطلق العود على عود اللهو
إبطال الوصية، وأن يشترى له عود لهو يصلح لمباح، وأطلق المتولي أنه يشترى ما لو
كان موجودا في ماله أمكن تنفيذ الوصية بالعود به. ولو أوصى بعود من عيدانه، وليس
له إلا عود لهو، وعود بناء، وعود قسي. فإن حملنا لفظ العيدان على هذه الآحاد،
فقد حملنا اللفظ المشترك على معانيه معا، وفيه خلاف لأهل الأصول. فإن منع،
فهذه الصورة، كما لو أوصى بعود من عيدانه وليس له إلا عود لهو، أو لا عود له.
قلت: مذهب الشافعي رحمه الله حمل اللفظ المشترك على معانيه، ووافقه
عليه جماعة من أهل الأصول. والله أعلم.
فرع الوصية بالمزمار كالوصية بعود اللهو. وإذا صحت، لم يلزم
تسليم المجمع، وهو الذي يجعل بين شفتيه، لأن الاسم لا يتوقف عليه.
147

(المسألة) الرابعة: اسم القوس يطلق على العربية، وهي التي يرمى بها النبل، وهي
السهام العربية وعلى الفارسية، وهي التي يرمى بها النشاب. وعلى القسي التي
لها مجرى تنفذ فيه السهام الصغار، ويسمى: الحسبان. وعلى الجلاهق، وهو ما
يرمى به البندق. وعلى قول: الندف. والسابق إلى الفهم من لفظ القوس أحد
الأنواع الثلاثة الأول. فإذا قال: أعطوه قوسا، حمل على أحدهما، دون الجلاهق
وقوس الندف. ولو قال: أعطوه ما يسمى قوسا، ففي التتمة أن للوارث أن يعطيه
ما شاء من الأنواع الثلاثة وغيرها. ويشبه أن يكون كما لو قال: أعطوه قوسا، إلا أن
يقول: ما يسمى قوسا غالبا أو نادرا وما أشبهه.
قلت: الذي قاله في التتمة هو الصواب. والله أعلم.
ولو قال: أعطوه قوسا من قسي، وله قسي من كل نوع، أعطي ما يرمى
به النبل أو النشاب أو الحسبان، دون البندق والجلاهق، وكذا لو كان له شئ من
الأنواع الثلاثة. فلو لم يكن له إلا قوس ندف، أو جلاهق، حمل عليه، للتقييد
بالإضافة، ولو كان له قوس ندف وجلاهق، أعطي الجلاهق، لأن الاسم إليه
أسبق. وهذا كله عند الاطلاق. فلو قال: أعطوه قوسا يقاتل بها، أو يرمي الطير،
أو يندف بها، فقد أبا الغرض.
فرع لا يدخل الوتر في الوصية بالقوس على الأصح، لخروجه عن اسم
القوس. وكما لا يدخل السرج في الوصية بالدابة. ويشبه أن يجري الوجهان في بيع
القوس. وأما الريش، والنصل، فيدخلان في السهم لثبوتهما.
(المسألة) الخامسة: اسم الشاة يقع على صغيرة الجثة، وكبيرتها، والسليمة،
والمعيبة، والصحيحة، والمريضة، والضائنة، والماعز. وهل يدخل الذكر فيها؟
قال الشافعي رضي الله عنه في الأم: لا يدخل، وإنما هو للإناث بالعرف. ومن
الأصحاب من قال: يدخل، لأنه اسم جنس كالانسان، وليست التاء فيه للتأنيث،
بل للواحد. قال الحناطي: وبهذا قال أكثر الأصحاب، ويؤيده أنه لو أخرج عن
148

خمس من الإبل في الزكاة ذكرا، أجزأه على الأصح. وفي السخلة، والعناق
وجهان. أصحهما: لا يقع عليهما اسم الشاة. والثاني: يقع. فإذا عرف هذا،
فلو قال: أعطوه شاة من شياهي، أو من غنمي، فإن لم يكن له غنم، فالوصية باطلة
وإن كان أعطى واحدة منها سليمة، أو معيبة من الضأن، أو المعز، وإذا كانت كلها
ذكورا، أعطى ذكرا. وإن كانت كلها إناثا أعطى أنثى. وإن كانت ذكورا وإناثا،
جاز أن يعطي أنثى. وفي جواز الذكر الخلاف المذكور في تناول الشاة الذكر. ولو
قال: أعطوه شاة من مالي، أعطي واحدة يتناولها الاسم. فإن ملك غنما، فللوارث
أن يعطي على غير صفة غنمه. فإن لم يكن غنما، اشترى له شاة، بخلاف ما إذا
قال: من غنمي، ولا غنم له. ولو قال: اشتروا له شاة، حكى البغوي: أنه لا
يجوز أن يشترى معيبة، لأن إطلاق الامر بالشراء يقتضي التسليم كما في التوكيل
بالشراء، وأبدى فيما حكاه احتمالا، ولو قال: كبشا أو تيسا، أو شاة لينزيها
عن غنمه، فالوصية بالذكر. ولو قال: نعجة، أو شاة يحلبها، أو ينتفع بدرها
ونسلها، فهي بالأنثى.
قلت: لم يفصح الامام الرافعي بالغرض في هذه المسألة. فإن قال نعجة:
فهي للأنثى من الضأن بلا خلاف عند الفقهاء وأهل اللغة. وقد أوضحت هذا في
تهذيب الأسماء واللغات. وإن قال: شاة يحلبها، أو ينتفع بدرها ونسلها، فهي
للأنثى من الضأن، أو المعز. والله أعلم.
فرع الظباء قد يقال لها: شياه البر، والثور الوحشي قد يسمى شاة في
اللغة، لكن مطلق الوصية بالشاة لا يطلق عليها. لكن لو قال: أعطوه شاة من
شياهي، وليس له إلا ظباء، ففيه وجهان حكاهما في المعتمد.
قلت: ينبغي أن يكون الأصح تنزيل الوصية على واحد منها. والله أعلم.
(المسألة) السادسة: البعير، والجمل، والناقة، أسماء تشتمل السليم، والمعيب،
والبخاتي، والعراب. ولا يتناول الجمل الناقة، ولا الناقة الجمل. وفي تناول البعير
الناقة مثل الخلاف المذكور في تناول الشاة الذكر، والحكاية عن النص المنع،
149

وتنزيل البعير منزلة الجمل. والأصح عند الأصحاب التناول، لأنه اسم جنس عند
أهل اللغة. وسمع من العرب: حلب فلان بعيره، وصرعتني بعيري. وربما
أفهمك كلام الأصحاب توسطا بينهما، وهو تنزيل النص على ما إذا عم العرف
باستعمال البعير بمعنى الجمل، والعمل بمقتضى اللغة إذا لم يعم.
فرع اسم الثور للذكر. وفي البقرة وجهان. أصحهما: اختصاصها
بالأنثى. والثاني: يتناول الذكر، والهاء للواحد، كقولنا: تمرة، وكذا الخلاف في
اسم البغلة.
فرع قال: أعطوه عشرا من الإبل، أو الغنم، جاز الذكر والأنثى. ولو
قال: عشر أينق، أو بقرات، لم يعط إلا الإناث. ولا فرق بعد التصريح بالأينق
والبقرات بين أن يقول: عشرا وعشرة. وهذا تفريع على الأصح، وهو أن البقرة
للأنثى. ولو قال: أعطوه عشرا من الإبل، أو عشرة، جاز الذكر والأنثى، لتناول
الإبل النوعين، وفي وجه حكاه السرخسي: إن قال: عشرة، فللذكور، وعشر،
للإناث. ولو قال: أعطوه رأسا من الإبل، أو البقر، أو الغنم، جاز الذكر والأنثى.
فرع أوصى بكلب، أو حمار، قال الغزالي وغيره: لا يدخل فيه الأنثى، لأنهم ميزوا، فقالوا: كلب وكلبة، وحمار وحمارة. ويشبه أن يقال: إنهما
للجنس، لأن التمييز ليس مستمرا في اللغة، وبتقدير استمراره، فلا شك في
استمرار العرف بخلافه. وقد قال بعض الأصحاب لهذا: يتبع العرف.
قلت: الصواب ما قاله الغزالي وغيره. والله أعلم.
فرع قياس تكميل البقر بالجواميس في نصب الزكاة، دخول الجواميس في
البقر، وكونهما نوعي جنس واحد. وقال في المعتمد: لا تدخل في البقر، إلا
إذا قال: من بقري وليس له إلا الجواميس، فوجهان كما ذكر في الظباء.
(المسألة) السابعة: الدابة في اللغة: اسم لما يدب على الأرض، ثم اشتهر
استعماله فيما يركب من البهائم. والوصية تنزل على هذا الثاني. فإذا قال: أعطوه
دابة، تناول الخيل، والبغال، والحمير. هذا نص الشافعي رضي الله عنه. فقال
150

ابن سريج رحمه الله: هذا ذكره الشافعي رحمه الله على عادة أهل مصر في ركوبها
جميعا واستعمال لفظ الدابة فيها. فأما سائر البلاد، فحيث لا يستعمل اللفظ إلا في
الفرس، لا يعطى إلا الفرس. وقال أبو إسحاق وابن أبي هريرة وغيرهما: الحكم
في جميع البلاد كما نص عليه الشافعي رحمه الله، وهذا أصح عند الأصحاب.
فعلى هذا، لو قال: دابة من دوابي، وله جنسان من الثلاثة، تخير الوارث. فإن لم
يكن له إلا جنس، تعين. وإن لم يكن له شئ منها، فالوصية باطلة. ويدخل في
لفظ الدابة، الذكر والأنثى، والصغير والكبير، والسليم والمعيب. هذا كله إذا
أطلق. فلو قال: دابة للكر والفر، أو للقتال، حمل على الفرس. ولو قال: لينتفع
بدرها وظهرها، فكذلك. ولو قال: بظهرها ونسلها، حمل على الفرس،
والجمل، والحمارة. ولو قال: للحمل، حمل على البغال والحمير، إلا أن
يكون في بلد جرت عادتهم بالحمل على البراذين، فيدخل الجميع. قال المتولي:
بل لو كان عر ف بلدهم الحمل على الجمال والبقر، جاز أن يعطى جملا، أو بقرة.
وهذا الذي قاله ضعيف، لأنا إذا حملنا الدابة على الأجناس الثلاثة لا يصح الحمل
على غيرها لقيد أو صفة.
قلت: قول المتولي قوي. والله أعلم.
(المسألة) الثامنة: اسم الرقيق بالوضع يتناول الصغير والكبير، والسليم والمعيب،
والمسلم والكافر، والذكر والأنثى والخنثى.
فرع إذا قال: أعطوه رأسا من رقيقي، أو أوصيت له برأس من رقيقي،
فإن لم يكن له رقيق يوم الوصية، ولا حدث بعد ذلك، فالوصية باطلة. وكذا لو
قال: أعطوه عبدي الحبشي، أو العبد الذي صفته كذا، ولا عبد له بتلك الصفة يوم
الوصية، ولا حدث، فهي باطلة. فلو حدث له أرقاء بعد الوصية، ففيه الوجهان
السابقان في أن الاعتبار بيوم الوصية، أم بيوم الموت؟ وعليهما يخرج ما إذا كان له
أرقاء يوم الوصية وحدث آخرون بعده، وهل للوارث أن يعطيه رقيقا من الحادثين،
أم يتعين الأولون؟ ولو لم يملك إلا رقيقا واحدا وقال: أعطوه رأسا من رقيقي، فهل
تصح الوصية ويدفع إليه ذلك الواحد، أم تبطل؟ وجهان. أصحهما: الأول. وإن
151

كان له أرقاء، أعطاه الوارث منهم من شاء، ويجوز الخنثى على الأصح، لشمول
الاسم. وقيل: لا، لانصراف اللفظ إلى المعهود. ولا يجوز أن يعطى من غير
أرقائه ولو تراضيا، لأن حقه غير متعين، والمصالحة عن المجهول باطلة.
فرع له أرقاء أوصى بأحدهم، فماتوا، أو قتلوا قبل موت الموصي،
بطلت الوصية. وإن بقي واحد، تعين.. وكذا لو أعتقهم إلا واحدا. وليس للوارث
أن يمسك الذي بقي ويدفع إليه قيمة مقتول. وإن قتلوا بعد موته وبعد قبول الموصى
له، انتقل حقه إلى القيمة، فيصرف الوارث من شاء منهم إليه. وإن قتلوا بعد موته
وقبل القبول، فكذلك إن قلنا: تملك الوصية بالموت، أو موقوفة. وإن قلنا
: تملك بالقبول، بطلت الوصية. وإن مات واحد منهم، أو قتل بعد موت الموصي
وقبول الموصى له، فللوارث التعيين فيه، حتى يجب التجهيز على الموصى له في
صورة الموت، وتكون القيمة له في صورة القتل. وإن كان ذلك بعد موت الموصي
وقبل القبول، فكذلك إن قلنا: تملك الوصية بالموت، أو موقوفة. وإن قلنا:
تملك بالقبول، فيعطى واحدا من الباقين، كما لو كان ذلك قبل موت الموصي.
فرع أوصى برقيق من ماله، ولم يضف إلى أرقائه فإن لم يكن له رقيق،
اشتري من ماله. وإن كان، فالوارث يعطيه واحدا منهم، أو يشتري له كما يشاء.
وإن قال: اشتروا له مملوكا، فكما ذكرنا في قوله: اشتروا له شاة. ولو قال: أعطوه
رقيقا، ولم يقل: من مالي، قال البغوي: لا يكون وصية. وحكى المتولي
وجهين. أحدهما: هذا، والثاني - قال: وهو المذهب -: تصحيح الوصية،
وجعلها، كقوله: من مالي، لأنه المراد ظاهرا.
فرع قال: أعطوه عبدا، لم يعط أمة، ولا خنثى مشكلا. ولو قال: أمة،
لم يعط عبدا، ولا خنثى مشكلا. وفي الواضح الوجهان السابقان. ولو قال:
رقيقا يقاتل، أو يخدمه في السفر، تعين العبد. ولو قال: رقيقا يستمتع به، أو
يحضن ولده، تعينت الأمة. ولو قال: رقيقا يخدمه، فهو كما لو أطلق.
فرع (لو) أوصى بإعتاق عبد، أعتق ما يقع عليه الاسم على الأصح.
وقيل: يتعين ما يجزئ في الكفارة، لأنه المعروف في الاعتاق، بخلاف: أعطوه
152

عبدا، فلا عرف فيه. فرع قال: اشتروا بثلثي عبدا واعتقوه عني، فامتثل الوارث، ثم ظهر عليه
دين مستغرق، قال الأصحاب: إن اشتراه في الذمة، وقع عنه ولزمه الثمن، ويكون
العتق عن الميت، لأنه أعتق عنه. وإن اشتراه بعين التركة، بطل الشراء والعتق.
كذا ذكروه بلا خلاف. وقد سبق في تصرف الورثة في التركة مع قيام الدين تفصيل،
وذكرنا على تقدير البطلان خلافا في أنه إذا تصرف ثم ظهر دين، هل يتبين البطلان،
أم لا؟ وهذا ينبغي أن يكون على ذلك الخلاف.
فرع قال: أعتقوا عني رقابا، أو قال: اشتروا بثلث مالي رقابا
وأعتقوهم، فأقل عدد يقع عليه اسم الرقاب ثلاثة. فإن تيسر شراء ثلاث فصاعدا
بثلثه، فعل. قال الشافعي رحمه الله: الاستكثار مع الاسترخاص أولى من
الاستقلال مع الاستغلاء، ومعناه: أن إعتاق خمس رقاب قليلة القيمة أفضل من
إعتاق أربعة كثيرة القيمة. ولا يجوز صرف الثلث والحالة هذه إلى رقبتين. فإن صرفه
إليهما، قال الشيخ أبو الفرج الزاز: يضمن الوصي للرقبة الثالثة. وهل يضمن ثلث
ما نفذت فيه الوصية، أم أقل ما يجد به رقبة؟ فيه الخلاف، كمن دفع نصيب أحد
أصناف الزكاة إلى اثنين. أما إذا لم يتيسر شراء ثلاث رقاب بالثلث، فينظر،
إن لم يوجد به إلا رقبتان، اشتريناهما وأعتقناهما. وإن وجدنا رقبتين، وفضل
شئ، فهل يشتري بالفاضل شقصا؟ وجهان. أحدهما: نعم واختاره الغزالي.
وأصحهما عند جماهير الأصحاب وهو ظاهر النص: المنع، لأن الشقص ليس
برقبة، فصار كقوله: اشتروا بثلثي رقبة، فلم يجد رقبة، لا يشتري شقصا قطعا.
فعلى هذا، يشتري رقبتين نفيستين يستغرق ثمنهما الثلث. فإن فضل عن أنفس
رقبتين وجدناهما، بطلت الوصية في الفاضل، ورد على الورثة. وإذا قلنا: يشتري
شقصا، فذاك إذا وجد شقص يشترى بالفاضل وزاد على ثمن أنفس رقبتين شئ.
فأما إذا لم يمكن شراء شقص بالفاضل، إما لقلته، وإما لعدم الشقص، فيشترى
رقبتان نفيستان. فإن فضل شئ عن أنفس رقبتين وجدناهما، بطلت الوصية في
الفاضل على الأصح. وقيل: يوقف إلى أن يوجد شقص، فإن لم يزد على ثمن
أنفس رقبتين شئ، بل أمكن شراء رقبتين نفيستين، وأمكن شراء خسيستين وشقص
153

من ثالثة، فأي الامرين أولى؟ وجهان. أشبههما بالوجه الذي تفرع عليه، الثاني.
ولو كان لفظ الموصي: اصرفوا ثلثي إلى العتق، اشترينا الشقص بلا خلاف. ولو
قال: اشتروا عبدا بألف واعتقوه، فلم يخرج الألف من ثلثه، وأمكن شراء عبد
بالقدر الذي يخرج، فيشترى ويعتق.
الطرف الثاني: في اللفظ المستعمل في الموصى له، وفيه مسائل.
(المسألة) الأولى: في الوصية للحمل، وقد سبق شرط صحتها. فالمقصود الآن بيان
ما يقتضي اللفظ من حيث العدد والذكورة والأنوثة. فإذا قال: أوصيت لحمل هند
بكذا، فأتت بولدين، وزع عليهما بالسوية، ولا نفضل الذكر على الأنثى، كما لو
وهب لرجل وامرأة شيئا، إلا أن يصرح بالتفضيل. ولو خرج حي وميت فالأصح أن
الجميع للحي، لأن الميت كالمعدوم. وقيل: للحي النصف، والباقي لوارث
الموصي.
فرع قال: إن كان حملها غلاما، فأعطوه كذا، وإن كان جارية، فكذا،
واقتصر على أحد الطرفين، فإن ولدت ذكرا أو أنثى، فعل ما ذكر. وإن ولدت ذكرا
وأنثى جميعا، فلا شئ لواحد منهما، لأنه شرط صفة الذكورة أو الأنوثة في جملة
الحمل، ولم يحصل. وإن ولدت ذكرين، قال الغزالي: لا شئ لهما، لان
التنكير يشعر بالتوحيد. ويصدق أن يقال: بأن حملها غلامين لا غلاما. لكنه ذكر
في الطلاق في قوله: إن كان حملك ذكرا، فأنت طالق طلقة، وإن كان أنثى،
فطلقتين، فولدت ذكرين، فيه وجهان. أحدهما: لا تطلق، لهذا المعنى.
والثاني: تطلق طلقة. والمعنى: إن كان جن س حملك ذكرا. ولا فرق بين البابين،
فيجئ هنا وجه: أنه يقسم المذكور للغلام بينهما. وبهذا قطع الشيخ أبو الفرج
الزاز. قال: وبمثله لو قال: إن كان حملها ابنا، فله كذا، وإن كان بنتا، فكذا،
فولدت ابنين، لا شئ لهما، وفرق بأن الذكر والأنثى أسماء جنس، فتقع على
الواحد والعدد، بخلاف الابن والبنت، وهذا ليس بواضح، والقياس أن لا فرق.
قلت: بل الفرق واضح، والمختار ما قاله أبو الفرج، فيقسم بين الذكرين في
154

الصورة الأولى، دون الثانية، لما ذكرناه من الفرق. والله أعلم.
ولو قال: إن كان ما في بطنها غلاما، أو الذي في بطنها، فهو كما لو قال: إن
كان حملها غلاما. ولو قال: إن كان في بطنها غلام، فأعطوه كذا، فولدت غلاما
وجارية، استحق الغلام ما ذكر. وإن ولدت غلامين، فوجهان. أحدهما: بطلان
الوصية، بناء على أن التنكير يقتضي التوحيد. وأصحهما: صحتها. فعلى هذا هل
يوزع بينهما، أم يوقف إلى أن يبلغا فيصطلحا عليه، أم يصرفه الوارث إلى من شاء
منهما كما لو وقع الابهام في الموصى به؟ فيه أوجه. أصحها: الثالث. وتجري
الأوجه فيما لو أوصى لاحد شخصين وجوزنا الابهام في الموصى له فمات قبل
البيان، ففي وجه: يعين الوارث. وفي وجه: يوزع. وفي وجه: يوقف حتى
يصطلحا. ولو قال: إن كنت حاملا بغلام، أو إن ولد ت غلاما، فهو كما لو قال:
إن كان في بطنها غلام. ولو قال: إن ولدت ذكرا، فله مائتان، وإن ولدت أنثى،
فمائة، فولدت خنثى، دفع إليه الأقل. وإن ولدت ذكرا وأنثى، فلكل واحد منهما
ما ذكر. وإن ولدت ذكرين وأنثيين، جاء الوجهان. ثم الأوجه الثلاثة في كل واحد
من الصنفين.
المسألة (الثانية): أوصى لجيرانه، صرف إلى أربعين دارا من كل جانب من جوانب
داره الأربعة، هذا هو الصحيح المعروف للأصحاب. وقيل: هو الذي تلاصق داره
داره.
قلت: ويقسم المال على عدد الدور، لا على عدد سكانها. والله أعلم.
(المسألة) الثالثة: أوصى للقراء، لا يصرف إلا إلى الذين يقرؤون جميع القرآن،
وهل يدخل فيه من يقرأ من المصحف ولا يحفظ؟ وجهان. ينظر في أحدهما
إلى الوضع. والثاني: إلى العرف. والأصح: المنع. ولك أن تقول: اسم القراء
والمقرئين في هذه الأعصار يطلق على الحفاظ وعلى الذين يقرؤون بالألحان،
وبالمعنى الثاني لا يشترط لاطلاق اللفظ الحفظ، ولا قراءة جميع القرآن، فيجوز أن
155

يقال: إن كان هناك قرينة تفهم أحد المعنيين، فذاك، وإلا، فهو كما لو أوصى
للموالي.
قلت: الصواب ما رجحه الأصحاب: أنه لا يعطى إلا من يحفظ الجميع.
والله أعلم.
(المسألة) الرابعة: أوصى للعلماء أو لأهل العلم، صرف إلى العلماء بعلوم الشرع،
وهي: التفسير، والفقه، والحديث. ولا يدخل فيه الذين يسمعون الحديث ولا
علم لهم بطرقه، ولا بأسماء الرواة ولا بالمتون، فإن السماع المجرد ليس بعلم. ولا
يدخل أيضا المقرئون وعابرو الرؤيا، ولا الأدباء، والأطباء، والمنجمون،
والحساب، والمهندسون، وقال أكثر الأصحاب: ولا يدخل فيه المتكلمون أيضا،
وقال المتولي: الكلام يدخل في العلوم الشرعية، وهذا قريب.
156

فرع أوصى للفقهاء أو المتفقهة أو الصوفية، فهو على ما ذكرناه في
الوقف. لكن في لفظ البغوي: أنه لا يقنع بما سبق في تفسير الفقهاء، لأنه قال: لو
أوصى للفقهاء، فهو لمن يعلم علم أحكام الشرع في كل نوع شيئا. وفي
التتمة: أن الرجوع فيه إلى العادة. ثم ذكر وجها أن من حفظ أربعين مسألة، فهو
فقيه وهو ضعيف جدا.
(المسألة) الخامسة: أوصى لأعقل الناس في بلده، صرف إلى أزهدهم في الدنيا،
نص عليه الشافعي رضي الله عنه. ولو أوصى لأجهل الناس، حكى الروياني: أنه
يصرف إلى عبدة الأوثان. فإن قال: من المسلمين، قال: من يسب الصحابة
رضي الله عنهم. وقال المتولي: يصرف إلى الامامية المنتظرة للقائم، وإلى
المجسمة.
قلت: وقيل: يصرف إلى مرتكبي الكبائر من المسلمين، إذ لا شبهة
لهم. والله أعلم
157

(المسألة) السادسة: يدخل في الوصية للفقراء المساكين، فيجوز الصرف إلى هؤلاء وإلى هؤلاء،
وكذلك يدخل في الوصية للمساكين الفقراء، ويجوز الصرف إلى
الصنفين، لأن كل واحد من الاسمين يقع على الفريقين عند الانفراد. وفي قول:
ما أوصى به للفقراء، لا يصرف إلى المساكين، ويجوز عكسه، رواه عصام بن
يوسف عن الشافعي رضي الله عنه، والمشهور الأول. ولو جمع بينهما، فأوصى
للفقراء والمساكين، وجب الجمع بينهما، كما في الزكاة. ولو أوصى لسبيل الله،
أو قال: ضعوا ثلثي في سبيل الله، فهو للغزاة المساكين المستحقين للزكاة. ولو
أوصى للرقاب، أو قال: ضعوا ثلثي في الرقاب، فللمكاتبين. فإن دفع إلى
مكاتب، فعاد إلى الرق والمال باق في يده أو في يد سيده، استرد. ولو أوصى
للغارمين أو لابن السبيل، فلمن تصرف إليه الزكاة منهم. وبالجملة فالحكم في هذه
المسائل كما في الزكاة، أخذا بعرف الشرع فيها. حتى إذا أوصى للفقراء
والمساكين، جعل المال بين الصنفين نصفين. ولا يجعل على عدد رؤوسهم،
بخلاف ما إذا أوصى لبني زيد، وبني عمرو. ولا يجب أيضا الاستيعاب، بل يكفي
الصرف إلى الثلاثة من كل صنف. ولا تجب التسوية بين الثلاثة. ولو دفع إلى
اثنين، غرم، إما الثلث، وإما أقل ما يتمول كما سبق في قسم الصدقات.
ثم ليس له دفع ما يغرمه إلى ثالث، بل يسلمه إلى القاضي ليدفعه بنفسه، أو يرده
إليه ويأتمنه بالدفع.
فرع الوصية للعلماء وسائر الموصوفين، كالوصية لأصناف الزكاة في أنه لا
158

يجب الاستيعاب، ويقتصر على ثلاثة، والأفضل استيعاب الموجودين عند
الامكان. كما في الزكاة.
فرع لو أوصى لفقراء بلد بعينه، وهم عدد محصورون، اشترط استيعابهم
والتسوية بينهم، لتعينهم. بل يشترط القبول في هذه الوصية، بخلاف الوصية
لمطلق الفقراء. ذكره صاحب التهذيب وغيره. وفي جواز نقل ما أوصى به
للفقراء أو المساكين من بلد إلى بلد، خلاف سبق في قسم الصدقات،
والمذهب الجواز. فإذا قلنا: لا يجوز، وجب أن يكون قوله: أوصيت للفقراء -
وفقراء البلد محصورون - كقوله: أوصيت لفقراء هذه البلدة - وهم محصورون -،
ويدل عليه أن الأستاذ أبا منصور ذكر في الوصية للغارمين، أنه يعطى لثلاثة منهم إن
كانوا غير محصورين، فإن كانوا محصورين، استوعبوا. فإن اقتصر الوصي على
ثلاثة، فهل يجزئه، أم يضمن حصة الباقين؟ فيه جوابان. فإن قلنا بالثاني،
فالحساب على قدر ديونهم، أم على رؤوسهم؟ وجهان.
قلت: الصحيح المعتمد ما قاله الأصحاب، وهو ما سبق. والله أعلم.
فرع لو أوصى لثلاثة معينين، وجب التسوية بينهم، بخلاف الثلاثة
المصروف إليهم من الفقراء وسائر الأصناف، لأنا عرفنا ذلك من معهود الشرع في
الزكاة، والاستحقاق هنا مصاف إلى أعيانهم.
159

فرع لو أوصى لسبيل البر، أو الخير، أو الثواب، فعلى ما ذكرناه في
الوقف.
فرع لو قال: ضع ثلثي حيث رأيت، أو فيما أراك الله، ليس له وضعه في
نفسه، كما لو قال: بع، لا يبيع لنفسه. والأولى صرفه إلى أقارب الموصي الذين
لا يرثونه، ثم إلى محارمه من الرضاع، ثم إلى جيرانه.
(المسألة) السابعة: أوصى لأقارب زيد، دخل فيه الذكر والأنثى، والفقير والغني،
والوارث وغيره، والمحرم وغيره، والقريب والبعيد، والمسلم والكافر، لشمول
الاسم. ولو أوصى لأقارب نفسه، ففي دخول ورثته وجهان. أحدهما: المنع،
لأن الوارث لا يوصى له. فعلى هذا، يختص بالباقين، وبهذا قطع المتولي،
ورجحه الغزالي، وهو محكي عن الصيدلاني. والثاني: الدخول، لوقوع الاسم،
ثم يبطل نصيبهم ويصح الباقي لغير الورثة. ولك أن تقول: يجب اختصاص
الوجهين بقولنا: الوصية للوارث باطلة. فأما إن وقفناها على الإجازة، فليقطع
بالوجه الثاني.
قلت: الظاهر أنه لا فرق في جريانهما، لأن مأخذهما أن الاسم يقع، لكنه
خلاف العادة. والله أعلم.
وهل يدخل في الوصية لأقارب زيد أصوله وفروعه؟ فيه أوجه، أصحها عند
الأكثرين: لا يدخل الأبوان والأولاد، ويدخل الأجداد والأحفاد، لأن الوالد والولد
لا يعرفان بالقريب في العرف، بل القريب من ينتمي بواسطة. والثاني: لا يدخل
أحد من الأصول والفروع. والثالث: يدخل الجميع، وبه قطع المتولي. وقد ادعى
160

الأستاذ أبو منصور الاجماع على أنه لا يدخل الأبوان والأولاد. ويعتبر أقرب جد
ينسب إليه الرجل، ويعد أصلا وقبيلة في نفسه، فيرتقي في بني الأعمام إليه، ولا
يعتبر من فوقه. حتى لو أوصى لأقارب حسني، أو أوصى حسني لأقارب نفسه، لم
يدخل الحسينيون، وكذلك وصية المأموني لأقاربه. والوصية لأقارب المأموني لا
يدخل فيها أولاد المعتصم وسائر العباسية. والوصية لأقارب الشافعي رضي الله عنه
في زمانه، تصرف إلى أولاد شافع، ولا يدخل فيها أولاد علي والعباس رضي الله
عنهما وإن كان شافع وعلي والعباس كلهم أولاد السائب بن عبيد. والشافعي هو
محمد بن إدريس، بن العباس، بن عثمان، بن شافع، بن السائب، بن عبيد،
بن عبد يزيد، بن هاشم، بن عبد المطلب، بن عبد مناف. ولو أوصى رجل
لأقارب بعض أولاد الشافعي في هذه الأزمنة، دخل فيه أولاد الشافعي دون غيرهم من
أولاد شافع. وعلى هذا القياس.
فرع إذا أوصى لأقاربه، فإن كان أعجميا، دخل قرابة الأب والأم. وإن
كان عربيا، فوجهان. أصحهما وبه قطع العراقيون وهو ظاهر نصه في المختصر:
دخولهم من الجهتين كالعجم. والثاني: لا تدخل قرابة الأم، ورجحه الغزالي،
والبغوي، لأن العرب لا تفتخر بها.
فرع لا فرق في جميع ما ذكرناه بين قوله: أوصيت لأقاربي، أو لقرابتي،
أو لذي قرابتي، أو ذي رحمي، أو ذوي قرابتي، أو ذوي رحمي، لكن قرابة الام
تدخل في لفظ الرحم بلا خلاف في الوصية العرب والعجم جميعا.
فرع إذا لم يوجد قريب واحد، صرف المال إليه إن أوصى لذي قرابته،
أو ذي رحمه، أو لقرابته، لأنه يوصف به الواحد والجمع. فإن كان اللفظ:
لأقاربي، أو أقربائي، أو ذوي قرابتي، أو ذوي رحمي، فثلاثة أوجه. الأصح: أنه
يعطى كل المال. والثاني: نصفه. والثالث: ثلثه، وتبطل الوصية في الباقي.
وإن كان هناك جماعة محصورة، قسم المال بينهم بالسوية، ويجب استيعابهم على
الصحيح. وحكى الحناطي وجها: أنه يجوز صرفه إلى ثلاثة منهم. وإن كانوا غير
محصورين، فهو كالوصية للعلوية والقبائل العظيمة، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
قريبا.
161

(المسألة) الثامنة: أوصى لأقرب أقارب زيد، دخل فيها الأبوان والأولاد. فإن اجتمع
أب وابن، فوجهان. وقيل: قولان. أحدهما: يسوى بينهما، لاستوائهما في
الرتبة، فعلى هذا يقدم الأب على ابن الابن. وأصحهما وبه قطع طوائف: يقدم الابن
لقوته وعصوبته. فعلى هذا، الأولاد مقدمون على من سواهم، ثم يليهم البطن
الثاني، ثم الثالث، إلى حيث ينتهون. ويستوي أولاد البنين والبنات. فإن لم يكن
أحد من الأولاد والأحفاد، قدم الأبوان، ثم بعدهما الأجداد والجدات، إن لم يوجد
الأخوة والأخوات، يقدم الأقرب فالأقرب منهم. أو الأخوة والأخوات، إن لم يوجد
الأجداد والجدات، فإن اجتمع جد وأخ، قدم الأخ على الأظهر. والثاني:
يستويان. وقيل: يقدم الأخ قطعا. ويجري هذا الخلاف في الجد أبي الأب،
والجد أبي الأم، مع الأخ للام والأخ لأب. فإن قلنا بالتسوية، فالجد أولى من ابن
الأخ. وإن قدمنا الأخ، فكذا ابنه وإن سفل. والمذهب تقديم ابن الأخ على أبي
الجد. وقيل بطرد الخلاف. ثم يقدم بعدهم أولاد الإخوة والأخوات، ثم الأعمام
والعمات، ويساويهم الأخوال والخالات، ثم أولاد هؤلاء. والأخ من الجهتين،
يقدم على الأخ من إحداهما، لزيادة قرابته. كذا قطع به الجمهور، وهو المذهب،
وحكى الحناطي والامام عن بعضهم في تقديمه قولين كولاية النكاح. والأخ من
الأب، والأخ من الأم، يستويان. وكذا القول في أولاد الإخوة، والأعمام،
والأخوال، وأولادهم. وفي تقديم الجدة من جهتين على الجدة من جهة، وجهان
كالوجهين، ترجيحها في الميراث. ويحصل مما ذكرناه أنه إذا اجتمع أولاد إخوة
مفترقين وأولاد أخوات مفترقات، فالمال لولد الأخ من الأبوين وولد الأخت من
الأبوين، فإن لم يوجد أولاد الإخوة والأخوات من الأبوين، فأولادهم من الأب
وأولادهم من الأم سواء. هذا إذا استوت الدرجة. فإن اختلفت، قدم الأقرب من
أي جهة كان. فيقدم الأخ من الأب على ابن الأخ للأبوين، ويقدم ابن الأخ للأب
وابن الأخ للام على ابن ابن الأخ للأبوين، لأن جهة الأخوة واحدة. فروعي قرب
الدرجة. فأما إذا اختلفت الجهة، فالبعيد من الجهة القريبة يقدم على القريب
من الجهة البعيدة. فيقدم ابن ابن الابن على الأخ. ويقدم ابن ابن الأخ وإن سفل على
العم. ولا يرجح في هذا الباب بالذكورة، ولا ينظر إلى الورثة، بل يستوي في
الاستحقاق، الأب، والأم. وكذا الابن والبنت، وكذا الأخ والأخت، كما يستوي
162

المسلم والكافر، ويقدم ابن البنت على ابن ابن الابن. وكل ذلك لأن الاستحقاق
منوط بزيادة القرب.
فرع أوصى لجماعة من أقرب أقارب زيد، فلا بد من الصرف إلى ثلاثة،
فإن كان له في الدرجة القربى ثلاثة، دفع إليهم. وإن كانوا أكثر، وجب تعميمهم
على الأصح، لئلا تصير وصية لغير معين، بخلاف الفقراء، لأن المراد بهم
الجهة. وقيل: لا، فيختار الوصي ثلاثة منهم. فإن كانوا دون الثلاثة، تممنا الثلاثة
ممن يليهم، فإن كان له إبنان، وابن ابن، دفع إليهم. وإن كان ابن، وابن ابن،
وابن ابن ابن، دفع إليهم. وإن كان ابن، وابنا ابن، فكذلك. وإن كان ابن، وابن
ابن، وبنو ابن ابن، دفع إلى الابن وابن الابن. وهل يدفع معهما إلى واحد من
الدرجة الثالثة، أم يعممون؟ فيه الوجهان. وإذا قلنا: يعممون، فالقياس التسوية
بين كل المدفوع إليهم. وفي تعليق الشيخ أبي حامد: أن الثلث لمن في الدرجة
الأولى، والثلث لمن في الثانية، والثلث لمن في الثالثة. هذا ما نص عليه
الشافعي، وقال الأصحاب في هذا الفرع: وكان الأشبه أن يقال: إنها وصية لغير
معين.
قلت: الصواب، ما نص عليه، وقاله الأصحاب. والله أعلم.
فرع أوصى لأقرب أقارب نفسه، فالترتيب كما ذكرنا، لكن لو كان الأقرب
وارثا، صرفنا إلى من يليه ممن ليس بوارث، إن لم نصحح الوصية للوارث، أو
صححناهما فلم يجزها سائر الورثة، كذا نقله البغوي وغيره، وهو تفريع على أنه لو
أوصى لأقارب نفسه، لم تدخل الورثة بقرينة الشرع. أما إذا قلنا: يدخلون،
ويوزع عليهم وعلى من ليس بوارث، فهنا تبطل الوصية، إلا أن يتعدد الأقربون
ويكون فيهم وارث وغير وارث.
(المسألة) التاسعة: آل رسول الله (ص): هل هم بنو هاشم وبنو المطلب فقط، أم
جميع أمته؟ فيه وجهان ذكرناهما في كتاب الصلاة. أصحهما: الأول. ولو
أوصى لآل غيره (ص)، فوجهان. أحدهما: بطلان الوصية، لابهام اللفظ وتردده بين
163

القرابة وأهل الدين وغيرهما. وأصحهما: الصحة، لظهور أصل له في الشرع.
وعلى هذا قال الأستاذ أبو منصور: يحتمل أن يكون كالوصية للقرابة، ويحتمل أن
يفوض إلى اجتهاد الحاكم. فإن كان هناك وصي، فهل المتبع رأي الحاكم، أم
الوصي؟ حكى الامام فيه وجهين، ولم يذكروا أن الحاكم والوصي يتحريان مراد
الموصي أم أظهر معاني اللفظ بالوضع أو الاستعمال. وينبغي أن يقال: المرعي
مراده إن أمكن العثور عليه بقرينة، وإلا، فأظهر المعاني.
قلت: وهذا الذي اختاره الرافعي هو الراجح المختار. والله أعلم.
فرع في أهل بيت الرجل وجهان. أحدهما: الحمل على ما يحمل عليه
الآل. وأصحهما: دخول الزوجة أيضا. وفي أهله دون لفظ البيت وجهان.
أحدهما: الحمل على الزوجة فقط. والثاني: على كل لن تلزمه نفقته. فعلى
الأول لو صدرت الوصية من امرأة، بطلت.
قلت: ينبغي أن لا تبطل، بل يتعين الوجه الثاني، أو يرجع فيه إلى العرف.
والأرجح من الوجهين الثاني. والله أعلم.
(المسألة) العاشرة: آباء فلان: أجداده من الطرفين. وأمهاته: جداته من الطرفين
. هكذا ذكره أبو منصور وغيره. وحكى الامام وجهين. أحدهما: هذا. وأصحهما
عنده: لا يدخل الأجداد من جهة الأم في الآباء، ولا الجدات من جهة الأب في
الأمهات. ولا خلاف في شمول الأجداد والجدات الطرفين، ولا يدخل في الأخوة
والأخوات.
(المسألة) الحادية عشرة: الأختان أزواج البنات، ولا يدخل فيه أزواج العمات
والخالات. وفي أزواج الأخوات وجهان. أصحهما عند الامام: المنع. ويدخل
أزواج الحوافد إن قلنا بدخول الأحفاد في الوصية للأولاد. وفي وجه: يدخل زوج
كل ذات رحم محرم. ثم الاعتبار بكونه زوجها عند الموت. فلو كانت خلية يوم
الوصية، منكوحة يوم الموت، استحق زوجها. وإن كانت مزوجة يوم الوصية،
164

مطلقة يوم الموت، فإن كان الطلاق رجعيا، استحق، وإلا، فلا. وإن أبانها بين
الموت والقبول، استحق إن قلنا: يستحق الوصية بالموت أو موقوفة. وإن قلنا:
بالقبول، فوجهان. ويجري الخلاف فيمن تزوجت بعد الموت وقبل القبول.
فرع أحماء الرجل أبوا زوجته. وفي دخول أجدادها وجداتها تردد حكاه
الامام، ولا يدخل أبوا زوجة الأب، وأبوا زوجة الابن، والأصهار كالأحماء، كذا
نقله الأستاذ أبو منصور، وإمام الحرمين. وفي أمالي السرخسي: أن كل
رجل من المحارم، فأبو زوجته، حمو. وأن الأصهار يشمل الأختان والأحماء.
قلت: هذا الذي قاله السرخسي هو المعروف عند أهل اللغة. والله
أعلم.
فرع يدخل في المحارم، كل محرم بالنسب، أو بالرضاع، أو
بالمصاهرة.
فرع الأولاد، والذرية، والعقب، والنسل، والعترة، على ما ذكرناه في
الوقف.
فرع قال: لورثة فلان، فلمن ورثه من ذكر أو أنثى بنسب أو سبب
بالسوية، لا على مقادير الإرث. فإن لم يكن له وارث خاص، وصرف ماله إلى بيت
المال، بطلت الوصية. وإن ورثه بنت واحدة، ولم يحكم بالرد، استحقت جميع
الوصية على الأصح، وقسطها في الآخر. ولو مات الموصي، وبقي الذي أوصى
لورثته أو عقبه حيا، فالمنقول عن الأصحاب: بطلان الوصية، لأنه لا يورث، ولا
يعقبه أحد في حياته. وقال الامام: الظاهر عندي صحتها في لفظ العقب إن كان له
أولاد، لأنهم يسمون عقبه في حياته. قال: ومثل هذا محتمل في لفظ الورثة.
وعلى هذا، فيوقف إلى أن يموت فيتبين من يرثه.
قلت: هذا الذي اختاره الامام في العقب، هو الذي قطع به صاحب العدة
وجعله مذهبنا، وجعل البطلان مذهب أبي حنيفة. وهذا هو الراجح إن شاء الله
تعالى. والله أعلم.
165

ولو أوصى لعصبة فلان، لم يشترط في الاستحقاق كون فلان ميتا يوم موت
الموصي قطعا، بخلاف ما ذكروه في لفظ الورثة والعقب. ثم أولادهم بالتعصيب،
أولادهم بالوصية.
(المسألة) الثانية عشرة: الوصية للموالي على ما ذكرناه في الوقف. فإن كان له موال
من أعلى، وموال من أسفل، ففيه الأوجه السابقة، وفي قول عن رواية البويطي:
يوقف إلى الاصطلاح. أما إذا لم يكن إلا أحدهما، فيصرف المال إليه. فإن اقتضى
الحال الحمل على الأسفل، أو صرح به، استحق كل من عتق عليه بتبرع، أو
ملك، أو نذر، أو كفارة. وفي أم الولد والمدبر وهما يعتقان بموته وجهان.
قلت: الأصح: لا يدخلان، إذ ليسا من الموالي، لا حال الوصية، ولا حال
الموت. والله أعلم.
(المسألة) الثالثة عشرة: يتامى القبيلة، هم الصبيان الفاقدون لآبائهم. وفي اشتراط
الفقر فيهم، وجهان. أشبههما ما قيل في الغنيمة: نعم، وبه قطع أبو منصور. ثم
إن انحصروا، وجب تعميمهم، وإلا، جاز الاقتصار على ثلاثة.
فرع العميان، والزمني، كالأيتام في التفصيل والخلاف.
قلت: قطع صاحب العدة بعدم اشتراط الفقر في الزمني، قال: ومثله
الوصية لأهل السجون، وللغارمين، وتكفين الموتى، وحفر القبور، ويدخل في كل
ذلك الغني، والفقير. والمختار طرد الخلاف. والله أعلم.
(المسألة) الرابعة عشرة: اسم الأرامل، يقع على من مات زوجها، والمختلعة،
والمبتوتة، دون الرجعية، والأيامى غير ذوات الأزواج، هذه عبارة الأستاذ، وبها
أخذ الامام وقال: الفرق، أن الأرملة: من كان لها زوج، والأيم لا يشترط فيها
تقدم زوج، ويشتركان في اشتراط الخلو عن الزوج في الحال. وعبارة صاحبي
المهذب والتهذيب: لا يعتبر تقدم زوج في الأرملة. وفي اشتراط الفقر،
166

الوجهان المذكوران في الأيتام. وقطع الامام بالاشتراط هنا. وفي دخول رجل لا
زوجة له في الأرامل وجهان.
قلت: الأصح تخصيص الأرملة بمن فارقها زوجها، ونقله إمام الحرمين عن
نص الشافعي، وهو المفهوم في العرف. والأصح: أن الرجل لا يدخل في
الأرامل. والله أعلم.
فرع ثيب القبيلة: النساء دون الرجال على الأصح. وعلى الثاني: يدخل
الرجال الذين أصابوا. وفي الأبكار هذا الخلاف.
(المسألة) الخامسة عشرة: المعتبرون من الأقارب، هم الذين يتعرضون ولا
يسألون، وذوو القنوع: الذين يسألون.
(المسألة) السادسة عشرة: غلمان القبيلة، وصبيانهم، والأطفال، والذراري: هم
الذين لم يبلغوا. واختلفوا في الشيوخ، والشبان، والفتيان، ففي المهذب
والتهذيب: أن الشيوخ: من جاوزوا أربعين سنة. والفتيان والشبان: من جاوز
البلوغ إلى الثلاثين. والمفهوم منه، أن الكهول: من الثلاثين إلى الأربعين. ونقل
الأستاذ عن الأصحاب أنهم قالوا: إن الرجوع في ذلك إلى اللغة، واعتبار لون الشعر
في السواد والبياض والاختلاط، ويختلف ذلك باختلاف أمزجة الناس.
قلت: هذا المنقول عن المهذب والتهذيب قاله أيضا آخرون، وهو
الأصح المختار. وصرح الروياني وغيره بأن الكهول: من جاوز ثلاثين إلى أربعين.
وكذا قال أهل اللغة: إنه من جاوز الثلاثين. لكن قال ابن قتيبة: إنه يبقى حتى يبلغ
خمسين. وقد أوضحت هذه الأسماء مع اختلاف العلماء فيها وما يتعلق بها في
تهذيب الأسماء. ومن المسائل المتعلقة بما سبق، لو أوصى للحجيج، قال
صاحب العدة: يستحب دفعه إلى فقرائهم، فإن صرف إلى فقرائهم وأغنيائهم،
جاز، لشمول الاسم. وينبغي أن يطرد فيه الوجهان، كالأيتام، والأرامل. واشتراط
الفقر هنا أرجح. والله أعلم.
167

فصل إذا أوصى لزيد وجماعة معه. فإما أن يكونوا موصوفين، أو
معينين.
الحال الأول: موصوفون، غير محصورين، كالفقراء، والمساكين. وفي
زيد أوجه. أصحها: أنه كأحدهم، فيجوز أن يعطى أقل ما يتمول، ولكن لا يجوز
حرمانه وإن كان غنيا. والثاني: أنه يعطى سهما من سهام القسمة. فإن قسم المال
على أربعة من الفقراء، أعطي زيد الخمس. وإن قسمه على خمسة، فالسدس،
وعلى هذا القياس. والثالث: لزيد ربع الوصية، والباقي للفقراء، لأن أقل من يقع
عليه اسم الفقراء ثلاثة. والرابع: له النصف، ولهم النصف. والخامس: إن كان
فقيرا، فهو كأحدهم، وإلا، فله النصف. والسادس: إن كان غنيا، فله الربع، لأنه
لا يدخل فيهم، وإلا، فالثلث، لدخوله فيهم. والسابع: أن الوصية في حق زيد
باطلة، لجهالة من أضيف إليه، حكاه السرخسي في الأمالي، وهو ضعيف
جدا. ولا بد على اختلاف الأوجه من الصرف إلى ثلاثة من الفقراء.
هذا كله إذا أطلق ذكر زيد. أما إذا وصفه بصفة الجماعة، فقال: لزيد
الفقير، وللفقراء، فيجري الخلاف فيما لزيد إن كان فقيرا. ومنهم من خص الأوجه
بهذه الحالة. وبقي القول بكونه كأحدهم عند الاطلاق. وإن كان غنيا، فلا شئ
له، ونصيبه للفقراء إن قلنا: إنه كأحدهم، وإلا، فهو لورثة الموصي. وإن وصف
زيدا بغير صفة الجماعة، فقال: لزيد الكاتب، وللفقراء، قال الأستاذ أبو منصور
: فله النصف بلا خلاف. ويشبه أن يجئ القول بأن له الربع إن لم تجئ باقي
الأوجه. ولو أوصى لزيد بدينار، وللفقراء بثلث ماله، لم يصرف إلى زيد غير الدينار
وإن كان فقيرا، لأنه قطع اجتهاد الوصي بالتقدير، ويحتمل الجواز. ولو أوصى
لزيد، وللفقراء والمساكين، فإن جعلناه في الصورة السابقة كأحدهم، فكذا هنا.
وإن قلنا: له النصف، فهنا الثلث. وإن قلنا: الربع، فهنا السبع.
الحال الثاني: إذا كانوا معينين، نظر، إن لم يكونوا محصورين كالعلويين،
فسنذكر الخلاف في صحة الوصية لهم إن شاء الله تعالى. فإن صححنا، فالحكم
كما إذا كانوا موصوفين. وإن لم نصحح، قال المسعودي: هو كما لو أوصى لزيد
وللملائكة، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وإن كانوا محصورين، فهل هو
168

كأحدهم، أم له النصف؟ قال أبو منصور: فيه احتمالان، أصحهما: الثاني.
ثم حكى خلافا في أن النصف الذي لهم، يقسم بين جميعهم، أم يجوز صرفه إلى
ثلاثة منهم؟ والصحيح وجوب القسمة بين الجميع.
فرع له ثلاث أمهات أولاد، فأوصى لأمهات أولاده، وللفقراء
والمساكين، قال المتولي: الصحيح: أنه يقسم على الأصناف أثلاثا. وعن أبي
علي الثقفي: أنه يقسم على خمسة، لأن أمهات الأولاد محصورات يجب
استيعابهن، والفقراء والمساكين غير محصورين، فيجعل كل واحد من الصنفين
مصرفا، وكل واحدة منهن مصرفا.
فصل الوصية لجماعة معينين غير محصورين، كالهاشمية، والطالبية،
والعلوية، صحيحة على الأظهر، كالفقراء. فعلى هذا، يجوز الاقتصار على ثلاثة
منهم، ولا تجب التسوية بينهم ولا يشترط القبول، كالفقراء. ومتى أوصى لبني
فلان. فإن عدوا قبيلة، كبني هاشم، وبني تميم، فهي كالوصية للعلوية. وفي
جواز الصرف إلى إناثهم وجهان، أصحهما: الجواز. وإن لم يعدوا قبيلة، كبني
زيد وعمرو، اشترط القبول والاستيعاب والتسوية. ولا يجوز الصرف إلى الإناث.
قلت: وتصح الوصية هنا قطعا. والله أعلم.
فصل أوصى لزيد وجبريل، فوجهان. أصحهما: لزيد النصف، وتبطل
الوصية في الباقي. كما لو أوصى لابن زيد، وابن عمرو، ولم يكن لعمرو ابن، أو
لزيد وعمرو وابني بكر، فلم يكن له إلا ابن اسمه زيد، يكون النصف للموجود،
ويبطل الباقي. والثاني: أن لزيد الكل، ويلغو ذكر من لا يملك، بخلاف ما إذا
ذكر معه من يملك. ويجري الوجهان في كل صورة أوصى لزيد ولمن لا يوصف
169

بالملك، كالشيطان، والريح، والحائط، والبهيمة، وغيرها. ولو أوصى لزيد،
وللملائكة أو للرياح، أو للحيطان، فإن جعلنا الكل لزيد، فذاك، وإلا، فهل له
النصف، أم الربع، أم للموصي أن يعطيه أقل ما يتمول؟ فيه الخلاف السابق في
الوصية لزيد وللفقراء. ولو أوصى لزيد ولله تعالى، فهل يكون لزيد الجميع وذكر
الله تعالى للتبرك؟ أم له النصف والباقي للفقراء؟ أم له النصف والباقي يصرف في
وجوه القرب لأنها مصرف الحقوق المضافة إلى الله تعالى؟ أم يرجع النصف الثاني إلى
ورثة الموصي؟ فيه أربعة أوجه، أصحها: الثالث. وقدمنا وجها فيما إذا أوصى
لأجنبي ووارث، وبطلت في حق الوارث: أنها تبطل في حق الأجنبي أيضا، بناء
على تفريق الصفقة. وذلك الوجه مع ضعفه، يلزم طرده في نصيب زيد في هذه
الصور.
قلت: فلو قال: أوصيت بثلث مالي لله عز وجل، صرف في وجوه البر، ذكره
صاحب العدة وقال: هو قياس قول الشافعي رحمه الله. والله أعلم.
القسم الثاني: من أقسام الباب في الاحكام المعنوية. قد سبق أن الوصية بمنافع
170

العبد والدار صحيحة مؤبدة ومؤقتة، وكذا بغلة الدار والحانوت، وكذا بثمار البستان
التي تحدث على الأصح. ولو أوصى بخدمة عبد سنة، ولم تعين صحت الوصية،
والتعيين للوارث. ويجوز أن يجعل له ثمرة بستانه العام، فإن لم يثمر، فثمرة العام
القابل، أو خدمة عبده العام، فإن مرض، فخدمة العام الثاني. ويجوز أن يوصي
بخدمة عبده لرجل مدة حياة زيد. إذا تقرر هذا، فالغرض الآن الكلام في مسائل
الوصية بالمنافع، وهو مبني على أصل، وهو أن هذه الوصية تمليك للمنافع بعد
الموت، وليست مجرد إباحة، كما أن الوصية بالأعيان تمليك لها بعد الموت. فلو
مات الموصى له، ورثت عنه كسائر حقوقه، وله الإجارة والإعارة والوصية بها. ولو
تلف العبد في يده، لم يضمنه، كما لا يضمن المستأجر. قال البغوي: وليس عليه
مؤنة الرد. هذا كله إذا أطلق الوصية، أو قيدها بالتأبيد. والمراد بالتأبيد: استيعاب
الوصية منفعة العبد مدة حياته. وكذا الحكم فيما لو أوصى بمنفعته مدة مقدرة،
كشهر وسنة. وحكي وجه: أنها لا تنتقل إلى وارث الموصى له، لا عند الاطلاق،
ولا إذا قدر مدة ومات الموصى له قبل انقضائها. والصحيح المعروف الأول.
أما إذا قال: أوصيت لك بمنافعه حياتك، فهو إباحة، وليس بتمليك، فليس
له الإجارة. وفي الإعارة وجهان. وأما إذا مات الموصى له، رجع الحق إلى ورثة
الموصي. ولو قال: أوصيت لك بأن تسكن هذه الدار، أو بأن يخدمك هذا العبد،
فهو إباحة أيضا، لا تمليك، بخلاف قوله: أوصيت لك بسكناها، وخدمته. هكذا
171

ذكره القفال وغيره. وفي فتاوى القفال أنه لو قال: أطعموا زيدا كذا رطلا من
الخبز من مالي، اقتضى تمليكه، كما في إطعام الكفارة. ولو قال: اشتروا خبزا
واصرفوه إلى أهل محلتي، فسبيله الإباحة. هذا هو الأصل.
أما المسائل، فإحداها: فيما يتعلق بجانب الموصى له، فيملك إثبات اليد
على العبد الموصى بمنفعته، ويملك منافعه وأكسابه المعتادة، من الاحتطاب،
والاحتشاش، والاصطياد، وأجرة الحرفة، لأنها أبدال منافعه. ولا يملك الكسب
النادر، كالهبة واللقطة على الأصح، لأنه لا يقصد بالوصية. وحكى الحناطي وأبو
الحسن العبادي وجها في كل الأكساب، وهو ضعيف، وسيأتي دليله إن شاء الله
تعالى. ولو أتت الجارية الموصى بمنفعتها بولد من نكاح أو زنا، فثلاثة أوجه.
أصحها وبه قطع العراقيون والبغوي: حكم الولد حكم أمه، رقبته للورثة، ومنفعته
للموصى له، لأنه جزء منها. والثاني: أنه للموصى له، ككسبها. والثالث:
لورثة الموصي، لأنه غير المنفعة. وإذا وطئت بشبهة، أو زوجت، ففي المهر
وجهان. قطع العراقيون والبغوي بأنه للموصى له، كالكسب. والمنسوب إلى
المراوزة: أنه لورثة الموصي، وبه قطع المتولي، وصححه الغزالي، وهو الأشبه،
لأنه بدل منفعة البضع، ومنفعة البضع لا تجوز الوصية بها، فكان تابعا للرقبة. ولا
يجوز للموصى له وطؤها بلا خلاف فإن وطئ، لم يحد على الصحيح، للشبهة.
وقيل: يحد، كالمستأجر. ولو أولدها بالوطئ، لم تصر أم ولد له، لكن الولد حر
على الصحيح، للشبهة. وقيل: رقيق. وإذا قلنا: حر، فإن قلنا: الولد المملوك
كالكسب، فلا قيمة عليه، وإلا، فعليه القيمة. ثم هل هي لمالك الرقبة؟ أم
يشترى بها عبد تكون رقبته لمالك العبد ومنفعته للموصى له؟ وجهان. هذا ما ذكروه
في هذه الصور، ولم يفرقوا بين قوله: أوصيت بمنفعة العبد، أو غلته، أو خدمته،
أو كسبه، وبمنفعة الدار، أو سكناها، أو غلتها. وكان الأحسن أن يقال: الوصية
بالمنفعة تفيد استحقاق الخدمة في العبد، والسكنى في الدار. والوصية بالخدمة
والسكنى لا تفيد استحقاق سائر المنافع. ألا ترى أنه إذا استأجر عبدا للخدمة، لا
يملك تكليفه البناء، والغراس، والكتابة. وإذا استأجر دارا للسكنى، لم يكن له أن
172

يعمل فيها عمل الحدادين والقصارين، ولا أن يطرح الزبل فيها، ولا يبعد أن يكون
هذا مرادهم وإن أطلقوا، بل ينبغي أن يقال: الوصية بالغلة والكسب لا تفيد
استحقاق السكنى والركوب والاستخدام، وبواحد منها لا يفيد استحقاق الغلة
والكسب. وهذا يوافق الوجه السابق عن الحناطي والعبادي.
فرع هل ينفرد الموصى له بالمسافر بالموصى بمنفعته؟ وجهان.
أحدهما: لا، كزوج الأمة. وأصحهما: نعم، لاستغراقه المنافع.
المسألة الثانية: فيما يتعلق بجانب وارث الموصي، وفيه أربعة فروع.
الأول: الوارث يملك إعتاق الموصى بمنفعته، لأن رقبته له، وأشار صاحب
الرقم وغيره إلى خلاف فيه. والمذهب الأول، لكن لا يجري إعتاقه عن
الكفارة على الأصح، لعجزه عن الكسب. وإذا أعتق، فالصحيح الذي قطع به
الجمهور: أن الوصية تبقى بحالها، وتكون المنافع مستحقة للموصى له كما كانت،
كما إذا أعتق المستأجر. ولا يرجع العتيق بقيمة المنفعة قطعا. وقيل: تبطل
الوصية، نقله أبو الفرج الزاز، لأنه يبعد أن تكون منفعة الحر مستحقة أبدا. فعلى
هذا في رجوع الموصى له على المعتق بقيمة المنافع وجهان.
قلت: لعل أصحهما الرجوع. والله أعلم.
وليس للوارث كتابة هذا العبد على الأصح، لأن أكسابه مستحقة. ووجه
الجواز توقع الزكاة ونحوها.
الفرع الثاني: إذا كانت الوصية بمنفعة مدة معلومة، فنفقته على الوارث،
كالمستأجر. وإن كانت على التأبيد، فثلاثة أوجه. أصحها: كذلك. والثاني:
على الموصى له. والثالث: في كسبه. فإن لم يكن كسب. أو لم يف بها، ففي
بيت المال. والفطرة كالنفقة، ففيها الأوجه، كذا قاله السرخسي وطائفة، وقطع
173

البغوي بأنها على مالك الرقبة. وعلف البهيمة، كنفقة العبد. أما عمارة الدار
الموصى بمنافعها، وسقي البستان الموصى بثماره، فإن تراضيا عليه، أو تطوع
أحدهما به، فذاك، وليس للآخر منعه. وإن تنازعا، لم يجبر واحد منهما،
بخلاف النفقة، لحرمة الزوج. وأشار بعضهم إلى طرد الخلاف في العمارة وسائر
المؤن.
الفرع الثالث: بيع الموصى بمنفعته مدة، كبيع المستأجر. وأما الموصى
بمنفعته على التأبيد، ففي بيع الوارث رقبته أوجه. أصحها: يصح بيعها للموصى له
بالمنفعة دون غيره. والثاني: يصح مطلقا. والثالث: لا. والرابع: يصح بيع
العبد والأمة، لأنهما يتقرب باعتاقهما، ولا يصح بيع البهائم والجمادات. والماشية
الموصى بنتاجها يصح بيعها، لبقاء بعض المنافع والفوائد، كالصوف، والظهر.
وإنما الخلاف فيما استغرقت الوصية منافعه.
الفرع الرابع: هل للوارث وطئ الموصى بمنفعتها؟ فيه أوجه. أصحها:
ثالثها: يجوز إن كانت ممن لا تحبل، وإلا، فلا. فإن منعنا، فوطئ، فلا حد،
للشبهة، وأما المهر، فيبنى على أنها لو وطئت بشبهة لمن المهر؟ فإن قلنا:
للوارث، فلا مهر عليه، وإلا، فعليه. فإن أولدها، فالولد حر، وعليه قيمته.
وهل تكون القيمة للموصى له؟ أم يشترى بها عبد يخدم الموصى له وتكون رقبته
للوارث؟ فيه الوجهان فيما إذا ولدت رقيقا. وتصير الجارية أم ولد يعتق بموته مسلوبة
المنفعة. وقيل: لا تصير، وهو ضعيف.
المسألة الثالثة: في الجناية على العبد الموصى بمنفعته، فإن قتل، نظر، إن
كان قتلا يوجب القصاص، فلمالك الرقبة الاقتصاص، فإذا اقتص، بطل حق
الموصى له، كما لو مات، أو انهدمت الدار، وبطلت منافعها. وإن كان مما يوجب
174

المال، أو رجع إليه، ففي القيمة المأخوذة أوجه. أصحها: يشترى بها عبد يقوم
مقامه، فتكون رقبته للوارث، ومنافعه للموصى له. والثاني: أنها للوارث، ولا
شئ للموصى له، كما لا حق لزوج الأمة في بدلها. والثالث: أنها للموصى له
خاصة. والرابع: توزع على الرقبة مسلوبة المنفعة، وعلى المنفعة وحدها، فتقوم
الرقبة بمنافعها، ثم بلا منفعة، فيكون لها قيمة، لما في إعتاقها من الثواب وجلب
الولاء. فقدر التفاوت هو قيمة المنفعة، فيكون للموصى له، والباقي للوارث.
ويخرج على هذا الخلاف ما إذا قتله الوارث أو الموصى له، فلا شئ على من لو
كان القاتل غيره، كانت القيمة مصروفة إليه. وإن جني عليه بقطع طرفه،
فطريقان. أحدهما: طرد الأوجه، سوى الثالث. ولا يبعد تخريج الثالث أيضا على
هذه الطريقة، تشبيها له بالولد. والطريق الثاني: القطع بأن الأرش للوارث، واتفقوا
على ترجيحه وإن ثبت الخلاف، وكان سببه أن العبد بقي منتفعا به، ومقادير
المنفعة لا تنضبط، وتختلف بالمرض والكبر، وكان حق الموصى له باق
بحاله.
المسألة الرابعة: في جنايته، فإن اقتص منه، بطل حقهما كموته. وإن وجب
مال، تعلق برقبته. فإن لم يفدياه، بيع في الجناية، وبطل حقهما. فإن زاد الثمن
على الأرش، قال أبو الفرج السرخسي: يقسم بينهما على نسبة حقهما. وينبغي أن
يجئ فيه الخلاف السابق.
قلت: مجئ الخلاف هو الوجه. والله أعلم.
وإن فدياه، استمر الحقان. وإن فداه مالك الرقبة، فكذلك. وإن فداه
الموصى له، ففي وجوب الإجابة على المجني عليه وجهان. أحدهما: لا، لأنه
أجنبي عن الرقبة. وأصحهما: الوجوب، لظهور غرضه. وهذا فيما إذا فدى
أحدهما العبد بمنافعه. فلو فدى حصته، قال الحناطي: يباع نصيب صاحبه. وفيه
إشكال، لأنه إن فدى الوارث، فكيف تباع المنافع وحدها؟ وإن فدى الموصى له
واستمر حقه، فبيع الرقبة يكون على الخلاف السابق.
175

المسألة الخامسة: في كيفية حساب المنفعة من الثلث. فإن أوصى بالمنفعة
أبدا، فوجهان. ويقال: قولان. أصحهما عند الجمهور وهو نصه في اختلاف
العراقيين وفي الاملاء وبه قال ابن الحداد: أنه تعتبر الرقبة بتمام منافعها من الثلث،
لأنه حال بين الوارث وبينها، ولان المنفعة المؤبدة لا يمكن تقويمها، لأن مدة عمره
غير معلومة وإذا. تعذر تقويم المنافع، تعين تقويم الرقبة. والثاني خرجه ابن
سريج: أن المعتبر ما بين قيمتها بمنافعها، وقيمتها مسلوبة المنافع، واختاره الغزالي
وطائفة. فعلى هذا، هل تحسب قيمة الرقبة من التركة؟ أم لا كما لا تحسب على
الموصى له؟ وجهان. أصحهما: الأول.
مثاله: أوصى بعبد قيمته بمنافعه، مائة. ودون المنافع، عشرة. فعلى
المنصوص: تعتبر المائة من الثلث. ويشترط أن يكون له مائتان سوى العبد. وعلى
الثاني المعتبر تسعون. فيشترط أن يبقى للورثة ضعف التسعين مع العشرة على
وجه، ودونها على وجه. أما إذا أوصى بمنفعته مدة، كسنة، أو شهر، ففيه طرق.
أحدها: طرد الخلاف، كالوصية المؤبدة. والثاني: إن اعتبرنا هناك ما بين
القيمتين، فهنا أولى، وإلا، فوجهان. أحدهما: التفاوت. والثاني: الرقبة.
والطريق الثالث: أن المعتبر من الثلث أجرة مثل تلك المدة. والرابع وهو أصحها:
يقوم العبد بمنافعه، ثم مسلوب منفعته تلك المدة، فما نقص حسب من الثلث.
وقيمة الرقبة في هذه الحالة، محسوبة من التركة بلا خلاف.
ويتفرع على الخلاف صور.
إحداها: أوصى بمنفعة عبده ثلاث سنين، ولا مال سواه، إن اعتبرنا
قيمة الرقبة من الثلث، صحت الوصية في منافع الثلث، وردت في الباقي. وإن
اعتبرنا ما نقص، وكان النقص نصف القيمة، فهل ترد الوصية في سدس العبد؟ أم
ينقص من آخر المدة سدسها؟ وجهان. أصحهما الأول، لأن قيمة المنافع تختلف
بالأوقات.
الصورة الثانية: أوصى لرجل برقبته، ولآخر بمنفعته. إن قلنا: يعتبر من
الثلث تمام القيمة، نظر فيما سواه من التركة، وأعطي كل واحد حقه كاملا أو غير
كامل، وإن قلنا: المعتبر التفاوت، فإن حسبنا الرقبة على الوارث، إذا بقيت له،
176

حسب هنا كمال القيمة عليهما، وإلا، لم تحسب أيضا على الموصى له بها.
وتصح وصيته من غير اعتبار الثلث. كذا ذكره المتولي.
الصورة الثالثة: أوصى بالرقبة لرجل، وأبقى المنفعة للورثة، فإن قلنا: المعتبر من
الثلث كمال القيمة، لم تعتبر هذه الوصية من الثلث، لجعلنا الرقبة الخالية عن
المنفعة كالتالفة. وإن قلنا: المعتبر التفاوت، فإن حسبنا قيمة الرقبة على الوارث،
حسبت هنا قيمة الرقبة على أهل الوصايا، وتدخل في الثلث، وإلا، فهنا يحسب
قدر التفاوت على الوارث، ولا تحسب قيمة الرقبة على أهل الوصايا.
الصورة الرابعة: العبد الموصى بمنفعته، لو غصبه غاصب، فلمن تكون أجرة المدة
التي كانت في يد الغاصب؟ قال في التتمة: إن قلنا: المعتبر من الثلث جميع
القيمة، فهي للموصى له، وكأنه فوت الرقبة على الوارث، وإلا، فوجهان.
أحدهما: أنها للوارث، كما لو غصب المستأجر. والصحيح: أنها للموصى له،
لأنه بدل حقه، بخلاف الإجارة، فإنها تنفسخ في تلك المدة فتعود المنافع إلى مالك
الرقبة.
الصورة الخامسة: أوصى بثمرة بستانه، يخرج على الخلاف. ففي وجه: تعتبر
جميع قيمة البستان من الثلث. وفي وجه: ما بين قيمته بمنافعه وفوائده، وبين قيمته
مسلوب الفوائد. فإن احتمله الثلث، فذا ك، وإلا، فللموصى له القدر الذي
يحتمله، والباقي للوارث. فإن لم يحتمل إلا نصفه، فله من ثمره كل عام النصف.
والباقي للوارث.
177

فرع لابن الحداد أوصى لرجل بدينار كل شهر من غلة داره، أو كسب
عبده، وجعله بعده لوارث الرجل، أو للفقراء والمساكين، والغلة والكسب عشرة
مثلا، فاعتبار هذه الوصية من الثلث كاعتبار الوصية بالمنافع مدة معلومة، لبقاء بعض
المنافع لمالك الرقبة، فيكون المذهب فيهما: أن المعتبر من الثلث قدر التفاوت بين
القيمتين. ثم ينظر، فإن خرجت الوصية من الثلث، قال ابن الحداد: ليس للورثة
أن يبيعوا بعض الدار ويدعوا ما يحصل منه دينار، لأن الأجرة تختلف، فقد تنقص
فتعود إلى دينار أو أقل، فيكون الجميع للموصى له. وهذا إذا أرادوا بيع بعضها على
أن تكون الغلة للمشتري. فأما بيع مجرد الرقبة، فعلى ما سبق من الخلاف في بيع
الوارث الموصى بمنفعته. وإن لم يخرج من الثلث، فالزائد على الثلث رقبة وغلة
للوارث يتصرف فيه كيف شاء. ولو كانت الوصية بعشر الغلة كل سنة، فما سوى
العشر للوارث يتصرف فيه كيف شاء.
فرع أوصى لشخص بدينار كل سنة، حكى الامام: أن الوصية صحيحة
في السنة الأول بدينار. وفيما بعدها قولان. أحدهما: الصحة، لأن الجهالة لا
تمنع صحة الوصية، ولان الوصية بالمنافع صحيحة لا إلى غاية. وأظهرهما:
البطلان، لأنه لا يعرف قدر الموصى به ليخرج من الثلث. فإن صححنا، فإن لم
يكن هناك وصية أخرى، فللورثة التصرف في ثلثي التركة قطعا. وفي ثلثها وجهان.
أحدهما: ينفذ التصرف بعد إخراج الدينار الواحد، لأنا لا نعلم استحقاق الموصى
له في المستقبل. الثاني: أنه يوقف، لأن الاستحقاق ثبت إلى أن يظهر قاطع.
فإن قلنا بالتوقف، وبقي الموصى له إلى أن استوعبت دنانيره الثلث، فذاك. وإن
مات، فعن صاحب التقريب: أن بقية الثلث تسلم لورثة الموصي. قال الامام:
وفيه نظر، لأن هذه الوصية إذا صححناها، كالوصية بالثمار بلا نهاية، فوجب انتقال
الحق إلى ورثة الموصى له. وإن نفذنا تصرفهم، فكلما انقضت سنة، طالب
الموصى له الورثة بدينار، وكان ذلك كوصية تظهر بعد قسمة التركة. وإن كان هناك
178

وصايا اخر، قال صاحب التقريب: يوزع الثلث بعد الدينار الواحد على أصحاب
الوصايا، ولا يتوقف. فإذا انقضت سنة أخرى، استرد منهم بدينار ما يقتضيه
التقسيط. قال الامام: هذا بين إذا كانت الوصية مفيدة بحياة الموصى له. فأما إذا
لم نقيد، وأقمنا ورثته مقامه، فهو مشكل لا يهتدى إليه.
فرع لو انهدمت الدار الموصى بمنافعها، فأعادها الوارث بآلتها، هل يعود
حق الموصى له؟ وجهان. ولو أراد الموصى له إعادتها بآلتها، فعلى الوجهين.
قلت: أصحهما العود. والله أعلم.
المسألة السادسة: الوصية بالحج. الحج ضربان، متطوع به، ومفروض.
فالتطوع تصح الوصية به على الأظهر تفريعا على صحة النيابة فيه. ثم هو
محسوب من الثلث، ويحج عنه من بلده إن قيد به، ومن الميقات إن قيد به.
فإن أطلق، فعلى أيهما يحمل؟ وجهان أصحهما: من الميقات، وإليه ميل
أكثرهم. وهل يقدم حج التطوع في الثلث على سائر الوصايا؟ قال القفال: هو على
القولين في تقديم العتق على غيره من الوصايا. قال الشيخ أبو علي: لم أر هذا لاحد
من الأصحاب، بل جعلوا الوصية به مع غيره على الخلاف فيما إذا اجتمع حق الله
تعالى وحقوق الآدميين. وإذا لم يف الثلث، أو حصة الحج منه بالحج، بطلت
الوصية، وكذا لو قال: أحجوا عني بمائة من ثلثي ولم يمكن أن يحج بها. ولو
قال: أحجوا عني بثلثي، صرف ثلثه إلى ما يمكن من حجتين وثلاث فصاعدا. فإن
179

فضل ما لا يمكن أن يحج به، فهو للورثة. ولو قال: أحجوا عني بثلثي حجة،
صرف ثلثه إلى حجة واحدة. ثم إن كان الثلث أجرة المثل فما دونها، جاز أن يكون
الأجير أجنبيا ووارثا. وإن كان أكثر، لم يستأجر إلا أجنبي، لأن الزيادة محاباة فلا
تجوز للوارث.
الضرب الثاني: المفروض، وهو حجة الاسلام وغيرها.
أما حجة الاسلام، فمن مات وهي في ذمته، قضيت من رأس ماله وإن لم
يوص بها، كالزكاة، وسائر الديون. وإن أوصى بها، نظر، إن أضافها إلى رأس
المال، فهي تأكيد. وإن أضاف إلى الثلث، قضيت منه، كما لو أوصى بقضاء دينه
من ثلثه. وتتضمن هذه الوصية ترفيه الورثة بتوفير الثلثين. وفي تقديم الحج على
سائر الوصايا وجهان - وقال الشيخ أبو علي: قولان - يجريان فيما لو أوصى بقضاء
دينه من الثلث. أحدهما: يقدم، كما لو لم يوص فإنه يقدم، وأصحهما: لا
يقدم، بل يزاحمها بالمضاربة، لأنه وصية. ثم إن لم يف الثلث بالحج على الوجه
الأول، أو الحاصل من المضاربة على الثاني، كمل من رأس المال، كما لو قال:
اقضوا ديني من ثلثي فلم يوف الثلث به، وحينئذ تدور المسألة، وسنوضح مثالها قريبا
إن شاء الله تعالى. وإن أطلق، فلم يضف إلى الثلث، ولا إلى رأس المال، حج
عنه من رأس المال على المذهب، وبه قطع الجمهور، سواء قرن به ما يعتبر من
الثلث، أم لا، وقيل: قولان. ثانيهما: أنه من الثلث. وقيل: إن قرن، فمن
الثلث، وإلا، فمن رأس المال. ثم متى جعلنا الحج من رأس المال، حج عنه من
الميقات، لأنه لو كان حيا، لم يلزمه إلا هذا. وإذا جعلناه من الثلث،
إما لتصريحه، وإما عند الاطلاق، فوجهان. أصحهما: من الميقات
أيضا. فعلى هذا، لو أوصى أن يحج عنه من بلده، فلم يبلغ ثلثه حجة من بلده،
حج من حيث أمكن. وإن لم يبلغ الحج من الميقات، تمم من رأس المال ما يتم به
180

الحج من الميقات. والثاني: من بلده. فعلى هذا قال أبو إسحاق: إن أوصى
بالحج من الثلث، فجميعه من الثلث. فإن أطلق، وجعلناه من الثلث، فالذي من
الثلث مؤنة ما بين البلد إلى الميقات. فأما من الميقات، فهو من رأس المال. وأما
الحجة المنذورة، ففيها وجهان. أصحهما: أنها كحجة الاسلام، إلا أن هاهنا
وجها أنها إذا لم يوص بها، قضيت من الثلث، وهو شاذ. والثاني: كالتطوعات،
لأنها لا تلزم بأصل الشرع. فعلى هذا، إن لم يوص بها، لم تقض. وإن أوصى
بها، كانت من الثلث. ويجري الخلاف في الصدقة المنذورة والكفارات.
فرع أوصى بحجة الاسلام من الثلث، ولزيد بمائة، والتركة ثلاثمائة،
وأجرة الحج مائة. فإن قدمنا الحج على سائر الوصايا، صرف الثلث إلى الحج.
وإن لم نقدم، ووزعنا الثلث، دارت المسألة، لأن حصة الحج تكمل من رأس
المال، وإذا أخذنا شيئا من رأس المال، نقص الثلث. وإذا نقص، نقصت حصة
الحج، فلا تعرف حصة الحج ما لم يعرف الثلث ولا يعرف الثلث ما لم يعرف
المأخوذ من رأس المال، ولا يعرف المأخوذ ما لم تعرف حصة الحج.
فالطريق أن نأخذ من التركة شيئا لاكمال حصة الحج، يبقى ثلاثمائة إلا شيئا
بقدر ثلثه، وهو مائة إلا ثلث شئ، يقسم بين الحج والموصى له نصفين، فنصيب
181

الحج خمسون إلا سدس شئ، فيضم الشئ المفرز إليه، تبلغ خمسين وخمسة
أسداس شئ تعدل مائة، وذلك تمام الأجرة، فيسقط خمسين بخمسين، تبقى
خمسة أسداس شئ في مقابلة خمسين. وإذا كان خمسة أسداس الشئ خمسين،
كان الشئ ستين، فعرفنا أن ما أفرزناه ستون، فنأخذ ثلث الباقي بعد الستين، وهو
ثمانون، ونقسمه بين الوصيتين، تخص كل واحدة أربعون والأربعون مع الستين،
تمام أجرة الحج.
فرع أوصى أن يحج عنه تطوعا، أو حجة الاسلام من ثلثه بمائة، وأوصى
بما يبقى من الثلث بعد المائة لزيد، وبثلث ماله لعمرو، ولم تجز الورثة ما زاد على
الثلث، فيقسم الثلث بين عمرو والوصيتين الأخريين نصفين. فإذا كان ثلث المال
ثلاثمائة، كان لعمرو مائة وخمسون، والباقي بين الحج وزيد. وفي قسمته وجهان.
أحدهما قاله ابن خيران: تصرف خمسون إلى الحج، ومائة إلى زيد، لأن الوصيتين
لو نفذنا يخص زيدا ثلثا الثلث. وأصحهما: تصرف مائة إلى الحج، وخمسون
لزيد. ولو كان الثلث مائتين، فلعمرو مائة، والمائة الباقية للحج على الأصح، ولا
شئ لزيد. وعلى الثاني: هي بين زيد والحج نصفان. ولو كان الثلث مائة،
قسمت بين الحج وعمرو نصفين، ولا شئ لزيد في هذا الحال. وكذا لو لم توجد
الوصية لعمرو، بخلاف ما إذا كان الثلث فوق المائة. ولو أوصي أولا بالثلث
لعمرو، ثم بالحج بمائة من الثلث، ثم لزيد بما يبقى من الثلث بعد المائة، فعن
أبي إسحاق: أن الوصية لزيد باطلة، لأن وصية عمرو استغرقت الثلث. وقال
الجمهور: لا فرق بين التقديم والتأخير، والوصية بالحج ولزيد وصية بثلث آخر،
وهذا شخص أوصى بالثلثين، كمن أوصى لشخص بالثلث، ثم أوصى لآخر
بالثلث، فإنه يوزع الثلث عليهما.
هذا كله تفريع على أن الحج لا يقدم في الثلث على سائر الوصايا. فأما إذا
قدمناه، فإن كان الثلث ثلاثمائة، والمائة المقدرة للحج أجرة مثل الحج، أخذت
المائة من رأس الثلث. وكيف يقسم الباقي بين زيد وعمرو؟ قال ابن الحداد:
نصفين، لأن كل واحد منهما لو انفرد مع الحج لاخذ ما زاد على المائة. وغلطه
جماهير الأصحاب وقالوا: يقسم الباقي بينهما على قدر وصيتهما. والوصية لزيد
بالباقي، وهو مائتان، ولعمرو بالثلث، وهو ثلاثمائة، فيقسم الباقي بينهما على
182

خمسة، لزيد ثمانون، ولعمرو مائة وعشرون. ولو كانت الصور بحالها، وأجرة مثل
الحج خمسون، أخذ من الثلث خمسون أولا، ثم قال ابن الحداد: يجعل الباقي
نصفين، نصفه لعمرو، ونصفه الآخر، للحج منه خمسون، وباقيه لزيد. وقال
الجمهور: بل يقسم الباقي بعد أجرة مثل الحج على أحد عشر سهما، لأن وصية
عمرو في هذه الحالة بثلاثمائة، وللحج وزيد بمائتين وخمسين، والنسبة بينهما ما
ذكرنا، فلعمرو ما يخص ستة، والباقي يقدم الحج منه بخمسين، وباقيه لزيد. ولو
كان الثلث مائتين، فإن كانت أجرة مثل الحج مائة، أخذت من رأس الثلث، ثم
على قول ابن الحداد: الباقي بينهما نصفان، وعند الجمهور: يجعل بينهما على
ثلاثة أسهم، لأن الوصية لزيد بمائة، ولعمرو بمائتين. وإن كان أجرة مثله
خمسين، أخذت خمسون أولا، والباقي على قول ابن الحداد بين عمرو والوصيتين
الآخريين نصفين، ثم يقدم الحج بخمسين من حصتهما، وعند الجمهور: يقسم
المال بعد الخمسين على سبعة أسهم، لأنه أوصى لعمرو بمائتين، وللحج وزيد
بمائة وخمسين. فلعمرو ما يخص أربعة، والباقي يؤخذ منه، خمسون للحج،
والباقي لزيد. ولو كان الثلث مائة، فإن كان أجرة مثل الحج مائة، فلا شئ لزيد
وعمرو وإن كان خمسين، أخذ للحج خمسون. ثم على قول ابن الحداد: الباقي
بين الحج وعمرو نصفان. وعند الجمهور: للحج ثلث الباقي، ولعمرو ثلثاه، لان
الوصية في هذه الحالة، للحج بخمسين، ولعمرو بمائة. وإذا لم تف حصة الحج
في هذه الصورة بالحج. فإن كانت لحجة تطوع، بطلت. وإن كانت لحجة
الاسلام، كملنا من رأس المال. وقد ذكرنا طريقه.
فصل جرت العادة بذكر ما يقع عن الميت بفعل غيره في هذا الموضع
لمناسبته الحج عنه فالحج يؤدى عنه إن كان فرضا. ثم إن عين شخصا وأوصى إليه
فيه، فعله عنه، وارثا كان أو غيره. وإن قال: أحجوا عني، ولم يعين، فللوارث
أن يحج عنه بنفسه، وله أن يأمر به أجنبيا. وإن لم يوص به أصلا، فللوارث أن
يحج عنه، وكذا للأجنبي إن أذن له الوارث، وكذا إن لم يأذن على الأصح، كقضاء
الدين. ووجه المنع: افتقاره إلى النية، فلا بد من استنابة. وأما حج التطوع،
فالنيابة جائزة على الأظهر كما سبق. فإن جوزناها، فقال العراقيون: إن لم يوص
183

به، لا يصح الحج عنه. وفي أمالي السرخسي: أن للوارث أن يستنيب، وأنه
إذا أوصى الميت إلى معين، فعل. ولو استقل به أجنبي، فوجهان. أصحهما:
المنع. وفي هذا الكلام تجويز الاستنابة للوارث، وتجويز فعله بنفسه وإن لم يوص
الميت. وأما أداء الزكاة عنه، فكالحج الواجب، فيجوز للأجنبي أن يؤدي عنه زكاة
المجل وزكاة الفطر على الأصح المنصوص. وأما الكفارة، فإن كانت مالية،
فللوراث أن يؤدي الواجب من التركة، ويكون الولاء للميت إذا أعتق. وإن كانت
مخيرة، فله أن يطعم، ويكسو. وفي الاعتاق وجهان. أحدهما: المنع، إذ لا
ضرورة إليه. وأصحهما: الجواز، لأنه نائبه شرعا، فاعتاقه كاعتاقه. ولو أدى
الوارث من مال نفسه، ولا تركة، فالصحيح الجواز. وقيل بالمنع، لبعد العبادة عن
النيابة. وقيل: يمنع الاعتاق فقط، لبعد إثبات الولاء للميت، فإذا جوزنا، فلو
تبرع أجنبي بالطعام، أو الكسوة، أجزأ على الأصح، كقضاء الدين. واحتج
له الامام بأنه لو اشترطت الورثة، لا يشترط صدوره من جميعهم، كالاقرار
بالنسب، ولا يعتبر ذلك، بل يستبد به كل واحد من الورثة. ولو تبرع الأجنبي
بالعتق، فقيل: على الوجهين. وقيل بالمنع قطعا. وأما إذا لم يكن على الميت
عتق أصلا، فأعتق عنه وارث أو غيره، فلا يصح عن الميت، بل يقع العتق والولاء
للمعتق. ولو أوصى بالعتق في الكفارة المخيرة، وزادت قيمة الرقبة على قيمة الطعام
والكسوة، فوجهان. أحدهما: يعتبر من رأس المال، لأنه أداء واجب.
وأصحهما: الاعتبار من الثلث، لأنه غير متحتم، وتحصل البراءة بدونه، وعلى هذا
وجهان. وقيل: قولان. أحدهما: تعتبر جميع قيمته من الثلث، فإن لم يف به،
عدل إلى الاطعام. وأقيسهما: أن لمعتبر من الثلث ما بين القيمتين، لأن أقل
القيمتين لازم لا محالة. ويجري الخلاف فيما إذا أوصى أن يكسى عنه - والكسوة
أكثر من الطعام - وسنعيد المسألة في كتاب الايمان بزيادة إيضاح إن شاء الله
184

تعالى. ولو أعتق من عليه كفارة مخيرة في مرض الموت، قال المتولي: لا تعتبر
قيمة العبد من الثلث، لأنه مؤد فرضا، وهذا كأنه تفريع على الوجه القائل بأنه إذا
أوصى به، أعتق من رأس المال.
فرع وأما الدعاء للميت، والصدقة عنه، فينفعانه بلا خلاف. وسواء في
الدعاء والصدقة، الوارث والأجنبي. قال الشافعي رحمه الله: وفي وسع الله تعالى
أن يثيب المتصدق أيضا. قال الأصحاب: فيستحب أن ينوي المتصدق الصدقة عن
أبويه، فإن الله تعالى ينيلهما الثواب، ولا ينقص من أجره شيئا. وذكر صاحب
العدة: أنه لو أنبط عينا، أو حفر نهرا، أو غرس شجرة، أو وقف مصحفا في
حياته، أو فعله غيره عنه بعد موته، يلحق الثواب الميت. وأعلم أن هذه الأمور إذا
صدرت من الحي، فهي صدقات جارية، يلحقه ثوابها بعد الموت كما صح في
الحديث، وإذا فعل عيره عنه بعد موته، فقد تصدق عنه. والصدقة عن الميت
185

تنفعه، ولا يختص الحكم بوقف المصحف، بل يجري في كل وقف. وهذا القياس
يقتضي جواز التضحية عن الميت، لأنها ضرب من الصدقة. وقد أطلق أبو الحسن
العبادي جواز التضحية عن الغير، وروى فيه حديثا. لكن في التهذيب أنه لا
تجوز التضحية عن الغير بغير إذنه، وكذلك عن الميت، إلا أن يكون أوصى به.
فرع وما عدا هذه القرب، ينقسم إلى صوم، وغيره، فأما الصوم، فلا
يتطوع به عن الميت. وفي قضاء واجبه عنه قولان سبقا في الصيام. الجديد:
المنع. والقديم: أن لوليه أن يصوم عنه. وعلى هذا، لو أوصى إلى أجنبي
ليصوم، كان كالولي. ولو مرض بحيث لا يرجى برؤه، ففي الصوم عنه وجهان
تشبيها بالحج. وأما غير الصوم، كالصلاة عنه قضاء أو غيره، وقراءة القرآن، فلا
ينفعه. واستثنى صاحب التلخيص من الصلاة ركعتي الطواف، وقال: يأتي بهما
الأجير عن المحجوج عنه تبعا للطواف. فوافقه بعض الأصحاب، وقال بعضهم:
يقع عن الأجير وتبرأ ذمة المحجوج عنه بما يفعل، والأول أصح.
فرع الذي يعتاد من قراءة القرآن على القبر، قد ذكرنا في كتاب الإجارة
طريقين لعود فائدتها إلى الميت. وعن القاضي أبي الطيب طريق ثالث، وهو أن
الميت كالحي الحاضر، فترجى له الرحمة ووصول البركة إذا وصل الثواب إلى
القارئ.
فصل إذا ملك في مرض موته من يعتق عليه، فإن ملكه بالإرث، فهل
يعتق من الثلث، أم من رأس المال؟ وجهان، رجح البغوي والمتولي كونه من
الثلث، والأصح: كونه من رأس المال، وبه قطع الأستاذ أبو منصور. وفي كلام
الشيخ أبي علي وغيره: ما يقتضي الجزم به، لأنه لم يقصد تملكه، ولا تضرر به
الورثة. وإن ملكه بالهبة، أو الوصية، فإن قلنا في الموروث: يعتق من الثلث،
186

فهنا أولى، لأنه مختار، وإلا، فوجهان. أصحهما: من رأس المال، وبه قطع ابن
الحداد وأبو منصور، لأنه لم يبذل مالا، وزوال الملك حصل بغير رضاه. فإن قلنا:
من رأس المال، عتق وإن لم يكن له مال سواه. وكذا لو كان عليه دين مستغرق،
وكذا المفلس المحجور عليه إذا قبله ولا سبيل للغرماء عليه. وإن قلنا: يعتق من
الثلث، فلم يكن مال سواه، عتق ثلثه فقط. وإن كان عليه دين، لم يعتق، وبيع
في الدين، وكذا في المحجوز عليه بالفلس. ولو اشترى المريض من يعتق عليه،
وعليه دين، ففي صحة الشراء وجهان. ويقال: قولان. أصحهما: الصحة، إذ لا
خلل في الشراء، فيثبت الملك، ولا يعتق، لحق الغرماء. فإن لم يكن دين، اعتبر
عتقه من الثلث. فإن خرج كله، صح الشراء، وعتق كله، وإلا، ففي صحة الشراء
فيما زاد على الثلث الخلاف فيما إذا كان عليه دين. فإن قلنا: لا يصح، ففي قدر
الثلث الخلاف المذكور في تفريق الصفقة. وإن قلنا: يصح، عتق الثلث فقط.
وفي وجه: شراء المريض أباه باطل مطلقا، لأنه وصية، وهي موقوفة على الخروج
من الثلث، والبيع لا يوقف، وهذا ضعيف. هذا كله إذا لم يكن محاباة. أما إذا
اشتراه بخمسين، وقيمته مائة، فقدر المحاباة هبة، فيجئ فيه الوجهان في أنه من
الثلث، أو رأس المال؟ فإن قلنا: من الثلث، فجميع المائة من الثلث، وإلا،
فالمعتبر منه خمسون. ثم متى حكمنا بعتقه من الثلث، لا يرثه، لأنه وصية، ولا
سبيل إلى الجمع بينها وبين الإرث. هكذا أطلقوه وعللوه، وكأنه تفريع على بطلان
الوصية لوارث. فإن قلنا: يقف على إجازة الوارث، لم يمتنع الجمع بينها وبين
الإرث، فيحتمل توقف الامر على الإجازة، ويحتمل خلافه. وحكى الأستاذ أبو
187

...
188

منصور وجها: أنه يرث، لأنه لا (يملك) رقبته حتى يقال: أوصى له بها. والصحيح
الأول. ومتى عتق من رأس المال، ورث على الصحيح. وقال الإصطخري: لا
يرث، وجعل عتقه وصية في حقه. وإن لم تكن وصية في حق الوارث، كما لو
نكحت المريضة بدون مهر المثل، تصح المحاباة من رأس المال إن كان الزوج
أجنبيا. فإن كان وارثا، جعل وصية، فتبطل ويجب مهر المثل.
فصل إذا قال: أعتقوا عبدي بعد موتي، لم يفتقر إلى قبول العبد، لان
لله تعالى حقا مؤكدا في العتق، فكان كالوصية للجهات العامة. ولو قال: أوصيت
له برقبته، فهي وصية صحيحة، ومقصودها الاعتاق، ويشترط قبوله على الأصح،
لاقتضاء الصيغة ذلك، كقوله لعبده: ملكتك نفسك، أو وهبت لك نفسك، فإنه
يشترط فيه القبول في المجلس. ولو قال: وهبتك نفسك، ونوى به العتق، عتق بلا
قبول.
فصل قال: إذا مت، فاعتقوا ثلث عبدي، أو قال: ثلث عبدي حر إذا
مت، لم يعتق إذا مات إلا ثلثه، ولا يسري، لأنه ليس بمالك للباقي في حال
العتق، ولا موسر بقيمته، بخلاف ما لو أعتق المريض بعض عبده، فإنه يسري إذا
وفى به الثلث، لأنه مالك للباقي. ولو ملك ثلاثة أعبد قيمتهم سواء، لا مال
سواهم، فأعتق في مرضه ثلث كل واحد منهم، فقال: ثلث كل واحد منهم حر، أو
أثلاثهم أحرار، فهل يعتق من كل عبد ثلثه كما ذكر؟ أم يقرع بينهم فيعتق واحد
بالقرعة لتجتمع الحرية كما لو قال: أعتقت هؤلاء؟ فيه وجهان. أصحهما:
الثاني. ولو قال: أعتقت ثلثكم، أو ثلثكم حر، أقرع قطعا. وقيل: فيه الوجهان.
189

ولو قال: أثلاث هؤلاء أحرار بعد موتي، أو ثلث كل واحد، عتق من كل عبد ثلثه،
ولا قرعة، لما ذكرنا أن العتق بعد الموت لا يسري، لكن لو زاد ما أعتق على
الثلث، أقرع لرد الزيادة، لا للسراية. وفي التهذيب وغيره وجه: أنه يقرع،
كما لو نجز في المرض، فمن خرجت له القرعة، عتق، ورق الآخران. والصحيح
الأول، وبه قال ابن الحداد، وفرع عليه فقال: لو قال للثلاثة: النصف من كل عبد
منكم حر، فقد أعتق نصف ماله. فإن لم تجز الورثة، أقرع بين العبيد بسهم رق
وسهمي حرية، فمن أصابه سهم الرق، رق، ويعتق من كل واحد من الآخرين
نصفه، ولا يسري. ولو أعتق الانصاف في مرضه، فمن عتق منه شئ، سرى إلى
باقيه إلى أن يتم الثلث، فيقرع بينهم بسهمي رق، وسهم عتق. فمن خرج له سهم
العتق، عتق كله، وهو ثلث المال. ولو لم يملك إلا عبدين قيمتهما سواء، فقال:
نصف غانم حر بعد موتي، وثلث سالم حر بعد موتي، فقد أعتق خمسة أسداس،
وليس له إلا أربعة أسداس، فيقرع لرد الزيادة، فإن خرج العتق لغانم، عتق
نصفه، وعتق سدس سالم ليتم الثلث. فإن خرج العتق لسالم، عتق ثلثه وثلث
غانم. وإن أعتق نصف كل واحد منهما في مرضه، أقرع، فمن خرج له سهم
العتق، عتق ثلثاه، ورق باقيه مع جميع الآخر.
هذا كله، إذا أعتق الابعاض في المرض معا، بأن قال: أثلاث هؤلاء
أحرار، أو نصف كل عبد حر. فأما إذا قدم وأخر، فيقدم الأسبق فالأسبق، حتى لو
قال: نصف غانم حر، وثلث سالم حر، عتق ثلثا غانم، ولا قرعة.
فصل أعتق جاريته بعد الموت وهي حامل، ففي الحمل وجهان.
أحدهما: لا يعتق، لما سبق أن إعتاق الميت لا يسري. وأصحهما: يعتق، لأنه
كعضوها. ولو قال: هي حرة بعد موتي إلا جنينها، أو دون جنينها، لم يصح
الاستثناء على الأصح. ولو نجز عتقها في الحياة، عتق الحمل، ولم يصح استثناؤه
بلا خلاف. ولو كانت لشخص، وحملها لآخر، فأعتقها مالكها، لم يعتق الحمل
قطعا، لأن اختلاف الملك يمنع الاستتباع.
فصل أوصى بثلث عبد معين، أو دار، أو غيرهما، فاستحق ثلثاه،
نظر، إن لم يملك شيئا آخر، فللموصى له الثلث الباقي. وإن ملك غيره،
190

واحتمل ثلث ماله الثلث الباقي، فطريقان. أصحهما: على قولين. أظهرهما:
يستحق الثلث الباقي. والثاني: ثلث الثلث. والطريق الثاني: ثلث الثلث قطعا.
ثم عن ابن سريج: أن هذا فيما إذا قال: أوصيت له بثلث هذا العبد. فأما إذا قال:
أعطوه ثلثه، فيدفع إليه الثلث الباقي قطعا. ولو قال: أوصيت له بشاة من هذه
الثلاث، أو بأحد أثلاث هذا العبد، أو بثلث هذه الدار، فاستحق الثلثان، أو
اشترى من زيد ثلثها، ومن عمرو ثلثيها، وأوصى بما اشتراه من زيد، فاستحق ما
اشتراه من عمرو، نفذت الوصية في الثلث الباقي في هذه الصور قطعا. ولو أوصى
بأثلاث الأعبد الثلاثة، فاستحق اثنان منهم، نفذت في الثلث الباقي. ولو أوصى
بثلث صبرة، فتلف ثلثاها، فله ثلث الباقي قطعا.
فصل ما أوصى به للمساكين، هل يجوز نقله إلى مساكين غير بلد المال؟
فيه طريقان. أصحهما وبه قال الأكثرون: على قولين، كالزكاة. والثاني: الجواز قطعا.
فإن منعنا فلم يكن في البلد مسكين، فهل ينقل كالزكاة، أم تبطل الوصية؟ وجهان.
قلت: أصحهما النقل. والله أعلم.
ولو عين فقراء بلد، ولم يكن فيه فقير، بطلت الوصية. كما لو أوصى لولد
فلان ولا ولد له. وبالله التوفيق.
القسم الثالث من الباب: في المسائل الحسابية.
هذا فن طويل، ولذلك جعلوه علما برأسه، وأفردوه بالتدريس والتصنيف.
وفيه أطراف.
191

الأول: فيما إذا أوصى بجزء، وفيه مسائل.
إحداها: إذا أوصى بمثل نصيب ابنه، وله ابن واحد لا يرثه غيره، فالوصية
بالنصف، فإن لم يجز، ردت إلى الثلث. وكذا لو كان له ابنان، أو بنون فأوصى
بمثل نصيبهما، أو نصيبهم، فهو كابن. ولو لم يكن له ابن، أو لم يكن له وارثا
لرق وغيره، فالوصية باطلة. ولو قال: أوصيت له بنصيب ابني، فوجهان.
أصحهما عند العراقيين والبغوي: بطلان الوصية. وأصحهما عند الامام والروياني
وغيرهما وبك قطع أبو منصور: صحتها. والمعنى: بمثل نصيب ابني. ويجري
الوجهان فيما لو قال: بعتك عبدي بما باع به فلان فرسه وهما يعلمان قدره. فإن
صححنا، فهو وصية بالنصف على الصحيح. وقيل: بالكل، حكاه البغوي. ولو
كان له ابنان، فأوصى بمثل نصيب أحدهما، أو بمثل نصيب ابن، فالوصية
بالثلث. وإن كانوا ثلاثة، فبالربع، أو أربعة، فبالخمس. وعلى هذا القياس.
ويجعل الموصى له كابن آخر معهم. وضابطه: أن تصحح فريضة الميراث، ويزاد
عليها مثل نصيب الموصى له بمثل نصيبه، حتى لو كان له بنت، وأوصى بمثل
نصيبها، فالوصية بالثلث، لأن المسألة من اثنين لو لم تكن وصية، فتزيد على
الاثنين سهما، وتعطيه سهما من ثلاثة أسهم. ولو كان بنتان، فأوصى بمثل نصيب
أحدهما، فالوصية بالربع، لأن المسألة من ثلاثة لولا الوصية، لكل واحدة سهم،
فتزيد للموصى له سهما، فتبلغ أربعة. ولو أوصى بمثل نصيبيهما معا، فالوصية
بخمسي المال، لأنها من ثلثه، ونصيبهما منها اثنان، فتزيد على الثلاثة سهمين.
192

ولو أوصى وله ثلاث بنات وأخ بمثل نصيب واحدة، فالوصية بسهمين من أحد عشر.
لأنها من تسعة لولا الوصية. ونصيب كل بنت منهما سهمان، فتزيدهما على
التسعة. وكذا لو أوصى وله ثلاثة بنين، وثلاث بنات بمثل نصيب ابن، فالوصية
بسهمين من أحد عشر. ولو كان له ثلاثة بنين، وبنت، وأوصى بمثل نصيبها،
فالوصية بالثمن. ولو كان ابن، وثلاث بنات، وأبوان، وأوصى بمثل نصيب الابن،
فالوصية بثمانية أسهم من ثمانية وثلاثين.
فرع أوصى وله ابن بمثل نصيب ابن ثان لو كان، أو أوصى وله ابنان بمثل
نصيب ابن ثالث لو كان، فالوصية في الأولى، بالثلث. وفي الثانية، بالربع. وقال
الأستاذ أبو إسحاق: في الأولى، بالنصف. وفي الثانية. بالثلث والصحيح
الأول. وهل يفرق بين قوله: بمثل نصيب ب ابن ثان، أو ثالث لو كان؟ وبين أن
يحذف لفظه مثل فيقول: بنصيب ابن ثان؟ القياس أنه على الوجهين فيما
إذا أضاف إلى الوارث الموجود. وحكى الأستاذ أبو منصور عن الأصحاب: أنهم
فرقوا فقالوا: إذا أوصى بمثل نصيبه، دفع إليه نصيبه لو كان زائدا على أصل
الفريضة، وإذا أوصى بنصيبه، دفع إليه لو كان من أصل الفريضة. فعلى هذا، لو
أوصى وله ابنان بنصيب ثالث لو كان، فالوصية بالثلث. ولو قال: بمثل نصيب ابن
ثالث لو كان، فبالربع كما سبق. ولو أوصى وله ثلاثة بنين، بمثل نصيب بنت لو
كانت، فالوصية بالثمن، وعلى قول الأستاذ أبي إسحاق: بالسبع.
فرع لابن سريج له ابنان، وأوصى لزيد بمثل نصيب ابن رابع لو كان،
ولعمرو بمثل نصيب خامس لو كان، فللحساب طريقان.
أحدهما: أن يقال: المسألة من اثنين لو لم يكن وصية، ومن أربعة لو كانوا
أربعة، ومن خمسة لو كانوا خمسة، فهنا اثنان، وأربعة، وخمسة، والاثنان
والأربعة متداخلان، فتسقط الاثنين لدخولهما في الأربعة، وتضرب أربعة في
خمسة، تبلغ عشرين، وهذا العدد ينقسم على الاثنين بلا وصية، وعلى الأربعة
لو كانوا، ونصيب كل واحد خمسة، وعلى الخمسة لو كانوا، ونصيب كل واحد أربعة، فتزيد الأربعة
193

والخمسة على العشرين، تبلغ تسعة وعشرين، لزيد منها خمسة، ولعمرو أربعة،
والباقي للاثنين.
الطريق الثاني: أن يقال: لو لم يكن إلا وصية زيد، لكان له سهم من
خمسة، فتقسم الباقي على خمسة، لوصيته لعمرو بمثل نصيب ابن خامس،
فيخرج من القسمة أربعة أخماس، وهو نصيب كل ابن لو كانوا خمسة، فتزيد على
الخمسة لعمرو أربعة أخماس، تكون خمسة وأربعة أخماس، لزيد منها واحد،
ولعمرو أربعة أخماس، والباقي للاثنين، فإذا بسطناها أخماسا، كانت تسعة
وعشرين.
المسألة الثانية: أوصى لزيد بمثل نصيب أحد ورثته، أعطي مثل أقلهم
نصيبا، وطريقه: أن تصحح المسألة بلا وصية، وتزيد عليها مثل سهم أقلهم، ثم
تقسم، فإذا كان ابن وبنت، فالوصية بالربع، أو زوج وأم وأختان، فبالتسع،
لأن نصيب الأم واحد من ثمانية، فتضمه إليها تصير تسعة، أو بنتان وثلاث زوجات
وأخ، فبسهم من خمسة وعشرين، أو بنت وبنت ابن وأخ، فبالسبع. وإن أوصى بمثل
نصيب أكثرهم نصيبا، فطريقه: أن تصححها بلا وصية، وتضم إليها مثل نصيب
ذلك. فإن كان ابن وبنت، فله خمسان.
فرع له ابنان، أوصى لزيد بمثل نصيب أحدهما، لعمرو بمثل نصيب
الآخر، فأجازا لهما، قسم المال بين الأربعة أرباعا، وإن ردا الوصيتين، ارتدتا إلى
الثلث وكان الثلث بينهما بالسوية، وإن أجازا إحداهما وردا الأخرى، فالصحيح:
أن كل واحد منهما يأخذ سدس المال، وللمجاز له مع ذلك نصف سدس. وتصح
من أربعة وعشرين، للمجاز له ستة، وللمردود أربعة، والباقي للابنين. وعن ابن
سريج: أنه يضم سهم المجاز له إلى سهم الابنين ويقسم بينهما أثلاثا. وتصح من
ثمانية عشر، للمردود ثلاثة، وللباقين خمسة خمسة. وإن أجاز أحدهما لأحدهما،
وردهما الآخر، فعلى الصحيح: المسألة من أربعة وعشرين، للمردود أربعة،
وللمجاز خمسة، وللمجيز سبعة، وللراد ثمانية. وعلى المحكي عن ابن سريج:
194

تصح من ثمانية عشر، وللمردود ثلاثة، وللمجاز أربعة، وللمجيز خمسة، وللراد
ستة.
المسألة الثالثة: الضعف، وهو الشئ ومثله، فإذا أوصى بضعف نصيب
ابنه، وله ابن واحد، فهي وصية بالثلثين. ولو قال: بضعف نصيب أحد أولادي أو
ورثتي، أعطي مثلي نصيب أقلهم نصيبا، فإن كان ثلاثة بنين، فله خمسان. ولو
أوصى لزيد بمائة، ولعمرو بضعفها، فالثانية مائتين، وضعفا الشئ ثلاثة أمثاله،
فإذا قال: ضعفي نصيب ابني، وله ابن واحد، فالوصية بثلاثة أرباع المال. ولو
قال: ضعفي نصيب أحد بني وهم ثلاثة، فله ثلاثة أسهم من ستة، ولكل ابن
سهم. ولو أوصى لزيد بمائة، ولعمرو بضعفيهما فلعمرو ثلاثمائة، وثلاثة أضعاف
الشئ أربعة أمثاله، وأربعة أضعافه خمسة أمثاله.
(المسألة) الرابعة: أوصى بنصيب من ماله، أو جزء، أو حظ، أو قسط، أو شئ،
أو قليل، أو كثير، أو سهم، يرجع في تفسيره إلى الورثة، ويقبل تفسيرهم بأقل ما
يتمول، لأن هذه الألفاظ تقع على القليل والكثير. فإن ادعى الموصى له أن
الموصي أراد أكثر من ذلك، قال الأكثرون منهم أبو منصور والحناطي والمسعودي:
يحلف الوارث أنه لا يعلم إرادة الزيادة. وحكى البغوي: أنه لا يتعرض للإرادة، بل
يحلف أنه لا يعلم استحقاق الزيادة، وسلم أنه لو أقر لمبهم ومات وجرى مثل هذا
النزاع بين المقر له والوارث، حلف الوارث على نفي إرادة المورث، وفرق بأن
الاقرار إخبار، والوصية إنشاء أمر على الجهالة. ورد المتولي افتراق البابين إلى شئ
آخر فقال: الوارث هنا يحلف أنه لا يعلم الموصي أراد الزيادة، ولا يحلف أنه
أراد هذا القدر، وفي الاقرار، يحلف أنه لا يعلم الزيادة، وأنه أراد
هذا القدر. فرع أوصى بثلث ماله إلا شيئا، قبل التفسير وتنزيله على أقل ما يتمول
وحمله الشئ المستثنى على مال كثير. وقال الأستاذ أبو منصور: يعطى زيادة على
السدس. قال: وكذا لو قال: أعطوه ثلث مالي إلا قليلا. ولو قال: أعطوه
الثلث إلا كثيرا، جاز أن يعطيه أقل من السدس. والصحيح المعروف هو الأول.
195

فرع قال: أعطوه من واحد إلى عشرة، ففيه الأوجه المذكورة في
الاقرار. وقال الأستاذ أبو منصور عن بعض الأصحاب: إن أراد الحساب،
فللموصى له خمسة وخمسون، وهو الحاصل من جمع واحد إلى عشرة على توالي
العدد. وإن لم يرد الحسا ب، فله المتيقن، وهو ثمانية، ولا شك في اطراد هذا في
الاقرار. ولو قال: أعطوه واحدا في عشرة، أو ستة في خمسة، أطلق الأستاذ
ثبوت ما يقتضيه الضرب، وذكرنا فيه تفصيلا في الاقرار.
فرع قال: أعطوه أكثر مالي، فالوصية بما فوق النصف. ولو قال: أكثر مالي
ومثله، فالوصية بجميع ماله. ولو قال: أعطوه زهاء ألف درهم، أو معظم
الألف أو عامته، فالوصية بما فوق النصف.
قلت: هذا في زهاء مشكل، لأن زهاء ألف، معناه في اللغة: قدر
ألف، ولا يصدق ذلك على خمسمائة ودرهم. والله أعلم.
ولو قال: أعطوه دراهم أو دنانير، فأقل ما يعطى ثلاثة. ولفظ الدراهم
والدنانير عند الاطلاق يحمل على نقد البلد الغالب، وليس للوارث التفسير بغيره.
فإن لم يكن غالب، رجع إلى الوارث. ولو قال: أعطوه كذا، أو قال: كذا وكذا،
أو قال: كذا درهما، أو قال: كذا وكذا درهما، فعلى ما ذكرناه في الاقرار. ولو
قال: مائة ودرهما، أو ألفا ودرهما، لم يلزم أن تكون المائة والألف دراهم. ولو
قال: مائة وخمسين درهما، أو مائة وخمسة وعشرين درهما، فعلى الخلاف
196

المذكور في الاقرار. قال البغوي: لو قال: كذا وكذا من دنانيري، يعطى دينارا.
ولو قال: كذا وكذا من دنانيري، يعطى دينارين. ولو قال: كذا وكذا من دنانيري،
يعطى حبة، ولو قال: كذا وكذا من دنانيري فحبتان. ولك أن تقول: ينبغي أن
يعطى حبة أيضا إذا قال: كذا وكذا من دنانيري.
الطرف الثاني: في طريق تصحيح مسائل الوصية بالاجزاء. فإذا أوصى من له
ورثة بجزء شائع، وأردنا قسمة التركة بين الورثة والموصى له، فاما أن يوصي بالثلث
فما دونه، وإما بأكثر.
القسم الأول: إذا أوصى بالثلث فما دونه، فله حالان.
أحدهما: أن تكون الوصية بجزء واحد، فتصحح مسألة الميراث عائلة أو غير
عائلة، وينظر في مخرج جزء الوصية، ويخرج منه جزء الوصية. ثم إن انقسم
الباقي على مسألة الورثة، صحت المسألتان، وذلك كمن أوصى بربع ماله، وترك
ثلاثة بنين فمخرج جزء الوصية أربعة، والباقي بعد إخراج الربع ينقسم على
البنين، وإن لم ينقسم، فلك طريقان.
أحدهما: أن تنظر في الباقي وفي مسألة الورثة، فإن تباينا، ضربت مسألة
الورثة في مخرج الوصية، وإن توافقا، ضربت وفق مسألة الورثة في مخرج الوصية،
فما بلغ صحت منه القسمة. ثم من له شئ من مخرج الوصية، بعد إخراج جزء
الوصية أخذه مضروبا فيما ضربته في مخرج الوصية، ومن له شئ من مسألة
الورثة، أخذه مضروبا فيما بقي من مخرج الوصية بعد إخراج جزء الوصية إن كان
الباقي مع مسألة الورثة متباينين. وإن كانا متوافقين، ففي وفق الباقي.
الطريق الثاني: أن تنسب جزء الوصية إلى الباقي من مخرجها بعد الجزء،
وتزيد مثل تلك النسبة على مسألة الورثة، فما بلغ، فمنه القسمة. فإن كان فيه
كسر، ضربته في مخرج الكسر، فما بلغ، صحت منه القسمة.
مثاله: ثلاثة بنين، أوصى بثلث ماله، مسألة الورثة من ثلاثة، ومخرج
197

الوصية أيضا ثلاثة، والباقي بعد جزء الوصية اثنان لا ينقسمان على ثلاثة.
فعلى الطريق الأول: تضرب ثلاثة في مخرج الوصية، تبلغ تسعة منها
القسمة، كان للموصى له سهم يأخذه مضروبا في الثلاثة المضروبة في مخرج
الوصية، ولكل ابن سهم من مسألة الورثة مضروب في الباقي من مخرج الوصية بعد
إخراج جزء الوصية وهو اثنان.
وعلى الطريق الثاني تقول: جزء الوصية نصف الباقي من مخرجها، فتزيد
على مسألة الورثة نصفها تكون أربعة ونصفا، تبسطها أنصافا تبلغ تسعة.
أبوان وخمس بنات، وأوصى بخمس ماله، مسألة الورثة من ستة، وتصح من
ثلاثين، ومخرج جزء الوصية خمسة، والباقي بعد إخراج جزء الوصية أربعة لا تصح
على الثلاثين.
فعلى الطريق الأول، هما متوافقان بالنصف، فتضرب نصف مسألة الورثة
وهو خمسة عشر في مخرج الوصية، تبلغ خمسة وسبعين، كان للموصى له سهم يأخذه
مضروبا في خمسة عشر، ولكل واحد من الأبوين خمسة في نصف الأربعة تكون
عشرة، ولكل بنت أربعة في اثنين ثمانية.
وعلى الثاني تقول: الجزء المخرج مثل ربع الباقي، فتزيد على الثلاثين
ربعها وتبسطها أنصافا، تبلغ خمسة وسبعين.
ابنان وبنتان، وأوصى بالثلث، مسألة الورثة من ستة، والوصية من ثلثه،
والباقي بعد جزء الوصية لا ينقسم على ستة.
فعلى الطريق الأول: يتوافقان بالنصف، فتضرب نصف الستة في مخرج
الوصية، تبلغ تسعة، للموصى له سهم في ثلاثة، ولكل ابن سهمان في واحد.
وعلى الثاني تقول: جزء الوصية نصف الباقي من مخرجها، فتزيد على مسألة
الورثة نصفها تكون تسعة.
الحال الثاني: أن تكون الوصية بجزءين فصاعدا، فيؤخذ مخرج الجزءين
198

بالطريق المذكور في أصول مسائل الفرائض، ثم العمل على ما تبين في الحال
الأول.
مثاله: أبوان، وأوصى بثمن ماله لزيد، وبخمسة لعمرو، مسألة الورثة من
ثلاثة، ومخرج الجزءين أربعون. لزيد خمسة، ولعمرو ثمانية، ويبقى سبعة
وعشرون تصح على ثلاثة بنين. وأوصى بربع ماله لزيد، وبنصف سدسه لعمرو،
مسألة الورثة ثلاثة، ومخرج الوصيتين اثنا عشر، ومجموع الجزءين أربعة، إذا
أخرجناها، يبقى ثمانية لا تصح على ثلاثة.
فعلى الطريق الأول: لا موافقة، فتضرب ثلاثة في اثني عشر، فتبلغ ستة
وثلاثين منها تصح.
وعلى الثاني: الخارج بالوصيتين، نصف الباقي من مخرجهما، فتزيد على
مسألة الورثة نصفها، تبلغ أربعة ونصفا، تبسطها أنصافا تكون تسعة، لكن نصيب
الموصى لهما من مخرج الوصيتين أربعة، وحصتهما من التسعة ثلاثة لا تنقسم
على أربعة، فتضرب أربعة في تسعة، تبلغ ستة وثلاثين.
ولو كانت البنون ستة، والوصيتان بحالهما.
فعلى الطريق الأول، تبقى ثمانية لا تصح على ستة، لكن توافق بالنصف،
فتضرب نصف الستة في اثني عشر، تبلغ ستة وثلاثين.
والطريق الثاني: كما سبق.
القسم الثاني: إذا أوصى بأكثر من الثلث، فينظر إن كانت الوصية لشخص أو
جماعة يشتركون فيه، إما بجزء، كالنصف، وإما بجزءين كالنصف والربع، فمدار
المسألة على إجازة الورثة وردهم، وقد سبق بيان الحكم والحساب. وإن أوصى
لشخص بجزء ولآخر بجزء، فإن أجاز الورثة، أعطي كل واحد ما سمي له، وقسم
الباقي بين الورثة. وطريق القسمة ما سبق في القسم الأول. وإن ردوا الزيادة على
الثلث، قسم الثلث بينهم على نسبة أنصبائهم بتقدير الإجازة، وسواء زاد الجزء
الواحد، كالنصف والثلث، أو لم يزد واحد منهما، كالربع والثلث.
مثاله: أبوان وابنان، وأوصى لزيد بنصف ماله، ولعمرو بثلثه، وأجازوهما،
199

فمسألة الورثة ستة، وكذا مخرج الوصيتين، والباقي بعد جزأي الوصيتين لا ينقسم
على ستة.
فعلى الطريق الأول: تضرب الستة في مخرج الوصيتين، تبلغ ستة وثلاثين.
وعلى الثاني نقول: جزءا الوصيتين خمسة أمثال الباقي من مخرجهما، فيزاد
على مسألة الورثة خمسة أمثالها، تبلغ ستة وثلاثين، منها تصح القسمة. وإن ردوا
الوصيتين، قسمنا الثلث بينهما على خمسة، لأن نصيبهما بتقدير الإجازة خمسة من
ستة. ولذلك طريقان.
أحدهما: أن ينظر إلى ما زاد من الوصايا على الثلث، وينقص بتلك النسبة
من نصيب كل واحد من الموصى لهم، فنسبة ما زاد هنا ثلاثة أخماس، لأن مجموع
الوصية بخمسة من ستة، ولا خمس لمخرج الوصيتين، فتضرب مخرج الخمس في
ستة، تبلغ ثلاثين، منها خمسة عشر للموصى له بالنصف، وعشرة للموصى له
بالثلث، فينقص من كل واحد ثلاثة أخماسه، يبقى للأول ستة، وللثاني أربعة،
والباقي عشرون للورثة. وهذه الأنصباء متوافقة بالنصف، فترد للاختصار إلى
أنصافها، وتقسم من خمسة عشر.
الطريق الثاني: أنا نطلب مالا لثلثه خمس، فنضرب مخرج الثلث في مخرج
الخمس، تبلغ خمسة عشر، للموصى له بالنصف ثلاثة، وللآخر اثنان، يبقى
عشرة للورثة لا تنقسم على مسألتهم وهي ستة، لكن توافقها بالنصف، فنضرب
نصف الستة في الخمسة عشر، تبلغ خمسة وأربعين، منها تصح القسمة.
فرع هذا الذي ذكرناه، إذا لم تستغرق الوصية المال. فان استغرقت
وأجيزت، قسم المال بين أصحاب الوصايا. وإن ردوا، قسم الثلث بينهم على نسبة
أنصبائهم بتقدير الإجازة. وإن زادت الوصايا على المال، بأن أوصى لزيد بماله
كله، ولعمرو بثلثه، فإن أجازوا، فقد عالت إلى أربعة، لزيد ثلاثة، ولعمرو
سهم. وإن ردوا، قسم الثلث بينهم على أربعة، وتكون قسمة الوصية من اثني
عشر. ولو أوصى لزيد بنصف ماله، ولعمرو بثلثه، ولبكر بربعه، قسم المال بينهم
على ثلاثة عشر سهما إن أجازوا، وإلا، قسم ثلثه على ثلاثة عشر.
فرع أوصى لزيد بعبد قيمته مائة، ولعمرو بدار قيمتها ألف، ولبكر
200

بخمسمائة، وكان ثلث ماله ثمانمائة، فقد أوصى بثلثي ماله. فإن أجازوا، فذاك،
وإلا، فالزائد على الثلث مثل جميع الوصايا، فترد كل وصية إلى نصفها، ويخص
كل واحد بنصف ما عين له. ولو أوصى لزيد بعشرة، ولعمرو بعشرة، ولبكر
بخمسة، وثلثه عشرون، ولم يجيزوا، قسمت العشرون على خمسة، لكل واحد
من الأولين ثمانية، ولبكر أربعة. ولو كانت بحالها وقال: قدموا بكرا على عمرو،
قال ابن الحداد: لزيد ثمانية، ولعمرو سبعة، ولبكر خمسة. ولو قال: قدموا بكرا
عليهما، أعطي خمسة، ودخل النقص عليهما بالسوية، فيكون لكل منهما سبعة
ونصف.
فرع أوصى لزيد بعبد، ولعمرو بما بقي من ثلث ماله، اعتبر ماله عند
الموت. فإن خرج العبد من ثلثه، دفعناه إلى زيد، وأعطينا عمرا باقي الثلث إن بقي
شئ، وإلا، بطلت وصية عمرو. وإن مات العبد قبل موت الموصي، لم يحسب
من التركة، وينظر في باقي أمواله، فيحط من ثلثها قيمة العبد، ويدفع باقيه إلى
عمرو. فإن لم يبق شئ، بطلت أيضا وصيته. وإن مات بعد موت الموصي،
حسب من التركة، وحسبت قيمته من الثلث. فإن بقي شئ من الثلث، فهو
لعمرو. ولو لم يكن له مال سوى العبد، فأوصى لزيد به، ولعمرو بثلثه، أو بثلث
ماله، ولم يجر لفظ يقتضي الرجوع عن الوصية الأولى. فإن أجازوا، قسم العبد
بينهما، لزيد ثلاثة أرباعه، ولعمرو ربعه. وإن لم يجيزوا، قسم الثلث كذلك.
وإن أوصى لزيد بالعبد. وقيمته ألف، ولعمرو بثلث ماله، وله ألفان سوى العبد،
فإن أجازوا، جعل العبد بينهما أرباعا كما ذكرنا، ولعمرو مع ربعه ثلث الألفين.
وإذا كان العبد الذي هو ثلث المال أربعة، كان الألفان وهما ثلثاه ثمانية، لكن ليس
للثمانية ثلث، فتضرب مخرج الثلث في اثني عشر، تبلغ ستة وثلاثين، العبد منها
اثنا عشر، تسعة منها لزيد، وثلاثة منها مع ثمانية من الباقي لعمرو، والباقي للورثة.
وإن ردوا الوصية، قسم الثلث بينهما على عشرين، لأن جملة سهام الوصايا عند
الإجازة عشرون. وإذا كان العبد وهو ثلث المال عشرين، كان الجميع ستين، لزيد
تسعة من العبد، ولعمرو ثلاثة منه وثمانية أسهم من الباقي، كما كان في حال الإجازة،
يبقى للورثة ثمانية أسهم من العبد، واثنان وثلاثون سهما من الباقي، وجميع ما
ذكرناه فيما إذا أجاز جميع الورثة جميع الوصايا، أو رد جميعهم جميعها إلى
201

الثلث. فلو أجازوا بعضها، أو أجاز بعضهم بعضها، وبعضهم كلها، أو أجاز
بعضهم بعضها، وبعضهم بعضا آخر، أو أجاز بعضهم جميعها، ورد بعضهم
جميعها، (أو رد بعضهم جميعها) وبعضهم بعضها، فالطريق في هذه الأحوال أن
تصحح المسألة على تقدير الإجازة المطلقة وعلى تقدير الرد المطلق. فإن تماثلت
المسألتان، اكتفيت بإحداهما. وإن تداخلتا، اكتفيت بالأكثر واستغنيت عن
الضرب. وإن تباينتا، ضربت إحداهما في الأخرى وإن توافقتا، ضربت وفق
إحداهما في الأخرى، ثم يقسم المال بينهما على تقديري الإجازة والرد من ذلك
العدد، وينظر في الحاصل لكل مجيز على التقديرين، فيكون قدر التفاوت بينهما
لمن أجاز له.
مثاله: إبنان، وأوصى لزيد بنصف ماله، ولعمرو بثلثه، المسألة على تقدير
الإجازة من اثني عشر، وعلى تقدير الرد من خمسة عشر، وهما متوافقان بالثلث،
فتضرب ثلث إحداهما في الأخرى، تبلغ ستين، لزيد منها على تقدير الإجازة
المطلقة ثلاثون، ولعمرو عشرون، ولكل ابن خمسة، ولزيد على تقدير الرد المطلق
اثنا عشر، ولعمرو ثمانية، ولكل ابن عشرون، فالتفاوت في نصيب كل ابن خمسة
عشر. فإن أجازا وصية زيد، فقد سامحه كل ابن بتسعة، فيتم له ثلاثون، ويبقى
لكل ابن أحد عشر. وإن أجازا وصية عمرو، فقد سامحه كل ابن بستة، فيتم له
عشرون، ولكل ابن أربعة عشر. وإن أجاز أحدهما الوصيتين وردهما الآخر، فقد
سامح المجيز زيدا بتسعة، وعمرا بستة، فيكون لزيد أحد وعشرون، ولعمرو أربعة
عشر، وللمجيز خمسة، وللراد عشرون. وإن أجاز أحدهما الوصيتين، وأجاز الآخر
وصية زيد، تم لزيد ثلاثون. وإن أجاز الآخر وصية عمرو، تم له عشرون. وإن
أجاز أحدهما وصية زيد، والآخر وصية عمرو، فهذا سامح زيدا بتسعة، وذاك سامح
عمرا بستة، فيكون لزيد أحد وعشرون، ولمجيزه أحد عشر، ولعمرو أربعة عشر،
ولمجيزه مثلها.
الطرف الثالث: في الدوريات من الوصايا.
فصل في الوصية بمثل نصيب وارث، وبجزء شائع الجزء الشائع،
قد يكون مضافا إلى ما يبقى من المال بعد النصيب، وقد يكون مضافا إلى جميع
202

المال. فإن كان مضافا إلى جميع المال، نظر، إن لم تزد جملة المال الموصى به
على الثلث، جعل الموصى له بالنصيب كأحد الورثة، فتصحح مسألة الورثة، ثم
يؤخذ مخرج الوصية ويخرج منه جزء الوصية، وينظر هل ينقسم الباقي على مسألة
الورثة؟ إن انقسم، فذاك، وإلا، فطريق التصحيح ما سبق. وإن زادت على الثلث
وأجاز الورثة، فكذلك الحكم والحساب. وإن لم يجيزوا، قسم الثلث على نسبة
القسمة عند الإجازة.
مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بعشر المال،
فمسألة الورثة وزيد من أربعة، ومخرج الجزء عشرة، يبقى منها بعد إخراج الجزء
تسعة لا تنقسم على أربعة، ولا توافق، فتضرب أربعة في عشرة، تبلغ أربعين،
لعمرو أربعة، ولزيد وكل ابن تسعة، وجملة الوصيتين ثلاثة عشر. وإن كان الجزء
مضافا إلى ما تبقى من المال بعد النصيب، مثل أن ترك ثلاثة بنين، وأوصى لزيد
بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بسدس ما تبقى من المال بعد النصيب، فالمقصود في
هذه المسألة ونظائرها، يعرف بطرق.
منها: طريقة الجبر، ولها وجوه. أسهلها: أن تأخذ مالا وتسقط منه نصيبا
لزيد، يبقى مال سوى نصيب، تسقط سدسه لعمرو، يبقى خمسة أسداس مال إلا
خمسة أسداس نصيب تعدل أنصباء الورثة، وهي ثلاثة، فتجبر وتقابل، فتكون
خمسة أسداس مال معادلة لثلاثة أنصباء وخمسة أسداس نصيب، تضرب ثلاثة
وخمسة أسداس مال في أقل عدد له سدس وهو ستة، تكون ثلاثة وعشرين،
النصيب من ذلك خمسة، يبقى ثمانية عشر، سدسها لعمرو، يبقى خمسة عشر،
لكل خمسة.
ومنها: أن تجعل المال كله دينارا وستة دراهم، فالوصية بالسدس، فتجعل
الدينار نصيب زيد، ودرهما من الستة لعمرو، يبقى خمسة دراهم للبنين، لكل ابن
درهم وثلثان، فعلمنا أن قيمة الدينار درهم وثلثان، وكنا جعلنا المال دينارا وستة
دراهم، فهو إذن سبعة دراهم وثلثان، فتبسطها أثلاثا، فتبلغ ثلاثة وعشرين،
وتسمى هذه: طريقة الدينار والدرهم.
ومنها: أن تقول: مسألة الورثة من ثلاثة، فيكون لزيد سهم مثل أحدهم،
203

فتزيد على كل واحد من سهام البنين مثل خمسه، لأنه أوصى بسدسها، وسدس كل
شئ مثل خمس الباقي بعد إخراج السدس، فيكون جميع المال أربعة أسهم وثلاثة
أخماس، تبسطها أخماسا، تبلغ ثلاثة وعشرين، وتسمى هذه: طريقة القياس.
ومنها: أن تقسم سهام الورثة وهي ثلاثة، وتضيف إليها سهما لزيد، تكون
أربعة، تضربها في مخرج السدس، تبلغ أربعة وعشرين، تسقط منها الحاصل من
ضرب الجزء الموصى به بعد النصيب في النصيب وهو واحد، يبقى ثلاثة وعشرون،
وهو المال، فإذا أردت النصيب، أخذت سهما، فتضربه في مخرج السدس،
تكون ستة، تسقط منها ما أسقطته من المال، يبقى خمسة، فهي النصيب، وهذه
تسمى: طريقة الحشو، ويسمى هذا الذي يسقط: سهم الحشو. ويقال: كان
محمد بن الحسن رحمه الله يعتمدها.
ومنها: أن تأخذ سهام الورثة، وتضربها في مخرج السدس، تكون ثمانية
عشر، تصرف سدسها إلى عمرو، يبقى خمسة عشر، لكل ابن خمسة. وإذا بان أن
النصيب خمسة، فزد خمسة على ثمانية عشر، تكون ثلاثة وعشرين.
ومنها: أن يقال: المال كله ستة ونصيب، النصيب لزيد، وسهم من الستة
لعمرو، يبقى خمسة لا تصح على ثلاثة، فتضرب ثلاثة في ستة، تبلغ ثمانية عشر
مع النصيب المجهول، فسدس الثمانية عشر لعمرو، والباقي بين البنين، لكل ابن
خمسة. فعرفنا أن النصيب المجهول خمسة، والمال ثلاثة وعشرون.
مسألة: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بثلث باقي
المال بعد النصيب، استخراجها بطريق الخطائن أن يقدر المال أربعة، ليعلمنا أن
هنا نصيبا وثلثا بعد النصيب، فتجعل النصيب واحدا، وتدفع ثلث الباقي إلى
عمرو، يبقى الجنان، ونحن نحتاج إلى ثلاثة ليكون لكل ابن مثل النصيب
المفروض، فقد نقص عن الواجب واحد، وهذا هو الخطأ الأول، ثم تجعل المال
خمسة، وتجعل النصيب منها اثنين، وتدفع ثلث الباقي إلى عمرو، يبقى اثنان،
ونحن نحتاج إلى ستة ليكون لكل ابن مثل النصيب المفروض، فقد نقص عن
الواجب أربعة، وهذا هو الخطأ الثاني، والخطآن جميعا ناقصان، فتسقط أقلهما من
أكثرهما، يبقى ثلاثة، فتحفظها، ثم تضرب المال الأول في الخطأ الثاني، فيكون
204

ستة عشر، وتضرب المال الثاني في الخطأ الأول، يكون خمسة، تسقط الأقل من
الأكثر، يبقى أحد عشر، تقسمها على الثلاثة المحفوظة، يخرج بالقسمة ثلاثة
وثلثان، تبسطها أثلاثا، تكون أحد عشر، فهو المال، ثم تضرب النصيب الأول في
الخطأ الثاني، يكون أربعة، وتضرب النصيب الثاني في الخطأ الأول، يكون
اثنين، تسقط الأقل من الأكثر، يبقى اثنان، تقسمها على الثلاثة المحفوظة، يخرج
بالقسمة ثلثان، إذا بسطا كانا اثنين، فهما النصيب، فتدفع اثنين من أحد عشر إلى
زيد، وثلث الباقي ثلاثة إلى عمرو، يبقى ستة، لكل ابن سهمان، وهذا إذا أجاز
الورثة، لأن الوصيتين زائدتان على الثلث، وتسمى هذه الطريقة: الجامع الكبير من
طرق الخطائن. وبطريقة الباب نقول: سهام البنين ثلاثة، وقد أوصى بثلثها، فيبقى
لكل ابن ثلثا سهم، فبان أن النصيب الموصى به لزيد ثلثا سهم، ثم تضم الثلث
المخرج إلى أنصبائهم، تبلغ جملة المال ثلاثة أسهم وثلثي سهم، تبسطها أثلاثا،
تكون أحد عشر. وبطريقة المقادير تعطي الموصى له بمثل النصيب نصيبا من
المال، يبقى منه مقدار، تدفع ثلثه إلى عمرو، ويبقى ثلثا مقدار، تقسمها بين
البنين، يحصل لكل ابن تسعا مقدار، فتعلم أن ما أخذه الموصى له بالنصيب تسعا
مقدار، فالمال كله مقدار وتسعا مقدار، تبسطها اتساعا، يكون أحد عشر، وتخرج
المسألة السابقة بهذه الطرق الثلاث خروج هذه المسألة بتلك الطرق الست.
فصل وقد تكون الوصية بجزء من جزء من المال يبقى بعد النصيب أو
بعضه.
مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بمثل ما تبقى
من ثلث المال بعد النصيب، تقدر ثلث المال عددا له ثلث، لقوله: بثلث الباقي من
الثلث. وليكن ثلاثة، تزيد عليه واحدا للنصيب، فيكون أربعة. وإذا كان الثلث
أربعة، فالثلثان ثمانية، والجملة اثنا عشر، تعطي زيدا سهما، وعمرا سهما، وهو
ثلث الثلاثة الباقية من ثلث المال الباقي، يبقى سهمان، تضمهما إلى ثلثي المال،
تكون عشرة، وكان ينبغي أن يكون ثلاثة، ليكون لكل ابن مثل النصيب المفروض،
فقد زاد على ما ينبغي سبعة، وهو الخطأ الأول، ثم تقدر الثلث خمسة، وتجعل
النصيب اثنين، وتعطي عمرا واحدا، يبقى سهمان، تزيدهما على ثلثي المال وهو
عشرة على هذا التقدير، تبلغ اثني عشر، وكان ينبغي أن يكون ستة، ليكون لكل ابن
205

سهمان، فزاد على ما ينبغي ستة، وهو الخطأ الثاني، ثم نقول: لما أخذنا أربعة،
زاد على الواجب سبعة، ولما زدنا سهما نقص عن الخطأ سهم، فعلمنا أن كل سهم
يزيد ينقص به من الخطأ سهم، وقد بقي من الخطأ ستة أسهم، فنزيد لها ستة
أسهم، يكون أحد عشر، فهو ثلث المال، النصيب منها ثمانية، وجميع المال ثلاثة
وثلاثون، ونسمي هذه الطريقة: الجامع الصغير من طرق الخطائن.
مسألة: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بثلث ما تبقى
من الثلث بعد نصف النصيب، خذ ثلث مال، وأسقط منه نصيبا، يبقى ثلث مال
سوى نصيب، أسقط منه ثلث الباقي بعد نصف النصيب، وهو تسع مال إلا سدس
نصيب، يبقى تسعا مال إلا خمسة أسداس نصيب، زده على ثلثي المال، يكون
ثمانية أتساع مال، إلا خمسة أسداس نصيب، تعدل ثلاثة أنصباء، فأجبر وقابل،
تعدل ثمانية أتساع مال، ثلاثة أنصباء وخمسة أسداس نصيب، فاضرب ثلاثة وخمسة
أسداس في تسعة، تبلغ أربعة وثلاثين ونصفا، ابسطها أنصافا، تكون تسعة
وستين، فهي المال، لزيد منها ستة عشر، ولعمرو خمسة.
فصل في الوصية بنصيب أحد الورثة مع الوصية بجزأين أحدهما من
جميع المال، والآخر مما تبقى مثاله: بنت وأخ، وأوصى لزيد بمثل نصيب
أحدهما، ولعمرو بربع المال، ولبكر بنصف الباقي بعد ذلك، فعلى طريق
القياس، نعلم أنه إذا أخذ عمرو ربع المال، وزيد نصيبا، ينبغي أن يكون للباقي
نصف، وأقل عدد له نصف اثنان، لبكر منهما سهم، يبقى سهم، لكل واحد من
الوارثين نصف سهم، فعلمنا أن النصيب نصف سهم، فيكون الباقي من المال بعد
الربع سهمين ونصف سهم، وذلك ثلاثة أرباع المال، نزيد عليه ثلاثة، وهو خمسة
أسداس، يبلغ ثلاثة وسدسين، نبسطها أسداسا، تبلغ عشرين، لزيد ثلاثة
ولعمرو خمسة، يبقى اثنا عشر، لبكر نصفها، ولكل واحد من الوارثين ثلاثة
كالنصيب. ولو كانت المسألة بحالها، إلا أن وصية عمرو بخمس المال، ووصية
بكر بثلث الباقي، فالمال خمسة، والنصيب واحد.
فصل فيما إذا كان الجزءان مع النصيب أحدهما بعد الآخر مثاله:
أم، وعمان، أوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بربع ما تبقى من المال بعد
206

النصيب، ولبكر بثلث ما تبقى من المال بعد ذلك، ولخالد بنصف ما تبقى بعد
ذلك، تأخذ مالا، وتلقى منه نصيبا، يبقى مال إلا نصيبا، تلقي من هذا الباقي
ربعه، يبقى ثلاثة أرباع مال إلا ثلاثة أرباع نصيب، تلقي من الباقي ثلثه، يبقى
نصف مال إلا نصف نصيب، تلقي من الباقي نصفه، يبقى ربع مال إلا ربع نصيب
تعدل ثلاثة أنصباء، تجبر وتقابل، فربع مال يعدل ثلاثة أنصباء وربع نصيب،
فتضربها في أربعة، تبلغ ثلاثة عشر، النصيب منه واحد، يبقى اثنا عشر، لعمرو
ربعها، يبقى تسعة، لبكر ثلثها، يبقى ستة، لخالد نصفها، يبقى ثلاثة، لكل
واحد من الورثة واحد كالنصيب.
فصل في الوصية بنصيبين مع الوصية بجزء بعد كل نصيب مثاله:
ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بثلث ما تبقى من الثلث،
ولبكر بمثل نصيب أحدهم، ولخالد بنصف ما تبقى من الثلث بعد النصيب، فخذ
أحد أثلاث المال، وادفع منه نصيبا إلى زيد، يبقى منه مقدار، تدفع ثلثه إلى
عمرو، يبقى معنا ثلثا مقدار، ونأخذ ثلثا آخر وتدفع منه نصيبا إلى بكر، يبقى
مقدار، تعطي منه خالدا نصفه، يبقى نصف مقدار، فتضم الباقي من الثلثين وهو
مقدار وسدس مقدار إلى الثلث الثالث وهو نصيب، ومقدار يكون نصيبا ومقدارين
وسدس مقدار، وذلك يعدل أنصباء الورثة وهو ثلاثة، تسقط نصيبا بنصيب، يبقى
مقداران وسدس مقدار في معادلة نصيبين، فالنصيب الواحد مقدار ونصف سدس
مقدار، وكنا فرضنا كل ثلث نصيبا ومقدارا، فهو إذا مقداران ونصف سدس،
تبسطها بالضرب في اثني عشر، تكون خمسة وعشرين، وجملة المال خمسة
وسبعون، والنصيب ثلاثة عشر، فلزيد ثلاثة عشر، ولعمرو أربعة، ولبكر ثلاثة
عشر، ولخالد ستة، ولكل ابن ثلاثة عشر كالنصيب.
فصل في الوصية بنصيب وبجزء شائع، على شرط أن لا يضام
بعض الورثة، أي: لا يدخل النقص عليه مثاله: إبنان، وأوصى لزيد بربع
المال، ولعمرو بنصيب أحد الابنين، على أن لا يضام الثاني بالوصيتين، هي من
أربعة لذكره الربع، لزيد سهم، وللابن الذي شرط أن لا يضام سهمان، يبقى سهم
لعمرو وللابن الآخر لا يصح عليهما، فتضرب اثنين في أربعة.
مسألة: ثلاثة بنين، أحدهم بكر، وأوصى من ثلث ماله لزيد بنصيب
207

أحدهم، ولعمرو بثلث ما تبقى من الثلث، وشرط أن لا يضام بكر، فخذ ثلث
المال، وادفع إلى زيد منه نصيبا، يبقى مقدار، تدفع ثلثه إلى عمرو، يبقى ثلثا
مقدار تضمهما إلى الثلثين وهما نصيبان ومقداران، وذلك كله يعدل ثلث المال
ونصيبين. أما ثلث المال، فهو الذي توفيه بكرا غير منقوص. وأما النصيبان، فهما
نصيبا الابنين الآخرين، وذلك ثلاثة أنصباء ومقدار، فتسقط نصيبين بنصيبين،
ومقدارا بمقدار، يبقى نصيب في معادلة مقدار وثلثين، فعرفنا أن النصيب مقدار
وثلثان، وأن الثلث مقداران وثلثان، فنبسطها أثلاثا، فيكون ثمانية، فهي ثلث
المال، والنصيب منها خمسة، وجملة المال أربعة وعشرون، لزيد خمسة، ولعمرو
سهم، ولبكر ثمانية، ولكل واحد من الآخرين خمسة كالنصيب.
فصل في الوصية بالنصيب مع استثناء جزء من المال عنه مثاله:
ثلاثة بنين، أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ربع جميع المال، تأخذ مالا، وتسقط
منه نصيبا، يبقى مال ينقص نصيبا، تزيد عليه ربع المال المستثنى، يبلغ مالا وربع
مال إلا نصيبا، وذلك يعدل ثلاثة أنباء، وهي أنصباء الورثة، تجبر وتقابل، فإذا
مال وربع يعدل أربعة أنصباء، تبسطها أرباعا، وتقلب الاسم، فالمال ستة عشر،
والنصيب خمسة، تدفع إلى الموصى له خمسة، وتسترجع منه ربع المال وهو
أربعة، يبقى معنا خمسة عشر، لكل ابن خمسة كالنصيب.
مسألة: ابن، وأوصى بمثل نصيبه إلا نصف المال، تأخذ مالا، وتسقط منه
نصيبا، ثم تسترجع من النصيب نصف مال، يحصل معنا مال ونصف سوى نصيب،
يعدل نصيبا واحدا، تجبر وتقابل، فيكون مال ونصف يعدل نصيبين، تبسطهما
أنصافا، وتقلب الاسم، فيكون المال أربعة، والنصيب ثلاثة، تدفع إلى الموصى
له ثلاثة، وتسترجع منه اثنين، يبقى معه سهم، وهو مثل نصيب الابن ناقصا بنصف
المال.
مسألة: ابن، وأوصى بنصيب ابن رابع لو كان إلا عشر المال، نقول: لو كان
البنون أربعة، قسم المال بينهم على أربعة، تأخذ مالا، وتلقي منه نصيبا،
وتسترجع منه عشر المال، يكون معنا مال وعشر مال سوى نصيب، يعدل أربعة
أنصباء، تجبر وتقابل، فإذا مال وعشر مال تقابل خمسة أنصباء، تبسطها أعشارا،
208

وتقلب الاسم، فالمال خمسون، والنصيب أحد عشر، تدفع إلى الموصى له أحد
عشر، وتسترجع منه عشر المال وهو خمسة، يبقى للموصى له ستة، ويأخذ الابن
أربعة وأربعين، ولو كانوا أربعة لاخذ كل ابن أحد عشر كالنصيب.
فصل في الوصية بالنصيب مع استثناء جزء مما تبقى من المال
فهذا، إما أن يكون مع تقييد الموصي الاستثناء بجزء مما تبقى من المال بعد
النصيب، وإما مع التقييد بجزء مما تبقى من المال بعد الوصية، وإما مطلقا، فهذه
ثلاثة أقسام.
(القسم) الأول: مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ربع الباقي من
المال بعد النصيب، تأخذ مالا وتسقط منه نصيبا، يبقى مال ناقص بنصيب، تزيد
عليه ربعه وهو الذي يسترده من جملة النصيب، وربعه ربع مال إلا ربع نصيب،
فيبلغ مالا وربع مال إلا نصيبا، وربع نصيب يعدل ثلاثة أنصباء، فتجبر وتقابل، فإذا
مال وربع مال يعدل أربعة أنصباء وربع نصيب، تبسطها أرباعا وتقلب الاسم،
فالمال سبعة عشر، والنصيب خمسة، تعطي الموصى له خمسة، يبقى اثنا عشر،
تسترجع من الخمسة ربع الباقي وهو ثلاثة، يبقى مع الموصى له سهمان، ومع البنين
خمسة عشر، لكل ابن خمسة.
القسم الثاني: أن يقيد الاستثناء بجزء مما تبقى من المال بعد الوصية،
فالجزء من باقي المال بعد الوصية، كالجزء الواقع تحته من باقي المال بعد
النصيب، فعشر الباقي بعد الوصية كتسع الباقي بعد النصيب، وتسع الباقي بعد
الوصية كثمن الباقي بعد النصيب، وعلى هذا القياس، حتى ينتهي إلى ثلث الباقي
بعد الوصية، فهو كنصف الباقي بعد النصيب، وخرجوا صور هذا القسم بطريقين.
أحدهما: البناء على القاعدة المذكورة. فإذا أوصى - وله ثلاثة بنين - بنصيب
أحدهم إلا ربع ما تبقى من المال بعد الوصية، فهو كما لو أوصى بنصيب أحدهم إلا
ثلث ما تبقى بعد النصيب، فتأخذ مالا، وتلقي منه نصيبا، يبقى مال ناقص
بنصيب، تزيد ثلثه للاستثناء وهو ثلث مال إلا ثلث نصيب، يبلغ مالا وثلث مال إلا
209

نصيبا، وثلث نصيب يعدل ثلاثة أنصباء، فتجبر وتقابل، فإذا مال وثلث مال يعدل
أربعة أنصباء وثلث نصيب، فتبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالمال ثلاثة عشر،
والنصيب أربعة، تعطي الموصى له أربعة، يبقى تسعة، تسترد من الأربعة ثلث
التسعة الباقية، يبقى معه سهم، ويحصل للبنين اثنا عشر، ولكل ابن أربعة، فالذي
أخذه الموصى له مثل النصيب إلا ثلث الباقي بعد النصيب، ومثل النصيب إلا ربع
الباقي بعد الوصية، لأن الباقي بعد الوصية اثنا عشر.
الطريق الثاني: إنا نعلم أن باقي المال في الصورة المذكورة بعد الوصية
أنصباء البنين، وهي ثلاثة، وربعها ثلاثة أرباع نصيب، فهو المستثنى من نصيب
أحد البنين، يبقى ربع نصيب وهو الوصية، فتزيده على أنصباء البنين، تبلغ ثلاثة
أنصباء وربع نصيب، نبسطها أرباعا بالضرب في أربعة، تكون ثلاثة عشر، والوصية
سهم.
القسم الثالث: أن يطلق فيقول: أوصيت له بمثل نصيب فلان إلا ربع ما تبقى
من المال، ولم يقل: بعد النصيب، ولا بعد الوصية، ففيه وجهان لأصحابنا.
أحدهما: يحمل على الباقي بعد النصيب، لأن المذكور هو النصيب فانصرف
الاستثناء إليه. والثاني وهو قول أكثرهم: يحمل على الباقي بعد الوصية، لأن الباقي
بعد الوصية أكثر من الباقي بعد النصيب، فيكون المستثنى أكثر، ويقل نصيب
الموصى له، وقد تقرر تنزيل الوصايا على الأقل المتيقن، ثم طريق الحساب على
الوجهين ما سبق.
فصل في الوصية بالنصيب مع استثناء جزء مما تبقى من جزء من
المال هذا يجئ فيه الأقسام المذكورة في الفصل الذي قبله. والقسم الثالث فيه
الوجهان. فإن صرح بذكر النصيب، فأوصى - وله ثلاثة بنين - بمثل نصيب أحدهم
إلا ثلث ما تبقى من الثلث بعد النصيب، فتأخذ ثلث مال، وتلقي منه نصيبا، يبقى
ثلث مال سوى نصيب، تزيد على ثلثه وهو تسع مال إلا ثلث نصيب للاستثناء، تبلغ
أربعة أتساع مال سوى نصيب وثلث نصيب تعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة، فتجبر
وتقابل، فمال وتسع مال يعدل أربعة أنصباء وثلث نصيب، تبسطها اتساعا، وتقلب
الاسم، فالمال تسعة وثلاثون، والنصيب عشرة، تأخذ الثلث ثلاثة عشر، فتسقط
210

منه نصيبا وهو عشرة، يبقى ثلاثة، تسترجع ثلثها بالاستثناء، يبقى تسعة، تسقطها
من المال، يبقى ثلاثون، لكل ابن عشرة.
مسألة: أربعة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ربع ما تبقى من الثلث
بعد ثلث النصيب، تأخذ ثلث مال، وتسقط منه نصيبا، يبقى ثلث مال سوى
نصيب، ثم تسترجع من النصيب ربع الباقي من الثلث بعد ثلث النصيب، وهو
نصف سدس مال إلا سدس نصيب، وتضمه إلى ما معك، تبلغ خمسة أجزاء من
اثني عشر جزءا من مال إلا نصيبا، وجزءا من اثني عشر جزءا من نصيب، تزيده على
ثلثي المال، يبلغ مالا وجزءا من اثني عشر جزءا من مال إلا نصيبا، وجزءا من اثني
عشر جزءا من نصيب يعدل أنصباء الورثة وهي أربعة، تجبر وتقابل، فإذا مال وجزء
من اثني عشر جزءا من مال، يعدل خمسة أنصباء وجزءا من اثني عشر جزءا من
نصيب، ثم ابسطها بأجزاء اثني عشر، واقلب الاسم، فالنصيب ثلاثة عشر، والمال
أحد وستون، ولكن ليس لأحد وستين ثلث، فتضربها في ثلاثة، تبلغ مائة وثلاثة
وثمانين، فهو المال، والنصيب تسعة وثلاثون، تأخذ ثلث المال وهو أحد وستون،
تعزل منه تسعة وثلاثين للنصيب، ثم تسترجع منه اثني عشر، لأن الباقي من الثلث
بعد ثلث النصيب ثمانية وأربعون، وربعها اثنا عشر، فيبقى للموصى له سبعة
وعشرون، تسقطها من المال، يبقى مائة وستة وخمسون، لكل ابن تسعة وثلاثون.
فرع أوصى بمثل نصيب أحد ورثته إلا ثلث ما تبقى، ولم يزد على هذا،
فكأنه قال: إلا ثلث ما تبقى من المال بعد الوصية، لأنه الأقل المتيقن. فإذا كان له
ابنان والحالة هذه، فلهم سهم من تسعة، لأن لكل واحد من الابنين والموصى له
ثلاثة، ثم تسترجع منه بقدر ثلث الباقي وهو سهمان، فيبقى سهم.
فرع وأما إن صرح بذكر الوصية والباقي من الجزء فقال - وله ثلاثة بنين -:
أوصيت بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى من الثلث بعد الوصية، فطرق الحساب
فيه على قياس ما سبق، لكن يستعمل بدل ثلث الباقي من الثلث بعد الوصية، نصف
الباقي من الثلث بعد النصيب كما سبق في الفصل السابق، ويكون المال في الصورة
المذكورة سبعة وعشرين، والنصيب سبعة. فإذا أخذنا ثلث المال، وعزلنا منه
سبعة، بقي اثنان، نسترجع نصفهما من النصيب وهو واحد، يبقى مع الموصى له
211

ستة، ومع البنين أحد وعشرون، مع كل ابن سبعة كالنصيب.
فصل في الوصية بجزء من المال وبالنصيب مع استثناء جزء من باقي
المال الباقي من المال، قد يقيد بما بعد النصيب، وقد يقيد بما بعد الوصية،
وقد يطلق كما سبق، فان جرى ذكر النصيب، بأن أوصى - وله ابنان - لزيد بربع
المال، ولعمرو بمثل نصيب أحدهما إلا ثلث ما تبقى من المال بعد النصيب، فخذ
مالا، واجعل ربعه لزيد، يبقى ثلاثة أرباع مال، تعطي عمرا منها نصيبا، يبقى
ثلاثة أرباع مال إلا نصيبا، تسترجع من النصيب مثل ثلث هذا الباقي وهو ربع مال إلا
ثلث نصيب، تزيده على ما معك، يبلغ مالا إلا نصيبا وثلث نصيب، وذلك يعدل
نصيبين، فتجبر وتقابل، فإذا مال يعدل ثلاثة أنصباء وثلث نصيب، فتبسطها أثلاثا،
وتقلب الاسم، فالمال عشرة، والنصيب ثلاثة، تعطي زيدا ربع العشرة، يبقى
سبعة ونصف، تعزل منها ثلاثة لعمرو، يبقى أربعة ونصف، تسترجع ثلثها من
الثلاثة وهو واحد ونصف، فتضمه إلى ما معك، تبلغ ستة، لكل واحد ثلاثة
كالنصيب، فان أردت إزالة الكسر، بسطت العشرة أيضا أنصافا وقلت: المال
عشرون، والنصيب ستة. وإن جرى ذكر الوصية، بأن أوصى - وله ابنان - لزيد بربع
المال، ولآخر بمثل نصيب أحدهما إلا ثلث ما تبقى من المال بعد الوصية، فهو
كقوله: إلا نصف ما تبقى من المال بعد النصيب كما سبق، فتأخذ مالا، وتجعل
لزيد ربعه، يبقى ثلاثة أرباع مال، تعطي عمرا منها نصيبا، يبقى ثلاثة أرباع سوى
نصيب، تسترجع منه نصف هذا الباقي، وهو ثلاثة أثمان مال سوى نصف نصيب،
وتزيده على ما معك، يبلغ مالا وثمن مال إلا نصيبا ونصف نصيب، وذلك يعدل
نصيبين، فإذا جبرت وقابلت، فمال وثمن مال يعدل ثلاثة أنصباء ونصف نصيب
تبسطها أثمانا، فالمال ثمانية وعشرون، والنصيب تسعة، تعطي زيدا ربع المال،
يبقى أحد وعشرون، تفرز منها تسعة لعمرو، يبقى اثنا عشرة، تسترجع نصفها من
تسعة عمرو، وتضمه إليها، تبلغ ثمانية عشر، لكل ابن تسعة كالنصيب.
فصل في الوصية بجزء شائع من المال وبالنصيب مع استثناء جزء
مما (يبقى) من جزء (من) المال مثاله: خمسة بنين، وأوصى لزيد بثمن ماله،
ولعمرو بثلث ما تبقى من الثلث بعد الثمن والنصيب، تأخذ ثلث مال، وتلقي منه
212

ثمن جميع المال، يبقى خمسة من أربعة وعشرين جزءا من المال، تفرز منه نصيبا
لعمرو، يبقى خمسة من أربعة وعشرين جزءا سوى نصيب، تسترجع من النصيب
ثلث هذا الباقي، وليس للخمسة ثلث صحيح، فتضرب المال في ثلاثة، تكون اثنين
وسبعين، ويكون معك خمسة عشر جزءا من اثنين وسبعين جزءا من المال سوى
نصيب، تزيد ثلث هذا المبلغ عليه، فيصير عشرين جزءا من اثنين وسبعين جزءا
سوى نصيب وثلث نصيب يعدل أنصباء الورثة وهي خمسة، فإذا جبرت وقابلت،
فثمانية وستون تعدل ستة أنصباء وثلث نصيب، فتبسطها بأجزاء اثنين وسبعين،
وتقلب الاسم، فإذا المال أربعمائة وستة وخمسون، والنصيب ثمانية وستون، تأخذ
ثلث المال وهو مائة واثنان وخمسون، وتلقي منه ثمن المال، وهو سبعة وخمسون،
يبقى خمسة وتسعون، تلقي منها نصيبا وهو ثمانية وستون، يبقى سبعة وعشرون،
تسترجع من النصيب ثلثها، وتزيدها على السبعة والعشرين، تبلغ ستة وثلاثين،
تزيدها على ثلثي المال، وهو ثلاثمائة وأربعة أسهم، تبلغ ثلاثمائة وأربعين، لكل ابن
ثمانية وستون كالنصيب. فإن كان المسألة بحالها، إلا أنه أوصى لعمرو بثلث ما
يبقى من الثلث بعد الثمن وبعد وصيته، فالحساب كما مضى، لكن تجعل بدل
استثناء ثلث الباقي من الثلث بعد الوصية، نصف الباقي من الثلث بعد النصيب،
وإذا عملتها، كان المال ثلاثمائة واثني عشر، والنصيب سبعة وأربعين، تأخذ ثلث
المال، وهو مائة وأربعة، وتسقط منه ثمن المال، وهو تسعة وثلاثون، يبقى خمسة
وستون، تسقط منه النصيب سبعة وأربعين، يبقى ثمانية عشر، تسترجع من النصيب
نصفها تسعة، وتزيدها عليها، تصير سبعة وعشرين، تزيدها على ثلثي المال، وهو
مائتان وثمانية، تبلغ مائتين وخمسة وثلاثين لكل ابن سبعة وسبعون.
فصل في الوصية بمثل نصيب وارث أو عدد من الورثة، إلا مثل
نصيب وارث آخر أو عدد منهم هذه الوصية، إما أن تتجرد عن الوصية بجزء
شائع من المال والوصية بجزء مما تبقى من المال، أو بجزء من جزء مما تبقى، وإما
أن لا تتجرد.
فالحالة الأولى لا حاجة فيها إلى الطرق الجبرية، بل تقام مسألة الورثة،
وتؤخذ سهام من أوصى بمثل نصيبه، فينقص منها نصيب من استثنى مثل نصيبه،
ويزاد ما بقي على مسألة الورثة، فمنه تصح.
213

مثاله: زوجة وأخت وعم، وأوصى بمثل نصيب الأخت إلا مثل نصيب
الزوجة، هي من أربعة، ونصيب الأخت سهمان، ينقص منها نصيب الزوجة وهو
سهم، يبقى سهم، تزيده على الأربعة، يكون خمسة، واحد منها للموصى له،
والباقي للورثة.
الحالة الثانية: إذا لم تتجرد، وفيها صور.
إحداها: أن يوصي مع ذلك بجزء شائع من المال.
مثاله: أبوان، وأوصى لزيد بربع ماله، ولعمرو بمثل نصيب الأب إلا مثل
نصيب الأم، فالطريق أن تنظر في مسألة الورثة وهي من ثلاثة، ثم تأخذ مالا،
وتلقي ربعه لزيد، يبقى ثلاثة أرباع، تلقي منها نصيبين كنصيب الأب، وتسترجع
نصفهما كنصيب الأم، يبقى ثلاثة أرباع مال سوى نصيب يعدل ثلاثة أنصباء هي
سهام الورثة، فتجبر وتقابل، فثلاثة أرباع مال تعدل أربعة أنصباء، تبسطها أرباعا،
وتقلب الاسم، فالمال ستة عشر، والنصيب ثلاثة. فإذا أخذنا ستة عشر، وأسقطنا
ربعها، بقي اثنا عشر، تسقط منها نصيبين وهما ستة، وتسترجع نصيبا وهو ثلاثة،
يبقى للموصى له ثلاثة. فإذا أسقطنا الوصيتين من المال، بقي تسعة، للأب ستة،
وللأم ثلاثة.
الصورة الثانية: أن يوصي مع ذلك بجزء مما تبقى من المال.
مثاله: أبوان، وأوصى لزيد بمثل نصيب الأب إلا مثل نصيب الأم، ولعمرو
ربع ما تبقى من المال، تأخذ مالا، وتلقي منه نصيبين، هما نصيب الابن من مسألة
الورثة، فتسترجع نصيبا وهو نصيب الأم، يبقى مال سوى نصيب، تعطي عمرا
أربعة، وهو ربع مال إلا ربع نصيب، تلقي ثلاثة أرباع مال إلا ثلاثة أرباع نصيب،
تعدل ثلاثة أنصباء، هي سهام المسألة، فتجبر وتقابل، فثلاثة أرباع مال تعدل ثلاثة
أنصباء وثلاثة أرباع نصيب، فتبسطها أرباعا، وتقلب الاسم، فالمال خمسة عشر،
والنصيب ثلاثة، تأخذ خمسة عشر، وتسقط منها نصيبين وهما ستة، وتسترجع نصيبا
وهو ثلاثة، يبقى اثنا عشر، ربعها لعمرو، يبقى تسعة، ستة للأب، وثلاثة للام.
الصورة الثالثة: أن يوصي بعد ذلك بجزء من جزء مما تبقى من المال.
مثاله: أبوان، وأوصى لزيد بمثل نصيب الأب إلا مثل نصيب الأم، ولعمرو
214

بربع ما تبقى من ثلثي المال، تأخذ ثلثي مال وتسقط منه نصيبين، وتسترجع منه
نصيبا، يبقى ثلثا مال سوى نصيب، تسقط ربعه لعمرو، وهو سدس مال إلا ربع
نصيب، يبقى نصف مال إلا ثلاثة أرباع نصيب، تعدل ثلاثة أنصباء، هي سهام
المسألة، فتجبر وتقابل بخمسة أسداس مال، تعدل ثلاثة أنصباء وثلاثة أرباع
نصيب، تبسطها بأجزاء اثني عشر، وتقلب الاسم، فالمال خمسة وأربعون،
والنصيب عشرة، تأخذ ثلثي المال وهو ثلاثون، وتسقط منها نصيبين وهما عشرون،
وتسترجع نصيبا، يبقى معك عشرون، تسقط ربعها لعمرو، يبقى خمسة عشر،
تزيدها على ثلث المال، يكون ثلاثين، للأب عشرون، وللأم عشرة.
فصل في الوصية بالنصيب مع استثناء نصيب وارث اخر منه وجزء
شائع أيضا الجزء المستثنى مع النصيب، قد يكون من جميع المال، وقد يكون
من جزء من الباقي.
مثال الأول: أبوان، وأوصى بمثل نصيب الأب إلا مثل نصيب الأم وإلا عشر
جميع المال، تأخذ مالا، وتلقي منه نصيبين، وتسترجع نصيبا وعشر جميع
المال، يبقى مال وعشر مال إلا نصيبا، يعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة، فتجبر وتقابل، فمال
وعشر مال يعدل أربعة أنصباء، تبسطها أعشارا، وتقلب الاسم، فالمال أربعون،
والنصيب أحد عشر، تأخذ أربعين، فتسقط منها نصيبين، وهما اثنان وعشرون،
وتسترجع منها نصيبا وهو أحد عشر، وعشر جميع المال وهو أربعة، فيحصل للموصى
له سبعة، وللأب اثنان وعشرون، وللأم أحد عشر.
مثال الثاني: المسألة بحالها، إلا أنه يستثنى مثل نصيب الأم وعشر ما تبقى
من المال بعد نصيب الأم، فتأخذ مالا، وتلقي منه نصيب الأم وهما سهمان من ثلاثة
هي سهام المسألة، وتسترجع منه نصيبا، يبقى مال إلا نصيبا، تزيد عليه مثل عشره
وهو عشر مال إلا عشر نصيب، تبلغ مالا وعشر مال إلا نصيبا وعشر نصيب تعدل ثلاثة
أنصباء هي سهام المسألة. فتجبر وتقابل، وتبسطها أعشارا، وتقلب الاسم، فالمال
أحد وأربعون، والنصيب أحد عشر، تأخذ أحدا وأربعين، وتسقط منها نصيبين وهما
اثنان وعشرون، وتسترجع نصيبا، فيكون معك ثلاثون، وتسترجع عشر الثلاثين
من ذلك النصيب وهو ثلاثة، وتزيده على ما معك، تبلغ ثلاثة وثلاثين، للأب اثنان
215

وعشرون، وللأم أحد عشر.
مثال الثالث: المسألة بحالها، إلا أنه استثنى مثل نصيب الأم وثمن ما تبقى
من ثلثي المال بعد نصيب الأم، فتأخذ ثلثي مال، وتسقط منه نصيبين، وتسترجع
نصيبا، يبقى ثلثا مال سوى نصيب، تسترجع ثمن هذا المبلغ أيضا من النصيب وهو
نصيب سدس مال إلا ثمن نصف، وتزيده على المبلغ، يكون ثلاثة أرباع مال إلا
نصيبا وثمن نصيب، تزيده على ثلث مال، يبلغ مالا ونصف سدس مال إلا نصيبا
وثمن نصيب، وذلك يعدل أنصباء الورثة وهي سهام المسألة، فتجبر وتقابل، فمال
ونصف سدس مال يعدل أربعة أنصباء وثمن نصيب، فتبسطها بأجزاء أربعة
وعشرين، وتقلب الاسم، فالمال تسعة وتسعون، والنصيب ستة وعشرون، تأخذ
ثلثي المال وهو ستة وستون، وتسقط منها نصيبين وهما اثنان وخمسون، وتسترجع
نصيبا، يبقى معك أربعون، تسترجع ثمنها من النصيب أيضا وهو خمسة، وتزيده على
الأربعين، يكون خمسة وأربعين، تزيده على ثلث المال وهو ثلاثة وثلاثون، تبلغ
ثمانية وسبعين، للأب بنصيبين اثنان وخمسون، وللأم بنصيب ستة وعشرون.
فصل في الوصية بالتكملة والمراد بها: البقية التي يبلغ بها الشئ حدا
آخر، وهي إما مجردة عن الوصية بغيرها والاستثناء منها، وإما غير مجردة.
أما القسم الأول: فالوصية إما أن تكون بتكملة واحدة، وإما بتكملتين
فصاعدا.
مثال الأول: أربعة بنين، وأوصى بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم، فتأخذ
مالا، وتصرف ثلث إلى ثلثه الموصى له، وتسترجع منه نصيبا، فيحصل معك ثلثا مال
ونصيب، وذلك يعدل أنصباء الورثة وهي أربعة، فتلقي نصيبا بنصيب، يبقى ثلثا
مال في معادلة ثلاثة أنصباء، فتبسطهما أثلاثا، وتقلب الاسم، فالمال تسعة،
والنصيب اثنان، والتفاوت بين الثلث والنصيب سهم، فهو التكملة، تدفعه إلى
الموصى له، يبقى ثمانية، لكل ابن سهمان. وبطريق الدينار والدرهم، تجعل ثلث
المال دينارا ودرهما، وتجعل الدينار نصيبا، والتكملة درهما، تدفعه إلى الموصى
له، يبقى من المال ثلاثة دنانير ودرهمان، يأخذ ثلاثة بنين ثلاثة دنانير، يبقى
درهمان يأخذهما الابن الرابع، فعلمنا أن قيمة الدينار درهمان، وأن ثلث المال ثلاثة
216

دراهم، والنصيب درهمان.
مثال التكملتين، أربعة بنين وبنت، وأوصى بتكملة ثلث ماله بنصيب ابن،
ولآخر بتكملة ربع ماله بنصيب البنت، فالوصية الأولى ثلث مال سوى نصيبين،
والثانية ربع مال سوى نصيب، فتأخذ مالا، وتسقط منه الوصيتين، يبقى خمسة
أسهم من اثني عشر سهما من مال وثلاثة أنصباء، تعدل أنصباء الورثة وهي تسعة،
تسقط ثلاثة أنصباء بثلاثة أنصباء، يبقى خمسة أسهم من اثني عشر سهما من مال في
معادلة ستة أنصباء الورثة وهي تسعة، تسقط ثلاثة أيضا بثلاثة أنصباء، يبقى خمسة
أسهم من اثني عشر سهما من مال في معادلة ستة أنصباء. ثم إن شئت بسطتها بأجزاء
اثني عشر، وقلبت الاسم، فالمال اثنان وسبعون، والنصيب خمسة. وإن شئت
قلت: إذا كانت خمسة من اثني عشر تعدل ستة، فالمال بتمامه يعدل أربعة عشر
وخمسين، تبسطها أخماسا تبلغ اثنين وسبعين، تأخذ ثلث المال وهو أربعة
وعشرون، وتسقط منه نصيبين وهما عشرة، يبقى أربعة عشر، فهي الوصية الأولى،
وتأخذ ربعه وهو ثمانية عشر، تسقط منه نصيبا واحدا وهو خمسة، يبقى ثلاثة عشر،
فهي الوصية الثانية، فتسقط الوصيتين من المال، يبقى خمسة وأربعون، لكل ابن
عشرة، وللبنت خمسة.
أما القسم الثاني، فيتصور على وجوه. منها الوصية بالتكملة مع الوصية بجزء
شائع من المال.
مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بربع ماله، ولعمرو بتكملة النصف بنصيب
ابن، فتأخذ مالا، وتلقي منه ربعه لزيد، ثم تلقي نصفه لعمرو، وتسترجع منه
نصيبا، يبقى معك ربع مال ونصيب، وذلك يعدل ثلاثة أنصباء، فتسقط نصيبا
بنصيب، يبقى ربع مال في معادلة نصيبين، تبسطهما أرباعا، وتقلب الاسم،
فالمال ثمانية، والنصيب واحد، تأخذ ثمانية، فتعزل ربعها لزيد، ثم تأخذ نصف
الثمانية لعمرو، وتسترجع منه واحدا، يبقى معك ثلاثة، لكل ابن واحد. وبطريق
القياس تقول: ربع المال ونصفه يستحقهما زيد وعمرو وأحد البنين، فتأخذ مالا له
ربع ونصف وهو أربعة، فتسقط منه الربع والنصف، يبقى واحد تقسمه بين الابنين
الآخرين، فلكل واحد منهما نصف، فتعلم أن النصيب نصف سهم، فتسقطه من
الثلاثة التي أسقطتها من المال، يبقى اثنان ونصف، تسقط منها ربع جميع المال،
217

يبقى واحد ونصف، فهو التكملة، تبسط الجميع أنصافا ليزول الكسر، فالنصيب
واحد، والتكملة ثلاثة، والربع اثنان، والمال ثمانية.
وبطريق الدينار والدرهم، تجعل نصف المال دينارا ودرهما، وتدفع الدرهم
بالتكملة إلى عمرو، يبقى ديناران ودرهم، تسقط منها ربع المال وهو نصف دينار
ونصف درهم، يبقى دينار ونصف دينار ونصف درهم، وذلك يعدل ثلاثة دنانير،
تسقط الجنس بالجنس، يبقى دينار ونصف في معادلة نصف درهم، تبسطها
أنصافا، وتقلب الاسم، فالدينار واحد، والدرهم ثلاثة وهو التكملة.
ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بجزء مما بقي من المال.
مثاله: أربعة بنين، وأوصى لزيد بتكملة ثلث ماله بنصيب ابن، ولعمرو بربع
ما تبقى من المال، تأخذ مالا، وتدفع ثلثه إلى زيد، وتسترجع منه نصيبا، وتزيده
على باقي المال، فيحصل معك ثلثا مال ونصيب، يخرج ربعه لعمرو وذلك سدس
مال وربع نصيب، يبقى نصف مال وثلاثة أرباع نصيب تعدل أنصباء الورثة وهي
أربعة، فتسقط ثلاثة أرباع نصيب بثلاثة أرباع نصيب، يبقى نصف مال في معادلة
ثلاثة أنصباء وربع نصيب، فتبسطها أرباعا، وتقلب الاسم، فالمال ثلاثة عشر،
والنصيب سهمان، لكن ليس للثلاثة عشر ثلث، فتضربها في ثلاثة، تبلغ تسعة
وثلاثين، فهي المال، والنصيب ستة، تأخذ ثلثها وهو ثلاثة عشر، تسقط منه
نصيبا، يبقى سبعة، فهي التكملة، تدفعها إلى زيد، يبقى من المال اثنان
وثلاثون، تدفع ربعها إلى عمرو وهو ثمانية، يبقى أربعة وعشرون للبنين، لكل ابن
ستة.
ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بجزء مما تبقى من جزء المال.
مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم، ولعمرو
بثلث ما بقي من الثلث، تأخذ ثلث مال، وتلقي منه نصيبا، يبقى ثلث مال إلا نصيبا
تدفعه إلى زيد فإنه التكملة، يبقى من الثلث نصيب، تدفع ثلثه إلى عمرو، يبقى
ثلثا نصيب تضمهما إلى ثلثي المال، وذلك يعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة، تسقط
ثلثي نصيب بثلثي نصيب، يبقى ثلثا مال تعدل نصيبين وثلث نصيب. ثم إن شئت
بسطتها أثلاثا، وقلبت الاسم، فالمال سبعة، والنصيب اثنان. وإن شئت قلت: إذا
218

عادل ثلثا مال نصيبين وثلث نصيب، فالمال الكامل يعادل ثلاثة أنصباء ونصف
نصيب، تبسطها أنصافا، يكون سبعة، وليس لها ثلث صحيح، فتضربها في
ثلاثة، تبلغ أحدا وعشرين، فهو المال، والنصيب ستة، تأخذ ثلث المال وهو
سبعة، وتلقي منه النصيب، يبقى واحد فهو التكملة، وتدفع ثلث الستة إلى عمرو،
يبقى أربعة، تضمها إلى ثلثي المال، يكون ثمانية عشر، لكل ابن ستة. قال إمام
الحرمين: كذا ذكروه، لكن لو تجردت الوصية الأولى في هذه الصورة، فأوصى وله
ثلاثة بنين بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم، فالوصية باطلة، لأن نصيب كل ابن
يستغرق الثلث، فلا تكملة، وحينئذ يمكن أن يقال: الوصية الأولى هنا باطلة،
والثانية فرعها فتبطل أيضا، قال: ووجه ما ذكروه، أن الوصية الثانية تنقص النصيب
عن الثلث، فتظهر بها التكملة، قال: ويجب أن تخرج المسألة وأخواتها على
الوجهين، في أن العبرة باللفظ أو المعنى، كما إذا قال: بعتك بلا ثمن ونحوه؟
قلت: الصحيح المختار صحة الوصيتين هنا قطعا، والفرق بين باب الوصية
وغيرها من العقود ظاهر. والله أعلم.
ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بمثل النصيب.
مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بتكملة ثلث
ماله، تأخذ ثلث مال، تدفع منه نصيبا إلى زيد، والباقي إلى عمرو، يبقى معك ثلثا
مال تعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة، تبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالمال تسعة،
والنصيب اثنان، تأخذ ثلث التسعة ثلاثة، تدفع منه اثنين إلى زيد، وسهما إلى
عمرو وهو التكملة، يبقى ستة للبنين.
فرع أوصى - وله ابنان - بمثل نصيب أحدهما لزيد، ولعمرو بتكملة
الثلث، فالوصية الثانية باطلة، لأنه لم يبق شئ من الثلث. وكذا لو أوصى - وله
ثلاثة بنين - بمثل نصيب أحدهم لزيد، ولعمرو بتكملة الربع.
ومنها: الوصية بالتكملة مع استثناء جزء من المال.
مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى بتكملة نصف ماله بنصيب أحدهم إلا ثمن جميع
المال.
219

طريقه أن يقال: نصف مال نصيب وتكملة، والتكملة شئ وثمن جميع
المال، تدفع الشئ إلى الموصى له، يبقى بعد النصف نصيب وثمن جميع المال،
تضمهما إلى النصف الثاني، يحصل معك خمسة أثمان المال ونصيب تعدل أنصباء
الورثة وهي ثلاثة، تسقط نصيبا بنصيب، يبقى خمسة أثمان المال تعدل نصيبين،
فتبسطهما أثمانا، وتقلب الاسم، فالمال ستة عشر، والنصيب خمسة، تأخذ نصف
المال وهو ثمانية، تسقط منه النصيب خمسة، يبقى ثلاثة، تسقط منها ثمن جميع
المال وهو اثنان، يبقى واحد وهو التكملة، تسقطه من جميع المال، يبقى خمسة
عشر للبنين.
ومنها: الوصية بالتكملة مع استثناء جزء مما تبقى من المال.
ستة بنين، وأوصى بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم إلا ثمن ما تبقى من
المال، تأخذ ثلث المال، وتسترجع منه نصيبا، يبقى ثلث مال إلا نصيبا، فهو
التكملة، يبقى معك ثلثا مال ونصيب، تسترجع من التكملة ثمنه، وينتظم الحساب
من أربعة وعشرين لذكر الثلث والثمن، فالذي معك ستة عشر ونصيب وثمن ذلك وهو
اثنان وثمن نصيب، تزيده عليه، تبلغ ثمانية عشر جزءا من أربعة وعشرين جزءا من
مال ونصيبا وثمن نصيب تعدل أنصباء الورثة وهي ستة، تسقط المثل بالمثل، يبقى
ثمانية عشر جزءا من أربعة وعشرين جزءا من مال تعدل أربعة أنصباء وسبعة أثمان
نصيب، تبسطها بأجزاء المال وهي أربعة وعشرون، وتقلب الاسم، فالمال مائة
وسبعة عشر، والنصيب ثمانية عشر، تأخذ ثلث المال وهو تسعة وثلاثون، وتسقط
منه نصيبا، يبقى أحد وعشرون وهو التكملة، فإذا أسقطناه من جميع المال، بقي
ستة وتسعون ثمنها اثنا عشر، تسقطه من التكملة، يبقى تسعة، فهي التي يأخذها
الموصى له، يبقى مائة وثمانية للبنين، لكل ابن ثمانية عشر.
ومنها: الوصية بالتكملة مع استثناء جزء مما تبقى من جزء من المال.
سبعة بنين، وأوصى بتكملة ربع ماله بنصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى من
الثلث، تأخذ ربع مال، وتلقي منه نصيبا، يبقى ربع مال سوى النصيب وهو
التكملة، تلقيها من الثلث، يبقى نصف سدس مال ونصيب، تلقي ثلث ذلك من
التكملة، وينتظم الحساب من ستة وثلاثين، فإنه أقل عدد لنصف سدسه ثلث، فإذا
220

الذي معك من الثلث ثلاثة ونصيب، تسترجع ثلاثة من التكملة وهو واحد وثلث
نصيب، يبقى للوصية ثمانية أجزاء من ستة وثلاثين جزءا من مال إلا نصيبا وثلث
نصيب، تسقطها من المال، يبقى ثمانية وعشرون جزءا من ستة وثلاثين جزءا من مال
ونصيب وثلث نصيب، وذلك يعدل سبعة أنصباء، تسقط المثل بالمثل، يبقى ثمانية
وعشرون جزءا من ستة وثلاثين جزءا من مال في معادلة خمسة أنصباء وثلثي نصيب،
تبسطها بأجزاء ستة وثلاثين، وتقلب الاسم، فالمال مائتان وأربعة، والنصيب ثمانية
وعشرون، تأخذ ربع المال وهو أحد وخمسون، وتسقط منه النصيب، يبقى ثلاثة
وعشرون هي التكملة، تلقيها من ثلث المال وهو ثمانية وستون، يبقى خمسة
وأربعون، تسترجع ثلثها وهو خمسة عشر من التكملة، يبقى ثمانية فهي الوصية،
تسقطها من المال، يبقى مائة وستة وتسعون للبنين، لكل ابن ثمانية وعشرون.
ومنها: الوصية بالتكملة مع استثناء تكملة أخرى.
ثلاثة بنين، وأوصى بتكملة نصف ماله بنصيب أحدهم إلا تكملة ثلث ماله بنصيب
أحدهم، تأخذ نصف مال، وتسقط منه نصيبا، فالباقي هو تكملة النصف، وتأخذ
ثلث مال وتسقط منه نصيبا، فالباقي هو تكملة الثلث، تسقط تكملة الثلث من تكملة
النصف، يبقى سدس مال بلا استثناء، فالوصية إذا بسدس المال، يبقى خمسة
أسداس مال تعدل ثلاثة أنصباء، فتبسطها أسداسا، وتقلب الاسم، فالمال ثمانية
عشر، والنصيب خمسة، تأخذ نصف المال تسعة، وتسقط منه النصيب، يبقى
أربعة فهي تكملة النصف، ثم تأخذ ثلثه وهو ستة، وتسقط منها نصيبا، يبقى واحد
فهو تكملة الثلث، تسقط واحدا من أربعة، يبقى ثلاثة فهي الوصية، تسقطها من
جميع المال، يبقى خمسة عشر للبنين، لكل ابن خمسة.
ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بالنصيب وبجزء مما تبقى من المال.
خمسة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بتكملة ربع ماله
بنصيب أحدهم، ولثالث بثلث ما تبقى بعد ذلك، تأخذ ربع مال، وتنقص منه
نصيبا، فالباقي هو تكملة الربع، تدفعه إلى عمرو، وتدفع النصيب إلى زيد،
فانصرف الربع إلى الوصيتين، يبقى ثلاثة أرباع المال، تدفع منه واحدا إلى
الثالث، يبقى ربعان يعدلان أنصباء البنين وهي خمسة، تبسطها أرباعا، وتقلب
221

الاسم، فالمال عشرون، والنصيب اثنان، تأخذ ربع المال خمسة، تدفع منها اثنين
إلى زيد، وثلاثة إلى عمرو، يبقى خمسة عشر، ثلثها خمسة للثالث، والباقي
للبنين.
ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بالنصيب وبجزء مما تبقى من المال.
خمسة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بتكملة الربع
بالنصيب، ولثالث بثلث ما يبقى من الثلث بعد الوصيتين، يحتاج إلى مال له ربع
وثلث، والباقي من الثلث بعد إسقاط الربع ثلث، وأقله ستة وثلاثون، تأخذ ربعه
وهو تسعة، فتصرفها إلى الوصية بالتكملة والنصيب، وإذا أسقطت تسعة من الثلث، يبقى
ثلاثة، تصرف منها واحدا إلى الثالث، يبقى اثنان، تزيدهما على ثلثي المال، تبلغ
ستة وعشرين تعدل أنصباء الورثة وهي خمسة، تبسطها بأجزاء ستة وثلاثين، وتقلب
الاسم، فالمال مائة وثمانون، والنصيب ستة وعشرون، تأخذ ثلث المال وهو
ستون، فتلقي منه ربعه وهو خمسة وأربعون بالوصيتين الأوليين ستة وعشرين بالوصية
بالنصيب، والباقي بالوصية الأخرى، يبقى من الثلث خمسة عشر، نصرف ثلثها إلى
الوصية الثالثة، يبقى عشرة، تزيدها على ثلثي المال، تبلغ مائة وثلاثين للبنين،
لكل ابن ستة وعشرون.
ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بالنصيب مستثنى منه جزء مما تبقى من
المال. أربعة بنين، فأوصى لزيد بتكملة الثلث بنصيب أحدهم، ولعمرو بمثل
نصيب أحدهم إلا خمس ما تبقى من المال، تأخذ ثلث المال، وتصرفه إليهما
بالنصيب والتكملة، وتسترجع من النصيب خمس الباقي، واجعل المال خمسة عشر
ليكون للباقي بعد الثلث خمس، فالثلث المخرج بالنصيب والتكملة إذا خمسة،
تسترجع من النصيب خمس الباقي وهو اثنان، فالحاصل اثنا عشر جزءا من خمسة
عشر جزءا من مال، وذلك يعدل أنصباء الورثة وهي أربعة، تبسطها بأجزاء خمسة
عشر، وتقلب الاسم، فالمال ستون، والنصيب اثنا عشر، تأخذ ثلث المال وهو
عشرون، تلقي منه النصيب اثني عشر، يبقى ثمانية هي التكملة، تدفعها إلى زيد،
وتسترجع من النصيب خمس الباقي وهو ثمانية، يبقى لعمرو أربعة، فالوصيتان
جميعا اثنا عشر، يبقى ثمانية وأربعون للبنين، لكل ابن اثنا عشر.
222

ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بالنصيب مستثنى منه جزء مما تبقى من
جزء من المال.
خمسة بنين، وأوصى لزيد بتكملة الربع بنصيب أحدهم، ولعمرو بمثل
نصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى من الثلث بعد ذلك، يحتاج إلى مال له ربع وثلث،
وللباقي من الثلث بعد إسقاط الربع ثلث، وأقله ستة وثلاثون، تأخذ ربعه وهو
تسعة، فتصرفها في الوصيتين، وتسترجع من النصيب ثلث ما تبقى من ثلث المال
وهو واحد، وتزيده على الباقي من الثلث، تبلغ أربعة، تزيدها على ثلثي المال،
تبلغ ثمانية وعشرين جزءا من ستة وثلاثين جزءا من مال، وذلك يعدل أنصباء الورثة
وهي خمسة، تبسطها بأجزاء ستة وثلاثين، وتقلب الاسم، فالمال مائة وثمانون،
والنصيب ثمانية وعشرون، يبقى سبعة عشر فهي التكملة، ثم تلقي الربع من ثلث
جميع المال وهو ستون، يبقى خمسة عشر، تسقطها ثلثها من النصيب، يبقى لعمرو
ثلاثة وعشرون، والوصيتان معا أربعون، يبقى مائة وأربعون للبنين، لكل ابن ثمانية
وعشرون.
فصل في الوصية بالنصيب مستثنى من التكملة ثلاثة بنين، وأوصى
بمثل نصيب أحدهم إلا تكملة ثلث ماله بالنصيب، تجعل ثلث المال دينارا ودرهما،
وتجعل النصيب دينارا، تدفعه إلى الموصى له، وتسترجع منه درهما، لأن التكملة
درهم، يبقى من الثلث درهمان، تزيدهما على الثلثين، تبلغ دينارين وأربعة دراهم
تعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة دنانير، تسقط المثل بالمثل، يبقى أربعة دراهم في
معادلة دينار، فتقلب الاسم وتقول: الدينار أربعة، والدراهم واحد، فالثلث
خمسة، والمال خمسة عشر، تأخذ ثلث المال خمسة، تدفع منه إلى الموصى له
نصيبا وهو أربعة، ويسترجع واحد وهو التكملة، يبقى للموصى له ثلاثة، تسقطها
من المال، يبقى اثنا عشر، لكل ابن أربعة.
فصل في الوصايا المتعرضة للجذور والكعاب الجذر: كل مضروب
في نفسه، والحاصل من الضرب يسمى: مالا ومجذورا ومربعا. والكعب: كل ما
ضرب في مثله ثم ضرب مبلغه فيه، والحاصل من الضربين يسمى مكعبا، فالواحد
جذره وكعبه الواحد.
223

والأعداد ضربان.
أحدهما: ماله جذر صحيح ينطق به، كالأربعة، جذرها اثنان، والتسعة،
جذرها ثلاثة، والمائة، جذرها عشرة.
والثاني: ما ليس له جذر ينطق به، وإنما يستخرج جذره بالتقريب، كالعشرة
والعشرين، ويقال له: الأصم. وكذلك من الاعداد ما له كعب ينطق به كالثمانية،
كعبها اثنان، والسبعة والعشرين، كعبها ثلاثة. ومنها ما ليس له كعب ينطق به،
كالعشرة والمائة، وإنما يستخرج كعبه بالتقريب، وقد يكون العدد منطوقا بجذره
وكعبه كالأربعة والستين، جذرها ثمانية، وكعبها أربعة. وقد يكون أصم في الجذر
دون الكعب، كالسبعة والعشرين. أو في كعب دون الجذر، كالأربعة والتسعة، أو
فيهما، كالعشرة. إذا عرف ذلك، فتعرض الوصية للجذر والكعب بفرض من
وجوه.
منها: الوصية بجذر المال. قال الأستاذ أبو منصور: تفرض المسألة من عدد
مجذور إذا أسقط منه جذره انقسم الباقي صحيحا على سهام الورثة. فإذا أوصى
بجذر ماله وله ثلاثة بنين، فان جعلت المال تسعة، فللموصى له ثلاثة، والباقي
للبنين، لكل ابن سهمان. وإن جعلته ستة عشر، فللموصى له أربعة، والباقي
للبنين، لكل ابن أربعة. ولو أوصى بكعب ماله - والورثة هؤلاء - يجعل المال عددا
مكعبا، فإذا أسقط منه كعبه انقسم الباقي على سهام الورثة بلا كسر. فإن جعلت
المال ثمانية، فاثنان للموصى له، والباقي للبنين. وإن جعلته سبعة وعشرين،
فثلاثة للموصى له، والباقي للبنين. هذا كلام الأستاذ، وتعجب الامام من إرساله
الكلام هكذا، لاستحالة أن يكون الامر في ذلك على التخيير، والفرض كيف شاء
الفارض، فإن الاقدار تختلف باختلاف العدد المفروض. فإذا كان المال تسعة،
فالجذر ثلاثة. وإذا كان ستة عشر، فالجذر أربعة. وفيه إشكال آخر، وهو أن كل
عدد، مجذور، إلا أن من الاعداد ما ينطق بجذره، ومنها ما لا ينطق، كما سبق،
وليس في اللفظ إلا جذر المال، فلم حمل على مجذور صحيح؟ ولم شرط أن
ينقسم الباقي صحيحا على الورثة؟ فإذا كلام الأستاذ على ما ذكره الامام، محمول
على ما إذا قيد الموصي وصيته بما يقتضي الحمل على عدد معين من الاعداد
المجذورة. فإذا قال: نزلوا مالي على أول مجذور صحيح إذا طرح جذره انقسم
224

الباقي على سهام ورثتي بلا كسر، تعين الحمل على الصورة المذكورة على تسعة،
وكانت الوصية بثلث المال. وإن عين مرتبة أخرى، تعينت. قال الامام: فإن أطلق
الوصية بالجذر، ولم يقيد بشئ من ذلك، لكن أراد بالجذر ما يريده الحساب، فإن كان
ماله مقدرا بكيل، أو وزن، أو ذرع، كالأرض، أو عدد، كالجوز، نزل
عليه. ثم إن كان جذره مما ينطق به، فذاك، وإلا، فالقدر المتيقن يسلم للموصى
له، والقدر المشكوك فيه، يفصل أمره بالتراضي. وإن لم يكن المال مقدرا بشئ
من ذلك، كعبد وجارية، قوم ودفع جذر القيمة إلى الموصى له.
ومنها: الوصية بجذر النصيب. فلو أوصى وله ثلاثة بنين بجذر نصيب
أحدهم، قال الأستاذ: يجعل نصيب كل ابن عددا مجذورا، ثم يجمع أنصباء
البنين، ويزاد عليها جذر نصيب أحدهم، فما بلغ صحت منه القسمة. فان جعلنا
نصيب كل ابن واحدا، فأنصباؤهم ثلاثة، تزيد عليها واحدا، تبلغ أربعة تصح منها
القسمة. وإن جعلنا النصيب أربعة، فأنصباؤهم اثنا عشر، تزيد عليها اثنين، تبلغ
أربعة عشر تصح منها القسمة. ولو أوصى بجذري نصيب أحدهم، وفرضنا النصيب
أربعة، فأنصباؤهم اثنا عشر، تزيد عليها جذري النصيب، تبلغ ستة عشر منها تصح
القسمة. ولو أوصى بكعب نصيب أحدهم، جعلنا النصيب مكعبا، وجمعنا
الأنصباء، وزدنا عليها كعب نصيب. قال الامام: وليكن هذا الجواب فيما إذا
تقيدت الوصية كما ذكرنا، أو فيما إذا قال السائل: كيف يصور عدد تصح منه الوصية
والميراث؟ فيجاب بأنه يمكن فيه وجوه.
منها: كيت وكيت. أما إذا أطلق الوصية بجذر النصيب، فذكر فيه
احتمالين. أظهرهما: أنه ينظر في حصة ابن من التركة، فيؤخذ جذره منطوقا
به أو أصم، كما ذكرنا في جذر جميع المال، فيزاد على مسألة الورثة. والثاني: أنه
ينظر في نصيب كل واحد من سهام المسألة، فيؤخذ جذره، ويزاد على مسألة
الورثة. وعلى هذا، فنصيب كل ابن هنا واحد، فيزاد على السهام الثلاثة واحد،
ويصير الحكم كما لو أوصى بنصيب أحدهم.
ومنها: الوصية بجذر النصيب وجذر المال معا، فلو أوصى وله ثلاثة بنين
بجذر نصيب أحدهم لزيد، وأوصى لعمرو بجذر جميع المال، فالمفهوم من كلام
225

الأستاذ أن يقال: إذا كانت وصية زيد جذر نصيب ابن، فنصيب كل ابن مال، ثم
يجعل المال أموالا لها جذور صحيحة، فان شئت جعلتها أربعة أموال، فتكون وصية
عمرو جذرين، كما أن جذر أربعة من العدد اثنان، فتكون الوصيتان ثلاثة أجذار،
وتسقطها من المال، يبقى أربعة أموال إلا ثلاثة أجذار تعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة
أموال، فتجبر وتقابل، فأربعة أموال تعدل ثلاثة أموال وثلاثة أجذار، تسقط الجنس
بالجنس، فمال يعدل ثلاثة أجذار، فالجذر ثلاثة، والمال تسعة، وتقدير الكلام:
مال يعدل ثلاثة أجذاره، وحينئذ فالتركة ستة وثلاثون، لأنها أربعة أموال، ونصيب
كل ابن تسعة، يأخذ زيد جذر النصيب وهو ثلاثة، وعمرو جذر المال وهو ستة،
يبقى سبعة وعشرون للبنين. قال الامام: وهذه المسألة وضعية، وطريق تطبيقها
على الفقه على ما سبق.
ومنها: الوصية بالجذر والنصيب. فإذا أوصى وله ثلاثة بنين بمثل نصيب أحدهم
لزيد، ولعمرو بجذر المال، يقدر كأن البنين أربعة وأوصى بجذر المال وحده، وقد
بان طريقه.
ومنها: الوصية بالجزاء والنصيب مع استثناء الجذر منها.
مثاله: أوصى وله ثلاثة بنين بثلث ماله إلا جذر جميع المال، تدفع إلى
الموصى له ثلث المال، وتسترجع جذرا، فيكون معك ثلثا مال وجذر تعدل أنصباء
الورثة وهي ثلاثة، فتجعل المال عددا له ثلث صحيح، بشرط أن ينقسم ثلثاه مزيدا
عليه جذره على ثلاثة، وليكن ذلك ستة وثلاثين، فتدفع ثلثها إلى الموصى له،
وتسترجع منه جذر المال وهو ستة، يبقى عنده ستة، فقد أخذ ثلث المال إلا جذر
المال، يبقى ثلاثون للبنين. ولو أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا جذر جميع المال،
فخذ مالا، وأسقط منه نصيبا، واسترجع من النصيب جذر المال، يبقى مال وجذر
إلا نصيبا تعدل أنصباء البنين، فتجبر وتقابل، فمال وجذر تعدل أربعة أنصباء،
فتجعل المال عددا مجذورا إذا زيد عليه جذره انقسم على أربعة، وليكن ستة عشر،
إذا زيد عليه جذره كان عشرين، إذا قسم على أربعة، خرج من القسمة خمسة،
فإذا نقصت من النصيب جذر المال، بقي واحد تدفعه إلى الموصى له، يبقى خمسة
عشر للبنين. ولو أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا جذر نصيب أحدهم، فالنصيب عدد
226

مجذور. فان جعلته أربعة، فالوصية اثنان، والأنصباء اثنا عشر، وجملة المال أربعة
عشر، إذا دفعت إلى الموصى له اثنين فقد أخذ مثل نصيب أحدهم إلا جذر نصيب
أحدهم، وإن جعلته تسعة، فالأنصباء سبعة وعشرون، والوصية ستة.
ومنها: الوصية بالجذور المضافة إلى الجذور.
مثاله: ثلاثة بنين، أوصى لزيد بجذر نصيب أحدهم، ولعمرو بجذر وصية
زيد، ولبكر بجذر وصية عمرو، فاجعل وصية بكر ما شئت من الاعداد، فان جعلته
اثنين، فوصية عمرو أربعة، ووصية زيد ستة عشر، ونصيب كل ابن مائتان وستة
وخمسون، وجملة المال سبعمائة وتسعون.
ومنها: الوصية الجامعة بين الجذر والتكملة.
مثاله: أوصى بتكملة ثلث ماله بجذر نصيب أحدهم، تجعل ثلث المال مالا
وجذرا، وتدفع المال إلى الموصى له، يبقى جذره، تزيده على ثلثي المال، يبلغ
مالين وثلاثة أجذار وذلك يعدل أنصباء البنين وهي ثلاثة أموال، فتسقط مالين
بمالين، يبقى ثلاثة أجذار في معادلة مال، فالجذر ثلاثة، والمال تسعة، فثلث
المال اثنا عشر، والوصية تسعة، تسقطها من المال، يبقى سبعة وعشرون للبنين،
وقد أخذ الموصى له ثلث المال إلا جذر نصيب أحدهم.
فصل في الوصايا المتعرضة لمقدار من المال من درهم ودينار
وغيرهما منها: الوصية بالنصيب وبدرهم.
مثاله: أربعة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم وبدرهم، وقال الأستاذ:
اجعل التركة أي عدد شئت بعد أن تكون بحيث إذا عزلت منها درهما وقسمت الباقي
بين البنين والموصى له على خمسة كان النصيب الواحد مع الدرهم مثل ثلث التركة أو
أقل. فان جعلت التركة أحد عشر درهما، فأسقط منها درهما، يبقى عشرة، لكل
واحد سهمان. وإن جعلتها ثلاثة عشر، فأسقط درهما، وأقسم الباقي بينهم،
تخرج القسمة اثنان وخمسان، فترد على الخارج الدرهم المسقط، يكون ثلاثة
وخمسين للموصى له. فإن أردت زوال الكسر، فأسقط الدرهم من ثلاثة عشر،
واضرب الباقي بخمسة، تبلغ ستين، لكل ابن اثنا عشر، وللموصى له مثل ذلك
227

بزيادة درهم. واستدرك الامام فقال: المدفوع إلى الموصى له يختلف باختلاف
الاعداد المفروضة، والفتوى لا تحتمل التخيير بين القليل، فليحمل ما قاله الحساب
على مثل ما سبق في الماضي. أما إذا أطلق الوصية، فتنزل على ما يوجد في
التركة، تعزل منها درهما، ثم تقسم الباقي بين البنين والموصى له. ثم إن
انحصرت الوصية في الثلث، نفذت، وإلا، فتعتبر الإجازة. وهذا الاستدراك لا بد
منه في أكثر أنواع الفصل.
ومنها: الوصية بالنصيب مع استثناء درهم. فإذا أوصى وله أربعة بنين بمثل
نصيب أحدهم إلا درهما، فإن جعلت للموصى له درهمين، فاجعل لكل ابن ثلاثة،
واجعل التركة أحدا وعشرين. وإن جعلت له ثلاثة، فاجعل لكل ابن أربعة، واجعل
التركة خمسة عشر.
ومنها: الوصية بجزء شائع وبدرهم.
فإذا أوصى وله ثلاثة بنين بسدس ماله وبدرهم، فيخرج سدس التركة ودرهم،
ويقسم الباقي بين الورثة. وبطريق الجبر، تأخذ مالا، وتسقط منه سدسه ودرهما،
يبقى خمسة أسداس مال إلا درهما تعدل ثلاثة أنصباء، فتجبر وتقابل، فخمسة
أسداس المال تعدل ثلاثة أنصباء ودرهما، فتكمل أجزاء المال، بأن تزيد عليها مثل
خمسها، وتزيد على العديل خمسة، فمال يعدل ثلاثة أنصباء وثلاثة أخماس نصيب
ودرهما وخمس درهم، فاضرب الأنصباء الثلاثة وأخماس النصيب في عدد، يبلغ
الحاصل منه مزيدا عليه الدرهم والخمس عددا صحيحا، وذلك بأن تضربها في
ثلاثة، فيحصل عشرة دراهم وأربعة أخماس درهم، حذا زدت عليها الدرهم والخمس، بلغ
اثني عشر درهما منها تصح القسمة، لصاحب السدس والدرهم ثلاثة، ولكل ابن
ثلاثة.
ومنها: الوصية بجزء شائع مع استثناء درهم.
فإذا أوصى وله ثلاثة بنين بسدس ماله إلا درهما، فخذ مالا، وأسقط منه
سدسه، واسترجع من السدس درهما، يحصل معك خمسة أسداس مال ودرهم،
تعدل ثلاثة أنصباء، فتكمل أجزاء المال، بأن تزيد عليها خمسها، وتزيد الخمس
على كل ما في المعادلة، فمال ودرهم وخمس درهم تعدل ثلاثة أنصباء وثلاثة
228

أخماس نصيب، فتضرب هذه الأنصباء والأخماس في عدد إذا نقص من الحاصل من
الضرب درهم وخمس كان الباقي عددا صحيحا وهو سبعة، فإذا ضربت سبعة في
ثلاثة وثلاثة أخماس، حصل خمسة وعشرون وخمس، فإذا نقص منها درهم
وخمس، بقي أربعة وعشرون منها تصح المسألة، للموصى له سدسها، يسترجع
منه درهم، يبقى أحد وعشرون للبنين.
ومنها: الوصية بالنصيب وبجزء وبدرهم أو دراهم، أو مع استثناء درهم أو
دراهم.
مثاله: خمسة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم ودرهم، ولعمرو بثلث
ما بقي من ثلثه ودرهم، تأخذ ثلث مال، وتسقط منه نصيبا ودرهما، يبقى ثلث مال
إلا نصيبا ودرهما، تسقط لعمرو من هذا الباقي ثلثه ودرهما، يبقى تسعا مال إلا ثلثي
نصيب وإلا درهما وثلثي درهم، تزيده على ثلثي المال، يكون ثمانية أتساع مال إلا
ثلثي نصيب، وإلا درهما وثلثي درهم تعدل خمسة أنصباء، فتجبر وتقابل، فثمانية
أتساع مال تعدل خمسة أنصباء وثلثي نصيب ودرهما وثلثي درهم، تكمل أجزاء
المال، بأن تزيد عليها ثمنها، وتزيد على كل ما في المعادلة ثمنه، فمال يعدل ستة
أنصباء وثلاثة أثمان نصيب ودرهما وسبعة أثمان درهم، فتطلب عددا إذا ضرب في
ستة وثلاثة أثمان يكون الحاصل منه مزيدا عليه درهم وسبعة أثمان عددا صحيحا،
وهو ثلاثة إذا ضربتها بستة وثلاثة أثمان حصل تسعة وعشرون، إذا زيد عليه درهم
وسبعة أثمان كان أحدا وعشرين، فمنه القسمة، والنصيب ثلاثة، تضرب الأنصباء
في الثلاثة، تأخذ ثلث المال وهو سبعة، فتدفع منها إلى زيد أربعة بالنصيب
والدرهم، يبقى ثلاثة، تدفع ثلثها ودرهما إلى عمرو، يبقى درهم، تزيده على ثلثي
المال، يكون خمسة عشر للبنين الخمسة.
مسألة: ستة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بسدس مال
إلا درهما، تأخذ مالا، وتسقط منه نصيبا لوصية زيد، وسدسه إلا درهما لوصية
عمرو، يبقى خمسة أسداس مال ودرهم إلا نصيبا تعدل ستة أنصباء، فتجبر وتقابل،
وتكمل أجزاء المال بزيادة خمسها، وتزيد على ما في المعادلة خمسة، فمال ودرهم
وخمس درهم تعدل ثمانية أنصباء وخمسي نصيب، فتضرب الأنصباء الثمانية والخمسين في
عدد إذا نقص مما يحصل من الضرب درهم وخم كان الباقي عددا صحيحا، وهو
229

ثلاثة، إذا ضربتها في ثمانية وخمسين، حصل خمسة وعشرون وخمس درهم، إذا
نقص منه درهم وخمس، بقي أربعة وعشرون منها القسمة، والنصيب ثلاثة،
فتعطي عمرا السدس إلا درهما وهو ثلاثة، وزيدا ثلاثة، يبقى ثمانية عشر للبنين
الستة.
مسألة: ابنان، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهما، ولعمرو بملء ما تبقى من
النصف وبدرهم، والتركة عشرون درهما، تأخذ نصف التركة عشرة، وتسقط منه
نصيبا، تسقط من هذا الباقي نصفه ودرهما لعمرو وهو ستة إلا نصف نصيب، يبقى
من العشرة أربعة إلا نصف نصيب، تزيدها على نصف المال، تبلغ أربعة عشر
درهما إلا نصف نصيب تعدل نصيبي الابن، تجبر وتقابل، فأربعة عشر تعدل
نصيبين ونصف نصيب، تبسطها أنصافا، فالمال ثمانية وعشرون، والنصيب
خمسة، تقسم المال على النصيب، يخرج من القسمة خمسة دراهم وثلاثة أخماس
درهم، فهو النصيب، تأخذ عشرة، وتدفع إلى زيد منها خمسة دراهم وثلاثة
أخماس درهم، يبقى أربعة دراهم وخمسان، تدفعها نصفها ودرهما آخر إلى
عمرو، يبقى من العشرة درهم وخمس، تزيده على العشرة الأخرى، يكون أحد
عشر وخمسا للابنين، لكل ابن خمسة دراهم وثلاثة أخماس درهم.
فصل في نوادر الفصول المتقدمة مسألة: ثلاثة بنين وبنت، أوصى
لزيد بمثل نصيب البنت وثلث ما أوصى به لعمرو، ولعمرو بمثل نصيب أحد البنين
وربع ما أوصى به لزيد، فتجعل وصية زيد عددا له ربع يكون أربعة دنانير، ووصية
عمرو عددا له ثلث، وليكن ثلاثة دراهم، وتعلم أنك إذا نقصت من وصية زيد ثلث
وصية عمرو وهو درهم، بقي أربعة دنانير إلا درهما، وذلك نصيب البنت، لان
جملة وصية زيد مثل نصيب البنت وثلث وصية عمرو، وإذا نقصت من وصية عمرو
ربع وصية زيد وهو دينار، بقي ثلاثة دراهم إلا دينارا وهو نصيب الابن، وإذا بان أن
نصيب البنت أربعة دنانير إلا درهما، ونصيب الابن ثلاثة دراهم إلا دينارا، قابلت
بين الجملتين، وضعفت نصيب البنت ليعادل نصيب الابن، وضعفه ثمانية دنانير إلا
درهمين تعدل ثلاثة دراهم إلا دينارا، فتجبر كل واحد من الاستثنائين وتقابل، فتسعة
دنانير تقابل خمسة دراهم، فالدينار خمسة أسهم، والدرهم تسعة أسهم، وكانت
230

وصية زيد أربعة دنانير، فهي إذا عشرون، ووصية عمرو ثلاثة دراهم، فهي إذا سبعة
وعشرون، ونصيب كل ابن اثنان وعشرون، لأنه ثلاثة دراهم وهي سبعة وعشرون إلا
دينارا، وهو خمسة، ونصيب البنت أحد عشر، لأنه أربعة دنانير، وهو عشرون إلا
درهما، وهو تسعة، فوصية زيد مثل نصيب البنت وهو أحد عشر، ومثل ثلث وصية
عمرو وهو تسعة، ووصية عمرو مثل نصيب ابن وهو اثنان وعشرون، مثل ربع وصية
زيد، وهو خمسة.
مسألة: ثلاثة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ما انتقص من أحدهم
بالوصية، فتقول: لو لم يكن وصية، لكان لكل ابن ثلث المال وقد انتقص منه بالوصية
شئ، فثلث المال نصيب وشئ، والمال كله ثلاثة أنصباء وثلاثة أشياء، يعطى
الموصى له نصيبا إلا شيئا، يبقى نصيبان وأربعة أشياء تعدل ثلاثة أنصباء، تسقط
نصيبين بنصيبين، يبقى نصيب يعدل أربعة أشياء، والتركة ثلاثة أنصباء وثلاثة
أشياء، فهي إذا خمسة عشر سهما، والوصية نصيب إلا شيئا، وهي ثلاثة أسهم،
يبقى اثنا عشر سهما للبنين، وقد أخذ الموصى له مثل نصيب أحدهم إلا ما انتقص
بالوصية وهو سهم من خمسة عشر، لأنه لولا الوصية لكان لكل واحد منهم خمسة من
خمسة عشر.
مسألة: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم إلا ربع ما تبقى من ماله
بعد الوصايا كلها، ولعمرو بمثل نصيب أحدهم إلا خمس ما تبقى من ماله بعد
الوصايا، ولثالث بمثل نصيب أحدهم إلا سدس ما يبقى بعد الوصايا، فتعلم أن
الباقي من المال بعد الوصايا كلها ثلاثة أنصباء، فوصية زيد نصيب إلا ربع ثلاثة
أنصباء وهو ثلاثة أرباع نصيب، تبقى وصيته بربع نصيب، ووصية عمرو بنصيب إلا
خمس ثلاثة أنصباء وهو ثلاثة أخماس نصيب، تبقى وصيته بخمسي نصيب، ووصية
الثالث بنصيب إلا سدس ثلاثة أنصباء وهو نصف نصيب، فجملة الوصايا ربع نصيب
وخمسا نصيب ونصف نصيب، فهي نصيب وثلاثة أجزاء من عشرين جزءا من
نصيب، فيبقى مال إلا نصيبا وثلاثة أجزاء من عشرين جزءا من نصيب، وذلك يعدل
ثلاثة أنصباء، فتجبر وتقابل، فمال يعدل أربعة أنصباء وثلاثة أجزاء من عشرين
جزءا من نصيب، فتبسطها بأجزاء عشرين، وتقلب الاسم، فالمال ثلاثة وثمانون،
والنصيب عشرون، تلقي الوصايا كلها وهي ثلاثة وعشرون، يبقى ستون للبنين،
231

ولزيد نصيب إلا ربع ما تبقى من المال بعد الوصايا وهو خمسة عشر، فله خمسة،
ولعمرو نصيب إلا خمس ما تبقى بعد الوصايا وهو اثنا عشر، فله ثمانية، وللثالث
نصيب إلا سدس ما تبقى بعد الوصايا وهو عشرة، فله عشرة.
مسألة: خمسة بنين، فأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا سدس ما تبقى من ماله
بعد الوصية، وإلا ثلث ما تبقى من ثلثه بعد الوصية، فتجعل الوصية شيئا، والباقي
أنصباء الورثة، فالمال شئ وثلاثة أنصباء، فتسقط الوصية، وتأخذ سدس الباقي
وهو نصف نصيب، فتحفظه ثم تأخذ ثلث المال وهو نصيب وثلث شئ، فتسقط منه
الوصية وهي شئ، يبقى نصف إلا ثلثي شئ، تأخذ ثلثه وهو ثلث نصيب
إلا تسعي شئ وهو المستثنى من النصيب، فتضمه إلى نصف النصيب المحفوظ،
يصير خمسة أسداس نصيب إلا تسعي شئ وهو المستثنى من النصيب، فتضمه إلى
الوصية وهي شئ ليكمل النصيب، فيبلغ خمسة أسداس نصيب وسبعة أتساع
شئ، وذلك يعدل نصيبا، تسقط خمسة أسداس نصيب بمثلها، يبقى سدس
نصيب في معادلة سبعة أتساع شئ، فالنصيب الكامل يعدل أربعة أشياء وثلثي
شئ، تبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالنصيب أربعة عشر، والشئ ثلاثة،
والمال كله خمسة وأربعون، لأنه ثلاثة أنصباء وشئ، تلقي الوصية من المال،
يبقى اثنان وأربعون، تأخذ سدسها سبعة وتحفظها، ثم تلقي الوصية من ثلث المال
أيضا وهو خمسة عشر، يبقى اثنا عشر، تأخذ ثلثها وهو أربعة، وتضمها إلى السبعة
المحفوظة، تبلغ أحد عشر، تلقيها من النصيب، يبقى ثلاثة.
مسألة: ثلاثة بنين وبنت، وأوصى لزيد بمثل نصيب البنت إلا ثلث ما أوصى
به لعمرو، ولعمرو بمثل نصيب أحد البنين إلا ربع ما أوصى به لزيد، فتجعل وصية
زيد عددا له ربع، وليكن أربعة دنانير، ووصية عمرو عددا له ثلث، وليكن ثلاثة
دراهم. فإذا أخذت ثلث وصية عمرو، وضممته إلى وصية زيد، صار أربعة دنانير
ودرهما، وذلك مثل نصيب البنت، فنصيب كل ابن ضعفه وهو ثمانية دنانير
ودرهمان. وإذا أسقطت من ذلك ربع وصيته زيد وهو دينار، بقي سبعة دنانير
ودرهمان وهي وصية عمرو، وتقابل بها الدراهم التي جعلناها وصية أولا، فتسقط
درهمين بمثلها، يبقى سبعة دنانير في مقابلة درهم واحد، فالدينار واحد، والدرهم
سبعة، كانت وصية زيد أربعة دنانير، فهي إذا أربعة، وكانت وصية عمرو ثلاثة
232

دراهم، فهي إذا أحد وعشرون، ونصيب البنت أربعة دنانير ودرهم، فهو أحد
عشر، ونصيب كل ابن اثنان وعشرون فما أخذه زيد مثل نصيب البنت إلا ثلث
وصية عمرو، وما أخذه عمرو مثل نصيب ابن إلا ربع وصية زيد.
مسألة: ابن وبنت، وأوصى بوصية إذا زدت عليها أربعة دراهم كانت مثل
نصيب البنت. وإذا زدت عليها تسعة كانت مثل نصيب الابن، فاجعل نصيب البنت
شيئا وأربعة دراهم، ونصيب الابن شيئا وتسعة دراهم، ثم تضعف نصيب البنت
يصير شيئين وثمانية دراهم، وذلك يعدل نصيب الابن، فتسقط شيئا بشئ، وثمانية
دراهم بثمانية، يبقى شئ يعدل درهما وهو الوصية. فإذا زدت درهما على أربعة،
صارت خمسة وهي نصيب البنت، وإذا زدت درهما على تسعة، صارت عشرة وهي
نصيب الابن، وجملة التركة ستة عشر.
مسألة: إبنان وبنت، وأوصى لكل واحد من زيد وعمرو بوصية إذا زدت على
وصية زيد أربعة دراهم كانت مثل نصيب البنت، وإذا زدت على وصية عمرو تسعة
دراهم كانت مثل نصيب ابن، والوصيتان معا عشرون، كم كانت التركة؟
وكم كانت الأنصباء وكل وصية؟ فاجعل نصيب البنت شيئا، يكون نصيب
الابن شيئين، وتكون وصية زيد شيئا إلا أربعة دراهم، ووصية عمرو شيئين إلا
تسعة، فالوصيتان ثلاثة أشياء إلا ثلاثة عشر درهما، وذلك يعدل عشرين درهما،
فتجبر وتقابل، فثلاثة أشياء تعدل ثلاثة وثلاثين، فيكون الشئ أحد عشر، فهو
نصيب البنت، ونصيب كل ابن اثنان وعشرون. فإذا نقصت من أحد عشر أربعة،
بقي سبعة، فهي وصية زيد، وإذا نقصت من اثنين وعشرين تسعة، بقي ثلاثة
عشر، فهي وصية عمرو، فالوصيتان معا عشرون، والتركة خمسة وسبعون.
مسألة: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد وعمرو وبكر بوصايا هي مثل نصيب ابن،
ووصية زيد وعمرو معا أكثر من وصية بكر بثلاثة دراهم، ووصية عمرو وبكر معا أكثر
من وصية زيد بسبعة دراهم، ووصية زيد وبكر معا أكثر من وصية عمرو بإثني عشر
درهما، كم التركة؟ وكم كل وصية؟ فاجعل نصيب كل ابن شيئا، تكون الوصايا
كلها شيئا، تسقط منه فضل وصية زيد وعمرو على وصية بكر وهو ثلاثة دراهم، يبقى
شئ إلا ثلاثة دراهم، تأخذ نصفه وهو نصف شئ إلا درهما ونصفا، فهو وصية
233

بكر، ثم تسقط منه فضل وصية عمرو وبكر على وصية زيد وهو سبعة، يبقى شئ
إلا سبعة دراهم، تأخذ نصفه وهو نصف شئ إلا ثلاثة دراهم ونصف درهم، فهو
وصية زيد، ثم تسقط منه فضل وصية زيد وبكر على وصية عمرو وهو اثني عشر،
يبقى شئ إلا اثني عشر، تأخذ نصفه وهو نصف شئ إلا ستة، فهي وصية عمرو،
وجميعها عند الضم شئ ونصف شئ إلا أحد عشر درهما، وذلك يعدل شيئا
، فتجبر وتقابل، فشئ ونصف شئ يعدل شيئا وأحد عشر، تسقط الشئ
بالشئ، فالنصف يعدل أحد عشر، والشئ الكامل يعدل اثنين وعشرين، فعرفت
أن نصيب كل ابن اثنان وعشرون، وكذلك جميع الوصايا. فإذا أردت معرفة كل
وصية، فأسقط من مبلغ الجميع فضل وصيتي زيد وعمرو على وصية بكر وهو ثلاثة،
تبقى تسعة عشر، تأخذ نصفها وهو تسعة ونصف، فهي وصية بكر، ثم أسقط منه
فضل وصيتي عمرو وبكر على وصية زيد وهو سبعة، يبقى خمسة عشر، تأخذ نصفها وهو
سبعة ونصف، فهي وصية زيد، ثم أسقط منه فضل وصيتي زيد وبكر على وصية
عمرو وهو اثنا عشر، يبقى عشرة، تأخذ نصفها خمسة، فهي وصية عمرو،
وجملتها اثنان وعشرون.
ولما كانت الوصايا في هذه الصورة ثلاثا، وكانت كل اثنتين منها تفضل الثالثة
بعدد، كانت كل مفضولة نصف الباقي من جملة الوصايا بعد إسقاط الفضل. ولو
كانت الوصايا أربعا، وكل ثلاث تفضل الرابعة بعدد، كانت المفضولة ثلث الباقي
من جملة الوصايا بعد إسقاط الفضل. ولو كانت خمسا، وكل أربع منها تفضل
الخامسة بعدد، كانت المفضولة ربع الباقي من جملة الوصايا بعد إسقاط الفضل،
وعلى هذا القياس.
مسألة: إبنان، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهما، ولعمرو بثلث ما تبقى من
النصف وبدرهم، وترك ثلاثين درهما، فتجعل الوصيتين شيئا، وتلقيه من التركة،
يبقى ثلاثون درهما إلا شيئا، لكل ابن خمسة عشر إلا نصف شئ، فهو النصيب،
ثم تأخذ نصف المال وهو خمسة عشر، فتسقط منه نصيبا وهو خمسة عشر إلا نصف
شئ، يبقى نصف شئ، تأخذ لعمرو ثلاثة وهو سدس شئ، وتضم إليه درهما، فالوصيتان معا ستة
عشر إلا ثلث شئ، وذلك يعدل شيئا، فتجبر وتقابل، فستة عشر درهما تعدل شيئا
234

وثلث شئ، فالشئ يعدل اثني عشر درهما، وهي تعدل جملة الوصيتين، يبقى
ثمانية عشر للابنين، تأخذ نصف المال وهو خمسة عشر درهما، تسقط منه نصيبا وهو
تسعة، تدفعه إلى زيد، يبقى ستة، تأخذ ثلثها ودرهما لعمرو، يبقى ثلاثة، تزيدها
على النصف الآخر، تصير ثمانية عشر، لكل ابن تسعة.
الطرف الرابع: في المسائل الدورية من سائر التصرفات الشرعية. ولنوردها
على ترتيب أبوابها في الفقه.
فمنها: البيع، وقد ذكرنا في تفريق الصفقة مسائل منه، منها: باع مريض
قفيزا جيدا قيمته عشرون بقفيز قيمته عشرة، وذكرنا أن هذا البيع باطل في قول،
فتبطل المحاباة التي في ضمنه. وفي قول: يصح البيع في بعض القفيز ببعض
القفيز، واستخرجنا بالجبران ذلك البعض هو الثلثان. ولو باع كرا قيمته خمسون،
بكر قيمته ثلاثون وله سواه عشرة دراهم، صح البيع في جميع الكر، لأنه رجع إليه
ثلاثون، وعنده عشرة، فيبقى لورثته أربعون، ولم يحاب إلا بعشرين. ولو كانت قيمة
كر المريض خمسين، والذي يقابله خمسة عشر، وله عشرة، فتقول: صح البيع في
شئ من الكر الجيد، وقابله من الثمن ثلاثة أعشار ذلك الشئ، فبقيت المحاباة
وسبعة أعشار شئ، ومع الورثة عشر دراهم وهي عشرا كر، فيجتمع معهم كر
وعشرا كر إلا سبعة أعشار شئ، وذلك يعدل ضعف المحاباة وهو شئ وأربعة أعشار
شئ، لأن المحاباة سبعة أعشار شئ، فتجبر وتقابل، فكر وعشرا كر تعدل شيئين
وعشر شئ، تبسطها أعشارا، فيكون الكر أحدا وعشرين، والشئ اثني عشر،
فيصح البيع في اثني عشر جزءا من أحد وعشرين جزءا من الكر، وذلك أربعة
أسباعه بأربعة أسباع الكر الردئ، وهي بالقيمة ثلاثة أعشار المبيع من الجيد،
فتجعل الكر عددا له سبع وعشر، وأقله سبعون، فيصح البيع في أربعة أسباعه وهي
أربعون بثلاثة أعشار الأربعين وهي اثنا عشر، فبقيت المحاباة بثمانية وعشرين، ومع
الورثة مما بطل البيع فيه ثلاثون وعشرا كر وهما أربعة عشر بأجزاء السبعين، فيجتمع
معهم ستة وخمسون ضعف المحاباة، وبطريق النسبة والتقدير نقول: ثلثا الكر
والعشرة المتروكة عشرون، والمحاباة بخمسة وثلاثين، والعشرون أربعة أسباع
الخمسة والثلاثين، فيصح البيع في أربعة أسباع الكر.
235

مسألة: باع كرا قيمته مائة بكر قيمته خمسون، وعليه عشرة دراهم دينا،
فيحط العشرة من ماله، ويقدر كأنه لا يملك إلا تسعين، وثلثها ثلاثون، والمحاباة
بخمسين، والثلاثون ثلاثة أخماس الخمسين، فيصح البيع في ثلاثة أخماس الجيد
بثلاثة أخماس الردئ، فيخرج من ملكه ستون، ويعود إليه ثلاثون، ويبقى مما بطل
فيه ثلاثون، وذلك ضعف المحاباة.
فرع إذا كان على المريض دين وله مال سوى ما باع، فقابل الدين
بالتركة، فإن تساويا، فكأنه لا دين ولا تركة، وإن زاد أحدهما، اعتبرنا الزائد على
ما ذكرناه.
فرع هذا المذكور هو في بيع الجنس بجنسه الربوي. فلو باع كر حنطة
قيمته عشرون، بكر شعير قيمته عشرة، فإن قلنا: يصح البيع في بعض بقسطه من
الثمن، فهو كبيع الحنطة الجيدة بالرديئة، فيصح البيع في ثلثي الحنطة بثلثي الشعير.
وإن قلنا: يصح فيما يحتمله الثلث، وفيما يوازي الثمن بجميع الثمن، صح البيع
في خمسة أسداس الحنطة بجميع الشعير، لأنه يصح في قدر الثلث، وفيما يوازي
الشعير بالقيمة وهو النصف، ولا بأس بالمفاضلة في الكيل.
فصل في بيع المريض بالمحاباة مع حدوث زيادة أو نقص أما
الزيادة، فالاعتبار في القدر الذي يصح فيه البيع، بيوم البيع، وزيادة المشتري غير
محسوبة عليه. والاعتبار في القدر الذي يبطل فيه البيع ويبقى للورثة، بيوم الموت،
ولا فرق بين أن تكون الزيادة بمجرد ارتفاع السوق أو بصفة تزيد في القيمة. فإذا باع
عبدا قيمته عشرون بعشرة، ثم بلغت قيمته أربعين، وصححنا البيع في بعضه على
ما بيناه في تفريق الصفقة، فإن صححناه في بعضه بكل الثمن، فللمشتري
بالعشرة نصف العبد وهي قيمته يوم الشراء، يبقى نصف العبد وقيمته يوم الموت
عشرون، يضمه إلى الثمن، يبلغ ثلاثين، فله من ذلك شئ بالمحاباة، وشئ يتبع
المحاباة بسبب زيادة القيمة غير محسوب عليه، يبقى ثلاثون درهما إلا شيئين تعدل ضعف
المحاباة وهو شيئان، فتجبر وتقابل، فثلاثون درهما تعدل أربعة أشياء، فالشئ ربع
الثلاثين وهو سبعة دراهم ونصف، وهذا ما يجوز التبرع فيه وهو ثلاثة أثمان العبد يوم
البيع، فيضم إلى النصف الذي ملكه المشتري بالثمن، فيحصل له بالثمن والتبرع
236

سبعة أثمان العبد، يبقى للورثة ثمنه وهو خمسة يوم الموت، والثمن وهو عشرة،
وهما ضعف المحاباة. وإن صححنا البيع في بعضه بقسطه من الثمن، فنقول:
يصح البيع في شئ من العبد بنصف شئ من الثمن، فتكون المحاباة بنصف
شئ، ويبطل البيع في عبد إلا شئ، وقيمته عند الموت أربعون درهما إلا شيئين.
وإنما استثنى شيئين، لأن الاستثناء يزيد بحسب زيادة المستثنى منه، فيضم إليه
الثمن وهو نصف شئ، يبقى أربعون إلا شيئا ونصف شئ، وذلك يعدل ضعف
المحاباة وهو شئ، فتجبر وتقابل، أربعون تعدل شيئين ونصف شئ، فالشئ
خمسا الأربعين، وهما ستة عشر، وهي أربعة أخماس العبد يوم البيع، فللمشتري
أربعة أخماس العبد بأربعة أخماس الثمن وهي ثمانية، فتكون المحاباة بثمانية،
وللورثة أربعة أخماس الثمن وهي ثمانية، وخمس العبد وقيمته يوم الموت ثمانية،
فالمبلغ ستة عشر ضعف المحاباة، ولا اعتبار بالزيادة الحادثة بعد موت المريض،
بل وجودها كعدمها.
وأما النقص، فإما أن يحدث في يد المشتري، وإما في يد البائع المريض.
القسم الأول: إذا حدث النقص في يد المشتري، فإما أن يحدث قبل موت
البائع، وإما بعده.
فالحالة الأولى: مثالها: أن يبيع عبدا قيمته عشرون بعشرة، ثم تعود قيمته
إلى عشرة، ثم يموت البائع، فإن صححنا البيع في بعض العبد بجميع الثمن،
قلنا: ملك المشتري نصف العبد بالعشرة، ونضم نصفه الآخر يوم الموت وهو
خمسة إلى الثمن، يبلغ خمسة عشر، للمشتري شئ من ذلك المحاباة، وذلك
الشئ محسوب عليه بشيئين، لأن النقص بالقسط محسوب على المتبرع عليه،
فيبقى للورثة خمسة عشر إلا شيئا يعدل ضعف المحسوب عليه من المحاباة وهو أربعة
أشياء، فتجبر وتقابل، فخمسة عشر تعدل خمسة أشياء، فالشئ ثلاثة، وهي ثلاثة
أعشار العبد يوم الموت. وإذا انضم إليها النصف الذي ملكه بالثمن وهو خمسة يوم
الموت، كان المبلغ ثمانية وهي أربعة أخماس العبد يوم الموت، فيصح البيع في
أربعة أخماس العبد وهو ستة عشر بجميع الثمن وهو عشرة، يبقى التبرع بستة،
وللورثة خمس العبد وهو درهمان، والثمن وهو عشرة، فالجملة اثنا عشر ضعف
237

المحاباة. وإن صححنا البيع في بعضه بالقسط، قلنا: يصح البيع في شئ من
العبد بنصف شئ من الثمن، ويبطل في عبد ناقص بشئ، وقيمته يوم الموت
عشرة إلا نصف شئ، فتضم الحاصل من الثمن وهو نصف شئ إليه، فيكون
عشرة دراهم بلا استثناء، وهي تعدل ضعف المحاباة، وهي شئ، فالشئ عشرة
دراهم، وهي نصف العبد يوم البيع، فيصح البيع في نصفه وهو عشرة بنصف الثمن
وهو خمسة فالمحاباة بخمسة دراهم، وللورثة نصف العبد يوم الموت وهو
خمسة، ونصف الثمن وهو خمسة، وجملتها ضعف المحاباة. وفقه هذه الحالة:
أن ما صح فيه البيع، فحصته من النقص محسوبة على المشتري، لأنه مضمون عليه
بالقبض. وما بطل فيه البيع، فحصته من النقص غير مضمونة على المشتري، لأنه
أمانة في يده، لأنه لم يتعد بإثبات اليد عليه، ولا قبضه لمنفعة نفسه. واستدرك إمام
الحرمين فقال: إن كان النقص بانخفاض السوق، فهذا صحيح، لأن نقص السوق
لا يضمن باليد مع بقاء العين. فإن كان النقص في نفس العبد، فيحتمل أن يقال:
إنه مضمون على المشتري، لأنه مقبوض على حكم البيع. حتى لو برأ المريض،
كان البيع لازما في الجميع. فعلى هذا، يصير المشتري غارما لقدر من النقصان مع
الثمن، ويختلف القدر الخارج بالحساب.
الحالة الثانية: أن يحدث النقص بعد موت البائع، فظاهر ما ذكره الأستاذ أبو
منصور، أنه كما لم حدث قبل الموت، حتى يكون القدر المبيع هنا كالقدر المبيع
فيما إذا حدث قبل موته. قال الامام: وهذا خطأ إن أراد هذا الظاهر، لأن النظر في
التركة وحساب الثلث والثلثين إلى حالة الموت، ولا معنى لاعتبار النقص بعده،
كما لا تعتبر الزيادة.
القسم الثاني: إذا حدث النقص في يد البائع، بأن باع مريض عبدا يساوي
عشرين بعشرة، ولم يسلمه حتى عادت قيمته إلى عشرة، ذكر الأستاذ: أنه يصح
البيع في جميعه، لأن التبرع إنما يتم بالتسليم، وقد بان قبل التسليم أنه لا تبرع.
قال: وكذا لو عادت قيمته إلى خمسة عشر، لأن التبرع يكون بخمسة، والثلث واف
بها. واعترض الامام بأن التبرع الواقع في ضمن البيع لا يتوقف نفوذه وانتقال الملك
فيه على التسليم، فوجب أن ينظر إلى وقت انتقال الملك، وأن لا يفرق بين النقص
قبل القبض وبعده، وهذه الاعتراضات بينة.
238

فرع الحادث في يد المشتري، إن كان بانخفاض السوق، لم يدفع خيار
المشتري بتبعض الصفقة عليه. وإن كان لمعنى في نفس المبيع، فقد شبهوه بالعيب
الحادث مع الاطلاع على العيب القديم.
فصل محاباة المشتري تعتبر من الثلث كمحاباة البائع. فإذا اشترى مريض
عبدا قيمته عشرة بعشرين لا يملك غيره، فثلث ماله ستة وثلثان، والمحاباة عشرة،
والستة والثلثان ثلثا العشرة، فيصح الشراء في ثلثي العبد وهو ستة وثلثان بثلثي الثمن
وهو ثلاثة عشر وثلث، يبقى مع الورثة ثلث الثمن وهو ستة وثلثان، وثلثا العبد وهو
ستة وثلثان، وذلك ضعف المحاباة. هذا إن أجاز البائع البيع، وله أن يفسخ ويسترد
العبد لتبعض الصفقة عليه. ولو اشترى عبدا قيمته عشرة بعشرين، فزادت قيمة العبد
في يده، أو في يد البائع، فصارت خمسة عشر، فقد زادت خمسة في تركته. فإن
قلنا: يصح الشراء فبعض ما حابى فيه بجميع ما يقابله، فتضم الخمسة الزائدة
إلى الثمن، فيصير جميع التركة خمسة وعشرين، وثلثها ثمانية وثلث، فيقال
للبائع: ثلث ماله ثمانية وثلث، وقد حاباك بعشرة، فإما أن تفسخ البيع وتسترد
العبد، وإما أن ترد ما زاد على الثلث وهو درهم وثلثان. فإن رد، فمع الورثة العبد،
وقيمته يوم الموت خمسة عشر، ومعهم درهم وثلثان، والجملة ضعف المحاباة.
وإن قلنا: يصح الشراء في بعضه ببعض ما يقابله، قلنا: يصح الشراء في شئ من
العبد بشيئين من الثمن، فتكون المحاباة بشئ، يبقى عشرون درهما إلا شيئين،
تضم إليها المشترى من العبد وكان شيئا، فصار شيئان ونصف شئ، تبلغ عشرين
إلا نصف شئ، وذلك يعدل ضعف المحاباة وهو شيئان، فتجبر وتقابل،
فالعشرون تعدل شيئين ونصف شئ، فالشئ ثمانية وهي خمسا العشرين وأربعة أخماس
العبد، فيصح البيع في أربعة أخماس العبد وهي ثمانية بأربعة أخماس وهي ستة
عشر، فتكون محاباة المشتري بثمانية، يبقى للورثة خمس الثمن وهي أربعة، وأربعة
أخماس العبد وهي اثنا عشر يوم الموت، فالجملة ستة عشر ضعف
المحاباة. ولو اشترى كما ذكرنا، ثم نقص العبد في يد المريض فعادت قيمته إلى
خمسة، فإن قلنا بالأول من القولين، فقد كانت تركته عشرين، وصارت بالآخرة
خمسة عشر، وثلثها خمسة، فيقال للبائع: إما أن ترد على الورثة خمسة ليكون
معهم العبد وهو خمسة والدراهم الخمسة فيكون لهم ضعف الخمسة، وإما أن تفسخ
239

البيع وترد الثمن بتمامه وتسترد العبد ناقصا ولا ضمان. وإن قلنا بالتقسيط، فقال
الأستاذ أبو منصور: يضمن المشتري قسط ما بطل فيه البيع من النقصان، وينقص
ذلك من التركة كدين يلزم قضاؤه. قال الامام: هذا رجوع إلى ما قدمناه أن المأخوذ
على أنه مبيع يكون مضمونا عليه، ومناقض لما ذكر الأستاذ أن مالا يصح فيه
البيع أمانة في يد المشتري، ثم حسابه أن يقال: صح الشراء في شئ من العبد بشيئين
من الثمن، وبطل في عبد ناقص بشئ قيمته بالتراجع خمسة دراهم إلا نصف
شئ، فينقص القدر الذي نقص من التركة، يبقى خمسة عشر درهما إلا شيئا
ونصف شئ، تضم إليه الشئ المشترى من العبد وقد رجع إلى نصف، فيكون
الحاصل خمسة عشر درهما إلا شيئا تعدل ضعف المحاباة وهو شيئان، فتجبر
وتقابل، فخمس عشر تعدل ثلاثة أشياء، فالشئ ثلث الخمسة عشر وهو نصف
العبد، فيصح الشراء فنصف العبد بنصف الثمن، فتكون المحاباة بخمسة، يبقى
للورثة نصف الثمن وهو عشرة، ونصف العبد وهو اثنان ونصف، تسقط من المبلغ
قسط ما بطل العقد فيه من النقصان وهو اثنان ونصف، يبقى في أيديهم عشرة ضعف
المحاباة.
فرع اشترى مريض عبدا يساوي عشرة بعشرين، وله ثلاثون درهما،
وقبض العبد وأعتقه، فالمحاباة بعشرة وهي ثلث ماله، قال ابن الحداد: إن كان
ذلك قبل توفية الثمن على البائع، نفذ العتق وبطلت المحاباة، والبائع يأخذ قدر
قيمة العبد بلا زيادة، لأن المحاباة في الشراء كالهبة، فإذا لم تكن مقبوضة حتى جاء
ما هو أقوى منها وهو العتق، أبطلها. وإن كان بعد توفية الثمن، بطل العتق، لان
المحاباة المقبوضة استغرقت الثلث. قال الشيخ أبو علي: قد أكثر ابن الحداد التبجح
بهذه المسألة، وهو غالظ فيها عند الأصحاب كلهم، وقالوا: لا فرق في المحاباة
بين أن تكون مقبوضة أو لا تكون، لأنها متعلقها بالمعاوضة، والمعاوضات تلزم بنفس
العقد، ولهذا يتمكن الواهب من إبطال الهبة قبل القبض، ولا يتمكن من إبطال
المحاباة، والحكم في الحالتين تصحيح المحاباة المتقدمة وإبطال العتق المتأخر.
قال: وأما قوله: يأخذ البائع قيمة العبد بلا زيادة، فهذا لا يجوز أن يلزم ويكلف به،
لأنه لم يزل ملكه إلا بعشرين، لكن يخير بين ما ذكره وبين أن يفسخ البيع ويبطل العتق.
فرع باع مريض قفيز حنطة قيمته خمسة عشر لأخيه بقفيز قيمته خمسة،
240

فمات أخوه قبله، وخلف بنتا وأخاه البائع، ثم مات البائع ولا مال لهما سوى القفيزين،
صح البيع في شئ من القفيز الجيد، ويرجع بالعوض ثلث شئ، يبقى معه قفيز
ثلثي شئ، فالمحاباة بثلثي شئ، ويحصل مع المشتري شئ من القفيز الجيد،
والباقي من قفيزه وهو قيمة القفيز الجيد ثلث قفيز إلا ثلث شئ، فهما معا ثلث قفيز
وثلثا شئ، يرجع نصفه بالإرث إلى البائع وهو سدس قفيز وثلث شئ، فتزيده على
ما كان للبائع، فالمبلغ قفيز وسدس قفيز إلا ثلث شئ، وهذا يعدل ضعف المحاباة،
وهو شئ وثلث شئ، فتجبر وتقابل، فقفيز وسدس قفيز تعدل شيئا وثلثا شئ،
فتبسطهما أسداسا، وتقلب الاسم، فالقفيز عشرة، والشئ سبعة، فيصح البيع في
سبعة أعشار الجيد، وهي عشرة ونصف، بسبعة أعشار الردئ، وهو ثلاثة ونصف،
فتكون المحاباة بسبعة، يبقى مع البائع من قفيزه أربعة ونصف، وقد أخذ بالعوض
ثلاثة دراهم ونصفا، فالمجموع ثمانية، وللمشتري من قفيزه درهم ونصف، ومن
القفيز الجيد عشرة ونصف، تكون اثني عشر درهما، يرجع نصفه إلى البائع وهو
ستة، يبلغ ما عنده أربعة عشر وهو ضعف المحاباة. ولو كان القفيز الردئ نصف
قيمة الجيد، والجيد يساوي عشرين، صح البيع في الجميع، لأنه تكون المحاباة
بعشرة، فيبقى عنده عشرة، ويرجع إليه بالإرث عشرة.
فرع باع مريض عبدا يساوي عشرين بعشرة، فاكتسب العبد عشرين في يد البائع أو في يد
المشتري، ثم مات المريض، فإن ترك عشرة سوى ثمن العبد، نفذ
البيع في جميع العبد، وكان الكسب للمشتري، وإن لم يملك شيئا آخر، بطل البيع
في بعض العبد، لأن المحاباة لم تخرج من الثلث. ثم حكى الامام عن الأستاذ،
أن جميع الكسب للمشتري، لأنه حصل في ملكه ثم عرض الفسخ والرد كاطلاع
المشتري على عيب قديم، فإنه يرد ويبقى له الكسب، قال: وهذا زلل عظيم، بل
الوجه القطع بأن الكسب يتبعض بتبعض العبد كما في العتق، وليس هذا فسخا
وردا للبيع في بعض العبد، بل يتبين صحة البيع وحصول الملك للمشتري في بعض
العبد دون بعضه، وهذا حق، لكن الأستاذ لم يقل هذا عن نفسه حتى يشنع عليه،
وإنما نقله عن ابن سريج وأكثر الأصحاب، ثم حكى عن بعضهم أن الكسب كالزيادة
الحادثة في قيمته. وعلى هذا، فحكمه التبعيض كالزيادة. ولو اشترى المريض
عبدا قيمته عشرة بعشرين (فاكتسب)، فالكسب كالزيادة في القيمة، لكن التركة تزداد
241

به، وحكم الزيادة ما سبق.
فرع اشترى مريض عبدا بعشرة، وترك سواه بعشرين، وأوصى لزيد
بعشرة، ثم وجد بالعبد عيبا ينقصه خمسة، فاختار إمساكه، جاز، وكأنه حاباه
بخمسة، والمحاباة مقدمة على الوصية، وللموصى له باقي الثلث وهو خمسة. وإن
وجد الورثة العبد معيبا وأمسكوه، فلزيد العشرة، وما نقص بالعيب كأنهم أتلفوه،
لأنهم لو شاؤوا لفسخوا أو استردوا الثمن. ولو اشترى عبدا بثلاثين فأعتقه، وخلف
ستين درهما، ثم وجد الورثة به عيبا ينقصه خمسة دراهم، رجعوا على البائع
بالأرش. ولو وهبه وأقبضه، لم يرجعوا به، لأنه ربما عاد إليهم فيردونه. هذا جواب
الأستاذ، وفيه وجه مشروح في موضعه. ولو لم يخلف غير العبد وكان قد أعتقه،
عتق منه خمساه وهو عشرة دراهم، ويرجع الورثة بالأرش وهو خمسة على البائع،
ولهم مع ذلك ثلاثة أخماس العبد وهي خمسة عشرة، فيكون عشرين ضعف
المحاباة. قال الأستاذ: وللبائع أن يأخذ ثلاثة أخماس العبد، ويرد ثلاثة أخماس
الثمن، ويغرم أرش خمسيه وهو درهمان. ولو كان قد وهبه وأقبضه بدل الاعتاق،
فالخمسة الناقصة تحسب من الثلث، لأن المريض هو الذي فوت الرجوع بالأرش بما
أنشأ من الهبة، وللموهوب له خمسه وهو خمسة، وللورثة أربعة أخماسه وهي
عشرون.
فرع ترك عبدا قيمته ثلاثون، وأوصى ببيعه لزيد بعشرة، فثلث ماله
عشرة، وأوصى بالمحاباة بعشرين، فإن لم تجز الورثة، بيع منه على قول ثلثا العبد
بجميع العشرة لتحصل له المحاباة بقدر الثلث، وللورثة ضعفه. وعلى قول
التقسيط، يباع منه نصف العبد بنصف الثمن. ولو أوصى مع ذلك بثلث ماله
لعمرو، فالثلث بينهما على ثلاثة، لزيد سهمان، ولعمرو سهم.
فصل ومن التصرفات الدورية السلم. فإذا أسلم المريض عشرة في قدر
من الحنطة مؤجلا يساوي عشرة، ومات قبل حلول الأجل، فللوارث الخيار. فإن
أجاز، فالسلم بحاله. وإن قالوا: لا نرضى بالأجل في محل حقنا وهو الثلثان،
فلهم ذلك كما ذكرنا في بيع الأعيان بثمن مؤجل، وحينئذ فالمسلم إليه بالخيار،
إن شاء فسخ السلم ورد رأس المال بتمامه، وإن شاء رد ثلثي رأس المال وفسخ العقد
في الثلثين وبقي الثلث عليه مؤجلا، وإن شاء عجل ثلثي ما عليه ويبقى الثلث عليه
242

مؤجلا، وأيهما اختار سقط حق الورثة من الفسخ. ولو أسلم عشرة في قدر يساوي
ثلاثين، فللورثة الخيار أيضا مع الغبطة بسبب الاجل، وللمسلم إليه الخيار كما ذكرنا،
ويكفيه أن يجعل مما عليه ثلثي العشرة وذلك تسعا ما عليه من الحنطة، ويكون الباقي
عليه إلى انقضاء الأجل. ولو أسلم الثلاثين في قدر يساوي عشرة، فللورثة
الاعتراض هنا بسبب الاجل وبسبب التبرع. فإذا لم يجيزوا، فالمسلم إليه بالخيار،
إن شاء فسخ السلم ورد رأس المال، وإن شاء فسخه في الثلاثين ورد ثلثي رأس
المال، ويكون الباقي عليه إلى أجله، فإن شاء عجل ما عليه مع ما زاد من المحاباة على
الثلث، ولا يكفيه تعجيل ما عليه هنا، لأنه لا يحصل للورثة ثلثا المال، ولو عجل
نصف ما عليه مع نصف رأس المال وفسخ السلم في النصف، كفى. ولو أسلم
مريض إلى رجلين ثلاثين درهما في قفيز من الحنطة قيمته عشرة إلى أجل، ولم يجز
الورثة، واختار المسلم إليهما إمضاء السلم فيما يجوز فيه السلم، فإن قلنا: يصح
العقد في بعض ما حابى فيه بقسطه، صح لهما السلم في نصف المسلم فيه، وقيمته
خمسة دراهم، بنصف رأس المال وهو خمسة عشر، فتكون المحاباة بعشرة،
وللورثة نصف المسلم فيه وهو خمسة، ونصف رأس المال وهو خمسة عشر، وذلك
ضعف المحاباة. وإن قلنا: يصح العقد في بعض ما حابى به بجميع الثمن، فإذا
أمضيا العقد، صح السلم في جميع القفيز بثلثي رأس المال، فيؤديان القفيز ويردان
عشرة دراهم.
فصل ومنها الضمان، والاقرار، والشفعة. وقد ذكرنا مثال الدور فيها في
أبوابها.
ومن صوره في الاقرار، قال زيد لعمرو: علي عشرة إلا نصف ما على بكر،
وقال بكر لعمرو: علي عشرة إلا نصف ما على زيد، فعلى كل واحد من زيد وبكر
عشرة إلا شيئا، تأخذ نصف ما على أحدهما وهو خمسة إلا نصف شئ، وذلك
يعدل الشئ الناقص من العشرة، فخمسة إلا نصف شئ تعدل شيئا، فتجبر
وتقابل، فخمسة تعدل شيئا ونصفا، فالشئ ثلثا الخمسة وهو ثلاثة وثلث، فهي
الشئ، تسقطها من العشرة، يبقى ستة وثلثان، فهي الواجب على كل واحد
منهما. ولو قال: كل واحد منهما عشرة إلا ربع ما على الآخر، قلنا: على كل
واحد عشرة إلا شيئا، تأخذ ربع ما على أحدهما وهو درهمان ونصف إلا ربع شئ
243

، وذلك يعدل الشئ الناقص، فتجبر وتقابل، فيقع درهمان ونصف في معادلة شئ
وربع شئ، فالشئ درهمان تسقطهما من العشرة، يبقى ثمانية، فهي الواجب
على كل واحد منهما. ولو قال: كل واحد عشرة ونصف ما على الآخر، قلنا:
على كل واحد عشرة وشئ، تأخذ نصف ما على أحدهما وهو خمسة ونصف شئ،
وذلك يعدل الشئ الزائد على العشرة، فتسقط نصف شئ بنصف شئ، يبقى
نصف شئ في معادلة خمسة دراهم فالشئ عشرة دراهم، فعلى كل واحد
عشرون. ولو قال: كل واحد عشرة وثلث ما على الآخر، فيزاد على العشرة
نصفها، تبلغ خمسة عشر، فهي الواجب على كل منهما. ولو قال: وربع ما على
الآخر، فيزاد على العشرة ثلثها، فعلى كل واحد ثلاثة عشر وثلث، وعلى هذا
التنزيل.
فصل ومنها الهبة، فإذا وهب مريض عبدا، ثم رجع العبد أو بعضه إلى
الواهب بهبة أو غيرها، دارت المسألة، لأن التركة تزيد بقدر الراجع. وإذا زادت،
زاد الثلث. وإذا زاد الثلث، زاد الراجع فزادت التركة، فإذ وهب مريض لزيد
عبدا، وأقبضه، ثم وهبه زيد للأول وهو مريض أيضا، وماتا ولا مال لهما سوى
العبد، فبالجبر نقول: صحت هبة الأول في شئ من العبد، فبقي عبد إلا شيئا،
وصحت هبة زيد في ثلث ذلك الشئ، فيرجع إلى الأول ثلث شئ، فيكون معه
عبد إلا ثلثي شئ، وذلك يعدل ضعف ما صحت هبته فيه وهو شيئان، فبعد
الجبر: عبد يعدل شيئين وثلثي شئ، تبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالعبد
ثمانية، والشئ ثلاثة، فتصح هبة الأول في ثلاثة أثمان العبد، وتبطل في الباقي،
وتصح هبة زيد في ثمن من الأثمان الثلاثة، فيبقى مع ورثة زيد ثمنان وهما ضعف
هبته، ومع ورثة الأول ستة أثمان العبد وذلك ضعف هبته.
وبطريق السهام، تطلب عددا له ثلث، ولثلثه ثلث بسبب الهبتين، وأقله
تسعة، فتصح هبة الأول في ثلاثة، ويرجع من الثلاثة سهم وهو سهم الدور، تسقطه
من التسعة، يبقى ثمانية، تصح الهبة فثلاثة منها كما سبق. ولو وهب زيد
لمريض ثالث وأقبضه، ثم وهب الثالث الأول، صحت هبة الأول في شئ من
العبد، وهبة زيد في ثلث ذلك الشئ، وهبة الثالث في ثلث ثلثه وهو تسع، فيرجع
244

إليه تسع ذلك الشئ، يبقى معه عبد إلا ثمانية أتساع شئ تعدل شيئين، فبعد
الجبر: عبد يعدل شيئين وثمانية أتساع شئ، فتبسطها اتساعا، وتقلب الاسم، ف
العبد ستة وعشرون، والشئ تسعة، فتصح هبة الأول في تسعة أجزاء من ستة
وعشرين جزءا من العبد، وهبة زيد في ثلاثة منها، يبقى مع ورثته ستة هي ضعف
هبته، وهبة الثالث في واحد، يبقى مع ورثته سهمان، وينضم جزء إلى ما بقي مع
ورثة الأول، تكون ثمانية عشر هي ضعف ما صحت فيه هبته. وبالسهام تطلب عددا
له ثلث، ولثلثه ثلث، ولثلث ثلثه ثلث، وأقله سبعة وعشرون، يسقط منه سهم
الدور، يبقى ستة وعشرون على ما ذكرنا.
مسألة: كان للواهب تركة سوى العبد، بأن وهب لزيد عبدا قيمته مائة،
وأقبضه، ثم وهبه زيد - وهو مريض أيضا - للأول، ثم ماتا وللأول خمسون سوى
العبد، فبطريق الدينار والدرهم تقول: العبد دينا ودرهم، تصح هبة الأول في
درهم، ويرجع إليه بهبة زيد ثلث درهم، يبقى معه من العبد دينار، ومما سواه
نصف دينار ونصف درهم، فإنه مثل نصف العبد، ومما رجع إليه ثلث درهم،
فالمبلغ دينار ونصف دينار وخمسة أسداس درهم، وذلك يعدل ضعف المحاباة وهو
درهمان، تسقط خمسة أسداس بخمسة أسداس درهم، يبقى دينار ونصف دينار في
معادلة درهم وسدس درهم، تبسطها أسداسا، وتقلب الاسم، فالدرهم تسعة،
والدينار سبعة، وكان العدد درهما ودينارا، فهو إذا ستة عشر، تصح الهبة في تسعة
منها، ويرجع إليه بهبة زيد ثلاثة ومعه تركة مثل نصف العبد، فالمبلغ ثمانية عشر
ضعف التسعة. ولو كان على الواهب الأول دين ولا تركة سوى العبد، فإن كان
الدين مثل العبد أو أكثر، فالهبة باطلة. وإن كان أقل، بأن وهب عبدا قيمته مائة
وعليه عشرون دينا، صحت هبة الأول في شئ، ويرجع إليه ثلث شئ، فيبقى عبد
إلا ثلثي شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: أربعة أخماس عبد تعدل شيئين وثلثي
شئ، فتبسطهما بأجزاء الثلث والخمس بأن تضربهما في خمسة عشر، وتقلب
الاسم، فالعبد أربعون، والشئ اثنا عشر، تصح هبة الأول في اثني عشر من
أربعين من العبد، ويعود إليه أربعة، يبقى اثنان وثلاثون، يقضى منها الدين وهو
ثمانية أجزاء مثل خمس العبد، يبقى أربعة وعشرون ضعف الهبة. ولو كان للمريض
الثاني تركة سوى العبد، بأن كان العبد مائة، وللثاني خمسون سواه، ووهب جميع
245

ماله، فتصح هبة الأول في شئ من العبد ويكون مع الثاني نصف عبد وشئ،
يرجع ثلثه إلى الأول وهو سدس عبد وثلث شئ، فيجتمع عنده عبد وسدس عبد إلا
ثلثي شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: عبد وسدس عبد يعدل شيئين وثلثي شئ،
فتبسطهما أسداسا، وتقلب الاسم، فالعبد ستة عشر، والشئ سبعة، ومع الثاني
نصف عبد وهو ثمانية مع الشئ وهو سبعة، فالمبلغ خمسة عشر، ويرجع إلى الأول
من هبته خمسة، فيصير معه أربعة عشر ضعف الهبة.
مسألة: وهب مريض عبدا قيمته مائة، فمات في يد المتهب، ثم مات الواهب
ولا مال له، فعن ابن سريج وجهان. أحدهما: تصح الهبة في جميع العبد، لأنه
لم يبق شئ يورث، فتكون هبته كهبة الصحيح. وأصحهما: أنها باطلة، لأنها
في معنى الوصية. فإن أبطلناها، ففي وجوب الضمان على المتهب وجهان.
أحدهما: نعم، لأنه قبضه لنفسه فأشبه المستعير. وأصحهما: لا، بخلاف
المستعير، فإنه قبض ليرد. فإن أوجبنا الضمان، قال الأستاذ: يضمن ثلثي قيمته
لورثة الواهب، وقياس بطلان الهبة أن يضمن جميع القيمة. ولو اكتسب العبد في يد
المتهب مائة، ثم مات، فإن صححنا الهبة في الجميع، فالكسب للمتهب. وإن
أبطلناها في الجميع إذا لم يكن كسب، فهنا تصح الهبة في شئ من العبد، ويكون
للمتهب شئ من الكسب غير محسوب عليه من الوصية، وللورثة باقي الكسب وهو
مائة إلا شيئا تعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة: مائة تعدل ثلاثة أشياء، فالشئ
ثلث المائة، فتصح الهبة في ثلث العبد، وتبطل في ثلثه، ولورثة الواهب ثلثا
كسبه، وذلك ضعف ما صحت فيه الهبة، ولم يحسب ثلثا العبد على ورثة الواهب،
لأنه تلف قبل موت الواهب، وحسبنا على المتهب ما تلف من وصيته، لأنه تلف
تحت يده.
مسألة: وهب لأخيه مالا لا مال له سواه، فمات الأخ قبله وخلف بنتا وأخاه
246

الواهب، ثم مات الواهب، فتصح الهبة في شئ من العبد، ويرجع بالميراث
نصفه، فالباقي عبد إلا نصف شئ، وذلك يعدل شيئين، فتجبر وتقابل، فعبد
يعدل شيئين ونصف شئ، فالشئ خمسا العبد، فتصح الهبة في خمسيه، وتبطل في
ثلاثة أخماسه، ويرجع بالميراث أحد الخمسين، فيحصل للورثة أربعة أخماسه وهي
ضعف ما صحت فيه الهبة.
مسألة: أخ وأخت مريضان، وهب كل للآخر عبدا لا يملك سواه وهما
متساويا القيمة، ثم مات الأخ وخلف بنتين والأخت الواهبة، أو ماتت الأخت
وخلفت زوجا والأخ الواهب، فإن ماتت الأخت أولا، صارت هبتها للأخ وصية
للوارث. وأما هبة الأخ، فتصح في شئ، ويرجع إليه بالإرث نصف شئ مع
نصف العبد الذي كان لها، فيجتمع لورثته عبد ونصف عبد إلا نصف شئ، وذلك
يعدل شيئين، فبعد الجبر: عبد ونصف عبد تعدل شيئين ونصف شئ، فتبسطها
أنصافا، وتقلب الاسم، فالعبد خمسة، والشئ ثلاثة، تصح الهبة في ثلاثة
أخماس العبد، ويرجع إليه بالإرث نصفها ونصف العبد الذي لها وهو أربعة
أخماس، فيضم إلى الخمسين الباقيين له، يكون ستة أجزاء ضعف الهبة. وإن مات
الأخ أولا، صارت هبته للأخت وصية لوارث، وتصح هبة الأخت في شئ من
العبد، ويرجع إليها ثلثها مع ثلث العبد الذي كان له، فيجتمع لورثتها عبد وثلث عبد
إلا ثلثي شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: عبد وثلث عبد يعدل شيئين وثلثي شئ،
فتبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالعبد ثمانية، والشي أربعة وهي نصفها، تصح
الهبة في نصف العبد، وينضم إليه ماله وهو عبد، فالمبلغ عبد ونصف يعود ثلثه إلى
الأخت وهو نصف عبد، فيجتمع لورثتها عبد ضعف الهبة. ولو عمي موتهما ولم
يرث أحدهما الآخر، صحت هبة كل واحد في نصف عبده.
مسألة: وهب لزوجته مائة لا يملك غيرها، وأقبضها، فأوصت هي بثلث
مالها، ثم ماتت قبل الزوج، صحت هبته في شئ من المائة، وصحت وصيتها في
ثلث ذلك الشئ، ويرجع إلى الزوج بالإرث نصف ذلك الباقي وهو ثلث شئ،
فيحصل عند الزوج مائة إلا ثلثي شئ وذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر: مائة تعدل
شيئين وثلثي شئ، فتبسطهما أثلاثا، وتقلب الاسم، فالمائة ثمانية، والشئ
ثلاثة، فتصح الهبة في ثلاثة أثمان المائة، وتصح الوصية في ثمن، ويرجع بالإرث
247

ثمن إلى الزوج، فيحصل عند ورثت ستة أثمان وهو ضعف الهبة.
مسألة: وهب مريض لمريض عبدا، وأقبضه، ثم وهبه الثاني للأول
وأقبضه، ولا مال لهما غيره، ثم أعتقه الأول وماتا، قال ابن سريج: المسألة تصح
من أربعة وعشرين، لورثة الواهب الأول ثلثاه، ولورثة الثاني ربعه، ويعتق منه باقي الثلث
وهو نصف سدسه، قال الأستاذ: هذا خطأ عند حذاق الأصحاب، والعتق باطل،
لأنه قدم الهبة على العتق وهي تستغرق الثلث. وإذا بطل العتق، صحت هبة الأول
في ثلاثة أثمان العبد، ويرجع إليه بالهبة الثانية ثمنه، فيجتمع مع ورثته ستة أثمان
وهي ضعف الهبة. وصوب الإمام ابن سريج فقال: إذا اجتمع للأول ستة أثمانه، ثم
أعتق، فتنفيذ العتق في تمام الثلث لا ينقص حق ورثته من الثلثين، ولا حق
الموهوب له، فيتعين المصير إليه، وحينئذ لا بد من تعديل الثلث والثلثين ورعاية
الأثمان، فتضرب ثلاثة في ثمانية، تبلغ أربعة وعشرين كما ذكره. فلو أعتقه قبل هبة
الثاني، ثم وهبه الثاني، لغا العتق، إذ لم يصاد ف محلا، إلا أن يحتمل الوقف.
فرع زيادة الموهوب ونقصه، كزيادة العبد المعتق ونقصه، لكن ما
يحسب هناك للعبد المعتق أو عليه، يحسب هنا على ورثة الواهب، وسنوضحه في
العتق إن شاء الله تعالى.
مسألة: وهب مريض لأخيه عبدا، ثم وهبه المتهب نصفه وهو صحيح،
ومات قبل المريض وخلف بنتا وأخاه الواهب، فقولان.
أظهرهما عند الأستاذ: أن هبة الثاني تنحصر فيما ملكه بهبة الأول، وتصح في
جميعه، وحسابه أن هبة المريض تصح في شئ، ويرجع إليه بهبة الثاني ذلك
الشئ كله فمعه عبد يعدل شيئين، فالشئ نصف عبد، فتصح الهبة في نصف
العبد، ثم يرجع إليه، فيكون لورثته عبد تام ضعف الهبة.
والقول الثاني: أنها تشيع، لمصادفتها ما ملكه وغيره، فتصح في نصف ما
ملك. وحسابه: أن هبة المريض تصح في شئ من العبد، ويرجع بهبة الثاني
نصف ذلك الشئ، ثم يرجع بالإرث نصف ما بقي وهما ثلاثة أرباع شئ، يبقى
عبد إلا ربع شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: عبد يعدل شيئين وربع شئ،
فتبسطها أرباعا، وتقلب الاسم، فالعبد تسعة، والشئ أربعة، فتصح الهبة في
248

أربعة أتساع العبد، ويرجع إليه بالهبة تسعان، وبالإرث تسع آخر، فيجتمع لورثته
ثمانية أتساع ضعف الهبة.
فرع فيما إذا وطئت الموهوبة وطئا يوجب المهر إن وطئها أجنبي
بشبهة قبل موت الواهب، فالمهر كالكسب يقسم علما تصح فيه الهبة، وعلى ما لا
تصح، فحصة ما تصح هبته لا تحسب على المتهب، وحصة ما لا تصح تحسب
على ورثة الواهب. وإن وطئها الواهب في يد المتهب ومهرها مثل قيمتها، صحت
الهبة في شئ، ويستحق المتهب على الواهب مثل ذلك الشئ من المهر، فيقضى
مما بقي، يبقى جارية إلا شيئين تعدل شيئين، فبعد الجبر: جارية تعدل أربعة
أشياء، فالشئ ربع الجارية، تصح الهبة في ربع الجارية، ويثبت على الواهب مثل
ربعها يقضى من الجارية، يبقى مع الورثة نصفها وهو ضعف الموهوب. وإن وطئها
المتهب ومهرها مثل قيمتها، صحت الهبة في شئ، وتبطل في جارية سوى شئ،
وثبت للواهب على المتهب مثل ما بطلت فيه الهبة وهو جارية إلا شيئا، فيحصل له
جاريتان إلا شيئين يعدلان شيئين، فبعد الجبر: جاريتان تعدلان أربعة أشياء،
فالشئ نصف جارية، فتصح الهبة في نصفها، ويستحق بالوطئ مثل نصفها، فيحصل
للورثة جارية تامة وهي ضعف الموهوب. وإن كان مهرها نصف قيمتها، صحت
الهبة في شئ، وبطلت في جارية سوى شئ، ويستحق الواهب على المتهب مثل
نصف ما بطلت فيه الهبة، وهو نصف جارية إلا نصف شئ فيجتمع عند الواهب
جارية ونصف إلا شيئا، ونصف شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: جارية ونصف
تعدل ثلاثة أشياء ونصف شئ، فتبسطها أنصافا، وتقلب الاسم، فالجارية سبعة،
والشئ ثلاثة، تصح الهبة في ثلاثة أسباع الجارية، وتبطل في أربعة أسباعها،
ويغرم المتهب من مهرها مثل سبع قيمتها، فيجتمع مع ورثة الواهب ستة أسباعها
ضعف الموهوب. وإن وطئها الواهب والمتهب ومهرها مثل قيمتها، صحت الهبة في
شئ وثبت للمتهب على الواهب مثل ذلك الشئ، يبقى جارية إلا شيئين، وثبت
للواهب على المتهب مثل ما بطلت في الهبة وهو جارية إلا شيئا، فتضم إلى ما بقي
للواهب، تبلغ جاريتين إلا ثلاثة أشياء تعدل شيئين، فبعد الجبر: جاريتان تعدلان
خمسة أشياء، فالشئ خمس الجاريتين وهو خمسا جارية، فتصح الهبة في خمسيها،
ويثبت للمتهب على الواهب خمسان آخران، فالمبلغ أربعة أخماس، ثم يسترجع
249

الواهب مثل ما بطلت فيه الهبة وهو ثلاثة أخماس، فيجتمع لورثته أربعة أخماس وهو
ضعف الموهوب. ولو كان مهرها مثل نصف قيمتها، صحت الهبة في ثلاثة أثمانها،
وبطلت في خمسة أثمانها، ويثبت للمتهب على الواهب ثمن ونصف ثمن، فيجتمع
له أربعة أثمان ونصف ثمن، ثم يسترجع الواهب نصف ما بطلت فيه الهبة وهو ثمنان
ونصف، فيجتمع لورثته ستة أثمان وهو ضعف الموهوب.
فصل ومنها: الصداق والخلع، وقد سبق أن المريض إذ نكح بمهر المثل،
جعل من رأس المال. وإن نكح بأكثر، فالزيادة من الثلث. فإن كانت وارثة،
فالتبرع على وارث، وذكرنا أنه إن ماتت الزوجة قبله وورثها الزوج، وقع الدور،
فيتخرج على هذا مسائل.
إحداها: أصدقها مائة، ومهر مثلها أربعون، فماتت قبله ولا مال لهما سوى
الصداق، فلها أربعون من رأس المال، ولها شئ بالمحاباة، يبقى مع الزوج ستون
إلا شيئا، ويرجع إليه بالإرث نصف ما للمرأة وهو عشرون ونصف شئ، فالمبلغ
ثمانون إلا نصف شئ يعدل شيئين ضعف المحاباة، فبعد الجبر تعدل ثمانون شيئين
ونصف شئ، فالشئ خمسا الثمانين وهو اثنان وثلاثون، فلها اثنان وسبعون،
أربعون مهر، والباقي محاباة، يبقى مع الزوج ثمانية وعشرون، ويرجع إليه بالإرث
ستة وثلاثون، فيجتمع لورثته أربعة وستون ضعف المحاباة. فإن كان لها ولد،
فالراجع إليه بالإرث ربع مالها وهو عشرة وربع شئ، فيحصل للزوج سبعون إلا ثلاثة
أرباع شئ وذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر: تعدل سبعون شيئين وثلاثة أرباع
شئ، تبسطهما أرباعا، فتكون الدراهم مائتين وثمانين، والأشياء أحد عشر،
تقسم الدراهم على الأشياء، يخرج من القسمة خمسة وعشرون وخمسة أجزاء من
أحد عشر جزءا من درهم، فهذا قدر المحاباة، فلها بالمهر والمحاباة خمسة وستون
درهما وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، يرجع إلى الزوج ربع ذلك وهو
ستة عشر درهما وأربعة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، وذلك ضعف المحاباة.
(المسألة) الثانية: أعتق مريض جارية ونكحها على مهر مسمى، نظر، إن لم يملك
250

غيرها، فالنكاح باطل، لأنه لا ينفذ عتق جميعها، والنكاح والملك لا يجتمعان. ثم
إن لم يدخل بها، فلا مهر. وإن دخل، فهو وطئ شبهة، فلها من المهر بقسط ما
عتق منها، ويقع فيه الدور. فإذا كانت قيمتها مائة، والمهر خمسين، عتق منها
شئ ولها بالمهر نصف شئ، لأن المهر نصف القيمة، يبقى جارية إلا شيئا ونصف
شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: جارية تعدل ثلاثة أشياء ونصف شئ، فالشئ
سبعا الجارية، فينفذ العتق في سبعيها، ويبطل في خمسة أسباعها، فيصرف سبع
منها إلى مهر السبعين، يبقى للورثة أربعة أسباعها ضعف ما عتق، ثم السبع
المصروف إلى المهر، إن رضيت به بدلا عما لها من المهر، فذاك، ويعتق عليها
حين ملكته لا بالاعتاق الأول وإن أبت بيع سبعها في مهرها. هذا إذا لم يملك
غيرها. فإن ملك، وكانت الجارية قدر الثلث، بأن خلف مائتين سواها، فإن لم
يدخل بها، فلا مهر، لأنها لو استحقت مهرا للحق التركة دين، فلا تخرج كلها من
الثلث، ولبطل النكاح وسقط المهر، وإن دخل بها، قال الشيخ أبو علي: لها
الخيار، فإن عفت عن مهرها، عتقت وصح النكاح، وإلا، فلها ذلك، ويتبين أن
جميعها لم يعتق، وأن النكاح فاسد ولها مهرها ما عتق منها. فيقال: عتق شئ،
ولها بالمهر نصف شئ، يبقى للورثة ثلاثمائة إلا شيئا ونصف شئ يعدل شيئين،
فبعد الجبر: ثلاثمائة تعدل ثلاثة أشياء ونصف شئ، فمائة تعدل شيئا وسدس
شئ، تبسطها أسداسا، وتقلب الاسم، فالشئ ستة، والمائة سبعة، فالشئ ستة
أسباع الجارية.
(المسألة) الثالثة: قد علم أن خلع المريض بأقل من مهر المثل، لا يعتبر من الثلث،
وأن المريضة لو نكحت بأقل من مهر المثل جاز، ولا اعتراض للورثة إذا لم يكن
الزوج وارثا، وأن المريضة لو اختلعت بأكثر من مهر المثل، اعتبرت الزيادة من
الثلث. فإذا نكح مريض امرأة بمائة، ومهرها أربعون درهما، ثم خالعته في مرضها
بمائة، وماتا من مرضهما ولا مال لهما إلا المائة، فاما أن يكون الخلع قبل الدخول،
وإما بعده.
الحالة الأولى: بعده، فللمرأة أربعون من رأس المال، وله شئ
251

بالمحاباة، ثم يرجع إلى الزوج أربعون بالخلع، وله ثلث شئ بالمحاباة، فيحصل
لورثة الزوج مائة إلا ثلثي شئ تعدل شيئين، فبعد الجبر: مائة تعدل شيئين وثلثي
شئ، فالشئ ثلاثة أثمان المائة وهو سبعة وثلاثون درهما ونصف درهم وهي
المحاباة، فللمرأة بالمهر والمحاباة سبعة وسبعون درهما ونصف درهم، ثم يأخذ
الزوج من ذلك أربعين درهما بعوض الخلع، وبالمحاباة ثلث الباقي وهو اثنا عشر
ونصف، وكان بقي له اثنان وعشرون ونصف، فالمبلغ خمسة وسبعون ضعف
المحاباة. هذا إذا جرى الخلع بمائة في ذمتها، فلو جرى بعين المائة التي أصدقها
، فقد خالعها على مملوك وغير مملوك. قال الأستاذ تفريعا على أن المسمى يسقط ويرجع
إلى مهر المثل: لها أربعون من رأس المال، وشئ بالمحاباة، وللزوج عليها
أربعون بالخلع، ولا شئ له بالمحاباة، لأن المسمى إذا بطل بطل ما في ضمنه من
المحاباة، فيكون لورثة الزوج مائة إلا شيئا يعدل شيئين، فبعد الجبر يتبين أن
المسمى ثلث المائة، فلها بالمهر والمحاباة ثلاثة وسبعون درهما وثلث درهم، يأخذ
الزوج من ذلك أربعين، يجتمع لورثته ستة وستون وثلثان ضعف المحاباة.
الحالة الثانية: إذا جرى الخلع قبل الدخول، فيتشطر الصداق، والحاصل
للمرأة نصف مهر المثل من رأس المال وهو عشرون درهما، وشئ بالمحاباة،
للزوج من ذلك أربعون مهر المثل، يبقى شئ إلا عشرين درهما له ثلاثة بالمحاباة
وهو ثلث شئ إلا ستة دراهم وثلثي درهم، يبقى لورثتها ثلثا شئ إلا ثلاثة عشر
درهما وثلث درهم، فيجتمع لورثة الزوج مائة وثلاثة عشر درهما وثلث درهم إلا ثلثي
شئ، وذلك يعدل ضعف المحاباة شيئين، فبعد الجبر: مائة وثلاثة عشر وثلث
تعدل شيئين وثلثي شئ، فالشئ ثلاثة أثمان هذا المبلغ وهي اثنان وأربعون درهما
ونصف درهم وهي المحاباة، فللمرأة المحاباة ونصف المهر اثنان وستون درهما
ونصف درهم يبقى للزوج سبعة وثلاثون درهما ونصف درهم، ويأخذ مما صار لها بعوض
الخلع أربعين، ويأخذ أيضا ثلث الباقي وهو سبعة دراهم ونصف، فالمبلغ خمسة
وثمانون ضعف المحاباة. هذا كلام الأستاذ، واعترض الامام، بأن مهر المثل مع
المحاباة الصداق، فوجب أن يرجع إلى الزوج نصف الجميع، وعلى هذا طريق
الحساب أن يقال: لها من رأس المال أربعون، وبالمحاباة شئ، يبقى للزوج
ستون إلا شيئا، ويرجع إليه نصف ما ملكته صداقا وهو عشرون ونصف شئ،
252

فللزوج ثمانون إلا نصف شئ، ثم تأخذ مما بقي لها أربعين، يبقى نصف شئ إلا
عشرين درهما، تأخذ بالمحاباة ثلث هذا الباقي وهو سدس شئ إلا ستة دراهم
وثلثي درهم، فيجتمع لورثته مائة وثلاثة عشر درهما وثلث درهم إلا ثلث شئ يعدل
شيئين، فبعد الجبر يتبين أن الشئ ثلاثة أسباع مائة وثلاثة عشر درهما وثلث درهم،
وهو ثمانية وأربعون درهما وأربعة أسباع درهم، يبقى للزوج أحد عشر درهما وثلاثة
أسباع، ويرجع بالشطر أربعة وأربعون درهما وسبعان، ويأخذ من الشطر الآخر قدر
مهر المثل وهو أربعون وثلث الباقي وهو درهم وثلاثة أسباع، فالمبلغ سبعة وتسعون
درهما وسبع درهم، وذلك ضعف المحاباة، يبقى لورثة المرأة درهمان وستة أسباع
درهم. وعلى قول الأستاذ، يبقى لهم خمسة عشر، ثم لا فرق في المسألة بين موته
أولا وعكسه، وموتهما معا، لانقطاع الإرث بالخلع، والدور إنما يقع في جانبه
دونها، إذ لا يعود إليها شئ مما يخرج منها.
فصل ومنها الجنايات، فإذا جنى عبد على حر خطأ، وعفا المجني عليه
ومدت لم يكن العفو وصية لقاتل، لأن فائدته تعود إلى السيد، فإن أجاز الورثة،
فذاك، وإلا، نفذ في الثلث، وانفك ثلث العبد عن تعلق أرش الجناية. وأشار
الامام إلى وجه: أنه لا ينفك، كما أنه لا ينفك شئ من المرهون ما بقي شئ من
الدين. والصحيح الأول. ثم السيد بالخيار بين أن يسلم ثلثيه للبيع، وبين أن
يفديه. فإن سلمه، فلا دور، بل يباع ويؤدي من ثمنه ثلثا الأرش، أو ما تيسر. وإن
فداه، فيفدي الثلثين بثلثي الأرش، كم كان، أم بالأقل من ثلثي القيمة وثلثي
الدية؟ فيه قولان. فإن كان الفداء بثلثي القيمة، فلا دور، وإن كان بالدية، فيقع
الدور، فيقطع بالحساب.
مثاله: قيمة العبد ثلاثمائة، وقومنا الإبل فكانت ألفا ومائتين، فيصح العفو في
شئ من العبد، ويبطل في عبد ناقص بشئ يفديه السيد بأربعة أمثاله، لأن الدية
أربعة أمثاله، وأربعة أمثاله أربعة أعبد إلا أربعة أشياء، فيحصل لورثة العافي أربعة
أعبد إلا أربعة أشياء، وذلك يعدل شيئين، فتجبر وتقابل، فأربعة أعبد تعدل ستة
أشياء، فتقلب الاسم وتقول: العبد ستة، والشئ أربعة وهي ثلثا الستة، فيصح
العفو في ثلثي العبد وهو مائتان، ويفدي السيد ثلثه بثلث الدية وهو أربعمائة،
253

فيحصل لورثة العافي ضعف المائتين. هذا إذا لم يترك العافي سوى ما يستحقه من
الدية. فإن ترك مالا، نظر، إن كانت القيمة أقل من الدية، وكان ما تركه ضعف
القيمة، صح العفو في جميع العبد. وإن كان ما تركه دون ضعف القيمة، ضمت
التركة إلى قيمة العبد، وصح العفو في ثلث الجملة من العبد. وإن كانت القيمة أكثر
من الدية، جمع بين التركة والدية، وصح العفو فثلث الجملة من الدية.
فروع أحدها: لو لم يترك سوى ما يستحق من الدية وعليه مائتان دينا،
وسلمه للبيع، واختار الفداء، وقلنا: الفداء بأقل الامرين، سقط الدين من قيمة
العبد، يبقى مائة للسيد، ثلثها وهو تسع العبد، فيصح العفو في تسعه، ويباع
ثمانية اتساعه، أو يفديها السيد بثمانية أتساع قيمته، وهو مائتان وستة وستون درهما
وثلثان، يقضى منها دينه، يبقى ستة وستون وثلثان ضعف ما صح فيه العفو. وإن
قلنا بالدية، صح العفو في شئ، وفدى السيد الباقي بأربعة أمثاله وهي أربعة أعبد
إلا أربعة أشياء، تحط منها قدر الدين وهو ثلثا عبد، يبقى ثلاثة أعبد وثلث عبد إلا
أربعة أشياء تعدل شيئين، فتجبر وتقابل وتبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالعبد
ثمانية عشر، والشئ عشرة وهو خمسة اتساعها، فيصح العفو في خمسة أتساع العبد
وهي مائة وستة وستون درهما وثلثان، ويفدي السيد باقيه وهو مائة وثلاثة وثلاثون
درهما وثلث درهم بأربعة أمثاله وهي خمسمائة وثلاثة وثلاثون، يقضى منها الدين،
يبقى ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث درهم ضعف ما صح العفو فيه
. (الفرع) الثاني: جنى عبدان خطأ على حر، فعفا عنهما، ومات ولا مال له سوى
الدية، فإن اختار السيدان تسليمهما أو اختارا الفداء، وقلنا: الفداء بأقل الامرين،
صح العفو في ثلث كل عبد، وبيع ثلثاه، أو فدى سيده ثلثيه بثلثي القيمة. وإن
قلنا: الفداء بالدية، وكانت قيمة كل عبد ثلاثمائة، وقيمة الدية ألفا ومائتين، صح
العفو في شئ من كل عبد، وفدى سيده باقيه بضعفه، لأن نصف الدية هو الذي
تعلق بكل عبد، ونصف الدية ضعف كل عبد، فيحصل لورثة العافي أربعة أعبد إلا أربعة
أشياء، وذلك يعدل ضعف ما جاز العفو فيه وهو أربعة أشياء، فبعد الجبر: أربعة
أعبد تعدل ثمانية أشياء، فتقلب الاسم، وتجعل العبد ثمانية، والشئ أربعة وهو
254

نصفها، فيصح العفو في نصف كل عبد، ويفدي كل سيد نصف عبده بعبد،
فيحصل للورثة عبدان ضعف ما صح العفو فيه.
(الفرع) الثالث: قتل عبد حرين خطأ، تعلقت برقبته الديتان. فإن سلمه
سيده، بيع ووزع عليهما. وإن فداه وقلنا: الفداء بالقيمة، وزعت القيمة. وإن
قلنا بالدية، فداه بالديتين. فإن عفا أحدهما في مرضه، قال ابن سريج: يدفع إلى
ورثة العافي ثلثا نصفه، وإلى ورثة الذي لم يعف جميع النصف، كأن كل واحد
متعلق بنصف منه، فينفذ عفو العافي في ثلث محل حقه. قال الأستاذ: هذا لا.
يستقيم على أصل الشافعي رضي الله عنه، بل الديتان متعلقتان بجميع العبد، فإذا
عفا أحدهما، سقط ثلث الدية، فورثته وورثة الآخر يتضاربون هؤلاء بثلثي دية
مورثهم، وهؤلاء بكل دية مورثهم.
فصل ومنها العتق، فإذا أعتق مريض عبدا، فاكتسب مالا قبل موت
المعتق، وزع الكسب على ما يعتق وما يرق، وحصة العتق لا تحسب عليه، وحصة
مارق تزاد في التركة، وإذا زادت التركة، زاد ما عتق، فتزيد حصته من
الكسب، وإن زادت حصة ما عتق، نقصت التركة، فينقص ما عتق، فيزيد المال،
فيزيد ما عتق، وهكذا تدور زيادته على نقصه، ونقصه على زيادته، فيقطع الدور
بالطرق الحسابية، وفيه مسائل.
مسألة: اكتسب العبد مثل قيمته، فيعتق منه شئ، ويتبعه من الكسب شئ
غير محسوب عليه، يبقى للورثة عبدان إلا شيئين، وذلك يعدل ضعف ما عتق وهو
شيئان، فبعد الجبر: عبدان يعدلان أربعة أشياء، فتقلب الاسم، فالعبد أربعة، والشئ
اثنان، والاثنان ضعف الأربعة، فعلمنا أنه يعتق من العبد نصفه، ويتبعه نصف
الكسب غير محسوب عليه، يبقى للورثة نصف العبد ونصف الكسب، وذلك ضعف ما
عتق. وبطريق السهام: تأخذ للعتق سهما، ولما يتبعه من الكسب سهما، وتأخذ
للورثة ضعف ما أخذت للعتق وهو سهمان، يجتمع أربعة أسهم، ثم تأخذ الرقبة
والكسب وهما مثلان، فتقسمهما على الأربعة، يخرج من القسمة نصف، فعلمنا أن
الذي عتق نصف الرقبة. ولو اكتسب العبد - وقيمته تسعون - مثل قيمته ومثل نصفها،
عتق منه شئ، وتبعه من الكسب شئ ونصف غير محسوب عليه، يبقى للورثة
255

عبدان ونصف إلا شيئين ونصف شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: عبدان ونصف
يعدل أربعة أشياء ونصف شئ، فتبسطها أنصافا، وتقلب الاسم، فالعبد تسعة
، والشئ خمسة، فيعتق منه خمسة اتساعه وقيمتها خمسون، ويتبعها خمسة أتساع
الكسب وهي خمسة وسبعون، يبقى للورثة أربعة أتساع العبد وهي أربعون وهي
أربعة أتساع الكسب وهي ستون، وهما مائة ضعف ما عتق. ولو كانت الصورة الثانية
بحالها، وعلى السيد مثل قيمة العبد دينا، عتق منه شئ، وتبعه من الكسب شئ
ونصف، يبقى عند الورثة عبدان ونصف عبد إلا شيئين ونصف شئ، تسقط منه
عبد الدين، يبقى عبد ونصف إلا شيئين ونصف يعدل ضعف ما عتق وهو شيئان،
فبعد الجبر: عبد ونصف تعدل أربعة أشياء ونصف شئ، تبسطها أنصافا، وتقلب
الاسم، فالعبد تسعة، والشئ ثلاثة، يعتق من العبد ثلاثة اتساعه، ويتبعه من
الكسب ثلاثة اتساعه، يقضى الدين من الباقي، يبقى مع الورثة ضعف ما عتق.
ولو كانت بحالها، إلا أنه لا دين على السيد، وله سوى العبد وكسبه تسعون،
عتق منه شئ، وتبعه من الكسب شئ ونصف، يبقى مع الورثة عبدان ونصف إلا
شيئين ونصف شئ، ومعهم مثل قيمة العبد، فيجتمع معهم ثلاثة أعبد ونصف عبد
إلا شيئين ونصف شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: ثلاثة أعبد ونصف عبد تعدل
أربعة أشياء ونصف شئ، تبسطها أنصافا، وتقلب الاسم، فالعبد تسعة، والشئ
سبعة، فيعتق منه سبعة اتساعه وهو سبعون، ويتبعه من الكسب سبعة اتساعه وهو
مائة وخمسة، يبقى للورثة تسعاه عشرون، وتسعا الكسب ثلاثون، ومعهم تسعون
أيضا، فالمبلغ مائة وأربعون ضعف ما عتق.
فرع متى ترك السيد ضعف قيمة العبد، عتق كله، وتبعه كسبه ولا دور.
وإذا كان عليه دية، وله سوى العبد وكسبه مال، قوبل بذلك المال. فان تساويا،
فكأن لا دين ولا ما، وإن زاد الدين، فكأن القدر هو الدين. وإن زاد المال، فكأن
القدر الزائد هو المتروك.
فرع الموهوب للعبد وأرش الجناية عليه، كالكسب.
فرع قيمته تسعون، واكتسب بعد العتق تسعين، فاستقرضها السيد منه
وأتلفها، ثم مات السيد، عتق منه شئ واستحق على السيد شيئا هو دين عليه،
256

يبقى للورثة عبد إلا شيئين تعدل ضعف ما عتق، فبعد الجبر: عبد يعدل أربعة
أشياء، فتقلب الاسم، وتقول: عتق منه ربعه، ويتبعه ربعه كربع كسبه، يبقى
للورثة نصفه وهو ضعف ما عتق، ثم ربع الكسب الذي هو دين، إن أداه الورثة من
عندهم، جاز واستمر ملكهم على ثلاثة أرباعه، وملك هو ما سلموه إليه بربعه
الحر، وإن تراضوا هم والعبد على أن تكون رقبته بدلا عن ربع الكسب، جاز وعتق
ربعه على نفسه. قال ابن سريج: ويكون ولا هذا الربع لبيت المال. وقال غيره:
لا ولاء عليه. وإن أراد الورثة بيعه لغيره، وقال العبد: أخذه بدلا عن الدين، فقد
ذكر الأستاذ، أنه أحق بنفسه من الأجانب. قال الامام: هذا محمول على الأولوية
دون الاستحقاق.
فرع مات العبد المعتق قبل موت السيد، فهل يموت حرا، أم رقيقا؟ أم
ثلثه حرا وثلثاه رقيقا؟ فيه ثلاثة أوجه، قال الأستاذ: والصحيح هو الأول. فإن كان
العبد اكتسب ضعف قيمته، ولم يخلف إلا السيد، مات حرا بلا خلاف، لأن السيد
يرث هنا بالولاء كسبه، فيحصل لورثته ضعف العبد. وإن كان الكسب مثل قيمته، فإن
قلنا: لو لم يخلف كسبا لمات حرا، فهنا أولى، وإن قلنا: يموت رقيقا، فهنا لا
يرث جميعه، لأنه خلف شيئا، ولا يعتق جميعه، لأن الكسب ليس ضعفه. فإن
قلنا: من بعضه حر يورث، عتق نصفه، وكان جميع كسبه لسيده، نصفه بالملك،
ونصفه بالإرث بالولاء، فيحصل لورثته ضعف ما عتق. وإن قلنا: لا يورث، قال
الامام: يعتق منه شئ، ويتبعه من الكسب شئ، يصرف ذلك الشئ إلى بيت
بالمال، فيبقى عبد ناقص بشئ يعدل ضعف ما عتق وهو شيئان، فبعد الجبر: عبد
يعدل ثلاثة أشياء، فالشئ ثلث العبد، فيعتق ثلثه، ويتبعه من الكسب ثلثه، يبقى للسيد ثلثا
كسبه بالملك وهو ضعف ما عتق. ولو كان الكسب ضعف القيمة، وخلف العتيق مع
السيد بنتا، فإن قلنا: لو لم يخلف بنتا لمات حرا، فكذا هنا، والكسب بين البنت
والسيد سواء. وإن قلنا: يموت رقيقا. فإن قلنا: من بعضه حر يورث، عتق منه
شئ، ويتبعه من الكسب شيئان، ترث البنت أحدهما، والسيد الثاني، فيحصل
لورثة السيد ضعف العبد إلا شيئا، وذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر: عبدان يعدلان
ثلاثة أشياء، والشئ ثلث العبدين، وهو ثلثا عبد، فيعتق من العبد ثلثاه، ويتبعه
ثلثا الكسب، ثم يرجع أحدهما إلى السيد بالإرث، فيحصل لورثة السيد ثلثا الكسب
257

وهو ضعف ما عتق. وإن قلنا: من بعضه حر لا يورث، لم ترث البنت، لأنها لو
ورثت لما خرج جميعه الثلث، وإذا لم يعتق كله لا يورث، فيؤدي توريثها إلى
منع توريثها، وهذه من الدوريات الحكمية، وإذا لم ترث، كأنه لم يخلف إلا
السيد، فيموت حرا، وجميع الكسب للسيد كما سبق. ولو لم يمت العتيق، لكن
كان له ابن حر، فمات قبل موت السيد، وترك أضعاف قيمة أبيه وليس له إلا أبوه
وسيد أبيه، فلا يرث منه أبوه، لأنه لو ورث لاستغرق ولم يحصل للسيد شئ،
وحينئذ فلا يعتق جميعه، فلا يرث. وإذا لم يرث، حكم بحريته، وورث السيد مال
ابنه بالولاء. ولو كانت تركة الابن مثل قيمة العتيق، عتق منه شئ، وثبت للسيد
الولاء على الابن بقدر ما عتق، فيرث من تركته شيئا، ولا يرث أبوه، فيحصل لورثة
السيد عبد إلا شيئا والشئ الذي ورثه السيد بالولاء، فيتم لهم عبد، لأن تركته مثل
العبد، وذلك يعدل شيئين، فالشئ نصف العبد، فيعتق نصفه، ويكون للورثة
نصفه ونصف تركة ابنه وهما ضعف ما عتق منه.
مسألة: من الأصول المقررة، أن المريض إذا أعتق عبيدا لا مال له غيرهم
معا، أقرع بينهم. وإن أعتقهم على الترتيب، بدئ بالأول فالأول. فإن زاد
الأول على الثلث، عتق منه قدر الثلث. فلو أعتق عبدا فاكتسب مثل قيمته، ثم
أعتق آخر، ولا مال له سواهما وهما متساويا القيمة، عتق من الأول شئ، وتبعه من
كسبه شئ غير محسوب عليه، يبقى للورثة ثلاثة أعبد إلا شيئين، فبعد الجبر:
ثلاثة أعبد تعدل أربعة أشياء، فالشئ ثلاثة أرباع العبد، فيعتق من الأول ثلاثة
أرباعه، ويتبعه ثلاثة أرباع كسبه، يبقى عبد ونصف، وهما ضعف ما عتق. ولو
اكتسب الثاني مثل القيمة دون الأول، عتق الأول، وبقي الثاني وكسبه للورثة. وإن
اكتسب كل واحد قدر قيمته، عتق، وتبعه كسبه، وبقي الثاني وكسبه للورثة. وإن
اكتسب الأول مثل قيمتهما، عتق منه شئ، وتبعه من الكسب شيئان، يبقى للورثة
أربعة أعبد إلا ثلاثة أشياء تعدل شيئين، فبعد الجبر يكون الشئ خمس أربعة أعبد
وهو أربعة أخماس عبد، يعتق من الأول أربعة أخماسه، ويتبعه أربعة أخماس
كسبه، يبقى للورثة خمسه وخمس كسبه والعبد الآخر. وإن اكتسب الثاني مثل
قيمتهما، عتق الأول، ومن الثاني شئ، ويتبعه من الكسب شيئان، يبقى للورثة
من الثاني وكسبه ثلاثة أعبد إلا ثلاثة أشياء تعدل ضعف ما عتق وهو عبدان وشيئان،
258

لأن الذي عتق عبد وشئ، فبعد الجبر: ثلاثة أعبد تعدل عبدين وخمسة أشياء،
تسقط عبدين بعبدين، يبقى عبد في معادلة خمسة أشياء، فالشئ خمس عبد،
فالذي عتق من الثاني خمسه، وكذا الحكم لو اكتسب كل واحد منهما مثل قيمتهما.
أما إذا أعتق العبدين معا، فيقرع بينهما، فمن خرجت قرعته، فكأن السيد قدمه.
والحساب في الصور كما ذكرنا. ولو أعتق المريض ثلاثة أعبد معا لا يملك غيرهم،
فاكتسب أحدهم قبل موته كقيمته، وقيمهم متساوية، أقرع بينهم بسهم عتق وسهمي
رق، فإن خرج سهم العتق على المكتسب، عتق، وتبعه كسبه، وبقي الآخران
للورثة. وإن خرج لاحد الآخرين، عتق، ثم تعاد القرعة لاستكمال الثلث، فإن
خرج للآخر، عتق ثلثه، وبقي ثلثاه مع المكتسب، وكسبه للورثة، ولا دور. وإن
خرج سهم العتق والقرعة الثانية للمكتسب، دخل الدور، فتقول: يعتق منه شئ،
ويتبعه من الكسب شئ، يبقى للورثة ثلاثة أعبد إلا شيئين، يعدل ضعف ما عتق
وهو عبدان وشيئان، فبعد الجبر: ثلاثة أعبد تعدل عبدين وأربعة أشياء، تسقط
عبدين بعبدين، يبقى عبد في معادلة أربعة أشياء، فالشئ ربع العبد، فيعتق منه
ربعه، ويتبعه ربع كسبه، يبقى للورثة ثلاثة أرباعه وثلاثة أرباع كسبه والعبد الآخر،
وذلك عبدان ونصف وهو ضعف ما عتق.
ولو كانت الصورة بحالها، على السيد دين كقيمة أحدهم، أقرع بين العبيد
بسهم دين وسهمي تركة، ولسهم الدين حالان.
أحدهما: أن يخرج لاحد اللذين لم يكتسبا، فيباع في الدين، ثم يقرع بين
الآخرين، لاعتاق الثلث بعد قضاء الدين بسهم عتق وسهم رق، فإن خرج سهم
العتق للذي لم يكتسب، عتق، وبقي المكتسب وكسبه للورثة. وإن خرج
للمكتسب، دخل الدور، فيعتق منه شئ، ويتبعه من الكسب شئ، يبقى للورثة
ثلاثة أعبد إلا شيئين تعدل شيئين. فبعد الجبر: ثلاثة أعبد تعدل أربعة أشياء،
فالشئ ربع العبيد وهو ثلاثة أرباع عبد.
الحال الثاني: أن يخرج سهم الدين للمكتسب، فيباع منه ومن كسبه بقدر
الدين، والدين مثل نصفهما، فيباع في الدين نصف رقبته ونصف كسبه، ثم يقرع
بين باقيه وبين الآخرين بسهم عتق وسهمي رق. فإن خرج سهم العتق لاحد
259

الآخرين، عتق، وبقي الآخر ونصف المكتسب وكسبه للورثة. وإن خرج
للمكتسب، عتق نصفه الباقي، وتبعه الكسب غير محسوب، ثم تعاد القرعة بين
الآخرين لاستكمال الثلث، فأيهما خر عليه، عتق ثلثه، فيكون جميع ما عتق
خمسة أسداس عبد، يبقى للورثة عبد وثلثا عبد ضعف ما عتق. ولو كانت الصورة
بحالها، إلا أن قيمة أحدهم مائة، والثاني مائتين، والثالث ثلاثمائة، وأكتسب كل
عبد كقيمته، أقرع، فإن خرج سهم العتق على الأعلى، عتق، وتبعه كسبه، وبقي
الآخران وكسبهما للورثة، وذلك ضعف الأعلى، وإن خرج على الأدنى، عتق،
وتبعه كسبه، وتعاد القرعة لاستكمال الثلث. فإن خرج العتق للأوسط، عتق، وتبعه
كسبه، وبقي الأعلى وكسبه للورثة، وذلك ضعف العتيقين، وإن خرج للأعلى، عتق
منه شئ، وتبعه من كسبه مثله، يبقى للورثة باقيه وباقي كسبه والعبد الأوسط
وكسبه، وجملة ذلك ألف إلا شيئين تعدل ضعف ما عتق وهو مائتان وشيئان، فبعد
الجبر: ألف تعدل مائتين وأربعة أشياء، تسقط مائتين بمائتين، يبقى ثمانمائة تعدل
أربعة أشياء، فالشئ مائتان، وذلك ثلثا الأعلى، فيعتق منه ثلثاه، ويتبعه ثلثا كسبه،
يبقى للورثة ثلثه وثلث كسبه والأوسط وكسبه، وذلك ستمائة ضعف الأدنى وما عتق
من الأعلى. وإن خرج على الأوسط، عتق، وتبعه كسبه، وتعاد القرعة، فإن خرج
للأدنى، عتق، وتبعه كسبه، وبقي الأعلى وكسبه للورثة، وإن خرج للأعلى،
عتق ثلثه، وتبعه ثلث كسبه، وباقيه مع الأدنى للورثة.
مسألة: إذا زادت قيمة العتيق قبل موت سيده، دارت المسألة، لان
الزيادة كالكسب، فقسط ما عتق لا يحسب على العبد، وقسط مارق تزيد به التركة، وكذا
نقصان القيمة يوزع، فقسط ما عتق يحسب على العبد كأنه قبضه وأتلفه وقسط
مارق كأنه تلف من مال السيد. فإذا نقص المال، نقص ما يعتق واحتيج إلى
الحساب.
مثال الزيادة: أعتق عبدا قيمته مائة لا يملك غيرها، فصارت قيمته قبل موت
سيده مائة وخمسين، تقول: عتق منه شئ، وذلك الشئ محسوب بثلثي شئ،
يبقى مع الورثة عبد إلا شيئا يعدل ضعف المحسوب على العبد وهو شئ وثلث
شئ، فبعد الجبر: عبد يعدل شيئين وثلث شئ، فتبسطها أثلاثا، وتقلب
الاسم، فالعبد سبعة، والشئ ثلاثة، فيعتق ثلاثة أسباعه، وقيمتها يوم الموت
260

أربعة وستون وسبعان، والمحسوب عليه منها قيمة يوم الاعتاق وهو اثنان وأربعون
وستة أسباع، يبقى للورثة أربعة أسباع العبد، وقيمتها خمسة وثمانون وخمسة أسباع
وهي ضعف المحسوب على العبد.
ومثال النقص، قيمته مائة، صارت خمسين، يعتق منه شئ وهو محسوب
عليه بشيئين، فالباقي وهو عبد إلا شيئا يعدل ضعف المحسوب وهو أربعة أشياء،
فبعد الجبر: عبد يعدل خمسة أشياء، فالشئ خمس العبد، فيعتق خمسه، وقيمته
يوم الموت عشرة، ويحسب عليه بعشرين، لأن قيمته يوم الموت عشرون، يبقى
للورثة أربعة أخماسه، وقيمتها أربعون ضعف المحاباة.
فصل ومنها الكتابة، فإذا كاتب في مرضه عبدا لا يملك غيره، ولم يؤد
شيئا من النجوم في حياة سيده، فثلثه مكاتب. فإذا أدى نجوم الثلث، عتق. وهل
يزاد في الكتابة لكون التركة زادت بما أدى؟ فيه خلاف مذكور في باب الكتابة،
فإن زيدت، فطريق الحساب، أن الكتابة تصح في شئ من العبد، ويؤدي
المكاتب عنه شيئا، والفرض فيما إذا كانت النجوم مثل القيمة، فيحصل للورثة من
الرقبة ومال الكتابة مثل عبد، وذلك يعدل ضعف ما صحت فيه الكتابة وهو شيئان،
فالشئ نصف العبد، فإذا أدى نجوم النصف، عتق نصفه، واسترد من الورثة كسب
سدسه، فيحصل للورثة نصف الرقبة ونصف النجوم، وذلك ضعف ما صحت فيه
الكتابة. ولو كاتب في الصحة، ثم أعتقه في المرض، أو أبرأه عن النجوم، نظر،
إن عجز نفسه، عتق ثلثه، ورق ثلثاه. وإن استدام الكتابة، فإن كانت النجوم مثل
القيمة، فوجهان. أصحهما: يعتق ثلثه، وتبقى الكتابة في ثلثيه. والثاني: لا
يعتق ثلثه حتى يسلم الثلثان للورثة، إما بالعجز، وإما بأداء نجوم الثلثين. وإن كان
بين النجوم والقيمة تفاوت، فقد سبق أن المعتبر من الثلث أقل الأمرين، فإن كانت
النجوم أقل، عتق ثلثه، وسقط ثلث النجوم، ويبقى للورثة ثلثا النجوم إن أدى،
وإلا، فثلثا الرقبة. وإن كانت الرقبة أقل، بأن كانت مائة، والنجوم مائتين، حصل
الدور، فيقال: عتق شئ، وسقط من النجوم شيئان، يبقى للورثة من النجوم مائتا
درهم إلا شيئين، وذلك يعدل ضعف ما عتق وهو شيئان، فيعد الجبر: مائتان
تعدلان أربعة أشياء، فالشئ ربع المائتين وهو نصف العبد، فعلمنا أن الذي عتق
نصف العبد، وأنه يسقط نصف النجوم. قال الأستاذ: فإن عجل ما عليه من
261

النجوم، عتق نصفه، وإن لم يؤد شيئا، لم يحكم بعتق شئ. ثم كلما أدى شيئا،
حكم بعتق نصف ما أدى حتى يؤدي نصف الكتابة ويستوفي وصيته.
فصل في مسائل يتولد الدور فيها من أصلين
مسألة: أعتق مريض عبدا لا يملك غيره، ثم قتله السيد، فهل ينفذ العتق في
جميعه إذ لا تركة، أم لا يعتق شئ منه لأنه لا يبقى للورثة ضعف المحكوم بعتقه؟
فيه خلاف سبق في نظائره. قال الأستاذ: قياس مذهب الشافعي رحمه الله هو
الثاني، فإن ترك السيد مولا إذا قضيت الدية منه كان الباقي ضعف قيمته، فهو حر،
وإن ترك من المال دون ذلك، عتق بعضه، ولزم السيد قسط ما عتق من الدية، ولا يرث
السيد من ديته، لأنه قاتل، بل إن كان له وارث أقرب من سيده، فهي له، وإلا،
فلأقرب عصبات السيد.
مثاله: قيمته مائة، وقيمة إبل الدية ثلاثمائة، ولو ترك السيد ثلاثمائة، فتقول:
عتق شئ، وعلى السيد من الدية ثلاثة أمثاله، وباقي العبد الذي بطل العتق فيه قد
أتلفه بالقتل، فلم يترك إلا ثلاثمائة وهي مثل ثلاثة أعبد، يقضى منها ما وجب من
الدية، ويبقى ثلاثة أعبد إلا ثلاثة أشياء تعدل ضعف ما عتق وهو شيئان، فتجبر وتقابل،
فثلاثة أعبد تعدل خمسة أشياء، فتقلب الاسم، فالعبد خمسة، والشئ ثلاثة،
يعتق منه ثلاثة أخماسه وهو ستون، ويجب عليه ثلاثة أخماس الدية وهي مائة
وثمانون، يبقى مائة وعشرون ضعف ما عتق.
مسألة: أعتق المريض عبدا، فجنى العبد على أجنبي بقطع أو قتل، ولا مال
للسيد غيره، فإن كان أرش الجناية مثل قيمته فأكثر، لم يعتق منه شئ، لأن الأرش
دين، فيقدم على الوصية. وإن كان دونها، بأن كانت قيمته مائة، والأرش خمسة
وسبعين، عتق شئ، ورق الباقي، والأرش يتوزع عليهما، فحصة ما عتق يتعلق
بذمة العبد، وحصة مارق تؤدى منه إن أراد السيد التسليم والأرش ثلاثة أرباع
القيمة، فعلى السيد تسليم ثلاثة أرباع مارق وهو ثلاثة أرباع عبد إلا ثلاثة أرباع
شئ، يبقى مع ورثته ربع عبد إلا ربع شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: ربع عبد
يعدل شيئين وربع شئ، فتبسطها أرباعا، وتقلب الاسم، فالعبد تسعة، والشئ
واحد، فيعتق منه سبعة، ويرق الباقي، فيسلم في الجناية ثلاثة أرباعه وهي ستة
262

أتساع، يبقى مع الورثة تسعان ضعف ما عتق.
الطرف الخامس: في مسائل العين والدين.
مقصوده، أن يخلف الميت عينا ودينا على بعض الورثة، أو على أجنبي،
فنصيب الوارث بعض ما عليه بالإرث، أو الأجنبي بعض ما عليه بوصية.
وأول ما نقدمه أن الميت إذا لم يخلف إلا دينا على بعض الورثة، برئ من
عليه من حصته، ولا تتوقف براءته على توفير حصة الباقين، لأن الملك بالإرث لا
يتأخر، والانسان لا يستحق على نفسه شيئا. ولو خلف عينا ودينا على بعض الورثة،
نظر، إن كان الدين من غير جنس العين، أو من غير نوعه، قسمت العين بين
الورثة، فما أصاب من لا دين عليه، دفع إليه، وما أصاب المدين، دفع إليه إن
كان مقرا مليئا. وإن كان جاحدا أو معسرا، فالآخر مستحق ظفر بغير جنس حقه.
وحكمه مذكور في موضعه. وإن كان الدين من نوع العين، بأن خلف عشرة عينا
وعشرة دينا على أحد ابنيه الحائزين، قال الأستاذ: يأخذ من لا دين عليه العشرة
نصفها إرثا، ونصفها قصاصا بما يصيبه من الدين. وفي كيفية القصاص الخلاف
المعروف. قال الامام: هذا بعيد، والخلاف إنما هو في تقاص الدينين، لا في
تقاص الدين والعين، بل المذهب أن الإرث يثبت شائعا في العين والدين، وليس
لمن لا دين عليه الاستبداد بالعشرة إن كان المدين مقرا مليئا، فإن تراضيا، أنشئا
عقدا، وإن كان جاحدا أو معسرا، فله أن يأخذها على قصد التملك، لأنه ظفر
بجنس حقه المتعذر تحصيله. ولو خلف دينا وعينا، وأوصى بالدين لانسان وهو ثلث
ماله أو أقل، فحقه منحصر فيه، فما نض دفع إليه. ولو أوصى بثلث الدين
، فوجهان. أحدهما: أن ما نض منه يضم إلى العين. فإن كان ما نض ثلث الجميع أو
أقل، دفع إلى الموصى له. وأصحهما: أنه كلما نض منه شئ، دفع ثلثه إلى
الموصى له وثلثاه إلى الورثة، لأن الوصية شائعة في الدين.
إذا تقرر هذا، فالدين المخلف مع العين من جنسه ونوعه، إما أن يكون على
وارث، وإما على أجنبي، وإما عليهما.
أما القسم الأول: على وارث، فنصيبه من جملة التركة، إما أن يكون مثل ما
عليه من الدين، وإما أكثر، وإما أقل.
263

الحالة الأولى: أن يكون مثله، فتصحح المسألة، ويطرح مما صحت منه
نصيب المدين، وتقسم العين على سهام الباقين، ولا يدفع إلى المدين شئ، ولا
يؤخذ منه شئ.
مثاله: زوج وثلاثة بنين وترك خمسة دينا على ابن، وخمسة عشر عينا،
فجملة التركة عشرون، نصيب كل ابن خمسة، وما على المدين مثل نصيبه،
فتصحح المسألة من أربعة، ويطرح منها نصيب ابن، يبقى ثلاثة، تقسم العين
عليها، نصيب كل واحد خمسة، ونصيب المدين يقع قصاصا، كذا أطلقوه. قال
الامام: هذا محمول على ما إذا رضي المدين بذلك، أو كان جاحدا، أو معسرا.
وعلى هذا ينزل الجواب المطلق في جميع هذه المسائل.
الحالة الثانية: أن يكون نصيبه أكثر مما عليه، فتقسم التركة بينهم، فما
أصا ب المدين، طرح منه ما عليه، ويعطى الباقي من العين.
الثالثة: أن يكون نصيبه أقل، فيطرح من المسألة نصيبه، وتقسم العين على
الباقي، فما خرج من القسمة، يضرب في نصيب المدين الذي طرح، فما بلغ،
فهو الذي حيي من الدين، والمراد بهذه اللفظة أن ما يقع في مقابلة العين من
الدين، كالمستوفى بالمقاصة، فكأنه حيي من الدين، ولولا المقاصة، فالدين
على المفلس ميت فائت، ثم الباقي من الدين بعد الذي حيي يسقط منه شئ،
ويبقى شئ يؤديه المدين إلى سائر الورثة. وطريق معرفة الساقط والباقي، أن تقسم
كل التركة بين الورثة، فما أصاب المدين، طرح مما عليه من الدين، فما بقي،
فهو الذي يؤديه المدين، فيقسمه سائر الورثة على ما بقي من سهام الفريضة بعد
إسقاط نصيب المدين.
مثاله: الدين في الصورة المذكورة ثمانية، والعين اثنا عشر، فسهام الفريضة
أربعة، يطرح منها نصيب المديون، وتقسم العين على الباقي، يخرج من القسمة
أربعة، تضربها في نصيب المدين وهو واحد، يكون أربعة، فذلك هو الذي حيي
من الدين، يبقى منه أربعة، تأخذ منه نصيب المدين من التركة وهو خمسة،
تطرحها مما عليه، يبقى ثلاثة، فالثلاثة هي التي تبقى من الدين، ويسقط واحد،
264

وتلك الثلاثة مقسومة على سهامهم مما صحت منه المسألة وهي ثلاثة. هذا إذا لم
يكن وصية، فإن كانت، بأن خلف ابنين وترك عشرة عينا وعشرة دينا على أحدهما،
وأوصى بثلث ماله لزيد، فوجهان.
أصحهما وينسب إلى ابن سريج وبه قطع الجمهور: أننا ننظر إلى الفريضة
الجامعة للوصية والميراث وهي ثلاثة، للموصى له سهم، ولكل ابن سهم، فيأخذ
المدين سهمه مما عليه، ويقتسم الابن الآخر وزيد العين نصفين، وقد حيي من
الدين خمسة، يبقى خمسة، للمدين ثلاثة، يبقى ثلاثة وثلث، إذا أداها اقتسمها
الابن الآخر وزيد نصفين.
والوجه الثاني وينسب إلى أبي ثور: يأخذ الموصى له ثلث العين، والابن
الذي لا دين عليه، يأخذ ثلثا إرثا، والثلث قصاصا، فيبرأ المدين من ثلثي الدين
بالإرث والمقاصة، يبقى عليه ثلث الدين، يأخذه الموصى له.
القسم الثاني: أن يكون الدين على أجنبي، فينظر، إن لم يكن وصية،
اشتركت الورثة في العين والدين، وإن كانت، فاما أن يكون لغير المدين، وإما له،
وإما لهما. فإن كانت لغيره، بأن خلف ابنين، وترك عشرة عينا وعشرة دينا على
زيد، وأوصى لعمرو بثلث ماله، فالابنان وعمرو يقتسمون العين أثلاثا، وكلما
حصل من الدين شئ اقتسموه كذلك. ولو قيد الوصية بثلث الدين، اقتسم الابنان
العين. وأما الدين، فقد ذكرنا فيه وجهين. أحدهما: أن الحاصل منه الدين،
يضم إلى العين ويدفع ثلث الدين مما حصل إلى زيد، ويسمى: وجه الحصر، لأنه
حصر حق الموصى له فيما يتنجز من الدين. وأصحهما: أن ما يحصل من الدين
يدفع إلى زيد ثلثه، ويسمى: وجه الشيوع. وإن كانت الوصية للمدين، نظر فيما
يستحقه بالوصية، أهو مثل الدين، أم أقل، أم أكثر؟ ويقاس بما ذكرنا فيما إذا كان
الدين على وارث. وإن كانت الوصية لهما، بأن أوصى - والصورة ما سبق - لعمرو
بثلث العين، ولزيد بما عليه، ورد الابنان الوصيتين إلى الثلث، فيكون الثلث
بينهما على أربعة، لعمرو سهم، ولزيد ثلاثة، فعلى قول ابن سريج: الفريضة
الجامعة من اثني عشر، للوصيتين أربعة، وللابنين ثمانية، فيقتسم عمرو والابنان
العين على قدر سهامهم وهي تسعة، لعمرو سهم وتسع، ولكل ابن أربعة وأربعة
265

أتساع، ويبرأ زيد من ثلاثة أرباع الثلث وهي خمسة دراهم، يبقى عليه خمسة،
كلما أدى شيئا كان بين عمرو والابنين على تسعة، فيحصل لعمرو خمسة أتساع
درهم، فيتم له ربع الثلث وهو درهم وثلثان، وللابنين الباقي. ثم ليكن المصروف
إلى عمرو عند خروج الدين من نفس العين إن كانت باقية. وعلى الوجه المنسوب
إلى أبي ثور: لعمرو ربع الثلث وهو درهم وثلثان يأخذه من العين، والباقي من العين
للابنين، فيبرأ الغريم من خمسة، يبقى عليه خمسة، إذا أداها اقتسمها الابنان. ولو
خلف ابنين وعشرين درهما عينا وعشرة دينا على رجل، وأوصى للغريم بما عليه،
ولزيد بعشرة من العين، ولم يجز الابنان ما زاد على الثلث، فيجعل الثلث بينهما
نصفين. ثم عن ابن سريج رحمه الله وجهان. أصحهما: أن الفريضة الجامعة من
ستة، للوصيتين اثنان، وللابنين أربعة، فلزيد من العشرين أربعة، ولكل ابن
ثمانية، ويبرأ الغريم عن نصف الثلث وهو خمسة، يبقى عليه خمسة، إذا حصل
منها شئ جعل بينهم أخماسا حتى يتم لزيد خمسة، ولكل ابن عشرة. والثاني: أنه
يدفع إلى زيد من العين نصف وصيته وهو خمسة، ويبرأ الغريم من نصف ما عليه
وهو خمسة، وللابنين باقي العين خمسة عشر، ويقتصان باقي الدين وهو خمسة.
قال الامام: هذا الوجه على ضعفه يجري فيما سبق.
القسم الثالث: أن يكون الدين على وارث وأجنبي، بأن ترك ابنين وعشرة عينا
وعشرة دينا على أحدهما وعشرة دينا على أجنبي، وأوصى بثلث ماله، فعلى
قياس ابن سريج والجمهور: الفريضة الجامعة من ثلاثة، يجعل سهم المدين ما
عليه، ويقتسم الابن الآخر والموصى له العين نصفين، وما حصل مما على
الأجنبي اقتسماه نصفين. وعلى الوجه الثاني: يأخذ الموصى له ثلث العين،
والباقي للابن الذي لا دين عليه، ويبرأ الابن المدين مما عليه، وإذا حصل ما على
الأجنبي، أخذ الموصى له ثلثيه، والابن الذي لا دين عليه ثلثه، وبالله التوفيق.
الباب الثالث في الرجوع عن الوصية
يجوز الرجوع عن الوصية وعن بعضها، كمن أوصى بعبد ثم رجع عن نصفه،
ويجوز الرجوع في كل تبرع معلق بالموت، كقوله: إذا مت فلفلان كذا، أو فادفعوا
إليه، أو فاعتقوا عبدي، أو فهو وقف. وفي الرجوع عن التدبير صريحا خلاف يذكر
266

في بابه إن شاء الله تعالى، ولا يصح الرجوع عن التبرعات المنجزة في مرض
الموت.
فصل يحصل الرجوع بطرق، منها أن يقول: نقضت وصيتي، أو
أبطلتها، أو رددتها، أو رفعتها، أو فسختها، أو رجعت عنها. ولو سئل عن الوصية
فأنكرها، فهو رجوع. ولو قال: لا أدري، فليس برجوع. ولو قال: هو حرام
على الموصى له، فرجوع على المذهب. ولو قال: هذا لوارثي بعد موتي، أو هو
ميراث عني، فرجوع. ولو قال: هو تركتي، فليس برجوع على الأصح. ومنها
إزالة الملك عن الموصى به ببيع أو إعتاق، أو صداق، أو جعله أجرة، أو عوض
خلع، فهو رجوع. والهبة مع الاقباض، رجوع، ودونه أيضا على الأصح. والرهن
كالهبة. وقيل: ليس برجوع، لأنه لا يزيل الملك، فأشبه الاستخدام. والكتابة
رجوع، والتدبير رجوع على المذهب، وقيل: إن جعلناه وصية، فهو كما لو أوصى
به لزيد ثم عمرو، فيكون نصفه مدبرا. ولو أوصى بالبيع أو غيره مما هو رجوع،
فالصحيح المنصوص أنه رجوع وقيل: هو كما لو أوصى لزيد ثم عمرو. وذكر
صاحب: المعتمد الوجهين، فيما لو أوصى بعبد لرجل، ثم أوصى بعتقه، ففي
وجه: يعتق وتبطل الوصية الأولى. وفي وجه: يعتق نصفه، ويدفع إلى الموصى
له نصفه. ولو أوصى بعتقه، ثم أوصى به لرجل، فالقياس أنه يصرف إلى الموصى
له على الأول، وأن ينصف على الثاني، لكنه قال: أحدهما: يتعين العتق، وتبطل
الوصية الثانية. والثاني: التنصيف، والتوكيل بالتصرفات المذكورة كالوصية بها،
267

والاستيلاد رجوع. ولو أقر بأن العبد الموصى به مغصوب أو حر الأصل، أو قال:
كنت أعتقته، قال الأستاذ أبو منصور: تبطل الوصية، وذكر أنه لو باعه ثم فسخ بخيار
المجلس، فإن قلنا: الملك يزول بنفس العقد، حصل الرجوع. وإن قلنا:
يحصل بانقطاع الخيار، فلا، ولك أن تقول: هو على كل حال أقوى من الرهن
والهبة قبل القبض. فإذا كان الأصح فيهما حصول الرجوع، فهنا أولى، وتعليق العتق
رجوع، قاله العبادي في الرقم، ويشبه أن يجئ فيه الخلاف فيما لا يزيل
الملك.
فرع أوصى بعين لزيد، ثم أوصى بها لعمرو، فوجهان. أحدهما: أنه
رجوع عن الأولى، فتصح وصية عمرو، كما لو وهب لزيد مالا ثم وهبه قبل القبض
لعمرو. والصحيح المنصوص أنه ليس برجوع، لاحتمال إرادة التشريك، فيشرك
بينهما، كما لو قال دفعة واحدة: أوصيت لكما، قال الأصحاب: ولو قال: أوصيت
به لكما، فرد أحدهما، لم يكن للآخر إلا نصفه، لأنه لم يوجب له إلا النصف.
ولو أوصى به لزيد، ثم أوصى به لعمرو، فرد أحدهما، كان للآخر الجميع. ولو
أوصى به لأحدهما، ثم أوصى بنصفه للآخر، فإن قبلاه، فثلثاه للأول، وثلثه
للثاني. وإن رد الأول، فنصفه للثاني. وإن رد الثاني، فكله للأول.
268

فرع قال: الذي أوصيت به لزيد، قد أوصيت به لعمرو، أو قال لعمرو:
أوصيت لك بالعبد الذي أوصيت به لزيد، فهو رجوع على الصحيح، لاشعاره به.
وقيل: ليس برجوع كالصورة السابقة. والفرق على الصحيح، أن هناك يجوز أنه
نسي الوصية الأولى، فاستصحبناها بقدر الامكان، وهنا بخلافه. ولو أوصى ببيعه
وصرف ثمنه إلى الفقراء، ثم قال: بيعوه واصرفوا ثمنه إلى الرقاب، جعل الثمن بين
الجهتين، لأن الوصيتين متفقتان على البيع، وأن الزحمة في الثمن. ولو أوصى له
بدار، أو بخاتم، ثم أوصى بأبنية الدار، أو بفص الخاتم لآخر، فالدار والخاتم
للأول، والأبنية والفص بينهما تفريعا على الصحيح المنصوص. ولو أوصى له
بدار، ثم أوصى لآخر بسكناها، أو بعبد، ثم أوصى بخدمته لآخر، نقل الأستاذ أبو
منصور أن الرقبة للأول، والمنفعة للثاني، وكان يحتمل أن يشتركا في المنفعة
كالأبنية والفص.
فرع هذا كله في الوصية بمعين، فإذا أوصى بثلث ماله، ثم تصرف في
جميع ما يملكه ببيع أو إعتاق أو غيرهما، لم يكن رجوعا. وكذلك لو هلك جميع
ماله، لم تبطل الوصية، لأن ثلث المال مطلقا لا يختص بما عنده من المال حال
الوصية، بل المعتبر ما يملكه عند الموت زاد أم نقص أم تبدل
. فرع التوسل إلى أمر يحصل به الرجوع، كالعرض على البيع والهبة
والرهن، رجوع على الأصح. ويجري الوجهان في مجرد الايجاب في الرهن
والهبة
والبيع. فرع أوصى بحنطة فطحنها، أو جعلها سويقا، أو بذرها، أو بدقيق
فعجنه، بطلت الوصية، وكان ما أتى به رجوعا لمعنيين. أحدهما: زوال الاسم.
والثاني: إشعاره باعراضه عن الوصية. ونسب الشيخ أبو حامد المعنى الأول إلى
الشافعي رحمه الله، والثاني إلى أبي إسحاق. فلو حصلت هذه الأحوال بغير إذن
الموصي، فقياس المعنى الأول بطلان الوصية، وقياس الثاني بقاؤها، ونقل بعضهم
وجهين في بعضها، والباقي ملحق به، وألحقوا بهذه الصور ما إذا أوصى بشاة
269

فذبحها، أو بعجين فخبزه، لكن خبز العجين ينبغي أن لا يلحق بعجن الدقيق، فإن
العجين يفسد لو ترك، فلعله قد إصلاحه وحفظه على الموصى له، وألحق
العبادي في الرقم بها ما إذا أوصى بجلد فدبغه، أو بيض فأحضنه دجاجة، ولك
أن تقول: قياس المعنى الأول أن لا يكون الدبغ رجوعا، لبقاء الاسم، وكذا
الأحضان إلى أن يتفرخ. ولو أوصى بخبز فجعله فتيتا، فرجوع على الأصح كما لو
ثرده. ويجري الوجهان فيما لو أوصى بلحم ثم قدده. ولو طبخه أو شواه، فرجوع
قطعا. ولو أوصى برطب فتمره، فوجهان. الأشبه أنه ليس برجوع، وكذا تقديد
اللحم إذا تعرض للفساد. ولو أوصى بقطن فغزله، فرجوع، أو بغزل فنسجه،
فرجوع على الصحيح. ولو حشا بالقطن فراشا أو جبة، فرجوع على الأصح
. فرع أوصى بدار فهدمها حتى بطل اسم الدار، فهو رجوع في الأخشاب
والنقض، وكذا في العرصة على الأصح. ولو انهدمت بطلت الوصية في النقض
على الصحيح، لزوال اسم الدار، وتبقى في العرصة على الصحيح، لأنه لم يوجد
منه فعل. وإن كان الانهدام بحيث لا يبطل اسم الدار بقيت الوصية فيما بقي بحاله.
وفي المنفصل وجهان. وإذا قلنا في الانهدام: تبطل الوصية في النقض، فكان
الانهدام بعد الموت وقبل القبول، فطريقان. أحدهما: تخريجه على أقوال
الملك. وأصحهما: القطع بأنه للموصى له، لأن الوصية تستقر بالموت وكان اسم
الدار باقيا يومئذ.
فرع أوصى بثوب فقطعه قميصا، أو صبغه، فرجوع على الأصح، وغسله
ليس برجوع. ولو قصره وقلنا: القصارة أثر، فكالغسل. وإن قلنا: عين،
فكالصبغ. ولو أوصى بثوب مقطوع فخاطه، فليس برجوع، واتخاذ الباب من
الخشب الموصى به كاتخاذ القميص من الثوب.
فرع أوصى بشئ، ثم نقله من بلد الموصى له إلى مكان بعيد، فليس
برجوع على الأصح، ويشبه أن يكون الخلاف مخصوصا بما إذا أشعر التبعيد بتغير
270

القصد. فأما إذا أوصى صحيح البدن بدابة، ثم أركبها غلامه، أو حمل عليها إلى
مكان بعيد، فلا إشعار.
فرع أوصى بصاع حنطة بعينه، ثم خلطه بحنطة، فرجوع. قال أبو زيد:
إن خلطه بأجود، فرجوع، وإلا، فلا. والأول هو الصحيح المنصوص. ولو أوصى
بصاع من صبرة، ثم خلطها بمثلها، فليس برجوع، لأن الموصى به كان مخلوطا
شائعا، فلا تضر زيادة الخلط. وإن خلط بأجود، فرجوع، وبالأردء، ليس برجوع
على الأصح. ولو اختلطت بنفسها بالأجود، فعلى الخلاف الساب في نظائره. وإذا
أبقينا الوصية، فالزيادة الحاصلة بالجودة غير متميزة، فتدخل في الوصية. ولو
أوصى بصاع من حنطة، ولم يعين الصاع، ولا وصف الحنطة، فلا أثر للخلط،
ويعطيه الوارث مما شاء من حنطة التركة. ولو وصفها وقال: من حنطتي الفلانية،
فالوصف مرعي. فإن بطل بالخلط، بطلت الوصية. وإن قال: من مالي، حصله
الوارث.
فرع أوصى بمنفعة عبد أو دار سنة، ثم أجر الموصى به سنة مثلا، فإن
مات بعد انقضاء مدة الإجارة، فالوصية بحالها. وإن مات قبله، فوجهان.
أصحهما: أنه إن انقضت مدة الإجارة قبل سنة من يوم الموت، كانت المنفعة بقية
السنة للموصى له، وتبطل الوصية فيما مضى. وإن انقضت بعد سنة من يوم
الموت، بطلت الوصية، لأن المستحق للموصى له منفعة السنة الأولى، فإذا
انصرفت إلى جهة، بطلت الوصية. والثاني: أنه يستأنف للموصى له سنة من يوم
انقضاء الإجارة، فإن كان الموصي قيد وصيته بالسنة الأولى، وجب أنه لا يجئ
الخلاف. ولو لم يسلم الوارث حتى انقضت سنة بلا عذر، فمقتضى الوجه الأول أنه
يغرم قيمة المنفعة، ومقتضى الثاني تسليم سنة أخرى.
فرع تزويج العبد والأمة الموصى بهما، وإجارتهما، وختانهما،
وتعليمهما، والإعارة، والاذن في التجارة، والاستخدام، وركوب الدابة، ولبس
الثوب، ليس برجوع، ووطئ الجارية مع العزل، ليس برجوع، وكذا مع الانزال
271

على الصحيح وقول الأكثرين. وقال ابن الحداد: رجوع.
فرع أوصى بعرصة ثم زرعها، فليس برجوع كلبس الثوب. ولو بنى فيها
أو غرس، فرجوع على الأصح. فإن لم نجعله رجوعا، فموضع البناء والغراس هل هو
كالبياض المتخلل حتى يأخذه الموصى له إن زال البناء والغراس يوما؟ أم تبطل
الوصية فيه تبعا للبناء؟ فيه وجهان. ومطلق عمارة الدار، ليس برجوع. فإن بطل
الاسم، بأن جعلها خانا، فرجوع. وإن لم يبطل، ولكن أحد ث فيها بناء وبابا من
عنده، فعلى الوجهين فيما لو بنى في الأرض. فإن لم نجعله رجوعا، فالبناء الجديد
لا يدخل في الوصية على الصحيح.
فصل أوصى بمائة معينة، ثم بمائة معينة، فله المائتان. وإن أطلق
إحداهما، حملت المطلقة على المعينة، وكذا لو أطلقها، لم يكن له إلا مائة. ولو
أوصى بخمسين، ثم بمائة، فله مائة. ولو أوصى بمائة، ثم بخمسين، فوجهان.
أصحهما: ليس له إلا خمسون. والثاني: له مائة وخمسون.
الباب الرابع في الأوصياء
الوصاية مستحبة في رد المظالم، وقضاء الديون، وتنفيذ الوصايا، وأمور
الأطفال.
قلت: هي في رد المظالم وقضاء الديون التي يعجز عنها في الحال واجبة.
والله أعلم.
فإن لم يوص إلى أحد نصب القاضي من يقوم بها. وأغرب الأستاذ أبو
منصور فحكى وجها، أنه إذا كان فالورثة رشيد، قام بهذه الأمور وإن لم ينصبه
القاضي.
وللوصاية أركان وأحكام أما أركانها، فأربعة.
(الركن) الأول: الوصي، وله خمسة شروط، وهي: التكليف، والحرية،
والاسلام، والعدالة، والكفاية في التصرفات. فالصبي والمجنون ومن بعضه
272

رقيق، والمكاتب والمدبر وأم الولد، لا تصح الوصية إليهم. وفي مستولدته مدبره
خلاف مبني على أن صفات الوصي تعتبر حالة الوصاية والموت، أم حالة الموت؟
ولا تجوز وصاية مسلم إلى ذمي، ويجوز عكسه، وتجوز وصاية الذمي إلى الذمي
على الأصح بشرط العدالة في دينه، ولا تجوز إلى فاسق ولا إلى عاجز عن التصرف
لا يهتدي إليه لسفه أو هرم أو غيرهما، هذا هو الصحيح. وربما دل كلام بعض
الأصحاب على أن هذا الشرط الأخير غير معتبر. وتجوز الوصاية إلى أعمى على
الأصح. وقيل: لا، فتكون الشروط ستة. وزاد الروياني وآخرون شرطا سابعا،
وهو أن لا يكون الوصي عدوا للطفل الذي يفوض أمره إليه، وحصروا الشروط كلها
بلفظ مختصر فقالوا: ينبغي أن يكون الوصي بحيث تقبل شهادته على الطفل.
وكل ما اعتبر من الشروط، ففي وقت اعتباره ثلاثة أوجه. أصحها: يعتبر حاله عند
الموت. والثاني: عند الوصاية والموت جميعا. والثالث: يعتبر في الحالتين وفيما
بينهما.
فرع لا يشترط في الوصي الذكورة، بل يجوز التفويض إلى المرأة، وإذا
حصلت الشروط في أم الأطفال، فهي أولى من غيرها. وحكى الحناطي وجها، أنه
لا تجوز الوصاية إليها، لأنها ولاية، ومقتضاه الطرد في جميع النساء.
273

فرع إذا تغير حال الوصي، فإن كان قبل موت الموصي، بني على
أن الشروط متى تعتبر؟ وإن تغير بعد موته، نظر، إن فسق، إما بتعد في المال، وإما
بسبب آخر، بطلت ولايته. وقيل: لا تبطل حتى يعزله الحاكم، والصحيح الأول،
وبه قطع الجمهور، وفي معناه قيم القاضي. وفي بطلان ولاية القاضي بالفسق
وجهان. أصحهما: البطلان. والثاني: لا، كالامام الأعظم. والأب، والجد
، إذا فسقا، انتزع الحاكم مال الطفل منهما. ولا تبطل ولاية الامام الأعظم بالفسق،
لتعلق المصالح الكلية بولايته، بل تجوز ولاية الفاسق ابتداء إذا دعت إليها ضرورة،
لكن لو أمكن الاستبدال به إذا فسق من غير فتنة، استبدل. وفيه وجه، أنها تبطل
أيضا، وبه قطع الماوردي في الأحكام السلطانية، والصحيح الأول. وإذا
تاب الفاسق وصلحت حاله، فهل تعود ولايته؟ أما الوصي والقيم، فلا تعود ولايتهما
على الصحيح. والأب، والجد، تعود ولايتهما، والقاضي كالوصي. وإذا كان
الوصي قد أتلف مالا، لم يبرأ عن ضمانه حتى يدفعه إلى الحاكم، ثم يرده الحاكم
إليه إن ولاه. فإن كان أبا، قبض المضمون من نفسه لولده، وليس من التعدي أكل
الأب والوصي مال الطفل لضرورة، لكن إذا وجب الضمان، فطريق البراءة ما
ذكرنا.
فرع تصرفات الوصي بعد الانعزال باطلة. قال القفال: لكن رد
المغصوب والعواري والودائع وقضاء الديون من جنسها في التركة، لا ينقض، لان
أخذ المستحق فيها كاف.
فرع إذا جن الموصي، أو أغمي عليه، أقام الحاكم غيره مقامه. فإن
أفاق، فهل يبقى على ولايته كالأب والجد والامام الأعظم إذا أفاقوا؟ أم تبطل لأنه
274

يلي بالتفويض كالتوكيل بخلاف الأب وبخلاف الامام للمصلحة الكلية؟ فيه
وجهان. أصحهما: الثاني، ويجريان في القاضي إذا أفاق. وإذا أفاق الامام
الأعظم بعدما ولي غيره، فالولاية للثاني، إلا أن تثور فتنة، فهي للأول، ذكره
البغوي.
فرع لو اختلت كفاية الوصي، بأن ضعف عن الكتابة والحساب، أو ساء
تدبيره لكبر أمرض، ضم القاضي إليه من يعينه ويرشده. ولو عرض ذلك لقيم
القاضي، عزله، لأنه الذي ولاه.
الركن الثاني: الموصي، فإن كانت الوصاية في قضاء الديون وتنفيذ
الوصايا، صحت من كل حر مكلف. وإن كانت في أمور الأطفال، اشترط مع ذلك أن
يكون للموصي ولاية على الموصى في حقه من الصبيان والمجانين ابتداء من
الشرع، لا بتفويض، وفيه مسائل.
إحداها: أن الوصي هل يوصي؟ فيه صور.
إحداها: ليس للموصي في الوصاية المطلقة أن يوصي.
الثانية: قال: أوصيت إليك إلى أن يبلغ ابني فلان، أو يقدم من سفره، فإذا بلغ أو
قدم، فهو الوصي. أو قال: أوصيت إليك سنة وبعدها وصيي فلان، فالمذهب
صحته، وبه قطع الجمهور، وتحتمل الوصية التعليق كما تحتمل الجهالات
والأخطار. وحكى الحناطي وآخرون فيه خلافا كتعليق الوكالة، وبالمنع أجاب
الروياني فقال: لو قال: إذا مت فقد أوصيت إليك، لا يجوز، بخلاف قوله:
أوصيت إليك إذا مت. ولو قال: أوصيت إليك، فإذا حضرك الموت فقد أوصيت
إلى من أوصيت إليه، أو فوصيك وصيي، فباطلة على الأظهر. وقيل: قطعا.
وقيل: صحيحة قطعا.
الثالثة: أوصى إلى زيد، وأذن له في الوصاية، نظر، إن لم يعين، بل قال:
275

أوصي بتركتي إلى من شئت، فأوصى بها إلى شخص، صح على الظهر. وقيل:
قطعا. وإن عين فقال: أوص بها إلى فلان، فكذلك. وقيل: تصح قطعا،
لأنه قطع اجتهاده، فصار كقوله: أوصيت بعده إلى فلان.
فرع لو أطلق فقال: أوص إلى من شئت، أو إلى فلان، ولم يضف إلى
نفسه، فهل يحمل على الوصاية عنه حتى يجئ فيه الخلاف؟ أم يقطع بأنه لا
يوصي عنه؟ فيه وجهان حكاهما البغوي، وقال: الأصح الثاني.
المسألة الثانية: لا يجوز نصب وصي على الأولاد البالغين العقلاء، لأنه
لا يلي أمرهم. وأما المجانين، فتجوز الوصاية في أمرهم كالصبيان، وله نصب
الوصي لقضاء الدين والوصايا. وإذا نصبه لذلك، لم يتمكن من إلزام الورثة تسليم
التركة لتباع في الدين، بل لهم إمساكها وقضاء الدين من مالهم. فلو امتنعوا من
التسليم والقضاء من عندهم، ألزمهم أحد الامرين. هذا إذا أطلق الوصاية بقضاء
الدين. فإن قال: ادفع هذا العبد إليه عوضا عن دينه، فينبغي أن لا يكون للورثة
276

إمساكه، لأن في أعيان الأموال أغراضا. ولو قال: بعه واقض الدين من ثمنه،
فيجوز أن لا يكون لهم الامساك أيضا، لأنه قد يكون أطيب.
المسألة الثالثة: لا يجوز للأب نصب الوصي في حياة الجد على الصحيح،
لأن ولايته ثابتة شرعا كولاية التزويج. هذا في أمر الأطفال، فأما في قضاء الديون
والوصايا، فله ذلك، ويكون الوصي أولى من الجد. ولو لم ينصب وصيا، فأبوه
أولى بقضاء الدين وأمر الأطفال، والحاكم أولى بتنفيذ الوصايا، كذا نقله البغوي
وغيره.
الرابعة: ليس لغير الأب والجد الوصاية في أمر الأطفال، ولا للام إلا على
قول الإصطخري في أنها تلي فتوصي.
الركن الثالث: الموصى فيه، وهو التصرفات المالية المباحة، فيدخل فيه
الوصاية بقضاء الديون، وتنفذ في الوصايا وأمور الأطفال، ولا تجوز في تزويج
الأطفال، ولا في معصية، كبناء كنيسة وكتب التوراة. وذكر طائفة منهم الامام، أن
الوصاية لا تجري في رد المغصوب والودائع، ولا في الوصية بعين لمعين، لأنها
مستحقة بأعيانها فيأخذها أصحابها، وإنما يوصي فيما يحتاج إلى نظر واجتهاد،
كالوصية للفقراء، وهذا الذي قالوه موضع توقف نقلا ومعني. أما النقل، فما سيأتي
277

في بقية الباب وفي كتاب الوديعة إن شاء الله تعالى حيث قالوا: إن أوصى إلى
فاسق، ضمن. وأما المعنى، فلأنه قد يخاف خيانة الوارث.
الركن الرابع: الصيغة، فلا بد في الوصاية من الايجاب، بأن يقول:
أوصيت إليك، أو فوضت، أو أقمتك مقامي، ونحو ذلك، ويجوز فيها التوقيت كما
سبق من جواز التعليق، وذلك كقوله: أوصيت إليك سنة، أو إلى أن يبلغ ابني
فلان، أو أوصى إلى زوجته إلى أن تتزوج. وأما القبول، فالمذهب اشتراطه،
وأشار بعضهم إلى خلاف فيه. وهل يقوم عمل الوصي مقام لفظ قبوله؟ وجهان.
وكل هذا مأخوذ من الوكالة، ولا يشترط القبول في حياة الموصي. فلو قيل في
حياته، لم يعتد به على الأصح. كما لو أوصى بمال، يشترط القبول بعد الموت.
وقيل: يعتد به، كما لو وكله بعمل يتأخر، يصح القبول في الحال. والرد في حياة
الوصي على هذين الوجهين. فعلى الأول، لو رد في حياته، ثم قبل بعد موته،
جاز، ولو رد بعد الموت، لغت الوصاية.
فرع إن فصل فقال: أوصيت إليك في قضاء ديوني وتنفيذ وصاياتي
والتصرف في أموال أطفالي والقيام بمصالحهم، أو ذكر بعض هذه الأعمال، فذاك،
وإن اقتصر على قوله: أوصيت إليك، أو أقمتك مقامي في أمر أطفالي، ولم يذكر
التصرف، فثلاثة أوجه. أصحها: له التصرف والحفظ اعتمادا على العرف.
والثاني: ليس له إلا الحفظ تنزيلا على الأقل. والثالث: لا تصح الوصاية حتى يبين
ما فوضه إليه. ولو اقتصر على قوله: أوصيت إليك، فباطلة قطعا.
فرع لو اعتقل لسانه، فأوصى بالإشارة المفهمة، أو قرئ عليه كتاب
الوصاية، فأشار برأسه أن نعم، صحت الوصاية كالأخرس.
فرع أوصى إليه في تصرف، يتعداه.
278

فرع يجوز أن يوصي إلى اثنين فصاعدا، وأن يوصي إلى واحد وينصب
عليه مشرفا، ولا يتصرف الوصي إلا بإذنه. ثم إذا أوصى إلى اثنين، إن كانت في
رد الودائع أو الغصوب والعواري وتنفيذ الوصية المعينة وقضاء الدين الذي في التركة
من جنسه، فلكل منهما الانفراد به، لأن صاحب الحق مستقل في هذه الصور
بالأخذ. هكذا نقل البغوي وغيره، وهذا أحد المواضع التي صرحوا فيها بجريان
الوصاية في رد الغصوب والعواري، خلاف ما قالته تلك الطائفة. ثم وقوع المدفوع
موقعه، وعدم الرد والنقص عند انفراد أحدهما، بين، لكن تجويز الانفراد ليس
ببين، فإن تصرفهما في هذه الأموال مستفاد بالوصاية، فليكن بحسبها، ولتجئ فيه
الأحوال التي سنذكرها إن شاء الله تعالى في سائر التصرفات، وستجد في كلام
الأصحاب ما هو كالصريح فيما ذكرته.
وإن كانت الوصاية في تفرقة الثلث وأمور الأطفال والتصرف في أموالهم، فلها
أحوال.
أحدها: أن يثبت الاستقلال لكل واحد فيقول: أوصيت إليكما، أو إلى
كل منكما، أو يقول: كل واحد واحد منكما وصيي في كذا، قال أبو الفرج الزاز: أو
يقول: أنتما وصياي في كذا، فلكل منهما الانفراد بالتصرف. وإذا مات أحدهما أو
جن أو فسق، أو لم يقبل الوصاية، كان للآخر الانفراد. وإن ضعف نظر أحدهما،
فللآخر الانفراد، وللحاكم أن يضم إلى ضعيف النظر من يعينه.
الثاني: أن يشترط اجتماعهما على التصرف، فليس لواحد منهما الانفراد.
فإن انفرد، لم ينفذ البيع والشراء والاعتاق، ويضمن ما أنفق. فإن مات أحدهما،
أو جن، أو فسق، أو غاب، أو لم يقبل الوصية، نصب الحاكم بدلا عنه ليتصرف
مع الآخر. وهل له إثبات الاستبداد للآخر؟ وجهان. أصحهما: له. ولو ماتا
جميعا، فهل للحاكم نصب واحد؟ أم لا بد من اثنين؟ فيه الوجهان. قال إمام
الحرمين: وليس المراد من اجتماعهما على التصرف تلفظهما بصيغ العقود معا، بل
المراد صدوره عن رأيهما، ثم لا فرق بين أن يباشر أحدهما أو غيرهما بإذنهما.
الثالث: أن يطلق قوله: أوصيت إليكما، فهو كالتقييد بالاجتماع، لأنه
المتيقن.
279

فصل قال: أوصيت إلى زيد، ثم قال: أوصيت إلى عمرو، لم يكن عزلا
لزيد، ثم إن قبلا، فهما شريكان، وليس لأحدهما الانفراد بالتصرف على
الصحيح، وبه قطع المتولي وقال البغوي: ينفرد، وهو ضعيف. ولو قبل أحدهما
فقط، انفرد بالتصرف. ولو قال لعمرو: ما أوصيت به إلى زيد قد أوصيت به إليك،
فهو رجوع. ولو قال لزيد: ضممت إليك عمرا، أو قال لعمرو: ضممتك إلى
زيد، فإن قبل عمرو دون زيد لم ينفرد بالتصرف، بل يضم القاضي إليه أمينا،
وينبغي أن يجئ في استقلاله الوجهان. وإن قبل زيد دون عمرو، فالذي ذكره
الغزالي والمتولي، أنه ينفرد بالتصرف، وفيه نظر، وإن قبلا جميعا، فقال
الغزالي: هما شريكان، ويشبه أن يقال: زيد وصيي، وعمرو مشرف.
فرع أوصى إلى شخصين، فاختلفا في التصرف، نظر، إن كانا
مستقلين، وقال كل واحد: أنا أتصرف، حكى الشيخ أبو حامد أنه يقسم فيتصرف
كل واحد في نصفه، فإن كان مما لا ينقسم، ترك بينهما حتى يتصرفا فيه. وقال
غيره: لا حاصل لهذا الاختلاف، ومن سبق نفذ تصرفه. وإن لم يكونا
مستقلين، أمرهما الحاكم بما رآه مصلحة. فإن امتنع أحدهما، ضم القاضي إلى
الآخر أمينا. وإن امتنعا، أقام مقامهما أمينين، ولا ينعزلان بالاختلاف، بل الآخران
نائبان عنهما. وإن اختلفا في تعيين من يصرف إليه من الفقراء، عين القاضي من
يراه. وإن اختلفا في الحفظ، قسم، ولكل واحد التصرف فيما في يده ويد صاحبه.
وقيل: إن لم يكونا مستقلين، لم ينفرد أحدهما بحفظ شئ. والصحيح
المنصوص الذي عليه الجمهور: أنه لا فرق. ثم إذا قسم، وتنازعا في
عين النصف المحفوظ، أقرع على الأصح. وقيل: يعين القاضي. هذا إذا كان
المتاع منقسما، وإلا فيحفظانه معا بجعله في بيت يقفلانه، أو برضاهما
بنائب يحفظه من جهتهما، وإلا، فيتولى القاضي حفظه، وكذا لو كان منقسما
وقلنا: لا ينقسم عند عدم الاستقلال. ثم ذكر البغوي، أن هذا التفصيل فيما إذا
280

جعل إليهما التصرف واختلفا في الحفظ إلى
التصرف. فأما إذا جعل الحفظ إلى اثنين، فلا ينفرد أحدهما بحال.
فصل في أحكام الوصايا فمنها الجواز، فللموصي الرجوع متى شاء،
وللموصي عزل نفسه متى شاء.
قلت: إلا أن يتعين عليه، أو يغلب على ظنه تلف المال باستيلاء ظالم من
قاض وغيره. والله أعلم.
ومنها: أن الوصي يقضي الديون التي على الصبي من الغرامات والزكوات
وكفارة القتل. وفي الكفارة وجه، لأنها ليست على الفور، وينفق عليه وعلى من
عليه نفقته، ولينفق بالمعروف، وهو ترك الاسراف والتقتير. فان أسرف، ضمن
الزيادة، ويشتري له الخادم عند الحاجة إذا كان مثله يخدم.
فرع إذا بلغ الصبي، ونازعه في أصل الانفاق، صدق الوصي بيمينه.
281

ولو قال: أسرفت في الانفاق، فإن كان بعد تعيينهما قدرا، نظر فيه، وصدق من
يقتضي الحال تصديقه. وإن لم يعينا، فالمصدق الوصي على المذهب، وبه قطع
الجمهور، وحكى البغوي عن بعضهم فيه وجهين، وهذا على غرابته يجئ في
أصل الانفاق
. فرع ادعى أن الوصي خان في بيع ماله، فباعه بلا حاجة ولا غبطة، ففيه
خلاف قدمناه في باب الحجر. والمذهب أن القول قول المدعي.
فرع تنازعا في تاريخ موت أبيه، فقال: من خمس سنين، فقال الوصي:
من ست، واتفقا على إنفاقه من يوم الموت لم يقبل قول الوصي على الأصح.
فرع ادعى دفع المال إليه بعد البلوغ، لا يقبل بغير بينة على الصحيح.
فرع يقبل قول الوصي في التلف بالغصب والسرقة.
فرع قيم الحاكم، كالوصي فيما ذكرناه، والمجنون بعد إفاقته كالصبي
بعد بلوغه في كل ذلك.
فصل إذا بلغ الصبي مجنونا أو سفيها، استمرت ولاية الصبي كما سبق
في باب الحجر، ثم إن رأى أن يدفع إلى المبذر نفقة أسبوع أسبوع، فعل،
فإن لم يثق به، دفعها إليه يوما يوما، ويكسوه كسوة مثله، فإن كان يخرقها،
هدده، فإن لم يمتنع، اقتصر في البيت على إزار. وإذا خرج، كساه وجعل عليه
رقيبا.
فصل ليس له تزويج الأطفال وإن ذكره الموصي، ولا بيع مال الصبي
لنفسه ولا عكسه، ولا بيع مال صبي لصبي، وتجوز شهادة الوصي على الأطفال،
ولا تجوز شهادته لهم بمال وإن كان وصيا في تفرقة الثلث فقط، لأنه يثبت لنفسه
ولاية، ويجوز لمن هو وصي في مال معين أن يشهد بغيره.
فصل في مسائل منثورة يجوز للوصي أن يوكل فيما لم تجر العادة
282

بمباشرته لمثله، ولا يجوز أن يبيع شيئا من مال كبار الورثة بغير إذنهم. وإذا أوصى
بثلث ماله وليس له إلا عبد، لم يبع الوصي إلا ثلثه. ولو كان الوصي والصبي
شريكين، لم يستقل بالقسمة، سواء قلنا: هي بيع أو إفراز. وفي فتاوى
القفال: ليس له خلط حنطته بحنطة الصبي، ولا دراهمه بدراهمه، وقول الله تعالى: * (وإن
تخالطوهم) * محمول على ما لا بد منه للارفاق، وهو خلط الدقيق بالدقيق واللحم
باللحم للطبخ ونحوه، ولا يلزم الوصي الاشهاد في بيع مال اليتيم على الأصح. وفي
الجرجانيات لأبي العباس الروياني وجهان في أن الولي لو فسق قبل انبرام البيع، هل
يبطل البيع؟ ووجهان في أن الوصاية هل تنعقد بلفظ الولاية، كقوله: وليتك كذا
بعد موتي؟ ويجوز للوصي أن يدفع مال اليتيم مضاربة إلى من يتصرف في البلد،
ويجوز إلى من يسافر به إذا جوزنا المسافرة به عند أمن الطريق، وهو الأصح كما سبق
في الحجر ولو أوصى إلى الله تعالى، وإلى زيد، فقياس ما سبق فيما إذا أوصى
لله تعالى ولزيد مجئ وجهين. أحدهما: أن الوصاية إلى زيد. والثاني: إلى زيد
والحاكم. ولو أوصى بشئ لرجل لم يذكره، وقال: قد سميته لوصيي، فللورثة
أن لا يصدقوه. وفي شرح أدب القاضي لأبي عاصم العبادي، أنه لو قال: سميته
لوصيي زيد وعمرو، فعينا رجلا، استحقه. وإن اختلفا في التعيين، فهل تبطل
الوصية، أم يحلف كل منهما مع شاهده؟ قولان. وفي الزيادات لأبي عاصم: أنه
لو خاف الوصي أن يستولي غاصب على المال، فله أن يؤدي شيئا لتخليصه، والله يعلم
المفسد من المصلح.
283

وفي فتاوى القفال: أنه لو أوصى إلى رجل فقال: بع أرضي الفلانية، واشتر
من ثمنها رقبة فاعتقها عني، وأحج عني، واشتر مائة رطل خبز فأطعمها الفقراء،
فباع الأرض بعشرة، وكان لا توجد رقبة إلا بعشرة، ولا يحج إلا بعشرة، ولا يباع
الخبز بأقل من خمسة، فتوزع العشر عليها خمسة أسهم، ولا يحصل الاعتاق
والحج بحصتهما، فيضم إلى حصة الخبز تمام الخمسة، فينفذ فيه الوصية، ويرد
الباقي على الورثة، كما لو أوصى لكل واحد من زيد وعمرو بعشرة، وكان ثلاثة
عشر، فرد أحدهما، دفعت العشرة إلى الآخر. ولو قال: اشتر من ثلثي رقبة
فاعتقها، وأحج عني، واحتاج كل منهما إلى عشرة، فإن قلنا: يقدم العتق،
صرفت العشرة إليه، وإلا، فينبغي أن يقرع بينهما ولا يوزع، إذ لو وزع، لم
يحصل واحد منهما، وبالله التوفيق.
284

كتاب الوديعة
هي المال الموضوع عند أجنبي ليحفظه. واستودعته الوديعة: استحفظته
إياها. ومن أودع وديعة يعجز عن حفظها، حرم عليه قبولها، وإن كان قادرا،
285

لكن لا يثق بأمانة نفسه، فهل يحرم قبولها، أم يكره؟ وجهان. وإن قدر، ووثق
بأمانة نفسه، استحب القبول. فإن لم يكن هناك غيره، فقد أطلق مطلقون أنه يتعين
عليه القبول، وهو محمول على ما بينه السرخسي في الأمالي، وهو أنه يجب أصل
القبول دون أن يتلف منفعة نفسه وحرزه في الحفظ من غير عوض.
فرع لا يصح إيداع الخمر ونحوها.
فصل الايداع، توكيل خاص، وأركانه، كأركانها أربعة: الحفظ،
والعاقدان، والصيغة. فلا بد من صيغة من المودع دالة على الاستحفاظ، كقوله:
استودعتك هذا المال، أو أودعتك، أو استحفظتك، أو أنبتك في حفظه، أو احفظه، أو
هو وديعة عندك، أو ما في معناها. وفي اشتراط القبول باللفظ ثلاثة
أوجه. أصحها: لا يشترط، بل يكفي القبض في العقار والمنقول. والثاني:
يشترط. والثالث: يشترط إن كان بصيغة عقد، كأودعتك، ولا يشترط إن قال:
احفظه، أو هو وديعة عندك. ولو قال: إذا جاء رأس الشهر، فقد أودعتك هذا،
فقطع الروياني في الحلية بالجواز، والقياس تخريجه على الخلاف في تعليق
الوكالة. ولو جاء بماله، ووضعه بين يدي غيره، ولم يتلفظ بشئ، لم يحصل
الايداع. فلو قبضه الموضوع عنده، ضمنه. وكذا لو كان قد قال قبل ذلك: أريد
أن أودعك، ثم جاء بالمال، فإن قال: هذا وديعتي عندك، أو احفظه، ووضعه بين
286

يديه، فإن أخذه الموضوع عنده، تمت الوديعة إن لم
يشترط القبول لفظا. وإن لم يأخذه، نظر، إن لم يتلفظ، لم يكن وديعة، حتى لو ذهب وتركه، فلا ضمان عليه، لكن
يأثم إن كان ذهابه بعدما غاب المالك. وإن قال: قبلت، أو ضعه، فوضعه، كان إيداعا،
كما لو قبضه بيده، كذا قال البغوي. وقال المتولي: لا يكون وديعة ما لم يقبضه.
وفي فتاوى الغزالي: أنه إن كان الموضع في يده، فقال: ضعه، دخل المال في
يده، لحصوله في الموضع الذي هو في يده. وإن لم يكن، بأن قال: انظر إلى
متاعي في دكاني، فقال: نعم، لم يكن وديعة. وعلى الأول، لو ذهب
الموضوع عنده وتركه، فإن كان المالك حاضرا بعد، فهو رد للوديعة. وإن غاب
المالك، ضمنه.
فصل لا يصح الايداع إلا من جائز التصرف. فلو أودع صبي أو مجنون
مالا، لم يقبله، فإن قبله، ضمنه، ولا يزول الضمان إلا بالرد إلى الناظر في أمره. لكن لو
خاف هلاكه في يده فأخذه على وجه الحسبة صونا له، لم يضمنه على الأصح.
ولا يصح الايداع إلا عند جائز التصرف، فلو أودع مالا عند صبي، فتلف، لم
يضمنه، إذ ليس عليه حفظه، فهو كما لو تركه عند بالغ من غير استحفاظ فتلف.
وإن أتلفه الصبي، فقولان. ويقال: وجهان. أحدهما: لا ضمان، لأن المالك
سلطه عليه، فصار كما لو باعه أو أقرضه وأقبضه فأتلفه، فلا ضمان قطعا.
وأظهرهما: يضمن، كما لو أتلف مال غيره من غير استحفاظ. ولا تسليط على
287

الاتلاف هنا، بخلاف البيع والقرض. ولو أودع ماله عند عبد فتلف عنده، فلا
ضمان. وإن أتلفه، فهل يتعلق الضمان برقبته كما لو أتلف ابتداء، أم بذمته كما لو
باعه؟ فيه الخلاف المذكور في الصبي. وإيداع السفيه والايداع عنده، كايداع
الصبي والايداع عنده.
فرع استنبطوه من الخلاف المذكور في الصبي والعبد أصلا في
الباب وهو أن الوديعة عقد برأسه، أم إذن مجرد؟ إن قلنا عقد، لم يضمنه
الصبي، ولم يتعلق برقبة العبد. وإن قلنا: إذن، فبالعكس وخرجوا عليه ولد
الجارية المودعة، ونتاج البهيمة. إن قلنا: عقد، فالولد وديعة كالأم، وإلا، فليس
بوديعة، بل أمانة شرعية في يده يجب ردها في الحال، حتى لو لم يؤد مع التمكن،
ضمن على الأصح، كذا قاله البغوي. وقال المتولي: إن قلنا: عقد، لم يكن وديعة، بل
أمانة، اعتبارا بعقد الرن والإجارة، وإلا، فهل يتعدى حكم الأم إلى الولد كالأضحية،
أم لا كالعارية؟ وجهان، والموافق لاطلاق الجمهور كون الوديعة عقدا.
288

فصل في أحكام الوديعة هي ثلاثة.
أحدها: الجواز من الجانبين، وتنفسخ بموت أحدهما أو جنونه أو إغمائه.
ولو عزم المودع نفسه، فانعزاله وجهان، بناء على أن الوديعة إذن، أم عقد؟ إن
قلنا: إذن، فالعزل لغو، كما لو أذن للضيفان في أكل طعامه، فقال بعضهم: عزلت
نفسي، يلغو قوله، وله الاكل بالإذن السابق. فعلى هذا، تبقى الوديعة بحالها.
وإن قلنا: عقد، انفسخت وبقي المال في يده أمانة شرعية، كالريح تطير الثوب إلى
داره، فعليه الرد عند التمكن وإن لم يطلب على الأصح. فإن لم يفعل، ضمن.
(الحكم) الثاني: أنها أمانة، فلا يضمن إلا عند التقصير، وأسباب التقصير تسعة.
أحدها: أن يودعها المودع عند غيره بلا عذر من غير إذن المالك، فيضمن،
سواء أودع عند عبده وزوجته وابنه، أو أجنبي. والكلام في تضمين المالك المودع
الثاني قد سبق في بابي الرهن والغصب. وإن أودعها عند القاضي، فوجهان -
289

سواء كان المالك حاضرا أو غائبا - أصحهما عند الجمهور: يضمن. فإن جوزنا
الدفع إلى القاضي، لم يجب عليه القبول إن كان المالك حاضرا والدفع عليه
متيسرا، وإن لم يكن كذلك، لزمه القبول على الأصح، لأنه نائب الغائبين. وإذا
حمل الغاصب المغصوب إلى القاضي، ففي وجوب القبول الوجهان، لكن هذا
أولى بالمنع ليبقى مضمونا للمالك. ومن عليه دين لو حمله إلى القاضي، نظر، إن
كان بحيث لا يجب على المالك قبوله، فالقاضي أولى، وإلا، فوجهان وأولى بالمنع وهو
الأصح، لأن الدين في الذمة لا يتعرض للتلف، وإذا تعين، تعرض له. وجميع ما
ذكرناه هو فيما إذا استحفظ غيره وأزال يده ونظره عن الوديعة. أما إذا استعان به في
حملها إلى الحرز، فلا بأس، كما لو استعان في سقي البهيمة وعلفها. قال
القفال: وكذا لو كانت خزانته وخزانة ابنه واحدة فدفعها إلى ابنه ليضعها في
الخزانة. وذكر الامام أن المودع إذا أراد الخروج لحاجاته، فاستحفظ من يثق به من
متصليه، وكان يلاحظ المخزن في عوداته، فلا بأس. وإن فوض الحفظ إلى
بعضهم، ولم يلاحظ الوديعة أصلا، ففيه تردد. وإن كان المخزن خارجا عن داره
التي يأوي إليها، وكان لا يلاحظه، فالظاهر تضمينه.
فرع هذا الذي ذكرناه، إذا لم يكن عذر. فإن كان، بأن أراد سفرا،
فينبغي أن يردها إلى مالكها أو وكيله. فإن تعذر وصوله إليهما، دفعها إلى القاضي،
وعليه قبولها. فإن لم يجد قاضيا، دفعها إلى أمين، ولا يكلف تأخير السفر. فإن
ترك هذا الترتيب فدفعها إلى الحاكم أو أمين مع إمكان الدفع إلى المالك أو وكيله،
ضمن، ويجئ في هذا الخلاف السابق. وإن دفع إلى أمين مع القدرة على
الحاكم، ضمن على المذهب. ولو دفن الوديعة عند سفره، ضمن إن دفنها في
290

غير حرزه أو في حرز ولم يعلم بها أمينا، أو أعلمه حيث لا يجوز الايداع عند
الأمين، أو حيث يجوز إلا أن الذي أعلمه لا يسكن الموضع. فإن سكنه، لم يضمن
على الأصح. كذا فصله الجمهور، وجعل الامام في معنى السكنى، أن يراقبها من
الجوانب، أو من فوق مراقبة الحارس. وقيل: إن الاعلام كالايداع سواء سكن
الموضع، أم لا. ونقل صاحب المعتمد وغيره وجهين، في أن سبيل هذا
الاعلام سبيل الاشهاد، أم الائتمان؟ أصحهما: الثاني. فعلى الأول، لا بد من
إعلام رجلين، أو رجل وامرأتين. وكما يجوز الايداع بعذر السفر كما تبين، فكذا
سائر الاعذار، كما إذا وقع في البقعة حريق أو نهب أو غارة، أو خاف الغرق،
وليكن في معناها إذا أشرف الحرز على الخراب ولم يجد حرزا ينقلها إليه.
السبب الثاني: السفر بها، فإذا أودع حاضرا، لم يجز أن يسافر بها، فإن
فعل، ضمن. وقيل: لا يضمن إذا كان الطريق امنا، أو سافر في البحر والغالب فيه
السلامة، والصحيح الأول. ولو سافر بها لعذر، بأن جلا أهل البلد، أو وقع
حريق، أو غارة، فلا ضمان بشرط أن يعجز عن ردها إلى المالك ووكيله والحاكم
وعن ايداع أمين، ويلزمه السفر بها في هذه الحالة، وإلا، فهو مضيع. ولو عزم
291

على السفر في وقت السلامة، وعجز عن المالك ووكيله، والحاكم، والأمين،
فسافر بها، لم يضمن على الأصح عند الجمهور، لئلا ينقطع عن مصالحه وينفر
الناس عن قبول الودائع. وشرط الجواز، أن يكون الطريق امنا، وإلا، فيضمن
وهذا ظاهر في مسألة الوجهين. فأما عند الحريق ونحوه، فكان يجوز أن يقال: إذا
كان احتمال الهلاك في الحضر أقرب منه في السفر، فله السفر بها. قال في
الرقم: وإذا كان الطريق آمنا، فحدث خوف، أقام. ولو هجم قطاع الطريق، فألقى
المال في مضيعة إخفاء له فضاع، ضمن.
فرع إذا أودع مسافرا، فسافر بالوديعة، أو منتجعا، فانتجع بها، فلا
ضمان، لأن المالك رضي حين أودعه.
السبب الثالث: ترك الايصاء، فإذا مرض المودع مرضا مخوفا، أو حبس للقتل،
لزمه أن يوصي بها. فإن سكت عنها، ضمن، لأنه عرضها للفوات، إذ الوارث يعتمد
ظاهر اليد ويدعيها لنفسه، والمراد بالوصية: الاعلام والامر بالرد من غير أن يخرجها
من يده، وهو مخير في هذه الحالة بين الايداع والاقتصار على الاعلام والامر بالرد.
ثم يشترط في الوصية بها أمور.
أحدها: أن يعجز عن الرد إلى المالك أو وكيله، وحينئذ يودع عند الحاكم أو
يوصي إليه. فإن عجز. فيودع عند أمين، أو يوصي إليه. كذا رتب الجمهور، كما
إذا أراد السفر. وفي التهذيب: أنه يكفيه الوصية وإن أمكن الرد إلى المالك،
لأنه لا يدري متى يموت.
الثاني: أن يوصي إلى أمين. فإذا أوصى إلى فاسق، كان كما لو لم يوص،
فيضمن، ولا بأس بأن يوصي إلى بعض ورثته، وكذا الايداع حيث يجوز أن يودع
أمينا.
292

الثالث: أن يبين الوديعة ويميزها عن غيرها بإشارة إليها، أو ببيان جنسها
وصفتها. فلو لم يبين الجنس، بل قال: عندي وديعة، فهو كما لو لم يوص.
فرع لو ذكر الجنس فقال: عندي ثوب لفلان، نظر إن لم يوجد في تركته
ثوب، فهل يضمن؟ وجهان. أصحهما عند جماهير الأصحاب: يضمن، لتقصيره
في البيان، فيضارب صاحب الوديعة بقيمتها مع الغرماء. وإن وجد في تركته
أثواب، ضمن قطعا، لأنه إذا لم يميز، فكأنه خلط الوديعة. وإن وجد ثوب واحد،
ضمن أيضا على الأصح، ولا يدفع إليه الثوب الموجود. وقيل: يتعين الثوب الموجود،
وبه قطع البغوي والمتولي. وفي أصل المسألة وجه: أنه إنما يضمن إذا قال: عندي
ثوب لفلان وذكر معه ما يقتضي الضمان. فأما إذا اقتصر عليه، فلا ضمان.
فرع قال الامام: إذا لم يوص أصلا، فادعى صاحب الوديعة أنه قصر،
وقال الورثة: لعلها تلفت قبل أن ينسب إلى التقصير، فالظاهر براءة الذمة.
293

فرع جميع ما ذكرناه إذا تمكن من الايداع، أو الوصية، فإن لم يتمكن،
بأن قتل غيلة، أو مات فجأة، فلا ضمان.
فرع إذا مات ولم يذكر أن عنده وديعة، فوجد في تركته كيس مختوم، أو
غير مختوم مكتوب عليه: وديعة فلان، أو وجد في جريدته: لفلان عندي كذا
وديعة، لم يلزم الورثة التسليم بهذا لاحتمال أنه كتب هو أو غيره تلبيسا، أو اشترى
الكيس وعليه الكتابة فلم يمحها، أو رد الوديعة بعد كتابتها في الجريدة ولم يمحها،
وإنما يلزم التسليم، بإقراره أو إقرار المورث ووصية أو بينة.
السبب الرابع: نقلها، فإذا أودعه في قرية، فنقل الوديعة إلى قرية أخرى،
فإن كان بينهما مسافة القصر، ضمن، وكذا إن كان بينهما ما يسمى سفرا على
الصحيح. وإن لم يسم سفرا، ضمن إن كان فيها خوف، أو كانت المنقول عنها
أحرز، وإلا، فلا على الأصح. وحيث منعنا النقل، فذاك إذا لم يكن ضرورة.
فإن وقعت ضرورة، فكما ذكرنا في المسافرة. وإذا أراد الانتقال بلا ضرورة،
فالطريق ما سبق فيما إذا أراد السفر. والنقل من محلة إلى محلة، أو من دار إلى
دار، كالنقل من قرية إلى قرية متصلتي العمارة، فإن كانت المنقول عنها أحرز،
ضمن، وإلا، فلا. ولو نقل من بيت إلى بيت في دار واحدة، أو خان واحد، فلا
ضمان. وإن كان الأول أحرز منهما، كان الثاني حرزا أيضا، قاله البغوي.
وجميع مسائل الفصل فيما إذا أطلق الايداع، فأما إذا أمر بالحفظ في موضع
294

معين، فسنذكره إن شاء الله تعالى.
السبب الخامس: التقصير في دفع المهلكات، فيجب على المودع دفع
المهلكات على المعتاد. فلو أودعه، فله أحوال.
أحدها: أن يأمره بالعلف والسقي، فعليه رعاية المأمور. فإن امتنع حتى
مضت مدة يموت مثلها في مثلها، فإن ماتت، ضمنها، وإلا، فقد دخلت في
ضمانه. وإن نقصت، ضمن نصفها. وتختلف المد باختلاف الحيوانات. وإن
ماتت قبل مضي هذه المدة، لم يضمن إن لم يكن بها جوع وعطش سابق. وإن كان
وهو عالم به، ضمن، وإلا، فلا على الأصح. فإن ضمناه، فيضمن الجميع، أم
بالقسط؟ وجهان، كما لو استأجر بهيمة فحملها أكثر مما شرط.
الثانية: أن ينهاه عن العلف والسقي، فيعصي إن ضيعها لحرمة الروح.
والصحيح الذي قاله الجمهور، أنه لا ضمان، وضمنه الإصطخري.
الثالثة: أن لا يأمره ينهاه، فيلزم القيام بهما، لأنه التزم حفظها. ثم
الكلام في أمرين.
أحدهما: المودع لا يلزمه العلف من ماله، فإن دفع إليه المالك علفها،
فذاك. ولو قال: اعلفها من مالك، فهو كقوله: اقض ديني. والأصح الرجوع
عليه. فإن لم يذكر شيئا، راجع المالك أو وكيله ليستردها، أو يعطي علفها. فإن لم
يظفر بهما، رفع الامر إلى الحاكم ليقترض عليه، أو يبيع جزءا منها، أو يؤجرها
ويصرف الأجرة في مؤنتها. والقول فيه وفي تفاريعه، كما سبق في هرب الجمال
وعلف الضالة ونفقة اللقيط ونحوها.
الأمر الثاني: إن علفها وسقاها في داره، أو اصطبله، حيث تعلف وتسقى
دوابه. فقد وفى بالحفظ. وإن أخرجها من الموضع، فإن كان يفعل كذلك مع دوابه
لضيق وغيره، فلا ضمان. وإن كان ليسقي دوابه فيه، فقد قال الشافعي رضي الله
عنه في المختصر: وإن أخرجها إلى غير داره وهو يسقي في داره، ضمن. وقال
295

الإصطخري بظاهره وأطلق وجوب الضمان. وقالت طائفة. هذا إذا كان الموضع
أحرز. فإن تساويا، فلا ضمان. وقال أبو إسحاق وآخرون: هذا إذا كان في
الاخراج خوف. فإن لم يكن، لم يضمن، لاطراد العادة، وهذا هو الأصح. ثم إن
تولى السقي والعلف بنفسه - أو أمر به صاحبه وغلامه وهو حاضر لم تزل يده - فذاك،
وإن بعثها على يد صاحبه ليسقيها، أو أمره بعلفها وأخرجها من يده، فإن لم يكن
صاحبها أمينا، ضمن، وإلا، فلا على الأصح، للعادة. قال في الوسيط:
والوجهان فيمن يتولى بنفسه في العادة، فأما غيره، فلا يضمن قطعا.
فرع إذا كان النهي عن العلف لعلة تقتضيه، كالقولنج، فعلفها قبل زوال
العلة فماتت، ضمن.
فرع العبد المودوع، كالبهيمة في الأحوال المذكورة. ولو أودعه نخيلا،
فوجهان. أحدهما: سقيها كسقي الدابة. والثاني: لا يضمن بترك السقي إذا لم
يأمره به.
فرع ثياب الصوف التي يفسدها الدود، يجب على المودع نشرها
وتعريضها للريح. بل يلزمه لبسها إذا لم يندفع إلا بأن تلبس وتعبق بها رائحة الآدمي،
فإن لم يفعل ففسدت، ضمن، سواء أمره المالك أو سكت. فإن نهاه عنه، فامتنع
حتى فسدت، كره ولا يضمن. وأشار في التتمة إلى أنه يجئ فيه وجه
الإصطخري. ولو كان الثوب في صندوق مقفل، ففتح القفل ليخرجه وينشره، قال
البغوي: لا يضمن على الأصح. هذا كله إذا علم المودع. فإن لم يعلم، بأن كان
296

في صندوق أو كيس مشدود ولم يعلمه المالك، فلا ضمان.
السبب السادس: الانتفاع. فالتعدي باستعمال الوديعة والانتفاع بها، كلبس
الثوب، وركوب الدابة، خيانة مضمنة. فإن كان هناك عذر، بأن لبس لدفع الدود
كما سبق، أو ركب الدابة حيث يجوز إخراجها للسقي وكانت لا تنقاد إلا بالركوب،
فلا ضمان. وإن انقادت من غير ركوب فركب، ضمن. ولو أخذ الدراهم ليصرفها
إلى حاجته، أو الثوب ليلبسه، أو أخرج الدابة ليركبها، ثم لم يستعمل، ضمن،
لأن الاخراج على هذا القصد خيانة. ولو نوى الاخذ لنفسه فلم يأخذ، لم يضمن
على الصحيح وقول الأكثرين، وضمنه ابن سريج. ويجري الخلاف، فيما لو نوى
أن لا يرد الوديعة بعد طلب المالك. وقيل: يضمن هنا قطعا، لأنه يصير ممسكا
لنفسه، قاله القاضي أبو حامد والماوردي. ويجري الوجهان، فيما إذا كان الثوب
في صندوق غير مقفل فرفع رأسه ليأخذ الثوب ويلبسه، ثم بدا له. ولو كالصندوق
مقفلا والكيس مختوما، ففتح القفل وفض الختم ولم يأخذ ما فيه، فوجهان
. أحدهما: لا يضمن ما فيه، وإنما يضمن الختم الذي تصرف فيه. وأصحهما:
يضمن ما فيه، لأنه هتك الحرز. وعلى هذا، ففي ضمان الكيس والصندوق
وجهان، لأنه لم يقصد الخيانة في الظرف. ولو خرق الكيس نظر، إن كان الخرق
تحت موضع الختم، فهو كفض الختم. وإن كان فوقه، لم يضمن إلا نقصان
الخرق. ولو أودعه شيئا مدفونا فنبشه، فهو كفض الختم. ولا يلتحق بالفض وفتح
القفل حل الخيط الذي يشد به رأس الكيس، أو رزمة الثياب، لأن القصد منه المنع
من الانتشار، لا أن يكون مكتوما عنه. وعن الحاوي وجهان فيما إذا كانت عنده
دراهم فوزنها - أودعها - أو ثياب فذرعها ليعرف طولها، أنه هل يضمن؟ ويشبه أن
يجئ هذا الخلاف في حل الشد
. قلت: ليس هو مثله. والله أعلم.
297

فرع إذا صارت الوديعة مضمونة على المودع بانتفاع أو إخراج من الحرز أو
غيرهما من وجوه التقصير، ثم ترك الخيانة ورد الوديعة إلى مكانها، لم يبرأ ولم تعد
أمانته. فلو ردها إلى المالك ثم أودعه ثانيا، فلا شك في عود أمانته. فلو لم يردها،
بل أحدث له المالك استئمانا فقال: أذنت لك في حفظها، أو
أودعتكها، أو استأمنتك، أو أبرأتك من الضمان، فوجهان. ويجوز أن يقال: قولان. أصحهما:
يصير أمينا ويبرأ. ولو قال في الابتداء: أودعتك، فإن خنت ثم تركت الخيانة،
عدت أمينا لي، فخان ثم ترك الخيانة، قال المتولي: لا يعود أمينا
بلا خلاف، لأنه إسقاط ما لم يجب، وتعليق للوديعة.
فرع قال: خذ هذه وديعة يوما، وغير وديعة يوما، فهو وديعة أبدا. ولو
قال: وديعة يوما، وعارية يوما، فهو وديعة في اليوم الأول، وعارية في اليوم
الثاني، ثم لا تعود وديعة أبدا، حكاه الروياني في كتابه البحر عن اتفاق
الأصحاب.
فصل إذا خلط الوديعة بمال نفسه، وفقد التمييز، ضمن، وإن خلطها
بمال آخر للمالك، ضمن أيضا على الأصح، لأنه خيانة. ولو أودعه دراهم فأنفق
منها درهما، ثم رد مثله إلى موضعه، لا يبرأ من ضمانه، ولا يملكه المالك إلا
بالدفع إليه، ثم إن كان المردود غير متميز عن الباقي، صار الجميع مضمونا،
لخلطه الوديعة بمال نفسه. فإن تميز، فالباقي غير مضمون، وإن لم ينفق الدرهم
المأخوذ، ورده بعينه، لم يبرأ من ضمان ذلك الدرهم، ولا يصير الباقي مضمونا
عليه إن تميز ذلك الدرهم عن غيره، وإلا، فوجهان. ويقال: قولان. أحدهما:
يصير الباقي مضمونا لخلطه المضمون بغيره. وأصحهما: لا، لأن هذا الخلط كان
حاصلا قبل الاخذ. فعلى هذا، لو كانت الجملة عشرة فتلفت، لم يلزمه إلا
درهم، ولو تلفت خمسة، لزمه نصف درهم. هذا كله إذا لم يكن على الدراهم
298

ختم ولا قفل، أو كان وقلنا: مجرد الفتح والفض لا يقتضي الضمان. أما إذا قلنا:
يقتضيه وهو الأصح، فبالفض والفتح يضمن الجميع.
فرع إذا أتلف بعض الوديعة، ولم يكن له اتصال بالباقي، كأحد الثوبين،
لم يضمن إلا المتلف. وإن كان له اتصال، كتحريق الثوب، وقطع طرف العبد
والبهيمة، نظر إن كان عاملا، فهو جان على الكل، فيضمن الجميع. وإن كان
مخطئا، ضمن المتلف، ولا يضمن الباقي على الأصح.
السبب السابع: المخالفة في الحفظ. فإذا أمره بحفظها على وجه
مخصوص، فعدل إلى وجه آخر وتلفت، فإن كان التلف بسبب الجهة المعدول
إليها، ضمن، وكانت المخالفة تقصيرا. وإن تلفت بسبب آخر، فلا ضمان.
هذه جملة السبب، ولتفصيلها صور.
إحداها: أودعه مالا في صندوق وقال: لا ترقد، فرقد عليه، نظر، إن
خالف بالرقود، بأن انكسر رأس الصندوق بثقله، أو تلف ما فيه، ضمن، وإلا،
فإن كان في بيت محرز، أو في صحراء فأخذه لص، فلا ضمان على الصحيح، لأنه
زاده خيرا. وإن كان في صحراء وأخذه لص من جان الصندوق، ضمن على
الأصح. وإنما يظهر هذا، إذا سرق من جانب لو لم يرقد عليه لرقد هناك، وقد
تعرض بعضهم لهذا القيد. ولو قال: لا تقفل عليه، فأقفل، أو لا تقفل إلا قفلا
، فأقفل قفلين، أو لا تغلق باب البيت، فأغلقه، فلا ضمان على الصحيح. ولو أمره
بدفنها في بيته وقال: لا تبن، فبنى، فهو كما لو قال: لا ترقد عليه، فرقد، ثم هو
عند الاسترداد منقوص غير مغروم على المالك، كما لو نقل الوديعة عند الضرورة لا
يرجع بالأجرة على المالك، لأنه متطوع، نص عليه في عيون المسائل.
(الصورة) الثانية: أودعه دراهم أو غيرها وقال: اربطها في كمك، فأمسكها، نقل
المزني: أنه لا ضمان. ونقل الربيع: أنه يضمن. وللأصحاب ثلاثة طرق.
أحدها: إطلاق قولين. والثاني: أنه إن لم يربطها في الكم واقتصر على الامساك،
ضمن، وإن أمسك باليد بعد الربط، لم يضمن، والثالث وهو أصحها: إن تلفت
299

بأخذ غاصب، فلا ضمان، لأن اليد أحرز بالنسبة إليه. وإن سقطت بنوم أو نسيان،
ضمن، لأنها لو كانت مربوطة لم تضع بهذا السبب، فالتلف حصل بالمخالفة.
ولفظ النص في عيون المسائل مصرح بهذا التفصيل. ولو لم يربطها في الكم
وجعلها في جيبه، لم يضمن، لأنه أحرز، إلا إذا كان واسعا غير مزرور. وفي وجه
ضعيف: يضمن، بالعكس يضمن قطعا. أما إذا امتثل فربطها في كمه، فلا
يكلف معه الامساك باليد، ثم ينظر إن جعل الخيط الرابط خارج الكم فأخذها
الطرار، ضمن، لأن فيه إظهار الوديعة وتنبيه الطرار، لأنه أسهل عليه في قطعه
وحله. وإن ضاع بالاسترسال وانحلال العقدة، لم يضمن إذا كان قد احتاط في
الربط، لأنها إذا انحلت بقيت الدراهم في الكم. وإن جعل الخيط الرابط داخل
الكم، انعكس الحكم. فإن أخذها الطرار، لم يضمن. وإن ضاعت بالاسترسال،
ضمن، لأن العقدة إذا انحلت تناثرت الدراهم، هكذا قاله الأصحاب، وهو
مشكل، لأن المأمور به مطلق الربط. فإذا أتى به، وجب أن لا ينظر إلى جهات
التلف، بخلاف ما إذا عدل عن المأمور به إلى غيره فحصل به التلف.
فرع لو أودعه دراهم في سوق أو طريق، ولم يقل: اربطها في كمك،
ولا أمسكها في يدك، فربطها في الكم وأمسكها باليد، فقد بالغ في الحفظ. وكذا
لو جعلها في جيبه وهو ضيق، أو واسع مزرور. فإن كان واسعا غير مزرور، ضمن،
لسهولة تناولها باليد. ولو أمسكها بيده ولم يربطها، لم يضمن إن تلفت بأخذ
غاصب، ويضمن إن تلفت بغفلة أو نوم. فلو ربطها ولم يمسكها بيده، فقياس
ما سبق أن ينظر إلى كيفية الربط وجهة التلف. ولو وضعها في الكم ولم يربطها
فسقطت، فان كانت خفيفة لا يشعر بها، ضمن، لتفريطه في الاحراز، وإن كانت
ثقيلة يشعر بها، لم يضمن، ذكره في المهذب وقياس هذا، يلزم طرده فيما سبق
من صور الاسترسال كلها. ولو وضعها في كور عمامته ولم يشد، ضمن.
فرع أودعه في سوق وقال: احفظها في بيتك، فينبغي أن يمضي إلى بيته
ويحفظها فيه. فإن أخر من غير عذر، ضمن. وإن أودعه في البيت وقال:
300

احفظها في البيت فربطها في الكم وخرج بها، صارت مضمونة عليه. وكذا لو لم
يخرج بها وربطها في الكم مع إمكان إحرازها في الصندوق ونحوه، وإن كان ذلك
لقفل تعذر فتحه ونحوه. لم يضمن. قال في المعتمد: وإن شدها في عضده
وخرج بها، فإن كان الشد مما يلي الأضلاع، لم يضمن، لأنه أحرز من البيت،
وإن كان من الجانب الآخر، ضمن، لأن البيت أحرز منه. وفي تقييدهم الصورة بما
إذا قال: احفظها في البيت، إشعار بأنه لو أودعه في البيت ولم يقل شيئا، يجوز له
أن يخرج بها مربوطة، ويشبه أن يكون الرجوع إلى العادة.
الصورة الثالثة: إذا عين للوديعة مكانا فقال: احفظها في هذا البيت أو في
هذه الدار، فأما أن يقتصر عليه، وإما أن ينهاه مع ذلك عن النقل، فإن اقتصر عليه
فنقلها إلى ما دونه في الحرز، ضمن على الصحيح وإن كان المنقول إليه حرزا
لمثلها. وإن نقلها إلى بيت مثل الأول، لم يضمن، إلا أن يتلف بسبب النقل،
كانهدام البيت المنقول إليه، فيضمن، لأن التلف حصل بالمخالفة. والسرقة من
المنقول إليه كالانهدام، قاله البغوي والمتولي. وفي كلام الغزالي ما يقتضي إلحاق
السرقة والغصب بالموت، وكذا صرح به بعضهم. وإن نهاه فقال: احفظ في هذا
البيت ولا تنقلها، فإن نقلها من غير ضرورة، ضمن، لصريح المخالفة من غير
حاجة، سواء كان المنقول إليه أحرز أو لم يكن. قال الإصطخري: إن كان أحرز
من الأول أو مثله، لم يضمن، والصحيح الأول. وإن نقل لضرورة غارة، أو غرق، أو
حريق، أو غلبة لصوص، لم يضمن وإن كان المنقول إليه حرزا لمثلها.
ولا بأس بكونه دون الأول إذا لم يجد أحرز منه. ولو ترك النقل والحالة هذه، ضمن
على الأصح، لأن الظاهر أنه أراد بالنهي تحصيل الاحتياط. ولو قال: لا تنقلها وإن
حدثت ضرورة، فإن لم ينقلها، لم يضمن على الصحيح، كما لو قال: أتلف
مالي، فأتلفه، لا يضمن، وإن نقل، لم يضمن على الأصح، لأنه قصد الصيانة.
وحيث قلنا: لا يجوز النقل إلا لضرورة، فاختلفا في وقوعها، فإن عرف هناك ما
301

يدعيه المودع، صدق بيمينه، وإلا، طولب بالبينة، فإن لم تكن بينة، صدق المالك
بيمينه. وحكى أبو الفرج الزاز وجها، أن ظاهر الحال يغنيه عن اليمين، ثم ذكر
الأئمة أن جميع هذا فيما إذا كان البيت أو الدار المعينة للمودع. أما إذا كان
للمالك، فليس للمودع إخراجها من ملكه بحال، إلا أن تقع ضرورة.
الصورة الرابعة: إذا نقلها من ظرف إلى ظرف، كخريطة إلى خريطة
، وصندوق إلى صندوق، فالمتلخص من كلام الأصحاب على اضطرابه، أنه إن لم
يجر فتح قفل ولا فض ختم ولا خلط، ولم يعين المالك ظرفا، فلا ضمان لمجرد
النقل، سواء كانت الصناديق للمودع أو للمالك. وإذا كانت للمالك، فحصولها
في يد المودع قد يكون بجهة كونها وديعة أيضا. إما فارغة، وإما مشغولة بالوديعة، وقد
تكون بجهة العارية. وإن جرى شئ من ذلك، فالفض والفتح والخلط، سبق أنها
مضمنة. وإن عين ظرفا، نظر، إن كانت الظروف للمالك، فوجهان. أحدهما:
يضمن. وأصحهما: لا، لأنهما وديعتان، وليس فيه إلا حفظ أحدهما في حرز
والأخرى في آخر. فعلى هذا إن نقل إلى ما دون الأول، ضمن، وإلا، فلا. وإن
كانت الظروف للمودع، فهي كالبيوت بلا خلاف.
الصورة الخامسة: قال: احفظ وديعتي في هذا البيت، ولا تدخل إليها
أحدا، أو لا تستعن على حفظها بالحارسين، فخالف، فإن حصل التلف بسبب
المخالفة، بأن سرقها الذين أدخلهم، أو الحارسون، ضمن. وإن سرق غيرهم أو
وقع حريق، فلا ضمان.
(الصورة) السادسة: أودعه خاتما وقال: اجعله في خنصرك، فجعله في
بنصره، فهو أحرز، لكن لو انكسر لغلظها، أو جعله في الأنملة العليا، ضمن.
وإن قال: اجعله في البنصر، فجعله في الخنصر، فإن كان لا ينتهي إلى أصل
البنصر، فالذي فعله أحرز، ولا ضمان. وإن كان ينتهي إليه، ضمن. وإن
302

أودعه الخاتم ولم يقل شيئا، فإن جعله في غير الخنصر، لم يضمن، الا أن غير
الخنصر في حق المرأة كالخنصر. وإن جعله في الخنصر، ففيه احتمالان عن
القاضي حسين وغيره. أحدهما: يضمن، لأنه استعمال. والثاني: إن قصد
الحفظ، لم يضمن. وإن قصد الاستعمال، ضمن وفي الرقم للعبادي: أنه إن
جعل فصه إلى ظهر الكف، ضمن. وإلا، فلا.
قلت: المختار أنه يضمن مطلقا، إلا إذا قصد الحفظ. والله أعلم.
(الصورة) السابعة: أودعه وقال: لا تخبر بها، فخالف، فسرقها من أخبره، أو
من أخبره من أخبره، ضمن. ولو تلفت بسبب آخر، لم يضمن. وقال العبادي: لو
سأله رجل فقال: هل عندك لفلان وديعة؟ فأخبره، ضمن، لأن كتمها من حفظها.
السبب الثامن: التضييع، لأن المودع مأمور بحفظها في حرز مثلها بالتحرز
عن أسباب التلف. فلو أخر إحرازها مع التمكن، أو جعلها في مضيعها، أو في غير
حرز مثلها، ضمن. ولو جعلها في أحرز من حرز مثلها، ثم نقلها إلى حرز مثلها، فلا
ضمان. ثم هنا صور.
(الصورة) الأولى: إذا أعلم بالوديعة من يصادر المالك ويأخذ أمواله، ضمنها. بخلاف
ما إذا أعلمه غير المودع، لأنه لم يلتزم الحفظ. ولو أعلم المودع اللصوص
بالوديعة، فسرقوها، إن عين الموضع، ضمن، وإلا، فلا. كذا فصله البغوي.
(الصورة) الثانية: ضيع بالنسيان، ضمن على الأصح، ويؤيده نص الشافعي رضي
الله عنه في عيون المسائل، أنه لو أودعه إناء من قوارير، فأخذه المودع بيده
303

ليحرزه في منزله، فأصابه شئ من غير فعله فانكسر، لم يضمن، ولو أصابه بفعله
مخطئا أو عامدا قبل أن يصل إلى البيت أو بعدما وصله، فهو ضامن. والخطأ
والنسيان يجريان مجرى واحدا، ولأنهم قالوا: لو انتفع بوديعة ثم ادعى غلطا وقال:
ظننته ملكي، لا يصدق مع أنه احتمال قريب، فدل على أن الغلط لا يدفع
الضمان.
(الصورة) الثالثة: إذا أخذ الظالم الوديعة قهرا، فلا ضمان على المودع، كما لو
سرقت منه. وإن أكرهه حتى يسلمها بنفسه، فللمالك مطالبة الظالم بالضمان، ولا
رجوع له إذا غرم، وله أيضا مطالبة المودع على الأصح، ثم يرجع على الظالم،
وهما كالوجهين في أن المكره على إتلاف مال الغير، هل يطالب؟ ومهما طالبه
الظالم بالوديعة، لزمه دفعه بالانكار والاخفاء والامتناع ما قدر. فإن ترك الدفع مع
القدرة، ضمن. وإن أنكر فحلفه، جاز له أن يحلف لمصلحة حفظ الوديعة، ثم
تلزمه الكفارة على المذهب. وإن أكرهه على الحلف بطلاق أو عتاق، فحاصله
التخيير بين الحلف وبين الاعتراف والتسليم. فإن اعترف وسلم، ضمن على
المذهب، لأنه فدى زوجته بالوديعة. وإن حلف بالطلاق، طلقت زوجته على
المذهب، لأنه فدى الوديعة بزوجته.
السبب التاسع: الجحود. فإذا قال المودع: لا وديع لاحد عندي، إما
ابتداء، وإما جوابا لسؤال غير المالك، فلا ضمان، سواء جرى ذلك بحضرة المالك
أو في غيبته، لأن إخفاءها أبلغ في حفظها. وإن طلبها المال ك فجحدها، فهو خائن
ضامن. وإن لم يطلبها، بل قال: لي عندك وديعة، فسكت، ليضمن. وإن
أنكر، لم يضمن أيضا على الأصح، لأنه قد يكون في الاخفاء غرض صحيح
304

، بخلاف ما بعد الطلب. فلو جحد ثم قال: كنت غلطت أو نسيت، لم يبرأ إلا أن
يصدقه المالك.
فرع من أنكر وديعة ادعيت، صدق بيمينه. فلو أقام المدعي بينة
بالابداع، أو اعترف بها المدعى عليه، طولب بها. فإن ادعى ردها أو تلفها قبل
الجحود أو بعده، نظر في صيغة جحوده. فإن أنكر أصل الايداع، لم تقبل دعواه
الرد، لتناقض كلامه وظهور خيانته. وأما في دعوى التلف، فيصدق، لكنه
كالغاصب فيضمن. وهل يتمكن من تحليف المالك؟ وهل تسمع بينته على ما يدعيه
من الرد أو التلف؟ وجهان. أصحهما: نعم، لاحتمال أنه نسي فصار كمن ادعى
وقال: لا بينة لي، ثم جاء ببينة تسمع. فعلى هذا، لو قامت بينة بالرد أو الهلاك قبل
الجحود، سقطت المطالبة. وإن قامت بالهلاك بعد الجحود، ضمن، لخيانته.
وقد حكينا في ألفاظ المرابحة إذا قال: اشتريت بمائة، ثم قال: بمائة وخمسين،
أن الأصحاب فرقوا بين أن لا يذكر وجها محتملا في الغلط، وبين أن يذكره، ولم
يتعرضوا لمثله هنا، والتسوية بينهما متجهة. وإن كانت صيغة جحوده: لا
يلزمني تسليم شئ إليك، أو مالك عندي وديعة أو شئ، صدق في دعوى الرد
والتلف، لأنها لا تناقض كلامه الأول. فإن اعترف بأنه كان باقيا يوم الجحود، لم
يصدق في دعوى الرد إلا ببينة. وإن ادعى الهلاك، فكالغاصب إذا ادعاه. والمذهب
أنه يصدق بيمينه ويضمن.
الحكم الثالث من أحكام الوديعة: ردها عند بقائها، فإذا كانت الوديعة باقية،
لزم المودع ردها إذا طلبها المالك، وليس المراد أنه يجب عليه مباشرة الرد وتحمل
مؤنته، بل ذلك على المالك، وإنما على المودع رفع اليد والتخلية بين المالك
وماله، فإن أخر من غير عذر، دخلت الوديعة في ضمانه. وإن كان هناك عذر يعسر
قطعه، بأن طالبه في جنح الليل والوديعة في خزانة لا يتأتى فتح بابها في الوقت، أو
كان مشغولا بصلاة أو قضاء الحاجة، أو في حمام أو على طعام فأخر حتى يفرغ، أو
305

كان ملازما لغريم يخاف هربه، أو كان المطر واقعا والوديعة في البيت فأخر حتى
ينقطع ويرجع إلى البيت، وما أشبه ذلك، فله التأخير قطعا. فلو تلفت الوديعة في
تلك الحال، فقطع المتولي بأنه لا ضمان، لعدم تقصيره، وهذا مقتضى كلام
البغوي أيضا. ولفظ الغزالي في الوسيط يشعر بتفصيل، وهو أنه إن كان التأخير
لتعذر الوصول إلى الوديعة، فلا ضمان. وإن كان لعسر يلحقه، أو غرض يفوته،
ضمن.
قلت: الراجح أنه لا يضمن مطلقا، وصرح به كثيرون. والله أعلم.
فرع قال المودع: لا أرد حتى تشهد أنك قبضتها، فهل له ذلك؟ فله
ثلاثة أوجه سبق ذكرها في كتاب الوكالة ووجه رابع، أنه إن كان المالك أشهد
بالوديعة عند دفعها، فله ذلك، وإلا، فلا.
فرع يشترط كون المردود عليه أهلا للقبض. فلو حجر عليه بسفه، أو كان
نائما فوضعها في يده، لم يجز.
فرع أودعه جماعة مالا، وذكر أنه مشترك بينهم، ثم جاء بعضهم يطلبه،
لم يكن للمودع القسمة ولا تسليم الجميع، بل يرفع الامر إلى الحاكم ليقسمه ويدفع
إليه نصيبه.
فرع قال له: ردها على فلان وكيلي، فطلب الوكيل فلم يرد، فهو كما لو
طلب المالك فلم يرد، لكن له التأخير ليشهد المدفوع إليه على القبض، لأنه لو
أنكر، صدق بيمينه. وإن لم يطلب الوكيل، فإن لم يتمكن من الرد، لم تصر
مضمونة، وإلا، فوجهان، لأنه لما أمره بالدفع إلى وكيله، عزله، فيصير ما في يده
كالأمانة الشرعية، مثل الثوب تطيره الريح إلى داره. وفيها وجهان. أحدهما: تمتد
إلى المطالبة. وأصحهما: تنتهي بالتمكن من الرد. قال ابن كج: ويجري الوجهان
فيمن وجد ضالة وهو يعرف مالكها. وذكر إمام الحرمين في الأساليب، أنه لو قال:
رد الوديعة على من قدرت عليه من وكلائي هؤلاء ولا تؤخر، فقدر على الرد على
بعضهم، وأخر ليرد على غيره، فهو ضامن عاص بالتأخير، وأنه لو لم يقل: ولا
تؤخر، يضمن بالتأخير، وفي العصيان وجهان. وإنه لو قال: ردها على من شئت
306

منهم، فلم يرد على واحد ليرد على آخر، لا يعصي، وفي الضمان وجهان.
فرع هل يجب على المودع الاشهاد عند الدفع إلى الوكيل؟ وجهان
جاريان فيما لو دفع إليه مالا ابتداء وأمره بايداعه، أصحهما عند البغوي: يجب،
كما لو أمره بقضاء دينه يلزمه الاشهاد، وأصحهما عند الغزالي: لا، لأن قول المودع
مقبول في الرد والتلف، فلا يغني الاشهاد، لأن الودائع حقها الاخفاء، بخلاف
قضاء الدين. فإذا قلنا: يجب، فالحكم كما ذكرناه في كتاب الوكالة: أنه إن
دفع في غيبة الموكل من غير إشهاد، ضمن. وإن دفع بحضرته، لم يضمن على
الأصح.
فصل طالبه المالك بردها، فادعى التلف بسبب خفي كالسرقة، صدق
بيمينه. وإن ادعاه بسبب ظاهر كالحريق والغارة والسيل، فإن لم يعرف ما ادعاه بتلك
البقعة، لم يقبل قوله في الهلاك به. وإن عرف بالمشاهدة أو الاستفاضة، نظر، إن
عرف عمومه، صدق بلا يمين. وإن لم يعرف عمومه، واحتمل أنه لم يصب
الوديعة، صدق باليمين. وإن لم يذكر سبب التلف، صدق بيمينه، ولا يكلف بيان
سببه. وإذا نكل المودع عن اليمين، حلف المالك على نفي العلم بالتلف
واستحق، وعد المتولي موت الحيوان والغصب من الأسباب الظاهرة. وفي
التهذيب إلحاق الغصب والسرقة، وهو الأقرب.
فصل إذا ادعى رد الوديعة على الذي ائتمنه وهو المالك، صدق
بيمينه. فإن مات قبل الحلف، ناب عنه وارثه وانقطعت المطالبة بحلفه. وإن
ادعى الرد على غير من ائتمنه، لم يقبل إلا ببينة. وتفصيله بصور.
إحداها: إذا مات المالك، لزم المودع الرد على ورثته. حتى لو تلف في يده
307

بعد التمكن من الرد، ضمن على الأصح. فإن لم يجد الورثة، رد إلى الحاكم.
وقيد في العدة هذا الجواب بما إذا لم تعلم الورثة بالوديعة، أما إذ علموا، فلا
يجب الرد إلا بعد طلبهم. ولو طالبه الوارث فقال: رددته على المالك، أو تلف في
يدي في حياته، صدق بيمينه. وإن قال: رددته عليك، فأنكر، فالمصدق
الوارث. وإن قال: تلف في يدي قبل تمكني من الرد، فهل المصدق الوارث
كدعوى الرد؟ أم المودع لأن الأصل براءته؟ وجهان.
قلت: ينبغي أن يكون الثاني أصح. والله أعلم.
(الصورة) الثانية: مات المودع، فعلى وارثه ردها. فإن تلفت في يده بعد التمكن،
ضمن على الأصح. فإن كان المالك غائبا، سلمها إلى الحاكم. فلو تنازعا،
فقال وارث المودع: رد عليك مورثي، أو تلفت في يده، قال المتولي: لم يقبل إلا
ببينة. وقال البغوي: يصدق بيمينه، وهو الوجه، لأن الأصل عدم حصولها في
يده. ولو قال: رددتها عليك، فالمصدق المالك. ولو قال: تلفت في يدي قبل
التمكن، فعلى الوجهين.
(الصورة) الثالثة: لو قال من طيرت الريح ثوبا إلى داره: رددت على المالك، وادعاه
الملتقط، لم يصدق إلا ببينة.
(الصورة) الرابعة: إذا أراد المودع سفرا، فأودعها أمينا، فادعى الأمين تلفها،
صدق. وإن ادعى الرد المالك، لم يقبل، لأنه لم يأتمنه. وإن ادعى الرد
308

على المودع، صدق، لأنه أمينه. كذا ذكره الغزالي والمتولي، وهذا ذهاب إلى أن
للمودع إذا عاد من السفر أن يستردها، وبه صرح العبادي وغيره. وحكي عن الامام أن
اللائق بمذهب الشافعي رحمه الله، منعه من الاسترداد، بخلاف المودع يسترد من
الغاصب على وجه، لأنه من الحفظ المأمور به. ولو كان المالك عين أمينا فقال:
إذا سافرت فاجعلها عند فلان، ففعل، فالحكم بالعكس، إن ادعى الرد على
المالك، صدق. وإن ادعاه على المودع الأول، لم يصدق.
(الصورة) الخامسة: قال المودع للمالك: أودعتها عند وكيلك فلان بأمرك، فللمالك
أحوال.
أحدها: ينكر الاذن، فيصدق بيمينه. فإذا حلف، نظر إن كان فلان مقرا
بالقبض والوديعة باقية، ردها على المالك. فإن غاب المدفوع إليه، فللمالك
تغريم المودع. فإذا قدم، أخذها وردها على المالك واسترد البدل. وإن كانت
تالفة، فللمالك تغريم أيهم شاء، وليس لمن غرم الرجوع على صاحبه لزعمه أن
المالك ظالم بما أخذ. وإن كان فلان منكرا، صدق بيمينه، واختص الغرم
بالمودع.
(الحالة) الثانية: يعترف بالاذن وينكر الدفع، فوجهان. أحدهما: يصدق المودع
وتجعل دعوى الرد على وكيل المالك كدعواه على المالك. وأصحهما: تصديق
المالك، لأنه يدعي الرد على من لم يأتمنه. ولو وافق فلان المودع وقال: تلفت في
يدي، لم يقبل قوله على المالك، بل يحلف المالك ويغرم المودع.
(الحالة) الثالثة: يعترف بالاذن والدفع معا، لكنه يقول: لم تشهد، والمدفوع إليه
منكر، فيبنى على وجوب الاشهاد على الايداع. فإن لم نوجبه، فليس له تغريمه.
وإن أوجبناه، فعلى الخلاف السابق في الوكالة في نظير هذه الصورة. ولو اتفقوا
جميعا على الدفع إلى الأمين، وادعى الأمين ردها على المالك، أو تلفها في يده،
صدق بيمينه. هذا إذا عين المالك الأمين، أما لو قال: أودعها أمينا، ولم يعينه،
309

فادعى الأمين التلف، صدق. وإن ادعى الرد على المالك، فالمصدق المالك،
لأنه لم يأتمنه، كذا ذكروه. ولو قيل: أمين أمينه أمينه، كما تقول على رأي: وكيل
وكيل وكيله، لم يبعد.
قلت: بل هو بعيد، والفرق ظاهر.
فصل في يده مال، جاء رجلان ادعى كل أنه مودعه، فجوابه يفرض
بصيغ.
إحداها: أن يكذبهما ويقول: المال لي، فيحلف لكل أنه لا يلزمه تسليمه
إليه.
(الصيغة) الثانية: أن يقر لأحدهما بعينه، فيعطاه، وهل يحلف للآخر؟ يبنى على
أنه لو أقر لزيد بشئ، ثم أقر به لعمرو، هل يغرم لعمرو؟ إن قلنا: لا، فلا. وإن
قلنا: نعم، عرضت اليمين عليه. فإن حلف، سقطت دعوى الآخر. وإن نكل،
حلف الآخر. ثم هل يوقف المال بينهما إلى أن يصطلحا، أم يقسم بينهما كما لو أقر
لهما، أم يغرم المدعى عليه القيمة له؟ فيه ثلاثة أوجه عن ابن سريج، قال ابن
الصباغ: المذهب هو الثالث.
(الصيغة) الثالثة: قال: هو لكما، فهو كمال في يد شخصين يتداعيانه. فإن حلف
أحدهما، قضي له، ولا خصومة للآخر مع المودع، لنكوله. وإن نكلا أو حلفا،
جعل بينهما، وحكم كل واحد منهما في النصف الآخر كالحكم في الجميع في حق
غير المقر له، وقد بيناه.
(الصيغة) الرابعة: قال: هو لأحدكما وقد نسيت عينه، فإن ضمنا المودع بالنسيان،
310

فهو ضامن، وإلا، نظر، إن صدقاه، فلا خصومة لهما معه، وإنما الخصومة
بينهما. فإن اصطلحا في شئ، فذاك، وإلا، فيجعل المال كأنه في أيديهما
يتداعيانه، هذا هو الصحيح. وقيل: هو كمال في يد ثالث يتداعيانه، لأنه لم يثبت
لأحدهما يد. فعلى الأول، لو أقام كل واحد منهما بينة، أو حلفا أو نكلا، فهو
بينهما. وإن أقام أحدهما بينة أو حلف، ونكل صاحبه، قضي له. وعلى الثاني،
لو أقام كل بينة، فعلى الخلاف في تعارض البينتين. وإن نكلا أو حلفا، وقف المال
بينهما. وسواء قلنا بالأول أم بالثاني، هل يترك المال في يد المدعى عليه إلى أن
تنفصل خصومتهما، أم ينزع منه؟ فيه قولان. أظهرهما: الثاني، وبه قطع البغوي
وغيره. قال المتولي: والقولان فيما إذا طلب أحدهما الانتزاع والآخر الترك، أما إذا
اتفقا على أحد الامرين، فيتبع الحاكم رأيهما. أما إذا كذباه في دعوى النسيان وادعيا
علمه، فهو المصدق بيمينه، ويكفيه يمين واحدة على نفي العلم، لأن المدعى
شئ واحد وهو علمه. وهل للحاكم تحليفه على نفي العلم إذا لم يدعه الخصمان؟
وجهان. ثم إذا حلف، فالحكم كما إذا صدقاه في النسيان. وقيل: ينتزع المال
من يده هنا وإن لم ينتزع هناك، لأنه خائن عندهما بدعوى النسيان، وإن نكل، ردت
اليمين عليهما. فإن نكلا، فالمال مقسوم بينهما أو موقوف حتى يصطلحا على ما
سبق. وإن حلف أحدهما فقط، قضي له. وإن حلفا، فقولان. ويقال:
وجهان. أحدهما: يوقف حتى يصطلحا. وأظهرهما: يقسم، لأنه في أيديهما.
وعلى هذا، يغرم القيمة وتقسم بينهما أيضا، لأن كل واحد منهما أثبت بيمين الرد
كل العين، ولم يأخذ إلا نصفها. هذا هو الصحيح الأشهر فيما إذا نكل المودع.
وقيل: لا يغرم القيمة مع العين إذا حلفا. وقيل: لا ترد اليمين عليهما بنكوله، بل
يوقف بناء على أنهما لو حلفا وقف المال بينهما، فلا معنى لعرض اليمين. وإذا
رددنا اليمين، فهل يقرع بينهما؟ أم يبدأ الحاكم بمن رأى؟ وجهان، أصحهما
الثاني، حكاه السرخسي في الأمالي. وإذا حلفا وقسم بينهما العين والقيمة، فإن
لم ينازع أحدهما الآخر، فلا كلام. وإن نازعه وأقام أحدهما البينة أن جميع العين
له، سلمناها إليه ورددنا القيمة إلى المودع. وإن لم يكن بينة، ونكل صاحبه عن
311

اليمين فحلف واستحق العين، رد نصف القيمة الذي أخذه، ولا يرد الناكل ما
أخذه، لأنه استحقه بيمينه على المودع، ولم يعد إليه المبدل، ونكوله كان مع
صاحبه، لا مع المودع. وصرح في الوسيط بأن الناكل لا يرد، سواء سلمت
العين بالبينة أو باليمين.
فرع ادعى اثنان غصب مال في يده، كل يقول: غصبته مني، فقال:
غصبته من أحدكما ولا أعرفه، حلف لكل منهما على البت أنه لم يغصبه. فإذا حلف
لأحدهما، تعين المغصوب للثاني، فلا يحلف له.
(الحالة) الخامسة: قال: هو وديعة عندي ولا أدري أهو لكما، أم لأحدكما، أم
لغير كما؟ وادعيا علمه، فحلف على نفي علمه، ترك في يده حتى تقوم بينة، وليس
لأحدهما تحليف الآخر، لأنه لم يثبت لواحد منهما يد ولا استحقاق، بخلاف
الصورة السابقة.
فصل في مسائل منثورة إحداها: تعدى في الوديعة، ثم بقيت في يده
مدة، لزمه أجرة مثلها.
(المسألة) الثانية: في فتاوى القفال، أنه لو ترك حماره في صحن خان وقال للخاني:
احفظه كيلا يخرج، فكان الخاني ينظره، فخرج في بعض غفلاته، فلا ضمان،
لأنه لم يقصر في الحفظ المعتاد.
(المسألة) الثالثة: المودع إذا وقع في خزانته حريق، فبادر إلى نقل الأمتعة، وقدم
أمتعته على الوديعة، فاحترقت الوديعة، لم يضمن، كما لو لم يكن فيها إلا ودائع
فأخذ في نقلها فاحترق ما تأخر نقله.
(المسألة) الرابعة: لو ادعى ابن المالك موت أبيه، وعلم المودع بذلك، وطلب
الوديعة، فله تحليف المودع على نفي العلم. فإن نكل، حلف المدعي.
312

(المسألة) الخامسة: مات المالك وطلب الوارث الوديعة، فامتنع المودع ليفحص هل
في التركة وصية؟ فهو متعد ضامن.
(المسألة) السادسة: من وجد لقطة وعلم مالكها فلم يخبره حتى تلفت، ضمن،
وكذا قيم الصبي والمسجد إذا كان في يده مال فعزل نفسه ولم يخبر الحاكم حتى
تلف المال في يده، ضمن، وهذا كما قدمنا أنه يجب الرد عند التمكن أو هو هو.
(المسألة) السابعة: من صور تعدي الأمناء، أن لا يبيع قيم الصبي أوراق فرصاده
حتى يمضي وقتها، فيلزمه الضمان، وليس من التعدي أن يؤخر لتوقع زيادة فيتفق
رخص، وكذا قيم المسجد في أشجاره، وهذا شبيه بتعريض الثوب الذي يفسده
الدود للريح، وهذه المسائل سوى الأولى في فتاوى القفال.
(المسألة) الثامنة: بعث رسولا إلى حانوته، ودفع خاتمه معه علامة وقال: رده علي
إذا قبضت المأمور بقبضه، فقبضه ولم يرد الخاتم، ووضعه في حرزه، فلا ضمان،
ذكره العبادي في الزيادات كأن المعنى أنه ليس عليه الرد ولا مؤنته وإنما التخلية.
(المسألة) التاسعة: في فتاوى القاضي حسين، أن الثياب في مسلخ الحمام إذا
سرقت، والحمامي جالس في مكانه مستيقظ، فلا ضمان عليه. وإن نام أو قام من
مكانه، ولا نائب له هناك، ضمن. ويجب على الحمامي الحفظ إذا استحفظ. وإن
لم يستحفظ، حكى القاضي عن الأصحاب، أنه لا يجب عليه الحفظ، قال:
وعندي يجب، للعادة.
(المسألة) العاشرة: عن بعضهم: لو أودعه قبالة وقال له: لا تدفعها إلى زيد حتى
313

يعطيك دينارا، فدفعها إليه قبل أن يعطيه، فعليه قيمة القبالة مكتوبة، الكاغد وأجرة
الوراق.
قلت: ومن مسائل الباب قال أصحابنا: لو أكرهه على قبول وديعة وحفظها،
فأخذها، لم تكن مضمونة عليه كما لو قبضها مختارا وأولى. ولو تعين عليه قبول
وديعة، فلم يقبلها، وتلفت، فهو عاص، ولا ضمان، لأنه لم يلتزم الحفظ. والله
أعلم.
314

كتاب قسم الفئ والغنيمة
المال المأخوذ من الكفار، منقسم إلى ما يحصل بغير قتال وإيجاف خيل
وركاب، وإلى حاصل بذلك، ويسمى الأول: فيئا. والثاني: غنيمة. ثم ذكر
315

المسعودي وطائفة أن اسم كل واحد من المالين يقع على الآخر إذا أفرد بالذكر، فإذا
جمع بينهما، افترقا، كاسمي الفقير والمسكين. وقال الشيخ أبو حاتم القزويني
وغيره: اسم الفئ يشمل المالين، واسم الغنيمة لا يتناول الأول. وفي لفظ
الشافعي رضي الله عنه في المختصر ما يشعر به.
وبيان قيمة المالين يقع في بابين.
الباب الأول في الفئ
فمنه ما جلا عنه الكفار خوفا من المسلمين إذا سمعوا خبرهم أو لضر
أصابهم، وجزية أهل الذمة وما صولح عليه أهل بلد من الكفار، وعشور تجاراتهم
المشروطة عليهم إذا دخلوا دار الاسلام، ومال من مات أو قتل على الردة، ومال من
مات من أهل الذمة عندنا، ولا وارث له، وكل ذلك مخمس على ما سنفصله إن شاء
الله تعالى. هذا هو المذهب. وحكي عن القديم: أن مال المرتد لا يخمس.
فقيل: يختص هذا القول بالمرتد، ويخمس ما سواه قطعا، لأن المرتد يستصحب به
حكم الاسلام، كما يؤمر بقضاء الصلوات وتلزمه الحدود. وقيل: ما تركوه خوفا من
المسلمين يخمس قطعا، وفيما سواه يطرد القول القديم، وبهذا الطريق قال
الأكثرون. ومنهم من طرد في جميع مال الفئ قولين. الجديد: يخمس كالغنيمة.
والقديم: المنع، لأنه لم يقاتل عليه، كما لو صولحوا على الضيافة، فإنه لا حق
لأهل الخمس في مال الضيافة، بل يختص به الطارقون. قال البغوي: وحيث
قلنا: لا يخمس، فحكم جميع المجل حكم الأخماس الأربعة على قولنا بالتخميس،
وفي مصرفها خلاف يأتي إن شاء الله تعالى. قال الروياني في الحلية، لو
صالحونا على مال عند القتال، فهو غنيمة.
316

فصل مال الفئ يقسم خمسة أسهم، فأربعة يأتي بيان مصرفها،
والخمس الآخر يقسم على خمسة أسهم متساوية.
أحدها: السهم المضاف إلى الله عز وجل وإلى رسول الله (ص)، وكان
لرسول الله (ص)، ينفق منه على نفسه وأهله ومصالحه، وما فضل جعله في السلاح
عدة في سبيل الله تعالى وفي سائر المصالح. وأما بعده (ص)، فيصرف هذا السهم
في مصالح المسلمين، كسد الثغور، وعمارة الحصون والقناطر والمساجد، وأرزاق
القضاة والأئمة، ويقدم الأهم فالأهم. ونقل الشافعي رحمه الله عن بعض العلماء،
أن هذا السهم يرد على أهل السهمان الذين ذكرهم الله تعالى، فذكر أبو الفرج الزاز:
أن بعض الأصحاب جعل هذا قولا للشافعي، لأنه استحسنه. وحكى في الوسيط
وجها: أن هذا السهم يصرف إلى الامام، لأنه خليفة رسول الله (ص)، وهذان النقلان
شاذان مردودان.
السهم الثاني: لذوي القربى، وهم بنو هاشم، وبنو المطلب، يشترك فيه
فقيرهم وغنيهم وكبيرهم وصغيرهم وذكرهم وأنثاهم، بشرط كون الانتساب بالآباء،
فلا يعطى أولاد البنات.
قلت: وحكى ابن المنذر وابن كج وجها في اختصاصه بفقرائهم، وهو شاذ
متروك. والله أعلم.
ولا يفضل أحد منهم على أحد إلا بالذكورة، فللذكر سهمان، وللأنثى سهم.
وقال المزني: يسوى بينهما. وقال القاضي حسين: المدلي بجهتين يفضل على
المدلي بجهة.
فرع يعم بالعطاء الحاضر في موضع حصول الفئ والغائب عنه على
الصحيح. وقال أبو إسحاق: ما حصل في إقليم، دفع إلى من فيه، لمشقة النقل.
واحتجوا للصحيح بظاهر الآية، وبالقياس على الإرث. وأما المشقة، فيأمر الامام
أمناءه في كل أقليم بضبط من فيه، ولا يلزمه نقل ما في كل إقليم إلى جميع الأقاليم،
بل الحاصل في كل إقليم يضبط، يفرق على ساكنيه. فإن لم يكن في بعضها شئ،
أو لم يف بمن فيه، نقل قدر الحاجة. قال الامام: ولو كان الحاصل قدرا لو وزع
317

لم يسد مسدا، قدم الأحوج، ولا يستوعب للضرورة.
السهم الثالث: لليتامى. واليتيم: الصغير الذي لا أب له، قيل: ولا جد.
ويشترط فيه الفقر على المشهور. وقيل: على الصحيح.
السهم الرابع والخامس: المساكين وابن السبيل، وقد سبق بيانهما في
الزكاة.
فرع في تعميم اليتامى والمساكين وابن السبيل، وتخصيص الحاصل في
كل إقليم وناحية بأهله، الخلاف في أهل القربى، حكاه الشيخ أبو حامد وغيره.
فرع سبق في باب الوصية: أن عند الانفراد يدخل الفقراء في اسم
المساكين، وعكسه، ولفظ المساكين هنا مفرد، فيدخل فيه الفقراء، وحينئذ
مقتضى القول بوجوب تعميم مساكين الإقليم أو العالم تناول الفقراء أيضا، وهذا
مقتضى كلام بعضهم. ومنهم من يقول: يجوز الصرف إلى الفقراء، لأنهم أشد
حاجة، وهذا لا يقتضي تناولهم.
قلت: الصحيح الأول، وأنهما داخلان في الاسم. وممن صرح به القاضي
أبو الطيب في تعليقه. والله أعلم.
فرع يجوز أن يفاوت بين اليتامى، وكذا في المساكين وأبناء
السبيل، لأن هؤلاء يستحقون بالحاجة، فتراعى حاجاتهم، بخلاف ذوي القربى،
فإنهم يستحقون بالقرابة.
318

فرع لا يشترط أن يكون هؤلاء الأصناف الثلاثة من المرتزقة على الصحيح
المعروف. وعن القفال اختصاصه بيتامى المرتزقة، وذكر الماوردي مثله في
المساكين وأبناء السبيل.
فرع إذا فقد بعض الأصناف، وزع نصيبه على الباقين كالزكاة، إلا سهم
رسول الله (ص)، فإنه للمصالح كما ذكرنا.
فرع لا يجوز الصرف إلى كافر.
فرع لا يجوز الاقتصار على إعطاء ثلاثة من اليتامى، ولا من المساكين،
ولا من أبناء السبيل، كما قلنا في الزكاة إذا فرقها الامام.
قلت: لا يجوز دفع شئ من سهم ذوي القربى إلى مواليهم، قال صاحب
التلخيص: لو ادعى أنه مسكين أو ابن سبيل، قبل بلا بينة، ولا يقبل اليتم
والقرابة إلا ببينة. والله أعلم.
فصل وأما أربعة أخماس الفئ، ففي مصرفها ثلاثة أقوال، أظهرها:
أنها للمرتزقة المرصدين للجهاد. والثاني: للمصالح. والثالث: أنها تقسم كما
يقسم الخمس، فيقسم جميع الفئ على الخمسة الذين ذكرناهم، وهذا غريب.
فعلى الثاني: نبدأ بالأهم فالأهم. وأهمها تعهد المرتزقة. وكذا حكم خمس
الخمس. فالقولان الأولان متفقان على أن المصرف المرتزقة، وإنما يختلفان فيما
فضل عنهم.
فرع وللامام في القسمة على المرتزقة وظائف.
إحداها: يضع ديوانا. قال في الشامل: وهو الدفتر الذي يثبت فيه
الأسماء. فيحصي المرتزقة بأسمائهم، وينصب لكل قبيلة أو عدد يراه عريفا ليعرض
319

عليه أحوالهم، ويجمعهم عند الحاجة ويثبت فيه قدر أرزاقهم.
قلت: نصب العريف مستحب. والله أعلم.
الثانية: يعطي كل شخص قدر حاجته، فيعرف حاله وعدد من في نفقته وقدر
نفقتهم وكسوتهم وسائر مؤنتهم، ويراعي الزمان والمكان، وما يعرض من رخص
وغلاء، وحال الشخص في مروءته وضدها، وعادة البلد في المطاعم، فيكفيه
المؤونات ليتفرغ للجهاد، فيعطيه لأولاده الذين هم في نفقته أطفالا كانوا أو كبارا،
وكلما زادت الحاجة بالكبر، زاد في حصته. وهل يدفع إليه ما يتعهد منه الأولاد؟ أم
يتولى الامام تعهدهم بنفسه؟ أو بنائب له؟ فيه قولان. أظهرهما: الأول. وحكى
الحناطي وأبو الفرج الزاز وجها أنه لا يعطي الأولاد شيئا، لأنهم لا يقاتلون، وهذا
شاذ ضعيف وإذا كان له عبد يقتنيه للزينة أو للتجارة، لم يعط له. وإن كان يقاتل معه
أو يحتاج إليه في الغزو لسياسة الدواب ونحوها، أعطي له، وكذا لو كان عبد يخدمه
وهو ممن يخدم، بل لو لم يكن له عبد واحتاج إليه، أعطاه الامام عبدا، ولا يعطي
إلا لعبد واحد. وفي الزوجات، يعطي للجماعة. وإذا نك جديدة، زاد في
العطاء، لأن نهايتهن أربع، والعبيد لا حصر لهم، وكأن هذا في عبيد الخدمة. فأما
الذين يتعلق بهم مصلحة الجهاد، فينبغي أن يعطي لهم وإن كثروا.
قلت: كذا هو منقول، وإنما يقتصر في عبيد الخدمة على واحد إذا حصلت به
الكفاية. فأما من لا تحصل كفايته إلا بخدمة عبيد، فيعطي لمن يحتاج إليه،
ويختلف باختلاف الأشخاص. والله أعلم.
والوجه الشاذ في الأولاد يجري في الزوجات والعبيد.
فرع يعطى المرتزق مؤنة فرسه، بل يعطى الفرس إذا كان يقاتل فارسا ولا
فرس له، ولا يعطى للدواب التي يتخذها زينة ونحوها.
320

فرع يعطى كل منهم بقدر حاجتهم، ولا يفضل أحد منهم بشرف نسب أو
سبق في الاسلام أو الهجرة وسائر الخصال المرضية، بل يستوون كالإرث والغنيمة.
وفي وجه: يفضل إذا اتسع المال.
الثالثة: يستحب أن يقدم في الاعطاء وفي إثبات الاسم في الديوان قريشا على
سائر الناس، وهم ولد النضر بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن الياس، بن
مضر، بن نزار، بن معد، بن عدنان. قال الأستاذ أبو منصور: هذا قول أكثر
النسابين، وبه قال الشافعي وأصحابه، وهو أصح ما قيل. وقيل: هم ولد إلياس.
وقيل: ولد مضر. وقيل: ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. ثم يقدم من قريش
الأقرب فالأقرب إلى رسول الله (ص)، وهو: محمد، بن عبد الله، بن عبد المطلب
بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصي، بن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤي،
بن غالب، بن فهر، بن ملك بن النضر، بن كنانة، فيقدم بني هاشم، وبني
المطلب على سائر قريش، ثم بني عبد شمس وبني نوفل أخوي هاشم، ويقدم
منهما بني عبد شمس، لأنه أخو هاشم لأبويه، ونوفل أخوه لأبيه، ثم بني
عبد العزى وبني عبد الدار ابني قصي يقدم منهما بني عبد العزى، لأنهم أصهار
رسول الله (ص)، فإن خديجة رضي الله عنها بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى، ثم
بني زهرة بن كلاب أخي قصي، ثم بني تيم وبني مخزوم أخوي كلاب، ويقدم
منهما بني تيم، لمكان أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها من
رسول الله (ص)، ثم بني جمح وبني سهم، وهما من ولد هصيص بن كعب، وبني
عدي ابن كعب - وهصيص وعدي أخوا مرة بن كعب - وقدم عمر رضي الله عنه من
هؤلاء القبائل الثلاث بني جمح، وسوى بين بني سهم وبني عدي، كما يسوى بين
بني هاشم وبني المطلب. قال الشافعي رحمه الله: وقدم المهدي أمير المؤمنين في
زمانه بني عدي على بني جمح وبني سهم، لمكان عمر رضي الله عنه، والذي فعله
عمر رضي الله عنه كان تواضعا منه. ثم يقدم بني عامر بن لؤي، ثم بني الحارث بن
فهر. فإذا فرغ من قريش، بدأ بالأنصار، ثم يعطي سائر العرب. هكذا رتب
321

الأصحاب، وهو ظاهر نص الشافعي رحمه الله. وفي أمالي السرخسي: أن هذا
محمول على الذين هم أبعد من الأنصار، فأما سائر العرب الذين هم أقرب إلى
رسول الله (ص) من الأنصار، فيقدمون عليهم. ومتى استوى اثنان في القرب، قدم
أسنهما. فإن استويا في السن، فأقدمهما إسلاما وهجرة.
قلت: قد عكس أقضى القضاة الماوردي هذا، فقال في الأحكام السلطانية
: يقدم بالسابقة في الاسلام. فإن تقاربا فيه، قدم بالدين. فإن تقاربا
فيه، قدم بالسن، فإن تقاربا، قدم بالشجاعة. فإن تقاربا فيه، فولي الأمر
بالخيار بين أن يرتبهم بالقرعة، أو برأيه واجتهاده، وهذا الذي قاله هو المختار.
والله أعلم.
ثم بعد العرب، يعطى العجم. وفي المهذب والتهذيب: أن التقديم
فيهم بالسن والفضائل، ولا يقدم بعضهم على بعض بالنسب، وفيه كلامان.
أحدهما: أن العجم قد يعرف نسبهم، فينبغي أن يعتبر فيمن عرف نسبه
القرب والبعد أيضا.
الثاني: أنا قدمنا في صفة الأئمة في الصلاة عن إمام الحرمين: أن الظاهر
رعاية كل نسب يعتبر في الكفاءة في النكاح، وسنذكر إن شاء الله تعالى، أن نسب
العجم مرعي في الكفاءة على خلاف فيه، فليكن كذلك هنا.
قلت: قد أشار الماوردي إلى اعتبار نسب العجم فقال: إن كانوا عجما لا
يجتمعون على نسب، جمعهم بالأجناس، كالترك، والهند، وبالبلدان. ثم إن
كانت لهم سابقة في الاسلام، ترتبوا عليها، وإلا، فبالأقرب من ولي الأمر. فإن
تساووا، فبالسبق إلى طاعته. والله أعلم.
قال الأئمة: وجميع الترتيب المذكور في هذه الوظيفة، مستحب لا
مستحق.
الرابعة: لا يثبت في الديوان اسم صبي، ولا مجنون، ولا امرأة، ولا عبد،
322

ولا ضعيف لا يصلح للغزو، كالأعمى، والزمن، وإنما هم تبع للمقاتل إذا كانوا في
عياله، يعطى لهم كما سبق، وإنما يثبت في الديوان الرجال المكلفين المستعدين
للغزو، وإذا طرأ على المقاتل مرض أو جنون، فإن رجي زواله، أعطي ولم يسقط
اسمه، وإلا أسقط اسمه. وفي إعطائه الخلاف الآتي في زوجة المقاتل بعد موته،
وأولى بالاعطاء.
قلت: ترك من شروط من يثبته في الديوان الاسلام، وذكر الماوردي في
الأحكام السلطانية شرطا اخر، وهو أن يكون فيه إقدام على القتال ومعرفة به.
فإن اختل ذلك، لم يجز إثباته، لعجزه عما هو مرصد له. قال: ولا يجوز إثبات
الأقطع، ويجوز إثبات الأعرج إن كان فارسا. وإن كان راجلا، فلا. ويجوز إثبات
الأخرس والأصم. قال: وإذا كتبه في الديوان، فإن كان مشهور الاسم، لم يحسن
تحليته. وإن كان مغمورا وصف وحلي، فيذكر سنه وقده ولونه وحلي وجهه، بحيث
يتميز عن غيره. والله أعلم.
فرع من مات من المرتزقة، هل ينقطع رزق زوجته وأولاده لزوال
المتبوع؟ أم يستمر ترغيبا للمجاهدين؟ قولان. وقيل: وجهان. أظهرهما:
الثاني. فعلى هذا، ترزق الزوجة إلى أن تتزوج، والأولاد إلى أن يبلغوا ويستقلوا
بالكسب، أو يرغبوا في الجهاد فيثبت اسمهم في الديوان. ومن بلغ منهم وهو أعمى
أو زمن، رزق على هذا القول كما كان يرزق قبل البلوغ، هذا في ذكور الأولاد.
وأما الإناث، فمقتضى كلامه في الوسيط أنهن يرزقن إلى أن يتزوجن.
الخامسة: يفرق الأرزاق في كل عام مرة، ويجعل له وقتا معلوما لا يختلف.
وإذا رأى مصلحة أن يفرق مشاهرة ونحوها، فعل. وإذا اقتصر في السنة على مرة،
فيشبه أن يقال: يجتهد، فما اقتضته الحال وتمكن فيه من الاعطاء في أول السنة أو
اخرها، فعله، وعلى هذا ينزل قوله في الوجيز: يفرق في أول كل سنة، وقول
الآخرين: يفرق في آخر كل سنة.
فرع إذا مات واحد من المرتزقة بعد جمع المال وانقضاء الحول، صرف
نصيبه إلى ورثته ولا يسقط هذا الحق بالاعراض عنه على الظاهر، كذا قاله
323

الامام. وإن مات بعد جمع المال وقبل تمام الحول، فقولان. ويقال:
وجهان. أظهرهما: يصرف قسط ما مضى إلى ورثته كالأجرة. والثاني: لا شئ
لهم، كالجعل في الجعالة، لا يستحق قبل تمام العمل. وإن مات قبل جمع المال
وبعد الحول، فظاهر النص: أنه لا شئ للورثة، وبه قال القاضي أبو الطيب
وآخرون، وبه قطع البغوي. وقال الشيخ أبو حامد: يصرف نصيبه مما سيحصل إلى
ورثته. وإن مات قبل جمع المال وقبل انقضاء الحول، فإن قلنا: إذا مات بعد
الحول لا يستحق، فهنا أولى، وإلا، ففي قسط ما مضى الخلاف فيما إذا مات قبل
الحول وبعد جمع المال. هذا كله إذا كان العطاء مرة في السنة. فإن رأى الاعطاء
في السنة مرتين فصاعدا، فالاعتبار بمضي المدة المضروبة.
فصل جميع ما ذكرناه في المنقولات من أموال الفئ. فأما الدور
والأرض، فقد قال الشافعي رضي الله عنه: هي وقف للمسلمين تستغل وتقسم غلتها
في كل عام كذلك أبدا. هذا نصه. فأما أربعة أخماس الفئ، فمن الأصحاب من
يقول: الحكم بأنها وقف مفرع على أنها للمصالح، فأما إن جعلناها للمرتزقة، فتقسم
بينهم كالمنقولات وكالغنيمة. والأصح جريان هذا الحكم، سواء قلنا: للمصالح أو
للمرتزقة، لتبقى الرقبة مؤبدة، وينتفع بغلتها المستحق كل عام، بخلاف
المنقولات، فإنها معرضة للهلاك، والغنيمة بعيدة عن نظر الامام واجتهاده، لتأكد
حق الغانمين. فإذا قلنا بالوقف، فوجهان. أحدهما: المراد به التوقف عن قسمة
الرقبة، دون الوقف الشرعي. وأصحهما: أن المراد الوقف الشرعي للمصلحة.
فعلى هذا، وجهان. أحدهما: يصير وقفا بنفس الحصول، كما يرق النساء
والصبيان بالأسر. وأصحهما: لا، لكن الامام يقفها. وإن رأى قسمتها أو بيعها وقسمة
ثمنها، فله ذلك. وقول الشافعي رحمه الله: هي وقف، أي: تجعل وقفا. وأما
324

خمسه، فسهم المصالح لا سبيل إلى قسمته، بل يوقف وتصرف غلته في
المصالح، أو يباع ويصرف ثمنه إليها، والوقف أولى ويجئ الوجه السابق، أنه
يصير وقفا بنفس الحصول. وسهم ذوي القربى، فيه الخلاف المذكور في الأخماس
الأربعة، تفريعا على أنها للمرتزقة. وسهم اليتامى والمساكين وابن السبيل، يرتب
على سهم ذوي القربى. إن قلنا: إنه وقف، فهنا أولى، ولان ذوي القربى
متعينون، وإلا، فالأصح أنه وقف. وقيل: لا. وإذا تأملت هذه الاختلافات في
الأخماس الأربعة، ثم في الخمس، علمت أن المذهب أن الجميع وقف، وهو
الموافق لنص الشافعي رضي الله عنه.
فصل إذا زادت الأخماس الأربعة على حاجات المرتزقة، فإن قلنا: إنها
للمرتزقة، وهو الأظهر، صرف الفاضل إليهم أيضا على قدر مؤوناتهم. وفي جواز
صرف شئ منه إلى إصلاح الحصون وإلى الكراع والسلاح ليكون عدة لهم،
وجهان. أصحهما: نعم. فإن قلنا: إنها للمصالح، صرف الفاضل إلى باقي
المصالح، كاصلاح الحصون والكراع والسلاح. وإن فضل شئ، ففي جواز صرفه
إليهم وجهان. ويجوز صرفه إليهم عن كفاية السنة القابلة بلا خلاف.
فصل في مسائل منثورة إحداها: جاء رجل فطلب إثبات اسمه في
الديوان، أجابه الامام إن وجد في المال سعة وفي الطالب أهلية، وإلا، فلا.
(المسألة) الثانية: لا يحبس شئ من مال الفئ خوفا أن ينزل بالمسلمين نازلة، بل
يفرغ الجميع في الوقت المعين. ثم إن نزلت نازلة، فعلى جميع المسلمين القيام
بأمرها. فإن غشيهم العدو، فعلى جميعهم أن ينفروا.
(المسألة) الثالثة: قال الشافعي رضي عنه: يرزق من مال الفئ الحكام وولاة
325

الاحداث والصلاة، وكل من قام بأمر الفئ من وال وكاتب وجندي لا يستغني أهل
الفئ عنهم. والمراد بالحكام: الذين يحكمون بين أهل الفئ في مغزاهم. وولاة
الاحداث، قيل: هم الذين يعلمون أحداث أهل الفئ الفروسية والرمي، وقيل:
هم الذين ينصبون في الأطراف لتولية القضاة وسعاة الصدقات وعزلهم وتجهيز
الجيوش إلى الثغور وحفظ البلاد من أهل الفساد ونحوها من الاحداث. وولاة
الصلاة: الذين يقيمون لهم الجمعات والجماعات، وكذلك يرزق عرفاء أهل
الفئ. وإذا وجد من يتطوع بهذه الأعمال، لم يرزق عليها غيره.
(المسألة) الرابعة: يجوز أن يكون عامل الفئ من ذوي القربى. قال الماوردي
رحمه الله: عامل الفئ، إن ولي وضع أموال الفئ وتقديرها وتقريرها اشترط كونه
مسلما حرا مجتهدا عارفا بالحساب والمساحة. وإن ولي جباية أمواله بعد تقريرها،
سقط الشرط الثالث. وإن ولي جباية نوع خاص من الفئ، نظر، إن لم يستغن فيه
عن استنابة، اشترط إسلامه وحريته واطلاعه بشرط ما ولي من حساب ومساحة، لما
فيه من معنى الولاية. وإن استغنى عن الاستنابة، جاز أن يكون عبدا، لأنه كالرسول
المأمور. وأما تولية الذمي، فإن كانت جباية من أهل الذمة كالجزية وعشر التجار،
جازت. وإن كانت من المسلمين، ففي جوازها وجهان.
قلت: الأصح المنع. والله أعلم.
وإذا فسدت ولاية العامل، وقبض المال مع فسادها، برئ الدافع، لبقاء
الاذن. فلو نهي عن القبض بعد فسادها لم يبرأ الدافع إليه إن علم النهي، وإن
جهله، فوجهان، كالوكيل.
قلت: قال الماوردي: إذا تأخر العطاء عن المثبتين في الديوان عند
استحقاقهم، وكان المال حاصلا، فلهم المطالبة كالديون. وإن أعوز بيت المال،
كانت أرزاقهم دينا على بيت المال، وليس لهم مطالبة ولي الأمر به. قال: وإذا أراد
ولي الأمر إسقاط بعضهم لسبب، جاز، وبغير سبب، لا يجوز. وإذا أراد بعضهم
إخراج نفسه من الديوان، جاز إن استغنى عنه، ولا يجوز مع الحاجة، إلا أن يكون
326

معذورا. قال: وإذا جرد الجيش للقتال، فامتنعوا وهم أكفاء من حاربهم، سقطت
أرزاقهم. وإن ضعفوا عنه، لم تسقط. وإذا جرد أحدهم لسفر، أعطي نفقة سفره
إن لم يدخل في تقدير عطائه، ولم يعط إن دخل فيه. وإذا تلف سلاحه في
الحرب، أعطي عوضه إن لم يدخل في تقدير عطائه، إلا، فلا. والله أعلم.
الباب الثاني في الغنيمة
وقد ذكرنا، أنها المال الذي يأخذه المسلمون من الكفار بايجاف الخيل
والركاب. قال البغوي: سواء ما أخذناه من أيديهم قهرا وما استولينا عليه بعدما
هزمناهم في القتال وتركوه.
وحل الغنيمة مختص بهذه الأمة زادها الله شرفا، وكانت في أول الاسلام
لرسول الله (ص) خاصة، يصنع فيها ما يشاء، وعليه يحمل إعطاؤه (ص) من لم يشهد
بدرا، ثم نسخ ذلك، فجعل خمسها مقسوما خمسة أسهم كالفئ، قال الله
تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه، وللرسول، ولذي القربى،
واليتامى والمساكين، وابن السبيل) * وجعل أربعة أخماسها للغانمين.
ويعرض في أموال الغنيمة النفل والرضخ والسلب والقسمة،
ويحصل بيانها في
أربعة أطراف.
327

الأول: النفل بفتح النون والفاء، وهو زيادة مال على سهم الغنيمة،
يشرطه الامام أو أمير الجيش لمن يقوم بما فيه نكاية زائدة في العدو، أو توقع ظفر،
أو دفع شر، وذلك كالتقدم على طليعة، أو التهجم على قلعة، أو الدلالة عليها،
وكحفظ مكمن، وتجسس حال وشبهها. وإنما ينفل إذا مست حاجة لكثرة العدو وقلة
المسلمين، واقتضى الحال بعث السرايا وحفظ المكامن، ولذلك نفل رسول الله (ص)
في بعض الغزوات دون بعض. ثم الكلام فيمن شرط له، وفي محل المشروط
وقدره.
أما الأول، فيجوز كونه شخصا معينا وجماعة، ويجوز أن يطلق فيقول: من
فعل كذا فله كذا.
وأما محله، فيجوز أن يشرط النفل من مال المصالح المرصدة ببيت المال،
وحينئذ يشترط كونه معلوما، ويجوز أن يشرطه مما سيغنم ويؤخذ من الكفار في هذا
القتال، وحينئذ يذكر جزءا كثلث أو ربع وغيرهما، ويحتمل الجهالة للحاجة. وإذا
نفل من الغنيمة، فمم ينفل؟ فيه أوجه، ويقال: أقوال. أصحها: من خمس
خمسها. والثاني: من أصلها. والثالث: من أربعة أخماسها.
وأما قدره، فليس له حد مضبوط، فيجتهد الامام ويجعله بقدر العمل
وخطره، وقد صح في كتاب الترمذي وغيره، أن النبي (ص) كان ينفل في البدأة
الربع، وفي الرجعة الثلث، وفي رواية الترمذي القفول بدل الرجعة،
وقيل: البدأة: السرية الأولى، والرجعة: الثانية. وقال الجمهور: البدأة: السرية
328

التي يبعثها الامام قبل دخوله دار الحرب مقدمة له، والرجعة: التي يأمرها بالرجوع
بعد توجه الجيش إلى دار الاسلام. ونقص البدأة، لأنهم مستريحون لم يطل بهم
السفر، ولان الكفار في غفلة، ولان الامام من ورائهم يستظهرون به، والرجعة
بخلافهم في كل ذلك. واختلفوا في المراد بالحديث بحسب اختلافهم في محل
النفل، فقيل: المراد، ثلث خمس الخمس، أو ربعه. وقيل: ثلث الجميع، أو
ربعه. وقيل: ثلث أربعة أخماسها، أو ربعها. وقيل: المراد: أنه يزاد نصيب كل
شخص من الغنيمة مثل ثلثه أو ربعه، ويجوز الزيادة على الثلث، والنقص عن الربع
بالاجتهاد.
فرع إذا قال الأمير: من أخذ شيئا فهو له، لم يصح شرطه على الأظهر.
فرع من ظهر منه في الحرب مبارزة وحسن إقدام وأثر محمود، أعطي
سهمه، وزيد من سهم المصالح ما يليق بالحال.
الطرف الثاني: في الرضخ.
فالصبي، والعبد، والمرأة، والخنثى، والزمن، والذمي، لا يسهم لهم،
لكن يرضخ لهم، وهذا الرضخ مستحق على المشهور. وفي قول: مستحب.
ويجتهد الامام في قدره، ولا يبلغ به سهم راجل إن كان من يرضخ له راجلا. وإن
كان فارسا، فوجهان بناء على أنه هل يجوز أن يبلغ تعزير الحر حد العبيد؟ وبالمنع
قطع الماوردي. وسواء حضر العبد بإذن سيده، والصبي بإذن وليه، والمرأة بإذن
329

زوجها، أم بغير إذنهم. وإن حضر الذمي بغير إذن الإمام، لم يستحق شيئا على
الصحيح، بل يعزره الامام آن ذلك. وإن حضر بإذنه، فإن كان استأجره، فله
الأجرة فقط، وإلا، فله الرضخ على الصحيح. وقيل: لا شئ له. وقيل: إن
قاتل، استحق، وإلا، فلا. وإذا حضر نساء أهل الذمة بإذن الإمام، فلهن الرضخ
على الأصح.
فرع يفاوت الامام بين أهل الرضخ بحسب نفعهم، فيرجح المقاتل
ومن قتاله أكثر على غيره، والفارس على الراجل، والمرأة التي تداوي الجرحى وتسقي
العطاش على التي تحفظ الرجال، بخلاف سهم الغنيمة، فإنه يستوي فيه المقاتل
وغيره، لأنه منصوص عليه. والرضخ بالاجتهاد، كدية الحر وقيمة العبد.
فرع في محل الرضخ للعبيد والصبيان والنساء، ثلاثة أقوال. أظهرها:
من أربعة أخماس الغنيمة. والثاني: من أصلها. والثالث: من خمس الخمس،
وأهل الذمة كالعبيد على المذهب. وقيل: يرضخ لهم من خمس الخمس قطعا.
وحيث رضخنا من أصل الغنيمة يبدأ به كالسلب، ثم يقسم الباقي خمسا وأربعة
أخماس.
فرع إذا انفرد العبيد والنساء والصبيان بغزوة وغنموا، خمست. وفي
الباقي أوجه. أصحها: يقسم بينهم كما يقسم الرضخ على ما يقتضيه الرأي من
تسوية وتفضيل. والثاني: يقسم كالغنيمة، للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم.
والثالث: يرضخ لهم منه، ويجعل الباقي لبيت المال. وخصص البغوي هذا
الخلاف بالصبيان والنساء، وقطع في العبيد بكونه لسادتهم، وحكى أنه لو سبى
مراهقون أو مجانين صغارا، حكم باسلامهم تبعا لهم. أما إذا كان مع أهل
الرضخ واحد من أهل الكمال، فيرضخ لهم، والباقي لذلك الواحد.
فرع لا يخمس ما أخذه الذميون من أهل الحرب، لأن الخمس حق يجب
على المسلمين كالزكاة.
330

فرع من قاتل من أهل الكمال أكثر من غيره، رضخ له مع السهم، كذا
ذكره المسعودي والبغوي، ومنهم من ينازع كلامه فيه. وقيل: يزاد من سهم
المصالح ما يليق بالحال.
فرع لو زال نقص أهل الرضخ، فعتق العبد، وأسلم الكافر، وبلغ
الصبي قبل انقضاء دار الحرب، أسهم لهم. وإن كان بعد انقضائها، فقد أطلق
الماوردي أنه ليس لهم إلا الرضخ، وينبغي أن يجئ فيما بين انقضاء الحرب وحيازة
المال، الخلاف الآتي فيمن حضر في هذا الحال.
الطرف الثالث: في السلب.
هو للقتال، والكلام في سبب استحقاقه ومستحقه ونفسه وكيفية إخراجه من
الغنيمة. أما سبب استحقاقه، فقال في الوسيط في ضبطه: هو ركوب الغرر في
قهر كافر مقبل على القتال بما يكفي شره بالكلية، وفيه قيود.
أحدها: ركوب الغرر. فلو رمى من حصن أو من وراء الصف كافرا، وقتله،
لم يستحق سلبه، وكذا لو رمى من صف المسلمين إلى صف الكفار، فقتل رجلا.
(القيد) الثاني: إقبال الكافر على القتال، وليس المراد اشتغاله بالقتال حين
قتله، لأنهما لو تقاتلا زمانا ثم هر ب فقتله المسلم في إدباره، قال الأصحاب:
استحق سلبه. ولا يشترط أيضا أن تكون مقاتلته مع قاتله، بل لو قصد كافر مسلما،
فجاء مسلم آخر من ورائه فقتله، استحق سلبه، بل المرعي ما ذكره أصحابنا
العراقيون، أن يقتله مقبلا أو مدبرا والحرب قائمة فأما إذا انهزم جيش الكفار
فاتبعهم فقتل كافرا، فلا يستحق سلبه، لأن بهزيمتهم اندفع شرهم، وما دامت
الحرب قائمة فالشر متوقع، والمولي لا تؤمن كرته. ولو قتل كافرا وهو أسير في يده،
أو نائم، أو مشغول بأكل أو نحوه، أو مثخن زائل الامتناع، لم يستحق سلبه.
القيد الثالث: قهره بما يكفي شره بالكلية بقتل، أو إثخان، أو إزالة امتناع،
بأن يعميه، أو يقطع يديه ورجليه. ولا يلحق به قطع يد أو رجل. فلو قطع يديه أو رجليه، أو
331

يدا ورجلا، فهو إثخان على الأظهر، وهو رواية المزني، وبه قطع
جماعة. ولو اشترك جماعة في قتله أو إثخانه، فالسلب لهم. وفي وجه: أنه لو وقع
بين جماعة لا يرجى نجاته منهم، لم يختص قاتله بسلبه، لأنه زال شره بالوقوع
بينهم. قال أبو الفرج الزاز: لو أمسكه واحد وقتله آخر، فالسلب بينهما، لاندفاع
شره بهما، وكأن هذا فيما إذا منعه الهرب ولم يضبطه. فأما الامساك الضابط، فإنه
أسر، وقتل الأسير لا يستحق به السلب. ولو أثخنه، فقتله اخر، فالسلب
للمثخن. ولو جرحه فلم يثخنه، فقتله آخر، فالسلب للثاني. ولو أسره، ففي
استحقاقه سلبه قولان. أحدهما: لا، لأنه لم يدفع كل شره. وأظهرهما: نعم،
لأنه أصعب من القتل وأبلغ في القهر، ولان الامام يتمكن فيه من القتل وغيره. ثم
الامام يتخير في الأسير الذي ليس من الذرية بين القتل والاسترقاق والمن والفداء كما
يأتي إن شاء الله تعالى. فإن ارقه، فهل لمن أسره رقبته؟ أو فأداه، هل له مال
الفداء؟ اطرد فيه القولان. وقيل: وجهان. ويشبه أن يكون الأظهر هنا المنع، لان
اسم السلب لا يقع عليه.
فرع لو كان الكافر المقتول امرأة أو صبيا، إن كان لا يقاتل، لم يستحق
سلبه، لأن قتله حرام. وإن كان يقاتل، استحق سلبه على الأصح، والعبد
كالصبي. وقيل: بالاستحقاق قطعا.
فصل فأما استحقاق السلب، فكل من يستحق سهم الغنيمة، يستحق
السلب. والمذهب أن العبد والمرأة والصبي يستحقونه، ولا يستحقه الذمي على
المذهب، وإذا قلنا: لا تستحق المرأة، فكان القاتل خنثى، وقف السلب حتى
يتبين. وإذا حضر الذمي بغير إذن الإمام، فلا سلب له قطعا، ولا سلب للمخذل
332

قطعا. والتاجر إذا قلنا: لا سهم له، كالصبي.
فصل وأما نفس السلب، فما عليه من ثياب بدنه والخف والرانين، وما
عليه من آلات الحرب، كالدرع والمغفر والسلاح، ومركوبه الذي يقاتل عليه، وما
عليه من سرج ولجام ومقود وغيرها، وكذا لو كان ممسكا عنانه وهو يقاتل راجلا.
وفيما عليه من الزينة، كالطوق، والسوار، والمنطقة، والخاتم، والهميان، وما فيه
من النفقة، فقولان. ويقال: وجهان. أحدهما: ليست سلبا، كثيابه وأمتعته
المخلفة في خيمته. وأظهرهما: أنها سلب، لأنها مسلوبة. والجنيبة التي تقاد بين
يديه، فيها هذا الخلاف. وقيل بالمنع. والأصح، أنها سلب، صححه
333

الروياني وغيره. قال أبو الفرج الزاز: فعلى هذا، لا يستحق إلا جنيبة واحدة،
فعلى هذا يبقى النظر إذا قاد جنائب في أن السلب، أيتها، يرجع إلى تعيين الامام،
أم يقرع؟
قلت: تخصيص أبي الفرج بجنيبة فيه نظر. وإذا قيل به، فينبغي أن يختار
القاتل جنيبة قتيله، فهذا هو المختار بل الصواب، بخلاف ما أبداه الرافعي.
والله أعلم.
والحقيبة المشدودة على فرسه، وما فيها من الدراهم والأمتعة ليست سلبا على
المذهب. وقيل: كالمنطقة.
فصل وأما كيفية إخراج السلب، ففي تخميسه قولان. المشهور: لا
يخمس. والثاني: يخمس، فيدفع خمسه لأهل الخمس، وباقيه للقاتل، ثم يقسم
باقي الغنيمة.
فرع لا فرق في استحقاق السلب، بين أن يقتل كافرا مبارزة، وبين أن
334

ينغمر في صف العدو فيقتله، ولا بين أن يقول الإمام: من قتل فله السلب وبين أن لا
يقول.
الطرف الرابع: في قسمة الغنيمة. من أحكام قسمتها ما يتعلق بهذا
الموضع، ومنها ما يتعلق بكتاب السير.
فمما يتعلق بهذا الباب، أنه إذا أراد الامام أو أمير الجيش القسمة، بدأ بالسلب
فأعطاه للقاتل تفريعا على المشهور أن السلب لا يخمس، ثم يخرج المؤن اللازمة،
كأجرة حمال وحافظ وغيرها، ثم يجعل الباقي خمسة أقسام متساوية، ويأخذ خمس
رقاع، فيكتب على واحدة: لله تعالى أو للمصالح، وعلى أربع: لغانمين،
ويدرجها في بنادق متساوية ويجففها، ويخرج لكل قسم رقعة، فما خرج عليه:
سهم الله تعالى، جعله بين أهل الخمس على خمسة أسهم، ومنه يكون النفل على
الأصح، ويقسم الباقي على الغانمين، ويقدم القسمة بين الغانمين على قسمة
الخمس، لأنهم حاضرون محصورون، ومنها يكون الرضخ على الأظهر. وسواء في
القسمة، المنقول والعقار، لعموم الآية. ولا تكره قسمة الغنائم في دار الحرب.
قلت: هذه العبارة ناقصة، فالصواب أن يقال: يستحب قسمتها في دار
الحرب، كما قاله أصحابنا، بل قد ذكر صاحب المهذب وغيره: أنه يكره
تأخيرها إلى دار الاسلام من غير عذر. والله أعلم.
فصل فيمن يستحق السهم من شهد الوقعة بنية الجهاد، استحقه، قاتل
أو لم يقاتل، إذا كان ممن يسهم له، ويتعلق بهذا الأصل صور.
إحداها: من حضر قبل انقضاء القتال، استحق. وإن حضر بعد حيازة
المال، فلا وإن حضر بعد انقضائه، وقبل حيازة المال، فقولان. وقيل:
وجهان. أظهرهما: لا يستحق. والثاني: بلى. وقيل: إن خيف رجعة الكفار،
استحق. وإلا، فلا. ولو أقاموا على حصن وأشرفوا على فتحه، فلحق مدد قبل
الفتح، شاركوهم. وإن فتحوا ودخلوا آمنين، ثم جاء المدد، لم يشاركوهم.
(الصورة) الثانية: غاب في أثناء القتال منهزما ولم يعد حتى انقضى القتال، فلا حق
335

له. وإن عاد قبل انقضائه، استحق من المحوز بعد عوده دون المحوز قبل عوده،
كذا ذكره البغوي، وقياسه أن يقال فيمن حضر قبل انقضاء القتال: لا حق له في
المحوز قبل حضوره. كذا نقله أبو الفرج الزاز عن بعض الأصحاب، وإن كنا أطلقناه
في الصورة السابقة.
قلت: هذا الذي نقله أبو الفرج متعين، وكلام من أطلقه محمول عليه.
والله أعلم.
وإن ولى متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة، استحق على تفصيل مذكور في
كتاب السير ومن هرب ثم ادعى أنه كان متحرفا أو متحيزا، قال الغزالي: يصدق
بيمينه. وقال البغوي: إن لم يعد إلا بعد انقضاء القتال، لم يصدق، لأن الظاهر
خلافه. وإن عاد قبله، صدق بيمينه. فإن حلف، استحق من الجميع. وإن
نكل، لم يستحق إلا من المحوز بعد عوده.
قلت: الذي قاله البغوي أرجح. والله أعلم.
(الصورة) الثالثة: مات بعضهم قبل الشروع في القتال، فلا حقله. ولو مات فرسه أو
سرق أو عار أو خرج من يده ببيع أو هبة ونحوهما، لم يستحق سهم الفرس. وفيما
إذا عار وجه ضعيف. ولو مات رجل بعد انقضاء الحرب وحيازة المال، انتقل حقه
إلى ورثته. ولو مات فرسه في هذه الحال، استحق سهم الفرس. ولو مات الرجل
بعد انقضاء الحرب وقبل الحيازة، انتقل حقه إلى ورثته على الأصح. ولو مات فرسه
في هذا الحال، استحق سهم الفرس على الأصح. ولو مات في أثناء القتال، سقط
حقه على المنصوص. ونص في موت الفرس في هذا الحال أنه يستحق سهم
الفرس. وللأصحاب طرق. أصحها: تقرير النصين، لأن الفارس متبوع،
والفارس تابع. وقيل: قولان فيهما. وقيل: إن حيز المال بقتال جديد، فلا
استحقاق فيهما. وإن أفضى ذلك القتال إلى الحيازة، استحق فيهما.
336

(الصورة) الرابعة: إذا شهد الوقعة صحيحا، ثم مرض مرضا لا يمنع القتال،
كالحمى الخفيفة والصداع، أو مرضا يرجى زواله، لم يبطل حقه. وإن كان غير
ذلك، كالزمانة والفالج، ففي بطلان حقه قولان أو وجهان. أظهرهما: لا يبطل.
ولو خرج في الحرب، استحق على المذهب. ثم الأكثرون أطلقوا القول في
رجاء الزوال وعدمه. وحكي عن بعض أصحاب الإمام أن المعتبر رجاء الزوال قبل
انجلاء القتال. وإذا لم يستحق المريض، رضخ له. والمرض بعد انقضاء القتال
وقبل حيازة المال، على الخلاف السابق.
(الصورة) الخامسة: المخذل للجيش، يمنع الخروج مع الناس وحضور الصف.
فإن حضر، لم يعط سهما ولا رضخا. ولا يلحق الفاسق بالمخذل على الصحيح،
وقيل: يلحق، لأنه لا يؤمن تخذيله.
قلت: كذا قطع الجمهور، أن المخذل لا رضخ له. وقال الجرجاني في
التحرير: إن حضر بإذن الإمام، رضخ له. والله أعلم.
فصل بعث الامام أو أمير الجيش سرية إلى دار الحرب وهو مقيم ببلده،
فغنمت، لم يشاركها الامام ومن معه من الجيش.
قلت: سواء كانت دار الحرب قريبة من الامام، أم لا. حتى لو بعث سرية،
وقصد الخروج وراءها، فغنمت السرية قبل خروجه، لم يشاركها وإن قربت دار
337

الحرب، لأن الغنيمة للمجاهدين، وقبل الخروج ليسوا مجاهدين. والله أعلم.
ولو بعث سريتين إلى جهتين، لم تشارك إحداهما الأخرى. فلو أو غلتا في ديار
الكفار، والتقتا في موضع، اشتركتا فيما غنمتا بعد الاجتماع. ولو بعثهما إلى جهة
واحدة، فإن أمر عليهما أميرا واحدا، أو كانت إحداهما قريبة من الأخرى، بحيث
تكون كل واحدة عونا للأخرى، اشتركتا، وإلا، فلا. ولو دخل الامام أو الأمير دار
الحرب، وبعث سرية في ناحية، فغنمت، شاركهم جيش الامام. ولو غنم
الجيش، شاركته السرية، لاستظهار كل بالآخر. ولو بعث سريتين إلى جهة،
اشترك الجميع فيما يغنم كل منهم. ولو بعثهما إلى جهتين، فكذلك على
الصحيح. وقيل: لا شركة بين السريتين هنا. ثم ذكر ابن كج والامام أن شرط
الاشتراك أن يكونوا بالقرب مترصدين للنصرة. وحد القرب: أن يبلغهم الغوث
والمدد منهم إن احتاجوا، ولم يتعرض أكثر الأصحاب لهذا، واكتفوا باجتماعهم في
دار الحرب.
قلت: هذا المنقول عن الأكثرين، هو الأصح أو الصحيح. والله أعلم.
فعلى الأول، لو كانت إحداهما قريبة، والأخرى بعيدة، اختصت القريبة
بالمشاركة.
فرع بعث الامام جاسوسا، فغنم الجيش قبل رجوعه، شاركهم على
الأصح، وبه قال الداركي، لأنه فارقهم لمصلحتهم، وخاطر بما هو أعظم من شهود
الوقعة.
فصل إذا شهد الأجير مع المستأجر الوقعة، نظر، إن كانت الإجارة لعمل
في الذمة بغير تعيين مدة، كخياطة ثوب وبناء حائط، استحق السهم قطعا. وإن
تعلقت بمدة معينة، بأن استأجره لسياسة الدواب وحفظ الأمتعة شهرا، فنقل الغزالي
والبغوي: أنه إن لم يقاتل، فلا سهم له، وإن قاتل فثلاثة أقوال. وأطلق المسعودي
وآخرون الأقوال من غير فرق بين أن يقاتل، أو لا. وكذلك أطلقها الشافعي رضي
الله عنه في المختصر. أظهرها: له السهم، لحضور الوقعة. والثاني:
لا. وعلى هذين، يستحق الأجرة بمقتضى الإجارة. والثالث: يخير بين الأجرة
والسهم. فإن اختار الأجرة، فلا سهم. وإن اختار السهم، فلا أجرة. قال صاحب
338

الافصاح: هذا الثالث هو فيما إذا استأجر الامام لسقي الغزاة وحفظ دوابهم من
سهم الغزاة من الصدقات، فيخيره الامام إما أجير آحاد الناس، فلا يجئ فيه هذا
القول، لأن الإجارة لازمة، إلا أن يكون الجاري بينهما صورة جعالة. وقال
الأكثرون: يجري القول الثالث في كل أجير، كما أطلقه الشافعي رحمه الله، لان
لزوم الإجارة لا يختلف. ثم على الثالث، إذا اختار السهم، ففيما يسقط من
الأجرة وجهان. أحدهما: قسطها من وقت دخول دار الحرب. وأصحهما: من
وقت شهود الوقعة. وأما وقت تخييره، فنقل في الشامل عن الأصحاب أنهم
قالوا: يخير، إما قبل القتال، وإما بعده. فيقال قبله: إن أردت القتال، فاطرح
الأجرة، وإن أردت الأجرة فاطرح الجهاد. ويقال بعده: إن كنت قصدت الجهاد،
فلا أجرة لك، وإن كنت قصدت الأجرة، فخذها ولا سهم لك. والمراد أنه يحصل
الغرض بكل واحد منهما، إلا أنه يخير في الحالتين جميعا.
فرع إذا أسهمنا للأجير، فله السلب إذا قتل. وإن لم نسهم، فوجهان.
وعلى هذا، يرضخ له على الصحيح كالعبد. وقيل: لا، لأنه لم يسهم له، وهو
من أهله، بخلاف العبد.
فرع هذا المذكور في الأجير لغير الجهاد. فأما الأجير للجهاد، ففي
صحة استئجار الذمي والمسلم كلام يأتي في السير إن شاء الله تعالى. فإن
صحت الإجارة، فله الأجرة، ولا سهم ولا رضخ، وإلا، فلا أجرة. وفي سهم
الغنيمة وجهان. أحدهما: يستحقه، لشهوده الوقعة. والثاني: المنع، وبه قطع
البغوي، قاتل، أم لا، لأنه أعرض عنه بالإجارة.
فصل تجار العسكر وأهل الحرف، كالخياطين، والسراجين،
والبزازين، والبقالين، وكل من خرج لغرض تجارة أو معاملة، إذا شهدوا الوقعة،
ففي استحقاقهم السهم طرق. المذهب أنهم إن قاتلوا، استحقوا، وإلا، فلا،
وهو ظاهر نصه في المختصر. وقيل: بالاستحقاق مطلقا، وهو الأصح عند
الروياني، وبالمنع مطلقا. وإذا لم نسهم لهم، فلهم الرضخ على الأصح.
339

فصل إذا أفلت أسير من الكفار، وشهد الوقعة مع المسلمين، فإن كان
من هذا الجيش، استحق السهم، قاتل، أم لا؟ وإن أسر من جيش آخر، فهل
يستحق لشهوده الوقعة، أم لا لعدم قصده الجهاد؟ قولان. ثم قيل بطرد القولين،
قاتل، أم لا. والمذهب والمنصوص في المختصر أنهما إذا لم يقاتل، فإن
قاتل، استحق قطعا. هذا إذا أفلت قبل انقضاء الحرب وحيازة الغنيمة. فإن أفلت
بعد الحرب وقبل الحيازة، فعلى ما سبق في لحوق المدد. وإن أفلت بعد الحيازة،
قال في الشامل: إن قلنا: تملك الغنيمة بالحيازة، فلا سهم له، وإلا، فهو كما
لو أفلت قبل الحيازة ولم يقاتل. وإذا لم يسهم له، ففي الرضخ الخلاف السابق.
فصل أسلم كافر، والتحق بجيش الاسلام، فشهد الوقعة، يسهم له إن
قاتل قطعا، وكذا إن لم يقاتل على الصحيح، لأنه قصد إعلاء كلمة الاسلام، وشهد
الوقعة. وفي الرقم للعبادي: أنه لا يستحق.
فصل سبق أن الغنيمة يبدأ منها بالسلب والمؤن، ثم يقسم الباقي خمسة
أقسام، ويجعل أربعة أخماسها للغانمين، فيسوى بينهم في ذلك، ولا يفضل
بعضهم إلا بشيئين. أحدهما: النقصان المقتضي للرضخ، تفريعا على الأظهر:
أنه من أربعة أخماسها. والثاني: أن الفارس يفضل على الراجل، فيعطى الفارس
ثلاثة أسهم، سهمين لفرسه، وسهما له، ويعطى الراجل سهما. ويتعلق بهذا
الأصل مسائل.
إحداها: راكب البعير، والفيل، والحمار، والبغل، لا يلحق بالفارس،
لكن يعطى الراكب سهمه، ويرضخ لهذه الدواب، ويكون رضخ الفيل أكثر من
رضخ البغل، ورضخ البغل أكثر من رضخ الحمار، ولا يبلغ رضخها سهم
فرس، ويرضخ (المسألة) الثانية: سواء للصبي والذمي الفارسين أكثر مما يرضخ لو كانا راجلين
في الخيل العتيق، وهو الذي أبواه عربيان، والبرذون، وهو
340

الذي أبواه أعجميان، والهجين، وهو الذي أبوه عربي وأمه عجمية، والمقرف،
وهو الذي أبوه عجمي وأمه عربية، لأن الكر والفر يقع منها كلها، ولا يضر تفاوتها،
كالرجال. وقي قول شاذ: لا يسهم للبرذون، بل يرضخ له.
(المسألة) الثالثة: ليتعهد الامام الخيل إذا أراد دخول دار الحرب، فلا يدخل إلا فرسا
شديدا، ولا يدخل حطما، وهو الكسير، ولا قحما، وهو الهرم، ولا ضرعا، وهو
الصغير الضعيف، ولا أعجف رازحا. والأعجف: المهزول. والرازح: هو بين
الهزال.
قلت: القحم، بفتح القاف وإسكان الحاء المهملة، والضرع، بفتح الضاد
المعجمة وفتح الراء أيضا، والرازح، بالراء وبعد الألف زاي مكسورة ثم حاء
مهملة، وضبطت هذه الألفاظ، لأنها في كلام الشافعي فلو وكتب الأصحاب رحمهم
الله، ورأيت من صحفها فأردت السلامة. والله أعلم
أدخل بعضهم شيئا منها، نظر إن نهى الامام عن إدخاله وبلغه النهي، لم
يسهم لفرسه، وإن لم ينه، أو لم يبلغه النهي، فقولان. أحدهما: يسهم له
كالشيخ الضعيف. وأظهرهما: لا، لأنه لا فائدة فيه، بل هو كل، بخلاف الشيخ
فإنه ينتفع برأيه ودعائه. وقال الشيخ أبو إسحاق: لا خلاف في المسألة، بل القول
الأول محمول على ما إذا أمكن القتال عليه، والثاني إذا لم يمكن.
(المسألة) الرابعة: من حضر بفرسين، لم يسهم إلا لواحد على المذهب، وبه قطع
الجمهور. وحكى بعضهم قولا أنه يسهم لفرسين ولا يزاد.
(المسألة) الخامسة: يسهم للفرس المستعار والمستأجر، فيكون السهم للمستعير
والمستأجر. وحكي وجه: أنه للمعير. وأما الفرس المغصوب. فالمذهب أنه يسهم
له، ويكون سهمه للغاصب. وقيل: للمغصوب منه. وقيل: لا يسهم له، لان
341

إحضاره حرام، فهو كالمعدوم.
(المسألة) السادسة: إذا كان القتال في ماء أو حصن وقد أحضر فرسه، أسهم
لفرسه، لأنه قد يحتاج إلى الركوب، نص عليه، وحمله ابن كج على ما إذا كانوا
بالقرب من الساحل، واحتمل أنه يخرج ويركب. فإن لم يحتمل الحال الخروج،
فلا معنى لاعطاء سهم الفرس.
(المسألة) السابعة: حضر اثنان بفرس مشترك بينهما، فهل يعطى كل منهما سهم
فرس، لأن معه فرسا قد يركبه، أم يعطيان سهم فرس واحد مناصفة، أم لا يعطيان
للفرس شيئا لأنه لم يحضر واحد منهما بفرس تام؟ فيه أوجه.
قلت: لعل الأصح المناصفة. والله أعلم.
ولو ركب اثنان فرسا، وشهدا الوقعة، فهل لهما سنة أسهم لأنهما فارسان؟ أم
سهمان لأنهما راجلان لتعذر الكر والفر؟ أم أربعة أسهم، سهمان لهما وسهمان
للفرس؟ فيه ثلاثة أوجه، وبالله التوفيق.
قلت: اختار ابن كج في التجريد وجها رابعا حسنا أنه إن كان فيه قوة الكر
والفر مع ركوبهما، فأربعة أسهم، وإلا، فسهمان.
ومن مسائل الباب: لو دخل دار الحرب راجلا، ثم حصل فرسا ببيع أو إعارة
أو غيرهما، وحضر به الحرب، أسهم له. قال صاحب العدة: ولو حضر
فارسا، فضاع فرسه، فأخذه رجل وقاتل عليه، فأسهم المقاتل له وللفرس، كان
سهما الفرس لمالكه، لأنه شهد الوقعة وفرسه حاضر ولم يوجد منه اختيار إزالة يد،
فصار كما لو كان معه ولم يقاتل عليه، ويفارق المغصوب حيث قلنا: سهم الفرس
للغاصب على المذهب، لأن المالك لم يشهد الوقعة.
ومنها: الأعمى، والزمن، ومقطوع اليدين والرجلين، المذهب: أنه لا
يسهم لهم، لكن يرضخ. وحكى الجرجاني في استحقاقهم السهم قولين.
342

ولو شرط الامام للجيش أن لا يخمس عليهم، فشرطه باطل، ويجب تخميس
ما غنموا، وسواء شرط ذلك لضرورة، أم لا. وحكى ابن كج وجها أنه إن شرطه
لضرورة، لم يخمس، وهذا شاذ باطل. ولو غزت طائفة بغير إذن الإمام فغنمت،
خمس على المذهب، وبه قطع الجمهور. وحكى ابن كج وجها: أنه لا يخمس،
وهو باطل. ولو كان معه فرس فلم يركبه ولم يعلم به، قال ابن كج: لم يسهم له بلا
خلاف. قال: ولو علم به ولم يركبه بحال، فلا سهم له. قال: وعندي يسهم له
إذا كان يمكنه ركوبه ولم يحتج إليه. والله أعلم.
343

تم - بعون الله تعالى وتوفيقه - الجزء الخامس من كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين للامام النووي، ويليه الجزء السادس، وأوله كتاب النكاح
كتاب النكاح
وفيه أبواب.
الباب الأول في خصائص رسول الله (ص) في النكاح وغيره. قال الأئمة: هي
أربعة أضرب.
أحدها: ما اختص به رسول الله (ص) من الواجبات، والحكمة فيه زيادة
الزلفى والدرجات، فلن يتقرب المتقربون إلى الله تعالى بمثل أداء ما افترض
344

عليهم.
قلت: قال إمام الحرمين هنا: قال بعض علمائنا: الفريضة يزيد ثوابها
على ثواب النافلة بسبعين درجة، واستأنسوا فيه بحديث. والله أعلم.
فمن ذلك، صلاة الضحى، ومنه الأضحية، والوتر، والتهجد،
345

والسواك، والمشاورة على الصحيح في الخمسة.
والأرجح: أن الوتر غير التهجد.
قلت: جمهور الأصحاب، على أن التهجد كان واجبا عليه (ص). قال القفال:
وهو أن يصلي في الليل وإن قل.
346

وحكى الشيخ أبو حامد: أن الشافعي رحمه الله نص على أنه نسخ وجوبه في
حقه (ص)، كما نسخ في حق غيره، وهذا هو الأصح أو الصحيح. وفي صحيح
مسلم عن عائشة رضي الله عنها ما يدل عليه. والله أعلم.
وكان عليه (ص)، إذا رأى منكرا أن يغيره، لأن الله تعالى وعده بالعصمة.
قلت: قد يقال: هذا ليس من الخصائص، بل كل مكلف تمكن من إزالته،
لزمه تغييره، ويجاب عنه بأن المراد أنه لا يسقط عنه للخوف، فإنه معصوم، بخلاف
غيره. والله أعلم.
وكان عليه (ص)، مصابرة العدو وإن كثر عددهم.
وكان عليه (ص)، قضاء دين من مات من المسلمين معسرا. وقيل: كان يقضيه
تكرما.
وفي وجوب قضاء دين المعسر على الامام من مال المصالح، وجهان.
347

وقيل: كان يجب عليه (ص) إذا رأى شيئا يعجبه أن يقول: لبيك إن العيش عيش
الآخرة.
وأما في النكاح، فأوجب الله سبحانه وتعالى عليه (ص) تخيير نسائه بين مفارقته
واختياره. وحكى الحناطي وجها أن هذا التخيير كان مستحبا، والصحيح الأول.
ولما خيرهن، اخترنه والدار الآخرة، فحرم الله تعالى عليه (ص) التزويج عليهن والتبدل بهن
مكافأة لهن على حسن صنيعهن، فقال تعالى: * (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن
تبدل بهن من أزواج) * ثم نسخ ذلك لتكون المنة لرسول الله (ص) بترك التزويج
عليهن، بقوله تعالى: * (إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن
) * وهل حرم عليه (ص) طلاقهن بعدما اخترنه؟ فيه أوجه. أصحهما: لا،
والثاني: نعم. والثالث: يحرم عقيب اختيارهن، ولا يحرم إن انفصل. ولو
فرض أن واحدة منهن اختارت الدنيا، فهل كان يحصل الفراق بنفس الاختيار؟
وجهان. أصحهما: لا. وهل كان جوابهن مشروطا بالفور؟ وجهان. أصحهما:
لا. فإن قلنا بالفور، فهل كان يمتد بامتداد المجلس، أم المعتبر ما يعد جوابا في
العرف؟ وجهان. وهل كان قولها: اخترت نفسي، صريحا في الفراق؟ فيه
وجهان.
وهل كان يحل له (ص) التزويج بها بعد الفراق؟ وجهان.
الضرب الثاني: ما اختص به من المحرمات، وهي قسمان.
أحدهما: المحرمات في غير النكاح، فمنها الزكاة، وكذا الصدقة على الأظهر. وأما الاكل متكئا، وأكل الثوم والبصل والكراث، فكانت مكروهة له
348

(ص) على الأصح. وقيل: محرمة. ومما عد من المحرمات، الخط والشعر، وإنما
يتجه القول بتحريمها ممن يقول: إنه (ص) كان يحسنهما. وقد اختلف فيه، فقيل:
كان يحسنهما لكنه يمتنع منهما، والأصح أنه كان لا يحسنهما.
قلت: ولا يمتنع تحريمهما وإن لم يحسنهما. والمراد تحريم التوصل
إليهما. والله أعلم.
وكان يحرم عليه (ص)، إذا لبس لامته أن ينزعها حتى يلقى العدو ويقاتل،
349

وقيل: كان مكروها لا محرما. والصحيح الأول. وقيل: بناء عليه أنه كان لا يبتدئ
تطوعا إلا لزمه إتمامه.
وكان يحرم عليه (ص) مد العين إلى ما متع به الناس، ويحرم عليه خائنة
الأعين، وهي الايماء إلى مباح من قتل أو ضرب، على خلاف ما يظهره ويشعر
به الحال. وقال صاحب التلخيص: ولم يكن له أن يخدع في الحرب، وخالفه
الجمهور. وفي الجرجانيات ذكر وجهين، في أنه هل كان يجوز له أن يصلي
على من عليه دين؟ وهل كان يجوز أ يصلي مع وجود الضامن؟
قلت: الصواب الجزم بجوازه مع الضامن، ثم نسخ التحريم، فكان (ص) بعد
ذلك يصلي على من عليه دين ولا ضامن له، ويوفيه من عنده. والأحاديث
الصحيحة مصرحة بما ذكرته. والله أعلم.
القسم الثاني: المحرمات المتعلقة بالنكاح. فمنها: إمساك من كرهت نكاحه
على الصحيح. وقيل: إنما كان يفارقها تكرما.
ومنها: نكاح الكتابية على الأصح، وبه قال ابن سريج والقاضي أبو حامد
350

والاصطخري. وقال أبو إسحاق: ليس بحرام، ويجري الوجهان في التسري بالأمة
الكتابية ونكاح الأمة المسلمة، لكن الأصح في التسري بالكتابية، الحل. وفي
نكاح المسلمة، التحريم. قالوا: ولو قدر نكاح أمة، كان ولده منها حرا على
الصحيح مع تجويزنا جريان الرق على العرب. وفي لزوم قيمة هذا الولد وجهان. قال
أبو عاصم: نعم. وقال القاضي حسين: لا، بخلاف ولد المغرور بحرية أمه، لأنه
فوت الرق بظنه، وهنا الرق متعذر.
وأما الأمة الكتابية، فكان نكاحها محرما عليه على المذهب. وطرد الحناطي
فيه الوجهين.
الضرب الثالث: التخفيفات والمباحات. وما أبيح له (ص) دون غيره قسمان.
أحدهما: متعلق بغير النكاح، فمنه الوصال في الصوم، واصطفاء ما يختاره من
الغنيمة قبل القسمة من جارية وغيرها، ويقال لذلك المختار: الصفي والصفية،
والجمع: الصفايا.
ومنه، خمس خمس الفئ والغنيمة، وأربعة أخماس الفئ، ودخول مكة
بغير إحرام، نقله صاحب التلخيص وغيره. ومنه، أنه لا يورث ماله. ثم حكى
الامام وجهين. أحدهما: أن ما تركه باق على ملكه، ينفق منه على أهله كما كان
ينفق في حياته. قال: وهذا هو الصحيح. والثاني: أن سبيل ما خلفه سبيل
الصدقات، وبهذا قطع أبو العباس الروياني في الجرجانيات. ثم حكى وجهين
في أنه هل يصير وقفا على ورثته؟ وأنه إذا صار وقفا، هل هو للواقف لقوله (ص): ما
تركنا صدقة؟ وجهان.
قلت: كل هذا ضعيف، والصواب الجزم بأنه زال ملكه (ص)، وأن ما تركه فهو
صدقة على المسلمين لا يختص به الورثة. وكيف يصح غير ما ذكرته مع قول (ص):
351

لا نورث ما تركناه فهو صدقة؟ فهذا نص على زوال الملك. والله أعلم.
وهذه الخصلة، عدها الغزالي من هذا الضرب، وعدها الأكثرون من الضرب
الرابع. ومنه، أنه (ص) كان له أن يقضي بعلمه، وفي غيره خلاف. وأن يحكم
لنفسه ولولده على المذهب، وأن يشهد لنفسه ولولده، وأن يقبل شهادة من يشهد
له، وأن يحمي الموات لنفسه، وأن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج
إليهما إذا احتاج إليهما، وعلى صاحبهما البذل، ويفدي بمهجته مهجة
رسول الله (ص)، قال الله تعالى: * (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) *.
قلت: ومثله ما ذكره الفوراني وإبراهيم المروذي وغيرهما، أنه لو قصده
ظالم، وجب على من حضره أن يبذل نفسه دونه (ص). والله أعلم.
وكان لا ينتقض وضوؤه (ص) بالنوم مضطجعا، وحكى أبو العباس فيه وجها غريبا
ضعيفا، وحكى وجهين في انتقاض طهره باللمس. قلت: المذهب الجزم بانتقاضه باللمس.
والله أعلم.
وحكى أيضا صاحب التلخيص: أنه كان يحل له (ص) دخول المسجد
جنبا، ولم يسلمه القفال له، بل قال: لا أظنه صحيحا.
قلت: هذا الذي قاله صاحب التلخيص، قد يحتج له بما رواه الترمذي
عن عطية عن أبي سعيد (الخدري) رضي الله عنه قال: قال النبي (ص) يا
علي لا يحل لاحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك قال الترمذي: حديث
حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قال الترمذي: قال ضرار بن صرد،
352

معناه: لا يحل لاحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك، وهذا التأويل الذي قاله ضرار،
غير مقبول وقال إمام الحرمين: هذا الذي قاله صاحب التلخيص هو لا يدرى
من أين قاله، وإلى أي أصل أسنده. قال: فالوجه: القطع بتخطئته، وهذا كلام من لم
يعلم الحديث المذكور، لكن قد يقدح قادح في الحديث بسبب عطية، فإنه ضعيف
عند جمهور المحدثين، لكن قد حسنه الترمذي، فلعله اعتضد بما اقتضى حسنه كما
نقرر لأهل هذا الفن، فظهر ترجيح قول صاحب التلخيص.
واعلم أن معظم هذه المباحات، لم يفعلها (ص) وإن كانت مباحة له.
القسم الثاني: المتعلق بالنكاح، فمنه الزيادة على أربع نسوة. والأصح أنه
لم يكن منحصرا في تسع، وقطع بعضهم بهذا، وينحصر طلاقه (ص) في الثلاث،
وينعقد نكاحه - بلفظ الهبة - (ص) على الأصح فيهما. وإذا انعقد بلفظ الهبة، لم
يجب مهر بالعقد ولا بالدخول، ويشترط لفظ النكاح من جهته (ص) على الأصح. قال
الأصحاب: وينعقد نكاحه (ص) بمعنى الهبة، حتى لا يجب المهر ابتداء ولا انتهاء،
وفي المجرد للحناطي وغيره وجه غريب: أنه يجب المهر. ومنه، أنه (ص) لو
رغب في نكاح امرأة، فإن كانت خلية، لزمها الإجابة على الصحيح، ويحرم على
353

غيره خطبتها. وإن كانت مزوجة، وجب على زوجها طلاقها لينكحها على
الصحيح.
ومنه انعقاد نكاحه (ص) بغير ولي ولا شهود، وفي حال الاحرام على الأصح
في الجميع. وفي وجوب القسم بين زوجاته، وجهان. قال الإصطخري: لا.
والأصح عند الشيخ أبي حامد والعراقيين والبغوي: الوجوب، وأكثر هذه المسائل
وأخواتها، تتخرج على أصل اختلف فيه الأصحاب، وهو أن النكاح في حقه (ص)،
هل هو كالتسري في حقنا؟ إن قلنا: نعم، لم ينحصر عدد المنكوحات والطلاق،
وانعقد بالهبة ومعناها، وبلا ولي وشهود، وفي الاحرام، ولم يجب القسم، وإلا
انعكس الحكم.
وكان له (ص) تزويج المرأة ممن شاء بغير إذنها ولا إذن وليها، وتزوجها لنفسه،
وتولي الطرفين بغير إذنها ولا إذن وليها. قال الحناطي: ويحتمل أنه إنما كان يحل
بإذنها، وكان يحل له نكاح المعتدة على أحد الوجهين.
قلت: هذا الوجه حكاه البغوي، وهو غلط لم يذكره جمهور الأصحاب،
وغلطوا من ذكره. بل الصواب القطع بامتناع نكاح المعتدة من غيره. والله أعلم.
وهل كان يلزمه نفقة زوجاته؟ فيه وجهان بناء على المهر.
قلت: الصحيح الوجوب. والله أعلم.
وكانت المرأة تحل له (ص) بتزويج الله تعالى، لقوله في قصة زينب امرأة
354

زيد: * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) * وقيل: بل نكحها بنفسه.
ومعنى الآية: أحللنا لك نكاحها.
وهل كان يحل له الجمع يبن امرأة وعمتها أو خالتها؟ وجهان باء على أن
المخاطب هل يدخل في الخطاب؟ ولم يكن يحل الجمع بينها وبين أختها وأمها
وبنتها على المذهب. وحكى الحناطي فيه وجهين.
وأعتق (ص) صفية وتزوجها، وجعل عتقها صداقها. فقيل: معناه: أعتقها
وشرط أن ينكحها، فلزمها الوفاء، بخلاف غيره. وقيل: جعل نفس العتق صداقا،
وجاز ذلك، بخلاف غيره.
قلت: وقيل: معناه: أعتقها بلا عوض، وتزوجها بلا مهر لا في الحال ولا
في ما بعد، وهذا أصح. والله أعلم.
الضرب الرابع: ما اختص به (ص) من الفضائل والاكرام، فمنه أن زوجاته
اللاتي توفي عنهن - رضي الله عنهن - محرمات على غيره أبدا، وفيمن فارقها في
الحياة أوجه. قال ابن أبي هريرة: يحرم، وهو المنصوص في أحكام القرآن، لقول
الله تعالى: * (وأزواجه أمهاتهم) *. والثاني، يحل. والثالث: يحرم الدخول بها
فقط. قال الشيخ أبو حامد: هو الصحيح.
قلت: الأول أرجح. والله أعلم.
فإن حرمنا، ففي أمة يفارقها بالموت أو غيره بعد وطئها وجهان.
355

ولو فرض أن بعض المخيرات اختارت الفراق، ففي حلها لغيره طريقان. قال
العراقيون: فيها الأوجه، وقطع أبو يعقوب الأبيوردي وآخرون بالحل، لتحصل فائدة
التخيير، وهو التمكن من زينة الدنيا، وهذا اختيار الإمام، والغزالي.
ومنه، أن أزواجه أمهات المؤمنين، سواء من ماتت تحته (ص)، ومن مات عنها
وهي تحته، وذلك في تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن وطاعتهن، لا في النظر
والخلوة، ولا يقال: بناتهن أخوات المؤمنين، ولا آباؤهن وأمهاتهن أجداد وجدات
المؤمنين، ولا إخوتهن وأخواتهن أخوال المؤمنين وخالاتهم. وحكى أبو الفرج الزاز
وجها أنه يطلق اسم الأخوة على بناتهن، واسم الخؤولة على إخوتهن وأخواتهن،
لثبوت حرمة الأمومة لهن، وهذا ظاهر لفظ المختصر.
قلت: قال البغوي: كن أمهات المؤمنين من الرجال دون النساء، روي ذلك
عن عائشة رضي الله عنها، وهذا جار على الصحيح عند أصحابنا وغيرهم من أهل
الأصول، أن النساء لا يدخلن في خطاب الرجال. وحكى الماوردي في تفسيره
خلافا في كونهن أمهات المؤمنات، وهو خارج على مذهب من أدخلهن في خطاب
الرجال. قال البغوي: وكان النبي (ص) أبا للرجال والنساء جميعا. وقال الواحدي من
أصحابنا: قال بعض أصحابنا: لا يجوز أن يقال: هو أبو المؤمنين، لقول الله
تعالى: * (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) *
قال: نص الشافعي على أنه يجوز أن يقال: هو أبو المؤمنين، أي: في
الحرمة. ومعنى الآية: ليس أحد من رجالكم ولد صلبه. والله أعلم.
ومنه، تفضيل زوجاته على سائر النساء، وجعل ثوابهن وعقابهن مضاعفا،
356

ولا يحل أن يسألهن أحد شيئا إلا من وراء حجاب، ويجوز أن يسأل غيرهن مشافهة.
قلت: وأفضل زوجاته (ص)، خديجة، وعائشة رضي الله عنهما قال المتولي:
واختلفوا أيتهما أفضل. والله أعلم.
ومنه، في غير النكاح، أنه خاتم النبيين، صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين، وأمته خير الأمم، وشريعته مؤبدة وناسخة لجميع الشرائع، وكتابه معجز
محفوظ عن التحريف والتبديل، وأقيم بعده حجة على الناس، ومعجزات سائر
الأنبياء انقرضت، ونصر بالرعب مسيرة شهر، وجعلت له الأرض مسجدا، وترابها
طهورا، وأحلت له الغنائم، ويشفع في أهل الكبائر.
قلت: هذه العبارة ناقصة أو باطلة، فإن شفاعته (ص) التي اختص بها ليست
الشفاعة في مطلق أهل الكبائر، فإن لرسول الله (ص) في القيامة شفاعات خمسا.
أولاهن: الشفاعة العظمى في الفصل بين أهل الموقف حين
يفزعون إليه بعد الأنبياء،. كما ثبت في الحديث الصحيح، حديث الشفاعة.
والثانية: في جماعة، فيدخلون الجنة بغير حساب.
والثالثة: في ناس استحقوا دخول النار فلا يدخلونها.
والرابعة: في ناس دخلوا النار، فيخرجون.
والخامسة: في رفع درجات ناس في الجنة، وقد أوضحت ذلك (كله)
في كتاب الايمان من أول شرح صحيح مسلم رحمه الله، والشفاعة المختصة
به (ص)، هي الأولى والثانية، ويجوز أن تكون الثالثة والخامسة أيضا. والله أعلم.
357

وبعث (ص) إلى الناس كافة، وهو سيد ولد آدم، وأول من تنشق عنه
الأرض، وأول شافع ومشفع، وأول من يقرع باب الجنة، وهو أكثر الأنبياء أتباعا،
وأمته معصومة لا تجتمع على ضلالة، وصفوفهم كصفوف الملائكة. وكان لا ينام
قلبه، ويرى من وراء ظهره كما يرى من قدامه، وتطوعه بالصلاة قاعدا كتطوعه قائما
وإن لم يكن عذر، وفي حق غيره ثواب القاعد النصف.
قلت: هذا قد قاله صاحب التلخيص، وتابعه البغوي، وأنكره القفال،
وقال: لا يعرف هذا، بل هو كغيره، والمختار الأول، لحديث عبد الله بن عمرو
بن العاص رضي الله عنهما قال: أتيت رسول الله (ص) فوجدته يصلي جالسا،
فقلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت: صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة
وأنت تصلي قاعدا: قال: أجل ولكني لست كأحدكم رواه مسلم في
صحيحه. والله أعلم.
ويخاطبه (ص) المصلي بقوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، ولا
يخاطب سائر الناس، ولا يجوز لاحد رفع صوته فوق صوته، ولا أن يناديه من وراء
358

الحجرات، ولا أن يناديه باسمه فيقول: يا محمد، بل يقول: يا رسول الله، يا
نبي الله، ويجب على المصلي إذا دعاه، أن يجيبه، ولا تبطل صلاته. وحكى أبو
العباس الروياني وجها أنه لا يجب، وتبطل به الصلاة، وكان يتبرك ويستشفى ببوله
ودمه، ومن زنا بحضرته أو استهان به، كفر.
قلت: في الزنا، نظر. والله أعلم.
وأولاد بناته ينسبون إليه، وأولاد بنات غيره، لا ينسبون إليه في الكفاءة
وغيرها.
قلت: كذا قال صاحب التلخيص وأنكره القفال وقال: لا اختصاص في
انتساب أولاد البنات. والله أعلم.
وقال (ص): كل سبي ونسب منقطع يوم القيامة، إلا سببي ونسبي قيل:
معناه: أن أمته ينتسبون إليه يوم القيامة، وأمم سائر الأنبياء لا ينسبون إليهم. وقيل:
ينتفع يومئذ بالنسبة إليه، ولا ينتفع بسائر الأنساب. وقال (ص) تسموا باسمي، ولا
تكتنوا بكنيتي وقال الشافعي رضي الله عنه: ليس لأحد أن يكتني بأبي القاسم،
سواء كان اسمه محمدا، أم لا، ومنهم من حمله على كراهة الجمع بين الاسم
والكنية، وجوز الافراد، ويشبه أن يكون هذا أصح، لأن الناس ما زالوا يكتنون
به في جميع الأعصار من غير إنكار.
359

قلت: هذا الذي تأوله الرافعي واستبدل به فيهما، ضعيف، وهذه المسألة
فيها ثلاثة مذاهب. أحدها: مذهب الشافعي، وهو ما ذكره. والثاني: مذهب
مالك: أنه يجوز التكني بأبي القاسم لمن اسمه محمد ولغيره. والثالث: يجوز لمن
اسمه محمد دون غيره. ومن جوز مطلقا، جعل النهي مختصا بحياة رسول الله (ص)،
وقد يستدل له بما ثبت في الحديث من سبب النهي، وأن اليهود تكنوا به، وكانوا
ينادون: يا أبا القاسم، فإذا التفت النبي (ص) قالوا: لم نعنك، إظهارا للايذاء، وقد
زال ذلك المعنى، وهذا المذهب أقرب، وقد أوضحته مع ما يتعلق به في كتاب
الأذكار وكتاب الأسماء.
وما يتعلق بهذا الضرب، أن شعره (ص) طاهر على المذهب وإن نجسنا شعر
غيره، وأن بوله ودمه وسائر فضلاته، طاهرة على أحد الوجهين كما سبق، وأن
الهدية له حلال، بخلاف غيره من الحكام وولاة الأمور من رعاياهم. وأعطي جوامع
الكلم. ومن خصائصه (ص)، ما ذكره صاحب التلخيص والقفال قالا: كان
النبي (ص) يؤخذ عن الدنيا عند تلقي الوحي، ولا تسقط عنه الصلاة ولا غيرها.
وفاته (ص) ركعتان بعد الظهر، فقضاهما بعد العصر، ثم واظب عليهما بعد العصر.
360

وفي اختصاصه بهذه المداومة، وجهان. أصحهما: الاختصاص. ومنها:
أنه لا يجوز الجنون على الأنبياء، بخلاف الاغماء.
واختلفوا في جواز الاحتلام، والأشهر امتناعه. ومنها، أنه من رآه (ص) في
المنام فقد رآه حقا. وأن الشيطان لا يتمثل في صورته، ولكن لا يعمل بما
يسمعه الرائي منه في المنام مما يتعلق بالأحكام، لعدم ضبط الرائي، لا للشك
في الرؤية، فإن الخبر لا يقبل إلا من ضابط مكلف، والنائم بخلافه.
361

ومنها، أن الأرض لا تأكل لحوم الأنبياء، للحديث الصحيح في ذلك.
ومنها قوله (ص) في الحديث: إن كذبا علي ليس ككذب على أحد. فالكذب
عمدا عليه من الكبائر، ولا يكفر فاعله على الصحيح وقول الجمهور. وقال الشيخ
أبو محمد: هو كفر. ولنختم الباب بكلامين.
أحدهما: قال إمام الحرمين: قال المحققون: ذكر الاختلاف في مسائل
الخصائص خبط غير مفيد، فإنه لا يتعلق به حكم ناجز تمس إليه حاجة، وإنما
يجري الخلاف فيا لا نجد بدا من إثبات حكم فيه، فإن الأقيسة لا مجال لها،
والاحكام الخاصة تتبع فيها النصوص، وما لا نص فيه، فتقدير اختيار فيه، هجوم
على الغيب من غير فائدة.
والكلام الثاني: قال الصيمري: منع أبو علي بن خيران الكلام في
الخصائص، لأنه أمر انقضى، فلا معنى للكلام فيه. وقال سائر أصحابنا: لا بأس
به، وهو الصحيح، لما فيه من زيادة العلم، فهذا كلام الأصحاب، والصواب
الجزم بجواز ذلك، بل باستحبابه. بل لو قيل بوجوبه، لم يكن بعيدا، لأنه ربما
رأى جاهل بعض الخصائص ثابتة في الحديث الصحيح فعمل به أخذا بأصل
التأسي، فوجب بيانها لتعرف فلا يعمل بها، وأي فائدة أهم من هذه؟
وأما ما يقع في ضمن الخصائص مما لا فائد فيه اليوم، فقليل لا تخلو أبواب
362

الفقه عن مثله للتدرب ومعرفة الأدلة وتحقيق الشئ على ما هو عليه. والله أعلم.
الباب الثاني في مقدمات النكاح
وفيه فصول.
الفصل الأول: فيمن يستحب له النكاح:
الناس ضربان، تائق إلى النكاح، وغيره.
فالتائق، إن وجد أهبة النكاح، استحب له، سواء كان مقبلا على العبادة،
أم لا. وإن لم يجدها، فالأولى أن لا يتزوج ويكسر شهوته بالصوم، فإن لم تنكسر
به، لم يكسرها بالكافور ونحوه، بل يتزوج.
وأما غير التائق، فإن لم يجد أهبة، أو كان به مرض أو عجز، بجب أو تعنين
أو كبر، كره له النكاح لما فيه من التزام ما لا يقدر على القيام به من غير حاجة. وإن
وجد الإهبة، ولم يكن به علة، لم يكره له النكاح، لكن التخلي للعبادة أفضل.
فإن لم يكن مشتغلا بالعبادة، فوجهان حكاهما ابن القطان وغيره، وأصحهما:
النكاح أفضل كيلا تفضي به البطالة والفراغ إلى الفواحش. والثاني: تركه أفضل،
ما فيه من الخطر بالقيام بواجبه. وحكي وجه: أن النكاح أفضل من التخلي
للعبادة.
وفي شرح مختصر الجويني وجه: أنه إن خاف الزنا، وجب عليه النكاح.
363

وقال القاضي أبو سعد الهروي: ذهب بعض أصحابنا بالعراق، إلى أن النكاح فرض
كفاية، حتى لو امتنع منه أهل قطر، أجبروا عليه.
قلت: الوجه المحكي عن شرح الجويني، لا يحتم النكاح، بل يخير بينه
وبين التسري، ومعناه ظاهر. والله أعلم.
الفصل الثاني: إذا أراد النكاح، فالبكر أولى من الثيب إذا لم يكن عذر،
364

والولود أولى، والنسيبة أولى، والتي ليست بقرابة قريبة أولى، وذات الدين أولى.
قلت: وبعد الدين، ذات الجمال والعقل أولى، وقرابته غير القريبة أولى من
الأجنبية، والمستحب أن لا يزيد على امرأة من غير حاجة ظاهرة، ويستحب أن لا
يتزوج من معها ولد من غيره لغير مصلحة، قاله المتولي. وإنما قيدت لغير
المصلحة، لأن رسول الله (ص) تزوج أم سلمة رضي الله عنها ومعها ولد أبي سلمة
رضي الله عنهم. قال أصحابنا: ويستحب أن يتزوج في شوال، للحديث الصحيح
عن عائشة رضي الله عنها (في ذلك).
والمستحب، أن لا يتزوجها إلا بعد بلوغها، نص عليه الشافعي رضي الله
عنه، وهذا إذا لم يكن حاجة أو مصلحة. والله أعلم.
فرع إذا رغب في نكاحها، استحب أن ينظر إليها لئلا يندم.
وفي وجه: لا يستحب هذا النظر، بل هو مباح. والصحيح الأول، للأحاديث.
ويجوز تكرير هذا النظر ليتبين هيئتها، وسواء النظر بإذنها وبغير إذنها. فإن لم يتيسر
النظر، بعث امرأة تتأملها وتصفها له، والمرأة أيضا تنظر إلى الرجل إذا أرادت
365

تزوجه، فإنه يعجبها منه ما يعجبه منها، ثم المنظور إليه الوجه والكفان ظهرا وبطنا،
ولا ينظر إلى غير ذلك. وحكى الحناطي وجهين في المفصل الذي بين الكف
والمعصم. وفي شرح مختصر الجويني وجه: أنه ينظر إليها نظر الرجل إلى
الرجل. والصحيح الأول.
قال الامام: ويباح هذا النظر وإن خاف الفتنة لغرض التزوج، ووقت هذا
النظر، بعد العزم على نكاحها، وقبل الخطبة، لئلا يتركها بعد الخطبة فيؤذيها،
هذا هو الصحيح. وقيل: ينظر حين تأذن في عقد النكاح. وقيل: عند ركون كل
واحد منهما إلى صاحبه، وذلك حين تحرم الخطبة على الخطبة.
قلت: وإذا نظر فلم تعجبه، فليسكت، ولا يقل: لا أريدها، لأنه إيذاء.
والله أعلم.
الفصل الثالث: في أحكام النظر.
جرت العادة بذكره هنا، وله حالان. أحدهما: آن لا تمس الحاجة إليه.
والثاني: أن تمس.
والحال الأول: أربعة أضرب، نظر الرجل إلى المرأة، وعكسه،
والرجل إلى الرجل، والمرأة إلى المرأة.
الضرب الأول: نظر الرجل إلى المرأة، فيحرم نظره إلى عورتها
مطلقا، وإلى وجهها وكفيها إن خاف فتنة. وإن لم يخف، فوجهان، قال أكثر
الأصحاب لا سيما المتقدمون: لا يحرم، لقول الله تعالى: * (ولا يبدين زينتهن إلا
ما ظهر منها) * وهو مفسر بالوجه والكفين، لكن يكره، قاله الشيخ أبو حامد
وغيره. والثاني: يحرم، قاله الإصطخري وأبو علي الطبري، واختاره الشيخ أبو
محمد، والامام، وبه قطع صاحب المهذب والروياني، ووجهه الامام باتفاق
المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات، وبأن النظر مظنة الفتنة، وهو محرك
366

للشهوة، فاللائق بمحاسن الشرع، سد الباب فيه، والاعراض عن تفاصيل الأحوال،
كالخلوة بالأجنبية.
ثم المراد بالكف، اليد من رؤوس الأصابع إلى المعصم. وفي وجه: يختص الحكم بالراحة.
وأما أخمصا القدمين، فعلى الخلاف السابق في ستر العورة. وصوتها ليس
بعورة على الأصح، لكن يحرم الاصغاء إليه عند خوف الفتنة. وإذا قرع بابها،
فينبغي أن لا تجيب بصوت رخيم، بل تغلظ صوتها.
قلت: هذا الذي ذكره من تغليظ صوتها، كذا قاله أصحابنا. قال إبراهيم
المروذي: طريقها أن تأخذ ظهر كفها بفيها وتجيب كذلك. والله أعلم.
هذا كله إذا كان الناظر بالغا فحلا، والمنظور إليها حرة كبيرة أجنبية. ثم
الكلام في ست صور.
إحداها: الطفل الذي لم يظهر على عورات النساء، لا حجاب منه. وفي
المراهق وجهان. أحدهما: له النظر، كما له الدخول بلا استئذان إلا في الأوقات
الثلاثة، فعلى هذا، نظره كنظر المحارم البالغين. وأصحهما: أن نظره كنظر
البالغ إلى الأجنبية، لظهوره على العورات. ونزل الامام أمر الصبي ثلاث درجات.
إحداها: أن لا يبلغ أن يحكي ما يرى.
والثانية: يبلغه ولا يكون فيه ثوران شهوة وتشوف. والثالثة: أن يكون فيه
367

ذلك. فالأول حضوره كغيبته، ويجوز التكشف له من كل وجه. والثاني:
كالمحرم.
والثالث: كالبالغ. واعلم أن الصبي لا تكليف عليه، وإذا جعلناه كالبالغ،
فمعناه يلزم المنظور إليها الاحتجاب منه، كما يلزمها الاحتجاب من المجنون قطعا.
قلت: وإذا جعلنا الصبي كالبالغ، لزم الولي أن يمنعه النظر، كما يلزم أن
يمنعه الزنا وسائر المحرمات. والله أعلم.
الصورة الثانية: في الممسوح وجهان. قال الأكثرون: نظره إلى
الأجنبية، كنظر الفحل إلى المحارم، وعليه يحمل قول الله تعالى: * (أو التابعين
غير أولي الإربة من الرجال) *. والثاني: أنه كالفحل مع الأجنبية، لأنه يحل له
نكاحها.
قلت: والمختار في تفسير غير أولي الإربة أنه المغفل في عقله الذي لا
يكترث للنساء ولا يشتهيهن، كذا قاله ابن عباس وغيره. والله أعلم.
وأما المجبوب الذي بقي أنثياه، والخصي الذي بقي ذكره، والعنين،
والمخنث وهو المشبه بالنساء، والشيخ الهم، فكالفحل، كذا أطلق الأكثرون.
وقال في الشامل: لا يحل للخصي النظر، إلا أن يكبر ويهرم وتذهب شهوته،
وكذا المخنث. وأطلق أبو مخلد البصري المتأخر في الخصي والمخنث وجهين.
قلت: هذا المذكور عن الشامل قاله شيخه القاضي أبو الطيب، وصرح
بأن الشيخ الذي ذهبت شهوته، يجوز له ذلك، لقوله تعالى: * (أو التابعين غير
أولي الإربة) *. والله أعلم.
368

الصورة الثالثة: مملوك المرأة محرم لها على الأصح (عند الأكثرين).
قلت: وهو المنصوص، وظاهر الكتاب والسنة وإن كان فيه نظر من حيث
المعنى، قال القاضي حسين: فإن كاتبته، فليس بمحرم. والله أعلم.
الصورة الرابعة: إذا كان المنظور إليها أمة، فثلاثة أوجه. أصحها فيما
ذكره البغوي والروياني: يحرم النظر إلى ما بين السرة والركبة، ولا يحرم ما سواه،
لكن يكره. والثاني: يحرم ما لا يبدو حال المهنة دون غيره. والثالث: أنها
كالحرة، وهذا غريب لا يكاد يوجد لغير الغزالي.
قلت: قد صرح صاحب البيان وغيره، بأن الأمة كالحرة وهو مقتضى
إطلاق كثيرين، وهو أرجح دليلا. والله أعلم.
الصورة الخامسة: في النظر إلى الصبية، وجهان. أحدهما: المنع.
والأصح الجواز، ولا فرق بين عورتها وغيرها، لكن لا ينظر إلى الفرج.
قلت: جزم الرافعي، بأنه لا ينظر إلى فرج الصغيرة. ونقل صاحب العدة
الاتفاق على هذا، وليس كذلك، بل قطع القاضي حسين في تعليقه بجواز النظر إلى
فرج الصغيرة التي لا تشتهى، والصغير، وقطع به في الصغير إبراهيم المروذي.
وذكر المتولي فيه وجهين، وقال: الصحيح الجواز، لتسامح الناس بذلك قديما
وحديثا، وأن إباحة ذلك تبقى إلى بلوغه سن التمييز، ومصيره بحيث يمكنه ستر
عورته عن الناس. والله أعلم.
369

وأما العجوز، فألحقها الغزالي بالشابة، لأن الشهوة لا تنضبط، وهي محل
الوطئ. وقال الروياني: إذا بلغت مبلغا يؤمن الافتتان بالنظر إليها، جاز النظر إلى
وجهها وكفيها، لقول الله تعالى: * (والقواعد من النساء) *.
الصورة السادسة: المحرم لا ينظر إلى ما بين السرة والركبة، وله النظر
إلى ما سواه على المذهب. وفي وجه: أنه يباح ما يبدو عند المهنة. وهل الثدي
زمن الارضاع مما يبدو؟ وجهان. وسواء المحرم بالنسب والمصاهرة والرضاع،
وقيل: لا ينظر بالمصاهرة والرضاع إلا إلى البادي في المهنة. والصحيح الأول.
قلت: ويجوز للمحرم الخلوة والمسافرة بها. والله أعلم.
الضرب الثاني: نظر الرجل إلى الرجل، وهو جائز في جميع البدن، إلا ما
بين السرة والركبة، لكن يحرم النظر إلى الأمرد وغيره بالشهوة، وكذا النظر إلى
المحارم وسائر المذكورات في الضرب السابق بالشهوة حرام قطعا. ولا يحرم النظر
إلى الأمرد بغير شهوة إن لم يخف فتنة، وإن خافها، حرم على الصحيح وقول
الأكثرين.
قلت: أطلق صاحب المهذب وغيره: أنه يحرم النظر إلى الأمرد لغير
حاجة، ونقله الداركي عن نص الشافعي رحمه الله. والله أعلم.
الضرب الثالث: نظر المرأة إلى المرأة كالرجل إلى الرجل إلا في شيئين.
أحدهما: حكى الامام وجها: أنها كالمحرم، وهو شاذ ضعيف.
الثاني: في نظر الذمية إلى المسلمة وجهان. أصحهما عند الغزالي:
كالمسلمة. وأصحهما عند البغوي: المنع. فعلى هذا، لا تدخل الذمية
370

الحمام مع المسلمات، وما الذي تراه من المسلمة؟ قال الامام: هي كالرجل
الأجنبي. وقيل: ترى ما يبدو في المهنة، وهذا أشبه.
قلت: ما صححه البغوي هو الأصح أو الصحيح، وسائر الكافرات كالذمية
في هذا، ذكره صاحب البيان. والله أعلم.
الضرب الرابع: نظر المرأة إلى الرجل، وفيه أوجه. أصحها: لها النظر إلى
جميع بدنه إلا ما بين السرة والركبة. والثاني: لها نظر ما يبدو منه في المهنة فقط.
والثالث: لا ترى منه إلا ما يرى منها.
قلت: هذا الثالث، هو الأصح عند جماعة، وبه قطع صاحب المهذب
وغيره، لقول الله تعالى: * (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) *
ولقوله (ص): أفعمياوان أنتما، أليس تبصرانه الحديث، وهو حديث
حسن. والله أعلم.
371

وأما نظرها إلى محرمها، فلا يحرم إلا ما بين السرة والركبة على المذهب،
وبه قطع المحققون. وقيل: هو كنظره إليها، ويحرم عليها النظر إلى الرجل عند
خوف الفتنة قطعا. وحديث أفعمياوان، يحمل على هذا أو على الاحتياط.
فرع ما لا يجوز النظر إليه متصلا كالذكر وساعد الحرة وشعر رأسها وشعر
عانة الرجل وما أشبهها، يحرم النظر إليه بعد الانفصال على الأصح.
وقيل: لا، وقال الامام احتمالا لنفسه: إن لم يتميز المبان من المرأة بصورته
وشكله عما للرجل: كالقلامة، والشعر، والجلدة، لم يحرم. وإن تميز، حرم.
قلت: ما ذكره الامام، ضعيف، إذ لا أثر للتمييز، مع العلم بأنه جزء يحرم
نظره. وعلى الأصح: يحرم النظر إلى قلامة رجلها دون قلامة يدها، ويده ورجله.
والله أعلم.
وينبغي لمن حلق عانته، أن يواري الشعر، لئلا ينظر إليه أحد. وفي
فتاوى البغوي: أنه لو أبين شعر الأمة أو ظفرها، ثم عتقت، ينبغي أن يجوز
النظر إليه وإن قلنا: إن المبان كالمتصل، لأنه حين انفصل لم يكن عورة، والعتق لا
يتعدى إلى المنفصل.
فرع يجوز للزوج النظر إلى جميع بدن زوجته غير الفرج. وفي الفرج،
وجهان. أحدهما: يحرم. وأصحهما: لا، لكن يكره. وباطن الفرج أشد
كراهة، ويكره للانسان نظره إلى فرج نفسه بلا حاجة، ونظر السيد إلى أمته التي
يجوز استمتاعه بها كنظر الزوج إلى زوجته، سواء كانت قنة، أو مدبرة، أو
372

مستولدة، أو عرض مانع قريب الزوال كالحيض والرهن، فإن كان مرتدة، أو
مجوسية، أو وثنية، أو مزوجة، أو مكاتبة، أو مشتركة بينه وبين غيره، حرم نظره
إلى ما بين السرة والركبة، ولا يحرم ما زاد على الصحيح. وزوجته المعتدة عن
وطئ أجنبي بشبهة، كالمكاتبة. ونظر الزوجة إلى زوجها كنظره إليها. وقيل: يجوز
نظرها إلى فرجه قطعا.
قلت: ونظرها إلى سيدها كنظره إليها. والله أعلم.
فرع حيث حرم النظر، حرم المس بطريق الأولى، لأنه أبلغ لذة،
فيحرم على الرجل دلك فخذ رجل بلا حائل. فإن كان ذلك فوق إزار، جاز إذا لم
يخف فتنة. وقد يحرم المس دون النظر، فيحرم مس وجه الأجنبية وإن جاز النظر،
ومس كل ما جاز النظر إليه من المحارم والإماء، بل لا يجوز للرجل مس بطن أمه ولا
ظهرها، ولا أن يغمز ساقها ولا رجلها، ولا أن يقبل وجهها، حكاه العبادي عن
373

القفال. قال: وكذا لا يجوز للرجل أن يأمر ابنته أو أخته بغمز رجله. وعن القاضي
حسين أنه كان يقول: العجائز اللاتي يكحلن الرجال يوم عاشوراء مرتكبات للحرام.
فرع لا يجوز أن يضاجع الرجل الرجل، ولا المرأة المرأة وإن كان كل
واحد في جانب من الفراش، وإذا بلغ الصبي أو الصبية عشر سنين، وجب
التفريق بينه وبين أمه وأبيه وأخته وأخيه في المضجع.
فرع يستحب مصافحة الرجل الرجل، والمرأة المرأة. قال البغوي:
وتكره المعانقة والتقبيل، إلا تقبيل الولد شفقة. وقال أبو عبد الله الزبيري: لا بأس
أن يقبل الرجل رأس الرجل وما بين عينيه، عند قدومه من سفره أو تباعد لقائه.
قلت: المختار أن تقبيل يد غيره إن كان لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه
وصيانته، ونحو ذلك من الأمور الدينية، فهو مستحب. وإن كان لغناه ودنياه وشوكته
ووجاهته عند أهل الدنيا ونحو ذلك، فمكروه. وقال المتولي في باب صلاة
الجمعة: لا يجوز. وتقبيل الصغار شفقة سنة، سواء ولده وولد غيره إذا لم يكن
بشهوة. والسنة معانقة القادم من سفر وتقبيله. ولا بأس بتقبيل وجه الميت الصالح،
ويكره حني الظهر في كل حال لكل أحد، ولا بأس بالقيام لأهل الفضل، بل هو
مستحب للاحترام، لا للرياء والإعظام، وقد ثبتت أحاديث صحيحة بكل ما ذكرته،
وقد أوضحتها مبسوطة في كتاب السلام من كتاب الأذكار، وهو مما لا يستغني
متدين عن مثله، وفي كتاب الترخيص في القيام. والله أعلم.
فرع الخنثى المشكل فيه وجهان. أصحهما: الاخذ بالأشد، فيجعل مع
374

النساء رجلا، ومع الرجال امرأة. والثاني: الجواز، قاله القفال، استصحابا لحكم
الصغر.
قلت: قطع الفوراني والمتولي بالثاني، وإبراهيم المروذي، ونقله المروذي
عن القاضي. والله أعلم.
الحال الثاني: إذا احتاج إلى النظر، وذلك في صور.
منها: أن يريد نكاحها، فله النظر كما سبق.
ومنها: أن يريد شراء جارية، وقد سبق في البيع.
ومنها: إذا عامل امرأة ببيع أو غيره، أو تحمل شهادة عليها، جاز النظر إلى
وجهها فقط ليعرفها. وإذا نظر إليها وتحمل الشهادة، كلفت الكشف عن وجهها
عند الأداء. فإن امتنعت، أمرت امرأة بكشفه.
ومنها: يجوز النظر والمس للفصد والحجامة ومعالجة العلة، وليكن ذلك
بحضور محرم أو زوج، ويشترط في جواز نظر الرجل إلى المرأة لهذا أن لا يكون
هناك امرأة تعالج، وفي جواز نظر المرأة إلى الرجل، أن لا يكون هناك رجل
يعالج، كذا قاله أبو عبد الله الزبيري والروياني، وعن ابن القاص خلافه.
قلت: الأول أصح، وبه قطع القاضي حسين والمتولي. قالا أيضا: ولا
يكون ذميا مع وجود مسلم. والله أعلم.
375

ثم أصل الحاجة كاف في النظر إلى الوجه واليدين، وفي النظر إلى سائر
الأعضاء يعتبر تأكد الحاجة، وضبطه الامام فقال: ما يجوز الانتقال من الماء إلى
التيمم وفاقا أو خلافا، كشدة الضنى وما في معناها، يجوز النظر بسببه، وفي النظر
إلى السوأتين، يعتبر مزيد تأكد، قال الغزالي: وذلك بأن تكون الحاجة بحيث لا
يعد التكشف بسببها هتكا للمروءة ويعذر في العادة.
ومنها: يجوز للرجال النظر إلى فرج الزانيين لتحمل شهادة الزنا، وإلى فرج
المرأة للشهادة على الولادة، وإلى ثدي المرضعة للشهادة على الرضاع، هذا هو
الصحيح. وقال الإصطخري: لا يجوز كل ذلك. وقيل: يجوز في الزنا دون غيره.
وقيل: عكسه.
الفصل الرابع: في الخطبة - بكسر الخاء -، قال الغزالي: هي مستحبة،
ويمكن أن يحتج له بفعل النبي (ص)، وما جرى عليه الناس، ولكن لا ذكر
للاستحباب في كتب الأصحاب، وإنما ذكروا الجواز. ثم المرأة إن كانت خلية عن
النكاح والعدة، جازت خطبتها تعريضا وتصريحا، وإن كان معتدة، حرم
التصريح بخطبتها مطلقا. وأما التعريض، فيحرم في عدة الرجعية، ولا يحرم في
عدة الوفاة. وقيل: إن كانت عدة الوفاة بالحمل، لم تخطب، خوفا من تكلف إلقاء
ولدها. والصحيح الأول. والبائن بطلاق أو فسخ، يحل التعريض بخطبتها على الأظهر. والتي لا تحل لمن منه العدة بلعان أو رضاع أو طلاق الثلاث، كالمعتدة عن
الوفاة. وقيل: كالفسخ. ثم سواء كانت العدة في هذه الصور بالأقراء أم بالأشهر.
وقيل: إن كانت بالأقراء، حرم قطعا. والصحيح وبه قطع الجمهور: أن لا فرق.
وفي المعتدة عن وطئ بشبهة، طريقان. المذهب: القطع بالجواز.
376

والثاني: طرد الخلاف. والتصريح، كقوله: أريد نكاحك، أو إذا انقضت عدتك
نكحتك. والتعريض بما يحتمل الرغبة في النكاح وغيرها، كقوله: رب راغب
فيك، من يجد مثلك؟ أنت جميلة، إذا حللت فآذنيني، لا تبقين أيما، لست
بمرغوب عنك، إن شاء الله لسائق إليك خيرا، ونحو ذلك، وحكم جواب المرأة في
هذه الصور تصريحا وتعريضا حكم الخطبة. وجميع ما ذكرناه، فيما إذا خطبها غير
صاحب العدة. فأما صاحبها الذي يحل له نكاحها، فله التصريح بخطبتها.
فرع تحرم الخطبة على خطبة غيره بعد صريح الإجابة، إلا إذا أذن الغير
أو ترك. وصريح الإجابة أن تقول: أجبتك إلى ذلك، أو تأذن لوليها (في) أن يزوجها
377

إياه، وهي معتبرة الاذن. فلو لم تصرح بالإجابة، لكن وجد ما يشعر بها، كقولها:
لا رغبة عنك، فقولان. القديم، تحريم الخطبة. والجديد، الجواز. ولو ردته،
فللغير خطبتها قطعا. ولو لم يوجد إجابة ولا رد، فقيل: يجوز قطعا. وقيل
بالقولين. والمعتبر، رد الولي وإجابته إن كانت مجبرة، وإلا فردها وإجابتها، وفي
الأمة رد السيد وإجابته، وفي المجنونة رد السلطان وإجابته. ثم المفهوم من إطلاق
الأكثرين، أن سكوت الولي عن الجواب، فيه الخلاف المذكور، وخص بعضهم
الخلاف بسكوتها وقال: سكوت الولي لا يمنع قطعا. وعن الداركي أن الخلاف في
سكوت البكر، ولا يمنع سكوت الثيب بحال.
فرع يجوز الهجوم على الخطبة لمن لم يدر أخطبت أم لا، ولم يدر أجيب.
خاطبها أم رد، لأن الأصل الإباحة.
فرع سواء فيما ذكرناه الخاطب المسلم والذمي إذا كانت كتابية. وقيل:
يختص المنع بالخطبة على خطبة المسلم.
قلت: قال الصيمري: لو خطب خمس نسوة دفعة، فأذن، لم يحل لاحد
خطبة واحدة منهن حتى يتركها الأول، أو يعقد على أربع فتحل الخامسة. وإن
خطب كل واحدة وحدها، فأذن، حلت الخامسة دون غيرها. هذا كلامه، والمختار
تحريم الجميع، إذ قد يرغب في الخامسة. قال أصحابنا: ويكره التعريض
بالجماع للمخطوبة، ولا يكره التعريض والتصريح به لزوجته وأمته. والله أعلم.
فرع يجوز الصدق في ذكر مساوئ الخاطب ليحذر، وكذا من أراد
378

نصيحة غيره ليحترز عن مشاركته ونحوها، وليس هذا من الغيبة المحرمة.
قلت: الغيبة تباح بستة أسباب قد أوضحتها بدلائلها وما يتعلق بها وطرق
مخارجها في آخر كتاب الأذكار.
أحدها: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما
ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه ممن ظلمه، فيقول: ظلمني فلان وفعل بي كذا.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن
يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا فازجره عنه، ونحو ذلك.
الثالث: الاستفتاء. بأن يقول للمفتي: ظلمني فلان أو أبي أو أخي بكذا،
فهل له ذلك، أم لا؟ وما طريقي في الخلاص (منه) ودفع ظلمه عني؟ ونحو ذلك.
وكذا قوله: زوجتي تفعل معي كذا، وزوجي يضربني ويقول لي كذا، فهذا جائز
للحاجة. والأحوط أن يقول: ما تقول في رجل أو زوج أو والد من أمره كذا،
ومع ذلك فالتعيين جائز، لحديث هند في الصحيحين: إن أبا سفيان
شحيح... الحديث.
379

الرابع: تحذير المسلمين من الشر، وذلك من وجوه.
منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين، وذلك جائز
بالاجماع، بل واجب، صونا للشريعة.
ومنها: الاخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته.
ومنها: إذا رأيت من يشتري شيئا معيبا، أو عبدا سارقا، أو زانيا، أو شاربا،
تذكره للمشتري - إذا لم يعلمه - نصيحة، لا بقصد الايذاء والافساد.
ومنها: إذا رأيت متفقها يتردد إلى فاسق أو مبتدع يأخذ عنه علما، وخفت عليه
ضرره، فعليك نصيحته ببيان حاله قاصدا النصيحة.
ومنها: أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو فسقه، فتذكره
لمن عليه ولاية ليستبدل به، أو يعرف حاله فلا يعتبر به أو يلزمه الاستقامة.
الخامس: أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته، كالخمر، ومصادرة الناس،
وجباية المكوس، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ولا يجوز بغيره
إلا بسبب آخر.
السادس: التعريف، فإذا كان معروفا بلقب، كالأعمش والأعرج والأزرق
والقصير ونحوها، جاز تعريفه به، ويحرم ذكره به تنقصا، ولو أمكن التعريف
بغيره، كان أولى. هذا مختصر ما تباح به الغيبة. والله أعلم.
الفصل الخامس: في الخطبة، بضم الخاء. يستحب لمن يخطب امرأة أن
يقدم بين يدي خطبته خطبة، فيحمد الله تعالى، ويثني عليه، ويصلي على
النبي (ص)، ويوصي بتقوى الله تعالى، ثم يقول: جئتكم راغبا في كريمتكم،
380

ويخطب الولي كذلك، ثم يقول: لست بمرغوب عنك، أو نحو ذلك. وتستحب
الخطبة أيضا عند العقد، ويحصل الاستحباب سواء خطب الولي أو الزوج أو
أجنبي. وإذا قال الولي: الحمد لله، والصلاة على رسول الله، زوجتك، فقال
الزوج: الحمد لله، والصلاة على رسول الله، قبلت نكاحها، فوجهان. أحدهما:
لا يصح النكاح، للفصل، والصحيح صحته، وبه قطع الجمهور، وقالوا: للنكاح
خطبتان مسنونتان، إحداهما تتقدم العقد، والثانية تتخلله، وهي أن يقول الولي:
بسم الله، والصلاة على رسول الله، أوصيكم بتقوى الله تعالى، زوجتك فلانة، ثم
يقول الزوج مثل ذلك، ثم يقول: قبلت. ثم قال الأصحاب: موضع الوجهين إذا
لم يطل الذكر بينهما، فإن طال، فالعقد باطل قطعا.
ولو تخلل كلام يسير لا يتعلق به العقد ولا. يستحب فيه، بطل العقد على
الأصح. واستحب الشافعي رحمه الله أن يقول الولي: زوجتكها على ما أمر الله
العظيم، من إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان. وهذا إن ذكراه قبل العقد،
فذاك. وإن قيد الولي الايجاب به، وقبل الزوج مطلقا أو ذاكرا له، فوجهان.
أحدهما: يبطل النكاح، واختاره الشيخ أبو محمد، لأنه شرط الطلاق على أحد
التقديرين. وأصحهما: الصحة، لأن كل زوج مأخوذ به بمقتضى الشرع، فهو ذكر
لمقتضى العقد. وفصل الامام فقال: إن أجرياه شرطا ملزما، فالوجه البطلان. وإن
قصدا الوعظ دون الالزام، لم يضر. وإن أطلقا، احتمل واحتمل، وقرينة الحال
تقتضي الوعظ.
381

فرع يستحب الدعاء لزوجين بعد العقد، فيقال: بارك الله لك، وبارك
عليك، وجمع بينكما في خير.
قلت: ويكره أن يقال: بالرفاء والبنين، لحديث ورد بالنهي عنه، ولأنه من
ألفاظ الجاهلية.
ومما يتعلق بآداب العقد، أنه يستحب إحضار جمع من أهل الصلاح زيادة
على الشاهدين، وأن ينوي بالنكاح المقاصد الشرعية، كإقامة السنة، وصيانة دينه
وغيرهما، ويستحب للولي عرض موليته على أهل الفضل والصلاح، لحديث عمر
رضي الله عنه في الصحيحين. والله أعلم.
الباب الثالث في أركان النكاح
وهي أربعة.
الركن الأول: الصيغة إيجابا وقبولا، فيقول الولي: زوجتك، أو أنكحتك، ويقول
الزوج: تزوجت، أو نكحت، أو قبلت تزويجها أو نكاحها. أو يقول الزوج أولا:
تزوجتها، أو نكحتها، فيقول الولي: زوجتك أو أنكحتك، ولا ينعقد بغير لفظ
التزويج والانكاح. وفي انعقاده بمعنى اللفظين بالعجمية من العاقدين أو أحدهما
أوجه. أصحها: الانعقاد. والثالث: إن لم يحسن العربية، انعقد، وإلا، فلا.
وإذا صححناه، فذاك إذا فهم كل منهما كلام الآخر. فإن لم يفهم، فأخبره ثقة عن
382

معنى لفظه، ففي الصحة وجهان.
ولا يشترط اتفاق اللفظين منهما. فلو قال: زوجتك، فقال الزوج: نكحت،
أو قال: أنكحتك، فقال: تزوجت، صح، ولا ينعقد بالكناية.
فرع إذا قال: زوجتكها، فليقل: قبلت نكاحها أو تزويجها، أو قبلت
هذا النكاح، فإن اقتصر على قبلت، لم ينعقد على الأظهر. وقيل: قطعا.
وقيل: ينعقد قطعا. وإن قال: قبلت النكاح أو قبلتها، فخلاف مرتب، وأولى
بالصحة.
ولو قال: زوجني أو أنكحني، فقال الولي: قد فعلت ذلك، أو نعم، أو قال
الولي: زوجتكها أو أنكحتكها، أقبلت؟ فقال: نعم، أو قال: نعم، من غير قول
الولي: أقبلت، فقيل بالمنع قطعا. وقيل بطرد الخلاف، وهو أقيس. وفي نظائر
هذه الصور من البيع، ينعقد البيع. وكذا لو قال: بعتك كذا، فقال: قبلت،
ينعقد على الصحيح. وحكى الحناطي فيه وجها.
فرع إذا كتب بالنكاح إلى غائب أو حاضر، لم يصح. وقيل: يصح في
الغائب وليس بشئ، لأنه كناية، ولا ينعقد بالكنايات.
383

ولو خاطب غائبا بلسانه، فقال: زوجتك بنتي، ثم كتب، فبلغه الكتاب أو لم
يبلغه، وبلغه الخبر، فقال: قبلت نكاحها، لم يصح على الصحيح. وإذا صححنا
في المسألتين، فشرطه القبول في مجلس بلوغ الخبر، وأن يقع بحضرة شاهدي
الايجاب.
قلت: لا يكفي القبول في المجلس، بل يشترط الفور. والله أعلم.
فرع إذا استخلف القاضي فقيها في تزويج امرأة، لم يكف الكتاب، بل
يشترط اللفظ على المذهب، وحكى الحناطي وجهين، وليس للمكتوب إليه اعتماد
الخط على الصحيح.
فرع إذا قال (للولي): زوجني، قال الولي: زوجتك. فإن قال الزوج بعده:
قبلت، صح النكاح قطعا، وإلا، فالمذهب والنص صحته أيضا.
وقيل بطرد الخلاف السابق في البيع في مثله. والخلع، والصلح عن الدم،
والاعتاق على مال، ينعقد بالاستيجاب والايجاب على المذهب، وبه قطع
الجمهور. فإذا قالت: طلقني أو خالعني على ألف، فأجابها الزوج، طلقت ولزمها
الألف، ولا حاجة إلى قبول بعده. وكذا لو قال العبد لسيده: أعتقني على كذا،
فأجابه إليه، أو قال: من عليه القصاص: صالحني على كذا، فقال المستحق:
صالحتك عليه. وقيل بطرد الطريقين في كل هذه العقود كالنكاح.
وأما الكتابة فكالعتق، وقيل: كالنكاح. هذا كله إذا كانت صيغته: زوجني أو
خالعني وأعتقني ونحوها. فلو قال الزوج: قل: زوجتكها، قال الشيخ أبو محمد:
ليس هو باستيجاب، لأنه استدعى اللفظ دون التزويج، فإذا تلفظ اقتضى القبول.
ولو قال الولي أولا: تزوج ابنتي، فقال: تزوجت، فهو كما لو قال الزوج:
384

زوجني، فقال الولي: زوجتك، هكذا قالوه. وقد حكينا عن بعضهم المنع في
البيع، ويمكن أن يقال بمثله هنا. ولو قال: أتزوجني ابنتك؟ فقال الولي:
زوجتك، هكذا قالوه. وقد حكينا عن بعضهم المنع في البيع، ويمكن ان يقال
بمثله هنا. ولو قال: أتزوجني ابنتك؟ فقال الولي: زوجتك، لم ينعقد إلا أن
يقول الخاطب بعده: تزوجت، وكذا لو قال الولي: أتتزوج بنتي، أو تزوجتها؟
فقال: تزوجت، لا ينعقد، إلا أن يقول الولي بعده: زوجتك، لأنه استفهام. ولو
قال المتوسط للولي: زوجته ابنتك؟ فقال: زوجت، ثم أقبل على الزوج فقال:
قبلت نكاحها؟ فقال: قبلته، صح على الأصح، لوجود الايجاب والقبول
مترابطين، ومنعه القفال، لعدم التخاطب.
فرع تشترط الموالاة بين الايجاب والقبول على ما سبق في البيع. ونقل
القاضي أبو سعد الهروي: أن أصحابنا العراقيين اكتفوا بوقوع القبول في مجلس
الايجاب.
قلت: الصحيح، اشتراط القبول على الفور، فلا يضر الفصل اليسير، ويضر
الطويل، وهو ما أشعر بإعراضه عن القبول، فهذا هو المعروف في طريقتي العراق
وخراسان. وما ادعاه الهروي عن العراقيين جملة لا يقبل، والمشاهدة تدفعه،
والدليل يبطله، فلا اغترار به. والله أعلم.
فرع إذا وجد أحد شقي العقد من أحد العاقدين، فلا بد من إصراره عليه
حتى يوجد الشق الآخر، فلو رجع عنه، لغا العقد. وكذا لو أوجب ثم جن أو أغمي
عليه، لغا إيجابه، وامتنع القبول. وكذا لو أذنت المرأة في تزويجها حيث يعتبر
إذنها، ثم أغمي عليها قبل العقد، بطل إذنها.
385

فصل النكاح لا يقبل التعليق، كقوله: إذا جاء رأس الشهر، فقد
زوجتك. فلو أخبر بمولود، فقال لجليسه: إن كانت بنتا، فقد زوجتكها، أو قال:
إن كانت بنتي طلقها زوجها، أو مات عنها وانقضت عدتها، فقد زوجتكها، أو لو
كان تحته أربع نسوة، فقال له رجل: إن كانت ماتت إحداهن فقد زوجتك بنتي، أو
قال: إن مات أبي وورثت هذه الجارية، فقد زوجتكها، وبان الامر كما قدر، لم
يصح النكاح على المذهب، وبه قطع الأكثرون. وقيل: وجهان كمن باع مال
أبيه ظانا حياته فبان ميتا. قال البغوي: ولو بشر ببنت، فقال: إن صدق المخبر فقد
زوجتكها، صح، ولا يكون ذلك تعليقا، بل هو تحقيق، كقوله: إن كنت زوجتي
فأنت طالق، وتكون إن بمعنى إذ. قال: وكذا لو أخبر من له أربع نسوة
بموت إحداهن، فقال لرجل: إن صدق المخبر فقد تزوجت بنتك، فقال ذلك
الرجل: زوجتكها، صح، وهذا الذي قاله البغوي، يجب أن يكون مفروضا
فيما إذا تيقن صدق المخبر، وإلا، فلفظ إن للتعليق.
فرع قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، على أن يكون بضع كل
386

واحدة صداقا للأخرى، فقبل الآخر، أو قال: زوجتك بنتي وتزوجت بنتك أو
أختك، على أن يكون بضع كل واحدة صداقا للأخرى، فقال المخاطب: تزوجت
وزوجت على ما ذكرت، فهذا نكاح الشغار، وهو باطل، للحديث الصحيح،
ولمعنى الاشتراك في البضع. وقال القفال: للتعليق والتوقف.
ولو قال كل واحد: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، وقبل الآخر، ولم
يجعلا البضع صداقا، فوجهان. أصحهما: الصحة، لأنه ليس فيه إلا شرط عقد
في عقد، وذلك لا يفسد النكاح. فعلى هذا، يصح النكاحان، ولكل واحدة مهر
المثل. والثاني: لا يصح لمعنى التعليق والتوقف. وخص الامام الوجهين بما إذا
كانت الصيغة هذه، ولم يذكرا مهرا، وقطع بالصحة فيما لو قال: زوجتك بنتي بألف
على أن تزوجني بنتك، وفيما قاله نظر.
فعلى الوجه الأول، لو قال: زوجتك على أن تزوجني بنتك، وبضع بنتك
صداق لبنتي، فقبل، صح الأول، وبطل الثاني. ولو قال: وبضع بنتي صداق
لبنتك، بطل الأول، وصح الثاني، وهذا نظر إلى معنى التشريك. ولو سميا لهما أو
لإحداهما مهرا مع جعل البضع صداقا، بأن قال: زوجتك بنتي بألف على أن تزوجني
بنتك بألف، وبضع كل واحدة صداق للأخرى، أو قال: على أن تزوجني بنتك،
وبضع كل واحدة صداق للأخرى، أو قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ويكون
بضع كل واحدة وألف درهم صداقا للأخرى، فوجهان. أحدهما: وهو ظاهر نصه
في المختصر: الصحة. وأصحهما: البطلان، وهو نصه في الاملاء.
فرع قال: زوجتك بنتي بمتعة جاريتك، صح النكاح، وفسد الصداق. ولو
قال: زوجتك جاريتي على أن تزوجني بنتك، وتكون رقبة جاريتي صداقا لبنتك،
قال ابن الصباغ: صح النكاحان، لأنه لا تشريك فيما يرد عليه عقد النكاح، ويفسد
الصداق، ويجب لكل واحدة مهر المثل، ويجئ على معنى التعليق والتوقف أن
يحكم ببطلان النكاحين.
387

ولو طلق امرأته على أن يزوجه صاحبه بنته، ويكون بضع امرأته صداقا لها،
وزوجه صاحبه على ذلك، فهل يبطل النكاح، أم يصح ويفسد الصداق؟ وجهان
حكاهما ابن كج عن ابن القطان.
قلت: أفقههما: الثاني. والله أعلم.
ولو طلق امرأته على أن يعتق صاحبه عبده، ويكون طلاق امرأته عوضا عن
عتقه، قال الحناطي: يقع الطلاق ولا رجوع بالمهر على أحد. وفي عتق العبد
وجهان. إن عتق، فلا رجوع بقيمته وقال ابن كج: عندي يقع الطلاق ويحصل
العتق، ويرجع المطلق على المعتق بمهر امرأته، والمعتق على المطلق بقيمة
عبده.
فصل النكاح الموقت باطل، سواء قيده بمدة مجهولة أو معلومة، وهو
نكاح المتعة. وإذا وطئ في نكاح المتعة جاهلا بفساده، فلا حد. وإن علم، فلا
حد أيضا على المذهب. وحيث لا حد، يجب المهر والعدة، ويثبت النسب.
ولو قال: نكحتها متعة، ولم يزد على هذا، حكى الحناطي في صحة
النكاح وجهين.
قلت: الأصح، البطلان. والله أعلم.
الركن الثاني: المنكوحة، ويشترط خلوها من موانع النكاح. والكلام في
الموانع مبسوط في مواضعها، لا سيما باب الموانع، فيقتصر هنا على عد
تراجمها. فمن الموانع أن تكون منكوحة أو معتدة عن غيره، أو مطلقته بالثلاث
388

ما لم تحلل، أو ملاعنته، أو مرتدة، أو مجوسية، أو وثنية، أو زنديقة، أو كتابية
دخلت في دينهم بعد مبعث رسول الله (ص) أو بعد تبديلهم على الأظهر، أو تكون أمة
والناكح حر واجد طول حرة، أو غير خائف عنتا، أو يكون بعضها أو كلها ملكا
للناكح، أو تكون محرما له، أو خامسة، أو يكون في نكاحه أختها وغيرها ممن لا
يجمع بينها وبينها، أو تكون محرمة بحج أو عمرة، وثيبا صغيرة، أو تكون يتيمة
لا جد لها.
فصل يشترط في كل واحد من الزوجين أن يكون معينا. فلو قال: زوجتك
إحدى بنتي، أو زوجت بنتي أحدكما، أو أحد ابنيك، لم يصح. ولو كان له بنت
واحدة فقال: زوجتك بنتي، صح وإن لم يسمها.
ولو كانت حاضرة فقال: زوجتك هذه، أو كانت في الدار فقال: زوجتك التي
في الدار، وليس فيها غيرها، صح.
389

ولو كان له بنت واحدة، فقال: زوجتك بنتي فلانة، وسماها بغير اسمها،
صح النكاح على الأصح، لأن البنتية صفة لازمة مميزة، فاعتبرت ولغا الاسم،
كما لو أشار إليها وسماها بغير اسمها، فإنه يصح قطعا. وقد يمنع هذه الصورة القائل
الآخر، والأصح الصحة فيهما، حتى لو قال: زوجتك هذا الغلام، وأشار إلى
بنته، نقل الروياني عن الأصحاب صحة النكاح، تعويلا على الإشارة.
ولو قال: بعتك داري هذه، وحددها وغلط في حدودها، صح البيع، بخلاف
ما لو قال: بعتك الدار التي في المحلة الفلانية، وحددها وغلط، لأن التعويل هنا
على الإشارة.
ولو قال: بعتك داري، ولم يقل: هذه، وحددها وغلط، ولم يكن له دار
سواها، وجب أن يصح تفريعا على الأصح في قوله: زوجتك بنتي فلانة وغلط في
اسمها.
وأما إذا كان اسم بنته (الواحدة) فاطمة، فقال: زوجتك فاطمة، ولم يقل:
بنتي، فلا يصح النكاح لكثرة الفواطم، لكن (لو) نواها، صح. كذا قال به العراقيون
والبغوي، واعترض ابن الصباغ بأن الشهادة شرط، والشهود لا يطلعون على النية،
وهذا قوي، ولهذا الأصل منعنا النكاح بالكنايات.
ولو كان له بنتان فصاعدا، اشترط تمييز المنكوحة باسم أو إشارة أو صفة،
كقوله: فاطمة، أو هذه، أو الكبرى. قال المكتفون بالنية: أو بأن ينويا واحدة
بعينها وإن لم يجر لفظ مميز.
ولو قال: بنتي الكبرى وسماها باسم الصغرى، صح النكاح على الكبرى على
الوصف. ويجئ على قياس الوجه المذكور في الواحدة أن يبطل النكاح.
390

وإذا لم يتعرض للكبر والصغر، بل قال: زوجتك بنتي فلانة، وذكر اسم
الكبيرة وقصد تزويجه الصغيرة، أو بالعكس، وقصد الزوج التي قصدها الولي،
صح النكاح على التي قصداها، ولغت التسمية. وفي الاعتماد على النية الاشكال
السابق.
ولو قال الزوج: قصدنا الكبيرة، فالنكاح في الظاهر منعقد على الكبيرة. وإن
صدق الولي في أنه قصد الصغيرة، لم يصح، لأنه قبل غير ما أوجب، هكذا ذكره
العراقيون والبغوي المعتبرون للنية، وهذا يخالف مسألة منقولة، وهي أن زيدا خطب
إلى قوم، وعمرا إلى آخرين، ثم جاء زيد إلى الآخرين، وعمرو إلى الأولين،
وزوج كل فريق من جاءه، قال ابن القطان: وقعت في أيام أبي السائب ببغداد،
فأفتى الفقهاء بصحة النكاحين، ومعلوم أن كل ولي أوجب لغير من قبل.
قلت: ليست هذه المسألة مثلها، والفرق أظهر من أن يذكر.
ومن فروع المسألة، زوج رجل رجلا إحدى بنتيه، فمات الأب، وادعت كل
واحدة عليه أنها زوجته، أو ادعى هو على إحداهما، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
في الباب الثاني عشر. والله أعلم.
الركن الثالث: الشهادة، فلا ينعقد النكاح إلا بحضرة رجلين مسلمين
مكلفين حرين عدلين سميعين بصيرين متيقظين عارفين لسان المتعاقدين. وقيل:
يصح بالأعميين، وحكى أبو الحسن العبادي رحمه الله وجها أنه ينعقد بمن لا يعرف
لسان المتعاقدين، لأنه ينقله إلى الحاكم.
وأما المغفل الذي لا يضبط، فلا ينعقد به، وينعقد بمن يحفظ وينسى عن
قريب.
391

وفي الأخرس وذي الحرفة الدنية، والصباغ، والصائغ، وجهان.
وفي عدوي الزوجين أو أحدهما، أوجه. أصحها عند البغوي وهو المنصوص
في الأم: الانعقاد. والثالث: ينعقد بعدوي أحدهما دون عدويهما، واختاره
العراقيون. وفي ابنيهما وابني أحدهما وابنه وابنها هذه الأوجه. وقيل: يختص
الخلاف بهذه الصورة، وينعقد في العدوين قطعا، لأن العداوة في تزول.
وقيل: ينعقد بابنيها وعدويه دون ابنيه وعدويها، لأنه محتاج إلى الاثبات
دونها، ويجري الخلاف في جده وجدها، وأبيه مع جدها.
وأما أبوها، فولي عاقد، فلا يكون شاهدا.
ولو وكل، لم ينعقد بحضوره، لأن الوكيل نائبه، وكذا لو وكل غير الأب
وحضر مع شاهد آخر، لم ينعقد. قال البغوي في الفتاوى: لو كان لها إخوة،
فزوج أحدهم، وحضر آخران منهم شاهدين، ففي صحة النكاح جوابان. وجه
المنع: أن الشرع جعل المباشر نائبا عن الباقين فيما توجه عليهم.
قلت: الراجح منهما، الصحة. قال أصحابنا: وينعقد بحضرة ابنيه مع
ابنيها، أو عدويه مع عدويها بلا خلاف، لامكان إثبات شقته. والله أعلم.
392

فرع ينعقد النكاح بشهادة المستورين على الصحيح. وقال
الإصطخري: لا.
والمستور: من عرفت عدالته ظاهرا، لا باطنا. وقال البغوي: لا ينعقد بمن
لا تعرف عدالته ظاهرا، وهذا كأنه مصور فيمن لا يعرف إسلامه، وإلا، فظاهر من
حال المسلم الاحتراز من أسباب الفسق.
قلت: الحق، قول البغوي، وأن مراده من لا يعرف ظاهره بالعدالة، وقد
صرح البغوي بهذا، وقاله شيخه القاضي حسين، ونقله إبراهيم المروذي عن
القاضي ولم يذكر غيره. والله أعلم.
ولا ينعقد بمن لا يظهر إسلامه وحريته، بأن يكون في موضع يختلط فيه
المسلمون بالكفار والأحرار بالعبيد ولا غالب. وتردد الشيخ أبو محمد في مستور
الحرية، والصحيح الأول، بل لا يكتفى بظاهر الاسلام والحرية بالدار حتى يعرف
حاله فيهما باطنا. هذا مقتضى كلام البغوي وغيره، وفرقوا بأن الحرية يسهل الوقوف
عليها، بخلاف العدالة والفسق.
ولو أخبر عدل بفسق المستور، فهل يزول الستر فلا ينعقد بحضوره، وإن زال
فيسلك به مسلك الرواية؟ أم يقال: هو شهادة فلا يقدح إلا قول من يجرح عند
القاضي؟ تردد فيهما الامام.
393

قلت: لو ترافع الزوجان إلى حاكم، وأقرا بنكاح عقد بمستورين، واختصما
في حق زوجته، كنفقة ونحوها، حكم بينهما، ولا ينظر في حال الشاهدين إلا أن
يعلم فسقهما فلا يحكم. فإن جحد أحدهما النكاح، فأقام المدعي مستورين، لم
يحكم بصحته ولا فساده، بل يتوقف حتى يعلم باطنهما، ذكره الشيخ أبو حامد
وغيره. والله أعلم.
فرع لو بان الشاهد فاسقا حال العقد، فالنكاح باطل على المذهب،
كما لو بان كافرا أو عبدا، وإنما يتبين الفسق ببينة أو بتصادق الزوجين أنهما كانا
فاسقين ولم نعلمهما، أو نسينا فسقهما.
فأما لو قالا: علمنا (فسقهما) حينئذ، أو علمه أحدنا، فقال الامام: نتبين
البطلان بلا خلاف، لأنهما لم يكونا مستورين عند الزوجين، وعليهما التعويل، ولا
اعتبار بقول الشاهدين: كنا فاسقين يومئذ، كما لا اعتبار بقولهما: كنا فاسقين بعد
الحكم بشهادتهما، وكذا لو تقار الزوجان أن النكاح وقع في الاحرام أو
العدة أو الردة، نتبين بطلانه، ولا مهر إلا إذا كان دخل بها، فيجب مهر المثل. فلو نكحها
394

بعد ذلك، ملك ثلاث طلقات.
ولو اعترف الزوج بشئ من ذلك وأنكرت، لم يقبل قوله عليها في المهر،
فيجب نصف المسمى إن كان قبل الدخول، وكله إن كان بعده، ويفرق بينهما
بقوله. وفي سبيل هذا التفريق خلاف. قال أصحاب القفال: هو طلقة بائنة، فلو
نكحها يوما، عادت بطلقتين. قالوا: وهذا مأخوذ من نص الشافعي رضي الله عنه،
أنه لو نكح أمة، ثم قال: نكحتها وأنا واجد طول حرة، بانت بطلقة. وعن الشيخ أبي
حامد والعراقيين: أنها فرقة فسخ لا تنقص عدد الطلاق، كما لو أقر الزوج بالرضاع.
وإلى هذا مال الإمام، والغزالي، وهؤلاء أنكروا نصه في مسألة الأمة، ولانكاره
وجه ظاهر، لأنه نص في عيون المسائل أنه إذا نكح أمة، ثم قال: نكحتها وأنا
أجد طولا، فصدقه مولاها، فسخ النكاح بلا مهر، فإن كان دخل، فعليه مهر
مثلها. وإن كذبه، فسخ النكاح بإقراره، ولم يصدق على المهر، دخل أم لم
يدخل. هذا لفظه وهو يوافق قول العراقيين.
قلت: الأصح أو الصحيح، قول العراقيين. وحكى العراقيون وجها: أنه
يقبل قوله في المهر، فلا يلزمه. وعلى هذا قالوا: إن كان اعترافه قبل الدخول، فلا
شئ عليه. وإن كان بعده، فعليه أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل، ولا خلاف
أنها إذا ماتت لا يرثها. وإن مات قبلها، فإن قلنا: القول قوله ولم يكن حلف،
فيحلف وارثه: لا يعلمه تزوجها بشهادة عدلين، ولا إرث لها. وإن قلنا: القول قولها،
حلفت أنه عقد بعدلين وورثت.
395

ولو قالت: عقدنا بفاسقين، فقال: بل بعدلين. فأيهما يقبل؟ وجهان.
الأصح: قوله. فإن مات، لم ترثه، وإن مات أو طلقها قبل الدخول، فلا مهر،
لانكارها، وبعد الدخول لها أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل. والله أعلم.
فرع استتابة المستورين قبل القد، احتياط واستظهار، وتوبة المعلن
بالفسق حينئذ، هل تلحقه بالمستور؟ فيه تردد للشيخ أبي محمد. والأصح:
المنع. فإن ألحقنا فعاد إلى فجوره على قرب، قال الامام: فالظاهر أن تلك التوبة
تكون ساقطة، قال: وفيه احتمال.
فرع الاحتياط، الاشهاد على رضى المرأة حيث يشترط رضاها، لكنه
ليس بشرط في صحة النكاح.
قلت: ومن مسائل الفصل، أنه لا يشترط إحضار الشاهدين، بل إذا حضرا
396

بأنفسهما، وسمعا الايجاب والقبول، صح وإن لم يسمعا الصداق. ولو عقد بشهادة
خنثيين، ثم بانا رجلين، قال القاضي أبو الفتوح: احتمل أن يكون في انعقاده
وجهان بناء على ما لو صلى رجل خلفه فبان رجلا. هذا كلامه. والانعقاد هنا هو
الأصح، لأن عدم جزم النية يؤثر في الصلاة. والله أعلم.
الركن الرابع: العاقدان، وهما الموجب، والقابل. فالقابل: هو الزوج ومن
ينوب عنه. والموجب: هو الولي أو وكيله، ولا تصح عبارة المرأة في النكاح إيجابا
وقبولا. فلا تزوج نفسها بإذن الولي ولا بغير إذنه، ولا غيرها، لا بولاية ولا وكالة،
(ولا يقبل النكاح لا بولاية ولا وكالة). ولو وكل بنته بأن توكل رجلا بتزويجها،
فوكلت، نظر، إن قال: وكلي عن نفسك، لم يصح. وإن قال: وكلي عني، أو
أطلق، فوجهان.
فرع روى يونس بن عبد الأعلى، أن الشافعي رضي الله عنه قال: إذا كان
في الرفقة امرأة لا ولي لها، فولت أمرها رجلا حتى يزوجها، جاز، وليس هذا قولا
في صحة النكاح بلا ولي، لأن أبا عاصم العبادي حكى هذا النص في طبقات
397

الفقهاء، ثم ذكر أن من أصحابنا من أنكره، ومنهم من قبله، وقال: إنه تحكيم،
والمحكم قام مقام الحاكم.
قلت: ذكر صاحب الحاوي فيما إذا كانت امرأة في موضع ليس فيه ولي ولا
حاكم، ثلاثة أوجه. أحدها: لا تزوج. والثاني: تزوج نفسها للضرورة.
والثالث: تولي أمرها رجلا يزوجها. وحكى الشاشي أن صاحب المهذب كان
يقول في هذا: تحكم فقيها مجتهدا، وهذا الذي ذكره في التحكيم صحيح بناء على الأظهر في جواه في النكاح، ولكن شرط الحكم أن يكون صالحا للقضاء، وهذا
يعتبر في مثل هذه الحال. فالذي نختاره، صحة النكاح إذا ولت أمرها عدلا وإن لم
398

يكن مجتهدا، وهو ظاهر نصه الذي نقله يونس، وهو ثقة. والله أعلم.
فرع إذا وطئ في نكاح بلا ولي، وجب مهر المثل، ولا حد سواء صدر
ممن يعتقد تحريمه أو إباحته باجتهاد أو تقليد أو حسبان مجرد، لشبهة اختلاف
العلماء، ولكن معتقد التحريم يعزر. وقال الإصطخري وأبو بكر الفارسي
والصيرفي: يحد معتقد التحريم، ولا مهر، وهو ضعيف. ولو رفع النكاح بلا ولي
إلى قاض يصححه، فحكم بصحته، ثم رفع إلينا، لم ننقض قضاءه على
الصحيح. وقال الإصطخري: ننقضه، ولو طلق فيل، لم يقع، فلو طلق ثلاثا، لم
يفتقر إلى محلل. وقال أبو إسحاق: يقع ويفتقر إلى محلل احتياطا للابضاع، وهذا
كوجهين ذكرهما أبو الحسن العبادي عن القفال، أنها إذا زوجت نفسها، هل للولي
أن يزوجها قبل تفريق القاضي بينهما؟ قال: وبالمنع أجاب القفال الشاشي، لأنها في
حكم الفراش، وهو تخريج ابن سريج.
فرع إذا أقرت حرة مكلفة بالنكاح، فقولان. الجديد الأظهر: يقبل
إقرارها مع تصديق الزوج بلا بينة، لأن النكاح حقهما، فثبت بتصادقهما، كالبيع
وغيره، ولا فرق على هذا بين البكر والثيب، ولا بين الغريبين والبلديين. والقديم:
أنهما إن كانا غريبين، ثبت النكاح، وإلا، طولبا بالبينة، لسهولتها عليهما،
وللاحتياط، فعلى الجديد: هل يكفي إطلاق الاقرار، أم يشترط أن يفصل فيقول:
زوجني به وليي بحضرة شاهدين عدلين ورضاي؟ إن كانت معتبرة الرضى، وجهان.
أصحهما: الثاني. ثم إذا أقرت وكذبها الولي، فثلاثة أوجه. أصحها: يحكم
بقولها، لأنها تقر على نفسها، قاله ابن الحداد والشيخ أبو علي. والثاني: لا،
لأنها كالمقرة على الولي، قاله القفال، والثالث: يفرق بين العفيفة والفاسقة، قاله
القاضي حسين.
ولا فرق في هذا الخلاف بين أن تفصل الاقرار وتضيف التزويج إلى الولي
فيكذبها، وبين أن تطلق إذا قبلنا الاقرار المطلق فقال الولي: لا ولي لك غيري،
وما زوجتك. ويجري الخلاف أيضا في تكذيب الشاهدين إذا كانت قد عينتهما.
والأصح: أنه لا يقدح تكذيبهما، لاحتمال النسيان والكذب. فإن قلنا: تكذيب
الولي يمنع قبول إقرارها، فكان غائبا، لم ينتظر حضوره، بل تسلم إلى الزوج في
399

الحال للضرورة، فإن عاد وكذبها، فهل يحال بينهما لزوال الضرورة، أم يستدام؟
وجهان، رجح الغزالي الأول، وغيره الثاني.
وإذا قلنا بالقديم، فجرى الاقرار في الغربة، ثم رجعا إلى الوطن، ففي
الحوالة بينهما الوجهان. قال الامام: ولا شك أنه لو قضى قاض بالاقرار، لم
ينقض. فرع أقر الولي بإنكاحها، إن كان له إنشاء النكاح المقر به عند الاقرار بغير
رضاها، قبل إقراره، لقدرته على الانشاء. وحكى الحناطي وجها أنه لا يقبل حتى
توافقه البالغة. والصحيح الأول. وإن لم يكن له الانشاء بغير رضاها، لكونه غير
مجبر، أو الحال غير حال الاجبار، أو الزوج ليس بكفء، لم يقبل إقراره. ولو قال
وهي ثيب: كنت زوجتها في بكارتها، لم يقبل، واعتبر وقت الاقرار، كذا أطلقه
الامام، وهو الظاهر. ويمكن جعله على الخلاف فيما لو أقر مريض لوارثه بهبة في
الصحة.
فرع أقرت لزوج، وأقر وليها المقبول إقراره لآخر، فهل المقبول إقراره،
أم إقرارها؟ فيه وجهان حكاهما أبو الحسن العبادي والحليمي عن القفال الشاشي
والأودني.
فرع قال الخاطب لولي المرأة: زوجت نفسي بنتك، فقبل، قال
المتولي: يبنى انعقاد النكاح على أن كل واحد من الزوجين معقود عليه لأن بقاءهما
شرط لبقاء العقد كالعوضين في البيع، أم المعقود عليه المرأة فقط لأن العوض من
جهته المهر لا نفسه، ولأنه لا حجر عليه في نكاح غيرها معها؟ فيه خلاف. فعلى
الثاني: لا ينعقد. وعلى الأول: وجهان. قال أبو عاصم وأبو سهل الأبيوردي:
ينعقد كما لو أضاف إليها، ومنعه القاضي حسين، لأنه غير معهود.
الباب الرابع في بيان الأولياء وأحكامهم
وفيه ثمانية أطراف.
400

الطرف الأول: في أسباب الولاية، وهي أربعة.
السبب الأول: الأبوة، وفي معناها الجدودة، وهي أقوى الأسباب، لكمال
الشفقة، فللأب تزويج البكر الصغيرة والكبيرة بغير إذنها، ويستحب استئذان
البالغة. ولو أجبرها، صح النكاح. فلو كان بين الأب وبينها عداوة ظاهرة، قال
ابن كج: ليس له إجبارها، وكذا نقله الحناطي عن ابن المرزبان، قال: ويحتمل
جوازه. فأما الثيب، فلا يزوجها الأب إلا بإذنها في حال البلوغ، والجد كالأب
في كل هذا، وحكى الحناطي قولا: أن الجد لا يجبر البكر البالغة، واختاره ابن القاص
وأبو الطيب بن سلمة، والمشهور الأول.
وسواء حصلت الثيوبة بوطئ محترم أو زنا. وحكي عن القديم: أن المصابة
بالزنا كالبكر. والمذهب الأول، ولو زالت بكارتها بسقطة، أو أصبع، أو حدة
الطمث، أو طول التعنيس، أو وطئت في دبرها، فبكر على الصحيح.
ولو وطئت مجنونة، أو مكرهة، أو نائمة، فثيب على الصحيح. ولو خطب
البكر رجل، فمنعها أبوها، فذهبت وزوجت نفسها به، ثم زوجها الأب غيره بغير
إذنها، إن كان الأول لم يطأها، صح تزويج الأب، وإلا، فلا، لأنها ثيب بوطئ
شبهة.
قلت: إنما يصح تزويج الأب، إذا لم يكن حكم بصحة نكاحها بنفسها حنفي
ونحوه. والله أعلم.
فرع إذا التمست البكر البالغة التزويج وقد خطبها كف ء، لزم الأب والجد
إجابتها، فإن امتنع، زوجها السلطان. وفي وجه: لا تلزمه الإجابة، ولا يأثم
401

بالامتناع، لأن الغرض يحصل بتزويج السلطان، وهو ضعيف. ولو التمست صغيرة
بلغت إمكان الشهوة، قال بعضهم: لزمه إجابتها.
قلت: هذا ضعيف. والله أعلم.
فرع عينت كفئا، وأراد الأب تزويجها بكفء آخر، كان له ذلك على
الأصح.
قلت: قال الشافعي رضي الله عنه: أستحب للأب أن لا يزوج البكر حتى
تبلغ ويستأذنها. قال الصيمري: فإن قاربت البلوغ، وأراد تزويجها، استحب أن
يرسل إليها ثقات ينظرن ما في نفسها.
قال الصيمري: ولو خلقت المرأة بلا بكارة، فهي بكر. ولو ادعت البكارة أو
الثيوبة، فقطع الصيمري وصاحب الحاوي: بأن القول قولها، ولا يكشف
حالها، لأنها أعلم.
قال صاحب الحاوي: ولا تسأل عن الوطئ، ولا يشترط أن يكون لها
زوج. قال الشاشي: وفي هذا نظر، لأنها ربما أذهبت بكارتها بأصبعها، فله أن
يسألها. فإن اتهمها، حلفها. والله أعلم.
السبب الثاني: عصوبة من على حاشية النسب، كالأخ والعم وبنيهما، فلا
تزوج بها الصغيرة بكرا كانت أو ثيبا.
وأما البالغة، فإن كانت ثيبا، فلهم تزويجها بإذنها الصريح. وإن زوجت بغير
رضاها، لم ينعقد. وإن كانت بكرا، فلهم تزويجها إذا استأذنوها. وهل يكفي
سكوتها، أم يشترط صريح نطقها؟ وجهان. أصحهما: الأول. وحكي وجه: أنه
لا حاجة للاستئذان أصلا، بل إذا عقد بين يديها ولم تنكر، كان رضى. والصحيح
الاشتراط. وإذا اكتفينا بالسكوت، حصل الرضى، ضحكت، أم بكت، إلا إذا
بكت مع الصياح وضرب الخد، فلا يكون رضى.
وإذا أراد الأب تزويج البكر بغير كف ء، فاستأذنها، فهل يكفي السكوت؟ فيه
402

الوجهان. قلت: ونقل الرافعي في آخر كتاب النكاح عن فتاوى القاضي حسين
الجزم بصحة النكاح إذا استأذنها ولي في تزويجها بغير كف ء فسكتت. قال صاحب
البيان: قال أصحابنا المتأخرون: إذا استأذن الولي البكر في أن يزوجها بغير نقد
البلد، أو بأقل من مهر المثل، لم يكن سكوتها إذنا في ذلك. والله أعلم.
فرع قال: أزوجك بشخص؟ فسكتت، قال بعض المتأخرين: الأليق
بمذهبنا أنه لا يكون رضى، لأن الرضا بالمجهول لا يتصور.
ولك أن تقول: هذا يخرج على أنه يشترط تعيين الزوج في الاذن. والأصح
أنه ليس بشرط، فلا يضر الجهل إذا اكتفينا بالسكوت.
قلت: هذا الذي أورده الرافعي، هو الصواب. والله أعلم.
فرع قال: أيجوز أن أزوجك؟ فقالت: لم لا يجوز؟ أو قال: أتأذنين؟
فقالت: لم لا آذن؟ حكى بعضهم: أنه ليس بإذن، ولك أن تقول: هذا مشعر
برضاها، فهو أولى من سكوتها.
قلت: المختار أنه إذن. والله أعلم.
فرع قالت: وكلتك بتزويجي، فالذي لقيناهم من الأئمة لا يعدونه إذنا،
لأن توكيل المرأة في النكاح باطل، لكن المسألة غير مسطورة، ويجوز أن يعتد به
إذنا، كما إذا فسدت الوكالة، نفذ التصرف بالاذن.
قلت: هذا عجب من الامام الرافعي، والمسألة منصوصة للشافعي. قال
صاحب البيان: يجوز للمرأة أن تأذن لوليها غير المجبر بلفظ (الاذن)،
ويجوز بلفظ الوكالة، نص عليه الشافعي رحمه الله، لأن المعنى فيهما واحد، فهذا هو الصواب نقلا ودليلا.
ولو أذنت له، ثم رجعت، لم يصح تزويجها، كالموكل إذا عزل الوكيل، فإن
زوجها الولي بعد العزل قبل العلم، ففي صحته وجهان بناء على بيع الوكيل. والله
أعلم.
فرع في فتاوى البغوي: أن التي يعتبر إذنها في تزويجها إذا قالت
403

لوليها وهي في نكاح أو عدة: أذنت لك في تزويجي إذا فارقني زوجي أو انقضت
عدتي، فينبغي أن يصح الاذن، كما لو قال الولي للوكيل: زوج بنتي إذا فارقها
زوجها أو انقضت عدتها. وفي هذا التوكيل وجه ضعيف: أنه لا يصح، وقد سبق
في الوكالة. وفيها أنه لو قيل للبكر: رضيت بما تفعله أمك؟ وهي تعرف أنهم يعنون
النكاح، فقالت: رضيت، لم يكن إذنا، لأن الأم لا تعقد، بخلاف ما لو قالت:
رضيت بما يفعل الولي. ولو قالت: رضيت بالتزويج بمن تختاره أمي، جاز.
ولو قالت: رضيت إن رضيت أمي، لا يجوز. ولو قالت: رضيت إن رضي
وليي. فإن أرادت التعليق، لم يجز. وإن أرادت: إني رضيت بما يفعله الولي،
كان إذنا. وفيها: لو أذنت في التزويج بألف، ثم قيل لها عند العقد: بخمسمائة،
فسكتت وهي بكر، كان سكوتها إذنا في تزويجها بخمسمائة. ولو قيل ذلك لامها
وهي حاضرة، فسكتت، لم يكن إذنا.
السبب الثالث: الاعتاق، فالمعتق وعصبته يزوجون كالأخ.
السبب الرابع: السلطنة، فيزوج السلطان بالولاية العامة البوالغ بإذنهن، ولا
يزوج الصغار.
ثم السلطان يزوج في مواضع. أحدها: عدم الولي الخاص. الثاني: عند غيبته.
الثالث: عند إرادته تزوجها لنفسه.
الرابع: عضله، فإذا عضلها وليها بقرابة أو إعتاق، واحدا كان، أو جماعة
مستوين، زوجها السلطان. وهل تزويجه في هذا الحال بالولاية، أم النيابة عن
الولي؟ وجهان حكاهما الامام فيه وفي جميع صور تزويج السلطان مع وجود أهلية
الولي الخاص. ثم إنما يحصل العضل إذا دعت البالغة العاقلة إلى تزويجها بكفء
فامتنع.
فأما إذا دعت إلى غير كف ء، فله الامتناع، ولا يكون عضلا. وإذا حصلت
404

الكفاءة، فليس له الامتناع لنقصان المهر، لأنه محض حقها. ولا بد من ثبوت
العضل عند الحاكم ليزوجها. قال البغوي: ولا يتحقق العضل حتى يمتنع بين يدي
القاضي، وذلك بأن يحضر الخاطب والمرأة والولي، ويأمره القاضي بالتزويج
فيقول: لا أفعل، أو يسكت، فحينئذ يزوجها القاضي. وكان هذا فيما إذا تيسر
إحضاره عند القاضي. فأما إذا تعذر بتعزز أو توار، فيجب أن يجوز الاثبات بالبينة
كسائر الحقوق. وفي تعليق الشيخ أبي حامد ما يدل عليه، وعند الحضور لا معنى
للبينة، فإنه إن زوج، وإلا فعضل.
فرع سيأتي خلاف في أن السيد يزوج أمته بالملك، أم بالولاية؟ إن قلنا:
بالولاية، صارت الأسباب خمسة.
الطرف الثاني: في ترتيب الأولياء، فتقدم جهة القرابة، ثم
الولاء، ثم السلطنة. ويقدم من القرابة الأب، ثم أبوه، ثم أبوه، إلى حيث ينتهي، ثم الأخ
من الأبوين، أو من الأب، ثم ابنه وإن سفل، ثم العم من الأبوين، أو من الأب،
ثم ابنه وإن سفل، ثم سائر العصبات. والترتيب في التزويج، كالترتيب في
الإرث، إلا في مسائل.
إحداها: الجد يقدم على الأخ هنا.
المسألة الثانية: الأخ للأبوين يقدم على الأخ للأب في الإرث، وهنا قولان.
أظهرهما وهو الجديد: يقدم أيضا. والقديم: يستويان، ويجري القولان في ابني
الأخ والعمين وابني العم إذا كان أحدهما من الأبوين والآخر من الأب. ولو كان ابنا
عم أحدهما أخوها من الأم، أو ابنا ابن عم أحدهما ابنها، فقال الامام: هما
سواء. وطرد الجمهور القولين وقالوا: الجديد: يقدم الأخ والابن.
ولو كان ابنا عم أحدهما من الأبوين، والآخر من الأب، لكنه أخوها من
الأم، فالثاني هو الولي، لأنه يدلي بالجد والأم، والأول بالجد والجدة.
405

ولو كان ابنا ابن عم أحدهما ابنها، والآخر أخوها من الأم، فالابن هو
المقدم، لأنه أقرب. ولو كان ابنا معتق أحدهما ابنها، فهو المقدم، وبه قال ابن
الحداد، لكنه ذكر في التفريع أنه لو أراد المعتق نكاح عتيقته وله ابن منها وابن من
غيرها لأنها تستحق الحرية بسببه، زوجه ابنه منها دون ابنه من غيرها، وهذا غلط
عند جمهور الأصحاب، لأن ابن المعتق لا يزوج في حياة المعتق، وإنما يزوجه
السلطان، وإنما يزوج ابن المعتق بعد موته. وهذا كله على الجديد. وأما على
القديم، فيسوى بينهما في الصور.
قلت: ولو كان ابنا عم أحدهما معتق، فعلى القولين، أو ابنا عم أحدهما
خال، فهما سواء بلا خلاف. والله أعلم.
(المسألة) الثالثة: الابن لا يزوج بالبنوة، فإن شاركها في نسب كابن هو ابن ابن
عمها، فله الولاية بذلك. وكذا إن كان معتقا أو قاضيا، أو تولدت قرابة من أنكحة
المجوس، أو وطئ الشبهة، بأن كان ابنها أخاها، أو ابن أخيها، أو ابن عمها، ولا
تمنعه البنوة التزويج بالجهة الأخرى.
فصل وأما الولاء، فمن لا عصبة لها بنسب، وعليها ولاء، فينظر، إن
أعتقها رجل، فولاية تزويجها له. فإن لم يكن بصفة الولاية، فلعصباته، ثم لمعتقه، ثم
لعصبات معتقه، وهكذا على ترتيبهم في الإرث. وترتيب عصبات
المعتق في التزويج، كترتيب عصبات النسب، إلا في ثلاث مسائل.
إحداها: جدها أولى من أخيها، وفي جد المعتق وأخيه قولان كارثهما
بالولاء. أظهرهما: تقديم الأخ. والثاني: يستويان. ولو اجتمع جد المعتق وابن
أخيه، فإن قدمنا الأخ على الجد، قدمنا ابنه، وإلا فيقدم الجد. وقد حكينا في
الإرث تفريعا على هذا القول وجها أنهما يستويان، فيجوز أن يطرد هنا.
(المسألة) الثانية: ابن المرأة لا يزوجها، وابن المعتق يزوج، ويقدم على أبيه، لان
التعصيب له.
406

(المسألة) الثالثة: إذا اجتمع أخو المعتق. لأبويه وأخوه لأبيه، فالمذهب القطع بتقديم
الأخ للأبوين. وقيل بطرد القولين كالنسب. وقيل: يستويان قطعا. أما إذا كان
المعتق امرأة، فلا ولاية لها، لعدم أهليتها، فإن كانت حية، فوجهان. أحدهما
قاله صاحب التلخيص: يزوجها السلطان. والصحيح أنه يزوجها من يزوج
معتقها، فيزوجها أبو المعتقة ثم جدها على ترتيب الأولياء، ولا يزوجها ابن
المعتقة، ويشترط في تزويجها رضاها، ولا يشترط رضى المعتقة على الأصح، إذ
لا ولاية لها. وقيل: يشترط، فإن عضلت، ناب السلطان عنها في الاذن، ويزوج
الولي.
فإن كانت المعتقة ميتة، زوجها من له الولاء من عصبات المعتقة، ويقدم
الابن على الأب. وتعود الصور المذكورة في مفارقتهم عصبات النسب فيما إذا كان
المعتق رجلا. وحكي وجه: أن الأب يقدم على الابن بعد موت المعتقة، ووجه:
أن الابن يقدم على الأب في حياتها، وهما شاذان.
فرع متى اجتمع عدد من عصبات المعتق في درجة، كالبنين والأخوة،
فهم كالأخوة في النسب. فإذا زوجها أحدهم برضاها، صح، ولا يشترط رضى
الآخرين. ولو أعتق الأمة اثنان، اشترط رضاهما، فيوكلان، أو يوكل أحدهما
الآخر، أو يباشران العقد معا.
ولو أراد أحد المعتقين أن يتزوجها، اشترط موافقة السلطان للآخر.
ولو مات أحدهما عن ابنين أو أخوين، كفى موافقة أحدهما للمعتق الآخر.
ولو مات كل منهما عن ابنين، كفى موافقة أحد ابني هذا أحد ابني ذاك. ولو مات
أحدهما ووارثه الآخر، استقل بتزويجها.
فرع كان المعتق خنثى مشكلا، ينبغي أن يزوجها أبوه بإذنه، فيكون وليا
أو وكيلا إن كان الخنثى ذكرا.
فصل فيمن بعضها حر، خمسة أوجه. أصحها: يزوجها مالك البعض
ومعه وليها القريب. فإن لم يكن، فمعتق بعضها، وإلا، فالسلطان. والثاني:
407

يكون معه معتق البعض. والثالث: معه السلطان. والرابع: يستقل مالك البعض.
والخامس: لا يجوز تزويجها أصلا، لضعف الملك والولاية بالتبعيض.
الطرف الثالث: في موانع الولاية، وهي خمسة.
(المانع) الأول: الرق، فلا ولاية لرقيق، ويجوز أن يتوكل لغيره في قبول النكاح
بإذن سيده قطعا، وبغير إذنه على الأصح، ولا يصح توكيله في الايجاب على
الأصح عند الجمهور. وقد سبق هذا في الوكالة.
(المانع) الثاني: ما يسلب النظر والبحث عن حال الزوج ز
وفيه صور ست.
إحداها: الصبا والجنون المطبق يمنعان الولاية وينقلانها إلى الأبعد.
وفي الجنون المنقطع وجهان. أصحهما: أنه كالمطبق، ويزوجها الأبعد
يوم جنونه، لبطلان أهليته. والثاني: لا يزيل ولايته كالاغماء، فعلى هذا ينتظر
حتى يفيق على الصحيح. وقيل: يزوجها الحاكم كالغيبة، والخلاف جار في الثيب
المنقطع جنونها. فعلى رأي: تزوج في حال جنونها. وعلى رأي: ينتظر إفاقتها
لتأذن. ولو وكل هذا الولي في إفاقته، اشترط عقد وكيله قبل عود الجنون، وكذا إذا
أذنت الثيب، يشترط تقدم العقد على عود الجنون. قال الامام: وإذا قصرت نوبة
الإفاقة جدا، لم تكن الحال حال تقطع، لأن السكون اليسير لا بد منه مع إطباق
الجنون.
ولو أفا، وبقيت آثار خبل يحمل مثلها ممن لا يعتريه الجنون على حدة في
الخلق، فهل تعود ولايته، أم يستدام حكم الجنون إلى أن يصفو من الخبل؟ فيه
وجهان.
قلت: لعل الثاني أصح. والله أعلم.
408

الصورة الثانية: اختلال النظر لهرم أو خبل جبلي أو عارض، يمنع الولاية
وينقلها إلى الأبعد، والحجر بالفلس لا يمنعها، وبالسفه يمنعها على المذهب.
وقيل: وجهان.
قلت: وحكى الشاشي في المفلس وجها. والله أعلم.
الصورة الثالثة: الاغماء الذي لا يدوم غالبا، فهو كالنوم، ينتظر إفاقته، ولا يزوج
غيره. وإن كان مما يدوم يوما أو يومين فأكثر، فوجهان. أحدهما: نقل الولاية إلى
الأبعد كالجنون. وأصحهما: المنع. فعلى هذا، قال البغوي وغيره: تنتظر إفاقته
كالنائم. وقال الامام: ينبغي أن تعتبر مدته بالسفر. فإن كانت مدة يعتبر فيها إذن
الولي الغائب، وقطع المسافة ذهابا ورجوعا، انتظرت إفاقته، وإلا، فيزوج
الحاكم، ويرجع في معرفة مدته إلى أهل الخبرة.
الصورة الرابعة: السكران الذي سقط تمييزه بالكلية كلامه لغو. فإن بقي له تمييز
ونظر، فالمذهب أنه لا يزوج، وتنتظر إفاقته.
الصورة الخامسة: الأسقام والآلام الشاغلة عن النظر ومعرفة المصلحة،
تمنع الولاية وتنقلها إلى الأبعد، نص عليه، وأخذ به الأصحاب.
(الصورة) السادسة: للأعمى أن يتزوج قطعا، وله أن يزوج على الأصح. ويجري
الخلاف في ولاية الأخرس الذي له كتابة أو إشارة مفهمة. وقيل: يزوج قطعا. فإن
409

لم تكن مفهمة، فلا ولاية له.
المانع الثالث: الفسق فيه سبع طرق. أشهرها: في ولاية الفاسق قولان،
وقيل بالمنع قطعا. وقيل: يلي قطعا. وقيل: يلي المجبر فقط. وقيل: عكسه،
لأنه لا يستقل. وقيل: يلي غير الفاسق بشرب الخمر. وقيل: يلي المستتر بفسقه
دون المعلن. وأما الراجح، فالظاهر من مذهب الشافعي رضي الله عنه: منع ولاية
الفاسق، وأفتى أكثر المتأخرين بأنه يلي، لا سيما الخراسانيون، واختاره الروياني.
قلت: الذي رجحه الرافعي في المحرر: منع ولايته. واستفتي الغزالي
فيه فقال: إن كان بحيث لو سلبناه الولاية لانتقلت إلى حاكم يرتكب ما يفسقه،
ولي، وإلا، فلا. وهذا الذي قاله حسن، وينبغي أن يكون العمل به. والله
أعلم.
فرع قال القاضي حسين والشيخ أبو علي وغيرهما: ولاية الفاسق لمال
ولده على الخلاف في ولاية النكاح بلا فرق. وقطع غيرهم بالمنع، وهو المذهب.
فرع سبق أن الامام الأعظم لا ينعزل بالفسق على الصحيح،
وحينئذ في تزويجه بناته وبنات غيره بالولاية العامة وجهان، تفريعا على أن الفاسق لا
يلي. أحدهما: المنع كغيره، ويزوجهن من دونه من الولاة والحكام. وأصحهما:
أنه يزوج، تفخيما لشأنه، ولهذا لم يحكم بانعزاله.
فرع إذا تاب الفاسق، قال البغوي في هذا الباب: له التزويج في
الحال، ولا يشترط مضي مدة الاستبراء. والقياس الظاهر وهو المذكور في
الشهادات: اعتبار الاستبراء، لعود الولاية حيث يعتبر لقبول الشهادة، وسنفصله إن
410

شاء الله تعالى.
فرع للفاسق أن يتزوج لنفسه على المذهب، وبه قطع الجمهور. وفي
تعليق الشيخ ملكداذ القزويني، عن القاضي أبي سعد وجه: أنه ليس له التزويج إذا
قلنا: لا يلي.
فرع إذا قلنا: الفاسق لا يلي، فالولاية للأبعد على الصحيح، وبه قطع
الجمهور. وحكى الحناطي وجها: أنها للسلطان. ثم الفسق إنما يتحقق بارتكاب
كبيرة، أو إصرار على صغيرة، وليس العضل من الكبائر، وإنما يفسق به إذا عضل
مرات أقلها - فيما حكى بعضهم - ثلاث، وحينئذ فالولاية للأبعد.
فرع إذا قلنا: الفاسق لا يلي، ففي أصحاب الحرف الدنية وجهان.
قلت: المذهب القطع بثبوت ولايتهم، قاله البغوي وغيره. والله أعلم.
المانع الرابع: اختلاف الدين، فلا يزوج المسلمة قريبها الكافر، بل يزوجها
الأبعد من أولياء النسب أو الولاء، وإلا، فالسلطان.
ولا يزوج الكافرة قريبها المسلم، بل يزوجها الأبعد الكافر. فإن لم يكن،
411

زوجها قاضي المسلمين بالولاية العامة، فإن لم يكن هناك قاض للمسلمين، فحكى
الامام عن إشارة صاحب التقريب: أنه يجوز للمسلم قبول نكاحها من قاضيهم.
والمذهب المنع.
وهل يزوج اليهودي النصرانية؟ يمكن أن يلحق بالإرث، ويمكن أن يمنع.
ثم الكافر إما يلي تزويج قريبته الكافرة إذا كان لا يرتكب محرما في دينه، فإن
ارتكبه، فتزويجه إياها كتزويج المسلم الفاسق بنته. وعن الحليمي أن الكافر لا يلي
التزويج، وأن المسلم إذا أراد تزوج ذمية، زوجه بها القاضي. والصحيح أنه يلي.
فرع في فتاوى البغوي: أنه يجوز أن يوكل نصرانيا أو مجوسيا في قبول
نكاح نصرانية، ولا يجوز في قبول نكاح مسلمة، ويجوز توكيل النصراني مسلما في
قبول نكاح نصرانية، ولا يجوز في قبول نكاح مجوسية، لأن المسلم لا يجوز له
نكاحها (بحال)، بخلاف توكيل المعسر موسرا في تزويج أمة، فإنه جائز، لأنه
يستبيحها في الجملة.
فرع المرتد لا ولاية له على مسلمة ولا مرتدة ولا غيرها من الكافرات.
قلت: لا يزوج مسلم كافرة إلا السلطان والسيد على الأصح وإذا زوج أمة
موليته، ولا يزوج كافر مسلمة إلا (أمته و) أم ولده على وجه، قاله الفوراني. والله
أعلم.
المانع الخامس: الاحرام. فإحرام أحد العاقدين أو المرأة يمنع انعقاد
النكاح. وقيل: إن كان العاقد الامام أو القاضي، فله التزويج، لقوة ولايتهما.
والصحيح المنع.
412

وفي تأثير الاحرام وجهان. أحدهما: سلب الولاية ونقلها إلى الأبعد،
كالجنون. وأصحهما: أنه مجرد الامتناع دون زوال الولاية، لبقاء الرشد والنظر،
فعلى هذا، يزوجها السلطان كما لو غاب. وسواء الاحرام بالحج أو العمرة،
والصحيح والفاسد، (وقيل: لا يمنع الفاسد)، وينعقد بشهادة المحرم على
الصحيح، وخالف الإصطخري. وتصح الرجعة في الاحرام على الأصح.
ومن فاته الحج، هل يصح نكاحه قبل التحلل بعمل عمرة؟ فيه وجهان
حكاهما الحناطي.
قلت: الصحيح المنع، لأنه محرم. والله أعلم.
فرع إذا وكل حلال حلالا في التزويج، ثم أحرم أحدهما، أو المرأة،
413

ففي انعزال الوكيل وجهان. أصحهما: لا ينعزل، فيزوج بعد التحلل بالوكالة
السابقة، وليس للوكيل الحلال أن يزوج قبل تحلل الموكل. هذا هو المعروف في
المذهب، ونقل الغزالي في الوجيز فيه وجها، ولم أره لغيره ولا له في
الوسيط. ولو وكله في حال إحرام الوكيل أو الموكل أو المرأة، نظر، إن وكله ليعقد في
الاحرام، لم يصح. وإن قال: لتزوج بعد التحلل، أو أطلق، صح، لأن الاحرام
يمنع الانعقاد دون الاذن. ومن ألحق الاحرام بالجنون، لم يصححه.
ولو قال: إذا حصل التحلل فقد وكلتك، فهذا تعليق للوكالة، وقد سبق
الخلاف فيه. وإذن المرأة في حال إحرامها على التفصيل المذكور في التوكيل.
ولو وكل حلال محرما ليوكل حلالا بالتزويج، صح على الأصح، لأنه سفير
محض ليس إليه من العقد شئ.
واعلم أن وكيل المصلي يزوج، بخلاف وكيل المحرم، لأن عبارة المحرم غير
صحيحة، وعبارة المصلي صحيحة. حتى لو زوجها في صلاته ناسيا، صح النكاح
والصلاة.
فصل إذا لم يكن الولي الأقرب حاضرا، نظر، إن كان مفقودا لا يعرف
مكانه ولا موته وحياته، زوجها السلطان، لتعذر نكاحها من جهته. وإن انتهى الامر
إلى غاية يحكم القاضي فيها بموته وقسم ماله بين ورثته - على ما سبق في الفرائض -
انتقلت الولاية إلى الأبعد. وإن عرف مكان الغائب، فإن كان على مسافة القصر،
زوجها السلطان، ولا يزوجها الأبعد. وقيل: يزوج الأبعد. وعن القاضي أبي
حامد: إن كان من الملوك وكبار الناس، اشترط مراجعته، وإن كان من التجار
وأوساط الناس، فلا. والصحيح الأول. وإن كان دون مسافة القصر، فأوجه.
أحدها: كالطويلة، وهو ظاهر نصه في المختصر. وأصحها: لا تزوج
حتى يراجع فيحضر أو يوكل، نص عليه في الاملاء.
والثالث: إن كان بحيث يتمكن المبتكر إليه من الرجوع إلى منزله قبل الليل،
اشترطت مراجعته، وإلا، فلا.
414

فرع عن الشافعي رضي الله عنه: أن السلطان لا يزوج من تدعي غيبة
وليها حتى يشهد شاهدان أنه ليس لها ولي حاضر، وأنها خلية عن النكاح والعدة.
فقيل: هذا واجب. وقيل: مستحب.
قلت: الأصح أنه مستحب، وبه قطع إبراهيم المروذي، ذكره في آخر
كتاب الطلاق. والله أعلم.
فعلى هذا، لو ألحت في المطالبة، ورأي السلطان التأخير، فهل له ذلك؟
وجهان، ولا يقبل في هذا إلا شهادة مطلع على باطن أحوالها. وإن كان الولي
الغائب ممن لا يزوج إلا بإذن، فقالت: ما أذنت له، فللقاضي تحليفها على نفي
الاذن.
قلت: قال الغزالي: وللقاضي تحليفها أن وليها لم يزوجها في الغيبة إن رأى
ذلك. ومثل هذه اليمين التي لا تتعلق بدعوى، هل هي مستحبة، أم واجبة؟
وجهان. والله أعلم.
فرع إذا غاب الولي الأقرب الغيبة المعتبرة، فالأولى للقاضي أن يأذن
للأبعد أن يزوج، أو يستأذن ليزوج القاضي.
فرع في فتاوى البغوي: أن القاضي إذا زوج من غاب وليها، ثم قدم
وليها بعد العقد، بحيث يعلم أنه كان قريبا من البلد عند العقد، لم يصح النكاح.
الطرف الرابع: في تولي طرفي العقد، فيه مسائل.
إحداها: هل يتولى الجد طرفي تزويج بنت ابنه الصغيرة أو الكبيرة بابن ابن
آخر مولى عليه؟ فيه وجهان. اختار ابن الحداد والقفال وابن الصباغ الجواز،
415

وصاحب التلخيص وجماعة من المتأخرين المنع.
قلت: قال الرافعي في المحرر: رجح المعتبرون الجواز. والله
أعلم.
فإن جوزنا، اشترط الاتيان بشقي الايجاب والقبول على الأصح. وقيل:
يكفي أحدهما. وإن منعنا، فإن كانت بالغة، زوجها السلطان بإذنها، ويقبل الجد
للابن. وإن كانت صغيرة، وجب الصبر إلى أن تبلغ فتأذن، أو يبلغ الصغير فيقبل،
كذا حكاه الشيخ أبو علي وغيره. وذكر الامام تفريعا على المنع: أنه يرفع إلى
السلطان ليتولى أحد الطرفين. قال: ثم يحتمل أن يتخير منهما، ويحتمل أن يقال:
يأتي بما يستدعيه الولي، وهذا مفروض فيما إذا كانت الولاية بسبب الجنون، وإلا،
فغير الأب والجد لا يزوج الصغير ولا الصغيرة.
المسألة الثانية: للعم تزويج بنت أخيه بابنه البالغ، ولابن العم تزويجها بابنه
على المذهب فيهما. هذا إذا أطلقت الاذن وجوزناه. فإن عينته في الاذن، جاز قطعا،
لانتفاء التهمة.
وإن زوجها بابنه الطفل، لم يصح على المذهب، لأنه نكاح لم يحضره أربعة،
وليس له قوة الجدودة.
المسألة الثالثة: إذا كان الولي ممن يجوز له نكاحها، كابن العم، والمعتق،
والقاضي، وأراد نكاحها، لم تجز تولية الطرفين، ولكن يزوج ابن العم من في
416

درجته، فإن لم يكن، فالقاضي. وإن كان الراغب القاضي، زوجه وال فوقه، أو
خرج إلى قاضي بلد آخر، أو يستخلف من يزوجه إن كان له الاستخلاف.
وإن كان الراغب الامام الأعظم، زوجه بعض قضاته. هذا هو الصحيح.
وفي الامام وجه مشهور: أنه يتولى الطرفين. وفي القاضي وابن العم وجه
أبعد، ويجئ مثله في المعتق. وحكي الوجه في القاضي عن أبي يحيى البلخي.
ولو أراد أحد هؤلاء تزويجها بابنه الصغير، فكنفسه. وحيث جوزنا لنفسه،
فذلك إذا سمته في إذنها. فإن أطلقت، وجوزنا الاطلاق، فوجهان حكاهما
الحناطي.
وفي فتاوى البغوي: أنه لو أراد نكاح بنت عمه وهو وليها، وهو غائب
عنها، زوجها به قاضي بلد المرأة، لا قاضي بلد الرجل.
المسألة الرابعة: من منعناه تولي الطرفين، فوكل في أحدهما، أو وكل شخصين
فيهما، لم يصح على الأصح، لأن فعل الوكيل فعل الموكل. وقيل: يصح،
لوجود العدد. وقيل: يجوز للجد، لتمام ولايته من الطرفين. ولو وكل الولي
رجلا، ووكله الخاطب، أو وكله في تزويجه لنفسه، فتولى الطرفين، لم يصح على
الصحيح.
المسألة الخامسة: زوج أمته بعبده الصغير، وجوزنا له إجباره، فهو كتولي الجد
طرفيه.
المسألة السادسة: ابنا عم، أحدهما لأب، والآخر لأبوين، أراد الأول نكاحها،
يزوجه الثاني، وإن أراد الثاني وقلنا: هما سواء، زوجه الأول، وإلا، فالقاضي.
المسألة السابعة: قالت لابن عمها أو معتقها: زوجني، أو زوجني من شئت،
417

ليس للقاضي تزويجه بها بهذا الاذن، لأن المفهوم منه التزويج بأجنبي. وإن قالت:
زوجني نفسك، حكى البغوي عن بعض الأصحاب: أنه يجوز للقاضي تزويجه
إياها. قال: وعند لا يجوز، لأنها إنما أذنت له، لا للقاضي.
قلت: الصواب الجواز، لأن معناه: فوض إلى من يزوجك إياي. والله
أعلم.
الطرف الخامس: في التوكيل، التوكيل بالتزويج جائز. فإن كان الولي
مجبرا، فله التوكيل بغير إذنها على الصحيح. وقيل: يشترط إذنها، حكاه
الحناطي والقاضي أبو حامد. فعلى هذا، إن كانت صغيرة، امتنع التوكيل. فعلى
الصحيح: إذا وكل لا يشترط تعيين الزوج على الأظهر.
ولو أذنت الثيب في النكاح أو البكر لغير الأب والجد، ففي اشتراط التعيين
القولان. وقيل: لا يشترط قطعا، لأن الولي يعتني بدفع العار عن النسب، بخلاف
الوكيل. قال الامام: وظاهر كلام الأصحاب يقتضي طرد الخلاف وإن رضيت بترك
الكفاءة، لكن القياس تخصيصه بمن لم ترض.
فأما من أسقطت الكفاءة، فلا معنى لاشتراط التعيين فيها. وإذا جوزنا التوكيل
المطلق، فعلى الوكيل رعاية النظر.
فلو زوج لغير كف ء، لم يصح على الصحيح. وحكى ابن كج وجها: أنه
يصح، ولها الخيار. فإن كانت صغيرة، خيرت عند البلوغ.
ولو خطب كفئان، وأحدهما أشرف، فزوج الآخر، لم يصح. وإذا جوزنا
الاذن المطلق، فقالت: زوجني ممن شئت، فهل له تزويجها غير كف ء؟ وجهان،
أصحهما عند الامام والسرخسي وغيرهما: نعم، كما لو قالت: زوجني ممن شئت
كفئا كان أو غيره. هذا كله إذا كان الولي مجبرا. فإن كان غير مجبر، لكونه غير
418

الأب والجد، أو كانت ثيبا، ففيه صور.
إحداها: قالت: زوجني ووكل، فله كل واحد منهما.
الثانية: نهت عن التوكيل، لا يوكل.
الثالثة: قالت: وكل بتزويجي واقتصرت عليه، فله التوكيل. وهل له أن
يزوج بنفسه؟ وجهان. أصحهما: نعم.
الرابعة: قالت: أذنت لك في تزويجي، فله التوكيل على الأصح، لأنه
متصرف بالولاية.
ولو وكل من غير مراجعتها واستئذانها بالكلية، لم يصح على الصحيح، لأنه
لا يملك التزويج بنفسه حينئذ. والثاني: يصح. فعلى هذا، يستأذن الولي أو
الوكيل للولي، ثم يزوج. ولا يجوز أن يستأذن لنفسه. ثم إذا وكل غير المجبر بعد
إذن المرأة، فهل يشترط تعيين الزوج إن أطلقت الاذن؟ وجهان كما في توكيل
المجبر.
قال الامام: وإذا عينت زوجا، سواء شرطنا تعيينها، أم لا، فليذكره الولي
للوكيل. فإن لم يفعل وزوج الوكيل غيره، لم يصح. وكذا لو زوجه، لم يصح على
الظاهر، لأن التفويض المطلق - مع أن المطلوب معين - فاسد. وهذا كما لو قال
الولي للوكيل: بع مال الطفل بالعين، فباع بالغبطة، لم يصح.
فرع قالت: أذنت لك في تزويجي، ولا تزوجني بنفسك، قال الامام: قال
الأصحاب: لا يصح هذا الاذن، لأنها منعت الولي، وجعلت التفويض للأجنبي،
فأشبه الاذن للأجنبي ابتداء.
فرع في فتاوى البغوي: أنه إذا لم يكن ولي سوى الحاكم، فأمر قبل
أن يستأذنها رجلا بتزويجها، فزوجها الرجل بإذنها، هل يصح النكاح؟ يبنى على أن
419

استنابة القاضي في شغل معين - كتحليف وسماع شهادة - يجري مجرى
الاستخلاف، أم لا؟ إن قلنا: نعم، جاز قبل استئذانها، وصح النكاح، وإلا،
فلا يصح على الأصح، كتوكيل الولي قبل الاذن.
فصل في بيان لفظ الوكيل في عقد النكاح فيقول وكيل الولي للزوج:
زوجتك بنت فلان. فإن كان الوكيل للزوج، قال الولي: زوجت بنتي فلانا،
فيقول وكيله: قبلت نكاحها له. فلو لم يقل: له، فعلى الخلاف السابق إذا قال الزوج: قبلت ولم يقل: نكاحها. ولو قال الولي لوكيل الزوج: زوجت بنتي
لك، فقال: قبلت نكاحها لفلان، لم ينعقد.
وإن قال: قبلت نكاحها، وقع العقد للوكيل، ولم ينصرف إلى الموكل
بالنية.
ولو جرى النكاح بين وكيلين، فقال وكيل الولي: زوجت فلانة فلانا، فقال
وكيل الزوج: قبلت نكاحها لفلان، صح.
وفي البيع يجوز أن يقول البائع لوكيل المشتري: بعتك، ويقول الوكيل:
اشتريت وينوي موكله، فيقع العقد للموكل وإن لم يسمه. وفرقوا بينهما بوجهين.
أحدهما: أن الزوجين كالثمن والمثمن، ولا بد من تسميتهما. الثاني: أن البيع يرد
على المال، وهو قابل للنقل من شخص إلى شخص، والنكاح يرد على البضع،
وهو لا يقبل النقل، ولهذا لو قبل النكاح لزيد بوكالة، فأنكرها زيد، لم يصح
العقد.
ولو اشترى لزيد، U فأنكرها، صح الشراء للوكيل.
ولو قال وكيل الزوج أولا: قبلت نكاح فلانة منك لفلان، فقال وكيل الولي:
زوجتها فلانا، جاز. ولو اقتصر على قوله: زوجتها، ولم يقل: فلانا، فعلى
الخلاف السابق.
420

فرع إذا قبل الأب النكاح لابنه بالولاية، فليقل الولي: زوجت فلانة
بابنك، فيقول الأب: قبلت نكاحها لابني.
فرع كانت بنته مزوجة أو معتدة، فقال: إذا طلقت أو انقضت عدتها،
فقد وكلتك بتزويجها، فقولان، كما لو قال: إذا مضت سنة، فقد وكلتك
بتزويجها. وهذا تفريع على أنه لو قال: وكلتك بتزويجها إذا طلقها، يصح، كقوله:
زوجها إذا مضت سنة. وفي وجه: لا يصح هذا التوكيل، وقد سبق بيانهما في
الوكالة.
فرع لا يشترط في التوكيل بالتزويج ذكر المهر، لكن لو سمى قدرا، لم
يصح التزويج بدونه، كما لو قال: زوجها في يوم كذا، أو مكان، فخالف الوكيل،
لا يصح. ولو أطلق التوكيل، فزوج الوكيل بدون مهر المثل، أو لم يتعرض للمهر،
أو نفاه، ففيه خلاف نذكره في آخر الباب الثاني من كتاب الصداق إن شاء الله
تعالى. ولو وكله بقبول نكاح امرأة، وسمى مهرا، لم يصح القبول بما زاد عليه.
وإن لم يسم، فليقبل نكاح امرأة تكافئه، مهر المثل أو أقل. فإن تزوج له من لا
تكافئه، لم يصح. وقيل: إن قبل بأكثر من مهر المثل، أو بغير نقد البلد، أو يعين
من أعيان مال الموكل، أو من مال نفسه، فوجهان. أحدهما: يصح النكاح،
وعلى الموكل مهر المثل من نقد البلد. والثاني: لا يصح، كالبيع. هكذا فصل
المسألة البغوي.
ولك أن تتوقف في موضعين.
أحدهما: تصحيح إطلاق التوكيل في قبول نكاح امرأة، لأنه لو وكله في شراء
عبد، اشترط بيان نوعه وتفصيله، فالاشتراط هنا أولى.
الثاني: حكمه ببطلان قبول من لا تكافئه، لأنا سنذكر أن للولي أن يزوج
الصغير من لا تكافئه. وإذا جاز للولي، فكذا للوكيل عند إطلاق التوكيل.
قلت: هذا الاعتراض الثاني فاسد، كما لو اشترى الوكيل معيبا، بخلاف قوة
ولاية الأب. وفي الاعتراض الأول أيضا نظر، والراجح المختار ما ذكره البغوي.
والله أعلم.
421

فرع قال: أقبل لي نكاح فلانة على عبدك هذا، ففعل، صح النكاح.
وفي العبد وجهان. أحدهما: لا تملكه المرأة، بل على العبد مهر المثل.
والثاني: تملكه. وهل هو قرض، أم هبة؟ وجهان.
الطرف السادس: فيما يلزم الولي. فإن كان مجبرا، فقد ذكرنا أن عليه
الإجابة إلى التزويج إذا طلبت. ويلزمه تزويج المجنونة والمجنون عند الحاجة بظهور
أمارات التوقان، أو بتوقع الشفاء عند إشارة الأطباء، ولا يلزمه تزويج ولديه الصغير
والصغيرة لعدم الحاجة. فلو ظهرت الغبطة في تزويجهما، ففي الوجوب احتمال
للامام، كما إذا طلب ماله بزيادة، يجب البيع. والوجوب في الصغير أبعد، للزوم
المؤن. أما غير المجبر، فإن تعين، كأخ واحد، لزمه الإجابة إذا طلبت كالمجبر،
ويجئ فيه الخلاف المذكور هناك. وإن لم يتعين كإخوة، فطلبت من بعضهم،
وجبت على الأصح. ولو عضل الواحد أو الجمع، زوج السلطان كما سبق.
فصل إذا قبل الأب للصغير أو المجنون نكاحا بصداق من مال الابن، فإن
كان عينا، فذاك، ولا تعلق له بالأب. وإن كان دينا، فقولان. القديم: إن الأب
يكون ضامنا للمهر بالعقد. والجديد: لا يكون ضامنا، إلا أن يضمن صريحا،
كما لو اشترى لطفله شيئا. فإن كان الثمن عليه، لا على الأب، قال ابن كج:
القولان فيما إذا أطلق. فإن شرطه على الابن، فعلى الابن قطعا.
ثم قال العراقيون وعامة الأصحاب: القولان إذا لم يكن للابن مال. فإن
كان، فالأب غير ضامن قطعا. وقيل بطرد القولين. فإن قلنا بالجديد، فتبرع
بالأداء، لم يرجع، وكذا الأجنبي. وإن ضمن صريحا، وغرم، فقصد الرجوع هنا
بمنزلة إذن المضمون عنه. فإن ضمن بقصد الرجوع، وغرم بقصد الرجوع، رجع،
وإلا، فعلى الخلاف المذكور في الضمان بغير الاذن. وإن ضمن بشرط براءة
الأصيل، قال القاضي حسين: إن لم نصحح الضمان بشرط براءة الأصيل، فهذا
ضمان فاسد شرط في الصداق. وقد سبق ذكر قولين في أن شرط الضمان الفاسد أو
الرهن الفاسد في عقد هل يفسد العقد؟ وإن صححنا الضمان بشرط براءة الأصيل،
فالشرط هنا فاسد، لأنه لا دين في ذمة المعقود له. وإذا فسد الشرط، ففي فساد
الضمان وجهان سبقا في الضمان. فإن قلنا بالقديم، فغرم، قال القاضي حسين
422

والشيخ أبو علي: لا يرجع على الابن، لأنه غرم بالشرع، كما لا ترجع العاقلة على
الجاني. واعترض الامام فقال: المطالبة متوجهة على الابن، بخف الجاني.
فعلى هذا، يرجع إن قصد الرجوع عند الأداء، وبهذا قطع البغوي.
ولو شرط الأب أن لا يكون ضامنا، فعن القاضي: أنه يبطل العقد على
القديم. قال الامام: وهذا وهم من الناقلين عنه، فإن النكاح لا يفسد بمثل ذلك،
ولعله قال: يبطل الشرط ويلزم الضمان.
فصل يجب على الولي حفظ مال الصبي وصونه عن أسباب التلف، وعليه
استنماؤه قدر ما لا تأكل النفقة والمؤن المال إن أمكن ذلك، ولا تلزمه المبالغة في
الاستنماء وطلب النهاية. وإذا طلب متاعه بأكثر من ثمنه، لزمه بيعه. ولو كان شئ
يباع بأقل من ثمنه، وللطفل مال، لزمه شراؤه إذا لم يرغب فيه لنفسه، هكذا أطلقه
الامام والغزالي في الطرفين، ويجب أن يتقيد ذلك بشرط الغبطة، بل بالأموال
المعدة للتجارة.
أما ما يحتاج إلى عينه، فلا سبيل إلى بيعه وإن ظهر طالب بالزيادة. وكذا
العقار الذي يحصل منه كفايته. وكذا في طرف الشراء قد يؤخذ الشئ رخيصا، لكنه
عرضة للتلف، ولا يتيسر بيعه لقلة الراغبين فيه، فيصير كلا على مالكه.
قلت: هذا الذي قاله الرافعي، هو الصواب، ولا يغتر بما خالفه. والله
أعلم.
فرع إذا تضجر الأب بحفظ مال الطفل والتصرف فيه، رفع الامر إلى
القاضي لينصب قيما بأجرة، وله أن ينصب بنفسه، ذكره الامام. ولو طلب من
القاضي أن يثبت له أجرة على عمله، فالذي يوافق كلام الجمهور: أنه لا يجيبه إليه
غنيا كان أو فقيرا، إلا أنه إذا كان فقيرا ينقطع عن كسبه، فله أن يأكل منه بالمعروف
كما سبق في الحجر، وذكر الامام أن هذا هو الظاهر. قال: ويجوز أن يقال:
يثبت له أجرة، لأن له أن يستأجر، فجاز له طلبها لنفسه، وبهذا الاحتمال قطع
الغزالي. وعلى هذا، لا بد من تقدير القاضي، وليس له الاستقلال به، وهذا إذا
لم يكن هناك متبرع بالحفظ والعمل. فإن وجد متبرع، وطلب الأب الأجرة، فقد
أشار الامام إلى وجهين أيضا. الصحيح: أنه لا يثبتها له، للاستغناء عنه. والثاني:
423

يثبتها، لزيادة شفقته، كما تقدم الأم في الرضاع على قول على المتبرعة.
الطرف السابع: في خصال الكفاءة.
إحداها: التنقي من العيوب المثبتة للخيار، واستثنى البغوي منها التعنين
وقال: لا يتحقق، فلا ينظر إليه.
وفي تعليق الشيخ أبي حامد وغيره: التسوية بين التعنين وغيره، وإطلاق
الجمهور يوافقه. فمن به عيب، ليس كفئا لسليمة منه، وكذا إن كان بها ذلك
(العيب)، لكن ما به أفحش، أو أكثر، فليس بكفء. فإن تساويا، أو كان ما بها
أكثر، فوجهان بناء على ثبوت الخيار في هذه الحالة، ويجريان لو كان مجبوبا وهي
رتقاء، وزاد الروياني على العيوب المثبتة للخيار العيوب المنفرة، كالعمى،
والقطع، وتشوه الصورة. وقال: هي تمنع الكفاءة عندي، وبه قال بعض
الأصحاب، واختاره الصيمري.
الثانية: الحرية، فلا يكون رقيق كفئا لحرة أصلية ولا عتيقة، ولا عتيق
لأصلية، ولا من مس الرق أحد آبائه لمن لم يمس أحدا من آبائها، ولا من مس أبا
424

أقرب في نسبه لمن مس أبا أبعد من نسبها. ويشبه أن يكون الرق في الأمهات
مؤثرا، ولذلك تعلق به الولاء.
قلت: المفهوم من كلام الأصحاب، أن الرق في الأمهات لا يؤثر كما سيأتي
في النسب إن شاء الله تعالى. وقد صرح بهذا صاحب البيان فقال: من
ولدته رقيقة كف ء لمن ولدته عربية، لأنه يتبع الأب في النسب. والله أعلم.
الثالثة: النسب، فالعجمي ليس كفئا للعربية، ولا غير القرشي
للقرشية، ولا غير الهاشمي والمطلبي للهاشمية أو المطلبية.
وبنو هاشم وبنو المطلب أكفاء. وحكي وجه: أن قريشا بعضهم أكفاء بعض،
ويعتبر النسب في العجم كالعرب. وقال القفال والشيخ أبو عاصم: لا يعتبر، لأنهم
لا يعتنون بحفظها وتدوينها. والأول أصح. ومقتضاه الاعتبار فيمن سوى قريش من
العرب أيضا، لكن ذكر ذاكرون أنهم أكفاء.
قلت: مقتضى كلام الأكثرين، أن غير قريش من العرب بعضهم أكفاء
بعض، كما صرح به هؤلاء الجماعة. وذكر الشيخ إبراهيم المروذي، أن غير كنانة
ليسوا أكفاء لكنانة. ومما يتعلق بهذا ما حكاه في البيان عن الصيمري، أنه قال:
موالي قريش أكفاء لقريش، وكذا موالي كل قبيلة أكفاء لها، (قال): وجمهور
الأصحاب على أنهم ليسوا بأكفاء، وهو الصحيح. والله أعلم.
فرع الاعتبار في النسب بالأب، فمن أبوه عجمي وأمه عربية، ليس
بكفء لمن أبوها عربي وأمها عجمية.
الرابعة: الدين والصلاح، فمن أسلم بنفسه، ليس كفئا لمن لها أبوان أو ثلاثة
425

في الاسلام، وقيل: كف ء، وقيل: لا ينظر إلا إلى الأب الأول والثاني، فمن له
أبوان في الاسلام، كف ء لمن لها عشرة آباء في الاسلام، والأول أصح. والفاسق ليس
بكفء للعفيفة، ولا تعتبر الشهرة، بل من لا يشهر بالصلاح كف ء للمشهورة به.
وإذا لم يكن الفاسق كفئا للعفيفة، فالمبتدع أولى أن لا يكون كفئا للنسيبة، وقد نص
عليه الروياني رحمه الله.
الخامسة: الحرفة. فأصحاب الحرف الدنية ليسوا أكفاء لغيرهم.
فالكناس، والحجام، وقيم الحمام، والحارس، والراعي ونحوهم، لا يكافؤون
بنت الخياط، والخياط لا يكافئ بنت تاجر أو بزاز، ولا المحترف بنت القاضي
والعالم.
وذكر في الحلية أنه تراعى العادة في الحرف والصنائع، لأن في بعض
البلاد التجارة أولى من الزراعة، وفي بعضها بالعكس.
فرع الحرفة الدنية في الآباء، والاشتهار بالفسق، مما يعير به الولد،
فيشبه أن يكون حال من كان أبوه صاحب حرفة دنية، أو مشهورا بفسق، مع من أبوها
عدل، كما ذكرنا فيمن أسلم بنفسه مع من أبوها مسلم.
والحق أن يجعل النظر في حق الآباء دينا وسيرة وحرفة من حيز النسب، فإن
مفاخر الآباء ومثالبهم، هي التي يدور عليها أمر النسب، وهذا يؤكد اعتبار النسب في
العجم. ويقتضي أن لا تطلق الكفاءة بين غير قريش من العرب.
السادسة: اليسار على وجه. والأصح: أنه غير معتبر. فإن اعتبرناه،
فوجهان. أحدهما: أن المعتبر يسار بقدر المهر والنفقة، فإذا أيسر به، فهو كف ء
لصاحبه الألوف. وأصحهما: لا يكفي ذلك، بل الناس أصناف، غني، وفقير،
426

ومتوسط، وكل صنف أكفاء وإن اختلفت المراتب. وفي فتاوى القاضي حسين:
أنه لو زوج بنته البكر بمهر مثلها رجلا معسرا بغير رضاها، لم يصح النكاح على
المذهب، لأنه بخس حقها، كتزويجها بغير كف ء.
فرع ليس من الخصال المعتبرة في الكفاءة الجمال ونقيضه، لكن ذكر
الروياني، أن الشيخ لا يكون كفئا للشابة على الأصح، وأن الجاهل ليس كفئا
للعالمة، وهذا فتح باب واسع.
قلت: الصحيح خلاف ما قاله الروياني. قال أصحابنا: وليس البخل والكرم
والطول والقصر معتبرا. قال الصيمري: واعتبر قوم البلد، فقالوا: ساكن مكة
والمدينة والبصرة والكوفة، ليس كفئا لساكن الجبال، قال: وهذا ليس بشئ.
والله أعلم.
فرع مقتضى كلام الجمهور، أن خصال الكفاءة لا تقابل بعضها
ببعض، وقد صرح به البغوي وأبو الفرج السرخسي، حتى لا تزوج سليمة من
العيوب دنية بمعيب نسيب، ولا حرة فاسقة بعبد عفيف، ولا عربية فاسقة بعجمي
عفيف، ولا رقيقة عفيفة بحر فاسق، وتكفي صفة النقص في المنع. وفصل الامام
فقال: السلامة من العيوب لا تقابل بسائر فضائل الزوج، وكذا الحرية، وكذا
النسب.
وفي انجبار دناءة نسبه بعفته الظاهرة، وجهان. أصحهما: المنع، قال:
والتنقي من الحرف الدنية، يقابله الصلاح وفاقا. والصلاح إن اعتبرناه، يقابل بكل
خصلة، والأمة العربية بالحر العجمي على هذا الخلاف.
فرع قال الامام والغزالي: لا اعتبار بالانتساب إلى عظماء الدنيا والظلمة
المستولين على الرقاب وإن كان الناس قد يتفاخرون بهم، وهذا الذي قالاه، لا
يساعده كلام النقلة. وقد قال المتولي: للعجم عرف في الكفاءة، فيعتبر عرفهم.
واعلم أن صاحب الشامل نقل قولا عن كتاب البويطي: أن الكفاءة في
427

الدين وحده، والمشهور ما سبق.
فصل الكفاءة حق المرأة والولي واحدا كان أو جماعة مستوين في درجة.
فإن زوجها بغير كفء وليها المنفرد برضاها، أو أحد الأولياء برضاها ورضى الباقين،
صح النكاح، فالكفاءة ليست شرطا للصحة. وإذا زوجها الولي الأقرب بغير كف ء
برضاها، لم يكن للأبعد الاعتراض.
فلو كان الذي يلي أمرها السلطان، فهل له تزويجها بغير كف ء إذا طلبته؟
قولان أو وجهان. أصحهما: المنع، لأنه كالنائب، فلا يترك الحظ.
ولو زوجها أحد الأولياء بغير كف ء برضاها دون رضى الباقين، لم يصح على
المذهب. وفي قول: يصح، ولهم الخيار في فسخه. وقيل: يصح قطعا. وقيل: لا
يصح قطعا. وإن زوجها أحدهم أو كلهم بغير رضاها، وكانت قد أذنت في التزويج
مطلقا، وقلنا: لا يشترط تعيين الزوج، أو زوج الأب أو الجد البكر الصغيرة أو
البالغة بغير كف ء بغير إذنها، لم يصح على المذهب. وقيل: يصح. وقيل: إن
علم الولي عدم الكفاءة، فالنكاح باطل، وإلا، فصحيح. وإذا صححنا، فللمرأة
الخيار إن كانت بالغة، وإن كانت صغيرة، فإذا بلغت، تخيرت. وحكى الامام
وجها: أنها لا تتخير، وعليها الرضى بعقد الأب. وهل للولي الخيار في صغرها؟
وجهان. ورواهما القاضي أبو الطيب قولين.
أحدهما: نعم، كما لو اشترى للصغير معيبا. والثاني: لا، لأنه خيار
شهوة.
وهذا الخلاف فيما ذكره الحناطي والبغوي ورآه الامام مخصوص بما إذا جهل
الولي حال الزوج، فإن علم، فلا خيار له. وطرده ابن كج وآخرون في حالتي العلم
والجهل، وقالوا: ليس هو عاقدا لنفسه حتى يؤاخذ بعلمه.
فرع في فتاوى البغوي: أنها لو أقرت بنكاح لغير كف ء، فلا اعتراض
للولي، لأنه ليس بإنشاء عقد، ولا يقبل قوله: ما رضيت، كما لو أقرت بالنكاح
وأنكر الولي، لا يقبل إنكاره، قال: ولو زوجت بوكالة، ثم أنكر الولي التوكيل
والمرأة ساكتة، فالقول قول الولي. فلو أقرت بالنكاح، قبل قولها.
428

فرع إذا زوج الأب ابنه الصغير بمن لا تكافئه، نظر، فإن كانت معيبة
بعيب يثبت الخيار، ففي صحة النكاح الخلاف السابق في تزويج الصغيرة بغير
كف ء. والمذهب: أنه يصح. وقيل: لا يصح إنكاحه الرتقاء والقرناء قطعا، لأنه
بذل مال في بضع لا ينفع، بخلا ف تزويج الصغيرة بمجبوب. وإن زوجه أمة، لم
يصح، لأنه لا يخاف العنت. وإن زوجه بمن لا تكافئه بجهة أخرى، صح على
الأصح، إذ لا عار على الرجل في استفراش من دونه. فإن صححنا، فالتفريع كما
سبق في الصغيرة. وإن زوجه عمياء، أو عجوزا، أو مفقودة بعض الأطراف،
فوجهان. ويجب أن يكون في تزويج الصغيرة بالأعمى والأقطع والشيخ الهم
الوجهان. وإن زوج المجنون أمة، جاز إن كان معسرا وخشي عليه العنت. وفي
وجه: لا يجوز، لأنه لا يخشى عليه وطئ يوجب حدا أو إثما، وهو ضعيف. وإن
كان النقص بسبب آخر، فعلى ما ذكرنا في الصغيرة.
فرع زوج بنته بخنثى قد بان رجلا، أو ابنه بخنثى قد بان امرأة، فإن أثبتنا
الخيار بهذا السبب، فالخنثى كالمجنون والمجنونة، وإلا، فكالأعمى.
قلت: الخصي كالخنثى في هذا، قال البغوي: وكذا لو أذنت البالغة في
التزويج مطلقا فزوجها بخصي أو خنثى. والله أعلم.
فرع للسيد أن يزوج أمته برقيق ودنئ النسب، ولا يزوجها من به عيب
يثبت الخيار، ولا من لا يكافئها بسبب آخر. فإن خالف، فهل يبطل النكاح، أم
يصح ولها الخيار؟ فيه مثل الخلاف السابق. وفي وجه ضعيف: يصح بلا خيار.
ولو زوجها بمعيب برضاها، لم يكن لها الامتناع من تمكينه، وله بيعها ممن به
بعض تلك العيوب. وهل لها الامتناع من تمكينه؟ وجهان.
قلت: قال المتولي: أصحهما: يلزمها التمكين.
ومما يتعلق بالفصل، لو زوجها بعض الأولياء بكفء بدون مهر المثل برضاها
دون رضى بقية الأولياء، صح قطعا، إذ لا حق لهم في المهر، ولا عار. ولو طلبت
التزويج برجل، وادعت كفاءته، وقال الولي: ليس بكفء، رفع إلى القاضي، فإن
ثبتت كفاءته، ألزمه تزويجها، فإن امتنع، زوجها القاضي به، وإن لم
429

تثبت، لم يلزمه تزويجها به. قال البغوي: ولو زوجها واحد برضاها ورضى الباقين بغير كف ء، فاختلعت
منه، ثم زوجها أحدهم به برضاها دون إذن الباقين، فقيل: يصح قطعا، لأنهم
رضوا به أولا. وقيل: على الخلاف، لأنه عقد جديد. ولو امتنعوا، فلهم ذلك بلا
خلاف.
قال: ولو استأذن الأب البكر البالغة في التزويج بغير كف ء، فسكتت، فهل
يصح قطعا، أم يكون على الخلاف؟ فيه طريقان. والمذهب: الصحة. وقد
سبقت المسألة في أول الباب.
قال الشافعي رحمه الله في الاملاء: لو زوج أخته، فمات الزوج، فادعى
وارثه أن الأخ زوجها بغير رضاها، وأنها لا ترث، فقالت: زوجني برضاي، فالقول
قولها وترث، قال في الاملاء: وإن قال رجل: هذه زوجتي، فسكتت فمات،
ورثته، وإن ماتت، لم يرثها، لأن إقراره يقبل عليه دونها.
ولو أقرت بزوجية رجل، فسكت فماتت، ورثها، وإن مات، لم ترثه. والله
أعلم.
الطرف الثامن: في اجتماع الأولياء.
فإذا اجتمعوا في درجة، كالأخوة والأعمام وبنيهم، استحب أن يزوجها
أفضلهم بالفقه أو الورع، وأسنهم، برضى الباقين، لأن هذا أجمع للمصلحة.
ولو تعارضت هذه الخصال، قدم الأفقه، ثم الأورع، ثم الأسن. ولو زوج غير الأسن
والأفضل برضاها بكفء، صح، ولا اعتراض للباقين.
ولو تنازعوا، وقال كل: أنا أزوج، نظر، إن تعدد الخاطب، فالتزويج ممن
ترضاه المرأة، فإن رضيتهما جميعا، نظر القاضي في الأصلح وأمر بتزويجه، كذا
ذكره البغوي وغيره. وإن اتحد الخاطب، وتزاحموا على العقد، أقرع بينهم، فمن
خرجت قرعته، زوجها، فإن بادر غيره فزوجها، صح على الأصح. وقيل: لا
يصح. فعلى هذا، هل يختص هذا الوجه بما إذا اقترعوا من غير ارتفاع إلى مجلس
430

القاضي، أم يختص بقرعة ينشئها القاضي؟ فيه تردد للامام. هذا كله إذا أذنت لكل
واحد على الانفراد، أو قالت: أذنت في فلان، فمن شاء من أوليائي فليزوجني به.
ولو قالت: زوجوني، اشترط اجتماعهم على الأصح.
ولو قالت: رضيت أن أزوج، أو رضيت بفلان زوجا، فوجهان. أحدهما:
ليس لأحد تزويجها، لأنها لم تأذن لجميعهم إذنا عاما، ولا خاطبت واحدا، فصار
كقولها: رضيت أن يباع مالي. وأصحهما: يصح، ولكل واحد تزويجها، لأنهم
متعينون شرعا، والشرط رضاها وقد وجد. فعلى هذا، لو عينت بعد ذلك واحدا،
ففي انعزال الباقين وجهان. وقطع في الرقم بالانعزال، وقطع البغوي بخلافه.
قلت: الأصح عدم الانعزال، وغلط الشاشي من قال بالانعزال. والله أعلم.
فصل إذا أذنت لاحد الوليين أن يزوجها بزيد، وللآخر أن يزوجها بعمرو،
وأطلقت الاذن، وصححناه، فزوج واحد زيدا، وآخر عمرا، أو وكل الولي المجبر
رجلا، فزوجها الولي زيدا،
والوكيل عمرا، أو وكل رجلين، فزوج أحدهما
زيدا، والآخر عمرا، فللمسألة خمس صور.
إحداها: أن يسبق أحد النكاحين ونعلمه، فهو الصحيح. والثاني باطل،
سواء دخل الثاني، أم لا، وإنما يعلم السبق بالبينة أو التصادق.
الثانية: أن يقعا معا، فباطلان. ولو اتحد الخاطب، وأوجب كل واحد من
الوليين النكاح له معا، صح على الصحيح، ويتقوى كل واحد من الايجابين
بالآخر، وحكى العبادي عن القاضي وغيره: أنه لا يصح، لأنه ليس أحدهما أولى
بالاعتبار، فتدافعا.
الثالثة: إذا لم يعلم السبق والمعية، وأمكنا، فباطلان، لأن الأصل عدم
الصحة، كذا أطلقه الجمهور، ونقل الامام وغيره وجها: أنه لا بد من إنشاء فسخ،
لاحتمال السبق.
الرابعة: أن يسبق واحد معين، ثم يخفى، فيتوقف حتى يبين، ولا يجوز
لواحد منهما الاستمتاع بها ولا لثالث نكاحها، إلا أن يطلقاها، أو يموتا، أو يطلق
أحدهما، أو يموت الآخر.
431

قلت: ولا بد من انقضاء عدتها بعد موت آخرهما. والله أعلم.
وطرد بعضهم في هذه الصورة القولين المذكورين في الصورة الخامسة، وهو ضعيف.
الخامسة: إذا علم سبق أحدهما، ولم يعلم عينه، فباطلان على
المنصوص، وهو المذهب، كما لو احتمل السبق والمعية لتعذر الامضاء. وقيل:
قولان، أحدهما هذا، والثاني مخرج من الجمعين في مثل هذه الصورة: أنه يتوقف
كما في الصورة الرابعة. فعلى المذهب، هل يبطلان بلا فسخ؟ أم لا بد من إنشاء
فسخ؟ فيه الخلاف السابق في الصورة الثالثة، فإن شرطنا الانشاء، ففيمن يفسخ
أوجه. أصحها: الحاكم أو المحكم إن جوزنا التحكيم. والثاني: للمرأة الفسخ
بغير مراجعة الحاكم. والثالث: للزوجين الفسخ أيضا. وحيث أبطلنا النكاحين،
فلا مهر، إلا أن يوجد دخول، فيجب مهر المثل. وإذا أبطلنا عند احتمال السبق
والمعية، وفيما إذا سبق أحدهما ولم يعلم، فهل يبطل ظاهرا وباطنا، أم ظاهرا
فقط؟ وجهان. فعلى الأول، لو ظهر وتعين السابق بعد، فلا زوجية. ولو نكحت
ثالثا، فهي زوجة الثالث. وإن قلنا بالثاني، فالحكم بخلافه.
قلت: ينبغي أن يقال: الأصح: أنه إن جرى فسخ من الحاكم، انفسخ أيضا
باطنا، وإلا، فلا. والله أعلم.
فرع إذا قلنا بالتوقف، فمات أحدهما، وقفنا من تركته ميراث زوجه. ولو
ماتت، وقفنا ميراث زوج بينهما حتى يصطلحا أو يبين الحال، وفي وجوب نفقتها في
مدة التوقف ومدة الحبس قبل الفسخ إذا قلنا به، وجهان. أحدهما: لا، لعدم
التمكين، والأصل البراءة. والثاني: نعم، لصورة العقد وعدم النشوز مع حبسها.
والأول أصح عند الامام. وبالثاني قطع ابن كج. فإن أوجبنا، وزعت عليهما. فإن
تعين السابق، رجع الآخر عليه بما أنفق. قال أبو عاصم: ويحتمل أن يقال: إنما
يرجع إذا أنفق بغير إذن الحاكم، وبهذا قطع ابن كج، وأما المهر، فلا يطالب به
واحد منهما.
فرع جميع ما سبق، هو فيما إذا تصادقوا في كيفية جريان العقد. أما إذا
تنازعوا، وادعى كل زوج سبقه، وأنها زوجته، فينظر، إن لم يدعيا عليها، لم يعتبر
432

قولهما، ولا تسمع دعوى أحدهما على الآخر، ولا يحلف أحدهما الآخر. هكذا
قاله الجمهور. وقال الصيدلاني والعبادي في الرقم: يحلفان فلعله يظهر الحق. قال
الامام: هذا لا مجال له إن زعما علم المرأة بالحال، بل تراجع هي. فإن اعترفا
بأنها لم تعلم، فهو محتمل وينقدح في البداءة تخيير القاضي أو الاقراع. فإن حلفا أو
نكلا، فهو كما لو اعترفا بالاشكال. وإن حلف أحدهما فقط، قضي له. وإن ادعيا
على المرأة، فذاك ضربان.
أحدهما: أن يدعيا علمها بالسبق. فإن كانت الصيغة: إنها تعلم سبق أحد
النكاحين، لم تسمع الدعوى، للجهل. وإن قال كل واحد: هي تعلم أن نكاحي
سابق، فقال صاحب التقريب والشيخ أبو محمد وغيرهما: يبنى على القولين في
إقرار المرأة بالنكاح، هل يقبل؟ فإن لم يقبل، لم تسمع الدعوى، إذ لا فائدة.
وإن قلنا: تقبل وهو الأظهر، سمعت. وحينئذ، إما أن تنكر، وإما أن تقر.
الحالة الأولى: أن تنكر العلم بالسبق، فتحلف عليه. وهل يكفي لهما يمين
واحدة، أم يجب يمينان؟ قال البغوي: يمينان. وقال القفال: إن حضرا وادعيا،
حلفت يمينا، وهو مقتضى كلام ابن كج. وقال الامام: إن حضرا ورضيا بيمين،
كفت. وإن حلفها أحدهما، ثم حضر الآخر، فهل له تحليفها؟ وجهان، لان
القضية واحدة، ونفي العلم بالسبق يشملهما. فإذا حلفت كما ينبغي، فقيل: لا
تحالف بين الزوجين، وقد أفضى الامر إلى الاشكال، وضعفه الامام وقال: إنما
حلفت على نفي العلم بالسبق، ولم تنكر جريان أحد العقدين على الصحة، فيبقى
التداعي والتحالف بينهما. والذي أنكرناه ابتداء التحالف من غير ربط الدعوى بها،
وبهذا قطع الغزالي. وإن نكلت هي، رددنا اليمين عليهما. فإن حلفا أو نكلا، جاء
الاشكال، وإلا فيقضى للحالف، وإذا حلفا ونكلا، فلا شئ لهما عليها. وفي
كتاب الحناطي وجه: أنهما إذا حلفا واندفع النكاحان، فلكل واحد عليها مهر
المثل، وهو ضعيف.
ويمينها - حلفت أو نكلت - تكون على البت دون نفي العلم، ولا حاجة إلى
التعرض لعلمها.
الحالة الثانية: أن تقر لأحدهما بالسبق، فيثبت النكاح (له). وفي سماع دعوى
433

الثاني عليها وتحليفها قولان بناء على أنها لو أقرت للثاني بعد إقرارها للأول هل تغرم
للثاني؟ وفيه القولان السابقان في الاقرار لعمرو بدار أقر بها لزيد أولا. فإن قلنا:
تغرم، سمعت الدعوى وحلفها، وإلا، فقولان بناء على أن يمين المدعي بعد نكول
المدعى عليه كإقرار المدعى عليه، أو كبينة يقيمها المدعي؟ وفيه قولان.
أظهرهما: كالاقرار. فعلى هذا، لا تسمع دعواها، لأن غايتها أن تقر أو يحلف هو
بعد نكولها، وهو كإقرارها، ولا فائدة فيه على هذا القول. وإن قلنا: كالبينة، فله
أن يدعي ويحلفها. فإن حلفت، سقطت دعواه. وإن نكل، ردت اليمين عليه.
فإن نكل، فكذلك. وإن حلف، بني على أن اليمين المردودة كالاقرار، أم
كالبينة؟ إن قلنا: كالاقرار، فوجهان. أحدهما: يندفع النكاحان، لتساويهما في
أن مع كل واحد إقرارا. وحكي هذا عن نصه في القديم. وأصحهما: استدامة
النكاح للأول، ولا يرتفع بنكولها المحتمل للتورع، فيصير كما لو أقرت للأول، ثم
للثاني. وإن قلنا: كالبينة. فقيل: يحكم بالنكاح للثاني، لأن البينة تقدم على
الاقرار. وبهذا قطع في المهذب. وقال الصيدلاني وآخرون: الصحيح استدامة
النكاح للأول، لأن اليمين المردودة إنما تجعل كالبينة في حق الحالف والناكل، لا
في حق غيرهما.
وإذا اختصرت قلت: هل يندفع النكاحان، أم تسلم للأول، أم للثاني؟ فيه
أوجه. إن سلمت للأول، غرمت للثاني، وحيث تغرم، نغرمها ما يغرم شهود
الطلاق إذا رجعوا؟ وفيه خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى.
فرع لو كانت خرساء، أو خرست بعد التزويج، فأقرت بالإشارة بسبق
أحدهما، لزمها الاقرار، وإلا، فلا يمين عليها، والحال حال الاشكال، حكي هذا
عن نصه.
فرع حلفت لأحدهما: لا تعلم سبقه، لا تكون مقرة للآخر، ولو قالت
لأحدهما: لم يسبق، كانت مقرة للآخر، كذا قاله الامام والبغوي. والمراد إذا
جرى ذلك بعد إقرارها بسبق أحدهما، وإلا، فيجوز أن يقعا معا، فلا تكون مقرة
بسبق الآخر.
الضرب الثاني: أن يدعيا عليها زوجية مطلقة، ولا يتعرضا لسبق، ولا لعلمها
434

به، فهذا يبنى على أن دعوى النكاح هل يشترط فيها التفصيل وذكر الشروط؟ وبيانه
في كتاب الدعوى والبينات. فإن سمعنا دعوى النكاح مطلقة، أو فصلا القدر
المحتاج إليه، ولم يتعرضا للسبق، لزمها الجواب الحازم، ولا يكفيها نفي العلم
بالسابق، لكنها إذا لم تعلم، فلها الجواب الجازم والحلف أنها ليست زوجته، وهذا
كما إذا ادعى على رجل أن أباه أتلف كذا، وطلب غرمه من التركة، حلف الوارث
أنه لا يعلم أن أباه أتلف.
ولو ادعى (أن) عليه تسليم كذا من التركة، حلف أنه لا يلزمه التسليم. وعدم
العلم يجوز له الحلف الجازم.
فرع هذا كله إذا كانت الدعوى على المرأة. فإن ادعيا على الولي، فإن
لم يكن مجبرا، لم تسمع الدعوى، لأن إقراره لا يقبل. وإن كان مجبرا،
فوجهان. أحدهما: كذلك، لأنه كالوكيل. وأصحهما: تسمع، لأن إقراره
مقبول، ومن قبل إقراره، توجهت عليه الدعوى واليمين، فعلى هذا إن كانت
صغيرة، حلف الأب. وإن كانت كبيرة، فوجهان. أحدهما: لا يحلف، للقدرة على
تحليفها. وأصحهما: يحلف. ثم إن حلف الأب، فللمدعي أن يحلف البنت
أيضا. فإن نكلت، حلف اليمين المردودة، وثبت نكاحه. وفي التهذيب: أن
المرأة إذا كانت بالغة، بكرا أو ثيبا، فالدعوى عليها.
الباب الخامس في المولى عليه
الأسباب المقتضية لنصب الولي خمسة: الصغر، والأنوثة، والجنون،
والسفه، والرق، وقد سبق حكم الأولين.
السبب الثالث: الجنون. فإن كان المجنون كبيرا، لم يزوج لغير حاجة،
ويزوج للحاجة، وذلك بأن تظهر رغبته فيهن بدورانه حولهن وتعلقه بهن ونحو
ذلك. أو بأن يحتاج إلى من يخدمه ويتعهده، ولا يجد في محارمه من يحصل هذا،
وتكون مؤنة النكاح أخف من ثمن جارية، أو بأن يتوقع شفاؤه بالنكاح. وإذا جاز تزويجه،
435

تولاه الأب، ثم الجد، ثم السلطان، دون سائر العصبات، كولاية المال. وإن كان
المجنون صغيرا، لم يصح تزويجه على الصحيح. وقيل: يزوجه الأب أو الجد،
وطرد الشيخ أبو محمد الوجهين في الصغير العاقل الممسوح.
ومتى جاز تزويج المجنون، لم يزوج إلا امرأة واحدة، والمخبل كالمجنون
في النكاح، وهو الذي في عقله خلل، وفي أعضائه استرخاء، ولا حاجة به إلى
النكاح غالبا. ويجوز أن يزوج الصغير العاقل أربعا على الأصح. وقيل: لا يجوز أن
يزيد على واحدة.
قلت: وفي الإبانة وجه: أنه لا يجوز تزويجه ء صلا، وزعم أنه الأصح،
وهو غلط.
ثم إنما يزوج الصغير العاقل الأب والجد، ولا يصح تزويج الوصي
والقاضي، لعدم الحاجة وانتفاء كمال الشفقة، هذا هو الصواب الذي
عليه في البويطي، وصرح به الجمهور. وقال في البيان: يجوز للوصي والحاكم
كالأب، وليس بشئ. والله أعلم.
فرع في المجنونة أوجه. الصحيح: أن الأب - والجد عند عدمه -
يزوجانها، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، بكرا أم ثيبا. والثاني: لا يستقلان بتزويج
الكبيرة الثيب، بل يشترط إذن السلطان بدلا عن إذنها. والثالث: لا يزوج الثيب
الصغيرة كما لو كانت عاقلة، والفرق على الصحيح أن البلوغ غاية تنتظر.
ثم لا يشترط في تزويجها ظهور الحاجة، بل يكفي ظهور المصلحة،
بخلاف المجنون، لأن نكاحها يفيد المهر والنفقة، ويغرم المجنون.
وسواء التي بلغت مجنونة، ومن بلغت عاقلة ثم جنت، بناء على أن من بلغ
436

عاقلا ثم جن، فولاية ماله لأبيه، وهو الأصح. وإن قلنا: إنها للسلطان، فكذا
التزويج.
وأما المجنونة التي لا أب لها ولا جد، فإن كانت صغيرة، لم تزوج، إذ لا
إجبار لغير الأب والجد، ولا حاجة لها في الحال. وإن كانت بالغة، ففيمن يزوجها
وجهان. أحدهما: القريب كالأخ والعم، لكن لا ينفرد به، بل يشترط إذن السلطان
مقام إذنها. فإن امتنع القريب، زوجها السلطان كما لو عضلها. وأصحهما:
يزوجها السلطان كما يلي مالها، لكن يراجع أقاربها، لأنهم أعرف بمصلحتها وتطييبا
لقلوبهم، وهذه المراجعة واجبة، أم مستحبة؟ وجهان. صحح البغوي الوجوب،
وضعفه الامام. فإن أوجبنا المشاورة، فلم يشيروا بشئ، استقل السلطان.
ويجري الوجهان في وجوب المشاورة في تزويج المجنون. ثم من ولي نكاحها من
السلطان أو القريب، يزوج عند ظهور الحاجة بأن تظهر علامات غلبة شهوتها، أو
يقول أهل الطب: يرجى بتزويجها الشفاء.
أما إذا لم تظهر، وأراد التزويج لكفاية النفقة، أو لمصلحة أخرى، فهل يجوز
كما يجوز للأب بمجرد المصلحة؟ أم لا لأن تزويجها يقع إجبارا وليس هو لغير الأب
والجد؟ فيه وجهان. أصحهما: الثاني. قال الامام: واتفق الأصحاب على
الاكتفاء بالمصلحة في تزويج الأب والجد.
فرع البالغ المنقطع جنونه، لا يصح تزويجه حتى يفيق فيأذن، ويشترط
وقوع العقد في حال إفاقته. فلو عاد الجنون قبل العقد، بطل الاذن، كما تبطل
الوكالة بالجنون، وهكذا الثيب المنقطع جنونها. وأما المغلوب على عقله بمرض،
فتنتظر إفاقته، فإن لم تتوقع إفاقته، فكالمجنون.
السبب الرابع: السفه. فالمحجور عليه لسفه، لا يستقل بالتزوج،
بل يراجع الولي ليأذن أو يزوجه. فإن أذن له الولي فتزوج، جاز على الصحيح،
437

وعن أبي الطيب ابن سلمة وغيره: أنه لا يجوز كالصبي.
فعلى الصحيح، إن عين له امرأة، لم يصح نكاح غيرها، ولينكحها بمهر
المثل أو أقل. فإن زاد، فحكى ابن القطان قولا مخرجا: أن النكاح باطل. والمشهور
صحته، لأن خلل الصداق لا يفسد النكاح. فعلى هذا، تبطل الزيادة، ويجب مهر
المثل. وقال ابن الصباغ: القياس بطلان المسمى ووجوب مهر المثل.
والفرق أن على التقدير الأول تستحق الزوجة مهر المثل من المعين، وعلى قوله يجب
مهر المثل في الذمة.
وإن قال له الولي: انكح امرأة من بني فلان، فلينكح واحدة منهن بمهر
المثل. ولو قدر المهر، ولم يعين المرأة، فقال: انكح بألف، فلينكح امرأة
بألف. فإن كان مهر مثلها ألفا فأكثر، فالنكاح صحيح بالمسمى. وإن كان أقل،
صح النكاح بمهر المثل، وسقطت الزيادة. وإن نكح بألفين، فإن كان مهر مثلها
أكثر من ألف، لم يصح النكاح، لأن الولي لم يأذن في أكثر من ألف. وفي الرد إلى
ألف إضرار بها. وإن كان مهر مثلها ألفا أو أقل، صح النكاح بمهر المثل، وسقطت
الزيادة.
وعن تخريج ابن خيران وابن القطان، أنه متى زاد على ما أذن به الولي، بطل
النكاح بكل حال.
ولو جمع الولي في الاذن بيق تعيين المرأة وتقدير المهر، فقال: انكح فلانة
بألف، فإن كان مهر مثلها دون الألف، فالاذن باطل. وإن كان ألفا، فنكحها بألف
أو أقل، صح النكاح بالمسمى. وإن زاد، سقطت الزيادة. وإن كان مهر مثلها أكثر
من ألف، فإن نكح بألف، صح النكاح بالمسمى، وإن زاد، لم يصح النكاح،
هكذا ذكره البغوي.
أما إذا أطلق الولي الاذن، فقال: تزوج، فوجهان. أحدهما: (وهو) محكي
عن أبوي علي: ابن خيران، والطبري. وعن الداركي، أنه يلغو الاذن، ولا بد من
438

تعيين امرأة، أو قبيلة، أو مهر. وأصحهما: يكفي الاطلاق كالعبد. فعلى هذا،
لو تزوج بأكثر من مهر المثل، صح النكاح، وسقطت الزيادة. وإن تزوج بمهر المثل
أو أقل، صح النكاح بالمسمى. لكن لو نكح شريفة يستغرق مهر مثلها ماله،
فوجهان حكاهما ابن كج. اختيار الإمام وبه قطع الغزالي: أنه لا يصح النكاح،
بل يتقيد بموافقة المصلحة. ذكر ابن كج تفريعا على اعتبار الاذن المطلق وجهين
فيما لو عين الولي امرأة فعدل السفيه إلى غيرها (فنكحها) بمثل مهر المعينة، لأنه لا
غرض للولي في أعيان الزوجات.
فرع قال: انكح من شئت بما شئت، ذكر بعضهم أنه يبطل الاذن، لأنه
رفع الحجر بالكلية.
فرع قال ابن كج: الاذن للسفيه في النكاح، لا يفيده جواز التوكيل، لأنه
لم يرفع الحجر.
فرع أما إذا قبل الولي النكاح للسفيه، ففي اشتراط إذن السفيه وجهان.
أحدهما: لا، لأنه فوض إليه رعاية مصلحته. فإذا عرف حاجته، زوجه كما يكسوه
ويطعمه. وبهذا قال الشيخ أبو حامد والعراقيون. وأصحهما: نعم، لأنه حر
مكلف.
وقد نص الشافعي رحمه الله في المختصر: أن السفيه يزوجه وليه، فربما
استأنس به الأولون، وحمله الآخرون على أصل التزويج، ثم يراعى شرطه، ونقل
الربيع: أنه لا يزوجه وليه، واتفقوا على أنه ليس اختلاف قول، بل حمل قوم رواية
الربيع على القيم الذي لم يأذن له الحاكم في التزويج، وبعضهم على ما إذا لم
439

يحتج السفيه إلى النكاح. ثم إذا قبل له الولي النكاح، فليقبل بمهر المثل أو أقل،
فإن زاد، كان كما لو قبل الأب لابنه بأكثر من مهر المثل. ففي قول: يبطل النكاح.
والأظهر: أنه يصح بمهر المثل.
فرع لو نكح السفيه بغير إذن الولي، فنكاحه باطل، ويفرق
بينهما. فإن كان دخل بها، فلا حد، للشبهة.
وفي المهر أوجه. أصحها: لا يجب، كما لو اشترى شيئا فأتلفه. وفيه
إشكال من جهة أن المهر حق المرأة، وقد تزوج ولا علم لها بحال الزوج. والثاني:
يجب مهر المثل. والثالث: يجب أقل ما يتمول.
قلت: وإذا لم نوجب شيئا، ففك الحجر، فلا شئ عليه على المذهب،
كالصبي إذا وطئ ثم بلغ. وحكى الشاشي فيه وجهين. والله أعلم.
فرع قال الأكثرون: يشترط في نكاح السفيه حاجته إليه، وإلا، فهو
إتلاف ماله بلا فائدة، وبنوا على هذا أنه لا يزوجه إلا واحدة كالمجنون. قالوا:
والحاجة بأن تغلب شهوته، أو احتاج إلى من يخدمه ولم تقم محرم بخدمته، وكانت
مؤن الزوجة أخف من ثمن جارية ومؤنها، ولم يكتفوا في الحاجة بقول السفيه، لأنه
قد يقصد إتلاف المال، بل اعتبروا ظهور الامارات الدالة على غلبة الشهوة. وحكى
الامام وجها أنه يجوز تزويجه بالمصلحة كالصبي، ولم يعتبر الامام والغزالي ظهور
أمارات الشهوة، واكتفيا فيها بقول السفيه. فرع إذا طلب السفيه
النكاح مع ظهور أمارة الحاجة إن اعتبرناه، أو دونه
إن لم نعتبره، وجب على الولي إجابته. فإن امتنع فتزوج السفيه بنفسه، فقد أطلق
الأصحاب في صحة النكاح وجهين. أصحهما عند المتولي: لا يصح. وقال الامام
والغزالي: إذا امتنع الولي، فليراجع السفيه السلطان كالمرأة المعضولة. فإن خفت
440

الحاجة، وتعذرت مراجعة السلطان، ففي استقلال السفيه حينئذ الوجهان.
فرع يصح طلاق المحجور عليه، فإن كان مطلاقا، سري بجارية.
فرع الكلام فيمن يلي أمر السفيه، سبق في الحجر. وذكر أبو الفرج
الزاز: أنه إن بلغ رشيدا، ثم طرأ السفه، فنكاحه متعلق بالسلطان. وإن بلغ
سفيها، فهل يفوض إلى السلطان، أم إلى الأب والجد؟ وجهان. وأطلق ابن كج
أنه يزوجه القاضي، وأنه إن جعله في حجر إنسان، زوجه الذي هو في حجره. وقال
الامام: إن فوض إلى القيم التزويج، زوج، وإلا، فلا.
قلت: الأصح أنه إن كان له أب أو جد، فالتزويج إليه، وإلا، فلا يجوز أن
يزوجه إلا القاضي ومن فوض إليه القاضي تزويجه. وممن صرح بهذا التفصيل وجزم
به، الشيخ أبو محمد في شرح المختصر. والله أعلم.
فرع قال البغوي: إقرار السفيه بالنكاح لا يصح، لأنه ليس ممن يباشره،
وهذا قد يشكل بإقرار المرأة.
فرع للمحجور عليه بفلس النكاح، وتكون مؤنه في كسبه، لا فيما في
يده.
السبب الخامس: الرق. فنكاح العبد بغير إذن سيده باطل، وبإذنه
صحيح، سواء كان سيده رجلا أو امرأة. ويجوز إذن سيده في امرأة معينة، أو واحدة
من القبيلة، أو البلدة، ويجوز مطلقا. وإذا قيد، فعدل العبد عن المأذون فيه، لم
يصح نكاحه. وحكى الحناطي وجها أنه إن كان قدر مهرا، فنكح غير المعينة به، أو
441

بأقل، صح، والصحيح الأول. وإذا أطلق الاذن، فله نكاح حرة أو أمة، وفي تلك
البلدة أو غيرها، وللسيد منعه من الخروج إلى البلدة الأخرى.
ولو قدر مهرا، فزاد، فالزيادة في ذمته، يطلب بها إذا عتق.
ولو نكح بالمقدر امرأة مهرها أقل، فقد ذكر الحناطي فيه ثلاثة احتمالات.
أصحها: صحة النكاح، ووجوب المسمى في الحال. والثاني: أن الزيادة على
مهر مثلها، يطلب بها إذا عتق. والثالث: بطلان النكاح.
ولو رجع عن الاذن ولم يعلم به العبد حتى نكح، فهو على الخلاف في
الوكيل، كذا ذكره ابن كج. ولو طلق العبد بعدما نكح بإذن سيده، لم ينكح أخرى
إلا بإذن جديد.
ولو نكحها نكاحا فاسدا، فهل له نكاح أخرى؟ فيه خلاف لبني على أن الاذن
يتناول الفاسد، أم يختص بالصحيح، ولهذا أصل سيأتي إن شاء الله تعالى.
فصل هل للسيد إجبار العبد البالغ على النكاح؟ قولان. القديم: نعم.
والجديد: لا. فإن كان صغيرا، فالأصح أنه كالكبير. وقيل: يجبر قطعا، واختاره
ابن كج. والكبير المجنون كالصغير، فإن جوزنا الاجبار، فللسيد أن يقبل النكاح
للبالغ، وله أن يكرهه على القبول، ويصح، لأنه إكراه بحق، كذا قاله البغوي.
وقال المتولي: لا يصح قبوله كرها، ويقبل إقرار السيد على العبد بالنكاح كإقرار
الأب على بنته.
ويجوز أن يزوج أمته بعبده الصغير والكبير، ولا يجب مهر.
وفي استحباب ذكره قولان. الجديد: استحبابه. وإذا طلب العبد النكاح،
فليجبه السيد، ولا تجب الإجابة على الأظهر. فإن أوجبنا، فامتنع سيده، زوجه
السلطان كالمعضولة. ولو نكح بنفسه، قال الامام: هو كما لو طلب السفيه وامتنع
الولي فنكح بنفسه. والمدبر والمعلق عتقه كالقن. ومن بعضه حر لا يجبر ولا
يستقل، وفي وجوب إجابته الخلاف. والمكاتب لا يستقل، ولا يجبره السيد. ولو
نكح بإذن السيد، صح على المذهب. وقيل: قولان كتبرعه. فإن صححنا، ففي
وجوب إجابته الخلاف كالقن، وأولى بالوجوب. والعبد المشترك، هل لسيديه
442

إجباره وعليهما إجابته؟ فيه الخلاف المذكور في الطرفين. ولو دعاه أحدهما إلى
النكاح، وامتنع الآخر أو العبد، فلا إجبار. ولو طلب أحدهما مع العبد، وامتنع
الآخر، فعن الشيخ أبي حامد: أنه كالمكاتب. وقال ابن الصباغ: لا تؤثر موافقة
الآخر.
فرع له إجبار أمته على النكاح، سواء الصغيرة والكبيرة، والبكر والثيب،
والعاقلة والمجنونة. وإن طلبته، لم يلزمه إجابتها إن كانت ممن يحل له وطؤها،
وكذا إن لم يحل على الأصح، كالأخت. ولو ملك أختين، فوطئ
إحداهما، لم يجبر على تزويج الأخرى قطعا، لأن تحريمها عليه لعارض.
والمدبرة والمعلق عتقها كالقنة، وكذا أم الولد على الصحيح. ومن بعضها حر، لا
تجبر ولا يجبر سيدها (أيضا) على الأصح. والمكاتبة لا تجبر، ولا تنكح دون إذنه.
وفي وجوب إجابتها وجهان.
قلت: الأصح لا تجب. والله أعلم.
وفي وجه: لا تزوج أصلا، لاختلال ملك المولى، وعدم استقلالها.
فرع لا يزوج السيد أمة مكاتبه ولا عبده، ولا يزوجها المكاتب بغير إذن
سيده، وبإذنه قولان كتبرعه.
فرع إذا كان لعبده المأذون له في التجارة أمة، فإن لم يكن على العبد
دين، جاز للسيد تزويجها بغير إذن العبد على الأصح. وقيل: لا، إلا أن يعد
الحجر عليه، لاحتمال أن يحدث دين ولا يفي ما في يده به. وإن كان عليه دين،
وزوجها بإذن العبد والغرماء، صح. وإن زوج بإذنه دونهم، أو بإذنهم دونه، لم
443

يصح على الأصح. وبيع السيد ووطؤه وهبته هذه الجارية، كتزويجها في حالتي قيام
الدين وعدمه. وإذا وطئ بغير إذن الغرماء، فهل عليه المهر؟ وجهان.
قلت: لعل أصحهما الوجوب، لأن مهرها مما يتعلق به حق الغرماء، بخلاف
وطئه المرهونة. والله أعلم.
فإن أحبلها، فالولد حر، والجارية أم ولد إن كان موسرا. وإن كان معسرا،
لم تصر أم ولد، بل تباع في الدين. فإن ملكها بعد، فالحكم كما سبق في
المرهونة، وكذا الحكم في استيلاد الجارية الجانية وفي استيلاد الوارث جارية التركة
إذا كان على المورث دين. وإذا لم نحكم باستيلاد في الحال، وجب قيمة ولد
جارية العبد المأذون، وجارية التركة، ولا يجب في ولد الجانية والمرهونة، لأن حق
المجني عليه والمرتهن لا يتعلق بالولد.
ولو أعتق عبد المأذون، وعلى المأذون دين، أو أعتق الوارث عبد التركة،
وعلى المورث دين، قال البغوي: قيل في نفوذ العتق قولان، كإعتاق المرهون.
والمذهب: أنه إن كان معسرا، لم ينفذ. وإن كان موسرا، نفذ كالاستيلاد، وعليه
أقل الأمرين من الدين وقيمة العبد، كإعتاق العبد الجاني.
فرع تزويج من تعلق برقبتها مال، لا يجوز بغير إذن المجني عليه إن كان
السيد معسرا. وإن كان موسرا، جاز على أحد الوجهين، وكان اختيارا للفداء.
قلت: الجواز أصح. والله أعلم.
فرع تزويج السيد أمته، هل هو بالملك، أم بالولاية؟ وجهان.
أصحهما: بالملك. ويتفرع عليهما صور.
منها: إذا سلبنا الفاسق الولاية، زوجها إن قلنا بالملك، وإلا، فلا.
444

ومنها: إذا كان لمسلم أمة كتابية، فله تزويجها على المذهب، وهو
المنصوص، وإنما يتصور تزويجه إياها بعبد أو حر كتابي إذا حللناها لهما.
ومنها: إذا كان للكافر أمة مسلمة، أو أم ولد، قال ابن الحداد: يزوجها
بالملك، والأصح المنع.
ولو كان لمسلم أمة مجوسية أو ذمية، فهل له تزويجها؟ وجهان. صحح
الشيخ أبو علي الجواز، وقطع البغوي بالمنع. وما ذكرناه من الخلاف في أن تزويج
الأمة بالملك، أم بالولاية، لا يجري في تزويج العبد إلا إذا قلنا: للسيد إجباره.
فلو كان للكافر عبد مسلم، ورأينا الاجبار، ففي إجباره إياه الخلاف في كونه يزوج
أمته المسلمة. وإن لم نر الاجبار، لم يستقل العبد، ولكن يأذن له السيد ليسقط
حقه فيستقل العبد حينئذ، كما تأذن المرأة لعبدها فيتزوج وإن كانت ليست أهلا
للتزويج.
ومنها: قال المتولي: للمكاتب تزويج أمته إن قلنا بالملك، وإلا، فلا.
فصل عبد الصبي والمجنون والسفيه، لا يزوجه وليهم على الصحيح.
وقيل: يجوز، فقد تقتضيه مصلحة.
ولو طلب عبدهم التزويج، فإن لم نجبر السيد الرشيد، لم يجز لوليهم
الإجابة. وإن أجبرناه، فعلى وليهم الإجابة.
وأما أمة الصبي والمجنون والسفيه، فيجوز لوليهم تزويجها على الأصح إذا
ظهرت الغبطة. وقيل: لا. وقيل: تزوج أمة الصبية دون الصبي، فقد يحتاج إليها
إذا بلغ. فإن جوزنا، قال الامام: يجوز تزويج أمة الثيب الصغيرة وإن لم يجز
تزويجها، ولا يجوز للأب تزويج أمة البكر البالغة وإن كان يقهرها. وفيمن
يزوج أمة الصغير والمجنون وجهان. أحدهما: ولي ماله نسيبا كان أو وصيا أو قيما
كسائر التصرفات. وأصحهما: أنه ولي النكاح الذي يلي المال. وعلى هذا، غير
445

الأب والجد لا يزوج أمة الصغير والصغيرة، والأب لا يزوج أمة الثيب الصغيرة، فإن
كانت مجنونة، زوج. وإن كانت لسفيه، فلا بد من إذنه.
فرع أمة المرأة، إن كانت مالكتها محجورا عليها، فقد سبق بيانها،
وإلا، فيزوجها ولي المرأة تبعا لولايته عليها، وسواء الولي بالنسب وغيره، والأمة
العاقلة والمجنونة، الصغيرة والكبيرة، ولا حاجة إلى إذن الأمة، ويشترط إذن
مالكتها نطقا وإن كانت بكرا، إذ لا تستحي.
فصل أعتق في مرضه أمة، قال ابن الحداد: لا يجوز لوليها الحر كالأب
والأخ تزويجها حتى يبرأ أو يموت، وتخرج من ثلثه، لأنها إنما تعتق كلها على هذين
التقديرين، ووافقه على هذا جماعة، منهم ابن كج وقال ابن سريج وأبو زيد
والأكثرون: يجوز لوليها تزويجها، لأنها حرة في الظاهر، فعلى هذا النكاح صحيح
ظاهرا. فإن تحققنا بعد ذلك نفوذ العتق، تحققنا مضي النكاح على الصحة، وإلا،
فإن رد الورثة أو أجازوا، وقلنا: الإجازة عطية منهم، بان فساد النكاح، وإلا، بان
صحته.
ثم إن لم يكن للمعتق مال سواها، فالمسألة على ما ذكرنا. وإن كان له (مال)
يفي ثلثه بقيمتها، فمقتضى كلام ابن الحداد وجماهير الناقلين، أنه كذلك. قال
الامام: ويجوز أن يقال: على مقتضى قول ابن الحداد النكاح هاهنا محمول على
الصحة، ويجوز خلافه، لضعف ملك المريض. قال الشيخ أبو علي: ومفهوم
كلام ابن الحداد أنه إذا لم يكن لها ولي غير السيد، فزوجها، صح، لأنها إن لم
تخرج من الثلث، فهو ولي ما عتق بالولاء، ومالك ما لم يعتق. فإن زوجها السيد،
ولها ولي مناسب، إن كان بإذنه، صح قطعا، وإلا، فلا قطعا.
446

الباب السادس في موانع نكاحها
قد سبق في الركن الثاني من الباب الثالث، الإشارة إلى بيان الموانع. ومنها
ما نتكلم في إيضاحه في غير الباب، ككونها ملاعنة، ومعظمها نبسط الكلام فيه هنا
إن شاء الله تعالى، ويجمعها أربعة أجناس.
(الجنس) الأول: المحرمية، وهي الوصلة المحرمة للنكاح أبدا، ولها ثلاثة
أسباب: القرابة، والرضاع، والمصاهرة.
السبب الأول: القرابة، ويحرم منها سبع: الأمهات، والبنات،
والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت، ولا تحرم
بنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات، قربن أم بعدن، والمراد بالأم: كل
أنثى ولدتك، أو ولدت من ولدك، ذكرا كان أو أنثى، بواسطة أم بغيرها. وإن
شئت قلت: كل أنثى ينتهي إليها نسبك بالولادة بواسطة أم بغيرها. وبنتك: كل
أنثى ولدتها، أو ولدت من ولدها، ذكرا كان أو أنثى، بواسطة أم بغيرها. وإن شئت
قلت: كل أنثى ينتهي إليك نسبها بالولادة، بواسطة أم بغيرها. وأختك: كل أنثى
447

ولدها أبواك أو أحدهما. وبنت أخيك وبنت أختك منهما، كبنتك منك. وعمتك:
كل أنثى هي أخت ذكر ولدك، بواسطة أو بغيرها، وقد تكون من جهة الأم، كأخت
أب الأم. وخالتك: كل أنثى هي أخت أنثى ولدتك بواسطة أو بغيرها، وقد تكون
من جهة الأب، كأخت أم الأب، وعبر الأصحاب عنهن بعبارتين.
إحداهما: قال الأستاذ أبو إسحاق: يحرم عليه أصوله، وفصوله، وفصول
أول أصوله، وأول فصل من كل أصل بعده، أي بعد أول الأصول.
فالأصول: الأمهات. والفصول: البنات. وفصول أول الأصول: الأخوات
وبنات الأخ والأخت. وأول فصل من كل أصل بعد الأصل الأول: العمات
والخالات.
الثانية: قال الأستاذ أبو منصور البغدادي: تحرم نساء القرابة، إلا من دخلت
في اسم ولد العمومة جو ولد الخؤولة. وهذه العبارة أرجح، لايجازها، ولان الأولى
لا تنص على الإناث، لأن لفظ الأصول والفصول يتناول الذكور والإناث، ولان
اللائق بالضابط أن يكون أقصر من المضبوط، والأولى بخلافه.
فرع زنا بامرأة، فولدت بنتا، يجوز للزاني نكاح البنت، لكن يكره.
وقيل: إن تيقن أنها من مائة، إن تصور تيقنه، حرمت عليه. وقيل: تحرم مطلقا.
والصحيح: الحل مطلقا. والبنت التي نفاها باللعان، تحرم عليه إن كان دخل
بأمها، وكذا إن لم يدخل (بها) على الأصح. قال المتولي: وعلى هذا، ففي وجوب
القصاص بقتلها، والحد بقذفها، والقطع بسرقة مالها، وقبول شهادته لها
الوجهان.
قلت: وسواء طاوعته على الزنا أو أكرهها. والله أعلم.
448

السبب الثاني: الرضاع، فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فكل من
أرضعتك، أو أرضعت من أرضعتك، أو أرضعت من ولدك بواسطة أو غيرها، فهي
أمك. وكذلك كل امرأة ولدت المرضعة أو الفحل، وكل امرأة ارتضعت بلبنك أو
بلبن من ولدته، أو أرضعتها امرأة ولدتها أنت، فهي بنتك. وكذلك بناتها من النسب
والرضاع. وكل امرأة أرضعتها أمك، أو ارتضعت بلبن أبيك، فهي أختك. وكذلك
كل امرأة ولدتها المرضعة أو الفحل وأخوات الفحل والمرضعة وأخوات من ولدهما
من النسب والرضاع، عماتك وخالاتك. وكذلك كل امرأة أرضعتها واحدة من
جداتك، أو ارتضعت بلبن جد لك من النسب والرضاع، وبنات أولاد المرضعة
والفحل من النسب والرضاع، بنات أخيك وأختك. وكذلك كل أنثى أرضعتها
أختك، أو ارتضعت بلبن أخيك، وبناتها وبنات أولادها من النسب والرضاع، بنات
أخيك وأختك. وبنات كل ذكر أرضعته أمك، أو ارتضع لبن أبيك، وبنات أولاده
من النسب والرضاع، بنات أخيك. وبنات كل امرأة أرضعتها أمك، أو ارتضعت
لبن أبيك، وبنات أولادها من النسب والرضاع، بنات أختك.
فرع أربع نسوة يحرمن في النسب، وفي الرضاع قد يحرمن، وقد لا
يحرمن.
إحداهن: أم الأخ والأخت في النسب حرام، لأنها أم، أو زوجة أب، وفي
الرضاع إن كانت كذلك حرمت، وإلا، فلا، بأن أرضعت أجنبية أخاك أو أختك.
الثانية: أم نافلتك في النسب، حرام لأنها بنتك، أو زوجة ابنك، وفي
الرضاع قد لا تكون بنتا ولا زوجة ابن، بأن أرضعت أجنبية نافلتك.
الثالثة: جدة ولدك في النسب، حرام، لأنها أمك، أو أم زوجتك، وفي
449

الرضاع قد لا تكون كذلك، بأن أرضعت أجنبية ولدك، فإن أمها جدته، وليست
بأمك، ولا بأم زوجتك.
الرابعة: أخت ولدك حرام، لأنها بنتك أو ربيبتك. وإذا أرضعت أجنبية
ولدك، فبنتها أخته، وليست بنتك ولا ربيبتك، ولا تحرم أخت الأخ في النسب،
ولا في الرضاع. وصورته في النسب: أن يكون لك أخت لأم، وأخ لأب، فيجوز
له نكاحها. وفي الرضاع: امرأة أرضعتك وأرضعت صغيرة أجنبية منك، يجوز
لأخيك نكاحها. وهذه الصور الأربع مستثناة من قولنا: يحرم من الرضاع ما يحرم من
النسب.
قلت: كذا قال جماعة من أصحابنا: تستثنى الصور الأربع. وقال
المحققون: لا حاجة إلى استثنائها، لأنها ليست داخلة في الضابط، ولهذا لم
يستثنها الشافعي وجمهور الأصحاب رضي الله عنهم، ولا استثنيت في الحديث
الصحيح يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب لأن أم الأخ لم تحرم لكونها أم
أخ، وإنما حرمت لكونها أما أو حليلة أب، ولم يوجد ذلك في الصورة الأولى،
وكذا القول في باقيهن. والله أعلم.
السبب الثالث: المصاهرة، فيحرم بها على التأبيد أربع.
450

إحداهن: أم زوجتك، وأم زوجتك منها كأمك منك، وسواء أمهات النسب
والرضاع.
الثانية: زوجة ابنك وابن ابنك وإن سفل بالنسب والرضاع، وقول الله
تعالى: * (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) * المراد به أنه لا تحرم زوجة من
تبناه.
الثالثة: زوجة الأب والأجداد وإن علوا من قبل الأب والأم جميعا، وتحرم
زوجة الأب من الرضاع.
الرابعة: بنت الزوجة، وبنت زوجتك منها كبنتك منك، سواء بنت النسب والرضاع، وتحرم الثلاث الأوليات بمجرد العقد، بشرط أن يكون صحيحا. فأما
النكاح الفاسد، فلا يتعلق به حرمة المصاهرة، لأنه لا يفيد حل المنكوحة، وحرمة
غيرها فرع لحلها.
وأما الرابعة، وهي بنت الزوجة، فلا تحرم إلا بالدخول بالزوجة. وحكى
الشيخ أبو عاصم العبادي وابنه أبو الحسن عن أبي الحسن أحمد بن محمد
الصابوني من أصحابنا: أن أم الزوجة لا تحرم إلا بالدخول بالزوجة كالربيبة، وهو
شاذ ضعيف.
451

فرع لا تحرم بنت زوج الأم، ولا أمه، ولا بنت زوج البنت، ولا
أمه، ولا أم زوجة الأب، ولا بنتها، ولا أم زوجة الابن، ولا بنتها، ولا
زوجة الربيب ولا زوجة الراب.
فصل مجرد ملك اليمين، لا يثبت شيئا من هذه المحرمات، لكن الوطئ
فيه يثبتها، حتى تحرم الموطوءة على ابن الواطئ وأبيه، وتحرم عليه أم الموطوءة
وبنتها. والوطئ بشبهة النكاح الفاسد، والشراء الفاسد، ووطئ الجارية المشتركة، وجارية الابن،
يثبت حرمة المصاهرة، كما يثبت النسب، ويوجب العدة. وحكي قول: أن وطئ
الشبهة لا يثبت حرمة المصاهرة، كالزنا. والمشهور الذي قطع به الجمهور الأول،
وذلك فيما إذا شملت الشبهة الواطئ (أو) الموطوءة. فإن اختصت الشبهة بأحدهما،
والآخر زان، بأن وطئها يظنها زوجته وهي عالمة، أو يعلم وهي جاهلة أو نائمة أو
مكرهة، أو مكنت البالغة العاقلة مجنونا أو مراهقا عالمة، فوجهان.
أصحهما: الاعتبار بالرجل، فتثبت المصاهرة إذا اشتبه عليه، كما يثبت النسب
والعدة، ولا يثبت إذا لم يشتبه عليه، كما لا يثبت
النسب والعدة. والثاني: تثبت المصاهرة في أيهما كانت الشبهة، وعلى هذا وجهان. أحدهما: يختص بمن
اختصت الشبهة به. فإن كان الاشتباه عليه، حرم عليه أمها وبنتها، ولا تحرم
على أبيه وابنه. وإن كان الاشتباه عليها، حرمت على ابنه وأبيه، ولا
تحرم عليه أمها وبنتها. والثاني: أنها تعم الطرفين كالنسب.
فرع الوطئ في النكاح وملك اليمين، كما يوجب الحرمة، يوجب
المحرمية، فيجوز للواطئ الخلوة والمسافرة بأم الموطوءة وبنتها، والنظر إليها،
ولابنه الخلوة والمسافرة بالموطوءة والنظر. وفي وطئ الشبهة وجهان. ويقال:
452

قولان. أصحهما عند الامام كذلك، لأن الشبهة تثبت النسب والعدة، فكذا
المحرمية. وأصحهما عند الجمهور: المنع، وحكوه عن نصه في الاملاء.
فرع الزنا لا يثبت المصاهرة، فللزاني نكاح أم المزني بها وبنتها، ولأبيه
وابنه نكاحها. ولو لاط بغلام، لم يحرم على الفاعل أم الغلام وبنته. ولو ملك
جارية محرمة عليه برضاع أو مصاهرة، فوطئها، فإن لم نوجب به الحد، ثبتت
المصاهرة. وإن أوجبناه، فلا.
فرع المفاخذة، والقبلة، والمس، هل هي كالوطئ فتثبت المصاهرة
وتحرم الربيبة في النكاح؟ فيه قولان. أظهرهما عند البغوي والروياني: نعم.
وأظهرهما عند ابن أبي هريرة وابن القطان والامام وغيرهم: لا. والقولان فيما إذا
جرى ذلك بشهوة. فأما المس بغير شهوة، فلا أثر له على المذهب، وبه قطع
الجمهور. قال الامام: ومنهم من أطلق القولين في الملامسة. وأما النظر بشهوة،
فلا يثبت المصاهرة على المذهب، وبه قطع الجمهور. وقيل: قولان. وقيل: إن
نظر إلى الفرج، فقولان، وإلا، فلا.
فرع إذا استدخلت ماء زوجها أو أجنبي بشبهة، ثبتت المصاهرة
والنسب والعدة، دون الاحصان والتحليل. وفي تقدير المهر ووجوبه للمفوضة
وثبوت الرجعة والغسل والمهر في صورة الشبهة وجهان. أصحهما: المنع. ولو
453

أنزل أجنبي بزنا، لم يثبت باستدخاله المصاهرة ولا النسب. وإن أنزل الزوج بالزنا،
حكى البغوي أنه لا يثبت النسب ولا المصاهرة ولا العدة. وقال من عند نفسه:
وجب أن تثبت هذه الأحكام كما لو وطئ زوجته يظن أنه يزني.
فرع ما أثبت التحريم المؤبد إذا طرأ على النكاح، قطعه. فلو نكح
امرأة، فوطئها أبوه أو ابنه بشبهة، أو وطئ هو أمها أو بنتها بشبهة، انفسخ نكاحها.
وفي المولدات لابن الحداد فرعان يتعلقان بهذا الأصل.
أحدهما: نكح امرأة ونكح ابنه ابنتها، ووطئ كل واحد منهما زوجة الآخر
غالطا، انفسخ النكاحان. وهذا تفريع على المشهور أن وطئ الشبهة كالوطئ في
ملك، ويجب على كل واحد منهما مهر المثل للتي وطئها بالشبهة. ثم إن سبق وطئ
الأب، فعليه لزوجته نصف المسمى، لأنه الذي رفع نكاحها، فهو كما لو طلقها قبل
الدخول. وهل يجب على الابن لزوجته نصف المسمى؟ فيه أوجه.
قال ابن الحداد: لا، إذ لا صنع له. وقال آخرون: نعم، إذ لا صنع لها.
وقال الشيخ أبو علي: إن كانت زوجة الابن نائمة، أو صغيرة لا تعقل، أو مكرهة،
وجب. وإن كانت عاقلة طاوعت الأب تظنه زوجها، فلا شئ لها. فإن أوجبنا،
رجع الابن على أبيه، لأنه فوت نكاحه. وهل يرجع بمهر المثل، أم بنصفه، أم بما
غرم؟ فيه ثلاثة أقوال نوضحها في كتاب الرضاع إن شاء الله تعالى.
وأما إن سبق وطئ الابن، فعليه لزوجته نصف المسمى.
وهل يلزم الأب لزوجته نصف المسمى؟ فيه الأوجه. فإن ألزمناه، رجع على
الابن كما ذكرنا. ولو وقع الوطئان معا، فعلى كل واحد نصف ما سمى لزوجته. وهل
يرجع على الآخر؟ وجهان.
قال القفال: يرجع كل واحد على صاحبه بنصف ما كان يرجع به لو انفرد،
ويهدر نصفه كالاصطدام، فإنها حرمت بفعلهما، وقال الشيخ أبو علي: لا يرجع
بشئ.
454

(الفرع) الثاني: نكح امرأتين في عقد، فبانت إحداهما أم الأخرى، بطل
النكاحان. ولا شئ لواحدة منهما، إلا أن يطأ، فيجب مهر المثل. ولو نكحهما
في عقدين، ووطئ إحداهما، ثم بان الحال، نظر، إن سبق نكاح الأم، فإن
كانت هي الموطوءة، فنكاحها بحاله، والأخرى محرمة. وإن كانت البنت هي
الموطوءة، فالنكاحان باطلان، لأن البنت نكحها وعنده أمها، والأم أم موطوءة
بشبهة، وله أن يتزوج البنت متى شاء، لأنها ربيبة لم يدخل بأمها، ويجب للبنت
مهر المثل، وللأم نصف المسمى. وإن سبق نكاح البنت، فإن كانت هي
الموطوءة، فنكاحها بحاله، والأم حرام أبدأ. وإن كانت الموطوءة الأم، بطل
النكاحان، وحرمتا أبدا، وللأم مهر المثل، وللبنت نصف المسمى. وإن أشبهت
الموطوءة، وعرفت التي سبق نكاحها، ثبت نكاح السابقة، لأن الأصل استمرار
صحته، وليس له نكاح الثانية، لأن الأولى إن كانت بنتا، فالثانية أم امرأته محرمة
أبدا. وإن كانت أما، فليس له نكاح البنت وأمها تحته. وإن ارتفع نكاح الأم بطلاق
أو غيره، لم يحل له واحدة منهما، لأن إحداهما محرمة أبدا، فصار كاشتباه أخته
بأجنبية. وإن اشتبه السابق من النكاحين، وعرفت الموطوءة، فغير الموطوءة محرمة
أبدا، والموطوءة يوقف نكاحها، وتمنع من نكاح غيره. وإن طلبت الفسخ
للاشتباه، فسخ كما في اشتباه الأوليين. وإن اشتبه السابق من النكاحين والموطوءة،
وقف عنهما، لاحتمال سبق البنت والدخول بالأم، وليس له نكاح واحدة منهما،
لأن إحداهما محرمة أبدا.
ولو كانت المسألة بحالها، لكن وطئهما جميعا، بطل النكاحان، وحرمتا
أبدا. ثم إن وطئ أولا التي نكحها أولا، فللأولى مهرها المسمى، وللثانية مهر
المثل. وإن وطئ أولا التي نكحها آخرا، فلها مهر المثل، لأنه لم ينعقد نكاحها،
وللمنكوحة أولا جميع مهر) المثل ونصف المسمى.
455

أما نصف المسمى، فلارتفاع نكاحها بسبب من الزوج. وأما جميع مهر
المثل، فلأنه وطئها بشبهة بعد ارتفاع النكاح.
فصل إذا اختلطت محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة بأجنبيات،
قال الأصحاب: إن كان الاختلاط بعدد لا ينحصر، كنسوة بلدة أو قرية
كبيرة، فله نكاح واحدة منهن. قال الامام: هذا ظاهر إن عم الالتباس. فأما إذا
أمكنه نكاح من لا يشك فيها، فيحتمل أن يقال: لا ينكح من المشكوك فيهن.
والمذهب أنه لا حجر. فإن كان الاختلاط بعدد محصور، فليجتنبهن. فلو خالف
ونكح واحدة منهن، لم يصح على الأصح. قال الامام: المحصور: ما عسر عده
على آحاد الناس. وقال الغزالي: كل عدد لو اجتمعوا في صعيد لعسر على الناظر
عددهم بمجرد النظر كالألف، فهو غير محصور، وإن سهل كالعشرة، والعشرين،
فمحصور، وبين الطرفين أوساط يلحق بأحدهما بالظن، وما وقع فيه الشك،
استفتي فيه القلب.
الجنس الثاني: ما يقتضي حرمة غير مؤبدة، ويتعلق بعدد، وهو ثلاثة أنواع.
الأول: الجمع بين الأختين من النسب أو الرضاع، سواء الأختان من الأبوين
أو من أحدهما. فلو نكحهما، بطل نكاحهما. وإن نكحها مرتبا، بطلت الثانية.
فإن وطئها جاهلا بالحكم، فعليها العدة ولها مهر المثل، وله وطئ الأولى وإن كانت
الثانية في العدة، لكن المستحب أن لا يفعل.
ولو طلق امرأته طلاقا بائنا، فله نكاح أختها في عدتها، وإن كان رجعيا، لم
تحل أختها حتى تنقضي عدتها. فلو ادعى أنها أخبرته بانقضاء العدة، والوقت
محتمل، وقالت: لم تنقض، فوجهان. أصحهما وهو نصه في الاملاء: أن له
نكاح أختها. ولو طلق الأولى، لم يقع. ولو وطئها، لزمه الحد، لزعمه انقضاء
عدتها. وقال الحليمي والقفال: ليس له نكاح أختها، لأن القول قولها في العدة.
وعلى هذا، لو طلقها وقع. ولو وطئها، فلا حد، وتجب النفقة على الوجهين، لأنه
456

لا يقبل قوله في إسقاط حقها. ولو طلق زوجته الأمة طلاقا رجعيا، ثم اشتراها،
فله نكاح أختها في الحال، وكذا لو اشتراها قبل الطلاق، لأن ذلك الفراش انقطع.
فرع يحرم الجمع بين المرأة وبنت أخيها وبنات أولاد أخيها، وكذا بين
المرأة وبنت أختها وبنات أولاد أختها، سواء كانت العمومة والخؤولة من النسب أو
الرضاع.
وضبط تحريم الجمع بعبارات.
إحداهن: يحرم الجمع بين كل امرأتين بينهما قرابة أو رضاع ولو كانت إحداهما
ذكرا لحرمت المناكحة بينهما. الثانية: يحرم بين كل امرأتين بينهما
قرابة أو رضاع يقتضي المحرمية.
الثالثة: يحرم بين كل امرأتين بينهما وصلة قرابة أو رضاع لو كانت تلك الوصلة
بينك وبين امرأة لحرمت عليك. وقصدوا بقيد القرابة والرضاع الاحتراز عن الجمع
بين المرأة وأم زوجها وبنت زوجها، فإن هذا الجمع غير محرم وإن كان يحرم النكاح
بينهما لو كان أحدهما ذكرا، لكنه ليس بقرابة ولا رضاع، بل مصاهرة، وليس فيها
رحم يحذر قطعها، بخلاف الرضاع والقرابة.
فرع يحرم الجمع بين المرأة وبنتها، لدخولهما في الضابط. فلو نكحهما معا، بطل نكاحهما.
ولو نكحهما في عقدين، فالثانية باطلة. فإن كانت الثانية البنت، جاز أن
ينكحها إن فارق الأم قبل الدخول.
فرع يجوز الجمع بين بنت الرجل وربيبته، وبين المرأة وربيبة زوجها من
امرأة أخرى، وبين أخت الرجل من أمه وأخته من أبيه، لأنه لا تحرم المناكحة بتقدير
ذكورة أحدهما.
فصل كل امرأتين يحرم الجمع بينهما في النكاح، يحرم الجمع بينهما في
الوطئ بملك اليمين، لكن يجوز الجمع بينهما في نفس الملك. فإذا اشترى أختين
أو امرأة وعمتها أو خالتها معا، أو متعاقبتين، صح الشراء، وله وطئ أيتهما شاء.
457

فإذا وطئ واحدة، حرم عليه وطئ الأخرى، لكن لا يجب به الحد، لأن له طريقا
إلى استباحتها، بخلاف ما لو وطئ أخته من الرضاع وهي ملكه، فإنه يحد على
قول، لأنه لا يستبيحها بحال، ثم الثانية تبقى حراما كما كانت، والأولى حلالا كما
كانت، فلا يحرم الحرام الحلال، لكن يستحب أن لا يطأ الأولى حتى يستبرئ
الثانية.
وعن أبي منصور بن مهران أستاذ الأودني، أنه إذا أحبل الثانية، حلت،
وحرمت الأولى، وهو غريب، ثم لا تزال غير الموطوءة محرمة عليه، حتى يحرم
الموطوءة على نفسه، إما بإزالة ملك، كبيع كلها أو بعضها، أو هبة مع الاقباض،
أو بالاعتاق، وإما بإزالة الحل بالتزويج أو الكتابة، ولا يكفي الحيض والاحرام
والعدة عن وطئ شبهة، لأنها أسباب عارضة لم تزل الملك ولا الاستحقاق، فكذا
الردة لا تبيح الأخرى، وكذا الرهن على الأصح.
ولو باع بشرط الخيار، فحيث يجوز للبائع الوطئ، لا تحل به الثانية، وحيث
لا يجوز وجهان. قال الامام: الوجه عندي القطع بالحل، ولا يكفي استبراء
الأولى، لأنه لا يزيل الفراش. وعن القاضي حسين، أن القياس الاكتفاء، لأنه يدل
على البراءة. وعن القاضي أبي حامد قال: غلط بعض أصحابنا فقال: إذا قال:
حرمتها على نفسي، حرمت عليه، وحلت الأخرى.
ثم إذا حرمها بالأسباب المؤثرة، فعاد الحل، بأن باعها، فردت عليه بعيب أو
إقالة، أو زوجها فطلقت، أو كاتبها فعجزت، لم يجز له وطؤها حتى يستبرئها،
لحدوث الملك. فإذا استبرأها، فإن لم يكن وطئ الثانية بعد تحريم الأولى، فله
الآن وطئ أيتهما شاء. وإن كان وطئها، لم يجز وطئ العائدة حتى تحرم الأخرى.
فرع الوطئ في الدبر كالقبل، فتحرم الأخرى به. وفي اللمس والقبلة
والنظر بشهوة مثل الخلاف السابق في حرمة المصاهرة.
فرع ملك أختين إحداهما مجوسية، أو أخته برضاع، فوطئها بشبهة،
458

جاز وطئ الأخرى، لأن الأولى محرمة. ولو ملك أما وبنتها، ووطئ إحداهما،
حرمت الأخرى أبدا، فلو وطئ الأخرى بعد ذلك جاهلا بالتحريم، حرمت الأولى
أيضا أبدا. وإن كان عالما، ففي وجوب الحد قولان. إن قلنا: لا، حرمت الأولى
أيضا أبدا، وإلا، فلا.
فصل ملكها ولم يطأ، أو وطئ ثم نكح أختها أو عمتها، صح النكاح،
وحلت المنكوحة، وحرمت المملوكة. ولو نكح امرأة، ثم ملك أختها، فالمملوكة
حرام، ويبقى حل المنكوحة.
فصل ارتدت الزوجة بعد الدخول، يحرم نكاح أختها وأربع سواها قبل
انقضاء العدة، كالرجعية.
قال ابن الحداد: فلو قال لها: أنت طالق ثلاثا، فله في الحال نكاح
أختها، لحصول البينونة، وكذا الحكم لو ارتدت فخالعها في الردة.
ولو كان تحته صغيرة، وكبيرة مدخول بها، فارتدت الكبيرة، وأرضعت
أمها في عدتها الصغيرة، وقف نكاح الصغيرة. فإن أصرت الكبيرة حتى انقضت
العدة، ففي نكاح الصغيرة، بحاله. وإن أسلمت في العدة، بطل نكاح الصغيرة.
وفي بطلان نكاح الكبيرة قولان نذكرهما إن شاء الله تعالى في نظير المسألة في
الرضاع. قال الشيخ أبو علي: أظهرهما: لا يبطل كما لو نكح أختا على أخت لا
تبطل الأولى. وكذا الحكم لو كانت المرضعة أخت الكبيرة.
ثم على الزوج للصغيرة نصف المسمى، وللكبيرة تمامه، ويرجع الزوج على
المرضعة بنصف مهر مثل الصغيرة على الأظهر، وبكله في قول، وبجميع مهر مثل
الكبيرة على الأظهر إن أبطلنا نكاحها.
النوع الثاني: في قدر العدد المباح، ولا يجوز للحر أن ينكح أكثر من أربع
نسوة. فلو نكح خمسا في عقد، بطل نكاحهن، وإن نكحهن مرتبا، بطل الزيادة
على الأربع الأوليات. ولو نكح خمسا في عقد فيهن أختان، بطل فيهما، وفي
البواقي قولا تفريق الصفقة، والأظهر الصحة.
459

ولو نكح سبعا فيهن أختان، بطل الجميع.
ولو كان تحته أربع فأبانهن، فله نكاح أربع بدلهن وإن كن في العدة. ولو أبان
واحدة، فله نكاح أخرى في عدة المبانة.
ولو وطئ امرأة بشبهة، فله نكاح أربع في عدتها. ولو كانت المفارقة
رجعية، لم تجز. وأما العبد، فلا يجوز أن يزيد على امرأتين.
فرع لابن الحداد نكح ست نسوة، ثلاثا في عقد، وثنتين في عقد،
وواحدة في عقد، ولم يعلم المتقدم، فنكاح الواحدة صحيح على كل تقدير، لأنها
لا تقع إلا أولة، أو ثالثة، أو رابعة، فإنها لو تأخرت عن العقدين، كان ثانيهما
باطلا، فتقع هي صحيحة. وأما البواقي، فقال ابن الحداد: لا يثبت نكاحهن،
لأن كل واحد من عقديهما يحتمل كونه متأخرا باطلا، والأصل عدم الصحة.
قال الشيخ أبو علي: ما ذكره ابن الحداد غلط عند عامة الأصحاب، بل يصح
مع نكاح الواحدة، إما الثنتان، وإما الثلاث، وهو الذي سبق منهما، ولا نعرف
عينه فيوقف، ويسأل الزوج، فإن ادعى سبق الثنتين وصدقتاه، ثبت نكاحهما. وإن
ادعى سبق الثلاث، وصدقنه، فكذلك. وإن قال: لا أدري، أو لم يبين، فلهن
طلب الفسخ. وإن رضين بالضرر، لم ينفسخ، وعلى الزوج نفقة الجميع مدة
التوقف، فإن مات قبل البيان، اعتدت من لم يدخل بها عدة وفاة، ومن دخل بها
بأقصى الأجلين من وفاة وأقراء، ويدفع إلى الفردة ربع ميراث النسوة، لاحتمال
صحة نكاح ثلاث معها، ثم يحتمل أن يكون الصحيح معها نكاح الثلاث، فلا يستحق
غير الربع المأخوذ، ويحتمل صحة نكاح الثنتين، فيستحق الثلث، فيوقف ما بين
الثلث والربع، وهو نصف سدس بين الواحدة والثلاث، لا حق للثنتين فيه، ويوقف
الثلثان بين نصيب النسوة، بين الثنتين والثلاث، لا حق للواحدة فيه. فإن أردن
460

الصلح قبل البيان، فالصلح في نصف السدس بين الواحدة والثلاث، وفي الثلثين
بين الثلاث والثنتين.
وأما المهر، فللمفردة المسمى. وأما البواقي، فإن دخل بهن، قابلنا المسمى
لإحدى الفرقتين ومهر المثل بالمسمى للفرقة الأخرى ومهر مثل الأولى، وأخذنا أكثر
القدرين من التركة، ودفعنا إلى كل واحدة منهن الأقل من مسماها ومهر مثلها،
ووقفنا الباقي.
مثاله: سمى لكل واحدة مائة، ومهر مثل كل واحدة خمسون، فمسمى
الثلاث ومهر مثل الثنتين أربعمائة، وهي أكثر من مسمى الثنتين ومهر مثل الثلاث،
فنأخذ من التركة أربعمائة، وندفع إلى كل واحدة خمسين، ونقف الباقي وهو مائة
وخمسون (منها) مائة بين النسوة الخمس، وخمسون بين الثلاث والورثة، فإن
بان صحة نكاح الثنتين، فالمائة لهما، والخمسون للورثة. وإن بان صحة الثلاث، فالمائة
والخمسون لهن. وإن لم يدخل بواحدة، أخذنا من التركة أكثر المسميين، ولا
نعطي في الحال واحدة شيئا. والأكثر في المثال المذكور ثلاثمائة، فنقف مائتين بين
الثلاث والثنتين، ومائة بين الثلاث والورثة. وإن دخل بإحدى الفرقتين، أخذنا
الأكثر من مسمى المدخول بهن فقط، ومن مهر مثلهن مع مسمى الفرقة الأخرى،
وأعطي الموطوءات الأقل من المسمى ومهر مثلهن. ففي المثال المذكور، إن دخل
بالثنتين، فمهر مثلهما مع مسمى الثلاث أربعمائة، وذلك أكثر من مسمى الثنتين،
فنأخذ أربعمائة، ونعطي كل واحدة من الثنتين خمسين، ونقف مائة بينهما وبين
الثلاث، ومائتين بين الثلاث والورثة. فإن بان صحة نكاح الثنتين، دفعنا المائة
إليهما، والباقي للورثة. وإن بان صحة نكاح الثلاث، دفعناها مع المائتين إليهن،
وإن دخل بالثلاث، فمهر مثلهن مع مسمى الثنتين ثلاثمائة وخمسون، وذلك أكثر من
مسمى الثلاث، فنأخذ ثلاثمائة وخمسين، ونعطي كل واحدة من الثلث خمسين
منها، ونقف الباقي وهو مائتان، منها مائة وخمسون بين الثنتين والثلاث، والباقي
بين الثنتين والورثة. فإن بان صحة نكاح الثلاث، أعطيناهن مائة وخمسين، والباقي
للورثة. وإن بان صحة نكاح الثنتين، أعطيناهما المائتين.
قال الشيخ أبو علي: فإن كانت المسألة بحالها، ونكح أربعا أخر في عقد
461

رابع، ولم يعرف الترتيب، لم يحكم بصحة نكاح الواحدة، لاحتمال وقوعه بعد
الأربع. فإن مات قبل البيان، وقفنا ميراث زوجات، ولا نعطي واحدة منه شيئا.
وأما المهر، فإن دخل بهن، أخذنا لكل واحدة الأكثر من مسماها ومهر مثلها،
وأعطيناها أقلهما، ووقفنا الباقي بينها وبين الورثة. فإن لم يدخل بواحدة منهن،
فيحتمل أن يكون الصحيح نكاح الأربع، ويحتمل أن تكون الواحدة مع الثلاث، أو
مع الثنتين، فينظر مهر الأربع وحده، ومهر الواحدة مع الثلاث، ثم مع الثنتين،
ويؤخذ أكثر المقادير الثلاثة، ويوقف. وإن دخل ببعضهن، أخذ للمدخول بها أكثر
مهريها، وتعطى منه أقلهما، ويوقف الباقي بينها وبين الورثة، وأخذ لغير المدخول
بها مسماها، فيوقف بينها وبين الورثة.
النوع الثالث: استيفاء عدد الطلاق. فإذا طلق الحر زوجته ثلاثا في نكاح أو
أنكحة دفعة أو أكثر قبل الدخول أو بعده، لم يحل له نكاحها حتى تنكح زوجا غيره
ويطأها ويفارقها وتنقضي عدتها منه، وإذا طلق العبد طلقتين، فكطلاق الحر
ثلاثا. ولو عتق بعد ذلك، لم يؤثر، ويشترط أن يكون الوطئ في نكاح صحيح.
وفي قول: يكفي الوطئ في نكاح فاسد. ومنهم من أنكره، ومنهم من طرده في وطئ
الشبهة، والمذهب الأول. ويشترط تغييب جميع الحشفة في الفرج، وبه تتعلق
أحكام الوطئ كلها. وقال البغوي: إن كانت بكرا، فأقله الاقتضاض بآلته. ومن
قطعت حشفته، إن بقي من ذكره دون قدرها، لم يحل. وإن بقي قدرها فقط،
أحل. وإن بقي أكثر من قدرها، كفى تغييب قدر حشفة هذا الشخص على الأصح.
وقيل: يشترط تغييب جميع الباقي، سواء كان قوي الانتشار، أو ضعيفه فاستعان
بأصبعه أو أصبعها، فإن لم يكن انتشار أصلا، لتعنين أو شلل أو غيرهما، لم
462

يحصل التحليل على الصحيح، وبه قطع جمهور الأصحاب في كتبهم، لعدم ذوق
العسيلة، وحصله الشيخ أبو محمد والغزالي، لحصول الوطئ وأحكامه. واستدخال
ذكر النائم وغيره يحلل، واستدخال الماء لا يحلل.
قلت: ولو لف على ذكره خرقة وأولج، حلل على الصحيح. والله أعلم.
فرع يحصل التحليل بكل زوج، حر مسلم، وعبد، ومجنون،
وخصي، وذمي إذا كانت المطلقة ذمية، سواء كان المطلق مسلما أو ذميا، ويشترط
وطئ الذمي في وقت لو ترافعوا إلينا لقررناهم على ذلك النكاح.
قلت: لا يشترط في تحليل الذمية للمسلم وطئ ذمي، بل المجوسي والوثني
يحللانها أيضا للمسلم، كما يحصنانها، صرح به إبراهيم المروذي. والله أعلم.
والصبي الذي يتأتى منه الجماع، كالبالغ على المشهور. والطفل الذي لا
يتأتى منه، لا يحلل على الصحيح، وعن القفال، أنه يحلل.
قلت: هذا الوجه كالغلط المنابذ لقواعد الباب. ونقل الامام اتفاق الأصحاب
أنه لا يحلل. والله أعلم.
فرع إذا كانت المطلقة ثلاثا صغيرة، ووطئها زوج، حلت قطعا. وقيل
في التي لا تشتهى الوجهان كتحليل الصبي.
فرع لو وطئها في إحرامه أو إحرامها، أو الحيض، أو صوم رمضان، أو
قبل التكفير عن ظهارها، أو ظانا أنها أجنبية، حلت، لأنه وطئ زوج في نكاح
صحيح. ولو وطئها وهي في عدة وطئ شبهة وقع بعد نكاحه، حلت على الأصح.
ولو وطئها في حال ردته أو ردتها، وعاد إلى الاسلام، لم تحل، نص عليه،
لاضطراب النكاح، بخلاف سائر أسباب التحريم. واعترض المزني بأنه إن دخل بها
قبل الردة، فقد حلت، وإلا، فتبين بنفس الردة. قال الأصحاب: تتصور العدة بلا
463

دخول، بأن يطأها في الدبر أو فيما دون الفرج فسبق الماء، أم تستدخل ماءه،
فتجب العدة، ولا تحل بهذه الأسباب، وكذا بالخلوة على القديم.
قلت: هذا الذي ذكره عن النص أنها لا تحل بالوطئ في الردة، هو الصواب،
وبه قطع جماهير الأصحاب. وقال صاحب التلخيص: إن اجتمعا في الاسلام
قبل انقضاء العدة، حلت للأول، لتابعه عليه القفال، وليس بشئ. ولو طلقها
رجعيا، باستدخال الماء قبل الدخول، ثم وطئها في العدة (لم تحل للأول وإن
راجعها في العدة)، نص عليه الشافعي والأصحاب، وقال إبراهيم المروذي: إذا
قلنا: تحل بوطئ الشبهة، فهنا أولى، وإلا، فلا تحل. والله أعلم.
فرع نكحها على أنه إذا وطئها بانت منه، أو نكحها إلى أن يطأها، أو
على أنه إذا وطئها فلا نكاح بينهما، فنكاح باطل، فإن شرط أنه إذا وطئها طلقها،
فباطل أيضا على الأظهر. وفي قول: يصح العقد، ويبطل الشرط، ويجب مهر
المثل. ولو تزوج بلا شرط، وفي عزمه أن يطلقها إذا وطئها، كره، وصح العقد،
وحلت بوطئه. ولو نكحها على أن لا يطأها إلا مرة، أو على أن لا يطأها نهارا،
فللشافعي رحمه الله في بطلان النكاح أو صحته دون الشرط نصان. وقيل: قولان.
والمذهب أنهما على حالين. فالبطلان إذا شرطت الزوجة أن لا يطأها، والصحة إذا
شرط الزوج أن لا يطأ، لأنه حقه، فله تركه والتمكين عليها.
ولو نكحها بشرط أن لا تحل له، فقال الامام: يجب أن تلحق بشرط ترك
الوطئ. وقال الغزالي: ينبغي أن يفسد، للتناقض.
قلت: قول الغزالي أصح. والله أعلم.
وفي فتاوى القفال: أنه لو تزوج أمة على أن لا يملك الاستمتاع ببضعها،
فكشرط أن لا يطأ. وإن تزوجها بشرط أن لا يملك بضعها، فإن أراد الاستمتاع،
فكذلك. وإن أراد ملك العين، لم يضر. وجميع ما ذكرناه إذا شرطه في نفس
العقد، ولو تواطأ في شئ من ذلك قبل العقد، وعقدا على ذلك القصد بلا
شرط، فليس كالمشروط على الصحيح.
464

فرع قال الأئمة: أسلم طريق في الباب، وأدفعه للعار، أن تزوج بعبد
صغير، وتستدخل حشفته، ثم تتملكه ببيع أو هبة ونحوهما، فينفسخ النكاح،
ويحصل التحليل إن صححنا تحليل الصبي وجوزنا إجبار العبد الصغير على النكاح،
وإلا، فلا.
فرع إذا قالت المطلقة ثلاثا: نكحت زوجا آخر، فوطئني وفارقني،
وانقضت عدتي منه، قبل قولها عند الاحتمال. وإن أنكر الزوج الثاني، وصدق
في أنه لا يلزمه إلا نصف المهر، فكذلك، لأنها مؤتمنة في انقضاء العدة، والوطئ
يعسر إقامة البينة عليه. ثم إن ظن صدقها، فله نكاحها بلا كراهة. وإن لم يظنه،
استحب أن لا يتزوجها. وإن قال: هي كاذبة، لم يكن له نكاحها. فإن
قال بعده: تبينت صدقها، فله نكاحها.
قلت: قد حزم الفوراني بأنه إذا غلب على ظنه كذبها، لم تحل له. وتابعه
الغزالي على هذا، وهو غلط عند الأصحاب، وقد نقل الامام اتفاق الأصحاب على
أنها تحل وإن غلب على ظنه كذبها إذا كان الصدق ممكنا. قال: وهذا الذي قاله
الفوراني غلط، وهو من عثرات الكتاب، ولعل الرافعي لم يحك هذا الوجه، لشدة
ضعفه، ولقول الإمام: إنه غلط. قال إبراهيم المروذي: ولو كذبها الزوج والولي
والشهود، لم تحل على الأصح. والله أعلم.
فرع طلق زوجته الأمة، ثم اشتراها قبل وطئ زوج، لا يحل له وطؤها
بملك اليمين على الصحيح، لظاهر القران.
قلت: قال العلماء: الحكمة في اشتراط التحليل، التنفير من الطلاق
465

الثلاث. والله أعلم.
الجنس الثالث من الموانع: رق المرأة، وهو ضربان. رقيقة يملكها، ورقيقة
لا يملكها.
الضرب الأول: مملوكته، فليس له نكاح من يملكها أو بعضها. ولو ملك
بعض زوجته، انفسخ نكاحه، وليس لها نكاح من تملك بعضه. ولو ملكت
زوجها، انفسخ نكاحها.
الضرب الثاني: أمة غيره، فلا تحل للحر إلا بشروط.
أحدها: أن لا يكون تحته حرة يتيسر الاستمتاع بها مسلمة أو كتابية. وفي
وجه: لا يمنع كون الكتابية تحته. فإن لم يتيسر الاستمتاع، بأن كانت تحته
صغيرة، أو هرمة، أو غائبة، أو مجنونة، أو مجذومة، أو برصاء، أو رتقاء، أو
مضناة لا تحتمل الجماع، فوجهان. أحدهما: يصح نكاح الأمة، وهذا أصح عند
صاحب المهذب والقاضي حسين، وقطع به ابن الصباغ وجماعة من العراقيين.
والثاني: المنع، وبه قطع الامام والغزالي والبغوي. فعلى هذا، لا يصح نكاح
الأمة حتى تبين منه الحرة.
(الشرط) الثاني: أن لا يقدر على نكاح حرة لعدم الحرة، أو عدم صداقها. فلو قدر
على نكاح حرة رتقاء، أو قرناء، أو مجنونة، أو مجذومة، أو رضيعة، أو معتدة من
غيره، فله نكاح الأمة على الأصح.
ولو قدر على حرة كتابية، لم تحل الأمة على الأصح، وقول الله تعالى: * (ومن لم
يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات) *
قيد بالمؤمنات، لأنه الغالب، لا للاشتراط.
466

ولو قدر على حرة غائبة، قال الأصحاب: إن كان يخاف العنت في مدة قطع
المسافة، أو يلحقه مشقة ظاهرة بالخروج إليها، فله نكاح الأمة، وإلا، فلا. قال
الامام: المشقة المعتبرة، أن ينسب متحملها في طلب زوجه إلى الاسراف.
ولو لم يجد إلا حرة لا ترضى إلا بأكثر من مهر مثلها، وهو واجده، فنقل
البغوي: أنه لا ينكح أمة. ونقل المتولي جوازه. وقال الامام والغزالي: إن كانت
زيادة يعد بذلها إسرافا، حلت الأمة، وإلا، فلا. وفرقوا بينه وبين الماء في
التيمم، بأن الحاجة إلى الماء تتكرر، وبأن هذا الناكح لا يعد مغبونا.
قلت: قطع آخرون بموافقة المتولي، وهو الأصح. والله أعلم.
ولو لم يقدر على مهر، ووجد حرة ترضى بمهر مؤجل، وهو يتوقع القدرة عليه
عند المحل، أو وجد من يبيعه نسيئة ما يفي بصداقها، أو وجد من يستأجره بأجرة
معجلة، أو رضيت حرة بأن ينكحها بلا مهر، حلت الأمة على الأصح. ولو أقرض
مهرها، لم يجب القبول على المذهب، لاحتمال المطالبة في الحال. وقيل
بالوجهين.
ولو رضيت حرة بدون مهر مثلها، وهو يجده، لم تحل الأمة على المذهب،
لأن المنة فيه قليلة، إذ العادة المسامحة في المهور.
ولو وهب له مال أو جارية، لم يلزمه القبول، وحلت الأمة. ومن له مسكن
وخادم، هل له نكاح الأمة، أم عليه بيعهما وصرفهما إلى طول حرة؟ وجهان
حكاهما ابن كج.
467

قلت: أصحهما الأول. والله أعلم.
والمال الغائب لا يمنع نكاح الأمة، كما لا يمنع ابن السبيل الزكاة. ومن هو
معسر، وله ابن موسر، يجوز له نكاح الأمة إن لم نوجب على الابن إعفافه. وإن
أوجبناه، فوجهان، لأنه مستغن بمال الابن.
قلت: أصحهما: المنع، وبه قطع جماعة. والله أعلم.
الشرط الثالث: خوف العنت، والمراد به هنا الزنا، قال الامام: ليس
المراد بالخوف أن يغلب على ظنه الوقوع في الزنا، بل أن يتوقعه لا على الندور.
وليس المراد بغير الخائف أن يعلم اجتنابه، بل غلبة الظن بالتقوى، والاجتناب ينافي
الخوف، فمن غلبت عليه شهوته، وضعف تقواه، فهو خائف. ومن ضعفت
شهوته، وهو يستبدع الزنا لدين أو مروءة أو حياء، فهو غير خائف. وإن غلبت
شهوته، وقوي تقواه، ففيه احتمالان للامام. أصحهما: لا يجوز نكاح الأمة، وبه
قطع الغزالي، لأنه لا يخاف الوقوع في الزنا. والثاني: إن كان ترك الوقاع يجر
ضررا أو مرضا، فله نكاح الأمة.
وأما المجبوب، فلا يتصور منه الزنا. قال الامام والمتولي: ليس له نكاح
الأمة. قال المتولي: فلو نكح حر أمة، فوجدته مجبوبا، وأرادت الفسخ، فقال الزوج:
جب ذكري بعد النكاح. فإن كان قوله غير محتمل، بأن كان الموضع مندملا، وقد
عقد النكاح أمس، فالنكاح باطل. وإن كان محتملا، فإن صدقنه، فذاك، وإن
كذبته، فدعواها باطلة لأن مقتضى قولها، بطلان النكاح من أصله. وقال الروياني
في البحر: للخصي والمجبوب نكاح الأمة عند خوف الوقوع في الفعل المأثوم
468

به، لأن العنت المشقة.
فرع القادر على شراء أمة يتسراها، لا يحل له نكاح أمة على المذهب.
ولو كان في ملكه أمة، لم ينكح أمة قطعا، وطرد الحناطي الخلاف فيه،
فعلى المذهب لو كانت الأمة التي يملكها غير مباحة، فإن وفت قيمتها بمهر حرة، أو
ثمن أمة يتسراها، لم ينكح الأمة، وإلا، فينكحها.
الشرط الرابع: كون الأمة المنكوحة مسلمة، ولا يشترط كونها لمسلم على
الأصح، ويجوز للحر الكتابي نكاح الأمة الكتابية على الأصح، ويقال:
الأظهر، ولا يجوز نكاحها للعبد المسلم على المشهور.
وأما نكاح العبد المسلم الأمة المسلمة، فسيأتي إن شاء الله تعالى في باب
(نكاح) المشرك.
والعبد الكتابي، ينكح الأمة الكتابية إن نكحها الحر الكتابي، وإلا،
فوجهان. أصحهما: الجواز.
قلت: ونكاح الحر المجوسي والوثني الأمة المجوسية والوثنية، كالكتابي الأمة
الكتابية. والله أعلم.
فرع للحر المسلم وطئ أمته الكتابية دون المجوسية والوثنية، كالنكاح في
حرائرهم.
فصل من استجمع شروط نكاح الأمة، ليس له نكاح أمة صغيرة لا توطأ
469

على الأصح، لأنه لا يأمن بها العنت. ومن بعضها رقيق كالرقيقة، لا ينكحها حر إلا
بالشروط. ولو قدر على نكاحها، فهل يباح له نكاح الرقيقة المحضة؟ فيه تردد
للامام، لأن إرقاق بعض الولد أهون من إرقاق كله.
وحكي عن بعض الأصحاب أن من بعضه رقيق كالرقيق، فينكح الأمة مع
القدرة على الحرة، لأنه كالرقيق في الولاية والنظر.
فصل ولد الأمة المنكوحة رقيق لمالكها، سواء كان زوجها الحر عربيا أو
غيره، وفي القديم قول أن العرب لا يجري عليهم الرق، فيكون ولد العربي حرا،
وهل على الزوج قيمته كالمغرور؟ أم لا شئ عليه لأن السيد رضي حين زوجها
عربيا؟ فيه قولان.
فرع في فتاوى القاضي حسين: أنه لو زوج أمته بواجد طول حرة،
فأولدها، فالأولاد أرقاء، لأن شبهة النكاح كالنكاح الصحيح.
فصل نكح الحر أمة بشروطه، ثم أيسر أو نكح حرة، لا ينفسح
نكاح الأمة. وقال المزني: ينفسخ.
فصل جمع حر حرة وأمة في عقد، فإن كان ممن لا يحل له نكاح
الأمة، فنكاح الأمة باطل، ونكاح الحرة صحيح على الأظهر. وإن كان ممن
470

يحل له نكاح الأمة، بأن وجد حرة تسمح بمهر مؤجل، أو بلا مهر، أو بدون مهر
المثل، أو حرة كتابية، وقلنا: إن هذه المعاني لا تمنع نكاح الأمة، بطل نكاح الأمة
قطعا، لاستغنائه عنه. وفي الحرة طريقان. أظهرهما عند الامام وبه قال صاحب
التلخيص: أنه على القولين. وقال ابن الحداد وأبو زيد وآخرون: يبطل قطعا،
لأنه جمع بين امرأتين يجوز إفراد كل منهما، ولا يجوز الجمع، فأشبه الأختين،
ومن قال بالأول، فرق بأن الأختين ليس فيهما أقوى (والحرة أقوى).
ولو جمع بين مسلمة ووثنية، أو أجنبية ومحرم، أو خلية ومعتدة أو مزوجة،
فهو كالجمع بين الحرة والأمة لمن لا تحل له الأمة. وإذا صححنا نكاح من تحل (له)،
فقد سبق في تفريق الصفقة قول: أنها تستحق جميع المسمى، وأن المذهب
أنها لا تستحق جميعه، بل تستحق مهر المثل في قول، وما يخص مهر مثلها من
المسمى إذا وزع على مهر مثلها ومهر مثل الأخرى في قول. فإن قلنا: تستحق
جميع المسمى، فللزوج الخيار في فسخ الصداق والرجوع إلى مهر المثل كما ذكرنا
في باب التفريق. وإن قلنا: تستحق مهر المثل، فلا فسخ، إذ لا فائدة (فيه)،
فإنه لو فسخ لرجع إليه. وإن قلنا: تستحق حصة مهر المثل من المسمى، قال
الشيخ أبو علي: إن كان المسمى مما يمكن قسمته، كالحبوب، فلا خيار. وإن كان
مما لا يمكن، كالعبد، فله الخيار، لتضرره بالتشقيص. فإن فسخ، فعليه مهر
المثل.
واعلم أن الجميع بين من يحل ومن لا يحل، يتصور بأن يكون المزوج
وليهما، بأن زوج أمته وبنته، أو كان وكيلا لوليين، أو ولي إحداهما ووكيلا في
الأخرى.
وموضع الخلاف إذا قال: زوجتك هذه وهذه بكذا، فقال: قبلت نكاحهما
بكذا. فأما إذا قال: زوجتك بنتي هذه، وزوجتك أمتي هذه، فقال: قبلت نكاح
بنتك، وقبلت نكاح أمتك، أو اقتصر على قبول نكاح البنت، فنكاح البنت صحيح
بلا خلاف، ولو فصل المزوج، وقال الزوج: قبلت نكاحهما، أو جمع المزوج،
وفصل الزوج، فهل هو كما لو فصلا جميعا، أو كما جمعا جميعا؟ وجهان.
أصحهما: الأول.
471

ولو جمع بين أختين وأمة وهو ممن يحل له نكاح الأمة، فنكاح الأختين باطل،
وفي الأمة الخلاف.
ولو قال: زوجتك بنتي، وبعتك هذا الزق من الخمر بكذا، فقبلهما، أو
زوجتك بنتي وابني أو فرسي، أو وهذا الزق، صح نكاح البنت على المذهب، لان
المضموم لا يقبل النكاح، فلغا. وقيل بطرد القولين. فإن صححنا، فلها مهر المثل
إن قلنا فيمن جمع بين محللة ومحرمة: للمحللة مهر المثل. وإن قلنا هناك: لها
حصة مهر المثل من المسمى، فقال البغوي: يجب لها هنا جميع المسمى، لتعذر
التوزيع.
قلت: ولو تزوج أمتين في عقد، بطل نكاحهما قطعا كالأختين. وجميع ما
ذكرناه في نكاح أمة غيره، أردنا به غير أمة ولده، وأما أمة ولده، ففيها خلاف
وتفصيل يأتي إن شاء الله تعالى في الباب العاشر. والله أعلم.
الجنس الرابع من الموانع: الكفرة.
الكفار ثلاثة أصناف.
أحدها: الكتابيون، فيجوز للمسلم مناكحتهم، سواء كانت الكتابية ذمية
أو حربية، لكن تكره الحربية، وكذا الذمية على الصحيح، لكن أخف من كراهة
الحربية. والمراد بالكتابيين: اليهود والنصارى. فأما المتمسكون بكتب سائر
الأنبياء الأولين، كصحف شيث وإدريس وإبراهيم وزبور داود صلوات الله وسلامه
472

عليهم، فلا تحل مناكحتهم على الصحيح.
الصنف الثاني: من لا كتاب له ولا شبهة كتاب، كعبدة الأوثان والشمس
والنجوم والمعطلة والزنادقة والباطنية والمعتقدين مذهب الإباحة وكل مذهب كفر معتقده،
فلا تحل مناكحتهم.
الصنف الثالث: من لا كتاب لهم، مكن لهم شبهة كتاب وهم المجوس.
وهل كان لهم كتاب؟ فيه قولان. أشبههما: نعم، وعلى القولين لا [تحل
مناكحتهم، لأنه لا كتاب بأيديهم، ولا نتيقنه من قبل، فنحتاط. وقال أبو إسحاق
وأبو عبيد ابن حربويه: يحل إن قلنا: كان لهم كتاب، وهذا ضعيف عند
الأصحاب.
فرع الكتابية كالمسلمة في النفقة والقسم والطلاق وعامة أحكام النكاح،
لكن لا توارث بينها وبين المسلم، ولا تغسله إذا اعتبرنا نية الغاسل ولم نصحح
نيتها. وإذا طهرت عن حيض أو نفاس، ألزمها الزوج الاغتسال. فإن امتنعت،
أجبرناها عليه واستباحها وإن لم تنو، للضرورة، كما تجبر المسلمة المجنونة.
وعن الحليمي تخريجا على الاجبار على الغسل، أن للسيد إجبار أمته المجوسية
والوثنية على الاسلام، لأن حل الاستمتاع يتوقف عليه. والصحيح خلافه، لان
الرق أفادها الأمان من القتل فلا تجبر كالمستأمنة، وليس كالغسل، فإنه لا يعظم
الامر فيه. واختلف نص الشافعي رضي الله عنه في إجبار زوجته الكتابية على غسل
الجنابة. وقال الجمهور: في إجبارها قولان. وقيل: الاجبار إذا طالت المدة وكانت
النفس تعافها، وعدمه في غير هذا الحال.
وأما المسلمة، فهي مجبرة على الغسل من الجنابة، كذا أطلقه البغوي.
قلت: ليس هو على إطلاقه، بل هو فيما إذا طال بحيث حضر وقت صلاة،
473

فأما إذا لم تحضر صلاة، ففي إجبارها القولان، وهما مشهوران حتى في
التنبيه. والأظهر من القولين الاجبار. والله أعلم.
وتجبر المسلمة أو الكتابية على التنظف، بالاستحداد، وقلم الأظفار، وإزالة
شعر الإبط والأوساخ إذا تفاحش شئ من ذلك بحيث نفر التواق، فإن كان لا يمنع
أصل الاستمتاع، لكن يمنع كماله، فقولان كغسل الجنابة، ويجريان في منع
الكتابية أكل الخنزير للاستقذار، وفي كل ما يمنع كمال الاستمتاع. والأظهر أن للزوج
المنع منه. وله المنع من أكل ما يتأذى من رائحته كالثوم والكراث على الأظهر.
وقيل: قطعا، وله المنع من شرب ما تسكر به. وفي القدر الذي لا يسكر القولان،
ويجريان في منع المسلمة من هذا القدر من النبيذ إذا كانت تعتقد إباحته. وقيل
بمنعهما قطعا، لأن ذلك القدر لا ينضبط ويختلف باختلاف الأشخاص. ومتى
تنجس فمها أو عضو آخر، فله اجبارها على غسله بلا خلاف ليمكنه الاستمتاع به،
وله منعها من لبس جلد الميتة قبل دباغه ولبس ما له رائحة كريهة.
ويمنع الكتابية من البيع والكنائس، كما يمنع المسلمة من الجماعات
والمساجد.
فصل في صفة الكتابية التي ينكحها المسلم وهي ضربان،
إسرائيلية، وغيرها.
الضرب الأول: التي ليست من بني إسرائيل، ولها أحوال.
أحدها: أن تكون من قوم يعلم دخولهم في ذلك الدين قبل تحريفه ونسخه،
فيحل نكاحها على الأظهر. وقيل: قطعا، وهؤلاء يقرون بالجزية قطعا. وفي حل ذبائحهم الخلاف كالمناكحة.
الحال الثاني: أن يكون ممن يعلم دخولهم بعد التحريف وقبل النسخ. فإن
تمسكوا بالحق منه، وتجنبوا المحرف منه، فكالحال الأول. وإن دخلوا في
474

المحرف، لم تحل مناكحتهم على المذهب، ويقرون بالجزية على الأصح
كالمجوس وأولى للشبهة.
(الحال) الثالث: أن تكون ممن يعلم دخولهم بعد التحريف والنسخ، فلا تحل
مناكحتهم قطعا. فالذين تهودوا أو تنصروا بعد بعثة نبينا (ص)، لا يناكحون. وفي
المتهودين بين نبينا وبين عيسى عليهما السلام وجهان. أصحهما: المنع، ومن جوز
كأنه يزعم أنا لا نعلم كيفية نسخ شريعة عيسى لشريعة موسى صلى الله عليهما وسلم، وهل نسخت كلها
أو بعضها، وهؤلاء لا يقرون بالجزية.
الرابع: أن تكون من قوم لا يعلم متى دخلوا، فلا تحل مناكحتهم، ويقرون
بالجزية، وبذلك حكمت الصحابة رضي الله أنهم في نصارى العرب. هكذا أطلقه
عامة الأصحاب من المتقدمين والمتأخرين، وفيه شئ لا بد من معرفته وسنذكره في
الفصل الذي بعد هذا إن شاء الله تعالى.
الضرب الثاني: الكتابية الإسرائيلية. والذي ذكره الأصحاب في طرقهم،
جواز نكاحها على الاطلاق من غير نظر إلى آبائها أدخلوا في ذلك الدين قبل
التحريف، أم بعده، وليس كذلك لأن ليس كل إسرائيلية يلزم دخول آبائها قبل
التحريف وإن أشعر به كلام جماعة من الأئمة، وذلك أن إسرائيل هو يعقوب (ص)،
وبينه وبين نزول التوراة زمان طويل، ولسنا نعلم أدخل كل بني إسرائيل على كثرتهم
في زمان موسى (ص) أم بعده قبل التحريف، بل في القصص ما يدل على استمرار
بعضهم على عبادة الأوثان والأديان الفاسدة، وبتقدير استمرار هذا في اليهود، فلا
يستمر في النصارى، لأن بني إسرائيل بعد بعثة عيسى (ص) منهم من آمن به، ومنهم
من صد عنه فأصر على دين موسى. ثم من المصرين من تنصر على تعاقب الزمان
قبل التحريف وبعده، ولكن كأن الأصحاب اكتفوا بشرف النسب وجعلوه حابرا لنقص
دخول الآباء في الدين بعد التحريف، حتى فارق حكمهن حكم غير الإسرائيليات إذا
دخل آباؤهن بعد التحريف.
475

وأما الدخول فيه بعد بعثة نبينا (ص)، فلا تفارق فيه الإسرائيلية غيرها كما
سنوضحه إن شاء الله تعالى. وكلام الغزالي يقتضي النظر إلى حال الآباء في
الإسرائيليات أيضا، حتى يكون نكاح الإسرائيلية التي دخل أول آبائها في ذلك
الدين بعد التحريف على قولين، كغير الإسرائيلية التي دخل آباؤها فيه قبل
التحريف، لكن كلام الأصحاب يخالفه، فاعرفه وانظر كيف يمكنك تنزيل كلامه على
منقول الأصحاب.
فرع الصابئون طائفة تعد من النصارى، والسامرة طائفة تعد من
اليهود. فإن كانوا يخالفون اليهود والنصارى في أصل دينهم ولا يتأولون نص
كتابهم، لم يناكحوا كالمجوس. وإن خالفوهم في الفروع دون الأصول وتأولوا
نصوص كتابهم، جازت مناكحتهم. هذا هو المذهب، وهو نصه في
المختصر، وقطع به الجمهور. قال الشيخ أبو علي: وأطلق بعض الأصحاب
قولين في مناكحتهم. قال الامام: لا مجال للخلاف فيمن تكفرهم اليهود
والنصارى، ويخرجونهم عنهم، لكن يمكن الخلاف فيمن جعلوه كالمبتدع فينا.
وإذا شككنا في جماعة أيخالفونهم في الأصول أم الفروع؟ لم نناكحهم.
والصابئون - فيما نقل - فرقتان، فرقة توافق النصارى في أصول الدين، وفرقة
تخالفهم، وهم الذين أفتى الإصطخري بقتلهم.
فصل في الانتقال من دين إلى دين هو ثلاثة أقسام.
476

القسم الأول: من دين باطل إلى دين باطل، وهو ثلاثة أضرب.
أحدها: الانتقال من دين يقر أهله عليه إلى ما يقر أهله عليه، كتهود نصراني
وعكسه، فهل يقر على ما انتقل إليه بالجزية، أم لا يقبل منه إلا الاسلام أو الدين
الذي انتقل منه؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها: الأول، ثم الثاني.
قلت: الأصح، لا يقبل منه إلا الاسلام. والله أعلم.
فعلى الأول، تحل ذبيحته. وإن كانت امرأة، حل للمسلم نكاحها. وإن
كانت منكوحة مسلم، استمر نكاحه.
وإن قلنا: لا يقر، لم تحل ذبيحته ولا نكاحها. وإذا انتقلت منكوحة مسلم،
فكردة المسلمة، فتتنجز الفرقة قبل الدخول وتقف على انقضاء العدة بعده. وإذا قلنا
بالقول الثاني والثالث، وامتنع من الاسلام أو منه ومن الدين الذي انتقل منه،
فقولان. أحدهما: يقتل كالمرتد، وأشبههما: يلحق بمأمنه كمن نبذ العهد. ثم هو
حرب لنا، إن ظفرنا به قتلناه.
ولو تمجس يهودي أو نصراني، ففي تقريره وعدمه وما يقبل منه الأقوال.
وقيل: يمنع التقرير قطعا، لكونه دون دينه الأول. فإن لم نقره، وأبى الرجوع،
ففي القتل والالحاق بالمأمن القولان. وعلى كل حال، لا تحل ذبيحته ولا نكاحها.
وإن كانت منكوحة مسلم، تنجزت الفرقة إن كان قبل الدخول، وإلا، فإن أسلمت
قبل انقضاء العدة، أو عادت إلى دينها وقنعنا به، دام النكاح، وإلا، بان حصول
الفرقة من وقت الانتقال. ولو تمجست كتابية تحت كتابي، فإن كانوا لا يجوزون
نكاح المجوس، فكتمجسها تحت مسلم، وإلا، فنقرهما إذا أسلما. ولو تهود أو
تنصر مجوسي، ففي التقرير الأقوال، فإن منعناه، فالتفريع كما سبق، ولا تحل
ذبيحته ونكاحها بحال، لأن الانتقال من باطل إلى باطل لا يفيد فضيلة.
الضرب الثاني: انتقال مما يقر عليه إلى ما لا يقر، كتوثن يهودي أو نصراني،
فلا يقر قطعا. وهل يقنع بعوده إلى ما انتقل منه أو دين يقر أهله عليه، أم لا يقبل إلا
الاسلام أو ما انتقل منه، أم لا يقبل إلا الاسلام؟ فيه ثلاثة أقوال. وإن كان هذا
477

الانتقال من كتابية تحت مسلم، انفسخ نكاحها إن لم يدخل. وإن دخل فعادت إلى
ما يقبل قبل انقضاء العدة، استمر نكاحها، وإلا، تبين الفراق من وقت الانتقال.
ولو توثن مجوسي، لم يقر، وفيما يقنع به الأقوال.
الضرب الثالث: عكس الثاني، كتهود وثني وتنصره وتمجسه، فلا يقر، ولا
يقبل منه إلا الاسلام قطعا كالمرتد، لأنه كان لا يقر فلا يستفيده بباطل. وإذا تأملت
حكم هذه الأضرب، علمت أن الانتقال من دين باطل إلى باطل، يبطل
الفضيلة التي كانت في الأول، ولا يفيد فضيلة لم تكن في الأول، ولكن تبقى الفضيلة التي
يشترك فيها الدينان إن قلنا بالتقرير. وعلمت أن كلامهم المطلق في الفصل السابق:
أن من دخل في التهود والتنصر بعد النسخ والتبديل لا يناكح ولا يقر بالجزية، غير
مستمر على إطلاقه، لأن من تهود أو تنصر اليوم فقد دخل في ذلك الدين بعد النسخ
والتبديل، وقد بينا الخلاف في مناكحته وتقريره بالجزية إذا كان الدخول من دين يقر
أهله عليه، فإذا إطلاقهم هناك وجزمهم بالمنع محمول على ما إذا كان الدخول فيه
من دين لا يقر أهله كالوثنية، وهذا هو البيان الذي سبق الوعد به.
فرع إذا قبلنا رجوعه إلى غير الاسلام، في هذه الصورة لا نقول له: أسلم
أو عد إلى ما كنت عليه، بل نأمره بالاسلام، لكن نتركه إذا عاد إلى غيره.
القسم الثاني: الانتقال من دين حق إلى باطل، وهو ردة المسلم والعياذ بالله،
فلا يقبل منه إلا الاسلام، فإن أبى قتل كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى، ولا
يحل نكاح المرتد لاحد. وإذا ارتد الزوجان أو! أحدهما قبل الدخول، تنجزت
الفرقة، وبعده نقف على العدة. فإن جمعهما الاسلام قبل انقضائها، استمر
النكاح، وإلا، بان حصول الفرقة من وقت الردة. وفي مدة التوقف، لا يحل
الوطئ، فلو وطئ، فلا حد، وتجب العدة، وهما عدتان من شخص، فهو كوطئ
مطلقته في عدته، واجتماعهما في الاسلام هنا كرجعته هناك، فيستمر النكاح إذا
478

جمعهما الاسلام في الحالات التي يحكم فيها بثبوت الرجعة هناك.
ولو طلقها في مدة التوقف، أو ظاهر منها، أو آلى، توقفنا. فإن جمعهما
الاسلام قبل انقضاء العدة، تبينا صحتها، وإلا، فلا. وليس للزوج إذا ارتدت أن
ينكح أختها في مدة التوقف، ولا أربعا سواها، ولا أن ينكح أمة. فإن طلقها ثلاثا
في مدة التوقف، أو خالعها، جاز له ذلك، لأنها إن لم تعد إلى الاسلام، فقد بانت
بنفس الردة، وإلا، فبالطلاق (أو الخلع).
القسم الثالث: الانتقال من دين باطل إلى حق، وهو باب نكاح المشرك
الآتي إن شاء الله تعالى.
فرع من أحد أبويه كتابي والآخر وثني، يقر بالجزية على المذهب.
وأما مناكحته ومناكحة من أحد أبويه مجوسي والآخر يهودي أو نصراني أو
ذبيحته، فإن كانت الأم هي الكتابية، لم يحل قطعا، وكذا إن كان هو الأب على الأظهر، هذا في صغر المتولد منهما. فأما إذا بلغ وتدين بدين الكتابي منهما، فقال
الشافعي رضي الله عنه: تحل مناكحته وذبيحته. فمن الأصحاب من أثبت هذا
قولا، ومنهم من قال: لا أثر لبلوغه، وحمل النص على ما إذا كان أحد أبويه يهوديا
والآخر نصرانيا، فبلغ واختار دين أحدهما.
ولو تولد بين يهودي ومجوسية، فبلغ واختار التمجس، فعن القفال أنه يمكن
منه، ويجري عليه حكم المجوس. وقال الامام: لا يمتنع أن يقال: إذا أثبتنا له
حكم اليهود في الذبيحة والمناكحة أن نمنعه من التمجس إذا منعنا انتقال الكافر من
دين إلى دين.
الباب السابع في نكاح المشرك
فيه أربعة أطراف.
الطرف الأول: فيما يقر عليه الكافر من الأنكحة الجارية في الكفر إذا أسلم. فإذا
479

أسلم وتحته أربع كتابيات، أو أقل، استمر نكاحهن، لأنه يجوز ابتداؤه في
الاسلام، وسواء في ذلك اليهودي والمجوسي والوثني والحربي والذمي.
وإن أسلم وتحته مجوسية أو وثنية أو غيرهما ممن لا يجوز نكاحها من
الكافرات، وتخلفت هي، فإن كان قبل المسيس، تنجزت الفرقة. وإن كان بعده
وأسلمت قبل انقضاء العدة، استمر النكاح، وإلا، تبينا حصول الفرقة من وقت
إسلام الزوج. وإن أسلمت المرأة، وأصر الزوج على كفره، أي كفر كان،
فالحكم كما لو أسلم وأصرت على التوثن. وإن أسلما معا، بقيا على النكاح. سواء
فيه جميع أنواع الكفر وقبل المسيس وبعده، والاعتبار في الترتيب والمعية، بآخر
كلمة الاسلام، لا بأولها.
ولو نكح كافر لابنه الصغير صغيرة، فإسلام الأبوين أو أحدهما قبل بلوغهما
كإسلام الزوجين أو أحدهما.
ولو نكح لطفله بالغة، وأسلم أبو الطفل والمرأة معا، قال البغوي: يبطل
النكاح، لأن إسلام الولد يحصل عقب إسلام الأب، فيقدم إسلامهما على إسلام
الزوج، لكن ترتب إسلام الولد على إسلام الأب، لا يقتضي تقدما وتأخرا بالزمان،
فلا يظهر تقدم إسلامها على إسلام الزوج: قال: وإن أسلمت عقب إسلام
الأب، بطل النكاح أيضا، لأن إسلام الولد يحصل حكما، وإسلامها يحصل
بالقول، والحكمي يكون سابقا للقولي، فلا يتحقق إسلامهما معا.
فرع حيث توقفنا في النكاح وانتظرنا الحال إلى انقضاء العدة، فطلق قبل
انقضائها، فطلاقه موقوف. فإن اجتمعا على الاسلام في العدة، تبينا وقوعه. ويعتد
من وقت الطلاق، وإلا، فلا طلاق. وقيل: في الطلاق قولا وقف العقود. ففي
480

قول: لا يقع وإن اجتمعا في الاسلام قبل انقضاء العدة. وطردا فيما إذا أعتق عبد
أبيه على ظن حياته، فبان ميتا، كما لو باعه على ظن حياته فبان ميتا. والمذهب
الأول، لأن الطلاق والعتق يقبلان صريح التعليق، فقبولهما تقدير التعليق أولى،
وكذا يتوقف في الظهار والايلاء. ولو قذفها ولم يجتمعا على إسلام في العدة، لم
يلاعن، ويعزر إن كانت هي المتخلفة، ويحد إن كان هو المتخلف.
وإن اجتمعا على الاسلام، فله أن يلاعن لدفع الحد أو التعزير. ولو سبق
الزوج إلى الاسلام، والزوجة وثنية، فنكح في زمن التوقف أختها المسلمة أو أربعا
سواها، لم يصح. وكذا لو طلقها رجعية في الشرك ثم أسلم ونكح في العدة أختها
المسلمة أو أربعا سواها، لأن زوال نكاحها غير متيقن، فلا ينكح من لا يجوز الجمع
بينها وبينها. وقال المزني: يتوقف فيمن نكحها. فإن أسلمت المتخلفة قبل انقضاء
العدة، بان بطلان نكاح الثانية، وإلا، بان صحته.
وذكر بعض الأصحاب، أنه على قولي وقف العقود. فعلى قول: هو كما قال
المزني. والمذهب هو الأول، وهو المنصوص، وبه قطع الجماهير.
ولو أسلمت المرأة أولا، ونكح في تخلفه أختها الكافرة، ثم أسلم مع الثانية،
فإن كان بعد انقضاء عدة السابقة، أقرت الثانية تحته. وإن أسلم قبل انقضاء
عدتها، فله أن يختار من شاء منهما، كما لو أسلم وتحته أختان أسلمتا معه، وليس
كالصورة السابقة، فإنه هناك مسلم عند نكاح الثانية، فلا ينكح الأخت على
الأخت، وهنا وقع النكاحان في الشرك.
فصل ما ذكرناه أولا، كلام جملي في مواضع استمرار النكاح بعد الاسلام
وعدم استمراره. والمقصود الآن، بيان شرط الاستمرار.
فإن لم يقترن شئ من مفسدات النكاح بالعقد الجاري في الشرك، ولا بحالة
عروض الاسلام، فهو مقرر عليه. فإن كانوا يعتقدون فساد شئ من ذلك، لم نبال
باعتقادهم، وأدمنا ما هو صحيح عندنا. وإن اقترن به مفسد، نظر، إن كان زائلا
عند الاسلام، وكانت بحيث يجوز نكاحها حينئذ ابتداء، استمر عليه، إلا إذا اعتقدوا
فساده وانقطاعه. وإن كان المفسد باقيا وقت الاسلام، بحيث لا يجوز ابتداء
481

نكاحها، فلا تقرير، بل يندفع النكاح، ويتخرج على هذا الضابط مسائل.
إحداها: عقدا بغير ولي وشهود، أو أجبر البكر غير الأب والجد، أو أجبرت
الثيب، أو راجع في القرء الرابع وهم يعتقدون امتداد الرجعة إليه، فيقر عليه، إذ
لا مفسد عند الاسلام، ونكاحها الآن جائز.
ولو نكح أمه أو بنته، أو زوجة أبيه أو ابنه، أو مطلقته ثلاثا قبل التحليل،
اندفع النكاح عند الاسلام، لأنه لا يجوز ابتداؤه.
(المسألة) الثانية: (نكح) معتدة غيره، فإن كانت العدة باقية عند الاسلام، اندفع
النكاح، وإلا استمر. وخص صاحب الرقم هذا التفصيل بعدة النكاح، قال:
وفي عدة الشبهة يقران وإن كانت المدة باقية، لأن الاسلام لا يمنع دوام النكاح مع عدة
الشبهة، ولم يتعرض الجمهور لهذا الفرق، وأطلقوا اعتبار التقرير بالابتداء. ولو كان
نكحها بشرط الخيار لهما أو لأحدهما مدة مقدرة، فإن كانت المدة باقية عند
الاسلام، اندفع النكاح، وإلا، استمر كالعدة، وسواء قارن بقية العدة أم مدة
الخيار إسلامهما أو إسلام أحدهما، حتى لو أسلم أحدهما والعدة أو المدة باقية، ثم
أسلم الآخر وقد انقضت، فلا تقرير، كذا قاله الصيدلاني، والامام، والغزالي،
والبغوي، لأن المفسد لاقى إسلام أحدهما فغلب الفساد. وعن القاضي
حسين: أن المؤثر اقترانه بإسلامهما، فإن اقترن بإسلام أحدهما فقط، لم يندفع
النكاح، لأن وقت الامساك والاختيار هو حال اجتماعهما مسلمين، والأول أصح.
المسألة الثالثة: النكاح المؤقت، إن اعتقدوه مؤبدا، أقروا عليه. وإن اعتقدوه
مؤقتا، لم يقروا، سواء أسلما بعد تمام المدة أو قبلها، لأن بعد المدة لا نكاح في
اعتقادهم، وقبلها يعتقدونه مؤقتا، ومثله لا يجوز ابتداؤه.
المسألة الرابعة: غصب حربي أو مستأمن امرأة واتخذها زوجة وهم يعتقدون غصبها
نكاحا، قال القفال: لا يقر، إذ لا عقد. والصحيح التقرير، إذ ليس فيه إلا إقامة
482

الفعل مقام القول، فأشبه سائر وجوه الفساد. ولو غصب ذمي ذمية، لم يقر، لان
على الامام دفع قهر بعضهم بعضا، بخلاف الحربي والمستأمن.
فرع إذا أسلما، لم يبحث عن شرط نكاحهما في الابتداء، لأنه أسلم
خلائق فلم يسألهم النبي (ص) عن شروط أنكحتهم، وأقرهم عليها. وأما في حال
الاسلام، فالوجه: الاحتياط.
فصل قد سبق بيان ما إذا لم يقترن بالعقد الجاري في الشرك ولا بالاسلام
مفسد، وما إذا اقترن بالعقد مفسد، وهذا الفصل لقسم ثالث، وهو أن لا يقترن
بالعقد، لكن يطرأ مفسد ويقترن بالاسلام، وفيه مسائل بناها جماعة على أن الاختيار
والامساك كابتداء العقد، أم كاستدامته؟ قالوا: وفيه قولان مستنبطان. أظهرهما عند
الأصحاب الأول.
483

إحدى المسائل: إذا أسلم، ووطئت زوجته بشبهة ثم أسلمت، أو أسلمت ثم
وطئت بشبهة، ثم أسلم قبل انقضاء العدة، استمر نكاحهما على المذهب
والمنصوص وإن كان لا يجوز ابتداء نكاح المعتدة، لأن عدة الشبهة لا تقطع نكاح
المسلم، فذا أولى.
المسألة الثانية: أسلم وأحرم، ثم أسلمت في العدة، فعن النص جواز إمساكها في
الاحرام، وكذا لو أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة ثم أسلمن وهو محرم، له اختيار (أربع)
منهن، وللأصحاب طريقان. أحدهما: القطع بالمنع، كما لو أسلم وتحته أمة وهو
موسر، لا يجوز إمساكها، وهؤلاء حملوا النص على ما إذا أسلما معا ثم أحرم
الزوج، فله الاختيار، لأنه ثبت قبل الاحرام.
وممن روي عنه هذا التأويل، الأنماطي، وابن سلمة. وعن القفال إنكار هذا
النص، وقال: تفحصت كتب الشافعي، فلم أجده. والطريق الثاني وهو
الصحيح: أن المسألة على قولين. أحدهما: المنع. وأظهرهما ومختار أكثر
الأصحاب: الاخذ بظاهر النص، لأن عروض الاحرام لا يؤثر كما في نكاح
المسلم، ولان الامساك استدامة، فأشبه الرجعة.
المسألة الثالثة: نكح في الكفر حرة وأمة، ثم أسلم وأسلمتا معه، فالمذهب أن
الحرة تتعين للنكاح، ويندفع نكاح الأمة. وسواء نكحهما معا أو مرتبا، وتندفع الأمة
أيضا باليسار المقارن للاسلام. وقيل: في اندفاعها في الصورتين قولان، بناء على
الأصل المذكور. والحاصل للفتوى، أنه متى أسلم وتحته أمة وأسلمت معه، أو
جمعهما الاسلام في العدة، فإن كان يحل له نكاح الأمة أمسكها، وإن لم يحل
ليسار أو أمن العنت، اندفع نكاحها.
المسألة الرابعة: أسلمت بعد الدخول وارتدت، فإن لم يسلم الزوج حتى انقضت
العدة، بانت باختلاف الدين أولا، وتكون العدة من يومئذ. وإن أسلم قبل
انقضائها، سقط حكم تلك العدة من يومئذ، ونتوقف. فإن عادت إلى الاسلام قبل
انقضاء العدة من وقت ردتها، استمر النكاح، وإلا، انقطع من يوم الردة، وكذا لو
484

أسلم الزوج بعد الدخول وارتد، إن لم تسلم المرأة إلى انقضاء العدة من وقت
إسلامه، بانت، وإن أسلمت، توقفنا، فإن عاد الزوج إلى الاسلام قبل انقضاء
العدة من وقت ردته، استمر النكاح، وإلا، حصلت الفرقة من يومئذ. قال الامام:
وحكى القفال عن النص أنه يندفع النكاح في إسلام أحد الزوجين وارتداده، ولا
يتوقف، والمشهور التوقف. وعلى هذا قال البغوي وغيره: الردة يفترق فيها حكم
الابتداء والاستدامة، لأن ابتداء نكاح المرتد باطل غير منعقد على التوقف، وفي
الدوام توقفنا، فالتحقت الردة بالعدة للشبهة والاحرام. وإنما قيل بالتوقف في
الردة، ولم نجوز الاختيار فيها بخلاف الاحرام والعدة، لأن منافاة الردة للنكاح
أشد، فإنها تقطعه، بخلافهما، ولهذا لا تجوز الرجعة في الردة، وتجوز في
الاحرام على الأصح. ولو أسلم وتحته أكثر من أربع، وارتد، ثم أسلمت النسوة في
العدة، أو أسلم وأسلمن معه، ثم ارتد قبل الاختيار، لم يجز أن يختار أربعا منهن
في الردة. فإن عاد إلى الاسلام في العدة، فله الاختيار حينئذ.
فرع قد بان بما ذكرنا، أن القاطع للنكاح عند الاسلام، منه ما يكون
موجودا عند العقد واستمر كالعدة، ومنه ما يطرأ كما لو نكح حرة على أمة ثم أسلم،
أو نكح أمة ثم أيسر وأسلم موسرا. ثم هل يشترط في الانقطاع أن يقارن المفسد
إسلامهما، أو يكفي اقترانه بإسلام أحدهما؟ فيه خلاف سبق.
أما القسم الأول: فالأصح الاكتفاء.
وأما الثاني: فقد ذكرنا أن المذهب أنه إذا أسلم ومعه حرة وأمة، اندفعت
الأمة، وكذا لو أسلمت الحرة المدخول بها معه أو بعده قبل انقضاء العدة ثم أسلمت
الأمة. ولو أصرت الأمة حتى انقضت العدة، اندفعت باختلاف الدين. ولو ماتت
الحرة بعد إسلامها، أو ارتدت، ثم أسلمت الأمة، اندفعت الأمة أيضا، وكفى
اقتران إسلام الحرة بإسلامه. ولو أسلم وتحته أمة وهو موسر، ثم تلف ماله وأسلمت
485

وهو معسر، فله إمساكها، وإنما يؤثر اليسار في الدفع إذا قارن إسلامهما جميعا.
وقيل: يكفي اقتران اليسار بإسلامه، حكي هذا عن أبي يحيى البلخي، قال:
وعكسه لو أسلم معسرا ثم أسلمت وهو موسر، فله إمساكها نظرا إلى وقت إسلامه.
وعن ابن خيران: في اليسار الزائل قولان. وعن القاضي أبي حامد: أن في صورة
الحرة والأمة له إمساك الأمة، فحصل خلاف في الصورتين. والمذهب في صورة
الحرة والأمة اندفاع الأمة وإن ماتت الحرة. وفي صورة زوال اليسار عدم اندفاعها،
واعتبار اقترانه بإسلامهما، لأن وقت الاجتماع هو وقت جواز نكاح الأمة.
فصل في الأنكحة الجارية في الشرك ثلاثة بوجه، كذا نقلها الأكثرون،
وسماها الغزالي أقوالا، والصحيح أنها محكوم بصحتها، قال الله تعالى:
* (وامرأته حمالة الحطب) * * (وقالت امرأة فرعون) * ولأنهم لو ترافعوا إلينا لم
نبطله قطعا، ولم نفرق بينهم، وإذا أسلموا أقررناهم، والفاسد لا ينقلب صحيحا
ولا يقرر عليه. والثاني: أنها فاسدة، لعدم مراعاتهم الشروط، لكن لا نفرق لو
ترافعوا، رعاية للعهد والذمة، ونقرهم بعد الاسلام تخفيفا.
486

والثالث: لا نحكم بصحة ولا فساد، بل نتوقف إلى الاسلام، فما قرر عليه،
بانت صحته، وما لا، ففساده. ومن الأصحاب من قطع بالصحة. وإذا ثبت
الخلاف، فهل هو مخصوص بالعقود التي يحكم بفساد مثلها في الاسلام؟ أم يجري
في كل عقودهم؟ مقتضى كلام المتولي وغيره: التخصيص. وقال الامام: من
يحكم بفساد أنكحتهم، يلزمه أن لا يفرق بين ما عقدوه بشروطنا وغيره. والمصير
إلى بطلان نكاح يعقد على وفق الشرائع كلها، مذهب لا يعتقده ذو حاصل.
قلت: الصواب التخصيص، بل لم يصرح أحد بطرده في الجميع، وليس
في كلام الامام إثبات نقل طرده، وإنما ألزمه إلزاما لهم الانفصال عنه بأن
الظاهر إخلالهم بالشروط، فإن تصور علمنا باجتماعها، حكمنا بالصحة قطعا.
والله أعلم.
ويبنى على الأصل المذكور مسألتان.
إحداهما: طلق كافر زوجته ثلاثا ثم أسلما. فإن قلنا بالصحيح وهو صحة
أنكحتهم، لا تحل إلا بمحلل، وهذا هو نصه في المختصر. وإن قلنا بالفساد،
فالطلاق في الفاسد لا يحوج إلى محلل، فإذا قلنا بالصحيح، فنكحت هذه المطلقة
زوجا في الشرك، ووطئها ثم طلقها، ثم أسلمت فتزوجها الأول بعد إسلامه،
حلت، وكذا يحصل التحليل للمسلم بنكاح ذمي أو حربي كتابية طلقها المسلم
ثلاثا.
المسألة الثانية: التي يقرر نكاحها بعد الاسلام، لها المهر المسمى إن كان
صحيحا. فإن كان خمرا ونحوها، فسيأتي حكم مهورهم الفاسدة إن شاء الله
487

تعالى. ومن اندفع نكاحها بإسلام الزوج، إن لم تكن مدخولا بها، وصححنا
أنكحتهم، فلها نصف المسمى إن كان صحيحا. وإن كان فاسدا، فنصف مهر
المثل. وإن لم يسم شيئا، وجب المتعة. ومن اندفعت بإسلامها، فلا شئ لها
على المشهور. وقيل: قولان. ثانيهما: وجوب نصف المهر، لأنها محسنة
بالاسلام، فهي في معنى من ينسب الفراق إلى تخلفه. وإن أفسدنا أنكحتهم، فلا
مهر مطلقا، لأن المهر لا يجب في الفاسد بلا دخول. وإن كانت مدخولا بها،
وصححنا أنكحتهم، وجب المسمى إن كان صحيحا. وإن أفسدناها، فمهر
المثل. ثم عن القفال، أن من صور الاندفاع من نكح محرما له ثم أسلم، وجعل
وجوب نصف المهر على الخلاف. ورأي الامام القطع بأنه لا شئ للمحرم من
المهر. قال: ولا نقول: انعقد العقد عليها ثم انفسخ بالاسلام، وإنما ذلك في
الأخت المفارقة من الأختين وفي الزائدات على أربع. والموافق لا طلاق غير الامام
موافقة القفال.
فرع نكح مشرك أختين، فطلقهما ثلاثا ثلاثا، ثم أسلم وأسلمتا، قال
الأصحاب: إن صححنا أنكحتهم، نفذ الطلاق فيهما، ولم ينكح واحدة منهما إلا
بمحلل. وإن أفسدناها، فلا نكاح ولا طلاق، ولا حاجة إلى محلل فيهما. وإن
توقفنا، فلو لم يكن طلاق، لاختار إحداهما وبان بذلك صحة نكاحها وفساد نكاح
الأخرى، فإذا طلقهما، أمر بالاختيار لينفذ الطلاق في المنكوحة، ويحتاج إلى
محلل لها دون الأخرى. ولو أسلم مع أختين، ثم طلق كل واحدة ثلاثا، فهنا
يتخير قطعا، لأنهم لما أسلموا اندفع نكاح واحدة، وإنما ينفذ الطلاق في
المنكوحة. ولو أسلم قبلهما، أو أسلمتا قبله، تخير قطعا، لأنه والحالة هذه لا
يمسك إلا إحداهما، وينفسخ نكاح الأخرى من وقت إسلام من تقدم إسلامه منهم.
ولو كان تحته أكثر من أربع، فطلقهن ثلاثا ثلاثا، ثم أسلموا، فعلى الصحيح
ينفذ الطلاق فيهن كلهن، وعلى التوقف، يختار أربعا فينفذ فيهن دون الباقيات.
قال الشيخ أبو علي: ولو كان عنده حرة وأمة، فطلقهما ثلاثا ثلاثا، ثم
أسلموا، لم يجز له نكاح واحدة إلا بمحلل. ولو أسلموا، ثم طلقهما ثلاثا ثلاثا،
488

وقع الثلاث على الحرة، لأنها متعينة، وتندفع الأمة، ولا يحتاج فيها إلى محلل.
وكذا لو أسلمتا ثم طلقهما ثلاثا ثلاثا ثم أسلم أو أسلم فطلقهما ثلاثا ثلاثا
ثم أسلمتا، لأن الاسلام لما جمع الجميع، بان اندفاع الأمة من وقت إسلام من تقدم إسلامه
منهم.
فصل أصدق فاسدا كخمر أو خنزير، ثم أسلما بعد قبضه، فلا شئ.
وإن أسلما قبل قبضه، وجب مهر المثل. وفي قول: لها مهر المثل وإن قبضته.
وفي قول: لا شئ وإن لم تقبض، والمشهور الأول، وهو الفرق. وسواء كان
المسمى خمرا معينة أو في الذمة.
ولو أصدقها حرا مسلما استرقوه، ثم أسلما قبل قبضه أو بعده، لم نقره في
يدها، بل نبطل ما جرى، ويجب مهر المثل. هكذا ذكروه، وقياس ما سبق، أن
يخرج من يدها، ولا ترجع بشئ، كما تراق الخمرة المقبوضة. ولو قبضت بعض
الفاسد، ثم أسلما، وجب من مهر المثل بقسط ما لم يقبض، ولا يجوز تسليم
الباقي من الفاسد.
وطريق التقسيط، أن ينظر، فإن سميا جنسا واحدا وليس فيه تعدد، كزق خمر
قبضت نصفه ثم أسلما، وجب نصف مهر المثل. وإن تعدد المسمى كزقي خمر،
قبضت أحدهما. فإن تساويا في القدر، فكذلك، وإلا، فهل يعتبر الكيل أو الوزن
أو العدد؟ أوجه. أصحها: الأول. وإن أصدقها خنزيرين، فهل يعتبر العدد أم
قيمتهما بتقدير ماليتهما؟ وجهان. أصحها: الثاني. وإن سميا جنسين فأكثر،
كزقي خمر وكلبين وثلاثة خنازير، وقبضت إحدى الأجناس، فهل ينظر إلى
الأجناس، فكل جنس بثلث، أم إلى الاعداد، فكل فرد سبع، أم إلى القيمة بتقدير
المالية؟ أوجه. أصحهما: الثالث. وحيث اعتبرنا تقويمها، فهل طريقه أن تقدر
489

الخمر خلا، والكلب شاة، والخنزير بقرة، أم الكلب فهدا، لاشتراكهما في
الاصطياد، والخنزير حيوانا يقاربه في الصورة والفائدة، أم تعتبر قيمتها عند من
يجعل لها قيمة كتقدير الحر عبدا في الحكومة؟ فيه أوجه. أصحها: الثالث. ولو
ترابى كافران، فباعه أو أقرضه درهما بدرهمين، ثم أسلما أو ترافعا إلينا قبله، فإن
جرى تقابض، لم نتعرض لما جرى ولم يلزم الرد، وإن لم يجر، أبطلناه. وإن كان
بعد قبض الدرهمين، سألنا المؤدي، أقصد أداءه عن الربح، أم عن رأس المال؟
وقد ذكرنا تفصيله في أواخر كتاب الرهن. وجميع ما ذكرناه هو إذا تقابضا
بتراض، فإن أجبرهم قاضيهم على القبض في الربا والصداق وثمن خمر تبايعوها ثم
أسلموا، لم نوجب الرد على المذهب، فالاسلام يجب ما قبله. وإن ترافعوا إلينا
في كفرهم، فكذلك على الأظهر، ويقال: الأصح.
فرع نكحها مفوضة، ويعتقدون أن لا مهر للمفوضة بحال، ثم أسلم،
فلا مهر وإن كان إسلامهما قبل الدخول، لأنه استحق وطئا بلا مهر.
فصل إذا ترافع إلينا ذميان في نكاح أو غيره، إن كانا متفقي الملة، وجب
الحكم بينهما على الأظهر عند الأكثرين، لقول الله تعالى: * (وأن أحكم بينهم بما
أنزل الله) * ولأنه يجب الذب عنهم كالمسلمين. والثاني: لا يجب، لكن لا
490

نتركهم على النزاع، بل نحكم أو نردهم إلى حاكم ملتهم، ورجحه الشيخ أبو
حامد وابن الصباغ. وقيل: يجب الحكم بينهم في حقوق الله تعالى، والقولان في
غيرها لئلا تضيع، وقيل: عكسه، والأصح طردهما في الجميع. وإن كانا مختلفي
الملة، كيهودي ونصراني، وجب الحكم على المذهب، لأن كلا لا يرضى بملة
صاحبه. وقيل بالقولين.
ولو ترافع معاهدان، لم يجب الحكم قطعا، وإن اختلف ملتهما، لأنهم لم
يلتزموا حكمنا، ولم نلتزم دفع بعضهم عن بعض. وقيل: هما كالذميين. وقيل:
إن اختلف ملتهما، وجب، والمذهب الأول.
ولو ترافع ذمي ومعاهد، فكالذميين. وقيل: يجب قطعا. وإن ترافع مسلم
وذمي أو معاهد، وجب قطعا.
فرع قال الأصحاب على اختلاف طبقاتهم: إن قلنا: وجب الحكم بين
الكافرين، فاستعدى خصم على خصم، وجب إعداؤه وإحضار خصمه ليحكم
بينهما، ولزم المستعدى عليه الحضور. وإن قلنا: لا يجب الحكم، لم يجب
الأعداء، ولا يلزمه الحضور، ولا يحضر قهرا. قال البغوي وغيره: ولو أقر ذمي
بالزنا، أو سرقة مال مسلم أو ذمي، حد قهرا إن أوجبنا الحكم بينهم، وإلا، فلا
يحد إلا برضاه، فاعتبر الأصحاب الرضى على قول عدم الوجوب، ولم يعتبروه على
قول الوجوب. وأما قول الغزالي: لا يجب الحكم إلا إذا رضيا جميعا، فمردود
مخالف لما عليه الأصحاب.
فرع سواء أوجبنا الحكم بينهم، أم لا، إنما نحكم بحكم الاسلام.
وإذا تحاكموا في أنكحتهم، فنقر ما نقره لو أسلموا، ونبطل ما لا نقره لو أسلموا.
491

فإذا نكح بلا ولي وشهود، أو ثيبا بلا إذنها أو معتدة منقضية العدة عند الترافع
وترافعا، حكمنا بالتقرير والنفقة. فلو كانت بعد في العدة، أبطلناه ولم نوجب نفقة.
ولو نكح مجوسي محرما، وترافعا في النفقة، أبطلناه ولا نفقة. ولو طلبت
مجوسية النفقة من الزوج المجوسي أو اليهودي، فوجهان، وكذا في تقريرهما على
النكاح. أصحهما: التقرير والحكم بالنفقة، كما لو أسلما والتزما الاحكام. ووجه
المنع، أنه لا يجوز نكاحها في الاسلام.
ولو جاء كافر تحته أختان، وطلبوا فرض النفقة، قال الامام: فيه تردد، لأنا
نحكم بصحة نكاحهما، وإنما تندفع إحداهما بالاسلام. قال: والذي أدى القطع به
المنع، لقيام المانع، وحيث لا نقرر في هذه الصور، فهل يعرض القاضي المرفوع
إليه عنهما، أم يفرق بين الزوجين؟ فيه وجهان. أصحهما عند الامام: الاعراض،
وإنما يفرق إذا رضوا بحكمنا. ووجه التفريق، أنهم بالترافع أظهروا ما يخالف
الاسلام، كما لو أظهروا الخمر.
فرع إذا التمسوا من حاكم المسلمين ابتداء نكاح، أجاب إن كانت المرأة
كتابية ولم يكن لها ولي كافر، ولا يزوج إلا بشهود مسلمين.
فرع قال المتولي: لو لم يترافع إلينا المجوس، لكن علمنا فيهم من نكح
محرما، فالمشهور أنه لا يتعرض لهم. وحكى الزبيري قولا، أن الامام إذا عرف
ذلك، فرق بينهما كما لو عرف أن المجوسي نكح مسلمة أو مرتدة.
الطرف الثاني: فيما إذا أسلم وتحته عدد من النسوة، لا يجمع بينهن في
الاسلام، وفيه صور.
492

الصورة الأولى: أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة، وأسلمن معه أو تخلفن وهن
كتابيات، اختار أربعا منهن، واندفع في نكاح الباقيات. وإن كن مجوسيات أو
وثنيات وهن مدخول بهن، فتخلفن ثم أسلمن قبل انقضاء العدة من وقت إسلام
الزوج، فكذلك الحكم، وسواء في هذا كله نكحهن معا أو مرتبا. وإذا نكحهن
مرتبا، فله إمساك الأخريات ومفارقة الأوليات. وإذا أسلم على أكثر من أربع وهن
غير مدخول بهن، وأسلمن معه أربع، تقرر نكاحهن، وارتفع نكاح الباقيات. ولو
كان دخل بهن، فاجتمع إسلامه وإسلام أربع فقط في العدة، تعين للنكاح، حتى لو
أسلم أربع من ثمان وانقضت عدتهن، أو متن في الاسلام ثم أسلم الزوج وأسلمت
الباقيات في عدتهن، تعينت الأخريات.
ولو أسلم أربع، ثم أسلم الزوج قبل انقضاء عدتهن، وتخلفت الباقيات حتى
انقضت عدتهن من وقت إسلام الزوج، أو متن على الشرك، تعينت الأوليات.
ولو أسلم أربع، ثم أسلم الزوج قبل انقضاء عدتهن، ثم أسلم الباقيات قبل
انقضاء عدتهن من وقت إسلام الزوج، اختار أربعا من الأوليات والأخريات كيف
شاء. فإن ماتت الأوليات أو بعضهن، جاز له اختيار الميتات، ويرث منهم.
فرع قبل كافر لابنه الصغير نكاح أكثر من أربع نسوة، ثم أسلم وأسلمن،
اندفع نكاح الزيادة على أربع، لكن لا يختار الصبي ولا الولي، لأنه خيار شهوة،
فيوقف حتى يبلغ، ونفقتهن في مال الصبي لحبسهن عليه، وكذا لو أسلم رجل وجن
قبل الاختيار.
الصورة الثانية: أسلم وتحته أم وبنتها، نكحهما معا أو مرتبا وأسلمتا، أو لم
تسلما وهما كتابيتان، فإن كان دخل بهما، حرمتا أبدا. ولكل واحدة مسماها إن
جرت تسمية صحيحة، وإلا، فمهر المثل. وإن لم يدخل بواحدة منهما،
فهل تتعين البنت للنكاح ويندفع نكاح الأم، أم يتخير إحداهما؟ قولان.
493

أظهرهما عند الأكثرين: الأول، وهما مبنيان عند الجمهور على صحة أنكحتهم.
إن صححناها، تعينت البنت، وحرمت الأم أبدا، وإلا، تخير. فإن اختار البنت،
حرمت الأم أبدا. وإن اختار الأم، اندفعت البنت، لكن لا تحرم مؤبدا إلا بالدخول
بأمها. وأما المهر، فقال ابن الحداد: إن خيرناه، فللمفارقة نصف المهر، لأنه دفع
نكاحها بإمساك الأخرى. وإن قلنا: تتعين البنت، فلا مهر للام، لاندفاع نكاحها
بغير اختياره. وقال القفال وغيره: الحكم بالعكس، إن خيرناه، فلا مهر للمفارقة،
لأن التخيير يبنى على فساد نكاحهم، فالمفارقة كأنه لم ينكحها، حتى جوز
الأصحاب لابنه وأبيه نكاحها تفريعا على هذا القول. وإذا لم يكن نكاح، فلا مهر.
وإن عينا البنت، فللأم نصف المهر، لصحة نكاحها واندفاعه بالاسلام. ومال الإمام
إلى أنه لا مهر على هذا القول أيضا، لأنه صح نكاح البنت، فتصير الأم محرما،
وإيجاب المهر للمحرم بعيد، وقد سبق نظير هذا. وإن دخل بالبنت فقط، ثبت
نكاحها، وحرمت الأم أبدا، ولا مهر لها عند ابن الحداد، ولها نصفه عند القفال إن
صححنا أنكحتهم. وإن دخل بالأم فقط، حرمت البنت أبدا. وهل له إمساك
الأم؟ يبنى على القولين إذا لم يدخل بواحدة. إن خيرناه، أمسكها، وإلا، فلا،
ولها مهر المثل بالدخول.
(الصورة) الثالثة: سبق أنه لو أسلم وتحته أمة، وأسلمت معه، فله إمساكها إن كان
يحل له نكاح الأمة، وإلا، فلا. فلو تخلفت، نظر، إن كان قبل الدخول،
تنجزت الفرقة كتابية كانت أو غيرها، لأن المسلم لا ينكح الأمة الكتابية. وإن كان
بعد الدخول، وجمعت العدة إسلامهما، فهو كما لو أسلمت معه. وإن كانت
كتابية، وعتقت في العدة، فله إمساكها. وإن لم تسلم، ولا عتقت، أو كانت
وثنية، ولم تسلم إلى انقضاء العدة، تبينا اندفاع النكاح من وقت إسلامه. وإن كان
تحته إماء، فأسلم وأسلمن معه، اختار واحدة منهن إن كان ممن تحل له الأمة عند
اجتماع إسلامه وإسلامهن، وإلا، فيندفع نكاحهن، سواء سبق إسلامه أو سبقنه.
ولو أسلم وتحته ثلاث، فأسلمت معه واحدة وهو معسر خائف من العنت، ثم
أسلمت الثانية في عدتها وهو موسر، ثم أسلمت الثالثة وهو معسر خائف من العنت،
494

فإن قلنا بالأصح: إن اليسار إنما يؤثر في اندفاع النكاح إذا اقترن بإسلامهما، اندفع
نكاح الثانية، لفقد الشرط عند اجتماع إسلامه وإسلامها، ويخير بين الأولى
والثالثة. وإن قلنا: يؤثر عند إسلامه فقط، لم تندفع الثانية، بل تدخل في التخيير.
فرع أسلم وتحته إماء، وأسلمت معه إحداهن، فله أن يختارها، وله أن
ينتظر الباقيات. فإن أصررن على الشرك، تبينا أنهن بن وقت إسلامه، وأن عدتهن
انقضت. وإن أسلمن في العدة، نظر، إن كان اختار المسلمة أولا، كانت بينونتهن
باختياره إياها. وإنه لم يكن اختارها، اختار إحداهن، واندفع الباقيات. وإن طلق
المسلمة أولا، كان الطلاق متضمنا اختيارها. ثم إن أصر الباقيات حتى انقضت
عدتهن، بان أنهن بن باختلاف الدين. وإن أسلمن في العدة، بان أنهن بن من
وقت الطلاق فإنه وقت الاختيار. وإن فسخ نكاح المسلمة أولا، لم ينفذ، لأنه إنما
يفسخ الزائد، وليس في الحال زيادة، ثم إن أصررن، اندفعن باختلاف الدين،
ولزم نكاح الأولى. وإن أسلمن في العدة، اختار من شاء من الجميع. وقيل: لا
يجوز اختيار الأولى، بل نتبين نفوذ فسخه فيها، والصحيح الأول.
الصورة الرابعة: أسلم وفي نكاحه حرة وأربع إماء مثلا، وأسلمن، نظر،
إن أسلمت الحرة معه، أو كانت مدخولا بها وأسلمت قبل انقضاء عدتها، تعينت،
واندفع الإماء، سواء أسلمن قبله وقبل الحرة أو بعدهما في العدة أو بينهما. وإذا
تأخر إسلامهن، فإن أسلمن في العدة، بن من وقت اجتماع إسلام الزوج والحرة،
وعدتهن من ذلك الوقت. وإن لم يسلمن حتى انقضت العدة، فبينونتهن باختلاف
الدين. وإن لم يجتمع إسلام الحرة وإسلامه في العدة، بأن أسلم الزوج، وأصرت
هي إلى انقضاء العدة، أو ماتت في العدة، أو أسلمن أولا وتخلف الزوج حتى
انقضت عدتها أو ماتت، فالحكم كما لو لم يكن تحته حرة، فيختار واحدة من الإماء
على التفصيل السابق، وفي مدة تخلف الحرة المدخول بها، لا يختار واحدة من الإماء،
سواء أسلمن معه أو بعده في العدة حتى يئس منها بالموت أو انقضاء العدة. فإن
اختار واحدة قبل اليأس، ثم ماتت الحرة، أو انقضت عدتها وهي مصرة، فالمذهب
أنه يجب اختيار جديد، ولا يتبين صحة ذلك الاختيار. هذا كله إذا لم يطرأ عتق الإماء،
495

فإن طرأ قبل اجتماع إسلامه وإسلامهن بأن عتقن ثم أسلم وأسلمن، أو أسلمن ثم
عتقن ثم أسلم، أو أسلم وعتقن ثم أسلمن، التحقن بالحرائر الأصليات، حتى لو
أسلمت الحرة ثم أسلمت الإماء المتخلفات بعد عتقهن، فهو كما لو أسلم على
حرائر، فيختار من الجميع أربعا كيف شاء. وحكى ابن القطان وجها فيما إذا أسلم
وتحته حرائر وإماء، فعتق الإماء ثم أسلمن، أنه لا يجوز إلا اختيار الحرائر
الأصليات، وهذا ضعيف.
ولو تخلفت الحرة، واجتمع إسلامه وإسلامهن وهن عتيقات، فله أن
يختارهن. ثم إن أسلمت الحرة المتخلفة في العدة، بانت باختياره الأربع. وإن لم
تسلم، بانت باختلاف الدين.
وإن أخر الاختيار انتظارا لإسلام الحرة الأصلية المتخلفة، فقال الشيخ أبو
حامد: هو جائز. قال ابن الصباغ: عندي أنه لا معنى لتأخير اختيار الجميع، لأنه
يلزمه نكاح ثلاث منهن لا محالة، فيختار ثلاثا. ثم إن أسلمت المتخلفة في العدة،
اختارها أو الرابعة من العتيقات. وإن لم تسلم، لزمه نكاح الرابعة من العتيقات.
ولو أسلم وليس في نكاحه إلا إماء، وتخلفن وعتقن ثم أسلمن في العدة،
اختار منهن أربعا كالحرائر الأصليات.
ولو أسلمن معه إلا واحدة، ثم أسلمت المتخلفة في العدة بعدما عتقت،
تعينت للنكاح كالحرة الأصلية. ولو كان تحته أربع إماء، فأسلم معه ثنتان، وتخلف
ثنتان، فعتقت واحدة من المتقدمتين وأسلمت المتخلفتان على الرق، اندفعتا، لان
تحت زوجهما عتيقة، ولا تندفع الرقيقة المتقدمة، لأن عتق صاحبتها كان بعد
اجتماع إسلامها وإسلام الزوج، فلا يؤثر في حقها، فيختار واحدة من
المتقدمتين. ولو كان تحته إماء، فأسلم الزوج مع واحدة، ثم عتقت، ثم عتق
496

الباقيات، ثم أسلمن، اختار أربعا منهن، لالتحاقهن بالأصليات، وليس له اختيار
الأولى، لأنها كانت رقيقة عند اجتماع الإسلامين.
ولو كان تحته أربع إماء، فأسلم معه اثنتان، ثم عتقتا وعتقت المتخلفتان، ثم
497

أسلمتا، تعين إمساك الأخريين، واندفعت المتقدمتان. ولو أسلم الزوج وتخلفن،
ثم عتقت اثنتان، ثم أسلمتا وأسلمت الاخريان، ثم عتقتا، تعين إمساك الأوليين،
واندفعت المتأخرتان. والنظر في جميع ذلك إلى حالة اجتماع الإسلامين، لأنه حالة
إمكان الاختيار.
فصل عتق الأمة تحت عبد، يثبت لها الخيار في فسخ النكاح كما سيأتي
في الباب الآتي إن شاء الله تعالى. والغرض هنا بيان عتق المشركة مع إسلامها، فإذا
نكح عبد كافر أمة، ثم أسلمتا وعتقت، نظر، إن عتقت بعد اجتماع الإسلامين،
فهي كسائر الإماء يعتقن تحت العبيد، وليس هذا من صور الفصل، وإن عتقت قبل
اجتماع الإسلامين وهي مدخول بها، فلها حالان.
أحدهما: أن تسلم هي أولا وتعتق، ويتخلف الزوج، فليس لها الإجازة،
سواء عتقت ثم أسلمت، أو أسلمت ثم عتقت، لأنها معرضة للبينونة، ولا يبطل
بهذه الإجازة حقها من الفسخ. وإن اختارت الفسخ في الحال، جاز، فإذا
فسخت، فإن أسلم الزوج قبل انقضاء مدة عدتها، فعدتها من وقت الفسخ، وتعتد
عدة حرة، فإن لم تسلم حتى انقضت مدة عدتها، فعدتها من وقت إسلامها. ويلغو
الفسخ بحصول الفرقة قبله، وتعتد عدة حرة إن عتقت ثم أسلمت. وإن أسلمت ثم
عتقت، فهي أمة عتقت في أثناء عدتها، فهل تعتد عدة حرة، أم عدة أمة؟ فيه
طريقان، أقربهما إلى نص الشافعي رضي الله عنه وبه قطع في الشامل وغيره:
أنها كالرجعية تعتق في أثناء العدة، والمذهب فيها الاقتصار على عدة أمة، وموضع
بيانهما كتاب العدد. ولو أرادت تأخير الفسخ إلى أن تبين حال الزوج، جاز،
498

ولا يبطل خيارها، كالرجعية إذا عتقت في العدة والزوج رقيق. ثم إن لم يسلم الزوج
حتى انقضت مدة العدة، سقط الخيار، وعدتها من وقت إسلامها وهي عدة حرة إن
عتقت ثم أسلمت، وإن أسلمت ثم عتقت، فهل هي عدة حرة، أم أمة؟ فيه
الطريقان. وإن أسلم الزوج، فلها الفسخ، وتعتد من وقت الفسخ عدة حرة.
الحال الثاني: أسلم وتخلفت، فلها الخيار على الصحيح، لتضررها برقه.
وقيل: لا خيار لها، لأن خيار العتق من أحكام الاسلام، وهي كافرة، فلا يثبت
لها. فإذا قلنا بالصحيح، فلها تأخير الفسخ والإجازة، ثم إن أسلمت قبل مضي
العدة وفسخت، اعتدت من وقت الفسخ عدة حرة. وإن لم تسلم حتى انقضت،
تبينا حصول الفرقة من وقت إسلام الزوج. وهل تعتد عدة حرة، أم أمة؟ فيه
الطريقان. وهنا أولى بإلحاقها بالأمة، لأنها بائن ليس بيد الزوج من أمرها شئ.
ولو أجازت قبل أن تسلم، لم تصح إجازتها على الصحيح، لأنها معرضة
للبينونة.
ولو فسخت، نفذ الفسخ على الصحيح وقول الأكثرين، كالحالة الأولى.
وقيل: لا ينفذ، وبه قال ابن سلمة. وهو ظاهر نقل المزني، لكنه مؤول عند
الجمهور.
فرع أسلم الزوج الرقيق، هل لزوجته الكافرة خيار؟ وجهان. أصحهما
على ما قال الامام والمتولي: لا، لأنها رضيت برقه ولم يحدث فيها عتق، والثاني:
نعم، وهو ظاهر نصه، لأن الرق نقص في الاسلام، وليس كبير نقص في الكفر.
قال الداركي: الخلاف في أهل الحرب، أما الذمية مع الذمي، فلا خيار لها قطعا،
لأنها رضيت بأحكامنا.
واعلم أن الوجهين جاريان سواء كانت الزوجة حرة أو أمة، وسواء أسلمت أو
لم تسلم إذا كانت كتابية، كذلك قال البغوي وغيره، وفي الوسيط ذكر الوجهين
فيما إذا أسلمت الحرة، وليس هو بقيد، فاعلم ذلك.
فصل العبد الكافر، إذا أسلم وتحته أكثر من امرأتين، فأسلمن معه أو
499

بعده في العدة، إن دخل بهن، اختار ثنتين منهن، سواء كن حرائر أو إماء. فإن
شاء، اختار حرتين، أو حرة وأمة. وإن سبقن بالاسلام، ثم أسلم في العدة،
فكذلك. ولو طرأ عتقه، نظر، إن عتق بعد اجتماع الإسلامين، لم يؤثر عتقه في
زيادة العدد، فلا يزيد على ثنتين. وإن عتق قبل الإسلامين، بأن عتق قبل إسلامه
وإسلامهن، أو بينهما، تقدم إسلامه أو تأخر، فله حكم الأحرار، U وللزوجات ثلاثة
أحوال.
أحدها: أن يتمحضن حرائر، فيختار أربعا منهن.
ولو أسلم منهن ثنتان معه، ثم عتق ثم أسلم الباقيات، فليس له إلا اختيار
ثنتين، إما الأوليين، وإما ثنتين من الباقيات، وإما واحدة منهما وواحدة منهن. ولو
أسلمت معه واحدة، ثم عتق، ثم أسلمت الباقيات، فله اختيار أربع، لأنه لم
يكمل بإسلام الواحدة عدد العبيد. وحكى ابن القطان وجها أنه لا يختار إلا ثنتين،
وهو غريب ضعيف.
الحال الثاني: أن يتمحضن إماء. فإن كن قد عتقن عند اجتماع الإسلامين،
اختار منهن أربعا، وإلا، فلا يختار إلا واحدة بشرط الاعسار وخوف العنت. ولو
كان تحته أربع إماء، فأسلمت معه اثنتان، ثم عتق، ثم أسلمت المتخلفتان، لم
يختر إلا اثنتين، لأنه وجد كمال عدد العبيد قبل العتق، ويجوز اختيار الأوليين، لأنه
كان رقيقا عند اجتماع إسلامه وإسلامهما، ولا يجوز اختيار الأخريين على
الصحيح، وجوزه القاضي حسين، ولا يجوز اختيار واحدة من الأوليين وواحدة من
الأخريين على الأصح. ولو أن المتخلفتين عتقتا بعد عتقه ثم أسلمتا، فله
اختيارهما، وله اختيار واحدة منهما، وواحدة من الأوليين لأنهما حرتان عند اجتماع
الاسلام، فصار كما لو كان تحته أربع حرائر، فأسلم معه ثنتان ثم عتق، ثم أسلمت
الآخرتان، فإنه يختار ثنتين كيف شاء.
ولو أسلمت معه واحدة من الإماء الأربع، ثم عتق، ثم أسلمت البواقي، قال
المتولي: لا يختار إلا واحدة على الصحيح، وبهذا قطع البغوي، لكن قياس
الأصل السابق جواز اختيار ثنتين، لأنه لم يستوف عدد العبيد قبل العتق. فإذا قلنا:
لا يختار إلا واحدة، تعينت الأولى، كذا قاله المتولي والبغوي. قال المتولي: وعلى
500

طريقة القاضي يختار واحدة من الجملة، وعكس الامام فحكى عن القاضي أن
الأولى تتعين. وعن سائر الأصحاب أنه يختار واحدة من الجملة، قال: وقول
القاضي هفوة منه.
ولو عتقت البواقي بعد إسلام الواحدة معه، ثم أسلمن، قال البغوي: له
إمساك الجميع، لأنه لم يستوف عدد الرق قبل العتق، فله إمساك الأولى، لأنه كان
رقيقا عند اجتماع إسلامه وإسلامها، والبواقي كن حرائر عند اجتماع إسلامه
وإسلامهن، فله إمساكهن، لأن إدخال الحرائر على الإماء جائز.
الحال الثالث: إذا كن حرائر وإماء، اندفعت الإماء، ويختار أربعا من
الحرائر إن زدن على الأربع، وإلا، فيمسكهن.
ولو كان تحته حرتان وأمتان، فأسلم معه حرة وأمة، ثم عتق ثم أسلمت
المتخلفتان، لم يختر إلا اثنتين، لاستيفاء العدد قبل العتق، وله اختيار الحرتين،
واختيار الأمة الأولى مع حرة، وليس له اختيار الثانية مع حرة.
الطرف الثالث: في ألفاظ الاختيار وأحكامه.
أما ألفاظه، فكقوله: اخترت نكاحك، أو تقرير نكاحك، أو حبسك، أو
عقدك، أو اخترتك، أو أمسكتك أو أمسكت نكاحك، أو ثبت نكاحك أو ثبتك،
أو حبستك على النكاح. وكلام الأئمة يقتضي أن جميع هذا صريح، لكن الأقرب
أن يجعل قوله: اخترتك وأمسكتك من غير تعرض للنكاح كناية.
ولو كان تحته ثمان مثلا، وأسلمن معه، فاختار أربعا منهن للفسخ وهو يريد
حله بلا طلاق، لزم نكاح الباقيات وإن لم يتلفظ فيهن بشئ.
ولو قال لأربع: أريدكن، ولأربع: لا أريدكن، قال المتولي: يحصل
التعيين بذلك. وقياس ما سبق حصول التعيين بمجرد قوله: أريدكن.
501

فروع الفرع الأول: طلق واحدة منهن، أو أربعا، كان تعيينا للنكاح،
لأن المنكوحة هي التي تخاطب بالطلاق، فتندفع الأربع المطلقات بالطلاق،
والباقيات بالفسخ بالشرع.
ولو طلق أربعا غير معينات، أمر بالتعيين. فإذا عين، فالحكم ما ذكرنا، هذا
هو الصحيح الذي قطع به الجمهور. وفي التتمة وجه: أن الطلاق ليس تعيينا
للنكاح.
ولو آلى أو ظاهر من واحدة أو عدد، فوجهان. أحدهما: أنه تعيين لنكاحهن،
وأصحهما: لا، لأن الأجنبية تخاطب به، بل هو بها أليق. فعلى هذا، إن اختار
من ظاهر منها، أو آلى للنكاح، صح الظهار والايلاء، ويكون ابتداء مدة الايلاء من
وقت الاختيار، ويصير عائدا إن لم يفارقها في الحال.
ولو قذف إحداهن، لزمه الحد إن كانت محصنة، ولا يسقط إلا بالبينة إن
اختار غير المقذوفة، وإن اختارها، سقط بالبينة وباللعان.
(الفرع) الثاني: قال: فسخت نكاح هذه، أو هؤلاء الأربع، أو قال: اخترت هذه
للفسخ، أو هذه للفسخ من غير لفظ اخترت فإن أراد الطلاق، فهو اختيار
للنكاح، وإن أراد الفراق، أو أطلق، فهو اختيار للفسخ.
ولو قال لواحدة: فارقتك فالأصح أنه فسخ، وبه قال الشيخ أبو حامد،
ورجحه ابن الصباغ والمتولي وغيرهما. وعن القاضي أبي الطيب أنه كقوله:
طلقتك، لأنه من صرائح الطلاق.
الفرع الثالث: لو اختار الجميع للنكاح أو الفسخ، فهو لغو، ولو طلق الجميع،
وقع على المنكوحات ويعينهن.
الفرع الرابع: قال: إن دخلت الدار فقد اخترتك للنكاح أو للفسخ، لم يصح،
502

لأن تعليق الاختيار باطل، فإنه إما كالابتداء، كالنكاح، وإما كالرجعة. وقيل:
يصح تعليق الفسخ كالطلاق، وهو ضعيف.
ولو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، فالصحيح جوازه، تغليبا لحكم
الطلاق، ويحصل اختيارها ضمنا، فإنه يحتمل في الضمني ما لا يحتمل استقلالا.
ولو قال: إن دخلت الدار فنكاحك مفسوخ، إن أراد الطلاق نفذ، وإلا لغا.
ولو قال: كلما أسلمت واحدة فقد اخترتها للنكاح، لم يصح. ولو قال: فقد
طلقتها، صح على الأصح. ولو قال: فقد فسخت نكاحها، إن أراد حله بلا
طلاق، لم يجز، لأن تعليق الفسخ لا يجوز، وإن أراد الطلاق، جاز. وإذا
أسلمت واحدة، طلقت وحصل اختيارها ضمنا، وهكذا إلى تمام الأربع، وتندفع
الباقيات، وفي وجه: لا يصح تفسير الفسخ بالطلاق، وهو ضعيف.
(الفرع) الخامس: لا يكون الوطئ اختيارا للموطوءة على المذهب، لأن الاختيار
هنا كالابتداء، ولا يصح ابتداء النكاح بل استدامته إلا بالقول، فإن الرجعة لا
تحصل بالوطئ. فلو وطئ الجميع وجعلناه اختيارا، كان مختارا للأوليات، وعليه
المهر للباقيات، وإن لم نجعله اختيارا، اختار أربعا منهن وغرم المهر للباقيات.
الفرع السادس: قال: حصرت المختارات في هؤلاء الست أو الخمس،
انحصرن ويندفع نكاح الباقيات.
فرع أسلم على ثمان وثنيات، فأسلم معه أربع، وتخلف أربع، فعين
الأوليات للنكاح، صح التعيين. فإن أصرت المتخلفات، اندفعن من وقت
إسلامه، وإن أسلمن في العدة، قال البغوي: تقع الفرقة باختيار الأوليات، وقال
الامام: نتبين اندفاعهن باختلاف الدين، لكن نتبين تعيينهن من وقت تعيينه
للأوليات. وهذا هو الموافق لأصول الباب.
وإن طلق الأوليات، صح وتضمن اختيارهن، وينقطع نكاحهن بالطلاق،
ونكاح الأخريات بالفسخ بالشرع.
503

وإن قال: فسخت نكاحهن، فإن أراد به الطلاق، فكذلك، وإن أراد حله بلا
طلاق، فهو لغو، لأن الحل هكذا إنما يكون فيما زاد على أربع. فإن لم تسلم
المتخلفات، تعين الأوليات، وإن أسلمن، اختار من الجميع أربعا، وللمسلمات
أن يدعين: أنك إنما أردت طلاقنا، ويحلفنه، وللمتخلفات أيضا أن يدعين إرادة
الطلاق وبينونتهن بالفسخ الشرعي ويحلفنه. وفي وجه: لا يلغو الفسخ، بل هو
موقوف، إن أصررن حتى انقضت العدة، لغا، وإن أسلمن فيها، تبينا نفوذه في
الأوليات، وتعين الأخريات للنكاح، والصحيح الأول. ولو عين المتخلفات
للفسخ، صح، وتعينت الأوليات للزوجية. وإن عين المتخلفات للنكاح، لم
يصح، لأنهن وثنيات وقد لا يسلمن. وعلى وجه الوقف: ينعقد الاختيار موقوفا،
فإن أسلمن، بانت صحته.
ولو أسلم على ثمان وثنيات، فتخلفن، ثم أسلمن متعاقبات في عددهن،
وهو يقول لكل من أسلمت: فسخت نكاحك، فإن أراد الطلاق، صار مختارا
للأوليات، وإن أراد حله بلا طلاق، فهو على الصحيح لغو في الأربع الأوليات،
نافذ في الأخريات، لأن فسخ نكاحهن وقع وراء العدد الكامل فنفذ. وعلى وجه
الوقف: إذا أسلمت الأخريات، تبينا نفوذ الفسخ في الأوليات. ولو أسلم
معه من الثمان خمس، فقال: فسخت نكاحهن، فإن أراد الطلاق، صار
مختارا لأربع منهن وبن بالطلاق، وعليه التعيين، وإن أراد حله بلا طلاق، انفسخ
نكاح واحدة لا بعينها، فإذا أسلمت المتخلفات في العدة، اختار من الجميع أربعا.
ولو قال: فسخت نكاح واحدة منكن، إن أراد الطلاق، صار مختارا لواحدة
لا بعينها، فيعينها ويختار للنكاح من الباقيات ثلاثة. وإن أراد حله بلا طلاق،
انفسخ نكاح واحدة فيعينها، ويختار من الباقيات أربعا. وإن انفسخ نكاح اثنتين
منهن غير معينتين، وأراد حله بلا طلاق، انفسخ نكاح واحدة فيعينها، ويختار من
الباقيات أربعا. فلو عين ثنتين، انفسخت واحدة منهما فيعينها، وله اختيار الأخرى
مع ثلاث أخر.
ولو اختار الخمس كلهن، تعينت المنكوحات فيهن، فيختار منهن أربعا.
504

فصل أما حكم الاختيار، فإذا أسلم على أكثر من أربع، وأسلمن معه أو
بعده في العدة، أو كن كتابيات، وقعت الفرقة بينه وبين الزيادة على أربع بالاسلام،
ويجب عليه الاختيار والتعيين، وإن امتنع، حبس. فإن أصر ولم ينفع الحبس،
عزر بما يراه القاضي من الضرب وغيره. وعن ابن أبي هريرة: أنه لا يضرب مع
الحبس، بل يشدد عليه الحبس، فإن أصر، عزر ثانيا وثالثا إلى أن يختار. فإن جن
أو أغمي عليه في الحبس، خلي حتى يفيق، ولا يختار الحاكم عن الممتنع، لأنه
خيار شهوة. قال الامام: وإذا حبس، لا يعزر على الفور، فلعله يؤخر ليفكر،
وأقرب معتبر فيه مدة الاستتابة. واعتبر الروياني في الامهال الاستنظار فقال: ولو
استمهل، أمهله الحاكم ثلاثة أيام ولا يزيد، ويلزمه نفقة جميعهن إلى أن يختار،
لأنهن في حبسه.
فرع مات قبل التعيين، فإن لم يكن دخل بهن، فعلى كل واحدة أن تعتد
بأربعة أشهر وعشر، وإن دخل بهن، فعدة الحامل بالحمل.
وأما غير الحامل، فمن كانت من ذوات الأشهر، اعتدت بأربعة أشهر وعشر،
وإن كانت من ذوات الأقراء، لزمها الأكثر من ثلاثة أقراء وأربعة أشهر وعشر. ثم
الأشهر تعتبر من موته. وفي الأقراء وجهان، ويقال: قولان، أحدهما: كذلك، لأنا لا
نتيقن شروعها في العدة قبل ذلك، وأصحهما: الاعتبار من وقت إسلامهما إن أسلما
معا، وإلا، فمن إسلام سابق، لأن الأقراء إنما تجب، لاحتمال أنها مفارقة
بالانفساخ، وهو يحصل من يومئذ.
فرع مات قبل التعيين، وقف لهن ربع ماله أو ثمنه، عائلا أو غير عائل
بحسب الحال إلى أن يصطلحن، فيقسم بينهن بحسب اصطلاحهن بالتساوي أو
التفاضل. وعن ابن سريج: أنه يوزع بينهن، لأن البيان غير متوقع وهن معترفات
بالاشكال، وبأنه لا ترجيح، ومال الإمام إلى هذا الوجه. والصحيح الذي عليه
الجمهور هو الأول، فإن كن ثمانيا وفيهن صغيرة، أو مجنونة، صالح عنها وليها،
وليس له المصالحة على أقل من ثمن الموقوف، وله المصالحة على الثمن على
الأصح. وقيل: لا يصالح على أقل من الربع. ثم المصالحة إذا اصطلحن كلهن،
فلو طلب بعضهن شيئا بلا صلح، لم ندفع إلى المطالبة شيئا إلا باليقين. ففي ثمان
505

نسوة، لو طلب أربع منهن، لم نعطهن، فإن طلب خمس، أعطيناهن ربع
الموقوف، وإن طلب ست، فنصفه، وسبع، ثلاثة أرباعه، ولهن قسم ما أخذن والتصرف.
وهل يشترط في الدفع أن يبرئن عن الباقي؟ وجهان. أحدهما: أعم، ونسبه ابن
كج إلى النص لتنقطع الخصومة، وأصحهما: لا. فعلى الأول، يعطى الباقي
للثلاث، ويرتفع الوقف، وكأنهن اصطلحن على القسمة هكذا.
هذا كله إذا علمنا استحقاق الزوجات الإرث.
أما إذا أسلم على ثمان كتابيات، فأسلم معه أربع، أو كان تحته أربع كتابيات
وأربع وثنيات، فأسلم معه الوثنيات، ومات قبل الاختيار، فوجهان، أصحهما وهو
المنصوص: لا يوقف شئ للزوجات، بل يقسم كل التركة بين باقي الورثة، لان
استحقاق الزوجات غير معلوم، لاحتمال أنهن الكتابيات. والثاني: يوقف، لان
استحقاق سائر الورثة قدر نصيب الزوجات غير معلوم، واختاره ابن الصباغ، وهو
قريب من القياس.
قلت: المختار المقيس هو الأول، لأن سبب الإرث في سائر الورثة موجود
وشككنا في المزاحم، والأصل عدمه، وإرث الزوجات لم نتحققه، والأصل
عدمه.
والله أعلم. ويجري الوجهان فيما لو كان تحته مسلمة وكتابية، فقال: إحداكما طالق،
ومات قبل البيان.
فرع مات ذمي عن أكثر من أربع نسوة، قال صاحب التلخيص: الربع
أو الثمن لهن كلهن، وقال آخرون: لا يرث منهن إلا أربع، فيوقف بينهن حتى
يصطلحن، ويجعل الترافع إلينا بمثابة إسلامهم. وبنى القفال الخلاف على صحة
أنكحتهم. فإن صححناها، ورث الجميع، وإلا، لم يرث إلا أربع.
ولو نكح مجوسي أمه أو بنته ومات، قال البغوي: منهم من بنى التوريث على
هذا الخلاف، والمذهب القطع بالمنع، لأنه ليس بنكاح في شئ من الأديان، ولا
يتصور التقرير عليه في الاسلام.
فرع المتعينات للفرقة للزيادة على أربع، هل تحسب عدتهن من وقت
506

الاختيار، أم من وقت إسلام الزوجين إن أسلما معا، وإسلام السابق إن تعاقبا؟ فيه
وجهان، أصحهما: عند الجمهور الثاني، خلافا للبغوي.
الطرف الرابع: في النفقة والمهر.
أما النفقة، فإن أسلم الزوجان معا، استمرت النفقة كما يستمر النكاح،
وإن أسلما متعاقبين بعد الدخول - والصورة إذا كانت الزوجة مجوسية أو وثنية -
فإن أسلم قبلها، فإن أصرت حتى انقضت عدتها، فلا نفقة، لأنها ناشزة
بالتخلف، وإن أسلمت في العدة، استحقتها من وقت الاسلام، ولا تستحقها لمدة التخلف
على الجديد الأظهر. فعلى هذا، لو اختلفا، فقال: أسلمت اليوم، فقالت: بل
من عشرة أيام، فالقول قوله، للأصل، وكذا إذا قلنا بالقديم، فقال: أسلمت بعد
العدة فلا نفقة، وقالت: بل فيها، فالقول قوله.
أما إذا أسلمت قبله، فإن أسلم قبل انقضاء العدة، فلها النفقة لمدة التخلف
على المشهور، وقيل: الصحيح، لأنها أدت فرضا مضيقا، فهو كصوم رمضان.
وإن أصر حتى انقضت العدة، استحقت نفقة مدة العدة على الأصح عند الجمهور،
وهو المنصوص في المختصر. ولو قال: أسلمت أولا، فلا نفقة لك، فادعت
العكس، فمن المصدق بيمينه؟ وجهان. أصحهما: هي، لأن النفقة كانت واجبة
وهو يدعي مسقطا.
فرع ارتدت بعد الدخول، فلا نفقة لزمن الردة لنشوزها، سواء عادت إلى
الاسلام في العدة، أم لا، ولا يجئ القول القديم.
قلت: ذكر صاحب المهذب وآخرون طريقين، أحدهما: طرد القولين
القديم والجديد. والله أعلم.
507

وإن ارتد، فعليه نفقة مدة العدة، وإن ارتدا معا، قال البغوي: لا نفقة،
ويشبه أن يجئ فيه خلاف، كتشطر المهر.
فصل أما المهر، إذا أسلم أحدهما قبل الدخول أو بعده، فسبق بيانه عند
ذكر الخلاف في صحة أنكحتهم.
فلو قالت: سبقتني بالاسلام قبل الدخول، فعليك نصف المهر، فادعى
العكس، صدقت بيمينها، لأن الأصل بقاء نصف الصداق.
ولو ادعى سبقها، فقالت: لا أدري أينا سبق، لم يتمكن من طلب المهر.
فإن عادت وقالت: علمت أنه سبق، صدقت بيمينها وأخذت النصف. ولو اعترفا
بالجهل بالسابق، فلا نكاح، لاتفاقهما على تعاقب الاسلام قبل الدخول. ثم إن
كان ذلك قبل قبض المهر، لم تتمكن من طلبه، لاحتمال سبقها، وإن كان بعده،
لم يتمكن هو من استرداد النصف، لاحتمال سبقه فيقر النصف في يدها، حتى يتبين
الحال.
ولو اختلفا في بقاء النكاح، فقال: أسلمنا معا، فالنكاح باق، وقالت: بل
متعاقبين ولا نكاح، فقولان. أظهرهما: القول قوله، والثاني: قولها، لتعارض
الأصل والظاهر. فإن قلنا: القول قولها، نظر، إن قالت: أسلمت قبلي،
حلفت على البت أنها ما أسلمت وقت إسلامه، وإن قالت: أسلمت قبلك، حلفت
على نفي العلم بإسلامه يوم إسلامها.
ولو اختلفا على العكس، فقالت: أسلمنا معا، فقال: بل متعاقبين، فلا
نكاح، لاعترافه، وهي تدعي نصف المهر. وفي المصدق منهما القولان. ولو
قال: لا ندري أسلمنا معا أو متعاقبين، استمر النكاح.
508

فرع أسلمت بعد الدخول، ثم أسلم هو وادعى أن إسلامه سبق انقضاء
العدة، وادعت العكس، فهذا يتصور على أوجه.
أحدها: أن يتفقا على وقت انقضاء العدة، كغرة رمضان، فادعى إسلامه في
شعبان، وقالت: بل في خامس رمضان، فالقول قولها، لأن الأصل بقاء كفره.
والثاني: أن يتفقا على وقت إسلامه، كغرة رمضان، وقال: انقضت عدتك
في خامس رمضان، وقالت: بل في شعبان، فالقول قوله بيمينه.
الثالث: أن لا يتفقا على شئ، واقتصر على أن إسلامي سبق، واقتصرت
على أن عدتي سبقت، فالنص أن القول قوله، ونص فيما إذا ارتد، ثم أسلم،
وادعى أنه أسلم في العدة، وادعت انقضاءها قبل إسلامه، وفيما إذا قال: راجعتك
في العدة، فقالت: بل بعدها، أن القول قولها. وللأصحاب طرق. أحدها: طرد
قولين في المسائل الثلاث، هل القول قوله، أم قولها؟ والثاني: أن النصين على
حالين. فإن اتفقا على وقت إسلامه أو رجعته، واختلفا في انقضاء العدة، فالقول
قوله. وإن اتفقا على وقت انقضاء العدة، واختلفا في أنه أسلم أو راجع قبله،
فالقول قولها. والطريق الثالث وهو الأصح وبه قال ابن سريج وأبو إسحاق، ورجحه
الشيخ أبو حامد والبغوي وغيرهما: أن من سبق بالدعوى، فالقول قوله، وعليه ينزل
النص في المسائل الثلاث، لأن المدعي أولا مقبول، فلا يرد بمجرد قول آخر.
وزاد البغوي فيما إذا سبق دعواه فقال: إن ادعت بعد أن مضى بعد دعواه زمن، فهو
المصدق. فإن اتصل كلامها بكلامه، فهي المصدقة.
فرع نص الشافعي رضي الله عنه، أن الزوج لو أقام شاهدين على أنهما
جميعا أسلما حين طلعت الشمس يوم كذا، أو حين غربت، قبلت شهادتهما واستمر
النكاح. وإن شهدا أنهما أسلما مع طلوع الشمس، أو مع غروبها، لم يحكم بهذه
الشهادة، لأن حين طلوعها وغروبها يتناول حالة تمام الطلوع أو الغروب، وهي حالة
واحدة. وقوله: مع الطلوع يصدق من حين يأخذ في الطلوع، فيجوز أن يكون
إسلام أحدهما مقارنا لطلوع أول القرص، وإسلام الآخر مقارنا بطلوع آخره.
509

فرع نكحت في الكفر زوجين، ثم أسلموا، فإن ترتب النكاحان، فهي
زوجة الأول، فإن مات الأول ثم أسلمت مع الثاني وهم يعتقدون جواز التزويج
بزوجين، ففي جواز التقرير وجهان.
قلت: ينبغي أن يكون أصحهما التقرير. والله أعلم.
وإن وقع النكاحان معا، لم تقر مع واحد منهما، سواء اعتقدوا جوازه، أم
لا. وفيما إذا اعتقدوه وجه: أن المرأة تختار أحدهما، كما لو أسلم على أختين،
وبالله التوفيق.
الباب الثامن في مثبتات الخيار في النكاح
أسبابه المتفق عليها أربعة: العيب، والغرور، والعتق، والتعنين.
وقولنا: المتفق عليها احتراز مما إذا زوج الأب أو الجد بكرا بغير كف ء
وصححنا النكاح، فلها الخيار.
ولو زوج الصغير من لا تكافئه، وصححناه، فله الخيار إذا بلغ. ولو ظنها
مسلمة، فكانت كتابية، فله الخيار على رأي.
والتعنين أحد العيوب، إلا أنه يختص بأحكام، كضرب المدة وغيره، فبين
الأصحاب في فصل العيوب أنه أحدها، وأفردوه بالذكر لاختصاصه بأحكام.
السبب الأول: العيب، العيوب المثبتة للخيار ثلاثة أقسام.
أحدها: يشترك فيه الرجال والنساء، وهو ثلاثة: البرص، ولا يلتحق به
البهق.
والثاني: الجذام، وهو علة صعبة يحمر منها العضو ثم يسود ثم ينقطع ويتناثر، نسأل
510

الله الكريم العافية، ويتصور ذلك في كل عضو، لكنه في الوجه أغلب. ثم حكى
الامام عن شيخه، أن أوائل البرص والجذام لا يثبت الخيار، وإنما يثبت إذا
استحكما. وإن استحكام الجذام إنما يحصل بالتقطع. وتردد الامام في هذا وقال:
يجوز أن يكتفى باسوداد العضو، وحكم أهل المعرفة باستحكام العلة.
الثالث: الجنون منقطعا كان أو مطبقا، ولا يلحق به الاغماء بالمرض إلا أن
يزول المرض ويبقى زوال العقل. قال الامام: ولم يتعرضوا في الجنون لاستحكامه،
ولم يراجعوا أهل المعرفة أهو مرجو الزوال، أم لا؟ ولو قيل به لكان قريبا. ومتى
وجد أحد الزوجين بالآخر هذه العيوب، فله فسخ النكاح قل ذلك العيب أم كثر. ولو
تنازعا في قرحة، هل هي جذام؟ أو في بياض هل هو برص؟ فالقول قول المنكر،
وعلى المدعي البينة، ويشترط كون الشاهدين عالمين بالطب.
القسم الثاني: مختص به وهو الجب والتعنين.
511

الثالث: مختص بها وهو الرتق والقرن، فالرتق: انسداد محل الجماع
باللحم، والقرن: عظم في الفرج يمنع الجماع، وقيل: لحم ينبت فيه، ويقول
الفقهاء القرن بفتح الراء وهو في كتب اللغة بإسكانها.
قلت: يجوز الفتح والاسكان، فالفتح على المصدر وهو هنا أحسن لأنه أنسب
لكون قرائنه مصادر وهي الرتق والبرص ونحوهما، وقد أوضحت هذه اللفظة أكمل
إيضاح في تهذيب الأسماء واللغات ونقلت أقوال أهل اللغة فيها وحاصله،
جواز الامرين وترجيح الفتح. والله أعلم.
وليس للزوج إجبار الرتقاء على شق الموضع، فلو فعلت وأمكن الوطئ، فلا
خيار كذا أطلقوه، ويمكن أن يجئ فيه الخلاف المذكور فيما إذا علم
عيب المبيع
بعد زواله.
فجملة هذه العيوب سبعة، يمكن في حق كل واحد من الزوجين خمسة، وما
سواها من العيوب لا خيار فيه على الصحيح الذي قطع به الجمهور. وقال زاهر
512

السرخسي: الصنان والبخر إذا لم يقبلا العلاج يثبتان الخيار، وقال: كذا
العذيوط والعذيوطة، يثبت به الخيار. والعذيوط، من يخرج عنه الغائط عند
الجماع. وزاد القاضي حسين وغيره فأثبتوا الخيار بالاستحاضة، وبالعيوب التي
تجتمع فتنفر تنفير البرص، وتكسر سورة التائق، كالقروح السيالة وما في معناه
ويقال: إن الشيخ أبا عاصم حكاه قولا للشافعي رحمة الله عليه.
أما إذا وجد أحدهما الآخر خنثى قد زال إشكاله، ففي ثبوت الخيار قولان.
أظهرهما: المنع لأنه لا يفوت مقصود النكاح، وموضع القولين إذا اختار الذكورة أو
الأنوثة بغير علامة، لأنه قد يخرج بخلافه. فأما إذا اتضح بعلامة، فلا خيار، هذا
هو الأصح. وقيل: القولان أيضا فيما إذا اتضح بعلامة مظنونة، فإن كان بقطيعة
وهي الولادة، فلا خيار. وقيل: القولان مطلقا، وإن كانت العلامة قطعية لمعنى
النفرة.
ولا خيار بكونه أو كونها عقيما، ولا بكونها مفضاة، والافضاء: رفع ما بين
مخرج البول، ومدخل الذكر.
فصل إذا ظهر بكل واحد منهما عيب مثبت للخيار، فإن كانا من
جنسين، فلكل واحد منهما الخيار إلا إذا كان مجبوبا وهي رتقاء، فهو كالجنس
الواحد كذا ذكره الحناطي والشيخ أبو حامد والامام، وحكى البغوي طريقا آخر، أنه
لا فسخ به قطعا، لأنه لا طريق له إلى تحصيل الوطئ. وإن كانا من جنس، ثبت
الخيار لكل واحد على الأصح. هذا في غير الجنون، أما إذا كانا مجنونين،
فلا يمكن إثبات الخيار لواحد منهما في الحال، ثم الوجهان فيما إذا تساوى العيبان
في القدر والفحش. فإن كان أحدهما أكثر وأفحش، فللآخر الخيار قطعا.
513

فرع نكح أحدهما الآخر عالما بعيبه، فلا خيار.
فلو ادعى المعيب علم الآخر، صدق المنكر بيمينه. وقيل: إن كان هذا
الاختلاف بعد الدخول، صدق مدعي العلم.
فرع جبت المرأة ذكر زوجها، فهل لها الخيار؟ وجهان. أحدهما: لا،
كما لو عيب المشتري المبيع قبل القبض، وأصحهما: نعم كما لو خرب المستأجر
الدار المستأجرة فإن له الخيار، فإن المرأة بالجب لا تصير قابضة لحقها، والمستأجر
لا يصير قابضا لحقه كالتخريب، والمشتري بالتعيب قابض حقه.
فصل العيب المثبت للخيار إن كان مقارنا للعقد، فلكل واحد الفسخ
بعيب صاحبه وإن حدث بعد العقد، فإن كان بها، فله الفسخ على الجديد الأظهر،
وإن كان به، نظر إن كان قبل الدخول، فلها الفسخ، وإن كان بعده والعيب جنون أو
جذام أو برص، فلها الخيار، كذا قاله الأصحاب في جميع الطرق. وحكى الغزالي
فيه وجها لم أره لغيره. وإن حدث التعنين، فلا خيار، لأنها عرفت قدرته وأخذت
حظها، وإن حدث الجب، فلها الفسخ على الأصح، ويقال: الأظهر.
فرع أولياء المرأة ليس لهم خيار الفسخ بعيب حدث به، وأما المقارن،
فإن كان جبا أو تعنينا، فلا خيار لهم على الصحيح، وإن كان جنونا، فلهم الخيار.
وإن رضيت هي، وكذا إن كان جذاما أو برصا على الأصح. ونقل الحناطي في
العيب الحادث وجها، أن للأولياء إجبارها على الفسخ وهو شاذ ضعيف. وعلى هذا
التفصيل يخرج حكم ابتداء التزويج، فإن دعت إلى تزويجها بمجبوب أو عنين،
فعليهم الإجابة على الصحيح، فإن امتنعوا، كانوا عاضلين، وإن دعت إلى
مجنون، فلهم الامتناع، وكذا المجذوم والأبرص على الأصح.
فصل في أحكام هذا الخيار فيه مسائل.
514

إحداها: هذا الخيار على الفور كخيار العيب في البيع، هذا هو
المذهب. وبه قطع الجمهور. وقيل: قولان آخران كخيار العتق. أحدهما: يمتد
ثلاثة أيام. والثاني: يبقى إلى أن يوجد صريح الرضى بالمقام معه أو ما يدل عليه،
حكاهما الشيخ أبو علي وهما ضعيفان. وهل ينفرد كل واحد من الزوجين بالفسخ،
أم لا بد من الرفع إلى الحاكم؟ أما التعنين، فلا بد من الرفع، وفيما سواه وجهان.
أصحهما: لا بد من الرفع لأنه مجتهد فيه. قال البغوي: وعلى الوجهين لو أخر إلى
أن يأتي إلى الحاكم ويفسخ بحضرته، جاز.
ولو وطئها وظهر بها عيب، فقالت: وطئت عالما، فأنكر، أو كان العيب به،
فقال: كنت عالمة فأنكرت، فالقول قول المنكر على الصحيح. وقال ابن القطان:
قول الآخر، لأن الأصل دوام النكاح.
الثانية: الفسخ بعيب مقارن للعقد، إن كان قبل الدخول، سقط كل المهر
ولا متعة، سواء كان العيب فيه أو فيها، لأن شأن الفسخ تراد العوضين. وإن كان
بعد الدخول، فثلاثة أوجه، الصحيح المنصوص، أنه يسقط المسمى ويجب مهر
المثل، والثاني: يجب المسمى، والثالث: إن فسخ بعيبها، فمهر المثل، وإن
فسخت بعيبه، فالمسمى.
وأما الفسخ بعيب حادث بعد العقد، فإن كان قبل الدخول فلا مهر، وإن كان
بعده، فإن أوجبنا في المقارن المسمى، فهنا أولى، وإلا، فأوجه. أحدها:
المسمى، والثاني: مهر المثل، وأصحها: إن حدث قبل الدخول، ثم دخل بها
غير عالم بالحال، فمهر المثل كالمقارن، وإن حدث بعد الدخول، فالمسمى،
لأنه تقرر بالوطئ قبل الخلل.
515

فرع إذا اطلع أحد الزوجين على عيب الآخر، ومات الآخر قبل الفسخ،
فهل يفسخ بعد الموت؟ وجهان حكاهما الحناطي، أصحهما يفسخ ويتقرر
المسمى بالموت. ولو طلقها قبل الدخول ثم علم عيبها، لم يسقط حقها من
النصف، لأن الفرقة حصلت بالطلاق.
الثالثة: إذا فسخ بعيبها بعد الدخول وغرم المهر، فهل يرجع به على من غره؟
قولان. الجديد: الأظهر، لا. وموضع القولين إذا كان العيب مقارنا للعقد، وأما
إذا فسخ بعيب حادث، فلا رجوع بالمهر مطلقا، إذ لا غرور. وقال المتولي:
القولان إذا كان المغروم هو مهر المثل، أما إذا كان المسمى، فلا رجوع، والأصح
ما ذكره البغوي وهو أنه لا فرق بين المسمى ومهر المثل، ثم إذا قلنا بالرجوع، فإن
كان التغرير والتدليس منها دون الولي، فالرجوع عليها دونه.
وصور المتولي التغرير منها، بأن خطب الزوج إليها، فلم يتعرض لعيبها،
وطلبت من الولي تزويجها به وأظهرت له أن الزوج عرف حالها.
وصورة الشيخ أبو الفرج الزاز، فيما إذا عقدت بنفسها، وحكم بصحته
حاكم. ثم لفظ الرجوع الذي استعمله الأصحاب يشعر بالدفع إليها، ثم الاسترداد
منها. لكن ذكر الشيخ أبو حامد والامام، أنه لا معنى للدفع إليها والاسترداد، ويعود
معنى الرجوع إلى أنه لا يغرم لها. وهل يجب لها أقل ما يجوز صداقا لئلا يخلو
النكاح عن مهر؟ وجهان. ويقال: قولان.
قلت: الأصح عند من قال بالرجوع، أنه لا يبقى لها شيئا، ويكفي في حرمة
النكاح أنه وجب لها ثم استرد بالتغرير. والله أعلم.
وإن كان التغرير من الولي، بأن خطب إليه فزوج وهو مجبر أو غيره بإذنها ولم
يذكر للخاطب عيبها، فإن كان عالما بالعيب، رجع عليه بجميع ما غرم. وإن كان
جاهلا، فوجهان لأنه غير مقتصر، لكن ضمان المال لا يسقط بالجهل. فإن قلنا:
516

لا رجوع إذا جهل، فذلك إذا لم يكن محرما كابن عم ومعتق وقاض، وحينئذ يكون
الرجوع على المرأة.
فأما المحرم، فلا يخفى عليه الحال غالبا، وإن خفي فلتقصيره، فيرجع عليه
مع الجهل على الصحيح. فإذا قلنا: لا رجوع على الجاهل، فعلى الزوج إثبات
العلم ببينة على إقرار الولي بالعلم. وإن غره أولياء الزوجة، فالرجوع عليهم، فإن
جهل بعضهم وقلنا: لا رجوع على الجاهل، رجع على من علم.
ولو وجد التغرير منها ومن الولي، فهل يكون الرجوع عليها فقط لقوة جانبها،
أم عليهما نصفين؟ فيه وجهان، وإن غرت الولي وغر الولي الزوج، رجع الزوج
على الولي والولي عليها، ولم يتعرضوا لما إذا كانت جاهلة بعيبها، ولا يبعد مجئ
الخلاف فيه.
قلت: لا مجئ له لتقصيرها الظاهر، لا سيما وقد قطع الجمهور بأن الولي
المحرم لا يعذر بجهله لتقصيره. والله أعلم.
الرابعة: المفسوخ نكاحها بعد الدخول، لا نفقة لها في العدة ولا سكنى إذا
كانت حائلا بلا خلاف، وإن كانت حاملا، فإن قلنا: نفقة المطلقة الحامل
للحمل وجبت هنا، وإن قلنا بالأظهر. إنها للحال، لم تجب. وأما السكنى، لا
تجب على المذهب وبه قطع الجمهور. وقيل بطرد القولين. وقال ابن سلمة: إن
كان الفسخ بعيب حادث، وجبت، وإلا، فلا. وإذا لم نوجب السكنى فأراد أن
يسكنها حفظا لمائه، فله ذلك وعليها الموافقة، قاله أبو الفرج السرخسي.
فروع تتعلق بهذا السبب رضي أحد الزوجين بعيب صاحبه، فحدث
إسماعيل به العيب عيب آخر، ثبت الخيار بالعيب الحادث على الصحيح. وإن ازداد
517

الأول، فلا خيار على الصحيح، لأن رضاه بالأول رضى بما يتولد منه.
ولو فسخ بعيب، فبان أن لا عيب، فهل يحكم ببطلان الفسخ وباستمرار
النكاح؟ وجهان حكاهما الحناطي.
قلت: الصحيح، بطلان الفسخ لأنه بغير حق. والله أعلم.
ولو قال: علمت عيب صاحبي، ولم أعلم أن العيب يثبت الخيار، فقولان
كنظيره في عتقها تحت عبد. وقيل: لا خيار هنا قطعا، لأن الخيار بالعيب مشهور
في جنس العقود.
السبب الثاني: الغرور بالاشتراط. فإذا شرط في العقد إسلام المنكوحة،
فبانت ذمية، أو شرط نسب أو حرية في أحد الزوجين فبان خلافه، فهل يصح النكاح
أم يبطل؟ قولان. أظهرهما: الصحة. والقولان فيما إذا اشترطت حريته فبان
عبدا، هما إذا نكح بإذن السيد، وإلا، فلا يصح قطعا. وفيما إذا شرط حريتها
فبانت أمة، هما إذا نكحت بإذن السيد وكان الزوج ممن يحل له الإماء، وإلا، فلا
يصح قطعا.
ويجري القولان في كل وصف شرط، فبان خلافه، سواء كان المشروط صفة
كمال كالجمال، والنسب، والشباب، واليسار، والبكارة، أو صفة نقص
كأضدادها، أو كان مما لا يتعلق به نقص ولا كمال، هذا هو المذهب وبه قطع
الجمهور.
وفي شرح مختصر الجويني أنهما إنما يجريان في النسب والحرية وما يتعلق
بالكفاءة، فإذا قلنا ببطلان النكاح، فرق بينهما ولا شئ على الزوج إن لم يدخل
بها، وإن دخل، فلا حد للشبهة وعليه مهر المثل، ولا سكنى لها في العدة، وكذا
لا نفقة إن كانت حائلا. فإن كانت حاملا، فعلى القولين في أن النفقة للحمل أو
للحامل؟ إن قلنا: للحمل، وجبت، وإلا، فلا، وإذا قلنا بصحة النكاح، فإن بان
518

الموصوف خيرا مما شرط، فلا خيار، وإن بان دونه، فقد أطلق الغزالي في ثبوت
الخيار قولين. وأما سائر الأصحاب، فقالوا: إن شرط في الزوج نسب شريف فبان
خلافه، نظر إن كان نسبه دون نسبها، فلها الخيار. وإن رضيت هي، فلأوليائها
الخيار، وإن كان نسبه كنسبها أو فوقه، إلا أنه دون المشروط، فلا خيار لها على الأظهر، وقيل: لا خيار قطعا، ولا خيار للأولياء، لأن الكفاءة حاصلة والشرط لا
يؤثر في حقهم، وإن شرط في الزوجة نسب فبان خلافه، فطريقان، أصحهما: أنه
كهي فيثبت له الخيار إن كانت دون نسبه، وإلا، ففيه القولان. والطريق الثاني: لا
خيار له قطعا لقدرته على الطلاق وعدم العار عليه. وإن شرطت حريته فخرج عبدا،
فإن كانت حرة، فلها ولوليها الخيار، وإن كانت أمة، ففي ثبوت الخيار وجهان.
وقيل: يثبت قطعا. قال الامام والمتولي: وإذا أثبتناه، فهو للسيد دون الأمة،
فإن له أن يجبرها على نكاح عبد، بخلاف ما إذا خرج الزوج معيبا، فإن الخيار لها،
لأنه ليس للسيد إجبارها على نكاح معيب بأحد هذه العيوب. وإن شرط الزوج حرية
الزوجة فخرجت أمة، فإن كان الزوج حرا، فله الخيار على المذهب، وإن كان
عبدا، فلا خيار على المذهب، وإن كان المشروط صفة أخرى، فإن شرطت في
الزوج فبان دون المشروط، فلها الخيار، وإن شرطت فيها، ففي ثبوت الخيار له
قولان لتمكنه من الطلاق.
قلت: الأظهر ثبوته. والله أعلم.
فرع في فتاوى البغوي: تزوجها بشرط البكارة، فوجدت ثيبا، فقالت:
كنت بكرا فزالت البكارة عندك، وقال: بل كنت ثيبا، فالقول قولها بيمينها لدفع الفسخ،
ولو قالت: كنت بكرا فافتضني فأنكر، فالقول قولها بيمينها لدفع الفسخ، وقوله
بيمينه لدفع كمال المهر.
فصل إذا ظنت زيدا كفئا لها، وأذنت في تزويجها إياه، فبان غير
كف ء، فلا خيار لها، كذا أطلق الغزالي، وينبغي أن يفصل فيقال: إن كان فوات
الكفاءة لدناءة نسبه أو حرفته، أو فسقه، فلا خيار، وإن كان لعيبه، فيثبت الخيار،
وإن كان لرقه، فليكن الحكم كما سنذكره إن شاء الله تعالى متصلا بهذا فيمن نكحها
ظانا حريتها فبانت أمة، بل جانب المرأة أولى بإثبات الخيار.
519

قلت: هذا الذي ذكره الغزالي ضعيف، وفي فتاوى صاحب الشامل لو
تزوجت حرة برجل نكاحا مطلقا، فبان عبدا، فلها الخيار. وذكر غيره نحو هذا،
والمختار ثبوت الخيار بالجميع، وقد أنكروا على الغزالي هذه المسألة. وقد ذكر
الرافعي بعد هذا قبيل ذكر كتاب الصداق عن فتاوى القاضي حسين، أنها لو أذنت
في تزويجها برجل ولم تعلم فسقه، فبان فاسقا، صح النكاح لوجود الإشارة إلى
عينه. قال البغوي: لكن لها حق الفسخ كما لو أذنت في تزويجها رجلا ثم وجدته
معيبا، وعجب من الامام الرافعي كيف قال هنا ما قال مع نقله هذا عن البغوي. والله
أعلم.
فرع نكح امرأة يظنها مسلمة فخرجت كتابية، فالنص أن له الخيار، ولو ظنها حرة
فخرجت أمة وهو ممن يحل له نكاح الأمة، فالنص أنه لا خيار، وللأصحاب
طريقان. أحدهما: العمل بظاهر النصين ولتقصير ولي الكافرة بترك العلامة، ولان
الكفر منفر. وأصحهما: جعل الصورتين على قولين. أظهرهما: لا خيار فيهما
كما لو اشترى عبدا يظنه كاتبا فأخلف ظنه.
فصل الخلف في الشرط، إذا قلنا: لا يفسد العقد وأنه يثبت الخيار،
فمن له الخيار؟ إن أجاز العقد، كان للزوجة المهر المسمى، وإن فسخ، فإن كان
قبل الدخول، لم يجب نصف المهر ولا المتعة، وإن كان بعد الدخول، فهل يجب
مهر المثل أم المسمى أم أقلهما؟ فيه أوجه، الصحيح المنصوص، الأول. وهل
يرجع الزوج إسماعيل غرمه من المهر على من غره؟ فيه التفصيل والخلاف السابقان في
خيار العيب، وحكم النفقة والسكنى على ما تقدم.
فرع قال الأصحاب: التغرير المؤثر هو الذي يكون مقرونا بالعقد
على سبيل الشرط فلو سبق العقد، فالصحيح أنه لا يؤثر في صحة العقد ولا في
الخيار. وقيل: يؤثر فيهما.
520

وأما الرجوع بالمهر، إذا قضينا بالرجوع على الغار، فقال الغزالي: التغرير
السابق كالمقارن، وحققه الامام فقال: لا يشترط في حصول التغرير دخول الشرط
بين الايجاب والقبول، ولا صدوره من العاقد لكن يشترط اتصاله بالعقد. فلو قال:
فلانة حرة في معرض الترغيب في النكاح، ثم زوجها على الاتصال بوكالة أو ولاية،
فهو تغرير، ولو لم يقصد بقوله تحريض سامع، واتفق بعد أيام أنه زوجها لمن سمع
كلامه، فليس ما جرى تغريرا، وإن ذكره لا في معرض التحريض، وجرى العقد
على الاتصال أو ذكره في معرض التحريض، وجرى العقد بعد زمان فاصل، ففي
كونه تغريرا تردد، ويشبه أن لا يعتبر الاتصال بالعقد على ما أطلقه الغزالي، لان
تعلق الضمان أوسع بابا.
فصل إذا غر بحرية أمة وصححنا النكاح، فأولاده الحاصلون منها قبل
العلم برقها أحرار لظنه الحرية، سواء أجاز العقد أو فسخه، إذا خيرناه، وسواء كان
المغرور حرا أو عبدا، لاستوائهما في الظن، ثم على المغرور قيمة الأولاد لسيد
الأمة على المشهور، لأنه فوت رقهم بظنه. وفي قول حكاه الحناطي: لا شئ
عليه، لأنه معذور. فعلى المشهور إن كان المغرور حرا، فالقيمة مستقرة في ذمته،
وإن كان عبدا، فهل تتعلق بذمته أم برقبته أم بكسبه؟ فيه أقوال، أظهرها الأول،
وتعتبر قيمة الأولاد يوم الولادة.
وأما الأولاد الحاصلون بعد علمه برقها، فهم أرقاء، سواء كان المغرور عربيا
أو غيره. وللشافعي قول: أن العرب لا يجري عليهم الرق، والمشهور أن لا فرق.
ثم في الفصل مسائل.
إحداها: في الرجوع بالمهر المغروم على الغار قولان كما سبق في العيب،
وأما قيمة الأولاد، فيرجع بها على الغار على المذهب. وقيل: فيه القولان. وإذا
قلنا بالرجوع، فإنما يرجع إذا غرم كالضامن. فقد سبق في الضامن وجه ضعيف أنه
يرجع قبل غرمه، فيجئ مثله هنا. والصحيح، المنع. فعلى هذا لو كان المغرور
عبدا وعلقنا القيمة بذمته، فإنما يرجع على الغار بعد عتقه، لأنه حينئذ يغرم. أما إذا
521

علقناها بكسبه أو إسماعيل، وغرم سيده من كسبه، أو من رقبته، فيرجع في الحال،
وللمغرور مطالبة الغار بتحصيله، كما ذكرنا في باب الضمان.
المسألة الثانية: إذا كان المغرور عبدا وقد دخل بالمنكوحة، فحيث يجب المسمى
يتعلق كسبه، وحيث يجب مهر المثل، فهل يتعلق بذمته، أم برقبته، أم بكسبه؟ فيه
ثلاثة أقوال. أظهرها: الأول.
المسألة الثالثة: لا يتصور الغرور بحرية الأمة من السيد، لأنه متى قال: زوجتك
هذه الحرة، أو على أنها حرة، عتقت. وإنما يتصور من وكيل السيد في تزويجها،
أو منها، أو منهما، ولا اعتبار بقول من ليس بعاقد ولا معقود عليه، فإن كان
الغرور من الوكيل، رجع المغرور عليه بالقيمة إذا غرمها، وبالمهر إن أثبتنا الرجوع
به. وإن كان الغرور من الأمة المنكوحة، كان الرجوع عليها، لكن لا يرجع في
الحال، بل يتعلق الغرم بذمتها، تطالب به إذا عتقت، ولا يتعلق بكسبها قطعا ولا
برقبتها على الصحيح، وسواء كان الرجوع عليها أو على الوكيل، يرجع بكل المهر،
لأن المهر للسيد وقد أخذه. وإن كان الغرور منها ومن الوكيل، فالرجوع عليهما.
522

وفي كيفيته وجهان. أصحهما: يرجع بالنصف على الوكيل في الحال،
وبالنصف عليها إذا عتقت. والثاني: أنه له أن يرجع بالجميع على من شاء منهما
، على الوكيل في الحال وعليها بعد العتق، فإن رجع - هكذا قال البغوي -: يرجع
المأخوذ منه بالنصف على الآخر. وقال الحناطي وغيره: لا يرجع واحد منهما على
الآخر، لأن التغرير كامل من كل واحد منهما. ولو ذكرت للوكيل حريتها، ثم ذكرها
الوكيل للزوج، رجع المغرور على الوكيل والوكيل عليها بعد العتق. وإن ذكرت
للوكيل ثم ذكرت للزوج، فالرجوع عليها وإن ذكر الوكيل للزوج أيضا، لأنها لما
شافهت الزوج خرج الوكيل من الوسط، هكذا ذكره البغوي. وعلى هذا، فصورة
تغريرهما أن يذكرا معا.
المسألة الرابعة: لو خرجت التي غر بحريتها مدبرة أو مكاتبة، أو أم ولد أو
معلقة بصفة، فالكلام في صحة النكاح، ثم في إثبات الخيار كما سبق، إذا كانت
قنة، لكن إذا خرجت مكاتبة وفسخ النكاح، فلا مهر لها إذا كان الغرور منها، لان
المهر للمكاتبة فلا معنى للغرم لها والاسترداد منها.
وهل يجب أقل ما يجوز أن يكون مهرا؟ فيه الخلاف السابق في العيب.
والأولاد الحاصلون قبل علمه بالحال أحرار، وعلى المغرور قيمتهم. ولمن تكون
القيمة؟ يبنى على أن ولد المكاتبة قن للسيد أم مكاتب كالأم؟ وفيه قولان. وإذا
قلنا: إنه مكاتب فقتله قاتل، فهل قيمته للسيد أم للمكاتبة تستعين به في الأداء؟ فيه
قولان فإذا قلنا: الولد للسيد، أو قلنا: هو مكاتب، وإذا قتل، فالقيمة للسيد،
غرم المغرور قيمة الأولاد للسيد، ويرجع بها على الوكيل، وعليها إن غرت، ويأخذ
من كسبها. فإن لم يكن كسب، ففي ذمتها إلى أن تعتق. وإن قلنا: إن القيمة لها،
فإن كان الغرور منها، لم يغرم القيمة لها كالمهر، وإن كان من الوكيل، غرم لها
ورجع على الوكيل.
فرع إذا حكمنا ببطلان النكاح بخلف الشرط، فالرجوع بمهر المثل إذا
غرمه الزوج بالوطئ والرجوع بقيمة الأولاد إذا غرمها على ما ذكرناه تفريعا على صحة
النكاح.
523

فرع ما ذكرناه من وجوب قيمة الولد، هو فيما إذا انفصل الجنين حيا. فلو
انفصل ميتا، نظر إن انفصل بغير جناية، فلا شئ عليه، ويجئ فيه وجه سبق
نظيره في وطئ الغاصب جاهلا بالتحريم. وإن انفصل بجناية، بأن ضرب بطنها
فأجهضت، فله أحوال.
أحدها: أن يكون الجاني أجنبيا، فيجب على عاقلته الغرة ويغرمه المغرور،
لأنه يغرم له فيغرمه. وقيل: لا يغرمه إذ لا قيمة للميت، والصحيح الأول، وضمانه
عشر قيمة الأم، لأن الجنين الرقيق يغرم بهذا القدر.
فإن كانت قيمة الغرة مثل عشر قيمة الأم، أو أكثر، فالمستحق للسيد عشر
القيمة، وإن كان العشر أكثر، فوجهان. أصحهما: يستحق العشر وهو اختيار
القاضي حسين والامام وغيرهما، ونسبه البغوي إلى العراقيين، لأنه قدر ما فوته.
والثاني: ليس له إلا قدر الغرة، ويعبر عن هذا بأن الواجب أقل الأمرين. فعلى
الأول لا يتوقف تغريمه على حصول الغرة له. وعلى الثاني، يتوقف وينظر إلى ما
يحصل له من الغرة، فإن كان يجوز ميراث الجنين، فذاك، وإلا، فيغرم أقل الأمرين
من حصته من الغرة والعشر، ولا يتصور أن يرث مع الأب المغرور إلا الجدة
أم الأم، ولا تسقط بالأم لأنها رقيقة.
الثاني: أن يكون الجاني هو المغرور، فعلى عاقلته الغرة، ويلزم المغرور
عشر قيمة الأم إن قلنا في الحال الأول بالأصح: أنه يستحق العشر وتسلم الغرة
للورثة، وإن قلنا بأقل الامرين، تعلق حق السيد بالغرة فيؤدي منها، وما فضل يكون
للورثة. وعلى التقديرين، لا يرث المغرور منها شيئا، لأنه قاتل ولا يحجب من
بعده من العصبات.
فإن كان المغرور عبدا، تعلقت الغرة برقبته. ثم إن اعتبرنا الغرة ولم نوجب
زيادة عليها، فإذا حصلت الغرة، صرف إلى السيد منها عشر قيمة الأم، فإن فضل
شئ، فهو للورثة، وإن اعتبرنا التفويت، سلمت الغرة للورثة، وتعلق حق السيد بذمة
المغرور.
الثالث: أن يكون الجاني عبد المغرور، فإن اعتبرنا التفويت، فحق سيد
الأمة على المغرور، ولا تتعلق الغرة برقبته إن كان المغرور حائز ميراث الجنين، لأنه
524

لا يستحق على عبده شيئا، وإن كان معه جدة الجنين، تعلق نصيبها برقبته، وإن
اعتبرنا أقل الأمرين، تعلقت الغرة برقبته ليؤدي منها حق السيد. فإن فضل منها شئ، فعلى ما ذكرناه.
الرابع: أن يكون الجاني سيد الأمة، فعلى عاقلته الغرة. ثم إن اعتبرنا
التفويت، سلمت الغرة للورثة وغرم المغرور للسيد عشر قيمة الأم. قال الامام:
ويجوز أن يقال: انفصاله بجناية السيد، كانفصاله بلا جناية، فلا يغرم المغرور
شيئا، وإن اعتبرنا أقل الأمرين، فإذا حصلت الغرة، صرف منها العشر إلى السيد.
فإن فضل شئ فهو للورثة. قال الامام: إذا كانت الغرة قدر العشر أو أقل،
وصرفناها إلى السيد، كان الحاصل إيجاب المال على عاقلة الجاني للجاني وهو
مستبعد.
فرع خيار الخلف هل هو على الفور؟ فيه طريقان حكاهما ابن كج
وغير، المذهب: نعم كخيار العيب، والثاني: على أقوال خيار العتق. قال
البغوي: وإذا أثبتنا الفسخ، انفرد به من له الخيار، ولا يفتقر إلى الحاكم كخيار
عيب المبيع، ولكن هذا مختلف فيه، فليكن كخيار عيب النكاح.
السبب الثالث: العتق، فإذا عتقت أمة تحت حر، فلا خيار لها، وإن عتقت
تحت عبد، فلها الخيار إن عتقت كلها، فإن أعتق بعضها، فلا خيار. وقال
المزني: لها الخيار.
ولو دبرت أو كوتبت أو علق عتقها بصفة، فلا خيار. ولو عتقت تحت مكاتب
أو مدبر أو من بعضه رقيق، فلها الخيار. ولو عتق الزوج وتحته أمة، فلا خيار له
على الصحيح أو المشهور. ولو عتقا معا، فلا خيار، ويثبت خيار العتق للصبية
والمجنونة عند البلوغ والإفاقة، ولا يقوم الولي مقامهما في الفسخ والإجازة. ولو
عتق الزوج قبل أن تفسخ العتيقة، بطل خيارها على الأظهر المنصوص في
المختصر.
525

فروع الفرع الأول: طلقها رجعيا فعتقت في العدة، فلها الفسخ ليقطع
سلطنة الرجعة. وقيل: الفسخ موقوف، إن راجعها، نفذ، وإلا، فلا. والصحيح
الأول. وإذا فسخت هل تستأنف عدة، أم تكفي بقية العدة؟ قولان كما لو طلق الرجعية.
وإذا قلنا بالبناء، فتكمل عدة حر أو أمة؟ فيه خلاف موضعه كتاب العدد. ولو
أخرت الفسخ، فلها ذلك، ولا يبطل لها. ولو أجازت، لم تنفذ الإجازة، لأنها
محرمة جارية إلى بينونة، فالإجازة لا تلائم حالها. قال الامام: ولم يخرجوه على
وقف العقود، لأن شرط الوقف أن يكون مورد العقد (قابلا لمقصود العقد)
وحكي عن الشيخ أبي محمد حكاية وجه في نفوذ إجازتها. ونقل الغزالي عن بعضهم
تخريجا على وقف العقود، فإن راجعها، نفذت، وإلا، فلا.
ولو ثبت لها العتق، فطلقها قبل أن تفسخ، فإن كان طلاقا رجعيا، بقي
حقها في الفسخ والحكم كما لو أعتقت في العدة. وإن كان بائنا، فقولان.
أحدهما: أن الطلاق موقوف، وإن فسخت، بان أنه لم يقع، وإلا بان وقوعه وهذا
نصه في الأم. وأظهرهما يقع وهو نصه في الاملاء لمصادفته النكاح،
ويبطل، ومنهم من أنكر القول الأول.
ولو طلق الزوج المعيب قبل فسخها، ففي وقوع الطلاق ووقفه هذا
الخلاف.
الفرع الثاني: إذا فسخت العتيقة قبل الدخول، فلا مهر، وليس للسيد منعها
من الفسخ. وإن فسخت بعد الدخول، نظر، إن تقدم الدخول على العتق، وجب
المسمى، وإن تأخر عنه وكانت جاهلة بالحال، وجب مهر المثل على المذهب.
وقيل: المسمى، وقيل: خلاف فيهما. وأيهما أوجبناه، فهو للسيد، وكذا لو
اختارت المقام معه، وجرى في العقد تسمية صحيحة أو فاسدة، فالمهر للسيد،
لأنه وجب بالعقد. وإن زوجها مفوضة، فإن دخل بها الزوج أو فرض لها قبل
العتق فهو للسيد أيضا. وإن عتقت ثم دخل بها، أو فرض لها، فهل المهر للسيد
526

أم لها؟ قولان بناء على أن مهر المفوضة يجب بالعقد أم بالفرض أو الدخول.
الفرع الثالث: خيار العتق على الفور على الأظهر، وفي قول: يمتد ثلاثة
أيام، وفي قول: إلى أن يصرح بإسقاطه، أو تمكن من الوطئ طائعة. وفي وجه:
تتقدر بالمجلس. فإن قلنا بالفور، فهو كما ذكرنا في الرد بالعيب في البيع وفي
الشفعة. قال الامام تفريعا على القول الثاني: ابتداء الأيام الثلاثة من وقت
تخييرها، وذلك إذا علمت بالعتق وثبوت الخيار، ولا يحسب من وقت العتق. وذكر
تفريعا على القوق الثالث، أنها لو مكنت ولم يصبها الزوج، لم يبطل حقها، لان
التمكين من الوطئ لا يتحقق إلا عند حصول الوطئ، وأنه لو أصابها الزوج قهرا،
ففي سقوط الخيار تردد لتمكنها من الفسخ عند الوطئ، فإن كان قبض على فمها،
بقي حقها قطعا. وعلى هذا القول لو قال: أصبتها فأنكرت، فأيهما يصدق؟ وجهان
حكاهما ابن كج، لأن الأصل بقاء النكاح وعدم الإصابة. وإذا اعتبرنا الفور، فتمكنت
ولم تفسخ، أو مضت الأيام الثلاثة، أو مكنت من الوطئ، إذا اعتبرنا ذلك، ثم ادعت
الجهل بالعتق، صدقت بيمينها إن لم يكذبها ظاهر الحال. فإن كذبها، بأن كانت معه
في بيته ويبعد خفاء العتق عليها، فالمصدق الزوج، هذا هو المذهب. وقيل: في
المصدق قولان مطلقا. فإن ادعت الجهل بأن العتق يثبت الخيار، صدقت على الأظهر. ولو ادعت الجهل بأن الخيار على الفور، قال الغزالي: لا تعذر، ولم أر
المسألة لغيره من الأصحاب، ولكن ذكرها العبادي في الرقم. وقال: إن كانت
قديمة العهد بالاسلام وخالطت أهله، لم تعذر، وإن كانت حديثة العهد به أو لم
تخالط أهله، فقولان.
فرع هذا الفسخ لا يحتاج إلى مراجعة الحاكم، ولا إلى المرافعة إليه،
لأنه ثابت بالنص والاجماع، كالرد بالعيب والشفعة.
قلت: وللزوج وطئ العتيقة ما لم تفسخ، وكذا لزوج الصغيرة والمجنونة،
العتيقين وطؤهما ما لم تفسخا بعد البلوغ والإفاقة. والله أعلم.
527

السبب الرابع: التعنين، فالتعنين مثبت للخيار، وكذا الجب إن لم يبق ما
يمكن الجماع به، كأن لا يبقى قدر الحشفة، فإن بقي دون قدر الحشفة، أو بقي
قدرها فأكثر، فلا خيار بسبب الجب على المذهب. وعن ابن سلمة، أنه خرجه
على قولين كالخصي. فعلى المذهب: لو عجز عن الجماع به، فهو كالسليم
العاجز، فتضرب له المدة. وعن الشيخ أبي حامد، ثبوت الخيار في الحال، لان
العيب متحقق، والظاهر دوام العجز، وفي معناه المرض المزمن الذي لا يتوقع
زواله، ولا يمكن الجماع معه، كذا ذكره الشيخ أبو محمد وغيره.
ولو وجدت زوجها خصيا موجوء الخصيتين أو مسلولهما، فلا خيار على الأظهر
الجديد. وقيل: لا خيار قطعا.
فرع العنة الطارئة لا تؤثر، لأن القدرة تحققت بالوطئ، فالعجز بعارض.
ولو كان له امرأتان، فعن عن إحداهما دون الأخرى، ثبت الخيار للتي عن
عنها، لفوات الاستمتاع. قال الأصحاب: وقد يتفق ذلك لانحباس الشهوة عن امرأة
معينة بسبب نفرة أو حياء، ويقدر على غيرها لميل أو أنس. فأما العجز المحقق لضعف في
الدماغ أو القلب أو الكبد، أو لخلل في نفس الآلة، فإنه لا يختلف بالنسوة،
وكذلك قد يفرض العجز عن القبل والقدرة على الدبر، فيثبت الخيار على
الصحيح. وحكى الحناطي فيه وجها بعيدا، ولو عجز عن افتراع بكر وقدر على
ثيب، فللبكر الخيار
فصل
إذا اعترفت بقدرته على الوطئ وقالت: إنه يمتنع منه، فلا خيار
لها، وهل لها مطالبته بوطأة واحدة؟ وهل يجبر هو عليها؟ وجهان. أصحهما: لا،
لأنه حقه، فلا يجبر عليه كسائر الوطئات. والثاني: نعم لمعنيين. أحدهما:
استقرار المهر. والثاني: حصول الاستمتاع للتعفف. فإن قلنا: تجب الوطأة
528

فكانت أمة، فالطلب للسيد على المعنى الأول، ولها على الثاني.
ولو أبرأت الحرة عن مهرها، فلا مطالبة على المعنى الأول، وتطالب على
الثاني، ولا يرهق إلى الوطئ بل يمهل ليستعد له على العادة.
ولو كان به مرض أو عذر، أمهل إلى زواله. وإن أصر على الامتناع بلا عذر،
حبس. قال الامام: ولا يبعد أن يخرج من الايلاء أن يطلق القاضي عليه، لكن لم
يخرجوه.
فرع تسقط مطالبة العنين بالفسخ، وغير العنين إذا أوجبنا وطأه بتغييب
الحشفة، فإن أحكام الوطئ كلها منوطة به كالتحليل، والتحصين والحدود،
والكفارة، والغسل، وفساد العبادة، وثبوت المصاهرة وغيرها. قال الامام: وسببه
بعد الاتباع، أن الحشفة هي التي تحس تلك اللذة، قال: ويعني بتغيبها أن
يشتمل الشفران وملتقاهما عليها.
أما لو انقلب الشفران إلى الباطن وكانت الحشفة تلاقي ما انعكس من البشرة
الظاهرة، ففيه تردد، لأنها حصلت في حيز الباطن. وذكر البغوي، أن أقل ما يزول
به حكم التعنين إن كانت بكرا أن يقتضها بآلة الاقتضاض. وإن كانت ثيبا، فأن
تغيب الحشفة، وهذا يدل على الاقتضاض لا يحصل بتغيب الحشفة.
ولوجب بعض ذكره فغيب من الباقي قدر الحشفة، فهو كتغيب الحشفة من
السليم. وقيل: يعتبر تغيب جميع الباقي وهو ظاهر نصه في المختصر ورجحه
بعضهم، والأول أصح وظاهر النص مؤول.
فصل وجدته عنينا فرفعته إلى القاضي وادعت عنته، فإن أقر بها أو أقامت
بينة على إقراره بها، ثبتت. وإن أنكر، حلف، فإن حلف، لم يطالب بتحقيق ما
529

قاله بالوطئ، وامتنع الفسخ، ويعود ما سبق أنه هل يطالب بوطأة واحدة؟ وإن نكل،
فثلاثة أوجه. أصحها: ترد اليمين عليها، ولها أن تحلف إذا بان لها عنته بقرائن
الأحوال وطول الممارسة. والثاني: يقضى عليه بالنكول، وتضرب المدة بغير
يمين. والثالث: لا ترد عليها ولا يقضى بنكوله. وحكى أبو الفرج وجها أن تحليف
الزوج لا يشرع أصلا بناء على أن اليمين لا ترد عليها وهو ضعيف، ثم ثبوت العنة لا
يفيد الخيار في الحال، لكن القاضي يضرب للزوج مدة سنة يمهله فيها، وابتداؤها
من وقت ضرب القاضي لا من وقت إقراره، لأنه مختلف فيه، وإنما تضرب المدة إذا
طلبت المرأة، لكن لو سكتت وحمل القاضي سكوتها على دهشة أو جهل، فلا بأس
بتنبيهها ثم قولها: أنا طالبة حقي على موجب الشرع، كاف في ضرب المدة وإن
جهلت تفصيل الحكم، وسواء في المدة الحر والعبد، فإذا تمت السنة ولم يصبها،
لم ينفسخ النكاح، وليس لها فسخه، بل ترفعه ثانيا إلى القاضي. وعن
الإصطخري، أن لها الفسخ بعد المدة، والصحيح الأول. وإذا رفعته إليه، فإن
ادعى الإصابة في المدة، حلف، فإن نكل، ردت اليمين على المرأة، وفيه
الخلاف السابق. وإذا حلفت، أو أقر أنه لم يصبها في المدة، فقد جاء وقت
الفسخ، فإن استمهل ثلاثا، فهل يمهل؟ فيه الخلاف المذكور في الايلاء.
وفي استقلالها بالفسخ وجهان. أصحهما: الاستقلال كما يستقل بالفسخ من
وجد بالمبيع تغيرا وأنكر البائع كونه عيبا، وأقام المشتري بينة عند القاضي.
والثاني: أن الفسخ إلى القاضي، لأنه محل نظر واجتهاد، أو يأمرها بالفسخ،
وهذان الوجهان في الاستقلال بعد المرافعة، والوجهان السابقان في فصل العيوب
مفروضان في الاستقلال دون المرافعة. وإذا قلنا: لها الفسخ بنفسها، فهل يكفي
لنفوذ الفسخ إقرار الزوج، أم لا بد من قول القاضي: ثبتت العنة أو ثبت حق الفسخ
فاختاري؟ فيه وجهان. أصحهما: الثاني.
ولو قالت: اخترت الفسخ، ولم يقل القاضي: نفذته، ثم رجعت،
هل يصح الرجوع ويبطل الفسخ؟ وجهان في مجموع ابن القطان. أصحهما:
المنع. ويشبه أن يكون هذا الخلاف مفرعا على استقلالها بالفسخ، أما إذا
530

فسخت بإذن، فإن الإذن السابق كالتنفيذ.
فرع إنما تحسب (المدة) إذا لم تعتزل عنه. فإن اعتزلت أو مرضت، لم
تحسب.
ولو سافرت حبست على الأصح لئلا يدافع المطالبة بذلك. وإذا عرض ما يمنع
الاحتساب في أثناء السنة وزال، فالقياس أن يستأنف السنة أو ينتظر مضي مثل
ذلك الفصل في السنة الأخرى.
فرع الفسخ بالعنة بعد ثبوتها، كالفسخ بسائر العيوب، والمذهب أنه
على الفور، ويجئ فيه الخلاف السابق هناك. وإذا رضيت بالمقام معه بعد مضي
المدة، يسقط حقها من الفسخ، ولا رجوع لها إليه. فإن فسخت في أثناء المدة،
لم تنفذ. وإن أجازت ورضيت بالمقام معه في المدة، أو قبل ضرب المدة، فالأظهر
أنه لغو، ويثبت لها الخيار بعد المدة. وإن رضيت بعد المدة
ثم طلقها رجعيا ثم راجعها، لم يعد حق الفسخ،
لأنها رضيت بعنته في هذا النكاح، ويتصور الطلاق الرجعي بغير وطئ يزيل العنة،
بأن يستدخل ماءه، أو يطأها في الدبر، فتجب العدة وحكم العنة باق. ولو
بانت بانقضاء العدة، أو كان الطلاق بائنا، أو فسخت النكاح، ثم تزوجها ثانيا،
ففي تجدد حق الفسخ قولان. أظهرهما: التجدد، لأنه نكاح جديد، وتضرب
المدة ثانيا.
531

ولو نكح امرأة ابتداء، وأعلمها أنه عنين، فقال صاحب الشامل وغيره: هو
على القولين. وذكر البغوي، فيما إذا نكح امرأة ابتداء وهي تعلم أنه حكم بعنته في
حق امرأة أخرى، طريقين. أحدهما: على القولين. والثاني: القطع بالثبوت،
لأنه قد يعجز عن امرأة دون أخرى.
ولو نكح امرأة أو أصابها ثم أبانها ثم نكحها وعن عنها، فلها الخيار قطعا
لأنها نكحته غير عالمة
فرع إذا ادعت امرأة الصبي والمجنون العنة، لم تسمع دعواها ولم تضرب
بعنته مدة، لأن المدة والفسخ يعتمدان إقرار الزوج أو يمينها بعد نكوله، وقولهما ساقط.
ونقل المزني أنه إن لم يجامعها الصبي، أجل، ولم يثبته عامة الأصحاب قولا
وقالوا: غلط المزني. وإنما قال الشافعي في الأم والقديم: إن لم يجامعها
الخصي، أجل، وهذا المذكور في الخصي تفريع على أنه لا خيار بالاخصاء أو
رضيت به ووجدته مع الاخصاء عنينا، وإلا، فالخيار في الخصي لا تأجيل فيه
كالجب. وحكى الحناطي وجها أن المراهق الذي يتأتى منه الجماع، تسمع دعوى
التعنين عليه وتضرب له المدة، وبه قال المزني وهو ضعيف.
فرع جن الزوج في أثناء السنة، ومضت السنة وهو مجنون، فطلبت
الفرقة، لم تجب إليها، لأنه لا يصح إقراره.
فرع مضت السنة فأمهلته شهرا أو سنة أخرى، فوجهان. أحدهما وبه قال
ابن القطان وغيره: لها ذلك، ولها أن تعود إلى الفسخ متى شاءت، كما إذا أمهل
بعد حلول الأجل لا يلزم الامهال، والصحيح بطلان حقها بهذا الامهال لأنه على
الفور.
فرع إذا فسخت بالعنة، فلا مهر على المشهور، لأنه فسخ قبل الدخول.
وفي قول: يجب نصف المهر، وفي قول كله، حكاهما صاحب التقريب عن
حكاية الإصطخري.
532

فصل قال الأصحاب: إذا اختلف الزوجان في الوطئ، فالقول قول نافيه
عملا بأصل العدم إلا في ثلاثة مواضع.
إحداها: إذا ادعت عنته فقال: أصبتها، فالقول قوله بيمينه، سواء كان ذلك
قبل المدة أم بعدها، وسواء كان خصيا أو مقطوع بعض الذكر، إذا كان الباقي بحيث
يمكن الجماع به، أو، ادعت عجزه. وقيل: في الخصي والمقطوع، فالقول قولها
بيمينها، لأن ذلك يقوي جانبها، والصحيح الأول. ولو اختلفا في القدر الباقي،
هل يمكن الجماع به؟ قال الأكثرون: فالقول قولها. وقال صاحب الشامل: ينبغي
أن يرى أهل الخبرة ليعرفوا قدره، ويخبروا عن الحال، كما لو ادعت أنه مجبوب
فأنكر، قال المتولي: وهذا هو الأصح. ولو ادعت عجزه بعد مضي السنة، وادعى
أنها امتنعت، فإن كان لأحدهما بينة، حكم بها، وإلا، فالقول قوله، لأن الأصل
533

دوام النكاح. فإذا حلف، ضرب القاضي المدة ثانيا وأسكنهما في جوار قوم
ثقات يتفقدون حالهما. فإذا مضت المدة، اعتمد القاضي قول الثقات وجرى عليه،
كذا ذكره المتولي.
الثاني: إذا طالبته في الايلاء بالفيأة والطلاق فقال: وطئتها، فالقول قوله
استدامة للنكاح. ولو قالت في هذين الموضعين: أنا بكر، فوجهان. أحدهما وهو
ظاهر النص: إن شهد أربع نسوة ببكارتها، حكم بعدم الإصابة من غير تحليفها،
فلو قال بعد شهادتهن: أصبتها ولم أبالغ، فعادت البكارة وطلب يمينها، سمعت
دعواه وحلفت. وإن لم يدع شيئا، لم تحلف.
والثاني وبه قال أبو علي في الافصاح وابن القطان وابن كج، والامام
والغزالي وغيرهم: تحلف الزوجة مع البينة على قيام البكارة، لأن البكارة وإن كانت
موجودة، فاحتمال الزوال والعود قائم، وإن لم يدع الزوج، فلا بد من الاحتياط.
ثم إذا حلفت بعد دعواه أو دونها (حلفت) على أنه لم يصبها، أو على أن بكارتها هي
البكارة الأصلية، ولها حق الفسخ بعد يمينها. وإن نكلت، حلف الزوج وبطل
الخيار. وإن نكل الزوج أيضا، فوجهان. أصحهما: لها الفسخ ويكون نكوله
كحلفها، لأن الظاهر أن بكارتها هي الأصلية. والثاني: المنع، لأن ما قاله محتمل،
والأصل دوام النكاح.
الموضع الثالث: قالت، طلقني بعد الدخول فلي كل المهر، فقال: بل قبله
فلك النصف، فالقول قوله للأصل، وعليها العدة مؤاخذة بقولها، ولا نفقة ولا
سكنى، وللزوج نكاح بنتها وأختها وأربعا سواها في الحال. فلو أتت بولد لزمن
محتمل، ثبت النسب وتقوى به جانبها، فيرجع إلى تصديقها، وتطالب الزوج بالنصف الثاني، ولا بد من يمينها على ما ذكره الامام والعبادي، لأن ثبوت النسب لا
يورث يقين الوطئ، ويمكن أن يجئ فيه الخلاف المذكور فيما إذا ظهرت
البكارة، وهذه الصورة هي محل الاستثناء من تصديق النافي. فإن لاعن الزوج
ونفى الولد، فقد زال المرجح فتعود إلى تصديقه، ويستمر الامر على ما سبق.
534

وحيث قلنا: القول قول نافي الإصابة، فذلك إذا لم يوافق على جريان خلوه،
فإن وافق، فقولان. أظهرهما: أن الحكم كذلك، والثاني: تصديق المثبت. فعلى
هذا: تضم هذه الصورة إلى مواضع الاستثناء من تصديق النافي وتصير أربعة، وبالله
التوفيق.
قلت: عجب قول الإمام الرافعي رحمه الله: فيما إذا أتت بولد لزمن محتمل
أنها المصدقة ويمكن أن يجئ فيه الخلاف، والمسألة مشهورة، ففي المهذب
والتنبيه وغيرهما من الكتب المشهورة، في المسألة قولان، في أن القول
قولها، أم قوله، لأن النسب يثبت بالامكان، ولأنه قد يولج بعض الحشفة أو
يباشر فيما قارب الفرج فيدخل المني فيلحق النسب ولا وطئ. والله أعلم.
الباب التاسع فيما يملك الزوج من الاستمتاع
وفيه مسائل.
إحداها: له جميع أنواع الاستمتاع، إلا النظر إلى الفرج، ففيه خلاف سبق
في حكم النظر، وإلا الاتيان في الدبر، فإنه حرام، ويجوز التلذذ بما بين الأليتين،
والايلاج في القبل من جهة الدبر.
فرع الاتيان في الدبر كالاتيان في القبل في أكثر الاحكام، كإفساد العبادة
ووجوب الغسل من الجانبين ووجوب الكفارة في الصوم والحج وغيرها، لكن لا يحصل
به الاحصان ولا التحليل، ولا الفيأة في الايلاء، ولا يزول حكم التعنين، وفي هذين
الأخيرين وجه ضعيف.
ويثبت به النسب على الأصح، وإنما يظهر الوجهان فيما إذا أتى السيد أمته في
دبرها، أو كان ذلك في نكاح فاسد. فأما في النكاح الصحيح، فإمكان الوطئ كاف
في ثبوت النسب، ويجب به مهر المثل في النكاح الفاسد قطعا، ويستقر به المسمى
في النكاح الصحيح على المذهب. فإن قلنا: لا يستقر، فقال الحناطي: لها مهر المثل، فإن
535

وطئها بعده، فلها المسمى وترد مهر المثل على الأصح. وفي وجه: لها المسمى
ومهر المثل. وإن لم يطأها وطلقها، فقد وجب لها مهر المثل، وللزوج عند ها
المسمى. فإن كانا مجنس، جرت أقوال التقاص، وهذا كلام مظلم لا يهتدى
إليه.
قلت: الذي يقتضيه كلام الأصحاب، إنا إذا قلنا: لا يستقر المسمى، لا
يجب أيضا مهر المثل، وهذا الذي ذكره الحناطي مظلم كما قال الرافعي، وعجب
قوله: وإذا طلقها قبل الدخول، له عليها المسمى، وقد علم أن الطلاق قبل الدخول
يشطر المسمى. والله أعلم.
وتثبت به المصاهرة على الأصح، والعدة على الصحيح، ولا يشترط نطق
المصابة في دبرها إذا استؤذنت في النكاح على الأصح. وإذا وطئ أمته أو زوجته في
دبرها، فلا حد على الصحيح.
قلت: قال أصحابنا: (حكم) الوطئ في الدبر كالقبل إلا في سبعة أحكام:
التحليل، والتحصين، والخروج من الفيأة، والتعنين، وتغير إذن البكر
536

. والسادس، أن الدبر لا يحل بحال، والقبل يحل في الزوجة والمملوكة. والسابع
: إذا جومعت الكبيرة في دبرها، فاغتسلت ثم خرج مني الرجل من دبرها، لم يجب
غسل ثان، بخلاف القبل، فقد يجئ في بعض المسائل وجه ضعيف، ولكن
المعتمد ما ذكرناه. والله أعلم.
المسألة الثانية: العزل: هو أن يجامع، فإذا قارب الانزال، نزع فأنزل خارج
الفرج، والأولى تركه على الاطلاق. وأطلق صاحب المهذب، كراهته، ولا
يحرم في السرية بلا خلاف، صيانة للملك، ولا يحرم في الزوجة على المذهب،
سواء الحرة والأمة بالاذن وغيره. (وقيل: يحرم، وقيل: يحرم بغير إذن) وقيل: يحرم
في الحرة.
وأما المستولدة، ففيها خلاف مرتب على المنكوحة الحرة، وأولى بالجواز
لأنها غير راسخة في الفراش ولهذا لا يقسم لها. قال الامام: وحيث حرمنا، فذلك
إذا نزع بقصد أن يقع الانزال خارجا تحرزا عن الولد، فأما إذا عن له أن ينزع لا على
هذا القصد، فيجب القطع بأن لا يحرم.
الثالثة: الاستنماء باليد حرام، ونقل ابن كج أنه توقف فيه في القديم.
والمذهب الجزم بتحريمه، ويجوز أن يستمني بيد زوجته وجاريته، كما يستمتع
بسائر بدنها، ذكره المتولي، ونقله الروياني.
الرابعة: القول في تحريم الوطئ في الحيض والنفاس وتحريم سائر
الاستمتاعات، كما سبق في باب الحيض. ونقل ابن كج عن أبي عبيد بن
حربويه، أنه يجتنب الحائض في جميع بدنها.
قلت: هذا الوجه غلط فاحش، يخالف الأحاديث الصحيحة المشهورة
كقوله (ص): اصنعوا كل شئ سوى النكاح وأنه (ص): كان يباشر الحائض
فوق الإزار
537

فقد خالف قائله إجماع المسلمين. والله أعلم.
الخامسة: لا بأس أن يطوف على إمائه بغسل واحد، لكن يستحب أن يخلل
بين كل وطئين وضوء أو غسل الفرج، كما ذكرنا في كتاب الطهارة، ولا يتصور
ذلك في الزوجات إلا بإذنهن. وأما حديث الصحيحين أن النبي (ص) طاف على
نسائه بغسل واحد، فمحمول على إذنهن إن قلنا: كان القسم واجبا عليه (ص)، وإلا
فهن كالإماء.
السادسة: يكره أن يطأ وهناك أمته أو زوجته الأخرى، وأن يتحدث بما جرى
بينه وبين زوجته أو أمته.
قلت: ويسن ملاعبته الزوجة إيناسا وتلطفا ما لم يترتب عليه مفسده، للحديث
الصحيح هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك. ويستحب ألا يعطلها، وأن لا
يطيل عهدها بالجماع من غير عذر، وأن لا يترك ذلك عند قدومه من سفره،
538

لقوله (ص) في الحديث الصحيح فإذا قدمت فالكيس الكيس، أي: ابتغ
الولد. والسنة أن يقول عند الجماع: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب
الشيطان ما رزقتنا، للحديث الصحيح فيه،
ولا يكره الجماع مستقبل القبلة ولا مستدبرها، لا في البنيان ولا في
الصحراء، ويحرم على الزوجة والأمة تحريما غليظا أن تمتنع إذا طلبها للاستمتاع
الجائز، ولا يحرم وطئ المرضع والحامل، ويكره أن تصف المرأة امرأة أخرى
لزوجها من غير حاجة للحديث الصحيح، في النهي عن ذلك.
الباب العاشر في وطئ الأب جارية ابنه ونكاحه إياها ووجوب إعفافه
فيه ثلاثة أطراف.
الطرف الأول: في وطئها، فيحرم على الأب وطئ جارية ابنه مع علم بالحال،
فإن وطئها، نظر، أهي موطوءة الابن أم لا؟
الحالة الأولى: أن لا تكون وفيه مسائل.
المسألة الأولى: لا حد على الأب لشبهة الاعفاف. وعن الإصطخري تخريج قول
في وجوب الحد، والمذهب الأول. وعلى هذا، فيعزر على الأصح، لحق الله
تعالى. وقيل: لا يعزر. فعلى تخريج الإصطخري: هو كالزنا بأمة أجنبي. فإن
أكرهها، وجب مهر المثل، وإن طاوعته، فوجهان. وعلى المذهب: هو كوطئ
الشبهة، فعليه المهر للابن. فإن كان موسرا، أخذ منه. وإن كان معسرا ففي ذمته
539

إلى أن يوسر. وقيل: إن كان معسرا، لم يثبت في ذمته. والصحيح الأول.
المسألة الثانية: كما يسقط الحد ويجب المهر، تثبت المصاهرة فتحرم الجارية
على الابن أبدا، وستمر ملكه عليها إذا لم يوجد على الأب إحبال، ولا شئ على
الابن بتحريمها، لأن مجرد الحل في ملك اليمين غير متقوم، وإنما المقصود
الأعظم فيه المالية وهي باقية، وله تزويجها وتحصيل مهرها، بخلاف ما لو وطئ
زوجة ابنه أو أبيه بالشبهة، فإنه يغرم المهر له، لأنه فوت الملك والحل جميعا،
ولان الحل هناك هو المقصود.
(المسألة) الثالثة: إذا أحبلها بوطئه، فالولد نسيب حر، كما لو وطئ جارية أجنبي
بشبهة. وهل تصير الجارية أم ولد للأب؟ فيه أقوال. أظهرها: نعم. والثالث: إن
كان الأب موسرا، فنعم، وإلا، فلا. وضعف الأصحاب هذا. فإن قلنا به، قال
الامام: يجب أن تخرج الأقوال الثلاثة في تعجيل الاستيلاد، وتأخيره إلى أداء القيمة
أو التوقف، كما في سراية العتق في نصيب الشريك. وإذا قلنا: لا يثبت استيلاد،
فعلى الأب قيمة الولد باعتبار يوم الانفصال إن انفصل حيا، لأن الرق اندفع بسببه.
وإن انفصل ميتا، فلا شئ عليه، ولا يجوز للابن بيع الأمة ما لم تضع، لأنها حامل
بحر، وهل على الأب قيمتها في الحال للحيلولة ثم تسترد عند الوضع؟ وجهان.
أصحهما: المنع، لأن يده مستمرة عليها ومنتفع بالاستخدام وغيره، بخلاف الآبق
من يد الغاصب. وهكذا الحكم في الجارية المغرور بحريتها، والموطوءة بشبهة
إذا أحبلتا، وإذا ملك الأب هذه الجارية يوما، هل تصير أم ولد؟ فيه قولان معروفان.
أما إذا قلنا بالأظهر: إنها تصير أم ولد، فيجب على الأب قيمتها مع المهر.
فإن اختلفا في القيمة، فالقول قول الأب على المذهب، لأنه غارم، وقيل:
قولان. ومتى ينتقل الملك في الجارية إلى الأب؟ فيه أربعة أوجه. أحدها: قبيل
العلوق ليسقط ماؤه في ملكه صيانة له، وبهذا قطع البغوي. والثاني: مع العلوق،
540

واختاره الامام. والثالث: عند الولادة. والرابع: عند أداء القيمة بعد الولادة.
وفي وجوب قيمة الولد على الأب وجهان. أصحهما: المنع. قال الامام: لو
فرض الانزال مع تغييب الحشفة، فقد اقترن موجب المهر بالعلوق، فينبغي أن ينزل
المهر منزلة قيمة الولد. والذي أطلقه الأصحاب من لزوم المهر، محمول على ما إذا
تأخر الانزال عن موجب المهر على ما هو الغالب. قال البغوي: لا ولاء على الولد
إن أثبتنا الاستيلاد، وكذا إن لم يثبت على الأصح.
المسألة الرابعة: استولد الأب جارية مشتركة بين ابنه وأجنبي، فثبوت الاستيلاد في
نصيب الابن على الأقوال السابقة، فإن أثبتناه وكان موسرا، سرى إلى نصب
الشريك، فالولد حر، وعلى الأب كمال المهر، وكمال القيمة للابن والأجنبي.
وإن كان معسرا، لم يثبت الاستيلاد في نصيب الشريك، ويكون نصف الولد حرا
ونصفه رقيقا على الأظهر. وحكى أبو سعد الهروي وجها أن الاستيلاد لا يثبت في
نصيب الشريك بحال، ولا يجعل حق الملك وشبهته كحقيقة الملك، ولو كان نصف
الجارية للابن ونصفها حرا، اقتصر الاستيلاد على نصيب الابن لا محالة.
(المسألة) الخامسة: لو كان الأب المستولد رقيقا، فلا حد عليه، ولا تصير أم
ولد، لأنه لا يملك، والولد نسيب. وفي حريته وجهان. أفتى القفال بالحرية كولد
المغرور، وقيمته في ذمته إلى أن يعتق، والمهر يتعلق برقبته إن كانت مكرهة، وإن
طاوعته، فهل يتعلق برقبته أم بذمته؟ قولان كما لو وطئ العبد أجنبية بشبهة. ولو
541

كان الأب المحبل مكاتبا، ففي ثبوت الاستيلاد وجهان، بناء على القولين في ثبوته
إذ أولد جارية نفسه.
ولو كان نصفه حرا ونصفه رقيقا، لم يثبت الاستيلاد، ويكون نصف الولد
حرا، وفي نصفه الآخر وجهان. قال البغوي: إن قلنا: إنه حر أيضا، فعليه كمال
قيمة الولد، نصفها في كسبه، ونصفها في ذمته. وإن قلنا: نصفه الآخر رقيق، فعليه
قيمة نصفه في كسبه.
فرع لا فرق في الأحكام المذكورة، بين الأب المسلم والذمي، وتجري
الأقوال في ثبوت استيلاد (الذمي وإن كان الكافر لا يشتري المسلم، لأنه ملك قهري
كالإرث.
فرع وطئ الأب جارية البنت والحفدة كجارية) الابن بلا فرق.
(الحالة) الثانية: أن تكون الجارية موطوءة الابن، ووطئها الأب عالما بالحال،
فلا حد عليه على الأصح أو الأظهر.
والخلاف مبني على القولين في وجوب الحد على من وطئ جاريته المحرمة
عليه برضاع أو نسب أو مصاهرة. الجديد الأظهر: لا حد. قال الروياني في
التجربة: الخلاف فيما إذا لم يكن الابن استولدها، فإن كان، وجب الحد قطعا،
كذا قاله الأصحاب، لأنه لا يتصور أن يملكها بحال، بخلاف ما إذا كانت موطوءة
غير مستولدة، فإن أوجبنا الحد على الأب، لم تحرم الجارية على الابن، ويجب
542

المهر إن كانت مكرهة. وإن كانت طائعة، لم تجب على الأصح. وإن أولدها، لم
تصر أم ولد له، ويكون الولد رقيقا غير نسيب. وعلى هذا القياس إذا وطئ الرجل
جاريته المحرمة عليه برضاع وغير وأولدها، لا تصير أم ولد إن أوجبنا الحد. وقيل:
يثبت النسب والاستيلاد هنا وفي جارية الابن وإن أوجبنا الحد فيهما، والصحيح
الأول.
ولو أولد أحد الشريكين الجارية المشتركة، ثبت النسب والاستيلاد، وإن قلنا
بالقديم: إنه يجب الحد، لأنه وطئ صادف ملكه حقيقة، وإنما أوجبنا الحد صيانة
لملك الشريك.
أما إذا قلنا: لا حد على الأب، فهو كما لو كان جاهلا يلزمه المهر، وتصير
الجارية محرم عليهما أبدا. فإن أولدها، فإن كانت مستولدة الابن، لم تصر
مستولدة له، لأن أم الولد لا تقبل النقل، وإلا ففي مصيرها مستولدة للأب الأقوال
الثلاثة السابقة في الحالة الأولى.
فرع لو وطئ مكاتبه ابنه وأولدها ففي مصيرها مستولدة للأب وجهان
. أحدهما: لا، لأن المكاتبة لا تقبل النقل. والثاني: نعم، لأنها تقبل الفسخ،
بخلاف الاستيلاد وهذا أصح عند البغوي، وبالأول قطع القاضي أبو سعد الهروي.
قال: وليس كما لو أولد مكاتبته، فإنه ينفذ الاستيلاد، لأنه لا نقل، ولا يحتاج إلى
فسخ الكتابة، بل يجتمع الاستيلاد والكتابة، ولا منافاة.
فرع كانت جارية الابن منكوحة رجل، فأولدها الأب، ففي ثبوت
الاستيلاد الأقوال الثلاثة، ويستمر النكاح وإن أثبتنا الاستيلاد، كما لو استولدها
سيدها، ولا يجوز للزوج وطؤها في مدة الحمل
543

. فصل لو وطئ الابن جارية الأب، فهو كوطئ الأجنبي. فإن كان
بشبهة، نظر، إن ظنها أمته أو زوجته الحرة، فالولد حر وعليه قيمته للأب. وإن
ظنها زوجته الرقيقة انعقد الولد رقيقا ثم عتق على الجد، ولا يجب على الابن
قيمته. وإن وطئها عالما بالتحريم، فهو زنا يتعلق به الحد، لأن الابن لا يستحق
الاعفاف على الأب، فلا شبهة له، بخلاف العكس، ويلزم الابن المهر إن كانت
مكرهة، وإلا، فلا على الأصح. ولو أتت بولد، فهو رقيق للأب، ولا يعتق عليه،
إذ لا نسب.
الطرف الثاني: في نكاحه جارية الابن، للشافعي رضي الله عنه في جوازه
نصان. قيل: هما قولان بناء على وجوب الاعفاف، إن لم نوجبه، جاز، وإلا،
فلا. وقطع الجمهور بأنه لا يجوز قطعا. قالوا: ونقل الجواز غلط، إنما قال
الشافعي: يجوز ان يتزوج جارية أبيه، فصحف المزني، ومنهم من تأوله، على ما
إذا كان الابن معسرا لا يجد مؤونة الاعفاف وكانت له جارية يحتاج إلى خدمتها،
فيجوز أن يتزوجها الأب، أو كان الأب مع إعساره صحيح البدن، فإنا لا نوجب نفقته
وإعفافه على قول، فيجوز أن يتزوجها. والصحيح في هاتين الصورتين، أنه يبنى
جواز نكاحه جارية الابن، على أنه لو أولد جارية ابنه، هل تصير مستولدة له؟ إن
قلنا: لا، جاز، وإلا، فلا. وكذا الحكم إذا قلنا: لا يجب الاعفاف، هذا كله
إذا كان الأب حرا. فلو كان رقيقا، فله نكاح جارية ابنه، لأنه لا تجب نفقته، ولا
إعفافه. وإذا استولد الرقيق جارية ابنه، لم تصر أم ولد له كما سبق.
ولو نكح الأب جارية أجنبي، فملكها الابن، وكان الأب بحيث لا يجوز له
نكاح الأمة، لم ينفسخ نكاحه على الأصح. ويجري الوجهان فيما لو نكح جارية
ابنه ثم عتق، هل ينفسخ؟ إن قلنا: لا ينفسخ، أو جوزنا نكاح جارية ابنه ابتداء
فأولدها، فقال الشيخ أبو حامد والعراقيون، والشيخ أبو علي والبغوي وغيرهم: لا
تصير أم ولد له، لأنه رضي برق ولده (حين) نكحها، ولان النكاح حاصل محقق،
فيكون واطئا بالنكاح لا بشبهة الملك، بخلاف ما إذا لم يكن نكاح.
وقال الشيخ أبو محمد، ومال إليه الامام: يثبت الاستيلاد وينفسخ النكاح.
544

فرع لا يجوز للسيد نكاح جارية مكاتبه لشبهته (فيها). ولو أولد أمة مكاتبه،
صارت أم ولد للسيد. ولو نكح أمة فملكها مكاتبة، انفسخ نكاحه على الأصح، لان
تعلق السيد بملك المكاتب أشد من تعلق الأب.
قلت: ويجوز نكاح جارية ابنه من الرضاع، ونكاح جارية أبيه وأمه
قطعا، لعدم وجوب الاعفاف. والله أعلم.
الطرف الثالث: في إعفاف الأب. المشهور أنه يلزم الولد إعفاف
الأب. وخرج ابن خيران قولا أنه لا يجب، كما لا يجب إعفاف الابن، ولا
الاعفاف في بيت المال، ولا على المسلمين. التفريع على المشهور. فسبيل
الاعفاف سبيل النفقة، فيجب للمعسر الزمن، وفي المعسر الصحيح قولان كالنفقة.
وقيل: حيث تجب النفقة، فالاعفاف أولى، وإلا فقولان، لأن النفقة إذا لم تجب
على الولد، وجبت في بيت المال. وقيل: حيث لا نفقة، فلا إعفاف، وإلا،
فقولان لأن النفقة أهم، ولهذا يجوز للمضطر أكل طعام غيره، بخلاف الجماع.
فرع حيث وجب الاعفاف، يستوي في لزومه الابن والبنت، ويثبت للأب
والأجداد من جهتي الأب والأم وإن علوا، ويثبت للكافر على الأصح. ولو اجتمع
أصلان محتاجان، فإن وفى مال الولد بإعفافهما، وجب. فإن لم يف إلا
بأحدهما، نظر، إن اختلفا في الدرجة، قدم الأقرب إن استويا في العصوبة أو
عدمها. فإن كان للأبعد عصوبة دون الأقرب، كأبي أبي أب، مع أبي أم، فالأول
أولى على الأصح. وقيل: هما سواء. وإن لم يكن لواحد عصوبة، كأبي أم
الأب، وأبي أبي الأم، فسواء. وحيث استويا، يقرع بينهما على الصحيح.
وقيل: يقدم القاضي باجتهاده.
قلت: قال الامام: إن رأينا القرعة، لم يرفع الامر إلى القاضي، وإن قلنا:
يجتهد القاضي، فأدى اجتهاده إلى شئ، فعل. فإن استويا في نظره، تعينت
القرعة. والله أعلم.
ولو اجتمع عدد ممن يجب عليهم الاعفاف، كالأولاد والأحفاد، فليكن حكمه
545

كما سيأتي في النفقات إن شاء الله تعالى.
فرع لا يجب إعفاف قادر على إعفاف نفسه بماله، وكذا الكسوب الذي
يستغني بكسبه عن غيره، كذا قاله الشيخ أبو علي، وينبغي أن يجئ فيه الخلاف
المذكور في النفقة. ولو وجد قدر النفقة، ولم يجد مؤونة الاعفاف، فهل يجب
الاعفاف لحاجته إليه، أم لا لعدم وجوب النفقة؟ وجهان. أصحهما: الأول.
ولو سقط وجوب النفقة أياما لعارض، قال الامام: لا ينبغي أن يكون هنا
خلاف في وجوب الاعفاف. ولو قدر على سرية ولم يقدر على مهر حرة، فالمتجه
أن لا يجب إعفافه، لأنه لا يتعين في إعفافه تزويجه حرة كما سيأتي
إن شاء الله تعالى.
فرع شرط الاعفاف، الحاجة إلى النكاح، فإذا ظهرت الحاجة إلى قضاء
الشهوة والرغبة في النكاح، صدق بغير يمين، لأن تحليفه في هذا المقام لا يليق
بحرمته، لكن لا يحل لطلب الاعفاف إلا إذا صدقت شهوته، بحيث يخاف العنت
أو يضر به التعزب، أو يشق عليه الصبر.
فصل المراد بالاعفاف، أن يهيئ له مستمتعا، بأن يعطيه مهر حرة
ينكحها، أو يقول: تزوج وأنا أعطي المهر، أو يباشر النكاح بإذن الأب ويعطي
المهر، أو يملكه جارية تحل للأب، أو ثمن جارية. وسواء كانت الحرة المنكوحة
مسلمة أو كتابية، وأومأ الروياني إلى وجه (أن) الكتابية لا تكفي وهو شاذ، وليس للأب
(أن) يعين النكاح، ولا يرضى بالتسري، ولا إذا اتفقا على النكاح أن يعين رفيعة المهر
لجمال أو شرف.
ولو اتفقا على مهر مقدر، فتعيين المرأة إلى الأب، ولا يجوز أن يملكه أو
يزوجه شوهاء، أو عجوزا، ثم على الولد أن ينفق على زوجة الأب أو أمته ويقوم
بمؤوناتها. ولو أيسر الأب بعدما ملكه الولد جارية أو ثمنها، لم يكن له الرجوع،
كما لو أعطاه نفقة فلم يأكلها حتى أيسر. ولو كان تحته صغيرة أو عجوز، أو رتقاء
ولم تندفع حاجته، فالقياس وجوب الاعفاف، وأنه لا يجتمع عليه نفقتان. ولو ماتت
546

الأمة التي ملكه إياها، أو الحرة التي تزوجها، أو فسخت النكاح بعيبه، أو فسخ
بعيبها، أو انفسخ بردة أو رضاع، بأن أرضعت التي نكحها صغيرة كانت زوجة له،
وجب على الولد تجديد الاعفاف كما لو دفع إليه نفقة فسرقت منه. وقيل: لا
يجب، والصحيح الأول.
قلت: قال الامام: ولو فرض الاعفاف مرارا، أو بموت الزوجات، تجدد
الامر بوجوب الاعفاف ما دامت الحاجة، ولا ينتهي ذلك، وإن كثر تكرار الاعفاف.
الله أعلم.
فلو طلقها أو خالعها، أو أعتق الأمة، فإن كان لعذر من شقاق أو نشوز
أو غيرهما، وجب التجديد على الأصح، وإلا فلا. وفي التتمة وجه، أنه إذا طلق،
لزمه أن يزوجه مرة أخرى، أو يسريه. فإن طلق ثانيا، لم يزوجه بعد ذلك بل
يسريه، ويسأل الحاكم الحجر عليه لئلا ينفذ إعتاقه. وإذا وجب التجديد، فإن
كانت بائنة، لزم التجديد في الحال، وإن كانت رجعية، لم يجب إلا بعد انقضاء
العدة.
فرع إذا قلنا: لا يجب الاعفاف، فللأب المحتاج أن ينكح أمة. وإن
أوجبناه، فوجهان. أحدهما: يجوز لأنه غير مستطيع حرة وخائف العنت.
وأصحهما: المنع، لأنه مستغن بمال ولده. فإن قلنا بالأول، حصل الاعفاف
بأن يزوجه أمة.
الباب الحادي عشر في أحكام نكاح الأمة والعبد
فيه طرفان.
الطرف الأول: في نكاح الأمة وفيه مسائل.
إحداها: إذا زوج أمته، لم يلزمه تسليمها إلى الزوج ليلا ونهارا، لكن
يستخدمها نهارا ويسلمها إلى الزوج ليلا.
547

ولو أراد السيد أن يسلمها نهارا بدلا عن الليل، لم يكن له.
ولو قال السيد: لا أخرجها من داري، ولكن أخلي لك بيتا لتدخله وتخلو
بها، فقولان أظهر ما: ليس له ذلك، فإن الحياء والمروءة تمنعانه دخول دار
غيره. وعلى هذا، فلا نفقة على الزوج كما لو قالت الحرة: أدخل بيتي ولا أخرج
إلى بيتك. والثاني، للسيد ذلك لتدوم يده على ملكه مع تمكن الزوج من حقه.
فعلى هذا يلزمه النفقة. فإن قلنا بالأول، وكانت محترفة، فقال الزوج: دعوها
تحترف للسيد في يدي وبيتي، فليس له ذلك على الأصح.
المسألة الثانية: للسيد أن يسافر بها، لأنه مالك رقبتها، ولا يمنع الزوج من
المسافرة معها، ولا يكلف أن يسافر بها وينفق عليها. وإذا لم يسافر معها، لم يكن
عليه نفقتها.
وأما الهر، فإن دخل بها، فقد استقر وعليه تسليمه، وإلا فلا. فإن كان
سلمه، فله أن يسترده.
قلت: وليس للزوج المسافرة بها منفردا إلا بإذن السيد. والله أعلم.
(المسألة) الثالثة: ولو سامح السيد فسلمها ليلا ونهارا، فعلى الزوج تسليم المهر
548

وتمام النفقة، وإن لم يسلمها إلا ليلا، فهل تجب جميع النفقة أم
نصفها، أم لا يجب شئ؟ فيه أوجه. أصحها عند جمهور العراقيين والبغوي: أنه لا يجب
شئ، ويجري الوجهان الأخيران فيما إذا سلمت الحرة نفسها ليلا واشتغلت عن
الزوج نهارا.
قلت: الصحيح الجزم في الحرة بأنه لا يجب شئ في هذه الحال. والله
أعلم.
وأما المهر، فقال الشيخ أبو حامد: لا يجب تسليمه كالنفقة. وقال القاضي أبو
الطيب: يجب. قال ابن الصباغ: لأن التسليم الذي يتمكن معه (من) الوطئ قد
حصل، وليس كالنفقة، فإنها لا تجب بتسليم واحد.
قلت: الأصح الوجوب. والله أعلم.
المسألة الرابعة: هلاك المنكوحة بعد الدخول، لا يسقط شيئا من المهر حرة
كانت، أو أمة، سواء هلكت بموت أو قتل. فأما إذا هلكت قبل الدخول، فإن قتل
السيد أمته المزوجة، فالنص في المختصر أن لا مهر. ونص في الأم في الحرة إذا
قتلت نفسها لا يسقط شئ من المهر. وللأصحاب طريقان. أحدهما: تقرير
النصين. وأشهرهما: طرد قولين فيهما، ثم الحرة إذا ماتت أو قتلها الزوج، أو
أجنبي، لم يسقط مهرها قطعا، وكذا لو قتلت نفسها على المذهب. وأما الأمة،
فإن قتلها سيدها، أو قتلت نفسها، سقط على المذهب وهو نصه. وإن ماتت أو
549

قتلها الزوج أو أجنبي، لم يسقط على الصحيح.
قال البغوي: إذا قلنا: قتل السيد أمته يسقط المهر فلو تزوج رجل أمة أبيه
ثم وطئها الأب قبل أن يدخل بها الابن، وجب أن يسقط المهر لأن قطع النكاح حصل
من مستحق المهر قبل الدخول.
المسألة الخامسة: لو باع الأمة المزوجة، لم ينفسخ النكاح ويكون المهر للبائع إن
سمي في العقد مهر صحيح أو فاسد، سواء دخل بها قبل البيع أو بعده، لأنه وجب
بالعقد وكان العقد في ملكه. ولو طلقها الزوج بعد البيع قبل الدخول، كان نصف
المهر للبائع، وإن كان زوجها مفوضة ثم جرى فرض أو دخول قبل البيع،
فالمفروض أو مهر المثل للبائع أيضا. وإن جرى الفرض أو الدخول بعد البيع، فهل
المفروض أو مهر المثل للبائع أم للمشتري؟ فيه طريقان. أصحهما: على وجهين
بناء، على أن الوجوب بالفرض والدخول، أم نتبين بهما الوجوب بالعقد؟ وفيه
قولان. أظهرهما الأول.
وإن قلنا بالأول، فهو للمشتري، أو بالثاني، فللبائع. والطريق الثاني: أنه
للبائع قطعا، لأن العقد هو السبب وجرى في ملكه.
ولو مات أحد الزوجين بعد البيع وقبل الفرض والدخول، وأوجبنا المهر،
ففيمن يستحقه هذا الخلاف.
ولو طلقها بعد البيع وقبل الفرض والدخول، فالمتعة للمشتري لأنها تجب
بالطلاق وهو في ملكه.
ولو أعتق أمته المزوجة، فالمهر على هذا التفصيل، فحيث جعلناه للبائع،
فهو هنا للمعتق، وحيث جعلناه للمشتري، فهو للمعتقة، وحيث قلنا: هو للبائع،
أو المعتق، ولم يجر دخول، فليس له حبسها لدفع الصداق، لأنها خرجت عن
ملكه وتصرفه، وليس للمشتري ولا للعتيقة الحبس أيضا لأنهما لا يملكان المهر.
550

وحيث قلنا: المهر للمشتري، أو المعتقة فلهما الحبس لاستيفائه.
ولو أعتقها وأوص لها بصداقها، فليس لها حبس نفسها لاستيفائه، لان
استحقاقها بالوصية لا بالنكاح. ولو تزوج أمة ولده، ثم مات وعتقت وصار الصداق
للوارث، فليس له حبسها، إذ لا ملك له فيها.
فرع هذا الذي ذكرناه كله في النكاح الصحيح، أما إذا زوجها تزويجا
فاسدا، ثم باعها ووطئها الزوج بعد البيع، فمهر المثل للمشتري، لأنه وجب بالوطئ في
ملكن، وإن وطئ قبل البيع فللبائع.
السادسة: قد سبق أنه يجوز أن يزوج أمته بعبده، ولا مهر، لأن السيد لا
يثبت له دين على عبده، ولهذا لو أتلف ماله لم يقتض ضمانا في الحال ولا بعد
العتق. قال الشيخ أبو علي: وهل نقول: وجب المهر لحرمة النكاح ثم سقط،
أم لم يجب أصلا؟ فيه وجهان.
ولو أعتقها أو أحدهما، فلا مهر لا للسيد ولا للمعتقة وإن جرى الدخول بعد
العتق، وكذا لو باعها ودخل الزوج بها في ملك المشتري، فلا مهر، لأنه ملك
بضعها أولا بلا مهر، وفيه احتمال للشيخ أبي علي على قولنا: لا يجب بالعقد أصلا.
551

قال: ولا يجئ الاحتمال على قولنا: يجب ثم يسقط، لأنه كالمقبوض.
فصل إذا قال لامته: أعتقتك على أن تنكحيني، أو على أن أنكحك، لم
تعتق إلا بالقبول (على الاتصال). وسواء قال مع ذلك: وعتقك صداقك أو لم يقل.
ولو قالت ابتداء أعتقني على أن أنكحك، فأجابها إليه، فكذلك، ثم لا
يلزمها الوفاء، لأن النكاح لا يصح التزامه في الذمة. وفي شرح مختصر الجويني
وجه، عن أبي إسحاق، أنه يلزمها الوفاء، وهو شاذ لا التفات إليه، والصواب
الأول، ويلزمها قيمتها للسيد، لأنه أعتقها على عوض لم يسلم، فصار كإعتاقها على خمر، وسواء في لزوم القيمة وفت بالنكاح المشروط أو لم تف.
ولو رغبت في النكاح، فللسيد أن يمتنع ولا تسقط القيمة بذلك.
ولو تراضيا على النكاح وأصدقها غير القيمة، فلها ما أصدقها وله عليها
القيمة، وقد يقع التقاص. وإن أصدقها القيمة، فإن علماها عند العقد، صح
الاصداق، وبرئت ذمتها. وإن جهلاها جميعا أو أحدهما، فوجهان. أصحهما:
فساد الصداق كسائر المجهولات. فعلى هذا، لها مهر المثل وعليها القيمة. والثاني
وبه قال ابن خيران: يصح، لأن القيمة لم تثبت مقصودة، وكما لو أصدقها عبدا
جهلا قيمته.
ولو أتلفت امرأة على رجل عبدا، فتزوجها بقيمته المجهولة، فسد الصداق
قطعا، ورجعت إلى مهر المثل. قال الامام: ولو طرد الوجهان هنا لكان قياسا، ولو
نكحها المعتق على أن يكون عتقها صداقها، فسد الصداق لأن العتق قد تقرر فلا
يكون صداقا لنكاح متأخر. وفي الرقم للعبادي وجه، أنه يصح، وكأنه بالشرط جعل
رقبتها صداقا، والصحيح الأول. والمستولدة، والمدبرة، والمكاتبة، والمعتق
بعضها، حكمهن في الاعتاق على أن ينكحنه حكم القنة. وحكى ابن القطان
وجها، أنه لا قيمة على المستولدة لأنها لا تباع. ولو قال لغيره: أعتق عبدك عني
على أن أنكحك بنتي، فأجاب، أو قالت امرأة: أعتقه على أن أنكحك، ففعل،
عتق العبد، ولم يلزم الوفاء بالنكاح. وفي وجوب قيمة العبد، وجهان بناء على
552

القولين فيما لو قال: أعتق عبدك عنك على ألف علي، هل يلزمه الألف أم
لا؟ أصحهما عند الشيخ أبي حامد والبغوي وغيرهما: أنه لا يلزمه، إذ لا يعود إليه
نفع بعتقه.
ولو قال لأمتي: أعتقتك على أن تنكحي زيدا، فقبلت، ففي وجوب القيمة
وجهان حكاهما الحناطي
. فرع قالت لعبدها: أعتقك على أن تنكحني، ففي افتقار عتقه إلى قبوله
وجهان. أحدهما: نعم. فإذا قبل، عتق ولزمه قيمته، ولا يلزمه الوفاء.
وأصحهما: لا، بل يعتق بلا قبول ولا شئ عليه.
فرع إذا لم يأمن السيد وفاءها بالنكاح ولم يرد العتق إن لم تنكحه، فهل
لذلك طريق يثق به؟ وجهان.
أحدهما: نعم. قال ابن خيران: وطريقه أن يقول: إن كان في علم الله
تعالى أن أنكحك أو تنكحيني بعد عتقك، فأنت حرة. فإن رغبت وجرى النكاح
بينهما، عتقت وحصل غرض السيد، وإلا استمر الرق. ونسب الامام هذا الوجه
إلى صاحب التقريب، وعبارته في هذا التعليق: إن يسر الله تعالى بيننا نكاحا فأنت
حرة قبله بيوم، فإذا مضى يوم ونكحته، انعقد النكاح وتبين حصول العتق قبله بيوم،
وذكر اليوم جرى تمثيلا، ويكفي أن يقول: فأنت حرة قبل.
553

والوجه الثاني وبه قال أكثر الأصحاب: لا يصح النكاح في هذه الصورة، ولا
يحصل العتق لأنه حال العتق شاك، هل هي حرة أو أمة كما إذا قال لامته: إن
دخلت الدار فأنت حرة قبله بشهر، وأراد أن ينكحها في الحال، لا يصح.
الطرف الثاني: في نكاح العبد وفيه مسائل.
إحداها: المهر والنفقة لازمان في نكاح العبد لزومهما في نكاح الحر.
وبما يتعلقان؟ نظر هل العبد محجور عليه أم مأذون له في التجارة؟ فهما
حالان.
الأول: المحجور عليه، فينظر، أمكتسب هو أم لا؟ إن كان مكتسبا تعلقا
بكسبه، ويتعلقان بالكسب العام كالاصطياد والاحتطاب وما يحصله بصنعة
وحرفة، وبالأكساب النادرة كالحاصلة بالوصية والهبة. وفي وجه: لا يتعلقان
بالنادر. والصحيح الأول، وإنما يتعلقان بما كسب بعد النكاح. فإن كان المهر
مؤجلا، لم يتعلقا إلا بما كسبه بعد حلول الأجل.
وهل للعبد أن يؤجر نفسه للمهر والنفقة؟ وجهان بناء على بيع المستأجر. إن
جوزناه، جاز، وإلا، فلا لئلا يمنع البيع على السيد. قال المتولي: والوجهان في
إجارة العين. فأما إذا التزم عملا في الذمة، فالمذهب جوازه، لأنه دين في ذمته لا
يمنع البيع.
وطريق الصرف إلى المهر والنفقة، أن ينظر في الحاصل كل يوم فيؤدي منه
النفقة إن وفى بها، فإن فضل شئ صرف إلى المهر، وهكذا كل يوم حتى يتم
المهر، فإذا تم، صرف الفاضل عن النفقة إلى السيد، ولا يدخر للنفقة.
وإن لم يكن مكتسبا، فهو في ذمة العبد، أم في رقبته، أم على السيد؟ فيه
ثلاثة أقوال. أظهرها الأول. وطرد القاضي أبو حامد القول الثاني في المكتسب.
554

الحال الثاني: أن يكون مأذونا له في التجارة، فالمهر والنفقة يتعلقان بربح ما
في يده، لأنه كسبه، ويتعلقان برأس المال على الأصح.
وفي الربح الذي يتعلقان به وجهان. أحدهما: الحاصل بعد النكاح فقط،
كما في كسب غير المأذون له. وأصحهما: يتعلق به وبالحاصل قبل النكاح أيضا،
هذا كله في المهر الذي تناوله الاذن. أما لو قدر السيد مهرا، فزاد العبد، فالزيادة
لا تتعلق إلا بالذمة.
المسألة الثانية: يجب على السيد تخلية العبد بالليل للاستمتاع، وله أن
يستخدمه نهارا إذا تكفل بالمهر والنفقة، وإلا فعليه أن يخليه ليكتسب. فإن
استخدمه ولم يلتزم شيئا، لزمه الغرم لما استخدمه.
وفيما يغرمه وجهان. أصحهما: أقل الأمرين من أجرة المثل وكمال المهر
والنفقة. والثاني: كمال المهر والنفقة. وعلى الوجهين في المراد بالنفقة وجهان.
الصحيح: نفقة مدة الاستخدام. والثاني: نفقة مدة النكاح ما امتدت، لأنه ربما
كان يكسب ما يفي بجميع ذلك. ولو استخدمه أجنبي، لم يلزمه إلا أجرة المثل،
لأنه لم يوجد منه إلا الاتلاف، ولم يسبق منه ما سبق من السيد، وهو الاذن المقتضي
لالتزام مؤن النكاح.
(المسألة) الثالثة: للسيد أن يسافر بالعبد وإن تضمن منعه من الاستمتاع، لأنه مالك
الرقبة، كما يسافر بالأمة المزوجة، ثم للعبد أن يسافر بزوجته معه.
قال البغوي: ويكون الكراء في كسبه. فإن لم تخرج الزوجة معه، أو كانت
رقيقة فمنعها سيدها، سقطت نفقتها. وإن لم يطالبها الزوج بالخروج، فالنفقة
بحالها، والسيد يتكفل بها، فإن لم يفعل، ففيما يغرمه في مدة السفر الخلاف
السابق. هذا هو المنقول في الطرق، ونص عليه في المختصر. ونقل الامام عن
العراقيين، أنه (ليس) للسيد استخدامه، ولا أن يسافر به ما بقيت عليه مؤنة من مؤن
555

النكاح، وجعل المسألة ذات خلاف للأصحاب، ولا يكاد يتحقق فيها خلاف.
فرع أكثر ما ذكرناه في هذه المسائل متفرع على القول الجديد، وهو أنه
إذا أجرى النكاح بإذن السيد، لا يصير ضامنا بالاذن للمهر والنفقة، لأنه لم يلتزمه
تصريحا و (لا) تعريضا. وقال في القديم: يصير ضامنا بالاذن ملتزما المهر والنفقة.
واتفق الأصحاب على أن الجديد هو الأظهر. فعلى الجديد: لو أذن بشرط الضمان
لم يصر ضامنا أيضا، لأنه لا وجوب عند الاذن. وإذا قلنا بالقديم، فهل يجب على
السيد ابتداء، أم يلاقي العبد ثم يحمل عنه السيد؟ وجهان حكاهما أبو الفرج الزاز.
فعلى الأول: لا تتوجه المطالبة إلا على السيد.
ولو أبرأت العبد، فهو لغو. وعلى الثاني: تتوجه المطالبة عليهما، ويصح
إبراء العبد، ويبرأ به السيد. وصحح أبو الفرج الوجه الثاني، وقطع البغوي
بالأول، وكلام الامام يقرب منه.
فرع في فتاوى القاضي حسين، أنه لو زوج أمته عبده، فنفقة الأمة على
السيد كنفقة العبد. فلو أعتقها السيد وأولادها، سقطت نفقتهم عنه، وتعلقت نفقتها
بكسب العبد، وعليها نفقة الأولاد إن كانت موسرة، وإلا ففي بيت المال.
ولو أعتق العبد دونها، سقطت نفقتهما عنه، وكانت نفقة الأمة على العتيق كحر
تزوج أمة غيره.
المسألة الرابعة: هذا الذي سبق حكم المهر في النكاح الصحيح.
وأما المهر في النكاح الفاسد، فله صورتان.
إحداهما: إذا فسد نكاح العبد لجريانه بغير إذن سيده، فرق بينه وبين
المرأة، فإن دخل بها قبل التفريق، فلا حد للشبهة، ويجب مهر المثل. وهل يتعلق
بذمته لكونه وجب برضى مستحقه، أم برقبته لأنه إتلاف؟ فيه قولان. أظهرهما:
الأول، ومنهم من قطع به. وإن جرى النكاح بغير إذن مستحق المهر، بأن نكح أمة
بغير إذن سيدها ووطئها، فطريقان. أحدهما: القطع بتعلقه بالرقبة، وبه قال ابن
الحداد، كما لو أكره أمة أو حرة على الزنا. والثاني: طرد القولين، لأن المهر وإن
556

كان لغيرها فيمكنها إسقاطه في الجملة بإرضاع أو ردة.
الثانية: أذن سيده في النكاح، فنكح نكاحا فاسدا ودخل بها قبل التفريق فهل
يتعلق المهر بذمته، أم برقبته، أم بكسبه؟ أقوال. أظهرها الأول.
ولو نكح بالاذن صحيحا، لكن فسد المهر، قال الصيدلاني: تعلق مهر المثل
بالكسب قطعا. ولو صرح بالاذن في نكاح فاسد ووجب مهر المثل، فقياس هذه
الصور تعلقه بالكسب.
فرع في فتاوى القاضي حسين أنه لو اختلف السيد والعبد في الاذن في
النكاح، فقال السيد: ما أذنت، فالوجه أن تدعي المرأة على السيد أن كسب هذا
العبد مستحق لي لمهري ونفقتي ليسمع القاضي البينة.
فصل سبق في باب موانع النكاح أنه متى ملك أحد الزوجين جزءا من
الآخر، انفسخ النكاح.
فلو كان لرجل عبد في نكاحه أمة، فأعطاه مالا وقال: اشترها لي، ففعل،
صح واستمر النكاح، كما يجوز أن يزوج عبده بأمته. ولو ملكه المال فقال: اشترها
لنفسك، ففعل، فإن قلنا: يملك العبد بتمليك السيد، انفسخ النكاح، وإلا،
فالملك للسيد، والنكاح مستمر.
ولو اشترى من بعضه حر زوجته، نظر، إن اشتراها بالكسب المشترك بينهما
وبإذن سيده، ملك جزءا منها وانفسخ النكاح. وإن لم يأذن السيد، لم يصح في
نصيبه، وفي نصيب العبد قولا تفريق الصفقة. إن صح فيه، انفسخ النكاح. (وإن
اشتراها بخالص ماله، انفسخ النكاح) وإن اشتراها بخالص مال سيده من كسبه بإذنه،
لم ينفسخ، وهكذا الحكم لو اشترت من بعضها حر زوجها.
557

فرع: متى ملكت زوجها بشراء أو هبة وغيرهما، نظر، إن كان قبل
الدخول، فهل يسقط كل المهر، أم نصفه؟ وجهان. وقيل: قولان. أصحهما:
كله، ومنهم من قطع به. وإن كان بعد الدخول، لم يسقط شئ من المهر
بالانفساخ. فإن كانت قبضته، لم ترد شيئا منه، وإلا فقد ملكت عبدا لها في ذمته
دين، وفيه وجهان سبقا في كتاب الرهن وغيره.
أحدهما: يسقط كما لا يثبت له على عبده دين ابتداء. وأصحهما: يبقى،
لأن الدوام أقوى من الابتداء. فإن قلنا: يسقط، برئت ذمة العبد من المهر، وللبائع
الثمن عليها، وإن قلنا: يبقى، فلها مطالبة العبد إذا عتق، وللبائع الثمن عليها في
الحال. فإن كان السيد البائع وضمن المهر، فلها عليه المهر بالضمان، وله
عليها الثمن وقد يقع التقاص. أما إذا ملك زوجته بالشراء، فينظر، إن ملكها بعد
المسيس، فعليه المهر للبائع مع الثمن. وإن ملكها قبله، فالمذهب وهو نصه: أنه
يجب نصف المهر. وقيل: لا يجب شئ.
ولو نكح جارية مورثه كأبيه، ثم ملك بالإرث كلها أو بعضها، فإن كان بعد
الدخول، لم يسقط المهر بالانفساخ لاستقراره وهو تركه للميت. فإن احتيج إليه
لقضاء دين وتنفيذ وصية، فعل، وإلا سقط إن كان الناكح حائزا، وإلا فلغيره من
الورثة استيفاء نصيبه. وإن كان قبل الدخول، فوجهان. أحدهما قاله ابن الحداد:
يسقط جميع المهر فيسترده، من التركة إن كان قبض. وأصحهما: لا يسقط إلا
النصف. فعلى هذا: إن كان حائزا، سقط النصف الآخر لأنه مستحقه، وإلا سقط
نصيبه وللآخر نصيبه.
ولو زوج رجل بنته بعبد بإذنها، ثم مات فورثت بعض زوجها، فإن كان بعد
الدخول، فقسط ما ورثته من المهر دين لها على مملوكها، ولها المطالبة بالباقي من
كسب ما ترث منه. وإن كان قبل الدخول، فعلى قول ابن الحداد: يسقط جميع
المهر. وعلى الأصح: لا يسقط إلا النصف، وحكم النصف الباقي حكم الجميع
بعد الدخول، وجميع ما ذكرناه إذا اشترت زوجها بغير الصداق. فلو اشترته بعين
558

الصداق، فيقدم عليه مقدمتين. إحداهما: إذا نكح العبد نكاحا صحيحا وقلنا: لا
يصير السيد ضامنا للمهر بالعقد. فلو ضمن عنه، جاز، لأنه ضمان دين لازم. ثم
إن كان العبد كسوبا، فللزوجة مطالبة العبد والسيد جميعا، وإلا، فلا يطالب
السيد، وكذا الحكم لو طلقها بعد الدخول والمهر (غير) مقبوض. وإن طلقها قبل
الدخول، سقط نصف المهر عنها، ومطالبتها بالنصف الآخر على التفصيل
المذكور. فإن كانت قبضت المهر، ردت نصفه على السيد إن بقي الزوج على الرق
عند الطلاق. فإن كان أعتقه، فعلى الزوج.
الثانية: صورة البيع بعين الصداق، أن يلتزم السيد الصداق، إما بأصل العقد
على القديم، وإما بالضمان اللاحق على الجديد، ويصرح المتبايعان بالإضافة
إليه، بأن يقول سيد العبد لزوجته الحرة: بعتك زوجك بصداقك الذي يلزمني وهو
كذا، فتشتري. أما إذا صرحا بالمغايرة أو طلقا، فهو بيع بغير الصداق.
مثاله: كان الصداق ألفا، فقال: بعتك بألف غير الصداق، أو بألفين، أو
أطلق فقال: بعتك بألف.
ولو اختلف جنس الصداق، فلا شك في المغايرة. ولو دفع عينا إلى عبده
ليجعلها صداق من ينكحها، ففعل، ثم باعها العبد بتلك العين، فهو بيع بالعين.
إذا عرفت المقدمتين، فالبيع بعين الصداق، إما أن يجري قبل الدخول، وإما
بعده.
الحالة الأولى: أن يجري قبله. فإن قلنا بالأصح: إنه يسقط كل المهر، لم
يصح البيع، بل يستمر النكاح، لأنه لو صح البيع لملكت زوجها وانفسخ النكاح
وسقط المهر، وعري البيع عن العوض وبطل، فتصحيحه يؤدي إلى بطلانه، هذا ما
نص عليه الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى. وقال الشيخ أبو علي: يجب
عندي أن يصح البيع ويبطل النكاح، لأن البيع وارتفاع النكاح لا يقعان معا، بل
يكون الفسخ بعد البيع وحصول الملك حتى لا يحكم بانفساخ النكاح ما داما في
المجلس، إن قلنا: إن الخيار يمنع حصول الملك للمشتري. وإذا كان الانفساخ
عقيب البيع والملك، كان في زوال ملكها عن الصداق مع حصول ملكها في الرقبة،
فلا يبطل الثمن بالانفساخ، بل أثر الانفساخ الرجوع إلى بدل الصداق، وهذا الذي
559

قاله أبو علي، نقله المتولي وجها. وإن قلنا: إن تملكها الزوج قبل الدخول،
يقتضي تنصيف المهر، بني على خلاف سنذكره في الحالة الثانية إن شاء الله تعالى،
وهي إذا جرى بعد الدخول. فإن لم نصحح البيع هناك، فكذا هنا، وإلا بطل البيع
هنا في نصف العبد، ويخرج في الباقي على تفريق الصفقة. فإن فرقنا، انفسخ
النكاح. هذا قول الجمهور، وعلى قول الشيخ أبي علي: يصح البيع في جميعه لا
محالة.
الحالة الثانية: أن يجري البيع بعين الصداق بعد الدخول، فيبنى على
الخلاف في أن من ملك عبدا له عليه دين، هل يسقط ذلك الدين؟ إن قلنا
بالأصح: إنه لا يسقط، صح البيع، وتصير مستوفية للمهر المستقر بالدخول، ولا
شئ لواحد من المتبايعين على الآخر. وإن قلنا: يسقط وتبرأ ذمة العبد، فهل يصح
البيع أم لا؟ وجهان. أصحهما: الصحة، وبه قطع الشيخ أبو حامد، ونقله القفال
عن شيوخ الأصحاب، إذ ليس هو كما قبل الدخول، فإن سقوط المهر هناك بانفساخ
النكاح، بدليل أنه لو كان مقبوضا، وجب رده فلا يمكن جعله ثمنا، وهنا السقوط
بحدوث الملك. وإذا جعل ثمنا، فكأنها استوفت الصداق قبل لزوم البيع، فليس
لها بعدما ملكت الزوج صداق في رقبته حتى يسقط، وجميع ما ذكرناه فيما إذا
اشترت زوجها وهي حرة. فأما إذا كانت أمة فاشترته بإذن سيدها، أو كانت مأذونا لها
في التجارة فاشترته للتجارة، فيصح البيع ويستمر النكاح، سواء كان قبل الدخول أو
بعدل، وسواء اشترت بعين الصداق أم بغيره، لأن الملك للسيد، لكن إذا اشترته
بعين الصداق، برئ السيد والعبد، لأن الكفيل إذا أدى برئ الأصيل، ولا رجوع
للسيد على العبد كما لو ضمن عنه دينا آخر أداه في رقه (وإن) اشترته بغير الصداق،
ففي سقوط الصداق على العبد لكون سيدها ملكه وله عليه دين الوجهان المتكرران،
فإن سقط، برئ سيده البائع عن الضمان لبراءة الأصيل، ويبقى الثمن بحكم
الشراء، وإلا، فلسيد الأمة على بائع العبد الصداق، وللبائع عليه الثمن، وقد يقع
التقاص، فإذا تقاصا، برئت ذمة العبد عن حق المشتري لأنه بالتقاص استوفى حقه
من البائع.
560

فصل في مسائل من الدور الحكمي عادة الأصحاب ذكر هذه المسائل
هنا. والمسائل التي يقع فيها الدور نوعان.
أحدهما: ينشأ الدور فيه من محض حكم الشرع، كما ذكرنا فيما إذا اشترت
زوجها قبل الدخول بالصداق الذي ضمنه السيد، فإنه لو صح البيع ثبت الملك.
وإذا ثبت الملك، انفسخ النكاح، وإذا انفسخ، سقط المهر المجعول ثمنا، وإذا
سقط، فسد البيع، فهذه الأحكام المرتبة ولدت الدور.
والثاني: ينشأ الدور فيه من لفظة يذكرها الشخص، كما في مسألة دور
الطلاق، وعندها نذكر إن شاء الله تعالى أكثر مسائل الدور اللفظي. والذي نذكره
هنا، خمس مسائل من الدور الحكمي.
إحداها: أعتق أمته في مرض موته ونكحها على مهر سماه، نظر، إن لم
يخرج من الثلث، فحكمه ما ذكرناه في المسائل الدورية في كتاب الوصايا وإن
خرجت، نظر إن كانت قدر الثلث بلا مزيد، بأن كانت قيمتها مائة (و) له مائتان
سواها، فالنكاح صحيح. ثم إن لم يجر دخول، فلا مهر لها لأنه لو ثبت المهر لكان
دينا على الميت، وحينئذ لا تخرج من الثلث، ويرقه بعضها، وحينئذ يبطل النكاح
والمهر، فإثباته يؤدي إلى إسقاط، فيسقط. وإن جرى دخول، فقد ذكرنا حكمه في
كتاب الوصايا وسواء دخل أم لا، فلا ترث بالزوجية، لأن عتقها وصية، والوصية
والإرث لا يجتمعان. فلو أثبتنا الإرث، لزم إبطال الوصية وهي العتق، وإذا بطل
بطلت الزوجية وبطل الإرث. وإن كانت الأمة دون الثلث، فقد تمكنها المطالبة
بالمهر لخروجها من الثلث بعد الدين، وهذا كله تفريع على أنه يجوز للمعتق في
مرض الموت نكاحها، وهو الصحيح. وحكى الحناطي والشيخ أبو علي وجها أنه لا
يجوز وهو كما حكيناه من قبل عن ابن الحداد، أن المعتقة في مرض الموت نكاحها
لا يجوز لقرينها لاحتمال أن لا يخرج من الثلث عند الموت.
561

المسألة الثانية: زوج أمته عبد غيره، وقبض الصداق وأتلفه بإنفاق وغيره، ثم
أعتقها في مرض موته، أو أوصى بعتقها، فأعتقت وهي ثلث ماله، وكان ذلك قبل
الدخول، فليس لها خيار العتق، لأنها لو فسخت النكاح لوجب رد المهر من تركة
السيد، وحينئذ لا يخرج كلها من الثلث. وإذا بقي الرق في البعض، لم يثبت
الخيار، فإثبات الخيار يؤدي إلى إسقاطه، وكذا الحكم لو لم يتلف الصداق وكانت
الأمة ثلث ماله مع الصداق.
ولو خرجت من الثلث دون الصداق، أو اتفق ذلك بعد الدخول، فلها
الخيار.
ولو كانت المسألة بحالها، إلا أن الاعتاق وجد من وارثه بعد موت السيد،
نظر، إن كان الوارث معسرا، فلا خيار لها، لأنها لو فسخت لزم رد المهر من تركة
الميت. وإذا كان على الميت دين، لم ننفذ إعتاق الوارث المعسر على الصحيح.
وإذا لم ينفذ الاعتاق، لم يثبت الخيار. وإن كان الوارث موسرا، فقد ذكرنا في كتاب
الرهن خلافا في أن الوارث الموسر إذا أعتق عبد التركة وعلى الميت دين، هل
ينفذ العتق في الحال، أم يتوقف نفوذه على وصول دين الغرماء؟ فإن قلنا: ينفذ في
الحال وهو الأصح، عتقت ولها الخيار. فإن فسخت، غرم الوارث لسيد العبد أقل الأمرين
من الصداق وقيمة الأمة، كما لو مات وعليه دين وله عبد فأعتقه وارثه
الموسر، يلزمه أقل الأمرين من الدين وقيمة العبد.
ولو كان على الميت دين، فالقيمة التي يغرمها الوارث يتضارب فيها سيد العبد
والغرماء.
(المسألة) الثالثة: مات عن أخ وعبدين، والأخ هو الوارث في الظاهر، فأعتق الأخ
العبدين، ثم ادعت امرأة أنها زوجة الميت، وادعى ابنها أنه ابن الميت، فشهد
المعتقان لهما، ثبتت الزوجية والنسب، ولا يرث الابن، إذ لو ورث لحجب الأخ
وبطل إعتاقه وبطلت شهادتهما، وحينئذ تبطل الزوجية والنسب. وفيه وجه: أنه
لا يثبت أيضا، والصحيح الأول.
562

ولو شهدا بنسب بنت، نظر، إن كان الأخ معسرا يوم الاعتاق، لم ترث
البنت، إذ لو ورثت لرق نصيبها وبطلت الشهادة. وإن كان موسرا، فإن عجلنا
السراية بنفس الاعتاق، ورثت لكمال العتق يوم الشهادة. وإن قلنا: لا تحصل
السراية إلا بأداء القيمة، لم ترث لأن توريثها يمنع كمال العتق يوم الشهادة.
وحكم الزوجة في الإرث حكم البنت، فينظر إلى إعسار الأخ ويساره كما
ذكرنا.
(المسألة) الرابعة: أوصى لرجل بابنه، ومات الموصى له بعد موت الموصي وقبل
القبول، ووارثه أخوه، وقبل الوصية، وقد سبق بيان هذه المسألة في آخر الباب
الأول من كتاب الوصايا.
(المسألة) الخامسة: اشترى في مرض الموت من يعتق عليه كابنه، عتق من الثلث
ولا يرث، إذ لو ورث لكان العتق أو النسب إليه بالشراء وصية للوارث، فيبطل. وإذا
امتنع العتق، امتنع الإرث. وحكى الأستاذ أبو منصور وجها أنه يرث، ووجها أنه لا
يصح الشراء، والصحيح الأول. ولو ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض، كهبة
وارث، فهل يرث؟ وجهان بناء على أنه يعتق من الثلث أو من رأس المال، وقد
ذكرنا ذلك في كتاب الوصايا وبالتوريث قال ابن سريج، واختاره الشيخ أبو
حامد
. فرع ذكر الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني رحمه الله في مختصر جمعه في
المسائل الدورية، أنه لو شهد اثنان بعتق عبد، وحكم الحاكم بشهادتهما، ثم جاء
العبد مع آخر فشهدا بجرح الشاهدين، لم يقبل. وأنه لو أعتق عبدين في مرض موته
هما ثلث ماله، فشهدا على الميت بوصية أو بإعتاق وعليه دين أو زكاة، لم يقبل ولو
شهدا أنه نكح امرأة على مهر، كذا حكى عن بعض الأصحاب أنه لا تقبل
شهادتهما، قال: ويحتمل أن يقبل في النكاح ولا مهر، وأنه لو أعتق عبدين له
فشهدا أنه كان محجورا عليه لسفه، لم تقبل شهادتهما. وأنه لو ادعى أنه ابن فلان
563

وقد مات، ووارثه في الظاهر أخوه، فأنكر ونكل، فحلف المدعي، ثبت النسب
ولا يرث، وهذا تفريع على أن اليمين المردودة مع النكول كالاقرار. أما إذا قلنا:
إنها كالبينة، فيرث. وإنه لو ورث عبدين يعتقان عليه ثم مات وورثاه، أقر
بدين على الميت الأول يستغرق تركته، لم يثبت الدين بإقرارهما.
وأنه لو أعتق أمة في مرض موته وهي ثلث ماله فادعت أنه وطئها بشبهة، أو
أنه استأجرها وعليه أجرتها، لم تسمع دعواها.
وأنه لو ورث من زوجته عبدين وأعتقهما، ثم شهدا بالفرقة قبل الموت بردة أو
طلاق، لم تقبل شهادتهما.
وأنه لو كان في يد عبده مال، فأخذه واشترى به عبدين وأعتقهما فشهدا عليه
بأنه أعتقه قبل ذلك، لم يقبل.
وأنه لو مات ووارثه في الظاهر أخوه، فأعتق عبدا من التركة، وولي العتيق
القضاء، فجاء مجهول وادعى أنه ابن الميت، وأقام شاهدين، لم يقبل هذا الحاكم
شهادتهما، ولم يحكم بقولهما، هكذا ذكروه، وكان يجوز أن يقال: يحكم
بشهادتهما ويثبت النسب دون الإرث. كما لو أعتق الأخ في هذه الصورة عبدين
وشهدا ببنوة المدعي، وحينئذ فلا يؤثر نسبه في العتق والقضاء.
وأنه لو ورث عبدا من مورثه المقتول وأعتقه وولي العتيق القضاء، فجاء إليه
الوارث وادعى على قاتله القصاص فقال (قتلته) وهو مرتد وأقام عليه شاهدين، لم
يحكم هذا الحاكم بشهادتهما. ومن هذا القبيل، لو أعتق عبدين، فجاء رجل
وادعى أنه كان غصب العبدين وشهدا له، لم تقبل شهادتهما. وفي التهذيب
أنه لو ملك رجل أخاه ثم أقر في مرض موته أنه أعتقه في صحته، كان العتق نافذا
وهل يرثه؟ إن صححنا الاقرار للوارث، ورث، وإلا، فلا.
فرع قال الغزالي في مجموعه غاية الغور في دراية الدور: المسائل الدائرة
لا بد فيها من قطع الدور. وفي قطعه ثلاثة مسالك: تارة يقطع من أوله، وتارة من
564

وسطه، وتارة من آخره، وذلك بحسب قوة بعض الأحكام وبعده عن الدفع،
وضعف بعضها وقربه للدفع.
مثال القطع من أوله: بيع العبد لزوجته الحرة قبل الدخول بصداقها الثابت في
ذمة السيد، فإنا حكمنا بفساد البيع، وقطعنا الدور من أصله، لم نقل: يصح
البيع، ولا ينفسخ النكاح، أو ينفسخ ولا يسقط الصداق، وسببه أن البيع اختياري،
وحصول الانفساخ بالملك قهري، وكذا سقوط الصداق بالانفساخ، وما يختاره
الانسان من التصرفات، يصح تارة ويفسد أخرى، وما يثبت قهرا يبعد دفعه بعد
حصول سببه، فكان البيع أولى بالدفع من غيره.
ومثال القطع من الوسط: المسألة الثانية من المسائل السابقة، فإنا لم نقطع
الدور من أوله بأن نقول: لا يحصل العتق ولا من آخره، بأن نقول: لا يزيد المهر
حتى لا تضيق التركة، ولكن قطعناه من وسطه فقلنا: لا يثبت الخيار، وسببه أن
سقوط المهر عند الفسخ قهري يبعد دفعه، والخيار أولى بالدفع من العتق، لان
العتق أقوى. ألا ترى أنه لا يسقط بعد ثبوته، والخيار يسقط بعد ثبوته بالاسقاط
وبالتقصير.
ومثال القطع من الآخر: المسألة الأولى من الخمس، فإنا لم نقطع
الدور من الأول بأن نقول: لا يحصل العتق، ولا من آخر، بأن نقول: لا يزيد المهر
وحتى لا تضيق التركة، ولكن قطعناه من وسط فقلنا: لا يثبت الخيار، وسببه أن
سقوط المهر عند الفسح قهري يبعد دفعه، والخيار أولى بالدفع من العتق، لان
العتق أقرى. ألا ترى أنه لا يسقط بعد ثبوته، والخيار يسقط بعد ثبوته، والخيار يسقط بعد ثبوته بالاسقاط
وبالتقصير.
ومثال القطع من الآخر: المسألة الأولى من الخمس، فإنا لم نقطع الدور من
الأول بأن نقول: لا يحصل العتق، ولا من الوسط بأن نقول: لا يصح النكاح،
لكن قطعناه من الآخر فقلنا: ليس لها المهر. ويمكن أن يقال: سببه أن العتق له قوة
السرعة والسراية، فلا يدفع، والنكاح أقوى من المهر المسمى فيه، فإن ثبوت
النكاح يستغني عن المهر بدليل المفوضة، والمسمى مهرا لا يثبت من غير ثبوت
النكاح. وعد من هذا القسم الثالث، أما إذا قال لزوجته: إن انفسخ النكاح بيني
وبينك فأنت طالق قبله ثلاثا، ثم اشتراها، أو جرى رضاع أو ردة، فلا يقطع الدور
من أوله بأن نقول: (لا ينفسخ النكاح، لكن يقطع من آخره، بأن نقول) ينفسخ ولا
يقع الطلاق، وربما نعود إلى هذه المسألة في مسائل الطلاق والدور فيها لفظي.
فصل لا يجوز للعبد التسري، لأنه لا يملك، فإن ملكه سيده جارية وقلنا
بالجديد: إنه لا يملك، لم يحل له وطؤها ولو أذن السيد، فلو استولدها، كان الولد
ملكا للسيد. وإن قلنا بالقديم: إنه يملك، فقد ذكرنا في كتاب البيع أن المذهب
565

أنه يتسرى بإذن السيد، ولا يتسرى بغير إذنه. لكن لو وطء، لم يحد لشبهة
الملك. ولو استولدها، فالولد ملك له، لكن لا يعتق عليه لضعف ملكه، وتعلق
حق السيد به. فإن عتق، عتق الولد أيضا، وحكم المدبر والمعلق عتقه بصفة حكم
القن في هذا. ومن بعضه حر إذا اشترى جارية بما كسبه بحريته ملكها، لكن لا
يطؤها بغير إذن السيد، لأن بعضه مملوك والوطئ يقع بجميع بدنه، ولا يختص
بالبعض الحر. ومال ابن الصباغ إلى أنه لا حاجة إلى إذن السيد، كما أنه يأكل كسبه
ويتصرف فيه. فإن أذن السيد وقلنا: لا بد من إذنه، فعلى القديم: يجوز. وعلى
الجديد: لا يجوز، لأن ما فيه من الملك يمنع التسري، والمكاتب لا يتسرى بغير
إذن السيد، وبإذنه قولان كتبرعاته.
الباب الثاني عشر
في اختلاف الزوجين في النكاح
وفيه مسائل.
المسألة الأولى: إذا ادعى زوجية امرأة، سمعت دعواه عليها وإن كان العاقد هو
الولي لأن إقرارها مقبول، وفيه خلاف سبق في باب أحكام الأولياء.
وأما المرأة، فإن ادعت المهر في النكاح، أو ادعت النكاح، وطلبت حقا من
حقوقه، سمعت دعواها. وإن ادعت مجرد الزوجية، فوجهان، إن سمعت، أقامت
البينة، فإن أنكر، فهل إنكاره طلاق؟ فيه وجهان. إن قلنا: طلاق اندفع ما
يدعيه، ولا معنى لإقامة البينة، وستأتي هذه المسألة مبسوطة في كتاب الدعاوي
إن شاء الله تعالى.
المسألة الثانية: زوج إحدى بنتيه بعينها، ثم تنازعا، فلتنازعهما حالان.
أحدهما: تقول كل واحدة: أنا المزوجة، فمن صدقها الزوج، ثبت
نكاحها، والأخرى تدعي أنها زوجته وهو منكر، فالمذهب أنه يحلف لها. وقيل:
في تحليفه قولان. وينبغي أن يفصل، فإن ادعت زوجته وطلبت المهر، فالوجه
التحليف. وإن ادعت مجرد الزوجية، ففيه الخلاف في المسألة الأولى. فإن قلنا:
566

يحلف، فحلف، سقطت دعواها. وإن نكل، فحلفت، فهل اليمين المردود مع
النكول كالبينة؟ أم كالاقرار؟ قولان مشهوران. إن قلنا: كالبينة، فوجهان.
أحدهما: يثبت نكاح الثانية دون الأولى، كما لو أقامت بينة. قال الامام: وهذا
القائل يقول: ينتفي نكاح الأولى، ويحكم بانقطاع نكاح الثانية لانكار الزوج.
وأصحهما: استمرار نكاح الأولى، لأن اليمين المردودة إنما تجعل كالبينة في حق
المدعي والمدعى عليه، لا في حق غيرهما. وقد ثبت نكاح الأولى بتقارهما. وإن
قلنا: كالاقرار، فوجهان. أحدهما: يبطل النكاحان والصحيح استمرار نكاح
الأولى، كما لو أقر للأولى ثم أقر للثانية. وعلى هذا، فهل تستحق الثانية نصف
المهر، أم لا تستحق شيئا؟ قولان. أظهرهما: الأول.
الحال الثاني: تقول كل واحدة: لست بالمزوجة، بل صاحبتي، فيقال
للزوج: عين، فإذا عين، فقد أقر بأن الأخرى ليست زوجة له، فلا خصومة له
معها، والقول قول الأخرى مع يمينها. فإن لم تحلف، حلف الزوج وثبت النكاح.
وقيل: القول قول الزوج بيمينه لأن إحداهما زوجة، وهو أعلم بمحل حقه.
والصحيح الأول.
واعلم أن المسألة من فروع ابن الحداد، وأنه قيدها فقال: إذا مات الأب،
وكذا قيدها الغزالي. قال الشيخ أبو علي: هذا القيد فائدة فيه في الحالة الأولى،
لأنه لو كان حيا وعين إحداهما، لم يقبل قوله على الزوج، لكنه مفيد في الحالة
الثانية، لأنه إذا كان الأب حيا وهي مجبرة، راجعناه. فإن أقر بالنكاح على
إحداهما، قبل قوله، ولا يضر الزوج إنكارها. قال الامام: ويظهر في القياس أن لا
يقبل إقرارها ومعها مجبر حذرا من اختلاف الاقرارين، وإذا قبلنا إقرارها فاختلف
إقرارها وإقرار الولي، فيجوز أن يقال: الحكم للسابق، ويجوز أن يقال: يبطلان
جميعا، وقد ذكرنا وجهين في هذه المسألة في آخر الباب الثالث عن القفال الشاشي
والأودني، أن المقبول إقراره أم إقرارها؟ فحصل أربعة احتمالات. ولو زوج بنته من
أحد ابني رجل، وادعت هي على أحدهما أنه الزوج، فإن جردت دعوى النكاح،
فعلى ما سبق، وإن ادعت المهر، حلفته. فإن نكل، حلفت وأخذت نصف
المهر، وإن ادعى كل واحد مهما أنها امرأته، فأقرت لأحدهما، ثبت نكاحه، وهل
للآخر تحليفها؟ قولان على ما ذكرنا فيمن زوجها وليان بشخصين.
567

المسألة الثالثة: شهدوا على رجل بنكاح امرأة بمهر معلوم وهو منكر، فحكم
بشهادتهم ثم رجعوا، هل يغرمون له؟ وجهان. أصحهما: نعم، وإنما يغرمون ما
فوتوا على الزوج وهو نصف المسمى. وإن قلنا: لا يغرمون، فذلك في قدر مهر
المثل، فإن زاد المسمى على مهر المثل، فحكم الزيادة في الرجوع حكم شهود المال
إذا رجعوا. ولو شهدوا على رجل بطلاق، ثم رجعوا، فهل يغرمون مهر المثل أم
نصفه، أم غير ذلك؟ فيه خلاف موضعه باب الرجوع عن الشهادة. وإذا ادعت
أنها في نكاح رجل بمهر معلوم، وشهد له شاهدان، ثم ادعت الإصابة واستقرار
المهر، فشهد على الإصابة أو على إقرار الزوج بها آخران، ثم ادعت أنه طلقها
وشهد بذلك آخران، وحكم بمقتضى الشهادات وأخذ منه المهر، ثم رجع الشهود
جميعا، فثلاثة أوجه.
أحدها: لا غرم على أحد منهم، لأن شهود النكاح والإصابة لم يوجد منهم إلا
إثبات ملك واستمتاع بملك، وشهود الطلاق لم يفوتوا عليه شيئا في زعمه، فإنه ينكر
النكاح، ولأنه إن كان نكاح فقد فوته بزعمه بإنكاره قبل شهادتهم.
والثاني: لا غرم على شهود النكاح والإصابة، ويغرم شهود الطلاق لأنهم فوتوا
ما ثبت بالأولين. فعلى هذا، في قدر غرمهم الخلاف الذي أحلناه على باب
الرجوع عن الشهادة وبهذا الوجه قال ابن الحداد، ووافقه طائفة.
والثالث: وهو أصحها: لا شئ على شهود الطلاق، لأنه ينكر أصل النكاح،
فكيف يطالبهم بضمان تفويته؟ بل النكاح لا يثبت مع إنكاره، فلا ينبغي أن تسمع
بينة الطلاق.
وأما شهود النكاح والإصابة، فإن أرخوا شهادتهم، فشهد هؤلاء أنه نكحها في
المحرم وأولئك أنه أصابها في صفر غرم الصنفان ما غرم الزوج بالسوية. وإن
أطلق شهود الإصابة شهادتهم، فنصف الغرم على شهود النكاح، ولا شئ على
شهود الإصابة، لجواز وقوعها في غير النكاح وكونها زنا، ولو شهدوا بالإصابة في
النكاح، فقد ألحق ذلك بما إذا أرخت الشهادتان.
568

وفي النهاية أنهم لو شهدوا بالنكاح ثم على الإصابة بعده، اشترك الصنفان
في غرم نصف المهر، والنصف الآخر مختص بغرم شهود الإصابة، والصورتان
متقاربتان، ولا يبعد التسوية بينهما في الحكم، ولم يقل أحد بتخصيص الغرم بشهود
الإصابة.
المسألة الرابعة: إذا زوجت برجل، ثم ادعت أن بينها وبينه محرمية، بأن قالت:
هو أخي من الرضاع، أو كنت زوجة أبيه، أو ابنه، أو وطئني أحدهما بشبهة،
نظر، أوقع التزويج برضاها أم لا؟
الحالة الأولى: زوجت برضاها به بأن كانت ثيبا، أو زوجها أخ أو عم، أو
زوجها المجبر برضاها، فلا يقبل دعواها والنكاح ماض على الصحة، لأن إذنها فيه
يتضمن حلها له، فلا يقبل نقيضه. لكن إن ذكرت عذرا كغلط أو نسيان، سمعت
دعواها على المذهب فتحلفه.
الحالة الثانية: زوجت بغير رضاها لكونها مجبرة، فوجهان.
أصحهما وبه قال ابن الحداد ونقله الامام عن معظم الأصحاب: أنه يقبل قولها
بيمينها، ويحكم باندفاع النكاح من أصله، لأن قولها محتمل ولم تعترف بنقيضه،
فصار كقولها في الابتداء: هو أخي لا يجوز تزويجها به.
والثاني قاله الشيخ أبو زيد واختاره الغزالي، وحكي عن اختيار ابن سريج: لا
يقبل قولها استدامة للنكاح الجاري على الصحة ظاهرا ولئلا تتخذه الفاسقات ذريعة
إلى الفراق.
واحتج الشيخ أبو علي للأول وهو الأصح عنده أيضا، فإن الشافعي رحمه الله
نص على أنه لو باع الحاكم عبدا أو عقارا على مالكه الغائب بسبب اقتضاه، ثم جاء
المالك وقال: كنت أعتقت العبد أو وقفت العقار أو بعته، صدق بيمينه، ونقض بيع
القاضي، ورد اليمين على المشتري، بخلاف ما لو باعه بنفسه أو توكيله، ثم ادعى
ذلك، فإنه لا يقبل لأنه سبق منه نقيضه، ومقتضى حكايته أنه لا خلاف في صورة بيع
569

الحاكم، لكن الامام حكى فيها قولين،
ولو زوج بنته أو أمته ثم ادعى الأب أو السيد محرمية بينها وبين الزوج، لم
يلتفت إلى قوله، لأن النكاح حق الزوجين. قال الشيخ أبو علي: ولو قال بعد
تزويجه أمته: كنت أعتقتها، حكم بعتقها، ولا يقبل قوله في النكاح، وكذا لو أجر
العبد ثم قال: كنت أعتقته، ويغرم للعبد أجرة مثله، لأنه أقر بإتلاف منافعه ظلما،
كمن باع عبدا ثم قال: كنت غصبته لا يقبل قوله في البيع، ويغرم قيمته للمقر له.
والخلاف في الحالة الثانية، في أنها هل تصدق بيمينها؟ وأما دعواها، فتسمع بلا
خلاف. ولو قامت بينة، حكم بها بلا خلاف. والكلام في الحالة الأولى، في رد
الدعوى من أصلها، وأن الاذن والرضى بالتزويج إنما يؤثر إذا أذنت في تزويجها
بشخص معين. أما إذا أذنت في النكاح مطلقا وقلنا: لا حاجة إلى تعيين الزوج،
فزوجها الولي برجل، ثم ادعت محرمية، فالحكم كما إذا زوجت مجبرة، لأنه ليس
فيه اعتراف بجهالة.
ولزوج الأخ البكر وهي ساكتة، اكتفي بصماتها على الأصح ثم ادعت
محرمية، قال الامام: الذي ارتضاه العراقيون، أن دعواها مسموعة. قال: لكن لا
تصدق بيمينها.
المسألة الخامسة: إذا زوج أمته ثم قال: كنت مجنونا أو محجورا علي وقت
تزويجها، وأنك) الزوج وقال: تزوجتها تزوجا صحيحا، فإن. لم يعهد السيد ما ادعاه
ولا بينة، فالقول قول الزوج بيمينه، لأن الظاهر صحة النكاح. وكذا لو قال
: زوجتها وأنا محرم، أو قال: لم تكن ملكي يومئذ ثم ملكتها، وكذا الحكم لو باع
عبدا ثم قال بعد البيع: بعته وأنا محجور علي، أو لم يكن ملكي ثم ملكته. وعن
570

نصه في الاملاء أنه لو زوج أخته ومات الزوج، فادعى ورثته أن أخاها زوجها بغير
إذنها وقالت: بل زوجني بإذني، فالقول قولها. ولك أن تقول: قد سبق ذكر وجهين
فيما لو ادعى أحد المتعاقدين صحة البيع والآخر فساده، فليجئ ذلك الخلاف في
هذه الصورة.
قلت: لم يذكره الأصحاب في هذه الصورة، ولا يصح مجيئه لأن الظاهر
الغالب في الأنكحة الاحتياط لها، وعقدها بشروطها وبحضرة الشهود وغيرهم
، بخلاف البيع فإن وقوعه فاسد كثير. والله أعلم.
ولو ادعت المنكوحة أنها زوجت بغير إذنها وهي معتبرة الاذن، ففي فتاوى
البغوي أنه لا يقبل قولها بعد ما دخلت عليه وأقامت معه، كأنه جعل الدخول بمنزلة
الرضى.
أما إذا عهد للسيد المزوج جنون، أو حجر، أو قال: زوجتها وأنا صبي،
فأيهما يصدق بيمينه؟ قولان خرجهما الشيخ أبو زيد. أظهرهما عند الشيخ أبي علي
وغيره: أن المصدق الزوج، لأن الغال ب جريان العقد صحيحا، ولأنه صح ظاهرا
والأصل دوامه.
ولو زوج أخته برضاها، ثم ادعت أنها كانت صغيرة يومئذ، ففي فتاوى القفال
والقاضي حسين والبغوي، أن القول قولها بيمينها وإن أقرت يومئذ ببلوغها، كما لو
أقر بمال ثم قال: كنت صغيرا يوم الاقرار، وهذا يمكن أن يكون تفريعا على أحد
القولين ويمكن أن يفرق بأن الغالب من العقد الجاري بين مسلمين، صحته وهذه لم
تعقد.
571

ولو وكل الولي بتزويجها، ثم أحرم، وجرى العقد، فادعى الولي جريانه في
الاحرام، وأنكر الزوج، فنص الشافعي رحمه الله، أن القول قول الزوج عملا
بظاهر الصحة. ولم يحك الشيخ أبو علي خلافا في هذه الصورة. قال الامام:
وسببه أن الاحرام طرأ والأصل استناد العقد إلى الحل، لكن الشيخ ألحق بمسألة
الاحرام المنقولة عن النص، ما إذا وكل بقبول نكاح ثم أحرم الموكل وقبل الوكيل،
ثم اختلف الزوجان، فقال الزوج: عقد قبل إحرامي (أو بعده) أو بعد تحللي،
وقالت: بل في حال إحرامك، فالقول قول الزوج، فلم يفرق بين أن يدعي سبق
الاحرام النكاح وعكسه. ومقتضى ما سبق في المسألة الرابعة، أن الولي إذا زوج ثم
ادعى المحرمية بين الزوجين، لا يلتفت إلى دعواه أن لا يفرض النزاع في مسألة
النص بين الولي والزوج، بل يفرض بين الزوجين.
ولو زوج أمته، ثم ادعى أن الزوج كان واجدا للطول، وأنكر الزوج صدق
الزوج. ولو زوج بنته ومات، فادعت أن أباها كان مجنونا يوم العقد، نظر، هل كان
التزويج برضاها أم بغيره؟ وحكمه ما سبق في المسألة الرابعة.
فرع ادعى نكاح امرأة وأقام بينة به، ثم ادعت أنها زوجة غيره وأقامت بينة
به، قال ابن الحداد: يعمل ببينة الرجل، لأن حقه في النكاح أقوى منها، فإن
المتصرف إن شاء أمسكها، وإن شاء طلق، فقدمت بينته كصاحب اليد مع غيره،
هذا قول ابن الحداد، وبه قال الجمهور. وقال الشيخ أبو علي: يحتمل أن ينظر في
جواب من ادعت أنها زوجته، فإن أنكر فلا نكاح له، فيعمل ببينة الرجل. وإن
سكت، فهما بينتان تعارضتا، ولم يتعرضوا في تصوير المسألة لدعواها المهر، أو
حقا من حقوق النكاح، وقد سبق في سماع دعوى الزوجية المجردة خلاف. فإن
سمعت وأنكر الزوج، ففي إقامة البينة أيضا خلاف. فإذا ادعت الزوجية المجردة،
572

فإنما تقيم (هي) البينة تفريعا على سماع هذه الدعوى والبينة مع إنكاره.
فرع في فتاوى البغوي أنه إذا كان تحته مسلمة وذمية لم يدخل بهما، فقال
للمسلمة: ارتددت، وقال للذمية: أسلمت، فأنكرتا، ارتفع نكاحهما لزعمه.
وذكر الامام الرافعي هنا مسائل منثورة من فتاوى القفال والقاضي حسين والبغوي،
تتعلق بأبواب النكاح قدمتها أنا فوضعتها في مواضعها اللائقة بها، وبالله
التوفيق.
573

كتاب الصداق
هو اسم المال الواجب للمرأة على الرجل بالنكاح أو الوطئ، وله أسماء:
الصداق، والصدقة والمهر، والأجر، والعقر، والعليقة. ويقال: أصدقها،
ومهرها. ويقال في لغة قليلة: أمهرها.
قال الأصحاب: ليس المهر ركنا في النكاح، بخلاف المبيع والثمن في
البيع، لأن المقصود الأعظم منه الاستمتاع وتوابعه، وهو قائم بالزوجين، فهما
الركن، فيجوز إخلاء النكاح عن تسمية المهر، لكن المستحب تسميته، لأنه
574

أقطع للنزاع، ثم ليس للصداق حد مقدر، بل كل ما جاز أن يكون ثمنا أو مثمنا
أو أجرة، جاز جعله صداقا. فإن انتهى في القلة إلى حد لا يتمول، فسدت
التسمية. ويستحب أن لا ينقص عن عشرة دراهم، للخروج من خلاف أبي حنيفة
رضي الله عنه، وأن لا يغالي في الصداق، والمستحب أن لا يزاد على صداق أزواج
رسول الله (ص) وهو خمسمائة درهم.
فصل يشتمل كتاب الصداق على ستة أبواب
(الباب) الأول: في
أحكام الصداق الصحيح وهي ثلاثة.
575

(الحكم) الأول: في أن الصداق في يد الزوج، كيف يضمن؟ فإذا أصدقها
عينا، فهي مضمونة عليه إلى أن يسلمها. وفي كيف يضمانه قولان.
أظهرهما وهو الجديد: ضمان العقد كالمبيع في يد البائع.
والقديم: ضمان اليد كالمستعار والمستام، ويتفرع على القولين مسائل.
(المسألة) الأولى: إذا باعت الصداق قبل قبضه، إن قلنا: ضمان يد، جاز وإلا،
فلا. ولو كان الصداق دينا فاعتاضت عنه، جاز إن قلنا: ضمان يد، وإلا فقولان
كالثمن. أظهرهما: الجواز، كذا ذكره الامام وغيره. وفي التتمة: لو أصدقها
تعليم القرآن أو صنعة، لم يجز الاعتياض على قول ضمان العقد كالمسلم فيه.
(المسألة) الثانية: تلف الصداق المعين في يده، فعلى ضمان العقد ينفسخ عقد
الصداق، ويقدر عود الملك إليه قبيل التلف، حتى لو كان عبدا كان عليه مؤنة
تجهيزه كالعبد المبيع يتلف قبل القبض ولها عليه مهر المثل. وإن قلنا: ضمان
اليد، تلف على ملكها حتى لو كان عبدا، فعليها تجهيزه. ولا ينفسخ الصداق على
هذا القول، بل بدل ما وجب على الزوج تسليمه يقوم مقامه، فيجب لها عليه مثل
الصداق إن كان مثليا، وقيمته إن كان متقوما. ورجح الشيخ أبو حامد وابن الصباغ
وجوب البدل، والجمهور رجحوا القول الأول وهو وجوب مهر المثل. فإذا أوجبنا
القيمة، فهل يجب أقصى القيمة من يوم الصداق إلى يوم التلف لأن التسليم كان
مستحقا في كل وقت، أم يوم التلف فقط لأنه لم يكن متعديا؟ أم
يوم الصداق؟ أم الأقل من يوم الصداق إلى يوم التلف؟ فيه أربعة أوجه. أصحهما: الأول. ولو
طالبته بالتسليم فامتنع، تعين الوجه الأول على المذهب. وقيل: يجب أقصى القيم
من وقت المطالبة إلى التلف، لأنه يصير متعديا. ولو طالبها الزوج بالقبض
فامتنعت، ففي بقاء الصداق مضمونا عليه وجهان، نقلهما أبو الفرج السرخسي،
الصحيح الضمان، كما أن البائع لا يخرج عن عهدة المبيع بهذا القدر. هذا كله إذا
576

تلف الصداق بنفسه. أما لو أتلف، فينظر، إن أتلفته الزوجة، صارت قابضة وبرئ
الزوج، وقد ذكرنا في البيع وجها أن المشتري إذا أتلف المبيع في يد البائع، لم
يصر قابضا بل يغرم القيمة للبائع، ويسترد الثمن. فعلى قياسه، تغرم له الصداق
وتأخذ مهر المثل.
وإن أتلفه أجنبي، فإن قلنا: إتلاف الأجنبي المبيع قبل القبض كآفة
سماوية، فالحكم ما سبق، وإن قلنا: يوجب الخيار للمشتري وهو المذهب، فللمرأة الخيار،
إن شاءت فسخت الصداق، وحينئذ تأخذ من الزوج مهر المثل إن قلنا بضمان
العقد، ومثل الصداق أو قيمته إن قلنا بضمان اليد، ويأخذ الزوج الغرم من
المتلف. وإن أجازت تأخذ من المتلف المثل أو القيمة، ولها أن تطالب الزوج
بالغرم، فيرجع هو على المتلف إن قلنا بضمان اليد. وإن قلنا بضمان العقد، فليس
لها مطالبة الزوج، هكذا رتب الامام والبغوي وغيرهما، فأثبتوا لها الخيار على قولي
ضمان العقد واليد، ثم فرعوا عليهما. وكان يجوز أن يقال: إنما يثبت لها الخيار
على قول ضمان العقد. فأما على ضمان اليد، فلا خيار، وليس لها إلا طلب المثل
أو القيمة، كما إذا أتلف أجنبي المستعار في يد المستعير.
وإن أتلفه الزوج، فعلى الخلاف في أن إتلاف البائع المبيع قبل القبض كالآفة
السماوية، أو كإتلاف الأجنبي؟ والمذهب الأول. وقد بينا حكم الصداق على
التقديرين.
المسألة الثالثة: حدث في الصداق نقص في يد الزوج، فهو نقص جزء أو صفة،
فنقص الجزء مثل أن أصدقها عبدين، فتلف أحدهما في يده، فينفسخ عقد الصداق
فيه، ولا ينفسخ في الباقي على المذهب، لكن لها الخيار. فإن فسخت، رجعت
إلى مهر المثل على قول ضمان العقد، وعلى ضمان اليد تأخذ قيمة العبدين. وإن
أجازت في الباقي، رجعت للتالف إلى حصة قيمته من مهر المثل على قول ضمان
577

العقد، وإلى قيمة التالف على ضمان اليد. وإن تلف أحد العبدين بإتلاف،
نظر، إن أتلفته المرأة، جعلت قابضة لقسطه من الصداق. وإن أتلفه أجنبي،
فلها الخيار. فإن فسخت أخذت الباقي، وقسط قيمة التالف من مهر المثل إن قلنا
بضمان العقد، وقيمته إن قلنا بضمان اليد. وإن أجازت، أخذت من الأجنبي
الضمان. وإن أتلفه الزوج، فهو كالتلف بآفة على المذهب. وأما نقص الصفة، فهو
العيب، كعمي العبد أو نسيانه الحرفة ونحوهما، وللمرأة الخيار. وفي الوسيط
أن أبا حفص بن الوكيل قال: لا خيار على قول ضمان العقد، والمذهب الأول. فإن
فسخت الصداق، أخذت من الزوج مهر المثل على الأظهر، وبذل الصداق في
القول الآخر. وإن أجازت، فعلى الأظهر: لا شئ لها كما لو رضي المشتري بعيب
المبيع، وعلى ضمان اليد لها عليه أرش النقص. وإن اطلعت على عيب قديم،
فلها الخيار، (فإن) فسخت رجعت إلى مهر المثل أو إلى قيمة العين سالمة. وإن
أجازت وقلنا بضمان اليد، فلها الأرش على المذهب، وفيه تردد القاضي حسين،
لأنها رضيت بالعين. وإن حصل التعييب بجناية، نظر، إن حصل بفعل الزوجة،
جعلت قابضة لقدر النقص، وتأخذ الباقي ولا خيار. وإن هلك بعد التعييب في يد
الزوج، فلها من مهر المثل حصة قيمة الباقي على الأظهر، وقيمة الباقي على القول
الثاني. وإن حصل التعييب بفعل أجنبي، فلها الخيار، فإن فسخت، أخذت
مهر المثل على الأظهر وقيمته سليما في الثاني، ويأخذ الزوج الغرم من الجاني.
وإن أجازت، غرمت للجاني. وليس لها مطالبة الزوج إن قلنا بضمان العقد. وإن
قلنا بضمان اليد، فلها مطالبته، فينظر إن لم يكن للجناية أرش مقدر، أو كان
578

أرش النقص أكثر، رجعت على من شاءت منهما، والقرار على الجاني. وإن كان
المقدر أقل، طالبت بالمقدر من شاءت منهما، والقرار على الجاني، وأخذت قيمة
الأرش من الزوج. وإن حصل التعييب بجناية الزوج، فعلى الخلاف في أن جناية
البائع كآفة أو كجناية أجنبي؟ إن قلنا بالأول، وقلنا بضمان اليد، فعليه ضمان ما
نقص. فإن كان للجناية أرش مقدر، كقطع اليد، فعليه أكثر الامرين من نصف
القيمة وأرش النقص.
فرعان الأول: أصدقها دارا فانهدمت في يده ولم يتلف من النقص شئ،
فالحاصل نقصان صفة. وإن تلف بعضه أو كله باحتراق أو غيره، فالحاصل هل هو
نقصان نصفه كطرف العبد أم نقصان جزء كأحد العبدين؟ وجهان. أصحهما:
الثاني. وقد سبقا في البيع.
الثاني: أصدقها نخلا ثم جعل ثمره في قارورة، وصب عليه صقرا من ذلك
النخل وهو بعد في يده، والصق: هو السائل من الرطب من غير أن يعرض على
النار. فإما أن تكون الثمرة صداقا مع النخل، بأن أصدقها نخلة مطلعة. وإما أن
لا تكون.
الحالة الأولى: إذا كانت صداقا، ينظر إن لم يدخل الثمرة والصقر نقص لا
بتقدير النزع من القارورة، ولا بتقدير الترك فيها، فتأخذهما المرأة ولا خيار لها، بل
الزوج كفاها مؤنة الجداد. وإن حدث فيهما أو في أحدهما نقص، فهو إما نقص
عين، وإما نقص صفة. أما نقص العين، فمثل أن صب عليها مكيلتين من الصقر
فشرب الرطب مكيلة، فلا يجبر نقص عين الصقر بزيادة قيمة الرطب، ثم إن جعلنا
الصداق مضمونا ضمان عقد، انفسخ الصداق في قدر ما ذهب من الصقر إن قلنا:
جناية كالآفة وهو المذهب، ولا ينفسخ في الباقي، ولها الخيار. إن فسخت،
رجعت إلى مهر المثل، وإن أجازت في الباقي أخذت بقدر ما ذهب من الصقر من
مهر المثل. وإن قلنا: جناية كجناية الأجنبي، لم ينفسخ الصداق في شئ، ولها
الخيار، إن فسخت، فلها مهر المثل، وإن أجازت، أخذت النخل والرطب، ومثل
ما ذهب من الصقر. وإن قلنا بضمان اليد، تخيرت أيضا. فإن فسخت، فلها قيمة النخل
مثل الصقر وقيمة الرطب أو مثله على الخلاف المذكور في كتاب الغصب أنه مثلي أو
579

متقوم. وإن أرادت أخذ النخل ورد الثمرة، فعلى الخلاف في تفريق الصفقة. وإن
أجازت، فلها ما بقي ومثل الذاهب من الصقر. وأما نقصان الصفة، فإذا نقصت
قيمة الصقر والمكيلتان بحالهما، أو قيمة الرطب، فإن كان النقصان حاصلا، سواء
ترك الرطب في القارورة أو نزع، فلها الخيار. فإن فسخت، فعلى قول ضمان العقد
لها مهر المثل، وعلى ضمان اليد لها بدل النخل والرطب والصقر. وإن أجازت،
فإن قلنا بضمان العقد وجعلنا جنايته كالآفة، أخذتها بلا أرش. وإن جعلناها كجناية
الأجنبي، أو قلنا بضمان اليد، فعليه أرش النقصان وإن كان الرطب يتعيب لو نزع
من القارورة. ولو ترك لا يتعيب، فلا يجبر الزوج على التبرع بالقارورة، لكن إن
تبرع بها أجبرت المرأة على القبول إمضاء للعقد، ويسقط خيارها. وقيل: لا تجبر
على القبول، والصحيح الأول. وهل يملك القارورة حتى لا يتمكن الزوج من
الرجوع؟ وإذا نزعت ما فيها لم يجب رد القارورة، أم لا تملك وإنما الغرض قطع
الخصومة فيتمكن من الرجوع وإذا رجع يعود خيارها فيجب رد القارورة إذا نزعت ما
فيها؟ فيه وجهان كما ذكرنا في البيع في مسألة النعل والأحجار المدفونة. وإن كان
الرطب لا يتعيب بالنزع، ويتعيب بالترك، فلها مطالبته بالنزع، ولا خيار. ولو تبرع هو
بالقارورة، لم تجبر هي على القبول، لأنه لا ضرورة إليه.
الحالة الثانية: أن لا تكون الثمار صداقا بأن حدثت بعد الاصداق في يد
الزوج. فإن لم يحدث نقص أو زادت القيمة، فالكل لها. وإن حدث نقص فيهما
أو في أحدهما، فلا خيار لها، لأن ما حدث فيه النقص ليس بصداق، ولها
الأرش. وحكى ابن كج وجها أن لها الخيار وهو غلط. وإن كان النقص بحيث لا
يقف ويزداد إلى الفساد، فهل تأخذ الحاصل وأرش النقص، أم تتخير بينه وبين أن
تطالبه بغرم الجميع؟ فيه خلاف سبق في الغصب، فيما إذا بل الحنطة فعفنت.
وفي العدة أنها على القول الأول، تأخذ أرش النقص في الحال، وكلما ازداد
النقص، طالبت بالأرش. ولو كان الرطب يتعيب بالنزع من القارورة، ولا يتعيب
بالترك فتبرع الزوج بالقارورة لم تجبر على القبول، لأنه لا حاجة إليه في إمضاء العقد
580

هنا، هذا كله إذا كان الصقر من ثمرة النخلة، أما إذا كان الصقر للزوج والثمرة من
الصداق، فالنظر هنا ك إلى نقصان الرطب وحده، إن نقص، فلها الخيار. وإن لم
ينقص بالنزع، فلا خيار، فتأخذ المرأة الرطب والزوج الصقر، ولا شئ لما تشربه
الرطب. وإن كان ينقص بالنزع، فلها الخيار. فإن تبرع الزوج بالصقر والقارورة،
سقط الخيار ولزم القبول على الصحيح، ويجئ فيه ما سبق في التبرع بالقارورة.
فرع إذا زاد الصداق في يد الزوج، إن كان زيادة متصلة، كالسمن
والكبر، وتعلم الصنعة، فهي تابعة للأصل. وإن كانت منفصلة، كالثمرة والولد
وكسب الرقيق، قال المتولي: إن قلنا بضمان اليد، فهي للمرأة، وإلا، فوجهان
كالوجهين في زوائد المبيع قبل القبض. والصحيح أنها للمشتري في البيع وللمرأة
هنا. فإن قلنا: للمرأة فهلكت في يده، أو زالت المتصلة بعد حصولها، ولا ضمان
على الزوج إلا إذا قلنا بضمان اليد وقلنا: يضمن ضمان المغصوب، وإلا إذا طالبته
بالتسليم فامتنع. وفي التهذيب وغيره ما يشعر بتخصيص الوجهين، في أن
الزوائد لمن هي بما إذا هلك الأصل في يد الزوج وبقيت الزوائد أو ردت الأصل
بعيب، أما إذا استمر العقد وقبضت الأصل، فالزوائد لها قطعا.
المسألة الرابعة: المنافع الفائتة في يد الزوج غير مضمونة عليه إن قلنا بضمان
581

العقد، وإن طالبته بالتسليم فامتنع. أما إذا قلنا بضمان اليد، فعليه أجرة
المثل من وقت الامتناع. وأما المنافع التي استوفاها بركوب أو لبس، أو استخدام
ونحوها، فلا يضمنها على قول ضمان العقد، إن قلنا: جناية البائع كآفة. وإن
قلنا: هي كجناية أجنبي، أو قلنا بضمان اليد، ضمنها بأجرة المثل.
فرع قال الأصحاب: القولان في ضمان العقد واليد، مبنيان على أن
الصداق نحلة وعطية، أم عوض كالعوض في البيع؟ وربما ردوا القولين إلى أن
الغالب عليه شبه النحلة أم العوض؟ ودليل النحلة قول الله تعالى: * (وآتوا النساء
صدقاتهن نحلة) *، ولان النكاح لا يفسد بفساده، ولا ينفسخ برده. ودليل
العوض، أن قوله: زوجتك بكذا، كقوله: بعتك بكذا، أو لأنها تتمكن من الرد
بالعيب، ولأنها تحبس نفسها لاستيفائه (و) لأنه تثبت الشفعة فيه، وهذا أصح.
وأجابوا عن الآية بجوابين.
أحدهما: أنه يجوز أن يكون المراد بالنحلة: الدين، يقال: فلان ينتحل
كذا، فالمعنى: آتوهن صدقاتهن تدينا.
والثاني: يجوز أن يكون المعنى: عطية من عند الله تعالى لهن. وإنما لا
يفسد النكاح بفساده، لأنه ليس ركنا في النكاح، مع أنه حكي قول قديم أنه يفسد
النكاح بفساد الصداق.
فصل إذا فسد الصداق بأن أصدقها حرا، فقولان. أظهرهما: يجب
مهر المثل. والثاني: قيمته بتقدير الرق، وينسب هذا إلى القديم. قال الشيخ
أبو حامد والصيدلاني والقاضي حسين والبغوي وغيرهم: قولان فيما إذا قال:
أصدقتك هذا العبد وهو عالم بحريته، أو جاهل. أما لو قال: أصدقتك هذا الحر،
فالعبارة فاسدة، فيجب مهر المثل قطعا. وحكى المتولي طريقة أخرى، أنه لا فرق
582

بين اللفظين في جريان القولين. ولو قال: أصدقتك هذا واقتصر عليه، فلا خلل في
العبارة، ففيه القولان.
ولو ذكر خمرا أو خنزيرا أو ميتة، فقيل: يجب مهر المثل قطعا. وقيل: على
القولين. فعلى هذا يعود النظر في عبارته، إن قال: أصدقتك هذا الخمر أو
الخنزير، فالعبارة فاسدة. وإن قال: هذا العصير أو النعجة، فهو موضع القولين،
وعلى هذا على قول الرجوع إلى بدل الصداق، يقدر الخمر عصيرا ويجب
مثله، وقد حكينا في نكاح المشرك، فيما إذا جرى قبضهم في خمر وجها أنها تقدر
خلا، ولم يذكروا هنا تقدير العصير، والوجه التسوية بينهما. وحكينا وجها أنه
تعتبر قيمة الخمر عن من يرى لها قيمة، فلا يبعد مجيئه هنا، بل ينبغي أن يرجح كما
سبق في نكاح المشرك تفريق الصفقة، والخنزير يقدر بقرة، كذا قاله الامام
والبغوي. وقد سبق مثله في كتاب نكاح المشرك وقال الغزالي: يقدر شاة،
والميتة تقدر مذكاة، ثم الواجب فيها وفي الخنزير القيمة. هذا الاضطراب
للأصحاب يزيد القول الأظهر القوة، وهو وجوب مهر المثل.
الحكم الثاني: تسليم الصداق. فلو أخر تسليمه بعذر أو بغيره، وطلب تسليم
نفسها، فلها الامتناع (حتى يسلم جميع الصداق إن كان عينا أو دينا حالا، وإن
كان مؤجلا، فليس لها الامتناع، فإن حل الاجل قبل تسليمها فليس لها الامتناع) أيضا
على الأصح، وبه قطع الشيخ أبو حامد وأصحابه، والبغوي، والمتولي، وأكثر
الأصحاب. وقيل: لها، وبه قال القاضي أبو الطيب، واختاره الحناطي
والروياني، لأنها تستحق الآن المطالبة.
ولو كانت المرأة صغيرة أو مجنونة، فلوليها حبسها حتى تقبض الصداق
الحال. فلو رأى المصلحة في التسليم، فله ذلك. ولو اختلف الزوجان، فقال: لا
583

أسلم الصداق حتى تسلمي نفسك، وقالت: لا أسلمها حتى تسلمه، فثلاثة أقوال.
أظهرها: يجبران، بأن يؤمر بوضع الصداق عند عدل، وتؤمر بالتمكين. فإذا
مكنت، سلم العدل الصداق إليها. والثاني: لا يجبر واحد منهما، بل إن
بادر أحدهما فسلم، أجبر الآخر. والثالث: يجبر الزوج أولا، فإذا سلم،
سلمت. وذهبت طائفة كبيرة إلى إنكار هذا القول الثالث. ومن أثبته قال: موضعه
ما إذا كانت متهيئة للاستمتاع. أما إذا كانت ممنوعة بحبس أو مرض، فلا يلزم تسليم
الصداق. وإن كانت صغيرة لا تصلح للجماع، فهل يلزمه التسليم؟ قولان. ولو
سلمت مثل هذه الصغيرة إلى زوجها، هل عليه تسليم المهر؟ قولان كالنفقة.
أظهرهما: المنع. وقيل بالمنع قطعا، لأن النفقة للحبس عليه وهو موجود، والمهر
للاستمتاع وهو متعذر. وقيل بالايجاب قطعا، لأن المهر في مقابلة بضع وهو مملوك
في الحال، والنفقة للتمكين وهو مفقود. ويجري الخلاف في مطالبة الولي لو كان
الزوج صغيرا، وإن كان الزوج صغيرا وهي كبيرة، فالأظهر أن لها طلب المهر
كالنفقة. وإذا قلنا: يبدأ بالزوج أو يجبران، فقالت: سلم المهر لأسلم نفسي،
لزمه النفقة من حينئذ. وإن قلنا: لا يجبر واحد منهما، فلا نفقة لها حتى تمكن.
فرع إذا بادرت فمكنت، فلها طلب الصداق على الأقوال كلها، ثم إن
لم يجر وطئ، فلها العود إلى الامتناع، ويكون الحكم كما قبل التمكين. وإن
وطئ، فليس لها بعده الامتناع على الصحيح، كما لو تبرع البائع فسلم المبيع قبل
قبض الثمن، فليس له أخذه وحبسه.
ولو وطئها مكرهة، فلها الامتناع بعده على الأصح. ويجري الوجهان، فيما
584

لو سلم الولي صغيرة أو مجنونة قبل قبض صداقها إذا بلغت أو أفاقت بعد الدخول،
فلو بلغت أو أفاقت قبله، فلها الامتناع قطعا. ولو بادر الزوج فسلم الصداق، لزمها
التمكين إذا طلبها. وكذا لو كان الصداق مؤجلا فإن امتنعت بلا عذر، فله
الاسترداد وإن قلنا: يجبر أولا، لأن الاجبار بشرط التمكين. وإن قلنا: لا يجبر،
فليس له الاسترداد على الأصح، لأنه تبرع بالمبادرة كمعجل الدين المؤجل. وقيل:
له ذلك لعدم حصول الغرض. وقال القاضي حسين: إن كانت معذورة حين سلم،
فزال العذر وامتنعت، استرد، لأنه سلم راجيا التمكين، فيشبه هذا الخلاف وجهين
ذكرا فيما لو سلم مهر صغيرة لا تصلح للجماع عالما بحالها أو جاهلا وقلنا بالأظهر:
إنه لا يجب تسليم مهرها، هل له الاسترداد؟
فرع إذا استمهلت بعد تسليم الصداق، أمهلت لتتهيأ بالتنظيف
والاستحداد، وإزالة الأوساخ على ما يراه القاضي من يوم ويومين، وغاية المهلة
ثلاثة. وظاهر كلام الغزالي في الوسيط، إثبات خلاف في أن المهلة بقدر ما
تتهيأ، أم تقدر بثلاثة أيام؟ والمذهب خلافه ثم المفهوم من كلام الأكثرين، أنه
يجب الامهال إذا استمهلت في العدة، أنه ليس بواجب. وعن نصه في الاملاء
قول: إنه لا إمهال أصلا. والمذهب الأول، ولا تمهل لتهيئة الجهاز، ولا لانتظار
السمن ونحوهما، ولا بسبب الحيض والنفاس، بل تسلم لسائر الاستمتاعات
كالرتقاء والقرناء. وإن كانت صغيرة لا تحتمل الجماع، أو كان بها مرض أو هزال
تتضرر بالوطئ معه، أمهلت إلى زوال المانع. ويكره للولي تسليم هذه الصغيرة، ولا
يجوز للزوج وطؤها إلى أن تصير محتملة. ولو قال الزوج: سلموا إلي الصغيرة أو
المريضة ولا أقربها إلى أن يزول ما بها، قال البغوي: يجاب في المريضة دون
الصغيرة، لأن الأقارب أحق بالحضانة وفي الوسيط أنه لا يجاب في
الصورتين، لأنه ربما وطئ فتتضرران، بخلاف الحائض، فإنها لا تتضرر لو
وطئ.
585

وله أن يمتنع من تسلم الصغيرة، لأنه نكح للاستمتاع لا للحضانة. وفي
المريضة وجهان. قال في الشامل: الأقيس أنه ليس له الامتناع، كما ليس
له أن يخرجها من داره إذا مرضت.
وإذا تسلم المريضة، فعليه النفقة لا كالصغيرة، لأن المرض عارض متوقع
الزوال. ولو كانت المرأة نحيفة بالجبلة، فليس لها الامتناع بهذا العذر، لأنه غير
متوقع الزوال كالرتقاء. ثم إن خافت الافضاء لو وطئت لعبالة الزوج، فليس عليها
التمكين من الوطئ. قال الأئمة: وليس له الفسخ، بخلاف الرتق، لأنه يمنع الوطئ
مطلقا، والنحافة لا تمنع وطئ نحيف مثلها، وليس ذلك بعيب أيضا. ولو وطئ
زوجته فأفضاها، فليس له العود إلى وطئها حتى تبرأ البرء الذي لو عاد لم يخدشها،
هذا نص الشافعي رضي الله عنه. فإن اختلفا في حصول البرء، فأنكرته، قال
الشافعي رحمه الله: القول قولها قال المتولي: المراد بالنص إذا ادعت بقاء ألم
بعد الاندمال، لأنه لا يعرف إلا منها. أما إذا ادعت بقاء الجرح، وأنكرت أصل
الاندمال، فتعرض على أربع نسوة ثقات، ويعمل بقولهن. ومنهم من حمل النص
على ما إذا لم يمض من الزمان ما يغلب فيه البرء، فإن مضى راجعنا النسوة. ومنهم
من أطلق القول بمراجعتهن عند الاختلاف. وعلى هذا، فالنص على ما إذا لم يكن
نسوة ثقات.
فرع مسائل عن مجرد الحناطي اختلف الزوج وأبو الزوجة فقال
أحدهما: هي صغيرة لا تحتمل الجماع، وقال الآخر: تحتمله. فهل القول قول
منكر الاحتمال، أم تعرض على أربع نسوة، أو رجلين من المحارم؟ وجهان.
قلت: أصحهما: الثاني. والله أعلم.
ولو قال الزوج: زوجتي حية فسلمها وقال: لا بل ماتت، فالقول قول
586

الزوج. ولو تزوج رجل ببغداد امرأة بالكوفة، وجرى العقد ببغداد، فالاعتبار
بموضع العقد، فتسلم نفسها ببغداد، ولا نفقة لها قبل أن يحصل ببغداد. ولو خرج
الزوج إلى الموصل وبعث إليها من يحملها من الكوفة إلى الموصل، فنفقتها
من بغداد إلى الموصل على الزوج.
الحكم الثالث: التقرير، فالمهر الواجب بالنكاح أو بالفرض، يستقر
بطريقين. أحدهما: الوطئ وإن كان حراما لوقوعه في الحيض أو الاحرام، لأن وطئ
الشبهة يوجب المهر ابتداء، فذا أولى بالتقرير، ويستقر بوطأة واحدة.
الطريق الثاني: موت أحد الزوجين، والموت وإن أطلقوا أنه مقرر،
فيستثنى منه إذا قتل السيد أمته المزوجة، فإنه يسقط مهرها على المذهب. ومنهم
من ألحق بهذه الصورة غيرها كما ذكرناه في أول الباب الحادي عشر.
فصل الخلوة لا تقرر المهر، ولا تؤثر فيه على الجديد وهو الأظهر. وعلى
هذا، لو اتفقا على الخلوة وادعت الإصابة، لم يترجح جانبها، بل القول قوله
بيمينه. وفي القديم، الخلوة مؤثرة، وفي أثرها قولان. أحدهما: أثرها تصديق
المرأة إذا ادعت الإصابة، ولا يتقرر المهر بمجردها، سواء طال زمنها أم قصر.
وأظهرهما: أنها كالوطئ في تقرير المهر ووجوب العدة. وعلى هذا، تثبت الرجعة
587

على الأصح. وهل يشترط على القديم في تقرر المهر بالخلوة أن لا يكون مانع
شرعي كحيض وإحرام وصوم؟ فيه وجهان. ويشترط أن لا يكون مانع حسي، كرتق
أو قرن فيها، أو جب أو عنة فيه قطعا. وإذا قلنا: مجرد الخلوة لا تقرر، ففي الوطئ
فيما دون الفرج وجهان، كثبوت المصاهرة.
الباب الثاني
في الصداق الفاسد
لفساده ستة أسباب.
السبب الأول: أن لا يكون المذكور مالا، بأن سميا خمرا، وقد اندرج
هذا في الحكم الأول من الباب الأول. ولو أصدقها شيئا فخرج مغصوبا، فهل يجب
مهر المثل، أم قيمة المغصوب؟ قولان. أظهرهما الأول. ولو أصدقها عبدين،
فخرج أحدهما حرا أو مغصوبا، بطل الصداق فيه. وفي آخر، قولا تفريق الصفقة.
فإن أبطلنا فيه أيضا، فهل لها مهر المثل أم قيمتهما؟ فيه القولان وإن صححنا، فلها
الخيار. فإن فسخت، فعلى القولين، وإن أجازت، فقولان. أحدهما: تأخذ
الباقي ولا شئ لها غيره، وأظهرهما: تأخذ معه حصة المغصوب من مهر المثل إذا
وزعناه على القيمتين على الأظهر، وعلى الثاني: تأخذ قيمته.
فرع أصدقها عبدا أو ثوبا غير موصوف، فالتسمية فاسدة، ويجب مهر
المثل قطعا. وإن وصف العبد والثوب، وجب المسمى، وحيث جرت تسمية
فاسدة، وجب مهر المثل بالغا ما بلغ.
السبب الثاني: الشرط في النكاح، إن لم يتعلق به غرض، فهو لغو كما سبق
في البيع، وإن تعلق به لكن لا يخالف مقتضى النكاح بأن شرط أن ينفق عليها أو
يقسم لها، أو يتسرى، أو يتزوج عليها إن شاء، أو يسافر بها، أو لا تخرج
588

إلا بإذنه، فهذا لا يؤثر في النكاح ولا في الصداق.
وإن شرط ما يخالف مقتضاه، فهو ضربان.
أحدهما: ما لا يخل بالمقصود الأصلي من النكاح، فيفسد الشرط، سواء
كان لها، بأن شرط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى، أو يطلقها، أو لا يسافر بها،
أو أن تخرج متى شاءت، أو يطلق ضرتها.
أو كان عليها، بأن شرط أن لا يقسم لها، أو يجمع بين ضراتها وبينها في
مسكن، أو لا ينفق عليها. ثم فساد الشرط لا يفسد النكاح على المشهور. وفي
وجه أو قول حكاه الحناطي: يبطل النكاح. وأما الصداق، فيفسد، ويجب مهر
المثل سواء زاد على المسمى أم نقص أم ساواه، هذا هو المذهب. وعن ابن
خيران: إن زاد والشرط لها، فالواجب المسمى، وكذا إن نقص والشرط عليها،
ومنهم من جعل هذا قولا مخرجا. وحكى الحناطي وجها: أن الواجب في الشروط
الفاسدة أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل. ووجها: أن الشرط لا يؤثر في الصداق، كما لا يؤثر في النكاح.
الضرب الثاني: ما يخل بمقصود النكاح كشرطه أن يطلقها، أو لا يطأها،
وقد سبق الكلام في الصورتين ففصل التحليل. فإن صححنا النكاح، أثر الشرط
في الصداق كسائر الشروط الفاسدة.
فرع نكحها على ألف إن لم يخرجها من البلد، وعلى ألفين إن أخرجها،
وجب مهر المثل، وذكر الحناطي أنه لو نكحها على أن لا يرثها أو لا ترثه، أو لا
يتوارثا، أو على أن النفقة على غير الزوج، بطل النكاح. وفي قول: يصح ويبطل
الشرط، وأنه لو زوج أمته عبد غيره بشرط أن لا أولاد بين السيدين، صح
589

النكاح وبطل الشرط، نص عليه في الاملاء. وفي قول: يبطل النكاح.
فصل شرط الخيار في النكاح يبطل النكاح. ولو شرط الخيار في
الصداق، فهل يبطل النكاح، أم يصح ويجب المسمى، أم يصح النكاح ويفسد
المسمى ويجب مهر المثل؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها: الثالث. وإذا صححنا
الصداق، ثبت الخيار على الأصح كما حكي عن نصه، أنه لو أصدقها عينا غائبة،
صح ولها خيار الرؤية. فعلى هذا، إن أجازت فذاك، وإن فسخت، رجعت إلى
مهر المثل. وإذا أثبتنا خيار الشرط، ففي خيار المجلس وجهان نقلهما الشيخ أبو
الفرج.
فصل نقل المزني في المختصر أنه لو نكحها بألف على أن لابنها
ألفا، فسد الصداق، وأنه لو نكحها بألف على أن يعطي أباها ألفا، كان الصداق
جائزا. وللأصحاب طرق. المذهب منها فساد الصداق في الصورتين، ووجوب مهر
المثل فيهما. وعلى هذا، منهم من غلط المزني في نقله في الصورة الثانية
، ومنهم من تأوله.
والطريق الثاني: فساد الصداق في الأولى دون الثانية عملا بالنصين.
والثالث: طرد قولين فيهما. ونسب العراقيون الصحة إلى القديم. وقيل: إن
590

شرط الزوج، فسد، وإن شرطت، فلا، حكاه البغوي، وإذا صححنا، فالمهر في
الصورتين ألفان.
السبب الثالث: تفريق الصفقة. فإذا أصدقها عبدا على أن ترد إليه مائة أو
ألفان، وصورته أن يقول للولي: زوجني بنتك وملكني كذا من مالها بولاية أو
وكالة بهذا العبد، فيجيبه (إليه) أو يقول الولي: زوجتك بنتي وملكتك كذا من مالها
بهذا العبد، فيقبل الزوج، فهذا جمع بين عقدين مختلفي الحكم في صفقة، فإن
بعض العبد صداق وبعضه مبيع. وفي صحة البيع والصداق قولان. أظهرهما:
الصحة. ويصح النكاح قطعا إلا على القول الشاذ السابق أن النكاح يفسد بفساد
الصداق. فإذا أبطلنا البيع والصداق، فلها مهر المثل. وإذا صححناهما، وزعنا
العبد على مهر مثلها وعلى الثمن. فإذا كان مهر مثلها ألفا والثمن ألفا، والعبد
يساوي ألفين، فنصفه مبيع ونصفه صداق. فإن طلقها قبل الدخول، رجع إليه
نصف الصداق وهو ربع العبد. وإن فسخ النكاح بعيب ونحوه، رجع إليه جميع
الصداق وهو نصف العبد. ولو تلف العبد قبل القبض، استردت الألف، ولها بدل
الصداق وهو مهر المثل على الأظهر، ونصف قيمة العبد على الثاني
. ولو وجد الزوج بالثمن الذي أخذه عيبا ورده، استرد المبيع وهو نصف العبد،
ويبقى لها النصف الآخر. ولو وجدت العبد معيبا فردته، استردت الثمن، وترجع
في الصداق إلى مهر المثل على الأظهر، ونصف القيمة على الثاني. ولو أرادت أن
ترد أحد النصفين وحده، جاز على الأصح لتعدد العقد. والثاني: المنع لتضرر
التبعيض. ولو قال: زوجتك بنتي أو جاريتي، وبعتك عبدها أو عبدي بكذا، ففي
صحة البيع والصداق قولان ذكرناهما في تفريق الصفقة. فإن صححناهما، وزع
591

العوض المذكور على مهر المثل وقيمة العبد، فما خص مهر المثل فهو صداق. وإذا
وجد الزوج بالعبد عيبا، استرد الثمن وليس للمرأة رد الباقي والرجوع إلى مهر
المثل، لأن المسمى صحيح. وإن رد العبد بعيب، أو فسخ النكاح قبل الدخول
بعيب، رجع إليه جميع العوض المذكور.
وإن خرج العوض المعين مستحقا، رد العبد ورجعت للصداق إلى مهر المثل
على الأظهر. وعلى الثاني: إلى حصة الصداق منه.
فرع لبنته مائة درهم، فقال لرجل: زوجتك بنتي وملكتك هذه الدراهم
بهاتين المائتين لك، فالبيع والصداق باطلان، نص عليه في الأم لأنه ربا، فإنه
مسألة مد عجوة. فلو كان من أحد الطرفين دنانير، كان جمعا بين صداق وصرف،
وفيه القولان.
فصل جمع نسوة في عقد بصداق واحد، وهذا يتصور عند اتحاد الولي،
بأن يكون له بنات بنين، أو إخوة، أو أعمام، أو معتقات. ويتصور مع تعدد
الولي، بأن وكل أولياء نسوة رجلا، فالنكاح صحيح. وفي الصداق طريقان.
أحدهما: القطع بفساده. وأصحهما: على قولين. أظهرهما: فساده. ويجري
الطريقان فيما لو خالع نسوة على عوض واحد، هل يفسد العوض؟ وأما البينونة،
فتحصل قطعا.
ونص الشافعي رضي الله عنه، أنه لو اشترى عبيدا لملاك صفقة من
المالكين، أو وكيلهم، بطل البيع. ولو كانت عبيدا بعوض واحد، صحت الكتابة.
واختلفوا في البيع والكتابة، الذين قالوا في النكاح والخلع قولان، على أربع طرق.
أحدها: طرد القولين فيهما. والثاني: يفسد البيع. وفي الكتابة قولان. والثالث:
تصح الكتابة. وفي البيع قولان. والرابع: تصح الكتابة ويفسد البيع وإن أفردت.
قلت: في البيع طريقان. أصحهما: طرد القولين، والثاني: القطع
بالفساد، وبه قال الإصطخري. وفي الكتابة، طريقان. أصحهما: قولان.
592

والثاني: القطع بالصحة. وإذا قلنا بصحة الصداق المسمى، وزع المسمى على
نسبة مهور أمثالهن على المذهب. وفي وجه أو قول ضعيف: يوزع المسمى على
عدد رؤوسهن. وإذا قلنا بفساد الصداق، ففيم يجب لهن قولان كما لو أصدقها
خمرا. أظهرهما: يجب لكل واحدة منهن مهر مثلها. والثاني: يوزع المسمى على
مهور أمثالهن، ولكل واحدة ما يقتضيه التوزيع، ويكون الحاصل لهن على هذا
القول كالمسمى إذا قلنا بصحته. ولو زوج أمتيه بعبد على صداق واحد، صح
الصداق، لأن المستحق واحد كبيع عبدين بثمن. ولو كان له أربع بنات، ولآخر
أربع بنين، فزوجهن بهم صفقة بمهر واحد بأن قال: زوجت بنتي فلانة ابنك فلانا،
وفلانة فلانا بألف، ففيه طريقان حكاهما المتولي. أحدهما: في صحة الصداق
القولان. والثاني: القطع ببطلانه لتعدد المعقود له من الجانبين.
السبب الرابع: أن يتضمن إثبات الصداق رفعه.
نقدم عليه أن الأب إذا زوج ابنه الصغير أو المجنون، فإما أن يصدق من مال
593

الابن، وإما من مال نفسه. فإن أصدق من مال الابن، فالكلام في أنه (هل) يصير
ضامنا للصداق إذا كان دينا؟ وهل يرجع إذا غرم على ما سبق في الطرف السادس
من باب بيان الأولياء؟ فإن تطوع وأداه من مال نفسه ثم بلغ الابن وطلقها قبل الدخول،
فهل يرجع النصف إلى الأب أم إلى الابن؟ فيه طريقان. أحدهما وبه قال الداركي:
إنه على الوجهين فيما لو تبرع أجنبي على الزوج بأداء الصداق ثم طلق قبل الدخول،
هل يعود النصف إلى الزوج لأن الطلاق منه، أم إلى الأجنبي المتبرع؟ والطريق
الثاني وهو المذهب وبه قطع الجمهور: أنه يعود إلى الابن، وفرقوا بينه وبين
الأجنبي، بأن الأب يتمكن من تمليك الابن فيكون موجبا قابلا قابضا مقبضا، فإذا
حصل الملك، ثم صار للمرأة عاد إليه بالطلاق، والأجنبي بخلافه. فإن كان الابن
بالغا، وأدى الأب عنه، فكالأجنبي.
والأصح في صورة الأجنبي، عود النصف إلى الأجنبي، قاله الامام: فإذا
قلنا: يعود إلى الابن الذي طلق، فإن كان ما أخذه بالطلاق بدل ما أخذته، فلا
رجوع للأب، وإن كان عين المأخوذ، فقيل: لا رجوع قطعا. وقيل: على
الوجهين فيمن وهب لابنه عينا فزال ملكه عنها ثم عاد، والمذهب المنع. فإن كان
الابن بالغا، فقيل: كالصغير. وقيل بالمنع قطعا، لأنه (ليس) للأب تمليكه، فالأداء
عنه محض إسقاط. أما إذا أصدقها الأب من مال نفسه، فيجوز ويكون تبرعا منه
على الابن. قال البغوي: سواء كان عينا أو دينا. ثم لو بلغ الصبي وطلقها قبل
594

الدخول، عاد الخلاف فيمن يرجع إليه النصف. فإن قلنا بالمذهب وهو العود إلى
الابن، فإن كان أصدقها عينا وبقيت بحالها فرجع النصف إليه، فهل للأب الرجوع؟
فيه الخلاف المذكور فيما إذا زال ملك الابن عن الموهوب ثم عاد. وإن أصدقها
دينا، قال البغوي: فلا رجوع فيما حصل، كما لو اشترى لابنه الصغير شيئا في
الذمة ثم أداه من ماله ثم وجد الابن بالمبيع عيبا فرده، يسترد الثمن ولا يرجع الأب
فيه، بخلاف ما لو خرج المبيع مستحقا يعود الثمن إلى الأب، لأنه بان أنه لم يصح
الأداء. ولو ارتدت المرأة قبل الدخول، فالقول فيمن يعود إليه كل الصداق وفي
رجوع الأب فيه إذا عاد إلى الابن، كالقول في النصف عند الطلاق.
إذا عرفت هذه المقدمة، فمن مفسدات الصداق أن يلزم من إثباته رفعه،
وذلك إما أن يكون بتوسط تأثيره في رفع النكاح، وإما بغير هذا التوسط. مثال القسم
الأول، أذن لعبده أن ينكح حرة ويجعل رقبته صداقا لها ففعل، لا يصح الصداق،
لأنه لو صح لملكت زوجها وانفسخ النكاح، وارتفع الصداق، ولا يصح أيضا النكاح
لأنه قارنه ما يضاده، وفي صحته احتمال لبعض الأئمة.
قلت: هذا الاحتمال، ذكره الامام والغزالي قالا: ولكن لا صائر إليه من
الأصحاب، وقد جزم به صاحب الشام ذكره في آخر باب الشغار، ولكن
595

الذي عليه الجمهور، الجزم ببطلان النكاح. والله أعلم.
ولو أذن له في نكاح أمة، ويجعل رقبته صداقها، ففعل، صح النكاح
والصداق، لأن المهر للسيد لا لها. فلو طلقها قبل الدخول، بني على ما إذا باع
السيد عبده بعدما نكح بإذنه ثم طلق العبد المنكوحة بعد أداء المهر وقبل الدخول،
إلى من يعود النصف؟ وفيه أوجه. أصحها: إلى المشتري، سواء أداه البائع من
مال نفسه أو من كسب العبد، قبل البيع أو بعده، لأن الملك في النصف إنما حصل
بالطلاق، والطلاق في ملك المشتري، فأشبه سائر الأكساب. والثاني: يعود
إلى البائع بكل حال. والثالث: إن أداه البائع من عنده أو أدى من كسب العبد قبل
البيع، عاد إلى البائع، وإن أدى من كسبه بعد البيع، عاد إلى المشتري، ولو فسخ
أحدهما النكاح بعيب، أو ارتدت، أو عتقت وفسخت، جرت الأوجه في أن كل
الصداق إلى من يعود؟ ولو أعتق العبد ثم طلق قبل الدخول، أو حدث شئ من
الأسباب المذكورة، فحيث نقول بالعود إلى البائع، يعود هنا إلى المعتق، وحيث
جعلناه للمشتري، يكون هنا للعتيق. فإن قلنا بالأصح وهو العود إلى المشتري،
ففي المسألة التي كنا فيها تبقى رقبة العبد كلها لمالك الأمة. وإن قلنا بالعود إلى
البائع، فكذا هنا يعود النصف إلى السيد المصدق في صورة الطلاق، ولو ارتدت أو
فسخت بعيب، عاد الكل إليه.
ولو أعتق مالك الأمة العبد ثم طلقها قبل الدخول، أو فسخت أو ارتدت،
فعلى المعتق نصف قيمة العبد في صورة الطلاق، وجميعها في الفسخ (و) الردة،
ويكون ذلك للزوج العتيق على الأصح، ولسيده الأول على الوجه الآخر. ولو قبل
نكاح أمة لعبده الرضيع على قولنا: يجوز إجبار العبد الصغير على النكاح وجعله
صداقها، فأرضعت الأمة زوجها وانفسخ النكاح، فالعبد يبقى لمالك الأمة على
الأصح. وعلى الوجه الآخر: يعود إلى سيده الأول. ولو ارتضع الصغير بنفسه،
فهو كالطلاق قبل الدخول.
ولو باع مالك الأمة العبد ثم طلق العبد قبل الدخول، وحصلت ردة، أو
فسخت، فعلى الوجه المقابل للأصح: يجب عليه لسيد العبد الأول نصف قيمة
العبد في صورة الطلاق، وجميع قيمته في سائر الصور. وأما على الوجه الأصح،
596

فقد أطلق في التهذيب أنه لا شئ عليه. وقال الشيخ أبو علي: يرجع مشتري
العبد عليه بنصف القيمة أو بجميعها، لأن الصداق على هذا الوجه يكون أبدا لمن له
العبد يوم الطلاق أو الفسخ، وهذا هو الصواب، وليتأول ما في التهذيب على أنه
لا شئ عليه للسيد الأول. ولو باع الأمة ثم طلق، أو فسخت، فعلى الأصح يبقى
العبد له ولا شئ عليه، وعلى الآخر يعود نصفه أو كله مثال القسم الثاني: كانت أم ابنه الصغير في ملكه، بأن إلى السيد الأول
استولد أمة غيره
بنكاح، ثم ملكها هي وولدها، فيعتق عليه الولد دونها. فلو قبل لابنه نكاح امرأة
وأصدقها أمة، لم يصح الصداق، لأن ما يجعله صداقا يدخل في ملك الابن أولا
، ثم ينتقل إلى المرأة، ولو دخلت في ملكه، لعتقت عليه وامتنع انتقالها إلى الزوجة،
فيصح النكاح ويفسد الصداق، ويجئ الخلاف في أن الواجب مهر المثل أم
قيمتها؟ هذا ما ذكره الأصحاب. وقد ذكرنا خلافا فيما إذا أصدق الأب من ماله عن
الصغير، ثم بلغ وطلق قبل الدخول، لأن النصف يرجع إلى الأب أو إلى الابن.
فمن قال: إلى الأب، فقد ينازع في قولهم: لا يدخل في ملكها حتى يدخل في
ملك الابن.
السبب الخامس: تفريط الولي في قدر المهر. فإذا قبل لابنه الصغير أو
المجنون نكاحا بمهر المثل أو دونه، أو بعين من أمواله بقدر مهر المثل أو دونه،
صح. وإن قبله بأكثر من مهر المثل، فالصداق فاسد. وكذا لو زوج بنته المجنونة أو
البكر، أو الصغيرة أو الكبيرة بغير إذنها بأقل من مهر المثل، فسد الصداق. وفي
النكاح في المسألتين قولان: أظهرهما: صحته كسائر الأسباب المفسدة، ويجب
مهر المثل. وفيما إذا أصدقها عينا وجه أنه تصح التسمية في قدر مهر المثل. والقول
الثاني: لا يصح النكاح، لأنه ترك مصلحة المولى عليه، فصار كترك الكفاءة. ولو
أصدق عن ابنه أكثر من مهر المثل من مال نفسه، ففيه احتمالان للامام. أحدهما:
يفسد المسمى، لأنه يتضمن دخوله في ملك الابن، ثم يكون متبرعا بالزيادة.
والثاني: يصح وتستحق المرأة المسمى، لأنه لا ضرر على الابن، بل إذا لم
597

نصححه أضررنا به، فإنه مهر المثل في ماله، وبهذا الثاني قطع الغزالي
والبغوي، ورجح المتولي والسرخسي في الأمالي الاحتمال الأول، ويتأيد بأنه
لو لزم الصبي كفارة قتل فأعتق الولي عنه عبدا لنفسه، لم يجز لأنه يتضمن دخوله في
ملكه وإعتاقه عنه، وإعتاق عبد الطفل لا يجوز.
فصل إذا اتفقوا على مهر في السر وأعلنوا بأكثر من ذلك، فعن الشافعي
رضي الله عنه أنه قال في موضع: المهر مهر السر، وفي موضع: العلانية.
598

وللأصحاب طريقان. أحدهما: إثبات قولين: وفي موضعهما وجهان: أحدهما:
موضعهما إذا اتفقوا على ألف، واصطلحوا على أن يعبروا عن الألف في العلانية
بألفين. أظهر القولين وجوب ألفين بجريان اللفظ الصريح بهما. والثاني: الواجب
ألف عملا باصطلاحهما. والوجه الثاني: إثبات قولين مهما اتفقوا على ألف وجرى
العقد بألفين وإن لم يتعرضوا للتعبير عن ألف بألفين اكتفاء بقصدهم. قال الامام:
وعلى هذه القاعدة تجري الاحكام المتلقاة من الألفاظ. فلو قال الزوج لزوجته: إذا
قلت: أنت طالق ثلاثا، لم أرد به الطلاق، وإنما غرضي أن تقومي وتقعدي، وأريد
بالثلاث واحدة، فالمذهب أنه لا عبرة بذلك. وفي وجه: الاعتبار بما تواضعا
عليه.
ثم ما المعنى بما أطلقناه في الوجهين من الاتفاق في السر، أهو مجرد
التراضي والتواعد؟ أم المراد ما إذا جرى العقد بألف في السر ثم عقدوا بألفين في
العلانية؟ منهم من يشعر كلامه بالأول، ومقتضى كلام البغوي وغيره إثبات القولين
وإن جرى العقدان. قال البغوي: وخرج بعضهم من هذا، أن المصطلح عليه
قبل العقد كالمشروط في العقد، وقد سبق بيان هذا التخريج. والطريق الثاني وهو
المذهب: تنزيل النصين على حالين، فحيث قال: المهر مهر السر، أراد إذا عقد
في السر بألف، ثم أتوا بلفظ العقد في العلانية بألفين تحملا وهم متفقون على بقاء
العقد الأول. وحيث قال: المهر مهر العلانية، أراد إذا تواعدوا أن يكون المهر
ألفا، ولم يعقد في السر ثم عقدوا في العلانية، فالمهر مهر العلانية لأنه العقد.
ونقل الحناطي وغيره في المسألة نصا ثالثا، وهو أنه يجب مهر المثل ويفسد
المسمى، وحملوه على ما إذا جرى العقد بألفين على أن يكتفى بألف، أو على أن
لا يلزمه إلا أداء ألف. والمعتبر في المسألة توافق الولي والزوج، وقد يحتاج إلى
مساعدة المرأة.
السبب السادس: مخالفة الآمر لا يشترط في إذن المرأة حيث يعتبر إذنها تقدير
المهر، ولا ذكره. لكن لو قدرت فقالت: زوجني بألف مثلا، فزوجها الولي أو
599

وكيله بخمسمائة، لم يصح النكاح، وألحق البغوي بهذه الصورة ما إذا زوجها
الولي بلا مهر أو مطلقا. وقيل: في صحة النكاح في صورة الولي قولان. ولو قالت
لوكيل الولي: زوجني ولم تتعرض للمهر، فزوجها بدون مهر المثل، فسد النكاح
على المذهب. وقيل: قولان. أحدهما: يفسد. والثاني: يصح بمهر المثل.
وذكر البغوي هذين الطريقين فيما لو وكل الولي بالتزويج مطلقا، فزوج الوكيل ونقص
عن مهر المثل. وإذا قلنا: لا يصح نكاح الوكيل إذا نقص عن مهر المثل فلو أطلق
التزويج ولم يتعرض للمهر، ففيه احتمالان للامام. أحدهما: لا يصح النكاح
أيضا، لأن الاطلاق يقتضي ذكر المهر عرفا. وأصحهما: يصح مهر المثل لأن فعله
مطابق للاذن. ولو أذنت للولي في التزويج مطلقا، فزوج بدون مهر المثل أو بلا
مهر، فهل يبطل النكاح أم يصح بمهر المثل؟ فيه القولان السابقان في السبب
الخامس. أظهرهما: الصحة. وقيل: يفسد قطعا كالوكيل. ولو قالت للولي أو
للوكيل: زوجني بما شاء الخاطب، فقال المأذون له للخاطب: زوجتكها بما
شئت، فإن لم يعرف ما شاء الخاطب، فقد زوجها بمجهول، فيصح النكاح بمهر
المثل. وإن عرف، فوجهان. أصحهما: صحة المسمى لعلمها به. والثاني:
يصح النكاح بمهر المثل، وبه قال القاضي حسين لابهام اللفظ.
قلت: هذا المذكور في هذا السبب، هو طريقة الخراسانيين. وأما العراقيون
فقطعوا بصحة النكاح في كل هذه المسائل. قال صاحب البيان: إذا أذنت في
التزويج، فزوجها وليها بلا مهر، أو بدون مهر المثل، أو بدون ما أذنت فيه أو بغير
جنسه، أو زوج الأب البكر الصغيرة أو الكبيرة بلا مهر أو بأقل من مهر مثلها، أو وكل
بعلا فزوجها بلا مهر، أو بأقل من مهر مثلها، فقال أصحابنا البغداديون: يصح
النكاح في كل الصور بمهر المثل. وحكى الخراسانيون قولين في صحة النكاح في
جميع ذلك. والله أعلم.
600

فرع قال الولي للوكيل: زوجها من شاءت بكم شاءت، فزوجها
برضاها بغير كف ء بدون مهر المثل، صح. ولو قال: زوجها بألف فزوجها
بخمسمائة برضاها، قال المتولي: الصحيح صحة النكاح، لأن المهر حقها.
وقيل: لا يصح لأنه باشر غير ما وكل فيه.
فرع جاء رجل وقال: أنا وكيل فلان في قبول نكاح فلانة بكذا، فصدقه
الولي والمرأة، وجرى النكاح، وضمن الوكيل الصداق، ثم إن فلانا أنكره
وصدقناه باليمين، فهل يطالب الوكيل بشئ من الصداق؟ وجهان. أحدهما: لا،
لأن مطالبة الأصل سقطت والضامن فرعه. وأصحهما وهو محكي عن نصه في
الاملاء: أنه يطالب بنصف الصداق، لأن المال ثابت عليهما بزعمه، فصار كما
لو قال: لزيد على عمرو ألف وأنا ضامنة، فأنكر عمرو، يجوز لزيد مطالبة
الضامن.
فرع في فتاوى البغوي أنه إذا قال الولي للوكيل: لا تزوجها إلا بشرط أن
ترهن بالصداق فلانا، أو يتكفله فلان، صح وعلى الوكيل الاشتراط. فإن
أهمله، لم يصح النكاح. ولو قال: زوجها بكذا وخذ به كفيلا، فزوجها بلا شرط،
صح النكاح لأنه أمره بأمرين امتثل أحدهما. وإن قال: لا تزوجها إذا لم يتكفل
فلان، ينبغي أن لا يصح التوكيل، لأن الكفالة تتأخر عن النكاح، وقد منع العقد إلا
بها، وأنه إذا قال للوكيل: زوجها بألف وجارية ولم يصف الجارية، فزوجها الوكيل
بألف، لم يصح. ولو قال: زوجها بخمر أو خنزير أو مجهول، فزوجها بألف
درهم، فإن كان ذلك نقد البلد وقدر مهر المثل، أو أكثر، صح النكاح والمسمى،
601

وإلا، فلا.
الباب الثالث
في التفويض وحكم المفوضة
التفويض: أن تجعل الامر إلى غيره. ويقال: إنه الاهمال. ومنه قوله:
لا يصلح الناس فوضى... وسميت المرأة مفوضة لتفويضها أمرها إلى
الزوج أو الولي بلا مهر، أو لأنها أمهلت المهر. ومفوضة بفتح الواو، لأن الولي
فوض أمرها إلى الزوج. وفي الباب طرفان.
أحدهما: في صورة التفويض.
والثاني: في حكمه.
أما الأول: فالتفويض ضربان. تفويض مهر وتفويض بضع.
فتفويض المهر أن تقول لوليها: زوجني على أن المهر ما شئت أو ما شئت
أنا، أو ما شاء الخاطب، أو فلان، فإن زوجها على ما ذكرت من الابهام، فحكمه
ما سبق في آخر الباب السابق. وإن زوجها بما عين المذكور مشيئته، صح المسمى
وإن كان دون مهر المثل. وإن زوجها بلا مهر، فهل يبطل النكاح، أم يصح بمهر
المثل؟ فيه الخلاف السابق في آخر الباب السابق فيما إذا أطلقت الاذن وزوج الولي
بدون مهر المثل، وليس النكاح في هذه الصور خاليا عن المهر، وليس هذا لتفويض
بالتفويض الذي عقدنا له الباب.
وأما تفويض البضع، فالمراد به: إخلاء النكاح عن المهر، وإنما يعتبر إذا
صدر من مستحق المهر بأن تقول البالغة الرشيدة، ثيبا كانت أو بكرا: زوجني بلا مهر
602

أو على أن لا مهر، فيزوجها الولي وينفي المهر، أو يسكت عنه. ولو قالت:
زوجني وسكتت عن المهر، فالذي ذكره الامام وغيره، أن هذا ليس بتفويض، لان
النكاح يعقد غالبا بمهر، فيحمل الاذن على العادة، فكأنها قالت: زوجني بمهر،
ويوافق هذا ما سبق. وفي بعض كتب العراقيين ما يقتضي كونه تفويضا. ومن
التفويض الصحيح أن يقول سيد الأمة: زوجتها بلا مهر، أو زوجها ساكتا عن
المهر.
ولو أذنت الحرة لوليها في التزويج، على أن لا مهر لها في الحال ولا عند
الدخول ولا غيره، وزوجها الولي كذلك، فوجهان. أحدهما: بطلان النكاح.
وأصحهما: صحته. وعلى هذا، هل هو تفويض فاسد فيجب مهر المثل، أم يلغى
النفي في المستقبل ويكون تفويضا صحيحا؟ وجهان، وبالأول قال أبو إسحاق، لأنه
شرط فاسد، والشرط الفاسد في النكاح يوجب مهر المثل. ولو زوجها لولي ونفى
المهر من غير أن ترضى هي بمهر المثل، فهو كما لو نقص عن مهر المثل. فإن
603

كان مجبرا، فهل يبطل النكاح، أم يصح بمهر المثل؟ قولان. وإن كان غير مجبر،
فهل يبطل قطعا أم على القولين؟ فيه طريقان، وقد سبق جميع هذا.
فرع لا يصح تفويض المحجور عليها لسفه، ولا الصبية المميزة. وإذا
قالت السفيهة: زوجني بلا مهر، استفاد به الولي الاذن في النكاح ولغا التفويض.
فرع نكحها على أن لا مهر لها ولا نفقة، أو على أن لا مهر لها وتعطي
زوجها ألفا، فهذا أبلغ في التفويض. ولو قالت للولي: زوجني بلا مهر، فزوجها
بمهر المثل من نقد البلد، صح المسمى. وإن زوجها بدون مهر المثل أو بغير نقد
البلد، لم يلزم المسمى، وكان كما لو نكحها تفويضا.
الطرف الثاني: في حكم التفويض، وفيه مسائل.
إحداها: هل تستحق المفوضة مهر المثل بنفس العقد، أم لا يجب
بنفس العقد؟ فيه قولان. أظهرهما: الثاني. فعلى هذا، إذا وطئها، وجب مهر المثل
على الصحيح. وعن القاضي حسين تخريج وجه: أنه لا يجب، خرجه من وطئ
المرتهن المرهونة بإذن الراهن، ظانا الإباحة، والجامع حصول الاذن من مالك
البضع، وموضع هذا الوجه على ما ذكره أكثر من نقله ما إذا جددت إذنا في الوطئ
وصرحت بنفي المهر. قال الامام: والقياس أن لا يشترط تجديد الاذن، قال: وقد
رأيت في بعض المجموعات ما يدل عليه، وإذا قلنا بالصحيح وأوجبنا مهر المثل،
فهل تعتبر حالة الوطئ، أم يجب أكثر مهر من يوم العقد إلى الوطئ؟ فيه وجهان، أو
قولان. أظهرهما: الثاني.
الثانية: مات أحد الزوجين قبل الفرض والمسيس، فهل يجب مهر المثل أم لا
يجب شئ؟ فيه خلاف مبني على حديث بروع بنت واشق، أنها نكحت بلا مهر،
فمات زوجه قبل أن يفرض لها، فقضى لها رسول الله (ص) بمهر نسائها
والميراث، فقيل إن ثبت الحديث، وجب المهر، وإلا فقولان. وقيل: إن لم
604

يثبت، فلا مهر، وإلا فقولان. وقيل: إن ثبت، وجب، وإلا، فلا، وهو ظاهر
لفظ المختصر. وقيل: قولان وهو الأصح، وبه قال العراقيون والحليمي،
واختلفوا في الأظهر منهما، فرجع صاحب التقريب والمتولي، الوجوب. ورجح
العراقيون والامام والبغوي والروياني، أنه لا يجب.
قلت: الراجح ترجيح الوجوب، والحديث صحيح رواه أبو داود والترمذي
والنسائي وغيرهم. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ولا اعتبار بما قيل في
إسناخه، وقياسا على الدخول، فإن الموت مقرر كالدخول، ولا وجه للقول الآخر مع
صحة الحديث. والله أعلم.
فإن أوجبنا، فيجب مهر المثل باعتبار يوم العقد، أم يوم الموت، أم
أكثرهما؟ فيه ثلاثة أوجه حكاها الحناطي.
الثالثة: طلقها قبل الدخول، إن كان فرض لها، تشطر المفروض كالمسمى
في العقد، وإن لم يكن فرض لها، فلا يشطر على المذهب، وبه قطع الأصحاب.
وعن الشيخ أبي محمد والمتولي، خلاف مبني على أن المهر يجب بالعقد أم لا؟
قال الامام: لا يعتد بهذا، ولا يلتحق بالوجوه الضعيفة.
605

الرابعة: إذا قلنا: لا يجب المهر للمفوضة بالعقد، فلها مطالبة الزوج بفرض
مهر قبل المسيس. وإن أوجبناه بالعقد، فمن قال: يشطر بالطلاق قبل المسيس،
قال: ليس لها طلب الفرض، لكن لها طلب المهر نفسه، كما لو وطئها ووجب مهر
المثل، تطالب به لا بالفرض. ومن قال: لا يتشطر. قال: لها طلب الفرض ليتقرر
الشطر فلا يسقط بالطلاق، وهذا هو المذهب. ولها حبس نفسها للفرض، وهل لها
حبس نفسها لتسليم المفروض؟ قال البغوي والروياني: نعم كالمسمى: وحكى
الامام عن الأصحاب المنع، وبه قطع الغزالي لأنها سامحت بالمهر، فكيف تضايق
في تقديمه.
فرع الفرض يوجد من الزوج، أو القاضي، أو أجنبي.
الضرب الأول: إذا فرض الزوج، نظر، إن لم ترض به المرأة، فكأنه لم
يفرض وفيما علق عن الامام، أنه لا يشترط القبول منها، بل يكفي طلبها
وإسعافه، وليكن هذا فيما إذا طلبت عينا أو مقدرا فأجابها، أما إذا أطلقت الطلب،
فلا يلزم أن تكون راضية بما يعينه أو يقدره. أما إذا تراضيا على مهر، فينظر، إن
جهلا قدر مهر المثل، أو جهله أحدهما، ففي صحة الفرض قولان. أظهرهما عند
الجمهور: صحته وهو نصه في الاملاء والقديم. وإن كانا عالمين به، صح ما
فرضاه. ويجوز إثبات الاجل في المفروض على الأصح، ويجوز أن يكون زائدا
على مهر المثل إن كان من غير جنسه، وكذا إن كان منه على المذهب.
الضرب الثاني: فرض القاضي وذلك إذا امتنع الزوج من الفرض، أو تنازعا
في قدر المفروض، فيفرضه، ولا يفرض إلا من نقد البلد حالا. ولو رضيت
بالأجل، لم يؤجل، بل تؤخر هي إن شاءت، ولا يزيد على مهر المثل ولا ينقص،
كما في قيم المتلفات. ولكن الزيادة والنقص اليسير الذي يقع في محل
606

الاجتهاد، لا اعتبار به، ويشترط علمه بقدر مهر المثل. قال الشيخ أبو الفرج: وإذا
فرض، لم يتوقف لزومه على رضاهما، لأنه حكم منه، وحكم القاضي لا يفتقر
لزومه إلى رضى الخصمين.
الضرب الثالث: فرض الأجنبي. فإذا فرض أجنبي للمفوضة مهرا يعطيه من
مال نفسه برضاها، لم يصح على الأصح. فإن صححنا، طالبت الأجنبي
بالمفروض، وسقطت المطالبة عن الزوج. وعلى هذا، لو طلقت قبل الدخول،
فنصف المفروض يعود إلى الزوج أم إلى الأجنبي؟ فيه الوجهان السابقان فيما إذا
تبرع أجنبي بأداء المسمى ثم طلقت قبل المسيس ذكرناهما فيما لو أصدق عن ابنه.
فرع أبرأت المفوضة عن المهر قبل الفرض والمسيس، فإن قلنا: يجب
المهر بالعقد، صح الابراء إن كانت تعلم مهر المثل، فإن جهلته، ففي صحة
الابراء عن المجهول قولان سبقا في الضمان. أظهرهما: المنع. فإن منعنا،
فذلك فيما زاد على المتيقن. وفيما استيقنته وجهان من تفريق الصفقة.
وإن قلنا: يجب المهر بالعقد، فهو إبراء عما لم يجب، وجرى سبب
وجوبه. وفي صحته قولان كالقولين في ضمانه. أظهرهما: فساده، فحصل أن
المذهب فساد إبرائها.
ولو أسقطت حق الفرض، لم يسقط كإسقاط زوجة المولي، ولو أبرأت عن
المتعة قبل الطلاق، فهو إبراء عما لم يجب. وإن أبرأت بعد، فإبراء عن مجهول.
ولو تزوج امرأة على خمر أو خنزير، فأبرأته عن المسمى، فهو لغو، لان
الواجب غيره. وإن أبرأته عن مهر المثل وهي عالمة به، صح.
فرع لزوجته عليه مهر تيقن أنه لا ينقص عن ألف، واحتمل أن يزيد عليه
إلى ألفين، ورغبا في البراءة، فينبغي أن تبرئه عن ألفين، ذكره البغوي. ولو قبضت
ألفا، وأبرأته من ألف إلى ألفين، فإن بان أن مهرها ألف أو فوق الألف إلى ألفين،
607

فالبراءة حاصلة، وإن بان فوق الألفين فعليه الزيادة، وحصلت البراءة من ألفين،
والقول بحصول براءة حذا بان فوق ألف إلى ألفين، تفريع على أنه إذا قال: ضمنت
من واحد إلى عشرة، أو أبرأت، صح الضمان والابراء، وهو الأصح. ولو دفع
الزوج إليها ألفين، وحلل لها ما بين ألف وألفين، حل لها ذلك إن بان فوق ألف إلى
ألفين. وإن بان دون ألف، فعليها رد قدر التفاوت بين مهرها وبين الألف، لأنه لم
يدخل في التحليل، ويحصل الفرض من جهة الزوجة بلفظ التحليل والابراء، أو
الاسقاط والعفو. وأما من جهة الزوج، فيشترط لفظ صالح لتمليك الأعيان. فإن
تصرفت في المدفوع وصار دينا، جرت فيه الألفاظ.
فرع قال لمن عليه ألف درهم: أبرأتك عن ألف درهم، ثم قال: لم
أعلم وقت الابراء أنه كان لي عليه شئ، لا يقبل قوله في الظاهر. وفي الباطن
وجهان. قال الإصطخري: لا يقبل أيضا لأنه ورد على محل حقه. وقال غيره:
يقبل، والخلاف مأخوذ مما إذا باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا.
فصل ذكرنا أن المفروض فرضا صحيحا، كالمسمى في العقد، حتى
يتشطر بالطلاق قبل الدخول. فلو فرض فاسدا كخمر، لغا، ولم يؤثر في
تشطر مهر المثل، بخلاف التسمية الفاسدة في العقد، فإنها تشطره.
فرع نكح ذمي ذمية على أن لا مهر، وترافعا إلينا، حكمنا بحكمنا في
المسلمين.
فصل في بيان مهر المثل ويحتاج إليه في مواضع. منها: المفوضة،
وفي التفويض الفاسد، وفي التسمية الفاسدة، وفيما إذا نكح نسوة بمهر واحد
وقلنا يوزع على مهور أمثالهن، وفي وطئ الشبهة والاكراه على الزنا، وفيه
مسائل
. إحداها: مهر المثل هو القدر الذي يرغب به في أمثالها، والركن الأعظم في
608

الباب النسب، وينظر إلى نساء عصباتها، وهن المنتسبات إلى من تنسب هذه إليه
كالأخت وبنت الأخت، والعمة وبنت العم، ولا ينظر إلى ذوات الأرحام، ويراعى
في نساء العصبة قرب الدرجة، وأقربهن الأخوات من الأبوين، ثم من الأب، ثم
بنات الأخوة من الأبوين، ثم من الأب، ثم العمات كذلك، ثم بنات الأعمام. فإن
تعذر اعتبار نساء العصبة، اعتبر بذوات الأرحام كالجدات والخالات، وتقدم القربى
فالقربى من الجهات، وكذا تقدم القربى فالقربى من الجهة الواحدة كالجدات. ولا
يتعذر اعتبار نساء العصبة بموتهن، بل يعتبر بعد موتهن، وإنما يتعذر بفقدهن من
الأصل، وقد يكون للجهل بمقدار مهورهن، أو لأنهن لم ينكحن. فإن تعذرت
ذوات الأرحام، اعتبرت بمثلها من الأجنبيات، وكذا إن لم يكن نسبها معلوما،
وتعتبر العربية بعربية مثلها، والأمة بأمة مثلها، وينظر إلى شرف سيدها وخسته،
ومهر المعتقة بمعتقة مثلها. وفي وجه: تعتبر المعتقة بنساء الموالي.
الثانية: يعتبر مع ما ذكرناه البلد. فإذا كان نساء عصباتها ببلدتين هي في
إحداهما، اعتبر بعصبات بلدها. فإن كن كلهن ببلدة أخرى، فالاعتبار بهن لا
بأجنبيات بلدها، وتعتبر المشاركة في الصفا ت المرغبة، كالعفة، والجمال،
والسن، والعقل، واليسار، والبكارة، والعلم، والفصاحة، والصراحة، وهي أن
تكون شريفة الأبوين، وسائر الصفات التي تختلف بها الأغراض. وفي وجه: لا
اعتبار باليسار وهو بعيد، ومتى اختصت بصفة مرغبة، زيد في مهرها. وإن كان فيها
نقص ليس في النسوة المعتبرات مثله، نقص من المهر بقدر ما يليق به.
الثالثة: المعتبر غالب عادة النساء المعتبرات. فلو سامحت واحدة منهن، لم
يلزم الباقيات المسامحة، إلا أن يكون لنقص دخل النسب وفترت الرغبات.
الرابعة: مهر المثل يجب حالا من نقد البلد، كقيمة المتلفات. وإن رضيت
609

بالتأجيل، لا يوجبه الحاكم مؤجلا، لكن لها أن تسامح بالانظار. فإن كانت النسوة
المعتبرات ينكحن بمؤجل أو بصداق بمؤجل، لم يؤجل الحاكم أيضا لكن
ينقص ما يليق بالأجل. وإن جرت عادتهن بمسامحة العشيرة دون غيرهم، خففنا مهر
هذه في حق العشيرة دون غيرها. وكذا لو كن يخففن، إذا كان الزوج شريفا، خفف
في حق الشريف دون غيره. وعن الشيخ أبي محمد: أنه لا يلزم التخفيف في حق
العشيرة والشريف. وقيل: مهر المثل الواجب بالعقد يجوز أن يختلف دون الواجب
بالاتلاف، والصحيح الأول.
فرع تقادم العهد لا يسقط مهر المثل عندنا.
فرع الوطئ في النكاح الفاسد، يوجب مهر المثل باعتبار يوم الوطئ
كالوطئ بالشبهة، ولا يعتبر يوم العقد، إذ لا حرمة للعقد الفاسد.
فرع إذا وطئ مرارا بشبهة واحدة، أو في نكاح فاسد، لم يجب إلا مهر
واحد. ولو وطئ بشبهة، فزالت تلك الشبهة، ثم وطئ بشبهة أخرى، وجب
مهران. ولو أكرهها على الزنا، وجب بكل وطأة مهر، لأن الوجوب هنا بالاتلاف،
وقد تعدد ولو وطئ الأب جارية الابن مرارا من غير إحبال، فقيل: يجب بكل
وطئ مهر. والأصح أنه لا يجب إلا مهر واحد، لأن شبهة الاعفاف تعم الوطئات،
وخصص البغوي الوجهين بما إذا اتحد المجلس، وجزم بالتكرار عند اختلاف
المجلس. ووطئ الشريك المشتركة، والسيد المكاتبة مرارا، كوطئات جارية
الابن. وإذا وجب مهر واحد بوطئات، اعتبر أكمل الأحوال.
الباب الرابع
في تشطر الصداق
بالطلاق قبل الدخول يشطر الصداق بين الزوجين، وفي الباب أطراف.
الطرف الأول: في موضع التشطر وكيفيته.
أما موضعه، فيتشطر الصداق قبل الدخول بالطلاق والخلع. وفيما إذا طلقت
610

نفسها بتفويضه إليها، أو علق طلاقها بدخول الدار فدخلت، أو طلقها بعد مدة
الايلاء بطلبها، وبكل فرقة تحصل لا بسبب من المرأة، بأن أسلم أو ارتد أو أرضعت
أو أم الزوجة الزوج وهو صغير، أو أم الزوج أو ابنة الزوجة الصغيرة، أو وطئها أبوه أو
ابنه بشبهة وهي تظنه زوجها، أو قذفها ولاعن. فأما إذا كان الفراق منها أو بسبب
فيها، بأن أسلمت أو ارتدت، أو فسخت النكاح بعتق أو عيب، أو أرضعت زوجة
611

أخرى له صغيرة، أو فسخ النكاح بعيبها، فيسقط جميع المهر، وشراؤها زوجها
يسقط الجميع على الأصح، وشراؤه زوجته يشطر على الأصح.
فرع إذا طلق المفوضة قبل الفرض والدخول، فالقول في التشطر سبق.
وأما غير المفوضة، فكل صداق واجب ورد عليه الطلاق قبل الدخول شطره، سواء
فيه المسمى الصحيح في العقد، والمفروض بعده، ومهر المثل إذا جرت تسمية
فاسدة في العقد.
فصل وأما كيفية التشطر، ففيها أوجه. الصحيح أنه يعود إليه نصف
الصداق بنفس الفراق. والثاني: أن الفراق يثبت له خيار الرجوع في النصف، فإن
شاء يملكه وإلا فيتركه كالشفعة. والثالث: لا يرجع إليه إلا بقضاء القاضي. وحكى
العبادي، أن أبا الفضل القاشاني الزاهد، حكى الثالث قولا قديما. وأنكر جمهور
الأصحاب كونه قولا أو وجها، فإذا قلنا: يثبت الملك بالاختيار، فطلقها على أن
يسلم لها كل الصداق، وهذا إعراض منه ورضى بسقوط حقه، فيسلم لها جميعه.
وعلى الصحيح يلغو قوله، ويتشطر المهر كما لو أعتق ونفى الولاء. ولو طلق
ثم قال: أسقطت خياري، وقلنا: الطلاق يثبت الخيار، فقد أشار الغزالي إلى
احتمالين. أحدهما: يسقط كخيار البيع. وأرجحهما: لا، كما لو أسقط الواهب
خيار الرجوع، ولم يجر هذا التردد فيما لو طلق على أن يسلم لها كل الصداق.
ويجوز أن يسوي بين الصورتين.
ولو حدثت زيادة في الصداق بعد الطلاق، فعلى الوجه الأول: الصحيح
نصفها للزوج، وعلى الثاني: إن حدثت قبل اختيار التملك، فالجميع للزوجة
612

كالحادث قبل الطلاق، هذا إذا كانت الزيادة منفصلة، فإن كانت متصلة وقلنا
بالأول، فالنصف بزيادته للزوج. وإن قلنا بالثاني، فوجهان. أصحهما: كذلك.
والثاني: يمنع الرجوع إلا برضاها. وإن حدث نقص، فإن قلنا: يملك بالاختيار،
فإن شاء أخذه ناقصا بلا أرش، وإن شاء تركه وأخذ نصف قيمته صحيحا. وإن
قلنا: يملك بنفس الطلاق، فإن وجد منها تعد، بأن طالبها برد النصف، فامتنعت،
فله النصف مع أرش النقص وإن تلف الكل والحالة هذه، فعليها الضمان. وإن لم
يوجد تعد، فوجهان. أحدهما وهو ظاهر النص وبه قال العراقيون والروياني: أنها
تغرم أرش النقص. وإن تلف، غرمت البدل لأنه مقبوض عن معاوضة كالمبيع في يد
المشتري بعد الإقالة. وفي الأم نص يشعر بأنه لا ضمان، وبه قال المراوزة،
لأنه في يدها بلا تعد، فأشبه الوديعة. فعلى الأول، لو قال الزوج: حدث النقص
بعد الطلاق فعليك الضمان، وقالت: قبله ولا ضمان، فأيهما المصدق؟ وجهان.
أصحهما: المرأة، وبه قطع الشيخ أبو حامد وابن الصباغ. ولو رجع كل الصداق
إليه بردتها، أو فسخ وتلف في يدها، فمضمون عليها كالبيع ينفسخ بإقالة أو رد
بعيب. قال الامام: وحكم النصف عند ردته كالطلاق.
فرع إذا قلنا: يملك بالاختيار، فهل تملك الزوجة التصرف بعد الطلاق
قبل الاختيار؟ وجهان حكاهما الامام. قال: القياس أنها تملك كما قبل الطلاق،
وكما يملك المتهب قبل رجوع الواهب.
فرع إذا كان الصداق دينا، سقط نصفه بمجرد الطلاق على الصحيح،
وعند الاختيار: على الثاني، ولو أدى الدين والمؤدى باق، فهل لها أن تدفع قدر
النصف من موضع آخر لأن العقد لم يتعلق بعينه؟ أم يتعين حقه فيه لتعينه بالدفع؟
وجهان. أصحهما الثاني.
الطرف الثاني في تغير الصداق قبل الطلاق. إذا أصدقها عينا، ثم طلقها
613

قبل الدخول، فإن كانت تالفة، رجع بنصف مثلها إن كانت مثلية، أو نصف قيمتها
إن كانت متقومة. وإن كانت باقية، فإن لم يحدث فيها تغير، رجع في نصفها كما
سبق. وإن حدث تغير وهو مقصود الفصل، فهو نقص أو زيادة أو كلاهما، فهي
ثلاثة أقسام. الأول: نقص محض وهو نوعان، نقص صفة ونقص جزء.
النوع الأول: نقص الصفة كالعمى والعور، ونسيان الصنعة، وهو ضربان.
حادث في يدها، وحادث في يده. الضرب الأول: أن يحدث في يدها،
فالزوج بالخيار، إن شاء رجع إلى
نصف قيمة الصداق سليما، وإن شاء قنع بنصف الناقص بلا أرش. هذا قول
الأصحاب. قال الامام: ويحتمل أن يقول: يجب الأرش، وجعل الغزالي هذا
الاحتمال وجهان.
الضرب الثاني: أن يحدث في يده قبل قبضها وأجازت، فله عند الطلاق
نصفها ناقصا، ولا خيار له ولا أرش، لأنه نقص وهو من ضمانه، لكن لو حدث
النقص بجناية وأخذت الأرش، فهل له نصف الأرش، لأنه بدل الفائت أم لا شئ
له من الأرش كزيادة منفصلة؟ فيه وجهان.
النوع الثاني: نقص جزء، بأن أصدقها عبدين وقبضهما، فتلف أصحهما:
الأول أحدهما في يدها ثم طلقها، فثلاثة أقوال. أظهرها: يرجع إلى نصف الباقي ونصف
قيمة التالف. والثاني: أنه يأخذ الباقي بحقه إن استوت قيمتهما. والثالث: يتخير بين
أن يأخذ نصف الباقي ونصف قيمة التالف، وبين أن يأخذ نصف قيمة العبدين
. القسم الثاني: زيادة محضة وهي صنفان، منفصلة ومتصلة. أما المنفصلة،
كاللبن، والولد، والكسب، فيسلم للمرأة - سواء حصلت في يدها أو في يد
الزوج، ويختص الرجوع بنصف الأصل. ثم في الشامل والتتمة: إن قولنا:
يرجع بنصف الأصل ويبقى الولد لها، مفروض في غير الجواري، وليس له الرجوع
في إسماعيل، لأنه يتضمن التفريق بين الأم والولد، بل يرجع إلى القيمة. فإن
وافقته الزوجة ورضيت برجوعه إلى نصف الأم، فهو كالتفريق بين الأم والولد بالبيع.
614

الصنف الثاني: الزيادة المتصلة، كالسمن، وتعلم صنعة، فلا يستقل الزوج
بالرجوع إلى عين النصف، بل يخير الزوجة. فإن أبت، رجع إلى نصف القيمة
بغير تلك الزيادة. وإن سمحت، أجبر على القبول ولم يكن له طلب القيمة. وحكى
الحناطي وجها، أنه لا يجبر للمنة، والصحيح الأول. قال الأصحاب: لا تمنع
الزيادة المتصلة الاستقلال بالرجوع إلا في هذا الموضع. فأما في سائر الأصول،
كالمبيع في يد المفلس، والموهوب في يد الولد، والمردود بالعيب في البيع، فلا
تمنع الزيادة المتصلة الرجوع، بل يستقلون بالرجوع معها، وفرقوا بأن الرجوع في
هذه الصور بالفسخ، وهو رفع العقد من أصله أو حينه. فإن رفع من أصله، فكأنه لا
عقد. وإن رفع من حينه، فالفسخ مشبه بالعقد، والزيادة تتبع الأصل في العقد،
فكذا في الفسخ، وعود الشطر بالطلاق ليس فسخا، ولهذا لو سلم العبد الصداق من
كسبه ثم عتق وطلق، عاد النصف إليه لا إلى السيد، وإنما هو ابتداء ملك يثبت
فيما فرض صداقا. وفرق أبو إسحاق بين الصداق وصورة الافلاس، بأن غريم
المفلس لو منعناه الرجوع إلى العين، لم يتم له الثمن لمزاحمة الغرماء، وهنا إذا لم
تسلم العين، سلمت القيمة بتمامها، فلا ضرر، حتى لو كانت محجورا عليها بفلس
عند الطلاق ولو ترك العين لاحتاج إلى المضاربة، قال: يرجع إلى العين بزيادتها
بغير رضاها. وعول الأكثرون على الفرق الأول، ومنعوا استقلاله بالرجوع وإن كانت
محجورا عليها، واعتبروا في الرجوع حينئذ رضاها ورضى الغرماء. وحكى الامام
وجها أن كونها محجورا عليها، يمنع الرجوع وإن لم تكن زيادة، لتعلق حق
الغرماء قبل ثبوت الرجوع، والزوائد المنفصلة والمتصلة فيما سوى الطلاق من
الأسباب المشطرة كهي في الطلاق.
وأما ما يوجب عود جميع الصداق إلى الزوج، فينظر فيه، إن كان سببه عارضا
كالرضاع وردتها، فكذلك الحكم. وفي ردتها وجه أن الزوج يستقل بالرجوع في
الزوائد المتصلة. وإن كان السبب مقارنا كالفسخ بعيبه أو عيبها، فالذي قطع به
615

الجمهور أنه يعود بزيادته إلى الزوج، ولا حاجة إلى رضاها كفسخ البيع بالعيب.
وقال المتولي: إن قلنا في الفسخ بعد الدخول: يبقى المسمى لها، فهو كما لو كان
السبب عارضا. وإن قلنا: يوجب مهر المثل، فهل يستند الفسخ إلى أصل العقد
ويرفع أصله، أم لا؟ فيه خلاف. إن قلنا: لا، فالحكم كما سبق، وإن قلنا:
نعم، عاد الصداق إليه بزوائده المتصلة والمنفصلة.
فرع إذا امتنع الرجوع إلى نصف عين الصداق، رجع بنصف قيمة الجملة
بغير زيادة ولا نقص، ولا يقال: يرجع بقيمة النصف. ووقع في كلام الغزالي بقيمة
النصف، وهو تساهل في العبارة، والصواب ما ذكرنا، لأن التشقيص عيب.
القسم الثالث: إذا تغير الصداق بالزيادة والنقص معا، إما بسبب واحد، بأن
أصدقها عبدا صغيرا فكبر، فإنه نقص بسبب نقص القيمة، ولان الصغير يدخل
على النساء، ولا يعرف الغوائل، ويقبل التأديب والرياضة، وفيه زيادة بقوته على
الشدائد والاسفار، وحفظ ما يستحفظه. وكما إذا أصدقها شجرة فكبرت فقل ثمرها
وزاد حطبها.
وإما بسببين، بأن أصدقها عبدا فتعلم القرآن واعور، فيثبت لكل منهما
الخيار، وللزوج أن لا يقبل العين لنقصها، ويعدل إلى نصف القيمة، ولها أن لا
تبذلها لزيادتها وتدفع نصف القيمة. فإن اتفقا على رد العين، جاز، ولا شئ
لأحدهما على الآخر. وليس الاعتبار بزيادة القيمة، بل كل ما حدث وفيه فائدة
مقصودة، فهو زيادة من ذلك الوجه وإن نقصت القيمة كما ذكرنا في كبر العبد.
فرع أصدقها جارية حائلا، فحبلت في يدها وطلقها قبل الدخول، فهو
زيادة من وجه ونقص من وجه، للضعف في الحال، ولخطر الولادة. فإن لم يتفقا
على نصف الجارية، فالمعدول إليه نصف قيمة الجارية، وليس لأحدهما إجبار
الآخر. وحكى الحناطي وجها، أن الزوج يجبر إذا رضيت برجوعه إلى نصف
الجارية حاملا بناء على أن الحمل لا يعرف، ومقتضى هذا أن تجبر هي أيضا إذا
رغب الزوج في نصفها حاملا، والصحيح الأول. وأما الحمل في البهيمة،
616

فكالجارية. وقيل: زيادة محضة، إذ لا خطر فيه، والأول أصح، لأنه لا يحمل
عليها حاملا ما يحمل حائلا، ولان لحم الحامل أردأ.
فرع أصدقها أرضا فحرثتها، فإن كانت الأرض معد للزراعة، فزيادة
محضة. وإن كانت معدة للبناء، فنقص محض، فحينئذ إن أراد الرجوع إلى نصف
عينها، مكن، وإن أبى، رجع إلى نصف القيمة بلا حراثة. وإن زرعتها، فنقص
محض، فإن اتفقا على الرجوع إلى نصف العين وترك الزرع إلى الحصاد، فذاك.
قال الامام: وعليه إبقاؤه بلا أجرة، لأنها زرعت ملكها الخالص. وإن رغب فيها
الزوج وامتنعت، أجبرت. وإن رغبت هي، فله الامتناع، ويأخذ نصف قيمة
الأرض. فإن قالت: خذ نصف الأرض مع نصف الزرع، ففي إجباره طريقان.
أحدهما: وجهان كما سنذكره إن شاء الله تعالى في الثمار. والثاني: القط
بالمنع، لأن الزرع ليس من عين الصداق، بخلاف الثمرة، والمذهب المنع كيف
كان. وإن طلقها بعد الحصاد، وبقي في الأرض أثر العمارة، وكانت تصلح لما لا
تصلح له قبل الزراعة، فهي زيادة محضة ولو غرستها، فكما لو زرعتها. لكن لو أراد
أن يرجع في نصف الأرض ويترك الغراس، ففيه وجه أنها لا تجبر، لأن الغراس
للتأبيد. وفي إبقائه في ملك الغير ضرر. ولو طلقها والأرض مزروعة أو مغروسة،
فبادرت بالقلع، نظر، إن بقي في الأرض نقص لضعفها بهما وهو الغالب، فهو على
خيرته، وإلا انحصر حقه في الأرض.
فصل أصدقها نخيلا حوائل، ثم طلقها وهي مطلعة، فليس له أخذ نصف
الطلع قهرا، ولا نصف العين قهرا، لأن الطلع كزيادة متصلة فيمنع الرجوع قهرا.
فإن رضيت بأخذه نصف النخل والطلع، أجبر على المذهب. وقيل: وجهان
كالثمرة المؤبرة، أما إذا طلقها وعليها ثمار مؤبرة، ففيها مسائل.
إحداها: ليس له تكليفها قطع الثمرة ليرجع إلى نصف العين. فلو بادرت
بقطعها، أو قالت: اقطعها ليرجع، فليس للزوج إلا الرجوع إلى نصف الشجر إذا
لم يمتد زمن القطع ولم يحدث به نقص في الشجر بانكسار سعف وأغصان.
الثانية: أراد الرجوع في نصف النخل وترك الثمار إلى الجداد فأبت،
617

أجبرت على الأصح عند الجمهور، منهم العراقيون، وبه قطع البغوي، لان
الأشجار في يدها كسائر الأموال المشتركة. ورجح المتولي منع الاجبار، وأشار إلى
ترجيحه الامام والغزالي، لأنها قد لا ترضى بيده ودخوله البستان. قال الامام: ولأنه
لا بد من تنمية الثمار بالسقي، ولا يمكن تكليفها السقي، لأن نفعه غير مختص
بالثمر، بل ينفع به الشجر أيضا، ولا يمكن تكليفها ترك السقي لتضرر الثمر
والشجر. ولمن قال بالأول أن يقول: حكم السقي هنا حكمه فيما إذا اشترك اثنان
في الشجر وانفرد أحدهما بالثمر في غير الصداق.
الثالثة: أرادت رجوعه في نصف الشجر وترك ثمرها إلى الجداد، فله
الامتناع وطلب القيمة، لأن حقه في الشجر خالية، وليس لها تكليفه تأخير الرجوع
إلى الجداد، لأن حقه ناجز في العين أو القيمة. ولو قال: أؤخر
الرجوع إلى الجداد، فلها الامتناع لأن نصيبه يكون مضمونا عليها، كذا وجهوه،
وهو تفريع على أن النصف الراجع إليه يكون مضمونا عليها، وفيه خلاف سبق. ولو
قال: أرجع ويكون نصيبي وديعة عندك وقد أبرأتك عن ضمانه، فوجهان لهما التفات
إلى إبراء الغاصب مع بقاء المغصوب في يده. وزاد من نظر إلى السقي، فقال:
ليس لها أن تقول: ارجع واسق، لأن فائدة السقي تعود إلى نصيبها من الشجر وإلى
الثمار وهي خالصة لها، ولا أن تقول: ارجع ولا تسق، لأنه يتضرر. ولو قالت:
ارجع وأنا لا أسقي وإليك الخيرة في السقي وتركه، أو قال: ارجع ولا أسقي ولك الخيار
في السقي وتركه، لم يلزم الآخر الإجابة، لأنه إن ترك السقي تضرر، وإن
سقى اختص بالمؤنة دون الفائدة. ولو قال الزوج: ارجع إلى النصف واسق والتزم
المؤنة، أو قالت: ارجع وأنا أسقي، فهل يلزم الآخر الإجابة؟ وجهان.
أصحهما: المنع، لا نوعد وقد لا يفي به. فإن قلنا بالإجابة، فبدا للملتزم
وامتنع، تبينا أن الملك لم يرجع إلى الزوج، وكأنه موقوف على الوفاء بالوعد،
وألحقوا بهذه الصورة ما إذا أصدقها جارية فولدت في يدها ولدا مملوكا ثم طلقها قبل
الدخول، فقال: ارجع إلى نصف الجارية وأرضى أن ترضع الولد، ففيه
618

الوجهان. قال الامام: ونص الشافعي رحمه الله يدل على أنه لا يجاب. ولو قال:
أرجع وأمنعها الارضاع، لم تجب بلا خلاف. وفي هذه المسألة وراء الارضاع
ومضي زمانه شئ آخر، وهو التفريق بين الأم والولد. وقد ذكرنا ما ذكره صاحبا
الشامل والتتمة فيه.
الرابعة: وهبت له نصف الثمار ليشتركا في الثمر والشجر، فهل يجب القبول
لأن الثمر متصل كالسمن، أم لا، لأن الثمرة المؤبرة كالمنفصلة ولا يجبر
على قبول ملك الغير؟ وجهان. أصحهما: الثاني.
الخامسة: تراضيا على الرجوع في نصف الشجر في الحال، أو على تأخير
الرجوع إلى الجداد، مكنا منه. وإذا بدا لأحدهما في التأخير، مكن من الرجوع
عنه. وقال المعللون بالسقي: إن رضيا بالرجوع في الحال على أن يسقي من شاء
منهما متبرعا، أو على أن يتركا أو أحدهما السقي، فمن التزم السقي، فهو وعد لا
يلزم الوفاء به، لكن إذا لم يف، تبينا أن الملك لم يعد إلى الزوج. ومن ترك
السقي، لم يمكن من العود إليه. هذا حاصل المسألة، ولم أر تعرضا للسقي إلا
للامام ومن نحا نحوه.
فرع ظهور النور في سائر الأشجار كبدو الطلع في النخل، وانعقاد الثمار
مع تناثر النور، كالتأبير في النخل.
فرع أصدقها نخلة عليها ثمرة مؤبرة، وطلقها قبل الدخول، فله نصف
الثمرة مع نصف النخلة، سواء جدت الثمرة أم لا. وإن أصدقها والثمرة مطلعة،
وطلقها وهي بعد مطلعة، أخذ نصفها مع الطلع. ونقل المتولي وجها أنه إذا امتد
الزمان بحيث يزداد في مثله الطلع، لا يجوز له الرجوع فيه، هذا لفظه. ولو قال:
619

لم يجز له الرجوع بغير رضاها، لكان أحسن. فلو كانت مؤبرة عند الطلاق، فهل له
في الثمرة حق؟ فيه طريقان. أحدهما: على قولين كما إذا أصدقها جارية حاملا
فولدت قبل الطلاق، والمذهب القطع بثبوت حقه في الثمرة لأنها مشاهدة متيقنة،
ويجوز إفرادها بالعقد بخلاف الحمل. فإن أثبتنا له حقا في الثمرة، لم يأخذ إلا
برضاها لأنها زادت. فإن لم ترض، أخذ نصف الشجر مع نصف قيمة الطلع.
فرع أصدقها جارية حاملا فطلقها قبل الدخول، نظر، إن طلقها وهي بعد
حامل، فله نصفها حاملا، ويجئ عند امتداد الزمان الوجه الذي حكاه المتولي في
الفرع قبل هذا. وإن طلقها وقد ولدت، فالكلام في الأم ثم الولد، أما الأم، فلا
يأخذ نصفها إن كان الولد رضيعا لئلا يتضرر، لكن يرجع إلى نصف القيمة وإن كان
فطيما، فإن كان في زمن التفريق المحرم، فعلى ما تقدم، وإلا فله نصفها. وإن
نقصت قيمتها بالولادة، نظر، إن ولدت في يد الزوج، فعلى ما سبق من حكم
النقص في يد الزوج. وإن ولدت في يد الزوجة، فله الخيار، إن شاء أخذ نصفها
ولا شئ له معه، وإن شاء رجع إلى نصف القيمة. وأما الولد، فهل للزوج حق في
نصفه؟ يبنى على أن له قسطا من الثمن في المبيع، وفيه قولان سبقا في مواضع.
أظهرهما: نعم. فإن قلنا: لا، فلا حق له فيه، لأنه حادث في ملكها، وإن قلنا:
نعم، فوجهان. أحدهما: له فيه حق كما لو أصدقها عينين، لكن الولد زاد
بالولادة، فلها الخيار. فإن رضيت برجوع الزوج في نصفه ونصف الأم، أجبر على
قبوله. وإن أبت، قال المتولي: لا يرجع في نصف الجارية للتفريق، لكن يرجع
في نصف قيمتها ونصف قيمة الولد يوم انفصاله. قلت: الأول أصح. والله والثاني: لا حق له فيه لأنه لا قيمة
له قبل الانفصال
أعلم
. ولكانت الجارية المصدقة حائلا، وطلقها حاملا، فقد سبق حكمه. فإن
ولدت، ثم طلقها، فالولد لها، والقول في الأم كما سبق فيما إذا كانت حاملا يوم
الاصداق وولدت وطلقها، وإن حبلت في يد الزوج وولدت في يدها، فهل النقص من
ضمانه ولها الخيار، لأن السبب وجد في يده، أم من ضمانها وله الخيار لأن النقص
حصل عندها؟ وجهان.
620

فرع أصدقها حليا فكسرته، أو انكسر في يدها وبطلت صنعته، ثم أعادت
المنكسر حليا، ثم طلقها قبل الدخول، نظر، إن صاغته على هيئة أخرى،
فالحاصل زيادة من وجه، ونقص من وجه، فإن اتفقا على الرجوع إلى نصفه،
جاز. وإن أبى أحدهما، تعين نصف القيمة. وإن عادت الصنعة بحالها، فهل
يرجع في نصف العين بغير رضاها، أم يعتبر رضاها؟ وجهان. أصحهما: الثاني،
وبه قال ابن الحداد، ويجري الوجهان فيما لو أصدقها جارية فهزلت ثم سمنت،
وفيما لو نسي العبد الصنعة ثم تعلمها. ولو طرأت على عين العبد غشاوة وكان لا
يبصر شيئا، ثم زالت ثم طلقها، ففيما علق عن الامام، أن الزوج يرجع في نصف
العبد بلا خلاف، كما لو حدث في يدها عيب فزال ثم طلقها. وإذا قلنا في الحلي:
يعتبر رضاها ففيما يرجع به وجهان. أصحهما: نصف قيمة الحلي بهيئته التي
كانت. والثاني: مثل نصفه بالوزن تبرا، وإلا نصف أجرته مثل الصنعة وهي
قيمتها، فعلى الأول، فيما يقوم به وجهان. أحدهما وبه قال ابن الحداد: بغير
جنسه، فالمذهب بفضة، وكذا العكس. والثاني: يقوم بنقد البلد وإن كان من
جنسه، وبه قال محمد بن نصر المروزي.
ويجري الوجهان في قيمة الصنعة، ففي وجه: يقوم بغير جنس الحلي، وفي
وجه: بنقد البلد، وهو الأصح كما سبق في الغصب. ولو كانت المسألة بحالها
في إناء مذهب وفضة، بني على جواز اتخاذه. وهل لصنعته قيمة؟ إن قلنا:
لا، فللزوج الرجوع في نصف العين، سواء عادت الصنعة الأولى أم غيرها، إذ لا
زيادة. وإن قلنا: نعم، فكالحلي. ولو غصب جارية مغنية فنسيت عنده الألحان،
هل يرد معهما نقص من قيمتها بنسيان الألحان، أم لا، لأنه محرم فلا عبرة بفواته؟
وجهان.
قلت: الأصح المنع. والله أعلم.
ولو اشترى مغنية بألفين، وهي تساوي ألفا بلا غناء، ففي صحة البيع ثلاثة
أوجه حكاها الشيخ أبو علي. أحدها: البطلان، لأنه بذل في مقابلة حرام، وبه
أفتى المحمودي. والثاني قاله أبو زيد: إن قصد بالشراء الغناء، بطل، وإلا،
621

فلا. والثالث: صحة البيع قاله الأودني، قال: وما سوى ذلك استحسان.
قلت: واختار إمام الحرمين الصحة مطلقا، وهو الأصح. ولو بيعت بألف،
فالبيع صحيح بلا خلاف. والله أعلم.
فصل أصدق ذمي خمرا، ثم أسلما وترافعا إلينا، فقد سبق أنه إن كان
ذلك بعد القبض، لم نحكم لها بشئ. وإن كانت غير مقبوضة، حكمنا بوجوب
مهر المثل. ولو صارت الخمرة المصدقة في يده خلا، ثم أسلما أو أحدهما،
فوجهان. قال ابن الحداد: لا شئ لها إلا الخل. وأصحهما وبه قال القفال: لها
مهر المثل، لأن الخمر لا تصلح صداقا، ولا عبرة بذكرها إذا لم يتصل بها قبض قبل
الاسلام. ولو أصدقها عصيرا، فتخمر في يده، ثم عاد خلا، ثم أسلما أو ترافعا
إلينا، لزمه قيمة العصير. ولو قبضت الذمية الخمر، ثم طلقها قبل الدخول، ثم
أسلما أو ترافعا إلينا، فلا رجوع للزوج لعدم المالية ومنع إمساك الخمر. ولو صارت
خلا عندها، ثم طلقها قبل الدخول، فهل للزوج الرجوع إلى نصفه لكون العين باقية
وإنما تغيرت صفتها، أم لا ترجع بشئ لأن حق الرجوع إنما يثبت إذا كان المقبوض
مالا وهنا حدثت المالية في يدها فهو كزيادة منفصلة؟ فيه وجهان. أصحهما:
الأول، وبه قال ابن الحداد. فعلى هذا لو تلف الخل أو أتلفته، ثم طلقها،
فوجهان. أصحهما وهو قول الخضري: يرجع بمثل نصف الخل. والثاني وبه قال
ابن الحداد: لا يرجع بشئ، لأن الرجوع فيه تعتبر قيمته يوم الاصداق والقبض،
ولا قيمة لهذا يوم الاصداق والقبض. ولو أصدقها جلد ميتة، فقبضته ودبغته، ثم
طلقها قبل الدخول، ففي رجوعه في نصفه وجهان مرتبان على تخلل الخمر، وأولى
بعدم الرجوع، لأن ماليته حدثت بفعلها ومع الترتيب، فالأصح الرجوع، وبه قال
ابن الحداد. فعلى هذا: إن هلك الجلد عندها بعد الدباغ، قال ابن الحداد: لا
يرجع. قال الشيخ أبو علي: ينبغي أن لا يرجع هنا بلا خلاف، بخلاف الخل لأنه
مثلي والجلد متقوم، والنظر في المتقوم إلى وقت الاصداق والاقباض، ولم يكن له
622

قيمة حينئذ. ولو ارتدت وانفسخ النكاح قبل الدخول، فالقول في كل الخل وكل
الجلد، كالقول في النصف عند الطلاق.
فصل كل عمل جاز الاستئجار عليه، جاز جعله صداقا، وذلك كتعليم
القرآن والصنائع، وكالخياطة والخدمة والبناء وغير، وفيه مسائل.
إحداها: يشترط في تعليم القرآن ليصح صداقا شرطان.
أحدهما: العلم بالمشروط تعليمه بأحد طريقين.
الأول: بيان القدر الذي يعلمه بأن يقول: كل القرآن أو السبع الأول أو
الأخير. وحكي وجه شاذ: أنه لا يشترط تعيين السبع. فإن عين بالسور والآيات،
فعلى ما ذكرناه في الإجارة، وذكرنا هناك الخلاف في اشتراط قراءة نافع وأبي عمرو
وغيرهما. وقطع ابن كج هنا بعدم الاشتراط قال: فلو شرط حرف أبي عمرو، علمها
بحرفه، فإن علمها بحرف الكسائي، فهل يستحق أجرة المثل، أم لا شئ له؟
وجهان. وحكى قولين في أنها ترجع على الزوج بمهر المثل، أم بقدر التفاوت بين
أجرة التعليم بالحرف المشروط والآخر؟ فإن لم يكن تفاوت، لم يرجع بشئ ثم
قال: ولا معنى لهذا الاختلاف، بل الواجب أن يقال: يعلمها بحرف أبي عمرو وهو
متطوع بما علم. ثم العلم بهذا يشترط في حق الزوج، فإن لم يعرف أحدهما أو
كلاهما قدر السور والاجزاء والآيات، قال أبو الفرج الزاز: الطريق التوكيل، وإلا
فيرى المصحف، ويقال: تعلم من هذا الموضع إلى هذا، ولك أن تقول: لا
يكفي هذا، إذ لا يعرف به صعوبته وسهولته.
قلت: الصواب أنه لا تكفي الإشارة إذا لم يعلمها فيتعين التوكيل. والله
أعلم.
الطريق الثاني: تقديرها بالزمان، بأن يصدقها تعليم القرآن شهرا، ويعلمها
فيه ما شاءت، كما يخيط الأجير للخياطة ما شاء المستأجر. فلو جمع الطريقين
فقال: تعلمها في شهر سورة البقرة، فهو كقوله: استأجرتك لتخيط هذا الثوب
اليوم، وفيه خلاف سبق في الإجارة.
623

الشرط الثاني: أن يكون المعقود على تعليمه قدرا في تعليمه كلفة، فإن لم
يكن، بأن شرط تعليم لحظة لطيفة، أو قدر يسير وإن كان آية، كقوله تعالى: * (ثم
نظر) * لم يصح الاصداق وهو كبيع حبة حنطة.
الثانية: أصدقها تعليم الفاتحة وهو متعين للتعليم، ففي صحة الاصداق
وجهان، كنظيره في الإجارة. أصحهما: الصحة. ولو نكحها على أداء شهادة لها
عنده، أو نكح كتابية على أن يلقنها كلمة الشهادة، لم يصح الصداق، قاله
البغوي.
الثالثة: إذا كان الزوج لا يحسن ما شرط تعليمه، فإن التزم التعليم في
الذمة، جاز ثم يأمر بتعليمها أو يتعلم ويعلمه. وإن كان الشرط أن يعلمها بنفسه،
فهل يصح ثم يتعلم ويعلمها، أم لا يصح لعجزه؟ وجهان. أصحهما: الثاني. ولو
شرط أن يتعلم ثم يعلمها، لم يصح أيضا، لأن العمل متعلق بعينه، والأعيان لا
تقبل التأجيل. قال المتولي: فإن صححنا فأمهلته ليتعلم، فذاك، وإلا فهو معسر
بالصداق. ولو أراد الزوج أن يقيم غيره يعلمها، جاز إن كان التزم في الذمة، وإلا
فلا. ولو أرادت أن تقيم غيرها متعلما، فهل يجبر الزوج كالمستأجر للركوب يركب
غيره، أم لا لاختلاف الناس في الفهم والحفظ؟ وجهان. أصحهما عند الجمهور:
الثاني، وخالفهم الامام، ومنهم من جعل الخلاف في جواز الابدال مع التراضي.
ولو فرض عقد مجدد، فأبدلت منفعة بمنفعة، جاز قطعا
. الرابعة: أصدقها تعليم ولدها، لم يصح الصداق كما لو شرط الصداق
لولدها. وإن أصدقها تعليم غلامها، قال البغوي: لا يصح كالولد. وقال المتولي:
يصح، وهذا أصح. ولو وجب عليها تعليم الولد أو ختان العبد، فشرطته
صداقا، جاز.
الخامسة: لو تعذر التعليم، بأن تعلمت من غيره، أو كانت بليدة لا تتعلم، أو لا تتعلم
إلا بكلفة عظيمة ويذهب الوقت في تعليمها فوق العادة، أو ماتت أو مات
624

الزوج والشرط أن يعلم بنفسه، ففي الواجب القولان السابقان فيما لو تلف الصداق
قبل القبض. فعلى الأظهر: يجب مهر المثل، وعلى الآخر: أجرة التعليم.
السادسة: قال: علمتك وأنكرت، فإذا لم تحسنه، صدقت، وإن أحسنته
وادعت التعلم من غيره، فأيهما يصدق؟ وجهان لتعارض الأصل والظاهر،
أصحهما: هي.
السابعة: أصدقها تعلم سورة، فعلمها ثم طلقها، إن كان بعد الدخول،
فذاك، وإلا، فيرجع عليها بنصف أجرة التعليم، وإن طلقها قبل التعليم، فقد
استحقت جميع التعليم إن دخل، وإلا، فتعليم النصف، وفيه وجهان. أحدهما:
يعلمها وراء حجاب بغير خلوة. وأصحهما وهو المنصوص في المختصر: أنه قد
تعذر التعليم، لأنها قد صارت أجنبية، ولا تؤمن مفسدة. فعلى هذا: ترجع بمهر
المثل على الأظهر إن دخل، وإلا فنصفه، وعلى الآخر: ترجع بأجرة التعليم أو
نصفها.
الثامنة: نكح كتابية على تعليم القرآن، فإن توقع إسلامها، صح الصداق،
وإلا فسد، ومال جماعة إلى الجواز مطلقا. ولو نكح مسلمة أو كتابية على تعليم
التوراة والإنجيل، لم يصح، لأنه يجوز الاشتغال به لتبديله، والواجب في هذه
الحالة مهر المثل قطعا، إذ لا قيمة للمسمى. ولو نكح ذمي على تعليم التوراة
والإنجيل، ثم أسلما أو ترافعا بعد التعليم، لم نوجب شيئا آخر، وإن كان قبل
التعليم، أوجبنا مهر المثل كما في الخمر.
625

التاسعة: أصدقها تعليم فقه، أو أدب أو طب أو شعر ونحوها مما ليس
بمحرم، صح الصداق. وإن كان محرما كالهجو والفحش، لم يصح.
العاشرة: نكحه على أن يرد عبدها الآبق، أو جملها التائه وكان الموضع
معلوما، صح. وإن كان مجهولا، فقولان. أحدهما: يصح كالجعالة.
والمشهور: المنع، ويجب مهر المثل، بخلاف الجعالة، فإنها عقد جائز احتملت
الجهالة فيها للحاجة فإن رده، فله أجرة مثل الرد، ولها مهر المثل. وإذا صح
الصداق، فطلقها بعد رد العبد وقبل الدخول، استرد منها نصف أجرة المثل. وإن
طلقها قبل الرد، فإن كان بعد الدخول، فعليه الرد. وإن كان قبله، فعليه الرد إلى
نصف الطريق، ثم يسلمه إلى الحاكم. فإن لم يكن حاكم، أو لم يكن موضعا
يمكن تركه فيه، ولم يتبرع بالرد إليها، قال المتولي: يؤمر برده إليها، وله عليها
نصف أجرة المثل. ولو تعذر رده برد غيره، أو رجوعه بنفسه أو بموته، فقد فات
الصداق قبل القبض، فترجع إلى مهر المثل على الأظهر، وعلى الآخر: إلى أجرة
الرد.
الحادية عشرة: نكحها على خياطة ثوب معلوم، جاز، وله أن يأمر بالخياطة
إن التزم في الذمة، وإن نكح على أن يخيط بنفسه، فعجز بأن سقطت يده أو مات،
ففيما عليه؟ قولان. أظهرهم: مهر المثل. والثاني: أجرة الخياطة. ولو تلف
ذلك الثوب، فوجهان. أصحهما: تلف الصداق فيعود القولان في مهر المثل
والأجرة. والثاني: تأتي بثوب مثله ليخيطه. وإن طلقها بعد الخياطة قبل الدخول،
فله عليها نصف أجرة المثل. وإن طلقها قبل الخياطة، فإن دخل بها، فعليه
الخياطة، وإلا خاط نصفه. فإن تعذر الضبط، عاد القولان في أنه يجب مهر المثل
أم الأجرة؟
الثانية عشرة: قال المتولي: لو كان له عليها قصاص فنكحها، وجعل النزول عن
القصاص صداقا، جاز. ولو جعل النزول عن الشفعة، أو حد القذف صداقا، لم
يجز، لأنه لا يقابل بمال، ولا يجوز جعل طلاق امرأة صداقا لأخرى، ولا بضع أمته
صداق المنكوحة.
626

فصل إذا أثبتنا الخيار للمرأة بسبب زيادة الصداق، أوله بنقصه، أو لهما
بهما، لم يملك الزوج النصف قبل أن يختار من له الخيار الرجوع إن كان الخيار
لأحدهما، وقبل أن يتوافقا إن كان الخيار لهما وإن قلنا: الطلاق يشطر الصداق
بنفسه، وليس لها الخيار على الفور، بل هو كخيار الرجوع على الهبة، لكن إذا
توجهت مطالبة الزوج، لا تمكن هي من التأخير، بل تكلف اختيار أحدهما. وإذا
طلب الزوج، فلا يعين في طلبه العين ولا القيمة، لأن التعيين يناقض تفويض الامر
إليها، لكن يطالبها بحقه عندها، فإن امتنعت، قال الامام: لا يقضي القاضي
بحبسها لبذل العين أو القيمة، بل يحبس العين عنها إن كانت حاضرة، ويمنعها من
التصرف فيها، لأن تعلق حق الزوج بالصداق فوق تعلق حق المرتهن بالمرهون
والغرماء بالتركة. فإن أصرت على الامتناع، فإن كان نصف القيمة الواجبة دون
نصف العين للزيادة الحادثة، باع ما يفي بالواجب من القيمة. فإن لم يرغب في
شراء البعض، باع الكل وصرف الفاضل عن القيمة الواجبة إليها. وإن كان نصف
العين مثل نصف القيمة الواجبة، ولم تؤثر الزيادة في القيمة، ففيه احتمالان للامام.
أصحهما وبه قطع الغزالي: تسلم نصف العين إليه، إذ لا فائدة في البيع، فإذا سلم
إليه، أفاد قضاؤه ثبوت الملك له. والثاني: لا تسلم إليه العين، بل يبيعه، فلعله
يجد من يشتريه بزيادة.
فرع إذا وجب الرجوع إلى القيمة بهلاك الصداق، أو خروجه عن ملكها،
أو زيادة فيه أو نقص، فالمعتبر الأقل من قيمة يوم الاصداق, ويوم القبض. لكن لو
تلف الصداق في يدها بعد الطلاق، وقلنا: إنه مضمون عليها، اعتبرت قيمة يوم
التلف، لأنه تلف ملكه تحت يد مضمنة.
الطرف الثالث: في بيان حكم التشطر بعد تصرفها في الصداق، وفيه
مسائل.
إحداها: إذا زال ملكها عنه ببيع أو هبة مقبوضة، أو إعتاق، فليس للزوج
نقص تصرفها لطلاقه قبل الدخول، بل زوال ملكها كالهلاك، ويرجع الزوج إلى
627

نصف بدله وهو المثل إن كان مثليا، وإلا فالقيمة. وإن لم يزل الملك، بل تعلق به
حق، فإن كان غير لازم، بأن أوصت به، أو وهبته، أو رهنته ولم يقبض، فللزوج
الرجوع في نصفه. وفي الشامل وغير، نقل قول أنه لا يرجع في نصف
الموهوب وإن لم يقبض، لئلا يبطل تصرفها في ملكها، وحق هذا أن يطرد في الرهن
والوصية. وإن باعت بشرط الخيار وطلقها في مدته، فإن جعلنا الملك للبائع، فهو
كالهبة قبل القبض، وإن جعلناه للمشتري، فلا رجوع في العين. وإن كان الحق
لازما، بأن رهنته وأقبضته، فليس له الرجوع إلى نصفه. وإن أجرته، فقد نقص
الصداق باستحقاق المستأجر منفعته، فإن شاء الزوج رجع إلى نصف القيمة في
الحال، وإن شاء رجع إلى نصف العين مسلوبة المنفعة مدة الإجارة. فلو قال:
أنا أصبر إلى انفكاك الرهن وانقضاء مدة الإجارة، نظر، إن قال: أتسلمه ثم أسلمه
إلى المرتهن أو المستأجر، فليس لها الامتناع. وإن قال: لا أتسلمه وأصبر، فلها
الامتناع، وتدفع إليه نصف القيمة لما عليها من خطر الضمان، هذا إن قلنا:
الصداق في يدها مضمون بعد الطلاق وهو الأصح. وإن قلنا: لا ضمان أو أبرأها
عن الضمان وصححنا الابراء، فهل عليها الإجابة، أم لا لأنه قد يبدو له فيطالبها
بالقيمة وتخلو يدها عنها؟ وجهان، فإن لم نوجب الإجابة ولم نطالبها حتى انفك
الرهن، وانقضت مدة الإجارة، فهل يتعلق حقه بالعين لزوال المانع، أم تتعين
القيمة، لأن المانع نقل حقه إليها؟ وجهان. وتزويج جارية الصداق كالإجارة. ولو
زال ملكها وعاد ثم طلقها، فهل يتعلق حقه بالعين أم بالقيمة؟ وجهان سبقت
نظائرهما في الفلس والهبة. أصحهما هنا عند الجمهور: التعلق بالعين، لأن حقه
يختص بالعين، بل يتعلق بالبدل، فالعين العائدة أولى من البدل، هذا إذا زال
الملك بجهة لازمة، فإن زال بغير لا زم، بأن باع بالخيار، وقلنا: يزول الملك
وفسخ البيع، ثم طلقها، فالخلاف مرتب في التعلق بالعين، وأولى بالثبوت. ولو كاتبت عند الصداق وعجز نفسه ثم طلقها، فعن القاضي حسين إجراؤه مجرى الزوال
اللازم. وقال الامام: هذا أولى بالثبوت، لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم،
ولا شك أن عروض الرهن وزواله قبل الطلاق لا يؤثر.
628

المسألة الثانية: أصدقها عبدا فدبرته، ثم طلق قبل الدخول، فالمذهب أنه لا
يرجع فيه وهو المنصوص في المختصر، وهو ظاهر نصه في الأم أيضا سوى
جعل التدبير وصية الأم تعليقا بصفة، لأن التدبير قربة يتعلق بها غرض لا يتقاعد
عن الزيادة المتصلة التي لا تؤثر في القيمة. وقيل: في الرجوع قولان، إن قلنا:
التدبير وصية، رجع، وإلا، فلا. وقيل: يرجع قطعا، وهو ضعيف. ثم قال أبو
إسحاق المروزي وغيره: الخلاف فيما إذا كانت موسرة تتمكن من أداء القيمة. فإن
لم تكن، رجع إلى نصف العبد قطعا. ويتعلق بهذا الخلاف فروع.
الفرع الأول: إن قلنا بالرجوع، فالمفهوم من كلام الجمهور أن الزوج يستقل
به، ولا حاجة إلى تقدم رجوع المرأة. وقال الحناطي: يحتمل أن يقال: تجبر
المرأة على الرجوع وإعطاء الزوج النصف. فإن امتنعت، قام الحاكم مقامها
ففسخه
. الثاني: لو رجعت عن التدبير بالقول وجوزناه ثم طلقها، وقلنا: التدبير يمنع
الرجوع، فطريقان. أحدهما: القطع بتمكنه من الرجوع إلى نصفه، لأن الملك لم
يزل عنه. والثاني: أنه كما لو دبرته ثم باعته ثم ملكته ثم طلقها، فيعود الوجهان
السابقان في عود الملك بعد زواله. أصحهما: التمكن، ومع هذا التمكن لو تركه
وطلب نصف القيمة، أجيب إليها خوفا من أن يقضي قاض ببطلان الرجوع والبيع.
ولو طلقها وهو مدبر، وقلنا: حق الزوج في القيمة، فرجعت عن التدبير باللفظ
وجوزناه، أو بإزالة الملك عنه، ثم عاد إليها قبل أخذ القيمة، ففي الرجوع إلى
نصف العبد وجهان يجريان فيما لو طلقها كالصداق ناقص، ثم زال نقصه قبل أخذ
القيمة، وفيما إذا طلقها وملكها زائل عن الصداق ثم عاد قبل أخذ القيمة
. الثالث: لو علقت عتق العبد على صفة، فهل يمنع الرجوع؟ قيل: إن قلنا
: التدبير يمنع، فالتعليق أولى، وإلا، فوجهان لقوة التعليق. وقيل: إن لم يمنع
التدبير، فالتعليق أولى، وإلا فوجهان، لأن التدبير قربة محضة، والتعليق يراد به
629

منع أو حث، وبهذا قال الشيخ أبو محمد، وبالأول قطع البغوي وقال: المذهب منع
الرجوع. ولو أوصت للعبد بعتقه، فهل هو كالتدبير في منع الرجوع؟ وجهان
. أصحهما: لا.
الرابع: إذا جوزنا للزوج الرجوع في النصف، فرجع، بقي النصف الآخر
مدبرا على الصحيح. وحكى الحناطي وجها، أنه ينتقض التدبير في جميعه.
الخامس: إذا قلنا: التدبير يمنع التشطر، فهل يمنع رجوع البائع فيما لو باع
عبدا بثوب وتقابضا، ثم دبره المشتري، ثم وجد البائع بالثوب عيبا؟ وكذا هل يمنع
رجوع الواهب؟ فيه وجهان. أحدهما: نعم، وأصحهما: لا بل يرجع وينقض
التدبير لقوة الفسخ، ولهذا الزيادة المتصلة تمنع التشطر دون الفسخ.
المسألة الثالثة: سبق في كتاب الحج خلاف في أن المحرم هل يملك
الصيد بالشراء والهبة؟ وهل يزول ملكه إذا أحرم عن صيده؟ وهل يملكه بالإرث؟
فلو أصدقها صيدا ثم أحرم، ثم ارتدت، عاد الصيد إلى ملكه على الصحيح، وفيه
الوجه الضعيف المذكور في الإرث، لأنه لا اختيار له فيه. وإن طلقها قبل الدخول،
بني على أن النصف يعود إليه بنفس الطلاق أم باختياره؟ إن قلنا: باختياره فليس له
الاختيار ما دام محرما، فإن فعل، كان كشرائه. وإن قلنا: بنفس الطلاق، ففي
عود النصف إليه في الاحرام وجهان. أحدهما: لا. وينتقل إلى القيمة، لان
المحرم لا يملك الصيد باختياره، والطلاق باختياره. وأصحهما: العود، لان
الطلاق لا ينشأ لاجتلاب الملك، فأشبه الإرث، ثم إذا عاد إليه الكل بالردة، لزمه
إرساله، لأن المحرم ممنوع من إمساك الصيد، كذا ذكر الشيخ أبو علي وغيره في
هذه المسألة، وهو وجه ذكرناه في الحج، تفريعا على أن المحرم يرث الصيد،
وحكينا عن بعضهم، أنه يزول ملكه بمجرد الإرث، ولا فرق بين البابين.
وإذا عاد النصف بالطلاق، وقلنا: يجب الارسال ولا يزول الملك، فلا يمكن
إرسال النصف إلا بإرسال الكل، فخرج مخرجون وجوب الارسال على الأقوال في
630

ازدحام حق الله تعالى وحق الآدمي. إن قدمنا حق الله تعالى، لزمه الارسال وغرم لها
نصف القيمة، وإن قدمنا حق الآدمي، لم يجب الارسال. فإن تلف في يده أو
يدها، فعليه نصف الجزاء. وإن سوينا، فالخيرة إليهما. فإن اختار الارسال، غرم
لها النصف، وإلا بقي مشتركا بينهما وهو ضامن لنصف الجزاء، وهذا التخريج
ضعيف، لأن الخلاف في الازدحام على شئ واحد، كالتركة إذا ازدحم فيها دين
وزكاة، ونصيب المرأة لا ازدحام فيه. وإذا تضمن إرسال المحرم فوات ملك غيره،
وجب أن يمنع، وبهذا قطع الشيخ أبو علي، وعلى التخريج ينبغي أن يخص وجوب
الارسال بالموسر كسراية العتق.
الطرف الرابع: فيما إذا وهبته الصداق ثم طلقها قبل الدخول، ونصدره
بقاعدتين مستمدتين من قول الله تعالى: * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد
فرضتم لهن فريضة، فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة
النكاح) *. ومعنى الآية، أن الطلاق قبل الدخول ينصف الصداق، إلا أن تعفو
الزوجة وتتبرع بحقها، فيعود جميع الصداق إلى الزوج. وفيمن بيده عقدة النكاح،
قولان. القديم: أنه الولي، والمعنى: إلا أن تعفو المرأة أو وليها إن لم تكن هي
أهلا للعفو. والجديد: أنه الزوج، والمعنى: أن يعفو الزوج عن حقه فيخلص لها
جميع الصداق.
القاعدة الأولى: في ألفاظ التبرع. فالواجب عند الطلاق قبل الدخول، دين
أو عين، والدين قد يكون في ذمته، وقد يكون في ذمتها بأن قبضته وتلف عندها،
فينظر، إن تبرع مستحق الدين بإسقاطه، نفذ بلفظ العفو والابراء والاسقاط والترك.
وحكى الحناطي وجهين في أن لفظ الترك، صريح أو كناية؟ ولا حاجة في هذه
الألفاظ إلى قبول من عليه على الصحيح، وينفذ أيضا بلفظ الهبة والتمليك، وفيهما
وجه حكاه ابن كج. والصحيح الأول. وهل يفتقر اللفظان إلى القبول؟ وجهان.
أصحهما: لا، وبه قطع البغوي اعتمادا على حقيقة التصرف وهو الاسقاط. أما إذا
631

تبرع من في ذمته بالنصف الآخر، فالطريق أن ينقل ويملكه ويقبله صاحبه
ويقبضه، فإنه ابتداء هبة، ولا ينتظم لفظ العفو والابراء من جهته. لكن لو كان
الصداق في ذمة الزوج، وقلنا: لا يشترط إلا باختياره، فقال: عفوت، سقط
اختياره كعفوه عن الشفعة، ويبقى جميع الصداق لهفي ذمته. أما إذا كان الصداق
عينا، فالتبرع فيها هبة. فإن كانت في يد المتبرع، اشترط الايجاب والقبول
والقبض. وإن كانت في يد الآخر، فهو هبة لمن المال في يده، فتعتبر مدة إمكان
القبض. وفي افتقاره إلى إذن جديد، في القبض بهذه الجهة خلاف سبق في
كتاب الرهن. وإن كانت العين عند الطلاق في يد الزوج، فذلك قد يكون بعد
قبضها، وقد يكون باستمرار يده السابقة قبل الاصداق. وعلى التقدير الثاني، يزيد
النظر في أن تبرعها كهبة المبيع للبائع قبل القبض إذا قلنا: الصداق في يده مضمون
ضمان العقود، ثم التبرع في العين ينفذ بلفظ الهبة والتمليك، ولا ينفذ بلفظ الابراء
والاسقاط على المذهب. وحكى الحناطي فيهما وجهين. وينفذ بلفظ العفو على
الأصح لظاهر القرآن، هذا في تبرعها وتبرعه إذا ملكناه بنصف الطلاق، فأما إذا
قلنا: له خيار التملك، فيعتبر لفظ العفو في إسقاط الخيار ويبقى الجميع لها.
القاعدة الثانية: هل للولي العفو عن صداقها؟ قولان بناء على أن من هو
الذي بيده عقدة النكاح؟ الجديد: المنع، والقديم: الجواز بخمسة شروط. أن
يكون أبا أو جدا، وأن تكون بكرا عاقلة صغيرة، وأن يكون بعد الطلاق، وأن يكون
قبل الدخول، وأن يكون الصداق دينا، هذا هو المذهب تفريعا على القديم. وفي
وجه: له العفو في الثيب والمجنونة والبالغة والمحجور عليها والرشيدة، وقبل
الطلاق إذا رآه مصلحة، وعن العين أيضا. والصحيح الأول. ولو زوجها الأب
ومات، ففي صحة عفو الجد وجهان، لأن الصداق لم يثبت به لكنه ولي. ولو
خلعها الولي على نصف الصداق وجوزنا العفو، صحت المخالعة، قاله المتولي
632

وغيره. وفي الوسيط في صحة الخلع مع صحة العفو وجهان. والأول أشبه.
فصل وهبت لزوجها الصداق المعين، فطلقها قبل الدخول، فقولان.
أحدهما وهو القديم وأحد قولي الجديد والراجح (عند البغوي) أنه لا يرجع عليها
بشئ. والثاني: وهو الأظهر عند الجمهور، منهم العراقيون، والامام،
والروياني: يرجع بنصف بدله المثل (أ) والقيمة. وقيل: إن وهبته قبل القبض، لم
يرجع قطعا. والمذهب طرد القولين، سواء قبضته أم لا.
ولو كان الصداق دينا فأبرأته منه، لم يرجع على المذهب. ولو وهبت له
الدين، فالمذهب أنه كالابراء. وقيل: كهبة العين. ولو قبضت منه الدين ثم وهبته
له، ثم طلقها، فكهبة العين. وقيل: له الرجوع قطعا بناء على أنه لا يتعين فيما
دفع عن الدين لو طلقها وهو باق عندها. ولو وهبت الصداق، ثم ارتدت قبل
الدخول، أو فسخ أحدهما بعيب، ففي الرجوع بالجميع مثل الخلاف في النصف
إذا طلق. ولو باع عبدا بجارية، ووهب الجارية لبائعها، ثم وجد بائعها بالعبد
(عيبا) فأراد رده بالعيب، ففي تمكنه منه ومن المطالبة بقيمة الجارية وجهان مأخوذان
من هبة الصداق، ويجريان في تمكنه (من) طلب الأرش لو رأى عيبا بعد هلاك
العبد، أو حدث به عيب يمنع الرد. وفيما لو أبرأ المكاتب عن النجوم وعتق، هل (له)
مطالبة السيد بالايتاء؟ ولو وهب المشتري المبيع للبائع، ثم أفلس بالثمن، فللبائع
المضاربة مع الغرماء بلا خلاف، لأن الموهوب غير المستحق وهو الثمن. وفي
الصورة السابقة، الموهوب هو المستحق، فالهبة تعجيل على قول. وطرد الحناطي
الخلاف في مسألة الفلس. ولو ادعى عينا وأخذها ببينة ثم وهبها للمدعى عليه، ثم
رجع الشهود وقلنا بتغريم شهود المال، فهل للمدعى عليه تغريم الشهود؟ فيه
طريقان. أحدهما: على وجهين أخذا من هبة الصداق. والثاني: القطع بالمنع،
633

لأن المدعى عليه لا يقول بحصول الملك بالهبة، بل يزعم دوام الملك السابق،
وفي الصداق زال الملك حقيقة وعاد بالهبة.
قلت: هذا الثاني هو الصحيح. والله أعلم.
فرع وهبت الصداق للزوج، على أنه إن طلقها كان ذلك عن مستحقه
بالطلاق، فوجهان. أحدهما: فساد الهبة ويبقى الصداق ملكا لها. فإن طلق،
تشطر. والثاني: يصح ولا رجوع بالطلاق، كما لو عجل الزكاة، وليكن الوجهان
مبنيين على أن الهبة المطلقة هل تمنع الرجوع؟ إن قلنا: تمنع، فهذا تصريح
بمقتضاها، فيصح ولا رجوع، وإلا فتفسد بالشرط الفاسد.
فرع وهبته نصف الصداق، فطلق قبل الدخول. فإن قلنا: هبة الكل لا
تمنع الرجوع، فهنا أولى وإلى ماذا يرجع؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها: إلى
نصف الباقي وربع بدل الجملة. والثاني: إلى نصف الباقي. والثالث: يتخير، إن
شاء أخذ بدل نصف الجملة، وإن شاء أخذ نصف الباقي وربع بدل الجملة. وإن
قلنا: هبة الكل تمنع الرجوع، فهل يرجع بالنصف الباقي، أم بنصف الباقي، أم لا
يرجع بشئ؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها: الثالث وهو نصه في المختصر،
فحصل في المسألة خمسة أقوال. ولو كان الصداق دينا وأبرأته من نصفه ثم طلقها،
قال المتولي: إن قلنا: لو أبرأت عن الجميع يرجع، فهنا يسقط عنه النصف
الباقي. و (أيضا) إن قلنا: لا يرجع بشئ، فهنا وجهان. أحدهما: يحسب عليه.
والثاني: يسقط عنه النصف الباقي. ولو أبرأ المشتري عن نصف الثمن، ثم وجد
المشتري بالمبيع عيبا وأراد رده، فحكمه كما ذكرنا في الابراء عن نصف الصداق.
ولو أبرأه عن عشر الثمن، واطلع على عيب قديم، وحدث عنده عيب، وأرش
العيب القديم العشر، فالمذهب أنه يطالب بالأرش.
فصل خالعها قبل الدخول على غير الصداق، فله المسمى ولها نصف
الصداق. وإن خالعها على جميع الصداق، فقد خالع على ماله ومالها، لعود
634

النصف إليه بالخلع، فتقع البينونة وتبطل التسمية في نصيبه، وفي نصيبها قولا تفريق
الصفقة. إن لم نصحح، بقي لها عليه نصف الصداق. وفيما له عليها قولان.
أظهرهما: مهر المثل. والثاني: مثل الصداق أو قيمته. وإن صححنا التسمية في
نصيبها، قال الامام وغيره: يثبت للزوج الخيار إن كان جاهلا بالتشطير والتفريق.
فإن فسخ، عاد القولان في أن الرجوع بمهر المثل أم بدل المسمى. وإن جاز، فعلى
القولين المذكورين في البيع، أن يجبر ما صح العقد فيه بكل الثمن، أم بالقسط إن
قلنا: بالكل، فلا شئ له سوى النصف الذي صح الخلع فيه. وإن قلنا:
بالقسط، رجع عليها بنصف مهر المثل على الأظهر، وعلى الآخر: بمثل نصف
الصداق أو قيمته. وإن خالعها على نصف الصداق، نظر، إن قال: بالنصف الباقي
لك بعد الفراق، صح وبرئ عن جميع الصداق إن كان دينا، ويعود إليه الملك في
جميعه إن كان عينا. وإن أطلق، فقولان بناء على أن تصرف أحد الشريكين في
النصف المطلق من العين المشتركة نصفين، هل ينزل على النصف الذي له، أم
يشيع أحدهما ينزل على نصيبهما ويكون كما لو قيد بنصفها؟ وأظهرهما عند
الأكثرين: يشيع لاطلاق اللفظ، وكأنه خالع على نصف نصيبها ونصف نصيبه،
فيبطل في نصف نصيبه، وفي نصيبها القولان. إن لم يصح، بقي لها عليه نصف
الصداق، وله عليها مهر المثل على الأظهر، ومثل نصف الصداق أو قيمته في
الآخر. وإن صح في نصف نصيبها، فلها عليه ربع الصداق ويسقط الباقي بحكم
التشطر وعوض الخلع، ثم أحد القولين أنه لا يستحق لعوض الخلع إلا الربع
الذي صح الخلع فيه. وأظهرهما: أن له مع ذلك نصف مهر المثل على الأظهر
، وربع مثل الصداق أو قيمته على قول. ومن الأصحاب من يقول: كل الصداق لها
حتى يتفرقا، فيصح أن نجعله أو بعضه عوضا، ثم إذا تفرقا بالخلع، سقط
النصف، فهو كما لو خالعها على عين وتلف نصفها قبل القبض، فيرجع بمهر المثل
في قول،
وبدل التالف في قول. فرع عن ابن شريج، خالعني على أن لا تبعة لك علي في
635

المهر صح. ومعناه: على ما سلم (لي) من المهر.
الباب الخامس
في المتعة
هي اسم للمال الذي يدفعه الرجل إلى امرأته لمفارقته إياها، والفرقة ضربان.
فرقة تحصل بالموت، فلا توجب متعة بالاجماع، وفرقة تحصل في الحياة
كالطلاق. فإن كان قبل الدخول، نظر، إن لم يشطر المهر، فلها المتعة،
وإلا، فلا على المشهور. وإن كان بعد الدخول، فلها المتعة على الجديد الأظهر.
وكل فرقة من الزوج لا بسبب فيها، أو من أجنبي، فكالطلاق، مثل أن ارتد أو أسلم
أو لاعن، أو أسلم على أكثر من أربع نسوة وفارق بعضهن، أو وطئ أبوه أو ابنه
زوجته بشبهة، أو أرضعت أمة أو بنته زوجته الصغيرة، والخلع كالطلاق على
الصحيح. ولو فوض الطلاق إليها فطلقت فكتطليقه. ولو علق الطلاق بفعلها،
ففعلت، أو إلى منها، ثم طلق بعد المدة بطلبها، فكالطلاق على الصحيح.
قلت: ويجئ هذا الوجه في تطليقها. والله أعلم
. ولو ارتدا معا، فلا متعة على الأصح. وكل فرقة منها أو لسبب فيها، لا
متعة فيها، كردتها وإسلامها، وفسخها بإعساره، أو عتقها، أو تغرره، أو عيبه،
636

أو فسخه بعيبها. ونقل المزني إثبات المتعة إذا فسخت بالتعيين، فجعله بعضهم
قولا اخر، وأنكره الجمهور. ولو كانت ذمية صغيرة تحت ذمي، فأسلم أحد أبويها
وانفسخ النكاح، فلا متعة كما لو أسلمت بنفسها. ولو اشترى زوجته، فلا متعة على الأظهر. وقال أبو إسحاق: إن استدعاه الزوج، وجب، وإن استدعاه السيد، فلا.
فرع يسوى في المتعة، المسلم، والذمي، والحر، والعبد، والحرة،
والذمية، وهي في كسب العبد، ولسيد الأمة كالمهر.
فصل المستحب أن يمتعها ثلاثين درهما، نص عليه في المختصر.
وفي القديم: ثوبا قيمته ثلاثون درهما. وفي نص آخر: يمتعها خادما، وإلا
فمقنعة، وإلا فبقدر ثلاثين درهما، وليس هو اختلافا، بل نزلها الأصحاب على
درجات الاستحباب وقالوا: أقل المستحب ثلاثون درهما. وفي نص آخر: يمتعها
بخادم إن كان موسرا، وبمقنعة إن كان معسرا. وإن كان متوسطا، فبقدر ثلاثين
درهما. وأما الواجب، فإن تراضيا بشئ، فذاك. وحكى الحناطي وجها: أنه
ينبغي أن يحلل كل منهما صاحبه. فإن لم يفعلا، لم يبرأ الزوج، ولها رفع الامر
إلى القاضي ليقدرها. والصحيح الأول. وإن تنازعا، فهل يكفي أقل ما يتمول، أم
يقدره الحاكم باجتهاده؟ وجهان. الصحيح الثاني. وهل يعتبر بحاله، أم بحالها،
أم بحالهما؟ فيه أوجه. أصحها: الثالث، وهو ظاهر نصه في المختصر.
وهل يجوز أن تزاد المتعة على نصف مهرها، أم يشترط أن لا تزيد، أم يشترط أن لا
تبلغ نصفه؟ فيه أوجه. أصحها: الأول، لاطلاق الآية، وبهذا قطع البغوي
وغيره.
637

الباب السادس
في النزاع في الصداق
وفيه مسائل. الأولى: إذا اختلف الزوجان في قدر الصداق أو صفته، كالصحة
والتكسر، والأجل وقدره، تحالفا كالبيع، سواء اختلفا قبل الدخول أو بعده، أو بعد
انقضاء الزوجية، أو اختلف وارثاهما أو أحدهم ووارث الآخر، ويحلف الزوجان
على البت في النفي والاثبات، ويحلف الوارث في الاثبات على البت، وفي النفي
على نفي العلم على الصحيح الذي عليه الجمهور. وقيل: يحلف فيه على
البت، لأن من قطع بأن النكاح جرى بخمسمائة، فهو قاطع بأنه ما جرى بألف. فإذا
ثبت جريانه بخمسمائة، فلا معنى لقوله: لا أعلمه نكح بألف. وكيفية اليمين ومن
يبدأ به، كما سبق في البيع. فإذا تحالفا، فسخ الصداق ورجعت إلى مهر المثل،
وقد سبق في البيع وجه: أنه ينفسخ بنفس التحالف، فليجئ هنا مثله، وليكن
القول فيمن يتولى الفسخ وفي الانفساخ باطنا على ما سبق في البيع. وقد صرح
بجميع هذا الحناطي، وسواء في الرجوع إلى مهر المثل، زاد على ما تدعيه المرأة
أم لا. وقال ابن خيران وابن الوكيل: إن كان مهر المثل زائدا فليس لها إلا ما
ادعته، والصحيح الأول. هذا في الظاهر، أما في الباطن، فإن قلنا: لا ينفسخ،
لم يخف ما يحل لها.
الثانية: ادعت مسمى، فأنكر الزوج أصل التسمية، فوجهان. أحدهما:
القول قوله بيمينه. وأصحهما: يتحالفان لأن يقول: الواجب مهر المثل، وهي
تدعي المسمى، فحاصله الاختلاف في قدر المهر، فيتحالفان. وإنما يحسن وضع
المسألة إذا كان ما تدعيه أكثر من مهر المثل. ولو أنكرت تسمية مهر وادعاها
638

الزوج، فهل القول قولها، أم يتحالفان؟ القياس مجئ الوجهين. ولو ادعى
أحدهما التفويض، والآخر التسمية، فإن أوجبنا المهر في التفويض بالعقد، فهو
كما لو ادعى أحدهما السكوت، والآخر التسمية، وإلا فالأصل عدم التسمية من
جانب، وعدم التفويض من جانب. ولو ادعى أحدهما التفويض والآخر أنه
لم يجر للمهر ذكر، فيشبه أن يكون القول قول الثاني.
الثالثة: إذا حكمنا بالتحالف، فحلف أحدهما ونكل الآخر، حكمنا
للحالف. ومن أقام بينة، حكمنا بها. ولو أقاما بينتين مختلفتين في قدر المهر،
فوجهان. أحدهما: يحكم ببينة المرأة لاشتمالها على الزيادة. والثاني:
يتعارضان إذا قلنا بالتساقط، فكأن لا بينة، فيتحالفان. وإن قلنا بالقرعة، فهل
يحتاج من خرجت قرعته إلى اليمين؟ وجهان.
الرابعة: ادعت النكاح ومهر المثل، واعترف الزوج بالنكاح وأنكر المهر، أو
سكت عنه ولم يدع التفويض ولا إخلاء النكاح عن ذكر المهر، حكى الغزالي فيه
وجهين. أحدهما وينسب إلى القاضي حسين: يثبت لها المهر إذا حلفت، لأن الظاهر
معها، فإن النكاح يوجب مهر المثل إذا لم تكن تسمية صحيحة. وأصحهما
عند الغزالي: أنه لا يثبت مهر مثلها بيمينها، بل يتحالفان، لأنه قد ينكحها بأقل
ما يتمول، وهذا الذي فرضه لا يكاد يتصور، فإن التحالف أن يحلف كل واحد على
إثبات ما يزعمه، ونفي ما زعمه صاحبه. والمفروض من جهة الزوج، إنكار
مطلق، فلا معنى للتحالف. ولم يذكر الروياني الخلاف هكذا، بل قال: قال
مشايخ طبرستان: القول قول الزوج وعليها البينة، والحق أنه لا يسمع إنكاره
لاعترافه بما يقتضي المهر، ولكن يكلف البيان. فإن ذكر قدرا وادعت زيادة،
تحالفا. وإن أصر على الانكار، ردت اليمين عليها وقضي لها بها. قال الروياني
: ورأيت جماعة من المحققين بخراسان والعراق يفتون بهذا، وهو القديم. ولو ادعت
639

زوجية ومهرا مسمى يساوي مهر المثل، وقال الزوج: لا أدري، أو سكت، قال
الامام: ظاهر ما ذكره القاضي، أن القول قولها لما سبق أن النكاح اقتضى مهر
المثل. قال: والذي يقتضيه قياس المذهب، أن دعواها متوجهة بذلك القدر، ولا
يسمع منه التردد، بل يحلف على نفي ما تدعيه. فإن نكل، ردت اليمين عليها
وقضي بيمينها. ثم حكى عن القاضي على قياس الوجه المنسوب إليه، أنه لو قال:
هذا ابني من فلانة، استحقت عليه مهر المثل إذا حلفت، لأنه إقرار بالوطئ ظاهرا،
لأن استدخال الماء بعيد والوطئ المحرم (هو) الذي يحصل منه الولد النسيب ظاهرا،
وهو يقتضي المهر. وقياس ظاهر المذهب، أنه يؤمر بالبيان إذا أنكر ما ادعته. فإن
أصر على الانكار، ردت اليمين عليها.
فرع قال المتولي: لو مات الزوج وادعت على الوارث أن الزوج سمى لها
ألفا، فقال الوارث: لا أعلم كم سمى، لم يتحالفا، بل يحلف الوارث على نفي
العلم. فإذا حلف، قضي لها بمهر المثل.
قلت: هذا الذي ذكره المتولي، حكاه الامام عن القاضي حسين، ثم قال:
هو مشكل على قياس المذهب، قال: والقياس أن يحكم بانقطاع الخصومة،
يحلف الوارث، والقدر الثابت على قطع هو أقل ما يتمول، والمختار بل الصواب
قول المتولي والقاضي، وقد نص عليه قبلهما القفال شيخ طريقة خراسان، وقد حكاه
عنه الرافعي في الباب الثاني من الدعوى والبينات، ولم يذكر فيه خلافا، ولم أر
لاحد من الأصحاب خلافا، ودليله أن تعذر معرفة المسمى، كعدمه من أصله، ولهذا
نوجب مهر المثل في التحالف وإن كان هناك مسمى زائد أو ناقص. والله أعلم.
الخامسة: اختلف الزوج وولي الصغيرة أو المجنونة، فقال الولي: زوجتكها
بألفين، فقال: بل بألف. فوجهان. أصحهما عند الأصحاب: يتحالفان.
640

والثاني: لا، فعلى هذا توقف إلى بلوغها فيتحالفان، ويجوز أن يحلف الزوج،
ويوقف يمينها إلى بلوغها. وإذ قلنا: يحلف الولي، فذلك إذا ادعى زيادة على مهر
المثل والزوج معترف بمهر المثل. وأما إذا ادعى الزوج نكاحها بدون مهر المثل،
فلا تحالف، لأنه يثبت مهر المثل وإن نقص الولي. ولو ذكر الزوج قدرا يزيد على مهر
المثل، وادعى الولي زيادة عليه، لم يتحالفا كيلا يرجع الواجب إلى مهر المثل، بل
يأخذ الولي ما يقوله الزوج. ولو ادعى الولي مهر المثل أو أكثر، وذكر الزوج أكثر من
ذلك، فهل يتحالفان، أم يؤخذ بما قاله الزوج؟ وجهان حكاهما الحناطي، وهذا
الخلاف المذكور في اختلاف الزوج وولي الصغيرة، يجري في اختلاف المرأة وولي
الزوج الصغير، وفيما إذا اختلف وليا الزوجين الصغيرين. ولو بلغت الصغيرة قبل
التحالف، حلفت هي ولا يحلف الولي. وادعى البغوي الاتفاق عليه. ولو اختلف
ولي البكر البالغة وزوجها، فالصحيح أنها هي التي تحلف. وقيل: يحلف الولي
لأنه العاقد، قاله القاضي أبو الطيب وغيره. ومن قال بهذا، لا يسلم في الصغيرة إذا
بلغت أن اليمين عليها. والخلاف في حلف الولي يجري في الوكيل في النكاح،
وفي وكيل البائع مع المشتري، ووكيل المشتري مع البائع، وفي وكيليهما، ومنهم
من رتب وقال: إن لم يحلف الولي، فالوكيل أولى، وإلا فوجهان لقوة الولاية.
فرع إذا قلنا: يحلف الولي فنكل، فهل يقضى بيمين صاحبه، أم يوقف
حتى تبلغ الصبية وتفيق المجنونة فلعلها تحلف؟ فيه وجهان نقلهما الحناطي.
فرع جميع ما ذكرنا في هذه المسألة، هو فيما يتعلق بإنشاء الولي، أما ما
لا يتعلق به، بأن ادعى على رجل أنه أتلف مال الطفل، فأنكر المدعى عليه ونكل،
فهل يحلف اليمين المردودة إتماما للخصومة واستخلاصا لحق الصبي، أم لا لأنه لا
يتعلق بانشائه؟ وجهان. أصحهما: الثاني. وعلى هذا لا يقضى بالنكول، بل
641

يتوقف حتى يبلغ الصبي. وفي وجه: لا تعرض اليمين على المدعى عليه، ويتوقف
في أصل الخصومة. وأفتى الق فيما إذا ادعى الولي على رجل دينا ورثه الصبي
وأقام بينة به، فقال الخصم: كنت قضيته، أو أبرأني مورثه، أنه لا يحلف الولي،
بل يحلف الصبي إذا بلغ على نفي العلم بذلك. ولو أقر القيم بما قاله الخصم،
انعزل وأقام القاضي غيره. ولو ادعى أن هذا القيم قبضه وأنكر، حلف.
السادسة: ادعت على رجل أنه نكحها يوم الخميس بألف، ونكحها يوم
السبت بألف، وطلبت الألفين، سمعت دعواها لامكان ثبوت الألفين بأن يطأها يوم
الجمعة، ويخلعها ثم ينكحها يوم السبت، وإذا ثبت العقدان بالبينة، أو باقراره، أو
بيمينها بعد نكوله، لزمه الألفان، ولا يحتاج إلى التعرض لتخلل الفرقة، ولا
لحصول الأصل، لأن كل عقد منهما ثبت مسماه والأصل بقاؤه. فإن ادعى أن العقد
الثاني كان إظهارا للأول لا إنشاء، لم يقبل. وهل له تحليف المرأة على نفي ذلك؟
وجهان حكاهما في العدة أصحهما: له. فإن ادعى على أنه لم يصبها في النكاح
الأول، صدق بيمينه، ولا يطالب من المهر الأول إلا بالنصف، وتكون معه
بطلقتين. ولو ادعى في النكاح الثاني الطلاق قبل الإصابة، صدق بيمين، وقنع منه
642

بنصف المهر الثاني أيضا. ولو ادعى على رجل أنه اشترى منه كذا يوم الخميس
بألف، ثم يوم الجمعة بألف، وطالبه بالثمنين، لزمه الثمنان إذا ثبت العقدان كما
في المهرين.
السابعة: رجل يملك أبوي حرة، فنكحها على أحدهما معينا، ثم
اختلفا، فقال: أصدقتك أباك فقالت: بل أمي، فوجهان. أصحهما: يتحالفان.
والثاني: يصدق الزوج بيمينه في أنه لم يصدقها أمها، وتحلف هي أنه لم يصدقها
الأب، ولها مهر مثلها، ويعتق الأب بإقرار الزوج أنه أصدقها الأب لتضمنه
الاقرار، لأنه عتق عليها ولا غرم على المرأة، لأنها لم تفوت عليه شيئا، فصار كما
لو قال لرجل: بعتك أباك فأنكر، عتق عليه باقراره. إن قلنا بالتحالف فحلفا، عتق
الأب بإقرار الزوج، ولها مهر مثلها، وليس عليها قيمة الأب، وولاؤه موقوف، لان
الزوج يقول: هو لها، وهي تنكره. وإن حلفت دونه، عتق الأبوان. أما الأب،
فبإقراره، وأما الأم، فلانا حكمنا بكونها صداقا، وليس عليها قيمة واحدة منهما.
وإن حلف دونها، رقت الأم، وعتق الأب، وولاؤه موقوف. وإن لم يحلف واحد
منهما، عتق الأب، ولا تتمكن هي من طلب المهر، لأن من ادعى شيئا ونكل عن
اليمين بعد الرد، كان كمن لم يدع شيئا. ولو قال الزوج: أصدقتك أباك ونصف
أمك وقالت: بل أصدقتني كليهما، تحالفا بلا خلاف، لأن الاختلاف هنا في قدر
الصداق. فإذا حلفا، فلها مهر المثل وتعتق، وعليها قيمته لاتفاقهما أنه
عتق عليها بحكم الصداق، فلما تحالفا بطل الصداق، ولا سبيل إلى رد العتق
فوجبت القيمة، كما لو اشترى عبدا فأعتقه، ثم اختلفا في الثمن وتحالفا. وأما
643

الأم، فيعتق عليها نصفها. فان كانت موسرة، عتق الباقي بالسراية وعليها قيمة ما
يعتق منها، ويجئ التقاص.
ولو حلف الزوج دونها، عتق الأب ونصف الأم، ولا سراية إن كانت معسرة،
ولا شئ لها ولا عليها، لأنا حكمنا بيمينه أن الصداق هو الأب ونصف الأم. ولو
حلفت دونه، حكم بكونهما صداقا وعتقا، ولا شئ عليها. ولو قالت: أصدقتني
الأم ونصف الأب، فقال: لا بل الأب ونصف الأم، تحالفا. فإذا حلفا، فلها مهر
المثل، ويعتق من الأب نصفه لاتفاقهما، ونصفه باقرار الزوج وعليها قيمة ما اتفقا
عليه. وأما الأم، فيعتق نصفها باتفاقهما، ويسري إلى الباقي إن كانت موسرة،
وعليها قيمة ما عتق منها.
الثامنة: اختلفا في أداء المهر، فالقول قولها بيمينها، سواء اختلفا قبل
الدخول أو بعده. فلو اتفقا على قبض مال، فقال: دفعته صداقا وقالت: بل
هدية. فإن اتفقا على أنه تلفظ واختلفا، هل قال: خذي هذا صداقا أم قال:
هدية؟ فالقول قوله بيمينه. وإن اتفقا أنه لم يجر لفظ، واختلفا فيما نوى، فالقول
قوله بيمينه أيضا. وقيل: بلا يمين، وسواء كان المقبوض من جنس الصداق
أم غيره، طعاما أم غيره. فإذا حلف الزوج، فإن كان المقبوض من جنس الصداق،
وقع عنه، وإلا فان رضيا ببيعه بالصداق، فذاك، وإلا استرده وأدى الصداق. فإن كان
تالفا، فله البدل عليها وقد يقع في التقاص.
ولو بعث إلى بيت من لا دين له عليه شيئا ثم قال: بعثته بعوض، وأنكر
المبعوث إليه، فالقول قول المبعوث إليه.
التاسعة: ادعى دفع الصداق إلى ولي الصغيرة والمجنونة، أو السفيهة،
سمعت دعواه. وإن ادعى دفعه إلى ولي البالغة الراشدة، لم يسمع الدعوى عليها،
إلا أن يدعي إذنها، وسواء البكر والثيب. وفي البكر وجه، (و) الخلاف مبني على أن
الولي، هل يملك قبض مهر البكر الرشيدة؟ والمذهب منعه. وفيه قول أو وجه.
ومنهم من لم يثبته وقطع بالأول. وإذا قلنا بالمذهب، فاستأذنها فسكتت، لم
644

يستفد بسكوتها الاذن في القبض، وقياس القول أو الوجه الضعيف، أن يستفيده وإن
نهت عنه كتزويجها.
العاشرة: وقع الاختلاف في غير المنكوحة، فهو اختلاف في عقدين، القول
في كل منهما قول النافي. وإن قال: نكحت هاتين بألف، فقالت إحداهما أو
وليهما: بل نكحت هذه فقط بألف، فهذا اختلاف في قدر مهر المتفق على
نكاحها. وأما الأخرى، فالقول قول المنكر.
فصل يتعلق بكتاب الصداق أصدقها جارية، ثم وطئ الجارية عالما
بالحال، فإن كان بعد الدخول، فعليه الحد، ولا يقبل قوله: لم أعلم أنها ملكتها
بالدخول، إلا أيكون قريب عهد بالاسلام. وإن كان قبل الدخول، فلا حد.
وعللوه بشيئين. أحدهما: لا يبعد أن يخفى مثل هذه الأحكام عن العوام.
والثاني: اختلاف العلماء، فإن مالكا رحمه الله تعالى قال: لا تملك قبل
الدخول إلا نصف الصداق. فإن كان عالما بأنها تملك جميع الصداق بالعقد، فعلى
التعليل الأول يحد. وعلى الثاني، لا وحيث قلنا: يحد، فأولدها، فالولد
رقيق، وعليه المهر إن كانت مكرهة. وحيث قلنا: لا يحد، فالولد نسيب حر،
وعليه قيمته يوم سقوطه.
فصل خالع زوجته المدخول بها، ثم نكحها في العدة، وطلقها قبل
الدخول في النكاح الثاني، يتشطر المهر عندنا. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى:
يحب جميعه، وبالله التوفيق.
باب الوليمة
هي عامة على ما قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى، تقع على كل
645

دعوة تتخذ بسرور حادث، من نكاح أو ختان أو غيرهما. لكن الأشهر استعمالها
عند الاطلاق في النكاح، وتقيد في غيره، فيقال: وليمة الختان وغيره، ويقال
لدعوة الختان: إعذار، ولدعوة الولادة: عقيقة، ولسلامة المرأة من الطلق:
خرس. وقيل: الخرس لطعام الولادة، ولقدوم المسافر: نقيعة، ولاحداث البناء:
وكيرة، ولما يتخذ للمصيبة: وضيمة، ولما يتخذ بلا سبب: مأدبة.
قلت: الاعذار بالعين المهملة، وبالذال المعجمة. والخرس، بضم الخاء
المعجمة، وبالسين المهملة، ويقال: بالصاد. المأدبة، بضم الدال وفتحها.
والوضيمة، بكسر الضاد المعجمة. وقول الأصحاب: النقيعة لقدوم المسافر، ليس
فيه بيان من يتخذها أهو القادم أو المقدوم عليهم؟ وفيه خلاف لأهل اللغة. فنقل
الأزهري عن الفراء، أنه القادم. وقال صاحب المحكم: هو طعام يصنع للقادم
وهو الأظهر. والله أعلم.
وفي وليمة العرس قولان، أو وجهان. أحدهما: أنها واجبة، لقوله (ص) في
الحديث الصحيح: أولم ولو بشاة. وأصحهما: أنها مستحبة كالأضحية وسائر
646

الولائم، والحديث على الاستحباب، وقطع القفال بالاستحباب، وأما سائر
الولائم، فمستحبة، ليس بواجبة على المذهب وبه قطع الجمهور، ولا يتأكد تأكد
وليمة النكاح. قال المتولي: وخرج بعضهم في وجوب سائر الولائم قولا، لان
الشافعي رحمه الله قال بعد ذكرها: ولا أرخص في تركها.
فرع أقل الوليمة على ما ذكره ابن الصباغ وغيره، للمتمكن شاة وإن لم
يتمكن، اقتصر على ما يقدر عليه.
فرع وأما الإجابة إلى الدعوة، ففي وليمة العرس تجب الإجابة إن أوجبنا
الوليمة، وكذا إن لم نوجبها على الأظهر. وقيل: على الأصح، صححه العراقيون
والروياني وغيرهم، للأحاديث الصحيحة من دعي إلى وليمة فليأتها. والثاني:
أنها مستحبة. وأما غير وليمة العرس، فالمذهب أن الإجابة فيها مستحبة. وقيل:
بطرد الخلاف في الوجوب. وإذا أوجبنا الإجابة، فهي فرض عين على الأصح.
وقيل: فرض كفاية. ثم إنما تجب الإجابة أو تستحب بشروط. منها: أن يعم
عشيرته أو جيرانه، أو أهل حرفته، أغنيائهم وفقرائهم، دون ما إذا خص الأغنياء.
ومنها: أن يخصه بالدعوة بنفسه، أو يبعث إليه شخصا. فأما إذا فتح باب داره
وقال: ليحضر من أراد، أو بعث شخصا: ليحضر من شاء، أو قال لشخص:
أحضر وأحضر معك من شئت، فقال لغيره: أحضر، فلا تجب الإجابة ولا
تستحب. ومنها: أن لا يكون إحضاره لخوف منه، أو طمع في جاهه، أو ليعاونه
على باطل، بل تكون للتقرب، أو التودد. ومنها، أن يدعوه مسلم. فإن دعاه ذمي
647

فهل هو كالمسلم أم لا تجب قطعا؟ طريقان. أصحهما: الثاني. ولا يكون
الاستحباب في إجابته كالاستحباب في دعوة المسلم، لأنه قد يرغب عن طعامه
لنجاسته وتصرفه الفاسد، وتكره مخالطة الذمي وموادته. ومنها: أن يدعو في
اليوم الأول. فلو أولم ثلاثة أيام، فالإجابة في اليوم الثالث مكروهة، وفي الثاني لا
تجب قطعا، ولا يكون استحبابها كالاستحباب في اليوم الأول.
فرع إذا اعتذر المدعو إلى صاحب الدعوة، فرضي بتخلفه، زال الوجوب
وارتفعت كراهة التخلف.
فرع دعاه جماعة، أجاب الأسبق، فإن جاءا معا، أجاب الأقرب رحما،
ثم الأقرب دارا كالصدقة.
ومنها: أن لا يكون هناك من يتأذى بحضوره، ولا يليق به مجالسته. فإن
كان، فهو معذور في التخلف. وأشار في الوسيط إلى وجه فيه.
ومنها: أن لا يكون هناك منكر كشرب الخمر والملاهي. فإن كان، نظر، إن
كان الشخص ممن إذا حضر رفع المنكر، فليحضر إجابة للدعوة وإزالة للمنكر، وإلا
فوجهان. أحدهما: الأولى أن لا يحضر، ويجوز أن يحضر ولا يستمع وينكر بقلبه،
كما لو كان يضرب المنكر في جواره، فلا يلزمه التحول وإن بلغه الصوت، وعلى
هذا جرى العراقيون. والثاني وهو الصحيح: يحرم الحضور لأنه كالرضى بالمنكر
وإقراره.
قلت: الوجه الأول غلط، ولا يثبت عن كل العراقيين، وإنما قاله بعضهم وهو
خطأ، ولا يغتر بجلالة صاحب التنبيه ونحوه ممن ذكره. والله أعلم.
فإذا قلنا بالثاني، فلم يعلم حتى حضر، نهاهم، فإن لم ينتهوا، فليخرج.
وفي جواز القعود وجهان.
قلت: أصحهما: التحريم. والله أعلم.
648

فإن لم يمكنه الخروج، بأن كان في الليل ويخاف من الخروج، قعد كارها
ولا يستمع. ولو كانوا يشربون النبيذ المختلف في إباحته، لم ينكره، لأنه مجتهد
فيه. فإن كان حاضره ممن يعتقد تحريمه، فكالمنكر المجمع على تحريمه.
وقيل: لا.
فرع ومن المنكرات، فرش الحرير وصور الحيوانات على السقوف
والجدران، والثياب الملبوسة، والستور المعلقة، والوسائد الكبار المنصوبة، ولا
بأس بما على الأرض، والبساط الذي يداس، والمخاد التي يتكأ عليها، وليكن في
معناها الطبق والخوان، والقصعة. ولا بأس بصور الأشجار، والشمس، والقمر.
وفي وجه: يكره صورة الشجر. ولو كانت صور الحيوانات مقطوعة الرؤوس، فلا
بأس به على الصحيح، ومنعه المتولي. وهل دخول البيت الذي فيه الصور الممنوعة
حرام أم مكروه؟ وجهان. وبالتحريم قال الشيخ أبو محمد، وبالكراهة قال
649

صاحب التقريب والصيدلاني، ورجحه الامام والغزالي في الوسيط. ولو
كانت الصورة في الممر دون موضع الجلوس، فلا بأس بالدخول والجلوس، ولا
يترك إجابة الدعوة بهذا السبب. وكذا لا بأس بدخول الحمام الذي على بابه صور،
كذا قاله الأصحاب.
فرع يحرم على المصور التصوير على الحيطان والسقوف، ولا يستحق
أجرة. وفي نسج الثياب المصورة وجهان، جوزه أبو محمد لأنها قد لا تلبس،
ورجح المنع الامام والغزالي تمسكا بالحديث لعن الله المصورين.
قلت: الصحيح التحريم، والحديث صحيح. والله أعلم.
وطرد المتولي الوجهين في التصوير على الأرض ونحوها، وكأن من قال
بالمنع. قال: ليس له أن يصور، لكن إن اتفق يسامح به ولا يجب طمسه.
قلت: الصحيح تحريم التصوير على الأرض وغيرها. والله أعلم.
فصل الصوم ليس عذرا في ترك إجابة الدعوة. فإذا حضر الصائم، إن
كان صوم فرض مضيق الوقت، حرم الفطر. وإن كان موسعا كالنذر المطلق وقضاء
رمضان، فإن لم نجوز الخروج منه، حرم الفطر، وإلا (فقيل) هو كصوم النفل. وعن
القاضي حسين كراهة الخروج منه، لأن ذمته مشغولة. وإن كان صوم نفل، فإن لم
يشق على صاحب الدعوة إمساكه، استحب اتمام صومه، وإن شق عليه، استحب
الفطر. أما المفطر، ففي أكله وجهان. أحدهما: يجب وأقله لقمة،
وأصحهما: أنه مستحب.
فصل إذا دعاه من أكثر ماله حرام، كرهت إجابته كما تكره معاملته. فإن علم
أن عين الطعام حرام، حرمت إجابته.
فصل المرأة إذا دعت النساء، كما ذكرنا في الرجال. فإن دعت رجلا أو
650

رجالا، وجبت الإجابة إذا لم يكن خلوة محرمة.
قلت: قال إبراهيم المروزي: لو دعته أجنبية وليس هناك محرم له ولا لها،
ولم يخل به بل جلست في بيت، وبعثت الطعام مع خادم إليه إلى بيت آخر من
دارها، لم يجبها مخافة الفتنة. والله أعلم.
فصل في مسائل تتعلق بالضيافة إحداها: للضيف أن يأكل إذا قدم إليه
الطعام من غير أن يأذن صاحب الطعام لفظا، إلا إذا كان ينتظر حضور غيره، فلا
يأكل حتى يحضر أو يأذن المضيف لفظا. وفي الوسيط أنه لا بد من لفظ
وهو شاذ ضعيف، والصحيح الاكتفاء بقرينة التقديم، وللقرينة أثر ظاهر في مثل هذا
الباب، وكذلك يجوز الشرب من الحباب الموضوعة على الطرق، وكان السلف
يأكلون من بيوت إخوانهم للانبساط وهم غيب. وقال المتولي: تقديم الطعام، إنما
يكفي إذا دعاه إلى بيته. فإن لم يسبق دعوة، فلا بد من الاذن لفظا، إلا إذا جعلنا
المعاطاة بيعا، وقرينة التقديم لا تختلف لسبق الدعوة وعدمه.
قلت: الصحيح بتقديم الطعام أنه يجوز الاكل بلا لفظ، سواء دعاه أم لا، بشرط أن لا
يكون منتظرا غيره كما سبق. وأما الاكل من بيت الصديق وبستانه ونحوها
في حال غيبته، فجائز بشرط أن يعلم من حاله أنه لا يكره ذلك منه. والله أعلم.
الثانية: هل يملك الضيف ما يأكله؟ وجهان. قال القفال: لا بل هو إتلاف
بإذن المالك، وللمالك أن يرجع ما لم يأكل. وقال الجمهور: نعم. وبم يملك؟
فيه أوجه. قيل: بالوضع بين يديه، وقيل: بالأخذ، وقيل: بوضعه في الفم،
وقيل: بالازدراد يتبين حصول الملك قبيله. وضعف المتولي ما سوى الوجه
الأخير. وعلى الأوجه ينبني التمكن من الرجوع.
قلت: قال صاحب البيان: إذا قلنا: يملكه بالأخذ أو بالوضع في الفم،
فهل للآخذ إباحته لغيره والتصرف فيه بغير ذلك؟ وجهان. الصحيح (وقول الجمهور)
651

لا يجوز كما لا يعير المستعار. وقال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب: يجوز أن
يفعل ما يشاء من البيع والهبة وغيرهما، لأنه ملكه. قال ابن الصباغ: هذا لا يجئ
على أصلهما. والله أعلم.
الثالثة: ليس للضيف التصرف في الطعام بما سوى الاكل، فلا يجوز أن
يحمل معه منه شيئا، إلا إذا أخذ ما يعلم رضى المالك به، ويختلف ذلك بقدر
المأخوذ وجنسه، وبحال المضيف والدعوة. فإن شك في وقوعه في محل
المسامحة، فالصحيح التحريم، وليس للضيف إطعام السائل والهرة، ويجوز أن
يلقم الأضياف بعضهم بعضا، إلا إذا فاوت بينهم في الطعام، فليس لمن خص
بنوع أن يطعموا منه غيرهم، ويكره للمضيف أن يفعل ذلك.
الرابعة: يحرم التطفل، واستثنى المتولي وغيره فقالوا: إذا كان في الدار
ضيافة، جاز لمن بينه وبين صاحب الطعام انبساط أن يدخل ويأكل إذا علم أنه لا
يشق عليه.
فصل في آداب الاكل منها: أن يقول أولا: باسم الله، فإن نسي قال
إذا تذكر: بسم الله أوله وآخره، وأن يغسل يديه قبل الاكل وبعده، وأن يأكل
بأصابعه الثلاث، وأن يدعو لصاحب الطعام إن كان ضيفا، ويقول: أكل طعامكم
الأبرار، وأفطر عندكم الصائمون. وصلت عليكم الملائكة. ويكره أن يأكل
متكئا، وأن يأكل مما يلي آكليه، وأن يأكل من وسط القصعة وأعلى الثريد ونحوه،
ولا بأس بذلك في الفواكه، ويكره أن يعيب الطعام، وأن يقرن بين تمرتين
652

ونحوهما، وأن يأكل بشماله، وأن يتنفس في الاناء، وأن ينفخ فيه. ولا يكره
الشرب قائما، وحملوا النهي الوارد على حالة السير.
قلت: هذا الذي قاله من تأويل النهي على حالة السير، قد قاله ابن قتيبة
والمتولي، وقد تأوله آخرون بخلاف هذا. والمختار أن الشرب قائما بلا عذر خلاف
الأولى، للأحاديث الصريحة بالنهي عنه في صحيح مسلم.
وأما الحديثان الصحيحان عن علي وابن عباس رضي الله عنهما أن
النبي (ص) شرب قائما، فمحمولان على بيان الجواز جمعا بين الأحاديث. وقد
اعترض على أحاديث النهي بأشياء باطلة، أوضحت جوابها في شرح صحيح
مسلم. ويكره الشرب من فم القربة. ومن آداب الاكل: حمد الله تعالى في
آخره. وكذلك في آخر الشرب فيقول: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير
مكفي ولا مكفور ولا مودع، ولا مستغنى عنه ربنا. ثبت ذلك في صحيح
البخاري عن النبي (ص) أنه كان يقوله، وقد جاءت في هذا أذكار كثيرة في
الصحيح وغيره، وقد جمعت مقاصدها في كتاب أذكار الطعام من كتاب
الأذكار، وشرحت فيه هذه الألفاظ أحزن شرح وأوجزه، مع جمل مما يتعلق
بالأطعمة. وقوله: ربنا، يجوز بالرفع على الابتداء، وبالنصب على الاختصاص أو
653

النداء، وبالجر على البدل من قوله: الحمد لله. وإذا أكل جماعة، فمن الأدب أن
يتحدثوا على طعامهم بما لا إثم فيه، ويكره أن يتمخط ويبصق في حال أكلهم إلا
لضرورة، ويكره أن يقرب فمه من القصعة بحيث يرجع من فمه إليها شئ.
ويستحب أن يلعق القصعة، وأن يلعق أصابعه، وأن يأكل اللقمة الساقطة ما لم
تتنجس ويتعذر تطهيرها، للأحاديث الصحيحة في ذلك. والأولى أن لا يأكل
الشخص وحده، وأن لا يرتفع عن مؤاكلة الغلام والصبيان والزوجة، وأن لا يتميز
على جلسائه بنوع إلا لحاجة، كدواء، ونحوه، وأن يمد الاكل مع رفقته ما دام يظن
لهم حاجة إلى الاكل، وأن يؤثرهم بفاخر الطعام، كقطعة لحم وخبز لين، أو طيب
ونحو ذلك، وقد سبق استحباب التسمية في أول الطعام، وهي مستحبة لكل آكل،
حتى الحائض والنفساء. وينبغي أن يجهر بها جهرا يسمعه رفقته سماعا محققا،
ليقتدى به فيها، وليتنبه غيره لها ويستحب لكل واحد من الجماعة، أن يسمي.
فإن سمى واحد من الجمع، أجزأ عن الباقين، نص عليه الشافعي رضي الله عنه،
وقد ذكرته في كتاب الأذكار وفي طبقات الفقهاء في ترجمة الشافعي، وهو
شبيه برد السلام، وتشميت العاطس، فإنه يكفي قول أحد الجماعة. ومن ترك
التسمية عامدا أو مكرها، أو لعارض آخر، ثم تمكن في أثناء أكله، سمى، كما لو
نسيها، وسبق مثله في الوضوء، والتسمية في المشروب كالمأكول. ولا بأس
بقوله: لا أشتهي هذا الطعام، أو ما اعتدت أكله، لحديث الضب. ويستحب لمن
حضر وهو صائم ولم يأكل، أن يدعو لأهل الطعام، ويستحب الترحيب بالضيف
وحمد الله تعالى على حصوله ضيفا عنده، وسروره به، وثناؤه عليه لجعله أهلا
لتضييفه. ففي الصحيحين، أن رسول الله (ص) قال: من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر، فليكرم ضيفه. والله أعلم.
فصل يجوز نثر الجوز واللوز والتمر والسكر ونحوها في الاملاكات. وهل
يكره أم يستحب، أم لا يستحب ولا يكره، بل تركه أولى؟ فيه أوجه. أصحها
654

الثالث. والتقاط النثار جائز، لكن الأولى تركه، إلا إذا عرف أن الناثر لا يؤثر
بعضهم على بعض، ولم يقدح الالتقاط في مروءته، ثم من التقط لم يؤخذ منه.
وهل يملكه؟ وجهان. أحدهما: لا، لأنه لم يوجد لفظ تمليك لمعين والثاني:
يملك اعتبارا بالعادة، والأئمة إلى هذا الوجه أميل، وهو مقتضى إطلاق أكثرهم.
فعلى الأول، للناثر الاسترجاع. قال ابن كج: له الاسترجاع ما لم يخرج الملتقط
من الدار، وعليه الغرم إن أتلفه. وإن قلنا: يملك فهل يخرج عن ملك الناثر
بالنثر، أم بأخذ الملتقط، أم بإتلافه؟ فيه أوجه.
قلت: الأصح أنه يملك بالأخذ كسائر المباحات. والله أعلم.
ومن وقع في حجره شئ من النثار، فإن بسطه لذلك، لم يؤخذ منه. فإن سقط
منه بنفس الوقوع، لم يبطل حقه على الأصح، فيمنع غيره من أخذه. وإن لم يبسطه
له، لم يملكه، لعدم القصد والفعل. فإن نفضه، فهو كما لو وقع على الأرض
أولا، وإلا فهو أولى به من غيره، وليس لغيره أن يأخذه. فلو أخذه غيره، ففي ملكه
وجهان جاريان، فيما لو عشش طائر في ملكه فأخذ فرخه غيره. وفيما إذا دخل
السمك مع الماء حوضه، وفيما إذا وقع الثلج في ملكه فأخذه غيره، وفيما إذا أحيا ما
يحجره غيره. لكن الأصح أن المحيي يملك. وفي هذه الصور ميلهم إلى المنع
أكثر، لأن المتحجر غير مالك فليس الاحياء تصرفا في ملك غيره، بخلاف هذه
الصورة ولو سقط من حجره قبل أن يقصد أخذه، أو قام فسقط، بطل اختصاصه،
655

كما لو طار الفرخ، فإنه يجوز لغير صاحب الأرض أخذه بلا خلاف. ثم اختصاص
من وقع في حجره مخصوص بمن هو ممن يأخذه. أما من يعلم أنه لا يأخذه ولا
يرغب فيه، فلا اختصاص له به، ويجوز لغيره أخذه من حجره، ذكره البغوي
وغيره. ويكره أخذ النثار من الهواء بالملاءة والأزر المربوطة برؤوس الخشب. فإن
أخذ كذلك، استحقه ونثر الدراهم والدنانير، كنثر السكر ذكره المسعودي.
قلت: ولو التقط النثار صبي ملكه، ولو التقطه عبد ملكه سيده، ذكره إبراهيم
المروزي، والختان في هذا كاملاك. والله أعلم.
656

كتاب عشرة النساء
والقسم والشقاق
فيه بابان.
الأول: في عشرتهن والقسم.
النكاح مناط حقوق الزوج على الزوجة، كالطاعة وملازمة المسكن. وحقوقها
عليه، كالمهر والنفقة، والكسوة، والمعاشرة بالمعروف. قال الله تعالى: * (ولهن
مثل الذي عليهن بالمعروف) * والمراد تماثلها فق وجوب الآداب. وقال تعالى:
* (وعاشروهن بالمعروف) * قال الشافعي رحمه الله: جماع المعروف
بين الزوجين، الكف عن المكروه،
وإعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه من غير إظهار كراهته في تأديته. فأيهما مطل
بتأخيره، فمطل الغني ظلم، قالا الأصحاب: أراد بالكف عن المكروه، الامتناع
عما يكرهه صاحبه، وبإعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه أن لا يحوجه في أداء
الحق إلى كلفة ومؤنة. وبقوله من غير إظهار كراهة، أن يؤدي الحق راضيا طلق
الوجه. ومن المعاشرة بالمعروف: القسم. وفائدته: العدل والتحرز عن الايذاء
والايحاش بترجيح البعض، وقد يعرض ما يقتضي التفضيل. ويتضمن الباب خمسة
أطراف.
الأول: في استحقاق القسم. من له زوجة واحدة، ينبغي أن لا يعطلها،
فيستحب أن يبيت عندها ويحصنها، وأدنى الدرجات أن (لا) يخلي أربع ليال عن
657

ليلة، ولا يجب عليه المبيت بحال، لأنه حقه فله تركه. ولو كان له مستولدات أو
إماء، فلا قسم لهن، ويستحب أن لا يعطلهن، وأن يسوي بينهن. ولو كان معهن
نساء، فلا قسم بينهن وبين النساء. حتى لو بات عند المنكوحات أو عند الإماء، فلا
قسم للأخريات. وإذا كان تحته زوجتان فأكثر، فالاعراض عن جملتهن كالاعراض
عن الواحدة المنفردة. وحكى القاضي أبو حامد وجها أنه يلزمه القسم بينهن، ويحرم
إعراضه عنهن، ويمكن أن يجئ مثله في الواحدة. ولو بات عند بعضهن، لزمه
مثله للباقيات. وإذا سوى بينهن في الظاهر، لم يؤاخذ بزيادة ميل قلبه إلى بعضهن،
ولا تجب التسوية في الجماع، لكن يستحب التسوية فيه وفي سائر الاستمتاعات.
ولو قسم بينهن مدة وسوى ثم أعرض عنهن، جاز كالابتداء.
فصل فيمن تستحق القسم فيه مسائل.
إحداها: تستحقه المريضة، والرتقاء، والقرناء، والحائض، والنفساء،
والمحرمة، والمؤلى منها، والمظاهر منها، والمراهقة، والمجنونة التي لا يخاف
منها، لأن المراد الأنس. قال المتولي: والمعتدة عن وطئ شبهة لا قسم لها، لأنه
658

يحرم الخلوة بها. الثانية: إذا نشزت عن زوجها، بأن خرجت من مسكنه، أو أراد الدخول عليها
فأغلقت الباب ومنعته، أو ادعت عليه الطلاق، أو منعت التمكين، فلا قسم لها كما
لا نفقة. وإذا عادت إلى الطاعة، لم تستحق القضاء، وامتناع المجنونة كامتناع
العاقلة، لكن لا تأثم.
الثالثة: إن لم ينفرد بمسكن وطاف عليهن في مساكنهن، فذاك، وإن انفرد،
فيتخير بين المضي إليهن ودعائهن إلى مسكنه في نوبتهن والأول أولى اقتداء برسول
الله (ص). فإن دعاهن، لزمهن الإجابة. ومن امتنعت، فهي ناشزة. وهل له أن
يدعو بعضهن إلى مسكنه ويمضي إلى مسكن بعضهن؟ وجهان. وقال الحناطي:
قولان. أصحهما: المنع، وبه قطع البغوي والسرخسي وغيرهما. فإن أقرع
بينهن ليدعو من خرجت قرعتها إلى منزله، فينبغي القطع بالجواز، كالمسافرة
659

ببعضهن بالقرعة. ثم الوجهان، إذا لم يكن التخصيص بعذر، فإن كان بأن كان
مسكن إحداهما قريبا إليه، فمضى إليها ودعا الأخرى لتخف عنه مؤنة السير، لزمها
الإجابة، وكذا لو كان تحته عجوز وشابة، فحضر بيت الشابة لكراهة خروجها ودعا
العجوز، فلزمها الإجابة، فإن أبت، بطل حقها. وإذا كان يدعوهن إلى منزله،
فمنع بعضهن شغل لها، بطل حقها. وإن منعها من الإجابة مرض، قال ابن كج:
عليه أن يبعث إليها من يحملها إليه.
ولو أقام عنده واحدة منهن، ودعا الباقيات إلى بيتها، لم تلزمهن الإجابة لما
فيه من المشقة.
الرابعة: إن سافرت معه، فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى. وإن سافرت
وحدها من غير إذنه، فهي ناشزة. وإن أذن، نظر، إن كان السفر لغرضه، بقي
حقها فيقضيه من حق الباقيات. وإن كان لغرضها كحج وتجارة، سقط حقها على
الجديد، فلا قضاء لها. وقيل بالسقوط قطعا، وفائدة الاذن دفع الاثم.
فصل فيمن يستحق عليه القسم هو كل زوج عاقل، وإن كان مراهقا أو
سفيها. فإن جاز المراهق، فالاثم على وليه، وإن جاز السفيه، فعلى نفسه، (و) أما
المجنون، فإن كان لا يؤمن منه ضرر، فلا قسم، وإن أمن، فإن كان قسم لبعضهن
ثم جن، فعلى الولي أن يطوف به على الباقيات قضاء لحقوقهن، كقضاء الديون.
قال المتولي: وذلك إذا طلبن. فإن أردن التأخير إلى إفاقته لتتم المؤانسة،
فلهن ذلك. وإن لم يكن عليه شئ من القسم، فإن رأى منه ميلا إلى النساء، وقال
أهل الخبرة: ينفعه غشيانهن، لزم الولي أن يطوف به عليهن، أو يدعوهن إلى
منزله، أو يطوف به على بعضهن، ويدعو بعضهن كما يرى. وإن لم ير منه ميلا،
فليس عليه الطواف به.
وحكى الفوراني وجها، أن حق القسم يبطل بالجنون، ولا يطالب الولي
برعايته بحال، ولا يجري الوجه فيما إذا قيل: ينفعه الغشيان. ولو قيل: يضره،
لزمه منعه عنهن.
660

أما من به جنون منقطع، فان ضبط، كيوم ويوم، جعلت أيام الجنون
كالغيبة، ويقسم في إفاقته. ولو أقام في الجنون عند واحدة، فلا قضاء ولا اعتداد
به، كذا قاله البغوي وغيره، وفيه إشعار بأنه لا يقسم أيام جنونه. وحكى أبو الفرج
وجها، أنه إذا أقام في الجنون عند واحدة، قضى للباقيات. وقال المتولي: يراعي
القسم في أيام الإفاقة، ويراعيه الولي في الجنون، ولكل واحدة نوبة من هذا،
ونوبة من هذا، وهذا حسن. وإن لم تنضبط الإفاقة، وقسم الولي لواحدة في
الجنون، وأفاق في نوبة الأخرى، قال الغزالي: يقضي ما جرى في الجنون
لنقصه.
الطرف الثاني: في مكان القسم وزمانه، فيه مسائل.
إحداها: يحرم عليه أن يجمع بين زوجتين، أو زوجات في مسكن ولو ليلة
واحدة إلا برضاهن.
والمراد بالمسكن: ما يليق بامرأة من دار وحجرة بيت مفرد. فاللواتي تليق
بكل واحدة منهن بيت أو دار أو حجرة، لا يجمع بينهن في دار واحدة ولا حجرة
واحدة، لكن لو كان في الدار حجر مفردة المرافق، فله أن يسكنهن فيها. وكذا لو
أسكن واحدة في العلو والأخرى في السفل والمرافق متميزة، واللواتي يليق بهن
البيوت الفردة له أن يسكن كل واحدة منهن بيتا من خان واحد، أو دار واحدة، ولا
يجمع بينهن في بيت إلا بالرضى. وإذا جمعهما في مسكن بالرضى، كره وطئ
أحدهما بحضرة الأخرى.
ولو طلب، لم تلزمها الإجابة، ولا تصير بالامتناع ناشزة.
661

الثانية: عماد القسم الليل والنهار تابع، وله أن يرتب القسم على الليلة واليوم
الذي قبلها، أو اليوم الذي بعدها، هذا حكم عامة الناس.
وأما من يعمل ليلا ويسكن نهارا، كالأتوني والحارس، فعماد قسمه النهار،
والليل تابع، وعماد قسم المسافر وقت نزوله ليلا كان أو نهارا قليلا أم كثيرا.
الثالثة: من عماد قسمه الليل، يحرم عليه أن يدخل في نوبة واحدة على
الأخرى ليلا وإن كان لحاجة كعيادة وغيرها. وقيل: يجوز للحاجة، وهو ضعيف،
ويجوز الدخول للضرورة بلا خلاف.
قال في الشامل: هي مثل أن تموت أو يكون منزولا بها.
وقال الشيخ أبو حامد وغيره: هي كالمرض الشديد. قال الغزالي: هي
كالمرض المخوف. قال: وكذا المرض الذي يحتمل كونه مخوفا، فيدخل لتبيين
الحال. وفي وجه: لا يدخل حتى يتحقق أنه مخوف. ثم إذا دخل على الضرة
لضرورة، أو مكث ساعة طويلة، قضى لصاحبة النوبة مثل ذلك في نوبة المدخول
عليها، وإن لم تكن إلا لحظة يسيرة، فلا قضاء. ولو تعدى بالدخول، إن طال
الزمان، قضى، وإلا، فلا، لكن يعصي. وعن القاضي حسين تقدير القدر
المقتضي بثلث الليل. والصحيح أن لا يقدر. هذا إذا لم يجامع المدخول
عليها، فإن جامعها، عصى. وفي القضاء أوجه. أحدها: أنه أفسد الليلة، فلا
تحسب على صاحبة النوبة. والثاني: يقضي الجماع في نوبة التي جامعها.
وأصحها: يقضي من نوبتها مثل تلك المدة، ولا يكلف الجماع. فإن فرض الجماع
في لحظة يسيرة، فلا قضاء على هذا الوجه، ويبقى الوجهان الأولان.
فرع وأما النهار، فلا تجب التسوية فيه بين النسوة في قدر إقامته في
البيت، ولكن ينبغي أن تكون إقامته في بيت صاحبة النوبة إن أقام، ولا يدخل على
غيرها إلا لحاجة، كعيادة، وتعرف خبر، وتسليم نفقة، ووضع متاع واحدة.
وينبغي أن لا يطيل المقام، ولا يعتاد الدخول على واحدة في نوبة الأخريات، ولا
في نوبة واحدة الدخول على غيرها. وإذا دخل على واحدة بغير حاجة، ففي
التجريد للمحاملي: أنه يجب القضاء، وحكاه عن نصه في الاملاء. وإن
دخل لحاجة، فلا قضاء. هذا هو الصحيح المعروف، وحكى الغزالي وجهين
662

آخرين. أحدهما: أن النهار كالليل، ومقتضى هذا الاطلاق، أن لا يدخل إلا
لضرورة، وأنه يقضي إذا دخل متعديا. وحكى ابن كج أن أبا إسحاق حكى في
وجوب القضاء قولا. والثاني: لا حجر بالنهار. ومقتضى هذا أن يدخل ويخرج
كيف شاء بلا قضاء، ولا يجوز في دخول الحاجة أن يجامع. وفي سائر الاستمتاعات
وجهان. أصحهما: الجواز. وفي كتاب ابن كج وجه أنه يجوز الجماع وهو شاذ.
فرع من عماد قسمه النهار، فليله كنهار غيره، ونهاره كليل غيره في جميع
ما ذكرنا.
فرع نقل البغوي وغيره، أنها إذا مرضت، أو طرأ بها الطلق، فإن كان لها
متعهد، لم يبت عندها إلا في نوبتها، ويراعي القسم. وإن لم يكن متعهد، بات
عندها ليالي بحسب الحاجة ويقضي للباقيات إن برأت. وإن ماتت، تعذر
القضاء. وفي القضاء لا يبيت عند كل واحدة من الأخريات جميع تلك الليالي ولاء،
بل (لا) يزيد على ثلاث ليال، وهكذا يدور حتى يتم القضاء.
ولو مرضت ثنتان ولا متعهد، فقد يقال: يقسم الليالي عليهما، ويسوي بينهما
في التمريض، ويمكن أن يقال: يقرع بينهما كما يسافر بها بالقرعة.
قلت: القسم أرجح. والله أعلم.
فرع كان يعمل تارة بالليل، ويستريح بالنهار، وتارة عكسه، فهل يجوز
أن يبدل الليل بالنهار، بأن يكون لواحدة ليلة تابعة ونهار متبوع، وللأخرى ليلة
متبوعة ونهار تابع؟ وجهان حكاهما الحناطي.
قلت: الأصح المنع لتفاوت الغرض. والله أعلم.
الرابعة: أقل نوب القسم، ليلة ليلة، ولا يجوز ببعض الليلة. وحكى ابن
كج وجها، أنه يجوز أن يقسم لكل واحدة بعضا من ليلة. وحكى الامام وجها أنه
يجوز أن يقسم لكل واحدة ليلة ونصفا، ولا يجوز لكل واحدة بعض ليلة. والصحيح
المنع مطلقا.
والأفضل أن لا يزيد على ليلة اقتداء برسول الله (ص)، وليقرب عهده بهن
كلهن. ولو قسم ليلتين ليلتين، أو ثلاثا ثلاثا، جاز، نص عليه. وفي وجه عن أبي
663

إسحاق: لا تجوز الزيادة على ليلة إلا برضاهن. والصحيح الأول. ولا تجوز الزيادة
على ثلاثة إلا برضاهن على المذهب. وقيل: قولان أو وجهان. فإن جوزنا
الزيادة، فوجهان. أحدهما عن صاحب التقريب: لا تجوز الزيادة على سبعة.
والثاني عن الشيخ أبي محمد وغيره: تجوز الزيادة ما لم تبلغ أربعة أشهر مدة تربص
المؤلي.
الخامسة: إذا أراد الابتداء بالقسم، فوجهان. أحدهما: يبدأ بمن شاء.
والصحيح يلزمه القرعة، فيبدأ بالقارعة. فإذا مضت نوبتها، أقرع بين الباقيات. ثم
بين الآخرتين، فإذا تمت النوب، راعى الترتيب، ولا حاجة إلى إعادة القرعة. ولو
بدأ بلا قرعة، فقد ظلم، ويقرع بين الثلاث. فإذا تمت النوب، أقرع للابتداء.
الطرف الثالث: في التساوي وبيان محل التفاضل.
القسم المشروع للعدل، فيحرم التفضيل وإن ترجحت إحداهما بشرف
وغيره، فتجب التسوية بين المسلمة والكتابية، ولا يجوز التفضيل إلا بشيئين.
أحدهما: الحرية، فللحرة ضعف ما للأمة، فدورهما أثلاث.
فلو طرأ عتق الأمة، فإما أن يكون الابتداء بالحرة، وإما بالأمة.
الحالة الأولى: بالحرة. فإما أن تعتق في نوبة الحرة، وإما في نوبتها.
القسم الأول: في نوبة الحرة، وهو ضربان.
أحدهما: أن يعتق في القدر المشترك بين الحرة والأمة، بأن عتقت في الليلة
الأولى من ليلتي الحرة، فيتم الليلة ويبيت الليلة الأخرى عند العتيقة ليسوي بينهما.
الضرب الثاني: عتقت في الليلة الثانية، فلا يلزمه الخروج، بل له أن يبيت
عند الحرة بقية الليل، لكن يبيت بعد ذلك عند العتيقة ليلتين. فلو خرج في الحال،
وكان بقية الليلة في مسجد أو بيت صديق، لم يلزمه قضاء ما مضى من تلك الليلة.
وإن خرج بقية الليلة إلى العتيقة، فقد أحسن.
القسم الثاني: تعتق في نوبة نفسها، فإن عتقت قبل تمام ليلتها، كمل لها
ليلتين لالتحاقها بالحرة، وحكى الحناطي وغيره وجها، أنها لا تستحق إلا ليلة،
نظرا إلى الابتداء. وإن عتقت بعد تمام ليلتها، لم تستحق إكمال ليلتين، بل يقتصر
664

في تلك النوبة على تلك الليلة، ثم يسوي بينهما. وهل العتق في يومها التالي ليلتها
كعتقها في ليلتها؟ حكي عن إمام الحرمين فيه وجهان. أصحهما وهو الموافق لكلام
الجمهور: المنع لأنه تابع.
الحالة الثانية: بدأ بالأمة فعتقت في نوبتها، صارت كالحرة فيسوي
بينهما وإن عتقت بعد تمام نوبتها، فوجهان. أحدهما: يبيت عند الحرة ليلتين،
ثم يسوي بعد ذلك، وبهذا قطع الامام، والمتولي، والغزالي، والسرخسي، ومنع
البغوي تكميل الليلتين وقال: إن عتقت في الأولى من ليلتي الحرة، أتمها واقتصر
عليها، وإن عتقت في الثانية، خرج من عندها في الحال. وعلى نحو هذا جرى
الشيخ أبو حامد وأصحابه وصاحب المهذب.
فرع ذكر ابن كج والشيخ أبو الفرج وغيرهما، أن الأمة إنما تستحق القسم
إذا استحقت النفقة وفي نص الشافعي رضي الله عنه إشارة إليه، وقد بينا في كتاب
النكاح متى تجب نفقتها.
فرع إسقاط حق القسم بهبته للزوج، أو لضرة الأمة لا للسيد، لأن معظم
الحظ في القسم لها، كما أن خيار العيب لها لا له.
فرع ذكر المتولي، أنه إذا قسم للحرة ليلتين، ثم سافر السيد بالأمة، لم
يسقط حقها من القسم، بل على الزوج قضاء ما فات عند التمكن، لأن الفوات
حصل بغير اختيارها فعذرت.
السبب الثاني: تجدد النكاح، وهو يقتضي تخصيص الجديدة بزيادة مبيت
عند الزفاف، وهي سبع ليال للبكر، وثلاث للثيب، للحديث الصحيح في ذلك،
ولتزول الحشمة بينهما، وهذا التخصيص واجب على الزوج. وحكى الحناطي في
وجوبه قولين. والمذهب الأول، حتى قال المتولي: لو خرج بعض تلك الليالي
بعذر، أو أخرج، قضى عند التمكن. وتجب الموالاة بين السبع والثلاث، لان
الحشمة لا تزول بالمفرق. فلو فرق، ففي الاحتساب به وجهان ذكرهما أبو الفرج
الزاز. وظاهر كلام الجمهور المنع، وذكر الزاز تفريعا عليه، أنه يوفيها حقها
متواليا، ويقضي ما فرق للأخريات، وسواء كانت ثيوبة الجديدة بنكاح أو زنا أو وطئ
665

شبهة. ولو حصلت بمرض أو وثبة، فعلى الوجهين في استئذانها نطقا في النكاح.
ولو كانت الجديدة أمة - ولا يتصور ذلك إلا في العبد، فإن له نكاح أمة على حرة -
فوجهان. أصحهما: أنها كالحرة في استحقاق السبع والثلاث، لأن المراد زوال
الحشمة، والأمة كالحرة فيه. والثاني: لها نصف ما للحرة كالقسم. وعلى هذا في
صفه التنصيف وجهان. أحدهما: تجبر الكسر، فللبكر أربع، وللثيب ليلتان.
وأصحهما وبه قطع البغوي: للبكر ثلاث ونصف، وللثيب ليلة ونصف، ثم الاعتبار
بحال الزفاف.
فلو نكحها وهي أمة، وزفت إليه وهي حرة، فلها حق الحرائر قطعا.
وإن عتقت بعد الزفاف، فلها حق الإماء. قال البغوي: ويحتمل أن يقال:
لها حق الحرائر إذا عتقت في المدة.
فرع إذا وفى حق الزفاف من الثلاث أو السبع، لم يقض للباقيات،
ويستحب أن يخير الثيب بين أن يقيم عندها ثلاثا بلا قضاء، وبين أن يقيم عندها سبعا
ويقضيهن للباقيات، كما فعل رسول الله (ص) بأم سلمة رضي الله عنها. فإن اختارت
السبع فأجابها، قضى السبع للباقيات. وإن أقام بغير اختيارها، لم يقض إلا الأربع
الزائدة، هذا هو المذهب، وبه قطع الأصحاب. وحكي في المهذب فيما إذا
أقام سبعا، وجهين في أنه يقضي السبع، أو أربعا، هكذا أطلقه. فإن أراد: إذا
التمسته، حصل وجه أنه لا قضاء على خلاف المذهب. وإن أراد: إذا لم تلتمسه،
أو كلتا الحالتين، حصل وجه أنه يجب القضاء، وإن لم يختر على خلاف
المذهب. ولو التمست أربعا، أو خمسا، أو ستا، لم يقض إلا ما زاد على
الثلاث. ولو التمست البكر عشرا، لم يجبر إجابتها. فإن أجابها، لم يقض إلا ما
زاد على السبع.
فرع لو وفى حق جديدة، ثم طلقها، ثم راجعها، فليس لها حق
الزفاف، لأنها باقية على النكاح الأول وقد وفى حقه. وإن أبانها ثم جدد نكاحها،
فقولان أو وجهان. أظهرهما: تجدد الحق.
ويجري الخلاف فيما لو أعتق مستولدته أو أمته التي هي فراشه ثم نكحها.
666

أما لو أبانها قبل توفية حقها ثم نكحها، فيلزمه التوفية بلا خلاف. ولو أقام عند
البكر ثلاثا وافتضها، ثم أبانها ثم نكحها، فإن قلنا: يتجدد حق الزفاف، بات
عندها ثلاث ليال لأنه حق زفاف الثيب. وإن قلنا: لا يتجدد، بات أربعا تتميما
للزفاف الأول.
فرع نكح جديدتين، وفى لهما حق الزفاف، وكذا لو لم يكن في نكاحه
غيرهما. ثم إن زفتا على الترتيب، أدى حق الأولى أولا. وإن زفتا معا وهو مكروه،
أقرع بينهما للابتداء، فإذا خرجت قرعة إحداهما، قدم الجميع السبع أو
الثلاث. وحكى ابن كج وجها أنه يقدمها بليلة ثم يبيت عند الأخرى ليلة، وهكذا
يفعل إلى تمام المدة. وحكى البغوي في الفتاوى وجها، أنهما إذا كانتا بكرين أو
ثيبين، فليس لهما حق الزفاف إن لم يكن في نكاحه غيرهما. فإن أراد أن يبيت
عندهما، لزمه التسوية. وإن كانت إحداهما بكرا والأخرى ثيبا، خص البكر بأربع،
ثم يسوي، وهذا ضعيف.
فرع في فتاوى البغوي، أن حق الزفاف إنما يثبت إذا كان في نكاحه
أخرى. فإن لم تكن، أو كانت وكان لا يبيت عندها، لم يثبت حق الزفاف
للجديدة، كما لا يلزمه أن يبيت عند زوجته أو زوجاته ابتداء.
فرع إذا كانت عنده نسوة فزفت إليه الجديدة بعدما سوى بينهن، فيوفيها
حقها، ثم يستأنف القسم بين الجميع. وإن كان عنده زوجتان فزفت الجديدة بعدما
قسم لإحداهما ليلة، وفي حق الزفاف، ثم يقسم للقديمة الأخرى ليلة، ويبيت عند
الجديدة نصف ليلة، لأنها تستحق ثلث القسم، ثم يخرج بقية الليلة إلى مسجد
ونحوه، ثم يستأنف القسم بين الثلاث بالسوية.
فرع ينبغي أن لا يتخلف بسبب حق الزفاف عن الجماعات، وعيادة
المرضى، وتشييع الجنائز، وإجابة الدعوات، وسائر أعمال البر التي كان يقوم بها.
هذا في النهار، وأما في الليل، فقالوا: لا يخرج لأن هذه مندوبات، والمقام عندها
واجب. قالوا: وفي دوام القسم، يجب أن يسوي بينهن في الخروج إلى الجماعات
وأعمال البر، بأن يخرج في ليلة الجميع، أو لا يخرج أصلا. فلو خرج في ليلة
بعضهن فقط، فحرام.
667

الطرف الرابع: في الظلم والقضاء، فيه مسائل.
إحداها: تحته ثلاث نسوة، بات عند ثنتين عشرين ليلة، إما عشرا عند هذه
ثم عشرا عند هذه، وإما ليلة ليله، فتستحق الثالثة عشر ليال متوالية لا يجوز
تفريقها. فلو نكح جديدة عقبى العشرين، لم يجز تقديم العشر، لأنه ظلم
للجديدة، بل يوفيها أولا حق الزفاف، ثم يقسم بين الجديدة والمظلومة، ويجعل
للمظلومة ليلتها وليلتي الآخرتين، فيبيت عند الجديدة ليلة، وعند المظلومة ثلاث
ليال. فإذا دار هكذا ثلاث نوب، فقد وفاها تسعا وبقيت ليلة. فإن كان بدأ
بالمظلومة، فإذا تمت التسع لها، بات عند الجديدة ليلتها لتمام القسم، ثم يبيت
عند المظلومة ليلة لتمام العشر، ويبيت عند الجديدة بهذه الليلة ثلث ليلة ثم يخرج
إلى موضع خال عن زوجاته، ثم يستأنف القسم بعد ذلك للأربع. وعن الشيخ أبي
محمد، أنه لا يبيت ثلث الليلة عند الجديدة، ويعذر فيه، وليس بشئ، وإن كان
بدأ بالجديدة، فإذا تمت التسع للمظلومة، بات ثلث ليلة عند الجديدة وخرج، ثم
يبيت ليلة عند المظلومة، ثم يقسم بين كلهن بالسوية، والقسم بين الجديدة
والمظلومة بالقرعة كغيرها.
الثانية: تحته أربع، ثلاث حاضرات، وواحدة غائبة، فظلم واحدة من
الحاضرات بالآخرتين، ثم حضرت الغائبة، فيقضي للمظلومة مع رعاية حق التي
حضرت، فيقسم لها ليلة، وللمظلومة ثلاثا، وقد يحتاج آخرا إلى تبعيض ليلة كما
سبق في المسألة الأولى، وكذا لو كان يقسم بين نسائه، فخرج في نوبة واحدة،
لضرورة، بأن أخرجه السلطان، فيقضي لها من الليلة التي بعدها مثل ما خرج،
والأولى أن يراعي الوقت، فيقضي لأولى الليل من أوله، ولآخرة من آخره، ويكون
باقي الليل في موضع خال عنهن، ويستثنى ما إذا كان يخاف العسس أو اللصوص
ونحو ذلك لو خرج، فيعذر في الإقامة، قاله المتولي. والأولى أن لا يستمتع بها
فيما وراء زمان القضاء.
فرع قال في الأم: لو كان له أربع، فترك القسم لإحداهن أربعين
ليلة، قسم لها عشرا. قال الأصحاب: صورته أن يبيت عند الثلاث عشرا عشرا،
ويعطل عشر الرابعة، فلا يبيت عند واحدة فيها. أما إذا وزع الأربعين على الثلاث
668

بالسوية، فحصة كل واحدة ثلاث عشرة ليلة وثلث، فيقسم للرابعة مثل ذلك.
الثالثة: لو وهبت واحدة حقها من القسم، لم يلزم الزوج القبول، فله أن
يبيت عندها في نوبتها. فإن رضي بالهبة، نظر، إن وهبت لمعينة، جاز ويبيت عند
الموهوب له ليلتين. فإن كانت نوبة الواهبة متصلة بنوبة الموهوب لها، بات ليلتين
ولاء، وإلا فوجهان. أحدهما: أنه إذا انتهت النوبة إلى الموهوب لها، بات عندها
ليلتين، لأنه أسهل عليه والمقدار لا يختلف. وقياس هذا، أنه إذا كانت ليلة الواهبة
أسبق، وبات فيها عند الموهوب لها، يجوز أن يقدم لها ليلتها ويبيتها متصلة بها،
وأصحهما: لا تجوز الموالاة، بل يبيت الليلتين منفصلتين. ولو طلق الواهبة، لم
يبت عند الموهوب لها بعد ذلك إلا ليلتها، ولا يشترط في هذه الهبة رضى الموهوب
لها على الصحيح. وإن وهبت حقها للزوج، فهل له تخصيص واحدة بنوبة الواهبة؟
وجهان. أحدهما: نعم، وبه قطع العراقيون والروياني وغيرهم، وإليه ميل
الأكثرين. فعلى هذا، ينظر هل الليلتان متصلتان أم لا؟ وحكمه ما سبق. والثاني:
المنع، فتجعل الواهبة كالمعدومة، ويسوي بين الباقيات. ولو أبقى الدور بحاله،
وبات ليلة الواهبة في كل دور عند واحدة من الباقيات، فلا تفضيل ولا ميل، فلا
يبعد تجويزه. فإن جاز، فقياسه أن يجوز وضع الدور في الابتداء كذلك، بأن تجعل
ليلة بين لياليهن دائرة بينهن. ولو وهبت حقها لجميع الضرات، أو أسقطت حقها
مطلقا، وجبت التسوية فيه بين الباقيات بلا خلاف.
فرع للواهبة أن ترجع في الهبة متى شاءت، ويعود حقها في المستقبل،
لأن المستقبل هبة لم تقبض. حتى لو رجعت في أثناء الليل، يخرج من عند
الموهوب لها. وأما ما مضى، فلا يؤثر فيه الرجوع. وكذا ما فات قبل علم الزوج
بالرجوع، لا يؤثر فيه الرجوع فلا يقضيه.
وخرج في قضائه وجه من تصرف الوكيل بعد العزل قبل العلم. والمذهب
الأول.
وشبهه الغزالي، بما إذا أباحه ثمرة بستانه ثم رجع وتناول المباح له بعضها قبل
العلم بالرجوع. وفي هذه الصورة طريقان محكيان فيما علق عن الامام، فعن الشيخ
أبي محمد، في وجوب الغرم قولان، كمسألة الوكيل. وعن الصيدلاني القطع
669

بالغرم ومال إليه الامام، لأن الغرامات يستوي فيها العلم والجهل.
فرع لا يجوز أن تأخذ عن حقها من القسم عوضا، لا من الزوج ولا من
الضرة. فإن أخذت، لزمها رده، ويستحق القضاء على الصحيح، لأنه لم يسلم لها
العوض. وحكى ابن كج وجها أنه لا قضاء.
فرع بات في نوبتها عند غيرها، وادعى أنها وهبتها وأنكرت، فالقول قولها
وعليه البينة، ولا تقبل إلا شهادة رجلين.
الرابعة: إذا ظلم واحدة، فقد سبق أنه يجب القضاء، وإنما يمكن إذا كانت
المظلومة والمظلوم بسببها في نكاحه، فإن فارق المظلومة بطلاق أو غيره، فقد تعذر
القضاء، وبقيت الظلامة في ذمته.
قال المتولي: لو قسم لواحدة، فلما جاءت نوبة الأخرى، طلقها قبل توفية
حقها، عصى، لأنه منعها حقها بعد ثبوته، وهذا سبب آخر لكون الطلاق بدعيا.
قلت: هذا النقل غير مختص بالمتولي، بل هو مشهور حتى في التنبيه.
والله أعلم.
ثم إذا عادت المظلومة إليه بنكاح أو رجعة، والتي ظلم بسببها في نكاحه،
لزمه القضاء لتمكنه، وقيل: إن عادت بنكاح جديد، لم يستحق القضاء بناء على
عدم عود الحنث. فلو لم تكن في نكاحه التي ظلم بسببها حين عادت المظلومة، بل
نكح جديدات، فقد تعذر القضاء، لأنه إنما يقضي من نوبة التي ظلم بسببها. ولو لم
يفارق المظلومة وفارق التي ظلم بسببها، ثم عادت إلى نكاحه، أو فارقهما ثم
عادتا، وجب القضاء، ولا يحسب من القضاء ما بات عندها في مفارقة الظالمة،
ويجئ في عود النكاح الجديد الوجه السابق.
فرع في نكاحه ثلاث، فبات عند ثنتين عشرين ليلة، ثم فارق إحداهما،
يبيت عند المظلومة عشرا تسوية بينهما وبين الباقية - كذا ذكره البغوي، وقال
المتولي: يقضي خمسا فقط، لأنه إنما يقضي العشر من حقهما وقد بطل حق
إحداهما.
فرع تحته زوجتان، ظلم إحداهما، ثم نكح ثالثة، لم يتعذر
670

القضاء، بل يقضي للمظلومة من نوبة المظلوم بسببها كما سبق.
الطرف الخامس: في المسافرة بهن. إذا أراد المسافرة ببعض زوجاته، أقرع
بينهن، فيسافر بمن خرجت قرعته، ولا يقضي مدة السفر، وإنما يسقط القضاء
بشروط.
أحدها: أن يقرع، فإن لم يقرع، لزمه القضاء للمخلفات.
وهل يقضي جميع ما بين إنشاء السفر إلى رجوعه إليهن، أم تستثنى مدة
الرجوع لخروجه عن المعصية، أم يسقط قضاء ما بعد العزم على الرجوع؟ فيه
أوجه. أصحها: الأول، وما ذكرناه من تحريم المسافرة ببعضهن بلا قرعة، سواء
فيه كان يقسم لهن أم لا. وأشار الحناطي إلى خلاف في اختصاصه بمن كان
يقسم، والمذهب الأول. وإذا خرجت القرعة لواحدة، لم يجز أن يسافر بغيرها،
ويجوز أن يخلفها مع الباقيات.
الشرط الثاني: أن لا يقصد بسفره النقلة، وأما سفر النقلة فلا يجوز أن
يستصحب فيه بعضهن دون بعض، بقرعة ولا بغيرها. فلو فعل، قضى
للمخلفات. وقيل: لا يقضي مدة السفر إن أقرع، والصحيح الأول. ولو نقل
بعضهن بنفسه، وبعضهن بوكيله بلا قرعة، قضى لمن مع الوكيل، ويجوز ذلك
بالقرعة، كذا ذكره البغوي.
قلت: وفي القضاء في هذه الصورة وجهان في التنبيه وغيره، أصحهما:
يجب لاشتراكهن في السفر. والله أعلم.
وإذا أخذ في الرجوع إليهن بعد تخصيص واحدة بالنقل، ففي قضاء مدة
الرجوع الوجهان، ولا يجوز أن يسافر سفر نقلة ويخلف نساءه، بل ينقلهن بنفسه أو
بوكيله، أو يطلقهن لما في تخليفهن من الاضرار بهن، هكذا أطلقه الغزالي قال:
وإنما لا يكلف في الحضر البيتوتة اكتفاء بداعيته. وفي ما علق عن الامام، أن ذلك
أدب وليس بواجب.
الشرط الثالث: أن يكون السفر طويلا. فإن كان قصيرا، فوجهان. أصحهما
عند البغوي والمتولي وغيرهما: أنه كالطويل. والثاني: لا يجوز أن يستصحب
671

بعضهن فيه بقرعة، ولو فعل قضى.
الشرط الرابع: أن لا يعزم على الإقامة، فلا يقضي مدة السفر. وأما إذا صار
مقيما، فينظر، إن انتهى إلى مقصده الذي نوى إقامة أربعة أيام فأكثر فيه، أو نواها
عند دخوله، قضى مدة إقامته، وفي مدة الرجوع وجهان. أصحهما: لا يقضي
كمدة الذهاب. وإن لم ينو الإقامة وأقال، فقال الامام والغزالي: إن أقام يوما، لم
يقضه، والأقرب ما ذكره البغوي: إن زاد مقامه في بلد على مقام المسافرين، وجب
قضاء الزائد.
ولو أقام لشغل ينتظره، ففي القضاء خلاف كالخلاف في الترخص. قال
المتولي: إن قلنا: يترخص، لم يقض، وإلا فيقضي ما زاد على مدة المسافرين،
والقياس في مدة الرجوع في هذه الحالة أن يقال: إن لم نوجب القضاء مدة هذه
الإقامة، لم يقض مدة الرجوع، وإلا فعلى الوجهين السابقين، والمذهب من
الخلاف في الترخص أنه إن كان يتوقع تنجيز شغله ساعة ساعة، ترخص ثمانية عشر
يوما. وإن علم أنه لا ينجز في أربعة أيام لا يترخص أصلا.
فرع قال الغزالي: شرط عدم القضاء، أن يكون سفرا طويلا مرخصا،
وهذا يقتضي وجوب القضاء في سفر المعصية.
فرع استصحب واحدة بقرعة، ثم عزم على الإقامة في بلد، وكتب إلى
الباقيات يستحضرهن، ففي وجوب القضاء من وقت كتابته وجهان حكاهما
البغوي. وفي فتاويه، أنه لو نوى المقام في بلد قبل وصوله مقصده، يقضي مدة
مقامه فيه، وهل يقضي مدة ذهابه إلى المقصد بعد ذلك؟ يحتمل أن يكون على
الوجهين في مدة الرجوع، ويحتمل أن يقال: يقضي قطعا. وأنه إذا استصحب
واحدة بلا قرعة قضي للباقيات جميع المدة وإن كان لا يبيت معها، إلا إذا تركها في
بلد وفارقها، ويحتمل أن يقال: لا يقضي إلا ما بات عندها، ويحتمل أن يقال:
يقضي وإن خلفها في بلد.
672

وفيما علق عن الامام ذكر وجهين فيما لو استصحب واحد بقرعة في سفر نقلة
وأوجبنا القضاء، هل يخرج من الظلم بتغير عزم النقلة، أم يستمر حكمه إلى أن
يرجع إلى المخلفات.
فصل إذا سافر بزوجتين بقرعة، عدل بينهما، فإن ظلم إحداهما، قضى
لها بالسفر، فإن لم يتفق، قضى في الحضر من نوبة التي ظلمها بها. ولو استصحب
واحدة بقرعة، وأخرى بلا قرعة، عدل بينهما أيضا. ثم إذا رجع، قضى للمخلفة
من نوبة المستصحبة بلا قرعة، ولا تخص مدة السفر بمن استصحبها بالقرعة، إنما
يكون كذلك إذا لم يكن معها غيرها. ولو كانت إحدى المستصحبتين جديدة لم يكن
قضى حق زفافها، فيقضيه، ثم يسوي بينهما. ولو أراد تخليف إحداهما في بلد،
فله ذلك ولكن تكون بالقرعة. ولو نكح في الطريق جديدة، قضى حق زفافها ثم
يسوي بينهما وبين المستصحبات، ولا يلزم القضاء للمخلفات. ولو خرج وحده،
ونكح في الطريق، فكذلك، ولا يقضي للمخلفات هذا في مدة السفر، فأما إذا
نوى الإقامة في موضع أو أقام أياما، فيقضي في الصورتين ما وراء أيام الزفاف، وفي
مدة الرجوع الوجهان.
فرع تحته زوجتان، ثم نكح جديدتين وسافر بإحداهما بقرعة اندرج حق
زفافها في أيام السفر. فإذا عاد، فهل يوفي حق الأخرى بسبع أو ثلاث؟ وجهان
أصحهما: نعم، لأنه حق ثبت قبل السفر، فلا يسقط به، كما لو قسم لبعضهن
وسافر، فإنه يقضي بعد الرجوع لمن لم يقسم. لها. والثاني: لا وبه قال ابن
سريج، كما لو سافر بإحدى القديمتين، فإنه لا يقضي للأخرى، ولان حق الجديدة
عقيب الزفاف وقد مضى. ولو نكح ثنتين وزفتا إليه معا، فسافر بإحداهما بقرعة،
فالحكم كذلك، فلو كانتا بكرين فرجع بعد ثلاثة أيام، قال ابن كج: على الوجه
الأول يتم لها السبع، ثم توفي الأخرى سبعا. وعلى قول ابن سريج: يتم لها
السبع، ويبيت عند الأخرى أربعا، ويبطل ما جرى في السفر. ولو نكح جديدة على
قديمة، وسافر قبل توفية الزفاف بإحداهما بقرعة، فإن سافر بالقديمة، وفى حق
673

الجديدة إذا رجع، نص عليه.
ويجئ فيه الوجه الآخر. وإن سافر بالجديدة، اندرج حق الزفاف في أيام
السفر.
فرع تحته نسوة وله إماء، هل له أن يسافر بأمة بلا قرعة؟ وجهان حكاهما
الحناطي، ونسب المنع إلى ابن أبي هريرة، والجواز إلى أبي إسحاق، وهو قياس أصل
القسم.
قلت: الجواز هو الصحيح. والله أعلم.
فرع في فتاوى البغوي، أنه لو سافر بإحدى زوجاته الثلاث بالقرعة،
ثم نكح في السفر جديدة، ومنعها حق الزفاف ظلما، وبات عند القديمة سبعا، وعاد
إلى البلد قبل أن يقضي للجديدة حق الزفاف، وفاها حق الزفاف، ثم يدور على
المخلفات والجديدة، فيقضي لها من نوبة القديمة التي كانت معه، بأن يبيت عند
كل واحدة من المخلفتين ليلة، وعند الجديدة ليلتين، وهكذا حتى يتم لها السبع،
وكذا لو كان تحته ثلاث ونكح جديدة ولم يوفها حق الزفاف، بل بات عند واحدة من
الثلاث عشرا ظلما، فعليه أن يوفي حق الجديدة ثم يدور عليها وعلى المظلومتين،
حتى يتم لكل واحدة عشرا.
الباب الثاني
في الشقاق
الوحشة والشقاق بين الزوجين قد يظهر سببه بأن تنشز أو يتعدى هو عليها، وقد
لا يظهر ويشكل الحال في أن المتعدي أيهما أو كلاهما، فهذه ثلاثة أحوال.
الأول: أن تتعدى هي. قال الله تعالى: * (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن
واهجروهن في المضاجع واضربوهن) *
674

والمراد بالوعظ، أن يقول: اتقي الله في الحق الواجب عليك، واحذري
العقوبة، ويبين لها أن النشوز يسقط النفقة والقسم، وأما الهجران، فهجرها في
المضجع، وأما الهجران في الكلام، فممنوع. وفيما علق عن الامام، حكاية
وجهين في أنه محرم أم مكروه؟ قال: وعندي أنه لا يحرم ترك الكلام أبدا، لكن إذا
كلم فعليه أن يجيب، وهو كابتداء السلام وجوابه، ولمن ذهب إلى التحريم أن
يقول: لا منع من ترك الكلام بلا قصد، فأما بقصد الهجران، فحرام، كما أن
الطيب ونحوه إذا تركه الانسان بلا قصد لا يأثم.
ولو قصد بتركه الاحداد أثم، وحكي عن نص الشافعي، أنه
لو هجرها بالكلام، لم يزد على ثلاثة أيام، فإن زاد أثم.
قلت: الصواب، الجزم بتحريم الهجران فيما زاد على ثلاثة أيام، وعدم
التحريم في الثلاثة، للحديث الصحيح لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق
ثلاث. قال أصحابنا وغيرهم: هذا في الهجران لغير عذر شرعي، فإن كان
عذر، بأن كان المهجور مذموم الحال لبدعة أو فسق أو نحوهما، أو كان فيه صلاح
لدين الهاجر أو المهجور، فلا تحريم. وعلى هذا يحمل ما ثبت من هجر
675

النبي (ص) كعب بن مالك وصاحبيه، ونهيه (ص) الصحابة عن كلامهم، وكذا ما جاء
من هجران السلف بعضهم بعضا. والله أعلم.
وأما الضرب، فهو ضرب تأديب وتعزير، وقدره نذكره في بابه إن شاء الله
تعالى.
وينبغي أن لا يكون مدميا، ولا مبرحا، ولا على الوجه والمهالك. فإن أفضى
إلى تلف، وجب الغرم، لأنه تبين أنه إتلاف لا إصلاح، ثم الزوج وإن جاز له
الضرب، فالأولى له العفو، بخلاف الولي، فإنه لا يترك ضرب التأديب للصبي،
لأن مصلحته للصبي، وفي الحديث، النهي عن ضرب النساء. وأشار الشافعي
رحمه الله إلى تأويلين له. أحدهما: أنه منسوخ بالآية أو حديث آخر بضربهن.
والثاني: حمل النهي على الكراهة، أو ترك الأولى، وقد يحمل النهي على الحال
الذي لم يوجد فيه السبب المجوز للضرب.
قلت: هذا التأويل الأخير هو المختار، فإن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر
الجمع وعلمنا التاريخ. والله أعلم.
إذا عرفت هذا، فلتعدي المرأة ثلاث مراتب. إحداها: أن يوجد منها أمارات
النشوز قولا أو فعلا، بأن تجيبه بكلام خشن بعد أن كان لينا، أو يجد منها إعراضا
وعبوسا بعد طلاقة ولطف، ففي هذه المرتبة، يعظها ولا يضربها ولا يهجرها.
الثانية: أن يتحقق نشوزها، لكن لا يتكرر، ولا يظهر إصرارها عليه، فيعظها
ويهجرها. وفي جواز الضرب قولان، رجح الشيخ أبو حامد والمحاملي المنع،
وصاحبا المهذب والشامل الجواز.
قلت: رجح الرافعي في المحرر المنع، والموافق لظاهر القرآن الجواز
وهو المختار. والله أعلم.
676

الثالثة: أن يتكرر وتصر عليه، فله الهجران والضرب بلا خلاف، هذه هي
الطريقة المعتمدة في المراتب الثلاث. وحكى ابن كج قولا في جواز الهجران
والضرب عند خوف النشوز، لظاهر الآية. وحكى الحناطي في حالة ظهور النشوز،
ثلاثة أقوال. أحدها: له الوعظ والهجران والضرب. والثاني: يتخير بينها ولا
يجمع. والثالث: يعظها. فإن لم تتعظ هجرها، فإن لم تنزجر ضربها.
فرع فيما تصير به ناشزة فمنه الخروج من المسكن، والامتناع من
مساكنته، ومنع الاستمتاع بحيث يحتاج في ردها إلى الطاعة إلى تعب، ولا أثر
لامتناع الدلال، وليس من النشوز الشتم وبذاء اللسان، لكنها تأثم بايذائه، وتستحق
التأديب، وهل يؤدبها الزوج، أم يرفع إلى القاضي ليؤدبها؟ وجهان. ولو مكنت من
الجماع ومنعت من سائر الاستمتاعات، فهل هو نشوز يسقط النفقة؟ وجهان.
قلت: أصحهما نعم. والأصح من الوجهين في تأديبها، أنه يؤدبها بنفسه،
لأن في رفعها إلى القاضي مشقة وعارا وتنكيدا للاستمتاع فيما بعد، وتوحيشا
للقلوب، بخلاف ما لو شتمت أجنبيا. والله أعلم.
الحال الثاني: أن يتعدى الرجل، فينظر، إن منعها حقا كنفقة أو قسم، ألزمه
الحاكم توفية حقها. ولو كان يسئ خلقه ويؤذيها ويضربها بلا سبب، ففي التتمة
أن الحاكم ينهاه. فإن عاد، عزره. وفي الشامل وغيره، أنه يسكنهما بجنب ثقة
ينظرهما، ويمنعه من التعدي، والنقلان متقاربان. وذكروا أنه لو كان التعدي منهما
جميعا، فكذلك يفعل الحاكم، ولم يتعرضوا للحيلولة. وقال الغزالي: يحال بينهما
حتى يعودا إلى العدل. قال: ولا يعتمد قوله في العدل، وإنما يعتمد قولها وشهادة
القرائن. وإن كان لا يمنعها حقا، ولا يؤذيها بضرب ونحوه، لكن يكره صحبتها
لمرض أو كبر، ولا يدعوها إلى فراشه، أو يهم بطلاقها، فلا شئ عليه ويستحب
لها أن تسترضيه بترك بعض حقها من قسم أو نفقة، وكذا لو كانت هي تشكوه وتكره
صحبته، فيحسن أن يبرها ويستميل قلبها بما تيسر له.
الحال الثالث: إذا نسب كل واحد الآخر إلى التعدي، وسوء الخلق، وقبح
السيرة، ولم يعرف الحاكم المتعدي منهما، يعرف حالهما من ثقة في جوارهما خبير
677

بهما، فإن لم يكن أسكنهما بجنب ثقة يبحث عن حالهما وينهيها إليه. فإن علم
الظالم، منعه، هكذا أطلقوه، وظاهره الاكتفاء بقول عدل، ولا يخلو عن احتمال.
وإذا اشتد شقاقهما، وداما على السباب الفاحش والتضارب، بعث القاضي حكما
من أهله وحكما من أهلها لينظرا في أمرهما ويصلحا بينهما، أو يفرقا إن عسر
الاصلاح. وهل بعث الحكمين واجب؟ قال البغوي: عليه بعثهما، وظاهره
الوجوب، وحجته الآية. وقال الروياني: يستحب.
قلت: الأصح أو الصحيح: الوجوب. والله أعلم.
ثم المبعوثان، وكيلان للزوجين أم حاكمان موليان من جهة الحاكم؟ فيه
قولان. أظهرهما: وكيلان، فعلى هذا يوكل الزوج حكمه في التطليق عليه وقبول
الخلع، والمرأة حكمها ببذل العوض وقبول الطلاق، ولا يجوز بعثهما إلا
برضاهما. فإن لم يرضيا ولم يتفقا على شئ، أدب القاضي الظالم، واستوفى حق
المظلوم. وإذا قلنا: هما حكمان، لم يشترط رضى الزوجين في بعثهما. وإذا رأى
حكم الزوج الطلاق، استقل به ولا يزيد على طلقة، لكن إن راجعها الزوج وداما
على الشقاق، طلق ثانية وثالثة. وإن رأى الخلع ووافقه حكمها، تخالعا وإن لم
يرض الزوجان. ولو رأى الحكمان أن تترك المرأة بعض حقها من قسم ونفقة، أو أن
لا يتسرى أو لا ينكح عليها غيرها، لم يلزمه ذلك بلا خلاف. وإن كان لأحدهما
على الآخر مال متعلق بالنكاح، أو غير متعلق، لم يجز للحكم استيفاؤه من غير
رضى صاحبه بلا خلاف، ويشترط في المبعوثين التكليف قطعا، ويشترط العدالة
والاسلام والحرية على المذهب، ويشترط الاهتداء إلى ما هو المقصود من بعثهما.
678

وأشار الغزالي إلى خلاف فيه. ويشترط الذكورة إن قلنا: حكمان، وإن قلنا:
وكيلان، قال الحناطي: لا يشترط في وكيلها، وفي وكيله وجهان، ولا يشترط
فيهما الاجتهاد وإن قلنا: حكمان، ولا كونهما من أهل الزوجين، لكن أهلهما
أولى. ولو كان القاضي من أهل أحدهما، فله أن يذهب بنفسه، وفيما علق عن
الامام اشتراط كونهما من أهلهما، و (لا) يجوز الاقتصار على حكم واحد على
الأصح، وبه قطع ابن كج، وينبغي أن يخلو حكمه به وحكمها بها، فيعرفا ما
عندهما، وما فيه رغبتهما، فإذا اجتمعا، لم يخف أحدهما عن الآخر شيئا، وعملا
ما رأياه صوابا. ولو اختلف رأي الحكمين، بعث آخرين حتى يجتمعا على شئ،
ذكره الحناطي.
ولو جن أحد الزوجين، أو أغمي عليه، لم يجز بعثهما بعده، وإن
جن بعد استعلام الحكمين رأيه، لم يجز تنفيذ الامر. وقيل: إن قلنا: حاكمان،
لم يؤثر جنون أحدهما، قاله ابن كج. وقيل: الاغماء لا يؤثر إن قلنا: وكيلان
كالنوم، حكاه الحناطي، وهذا ينبغي أن يجئ في كل وكالة، والصحيح الأول.
ولو غاب أحد الزوجين بعد بعث الحكمين، نفذ الامر إن قلنا: وكيلان، وإلا،
فلا على الصحيح.
فرع ذكر الحناطي، أنه لو رأى أحد الحكمين الاصلاح، والآخر التفريق ففرق، نفذ التفريق
إن جوزنا الاقتصار على حكم واحد.
فرع وكل رجلا فقال: إذا أخذت مالي منها فطلقها، أو خالعها، أو خذ
مالي ثم طلقها، لم يجز تقديم الطلاق على أخذ المال. قال أبو الفرج الزاز: وكذا
لو قال: خالعها على أن تأخذ مالي منها. ولو قال: خذ مالي وطلقها، فهل يشترط
تقديم أخذ المال؟ وجهان. أصحهما عند البغوي: نعم.
ولو قال: طلقها ثم خذ، جاز تقديم أخذ المال، لأنه زيادة خير وبالله
التوفيق.
679

كتاب الخلع
هو الفرقة بعوض يأخذه الزوج،
680

وأصل الخلع مجمع على جوازه، وسواء في جوازه خالع على الصداق أو
بعضه، أو مال آخر أقل من الصداق، أو أكثر، ويصح في حالتي الشقاق والوفاق،
وخصه ابن المنذر بالشقاق، ثم لا كراهة فيه إن جرى في حال الشقاق، أو كانت
تكره صحبته لسوء خلقه أو دينه، أو تحرجت من الاخلال ببعض حقوقه، أو ضربها
تأديبا فافتدت. وألحق الشيخ أبو حامد به ما إذا منعها نفقة أو غيرها فافتدت لتتخلص
منه. وإن كان الزوج يكره صحبتها، فأساء عشرتها، ومنعها بعض حقها حتى
ضجرت وافتدت، كره الخلع وإن كان نافذا، ويأثم الزوج بفعله. وفي وجه، منعه
حقها كالاكراه على الخلع بالضرب وما في معناه، وإذا أكرهها بالضرب ونحوه
فاختلعت، فقالت مبتدئة: خالعني على كذا ففعل، لم يصح الخلع، ويكون
الطلاق رجعيا إن لم يسم مالا. وإن سماه، لم يقع الطلاق، لأنها لم تقبل
مختارة، وفي التتمة وجه، أنه لا يقع الطلاق وإن لم يسم المال. ولو ابتدأ
وقال: طلقتك على كذا وأكرهها بالضرب على القبول، لم يقع شئ، وإذا ادعت
أنه أكرهها على بذل مال عوضا عن الطلاق وأقامت بينة، فالمال مردود إليها،
والطلاق واقع، وله الرجعة، نص عليه.
قال الأصحاب: موضع الرجعة ما إذا لم يعترف بالخلع، بل أنكر المال أو
سكت.
فأما إذا اعترف بالخلع وأنكر الاكراه، فالطلاق بائن بقوله، ولا رجعة. ولو
681

زنت فمنعها بعض حقها فافتدت بمال، صح الخلع، وحل له أخذه. وعلى
هذا حمل قول الله تعالى: * (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين
بفاحشة مبينة) * ومن جعل منع الحق كالاكراه بالضرب قال: لا يحل الاخذ.
ولو أمسكها عنده وحبسها ليرثها فماتت، ورثها على المشهور. وحكى ابن كج
والحناطي قولا أنه لا يرثها.
فصل يشتمل هذا الكتاب على خمسة أبواب.
الأول: في حقيقة الخلع، فإن فارقها على عوض بلفظ الطلاق، فهو طلاق
سواء فيه صريح الطلاق وكناياته. وإن لم يجز إلا لفظ الخلع، فقولان. الجديد،
أنه طلاق ينقص به العدد، وإذا خالعها ثلاث مرات، لم ينكحها إلا بمحلل،
والقديم: أنه فسخ لا ينقص به العدد. ويجوز تجديد نكاحها بعد الخلع بلا حصر،
والجديد هو الأظهر عند جمهور الأصحاب. ورجح الشيخ أبو حامد، وأبو مخلد
البصري القديم، فإن قلنا: فسخ، فلفظ الخلع صريح فيه، ولو قال: فسخت
نكاحك بألف فقبلت، أو قال: فاديتك بألف فقالت: قبلت أو افتديت، فوجهان.
أصحهما: أنه صريح. والثاني: كناية. فعلى هذا، في انعقاد الخلع بهما خلاف
نذكره في أنه هل ينعقد بالكناية إذا جعلناه فسخا، ولو نوى بالخلع الطلاق والتفريع
على أنه فسخ، فهل يكون طلاقا أم فسخا لكونه صريحا؟ فيه وجهان، اختيار
القاضي حسين الفسخ، وبه قطع المتولي والغزالي. ولو قال لزوجته: فسخت
نكاحك ونوى الطلاق وهو متمكن من الفسخ بعيبها، فالصحيح أنه طلاق وبه قطع
القاضي حسين. وقيل: فسخ. أما إذا قلنا: الخلع طلاق، فلفظ الفسخ كناية
فيه، ولفظ الخلع فيه قولان. قال في الأم: كناية وفي الاملاء: صريح.
قال الروياني وغيره: الأول أظهر، واختار الامام والغزالي والبغوي الثاني، ولفظ
المفاداة كلفظ الخلع على الأصح. وقيل: كناية قطعا. وإذا قلنا: لفظ الخلع
صريح، فذاك إذا ذكر المال، فإن لم يذكره، فكناية على الأصح. وقيل: على
القولين.
682

وهل يقتضي الخلع المطلق الجاري بغير ذكر المال ثبوت المال؟ وجهان.
أصحهما عند الامام والغزالي والروياني: نعم للعرف، وكالخلع على خمر،
والثاني: لا لعدم الالتزام، فإن أثبتنا المال، فإن جعلناه فسخا أو صريحا في
الطلاق أو كناية ونوى، وجب مهر المثل وحصلت البينونة. وإن جعلناه كناية ولم
ينو، لغا، وإن لم يثبت المال عند الطلاق، فإن جعلناه فسخا، لغا، لأن الفسخ
بالتراضي لا يكون إلا بعوض، هكذا حكاه الامام وغيره عن الأصحاب، وذكروا أن
مساق كلامهم أنه لو نفى العوض في الخلع، لم يصح الخلع على قول الفسخ، قال
الامام: والقياس الحق صحته بلا عوض. وإن جعلناه طلاقا إما صريحا وإما كناية
ونوى، فهو طلاق رجعي، وفي افتقاره إلى قبولها وجهان. أصحهما: لا يفتقر،
صححه الامام وقطع به البغوي لاستقلال الزوج بالطلاق الرجعي، والوجهان فيما إذا
قال: خالعتك وأضمر التماس جوابها وانتظر قبولها.
أما لو قال: خلعت أو خالعت، ولم يضمر التماس الجواب، فلا يفتقر إلى
الجواب قطعا، كما لو قال: فارقتك. ولو نوى المال ولم يذكره وقلنا: مطلقه لا
يقتضي مالا، فهل تؤثر النية في ثبوت المال؟ وجهان يقربان من انعقاد البيع ونحوه
بالكنايات. فإن قلنا: يؤثر، ثبت المال، ولا بد فيه من نيتها أيضا. وإن قلنا: لا
تؤثر، فهل يقع الطلاق ويلغى منه المال، أم لا يقع، لأنه نوى الطلاق على مال لا
مطلقا؟ وجهان. وفي فتاوى البغوي وجهان فيما لو اختلعت نفسها على بقية
صداقها، فخالعها عليه، ولم يكن بقي لها شئ عليه، فهل تحصل البينونة بمهر
683

المثل؟ ورجح الحصول.
فرع يصح الخلع بجميع كنايات الطلاق مع النية إن جعلناه طلاقا، وإن
جعلناه فسخا، فهل للكنايات فيه مدخل؟ وجهان. أصحهما: نعم. فإن نوى
الطلاق، أو الفسخ، كان ما نوى. وإن نوى الخلع، عاد الخلاف في أنه فسخ أم
طلاق؟ ولو قال: خالعت نصفك أو يدك على كذا، أو خالعتك شهرا على كذا،
نفذ إن جعلناه طلاقا، والقول في المال الواجب سيأتي إن شاء الله تعالى، ولا ينفذ
إن جعلناه فسخا.
فرع ترجمة الخلع بسائر اللغات، كلفظة العربي، ولا يجئ فيه الخلاف
السابق في النكاح.
فرع لفظ البيع والشراء كناية في الخلع، سواء جعل فسخا أم طلاقا،
وذلك بأن يقول: بعتك نفسك بكذا، فتقول: اشتريت أو قبلت، ولفظ الإقالة كناية
أيضا فيه، وبيع الطلاق بالمهر من جهة الزوج، وبيع المهر بالطلاق من جهتها يعبر
بهما عن الخلع، وليكونا كنايتين، كقوله: بعتك نفسك. وفي الزيادات لأبي
عاصم: إن بيع الطلاق مع ذكر العوض صريح. ورأي إسماعيل البوشنجي من
أصحابنا، أن ينزل قوله: بعتك طلاقك بكذا منزلة قوله: ملكتك طلاقك بكذا،
حتى إذا طلقت في المجلس، لزم المال ووقع الطلاق. وإن نويا مجرد بيع الطلاق
وشرائه من غير إيقاع طلاق منها، وبغير نية طلاق منه، فهذا التصرف فاسد،
والنكاح باق بحاله. وإسماعيل هذا إمام غواص متأخر لقيه من لقيناه.
فرع قالت: طلقني على كذا فقال: خالعتك، فإن جعلنا الخلع فسخا،
لم ينفذ لأنه لم يجبها، وإن جعلناه صريحا في الطلاق، أو كناية ونوى، حصلت
البينونة ولزم المال. وإن لم ينو، لم يقع شئ و. ولو قالت: خالعني على كذا
فقالت: طلقتك عليه، فإن قلنا: الخلع فسخ، لم يقع عليه فرقة لأنه لم يجبها.
وقل: يقع الطلاق، لأنه أعطاها فرقه أقوى مما طلبت، فكأنه زاد، كمن سألته
طلقة فطلق طلقتين، والأول أصح. وعلى هذا قوله: طلقتك ابتداء كلام منه، فإن
لم يسم المال، وقع طلاق رجعي، وإن سماه، لم يقع ما لم يقبل. وإن قلنا: الخلع
طلاق، فإن جعلناه صريحا أو كناية ونوت، حصلت البينونة ولزم المال، ولا يضر
684

اختلاف اللفظ، وإن جعلناه كناية ولم ينو، فقولها لغو. والزوج مبتدئ بالطلاق.
ولو وكل رجلا في طلاقها فخالع، فإن قلنا: الخلع فسخ، لم ينفذ. وإن قلنا:
طلاق، قال البوشنجي: الذي يجئ على أصلنا، أنه لا ينفذ أيضا، لأنه يمنعه
الرجعة إن كان بعد الدخول. قال: ولو وكله في الطلاق فطلق على مال، إن كان
بحيث يتصور الرجعة، لم ينفذ، وإن لم يتصور بأن كان قبل الدخول، أو كان
المملوك له الطلقة الثالثة، فذكر في نفوذه احتمالين لأنه حصل غرضه مع فائدة،
لكنه غير مفهوم بالتوكيل المطلق، وقد يتوقف في بعض ما ذكره حكما ودليلا.
فرع تخالعا هازلين، نفذ إن قلنا: إنه طلاق، وإن قلنا: فسخ، فهو
كبيع الهازل، وفيه خلاف سبق.
فرع التعليق يمنع صحة الخلع إن قلنا: فسخ، وإن قلنا: طلاق، فلا.
فرع فيما يلحق به الخلع من الأصول قال الأصحاب: إن جعلنا
الخلع فسخا، فهو معاوضة محضة من الجانبين لا مدخل للتعليق فيه، بل هو كابتداء
النكاح والبيع.
فلو قال: خالعتك بمائة فقبلت بخمسين، أو قالت: خالعني بمائة فخالعها
بخمسين، أو قالت: بخمسين فخالعها بمائة، لم يصح كالبيع. وإن جعلناه
طلاقا، أو جرى لفظ الطلاق صريحا، نظر هل بدأ الزوج بالايقاع، أم بدأت
بسؤاله؟
القسم الأول: إن بدأ هو بطلاقها وذكر العوض، فهو معاوضة فيها شوب
تعليق، لأنه يأخذ مالا في مقابلة ما يزيله، والشوب فيه لكونه يترتب على قبول المال
كترتب الطلاق المعلق بشرط، ثم تارة تغلب المعاوضة، وتارة التعليق، وتارة يراعى
المعنيان، ويختلف ذلك بالصيغ المأتي بها. فإن أتى بصيغة المعاوضة وصورتها
فقال: خالعتك بكذا، أو على كذا، أو طلقتك، أو أنت طالق على كذا، غلب
معنى المعاوضة، ويثبت أحكامها، فيجوز له الرجوع قبل قبولها، ويلغو قبولها بعد
رجوعه، ويشترط قبولها باللفظ من غير فصل كالبيع وسائر العقود.
685

فلو تخلل زمن طويل، أو اشتغلت بكلام آخر ثم قبلت، لم ينفذ. ولو اختلف
الايجاب والقبول، بأن قال: طلقتك بألف فقبلت بألفين، أو بخمس مائة، لم
يصح. كالبيع، كذا ذكره البغوي وغيره. وفي الشامل، أنها إذا قبلت بألفين،
صح ولا يلزمها الألف، لأنه لم يوجب إلا ألفا. والصحيح الأول. ولو قال: طلقتك
ثلاثا بألف، فقبلت واحدة بثلث الألف، لم يصح وإن قبلت واحدة بالألف،
فثلاثة أوجه. أحدها: لا يقع شئ كالبيع، والثاني: يقع طلقة، لأن الزوج هو
المستقل بالطلاق، وأصحها: يقع الثلاث، صححه الشيخ أبو علي والغزالي، وبه
قال القفال، لأن قبولها إنما يحتاج إلى المال، وأصل الطلاق وعدده يستقل به
الزوج. وإذا قلنا: يقع الثلاث أو واحدة، ففيما يستحقه الزوج عليها وجهان.
أصحهما: الألف، وبه قال ابن الحداد، والشيخ أبو محمد، لأن الايجاب والقبول
تعلقا به. والثاني عن ابن سريج: أنه يجب مهر المثل لاختلاف الايجاب والقبول.
وإن أتى الزوج بصيغة تعليق، نظر، إن قال: متى أعطيتني، أو متى ما، أو أي
وقت، أو حين، أو زمان، غلب معنى التعليق وثبتت أحكامه، وجعل كالتعليق
بسائر الأوصاف، حتى لا يحتاج إلى قبول باللفظ، ولا يشترط الاعطاء في
المجلس، بل متى وجد الاعطاء طلقت، وليس للزوج الرجوع قبل الاعطاء، وإن
قال: إن أعطيتني، أو إذا أعطيتني كذا فأنت طالق، فله بعض أحكام التعليق، فلا
يحتاج إلى القبول لفظا، ولا رجوع للزوج قبل الاعطاء. وقيل: يجوز له الرجوع
قبل الاعطاء، حكاه البغوي، وقطع به صاحب المهذب، ويقرب منه ما حكاه
ابن كج عن ابن سلمة، أن الزوج بالخيار بين أن لا يقبل الألف الذي أحضرته، وبين
أن يقبل. والصحيح الأول، وله بعض أحكام المعاوضة وهو اشتراط الاعطاء في
المجلس. واختار صاحب المهذب إلحاق إذا بمتى، وألحقها
الجمهور بأن كما ذكرنا. وحكي وجه، أن كلمة إن كمتى في أنه لا
يشترط تعجيل الاعطاء وهو شاذ. ثم قال المتولي: اشتراط الاعطاء على الفور
مخصوص بالزوجة الحرة فإن قال لزوجته الأمة: إن أعطيتني ألفا، فأنت طالق،
686

وقع الطلاق متى أعطته الألف وإن طال الزمان، لأنها لا تقدر على الاعطاء في
المجلس غالبا، بخلاف ما إذا قال: إن أعطيتني زق خمر فأنت طالق، فإنه يشترط
الفور وإن لم تملك الخمر، لأن يدها قد تشمل على خمر.
قال: ولو أعطته الأمة ألفا من كسبها، حصلت البينونة لوجود الصفة، وعليه
رد المال إلى سيدها ويطالبها بمهر المثل إذا عتقت.
فرع المراد بالمجلس الذي يشترط فيه الاعطاء مجلس التواجب وهو ما
يحصل به الارتباط بين الايجاب والقبول، ولا نظر إلى مكان العقد. وفي وجه حكاه
ابن كج وغيره، أنه يقع الطلاق إذا أعطته قبل تفرقهما وإن طالت المدة. والصحيح
الأول.
القسم الثاني: إذا بدأت بسؤال الطلاق فأجابها، فهو معاوضة فيها شوب
جعالة. والصحيح لها الرجوع قبل أن يجيبها، لأن هذا حكم المعاوضة والجعالة،
وسواء أتت بصيغة تعليق كقولها: إن طلقتني أو متى طلقتني فلك كذا، أو قالت:
طلقني على كذا، فهو معاوضة في الحالتين، ويشترط أن يطلقها في مجلس
التواجب، سواء فيه صيغة المعاوضة والتعلق، وسواء علقت بأن أو
بمتى. فلو طلقها بعد مدة طويلة، كان طلاقا مبتدأ.
ولو قالت، طلقني ثلاثا على ألف فطلق واحدة على ثلث الألف، أو اقتصر
على قوله: طلقتك واحدة، وقعت الواحدة واستحق ثلث الألف. كما لو قال: رد
687

عبيدي ولك ألف، فرد أحدهم. وحكى الشيخ أبو علي وجها أنه لا يقع شئ وغلط
قائله.
فرع قال لامرأتيه: خالعتكما أو طلقتكما، أو أنتما طالقان بألف، فقبلت
إحداهما فقط، لم يقع شئ، وقيل: يصح في حق القائلة والصحيح الأول.
ولو قال: طلقت إحداكما بألف ولم يعين فقالتا: قبلنا، لم يصح ذكره
البغوي. ولو قال: خالعتك وضرتك بألف. فقالت: قبلت، صح الخلع، ولزمها
الألف، لأن الخطاب معها وحدها وهي مختلعة لنفسها، وقابلة لضرتها كالأجنبي.
ولو قالتا له: طلقنا بألف فطلق إحداهما، طلقت دون الأخرى. وهل يلزمها
مهر المثل أم حصتها من المسمى إذا وزع على مهر مثلهما، أم نصف المسمى؟ فيه
ثلاثة أقوال. أظهرها الأول، وتجري الأقوال في الواجب على كل واحدة إذا
طلقهما.
قال الشيخ أبو حامد: والخلاف مخصوص بصورة الاطلاق.
أما لو قال: طلقتكما على ألف مناصفة، أو قالتا: طلقنا على ألف مناصفة،
فهو مناصفة بلا خلاف.
ولو قالت: طلقني بألف، فقال: طلقتك بخمس مائة، بانت واستحق
خمسمائة على الصحيح، وقيل: لا تطلق تغليبا للمعاوضة، وبالله التوفيق.
الباب الثاني
في أركان الخلع
وهي خمسة.
الأول: الزوج، فيوجب ابتداء أو يجيب سؤالها، ويشترط أن يكون ممن ينفذ
طلاقه، فلا يصح خلع الصبي والمجنون، ويصح خلع المحجور عليه بفلس أو
سفه، سواء أذن الولي أم لا، وسواء كان العوض مهر المثل أو دونه، لأن طلاقها
مجانا نافذ، ولا يجوز للمختلع تسليم المال إلى السفيه، بل يسلمه إلى الولي، فإن
سلمه إلى السفيه وكان الخلع على عين مال، أخذها الولي من يده. فإن تركها في
يده حتى تلفت بعد علمه بالحال، ففي وجوب الضمان على الولي وجهان حكاهما
688

الحناطي. وإن تلف في يد السفيه ولم يعلم الولي بالتسليم، رجع على المختلع
بمهر المثل على الأظهر، وبقيمة العين على القول الآخر. وإن كان الخلع على
دين، رجع الولي على المختلع بالمسمى، لأنه لم يجر قبض صحيح تبرأ به الذمة،
ويسترد المختلع من السفيه ما سلمه إليه. فإن تلف في يد السفيه، فلا ضمان، لأنه
ضيع ماله بتسليمه إلى السفيه، كمن باعه شيئا وسلمه إليه وتلف عنده، هذا إذا
كان التسليم إلى السفيه بغير إذن الولي، فإن كان بإذنه، ففي الاعتداد بقبضه وجهان عن
الداركي، ورجح الحناطي الاعتداد.
فرع يصح خلع العبد بغير إذن سيده وبدون مهر المثل، ويدخل المهر في
ملك سيده قهرا كأكسابه، ولا يسلم المختلع المال إليه بل إلى السيد. فإن سلمه
إليه فعلى ما سبق في السفيه، إلا أن ما يتلف في يد العبد يطالبه المختلع بضمانه إذا
عتق، وما يتلف في يد السفيه لا يطالبه به، لا في الحال ولا بعد الرشد، وخلع
المدبر والمعتق بعضه كالقن. فإن جرت مهايأة بين من بعضه حر وبين سيده، فليكن
عوض الخلع من الأكساب النادرة، وليجئ فيه الخلاف.
والمكاتب يسلم إليه عوض الخلع لصحة يده واستقلاله.
الركن الثاني: المختلع يشترط في قابل الخلع من الزوجة والأجنبي، أن
يكون مطلق التصرف في المال، صحيح الالتزام.
وللحجر أسباب.
أحدها: الرق. فإن اختلعت الأمة نفسها بغير إذن سيدها، نظر إن اختلعت
689

بعين ماله، فقولان. أحدهما: يقع الطلاق رجعيا كالسفيهة والمشهور أنه يقع بائنا
كالخلع على خمر، وهل المستحق عليها مهر المثل أم بدل العين؟ قولان.
أظهرهما: الأول. وإن اختلعت على دين، بانت. وهل عليها المسمى أم مهر
المثل؟ وجهان، أو قولان. أصحهما: الأول، وبه قطع العراقيون، واختاره القفال
والشيخ أبو علي، ثم ما ثبت عليها باختلاعها يتعلق بذمتها تطالب به بعد العتق لا في
الحال.
أما إذا اختلعت بإذن سيدها، فأما أن يبين العوض، وإما أن يطلق. فإن بين،
نظر، إن كان عينا من ماله، نفذ الخلع، واستحق الزوج تلك العين، وإن قدر
دينا، بأن قال: اختلعي بألف ففعلت، تعلق الألف بكسبها كمهر زوجة العبد. وإن
زادت على ما قدر، فالزيادة في ذمتها.
وإن قال: اختلعي بما شئت، اختلعت بمهر المثل، وبالزيادة إن شاءت،
وتعلق الجميع بكسبها، ذكره البغوي. وإن أطلق الاذن، اقتضى مهر المثل.
فإن لم تزد عليه، ففي كسبها، وإلا فالزيادة في ذمتها، وما يتعلق بكسبها يتعلق بما
في يدها من مال التجارة إن كانت مأذونا لها. وإن جرى الخلع بإذن السيد والعوض
دين، ففي كون السيد ضامنا له الخلاف السابق في مهر زوجة العبد.
فرع اختلاع المكاتبة بغير إذن سيدها، كاختلاع الأمة بغير إذنه. وإن
اختلعت بإذنه، فالمذهب والمنصوص هنا أنه كاختلاعها بغير إذن. وقيل: كاختلاع
الأمة بالاذن، ولا يكون السيد هنا ضامنا بلا خلاف.
690

فرع اختلاع السيد أمته التي هي تحت حر، أو مكاتب على رقبتها، قال
إسماعيل البوشنجي: تحصلت فيه بعد إمعان النظر على وجهين. أحدهما: تحصل
الفرقة بمهر المثل. وأصحهما: لا يصح الخلع أصلا.
السبب الثاني: الحجر بالسفه.
فإذا قال لزوجته المحجور عليها لسفه: خالعتك أو طلقتك على ألف فقبلت،
وقع الطلاق رجعيا، سواء فعلت ذلك بإذن الولي أم بغير إذنه، ولا يلزمها المال،
وليس للولي صرف مالها في الخلع. فإن لم تقبل، لم يقع الطلاق
، لأن الصيغة
تقتضي القبول، فأشبه الطلاق المعلق على صفة.
ولو قال لها: طلقتك على ألف إن شئت فقالت على الاتصال: شئت وقع
الطلاق رجعيا. ولو بدأت فقالت: طلقني على كذا فأجابها، وقع طلاق رجعي
أيضا.
فرع له زوجتان: رشيدة ومحجور عليها بسفه، فقال: طلقتكما على
كذا، فقبلتا، طلقت الرشيدة بائنا، وعليها مهر المثل على الأظهر، وطلقت السفيهة
رجعيا، وإن قبلت إحداهما، لم يقع عليهما شئ. ولو كانتا سفيهتين، فقال:
طلقتكما على ألف فقبلتا، وقع الطلاق عليهما رجعيا. وإن قبلت إحداهما، لم يقع
شئ. ولو بدأتا فقالتا: طلقنا بألف فطلقهما، وقع الطلاق على السفيهة رجعيا،
وعلى الرشيدة بائنا.
وإن أجاب السفيهة، وقع عليها رجعيا، وإن أجاب الرشيدة، وقع بائنا.
وقوله: أنتما طالقان على ألف إن شئتما، كقوله: طلقتكما على ألف في
جميع ذلك.
السبب الثالث: الجنون والصغر، فقبول مجنونة وصغيرة لا تمييز لهما لغو.
691

وقول الزوج لها: أنت طالق على كذا لغو. ولو قال ذلك لصغيرة مميزة فقبلت، فهل
يقع طلاق رجعي أم لا يقع شئ؟ وجهان. رجح الامام والغزالي المنع، والبغوي
الوقوع.
السبب الرابع: المرض. فإذا اختلعت في مرض موتها، نظر، إن كان بمهر
المثل، نفذ ولم يعتبر من الثلث، وإن كان بأكثر، فالزيادة كالوصية للزوج، فيعتبر
من الثلث ولا يكون كالوصية للوارث لخروجه بالخلع عن الإرث.
ولو اختلعت بعبد قيمته مائة، ومهر مثلها خمسون، فقد حابت بنصف العبد،
فينظر، إن خرجت المحاباة من الثلث، فالعبد كله للزوج عوضا ووصية. وحكى
الشيخ أبو حامد وجها، أنه بالخيار بين أن يأخذ العبد، وبين أن يفسخ العقد فيه
ويرجع إلى مهر المثل، لأنه دخل في العقد على أن يكون (العبد) كله عوضا.
والصحيح الأول، إذ لا نقص ولا تشقيص. وإن لم يخرج من الثلث، بأن كان
عليها دين مستغرق، لم تصح المحاباة، والزوج بالخيار، بين أن يمسك نصف
العبد وهو قدر مهر المثل، ويرضى بالتشقيص، وبين أن يفسخ المسمى ويضارب
الغرماء بمهر المثل. وإن كان لها وصايا أخر، فإن شاء الزوج، أخذ نصف العبد
وضارب أصحاب الوصايا في النصف الآخر. وإن شاء فسخ المسمى وتقدم بمهر
المثل على أصحاب الوصايا، ولا حق له في الوصية، لأنها كانت في ضمن
المعاوضة وقد ارتفعت بالفسخ. وإن لم يكن دين ولا وصية ولا شئ لها سوى ذلك
العبد، فالزوج بالخيار، إن شاء أخذ ثلثي العبد، نصفه بمهر المثل، وسدسه
بالوصية، وإن شاء فسخ وليس له إلا مهر المثل.
فرع مرض الزوج لا يؤثر في الخلع، فيصح خلعه في مرض الموت بدون
مهر المثل، لأن البضع لا يبقى للوارث لو لم يخالع، كما لو أعتق مستولدته في
مرض الموت، لا يعتبر من الثلث، ولأنه لو طلق بلا عوض لم يعتبر قيمة البضع من
الثلث.
الركن الثالث: المعوض وهو البضع، وشرطه أن يكون مملوكا للزوج. فأما
البائنة بخلع وغيره، فلا يصح خلعها، ويصح خلع الرجعية على الأظهر لأنها
زوجة. والثاني: لا لعدم الحاجة إلى الافتداء. وقيل: يصح خلعها بالطلقة الثالثة
692

دون الثانية لتحصل البينونة الكبرى. وإذا قلنا: لا يصح، فنقل الامام وغيره عن
الأصحاب، أن الطلاق يقع رجعيا إذا قبلت كالسفيهة.
فرع خالع مرتدة مدخولا بها، توقف، فإن عادت إلى الاسلام قبل انقضاء
العدة، تبينا صحة الخلع ولزوم المال المسمى، وإلا تبينا بطلان الخلع لانقطاع
النكاح بالردة، وكذا الحكم لو ارتد الزوج بعد الدخول، أو ارتدا معا، ثم جرى
الخلع، وكذا لو أسلم أحد الزوجين الوثنيين، ثم تخالعا، وأطلق المتولي أنه لا
يصح الخلع بعد تبديل الدين لأن الملك كالزائل.
الركن الرابع: العوض هو كالصداق، فيجوز قليلا وكثيرا، عينا ودينا،
ويشترط أن يكون معلوما متمولا مع سائر شروط الأعواض، كالقدرة على التسليم
واستقرار الملك وغيرهما، وتفصيله بصور. إحداها: لو خالع على مجهول كثوب
غير معين، حصلت البينونة ورجع إلى مهر المثل، ومن المجهول حمل البهيمة
والجارية، سواء قال: خالعتك بما في بطنها أو على حملها. ولو خالع بألف إلى
أجل مجهول، أو خالع بشرط فاسد كشرط أن لا ينفق عليها وهي حامل، أو لا
سكنى لها، أو لا عدة عليها، أو أن يطلق ضرتها، بانت بمهر المثل. وحكى
المتولي وجها، أنه لا تحصل الفرقة في صورة الجهل وسائر صور فساد العوض،
وكذا لو خالع ولم يذكر عوضا بناء على أن الخلع فسخ، والمذهب الأول.
فرع خالعها على ما في كفها ولم يعلمه، أو علمه ولم نصحح بيع
الغائب، بانت بمهر المثل، وإن علم وصححناه، وبانت بالمسمى. فإن لم يكن في
كفها شئ، ففي الوسيط أنه يقع الطلاق رجعيا، والذي نقله غيره وقوعه بائنا
بمهر المثل، ويشبه أن يكون الأول فيما إذا كان عالما بالحال، والثاني فيما إذا ظن
في كفها شيئا.
قلت: المعروف الذي أطلقه الجمهور، كأصحاب الشامل والتتمة
693

والمستظهري والبيان وغيرهم، وقوعه بائنا بمهر المثل، وهو مقتضى كلام
إمام الحرمين. والله أعلم.
الصورة الثانية: خالعها على ما ليس بمال كخمر أو حر، بانت. وهل يرجع
عليها بمهر المثل، أم ببدل المذكور؟ قولان. أظهرهما: الأول.
ولو خالع على مغصوب، فكذلك، ويفرق بين أن يقول: خالعتك على هذا
العبد فبان حرا، وبين قوله: خالعتك على هذا الحر في أصح الطريقين، كما سبق
في الصداق حتى يقطع بمهر المثل في الصورة الثانية، لفساد الصيغة، وكذا يفرق
بين قوله: خالعتك على هذا العبد فبان مستحقا، وبين قوله: خالعتك على هذا
المغصوب حتى يقطع بمهر المثل في الصورة الثانية. وعن القاضي حسين وجه فيما
إذا خالع على خمر أو مغصوب: وقع الطلاق رجعيا، لأن المذكور ليس بمال، فلا
يظهر طمعه في شئ، والصحيح الأول، وبه قطع الأصحاب. ولو خالع على دم،
وقع الطلاق رجعيا، وعللوه بأنه لا يقصد بحال، فكأنه لم يطمع في شئ.
والخلع على الميتة، كالخمر لا كالدم، لأنها قد تقصد للضرورة وللجوارح.
الصورة الثالثة: الخلع على مالا يقدر على تسليمه، ومالا يتم ملكه عليه،
كالخلع على خمر في جريان القولين فيما يرجع به من مهر المثل والبدل.
ولو خالع على عين فتلفت قبل القبض، أو خرجت مستحقة، أو معيبة فردها
أو فاتت منها صفة مشروطة فردها، ففيم يرجع به القولان. ولو خالعها على ثوب في
الذمة ووصفه كما ينبغي، فأعطته ثوبا بالصفة فبان معيبا، فله رده ويطالب بمثله
سليما كما في السلم.
وإن قال: إن أعطيتني ثوبا بصفة كذا فأنت طالق، فأعطته ثوبا بتلك الصفة،
694

طلقت. فإن خرج معيبا فرده، عاد القولان في أنه يرجع بمهر المثل أم بقيمة ذلك
الثوب سليما؟
الرابعة: التوكيل بالخلع من الجانبين جائز. فأما وكيل الزوج، فإن قدر له
مالا بأن قال: خالعها بمائة، فينبغي أن يخالع بالمائة فأكثر، ولا ينقص.
فإن خالع بمائة وثوب، فهو كما لو قال: بع عبدي بمائة فباعه بمائة وثوب وقد
سبق.
وإن أطلق التوكيل في الخلع، فينبغي أن يخالع بمهر المثل وأكثر، ولا
ينقص.
وصورة إطلاق التوكيل أن يقول: وكلتك في خلع زوجتي، أو خالعها ولا يذكر
مالا، ويكفي هذا في التصوير إن قلنا: إن مطلق الخلع يقتضي مالا، وإن قلنا: لا
يقتضيه، اشترط أن يقول: خالعها بمال.
فإن نقص الوكيل عن المائة في صورة التقدير، فالنص لا يقع الطلاق، وإن
نقص عن مهر المثل في صورة الاطلاق، فالنص وقوعه.
وللأصحاب فيه طرق، مجموعها خمسة أقوال.
أظهرها: يقع الطلاق في صورة الاطلاق بمهر المثل، ولا خيار للزوج، ولا
يقع في صورة التقدير عملا بالنصين، لتصريح المخالفة في صورة التقدير.
والثاني: لا يقع فيهما كالمخالفة في البيع والثالث: يتحتم وقوع الطلاق بائنا
فيهما، ويتخير الزوج بين المسمى ومهر المثل. والرابع: يتخير بين المسمى وبين
ترك العوض، وجعل الطلاق رجعيا. والخامس: إن رضي بالمسمى، فذاك، وإلا
فلا طلاق.
وخلع الوكيل بغير نقد البلد، أو غير جنس المسمى، وبالمؤجل، كخلعه
بدون المقدر أو دون مهر المثل، ففيه الخلاف المذكور.
وأما وكيل الزوجة، فإما أن يقدر له العوض، وإما لا.
الحالة الأولى: قدرت فقالت: اختلعني بمائة، فإن اختلعها بها أو بما دونها
695

بالوكالة عنها، نفذ. والقول في أنه هل يطالبه الزوج يأتي في فصل خلع الأجنبي
إن شاء الله تعالى.
وإن اختلع بأكثر من مائة وأضاف إليها فقال: اختلعها بكذا من مالها بوكالتها،
فالمنصوص وقوع الطلاق بائنا. وخرج المزني قولا أنه لا يقع الطلاق. ونقل
الحناطي قولا، أنه يقع ولا يلزمها ولا الوكيل شئ. والمشهور حصول البينونة.
فعلى هذا، يلزمها مهر المثل على الأظهر، وهو نصه في الاملاء. ونص في
الأم، أنه يلزمها أكثر الامرين مما سمته هي، ومن أقل الأمرين من مهر المثل،
وما سماه الوكيل. فإن كان مهر المثل زائدا على ما سماه الوكيل، لم تجب الزيادة
على ما سماه على هذا القول، وكذا لو كان ما سماه الوكيل أكثر من مهر المثل، لم
تجب الزيادة. فلو سمت مائة وسمى الوكيل مائتين، ومهر المثل تسعون، فالواجب
تسعون على القول الأول، ومائة على الثاني.
ولو كان مهر المثل مائة وخمسين، فالواجب مائة وخمسون على القولين. ولو
كان مهر المثل ثلاثمائة، لم يجب على القول الثاني إلا مائتان. وحكى قول ثالث،
أنها بالخيار، إن شاءت أجازت بمسمى الوكيل، وإن شاءت ردت وعليها مهر
المثل.
وأما مطالبة الوكيل بما عليها، فقال الأصحاب: لا يطالب إلا أن يقول: إني
ضامن فيطالب بما سمى، هذا هو المذهب، وبه قطع الأصحاب في طرقهم، وفي
المختصر تعرض لمثله، وفي المجرد للحناطي قول شاذ، أنه لا أثر لهذا
الضمان. وقال الامام: ينبغي أن يكون أثر الضمان في مطالبته بما تطالب به المرأة،
ولا تطالب بزيادة عليه وهذا ضعيف.
ثم إذا غرم الوكيل للزوج، قال البغوي: لا يرجع عليها إلا بما سمت،
ويجئ فيه قول إنه يرجع بالواجب عليها وهو مهر المثل أو أكثر الامرين كما سنذكره
إن شاء الله تعالى فيما إذا اختلع ولم يضف إليها.
أما إذا اختلع وأضاف إلى نفسه، فهو اختلاع أجنبي والمال عليه.
ولو أطلق ولم يضف إليها ولا إليه، فان قلنا بالمشهور، فعلى الوكيل ما
696

سماه، وفيما عليها منه قولان. أظهرهما: عليها ما سمت والباقي على الوكيل،
فعلى هذا لو طالب الزوج الوكيل به، رجع على الزوجة بما سمت. والثاني: عليها
أكثر الامرين مهر المثل وما سمت. فإن بقي شئ مما سمى فعلى الوكيل. وإن زاد
مهر المثل على ما سمى الوكيل، لم تجب تلك الزيادة، لأن الزوج رضي بما سمى
الوكيل. ولو أضاف ما سمته إليها والزيادة إلى نفسه، ثبت المال كذلك.
ولو خالف الوكيل في جنس العوض بأن قالت: خالع على دراهم، فخالع
بدنانير أو ثوب، فوجهان. أحدهما عن القاضي حسين: ينصرف الاختلاع عنها
فيلغو إن أضاف إليها، ويقع عن الوكيل إن أطلق. وأصحهما وبه قطع البغوي،
تحصل البينونة، ثم ينظر، إن أضاف الخلع إلى مالها. ولم يقل: وأنا ضامن،
فالرجوع عليها بمهر المثل على الأظهر، وبأكثر من مهر المثل وبدل ما سمت في
القول الثاني. وإن قال: وأنا ضامن أو لم يضف العقد إليها، لم يرجع إلا ببدل ما
سمت.
الحالة الثانية: إذا أطلقت التوكيل، فمقتضاه الاختلاع بمهر المثل. فإن
نقص عنه أو ذكر فيه أجلا، فقد زادها خيرا، وإن زاد على مهر المثل، فهو كما لو
قدرت فزاد على المقدر، وحكمه ما سبق، لكن لا يجئ قول وجوب أكثر الامرين.
فرع اختلعها وكيلها بخمر أو خنزير، بانت ولزمها مهر المثل، سواء
أطلقت التوكيل، أو سمت الخمر والخنزير. وقال المزني: لا يصح التوكيل إذا
سمت الخمر، ولا ينفذ معه خلع الوكيل. ولو خالع وكيل الزوج على خمر أو
خنزير، وكان قد وكله بذلك، فقد طرد أبو الفرج الزاز فيه مذهبنا ومذهب المزني.
فرع في فتاوى البغوي قالت لوكيلها: اختلعني بطلقة على ألف،
فاختلعها بثلاث طلقات على ألف، فإن أضاف إليها، لم يقع إلا طلقة، وإلا وقع
الثلاث، وليس عليها إلا ثلث الألف، لأنه لم تحصل مسألتها إلا بثلث الألف،
وعلى الوكيل البقية. وفي هذا نظر، وسيأتي إن شاء الله تعالى أنها لو قالت: طلقني
واحدة بألف فطلقها ثلاثا، وقع الثلاث واحدة منها بالألف، وفيها أنها لو قالت:
اختلعني من زوجي بثلاث على ألف، فاختلعها واحدة على ألف، فإن أضاف
إليها، لم يقع، وإلا وقع وعلى الوكيل ما سماه.
697

وأن الرجل لو قال لوكيله: خالعها ثلاثا بألف، فخالع واحدة على ألف، وقع
لأنه زاد خيرا.
وأنه لو وكله بتطليقها بألف، ووكل آخر بتطليقها بألفين، فأيهما سبق وقع
الطلاق بما سمى. وإن أوجبا معا، فقالت: قبلت منكما، أو كانت وكلت وكيلين
أيضا، فقبل وكيلاها من وكيله معا، لم يقع شئ، كما لو وكل رجلا ببيع عبده
بألف، وآخر ببيعه بألفين فعقدا معا لا يصح البيع.
وفي فتاوى القفال، أنه لو وكله بتطليق زوجته ثلاثا، فطلقها واحدة بألف،
وقعت رجعية ولا يثبت المال، ومقتضى هذا أن يقال: لو طلقها ثلاثا بألف، لا يثبت
المال أيضا، ولا يبعد أن يقال: يثبت المال وإن لم يتعرض الزوج له كما لو قال:
خالعها بمائة فخالع بأكثر.
الركن الخامس: الصيغة، ولا بد منها، ويشترط أن لا يتخلل بين الايجاب
والقبول كلام أجنبي، فإن تخلل كلام كثير، بطل الارتباط بينهما، وإن تخلل كلام
يسير، لم يضر على الصحيح.
فصل سألت زوجها طلاقا بعوض، وارتدت عقب السؤال ثم أجابها،
فينظر، إن كان قبل الدخول، تنجزت الفرقة بالردة فلا مال عليها ولا طلاق. وإن
كان بعد الدخول، فالطلاق موقوف. فإن أصرت حتى انقضت العدة، فلا مال ولا
طلاق. وإن أسلمت قبلها، تبينا وقوع الطلاق ولزمها المال، وحسبت العدة من
وقت الطلاق.
ولو قالت له امرأتاه: طلقنا بألف، ثم ارتدتا ثم أجابهما، فإن لم يكن دخل
بهما، لغا الطلاق، وكذا لو كان دخل بهما وأصرتا حتى انقضت العدة. وإن أسلمتا
قبلها، تبينا وقوع الطلاق عليهما.
وهل العوض الواجب على كل واحدة مهر المثل، أم نصف المسمى، أم
حصتها منه إذا وزع على مهر مثلهما؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها: الأول. وإن
أصرت إحداهما وأسلمت الأخرى، لم يقع الطلاق على المصرة، ويقع على
المسلمة، وفيما يلزمها الأقوال. وفي وجه يلزمها كل المسمى، حكاه الحناطي.
698

ولو ارتدت إحداهما ثم أجابهما وكان قبل الدخول أو بعده وأصرت حتى
انقضت العدة، طلقت المسلمة دون المرتدة.
ولو ابتدأ الزوج فقال طلقتكما بألف، فارتدتا، ثم قبلتا، فإن لم يدخل بهما
أو دخل وأصرتا، لغا الخلع. وإن دخل بهما وأسلمتا في العدة، طلقتا، وإن
أسلمت إحداهما وأصرت الأخرى، لم تطلق واحدة منهما، كما لو قبلت إحداهما
دون الأخرى، وقد سبق أنه إذا ابتدأ الزوج بالايجاب، فلا بد من قبولهما بخلاف ما
إذا ابتدأتا.
ولو خاطبهما كما ذكرنا وارتدت إحداهما ثم قبلتا، فإن كانت المرتدة غير
مدخول بها، أو مدخولا بها وأصرت حتى انقضت العدة، فلا طلاق فيهما. وإن
أسلمت في العدة، طلقتا. ولو ارتدتا بعد الدخول ثم قالتا: طلقنا بألف فأجابهما ثم
أسلمتا، طلقتا. وحكى الحناطي خلافا، في أنه يقع رجعيا أم ببدل، وهذا
الخلاف عجيب.
قلت: الصواب وقوعه بائنا ببدل، كما أشار إليه الرافعي. والله أعلم.
فصل قال الزوج: خالعتك بألف درهم، فقالت: قبلت الألف، ففي
فتاوي القفال أنه يصح ويلزم الألف وإن لم تقل: اختلعت. وكذا لو قال الأجنبي:
خالعت زوجتي بألف، فقال: قبلته. وإن أبا يعقوب غلط فقال في حق المرأة:
يشترط قولها: اختلعت، ولا يشترط في الأجنبي.
فصل قالت: طلقني على ألف، فقال: طلقتك، كفى وإن لم يسم
المال، كذا أطلقوه، ويمكن جري خلاف فيه.
ولو قال المتوسط لها: اختلعت نفسك منه بكذا؟ فقالت: اختلعت، ثم قال
للزوج وهو في المجلس: خالعتها؟ فقال: خالعت، صح الخلع على المذهب،
وبه قطع البغوي (قال البغوي:) ولو لم تسمع المرأة قول الزوج، وسمع السفير
كلامهما، كفى، والاسماع ليس بشرط، ألا ترى أنه إذا خاطب أصم فأسمعه غير
المخاطب وقبل، صح العقد.
فصل إذا طلقها على عوض أو خالعها، فلا رجعة له، سواء كان العوض
699

صحيحا، أو فاسدا، سواء قلنا: الخلع فسخ أو طلاق. فلو قال: خالعتك
أو طلقتك بدينار على أن عليك الرجعة، فنقل الربيع والمزني، أنه يقع
الطلاق رجعيا ولا مال. وجرج المزني ونقل الربيع قولا آخر أنه يلغو شرط الرجعة،
وتحصل البينونة بمهر المثل. فقال ابن سلمة وابن الوكيل: في المسألة قولان، وبه
قطع الامام والبغوي، ورجحا البينونة بمهر المثل، وذهب ابن سريج وأبو إسحاق
وجمهور الأصحاب إلى القطع بوقوعه رجعيا بلا مال.
ولو خالعها بمائة على أنه متى شاء رد المائة، وكان له الرجعة، نص الشافعي
رحمه الله أنه يفسد الشرط، وتحصل البينونة بمهر المثل، فقيل بطرد الخلاف.
وقيل بالجزم بالمنصوص، لأنه رضي بسقوط الرجعة هنا، ومتى سقطت لا تعود.
فصل لو وكل امرأة بطلاق زوجته أو خلعها، صح على الأصح، وقيل:
لا، لأنها لا تستقل. ولو وكلت الزوجة امرأة باختلاعها، جاز بلا خلاف، ويجوز أن
يكون وكيل الزوجة والزوج ذميا، لأنه قد يخالع المسلمة ويطلقها، ألا ترى أنها لو
أسلمت وتخلف، فخالعها في العدة ثم أسلم، حكم بصحة الخلع، ويجوز أن
يوكل الزوج بالخلع العبد والمكاتب، والسفيه المحجور عليه، ولا يشترط إذن السيد
والولي، لأنه لا يتعلق في الخلع عهدة توكيل الزوج، ولا يجوز أن يوكل المحجور
عليه في القبض. فإن فعل وقبض، ففي التتمة أن المختلع يبرأ، ويكون الزوج
مضيعا لماله. ولو وكلت المرأة في الاختلاع عبدا، جاز سواء أذن السيد أم لا. فإن
كان الاختلاع على عين مالها، فذاك. وإن كان على مال في الذمة، نظر، إن
أضافه إليها، فهي المطالبة. وإن لم يضف بل أطلق، فإن لم يأذن السيد في
الوكالة، جاز للزوج مطالبته بالمال بعد العتق. وإذا غرم، رجع على الزوجة إذا
قصد الرجوع. وإن أذن في الوكالة، تعلق المال بكسبه، U كما لو اختلعت الأمة بإذن
السيد. وإذا أدى في كسبه، ثبت الرجوع على الموكلة. ولو وكلت في الاختلاع
محجورا عليه لسفه، قال البغوي: لا يصح. وإن أذن الولي، فلو فعل وقع الطلاق
700

رجعيا، كاختلاع السفيهة، وهذا على ما ذكره المتولي فيما إذا أطلق.
وأما إذا أضاف المال إليها، فتحصل البينونة ويلزمها المال إذ لا ضرر على
السفيه.
فرع الواحد لا يتولى طرفي الخلع بالوكالة، كالبيع وسائر العقود. فلو
وكل الزوجان رجلا تولى ما شاء من الطرفين مع الزوج الآخر أو وكيله. وقيل: يجوز
أن يتولى طرفي الخلع، لأن الخلع يكفي فيه اللفظ من جانب، والاعطاء من
جانب. وعلى هذا، ففي الاكتفاء بأحد شقي العقد خلاف، كبيع الأب ماله لولده،
والصحيح الأول.
فصل يجوز أن يكون عوض الخلع منفعة، ويصح عقد الإجارة عليها.
فلو خالعها على إرضاع ولده أو حضانته مدة معلومة، جاز، سواء كان الولد منها أو
من غيرها، ويشبه أن يكون الجمع بينهما واستتباع أحدهما إذا أفرد على ما سبق في
الإجارة.
وفي إبدال الصبي المعين وانفساخ العقد بموته، خلاف سبق في الإجارة.
والمذهب الانفساخ، وهو المنصوص في المختصر وأكثر الكتب ورجحه
الجمهور.
وامتناع الصبي من الارتضاع والتقام الثدي، كالموت. فإن قلنا بالانفساخ،
فذلك فيما بقي من المدة، ولا تنفسخ في الماضي على المذهب. وقيل: قولان من
تفريق الصفقة، فإن انفسخ فيما مضى رجع عليها بمهر المثل على الأظهر. وعلى
القول الآخر، بأجرة مثل الارضاع تلك المدة، وعلى الزوج لها أجرة الارضاع في
المدة الماضية. وإن لم ينفسخ في الماضي، فعلى الأظهر يرجع بقسط المدة الباقية
من مهر المثل إذا وزع مهر المثل على المدتين. وعلى الثاني: يرجع بأجرة مثل ما
بقي من المدة. وإن قلنا: لا ينفسخ العقد، فإن أتى بصبي مثله لترضعه، فذاك،
وإن لم تأت به مع الامكان حتى مضت المدة، فوجهان. أحدهما: يبطل حقه ولا
شئ عليها، كما لو لم ينتفع المستأجر بعد قبضه العين، تستقر عليه الأجرة.
والثاني: يلزمها قسط المدة الباقية من مهر المثل إذا وزع على المدتين، كما إذا تلف
701

المبيع في يد البائع، يكون من ضمانه وإن تمكن المشتري من القبض، وهذا أصح
عند الشيخ أبي حامد. ومقتضى كلام البغوي ترجيح الأول.
قلت: الأصح الوجه الثاني. والله أعلم.
ولو لم يأت بصبي آخر لعجزه، فقد قطع البغوي وغيره، بأن الحكم فيه (كما)
إذا حكمنا بالانفساخ، والوجه أن يطرد فيه الخلاف، ولا فرق بين العجز وعدمه كما
سبق في الإجارة فيما لو تلف الثوب المعين للخياطة وقلنا: لا تنفسخ الإجارة،
فلم يأت المستأجر بثوب مثله حتى مضت مدة الإجارة، فإن في استقرار الأجرة
وجهين، سواء امتنع من الابدال لعجزه أو مع القدرة.
قلت: الصحيح، ما جزم به البغوي وموافقوه. والله أعلم.
فرع لو أضاف إلى الارضاع والحضانة نفقته مدة، بأن خالعها على كفالة
ولده عشر سنين، ترضعه منها سنتين، وتنفق عليه تمام العشر وتحضنه، نظر، إن
بين النفقة كل يوم من الطعام والأدم كالزيت واللحم، وكسوته كل فصل أو
سنة، وكان ذلك مما يجوز السلم فيه، ووصفه بالأوصاف المشروطة في السلم،
ففي صحة الخلع بما سمى طريقان. أصحهما: القطع بالصحة، لأن المقصود
الكفالة، وهذه الأمور تابعة. والثاني: على قولين - لأنه جمع بين بيع وإجارة،
ولأنه سلم في أجناس -. أظهرهما: الصحة أيضا.
فإن أبطلناه، فهل يرجع بمهر المثل أم ببدل الأشياء المذكورة؟ قولان.
أظهرهما: الأول، ومنهم من قطع به هنا، لأنه لو رجع إلى بدل الأشياء لأثبتناها.
وإن صححنا، فهو في الطعام والشراب، فيخير بين أن يستوفيه بنفسه ويصرفه
إلى الولد، وبين أن يأمرها بالصرف إليه.
قال ابن الصباغ: ينبغي أن يجئ فيه الخلاف المذكور، فيما إذا أذن الحاكم
للملتقط في الانفاق على اللقيط من ماله، بشرط الرجوع.
قلت: ليس هو مثله، بل يجوز هذا قطعا والفرق ظاهر. والله أعلم.
702

ثم إن عاش الولد حتى استوفى المنفعة والعين، فذاك، فإن خرج زهيدا
وفضل من المقدر شئ، فهو للزوج، وإن كان رغيبا واحتاج إلى زيادة، فهي على
الزوج.
وإن مات الولد، فله حالان.
أحدهما: أن يموت قبل تمام مدة الارضاع، ففيه الخلاف السابق في انفساخ
العقد، وجواز الابدال، فإن حكمنا بالانفساخ، ومنعنا الابدال، انفسخ فيما بقي
من المدة، وفي انفساخه فيما مضى وفي الطعام والكسوة خلاف تفريق الصفقة.
والأظهر عدم الانفساخ. وإذا قلنا: لا ينفسخ، استوفى الزوج الطعام والكسوة،
ويرجع بما انفسخ العقد فيه من المدة إلى أجرة المثل في قول، وإلى حصته من مهر
المثل على الأظهر، وبيان الحصة بأن يقوم الطعام والأدم والكسوة، وما مضى من
المدة، وما بقي، ويعرف نسبة قيمة الباقي من المدة من الجميع، فيجب من مهر
المثل بتلك النسبة، وإذا قلنا: يتعدى الانفساخ إلى المدة الماضية والنفقة، رجع
إلى مهر المثل على الأظهر، وإلى بدل الجميع على الثاني، وترجع الزوجة بأجرة ما
مضى من مدة الارضاع، وقد يقع التقاص، هذا هو المذهب. وعن القاضي أبي
الطيب، أن الواجب قسط ما سوى المدة الماضية من مهر المثل، وتسقط حصتها
وتجعل منفعتها مستوفاة.
الحال الثاني: أن يموت بعد ارتضاعه المدة بكمالها، فيبقى استحقاق النفقة
والكسوة، وهل يتعجل الاستحقاق أم يبقى منجما كما كان؟ وجهان. أصحهما:
الثاني. ولو انقطع جنس بعض الأشياء المذكورة، ففيه القولان السابقان في انقطاع
المسلم فيه. أحدهما: ينفسخ العقد. فعلى هذا ينفسخ في المنقطع، ولا ينفسخ
في الأعيان المقبوضة على الأظهر، كما لو اشترى عبدين، فقبض أحدهما وتلف
الآخر ولا في الحضانة والارضاع على المذهب، لبعد ما بينهما، فإن حكم
بالانفساخ في الجميع غرم لها بدل ما استوفى من العين والمنفعة، وله عليها مهر
المثل على الأظهر. وفي قول: بدل المسمى. وإن قلنا: لا ينفسخ إلا في
المنقطع، رجع إلى حصته من مهر المثل على الأظهر، وإلى بدل المنقطع في
703

قول. والقول الثاني في الأصل وهو الأظهر، أن انقطاع المسلم فيه لا يقتضي
الانفساخ، لكن يثبت له خيار الفسخ، فله الفسخ في الجميع. وهل له الفسخ في
المنقطع وحده؟ فيه الخلاف السابق فيمن اشترى عبدين فوجد أحدهما معيبا وأراد
إفراده بالرد، قال المتولي: وله الفسخ في الأعيان دون المنافع على المذهب لبعد ما
بينهما جنسا وعقدا. وإذا أفرد المنقطع بالرد وجوزناه، ففيما يرجع به القولان. هذا
كله إذا كان المذكور مما يجوز السلم فيه، ووصف بالصفات المشروطة في المسلم
فيه، فإن لم توصف، أو كان مما لا يجوز السلم فيه كالثياب المخيطة، والمحشوة،
والمطبوخ والمشوي من الطعام، فالمسمى فاسد، والرجوع إلى مهر المثل بلا
خلاف.
الباب الثالث
في بيان الألفاظ الملزمة ومقتضاها
فيه أطراف.
الأول: في الألفاظ الملزمة وفيه مسائل.
إحداها: صيغة المعاوضة ملزمة، فإذا قال: طلقتك، أو أنت طالق على
ألف، فقبلت، صح الخلع ولزم الألف. ولو قال: أنت طالق وعليك ألف، أو لي
عليك ألف، نظر، إن لم يسبقه استيجاب بل ابتدأ الزوج به، وقع الطلاق رجعيا
قبلت أم لا، ولا مال، بخلاف قولها: طلقني ولك علي ألف فأجابها فإنه يقع بائنا
بالألف، لأن المتعلق بها من عقد الخلع الالتزام، فيحمل لفظها عليه، والزوج
ينفرد بالطلاق. فإذا لم يأت بصيغة المعاوضة، حمل على ما ينفرد به وصيغته خبر.
فلو قال: أردت بقولي: وعليك ألف الالزام وقصدت ما يقصده القائل بقوله:
طلقتك على ألف، لم يصدق. فإن وافقته، فوجهان. أحدهما: لا يؤثر توافقهما،
لأن اللفظ لا يصح للالزام. وأصحهما: يؤثر فتبين بالألف.
704

فعلى الأول لا يحلف على نفي العلم إذا أنكرت، لأنها لو صدقته لم تؤثر.
وعلى الثاني، يحلف. ومقتضى الثاني انعقاد البيع بقوله: بعتك ولي عليك (كذا)، تفريعا على انعقاد البيع بالكناية، أما إذا سبق استيجاب، فإن لم تذكر عوضا
بأن قالت: طلقني، فحكمه كما لو لم تطلب. وإن ذكرته مبهما بأن قالت: طلقني
ببدل، فإن عين الزوج البدل في الجواب فقال: طلقتك وعليك ألف، فهو كما لو
ابتدأ فقال: طلقتك على ألف. فإن قبلت، بانت بالألف، وإلا فلا طلاق. وإن
أبهم الجواب فقال: طلقتك بالبدل، أو طلقتك، بانت بمهر المثل. وإن عينت
البدل، فقالت: طلقني، فقال: طلقتك وعليك ألف، بانت بالألف وذكر
المتولي أنه لو لم يسبق منها طلب، وشاع في العرف استعمال هذا اللفظ في طلب
العوض وإلزامه، كان كقوله: طلقتك على ألف. ولو اختلفا، فقال الزوج: طلبت
مني الطلاق ببدل، فقلت في جوابك: أنت طالق وعليك ألف، فقالت: بل ابتدأت
فلا شئ لك، صدقت بيمينها في نفي العوض ولا رجعة له لقوله.
المسألة الثانية: قال: أنت طالق أو طلقتك على أن لي عليك ألفا، فهو
كقوله: أنت طالق على ألف. فإذا قبلت، بانت ولزمها المال، هذا هو الصواب
المعتمد، وهو نصه في الأم وفي عيون المسائل، وقطع به صاحب
المهذب وسائر العراقيين. ومقتضاه انعقاد البيع بقوله: بعتك هذا على أن يكون
لي عليك ألف، وأدنى درجاته أن يجعل كناية في البيع.
وقال الغزالي: يقع الطلاق رجعيا ولا مال. قال: فإن فسر بالالزام، ففي
قبوله وجهان. قال صاحب التقريب: لا، وغيره: نعم.
الثالثة: قال: أنت طالق إن ضمنت لي ألفا، أو إن ضمنت لي ألفا فأنت
طالق، فقالت في مجلس التواجب: ضمنت، طلقت ولزمها ألف.
ولو قالت: متى ضمنت لي ألفا فأنت طالق، لم يعتبر المجلس بل متى
ضمنت طلقت، وليس للزوج الرجوع قبل الضمان. ولو أعطته المال ولم تقل:
ضمنت أو قال: شئت بدل ضمنت، لم تطلق. ولو ضمنت ألفين، طلقت لوجود
705

الصفة المعلق عليها مع زيادة، بخلاف قوله: طلقتك على ألف، فقالت: قبلت
بألفين، لأن تلك صيغة معاوضة فيشترط فيها توافق الايجاب والقبول.
فرع قال الزوج لها: أمرك بيدك، أو جعلت أمر الطلاق إليك، فطلقي
نفسك إن ضمنت لي ألفا، فقالت: ضمنت وطلقت نفسي، أو قالت: طلقت
وضمنت، بانت بالألف، ويكون الضمان والطلاق مقترنين، سواء قدمت لفظ
الطلاق، أو الضمان، كما لو قال: طلقتك إن ضمنت لي ألفا، فقالت: ضمنت،
يقع الطلاق ويثبت المال مقترنين، وإن تعاقب اللفظان، فلو ضمنت ولم تطلق، أو
طلقت ولم تضمن، لم يقع الطلاق. وإذا جمعتهما، اشترط كون الضمان في
المجلس قطعا، ويشترط كون التطليق في المجلس أيضا على المذهب، ولا يشترط
إعطاء المال في المجلس قطعا. وهل المراد بالمجلس مجلس التواجب، أم مجلس
القعود؟ وجهان. أصحهما: الأول، وقد سبقا في أول الكتاب. ولا يخفى أن
المراد بالضمان في هذه المسائل القبول والالتزام دون الضمان المفتقر إلى
أصيل.
الرابعة: سبق أنه إذا علق الطلاق بالاعطاء، لا يقع إلا بالاعطاء في المجلس
على الصحيح، إلا إذا كان بصيغة متى وما في معناها، فلا تختص بالمجلس،
وكل ذلك جار في قوله: إن أقبضتيني كذا، أو أديت إلي كذا. ولو قال: أنت طالق
إن شئت، أو أنت طالق على ألف إن شئت، اشترط وجود مشيئتها في مجلس
التواجب، بخلاف التعليق كسائر الصفات، لأنه استدعاء لجوابها واستبانة رغبتها.
وحكى الحناطي قولا أنه لا يشترط المجلس ويقع الطلاق متى شاءت، كسائر التعليق
والمجلس مجلس التواجب على الصحيح كما سبق. وإذا قالت في المجلس: شئت
وقبلت، فقد تم العقد فتطلق ويلزم المال، ولا يشترط تسليم المال في
706

المجلس. وإن اقتصرت على قولها: شئت، أو قبلت، فثلاثة أوجه. أصحها عند
الغزالي: يكفي، لأن كلا منهما يشعر بالرضى والالتزام، وهذا مقتضى كلام الشيخ
أبي حامد. والثاني: لا بد من الجمع بينهما، لأنه لو اقتصر على قوله: أنت طالق
(كان جوابها قبلت، ولو اقتصر على قوله: أنت طالق) إن شئت، كان جوابها شئت،
فإذا جمعهما، اشترط جمعهما في الجواب. والثالث: يكفي قولها: شئت، ولا
يكفي قولها: قبلت، لأن القبول ليس مشيئة، ولهذا لو قال: أنت طالق إن شئت،
فقالت: قبلت، لم تطلق، وبهذا قطع المتولي، واختاره الامام فيما حكى عنه
المعلق.
قلت: هذا الثالث، هو الأصح بل الصحيح. والله أعلم.
فعلى الثالث: لا رجوع للزوج على قاعدة التعليقات، وعلى الثاني:
في جواز رجوعه وجهان، لتردده بين التعليق والمعاوضة.
ولو علق طلاقها بالمشيئة بصيغة متى طلقت متى شاءت، ولا يختص
بالمجلس كسائر الصفات.
ولو قالت: طلقني بألف درهم، فقال: أنت طالق على ألف إن شئت، فليس
بجواب لها لما فيه من التعليق، فيتوقف على مشيئة مستأنفة.
ولو نكر فقال: على ألف ونوى ما ذكرت، فكذلك الحكم. وإن نوى غير
الدراهم، فقد نقل الحناطي أنه يقع طلاق رجعي ولا بدل، وخرج من عنده أنه لا
طلاق حتى يتصل به القبول والمشيئة، كما لو ابتدأ به، وهذا هو القياس الحق.
ولو لم ينو شيئا، فقد حكى وجهين في وقوعه رجعيا أو بائنا، ووجهين إن وقع بائنا في
أن الواجب مهر المثل أم المسمى؟ ومقتضى جعله مبتدءا أن لا يقع الطلاق إلا أن
يتصل به قبول ومشيئة.
الخامسة: في حقيقة الاعطاء المعلق عليه. فإن سلمت المال إليه فقبضه،
707

فذاك، وإن وضعته بين يديه، كفى ووقع الطلاق وإن امتنع من قبضه على
الصحيح، لأنها أعطته وهو يفوت حقه. وقيل: لا يكفي الوضع، فلا يقع به
الطلاق، وهو ضعيف غريب. فإذا أعطته، دخل في ملكه على الصحيح. وقيل:
لا بل يرده، ويرجع بمهر المثل، ويجري هذا الوجه في قوله: إن ضمنت لي ألفا
فأنت طالق، فقالت: ضمنت، لأن لزوم المال بمجرد قولها بعيد، كدخوله في
ملكه بمجرد الاعطاء. وإذا قال: متى أعطيتني ألفا، فأنت طالق، فبعثته على يد
وكيلها، فقبضه الزوج، لم تطلق، لأنها لم تعط هي، وكذا لو أعطته عن الألف
عوضا، أو كان لها عليه ألف درهم فتقاصا، لم تطلق. ولو حضرت وقالت لوكيلها
الحافظ لمالها: سلم إليه، فسلمه، طلقت وكان تمكينها الزوج من المال المقصود
إعطاء، قاله المتولي. ولو علق الطلاق بالاقباض فقال: إن أقبضتني كذا فأنت
طالق، فوجهان. أصحهما وبه قطع المتولي: أنه تعليق محض، لأن الاقباض لا
يقتضي التمليك، بخلاف الاعطاء. فعلى هذا، لا يملك المقبوض وليس له مهر
المثل، بل يقع الطلاق رجعيا. ولا يختص الاقباض بالمجلس كسائر التعليقات.
والثاني: أن الاقباض كالاعطاء على ما ذكرنا فيه. ولو قالت: إن قبضت منك كذا،
فهو كقوله: إن أقبضتني، ويعتبر في القبض الاخذ باليد، ولا يكفي الوضع بين
يديه، لأنه لا يسمى قبضا، ولو بعثته مع وكيلها، لم يكف. ولو قبض منها
مكرهة، طلقت لوجود الصفة. وفي التعليق بالاعطاء، لو أخذ منها كرها، لم تطلق
لأنها لم تعطه. وذكر المتولي، أن ما ذكرناه في التعليق بالاقباض مفروض فيما إذا
لم يسبق منه كلام يدل على الاعتياض بأن يقول: إن أقبضتني كذا وجعلته لي أو
لأصرفه في حاجتي وما أشبه ذلك.
قلت: هذا الذي ذكره المتولي، متعين. والله أعلم.
708

والأداء والدفع والتسليم، كالاقباض.
فرع قال: إن أعطيتني ألفا، فأنت طالق، فأعطت ألفين، طلقت، لان
وقوع الطلاق هنا بحكم التعليق، وإعطاء الألفين يشتمل على إعطاء الألف، وكذا لو
قال: إن ضمنت لي ألفا فضمنت ألفين، ويلغو ضمان الزيادة على ألف. وإذا قبض
زيادة على القدر المعلق به، كانت أمانة عنده، ويخالف هذا قوله: خالعتك بألف
فقالت: قبلت بألفين، فإنها لا تطلق لعدم موافقة الايجاب.
السادسة: في بيان ما ينزل عليه الدرهم. إذا علق الطلاق باعطائه، وما يقبل
تفسيره، وقد سبق في الزكاة والاقرار قدر الدرهم الاسلامي، واسم الدرهم
هنا يقع على ذلك القدر من الفضة الخالصة المضروبة، سواء كان نوعه جيدا، أو
رديئا، لسواد أو خشونة أو غيرهما. فإذا قال: إن أعطيتني ألف درهم، فأنت
طالق، طلقت بأي نوع أعطته. لكن إذا كان في البلد نقد غالب، فأتت بغيره،
طولبت به، لأن المعاملات تنزل على النقد الغالب، والخلع فيما يتعلق بالمال
كسائر المعاملات. وفي قول: يرجع بمهر المثل، والمشهور الأول. فإن قلنا
بالرجوع إلى مهر المثل، فالمعطى غير مملوك، وإن قلنا بالرجوع إلى الغالب،
فالمعطى مملوك للزوج، وله رده والمطالبة بالغالب. وذكر في الوسيط: أنه لا
يملكه ويجب الابدال، والصحيح الأول. ثم العادة الغالبة، إنما تؤثر في
المعاملات، لكثرة وقوعها ورغبة الناس فيما يروج هناك، ولا تؤثر في الاقرار
والتعليق، بل يبقى اللفظ على عمومه فيهما. أما في التعليق، فلقلة وقوعه، وأما في
الاقرار، فلأنه إخبار عن وجوب سابق، وربما تقدم الوجوب على الضرب الغالب،
أو وجوب في بقعة أخرى. ولو قال: طلقتك على ألف، فهذا ليس بتعليق، فينزل
على الغالب على قاعدة المعاملات.
فرع لو كان الغالب في البلد دراهم عددية ناقصة الوزن أو زائدته، لم ينزل
الاقرار والتعليق عليها، لأن الغلبة لا تؤثر فيهما، واللفظ صريح في الوازنة، وفي
تنزيل البيع والمعاملات عليها وجهان. أحدهما: المنع، لأن اللفظ صريح في
القدر المذكور، والعرف لا يغير المسمى وإن كان يخص بعض الأنواع.
وأصحهما: التنزيل عليهما، لأنها التي تقصد في مثل هذه البلدة. وفي قبول تفسير
709

المقر بالناقص خلاف وتفصيل سبق في الاقرار. ولو فسر المعلق بالدراهم المعتادة،
فإن كانت زائدة، قبل على المذهب، وإن كانت ناقصة، قبل قطعا، لأنه توسيع
لباب الطلاق.
فرع لو أتت بدراهم مغشوشة، فإن كان الغالب في البلد المغشوشة، فقد
أطلق الغزالي أنه لا ينزل اللفظ عليها، فلا يقع الطلاق إلا إذا أعطته الخالصة، لكن
تسترد ما أعطته وتعطيه مغشوشة. ومن قال بهذا قال: التفسير بالمغشوشة كالتفسير
بالناقصة. فإن قلنا: التفسير بهما، فهل تراجعه ليعبر عن مقصوده، أم تأخذ بالظاهر
إلا أن يفسر؟ فيه احتمالان في البسيط.
قلت: أفقههما: الثاني. والله أعلم.
وقطع المتولي والبغوي، بأن اللفظ ينزل على المغشوشة، ويقع الطلاق إذا
أعطت مغشوشة، وهل تسلم له الدراهم بذلك؟ قال المتولي: يبنى على جواز
المعاملة بالمغشوشة. إن لم نجوزها، رد الدراهم ولزمها مهر المثل، وإلا سلمت
له الدراهم، ويشبه أن يكون ما ذكره الغزالي أصح. أما إذا كان الغالب في البلد
الدراهم الخالصة، فلا تطلق إلا إذا أعطت ما تبلغ نقرته ألفا. وفي وجه لا يقع
الطلاق وإن بلغته، كما لو أعطته سبيكة. فإن قلنا بالصحيح وهو الوقوع، فهل
يملك الزوج المدفوع إليه؟ وجهان. أحدهما: لا، لأن المعاملة تنزل على
الغالب. والثاني: (نعم)، لأن قبضها اعتبر في وقوع الطلاق، وكذا في إفادة
الملك، لكن له الرد بسبب العيب. فإذا رد، رجع إلى مهر المثل على الأظهر،
وإلى ألف خالصة في قول.
ولك أن تقول: ينبغي أن لا يملك الغش نفسه في هذه الصورة، لأنه إذا بلغت
الفضة الخالصة ألفا، بقي الغش شيئا آخر مضموما، فلا يملكه كما لو ضمت إلى
الألف ثوبا.
قلت: ظاهر كلام القائل بالملك، أنه لا ينظر إلى الغش لحقارته في جنب
الفضة، ويكون تابعا كما سبق في مسألة نعل الدابة. والله أعلم.
710

وأما المعاملة بالدراهم المغشوشة، فذكرناها في كتابي الزكاة والبيع، والأصح
الجواز.
السابعة: قال: إن أعطيتني عبدا أو ثوبا فأنت طالق، ووصفه بما يعتبر في
السلم، فأتت به بالصفة، طلقت، وملكه الزوج كما قلنا في الدراهم، وإن أعطته
على غير تلك الصفة، لم تطلق ولا يملكه. فلو كان بالصفة لكنه معيب، فله
الخيار. فإن رده، رجع بمهر المثل على الأظهر، وبقيمته سليما في قول، وليس له
المطالبة بسليم بالصفة، وفي كتاب الحناطي وجه أنه لا يرد العبد، بل يأخذ أرش
العيب وهو ضعيف. أما إذا قال: إن أعطيتني عبدا ولم يصف، فأعطته عبدا لها،
طلقت لوجود الصفة ولا يملكه، لأن الملك فيه يكون معاوضة، والمجهول لا يكون
عوضا، فيجب مهر المثل قطعا. وحكى ابن كج والحناطي وجها، أنه يقع الطلاق
رجعيا، ولا شئ عليها، وإنما يلزمها العوض إذا ابتدأت فسألت طلاقا بعوض،
فقال في جوابها: إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطت، والصحيح الأول، وسواء
إن أعطت سليما أو معيبا، أو قنا أو مدبرا أو معلقا عتقه على صفة، لوقوع اسم العبد
عليه، وإمكان نقله وتمليكه. فإن أعطته مكاتبا، لم تطلق. وكذا لو قال لأجنبي:
إن أعطيتني أمة، فامرأتي طالق، فأعطاه أم ولده. وأشير في المكاتب إلى وجه.
ولو وصف العبد ولم يستوعب صفاته، فهو كعدم الوصف في أن الرجوع إلى مهر
المثل، لكن لو أعطته عبدا بغير الصفة، لم تطلق مثل أن يقول: إن أعطيتني عبدا
تركيا، فأعطته هنديا. ولو أتت بعبد مغصوب، أو مشترك لها ولغيرها، أو قال: إن
أعطيتني ألف درهم، فأتت بدراهم مغصوبة، فوجهان. أحدهما: يقع الطلاق
ويرجع بمهر المثل. وأصحهما: لا يقع لأنه لا يسمى إعطاء، وطرد الخلاف في
العبد المرهون والمستأجر.
قلت: يجري الخلاف في المستأجر إذا لم يجوز بيعه، وإلا فهو كغيره. والله
أعلم.
ولو قال: إن أعطيتن هذا العبد المغصوب فأعطته، وقع الطلاق بائنا على
المذهب، ويرجع بمهر المثل. وقيل: لا يقع، وقيل: يقع رجعيا. ولو قال: إن
أعطيتني زق خمر أو خنزيرا، فأنت طالق، فقد سبق أنها إذا أتت به، بانت ووجب
711

مهر المثل. فإن أتت بخمر مغصوبة، بأن كانت محترمة أو لذمي، فإن قلنا في العبد
المغصوب: يقع الطلاق، فهنا أولى، وإلا فوجهان. أصحهما: الوقوع، لان
الاعطاء هنا مضاف إلى ما يتأتى تملكه. والثاني، المنع ويحمل على ما يختص به
يدا، كما حمل لفظ العبد على ما اختصت به ملكا. ولو قال: إن أعطيتني هذا
الحر، فثلاثة أوجه. أصحها: يقع الطلاق بائنا بمهر المثل. والثاني: لا يقع.
والثالث: يقع رجعيا، لأنه لا يملك بحال، فالزوج لم يطمع بشئ. ولو قال: إن
أعطيتني هذا العبد أو الثوب فأنت طالق، فأعطته، طلقت وملكه، فإن خرج
مستحقا أو مكاتبا، فوجهان. أحدهما: لا يقع الطلاق. وأصحهما: وقوعه
للإشارة، ويرجع بمهر المثل على الأظهر، وبقيمته في قول. وإن وجده معيبا، فله
رده، وفيما يرجع به القولان. أظهرهما: مهر المثل. والثاني: قيمته سليما.
وقيل: ليس له الرد بل يرجع بالأرش، والصحيح الأول. قال البغوي: ولو قال
لزوجته الأمة: إن أعطيتني ثوبا فأنت طالق، فأعطته، لم تطلق لأنها لم تملكه
فإن قال: هذا الثوب فأعطته طلقت، وفيما يرجع به القولان. وهذا تفريع منه على
المذهب في الثوب المطلق والمعين، ولا يخفى مما تقدم أن الاعطاء في جميع صور
المسألة ينبغي أن يقع في المجلس.
الثامنة: قال: إن أعطيتني هذا الثوب وهو هروي، فأنت طالق، فأعطته وبان
مرويا، لم تطلق. وإن قال: إن أعطيتني هذا الثوب الهروي فبان مرويا أو
بالعكس، طلقت على الأصح، لأنها ليست صيغة شرط بل أخطأ في الوصف. ولو
خالعها على ثوب هروي ووصفه كما ينبغي، فأعطته ثوبا بالصفة، فبان مرويا، رده
وطالبها بهروي بالصفة. ولو خالعها على ثوب بعينه على أنه هروي فبان مرويا،
وقعت البينونة وملكه الزوج، وإخلاف الصفة كعيب، لله خيار الخلف. وقيل: إن
لم تنقص قيمته عن الهروي، فلا خيار لأن الجنس واحد ولا نقص، والصحيح
الأول. فان رد، رجع بمهر المثل على الأظهر، وبقيمة هروي في الثاني. فإن وجد
به عيبا بعد تلفه أو تعيبه في يده وتعذر الرد، رجع بقدر النقص من مهر المثل
712

على الأظهر، وبقدر ما نقص من القيمة في الثاني، وليس له هنا طلب هروي لأنه معين
هنا بالعقد.
قال أبو الفرج السرخسي: وهذا على قولنا: إن اختلاف الصفة ليس كاختلاف
العين وهو الأظهر، كما سبق في النكاح. فإن قلنا: هو كاختلاف العين، فالعوض
فاسد فليس له إمساكه، ويرجع بمهر المثل على الأظهر، أو قيمة الثوب مرويا على
قول. ولو خالعها على ثوب معين، على أنه كتان فخرج قطنا أو بالعكس،
فوجهان. أحدهما وبه قطع البغوي: أنه كاختلاف الصفة، فيكون حكمه ما سبق
في خروجه مرويا. وأصحهما وبه قطع الشيخ أبو حامد وسائر العراقيين: أن العوض
فاسد وتقع البينونة بمهر المثل على الأظهر، وبقيمة ثوب كتان في قول، وليس له
إمساكه، وهؤلاء قالوا: لو باعه على أنه كتان فبان قطنا، بطل البيع.
ولو قالت: خالعني على هذا الثوب فإنه هروي، فخالعها عليه فبان مرويا،
فهو كما لو قال: خالعتك عليه على أنه هروي، لأنها غرته. قال المتولي: لو
قالت: هذا الثوب هروي فقال: إن أعطيتني هذا الثوب فأنت طالق، فأعطته فبان
مرويا، بني على المتواطئ عليه قبل العقد، كالمشروط فيه أم لا؟ إن قلنا، نعم،
لم يقع الطلاق، وإلا وقع، وليس له إلا ذلك الثوب
. ولو قال: خالعتك على هذا الثوب وهو هروي فبان خلافه، فلا رد لأنه
لا تغرير من جهتهما، ولا اشتراط منه، وكذا لو قال: خالعتك على هذا الثوب الهروي، كذا ذكره البغوي. فإن قيل: قوله: وهو هروي أفاد الاشتراط في
قوله: إن أعطيتني هذا الثوب وهو هروي، حتى لم يقع الطلاق إذا لم يكن هرويا،
فلم لم يفد الاشتراط في قوله: خالعتك على هذا الثوب وهو هروي، حتى يتمكن
من الرد إذا لم يكن هرويا كما لو قال: خالعتك عليه على أنه هروي؟ فالجواب أن
قوله: وهو هروي دخل هناك على كلام غير مستقل، لأن قوله: إن أعطيتني هذا
الثوب غير مستقل، فيتقيد بما دخل عليه وتمامه بالفراغ من قوله: فأنت طالق.
وأما قوله: خالعتك على هذا الثوب، فكلام مستقل، فجعل قوله بعده: وهو
713

هروي جملة مستقلة، ولم يتقيد بها الأول، وبالله التوفيق.
الباب الرابع
في سؤال المرأة الطلاق بمال، باختلاع الأجنبي
فيه أطراف.
الأول: في ألفاظها وفيه مسائل.
الأولى: إذا قالت: طلقني بكذا، أو على كذا،, جو على أن علي كذا، أو
على أن أعطيك كذا، أو أن أضمن لك، أو إن طلقتني، أو إذا طلقتني، أو متى
طلقتني، فلك علي كذا، فهذه كلها صيغ صحيحة في الالتزام، ويختص الجواب
في المجلس بلا خلاف، في متى وغيرها، بخلاف قول الرجل: متى
أعطيتني، وقد سبق الفرق.
الثانية: قالت: إن طلقتني فابرأ من صداقي، أو فقد أبرأتك، فقال:
طلقتك، وقع الطلاق رجعيا ولم يبرأ من الصداق، لأن الابراء لا يصح تعليقه،
وطلاق الزوج طمعا في البراءة من غير لفظ، صحيح في الالتزام لا يوجب عوضا،
وهذا تفريع على الجديد الأظهر أن تعليق الابراء لا يصح، وكان لا يبعد أن يقال:
طلق طمعا في عوض، ورغبت هي في الطلاق بالبراءة فيكون فاسدا كالخمر.
714

الثالثة: قالت: طلقني ولك علي ألف، فقال طلقتك، بانت ولزمها الألف،
لأنها صيغة التزام. وقيل: لا يثبت العوض، بل إن اقتصر على قوله: طلقتك،
وقع رجعيا، وإن قال: طلقتك على ألف، احتاج إلى قبولها، والصحيح الأول.
قال المتولي: ويقرب من هذا قولها: طلقني وأضمن لك ألفا.
ولو قالت: وأعطيك ألفا، فالأصح أنه إذا طلقها مطلقا، وقع رجعيا، لان
لفظ الضمان يشعر بالالتزام، بخلاف الاعطاء ولم يطردوا الوجه المذكور هنا في
الجعالة، بل لو قال: رد عبدي ولك علي كذا، فرده، لزم المال بلا خلاف، ولو
قال المشتري: بعني هذا ولك علي كذا، فقال: بعت، فوجهان: أحدهما:
ينعقد كالاختلاع والجعالة، وهذا هو المذكور في فتاوي القفال، والثاني: لا، لأنه
يحتمل فيها ما لا يحتمل في البيع، كالتعليق، وفيما علق عن الامام، أن هذا
أصح. ويشبه أن يكون الوجهان في أنه هل هو صريح؟ فأما كونه كناية، فينبغي أن
يكون متفقا عليه
. الرابعة: قالت: طلقني على ألف، أو أتت بصيغة أخرى صريحة في
الالتزام، فإن أجابها وأعاد ذكر المال، فذاك، وإن اقتصر على قوله: طلقتك،
كفى وانصرف إلى السؤال على الصحيح، وقيل: يقع الطلاق رجعيا ولا مال.
ولو قال: قصدت الابتداء دون الجواب، قبل وكان رجعيا، فإن اتهمته،
حلفته.
الخامسة: اللفظ الدائر بين الزوجين، إن كان صريحا منهما، فذاك، وإن
كان لفظهما كناية، بأن قالت: أبني، قال: أبنتك، فإن نويا الطلاق، نفذ ولزم
المال إن ذكرا مالا. وإن لم ينو الزوج، فلا فرقة، وإن نوى دونها، نظر، إن جرى
ذكر المال في السؤال والجواب، لم يقع الطلاق، لأنه ربط الطلاق بالمال وهي لم
715

تسأل الفراق، ولم تلتزم المال في مقابلته، وإن لم يجر ذكر المال في الطرفين وقع
طلاق رجعي، وإن ذكر هو المال دونها، فلا طلاق، لأنها لم تسأل فرقة، وهو إنشاء
فرقة على مال، ولم يتصل به قبول. وإن ذكرت هي المال، فقالت: أبني على
ألف، فقال: ابنتك، فلا طلاق على الأصح، كما لو ذكر المال. وقيل: يقع
رجعيا كما لو قال: قصدت الابتداء دون الجواب، فإنه يقع رجعيا قطعا.
أما إذا كان لفظ أحدهما صريحا والآخر كناية، فالكناية مع النية كالصريح،
ودون النية لغو. وعن ابن خيران، أنها لو قالت: طلقني فقال: أبنتك ونوى، لم
يقع، لأن الصريح أقوى، فالمأتي به غير المسؤول، والصحيح الأول.
الطرف الثاني: في سؤالها عددا، فيه مسائل.
إحداها: قالت: طلقني ثلاثا بألف، أو على ألف، أو ولك علي ألف، أو
إن طلقتني ثلاثا، فلك علي ألف، فطلقها واحدة، ففيه أربعة أوجه. الصحيح أنه
يقع طلقة بثلث الألف، والثاني: لا يقع طلاق. والثالث: يقع طلقة بمهر المثل،
والرابع: طلقة بثلث مهر المثل. حكى الحناطي الأخيرين. فعلى الصحيح لو
طلقها طلقتين، استحق ثلثي الألف. وإن طلق طلقة ونصفا، فهل يستحق ثلثي
الألف، أم نصفه؟ وجهان. قلت: الثاني أرجح. والله أعلم.
ولو قالت: طلقني ثلاثا بألف وهو لا يملك إلا طلقة، فطلقها تلك الطلقة،
فقد نص الشافعي رحمه الله أنه يستحق جميع الألف، لأنه حصل بتلك الطلقة
مقصود الثلاث وهو البينونة الكبرى.
وللأصحاب أوجه. أصحها عند القفال والشيخ أبي علي وكبار الأصحاب
وأكثرهم: وجوب جميع الألف، كما نص عليه، سواء علمت أنه لم يبق إلا طلقة أم
ظنت بقاء الثلاث، والثاني: لا يستحق إلا ثلث الألف في الحالين وهو قول المزني
وابن خيران، والثالث: إن علمت استحق الألف، وإلا فثلثه، قاله ابن سريج وأبو
إسحاق. والرابع: يستحق مهر المثل، قاله صاحب التلخيص. والخامس: لا
يستحق شيئا، لأنه لم يطلق كما سألت، حكاهما الحناطي.
716

ولو سألت الثلاث بألف ولا يملك إلا طلقتين، فطلقها واحدة، فله ثلث الألف
على الأصح المنصوص، وكذا على الثاني، وله النصف على الثالث إن علمت،
وإلا فالثلث.
وإن طلقها الطلقتين، فعلى النص له الألف، وعلى الثاني ثلثاه، وعلى
الثالث إن علمت، فالألف، وإلا فثلثاه، وزاد الحناطي وجها رابعا، وهو الرجوع
بمهر المثل، وخامسا: وهو ثلثا مهر المثل، وسادسا: وهو أنه لا شئ له. ولو
قالت: طلقني عشرا بألف، فإن كان يملك الثلاث، فالأصح الأشهر الجاري على
قياس النص، أنه يستحق بالواحدة عشر الألف، وبالثنتين عشريه، وبالثلاث جميع
الألف. وقيل: إن كان التوزيع على الثلاث والزيادة لغو، فيستحق بالواحدة
الثلث، وبالطلقتين الثلثين، وطرد الوجهان على قياس قول المزني. فعلى الأشهر
تستحق بالثلاث ثلاثة أعشار الألف. وعلى الثاني تستحق الجميع توزيعا على
العدد الشرعي. وعلى قول من فرق بين العلم والجهل، تستحق بالثلاث الجميع،
وبالواحدة الثلث، وبالثنتين الثلثين، لحصول العلم بأن الطلاق لا يزيد على ثلاث
وأن الزيادة لغو. فإن ظنت أنه يملك عشرا، بأن كانت قريبة عهد بالاسلام،
فالقياس عود الوجهين في أنه يجب ثلاثة أعشار الألف أم الجميع؟ ولو لم يملك إلا
طلقتين فسألته عشرا، فعلى قياس النص، إن طلقها واحدة، استحق عشر الألف أو
الثلث. وإن طلق ثنتين، فتمام الألف. وعلى قياس المزني، المستحق العشر أو
العشران على الأشهر، والثلث أو الثلثان على الوجه الآخر. وعلى قول الفارق إن
علمت، فله بالواحدة النصف، وبالثنتين الجميع. وإن ظنت أنه يملك الثلاث،
فبالواحدة الثلث، وبالثنتين الثلثان. قال الأصحاب: والضابط على النص، أن
الزوج إن ملك العدد المسؤول كله فأجابها، فله المسمى، وإن أجابها ببعضه، فله
قسطه بالتوزيع. وإن ملك بعض المسؤول، فإن تلفظ بالمسؤول أو حصل مقصودها
بما أوقع، فله المسمى، وإلا فيوزع المسمى على العدد المسؤول على الأشهر
. وعلى قول المزني، التوزيع على المسؤول أبدا، وكذا الحكم على الوجه الفارق إن
جهلت. فإن علمت، فالتوزيع على المملوك دون المسؤول، فلو ملك الثلاث
فسألته ستا بألف، فعلى النص وقول المزني: له بالواحدة السدس، بالثنتين
الثلث. فإن طلق ثلاثا، فعلى النص: له الجميع، وعند المزني: له النصف وعلى
717

الوجه: له بالواحدة الثلث، وبالثنتين الثلثان، وبالثلاث الجميع.
المسألة الثانية: قالت: طلقني ثلاثا بألف وهو يملك الثلاث فقال: أنت طالق
واحدة بألف وثنتين مجانا، فنقل الفوراني والصيدلاني والقاضي حسين وغيرهم، أن
الأولى تقع بثلث الألف، لأنها لم ترض بواحدة إلا بثلث الألف كالجعالة، ولا يقع
الاخريان لأنها بانت بالأولى. وقال الامام: القياس الحق، أن لا تجعل كلامه جوابا
لها، لأنها سألت كل واحدة بثلث الألف وهو لم يرض إلا بالألف، وإذا لم يوافق
كلامه سؤالها، كان مبتدئا، فإذا لم تقبل، لا تقع الطلقة، كما لو قالت: طلقني
واحدة بثلث ألف، فقال: طلقتك واحدة بألف، لا يقع. وإذا لم تقع الواحدة،
وقع الاخريان رجعيتين، وتابعه الغزالي وغيره على ما قال، وهو حسن متجه، والأول بعيد، وأبعد منه ما في التهذيب، أنه تقع الواحدة بالألف، ولا تقع الاخريان،
ولعله غلط من الناسخ. ولو سألته الثلاث بألف، فقال: طلقتك واحدة بثلث
الألف، وثنتين مجانا، فقد وافق كلامه ما اقتضاه السؤال من التوزيع، وزال
الاشكال، فتبين بالأولى، ولا تقع الاخريان، ونقل الأئمة: إن أمكن تأويله على
هذه الصورة فليفعل. ولو قال: طلقتك ثنتين بألف وواحدة مجانا، فعلى الأول:
تقع الثنتان بثلثي الألف، وعلى الثاني: لا يقعان. ولو قال: طلقتك واحدة مجانا
وثنتين بثلثي الألف، أو ثنتين مجانا وواحدة بثلث الألف، وقع ما أوقعه مجانا
، ويبنى ما بعده على مخالفة الرجعية إن كانت مدخولا بها، والجديد صحته. فعلى
هذا: تقع الثنتان بثلثي الألف، وعلى القديم: يقعان بلا عوض لما سبق أن خلع
الرجعية على هذا كالسفيهة، وإن لم تكن مدخولا بها، بانت بما أوقعه مجانا، فلا يقع
ما بعده.
ولو قال: طلقتك واحدة مجانا وثنتين بالألف، ففي التهذيب أنه إن كان
بعد الدخول، وقعت الأولى مجانا والثنتان بثلثي الألف، ولا يستحق تمام الألف وإن
حصل غرضها، لأن ذلك إنما يكون إذا وقع المملوك من الطلاق في مقابل المال،
وهنا أوقع بعض المملوك مجانا.
وأعلم أن الاشكال الذي ذكره الامام يعود هنا، لأنها لم ترض بالطلقتين إلا
بثلثي الألف وقد أوقعهما بألف، فوجب أن يجعل كلاما مبتدءا. فأما إذا لم يتصل به
718

قبول، لغا. وفي التهذيب أيضا أنه لو قال: طلقتك ثلاثا، واحدة بألف، وقع
الثلاث واستحق ثلث الألف، ويعود فيه الاشكال
. المسألة الثالثة: قالت: طلقني واحدة بألف، فقال: أنت طالق ثلاثا، وقع
الثلاث واستحق الألف. وهل الألف في مقابلة الثلاث أم الواحدة؟ وجهان. ظاهر
النص: ثانيهما، ولا يتعلق بالخلاف فائدة حكمية.
ولو قال: بعني هذا العبد بألف، فقال: بعتكه مع هذين العبدين بألف،
فالبيع باطل على الصحيح، لأنه معاوضة محضة بخلاف الخلع فإنه كالجعالة.
وقيل: يصح البيع في الجميع، وقيل: يصح في العبد المسؤول خاصة. ولو أعاد
في الجواب ذكر الألف. فقال: طلقتك ثلاثا بألف، فهل يقع الثلاث بألف، أم
الثلاث بثلث الألف، أم واحدة بثلث الألف ولا يقع الاخريان أم لا يقع شئ
أصلا؟ فيه أربعة أوجه. أصحها: الأول.
وينبغي أن تطرد هذه الأوجه فيما إذا لم يعد ذكر الألف. ولو قالت: طلقني
719

واحدة بألف، فقال: أنت طالق طلقتين، فقياس ما تقدم أنه تقع الطلقتان ويستحق
الألف، وفيه احتمال للامام، إذ لم تحصل البينونة الكبرى، فلا يستحق شيئا لأنه
خالف ولم تحصل البينونة الكبرى.
الرابعة: قالت: طلقني بألف، فقال: طلقتك، أو أنت طالق بخمسمائة،
فهل يقع الطلاق بخمسمائة أم بألف ويلغى قوله: بخمسمائة لأنها بانت بقوله: طلقتك
واستحق الألف، أم لا يقع طلاق للمخالفة كما لو خالفت في قبولها؟ فيه ثلاثة
أوجه. أصحها: الأول، وبه قال ابن الحداد. ولو قال: بعني عبدك بألف،
فقال: بعتك بخمسمائة، لم ينعقد البيع على الأصح، لأنه معاوضة محضة.
وقيل: يصح بخمسمائة.
الخامسة: قالت: طلقني على كذا درهما، فطلقها على دنانير، كان مبتدئا
بكلامه، فينظر، أيتصل به قبول أم لا؟
ولو قالت: طلقني واحدة بألف، فقال: أنت طالق وطالق وطالق، سئل،
فإن قال: أردت مقابلة الأولى بالألف، وقعت الأولى بالألف ولم تقع الاخريان. وإن
قال: أردت الثانية بالألف، وقعت الأولى رجعية، ويجئ في الثانية القولان في
خلع الرجعية، فإن صححناه، لغت الثالثة، وإلا، فلا. وإن قال: أردت الثالثة،
وقعت الأوليان بلا عوض، وفي الثالثة الخلاف. وإن قال: أردت مقابلة الجميع
بالألف، وقعت الأولى بثلث الألف، ولغت الاخريان، وإن لم يكن له نية، قال
البغوي: بانت الأولى بالألف، لأنه جواب لقولها، ولغت الاخريان. وذكر صاحب
المهذب مثل هذا التفصيل فيما إذا ابتدأ فقال: أنت طالق وطالق وطالق بألف،
وليشترط فيه مطابقة القبول للايجاب. ولو قال في جوابها: أنت طالق طالق طالق
واحدة بألف، انقطع احتمال مقابلة الجميع بالألف، والباقي كما ذكرناه.
هذا إذا كانت مدخولا بها، فإذا لم تكن، وأراد مقابلة غير الأولى بالألف،
بانت الأولى، ولغا ما بعدها. ولو قالت له وهو لا يملك إلا طلقة: طلقني طلقتين
بألف، فقال: طلقتك طلقتين، الأولى منهما بألف، والثانية مجانا، استحق
720

الألف. وإن قال: الثانية منهما بألف، وقعت الأولى بلا عوض ولغت الثانية. وإن
قال: إحداهما بألف، أو اقتصر على قوله: طلقتك طلقتين، سئل، فإن قال
: أردت الأولى والثانية، فعلى ما ذكرنا، وإن قال: لم أنو شيئا، ففي استحقاقه المال
وجهان، أصحهما: نعم لمطابقة الجواب السؤال.
ولو أعاد ذكر المال، فقال: طلقتك طلقتين بألف، فهل يستحق خمسمائة
عملا بالتوزيع، أم ألفا لحصول البينونة الكبرى؟ وجهان. أصحهما: الثاني، وبه
قال أبو زيد.
فرع لو لم يملك إلا طلقة، فقالت: طلقني ثلاثا بألف طلقة، أحرم بها
في الحال، وطلقتين يقعان علي إذا نكحتني بعد زوج، أو تكونان في ذمتك تنجزهما
حينئذ، فطلقها ثلاثا، وقعت الواحدة، ولغا كلامهما في الآخرتين.
ثم النص في المختصر: أن للزوج مهر المثل، وللأصحاب طريقان.
أحدهما: هذا، وأصحهما على قولي تفريق الصفقة للجمع بين مملوك وغيره، فإن
أبطلنا، فله مهر المثل، وإن صححنا، فلها الخيار في العوض لتبعيض مقصودها،
فإن فسخت، فله مهر المثل، وإن أجازت، فهل يجيز بكل الألف، أم بثلثه عملا
بالتقسيط؟ قولان كالبيع، ومنهم مق قطع هنا بالتقسيط، لأن المشتري بالفسخ يدفع
العقد من كل وجه، والطلاق هنا لا مدفع له، فيبعد إلزامها بواحدة ما التزمته
للثلاث.
السادسة: قالت: طلقني نصف طلقة بألف، أو طلق نصفي، أو يدي، أو
رجلي بألف، فأجابها بذلك، أو قال ابتداء: طلقتك نصف طلقة، أو طلقت نصفك
بألف، فقبلت، فلا يخفى أن الطلاق يقع مكملا، وكذا لو كان ذلك بلفظ الخلع
وجعلناه طلاقا. ثم الواجب في هذه الصور، مهر المثل على الصحيح لفساد صيغة
المعاوضة.
ولهذا لو قال: بعتك هذا نصف بيعة، أو بعته لنصفك أو ليدك، لم يصح
البيع. وإذا فسدت الصيغة، تعين مهر المثل، وإنما يجئ الخلاف في الرجوع إلى
مهر المثل وبدل المسمى إذا كان الفساد في المسمى. وحكى الامام وجها واختاره:
721

أنه يجب المسمى، لأن الشرع كمل ذلك المبعض فصار كتكميلها.
الطرف الثالث: في تعليقها بزمان وفيه مسائل.
الأولى: قالت: طلقني غدا ولك علي ألف، أو إن طلقتني غدا فلك علي
ألف، أو قالت: خذ هذا الألف على أن تطلقني غدا فأخذه، لم يصح، ولم يلزم
الطلاق، لأنه سلم في الطلاق والطلاق لا يثبت في الذمة.
ثم إن طلقها في الغد أو قبله، وقع الطلاق بائنا ولزمها المال، لأنه إن طلق في
الغد، فقد حصل مقصودها. وإن طلق قبله، فقد زادها كما لو سألت طلقة فطلق
ثلاثا. فلو قال: أردت الابتداء، صدق بيمينه وله الرجعة، وفي المال الواجب
طريقان. المذهب والمنصوص: مهر المثل. والثاني: قولان. ثانيهما:
المسمى. وهل يفرق بين أن يطلقها عالما ببطلان ما جرى، وبين تطليقها جاهلا
ببطلانه؟ قال القاضي حسين والبغوي: يفرق ولا يلزمها شئ إذا طلقها عالما، بل
يقع رجعيا، وضعفه الامام، واستشهد بالخلع على الخمر وسائر الأعواض الفاسدة،
فإنه لا فرق في ثبوت المال بين العلم والجهل. وإن طلقها بعد مضي الغد، نفذ
رجعيا، لأنه خالف قولها، فكان مبتدئا، فإن ذكر مالا، اشترط في وقوعه القبول.
الثانية: قالت: لك ألف إن طلقتني في هذا الشهر ولم تؤخر تطليقي عنه، أو
قالت: خذ هذا الألف على أن تطلقني في هذا الشهر متى شئت، فهو باطل وأولى
بالبطلان من مسألة الغد، فإن طلقها بعد الشهر كان مبتدئا، وإن طلقها في الشهر،
وقع الطلاق بائنا. وفي المال الواجب الطريقان. ولا يشترط وقوع الطلاق في
المجلس، وقد ذكرنا في الباب الأول، وفي الطرف الأول من هذا الباب، أنها إذا
قالت: متى طلقتني فلك ألف يشترط التطليق في المجلس.
وللأصحاب طريقان حكاهما الامام، أحدهما: طرد القولين فيهما،
والمذهب: الفرق، لأن كلمة متى ظاهر في جواز التأخر، لكن قرينة العوض
خصتها بالمجلس عملا بقاعدة المعاوضات، وهنا صرحت بجواز التأخير، فضعفت
القرينة عن مقاومة الصريح على طريقة التسوية: هي اشتراط المجلس وعدمه،
والمسمى صحيح في تلك الصورة بلا خلاف.
722

الثالثة: قالت: طلقني بألف طلاقا يمتد تحريمه إلى شهر، ثم أكون في
نكاحك حلالا لك، فطلقها كذلك، وقع الطلاق مؤبدا، وفي قدر المال الواجب
الطريقان، وطريقة القطع هنا أظهر، لأن الشرط هنا لا يمكن الوفاء به، وفساد
الشرط يوجب الجهل بالعوض، فيتعين مهر المثل.
الرابعة: علق طلاقها بصفة وذكر عوضا فقال: طلقتك إذا جاء غد، أو رأس
الشهر أو دخلت الدار على ألف، فقبلت، أو سألته، فقالت: علق طلاقي برأس
الشهر، أو بدخول الدار على ألف فعلق، فالصحيح وقوع الطلاق عند وجود المعلق
عليه على مقتضى التعليق. وقيل: لا يقع لأن المعاوضة لا تقبل التعليق، فيمتنع
ثبوت المال. وإذا لم يثبت، لم تطلق لارتباطه، فإن قلنا بالصحيح، اشترط القبول
على الاتصال، قال القفال: ويحتمل أنها تخير بين القبول في الحال، أو عند وجود
الصفة، والمعروف الأول.
ثم الواجب المسمى أم مهر المثل؟ وجهان. وقيل: قولان، أصحهما عند
الجمهور: الأول،
ويجري الخلاف فيما إذا قالت: إذا جاء رأس الشهر وطلقتني، فلك ألف
فطلقها عند رأس الشهر إجابة لها. وقيل: إن ابتدأ الزوج بالتعليق، وجب المسمى،
وإن ابتدأت بالسؤال، فمهر المثل. وإذا أثبتنا المسمى، فمتى يجب
ويلزم تسليمه؟ فيه أوجه. أصحها: في الحال، واختاره ابن الصباغ، لان
الأعواض المطلقة يلزم تسليمها في الحال، والمعوض تأخر بالتراضي. فإن تعذر
تسليم المعوض، بأن فارقها قبل وجود المعلق عليه، لزم رد العوض كما لو تعذر
تسليم المسلم فيه.
والثاني: يجب في الحال، لكن لا يلزم تسليمه إلا عند وجود المعلق عليه
لتأخر المعوض.
والثالث: لا يجب إلا عند البينونة، ولا شك أنه لا رجوع لها قبل القبول.
فأما إذا قالت: طلقني غدا ولك ألف، أو إن طلقتني غدا، فلك ألف، وهما
الصورتان السابقتان في المسألة الأولى، فلها الرجوع قبل التطليق، لأن الجواب به
723

يحصل وما يستحقه الزوج هناك يستحقه عند التطليق.
الطرف الرابع: في اختلاع الأجنبي، فيه مسائل.
الأولى: يصح الخلع من الزوج مع الأجنبي، ويلزم الأجنبي المال، هذا إذا
قلنا: الخلع طلاق.
قال الأصحاب: فإن قلنا: هو فسخ، لم يصح لأن الزوج لا ينفرد به بلا
سبب، ولا يجئ هذا الخلاف إذا سأله الأجنبي الطلاق فأجابه، لأن الفرقة الحاصلة
عند استعمال الطلاق طلاق بلا خلاف.
الثانية: الخلع مع الأجنبي، كهو مع الزوجة في الألفاظ والاحكام، وهو من
جانب الزوج معاوضة فيها معنى التعليق، ومن جانب الأجنبي معاوضة فيها ثبوت
جعالة. فلو قال الأجنبي: طلقت امرأتي وعليك كذا، طلقت رجعيا ولا مال، ولو
قال الأجنبي: طلقها وعلي ألف، أو لك ألف فطلق، وقع بائنا ولزمه المال. ولو
اختلعها عبد، كان المال في ذمته كما لو اختلعت أمة نفسها.
ولو اختلعها سفيه، وقع رجعيا كما لو اختلعت سفيهة نفسها.
الثالثة: لو وكلت الزوجة من يخلعها، فله أن يختلعها استقلالا وبالوكالة. فإن
صرح بالاستقلال، فذاك، وإن صرح بالوكالة، فالزوج يطالب الزوجة بالمال، وإن
لم يصرح ونوى الوكالة، فالخلع لها لكن تتعلق به العهدة فيطالب، ثم يرجع
عليها. وإن لم يصرح ولا نوى شيئا أصلا، فالخلع لها، لأن منفعته لها بخلاف
نظيره من الوكالة في الشراء. ويجوز أن يوكل الأجنبي الزوجة لتختلع عنه، وحينئذ
تتخير الزوجة بين أن تختلع استقلالا أو بالوكالة.
وقول الزوجة لأجنبي: سل زوجي تطليقي على ألف، توكيل، سواء قالت:
علي أم لا. وقول الأجنبي لها: سلي زوجك يطلقك على كذا، إن لم يقل:
علي، فليس بتوكيل. فلو اختلعت، فالمال عليها. وإن قال: علي، كان توكيلا.
فإن أضافت إليه أو نوته، فالمال على الأجنبي. وقول الأجنبي للأجنبي: سل فلانا
يطلق زوجته على ألف، كقوله للزوجة، فيفرق بين قوله: علي وعدمه. ولو اختلع
الأجنبي، وأضاف إليها مصرحا بالوكالة، ثم بان كذبه، لم تطلق، لأنه مربوط
بالمال وهو لم يلتزم في نفسه، فأشبه إذا خاطبها ولم تقبل.
724

فرع قال لرجل: بع عبدك لفلان بكذا وعلي ألف، فباعه، لم يستحق
على القائل شيئا على الصحيح، وهو قول الجمهور. قال القاضي أبو الطيب، وقال
الداركي: يحتمل أن يستحق الألف كالتماس الطلاق والعتق. ولو قال: بعه عندك
بألف في مالي، لم يستحق على القائل شيئا.
الرابعة: أبو الزوجة في اختلاعها كالأجنبي، فإن اختلع بمال نفسه، فذاك،
صغيرة كانت أو بالغة، وإن اختلع بمالها وصرح بالنيابة أو الولاية، لم يقع الطلاق
كما لو بان كذب مدعي الوكالة في الاختلاع. وإن اختلع بمالها مصرحا بالاستقلال،
فهو كالاختلاع بمغصوب، فيقع الطلاق بمهر المثل على الأظهر، وببدل المسمى
في قول.
ولو اختلع بعبد أو غيره، وذكر أنه من مالها ولم يتعرض لنيابة ولا استقلال،
وقع الطلاق رجعيا كمخالعة السفيهة، صغيرة كانت الزوجة أم كبيرة، بكرا أم ثيبا.
وكذا لو قال للأجنبي: خالعها على عبدها هذا، أو صداقها، وذكرا في
تشبيهه بالسفيهة أنه أهل للقبول، لكنه محجور عليه في مالها، ولكن هذا ينتقض
بالمغصوب، ولهذا خرج القاضي حسين هنا وجها أنه يقع الطلاق بائنا، ويعود
القولان في قدر المال الواجب. والمذهب الفرق، لأن الأجنبي متبرع بما يبذله لا
يحصل له فائدة إذا أضاف إلى مالها، فقد صرح بترك التبرع بخلاف اختلاعها نفسها
بمغصوب.
وبنى البغوي على هذا الفرق، أنه لو قال الأجنبي: طلقها على هذ المغصوب، أو على هذا
الخمر، أو على عبد زيد هذا، فطلق، وقع رجعيا ولا
مال، بخلاف ما إذا التمست المرأة هكذا. ولو اختلع الأب أو الأجنبي بعبدها ولم
يذكر أنه من مالها، فإن لم يعلم الزوج كونه عبدها، فكالمغصوب، فيقع بمهر
المثل على الأظهر، وإن علم، فالأصح أنه كالذي لم يعلم. وقيل: المعلوم
كالمذكور فيقع رجعيا، هذا كله إذا اختلع الأب بغير صداقها، فإن اختلع به أو على
أن الزوج برئ من صداقها، أو قال: طلقها وأنت برئ من صداقها أو على أنك
برئ من صداقها، فالمنصوص أن يقع الطلاق رجعيا، ولا يبرأ عن صداقها، ولا
725

شئ على الأب. وحكى الامام وغيره تخريجه على عفو الأب عن صداق الصغيرة،
وإن جوزناه، صح الخلع، وإلا فالصحيح وقوعه رجعيا كما نص عليه كاختلاع
السفيهة. وقيل: لا يقع الطلاق أصلا كالوكيل الكاذب. فإذا صححنا عفو الولي،
فشرطه كونه قبل الدخول، وحينئذ يتشطر المهر فيكون العوض أحد الشطرين.
ولو اختلعا بالبراءة عن صداقها وضمن له الدرك، فالذي أطلقه الجمهور من
العراقيين وغيرهم، أنه لا يبرأ ويقع الطلاق بائنا، لأنه التزم المال في نفسه، فأشبه
الاختلاع بمغصوب. فعلى هذا، هل الواجب عليه مهر المثل أم بدل الصداق؟ فيه
القولان المعروفان. أظهرهما: الأول. وهكذا الحكم فيما إذا قال الأب أو
الأجنبي: طلقها على عبدها هذا وعلي ضمانه. فعلى الأظهر: يلزم مهر المثل.
وعلى الثاني: قيمة العبد. والذي قدمناه أنه لا يلزمه شئ، هو فيما إذا لم يتلفظ
بالضمان. وحكى الامام، أنه لا أثر لهذا الضمان ويقع الطلاق رجعيا كما لو قال:
طلقها وأنت برئ من الصداق. ووجها أنه (إن) قال: طلقها وأنا ضامن براءتك، لغا
ووقع رجعيا إذ لا فائدة فيه. وإن قال: وأنا ضامن للصداق، إن طولبت به أديته
عنك، وقع بائنا لأنه صرح بالمقصود، إلا أنه التزام فاسد واختار الامام الغزالي
هذا.
ولفظ الضمان هنا، كهو في قوله: ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه.
والمراد به الالتزام دون الضمان المشهور. ولو التمس الطلاق على أنه برئ،
وضمن الدرك، فقال الزوج في جوابه: إن برئت من صداقها، فهي طالق، لم
تطلق لأن الصفة المعلق عليها لم توجد.
الباب الخامس
في الاختلاف
فيه مسائل.
الأولى: قالت: خالعني على كذا، فأنكر الزوج، صدق بيمينه. ولو كان له
زوجتان تسميان باسم واحد، فقال: خالعت فلانة بكذا، فقبلت إحداهما، فقال
الزوج: أردت الأخرى، وقالت القائلة: بل أردتني، فهو المصدق ولا فرقة.
726

ولو قال: طلقتك بألف، فقالت: بلا عوض، صدقت بيمينها في نفي
العوض، ولا يقبل قوله في سقوط سكناها ونفقتها، وتحصل البينونة بقوله.
ولو قال: خالعتك بالعوض الذي سألت، فأنكرت أصل السؤال، فكذلك
الحكم.
وإن قالت: طلقتني بعد طول الفصل، وقال: بل في الحال، فهي المصدقة
في نفي المال أيضا. ولو قال: طلقتك بعد طول الفصل ولم تقبلي فلي الرجعة،
وقالت: بل طلقتني متصلا بسؤالي، فلا رجعة لك، فالمصدق الزوج.
الثانية: اتفقا على الخلع واختلفا في جنس العوض أو قدره أو صفته في
الصحة والتكسر والأجل، ولا بينة، تحالفا وحصلت البينونة، وإنما أثر التحالف في
العوض. والقول في أنه هل تنفسخ التسمية، أم تفسخ إن أصرا على النزاع، وفي
كيفية اليمين ومن يبدأ به على ما تقدم في البيع وفي الرجوع بعد الفسخ أو الانفساخ
إلى مهر كتحالفهما في الصداق؟ وقيل: يرجع بأقل الامرين من مهر
المثل وما ادعاه. وقيل: بأكثر الامرين من مهر المثل والمسمى الذي ادعته،
والصحيح الأول. ولو أقام كل واحد بينة بدعواه، فهل تتساقطان، أم يقرع؟ قولان
727

حكاهما الحناطي. وعلى التقديرين، هل يحلف؟ وجهان. وعن ابن سريج، أنه
يعمل بأكثر البينتين.
قلت: الأظهر، أنهما يسقطان ولا ترجيح بالكثرة. والله أعلم.
ولو خالع أجنبيا واختلفا، تحالفا وعلى الأجنبي مهر المثل.
الثالثة: سبق أنه لو خالعها على ألف درهم، وفي البلد نقد غالب نزل عليه فلو
لم يكن، بطلت التسمية ووجب مهر المثل، فإن نويا نوعا، فالصحيح الاكتفاء بالنية
ولزوم ذلك النوع. وقيل: تفسد التسمية ويجب مهر المثل كنظيره في البيع، والفرق
أنه يحتمل هنا ما لا يحتمل في البيع. ولو قال: خالعتك على ألف ولم يذكر
جنسا، فالصحيح أنه كإبهام النوع، فإن نويا جنسا، تعين. وقيل: يتعين هنا مهر
المثل لكثرة الاختلاف في الأجناس. ولو قال: خالعتك على ألف شئ فقبلت،
ونويا شيئا معينا، قال القاضي حسين: التسمية فاسدة لشدة الاجمال، فيرجع إلى
مهر المثل، ويمكن أن ينازعه غيره. ثم قال الشيخ أبو محمد: إنما يؤثر التعيين
بالنية إذا تواطئا قبل العقد على ما يقصدانه ولا أثر للتوافق بلا مواطأة، ولم يعتبر
آخرون ذلك، بل اعتبروا مجرد التوافق.
قلت: هذا الثاني، هو الأصح. وقول الشيخ أبي محمد هنا ضعيف. والله
أعلم.
وإذا عرفت هذه المقدمة، فلو تخالعا بألف درهم وأطلقا، فقال الزوج: أردنا
بالدراهم النقرة، فقالت: بل أردنا بها الفلوس أو على ألف، فقال: أردنا الدنانير أو
الدراهم فقالت: أردنا الفلوس، فالصحيح أنهما يتحالفان. وقيل: يجب مهر المثل
بلا تحالف.
فلو توافقا على أنه أراد النقرة، وادعت أنها أرادت الفلوس وقال: بل أردت
النقرة أيضا، حصلت البينونة لانتظام الصيغة ومؤاخذة لها، وتصدق هي بيمينها.
فإذا حلفت، فلا شئ عليها، لأنها نفت بيمينها النقرة، ونفى هو الفلوس.
728

ولو توافقا أنها أرادت الفلوس، وقال هو: أنا أردت النقرة، ولا فرقة
للمخالفة، فقالت: بل أردت الفلوس أيضا وبنت منك، حصلت البينونة ظاهرا
لاتفاق اللفظين. وهل للزوج مهر المثل؟ وجهان، قال القاضي حسين: نعم
للبينونة ظاهرا، والذي اختاره الغزالي: لا، لانكاره البينونة وعوضها.
قلت: هذا الثاني هو الأصح، واختاره أيضا الامام. قال الامام: فإن قيل:
لو صدقها بعد ذلك في اتفاق النية، قلنا: إذ ذاك يطالبها بالمسمى المعين لا بمهر
المثل. والله أعلم.
وفي معنى هذه الصورة ما إذا اتفقا على أنه أراد الدراهم، وزعم أنها أرادت
الفلوس، ولا فرقة، فقالت: أردت الدراهم وبنت، فالفرقة حاصلة، ويعود
الوجهان في ثبوت شئ للزوج، وبالثبوت قطع البغوي، وقال: لا تحصل الفرقة
باطنا إن كان صادقا. ولو قال: أردت النقرة ولم يتعرض لجانبها، وقالت: أردت
729

الفلوس ولم تتعرض لجانبه، حصلت الفرقة. ثم عن القاضي حسين أنهما
يتحالفان. وفي البسيط أن الوجه وجوب مهر المثل، لأنه لا يدعي عليها معينا
حتى تحلف.
قلت: الأصح، وجوب مهر المثل بلا تحالف. وقد نقل الامام الاتفاق
عليه، وجعل مخالفة القاضي في التحالف في غير هذه الصورة. والله أعلم.
ولو قال أحد المتخالعين: أطلقنا الدراهم. وقال الآخر: عينا نوعا تحالفا.
الرابعة: قالت: سألتك ثلاث تطليقات بألف فأجبتني، فقال: بل سألت
واحدة بألف فأجبتك، فالألف متفق عليه، لكن اختلفا في المعوض فيتحالفان، فإذا
تحالفا، فعليها مهر المثل. والقول في عدد الطلاق الواقع قوله بيمينه. قال
الحناطي: ولو أقام كل واحدة بينة على قوله، فإن اتفق تاريخ البينتين، تحالفا وإلا
فالأسبق تاريخا مقدمة. ولو قال: طلقتك وحدك بألف، فقالت: بل طلقتني
وضرتي، تحالفا وعليها مهر المثل. ولو قالت: سألتك واحدة بألف، فأجبتني
فقال: بل طلقتك ثلاثا بألف، وقع الثلاث ووجب الألف، ولا معنى لهذا
الاختلاف. ولو قالت: سألتك ثلاثا بألف فطلقتني طلقة، فلك الثلث فقال: بل
ثلاثا فلي الألف، فإن لم يطل الفصل، طلقت ثلاثا ولزمها الألف، وإن طال ولم
يمكن جعله جوابا، طلقت ثلاثا بإقراره وتحالفا للعوض، وعليها مهر المثل، هكذا
نص عليه في روحية الربيع. وفيما نقله أبو بكر الفارسي في عيون المسائل
واختلف الأصحاب، فأخذت طائفة بالنص، وقال البغوي: يتحالفان وله مهر
المثل، ولم يفرق بين طول الفصل وعدمه. وقال آخرون: النص مشكل في حالتي
الاتصال والانفصال. قال الامام: ينبغي أن يقال في حالة الاتصال، إن قال
الزوج: ما طلقتك من قبل، والآن أطلقك ثلاثا على ألف، تقع الثلاث ويجب
الألف، لأن الوقت وقت الجواب. وإن قال: طلقتك من قبل ثلاثا تعذر، جعل هذا
إنشاء، لأنها بانت قبله، فيقع الثلاث بإقراره، ولا يلزمها إلا ثلث الألف كما لو
قال: إن رددت أعبدي الثلاثة، فلك الألف، فقال: رددتهم وقال: ما رددت إلا
واحدا. وأما في حال الانفصال، فيحكم بوقوع الثلاث بإقراره وعليها ثلث الألف،
ولا معنى للتحالف، لأن التحالف عند الاختلاف في صفة العقد أو العوض، (وهما)
730

هنا متفقان على أن المسؤول ثلاث، وأن العوض ألف، وللزوج أن يحلفها على نفي
العلم أنه ما طلقها ثلاثا، وهذا صحيح وليتأول النص عليه بحسب الامكان.
فرع قال الحناطي: قالت: طلقتني ثلاثا بألف فقال: بل طلقتك واحدة
بألفين وأقام كل واحد بينة بقوله، واتفقا أنه لم يطلق إلا مرة، تحالفا وله مهر المثل.
الخامسة: تخالعا بألف فطالبها به، فقالت: ضمنه زيد، لم ينفعها هذا
الجواب لأن الضمان لا يقطع الطلب عنها، وكذا لو قالت: قبلت الخلع على أن
يزن زيد عني الألف، وهي في الصورتين مقرة بالألف. ولو قالت: قبلت الخلع
بألف لي في ذمة زيد، ففيه خلاف مبني على بيع الدين، وحاصله أربعة أوجه.
أصحهما: التحالف بناء على صحة بيع الدين، والثاني: يجب مهر المثل بلا
تحالف، بناء على منعه، والثالث: تصدق هي بيمينها، والرابع: هو بيمينه،
نقلهما المتولي بناء على منعه، وهما الوجهان في الاختلاف في صحة العقد
وفساده.
فرع قال: خالعتك، فقالت: اختلعني أجنبي لنفسه بماله، بانت
باعترافه ولا شئ عليها، ولا على الأجنبي. ولو قالت: اختلعت بوكالة زيد وأضفت
إليه، فهل يتحالفان أم تصدق هي أم هو؟ فيه أوجه، أصحهما: الأول. ولو
قالت: لم أضف ولكن نويت الاختلاع لزيد، فإن قلنا: تتوجه المطالبة على
الوكيل، لم ينقطع طلب الزوج بقولها، وكذا لو أنكر أصل الوكالة. وإن قلنا:
لا يطالب، فهل يتحالفان، أم تصدق هي، أم هو؟ فيه الأوجه.
السادسة: طلقها بألف وأرضعت بنتها زوجة أخرى له صغيرة واختلف
المتخالعان، فقال الزوج: سبق الخلع فعليك المال، وقالت: بل سبق الارضاع،
فانفسخ النكاح والخلع لغو، نظر إن اتفقا على جريان الارضاع يوم الجمعة مثلا
وادعى تقدم الخلع، وادعت تأخره، فالقول قولها بيمينها، وإن اتفقا على جريان
الخلع يوم الجمعة، وادعى تأخر الارضاع، وادعت تقدمه، فالقول قوله بيمينه،
لأن الأصل استمرار النكاح، ولان اشتغالهما بالخلع يدل ظاهرا على بقاء النكاح،
كما لو تخالعا، ثم ادعت أنه طلقها قبل الخلع ثلاثا، أو ادعت إقراره بفساد النكاح
فأنكر، فإنه يصدق بيمينه وتستمر صحة الخلع.
731

السابعة: تخالعا ثم قال هو: كنت مكرهة، فلي الرجعة فأنكرت الاكراه، لم
يقبل قوله في الظاهر، وعليه رد المال لاعترافه. ولو ادعت الاكراه، فأنكر، صدق
بيمينه، ولزمها المال. فلو أقامت بينة بالاكراه، لزمه رد المال ولا رجعة لاعترافه
بالبينونة، فلو لم يصرح بالانكار، أو سكت، أو كانت الخصومة مع وكيله، فله
الرجعة، إذ أقامت البينة.
فصل في مسائل منثورة تتعلق بالخلع ليس له خلع زوجة ولده
الطفل، والخلع على غير الصداق قبل قبضه، لا يسقط حقها منه، وبعد قبضه وقبل
الدخول لا يسقط حق الزوج من نصفه عندنا. ولو خالع حاملا بنفقة عدتها، بانت
بمهر المثل. وفي فتاوى القفال: لو خالعها بمهرها بعد أن أبرأته منه، فإن
جهلت الحال، فهل يلزمها مهر المثل أم بدل المسمى؟ فيه القولان. وإن علمت،
نظر إن جرى بلفظ الطلاق، كقوله: طلقتك على صداقك، فهل يقع بائنا ويعود
الخلاف فيما يلزمها، أم يقع رجعيا؟ وجهان. وإن جرى بلفظ الخلع، فإن أوجبنا
المال في لفظ الطلاق، فهنا أولى، وإلا فوجهان بناء على أن لفظ الخلع هل
يقتضي ثبوت مال؟ وفي فتاوى القاضي حسين، أنه لو خالعها على مالها في ذمته
وعلى ألف آخر في ذمتها، وعلى أن ينفق على ولده كل يوم كذا إلى مدة كذا، فهو
فاسد لشرط الانفاق، وتبين بمهر المثل. وأنه لو خالعها بألف وعلى حضانة ولده
الصغير سنة، فتزوجت في أثناء السنة، لم يكن للزوج انتزاع الولد منها بتزوجها،
لأن الإجارة عقد لازم، وأنها لو قالت: إن طلقتني أبرأتك عن الصداق، أو فأنت
برئ منه فطلق، لا يحصل الابراء، لأن تعليقه باطل ويلزمها مهر المثل، لأنه لم
يطلق مجانا. فلو قالت: أبرأتك عن صداقي فطلقني، برئ الزوج وله الخيار، إن
شاء طلق، وإن شاء لم يطلق. وفي فتاوى البغوي، لو خالعها على ثوب هروي
وقبلت، ثم أعطته مرويا فرضيه وأراد إمساكه، ينظر إن وصفه بالصفات المعتبرة بني
على جواز أخذ الزبيب الأبيض عن الأسود. إن جوزنا فكذا هنا، وإلا فلا يجوز
الامساك هنا بلا معاقدة. فإن تعاقدا، فقالت: جعلته بدلا عما علي وقبله الزوج،
بني على أن الصداق مضمون ضمان اليد، أم العقد، إن قلنا بالأول، جاز، أو
بالثاني، فقولان كالاستبدال عن الثمن في الذمة. وإن لم يصفه، فالواجب مهر
المثل، فلا يجوز إمساكه إلا بمعاقدة، وأنها لو قالت: اختلعت نفسي بالصداق
732

الذي في ذمتك وأنكر وحلف، فلا رجوع لها عليه بالصداق ولو كان له على رجل
دين، فقال: اشتريت منك دارك به وقبضته وأنكر الرجل، يجوز له المطالبة
بالدين، والفرق أن الخلع يقتضي اليأس من الصداق وسقوطه بالكلية، لأن ذمة
الزوج إذا برئت منه لا يتصور اشتغالها به. وفي صورة البيع لا يحصل اليأس عن
الدين، لاحتمال تلف الدار قبل القبض، أو خروجها مستحقة، أو ردها بعيب،
وإن الزوج لو قال: خالعتك وأنكرت وحلفت ثم وطئها، فعليه الحد في الظاهر، ولا
حد عليها، لأنها تزعم أنها في نكاحه. وأما الباطن، فإن صدق، حد، وإن
كذب، فلا. وقيل: دعواه تكون طلاقا ظاهرا وباطنا، فعليهما الحد، وأنها لو
قالت: اختلعت بثلاث طلقات على ما لي عليك من الحق، فقال: خالعتك
بطلقة، وقعت طلقة بمهر المثل، ويحتمل أن يجب ثلث مهر المثل.
فصل لابن الحداد قال: أنت طالق اثنتين، إحداهما بألف، فالمقابلة بالألف
لا تقع إلا بقبولها. وفي الأخرى وجهان. أحدهما وبه قال ابن
الحداد: لا يقع إلا بالقبول، لأنه علق الطلقتين بالقبول، ولأنها تابعة للأخرى،
وأصحهما عند الشيخ أبي علي: يقع بلا قبول لخلوها عن العوض، ولأنه لو قال:
أنت طالق طلقتين، إحداهما بألف، والأخرى بغير شئ وقعت الواحدة بلا قبول،
فكذا هذا. قال الامام: ولا يبعد طرد الوجهين هنا، فإن قلنا بالأول، فإذا قبلت،
وقعت الطلقتان ولزمها الألف. وهل الألف في مقابلة إحداهما فقط، أم في مقابلتهما
معا وإحداهما تابعة؟ فيه احتمالان ذكرا ووجه.
الثاني: أنه لو اختص المال بإحداهما، لما توقفت الأخرى على القبول، ولا
قرنت طلقتان بائنة ورجعية، وذلك بعيد. وإن قلنا بالوجه الثاني، فإن كانت غير
مدخول بها، وقعت الواحدة عند تمام لفظه وبانت، فلا تقع الأخرى، ولو قبلت.
733

وإن كانت مدخولا بها، فالواقعة رجعية، فإذا قبلت، فهو مخالعة وفيها القولان. فإن
جوزناها، وقعت الثانية بالألف، وإلا، ففيه احتمالان للشيخ أبي علي. أحدهما:
لا يقع الطلاق لأنه إنما وقع بشرط قبولها، وإذا لم يلزم المال، فلا معنى للقبول،
وأصحهما: يقع وإن لم يلزم المال بمخالعة المحجور عليها. وبالله التوفيق.
734