الكتاب: كتاب الأم
المؤلف: الإمام الشافعي
الجزء: ٢
الوفاة: ٢٠٤
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤٠٣ - ١٩٨٣ م
المطبعة:
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
ردمك:
ملاحظات: الطبعة الأولى - ١٤٠٠ - ١٩٨٠ م

الأم
تأليف
الامام أبي عبد الله محمد بن إدريس
الشافعي
150 - 204
الجزء الثاني
دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع
1

الطبعة الأولى 1400 ه‍ 1980 م
الطبعة الثانية: 1403 ه‍ 1983 م
2

بسم الله الرحمن الرحيم
(كتاب الزكاة)
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس المطلبي الشافعي رحمه الله قال قال الله عز
وجل " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين
(القيمة) (قال الشافعي) فأبان الله عز وجل أنه فرض عليهم أن يعبدوه مخلصين له الدين ويقيموا
الصلاة ويؤتوا الزكاة وقال الله عز وجل " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله
فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما
كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون " وقال عز ذكره " ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من
فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) (قال الشافعي) فأبان الله عز وجل
في هاتين الآيتين فرض الزكاة لأنه إنما عاقب على منع ما أوجب وأبان أن في الذهب والفضة الزكاة
(قال الشافعي) قول الله عز وجل " ولا ينفقونها في سبيل الله " يعني والله تعالى أعلم في سبيله الذي فرض
من الزكاة وغيرها (قال الشافعي) وأما دفن المال فضرب من إحرازه وإذا حل إحرازه بشئ حل بالدفن
وغيره وقد جاءت السنة بما يدل على ذلك ثم لا أعلم فيه مخالفا ثم الآثار. أخبرنا الربيع بن سليمان قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال أخبرنا جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين سمعا أبا وائل يخبر
عن عبد الله بن مسعود يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من رجل لا يؤدي زكاة
ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع يفر منه وهو يتبعه حتى يطوقه في عنقه " ثم قرأ علينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
مالك عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أنه كان يقول " من كان له مال لم يؤد
زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطلبه حتى يمكنه يقول أنا كنزك " أخبرنا الربيع قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر قال: كل مال يؤدي زكاته
فليس بكنز وإن كان مدفونا وكل مال لا يؤدي زكاته فهو كنز وإن لم يكن مدفونا وقال الله عز وجل لنبيه
صلى الله عليه وسلم " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " (قال الشافعي) وإنما أمره أن يأخذ
منهم ما أوجب عليهم وذكر الله تبارك وتعالى الزكاة في غير موضع من كتابه سوى ما وصفت منها
(قال) فأبان الله عز وجل فرض الزكاة في كتابه ثم أبان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم في أي المال
الزكاة فأبان في المال الذي فيه الزكاة أن منه ما تسقط عنه الزكاة ومنه ما تثبت عليه وأن من الأموال ما
لا زكاة فيه (قال) وكان فيما أبان من هذا مع غيره إبانة الموضع الذي وضع الله به رسوله الله صلى الله عليه
وسلم من دينه وكتبه والدليل على أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما لله عز وجل فيه حكم
3

والدليل على ما أراد الله تبارك وتعالى بحكمه أخاصا أراد أم عاما وكم قدر ما أراد منه وإذا كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم بهذا الموضع من كتاب الله عز وجل ودينه في موضع كان كذلك في كل موضع
وسنته لا تكون إلا بالإبانة عن الله تبارك وتعالى واتباع أمره.
(باب العدد الذي إذا بلغته الإبل كان فيها صدقة)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن
بن أبي صعصعة المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس
فيما دون خمس ذود صدقة " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال حدثنا عمرو بن
يحيى المازني عن أبيه قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس
فيما دون خمس ذود صدقة " (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال
سمعت أبا سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (قال الشافعي) وبهذا نأخذ ولا أعلم فيه
مخالفا لقيته ولا أعلم ثقة يرويه إلا عن أبي سعيد الخدري فإذا أثبتوا حديثا واحدا مرة وجب عليهم أن
يثبتوه أخرى (قال الشافعي) وبين في السنة أن ليس فيما دون خمس من الإبل صدقة وأن في
الخمس صدقة.
(باب كيف فرض الصدقة)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر عن المثنى بن أنس أو ابن
فلان ابن أنس " الشافعي يشك " عن أنس بن مالك قال هذه الصدقة ثم تركت الغنم وغيرها وكرهها
الناس " بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على
المسلمين التي أمر الله تعالى بها فمن سئلها على وجهها من المؤمنين فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعطه في
أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم في كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس
وثلاثين من الإبل ففيها ابنة مخاض أنثى فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر فإذا بلغت ستا
وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة
الجمل فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها
ابنتا لبون فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل فإن زادت على
عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة وأن بين أسنان الإبل في فريضة
الصدقة من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة
ويجعل معها شاتين إن استيسر عليه أو عشرين درهما فإذا بلغت عليه الحقة وليست عنده حقة وعنده
جذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين " أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال وأخبرني عدد ثقات كلهم عن حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس ابن مالك
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل معنى هذا لا يخالفه إلا أني لا أحفظ فيه ألا
يعطى شاتين أو عشرين درهما ولا أحفظ إن استيسر عليه (قال الشافعي) وأحسب في حديث حماد عن
أنس أنه قال دفع إلى أبو بكر الصديق رضي الله عنه كتاب الصدقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وذكر هذا المعنى كما وصفت أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قال
4

لي ابن طاوس " عند أبي كتاب من العقول نزل به الوحي وما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من
العقول أو الصدقة فإنما نزل به الوحي " (قال الشافعي) وذلك إن شاء الله تعالى كما روى ابن طاوس
وبين في قول أنس (قال) وحديث أنس حديث ثابت من جهة حماد بن سلمة وغيره عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وبه نأخذ أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أنس بن عياض عن موسى
بن عقبة عن نافع عن عبد الله بن عمر أن هذا كتاب الصدقات فيه في كل أربع وعشرين من الإبل
فدونها من الغنم في كل خمس شاة وفيما فوق ذلك إلى خمس وثلاثين بنت مخاض فإن لم تكن بنت
مخاض فابن لبون ذكر وفيما فوق ذلك إلى خمس وأربعين بنت لبون وفيما فوق ذلك إلى ستين حقة
طروقة الجمل وفيما فوق ذلك إلى خمس وسبعين جذعة وفيما فوق ذلك إلى تسعين ابنتا لبون وفيما فوق
ذلك إلى عشرين ومائة حقتان طروقتا الجمل فما زاد على ذلك ففي كل أربعين بنت لبون وفى كل
خمسين حقة وفى سائمة الغنم إذا كانت أربعين إلى أن تبلغ عشرين ومائة شاة وفيما فوق ذلك إلى مائتين
شاتان وفيما فوق ذلك إلى ثلاثمائة ثلاث شياه فما زاد على ذلك ففي كل مائة شاة ولا يخرج في الصدقة
هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية
الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية وفى الرقة ربع العشر إذا بلغت رقة أحدهم
خمس أواقي " هذه نسخة كتاب عمر بن الخطاب التي كان يأخذ عليها (قال الشافعي) وبهذا كله
نأخذ أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني الثقة من أهل العلم عن سفيان ابن حسين عن
الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا أدرى أدخل ابن عمر
بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عمر في حديث سفيان أم لا " في صدقة الإبل
مثل هذا المعنى لا يخالفه ولا أعلمه بل لا أشك إن شاء الله تعالى إلا أنه حدث بجميع الحديث في
صدقة الغنم والخلطاء والرقة وهكذا إلا أنى لا أحفظ إلا الإبل في حديثه (قال الشافعي) فإذا قيل في
سائمة الغنم هكذا فيشبه والله تعالى أعلم أن لا يكون في الغنم غير السائمة شئ لان كلما قيل في
شئ بصفة والشئ يجمع صفتين يؤخذ من صفة كذا ففيه دليل على أن لا يؤخذ من
غير تلك الصفة من صفتيه (قال الشافعي) بهذا قلنا لا يتبين أن يؤخذ من الغنم غير
السائمة صدقة الغنم وإذا كان هذا هكذا في الإبل والبقر لأنها الماشية التي تجب فيها الصدقة دون ما
سواها (قال الشافعي) وإذا كان للرجل أربعة من الإبل فلا يكون فيها زكاة حتى تبلغ خمسا فإذا بلغت
خمسا ففيها شاه ثم لا زكاة في الزيادة على خمس حتى تبلغ عشرا فإذا بلغت ففيها شاتان فإذا زادت
على عشر فلا زكاة في الزيادة حتى تكمل خمس عشرة فإذا كملتها ففيها ثلاث شياه فإذا زادت فلا
زكاة في الزيادة حتى تبلغ عشرين فإذا بلغتها ففيها أربع شياه فإذا زادت فلا زكاة في الزيادة حتى
تبلغ خمسا وعشرين فإذا بلغت خمسا وعشرين سقطت الغنم فلم يكن في الإبل غنم بحال وكانت فيها
بنت مخاض فإن لم يكن فيها بنت مخاض ففيها ابن لبون ذكر فإذا زادت فليس في
الزيادة شئ حتى تكمل ستا وثلاثين فإذا أكملتها ففيها بنت لبون فإذا زادت فليس
في الزيادة شئ حتى تكمل ستا وأربعين فإذا كملتها ففيها حقة طروقة الفحل،
فإذا زادت فليس في الزيادة شئ حتى تكمل إحدى وستين، فإذا كملتها ففيها
جذعة فإذا زادت فليس في الزيادة شئ حتى تبلغ ستا وسبعين فإذا بلغتها ففيها بنتا لبون فإذا زادت
فليس في الزيادة شئ حتى تبلغ إحدى وتسعين فإذا بلغتها ففيها حقتان طروقتا الفحل فإذا زادت
5

فليس في الزيادة شئ حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين فإذا بلغتها سقط الفرض الثاني واستقبل بها
فرض ثالث فعدت كلها فكان في كل أربعين منها بنت لبون وفى كل خمسين حقة (قال الشافعي)
وإبانة ذلك أن تكون الإبل مائة وإحدى وعشرين فيكون فيها ثلاث بنات لبون فإذا زادت فليس في
زيادتها شئ حتى تكمل مائة وثلاثين فإذا كملتها ففيها حقة وبنتا لبون فإذا زادت فليس في زيادتها
شئ حتى تكمل مائة وأربعين فإذا كملها ففيها حقتان وبنت لبون فإذا زادت فليس في زيادتها شئ
حتى تكمل مائة وخمسين فإذا كملتها ففيها ثلاث حقاق ثم ليس في زيادتها شئ حتى تكمل مائة وستين
فإذا كملتها ففيها أربع بنات لبون فإذا زادت فليس في زيادتها شئ حتى تبلغ مائة وسبعين فإذا بلغتها
ففيها حقة وثلاث بنات لبون فإذا زادت فليس في الزيادة شئ حتى تبلغ مائة وثمانين فإذا بلغتها ففيها
حقتان وابنتا لبون فإذا زادت فليس في الزيادة شئ حتى تبلغ مائة وتسعين فإذا بلغتها ففيها ثلاث
حقاق وبنت لبون فإذا زادت فليس في الزيادة شئ حتى تبلغ مائتين فإذا بلغتها فعلى المصدق أن
يسأل فإن كانت أربع حقاق منها خيرا من خمس بنات لبون أخذها وإن كانت خمس بنات لبون خيرا
أخذها لا يحل له غير ذلك ولا أراه يحل لرب المال غيره فإن أخذ من رب المال الصنف الأدنى كان
حقا عليه أن يخرج فضل ما بين ما أخذ منه وترك له فيعطيه أهل السهمان (قال الشافعي) ثم هكذا كل
ما اجتمع فيه الفرض في أربعمائة وغيرها أخذ المصدق الأفضل لأهل السهمان وأعطى ذلك رب المال
فإن ترك له أخرج رب المال فضله (قال الشافعي) وإن استوت قيم أربع حقاق وخمس بنات لبون كان
للمصدق أن يأخذ من أي الصنفين شاء لأنه ليس هنالك فضل يدعه لرب المال (قال الشافعي) وإن
وجد المصدق أحد الصنفين ولم يجد الآخر أخذ الصنف الذي وجد ولم يأخذ الآخر كأن وجد أربع
حقاق ولم يجد خمس بنات لبون فيأخذ الحقاق فإن وجد خمس بنات لبون ولم يجد الحقاق فيأخذ
بنات اللبون لأنه ليس هنالك فرض ولا فضل يدعه (قال الشافعي) وإذا كانت الإبل مائتين فوجد
أربع بنات لبون وأربع حقاق فرأى أربع بنات لبون يقاربن الحقاق ولم يشك في أن لو كانت معهن
واحدة منهن في أنها أفضل من الحقاق لم يكن له أن يأخذ إلا الحقاق ولم يكن له أن يكلفه ما ليس في
إبله وهو يجد فريضته في إبله (قال) ولو كانت بنات لبون كما وصفت وهنالك حق فأراد أخذها وحقا
أو أخذها وبنت مخاض لأنها دون بنت لبون وكان مع بنات اللبون خيرا للمساكين لم يكن ذلك له لأنه
حينئذ يصير إلى فراق الفريضة (قال) ولو كانت الحقاق مراضا أو ذوات نقص أو عيب لم يكن له أن
يأخذ إلا بنات لبون إذا كانت صحاحا (قال) ولو كان الصنفان اللذان هما الفرض معا ناقصين وسائر
الإبل صحاحا قيل له: إن أعطيت من أحد الصنفين صحاحا من حيث شئت قبلناه وإن لم تفعل
أخذنا منك السن التي هي أعلى ورددنا عليك، أو السن التي هي أسفل وأخذنا منك (قال الشافعي)
وإن كانت الإبل معيبة كلها أو بعضها معيبة إلا الأقل من عدد الصدقة كأن الصدقة خمس أو أربع
والصحيح ثلاث أو اثنتان قيل له نأخذ منك الصحيح الذي عندك وعليك ما يبقى من الصحيح
صحيحا مثله فإن جئت به وإلا أخذنا منك الصحيح الاعلى ورددنا عليك، أو الصحيح الأسفل
وأخذنا منك، ولا نأخذ منك، مريضا. وفى الإبل عدد صحيح (قال الشافعي) وإذا كانت الإبل
خمسا وعشرين فلم يكن فيها بنت مخاض أخذ منها ابن لبون ذكر فإن لم يكن فيها فالخيار لرب المال
يأتي بأيهما شاء وأيهما جاء به فهو فريضة فإن جاء بهما معا لم يكن للمصدق أن يأخذ إلا ابنة مخاض
لأنها الفرض الأول الذي لا فرض غيره وهي موجودة.
6

(باب عيب الإبل ونقصها)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: وإن كانت الإبل معيبة كلها بجرب أو هيام أو مرض أو عوار
أو عيب ما كان أخذ المصدق واحدة منها ولم يكلفه صحيحة من غيرها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
وليس للمصدق إذا كانت الإبل معيبة كلها أن ينخفض ولا يرتفع عن الفرض ويرد أو يأخذ نظرا
للمساكين إنما يكون له الارتفاع أو الانخفاض إذا لم تكن السن موجودة أو كانت السن موجودة معيبة
وفى المال سواها سالم من العيب (قال) وله أن يأخذ غير المعيب من السن التي وجبت له وليس لرب
المال أن يبدله شرا منها (قال الشافعي) ولو كانت الإبل معيبة كانت فريضتها الغنم فكانت الشاة التي
تجب فيها أكثر ثمنا من بعير منها قيل له: إن أعطيتها قبلت وإن لم تعطها فلك الخيار في أن تعطى بعيرا
متطوعا مكانها أو تعطيها فإن أبى الخيار جبر على أخذ الشاة ومتى جبر فلم يعط الشاة حتى يختار أن
يعطى البعير قبل منه (قال) وإذا كان بعض الإبل مباينا لبعض فأعطى أنقصها أو أدناها أو أعلاها قبل
منه وليس كالإبل فريضتها منها فيها النقص (قال الشافعي) وسواء كان النقص قديما أو حدث بعدما
عد الإبل (1) وقبل ينقص منها أو من الغنم ثم نقص ما قبض أو هلك في يده أو نقصت إبل رب المال
أو هلكت في يده لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشئ (قال الشافعي) وإن عد الساعي الإبل فلم
يقبض من ربها الزكاة حتى تلفت أو تلف بعضها ولم يفرط فإن كان في الباقي شئ أخذه وإلا فلا شئ
له (قال الشافعي) وإن كانت لرجل إبل فعدها الساعي وقال رب المال: " لي إبل غائبة " فأخذ منه
صدقة الغائبة والحاضرة ثم أخذ منه ساعي بلد إبله الغائبة صدقة فعلى المصدق الذي أخذ منه صدقة
الغائبة أن يرد عليه قدر صدقة الغائبة من صدقة غيره مثل ما أخذ منه إذا كان قد قسم صدقته إلا أن
يشاء رب الماشية أن يدع حقه.
(باب إذا لم توجد السن)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال حفظنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في أسنان الإبل
التي فريضتها بنت لبون فصاعدا " إذا لم يجد المصدق السن التي وجبت له وأخذ السن التي دونها أخذ
من رب المال شاتين أو عشرين درهما وإن أخذ السن التي فوقها رد على رب المال شاتين أو عشرين
درهما " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وعلى المصدق إذا لم يجد السن التي وجبت له ووجد السن التي
هي أعلى منها أو أسفل أن لا يأخذ لأهل السهمان إلا الخير لهم وكذلك على رب المال أن يعطيه الخير
لهم فإن لم يقبل المصدق الخير لهم كان على رب المال أن يخرج فضل ما بين ما أخذ المصدق وبين
الخير لهم ثم يعطيه أهل السهمان (قال الشافعي) وإذا وجد العليا ولم يجد السفلى أو السفلى ولم يجد العليا
فلا خيار له ويأخذ من التي وجد وليس له غير ذلك (قال الشافعي) وإذا وجد أحد السنين ذات عوار
أو هما معا ذاتي عوار وتحتهما أو فوقهما من الإبل سالم من العوار ولم يجد السن العليا ولا السفلى فليس له

(1) قوله: وقبل ينقص منها أو من الغنم ثم نقص الخ كذا في النسخ، ولعل في العبارة تحريفا وسقطا.
فلتحرر كتبه مصححه.
7

أن يأخذ ذلك من ذوات العوار وفى الإبل صحيحة وله أن يأخذ على النظر للمساكين على ما وصفت
فكلما ارتفع سنا أعطى رب المال شاتين أو عشرين درهما وإذا ارتفع إلى السن
التي فوق السن التي تلي ما وجب له فقد ارتفع سنين أعطى رب المال أربع
شياه أو أربعين درهما ثم إن ارتفع سنا ثالثا زاد شاتين فأعطاه ست شياه
أو ستين درهما وهكذا إذا انخفض أخذ منه في سن ما انخفض إليها شاتين أو عشرين درهما لا
يختلف ولا ينظر في ذلك إلى أن تكون قيمة ما بين السنين أكثر أو أقل مما جاءت به السنة أن يأخذه
(قال الشافعي) ولا يحل للساعي أن يعطيه عشرين درهما والشاتان أقل نقدا على المساكين من العشرين
الدراهم ولا الشاتين والعشرون الدراهم أقل نقدا على المساكين منهما (قال الشافعي) (2) وإذا كان
المصدق يلي صدقة دراهم وإبل وغنم وهكذا وإن لم يكن يصدق إلا ماشية باع منها فيرد على المأخوذ منه
عشرين درهما إذا كان ذلك النظر للمساكين (قال الشافعي) ويبيع على النظر للمساكين من أي
أصناف الماشية أخذ (قال الشافعي) وإذا كان يصدق إبلا لا أثمان لها للونها أو عيب بها فلم يجد السن
التي وجبت في المال ووجد السن التي أسفل منها فكان إذا أخذها وشاتين أو عشرين درهما كانت
الشاتان أو العشرون درهما خيرا من بعير منها، خير رب المال بين أن يتطوع له بالسن التي هي أعلى مما
وجبت عليه أو يعطيه المصدق الذي هو خير للمساكين (قال الشافعي) وإذا أخذ من رب المال الفضل
بين السنين أعطى رب المال أيهما شاء إن شاء شاتين وإن شاء عشرين درهما وليس للوالي أن يمتنع لان
في الحديث شاتين، إن تيسرتا أو عشرين درهما فإذا تيسرت الشاتان وفيهما وفاء أعطاهما إلا أن يشاء
عشرين درهما (قال الشافعي) والاحتياط لرب المال أن يعطى الأكثر للمساكين من شاتين أو عشرين
درهما (قال الشافعي) وإذا كانت إبل لرجل فيها صدقة منها فلم يكن فيها السن التي وجبت
فيها فقال رب الإبل آتي بها قبلت منه إذا جاء بها من أمثل إبله أو خيرا منها وإن جاء بها من إبل ألام
منها لم يكن للمصدق أن يقبلها وكان له أن يرتفع في إبل ويرد عليه أو ينخفض ويأخذ منه (قال
الشافعي) والإبل في هذا مخالفة للبقر والغنم إذا لم يجد السن من البقر والغنم كلفها ربها إلا أن يتطوع له
بأعلى منها وإذا وجد ذلك السن منها معيبة وفى ماشيته صحيح فليس له أن يرتفع ويرد، ولا ينخفض
ويأخذ من البقر ولا الغنم بحال.
(باب الشاة تؤخذ في الإبل)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا كانت لرجل إبل فريضتها الغنم وله غنم أخذ من غنمه
مما يجوز أن يكون أضحية فإن كانت غنمه معزى فثنية وإن كانت ضأنا فجذعة ولا يؤخذ منه أعلى منها
ولا دونها إلا أن يتطوع رب المال بأعلى فيقبل منه (قال الشافعي) وإن كانت غنمه ذوات عوار أو
مراضا أو لا غنم له فالخيار فيها إليه يدفع إليه أي شاة أجزأت أضحية من ضأن أو معزى ولا أنظر إلى
الأغلب بالبلد لأنه إنما جاء أن عليه شاه فإذا أخذتها في السن الذي يجزئ في صدقة الغنم فليس لي

(2) قوله: وإذا كان المصدق الخ كذا في النسخ، وانظر أين جواب الشرط، ولعل قوله: بعد
" وهكذا " محرف عن فهو هكذا أو نحوه، وحرر. كتبه مصححه.
8

أكثر منها (قال الشافعي) وهكذا إن كانت ضأنا أو معزى أو ضأنا فأراد أن يعطى عزة أو معزى فأراد
أن يعطى ضائنة قبلتها منه لأنه إنما سميت عليه شاة فإذا جاء بها قبلتها منه (قال الشافعي) ويأخذ إبله
بالعدد ما كانت إبله لئاما أو كراما لا يختلف ذلك وأي شاة من شاء بلده تجزئ أضحية قبلت منه وإن
جاء بها من غير شاء بلده ومثل شاء بلده أو خير قبلت وإن جاء بها دونها لم تقبل ولو كانت له إبل كرام
وجبت فيها فريضة منها فأراد أن يعطينا من إبل له ولغيره تلك السن وهي أدنى من إبله لم يكن لنا
أخذها منه ولم تجز عنه أن يعطينا إياها كما لو كانت له إبل لئام وله إبل كرام ببلد غير بلده أو ببلده إبل
كرام لم نأخذ منه صدقة اللئام من إبل بلده ولا إبله التي ببلد غير بلده وأخذنا من كل واحدة منهما بقدر
ما فيها (قال الشافعي) وإذا وجبت لنا عليه جذعة لم يكن للمصدق أن يأخذها منه ماخضا إلا أن
يتطوع فإذا ضرب الفحل السن التي وجبت فلم يدر أحالت أو لقحت قيل له: لا نأخذها منك أو تأتى
بغيرها من تلك السن إن شئت أو نأخذ السفلى وترد علينا أو العليا ونرد عليك.
(باب صدقة البقر)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس أن
معاذ بن جبل أتى بوقص البقر فقال لم يأمرني فيه النبي صلى الله عليه وسلم بشئ (قال الشافعي)
والوقص ما لم يبلغ الفريضة (قال الشافعي) ويشبه أن يكون معاذ إنما أخذ الصدقة بأمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وقد روى أنه أتى بما دون ثلاثين فقال لم أسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فيها شيئا،
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن حميد بن قيس عن طاوس اليماني أن معاذ بن
جبل أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا ومن أربعين بقرة مسنة وأتى بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئا وقال
لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئا حتى ألقاه فأسأله فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قبل أن يقدم معاذ بن جبل (قال الشافعي) وطاوس عالم بأمر معاذ وإن كان لم يلقه على كثرة من لقى
ممن أدرك معاذا من أهل اليمن فيما علمت وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاذا أن يأخذ من
ثلاثين تبيعا ومن أربعين مسنة (قال الشافعي) وأخبرني غير واحد من أهل اليمن عن عدد مضوا منهم أن
معاذا أخذ منهم صدقة البقر على ما روى طاوس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا بعض
أهل العلم والأمانة عن يحي بن سعيد عن نعيم (1) بن سلامة أن عمر بن عبد العزيز دعا بصحيفة
فزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب بها إلى معاذ بن جبل فإذا فيها " في كل ثلاثين تبيع وفى كل
أربعين مسنة " (قال الشافعي) وهو ما لا أعلم فيه بين أحد لقيته من أهل العلم خلافا، وبه نأخذ.
(باب تفريع صدقة البقر)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ليس في البقر شئ حتى تبلغ ثلاثين فإذا بلغتها ففيها تبيع فإذا
زادت فليس في الزيادة شئ حتى تبلغ أربعين فإذا بلغتها ففيها بقرة مسنة (قال الشافعي) ثم ليس في

(1) قوله: ابن سلامة، كذا في بعض النسخ، وفى بعض آخر، ابن سلام، من غير هاء، ولم
نعثر عليه في المسند ولا غيره من الكتب التي بيدنا اه‍.
9

الزيادة شئ حتى تبلغ ستين فإذا بلغتها ففيها تبيعان ثم ليس في الزيادة شئ حتى تبلغ سبعين فإذا
بلغتها ففيها مسنة وتبيع ثم ليس في الزيادة شئ حتى تبلغ ثمانين فإذا بلغتها ففيها مسنتان ثم ليس في
الزيادة شئ حتى تبلغ تسعين فإذا بلغتها ففيها ثلاثة أتبعة ثم ليس في الزيادة شئ حتى تبلغ مائة فإذا
بلغتها ففيها مسنة وتبيعان ثم ليس في الزيادة شئ حتى تبلغ مائة وعشرة فإذا بلغتها ففيها مسنتان وتبيع
ثم ليس في الزيادة شئ حتى تبلغ مائة وعشرين فإذا بلغتها جعل للمصدق أن يأخذ الخير للمساكين
أربعة أتبعة أو ثلاث مسنات كما قلت في الإبل وإذا وجد أحد السنين ولم يجد الآخر أخذ الصدقة من
السن التي وجد كما قلت في الإبل لا يختلف إذا اجتمعت له سنان فيهما فرض، ثم هكذا صدقة البقر
حتى تتناهى إلى ما تناهت إليه
(باب صدقة الغنم)
(قال الشافعي) ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدقة الغنم معنى ما أذكر إن شاء الله
تعالى وهو أن ليس في الغنم صدقة حتى تبلغ أربعين فإذا كانت أربعين ففيها شاة ثم ليس في زيادتها
شئ حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين فإذا بلغتها ففيها شاتان ثم ليس في زيادتها شئ حتى تبلغ مائتي
شاة وشاة فإذا بلغتها ففيها ثلاث شياه ثم ليس في زيادتها شئ حتى تبلغ أربعمائة شاة فإذا كملتها ففيها
أربع شياه ثم يسقط فرضها الأول فإذا بلغت هذا فتعد ففي كل مائة شاه ولا شئ في الزيادة حتى
تكمل مائة أخرى ثم تكون فيها شاة وتعد الغنم ولا تفرق ولا يخير رب الماشية وللساعي أن يختار السن
التي وجبت له من خير الغنم إذا كانت الغنم واحدة.
(باب السن التي تؤخذ في الغنم)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا بشر بن عاصم عن أبيه أن
عمر استعمل أبا سفيان بن عبد الله على الطائف ومخاليفها فخرج (1) مصدقا فاعتد عليهم (2) بالغذى
ولم يأخذه منهم فقالوا له: إن كنت معتدا علينا بالغذى فخذه منا فأمسك حتى لقى عمر فقال: " اعلم
أنهم يزعمون أنا نظلمهم أنا نعتد عليهم بالغذى ولا نأخذه منهم " فقال له عمر: فاعتد عليهم بالغذى
حتى بالسخلة يروح بها الراعي على يده وقل لهم: لا آخذ منكم (3) الربى ولا الماخض ولا ذات الدر
ولا الشاة الأكولة ولا فحل الغنم وخذ العناق والجذعة والثنية فذلك عدل بين غذاء المال وخياره (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وبهذا نقول أن تؤخذ الجذعة والثنية وهو في معنى أن النبي صلى الله عليه
وسلم لم يأخذ الصدقة من (4) الجعرور ولا معي الفأرة وإن كان معقولا أنه أخذ من وسط التمر فيقول
تؤخذ الصدقة من وسط الغنم فتجزى الشاة التي تجوز أضحية (قال الشافعي) وهو والله

(1) قوله: مصدقا، كذا في بعض النسخ، وفى بعض " مصنفا " بالنون والفاء، وكلاهما له
معنى صحيح، والمدار على صحة الرواية.
(2) الغذى، كغنى: السخلة. وجمعه، غذاء.
(3) الربى: كحبلى، الشاة يتبعها ولدها. والماخض: الحامل: والأكولة: السمينة تعد للذبح
(4) الجعرور، بضم الجيم. ومعي الفأرة، نوعان من ردئ التمر. كتبه مصححه.
10

أعلم معقول إذا قيل فيها شاة فما أجزأ أضحية أجزأ فيما أطلق اسم شاة.
(باب الغنم إذا اختلفت)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا اختلفت غنم الرجل وكانت فيها أجناس بعضها أرفع من
بعض أخذ المصدق من وسط أجناسها لا من أعلاها ولا من أسفلها وإن كانت واحدة أخذ خير ما
يجب له (قال الشافعي) وإن كان خير الغنم أكثرها أو وسطها أكثر فسواء والله أعلم يأخذ من الأوساط
من الغنم فإن لم يجد في الأوساط السن التي وجبت له قال لرب الغنم: إن تطوعت بأعلى منها أخذتها
وإن لم تتطوع كلفتك أن تأتى بمثل شاة وسط ولم آخذ من الأدنى والوسط فيؤخذ مما وصفت من ثنية
وجذعة وإنما منعني أن آخذ أعلى منها إذا كانت الغنم كلها أعلى منها لان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لمعاذ بن جبل حين بعثه مصدقا " إياك وكرائم أموالهم " وكرائم الأموال فيما هو أعلى من كل ما يجوز
أضحية (قال الشافعي) وإن كانت الغنم ضأنا ومعزى سواء فقد قيل يأخذ المصدق من أيهما شاء وإن
كانت إحداهما أكثر أخذ من الأكثر (قال الشافعي) والقياس أن يأخذ من كل بقدر حصته ولا يشبه
هذا التمر لان الضأن بين التمييز من المعزى وليس كذلك التمر (قال الشافعي) وهكذا البقر لا تخالف الغنم
إذا كانت جواميس وعرابا (1) ودربانية (قال الشافعي) فإذا كانت الإبل بختا وعرابا ومن أجناس
مختلفة فكانت صدقتها الغنم فلا تختلف وإن كانت صدقتها منها فمن قال يأخذ بالأكثر من أصنافها أخذ
من الأكثر فإن لم يجد في الأكثر السن التي تجب له كلفها رب الماشية ولم ينخفض ولم يرتفع ويرد إلا
أن ينخفض في الأكثر منها أو يرتفع فيرد، فأما في غير الصنف الذي هو أكثر فلا (قال الشافعي) ومن
قال يأخذ في كل بقدره أخذها بقيم فكأنه كانت له ابنة مخاض والإبل عشر مهرية تسوى مائة وعشر
أرحبية تسوى خمسين وخمس نجدية تسوى خمسين فيأخذ بنت مخاض أو ابن لبون ذكرا بقيمة خمسي
مهرية وخمسي أرحبية وخمس واحدة نجدية إلا أن تطيب نفس رب المال فيعطيه من الخير منها بلا
قيمة (قال الشافعي) فإذا كان في بعض الإبل أو البقر أو الغنم المختلفة عيب أخذ المصدق من الصنف
الذي لا عيب فيه لأنه ليس له عيب (قال الشافعي) وإذا كانت لرجل غنم غائبة عن الساعي فزعم
أنها دون الغنم التي تحصر به وسأل الساعي أن يأخذ من الأكثر أو من التي هي دون الأكثر أو من كل
بقدره فعلى الساعي تصديقه إذا صدقه على عددها صدقه على انخفاضها وارتفاعها وهكذا إذا كانت
البقر عرابا ودربانية وجواميس والغنم مختلفة هكذا أخذت صدقتها كما وصفت بقدرها وقيمة المأخوذ منها
من قدر عدد كل صنف منها ويضم البخت إلى العراب والجواميس إلى البقر والضأن إلى المعز.
(باب الزيادة في الماشية)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت لرجل أربعون شاة كلها فوق الثنية جبر المصدق رب
الماشية على أن يأتيه بثنية إن كانت معزى أو جذعة إن كانت ضأنا إلا أن يتطوع فيعطى شاة منها فيقبلها

(1) الدربانية، بالفتح، ضرب من البقر، ترق أظلافها وجلودها ولها أسنمة كذا في القاموس.
كتبه مصححه.
11

لأنها أفضل لأنه إذا كلف ما يجب عليه من غير غنمه فقد ترك فضلا في غنمه (قال الشافعي) وهكذا
إن كانت الغنم التي وجبت فيها الزكاة مخاضا كلها (1) أو لبنا أو متابيع لان كل هذا ليس له لفضله على
ما يجب له وكذلك إن كانت تيوسا لفضل التيوس (قال الشافعي) وكذلك إن كانت كل الغنم التي
وجبت له فيها الزكاة أكولة كلف السن التي وجبت عليه إلا أن يتطوع فيعطى مما في يديه ومتى تطوع
فأعطى مما في يديه فوق السن التي وجبت عليه غير ذات نقص قبلت منه فإن أعطاه منها ذات نقص
وفيها صحيح لم يقبل منه (قال الشافعي) فإن أعطى ذات نقص أكثر قيمة من سن وجبت عليه لم
يقبل ذات نقص إذا لم تجز ضحية وقبلت إذا جاز ضحية إلا أن يكون تيسا فلا يقبل بحال لأنه ليس
في فرض الغنم ذكور (قال الشافعي) وهكذا هذا في البقر لا يختلف إلا في خصلة فإنه إذا وجب
عليه مسنة والبقر ثيران فأعطى ثورا أجزأ عنه إذا كان خيرا من تبيع إذا كان مكان تبيع فإذا كان فرضها
من الإناث فلا يقبل مكانها ذكرا، قال الربيع أظن مكان مسنة تبيع وهذا خطأ من الكاتب لان آخر
الكلام يدل على أنه تبيع (قال الشافعي) فأما الإبل فتخالف الغنم والبقر في هذا المعنى بأن المصدق
يأخذ السن الاعلى ويرد أو السفلى ويأخذ ولا رد في غنم ولا بقر وإذا أعطى ذكرا بقيمه أنثى لم يؤخذ
منه ويؤخذ منه أنثى إذا وجبت أنثى وذكر إذا وجب ذكر إذا كان ذلك في ماشيته التي هي أعلى مما
يجوز في الصدقة ولا يؤخذ ذكر مكان أنثى إلا أن تكون ماشيته كلها ذكورا فيعطى منها ومتى تطوع
فأعطى مما في يده فوق السن التي وجبت غير ذات نقص قبلت منه.
(النقص في الماشية)
قال الشافعي إذا كانت أربعون شاة فحال عليها الحول فما نتجت بعد الحول لم يعد على ربه كان
قبل أن يأتي المصدق أو بعده (قال) ويعد على رب المال ما نتجت قبل الحول ولو بطرفة عين عددته
على رب الماشية (قال الشافعي) ولا يصدق الماشية حتى تكون في أول الحول وآخره أربعين شاة (قال
الشافعي) ولا أنظر إلى قدوم المصدق وإنما أنظر إلى الحول من يوم يملك رب الماشية الماشية والقول قول
رب الماشية فإذا خرج المصدق في المحرم وحول الماشية صفر أو ربيع الأول أو رجب أو قبله أو بعده لم
يأخذ من رب الماشية شيئا حتى يكون حولها إلا أن يتطوع رب الماشية بالأداء عنها (قال الشافعي)
وهذا بين أن المصدق ليس مما تجب به الصدقة بسبيل وأن الصدقة إنما تجب لحولها (قال الشافعي)
ويوكل به المصدق من يقبض منه الصدقة في حولها فإن لم يفعل فعلى رب الماشية أن يؤدى صدقته
لحولها (قال الشافعي) فإذا كان لرجل أربعون من الغنم فحال عليها حول فولدت بعد الحول ثم ماتت
الأمهات ولم يمكنه أن يؤدى صدقتها فلا صدقة عليه في أولادها وإن كثروا حتى يحول على أولادها
الحول وأولادها كالفائدة فيها إذا حال عليها الحول قبل تلدها وإنما تعد عليه أولادها إذا كان الولاد قبل
الحول (قال الشافعي) وإذا كانت الولادة قبل الحول ثم موتت الأمهات فإن كان الأولاد أربعين
ففيها الصدقة وإن لم تكن أربعين فلا صدقة فيها لان الحول حال وهي مما لا تجب فيه الصدقة لو كانت
الأمهات أنفسها (قال الشافعي) ولو كانت لرجل غنم لا يجب في مثلها الصدقة فتناتجت قبل الحول

(1) أو لبنا أو متابيع. اللبن: بضم اللام وكسرها وسكون الباء، جمع (لبون) وهي ذات اللبن
والمتابيع: جمع متبع للبقرة أو الشاة التي يتبعها ولدها. كذا في كتب اللغة كتبه مصححه.
12

فحال الحول وهي أربعون لم يكن فيها صدقة ولا صدقة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم تمت أربعين
ويحول عليه الحول وهي أربعون أو أكثر (قال) وهكذا لو أفاد غنما فضمها إلى غنم لا تجب فيها الصدقة
لم يجب عليه فيها الصدقة حتى يحول عليها الحول من يوم أفاد الأربعين (قال الشافعي) ولا يعد بالسخل
على رب الماشية إلا بأن يكون السخل قبل الحول ويكون أصل الغنم أربعين فصاعدا فأما إذا كانت أقل
من أربعين (1) ولم تكن الغنم مما فيه الصدقة ولا يعد بالسخل حتى يتم بالسخل أربعين ثم يستقبل بها
حولا من يوم تمت أربعين (قال الشافعي) فإذا كانت لرجل أربعون شاة فحال عليها الحول فأمكنه أن
يصدقها ولم يفعل حتى هلكت كلها أو بعضها فعليه شاة ولو لم يمكنه أن يصدقها حتى ماتت منها شاة
فلا زكاة في الباقي لأنه أقل من أربعين شاة فإذا كانت الغنم أربعين شاة فنتجت أربعين قبل الحول ثم
ماتت أمهاتها وجاء المصدق وهي أربعون جديا أو بهمة وبين جدي وبهمة أو كان هذا في إبل هكذا
فجاء المصدق وهي فصال أو في بقر فجاء المصدق وهي عجول أخذ من كل صنف من هذا واحدا
منه، فإن كان في غذاء الغنم إناث وذكور أخذ أنثى وإن لم يكن إلا واحدة وإن كان في غذاء البقر
ذكور وإناث أخذ ذكرا وإن لم يكن إلا واحدا إذا كانت ثلاثين وإن كانت أربعين أخذ أنثى وإن لم
يكن إلا واحدة وإن كان في غذاء الإبل إناث وذكور أخذ أنثى ولو لم يكن إلا واحدة فإن كانت كلها
إناثا أخذ من الإبل أنثى وقال لرب المال إن شئت فائت بذكر مثل أحدها وإن شئت أديت أنثى وأنت
متطوع بالفضل إن كان فيها تبيع (قال) فإن قال قائل فكيف لم تبطل عنه الصدقة إذا لم تكن في
ماشيته السن التي وجبت فيها الصدقة أو كيف لم تكلفه السن التي تجب في الصدقة إذا عددت عليه
بالصغار عدل بالكبار قيل له: إن شاء الله تعالى لا يجوز عندي واحد من القولين لا يجوز أن أبطل عنه
الصدقة وحكم الصغار حكم الأمهات في العدد إذا كن مع الأمهات يجب فيهن الصدقة وأما أخذى
منه سنا هي أكبر مما في غنمه فأبعد أن يجوز ولا يجوز عندي والله أعلم من قبل أنى إذا قيل لي: دع
الربى والماخض وذات الدر وفحل الغنم واخفض عن هذا وخذ الجذعة والثنية فقد عقلنا أنه قيل لي:
دع خيرا مما تأخذ منه إذا كان فيما عنده خير منه ودونه وخذ من ماشية أدنى مما تدع وخذ العدل بين
الصغير والكبير وهو الجذعة والثنية فإذا كانت عنده أربعون بهمة تسوى عشرين درهما فكلفته شاة
تسوى عشرين درهما فلم آخذ عدلا من ماله بل أخذت قيمة ماله كله وإنما قيل لي خذ ما يشبه أن
يكون ربع عشر ماله إذا كان أربعين فإن قال فقد أمرت إذا كانت الثنية موجودة أن تأخذها ونهيت عما
هو أصغر منها؟ قيل: نعم وأمرت أن لا آخذ الجعرور ولا مصران الفأرة فإذا كان تمر الرجل كله جعرورا
ومصران فأرة، أخذت منها ولم أكلفه ما كنت آخذ منه ولو كان في تمره ما هو خير منه وإنما أخذت
الثنية إذا وجدتها في البهم أن الصدقة قد وجبت فيها بالحول على أمهاتها غير أن أمهاتها يموتن فلا
صدقة في ميت فهو يخالف ههنا الجعرور ولو كان لرجل جعرور ونخل (2) بردى أخذت الجعرور من
الجعرور وعشر البردى من البردى (قال الشافعي) فإن قال قائل كيف تأخذ من خمس وعشرين من

(1) ولم تكن الغنم الخ كذا في النسخ، وانظر أين جواب الشرط ولعل الواو في قوله " ولم " مزيدة
من النساخ كتبه مصححه.
(2) البردى: بضم فسكون، من جيد التمر، يشبه البرنى، أو ضرب من تمر الحجاز جيد
معروف. كذا في اللسان. كتبه مصححه.
13

الإبل أحد سنين؟ قلت العدد فيما يؤخذ منهما واحد وإنما الفضل بين الاخذ منهما في سن أعلى من سن
فإذا لم يوجد أحد السنين، ووجد السن الآخر آخذ من السن الذي وجد وهكذا روى عن النبي صلى
الله عليه وسلم ثم عمر من هذا، ولا يؤخذ مالا يوجد في المال ولا فضل في المال عنه وإنما صدقته فيه
لا يكلف غيره إلا أن يكون في ماله فضل فيحبسه عن المصدق فيقال: ائت بالسن التي عليك إلا أن
تعطى متطوعا مما في يدك كما قيل لنا: خذوا من أوسط التمر ولا تأخذوا جعرورا فإذا لم نجد إلا جعرورا
أخذنا منه ولم ننقص من الكيل ولكنا نقصنا من جودة ما نأخذ إذا لم نجد الجيد فكذلك نقصنا من
السن إذا لم نجدها ولم ننقص من العدد
(باب الفضل في الماشية)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا كان لرجل أربعون من الغنم كلها فوق السن التي تؤخذ
أو مخاضها كلها أو متبعة أو كانت كلها أكولة أو تيوسا قيل لصاحبها عليك فيها ثنية أو جذعة فإن جئت
بها قبلت منك وإن أعطيت منها واحدة قبل منك وأنت متطوع بالفضل فيها (1) وهكذا هذا في البقر، وإذا تركنا لك الفضل في مالك فلا بد أن تعطينا الذي عليك وهكذا هذا في البقر، فأما الإبل فإذا
أخذنا سنا أعلى رددنا عليك وإن أعطيتنا السن التي لنا لم نأخذ غيرها إن شاء الله تعالى، وإذا أعطيتنا
تيسا من الغنم أو ذكرا من البقر في عدد فريضته أنثى وفيها أنثى لم نقبل لان الذكور غير الإناث.
(باب صدقة الخلطاء)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال جاء الحديث " لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية
الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية " (قال الشافعي) والذي لا أشك فيه أن
الخليطين الشريكان لم يقسما الماشية وتراجعهما بالسوية أن يكونا خليطين في الإبل فيها الغنم توجد الإبل
في يد أحدهما فتؤخذ في صدقتها فيرجع على شريكه بالسوية (قال الشافعي) وقد يكون الخليطان
لرجلين يتخالطان بماشيتهما وإن عرف كل واحد منهما ماشيته ولا يكونان خليطين حتى يروحا ويسرحا
ويسقيا معا وتكون فحولهما مختلطة فإذا كانا هكذا صدقا صدقة الواحد بكل حال (قال الشافعي) وإن
تفرقا في مراح أو سقى أو فحول فليسا خليطين ويصدقان صدقة الاثنين (قال الشافعي) ولا يكونان
خليطين حتى يحول عليهما حول من يوم اختلطا فإذا حال عليهما حول من يوم اختلطا زكيا زكاة الواحد
وإن لم يحل عليهما حول زكيا زكاة الاثنين وإن اختلطا (2) حولا ثم افترقا قبل أن يأتي المصدق والحول
زكيا زكاة المفترقين (قال) وهكذا إذا كانا شريكين (قال الشافعي) ولا أعلم مخالفا في أن ثلاثة خلطاء

(1) قوله: وهكذا هذا في البقر، كذا في النسخ، وهذه الجملة مكررة مع ما يأتي بعد، ولعلها
هنا مزيدة من الناسخ كتبه مصححه.
(2) قوله: حولا كذا في النسخ ولعلها مزيدة من الناسخ. كتبه مصححه.
14

لو كانت لهم مائة وعشرون شاة أخذت منهم شاة واحدة فصدقوا صدقة الواحد ولا ينظر إلى عددهم
ولا حصة كل واحد منهم (قال الشافعي) وإذا قالوا هذا فنقصوا المساكين شاتين من مال الخلطاء
الثلاثة الذين لو فرق مالهم كان فيه ثلاث شياه لم يجز إلا أن يقولوا لو كانت أربعون شاة بين ثلاثة وأكثر
كان عليهم فيها صدقة لأنهم صدقوا الخلطاء صدقة الواحد (قال الشافعي) وبهذا أقول فيصدق
الخلطاء صدقة الواحد في الماشية كلها الإبل والبقر والغنم وكذلك الخلطاء في الزرع والحائط أرأيت لو
أن حائطا صدقته مجزئة على مائة إنسان ليس فيه إلا عشرة أوسق أما كانت فيها الصدقة؟ وإن كانت
حصة كل واحد منهم من تمره لا تبلغ خمسة أوسق (قال الشافعي) في هذا صدقة وفى كل شرك
صدقة إذا بلغت جملته خمسة أوسق بكل حال (قال الشافعي) وما قلت في الخلطاء معنى الحديث
نفسه ثم قول عطاء بن أبي رباح وغيره من أهل العلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم
بن خالد عن ابن جريج قال سألت عطاء عن النفر يكون لهم أربعون شاة قال عليهم شاة (قال
الشافعي) فإن قال قائل فقد قيل في الحديث " لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة "
قيل فهذا يدل على ما قلنا لا يفرق بين ثلاثة في عشرين ومائة خشية إذا جمع بينهم أن يكون فيها شاة
لأنها إذا فرقت ففيها ثلاث شياة ولا يجمع بين متفرق (1) ورجل له مائة شاة وآخر له مائة شاة وشاة
فإذا تركا على افتراقهما كانت فيها شاتان وإذا اجتمعت كانت فيها ثلاث ورجلان لهما أربعون شاة وإذا
افترقت فلا شئ فيها وإذا اجتمعت ففيها شاة فالخشية خشية الوالي أن تقل الصدقة وخشية أخرى وهي
خشية رب المال أن تكثر الصدقة وليس واحد منهما أولى باسم الخشية من الآخر فأمر أن نقر كلا على
حاله وإن كان مجتمعا صدق مجتمعا وإن كان متفرقا صدق متفرقا (قال الشافعي) وأما قوله وما كان من
خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية لجماعة أن يكون للرجلين مائة شاة وتكون غنم كل واحد منهما
معروفة فتؤخذ الشاة من غنم أحدهما فيرجع المأخوذ منه الشاة على خليطه بنصف قيمة الشاة المأخوذة
عن غنمه وغنمه إذا كان عدد غنمهما واحد فإن كانت الشاة مأخوذة من غنم رجل له ثلث الغنم
ولشريكه ثلثاها رجع المأخوذ منه الشاة على شريكه بثلثي قيمة الشاة المأخوذة عن غنمه وغنم شريكه
لان ثلثيها أخذ عن غنم شريكه فغرم حصة ما أخذ عن غنمه (قال الشافعي) ولو كانت في غنمهما معا
ثلاث شياه فأخذت الثلاث من غنم واحد له ثلث الغنم رجع على خليطه بثلثي قيمة الثلاث الشياة
المأخوذة عن غنمها ولا يرجع عليه بقيمة شاتين منها وذلك أن الشياه الثلاث أخذت معا فثلثاها عن
خليطه وثلثها عنه مختلطة لا مقسومة (قال الشافعي) ولا يصدق صدق الخلطاء أحد إلا أن يكون
الخليطان مسلمين معا فأما أن خالط نصراني مسلما صدق المسلم صدقة المنفرد لأنه إنما يصدق الرجلان
كما يصدق الواحد إذا كانا معا ممن عليه الصدقة فأما إذا كان أحدهما ممن لا صدقة عليه فلا (قال
الشافعي) وهكذا إن خالط مكاتب حرا لأنه لا صدقة في مال مكاتب (قال الشافعي) وإذا كانا
خليطين عليهما صدقة فالقول فيهما كما وصفت (قال الشافعي) ولو كانت غنمهما سواء وكانت فيهما عليهما شاتان فأخذت من غنم كل واحد منهما شاة وكانت قيمة الشاتين المأخوذتين متقاربة لم يرجع واحد منهما
على صاحبه بشئ لأنه لم يؤخذ منه الا ما عليه في غنمه لو كانت على الانفراد ولو كانت لأحدهما ثلث

(1) قوله: ورجل كذا في الأصول التي بيدنا، ولعل الواو زائدة أو محرفة من النساخ، والوجه،
في رجل الخ كتبه مصححه.
15

الغنم والآخر ثلثاها فأخذت من غنم أحدهما شاة ومن غنم الآخر شاة رجع الذي له ثلث على شريكه
بقيمة ثلاث الشاة التي أخذت من غنمه لان ثلثها مأخوذ عن غنم صاحبه وثلثها مأخوذ عن غنم نفسه
(قال الشافعي) وإذا أخذت من غنم أحدهما شاة وغنمهما سواء في العدد فتداعيا في قيمة الشاة فالقول
قول الذي يؤخذ منه نصف قيمة الشاة وعلى رب الشاة البينة فإن أقام رب الشاة البينة على أن قيمتها
عشرة رجع بخمسة وإن لم يقم بينة فقال شريكه قيمتها خمسة حلف ورجع عليه بدرهمين ونصف
(قال الشافعي) ولو ظلمهما الساعي فأخذ من غنم أحدهما عن غنمه وغنم الآخر شاة ربى أو ما خضا أو
ذات در أو تيسا أو شاتين وإنما عليهما شاة فأراد المأخوذ منه الشاة الرجوع على خليطه بنصف قيمة ما
أخذ من غنمه عن غنمهما لم يكن له أن يرجع عليه إلا بقيمة نصف ما وجب عليهما إن كانت ثنية أو
جذعة لا يزيد على ذلك وكذلك لو لم يكن عليهما شاة فأخذ من غنم أحدهما شاة لم يرجع على خليطه
بشئ لأنه أخذها بظلم إنما يرجع عليه بالحق الذي وجب عليه وكذلك لو وجبت عليهما شاة فأخذ
بقيمتها دراهم أو دنانير لم يرجع عليه إلا بقيمة نصف الشاة التي وجبت عليهما (قال الشافعي) وكذلك
لو وجبت عليهما شاة فتطوع فأعطاه أكبر من السن التي وجبت عليه لم يرجع إلا بنصف قيمة السن
التي وجبت عليه وإذا تطوع بفضل أو ظلمه لم يرجع به (قال الشافعي) وهذه المسائل كلها إذا كانت
غنم كل واحد منهما تعرف بعينها فأما إذا كانا شريكين في جميع الغنم سواء لا فرق بين غنمهما فأخذ
منهما ظلم كثير أو قليل لا يتراجعان في شئ من الظلمة لان الظلمة دخلت عليهما معا (قال الشافعي)
وإذا كان الرجلان خليطين فافترقا قبل الحول زكيا علي الافتراق، فإن افترقا بعد الحول زكيا علي
الاجتماع وإذا وجدا متفرقين فالقول قولهما في الوقت الذي افترقا فيه (قال الشافعي) فإذا كانت لرجل
غنم تجب الزكاة في مثلها فأقامت في يديه شهرا ثم باع نصفها مشاعا من رجل أو ملكه إياها ملكا
يصح أي ملك كان ثم حال الحول على هذه الغنم أخذت الزكاة من نصيب المالك الأول بحوله ولم
تؤخذ من نصيب المالك الثاني إلا بحوله وإنما يصدقان معا إذا كان حولهما معا وإذا كانت أربعين أخذت
من نصيب الأول نصف شاة فإذا حال الحول الثاني أخذت منه نصف شاة وإن كانت في يد رجل غنم
تجب فيها الزكاة فخالطه رجل بغنم تجب فيها الزكاة فكان ذلك بتبايع بينهما استقبل كل رجل منهما
الحول بما ملك على صاحبه من يوم ملكه وزكي ما لم يخرج عن عن ملكه بحوله وإن لم يكونا تبايعا
ولكنهما اختلطا زكيت ماشية كل واحد منهما على حولها ولم يزكيا زكاة الخليطين في العام الذي اختلطا
فيه فإذا كان قابل وهما خليطان كما هما زكيا زكاة الخليطين لأنهما قد حال عليهما الحول من يوم اختلطا
وإن كانت ماشيتهما حول أحدهما في المحرم وحول الآخر في صفر أخذت منهما نصف شاة في المحرم.
ونصف شاة في صفر يكون المصدق شريكا بنصف شاة ويعطيها أهل السهمان ويكونان شركا فيهما.
(باب الرجل إذا مات وقد وجبت في ماله زكاة)
(قال الشافعي) رحمة الله وإذا مات الرجل وقد وجبت في ماله زكاة وعليه دين وقد أوصى
بوصايا، أخذت الزكاة من ماله قبل الدين والميراث والوصايا وإن مات قبل أن تجب الزكاة فيها ثم حال
حولها قبل أن تقسم أخذت منها الزكاة لأنها لم تقسم ولو أوصى منها بغنم بعينها أخذ فيما بقي منها الصدقة
16

ولم يؤخذ من الغنم التي أوصى بها بعينها (1) أخذت منها في قول من لا يأخذ الصدقة من الخليطين إذا
عرفا غنمهما وأخذت في قول من يأخذ الصدقة منهما وإن عرفا أموالهما.
(باب ما يعد به على رب الماشية)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن بشر بن عاصم عن أبيه أن عمر
استعمل أبا سفيان ابن عبد الله على الطائف ومخاليفها فخرج مصدقا فاعتد عليهم بالغذاء ولم يأخذه
منهم فقالوا له: إن كنت معتدا علينا بالغداء فخذه منا فأمسك حتى لقى عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فقال إنهم يزعمون أنا نظلمهم نعتد عليهم بالغذاء ولا نأخذه منهم فقال له عمر اعتد عليهم بالغذاء
حتى بالسخلة يروح بها الراعي على يده وقل لهم لا آخذ منكم الربى ولا الماخض ولا ذات الدر ولا
الشاة الأكولة ولا فحل الغنم وخذ العناق والجذعة والثنية فذلك عدل بين غذاء المال وخياره (قال
الشافعي) جملة جماع ما أحفظ عن عدد لقيت وأقول به أن الرجل لا يكون عليه في ماشيته صدقة
حتى يملك أربعين شاة في أول السنة وآخرها ويحول عليها حول في يده فإن كانت أقل من أربعين شاة
في أول الحول ثم نتجت فصارت أربعين لم يجب عليه فيها صدقة حتى يحول عليه فيها حول من يوم
صارت أربعين وكذلك لو كانت أقل من أربعين شاة ثم أفاد إليها تمام أربعين لم يكن فيها زكاة حتى
يحول عليها حول من يوم تمت في ملكه أربعين وأن نتاجها إذا لم يجب فيها الصدقة كالفائدة فإذا حال
عليها حول وهي مما تجب فيها الصدقة فنتاجها كأصل ما وجبت فيه الصدقة منها (قال الشافعي) وإذا
حال عليها الحول وهي أربعون وأكثر فجاءها المصدق عدها عليه بنتاجها كله إذا كان نتاجها قبل الحول
وأخذ السن التي تجب له من الغنم (قال الشافعي) وكلما أفاد الرجل من الماشية صدق الفائدة بحولها ولا
يضمها إلى ماشية له وجبت فيها الزكاة فيزكيها بحول ماشيته ولكن يزكى كل واحدة منها بحولها وكذلك
كل فائدة من ذهب وربح في ذهب أو ورق لا يضم منه شئ إلى غيره ولا يكون حول شئ منه إلا
حول نفسه وكذلك كل نتاج لماشية لا يجب في مثلها الصدقة فأما نتاج الماشية التي يجب في مثلها
الصدقة فتصدق بحول أمهاتها إذا كان النتاج قبل الحول فإذا كان بعد الحول لم تعد لان الحول قد
مضى ووجبت فيها الصدقة.
(باب السن التي تؤخذ من الغنم)
(قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا إبراهيم بن محمد عن إسماعيل بن أمية عن عمرو بن أبي سفيان
عن رجل سماه ابن مسعر إن شاء الله تعالى عن مسعر أخي بنى عدى قال جاءني رجلان فقالا إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا نصدق أموال الناس فأخرجت لهما شاة ماخضا أفضل ما وجدت
فرداها على وقالا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نأخذ الشاة الحبلى فأعطيتهما شاة من وسط
الغنم فأخذاها (قال الشافعي) إذا وجد المصدق عند الرجل الغنم فعدها عليه فزعم أن بعضها وديعة

(1) قوله: أخذت منها كذا في النسخ، ولعل هذه العبارة مزيدة من النساخ، فإن قوله " في قول
من لا يأخذ " يظهر أنه متعلق بقوله: ولم يؤخذ، فتأمل، وحرر. كتبه مصححه.
17

عنده أو أنه استرعاها أو أنها ضوال أو أن بعضها فائدة لم يحل عليها الحول أو أن كلها فائدة لم يحل عليها
حول الصدقة لم يأخذ منها شيئا فإن خاف كذبه أحلفه بالله عز وجل ثم قبل منه وإن شهد عليه شاهدان
أن له مائة شاة من أول السنة وآخرها لم تقبل شهادة الشاهدين حتى يشهدا أنها هذه الغنم بأعيانها فإذا
فعلا أخذ منه الصدقة وإن لم يثبتا على هذا أو قالا منها شئ نعرفه بعينه ومنها شئ لا نعرفه فإذا كان ما
يعرفانه مما تجب فيه الصدقة أخذ منه الصدقة أخذ منه الصدقة وإن كان مما لا تجب فيه الصدقة لم يأخذ منه الصدقة لأنه
قد يكون له غنم بعينها ثم يفيد أخرى ولا يحول على التي أفاد الحول حتى يأتي المصدق ولا يجب عليه
فيها الصدقة (قال) فإن قطعا الشهادة على مائة بعينها فقال: قد بعتها ثم اشتريتها صدق ولم تؤخذ
صدقتها حتى يحول عليها حول من يوم اشتراها الشراء الآخر (قال الشافعي) وهكذا الإبل والبقر (قال
الشافعي) وإذا غل الرجل صدقته ثم ظهر عليه أخذت منه الصدقة ولم نزد على ذلك (قال الشافعي)
ولا يثبت أهل العلم بالحديث أن تؤخذ الصدقة وشطرا بل الغال لصدقته ولو ثبت قلنا به وإن كان الوالي
عدلا يضع الصدقة مواضعها فله عقوبته إلا أن يدعى الجهالة فيكف عن عقوبته وإن كان لا يضعها
مواضعها لم يكن له أن يعزره.
(باب الوقت الذي تجب فيه الصدقة)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب قال أخذ الصدقة كل
عام سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال محمد بن إدريس الشافعي) وهذا مما لا اختلاف فيه
علمته في كل صدقة ماشية وغيرها ليست مما تخرج الأرض أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
مالك عن نافع عن ابن عمر قال لا تجب في مال زكاة حتى يحول عليه الحول أخبرنا مالك عن ابن عقبة
عن القاسم بن محمد قال لم يكن أبو بكر يأخذ في مال زكاة حتى يحول عليه الحول (أخبرنا) الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عمر بن حسين عن عائشة بنت قدامة عن أبيها قال كنت إذا
جئت عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أقبض منه عطائي سألني: " هل عندك من مال وجبت فيه
الزكاة؟ فإن قلت نعم أخذ من عطائي زكاة ذلك المال وإن قلت: لا، دفع إلي عطائي " أخبرنا الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب قال أول من أخذ من الأعطية زكاة معاوية (قال
الشافعي) العطاء فائدة فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول (قال) وإنما هو مال يؤخذ من الفئ من
المشركين فيدفع إلى المسلمين فإنما يملكونه يوم يدفع إليهم (قال الشافعي) كل مال لرجل وجبت فيه
الزكاة فإنما تجب فيه عليه بأن يحول عليه في يد مالكه حول إلا ما أنبتت الأرض فإن الزكاة
تجب فيه حين يخرج من الأرض ويصلح وكذلك ما خرج من الأرض من المعادن
وما وجد في الأرض من الركاز (قال) فيجب على الوالي أن يبعث المصدقين
قبل الحول فيوافون أهل الصدقة مع حلول الحول فيأخذون منهم صدقاتهم (قال)
وأحب أن يكون يأخذها في المحرم وكذلك رأيت السعاة يأخذونها عندما كان المحرم في صيف أو شتاء
ولا يجوز إلا أن يكون لها شهر معلوم ولا نالوا (1) أدرنا بأشهرها مع الصيف جعلنا وقتها بغير الأهلة التي

(1) أدرنا بأشهرها. كذا في النسخ بالجمع بين همزة " أدرنا " والباء في قوله " بأشهرها " كتبه
مصححه.
18

جعلها الله تبارك وتعالى مواقيت (قال) ولا يجوز أن تكون الصدقة تجب إلا بالحول دون المصدق
ويأخذها المصدق إذا حال عليها الحول (قال الشافعي) وإن كانت الماشية مما تجب فيه الصدقة فنتجت
قبل الحول حسب نتاجها معها وكذلك إن نتجت قبل مضى الحول بطرفة حسب نتاجها معها وعد
عليهم الساعي بالنتاج فإذا حال الحول ولم تنقص العدة قبض الصدقة (قال الشافعي) ولا يبين لي أن
يجب عليهم أن يعد عليهم المصدق بما نتج بعد الحول وقبل قدومه أو معه إذا كان قدومه بعد الحول وإن
تطوع بها رب المال بأن يعد عليه فهو أحب إلي له، ولا أرى أن يجبر على ذلك، وإن حال الحول على
رب الماشية وماشيته مما تجب فيه الصدقة فتأخر عنه الساعي فلم يأخذها فعليه أن يخرج صدقتها فإن لم
يفعل وهو ممكن له فهو ضامن لما فيها من الصدقة حتى يؤديه (قال الشافعي) وكذلك إن ذبح منها شيئا
أو وهبه أو باعه فعليه أن يعد عليه به حتى تؤخذ منه الصدقة على عددها يوم يحول عليها حولها (قال
الشافعي) وكذلك إن باعها بعدما يحول عليها الحول وقبل قدوم الساعي أو بعده وقبل أن يأخذها منه
كانت عليه فيها الصدقة (قال) وهكذا لو عدها الساعي ثم موتت وقد أقامت بعد الحول ما يمكن
الساعي أن يقبضها فيه فترك قبضه إياها وقد أمكن رب الماشية أن يضعها مواضعها فإذا اجتمع ما
وصفت من الحول وأن يمكن الساعي قبضها مكانه ويمكن رب الماشية وضعها مكانها فلم يفعل ربها ولا
الساعي فهلكت فهي من ضمان رب الماشية وعليه صدقتها كما يكون ذلك فيما حال عليه الحول من ناض
ماله وأمكنه أن يضعه موضعه فلم يفعل حتى هلك منه فعليه فيه الزكاة (قال الشافعي) ولا يجوز عندي
إلا هذا القول لان السنة أن الصدقة تجب بالحول وليس للمصدق معنى إلا أن يلي قبضها فينبغي ما
وصفت من أن يحضرها حتى يقبضها مع رأس السنة، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب أن أبا بكر وعمر لم يكونا يأخذان الصدقة مثناة ولكن يبعثان عليها في
الجدب والخصب والسمن والعجف لان أخذها في كل عام من رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة
(قال الشافعي) ولا اختلاف بين أحد علمته في أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الزكاة تجب
في الماشية وغيرها من المال إلا ما أخرجت الأرض (1) من الحول ومن قال: تكون الصدقة بالمصدق
والحول، خالف السنة وجعل مع الحول غير الصدقة ولزمه إن استأخر المصدق سنة أو سنتين أن لا تجب
الصدقة على رب المال حتى يقدم فإذا قدم أخذها مرة واحدة لا مرارا (قال) وإذا كانت لرجل أربعون
شاة فلم يصدقها حتى مر بها أعوام ولم تزد شيئا فعليه فيها شاة وإن زادت شاة فعليه فيها شاتان
وإن زادت ثلاث شياه فعليه فيها أربع شياه إذا مرت بها أربع سنين لان كل شاة فضل عما تجب فيه الصدقة
ثم تبقى أربعون ففيها شاة (قال الشافعي) وأحب إلى لو كانت أربعون لا تزيد أن يؤدى في كل سنة
شاة لأنه لم ينقص عن أربعين وقد حالت عليها أحوال هي في كلها أربعون (قال الشافعي) ولو كانت
عنده أربعون شاة فحال عليها حول فلم يصدقها ثم حال عليها حول ثان وقد ولدت واحدا ثم مات
الواحد وحال عليها حول ثالث وهي أربعون ففيها شاتان شاة في أنها أربعون وشاة لأنها زادت على
أربعين ثم ماتت الشاة الزائدة بعد ما وجبت فيها الصدقة للزيادة فضمها ولم يؤدها وقد أمكنه أداؤها
(قال الشافعي) ولو كانت لرجل أربعون شاة فضلت في أول السنة ثم وجدها في آخرها قبل الحول أو
بعده كانت عليه زكاتها وكذلك لو ضلت أحوالا وهي خمسون شاة أدى في كل عام منها شاة لأنها

(1) قوله: من الحول، أي متعلق بقوله " تجب " كما هو ظاهر. كتبه مصححه.
19

كانت في ملكه وكذلك لو غصبها ثم أخذها أدى في كل عام منها شاة (قال) وهذا هكذا في البقر
والإبل التي فريضتها منها وفى الإبل التي فريضتها من الغنم قولان أحدهما أنها هكذا لان الشاة التي فيها
في رقابها يباع منها بعير فيؤخذ منها إن لم يأت بها ربها وهذا أشبه القولين، والثاني أن في كل خمس من
الإبل حال عليها ثلاثة أحوال ثلاث شياه في كل حول شاة (قال) وإن كانت لرجل خمس وعشرون
من الإبل فحال عليها في يده ثلاثة أحوال أدى بنت مخاض للسنة الأولى ثم أربع شياه للسنة الثانية ثم
أربع شياه للسنة الثالثة، ولو كانت إبله إحدى وتسعين مضى لها ثلاث سنين أدى للسنة الأولى حقتين
وللسنة الثانية ابنتي لبون وللسنة الثالثة ابني لبون (قال) ولو كانت له مائتا شاة وشاة فحال عليها ثلاثة
أحوال كانت فيها لأول سنة ثلاث شياه ولكل واحدة من السنتين الآخرتين شاتان (قال) ولو كان ترك
الصدقة عاما ثم أفاد غنما وترك صدقتها وصدقة الأولى عاما آخر صدق الغنم الأولى لحولين والغنم الفائدة
لحول لأنه إنما وجبت عليه صدقتها عاما واحدا.
(باب الغنم تختلط بغيرها)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: ولو كانت لرجل غنم فنزتها ظباء فولدت لم تعد الأولاد مع
أمهاتها بحال ولو كثر أولادها حتى تكون مائة وأكثر لم يكن فيها زكاة لأنه لا زكاة في الظباء وكذلك لو
كانت له ظباء فنزتها تيوس فولدت لم يؤخذ منها صدقة وهذا خلط ظباء وغنم، فإن قيل فكيف أبطلت
حق الغنم فيها؟ قيل إنما قيل في الغنم الزكاة ولا يقع على هذه اسم الغنم مطلقا، وكما أسهمت للفرس
في القتال ولا أسهم للبغل كان أبوه فرسا أو أمه (قال) وهكذا إن نزا ثور وحشي بقرة أنسية أو ثور
أنسى بقرة وحشية فلا يجوز شئ من هذا أضحية ولا يكون للمحرم أن يذبحه (قال الشافعي) ولو نزا
كبش ما عزة أو تيس ضائنة فنتجت كان في نتاجها الصدقة لأنها غنم كلها وهكذا لو نزا جاموس بقرة
أو ثور جاموسة أو بختى عربية أو عربي بختية كانت الصدقات في نتاجها كلها لأنها بقر كلها، ألا ترى
أنا نصدق البخت مع العراب وأصناف الإبل كلها وهي مختلفة الخلق ونصدق الجواميس مع البقر
والدربانية مع العراب وأصناف البقر كلها وهي مختلفة (1) والضأن ينتج المعز وأصناف المعز والضأن
كلها، لان كلها غنم وبقر وإبل (قال الشافعي) ولو كانت لرجل أربعون شاة فضلت منها شاة قبل
الحول لم يأخذ المصدق منها شيئا فإذا وجدها فعليه أن يؤدى شاة يوم يجدها فإن وجدها بعد الحول
بشهر أو أكثر وقد ماتت غنمه كلها أو بعضها أو باعها فعليه أن يؤدى الشاة التي وجد إلا أن يرغب فيها ويؤدى السن الذي وجب عليه فيجزئ عنه لأنه قد أحاط حين وجدها أنه كانت عليه شاة.
(باب افتراق الماشية)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا كانت لرجل ببلد أربعون شاة وببلد غيره
أربعون شاة، أو ببلد عشرون شاة وببلد غيره عشرون شاة دفع إلى كل واحد من المصدقين
قيمة ما يجب عليه من شاة يقسمها مع ما يقسم، ولا أحب أن يدفع في أحد البلدين
شاة ويترك البلد الآخر لأني أحب أن تقسم صدقة المال حيث المال (قال)

(1) قوله: والضأن ينتج المعز الخ كذا في النسخ، وانظر، كتبه مصححه.
20

وإذا كانت له أربعون شاة ببلد فقال الساعي آخذ منها شاة فأعلمه أنه إنما عليه فيها نصف
شاة فعلى الساعي أن يصدقه وإن اتهمه أحلفه وقبل قوله ولا يزيده على أن يحلفه بالله تعالى، ولو أدى
شاة في أحد البلدين كرهت ذلك له ولم أر عليه في البلد الآخر إعادة نصف شاة وعلى صاحب البلد
الآخر أن يصدقه بقوله ولا يأخذ منه وإن اتهمه أحلفه بالله تعالى (قال) ولو كانت له ببلد مائة شاة وشاة
وببلد آخر مائة شاة كان عليه فيها ثلاث شياه في كل بلد شاة ونصف إلا زيادة فضل حسب الشاة على
المائة كما وصفت في نصفي الشاتين بحساب (قال الشافعي) ولو دفع الثلاث الشياه إلى عامل أحد
البلدين ثم أثبت عنده أن ماشيته الغائبة قد تلفت قبل الحول كان على الساعي أن يرد عليه شاتين لأنه
إنما وجبت عليه شاة (قال) وسواء كان إحدى غنمه بالمشرق والأخرى بالمغرب في طاعة خليفة واحد
أو طاعة واليين متفرقين إنما تجب عليه الصدقة بنفسه في ملكه لا بواليه ولا بقرب البلد ولا بعده (قال)
وهكذا الطعام وغيره إذا افترق (قال) ولو أن رجلا له ماشية فارتد عن الاسلام ولم يقتل ولم يتب حتى
حال الحول على ماشيته وقفت ماشيته، فإن تاب أخذ صدقتها وإن مات أو قتل على الردة كانت فيئا
تخمس فيكون خمسها لأهل الخمس وأربعة أخماسها لأهل الفئ (قال الشافعي) ولو كانت بين
رجلين أربعون شاة، ولأحدهما في بلد آخر أربعون شاة أخذ المصدق من الشريكين شاة، ثلاثة
أرباعها على صاحب الأربعين الغائبة وربعها على الذي له عشرون لا غنم له غيرها لأني أضم كل مال
رجل إلى ماله حيث كان، ثم آخذه في صدقته (قال الشافعي) ولو كانت لرجل أربعون شاة في بلد
وأربعون في بلد غيره فلما مضت له ستة أشهر باع نصف الأربعين مشاعا من رجل فلم يقاسمه حتى حال
الحول على غنمه وذلك بمضي ستة أشهر من يوم باع غنمه أخذت منه شاة كلها عليه لان حوله قد
حال، وعليه شاة تامة لو هلكت ماشية شريكة فإذا حال حول شريكه بمضي ستة أشهر أخرى آخذ
من شريكه نصف شاة بخلطه ولا أرده على المأخوذ منه الشاة لاختلاف حوليهما وإن ضممت ماشيتهما
فيما اشتركا فيه (قال) ولو كان لرجل غنمان يجب عليه في كل واحدة منهما الزكاة وهما مختلفا الحولين
ضممتهما معا وأخذت من كل واحدة منهما بقدر حولها بالغا ما بلغ.
(باب أين تؤخذ الماشية؟)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: على المصدق أن يأخذ الماشية على مياه أهل الماشية وليس عليه إذا كان لرجل ماء ان تخلية إلى أيهما شاء رب الماشية وعلى رب الماشية أن يوردها الماء لتؤخذ صدقتها
عليه، وليس للمصدق أن يحبس الماشية على الماء على ماشية غيرها ليفتدى ربها من حبسه بزيادة (قال
الشافعي) وإذا جازت الماشية على الماء فعلى المصدق أن يأخذها في بيوت أهلها وأفنيتهم وليس عليه أن
يتبعها راعية (قال) ولو كلفهم المجامع التي يوردونها إذا كان الظمأ، ما كان ذلك ظلما والله تعالى أعلم
(قال الشافعي) وإذا (1) انتووا أخذ الصدقة منهم حيث انتووا على مياه مواضعهم التي انتووا إليها
وحيث انتووا دارهم (قال الشافعي) وإذا عظمت المؤنة وقلت الصدقة كان للمصدق أن يبعث من
تخف مؤنته إلى أهل الصدقة حيث كانوا فيأخذ صدقاتهم.

(1) انتووا، يقال: انتوى القوم: أي انتقلوا من منزل، إلى منزل كذا في كتب اللغة. كتبه مصححه.
21

(باب كيف تعد الماشية؟)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: تضطر الغنم إلى حظار إلى جدار أو جبل أو شئ قائم حتى
يضيق طريقها ثم تزجر فتسرب والطريق لا تحتمل إلا شاة أو اثنتين ويعد العاد في يده شئ يشير به ثم
يأخذ الصدقة على ذلك العدد فإنه ليس عدد أحصى وأوخى من هذا العدد، ولو ادعى رب الماشية
أنه أخطأ عليه، أعيد له العدد، وكذلك إن ظن الساعي أن عاده أخطأ العدد.
(باب تعجيل الصدقة)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي
رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فجاءته إبل من الصدقة فأمرني أن
أقضيه إياه (قال الشافعي) ويجوز للوالي إذا رأى الخلة في أهل الصدقة أن يستسلف لهم من صدقات
أهل الأموال إذا طابوا بها نفسا ولا يجبر رب مال على أن يخرج صدقته قبل محلها إلا أن يتطوع (قال
الشافعي) وإذا استسلف الوالي من رجل شيئا من الصدقة أو مال لرجل غير صدقة القوم الذين تقسم
صدقاتهم على من استسلف فله أن يقضى من سهمان أهل الصدقات مثل ما أخذ لهم (قال الشافعي) فإن
استسلف لهم فهلك السلف منه قبل أن يدفعه إليهم وقد فرط أو لم يفرط فهو ضامن لهم في ماله وليس
كوالي اليتيم الذي يأخذ له فيما لا صلاح له إلا به لان أهل السهمان قد يكونون أهل رشد مثله وأرشد،
ولا يكونون أهل رشد، ويكون لهم ولاة دونه (قال الشافعي) وإنما جاز أن يستسلف لهم لأنه تعجيل
حق لهم قبل وجوبه وتعجيل الحق زيادة لهم بكل حال (قال) ويجوز له أن يستسلف لبعضهم دون
بعض ثم يقضيه من حق من استسلف له دون حق غيره (قال) فإن استسلف وال لرجل أو اثنين من
أهل الصدقة بعيرا أو اثنين فدفع ذلك إليهما فأتلفاه وماتا قبل الحول فله أن يأخذ مثل ما استسلف لهما من
أموالهما لأهل السهمان لأنهما لما لم يبلغا الحول علمنا أنه لا حق لهما في صدقة حلت في حول لم يبلغاه،
ولو ماتا بعد الحول وقبل أخذ الصدقة كانا قد استوجبا الصدقة بالحول وإن أبطئ بها عنهما (قال
الشافعي) ولو ماتا معدمين ضمن الوالي ما استسلف لهما في ماله (قال) ولو لم يموتا ولكنهما أيسرا قبل
الحول، فإن كان يسرهما بما دفع إليهما من الصدقة فإنما أخذا حقهما وبورك لهما فلا يؤخذ منهما شئ،
وإن كان يسرهما من غير ما أخذا من الصدقة قبل الحول أخذ منهما ما أخذا من الصدقة لان العلم قد
أحاط أن الحول لم يأت إلا وهما من غير أهل الصدقة، فعلمنا أنه أعطاهما ما ليس لهما ولم يؤخذ منهما
نماؤه لأنهما ملكاه فحدث النماء في ملكهما، وإن نقص ما أعطيا من الصدقة أخذه ربه ناقصا وأعطى
أهل السهمان تاما، ولا ضمان على المعطى لأنه أعطيه مملكا له (قال) ولو قال قائل: ليس لهم أخذه
منه وعلى رب المال إن كان أعطاه غرمه، أو على المصدق إن كان أعطاه كان يجد مذهبا والقول الأول
الأصح والله أعلم، لأنه أعطيه مملكا له على معنى فلم يكن من أهله، وإن ماتا قبل الحول وقد أيسرا
ضمن الوالي ما استسلف لهما (قال) وسواء في هذا كله أي أصناف الصدقة استسلف (قال) ولو لم
يكن الوالي استسلف من الصدقة شيئا ولكن رب المال تطوع وله مائتا درهم، أو أربعون شاة قبل
الحول فأدى زكاة ماله ثم هلك ماله قبل الحول ووجد عين ماله عند من أعطاهم إياها من أهل
22

السهمان لم يكن له الرجوع على من أعطاه إياها، لأنه أعطاه من ماله متطوعا بغير ثواب ومضى عطاؤه
بالقبض (قال الشافعي) ولو أعطاها رجلا فلم يحل عليه الحول حتى مات المعطى وفى يدي رب المال
مال فيه الزكاة أدى زكاة ماله ولم يرجع على مال الميت لتطوعه بإعطائه إياه، وإن حال الحول ولا شئ
في يده تجب فيه الزكاة فلا زكاة عليه، وما أعطى كما تصدق به أو أنفقه (قال الشافعي) ولو لم يحل
الحول حتى أيسر الذي أعطاه زكاة ماله من غير ماله، فإن كان في يده مال تجب فيه الزكاة أدى
زكاته، لأنا علمنا أنه أعطاه من لا يستوجبه يوم تحل الزكاة لان عليه يوم تحل أن يعطيها قوما بصفة،
فإذا حال الحول والذي عجله إياها ممن لا يدخل في تلك الصفة لم تجزئ عنه من الزكاة وهذا يعطيها
قوما بصفة، فإذا حال الحول والذي عجله إياها ممن لا يدخل في تلك الصفة لم تجزئ
عنه من الزكاة وهذا مخالف للرجل يكون له الحق بعينه فيعجله إياه، وإذا حال الحول وهو موسر بما
أعطاه لا بغيره أجزأ عنه من زكاته (قال) ولو مات الذي عجل زكاة ماله قام ورثته فيما عجل من زكاة
ماله مقامه فأجزأ عما ورثوا من ماله من الزكاة ما أجزأ عنه ولم يجز عنهم ما لم يجز عنه (قال) ولو أن رجلا
لم يكن له مال تجب فيه الزكاة فأخرج خمسة دراهم فقال: إن أفدت مائتي درهم فهذه زكاتها أو شاة
فقال إن أفدت أربعين شاة فهذه صدقتها ودفعها إلى أهلها ثم أفاد مائتي درهم أو أربعين شاة وحال
عليها الحول لم يجز عنه ما أخرج من الدراهم والغنم لأنه دفعها بلا سبب مال تجب فيه الزكاة (1) فيكون
قد عجل شيئا عليه إن حال عليه فيه حول فيجزى عنه ما أعطاه منه (قال الشافعي) وهكذا لو تصدق
بكفارة يمين قبل أن يحلف فقال إن حنثت في يمين فهذه كفارتها فحنث لم تجز عنه من الكفارة لأنه لم
يكن حلف، ولو حلف ثم كفر للحنث ثم حنث أجزأ عنه من الكفارة فإن قال قائل من أين قلت
هذا؟ قلت قال الله عز وجل " فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا " فبدأ بالمتاع قبل السراح وفى
كتاب الكفارات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر
عن يمينه وليأت الذي هو خير منه " (قال) وقد روى عن عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
أنهم كانوا يحلفون فيكفرون قبل أن يحنثون (قال) وقد يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا ندري أيثبت
أم لا؟ أن النبي صلى الله عليه وسلم تسلف صدقة مال العباس قبل أن تحل، أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يبعث زكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل
الفطر بيومين أو ثلاثة.
(باب النية في إخراج الزكاة)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لما كان في الصدقة فرض وتطوع لم يجز والله تعالى اعلم أن تجزى

(1) قوله: فيكون قد عجل شيئا عليه الخ كذا في النسخ، وفى الكلام شئ سقط من النساخ
يؤخذ من عبارة:
المزني في المختصر ونصها " ولو كان له مال لا تجب في مثله الزكاة فأخرج خمسة دراهم
فقال: إن أفدت مائتي درهم فهذه زكاتها لم يجز عنه لأنه دفعها بلا سبب مال تجب في مثله الزكاة
فيكون قد عجل شيئا ليس عليه إن حال عليه حول وإذا عجل شاتين من مائتي شاة فحال الحول
وقد زادت شاة أخذ منها شاة ثالثة فيجزئ عنه ما اعطى منه " اه‍ كتبه مصححه.
23

عن رجل زكاة يتولى قسمها إلا بنية أنه فرض وإذا نوى به الفرض وكان لرجل أربعمائة درهم فأدى
خمسة دراهم ينوى بها الزكاة عنها كلها أو بعضها أو ينوى بها مما وجب عليه فيها أجزأت عنه لأنه قد
نوى بها نية زكاة (قال الشافعي) ولو أدى خمسة دراهم لا يحضره فيها نية زكاة ثم نوى بعد أدائها أنها
مما تجب عليه لم تجز عنه من شئ من الزكاة لأنه أداها بلا نية فرض عليه (قال الشافعي) ولو كانت له
أربعمائة درهم فأدى دينارا عن الأربعمائة درهم قيمته عشرة دراهم أو أكثر لم يجز عنه لأنه غير ما وجب
عليه وكذلك ما وجب عليه من صنف فأدى غيره بقيمته لم يجز عنه وكان الأول له تطوعا (قال
الشافعي) ولو أخرج عشرة دراهم فقال: إن كان مالي الغائب سالما فهذه العشرة من زكاته أو نافلة وإن
لم يكن سالما فهي نافلة فكان ماله الغائب سالما لم تجزئ عنه لأنه لم يقصد بالنية فيها قصد فرض
خالصا إنما جعلها مشتركة بين الفرض والنافلة (قال) وكذلك لو قال هذه العشرة دراهم عن مالي
الغائب أو نافلة (قال الشافعي) ولو قال هذه العشرة الدراهم عن مالي الغائب أجزأت عنه إن كان ماله
سالما وكانت له نافلة إن كان ماله عاطبا قبل أن تجب عليه فيه الزكاة (قال) ولو كان قال هذه العشرة عن
مالي الغائب إن كان سالما وإن لم يكن سالما فهي نافلة أجزأت عنه وأعطاه إياها عن الغائب ينويه هكذا
وإن لم يقله لأنه إذا لم يكن عليه في ماله الغائب زكاة فما أخرج نافلة له (قال الشافعي) ولو أخرج
رجل عن مائتي درهم غائبة عنده أو حاضرة عنده خمسة دراهم فهلكت الغائبة فإن كان عجل
الخمسة عن الحاضرة قبل حولها أو أخطأ حولها فرأى أنه قد تم فأخرجها عنها ثم علم أنه لم يتم حولها
فهلكت الحاضرة أو الغائبة قبل أن تجب فيها الزكاة فأراد أن يجعل هذه الخمسة دراهم له عن مائتين له
أخريين لم يكن له ذلك لأنه قصد بالنية في أدائها قصد مال له بعينه فلا يكون له أن يصرف النية فيه
بعد أن يدفع الدراهم إلى أهلها (قال الشافعي) ولو لم يكن دفع الدراهم إلى أهلها وأخرجها ليقسمها
فهلك ماله كان له حبس الدراهم ويصرفها إلى أن يؤديها عن الدراهم غيرها فتجزى عنه لأنها لم
تقبض منه (قال الشافعي) ولو كان دفع هذه الدراهم إلى والى الصدقة متطوعا بدفعها فأنفذها والى
الصدقة فهي تطوع عنه وليس له الرجوع بها على والى الصدقة إذا أنفذها ولا أن يجعلها بعد أن نفذت
عن غيرها (قال الشافعي) ولو لم ينفذها حتى هلك ماله قبل أن تجب عليه فيه الزكاة كان على والى
الصدقة ردها إليه وأجزأه هو أن يجعلها عن غيرها (قال الشافعي) وإذا أخرج رجل خمسة دراهم فقال
هذه من زكاة مالي قبل محل الزكاة أو بعده فكان له مال تجب فيه الخمسة أجزأ عنه وإن لم يكن له مال
تجب فيه الخمسة فهي نافلة ولو كان له ذهب فأدى ربع عشره ورقا أو ورق فأدى عنه ذهبا لم يجزه ولم
يجزه أن يؤدى عنه إلا ما وجب عليه (قال) وإن كان له عشرون دينارا فأدى عنها نصف دينار دراهم
بقيمته لا يجزى عنه أن يؤدى إلا ذهبا (قال الشافعي) وكذلك كل صنف فيه الصدقة بعينه لا يجزيه
أن يؤدى عنه إلا ما وجب عليه بعينه لا البدل عنه إذا كان موجودا ما يؤدى عنه (قال الشافعي) وإنما
قلت لا تجزى الزكاة إلا بنية لان له أن يعطى ماله فرضا ونافلة فلم يجز أن يكون ما أعطى فرضا إلا
بنية، وسواء نوى في نفسه أو تكلم بأن ما أعطى فرض (قال الشافعي) وإنما منعني أن أجعل النية في
الزكاة كنية الصلاة لافتراق الزكاة والصلاة في بعض حالها ألا ترى أنه يجزى أنه يؤدى الزكاة قبل وقتها
ويجزيه أن يأخذها الوالي منه بلا طيب نفسه فتجزى عنه وهذا لا يجزى في الصلاة (قال الشافعي) وإذا
أخذ الوالي من رجل زكاة بلا نية من الرجل في دفعها إليه أو بنية طائعا كان الرجل أو كارها ولا نية
للوالي الآخذ لها في أخذها من صاحب الزكاة أو له نية فهي تجزى عنه كما يجزى في القسم لها أن
24

يقسمها عنه وليه أو السلطان ولا يقسمها بنفسه كما يؤدى العمل عن بدنه بنفسه (قال الشافعي) وأحب
إلى أن يتولى الرجل قسمتها عن نفسه فيكون على يقين من أدائها (قال الشافعي) وإذا أفاد الرجل ماشية
فلم يحل عليها حول حتى جاءه الساعي فتطوع بأن يعطيه صدقتها كان للساعي قبولها منه وإذا قال خذها
لتحبسها إذا حال الحول جاز ذلك له (قال الشافعي) فإن أخذ الساعي على أن يحبسها إذا وحال الحول
فقسمها ثم موتت ماشيته قبل الحول فعليه رد ما أخذ منه فإن ولى غيره فعليه رد ما أخذ منه الساعي من
سهمان أهل الصدقة التي قبضها الساعي منه (قال الشافعي) وإن دفعها رب المال إليه ولم يعلمه أن
الحول لم يحل عليها فقسمها الساعي ثم موتت غنم الدافع لم يكن له أن يرجع على الساعي بشئ وكان
متطوعا بما دفع (قال) وإذا تطوع الرجل قبل الحول بأن يؤدي صدقة ماشيته فأخذت وهي مائتان فيها
شاتان فحال عليها الحول وقد زادت شاة أخذت منها شاة ثالثة ولا يسقط عنه تقديمه الشاتين الحق عليه
في الشاة الثالثة لان الحق إنما يجب عليه بعد الحول كما لو أخذت منها شاتان فحال عليه الحول وليس
فيها إلا شاة ردت عليها شاة.
(باب ما يسقط الصدقة عن الماشية)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: في سائمة الغنم
كذا، فإذا كان هذا يثبت فلا زكاة في غير السائمة من الماشية (قال الشافعي) ويروى عن بعض
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن ليس في الإبل والبقر العوامل صدقة (قال الشافعي) ومثلها الغنم
تعلف (قال الشافعي) ولا يبين لي أن في شئ من الماشية صدقة حتى تكون سائمة والسائمة الراعية
(قال) وذلك أن يجمع فيها أمران أن يكون لها مؤنة العلف ويكون لها نماء الرعى فأما إن علفت فالعلف
مؤنة تحيط بكل فضل لها أو تزيد أو تقارب (قال الشافعي) وقد كانت النواضح على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم خلفائه فلم أعلم أحدا يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ منها صدقة ولا
أحدا من خلفائه ولا أشك إن شاء الله تعالى أن قد كان يكون للرجل الخمس وأكثر وفى الحديث
الذي ذكرت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سائمة الغنم كذا، وهذا يشبه أن يكون يدل على
أن الصدقة في السائمة دون غيرها من الغنم (قال الشافعي) وإذا كانت لرجل نواضح أو بقر حرث أو
إبل حمولة، فلا يتبين لي أن فيها الزكاة وإن بطلت كثيرا من السنة ورعت فيها لأنها غير السائمة والسائمة
ما كان راعيا دهره (قال الشافعي) وإن كانت العوامل (1) ترعى مرة وتركب أخرى أو زمانا وتركب في
غيره فلم ينضح عليها أو كانت غنما هكذا تعلف في حين وترعى في آخر فلا يبين لي أن يكون في شئ
من هذه صدقة ولا آخذها من مالكها وإن كانت لي أديت عنها الصدقة إن شاء الله تعالى واخترت لمن
هي له أن يفعل.

(1) ترعى مرة وتركب الخ كذا في النسخ ولعل في الكلام تحريفا، وعبارة المزني في المختصر
(قال الشافعي) وإن كانت العوامل ترعى مرة وتترك أخرى أو كانت غنما تعلف في حين وترعى في آخر
فلا يبين لي الخ كتبه مصححه.
25

(باب المبادلة بالماشية)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت لرجل ماشية من إبل فبادل بها إلى بقر أو إبل بصنف
من هذا صنفا غيره أو بادل معزى ببقر أو إبلا ببقر أو باعها بمال عرض أو نقد فكل هذا سواء فإن
كانت مبادلته بها قبل الحول فلا زكاة عليه في الأولى ولا الثانية حتى يحول على الثانية الحول من يوم
ملكها وكذلك إن بادل بالتي ملك آخر قبل الحول إلى ماشية أخرى لم يكن عليه فيها زكاة، وأكره
هذا له إن كان فرارا من الصدقة ولا يوجب الفرار الصدقة إنما يوجبها الحول والملك (قال الشافعي) وإن
بادل بها بعد أن يحول عليها الحول أو باعها ففي التي حال عليها الحول الصدقة لأنها مال قد حال عليها
الحول وسواء كان ذلك قبل قدوم المصدق أو بعده (قال الشافعي) وإذا بادل بها أو باعها بعد الحول
ففيها الصدقة وفى عقد بيعها قولان، أحدهما أن مبتاعها بالخيار بين أن يرد البيع لان ما أخذ منها من
الصدقة نقص مما بيع أو يحيز البيع ومن قال بهذا القول قال، وإن أعطى رب المال البائع المصدق ما
وجب فيها من ماشية غيرها فلا خيار للمبتاع ولا المبادل لأنه لم ينقص من البيع شئ (قال) والقول
الثاني أن البيع فاسد لأنه باع ما يملك وما لا يملك، فلا نجيزه إلا أن يجددا فيها بيعا مستأنفا (قال
الشافعي) ولو أن رجلا بادل بغنم له قبل أن يحول عليها الحول إلى غنم أو غيرها فحال حولها في يد
المبادل الآخر بها ثم ظهر منها على عيب بعد الحول الأول الذي قبل المبادلة فكان رده إياها قبل الحول
أو بعده فسواء ولا زكاة فيها على مالكها الآخر بالبدل لأنه لم يحل عليها حول من يوم ملكها ولا على
المالك الأول لأنه بادل بها قبل الحول فخرجت من ملكه ثم رجعت إليه بالعيب فيستأنف بها حولا من
يوم ملكها بخيار المبادل بها الذي ردها بالعيب (قال الشافعي) ولو بادل بها قبل الحول وقبضها المشترى
لها بالبدل أو النقد فأقامت في يده حولا أو لم يقبضها فأقامت في ملكه حولا ثم أراد ردها بالعيب لم
يكن ذلك له لأنها قد وجبت عليه فيها صدقة منها وهي في ملكه فلا يكون له أن يردها ناقصة عما
أخذها عليه ويكون له أن يرجع بالعيب من أصل الثمن (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها فأقاله
فيها ربها الأول وهو يعلم أن الزكاة وجبت فيها أخذت الزكاة من ربها الثاني الذي حال عليها في يده
حول (قال الشافعي) ولو بادل رجل بأربعين شاة ولم يحل عليها حول في يده إلى أربعين شاة لم يحل
عليها حول في يد صاحبه مبادلة صحيحة لم يكن على واحد منهما فيها صدقة حتى يحول على كل واحد
منهما حول وهي في يده (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها وكانت المبادلة فاسدة كان كل واحد
منهما مالكا غنمه التي بادل بها وعلى كل واحد منهما فيها الصدقة لأنها لم تخرج من ملكه بالمبادلة
الفاسدة ولا البيع الفاسد (قال الشافعي) ولو باع رجل ماشيته قبل الحول أو بادل بها على أن البائع
بالخيار وقبضها المشترى فحال عليها حول البائع في يد المشترى أو لم يبعها حتى حال عليها حول في يده
ثم اختار البائع رد البيع كانت عليه فيها صدقة لأنها لم تخرج من ملكه قبل الحول ولو اختار إمضاء البيع
بعد حولها وجبت أيضا عليه فيها صدقة لأنها لم تخرج من ملكه إلا بعد الحول.
(باب الرجل يصدق امرأة)
(قال الشافعي) ولو أصدق رجل امرأة أربعين شاة بغير أعيانها أو قال أربعين شاة في غنمي هذه
ولم يشر إليها بأعيانها ولم يقبضها إياها فالصدقة عليه وليس لها من ماشيته في الوجهين أما الأولى فعليه
26

أربعون شاة بصفة وأما الثانية فعليه مهر مثلها ولو أصدقها إياها بأعيانها فأقبضها إياها أو لم يقبضها إياها
فأي ذلك كان فلا زكاة عليه فيها (قال) وإذا حال عليها حول وهي في ملكها قبضتها أو لم تقبضها
فأدت زكاتها ثم طلقها رجع عليها بنصف الغنم ونصف قيمة الشاة التي أخذت منه وإن لم تؤدها وقد
حال عليها الحول في يدها أخذت منها الشاة التي وجبت فيها ورجع عليها بنصف الغنم ونصف قيمة
الشاة التي أخرجت من زكاتها ولو أدت عنها شاة من غيرها رجع عليها بنصفها سواء لأنه لم يؤخذ منها
شئ في يدها إذا كانت الغنم بحالها يوم قبضتها منه أو أصدقها إياه لم تزد ولم تنقص (قال الشافعي) ولو
وجبت عليها فيها شاة فلم تخرجها حتى أدت نصفها إليه حين طلقها أخرجت من النصف الذي في
يدها شاة فإن كانت استهلكت ما في يدها منها أخذ من النصف الذي في يد زوجها ورجع عليها
بقيمتها (قال الشافعي) وهكذا لو كانت امرأته التي نكح بهذه الغنم بأعيانها أمة أو مدبرة لان سيدها
مالك ما ملكت ولو كانت مكاتبة أو ذمية لم يكن عليها فيها صدقة (قال) وهكذا هذا في البقر والإبل
التي فريضتها منها، فأما الإبل التي فريضتها من الغنم فتخالفها فيما وصفت وفى أن يصدقها خمسا من
الإبل ولا يكون عندها شاة ولا ما تشترى شاة فيباع منها بعير فيؤخذ من ثمنه شاة ويرجع عليها ببعيرين
ونصف إذا طلقها قبل الدخول (قال) وهكذا الدراهم يبيعها بدراهم أو دنانير، والدنانير يبيعها بدنانير
أو دراهم لا يختلف، لا زكاة في البيعين فيهما حتى يحول عليه حول من يوم ملكه.
(باب رهن الماشية)
(أخبرنا) الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا كانت لرجل غنم فحال عليها حول فلم يخرج صدقتها حتى
رهنها أخذت منها الصدقة وكان ما بقي بعد الصدقة رهنا، وكذلك الإبل والغنم التي فريضتها منها وإن
كان المرتهن باع الراهن على أن يرهنه هذه الماشية التي وجبت فيها الزكاة كان له فسخ البيع لأنه رهنه
شيئا قد وجب لغيره بعضه فكان كمن رهن شيئا له وشيئا ليس له وكذلك لو أخرج عنها الشاة من
غيرها كان للبائع الخيار، وكان كمن باع شيئا له وشيئا ليس له ثم هلك الذي ليس له فللبائع الخيار
بكل حال لان عقد الرهن كان رهنا لا يملك (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها فرهنها بعد الحول
ووجب عليه في إبل له أربع شياه أخذت من الغنم صدقة المغنم ولم يؤخذ منها صدقة الإبل وبيع من الإبل
فاشترى منها صدقتها (قال الشافعي) ولو كان عليه في الغنم شئ من صدقتها عامين أو ثلاثة وهي فيها
أخذت منها صدقة ما مضى وكان ما بقي رهنا (قال) ولو كانت له غنم غيرها وجبت فيها زكاة فلم
يؤدها حتى استهلك الغنم لم يؤخذ من غنمه المرهونة زكاة الغنم غيرها وأخذ بأن يخرج زكاة الغنم غيرها
من ماله فإن لم يوجد له مال وفلس فيباع الغنم الرهن فإن كان منها فضل بعد حق المرتهن أخذت زكاة
الغنم غيرها منه وإن لم يفضل منها فضل كان دينا عليه متى أيسر أداه وصاحب الرهن أحق برهنه (قال
الشافعي) ولو كان الرهن فاسدا في جميع السائل كان كمال له لم يخرج من يده لا يخالفه في أن يؤخذ
منه الصدقة التي فيه وفى غيره فيأخذ غرماؤه مع المرتهن (قال الشافعي) ولو رهن رجل إبلا فريضتها
الغنم قد حلت فيها الزكاة ولم يؤدها فإن كان له مال أخذت منه زكاتها وإن لم يكن له مال غيرها فرهنها
بعد ما حلت الصدقة فيها فلم يؤدها أخذت الصدقة منها وإن كان رهنها قبل أن تحل فيها الصدقة ثم
حلت فيها الصدقة فلم يوجد له مال ففيها قولان، أحدهما أن يكون مفلسا وتباع الإبل فيأخذ صاحب
27

الرهن حقه فإن فضل منها فضل أخذت منه الصدقة وإلا كان دينا عليه متى أيسر أداه وغرماؤه
يحاصون أهل الصدقة من بعد ما يقضى المرتهن رهنه، والثاني أن نفس الإبل مرتهنة من الأصل بما فيها
من الصدقة فمتى حلت فيها الصدقة بيعت فيها على مالكها ومرتهنها فكان لمرتهنها الفضل عن الصدقة
فيها، وبهذا أقول (قال الشافعي) وإذا رهنت الماشية فنتجت فالنتاج خارج من الرهن ولا يباع ما
خض منها حتى تضع إلا أن يشاء ربها الراهن، فإذا وضعت بيعت الام في الرهن دون الولد.
(باب الدين في الماشية)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت لرجل ماشية فاستأجر عليها أجيرا في مصلحتها بسن
موصوفة أو ببعير منها لم يسمه فحال عليها حول ولم يدفع منها في إجارتها شئ ففيها الصدقة وكذلك إن
كان عليه دين أخذت الصدقة وقضى دينه منها ومما بقي من ماله ولو استأجر رجل رجلا ببعير منها أو
أبعرة منها بأعيانها فالأبعرة للمستأجر فإن أخرجها منه فكانت فيها زكاة زكاها وإن لم يخرجها منه فهي
إبله وهو خليط بها يصدق مع رب المال الذي فيها وفى الحرث والورق والذهب سواء وكذلك الصدقة
فيها كلها سواء.
(باب أن لا زكاة في الخيل)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك وابن عيينة كلاهما عن عبد الله بن دينار عن
سليمان بن يسار عن عراك بن مالك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس على
المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة " (أخبرنا) الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن
أيوب بن موسى عن مكحول عن سليمان بن يسار عن عراك بن مالك عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم مثله (أخبرنا) الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن يزيد
بن جابر عن عراك بن مالك عن أبي هريرة مثله موقوفا (أخبرنا) الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
مالك عن عبد الله بن دينار قال سألت سعيد بن المسيب عن صدقة البراذين فقال " وهل في الخيل
صدقة؟ " (قال الشافعي) فلا زكاة في خيل بنفسها ولا في شئ في الماشية عدا الإبل والبقر والغنم
بدلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا صدقة في الخيل فإنا لم نعلمه صلى الله عليه وسلم أخذ
الصدقة في شئ من الماشية غير الإبل والغنم (قال الشافعي) فإذا اشترى شيئا من هذه الماشية أو
غيرها مما لا زكاة فيه للتجارة كانت فيه الزكاة بنية التجارة والشراء لها، لا بأنه نفسه مما تجب فيه
الزكاة.
(باب من تجب عليه الصدقة)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وتجب الصدقة على كل مالك تام الملك من الأحرار وإن كان
صبيا أو معتوها أو امرأة لا افتراق في ذلك بينهم كما يجب في مال كل واحد ما لزم ماله بوجه من
28

الوجوه جناية أو ميراث منه أو نفقة على والديه أو ولد زمن محتاج وسواء كان في الماشية والزرع والناض
والتجارة وزكاة الفطر لا يختلف (قال) وإذا كانت لعبد ماشية وجبت فيها الصدقة لأنها ملك لمولاه
وضمت إلى ملك مولاه حيث كان ملك مولاه وهكذا غنم المدبر وأم الولد لان مال كل واحد منهم
ملك لمولاه وسواء كان العبد كافرا أو مسلما لأنه مملوك للسيد (قال الشافعي) فأما مال المكاتب من ماشية
وغيرها فيشبه أن يكون لا زكاة فيه لأنه خارج من ملك مولاه ما كان مكاتبا (1) لما يملكه مولاه إلا أن
يعجزه وإن ملك المكاتب غير تام عليه ألا ترى أنه غير جائز فيه هبته ولا أجبره على النفقة على من أجبر
الحر على النفقة عليه من الولد والوالد وإذا عتق المكاتب فماله كمال استفاده من ساعته إذا حال عليه
الحول من يوم عتق صدقه، وكذلك إذا عجز فماله كمال استفادة سيده من متاعه إذا حال عليه حول
صدقه، لأنه حينئذ تم ملك كل واحد منهما عليه (2) (قال الشافعي) وإذا كان لرجل مال تجب فيه
الزكاة فارتد عن الاسلام وهرب أو جن أو عته أو حبس ليستتاب أو يقتل فحال الحول على ماله من يوم
ملكه ففيها قولان، أحدهما أن فيها الزكاة لان ماله لا يعدو أن يموت على ردته فيكون للمسلمين، وما
كان لهم ففيه الزكاة، أو يرجع إلى الاسلام فيكون له فلا تسقط الردة عنه شيئا وجب عليه، والقول
الثاني أن لا يؤخذ منها زكاة حتى ينظر فإن أسلم تملك ماله وأخذت زكاته، لأنه لم يكن سقط عنه
الفرض وإن لم يؤجر عليها وإن قتل على ردته لم يكن في المال زكاة لأنه مال مشرك مغنوم، فإذا صار
لانسان منه شئ فهو كالفائدة ويستقبل به حولا ثم يزكيه، ولو أقام في ردته زمانا كان كما وصفت،
إن رجع إلى الاسلام أخذت منه صدقة ماله وليس كالذمي الممنوع المال بالحرية ولا المحارب ولا
المشرك غير الذمي الذي لم تجب في ماله زكاة قط، ألا ترى أنا نأمره بالاسلام فإن امتنع قتلناه وأنا
نحكم عليه في حقوق الناس بأن نلزمه (3) فإن قال: فهو لا يؤجر على الزكاة، قيل ولا يؤجر عليها ولا
غيرها من حقوق الناس التي تلزمه ويحبط أجر عمله فيما أدى منها قبل أن يرتد وكذلك لا يؤجر على أن
يؤخذ الدين منه فهو يؤخذ.
(باب الزكاة في أموال اليتامى)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: الناس عبيد الله عز وجل فملكهم ما شاء أن يملكهم وفرض
عليهم فيما ملكهم ما شاء لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون، فكان فيما آتاهم أكثر مما جعل عليهم فيه،

(1) قوله: لما يملكه، كذا في النسخ ولعل فيه تحريفا من النساخ، والوجه " لا يملكه كتبه
مصححه ".
(2) كتب في هذا الموضع من نسخة السراج البلقيني ما نصه " اعلم أن الربيع ذكر الزكاة في مال
المرتد في آخر باب ميراث القوم المال، فقد ذكرته هناك تبعا له، وهذا موضعه، قال الشافعي:
" وإذا كان لرجل مال تجب فيه الزكاة فارتد عن الاسلام " الخ كتبه مصححه:
(3) قوله: فإن قال. كذا في النسخ، وانظر أين الفاعل، ولعله سقط من الناسخ، أو " قال "
محرف عن قيل كتبه مصححه.
29

وكل أنعم فيه عليهم جل ثناؤه، فكان فيما فرض عليهم فيما ملكهم زكاة أبان أن في أموالهم حقا لغيرهم في
وقت على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فكان حلالا لهم ملك المال وحراما عليهم حبس الزكاة لأنه
ملكها غيرهم في وقت كما ملكهم أموالهم دون غيرهم فكان بينا فيما وصفت وفى قوله الله تعالى " خذ
من أموالهم صدقة تطهرهم " أن كل مالك تام الملك من حر، له مال فيه زكاة سواء في أن عليه فرض
الزكاة بالغا كان أو صحيحا أو معتوها أو صبيا لان كلا مالك ما يملك صاحبه وكذلك يجب في ملكه
ما يجب في ملك صاحبه وكان مستغنيا بما وصفت من أن على الصبي والمعتوه الزكاة عن الأحاديث كما
يلزم الصبي والمعتوه نفقة من تلزم الصحيح البالغ نفقته ويكون في أموالهما جنايتهما على أموال الناس كما
يكون في مال البالغ العاقل وكل هذا حق لغيرهم في أموالهم فكذلك الزكاة والله أعلم، وسواء كل مال
اليتيم من ناض وماشية وزرع وغيره، فما وجب على الكبير البالغ فيه الزكاة وجب على الصغير فيه
الزكاة والمعتوه وكل حر مسلم، وسواء في ذلك الذكر والأنثى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن يوسف بن ماهك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ابتغوا في
مال اليتيم أو في أموال اليتامى حتى لا تذهبها أو لا تستهلكها الصدقة " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن معمر عن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين أن عمر بن
الخطاب قال لرجل: إن عندنا مال يتيم قد أسرعت فيه الزكاة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال. كانت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
تليني أنا وأخوين لي يتيمين في حجرها، فكانت تخرج من أموالنا الزكاة.
(باب زكاة مال اليتيم الثاني)
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) الزكاة في مال اليتيم كما في مال البالغ لان الله عز وجل يقول
" خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " فلم يخص مالا دون مال وقال بعض الناس إذا كانت
ليتيم ذهب أو ورق فلا زكاة فيها واحتج بأن الله يقول " أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " وذهب إلى أن فرض
الزكاة إنما هو على من وجبت عليه الصلاة وقال: كيف يكون على يتيم صغير فرض الزكاة والصلاة عنه
ساقطة وكذلك أكثر الفرائض؟ ألا ترى أنه يزنى ويشرب الخمر فلا يحد ويكفر فلا يقتل؟ واحتجوا
بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " رفع القلم عن ثلاثة " ثم ذكر " والصبي حتى يبلغ " (قال
الشافعي) رحمه الله لبعض من يقول هذا القول: إن كان ما احتججت على ما احتججت فأنت تارك
مواضع الحجة، قال: وأين قلت زعمت أن الماشية والزرع إذا كانا ليتيم كانت فيهما الزكاة؟ فإن
زعمت أن لا زكاة في ماله فقد أخذتها في بعض ماله ولعله الأكثر من ماله وظلمته فأخذت ما ليس
عليه في ماله وإن كان داخلا في الإرث لان في ماله الزكاة فقد تركت زكاة ذهبه وورقه أرأيت لو جاز
لاحد أن يفرق بين هذا فقال: آخذ الزكاة من ذهبه وورقه ولا آخذها من ماشيته وزرعه، هل كانت
الحجة عليه إلا أن يقال لا يعدو أن يكون داخلا في معنى الآية لأنه حر مسلم فتكون الزكاة في جميع
ماله أو يكون خارجا منها بأنه غير بالغ فلا يكون في شئ من ماله الزكاة؟ أو رأيت إذ زعمت أن على
وليه أن يخرج عنه زكاة الفطر فكيف أخرجته مرة من زكاة وأدخلته في أخرى؟ أو رأيت إذ زعمت أنه
لا فرض للصلاة عليه فذهبت إلى أن الفرائض تثبت معا وتزول معا وأن المخاطبين بالفرائض هم
30

البالغون وأن الفرائض كلها من وجه واحد يثبت بعضها بثبوت بعض ويزول بعضها بزوال بعض حتى
فرض الله عز ذكره على المعتدة من الوفاة أربعة أشهر وعشرا ثم زعمت أن الصغيرة داخلة في معنى
فرض العدة وهي رضيع غير مدخول بها، أو رأيت إذ فرض الله عز وجل على القاتل الدية فسنها رسول
الله صلى الله عليه وسلم على العاقلة بجناية القاتل خطأ كيف زعمت أن الصبي إذا قتل إنسانا كانت فيه
دية وكيف زعمت أن الصبي في كل ما جنى على عبد وحر من جناية لها أرش أو أفسد له من متاع أو
استهلك له من مال فهو مضمون عليه في ماله كما يكون مضمونا على الكبير وجنايته على عاقلته، أليس
قد زعمت أنه داخل في معنى فرائض خارج من فرائض غيرها؟ أو رأيت إذ زعمت أن الصلاة
والزكاة إذا كانتا مفروضتين فإنما تثبت إحداهما بالأخرى أفرأيت إن كان لا مال له أليس بخارج من
فرض الزكاة؟ فإذا خرج من فرض الزكاة أيكون خارجا من فرض الصلاة؟ أو رأيت إن كان ذا مال
فيسافر أفليس له أن ينقص من عدد الحضر؟ أفيكون له أن ينقص من عدد الزكاة بقدر ما نقص من
الصلاة؟ أرأيت لو أغمي عليه سنة أليس تكون الصلاة عنه مرفوعة أفتكون الزكاة عنه مرفوعة من تلك
السنة؟ أو رأيت لو كانت امرأة تحيض عشرا وتطهر خمسة عشر وتحيض عشرا أليس تكون الصلاة عنها
مرفوعة في أيام حيضها؟ وأما الزكاة عليها في الحول أفيرفع عنها في الأيام التي حاضتها أن تحسب عليها
في عدد أيام السنة؟ فإن زعمت أن هذا ليس هكذا فقد زعمت أن الصلاة تثبت حيث تسقط الزكاة
وأن يكون قياسا على غيره أو رأيت المكاتب أليس الصلاة عليه ثابتة والزكاة عليه عندك زائلة؟ فقد
زعمت أن من البالغين الأحرار وغير الأحرار والصغار من يثبت عليه بعض الفرض دون بعض؟
قال: فإنا روينا عن النخعي وسعيد بن جبير وسمى نفرا من التابعين أنهم قالوا:
ليس في مال اليتيم زكاة فقيل له: لو لم تكن لنا حجة بشئ مما ذكرنا ولا بغيره
مما لعلنا سنذكره إلا ما رويت كنت محجوجا به قال وأين قلت زعمت أن التابعين
لو قالوا كان لك خلافهم برأيك فكيف جعلتهم حجة لا تعدو أن يكون ما قلت من
ذلك كما قلت فتخطئ باحتجاجك بمن لا حجة لك في قوله أو يكون في قولهم حجة فتخطئ بقولك
لا حجة فيه وخلافهم إياك كثير في غير هذا الموضع فإذا قيل لك: لم خالفتهم؟ قلت إنما الحجة في
كتاب أو سنة أو أثر عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو قول عامة المسلمين لم يختلفوا فيه أو
قياس داخل في معنى بعض هذا ثم أنت تخالف بعض ما رويت عن هؤلاء. هؤلاء يقولون فيما
رويت: ليس في مال اليتيم زكاة وأنت تجعل في الأكثر من مال اليتيم زكاة؟ قال فقد روينا عن ابن
مسعود أنه قال أخص مال اليتيم فإذا بلغ فأعلمه بما مر عليه من السنين قلنا: وهذه حجة عليك لو لم
يكن لنا حجة غير هذا، هذا لو كان ثابتا عن ابن مسعود كان ابن مسعود أمر والى اليتيم أن لا يؤدى
عنه زكاة حتى يكون هو ينوى أداءها عن نفسه لأنه لا يأمر بإحصاء ما مر عليه من السنين وعدد ماله إلا
ليؤدي عن نفسه ما وجب عليه من الزكاة مع أنك تزعم أن هذا ليس بثابت عن ابن مسعود من
وجهين، أحدهما أنه منقطع وأن الذي رواه ليس بحافظ ولو لم يكن لنا حجة بما أوجدناك إلا أن أصل
مذهبنا ومذهبك من أنا لا نخالف الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يخالفه غيره
منهم كانت لنا بهذا حجة عليك، وأنتم تروون عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه ولى بنى أبى
رافع أيتاما فكان يؤدى الزكاة عن أموالهم ونحن نرويه عنه وعن عمر بن الخطاب وعائشة أم المؤمنين
وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم وغير هؤلاء مع أن أكثر الناس قبلنا يقولون به وقد رويناه عن رسول
31

الله صلى الله عليه وسلم من وجه منقطع أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن يوسف بن ماهك أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ابتغوا في مال اليتيم لا تستهلكه الصدقة أو لا تذهبه الصدقة " أو
قال في أموال اليتامى لا تأكلها أو لا تذهبها الزكاة أو الصدقة " شك الشافعي رحمة الله عليه بها
جميعا " أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال كانت عائشة تليني وأخا لي يتيمين في
حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه قال " ابتغوا في أموال اليتامى لا تستهلكها الزكاة " أخبرنا سفيان عن أيوب عن نافع عن
ابن عمر أنه كان يزكى مال اليتيم أخبرنا سفيان عن أيوب بن موسى ويحيى بن سعيد وعبد الكريم بن أبي
المخارق كلهم يخبر عن القاسم بن محمد قال كانت عائشة رضي الله عنها تزكي أموالنا وإنه ليتجر
بها في البحرين أخبرنا سفيان عن ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة أن عليا رضي الله عنه كانت عنده
أموال بنى أبى رافع فكان يزكيها كل عام (قال الشافعي) وبهذه الأحاديث نأخذ وبالاستدلال بأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس فيما دون خمسة أو سق صدقة ولا فيما دون خمس ذود صدقة
ولا فيما دون خمس أواق صدقة " فدل قوله صلى الله عليه وسلم على أن خمس ذود وخمس أواق
وخمسة أوسق إذا كان واحد منها لحر مسلم ففيه الصدقة في المال نفسه، لا في المالك، لان المالك لو
أعوز منها لم يكن عليه صدقة.
(باب العدد الذي إذا بلغه التمر وجبت فيه الصدقة)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي
صعصعة المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس فيما دون
خمسة أوسق من التمر صدقة " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى
المازني عن أبيه قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون
خمسة أوسق صدقة " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة قال سمعت عمرو بن
يحيى المازني يقول أخبرني أبي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس فيما دون
خمسة أوسق صدقة (قال الشافعي) رحمه الله وبهذا نأخذ، وليس يروى من وجه يثبت عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلا عن أبي سعيد الخدري فإذا كان قول أكثر أهل العلم به وإنما هو خبر
واحد فقد وجب عليهم قبول خبر واحد بمثله حيث كان (قال الشافعي) فليس في التمر زكاة حتى
يبلغ خمسة أوسق فإذا بلغ خمسة أوسق ففيه الزكاة (قال الشافعي) والوسق ستون صاعا بصاع النبي
صلى الله عليه وسلم فذلك ثلاثمائة صاع بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم والصاع أربعة أمداد بمد
رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي (قال الشافعي) والخليطان في النخل اللذان لم يقسما
كالشريكين في الماشية يصدقان صدقة الواحد فما وجبت فيه على الواحد صدقة وجبت على الجماعة إذا
كانوا شركاء في أصل النخل وكذلك إذا كانوا شركاء في أصل الزرع (قال الشافعي) وكذلك إذا
كانت أرض صدقة موقوفة على جماعة فبلغت ثمرتها خمسة أوسق أخذت منها الصدقة وإذا ورث القوم
النخل أو ملكوها أي ملك كان ولم يقتسموها حتى أثمرت فبلغت ثمرتها خمسة أوسق أخذت منها
32

الصدقة، فإن اقتسموها بعدما حل بيع ثمرتها في وقت الخرص قسما صحيحا فلم يصر في نصيب
واحد منهم خمسة أوسق وفى جماعتها خمسة أوسق فعليهم الصدقة لان أول وجوب الصدقة كان وهم
شركاء فلا تسقط الصدقة بفرقها بعد أول وجوبها وإذا اقتسموها قبل أن يحل بيع الثمرة فلا زكاة على
واحد منهم حتى تبلغ حصته خمسة أوسق (قال الشافعي) وإن تجاذبوها بغير قطع وبغير قسم لأصل
النخل بتراض منهم معا، فهم شركاء بعد فيصدقون صدقة الواحد لأن هذه قسمة لا تجوز (قال
الشافعي) وإن كانت صدقة موقوفة فاقتسموها فالقسم فيها باطل لأنهم لا يملكون رقبتها وتصدق الثمرة
صدقة المالك الواحد فإذا بلغت خمسة أوسق وجبت فيها الصدقة وإذا كانت لرجل نخل بأرض وأخرى
بغيرها بعدت أو قربت فأثمرتا في سنة واحدة ضمت إحدى الثمرتين إلى الأخرى فإذا بلغتا معا خمسة
أوسق أخذت منها الصدقة (قال الشافعي) ولو كانت بينه وبين رجل نخل فجاءت بأربعة أوسق وكانت
له نخل أخرى جاءت بثلاثة أوسق أدى الصدقة عن نخليه معا لان له خمسة أوسق ولم يؤد شريكه
الصدقة عن نخله لأنه ليس له ولشريكه خمسة أوسق في شئ مما هما فيه شريكان وهكذا، هذا في
الماشية والزرع (قال الشافعي) وثمرة السنة تختلف فتثمر النخل وتجد بتهامة وهي بنجد بسر وبلح فيضم
بعض ذلك إلى بعض لأنه ثمرة واحدة فإذا أثمرت النخل في سنة ثم أثمرت في قابل لم يضم إحدى
الثمرتين إلى الأخرى وهكذا القول في الزرع كله مستأخره ومتقدمه فإنه يتقدم ببلاد الحر ويستأخر ببلاد
البرد وإذا كان لرجل زرع بالبلدين معا، ضم بعضه إلى بعض فإذا بلغ خمسة أوسق وجبت فيه
الصدقة (قال الشافعي) وإذا زرع رجل في سنة زرعا فلم يخرج منه خمسة أوسق وله زرع آخر، وهما
إذا ضما معا كانت فيهما خمسة أوسق فإن كان زرعهما وحصادهما معا في سنة واحدة فهما كالزرع الواحد
والثمرة الواحدة وإن كان بذر أحدهما يتقدم عن السنة أو حصاد الآخر يستأخر عن السنة فهما زرعان
مختلفان لا يضم واحد منهما إلى الآخر (قال الشافعي) وهكذا إذا كان لرجل (1) نخل مختلف أو واحد
يحمل في وقت واحد حملين أو سنة حملين فهما مختلفان (قال الشافعي) وإذا كان النخل مختلف
الثمرة، ضمن بعضه إلى بعض، سواء في ذلك دقله وبرديه والوسط منه وتؤخذ الصدقة من الوسط
منه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال لا
يخرج في الصدقة الجعرور ولا معي الفأرة ولا (2) عذق ابن حبيق، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا مالك عن زياد بن سعد عن الزهري (قال الشافعي) وهذا تمر ردئ جدا ويترك لصاحب
الحائط جيد التمر من البردى الكبيس وغيره ويؤخذ من وسط التمر (قال الشافعي) وهذا مثل الغنم إذا
اختلفت يترك منها ما فوق الثنية والجذعة لرب المال ويترك عليه ما دونها وتؤخذ الجذعة والثنية لأنهما
وسط وذلك أن الأغلب من الغنم أنها تكون اسنانا كما الأغلب من التمر أن يكون ألوانا فإن كان لرجل
تمر واحد بردى كله أخذ من البردى وإن كان جعرورا كله أخذ من الجعرور، وكذلك إن كانت له غنم
صغار كلها أخذها منها (قال الشافعي) وإن كان له نخل (3) بردى صنفين، صنف بردى، وصنف

(1) قوله: نخل مختلف، كذا في بعض النسخ، وسقط هذا الفرع من نسخ أخرى، ولا يخلو
من تحريف، فليحرر كتبه مصححه.
(2) عذق ابن حبيق هو نوع من التمر ردئ " وحبيق " مصغر كما في اللسان، كتبه مصححه.
(3) قوله: بردى كذا في جميع النسخ، ولعل الكلمة مزيدة من الناسخ، كتبه مصححه.
33

لون، أخذ من كل واحد من الصنفين بقدر ما فيه وإنما يؤخذ الوسط إذا اختلف التمر وكثر اختلافه وهو
يخالف الماشية في هذا الموضع وكذلك إن كان أصنافا أحصى كل صنف منها حتى لا يشك فيه
وعرض رب المال أن يعطى كل صنف ما يلزمه أخذ منه.
(باب كيف تؤخذ زكاة النخل والعنب)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الله بن نافع عن بن صالح التمار عن ابن شهاب
عن سعيد ابن المسيب عن عتاب بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في زكاة الكرم
" يخرص كما تخرص النخل ثم تؤدى زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة النخل تمرا " أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا عبد الله بن نافع عن محمد بن صالح التمار عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن
عتاب بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث على الناس من يخرص كرومهم وثمارهم
(قال الشافعي) رحمه الله: وبهذا نأخذ في كل ثمرة يكون لها زبيب، وثمار الحجاز فيما علمت كلها
تكون تمرا أو زبيبا إلا أن يكون شيئا لا أعرفه (قال الشافعي) وأحسب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بخرص النخل والعنب لشيئين أحدهما أن ليس لأهله منع الصدقة منه وأنهم مالكون تسعة أعشاره
وعشره لأهل السهمان (قال) وكثير من منفعة أهله به إنما يكون إذا كان رطبا وعنبا لأنه أغلى ثمنا منه تمرا
أو زبيبا ولو منعوه رطبا أو عنبا ليؤخذ عشره أضربهم، ولو ترك خرصه ضيع حق أهل السهمان منه فإنه
يؤخذ ولا يحصى فخرص والله تعالى أعلم وخلى بينهم وبينه للرفق بهم والاحتياط لأهل السهمان (قال
الشافعي) والخرص إذا حل البيع وذلك حين يرى في الحائط الحمرة والصفرة وكذلك
حين يتموه العنب ويوجد فيه ما يؤكل منه ويأتي الخارص النخلة فيطوف
بها حتى يرى كل ما فيها ثم يقول خرصها رطبا كذا وينقص إذا صار تمرا كذا
يقيسها على كيلها تمرا ويصنع ذلك بجميع الحائط ثم يحمل مكيلته تمرا وهكذا يصنع بالعنب
ثم يخلى بين أهله وبينه فإذا صار زبيبا وتمرا أخذ العشر على ما خرصه تمرا وزبيبا من التمر والزبيب (قال
الشافعي) فإن ذكر أهله أنه أصابته جائحة أذهبت منه شيئا أو أذهبته كله صدقوا فيما ذكروا منه وإن
اتهموا حلفوا وإن قالوا: قد أخذنا منه شيئا وذهب شئ لا يعرف قدره قيل ادعوا فيما ذهب ما شئتم
واتقوا الله ولا تدعوا إلا ما أحطتم به علما واحلفوا ثم يأخذ العشر منهم مما بقي إن كان فيه عشر وإن لم
يكن فيما بقي في أيديهم واستهلكوا عشره لم يؤخذ منهم منه شئ وإن قال هلك منه شئ لا أعرفه قيل
له: إن ادعيت شيئا وحلفت عليه طرحنا عنك من عشره بقدره وإن لم تدع شيئا تعرفه أخذنا منك
العشرة على ما خرصنا عليك (قال الشافعي) فإن قال قد أحصيت مكيلة ما أخذت فكانت مكيلة ما
أخذت كذا وما بقي كذا وهذا خطأ في الخرص صدق على ما قال وأخذ منه لأنها زكاة وهو فيها أمين
(قال الشافعي) فإن قال قد سرق منى شئ لا أعرفه لم يضمن ما سرق وأخذت الصدقة منه مما أخذ
وبقى إذا عرف ما أخذ وما بقي (قال الشافعي) وإن قال قد سرق بعد ما صيرته إلى الجرين فإن سرق
بعدما يبس وأمكنه أن يؤدى إلى الوالي أو إلى أهل السهمان فقد فرط وهو له ضامن وإن سرق
بعدما صار تمرا يابسا ولم يمكنه دفعه إلى الوالي (1) أو يقسمه وقد أمكنه دفعه إلى أهل

(1) قوله: أو يقسمه، كذا في النسخ، وانظر كتبه مصححه.
34

السهمان فهو له ضامن لأنه مفرط فإن جف التمر ولم يمكنه دفعه
إلى أهل السهمان ولا إلى الوالي لم يضمن منه شيئا وأخذت منه الصدقة مما استهلك هو وبقى
في يده إن كانت فيه صدقة (قال الشافعي) وإذا وجد بعض أهل السهمان ولم يجد بعضا فلم يدفعه
إليهم ولا إلى الوالي ضمن بقدر ما استحق من وجد من أهل السهمان منه ولم يضمن حق من لم يجد من
أهل السهمان (قال الشافعي) وإن استهلكه كله رطبا أو بسرا بعد الخرص ضمن مكيلة خرصه تمرا مثل
وسط تمره وإن اختلف هو والوالي فقال: وسط تمري كذا، فإن جاء الوالي ببينة أخذ منه على ما
شهدت به البينة وإن لم يكن عليه بينة أخذ منه على ما قال رب المال مع يمينه، وأقل ما يجوز عليه في
هذا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين (قال الشافعي) وليس للوالي أن يحلف مع شاهده ولا لاحد من
أهل السهمان أن يحلف لأنه ليس بمالك شيئا مما يحلف عنه دون غيره (قال الشافعي) وإن أصاب
حائطه عطش فعلم أنه إن ترك الثمرة فيه أضرت بالنخل وإن قطعها بعدما يخرص بطل عليه كثير من
ثمنها كان له قطعها ويؤخذ عشرها مقطوعة فيقسم على أهل السهمان فإن لم يدفع عشرها إلى الوالي ولا
إلى السهمان ضمن قيمته مقطوعا إن لم يكن له مثل (قال الشافعي) وما قطع من ثمر نخله قبل أن يحل
بيعه لم يكن عليه فيه عشر وأكره ذلك له إلا أن يكون قطع شيئا يأكله أو يطعمه فلا بأس وكذلك
أكره له من قطع الطلع إلا ما أكل أو أطعم أو قطعه تخفيفا عن النخل ليحسن حملها فأما ما قطع من
طلع الفحول التي لا تكون تمرا فلا أكرهه (قال الشافعي) وإن صير التمر في الجرين لمستحقه فرش عليه
ماء أو أحدث فيه شيئا فتلف بذلك الشئ أو نقص فهو ضامن له لأنه الجاني عليه، وإن لم يحدث منه
إلا ما يعلم به صلاحه فهلك لم يضمنه (قال الشافعي) وإذا وضع التمر حيث كان يضعه في جرينه أو
بيته أو داره فسرق قبل أن يجف لم يضمن وإن وضعه في طريق أو موضع ليس بحرز لمثله فهلك ضمن
عشره (قال الشافعي) وما أكل من التمر بعد أن يصير في الجرين ضمن عشره وكذلك ما أطعم منه
(قال الشافعي) وإذا كان النخل يكون تمرا فباعه مالكه رطبا كله أو أطعمه كله أو أكله كرهت ذلك له
وضمن عشره تمرا مثل وسطه (قال الشافعي) وإذا كان لا يكون تمرا بحال أحببت أن يعلم ذلك الوالي
وأن يأمر الوالي من يبيع معه عشره رطبا فإن لم يفعل خرصه عليه ثم صدق ربه بما بلغ رطبه وأخذ عشر
رطب نخله ثمنا فإن أكله كله أو استهلكه كله أخذ منه قيمة عشر رطبه ذهبا أو ورقا (قال الشافعي) وإن
استهلك من رطبه شيئا وبقى منه شئ فقال خذ العشر مما بقي فإن كان ثمن ما استهلك أكثر من ثمن ما
بقي أخذ عشر ثمن ما استهلك وعشر ما بقي وكذلك لو كان أقل ثمنا أو مثله فلم يعطه رب المال إلا الثمن
كان عليه أخذ ثمن العشر (قال الشافعي) وإن كان النظر للمساكين أخذ العشر مما بقي من الرطب وفعل
ذلك رب المال، أخذه المصدق كما يأخذ لهم كل فضل تطوع به رب المال (قال الشافعي) وإن كان
لرجل نخلان نخل يكون تمرا ونخل لا يكون تمرا أخذ صدقة الذي يكون تمرا تمرا، وصدقة الذي لا
يكون تمرا كما وصفت (قال الشافعي) وإن عرض رب المال ثمن التمر على المصدق لم يكن له أن يأخذه
بحال كان نظرا لأهل السهمان أو غير نظر ولا يحل بيع الصدقة (قال الشافعي) فإن استهلكه وأعوزه أن
يجد تمرا بحال جاز أن يأخذ قيمته منه لأهل السهمان وهذا كرجل كان في يده لرجل طعام فاستهلكه
فعليه مثله فإن لم يوجد فقيمته بالجناية بالاستهلاك، لان هذا ليس بيعا من البيوع لا يجوز حتى يقبض
(قال الشافعي) وإن كان يخرج نخل رجل بلحا فقطعه قبل أن ترى فيه الحمرة أو قطعه طلعا خوف
العطش كرهت ذلك له ولا عشر عليه فيه ولا يكون عليه العشر حتى يقطعه بعد ما يحل بيعه (قال)
35

وكل ما قلت في النخل فكان في العنب، فهو مثل النخل لا يختلفان (قال الشافعي) وإن كانت
لرجل نخل فيها خمسة أوسق وعنب ليس فيه خمسة أوسق أخذت الصدقة من النخل ولم تؤخذ من
العنب ولا يضم صنف إلى غيره، والعنب غير النخل، والنخل كله واحد فيضم رديئه إلى جيده
وكذلك العنب كله واحد يضم رديئه إلى جيده.
(باب صدقة الغراس)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال ليهود خيبر حين افتتح خيبر " أقركم على ما أقركم الله تعالى على أن التمر بيننا
وبينكم " قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص عليهم ثم يقول إن
شئتم فلكم وإن شئتم فلى، فكانوا يأخذونه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن
شهاب عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه
وبين يهود خيبر (قال الشافعي) وعبد الله بن رواحة كان يخرص نخلا ملكها للنبي صلى الله عليه وسلم
وللناس ولا شك أن قد رضوا به إن شاء الله تعالى ثم يخيرهم بعدما يعلمهم الخرص بين أن يضمنوا له
نصف ما خرص تمرا ويسلم لهم النخل بما فيه أو يضمن لهم مثل ذلك التمر ويسلموا له النخل بما فيه
والعاملون يشتهون أن يكونوا ممن يجوز أمرهم على أنفسهم والمدعوون إلى هذا المالكون يجوز أمرهم على
أنفسهم فإذا خرص الواحد على العامل وخير جاز له الخرص (قال) ومن تؤخذ منه صدقة النخل
والعنب خلط، فمنهم البالغ الجائز الامر وغير الجائز الامر من الصبي والسفيه والمعتوه والغائب ومن يؤخذ له
الخرص من أهل السهمان (1) وأكثر من أهل الأموال فإن بعث عليهم خارص واحد فمن كان بالغا جائز
الامر في ماله فخيره الخارص بعد الخرص فاختار ماله جاز عليه كما كان ابن رواحة يصنع وكذلك إن لم
يخيرهم فرضوا، فأما الغائب لا وكيل له والسفيه فليس يخير ولا يرضى فأحب أن لا يبعث على العشر
خارص واحد بحال ويبعث اثنان فيكونان كالمقومين في غير الخرص (قال الشافعي) وبعثة عبد الله بن
رواحة وحده حديث منقطع وقد يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مع عبد الله وغيره وقد يجوز أن
يكون بعث مع عبد الله غيره وإن لم يذكر، وذكر عبد الله بن رواحة بأن يكون المقدم وفى كل أحب أن
يكون خارصان أو أكثر في المعاملة والعشر وقد قيل يجوز خارص واحد كما يجوز حاكم واحد فإذا غاب
عنا قدر ما بلغ التمر جاز أخذ العشر على الخرص وإنما يغيب ما أخذ منه بما يؤكل منه رطبا ويستهلك
يابسا بغير إحصاء (قال الشافعي) وإذا ذكر أهله أنهم أحصوا جميع ما فيه وكان في الخرص عليهم
أكثر قبل منهم مع إيمانهم فإن قالوا: كان في الخرص نقص عما عليهم أخذ منهم ما أقروا به من الزيادة
في تمرهم وهو يخالف القيمة في هذا الموضع لأنه لا سوق له يعرف بها يوم الخرص كما يكون للسلعة
سوق يوم التقويم وقد يتلف فيبطل عنهم فيما تلف الصدقة إذا كان التلف بغير إتلافهم، ويتلف
بالسرق من حيث لا يعلمون وضيعة النخل بالعطش وغيره (قال الشافعي) ولا يؤخذ من شئ من

(1) قوله: وأكثر، كذا في النسخ، ولعل الواو مزيدة من النساخ وما بعدها خبر المبتدأ. فانظر
كتبه، مصححه.
36

الشجر غير النخل والعنب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الصدقة منهما فكانا قوتا، وكذلك لا
يؤخذ من الكرسف ولا أعلمها تجب في الزيتون لأنه أدم لا مأكول بنفسه وسواء الجوز فيها واللوز وغيره
مما يكون أدما أو ييبس ويدخر لان كل هذا فاكهة لا أنه كان بالحجاز قوتا لاحد علمناه (قال
الشافعي) ولا يخرص زرع لأنه لا يبين للخارص وقته والحائل دونه وأنه لم يختبر فيه من الصواب ما
اختبر في النخل والعنب وأن الخبر فيهما خاص وليس غيرهما في معناهما لما وصفت.
(باب صدقة الزرع)
(قال الشافعي) رحمه الله ما جمع أن يزرعه الآدميون وييبس ويدخر ويقتات مأكولا خبزا أو
سويقا أو طبيخا ففيه الصدقة (قال الشافعي) ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخذ
الصدقة من الحنطة والشعير والذرة (قال الشافعي) وهكذا كل ما وصفت يزرعه الآدميون ويقتاتونه
فيؤخذ من العلس وهو حنطة والدخن والسلت والقطنية كلها حمصها وعدسها وفولها ودخنها لان كل
هذا يؤكل خبزا وسويقا وطبيخا ويزرعه الآدميون ولا يتبين لي أن يؤخذ من (1) الفث وإن كان قوتا لأنه
ليس ما ينبت الآدميون ولا من حب الحنظل وإن اقتيت لأنه في أبعد من هذا المعنى من الفث
وكذلك لا يؤخذ من حب شجرة برية كما لا يؤخذ من بقر الوحش ولا من الظباء صدقة (قال
الشافعي) ولا يؤخذ في شئ من الثفاء ولا الأسبيوش لان الأكثر من هذا أنه ينبت للدواء ولا مما في
معناه من حبوب الأدوية ولا من حبوب البقل لأنها كالفاكهة وكذلك القثاء والبطيخ وحبه لا زكاة فيه
لأنه كالفاكهة ولا يؤخذ من حب العصفر ولا بزر الفجل ولا بزر بقل ولا سمسم.
(باب تفريع زكاة الحنطة)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا بلغ صنف من الحبوب التي فيها الصدقة خمسة أوسق
ففيه الصدقة والقول في كل صنف منه جمع جيدا ورديئا أن يعد بالجيد مع الردئ كما يعد بذلك في
التمر، غير أن اختلافه لا يشبه اختلاف التمر لأنه إنما يكون صنفين أو ثلاثة فيؤخذ من كل صنف منه
بقدره والتمر يكون خمسين جنسا أو نحوها أو أكثر والحنطة صنفان صنف حنطة تداس حتى يبقى حبها
مكشوفا لا حائل دونه من كمام ولا قمع، فتلك إن بلغت خمسة أوسق ففيها الصدقة، وصنف علس
إذا ديست بقيت حبتان في كمام واحد لا يطرح عنها الكمام إلا إذا أراد أهلها استعمالها ويذكر أهلها أن
طرح الكمام عنها يضر بها فإنها لا تبقى بقاء الصنف الآخر من الحنطة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
وإذا طرح عنها الكمام بهرس أو طرح في رحى خفيفة ظهرت فكانت حبا كالحنطة الأخرى ولا يظهرها
الدراس كما يظهر الأخرى وذكر من جربها أنها إذا كان عليها الكمام الباقي بعد الدرس ثم ألقى ذلك
الكمام عنها صارت على النصف مما كيلت أولا فيخير مالكها بين أن يلقى الكمام وتكال عليه فإذا بلغت

(1) الفث: بالفتح نبت يختبز حبه ويؤكل في الجدب والاسبيوش هو البزر قطونا،
والثفاء بالضم وتشديد الفاء حب الخردل أو الحرف. كذا في الكتب اللغة، كتبه مصححه.
37

خمسة أوسق أخذت منها الصدقة وبين أن تكال بكمامها فإذا بلغت عشرة أوسق أخذت منها صدقتها
لأنها حينئذ خمسة، فأيهما اختار لم يحمل على غيره فيضر ذلك به (قال الشافعي) فإن سأل أن تؤخذ
منه في سنبلها لم يكن له ذلك وإن سأل أهل الحنطة غير العلس أن يؤخذ منهم في سنبله لم يكن ذلك
لهم كما نجيز بيع الجوز في قشره، والذي يبقى عليه حرز له، لأنه لو نزع منه عجل فساده إذا ألقى عنه
ولا نجيزه فوق القشر الاعلى الذي فوق القشر الذي دونه (قال الشافعي) وإذا كانت لرجل حنطة غير
علس وحنطة علس ضم إحداهما إلى الأخرى على ما وصفت الحنطة بكيلتها والعلس في أكمامها
بنصف كيلة، فإن كانت الحنطة التي هي غير علس ثلاثة أوسق والعلس وسقان فلا صدقة فيها لأنها
حينئذ أربعة أوسق (1) ونصف، وإن كانت أربعة ففيها صدقة لأنها حينئذ خمسة أوسق، الحنطة
ثلاث والعلس الذي هو أربعة في أكمامه اثنان.
(باب صدقة الحبوب غير الحنطة)
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا يؤخذ من زرع فيه زكاة غير العلس صدقة حتى يطرح عنه كمامه
ويكال ثم تؤخذ منه الصدقة إذا بلغ خمسة أوسق فتؤخذ من الشعير ولا يضم شعير إلى حنطة ولا سلت
إلى حنطة ولا شعير ولا أرز إلى دخن ولا ذرة (قال الشافعي) والذرة ذرتان ذرة (2) بطيس لأكمام عليه
ولا قمع بيضاء وذرة عليها شئ أحمر كالحلقة أو الثفروق إلا أنه أرق وكقشرة الحنطة دقيق لا ينقص لها
كيلا ولا يخرج إلا مطحونا وقلما يخرج بالهرس فكلاهما يكال ولا يطرح لكيله شئ كما يطرح لأطراف
الشعير الحديدة ولا قمع التمرة وإن كان مباينا للتمرة، وهذا لا يباين الحبة لأنه متصل بنفس الخلقة
وكمالا يطرح لنخالة الشعير ولا الحنطة شئ (قال الشافعي) ولا يضم الدخن إلى الجلبان ولا الحمص
إلى العدس ولا الفول إلى غيره ولا حبة عرفت باسم منفرد دون صاحبها وخلافها بائن في الخلقة والطعم
والثمر إلى غيرها ويضم كل صنف من هذا أكبر إلى ما هو أصغر منه وكل صنف استطال إلى ما تدحرج
منه (قال الشافعي) ولا أعلم في الترمس صدقة ولا أعلمه يؤكل إلا دواء أو تفكها لا قوتا،
ولا صدقة في بصل ولا ثوم لان هذا لا يؤكل إلا ابزارا أو أدما (قال الشافعي)
فإن قيل فاسم القطنية يجمع الحمص والعدس، قيل: نعم، قد يفرق لها أسماء
ينفرد كل واحد منها باسم دون صاحبه وقد يجمع اسم الحبوب معها الحنطة والذرة، فلا يضم بجماع
اسم الحبوب ولا يجمع إليها، ويجتمع التمر والزبيب في الحلاوة وأن يخرصا ثم لا يضم أحدهما على
الآخر فإن قيل: فقد أخذ عمر العشر من (3) النبط في القطنية، قيل: وقد أخذ النبي صلى الله عليه
وسلم من التمر والزبيب وما أنبتت الأرض مما فيه زكاة العشر وكان اجتماعه في أن فيه العشر غير دال على

(1) قوله: ونصف، كذا في النسخ، ولعل الكلمة من زيادة النساخ، أو يكون قوله السابق
" والعلس وسقان " محرفا والوجه " والعلس ثلاثة أوسق "، كما هو ظاهر. كتبه مصححه.
(2) قوله: بطيس، كذا في الأصل، وسيأتي بهذا اللفظ ولم نقف عليه في كتب اللغة، كتبه
مصححه.
(3) النبط: بفتحتين، قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين، كذا في الصحاح، كتبه مصححه.
38

جمع بعضه إلى بعض وقد أخذ عمر من النبط من الزبيب والقطنية العشر (1) فيضم الزبيب إلى
القطنية (قال الشافعي) ولا يؤخذ زكاة شئ مما أخرجت الأرض مما ييبس حتى ييبس ويدرس كما
وصفت وييبس تمره وزبيبة وينتهى يبسه فان أخذ الزكاة منه رطبا كرهته له وكان عليه رده أورد قيمته
إن لم يوجد مثله وأخذه يابسا لا أجيز بيع بعضه ببعض رطبا لاختلاف نقصانه وأنه حينئذ مجهول (قال
الشافعي) والعشر مقاسمة كالبيع فإن أخذه رطبا فيبس في يده (2) كمال يبقى في يدي صاحبه، فإن
كان استوفى فذلك له وإن كان ما في يده أزيد من العشر رد الزيادة وإن كان أنقص أخذ النقصان وإن
جهل صاحبه ما في يده واستهلكه فالقول قول صاحبه ويرد هذا ما في يده إن كان رطبا حتى ييبس
(قال) وهكذا إن أخذ الحنطة في أكمامها (قال الشافعي) وإن أخذه رطبا ففسد في يدي المصدق
فالمصدق ضامن لمثله لصاحبه أو قيمته إن لم يوجد له مثل ويرجع عليه بأن يأخذ عشره منه يابسا (قال
الشافعي) ولو أخذه رطبا من عنب لا يصير زبيبا أو رطبا لا يصير تمرا كرهته وأمرته برده لما وصفت من
أنه لا يجوز بيع بعضه ببعض رطبا فإن استهلكه ضمن مثله أو قيمته وترادا الفضل منه وكان شريكا في
العنب ببيعه ويعطى أهل السهمان ثمنه وإن كان لا يتزبب فلو قسمه عنبا موازنة وأخذ عشره وأعطى أهل
السهمان، كرهته ولم يكن عليه غرم.
(باب الوقت الذي تؤخذ فيه الصدقة مما أخرجت الأرض)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا بلغ ما أخرجت الأرض ما يكون فيه الزكاة أخذت صدقته ولم
ينتظر بها حول لقول الله عز وجل " وآتوا حقه يوم حصاده " ولم يجعل له وقتا إلا الحصاد واحتمل قول
الله عز وجل " يوم حصاد " إذا صلح بعد الحصاد واحتمل يوم يحصد وإن لم يصلح، فدلت سنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم على أن تؤخذ بعد ما يجف لا يوم يحصد النخل والعنب والاخذ منهما زبيبا وتمرا
فكان كذلك كل ما يصلح بجفوف ودرس مما فيه الزكاة مما أخرجت الأرض، وهكذا زكاة ما أخرج
من الأرض من معدن لا يؤخذ حتى يصلح فيصير ذهبا أو فضة ويؤخذ يوم يصلح (قال الشافعي)
وزكاة الركاز يوم يؤخذ لأنه صالح بحاله لا يحتاج إلى إصلاح وكله مما أخرجت الأرض.
(باب الزرع في أوقات)
الذرة تزرع مرة فتخرج فتحصد ثم تستخلف في كثير من المواضع فتحصد أخرى فهذا كله
كحصدة واحدة يضم بعضه إلى بعض لأنه زرع واحد وإن استأخرت حصدته الآخرة (قال الشافعي)
وهكذا إذا بذرت ووقت البذار بذر اليوم وبذر بعد شهر لان هذا كله وقت واحد للزرع وتلاحق الزرع
فيه متقارب (قال) وإذا بذر ذرة بطيسا وحمراء ومجنونة (3) وهم في أوقات فأدرك بعضها قبل بعض

(1) قوله: فيضم كذا في النسخ، ولعل المعنى على الاستفهام، أي أفيضم الخ كتبه مصححه،
(2) قوله: كمال يبقى الخ كذا في النسخ، ولعل في العبارة تحريفا، والوجه والله أعلم " كان كما
يبقى الخ ". وانظر، كتبه مصححه.
(3) قوله: وهم، كذا في النسخ، ولعلها من تحريف الناسخ، والوجه " وهي " كتبه مصححه.
39

ضم الأول المدرك إلى الذي يليه والذي يليه إلى المبذور بعد هذه، فإذا بلغ كله خمسة أوسق وجبت فيه الصدقة (قال الشافعي) وإذا كان حائطا فيه عنب أو رطب فبلغ بعضه قبل بعض في عام واحد
وإن كان بين ما يجف ويقطف منه أولا وآخر الشهر وأكثر وأقل ضم بعضه إلى بعض وهذه ثمرة واحدة
لان ما تخرج الأرض كله يدرك هذا ويبذر هذا (قال) وإذا كانت لرجل نخلات يطلعن فيكون فيهن
الرطب والبسر والبلح والطلع في وقت واحد فيجد الرطب ثم يدرك البسر، فيجد ثم يدرك البلح فيجد
ثم يدرك الطلع فيجد. ضم هذا كله وحسب على صاحبه كما يحسب إطلاعة واحدة في جدة واحدة
لأنه ثمر نخله في وقت واحد (قال الشافعي) وإذا كان لرجل حائط بنجد وآخر بالشعف وآخر بتهامة
فجد التهامي ثم الشعفي ثم النجدي فهذه ثمرة عام واحد يضم بعضها إلى بعض وإن كان بينهما الشهر
والشهران (قال الشافعي) وبعض أهل اليمن يزرعون في السنة مرتين في الخريف ووقت يقال له
الشباط فإن كان قوم يزرعون هذا الزرع أو يزرعون في السنة ثلاث مرات في أوقات مختلفة من خريف
وربيع وحميم أو صيف فزرعوا في هذا حنطة أو أرز أو حبا، فإن كان من صنف واحد ففيه أقاويل
منها أن الزرع إذا كان في سنة واحدة فأدرك بعضه فيها وبعضه في غيرها ضم بعضه إلى بعض ومنها أنه
يضم منه ما أدرك منه في سنة واحدة وما أدرك في السنة الثانية ضم إلى ما أدرك من سنته التي أدرك
فيها، ومنها أنه إذا زرع في أزمان مختلفة كما وصفت لم يضم بعضه إلى بعض (قال الشافعي) وأما ما
زرع في خريف أو بكر شئ منه وتأخر شئ منه فالخريف ثلاثة أشهر فيضم بعضه إلى بعض وكذلك
ما زرع في الربيع في أول شهوره وآخرها وكذلك الصيف إن زرع فيه (قال) ولا يضم زرع سنة إلى
زرع سنة غيرها ولا ثمرة سنة إلى ثمرة سنة غيرها وإن اختلف المصدق ورب الزرع وفى يده زرع فقال
هذا زرع سنة واحدة وقال رب الزرع بل سنتين فالقول قول رب الزرع مع يمينه وإن اتهم، وعلى
المصدق البينة، فإن أقام البينة ضم بعضه إلى بعض وهذا هكذا في كل ما فيه صدقة.
(باب قدر الصدقة فيما أخرجت الأرض)
(قال الشافعي) رحمه الله: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قولا معناه " ما سقى بنضح
أو غرب ففيه نصف العشر وما سقى بغيره من عين أو سماء ففيه العشر " (قال الشافعي) وبلغني أن هذا
الحديث يوصل من حديث ابن أبي ذباب عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم أعلم مخالفا. أخبرنا الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع أن عبد الله بن عمر كان
يقول: صدقة الثمار والزروع ما كان نخلا أو كرما أو زرعا أو شعيرا أو سلتا، فما كان منه بعلا أو يسقى
بنهر أو يسقى بالعين أو عثريا بالمطر، ففيه العشر، في كل عشرة واحد وما كان منه يسقى بالنضح ففيه
نصف العشر في كل عشرين واحد (قال الشافعي) فبهذا نأخذ، فكل ما سقته الأنهار أو السيول أو
البحار أو السماء أو زرع عثريا مما فيه الصدقة ففيه العشر، وكل ما يزرع برشاء من تحت الأرض المسقية
يصب فوقها ففيه نصف العشر وذلك أن يسقى من بئر أو نهر (1) أو نجل بدلو ينزع أو بغرب ببعير أو بقرة

(1) أو نجل: النجل بالفتح النز الذي يخرج من الأرض والزر نوقان منارتان يبنيان على رأس البئر
من جانبيها فتوضع عليهما النعامة، وهي خشبة تعرض عليهما ثم تعلق فيها البكرة فيستقى بها،
والمحالة: منجنون يستقي عليها، كذا في كتب اللغة، كتبه مصححه.
40

أو غيرها أو بزرنوق أو محالة أو دولاب (قال) فكل ما سقى هكذا ففيه نصف العشر (قال) فإن سقى
شئ من هذا بنهر أو سيل أو ما يكون فيه العشر فلم يكتف حتى سقى بالغرب فالقياس فيه أن ننظر إلى
ما عاش بالسقيتين فإن كان عاش بهما نصفين كان فيه ثلاثة أرباع العشر وإن كان عاش بالسيل أكثر،
زيد فيه بقدر ذلك، وإن كان عاش بالغرب أكثر نقص بقدر ذلك (قال) وقد قيل ينظر أيهما عاش
به أكثر فتكون صدقته به، فإن عاش بالسيل أكثر فتكون صدقته العشر أو عاش بالغرب أكثر فتكون
صدقته نصف العشر (قال الشافعي) وإن كان فيه خبر فالخبر أولى به وإلا فالقياس ما وصفت، والقول
قول رب الزرع مع يمينه، وعلى المصدق البينة إن خالف ربه (قال الشافعي) وأخذ العشر أن يكال
لرب المال تسعة ويأخذ المصدق العاشر وهكذا أخذ نصف العشر يكال لرب المال تسعة عشر ويأخذ
المصدق تمام العشرين (قال) فما زاد على عشرة مما لا يبلغها أخذ منه بحساب وسواء
ما زاد مما قل أو كثر إذا وجبت فيه الصدقة ففي الزهادة على العشرة صدقتها
(قال) ويكال لرب المال ووالى الصدقة كيلا واحدا لا يلتف منه شئ على المكيال
ولا يدق ولا يزلزل المكيال ويوضع على المكيال فما أمسك رأسه أفرغ به وإن بلغ ما يؤخذ نصف
عشره خمسة أوسق أخذت منه الصدقة كما تؤخذ الصدقة فيما يؤخذ عشره (قال) وإن حثى التمر في
قرب أو جلال أو جرار أو قوارير فدعا رب التمر والى الصدقة إلى أن يأخذ الصدقة منه عددا أو وزنا لم
يكن ذلك له وكان عليه أن يأخذ مكيله على الخرص (قال) وكذلك لو أغفل الخرص فوجد في يديه
تمرا أخذه كيلا وصدق رب المال على ما بلغ كيله وما مضى منه رطبا أخذه على التصديق له أو خرصه
فأخذه على الخرص (قال الشافعي) وهكذا لو دعاه إلى أن يأخذ منه حنطة أو شيئا من الحبوب جزافا
أو معادة في غرائر أو أوعية أو وزنا لم يكن ذلك له وكان عليه أن يستوفى ذلك منه (قال الشافعي) وإذا
أغفل الوالي الخرص، قبل قول صاحب التمر مع يمينه.
(باب الصدقة في الزعفران والورس)
(قال الشافعي) ليس في الزعفران ولا الورس صدقة لان كثيرا من الأموال لا صدقة فيها، وإنما
أخذنا الصدقة خبرا أو بما في معنى الخبر، والزعفران والورس طيب لا قوت، ولا زكاة في واحد
منهما، والله تعالى أعلم كما لا يكون في عنبر ولا مسك ولا غيره من الطيب زكاة (قال) وكذلك لا
خمس في لؤلؤة ولا زكاة في شئ يلقيه البحر من حليته، ولا يؤخذ من صيده.
(باب أن لا زكاة في العسل)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أنس بن عياض عن الحرث بن عبد الرحمن بن أبي
ذباب عن أبيه عن سعد بن أبي ذباب قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت ثم
قلت: يا رسول الله اجعل لقومي ما أسلموا عليه من أموالهم قال: ففعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم، واستعملني عليهم، ثم استعملني أبو بكر ثم عمر، قال: وكان سعد من أهل السراة، قال
فكلمت قومي في العسل فقلت لهم: زكوه فإنه لا خير في ثمرة لا تزكى فقالوا كم ترى؟ قال
41

فقلت: العشر فأخذت منهم العشر فأتيت عمر بن الخطاب فأخبرته بما كان، قال: فقبضه عمر فباعه
ثم جعل ثمنه في صدقات المسلمين، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله
ابن أبي بكر قال: جاء كتاب من عمر بن عبد العزيز إلى أبى وهو ب‍ " منى " أن لا يأخذ من الخيل ولا
من العسل صدقة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وسعد بن أبي ذباب يحكى ما يدل على أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم لم يأمره بأخذ الصدقة من العسل وأنه شئ رآه فتطوع له به أهله (قال
الشافعي) لا صدقة في العسل ولا في الخيل، فإن تطوع أهلهما بشئ قبل منهم وجعل في صدقات
المسلمين، وقد قبل عمر بن الخطاب من أهل الشام أن تطوعوا بالصدقة عن الخيل وكذلك الصدقة
عن كل شئ تقبل ممن تطوع بها.
(باب صدقة الورق)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال سمعت أبا
سعيد الخدري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " أخبرنا الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا عمرو بن يحيى المازني قال أخبرني أبي أنه سمع
أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) وليس فيما دون خمس أواق من الورق
صدقة. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك قال أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد
الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " وليس
فيما دون خمس أواق من الورق صدقة " (قال الشافعي) وبهذا نأخذ، فإذا بلغ الورق خمس أواقي
وذلك مائتا درهم بدراهم الاسلام وكل عشرة دراهم من دراهم الاسلام وزن سبعة مثاقيل من ذهب
بمثقال الاسلام ففي الورق الصدقة (قال الشافعي) وسواء كان الورق دراهم جيادا مصفاة غاية سعرها
عشرة بدينار أو ورقا تبرا، ثمن عشرين دينار، ولا أنظر إلى قيمته من غيره لان الزكاة فيه نفسه كما
لا أنظر إلى ذلك في الماشية ولا الزرع وأضم كل جيد من صنف إلى ردئ من صنفه (قال الشافعي)
وإن كانت لرجل مائتا درهم تنقص حبة أو أقل وتجوز جواز الوازنة أولها فضل على الوازنة غيرها فلا
زكاة فيها كما لو كانت له أربع من الإبل تسوى ألف دينار لم يكن فيها شاة وفى خمس من الإبل لا
تسوى عشرة دنانير شاة وكما لو كانت له أربعة أوسق بردى خير قيمته من مائة وسق لون لم يكن فيها زكاة
(قال) ومن قال بغير هذا فقد خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوجب الزكاة في أقل من
خمس أواقي وقد طرحها النبي صلى الله عليه وسلم في أقل من خمس أواقي (قال الشافعي) وإذا
كانت لرجل ورق رديئة وورق جيدة أخذ من كل واحد منهما بقدر الزكاة التي وجبت عليه من الجيد
بقدره ومن الردئ بقدره (قال) وإن كانت له ورق محمول عليها نحاس أو غش أمرت بتصفيتها
وأخذت زكاتها إذا صفت إذا بلغت ما تجب فيه الزكاة وإذا تطوع فأدى عنها ورقا غير محمول عليه
الغش دونها قبل منه وأكره له الورق المغشوش لئلا يغر به أحدا أو يموت فيغر به وارثه أحدا (قال

(1) وليس، كذا في النسخ بالواو، ولعلها ثبتت لكون هذه الجملة بقية حديث كما لا يخفى.
كتبه مصححه.
42

الشافعي) ويضم الورق التبر إلى الدراهم المضروبة (قال) وإذا كانت لرجل فضة قد خلطها بذهب
كان عليه أن يدخلها النار حتى يميز بينهما فيخرج الصدقة من كل واحد منهما وإن أخرج الصدقة من
كل واحد منهما على قدر ما أحاط به فلا بأس وكذلك إن لم يحط علمه فاحتاط حتى يستيقن أن قد
أخرج من كل واحد منهما ما فيه أو أكثر فلا بأس (قال) وإن ولى أخذ ذلك منه الوالي لم يكن له قبول
هذا منه إلا أن يحلف على شئ يحيط به فيقبله منه، فاما ما غاب علمه عنه فلا يقبل ذلك منه فيه
حتى يقول له أهل العلم لا يكون فيه أكثر مما قال وإن لم يقولوا له لم يحلف على إحاطة أدائه عليه فأخذ
من كل واحد منهما الصدقة بقدر ما فيه (قال الشافعي) وإن كانت له فضة ملطوخة على لجام أو مموه بها
سقفه فكانت تميز فتكون شيئا إن جمعت بالنار فعليه إخراج الصدقة عنها وإن لم تكن تميز ولا تكون
شيئا فهي مستهلكة فلا شئ عليه فيها (قال الشافعي) وإن كانت لرجل أقل من خمس أواقي فضة
حاضرة وما يتم خمس أواقي فضة دينا أو غائبة في تجارة أحصى الحاضرة وانتظر الدين فإذا اقتضاه
وقوم العرض الذي في تجارة فبلغ ذلك كله ما يؤدى فيه الزكاة أداها (قال الشافعي) وزكاة الورق
والذهب ربع عشره لا يزاد عليه ولا ينقص منه (قال الشافعي) وإذا بلغ الورق والذهب ما تجب فيه
الزكاة أخذ ربع عشره وما زاد على أقل ما تجب فيه الزكاة أخذ ربع عشره ولو كانت الزيادة قيراطا أخذ
ربع عشره.
(باب زكاة الذهب)
(أخبرنا) الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: ولا أعلم اختلافا في أن ليس في الذهب صدقة حتى
يبلغ عشرين مثقالا فإذا بلغت عشرين مثقالا ففيها الزكاة (قال الشافعي) رحمه الله والقول في أنها إنما
تؤخذ منها الزكاة بوزن كان الذهب جيدا أو رديئا أو دنانير أو إناء أو تبرا، كهو في الورق وأن الدنانير إذا
نقصت عن عشرين مثقالا حبة أو أقل من حبة وإن كانت تجوز كما تجوز الوازنة أو كان لها فضل
على الوازنة لم يؤخذ منها زكاة لان الزكاة بوزن وفيما خلط به الذهب وغاب منها وحضر كالقول في الورق
لا يختلف في شئ منه (قال الشافعي) وإذا كانت لرجل عشرون مثقالا من ذهب إلا قيراطا أو
خمس أواقي فضة إلا قيراطا لم يكن في واحد منهما زكاة ولا يجمع الذهب إلى الورق ولا الورق إلى
الذهب ولا صنف مما فيه الصدقة إلى صنف (قال) وإذا لم يجمع التمر إلى الزبيب وهما يخرصان
ويعشران وهما حلوان معا وأشد تقاربا في الثمر والخلقة من الذهب إلى الورق فكيف يجوز لاحد أن
يغلظ بأن يجمع الذهب إلى الفضة ولا يشتبهان في لون ولا ثمن ويحل الفضل في أحدهما على الآخر
فكيف يجوز أن يجمعا؟ من جمع بينهما فقد خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه قال
" ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة " فأخذ هذا في أقل من خمس أواق فإن قال: قد
ضممت إليها غيرها قيل: فضم إليها ثلاثين شاة أو أقل من ثلاثين بقرة فإن قال لا أضمها وإن كانت
مما فيه الصدقة لأنها ليست من جنسها فكذلك الذهب ليس من جنس الفضة ولا يكون على رجل
زكاة في ذهب حتى يكون عشرين دينارا في أول الحول وآخره، فإن نقصت من عشرين قبل الحول
بيوم ثم تمت عشرين لم يكن فيها زكاة حتى يستقبل بها حول من يوم تتم (قال) وإذا أتجر رجل في
الذهب فأصاب ذهبا فضلا لم يضم الذهب الفضل إلى الذهب قبله والذهب قبله على حوله،
ويستقبل بالفضل حولا من يوم أفاد كالفائدة غيره من غير ربح الذهب، وهكذا هذا في الورق لا
يختلف.
43

(باب زكاة الحلى)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة
أنها كانت تلى بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلى ولا تخرج منه الزكاة، أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا عبد الله بن المؤمل عن ابن أبي مليكة أن عائشة رضي الله عنها كانت تحلى بنات
أخيها بالذهب والفضة لا تخرج زكاته أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن
ابن عمر أنه كان يحلى بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج منه الزكاة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار قال سمعت رجلا يسأل جابر بن عبد الله عن الحلى: أفيه زكاة؟
فقال جابر: لا فقال وإن كان يبلغ ألف دينار؟ فقال جابر: كثير (قال الشافعي) ويروى عن ابن
عباس وأنس بن مالك ولا أدرى أثبت عنهما معنى قول هؤلاء: ليس في الحلى زكاة؟ ويروى عن عمر
بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص أن في الحلى زكاة (قال الشافعي) المال الذي تجب فيه
الصدقة بنفسه ثلاث عين، ذهب، وفضة وبعض نبات الأرض، وما أصيب في أرض من معدن
وركاز وماشية (قال) وإذا كان لرجل ذهب أو ورق، في مثلها زكاة، فالزكاة فيها عينا يوم يحول عليها
الحول كإن كانت له مائتا درهم تسوى عشرة دنانير ثم غلت فصارت تسوى عشرين
دينارا ورخصت فصارت تسوى دينارا فالزكاة فيها نفسها وذلك الذهب
فإن أتجر في المائتي درهم فصارت ثلاثمائة درهم قبل الحول ثم حال
عليها الحول زكى المائتين لحولها والمائة التي زادتها لحولها ولا يضم ما ربح فيها إليها لأنه شئ ليس منها
(قال الشافعي) وهذا يخالف أن يملك مائتي درهم ستة أشهر ثم يشترى بها عرضا للتجارة فيحول
الحول والعرض في يده فيقوم العرض بزيادته أو نقصه لان الزكاة حينئذ تحولت في العرض بنية التجارة
وصار العرض كالدراهم يحسب عليه حول الدراهم فيه فإذا نض ثمن العرض بعد الحول أخذت الزكاة
من ثمنه بالغا ما بلغ لان الحول قد حال عليه وعلى الأصل الذي كانت فيه الزكاة فاشترى به (قال
الشافعي) ولكن لو نض ثمن العرض قبل الحول فصار دراهم لم يكن في زيادته زكاة حتى يحول عليه
الحول وصار الحكم إلى الدراهم لأنها كانت في أول سنة وآخرها دراهم وحالت عن العرض (قال
الشافعي) وهذا يخالف نماء الماشية قبل الحول ويوافق نماءها بعد الحول وقد كتبت نماء الماشية في
الماشية (قال الشافعي) والخلطاء في الذهب والفضة كالخلطاء في الماشية والحرث لا يختلفون (قال
الشافعي) وقد قيل في الحلى صدقة وهذا ما أستخير الله عز وجل فيه (قال الربيع) قد استخار الله عز
وجل فيه أخبرنا الشافعي وليس في الحلى زكاة، ومن قال في الحلى صدقة قال هو وزن من فضة قد
جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل وزنه صدقة ووزن من ذهب قد جعل المسلمون فيه صدقة
(قال الشافعي) ومن قال فيه زكاة فكان منقطعا منظموما بغيره ميزه ووزنه وأخرج الزكاة منه بقدر وزنه
أو احتاط فيه حتى يعلم أنه قد أدى جميع ما فيه أو أداه وزاد (1) وقال فيما وصفت فيما موه بالفضة
وزكاة حلية السيف والمصحف والخاتم وكل ذهب وفضة كان يملكه بوجه من الوجوه (قال الشافعي)
ومن قال لا زكاة في الحلى ينبغي أن يقول لا زكاة فيما جاز أن يكون حليا ولا زكاة في خاتم رجل من
فضة ولا حلية سيفه ولا مصحفه ولا منطقته إذا كان من فضة فإن اتخذه من ذهب أو اتخذ لنفسه حلى

(1) قوله: وقال فيما وصفت الخ كذا في النسخ وانظر، وحرر. كتبه مصححه.
44

المرأة أو قلادة أو دملجين أو غيره من حلى النساء ففيه الزكاة لأنه ليس له أن يتختم ذهبا ولا يلبسه في
منطقة ولا يتقلده في سيف ولا مصحف وكذلك لا يلبسه في درع ولا قباء ولا غيره بوجه، وكذلك
ليس له أن يتحلى (1) مسكتين ولا خلخالين ولا قلادة من فضة ولا غيرها (قال الشافعي) وللمرأة أن
تتحلى ذهبا وورقا ولا يجعل في حليها زكاة من لم ير في الحلى زكاة (قال الشافعي) وإذا اتخذ الرجل أو
المرأة إناء من ذهب أو ورق زكياه في القولين معا، فإن كان إناء فيه ألف درهم قيمته مصوغا ألفان
فإنما زكاته على وزنه لا على قيمته (قال) وإذا انكسر حليها فأرادت إخلافه أو لم ترده فلا زكاة فيه في
قول من لم ير في الحلى زكاة إلا أن تريد إذا انكسر أن تجعله مالا تكتنزه فتزكيه (قال) وإذا اتخذ الرجل
أو المرأة آنية ذهب أو فضة ففيها الزكاة في القولين معا ولا تسقط الزكاة في واحد من القولين إلا فيما كان
حليا يلبس (قال الشافعي) وإن كان حليا يلبس أو يدخر أو يعار أو يكرى فلا زكاة فيه، وسواء في هذا
كثر الحلى لامرأة أو ضوعف أو قل وسواء فيه الفتوخ والخواتم والتاج وحلى العرائس وغير هذا من الحلى
(قال الشافعي) ولو ورث رجل حليا أو اشتراه فأعطاه امرأة من أهله أو خدمه هبة أو عارية أو أرصده لذلك لم يكن عليه زكاة في قول من قال لا زكاة في الحلى إذا أرصده لمن يصلح له، فإن لم يرد هذا
أو أراده ليلبسه فعليه فيه الزكاة لأنه ليس له لبسه وكذلك إن أراده ليكسره.
(باب مالا زكاة فيه من الحلى)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: وما يحلى النساء به أو ادخرنه أو ادخره الرجال من لؤلؤ
وزبرجد وياقوت ومرجان وحلية بحر وغيره فلا زكاة فيه، ولا زكاة إلا في ذهب أو ورق، ولا زكاة
في صفر ولا حديد ولا رصاص ولا حجارة ولا كبريت ولا مما أخرج من الأرض، ولا زكاة في عنبر
ولا لؤلؤ أخذ من البحر. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن
دينار عن أذينة عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال: ليس في العنبر زكاة إنما هو شئ (2)
دسره البحر. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن
ابن عباس أنه سئل عن العنبر فقال: إن كان فيه شئ ففيه الخمس (قال الشافعي) ولا شئ فيه ولا
في مسك ولا غيره مما خالف الركاز والحرث والماشية والذهب والورق.
(باب زكاة المعادن)
(أخبرنا) الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا عمل في المعادن فلا زكاة في شئ مما يخرج منها إلا
ذهب أو ورق فأما الكحل والرصاص والنحاس والحديد والكبريت (3) والموميا وغيره فلا زكاة فيه (قال

(1) مسكتين: تثنية مسكة بالتحريك وهي السوار من الذبل والقرون والعاج، والذبل،
بالفتح، جلد السلحفاة يجعل منه الامشاط والمسك، كذا في الكتب اللغة، كتبه مصححه.
(2) دسره البحر: أي دفعه الموج وألقاه إلى الشط فلا زكاة فيه.
(3) الموميا: لفظ يوناني معناه حافظ الأجساد وهو ماء أسود كالقار يقطر من سقف غور من بلد
بأعمال إصطخر بفارس فيجمد قطعا، ويوجد نوع منه بساحل البحر الغربي من أعمال قرطبة وبمواضع
غير ذلك. كذا في تذكرة داود.
45

الشافعي) وإذا خرج منها ذهب أو ورق فكان غير متميز حتى يعالج بالنار أو الطحن أو التحصيل فلا
زكاة فيه حتى يصير ذهبا أو ورقا ويميز ما اختلط به من غيره (قال الشافعي) فإن سأل رب المعدن
المصدق أن يأخذ زكاته مكايلة أو موازنة أو مجازفة لم يكن له ذلك وإن فعل فذلك مردود وعلى صاحب
المعدن إصلاحه حتى يصير ذهبا أو ورقا ثم تؤخذ منه الزكاة (قال) وما أخذ منه المصدق قبل أن
يحصل ذهبا أو ورقا فالمصدق ضامن له والقول فيما كان فيه من ذهب أو ورق قول المصدق مع يمينه إن
استهلكه وإن كان في يده فقال: هذا الذي أخذت منك، فالقول قوله (قال الشافعي) ولا يجوز بيع
تراب المعادن بحال لأنه فضة أو ذهب مختلط بغيره غير متميز منه (قال الشافعي) وقد ذهب بعض
أصحابنا إلى أن المعادن ليس بركاز وأن فيها الزكاة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك
عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن
الحارث بن المزني معادن (1) القبلية وهي من ناحية الفرع فتلك المعادن لا يؤخذ منها الزكاة إلى اليوم (قال
الشافعي) ليس هذا مما يثبته أهل الحديث رواية ولو أثبتوه لم يكن فيه رواية عن النبي صلى الله عليه
وسلم إلا إقطاعه فأما الزكاة في المعادن دون الخمس فليست مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه،
وقد ذهب بعض أهل ناحيتنا إلى أن في المعادن الزكاة (قال) وذهب غيرهم إلى أن المعادن ركاز فيها
الخمس (قال) فمن قال في المعادن الزكاة، قال ذلك فيما خرج من المعادن فيما تكلفت فيه المؤنة فيما
يحصل ويطحن ويدخل النار (قال) ولو قاله فيما يوجد ذهبا مجتمعا في المعادن وفى البطحاء في أثر
السيل مما يخلق في الأرض كان مذهبا ولو فرق بينه فقال كل هذا ركاز لان الرجل إذا أصاب البدرة
المجتمعة في المعادن قيل قد أركز وقاله فيما يوجد في البطحاء في أثر المطر وجعله ركازا دون ما وصفت
مما لا يوصل إليه إلا بتحصيل وطحن كان مذهبا (قال الشافعي) وما قيل منه فيه الزكاة فلا زكاة فيه
حتى يبلغ الذهب منه عشرين مثقالا والورق منه خمس أواق (قال) ويحصى منه ما أصاب في اليوم
والأيام المتتابعة ويضم بعضه إلى بعض إذا كان عمله في المعدن متتابعا، وإذا بلغ ما تجب فيه الزكاة
زكاه (قال الشافعي) وإذا كان المعدن غير (2) حاقد فقطع العامل العمل فيه ثم استأنفه لم يضم ما
أصاب بالعمل الآخر إلى ما أصاب بالعمل الأول قل قطعه أو كثر والقطع ترك العمل بغير عذر أداة أو
علة مرض، فإذا كان العذر أداة أو علة من مرض متى أمكنه عمل فيه فليس هذا قاطعا لان العمل
كله يكون هكذا. وهكذا لو تعذر عليه أجراؤه أو هرب عبيده فكان على العمل فيه كان هذا غير قطع
ولا وقت فيه إلا ما وصفت، قل أو كثر (قال الشافعي) ولو تابع العمل في المعدن فحقد ولم يقطع
العمل فيه ضم ما أصاب منه بالعمل الآخر إلى العمل الأول لأنه عمل كله، وليس في كل يوم سبيل
للمعدن ولو قطع العمل ثم استأنفه لم يضم ما أصاب منه بالعمل الآخر إلى ما أصاب بالعمل الأول،
ولا وقت في قليل قطعه ولا كثيره إلا ما وصفت مع القطع وغير القطع.

(1) القبلية: بفتح القاف والباء نسبة إلى قبل من ناحية الفرع بضم الفاء وسكون الراء
موضع بين نخلة والمدينة كذا في كتب اللغة.
(2) حاقد: قال ابن الاعرابي: حقد المعدن إذا لم يخرج منه شئ وذهبت منالته، ومعدن
حاقد إذا لم ينل شيئا الجوهري. وأعتقد القوم إذا طلبوا من المعدن شيئا فلم يجدوا اه‍. كذا في اللسان.
كتبه مصححه.
46

(باب زكاة الركاز)
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب
وأبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وفى الركاز الخمس "
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: " في الركاز الخمس " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن
ابن شهاب عن سعيد ابن المسيب وأبى سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " في الركاز الخمس "
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن داود بن شابور ويعقوب بن عطاء عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كنز وجده رجل في خربة
جاهلية " إن وجدته في قرية مسكونة أو سبيل (1) ميتاء فعرفه وإن وجدته في خربة جاهلية أو في قرية
غير مسكونة ففيه وفى الركاز الخمس " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الذي لا أشك فيه أن الركاز
دفن الجاهلية (قال الشافعي) والذي أنا واقف فيه الركاز في المعدن وفى التبر المخلوق في الأرض
(قال) والركاز الذي فيه الخمس دفن الجاهلية ما وجد في غير ملك لاحد في الأرض التي من أحياها
كانت له من بلاد الاسلام ومن أرض الموات وكذلك هذا في الأرض من بلاد الحرب ومن بلاد
الصلح إلا أن يكونوا صالحوا على ملك مواتها، فمن وجد دفنا من دفن الجاهلية في موات، فأربعة
أخماسه له والخمس لأهل سهمان الصدقة (قال الشافعي) وإن وجد ركازا في أرض ميتة يوم وجده وقد
كانت حية لقوم من أهل الاسلام أو العهد كان لأهل الأرض، لأنها كانت غير موات كما لو وجده في
دار خربة لرجل كان للرجل (قال الشافعي) وإذا وجده في أرض الحرب في أرض عامرة لرجل أو
خراب قد كانت عامرة لرجل فهو غنيمة، وليس بأحق به من الجيش وهو كما أخذ من منازلهم (قال
الشافعي) وإذا أقطع الرجل قطيعة في بلاد الاسلام فوجد رجل فيها ركازا فهو لصاحب القطيعة وإن
لم يعمرها لأنها مملوكة له (قال الشافعي) وإذا وجد الرجل في أرض الرجل أو داره ركازا فادعى
صاحب الدار أنه له فهو له بلا يمين عليه وإن قال صاحب الدار: ليس لي، وكان ورث الدار قيل إن
ادعيته للذي ورثت الدار منه فهو بينك وبين ورثته وإن وقفت عن دعواك فيه أو قلت ليس لمن ورثت
عنه الدار، كان لمن بقي من ورثة مالك الدار أن يدعوا ميراثهم ويأخذوا منه بقدر مواريثهم (قال
الشافعي) وإن ادعى ورثة الرجل أن هذا الركاز لهم، كان القول قولهم (قال الشافعي) وإن أنكر الورثة
أن يكون لأبيهم كان للذي ملك الدار قبل أبيهم وورثته إن كان ميتا فإن أنكر إن كان حيا أو ورثته إن
كان ميتا أن يكون له، كان للذي ملك الدار قبله أبدا هكذا، ولم يكن للذي وجده (قال الشافعي)
وإن وجد الرجل الركاز في دار رجل وفيها ساكن غير ربها وادعى رب الدار الركاز له فالركاز للساكن
كما يكون للساكن المتاع الذي في الدار (2) الذي ببناء ولا متصل ببناء (قال الشافعي) ودفن الجاهلية ما
عرف أن أهل الجاهلية كانوا يتخذونه من ضرب الأعاجم وحليتهم وحلية غيرهم من أهل الشرك (قال
الشافعي) وسواء ما وجد ذلك في قبر وغيره إذا كان في موضع لا يملكه أحد (قال الشافعي) فإن كان

(1) ميتاء: بكسر الميم والياء بعدها، تهمز ولا تهمز، مفعال من " الاتيان " وهو الطريق العامر
الذي يسلكه كل أحد. كذا في اللسان. كتبه مصححه.
(2) قوله: الذي ببناء، كذا في جميع النسخ، ولعل فيه سقطا من النساخ، والوجه " الذي ليس
ببناء " كتبه مصححه.
47

لأهل الجاهلية والشرك عمل أو ضرب قد عمله أهل الاسلام وضربوه أو وجد شئ من ضرب الاسلام
أو عملهم لم يضربه ولم يعمله أهل الجاهلية فهو لقطة وإن كان مدفونا أو وجد في غير ملك أحد عرف
وصنع فيه ما يصنع في اللقطة (قال الشافعي) وإذا وجد في ملك رجل فهو له والاحتياط لمن وجد ما
يعمل أهل الجاهلية والاسلام أن يعرفه فإن لم يفعل أن يخرج خمسه ولا أجبره على تعريفه فإن كان
ركازا أدى ما عليه فيه وإن لم يكن ركازا فهو متطوع بإخراج الخمس وسواء ما وجد من الركاز في قبر أو
دار أو خربة أو مدفونا أو في بنائها. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة قال
حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال جاء رجل إلى علي رضى الله تعالى عنه فقال: إني وجدت
ألفا وخمسمائة درهم في خربة بالسواد فقال علي كرم الله وجهه: أما لأقضين فيها قضاء بينا، إن كنت
وجدتها في خربة يؤدى خراجها قرية أخرى فهي لأهل تلك القرية وإن كنت وجدتها في قرية ليس
يؤدى خراجها قرية أخرى فلك أربعة أخماسه ولنا الخمس ثم الخمس لك (قال الشافعي) ولو وجد
ركازا في أرض غير مملوكة فأخذ الوالي خمسه وسلم له أربعة أخماسه ثم أقام رجل بينة عليه أنه له، أخذ
من الوالي وأخذ من واجد الركاز جميع ما أخذ (1) وإن استهلكها معا ضمن صاحب الأربعة الأخماس
الأربعة الأخماس في ماله وإن كان الوالي دفعه إلى أهل السهمان أخذ من حق أهل السهمان فدفعه إلى
الذي استحقه وذلك أن يأخذ ما يقسم على أهل البلد الذي يقسم فيهم خمس الركاز من ركاز غيره أو
صدقات مسلم أي صدقة كانت فيؤديها إلى صاحب الركاز وإن استهلكه لنفسه ضمنه في ماله وكذلك
إن أعطاه غير أهل السهمان ضمنه ورجع به على من أعطاه إياه إن شاء (قال الشافعي) وإن هلك
الخمس في يده بلا جناية منه وإنما قبضه لأهل السهمان فيغرمه لصاحبه من حق أهل السهمان (قال)
وإن عزل الذي قبضه كان على الذي ولى من بعده أن يدفعه إلى صاحبه من حق أهل السهمان (قال
الشافعي) وما قلت هو ركاز فهو هكذا وما قلت هو لأهل الدار وهو لقطة فلا تخمس اللقطة وهي للذي
وجدها، إذا لم يعترف، وكذلك إذا اعترف لم تخمس (قال الشافعي) وإذا وجد رجل ركازا في بلاد
الحرب في أرض موات ليس بملك موات كموات أرض العرب فهو لمن وجده وعليه فيه الخمس وإن
وجده في أرض عامرة يملكها رجل من العدو فهو كالغنيمة وما أخذ من بيوتهم.
(باب ما وجد من الركاز)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا أشك إذا وجد الرجل ركاز ذهبا أو ورقا وبلغ ما يجد منه ما
تجب فيه الزكاة أن زكاته الخمس (قال الشافعي) وإن كان ما وجد منه أقل مما تجب فيه الزكاة أو كان
ما وجد منه من غير الذهب والورق فقد قيل فيه الخمس (2) ولو كان فيه فخرا أو قيمة درهم أو أقل
منه ولا يتبين لي أن أوجبه على رجل ولا أجبره عليه ولو كنت الواجد له لخمسته من أي شئ كان
وبالغا ثمنه ما بلغ (قال الشافعي) وإذا وجد الركاز فوجب فيه الخمس فإنما يجب حين يجده كما تجب
زكاة المعادن حين يجدها لأنها موجودة من الأرض وهو مخالف لما استفيد من غير ما يوجد في الأرض
* (هامش) (1) قوله: وإن استهلكها، كذا في النسخ، ولعل فيه تحريفا من النساخ، والوجه " استهلكاه "
فانظر.
(2) قوله: ولو كان فيه فخار الخ كذا في النسخ، وانظر، وحرر. كتبه مصححه. (*)
48

(قال الشافعي) ومن قال ليس في الركاز شئ حتى يكون ما تجب فيه الصدقة فكان حول زكاة ماله
في المحرم فأخرج زكاة ماله ثم وجد الركاز في صفر وله مال تجب فيه الزكاة زكي الركاز بالخمس وإن
كان الركاز دينارا لان هذا وقت زكاة الركاز وبيده مال تجب فيه الزكاة أو مال إذا ضم إليه الركاز وجبت
فيه الزكاة وهذا هكذا إذا كان المال بيده وإن كان مالا دينا أو غائبا في تجارة عرف الوقت الذي أصاب
فيه الركاز ثم سأل فإذا علم أن المال الغائب في تجارة كان في يد من وكله بالتجارة فيه فهو ككينونة المال
في يده وأخرج زكاة الركاز حين يعلم ذلك ولو ذهب المال الذي كان غائبا عنه وهكذا إذا كان له وديعة
في يد رجل أو مدفون في موضع فعلم أنه في الوقت الذي أصاب فيه الركاز في موضعه (قال الشافعي)
وهكذا لو أفاد عشرة دنانير فكان حولها في صفر وحول زكاته في المحرم كان كما وصفت في الركاز (قال
الشافعي) وإذا وجد الركاز في صفر وله دين على الناس تجب فيه إذا قبضه الزكاة بنفسه وإذا ضم إلى
الركاز فليس عليه أن يزكيه حتى يقبضه وعليه طلبه إذا حل وإذا قبضه أو قبض منه ما يفي بالركاز ما
تجب فيه الصدقة زكاه (قال الشافعي) من قال هذا القول قال لو أفاد اليوم ركازا لا تجب فيه زكاة وغدا
مثله ولو جمعا معا وجبت فيهما الزكاة لم يكن في واحد منهما خمس ولم يجمعا وكانا كالمال يفيده في
وقت تمر عليه سنة ثم يفيد آخر في وقت فتمر عليه سنة ليس فيه الزكاة، فإذا أقام هذا من الركاز في
يده هكذا وهو مما تجب فيه الزكاة فحال عليه حول وهو كذلك أخرج زكاته ربع العشر بالحول لا
خمسا.
(باب زكاة التجارة)
(أخبرنا) الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا يحيى بن سعيد عن
عبد الله بن أبي سلمة عن أبي عمرو بن حماس، أن أباه قال مررت بعمر بن الخطاب رضي الله عنه
وعلى عنقي (1) آدمة أحملها فقال عمر " ألا تؤدى زكاتك يا حماس؟ " فقلت يا أمير المؤمنين ما لي غير
هذه التي على ظهري وآهبة في القرظ فقال: " ذاك مال فضع " قال فوضعتها بين يديه فحسبها فوجدها
قد وجبت فيها الزكاة فأخذ منها الزكاة (أخبرنا) الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال حدثنا
ابن عجلان عن أبي الزناد عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه مثله أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا الثقة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أنه قال " ليس في العرض زكاة إلا أن يراد به
التجارة " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن رزيق بن حكيم أن
عمر بن عبد العزيز كتب إليه: " أن انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم من
التجارات من كل أربعين دينارا دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتى تبلغ عشرين دينارا فإن نقصت
ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا " (قال الشافعي) ويعد له حتى يحول عليه الحول فيأخذ ولا يأخذ
منهم حتى يعلموا أن الحول قد حال على ما يأخذ منه (قال الشافعي) ونوافقه في قوله " فإن نقصت

(1) قوله آدمة بوزن أفعلة، جمع أديم كرغيف وأرغفة، وآهبة كذلك جمع إهاب، كسوار
وأسورة. كتبه مصححه.
49

ثلث دينار فدعها ونخالفه في أنها إذا نقصت عن عشرين دينارا أقل من حبة لم نأخذ منها شيئا لان
الصدقة إذا كانت محدودة بأن لا يؤخذ إلا من عشرين دينارا، فالعلم يحيط أنها لا تؤخذ من أقل من
عشرين دينارا بشئ ما كان الشئ " (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ وهو قول أكثر من حفظت عنه
وذكر لي عنه من أهل العلم بالبلدان (قال الشافعي) والعروض التي لم تشتر للتجارة من الأموال ليس
فيها زكاة بأنفسها فمن كانت له دور أو حمامات لغلة أو غيرها أو ثياب كثرت أو قلت أو رقيق كثر أو قل
فلا زكاة فيها وكذلك لا زكاة في غلاتها حتى يحول عليها الحول في يدي مالكها وكذلك كتابة المكاتب
وغيره لا زكاة فيها إلا بالحول له وكذلك كل مال ما كان ليس بماشية ولا حرث ولا ذهب ولا فضة
يحتاج إليه أو يستغنى عنه أو يستغل ماله غلة منه أو يدخره ولا يريد بشئ منه التجارة فلا زكاة عليه في
شئ منه بقيمة ولا في غلته ولا في ثمنه لو باعه إلا أن يبيعه أو يستغله ذهبا أو ورقا فإذا حال على ما نض
بيده من ثمنه حول زكاه وكذلك غلته إذا كانت مما يزكي من سائمة إبل أو بقر أو غنم أو ذهب أو فضة
فأن اكرى شيئا منه بحنطة أو زرع مما فيه زكاة فلا زكاة عليه فيه حال عليه الحول أو لم يحل لأنه لم يزرعه
فتجب عليه فيه الزكاة وإنما أمر الله عز وجل أن يؤتى حقه يوم حصاده وهذا دلالة على أنه إنما جعل
الزكاة على الزرع (قال الربيع) قال أبو يعقوب وزكاة الزرع على بائعه لأنه لا يجوز بيع الزرع في قول
من يجيز بيع الزرع إلا بعد أن يبيض (قال أبو محمد الربيع) وجواب الشافعي فيه على قول من يجيز بيعه
فأما هو فكان لا يرى بيعه في سنبله إلا أن يثبت فيه خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيتبع (قال
الشافعي) ولا اختلاف بين أحد علمته أن من أدى عشر أرضه ثم حبس طعامها أحوالا لم يكن عليه
فيه زكاة (قال الشافعي) ومن ملك شيئا من هذه العروض بميراث أو هبة أو وصية أو أي وجوه الملك
ملكها به إلا الشراء أو كان متربصا يريد به البيع فحالت عليه أحوال فلا زكاة عليه فيه لأنه ليس
بمشترى للتجارة (قال الشافعي) ومن اشترى من العروض شيئا مما وصفت أو غيره مما لا تجب فيه الزكاة
بعينه بذهب أو ورق أو عرض أو بأي وجوه الشراء الصحيح كان أحصى يوم ملكه ملكا صحيحا فإذا
حال عليه الحول من يوم ملكه وهو عرض في يده للتجارة فعليه أن يقومه بالأغلب من نقد بلده دنانير
كانت أو دراهم ثم يخرج زكاته من المال الذي قومه به (قال الشافعي) وهكذا إن باع عرضا منه
بعرض اشتراه للتجارة قوم العرض الثاني بحوله يوم ملك العرض الأول للتجارة ثم أخرج الزكاة من
قيمته وسواء غبن فيما اشتراه منه أو غبن عامة إلا أن يغبن بالمحاباة وجاهلا به لأنه بعينه لا اختلاف فيما
تجب عليه الزكاة منه (قال الشافعي) وإذا اشترى العرض بنقد تجب فيه الزكاة أو عرض تجب في قيمته
الزكاة حسب ما أقام المال في يده ويوم اشترى العرض كأن المال أو العرض الذي اشترى به العرض
للتجارة أقام في يده ستة أشهر ثم اشترى به عرضا للتجارة فأقام في يده ستة أشهر فقد حال الحول
على المالين معا، الذي كان أحدهما مقام الآخر وكانت الزكاة واجبة فيهما معا، فيقوم العرض الذي في
يده فيخرج منه زكاته (قال الشافعي) فإن كان في يده عرض لم يشتره أو عرض اشتراه لغير تجارة ثم
اشترى به عرضا للتجارة لم يحسب ما أقام العرض الذي اشترى به العرض الآخر وحسب من يوم اشترى
العرض الآخر فإذا حال الحول من يوم اشتراه زكاه، لان العرض الأول ليس مما تجب فيه الزكاة بحال
(قال الشافعي) ولو اشترى عرضا للتجارة بدنانير أو بدارهم أو شئ تجب فيه الصدقة من الماشية وكان
أفاد ما اشترى به ذلك العرض من يومه لم يقوم العرض حتى يحول الحول يوم أفاد ثمن العرض ثم يزكيه
بعد الحول (قال الشافعي) ولو أقام هذا العرض في يده ستة أشهر ثم باعه بدراهم أو دنانير فأقامت في
50

يده ستة أشهر زكاه وكانت كدنانير أو دراهم أقامت في يده ستة أشهر لأنه لا يجب في العرض زكاة إلا
بشرائه على نية التجارة فكان حكمه حكم الذهب والورق التي حال عليها الحول في يده (قال
الشافعي) ولو كانت في يده مائتا درهم ستة أشهر ثم اشترى بها عرضا فأقام في يده حتى يحول عليه
حول من يوم ملك المائتي درهم التي حولها فيه لتجارة عرضا أو باعه بعرض لتجارة فحال عليه الحول
من يوم ملك المائتي درهم أو من يوم زكى المائتي درهم، قومه بدراهم ثم زكاه ولا يقومه بدنانير إذا
اشتراه بدراهم وإن كانت الدنانير الأغلب من نقد البلد وإنما يقومه بالأغلب إذا اشتراه بعرض للتجارة
(قال الشافعي) ولو اشتراه بدراهم ثم باعه بدنانير قبل أن يحول الحول عليه من يوم ملك الدراهم التي
صرفها فيه أو من يوم زكاة فعليه الزكاة من يوم ملك الدراهم التي اشتراه بها إذا كانت مما تجب فيه
الزكاة وذلك أن الزكاة تجوز في العرض بعينه فبأي شئ بيع العرض ففيه الزكاة، وقوم الدنانير التي
باعه بها دراهم ثم أخذ زكاة الدراهم ألا ترى أنه يباع بعرض فيقوم فتؤخذ منه الزكاة ويبقى عرضا
فيقوم فتؤخذ منه الزكاة فإذا بيع بدنانير زكيت الدنانير بقيمة الدراهم (قال الربيع) وفيه قول آخر أن
البائع إذا اشترى السلعة بدراهم فباعها بدنانير فالبيع جائز ولا يقومها بدراهم ولا يخرج لها زكاة من
قبل أن في الدنانير بأعيانها زكاة فقد تحولت الدراهم دنانير فلا زكاة فيها، وأصل قول الشافعي أنه لو باع
بدراهم قد حال عليها الحول إلا يوم بدنانير لم يكن عليه في دنانير زكاة حتى يبتدئ لها حولا كاملا
كما لو باع بقرا أو غنما بإبل قد حال الحول على ما باع إلا يوم استقبل حولا بما اشترى إذا كانت سائمة
(قال الشافعي) ولو اشترى عرضا لا ينوى بشرائه التجارة فحال عليه الحول أو لم يحل ثم نوى به التجارة
لم يكن عليه فيه زكاة بحال حتى يبيعه ويحول على ثمنه الحول، لأنه إذا اشتراه لا يريد به التجارة،
كان كما ملك بغير شراء لا زكاة فيه (قال الشافعي) ولو اشترى عرضا يريد به التجارة فلم يحل عليه حول
من يوم اشتراه حتى نوى به أن يقتنيه ولا يتخذه لتجارة لم يكن عليه فيه زكاة كان أحب إلي لو زكاه
وإنما يبين أن عليه زكاته إذا اشتراه يريد به التجارة لم تنصرف نيته عن إرادة التجارة به فاما إذا
انصرفت نيته عن إرادة التجارة فلا أعلمه أن عليه فيه زكاة وهذا مخالف لماشية سائمة أراد علفها فلا
ينصرف عن السائمة حتى يعلفها (1) فأما نية القنية والتجارة فسواء لا فرق بينهما إلا بنية المالك (قال
الشافعي) ولو كان لا يملك إلا أقل من مائتي درهم أو عشرين مثقالا فاشترى بها عرضا للتجارة فباع
العرض بعدما حال عليه الحول أو عنده أو قبله بما تجب فيه الزكاة زكى العرض من يوم ملك العرض لا
يوم ملك الدراهم لأنه لم يكن في الدراهم زكاة لو حال عليها الحول وهي بحالها (قال الشافعي) ولو
كانت الدنانير أو الدراهم التي لا يملك غيرها التي اشترى بها العرض أقامت في يده أشهرا لم يحسب
مقامها في يده لأنها كانت في يده لا تجب فيها الزكاة وحسب للعرض حول من يوم ملكه وإنما صدقنا
العرض من يوم ملكه أن الزكاة وجبت فيه بنفسه بنية شرائه للتجارة إذا حال الحول من يوم ملكه وهو
مما تجب فيه الزكاة (2) لأني كما وصفت من أن الزكاة صارت فيه نفسه ولا أنظر فيه إلى قيمته في أول
* (هامش) (1) قوله: فأما نية القنية الخ كذا في النسخ ولعل لفظ " قنية " هذا من زيادة النساخ، فانظر.
كتبه مصححه.
(2) قوله: لأني كما وصفت، كذا في النسخ، ولعل في الكلام سقطا من الناسخ، والوجه والله
أعلم " لأني أنظر لما وصفت الخ " فانظر كتبه مصححه. (*)
51

السنة ولا في وسطها لأنه إنما تجب فيه الزكاة إذا كانت قيمته يوم تحل الزكاة مما تجب فيه الزكاة وهو في
هذا يخالف الذهب والفضة ألا ترى أنه لو اشترى عرضا بعشرين دينارا وكانت قيمته يوم يحول الحول
أقل من عشرين سقطت فيه الزكاة لان هذا بين أن الزكاة تحولت فيه وفى ثمنه إذا بيع لا فيما اشترى به
(قال الشافعي) وسواء فيما اشتراه لتجارة كل ما عدا الأعيان التي فيها الزكاة بأنفسها من رقيق وغيرهم
فلو اشترى رقيقا لتجارة فجاء عليهم الفطر وهم عنده زكى عنهم زكاة الفطر إذا كانوا مسلمين وزكاة
التجارة بحولهم، وإن كانوا مشركين زكى عنهم التجارة وليست عليه فيهم زكاة الفطر (قال) وليس في
شئ اشترى لتجارة زكاة الفطر غير الرقيق المسلمين وزكاته غير زكاة التجارة ألا ترى أن زكاة الفطر على
عدد الأحرار الذين ليسوا بمال وإنما هي طهور لمن لزمه اسم الايمان (قال الشافعي) ولو اشترى دراهم
بدنانير أو بعرض أو دنانير بدراهم أو بعرض يريد بها التجارة فلا زكاة فيما اشترى منها إلا بعدما يحول
عليه الحول من يوم ملكه كأنه ملك مائة دينار أحد عشر شهرا ثم اشترى بها مائة دينار أو ألف درهم فلا
زكاة في الدنانير الآخرة ولا الدراهم حتى يحول عليها الحول من يوم ملكها لان الزكاة فيها بأنفسها (قال
الشافعي) وهكذا إذا اشترى سائمة من إبل أو بقر أو غنم بدنانير أو دراهم أو غنم أو إبل أو بقر فلا زكاة
فيما اشترى منها حتى يحول عليها الحول في يده من يوم ملكه اشتراه بمثله أو غيره مما فيه الزكاة (1) ولا
زكاة فيما أقام في يده ما اشتراه ما شاء أن يقيم لان الزكاة فيه بنفسه لا بنية للتجارة ولا غيرها (قال
الشافعي) وإذا اشترى السائمة لتجارة زكاها زكاة السائمة لا زكاة التجارة وإذا ملك السائمة بميراث أو
هبة أو غيره زكاها بحولها زكاة السائمة وهذا خلاف التجارات (قال الشافعي) وإذا اشترى نخلا وأرضا
للتجارة زكاها زكاة النخل والزرع وإذا اشترى أرضا فيها غراس غير نخل أو كرم أو زرع غير حنطة (قال
أبو يعقوب والربيع) وغير ما فيها الركاز لتجارة زكاها زكاة التجارة لان هذا مما ليس فيه بنفسه زكاة وإنما
يزكى زكاة التجارة (قال الشافعي) ومن قال: لا زكاة في الحلى ولا في الماشية غير السائمة فإذا اشترى
واحدا من هذين للتجارة ففيه الزكاة كما يكون في العروض التي تشترى للتجارة.
(باب زكاة مال القراض)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم قراضا فاشترى بها سلعة
تسوى ألفين وحال عليها الحول قبل أن يبيعها ففيها قولان، أحدهما أن السلعة تزكى كلها لأنها من ملك
مالكها لا شئ فيها للمقارض حتى يسلم رأس المال إلى رب المال ويقاسمه الربح على ما تشارطا (قال
الشافعي) وكذلك لو باعها بعد الحول أو قبل الحول فلم يقتسما المال حتى حال الحول (قال) وإن باعها
قبل الحول وسلم إلى رب المال رأس ماله واقتسما الربح ثم حال الحول ففي رأس مال رب المال وربحه
الزكاة، ولا زكاة في حصة المقارض لأنه استفاد مالا لم يحل عليه الحول (قال الشافعي) وكذلك لو
دفع رأس مال رب المال إليه ولم يقتسما الربح حتى حال الحول صدق رأس مال رب المال وحصته من
الربح ولم يصدق مال المقارض وإن كان شريكا به، لان ملكه حادث فيه ولم يحل عليه حول من يوم
ملكه (قال الشافعي) ولو استأخر المال سنين لا يباع زكى كل سنة على رب المال أبدا حتى يسلم إلى رب
المال رأس ماله، فأما ما لم يسلم إلى رب المال رأس ماله فهو من ملك رب المال في هذا القول لا

(1) قوله: ولا زكاة فيما أقام الخ كذا في النسخ، وانظر. كتبه مصححه.
52

يختلف (قال الشافعي) وإن كان رب المال حرا مسلما أو عبدا مأذونا له في التجارة والعامل نصرانيا أو
مكاتبا، فهكذا يزكى ما لم يأخذ رب المال رأس ماله وإذا أخذ رأس ماله زكى جميع ماله ولم يزك مال
النصراني ولا المكاتب منه وهو أشبه القولين والله تعالى أعلم (قال الشافعي) والقول الثاني، إذا دفع
الرجل إلى الرجل ألف درهم قراضا فاشترى بها سلعة تسوى ألفا فحال الحول على السلعة في يدي
المقارض قبل بيعها قومت، فإذا بلغت ألفين أديت الزكاة على ألف وخمسمائة لأنها حصة رب المال
ووقفت زكاة خمسمائة، فإن حال عليها حول ثان، فإن بلغت الألفين زكيت الألفان لأنه قد حال على
الخمسمائة الحول من يوم صارت للمقارض فإن نقصت السلعة فلا شئ على رب المال ولا المقارض
يتراجعان به من الزكاة، وإن زادت حتى تبلغ في عام مقبل ثمن ثلاثة آلاف درهم زكيت ثلاثة آلاف
كما وصفت ولو لم يكن الفضل فيها إلا مائة درهم للمقارض نصفها وحال عليها حول من يوم صار
للمقارض فيها فضل زكيت لان المقارض خليط بها، فإن نقصت السلعة حتى تصير إلى ألف درهم
زكيت ألفا ولا تعدو الزكاة الأولى أن تكون عنهما معا، فهما لو كانا خليطين في مال أخذنا الزكاة منهما
معا أو عن رب المال وهذا إذا كان المقارض حرا مسلما أو عبدا أذن له سيده في القراض فكان ماله مال
سيده فإن كان المقارض ممن لا زكاة عليه كأن كان نصرانيا والمسألة بحالها زكيت حصة المقارض المسلم
ولم تزك حصة المقارض النصراني بحال لان نماءها لو سلم كان له (قال الشافعي) وهكذا لو كان
المقارض مكاتبا في القول الأول إذا كان رأس المال لمسلم ولا تزكى حصة العامل النصراني والمكاتب في
القول الآخر لأنه لا زكاة عليهما في أموالهما (قال الشافعي) ولو كانت المسألة بحالها ورب المال نصراني
والعامل في المال مسلم، فاشترى سلعة بألف فحال عليها حول وهي ثمن ألفين فلا زكاة، فيها وإن حال
عليها أحوال لأنها مال نصراني إلا أن يدفع العامل إلى النصراني رأس ماله فيكون ما فضل بينه وبين
النصراني فيزكى نصيب العامل المسلم منه إذا حال عليها حول ولا يزكى نصيب النصراني في القول
الأول وأما القول الثاني، فإنه يحصى ذلك ولا يكون عليه فيه زكاة، فإذا حال حول، فإن سلم له
فضلهما أدى زكاته كما يؤدى زكاة ما مر عليه من السنين منذ كان له في المال فضل (قال) وإذا كان
الشرك في المال بين المسلم والكافر صدق المسلم ماله صدقة المنفرد لا صدقة الشريك ولا الخليط في
الماشية والناض وغير ذلك لأنه، إنما يجمع في الصدقة ما فيه كله صدقة، فأما أن يجمع في الصدقة
مالا زكاة فيه فلا يجوز له.
(باب الدين مع الصدقة)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عثمان
بن عفان كان يقول: " هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤد دينه حتى تحصل أموالكم فتؤدون
منها الزكاة " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وحديث عثمان يشبه والله تعالى أعلم أن يكون إنما أمر
بقضاء الدين قبل حلول الصدقة في المال في قوله " هذا شهر زكاتكم " يجوز أن يقول هذا الشهر الذي
إذا مضى حلت زكاتكم كما يقال شهر ذي الحجة وإنما الحجة بعد مضى أيام منه (قال الشافعي) فإذا
كانت لرجل مائتا درهم وعليه دين مائتا درهم فقضى من المائتين شيئا قبل حلول المائتين أو استعدى
عليه السلطان قبل محل حول المائتين فقضاها فلا زكاة عليه لان الحول حال وليست مائتين (قال) وإن لم
53

يقض عليه بالمائتين إلا بعد حولها فعليه أن يخرج منها خمسة دراهم ثم يقضى عليه السلطان بما بقي
منها (قال الشافعي) وهكذا لو استعدى عليه السلطان قبل الحول فوقف ماله ولم يقض عليه بالدين حتى
يحول عليه الحول كان عليه أن يخرج زكاتها ثم يدفع إلى غرمائه ما بقي (قال الشافعي) ولو قضى عليه
السلطان بالدين قبل الحول ثم حال الحول قبل أن يقبضه الغرماء لم يكن عليه فيه زكاة، لان المال صار
للغرماء دونه قبل الحول، وفيه قول ثان أن عليه فيه الزكاة من قبل أنه لو تلف كان منه ومن قبل أنه لو
طرأ له مال غير هذا كان له أن يحبس هذا المال وأن يقضى الغرماء من غيره (قال الشافعي) وإذا
أوجب الله عز وجل عليه الزكاة في ماله فقد أخرج الزكاة من ماله إلى من جعلها له فلا يجوز عندي
والله أعلم إلا أن يكون كمال كان في يده فاستحق بعضه فيعطى الذي استحقه ويقضى دينه من شئ
إن بقي له (قال الشافعي) وهكذا هذا في الذهب والورق والزرع والثمرة والماشية كلها لا يجوز أن
يخالف بينها بحال لان كلا مما قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في كله إذا بلغ ما وصف
صلى الله عليه وسلم الصدقة (قال الشافعي) وهكذا هذا في صدقة الإبل التي صدقتها منها والتي فيها
الغنم وغيرها كالمرتهن بالشئ فيكون لصاحب الرهن ما فيه ولغرماء صاحب المال ما فضل عنه وفى
أكثر من حال المرتهن وما وجب في مال فيه الصدقة من إجارة أجير وغيرها أعطى قبل الحول (قال
الشافعي) ولو استأجر الرجل على أن يرعى غنمه بشاة منها بعينها فهي ملك للمستأجر فإن قبضها قبل
الحول فهي له ولا زكاة على الرجل في ماشيته إلا أن يكون ما تجب فيه الصدقة بعد شاة الأجير وإن لم
يقبض الأجير الشاة حتى حال الحول ففي غنمه الصدقة، على الشاة حصتها من الصدقة لأنه خليط
بالشاة (قال الشافعي) وهكذا، هذا في الرجل يستأجر بتمر نخلة بعينها أو نخلات لا يختلف إذا لم
يقبض الإجارة (قال الشافعي) فإن استؤجر بشئ من الزرع قائم بعينه لم تجز الإجارة به لأنه مجهول كما
لا يجوز بيعه إلا أن يكون مضى خبر لازم بجواز بيعه فتجوز الإجارة عليه ويكون كالشاة بعينها وتمر
النخلة والنخلات بأعيانهن (قال الشافعي) وإن كان استأجره بشاة بصفة أو تمر بصفة أو باع غنما فعليه
الصدقة في غنمه وتمره وزرعه ويؤخذ بأن يؤدى إلى الأجير والمشترى منه الصفة التي وجبت له من ماله
الذي أخذت منه الزكاة أو غيره (قال الشافعي) وسواء كانت له عروض كثيرة تحمل دينه أو لم يكن له
شئ غير المال الذي وجبت فيه الزكاة (قال الشافعي) ولو كانت لرجل مائتا درهم فقام عليه غرماؤه
فقال: قد حال عليها الحول، وقال الغرماء: لم يحل عليها الحول فالقول قوله ويخرج منها الزكاة
ويدفع ما بقي منها إلى غرمائه إذا كان لهم عليه مثل ما بقي منها أو أكثر (قال الشافعي) ولو كانت له
أكثر من مائتي درهم فقال: قد حالت عليها أحوال ولم أخرج منها الزكاة وكذبه غرماه كان القول قوله
ويخرج منها زكاة الأحوال ثم يأخذ غرماؤه ما بقي منها بعد، الزكاة أبدا أولى بها من مال الغرماء لأنها
أولى بها من ملك مالكها (قال الشافعي) ولو رهن رجل رجلا ألف درهم بألف درهم أو ألفي درهم
بمائة دينار فسواء، وإذا حال الحول على الدراهم المرهونة قبل أن يحل دين المرتهن أو بعده فسواء،
ويخرج منها الزكاة قبل دين المرتهن (قال الشافعي) وهكذا كل مال رهن وجبت فيها الزكاة.
(باب زكاة الدين)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان الدين لرجل غائبا عنه فهو كما تكون التجارة له غائبة
54

عنه والوديعة وفى كل زكاة (قال) وإذا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في الحول لم يجز أن
يجعل زكاة ماله إلا في حول لان المال لا يعدو أن يكون فيه زكاة ولا يكون إلا كما سن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أولا يكون فيه زكاة فيكون كالمال المستفاد (قال الشافعي) وإذا كان لرجل على رجل
دين فحال عليه حول ورب المال يقدر على أخذه منه بحضور رب الدين وملائه وأنه لا يجحده ولا
يضطره إلى عدوى فعليه أن يأخذه منه أو زكاته كما يكون ذلك عليه في الوديعة هكذا، وإن كان رب
المال غائبا أو حاضرا لا يقدر على أخذه منه إلا بخوف أو بفلس له إن استعدى عليه وكان الذي عليه
الدين غائبا حسب ما احتبس عنده حتى يمكنه أن يقبضه فإذا قبضه أدى زكاته لما مر عليه من السنين
لا يسعه غير ذلك، وهكذا الماشية تكون للرجل غائبة لا يقدر عليها بنفسه ولا يقدر له عليها، وهكذا
الوديعة والمال يدفنه فينسى موضعه لا يختلف في شئ (قال الشافعي) وإن كان المال الغائب عنه في
تجارة يقدر وكيل له على قبضه حيث هو، قوم حيث هو وأديت زكاته ولا يسعه إلا ذلك وهكذا المال
المدفون والدين، وكلما قلت لا يسعه إلا تأدية زكاته بحوله وإمكانه له فإن هلك قبل أن يصل إليه وبعد
الحول وقد أمكنه فزكاته عليه دين وهكذا كل مال له يعرف موضعه ولا يدفع عنه فكلما قلت له يزكيه
فلا يلزمه زكاته قبل قبضه حتى يقبضه فهلك المال قبل أن يمكنه قبضه فلا ضمان عليه فيما مضى من
زكاته لأن العين التي فيها الزكاة هلكت قبل يمكنه أن يؤديها (قال الشافعي) فإن غصب مالا فأقام في
يدي الغاضب زمانا لا يقدر عليه ثم أخذه، أو غرق له مال فأقام في البحر زمانا ثم قدر عليه أو دفن
مال فضل موضعه فلم يدر أين هو ثم قدر عليه فلا يجوز فيه إلا واحد من قولين أن لا يكون عليه فيه
زكاة لما مضى ولا إذا قبضه حتى يحول عليه حول من يوم قبضه لأنه كان مغلوبا عليه بلا طاعة
منه كطاعته في السلف والتجارة والدين أو يكون فيه الزكاة إن سلم لان ملكه لم يزل عنه لما مضى عليه
من السنين (قال الربيع) القول الآخر أصح القولين عندي لان من غصب ماله أو غرق لم يزل ملكه
عنه وهو قول الشافعي (قال الشافعي) وهكذا لو كان له على رجل مال أصله مضمون أو أمانة فجحده
إياه ولا بينة له عليه، أو له بينة غائبة لم يقدر على أخذه منه بأي وجه ما كان الاخذ (قال الربيع) فإذا
أخذه زكاه لما مضى عليه من السنين وهو معنى قول الشافعي (قال الشافعي) فإن هلك منه مال فالتقطه
منه رجل أو لم يدر التقط أو لم يلتقط فقد يجوز أن يكون مثل هذا ويجوز أن لا يكون عليه فيه زكاة بحال
لان الملتقط يملكه بعد سنة أن يؤديه إليه إن جاءه ويخالف الباب قبله بهذا المعنى (قال الشافعي)
وكل ما أقبض من الدين الذي قلت عليه فيه زكاة زكاه إذا كان في مثله زكاة لما مضى ثم كلما قبض منه
شيئا فكذلك (قال الشافعي) وإذا عرف الرجل اللقطة سنة ثم ملكها فحال عليها أحوال ولم يزكها ثم
جاء صاحبها فلا زكاة على الذي وجدها، وليس هذا كصداق المرأة، لان هذا لم يكن لها مالكا قط
حتى جاء صاحبها وإن أدى عنها زكاة منها ضمنها لصاحبها (قال الشافعي) والقول في أن لا زكاة على
صاحبها الذي اعترفها أو أن عليه الزكاة في مقامها في يدي غيره كما وصفت أن تسقط الزكاة في مقامها
في يدي الملتقط بعد السنة لأنه أبيح له أكلها بلا رضا (1) من الملتقط أو يكون عليه فيها الزكاة لأنها

(1) قوله: من الملتقط، كذا في النسخ، ولعله من تحريف النساخ، ووجه " من صاحبها "
فتأمل كتبه مصححه.
55

ماله (1) وكل ما قبض من الدين الذي قلت عليه فيه زكاة زكاه إذا كان في مثله زكاة لما مضى، فكلما
قبض منه شيئا فكذلك، وإن قبض منه مالا زكاة في مثله فكان له مال، أضافه إليه، وإلا حسبه،
فإذا قبض ما تجب فيه الزكاة معه، أدى زكاته لما مضى عليه من السنين.
(باب الذي (2) يدفع زكاته فتهلك قبل أن يدفعها إلى أهلها)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أخرج رجل زكاة ماله قبل أن تحل فهلكت قبل أن يدفعها
إلى أهلها لم تجز عنه وإن حلت زكاة ماله زكى ما في يديه من ماله ولم يحسب عليه ما هلك منه من المال
في هذا كله، وسواء في هذا زرعه وثمرة، إن كانت له (قال الشافعي) وإن أخرجها بعدما حلت
فهلكت قبل أن يدفعها إلى أهلها، فإن كان لم يفرط والتفريط أن يمكنه بعد حولها دفعها إلى أهلها أو
الوالي فتأخر، لم يحسب عليه ما هلك ولم تجز عنه من الصدقة لان من لزمه شئ لم يبرأ منه إلا بدفعه
إلى من يستوجبه عليه (قال الشافعي) ورجع إلى ما بقي من ماله، فإن كان فيما بقي منه زكاة زكاه وإن
لم يكن فيما بقي منه زكاة لم يزكه كأن حل عليه نصف دينار في عشرين دينارا فأخرج النصف فهلك
قبل أن يدفعه إلى أهله فبقيت تسعة عشر ونصف فلا زكاة عليه فيها وإن كانت له إحدى وعشرون
دينارا ونصف فهلك قبل أن يدفعه إلى أهله فبقيت تسعة عشر ونصف فلا زكاة عليه فيها وإن كانت له
إحدى وعشرون دينارا ونصف فأراد أن يزكيها فيخرج عن العشرين نصفا وعن الباقي عن العشرين
ربع عشر الباقي لان ما زاد من الدنانير والدراهم والطعام كله على ما يكون فيه الصدقة ففيه الصدقة
بحسابه فإن هلكت الزكاة وقد بقي عشرون دينارا وأكثر فيزكي ما بقي بربع عشره (قال الشافعي) وهذا
هكذا مما أنبتت الأرض والتجارة وغير ذلك من الصدقة والماشية إلا أن الماشية تخالف هذا في أنها بعدد
وأنها معفو عما بين العددين، فإن حال عليه حول وهو في سفر فلم يجد من يستحق السهمان أو هو في
مصر فطلب فلم يحضره في ساعته تلك من يستحق السهمان أو سجن أو حيل بينه وبين ماله، فكل هذا
عذر، لا يكون به مفرطا، وما هلك من ماله بعد الحول لم يحسب عليه في الزكاة كما لا يحسب ما
هلك قبل الحول وإن كان يمكنه إذا حبس من يثق به فلم يأمره بذلك أو وجد أهل السهمان فأخر ذلك
قليلا أو كثيرا وهو يمكنه فلم يعطهم بوجود المال وأهل السهمان فهو مفرط وما هلك من ماله فالزكاة
لازمة له فيما بقي في يديه منه كإن كانت له عشرون دينارا فأمكنه أن يؤدى زكاتها فأخرها فهلكت
العشرون فعليه نصف دينار يؤديه متى وجده ولو كان له مال يمكنه أن يؤدى زكاته فلم يفعل فوجبت
عليه الزكاة سنين ثم هلك أدى زكاته لما فرط فيه وإن كانت له مائة شاة فأقامت في يده ثلاث سنين
وأمكنه في مضى السنة الثالثة أداء زكاتها فلم يؤدها أدى زكاتها لثلاث سنين وإن لم يمكنه في السنة
الثالثة أداء زكاتها حتى هلكت فلا زكاة عليه في السنة الثالثة وعليه الزكاة في السنتين اللتين فرط في
أداء الزكاة فيهما.

(1) قوله: وكل ما قبض إلى قوله " فكذلك " مكرر مع ما سبق قريبا. كتبه مصححه.
(2) قوله: في الترجمة " يدفع زكاته "، أي يريد دفعها ويهيئها لذلك. كتبه مصححه.
56

(باب المال يحول عليه أحوال في يدي صاحبه)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا كانت لرجل خمس من الإبل فحال عليها أحوال وهي
في يده لم يؤد زكاتها فعليه فيها زكاة عام واحد لان الزكاة في أعيانها وإن خرجت منها شاة في السنة فلم
يبق له خمس تجب فيهن الزكاة (قال الربيع) وفيه قول آخر أن عليه في كل خمس من الإبل أقامت
عنده أحوالا أداء زكاتها في كل عام أقامت عنده شاة في كل عام لأنه إنما يخرج الزكاة من غيرها عنها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكذلك إن كانت له أربعون شاة أو ثلاثون من البقر أو عشرون دينارا
أو مائتا درهم أخرج زكاتها لعام واحد لان زكاتها خارجة من ملكه مضمونة في يده لأهلها ضمان ما
غصب (قال الشافعي) ولو كانت إبله ستا فحال عليها ثلاثة أحوال وبعير منها يسوى شاتين فأكثر أدى
زكاتها لثلاثة أحوال لان بعيرا منها إذا ذهب بشاتين أو أكثر كانت عنده خمس من الإبل فيها زكاة
(قال الشافعي) ولو كانت عنده اثنان وأربعون شاة أو واحد وعشرون دينارا فحالت عليه ثلاثة أحوال
أخذت من الغنم ثلاث شياه لان شاتين يذهبان ويبقى أربعون فيها شاة وأخذت منه زكاة الدنانير دينارا
ونصفا وحصة الزيادة لان الزكاة تذهب ويبقى في يده ما فيه زكاة وهكذا لو كانت له أربعون شاة
أول سنة ثم زادت شاة فحالت عليها سنة ثانية وهي إحدى وأربعون ثم زادت شاة في السنة الثالثة
فحالت عليها سنة وهي اثنتان وأربعون شاة كانت فيها ثلاث شياه لان السنة لم تحل إلا وربها يملك فيها
أربعين شاة (قال الشافعي) فعلى هذا هذا الباب كله فيه الزكاة (قال الشافعي) ولو كانت له أربعون
شاة فحال عليها أحوال ولم تزد فأحب إلي أن يؤدى زكاتها لما مضى عليها من السنين ولا يبين لي أن نجبره
إذا لم يكن له إلا الأربعون شاة فحالت عليها ثلاثة أحوال أن يؤدى ثلاث شياه (قال الربيع) وفى
الإبل إذا كانت عنده خمس من الإبل فحال عليها أحوال كانت عليه في كل حول شاة لان الزكاة
ليست من عينها إنما تخرج من غيرها وهي مخالفة للغنم التي في عينها الزكاة.
(باب البيع في المال الذي فيه الزكاة)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال ولو باع رجل رجلا مائتي درهم بخمسة دنانير بيعا فاسدا
فأقامت في يد المشترى شهرا ثم حال عليها الحول من يوم ملكها البائع ففيها الزكاة من مال البائع وهي
مردودة عليه لأنها لم تخرج من ملكه بالبيع الفاسد وهكذا كل مال وجبت فيه الزكاة فبيع بيعا فاسدا
من ماشية أو غيرها زكي على أصل ملك المالك الأول لأنه لم يخرج من ملكه ولو كان البائع باعها بيعا
صحيحا على أنه بالخيار ثلاثا وقبضها المشترى أو لم يقبضها فحال عليها حول من يوم ملكها البائع
وجبت فيها الزكاة لأنه لم يتم خروجها من ملك البائع حتى حال عليها الحول ولمشتريها ردها للنقص
الذي دخل عليها بالزكاة وكذلك لو كان الخيار للبائع والمشترى معا (قال الشافعي) ولو كان الخيار
للمشترى دون البائع فاختار إنفاذ البيع بعدما حال عليها الحول ففيها قولان، أحدهما أن على البائع
الزكاة لان البيع لم يتم إلا بعد الحول ولم يتم خروجها من ملكه بحال (قال) والقول الثاني أن الزكاة على
المشترى لان الحول حال وهي ملك له وإنما له خيار الرد إن شاء دون البائع (قال الربيع) وكذلك لو
كانت له أمة كان للمشترى وطؤها في أيام الخيار دون البائع فلما كان أكثر الملك للمشترى كانت الزكاة
57

عليه إذا حال عليها الحول من يوم اشتراها وقبضت وسقطت الزكاة عن البائع لأنها قد خرجت من
ملكه ببيع صحيح (قال الشافعي) ولو باع الرجل صنفا من مال وجبت فيه الزكاة قبل حوله بيوم على
أن البائع فيه بالخيار يوما، فاختار إنفاذ البيع بعد يوم وذلك بعد تمام حوله كانت في المال الزكاة،
لان البيع لم يتم حتى حال عليه الحول قبل أن يخرج من ملكه وكان للمشترى رده بنقص الزكاة منه ولو
اختار إنفاذ البيع قبل أن يمضى الحول لم يكن فيه زكاة لان البيع قد تم قبل حوله (قال الشافعي)
وهكذا كل صنف من المال باعه قبل أن تحل الصدقة فيه وبعده من دنانير ودراهم وماشية لا اختلاف
فيها (1) ولا عليه بفرق بينها (قال الشافعي) وإذا باع دنانير بدراهم أو دراهم بدنانير أو بقرا بغنم أو بقرا
ببقر أو غنما بغنم أو إبلا بإبل أو غنم فكل ذلك سواء فأي هذا باع قبل حوله فلا زكاة على البائع فيه لأنه
لم يحل عليه الحول في يده ولا على المشترى حتى يحول عليه حول من يوم ملكه (قال الشافعي) وسواء
إذا زالت عين المال من الإبل أو الذهب بإبل أو ذهب أو بغيرها لا اختلاف في ذلك، فإذا باع رجل
رجلا نخلا فيها تمر أو تمرا دون النخل فسواء، لان الزكاة إنما هي في التمر دون النخل فإذا ملك المشتري
الثمرة بأن اشتراها بالنخل أو بأن اشتراها منفردة شراء يصح أو وهبت له وقبضها أو أقر له بها أو تصدق
بها عليه أو أوصى له بها أو أي وجه من وجوه الملك صح له ملكها به فإذا صح له ملكها قبل أن ترى
فيها الحمرة أو الصفرة وذلك الوقت الذي يحل فيه بيعها على أن يترك حتى يبلغ، فالزكاة على مالكها
الآخر لان أول وقت زكاتها أن ترى فيها حمرة أو صفرة فيخرص ثم يؤخذ ذلك تمرا (قال الشافعي)
فإن ملكها بعد ما رؤيت فيها حمرة أو صفرة فالزكاة في التمر من مال مالكها الأول (2) ولو لم يملك
الزكاة المالك الآخر خرصت الثمرة قبل تملكها أو لم تخرص (قال الشافعي) ولا يختلف الحكم في هذا
في أي وجه ملك به الثمرة بحال في الزكاة ولا في غيرها إلا في وجه واحد وهو أن يشترى الثمرة بعدما
يبدو صلاحها فيكون العشر في الثمرة لا يزول ويكون البيع في الثمرة مفسوخا كما يكون لو باعه عبدين
أحدهما له والآخر ليس له مفسوخا ولكنه يصح، لا يصح غيره إذا باعه على ترك الثمرة أن يبيعه تسعة
أعشار الثمرة إن كانت تسقى بعين أو كانت بعلا وتسعة أعشارها ونصف عشرها إن كانت تسقى بغرب
ويبيعه جميع ما دون خمسة أوسق إذا لم يكن للبائع غيره فيصح البيع ولو تعدى المصدق فأخذ مما
ليست فيه الصدقة وزاد فيما فيه الصدقة فأخذ أكثر منها لم يرجع فيه المشترى على البائع وكانت مظلمة
دخلت على المشترى (3) (قال الشافعي) ولو كان لواحد حائط فيه خمسة أوسق فباع ثمره من واحد أو
اثنين بعد ما يبدو صلاحها ففيه الزكاة كما وصفت في مال البائع نفسه، ولو باعه قبل أن يبدو صلاحه
ولم يشترط أن يقطع من واحد أو اثنين ففيه الصدقة والبيع فيه فاسد (قال الشافعي) وإن استهلك
المشترى الثمرة كلها أخذ رب الحائط بالصدقة وإن أفلس أخذ من المشترى قيمتها بما اشترى من ثمنها
العشر، ورد ما بقي على رب الحائط، وإن لم يفلس البائع أخذ بعشرها لأنه كان سبب هلاكها،
* (هامش) (1) قوله: ولا عليه الخ كذا في النسخ، وانظر. كتبه مصححه.
(2) قوله: ولو لم يملك، كذا في النسخ ولعل " لو " مزيدة من الناسخ، فتأمل، وحرر. كتبه
مصححه.
(3) من هنا إلى آخر الباب قدمه السراج البلقيني في نسخته عن محله الذي اتفقت عليه النسخ،
وهو باب ميراث المال الآتي، وصنيع البلقيني أحسن. كتبه مصححه. (*)
58

وإن كان للمشترى غرماء فكان ثمن ما استهلك من العشر عشرة ولا يوجد مثله وثمن عشر مثله عشرون
يوم تؤخذ الصدقة اشترى بعشرة نصف العشر لأنه ثمن العشر الذي استهلكه وهو له دون الغرماء وكان
لولى الصدقة أن يكون غريما يقوم مقام أهل السهمان في العشرة الباقية على رب الحائط (قال الشافعي)
فإن باع رب الحائط ثمرته وهي خمسة أوسق من رجلين قبل أن يبدو صلاحها على أن يقطعاها كان
البيع جائزا، فإن قطعاها قبل أن يبدو صلاحها، فلا لزكاة فيها وإن تركاها حتى يبدو صلاحها، ففيها
الزكاة، فإن أخذهما رب الحائط بقطعها فسخنا البيع بينهما لان الزكاة وجبت فيها فلا يجوز أن يقطع
فيمنع الزكاة وهي حق لأهلها ولا أن تؤخذ بحالها تلك وليست الحال التي أخذها فيها رسول الله صلى
الله عليه وسلم ولا يثبت للمشترى على البائع ثمرة في نخله وقد شرط قطعها ولا يكون في هذا البيع إلا
فسخه ولو رضى البائع بتركها حتى تجد في نخله ورضى المشتريان لم يرجعا على البائع بالعشر لأنه قد
أقبضهما جميع ما باعهما من الثمرة ولا عشر فيه، وعليهما أن يزكيا بما وجب من العشر (قال الشافعي)
ولو كانت المسألة بحالها فتركها المشتريان حتى بدا صلاحها فرضى البائع بتركها ولم يرضه المشتريان كان
فيها قولان (أحدهما) أن يجبرا على تركها ولا يفسخ البيع بما وجب فيها من الصدقة (والثاني) أن يفسخ
البيع لأنهما شرطا القطع ثم صارت لا يجوز قطعها بما استحق من الصدقة فيها (قال الشافعي) ولو رضى
أحد المشتريين إقرارها والبائع ولم يرضه الآخر جبرا في القول الأول على إقرارها وفى القول الآخر يفسخ
نصيب الذي لم يرض ويقر نصيب الذي رضى وكان كرجل اشترى نصف الثمرة وإذا رضى إقرارها ثم
أراد قطعها قبل الجداد لم يكن له قطعها كلها ولا فسخ للبيع إذا ترك رده مرة لم يكن له رده بعدها،
وكل هذا إذا باع الثمرة مشاعا قبل أن يبدو صلاحها (قال الشافعي) فإن كان لرجل حائط في ثمره
خمسة أوسق فباع رجلا منه نخلات بأعيانهن وآخر نخلات بأعيانهن بعدما يبدو صلاحه ففيه العشر
والبيع مفسوخ إلا أن يبيع من كل واحد منهما تسعة أعشاره وإن كان هذا البيع قبل أن يبدو صلاح الثمرة
على أن يقطعاها فقطعا منها شيئا وتركا شيئا حتى يبدو صلاحه، فإن كان فيما يبقى خمسة أوسق ففيه
الصدقة والبيع فيه كما وصفت في المسألة قبله فإن لم يكن فيما بقي من الثمرة خمسة أوسق فالبيع جائز لا
يفسخ ويؤخذ بأن يقطعها إلا أن يتطوع البائع بتركها لهما وإن قطعا الثمرة بعدما يبدو صلاحها فقالا: لم
يكن فيها خمسة أوسق، فالقول قولهما مع أيمانهما ولا يفسخ البيع في هذا الحال، فإن قامت بينة على
شئ أخذ بالبينة وإن لم تقم بينة قبل قول رب المال فيما طرح عن نفسه به الصدقة أو بعضها إذا لم تقم
عليه بينة بخلاف ما قال (قال الشافعي) وإذا قامت بينة بأمر يطرح عنه الصدقة أو بعضها وأقر بما
يثبت عليه الصدقة أو يزيدها أخذت بقوله لأني إنما أقبل بينته إذا كانت كما ادعى فيما يدفع به عن
نفسه فإذا أكذبها قبلت قوله في الزيادة على نفسه وكان أثبت عليه من بينته (قال الشافعي) وإذا كان
للرجل الحائط لم يمنع قطع ثمره من حين تطلع إلى أن ترى فيه الحمرة فإذا رؤيت فيه الحمرة منع قطعه
حتى يخرص فإن قطعه قبل يخرص بعدما يرى فيه الحمرة فالقول قوله فيما قطع منه وإن أتى عليه كله
مع يمينه، إلا أن يعلم غير قوله ببينة أهل مصره فيؤخذ ذلك منه بالبينة (قال الشافعي) وإذا أخذت
ببينته أو قوله أخذ بتمر وسط سوى ثمر حائطه حتى يستوفى منه عشره ولا يؤخذ منه ثمنه (قال الشافعي)
فهذا إن خرص عليه ثم استهلكه أخذ بتمر مثل وسط تمره.
59

(باب ميراث القوم المال)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا ورث القوم الحائط فلم يقتسموا وكانت في ثمره كله
خمسة أوسق فعليهم الصدقة لأنهم خلطاء يصدقون صدقة الواحد (قال الشافعي) فإن اقتسموا الحائط
مثمرا قسما يصح فكان القسم قبل أن يرى في الثمرة صفرة أو حمرة فلا صدقة على من لم يكن في
نصيبه خمسة أوسق وعلى من كان في نصيبه خمسة أوسق صدقة (قال الشافعي) فإن اقتسموا بعد ما يرى
فيه صفرة أو حمرة صدق كله صدقة الواحد إذا كانت في جميعه خمسة أوسق أخذت منه الصدقة
لان أول محل الصدقة أن يرى الحمرة والصفرة في الحائط، خرص الحائط أو لم يخرص (قال الشافعي)
فإن قال قائل: كيف جعلت صدقة النخل والعنب اللذين يخرصان أولا وآخرا دون الماشية والورق
والذهب وإنما أول ما تجب فيه الصدقة عندك وآخره الحول دون المصدق؟ قيل له إن شاء الله تعالى: لما
خرصت الثمار من الأعناب والنخل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين طابت علمنا أنه لا يخرصها ولا
زكاة له فيها، ولما قبضها تمرا وزبيبا علمنا أن آخر ما تجب فيه الصدقة منها أن تصير تمرا أو زبيبا على
الامر المتقدم فإن قال ما يشبه هذا؟ قيل الحج له أول وآخران، فأول آخريه رمى الجمرات والحلق،
وآخر آخريه زيارة البيت بعد الجمرة والحلق، وليس هكذا العمرة ولا الصوم ولا الصلاة كلها لها أول
وآخر واحد وكل كما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) ولو اقتسموا ولم تر فيه صفرة ولا
حمرة ثم لم يقترعوا عليه حتى يعلم حق كل واحد منهم أو لم يتراضوا حتى يعلم كل واحد منهم حقه حتى
يرى فيه صفرة أو حمرة كانت فيه صدقة الواحد لان القسم لم يتم إلا بعد وجوب الصدقة فيه (قال
الشافعي) والقول قول أرباب المال في أنهم اقتسموا قبل أن يرى فيه صفرة أو حمرة إلا أن تقوم فيه بينة
بغير ذلك (قال الشافعي) فإن كان الحائط خمسة أوسق فاقتسمه اثنان فقال أحدهما اقتسمناه قبل أن
ترى فيه حمرة أو صفرة وقال الآخر. بعد ما رؤيت، فيه أخذت الصدقة من نصيب الذي أقر أنهما
اقتسماه بعدما حلت فيه الصدقة بقدر ما يلزمه ولم تؤخذ من نصيب الذي لم يقر (قال الشافعي) ولو
اقتسما الثمرة دون الأرض والنخل قبل أن يبدو صلاحها كان القسم فاسدا وكانوا فيه على الملك الأول
(قال) ولو اقتسماه بعدما يبدو صلاحه كانت فيه الزكاة كما يكون على الواحد في الحالين معا (قال
الشافعي) وإذا ورث الرجل حائطا فأثمر أو أثمر حائطه ولم يكن بالميراث أخذت الصدقة من ثمر الحائط
وكذلك لو ورث ماشية أو ذهبا أو ورقا فلم يعلم أو علم فحال عليه الحول، أخذت صدقتها لأنها في
ملكه وقد حال عليها حول، وكذلك ما ملك بلا علمه (قال الشافعي) وإذا كان لرجل مال تجب فيه
الزكاة فارتد عن الاسلام وهرب أو جن أو عته أو حبس ليستتاب أو يقتل فحال الحول على ماله من يوم
ملكه ففيها قولان أحدهما أن فيها الزكاة لان ماله لا يعدو أن يموت على ردته فيكون للمسلمين وما كان
لهم ففيه الزكاة أو يرجع إلى الاسلام فيكون له فلا تسقط الردة عنه شيئا وجب عليه، والقول الثاني أن
لا يؤخذ منها زكاة حتى ينظر، فإن أسلم تملك ماله وأخذت زكاته لأنه لم يكن سقط عنه الفرض وإن لم
يؤجر عليها، وإن قتل على ردته لم يكن في المال زكاة لأنه مال مشترك مغنوم فإذا صار لانسان منه
شئ فهو كالفائدة ويستقبل به حولا ثم يزكيه، ولو أقام في ردته زمانا كان كما وصفت، إن رجع إلى
الاسلام أخذت منه صدقة ماله، وليس كالذمي الممنوع المال بالجزية ولا المجاب ولا المشرك غير الذمي
الذي لم تجب في ماله زكاة قط، ألا ترى أنا نأمره بالاسلام فإن امتنع قتلناه وأنا نحكم عليه في حقوق
60

الناس بأن نلزمه، فإن قال: فهو لا يؤجر على الزكاة، قيل: ولا يؤجر عليها ولا غيرها من حقوق
الناس التي تلزمه ويحبط أجر عمله فيما أدى منها قبل أن يرتد، وكذلك لا يؤجر على أن يؤخذ الدين منه
فهو يؤخذ.
(باب ترك التعدي على الناس في الصدقة)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان
عن القاسم ابن محمد عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت " مر على عمر بن الخطاب رضى
الله تعالى عنه بغنم من الصدقة فرأى فها شاة حافلا ذات ضرع " فقال عمر: " ما هذه الشاة؟ " فقالوا:
شاة من الصدقة فقال عمر: " ما أعطى هذه أهلها وهم طائعون لا تفتنوا الناس لا تأخذوا (1) حزرات
المسلمين نكبوا عن الطعام " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى توهم عمر أن أهلها لم يتطوعوا بها ولم ير
عليهم في الصدقات ذات در فقال هذا، ولو علم أن المصدق جبر أهلها على أخذها لردها عليهم إن
شاء الله تعالى وكان شبيها أن يعاقب المصدق، ولم أر بأسا أن تؤخذ بطيب أنفس أهلها (قال الشافعي)
وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن مصدقا " إياك وكرائم أموالهم "
وفى كل هذا دلالة على أن لا يؤخذ خيار المال في الصدقة وإن أخذ فحق على الوالي رده وأن يجعله من
ضمان المصدق لأنه تعدى بأخذه حتى يرده على أهله وإن فات ضمنه المصدق وأخذ من أهله ما عليهم
إلا أن يرضوا بأن يرد عليهم فضل ما بين القيمتين فيردها المصدق وينفذ ما أخذ هو مما هو فوق ذلك لمن
قسم له من أهل السهمان، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى ابن سعيد عن
محمد بن يحيى بن (2) حبان أنه قال: أخبرني رجلان من أشجع أن محمد بن مسلمة الأنصاري كان
يأتيهم مصدقا فيقول لرب المال: أخرج إلى صدقة مالك فلا يقود إليه شاة فيها وفاء من حقه إلا قبلها
(قال الشافعي) وسواء أخذها المصدق وليس فيها تعد أو قادها إليه رب المال وهي وافية وإن قال المصدق
لرب المال: أخرج زكاة مالك فأخرج أكثر مما عليه، فإن طاب به نفسا بعد علمه، أخذه منه وإلا
أخذ منه ما عليه، ولا يسعه أخذه إلا حتى يعلمه أن ما أعطاه أكثر مما عليه.
(باب غلول الصدقة)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال فرض الله عز وجل الصدقات وكان حبسها حراما ثم أكد
تحريم حبسها فقال عز وعلا " ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر

(1) قوله: حزرات: جمع " حزرة " كسجدة وسجدات، وحزرة المال خياره، يقال: هذا
حزرة نفسي، أي خير ما عندي وقوله " نكبوا عن الطعام " أي اعدلوا عن الأكولة وذات الدر ونحوهما
واتركوها لأهلها. كذا في كتب اللغة. كتبه مصححه.
(2) حبان: بفتح أوله وتشديد الموحدة، كذا في الخلاصة. كتبه مصححه.
61

لهم " الآية وقال تبارك وتعالى " والذين يكنزون الذهب والفضة " إلى قوله " ما كنتم تكنزون " (قال
الشافعي) وسبيل الله والله أعلم ما فرض من الصدقة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن
عيينة قال أخبرنا جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين سمعا أبا وائل يخبر عن عبد الله بن مسعود
يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من رجل لا يؤدى زكاة ماله إلا جعل له يوم
القيامة شجاع أقرع يفر منه وهو يتبعه حتى يطوقه في عنقه " ثم قرأ علينا " سيطوقون ما بخلوا به يوم
القيامة " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار قال سمعت عبد الله بن
عمر وهو يسأل عن الكنز فقال هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة (قال الشافعي) وهذا كما قال ابن عمر
إن شاء الله تعالى لأنهم إنما عذبوا على منع الحق فأما على دفن أموالهم وحبسها فذلك غير محرم عليهم
وكذلك إحرازها والدفن ضرب من الاحراز ولولا إباحة حبسها ما وجبت فيها الزكاة في حول لأنها لا
تجب حتى تحبس حولا، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار (1)
عن أبي هريرة أنه كان يقول: " من كان له مال لم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان
يطلبه حتى يمكنه يقول أنا كنزك " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن
ابن طاوس عن أبيه قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة ابن الصامت على صدقة فقال
" اتق الله يا أبا الوليد لا تأتى يوم القيامة ببعير تحمله على رقبتك له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة لها (2)
ثؤاج " فقال يا رسول الله وإن ذا لكذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي والذي نفسي بيده إلا
من رحم الله تعالى " فقال: والذي بعثك بالحق لا أعمل على اثنين أبدا.
(باب ما يحل للناس أن يعطو من أموالهم)
(قال الشافعي) رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " الآية (قال
الشافعي) يعنى والله أعلم تأخذونه لأنفسكم ممن لكم عليه حق فلا تنفقوا ما لا تأخذون لأنفسكم،
يعنى لا تعطوا مما خبث عليكم والله أعلم وعندكم طيب (قال الشافعي) فحرام على من عليه صدقة أن
يعطى الصدقة من شرها وحرام على من له تمر أن يعطى العشر من شره، ومن له الحنطة أن يعطى
العشر من شرها، ومن له ذهب أن يعطى زكاتها من شرها، ومن له إبل أن يعطى الزكاة من شرها إذا
ولي إعطاءها أهلها، وعلى السلطان أن يأخذ ذلك منه، وحرام عليه إن غابت أعيانها عن السلطان
فقبل قوله أن يعطيه من شرها ويقول: ما له كله هكذا، قال الربيع: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
سفيان عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن جرير بن عبد الله البجلي قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " إذا أتاكم المصدق فلا يفارقكم إلا عن رضا " (قال الشافعي) يعنى والله أعلم: أن يوفوه طائعين
ولا يلووه لا أن يعطوه من أموالهم ما ليس عليهم فبهذا نأمرهم ونأمر المصدق.

(1) في نسخة المسند زيادة أبى صالح السمان بين عبد الله بن دينار وأبي هريرة فحرر السند. كتبه
مصححه.
(2) الثؤاج: بالضم، صياح الغنم ثأجت نثأج من باب نفع. كتبه مصححه.
62

(باب الهدية للوالي بسبب الولاية)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أبي حميد
الساعدي قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له (1) ابن اللتبية على الصدقة
فلما قدم قال: " هذا لكم وهذا أهدى إلى فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: (ما بال
العامل نبعثه على بعض أعمالنا فيقول هذا لكم وهذا أهدى إلى؟ فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه
فينظر أيهدى له أم لا؟ فوالذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على
رقبته إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة (2) تيعر " ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه ثم قال
اللهم: " هل بلغت، اللهم هل بلغت؟ " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة
عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي حميد الساعدي قال: بصر عيني وسمع أذني رسول الله صلى الله
عليه وسلم وسلوا زيد بن ثابت، يعنى مثله (قال الشافعي) فيحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم في
ابن اللتبية تحريم الهدية إذا لم تكن الهدية له إلا بسبب السلطان ويحتمل أن الهدية لأهل الصدقات إذا
كانت بسبب الولاية لأهل الصدقات كما يكون ما تطوع به أهل الأموال مما ليس عليهم لأهل الصدقات
لا لوالي الصدقات (قال الشافعي) وإذا أهدى واحد من القوم للوالي هدية، فإن كانت لشئ ينال به
منه حقا أو باطلا (3) أو لشئ ينال منه حق أو باطل، فحرام على الوالي أن يأخذها لان حراما عليه أن
يستجعل على أخذه الحق لمن ولى أمره، وقد ألزمه الله عز وجل أخذ الحق لهم وحرام عليه أن يأخذ لهم
باطلا والجعل عليه أحرم وكذلك إن كان أخذ منه ليدفع به عنه ما كره، أما أن يدفع عنه بالهدية حقا
لزمه فحرام عليه دفع الحق إذا لزمه، وأما أن يدفع عنه باطلا فحرام عليه إلا أن يدفع عنه بكل حال
(قال الشافعي) وإن أهدى له من غير هذين الوجهين أحد من أهل ولايته فكانت تفضلا عليه أو شكر
الحسن في المعاملة فلا يقبلها، وإن قبلها كانت في الصدقات، لا يسعه عندي غيره إلا أن يكافئه
عليه بقدرها فيسعه أن يتمولها. (قال الشافعي) وإن كان من رجل لا سلطان له عليه وليس بالبلد
الذي له به سلطان شكرا على حسن ما كان منه فأحب إلى أن يجعلها لأهل الولاية إن قبلها، أو يدع
قبولها فلا يأخذ على الحسن مكافأة، وإن قبلها فتمولها لم تحرم عليه عندي. أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال وقد أخبرنا مطرف بن مازن عن شيخ ثقة سماه لا يحضرني ذكر اسمه أن رجلا ولى عدن
فأحسن فيها فبعث إليه بعض الأعاجم بهدية حمدا له على إحسانه فكتب فيها إلى عمر بن عبد العزيز
فأحسبه قال قولا معناه: تجعل في بيت المال. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن
عثمان بن صفوان الجمحي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال " لا تخالط الصدقة مالا إلا أهلكته ". (قال الشافعي) يعنى والله أعلم أن خيانة الصدقة
تتلف المال المخلوط بالخيانة من الصدقة (قال الشافعي) وما أهدى له ذو رحم أو ذو مودة كان يهاديه

(1) في القاموس: وبنو لتب بالضم، حي منهم عبد الله بن اللتبية اه‍ كتبه مصححه.
(2) يعرت الشاة تيعر، من باب ضرب ومنع يعارا بالضم صاحت، كذا في كتب اللغة.
كتبه مصححه.
(3) قوله: أو لشئ ينال منه الخ كذا في النسخ. وانظر. كتبه مصححه.
63

قبل الولاية لا يبعثه للولاية فيكون إعطاؤه على معنى من الخوف، فالتنزه أحب إلي وأبعد لقالة
السوء، ولا بأس أن يقبل ويتمول إذا كان على هذا المعنى ما أهدى أو وهب له.
(باب ابتياع الصدقة)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال حدثني شيخ من أهل مكة قال: سمعت طاوسا وأنا واقف
على رأسه يسال عن بيع الصدقة قبل أن تقبض فقال طاوس: ورب هذا البيت ما يحل بيعها قبل أن
تقبض ولا بعد أن تقبض (قال الشافعي) لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تؤخذ من أغنيائهم
فترد على فقرائهم فقراء أهل السهمان، فترد بعينها ولا يرد ثمنها (قال الشافعي) وإن باع منها المصدق
شيئا لغير أن يقع لرجل نصف شاة أو ما يشبه هذا فعليه أن يأتي بمثلها أو يقسمها على أهلها لا يجزيه
إلا ذلك (قال) وأفسخ بيع المصدق فيها على كل حال إذا قدرت عليه وأكره لمن خرجت منه أن
يشتريها من يد أهلها الذي قسمت عليهم ولا أفسخ البيع إن اشتروها منهم وإنما كرهت ذلك منهم لان
رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا حمل على فرس في سبيل الله فرآه يباع أن لا يشتريه وأنه يروى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " العائد في هبته أو صدقته كالكلب يعود في قيئه " ولم يبن أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم حرم شراء ما وصفت على الذي خرج من يديه فأفسخ فيه البيع وقد تصدق
رجل من الأنصار بصدقة على أبويه ثم ماتا فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخذ ذلك بالميراث
فبذلك أجزت أن يملك ما خرج من يديه بما يحل به الملك (قال الشافعي) ولا أكره لمن اشترى من يد
أهل السهمان حقوقهم منها إذا كان ما اشترى منها مما لم يؤخذ منه في صدقته ولم يتصدق به متطوعا،
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن عمرو بن مسلم أو ابن طاوس أن طاوسا ولى
صدقات الركب لمحمد بن يوسف فكان يأتي القوم فيقول: زكوا يرحمكم الله. مما أعطاكم الله فما
أعطوه قبله ثم يسألهم " أين مساكينهم؟ " فيأخذها من هذا ويدفعها إلى هذا وأنه لم يأخذ لنفسه في
عمله ولم يبع ولم يدفع إلى الوالي منها شيئا، وأن الرجل من الركب كان إذا ولى عنه لم يقل له: هلم
(قال الشافعي) وهذا يسع من وليهم عندي وأحب إلى أن يحتاط لأهل السهمان فيسأل ويحلف من اتهم
لأنه قد كثر الغلول فيهم وليس لأحد أن يحتاط ولا يحلف ولا يلي حتى يكون يضعها مواضعها، فأما من
لم يكن يضعها مواضعها فليس له ذلك.
(باب ما يقول المصدق إذا أخذ الصدقة لمن يأخذها منه)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم " خذ من
أموالهم صدقة تطهرهم " الآية (قال) والصلاة عليهم الدعاء لهم عند أخذ الصدقة منهم (قال) فحق
على الوالي إذا أخذ صدقة امرئ أن يدعو له وأحب إلى أن يقول: آجرك الله فيما أعطيت وجعلها لك
طهورا وبارك لك فيما أبقيت " وما دعا له به أجزأه إن شاء الله.
(باب كيف تعد الصدقة وكيف توسم)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال حضرت عمى محمد بن العباس تؤخذ الصدقات بحضرته يأمر
64

بالحظار فيحظر ويأمر قوما فيكتبون أهل السهمان ثم يقف رجال دون الحظار قليلا ثم تسرب الغنم بين
الرجال والحظار فتمر الغنم سراعا واحدة واثنتان وفى يد الذي يعدها عصا يشير بها ويعد بين يدي محمد
بن العباس وصاحب المال معه فإن قال أخطأ، أمره بالإعادة حتى يجتمعا على عدد ثم يأخذ ما وجب
عليه بعد ما يسأل رب المال: هل له من غنم غير ما أحضره؟ فيذهب بما أخذ إلى الميسم فيوسم بميسم
الصدقة وهو كتاب الله عز وجل، وتوسم الغنم في أصول آذانها والإبل في أفخاذها ثم تصير إلى
الحظيرة حتى يحصى ما يؤخذ من المجمع ثم يفرقها بقدر ما يرى (قال الشافعي) وهكذا أحب أن يفعل
المصدق أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال لعمر ابن
الخطاب رضى الله تعالى عنه: إن في الظهر ناقة عمياء فقال " أمن نعم الجزية أم من نعم الصدقة "
فقال أسلم: بل من نعم الجزية وقال: إن عليها ميسم الجزية (قال الشافعي) وهذا يدل على أن عمر
رضى الله تعالى عنه كان يسم وسمين، وسم جزية، ووسم صدقة. وبهذا نقول.
(باب الفضل في الصدقة)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن سعيد بن يسار عن أبي
هريرة قال سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: " والذي نفسي بيده ما من عبد يتصدق
بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا ولا يصعد إلى السماء إلا طيب إلا كان كأنما يضعها في
يد الرحمن فيربيها له كما يربى أحدكم (1) فلوه حتى إن اللقمة لتأتي يوم القيامة وإنها لمثل الجبل
العظم "، ثم قرأ " ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات " أخبرنا الربيع قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " مثل المنفق والبخيل كمثل رجلين عليهما جبتان أو جنتان من لدن (2) ثديهما إلى تراقيهما فإذا
أراد المنفق أن ينفق سبغت عليه الدرع أو مرت حتى تخفى بنانه وتعفو أثره وإذا أراد البخيل أن ينفق
تقلصت ولزمت كل حلقة موضعها حتى تأخذ بعنقه أو ترقوته فهو يوسعها ولا تتسع) أخبرنا الربيع قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله، إلا أنه قال " فهو يوسعها ولا تتوسع " (قال الشافعي) حمد الله عز
وجل الصدقة في غير موضع من كتابه، فمن قدر على أن يكثر منها فليفعل.
(باب صدقة النافلة على المشرك)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن أمه أسماء بنت أبي
بكر قالت " أتتني أمي راغبة في عهد قريش فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأصلها؟ قال
نعم " (قال الشافعي) ولا بأس أن يتصدق على المشرك من النافلة وليس له في الفريضة من الصدقة

(1) الفلو: بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو، الجحش أو المهر إذا فطم، يقال: فلاه عن
أمه، إذا عزله عنها وفطمه كذا في كتب اللغة. كتبه مصححه.
(2) قوله " ثديهما " بضم الأول وكسر الثاني وتشديد الثالث، جمع " ثدي " على فعول، كفلس
وفلوس. كتبه مصححه.
65

حق، وقد حمد الله تعالى قوما فقال " ويطعمون الطعام " الآية.
(باب اختلاف زكاة مالا يملك)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا سلف الرجل الرجل مائة دينار في طعام موصوف أو
غيره سلفا صحيحا فالمائة ملك للمسلف ويزكيها كان له مال غيرها يؤدى دينه أو لم يكن يزكيها لحولها
يوم قبضها ولو أفلس بعد الحول والمائة قائمة في يده بعينها زكاها وكان للذي له المائة أخذ ما وجد منها
وأتباعه بما يبقى عن الزكاة وعما تلف منها وهكذا لو أصدق رجل امرأة مائة دينار فقبضتها وحال عليها
الحول في يديها ثم طلقها زكت المائة ورجع عليها بخمسين لأنها كانت مالكة للكل وإنما انتقض الملك
في خمسين بعد تمام ملكها لها حولا وهكذا لو لم تقبضها وحال عليها حول في يده ثم طلقها وجبت
عليها فيها الزكاة إذا قبضت الخمسين منه أدت زكاة المال، لأنها كانت في ملكها وكانت كمن له على
رجل مائة دينار فقبض خمسين بعد الحول وأبرأه من خمسين وهو قادر على أخذها منه، يزكى منها
مائة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو طلقها قبل الحول من يوم نكحها لم يكن عليها إلا زكاة
الخمسين إذا حال الحول لأنها لم تقبضها ولم يحل الحول حتى انتقض ملكها في الخمسين (قال
الشافعي) ولو أكرى رجل رجلا دارا بمائة دينار أربع سنين فالكراء حال إلا أن يشترطه إلى أجل،
فإذا حال عليه الحول من يوم أكرى الدار أحصى الحول وعليه أن يزكى خمسة وعشرين دينارا
والاختيار له ولا يجبر على ذلك أن يزكى المائة، فإن تم حول ثان فعليه أن يزكي عن خمسين دينارا
لسنتين يحتسب منها زكاة الخمسة والعشرين التي أداها في أول سنة ثم إذا حال حول ثالث فعليه أن
يزكى خمسة وسبعين لثلاث سنين يحتسب منها ما مضى من زكاته عن الخمسة
والعشرين والخمسين، فإذا مضى حول رابع فعليه أن يزكى مائة لأربع
سنين يحتسب منها كل ما أخرج من زكاته قليلها وكثيرها (قال الربيع وأبو
يعقوب) عليه زكاة المائة (قال الربيع) سمعت الكتاب كله إلا أنى لم أعارض به من ههنا إلى آخره
(قال الشافعي) ولو أكرى بمائة فقبض المائة ثم انهدمت الدار انفسخ الكراء من يوم تنهدم ولم يكن عليه
زكاة إلا فيما سلم له من الكراء قبل الهدم ولهذا قلت ليس عليه أن يزكى المائة حتى يسلم الكراء فيها وعليه
أن يزكي ما سلم من الكراء منه وهكذا إجارة الأرض بالذهب والفضة وغير ذلك مما أكراه المالك من
غيره (قال الشافعي) وإنما فرقت بين إجارة الأرضين والمنازل والصداق لان الصداق شئ تملكته على
الكمال، فإن ماتت أو مات الزوج أو دخل بها، كان لها بالكمال، وإن طلقها رجع إليها بنصفه،
والإجارات لا يملك منها شئ بكماله إلا بسلامة منفعة ما يستأجره مدة فيكون لها حصة من الإجارة فلم
نجز إلا الفرق بينهما بما وصفت (قال الشافعي) وملك الرجل نصف المهر بالطلاق يشبه ملكه الشفعة
تكون ملكا للذي هي في يديه حتى تؤخذ من يديه (قال) وكتابة المكاتب والعبد يخارج والأمة فلا
يشبه هذا هذا لا يكون عليه ولا على سيده فيه زكاة وإن ضمنه مكاتبه أو عبده حتى يقبضه السيد
ويحول عليه الحول من يوم قبضه لأنه ليس بدين لازم للمكاتب ولا العبد ولا الأمة، فليس يتم ملكه
عليه بحال حتى يقبضه وما كان في ذمة حر فملكه قائم عليه (قال الشافعي) وهكذا كل ما ملك مما في
أصله صدقة تبر، أو فضة، أو غنم، أو بقر، أو إبل. فأما ما ملك من طعام أو تمر أو غيره فلا زكاة
فيه، إنما الزكاة فيما أخرجت الأرض بأن تكون أخرجته وهو يملك ما أخرجت فيكون فيه حق يوم
66

حصاده (قال الشافعي) وما أخرجت الأرض فأديت زكاته ثم حبسه صاحبه سنين فلا زكاة عليه فيه
لان زكاته إنما تكون بأن تخرجه الأرض له يوم تخرجه، فأما ما سوى ذلك فلا زكاة فيه بحال إلا أن
يشترى لتجارة، فأما إن نويت به التجارة وهو ملك لصاحبه بغير شراء فلا زكاة فيه (قال الشافعي)
فإذا أوجف المسلمون على العدو بالخيل والركاب فجمعت غنائمهم فحال عليها حول قبل أن تقسم فقد
أساء الوالي إذا لم يكن له عذر، ولا زكاة في فضة منها ولا ذهب ولا ماشية حتى تقسم، يستقبل بها
بعد القسم حولا لان الغنيمة لا تكون ملكا لواحد دون صاحبه فإنه ليس بشئ ملكوه بشراء ولا ميراث
فأقروه راضين فيه بالشركة وإن للامام أن يمنعه قسمه إلى أن يمكنه ولان فيها خمسا من جميعها قد يصير
في القسم في بعضها دون بعض فليس منها مملوك لاحد بعينه بحال (قال الشافعي) ولو قسمت
فجمعت سهام مائة في شئ برضاهم وكان ذلك الشئ ماشية أو شيئا مما تجب فيه الزكاة فلم يقتسموه
بعد أن صار لهم حتى حال عليه الحول زكوه لأنهم قد ملكوه دون غيره من الغنيمة ودون غيرهم من
أهل الغنيمة، ولو قسم ذلك الوالي بلا رضاهم لم يكن له أن يلزمهم ذلك ولو قسمه وهم غيب ودفعه
إلى رجل فحال عليه حول لم يكن عليهم فيه زكاة لأنهم لم يملكوه، وليس للوالي جبرهم عليه، فإن
قبلوه ورضوا به ملكوه ملكا مستأنفا واستأنفوا له حولا من يوم قبلوه (قال الشافعي) ولو عزل الوالي سهم
أهل الخمس ثم أخرج لهم سهمهم على شئ بعينه، فإن كان ماشية لم يجب عليهم فيه الصدقة، لأنه
لقوم متفرقين لا يعرفهم فهو كالغنيمة بين الجماعة لا يحصون، وإذا صار إلى أحد منهم شئ استأنف به
حولا، وكذلك الدنانير والتبر والدراهم في جميع هذا (قال الشافعي) وإذا جمع الوالي الفئ ذهبا أو
ورقا فأدخله بيت المال فحال عليه حول أو كانت ماشية فرعاها في الحمى فحال عليها حول فلا زكاة
فيها لان مالكيها لا يحصون ولا يعرفون كلهم بأعيانهم وإذا دفع منه شيئا إلى رجل استقبل به حولا (قال
الشافعي) ولو عزل منها الخمس لأهله كان هكذا لان أهله لا يحصون وكذلك خمس الخمس، فإن
عزل منها شيئا لصنف من الأصناف فدفعه إلى أهله فحال عليه في أيديهم حول قبل أن يقتسموه
صدقوه صدقة الواحد لأنهم خلطاء فيه، وإن اقتسموه قبل الحول، فلا زكاة عليهم فيه.
(باب زكاة الفطر)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر وعبد
ذكر وأنثى من المسلمين، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن
محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى ممن
يمونون. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عياص بن عبد الله بن
سعد بن أبي سرح أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: " كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا
من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
وبهذا كله نأخذ وفى حديث نافع دلالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرضها إلا على
المسلمين وذلك موافقة لكتاب الله عز وجل فإنه جعل الزكاة للمسلمين طهورا والطهور لا يكون إلا
للمسلمين وفى حديث جعفر دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها على المرء في نفسه ومن يمون
67

(قال الشافعي) وفى حديث نافع دلالة (1) سنة بحديث جعفر إذ فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم
على الحر والعبد، والعبد لا مال له، وبين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما فرضها على سيده وما
لا اختلاف فيه أن على السيد في عبده وأمته زكاة الفطر وهما ممن يمون (قال الشافعي) فعلى كل رجل
لزمته مؤنة أحد حتى لا يكون له تركها أداء زكاة الفطر عنه، وذلك من جبرناه على نفقته من ولده
الصغار والكبار الزمني الفقراء وآبائه وأمهاتها الزمني الفقراء وزوجته وخادم لها، فإن كان لها أكثر من
خادم لم يلزمه أن يزكى زكاة الفطر عنه ولزمها تأدية زكاة الفطر عمن بقي من رقيقها (قال الشافعي)
وعليه زكاة الفطر في رقيقة الحضور والغيب رجا رجعتم أو لم يرج إذا عرف حياتهم لان كلا في
ملكه، وكذلك أمهات أولاده والمعتقون إلى أجل من رقيقه ومن رهن من رقيقه لان كل هؤلاء في
ملكه وإن كان فيمن يمون كافر لم يلزمه زكاة الفطر عنه لأنه لا يطهر بالزكاة (قال الشافعي) ورقيق رقيقه
رقيقه، فعليه أن يزكى عنهم (قال الشافعي) فإن كان ولده في ولايته لهم أموال فعليه أن يخرج من
أموالهم عنهم زكاة الفطر إلا أن يتطوع فيخرجها من ماله عنهم فتجزى عنهم فإذا تطوع حر ممن يمون
الرجل فأخرج زكاة الفطر عن نفسه أو امرأته كانت أو ابن له أو أب أو أم أجزأ عنهم ولم يكن عليه أن
يخرج زكاة الفطر عنهم ثانية فإن تطوعوا ببعض ما عليهم كان عليه أن يتم الباقي عنهم من زكاة الفطر
(قال) ومن قلت يجب عليه أن يزكى عنه زكاة الفطر فإذا ولد له ولد أو كان أحد في ملكه أو عياله في شئ
من نهار آخر يوم من شهر رمضان فغابت الشمس ليلة هلال شوال وجبت عليه زكاة الفطر عنه وإن
مات من ليلته وإذا غابت الشمس من ليلة الفطر ثم ولد بينهم أو صار واحد منهم في عياله لم تجب عليه
زكاة الفطر في عامه ذلك عنه وكان في سقوط زكاة الفطر عنه كالمال يملكه بعد الحول وإن كان عبد
بينه وبين رجل فعلى كل واحد منهما أن يزكى عنه من زكاة الفطر بقدر ما يملك منه (قال الشافعي) وإن
باع عبدا على أن له الخيار فأهل هلال شوال ولم يختر إنفاذ البيع ثم أنفذه فزكاة الفطر على البائع (قال
الربيع) وكذلك لو باعه على أن البائع والمشترى بالخيار فأهل هلال شوال والعبد في يد المشترى فاختار
المشترى والبائع إجازة البيع أو رده فهما سواء وزكاة الفطر على البائع (قال الشافعي) ولو باع رجل رجلا
عبدا على أن المشترى بالخيار فأهل هلال شوال قبل أن يختار الرد أو الاخذ كانت زكاة الفطر على المشترى وإن اختار رد البيع إلا أن يختاره قبل الهلال وسواء كان العبد المبيع في يد المشترى أو البائع إنما
أنظر إلى من يملكه فأجعل زكاة الفطر عليه (قال) ولو غصب رجل عبد رجل كانت زكاة الفطر في
العبد على مالكه وكذلك لو استأجره وشرط على المستأجر نفقته (قال الشافعي) ويؤدى زكاة الفطر عن
رقيقه الذي اشترى للتجارة ويؤدى عنهم زكاة التجارة معا وعن رقيقه للخدمة وغيرها وجميع ما يملك
من خدم (قال الشافعي) وإن وهب رجل لرجل عبدا في شهر رمضان فلم يقبضه الموهوب له حتى
أهل شوال وقفنا زكاة الفطر فإن أقبضه إياه فزكاة الفطر على الموهوب له وإن لم يقبضه فالزكاة على
الواهب ولو قبضه قبل الليل ثم غابت الشمس وهو في ملكه مقبوضا له كانت عليه فيه زكاة الفطر ولو
رده من ساعته (قال) وكذلك كل ما ملك به رجل رجلا عبدا أو أمة (قال الشافعي) وإذا أعتق رجل
نصف عبد بينه وبين رجل ولم يكن موسرا فبقي نصفه رقيقا لرجل فعليه في نصفه نصف زكاة الفطر
وإن كان للعبد ما يقوت نفسه ليلة الفطر ويومه ويؤدي النصف عن نفسه فعليه أداء زكاة النصف عن

(1) قوله: سنة كذا في النسخ ولعلها محرفة من الناسخ عن " بينة " فانظر. كتبه مصححه.
68

نفسه لأنه مالك ما اكتسب في يومه (قال الشافعي) وإذا دفع الرجل إلى الرجل مالا قراضا فاشترى به
رقيقا فأهل شوال قبل أن يباعوا فزكاتهم على رب المال (قال الشافعي) ولو مات رجل له رقيق فورثه
ورثته قبل هلال شوال ثم أهل هلال شوال ولم يخرج الرقيق من أيديهم فعليهم فيه زكاة الفطر بقدر
مواريثهم منه (قال الشافعي) ولو أراد بعضهم أن يدع نصيبه من ميراثه لزمه زكاة الفطر فيه لأنه قد لزمه
ملكه له بكل حال ولو أنه مات حين أهل هلال شوال وورثه ورثته كانت زكاة الفطر عنه وعمن يملك
في ماله مبداة على الدين وغيره من الميراث والوصايا (قال الشافعي) ولو مات رجل فأوصى لرجل بعبد
أو بعبيد فإن كان موته بعد هلال شوال فزكاة الفطر عن الرقيق في ماله وإن كان موته قبل شوال فلم يرد
الرجل الوصية ولم يقبلها أو علمها أو لم يعلمها حتى أهل شوال فصدقة الفطر عنهم موقوفة، فإذا أجاز
الموصى له قبول الوصية فهي عليه لأنهم خارجون من ملك الميت وإن ورثته غير مالكين لهم، فإن
اختار رد الوصية فليست عليه صدقة الفطر عنهم، وعلى الورثة إخراج الزكاة عنهم لأنهم كانوا موقوفين
على ملكهم أو ملك الموصى له (قال الشافعي) ولو مات الموصى له بهم قبل أن يختار قبولهم أو ردهم
قام ورثته مقامه في اختيار قبولهم أو ردهم، فإن قبولهم فزكاة الفطر عنهم في مال أبيهم لأنهم بملكه
ملكوهم إلا أن يتطوعوا بها من أموالهم (قال الشافعي) وهذا إذا أخرجوا من الثلث وقبل الموصى له
الوصية فإن لم يخرجوا من الثلث فهم شركاء الورثة فيهم، وزكاة الفطر بينهم على قدر ميراث الورثة
ووصية أهل الوصايا (قال الشافعي) ولو أوصى برقبة عبد لرجل وخدمته لآخر حياته أو وقتا فقبلا،
كانت صدقة الفطر على مالك الرقبة ولو لم يقبل كانت صدقة الفطر على الورثة لأنهم يملكون رقبته (قال
الشافعي) ولو مات رجل وعليه دين وترك رقيقا فإن زكاة الفطر في ماله عنهم فإن مات قبل شوال زكى
عنهم الورثة لأنهم في ملكهم حتى يخرجوا بأن يباعوا بالموت أو الدين وهؤلاء يخالفون العبيد يوصى
بهم، العبيد يوصى بهم خارجون بأعيانهم من ماله إذا قبل الوصية الموصى له وهؤلاء إن شاء الورثة لم
يخرجوا من ماله بحال إذا أدوا الدين فإن كان لرجل مكاتب كاتبه كتابة فاسدة، فهو مثل رقيقه يؤدى
عنه زكاة الفطر، وإن كانت كتابته صحيحه فليست عليه زكاة الفطر لأنه ممنوع من ماله وبيعه ولا على
المكاتب زكاة الفطر لأنه غير تام الملك على ماله، وإن كانت لرجل أم ولد أو مدبرة فعلية زكاة
الفطر فيهما معا، لأنه مالك لهما (قال الشافعي) ويؤدى ولى المعتوه والصبي عنهما زكاة الفطر وعمن
تلزمهما مؤنته كما يؤدى الصحيح عن نفسه (قال الشافعي) ولا يقف الرجل عن زكاة عبده الغائب عنه
وإن كان منقطع الخبر عنه حتى يعلم موته قبل هلال شوال (1) فإن فعل فعلم أنه مات قبل شوال لم يؤد
عنه زكاة الفطر وإن لم يستيقن أدى عنه (قال الشافعي) وإذا غاب الرجل عن بلد الرجل، لم يعرف
موته ولا حياته في ساعة زكاة الفطر فليؤد عنه. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن
نافع عن ابن عمر أنه كان يخرج زكاة الفطر عن غلمانه الذين بوادي القرى وخيبر (قال الشافعي) وكل
من دخل عليه شوال وعنده قوته وقوت من يقوته يومه وما يؤدى به زكاة الفطر عنه وعنهم أداها عنهم
وعنه، وإن لم يكن عنده إلا ما يؤدى عن بعضهم أداها عن بعض وإن لم يكن عنده سوى مؤنته
ومؤنتهم يومه فليس عليه ولا على من يقوت عنه زكاة الفطر (قال الشافعي) فإن كان أحد ممن يقوت

(1) قوله: فإن فعل الخ كذا في النسخ، ولعل هنا تحريفا من النساخ، فانظر. كتبه مصححه.
69

واجدا لزكاة الفطر لم أرخص له أن يدع أداءها عن نفسه، ولا يبين لي أن تجب عليه لأنها مفروضة على
غيره فيه (قال الشافعي) ولا بأس أن يؤدى زكاة الفطر ويأخذها إذا كان محتاجا وغيرها من الصدقات
المفروضات وغيرها، وكل مسلم في الزكاة سواء (قال الشافعي) وليس على من لا عرض له ولا نقد ولا
يجد قوت يومه أن يستسلف زكاة.
(باب زكاة الفطر الثاني)
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من شهر رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر
وعبد ذكر وأنثى من المسلمين (قال الشافعي) رحمه الله لا زكاة فطر إلا على مسلم، وعلى الرجل أن
يزكى عن كل أحد لزمه مؤنته صغارا أو كبارا (قال الشافعي) ويلزمه نفقة امرأته وخادم لها لا أكثر منها
ويلزم امرأته تأدية الزكاة عمن بقي من رقيقها ويلزم من كان له رقيق حضورا أو غيبا كانوا للتجارة أو
لخدمة رجا رجوعهم أو لم يرجه إذا عرف حياتهم أن يزكى عنهم وكذلك يزكى عن رقيق رقيقه ويزكي
عن أمهات الأولاد والمعتقين إلى أجل، ولا زكاة على أحد في عبد كافر ولا أمة كافرة، ومن قلت
تجب عليه زكاة الفطر فإذا ولد أو كان في ملكه أو عياله في شئ من نهار آخر يوم من شهر رمضان
فغابت الشمس ليلة هلال شوال وجبت عليه زكاة الفطر عنه، وإن مات من ليلته وإذا غابت الشمس
في آخر يوم من شهر رمضان ثم ولد له أو ثار أحد في عياله لم تجب عليه زكاة الفطر وذلك كمال يملكه
بعد الحول وإنما تجب إذا كان عنده قبل أن يحل ثم حل وهو عنده، وإذا اشترى رجل عبدا على أن
المشترى بالخيار فأهل شوال قبل أن يختار الرد أو الاخذ فاختار الرد أو الاخذ فالزكاة على المشترى لأنه
إذا وجبت بيعه ولم يكن الخيار إلا له، فالبيع له، وإن اختار رده بالشرط فهو كمختار رده بالعيب
وسواء كان العبد المبيع في يد المشترى أو البائع إنما أنظر إلى من يملكه فأجعل زكاة الفطر عليه ولو
غصب رجل عبدا كانت زكاة الفطر على مالكه ولو استأجر رجل عبدا وشرط عليه نفقته كانت زكاة
الفطر على سيد العبد وإن وهب رجل لرجل عبدا في شهر رمضان فلم يقبضه الموهوب له حتى أهل
شوال وقفنا زكاة الفطر فإن أقبضه إياه زكاه الموهوب له وإن لم يقبضه زكاها لواهب وإن قبضه قبل الليل
ثم غابت الشمس فرده فعلى الموهوب له زكاة الفطر وكذلك كل ما ملك به رجل رجلا عبدا أو أمة ولو
مات رجل وله رقيق فورثه ورثته قبل هلال شوال ثم أهل شوال ولم يخرج الرقيق من أيديهم فعليهم
فيهم زكاة الفطر بقدر مواريثهم ولو أراد أحدهم أن يدع نصيبه من ميراثه بعد ما أهل شوال فعليه زكاة
الفطر لان الملك لزمه بكل حال، وإذا كان العبد بعضه حر وبعضه رقيق، أدى الذي له فيه الملك
بقدر ما يملك وعلى العبد أن يؤدى ما بقي وللعبد ما كسب في يومه إن كان له ما يقوته يوم الفطر
وليلته، وإن لم يكن له فضل ما يقوت نفسه ليلة الفطر ويومه فلا شئ عليه وإذا اشترى المقارض رقيقا
فأهل شوال وهم عنده فعلى رب المال زكاتهم وإذا مات الرجل حين أهل شوال فالزكاة عليه في ماله
مبداة على الدين والوصايا يخرج عنه وعمن يملك ويمون من المسلمين الذين تلزمه النفقة عليهم، ولو
مات رجل وأوصى لرجل بعبد، فإن كان موته بعد هلال شوال وخرج من الثلث فالزكاة على السيد
في ماله وإن مات قبل هلال شوال فالزكاة على الموصى له إن قبل الوصية (1) وإن لم يقبلها أو علمها أو

(1) قوله: وإن لم يقبلها أو علمها الخ كذا في النسخ، وانظر. كتبه مصححه.
70

لم يعلمها فالزكاة موقوفة فإن اختار أخذه فالزكاة عليه، وإن رده فعلى الورثة إخراج الزكاة عن العبد
وإن لم يخرج من الثلث فهو شريك للورثة إن قبل الوصية والزكاة عليهم كهي على الشركاء وإن مات
الموصى له قبل أن يختار قبولهم أو ردهم فورثته يقومون مقامه، فإن اختاروا قبوله فعليهم زكاة الفطر في
مال أبيهم ولو أوصى لرجل برقبة عبد وخدمته لآخر حياة الموصى له فزكاة الفطر على مالك الرقبة ولو لم
يقبل الموصى له بالرقبة كانت زكاة الفطر على الورثة (قال الشافعي) وإن مات رجل وله رقيق وعليه
دين بعد هلال شوال فالزكاة عليه في ماله عنه وعنهم، وإن مات قبل الهلال فالزكاة على الورثة لأنهم
في ملكهم حتى يخرجوا في الدين، ولا يؤدى الرجل عن مكاتبه إذا كانت كتابته صحيحة ولا على
المكاتب أن يؤدى عن نفسه، فإن كانت كتابته فاسدة فهو مثل رقيقه فيؤدى عنه زكاة الفطر (قال
الشافعي) ويؤدى ولى الصبي والمعتوه عنهما وعمن تلزمهما مؤنته كما يؤدى الصحيح، وكل من دخل
عليه هلال شوال وعنده قوته وقوت من يقوته يومه وليلته وما يؤدى به زكاة الفطر عنهم وعنه أداها عنه
وعنهم فإن لم يكن عنده إلا ما يؤدى به زكاة الفطر عنه أو عن بعضهم أداها، فإن لم يكن عنده إلا
قوته وقوتهم فلا شئ عليه فإن كان فيهم واجد للفضل عن قوت يومه أدى عن نفسه إذا لم يؤد عنه ولا
يتبين لي أن تجب عليه لأنها مفروضة على غيره فيه ولا بأس أن يؤدى الرجل زكاة الفطر ويأخذها
وغيرها من الصدقات المفروضات والتطوع وكل مسلم في الزكاة سواء وليس على أحد لا شئ عنده أن
يستسلف زكاة الفطر وإن وجد من يسلفه ولو أيسر بعد هلال شوال لم يجب عليه أن يؤدى لان وقتها قد
زال وهو غير واجد ولو أخرجها كان أحب إلي (قال الشافعي) وإذا باع الرجل عبدا بيعا فاسدا فزكاة
الفطر على البائع لأنه لم يخرج من ملكه وكذلك لو رهنه رهنا فاسدا أو صحيحا فزكاة الفطر على مالكه
وإذا زوج الرجل أمته عبدا فعليه أن يؤدى عنها زكاة الفطر وكذلك المكاتب، فإن زوجها حرا فعلى
الحر الزكاة إذا خلى بينه وبينها فإن لم يخل بينه وبينها فعلى السيد الزكاة فإن كان الزوج الحر معسرا فعلى
سيد الأمة الزكاة وإذا وهب الرجل لولده الصغير أمة أو عبدا ولا مال لولده غيره فلا يتبين أن تجب
الزكاة على أبيه لان مؤنته ليست عليه إلا أن يكون مرضعا أو من لا غنى بالصغير عنه فيلزم أباه نفقتهم
والزكاة عنهم وإن حبسهم أبوه لخدمة نفسه فقد أساء ولا يتبين أن عليه زكاة الفطر فيهم لأنهم ليسوا ممن
تلزمه النفقة عليهم فإن كان لابنه مال أدى منه عن رقيق ابنه وإن استأجر لا بنه مرضعا فليس على أبيه
زكاة الفطر عنها، وليس لغير ولى الصبي أن يخرج عنه زكاة فطر وإن أخرجها بغير أمر حاكم ضمن.
(باب مكيلة زكاة الفطر)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير، أخبرنا الربيع قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح أنه سمع
أبا سعيد الخدري يقول: " كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو
صاعا من زبيب أو صاعا من أقط " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أنس بن عياض عن
داود بن قيس سمع عياض بن عبد الله ابن سعد يقول: " إن أبا سعيد الخدري يقول " كنا نخرج في زمان
النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب أو صاعا من تمر أو صاعا
71

من شعير فلم نزل نخرج ذلك حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا فخطب الناس فكان فيما كلم الناس به
أن قال إني أرى: " مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر " فأخذ الناس بذلك " (قال الشافعي)
ولا يخرج من الحنطة في صدقة الفطر إلا صاع (قال الشافعي) والثابت عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم التمر والشعير ولا أرى أبا سعيد الخدري عزا أن النبي صلى الله عليه وسلم فرضه، إنما عزا أنهم
كانوا يخرجونه (قال الشافعي) وفى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن زكاة الفطر مما يقتات الرجل
ومما فيه زكاة (قال) وأي قوت كان الأغلب على رجل أدى منه زكاة الفطر (1) وإن وجد من يسلفه فإذا
أفلس ليس عليه زكاة الفطر فلو أيسر من يومه أو من بعده لم يجب عليه إخراجها من وقتها لان وقتها كان
وليست عليه ولو أخرجها كان أحب إلي له (قال الشافعي) وإذا باع الرجل العبد بيعا فاسدا فزكاة
الفطر على البائع لأنه لم يخرجه من ملكه وكذلك لو رهنه رجلا أو غصبه إياه رجل فزكاة الفطر عليه
لأنه في ملكه (قال الشافعي) وهكذا لو باع عبدا بالخيار فأهل شوال قبل أن يختار إنفاذ البيع ثم
أنفذه كانت زكاة الفطر على المشترى لأنه ملكه بالعقد الأول وإن كان الخيار للمشترى وقفت زكاة
الفطر فإن اختاره فهو على المشترى وإن رده فهو على البائع (قال أبو محمد) وفيه قول آخر، أن زكاة
الفطر على البائع من قبل أنه لا يتم ملكه عليه إلا بعد اختياره أو مضى أيام الخيار (قال الشافعي) وإذا
زوج الرجل أمته العبد فعليه أن يؤدى عنها زكاة الفطر وكذلك المكاتب، فإن زوجها حرا فعلى الحر
أداء زكاة الفطر عنها وإن كان محتاجا فعلى سيدها زكاة الفطر عنها، ولو زوجها حرا فلم يدخلها عليه أو
منعها منه فزكاة الفطر على السيد، وإذا وهب الرجل لولده الصغير عبدا أو أمة ولا مال للصغير فلا يبين
أن على أبيه فيهم زكاة الفطر وليسوا ممن مؤنته عليه إلا أن تكون مرضعا أو ممن لا غنى للصغير عنه فتلزم
أباه نفقتهم وزكاة الفطر عنهم (قال) فإن حبسهم أبوه لخدمة نفسه فقد أساء ولا يبين أن عليه فيهم
صدقة الفطر لأنهم ليسوا ممن تلزمه نفقتهم بكل حال إنما تلزمه بالحبس لهم، وإن استأجر لابنه مرضعا
فليس عليه فيها زكاة الفطر ولا يكون لمن ليس بولي أن يخرج من ماله زكاة الفطر وإن أخرجها أو زكاة
غيرها بغير أمر حاكم ضمن ويرفع ذلك إلى الحاكم حتى يأمر من يخرجها عنه إن كانت الحنطة أو
الذرة أو العلس أو الشعير أو التمر أو الزبيب وما أدى من هذا أدى صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم
ليس له عندي أن ينقص من ذلك شيئا، ولا تقوم الزكاة ولو قومت كان لو أدى صاع زبيب (2)
ضروع أدى ثمان آصع حنطة (قال الشافعي) ولا يؤدى من الحب غير الحب نفسه ولا يؤدى دقيقا ولا
سويقا ولا قيمته وأحب لأهل البادية أن لا يؤدوا أقطا لأنه إن كان لهم قوتا فأدوا من قوت فالفث قوت
وكذلك لو يقتاتون الحنظل والذي لا شك فيه أن يتكلفوا أداء قوت أقرب أهل البلدان بهم لأنهم
يقتاتون من ثمرة لا زكاة فيها فيؤدون من ثمرة فيها زكاة صاعا عن كل إنسان وأهل البادية والقرية في
هذا سواء لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يخص أحدا من المسلمين دون أحد ولو أدوا أقطا لم يبن لي أن

(1) قوله: وإن وجد من يسلفه كذا في النسخ، ولعل هذه الجملة مقدمة من النساخ وحقها
التأخير بعد قوله " فإذا أفلس ليس عليه زكاة الفطر " فانظر، كتبه مصححه.
(2) قوله: ضروع: الضروع بالضم عنب أبيض، كبير الحب، قليل الماء عظيم العناقيد،
وجنس من عنب الطائف اه‍. كتبه مصححه.
72

أرى عليهم إعادة، وما أدوا أو غيرهم من قوت ليس في أصله زكاة غير الاقط فعليهم الإعادة (قال
الشافعي) ولا أعلم من يقتات القطنية وإن لم تكن تقتات فلا تجزى زكاة وإن كان قوم يقتاتون أجزأت
عنهم زكاة لان في أصلها الزكاة (قال) ولا يجوز أن يخرج الرجل نصف صاع حنطة ونصف صاع
شعير وإن كان قوته الشعير ولا يجوز أن يخرج زكاة واحدة إلا من صنف واحد ويجوز إذا كان قوته الشعير
أن يخرج عن واحد وأكثر شعيرا وعن واحد وأكثر حنطة لأنها أفضل كما يجوز أن يعطى في الصدقة
السن التي هي أعلى ولا يقال جاء بعدل من شعير إنما يقال لهذا جعل له أن يؤدى شعيرا إذا كان قوته لا
بأن الزكاة في شعير دون حنطة وإن كان قوته حنطة فأراد أن يخرج شعيرا لم يكن له لأنه أدنى مما
يقتات كما لا يكون له أن يخرج تمرا رديئا وتمرا طيبا ولا سنا دون سن وجبت عليه وله أن يخرج نصف
صاع تمر ردئ إن كان قوته وإن تكلف نصف صاع جيد فأخرج معه أجزأه لان هذا صنف واحد
والحنطة والشعير صنفان، فلا يجوز أن يضم صنفا إلى غيره في الزكاة وإذا كانت له حنطة أخرج من
أيها شاء زكاة الفطر (قال الشافعي) وإذا كان له تمر أخرج من وسطه الذي تجب فيه الزكاة فإن أخرج
من أعلاه كان أحب إلي، ولا يكون له أن يخرج من تمر ولا حنطة ولا غيرها إذا كان مسوسا أو
معيبا، لا يخرجه إلا سالما. ويجوز له أن يخرجه قديما سالما ما لم يتغير طعمه أو لونه فيكون ذلك عيبا
فيه.
(باب مكيلة زكاة الفطر الثاني)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عياض ابن عبد الله بن سعد أنه
سمع أبا سعيد الخدري يقول " كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير
أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط " وأخبرنا أنس بن عياض عن داود بن قيس أنه سمع عياض بن
عبد الله بن سعد يقول: إن أبا سعيد الخدري قال: كنا نخرج في زمان النبي صلى الله عليه وسلم صاعا
من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير فلم نزل نخرجه
كذلك حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا فخطب الناس فكان فيما كلم الناس به أن قال: " إني أرى
المدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر " فأخذ الناس بذلك (قال الشافعي) فيما يروى عن النبي
صلى الله عليه وسلم نأخذ (قال الشافعي) ويؤدى الرجل من أي قوت كان الأغلب عليه من الحنطة أو
الذرة أو العلس أو العشير أو التمر أو الزبيب وما أدى من هذا أدى صاعا بصاع رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولا يؤدى ما يخرجه من الحب لا يؤدى إلا الحب نفسه لا يؤدى سويقا ولا دقيقا ولا يؤدى قيمته
ولا يؤدى أهل البادية من شئ يقتاتونه من الفث والحنظل وغيره أو ثمرة لا تجوز في الزكاة ويكلفون أن
يؤدوا من قوت أقرب البلاد إليهم ممن يقتات الحنطة والذرة والعلس والشعير والتمر والزبيب لا غيره وإن
أدوا أقطا أجزأ عنهم وما أدوا أو غيرهم من شئ ليس في أصله الزكاة غير الاقط أعادوا (قال
الشافعي) ولا أعلم أحدا يقتات القطنية، فإن كان أحد يقتاتها أجزأت عنه لان في أصلها الزكاة وإن لم
يقتتها لم تجز عنه ولا يجوز أن يخرج رجل نصف صاع حنطة ونصفها شعيرا، وإن كان قوته الشعير، لا
يجوز أن يخرج زكاة إلا من صنف واحد ويجوز أن يخرج عن نفسه وعن بعض من يمون حنطة
73

ويخرج عن بعض من يمون شعيرا كما يجوز أن يعطى في الصدقة السن الاعلى، وإن كان قوته حنطة
فأراد أن يؤدى شعيرا لم يكن له لأنه أدنى مما يقوت ولا يكون له أن يخرج تمرا طيبا وتمرا رديئا ولا شيئا
دون شئ وجب عليه وإن أخرج تمرا رديئا وهو قوته أجزأه وإن كان له تمر أخرج من وسطه الزكاة،
فلا يجوز أن يخرج من تمر أو حنطة ولا غيرهما إذا كان مسوسا ولا معيبا، لا يخرجه إلا سالما.
(باب ضيعة زكاة الفطر قبل قسمها)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي: ومن أخرج زكاة الفطر عند محلها أو قبله أو بعده ليقسمها
فضاعت منه وكان ممن يجد زكاة الفطر فعليه أن يخرجها حتى يقسمها أو يدفعها إلى الوالي، وكذلك
كل حق وجب عليه فلا يبرئه منه إلا أداؤه ما كان من أهل الأداء الذين يجب عليهم (قال الشافعي)
وتقسم زكاة الفطر على من تقسم عليه زكاة المال لا يجزئ فيها غير ذلك فإن تولاها رجل قسمها على
ستة أسهم لان سهم العاملين وسهم المؤلفة ساقطان (قال) ويسقط سهم العاملين لأنه تولاها بنفسه
فليس له أن يأخذ عليه أجرا ويقسمها على الفقراء والمساكين وفى الرقاب وهم المكاتبون والغارمين وفى
سبيل الله وابن سبيل فأي صنف من هؤلاء لم يجده فعليه ضمان حقه منها (قال الشافعي) ويعطى
الرجل زكاة ماله ذوي رحمه إذا كانوا من أهلها، وأقربهم به أحبهم إلى أن يعطيه إياها إذا كان ممن لا
تلزمه نفقته بكل حال ولو أنفق عليه متطوعا أعطاه منها لأنه متطوع بنفقته لا أنها لازمة له (قال
الشافعي) وأختار قسم زكاة الفطر بنفسي على طرحها عند من تجمع عنده، أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا عبد الله بن المؤمل قال سمعت ابن أبي مليكة ورجل يقول له: إن عطاء أمرني أن
أطرح زكاة الفطر في المسجد فقال ابن أبي مليكة: أفتاك العلج بغير رأيه؟ اقسمها فإنما يعطيها ابن
هشام أحراسه ومن شاء، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أنس بن عياض عن أسامة بن
زيد الليثي أنه سأل سالم بن عبد الله عن الزكاة فقال: أعطها أنت فقلت: ألم يكن ابن عمر يقول
ادفعها إلى السلطان؟ قال: بلى، ولكني لا أرى أن يدفعها إلى السلطان أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر التي تجمع عنده قبل
الفطر بيومين أو ثلاثة.
(باب ضيعة زكاة الفطر قبل قسمها الثاني)
(قال الشافعي): فمن أخرج زكاة الفطر عند محلها أو قبله أو بعده ليقسمها فضاعت منه وكان ممن
يجد فعليه أن يخرجها حتى يقسمها أو يدفعها إلى الوالي كذلك كل حق وجب عليه فلا يبرأ منه إلا
بأدائه، وتقسم زكاة الفطر على من تقسم عليه زكاة المال لا يجزئ فيها غير ذلك وإذا تولاها الرجل،
فقسمها قسمها على ستة أسهم، لان سهم العاملين والمؤلفة قلوبهم ساقطان ويقسمها على الفقراء
74

والمساكين وفى الرقاب، وهم المكاتبون، والغارمين وفى سبيل الله وابن سبيل، فأي صنف من
هؤلاء لم يعطه وهو يجده فعليه ضمان حقه منها وللرجل إذا أخرج زكاة الفطر أن يعطيها ذوي رحمه إذا
كانوا من أهلها وأقربهم به أحقهم أن يعطيه إذا كانوا ممن لا تلزمه نفقتهم، وقسم الرجل زكاة الفطر
حسن وطرحها عند من تجمع عنده يجزئه إن شاء الله، كان ابن عمر وعطاء بن أبي رباح يدفعانها إلى
الذي تجمع عنده (قال الربيع) سئل الشافعي عن زكاة الفطر فقال: تليها أنت بيديك أحب إلي من
أن تطرحها من قبل أنك على يقين إذا أعطيتها بنفسك، وأنت إذا طرحتها لم تتيقن أنها وضعت في
حقها.
(باب الرجل يختلف قوته)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وإذا كان الرجل يقتات حبوبا مختلفة شعيرا وحنطة وتمرا
وزبيبا فالاختيار له أن يخرج زكاة الفطر من الحنطة ومن أيها أخرج أجزأه إن شاء الله تعالى (قال) فإن
كان يقتات حنطة فأراد أن يخرج زبيبا أو تمرا أو شعيرا كرهت له ذلك وأحببت لو أخرجه أن يعيد
فيخرجه حنطة لان الأغلب من القوت كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة التمر وكان من
يقتات الشعير قليلا، ولعله لم يكن بها أحد يقتات حنطة ولعل الحنطة كانت بها شبيها (1) بالصرفة
ففرض النبي صلى الله عليه وسلم أن عليهم زكاة الفطر من قوتهم، ولا أحب إذا اقتات رجل حنطة أن
يخرج غيرها وأحب لو اقتات شعيرا أن يخرج حنطة لأنها أفضل. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يخرج في زكاة الفطر إلا التمر إلا مرة واحدة فإنه
أخرج شعيرا (قال الشافعي) وأحسب نافعا كان مع عبد الله بن عمر وهو يقتات الحنطة وأحب إلى ما
وصفت من إخراج الحنطة (قال الشافعي) وإن اقتات قوم ذرة أو دخنا أو سلتا أو أرزا أو أي حبة ما
كانت مما فيه الزكاة فلهم إخراج الزكاة منها لان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فرض زكاة الفطر من
الطعام وسمى شعيرا وتمرا فقد عقلنا عنه أنه أراد من القوت فكان ما سمى من القوت ما فيه الزكاة فإذا
اقتاتوا طعاما فيه الزكاة فأخرجوا منه أجزأ عنهم إن شاء الله تعالى، وأحب إلى في هذا أن يخرجوا
حنطة إلا أن يقتاتوا تمرا أو شعيرا فيخرجوا أيهما اقتاتوا.
(باب الرجل يختلف قوته الثاني)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا كان الرجل يقتات حبوبا شعيرا وحنطة وزبيبا وتمرا فأحب
إلى أن يؤدى من الحنطة ومن أيها أخرج أجزأه فإن كان يقتات حنطة فأراد أن يخرج زبيبا أو تمرا أو
شعيرا كرهته وأحببت أن يعيد وإن اقتات قوم ذرة أو دخنا أو أرزا أو سلتا أو أي حبة ما كانت مما فيه
الزكاة فلهم إخراج الزكاة منها وكذلك إن اقتاتوا القطنية.

(1) الطرفة: بالضم ما يستطرف، أي يستملح، كذا في المصباح. كتبه مصححه.
75

(باب من أعسر بزكاة الفطر)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال ومن أهل عليه شوال وهو معسر بزكاة الفطر ثم أيسر من يوم
الفطر أو بعده فليس عليه زكاة الفطر وأحب إلى أن يؤدى زكاة الفطر متى أيسر في شهرها أو غيره
(قال) وإنما قلت وقت زكاة الفطر هلال شوال لأنه خروج الصوم ودخول أول شهور الفطر كما لو كان
لرجل على رجل حق في انسلاخ شهر رمضان حل إذا رأى هلال شوال لا إذا طلع الفجر من ليلة
هلال شوال، ولو جاز هذا في كل يوم من شوال بعد يوم وعشر وأكثر ما لم ينسلخ شوال (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا بأس أن يؤدى زكاة الفطر ويأخذها إذا كان محتاجا وغيرها من
الصدقات المفروضات وغيرها، وكل مسلم في الزكاة سواء (قال الشافعي) وليس على من لا عرض له
ولا نقد ولا يجد قوت يومه أن يستسلف زكاة.
(باب جماع فرض الزكاة)
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال: فرض الله عز وجل الزكاة في غير موضع من
كتابه (1) قد كتبناه في آخر الزكاة فقال في غير آية من كتابه " أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " يعنى أعطوا
الزكاة وقال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " الآية (قال
الشافعي) ففرض الله عز وجل على من له مال تجب فيه الزكاة أن يؤدى الزكاة إلى من جعلت له وفرض
على من ولى الامر أن يؤديها إلى الوالي إذا لم يؤدها وعلى الوالي إذا أداها أن لا يأخذها منه لأنه سماها
زكاة واحدة لا زكاتين وفرض الزكاة مما أحكم الله عز وجل وفرضه في كتابه ثم على لسانه نبيه صلى الله
عليه وسلم وبين في أي المال الزكاة وفى أي المال تسقط وكم الوقت الذي إذا بلغه المال حلت فيه الزكاة
وإذا لم يبلغه لم تكن فيه زكاة ومواقيت الزكاة وما قدرها فمنها خمس ومنها عشر ومنها نصف عشر ومنها
ربع عشر ومنها بعدد يختلف (قال الشافعي) وهذا من بيان الموضع الذي وضع الله به نبيه صلى الله
عليه وسلم من الإبانة عنه (قال) وكل ما وجب على مسلم في ماله بلا جناية جناها أو جناها من يكون
عليه العقل ولا تطوع تطوع به ولا شئ أوجبه هو في ماله فهو زكاة والزكاة صدقة كلاهما لها اسم فإذا
ولى الرجل صدقة ماله أو ولى ذلك الوالي فعلى كل واحد منهما أن يقسمها حيث قسمها الله ليس له
خلاف ذلك وقد بينا ذلك في مواضعه ونسأل الله التوفيق.
(كتاب قسم الصدقات)
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة

(1) قوله: قد كتبناه في آخر الزكاة، ثبتت هذه الجملة في جميع أصول الام، وانظر عبارة من
هي؟ كتبه مصححه.
76

قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل " فأحكم الله عز وجل فرض الصدقات في كتابه ثم
أكدها فقال " فريضة من الله " (قال) وليس لأحد ان يقسمها على غير ما قسمها الله عز وجل عليه ذلك ما
كانت الأصناف موجودة لأنه إنما يعطى من وجد " للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب
مما ترك الوالدان والأقربون " وكقوله " ولكم نصف ما ترك أزواجكم " وكقوله " ولهن الربع مما تركتم " ومعقول
عن الله عز وجل أنه فرض هذا لمن كان موجودا يوم يموت الميت وكان معقولا عنه أن هذه السهمان لمن كان
موجودا يوم تؤخذ الصدقة وتقسم (قال) وإذا أخذت الصدقة من قوم قسمت على من معهم في دارهم من
أهل هذه السهمان ولم تخرج من جيرانهم إلى أحد حتى لا يبقى منهم أحد يستحقها (أخبرنا) مطرف عن معمر
عن ابن طاوس عن أبيه عن معاذ بن جبل أن قضى: أيما رجل انتقل من مخلاف عشيرته فعشره وصدقته إلى
مخلاف عشيرته (قال الشافعي) وهو ما وصفت من أنه جعل العشر والصدقة إلى جيران المال ولم يجعلها على
جيران مالك المال إذا ما نأى عن موضع المال، أخبرنا وكيع ابن الجراح أو ثقة غيره أو هما عن زكريا بن إسحاق
عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن " فإن أجابوك فأعلمهم أن عليهم الصدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد
على فقرائهم " (قال) وهذا مما وصفت من أنه جعل العشر والصدقة إلى جيران المال ولم يجعلها إلى جيران مالك
المال إذا نأى عن موضع المال، أخبرنا الثقة وهو يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد
عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك ان رجلا قال: يا رسول الله، ناشدتك. الله آلله أمرك
أن تأخذ الصدقة من أغنيائنا وتردها على فقرائنا؟ فقال " اللهم نعم " (قال) ولا تنقل الصدقة من موضع حتى
لا يبقى فيه أحد يستحق منها شيئا.
(جماع بيان أهل الصدقات)
(قال الشافعي) رحمه الله: الفقير والله أعلم من لا مال له ولا حرفة تقع منه موقعا زمنا كان أو غير
زمن سائلا كان أو متعففا، والمسكين من له مال أو حرفة لا تقع منه موقعا ولا تغنيه، سائلا كان أو غير
سائل (قال) وإذا كان فقيرا أو مسكينا فأغناه وعياله كسبه أو حرفته فلا يعطى في واحد من الوجهين
شيئا لأنه غنى بوجه. والعاملون عليها المتولون لقبضها من أهلها من السعاة ومن أعانهم من عريف لا
يقدر على أخذها إلا بمعرفته، فأما الخليفة ووالى الإقليم العظيم الذي تولى أخذها عامل دونه فليس له
فيها حق وكذلك من أعان واليا علي قبضها ممن به الغنى عن معونته فليس له في سهم العاملين حق
وسواء كان العاملون عليها أغنياء أو فقراء من أهلها كانوا أو غرباء إذا ولوها فهم العاملون، ويعطى
أعوان إدارة والى الصدقة بقدر معوناتهم عليها ومنفعتهم فيها، والمؤلفة قلوبهم من دخل في الاسلام،
ولا يعطى من الصدقة مشرك يتألف على الاسلام، فإن قال قائل: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم
عام حنين بعض المشركين من المؤلفة، فتلك العطايا من الفئ ومن مال النبي صلى الله عليه وسلم
خاصة لا من مال الصدقة ومباح له أن يعطى من ماله وقد خول الله تعالى المسلمين أموال المشركين لا
المشركين أموالهم وجعل صدقات المسلمين مردودة فيهم كما سمى لا على من خالف دينهم (قال)
والرقاب المكاتبون من جيران الصدقة فإن اتسع لهم السهم أعطوا حتى يعتقوا وإن دفع ذلك الوالي إلى
من يعتقهم فحسن وإن دفع إليهم أجزأه وإن ضاقت السهمان دفع ذلك إلى المكاتبين فاستعانوا بها في
77

كتابتهم، والغارمون صنفان، صنف ادانوا في مصلحتهم أو معروف وغير معصية ثم عجزوا عن أداء
ذلك في العرض والنقد فيعطون في غرمهم لعجزهم، فإن كان لهم عروض أو نقد يقضون منه ديونهم
فهم أغنياء لا يعطيهم منها شيئا ويقضون من عروضهم أو من نقودهم ديونهم وإن قضوها فكان قسم
الصدقة ولهم ما يكونون به أغنياء لم يعطوا شيئا وإن كان وهم فقراء أو مساكين فسألوا بأي الأصناف
كانوا أعطوا لأنهم من ذلك الصنف ولم يعطوا من صدقة غيره (قال) وإذا بقي في أيديهم من أموالهم ما
يكونون به أغنياء وإن كان عليهم فيه دين يحيط به لم يعطوا من السهمان شيئا لأنهم من أهل الغنى وأنهم
قد يبرءون من الدين فلا يعطوا حتى لا يبقى لهم ما يكونون به أغنياء (قال) وصنف ادانوا في حمالات
وإصلاح ذات بين ومعروف ولهم عروض تحمل حمالاتهم أو عامتها إن بيعت أضر ذلك بهم وإن لم
يفتقروا فيعطى هؤلاء ما يوفر عروضهم كما يعطى أهل الحاجة من الغارمين حتى يقضوا غرمهم، أخبرنا
سفيان بن عيينة عن هارون بن (1) رياب عن كنانة بن نعيم عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال تحملت
بحمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فقال " نؤديها أو نخرجها عنك غدا إذا قدم نعم
الصدقة يا قبيصة المسألة حرمت إلا في ثلاث رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم
يمسك، ورجل اصابته فاقة أو حاجة حتى شهد له أو تكلم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه أن به
حاجة أو فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش أو قواما من عيش ثم يمسك، ورجل
أصابته جائحة فاجتاحت ماله حتى يصيب سدادا من عيش أو قواما من عيش ثم يمسك وما سوى
ذلك من المسألة فهو سحت " (قال الشافعي) وبهذا نأخذ وهو معنى ما قلت في الغارمين وقول النبي
صلى الله عليه وسلم " تحل المسألة في الفاقة والحاجة " يعنى والله أعلم من سهم الفقراء والمساكين لا
الغارمين وقوله صلى الله عليه وسلم حتى يصيب سدادا من عيش يعنى والله أعلم أقل من اسم الغنى
وبذلك نقول وذلك حين يخرج من الفقر أو المسكنة ويعطى من سهم سبيل الله عز وجل من غزا من
جيران الصدقة فقيرا كان أو غنيا ولا يعطى منه غيرهم إلا أن يحتاج إلى الدفع عنهم فيعطاه من دفع
عنهم المشركين وابن السبيل من جيران الصدقة الذين يريدون السفر في غير معصية فيعجزون عن بلوغ
سفرهم إلا بمعونة على سفرهم وأما ابن السبيل يقدر على بلوغ سفره بلا معونة فلا يعطى لأنه ممن دخل
في جملة من لا تحل له الصدقة وليس ممن استثنى أنها تحل له ومخالف للغازي في دفع الغازي بالصدقة
عن جماعة أهل الاسلام ومخالف للغارم الذي ادان في منفعة أهل الاسلام وإصلاح ذات البين والعامل
الغنى بصلاح أهل الصدقة وهو مخالف للغنى يهدى له المسلمون لان الهدية تطوع من المسلمين لا أن
الغنى أخذها بسبب الصدقة وهذا يدل على أن الصدقة والعطايا غير المفروضة تحل لمن لا تحل له
الصدقة من آل محمد صلى الله عليه وسلم وهم أهل الخمس ومن الأغنياء من الناس وغيرهم.
(باب من طلب من أهل السهمان)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الأغلب من أمور الناس أنهم غير أغنياء حتى يعرف غناهم ومن
طلب من جيران الصدقة باسم فقر أو مسكنة أعطى ما لم يعلم منه غيره، أخبرنا سفيان عن هشام بن

(1) قوله: رياب، براء مكسورة ومثناة تحتية ثم موحدة كما في شرح مسلم. كتبه مصححه.
78

عروة عن أبيه عن عبد الله ابن عدي بن الخيار قال حدثني رجلان أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه
وسلم يسألانه من الصدقة فصعد فيهما النظر وصوب ثم قال " إن شئتما ولاحظ فيها لغنى ولا لقوى
مكتسب " (قال الشافعي) رأى النبي صلى الله عليه وسلم جلدا ظاهرا يشبه الاكتساب الذي يستغنى به
وغاب عنه العلم في المال وعلم أن قد يكون الجلد فلا يغنى صاحبه مكسبه به إما لكثرة عيال وإما
لضعف حرفة فأعلمهما أنهما إن ذكرا أنهما لا غنى لهما بمال ولا كسب أعطاهما، فإن قيل: أين
أعلمهما؟ قيل حيث قال " لاحظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسب " أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن
ريحان بن يزيد قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: لا تصلح الصدقة لغنى ولا لذي مرة،
أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء ابن يسار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تحل
الصدقة إلا لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل له جار مسكين
فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغنى " (قال الشافعي) وبهذا قلنا يعطى الغازي والعامل وإن كانا
غنيين والغارم في الحمالة على ما أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا غارما غيره إلا غارما لا مال له
يقضى منه فيعطى في غرمه، ومن طلب سهم ابن السبيل وذكر أنه عاجز عن البلد الذي يريد إلا
بالمعونة أعطى على مثل معنى ما قلت من أنه غير قوى حتى يعلم قوته بالمال ومن طلب بأنه يغزو أعطى
غنيا كان أو فقيرا، ومن طلب بأنه غارم أو عبد بأنه مكاتب لم يعط إلا ببينة تقوم على ما ذكر لان
أصل أمر الناس أنهم غير غارمين حتى يعلم غرمهم والعبيد أنهم غير مكاتبين حتى تعلم كتابتهم، ومن
طلب بأنه من المؤلفة قلوبهم لم يعط إلا أن يعلم ذلك، وما وصفته يستحق به أن يعطى من سهم
المؤلفة.
(باب علم قاسم الصدقة بعد ما أعطى غير ما علم)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا أعطى الوالي القاسم الصدقة من وصفنا أن عليه أن يعطيه
بقوله أو بينة تقوم له ثم علم بعد إعطائهم أنهم غير مستحقين لما أعطاهم نزع ذلك منهم وأعطاه غيرهم
ممن يستحقه (قال) وإن أفلسوا به أو (1) فاتوه فلم يقدر لهم على مال ولا عين فلا ضمان على الوالي لأنه
أمين لمن يعطيه ويأخذ منه لا لبعضهم دون بعض وإن أخطأ وإنما كلف فيه الظاهر مثل الحكم فلا
يضمن الامرين معا، ومتى ما قدر على ما فات من ذلك أو قدر على غيره أغرمهموه وأعطاه الذين
استحقوه يوم كان قسمه (قال الشافعي) وإن كانوا ماتوا دفعه إلى ورثته إن كانوا فقراء أو أغنياء دفعه
إليهم لأنهم استحقوه في اليوم الذي أعطاه غيرهم وهم يومئذ من أهله، وإن كان المتولي القسم رب
المال دون الوالي فعلم أن بعض من أعطاه ليس من أهل السهمان أماما أعطاهم على مسكنة وفقر وغرم أو
ابن سبيل فإذا هم مماليك أو ليسوا على الحال التي أعطاهم لها رجع عليهم فأخذه منهم فقسمه على
أهله فإن ماتوا أو أفلسوا ففيها قولان أحدهما أن عليه ضمانه وأداءه إلى أهله ومن قال هذا قال على
صاحب الزكاة أن يوفيها أهلها ولا يبرئه منها إلا أن يدفعها إلى أهلها كما لا يبرئه ذلك من شئ لزمه فأما
الوالي فهو أمين في أخذها وإعطائها ألا ترى أنه لا يضمن صاحب الصدقة الدافع إلى الوالي وأنه يبرأ
بدفعه إليه الصدقة لأنه أمر بدفعها إليه، والقول الثاني أنه لا ضمان على صاحب الصدقة إذا قسمها

(1) فاتوه: أي سبقوه وأعجزوه، كما يفيده قوله: فلم يقدر الخ. كتبه مصححه.
79

على الاجتهاد كما لا يضمن الوالي (قال) وإن أعطاها رجلا على أن يغزو أو رجلا على أن يسير من بلد
إلى بلد، فأقاما نزع منهما الذي أعطاهما وأعطاه غيرهما ممن يخرج إلى مثل مخرجهما.
(باب جماع تفريع السهمان)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ينبغي لوالي الصدقة أن يبدأ فيأمر بأن يكتب أهل السهمان
ويوضعون مواضعهم ويحصى كل أهل صنف منهم على حدتهم فيحصى أسماء الفقراء والمساكين
ويعرف كم يخرجهم من الفقر أو المسكنة إلى أدنى اسم الغنى وأسماء الغارمين ومبلغ غرم كل واحد
منهم وابن السبيل وكم يبلغ كل واحد منهم البلد الذي يريد والمكاتبين وكم يؤدى كل واحد منهم حتى
يعتقوا وأسماء الغزاة وكم يكفيهم على غاية مغازيهم ويعرف المؤلفة قلوبهم والعاملين عليها وما يستحقون
بعملهم حتى يكون قبضه الصدقات مع فراغه من معرفة ما وصفت من معرفة أهل السهمان أو بعدها
ثم يجزئ الصدقة ثمانية أجزاء ثم يفرقها كما أصف إن شاء الله تعالى وقد مثلت لك مثالا كان المال ثمانية
آلاف فلكل صنف ألف لا يخرج عن صنف منهم من الألف شئ وفيهم أحد يستحقه فأحصينا
الفقراء فوجدناهم ثلاثة والمساكين فوجدناهم مائة والغارمين فوجدناهم عشرة ثم ميزنا الفقراء
فوجدناهم يخرج واحد منهم من الفقر بمائة وآخر من الفقر بثلثمائة وآخر من الفقر بستمائة فأعطينا كل
واحد ما يخرجه من الفقر إلى الغنى وميزنا المساكين هكذا فوجدنا الألف يخرج المائة من المسكنة إلى
الغنى فأعطيناهموها على قدر مسكنتهم كما وصفت في الفقراء لا على العدد ولا وقت فيما يعطى الفقراء
والمساكين إلى ما يصيرهم إلى أن يكونوا ممن يقع عليهم اسم أغنياء لا غنى سنة ولا وقت ولكن ما يعقل
أنهم خارجون به من الفقر أو المسكنة داخلون في أول منازل الغنى إن أغنى أحدهم درهم مع كسبه أو
ماله لم يزد عليه وإن لم يغنه الألف أعطيها إذا اتسعت الأسهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
" لاحظ فيها لغنى " والغنى إذا كان غنيا بالمال " ولا لقوى مكتسب " يعنى والله تعالى أعلم ولا فقير
استغنى بكسبه لأنه أحد الغناءين ولكنه صلى الله عليه وسلم فرق الكلامين لافتراق سبب الغناءين
فالغنى الأول الغنى بالمال الذي لا يضر معه ترك الكسب ويزيد فيه الكسب وهو الغنى الأعظم،
والغنى الثاني الغنى بالكسب فإن قيل: قد يذهب الكسب بالمرض، قيل: ويذهب المال بالتلف وإنما
ينظر إليه بالحال التي يكون فيها القسم لا في حال قبلها ولا بعدها لان ما قبلها ماض
وما بعدها لا يعرف ما هو كائن فيه وإنما الاحكام على يوم يكون فيه القسم
والقسم يوم يكون الاستحقاق ووجدنا الغارمين فنظرنا في غرمهم فوجدنا الألف تخرجهم معا
من الغرم على اختلاف ما يخرج كل واحد منهم فأعطيناهم الألف كلها على مثال ما أعطينا
الفقراء والمساكين ثم فعلنا هذا في المكاتبين كما فعلناه في الفقراء والمساكين، الغارمين ثم نظرنا
في أبناء السبيل فميزناهم ونظرنا البلدان التي يريدون فإن كانت بعيدة أعطيناهم الحملان
والنفقة، وإن كانوا يريدون البداءة فالبداءة وحدها، وإن كانوا يريدون البداءة والرجعة فالبداءة
والرجعة والنفقة مبلغ الطعام والشراب والكراء، وإن لم يكن لهم ملبس فالملبس بأقل ما يكفي من كان من
أهل صنف من هذا وأقصده، وإن كان المكان قريبا وابن السبيل ضعيفا فهكذا وإن كان قريبا
80

وابن السبيل قويا، فالنفقة دون الحمولة إذا كان بلادا يمشى مثلها مأهولة متصلة المياه مأمونة فإن (1)
انتاطت مياهها أو أخافت أو أوحشت أعطوا الحمولة ثم صنع بهم فيها كما وصفت في أهل السهمان
قبلهم يعطون على المؤنة لا على العدد ويعطى الغزاة الحمولة والرحل والسلاح والنفقة والكسوة فإن اتسع
المال زيدوا الخيل وإن لم يتسع فحمولة الأبدان بالكراء ويعطون الحمولة بادئين وراجعين وإن كانوا
يريدون المقام أعطوا المؤنة بادئين وقوة على المقام بقدر ما يريدون منه على قدر مغازيهم ومؤناتهم فيها لا
على العدد وما أعطوا من هذا ففضل في أيديهم لم يضيق عليهم أن يتمولوه ولم يكن للوالي أخذه منهم
بعد أن يغزوا وكذلك ابن السبيل (قال) ولا يعطى أحد من المؤلفة قلوبهم على الاسلام ولا إن كان
مسلما إلا أن ينزل بالمسلمين نازلة لا تكون الطاعة للوالي فيها قائمة ولا أهل الصدقة (2) المولين أقوياء على
استخراجها إلا بالمؤلفة لها وتكون بلاد أهل الصدقات ممتنعة بالعبد أو كثرة الأهل أو منعهم من الأداء
أو يكون قوم لا يوثق بثباتهم فيعطون منها الشئ على ما قدر ما يرى الامام على اجتهاد الامام لا يبلغ
اجتهاده في حال أن يزيدهم على سهم المؤلفة وينقصهم منه إن قدر حتى يقوى بهم على أخذ
الصدقات من أهلها، وقد روى أن عدى بن حاتم أتى أبا بكر بنحو ثلاثمائة بعير صدقة قومه فأعطاه منها
ثلاثين بعيرا وأمره بالجهاد مع خالد فجاهد معه بنحو من ألف رجل، ولعل أبا بكر أعطاه من سهم
المؤلفة إن كان هذا ثابتا فإني لا أعرفه من وجه يثبته أهل الحديث وهو من حديث من ينسب إلى بعض
أهل العلم بالردة (قال) ويعطى العاملون عليها بقدر أجور مثلهم فيما تكلفوا من السفر وقاموا به من
الكفاية لا يزادون عليه شيئا وينبغي للوالي أن يستأجرهم أجرة فإن أغفل ذلك أعطاهم أجر أمثالهم فإن
ترك ذلك لم يسعهم أن يأخذوا إلا قدر أجور أمثالهم وسواء كان ذلك سهما من أسهم العاملين أو سهم
العاملين كله إنما لهم فيه أجور أمثالهم فإن جاوز ذلك سهم العاملين ولم يوجد أحد من أهل الأمانة
والكفاية يلي إلا بمجاوزة العاملين ورأيت أن يعطيهم الوالي سهم العاملين تاما ويزيدهم قدر أجور أمثالهم
من سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الفئ والغنيمة ولو أعطاهم من السهمان معه حتى يوفيهم أجور
أمثالهم ما رأيت ذلك والله أعلم ضيقا عليه ولا على العامل أن يأخذه لأنه إن لم يأخذه ضاعت الصدقة
ألا ترى أن مال اليتيم يكون بالموضع فيستأجر عليه إذا خيف ضيعته من يحفظه وإن أتى ذلك على كثير
منه وقلما يكون أن يعجز سهم العاملين عن مبلغ أجرة العامل وقد يوجد من أهل الصدقة أمين يرضى
بسهم العامل وأقل منه فيولاه أحب إلي.
(باب جماع بيان قسم السهمان)
(قال الشافعي) رحمه الله: وجماع ما قسمنا على السهمان على استحقاق كل من سمى لا على العدد
ولا على أن يعطى كل صنف سهما وإن لم يعرفوه بالحاجة إليه ولا يمنعهم أن يستوفوا سهمانهم أن يأخذوا
من غيرها إذا فضل عن غيرهم لان الله عز وجل أعطى كل صنف منهم سهما موقتا فأعطيناه بالوجهين

(1) انتاطت المياه: أي بعدت، كذا في كتب اللغة. كتبه مصححه.
(2) قوله: المولين كذا في النسخ ولعله محرف من النساخ والوجه " المولون " بالواو، لأنه صفة للمدفوع
كما لا يخفى كتبه مصححه.
81

معا فكان معقولا أن الفقراء والمساكين والغارمين إذا أعطوا حتى يخرجوا من الفقر والمسكنة إلى الغنى
والغرم إلى أن لا يكونوا غارمين لم يكن لهم في السهمان شئ وصاروا أغنياء كما لم يكن للأغنياء على
الابتداء معهم شئ وكان الذي يخرجهم من اسم الفقر والمسكنة والغرم يخرجهم من معنى أسمائهم
وهكذا المكاتبون وكان ابن السبيل والغازي يعطون مما وصفت من كفايتهم مؤنة سبيلهم وغزوهم وأجرة
الوالي العامل على الصدقة ولم يخرجهم من اسم أن يكونوا بنى سبيل ولا غزاة ولا عاملين ما كانوا
مسافرين وغزاة وعمالا، فلم يعطوا إلا بالمعنى دون جماع الاسم، وهكذا المؤلفة قلوبهم لا يزول هذا
الاسم عنهم، ولو أعطى كل صنف من هؤلاء كل السهمان (قال) فهم يجتمعون في المعاني التي يعطون
بها وإن تفرقت بهم الأسماء.
(باب اتساع السهمان حتى تفضل عن بعض أهلها)
أخبرنا الربيع قال: (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإذا اتسعت السهمان فقد مثلت لها مثالا
كانت السهمان ثمانية آلاف فوجدنا الفقراء ثلاثة يخرجهم من الفقر مائة والمساكين خمسة يخرجهم
من المسكنة مائتان والغارمين أربعة يخرجهم من الغرم ألف، فيفضل عن الفقراء تسعمائة، وعن
المساكين ثمانمائة واستغرق الغارمون سهمهم، فوقفنا الألف وسبعمائة التي فضلت عن الفقراء
والمساكين، فضممناها إلى السهمان الخمسة الباقية سهم الغارمين وسهم المؤلفة وسهم الرقاب وسهم
سبيل الله وسهم ابن السبيل، ثم ابتدأنا بالقسم بين هؤلاء الباقين كابتدائنا لو كانوا هم أهل السهمان
ليس لأحد من غير أهل السهمان معهم، فأعطيناهم سهمانهم، والفضل عمن استغنى من أهل السهمان
منهم فإذا استغنى صنف منهم بأقل من سهمه جعل في جملة الأصل وهو الثمن وما رد عليهم من
الفضل عن أهل السهمان، وأرد الفضل عنه على أهل السهمان معا، كما أرد عليه وعلى أهل السهمان معه
الفضل عن غيره.
(باب اتساع السهمان عن بعض وعجزها عن بعض)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإذا كانت السهمان ثمانية آلاف فكان كل سهم ألفا فأحصينا
الفقراء فوجدناهم خمسة يخرجهم من الفقر خمسمائة ووجدنا المساكين عشرة يخرجهم من المسكنة
خمسمائة ووجدنا الغارمين عشرة يخرجهم من الغرم خمسة آلاف فسأل الغارمون أن يبدأ بالقسم بينهم
فوضى على قدر استحقاقهم بالحاجة فليس ذلك لهم ويعطى كل صنف منهم سهمه حتى يستغنى عنه
فإذا استغنى عنه رد على أهل السهمان معه ولم يكن أحد منهم بأحق به من جميع أهل السهمان ثم هكذا
يصنع في جميع أهل السهمان (1) وفى كل صنف منهم سهمه ولا يدخل عليه غيره حتى يستغنى ثم لا
يكون أحد أحق بالفضل عنه من أهل السهمان من غيره، فإن اختلف غرم الغارمين فكان عدتهم عشرة

(1) وفى: فعل ماض مبنى للمفعول كن التوفية و " كل صنف " نائب فاعل " وسهمه " مفعول ثان. كتبه
مصححه.
82

وغرم أحدهم مائة وغرم الآخر ألف وغرم الآخر خمسمائة فسألوا أن يعطوا على العدد لم يكن ذلك لهم
وجمع غرم كل واحد منهم فكان غرمهم عشرة آلاف وسهمهم ألفا فيعطى كل واحد منهم عشر غرمه
بالغا ما بلغ، فيعطى الذي غرمه مائة عشرة، والذي غرمه ألف مائة، والذي غرمه خمسمائة خمسين
فيكونون قد سوى بينهم على قدر غرمهم لا على عددهم ولا يزاد عليه فإن فضل فضل عن أحد من
أهل السهمان معهم عيد به عليهم وعلى غيرهم فأعطى كل واحد منهم ما يصيبه لعشر غرمه فإذا لم تكن
رقاب ولا مؤلفة ولا غارمون ابتدأ القسم على خمسة أسهم ففضت الثمانية أسهم عليه أخماسا، وهكذا
كل صنف منهم لا يوجد، وكل صنف استغنى عيد بفضله على من معه من أهل السهمان، ولا يخرج
من الصدقة شئ عن بلده الذي أخذت به، قل ولا كثر، حتى لا يبقى واحد من أهل السهمان إلا
أعطى حقه، ولو فقد أهل السهمان كلهم إلا الفقراء والعاملين، قسمت الثمانية عليهم، حتى يوفى
الفقراء ما يخرجهم من الفقر، ويعطى العاملون بقدر إجزائهم.
(باب ضيق السهمان عن بعض أهلها دون بعض)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو كانت السهمان ثمانية وأهل السهمان وافرون فجمعنا الفقراء
فوجدناهم (1) ووجدنا المساكين مائة يخرجهم من المسكنة ألف والغارمين فوجدناهم ثلاثة يخرجهم
من الغرم ألف فسأل الفقراء والمساكين أن يجعل المال كله بينهم فوضى على قدر استحقاقهم منه لم يكن
ذلك لهم، وأعطى كل صنف منهم كاملا وقسم بين أهل كل صنف على قدر استحقاقهم فإن أغناهم
فذاك وإن لم يغنم لم يعطوا شيئا إلا ما فضل عن غيرهم من أهل السهمان، وإن لم يفضل عن غيرهم
شئ لم يزادوا على سهمهم، ولو كانت المسألة بحالها فضاقت السهمان عنهم كلهم فلم يكن منهم صنف
يستغنى بسهمه، أو في كل صنف منهم سهمه، لم يزد عليه لأنه ليس في المال فضل يعاد به عليه ولو
كان أهل صنف منهم متماسكين لو تركوا ولم يعطوا في علمهم ذلك لما شكوا (2) وأهل كل صنف منهم
يخاف هلاكهم لكثرتهم وشدة حاجتهم وضيق سهمهم لم يكن للوالي أن يزيدهم على سهمهم من
سهم غيرهم حتى يستغنى غيرهم ثم يرد فضلا إن كان عليهم مع غيرهم ولم يجعلهم أولى بالفضل من
غيرهم، وإن كانوا أشد حاجة، كما لا يجعل ما قسم لقوم على قوم بمعنى لغيرهم لشدة حاجة ولا
علة، ولكن يوفى كل ما جعل له، وهكذا يصنع بجميع السهمان ولو أجدب أهل البلد وهلكت مواشيهم
حتى يخاف تلفهم وأهل بلد آخر مخصبون لا يخاف عليهم لم يجز نقل صدقاتهم عن جيرتهم حتى
يستغنوا فلا ينقل شئ جعل لقوم إلى غيرهم أحوج منهم لان الحاجة لا تحق لاحد أن يأخذ مال غيره.

(1) بياض في جميع النسخ التي بيدنا.
(2) قوله: وأهل كل صنف كذا في النسخ، ولعل لفظ " كل " هنا من زيادة النساخ، فانظر.
كتبه مصححه.
83

(باب قسم المال على ما يوجد)
(قال الشافعي) وأي مال أخذت منه الصدقة قسم المال على وجهه ولم يبدل بغيره ولم يبع، فإن
اجتمع حق أهل السهمان في بعير أو بقرة أو شاة أو دينار أو درهم أو اجتمع فيه اثنان من أهل السهمان
وأكثر أعطوه واشرك بينهم فيه كما يعطى الذي وهب لهم وأوصى لهم به وأقر لهم به واشتروه بأموالهم
وكذلك إن استحق أحدهم عشرة وآخر نصفه وآخر ما بقي منه أعطوه على قدر ما استحقوا منه وهكذا
يصنع في جميع أصناف الصدقات لا يختلف فيه في الماشية كلها والدنانير والدراهم حتى يشرك بين
النفر في الدرهم والدينار ولا يباع عليهم بغيره ولا تباع الدنانير بدراهم ولا الدراهم بفلوس ولا بحنطة ثم
يفرق بينهم، وأما التمر والزبيب وما أخرجت الأرض فإنه يكال لكل حقه.
(باب جماع قسم المال من والوالي ورب المال)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وجميع ما أخذ من مسلم من صدقة فطر وخمس ركاز وزكاة
معدن وصدقة ماشية وزكاة مال وعشر زرع وأي أصناف الصدقات أخذ من مسلم فقسمه واحد على
الآية التي في براءة " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " الآية لا يختلف، وسواء قليله وكثيره على ما
وصفت، فإذا قسمه الوالي ففيه سهم العاملين منه ساقط لأنه لا عامل عليه يأخذه فيكون له أجره فيه
والعاملون فيه عدم فإن قال رب المال: فأنا إلى أخذه من نفسي وجمعه وقسمه فآخذ أجر مثلي قيل إنه
لا يقال لك عامل نفسك ولا يجوز لك إذا كانت الزكاة فرضا عليك أن يعود إليك منها شئ فإن
أديت ما كان عليك أن تؤديه وإلا كنت عاصيا لو منعته، فإن قال: فإن وليتها غيري؟ قيل إذا كنت لا
تكون عاملا على غيرك لم يكن غيرك عاملا إذا استعملته أنت، ولا يكون وكيلك فيها إلا في معناك أو
أقل لان عليك تفريقها (1) فإذا تحقق منك فليس لك الانتقاص منها لما تحققت بقيامه بها (قال) ولا
أحب لاحد من الناس يولى زكاة ماله غيره لان المحاسب بها المسؤول عنها هو، فهو أولى بالاجتهاد في
وضعها مواضعها من غيره وأنه على يقين من فعل نفسه في أدائها، وفى شك من فعل غيره لا يدرى
أداها عنه أو لم يؤدها فإن قال: أخاف حبائي، فهو يخاف من غيره مثل ما يخاف من نفسه،
ويستيقن فعل نفسه في الأداء ويشك في فعل غيره.
(باب فضل السهمان عن جماعة أهلها)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويعطى الولاة جميع زكاة الأموال الظاهرة، الثمرة، والزرع،
والمعادن والماشية. فإن لم يأت الولاة بعد حلولها لم يسع أهلها إلا قسمها فإن جاء الولاة بعد قسم

(1) قوله: فإذا تحقق منك الخ كذا في بعض النسخ، وفى بعض آخر " فإذا تحققت منه فليس
لك الانتقاص منها لما تحققت بقيامه بها " وانظر، وحرر. كتبه مصححه.
84

أهلها لم يأخذوها منهم ثانية فإن ارتابوا بأحد وخافوا دعواه الباطل في قسمها فلا بأس أن يحلفوه بالله
لقد قسمها كاملة في أهلها، وإن أعطوهم زكاة التجارات أجزأهم ذلك إن شاء الله تعالى، وإن
قسموها دونهم فلا بأس، وهكذا زكاة الفطر والركاز.
(باب تدارك الصدقتين)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا ينبغي للوالي أن يؤخر الصدقة عن محلها عاما واحدا، فإن
أخرها لم ينبغ لرب المال أن يؤخر، فإن فعلا معا قسماها معا في ساعة يمكنهما قسمها لا يؤخرانها
بحال، فإن كان قوم في العام الماضي من أهلها وهم العام من أهلها وكان بقوم حاجة في عامهم هذا
وكانوا من أهلها ولم يكونوا في العام الماضي أعطى الذين كانوا في العام الماضي من أهلها صدقة العام الماضي،
فإن استغنوا به، لم يعطوا منه في هذا العام شيئا وكذلك لو أخذت الصدقة ورجل من أهلها فلم تقسم
حتى أيسر، لم يعط منها شيئا، ولا يعطى منها حتى يكون من أهلها يوم تقسم، وإن لم يستغنوا بصدقة
العام الماضي كانوا شركاء في صدقة عامهم هذا مع الذين استحقوا في عامهم هذا بأن يكونوا من أهلها
ولا يدفعهم عن الصدقة العام وهم من أهلها بأن يكونوا استوجبوها في العام الماضي قبله على قوم لم
يكونوا من أهلها، وإنما يستحقها في العامين معا الفقراء والمساكين والغارمون والرقاب، فأما من
سواهم من أهل السهمان فلا يؤتى لعام أول، وذلك أن العاملين إنما يعطون على العمل فهم لم يعملوا
عام أول، وأن ابن السبيل والغزاة إنما يعطون على الشخوص وهم لم يشخصوا عام أول أو شخصوا
فاستغنوا عنها وأن المؤلفة قلوبهم لا يعطون إلا بالتأليف في قومهم للعون على أخذها وهي في عام أول لم
تؤخذ فيعينون عليها.
(باب جبران الصدقة)
(قال الشافعي) رحمه الله: كانت العرب أهل الصدقات وكانت تجاور بالقرابة (1) ليمتنع بعضها
على بعض لمن أرادها، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤخذ الصدقة من أغنيائهم وترد على
فقرائهم كان بينا في أمره أنها ترد على الفقراء الجيران للمأخوذة منه الصدقة، وكانت الاخبار بذلك
متظاهرة على رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصدقات أن أحدهم يأخذها من أهل هذا البيت
ويدفعها إلى أهل هذا البيت بجنبهم إذا كانوا من أهلها وكذلك قضى معاذ بن جبل حين بعثه رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه " أيما رجل انتقل عن مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته فصدقته وعشره إلى
مخلاف عشيرته " يعنى إلى جار المال الذي تؤخذ منه الصدقة دون جار رب المال فبهذا نقول إذا كان
للرجل مال ببلد وكان ساكنا ببلد غيره قسطت صدقته على أهل البلد الذي به ماله الذي فيه الصدقة

(1) قوله: ليمتنع بعضها الخ كذا في النسخ ولعل فيها تحريفا من النساخ والوجه والله أعلم " ليمتنع
بعضها ببعض ممن أرادها " فحرر كتبه مصححه.
85

كانوا أهل قرابة له أو غير قرابة، وأما أهل الزرع والثمرة التي فيها الصدقة فأمرهم بين، يقسم الزرع
والثمرة على جيرانها، فإن لم يكن لها جيران فأقرب الناس بها جوارا لأنهم أولى الناس باسم جوارها،
وكذلك أهل المواشي الخصبة (1) والأوارك والإبل التي لا ينتجع بها فأما أهل النجع (2) الذين يتتبعون
مواقع الفطر، فإن كانت لهم ديار، بها مياههم وأكثر مقامهم لا يؤثرون عليها إذا أخصبت شيئا فأهل
تلك الدار من المساكين الذين يلزمهم أن تكون الأغلب عليهم أولى كما كان جيران أهل الأموال المقيمين
أولى بها، فإن كان فيهم من ينتجع بنجعتهم، كان أقرب جوارا ممن يقيم في ديارهم إلى أن يقدم عليهم،
وتقسم الصدقة على الناجعة المقيمة بنجعتهم ومقامهم دون من أنتجع معهم من غير أهل دارهم. ودون من
انتجعوا إليه في داره أو لقيهم في النجعة ممن لا يجاورهم، وإذا تخلف عنهم أهل دارهم ولم يكن معهم منتجع
من أهلها يستحق السهمان جعلت السهمان في أهل دارهم دون من انتجعوا إليه. ولقيهم في النجعة من أهلها،
ولو انتقلوا بأموالهم وصدقاتهم بجيران أموالهم التي فروا بها وإن بعدت نجعتهم حتى لا يعودوا إلى بلادهم إلا فيما
تقصر فيه الصلاة، قسمت الصدقة على جيران أموالهم، ولم تحمل إلى أهل دارهم إذا صاروا منهم سفرا
تقصر فيه الصلاة.
(باب فضل السهمان على أهل الصدقة)
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا لم يبق من أهل الصدقة إلا صنف واحد قسمت الصدقة كلها في
ذلك الصنف حتى يستغنوا، فإذا فضل فضل عن إغنائهم نقلت إلى أقرب الناس بهم دارا (قال) وإذا
استوى في القرب أهل نسبهم (3) وعدى قسمت على أهل نسبهم دون العدى وإن كان العدى أقرب
الناس بهم دارا وكان أهل نسبهم منهم على سفر تقصر الصلاة فيه قسمت الصدقة على العدى إذا كان
دون ما تقصر فيه الصلاة لأنهم أولى باسم حضرتهم، ومن كان أولى باسم حضرتهم كان أولى
بجوارهم، وإن كان أهل نسبهم دون ما تقصر فيه الصلاة والعدي أقرب منهم، قسمت على أهل
نسبهم، لأنهم بالبادية غير خارجين من اسم الجوار، ولذلك هم في المتعة حاضرو المسجد الحرام.
(باب ميسم الصدقة)
(قال الشافعي) رحمه الله: ينبغي لوالي الصدقة أن يسم كل ما يأخذ منها من إبل أو بقر أو غنم،
يسم الإبل والبقر في أفخاذها والغنم في أصول آذانها ويجعل ميسم الصدقة مكتوبا لله ويجعل ميسم الغنم
ألطف من ميسم الإبل والبقر وإنما قلت ينبغي له لما بلغنا أن عمال النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسمون
وكذلك بلغنا أن عمال عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه كانوا يسمون، أخبرنا مالك عن زيد بن

(1) الأوارك: هي الإبل المقيمة في الأراك وهو الحمض ترعاه، كذا في كتب اللغة. كتبه
مصححه.
(2) النجع: بضم ففتح جمع نجعة كغرفة وغرف، وهي طلب الكلاء والخصب.
(3) العدى بالكسر والقصر الغرباء قال الشاعر:
إذا كنت في قوم عدى لست منهم * فكل ما علفت من خبيث وطيب
86

أسلم عن أبيه أنه قال لعمر بن الخطاب: إن في الظهر ناقة عمياء فقال عمر " ندفعها إلى أهل بيت
ينتفعون بها " قال: فقلت وهي عمياء؟ فقال " يقطرونها بالإبل " قلت: فكيف تأكل من الأرض؟
فقال عمر " أمن نعم الجزية أم من نعم الصدقة؟ " فقلت: لا. بل من نعم الجزية فقال عمر " أردتم
والله أكلها " فقلت إن عليها وسم الجزية قال فأمر بها عمر فأتى بها فنحرت وكانت عنده صحاف تسع
فلا تكون فاكهة ولا طرفة إلا جعل منها في تلك الصحاف فبعث بها إلى أزواج رسول الله صلى الله
عليه وسلم ويكون الذي يبعث به إلى حفصة من آخر ذلك، فإن كان فيه نقصان كان في حظ
حفصة، قال فجعل في تلك الصحاف من لحم تلك الجزور فبعث بها إلى أزواج النبي صلى الله عليه
وسلم وأمر بما بقي من اللحم فصنع فدعا المهاجرين والأنصار (قال الشافعي) فلم تزل السعاة يبلغني
عنهم أنهم يسمون كما وصفت، ولا أعلم في الميسم علة إلا أن يكون ما أخذ من الصدقة معلوما فلا
يشتريه الذي أعطاه لأنه شئ خرج منه لله عز وجل كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن
الخطاب في فرس حمل عليه في سبيل الله فرآه يباع " أن لا يشتريه " وكما ترك المهاجرون نزول منازلهم
بمكة، لأنهم تركوها لله عز وجل.
(باب العلة في القسم)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا تولى الرجل قسم الصدقة قسمها على ستة أسهم أسقط منها
سهم المؤلفة قلوبهم إلا أن يجدهم في الحال التي وصفت يشخصون لمعونة على أخذ الصدقة فيعطيهم،
ولا سهم للعاملين فيها، وأحب له ما أمرت به الوالي من تفريقها في أهل السهمان من أهل مصره كلهم
ما كانوا موجودين، فإن لم يوجد من صنف منهم إلا واحد أعطاه سهم ذلك الصنف كله إن
استحقه، وذلك أنى إن لم أعطه إياه فإنما أخرجه إلى غيره ممن له معه قسم فلم أجز أن أخرج عن
صنف سموا شيئا ومنهم محتاج إليه (قال) وإن وجد من كل صنف منهم جماعة كثيرة وضاقت زكاته
أحببت أن يفرقها في عامتهم بالغة ما بلغت، فإن لم يفعل فأقل ما يكفيه أن يعطى منهم ثلاثة، لان
أقل جماع أهل سهم ثلاثة إنما ذكرهم الله عز وجل بجماع فقراء ومساكين، وكذلك ذكر من معهم فإن
قسمه على اثنين وهو يجد ثالثا ضمن ثلث السهم وإن أعطاه واحدا ضمن ثلثي السهم لأنه لو ترك أهل
صنف وهم موجودون ضمن سهمهم وهكذا هذا من أهل كل صنف، فإن أخرجه من بلد إلى بلد
غيره كرهت ذلك له، ولم يبن لي أن أجعل عليه الإعادة من قبل أنه قد أعطاه أهله بالاسم وإن ترك
موضع الجوار وإن كانت له قرابة من أهل السهمان ممن لا تلزمه النفقة عليه أعطاه منها وكان أحق بها من
البعيد منه، وذلك أنه يعلم من قرابته أكثر مما يعلم من غيرهم وكذلك خاصته ومن لا تلزمه نفقته من
قرابته ما عدا أولاده ووالديه، ولا يعطى ولد الولد صغيرا ولا كبيرا ولا زمنا ولا أبا ولا أما ولا جدا ولا
جدة زمني (قال الربيع) لا يعطى الرجل من زكاة ماله لا أبا ولا أما ولا ابنا ولا جدا ولا جدة ولا أعلى
منهم إذا كانوا فقراء من قبل أن نفقتهم تلزمه وهم أغنياء به، وكذلك إن كانوا غير زمني لا يغنيهم
كسبهم فهم في حد الفقر لا يعطيهم من زكاته، وتلزمه نفقتهم، وإن كانوا غير زمني مستغنين بحرفتهم لم
تلزمه نفقتهم وكانوا في حد الأغنياء الذين لا يجوز أن يأخذوا من زكاة المال، ولا يجوز له ولا لغيره أن
87

يعطيهم من زكاة ماله شيئا وهذا عندي أشبه بمذهب الشافعي (قال الشافعي) ولا يعطى زوجته لان
نفقتها تلزمه، وإنما قلت: لا يعطى من تلزمه نفقتهم لأنهم أغنياء به في نفقاتهم (قال الشافعي) وإن
كانت امرأته أو ابن له بلغ فادان ثم زمن واحتاج أو أب له دائن، أعطاهم من سهم الغارمين،
وكذلك من سهم ابن السبيل، ويعطيهم بما عدا الفقر والمسكنة لأنه لا يلزمه قضاء الدين عنهم ولا
حملهم إلى بلد أرادوه، فلا يكونون أغنياء عن هذا كما كانوا أغنياء عن الفقر والمسكنة بإنفاقه عليهم
(قال) ويعطى أباه وجده وأمه وجدته وولده بالغين غير زمني من صدقته إذا أرادوا سفرا لأنه لا تلزمه
نفقتهم في حالاتهم تلك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويعطى رجالهم أغنياء وفقراء إذا غزوا،
وهذا كله إذا كانوا من غير آل محمد صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فأما آل محمد الذين جعل لهم
الخمس عوضا من الصدقة فلا يعطون من الصدقات المفروضات شيئا، قل أو كثر، لا يحل لهم أن
يأخذوها ولا يجزئ عمن يعطيهموها إذا عرفهم وإن كانوا محتاجين وغارمين ومن أهل السهمان، وإن
حبس عنهم الخمس وليس منعهم حقهم في الخمس، يحل لهم ما حرم عليهم من الصدقة (قال)
وآل محمد الذين تحرم عليهم الصدقة المفروضة أهل الخمس، وهم أهل الشعب، وهم صلبية بني هاشم
وبنى المطلب، ولا يحرم على آل محمد صدقة التطوع إنما يحرم عليهم الصدقة المفروضة، أخبرنا
إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات الناس بمكة والمدينة فقلت
له: أتشرب من الصدقة وهي لا تحل لك؟ فقال: إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة (قال الشافعي)
وتصدق على وفاطمة علي بني هاشم وبني المطلب بأموالهما وذلك أن هذا تطوع، وقبل النبي صلى الله
عليه وسلم الهدية من صدقة تصدق بها على بريرة وذلك أنها من بريرة تطوع لا صدقة (قال) وإذا تولى
العامل قسم الصدقات قسمها على ما وصفت وكان الامر فيها عليه واسعا لأنه يجمع صدقات عامة
فتكثر فلا يحل له أن يؤثر فيها أحدا على أحد علم مكانه، فإن فعل على غير الاجتهاد خشيت عليه
المأثم، ولم يبن لي أن أضمنه إذا أعطاها أهلها، وكذلك لو نقلها من بلد إلى بلد فيه أهل الأصناف لم
يتبين لي أن أضمه في الحالين (قال) ولو ضمنه رجل كان مذهبا، والله أعلم (قال) فأما لو ترك العامل
أهل صنف موجودين حين يقسمها وهو يعفرهم وأعطى حظهم غيرهم ضمن لان سهم هؤلاء بين في
كتاب الله تبارك وتعالى، وليس أن يعمهم بين في النص، وكذلك إذا قسمها الوالي لها فترك أهل سهم
موجودين، ضمن، لما وصفت (قال الشافعي) الفقير الذي لا حرفة له ولا مال، والمسكين الذي له
الشئ ولا يقوم به.
(باب العلة في اجتماع أهل الصدقة)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت الصدقة ثمانية آلاف وأهل السهمان موجودين فكان
فيهم فقير واحد يستغرق سهمه ومسكين واحد يستغرق سهمه وغارمون مائة يعجز السهم كله عن واحد
منهم فسأل الغارمون أن يعطى الفقراء والمساكين ثلث سهم لأنه واحد وأقل ما يجزى عليه أن يعطى إذا
وجدوا ثلاثة، قيل ليس ذلك لكم لأنكم لا تستحقون من سهم الفقراء والمساكين شيئا أبدا ما كان
منهم محتاج إليه والسهم مجموع مقتصر به عليهم ما احتاج إليه أحد منهم فإذا فضل منه فضل كنتم
وغيركم من أهل السهمان فيه سواء وأنتم لا تستحقون إلا بما يستحق به واحد منهم وكذلك هذا في
88

جميع أهل السهمان، وإذا كان فيهم غارمون لا أموال لهم عليهم ديون فأعطوا مبلغ غرمهم أو أقل منه
فقالوا: نحن فقراء غارمون فقد أعطينا بالغرم وأنتم ترونا أهل فقر، قيل: لهم إنما نعطيكم بأحد المعنيين
ولو كان هذا على الابتداء فقال: أنا فقير غارم، قيل له: أختر بأي المعنيين شئت أعطيناك، فإن شئت
بمعنى الفقر، وإن شئت بمعنى الغرم. فأيهما اختار وهو أكثر له أعطيناه، وإن اختار الذي هو أقل لعطائه
أعطياه وأيهما قال هو الأكثر أعطيناه به ولم نعطه بالآخر، فإذا أعطيناه باسم الفقر فلغرمائه أن يأخذوا
مما في يده حقوقهم كما لهم أن يأخذوا مالا لو كان له، وكذلك إن أعطيناه بمعنى الغرم، فإذا أعطيناه
بمعنى الغرم أحببت أن يتولى دفعه عنه فإن لم يفعل فأعطاه جاز كما يجوز في المكاتب أن يعطى من
سهمه، فإن قال: ولم لا أعطى بمعنيين إذا كنت من أهلهما معا؟ قيل الفقير المسكين والمسكين فقير بحال
يجمعهما اسم ويفترق بهما اسم وقد فرق الله تعالى بينهما (1) فلا يجوز أن يعطى ذلك المسكين فيعطى
الفقير بالمسكنة مع الفقر والمسكين بالفقر والمسكنة، ولا يجوز أن يعطى أحدهما إلا بأحد المعنيين،
وكذلك لا يجوز أن يعطى رجل ذو سهم إلا بأحد المعنيين، ولو جاز هذا، جاز أن يعطى رجل بفقر
وغرم وبأنه ابن سبيل، وغاز ومؤلف وعامل، فيعطى بهذه المعاني كلها، فإن قال قائل: فهل من
دلاله تدل على أن اسم الفقر يلزم المسكين؟ والمسكنة تلزم الفقير؟ قيل: نعم. معنى الفقر معنى
المسكنة، ومعنى المسكنة معنى الفقر، فإذا جمعا معا، لم يجز إلا بأن يفرق بين حاليهما بأن يكون
الفقير الذي بدئ به أشدهما، وكذلك هو في اللسان، والعرب تقول للرجل فقير مسكين ومسكين
فقير، وإنما (2) المسكنة والفقر لا يكونان بحرفة ولا مال.
(قسم الصدقات الثاني)
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال: فرض الله عز وجل على أهل دينه المسلمين في
أموالهم حقا لغيرهم من أهل دينه المسلمين المحتاجين إليه لا يسع أهل الأموال حبسه عمن أمروا بدفعه إليه
من أهله أو ولاته، ولا يسع الولاة تركه لأهل الأموال لأنهم أمناء على أخذه لأهله منهم، قال الله عز
وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك
سكن لهم ". ففي هذه الآية دلالة على ما وصفت من أن ليس لأهل
الأموال منع ما جعل الله عز وجل عليهم ولا لمن وليهم ترك ذلك لهم، ولا عليهم (أخبرنا) إبراهيم بن
سعد عن ابن شهاب قال: لم يبلغنا أن أبا بكر وعمر أخذا الصدقة مثناة ولكن كانا يبعثان عليها في
الخصب والجدب والسمن والعجف ولا يضمنانها أهلها ولا يؤخرانها عن كل عام، لان أخذها في كل
عام سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولم نعلم رسول الله صلى الله

(1) قوله فلا يجوز أن يعطى ذلك المسكين، كذا في النسخ، ولعل في الكلام تكرارا أو تحريفا،
فليحرر. كتبه مصححه.
(2) قوله: وإنما الخ الأظهر أن يقال: وإن الفقر إلخ بدل " إنما ".
89

عليه السلام أخرها عاما لا يأخذها فيه، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه " لو منعوني عناقا مما أعطوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها لا تفرقوا بين ما جمع الله " (قال الشافعي) هذا إنما هو فيما
أخذ من المسلمين خاصة لان الزكاة والطهور إنما هو للمسلمين والدعاء بالاجر والبركة (قال الشافعي)
وإذا أخذ صدقة مسلم دعا له بالاجر والبركة كما قال الله عز وجل: " وصل عليهم " أي أدع لهم فما أخذ
من مسلم فهو زكاة والزكاة صدقة والصدقة زكاة وطهور أمرهما ومعناهما واحد. وإن سميت مرة زكاة ومرة
صدقة هما اسمان لها بمعنى واحد، وقد تسمى العرب الشئ الواحد بالأسماء الكثيرة، وهذا بين في
كتاب الله عز وجل وفى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى لسان العرب، قال الله عز وجل
" وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " قال أبو بكر " لو منعوني عناقا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
لقاتلتهم عليه لا تفرقوا بين ما جمع الله " يعنى والله أعلم قول الله عز وجل " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة "
واسم ما أخذ من الزكاة صدقة وقد سماها الله تعالى في القسم صدقة فقال " إنما الصدقات للفقراء
والمساكين " الآية تقول: إذا جاء المصدق يعنى الذي يأخذ الماشية وتقول إذا جاء الساعي وإذا جاء
العامل (قال الشافعي) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمس ذود صدقة ولا فيما
دون خمسة أوسق من التمر صدقة ولا فيما دون خمس أواقي من الورق صدقة " (قال الشافعي)
والأغلب على أفواه العامة أن في التمر العشر وفى الماشية الصدقة وفى الورق الزكاة، وقد سمى رسول الله
صلى الله عليه وسلم هذا كله صدقة، والعرب تقول له صدقة وزكاة ومعناهما عندهم معنى واحد، فما
أخذ من مسلم من صدقة ماله ضأنا كان أو ماشية أو زرعا أو زكاة فطر أو خمس ركاز أو صدقة معدن أو
غيره مما وجب عليه في ماله في كتاب أو سنة أو أمر أجمع عليه عوام المسلمين فمعناه واحد أنه زكاة،
والزكاة صدقة وقسمه واحد لا يختلف كما قسمه الله. الصدقات ما فرض الله عز وجل على المسلمين
فهي طهور (قال الشافعي) وقسم الفئ خلاف قسم هذا، والفئ ما أخذ من مشرك هو به (1) أهل
دين الله وهو موضوع في غير هذا الموضع (قال) يقسم ما أخذ من حق مسلم وجب في ماله بقسم الله
في الصدقات سواء قليل ما أخذ منه وكثيره، وعشر ما كان أو خمس أو ربع عشر أو بعدد مختلف أن
يستوى لان اسم الصدقة يجمعه كله قال الله تبارك وتعالى " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " الآية فبين
الله عز وجل لمن الصدقات ثم وكدها وشددها فقال " فريضة من الله والله عليم حكيم " فقسم كل ما
أخذ من مسلم على قسم الله عز وجل وهي سهمان ثمانية لا يصرف منها سهم ولا شئ منه عن أهله ما
كان من أهله أحد يستحقه ولا تخرج صدقة قوم منهم عن بلدهم وفى بلدهم من يستحقها، أخبرنا
وكيع عن زكرياء بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس رضى الله
تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل حين بعثه " فإن أجابوك فأعلمهم أن
عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم " أخبرنا يحيى ابن حسان الثقة من أصحابنا عن الليث
بن سعد عن سعيد المقبري عن شريك بن أبي نمر عن أنس بن مالك أن رجلا قال لرسول الله صلى الله
عليه وسلم: نشدتك الله آلله أمرك أن تأخذ الصدقة من أغنيائنا فتردها على فقرائنا؟ قال: نعم (قال
الشافعي) والفقراء هاهنا كل من لزمه اسم حاجة ممن سمى الله تعالى من الأصناف الثمانية وذلك أن
كلهم إنما يعطى بموضع الحاجة لا بالاسم فلو أن ابن السبيل كان غنيا لم يعط وإنما يعطى ابن السبيل

(1) قوله: هو به. هكذا في الأصل بدون نقط.
90

المحتاج إلى السلاح في وقته الذي يعطى فيه، فإن لم يوجد من أهل الصدقات الذين يوجد منه أحد
من أهل السهمان الذين سمى الله عز وجل ردت حصة من لم يوجد على من وجد، كأن وجد فيهم
فقراء ومساكين وغارمون ولم يوجد غيرهم، فقسم الثمانية الأسهم على ثلاثة أسهم (1) وبيان هذا في
أسفل الكتاب فأهل السهمان يجمعهم أنهم أهل حاجة إلى مالهم منها كلهم وأسباب حاجاتهم مختلفة
وكذلك أسباب استحقاقهم بمعان مختلفة يجمعها الحاجة ويفرق بينها صفاتها فإذا اجتمعوا فالفقراء
الزمني الضعفاء الذين لا حرفة لهم وأهل الحرفة الضعيفة الذين لا تقع حرفتهم موقعا من حاجتهم ولا
يسألون الناس والمساكين السؤال ومن لا يسأل ممن له حرفة تقع منه موقعا ولا تغنيه ولا عياله، فإن
طلب الصدقة بالمسكنة رجل جلد فعلم الوالي أنه صحيح مكتسب يغنى عياله بشئ إن كان له وبكسبه
إذ لا عيال له فعلم الوالي أنه يغنى نفسه بكسبه غنى معروفا لم يعطه شيئا فإن قال السائل لها (2) يعنى
الصدقة الجلد لست مكتسبا أو أنا مكتسب لا يغنيني كسبي أو لا يغنى عيالي ولى عيال وليس عند الوالي
يقين من أن ما قال على غير ما قال فالقول قوله ويعطيه الوالي، أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه عن
عبد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين أخبراه أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه من الصدقة
فصعد فيهما وصوب وقال " إن شئتما ولاحظ فيها لغنى ولا لذي قوة مكتسب " (قال الشافعي) رأى
النبي صلى الله عليه وسلم جلدا وصحة يشبه الاكتساب وأعلمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يصلح لهما
مع الاكتساب الذي يستغنيان به أن يأخذا منها ولا يعلم أمكتسبان أم لا؟ فقال: إن شئتما بعد أن
أعلمتكما أن لاحظ فيها لغنى ولا مكتسب فعلت وذلك أنهما يقولان أعطنا فإنا ذوا حظ لأنا لسنا غنيين
ولا مكتسبين كسبا يغنى، أخبرنا إبراهيم ابن سعد عن أبيه عن ريحان بن يزيد قال: سمعت عبد الله بن
عمرو بن العاص يقول " لا تصلح الصدقة لغنى ولا لذي مرة قوى " (قال الشافعي) ورفع هذا الحديث
عن سعد عن أبيه. والعاملون عليها من ولاه الوالي قبضها وقسمها من أهلها كان أو غيرهم ممن أعان
الوالي على جمعها وقبضها من العرفاء ومن لا غنى للوالي عنه ولا يصلحها إلا مكانه، فأما رب الماشية
يسوقها فليس من العاملين عليها وذلك يلزم رب الماشية وكذلك من أعان الوالي عليها ممن بالوالي الغنى
عن معونته فليس من العاملين عليها الذين لهم فيها حق، والخليفة ووالى الإقليم العظيم الذي يلي قبض
الصدقة وإن كانا من العاملين عليها القائمين بالامر بأخذها فليسا عندنا ممن له فيها حق من قبل أنهما لا
يليان أخذها، أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم أن عمر شرب لبنا فأعجبه فقال للذي سقاه " من أين
لك هذا اللبن؟ " فأخبره أنه ورد على ماء قد سماه فإذا بنعم من نعم الصدقة وهم يستقون فحلبوا لي من
لبنها فجعلته في سقائي فهو هذا، فأدخل عمر إصبعه فاستقاه أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء
ابن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تحل الصدقة لغنى إلا لخمسة غاز في سبيل الله
والعامل عليها أو الغارم أو الرجل اشتراها بماله أو الرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى

(1) قوله: وبيان هذا في أسفل الكتاب، كذا في جميع النسخ التي بيدنا وليس لهذا البيان أثر
في شئ منها، فلعله كان في أصل الام الذي كتبه الربيع أو كتبه من نسخته.
(2) قوله: يعنى الصدقة. كذا وقعت هذه الجملة في جميع النسخ. ولعلها حاشية أثبتها النساخ
بصلب الكتاب. كتبه مصححه.
91

المسكين للغنى (قال الشافعي) والعامل عليها يأخذ من الصدقة بقدر غنائه لا يزاد عليه وإن كان العامل
موسرا إنما يأخذ على معنى الإجارة والمؤلفة قلوبهم في متقدم من الاخبار (1) فضربان ضرب مسلمون
مطاعون أشراف يجاهدون مع المسلمين فيقوى المسلمون بهم ولا يرون من نياتهم ما يرون من نيات
غيرهم، فإذا كانوا هكذا فجاهدوا المشركين فأرى أن يعطوا من سهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو
خمس الخمس ما يتألفون به سوى سهمانهم مع المسلمين إن كانت نازلة في المسلمين وذلك أن الله عز
وجل جعل هذا السهم خالصا لنبيه فرده النبي صلى الله عليه وسلم في مصلحة المسلمين وقال صلى الله
عليه وسلم " مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم " يعنى بالخمس حقه من
الخمس وقوله " مردود فيكم " يعنى في مصلحتكم وأخبرني من لا أتهم عن
موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحرث عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم يوم حنين
من الخميس (قال الشافعي) وهم مثل عيينة والأقرع وأصحابهما ولم يعط النبي صلى الله عليه وسلم. عباس بن
مرداس وكان شريفا عظيم الغناء حتى استعتب فأعطاه (قال الشافعي) لما أراد ما أراد القوم واحتمل أن يكون
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شئ حين رغب عما صنع بالمهاجرين والأنصار فأعطاه على معنى ما
أعطاهم واحتمل أن يكون رأى أن يعطيه من ماله حيث رأى لأنه له خالص ويحتمل أن يعطى على
النفل وغير النفل لأنه له وقد أعطى صفوان بن أمية قبل أن يسلم ولكنه قد أعار رسول الله صلى الله عليه
وسلم أداة وسلاحا وقال فيه عند الهزيمة أحسن مما قال فيه بعض من أسلم من أهل مكة عام الفتح
وذلك أن الهزيمة كانت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين في أول النهار فقال له
رجل: " غلبت هوازن وقتل محمد " فقال " صفوان بفبك الحجر (2) فوالله لرب من قريش أحب إلي
من رب هوازن " وأسلم قومه من قريش وكان كأنه لا يشك في إسلامه والله أعلم " وهذا مثبت في
كتاب قسم الفئ " فإذا كان مثل هذا رأيت أن يعطى من سهم النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أحب
إلى للاقتداء بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو قال قائل: كان هذا السهم لرسول الله صلى الله
عليه وسلم فكان له أن يضع سهمه حيث رأى فقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا مرة وأعطى
من سهمه بخيبر رجالا من المهاجرين والأنصار لأنه ماله يضعه حيث شاء فلا يعطى اليوم أحد على
هذا من الغنيمة ولم يبلغنا أن أحدا من خلفائه أعطى أحدا بعده وليس للمؤلفة في قسم الغنيمة سهم
مع أهل السهمان، ولو قال هذا أحد، كان مذهبا والله أعلم، وللمؤلفة قلوبهم في سهم الصدقات
سهم، والذي أحفظ فيه من متقدم الخبر أن عدى ابن حاتم جاء أبا بكر الصديق أحسبه
بثلثمائة من الإبل من الصدقات قومه فأعطاه أبو بكر منها ثلاثين بعيرا وأمره أن يلحق بخالد بن الوليد بمن
أطاعه من قومه فجاءه بزهاء الف رجل وأبلى بلاء حسنا وليس في الخبر في إعطائه إياها من أين
أعطاه إياها غير أن الذي يكاد أن يعرف القلب بالاستدلال
بالاخبار والله أعلم أنه أعطاه إياها من قسم

(1) قوله: فضربان ألخ ذكر الضرب الأول، وأشار للثاني بقوله الآتي " وقد أعطى صفوان الخ "
كتبه مصححه.
(2) قوله: فوالله لرب الخ كذا في النسخ والمعروف في الرواية فوالله لان يربني رجل من قريش
أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن، قال ابن الأثير: يعنى أن يكون ربا فوقى وسيدا يملكني اه‍
فلعل ما في الام رواية أخرى. كتبه مصححه.
92

المؤلفة فإما زاده ليرغبه فيما يصنع وإما أعطاه ليتألف به غيره من قومه ممن لا يثق منه بمثل ما يثق به من
عدى بن حاتم فأرى أن يعطى من سهم المؤلفة قلوبهم في مثل هذا المعنى إن نزلت بالمسلمين نازلة ولن
ينزل إن شاء الله تعالى وذلك أن يكون فيها العدو بموضع (1) شاط لا تناله الجيوش إلا بمؤنة ويكون
العدو بإزاء قوم من أهل الصدقات فأعان عليهم أهل الصدقات إما بنية فأرى أن يقوم بسهم سبيل الله
من الصدقات، وإما أن يكون لا يقاتلون إلا بأن يعطوا سهم المؤلفة أو ما يكفيهم منه وكذلك إن كان
العرب أشرافا ممتنعين (2) غير ذي نية إن أعطوا من صدقاتهم هذين السهمين أو أحدهما إذا كانوا إن
أعطوا أعانوا على المشركين فيما أعانوا على الصدقة وإن لم يعطوا لم يوثق بمعونتهم رأيت أن يعطوا بهذا
المعنى إذا انتاط العدو وكانوا أقوى عليه من قوم من أهل الفئ يوجهون إليه تبعد دراهم وتثقل مؤنتهم
ويضعفون عنه، فإن لم يكن مثل ما وصفت مما كان في زمان أبى بكر مع امتناع أكثر العرب بالصدقة
على الردة وغيرها لم أر أن يعطى أحد منهم من سهم المؤلفة قلوبهم، ورأيت أن يرد سهمهم على
السهمان معه، وذلك أنه لم يبلغني أن عمر ولا عثمان ولا عليا أعطوا أحدا تألفا على الاسلام وقد أعز
الله وله الحمد الاسلام عن أن يتألف الرجال عليه، وقوله وفى الرقاب يعنى المكاتبين والله أعلم،
ولا يشترى عبد فيعتق. والغارمون كل من عليه دين كان له عرض يحتمل دينه أو لا يحتمله وإنما يعطى
الغارمون إذا ادانوا في حمل دية أو أصابتهم جائحة أو كان دينهم في غير فسق ولا سرف ولا معصية،
فأما من ادان في معصية فلا أرى أن يعطى من سهم سبيل الله كما وصفت يعطى منه من أراد الغزو،
فلو امتنع قوم كما وصفت من أداء الصدقة فأعان عليهم قوم رأيت أن يعطى من أعان عليهم، فإن لم
يكن مما وصفت شئ، رد سهم سبيل الله إلى السهمان معه، وابن السبيل عندي، ابن السبيل من
أهل الصدقة الذي يريد البلد غير بلده، لا من لزمه.
(كيف تفريق قسم الصدقات)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ينبغي للساعي على الصدقات أن يأمر بإحصاء أهل السهمان في
عمله فيكون فراغه من قبض الصدقات بعد تناهى أسمائهم وأنسابهم وحالاتهم وما يحتاجون إليه،
ويحصى ما صار في يديه من الصدقات فيعزل من سهم العاملين بقدر ما يستحق بعمله (3) ثم يقضى
جميع ما بقي من السهمان كله عندهم كما أصف إن شاء الله تعالى، إذا كان الفقراء عشرة، والمساكين
عشرين، والغارمون خمسة. وهؤلاء ثلاثة أصناف من أهل الصدقة، وكان سهمانهم الثلاثة من

(1) شاط: أي بعيد، وفى بعض النسخ " منتاط " وهو بمعناه، يقال: شطت الدار وانتاطت،
أي بعدت، كذا في كتب اللغة.
(2) غير ذي نية، كذا في النسخ بإفراد " ذي " وانظر.
(3) ثم يقضى الخ كذا في جميع النسخ، ولعل في العبارة تحريفا من النساخ، ووجه الكلام " ثم
يفض جميع ما بقي من السهمان عليهم " فانظر.
93

جميع المال ثلاثة آلاف، فإن كان الفقراء (1) يغترقون سهمهم وهو ألف وهو ثلث المال، فيكون
سهمهم كفافا يخرجون به من حد الفقر إلى حد الغنى أعطوه كله، وإن كان يخرجهم من حد الفقر
إلى حد الغنى ثلاثة أو أربعة أو أقل أو أكثر، أعطوا منه ما يخرجهم من اسم الفقر، ويصيرون به إلى
اسم الغنى ويقف الوالي ما بقي منه، ثم يقسم على المساكين سهمهم وهو ألف هكذا، وعلى الغارمين
سهمهم، وهو ألف، هكذا فإن قال قائل: كيف قلت لكل أهل صنف موجود سهمهم ثم استغنوا
ببعض السهم، فلم لا يسلم إليهم بقيته؟ (قال الشافعي) قلته بأن الله تبارك وتعالى سماه لهم مع غيرهم
بمعنى من المعاني وهو الفقر والمسكنة والغرم، فإذا خرجوا من الفقر والمسكنة فصاروا إلى الغنى ومن
الغرم، فبرئت ذمتهم وصاروا غير غارمين، فلا يكونون من أهله لأنهم ليسوا ممن يلزمه اسم من قسم
الله عز وجل له بهذا الاسم ومعناه، وهم خارجون من تلك الحال ممن قسم الله له، ألا ترى أن أهل
الصدقة الأغنياء لو سألوا بالفقر والمسكنة في الابتداء أن يعطوا منها لم يعطوا، وقيل لستم ممن قسم الله
له، وكذلك لو سألوا بالغرم وليسوا غارمين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة
لغنى " إلا من استثنى، فإذا أعطيت الفقراء والمساكين فصاروا أغنياء فهم ممن لا تحل لهم، وإذا لم تحل
لهم كنت لو أعطيتهم أعطيتهم مالا يحل لهم ولا لي أن أعطيهم، وإنما شرط الله عز وجل إعطاء أهل
الفقر والمسكنة وليسوا منهم (قال) ويأخذ العاملون عليها بقدر أجورهم في مثل كفايتهم وقيامهم
وأمانتهم والمؤنة عليهم، فيأخذ الساعي نفسه لنفسه بهذا المعنى، ويعطى العريف ومن يجمع الناس
عليه بقدر كفايته وكلفته وذلك خفيف لأنه في بلاده، ويعطى ابن السبيل منهم قدر ما يبلغه البلد
الذي يريد في نفقته وحمولته إن كان البلد بعيدا وكان ضعيفا، وإن كان البلد قريبا وكان جلدا الأغلب من مثله وكان غنيا بالمشي إليها أعطى مؤنته في نفقته بلا حمولة، فإن كان يريد أن يذهب
ويأتي أعطى ما يكفيه في ذهابه ورجوعه من النفقة، فإن كان ذلك يأتي على السهم كله أعطيه كله
إن لم يكن معه ابن سبيل غيره وإن كان يأتي على سهم من مائة سهم من سهم ابن السبيل لم يزد عليه.
فإن قال قائل: لم أعطيت الفقراء والمساكين والغارمين حتى خرجوا من اسم الفقر والمسكنة والغرم ولم
تعط العاملين وابن السبيل حتى يسقط عنهم الاسم الذي له أعطيتهم ويزول؟ فليس للاسم أعطيتهم
ولكن للمعنى، وكان المعنى إذا زال زال الاسم ونسمى العاملين بمعنى الكفاية وكذلك ابن السبيل
بمعنى البلاغ، ولو أنى أعطيت العامل وابن السبيل جميع السهمان وأمثالها لم يسقط عن العامل اسم
العامل ما لم يعزل، ولم يسقط عن ابن السبيل اسم ابن السبيل ما دام مجتازا أو كان يريد الاجتياز
فأعطيتهما، والفقراء والمساكين والغارمين بمعنى واحد، غير مختلف وإن اختلفت أسماؤه كما اختلفت
أسماؤهم. والعامل إنما هو مدخل عليهم صار له حق معهم بمعنى كفاية وصلاح للمأخوذ منه والمأخوذ
له، فأعطى أجر مثله وبهذا في العامل مضت الآثار وعليه من أدركت ممن سمعت منه ببلدنا، ومعنى
ابن السبيل في أن يعطى ما يبلغه، إن كان عاجزا عن سفره إلا بالمعونة عليه بمعنى العامل في بعض
أمره ويعطي المكاتب ما بينه وبين أن يعتق قل ذلك أو كثر، حتى يغترق السهم، فإن دفع إليه،
فالظاهر عندنا على أنه حريص على أن لا يعجز، وإن دفع إلى مالكه كان أحب إلي وأقرب من
الاحتياط.

(1) قوله: يغترقون. أي. يستوعبون ويستغرقون. كتبه مصححه.
94

رد الفضل على أهل السهمان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا لم تكن مؤلفة ولا قوم من أهل الصدقة يريدون الجهاد فليس
فيهم أهل سهم سبيل الله ولا سهم مؤلفة، عزلت سهامهم، وكذلك إن لم يكن ابن سبيل ولم يكن
غارم، وكذلك إن غابوا فأعطوا ما يبلغهم ويفضل عنهم أو عن أحد من أهل السهمان معهم شئ من
المال عزل أيضا ما يفضل عن كلهم ثم أحصى ما بقي من أهل السهمان الذين لم يعطوا أو أعطوا فلم
يستغنوا فابتدئ قسم هذا المال عليهم كما ابتدئ قسم الصدقات فجزئ على من بقي من أهل
السهمان، سواء كان بقي فقراء ومساكين لم يستغنوا، وغارمون لم تقض كل ديونهم ولم يبق معهم من
أهل السهمان الثمانية أحد غيرهم، فيقسم جميع ما بقي من المال بينهم على ثلاثة أسهم، فإن استغنى
الغارمون بسهمهم وهو ثلث جميع المال أعيد فضل سهمهم على الفقراء والمساكين فيقسم على أهل
هذين القسمين حتى ينفد، فإن قسم بينهم فاستغنى الفقراء ببعضه رد ما بقي على المساكين حتى
يستغنوا، فإن قال: كيف رددت ما يفضل من السهمان عن حاجة أهل الحاجة منهم ومنهم من لم يكن
له سهم من أهل السهمان مثل المؤلفة وغيرهم إذا لم يكونوا (1) على أهل السهمان معهم وأنت إذا
اجتمعوا جعلت لأهل كل صنف منهم سهما؟ (قال الشافعي) فإذا اجتمعوا كانوا (2) شرعا في الحاجة
وكل واحد منهم يطلب ما جعل الله له وهم ثمانية، فلا يكون لي منع واحد منهم ما جعل الله له،
وذكر الله تبارك وتعالى لهم واحد لم يخصص أحدا منهم دون أحد فأقسم بينهم معا كما ذكرهم الله عز
وجل معا، وإنما منعني أن أعطى كل صنف منهم سهمه تاما وإن كان يغنيه أقل منه أن بينا والله تعالى
أعلم أن في حكم الله عز وجل أنهم إنما يعطون بمعان سماها الله تعالى، فإذا ذهبت تلك المعاني وصار
الفقير والمسكين غنيا والغارم غير غارم فليسوا ممن قسم له، ولو أعطيتهم كنت أعطيت من لم أومر به،
ولو جاز أن يعطوا بعد أن يصيروا إلى حد الغنى والخروج من الغرم جاز أن يعطاها أهل دارهم ويسهم
للأغنياء فأحيلت عمن جعلت له إلى من لم تجعل له، وليس لأحد إحالتها عما جعلها الله تعالى له ولا
إعطاؤها من لم يجعلها الله له وإنما ردى ما فضل عن بعض أهل السهمان على من بقي ممن لم يستغن من
أهل السهمان بأن الله تبارك وتعالى أوجب على أهل الغنى في أموالهم شيئا يؤخذ منهم لقوم بمعان، فإذا
ذهب بعض من سمى الله عز وجل له أو استغنى، فهذا مال لا مالك له من الآدميين بعينه يرد إليه كما
يرد عطايا الآدميين ووصاياهم لو أوصى رجل لرجل فمات الموصى له قبل الموصى كانت الوصية راجعة
إلى وارث الموصى، فلما كان هذا المال مخالفا للمال يورث ههنا لم يكن أحد أولى عندنا به في قسم الله
عز وجل، وأقرب ممن سمى الله تبارك وتعالى له هذا المال وهؤلاء من جملة من سمى الله تبارك وتعالى له
هذا المال ولم يبق مسلم يحتاج إلا وله حق سواه، أما أهل الفئ فلا يدخلون على أهل الصدقة وأما
أهل صدقة أخرى (3) فهو مقسوم لهم صدقتهم ولو كثرت لم يدخل عليهم غيرهم وواحد منهم يستحقها

(1) قوله: على أهل السهمان، متعلق بقوله " رددت " المتقدم في صدر السؤال. كتبه مصححه.
(2) شرعا: بالتحريك، أي سواء، كتبه مصححه.
(3) فهو مقسوم لهم، كذا في النسخ، وانظر. كتبه مصححه.
95

فكما كانوا لا يدخلون عليهم غيرهم فكذلك لا يدخلون على غيرهم ما كان من غيرهم من يستحق منها
شيئا ولو استغنى أهل عمل ببعض ما قسم لهم ففضل عنهم فضل لرأيت أن ينقل الفضل عنهم إلى
أقرب الناس بهم نسبا ودارا.
(ضيق السهمان وما ينبغي فيه عند القسم)
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال وإذا ضاقت السهمان فكان الفقراء ألفا وكان سهمهم ألفا
والغارمون ثلاثة وكان غرمهم ألفا وسهمهم ألفا، فقال الفقراء: إنما يغنينا مائة ألف، وقد يخرج
هؤلاء من الغرم ألف، فاجمع سهمنا وسهمهم ثم اضرب لنا بمائة سهم من ألف ولهم سهم واحد كما
يقسم هذا المال لو كان بيننا فوضى بمعنى واحد فليس ذلك لهم عندنا والله أعلم. لان الله عز وجل
ذكر للغارمين سهما كما ذكر للفقراء سهما فنفض على الغارمين وإن اغترقوا السهم فهو لهم ولم يعطوا أكثر
مما أعطوا، وإن فضل عنهم فضل فلستم بأحق به من غيركم إن فضل معكم أهل سهمان ذكروا
معكم، ولكن ما فضل منهم أو من غيرهم يرد عليكم وعلى غيركم ممن لم يستغن من أهل السهمان
معكم كما يبتدأ القسم بينكم، وكذلك لو كنتم المستغنين والغرماء غير مستغنين لم ندخلهم عليكم إلا
بعد غناكم ولم نجعلهم يخاصمونكم ما اغترق كل واحد منكم سهمه ولا وقت فيما يعطى الفقراء إلا ما
يخرجه من حد الفقر إلى الغنى، قل ذلك أو كثر، مما تجب فيه الزكاة أو لا تجب، لأنه يوم يعطى لا
زكاة عليه فيه، وقد يكون الرجل غنيا وليس له مال تجب فيه الزكاة، وقد يكون الرجل فقيرا بكثرة
العيال وله مال تجب فيه الزكاة، وإنما الغنى والفقر ما عرفت الناس بقدر حال الرجل والعرب قديما
يتجاورون في بواديهم وقراهم بالنسب لخوفهم من غيرهم، كان في الجاهلية يتجاورون ليمنع بعضهم
بعضا، فإذا كانوا هكذا يوم يصدقون قسمت صدقاتهم على فقرائهم بالقرابة والجوار معا، فإن كانوا
أهل بادية وكان العامل الوالي يعمل فيهم على قبيلة أو قبيلتين وكان بعض أهل القبيلة يخالط القبيلة
الأخرى التي ليس منها دون التي منها، وجوارهم وخلطتهم أن يكونوا ينتجعون معا ويقيمون معا
فضاقت السهمان، قسمناها على الجوار دون النسب، وكذلك أن خالطهم عجم غيرهم وهم معهم في
القسم على الجوار فإن كانوا عند النجعة يفترقون مرة ويختلطون أخرى فأحب أن لو قسمها على النسب
إذا استوت الحالات وكان النسب عندي أولى، فإذا اختلفت الحالات فالجوار أولى من النسب، وإن
قال من تصدق لنا فقراء على غير هذا الماء وهم كما وصفت يختلطون في النجعة، أحصوا معا ثم فض
ذلك على الغائب والحاضر، وان كانوا بأطراف من باديتهم متباعدة فكان يكون بعضهم بالطرف وهو
له ألزم قسم ذلك بينهم وكان الطرف الذي هو له ألزم كالدار لهم، وهذا إذا كانوا معا أهل نجعة لا دار
لهم يقرون بها، فأما إن كانت لهم دار يكونون بها ألزم فإني أقسما على الجوار أبدا، وأهل الأراك
والحمض من أهل البادية يلزمون منازلهم فأقسم بينهم على الجوار في المنازل وإن جاورهم في منازلهم
من ليس منهم قسم على جيرانهم القسم على الجوار إذا كان جوار وعلى النسب والجوار إذا كانا معا، ولو
كان لأهل البادية معدن، قسم ما يخرج من المعدن على من يلزم قرية المعدن وإن كانوا غرباء دون
ذوي نسب أهل المعدن إذا كانوا منه بعيدا، وكذلك لو كان لهم زرع قسم زرعهم على جيران أهل
الزرع دون ذوي النسب إذا كانوا بعيدا من موضع الزرع، وزكاة أهل القرية تقسم على أهل السهمان
96

من أهل القرية دون أهل النسب إذا لم يكن أهل النسب بالقرية وكانوا منها بعيدا، وكذلك نخلهم
وزكاة أموالهم، ولا يخرج شئ من الصدقات من قرية إلى غيرها وفيها من يستحقها، ولا من موضع
إلى غيره، وفيه من يستحقه، وأولى الناس بالقسم أقربهم جوارا ممن أخذ المال منه وإن بعد نسبه إذا لم
يكن معه ذو قرابة، وإذا ولى الرجل إخراج زكاة ماله فكان له أهل قرابة ببلده الذي يقسمه به
وجيران، قسمه عليهم معا، فإن ضاق فآثر قرابته فحسن عندي إذا كانوا من أهل السهمان معا (قال
الشافعي) فأما أهل الفئ فلا يدخلون على أهل الصدقات ما كانوا يأخذون من الفئ، فلو أن رجلا
كان في العطاء فضرب عليه البعث في الغزو وهو بقرية فيها صدقات، لم يكن له أن يأخذ من
الصدقات شئ، فإن سقط من العطاء بأن قال لا أغزو واحتاج، أعطى في الصدقة، ومن كان من
أهل الصدقات بالبادية والقرى ممن لا يغزو عدوا فليس من أهل الفئ، فإن هاجر (1) وأفرض وغزا
صار من أهل الفئ وأخذ منه، ولو احتاج وهو في الفئ، لم يكن له أن يأخذ من الصدقات، فإن
خرج من الفئ وعاد إلى الصدقات فذلك له.
(الاختلاف)
(قال الشافعي) رحمه الله: قال بعض أصحابنا: لا مؤلفة فيجعل سهم المؤلفة وسهم سبيل الله
في الكراع والسلاح في ثغر المسلمين حيث يراه الوالي، وقال بعضهم: ابن السبيل من يقاسم
الصدقات في البلد الذي به الصدقات من أهل الصدقات أو غيرهم وقال أيضا (2): إنما قسم
الصدقات دلالات فحيث كانت الكثرة أو الحاجة فهي أسعد به، كأنه يذهب إلى أن السهمان لو كانت
ألفا وكان غارم غرمه ألف ومساكين يغنيهم عشرة آلاف وفقراء مثلهم يغنيهم ما يغنيهم وابن السبيل
مثلهم يغنيهم ما يغنيهم، جعل للغارم سهم واحد من هؤلاء، فكان أكثر المال في الذين معه، لأنهم
أكثر منه عددا وحاجة، كأنه يذهب إلى أن المال فوضى بينهم فيقتسمونه على العدد والحاجة لا لكل
صنف منهم سهم ومن أصحابنا من قال: إذا أخذت صدقة قوم ببلد وكان آخرون ببلد مجدبين فكان
أهل السهمان من أهل البلد الذين أخذت صدقاتهم إن تركوا تماسكوا ولم يجهدوا جهد المجدبين الذين لا
صدقة ببلادهم، أو لهم صدقة يسيرة لا تقع منهم موقعا، نقلت إلى المجدبين إذا كانوا يخاف عليهم
الموت هزلا إن لم ينقل إليهم، كأنه يذهب أيضا إلى أن هذا المال مال من مال الله عز وجل قسمه
لأهل السهمان لمعنى صلاح عباد الله فينظر إليهم الوالي فينقل هذه إلى هذه السهمان حيث كانوا على
الاجتهاد، قربوا أو بعدوا، وأحسبه يقول: وتنقل سهمان أهل الصدقات إلى أهل الفئ إن جهدوا

(1) وأفرض: بالبناء للمفعول، أي جعل له فرض أي عطية. كذا في كتب اللغة. كتبه
مصححه.
(2) إنما قسم الصدقات دلالات، وفى بعض النسخ: إنما الصدقات دلالات، بإسقاط لفظ
" قسم " وانظر، وحرر العبارة، كتبه مصححه.
97

وضاق الفئ عليهم، وينقل الفئ إلى أهل الصدقات إن جهدوا وضاقت الصدقات، على معنى
إرادة صلاح عباد الله تعالى وإنما قلت بخلاف هذا القول، لان الله عز وجل جعل المال قسمين،
أحدهما قسم الصدقات التي هي طهور قسمها لثمانية أصناف ووكدها وجاءت سنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم بأن تؤخذ من أغنياء قوم وترد على فقرائهم لا فقراء غيرهم ولغيرهم فقراء، فلم يجز عندي
والله أعلم أن يكون فيها غير ما قلت من أن لا تنقل عن قوم إلى قوم وفيهم من يستحقها، ولا يخرج
سهم ذي سهم منهم إلى غيره وهو يستحقه، وكيف يجوز أن يسمى الله عز وجل أصنافا فيكونوا
موجودين معا فيعطى أحدهم سهمه وسهم غيره لو جاز هذا عندي جاز أن تجعل في سهم واحد فيمنع
سبعة فرضا فرض لهم ويعطى واحد ما لم يفرض له، والذي يقول هذا القول لا يخالفنا في أن
رجلا (1) ولو قال: أوصى لفلان وفلان وفلان وأوصى بثلث ماله لفلان وفلان وفلان كانت الأرض أثلاثا بين
فلان وفلان، وفلان وكذلك الثلث، ولا مخالف علمته في أن رجلا لو قال ثلث مالي لفقراء بنى فلان
وغارم بنى فلان رجل آخر وبنى سبيل بنى فلان رجل آخر أن كل صنف من هؤلاء يعطون من ثلثه وأن
ليس لوصي ولا لوال أن يعطى أحد هؤلاء الثلث دون صاحبه، وكذلك لا يكون جميع المال للفقراء
دون الغارمين ولا للغارمين دون بنى السبيل ولا صنف ممن سمى دون صنف منهم أفقر وأحوج من صنف
ثم يعطيهموه دون غيرهم ممن سمى الموصى، لان الموصى أو المتصدق قد سمى أصنافا فلا يصرف مال
صنف إلى غيره، ولا يترك من سمى له لمن لم يسم له معه، لان كلا ذو حق لما سمى له، فلا يصرف
حق واحد إلى غيره ولا يصرف حقهم إلى غيرهم ممن لم يسم له فإذا كان هذا عندنا وعند قائل هذا
القول فما أعطى الآدميون لا يجوز أن يمضى إلا على ما أعطوا، فعطاء الله عز وجل أحق أن يجوز وأن
يمضى على ما أعطى، ولو جاز في أحد العطائين أن يصرف عمن أعطيه إلى من لم يعطه أو يصرف حق
صنف أعطى إلى صنف أعطيه منهم كان في عطاء الآدميين أجوز ولكنه لا يجوز في واحد منهما، وإذا
قسم الله عز وجل الفئ فقال " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول " الآية. وسن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن أربعة أخماسه لمن أوجف على الغنيمة للفارس من ذلك ثلاثة أسهم وللراجل
سهم، فلم نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل الفارس ذا الغناء العظيم على الفارس الذي ليس
مثله، ولم نعلم المسلمين إلا سووا بين الفارسين، حتى قالوا: لو كان فارس أعظم الناس غناء وآخر
جبان سووا بينهما، وكذلك قالوا في الرجالة، أفرأيت لو عارضنا وإياهم معارض فقال، إذا جعلت
أربعة أخماس الغنيمة لمن حضر، وإنما معنى الحضور للغناء عن المسلمين والنكاية في المشركين فلا
أخرج الأربعة الأخماس لمن حضر ولكنني أحصى أهل الغناء ممن حضر، فأعطى الرجل سهم مائة
رجل أو أقل إذا كان يغنى مثل غنائهم أو أكثر، وأترك الجبان وغير ذي النية الذي لم يغن فلا أعطيه أو
أعطيه جزءا من مائة جزء من سهم رجل ذي غناء أو أكثر قليلا أو أقل بقدر غنائه هل الحجة
عليه إلا أن يقال له: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما، فكان
مخرج الخبر منه عاما، ولم نعلمه خص أهل الغناء، بل أعطى من حضر على الحضور والحرية

(1) لو قال أوصى لفلان الخ كذا في جميع النسخ، ولعل في العبارة تحريفا من النساخ،
فتأمل، وحرر. كتبه مصححه.
(2) أو أقل: كذا في جميع النسخ، وانظر. كتبه مصححه؟.
98

والاسلام فقط، دون الغناء. ومن خالفنا في قسم الصدقات لا يخالفنا في قسم ما أوجف عليه من
الأربعة الأخماس. فكيف جاز له أن يخالفنا في الصدقات وقد قسم الله عز وجل لهم أبين القسم
فيعطى بعضا دون بعض؟ وإذا كان لا يجوز عندنا ولا عنده في الموجفين لو أوجفوا وهم أهل لا غناء لهم على
أهل ضعف من المشركين لا غناء عندهم وكان بإزائهم أهل غناء يقاتلون عدوا أهل شوكة شديدة أن يعطوا مما
أوجف عليه الضعفاء من المسلمين من الضعفاء من المشركين ولا يعطاه المسلمون ذوو الغناء الذين يقاتلون
المشركين ذوي العدد والشوكة نظرا للاسلام وأهله حتى يعطى بالنظر ما أوجف عليه المسلمون الضعفاء على
المشركين الضعفاء إلى المسلمين الأقوياء المقاتلين للشرك الأقوياء لان عليه مؤنة عظيمة في قتالهم وهم أعظم
غناء عن المسلمين، ولكني أعطى كل موجف حقه، فكيف جاز أن تنقل صدقات قوم
يحتاجون إليها إلى غيرهم إن كانوا أحوج منهم أو يشركهم معهم، أو ينقلها من صنف منهم إلى
صنف، والصنف الذين نقلها عنهم يحتاجون إلى حقهم؟ أو رأيت لو قال قائل لقوم أهل يسر كثير
أوجفوا على عدو: أنتم أغنياء فآخذ ما أوجفتم عليه فأقسمه على أهل الصدقات المحتاجين إذا كان عام
سنة لان أهل الصدقات مسلمون من عيال الله تعالى، وهذا مال من مال الله تعالى، وأخاف إن
حبست هذا عنهم وليس يحضرني مال غيره أن يضربهم ضررا شديدا، وأخذه منكم لا يضربكم هل
تكون الحجة عليه إلا أن يقال له: من قسم له أحق بما قسم ممن لم يقسم له وإن كان من لم يقسم له
أحوج، وهكذا ينبغي أن يقال في أهل الصدقات إنها بقسمة مقسومة لهم بينة القسم، أو رأيت لو
قال قائل في أهل المواريث الذين قسم الله تعالى لهم أو الذين جاء أثر بالقسم لهم أو فيهما معا، إنما
ورثوا بالقرابة والمصيبة بالميت، فإن كان منهم أحدا خيرا للميت في حياته ولتركته بعد وفاته وأفقر إلى ما
ترك أوثر بميراثه، لان كلا ذو حق في حال هل تكون الحجة عليه إلا أن يقال لا نعدو ما قسم الله
تبارك وتعالى فهكذا الحجة في قسم الصدقات (قال الشافعي) الحجة على من قال هذا القول أكثر من
هذا وفيه كفاية وليست في قول من قال هذا شبهة ينبغي عندي أن يذهب إليها ذاهب لأنها عندي والله
تعالى أعلم إبطال حق من جعل الله عز وجل له حقا وإباحة أن يأخذ الصدقات الوالي فينقلها إلى ذي
قرابة له واحد أو صديق ببلد غير البلد الذي به الصدقات إذا كان من أهل السهمان (قال الشافعي)
فاحتج محتج في نقل الصدقات بأن قال إن بعض من يقتدى به قال إن جعلت في صنف واحد أجزأ
والذي قال هذا القول لا يكون قوله حجة تلزم وهو لو قال هذا لم يكن قال إن جعلت في صنف
وأصناف موجودة، ونحن نقول كما قال إذا لم يوجد من الأصناف إلا صنف أجزأ أن توضع فيه،
واحتج بأن قال إن طاوسا روى أن معاذ بن جبل قال لبعض أهل اليمن ائتوني بعرض ثياب آخذها
منكم مكان الشعير والحنطة فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة (قال الشافعي) صالح رسول
الله صلى الله عليه وسلم أهل ذمة اليمن على دينار على كل واحد كل سنة فكان في سنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن يؤخذ من الرجل دينار أو قيمته من (1) المعافر كان ذلك إذا لم يوجد الدينار فلعل
معاذا لو أعسروا بالدينار أخذ منهم الشعير والحنطة لأنه أكثر ما عندهم وإذا جاز أن يترك الدينار لغرض

(1) المعافر: بفتح الميم: ثياب منسوبة إلى بلد أو قبيلة باليمن، قال الأزهر: برد معافري
منسوب إلى معافر اليمن ثم صار اسما لها بغير نسبة فيقال: معافر اه‍. كتبه مصححه.
99

فلعله جاز عنده أن يأخذ منهم طعاما وغيره من العرض بقيمة الدنانير فأسرعوا إلى أن يعطوه من الطعام
لكثرته عندهم يقول الثياب خير للمهاجرين بالمدينة وأهون عليكم لأنه لا مؤنة كثيرة في المحمل للثياب
إلى المدينة والثياب بها أغلى ثمنا، فإن قال قائل هذا تأويل لا يقبل إلا بدلالة عمن روى عنه فإنما قلناه
بالدلائل عن معاذ وهو الذي رواه عنه هذا، أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه
أن معاذا قضى: " أيما رجل انتقل من مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته فعشره وصدقته إلى
مخلاف عشيرته " (قال الشافعي) فبين في قصة معاذ أن هذا في المسلمين خاصة وذلك أن العشر
والصدقة لا تكون إلا للمسلمين (قال الشافعي) وإذا رأى معاذ في الرجل المأخوذ منه الصدقة ينتقل
بنفسه وأهله عن مخلاف عشيرته أن تكون صدقته وعشره إلى مخلاف عشيرته وذلك ينتقل بصدقه ماله
الناض والماشية فيجعل معاذ صدقته وعشره لأهل مخلاف عشيرته لا لمن ينتقل إليه بقرابته دون أهل
المخلاف الذي انتقل عنه وإن كان الأكثر أن مخلاف عشيرته لعشيرته، وإنما خلطهم غيرهم وكانت
العشيرة أكثر، والآخر أنه رأى أن الصدقة إذا ثبتت لأهل مخلاف عشيرته لم تحول عنهم صدقته وعشره
بتحولة وكانت لهم كما تثبت بدءا (قال الشافعي) وهذا يحتمل أن يكون عشره وصدقته التي هي بين
ظهراني مخلاف عشيرته لا تتحول عنهم دون الناض الذي يتحول، ومعاذ إذ حكم بهذا كان من أن
ينقل صدقة المسلمين من أهل اليمن الذين هم أهل الصدقة إلى أهل المدينة الذين أكثرهم أهل الفئ
أبعد، وفيما روينا من هذا عن معاذ ما يدل على قولنا: لا تنقل الصدقة من جيران المال المأخوذ منه
الصدقة إلى غيرهم (قال الشافعي) وطاوس لو ثبت عن معاذ شئ لم يخالفه إن شاء الله تعالى،
وطاوس يحلف ما يحل بيع الصدقات قبل أن تقبض ولا بعد أن تقبض ولو كان ما ذهب إليه من احتج
علينا بأن معاذا باع الحنطة والشعير الذي يؤخذ من المسلمين بالثياب كان بيع الصدقة قبل أن تقبض
ولكنه عندنا إنما قال ائتوني بعرض من الثياب، فإن قال قائل: كان عدى بن حاتم جاء أبا بكر
بصدقات والزبرقان بن بدر وهما وإن جاءا بما فضل عن أهله ما فقد نقلاها إلى المدينة فيحتمل أن
يكون بالمدينة أقرب الناس نسبا ودارا ممن يحتاج إلى سعة من مضر وطئ من اليمن ويحتمل أن يكون من
حولهم ارتد فلم يكن لهم حق في الصدقة ويكون بالمدينة أهل حق هم أقرب من غيرهم ويحتمل أن يؤتى
بها أبو بكر ثم يأمر بردها إلى غير أهل المدينة، وليس في ذلك عن أبي بكر خبر نصير إليه، فإن قال
قائل: إنه بلغنا أن عمر كان يؤتى بنعم من نعم الصدقة (قال الشافعي) فبالمدينة صدقات النخل والزرع
والناض والماشية وللمدينة ساكن من المهاجرين والأنصار وحلفائهما وأشجع وجهينة ومزينة بها
وبأطرافها وغيرهم من قبائل العرب، فعيال ساكن المدينة بالمدينة، وعيال عشائرهم وجيرانهم وقد
يكون عيال ساكن أطرافها بها وعيال جيرانهم وعشائرهم فيؤتون بها ويكونون مجمعا لأهل السهمان كما
تكون المياه والقرى مجمعا لأهل السهمان من العرب ولعلهم استغنوا فنقلها إلى أقرب الناس بهم دارا
ونسبا وكان أقرب الناس بالمدينة دارا ونسبا فإن قال قائل: فإن عمر كان يحمل على إبل كثيرة إلى الشام
والعراق، قيل له: ليست من نعم الصدقة والله أعلم وإنما هي من نعم الجزية لأنه إنما يحمل على ما
يحتمل من الإبل وأكثر فرائض الإبل لا تحمل أحدا، أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم أن عمر كان يؤتى
بنعم كثيرة من نعم الجزية، أخبرنا بعض أصحابنا عن محمد ابن عبد الله بن مالك الدار عن يحيى بن
عبد الله بن مالك عن أبيه أنه سأله: أرأيت الإبل التي كان يحمل عليها عمر الغزاة وعثمان بعده؟ قال
أخبرني أبي أنها إبل الجزية التي كان يبعث بها معاوية وعمرو بن العاص، قلت وممن كانت تؤخذ؟
100

قال: من أهل جزية أهل المدينة تؤخذ من بنى تغلب على وجهها فبيعت فيبتاع بها إبل (1) جلة
فيبعث بها إلى عمر فيحمل عليها أخبرنا الثقة من أصحابنا عن عبد الله بن أبي يحيى عن سعيد بن أبي
هند قال بعث عبد الملك بعض الجماعة بعطاء أهل المدينة وكتب إلي والى اليمامة أن يحمل من اليمامة إلى
المدينة ألف ألف درهم يتم بها عطاءهم فلما قدم المال إلى المدينة أبوا ان يأخذوه وقالوا أيطعمنا أوساخ
الناس ومالا يصلح لنا أن نأخذه لا نأخذه أبدا، فبلغ ذلك عبد الملك فرده وقال: لا تزال في القوم
بقية ما فعلوا هكذا، قلت لسعيد بن أبي هند؟ ومن كان يومئذ يتكلم: قال أولهم سعيد بن المسيب
وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله في رجال كثيرة (قال الشافعي) وقولهم
لا يصلح لنا أي لا يحل لنا أن نأخذ الصدقة ونحن أهل الفئ وليس لأهل الفئ في الصدقة حق (2)
ومن أن ينقل عن قوم إلى قوم غيرهم (قال الشافعي) وإذا أخذت الماشية في الصدقة وسمت وأدخلت
الحظير، ووسم الإبل والبقر في أفخاذها والغنم في أصول آذانها وميسم الصدقة مكتوب لله عز وجل،
وتوسم الإبل التي تؤخذ في الجزية ميسما مخالف لميسم الصدقة فإن قال قائل: ما دل على أن ميسم
الصدقة مخالف لميسم الجزية؟ قيل فإن الصدقة أداها مالكها لله وكتبت لله عز وجل على أن مالكها
أخرجها لله عز وجل وإبل الجزية أديت صغارا لا أجر لصاحبها فيها، أخبرنا مالك عن زيد ابن أسلم
عن أبيه أنه قال لعمر: إن في الظهر ناقة عمياء قال: " أمن نعم الجزية أم من نعم الصدقة؟ " قال:
بل من نعم الجزية وقال له: إن عليها ميسم الجزية وهذا يدل على فرق بين الميسمين أيضا وقال بعض
الناس مثل قولنا أن كل ما أخذ من مسلم فسبيله سبيل الصدقات وقالوا سبيل الركاز سبيل الصدقات
ورووا مثل ما روينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الركاز الخمس (قال الشافعي) والمعادن
من الركاز (3) وفى كل ما أصيب من دفن الجاهلية مما تجب فيه الزكاة أو لا تجب فهو ركاز ولو أصابه
غنى أو فقير كان ركازا فيه الخمس (قال الشافعي) ثم عاد لما شدد فيه كله فأبطله فزعم أن الرجل إذا
وجد ركازا فواسع فيما بينه وبين الله عز وجل أن يكتمه الوالي وللوالي أن يرده عليه بعد ما يأخذه منه
ويدعه له (قال الشافعي) أو رأيت إذ زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل في الركاز الخمس
وزعم أن كل ما أخذ من مسلم قسم على قسم الصدقات فقد أبطل الحق بالسنة في أخذه وحق الله عز
وجل في قسمه، والخمس إنما يجب عندنا وعنده في ماله لمساكين جعله الله عز وجل لهم فكيف جاز
للوالي أن يترك حقا أوجبه الله عز وجل في ماله وذلك الحق لمن قسمه الله عز وجل له؟ أرأيت لو قال
قائل: هذا في عشر الطعام أو زكاة الذهب أو زكاة التجارة أو غير ذلك مما يؤخذ من المسلمين ما الحجة

(1) جلة: بكسر الجيم، وتشديد اللام، أي مسان كبيرة، كذا في كتب اللغة. كتبه
مصححه.
(2) قوله: ومن أن ينقل الخ كذا في جميع النسخ، ويظهر أن في الكلام سقطا، فانظر،
وحرر. كتبه مصححه.
(3) قوله: وفى كل ما أصيب. كذا في النسخ، ولعل لفظ " في " مزيد من الناسخ. كتبه
مصححه.
101

عليه؟ أليس أن يقال إن الذي عليك في مالك إنما هو شئ وجب لغيرك فلا يحل للسلطان تركه لك
ولا لك حبسه إن تركه لك السلطان عمن جعله الله تبارك وتعالى له؟ (قال الشافعي) ولست أعلم من
قال هذا في الركاز ولو جاز هذا في الركاز في جميع من وجب عليه حق في ماله أن يحبسه وللسلطان
أن يدعه له فيبطل حق من قسم الله عز وجل له من أهل السهمان الثمانية فقال: إنا روينا عن
الشعبي ان رجلا وجد أربعة آلاف أو خمسة آلاف فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه
" لأقضين فيها قضاء بينا، أما أربعة أخماس فلك وخمس للمسلمين " ثم قال: " والخمس مردود
عليك " (قال الشافعي) وهذا الحديث ينقض بعضه بعضا إذا زعم أن عليا قال وخمس للمسلمين
فكيف يجوز أن يكون الوالي يرى للمسلمين في مال رجل شيئا ثم يرده عليه أو يدعه له والواجب
على الوالي أن لو منع رجل من المسلمين شيئا لهم في ماله أن يجاهده عليه (قال الشافعي) وهذا عن علي
مستنكر وقد روى عن علي بإسناد موصول أنه قال " أربعة أخماس لك وأقسم الخمس على فقراء
أهلك " وهذا الحديث أشبه بعلى لعل عليا علمه أمينا وعلم في أهله فقراء من أهل السهمان فأمره
أن يقسمه فيهم (قال الشافعي) وهم مخالفون ما روى عن الشعبي من وجهين أحدهما أنهم يزعمون
أن من كانت له مائتا درهم فليس للوالي أن يعطيه ولا له أن يأخذ شيئا من السهمان المقسومة بين
من سمى الله عز وجل ولا من الصدقة تطوعا والذي زعموا أن عليا ترك له خمس ركازه وهذا رجل
له أربعة آلاف درهم ولعله أن يكون له مال سواها ويزعمون أن الوالي إذا أخذ منه واجبا في ماله
لم يكن للوالي أن يعود بما أخذ منه عليه ولا على أحد ويزعمون أن لو وليها هو دون الوالي لم يكن
له حبسها ولا دفعها إلى أحد يعوله (قال الشافعي) والذي روى عن علي رضى الله تعالى عنه إعادتها
عليه بعد أن أخذها منه أو تركها له قبل أن يأخذها منه وهذا إبطالها بكل وجه وخلاف ما يقولون وإذا
صار له ان يكتمها وللوالي أن يردها عليه فليست بواجبة عليه وتركها لا تؤخذ منه وأخذها سواء وقد
أبطل بهذا القول السنة في أن في الركاز الخمس وأبطل به حق من قسم الله عز وجل له من أهل
السهمان الثمانية، فإن قال لا يصلح هذا إلا في الركاز قيل فإذا قال قائل فإذا صلح في الركاز وهو من
الصدقات صلح في كلها ولو جاز لك أن تخص بعضها دون بعض قلت يصلح في العشور وصدقات
الماشية وقال غيري وغيرك يصلح في صدقة الرقة ولا يصلح في هذا فإن قال فإنما هو خمس وكذلك
الحق فيه كما الحق في الزرع العشر وفى الرقة ربع العشر وفى الماشية مختلفة وهي مخالفة كل هذا وإنما
يؤخذ من كل بقدر ما جعل فيه ويقسم كل حيث قسم الصدقات (قال الشافعي) ثم خالفنا بعض
الناس فيما يعطى من الصدقات فقال لا يأخذها منها أحد له مال تجب فيه الزكاة ولا يعطى منها أحد مائتي
درهم ولا شئ تجب فيه الزكاة (قال الشافعي) وإذا كان الرجل لا يكون له مائتا درهم ولا شئ تجب
فيه الزكاة فلا يحل له أن يأخذ منها شيئا إذا لم يكن محتاجا بضعف حرفة أو كثرة عيال وكان الرجل
يكون له أكثر منها فيكون محتاجا بضعف الحرفة أو بغلبة العيال فكانت الحاجة إنما هي ما عرف الناس
على قدر حال الطالب للزكاة وماله لا على قدر المال فقط فكيف إذا كان الرجل له مائة من العيال
ومائتا درهم لا يعطى وهذا المحتاج البين الحاجة وآخر إن لم يكن له مائتا درهم ولا عيال له وليس
بالغنى أعطى والناس يعلمون أن هذا الذي أمر بإعطائه أقرب من الغنى والذي نهى عن إعطائه أبعد
من الغنى ولم إذا كان الغارم يعطى ما يخرجه من الغرم لا يعطى الفقير ما يخرجه من الفقر وهو أن يقول
102

إن أخرجه من الفقر إلى الغنى مائة درهم أو أقل لم يزد عليها فلم إذا لم يخرجه من الفقر إلى الغنى إلا
مائتا درهم لا يعطاها وهو يوم يعطاها لا زكاة عليه فيها إنما الزكاة عليه فيها إذا حال عليها حول من يوم
ملكها.
(كتاب الصيام الصغير (1))
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " الشهر تسع وعشرون لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم
عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وبهذا نقول، فإن لم تر العامة هلال شهر
رمضان ورآه رجل عدل رأيت أن أقبله للأثر والاحتياط (قال الشافعي) أخبرنا الدراوردي عن محمد
بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أمه فاطمة بنت الحسين أن رجلا شهد عند على رضى الله تعالى عنه على
رؤية هلال رمضان فصام وأحسبه قال وأمر الناس أن يصوموا، وقال: أصوم يوما من شعبان أحب
إلي من أن أفطر يوما من رمضان. (قال الشافعي) بعد لا يجوز على هلال رمضان إلا شاهدان (قال
الشافعي) وقد قال بعض أصحابنا لا أقبل عليه إلا شاهدين وهذا القياس على كل معيب استدل عليه
ببينة وقال بعضهم جماعة (قال الشافعي) ولا أقبل على رؤية هلال الفطر إلا شاهدين عدلين وأكثر فإن
صام الناس بشهادة واحدة أو اثنين أكملوا العدة ثلاثين إلا أن يروا الهلال أو تقوم بينة برؤيته فيفطروا
وإن غم الشهران معا فصاموا ثلاثين فجاءتهم بينة بأن شعبان رئي قبل صومهم بيوم قضوا يوما لأنهم
تركوا يوما من رمضان وإن غما فجاءتهم البينة بأنهم صاموا يوم الفطر أفطروا أي ساعة جاءتهم البينة فإن
جاءتهم البينة قبل الزوال صلوا صلاة العيد وإن كان بعد الزوال لم يصلوا صلاة العيد وهذا قول من
أحفظ عنه من أصحابنا (قال الشافعي) فخالفه في هذا بعض الناس فقال فيه قبل الزوال قولنا وقال
بعد الزوال يخرج بهم الامام من الغد ولا يصلى بهم في يومهم ذلك (قال الشافعي) فقيل لبعض من
يحتج بهذا القول: إذا كانت صلاة العبد عندنا وعندك سنة لا تقضى إن تركت وغمك وقت فكيف
أمرت بها أن تعمل في غيره وأنت إذا مضى الوقت تعمل في وقت لم تؤمر بأن تعمل، مثل المزدلفة إذا
مرت ليلتها لم تؤمر بالمبيت فيها والجمار إذا مضت أيامها لم تؤمر برميها وأمرت بالفدية فيما فيه فدية من
ذلك ومثل الرمل إذا مضت الأطواف الثلاثة فلا ينبغي أن تأمر به في الأربعة البواقي لأنه مضى وقته
وليس منه بدل بكفارة وإذا أمرت بالعيد في غير وقته فكيف لم تأمر به بعد الظهر من يومه والصلاة تحل
في يومه؟ وأمرت بها من الغد ويوم الفطر أقرب من وقت الفطر من غده؟ (قال) فإنها من غد تصلى
في مثل وقته، قيل له: أو ليس تقول في كل ما فات مما يقضى من المكتوبات يقضى إذا ذكر فكيف

(1) ثبت في جميع النسخ التي بيدنا الوصف بالصغير وهو يفيد أن هناك كتابا كبيرا للصيام ولم
نجده في الام بعد البحث والتفتيش ولو وجدناه في غير هذا الموضع أو شيئا منه وضعناه حيث وجدناه
إن شاء الله. كتبه مصححه.
103

خالفت بين هذا وبين ذلك؟ فإن كانت علتك الوقت فما تقول فيه إن تركته من غده أتصليه بعد غده
في ذلك الوقت؟ قال: لا. قيل فقد تركت علتك في أن تصلى في مثل ذلك الوقت فما حجتك فيه؟
قال روينا فيه شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلنا: قد سمعناه ولكنه ليس مما يثبت عندنا والله
أعلم، وأنت تضعف ما هو أقوى منه: وإذا زعمت أنه ثابت فكيف يقضى في غده (1) ولم تنهه أن
يقضى بعده فينبغي أن تقول يقضى بعد أيام وإن طالت الأيام (قال الشافعي) وأنا أحب أن أذكر فيه
شيئا وإن لم يكن ثابتا وكان يجوز أن يفعل تطوعا أن يفعل من الغد وبعد الغد إن لم يفعل من الغد لأنه
تطوع وان يفعل المرء ما ليس عليه أحب إلي من أن يدع ما عليه وان لم يكن الحديث ثابتا فإذا كان يجوز أن
يفعل بالتطوع فهذا خير أراده الله به أرجو أن يأجره الله عليه بالنية في عمله. (قال الشافعي) بعد لا
يصلى إذا زالت الشمس من يوم الفطر (قال الشافعي) أخبرنا مالك أنه بلغه أن الهلال رئي في زمن
عثمان بن عفان بعشى فلم يفطر عثمان حتى غابت الشمس (قال الشافعي) وهكذا نقول إذا لم ير الهلال
ولم يشهد عليه أنه رئي ليلا لم يفطر الناس برؤية الهلال في النهار كان ذلك قبل الزوال أو بعده، وهو
والله أعلم هلال الليلة التي تستقبل وقال بعض الناس فيه إذا رئي بعد الزوال قولنا وإذا رئي قبل الزوال
أفطروا وقالوا إنما اتبعنا فيه أثرا رويناه وليس بقياس، فقلنا: الأثر أحق أن يتبع من القياس، فإن كان
ثابتا فهو أولى أن يؤخذ به (قال الشافعي) إذا رأى الرجل هلال رمضان وحده يصوم لا يسعه غير
ذلك، وإن رأى هلال شوال فيفطر إلا أن يدخله شك أو يخاف أن يتهم على الاستخفاف بالصوم.
(باب الدخول في الصيام والخلاف عليه)
(قال الشافعي) رحمه الله فقال بعض أصحابنا لا يجزى صوم رمضان إلا بنية كما لا تجزى الصلاة
إلا بنية واحتج فيه بأن ابن عمر قال: لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر (قال الشافعي)
وهكذا أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر (قال الشافعي) فكان هذا والله أعلم على شهر رمضان
خاصة وعلى ما أوجب المرء على نفسه من نذر أو وجب عليه من صوم فأما التطوع فلا بأس أن ينوى
الصوم قبل الزوال ما لم يأكل ولم يشرب، فخالف في هذا القول بعض الناس فقال معنى قول ابن
عمر هذا على النافلة فلا يجوز في النافلة من الصوم ويجوز في شهر رمضان وخالف في هذا الآثار (قال
الشافعي) وقيل لقائل: هذا القول لم زعمت أن صوم رمضان يجزى بغير نية ولا يجزى صوم النذر ولا
صوم الكفارات إلا بنية وكذلك عندك لا تجزى الصلاة المكتوبة ولا نذر الصلاة ولا التيمم إلا بنية؟
(قال) لان صوم النذر والكفارات بغير وقت متى عمله أجزأ عنه (2) والصلاة والنية للتيمم بوقت،

(1) قوله: ولم تنهه، كذا في جميع النسخ، ولعله محرف من النساخ. ووجهه " ولم تنهاه " بصيغة
الاستفهام، لان المقام يقتضيه لا النفي، فتأمل، وحرر. كتبه مصححه.
(2) قوله: والصلاة والنية للتيمم بوقت، كذا في النسخ، والظاهر أن في العبارة تحريفا
وسقطا، فتأمل، وحرر. كتبه مصححه.
104

قيل له: ما تقول فيمن قال لله على أن أصوم شهرا من هذه السنة فأمهل حتى إذا كان آخر شهر منها
فصامه لا ينوى به النذر؟ قال لا يجزئه قيل: قد وقت السنة ولم يبق منها إلا هذا الشهر فصار إن لم
يصمه يخرج من الوقت وقيل له ما تقول: إن ترك الظهر حتى لا يبقى عليه من وقتها إلا ما يكملها فيه
ثم صلى أربعا كفرض الصلاة لا ينوى الظهر؟ قال لا يجزئه لأنه لم ينو الظهر قال الشافعي: لا أعلم بين
رمضان وبين هذا فرقا وقد اعتل بالوقت فأوجدنا الوقت في المكتوبة محدودا ومحصورا يفوت إن ترك
العمل فيه فأوجدناه ذلك في النذر ثم أوجدناه في الوقتين المحصورين كلاهما عملا كعمل المكتوبة
وعمل النذر وليس في الوقتين فضل للمكتوبة والنذر لأنه لم يبق للمكتوبة والنذر موضع إلا هذا الوقت الذي
عملهما فيه لأنه عملهما في آخر الوقت فزعم أنهما لا يجزيان إذا لم ينو. بهما المكتوبة والنذر، فلو كانت العلة أن
الوقت محصور، انبغى أن يزعم ههنا أن المكتوبة والنذر يجزيان إذا كان وقتهما محصورا كما يجزى رمضان إذا
كان وقته محصورا.
(باب صوم رمضان)
(قال الشافعي) رحمه الله فمن قال: لا يجزى رمضان إلا بنية فلو اشتبهت عليه الشهور وهو أسير
فصام شهر رمضان ينوى به التطوع لم يجزه وكان عليه أن يأتي بالبدل منه ومن قال يجزى بغير نية فقد
أجزأ عنه غير أن قائل هذا القول قد أخطأ قوله عندي والله أعلم فزعم أن رجلا لو أصبح يرى أنه يوم
من شعبان فلم يأكل ولم يشرب ولم ينو الافطار فعلم أنه من رمضان قبل نصف النهار فأمسك عن الطعام
أجزأ عنه من شهر رمضان، وهذا يشبه قوله الأول، ثم قال: وإن علم بعد نصف النهار فأمسك ونوى
الصيام لم يجزه وكان عليه أن يأتي بيوم مكانه وهذا خلاف قوله الأول (قال الشافعي) وإنما قال ذلك
فيما علمت بالرأي وكذلك قال فيه أصحابنا والله أعلم بالرأي فيما علمت، ولكن معهم قياس، فصح
فيه لمن خالفه قول أصحابنا والله أعلم وهذا فيما أرى أحسن وأولى أن يقال به إذا كان قياسا.
(باب ما يفطر الصائم والسحور والخلاف فيه)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الوقت الذي يحرم فيه الطعام على الصائم حين يتبين الفجر الآخر
معترضا في الأفق (قال الشافعي) وكذلك بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تغيب الشمس
وكذلك قال الله عز وجل " ثم أتموا الصيام إلى الليل " (قال الشافعي) فإن أكل فيما بين هذين الوقتين أو
شرب عامدا للاكل والشرب ذاكرا للصوم فعليه القضاء (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن زيد بن
أسلم عن أخيه خالد بن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أفطر في رمضان في يوم ذي غيم
ورأي أنه قد أمسى وغابت الشمس فجاءه رجل فقال يا أمير المؤمنين قد طلعت الشمس فقال عمر
" الخطيب يسير " (قال الشافعي) كأنه يريد بذلك والله أعلم قضاء يوم مكانه (قال الشافعي) وأستحب
التأني بالسحور ما لم يكن في وقت مقارب يخاف أن يكون الفجر طلع فإني أحب قطعه في ذلك
الوقت، فإن طلع الفجر وفى فيه شئ قد أدخله ومضغه، لفظه. لان إدخاله فاه لا يصنع شيئا إنما
يفطر بإدخاله جوفه، فإن ازدرده بعد الفجر، قضى يوما مكانه، والذي لا يقضى فيه من ذلك
105

الشئ يبقى بين أسنانه في بعض فيه مما يدخله الريق لا يمتنع منه، فإن ذلك عندي خفيف فلا
يقضى، فأما كل ما عد إدخاله مما يقدر على لفظه فيفطره عندي والله أعلم (وقال بعد) نفطره بما بين
أسنانه، إذا كان يقدر على طرحه (قال الربيع) إلا أن يغلبه ولا يقدر على دفعه فيكون مكرها فلا شئ
عليه وهو معنى قول الشافعي (قال الشافعي) وأحب تعجيل الفطر وترك تأخيره وإنما أكره تأخيره إذا
عمد ذلك كأنه يرى الفضل فيه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن
سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ولم يؤخروه (قال
الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن ابن عوف أن عمر وعثمان كانا
يصليان المغرب حين ينظران الليل (1) أسود ثم يفطران بعد الصلاة وذلك في رمضان (قال الشافعي)
كأنهما يريان تأخير ذلك واسعا لا أنهما يعمدان الفضل لتركه بعد أن أبيح لهما وصارا مفطرين بغير أكل
ولا شرب لأن الصوم لا يصلح في الليل ولا يكون به صاحبه صائما وإن نواه (قال الشافعي) فقال
بعض أصحابنا: لا بأس أن يحتجم الصائم ولا يفطره ذلك (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن
ابن عمر أنه كان يحتجم وهو صائم ثم ترك ذلك (قال الشافعي) وأخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن
أبيه أنه لم ير أباه قط احتجم وهو صائم (قال الشافعي) وهذا فتيا كثير ممن لقيت من الفقهاء وقد روى
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أفطر الحاجم والمحجوم " وروى عنه أنه احتجم صائما (قال
الشافعي) ولا أعلم واحدا منهما ثابتا ولو ثبت واحد منهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت به فكانت
الحجة في قوله ولو ترك رجل الحجامة صائما للتوقي كان أحب إلي، ولو احتجم لم أره يفطره (قال
الشافعي) من تقيأ وهو صائم وجب عليه القضاء ومن ذرعه القئ فلا قضاء عليه، وبهذا أخبرنا مالك
عن نافع عن ابن عمر (قال الشافعي) ومن أكل أو شرب ناسيا فليتم صومه ولا قضاء عليه وكذلك
بلغنا عن أبي هريرة وقد قيل: إن أبا هريرة قد رفعه من حديث رجل ليس بحافظ (قال الشافعي)
وقد قال بعض أصحابنا يقضى ولسنا نأخذ بقوله وقال بعض الناس بمثل قولنا لا يقضى والحجة عليهم
في الكلام في الصلاة ساهيا وتفريقه بين العمد والنسيان في الصوم حجة عليهم في الصلاة بل الكلام
في الصلاة ناسيا أثبت وأولى لأنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف فرق بين العمد والنسيان في
الصوم؟ وإنما فرق بينهما بأن أبا هريرة لم ير على من أكل ناسيا لصومه قضاء فرأى أبي هريرة حجة
فرق بها بين العمد والنسيان وهو عندنا حجة ثم ترك رواية أبي هريرة وابن عمر وعمران بن حصين
وطلحة بن عبيد الله وغيرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث ذي اليدين وفيه ما دل على الفرق
بين العمد والنسيان في الصلاة فهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت وما جاء عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أوجب مما جاء عن غيره فترك الأوجب والأثبت وأخذ بالذي هو أضعف عنده
وعاب غيره إذ زعم أن العمد في الصوم والنسيان سواء ثم قال بما عاب في الصلاة فزعم أن العمد
والنسيان سواء ثم لم يقم بذلك (قال الشافعي) من احتلم في رمضان اغتسل ولم يقض وكذلك من
أصاب أهله ثم طلع الفجر قبل أن يغتسل اغتسل ثم أتم صومه (قال الشافعي) وإن طلع الفجر وهو
مجامع فأخرجه من ساعته أتم صومه لأنه لا يقدر على الخروج من الجماع إلا بهذا وإن ثبت شيئا آخر أو

(1) قوله: أسود، كذا في بعض النسخ، وفى بعض آخر " الأسود " ومثله في المسند، وكلاهما
صحيح، والمدار على الرواية. كتبه مصححه.
106

حركه لغير إخراج وقد بان له الفجر كفر (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله ابن عبد الرحمن بن
معمر عن أبي يونس مولى عائشة عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وهي تسمع: إني أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأنا أصبح جنبا
وأنا أريد الصيام فأغتسل ثم أصوم ذلك اليوم " فقال الرجل: إنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم
من ذنبك وما تأخر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال والله " إني لأرجو أن أكون أخشاكم
لله وأعلمكم بما أتقى " (قال الشافعي) وقد جاء هذا من غير هذا الوجه وهو قول العامة عندنا وفى
أكثر البلدان، فإن ذهب ذاهب إلى أنه جنب من جماع في رمضان فإن الجماع كان وهو مباح والجنابة
باقية بمعنى متقدم والغسل ليس من الصوم بسبيل وإن وجب بالجماع فهو غير الجماع (قال الشافعي)
وهذا حجة لنا على من قال في المطلقة لزوجها عليها الرجعة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وقد قال الله
تبارك وتعالى " ثلاثة قروء " والقرء عنده الحيضة فما بال الغسل؟! وإن وجب بالحيض فهو غير الحيض
فلو كان حكمه إذا وجب به حكم الحيض كان حكم الغسل إذا وجب بالجماع حكم الجماع فأفطر وكفر
من أصبح جنبا (قال الشافعي) فإن قال: فقد روى فيه شئ فهذا أثبت من تلك الرواية لعل تلك
الرواية كانت بأن سمع صاحبها من أصبح جنبا أفطر على معنى إذا كان الجماع بعد الفجر أو عمل فيه بعد
الفجر كما وصفنا (قال الشافعي) ومن حركت القبلة شهوته كرهتها له وإن فعلها لم ينقض صومه ومن لم
تحرك شهوته فلا بأس له بالقبلة، وملك النفس في الحالين عنها أفضل لأنه منع شهوة يرجى من الله
تعالى ثوابها (قال الشافعي) وإنما قلنا لا ينقض صومه لان القبلة لو كانت تنقض صومه لم يقبل رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولم يرخص ابن عباس وغيره فيها كما لا يرخصون فيما يفطر ولا ينظرون في ذلك
إلى شهوة فعلها الصائم لها ولا غير شهوة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن
عائشة: قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبل بعض أزواجه وهو صائم ثم تضحك (قال
الشافعي) أخبرنا مالك أن عائشة كانت إذا ذكرت ذلك قالت " وأيكم أملك لإربه من رسول الله
صلى الله عليه وسلم " (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال لم أر القبلة تدعو
إلى خير (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن ابن عباس سئل عن القبلة
للصائم فأرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب (قال الشافعي) وهذا عندي والله أعلم على ما وصفت، ليس
اختلافا منهم، ولكن على الاحتياط، لئلا يشتهى فيجامع، وبقدر ما يرى من السائل أو يظن به.
(باب الجماع في رمضان والخلاف فيه)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن
عن أبي هريرة أن رجلا أفطر في شهر رمضان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بعتق رقبة أو صيام
شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا قال إني لا أجد فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق تمر
فقال " خذ هذا فتصدق به " فقال يا رسول الله ما أجد أحدا أحوج منى، فضحك رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال " كله " (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عطاء الخراساني عن سعيد
بن المسيب قال أتى أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم ينتف شعره ويضرب نحره ويقول هلك الابعد
107

فقال النبي صلى الله عليه وسلم " وما ذاك؟ " قال: أصبت أهلي في رمضان وأنا صائم " فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " هل تستطيع أن تعتق رقبة؟ " قال: لا، قال " فهل تستطيع أن تهدى بدنة؟ "
قال: لا، قال " فاجلس " فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق تمر فقال: " خذ هذا فتصدق به "
فقال " ما أجد أحدا أحوج منى " قال " فكله وصم يوما مكان ما أصبت " قال عطاء فسألت سعيدا كم
في ذلك العرق؟ قال: ما بين خمسة عشر صاعا إلى عشرين (قال الشافعي) وفى حديث غير هذا
" فأطعمه أهلك " (قال الشافعي) فبهذا كله نأخذ يعتق فإن لم يقدر صام شهرين متتابعين فإن لم يقدر
أطعم ستين مسكينا (قال الشافعي) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " كله وأطعمه أهلك " يحتمل
معاني، منها أنه لما كان في الوقت الذي أصاب أهله فيه ليس ممن يقدر على واحدة من الكفارات
تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه بأن قال له في شئ أتى به: كفر به، فلما ذكر الحاجة ولم
يكن الرجل قبضه قال " كله وأطعمه أهلك " (1) وجعل له التمليك حينئذ ويحتمل أن يكون ملكه فلما
ملكه وهو محتاج كان إنما يكون عليه الكفارة إذا كان عنده فضل فلم يكن عنده فضل فكان له أكله
هو وأهله، ويحتمل في هذا أن تكون الكفارة دينا عليه متى أطاقها أو شيئا منها وإن كان ذلك ليس في
الخبر وكان هذا أحب إلينا وأقرب من الاحتياط، ويحتمل أن كان لا يقدر على شئ من الكفارات
فكان لغيره أن يكفر عنه وأن يكون لغيره أن يضعه عليه وعلى أهله إن كانوا محتاجين (2) ويجزى عنهم
ويحتمل أن يكون إذا لم يقدر في حاله تلك على الكفارة أن تكون الكفارة ساقطة عنه إذا كان مغلوبا كما
تسقط الصلاة عن المغمى عليه إذا كان مغلوبا والله أعلم، ويحتمل إذا كفر أن تكون الكفارة بدلا من
الصيام ويحتمل أن يكون الصيام مع الكفارة ولكل وجهة (قال) وأحب أن يكفر متى قدر وان يصوم مع
الكفارة (قال الشافعي) وفي الحديث ما يبين ان الكفارة مد (3) لا مدين (قال الشافعي) وقال بعض الناس
مدين وهذا خلاف الحديث والله أعلم (قال الشافعي) (4) وإن جامع يوما فكفر ثم جامع يوما فكفر
وكذلك إن لم يكفر فلكل يوم كفارة لان فرض كل يوم غير فرض الماضي (قال الشافعي) وقال بعض
الناس: إن كفر ثم عاد بعد الكفارة كفر، وإن لم يكفر حتى يعود فكفارة واحدة ورمضان كله واحد
(قال الشافعي) فقيل لقائل هذا القول ليس في هذا خبر بما قلت والخبر عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه أمر رجلا مرة بكفارة وفى ذلك ما دل عندنا والله أعلم على أنه لو جامع يوما آخر أمر بكفارة
لان كل يوم مفروض عليه فإلى أي شئ ذهبت؟ قال: ألا ترى أنه لو جامع في الحج مرارا كانت عليه
كفارة واحدة؟ قلنا: وأي شئ الحج من الصوم؟ الحج شريعة، والصوم أخرى، قد يباح في الحج
الأكل والشرب ويحرم في الصوم ويباح في الصوم اللبس والصيد والطيب ويحرم في الحج (قال
الشافعي) والحج إحرام واحد ولا يخرج أحد منه إلا بكماله وكل يوم من شهر رمضان كماله بنفسه

(1) قوله: وجعل له التمليك حينئذ، كذا في بعض النسخ، وفى بعض آخر زيادة " مع القبض
على التمليك " فانظر.
(2) قوله: ويجزى عنهم، كذا في النسخ بضمير الجمع.
(3) قوله: لا مدين، كذا في النسخ بالياء والنون، وانظر +
(4) قوله: وإن جامع الخ، كذا في النسخ، ولعل في التركيب تحريفا من الناسخ. كتبه
مصححه.
108

ونقصه فيه، ألا ترى أنه يصوم اليوم من شهر رمضان ثم يفطر وقد كمل اليوم وخرج من صومه ثم
يدخل في آخر فلو أفسده لم يفسد الذي قبله والحج متى أفسد عندهم قبل الزوال من يوم عرفة فسد
كله، وإن كان قد مضى كثير من عمله، مع أن هذا القول خطأ من غير وجه، الذي يقيسه بالحج
يزعم أن المجامع في الحج تختلف أحكامه فيكون عليه شاة قبل عرفة ويفسد حجه، وبدنة إذا جامع
بعد الزوال ولا يفسد حجه وهذا عنده في الصوم لا يختلف في أول النهار وآخره إنما عليه رقبة فيهما
ويفسد صومه فيفرق بينهما في كل واحدة منهما ويفرق بينهما في الكفارتين (5) ويزعم أنه جامع يوما
ثم كفر ثم جامع يوما آخر ثم كفر وهو لو كفر عنده في الحج عن الجماع ثم عاد لجماع آخر لم يعد الكفارة
فإذا قيل له: لم ذلك؟ قال الحج واحد وأيام رمضان متفرقة، قلت: فكيف تقيس أحدهما بالآخر
وهو يجامع في الحج فيفسده ثم يكون عليه أن يعمل عمل الحج وهو فاسد وليس هكذا الصوم ولا
الصلاة؟ (قال الشافعي) فإن قال قائل منهم فأقيسه بالكفارة قلنا: هو من الكفارة أبعد، الحانث
يحنث غير عامد للحنث فيكفر ويحنث عامدا فلا يكفر عندك (1) وأنت إذا جامع عامدا كفر وإذا جامع
غير عامد لم يكفر فكيف قسته بالكفارة والمكفر لا يفسد عملا يخرج منه ولا يعمل بعد الفساد شيئا
يقضيه إنما يخرج به عندك من كذبة حلف عليها وهذا يخرج من صوم ويعود في مثل الذي خرج منه
(قال الشافعي) ولو جامع صبية لم تبلغ أو أتى بهيمة فكفارة واحدة ولو جامع بالغة كانت كفارة لا يزاد
عليها على الرجل، وإذا كفر أجزأ عنه وعن امرأته وكذلك في الحج والعمرة وبهذا مضت السنة ألا ترى
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل تكفر المرأة وأنه لم يقل في الخبر في الذي جامع في الحج تكفر
المرأة (قال الشافعي) فإن قال قائل: فما بال الحد عليها في الجماع ولا تكون الكفارة عليها؟ قيل الحد لا
يشبه الكفارة، ألا ترى أن الحد يختلف في الحر والعبد والثيب والبكر ولا يختلف الجماع عامدا في
رمضان مع افتراقهما في غير ذلك فإن مذهبنا وما ندعى إذا فرقت الاخبار بين الشئ أن يفرق بينه كما
فرقت (قال الشافعي) وإن جامع في قضاء رمضان أو صوم كفارة أو نذر فقد أفسد صومه ولا كفارة
عليه ولكن يقضى يوما مكان يومه الذي جامع فيه (قال الشافعي) وهكذا قال بعض الناس وهذا كان
عندنا أولى أن يكفر لان البدل في رمضان يقوم مقامه فإذا اقتصر بالكفارة على رمضان لأنها جاءت فيه
في الجماع ولم يقس عليه البدل منه فكيف قاس عليه الطعام والشراب ولم تأت فيه كفارة؟ (قال
الشافعي) وإن جامع ناسيا لصومه لم يكفر وإن جامع على شبهة مثل أن يأكل ناسيا فيحسب أنه قد أفطر
فيجامع على هذه الشبهة فلا كفارة عليه في مثل هذا (قال الشافعي) وهذا أيضا من الحجة عليهم في
السهو في الصلاة إذ زعموا أن من جامع على شبهة سقطت عنه الكفارة فمن تكلم وهو يرى أن الكلام
في الصلاة كان له مباحا أولى أن يسقط عنه فساد صلاته (قال الشافعي) وإن نظر فأنزل، من غير
لمس ولا تلذذ بها فصومه تام لا تجب الكفارة في رمضان إلا بما يجب به الحد أن يلتقى الختانان، فأما

(5) قوله: ويزعم أنه لو جامع يوما ثم كفر الخ، كذا في النسخ، ولعل " ثم " في الجملتين زائدة من
النساخ، فتأمل. كتبه مصححه.
(1) قوله: وأنت إذا جامع الخ هكذا في النسخ، ولعل هنا سقطا. والأصل " وأنت تقول إذا
جامع الخ " كتبه مصححه.
109

ما دون ذلك فإنه لا يجب به الكفارة، ولا تجب الكفارة في فطر في غير جماع ولا طعام ولا شراب ولا
غيره، وقال بعض الناس: تجب إن أكل أو شرب كما تجب بالجماع (قال الشافعي) فقيل لمن يقول
هذا القول السنة جاءت في المجامع، فمن قال لكم في الطعام والشراب؟ قال قلناه قياسا على الجماع
فقلنا: أو يشبه الأكل والشرب الجماع فتقيسهما عليه؟ قال: نعم. في وجه من أنهما محرمان يفطران فقيل لهم
فكل ما وجدتموه محرما في الصوم يفطر قضيتم فيه بالكفارة؟ قال نعم. قيل فما تقول فيمن أكل طيبا أو
دواء؟ قال لا كفارة عليه قلنا ولم؟ قال هذا لا يغذو الجسد قلنا إنما قست هذا بالجماع لأنه محرم يفطر
وهذا عندنا وعندك محرم يفطر قال هذا لا يغذو الجسد، قلنا وما أدراك أن هذا لا يغذو البدن وأنت
تقول إن ازدرد من الفاكهة شيئا صحيحا فطره ولم يكفر وقد يغذو هذا البدن فيما نرى وقلنا قد صرت
من الفقه إلى الطب فإن كنت صرت إلى قياس ما يغذو فالجماع يقص البدن وهو إخراج شئ ينقص
البدن وليس بإدخال شئ فكيف قسته بما يزيد في البدن والجماع ينقصه؟ وما يشبعه والجماع يجيع؟
فكيف زعمت أن الحقنة والسعوط يفطران وهما لا يغذوان؟ وإن اعتلك بالغذاء ولا كفارة فيهما عندك
كان يلزمك أن تنظر كل ما حكمت له بحكم الفطر أن تحكم فيه بالكفارة إن أردت القياس (قال
الشافعي) قال منهم قائل إن هذا ليلزمنا كله ولكن لم لم تقسه بالجماع؟ فقلت له: أخبرنا مالك بن أنس
عن نافع ابن عمر أنه قال " من ذرعه القئ فلا قضاء عليه ومن استقاء عامدا فعليه القضاء " (قال
الشافعي) وهكذا نقول نحن وأنتم فقد وجدنا رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرى على
رجل إن أفطر من أمر عمده القضاء ولا يرى عليه الكفارة فيه وبهذا قلت: لا كفارة إلا في جماع
ورأيت الجماع لا يشبه شيئا سواه رأيت حده مباينا لحدود سواه ورأيت من رأيت من الفقهاء مجتمعين على أن
المحرم إذا أصاب أهله أفسد حجه ومضى فيه وجاء بالبدل منه وقد يحرم عليه في الحج الصيد والطيب
واللبس فأي ذلك فعله لم يفسد حجه غير الجماع ورأيت من جامع وجب عليه الغسل وليس كذلك من
صنع ما هو أقذر منه، فبهذا فرقنا بين الجماع وغيره (قال الشافعي) إن تلذذ بامرأته حتى ينزل أفسد
صومه وكان عليه قضاؤه وما تلذذ به دون ذلك كرهته ولا يفسد والله أعلم، وإن أتى امرأته في دبرها
فغيبه أو بهيمة أو تلوط أفسد وكفر مع الاثم بالله في المحرم الذي أتى مع إفساد الصوم، وقال بعض
الناس في هذا كله لا كفارة عليه ولا يعيد صوما إلا أن ينزل فيقضى ولا يكفر (قال الشافعي) فخالفه
بعض أصحابه في اللوطي ومن أتى امرأته في دبرها فقال يفسد وقال هذا جماع وإن كان غير وجه
الجماع المباح ووافقه في الآتي للبهيمة قال وكل جماع، غير أن في هذا معصية لله عز وجل من وجهين
فلو كان أحدهما يزاد عليه زيد على الآتي ما حرم الله من وجهين (قال الشافعي) ولا يفسد الكحل وإن
تنخمه فالنخامة تجئ من الرأس باستنزاله والعين متصلة بالرأس ولا يصل إلى الرأس والجوف علمي ولا
أعلم أحد أكره الكحل على أنه يفطر (قال الشافعي) ولا أكره الدهن وإن استنقع فيه أو في ماء فلا
بأس وأكره العلك أنه يجلب الريق وإن مضغه فلا يفطره وبذلك إن تمضمض واستنشق (1) ولا يستبلغ
في الاستنشاق لئلا يذهب في رأسه وإن ذهب في رأسه لم يفطره فإن استيقن أنه قد وصل إلى الرأس

(1) قوله: ولا يستبلغ، كذا في النسخ التي بيدنا، والمعروف المشهور، يبالغ، ولم نجد في كتب
اللغة " استبلغ " فلعل هنا تحريفا من النساخ. كتبه مصححه.
110

أو الجوف من المضمضة وهو عامد ذاكر لصومه فطره (قال الربيع) وقد قال الشافعي مرة لا شئ عليه
(قال الربيع) وهو أحب إلي وذلك أنه مغلوب (قال الشافعي) ولا أكره السواك بالعود الرطب واليابس
وغيره بكره وأكرهه بالعشى لما أحب من خلوف فم الصائم وإن فعل لم يفطره وما داوى به قرحه من
رطب أو يابس فخلص إلى جوفه فطره إذا داوى وهو ذاكر لصومه عامد لادخاله في جوفه وقال بعض
الناس يفطره الرطب ولا يفطره اليابس (قال الشافعي) فإن كان أنزل الدواء إذا وصل إلى الجوف بمنزلة
المأكول أو المشروب فالرطب واليابس من المأكول عندهم سواء وإن كان لا ينزله إذا لم يكن من سبيل
الاكل ولا الشرب بمنزلة واحد منهما فينبغي أن يقول لا يفطران فأما أن يقول يفطر أحدهما ولا يفطر
الآخر فهذا خطأ (قال الشافعي) وأحب له أن ينزه صيامه عن اللغط والمشاتمة وإن شوتم أن يقول: أنا
صائم، وإن شاتم لم يفطره (قال الشافعي) وإن قدم مسافر في بعض اليوم وقد كان فيه مفطرا وكانت
امرأته حائضا فطهرت فجامعها لم أر بأسا وكذلك إن أكلا أو شربا وذلك أنهما غير صائمين، وقال
بعض الناس هما غير صائمين ولا كفارة عليهما إن فعلا وأكره ذلك لان الناس في المصر صيام (قال
الشافعي) إما أن يكونا صائمين فلا يجوز لهما أن يفعلا، أو يكونا غير صائمين فإنما يحرم هذا على الصائم
(قال الشافعي) ولو توفى ذلك لئلا يراه أحد فيظن أنه أفطر في رمضان من غير علة كان أحب إلي
(قال الشافعي) ولو اشتبهت الشهور على أسير فتحرى شهر رمضان فوافقه أو ما بعده من الشهور فصام
شهرا أو ثلاثين يوما أجزأه، ولو صام ما قبله فقد قال قائل لا يجزيه إلا أن يصيبه أو شهرا بعده فيكون
كالقضاء له وهذا مذهب. ولو ذهب ذاهب إلى أنه إذا لم يعرفه بعينه فتأخاه أجزأه قبل كان أو بعد،
كان هذا مذهبا وذلك أنه قد يتأخى القبلة فإذا علم بعد كمال الصلاة أنه قد أخطأها أجزأت عنه ويجزى
ذلك عنه في خطأ عرفة والفطر وإنما كلف الناس في المغيب الظاهر، والأسير إذا اشتبهت عليه الشهور
فهو مثل المغيب عنه والله أعلم (قال الربيع) وآخر قول الشافعي أنه لا يجزيه إذا صامه على الشك حتى
يصيبه بعينه أو شهرا بعده وآخر قوله في القبلة كذلك لا يجزيه وكذلك لا يجزيه إذا تأخى وإن أصاب
القبلة فعليه الإعادة إذا كان تأخيه بلا دلالة وأما عرفة ويوم الفطر والأضحى فيجزيه لان هذا أمر إنما
يفعله باجتماع العامة عليه والصوم والصلاة شئ يفعله في ذات نفسه خاصة (قال الشافعي) ولو أصبح
يوم الشك لا ينوى الصوم ولم يأكل ولم يشرب حتى علم أنه من شهر رمضان فأتم صومه رأيت إعادة
صومه وسواء رأى ذلك قبل الزوال أو بعده إذا أصبح لا ينوى صيامه من شهر رمضان (قال الشافعي)
وأرى والله أعلم كذلك لو أصبح ينوى صومه تطوعا لم يجزه من رمضان ولا أرى رمضان يجزيه إلا
بإرادته والله أعلم، ولا أعلم بينه وبين نذر الصلاة وغير ذلك مما لا يجزى إلا بنية فرقا (قال الشافعي)
ولو أن مقيما نوى الصيام قبل الفجر ثم خرج بعد الفجر مسافرا لم يفطر يومه ذلك لأنه قد دخل في
الصوم مقيما (قال الربيع) وفى كتاب غير هذا من كتبه " إلا أن يصح حديث عن النبي صلى الله عليه
وسلم حين أفطر (1) بالكديد أنه نوى صيام ذلك اليوم وهو مقيم " (قال الشافعي) ولو نواه من الليل ثم
خرج قبل الفجر كان كأن لم يدخل في الصوم حتى سافر وكان له إن شاء أن يتم فيصوم وإن شاء أن
يفطر (قال الشافعي) وإذا تأخى الرجل القبلة بلا دلائل فلما أصبح علم أنه أصاب القبلة كانت عليه

(1) الكديد: وزان كريم، ما بين عسفان وقديد، مصغرا، على ثلاث مراحل من مكة
شرفها الله تعالى، كذا في المصباح. كتبه مصححه.
111

الإعادة لأنه صلى حين صلى على الشك (قال الشافعي) وقد نهى عن صيام السفر وإنما نهى عنه عندنا
والله أعلم على الرفق بالناس لا على التحريم ولا على أنه لا يجزى وقد يسمع بعض الناس النهى ولا
يسمع ما يدل على معنى النهى فيقول بالنهي جملة (قال الشافعي) والدليل على ما قلت لك أنه
رخصة في السفر أن مالكا أخبرنا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن حمزة بن عمرو الأسلمي
قال: " يا رسول الله أصوم في السفر وكان كثير الصوم " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن شئت
فصم وإن شئت فأفطر " أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال سافرنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم (قال الشافعي) وهذا
دليل على ما وصفت، فإن قال إنسان فإنه قد سمى الذين صاموا العصاة فقد نهى النبي عليه الصلاة
والسلام عن الصيام في السفر للتقوى للعدو وذلك أنه كان محاربا عام نهى عن الصيام في السفر فأبى
قوم إلا الصيام فسمى بعض من سمع النهى العصاة إذ تركوا الفطر الذي أمروا به وقد يمكن أن يكون قد
قيل لهم ذلك على أنهم تركوا قبول الرخصة ورغبوا عنها وهذا مكروه عندنا، إنما نقول يفطر أو يصوم
وهو يعلم أن ذلك واسع له، فإذا جاز ذلك فالصوم أحب إلينا لمن قوى عليه (قال الشافعي) فإن قيل
فقد روى " ليس من البر الصيام في السفر " قيل ليس هذا بخلاف حديث هشام بن عروة ولكنه كما
وصفت إذا رأى الصيام برا والفطر مأثما وغير برغبة عن الرخصة في السفر (قال الشافعي) وإذا أدرك
المسافر الفجر قبل أن يصل إلى بلده أو البلد الذي ينوى المقام به وهو ينوى الصوم أجزأه وإن أزمع الفطر
ثم أزمع الصوم بعد الفجر لم يجزه في حضر كان أو في سفر وإن سافر فلم يصم حتى مات فليس عليه
قضاء ما أفطر لأنه كان له أن يفطر وإنما عليه القضاء إذا لزمه أن يصوم وهو مقيم فترك الصوم فهو حينئذ
يلزم بالقضاء ويكفر عنه بعد موته وكذلك المريض لا يصح حتى يموت فلا صوم عليه ولا كفارة.
(باب صيام التطوع)
(قال الشافعي) والمتطوع بالصوم مخالف للذي عليه الصوم من شهر رمضان وغيره الذين يجب
عليهم الصوم لا يجزيهم عندي إلا إجماع الصوم قبل الفجر والذي يتطوع بالصوم ما لم يأكل ولم يشرب
وإن أصبح يجزيه الصوم وإن أفطر المتطوع من غير عذر كرهته له ولا قضاء عليه، وخالفنا في هذا بعض
الناس فقال عليه القضاء، وإذا دخل في شئ فقد أوجبه على نفسه واحتج بحديث الزهري أن النبي
صلى الله عليه وسلم أمر عائشة وحفصة أن يقضيا يوما مكان يومهما الذي أفطرتا فيه (قال الشافعي)
فقيل له ليس بثابت إنما حدثه الزهري عن رجل لا نعرفه ولو كان ثابتا كان يحتمل أن يكون إنما أمرهما
على معنى إن شاءتا والله أعلم كما أمر عمر أن يقضى نذرا نذره في الجاهلية وهو على معنى إن شاء. قال
فما دل على معنى ما قلت فإن الظاهر من الخبر ليس فيه ما قلت (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن
طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت إنا خبأنا لك حيسا فقال " أما إني كنت أريد الصوم ولكن قربيه " (قال الشافعي) فقلت له لو كان على
المتطوع القضاء إذا خرج من الصوم لم يكن له الخروج منه من غير عذر وذلك أن الخروج حينئذ منه لا
112

يجوز، وكيف يجوز لاحد ان يخرج من عمل عليه تمامه من غير عذر إذا كان عليه أن يعود فيه لم يكن له أن
يخرج منه (قال الشافعي) والاعتكاف وكل عمل له قبل أن يدخل فيه أن لا يدخل فيه فله الخروج قبل
إكماله وأحب إلى لو أتمه إلا الحج والعمرة فقط فإن قال قائل: فكيف أمرته إذا أفسد الحج والعمرة أن يعود
فيهما فيقضيهما مرتين دون الأعمال؟ قلنا لا يشبه الحج والعمرة الصوم ولا الصلاة ولا ما سواهما. ألا ترى أنه لا
يختلف أحد في أنه يمضى في الحج والعمرة على الفساد كما يمضى فيهما قبل الفساد ويكفر ويعود فيهما؟ ولا
يختلف أحد في أنه إذا أفسد الصلاة لم يمض فيها ولم يجز له أن يصليها فاسدة بلا ضوء وهكذا الصوم إذا أفسد
لم يمض فيه. أو لا ترى أنه يكفر في الحج والعمرة متطوعا كان أو واجبا عليه كفارة واحدة ولا يكفر في
الصلاة على كل حال ولا في الاعتكاف ولا في التطوع في الصوم؟ وقد روى الذين يقولون بخلافنا في هذا
عن ابن عمر أنه صلى ركعة قال: إنما هو تطوع، وروينا عن ابن عباس شبيها به في الطواف.
(باب أحكام من أفطر في رمضان)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى من أفطر أياما من رمضان من عذر مرض أو سفر قضاهن في أي
وقت ما شاء في ذي الحجة أو غيرها وبينه وبين أن يأتي عليه رمضان آخر متفرقات أو مجتمعات وذلك
أن الله عز وجل يقول " فعدة من أيام أخر " ولم يذكرهن متتابعات وقد بلغنا عن بعض أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أحصيت العدة فصمهن كيف شئت (قال) (1) وصوم كفارة اليمين
متتابع والله أعلم، فإن مرض أو سافر المفطر من رمضان فلم يصح ولم يقدر حتى يأتي عليه رمضان آخر
قضاهن ولا كفارة وان فرط وهو يمكنه ان يصوم حتى يأتي رمضان آخر صام الرمضان الذي جاء
عليه وقضاهن. وكفر عن كل يوم بمد حنطة (قال الشافعي) والحامل والمرضع إذا أطاقتا الصوم ولم تخافا
على
ولديهما (قال الشافعي) وإن كانتا لا تقدران على الصوم فهذا مثل المرض أفطرتا وقضتا بلا كفارة إنما
ككفران بالأثر وبأنهما لم تفطرا لأنفسهما إنما أفطرتا لغيرهما فذلك فرق بينهما وبين المريض لا يكفر
والشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ويقدر على الكفارة يتصدق عن كل يوم بمد حنطة خبرا عن بعض
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقياسا على من لم يطق الحج ان يحج عنه غيره وليس عمل غيره عنه
عمله نفسه كما ليس الكفارة كعمله (قال الشافعي) والحال التي يترك بها الكبير الصوم أن يكون يجهده
الجهد غير المحتمل وكذلك المريض والحامل (قال الشافعي) وإن زاد مرض المريض زيادة بينة أفطر
وإن كانت زيادة محتملة لم يفطر والحامل إذا خافت على ولدها أفطرت وكذلك المرضع إذا أضر بلبنها

(1) في نسخة سراج الدين البلقيني هنا ما نصه " قال شيخنا شيخ الاسلام: ما ذكره الشافعي
هنا من أن صوم كفارة اليمين متتابع هو أحد قوليه، والقول الآخر: أنه لا يجب التتابع في كفارة
اليمين، وهو المشهور المعتمد في الفتوى " اه‍. كتبه مصححه.
113

الاضرار البين، فأما ما كان من ذلك محتملا فلا يفطر صاحبه والصوم قد يزيد عامة العلل ولكن
زيادة محتملة وينتقص بعض اللبن ولكنه نقصان محتمل، فإذا تفاحش أفطرتا (قال الشافعي) فكأنه
يتأول إذا لم يطق الصوم الفدية والله أعلم، فإن قال قائل: فكيف يسقط عنه فرض الصلاة إذا لم يطقها
ولا يسقط فرض الصوم؟ قيل ليس يسقط فرض الصلاة في حال تفعل فيها الصلاة ولكنه يصلى كما
يطيق قائما أو قاعدا أو مضطجعا فيكون بعض هذا بدلا من بعض، وليس شئ غير الصلاة بدلا من
الصلاة، ولا الصلاة بدلا من شئ، فالصوم لا يجزى فيه إلا إكماله ولا يتغير بتغير حال صاحبه ويزال عن
وقته بالسفر والمرض لأنه لا نقص فيه كما يكون بعض الصلاة قصرا وبعضها قاعدا وقد يكون بدلا من
الطعام في الكفارة ويكون الطعام بدلا منه (قال الشافعي) ومن مرض فلم يصح حتى مات فلا قضاء
عليه إنما القضاء إذا صح ثم فرط، ومن مات وقد فرط في القضاء أطعم عنه مكان كل يوم مسكين
مدا من طعام (قال الشافعي) ومن نذر أن يصوم سنة صامها وأفطر الأيام التي نهى عن صومها وهي
يوم الفطر والأضحى وأيام منى وقضاها، ومن نذر أن يصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان صامه، وإن
قدم فلان وقد مضى من النهار شئ أو كان يوم فطر قضاه، وإن قدم ليلا فأحب إلي أن يصوم الغد
بالنية لصوم يوم النذر وإن لم يفعل لم أره واجبا (قال الشافعي) ومن نذر أن يصوم يوم الجمعة فوافق يوم
فطر أفطر وقضاه ومن نوى أن يصوم يوم الفطر لم يصمه ولم يقضه لأنه ليس له صومه وكذلك لو أن امرأة
نذرت أن تصوم أيام حيضها (1) لم تصمه ولم تقضه لأنه ليس لها أن تصومها (قال الربيع) وقد قال
الشافعي مرة: من نذر صوم يوم يقدم فلان، فوافق يوم عيد لم يكن عليه شئ، ومن نذر صوم يوم
يقدم فيه فلان فقدم في بعض النهار، لم يكن عليه شئ (2).
114

(كتاب الاعتكاف) *
أخبرنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي والاعتكاف سنة فمن أوجب على نفسه اعتكاف شهر فإنه
يدخل في الاعتكاف قبل غروب الشمس ويخرج منه إذا غربت الشمس آخر الشهر (قال) ولا بأس
بالاشتراط في الاعتكاف الواجب وذلك أن يقول " إن عرض لي عارض كان لي الخرج " ولا بأس أن يعتكف
ولا ينوى أياما ولا وجوب اعتكاف متى شاء انصرف والاعتكاف في المسجد الجامع أحب إلينا وإن
اعتكف في غيره فمن الجمعة إلى الجمعة وإذا أوجب على نفسه اعتكافا في مسجد فانهدم المسجد
اعتكف في موضع منه فإن لم يقدر خرج من الاعتكاف وإذا بنى المسجد رجع فبنى على اعتكافه
ويخرج المعتكف لحاجته إلى البول والغائط إلى بيته إن شاء أو غيره ولا يمكث بعد فراغه من حاجته ولا
بأس أن يسأل عن المريض إذا دخل منزله ولا بأس أن يشترى ويبيع ويخيط ويجالس العلماء ويتحدث
بما أحب ما لم يكن إثما ولا يفسد الاعتكاف سباب ولا جدال (قال) ولا يعود المريض ولا يشهد
الجنازة إذا كان اعتكافا واجبا ولا بأس أن يعتكف المؤذن ويصعد المنارة كانت داخلة المسجد أو
خارجة منه وأكره له الاذان للوالي بالصلاة ولا بأس أن يقضى وإن كانت عنده شهادة فدعى إليها فإنه
يلزمه أن يجيب فإن أجاب يقضى الاعتكاف وإن أكل المعتكف في بيته فلا شئ عليه وإذا مرض
الذي أوجب على نفسه الاعتكاف خرج فإذا برئ رجع فبنى على ما مضى من اعتكافه فإن مكث
بعد برئه شيئا من غير عذر استقبل الاعتكاف وإذا خرج المعتكف لغير حاجة انتقض اعتكافه وإذا أفطر
المعتكف أو وطئ استأنف اعتكافه إذا كان اعتكافا واجبا بصوم وكذلك المرأة إذا كانت معتكفة
115

(قال) وإذا جعل لله عليه شهرا ولم يسم شهرا بعينه ولم يقل متتابعا اعتكف متى شاء وأحب إلي أن
يكون متتابعا ولا يفسد الاعتكاف من الوطئ إلا ما يوجب الحد لا تفسده قبلة ولا مباشرة ولا نظرة
أنزل أو لم ينزل وكذلك المرأة كان هذا في المسجد أو في غيره وإذا قال لله على أن أعتكف شهرا بالنهار
فله أن يعتكف النهار دون الليل وكذلك لو قال لله على أن لا أكلم فلانا شهرا بالنهار وإذا جعل لله عليه
اعتكاف شهر بعينه فذهب الشهر وهو لا يعلم فعليه أن يعتكف شهرا سواه وإذا جعل لله عليه اعتكاف
شهر فاعتكفه إلا يوما فعليه قضاء ذلك اليوم وإذا اعتكف الرجل اعتكافا واجبا فأخرجه السلطان أو
غيره مكرها فلا شئ عليه متى خلا بنى على اعتكافه وكذلك إذا أخرجه بحد أو دين فحبسه فإذا
خرج رجع فبنى وإذا سكر المعتكف ليلا أو نهار أفسد اعتكافه وعليه أن يبتدئ إذا كان واجبا وإذا

(1) قوله: فلما رد المجروح الخ كذا في الأصل الذي بيدنا، وهي عبارة لا تخلو من تحريف،
فارجع في تحريرها إلى الأصول الصحيحة. كتبه مصححه
116

خرج المعتكف لحاجة فلقيه غريم له فلا بأس أن يوكل به وإذا كان المعتكف الذي عليه الدين يحبسه
الطالب عن الاعتكاف فإذا خلاه رجع فبنى وإذا خاف المعتكف من الوالي خرج فإذا أمن بنى
والاعتكاف الواجب أن يقول لله على أن أعتكف كذا وكذا والاعتكاف الذي ليس بواجب أن يعتكف
ولا ينوى شيئا فإن نوى المعتكف يوما فدخل نصف النهار في الاعتكاف اعتكف إلى مثله وإذا جعل لله
عليه اعتكاف يوم دخل قبل الفجر إلى غروب الشمس وإذا جعل لله عليه اعتكاف يومين دخل قبل
الفجر فيعتكف يوما وليلة ويوما إلا أن يكون له نية النهار دون الليل وإذا جعل لله عليه اعتكاف شهر
بصوم ثم مات قبل أن يقضيه فإنه يطعم عنه مكان كل يوم مدا فإن كان جعل على نفسه وهو مريض
فمات قبل أن يصح فلا شئ عليه فإن كان صح أقل من شهر ثم مات أطعم عنه بعدد ما صح من الأيام كل
117

يوم مدا (قال الربيع) إذا مات وقد كان عليه أن يعتكف ويصوم أطعم عنه وإذا لم يمكنه فلا شئ عليه ولا
بأس أن يعتكف الرجل الليلة وكذلك لا بأس أن يعتكف يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق والاعتكاف
يكون بغير صوم فإذا قال: لله على أن أعتكف يوم يقدم فلان فقدم فلان في أول النهار أو آخره اعتكف ما
بقي من النهار وإن قدم وهو مريض أو محبوس فإنه إذا صح أو خرج من الحبس قضاه، وإن قدم ليلا فلا
شئ عليه وإذا جعل الله عليه اعتكاف شهر سماه فإذا الشهر قد مضى فلا شئ عليه (قال) وإذا أحرم
المعتكف بالحج وهو معتكف أتم اعتكافه فإن خاف فوات الحج مضى لحجه فإن كان اعتكافه متتابعا فإذا قدم
من الحج استأنف وإن كان غير متتابع بنى والاعتكاف في المسجد الحرام أفضل من الاعتكاف فيما سواه
وكذلك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وكل ما عظم من المساجد وكثر أهله فهو أفضل، والمرأة والعبد
والمسافر يعتكفون حيث شاءوا لأنهم لا جمعة عليهم وإذا جعلت المرأة على نفسها اعتكافا فلزوجها منعها منه
وكذلك لسيد العبد والمدبر وأم الولد منعهم، فإذا أذن لهم ثم أراد منعهم قبل تمام ذلك فذلك له وليس لسيد
المكاتب منعهم من الاعتكاف وإذا جعل العبد المعتق نصفه عليه اعتكافا أياما فله أن يعتكف يوما ويخدم يوما
حتى يتم اعتكافه وإذا جن المعتكف فأقام سنين ثم أفاق بنى. والأعمى والمقعد في الاعتكاف كالصحيح،
ولا بأس أن يلبس المعتكف والمعتكفة ما بدا لهما من الثياب ويأكلا ما بدا لهما من الطعام ويتطيبا بما بدا لهما من
الطيب ولا بأس أن ينام في المسجد ولا بأس بوضع المائدة في المسجد وغسل اليدين في المسجد في الطست
ولو نسي المعتكف فخرج ثم رجع لم يفسد اعتكافه ولا بأس أن يخرج المعتكف رأسه من المسجد إلى بعض
أهله فيغسله فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بأس أن ينكح المعتكف نفسه وينكح غيره وإذا مات
عن المعتكفة زوجها خرجت وإذا قضت عدتها رجعت فبنت وقد قيل ليس لها أن تخرج فإن فعلت ابتدأت
والله أعلم
118

(كتاب الحج)
(باب فرض الحج على من وجب عليه الحج)
أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي بمصر سنة سبع ومائتين قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي رحمه
الله قال: أصل إثبات فرض الحج خاصة في كتاب الله تعالى ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد ذكر الله عز وجل الحج في غير موضع من كتابه فحكى أنه قال لإبراهيم عليه السلام " وأذن في
الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق "، وقال تبارك وتعالى: " لا تحلوا
شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام " مع ما ذكر به الحج (قال
الشافعي) والآية التي فيها بيان فرض الحج على من فرض عليه قال الله جل ذكره " ولله على الناس حج
البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين " وقال " وأتموا الحج والعمرة لله " وهذه
الآية موضوعة بتفسيرها في العمرة (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن
عكرمة قال لما نزلت " ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه " الآية قالت اليهود: فنحن مسلمون
فقال الله تعالى لنبيه فحجهم فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: حجوا فقالوا لم يكتب علينا وأبوا أن
يحجوا قال الله جل ثناؤه: " ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين " قال عكرمة: من كفر من أهل الملل
فإن الله غنى عن العالمين وما أشبه ما قال عكرمة بما قال والله أعلم، لان هذا كفر بفرض الحج وقد
أنزله الله. والكفر بآية من كتاب الله كفر " (أخبرنا) مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج
قال: قال مجاهد في قول الله عز وجل " ومن كفر " قال هو ما إن حج لم يره برا وإن جلس لم يره إثما
119

كان سعيد بن سالم يذهب إلى أنه كفر بفرض الحج (قال الشافعي) ومن كفر بآية من كتاب الله كان
كافرا وهذا إن شاء الله كما قال مجاهد: وما قال عكرمة فيه أوضح وإن كان هذا واضحا (قال
الشافعي) فعم فرض الحج بالغ مستطيع إليه سبيلا، فإن قال قائل: فلم لا يكون غير البالغ إذا
وجد إليه سبيلا ممن عليه فرض الحج؟ قيل الاستدلال بالكتاب والسنة قال الله جل ذكره: " وإذا بلغ
الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم " يعنى الذين أمرهم بالاستئذان من البالغين
فأخبر أنهم إنما يثبت عليهم الفرض في إيذانهم في الاستئذان إذا بلغوا قال الله تعالى " وابتلوا اليتامى
حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم " فلم يأمر بدفع المال إليهم بالرشد حتى
يجتمع البلوغ معه وفرض الله الجهاد في كتابه ثم أكد اليقين فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله
بن عمر حريصا على أن يجاهد وأبوه حريص على جهاده وهو ابن أربع عشرة سنة فرده رسول الله صلى
الله عليه وسلم عام " أحد " ثم أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغ خمس عشرة سنة عام
الخندق ورسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله ما أنزل جملا من إرادته جل شأنه فاستدللنا بأن
الفرائض والحدود إنما تجب على البالغين وصنع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عام " أحد " مع ابن
عمر ببضعة عشر رجلا كلهم في مثل سنه (قال الشافعي) فالحج واجب على البالغ العاقل والفرائض
كلها وإن كان سفيها وكذلك الحدود فإذا حج بالغا عاقلا أجزأ عنه ولم يكن عليه أن يعود لحجة أخرى
إذا صار رشيدا وكذلك المرأة البالغة (قال) وفرض الحج زائل عمن بلغ مغلوبا على عقله لان الفرائض
على من عقلها وذلك أن الله عز وجل خاطب بالفرائض من فرضها عليه في غير آية من كتابه ولا
يخاطب إلا من يعقل المخاطبة وكذلك الحدود، ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك
على ما دل عليه كتاب الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى
يحتلم والمجنون حتى يفيق والنائم حتى يستيقظ فإن كان يجن ويفيق فعليه الحج فإذا حج مفيقا أجزأ عنه
وإن حج في حال جنونه لم يجز عنه الحج وعلى ولى السفيه البالغ أن يتكارى له ويمونه في حجه لأنه
واجب عليه ولا يضيع السفيه من الفرائض شيئا وكذلك ولى السفيهة البالغة (قال الشافعي) ولو حج
غلام قبل بلوغ الحلم واستكمال خمس عشرة سنة ثم عاش بعدها بالغا لم يحج لم تقض الحجة التي حج
قبل البلوغ عنه حجة الاسلام وذلك أنه حجها قبل أن تجب عليه وكان في معنى من صلى فريضة قبل
وقتها الذي تجب عليه فيه (1) في هذا الموضع فيكون بها متطوعا كما يكون بالصلاة متطوعا ولم يختلف
المسلمون عليه فيما وصفت في الذين لم يبلغوا الحلم والمماليك لو حجوا وأن ليست على واحد منهم فريضة
الحج ولو أذن للملوك بالحج أو أحجه سيده كان حجه تطوعا لا يجزى عنه من حجة الاسلام إن عتق ثم
عاش مدة يمكنه فيها أن يحج بعد ما ثبتت عليه فريضة الحج (قال) ولو حج كافر بالغ ثم أسلم لم تجز
عنه حجة الاسلام لأنه لا يكتب له عمل يؤدى فرضا في بدنه حتى يصير إلى الايمان بالله ورسوله،
فإذا أسلم وجب عليه الحج (قال) وكان في الحج مؤنة في المال وكان العبد لا مال له لان رسول الله
صلى الله عليه وسلم بين بقوله " من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع " فدل ذلك على

(1) قوله: في هذا الموضع، كذا في بعض النسخ، وفى بعض آخر في هذا الموضوع، وانظر
بماذا يتعلق هذا الجار كما أن قوله بعده " ولم يختلف المسلمون عليه " هو هكذا في النسخ، وانظر بماذا
يتعلق قوله " عليه " وحرر. كتبه مصححه.
120

أن لا مال للعبد وإن ما ملك فإنما هو ملك للسيد وكان المسلمون لا يورثون العبد من ولده ولا والده ولا
غيرهم شيئا فكان هذا عندنا من أقاويلهم استدلالا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه لا
يملك إلا لسيده وكان سيده غير الوارث وكان المسلمون لا يجعلون على سيده الاذن له إلى الحج فكان
العبد ممن لا يستطيع إليه سبيلا فدل هذا على أن العبيد خارجون من فرض الحج بخروجهم من
استطاعة الحج وخارج من الفرض لو أذن له سيده ولو أذن له سيده وحج لم تجز عنه فإن قال قائل
فكيف لا تجزى عنه؟ قلت لأنها لا تلزمه وأنها لا تجزى عمن لم تلزمه قال ومثل ماذا؟ قلت مثل مصلى
المكتوبة قبل وقتها وصائم شهر رمضان قبل إهلاله لا يجزئ عن واحد منهما إلا في وقته لأنه عمل على
البدن والعمل على البدن لا يجزى إلا في الوقت، والكبير الفاني القادر يلزمه ذلك في نفسه وفى غيره
وليس هكذا المملوك ولا غيره البالغ من الأحرار، فلو حجا لم تجز عنهما حجة الاسلام إذا بلغ هذا
وعتق هذا وأمكنهما الحج.
(باب تفريع حج الصبي والمملوك)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ليس على الصبي حج حتى يبلغ الغلام الحلم والجارية المحيض
في أي سن ما بلغاها أو استكملا خمس عشرة سنة، فإذا بلغا استكمال خمس عشرة سنة، أو بلغا
المحيض أو الحلم، وجب عليهما الحج (قال) وحسن أن يحجا صغيرين لا يعقلان ودون البالغين يعقلان
يجردان للاحرام ويجتنبان ما يجتنب الكبير فإذا أطاقا عمل شئ أو كانا إذا أمرا به عملاه عن أنفسهما ما
كان فإن لم يكونا يطيقانه عمل عنهما وسواء في ذلك الصلاة التي تجب بالطواف أو غيرها من عمل
الحج، فإن قال قائل أفتصلي عنهما المكتوبة؟ قيل لا فإن قال فما فرق بين المكتوبة وبين الصلاة التي
وجبت بالطواف؟ قيل تلك عمل من عمل الحج وجبت به كوجوب الطواف والوقوف به والرمي
وليست بفرض على غير حاج فتؤدى كما يؤدى غيرها فإن قال قائل: فهل من فرق غير هذا؟ قيل نعم،
الحائض تحج وتعتمر فتقضى ركعتي الطواف لا بد منهما ولا تقضى المكتوبة التي مرت في أيام حيضها
(قال) والحجة في هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للمرء أن يحج عن غيره وفى ذلك أن
عمله عنه يجزئ كما أجزأ عمله عن نفسه فمن علم هذا علم أنه مضطر إلى أن يقول لا يبقى من عمل
الحج عنه شيئا، فلو جاز أن يبقى من عمل الحج صلاة جاز أن يبقى طواف ورمى ووقوف ولكنه يأتي
بالكمال عمن عمل عنه كما كان على المعمول عنه أن يأتي بالكمال عن نفسه (قال) ولا أعلم أحدا ممن
سمعت منه في هذا شيئا خالف فيه ما وصفت. وقد حكى لي عن قائل أنه قال يعمل عنه غير
الصلاة، وأصل قول القائل هذا أنه لا يحج أحد عن أحد إلا في بعض الأحوال دون بعض فكيف
جاز أن يأمر بالحج في حال لم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فيه ويتركها حيث أمر بها النبي صلى الله
عليه وسلم وكيف إذا ترك أصل قوله في حال يحج المرء فيها عن غيره أو يعمل فيها شيئا من عمل الحج
عن غيره لم يجعل الصلاة التي تجب بالحج مما أمر بعمله في الحج غير الصلاة؟ فان قال قائل فما الحجة
أن للصبي حجا ولم يكتب عليه فرضه قيل: إن الله بفضل نعمته أناب الناس على الأعمال أضعافها
ومن على المؤمنين بأن ألحق بهم ذرياتهم ووفر عليهم أعمالهم فقال " ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من
عملهم من شئ " فلما من على الذراري بإدخالهم جنته بلا عمل كان أن من عليهم بأن يكتب لهم عمل
121

البر في الحج وإن لم يجب عليهم من ذلك المعنى، فإن قال قائل ما دل على ما وصفت؟ فقد جاءت
الأحاديث في أطفال المسلمين أنهم يدخلون الجنة فالحجة فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال
الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس أن
النبي صلى الله عليه وسلم قفل فلما كان بالروحاء لقى ركبا فسلم عليهم فقال من القوم؟ فقالوا مسلمون،
فمن القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفعت إليه امرأة صبيا لها من محفة فقالت يا رسول الله ألهذا
حج قال: نعم، ولك أجر. أخبرنا مالك عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن
عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة وهي في محفتها فقيل لها: هذا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأخذت بعضد صبي كان معها فقالت ألهذا حج؟ قال: نعم. ولك أجر (قال الشافعي)
أخبرنا سعيد بن سالم عن مالك بن مغول عن أبي السفر قال قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أيها
الناس أسمعوني ما تقولون وافهموا ما أقول لكم أيما مملوك حج به أهله فمات قبل أن يعتق فقد قضى
حجه وإن عتق قبل أن يموت فليحجج وأيما غلام حج به أهله فمات قبل أن يدرك فقد قضى عنه حجه
وإن بلغ فليحجج " أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال وتقضى حجة
العبد عنه حتى يعتق فإذا عتق وجبت عليه من غير أن تكون واجبة عليه (قال الشافعي) هذا كما قال
عطاء في العبد إن شاء الله ومن لم يبلغ وقد بين معنى قوله ومعنى قول ابن عباس عندنا هكذا وقوله:
فإذا عتق فليحجج يدل على أنها لو أجزأت عنه حجة الاسلام لم يأمره بأن يحج إذا عتق ويدل على أنه
لا يراها واجبة عليه في عبوديته وذلك أنه وغيره من أهل الاسلام لا يرون فرض الحج على أحد إلا مرة
لان الله عز وجل يقول " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " فذكره مرة، ولم يردد
ذكره مرة أخرى (قال الشافعي) أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء: أرأيت إن حج
العبد تطوعا يأذن له سيده بحج لا أجر نفسه ولا حج به أهله يخدمهم؟ قال: سمعنا أنه إذا عتق حج
لا بد. أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن ابن طاوس أن أباه كان يقول: تقضى حجة الصغير عنه
حتى يعقل فإذا عقل وجبت عليه حجة لا بد منها والعبد كذلك أيضا (قالا) وأخبرنا ابن جريج أن
قولهم هذا عن ابن عباس (قال الشافعي) وقولهم: إذا عقل الصبي، إذا احتلم والله أعلم. ويروى عن
عمر في الصبي والمملوك مثل معنى هذا القول، فيجتمع المملوك وغير البالغين والعبد في هذا المعنى،
ويتفرقان فيما أصاب كل واحد منهما في حجه.
(الاذن للعبد)
(قال الشافعي) إذا أذن الرجل لعبده بالحج فأحرم فليس له منعه أن يتم على إحرامه وله بيعه
وليس لمبتاعه منعه أن يتم إحرامه ولمبتاعه الخيار إذا كان لم يعلم بإحرامه لأنه محول بينه وبين حبسه
لمنفعته إلى أن ينقضى إحرامه وكذلك الأمة وكذلك الصبيان إذا أذن لهما أبوهما فأحرما لم يكن له حبسهما
(قال) ولو أصاب العبد امرأته فبطل حجه لم يكن لسيده حبسه وذلك لأنه مأمور بأن يمضى في حج
فاسد مضيه في حج صحيح ولو أذن له في الحج فأحرم فمنعه مرض لم يكن له حبسه إذا صح عن أن
يحل بطواف وإن أذن له في حج فلم يحرم كان له منعه ما لم يحرم (قال) وإن أذن له أن يتمتع أو يقرن
فأعطاه دما للمتعة أو القران لم يجز عنه لان العبد لا يملك شيئا فإذا ملكه شيئا فإنما ملكه للسيد فلا
122

يجزى عنه مالا يكون له مالكا بحال وعليه فيما لزمه الصوم ما كان مملوكا فإن لم يصم حتى عتق ووجد
ففيها قولان أحدهما أن يكفر كفارة الحر الواجد والثاني لا يكفر إلا بالصوم لأنه لم يكن له ولا عليه في
الوقت الذي أصاب فيه شئ إلا الصوم لو أذن له في الحج فأفسده كان على سيده أن يدعه يتم عليه
ولم يكن له على سيده أن يدعه يقضيه فإن قضاه أجزأ عنه من القضاء وعليه إذا عتق حجة الاسلام ولو
لم يأذن للعبد سيده بالحج فأحرم به كان أحب إلي أن يدعه يتمه فإن لم يفعل فله حبسه وفيها قولان
أحدهما أن عليه إذا حبسه سيده عن إتمام حجه شاة يقومها دراهم ثم يقوم الدراهم طعاما ثم يصوم عن
كل مد يوما ثم يحل، والقول الثاني يحل ولا شئ عليه حتى يعتق فيكون عليه شاة ولو أذن السيد لعبده
فتمتع فمات العبد، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال إذا أذنت لعبدك فتمتع فمات فاغرم
عنه، فإن قال قائل فهل يجوز أن يفرق بين ما يجزى العبد حيا من إعطاء سيده عنه وما يجزيه ميتا؟
فنعم، أما ما أعطاه حيا فلا يكون له إخراجه من ملكه عنه حيا حتى يكون المعطى عنه مالكا له والعبد
لا يكون مالكا وهكذا ما أعطى عن الحر بإذنه أو وهبه للحر فأعطاه الحر عن نفسه قد ملك الحر في
الحالين ولو أعطى عن حر بعد موته أو عبد لم يكن الموتى يملكون شيئا أبدا، ألا ترى أن من وهب لهم
أو أوصى أو تصدق عليهم لم يجز وإنما أجزنا أن يتصدق عنهم بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه أمر سعدا أن يتصدق عن أمه، ولولا ذلك، لما جاز ما وصفت لك.
(باب كيف الاستطاعة إلى الحج)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الاستطاعة وجهان، أحدهما أن يكون الرجل مستطيعا ببدنه
واجدا من ماله ما يبلغه الحج فتكون استطاعته تامة ويكون عليه فرض الحج لا يجزيه ما كان بهذا
الحال، إلا أن يؤديه عن نفسه، والاستطاعة الثانية أن يكون مضنوا في بدنه لا يقدر أن يثبت على
مركب فيحج على المركب بحال وهو قادر على من يطيعه إذا أمره أن يحج عنه بطاعته له أو قادر على مال
يجد من يستأجره ببعضه فيحج عنه فيكون هذا ممن لزمته فريضة الحج كما قدر، ومعروف في لسان
العرب أن الاستطاعة تكون بالبدن وبمن يقوم مقام البدن، وذلك أن الرجل يقول: أنا مستطيع لان
أبنى داري، يعنى بيده ويعنى بأن يأمر من يبنيها بإجارة أو يتطوع ببنائها له، وكذلك مستطيع لان
أخيط ثوبي وغير ذلك مما يعمله هو بنفسه ويعمله له غيره، فإن قال قائل: الحج على البدن وأنت
تقول في الأعمال على الأبدان إنما يؤديها عاملها بنفسه مثل الصلاة والصيام فيصلى المرء قائما فإن لم يقدر
صلى جالسا أو مضجعا ولا يصلى عنه غيره، وإن لم يقدر على الصوم قضاه إذا قدر أو كفر ولم يصم عنه غيره
وأجزأ عنه. قيل له إن شاء الله تعالى الشرائع تجتمع في معنى ونفترق في غيره بما فرق الله به عز وجل بينها في
كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أو بما اجتمعت عليه عوام المسلمين الذين لم يكن فيهم أن يجهلوا
أحكام الله تعالى فإن قال: فادللني على ما وصفت من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم قيل
له: إن شاء الله أخبرنا سفيان قال سمعت الزهري يحدث عن سليمان بن يسار عن ابن عباس أن امرأة من خثعم
123

سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبى شيخا كبيرا لا
يستطيع أن يستمسك على راحلته فهل ترى أن أحج عنه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " نعم " قال سفيان
هكذا حفظته عن الزهري وأخبرنيه عمرو بن دينار عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس عن النبي
صلى الله عليه وسلم مثله وزاد فقالت: يا رسول الله فهل ينفعه ذلك؟ فقال: نعم مثل لو كان عليه دين
فقضيته نفعه فكان فيما حفظ سفيان عن الزهري ما بين أن أباها إذا أدركته فريضة الحج ولا يستطيع أن
يستمسك على راحلته أن جائزا لغيره أن يحج عنه، ولد أو غيره، وأن لغيره أن يؤدى عنه فرضا إن كان عليه
في الحج إذا كان غير مطيق لتأديته ببدنه فالفرض لازم له، ولو لم يلزمه لقال لها رسول الله صلى الله عليه
وسلم: لا فريضة على أبيك إذا كان إنما أسلم ولا يستطيع أن يستمسك على الراحلة إن شاء الله تعالى،
ولقال: لا يحج أحد عن أحد إنما يعمل المرء عن نفسه ثم بين سفيان عن عمرو عن الزهري في الحديث ما لم
يدع بعده في قلب من ليس بالفهم شيئا فقال في الحديث فقالت له: أينفعه ذلك يا رسول الله؟ فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم: " كما لو كان على أبيك دين فقضيته نفعة " وتأدية الدين عمن عليه حيا
وميتا فرض من الله عز وجل في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وفى إجماع المسلمين، فأخبر رسول
الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تأديتها عنه فريضة الحج نافعة له كما ينفعه تأديتها عنه دينا لو كان عليه ومنفعته
إخراجه من المآثم وإيجاب أجر تأديته الفرض له كما يكون ذلك في الدين، ولا شئ أولى أن يجمع بينهما مما
جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه ونحن نجمع بالقياس بين ما أشبه في وجه وإن خالفه في وجه غيره،
إذا لم يكن شيئا أشد مجامعة له منه فيرى أن الحجة تلزم به العلماء، فإذا جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
بين شيئين، فالفرض أن يجمع بين ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه، وفيه فرق آخر أن العاقل
للصلاة لا تسقط عنه حتى يصليها جالسا إن لم يقدر على القيام أو مضطجعا أو موميا وكيفما قدر وأن الصوم إن
لم يقدر عليه قضاه، فإن لم يقدر على قضاء كفر، والفرض على الأبدان مجتمع في أنه لازم في حال ثم
يختلف بما خالف الله عز وجل بينه ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم يفرق بينه بما يفرق به أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم أو بعض من هو دونهم، فالذي يخالفنا ولا يجيز أن يحج أحد عن أحد يزعم أن من نسي فتكلم
في صلاة لم تفسد عليه صلاته، ومن نسي فأكل في شهر رمضان فسد صومه ويزعم أن من جامع في الحج
أهدى، ومن جامع في شهر رمضان تصدق ومن جامع في الصلاة فلا شئ عليه ويفرق بين الفرائض فيما لا
يحصى كثرة، وعلته في الفرق بينها خبر وإجماع، فإذا كانت هذه علته فلم رد مثل الذي أخذ به؟ قال
الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما قال:
كان الفضل ابن عباس رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل
ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر فقالت يا
رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج
عنه؟ فقال: نعم، وذلك في حجة الوداع (قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج قال
قال ابن شهاب حدثني سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس عن الفضل بن عباس أن امرأة من خثعم قالت
يا رسول الله: إن أبى أدركته فريضة الله عليه في الحج وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يستوى على ظهر بعيره
قال: فحجى عنه (قال الشافعي) أخبرنا عمرو بن أبي سلمة عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عبد
الرحمن بن الحرث المخزومي عن زيد بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي
بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " وكل منى منحر " ثم جاءت امرأة
124

من خثعم فقالت يا رسول الله: إن أبى شيخ كبير قد (1) أفند وأدركته فريضة الله على عباده في الحج ولا
يستطيع أداءها فهل يجزى عنه أن أؤديها عنه؟ فقال: نعم (قال الشافعي) وفى حديث علي بن أبي طالب
عن النبي صلى الله عليه وسلم بيان أن عليه أداءها إن قدر وإن لم يقدر (2) أداها عنه فأداؤها إياها عنه يجزيه،
والأداء لا يكون إلا لما لزم (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن حنظلة بن أبي سفيان قال سمعت طاوسا
يقول: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إن أمي ماتت وعليها حجة فقال " حجى عن أمك "
أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: لبيك عن فلان
فقال: " إن كنت حججت فلب عنه وإلا فاحجج عنك " وروى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي
طالب رضى الله تعالى عنه قال لشيخ كبير لم يحجج " إن شئت فجهز رجلا يحج عنك " (قال الشافعي)
ولو جهز من هو بهذه الحال رجلا فحج عنه ثم أتت له حال يقدر فيها على المركب للحج ويمكنه أن يحج لم تجز
تلك الحجة عنه وكان عليه أن يحج عن نفسه فإن لم يفعل حتى مات أو صار إلى حال لا يقدر فيها على الحج
وجب عليه أن يبعث من يحج عنه إذا بلغ تلك الحال أو مات لأنه إنما يجزى عنه حج غيره بعد أن لا يجد
السبيل فإذا وجدها وجب عليه الحج وكان ممن فرض عليه ببدنه أن يحج عن نفسه إذا بلغ تلك الحال، وما
أوجب على نفسه من حج في نذر وتبرر فهو مثل حجة الاسلام وعمرته، يلزمه أن يحج عن نفسه ويحجه عنه
غيره، إذا جاز أن يحج عنه حجة الاسلام وعمرته جاز ذلك فيما أوجب على نفسه.
(باب الخلاف في الحج عن الميت)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا أعلم أحدا نسب إلى علم ببلد يعرف أهله بالعلم خالفنا في أن
يحج عن المرء إذا مات الحجة الواجبة عنه إلا بعض من أدركنا بالمدينة وأعلام أهل المدينة والأكابر من
ماضي فقهائهم تأمر به مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر علي بن أبي طالب وابن عباس به
وغير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وابن المسيب وربيعة والذي قال لا يحج أحد عن
أحد قاله، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من ثلاثة وجوه سوى ما روى الناس عن النبي صلى
الله عليه وسلم من غير رسول الله، أنه أمر بعض من سأله أن يحج عن غيره ثم ترك ما روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم واحتج له بعض من قال بقوله بأن ابن عمر قال لا يحج أحد عن أحد وهو يروى عن ابن
عمر ثلاثة وستين حديثا يخالف ابن عمر فيها منها ما يدعه لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنها ما
يدعه لما جاء عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومنها ما يدعه لقول رجل من التابعين ومنها
ما يدعه لرأى نفسه فكيف جاز لاحد نسب نفسه إلى علم أن يحل قول ابن عمر عنده في هذا المحل ثم
يجعله حجة على السنة ولا يجعله حجة على قول نفسه؟ وكان من حجة من قال بهذا القول أن قال كيف
يجوز أن يعمل رجل عن غيره وليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اتباعها بفرض الله عز
وجل كيف والمسألة في شئ قد ثبتت فيه السنة ما لا يسع عالما والله أعلم، ولو جاز هذا لاحد جاز

(1) أفند: بالبناء للفاعل أي ضعف رأيه وخرف من المرض أو الكبر، كذا في كتب اللغة. كتبه
مصححه.
(2) أداها عنه: كذا في النسخ، وانظر أين الفاعل، وحرر. كتبه مصححه.
125

عليه مثله فقد يثبت الذي قال هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء بأضعف من إسناد أمر النبي
صلى الله عليه وسلم بعض الناس أن يحج عن بعض وله في هذا مخالفون كثير منها القطع في ربع دينار
ومنها بيع العرايا، ومنها النهى عن بيع اللحم بالحيوان وأضعاف هذه السنن، فكيف جاز له على من
خالفه أن يثبت الأضعف ويرد على غيره الأقوى؟ وكيف جاز له أن يقول بالقسامة وهي مختلف فيها عن
النبي صلى الله عليه وسلم؟ وأكثر الخلق يخالفه فيها وأعطى فيها بأيمان المدعين الدم وعظيم المال وهو لا
يعطى بها جرحا ولا درهما ولا أقل من المال في غيرها، فإن قال ليس في السنة قياس ولا عرض على
العقل فحديث حج الرجل عن غيره أثبت من جميع ما ذكرت وأحرى أن لا يبعد عن العقل بعد ما
وصفت من القسامة وغيرها ثم عاد فقال بما عاب من حج المرء عن غيره حيث لو تركه كان أجوز له
وتركه حيث لا يجوز تركه فقال إذا أوصى الرجل أن يحج عنه حج عنه من ماله، وأصل مذهبه أن لا
يحج أحد عن أحد، كما لا يصلى أحد عن أحد وقد سألت بعض من يذهب مذهبه فقلت: أرأيت لو
أوصى الرجل أن يصلى أو يصام عنه بإجارة أو نفقة غير إجارة أو تطوع، أيصام أو يصلى عنه؟ قال:
لا. والوصية باطلة فقلت له: فإذا كان إنما أبطل الحج لأنه كالصوم والصلاة فكيف أجاز
أن يحج المرء عن غيره بما له ولم يبطل الوصية فيه كما أبطلها؟ قال أجازها الناس
قلت: فالناس الذين أجازوها أجازوا أن يحج الرجل عن الرجل إذا أفند، وإن مات
بكل حال وأنت لم تجزها على ما أجازوها عليه مما جاءت به السنة ولم تبطلها إبطالك
الوصية بالصوم والصلاة فلم يكن عنده فيها سنة ولا أثر ولا قياس ولا معقول، بل كان عنده
خلاف هذا كله وخلاف ما احتج به عن ابن عمر، فما علمته إذ قال لا يحج أحد عن أحد
استقام عليه، ولا أمر بالحج في الحال التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه وعامة
الفقهاء وما علمت من رد الأحاديث من أهل الكلام تروحوا من الحجة علينا إلى شئ تروحهم إلى
إبطال من أبطل أصحابنا أن يحج المرء عن الآخر حيث أبطلها وأشياء قد تركها من السنن ولا شغب فيه
شغبه في هذا، فقلنا لبعض من قال ذلك: لنا مذهبك في التروح إلى الحجة بهذا مذهب من لا
علم له أو من له علم بلا نصفة فقال: وكيف؟ قلت أرأيت ما تروحت إليه من هذا أهو قول أحد يلزم
قوله فأنت تكبر خلافه أو قول آدمي قد يدخل عليه ما يدخل على الآدميين من الخطأ؟ قال بل قول من
يدخل عليه الخطأ قلنا فتركه بأن يحج المرء عن غيره حيث تركه مرغوب عنه غير مقبول منه عندما قال
فهو من أهل ناحيتكم قلنا وما زعمنا أن أحدا من أهل زماننا وناحيتنا برئ من أن يغفل وإنهم
لكالناس وما يحتج منصف على امرئ بقول غيره إنما يحتج على المرء بقول نفسه.
(باب الحال التي يجب فيها الحج)
(قال الشافعي) رحمه الله: ما أحب لاحد ترك الحج ماشيا إذا قدر عليه ولم يقدر على مركب
رجل أو امرأة والرجل فيه أقل عذرا من المرأة ولا يبين لي أن أوجبه عليه لأني لم أحفظ عن أحد من
المفتين أنه أوجب على أحد ان يحج ماشيا وقد روى أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن
لا يجب المشي على أحد إلى الحج وإن أطاقه غير أن منها منقطعة ومنها ما يمتنع أهل العلم بالحديث من
تثبيته (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن إبراهيم ابن يزيد عن محمد بن عباد بن جعفر قال قعدنا
126

إلى عبد الله بن عمر فسمعته يقول سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما الحاج؟ فقال
" الشعت التفل " فقام آخر فقال يا رسول الله أي الحج أفضل؟ قال " العج والثج " فقام آخر فقال يا
رسول الله ما السبيل؟ فقال: زاد وراحلة (قال) وروى عن شريك بن أبي نمر عمن سمع أنس بن
مالك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " السبيل الزاد والراحلة ".
(باب الاستسلاف للحج)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن سفيان الثوري عن طارق بن عبد
الرحمن عن عبد الله بن أبي أوفى صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سألته عن الرجل لم يحج
أيستقرض للحج؟ قال: لا (قال الشافعي) ومن لم يكن في ماله سعة يحج بها من غير أن يستقرض
فهو لا يجد السبيل ولكن إن كان ذا عرض كثير فعليه أن يبيع بعض عرضه أو الاستدانة فيه حتى يحج
فإن كان له مسكن وخادم وقوت أهله بقدر ما يرجع من الحج إن سلم فعليه الحج وإن كان له قوت
أهله أو ما يركب به لم يجمعهما فقوت أهله ألزم له من الحج عندي والله أعلم، ولا يجب عليه الحج حتى
يضع لأهله قوتهم في قدر غيبته، ولو آجر رجل نفسه من رجل يخدمه ثم أهل بالحج معه أجزأت عنه
من حجة الاسلام وذلك أنه لم ينتقض من عمل الحج بالإجارة شئ إذا جاء بالحج بكماله ولا يحرم
عليه أن يقوم بأمر غيره بغير أن ينقض من عمل الحج شيئا كما يقوم بأمر نفسه إذا جاء بما عليه وكما
يتطوع فيخدم غيره لثواب أو لغير ثواب، أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس
أن رجلا سأله فقال أو آجر نفسي من هؤلاء القوم فأنسك معهم المناسك إلى أجر؟ فقال ابن عباس نعم
" أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب " ولو حج رجل في حملان غيره ومؤنته أجزأت عنه
حجة الاسلام وقد حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر حملهم فقسم بين عوامهم غنما من ماله
فذبحوها عما وجب عليهم وأجزأت عنهم وذلك أنهم ملكوا ما أعطاهم من الغنم فذبحوا ما ملكوا، ومن
كفاه غيره مؤنته أجزأت عنه متطوعا أو بأجرة لم ينتقض حجه إذا أتى بما عليه من الحج، ومباح له أن
يأخذه الأجرة ويقبل الصلة، غنيا كان أو فقيرا، الصلة لا تحرم على أحد من الناس إنما تحرم الصدقة
على بعض الناس وليس عليه إذا لم يجد مركبا أن يسأل ولا يؤاجر نفسه وإنما السبيل الذي يوجب الحج
أن يجد المؤنة والمركب من شئ كان يملكه قبل الحج أو في وقته.
(باب حج المرأة والعبد)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان فيما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن
السبيل الزاد والراحلة وكانت المرأة تجدهما وكانت مع ثقة من النساء في طريق مأهولة آمنة فهي ممن
عليه الحج عندي والله أعلم وإن لم يكن معها ذو محرم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستثن فيما
يوجب الحج إلا الزاد والراحلة، وإن لم تكن مع حرة مسلمة ثقة من النساء فصاعدا لم تخرج مع
رجال لا امرأة معهم ولا محرم لها منهم، وقد بلغنا عن عائشة وابن عمر وابن الزبير مثل قولنا في أن
تسافر المرأة للحج وإن لم يكن معها محرم، أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال سئل عطاء عن امرأة ليس
127

معها ذو محرم ولا زوج معها ولكن معها ولائد وموليات يلين إنزالها وحفظها ورفعها؟ قال: نعم. فلتحج
(قال الشافعي) فإن قال قائل فهل من شئ يشبه غير ما ذكرت؟ قيل: نعم. مالا يخالفنا فيه أحد
علمته من أن المرأة يلزمها الحق وتثبت عليها الدعوى ببلد لا قاضى به فتجلب من ذلك البلد ولعل
الدعوى تبطل عنها أو تأتى بمخرج من حق لو ثبت عليها مسيرة أيام مع غير ذي محرم إذا كانت معها
امرأة وأن الله تعالى قال في المعتدات " ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " فقيل يقام عليها الحد
فإذا كان هذا هكذا فقد بين الله عز وجل أنه لم يمنعها الخروج من حق لزمها، وإن لم يكن هكذا
وكان خروجها فاحشة فهي بالمعصية بالخروج إلى غير حق ألزم فإن قال قائل: ما دل على هذا؟ قيل لم
يختلف الناس علمته أن المعتدة تخرج من بيتها لإقامة الحد عليها وكل حق لزمها، والسنة تدل على أنها
تخرج من بيتها للنداء كما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس، فإذا كان الكتاب ثم السنة
يدلان معا والاجماع في موضع على أن المرأة في الحال التي هي ممنوعة فيها من خروج إلى سفر أو خروج
من بيتها في العدة إنما هو على أنها ممنوعة مما لا يلزمها ولا يكون سبيلا لما يلزمها وما لها تركه، فالحج
لازم وهي له مستطيعة بالمال والبدن ومعها امرأة فأكثر ثقة، فإذا بلغت المرأة المحيض أو استكملت
خمس عشرة سنة ولا مال لها تطيق به الحج يجبر أبواها ولا ولى لها ولا زوج المرأة على أن يعطيها من ماله
ما يحجها به (قال) ولو أراد رجل الحج ماشيا وكان ممن يطيق ذلك لم يكن لأبيه ولا لوليه منعه من
ذلك (قال) ولو أرادت المرأة الحج ماشية كان لوليها منعها من المشي فيما لا يلزمها (قال) وإذا بلغت
المرأة قادرة بنفسها ومالها على الحج فأراد وليها منعها من الحج أو أراده زوجها، منعها منه ما لم تهل
بالحج، لأنه فرض بغير وقت إلا في العمر كله، فإن أهلت بالحج فإذنه لم يكن له منعها، وإن أهلت
بغير إذنه ففيها قولان، أحدهما أن عليه تخليتها، ومن قال هذا القول لزمه عندي أن يقول: لو تطوعت
فأهلت بالحج أن عليه تخليتها من قبل أن من دخل في الحج ممن قدر عليه لم يكن له الخروج منه
ولزمه، غير أنها إذا اتنفلت بصوم لم يكن له منعها ولزمه عندي في قوله أن يقول ذلك في الاعتكاف
والصلاة. والقول الثاني أن تكون كمن أحصر فتذبح وتقصر وتحل ويكون ذلك لزوجها (قال
الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم ومسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في المرأة تهل بالحج
فيمنعها زوجها: هي بمنزلة الحصر (قال الشافعي) وأحب لزوجها أن لا يمنعها فإن كان واجبا عليه أن
لا يمنعها كان قد أدى ما عليه وأن له تركه إياها أداء الواجب، وإن كان تطوعا أجر عليه إن شاء الله
تعالى.
(الخلاف في هذا الباب)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فذهب بعض أهل الكلام إلى معنى سأصف ما كلمني به ومن
قال قوله، فزعم أن فرض الحج على المستطيع إذا لزمه في وقت يمكنه أن يحج فيه فتركه في أول ما
يمكنه كان آثما بتركه وكان كمن ترك الصلاة وهو يقدر على صلاتها حتى ذهب الوقت، وكان إنما يجزئه
حجه بعد أول سنة من مقدرته عليه قضاء كما تكون الصلاة بعد ذهاب الوقت قضاء، ثم أعطانا
128

بعضهم ذلك في الصلاة إذا دخل وقتها الأول فتركها (1) فإن صلاها في الوقت، وفيما نذر من
صوم، أو وجب عليه بكفارة أو قضاء، فقال فيه كله، متى أمكنه فأخره فهو عاص بتأخيره ثم قال
في المرأة يجبر أبوها وزوجها على تركها لهذا المعنى وقاله معه غيره ممن يفتى ولا أعرف فيه حجة إلا ما
وصفت من مذهب بعض أهل الكلام (قال الشافعي) وقال لي نفر منهم: نسألك من أين قلت في
الحج للمرء أن يؤخره وقد أمكنه؟ فإن جاز ذلك جاز لك ما قلت في المرأة؟ قلت: استدلالا مع
كتاب الله عز وجل بالحجة اللازمة، قالوا فاذكرها، قلت: نعم نزلت فريضة الحج بعد الهجرة وأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الحاج وتخلف هو عن الحج بالمدينة بعد منصرفه من تبوك لا
محاربا ولا مشغولا، وتخلف أكثر المسلمين قادرين على الحج وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ولو كان هذا كما تقولون لم يتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرض عليه لأنه لم يصل إلى الحج
بعد فرض الحج إلا في حجة الاسلام التي يقال لها حجة الوداع، ولم يدع مسلما يتخلف عن فرض الله
تعالى عليه وهو قادر عليه ومعهم ألوف كلهم قادر عليه لم يحج بعد فريضة الحج وصلى جبريل بالنبي
صلى الله عليه وسلم في وقتين وقال " ما بين هذين وقت " وقد أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بالعتمة
حتى نام الصبيان والنساء، ولو كان كما تصفون صلاها حين غاب الشفق وقالت عائشة رضى الله تعالى
عنها: إن كان ليكون على الصوم من شهر رمضان فما أقدر على أن أقضيه حتى شعبان وروى عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يحل لا مرأة أن تصوم يوما زوجها شاهد إلا بإذنه " (قال الشافعي) فقال
لي بعضهم: فصف لي وقت الحج، فقلت الحج ما بين أن يجب على من وجب عليه إلى أن يموت أو
يقضيه، فإذا مات علمنا أن وقته قد ذهب، قال: ما الدلالة على ذلك؟ قلت ما وصفت من تأخير
النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وكثير ممن معه وقد أمكنهم الحج، قال: فمتى يكون فائتا؟ قلت إذا
مات قبل أن يؤديها أو بلغ مالا يقدر على أدائه من الافناد، قال فهل يقضى عنه؟ قلت: نعم. قال:
أفتوجدني مثل هذا؟ قلت: نعم. يكون عليه الصوم في كل ما عدا شهر رمضان، فإذا مات قبل أن
يؤديه وقد أمكنه، كفر عنه، لأنه كان قد أمكنه فتركه، وإن مات قبل ان يمكنه لم يكفر عنه لأنه لم
يمكنه أن يدركه قال أفرأيت الصلاة؟ قلت: موافقة لهذا في معنى، مخالفة له في آخر قال: وما المعنى
الذي توافقه؟ فيه قلت إن للصلاة وقتين أول وآخر، فإن أخرها عن الوقت الأول كان غير مفرط حتى
يخرج الوقت الآخر، فإذا خرج الوقت قبل أن يصلى كان آثما بتركه ذلك وقد أمكنه، غير أنه لا يصلى
أحد عن أحد قال: وكيف خالفت بينهما؟ قلت: بما خالف الله ثم رسوله بينهما، ألا ترى أن الحائض
تقضى صوما ولا تقضى صلاة ولا تصلى وتحج وأن من أفسد صلاته بجماع أعاد بلا كفارة في شئ
منها، وأن من أفسد صومه بجماع كفر وأعاد وأن من أفسد حجه بجماع كفر غير كفارة الصيام وأعاد؟
قال: قد أرى افتراقهما فدع ذكره (قال الشافعي) فإن قال قائل فكيف لم تقل في المرأة تهل بالحج
فيمنعها وليها أنه لا حج عليها ولا دم إذ لم يكن لها ذلك، وتقول ذلك في المملوك؟ قلت إنما أقول لا
حج عليها ولا دم على من كان لا يجوز له بحال أن يكون محرما في الوقت الذي يحرم فيه والاحرام لهذين
جائز (2) بأحوال أو حال ليسا ممنوعين منه بالوقت الذي أحرما فيه إنما كانا ممنوعين منه بأن لبعض

(1) قوله: فإن صلاها الخ كذا في النسخ، ولعل في الكلام تحريفا أو نقصا، فانظر. كتبه مصححه.
(2) قوله: بأحوال أو حال، كذا في النسخ، وانظر. كتبه مصححه.
129

الآدميين عليهما المنع ولو خلاهما كان إحراما صحيحا عنهما معا، فإن قال: فكيف قلت ليهريقا الدم
في موضعهما قلت: نحر النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية في الحل إذ أحصر، فإن قال: ويشبه هذا
المحصر؟ قيل: لا أحسب شيئا أولى أن يقاس عليه من المحصر، وهو في بعض حالاته في أكثر من
معنى المحصر، وذلك أن المحصر مانع من الآدميين بخوف من الممنوع فجعل له الخروج من الاحرام
وإن كان المانع من الآدميين متعديا بالمنع، فإذا كان لهذه المرأة والمملوك مانع من الآدميين غير متعد كانا
مجامعين له في منع بعض الآدميين وفى أكثر منه، من أن الآدمي الذي منعهما، له منعهما (قال
الشافعي) في العبد يهل بالحج من غير إذن سيده فأحب إلى أن يدعه سيده وله منعه، وإذا منعه فالعبد
كالمحصر لا يجوز فيه إلا قولان والله أعلم، أحدهما أن ليس عليه إلا دم لا يجزيه غيره فيحل إذا كان
عبدا غير واجد للدم ومتى عتق ووجد ذبح، ومن قال هذا في العبد قاله في الحر يحصر بالعدو وهو لا
يجد شيئا يحلق ويحل ومتى أيسر أدى الدم، والقول الثاني أن تقوم الشاة دراهم والدراهم طعاما، فإن
وجد الطعام تصدق به وإلا صام عن كل مد يوما والعبد بكل حال ليس بواجد فيصوم (قال الشافعي)
ومن ذهب هذا المذهب قاسه على ما يلزمه من هدى المتعة فإن الله عز وجل يقول " فما استيسر من الهدى
فمن لم يجد فيصام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم " فلو لم يجد هديا ولم يصم لم يمنعه ذلك من أن
يحل من عمرته وحجه ويكون عليه بعده الهدى أو الطعام، فيقال إذا كان للمحصر أن يحل بدم يذبحه
فلم يجده حل وذبح متى وجد أو جاء بالبدل من الذبح إذا كان له بدل ولا يحبس للهدى حراما على أن
يحل في الوقت الذي يؤمر فيه بالاحلال، وقاسه من وجه آخر أيضا على ما يلزمه من جزاء الصيد فإن
الله تعالى يقول " يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك
صياما " فيقول: إن الله عز وجل لما ذكر الهدى في هذا الموضع وجعل بدله غيره، وجعل في
الكفارات أبدالا، ثم ذكر في المخصر الدم ولم يذكر غيره كان شرط الله جل ثناؤه الابدال في غيره مما
يلزم ولا يجوز للعالم أن يجعل ما أنزل مما يلزم في النسك مفسرا دليلا على ما أنزل مجملا فيحكم في
المجمل حكم المفسر كما قلنا في ذكر رقبة مؤمنة في قتل، مثلها رقبة في الظهار وإن لم يذكر مؤمنة فيه،
وكما قلنا في الشهود حين ذكروا عدولا وذكروا في موضع آخر فلم يشترط فيهم العدول: هم عدول في
كل موضع على ما شرط الله تعالى في الغير حيث شرطه، فاستدللنا والله أعلم على أن حكم المجمل
حكم المفسر إذا كانا في معنى واحد والبدل ليس بزيادة وقد يأتي موضع من حكم الله تعالى لا نقول
هذا فيه: هذا ليس بالبين أن لازما أن نقول هذا في دم الاحصار كل البيان وليس بالبين وهو مجمل
والله أعلم. (قال الشافعي) في المرأة المعتدة من زوج له عليها الرجعة، تهل بالحج، إن راجعها فله
منعها، وإن لم يراجعها منعها حتى تنقضي العدة، فإذا انقضت العدة فهي مالكة لأمرها ويكون لها
أن تتم على الحج، وهكذا المالكة لأمرها الثيب تحرم يمنع وليها من حبسها ويقال لوليها: إن شئت
فاخرج معها وإلا بعثنا بها مع نساء ثقات، فإن لم تجد نساء ثقة لم يكن لها في سفر أن تخلو برجل ولا
امرأة معها، فإن قال قائل: كيف لم تبطل إحرامها إذا أحرمت في العدة؟ قلت إذا كانت تجد السبيل
إليه بحال لم أعجل بإبطاله حتى أعلم أن لا تجد السبيل إليه، وإن أهلت في عدت من وفاة أو هي قد
أتى على طلاقها لزمها الاهلال ومنعها الخروج حتى تتم عدتها، فإن انقضت خرجت فإن أدركت
حجا وإلا حلت بعمل عمرة، فإن قال قائل: فلم لا تجعلها محصرة بمانعها؟ قلت له منعها إلى مدة فإذا
بلغتها لم يكن له منعها وبلوغها أيام يأتي عليها ليس منعها بشئ إلى غيرها ولا يجوز لها الخروج حتى
130

قيل قد يعتق قبل عتقه شئ يحدثه غيره له أو لا يحدثه وليس كالمعتدة فيما لمانعها من منعها
فلو أهل عبد بحج فمنعه سيده حل وإن عتق بعدما يحل فلا حج عليه إلا حجة الاسلام
وإن عتق قبل أن يحل مضى في إحرامه، كما يحصر الرجل بعدو فيكون له أن يحل،
فإن لم يحل حتى يأمن العدو، لم يكن له أن يحل وكان عليه أن يمضى في إحرامه،
ولو أن امرأة مالكة لأمرها أهلت بحج ثم نكحت، لم يكن لزوجها منعها من الحج لأنه
لزمها قبل أن يكون لها منعها ولا نفقة لها عليه في مضيها ولا في إحرامها في الحج لأنها مانعة
لنفسها بغير إذنه، كان معها في حجها أو لم يكن، ولا يجوز نكاح المحرمة ولا المحرم (قال الربيع) هذه
المسألة فيها غلط لان الشافعي يقول لا يجوز نكاح المحرمة ولا المحرم فلما أهلت هذه بحج ثم نكحت كان
نكاحها باطلا، ولم يكن لها زوج يمنعها وتمضى في حجها وليس لها زوج تلزمه النفقة لها لأنها ليست
في أحكام الزوجات، ولعل الشافعي إنما حكى هذا القول في قول من يجيز نكاح المحرم، فأما قوله:
فإنه لا يجوز نكاح المحرم ولا المحرمة، وهذا له في كتاب الشغار (قال الشافعي) وعلى ولى السفيهة البالغة
إذا تطوع لها ذو محرم وكان لها مال أن يعطيها من مالها ما تحج به إذا شاءت ذلك، وكان لها ذو محرم
يحج بها أو خرجت مع نساء مسلمات.
(باب المدة التي يلزم فيها الحج ولا يلزم)
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا احتلم الغلام أو حاضت الجارية وإن لم يستكملا خمس عشرة
سنة أو استكملا خمس عشرة سنة قبل البلوغ وهما غير مغلوبين على عقولهما، واجدان، مركبا وبلاغا،
مطيقان المركب، غير محبوسين عن الحج بمرض ولا سلطان ولا عدو، وهما في الوقت الذي بلغا فيه
قادران بموضع، لو خرجا منه، فسارا بسير الناس قدرا على الحج فقد وجب عليهما الحج، فإن لم
يفعلا حتى ماتا فقد لزمهما الحج، وعليهما بأنهما قادران عليه في وقت يجزئ عنهما لو مضيا فيه حتى
يقضى عنهما الحج، وإن كانا بموضع يعلمان أن لو خرجا عند بلوغهما، لم يدركا الحج لبعد دارهما أو دنو
الحج، فلم يخرجا للحج ولم يعيشا حتى أتى عليهما حج قابل، فلا حج عليهما، ومن لم يجب الحج
عليه فيدعه وهو لو حج أجزأه، لم يكن عليه قضاؤه، ولو كانا إذا بلغا فخرجا يسيران سيرا مباينا لسير
الناس في السرعة حتى يسيرا مسيرة يومين في سير العامة في يوم، ومسيرة ثلاث في يومين، لم يلزمهما
عندي والله أعلم، أن يسيرا سيرا يخالف سير العامة، هذا كله لو فعلا كان حسنا، ولو بلغا
عاقلين ثم لم يأت عليهما مخرج أهل بلادهما حتى غلب على عقولهما ولم ترجع إليهما عقولهما في
وقت لو خرجا فيه أدركا حجا، لم يلزمهما أن يحج عنهما، وإنما يلزمهما أن يحج عنهما
إذا أتى عليهما وقت يعقلان فيه ثم لم تذهب عقولهما حتى يأتي عليهما وقت لو خرجا فيه إلى
الحج بلغاه فإن قال قائل: ما فرق بين المغلوب على عقله وبين المغلوب بالمرض؟ قيل الفرائض
على المغلوب على عقله زائلة في مدتها كلها، والفرائض على المغلوب بالمرض العاقل على بدنه غير
زائلة في مدته، ولو حج المغلوب على عقله لم يجز عنه لا يجزى عمل على البدن لا يعقل عامله
قياسا على قول الله عز وجل " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " ولو حج العاقل المغلوب بالمرض
أجزأ عنه، ولو كان بلوغهما في عدم جدب الأغلب فيه على الناس خوف الهلكة بالعطش في
سفر أهل ناحية هما فيها، أو لم يكن مالا بد لهم منه من علف موجود فيه، أو في خوف من عدو
131

لا يقوى جماعة حاج مصرهما عليه أو اللصوص كذلك، أشبه هذا والله أعلم أن يكون من أراد
فيه الحج غير مستطيع له، فيكون غير لازم له بأنه غير مستطيع، فإن مات قبل أن يمكنه الحج بتغير
هذا، لم يكن عليه حج، وكذلك لو حج أول ما بلغ فأحصر بعدو فنحر وحل دون مكة ورجع فلم
يمكنه الحج حتى يموت، لم يكن عليه حج، ولو كان ما وصفت من الحائل في البر، وكان يقدر على
الركوب في البحر، فيكون له طريقا، أحببت له ذلك، ولا يبين لي أنه يجب عليه ركوب البحر للحج
لان الأغلب من ركوب البحر خوف الهلكة، ولو بلغا مغلوبين على عقولهما فلم يفيقا فتأتي عليهما مدة
يعقلان فيها ويمكنهما الحج لم يكن عليهما، وإذا بلغا معا فمنعا الحج بعدو حائل بين أهل ناحيتهما معا
وبين الحج، ثم لم يأت عليهما مدة وقت الحج، يقدران هما ولا غيرهما من أهل ناحيتهما فيه على
الحج، فلا حج عليهما يقضى عنهما إن ماتا قبل تمكنهما أو أحد من أهل ناحيتهما من الحج، ولو حيل
بينهما خاصة بحبس عدو أو سلطان أو غيره وكان غيرهما يقدر على الحج ثم ماتا ولم يحجا كان هذان ممن
عليه الاستطاعة بغيرهما ويقضى الحج عنهما، وكذلك لو كان حبس ببلده أو في طريقه بمرض أو زمن
لا بعلة غيره وعاش حتى الحج غير صحيح ثم مات قبل أن يصح وجب عليه الحج، وجماع هذا أن
يكون البالغان إذا لم يقدرا بأي وجه ما كانت القدرة بأبدانهما وهما قادران بأموالهما وفى ناحيتهما من يقدر
على الحج غيرهما ثم ماتا قبل أن يحجا فقد لزمهما الحج، إنما يكون غير لازم لهما إذا لم يقدر أحد من
أهل ناحيتهما على الحج ببعض ما وصفت، فإن قال قائل: ما خالف بين هذا وبين المحصر بما ذكرت
من عدو وحدث؟ قيل ذلك لا يجد السبيل بنفسه إلى الحج ولا إلى أن يحج عنه غيره من ناحيته، من
قبل أن غيره في معناه في خوف العدو والهلكة بالجدب والزمن والمرض، وإن كان معذورا بنفسه فقد
يمكنه أن يحج عنه صحيح غيره، ومثل هذا أن يحبسه سلطان عن حج أو لصوص وحده، وغيره يقدر
على الحج فيموت، فعليه أن يحج عنه، والشيخ الفاني أقرب من العذر من هذين، وقد وجب عليه
أن يحج عنه إذا وجد من يحج عنه
(باب الاستطاعة بنفسه وغيره)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالحج عن أبيها
دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قول الله " من استطاع إليه سبيلا " على معنيين: أحدهما:
أن يستطيعه بنفسه وماله، والآخر أن يعجز عنه بنفسه بعارض كبر أو سقم أو فطرة خلقة، لا يقدر
معها على الثبوت على المركب ويكون من يطيعه إذا أمره بالحج عنه، إما بشئ يعطيه إياه وهو واجد
له، وإما بغير شئ، فيجب عليه أن يعطى إذا وجد، أو يأمر إن أطيع، وهذه إحدى
الاستطاعتين، وسواء في هذا الرجل يسلم ولا يقدر على الثبوت على المركب أو الصبي يبلغ كذلك أو
العبد يعتق كذلك، ويجب عليه ان قدر على الثبوت على المحمل بلا ضرر وكان واجدا له أو لمركب غيره
وإن لم يثبت على غيره، أن يركب المحمل أو ما أمكنه الثبوت عليه من المركب، وإن كان واحد من
هؤلاء لا يجد مطيعا ولا مالا، فهو ممن لا يستطيع بالبدن ولا بالطاعة فلا حج عليه، وجماع الطاعة
التي توجب الحج وتفريعها اثنان، أحدهما أن يأمر فيطاع بلا مال، والآخر أن يجد مالا يستأجر به من
يطيعه، فتكون إحدى الطاعتين، ولو تحامل فحج أجزأت عنه ورجوت أن يكون أعظم أجرا ممن
132

يخف ذلك عليه، ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تحج عن أبيها إذ أسلم وهو لا
يستمسك على الراحلة فدل ذلك على أن عليه الفرض إذا كان مستطيعا بغيره، إذا كان في هذه
الحال، والميت أولى أن يجوز الحج عنه، لأنه في أكثر من معنى هذا الذي لو تكلف الحج بحال
أجزأه، والميت لا يكون فيه تكلف أبدا.
(باب الحال التي يجوز أن يحج فيها الرجل عن غيره)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج الواجب أن يحج المرء
عن غيره فاحتمل القياس على هذا وجهين، أحدهما أن الله تعالى فرض على خلقه فرضين، أحدهما
فرض على البدن، والآخر فرض في المال، فلما كان ما فرض الله على الأبدان عليها لا يتجاوزها،
مثل الصلاة والحدود والقصاص وغيرها، ولا يصرف عنها إلى غيرها بحال، وكان المريض يصلى كما
رأى، ويغلب على عقله فيرتفع عنه فرض الصلاة، وتحيض المرأة فيرتفع عنها فرض الصلاة في
وقت الغلبة على العقل والحيض، ولا يجزى المغلوب على عقله صلاة صلاها وهو مغلوب على عقله،
وكذلك الحائض لا تجزيها صلاة صلتها وهي حائض، ولا يجب عليهما أن يصلى عنهما غيرهما في حالهما
تلك، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء أن يحج عن غيره حجة الاسلام، كان هذا كما أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الاسلام وعمرته، وكل ما وجب على المرء بإيجابه على نفسه من
حج وعمرة وكان ما سوى هذا من حج تطوع أو عمرة تطوع لا يجوز لاحد أن يحجه عن أحد ولا يعتمر
في حياته ولا بعد موته، ومن قال هذا، كان وجها محتملا ولزمه أن يقول لو أوصى رجلا أن يحج عنه
تطوعا بطلت الوصية كما لو أوصى أن يصلى عنه بطلت الوصية ولزمه أن يقول إن حج أحد عن أحد
بوصية فهي في ثلثه والإجارة عليه فاسدة، ثم يكون القول فيما أخذ من الإجارة على هذا واحدا من
قولين: أحدهما أن له أجر مثله ويرد الفضل مما أخذ عليه ويلحق بالفضل إن كان نقصه كما يقول في
كل إجارة فاسدة، الآخر أن لا أجرة له لان عمله عن نفسه لا عن غيره، والقول الثاني أن يكون
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر المرء ان يحج عن غيره في الواجب، دل هذا على أن يكون
الفرض على الأبدان من وجهين، أحدهما مالا يعمله المرء عن غيره، مثل الصلاة، ولا يحمله عنه
غيره مثل الحدود وغيرها، والآخر النسك من الحج والعمرة فيكون للمرء أن يعمله عن غيره متطوعا
عنه أو واجبا عليه إذا صار في الحال التي لا يقدر فيها على الحج، ولا يشبه أن يكون له أن يتطوع
عنه، والمتطوع عنه يقدر على الحج، لان الحال التي أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالحج عنه
هي الحال التي لا يقدر فيها على أن يحج عن نفسه ولأنه لو تطوع عنه وهو يقدر على الحج لم يجز عنه من
حجة الاسلام، فلما كان هو لو تطوع عن نفسه كانت حجة الاسلام وإن لم ينوها فتطوع عنه غيره لم يجز
عنه، وقد ذهب عطاء مذهبا يشبه أن يكون أراد أنه يجزى عنه أن يتطوع عنه بكل نسك من حج أو
عمرة إن عملهما مطيقا أو غير مطيق، وذلك أن سفيان أخبرنا عن يزيد مولى عطاء قال: ربما أمرني
عطاء أن أطوف عنه (قال الشافعي) فكأنه ذهب إلى أن الطواف من النسك وأنه يجزى أن يعمله المرء
عن غيره في أي حال ما كان، وليس نقول بهذا، وقولنا لا يعمل أحد عن أحد إلا والمعمول عنه غير
مطيق العمل، بكبر أو مرض لا يرجى أن يطيق بحال، أو بعد موته، وهذا أشبه بالسنة والمعقول، لما
133

وصفت من أنه لو تطوع عنه رجل والمتطوع عنه يقدر على الحج لم يجز المحجوج عنه (قال) ومن ولد زمنا لا
يستطيع أن يثبت على مركب، محمل ولا غيره، أو عرض ذلك له عند بلوغه، أو كان عبدا فعتق،
أو كافرا فأسلم فلم تأت عليه مدة يمكنه فيها الحج حتى يصير بهذه الحال، وجب عليه إن وجد من
يحج عنه بإجارة أو غير إجارة، وإذا أمكنه مركب محمل أو (1) شجار أو غيره فعليه أن يحج ببدنه، وإن لم
يقدر على الثبوت على بعير أو دابة إلا في محمل أو شجار وكيفما قدر على المركب وأي مركب قدر عليه،
فعليه أن يحج بنفسه، لا يجزيه غيره (قال) ومن كان صحيحا يمكنه الحج فلم يحج حتى عرض له هذا،
كان له أن يبعث من يحج عنه، لأنه قد صار إلى الحال التي أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحج
فيها عمن بلغها (قال) ولو كان به مرض يرجى البرء منه، لم أر له أن يبعث أحدا يحج عنه حتى يبرأ
فيحج عن نفسه، أو يهرم فيحج عنه أو يموت فيحج عنه بعد الموت، فإن قال قائل: ما الفرق بين
هذا المريض المضنى وبين الهرم أو الزمن؟ قيل له لم يصر أحد علمته بعد هرم لا يخلطه سقم غيره إلى
قوة يقدر فيها على المركب، والأغلب من أهل الزمانة أنهم كالهرم، وأما أهل السقم فنراهم كثيرا
يعودون إلى الصحة (قال) ولو حج رجل عن زمن ثم ذهبت زمانته، ثم عاش مدة يمكنه فيها أن يحج
عن نفسه، كان عليه أن يحج عن نفسه، لأنا إنما أذنا له على ظاهر أنه لا يقدر، فلما أمكنته المقدرة
على الحج لم يكن له تركه وهو يقدر على أن يعمله ببدنه والله أعلم (قال) ولو بعث السقيم رجلا يحج عنه
فحج عنه ثم برأ وعاش بعد البرء مدة يمكنه أن يحج فيها فلم يحج حتى مات كان عليه الحج، وكذلك
الزمن والهرم (قال) والزمن والزمانة التي لا يرجى البرء منها والهرم، في هذا المعنى. ثم يفارقهم
المريض، فلا نأمره أن يبعث أحدا يحج عنه ونأمر الهرم والزمن أن يبعثا من يحج عنهما، فإن بعث
المريض من يحج عنه ثم لم يبرأ حتى مات ففيها قولان، أحدهما أن لا يجزئ عنه لأنه قد بعث في
الحال التي ليس له أن يبعث فيها، وهذا أصح القولين وبه آخذ. والثاني أنها مجزية عنه، لأنه قد حج
عنه حر بالغ وهو لا يطيق، ثم لم يصر إلى أن يقوى على الحج بعد أن حج عنه غيره، فيحج عن
نفسه.
(باب من ليس له أن يحج عن غيره)
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن
جريج عن عطاء قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول " لبيك عن فلان " فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم " إن كنت حججت فلب عن فلان وإلا فاحجج عن نفسك ثم احجج عنه " أخبرنا
سفيان عن أيوب عن أبي قلابة قال: سمع ابن عباس رجلا يقول " لبيك عن شبرمة " فقال ابن عباس
" ويحك وما شبرمة؟ " قال فذكر قرابة له فقال " أحججت عن نفسك " فقال: لا قال " فاحجج عن
نفسك ثم أحجج عن شبرمة " (قال الشافعي) وإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالحج عن
أبيها ففي ذلك دلائل منها ما وصفنا من أنها إحدى الاستطاعتين، وإذا أمرها بالحج عنه فكان في
* (هامش) (1) شجار: بوزن كتاب، هو الهودج الصغير الذي يكفي واحدا فقط، كذا في كتب اللغة.
كتبه مصححه. (*)
134

الحال التي أمر فيها بالحج عنه وكان كقضاء الدين عنه، فأبان أن العمل عن بدنه في حاله تلك، يجوز
أن يعمله عنه غيره فيجزئ عنه ويخالف الصلاة في هذا المعنى. فسواء من حج عنه من ذي قرابة أو
غيره، وإذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تحج عن رجل وهما مجتمعان في الاحرام كله إلا
اللبوس، فإنهما يختلفان في بعضه، فالرجل أولى أن يجوز حجه عن الرجل والمرأة من المرأة عن
الرجل وكل جائز مع ما روى عن طاوس وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم مما كتبنا مما يستغنى فيه
بنص الخبر، ولو أن امرأ لم يجب عليه الحج إلا وهو غير مطيق ببدنه لم يكن على أحد غيره واجبا أن
يحج عنه، وأحب إلى أن يحج عنه ذو رحمه، وإن كان ليس عليه أو يستأجر من يحج عن من كان،
ولو كان فقيرا لا يقدر على زاد ومركب وإن كان بدنه صحيحا فلم يزل كذلك حتى أيسر قبل الحج بمدة
لو خرج فيها لم يدرك الحج ثم مات قبل أن يأتي عليه حج آخر لم يجب عليه حج يقضى، ولو أيسر في
وقت لا يمكنه فيه الحج فأقام موسرا إلى أن يأتي عليه أشهر الحج ولم يدن الوقت الذي يخرج فيه أهل
بلده لموافاة الحج حتى صار لا يجد زادا ولا مركبا ثم مات قبل حجه ذلك أو قبل حج آخر يوسر فيه،
لم يكن عليه حج، إنما يكون عليه حج إذا أتى عليه وقت حج بعد بلوغ ومقدرة، ثم لم يحج حتى
يفوته الحج، ولو كان موسرا محبوسا عن الحج، وجب عليه أن يحج عن نفسه غيره، أو يحج عنه بعد
موته وهذا مكتوب في غير هذا الموضع.
(باب الإجارة على الحج)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: للرجل أن يستأجر الرجل يحج عنه إذا كان لا يقدر على المركب
لضعفه وكان ذا مقدرة بماله ولوارثه بعده، والإجارة على الحج جائزة جوازها على الأعمال سواه، بل
الإجارة إن شاء الله تعالى على البر خير منها على مالا بر فيه، ويأخذ من الإجارة ما أعطى وإن كثر كما يأخذها
على غيره، لا فرق بين ذلك، ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه فقرن عنه كان دم القران على الأجير
وكان زاد المحجوج عنه خيرا لأنه قد جاء بحج وزاد معه عمرة ولو استأجر الرجل الرجل يحج عنه أو عن
غيره فالإجارة جائزة، والحج عنه من حيث شرط أن يحرم عنه، ولا تجوز الإجارة على أن يقول تحج عنه
من بلد كذا حتى يقول تحرم عنه من موضع كذا، لأنه يجوز الاحرام من كل موضع، فإذا لم يقل هذا
فالإجارة مجهولة، وإذا وقت له موضعا يحرم منه فأحرم قبله ثم مات فلا إجارة له في شئ من سفره،
وتجعل الإجارة له من حين أحرم من الميقات الذي وقت له إلى أن يكمل الحج، فإن أهل من وراء
الميقات لم تحسب الإجارة إلا من الميقات، وإن مر بالميقات غير محرم فمات قبل أن يحرم فلا إجارة له
لأنه لم يعمل في الحج، وإن مات بعدما أحرم من وراء الميقات حسبت له الإجارة من يوم أحرم من
وراء الميقات ولم تحسب له من الميقات إذا لم يحرم منه لأنه ترك العمل فيه، وإن خرج للحج فترك
الاحرام والتلبية وعمل عمل الحج أو لم يعمله إذا قال لم أحرم بالحج أو قال اعتمرت ولم أحج أو قال
استؤجرت على الحج فاعتمرت فلا شئ له، وكذلك لو حج فأفسده لأنه تارك للإجارة مبطل لحق
نفسه ولو استأجره ليحج عنه على أن يحرم من موضع فأحرم منه ثم مات في الطريق فله من الإجارة
بقدر ما مضى من سفره أو استأجره على أن يهل من وراء الميقات ففعل فقد قضى بعض ما استأجره
عليه، وإذا استأجره فإنما عليه أن يحرم من الميقات، وإحرامه قبل الميقات تطوع، ولو استأجره على
135

أن يحج عنه من اليمن فاعتمر عن نفسه ثم خرج إلى الميقات الذي استؤجر عليه فأهل بحج عن الذي
استأجره، فلا يجزيه إذا أهل بالعمرة عن نفسه إلا أن يخرج إلى ميقات المستأجر الذي شرط أن يهل
منه فيهل عنه بالحج منه، فإن لم يفعل وأهل بالحج من دون الميقات فكان عليه أن يهل فبلغ الميقات
فأهل منه بالحج عنه أجزأ عنه وإلا أهراق دما، وذلك من ماله دون مال المستأجر، ويرد من الإجارة
بقدر ما يصيب ما بين الميقات الموضع الذي أحرم منه لأنه شئ من عمله نقصه، ولا يحسب الدم على
المستأجر لأنه بعمله كان ويجزئه الحج على كل حال شرط عليه أن يهل من دون الميقات أو من وراء الميقات
أو منه وكل شئ أحدثه الأجير في الحج لم يأمره به المستأجر مما يجب عليه فيه الفدية فالفدية
عليه في ماله دون مال المستأجر، ولو أهل بالحج بعد العمرة عن نفسه من ميقات المستأجر عن المستأجر ثم
مات قبل أن يقضى الحج، كان له من الإجارة بقدر ما عمل من الحج وقد قيل لا أجر له إلا أن يكمل
الحج، ومن قال هذا القول قاله في الحاج عن الرجل لا يستوجب من الإجارة شيئا إلا بكمال الحج
وهذا قول يتوجه، والقياس القول الأول لان لكل حظا من الإجارة، ولو استأجره يحج عنه فأفسد
الحج كان عليه أن يرد جميع ما استأجره به، وعليه أن يقضى عن نفسه من قابل من قبل أنه لا يكون
حاجا عن غيره حجا فاسدا، وإذا صار الحج الفاسد عن نفسه فعليه أن يقضيه عن نفسه، فلو حجه
عن غيره كان عن نفسه، ولو أخذ الإجارة على قضاء الحج الفاسد ردها لأنها لا تكون عن غيره، ولو
كان إنما أصاب في الحج ما عليه فيه الفدية مما لا يفسد الحج كانت عليه الفدية فيما أصاب والإجارة
له، ولو استأجره للحج فأحصر بعدو ففاته الحج ثم دخل فطاف وسعى وحلق أن له من الإجارة بقدر
ما بين أن أهل من الميقات إلى بلوغه الموضع الذي حبس فيه في سفره لان ذلك ما بلغ من سفره في
حجه الذي له الإجارة حتى صار غير حاج وإنما أخذ الإجارة على الحج وصار يخرج من الاحرام
بعمل ليس من عمل الحج ولو استأجر رجل رجلا على أن يحج عنه فاعتمر عن نفسه ثم أراد الحج عن
المستأجر خرج إلى ميقات المحجوج عنه فأهل عنه منه لا يجزيه غير ذلك فإن لم يفعل أهراق دما ولو
استأجر رجل رجلا يحج عن رجل فاعتمر عن نفسه ثم خرج إلى ميقات المحجوج عنه الذي شرط أن يهل
عنه منه إن كان الميقات الذي وقت له بعينه فأهل بالحج عنه أجزأت عن المحجوج عنه، فإن ترك
ميقاته وأحرم من مكة أجزأه الحج وكان عليه دم لترك ميقاته من ماله ورجع عليه مما استؤجر به بقدر ما
ترك مما بين الميقات ومكة ولو استأجره على أن يتمتع عنه فأفرد أجزأت الحجة عنه ورجع بقدر حصة
العمرة من الإجارة لأنه استأجره على عملين فعمل أحدهما ولو استأجره على أن يفرد فقرن عنه كان زاده
عمرة (1) وعلى المستأجر دم القرآن وهو كرجل استؤجر أن يعمل عملا فعمله وزاد آخر معه فلا شئ له
في زيادة العمرة لأنه متطوع بها، ولو استأجره على أن يقرن عنه فأفرد الحج أجزأ عنه الحج وبعث
غيره يعتمر عنه إن كانت العمرة الواجبة ورجع عليه بقدر حصة العمرة من الإجارة لأنه استأجره على

(1) قوله: وعلى المستأجر دم القران كذا في النسخ، وإن كسرت جيم المستأجر فالحكم مخالف لما
تقدم في مثل هذا الفرع أول الباب من أن دم القرآن على الأجير، ومخالف أيضا للكلية السابقة وهي
قوله " وكل شئ أحدثه الأجير في الحج لم يأمره به المستأجر مما يجب عليه فيه الفدية، فالفدية عليه في
ماله دون مال المستأجر " اه‍ فيتعين فتح جيم المستأجر، إلا أن يكون محرفا عن الأجير، كتبه
مصححه.
136

عملين فعمل أحدهما ولو استأجره على أن يحج عنه فأهل بعمرة عن نفسه وحجة عن المستأجر رد جميع
الإجارة من قبل أن سفرهما وعملهما واحد، وأنه لا يخرج من العمرة إلى الحج ولا يأتي بعمل الحج
دون العمرة لأنه لا يكون له أن ينوى جامعا بين عملين أحدهما عن نفسه والآخر عن غيره ولا يجوز أن
يكونا معا عن المستأجر لأنه نوى أحدهما عن نفسه فصارا معا عن نفسه لان عمل نفسه أولى به من
عمل غيره إذا لم يتميز عمل نفسه من عمل غيره، ولو استأجر رجل رجلا يحج عن ميت فأهل بحج
عن ميت ثم نواه عن نفسه كان الحج عن الذي نوى الحج عنه وكان القول في الأجرة واحدا من
قولين، أحدهما أنه مبطل لها الترك حقه فيها، والآخر أنها له. لان الحج عن غيره، ولو استأجر رجلان
رجلا يحج عن أبويهما، فأهل بالحج عنهما معا كان مبطلا لإجارته وكان الحج عن نفسه، لا عن واحد
منهما، ولو نوى الحج عن نفسه وعنهما أو عن أحدهما كان عن نفسه وبطلت إجارته وإذا مات الرجل
وقد وجبت عليه حجة الاسلام ولم يحج قط فتطوع متطوع قد حج حجة الاسلام بأن يحج عنه فحج
عنه أجزأ عنه ثم لم يكن لوصيه أن يخرج من ماله شيئا ليحج عنه غيره ولا أن يعطى هذا شيئا لحجه
عنه لأنه حج عنه متطوعا، وإذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخثعمية أن تحج عن أبيها ورجلا
أن يحج عن أمه ورجلا أن يحج عن أبيه لنذر نذره أبوه دل هذا دلالة بينة أنه يجوز أن تحرم المرأة عن
الرجل ولو لم يكن فيه هذا كان أن يحرم الرجل عن الرجل والرجل عن المرأة أولى، من قبل أن الرجل
أكمل إحراما من المرأة وإحرامه كإحرام الرجل فأي رجل حج عن امرأة أو رجل أو امرأة حجت عن
امرأة أو عن رجل أجزأ ذلك المحجوج عنه، إذا كان الحاج قد حج حجة الاسلام.
(باب من أين نفقة من مات ولم يحج؟)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء وطاوس أنهما
قالا الحجة الواجبة من رأس المال (قال الشافعي) وقال غيرهما لا يحج عنه إلا أن يوصى، فإن أوصى
حج عنه من ثلثه إذا بلغ ذلك الثلث وبدئ على الوصايا لأنه لازم فإن لم يوص لم يحج عنه من ثلث
ولا من غيره (1) إذا أنزلت الحج عنه وصيه خاص أهل الوصايا ولم يبدأ غيره من الوصايا ومن قال
هكذا فكان يبدأ بالعتق بدأ عليه (قال) والقياس في هذا أن حجة الاسلام من رأس المال، فمن قال
هذا قضى أن يستأجر عنه بأقل ما يقدر عليه وذلك أن يستأجر رجل من أهل ميقاته أو قربه لتخف
مؤنته ولا يستأجر رجل من بلده إذا كان بلده بعيدا إلا أن يبدل ذلك بما يوجد به رجل قريب، ومن
قال هذا القول قاله في الحج بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به ورآه دينا عليه وقاله في كل ما كان
في معناه وقاله في كل ما أوجبه الله عز وجل عليه فلم يكن له مخرج منه إلا بأدائه ولم يكن له خيار فيه
مثل زكاة المال وما كان، لا يكون أبدا إلا واجبا عليه شاء أو كره بغير شئ أحدثه هو لان حقوق
الآدميين إنما وجبت لهم من رأس المال وهذا من حقوق الآدميين، أمر أن يؤديه إلى صنف منهم بعينه
فجمع أن وجب وجوب الحج بفرض الله عز وجل وأن كان كما وصفت للادميين، ومن قال هذا بدأ
هذا على جميع ما معه من الوصايا والتدبير وحاص به أهل الدين قبل الورثة إذا جعله الله واجبا وجوب

(1) قوله: إذا أنزلت الخ، كذا في النسخ وانظر. كتبه مصححه.
137

ما للادميين، وهذا قول يصح والله أعلم، ومن قال هذا قاله في الحج إن لم يبلغ إلا مريضا ثم لم يصح
حتى مات مريضا أنه واجب عليه لا وصية لان الواجب على المريض والصحيح سواء فأما ما لزمه من
كفارة يمين أو غيره فإن أوصى به فقد قيل يكون في ثلثه كالوصايا وقيل بل لازم وما لزمه من شئ ألزمه
نفسه من نذر أو كفارة قتل أو ظهار وهو واجد فقد يخالف ما لزمه بكل حال من قبل أنه قد كان ولم
يجب عليه فإنما أوجبه على نفسه، فيختلفان في هذا، ويجتمعان في أنه قد أوجب كلا منهما فأوجب
هذا وأوجب إقرار الآدمي فيحتمل أن يقال هما لازمان معا وأنا أستخير الله تعالى فيه.
(باب الحج بغير نية)
(قال الشافعي) رحمه الله: أحب أن ينوى الرجل الحج والعمرة عند دخوله فيهما كما أحب له في
كل واجب عليه غيرهما فإن أهل بالحج ولم يكن حج حجة الاسلام ينوى أن يكون تطوعا أو ينوى أن
يكون عن غيره أو أحرم فقال إحرامي كإحرام فلان لرجل غائب عنه فكان فلان مهلا بالحج كان في
هذا كله حاجا وأجزأ عنه من حجة الاسلام فإن قال قائل ما دل على ما وصفت؟ قلت فإن مسلم بن
خالد وغيره أخبرنا عن ابن جريج قال أخبرنا عطاء أنه سمع جابرا يقول قدم علي رضي الله عنه من
سعايته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " بم أهلت يا علي؟ " قال، بما أهل به النبي صلى الله عليه
وسلم قال " فأهد وامكث حراما كما أنت " قال وأهدى له على هديا (قال الشافعي) أخبرنا مسلم عن
ابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله وهو يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه
وسلم قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا أتى البيداء فنظرت مد بصرى من بين راكب
وراجل من بين يديه وعن يمينه وعن شماله ومن ورائه كلهم يريد أن يأتم به يلتمس أن يقول كما يقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينوى إلا الحج ولا يعرف غيره ولا يعرف العمرة فلما طفنا فكنا عند
المروة قال " أيها الناس من لم يكن معه هدى فليحلل وليجعلها عمرة ولو استقبلت من أمري ما
استدبرت ما أهديت " فحل من لم يكن معه هدى، أخبرنا مسلم ابن خالد عن ابن جريج عن
منصور بن عبد الرحمن عن صفية بنت شيبة عن أسماء بنت أبي بكر قالت: خرجنا مع النبي صلى الله
عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " من كان معه هدى فليقم على إحرامه ومن لم يكن معه هدى
فليحلل " ولم يكن معي هدى فحللت، وكان مع الزبير هدى فلم يحلل، أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن
سعيد عن عمرة عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا أنه الحج فلما كنا بسرف أو قريبا منها أمر النبي صلى الله عليه
وسلم من لم يكن معه هدى أن يجعلها عمرة فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر فقلت ما هذا؟ قالوا ذبح
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه، قال يحيى فحدثت به القاسم ابن محمد فقال جاءتك والله
بالحديث على وجهه، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة والقاسم مثل معنى حديث سفيان لا
يخالف معناه، أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم بن حمد عن أبيه عن عائشة أنها قالت
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته لا نرى إلا الحج حتى إذا كنا بسرف أو قريبا منها
حضت فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكى فقال " مالك أنفست؟ " فقلت: نعم
فقال: " إن هذا أمر كتبه الله علي بنات آدم فأقصى ما يقضى الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " قالت
138

وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر أخبرنا سفيان قال حدثنا ابن طاوس وإبراهيم بن
ميسرة وهشام بن حجير سمعوا طاوسا يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لا يسمى
حجا ولا عمرة ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة فأمر أصحابه من كان منهم أهل
ولم يكن معه هدى أن يجعلها عمرة وقال " لو استقبلت من امرى ما استدبرت لما سقت الهدى ولكنني
لبدت رأسي وسقت هديي فليس لي محل دون محل هديي " فقال إليه سراقة بن مالك فقال يا رسول الله
" اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم أعمرتنا هذه لعامنا هذا أم لابد؟ " فقال " لا، بل لابد دخلت
العمرة في الحج إلى يوم القيامة " قال ودخل على من اليمن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " بم
أهللت؟ " فقال أحدهما عن طاوس إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر: لبيك حجة النبي
صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مهلين ينتظرون
القضاء فعقدوا الاحرام ليس على حج ولا عمرة ولا قران ينتظرون القضاء، فنزل القضاء على النبي
صلى الله عليه وسلم فأمر من لا هدى معه أن يجعل إحرامه عمرة ومن معه هدى أن يجعله حجا (قال
الشافعي) ولبى على وأبو موسى الأشعري باليمن وقالا في تلبيتهما " إهلال كإهلال رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأمرهما بالمقام على إحرامهما، فدل هذا على الفرق بين الاحرام والصلاة لان الصلاة لا تجزى
عن أحد إلا بأن ينوى فريضة بعينها وكذلك الصوم، ويجزئ بالسنة الاحرام، فلما دلت السنة على أنه
يجوز للمرء أن يهل وإن لم ينو حجا بعينه ويحرم بإحرام الرجل لا يعرفه دل على أنه إذا أهل متطوعا ولم
يحج حجة الفريضة كانت حجة الفريضة، ولما كان هذا كان إذا أهل بالحج عن غيره ولم يهلل بالحج
عن نفسه كانت الحجة عن نفسه وكان هذا معقولا في السنة مكتفى به عن غيره، وقد ذكرت فيه
حديثا منقطعا عن النبي صلى الله عليه وسلم ورأيا لابن عباس رضي الله عنهما متصلا (قال) ولا يجوز
أن يحج رجل عن رجل إلا حر بالغ مسلم ولا يجوز أن يحج عنه عبد بالغ ولا حر غير بالغ إذا كان
حجهما لأنفسهما لا يجزئ عنهما من حجة الاسلام لم يجز عن غيرهما والله أعلم (قال) وأمر الحج والعمرة
سواء، فيعتمر عن الرجل كما يحج عنه، ولا يجزيه أن يعتمر عنه إلا من اعتمر عن نفسه من بالغ حر
مسلم (قال) ولو أن رجلا اعتمر عن نفسه ولم يحج فأمره رجل يحج عنه ويعتمر فحج عنه واعتمر
أجزأت المعتمر عنه العمرة ولم تجز عنه الحجة، وهكذا لو حج عن نفسه ولم يعتمر فحج عن غيره
واعتمر، أجزأت المحجوج عنه الحجة ولم تجز عنه العمرة، ويجزيه أي النسكين كان العامل عمله عن
نفسه ثم عمله عنه، ولا يجزيه النسك الذي لم يعمله العامل عن نفسه، وإذا كان ممن له أن يبعث من
يحج عنه ويعتمر أجزأه أن يبعث رجلا واحدا يقرن عنه وأجزأه أن يبعث اثنين مفترقين يحج هذا عنه
ويعتمر هذا عنه وكذلك امرأتين أو امرأة ورجلا (قال) وهذا في فرض الحج والعمرة كما وصفت يجزى
رجلا أن يحج عن رجل وقد قيل إذا أجزأ في الفرض أجزأ أن يتنفل بالحج عنه وقد قيل يحج الفرض
فقط بالسنة ولا يحج عنه نافلة ولا يعتمر نافلة (قال الشافعي) ومن قال يحج المرء عن المرء متطوعا قال
إذا كان أصل الحج مفارقا للصلاة والصوم وكان المرء يعمل عن المرء الحج فيجزى عنه بعد موته وفى
الحال التي لا يطيق فيها الحج فكذلك يعمله عنه متطوعا وهكذا كل شئ من أمر النسك، أخبرنا ابن
عيينة عن يزيد مولى عطاء قال ربما قال لي عطاء، طف عنى (قال الشافعي) وقد يحتمل أن يقال لا
يجوز أن يحج رجل عن رجل إلا حجة الاسلام وعمرته ومن قال هذا قال الدلالة عليه أن النبي صلى
الله عليه وسلم إنما أمر بالحج عن الرجل في الحال التي لا يقدر فيها المحجوج عنه أن يحج عن نفسه،
139

وإني لا أعلم مخالفا في أن رجلا لو حج عن رجل يقدر على الحج لا يجزى عنه من حجة الاسلام،
فإذا كان هذا عندهم هكذا دل على أنه إنما عذر في حال الضرورة بتأدية الفرض وما جاز في الضرورة
دون غيرها، لم يجز، ما لم يكن ضرورة مثله (قال الشافعي) ولو أهل رجلا بحج ففاته فحل بطواف
البيت وسعى بين الصفا والمروة لم يجز عنه من حجة الاسلام لأنه لم يدركها ولم تجز عنه من عمرة
الاسلام ولا عمرة نذر عليه لأنها ليست بعمرة، وإنما كان حجا لم يجز له أن يقيم عليه لوجهين،
أحدهما أنه حج سنة فلا يدخل في حج سنة غيرها، والآخر أنه ليس له أن يقيم محرما بحج في غير
أشهر الحج، ولو أهل بالحج في غير أشهر الحج كان إهلاله عمرة يجزئ عنه من عمرة الاسلام لأنه لا
وجه للاهلال إلا بحج أو عمرة، فلما أهل في وقت كانت العمرة فيه مباحة والحج محظورا كان مهلا
بعمرة وليس هذا كالمهل بالحج والحج مباح له فيفوته، لان ابتداء ذلك الحج كان حجا، وابتداء هذا
الحج كان عمرة، وإذا أجزأت العمرة بلا نية لها أنها عمرة أجزأت إذا أهل بحج وكان إهلاله عمرة
(قال الشافعي) والعمرة لا تفوت من قبل أنها تصلح في كل شهر والحج يفوت من قبل أنه لا يصلح
إلا في وقت واحد من السنة، فلو أن رجلا أهل بالعمرة في عام فحبسه مرض أو خطأ عدد أو غير
ذلك ما خلا العدو أقام حراما حتى يحل متى حل، ولم تفته العمرة متى وصل إلى البيت فعمل عملها
(قال) ولو حج رجل عن رجل بلا إجارة ثم أراد الإجارة لم يكن له وكان متطوعا عنه وأجزأت عنه
حجته (قال) ولو استأجر رجل رجلا يعتمر عنه في شهر فاعتمر في غيره أو على أن يحج عنه في سنة
فحج في غيرها كانت له الإجارة وكان مسيئا بما فعل (قال) ولا بأس بالإجارة على الحج وعلى العمرة
وعلى الخير كله، وهي على عمل الخير أجوز منها على ما ليس بخير ولا بر من المباح، فإن قال قائل:
ما الحجة في جواز الإجارة على تعليم القرآن والخير؟ قيل أخبرنا مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل
بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة بسورة من القرآن (قال) والنكاح
لا يجوز إلا بماله قيمة من الإجارات والأثمان.
(باب الوصية بالحج)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أوصى رجل لم يحج أن يحج عنه وارث ولم يسم شيئا أحج
عنه الوارث بأقل ما يوجد به أحد يحج عنه، فإن لم يقبل ذلك فلا يزاد عليه، ويحج عنه غيره بأقل ما
يوجد من يحج عنه به ممن هو أمين على الحج (قال الشافعي) ولا يرد عن الوارث وصية بهذا إنما هذه
إجازة، ولكن لو قال أحجوه بكذا أبطل كل ما زاد على أقل ما يوجد به من يحج عنه، فإن قبل ذلك
لم أحج عنه غيره (قال) ولو أوصى لغير وارث بمائه دينار يحج بها عنه فإن حج فذلك له وما زاد على
أجر مثله وصية، فإن امتنع لم يحج عنه أحدا لا بأقل ما يوجد به من يحج عنه، ولو قال أحجوا عنى
من رأى فلان بمائة دينار فرأى فلان أن يحج عنه وارث له لم يحج عنه الوارث إلا بأقل ما يوجد به من
يحج عنه فإن أبى قيل لفلان (1) رأى غير وارث فإن فعل أجزنا ذلك وإن لم يفعل أحججت عنه رجلا

(1) قوله: رأى غير وارث، كذا في النسخ، ولعل هنا تحريفا من النساخ، ووجه الكلام " ره "
غير وارث بصيغة الامر من رأى لحقته هاء السكت وقفا وخطا لبقائه على حرف واحد كما هو معلوم من
التصريف. أي انظر غير وارث. كتبه مصححه.
140

بأقل ما يوجد به من يحج عنه (قال) ولو قال رجل أول واحد يحج عنى فله مائة دينار فحج عنه غير
وارث فله مائة دينار، وإن حج عنه وارث فله أقل ما يوجد به من يحج عنه وما زاد على ذلك مردود
لأنها وصية لوارث (قال) ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه أو يعتمر بما شاء كان ذلك مالا من مال
المستأجر إذا أحج عنه أو اعتمر، فإن استأجره على أن يحج عنه فأفسد الحج لم يقض ذلك من الرجل
الحج وكان عليه أن يرد الإجارة كلها، وكذلك لو أخطأ العدد ففاته الحج، وكذلك الفساد في العمرة
(قال) ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه أو يعتمر فاصطاد صيدا أو تطيب أو فعل في الحج أو العمرة
شيئا تجب فيه الفدية فدى ذلك من ماله وكانت له الإجارة وأنظر إلى كل ما كان يكون حجه لو حج
عن نفسه قاضيا عنه وعليه فيه كفارة حج عن غيره جعلته قاضيا عن غيره وله الإجارة كاملة في ماله
وعليه في ماله فدية كل ما أصاب (قال) وهكذا ولى الميت إذا استأجر رجلا يحج عن الميت لا
يختلفان في شئ (قال) ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه فقرن عنه كان زاده خيرا له ولم ينقصه وعليه
في ماله دم القران (قال) ولو استأجره يحج عنه فاعتمر أو يعتمر فحج رد الإجارة، لان الحاج إذا أمر
أن يعتمر عمل عن نفسه غير ما أمر به والحج غير العمرة والعمرة غير الحج (قال) ولو استأجره يحج عنه
فاعتمر ثم عاد فحج عنه من ميقاته أجزأت عنه (قال) ولو اعتمر عن نفسه ثم أراد الحج عن غيره، لم
تكن حجته كاملة عن غيره إلا بأن يخرج إلى ميقات المحجوج عنه، يحج عنه من ميقاته، فإن ترك
ذلك وحج من دون ميقاته أهراق دما وأجزأت عنه (قال) ولو خرج رجل حاجا عن رجل فسلك غير
طريق المحجوج عنه وأتى على ميقات في طريقه غير ميقات الرجل فأهل منه ومضى على حجه أجزأت
عنه حجة الاسلام إن شاء الله تعالى (قال) ويجزى الحاج عن الرجل أن ينوى الحج عنه عند إحرامه
وإن لم يتكلم به أجزأ عنه كما يجزئه ذلك في نفسه، والمتطوع بالحج عن الرجل كالمستأجر في كل أمره
يجزيه في كل ما أجزأه عنه كما يجزئه ذلك في نفسه كل ما أفسد عليه في كل إلا أن المتطوع لا يرد إجارة لأنه
لم يأخذها (قال) ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه أو عن ميت فحج ولم يكن حج عن نفسه أجزأت
عنه ولم تجز عنهما ورد الإجارة (قال) ولا بأس أن يستأجر الوصي للميت إذا لم يحج الميت بعض ورثة
الميت عنه أوصى بذلك الميت أو لم يوص، والإجارة ليست بوصية منه، وإن كان المستأجر وارثا أو غير
وارث فسواء ويحج عن الميت الحجة والعمرة الواجبتان أوصى بهما أو لم يوص كما يؤدى عنه الواجب
عليه من الدين وإن لم يوص به (قال) ولو أوصى بثلثه للحاج اخترت أن يعطاه فقراء الحاج ولا أعلمه
يحرم أن يعطاه غنى منهم (قال) ولو أوصى أن يحج عنه تطوعا ففيها قولان. أحدهما أن ذلك جائز،
والآخر أن ذلك غير جائز كما لو أوصى أن يستأجر عنه من يصلى عنه لم يجز، ومن قال لا يجوز رد
وصيته فجعلها ميراثا (قال) ولو قال رجل لرجل: حج عن فلان الميت بنفقتك، دفع إليه النفقة أو لم
يدفعها، كان هذا غير جائز، لأن هذه أجرة غير معلومة، فإن حج أجزأت عنه وله أجرة مثله،
وسواء كان المستأجر وارثا أو غير وارث، أوصى بذلك الميت أو لم يوص به، غير أنه إن أوصى بذلك
لوارث لم يجز أن يعطى من الإجارة ما زاد على أجرة مثله من الفضل، لان المحاباة وصية والوصية لا
تجوز لوارث.
141

(باب ما يؤدى عن الرجل البالغ الحج)
(قال الشافعي) رحمه الله تعال: وإذا وصل الرجل المسلم الحر البالغ إلى أن يحج أجزأت عنه
حجة الاسلام وإن كان ممن لا مقدرة له بذات يده فحج ماشيا فهو محسن بتكلفه شيئا له الرخصة في
تركه وحج في حين يكون عمله مؤديا عنه، وكذلك لو آجر نفسه من رجل يخدمه وحج، أخبرنا مسلم
بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أن رجلا سأل ابن عباس فقال أواجر
نفسي من هؤلاء القوم فأنسك معهم المناسك هل يجزئ عنى؟ فقال ابن عباس: نعم " أولئك لهم
نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب " (قال) وكذلك لو حج وغيره يكفيه مؤنته لأنه حاج في هذه
الحالات عن نفسه لا عن غيره (قال) وكذلك لو حج في عام أخطأ الناس فيه يوم عرفة لان حجهم
يوم يحجون كما فطرهم يوم يفطرون وأضحاهم يوم يضحون لأنهم إنما كلفوا الظاهر فيما يغيب عنهم فيما
بينهم وبين الله عز وجل، وهكذا لو أصاب رجل أهله بعد الرمي والحلاق كانت عليه بدنة وكان حجه
تاما، وهكذا لو دخل عرفة بعد الزوال وخرج منها قبل مغيب الشمس أجزأت عنه حجته وأهراق
دما، وهكذا كل ما فعل مما ليس له في إحرامه غير الجماع كفر وأجزأت عنه من حجة الاسلام.
(باب حج الصبي يبلغ والمملوك يعتق والذمي يسلم)
أخبرنا الربيع قال: (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا بلغ غلام أو عتق مملوك أو أسلم كافر
بعرفة أو مزدلفة فأحرم أي هؤلاء صار إلى هذه الحال بالحج ثم وافى عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة
المزدلفة، واقفا بها أو غير واقف، فقد أدرك الحج وأجزأ عنه من حجة الاسلام وعليه دم لترك
الميقات، ولو أحرم العبد والغلام الذي لم يبلغ بالحج ينويان بإحرامهما فرض الحج أو النافلة أو لا نية لهما
ثم عتق هذا وبلغ هذا قبل عرفة أو بعرفة أو بمزدلفة أو أين كانا فرجعا إلى عرفة بعد البلوغ والعتق
أجزأت عنهما من حجة الاسلام، ولو احتاطا بأن يهريقا دما كان أحب إلي، ولا يبين لي أن يكون
ذلك عليهما، وأما الكافر فلو أحرم من ميقاته ثم أسلم بعرفة لم يكن له بد من دم يهريقه لان إحرامه
ليس بإحرام ولو أذن الرجل لعبده فأهل بالحج ثم أفسده قبل عرفة ثم عتق فوافى عرفة لم تجز عنه من
حجة الاسلام لأنه قد كان يجب عليه تمامها لأنه أحرم بإذن أهله وهي تجوز له وإن لم تجز عنه من حجة
الاسلام، فإذا أفسدها مضى فيها فاسدة وعليه قضاؤها ويهدى بدنة، ثم إذا قضاها فالقضاء عنه
يجزيه من حجة الاسلام (قال الشافعي) في الغلام المراهق لم يبلغ: يهل بالحج ثم يصيب امرأته قبل
عرفة ثم يحتلم بعرفة يمضى في حجه ولا أرى هذه الحجة مجزئة عنه من حجة الاسلام من قبل أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذ جعل له حجا فالحاج إذا جامع أفسد وعليه البدل وبدنة، فإذا جاء ببدل وبدنة
أجزأت عنه من حجة الاسلام (قال) ولو أهل ذمي أو كافر ما كان هذا بحج ثم جامع ثم أسلم قبل عرفة
وبعد الجماع فجدد إحراما من الميقات أو دونه وأهرق دما لترك الميقات أجزأت عنه من حجة
الاسلام، لأنه لا يكون مفسدا في حال الشرك لأنه كان غير محرم، فإن قال قائل: فإذا زعمت أنه
كان في إحرامه غير محرم، أفكان الفرض عنه موضوعا؟ قيل: لا، بل كان عليه وعلى كل أحد أن
142

يؤمن بالله عز وجل وبرسوله ويؤدى الفرائض التي أنزلها الله تبارك وتعالى على نبيه، غير أن السنة تدل
وما لم أعلم المسلمين اختلفوا فيه أن كل كافر أسلم ائتنف الفرائض من يوم أسلم ولم يؤمر بإعادة ما فرط
فيه في الشرك منها وأن الاسلام يهدم ما قبله إذا أسلم ثم استقام، فلما كان إنما يستأنف الأعمال ولا
يكون عاملا عملا يكتب له إلا بعد الاسلام كان ما كان غير مكتوب له من إحرامه ليس إحراما
والعمل يكتب للعبد البالغ، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصغير: له حج، ففي ذلك
دلالة على أنه حاج وأن حجه إن شاء الله تعالى مكتوب له.
(باب الرجل ينذر الحج أو العمرة)
(قال الشافعي) فمن أوجب على نفسه حجا أو عمرة بنذر فحج أو اعتمر يريد قضاء حجته أو
عمرته التي نذر، كان حجته وعمرته التي نوى بها قضاء النذر حجة الاسلام وعمرته ثم كان عليه
قضاء حجة النذر بعد ذلك (قال الشافعي) فإذا مات ولم يقض النذر ولا الواجب قضى عنه الواجب
أولا، فإن كان في ماله سعة أو كان له من يحج عنه قضى النذر عنه بعده (قال الشافعي) وإن حج عنه
رجل بإجارة أو تطوع ينوى عنه قضاء النذر كان الحج الواجب عليه ثم قضى عنه النذر بعده إذا كان
إحرام غيره عنه، إذا أراد تأدية الفرض عنه يقوم مقام إحرام نفسه عنه في الأداء عنه، فكذلك هو
في النذر عنه والله أعلم، ولو حج عنه رجلان هذا الفرض وهذا النذر، كان أحب إلي وأجزأ عنه.
(باب الخلاف في هذا الباب)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقد خالفنا بعض الناس في هذا الباب فقال: نحن نوافقك على
أن الرجل إذا حج تطوعا أو بغير نية كان ذلك عندنا حجة الاسلام للآثار والقياس فيه ولان التطوع
ليس بواجب عليه، أفرأيت الواجب عليه من النذر إن كان واجبا (1) وفرض الحج التطوع واجبا
فكيف زعمت أنه إذا نوى النذر وهو واجب كان الحج الواجب كما قلته في التطوع والنذر غير تطوع؟
فقلت له زعمته بأنه إذا كان مستطيعا من حين يبلغ إلى أن يموت فلم يكن وقت حج يأتي عليه إلا
وفرض الحج لازم له بلا شئ ألزمه نفسه ولم يكن النذر لازما له إلا بعد ايجابه فكان في نفسه بمعنى
من حج تطوعا وكان الواجب بكل حال أولى أن يكون المقدم من الذي لم يجب إلا بإيجابه على نفسه،
فإن قال ما يشبه النذر من النافلة؟ قيل له إذا دخل فيه بعد حج الاسلام وجب عليه أن يتمه ولكنه لما
كان إذا دخل فيه كان في حكمه في أنه يتمه كمبتدئ حج الاسلام ينويه كان دخوله فيه لم يوجبه
عليه إنما أوجب على نفسه فرضا عليه وغيره لو أوجبه عليه فأمره بالخروج منه كما آمره بالخروج من
الحج بالطواف وآمره بقضائه فقال: فإنك رويت أن ابن عباس وابن عمر سئلا فقال أحدهما:
قضيتهما ورب الكعبة لمن نذر حجا فحجه قضاء النذر والحج المكتوب وقال الآخر هذه حجة الاسلام

(1) قوله: وفرض الحج التطوع، كذا في النسخ، ولعل لفظ " التطوع " هنا من زيادة الناسخ،
كتبه مصححه.
143

فليلتمس وفاء النذر، فقلت فأنت تخالفهما جميعا فتزعم أن هذا النذر وعليه حجة الاسلام فكيف
تحتج بما تخالف؟ قال وأنت تخالف أحدهما، فقلت إن خالفته خالفته بمعنى السنة وأوافق الآخر،
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن الثوري عن زيد ابن جبير، قال:
إني لعند عبد الله بن عمر إذ سئل عن هذه فقال: هذه حجة الاسلام فليلتمس أن يقضى نذره (قال
الشافعي) ولم نر عملين وجبا عليه، فلم يكن له ترك واحد منهما على الابتداء يجزى عنه أن يأتي
بأحدهما فنقول هذا في الحج ينذره الرجل وعليه حجة الاسلام، فإن كان قضى حجة الاسلام وبقى
عليه حجة نذره فحج متطوعا فهي حجة النذر ولا يتطوع بحج وعليه حج واجب، وإذا أجزأ التطوع
من الحجة المكتوبة لأنا نجعل ما تطوع به هو الواجب عليه من الفرض، فكذلك إذا تطوع وعليه
واجب من نذر لا فرق بين ذلك.
(باب هل تجب العمرة وجوب الحج؟)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: " وأتموا الحج والعمرة لله " فاختلف الناس
في العمرة فقال بعض المشرقيين: العمرة تطوع وقاله سعيد بن سالم واحتج بأن سفيان الثوري أخبره
عن معاوية ابن إسحاق عن أبي صالح الحنفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الحج جهاد
والعمرة تطوع " فقلت له أثبت مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال هو منقطع وهو وإن لم
تثبت به الحجة فإن حجتنا في أنها تطوع أن الله عز وجل يقول " ولله على الناس حج البيت من استطاع
إليه سبيلا " ولم يذكر في الموضع الذي بين فيه إيجاب الحج إيجاب العمرة وأنا لم نعلم أحدا من المسلمين
أمر بقضاء العمرة عن ميت فقلت له قد يحتمل قول الله عز وجل " وأتموا الحج والعمرة لله " أن يكون
فرضها معا وفرضه إذا كان في موضع واحد يثبت ثبوته في مواضع كثيرة كقوله تعالى " أقيموا الصلاة
وآتوا الزكاة " ثم قال " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " فذكرها مرة مع الصلاة وأفرد الصلاة
مرة أخرى دونها فلم يمنع ذلك الزكاة أن تثبت وليس لك حجة في قولك لا نعلم أحدا أمر بقضاء
العمرة عن ميت إلا عليك مثلها لمن أوجب العمرة بأن يقول ولا نعلم من السلف أحدا ثبت عنه أنه
قال لا تقضى عمرة عن ميت ولا هي تطوع كما قلت، فإن كان لا نعلم لك حجة كان قول من أوجب
العمرة لا نعلم أحدا من السلف ثبت عنه أنه قال هي تطوع وأن لا تقضى عن ميت حجة عليك (قال)
ومن ذهب هذا المذهب أشبه أن يتأول الآية " وأتموا الحج والعمرة لله " إذا دخلتم فيهما، وقال بعض
أصحابنا: العمرة سنة لا نعلم أحدا أرخص في تركها (قال) وهذا قول يحتمل إيجابها إن كان يريد أن
الآية تحتمل إيجابها وأن ابن عباس ذهب إلى إيجابها ولم يخالفه غيره من الأئمة ويحتمل تأكيدها لا
إيجابها (قال الشافعي) والذي هو أشبه بظاهر القرآن وأولى بأهل العلم عندي وأسأل الله التوفيق أن تكون
العمرة واجبة، فإن الله عز وجل قرنها مع الحج فقال " وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر
من الهدى " وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل ان يحج وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن
إحرامها والخروج منها بطواف وحلاق وميقات، وفى الحج زيادة عمل على العمرة، فظاهر القرآن
أولى إذا لم يكن دلالة على أنه باطن دون ظاهر، ومع ذلك قول ابن عباس وغيره، أخبرنا ابن عيينة
144

عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أنه قال: والذي نفسي بيده إنها لقرينتها في كتاب الله
" وأتموا الحج والعمرة لله "، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: ليس من خلق
الله تعالى أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان (قال الشافعي) وقاله غيره من مكيينا وهو قول الأكثر
منهم (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى " وسن
رسول الله صلى الله عليه وسلم في قران العمرة مع الحج هديا ولو كان أصل العمرة تطوعا أشبه أن لا
يكون لاحد أن يقرن العمرة مع الحج لان أحدا لا يدخل في نافلة فرضا حتى يخرج من أحدهما قبل
الدخول في الآخر، وقد يدخل في أربع ركعات وأكثر نافلة قبل أن يفصل بينهما بسلام، وليس ذلك
في مكتوبة ونافلة من الصلاة فأشبه أن لا يلزمه بالتمتع أو القران هدى إذا كان أصل العمرة تطوعا بكل
حال، لان حكم مالا يكون إلا تطوعا بحال غير حكم ما يكون فرضا في حال (قال الشافعي) وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لسائله عن الطيب والثياب " افعل في عمرتك ما كنت فاعلا في حجتك " (أخبرنا) مسلم بن
خالد عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر أن في الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو
بن حزم ان العمرة هي الحج الأصغر، قال ابن جريج: ولم يحدثني عبد الله بن أبي بكر عن كتاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم شيئا إلا قلت: له أفي شك أنتم من أنه كتاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم؟ فقال: لا (قال الشافعي) فإن قال قائل فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أن
تقضى الحج عن أبيها ولم يحفظ عنه أن تقضى العمرة عنه، قيل له إن شاء الله قد يكون في الحديث
فيحفظ بعضه دون بعض ويحفظ كله فيؤدى بعضه دون بعض، ويجيب عما يسأل عنه ويستغنى أيضا
بأن يعلم أن الحج إذا قضى عنه فسبيل العمرة سبيله فإن قال قائل وما يشبه ما قلت؟ قيل روى عنه
طلحة أنه سئل عن الاسلام فقال خمس صلوات في اليوم والليلة، وذكر الصيام ولم يذكر حجا ولا
عمرة من الاسلام وغير هذا ما يشبه هذا، والله أعلم. فإن قال قائل: ما وجه هذا؟ قيل له: ما
وصفت من أن يكون في الخبر فيؤدى بعضه دون بعض أو يحفظ بعضه دون بعض أو يكتفى بعلم
السائل أو يكتفى بالجواب عن المسألة ثم يعلم السائل بعد ولا يؤدى ذلك في مسألة السائل ويؤدى في
غيره (قال) وإذا أفرد العمرة فالميقات لها كالميقات في الحج، والعمرة في كل شهر من السنة كلها إلا
أنا ننهى المحرم بالحج أن يعتمر في أيام التشريق لأنه معكوف على عمل الحج ولا يخرج منه إلى
الاحرام حتى يفرغ من جميع عمل الاحرام الذي أفرده (قال الشافعي) ولو لم يحج رجل فتوقى العمرة
حتى تمضى أيام التشريق كان وجها وإن لم يفعل فجائز له، لأنه في غير إحرام نمنعه به من غيره
لاحرام غيره (قال الشافعي) ويجزيه أن يقرن الحج مع العمرة وتجزيه من العمرة الواجبة عليه ويهريق
دما قياسا على قول الله عز وجل " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى " فالقارن أخف حالا
من المتمتع، المتمتع إنما أدخل عمرة فوصل بها حجا فسقط عنه ميقات الحج وقد سقط عن هذا
وأدخل العمرة في أيام الحج وقد أدخلها القارن، وأزاد المتمتع أن تمتع بالاحلال من العمرة إلى إحرام
الحج ولا يكون المتمتع في أكثر من حال القارن فيما يجب عليه من الهدى (قال) وتجزى العمرة قبل
الحج والحج قبل العمرة من الواجبة عليه (قال) وإذا اعتمر قبل الحج ثم أقام بمكة حتى ينشئ الحج
أنشأه من مكة لا من الميقات (قال) وإن أفرد الحج فأراد العمرة بعد الحج خرج من الحرم ثم أهل من
أين شاء وسقط عنه بإحرامه بالحج من الميقات، فأحرم بها من أقرب المواضع من ميقاتها، ولا ميقات
145

لها دون الحل. كما يسقط ميقات الحج إذا قدم العمرة قبله لدخول أحدهما في الآخر وأحب إلى أن
يعتمر من الجعرانة لان النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر منها، فإن أخطأه ذلك اعتمر من التنعيم لان
النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة أن تعتمر منها وهي أقرب الحل إلى البيت، فإن أخطأه ذلك اعتمر
من الحديبية لان النبي صلى الله عليه وسلم صلى بها وأراد المدخل لعمرته منها، أخبرنا ابن عيينة أنه سمع
عمرو بن دينار يقول سمعت عمرو بن أوس الثقفي يقول أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكر أن النبي صلى
الله عليه وسلم أمره أن يردف عائشة فيعمرها من التنعيم (قال الشافعي) وعائشة كانت قارنة فقضت الحج
والعمرة الواجبتين عليها، وأحبت أن تنصرف بعمرة غير مقرونة بحج، فسألت ذلك النبي صلى الله
عليه وسلم فأمر بإعمارها، فكانت لها نافلة خيرا، وقد كانت دخلت مكة بإحرام، فلم يكن عليها
رجوع إلى الميقات، أخبرنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن مزاحم عن عبد العزيز بن عبد الله
ابن خالد عن (1) محرش الكعبي أو محرش أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلا فاعتمر
وأصبح بها كبائت، أخبرنا مسلم عن ابن جريج هذا الحديث بهذا الاسناد، وقال ابن جريج هو
محرش. (قال الشافعي) وأصاب ابن جريج لان ولده عندنا يقول بنو محرش، أخبرنا مسلم عن ابن
جريج عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة " طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك
لحجك وعمرتك " (أخبرنا) سفيان عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه
وسلم مثله، وربما قال سفيان عن عطاء عن عائشة وربما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة
(قال الشافعي) فعائشة كانت قارنة في ذي الحجة ثم اعتمرت بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعمارها
بعد الحج فكانت لها عمرتان في شهر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل الجعرانة عمرة
القضية فكان متطوعا بعمرة الجعرانة، فكان وإن دخل مكة عام الفتح بغير إحرام للحرب فليست
عمرته من الجعرانة قضاء ولكنها تطوع، والمتطوع يتطوع بالعمرة من حيث شاء خارجا من الحرم (قال
الشافعي) ولو أهل رجل بحج ففاته خرج من حجه بعمل عمرة وكان عليه حج قابل والهدى ولم تجز
هذه عنه من حجة ولا عمرة واجبة عليه لأنه إنما خرج من الحج بعمل العمرة، لا أنه ابتدأ عمرة
فتجزى عنه من عمرة واجبة عليه.
(باب الوقت الذي تجوز فيه العمرة)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يجوز أن يهل الرجل بعمرة في السنة كلها يوم عرفة وأيام منى
وغيرها من السنة إذا لم يكن حاجا ولم يطمع بإدراك الحج وإن طمع بإدراك الحج أحببت له أن يكون
إهلاله بحج دون عمرة أو حج مع عمرة وإن لم يفعل واعتمر جازت العمرة وأجزأت عنه عمرة الاسلام
وعمرة إن كان أوجبها على نفسه (2) من نذر أو أوجبه تبرر أو اعتمر عن غيره (قال الشافعي) فإن قال

(1) قوله: محرش الكعبي أو محرش كذا في النسخ، وانظر ما الفرق بين الموضعين وما الذي
أصاب فيه ابن جريج والذي في المسند والخلاصة أنه محرش بمهملتين قبل العجمة بدون شك في
الضبط فحرر المقام. كتبه مصححه.
(2) قوله: من نذر أو أوجبه تبرر، كذا في النسخ، وفى بعضها " أو أوجبه بنذر " وعلى كل حال
فالعبارة لا تخلو من تحريف، فانظر، وحرر. كتبه مصححه.
146

قائل وكيف يجوز أن تكون العمرة في أيام الحج؟ قيل قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة
فأدخلت الحج على العمرة فوافت عرفة ومنى حاجة معتمرة والعمرة لها متقدمة وقد أمر عمر بن
الخطاب رضي الله عنه هبار بن الأسود وأبا أيوب الأنصاري في يوم النحر (1) وكان مهلا بحج أن
يطوف ويسعى ويحلق ويحل فهذا عمل عمرة إن فاته الحج فإن أعظم الأيام حرمة أولاها أن ينسك فيها
لله تعالى (قال الشافعي) ولا وجه لان ينهى أحد أن يعتمر يوم عرفة ولا ليالي منى إلا أن يكون حاجا
فلا يدخل العمرة على الحج ولا يعتمر حتى يكمل عمل الحج كله، لأنه معكوف بمنى على عمل من
عمل الحج من الرمي والإقامة بمنى طاف للزيارة أو لم يطف، فإن اعتمر وهو في بقية من إحرام حجه
أو خارجا من إحرام حجه وهو مقيم على عمل من عمل حجه فلا عمرة له ولا فدية عليه لأنه أهل
بالعمرة في وقت لم يكن له أن يهل بها فيه (قال الشافعي) والعمرة في السنة كلها فلا بأس بأن يعتمر
الرجل في السنة مرارا، وهذا قول العامة من المكيين وأهل البلدان، غير أن قائلا من الحجازيين كره
العمرة في السنة إلا مرة واحدة، وإذا كانت العمرة تصلح في كل شهر فلا تشبه الحج الذي لا يصلح
إلا في يوم من شهر بعينه إن لم يدرك فيه الحج فات إلى قابل فلا يجوز أن تقاس عليه وهي تخالفه في
هذا كله، فإن قال قائل: ما دل على ما وصفت؟ قيل له عائشة ممن لم يكن معه هدى وممن دخل في
أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون إحرامه عمرة فعركت فلم تقدر على الطواف للطمث فأمرها رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن تهل بالحج فكانت قارنة وكانت عمرتها في ذي الحجة ثم سألته أن يعمرها
فأعمرها في ذي الحجة فكانت هذه عمرتين في شهر فكيف ينكر أحد بعد أمر النبي صلى الله عليه
وسلم بعمرتين في شهر يزعم أن لا تكون في السنة إلا مرة؟ أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي حسين عن
بعض ولد أنس بن مالك قال كنا مع أنس بن مالك بمكة فكان (2) إذا حمم رأسه خرج فاعتمر
أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال في كل شهر
عمرة، أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن عائشة اعتمرت في سنة مرتين، مرة من
ذي الحليفة ومرة من الجحفة، أخبرنا سفيان عن صدقة بن يسار عن القاسم بن محمد أن عائشة أم
المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم اعتمرت في سنة مرتين قال صدقة: فقلت هل عاب ذلك عليها
أحد؟ فقال سبحان الله أم المؤمنين فاستحييت، أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع
قال اعتمر عبد الله بن عمر أعواما في عهد ابن الزبير مرتين في كل عام، أخبرنا عبد الوهاب بن عبد
المجيد عن حبيب المعلم قال سئل عطاء عن العمرة في كل شهر؟ (3) قال نعم (قال الشافعي) وفيما
وصفت من عمرة عائشة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها في ذي الحجة وفى أنه اعتمر في أشهر
الحج بيان أن العمرة تجوز في زمان الحج وغيره وإذا جازت في شهر مرتين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم
زايلت معنى الحج الذي لا يكون في السنة إلا مرة واحدة وصلحت في كل شهر، وحين أراده صاحبه

(1) قوله: وكان مهلا، كذا في النسخ بالافراد فيه وفيما بعده، ولعل معناه " وكان كل منهما مهلا
الخ " فانظر. كتبه مصححه.
(2) إذا حمم رأسه، أي اسود بعد الحلق بنبات شعره، والمعنى أنه كان لا يؤخر العمرة إلى
المحرم، وإنما كان يخرج إلى الميقات ويعتمر في ذي الحجة، كذا في النهاية. كتبه مصححه.
(3) لعل هنا سقطا من الناسخ ووجه الكلام " سئل عطاء عن العمرة في كل شهر أتجوز الخ ".
147

إلا أن يكون محرما بغيرها من حج أو عمرة فلا يدخل إحراما بغيره عليه قبل أن يكمله (قال الشافعي)
وإذا أهل رجل بعمرة كان له أن يدخل الحج على العمرة ما لم يدخل في الطواف بالبيت فإذا دخل فيه
فليس له أن يدخل عليه الحج ولو فعل لم يلزمه حج لأنه يعمل في الخروج من عمرته في وقت ليس له
إدخال الحج فيه على عمل العمرة ولو كان إهلاله بحج لم يكن له أن يدخل عليه العمرة ولو فعل لم يكن
مهلا بعمرة ولا عليه فدية (قال) ومن لم يحج اعتمر في السنة كلها ومن حج لم يدخل العمرة على الحج
حتى يكمل عمل الحج وهو آخر أيام التشريق إن أقام إلى آخرها وإن نفر النفر الأول فاعتمر يومئذ لزمته
العمرة لأنه لم يبق عليه للحج عمل ولو أخره كان أحب إلي ولو أهل بالعمرة في يوم النفر الأول ولم ينفر
كان إهلاله باطلا لأنه معكوف على عمل من عمل الحج فلا يخرج منه إلا بكماله والخروج منه
(قال) وخالفنا بعض حجازيينا فقال لا يعتمر في السنة إلا مرة، وهذا خلاف سنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقد أعمر عائشة في شهر واحد من سنة واحدة مرتين وخلاف فعل عائشة نفسها وعلي بن أبي
طالب وابن عمر وأنس رضي الله عنهم وعوام الناس وأصل قوله إن كان قوله: إن العمرة تصلح
في كل السنة فكيف قاسها بالحج الذي لا يصلح إلا في يوم من السنة؟ وأي وقت وقت للعمرة من
الشهور؟ فإن قال: أي وقت شاء، فكيف لم يعتمر في أي وقت شاء مرارا، وقول العامة على ما
قلنا.
(باب من أهل بحجتين أو عمرتين)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: من أهل بحجتين معا أو حج ثم أدخل عليه حجا آخر قبل أن
يكمل الحج فهو مهل بحج واحد ولا شئ عليه في الثاني من فدية ولا قضاء ولا غيره (قال) وإكمال
عمل الحج أن لا يبقى عليه طواف ولا حلاق ولا رمى ولا مقام بمنى، فإن قال قائل فكيف قلت
هذا؟ قيل كان عليه في الحج أن يأتي بعمله على كماله فيدخل فيه حراما ويكون كماله أن يخرج منه
حلالا من يوم النحر من بعضه دون بعض وبعد النحر من كله بكماله فلو ألزمناه الحجتين وقلنا: أكمل
إحداهما أمرناه بالاحلال وهو محرم بحج، ولو قلنا له لا تخرج من إحرام أحدهما إلا بخروجك من الآخر
بكماله قلنا له أئت ببعض عمل الحج دون بعض فإن قال وما يبقى عليه من عمل الحج؟ قيل الحلاق
فأمرناه أن لا يكمل الحج انتظارا للذي بعده ولو جاز هذا جاز أن يقال له أقم في بلدك أو في مكة ولا
تعمل لاحد حجيك حتى تعمل للآخر منهما كما يقال للقارن، فيكون إنما عمل بحج واحد وبطل الآخر
ولو قلنا بل يعمل لأحدهما ويبقى محرما بالآخر قلنا: فهو لم يكمل عمل أحدهما وأكمل عمل الآخر
فكيف يجب عليه في أحدهما ما سقط عنه في الآخر؟ فإن قلت بل يحل من أحدهما، قيل فلم يلزمه
أداء الآخر إذا جاز له أن يخرج من الأول لم يدخل في غيره إلا بتجديد دخول فيه (قال الشافعي)
وإذا كان عمر بن الخطاب وكثير ممن حفظنا عنه لم نعلم منهم اختلافا يقولون إذا أهل بحج ثم فاته عرفة
لم يقم حراما وطاف وسعى وحلق ثم قضى الحج الفائت لم يجز أبدا في الذي لم يفته الحج أن يقيم حراما
بعد الحج بحج وإذا لم يجز لم يجز إلا سقوط إحدى الحجتين والله أعلم وقد روى من وجه عن عطاء أنه
قال إذا أهل بحجتين فهو مهل بحج وتابعه الحسن بن أبي الحسن (قال) والقول في العمرتين هكذا
148

وكمال العمرة الطواف بالبيت وبالصفا والمروة والحلاق وأمرهم من فاته الحج أن يحل بطواف وسعى
وحلاق ويقضى يدلان معا على أنه لا يجوز أن يهل بالحج في غير أشهر الحج لان من فاته الحج قد
يقدر أن يقيم حراما إلى قابل ولا أراهم أمروه بالخروج من إحرامه بالطواف ولا يقيم حراما (1) لأنه لا
يجوز له أن يقيم محرما بحج في غير أشهر الحج ويدل على أنه إذا خرج من حجه يعمل عمرة فليس أن
حجه صار عمرة ولا يصير عمرة وقد ابتدأ حجا في وقت يجوز فيه الاهلال بالحج ولو جاز أن ينفسخ
الحج عمرة جاز أن يكون من ابتدأ فأهل بحجتين مهلا بحج وعمرة لأنه يصلح أن يبتدأ حج وعمرة ولم
يجز لمن قال يصير حجه عمرة إلا ما وصفت من أنه إذا ابتدأ فأهل بحجتين فهو مهل بحج وعمرة، فأما
من أهل بحج ثم أدخل عليه بعد إهلاله به حجا فبين في كل حال أن لا يكون مدخلا حجا على حج
ولا تكون عمرة مع حج، كما لو ابتدأ فأدخل عمرة على حج لم تدخل عليه، ولو جاز ان يصرف الحج
عمرة جاز أن تصرف العمرة حجا فيكون من أهل بعمرتين في أشهر الحج مهلا بحج وعمرة، وصرفنا
إحرامه إلى الذي يجوز له، ولا يجوز شئ من هذا غير القول الأول من أن من أهل بحجتين فهو مهل
بحج ومن أهل بعمرتين فهو مهل بعمرة ولا شئ عليه غير ذلك.
(باب الخلاف فيمن أهل بحجتين أو عمرتين)
(قال الشافعي) رحمه الله وخلافنا رجلان من الناس، فقال أحدهما: من أهل بحجتين لزمتاه فإذا
أخذ (1) في عملهما فهو رافض للآخر، وقال الآخر: هو رافض للآخر حين ابتدأ الاهلال وأحسبهما
قالا: وعليه في الرفض دم وعليه القضاء (قال الشافعي) قد حكى لي عنهما معا أنهما قالا: من أجمع
صيام يومين فصام أحدهما فليس عليه الآخر لأنه لا يجوز أن يدخل في الآخر إلا بعد الخروج من
الأول، وهكذا من فاتته صلوات فكبر ينوى صلاتين لم يكن إلا صلاة واحدة، ولم يلزمه صلاتان
معا، لأنه لا يدخل في الآخر إلا من بعد الخروج من الأولى (قال) وكذلك لو نوى صلاتين تطوعا مما
يفصل بينهما بسلام، فإذا كان هذا هكذا في الصوم والصلاة فكيف لم يكن عندهما هكذا في الحج؟
مع أنه يلزمهما أن يدعا قولهما في الحج، إن زعما أن الحج يصير عمرة إذا فاتت عرفة أشبه أن يلزمهما إذا
كان الاحرام بحجتين لازما أن يقولا هو حج وعمرة قالا يقضى أحدهما أو لم يقولاه (قال الشافعي)
وبهذا قلنا لا يقرن بين عملين إلا بحج وعمرة يدخل الحج على العمرة ولا يدخل العمرة على الحج إذا
بدأ بالحج لان الأصل أن لا نجمع بين عملين، فلما جمع بينهما في حال سلم للخبر في الجمع بينهما،
ولم يجمع بينهما إلا على ما جاء فيه الخبر لا يخالفه ولا يقيس عليه.

(1) قوله: لأنه لا يجوز، كذا في النسخ، ولعل هنا سقطا، ووجه الكلام " إلا لأنه الخ " لان
المعنى على حصر النفي فانظر. كتبه مصححه.
(2) في عملهما، أي في عمل أحدهما، كما هو ظاهر. كتبه مصححه.
149

(في المواقيت)
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال " يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل
نجد من قرن " قال ابن عمر: ويزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ويهل أهل اليمن من
يلملم " أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه قال أمر أهل المدينة أن يهلوا من ذي
الحليفة وأهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن. قال ابن عمر: أما هؤلاء الثلاث فسمعتهن من
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ويهل أهل اليمن من
يلملم " أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر قال: قام رجل من أهل المدينة في المسجد
فقال: يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل؟ قال " يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام
من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن " قال لي نافع: ويزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ويهل
أهل اليمن من يلملم " (قال) وأخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال. أخبرني أبو
الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن المهل فقال سمعت، ثم انتهى، أراه يريد النبي صلى الله عليه
وسلم يقول " يهل أهل المدينة من ذي الحليفة " والطريق الآخر من الجحفة وأهل المغرب " ويهل أهل
العراق من ذات عرق ويهل أهل نجد من قرن ويهل أهل اليمن من يلملم " (قال الشافعي) ولم يسم جابر
بن عبد الله النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يجوز أن يكون سمع عمر بن الخطاب، قال ابن سيرين:
يروى عن عمر بن الخطاب مرسلا أنه وقت لأهل المشرق ذات عرق، ويجوز أن يكون سمع غير عمر
بن الخطاب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرنا سعيد بن سالم قال: أخبرنا ابن جريج
قال أخبرني عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل المغرب
الجحفة ولأهل المشرق ذا عرق ولأهل نجد قرنا ومن سلك نجدا من أهل اليمن وغيرهم قرن المنازل،
ولأهل اليمن يلملم أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال: فراجعت عطاء فقلت:
إن النبي صلى الله عليه وسلم زعموا لم يوقت ذات عرق ولم يكن أهل المشرق حينئذ، قال كذلك سمعنا
أنه وقت ذات عرق أو العقيق لأهل المشرق قال: ولم يكن عراق ولكن لأهل المشرق ولم يعزه إلى أحد
دون النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه يأبى إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم وقته، أخبرنا مسلم بن
خالد، عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال: لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات
عرق ولم يكن حينئذ أهل مشرق، فوقت الناس ذات عرق (قال الشافعي) ولا أحسبه إلا كما قال
طاوس والله أعلم، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء أنه قال:
لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق شيئا فاتخذ الناس بحيال قرن ذات عرق، أخبرنا الثقة
عن أيوب عن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب وقت ذات عرق لأهل المشرق (قال الشافعي) وهذا
عن عمر بن الخطاب مرسلا، وذات عرق شبيه بقرن في القرب وألملم (قال الشافعي) فإن أحرم منها
أهل المشرق رجوت أن يجزيهم قياسا على قرن ويلملم، ولو أهلوا من العقيق كان أحب إلي، أخبرنا
سفيان عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا
الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرنا ولأهل اليمن يلملم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" هذه المواقيت لأهلها ولكل آت أتى عليها من غير أهلها ممن أراد الحج والعمرة ومن كان أهله من دون
150

الميقات فليهل من حيث ينشئ حتى يأتي ذلك على أهل مكة ". أخبرنا الثقة عن معمر عن ابن
طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في المواقيت مثل معنى
حديث سفيان في المواقيت، أخبرنا سعيد ابن سالم عن القاسم بن معن عن ليث عن عطاء عن طاوس
عن ابن عباس أنه قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام
الجحفة ولأهل اليمن يلملم ولأهل نجد قرنا ومن كان دون ذلك فمن حيث يبدأ. أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن
جريج عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت قال ليستمتع المرء بأهله وثيابه حتى يأتي
كذا وكذا للمواقيت، قلت: أفلم يبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا بلغوا كذا وكذا؟ أهلوا؟
قال: لا أدرى.
(باب تفريع المواقيت)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس قال:
قال " ولم يسم عمرو القائل إلا أنا نراه ابن عباس " الرجل يهل من أهله ومن بعدما يجاوز أين شاء ولا
يجاوز الميقات إلا محرما، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء أنه رأى ابن عباس
يرد من جاوز الميقات غير محرم (قال الشافعي) وبهذا نأخذ، وإذا أهل الرجل بالحج أو العمرة من
دون ميقاته ثم رجع إلى ميقاته فهو محرم في رجوعه ذلك، فإن قال قائل: فكيف أمرته بالرجوع وقد
ألزمته إحراما قد ابتدأه من دون ميقاته؟ أقلت ذلك اتباعا لابن عباس أم خبرا من غيره أو قياسا؟
قلت: هو وإن كان اتباعا لابن عباس ففيه أنه في معنى السنة، فإن قال: فاذكر السنة التي هو في
معناها، قلت: أرأيت إذ وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم المواقيت لمن أراد حجا أو عمرة، أليس
المريد لهما مأمورا أن يكون محرما من الميقات لا يحل إلا بإتيان البيت والطواف والعمل معه؟ قال: بلى.
قلت: أفتراه مأذونا له قبل بلوغ الميقات أن يكون غير محرم؟ قال: بلى. قلت: أفتراه أن يكون
مأذونا له أن يكون بعض سفره حلالا وبعضه حراما؟ قال: نعم. قلت أفرأيت إذا جاوز الميقات
فأحرم أو لم يحرم ثم رجع إلى الميقات فأحرم منه، أما أتى بما أمر به من أن يكون محرما من الميقات إلى
أن يحل بالطواف بالبيت وعمل غيره؟ قال: بلى. ولكنه إذا دخل في إحرام بعد الميقات فقد لزمه
إحرامه وليس بمبتدئ إحراما من الميقات (قال الشافعي) قلت إنه لا يضيق عليه أن يبتدئ الاحرام
قبل الميقات كما لا يضيق عليه لو أحرم من أهله فلم يأت الميقات إلا وقد تقدم بإحرامه لأنه قد أتى بما
أمر به من أن يكون محرما من الميقات إلى أن يحل بالطواف وعمل الحج، وإذا كان هذا هكذا كان
الذي جاوز الميقات ثم أحرم ثم رجع إليه في معنى هذا في أنه قد أتى على الميقات محرما ثم كان بعد
محرما إلى أن يطوف ويعمل لاحرامه إلا أنه زاد على نفسه سفرا بالرجوع والزيادة لا تؤثمه ولا توجب
عليه فدية إن شاء الله تعالى، فإن قال: أفرأيت من كان أهله من دون الميقات أو كان من أهل
الميقات؟ قلت سفر ذلك كله إحرام وحاله إذا جاوز أهله حال من جاوز الميقات يفعل ما أمرنا به من
جاوز الميقات (قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال قال عمرو بن
151

دينار عن طاوس: من شاء أهل من بيته ومن شاء استمتع بثيابه حتى يأتي ميقاته ولكن لا يجاوزه إلا
محرما يعنى ميقاته، أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال: المواقيت في
الحج والعمرة سواء ومن شاء أهل من ورائها ومن شاء أهل منها ولا يجاوزها إلا محرما وبهذا نأخذ،
أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن جريج أن عطاء قال: ومن أخطأ أن يهل بالحج من ميقاته أو
عمد ذلك فليرجع إلى ميقاته فليهل منه إلا أن يحبسه أمر يعذر به من وجع أو غيره أو يخشى أن يفوته
الحج إن رجع فليهرق دما ولا يرجع، وأدنى ما يهريق من الدم في الحج أو غيره شاة، أخبرنا مسلم
عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت الذي يخطئ أن يهل بالحج من ميقاته ويأتي وقد أزف الحج
فيهريق دما أيخرج مع ذلك من الحرم فيهل بالحج من الحل؟ قال: لا. ولم يخرج خشية الدم الذي
يهريق (قال الشافعي) وبهذا نأخذ من أهل من دون ميقاته أمرناه بالرجوع إلى ميقاته ما بينه وبين أن
يطوف بالبيت فإذا طاف بالبيت لم نأمره بالرجوع وأمرناه أن يهريق دما، وإن لم يقدر على الرجوع إلى
ميقاته بعذر أو تركه عامدا لم نأمره بأن يخرج إلى شئ دون ميقاته وأمرناه أن يهريق دما وهو مسئ في
تركه أن يرجع إذا أمكنه عامدا ولو كان ميقات القوم قرية فأقل ما يلزمه في الاهلال أن لا يخرج من
بيوتها حتى يحرم وأحب إلى أن كانت بيوتها مجتمعة أو متفرقة أن يتقصى فيحرم من أقصى بيوتها مما يلي
بلده الذي هو أبعد من مكة وإن كان واديا فأحب إلى أن يحرم من أقصاه وأقربه ببلده وأبعده من مكة
وإن كان ظهرا من الأرض فأقل ما يلزمه في ذلك أن يهل مما يقع عليه اسم الظهر أو الوادي أو الوضع
أو القرية إلا أن يعلم موضعها فيهل منه وأحب إلى أن يحرم من أقصاه إلى بلده الذي هو أبعد من مكة،
فإنه إذا أتى بهذا فقد أحرم من الميقات يقينا أو زاد والزيادة لا تضر، وإن علم أن القرية نقلت فيحرم من
القرية الأولى، وإن جاوز ما يقع عليه الاسم رجع أو اهراق دما، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد
الكريم الجزري قال رأى سعيد بن جبير رجلا يريد أن يحرم من ميقات ذات عرق فأخذ بيده حتى
أخرجه من البيوت وقطع به الوادي وأتى به المقابر ثم قال: هذه ذات عرق الأولى (قال الشافعي)
ومن سلك بحرا أو برا من غير وجه المواقيت أهل بالحج إذا حاذى المواقيت متأخيا وأحب إلى أن يحتاط
فيحرم من وراء ذلك، فإن علم أنه أهل بعدما جاوز المواقيت كان كمن جاوزها فرجع أو أهراق دما
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: من
سلك بحرا أو برا من غير جهة المواقيت أحرم إذا حاذى المواقيت (قال الشافعي) وبهذا نأخذ ومن سلك
كداء من أهل نجد والسراة أهل بالحج من قرن، وذلك قبل أن يأتي ثنية كدى وذلك أرفع من قرن في
نجد وأعلى وادى قرن وجماع ذلك ما قال عطاء أن يهل من جاء من غير جهة المواقيت، إذا حاذى
المواقيت وحديث طاوس في المواقيت عن النبي صلى الله عليه وسلم أوضحها معنى وأشدها غنى عما
دونه، وذلك أنه أتى على المواقيت ثم قال عن النبي صلى الله عليه وسلم " هن لأهلهن ولكل آت
عليهن من غير أهلهن ممن أراد حجا أو عمرة " وكان بينا فيه إن عراقيا أو شاميا لو مر بالمدينة يريد حجا
أو عمرة كان ميقاته ذا الحليفة وإن مدنيا لو جاء من اليمن كان ميقاته يلملم وإن قوله يهل أهل المدينة
من ذي الحليفة إنما هو لأنهم يخرجون من بلادهم ويكون ذو الحليفة طريقهم وأول ميقات يمرون به
وقوله " وأهل الشام من الجحفة " لأنهم يخرجون من بلادهم والجحفة طريقهم وأول ميقات يمرون به
ليست المدينة ولا ذو الحليفة طريقهم إلا أن يعرجوا إليها وكذلك قوله في أهل نجد واليمن لان كل
واحد منهم خارج من بلده وكذلك أول ميقات يمرون به وفيه معنى آخر أن أهل نجد اليمن يمرون بقرن،
152

فلما كانت طريقهم لم يكلفوا أن يأتوا يلملم وإنما ميقات يلملم لأهل غور اليمن (1) تهمها ممن هي
طريقهم (قال الشافعي) ولا يجوز في الحديث غير ما قلت والله أعلم وذلك أنه لو كان على أهل المدينة
أين كانوا فأرادوا الحج أن يهلوا من ذي الحليفة رجعوا من اليمن إلى ذي الحليفة ورجع أهل اليمن من
المدينة إن أرادوا منها الحج إلى يلملم، ولكن معناه ما قلت والله أعلم وهو موجود في الحديث معقول
فيه ومعقول في الحديث في قوله " ولكل آت أتى عليها " ما وصفت وقوله " ممن أراد حجا أو عمرة "
أنهن مواقيت لمن أتى عليهم يريد حجا أو عمرة، فمن أتى عليهن لا يريد حجا ولا عمرة فجاوز الميقات
ثم بدا له أن يحج أو يعتمر أهل بالحج من حيث يبدو له وكان ذلك ميقاته كما يكون ميقات أهله الذين
انشأوا منه يريدون الحج أو العمرة حين انشأوا منه، وهذا معنى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله
" ممن أراد حجا أو عمرة " لان هذا جاوز الميقات لا يريد حجا ولا عمرة ومعنى قوله " ولكل آت أتى
عليهن ممن أراد حجا أو عمرة " فهذه إنما أراد الحج أو العمرة بعدما جاوز المواقيت فأراد وهو ممن دون
المواقيت المنصوبة وأراده وهو داخل في جملة المواقيت لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ومن كان أهله
دون المواقيت فمن حيث ينشئ حتى يأتي ذلك على أهل مكة " فهذا جملة المواقيت، أخبرنا مالك
عن نافع عن ابن عمر أنه أهل من الفرع (قال الشافعي) وهذا عندنا والله أعلم أنه مر بميقاته لم يرد حجا
ولا عمرة ثم بدا له من الفرع فأهل منه أو جاء الفرع من مكة أو غيرها ثم بدا له الاهلال فأهل منها ولم
يرجع إلى ذي الحليفة وهو روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في المواقيت، فلو أن بعض أهل
المدينة أتى الطائف لحاجته عامدا لا يريد حجا ولا عمرة ثم خرج منها كذلك لا يريد حجا ولا عمرة
حتى قارب الحرم ثم بدا له ان يهل بالحج أو العمرة أهل من موضعه ذلك ولم يرجع، أخبرنا سعيد بن
سالم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال: إذا مر المكي بميقات أهل مصر فلا يجاوزه إلا
محرما، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قال طاوس: فإن مر المكي على المواقيت يريد مكة
فلا يخلفها حتى يعتمر.
(باب دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل " وإذا جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا " إلى قوله
" والركوع السجود " (قال الشافعي) المثابة في كلام العرب الموضع يثوب الناس إليه ويئوبون يعودون إليه
بعد الذهاب منه، وقد يقال ثاب إليه اجتمع إليه، فالمثابة تجمع الاجتماع ويئوبون يجتمعون إليه
راجعين بعد ذهابهم منه ومبتدئين (2) قال ورقة بن نوفل يذكر البيت.
مثابا لا فناء القبائل كلها * تخب إليه اليعملات الذوامل
وقال خداش بن زهير النصري:

(1) قوله: تهمها الخ كذا في النسخ بدون نقط، ولعلها محرفة من النساخ وأصلها " تهامنها "
ولتحرر العبارة كتبه مصححه.
(2) قوله: قال ورقة ابن نوفل، كذا في جميع نسخ الام التي بيدنا، وفى اللسان في مادة ث
و ب أن البيت لأبي طالب، فانظر لمن البيت منهما. كتبه مصححه.
153

فما برحت بكر تثوب وتدعى * ويلحق منهم أولون وآخر
وقال الله عز وجل " أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم " يعنى والله أعلم، آمنا من
صار إليه لا يتخطف اختطاف من حولهم وقال لإبراهيم خليله " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا
وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق " (قال الشافعي) فسمعت بعض من أرضى من أهل العلم يذكر
أن الله تبارك وتعالى لما أمر بهذا إبراهيم عليه السلام، وقف على المقام فصاح صيحة " عباد الله أجيبوا
داعي الله " فاستجاب له حتى من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فمن حج البيت بعد دعوته فهو
ممن أجاب دعوته ووافاه من وافاه يقولون " لبيك داعي ربنا لبيك " وقال الله عز وجل " ولله على الناس
حج البيت من استطاع إليه سبيلا " الآية، فكان ذلك دلالة كتاب الله عز وجل فينا وفى الأمم، على
أن الناس مندوبون إلى اتيان البيت بإحرام، وقال الله عز وجل " وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا
بيتي للطائفتين والعاكفين والركع السجود " وقال " فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم " (قال الشافعي)
فكان مما ندبوا به إلى إتيان الحرم بالاحرام قال: وروى عن ابن أبي لبيد عن أبي سلمة بن عبد
الرحمن أنه قال " لما أهبط الله تعالى آدم من الجنة طأطأه فشكا الوحشة إلى أصوات الملائكة " فقال " يا
رب مالي لا أسمع حس الملائكة؟ " فقال " خطيئتك يا آدم ولكن اذهب فإن لي بيتا بمكة فائته فافعل
حوله نحو ما رأيت الملائكة يفعلون حول عرشي " فأقبل يتخطى موضع كل قدم قرية وما بينهما مفازة
فلقيته الملائكة (2) بالردم فقالوا " بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام " أخبرنا
ابن عيينة عن ابن أبي لبيد عن محمد ابن كعب القرظي أو غيره قال: حج آدم فلقيته الملائكة فقالت
بر نسكك يا آدم لقد حججنا قبلك بألفي عام (قال الشافعي) وهو إن شاء الله تعالى كما قال، وروى
عن أبي سلمة وسفيان بن عيينة كان يشك في إسناده (قال الشافعي) ويحكى أن النبيين كانوا يحجون
فإذا أتوا الحرم مشوا إعظاما له ومشوا حفاة، ولم يحك لنا عن أحد من النبيين ولا الأمم الخالية أنه جاء
أحد البيت قط إلا حراما ولم يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة علمناه إلا حراما إلا في حرب
الفتح فبهذا قلنا إن سنة الله تعالى في عباده أن لا يدخل الحرم إلا حراما وبأن من سمعناه من علمائنا قالوا
فمن نذر أن يأتي البيت يأتيه محرما بحج أو عمرة (قال) ولا أحسبهم قالوه إلا بما وصفت وأن الله تعالى
ذكر وجه دخول الحرم فقال " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام، إن شاء الله
آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين " (قال) فدل على وجه دخوله للنسك وفى الامن وعلى رخصة الله
في الحرب وعفوه فيه عن النسك وأن فيه دلالة على الفرق بين من يدخل مكة وغيرها من البلدان
وذلك أن جميع البلدان تستوى لأنها لا تدخل بإحرام وإن مكة تنفرد بأن من دخلها منتابا لها لم
يدخلها إلا بإحرام (قال الشافعي) إلا أن من أصحابنا من رخص للحطابين ومن مدخله إياها لمنافع
أهلها والكسب لنفسه ورأيت أحسن ما يحمل عليه هذا القول إلى أن انتياب هؤلاء مكة انتياب كسب
لا انتياب تبرر، وأن ذلك متتابع كثير متصل فكانوا يشبهون المقيمين فيها، ولعل حطابيهم كانوا مماليك
غير مأذون لهم بالتشاغل بالنسك، فإذا كان فرض الحج على المملوك ساقطا سقط عنه ما ليس بفرض
من النسك، فإن كانوا عبيدا ففيهم هذا المعنى الذي ليس في غيرهم مثله وإن كانت الرخصة لهم
لمعنى أن قصدهم في دخول مكة ليس قصد النسك ولا التبرر وأنهم يجمعون أن دخولهم شبيه بالدائم

(1) الردم: بالفتح، سد ينسب إلى بنى جمح بمكة، كذا في معجم ياقوت. كتبه مصححه.
154

فمن كان هكذا كانت له الرخصة، فأما المرء يأتي أهله بمكة من سفر فلا يدخل إلا محرما لأنه ليس في
واحد من المعنيين، فأما البريد يأتي برسالة أو زور أهله وليس بدائم الدخول فلو استأذن فدخل محرما
كان أحب إلي، وإن لم يفعل ففيه المعنى الذي وصفت أنه يسقط به عند ذلك، ومن دخل مكة خائفا الحرب فلا بأس أن يدخلها بغير إحرام، فإن قال قائل: ما دل على ما وصفت؟ قيل الكتاب
والسنة، فإن قال وأين؟ قيل قال الله تبارك وتعالى " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى " فأذن
للمحرمين بحج أو عمرة أن يحلوا لخوف الحرب، فكان من لم يحرم أولى إن خاف الحرب أن لا يحرم
من محرم يخرج من إحرامه، ودخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح غير محرم للحرب، فإن
قال قائل: فهل عليه إذا دخلها بغير إحرام لعدو وحرب أن يقضى إحرامه؟ قيل: لا، إنما يقضى
ما وجب بكل وجه فاسد، أو ترك فلم يعمل، فأما دخوله مكة بغير إحرام فلما كان أصله أن من شاء لم
يدخلها إذا قضى حجة الاسلام وعمرته كان أصله غير قرض فلما دخلها محلا فتركه كان تاركا لفضل
وأمر لم يكن أصله فرضا بكل حال فلا يقضيه، فأما إذا كان فرضا عليه إتيانها لحجة الاسلام أو نذر
نذره فتركه إياه لابد أن يقضيه أو يقضى عنه بعد موته أو في بلوغ الوقت الذي لا يستطيع أن
يستمسك فيه على المركب، ويجوز عندي لمن دخلها خائفا من سلطان أو أمر لا يقدر على دفعه، ترك
الاحرام إذا خافه في الطواف والسعي، وإن لم يخفه فيهما لم يجز له والله أعلم، ومن المدنيين من قال:
لا بأس أن يدخل بغير إحرام واحتج بأن ابن عمر دخل مكة غير محرم (قال الشافعي) وابن عباس
يخالفه ومعه ما وصفنا واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها عام الفتح غير محرم وأن النبي صلى
الله عليه وسلم دخلها كما وصفنا محاربا، فإن قال أقيس على مدخل النبي صلى الله عليه وسلم، قيل
له: أفتقيس على إحصار النبي صلى الله عليه وسلم بالحرب؟ فإن قال: لا، لان الحرب مخالفة
لغيرها، قيل: وهكذا أفعل في الحرب حيث كانت، لا تفرق بينهما في موضع وتجمع بينهما في
آخر.
(باب ميقات العمرة مع الحج)
(قال الشافعي) رحمه الله: وميقات العمرة والحج واحد ومن قرن أجزأت عنه حجة الاسلام
وعمرته وعليه دم القرآن ومن أهل بعمرة ثم بدا له أن يدخل عليها حجة فذلك له ما بينه وبين أن يفتتح
الطواف بالبيت فإذا افتتح الطواف بالبيت فقد دخل في العمل الذي يخرجه من الاحرام، فلا يجوز
له أن يدخل في إحرام ولم يستكل الخروج من إحرام قبله، فلا يدخل إحراما على إحرام ليس مقيما
عليه، وهذا قول عطاء وغيره من أهل العلم، فإذا أخذ في الطواف فأدخل عليه الحج لم يكن به محرما
ولم يكن عليه قضاؤه ولا فدية لتركه، فإن قال قائل: وكيف كان له أن يكون مفردا بالعمرة ثم يدخل
عليها حجا؟ قيل: لأنه لم يخرج من إحرامها، وهذا لا يجوز في صلاة ولا صوم وقيل له إن شاء
الله: أهلت عائشة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون القضاء، فنزل على النبي صلى الله
عليه وسلم القضاء فأمر من لم يكن معه هدى أن يجعل إحرامه عمرة، فكانت معتمرة بأن لم يكن معها
هدى فلما حال المحيض بينها وبين الاحلال من عمرتها ورهقها الحج أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن تدخل عليها الحج ففعلت فكانت قارنة، فبهذا قلنا يدخل الحج على العمرة ما لم يفتتح الطواف
155

وذكرت له قرآن الحج والعمرة فإذا قال جائز قيل أفيجوز هذا في صلاتين أن تقرنا أو في صومين؟
فإن قال: لا، قيل فلا يجوز أن تجمع بين ما تفرق أنت بينه (قال الشافعي) ولو أهل بالحج ثم أراد أن
يدخل عليه عمرة فإن أكثر من لقيت وحفظت عنه يقول: ليس ذلك له، وإذا لم يكن ذلك له فلا
شئ عليه في ترك العمرة من قضاء ولا فدية (قال الشافعي) فإن قال قائل (1) فكيف إذا كانت السنة
أنهما نسكان يدخل أحدهما في الآخر ويفترقان في أنه إذا أدخل الحج على العمرة فإنما زاد إحراما أكثر
من إحرام العمرة، فإذا أدخل العمرة على الحج زاد إحراما أقل من إحرام الحج وهذا وإن كان كما
وصفت فليس بفرق يمنع أحدهما أن يكون قياسا على الآخر لأنه يقاس ما هو أبعد منه، ولا أعلم حجة
في الفرق بين هذا إلا ما وصفت من أنه الذي أحفظ عمن سمعت عنه ممن لقيت، وقد يروى عن
بعض التابعين، ولا أدري هل يثبت عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شئ أم
لا فإنه قد روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وليس يثبت، ومن رأى أن لا يكون معتمرا فلا
يجزى عنه من عمرة الاسلام ولا هدى عليه ولا شئ لتركها ومن رأى له أن يدخل العمرة على الحج
رأى أن يجزى عنه من حجة الاسلام وعمرته، وإذا أهل الرجل بعمرة ثم أقام بمكة إلى الحج أنشأ
الحج من مكة وإذا أهل بالحج ثم أراد العمرة أنشأ العمرة من أي موضع شاء إذا خرج من الحرم وقد
أجدهما إذا أقام عامهما بمكة أهل كإهلال الآفاق أن يرجعوا إلى مواقيتهم، فإن قال قائل. ما
الحجة فيما وصفت؟ قيل أهل عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه بعمرة ثم أمرهم يهلون
بالحج إذا توجهوا إلى منى من مكة فكانت العمرة إذا حج قبلها قياسا على هذا ولم أعلم في هذا خلافا
من أحد حفظت عنه ممن لقيته، فإن قال قائل: قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي
بكر يعمر عائشة من التنعيم فعائشة كان إحرامها عمرة فأهلت بالحج من مكة وعمرتها من التنعيم نافلة،
فليست في هذا حجة عندنا لما وصفنا، ومن أهل بعمرة من خارج الحرم فذلك مجزئ عنه، فإن لم
يكن دخل قبلها بحج أو عمرة ثم أقام بمكة فكانت عمرته الواجبة رجع إلى ميقاته وهو محرم في رجوعه
ذلك ولا شئ عليه إذا جاء ميقاته محرما وإن لم يفعل أهراق دما فكانت عمرته الواجبة عليه مجزئة
عنه، ومن أهل بعمرة من مكة ففيها قولان، أحدهما أنه إذا لم يخرج إلى الحل حتى يطوف بالبيت
وبالصفا والمروة لم يكن حلالا وكان عليه أن يخرج فيلبى بتلك العمرة خارجا من الحرم ثم يطوف
بعدها ويسعى ويحلق أو يقصر ولا شئ عليه، إن لم يكن حلق، وإن كان حلق أهراق دما، وإن
كان أصاب النساء فهو مفسد لعمرته وعليه أن يلبي خارجا من الحرم ثم يطوف ويسعى ويقصر أو يحلق
وينحر بدنة ثم يقضى هذه العمرة إذا أفسدها بعمرة مستأنفة وإنما خروجه من الحرم لهذه العمرة
المفسدة، والقول الآخر أن هذه عمرة ويهريق دما لها، والقول الأول أشبه بها والله أعلم ولكنه لو أهل
بحج من مكة ولم يكن دخل مكة محرما ولم يرجع إلى ميقاته أهراق دما لتركه الميقات وأجزأت عنه من
حجة الاسلام الحج من مكة لان عماد الحج في غير الحرم وذلك عرفة وجميع عمل العمرة سوى
الوقت في الحرم فلا يصلح أن يبتدأ من موضع منتهى عملها وعماده، وأكره للرجل أن يهل بحج أو
عمرة من ميقاته ثم يرجع إلى بلده أو يقيم بموضعه وإن فعل فلا فدية عليه ولكن أحب له أن يمضى

(1) قوله: فإن قال قائل: فكيف إذا كانت الخ، كذا في النسخ، وانظر أين جواب الشرط،
ولعل في العبارة تحريفا أو نقصا، فحرر. كتبه مصححه.
156

لوجهه فيقصد قصد نسكه (قال) وكذلك أكره له أن يسلك غير طريقة مما هو أبعد منها لغير أمر
ينوبه أو رفق به، فإن نابه أمر أو كانت طريق أرفق من طريق فلا أكره ذلك له ولا فدية في أن يعرج
وإن كان لغير عذر ومن أهل بعمرة في سنة فأقام بمكة أو في بلده أو في طريق سنة أو سنتين كان على
إحرامه حتى يطوف بالبيت وكانت هذه العمرة مجزئة عنه لان وقت العمرة في جميع السنة وليست
كالحج الذي إذا فات في عامه ذلك لم يكن له المقام على إحرامه وخرج منه وقضاه وأكره هذا له
للتعزير بإحرامه ولو أهل بعمرة مفيقا ثم ذهب عقله ثم طاف مفيقا أجزأت عنه وعماد العمرة الاهلال
والطواف ولا يضر المعتمر ما بينهما من ذهاب عقله (قال الشافعي) فقال قائل: لم جعلت على من
جاوز الميقات غير محرم أن يرجع إليه إن لم يخف فوت الحج؟ قلت له لما أمر في حجه بأن يكون محرما
من ميقاته وكان في ذلك دلالة على أنه يكون فيما بين ميقاته والبيت محرما (1) ولا يكون عليه في ابتدائه
الاحرام من أهله إلى الميقات محرما قلت له ارجع حتى تكون مهلا في الموضع الذي أمرت أن تكون
مهلا به على الابتداء وإنما قلناه مع قول ابن عباس لما يشبه من دلالة السنة فإن قال قائل: فلم قلت إن
لم يرجع إليه لخوف فوت (2) ولا غير عذر بذلك ولا غيره أهراق دما عليه؟ قلت له لما جاوز ما وقت
له رسول ل لله صلى الله عليه وسلم فترك أن يأتي بكمال ما عليه أمرناه أن يأتي بالبدل مما ترك فإن قال
فكيف جعلت البدل من ترك شئ يلزمه في عمل يجاوزه ومجاوزته الشئ ليس له ثم جعلت البدل منه
دما يهريقه وأنت إنما تجعل البدل في غير الحج شيئا عليه فتجعل الصوم بالصوم والصلاة بالصلاة؟
قلت إن الصوم والصلاة مخالفان الحج مختلفان في أنفسهما قال فأتى اختلافهما؟ قلت يفسد الحج
فيمضى فيه ويأتي ببدنة والبدل وتفسد الصلاة فيأتي بالبدل ولا يكون عليه كفارة ويفوته يوم عرفة وهو
محرم فيخرج من الحج بطواف وسعى ويحرم بالصلاة في وقت فيخرج الوقت فلا يخرج منها ويفوته
الحج فلا يقضيه إلا في مثل يومه من سنته وتفوته الصلاة فيقضيها إذا ذكرها من ساعته ويفوته الصوم
فيقضيه من غدو يفسده عندنا عندك بقئ وغيره فلا يكون عليه كفارة ويعود له ويفسده بجماع فيجب
عليه عتق رقبة إن وجده وبدل مع اختلافهما فيما سوى ما سمينا فكيف تجمع بين المختلف حيث
يختلف؟ (قال الشافعي) وقلت له الحجة في هذا أنا لم نعلم مخالفا في أن للرجل أن يهل قبل أن يأتي
ميقاته ولا في أنه إن ترك الاهلال من ميقاته ولم يرجع إليه أجزأه حجه وقال أكثر أهل العلم يهريق دما
وقال أقلهم لا شئ عليه وحجه مجزئ عنه ومن قول أكثرهم فيه أن قالوا في التارك البيتوتة بمنى وتارك
مزدلفة يهريق دما، وقلنا في الجمار يدعها يهريق دما فجعلنا وجعلوا الابدال في أشياء من عمل الحج
دما (قال) وإذا جاوز المكي ميقاتا اتى عليه يريد حجا أو عمرة ثم أهل دونه فمثل غيره يرجع أو يهريق
دما، فإن قال قائل: وكيف قلت هذا في المكي وأنت لا تجعل عليه دم المتعة؟ قيل لان الله عز وجل
قال " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ".

(1) قوله: ولا يكون عليه الخ، كذا في النسخ ولعل كلمة " عليه " من زيادة الناسخ، فانظر.
كتبه مصححه.
(2) قوله: ولا غير عذر بذلك ولا غيره، كذا في النسخ، والعبارة لا تخلو من تحريف، فحرر.
كتبه مصححه.
157

(باب الغسل للاهلال)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الدراوردي وحاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن
أبيه قال حدثنا جابر بن عبد الله الأنصاري وهو يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال فلما كنا
بذى الحليفة ولدت أسماء بنت عميس فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل والاحرام (قال
الشافعي) فأستحب الغسل عند الاهلال للرجل والصبي والمرأة والحائض والنفساء وكل من أراد
الاهلال اتباعا للسنة ومعقول أنه يجب إذا دخل المرء في نسك لم يكن فيه أن يدخله إلا بأكمل
الطهارة وأن يتنظف له لامتناعه من إحداث الطيب في الاحرام وإذا اختار رسول الله صلى الله عليه
وسلم لا مرأة وهي نفساء لا يطهرها الغسل للصلاة فاختار لها الغسل كان من يطهره الغسل للصلاة أولى
ان يختار له أو في مثل معناه أو أكثر منه وإذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء أن تغتسل وتهل
وهي في الحال التي أمرها أن تهل فيها ممن لا تحل له الصلاة فلو أحرم من لم يغتسل من جنب أو غير
متوضئ أو حائض أو نفساء أجزأ عنه الاحرام لأنه إذا كان يدخل في الاحرام والداخل فيه ممن لا تحل
له الصلاة لأنه غير طاهر جاز أن يدخل فيه كل من لا تحل له الصلاة من المسلمين في وقته الذي دخل
فيه ولا يكون عليه فيه فدية وإن كنت أكره ذلك له، وأختار له الغسل وما تركت الغسل للاهلال ولقد
كنت اغتسل له مريضا في السفر وإني أخاف ضرر الماء وما صحبت أحدا أقتدي به فرأيته تركه ولا
رأيت منهم أحدا عدا به أن رآه اختيارا (قال الشافعي) وإذا كانت النفساء والحائض من أهل أفق
فخرجتا طاهرتين فحدث لهما نفاس أو حيض أو كانتا نفساوين أو حائضين بمصر هما فجاء وقت حجهما
فلا بأس أن تخرجا محرمتين بتلك الحال وإن قدرتا إذا جاءتا ميقاتهما أن تغتسلا فعلتا، وإن لم تقدرا ولا
الرجل على ماء أحببت لهم أن يتيمموا معا ثم يهلوا بالحج أو العمرة، ولا أحب للنفساء والحائض أن
تقدما إحرامهما قبل ميقاتهما وكذلك إن كان بلدهما قريبا آمنا وعليهما من الزمان ما يمكن فيه طهورهما
وإدراكهما الحج بلا مفاوتة ولا علة أحببت استئخارهما لتطهرها فتهلا طاهرتين، وكذلك إن كانتا من
دون المواقيت أو من أهل المواقيت وكذلك إن كانتا مقيمتين بمكة لم تدخلاها محرمتين فأمرتهما بالخروج
إلى ميقاتهما بحج أحببت إذا كان عليهما وقت أن لا تخرجا إلا طاهرتين أو قرب تطهرهما لتهلا من
الميقات طاهرتين، ولو أقامتا بالميقات حتى تطهر أكان أحب إلي وكذلك إن أمرتهما بالخروج لعمرة
قبل الحج وعليهما مالا يفوتهما معه الحج أو من أهلها أحببت لهما أن تهلا طاهرتين وإن أهلتا في هذه
الأحوال كلها مبتدئتي وغير مبتدئتي سفر غير طاهرتين أجزأ عنهما ولا فدية على واحدة منهما وكل ما عملته
الحائض من عمل الحج عمله الرجل جنبا وعلى غير وضوء والاختيار له أن لا يعمله كله إلا طاهرا وكل عمل
الحج تعمله الحائض وغير الطاهر من الرجال إلا الطواف بالبيت الصلاة فقط.
(باب الغسل بعد الاحرام)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن إبراهيم بن
158

عبد الله بن حنين عن أبيه أن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء فقال عبد الله بن
عباس: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور لا يغسل المحرم رأسه، فأرسلني ابن عباس إلى أبى أيوب
الأنصاري أسأله فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستتر بثوب قال فسلمت فقال: من هذا؟ فقلت أنا
عبد الله أرسلني إليك ابن عباس أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم؟
قال فوضع أبو أيوب يديه على الثوب فطأطأ حتى بدا لي رأسه ثم قال لانسان يصب عليه أصبب
فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيده فأقبل بهما وأدبر ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يفعل أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني عطاء أن صفوان ابن يعلى أخبره عن أبيه يعلى
بن أمية أنه قال: بينا عمر بن الخطاب يغتسل إلى بعير وأنا أستر عليه بثوب إذ قال عمر يا يعلى (1)
أصبب على رأسي فقلت: أمير المؤمنين أعلم، فقال عمر بن الخطاب: والله لا يزيد الماء الشعر إلا
شعثا فسمى الله ثم أفاض على رأسه أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه بلغه أن ناسا (2)
تماقلوا بين يدي عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وهو بساحل من السواحل وعمر ينظر إليهم فلم
ينكره عليهم، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال: ربما
قال لي عمر بن الخطاب تعال أباقيك في الماء أينا أطول نفسا ونحن محرمون؟ أخبرنا سعيد بن سالم قال
أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال الجنب المحرم وغير المحرم إذا اغتسل دلك جلده إن شاء ولم يدلك رأسه
قال ابن جريج فقلت له لم يدلك جلده إن شاء ولا يدلك رأسه؟ قال من أجل أنه يبدو له من جلده
ما لا يبدو له من رأسه أخبرنا ابن عيينة عن أيوب عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال:
تماقل عاصم بن عمر وعبد الرحمن بن زيد وهما محرمان وعمر ينظر (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ
فيغتسل المحرم من غير جنابة ولا ضرورة ويغسل رأسه ويدلك جسده بالماء وما تغير من جميع جسده
لينقيه ويذهب تغيره بالماء وإذا غسل رأسه أفرغ عليه الماء إفراغا، وأحب إلى أن لم يغسله من جنابة أن
لا يحركه بيديه فإن فعل رجوت أن لا يكون في ذلك ضيق وإذا غسله من جنابة أحببت أن يغسله
ببطون أنامله ويديه ويزايل شعره مزايلة رفيقة ويشرب الماء أصول شعره ولا يحكه بأظفاره ويتوقى أن
يقطع منه شيئا فإن حركه تحريكا خفيفا أو شديدا، فخرج في يديه من الشعر شئ فالاحتياط أن يفديه
ولا يجب عليه أن يفديه يستيقن أنه قطعه أو نتفه بفعله وكذلك ذلك في لحيته لان الشعر قد ينتتف
ويتعلق بين الشعر فإذا مس أو حرك خرج المنتتف منه ولا يغسل رأسه بسدر ولا خطمي لان ذلك
برجله فإن فعل أحببت لو افتدى ولا أعلم ذلك واجبا ولا يغطس المحرم رأسه في الماء إذا كان قد لبده
مرارا ليلين عليه ويدلك المحرم جسده دلكا شديدا إن شاء لأنه ليس في بدنه من الشعر ما يتوقى كما
يتوقاه في رأسه ولحيته وإن قطع من الشعر شيئا من دلكه إياه فداه.
(باب دخول المحرم الحمام)
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) ولا أكره دخول الحمام للمحرم لأنه غسل، والغسل مباح لمعنيين

(1) قوله: أصبب على رأسي، كذا في النسخ بصيغة الامر، وحرر الرواية، كتبه مصححه.
(2) تماقلوا: أي تغاطسوا في الماء، كما في كتب اللغة. كتبه مصححه.
159

للطهارة والتنظيف، وكذلك هو في الحمام والله أعلم، ويدلك الوسخ عنه في حمام كان أو غيره،
وليس في الوسخ نسك ولا أمر نهى عنه ولا أكره للمحرم أن يدخل رأسه في ماء سخن ولا بارد جار
ولا نافع.
(باب الموضع الذي يستحب فيه الغسل)
(قال الشافعي) أستحب الغسل للدخول في الاهلال ولدخول مكة وللوقوف عشية عرفة وللوقوف
بمزدلفة ولرمي الجمار سوى يوم النحر وأستحب الغسل بين هذا عند تغير البدن بالعرق وغيره تنظيفا
للبدن، وكذلك أحبه للحائض، وليس من هذا واحد واجب، وروى عن إسحاق بن عبد الله بن أبي
فروة عن عثمان بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات بذى طوى حتى صلى الصبح ثم
اغتسل بها ودخل مكة وروى عن أم هانئ بنت أبي طالب وروى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا
بن أبي طالب رضي الله عنه كان يغتسل بمنزله بمكة حين يقدم قبل أن يدخل المسجد، وروى عن
صالح بن محمد بن رائدة عن أم ذرة، أن عائشة رضى الله تعالى عنها كانت تغتسل بذى طوى حين
تقدم مكة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا خرج حاجا أو معتمرا لم
يدخل مكة حتى يغتسل ويأمر من معه فيغتسلوا.
(باب ما يلبس المحرم من الثياب)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة أنه سمع عمرو بن دينار يقول سمعت أبا
الشعثاء جابر بن زيد يقول سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو
يقول " إذا لم يجد المحرم نعلين لبس خفين وإذا لم يجد إزارا لبس سراويل " أخبرنا سفيان بن عيينة عن
الزهري عن سالم عن أبيه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله: ما يلبس المحرم من الثياب؟
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا
الخفين إلا لمن لا يجد نعلين، فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين "
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم من
الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تلبسوا القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا
البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فيلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين " أخبرنا مالك
عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يلبس المحرم ثوبا
مصبوغا بزعفران أو ورس، وقال " من لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين "
(قال الشافعي) استثنى النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يجد نعلين أن يلبس خفين ويقطعهما أسفل من
الكعبين (قال الشافعي) ومن لم يجد إزارا لبس سراويل فهما سواء، غير أنه لا يقطع من السراويل
شيئا، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقطعه، وأيهما لبس ثم وجد بعد ذلك نعلين، لبس
النعلين وألقى الخفين، وإن وجد بعد أن لبس السراويل إزارا لبس الإزار وألقى السراويل، فإن لم
يفعل افتدى، أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تلبس
160

المعصفرات المشبعات وهي محرمة ليس فيها زعفران، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر
محمد بن علي قال: أبصر عمر بن الخطاب على عبد الله بن جعفر ثوبين مضرجين وهو محرم فقال: ما
هذه الثياب؟ فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما أخال أحدا يعلمنا السنة، فسكت عمر.
(باب ما تلبس المرأة من الثياب)
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه سمعه يقول: لا تلبس المرأة ثياب
الطيب وتلبس الثياب المعصفرة، ولا أرى المعصفر طيبا، أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه
أنه كان يفتى النساء إذا أحرمن أن يقطعن الخفين حتى أخبرته صفية عن عائشة أنها كانت تفتى النساء
أن لا يقطعن، فانتهى عنه (قال الشافعي) لا تقطع المرأة الخفين، والمرأة تلبس السراويل والخفين
والخمار والدرع من غير ضرورة كضرورة الرجل، وليست في هذا كالرجل، أخبرنا سعيد بن سالم عن
ابن جريج عن عطاء قال: في كتاب علي رضي الله عنه " من لم يجد نعلين ووجد خفين فليلبسهما "
قلت: أتتيقن بأنه كتاب علي؟ قال: ما أشك أنه كتابه؟ قال: وليس فيه " فليقطعهما "، أخبرنا
سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: من لم يكن له إزار وله تبان أو سراويل فليلبسهما،
قال سعيد بن سالم: لا يقطع الخفان (قال الشافعي) أرى أن يقطعا، لان ذلك في حديث ابن
عمر، وإن لم يكن في حديث ابن عباس، وكلاهما صادق حافظ، وليس زيادة أحدهما على الآخر
شيئا لم يؤده الآخر، إما عزب عنه وإما شك فيه فلم يؤده، وإما سكت عنه وإما أداه فلم يؤد عنه
لبعض هذه المعاني اختلافا، وبهذا كله نقول إلا ما بينا أنا ندعه، والسنة، ثم أقاويل أكثر من
حفظت عنه من أهل العلم تدل على أن الرجل والمرأة المحرمين يجتمعان في اللبس ويفترقان، فأما ما
يجتمعان فيه فلا يلبس واحد منهما ثوبا مصبوغا بزعفران ولا ورس، وإذا لم يلبس ثوبا مصبوغا
بزعفران ولا ورس لأنهما طيب، فصبغ الثوب بماء الورد أو المسك أو العنبر أو غير ذلك من الطيب
الذي هو أطيب من الورس أو مثله، أو ما يعد طيبا كان أولى (1) أن لا يلبسانه، كان ذلك مما له لون
في الثوب أو لم يكن له، إذا كانت له رائحة طيبة توجد والثوب جاف أو رطب، ولو أخذ ماء ورد
فصبغ به ثوبا فكان رائحته توجد منه والثوب جاف أو مبلول لأنه أثر طيب في الثوب لم يلبسه المحرمان
وكذلك لو صعد له زعفران حتى يبيض لم يلبسه المحرمان وكذلك لو غمس في (2) نضوح أو ضياع أو
غير ذلك وكذلك لو عصر له الريحان العربي أو الفارسي أو شيئا من الرياحين التي كره للمحرم شمها
فغمس في مائه لم يلبسه المحرمان، وجماع هذا أن ينظر إلى كل ما كان طيبا لا يشمه المحرم فإذا
استخرج ماؤه بأي وجه استخرج نيئا كان أو مطبوخا ثم غمس فيه الثوب فلا يجوز للمحرم ولا

(1) أن لا يلبسانه، كذا في جميع النسخ، بإثبات النون مع " أن " الناصبة، وكثيرا ما يقع ذلك
في هذا الكتاب، ولعله من تحريف النساخ إن لم يكن جريا علي لغة من لا ينصب ب‍ " أن ".
(2) النضوح: بالفتح، ضرب من الطيب تفوح رائحته، وأصل النضح الرش، فشبه كثرة ما
يفوح من طيبه بالرشح. كذا في اللسان، والضياع كسحاب، ضرب من الطيب، كذا في
القاموس. كتبه مصححه.
161

للمحرمة لبسه وما كان مما يجوز للمحرم والمحرمة شمه من نبات الأرض الذي لا يعد طيبا ولا ريحانا مثل
الإذخر والضرو والشيح والقيصوم والبشام وما أشبهه، أو ما كان من النبات المأكول الطيب الريح مثل
الأترج والسفرجل والتفاح فعصر ماو خالصا فغمس فيه الثوب فلو توقاه المحرمان كان أحب إلي وان
لبساه فلا فدية عليهما ويجتمعان في أن لا يتبرقعان ولا يلبسان القفازين ويلبسان معا الثوب المصبوغ
بالعصفر مشبعا كان أو غير مشبع، وفى هذا دلالة على أن لم يمنع لبس المصبوغ بالورس والزعفران
للونه وأن اللون إذا لم يكن طيبا لم يصنع شيئا ولكن إنما نهى عما كان طيبا والعصفر ليس بطيب،
والذي أحب لهما معا أن يلبسا البياض وأكره لهما كل شهرة من عصفر وسواد وغيره، ولا فدية عليهما إن
لبسا غير المطيب ويلبسان الممشق وكل صباغ بغير طيب ولو تركا ذلك ولبسا البياض كان أحب إلي
الذي يقتدى به ولا يقتدى به، أما الذي يقتدى به فلما قال عمر بن الخطاب " يراه الجاهل فيذهب
إلى أن الصبغ واحد فيلبس المصبوغ بالطيب "، وأما الذي لا يقتدى به فأخاف ان يساء الظن به حين
يترك مستحقا بإحرامه، وهذا وإن كان كما وصفت فالمقتدي به وغير المقتدى به يجتمعان، فيترك العالم
عند من جهل العلم مستحقا بإحرامه، وإذا رأى الجاهل فلم ينكر عليه العالم رأى من يجهل أنه لم يقر
الجاهل إلا وهذا جائز عند العالم فيقول الجاهل: قد رأيت فلانا العالم رأى من لبس ثوبا مصبوغا
وصحبه فلم ينكر عليه ذلك، ثم تفارق المرأة والرجل فيكون لها لبس الخفين ولا تقطعهما وتلبسهما وهي
تجد نعلين من قبل أن لها لبس الدرع والخمار والسراويل، وليس الخفان بأكثر من واحد من هذا ولا
أحب لها أن تلبس نعلين وتفارق المرأة الرجل فيكون إحرامها في وجهها وإحرام الرجل في رأسه
فيكون للرجل تغطية وجهه كله من غير ضرورة ولا يكون ذلك للمرأة ويكون للمرأة إذا كانت بارزة
تريد الستر من الناس أن ترخى جلبابها أو بعض خمارها أو غير ذلك من ثيابها من فوق رأسها وتجافيه عن
وجهها حتى تغطي وجهها متجافيا كالستر على وجهها ولا يكون لها أن تنتقب أخبرنا سعيد بن سالم عن
ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال تدلى عليها من جلبابها ولا تضرب به، فلت وما لا تضرب
به؟ فأشار إلى كما تجلبب المرأة، ثم أشار إلى ما على خدها من الجلباب فقال لا تغطيه فتضرب به على
وجهها فذلك الذي يبقى عليها ولكن تسدله على وجهها كما هو مسدولا، ولا تقلبه ولا تضرب به ولا
تعطفه، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال، لتدل المرأة المحرمة ثوبها
على وجهها ولا تنتقب (قال الشافعي) ولا ترفع الثوب من أسفل إلى فوق ولا تغطي جبهتها ولا شيئا
من وجهها إلا مالا يستمسك الخمار إلا عليه مما يلي قصاص شعرها من وجهها مما يثبت الخمار ويستر
الشعر لان الخمار لو وضع على قصاص الشعر فقط انكشف الشعر ويكون لها الاختمار ولا يكون للرجل
التعمم ولا يكون له لبس الخفين إلا أن لا يجد نعلين فيلبسهما ويقطعهما أسفل من الكعبين ولا يكون له
لبس السراويل إلا أن لا يجد إزارا فيلبسه ولا يقطع منه شيئا ويكون ذلك لها ويلبسان رقيق الوشى (1)
والعصب ودقيق القطن وغليظه والمصبوغ كله بالمدر لان المدر ليس بطيب والمصبوغ بالسدر وكل صبغ
عدا الطيب، وإذا أصاب الثوب طيب فبقي ريحه فيه لم يلبساه وكان كالصبغ ولو صبغ ثوب بزعفران
أو ورس فذهب ريح الزعفران أو الورس من الثوب لطول لبس أو غيره وكان إذا أصاب واحدا منهما

(1) العصب: بفتح فسكون، برود يمنية يعصب غزلها ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيا لبقاء ما
عصب أبيض لم يأخذه صبغ.
162

الماء حرك ريحه شيئا وإن قل لم يلبسه المحرم وإن كان الماء إذا أصابهما لم يحرك واحدا منهما فلو غسلا كان
أحب إلي وأحسن وأحرى أن لا يبقى في النفس منهما شئ وإن لم يغسلا رجوت ان يسع لبسهما إذا
كانا هكذا لان الصباغ ليس بنجس وإنما أردنا بالغسل ذهاب الريح فإن ذهب الريح بغير غسل
رجوت ان يجزى ولو كان أمره أن لا يلبس من الثياب شيئا مسه الزعفران أو الورس بحال كان إن مسه ثم
ذهب لم يجز لبسه بعد غسلات ولكنه إنما أمر ان لا يلبسه إذا كان الزعفران والورس موجودا في ذلك
الحين فيه والله أعلم (1) وما قلت موجود من ذلك في الخبر والله أعلم (قال) وكذلك لو صبغ ثوب بعد
الزعفران والورس بسدر أو سواد فكانا إذا مسهما الماء لم يظهر للزعفران والورس ريح كان له لبسهما ولو
كان الزعفران والورس إذا مسهما الماء يظهر لهما شئ من ريح الزعفران أو الورس لم يلبسهما ولو مس
زعفران أو ورس بعض الثوب لم يكن للمحرم لبسه حتى يغسل ويعقد المحرم عليه إزاره لأنه من صلاح
الإزار، والإزار ما كان معقودا ولا يأتزر ذيلين ثم يعقد الذيلين من ورائه ولا يعقد رداءه عليه ولكن
يغرز طرفي ردائه إن شاء في إزاره أو في سراويله إذا كان الرداء منشورا فإن لبس شيئا مما قلت ليس له
لبسه ذاكرا عالما انه لا يجوز له لبسه، أفتدى وقليل لبسه له وكثيره سواء. فإن قنع المحرم رأسه طرفة
عين ذاكرا عالما أو انتقبت المرأة أو لبست ما ليس لها أن تلبسه فعليهما الفدية ولا يعصب المحرم رأسه من
علة ولا غيرها فإن فعل افتدى وإن لم يكن ذلك لباسا. أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء
أنه قال في المحرم يلوى الثوب على بطنه من ضرورة أو من برد قال: إذا لواه من ضرورة فلا فدية،
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن هشام بن حجير عن طاوس قال رأيت ابن عمر يسعى بالبيت
وقد حزم على بطنه بثوب، أخبرنا سعيد ابن سالم عن إسماعيل بن أمية أن نافعا أخبره أن عبد الله بن
عمر لم يكن عقد الثوب عليه إنما غرز طرفيه على إزاره أخبرنا سعيد بن سالم عن مسلم بن جندب قال:
جاء رجل يسأل ابن عمر وأنا معه قال " أخالف بين طرفي ثوبي من ورائي ثم أعقده وأنا محرم " فقال
عبد الله " لا تعقد شيئا " أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كره للمحرم أن يتوشح بالثوب ثم
يعقد طرفيه من ورائه إلا من ضرورة، فإن فعل من ضرورة لم يفتد، أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا محتزما بحبل أبرق فقال " انزع الحبل " مرتين، أخبرنا سعيد عن
ابن جريج عن عطاء في المحرم: يجعل المكتل على رأسه؟ فقال: نعم لا بأس بذلك وسألته عن
العصابة يعصب بها المحرم رأسه؟ فقال: لا العصابة تكفت شعرا كثيرا (قال الشافعي) لا بأس أن
يرتدى المحرم ويطرح عليه القميص والسراويل والفرو وغير ذلك ما لم يلبسه لباسا وهو كالرداء، ولا
بأس أن يغسل المحرم ثيابه وثياب غيره ويلبس غير ما أحرم فيه من الثياب ما لم يكن من الثياب المنهى
عن لبسها، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال " وليلبس المحرم من الثياب ما لم يهل فيه "
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بالممشق للمحرم بأسا أن يلبسه وقال: إنما هو
مدرة، أخبرنا سعيد بن سالم قال الربيع أظنه عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بأسا أن يلبس
المحرم (2) ساجا ما لم يزره عليه فإن زره عليه عمدا افتدى كما يفتدى إذا تقمص عمدا (قال
الشافعي) وبهذا نأخذ (قال الشافعي) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى

(1) قوله: وما قلت موجود الخ كذا في النسخ، وانظر، وحرر. كتبه مصححه.
(2) الساج: هو الطيلسان الأخضر أو الأسود. كما في القاموس.
163

بدرس العصفر والزعفران للمحرم بأسا ما لم يجد ريحه (قال الشافعي) أما العصفر فلا بأس به وأما
الزعفران فإذا كان إذا مسه الماء ظهرت رائحته فلا يلبسه المحرم وإن لبسه افتدى، أخبرنا سعيد بن سالم
عن ابن جريج قال أخبرني الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة أنها قالت كنا عند عائشة إذ جاءتها
امرأة من نساء بني عبد الدار يقال لها تملك فقالت يا أم المؤمنين إن ابنتي فلانة حلفت أنها لا تلبس
حليها في الموسم فقالت عائشة " قولي لها إن أم المؤمنين تقسم عليك إلا لبست حليك كله " أخبرنا سعيد
عن موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة وعبد الله بن دينار قالا: من السنة أن تمسح المرأة
يديها عند الاحرام بشئ من الحناء ولا تحرم (1) وهي عفا (قال الشافعي) وكذلك أحب لها (قال) إن
اختضبت المحرمة ولفت على يديها رأيت أن تفتدي وأما لو مسحت يديها بالحناء فإني لا أرى عليها فدية
وأكرهه، لأنه ابتداء زينة، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن ناسا سألوه عن الكحل الإثمد
للمرأة المحرمة الذي ليس فيه طيب قال أكرهه لأنه زينة وإنما هي أيام تخشع وعبادة (قال
الشافعي) والكحل في المرأة أشد منه في الرجل فإن فعلا فلا أعلم على واحد منهما فدية ولكن إن كان
فيه طيب فأيهما اكتحل به افتدى، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن أيوب بن موسى عن نافع عن ابن
عمر أنه إذا رمد وهو محرم أقطر في عينيه الصبر إقطارا، وأنه قال: يكتحل المحرم بأي كحل إذا رمد،
ما لم يكتحل بطيب، ومن غير رمد، ابن عمر القائل.
(باب لبس المنطقة والسيف للمحرم)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: يلبس المحرم المنطقة ولو جعل في طرفها سيورا فعقد بعضها على
بعض لم يضره ويتقلد المحرم السيف من خوف ولا فدية عليه ويتنكب المصحف.
(باب الطيب للاحرام)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن
عبد الله قال قال عمر بن الخطاب " إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم ما حرم عليكم إلا النساء والطيب "
أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم قال قالت عائشة " أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم "
قال سالم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع، أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم
عن أبيه عن عائشة قالت " كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل
أن يطوف بالبيت " أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال سمعت عائشة وبسطت يديها
تقول " أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين لاحرامه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف
بالبيت " أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت " طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) قوله: وهي عفا كذا في نسخ الام التي بيدنا، ووقع في " مختصر المزني " وهي غفل، وكتبنا
هناك أن الغفل التي لا أثر بها من الخضاب من قول العرب " ناقة غفل " لا علامة عليها، فانظر. كتبه
مصححه.
164

بيدي هاتين لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت " أخبرنا سفيان بن عيينة عن عثمان بن عروة
قال سمعت أبي يقول سمعت عائشة تقول طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه ولحله " فقلت لها
بأي الطيب؟ فقالت " بأطيب الطيب " وقال عثمان ما روى هشام هذا الحديث إلا عنى أخبرنا سفيان
بن عيينة عن عطاء بن السائب عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت " رأيت وبيص الطيب في
مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث " أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمر بن
عبد الله بن عروة أنه سمع القاسم بن محمد وعروة يخبران عن عائشة أنها قالت " طيبت رسول الله صلى
عليه وسلم بيدي في حجة الوداع للحل والاحرام " أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان أنه سمع
عائشة بنت سعد تقول طيبت أبى عند إحرامه (1) بالمسك والذريرة أخبرنا سعيد بن سالم عن حسن بن
زيد عن أبيه أنه قال رأيت ابن عباس محرما وأن على رأسه لمثل (2) الرب من الغالية (قال الشافعي)
وبهذا كله نأخذ فنقول: لا بأس أن يتطيب الرجل قبل إحرامه بأطيب ما يجد من الطيب غالبة ومجمر
وغيرهما إلا ما نهى عنه الرجل من التزعفر ولا بأس على المرأة في التطيب بما شاءت من الطيب قبل
الاحرام وكذلك لا بأس عليهما أن يفعلا بعد ما يرميان جمرة العقبة، ويحلق الرجل وتقصر المرأة قبل
الطواف بالبيت، والحجة فيه ما وصفنا من تطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحالين، وكذلك
لا بأس بالمجمر وغيره من الطيب لأنه أحرم وابتدأ الطيب حلالا وهو مباح له، وبقاؤه عليه ليس
بابتداء منه له، وكذلك إن كان الطيب دهنا أو غيره ولكنه إذا أحرم فمس من الطيب شيئا قل أو كثر
بيده أو أمسه جسده وهو ذاكر لحرمته غير جاهل بأنه لا ينبغي له، افتدى. وكل ما سمى الناس طيبا في
هذه الحال من الأفاويه وغيرها وكل ما كان مأكولا إنما يتخذ ليؤكل أو يشرب لدواء أو غيره، وإن كان
طيب الريح ويصلح في الطيب فلا بأس بأكله، وشمه وذلك مثل المصطكا والزنجبيل والدارصيني وما
أشبه هذا، وكذلك كل معلوف أو حطب من نبات الأرض مثل الشيح والقيصوم والإذخر وما أشبه
هذا، فإن شمه أو أكله أو دقه فلطخ به جسده فلا فدية عليه، لأنه ليس بطيب ولا دهن، والريحان
عندي طيب، وما طيب من الادهان بالرياحين فبقي طيبا كان طيبا وما (3) ربب بها عندي طيب إذا
بقي طيبا مثل الزنبق والخيري والكاذي والبان المنشوش وليس البنفسج بطيب إنما يربب للمنفعة لا
للطيب، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه سئل: أيشم المحرم الريحان والدهن
والطيب؟ فقال: لا، أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال ما أرى الورد والياسمين إلا طيبا (قال الشافعي)
وما مس المحرم من رطب الطيب بشئ من بدنه افتدى وإن مس بيده منه شيئا يابسا لا يبقى له أثر في
يده ولا له ريح كرهته له ولم أر عليه الفدية وإنما يفتدى من الشم خاصة بما أثر من الطيب من الشم،
لان غاية الطيب للتطيب وإن جلس إلى عطار فأطال، أو مر به فوجد ريح الطيب أو وجد ريح
الكعبة مطيبة أو مجمرة لم يكن عليه فدية وإن مس خلوق الكعبة جافا كان كما وصفت لا فدية عليه فيه
لأنه لا يؤثر ولا يبقى ريحه في بدنه وكذلك الركن وإن مس الخلوق رطبا افتدى وإن انتضح عليه أو

(1) السك: بالضم، ضرب من الطيب، يركب من مسك ورامك. كذا في اللسان.
(2) الرب: بالضم، الطلاء الخاثر. كذا في اللسان.
(3) ربب: بها أي طيب وغذي ودهن، منشوش، أي مخلوط بالطيب، كذا في كتب
اللغة. كتبه مصححه.
165

تلطخ به غير عامد له غسله ولا فدية عليه وكذلك لو أصاب ثوبه ولو عقد طيبا فحمله في خرقة أو
غيرها وريحه يظهر منها لم يكن عليه فدية وكرهته له لأنه لم يمس الطيب نفسه ولو أكل طيبا أو استعط
به أو احتقن به افتدى وإذا كان طعام قد خالطه زعفران أصابته نار أو لم تصبه فأنظر، فإن كان ريحه
يوجد أو كان طعم الطيب يظهر فيه فأكله افتدى وإن كان لا يظهر فيه ريح ولا يوجد له طعم وإن
ظهر لونه فأكله المحرم لم يفتد لأنه قد يكثر الطيب في المأكول ويمس النار فيظهر فيه ريحه وطعمه ويقل
ولا تمسه نار فلا يظهر فيه طعمه ولا لونه وإنما الفدية وتركها من قبل الريح والطعم وليس للون معنى لان
اللون ليس بطيب وإن حشا المحرم في جرح له طيبا افتدى والادهان دهنان، دهن طيب فذلك
يفتدى صاحبه إذا دهن به من جسده شيئا قل أو كثر وذلك مثل البان المنشوش بالطيب والزنبق وماء
الورد وغيره (قال) ودهن ليس بطيب مثل سليخة البان غير المنشوش والشبرق والزيت والسمن
والزبد، فذلك إن دهن به أي جسده شاء غير رأسه ولحيته أو أكله أو شربه فلا فدية عليه فيه، وإن
دهن به رأسه أو لحيته افتدى، لأنهما في موضع الدهن وهما يرجلان ويذهب شعثهما بالدهن فأي
دهن أذهب شعثهما ورجلهما، بقي فيهما طيبا أو لم يبق، فعلى المدهن به فدية، ولو دهن رأسه بعسل
أو لبن لم يفتد لأنه لا طيب ولا دهن إنما هو يقذر لا يرجل ولا يهنئ الرأس، أخبرنا سعيد عن ابن
جريج عن عطاء قال يدهن المحرم قدميه إذا تشققت بالودك ما لم يكن طيبا، أخبرنا سعيد عن ابن
جريج عن عطاء، أنه سأله عن المحرم يتشقق رأسه أيدهن الشقاق منه بسمن؟ قال: لا، ولا بودك
غير لسمن، إلا أن يفتدى فقلت له: إنه ليس بطيب قال ولكنه يرجل رأسه قال فقلت له: فإنه
يدهن قدمه إذا تشققت بالودك ما لم يكن طيبا فقال: إن القدم ليست كالشعر إن الشعر يرجل قال
عطاء: واللحية في ذلك مثل الرأس.
(باب لبس المحرم وطيبه جاهلا)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن
صفوان بن يعلي بن أمية عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فأتاه رجل
وعليه مقطعة (يعنى جبة) وهو متضمخ بالخلوق فقال يا رسول الله: إني أحرمت بالعمرة وهذه على
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما كنت تصنع في حجك؟ " قال كنت أنزع هذه المقطعة وأغسل
هذا الخلوق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك "
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يقول: من أحرم في قميص أو جبة فلينزعها
نزعا ولا يشقها (قال الشافعي) والسنة كما قال عطاء لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صاحب
الجبة أن ينزعها ولم يأمره بشقها، أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء، أرأيت لو أن رجلا
أهل من ميقاته وعليه جبة ثم سار أميالا ثم ذكرها فنزعها أعليه أن يعود إلى ميقاته فيحدث إحراما؟
قال: لا، حسبه الاحرام الأول (قال الشافعي) وهذا كما قال عطاء إن شاء الله تعالى، وقد أهل من
ميقاته والجبة لا تمنعه أن يكون مهلا، وبهذا كله نأخذ (قال الشافعي) أحسب من نهى المحرم عن
التطيب قبل الاحرام والإفاضة بلغه هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الاعرابي بغسل الخلوق
عنه ونزع الجبة وهو محرم فذهب إلى أن النهى عن الطيب لان الخلوق كان عنده طيبا وخفى عليهم ما
166

روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو علموه فرأوه مختلفا فأخذوا بالنهي عن الطيب، وإنما أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم الاعرابي بغسل الخلوق عنه والله أعلم لأنه نهى ان يتزعفر الرجل،
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني إسماعيل الذي يعرف بابن علية قال أخبرني عبد العزيز
بن صهيب عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل، فإن قال قائل: إن حديث
النبي صلى الله عليه وسلم في صاحب الجبة بغسل الخلوق يحتمل ما وصفت ويحتمل أن يكون إنما أمره
بغسله لأنه طيب وليس للمحروم أن يبقى عليه الطيب، وإن كان قبل الاحرام قيل له إن شاء الله تعالى
فلو كان كما قلت كان منسوخا فإن قال وما نسخه؟ قلنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الاعرابي
بالجعرانة والجعرانة في سنة ثمان وحديث عائشة أنها طيبت النبي صلى الله عليه وسلم لحله وحرمه في
حجة الاسلام وهي سنة عشر. فإن قال فقد نهى عنه عمر قلنا لعله نهى عنه على المعنى الذي وصفت
إن شاء الله تعالى فإن قال أفلا تخاف غلط من روى عن عائشة؟ قيل: هم أولى أن لا يغلطوا ممن روى
عن ابن عمر عن عمر لأنه إنما روى هذا عن ابن عمر عن عمر رجل أو اثنان وروى هذا عن عائشة
عن النبي صلى الله عليه وسلم ستة أو سبعة، والعدد الكثير أولى أن لا يغلطوا من العدد القليل، وكل
عندنا لم يغلط إن شاء الله تعالى ولو جاز إذا خالف ما روى عن عمر ما روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم في الطيب أن يخاف غلط من روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز أن يخاف
غلط من روى هذا عن عمر، وإذا كان، علمنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم تطيب وأن عمر كره علما
واحدا من جهة الخبر فلا يجوز لاحد أن يزعم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم يترك بحال إلا لقول
النبي صلى الله عليه وسلم لا لقول غيره وقد خالف عمر سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عباس
وغيرهما وقد يترك من يكره الطيب للاحرام والاحلال لقول عمر أقاويل لعمر لقول الواحد من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم وأقاويل لعمر لا يخالفه فيها أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيخالف عمر لرأي نفسه، فإذا كان يصنع هذا في بعض قول عمر فكيف جاز أن يدع السنة التي
فرض الله تعالى على الخلق اتباعها لقول من يفعل في قوله مثل هذا (1) لعمري لئن جاز له أن يأخذ به
فيدع السنة بخلافه فما لا سنة عليه فيه أضيق وأحرى أن لا يخرج من خلافه وهو يكثر خلافه فيما لا
سنة فيه ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السائل بأن ينزع الجبة عنه ويغسل الصفرة ولم يأمره
بالكفارة قلنا: من لبس ما ليس له لبسه قبل الاحرام جاهلا بما عليه في لبسه أو ناسيا لحرمه (2) ثم
يثبت عليه أي مدة ما ثبت عليه بعد الاحرام أو ابتدأ لبسه بعد الاحرام جاهلا بما عليه في لبسه أو
ناسيا لحرمه أو مخطئا به وذلك أن يريد غيره فيلبسه نزع الجبة والقميص نزعا ولم يشقه ولا فدية عليه في
لبسه وكذلك الطيب قياسا عليه إن كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بغسله لما وصفنا من الصفرة
وإن كان للطيب فهو أكثر أو مثله والصفر جامعة لأنها طيب وصفرة، فإن قال قائل: كيف قلت هذا
في الناسي والجاهل في اللبس والطيب ولم تقله فيمن جز شعره أو قتل صيدا؟ قيل له إن شاء الله تعالى

(1) قوله: لعمري لئن جاز الخ في جميع النسخ التي بيدنا اختلاف في هذا المقام بزيادة ونقص
وتحريف، ولعل أقربها إلى الصحة النسخة التي أثبتناها، فانظر. وحرر.
(2) قوله: ثم يثبت عليه الخ، كذا في النسخ، ولعل في العبارة، تحريفا، فحرر. كتبه
مصححه.
167

قلته خبرا وقياسا وأن حاله في اللبس والطيب مخالفة حاله في جز الشعر وقتل الصيد، فإن قال: فما
فرق بين الطيب واللبس وقتل الصيد وجز الشعر وهو جاهل في ذلك كله؟ قيل له الطيب واللبس شئ
إذا أزاله عنه زال فكان إذا أزاله كحاله قبل أن يلبس ويتطيب لم يتلف شيئا حرم عليه أن يتلفه ولم يزل
شيئا حرم عليه إزالته إنما أزال ما أمر بإزالته مما ليس له أن يثبت عليه وقاتل الصيد أتلف ما حرم عليه
في وقته ذلك إتلافه وجاز الشعر والظفر أزال بقطعه ما هو ممنوع من إزالته في ذلك الوقت والإزالة لما
ليس له إزالته إتلاف وفى الاتلاف لما نهى عن إتلافه عوض خطأ كان أو عمدا، لما جعل الله في
إتلاف النفس خطأ من الدية وليس ذلك غير في الاتلاف كهو في الاتلاف ولكنه إذا فعله عالما بأنه لا
يجوز له وذاكرا لاحرامه وغير مخطئ فعليه الفدية في قليل اللبس والطيب وكثيره على ما وصفت في
الباب قبل هذا ولو فعله ناسيا أو جاهلا ثم علمه فتركه عليه ساعة وقد أمكنه إزالته عنه بنزع ثوب أو
غسل طيب افتدى لأنه أثبت الثوب والطيب عليه بعد ذهاب العذر وإن لم يمكنه نزع لعلة مرض
أو عطب في بدنه وانتظر من ينزعه فلم يقدر عليه فهذا عذر ومتى أمكنه نزعه نزعه وإلا افتدى إذا تركه
بعد الامكان ولا يفتدى إذا نزعه بعد الامكان ولو لم يمكنه غسل الطيب وكان في جسده رأيت أن
يمسحه بخرقة فإن لم يجد خرقة فبتراب إن أذهبه فإن لم يذهبه فيشجر أو حشيش، فإن لم يقدر عليه أو
قدر فلم يذهبه، فهذا عذر، ومتى أمكنه الماء غسله ولو وجد ماء قليلا إن غسله به لم يكفه لوضوئه
غسله به وتيمم لأنه مأمور بغسله ولا رخصة له في تركه إذا قدر على غسله وهذا مرخص له في التيمم
إذا لم يجد ماء ولو غسل الطيب غيره كان أحب إلي، وإن غسله هو بيده لم يفتد من قبل أن عليه غسله
وإن ماسه فإنما ماسه ليذهبه عنه لم يماسه ليتطيب به ولا يثبته، وهكذا ما وجب عليه الخروج منه
خرج منه كما يستطيع، ولو دخل دار رجل بغير إذن لم يكن جائزا له وكان عليه الخروج منها، ولم
أزعم أنه يحرج بالخروج منها، وإن كان يمشى فيما لم يؤذن له فيه لان مشيه للخروج من الذنب لا
للزيادة، فيه فهكذا هذا الباب كله وقياسه.
(باب الوقت الذي يجوز فيه الحج والعمرة)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل " الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا
رفث " إلى قوله " في الحج " أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع
جابر بن عبد الله يسأل عن الرجل يهل بالحج قبل أشهر الحج؟ فقال: لا، أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قلت لنافع أسمعت عن عبد الله بن عمر يسمى شهور
الحج؟ فقال: نعم، كان يسمى (1) شوالا وذا القعدة وذا الحجة قلت لنافع: فإن أهل إنسان بالحج
قبلهن؟ قال: لم أسمع منه في ذلك شيئا، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن
خالد عن ابن جريج قال قال طاوس هي شوال وذو القعدة وذو الحجة، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن
جريج أنه قال لعطاء: أرأيت لو أن رجلا جاء مهلا بالحج في شهر رمضان كيف كنت قائلا له؟ قال

(1) قوله: شوالا وذا القعدة وذا الحجة، كذا في بعض النسخ بالنصب، وفى بعضها شوال وذو
القعدة الخ بالرفع ومثله في المسند، وكل صحيح، والمدار على الرواية: كتبه مصححه.
168

أقول له: اجعلها عمرة، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال أخبرنا عمر بن عطاء عن عكرمة
أنه قال: لا ينبغي لاحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج من أجل قول الله عز وجل " الحج أشهر
معلومات " ولا ينبغي لاحد أن يلبى بحج ثم يقيم.
(باب هل يسمى الحج أو العمرة عند الاهلال أو تكفى النية منهما؟)
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فيما حكينا من الأحاديث عن النبي صلى الله
عليه وسلم دليل على أن نية الملبي كافية له من أن يظهر ما يحرم به كما تكون نية المصلى مكتوبة أو نافلة أو
ندرا كافية له من إظهار ما ينوى منها بأي إحرام نوى، ونية الصائم كذلك، وكذلك لو حج أو اعتمر
عن غيره كفته نيته من أن يسمى أن حجه هذا عن غيره (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن
سعيد بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله قال ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلبيته حجا قط
ولا عمرة (قال الشافعي) ولو سمى المحرم ذلك لم أكرهه إلا أنه لو كان سنة سماه رسول الله صلى الله عليه
وسلم أو من بعده، ولو لبى المحرم فقال: " لبيك بحجة وعمرة " وهو يريد حجة كان مفردا ولو أراد
عمرة كان معتمرا ولو سمى عمرة وهو يريد حجا كان حجا ولو سمى عمرة وهو يريد قرانا كان قرانا إنما
يصير أمره إلى النية إذا أظهر التلبية معها ولا يلزمه إذا لم يكن له نية أن يكون عليه أكثر من لفظه،
وذلك أن هذا عمل لله خالصا لا شئ لاحد من الآدميين غيره فيه فيؤخذ فيه بما ظهر من قوله دون
نيته، ولو لبى رجل لا يريد حجا ولا عمرة لم يكن حاجا ولا معتمرا كما لو كبر لا يريد صلاة لم يكن
داخلا في الصلاة ولو أكل سحرا لا يريد صوما لم يكن داخلا في الصوم وكذلك لو لم يأكل يوما
كاملا ولا ينوى صوما لم يكن صائما، وروى أن عبد الله بن مسعود لقى ركبا بالساحل محرمين فلبوا قلبي
ابن مسعود وهو داخل إلى الكوفة والتلبية ذكر من ذكر الله عز وجل، لا يضيق على أحد أن يقول: ولا
يوجب على أحد أن يدخل في إحرام إذا لم ينوه.
(باب كيف التلبية؟)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله
عليه وسلم " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك "
قال نافع كان عبد الله بن عمر يزيد فيها " لبيك لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك
والعمل " (قال الشافعي) أخبرنا بعض أهل العلم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالتوحيد " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد
والنعمة لك والملك لا شريك لك " وذكر الماجشون عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم " لبيك إله الحق لبيك " (قال الشافعي)
كما روى جابر وابن عمر كانت أكثر تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي التي أحب أن تكون تلبية
المحرم لا يقصر عنها ولا يجاوزها، إلا أن يدخل ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه
مثلها في المعنى لأنها تلبية والتلبية إجابة، فأبان أنه أجاب إله الحق بلبيك أولا وآخرا، أخبرنا سعيد بن
169

سالم عن ابن جريج قال أخبرني حميد الأعرج عن مجاهد أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يظهر من التلبية " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك
لك " قال حتى إذا كان ذات يوم والناس يصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه فزاد فيها " لبيك إن العيش
عيش الآخرة " قال ابن جريج وحسبت أن ذلك يوم عرفة (قال الشافعي) وهذه تلبية كتلبيته التي
رويت عنه وأخبر أن العيش عيش الآخرة لا عيش الدنيا ولا ما فيها ولا يضيق على أحد في مثل ما قال
ابن عمر ولا غيره من تعظيم الله تعالى ودعائه مع التلبية، غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم من التلبية ولا يصل بها شيئا إلا ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ويعظم
الله تعالى ويدعوه بعد قطع التلبية، أخبرنا سعيد عن القاسم بن معن عن محمد بن عجلان عن عبد الله
بن أبي سلمة أنه قال سمع سعد بعض بنى أخيه وهو يلبى " باذا المعارج " فقال: سعد المعارج؟ إنه
لذو المعارج، وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(باب رفع الصوت بالتلبية)
(قال الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد
الملك ابن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم
بالتلبية أو بالاهلال " يريد أحدهما (قال الشافعي) وبما أمر به جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر
الرجال المحرمين وفيه دلالة على أن أصحابه هم الرجال دون النساء فأمرهم أن يرفعوا جهدهم ما لم يبلغ
ذلك أن يقطع أصواتهم (1) فكانا نكره قطع أصواتهم وإذا كان الحديث يدل على أن المأمورين برفع
الأصوات بالتلبية الرجال فكان النساء مأمورات بالستر فان لا يسمع صوت المرأة أحد أولى بها وأستر
لها، فلا ترفع المرأة صوتها بالتلبية وتسمع نفسها.
(باب أين يستحب لزوم التلبية؟)
(قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني عبد الرحمن بن
عبد الله بن عبد الرحمن بن سابط قال كان سلفنا لا يدعون التلبية عند أربع، عند اضطمام الرفاق
حتى تنضم وعند إشرافهم على الشئ وهبوطهم من بطون الأودية وعند هبوطهم من الشئ الذي
يشرفون منه وعند الصلاة إذا فرغوا منها (قال الشافعي) وما روى ابن سابط عن السلف هو موافق ما
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن جبريل عليه السلام أمره بأن يأمرهم برفع الصوت
بالتلبية وإذا كانت التلبية برا أمر الملبون برفع الصوت به فأولى المواضع أن يرفع الصوت به مجتمع الناس
حيث كانوا من مساجد الجماعات والأسواق واضطمام الرفاق، وأين كان اجتماعهم بما يجمع من ذلك

(1) قوله: فكانا نكره قطع أصواتهم، كذا في جميع النسخ، وانظر. كتبه مصححه.
170

من طاعتهم برفع الصوت، وأن معنى رفع الصوت به كمعنى رفعه بالاذان الذي لا يسمعه شئ إلا
شهد له به، وإن في ذلك تنبيها للسامع له، يحدث له الرغبة في العمل لله بنفسه ولسانه أو بعضها،
ويؤجر له المنبه له إليه.
(باب الخلاف في رفع الصوت بالتلبية في المساجد)
(قال الشافعي) فإن قال قائل: لا يرفع الملبي صوته بالتلبية في مساجد الجماعات إلا في مسجد
مكة ومنى فهذا قول يخالف الحديث ثم لا يكون له معنى يجوز أن يذهب إليه أحد، إذ حكى عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل أمره أن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية، فمتى كانت
التلبية من الرجل فينبغي له أن يرفع صوته بها ولو جاز لاحد أن يقول يرفعها في حال دون حال جاز
عليه أن يقول يرفعها حيث زعمت أنه يخفضها ويخفضها حيث زعمت أنه يرفعها، وهذا لا يجوز
عندنا لاحد، وفى حديث ابن سابط عن السلف أنهم كانوا لا يدعون التلبية عند اضطمام الرفاق دليل
على أنهم واظبوا عليها عند اجتماع الناس، وإذا تحروا اجتماع الناس على الطريق كانت المساجد أولى ان
يجهروا بذلك فيها أو في مثل معناها؟ أرأيت الاذان أيترك رفع الصوت به في مسجد الجماعات؟ فإن
قيل: لا، لأنه قد أمر برفع الصوت قيل وكذلك التلبية به أرأيت لو لم يعلم أحد من هؤلاء شيئا أكانت
التلبية تعدو أن يرفع الصوت بها مع الجماعات فكل جماعة في ذلك سواء أو ينهى عنها في الجماعات
لان ذلك يشغل المصلى عن صلاته فهي في المسجد الحرام ومسجد منى أولى أن لا يرفع عليهم الصوت
أو مثل غيرهم وإن كان ذلك كراهية رفع الصوت في المساجد أدبا وإعظاما لها، فأولى المساجد أن
يعظم، المسجد الحرام ومسجد " منى " لأنه في الحرم.
(باب التلبية في كل حال)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن محمد بن أبي حميد عن محمد بن
المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من التلبية أخبرنا سعيد بن سالم عن عبد الله بن عمر عن
نافع عن ابن عمر أنه كان يلبى راكبا ونازلا ومضطجعا (قال الشافعي) وبلغني عن محمد بن الحنفية أنه
سئل أيلبي المحرم وهو جنب؟ فقال: نعم (قال الشافعي) والتلبية ذكر من ذكر الله عز وجل فيلبى المرء
طاهرا وجنبا وغير متوضئ، والمرأة حائضا وجنبا وطاهرا وفى كل حال، وقد قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لعائشة وعركت " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " والتلبية مما يفعل الحاج.
(باب ما يستحب من القول في أثر التلبية)
(قال الشافعي) أستحب إذا سلم المصلى ان يلبى ثلاثا وأستحب إذا فرغ من التلبية أن يتبعها الصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل الله جل ثناؤه رضاه والجنة والتعوذ من النار اتباعا ومعقولا أن الملبي
وافد الله تعالى وأن منطقه بالتلبية منطقه بإجابة داعي الله وأن تمام الدعاء ورجاء إجابته الصلاة على
171

النبي صلى الله عليه وسلم وأن يسأل الله تعالى في إثر كمال ذلك بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
الجنة ويتعوذ من النار فإن ذلك أعظم ما يسأل ويسأل بعدها ما أحب، أخبرنا الربيع قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن صالح بن محمد بن زائدة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن
أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله تعالى رضوانه والجنة واستعفاه
برحمته من النار، أخبرنا إبراهيم بن محمد أن القاسم بن محمد كان يأمر إذا فرغ من التلبية أن يصلى
على محمد النبي صلى الله عليه وسلم.
(باب الاستثناء في الحج)
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر
بضباعة بنت الزبير فقال " أما تريدين الحج؟ " فقالت إني شاكية فقال لها " حجى واشترطي أن محلى
حيث حبستني " أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه قال قالت لي عائشة هل تستثنى إذا
حججت؟ فقلت لها ماذا أقول؟ فقالت: قل " اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرت فهو الحج
وإن حبستني بحابس فهي عمرة " (قال الشافعي) ولو ثبت حديث عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم
في الاستثناء لم أعده إلى غيره لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكانت الحجة فيه أن يكون المستثنى مخالفا غير المستثنى من محصر بعدو أو مرض أو ذهاب مال أو خطأ
عدد أو توان وكان إذا اشترط فحبس بعدو أو مرض أو ذهاب مال أو ضعف عن البلوغ حل في الموضع
الذي حبس فيه بلا هدى ولا كفارة غيره وانصرف إلى بلاده ولا قضاء عليه إلا أن يكون لم يحج حجة
الاسلام فيحجها وكانت الحجة فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر بشرط إلا أن يكون على ما
يأمر به وكان حديث عروة عن عائشة يوافقه في معنى أنها أمرت بالشرط وكان وجه أمرها بالشرط إن
حبس عن الحج فهي عمرة أن يقول إن حبسني حابس عن الحج ووجدت سبيلا إلى الوصول إلى
البيت فهي عمرة وكان موجودا في قولها أنه لا قضاء ولا كفارة عليه والله أعلم، ومن لم يثبت حديث
عروة لانقطاعه عن النبي صلى الله عليه وسلم احتمل أن يحتج في حديث عائشة لأنها تقول: إن كان
حج وإلا فهي عمرة، وقال أستدل بأنها لم تره يحل إلا بالوصول إلى البيت ولو كانت إذا ابتدأت ان
تأمره بشرط رأت له ان يحل بغير وصول إلى البيت أمرته به وذهب إلى أن الاشتراط وغيره سواء وذهب
إلى أن على الحاج القضاء إذا حل بعمل عمرة كما روى عن عمر بن الخطاب، والظاهر أنه يحتمل
فيمن قال هذا أن يدخل عليه خلاف عائشة إذ أمره بالقضاء والجمع بين من اشترط ولم يشترط فلا
يكون للشرط معنى وهذا مما أستخير الله تعالى فيه، ولو جرد أحد خلاف عائشة ذهب إلى قول عمر
فيمن فاته الحج يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر ويهدي، وبعض أصحابنا يذهب إلى إبطال الشرط وليس
يذهب في إبطاله (1) إلى شئ عال أحفظه، أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه سأله عن الاستثناء في الحج
فأنكره، ومن أبطل الاستثناء فعمل رجل به فحل من حج أو عمرة فأصاب النساء والطيب والصيد جعله

(1) إلى شئ عال أحفظه، كذا في بعض النسخ، وفى بعضها " إلى شئ قال أحفظه " وانظر.
172

مفسدا وجعل عليه الكفارة فيما أصاب وأن يعود حراما حتى يطوف بالبيت ثم يقضى حجا، إن كان أحرم
بحج أو عمرة، إن كان أحرم بعمرة.
(باب الاحصار بالعدو)
(قال الشافعي) رحمه الله قال الله عز وجل " وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من
الهدى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله " الآية (قال الشافعي) فلم أسمع ممن حفظت عنه من
أهل العلم بالتفسير مخالفا في أن هذه الآية نزلت بالحديبية حين أحصر النبي صلى الله عليه وسلم فحال
المشركون بينه وبين البيت وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بالحديبية وحلق ورجع حلالا ولم يصل إلى
البيت ولا أصحابه إلا عثمان بن عفان وحده وسنذكر قصته وظاهر الآية أن أمر الله عز وجل إياهم أن لا
يحلقوا حتى يبلغ الهدى محله وأمره ومن كان به أذى من رأسه بفدية سماها وقال عز وجل " فإذا أمنتم
فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى " الآية وما بعدها يشبه والله أعلم أن لا يكون على المحصر
بعدو قضاء لان الله تعالى لم يذكر عليه قضاء وذكر فرائض في الاحرام بعد ذكر أمره (قال) والذي
أعقل في أخبار أهل المغازي شبيه بما ذكرت من ظاهر الآية وذلك أنا قد علمنا في متواطئ أحاديثهم
أن قد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية رجال يعرفون بأسمائهم ثم اعتمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم عمرة القضية وتخلف بعضهم بالحديبية من غير ضرورة في نفس ولا مال علمته ولو
لزمهم القضاء لأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى أن لا يتخلفوا عنه وما تخلفوا عن
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى تواطؤ أخبر أهل المغازي وما وصفت من تخلف بعض من أحصر
بالحديبية، والحديبية موضع من الأرض منه ما هو في الحل، ومنه ما هو في الحرم، فإنما نجر الهدى
عندنا في الحل وفيه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بويع فيه تحت الشجرة فأنزل الله عز
وجل " لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجر " فبهذا كله نقول فنقول من أحصر بعدو
حل حيث يحبس في حل كان أو حرم ونحر أو ذبح هديا، وأقل ما يذبح شاة، فإن اشترك سبعة في
بدنة أو بقرة أجزأتهم أخرجوا معا ثمنها أو أحدهم ووهب لهم حصصهم منها قبل ذبحها فذبحوها، فأما
إن ذبحها ثم وهب لهم حصصهم منها فهي له ولا تجزيهم ولا قضاء على المحصر بعدو إذا خرج من
إحرامه والحصر قائم عليه فإن خرج من إحرامه والعدو بحاله ثم زال العدو قبل أن ينصرف فكانوا على
رجاء من الوصول إلى البيت بإذن العدو لهم أو زوالهم عن البيت أحببت أن لا يعجلوا بالاحلال ولو
عجلوا به ولم ينتظروا جاز لهم إن شاء الله تعالى ولو أقام المحصر متأنيا لأي وجه ما كان أو متوانيا في
الاحلال فاحتاج إلى شئ مما عليه فيه الفدية ففعله افتدى لان فدية الأذى نزلت في كعب بن عجرة
وهو محصر، فإن قال قائل ما قول الله عز وجل في الحديبية " حتى يبلغ الهدى محله؟ " قيل والله أعلم.
أما السنة فتدل على أن محله في هذا الموضع نحره لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر في الحل فإن
قال فقد قال الله عز وجل في البدن " ثم محلها إلى البيت العتيق " قيل ذلك إذا قدر على أن ينحرها عند
البيت العتيق فهو محلها فإن قال فهل خالفك أحد في هدى المحصر؟ قيل: نعم، عطاء بن أبي رباح
كان يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر في الحرم فإن قال فبأي شئ رددت ذلك وخبر عطاء وإن
173

كان منقطعا شبيه بخبرك عن أهل المغازي؟ قلت عطاء وغيره يذهبون (1) إلى أن محل الهدى وغيره ممن
خالفنا يقول لا يحل المحصر بعدو ولا مرض حتى يبلغ الهدى الحرم فينحر فيه لما وصفت من ذكرهم أن
النبي صلى الله عليه وسلم لم ينحر إلا في الحرم، فإن قال فهل من شئ يبين ما قلت؟ قلت: نعم (2)
إذا زعموا وزعمنا أن الحرم منتهى الهدى بكل حال وإن نحر فيه فقد أجزأ عنه والقرآن يدل على أن
هدى النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الحرم فإن قال: وأين ذلك؟ قلت قال الله عز وجل " هم
الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله " فإن قال قائل فإن الله عز وجل
يقول " حتى يبلغ الهدى محله " قلت الله أعلم بمحله ههنا يشبه أن يكون إذا أحصر نحره حيث أحصر كما
وصفت ومحله في غير الاحصار الحرم وهو كلام عربي واسع، وخالفنا بعض الناس فقال: المحصر
بالعدو والمرض سواء وعليهما القضاء ولهما الخروج من الاحرام. وقال: عمرة النبي صلى الله عليه وسلم
التي اعتمر بعد حصره قضاء عمرته التي أحصر بها، ألا ترى أنها تسمى عمرة القضية وعمرة
القصاص؟ فقيل لبعض من قال هذا القول: إن لسان العرب واسع فهي تقول: اقتضيت ما صنع
بي واقتصصت ما صنع بي فبلغت ما منعت مما يجب لي وما لا يجب على أن أبلغه وإن وجب لي (قال
الشافعي) والذي نذهب إليه من هذا أنها إنما سميت عمرة القصاص وعمرة القضية أن الله عز وجل
اقتص لرسوله صلى الله عليه وسلم فدخل عليهم كما منعوه لا على أن ذلك وجب عليه قال. أفتذكر في
ذلك شيئا؟ فقلت: نعم، أخبرنا سفيان عن مجاهد (3) (قال الشافعي) فقال فهذا قول رجل لا
يلزمني قوله، قلت ما زعمنا أن قوله يلزمك لولا دلالة القرآن وأخبار أهل المغازي وما تدل عليه السنة
فقال قد سمعت ما ذكرت من السنة ولم تسند فيه حديثا بينا، فقلت ولا أنت أسندت فيه حديثا في أن
عمرة النبي صلى الله عليه وسلم يقال لها عمرة القضية وإنما عندك فيها أخبارهم فكان لي دفع ما علمت
ولم تقم فيه حديثا مسندا مما يثبت على الانفراد ولم يكن إذا كان معروفا متواطئا عند بعض أهل العلم
بالمغازي، فإن لم يكن لي دفعك عنه بهذا، لم يكن لك دفعي عن أنه تخلف بعض من شهد الحديبية
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن عمرة القضية فقال ما يقنعني هذا الجواب فادللني على
الدلالة من القرآن قلت قال الله عز وجل " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى
عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " قال فمن حجتي أن الله عز وجل قال " قصاص "
والقصاص إنما يكون بواجب (قال الشافعي) فقلت له إن القصاص وإن كان يجب لمن له القصاص
فليس القصاص واجبا عليه أن يقتص قال وما دل على ذلك؟ قلت قال الله عز وجل " والجروح
قصاص " أفواجب على من جرح أن يقتص ممن جرحه أو مباح له أن يقتص وخير له أن يعفو؟ قال:
له أن يعفو ومباح له أن يقتص وقلت له قال الله عز وجل " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما
اعتدى عليكم " فلو ان معتديا مشركا اعتدى علينا كان لنا ان نعتدي عليه بمثل ما اعتدى علينا ولم
يكن واجبا علينا أن نفعل قال ذلك على ما وصفت فقلت فهذا يدلك على ما وصفت وما قال مجاهد

(1) قوله: إلى أن محل الهدى، كذا في النسخ، وفى الكلام نقص أو تحريف، فحرر.
(2) قوله: إذا زعموا الخ، كذا في النسخ، وانظر أين جواب الشرط، إن لم تكن " إذا " محرفة
عن " إذ " وحرر، كتبه مصححه.
(3) كذا في جميع النسخ لم يذكر بقية الحديث، وانظر، وحرر. كتبه مصححه.
174

من أن الله عز وجل أقصه منهم فدخل عليهم في مثل الشهر الذي ردوه فيه وليست فيه دلالة على أن
دخوله كان واجبا عليه من جهة قضاء النسك والله أعلم وإنما يدرك الواجب فيه وغير الواجب خبرا
والخبر يدل على مثل ما وصفنا من أنه ليس بواجب (قال الشافعي) ومن أحصر في موضع كان له أن
يرجع عن موضعه الذي أحصر فيه ويحل فإذا أمن بعد انصرافه كان له أن يتم على الانصراف قريبا كان
أو بعيدا إلا أنى إذا أمرته بالخروج من إحرامه عاد كمن لم يحرم قط، غير أنى أحب له إذا كان قريبا
أو بعيدا أن يرجع حتى يصل إلى ما صد عنه من البيت واختياري له في ذلك بالقرب بأنه وإن كان
الرجوع له مباحا فترك الرجوع كان فيه وحشة أكثر بهذا المعنى وإن كان الراجع من بعد أعظم أجرا،
ولو أبحت له أن يذبح ويحلق ويحل وينصرف فذبح ولم يحلق حتى يزول العدو لم يكن له الحلاق وكان
عليه الاتمام لأنه لم يحل حتى صار غير محصور وهو مأجور في الذبح إن شاء الله تعالى، وهذا قول من
يقول لا يكمل إحلال المحرم إلا بالحلاق، ومن قال يكمل إحلاله قبل الحلاق والحلاق أول الاحلال
قال إذا ذبح فقد حل وليس عليه إذا ذبح أن يمضى على وجهه ولو أحصر ومعه هدى قد ساقه متطوعا
به أو واجبا عليه قبل الاحصار فله ذبحه في مكانه كما ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه بالحديبية
وقد أوجبه قبل أن يحصر، وإذا كان عليه أن يحل بالبيت فمنعه فحل دونه بالعذر كان كذلك الهدى
أولى أن يكون له نحره حيث حبس وعليه الهدى لاحصاره سوى ما وجب قبل أن يحصر من هدى
وجب عليه بكل حال (قال الشافعي) ولو وجب عليه هدى في فوره ذلك فلم يكن معه كان له أن
يشتريه ويذبحه مكانه ولو كان وجب عليه قبل ذلك كان ذلك له ولو أخر هديه ليبعث به إذا ذهب
الحصر كان أحب إلي، لأنه شئ لم يجب عليه في فوره. وتأخيره بعد فوره كتأخيره بعدما وجب عليه
(قال) ولو أحصر ولا هدى معه اشترى مكانه هديا وذبحه وحل، ولو وهب له أو ملكه بأي وجه ما
كان فذبحه أجزأ عنه، فإن كان موسرا لان يشترى هديا ولم يجد هديا مكانه أو معسرا بهدى وقد أحصر
ففيها قولان، أحدهما لا يحل إلا بهدى، والآخر أنه مأمور بأن يأتي بما يقدر عليه فإذا لم يقدر على
شئ خرج مما عليه وكان عليه أن يأتي به إذا قدر عليه، ومن قال هذا قال يحل مكانه ويذبح إذا
قدر، فإن قدر على أن يكون الذبح بمكة لم يجز أن يذبح إلا بها وإن لم يقدر ذبح حيث يقدر (قال)
ويقال لا يجزئه إلا هدى، ويقال يجزئه إذا لم يجد هديا إطعام أو صيام، فإن لم يجد الطعام كان كمن
لم يجد الهدى، وإن لم يقدر على الصيام كان كمن لم يجد هديا ولا طعاما وإذا قدر أدى أي هذا كان
عليه، وإن أحصر عبد قد أذن له سيده في الحج والعبد لا مال له وعليه الصوم تقوم له الشاة دراهم،
ثم الدراهم طعاما، ثم يصوم عن كل مد يوما والقول في إحلاله قبل الصوم واحد من قولين، أحدهما
أن يحل قبل الصوم، والآخر لا يحل حتى يصوم والأول أشبههما بالقياس لأنه إذا أمر بالخروج من
الاحرام والرجوع للخوف أشبه أن لا يؤمر بالمقام على الخوف للصوم والصوم يجزيه في كل موضع وإذا
أحصر رجل أو امرأة أو عدد كثير بعدو مشركين كالعدو الذي أحصر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
عام الحديبية وأصحابه فكانت بهم قوة على قتالهم أو لم تكن كان لهم الانصراف لان لهم ترك القتال إلا
في النفير أو أن يبدءوا بالقتال وإن كان النظر للمسلمين الرجوع عنهم اخترت ذلك لهم وإن كان النظر
للمسلمين قتلاهم اخترت قتالهم ولبس السلاح والفدية، وإذا أحصروا بغير مشركين اخترت الانصراف
عنهم بكل حال بعد الاحلال من الاحصار فإن قال قائل فكيف زعمت أن الاحصار بالمسلمين إحصار
يحل به المحرم إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أحصر بمشركين؟ قيل له إن شاء الله تعالى ذكر
175

الله الاحصار بالعدو مطلقا لم يخصص فيه إحصارا بكافر دون مسلم وكان المعنى للذي في الشرك
الحاضر الذي أحل به المحصر الخروج من الاحرام خوفا أن ينال العدو من المحرم ما ينال عدوه فكان
معقولا في نص السنة أن من كان بهذه الحال كان للمحرم عذر بأن يخرج من إحرامه به، أخبرنا
مالك عن نافع عن ابن عمر أنه خرج إلى مكة في الفتنة معتمرا فقال: إن صددت عن البيت صنعنا
كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) يعنى أحللنا كما أحللنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم عام الحديبية، وقول ابن عمر هذا في مثل المعنى الذي وصفت لأنه إنما كان بمكة ابن الزبير
وأهل الشام فرأى أنهم إن منعوه أو خافهم إن لم يمنعوه أن ينال في غمار الناس فهو في حال من أحصر
فكان له أن يحل وإن أحصر بمشركين أو غيرهم فأعطوهم الأمان على أن يأذنوا لهم في أن يحلوا لم يكن
لهم الرجوع وكانوا كغير محصرين إلا أن يكونوا ممن لا يوثق بأمانه ويعرف غدرهم فيكون لهم الانصراف
إذا كانوا هكذا بعد الاحلال، ولو كانوا ممن يوثق بأمانه بعد فأعطوه أن يدخل فيحل على جعل قليل أو
كثير، لم أر أن يعطوهم شيئا لان لهم عذرا في الاحصار يحل لهم به الخروج من الاحرام وإني أكره
أن ينال مشرك من مسلم أخذ شئ (1) لان المشركين المأخوذ منهم الصغار ولو فعلوا ما حرم ذلك عليهم
وإن كرهته لهم كما لا يحرم عليهم ما وهبوا المشركين من أموالهم ومباح للمحصر قتال من منعه من البيت
من المشركين ومباح له الانصراف عنهم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعل الامرين فقاتلهم
وانصرف عنهم ولو قاتلهم المحصر فقتل وجرح وأصاب دواب أنسية فقتلها لم يكن عليه في ذلك غرم
ولو قاتلهم فأصاب لهم صيدا يملكونه جزاه بمثله ولم يضمن لهم شيئا، ولو كان الصيد لمن هو بين
ظهرانيهم من المسلمين ممن لا يقاتلهم فأصابه جزاه بمثله وضمنه للمسلمين لان مكة ليست بدار حرب
فيباح ما فيها، ولو كان الوحش لغير مالك جزاه المحرم بمثله إن شاء مكانه لان الله جعل فدية الرأس في
مكانه وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها كعبا وجعل الهدى في مكانه ونحر رسول الله صلى الله
عليه وسلم ما ساق من الهدى تطوعا في مكانه فيكول حال الاحصار غير حال الوصول ولو كرهت أن
يوصله إلى البيت لم أكره ذلك إلا لان يحدث عليه حدث فلا يقضى عنه ولو أحصر قوم بعدو فأرادوا
الاحلال ثم قاتلوهم لم أر بذلك بأسا ولو أحصر قوم بعدو غير مقيمين بمكة أو في الموضع الذي أحصروا
فيه فكان المحرم يؤمل انصرافهم ويأمنهم في مكانه لم أر أن ينصرف أياما ثلاثا ولو زاد كان أحب إلي،
ولو انصرف بعد إحلاله ولم يتم ثلاثا جاز له ذلك لان معنى انصراف العدو مغيب وقدير يريدون
الانصراف ثم لا ينصرفون ولا يريدونه ثم ينصرفون وإنما كان مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية
مراسلة المشركين ومهادنتهم، ولو أحصر قوم بعدو دون مكة وكان للحاج طريق على غير العدو رأيت أن
يسلكوا تلك الطريق إن كانوا يأمنون بها ولم يكن لهم رخصة في الاحلال وهم يأمنون فيها أن يصلوا إلى
البيت ويقدروا فإن كانت طريقهم التي يأمنون فيها بحرا لا برا، لم يلزمهم ركوب البحر لأنه مخوف
تلف ولو فعلوا كان أحب إلي وإن كان طريقهم برا وكانوا غير قادرين عليه في أموالهم وأبدانهم كان لهم
أن يحلوا إذا كانوا غير قادرين على الوصول إلى البيت محصرين بعدو فإن كان طريقهم برا يبعد وكانوا
قادرين على الوصول إلى البيت بالأموال والأبدان وكان الحج يفوتهم وهم محرمون لم يكن لهم أن يحلوا

(1) قوله: لان المشركين الخ كذا في النسخ، ولعل في العبارة تحريفا من النساخ، فانظر،
وحرر كتبه مصححه.
176

حتى يطوفوا بالبيت وبالصفا والمروة، لان أول الاحلال من الحج الطواف، والقول في أن عليهم
الإعادة وأنها ليست عليهم واحد من قولين، أحدهما أنه لا إعادة للحج عليهم لأنهم ممنوعون منه بعدو
وقد جاءوا بما عليهم مما قدروا من الطواف، ومن قال هذا قال وعليهم هدى لفوت الحج وهو الصحيح
في القياس، والقول الثاني أن عليهم حجا وهديا وهم كمن فاته الحج ممن أحصر بغير عدو إذا صاروا
إلى الوصول إلى البيت ولهذا وجه ولو وصلوا إلى مكة وأحصروا فمنعوا عرفة حلوا بطواف وسعى وحلاق
وذبح وكان القول في هذا كالقول في المسألة قبلها وسواء المكي المحصر، إن أقبل من أفق محرما وغير
المكي يجب على كل ما يجب على كل، وإن أحصر المكي بمكة عن عرفة فهو كالغريب يحصر بمكة عن
عرفة يذبحان ويطوفان ويسعيان ويحلان، والقول في قضائهما كالقول في المسألتين قبل مسألتهما ولا
يخرج واحد منهما من مكة إذا كان أهلا له بالحج ولو أهلا من مكة فلم يطوفا حتى أخرجا منها أو
أحصرا في ناحيتهما ومنعا الطواف كانا كمن أحصر خارجا منها في القياس، ولو تربصا لعلهما يصلان
إلى الطواف كان احتياطا حسنا ولو أحصر حاج بعد عرفة بمزدلفة أو بمنى أو بمكة فمنع عمل مزدلفة
ومنى والطواف كان له أن يذبح ويحلق أو يقصر ويحل إذا كان له الخروج من الاحرام كله كان له
الخروج من بعضه فإن كانت حجة الاسلام فحل إلا النساء قضى حجة الاسلام وإن كانت غير حجة
الاسلام فلا قضاء عليه لأنه محصر بعدو ولو أراد أن يمسك عن الاحلال حتى يصل إلى البيت فيطوف
به ويهريق دما لترك مزدلفة، ودما لترك الجمار ودما لترك البيتوتة بمنى ليالي منى أجزأ ذلك عنه من حجة
الاسلام متى طاف بالبيت وإن بعد ذلك، لأنه لو فعل هذا كله بعد إحصار ثم اهراق له دما أجزأ عنه
من حجة الاسلام وكذلك لو أصاب صيدا فداه، وإنما يفسد عليه أن يجزى عنه من حجة الاسلام
النساء فقط، لان الذي يفسد الحج دون غيره مما فعل فيه، والمحصر بعدو، والمحبوس أي حبس ما
كان نأمره بالخروج منه، فإن كانوا مهلين بالحج فأصابوا النساء قبل يحلون فهم مفسدون للحج وعليهم
معا بدنة وحج بعد الحج الذي أفسدوه، وإذا أصابوا ما فيه الفدية كانت عليهم الفدية ما لم يحلوا فإذا
حلوا فهم كمن لم يحرم.
(باب الاحصار بغير حبس العدو)
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) ولو أن رجلا أهل بالحج فحبسه سلطان فإن كان لحبسه غاية
يرى أنه يدرك معها الحج وكانت طريقه آمنة بمكة لم يحلل فإن أرسل مضى وإن كان حبسه مغيبا عنه لا
تدرى غايته أو كانت له غاية لا يدرك معها الحج إذا أرسل أو لا يمكنه المضي إلى بلده فله أن يحل كما
يحل المحصر والقياس في هذا كله أنه محصر كحصر العدو ومثله المرأة تهل بالحج فيمنعها زوجها ومثلها
العبيد يهلون فيمنعهم سادتهم (قال الشافعي) في الرجل يهل بالحج غير الفريضة فيمنعه والداه أو
أحدهما: أرى واسعا له أن يحل محل المحصر (قال الشافعي) وهذا إذا كانت حجة تطوع، فأما
الفريضة إذا أهل بها مضى فيها ولم يكن لواحد من والديه منعه بعدما لزمته وأهل بها، فإن قال قائل
أرأيت العدو إذا كان مانعا مخوفا فأذنت للمحرم أن يحل بمنعه أفتجد أبا الرجل وأمه وسيد العبد وزوج
المرأة في معناه؟ قيل له: نعم، هم في معناه أنهم مانعون وفى أكثر من معناه في أن لهم المنع وليس
177

للعدو المنع ومخالفون له في أنهم غير مخوفين خوفه فإن قال: كيف جمعت بينهم وهم مفترقون في معنى
وإن اجتمعوا في معنى غيره؟ قلت اجتمعوا في معنى وارد هؤلاء أن لهم المنع وحفظت عن غير واحد
أن المرأة إذا أهلت بالحج غير حجة الفريضة كان لزوجها منعها وحفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال " لا يحل لا مرأة أن تصوم يوما وزوجها شاهد إلا بإذنه " فكان هذا على التطوع دون الفريضة
وكانت إذا لم يحل لها الصوم إلا بإذنه فكان له أن يفطرها وإن صامت لأنه لم يكن لها الصوم وكان
هكذا الحج وكان سيد العبد أقدر عليه من زوج المرأة على المرأة، وكان حق أحد والدي الرجل أعظم
عليه من حق الزوج على المرأة وطاعتهما أوجب، فبهذا قلت ما وصفت.
(باب الاحصار بالمرض)
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى: " وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من
الهدى " (قال الشافعي) فلم أسمع مخالفا ممن حفظت عنه ممن لقيت من أهل العلم بالتفسير في أنها نزلت
بالحديبية وذلك إحصار عدو فكان في الحصر إذن الله تعالى لصاحبه فيه بما استيسر من الهدى، ثم بين
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي يحل منه المحرم الاحصار بالعدو فرأيت أن الآية بأمر الله تعالى
بإتمام الحج والعمرة لله عامة على كل حاج ومعتمر إلا من استثنى الله ثم سن فيه رسول الله صلى الله عليه
وسلم من الحصر بالعدو وكان المريض عندي ممن عليه عموم الآية وقول ابن عباس وابن عمر وعائشة
يوافق معنى ما قلت وإن لم يلفظوا به إلا كما حدث عنهم، أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن
أبيه عن ابن عباس أنه قال: لا حصر إلا حصر العدو (قال الشافعي) قول ابن عباس لا حصر إلا
حصر العدو، لا حصر يحل منه المحصر إلا حصر العدو كأنه يريد مثل المعنى الذي وصفت والله أعلم،
أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال: من حبس دون البيت
بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن
أبيه أنه قال المحصر لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، فإن اضطر إلى شئ من لبس
الثياب التي لا بد له منها صنع ذلك وافتدى (قال الشافعي) يعنى المحصر بالمرض والله أعلم (قال
الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عبد الله بن عمر ومروان بن الحكم
وابن الزبير أفتوا ابن حزابة المخزومي وأنه صرع ببعض طريق مكة وهو محرم أن يتداوى بما لا بد له منه
ويفتدى فإذا صح اعتمر فحل من إحرامه وكان عليه أن يحج عاما قابلا ويهدى، أخبرنا مالك عن
أيوب السختياني عن رجل من أهل البصرة كان قديما أنه قال: خرجت إلى مكة حتى إذا كنت
بالطريق كسرت فخذي فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله ابن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم
والناس فلم يرخص لي أحد في أن أحل فأقمت على ذلك الماء سبعة أشهر ثم حللت بعمرة، أخبرنا
إسماعيل بن علية عن رجل كان قديما وأحسبه قد سماه وذكر نسبه وسمى الماء الذي أقام به الدثنة وحدث
شبيها بمعنى حديث مالك، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عائشة أنها كانت تقول:
المحرم لا يحله إلا البيت (قال الشافعي) وسواء في هذا كله أي مرض ما كان، وسواء ذهب عقله أو لم
يذهب وإن اضطر إلى دواء يداوى به دووى وإن ذهب عقله فدى عنه فدية ذلك الدواء، فإن قال
قائل كيف أمرت الذاهب العقل أن يفتدى عنه والقلم مرفوع عنه في حاله تلك؟ قيل له إن شاء الله إنما
178

يداويه من يعقل والفدية لازمة بأن فاعلها يعقل وهي على المداوى له في ماله إن شاء ذلك المداوى
لأنها جناية من المداوى على المداوى وإن غلب المحرم على عقله فأصاب صيدا ففيها قولان أحدهما أن
عليه جزاءه من قبل أنه يلزم المحرم بإصابة الصيد جزاء لمساكين الحرم كما يلزمه لو قلته لرجل والقاتل
مغلوب على عقله ولو أتلف لرجل مالا لزمته قيمته ويحتمل حلقه شعره هذا المعنى في الوجهين
جميعا، والقول الثاني لا شئ عليه من قبل أن القلم مرفوع عنه، وأصل الصيد ليس بمحرم وكذلك
حلق الشعر وإنما جعل هذا عقوبة على من أتاه تعبدا لله والمغلوب على عقله غير متعبد في حال
غلبته (1) وليس كأموال الناس الممنوعة بكل حال كالمباح إلا في حال (قال) ولو أصاب امرأته احتمل
المعنيين وكان أخف لأنه ليس في إصابته لامرأته إتلاف لشئ فأما طيبه ولبسه فلا شئ عليه فيه من
قبل أنا نضعه عن الجاهل العاقل والناسي العاقل وهذا أولى أن يوضع عنه وذلك أنه ليس في واحد
منهما إتلاف لشئ وقد يحتمل الجماع من المغلوب العقل أن يقاس على هذا لأنه ليس بإتلاف شئ فإن
قال قائل أفرأيت إذا غلب على عقله كيف لم تزعم أنه خارج من الاحرام كما أنه خارج من الصلاة؟
قيل له إن شاء الله لاختلاف الصلاة والحج، فإن قال قائل فأين اختلافهما؟ قيل يحتاج المصلى إلى أن
يكون طاهرا في صلاته عاقلا لها ويحتاج إلى أن يكون عاقلا لها كلها لان كلها عمل لا يجزيه غيره
والحاج يجوز له كثير من عمل الحج وهو جنب وتعمله الحائض كله إلا الطواف بالبيت فإن قال قائل:
فما أقل ما يجزى الحاج أن يكون فيه عاقلا؟ قيل له عمل الحج على ثلاثة أشياء أن يحرم وهو يعقل
ويدخل عرفة في وقتها وهو يعقل ويطوف بالبيت وبالصفا والمروة وهو يعقل فإذا جمع هذه الخصال
وذهب عقله فيما بينها فعمل عنه أجزأ عنه حجه إن شاء الله وهذا مكتوب في دخول عرفة (قال
الشافعي) في مكي أهل بالحج من مكة أو غريب دخلها محرما فحل ثم أقام بها حتى أنشأ الحج منها
فمنعهما مرض حتى فاتهما الحج يطوفان بالبيت وبين الصفا والمروة ويحلقان أو يقصران فإذا كان قابل
حجا وأجزأ كل واحد منهما أن يخرج من الحرم إلى الحل لأنهما لم يكونا معتمرين قط إنما يخرجان
بأقل ما يخرج به من عمل الحج إذا لم يكن لهما أن يعملا بعرفة ومنى ومزدلفة وذلك طواف وسعى
وأخذ من شعره، فإن قال قائل فكيف بما روى عن عمر من هذا؟ قيل له على معنى ما قلت إن شاء
الله وذلك أنه قال لسائله: اعمل ما يعمل المعتمر ولم يقل له: إنك معتمر وقال له احجج قابلا واهد
ولو انقلب إحرامه عمرة لم يكن عليه حج وكان مدركا للعمرة وفى أمره وأمرنا إياه بحج قابل دلالة على
أن إحرامه حج وأنه لا ينقلب عمرة، ولو انقلب عمرة لم يجز أن تأمره بحج قابل قضاء وكيف يقضى ما
قد انقلب عنه؟ ولكن أمره بالقضاء لأنه فائت له وقد جاء من فاته الحج فسأل عمر وهو ينحر ولا
أشك إن شاء الله تعالى أن قد دخل الحرم قبل طلوع الفجر من ليلة النحر فلو كان حجه صار عمرة حين
طلع الفجر من ليلة النحر وكان الحج فائتا لامره عمر أن يخرج بنفسه إلى الحل فيلبى منه ولكنه كما
وصفت إن شاء الله لا كقول من قال صار عمرة (2) وإنما قول من قال صار عمرة بغلط إلى قوله يعنى
صار عمله عمرة وسقط بعض عمل الحج إذا فاتت عرفة ولو كان صار عمرة أجزأ عنه من عمرة

(1) قوله: وليس كأموال الخ كذا في النسخ، وفى الكلام تحريف، والأصل والله أعلم " وليست
أموال الناس الخ " فانظر.
(2) قوله: وإنما قول من قال الخ كذا في النسخ، وانظر وحرر. كتبه مصححه.
179

الاسلام وعمرة ولو نذرها فنواها عند فوت الحج له وهو لا يجزى من واحد منهما ومن أحرم بحج فحبس
عن الحج بمرض أو ذهاب عقل أو شغل أو توان أو خطأ عدد ثم أفاق من المرض في حين يقدر على
إتيان البيت لم يحلل من شئ من إحرامه حتى يصل إلى البيت فإن أدرك الحج عامه الذي أحرم فيه لم
يحلل إلى يوم النحر وإن فاته حج عامه الذي أحرم فيه حل إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة
وحلق أو قصر، فإن كان إهلاله بحج فأدركه فلا شئ عليه، وإن كان إهلاله بحج ففاته خرج منه
بعمل عمرة وعليه حج قابل أو بعد ذلك وما استيسر من الهدى، وإن كان قارنا فأدرك الحج فقد
أدركه والعمرة فإن فاته الحج حج بالطواف والسعي والحلق أو التقصير وكان عليه أن يهل بحج وعمرة
مقرونين لا يزيد على ذلك شيئا كما إذا فاته صلاة أو صوم أو عمرة أمرناه أن يقضى ذلك بمثله لا يزيد
على قضائه شيئا غيره وإذا فاته الحج فجاء بعد عرفة لم يقم بمنى ولم يعمل من عمل الحج شيئا وقد
خرج من عمل الحج مفردا كان أو قارنا بعمل عمرة من طواف وسعى وحلق أو تقصير وحج قابل
أحب إلي، فإن أخر ذلك فأداه بعد أجزأ عنه كما يؤخر حجة الاسلام بعد بلوغه أعواما (1) فيؤديها عنه
متى أداها وإن اضطر قبل الاحلال إلى شئ مما عليه فيه فدية إذا كان محرما أو أصابه فعليه فدية وكان
إذا لم يصل إلى البيت كامل الاحرام قبل فوت الحج وبعده يجب عليه الفدية فيما فيه فدية والفساد فيما
فيه فساد لا يختلف ذلك لان الاحرام قائم عليه ولو كان ممن يذهب إلى أن المريض يحل بهدى يبعث
به فبعث بهدى ونحر أو ذبح عنه وحل كان كمن حل ولم يبعث بهدى ولم ينحر ولم يذبح عنه حراما
بحاله، ولو رجع إلى بلده رجع حراما بحاله ولو صح وقد بعث بهدى فمضى إلى البيت من فوره ذلك
وقد ذبح الهدى لم يجز ذلك الهدى عنه من شئ وجب عليه في إحرامه فدية حج ولا عمرة لأنه ذبحه
عما لا يلزمه ولو أدرك الهدى قبل أن يذبح فحبسه كان ذلك له ما لم يتكلم بإيجابه ولو أدرك الهدى قبل
أن ينحر أو يذبح وقد أوجبه بكلام يوجبه، كان واجبا أن يذبح وكان كالمسألة الأولى وكان كمن
أوجبه تطوعا وكان كمن أعتق عن شئ لم يلزمه فيه العتق فالعتق ماض تطوعا، ولو لم يوجب الهدى
بكلام وبعث به فأدركه قبل أن يذبح كان مالا من ماله ولو لم يوجبه بكلام وقلده واشعره وبعث به
فأدركه قبل أن يذبح فمن قال نيته في هديه وتجليله وتقليده وإعلامه أي علامات الحج أعلمه يوجبه
عليه كان كالكلام به ومن قال هذا القول أشبه أن يفرق بين العمل في نفسه وماله فيما بينه وبين الله
تعالى وبين العمل في نفسه وماله فيما بينه وبين الآدميين فلم يوجب عليه للآدميين الا ما تلكم به ولم يلزمه
فيما بينه وبينهم إلا ما تكلم به مما يكون فيه الكلام وقال فيما بينه وبين الله عز وجل تجزيه النية والعمل كما
تجزيه في الصلاة والصوم والحج ولم يتكلم بفرض صلاة مكتوبة ولا صوم ولا حج إلا أنه نواه وعمله،
والمكي يهل بالحج من مكة أو الحل من ميقات أو غير ميقات ثم يمرض أو يغلب على عقله أو يفوته
الحج بأي وجه ما كان مثل الغريب لا يزايله يحل بطواف وسعى وحلق أو تقصير، ويكون عليه حج
بعد حجه الذي فاته وأن يهدى ما استيسر من الهدى شاة.

(1) قوله: فيؤديها عنه الخ كذا في النسخ، ولعل في العبارة تحريفا، والوجه، والله أعلم
" فيؤديها وتجزى عنه متى أداها " فحرر. كتبه مصححه.
180

(باب فوت الحج بلا حصر عدو ولا مرض ولا غلبة على العقل)
(قال الشافعي) رحمه الله: تعالى من فاته الحج لا بحصر العدو ولا محبوسا بمرض ولا ذهاب عقل
بأي وجه ما فاته من خطأ عدد أو إبطاء في مسيره أو شغل أو توان فسواء ذلك كله، والمريض
والذاهب العقل يفوته الحج يجب على كل الفدية والقضاء والطواف والسعي والحلاق أو التقصير وما
وجب على بعضهم وجب على كل، غير أن المتواني حتى يفوته الحج آثم إلا أن يعفو الله عنه فإن قال
قائل فهل من أثر فيما قلت؟ قلت نعم، في بعضه وغيره في معناه (قال الشافعي) أخبرنا أنس بن
عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال: من أدرك ليلة النحر من الحاج
فوقف بحيال عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج ومن لم يدرك عرفة فيقف بها قبل أن يطلع الفجر
فقد فاته الحج فليأت البيت فليطف به سبعا وليطف بين الصفا والمروة سبعا ثم ليحلق أو يقصر إن شاء،
وإن كان معه هدى فلينحره قبل أن يحلق فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر ثم ليرجع إلى
أهله، فإن أدركه الحج قابلا فليحجج إن استطاع وليهد في حجه فإن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام
في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني سليمان بن يسار أن أبا
أيوب خرج حاجا حتى إذا كان بالبادية من طريق مكة أضل رواحله وأنه قدم على عمر بن الخطاب
يوم النحر فذكر ذلك له فقال له " اصنع كما يصنع المعتمر ثم قد حللت فإذا أدركك الحج قابلا حج
واهد ما استيسر من الهدى " أخبرنا مالك عن نافع عن سليمان بن يسار أن هبار بن الأسود جاء وعمر
بن الخطاب ينحر هديه فقال له عمر " اذهب فطف ومن معك وانحروا هديا إن كان معكم ثم احلقوا
أو قصروا ثم ارجعوا فإذا كان قابل حجوا وأهدوا فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا
رجع " (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ، وفى حديث يحيى عن سليمان دلالة عن عمر أنه يعمل عمل
معتمر لا إن إحرامه عمرة وإن كان الذي يفوته الحج قارنا حج قارنا وقرن وأهدى هديا لفوت الحج
وهديا للقران ولو أراد المحرم بالحج إذا فاته الحج أن يقيم إلى قابل محرما بالحج لم يكن ذلك له وإذا لم
يكن ذلك له فهذا دلالة على ما قلنا من أنه لا يكون لاحد أن يكون مهلا بالحج في غير أشهر الحج
لان أشهر الحج معلومات لقول الله عز وجل " الحج أشهر معلومات " فأشبه والله أعلم أن يكون حظر
الحج في غيرها. فإن قال قائل فلم لم تقل أنه يقيم مهلا بالحج إلى قابل؟ قيل لما وصفت من الآية
والأثر عن عمر وابن عمر وما لا أعلم اختلفوا فيه وفى هذا دلالة على أنه لو كان له أن يقيم محرما بالحج
إلى أن يحج قابلا كان عليه المقام ولم يكن له الخروج من عمل يقدر على المقام فيه حتى يكمله لأنا رأينا
كذلك العمرة وكل صلاة وصوم كان له المقام فيها كان عليه أن يقيم فيها حتى يكملها إذا كانت مما يلزمه
بكل حال وخالفنا بعض الناس وبعض مكيينا في محبوس عن الحج بمرض فقالوا هو والمحصر بعدو لا
يفترقان في شئ وقال ذلك بعض من لقيت منهم وقال يبعث المحصر بالهدى ويواعده المبعوث بالهدى
معه يوما يذبحه فيه عنه وقال بعضهم يحتاط يوما أو يومين بعد موعده ثم يحلق أو يقصر ثم يحل ويعود إلى
بلده وعليه قضاء إحرامه الذي فاته وقال بعض مكيينا كما فاته لا يزيد عليه، وقال بعض الناس بل إن
كان مهلا بحج قضى حجا وعمرة لان إحرامه بالحج صار عمرة وأحسبه قال: فإن كان قارنا فحجا
وعمرتين لان حجه صار عمرة، وإن كان مهلا بعمرة قضى عمرة وقال لي بعض من ذهب إلى هذا
القول: لا نخالفك في أن آية الاحصار نزلت في الحديبية وأنه إحصار عدو، أفرأيت إذن الله تعالى
181

للمحصر بما استيسر من الهدى؟ ثم سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذبح والاحلال كيف لم تجعل
المحصر بالمرض قياسا على المحصر بالعدو أن تحكم له حكمك له؟ فقلت له الأصل على الفرض إتمام
الحج والعمرة لله والرخصة في الاحلال للمحصر بعدو فقلنا في كل بأمر الله عز وجل ولم نعد بالرخصة
موضعها كما لم نعد بالرخصة المسح على الخفين ولم نجعل عمامة ولا قفازين قياسا على الخفين فقال فهل
يفترق الحصار بالعدو والمرض؟ قلت: نعم، قال وأين؟ قلت المحصر بعدو خائف القتل على نفسه إن
أقدم عليه وغير عالم بما يصير إليه منه إذا أقدم عليه وقد رخص لمن لقى المشركين أن يتحرف للقتال أو
يتحيز إلى فئة فإذا فارق المحصر موضعه راجعا صار إلى حال أحسن من حاله في التقدم والمقام لمزايلة
الخوف إلى الامن والمريض ليس في شئ من هذه المعاني، لا هو خائف بشرا ولا صائر بالرجوع إلى
أمن بعد خوف ولا حال ينتقل عنه إلا رجاء البر والذي يرجوه في تقدمه رجاؤه في رجوعه ومقامه
حتى يكون الحال به معتدلا له في المقام والتقدم إلى البيت والرجوع، فالمريض أولى أن لا يقاس على
المحصر بعدو، من العمامة والقفازين والبرقع على الخفين ولو جاز أن يجهل ما وصفنا من الأصل في إتمام
الحج والعمرة وأن المستثنى المحصر بعدو فقلنا الحبس ما كان كالعدو جاز لنا لو ضل رجل طريقا أو
أخطأ عددا حتى يفوته الحج أن يحل فقال بعضهم، إنا إنما اعتمدنا في هذا على الشئ رويناه عن
ابن مسعود وبه قلنا، قلت له لم يخالفه واحد ممن سمينا أنا قلنا بقوله أما كنت محجوجا به؟ قال: ومن
أين؟ قلت ألسنا وإياكم نزعم أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لو اختلفا فكان قول
أحدهما أشبه بالقرآن كان الواجب علينا أن نصير إلى أشبه القولين بالقرآن فقولنا أشبه بالقرآن بما وصفت
لك، أو رأيت لو لم نستدل على قولنا وقولك بالقرآن وكان قولنا أصح في الابتداء والمتعقب من قولك
أكان قولنا أولى أن يذهب إليه؟ قال: بلى، إن كان كما تقول قلت: فهو كما أقول ومعناه ثلاثة من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وثلاثة أكثر عددا من واحد، قال فأين هو أصح؟ قلت أرأيت إذا
مرض فأمرته أن يبعث بهدى ويواعده يوما يذبح فيه عنه الهدى ثم يحلق أو يقصر ويحل ألست قد أمرته
بأن يحل وأنت لا تدرى لعل الهدى لم يبلغ محله وأنت تعيب على الناس أن يأمروا أحدا بالخروج من
شئ لزمهم بالظنون؟ قال فإنا لا نقول بظن ولكن بالظاهر قلت: الظاهر في هذا ظن، ولو خرج
الظاهر في هذا من أن يكون ظنا كنت أيضا متناقض القول فيه قال ومن أين؟ قلت إذا كان الحكم
في أمرك المريض بالاحلال بالموعد بذبح الهدى وكان الظاهر عندك أنه قد حل بهذه المدة (1) فكيف
زعمت أنه إن بلغه أن الهدى عطب أو ضل أو سرق وقد أمرته بالاحلال فحل وجامع وصاد (قال)
يكون عليه جزاء الصيد والفدية ويعود حراما كما كان قلت وهكذا لو بعث الهدى عشرين مرة وأصابه
مثل هذا قال؟ نعم، قلت أفلست قد أبحت له الاحلال ثم جعلت عليه الفدية فيما أبحت له والفساد
فيه وجعلته في موضع واحد حلالا أياما وحراما أياما؟ فأي قول أشد تناقضا وأولى أن يترك من هذا؟
وأي شئ يؤخذ من قول أولى أن ترده العقول من هذا؟ وقال أيضا في الرجل تفوته عرفة ويأتي يوم
النحر فقال كما قلنا يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر وعليه حج قابل ثم خالفنا فقال لا هدي عليه وروى
فيه حديثا عن عمر أنه لم يذكر فيه أمر بالهدى قال وسألت زيد بن ثابت بعد ذلك بعشرين سنة فقال
كما قال عمر: وقال قد روينا هذا عن عمر (قال) فإلى قول من ذهبتم؟ فقلت روينا عن عمر مثل قولنا

(1) قوله: فكيف زعمت أنه إن بلغه الخ كذا في النسخ، وانظر. كتبه مصححه.
182

من أمره بالهدى، قال رويتموه منقطعا وحديثنا متصل قلنا فحديثك المتصل يوافق حديثنا عن عمر
ويزيد عليه الهدى، والذي يزيد في الحديث أولى بالحفظ من الذي لم يأت بالزيادة عندنا وعندك قال
لا أثبته لك بالحال عن عمر منقطعا فهل ترويه عن غير عمر؟ قلنا: نعم عن ابن عمر كما قلنا متصلا
قال فكيف اخترت ما رويت عن ابن عمر على ما روينا عن عمر؟ قلنا روينا عن عمر مثل روايتنا عن
ابن عمر وإن لم يكن متصلا قال أفذهبت فيما اخترت من قول ابن عمر إلى شئ غير تقليد ابن عمر
فيكون لنا تقليد عمر على ابن عمر؟ فقلت له: نعم ذهبت إلى ما يلزمك أنت خاصة أكثر مما يلزم
الناس حتى يكون عليك ترك قولك لقولنا قال وأين؟ قلت له زعمت أن الحائض إذا لم تطهر إلى عرفة
وهي معتمرة رفضت العمرة وأهلت بالحج وأهراقت لرفض العمرة دما وكان عليها قضاؤها ثم قلتم هذا
فيمن خاف فوت الحج من الرجال المعتمرين قال قد قلته في الحائض وفيمن خاف فوت الحج من
الرجال المعتمرين ثم شككت في الرجال المعتمرين وأنا ثابت على الحائض بما روينا فيها فقلت له ولم
شككت هل كان عليها أن تهريق دما عندك إلا لفوت العمرة؟ قال فإن قلت ليس لفوت العمرة؟ قلت
فقل ما شئت قال لخروجها من العمرة بلا فوت لأنها لو شاءت أقامت على العمرة قلت فما تقول إن لم
يرهقها الحج فأرادت الخروج من العمرة بدم تهريقه ثم تحج وتقضى العمرة؟ قال ليس ذلك لها،
قلت فهل أمرتها بالخروج من العمرة إلا بفوتها عندك وهي لو أقامت على العمرة لم يكن عليها شئ
والحاج عندك إذا فاته الحج لم يكن له المقام على الحج وكان قد خرج منه قبل يكمله كما خرجت
الحائض من العمرة قبل تكملها فلم جعلت على الحائض دما لخروجها قبل إكمال الاحرام الذي لزمها
ولم تجعل ذلك على الحاج وقد خرج منه قبل إكمال الاحرام الذي لزمه واجتمعا في هذا المعنى وفى
أنهما يقضيان ما خرجا منه فكيف فرقت بينهما في الدم؟ وقلتم عن ابن عمر أن رجلا لو كان عليه صوم
من شهر رمضان فنسيه إلى أن يأتي رمضان آخر فصامه أنه يصوم بعده ما عليه من الشهر لرمضان الذي
نسي ويتصدق عن كل يوم على مسكين لأنه لم يأت بالصوم في موضعه، فالحاج يفوته الحج في مثل
معناه وأولى أن تقولوا به فيه وخالفنا أيضا فقال إن كان الذي فاته الحج مفردا بالحج فعليه حج وعمرة
وإن كان قارنا فعليه حج وعمرتان فقلت له أقلت هذا خبرا أم قياسا؟ فلم يذكر خبرا نراه ولا عنده هو
إذا أنصف حجة قال قياسا، قلنا فعلى أي شئ قسته؟ قال إن عمر قال " اعمل ما يعمل المعتمر "
فدل هذا على أن حجه صار عمرة فقلت له لما لم يكن يخرج من الاحرام إلا بطواف وسعى في حج
كان أو عمرة وكان الطواف والسعي كمال ما يخرج به من العمرة، وعرفة والجمار ومنى والطواف كمال ما
يخرج به من الحج، فكان إذا فاتته عرفة لا حج له ولا عمل عليه من عمل الحج فقيل اخرج بأقل ما
يخرج به من الاحرام وذلك عمل معتمر لا أن حجه صار عمرة أرأيت لو كانت عليه عمرة واجبة
فنوى بهذا الحج عمرة ففاتته أيقضى العمرة الواجبة عنه؟ قال: لا. لأنه عقده حجا قلت فإذا عقده
حجا لم يصر عندك عمرة تجزى عنه؟ قال لا. فقلت فمن أين زعمت أنه عمرة وهو لا يجزى عنه من
عمرة واجبة ولو ابتدأ بإحرامه ابتدأ العمرة الواجبة عليه؟ وقلت له ولو كان صار عمرة كان أبعد لقولك
ان لا تقول عليه حج ولا عمرة لأنه قد قضى العمرة وإنما فاته الحج فلا يكون عليه حج وعمرة فقال
إنما قلته لان الحج تحول عمرة ففاته لما فاته الحج فقلت له: ما أعلمك تورد حجة إلا كانت عليك
أرأيت إحرامه بالحج متى صار عمرة؟ قال بعد عرفة، قلت فلو ابتدأ الاحرام بعد عرفة بعمرة أيكون
غير محرم بها أو محرما يجزيه العمل عنها ولا يقضيها؟ قال فنقول ماذا؟ قلت أيهما قلت فقد لزمك ترك ما
183

احتججت به قال فدع هذا قلت أقاويلك متباينة قال وكيف؟ قلت رويت عن عمر أنه أمر من فاته
الحج يطوف ويسعى ويقصر أو يحلق ويحج قابلا وقلت له كان عليه هدى أمره به ورددت روايتنا عنه
أنه أمر بالهدى، فإن قلت هي مقطوعة فكيف إذا كان في روايتك عنه أنه أمره بحج قابل ولم يأمره
بعمرة، فلم لا تقول: لا عمرة عليه اتباعا لقول عمر وزيد بن ثابت وروايتنا عن ابن عمر؟ ما
أعلمك إلا قصدت قصد خلافهم معا ثم خالفتهم بمحال فقلت لرجل فاته الحج: عليك عمرة وحج
وهل رأيت أحدا قط فاته شئ فكان عليه قضاء ما فاته وآخر معه؟ والآخر ليس الذي فاته لان الحج
ليس عمرة والعمرة ليست بحج.
(باب هدي الذي يفوته الحج)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى في المحصر بعدو يسوق هديا واجبا أو هدى تطوع، ينحر كل واحد
منهما حيث أحصر ولا يجزى واحد منهما عنه من هدى الاحصار لان كل واحد منهما وجب عليه
الواجب بوجوبه والتطوع بإيجابه، قبل أن يلزمه هدى الاحصار، فإذا أحصر فعليه هدى سواهما يحل
به، فأما من فاته الحج بمرض أو غيره فلا يجزيه الهدى حتى يبلغ الحرم.
(باب الغسل لدخول مكة)
(قال الشافعي) وإذا اغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح لدخول مكة وهو حلال
يصيب الطيب فلا أراه إن شاء الله ترك الاغتسال ليدخلها حراما وهو في الحرم لا يصيب الطيب،
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يغتسل لدخول مكة (قال الشافعي) وأحب الغسل لدخول
مكة وإن تركه تارك لم يكن عليه فيه فدية لأنه ليس من الغسل الواجب.
(باب القول عند رؤية البيت)
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه
وقال " اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره
تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا " أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال حدثت عن مقسم مولى عبد الله
بن الحرث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ترفع الأيدي في الصلاة وإذا رأى
البيت وعلى الصفا والمروة وعشية عرفة وبجمع وعند الجمرتين وعلى الميت " أخبرنا سفيان بن عيينة عن
يحيى بن سعيد عن محمد بن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه كان حين ينظر إلى البيت يقول " اللهم أنت
السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام " (قال الشافعي) فأستحب للرجل إذا رأى البيت أن يقول ما
حكيت وما قال من حسن أجزأه إن شاء الله تعالى.
184

(باب ما جاء في تعجيل الطواف بالبيت حين يدخل مكة)
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لم
يلو ولم يعرج (قال الشافعي) رحمه الله لم يبلغنا أنه حين دخل مكة لوى لشئ ولا عرج في حجته هذه
ولا عمرته كلها حتى دخل المسجد ولا صنع شيئا حين دخل المسجد لا ركع ولا صنع غير ذلك حتى
بدأ بالبيت فطاف هذا أجمع في حجه وفى عمرته كلها أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قال
عطاء فيمن قدم معتمرا فقدم المسجد لان يطوف بالبيت فلا يمنع الطواف ولا يصلى تطوعا حتى
يطوف، وإن وجد الناس في المكتوبة فليصل معهم ولا أحب أن يصلى بعدها شيئا حتى يطوف
بالبيت. وإن جاء قبل الصلاة فلا يجلس ولا ينتظرها وليطف فإن قطع الامام طوافه فليتم بعد، أخبرنا
سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قلت لعطاء: ألا أركع قبل تلك المكتوبة إن لم أكن ركعت
ركعتين؟ قال: لا، إلا ركعتي الصبح إن لم تكن ركعتهما فاركعهما ثم طف لأنهما أعظم شأنا من
غيرهما، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء: المرأة تقدم نهارا؟ قال ما أبالي إن كانت
مستورة أن تقدم نهارا (قال الشافعي) وبما قال عطاء كله آخذ لموافقته السنة فلا أحب لاحد قدر على
الطواف أن يبدأ بشئ قبل الطواف إلا أن يكون نسي مكتوبة فيصلها أو يقدم في آخر مكتوبة فيخاف
فوتها فيبدأ بصلاتها أو خاف فوت ركعتي الفجر فيبدأ بهما أو نسي الوتر فليبدأ به ثم يطوف فإذا جاء وقد
منع الناس الطواف ركع ركعتين لدخول المسجد إذا منع الطواف، فإن جاء وقد أقيمت الصلاة بدأ
بالصلاة، فإن جاء وقد تقاربت إقامة الصلاة بدأ بالصلاة والرجال والنساء فيما أحببت من التعجيل
حين يقدمون ليلا سواء وكذلك هم إذا قدموا نهارا إلا امرأة لها شباب ومنظر فإني أحب لتلك تؤخر
الطواف حتى الليل ليستر الليل منها.
(باب من أين يبدأ بالطواف؟)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن منصور عن أبي وائل عن مسروق
عن عبد الله ابن مسعود أنه رآه بدأ فاستلم الحجر ثم أخذ عن يمينه فرمل ثلاثة أطواف ومشى أربعة ثم
أتى المقام فصلى خلفه ركعتين، أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: يلبى
المعتمر حين يفتتح الطواف مستلما أو غير مستلم (قال الشافعي) لا اختلاف أن حد مدخل الطواف من
الركن الأسود وأن إكمال الطواف إليه، وأحب استلامه حين يدخل الرجل الطواف فإن دخل الطواف
في موضع فلم يحاذ بالركن لم يعتد بذلك الطواف وإن استلم الركن بيده من موضع فلم يحاذ الركن لم يعتد
بذلك الطواف بحال، لان الطواف على البدن كله لا على بعض البدن دون بعض، وإذا حاذى
الشئ من الركن ببدنه كله اعتد بذلك الطواف وكذلك إذا حاذى بشئ من الركن في السابع فقد
أكمل الطواف، وإن قطعه قبل أن يحاذي بشئ من الركن وإن استلمه، فلم يكمل ذلك الطواف.
185

(باب ما يقال عند استلام الركن)
أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال أخبرت أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا
رسول الله كيف نقول إذا استلمنا الحجر؟ قال قولوا " باسم الله والله أكبر إيمانا بالله وتصديقا بما جاء به
رسول الله صلى الله عليه وسلم " (قال الشافعي) رحمه الله هكذا أحب ان يقول الرجل عند ابتداء
الطواف ويقول كلما حاذى الركن بعد " الله أكبر ولا إله إلا الله " وما ذكر الله به وصلى على رسوله
فحسن.
(باب ما يفتتح به الطواف وما يستلم من الأركان)
(قال الشافعي) وأحب أن يفتتح الطائف الطواف بالاستلام، وأحب ان يقبل الركن الأسود وإن
استلمه بيده قبل يده وأحب أن يستلم الركن اليماني بيده ويقبلها ولا يقبله لأني لم أعلم أحدا روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم انه قبل إلا الحجر الأسود وإن قبله فلا بأس به، ولا آمره باستلام الركنين
اللذين يليان الحجر الأسود ولو استلمهما أو ما بين الأركان من البيت لم يكن عليه إعادة ولا فدية إلا أنى
أحب أن يقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قبل الركن الأسود فكذلك أحب، ويجوز استلامه بلا تقبيل لأنه قد استلمه واستلامه دون تقبيله،
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن (1) أبى جعفر قال رأيت ابن عباس جاء يوم التروية (2) مسبدا رأسه
فقبل الركن ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثلاث مرات، أخبرنا سعيد عن
حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس أنه كان لا يستلم الركن إلا أن يراه خاليا، قال وكان إذا استلمه قبله
ثلاث مرات وسجد عليه على أثر كل تقبيلة (قال الشافعي) وأنا أحب إذا أمكنني ما صنع ابن عباس
من السجود على الركن لأنه تقبيل وزيادة سجود لله تعالى وإذا استلمه لم يدع تقبيله وإن ترك ذلك تارك
فلا فدية عليه أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء: هل رأيت أحدا من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم إذا استلموا قبلوا أيديهم؟ قال نعم رأيت جابر بن عبد الله وابن عمر وأبا سعيد الخدري
وأبا هريرة إذا استلموا قبلوا أيديهم قلت وابن عباس؟ قال: نعم حسبت كثيرا قلت: هل تدع أنت
إذا استلمت أن تقبل يدك؟ قال فلم أستلمه إذا؟ (قال الشافعي) وإذا ترك استلام الركن لم أحب
ذلك له ولا شئ عليه، أخبرنا سعيد بن سالم عن إبراهيم بن نافع قال: طفت مع طاوس فلم يستلم
شيئا من الأركان حتى فرغ من طوافه.
* (هامش) (1) أبى جعفر: هو كذلك في بعض النسخ، وفى بعضها ابن جعفر، وحرر.
(2) قوله: مسبدا رأسه، في اللسان: سبد شعره استأصله حتى ألزقه بالجلد وأعفاه جميعا فهو
ضد، ويقال سبد الشعر إذا نبت بعد الحلق فبدا سواده، وقال أبو عبيد: التسبيد ههنا (يعنى في
حديث ابن عباس) ترك التدهن والغسل اه‍، كتبه مصححه. (*)
186

(الركنان اللذان يليان الحجر)
أخبرنا سعيد بن سالم (1) عن موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن كعب القرظي: أن رجلا من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح الأركان كلها ويقول: لا ينبغي لبيت الله تعالى أن يكون
شئ منه مهجورا، وكان ابن عباس يقول: " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " (قال
الشافعي) الذي فعل ابن عباس أحب إلي لأنه كان يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رواه عمر
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر الأسود يدل على أن
منهما مهجورا، وكيف يهجر ما يطاف به؟ ولو كان ترك استلامهما هجرانا لهما لكان ترك استلام ما بين
الأركان هجرانا لها.
(باب استحباب الاستلام في الوتر)
أخبرنا سعيد بن سالم عن عثمان بن الأسود عن مجاهد أنه كان لا يكاد أن يدع أن يستلم الركن
اليماني والحجر في كل وتر من طوافه، أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن طاوس أنه قال: استلموا
هذا لنا خامس (قال الشافعي) أحب الاستلام في كل وتر أكثر مما أستحب في كل شفع، فإذا لم
يكن زحام أحببت الاستلام في كل طواف.
(الاستلام في الزحام)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأحب الاستلام حين أبتدئ بالطواف بكل حال وأحب أن
يستلم الرجل إذا لم يؤذ ولم يؤذ بالزحام ويدع إذا أوذى أو آذى بالزحام ولا أحب الزحام إلا في بدء
الطواف وإن زاحم ففي الآخرة وأحسب النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن " أصبت " أنه
وصف له أنه استلم في غير زحام وترك في زحام لأنه لا يشبه أن يقول له أصبت في فعل وترك إلا إذا
اختلف الحال في الفعل والترك وإن ترك الاستلام في جميع طوافه وهو يمكنه أو أستلم وهو يؤذى ويؤذى
بطوافه لم أحبه له ولا فدية ولا إعادة عليه، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أنه
قال: " إذا وجدت على الركن زحاما فانصرف ولا تقف " أخبرنا سعيد بن سالم عن عمر بن سعيد بن أبي
حسين عن منبوذ بن أبي سليمان عن أمه أنها كانت عند عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها
فدخلت عليها مولاة لها فقالت لها: يا أم المؤمنين طفت بالبيت سبعا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا،
فقالت لها عائشة " لا أجرك الله لا أجرك الله تدافعين الرجال؟ ألا كبرت ومررت " أخبرنا سعيد عن (2)

(1) في بعض النسخ زيادة " عن إبراهيم بن نافع " بين سعيد بن سالم وموسى بن عبيدة، فحرر
السند، كتبه مصححه.
(2) عثمان بن مقسم الربى، كذا في النسخ ولم نقف عليه في كتب أسماء الرجال، فحرره. كتبه
مصححه.
187

عثمان بن مقسم الربى عن عائشة بنت سعد أنها قالت كان أبى يقول لنا " إذا وجدتن فرجة من الناس
فاستلمن وإلا فكبرن وامضين " فلما قالت عائشة أم المؤمنين وسعد آمر الرجال إذا استلم النساء ان لا
يزاحموهن ويمضوا عنهن لأني أكره لكل زحاما عليه وأحب إذا أمكن الطائف الاستلام أن يستلم
الركنين الحجر واليماني ويستلمهما بيده ويقبل يده، وأحب إذا أمكنه الحجر أن يقبله بفيه ويستلم اليماني
بيده فإن قال قائل: كيف أمرت بتقبيل الحجر ولم تأمر بتقبيل اليماني؟ قيل له إن شاء روينا أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الركن وأنه استلم الركن اليماني ورأينا أهل العلم يقبلون هذا ويستلمون
هذا، فإن قال فلو قبله مقبل؟ قلت حسن وأي البيت قبل فحسن غير أنا إنما نأمر بالاتباع وأن نفعل ما
فعل زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، فإن قال فكيف لم تأمر باستلام الركنين اللذين
يليان الحجر؟ قلنا له لا نعلم النبي صلى الله عليه وسلم استلمهما ورأينا أكثر الناس لا يستلمونهما فإن قال
فإنا نرى ذلك قلنا الله أعلم أما الحجة في ترك استلامهما فهي كترك استلام ما بقي من البيت فقلنا نستلم
ما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه دون ما لم ير يستلمه وأما العلة فيهما فنرى أن البيت لم يتمم
على قواعد إبراهيم فكانا كسائر البيت إذا لم يكونا (1) مستوظفا بهما البيت فإن مسحهما رجل كما يمسح
سائر البيت فحسن، أخبرنا سعيد بن سالم قال أخبرني موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن كعب
القرظي أن ابن عباس كان يمسح على الركن اليماني والحجر وكان ابن الزبير يمسح على الأركان كلها
ويقول: لا ينبغي لبيت الله أن يكون شئ منه مهجورا. وكان ابن عباس يقول " لقد كان لكم في
رسول الله أسوة حسنة " (قال الشافعي) كان ابن عباس يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام
الركن اليماني والحجر دون الشاميين وبهذا نقول وقول ابن الزبير " لا ينبغي أن يكون شئ من بيت الله
مهجورا " ولكن لم يدع أحد استلام الركن هجرة لبيت الله تعالى ولكنه استلم ما استلم رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأمسك عما أمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استلامه، وقد ترك استلام ما سوى
الأركان من البيت فلم يكن أحد تركه على أن هجر من بيت الله شيئا، أخبرنا سعيد بن سالم عن أبي
مسلم عن إبراهيم بن ميسرة قال: ذكر ابن طاوس قال كان لا يدع الركنين أن يستلمهما، قال: لكن
أفضل منه كان يدعهما أبوه.
(القول في الطواف)
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن يحيى بن عبيد مولى السائب عن أبيه عن السائب أنه سمع النبي
صلى الله عليه وسلم يقول، فيما بين ركن بني جمح والركن الأسود " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة
حسنة وقنا عذاب النار " وهذا من أحب ما يقال في الطواف إلى، وأحب أن يقال في كله.

(1) مستوظفا، كذا في بعض النسخ، وفى بعض آخر مستطيفا، ولعل الأولى هي الصواب،
ويكون مستوظفا بفتح الظاء، أي مستوعبا، بالبناء للمفعول، فحرر الكلمة. كتبه مصححه.
188

(باب إقلال الكلام في الطواف)
أخبرنا سعيد بن سالم عن حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس أنه سمعه يقول سمعت ابن عمر
يقول: أقلوا الكلام في الطواف فإنما أنتم في صلاة (قال الشافعي) فذهب إلى استحباب قلة الكلام
وقوله " في صلاة " في طاعة لا يجوز أن يكون فيها إلا بطهارة الصلاة لان الكلام يقطع الصلاة ولو
كان يقطعه عنده نهى عن قليله وكثيره، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال طفت خلف ابن
عمر وابن عباس فما سمعت واحدا منهما متكلما حتى فرغ من طوافه أخبرنا سعيد عن إبراهيم بن نافع
الأعور قال طفت مع طاوس وكلمته في الطواف فكلمني، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه
كان يكره الكلام في الطواف إلا الشئ اليسير منه إلا ذكر الله وقراءة القرآن (قال الشافعي) وبلغنا أن
مجاهدا كان يقرأ القرآن في الطواف (قال الشافعي) وأنا أحب القراءة في الطواف وقد بلغنا أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم تكلم في الطواف وكلم، فمن تكلم في الطواف فلا يقطع الكلام طوافه وذكر الله
فيه أحب إلي من الحديث، فان قال قائل فلم إذا أبحت الكلام في الطواف استحببت إقلاله والاقبال
على ذكر الله فيه؟ قيل له إن شاء الله إني لأحب الاقلال من الكلام في الصحراء والمنازل وفى غير
موضع منسك إلا بذكر الله عز وجل لتعود منفعة الذكر على الذاكر أو يكون الكلام في شئ من
صلاح أمره، فإذا كان هذا هكذا في الصحراء والبيوت فكيف قرب بيت الله مع عظيم رجاء الثواب
فيه من الله، فإن قال فهل من دليل من الآثار على ما قلت؟ قلت: نعم. ما ذكرت لك عن ابن عمر
وابن عباس " وأستحب القراءة في الطواف " والقراءة أفضل ما تكلم به المرء.
(باب الاستراحة في الطواف)
(قال الشافعي) رحمه الله: لا بأس بالاستراحة في الطواف، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن
عطاء أنه كان لا يرى بأسا بالاستراحة في الطواف وذكر الاستراحة جالسا.
(الطواف راكبا)
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير المكي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه
سمعه يقول: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة
ليراه الناس وأشرف لهم لان الناس غشوه، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب
عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على راحلته واستلم
الركن بمحجته، أخبرنا سعيد عن ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس عن النبي
صلى الله عليه وسلم مثله، أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال أخبرني عطاء أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم طاف بالبيت وبالصفا والمروة راكبا فقلت: لم؟ قال لا أدرى قال ثم نزل فصلى ركعتين أخبرنا
سفيان بن عيينة عن الأحوص بن حكيم قال رأيت أنس بن مالك يطوف بين الصفا والمروة راكبا على
189

حمار وطاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت والصفا والمروة راكبا من غير مرض ولكنه أحب أن يشرف
للناس ليسألوه وليس أحد في هذا الموضع من الناس، وأكثر ما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالبيت والصفا والمروة لنسكه ماشيا، فأحب إلى أن يطوف الرجل بالبيت والصفا والمروة ماشيا إلا من
علة، وإن طاف راكبا من غير علة فلا إعادة عليه ولا فدية.
(باب الركوب من العلة في الطواف)
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا أكره ركوب المرأة في الطواف بين الصفا والمروة ولا حمل الناس
إياها في الطواف بالبيت من علة وأكره أن يركب المرء الدابة حول البيت، فإن فعل فطاف عليها أجزأه
(قال الشافعي) فأخبر جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف راكبا، وأخبر أنه إنما فعل ليراه
الناس وفى هذا دلالة على أنه لم يطف من شكوى ولا أعلمه اشتكى صلى الله عليه وسلم في حجته
تلك، وقد قال سعيد بن جبير طاف من شكوى ولا أدرى عمن قبله، وقول جابر أولى أن يقبل من
قوله لأنه لم يدركه (قال الشافعي) أما سبعه الذي طاف لمقدمه فعلى قدميه لان جابرا المحكى عنه فيه أنه
رمل منه ثلاثة ومشى أربعة فلا يجوز أن يكون جابر يحكى عنه الطواف ماشيا وراكبا في ربع واحد وقد
حفظ عنه أن سعيه الذي ركب فيه في طوافه يوم النحر، أخبرنا سفيان عن عبد الله بن طاوس عن
أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يهجروا بالإفاضة وأفاض في نسائه ليلا على
راحلته يستلم الركن بمحجنه وأحسبه قال: ويقبل طرف المحجن.
(باب الاضطباع)
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطبع بردائه حين طاف،
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة ان عمر بن الخطاب استلم الركن ليسعى ثم قال لمن
نبدي الآن مناكبنا ومن نرائي وقد أظهر الله الاسلام؟ والله على ذلك لأسعين كما سعى (قال الشافعي)
رحمه الله يعنى رمل مضطبعا (قال الشافعي) والاضطباع أن يشتمل بردائه على منكبه الأيسر ومن
تحت منكبه الأيمن حتى يكون منكبه الأيمن بارزا حتى يكمل سبعه فإذا طاف الرجل ماشيا لا علة به
تمنعه الرمل لم أحب أن يدع الاضطباع مع دخوله الطواف وإن تهيأ بالاضطباع قبل دخوله الطواف فلا
بأس، وإن كان في إزار وعمامة أحببت أن يدخلهما تحت منكبه الأيمن، وكذلك إن كان مرتديا
بقميص أو سراويل أو غيره وإن كان مؤتزرا لا شئ على منكبيه فهو بادي المنكبين لا ثوب عليه
يضطبع فيه ثم يرمل حين يفتتح الطواف فإن ترك الاضطباع في بعض السبع اضطبع فيما بقي منه،
وإن لم يضطبع بحال كرهته له كما أكره له ترك الرمل في الأطواف الثلاثة ولا فدية عليه ولا إعادة،
أخبرنا سعيد عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرمل من الحجر إلى الحجر ثم يقول:
هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم رمل من سبعه ثلاثة أطواف خببا ليس بينهن مشى، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن
عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى في عمره كلهن الأربع بالبيت وبالصفا والمروة إلا أنهم
190

ردوه في الأولى والرابعة من الحديبية، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال: سعى أبو بكر عام
حج إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ثم عمر ثم عثمان والخلفاء هلم جرا يسعون كذلك (قال الشافعي)
والرمل الخبب لا شدة السعي ثلاثة أطواف لا يفصل بينهن بوقوف إلا أن يقف عند استلام الركنين ثم
يمضى خببا، فإذا كان زحام لا يمكنه معه أن يخب فكان إن وقف وجد فرجة وقف، فإذا وجد
الفرجة رمل، وإن كان لا يطمع بفرجة لكثرة الزحام أحببت أن يصير حاشية في الطواف فيمكنه أن
يرمل فإنه إذا صار حاشية أمكنه أن يرمل ولا أحب ترك الرمل وإن كان إذا صار حاشية منعه كثرة
النساء أن يرمل رمل إذا أمكنه الرمل، ومشى إذا لم يمكنه الرمل سجية مشيه ولم أحب أن يثب من
الأرض وثوب الرمل وإنما يمشى مشيا ويرمل أول ما يبتدئ ثلاثة أطواف ويمشى أربعة فإن ترك الرمل
في الطواف الأول رمل في الطوافين بعده وكذلك إن ترك الرمل في الطوافين الأولين رمل في الطواف
بعد هما وإن ترك الرمل في الثلاثة لم يقضه في الأربعة لأنه هيئة في وقت، فإذا مضى ذلك الوقت لم
يضعه في غير موضعه ولم يكن عليه فدية ولا إعادة لأنه جاء بالطواف والطواف هو الفرض فإن ترك
الذكر فيهما لم نحبه ولا إعادة عليه وإن ترك الرمل في بعض طواف رمل فيما بقي منه لان النبي صلى الله
عليه وسلم فرق ما بين سبعه فرقين فرقا رمل فيه وفرقا مشى فيه، فلا يرمل حيث مشى النبي صلى الله
عليه وسلم، وأحب إلى لو لم يمش حيث رمل النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وترك الرمل
عامدا ذاكرا وساهيا وناسيا وجاهلا سواء لا يعيد ولا يفتدى من تركه غير أنى أكره للعامد ولا مكروه
فيه على ساه ولا جاهل، وسواء في هذا كله طواف نسك قبل عرفة وبعدها وفى كل حج وعمرة إذا
كان الطواف الذي يصل بينه وبين السعي بين الصفا والمروة فإن قدم حاجا أو قارنا فطاف بالبيت وسعى
بين الصفا والمروة ثم زار يوم النحر أو بعده لم يرمل لأنه طاف الطواف الذي يصل بينه وبين الصفا
والمروة، وإنما طوافه بعده لتحل له النساء، وإن قدم حاجا فلم يطف حتى يأتي " منى " رمل في طوافه
بالبيت بعد عرفة، أخبرنا سعيد عن سفيان الثوري عن عبد الله بن عثمان بن خثيم أنه رأى مجاهدا يرمل
يوم النحر، فإن قال قائل فإنك قد تقول في أشياء يتركها المرء من نسكه يهريق دما فكيف لم تأمره في
هذا بأن يهريق دما؟ قلت إنما آمره إذا ترك العمل نفسه قال: أفليس هذا عمل نفسه؟ قلت: لا.
الطواف العمل وهذا هيئة في العمل فقد أتى بالعمل على كماله وترك الهيئة فيه السجود والركوع العمل
فإن ترك التسبيح فيهما لم يكن تاركا لعمل يقضيه كما يقضى سجدة لو تركها أو تفسد بها عليه صلاته لو
خرج منها قبل أن يكملها بل التسبيح في الركوع والسجود كان أولى أن يفسد من قبل أنه قول وعمل
والقول عمل والاضطباع والرمل هيئة أخف من التسبيح في الركوع والسجود (قال) وإذا رمل في
الطواف فاشتد عليه الزحام تحرك حركة مشيه يقارب وإنما منعني من أن أقول له يقف حتى يجد فرجة،
أنه يؤذى بالوقوف من خلفه ولا أطمع له أن يجد فرجة بين يديه فلو كان في غير مجمع فازدحم الناس
لفتح باب الكعبة أو عارض الطواف حيث لا يؤذى بالوقوف من خلفه ويطمع أن ينفرج له ما بين يديه
أمرته أن يقف حتى ينفرج ما بين يديه فيمكنه أن يرمل ومتى أمكنه الرمل رمل وأحب إلى أن يدنو من
البيت في الطواف، وإن بعد عن البيت وطمع أن يجد السبيل إلى الرمل أمرته بالبعد.
(باب في الطواف بالراكب مريضا أو صبيا والراكب على الدابة)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا طاف الرجل بالصبي أحببت أن يرمل به، وإن طاف
191

رجل برجل أحببت إن قدر على أن يرمل به أن يرمل به وإذا طاف النفر بالرجل في محفة أحببت إن
قدروا على الرمل أن يرملوا وإذا طاف الرجل راكبا فلم يؤذ أحدا أحببت أن يحث دابته في موضع الرمل
وهذا كله في الرجال.
(باب ليس على النساء سعى)
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال: ليس على النساء
سعى بالبيت ولا بين الصفا والمروة. أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه سأل عطاء: أتسعى النساء؟
فأنكره نكرة شديدة أخبرنا سعيد عن رجل عن مجاهد أنه قال رأت عائشة رضي الله عنها النساء يسعين
بالبيت فقالت " أمالكن فينا أسوة؟ ليس عليكن سعى " (قال الشافعي) لا رمل على النساء ولا سعى
بين الصفا والمروة ولا اضطباع وإن حملن لم يكن على من حملهن رمل بهن وكذلك الصغيرة منهن
تحملها الواحدة، والكبيرة تحمل في محفة، أو تركب دابة، وذلك أنهن مأمورات بالاستتار
والاضطباع والرمل مفارقان للاستتار.
(باب لا يقال شوط ولا دور)
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن مجاهد أنه كان يكره أن يقول شوط دور للطواف ولكن يقول
طواف طوافين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأكره من ذلك ما كره مجاهد، لان الله عز وجل قال
" وليطوفوا بالبيت العتيق " فسمى طوافا لان الله تعالى سمى جماعة طوافا.
(باب كمال الطواف)
أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخبر
عبد الله بن عمر عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألم ترى إلى قومك حين بنوا الكعبة
اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟ " فقلت يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال " لولا حدثان
قومك بالكفر لرددتها على ما كانت عليه " فقال عبد الله بن عمر لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول
الله صلى الله عليه وسلم فما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا
أن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم. أخبرنا سفيان قال حدثنا هشام بن حجير عن طاوس فيما أحسب أنه
قال عن ابن عباس أنه قال: " الحجر من البيت " قال الله عز وجل " وليطوفوا بالبيت العتيق " وقد
طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجر أخبرنا سفيان قال حدثنا عبد الله بن أبي يزيد قال
أخبرني أبي قال أرسل عمر إلى شيخ من بنى زهرة فجئت معه إلى عمر وهو في الحجر فسأله عن ولاد
من ولاد الجاهلية فقال الشيخ، أما النطفة فمن فلان وأما الولد فعلى فراش فلان، فقال عمر " صدقت
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالولد للفراش " فلما ولى الشيخ دعاه عمر فقال " أخبرني عن
192

بناء البيت فقال " إن قريشا كانت (1) تقوت لبناء البيت فعجزوا فتركوا بعضها في الحجر فقال له عمر
" صدقت " أخبرنا مالك عن ابن شهاب قال ما حجر الحجر فطاف الناس من ورائه إلا إرادة أن
يستوعب الناس الطواف بالبيت وسمعت عددا من أهل العلم من قريش يذكرون أنه ترك من الكعبة في
الحجر نحوا من ستة أذرع (قال الشافعي) وكمال الطواف بالبيت ان يطوف الرجل من وراء الحجر فإن
طاف فسلك الحجر لم يعتد بطوافه الذي سلك فيه الحجر وإن طاف على جدار الحجر لم يعتد بذلك
الطواف لأنه لم يكمل الطواف بالبيت وكان كل طواف طافه على شاذر وان الكعبة أو في الحجر أو على
جدار الحجر كما لم يطف وإذا ابتدأ الطائف الطواف استلم الركن ثم يدعه عن يساره ويطوف فإن استلم
الركن وتركه عن يمينه وطاف فقد نكس الطواف ولا يعتد بما طاف بالبيت منكوسا، ومن طاف سعا
على ما نهيت عنه من نكس الطواف أو على شاذر وان الكعبة أو في الحجر أو على جداره كان في حكم
من لم يطف ولا يختلفان.
(باب ما جاء في موضع الطواف)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإكمال الطواف بالبيت من وراء الحجر ووراء شاذروان الكعبة
فإن طاف طائف بالبيت وجعل طريقه من بطن الحجر أعاد الطواف وكذلك لو طاف على شاذروان
الكعبة أعاد الطواف فإن قال قائل فإن الله عز وجل يقول " وليطوفوا بالبيت العتيق " فكيف زعمت أنه
يطوف بالبيت وغيره؟ قيل له إن شاء الله تعالى، اما الشاذروان فأحسبه منشأ على أساس الكعبة ثم
مقتصرا بالبنيان (2) عن استيظافه فإذا كان هذا هكذا كان الطائف عليه لم يستكمل الطواف بالبيت إنما
طاف ببعضه دون بعض، وأما الحجر فإن قريشا حين بنت الكعبة استقصرت من قواعد إبراهيم فترك
في الحجر أذرع من البيت، فهدمه ابن الزبير وابتناه على قواعد إبراهيم وهدم الحجاج زيادة ابن الزبير
التي استوظف بها القواعد، وهم بعض الولاة بإعادته على القواعد، فكره ذلك بعض من أشار عليه
وقال أخاف أن لا يأتي وال إلا أحب أن يرى له في البيت أثر ينسب إليه والبيت أجل من أن يطمع
فيه، وقد أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خلفاؤه بعده (قال الشافعي) والمسجد كله موضع
للطواف.
(باب في حج الصبي)
أخبرنا مالك عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما أن

(1) قوله: تقوت، كذا في بعض النسخ، وفى بعض آخر، صورة ذلك، بدون نقط.
فليحرر.
(2) قوله: عن استيظافه، أي استيعابه وعبارة الشافعي في " كتاب الصيد والذبائح: إذا ذبحت
ذبيحة فاستوظف قطع الحلقوم والمرئ والودجين " أي استوعب ذلك كله، كذا في اللسان اه‍، كتبه
مصححه.
193

رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة وهي في محفتها فقيل لها: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأخذت بعضد صبي كان معها فقالت: ألهذا حج؟ قال " نعم ولك أجر " أخبرنا سعيد عن مالك بن
مغول عن أبي السفر قال قال ابن عباس " أيها الناس اسمعوني ما تقولون وافهموا ما أقول لكم أيما مملوك
حج به أهله فمات قبل أن يعتق فقد قضى حجه وإن عتق قبل أن يموت فليحجج، وأيما غلام حج به
أهله فمات قبل أن يدرك فقد قضى عنه حجه وإن بلغ فليحجج " أخبرنا سعيد ومسلم بن خالد عن ابن
جريج عن عطاء قال وتقضى حجة العبد عنه حتى يعتق فإذا عتق وجبت عليه من غير أن تكون واجبة
عليه (قال الشافعي) هذا كما قال عطاء إن شاء الله في العبد ومن لم يبلغ وقد بين معنى قوله ومعنى قول
ابن عباس عندنا هكذا وقوله فإذا عتق فليحجج يدل على أنها لو أجزأت عنه حجة الاسلام لم يأمره أن
يحج إذا عتق ويدل على أنه لا يراها واجبة عليه في عبوديته وذلك أنه وغيره من أهل الاسلام لا يرون
فرض الحج على أحد إلا مرة لان الله عز وجل يقول " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه
سبيلا ".
(باب في الطواف متى يجزئه ومتى لا يجزئه؟)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والمسجد كله موضع للطواف فمن طاف في المسجد من دون
السقاية وزمزم أو من ورائهما أو وراء سقايات المسجد التي أحدثت فحف بها المسجد حتى يكون
الطائف من ورائها كلها فطوافه مجزئ عنه لأنه في موضع الطواف، وأكثر الطائفين محول بينه وبين
الطواف بالناس الطائفين والمصلين وإن خرج من المسجد فطاف من ورائه لم يعتد بشئ من طوافه
خارجا من المسجد لأنه في غير موضع الطواف ولو أجزت هذا له أجزت له الطواف لو طافه وهو خارج
من الحرم أو في الحرم، ولو طاف بالبيت منكوسا لم يعتد بطوافه أولا أحسب حدا يطوف به منكوسا
لان بحضرته من يعلمه لو جهل، ولو طاف بالبيت محرما وعليه طواف واجب ولا ينوى ذلك الطواف
الواجب ولا ينوى به نافلة أو نذرا عليه من طوافه كان طوافه هذا طوافه الواجب وهكذا ما عمل من
عمل حج أو عمرة لأنه إذا أجزأه في الحج والعمرة أن يبتدئه يريد به نافلة فيكون فرضا كان في بعض
عمله أولى أن يجزيه ولو طاف بعض طوافه ثم أغمي عليه قبل إكماله فطيف به ما بقي عليه من الطواف لا يعقله
من إغماء أو جنون أو عارض ما كان أو ابتدئ به في الطواف مغلوبا على عقله لم يجزه حتى يكون يعقل في
السبع كله كما لا تجزئ الصلاة حتى يعقل في الصلاة كلها ولو طاف وهو يعقل ثم أغمي عليه قبل كمال
الطواف ثم أفاق بعد ذلك ابتدأ الوضوء والطواف قريبا كان أو بعيدا ولو طاف على بعير أو فرس أجزأه وقد كثر
الناس واتخذوا من يحملهم فيكون أخف على من معه في الطواف من أن يركب بعيرا أو فرسا ولو طاف بالبيت
فيما لا يجوز للمحرم أن يلبسه من الثياب كان طوافه مجزئا عنه وكانت عليه الفدية فيما لبس مما ليس له لبسه وهو
محرم وهكذا الطواف منتقبا أو متبرقعا.
(باب الخلاف في الطواف على غير طهارة)
(قال الشافعي) رحمه الله: فزعم بعض الناس أن الطواف لا يجزى إلا طاهرا وأن المعتمر والحاج
194

إن طاف بالبيت الطواف الواجب عليه على غير وضوء أمره بالإعادة فإن بلغ بلده لم يأمره بالإعادة ولو
طاف جنبا أمره أن يعود من بلده حيث كان فقيل لبعض من يقول قوله: أيعدو الطواف قبل الطهارة
أن يكون كما قلنا لا يطوف بالبيت إلا من تحل له الصلاة أو يكون كذكر الله وعمل الحج والعمرة غير
الطواف؟ قال إن قلت هو كالصلاة وأنه لا يجزى إلا بوضوء قلت فالجنب وغير المتوضئ سواء لان كلا
غير طاهر وكل غير جائز له الصلاة.
(قال الشافعي) قلت أجل قال فلا أقوله وأقول هو كغيره من عمل الحج قلت: فلم أمرت من
طاف على غير وضوء أن يعيد الطواف وأنت تأمره أن يبتدئ على غير وضوء؟ قال فإن قلت لا يعيد
قلت إذا تخالف السنة قال فإن قلت إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أن لا تطوف بالبيت لئلا
يدخل المسجد حائض. قلت فأنت تزعم أن المشرك يدخل المسجد الحرام والجنب، قال فلا أقول
هذا ولكني أقول إنه كالصلاة ولا تجوز إلا بطهارة ولكن الجنب أشد حالا من غير المتوضئ قلت أو
تجد بينهما فرقا في الصلاة؟ قال: لا، قلت فأي شئ شئت فقل ولا تعدو أن تخالف السنة وقول أكثر
أهل العلم لأنه لا يكون لغير الطاهر أن يطوف بالبيت، أو تقول لا يطوف به إلا طاهر فيكون تركك أن
تأمره أن يرجع حيث كان ويكون كمن لم يطف تركا لأصل قولك.
(باب كمال عمل الطواف)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك وعبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن
أبيه عن جابر بن عبد الله وأخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم سعى ثلاثة أطواف بالبيت
ومشى أربعة ثم يصلى سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة (قال الشافعي) فمن طاف بالبيت أقل من
سبعة أطواف بخطوة واحدة فلم يكمل الطواف، وإن طاف بعده بين الصفا والمروة فهو في حكم من لم
يسع بين الصفا والمروة ولا يجزيه أن يسعى بين الصفا والمروة إلا بعد كمال سبع تام بالبيت، وإن كان
معتمرا فصدر إلى أهله فهو محرم كما كان يرجع فيبتدئ أن يطوف سبعا بالبيت وبين الصفا والمروة
سبعا، ثم يحلق أو يقصر وإن كان حلق قبل ذلك فعليه دم للحلاق قبل أن يحل ولا أرخص له في قطع
الطواف بالبيت إلا من عذر وذلك أن تقام الصلاة فيصليها ثم يعود فيبنى على طوافه من حيث قطع
عليه، فإن بنى من موضع لم يعد فيه إلى الموضع الذي قطع عليه منه ألغى ذلك الطواف ولم يعتد به.
(قال الشافعي) أو يصيبه زحام فيقف فلا يكون ذلك قطعا أو يعيى فيستريح قاعدا فلا يكون ذلك
قطعا أو ينتقض وضوؤه فيخرج فيتوضأ وأحب إلى إذا فعل أن يبتدئ الطواف ولا يبنى على طوافه وقد
قيل يبنى ويجزيه إن لم يتطاول فإذا تطاول ذلك لم يجزه إلا الاستئناف ولا يجزيه أن يطوف إلا في
المسجد لان المسجد موضع الطواف ويجزيه أن يطوف في المسجد، وإن حال دون الكعبة شئ نساء
أو جماعة ناس أو سقايات أو أساطين المسجد أجزأه ما لم يخرج من المسجد فإن خرج فطاف لم يعتد بما
طاف خارجا من المسجد قل أو كثر، ولو أجزت له أن يطوف خارجا من المسجد أجزت له أن يطوف
من رواء الجبال إذا لم يخرج من الحرم، فإن خرج من باب من أبواب المسجد ثم دخل من آخر فإن
كان الباب الذي دخل منه يأتي على الباب الذي خرج منه، اعتد بذلك الطوف لأنه قد أتى على
195

الطواف ورجع في بعضه، وإن كان لا يأتي عليه لم يعتد بذلك الطواف.
(باب الشك في الطواف) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي يشك أصلى ثلاثا
أو أربعا؟ أن يصلى ركعة فكان في ذلك إلغاء الشك والبناء على اليقين فكذلك إذا شك في شئ من
الطواف صنع مثل ما يصنع في الصلاة فألغى الشك وبنى على اليقين إلا أنه ليس في الطواف سجود
سهو ولا كفارة (قال) وكذلك إذا شك في وضوئه في الطواف، فإن كان على يقين من وضوئه وشك
من حدثه أجزأه الطواف كما تجزئه الصلاة، فإن كان على يقين من حدثه وفى شك من وضوئه لم يجزه
الطواف كما لا تجزيه الصلاة.
(باب الطواف في الثوب النجس والرعاف والحدث والبناء على الطواف)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإذا طاف في ثوب نجس أو على جسده نجاسة أو في نعليه
نجاسة لم يعتد بما طاف بتلك الحال كما لا يعتد في الصلاة وكان في حكم من لم يطف وانصرف فألقى
ذلك الثوب وغسل النجاسة عن جسده ثم رجع فاستأنف لا يجزيه من الطهارة في نفسه وبدنه وما عليه
إلا ما يجزيه في الصلاة ومن طاف بالبيت فكالمصلي في الطهارة خاصة، وإن رعف أو قاء انصرف
فغسل الدم عنه والقئ ثم رجع فبنى، وكذلك إن غلبه حدث انصرف فتوضأ ورجع فبنى وأحب إلى
في هذا كله لو استأنف (قال) ولو طاف ببعض ما لا تجزيه به الصلاة ثم سعى أعاد الطواف والسعي
ولا يكون له أن يعتد بالسعي حتى يكمل الطواف بالبيت ولو انصرف إلى بلده رجع حتى يطوف ويسعى
هذا الطواف على الطهارة، وجماع هذا أن يكون من طاف بغير كمال الطهارة في نفسه ولباسه فهو كمن
لم يطف (قال الشافعي) وأختار إن قطع الطائف الطواف فتطاول رجوعه ان يستأنف فإن ذلك احتياط
وقد قيل: لو طاف اليوم طوافا وغدا آخرا أجزأ عنه لأنه عمل بغير وقت.
(باب الطواف بعد عرفة)
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق "
(قال الشافعي) فاحتملت الآية أن تكون على طواف الوداع لأنه ذكر الطواف بعد قضاء التفث
واحتملت أن تكون على الطواف بعد " منى " وذلك أنه بعد حلاق الشعر ولبس الثياب والتطيب وذلك
قضاء التفث وذلك أشبه معنييها بها لان الطواف بعد " منى " واجب على الحاج والتنزيل كالدليل على
ايجابه والله أعلم، وليس هكذا طواف الوداع (قال الشافعي) إن كانت نزلت في الطواف بعد " منى "
دل ذلك على إباحة الطيب (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن طاوس عن
ابن عباس قال كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا ينفرن أحد حتى
يكون آخر عهده بالبيت " أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال أمر الناس أن
196

يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه أرخص للمرأة الحائض أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال
" لا يصدرن أحد من الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت " (قال
الشافعي) وبهذا نقول وفى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحائض أن تنفر قبل أن تطوف طواف
الوداع دلالة على أن ترك طواف الوداع لا يفسد حجا والحج أعمال متفرقة منها شئ إذا لم يعمله الحاج
أفسد حجه وذلك الاحرام وأن يكون عاقلا للاحرام وعرفة فأي هذا ترك لم يجزه عنه حجه (قال
الشافعي) ومنها ما إذا تركه لم يحل من كل إحرامه وكان عليه أن يعمله في عمره كله وذلك الطواف
بالبيت والصفا والمروة الذي يحل به (1) إلا النساء وأيهما ترك رجع من بلده وكان محرما من النساء حتى
يقضيه، ومنها ما يعمل في وقت فإذا ذهب ذلك الوقت كله لم يكن له ولا عليه عمله ولا بدله وعليه
الفدية مثل المزدلفة والبيتوتة ب‍ " منى " ورمى الجمار ومنها ما إذا تركه ثم رجع إليه سقط عنه الدم ولو لم
يرجع لزمه الدم وذلك مثل الميقات في الاحرام ومثله والله أعلم طواف الوداع لأنهما عملان أمر
بهما معا فتركهما فلا يتفرقان عندي فيما يجب عليه من الفدية في كل واحد منهما قياسا على مزدلفة والجمار
والبيتوتة ليالي " منى " لأنه نسك قد تركه وقد أخبرنا عن ابن عباس أنه قال " من نسي من نسكه شيئا أو
تركه فليهرق دما " فإن قال قائل طواف الوداع طواف مأمور به وطواف الاحلال من الاحرام طواف
مأمور به وعملان في غير وقت متى جاء بهما العامل أجزأ عنه فلم لم تقس الطواف بالطواف؟ قيل له
بالدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفرق بينهما والدلالة بما لا أعلم فيه مخالفا فإن قال قائل
وأين الدلالة؟ قيل له لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطواف الوداع وأرخص للحائض أن تنفر بلا
وداع فاستدللنا على أن الطواف للوداع لو كان كالطواف للاحلال من الاحرام لم يرخص رسول الله
صلى الله عليه وسلم للحائض في تركه ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن صفية:
أطافت بعد النحر؟ فقيل: نعم، فقال: فلتنفر (قال الشافعي) وهذا إلزامها المقام للطواف بعد النحر
وتخفيف طواف الوداع (قال الشافعي) ولا يخفف ما لا يحل المحرم إلا به أو لا ترى أن من طاف بعد
الجمرة والنحر والحلاق حل له النساء وهو إذا حل له النساء خارج من إحرام الحج بكمال الخروج ومن
خرج من إحرام الحج لم يفسده عليه ما تركه بعده وكيف يفسد ما خرج منه؟ وهذا يبين أن ترك
الميقات لا يفسد حجا لأنه يكون محرما وإن جاوز الميقات وأن من دون الميقات يهل فيجزى عنه،
والشئ المفسد للحج إذا ترك ما لا يجزى أحدا غير فعله وقد يجزى عالما أن يهلوا دون الميقات إذا كان
أهلوهم دونه، ويدل على أن ترك البيتوتة ليالي " منى " وترك رمى الجمار لا يفسد الحج.
(باب ترك الحائض الوداع)
أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت " حاضت صفية بعد ما
أفاضت فذكرت حيضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أحابستنا هي؟ " فقلت " يا رسول الله

(1) قوله: إلا النساء، كذا في بعض النسخ بلفظ " إلا " الاستثنائية، وفى بعضها " إلى النساء "
بلفظ " إلى " الجارة، وكلاهما لا يظهر، ولعله من زيادة النساخ، فحرر كتبه مصححه.
197

إنها حاضت بعد ما أفاضت " قال " فلا إذا " أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن
عائشة أن صفية بنت حيى حاضت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أحابستنا
هي؟ " فقلت إنها قد كانت أفاضت ثم حاضت بعد ذلك فقال " فلا إذا " أخبرنا سفيان عن الزهري
عن عروة عن عائشة أن صفية حاضت يوم النحر فذكرت عائشة حيضتها للنبي صلى الله عليه وسلم
فقال " أحابستنا هي؟ " فقلت: إنها قد كانت أفاضت ثم حاضت بعد ذلك قال " فلتنفر إذا " أخبرنا
مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ذكر صفية بنت حيى فقيل إنها قد حاضت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلها " حابستنا "
فقالوا يا رسول الله إنها قد أفاضت قال " فلا إذا " أخبرنا مالك عن هشام بن عروة قال عروة قالت
عائشة ونحن نذكر ذلك فلم يقدم الناس نساءهم إن كان لا ينفعهم ولو كان ذلك الذي يقول لأصبح
" بمنى " أكثر من ستة آلاف امرأة حائض. أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم
عن طاوس قال كنت مع ابن عباس إذ قال له زيد بن ثابت أتفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون
آخر عهدها بالبيت؟ قال: نعم، قال فلا تفت بذلك قال فقال ابن عباس إما لا، فسل فلانة
الأنصارية هل أمرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال فرجع إليه زيد ابن ثابت يضحك
ويقول ما أراك إلا قد صدقت، أخبرنا سفيان عن ابن أبي حسين قال اختلف ابن عباس وزيد بن
ثابت في المرأة الحائض فقال ابن عباس تنفر، وقال زيد لا تنفر، فقال له ابن عباس سل، فسأل أم
سليم وصواحباتها قال فذهب زيد فلبث عنه ثم جاءه وهو يضحك فقال " القول ما قلت " أخبرنا مالك
عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم كانت إذا حجت ومعها نساء تخاف أن يحضن قدمتهن يوم النحر فأفضن فإن
حضن بعد ذلك لم تنتظر بهن أن يطهرن تنفر بهن وهن حيض، أخبرنا سفيان عن أيوب عن القاسم
بن محمد أن عائشة كانت تأمر النساء أن يعجلن الإفاضة مخافة الحيض، أخبرنا سفيان عن عمرو بن
دينار وإبراهيم بن ميسرة عن طاوس قال: جلست إلى ابن عمر فسمعته يقول " لا ينفرن أحد حتى
يكون آخر عهده بالبيت " فقلت " ماله أما سمع ما سمع أصحابه؟ " ثم جلست إليه من العام المقبل
فسمعته يقول: زعموا أنه رخص للمرأة الحائض (قال الشافعي) كأن ابن عمر والله أعلم سمع الامر
بالوداع ولم يسمع الرخصة للحائض فقال به على العام وهكذا ينبغي له ولمن سمع عاما أن يقول به فلما
بلغه الرخصة للحائض ذكرها وأخبرنا عن ابن شهاب قال جلت عائشة للنساء عن ثلاث، لا صدر
لحائض إذا أفاضت بعد المعرف ثم حاضت قبل الصدر وإذا طافت المراة طواف الزيارة الذي يحلها
لزوجها ثم حاضت نفرت بغير وداع ولا فدية عليها وإن طهرت قبل أن تنفر فعليها الوداع كما يكون على
التي لم تحض من النساء، وإن خرجت من بيوت مكة كلها قبل أن تطهر ثم طهرت لم يكن عليها
الوداع وإن طهرت في البيوت كان عليها الوداع، وكذلك لو رأت الطهر فلم تجد ماء كان عليها الوداع
كما تكون عليها الصلاة، فإن كانت مستحاضة طافت في الأيام التي تصلى فيها فإن بدأت بها
الاستحاضة قلنا لها، تقف حتى تعلم قدر حيضتها واستحاضتها فنفرت فعلمنا أن اليوم الذي نفرت فيه
يوم طهر كان عليها دم لترك الوداع، وإن كان يوم حيض لم يكن عليها دم.
198

(باب تحريم الصيد)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاها لكم
وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " (قال الشافعي) والبحر اسم جامع فكل ما كثر ماؤه
واتسع قيل هذا بحر، فإن قال قائل فالبحر المعروف البحر هو المالح، قيل: نعم، ويدخل فيه
العذب، وذلك معروف عند العرب، فإن قال: فهل من دليل عليه في كتاب الله قيل: نعم
قال الله عز وجل " وما يستوى البحر ان هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون
لحما طريا " ففي الآية دلالتان إحداهما أن البحر العذب والمالح وأن صيدهما مذكور ذكرا واحدا فكل ما
صيد في ماء عذب أو بحر قليل أو كثير مما يعيش في الماء للمحرم حلال وحلال اصطياده وإن كان في
الحرم لان حكمه حكم صيد البحر الحلال للمحرم لا يختلف ومن خوطب بإحلال صيد البحر وطعامه
عقل أنه إنما أحل له ما يعيش في البحر من ذلك وأنه أحل كل ما يعيش في مائه لأنه صيده وطعامه
عندنا ما ألقى وطفا عليه والله أعلم ولا أعلم الآية تحتمل إلا هذا المعنى أو يكون طعامه في دواب تعيش
فيه فتؤخذ بالأيدي بغير تكلف كتكلف صيده فكان هذا داخلا في ظاهر جملة الآية والله أعلم، فإن
قال قائل فهل من خبر يدل على هذا؟ قيل أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه سئل عن صيد
الأنهار وقلات المياه أليس بصيد البحر؟ قال: بلى. وتلا " هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح
أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا " أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن إنسانا سأل عطاء عن حيتان بركة
القسري وهي بئر عظيمة في الحرم: أتصاد؟ قال: نعم، ولوددت أن عندنا منه.
(باب أصل ما يحل للمحرم قتله من الوحش ويحرم عليه)
(قال الشافعي) ذكر الله عز وجل صيد البحر جملة ومفسرا، فالمفسر من كتاب الله عز وجل يدل
على معنى المجمل منه بالدلالة المفسرة المبينة والله أعلم، قال الله تعالى " أحل لكم صيد البحر وطعامه
متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " فلما أثبت الله عز وجل إحلال صيد البحر
وحرم صيد البر ما كانوا حرما، دل على أن الصيد الذي حرم عليهم ما كانوا حرما، ما كان أكله حلالا
لهم قبل الاحرام، لأنه والله أعلم لا يشبه أن يكون حرم بالاحرام خاصة إلا ما كان مباحا قبله، فأما
ما كان محرما على الحلال فالتحريم الأول كف منه، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على
معنى ما قلت وإن كان بينا في الآية والله أعلم، أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر
عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " خمس من الدواب لا جناح على من قتلهن في الحل
والحرم: الغراب، والحدأة، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور ".
(باب قتل الصيد خطأ)
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا " (قال
الشافعي) يجزى الصيد من قتله عمدا أو خطأ، فإن قال قائل إيجاب الجزاء في الآية على قاتل الصيد
199

عمدا وكيف أوجبته على قاتله خطأ؟ قيل له إن شاء الله: إن ايجاب الجزاء على قاتل الصيد عمدا لا
يحظر أن يوجب على قاتله خطأ فإن قال قائل فإذا أوجبت في العمد بالكتاب فمن أين أوجبت الجزاء
في الخطأ؟ قيل أوجبته في الخطأ قياسا على القرآن والسنة والاجماع فإن قال فأين القياس على القرآن؟
قيل قال الله عز وجل في قتل الخطأ " ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله "
وقال " فإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة " فلما كانت النفسان
ممنوعتين بالاسلام والعهد فأوجب الله عز وجل فيهما بالخطأ ديتين ورقبتين كان الصيد في الاحرام
ممنوعا بقول الله عز وجل " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " وكان لله فيه حكم فيما قتل منه عمدا
بجزاء مثله وكان المنع بالكتاب مطلقا عاما على جميع الصيد وكان المالك لما وجب بالصيد أهل الحرم
لقول الله تعالى " هديا بالغ الكعبة " ولم أعلم بين المسلمين اختلافا أن ما كان ممنوعا أن يتلف من نفس
إنسان أو طائر أو دابة أو غير ذلك مما يجوز ملكه فأصابه إنسان عمدا فكان على من أصابه فيه ثمن
يؤدى لصاحبه وكذلك فيما أصاب من ذلك خطأ لا فرق بين ذلك إلا المأثم في العمد فلما كان هذا كما
وصفت مع أشباه له كان الصيد كله ممنوعا في كتاب الله تعالى قال الله عز وجل " أحل لكم صيد البحر
وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " فلما كان الصيد محرما كله في الاحرام
وكان الله عز وجل حكم في شئ منه بعدل بالغ الكعبة كان كذلك كل ممنوع من الصيد في الاحرام
ولا يتفرق كما لم يفرق المسلمون بين الغرم في الممنوع من الناس والأموال في العمد والخطأ، فإن قال
قائل فمن قال هذا معك؟ قيل الحجة فيه ما وصفت وهي عندنا مكتفى بها وقد قاله ممن قبلنا غيرنا قال
فاذكره قلت أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قلت لعطاء قول الله عز وجل " لا تقتلوا الصيد
وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا " قلت له فمن قتله خطأ أيغرم؟ قال: نعم يعظم بذلك حرمات الله
ومضت به السنن أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال رأيت
الناس يغرمون في الخطأ (قال الشافعي) فإن قال قائل فهل شئ أعلى من هذا؟ قيل شئ يحتمل هذا
المعنى ويحتمل خلافه فإن قال ما هو؟ قلت أخبرنا مالك عن عبد الملك بن قريب (1) (قال الشافعي)
فيحتمل أن يكونا أوطآ الضب مخطئين بإيطائه وأوطآه عامدين له فقال لي قائل هل ذهب أحد في هذا
خلاف مذهبك؟ فقلت: نعم قال فاذكره قلت أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال كان مجاهد يقول ومن
قتله منكم متعمدا غير ناس لحرمه ولا مريدا غيره فأخطأ به فقد أحل وليست له رخصة ومن قتله ناسيا
لحرمه أو أراد غيره فأخطأ به فذلك العمد المكفر عنه من النعم قال فما يعنى بقوله فقد أحل؟ قلت
أحسبه يذهب إلى أحل عقوبة الله، قال أفتراه يريد أحل من إحرامه؟ قلت ما أراه ولو أراده كان
مذهب من أحفظ عنه خلافه ولم يلزم بقوله حجة، قال فما جماع معنى قوله في الصيد؟ قلت إنه لا
يكفر العمد الذي لا يخلطه خطأ، ويكفر العمد الذي يخلطه الخطأ (قال) فنصه، قلت يذهب إلى
أنه إن عمد قتله ونسي إحرامه ففي هذا خطأ من جهة نسيان الاحرام وإن عمد غيره فأصابه ففي هذا

(1) سقط هنا من النسخ بقية الاسناد والمتن وكثيرا ما يقع مثل هذا في الام و " قريب " بضم
القاف وفتح الراء علي بناء التصغير، وعبد الملك ابن قريب، هو الأصمعي اللغوي الشهير، حكى
عنه أنه قال " سمع منى مالك " كذا في الخلاصة كتبه مصححه.
200

خطأ من جهة الفعل الذي كان به القتل، أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله " ومن
قتله منكم متعمدا " لقتله ناسيا لحرمه فذلك الذي يحكم عليه ومن قتله متعمدا لقتله ذاكرا لحرمه لم
يحكم عليه، قال عطاء: يحكم عليه ويقول عطاء نأخذ، فإن قال قائل فهل يخالف هذين المذهبين
أحد؟ قلت: نعم، قال غيرهم من أهل العلم: يحكم على من قتله عمدا، ولا يحكم على من قتله
خطأ بحال.
(باب من عاد لقتل الصيد)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن قتل صيدا فحكم عليه ثم عاد لآخر قال يحكم عليه كلما
عاد أبدا فإن قال قائل ومن أين قلته؟ قلت إذا لزمه أن يحكم عليه بإتلاف الأول لزمه أن يحكم عليه
بإتلاف الثاني وكل ما بعده كما يكون عليه لو قتل نفسا ديته وأنفسا بعده دية دية، في كل نفس وكما
يكون عليه لو أفسد متاعا لاحد ثم أفسد متاعا لآخر ثم أفسد متاعا كثيرا بعده قيمة ما أفسد في كل حال
فإن قال فما قول الله عز وجل " ومن عاد فينتقم الله منه " ففي هذا دلالة على أنه لا يحكم عليه؟ (قال
الشافعي) ما يبلغ علمي أن فيه دلالة على ذلك فإن قال قائل فما معناه؟ قيل الله أعلم ما معناه أما الذي
يشبه معناه والله أعلم فإن يجب عليه بالعود النقمة وقد تكون النقمة بوجوه، في الدنيا المال وفى الآخرة
النار فإن قال فهل تجد ما يدل على ما وصفت في غير هذه الآية أو على ما يشبهه؟ قيل: نعم قال الله
تعالى " والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل
ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا " وجعل الله القتل على الكفار والقتل
على القاتل عمدا وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم العفو عن القاتل بالدية إن شاء ولى المقتول وجعل
الحد على الزاني (1) فلما أوجب الله عليهم النقمة بمضاعفة العذاب في الآخرة إلا أن يتوبوا وجعل الحد
على الزاني فلما أوجب الله عليهم الحدود دل هذا على أن النقمة في الآخرة لا تسقط حكم غيرها في
الدنيا قال الله تبارك وتعالى " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " فلم يختلف الناس في
أنهما كلما زنيا بعد الحد جلدا فكان الحق عليهم في الزنا الآخر مثله في الزنا الأول ولو انبغى أن يفرقا
كان في الزنا الآخر والقتل الآخر أولى ولم يطرح، فإن قال أفرأيت من طرحه على معنى أنه عمد مأثم
فأول ما قتل من الصيد عمدا يأثم به فكيف حكم عليه؟ فقلت حكم الله تعالى عليه فيه ولو كان كما
تقول كان أولى أن لا يعرض له في عمد المأثم فإذا كان الابتداء على أنه عمد مأثم فالثاني مثله فإن قال
فهل قال هذا معك أحد غيرك؟ قيل: نعم. فإن قال فاذكره قلت أخبرنا سعيد عن محمد بن جابر عن
حماد عن إبراهيم أنه قال في المحرم يقتل الصيد عمدا: يحكم عليه كلما قتل فإن قال قائل فما قول الله عز
وجل " عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه " قيل الله أعلم بمعنى ما أراد فأما عطاء بن أبي رباح
فيذهب إلى " عفا الله عما سلف " في الجاهلية ومن عاد في الاسلام بعد التحريم لقتل صيد مرة فينتقم
الله منه أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء في قول الله عز وجل " عفا الله عما سلف " قال عفا

(1) قوله: فلما أوجب الله عليهم، إلى قوله: فلما أوجب الله عليهم الحدود، هكذا في النسخ،
وتأمل، وحرر. كتبه مصححه.
201

الله عما كان في الجاهلية قلت وقوله " ومن عاد فينتقم الله منه " قال ومن عاد في الاسلام فينتقم الله منه وعليه
في ذلك الكفارة زيادة قال وإن عمد فعليه الكفارة؟ قلت له: هل في العود من حد يعلم؟ قال لا. قلت:
أفترى حقا على الامام أن يعاقبه فيه؟ قال: لا، ذنب أذنبه فيما بينه وبين الله تعالى ويفتدى (قال الشافعي) ولا يعاقبه الامام فيه لان هذا ذنب جعلت عقوبته فديته إلا أن يزعم أنه يأتي ذلك عامدا مستخفا.
(باب أين محل هدى الصيد؟)
(قال الشافعي) قال الله تعالى " هديا بالغ الكعبة " (قال الشافعي) فلما كان كل ما أريد به هدى
من ملك ابن آدم هديا كانت الانعام كلها وكل ما أهدى فهو بمكة والله أعلم ولو خفى عن أحد أن هذا
هكذا ما انبغى والله أعلم أن يخفى عليه إذا كان الصيد إذا جزى بشئ من النعم لا يجزي فيه إلا أن
يجزى بمكة فعلم أن مكة أعظم أرض الله تعالى حرمة وأولاه أن تنزه عن الدماء لولا ما عقلنا من حكم
الله في أنه للمساكين الحاضرين بمكة، فإذا عقلنا هذا عن الله عز وجل فكان جزاء الصيد بطعام لم
يجز والله أعلم إلا بمكة وكما عقلنا عن الله ذكر الشهادة في موضعين من القرآن بالعدل وفى مواضع فلم
يذكر العدل وكانت الشهادات وإن افترقت تجتمع في أنه يؤخذ بها اكتفينا أنها كلها بالعدل ولم نزعم
أن الموضع الذي لم يذكر الله عز وجل فيه العدل معفو عن العدل فيه، فلو أطعم في كفارة صيد بغير
مكة لم يجز عنه وأعاد الاطعام بمكة أو ب‍ " منى " فهو من مكة لأنه لحاضر الحرم ومثل هذا كل ما
وجب على محرم بوجه من الوجوه من فدية أذى أو طيب أو لبس أو غيره لا يخالفه في شئ لان كله
من جهة النسك والنسك إلى الحرم ومنافعه للمساكين الحاضرين الحرم (قال) ومن حضر الكعبة حين
يبلغها الهدى من النعم أو الطعام من مسكين كان له أهل بها أو غريب لأنهم إنما أعطوا بحضرتها وإن قل
فكان يعطى بعضهم دون بعض أجزأه أن يعطى مساكين الغرباء دون أهل مكة ومساكين أهل مكة
دون مساكين الغرباء وأن يخلط بينهم، ولو آثر به أهل مكة لأنهم يجمعون الحضور والمقام لكان كأنه
أسرى إلى القلب والله أعلم، فإن قال قائل: فهل قال هذا أحد يذكر قوله؟ قيل أخبرنا سعيد عن ابن
جريج قال قلت لعطاء " فجزاء مثل ما قتل من النعم (1) هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين " قال
من أجل أنه أصابه في حرم يريد البيت كفارة ذلك عند البيت، أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء
قال له مرة أخرى يتصدق الذي يصيب الصيد بمكة قال الله عز وجل " هديا بالغ الكعبة " قال
فيتصدق بمكة (قال الشافعي) يريد عطاء: ما وصفت من الطعام، والنعم كله هدى، والله أعلم.
(باب كيف يعدل الصيام)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى " أو عدل ذلك صياما " الآية، أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه

(1) سقط هنا من جميع النسخ ومن أصل المسند جملة من لفظ القرآن وهي قوله تعالى " يحكم به
ذوا عدل منكم هديا " الخ. كتبه مصححه.
202

قال لعطاء ما قوله " أو عدل ذلك صياما؟ " قال إن أصاب ما عدله شاة فصاعدا أقيمت الشاة طعاما
ثم جعل مكان كل مد يوما يصومه (قال الشافعي) وهذا إن شاء الله كما قال عطاء وبه أقول وهكذا
بدنة إن وجبت وهكذا مد إن وجب عليه في قيمة شئ من الصيد صام مكانه يوما وإن أصاب من
الصيد ما قيمته أكثر من مد وأقل من مدين صام يومين وهكذا كل ما لم يبلغ مدا صام مكانه يوما
أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء هذا المعنى (قال الشافعي) فإن قال قائل فمن أين قلت مكان المد
صيام يوم وما زاد على مد مما لا يبلغ مد آخر صوم يوم؟ قلت قلته معقولا وقياسا، فإن قال: فأين
القياس به والمعقول فيه؟ قلت أرأيت إذا لم يكن لمن قتل جرادة أن يدع أن يتصدق بقيمتها ثمرة أو
لقمة لأنها محرمة مجزية لا تعطل بقلة قيمتها ثم جعل فيها قيمتها فإذا بدا له أن يصوم هل يجد من الصوم
شيئا يجزيه أبدا أقل من يوم؟ فإن قال: لا، قلت فبذلك عقلنا أن أقل ما يجب من الصوم يوم وعقلنا
وقسنا أن الطلاق إذا كان لا يتبعض فأوقع إنسان بعض تطليقة لزمته تطليقة، وعقلنا أن عدة الأمة إذا
كانت نصف عدة الحرة فلم تتبعض الحيضة نصفين فجعلنا عدتها حيضتين.
(باب الخلاف في عدل الصيام والطعام)
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) رحمه الله قال لي بعض الناس: إذا صام عن جزاء الصيد صام
عن كل مديوما، وإذا أطعم منه في كفارة اليمين أطعم كل مسكين مدين وقال هل رويت في هذا عن
أصحابك شيئا يوافق قولنا ويخالف قولك؟ قلت نعم أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن مجاهدا كان يقول
مكان كل مدين يوما فقال: وكيف لم تأخذ بقول مجاهد وأخذت بقول عطاء يطعم المسكين حيث
وجب إطعامه مدا إلا في فدية الأذى فإنك قلت يطعمه مدين ولم لم تقل إذ قلت في فدية الأذى
يطعمه مدين في كل موضع؟ (قال الشافعي) فقلت له يجمع بين مسألتيك جواب واحد إن شاء الله
قال فأذكره (قال الشافعي) أصل ما ذهبنا إليه نحن وأنت ومن نسبناه معنا إلى الفقه فالفرض عليه في
تأدية ما يجب عليه من أن لا يقول إلا من حيث يعلم ويعلم أن أحكام الله جل ثناؤه ثم أحكام رسوله
من وجهين يجمعهما معا أنهما تعبد ثم في التعبد وجهان فمنه تعبد لأمر أبان الله عز وجل أو رسوله سببه
فيه أو في غيره من كتابه أو سنة رسوله فذلك الذي قلنا به وبالقياس فيما هو في مثل معناه ومنه ما هو
تعبد لما أراد الله عز شأنه مما علمه وعلمنا حكمه ولم نعرف فيه ما عرفنا مما أبان لنا في كتابه أو على لسان
نبيه صلى الله عليه وسلم فأدينا الفرض في القول به والانتهاء إليه ولم نعرف في شئ له معنى فنقيس
عليه وإنما قسنا على ما عرفنا ولم يكن لنا علم إلا ما علمنا الله جل ثناؤه فقال هذا كله كما وصفت لم
أسمع أحدا من أهل التكشيف قال بغيره فقفنى منه على أمر أعرفه فإن أصحابنا يعطون هذه الجملة كما
وصفت لا يغادرون منها حرفا وتختلف أقاويلهم إذا فرعوا عليها فقلت فأقبل منهم الصواب وأردد عليهم
الغفلة قال: إن ذلك للازم لي وما يبرأ آدمي رأيته من غفلة طويلة ولكن انصب لما قلت مثالا فقلت:
أرأيت إذ حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة قلنا وقلت قيمتها خمسون دينارا وهو لو
كان حيا كانت فيه ألف دينار أو ميتا لم يكن فيه شئ وهو لا يخلو أن يكون ميتا أو حيا فكان مغيب
203

المعنى يحتمل الحياة والموت إذا جنى عليه فهل قسنا عليه ملففا أو رجلا في بيت يمكن فيهما الموت
والحياة وهما مغيبا المعنى؟ قال: لا، قلت ولا قسنا عليه شيئا من الدماء؟ قال: لا قلت ولم؟ قال
لأنا تعبدنا بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيه ولم نعرف سبب ما حكم له به قلت فهكذا قلنا في
المسح على الخفين لا يقاس عليهما عمامة ولا برقع ولا قفازان قال وهكذا قلنا فيه لان فيه فرض وضوء
وخص منه الخفان خاصة فهو تعبد لا قياس عليه قلت وقسنا نحن وأنت إذ قضى النبي صلى الله عليه
وسلم أن الخراج بالضمان أن الخدمة كالخراج قال: نعم قلت لأنا عرفنا أن الخراج حادث في ملك المشتري
وضمنه منه ولم تقع عليه صفقة البيع قال: نعم، وفى هذا كفاية من جملة ما أردت ودلالة
عليه من أن سنة مقيس عليها وأخرى غير مقيس عليها وكذلك القسامة لا يقاس عليها غيرها ولكن
أخبرني بالامر الذي له اخترت ان لكل مسكين مدا إلا في فدية الأذى إذا ترك الصوم فإما أن يصوم
مكان كل مد يوما فيكون صوم يوم مكان مد فإن ثبت لك المد صحيح لا أسألك عنه إلا فيما قلت أن
صوم اليوم يقوم مقام إطعام مسكين فقلت له حكم الله عز وجل على المظاهر إذا عاد لما قال " فتحرير
رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا " فكان معقولا أن إمساك
المظاهر عن أن يأكل ستين يوما كإطعام ستين مسكينا وبهذا المعنى صرت إلى أن إطعام مسكين مكان
كل يوم قال فهل من دليل مع هذا؟ قلت نعم أمر النبي صلى الله عليه وسلم المصيب لأهله نهارا في
شهر رمضان " هل تجد ما تعتق؟ " قال: لا، فسأله " هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ " فقال
لا. فسأله " هل تقدر أن تطعم ستين مسكينا؟ " فقال: لا، فأعطاه عرق تمر فأمره أن يتصدق به على
ستين مسكينا فأدى المؤدى للحديث أن في العرق خمسة عشر صاعا قال أو عشرين ومعروف أن العرق
يعمل على خمسة عشر صاعا ليكون الوسق به أربعة فذهبنا إلى أن إطعام المسكين مد طعام ومكان
إطعام المسكين صوم يوم، قال: أما صوم يوم مكان كل مسكين فكما قلت، وأما إطعام المسكين مدا
فإذا قال أو عشرين صاعا قلت فهذا مد وثلث لكل مسكين قال: فلم لا تقول به؟ قلت فهل علمت
أحدا قط قال إلا مدا أو مدين؟ قال: لا قلت فلو كان كما قلت أنت كنت أنت قد خالفته ولكنه
احتياط من المحدث وهذا كما قلت في العرق خمسة عشر صاعا وعلى ذلك كانت تعمل فيما أخبرني غير
واحد من أهل العلم باليمن أنهم كانوا يجعلونها معايير كالمكاييل على خمسة عشر صاعا بالتمر قال فقد
زعمت أن الكفارة في الطعام وإصابة المرأة تعبد لأمر قد عرفته وعرفناه معك فأبن أن الكفارة في فدية
الأذى وغيرها تعبد لا يقاس عليه قلت أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة في
الطعام فرقا بين ستة مساكين فكان ذلك مدين مدين؟ قال: بلى قلت وأمره فقال أو صم ثلاثة أيام؟
قال: بلى قلت وقال " أو أنسك شاة " قال: بلى، قلت: فلو قسنا الطعام على الصوم أما نقول صوم
يوم مكان إطعام مسكينين؟ قال: بلى قلت ولو قسنا الشاة بالصوم كانت شاة عدل صيام ثلاثة أيام؟
قال: بلى، قلت وقد قال الله عز وجل في المتمتع " فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام
في الحج وسبعة إذا رجعتم " فجعل البدل من شاة صوم عشرة أيام قال: نعم، وقلت قال الله عز
وجل " فكفارته إطعام عشرة مساكين " الآية فجعل الرقبة مكان إطعام عشرة مساكين قال: نعم،
قلت والرقبة في الظهار والقتل مكان ستين يوما، قال: نعم وقد بان أن صوم ستين يوما أولى بالقرب
من الرقبة من صوم عشرة وبأن لي أن صوم يوم أولى بإطعام مسكين منه بإطعام مسكينين لان صوم يوم
جوع يوم، وإطعام مسكين إطعام يوم فيوم بيوم أولى أن يقاس عليه من يومين بيوم وأوضح من أنه أولى
204

الأمور بالقياس قال فهل فيه من أثر أعلى من قول عطاء (1)؟ قلت: نعم، أخبرنا مالك (قال
الشافعي) قال فهل خالفك في هذا غيرك من أهل ناحيتك؟ فقلت نعم زعم منهم زاعم ما قلت من
أن الكفارات يمد النبي صلى الله عليه وسلم إلا كفارة الظهار فإنها بمد هشام قال (2) فلعل مد هشام
مدين فيكون أراد قولنا مدين وإنما جعل مد هشام علما قلت: لا مد هشام، مد وثلث بمد النبي صلى
الله عليه وسلم أو مد ونصف (قال الشافعي) فقال فالغنى بالمسألة عن هذا القول إذا كان كما وصفت
غنى بما لا يعيد ولا يبدي كيف جاز لاحد أن يزعم أن الكفارات بمد مختلف؟ أرأيت لو قال له إنسان
هي بمد أكبر من مد هشام اضعافا والطعام بمد النبي صلى الله عليه وسلم وما سواه (3) بمد محدث الذي
هو أكبر من مد هشام، أو رأيت الكفارات إذ نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم كيف جاز أن تكون
بمد رجل لم يخلق أبوه ولعل جده لم يخلق في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وإنما قال الناس هي
مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم فما أدخل مدا وكسرا؟ هذا
خروج من قول أهل الدنيا في الكفارات (قال الشافعي) وقلت له وزعم بعض أهل ناحيتنا أيضا أن
على غير أهل المدينة من الكفارات أكثر مما على أهل المدينة لان الطعام فيهم أوسع منه بالمدينة قال فما
قلت لمن قال هذا؟ (قال الشافعي) فقلت له: أرأيت الذين يقتاتون الفث والذين يقتاتون اللبن والذين
يقتاتون الحنظل والذين يقتاتون الحيتان لا يقتاتون غيرها والذين السعر عندهم أغلى منه بالمدينة بكثير
كيف يكفرون ينبغي في قولهم أن يكفروا أقل من كفارة أهل المدينة ويكفرون من الدخن وهو نبات
يقتاته بعض الناس في الجدب؟ وينبغي إذا كان سعر أهل المدينة أرخص من سعر أهل بلد أن يكون
من يكفر في زمان غلاء السعر ببلد أقل كفارة من أهل المدينة إن كان إنما زعم أن هذا لغلاء سعر أهل
المدينة وقيل له هل رأيت من فرائض الله شيئا خفف عن أحد أو اختلفوا في صلاة أو زكاة أو حد أو
غيره؟ (قال الشافعي) قلت فما ينبغي أن يعارض بقول من قال هذا (قال الشافعي) وزعم زاعم غير
قائل هذا أنه قال الطعام حيث شاء المكفر في الحج والصوم كذلك (قال الشافعي) فقيل له لئن
زعمت أن الدم لا يكون إلا بمكة ما ينبغي أن يكون الطعام إلا بمكة كما قلت لأنهما طعامان. قال فما
حجتك في الصوم؟ قلت اذن الله للمتمتع أن يكون من صومه ثلاث في الحج وسبعة إذا رجع ولم
يكن في الصوم منفعة لمساكين الحرم وكان على بدن الرجل فكان عملا بغير وقت فيعمله حيث شاء.
(باب هل لمن أصاب الصيد أن يفديه بغير النعم؟)
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به

(1) قوله: قلت نعم أخبرنا مالك كذا في جميع النسخ لم يذكر بقية الأثر وكثيرا ما يقع مثل هذا
في الام فليعلم.
(2) قوله: فلعل مد هشام مدين كذا في النسخ مدين بالنصب وهي لغة قليلة يكثر في هذا
الكتاب وقوعها.
(3) قوله: بمد محدث الذي هو، كذا في النسخ، وانظر، وحرر العبارة. كتبه مصححه.
205

ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة " إلى قوله " صياما " فكان المصيب مأمورا بأن يفديه وقيل له " من
النعم أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما " فاحتمل أن يكون جعل له الخيار بأن يفتدى بأي
ذلك شاء ولا يكون له أن يخرج من واحد منها وكان هذا أظهر معانيه وأظهرها الأولى بالآية وقد يحتمل
أن يكون أمر بهدى إن وجده فإن لم يجده فطعام فإن لم يجده فصوم كما أمر في التمتع وكما أمر في الظهار
والمعنى الأول أشبههما وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن عجرة بأن يكفر بأي
الكفارات شاء في فدية الأذى وجعل الله تعالى إلى المولى أن يفئ أو يطلق وإن احتمل الوجه الآخر
فإن قال قائل: فهل قال ما ذهبت إليه غيرك؟ قيل: نعم أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن
عطاء قال " هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما " قال عطاء فإن أصاب
إنسان نعامة كان عليه إن كان ذا يسار أن يهدى جزورا أو عدلها طعاما أو عدلها صياما أيتهن شاء من
أجل قول الله عز وجل " فجزاء " كذا وكذا وكل شئ في القرآن أو أو فليختر منه صاحبه ما شاء قال
ابن جريج فقلت لعطاء أرأيت إن قدر على الطعام ألا يقدر على عدل الصيد الذي أصاب؟ قال
ترخيص الله عسى أن يكون عنده طعام وليس عنده ثمن الجزور وهي الرخصة (قال الشافعي) إذا
جعلنا إليه ذلك كان له أن يفعل أية شاء وإن كان قادرا على اليسير معه والاختيار والاحتياط له أن
يفدى بنعم فإن لم يجد فطعام وأن لا يصوم إلا بعد الاعواز منهما أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج
عن عمرو بن دينار في قول الله عز وجل " ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " له أيتهن شاء أخبرنا
سفيان عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال كل شئ في القرآن أو أو، له أية شاء قال ابن جريج
إلا في قوله " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله " فليس بمخير فيها (قال الشافعي) وكما قال ابن جريج
وعمرو في المحارب وغيره في هذه المسألة أقول قيل للشافعي فهل قال أحد ليس هو بالخيار؟ فقال:
نعم، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن الحسن ابن مسلم قال: من أصاب من الصيد ما يبلغ فيه شاة
فذلك الذي قال الله " فجزاء مثل ما قتل من النعم " وأما " أو كفارة طعام مساكين " فذلك الذي لا يبلغ
أن يكون فيه هدى العصفور يقتل فلا يكون فيه هدى قال " أو عدل ذلك صياما " عدل النعامة وعدل
العصفور قال ابن جريج فذكرت ذلك لعطاء، فقال عطاء كل شئ في القرآن أو أو يختار منه
صاحبه ما شاء (قال الشافعي) وبقول عطاء في هذا أقول قال الله عز وجل في جزاء الصيد " هديا
بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما " وقال جل ثناؤه " فمن كان منكم مريضا أو به
أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
لكعب بن عجرة، أي ذلك فعلت أجزأك (قال الشافعي) ووجدتهما معا فدية من شئ أفيت قد منع
المحرم من إفاتته الأول الصيد والثاني الشعر (قال الشافعي) فكل ما أفاته المحرم سواهما كما نهى عن إفاتته
فعليه جزاؤه وهو بالخيار بين أن يفديه من النعم أو الطعام أو الصوم أي ذلك شاء فعل كان واجدا وغير
واجد قال الله عز وجل " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام " الآية
(قال الشافعي) فكان التمتع بالعمرة إلى الحج ليس بإفاتة شئ جعل الله عز وجل فيه الهدى فما فعل
المحرم من فعل تجب عليه فيه الفدية وكان ذلك الفعل ليس بإفاتة شئ فعليه أن يفديه من النعم إن بلغ
النعم وليس له أن يفديه بغير النعم وهو يجد النعم وذلك مثل طيب ما تطيب به أو لبس ما ليس له
لبسه أو جامع أو نال من امرأته أو ترك من نسكه أو ما معنى هذا (قال الشافعي) فإن قال فما معنى قول
الله عز وجل " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه؟ " قلت الله أعلم أما الظاهر فإنه مأذون بحلاق
206

الشعر للمرض والأذى في الرأس وإن لم يمرض فإذا جعلت عليه في موضع الفدية النعم فقلت لا يجوز
إلا من النعم ما كانت موجودة فأعوز المفتدى من النعم لحاجة أو انقطاع من النعم فكان يقدر على طعام
قوم الذي وجب عليه دراهم، والدراهم طعاما، ثم تصدق بالطعام على كل مسكين بمد وإن أعوز
من الطعام صام عن كل مد يوما فإن قال قائل: فإذا قسته على هذه المتعة فكيف لم تقل فيه ما قلت
في المتمتع؟ قيل له إن شاء الله قسته عليه في أنه جامعه في أنه فعل لا إفاتة وفرقت بينه وبينه أنه
يختلف فيكون بدنة على قدر عظم ما أصاب وشاة دون ذلك فلما كان ينتقل فيقل ويكثر بقدر عظم ما
أصاب فارق في هذا المعنى هدى المتعة الذي لا يكون على أحد إذا وجد أقل ولا أكثر منه وإن زاد عليه كان
متطوعا (قال الشافعي) فصرنا بالطعام والصوم إلى المعنى المعقول في القرآن من كفارة المظاهر والقتل والمصيب
أهله في شهر رمضان، ومن هذا ترك البيتوتة ب‍ " منى " وترك المزدلفة والخروج قبل أن تغيب الشمس من
عرفة وترك الجمار وما أشبهه.
(الاعواز من هدى المتعة ووقته)
(قال الشافعي) قال الله تعالى " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى " إلى قوله " عشرة
كاملة " (قال الشافعي) فدل الكتاب على أن يصوم في الحج وكان معقولا في الكتاب أنه في الحج
الذي وجب به الصوم ومعقولا أنه لا يكون الصوم إلا بعد الدخول في الحج لا قبله في شهور الحج ولا
غيرها (قال الشافعي) " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " فإن أهل بالحج في شوال أو ذي القعدة أو ذي
الحجة كان له أن يصوم حين يدخل في الحج وعليه أن لا يخرج من الحج حتى يصوم إذا لم يجد هديا
وأن يكون آخر ماله من الأيام في آخر صيامه الثلاث يوم عرفة وذلك أنه يخرج من الغد من يوم عرفة
من الحج ويكون في يوم لا صوم فيه يوم النحر، وهكذا روى عن عائشة وابن عمر، أخبرنا إبراهيم بن
سعد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضى الله تعالى عنها في المتمتع إذا لم يجد هديا ولم يصم قبل
يوم عرفة فليصم أيام منى، أخبرنا إبراهيم عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه مثل ذلك (قال الشافعي)
وبهذا نقول، وهو معنى ما قلنا والله أعلم ويشبه القرآن (قال الشافعي) واختلف عطاء وعمرو بن دينار
في وجوب صوم المتمتع أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال لا يجب
عليه الصوم حتى يوافي عرفة مهلا بالحج، وقال عمرو ابن دينار إذا أهل بالحج وجب عليه الصوم
(قال الشافعي) وبقول عمرو بن دينار نقول وهو أشبه بالقرآن ثم الخبر عن عائشة وابن عمر (قال
الشافعي) فإذا أهل بالحج ثم مات من ساعته أو بعد قبل أن يصوم ففيها قولان أحدهما أن عليه دم المتعة
لأنه دين عليه لأنه لم يصم ولا يجوز أن يصام عنه وهذا قول يحتمل، والقول الثاني لآدم عليه ولا صوم
لان الوقت الذي وجب عليه فيه الصوم وقت زال عنه فرض الدم وغلب على الصوم فإن كان بقي مدة
يمكنه أن يصوم فيها ففرط تصدق عنه مكان الثلاثة الأيام ثلاثة أمداد حنطة لان السبعة لا تجب عليه
إلا بعد الرجوع إلى أهله، ولو رجع إلى أهله ثم مات ولم يصم الثلاثة ولا السبع تصدق عنه في الثلاث
وما أمكنه صومه من السبع فتركه يوما كان ذلك أو أكثر وهذا قول يصح قياسا ومعقولا والله أعلم (قال
الشافعي) في صوم المتمتع أيام منى: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام منى ولا نجد
السبيل إلى أن يكون النهى خاصة إذا لم يكن عن النبي صلى الله عليه وسلم دلالة بأن نهيه إنما هو على
207

ما لا يلزم من الصوم وقد يجوز أن يكون من قال يصوم المتمتع أيام منى ذهب عليه نهى النبي صلى الله
عليه وسلم عنها فلا أرى أن يصوم أيام منى وقد كنت أراه وأسأل الله التوفيق (قال الشافعي) ووجدت
أيام منى خارجا من الحج يحل به إذا طاف بالبيت النساء فلم يجز أن أقول هذا في الحج وهو خارج منه
وإن بقي عليه بعض عمله فإن قال قائل: فهل يحتمل اللسان أن يكون في الحج؟ قيل نعم يحتمله
اللسان ما بقي عليه من الحج شئ احتمالا مستكرها باطنا لا ظاهرا، ولو جاز هذا جاز إذا لم يطف
الطواف الذي يحل به من حجه النساء شهرا أو شهرين يصومهن على أنه صامهن في الحج (قال) ولو
جاز أن يصوم أيام منى جاز فيها يوم النحر لأنه منهى عن صومه وصومها ونهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن صومها مرة كنهيه عن صوم يوم النحر مرة ومرارا.
(باب الحال التي يكون المرء فيها معوزا بما لزمه من فدية)
(قال الشافعي) إذا حج الرجل وقد وجبت عليه بدنة فليس له أن يخرج منها إذا كان قادرا عليها
فإن قدر على الهدى لم يطعم وإن لم يقدر على الهدى أطعم ولا يكون الطعام والهدى إلا بمكة وإن لم يقدر
على واحد منهما صام حيث شاء ولو صام في فوره ذلك كان أحب إلي، أخبرنا سعيد عن ابن جريج
عن عطاء أنه قال في صيام المفتدى ما بلغني في ذلك شئ وإني لأحب أن يصنعه في فوره ذلك،
أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال كان مجاهد يقول فدية من صيام أو صدقة أو نسك في حجه ذلك أو
عمرته أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن سليمان بن موسى قال في المفتدى بلغني أنه فيما بين أن صنع
الذي وجبت عليه فيه الفدية وبين أن يحل إن كان حاجا أن ينحر وإن كان معتمرا بأن يطوف (قال
الشافعي) وهذا إن شاء الله هكذا فإن قال قائل ما دل على ما وصفت؟ قيل إن كانت الفدية شيئا
وجبت بحج وعمرة فأحب إلى أن يفتدى في الحج والعمرة وذلك أن إصلاح كل عمل فيه كما يكون
إصلاح الصلاة فيها وإن كان هذا يفارق الصلاة بأن الفدية غير الحج وإصلاح الصلاة من الصلاة
فالاختيار فيه ما وصفت وقد روى أن ابن عباس أمر رجلا يصوم ولا يفتدى وقدر له نفقته فكأنه لولا
أنه رأى الصوم يجزيه في سفره لسأله عن يسره ولقال آخر هذا حتى يصير إلى مالك إن كنت موسرا
(قال الشافعي) فأنظر إلى حال من وجبت عليه الفدية في حج أو عمرة في ذلك الحج أو العمرة فإن
كان واجدا للفدية التي لا يجزيه إذا كان واجدا غيرها جعلتها عليه لا مخرج له منها فإذا جعلتها عليه فلم
يفتد حتى أعوز كان دينا عليه حتى يؤديه متى قدر عليه، وأحب إلى أن يصوم احتياطا لا إيجابا ثم إذا
وجد أهدى (قال الشافعي) وإذا كان غير قادر تصدق فإن لم يقدر صام فإن صام يوما أو أكثر ثم أيسر
في سفره أو بعد فليس عليه أن يهدى وإن فعل فحسن (قال) وإن كان معوزا حين وجبت فلم يتصدق
ولم يصم حتى أيسر أهدى ولا بد له لأنه مبتدئ شيئا فلا يبتدئ صدقة ولا صوما وهو يجد هديا
(قال) وإن رجع إلى بلده وهو معوز في سفره ولم يفتد حتى أيسر ثم أعوز كان عليه هدى لابد له لأنه
لم يخرج من الهدى إلى غيره حتى أيسر فلا بد من هدى وأحب إلى أن يصوم احتياطا لا واجبا وإذا
جعلت الهدى دينا فسواء بعث به من بلده أو اشترى له بمكة فنحر عنه لا يجزى عنه حتى يذبح بمكة
ويتصدق به وكذلك الطعام، وأما الصوم فيقضيه حيث شاء إذا أخره عن سفره وهكذا كل واجب
عليه من أي وجه كان من دم أو طعام لا يجزيه إلا بمكة.
208

(فدية النعام)
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء الخراساني أن عمر بن الخطاب وعثمان وعلي بن أبي طالب
وزيد بن ثابت وابن عباس ومعاوية رضى الله تعالى عنهم قالوا في النعامة يقتلها المحرم بدنة من الإبل
(قال الشافعي) هذا غير ثابت عند أهل العلم بالحديث وهو قول الأكثر ممن لقيت فبقولهم إن في النعامة
بدنة وبالقياس قلنا في النعامة بدنة لا بهذا فإذا أصاب المحرم نعامة ففيها بدنة أخبرنا سعيد عن ابن
جريج أنه قال لعطاء (1) فكانت ذات جنين حين سميتها أنها جزاء النعامة ثم ولدت فمات ولدها قبل أن
يبلغ محله أغرمه؟ قال: لا. قلت فابتعتها ومعها ولدها فأهديتها فمات ولدها قبل أن يبلغ محله أغرمه؟
قال: لا (قال الشافعي) وهذا يدل على أن عطاء يرى في النعامة بدنة وبقوله نقول في البدنة والجنين
في كل موضع وجبت فيه بدنة فأوجبت جنينا معها فينحر معها ونقول في كل صيد يصاد ذات جنين
ففيه مثله ذات جنين.
(باب بيض النعامة يصيبه المحرم)
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: إن أصبت بيض نعامة وأنت لا تدرى غرمتها
تعظم بذلك حرمات الله تعالى (قال الشافعي) وبهذا نقول لان بيضة من الصيد جزء منها لأنها تكون
صيدا ولا أعلم في هذا مخالفا ممن حفظت عنه ممن لقيت وقول عطاء هذا يدل على أن البيضة تغرم وأن
الجاهل يغرم لان هذا إتلاف قياسا على قتل الخطأ وبهذا نقول (قال الشافعي) وفى بيض النعام
قيمته (2) لأنه حيث يصاب من قبل أنه خارج مما له مثل من النعم وداخل فيما له قيمة من الطير مثل
الجرادة وغيرها قياسا على الجرادة فإن فيها قيمتها فقلت للشافعي: فهل تروى فيها شيئا عاليا؟ قال أما
شئ يثبت مثله فلا، فقلت فما هو؟ فقال أخبرني الثقة عن أبي الزناد عن الأعرج أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال " في بيضة النعامة يصيبها المحرم قيمتها " أخبرنا سعيد بن سالم عن سعيد بن بشير عن
قتادة عن عبد الله بن الحصين عن أبي موسى الأشعري أنه قال: في بيضة النعامة يصيبها المحرم صوم
يوم أو إطعام مسكين أخبرنا سعيد عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود
مثله فقلت للشافعي: أفرأيت إن كان في بيضة النعامة فرخ؟ فقال لي: كل ما أصاب المحرم مما لا
مثل له من النعم ولا أثر فيه من الطائر فعليه فيه قيمته بالموضع الذي أصابه فيه وتقومه عليه كما تقومه لو
أصابه وهو لانسان فتقوم البيضة لا فرخ فيها قيمة بيضة لا فرخ فيها والبيضة فيها فرخ قيمة بيضة فيها
فرخ وهو أكثر من قيمة بيضة لا فرخ فيها قلت فإن كانت البيضة فاسدة؟ قال: تقومها فاسدة إن

(1) قوله: فكانت ذات الخ هكذا في النسخ ولعله محرف من الناسخ وأصل الكلام " فإن كانت
الخ " إلا أن يكون بقية حديث فليحرر. كتبه مصححه.
(2) قوله: لأنه كذا في جميع النسخ، ولعل هذه الكلمة من زيادة النساخ فإن التعليل هنا ليس
له معنى يظهر.
209

كانت لها قيمة وتتصدق بقيمتها وإن لم يكن لها قيمة فلا شئ عليك فيها؟ قلت: للشافعي أفيأكلها
المحرم؟ قال: لا لأنها من الصيد وقد يكون منها صيد قلت للشافعي فالصيد ممتنع وهو غير ممتنع. (قال
الشافعي) وقد يكون من الصيد ما يكون مقصوصا وصغيرا فيكون غير ممتنع والمحرم يجزئه إذا أصابه
فقلت: إن ذلك قد كان ممتنعا أو يؤول إلى الامتناع قال: وقد تؤول البيضة إلى أن يكون منها فرخ ثم
يؤول إلى أن يمتنع.
(الخلاف في بيض النعام)
فقلت للشافعي: أخالفك أحد في بيض النعامة؟ قال: نعم قلت قال ماذا قال؟ قال قوم إذا
كان في النعامة بدنة فتحمل على البدنة وروى هذا عن علي رضي الله عنه من وجه لا يثبت أهل العلم
بالحديث مثله ولذلك تركناه وبأن من وجب عليه شئ لم يجزه بمغيب يكون ولا يكون وإنما يجزيه
بقائم قلت للشافعي: فهل خالفك غيره؟ قال نعم رجل كأنه سمع هذا القول فاحتذى عليه قلت وما
قال فيه؟ قال: عليه عشر قيمة أمه كما يكون في جنين الأمة عشر قيمة الأمة قلت أفرأيت لهذا
وجها؟ قال: لا. البيضة إن كانت جنينا كان لم يصنع شيئا من قبل أنها مزايلة لامها فحكمها حكم
نفسها والجنين لو خرج من أمه ثم قتله إنسان وهو حي كانت فيه قيمة نفسه ولو خرج ميتا فقطعه إنسان
لم يكن عليه شئ فإن شئت فاجعل البيضة في حال ميت أو حي فقد فرق بينهما وما للبيضة والجنين؟
إنما حكم البيضة حكم نفسها فلا يجوز إذا كانت ليست من النعم إلا أن يحكم فيها بقيمتها (قال
الشافعي) ولقد قال لي قائل: ما في هذه البيضة شئ لأنها مأكولة غير حيوان وللمحرم أكلها ولكن
هذا خلاف مذهب أهل العلم.
(باب بقر الوحش وحمار الوحش (1) والثيتل والوعل)
قلت للشافعي أرأيت المحرم يصيب بقرة أو حمار الوحش؟ فقال: في كل واحد منهما بقرة
فقلت للشافعي ومن أين أخذت هذا؟ فقال قال الله تبارك وتعالى " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله
منكم متعمد فجزاء مثل ما قتل من النعم " (قال الشافعي) ومثل ما قتل من النعم يدل على أن المثل على
مناظرة البدن فلم يجز فيه إلا أن ينظر إلى مثل ما قتل من دواب الصيد فإذا جاوز الشاة رفع إلى الكبش
فإذا جاوز الكبش رفع إلى بقرة فإذا جاوز البقرة رفع إلى بدنة ولا يجاوز شئ مما يؤدى من دواب
الصيد بدنة وإذا كان أصغر من شاة ثنية أو جذعة خفض إلى أصغر منها فهكذا القول في دواب الصيد
أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: في بقرة الوحش بقرة وفى حمار الوحش بقرة وفى (2)

(1) الثيتل بفتح المثلثة والمثناة والفوقية بينهما مثناة تحتية، هو الذكر المسن من الوعول. كذا في
كتب اللغة كتبه مصححه.
(2) الاروى بفتح الأول والثالث بينهما ساكن اسم جمع واحدة أروية بضم فسكون فكسر وهي
الأنثى من الوعول. وفى المصباح: أن الاروى تيس الجبل البرى والأيل بضم الهمزة وكسرها مع فتح
الياء المشددة وبفتح الهمزة مع كسر الياء: الذكر من الوعول.
210

الاروى بقرة أخبرنا سعيد عن إسرائيل عن أبي إسحاق الهمداني عن الضحاك بن مزاحم عن ابن
عباس أنه قال: في بقرة الوحش بقرة وفى الإبل بقرة (قال الشافعي) وبهذا نقول (قال الشافعي)
والأروى دون البقرة المسنة وفوق الكبش وفيه (1) عضب ذكرا وأنثى أي ذلك شاء فداه به (قال
الشافعي) وإن قتل حمار وحش صغيرا أو ثيتلا صغيرا فداه ببقرة صغيرة ويفدى الذكر بالذكر والأنثى
بالأنثى (قال) وإذا أصاب أروى صغيرة خفضناه إلى أصغر منه من البقر حتى يجعل فيه ما لا يفوته
وهكذا ما فدى من دواب الصيد (قال الشافعي) إن كان ما أصيب من الصيد بقرة (2) رقوب فضربها
فألقت ما في بطنها حيا فمات فداهما ببقرة وولد بقرة مولود وهكذا هذا في كل ذات حمل من الدواب
(قال الشافعي) وإن خرج ميتا وماتت أمه فأراد فداءه طعاما يقوم المصاب منه ماخضا بمثله من النعم
ماخضا ويقوم ثمن ذلك المثل من النعم طعاما.
(باب الضبع)
أخبرنا مالك وسفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى
في الضبع بكبش (قال الشافعي) وهذا قول من حفظت عنه من مفتينا المكيين (قال الشافعي) في
صغار الضبع صغار الضأن وأخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما
يقول في الضبع كبش حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن
عكرمة مولى ابن عباس قال: أنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ضبعا صيدا وقضى فيها كبشا (قال
الشافعي) وهذا حديث لا يثبت مثله لو انفرد وإنما ذكرناه لان مسلم بن خالد أخبرنا عن ابن جريج
عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن أبي عمار قال ابن أبي عمار: سألت جابرا بن عبد الله عن الضبع
أصيد هي؟ قال: نعم. قلت أتؤكل؟ قال: نعم. قلت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: نعم (قال الشافعي) وفى هذا بيان أنه إنما يفدى ما يؤكل من الصيد دون ما لا يؤكل. أخبرنا
سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عليا بن أبي طالب رضي الله عنه قال: الضبع صيد وفيها
كبش إذا أصابها المحرم.
(باب في الغزال)
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك وسفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر أن
عمر بن الخطاب قضى في الغزال بعنز (قال الشافعي) وبهذا نقول والغزال لا يفوت العنز. أخبرنا
سعيد عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس أنه قال: في

(1) العضب: بفتح فسكون ولد البقرة إذا طلع قرنه وذلك بعدما يأتي عليه حول. كذا في كتب
اللغة.
(2) رقوب: هو كذلك في النسخ ولم نقف على هذا اللفظ بمعنى يناسب ما هنا، فحرره. كتبه
مصححه.
211

الظبي تيس أعفر أو شاة مسنة (قال الشافعي) يفدى الذكران بالذكران والإناث بالإناث مما أصيب
والإناث في هذا كله أحب إلي أن يفدى به إلا أن يكون يصغر عن بدن المقتول فيفدى الذكر ويفدى
بالذي يلحق بأبدانهما. أخبرنا سعيد بن سالم عن إسرائيل بن يونس عن سماك عن عكرمة أن رجلا
بالطائف أصاب ظبيا وهو محرم فأتى عليا فقال: أهد كبشا أو قال تيسا من الغنم. قال سعيد ولا أراه
إلا قال تيسا (قال الشافعي) وبهذا نأخذ لما وصفت قبله مما يثبت فأما هذا فلا يثبته أهل الحديث.
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: في الغزال شاة.
(باب الأرنب)
أخبرنا مالك وسفيان عن أبي الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب قضى في الأرنب بعناق. أخبرنا
سعيد بن سالم عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس أنه قال
في الأرنب شاة. أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن مجاهدا قال: في الأرنب شاة (قال الشافعي)
الصغيرة والكبيرة من الغنم يقع عليها اسم شاة فإن كان عطاء ومجاهد أرادا صغيرة فكذلك نقول ولو كانا
أرادا مسنة خالفناهما وقلنا قول عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه، وما روى عن ابن عباس من أن فيها
عناقا دون المسنة وكان أشبه بمعنى كتاب الله تعالى وقد روى عن عطاء ما يشبه قولهما أخبرنا سعيد بن سالم عن
الربيع بن صبيح عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: في الأرنب عناق أو حمل.
(باب في اليربوع)
أخبرنا مالك وسفيان عن أبي الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في اليربوع
بجفرة. أخبرنا سفيان عن عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أخبرنا سعيد عن
الربيع بن صبيح عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: في اليربوع جفرة (قال الشافعي) وبهذا كله
نأخذ.
(باب الثعلب)
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يقول في الثعلب شاة. أخبرنا سعيد عن ابن جريج
عن عياش ابن عبد الله بن معبد أنه كان يقول: في الثعلب شاة.
(باب الضب)
أخبرنا ابن عيينة عن مخارق عن طارق بن شهاب قال: خرجنا حجاجا فأوطأ رجل منا يقال له
أربد ضبا ففقر ظهره فقدمنا على عمر فسأله أربد فقال له عمر " احكم فيه يا أربد " فقال: أنت خير
منى يا أمير المؤمنين وأعلم فقال له عمر " إنما أمرتك أن تحكم فيه ولم آمرك أن تزكيني " فقال أربد:
أرى فيه جديا قد جمع الماء والشجر فقال عمر " فذاك فيه " أخبرنا سعيد بن سالم عن عطاء أنه قال:
في الضب شاة (قال الشافعي) إن كان عطاء أراد شاة صغيرة فبذلك نقول، وإن كان أراد مسنة
212

خالفناه وقلنا بقول عمر فيه وكان أشبه بالقرآن.
(باب الوبر)
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: في الوبر إن كان يؤكل شاة (قال الشافعي) قول
عطاء " إن كان يؤكل " يدل على أنه إنما يفدى ما يؤكل (قال الشافعي) فإن كانت العرب تأكل الوبر
ففيه جفرة وليس بأكثر من جفرة بدنا، أخبرنا سعيد أن مجاهدا قال: في الوبر شاة.
(باب أم حبين)
أخبرنا سفيان عن مطرف عن أبي السفر أن عثمان بن عفان قضى في أم حبين يحملان من الغنم
(قال الشافعي) يعنى حملا (قال الشافعي) إن كانت العرب تأكلها فهي كما روى عن عثمان يقضى فيها
بولد شاة حمل أو مثله من المعز مما لا يفوته.
(باب دواب الصيد التي لم تسم)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: كل دابة من الصيد المأكول سميناها ففداؤها على ما ذكرنا وكل
دابة من دواب الصيد المأكول لم نسمها ففداؤها قياسا على ما سمينا فداءه منها لا يختلف فيما صغر عن
الشاة منها أولاد الغنم يرفع في أولاد الغنم بقدر ارتفاع الصيد حتى يكون الصيد مجزيا بمثل بدنه من
أولاد الغنم أو أكبر منه شيئا، ولا يجزى دابة من الصيد إلا من النعم والنعم الإبل والبقر والغنم (قال
الشافعي) فإن قال قائل: ما دل على ما وصفت والعرب تقول للإبل الانعام وللبقر البقر وللغنم الغنم؟
قيل هذا كتاب الله تعالى كما وصفت فإذا جمعتها قلت نعما كلها وأضفت الأدنى منها إلى الاعلى وهذا
معروف عند أهل العلم بها وقد قال الله تعالى " أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم " فلا أعلم
مخالفا أنه عنى الإبل والبقر (1) والغنم والضأن وهي الأزواج الثمانية قال الله تعالى " من الضأن اثنين ومن
المعز اثنين قل آلذكرين حرام أم الأنثيين " الآية، وقال " ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين " فهي بهيمة الأنعام
وهي الأزواج الثمانية وهي الانسية التي منها الضحايا والبدن التي يذبح المحرم ولا يكون ذلك من
غيرها من الوحش.
(فدية الطائر يصيبه المحرم)
(قال الشافعي) رحمه الله قال الله تعالى " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم إلى قوله فجزاء مثل ما

(1) قوله: والغنم والضأن. كذا في النسخ، ولعل هنا تحريفا من النساخ أو سقطا، فليحرر.
كتبه مصححه.
213

قتل من النعم " (قال الشافعي) وقول الله عز وجل " مثل ما قتل من النعم " يدل على أنه لا يكون المثل
من النعم إلا فيما له مثل منه والمثل لدواب الصيد لان النعم دواب رواتع في الأرض والدواب من الصيد
كهى في الرتوع في الأرض وأنها دواب مواش لا طوائر وأن أبدانها تكون مثل أبدان النعم ومقاربة لها
وليس شئ من الطير يوافق خلق الدواب في حال ولا معانيها معانيها، فإن قال قائل فكيف تفدى
الطائر ولا مثل له من النعم؟ قيل فديته بالاستدلال بالكتاب ثم الآثار ثم القياس والمعقول فإن قال فأين
الاستدلال بالكتاب؟ قيل قال الله عز وجل " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم
عليكم صيد البر ما دمتم حرما " فدخل الصيد المأكول كله في التحريم ووجدت الله عز وجل أمر فيما له
مثل منه أن يفدى بمثله، فلما كان الطائر لا مثل له من النعم وكان محرما ووجدت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقضى بقضاء في الزرع بضمانه والمسلمون يقضون فيما كان محرما أن يتلف بقيمته فقضيت في
الصيد من الطائر بقيمته بأنه محرم في الكتاب وقياسا على السنة والاجماع وجعلت تلك القيمة لمن جعل
الله له المثل من الصيد المحرم المقضى بجزائه لأنهما محرمان معا لا مالك لهما أمر بوضع المبدل منهما فيمن
بحضرة الكعبة من المساكين ولا أرى في الطائر إلا قيمته بالآثار والقياس فيما أذكره إن شاء الله تعالى.
(فدية الحمام)
أخبرنا سعيد بن سالم عن عمر بن سعيد بن أبي حسين عن عبد الله بن كثير الداري عن طلحة بن أبي
حفصة عن نافع بن عبد الحرث قال: قدم عمر بن الخطاب مكة فدخل دار الندوة في يوم
الجمعة وأراد أن يستقرب منها الرواح إلى المسجد فألقى رداءه على واقف في البيت فوقع عليه طير من
هذا الحمام فأطاره فانتهزته حية فقتلته فلما صلى الجمعة دخلت عليه أنا وعثمان بن عفان فقال " احكما
علي في شئ صنعته اليوم، إني دخلت هذه الدار وأردت أن أستقرب منها الرواح إلى المسجد فألقيت
ردائي على هذا الواقف فوقع عليه طير من هذا الحمام فخشيت أن يلطخه بسلحه فأطرته عنه فوقع على
هذا الواقف الآخر فانتهزته حية فقتلته فوجدت في نفسي أنى أطرته من منزلة كان فيها آمنا إلى موقعة
كان فيها حتفه " فقلت لعثمان كيف ترى في عنز ثنية عفراء نحكم بها على أمير المؤمنين؟ قال إني أرى
ذلك فأمر بها عمر، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء ان عثمان بن عبيد الله بن حميد قتل ابن له
حمامة فجاء ابن عباس فقال له ذلك فقال ابن عباس " اذبح شاة فتصدق بها " قال ابن جريج فقلت
لعطاء أمن حمام مكة؟ قال: نعم (قال الشافعي) ففي قول ابن عباس دلالتان إحداهما أن في حمام
مكة شاة والأخرى أنه يتصدق بالفداء على المساكين وإذا قال يتصدق به فإنما يعنى كله لا بعضه،
أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء، وأخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء في الحمامة شاة
أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قال مجاهد أمر عمر بن الخطاب بحمامة فأطيرت فوقعت على المروة
فأخذتها حية فجعل فيها شاة (قال الشافعي) من أصاب من حمام مكة بمكة حمامة ففيها شاة، اتباعا
لهذه الآثار التي ذكرنا عن عمر وعثمان وابن عباس وابن عمر وعاصم بن عمر وعطاء وابن المسيب لا
قياسا.
214

(في الجراد)
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن يوسف بن ماهك أن عبد الله بن أبي عمار أخبره أنه أقبل مع معاذ
ابن جبل وكعب الأحبار في أناس محرمين من بيت المقدس بعمرة حتى إذا كنا ببعض الطريق وكعب
على نار يصطلى مرت به رجل من جراد، فأخذ جرادتين فملهما ونسي إحرامه، ثم ذكر إحرامه
فألقاهما. فلما قدمنا المدينة دخل القوم على عمر ابن الخطاب ودخلت معهم. فقص كعب قصة
الجرادتين على عمر فقال عمر (1) من بذلك أمرك يا كعب قال: نعم قال إن حمير تحب الجراد قال ما
جعلت في نفسك؟ قال درهمين قال: بخ درهمان خير من مائة جرادة اجعل ما جعلت في نفسك
(قال الشافعي) في هذا الحديث دلائل منها إحرام معاذ وكعب وغيرهم من بيت المقدس وهو وراء
الميقات بكثير وفيه أن كعبا قتل الجرادتين حين أخذهما بلا ذكاة، وهذا كله قد قص على عمر فلم
ينكره وقول عمر درهمان خير من مائة جرادة، أنك تطوعت بما ليس عليك فافعله متطوعا، أخبرنا
سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج قال سمعت القاسم بن محمد يقول كنت جالسا عند عبد الله بن
عباس فسأله رجل عن جرادة قتلها وهو محرم فقال: فيها قبضة من طعام ولنأخذن بقبضة جرادات،
ولكن ولو، وهذا يدل على أنه إنما رأى عليه قيمة الجرادة وأمره بالاحتياط وفى الجرادة قيمتها في
الموضع الذي يصيبها فيه كان تمرة أو أقل أو أكثر وهذا مذهب القوم والله أعلم ووجدت مذهب عمر
وابن عباس وغيرهم في الجرادة أن فيها قيمتها ووجدت كذلك مذهبهم أن في دواب الصيد مثله من
النعم بلا قيمة لان الضبع لا يسوى كبشا، والغزال قد يسوى عنزا ولا يسوى عنزا واليربوع لا يسوى
جفرة والأرنب لا يسوى عناقا. قلما رأيتهم ذهبوا في دواب الصيد على تقارب الأبدان لا القيم لما
وصفت ولأنهم حكموا في بلدان مختلفة وأزمان شتى، ولو حكموا بالقيم لاختلفت أحكامهم لاختلاف
البلدان والأزمان ولقالوا فيه قيمته كما قالوا في الجرادة ووجدت مذاهبهم مجتمعة على الفرق بين الحكم
في الدواب والطائر لما وصفت من أن في الدواب مثلا من النعم وفى الجرادة من الطائر قيمة وفيما دون
الحمام (قال الشافعي) ثم وجدت مذاهبهم تفرق بين الحمام وبين الجرادة لان العلم يحيط أن ليس يسوى
حمام مكة شاة وإذا كان هذا هكذا فإنما فيه اتباعهم لأنا لا نتوسع في خلافهم، إلا إلى مثلهم ولم نعلم
مثلهم خالفهم، والفرق بين حمام مكة وما دونه من صيد الطير يقتله المحرم لا يجوز فيه إلا أن يقال بما
تعرف العرب من أن الحمام عندهم أشرف الطائر وأغلاه ثمنا بأنه الذي كانت تؤلف في منازلهم وتراه
أعقل الطائر وأجمعه للهداية بحيث يؤلف، وسرعة الألفة وأصواته التي لها عندهم فضل لاستحسانهم
هديرها وأنهم كانوا يستمتعون بها لأصواتها وإلفها وهدايتها وفراخها وكانت مع هذا مأكولة ولم يكن شئ من
مأكول الطائر ينتفع به عندها إلا لان يؤكل فيقال كل شئ من الطائر سمته العرب حمامة ففيه شاة وذلك الحمام

(1) قوله: من بذلك أمرك يا كعب، كذا في بعض النسخ وفى بعضها من بذلك لعلك بذلك يا
كعب. وحرر الرواية فإن العبارة هنا لا تخلو من تحريف ولا يلتئم معها قوله بعد " قال نعم " وقوله قال إن
حمير، في بعض نسخ المسند. قال ابن حصين إن حمير الخ. كتبه مصححه.
215

نفسه واليمام والقمارى والدباسي والفواخت وكل ما أوقعت العرب عليه اسم حمامة (قال الشافعي) وقد كان من
العرب من يقول حمام الطائر ناس الطائر أي يعقل عقل الناس وذكرت العرب الحمام في أشعارها:
فقال الهذلي: وذكرني بكاي على تليد * حمامة أن تجاوبت الحماما
وقال الشاعر: أحن إذا حمامة بطن و ج * تغنت فوق مرقبة حنينا
وقال جرير: إني تذكرني الزبير حمامة * تدعو بمدفع رامتين هديلا
قال الربيع وقال الشاعر:
وقفت على الرسم المحيل فهاجني * بكاء حمامات على الرسم وقع
(قال الشافعي) مع شعر كثير قالوه فيها، ذهبوا فيه إلى ما وصفت من أن أصواتها غناء وبكاء
معقول عندهم وليس ذلك في شئ من الطائر غير ما وقع عليه اسم الحمام (قال الشافعي) فيقال فيما
وقع عليه اسم الحمام من الطائر، فيه شاة لهذا الفرق باتباع الخبر عمن سميت في حمام مكة ولا أحسبه
يذهب فيه مذهب أشبه بالفقه من هذا المذهب، ومن ذهب هذا المذهب انبغى أن يقول ما لم يقع
عليه اسم حمامة مما دونها أو فوقها ففيه قيمته في الموضع الذي يصاب فيه.
(الخلاف في حمام مكة)
(قال الشافعي) وقد ذهب ذاهب إلى أن في حمام مكة شاة وما سواه من حمام غير حمام مكة وغيره
من الطائر قيمته (قال الشافعي) ويدخل على الذي قال في حمام مكة شاة إن كان إنما جعله لحرمة
الحمام نفسه أن يجعل على من قتل حمام مكة خارجا من الحرم وفى غير إحرام شاة (قال الشافعي) ولا
شئ في حمام مكة إذا قتل خارجا من الحرم وقتله غير محرم وإذا كان هذا مذهبنا ومذهبه فليس لحمام
مكة إلا ما لحمام غير مكة وإن كان ذهب إلى أنه جمع أنه في الحرم ومن حمام مكة انبغى أن يقول هذا
في كل صيد غيره قتل في الحرم (قال الشافعي) ومذهبنا ومذهبه أن الصيد يقتله المحرم القارن في الحرم
كالصيد يقتله المحرم المفرد أو المعتمر خارجا من الحرم وما قال من هذا قول إذا كشف لم يكن له وجه
ولا يصح أن يقول في حمام الحرم فيه شاة ولا يكون في غير حمام الحرم شاة إذا كان قوله إن حمام الحرم
إذا أصيب خارجا منه في غير إحرام فلا شئ فيه أخبرنا سعيد بن سالم عن سعيد بن أبي عروبة عن
قتادة أنه قال: إن أصاب المحرم حمامة خارجا من الحرم فعليه درهم وإن أصاب من حمام الحرم في
الحرم فعليه شاة (قال الشافعي) وهذا وجه من القول الذي حكيت قبله وليس له وجه يصح من قبل
أنه يلزمه أن يجعل في حمام مكة إذا أصيب خارجا من الحرم وفى غير إحرام فدية ولا أحسبه يقول هذا
ولا أعلم أحدا يقوله وقد ذهب عطاء في صيد الطير مذهبا يتوجه ومذهبنا الذي حكينا أصح منه لما
وصفت والله أعلم. أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في كل شئ صيد من الطير الحمامة
فصاعدا شاة وفي البعقوب والحجلة والقطاة والكروان والكركي وابن الماء ودجاجة الحبش والخرب شاة
شاة فقلت لعطاء: أرأيت الخرب فإنه أعظم شئ رأيته قط من صيد الطير أيختلف أن يكون فيه
شاة؟ قال: لا. كل شئ من صيد الطير كان حمامة فصاعدا ففيه شاة (قال الشافعي) وإنما تركناه
216

على عطاء لما وصفنا وأنه كان يلزمه إذا جعل في الحمامة شاة لا لفضل الحمامة ومباينتها ما سواها أن يزيد
فيما جاوزها من الطائر عليها لا يستقيم إلا هذا إذا لم يفرق بينهما بما فرقنا به بينهما. أخبرنا سعيد عن ابن
جريج عن عطاء أنه قال: في القمري والدبسي شاة شاة (قال الشافعي) وعامة الحمام ما وصفت، ما
عب في الماء عبا من الطائر فهو حمام، وما شربه قطرة قطرة كشرب الدجاج فليس بحمام. وهكذا
أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء.
(بيض الحمام)
(قال الشافعي) رحمه الله وفى بيض حمام مكة وغيره من الحمام وغيره مما يبيض من الصيد الذي
يؤدى فيه قيمته (قال الشافعي) كما قلنا في بيض النعامة بالحال التي يكسرها بها، فإن كسرها لا فرخ
فيها ففيها قيمة بيضة وإن كسرها وفيها فرخ ففيها قيمة بيضة فيها فرخ لو كانت لانسان فكسرها غيره وإن
كسرها فاسدة فلا شئ عليه فيها كما لا يكون عليه شئ فيها لو كسرها لاحد (قال الشافعي) وقول
عطاء. في بيض الحمام خلاف قولنا فيه أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء: كم في بيضة حمام
مكة؟ (قال) نصف درهم بين البيضتين درهم وإن كسرت بيضة فيها فرخ ففيها درهم (قال
الشافعي) أرى عطاء أراد بقوله هذا القيمة يوم قاله فإن كان أراد هذا فالذي نأخذ به قيمتها في كل ما
كسرت. وإن كان أراد بقوله أن يكون قوله هذا حكما فيها، فلا نأخذ به.
(الطير غير الحمام)
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال لم أر (1) الضوع أو الضوع شك الربيع فإن كان حماما
ففيه شاة (قال الشافعي) الضوع طائر دون الحمام وليس يقع عليه اسم الحمام ففيه قيمته وفى كل طائر
اصابه المحرم غير حمام ففيه قيمته كان أكبر من الحمام أو أصغر وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في الصيد
" فجزاء مثل ما قتل " (قال الشافعي) فخرج الطائر من أن يكون له مثل وكان معروفا بأنه داخل في
التحريم فالمثل فيه بالقيمة إذا كان لا مثل له من النعم وفيه أن هذا قياس على قول عمر وابن عباس في
الجرادة وقول من وافقهم فيها وفى الطائر دون الحمام وقد قال عطاء في الطائر قولا إن كان قاله لأنه
يومئذ ثمن الطائر فهو موافق قولنا، وإن كان قاله تحديدا له خالفناه فيه للقياس على قول عمر وابن
عباس وقوله وقول غيره في الجراد وأحسبه عمد به إلى أن يحدد به ولا يجوز أن يحدد إلا بكتاب أو سنة
أو أمر لم يختلف فيه أو قياس ولولا أنه لم يختلف في حمام مكة ما فديناه بشاة لأنه ليس بقياس وبذلك
تركنا على عطاء تحديده في الطائر فوق الحمام ودونه وفى بيض الحمام ولم نأخذ ما أخذنا من قوله إلا بأمر
وافق كتابا أو سنة أو أثرا لا مخالف له أو قياسا، فإن قال قائل: ما حد ما قال عطاء فيه؟ (قال
الشافعي) أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قال لي عطاء في العصافير قولا بين لي فيه وفسر قال؟ أما

(1) قوله: الضوع، في القاموس: أنه بوزن صرد وعنب فلعل محل شك الربيع الاختلاف في
وزنه الذي حكاه صاحب القاموس. كتبه مصححه.
217

العصفور ففيه نصف درهم: قال عطاء وأرى الهدهد دون الحمامة وفوق العصفور ففيه درهم قال عطاء
والكعيت عصفور (قال الشافعي) ولما قال من هذا تركنا قوله إذا كان في عصفور نصف درهم عنده،
وفى هدهد درهم لأنه بين الحمامة وبين العصفور فكان ينبغي أن يجعل في الهدهد لقربه من الحمامة أكثر
من درهم قال ابن جريج قال عطاء: فأما الوطواط وهو فوق العصفور ودون الهدهد ففيه ثلثا درهم.
(باب الجراد)
أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال سمعت عطاء يقول سئل ابن عباس عن صيد الجراد في الحرم
فقال: لا، ونهى عنه قال أنا قلت له أو رجل من القوم فإن قومك يأخذونه وهم محتبون في المسجد؟
فقال: لا يعلمون أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مثله إلا أنه قال: منحنون
(قال الشافعي) ومسلم أصوبهما وروى الحفاظ عن ابن جريج منحنون أخبرنا سعيد ومسلم عن ابن
جريج عن عطاء أنه قال: في الجرادة يقتلها وهو لا يعلم؟ قال إذا يغرمها، الجرادة صيد، أخبرنا
سعيد عن ابن جريج قال أخبرنا بكير بن عبد الله قال سمعت القاسم بن محمد يقول كنت جالسا عند ابن
عباس فسأله رجل عن جرادة قتلها وهو محرم. فقال ابن عباس: فيها قبضة من طعام ولنأخذن بقبضة
جرادات ولكن ولو (قال الشافعي) وقوله ولنأخذن بقبضة جرادات إنما فيها القيمة وقوله " ولو " يقول
تحتاط فتخرج أكثر مما عليك بعد أن أعلمتك أنه أكثر مما عليك أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن يوسف
بن ماهك عن عبد الله بن أبي عمار أخبره أنه أقبل مع معاذ بن جبل وكعب روى الحديث وهو معاد
(قال الشافعي) قول عمر " درهمان خير من مائة جرادة " يدل على أنه لا يرى في الجراد إلا قيمته وقوله
" اجعل ما جعلت في نفسك أنك هممت بتطوع بخير فافعل لا أنه عليك " (قال الشافعي) والدبا
جراد صغار ففي الدباة منه أقل من تمرة إن شاء الذي يفديه أو لقمة صغيرة وما فدى به فهو خير منه
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه سأل عطاء عن الدبا أقتله؟ قال: لا، ها الله إذا فإن قتلته فأغرم قلت
ما أغرم؟ قال قدر ما تغرم في الجرادة ثم أقدر قدر غرامتها من غرامة الجرادة أخبرنا سعيد عن ابن
جريج قال قلت لعطاء: قتلت وأنا حرام جرادة أو دبا وأنا لا أعلمه أو قتل ذلك بعيري وأنا عليه قال
أغرم كل ذلك تعظم بذلك حرمات الله (قال الشافعي) إذا كان المحرم على بعيره أو يقوده أو يسوقه غرم
ما أصاب بعيره منه وإن كان بعيره متفلتا لم يغرم ما أصاب بعيره منه أخبرنا سعيد عن طلحة بن عمرو
عن عطاء أنه قال في جرادة إذا ما أخذها المحرم، قبضة من طعام.
(بيض الجراد)
(قال الشافعي) إذا كسر بيض الجراد فداه وما فدى به كل بيضة منه من طعام فهو خير منها وإن
أصاب بيضا كثيرا أحتاط حتى يعلم أنه أدى قيمته أو أكثر من قيمته قياسا على بيض كل صيد.
218

(باب العلل فيما أخذ من الصيد لغير قتله)
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في إنسان أخذ حمامة يخلص ما في رجلها فماتت؟
قال ما أرى عليه شيئا (قال الشافعي) ومن قال هذا القول قاله إذا أخذها ليخلصها من شئ ما كان
من في هر أو سبع أو شق جدار لحجت فيه أو أصابتها لدغة فسقاها ترياقا أو غيره ليداويها وكان أصل
أخذها ليطرح ما يضرها عنها أو يفعل بها ما ينفعها لم يضمن وقال: هذا في كل صيد (قال الشافعي)
وهذا وجه محتمل ولو قال رجل هو ضامن له وإن كان أراد صلاحا فقد تلف على يديه كان وجها
محتملا والله أعلم. أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء بيضة حمامة وجدتها على فراشي؟ فقال:
أمطها عن فراشك قال ابن جريج فقلت لعطاء وكانت في (1) سهوة أو في مكان في البيت كهيئة
ذلك معتزل قال: فلا تمطها أخبرنا سعيد عن طلحة عن عطاء قال لا تخرج بيضة الحمامة المكية
وفرخها من بيتك (قال الشافعي) وهذا قول وبه آخذ، فإن أخرجها فتلفت ضمن وهذا وجه يحتمل
من أن له أن يزيل عن فراشه إذا لم يكسره فلو فسدت بإزالته بنقل الحمام عنها لم يكن عليه فدية ويحتمل
إن فسدت بإزالته أن تكون عليه فدية، ومن قال هذا قال الحمام لو وقع على فراشه فأزاله عن فراشه
فتلف بإزالته عن فراشه كانت عليه فيه فدية، كما أزال عمر الحمام عن ردائه فتلف بإزالته ففداه أخبرنا
سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: وإن كان جراد أو دبا وقد أخذ طريقك كلها ولا تجد محيصا
عنها ولا مسلكا فقتلته فليس عليك غرم (قال الشافعي) يعنى إن وطئته، فأما ان تقتله بنفسه بغير
الطريق فتغرمه لا بد (قال الشافعي) وقوله هذا يشبه قوله في البيضة تماط عن الفراش وقد يحتمل ما
وصفت من أن هذا كله قياس على ما صنع عمر بن الخطاب في إزالته الحمام عن ردائه فأتلفته حية
ففداه.
(نتف ريش الطائر)
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن مجاهد عن أبيه وعن عطاء قالا من نتف ريش حمامة أو طير من طير
الحرم فعليه فداؤه بقدر ما نتف (قال الشافعي) وبهذا نقول، يقوم الطائر عافيا ومنتوفا ثم يجعل فيه قدر
ما نقصه من قيمته ما كان يطير ممتنعا من أن يؤخذ ولا شئ عليه غير ذلك فإن تلف بعد فالاحتياط أن
يفديه بجميع ما فيه لا بما ذهب منه لأنه لا يدرى لعله تلف من نتفه والقياس لا شئ عليه إذا طار
ممتنعا حتى يعلم أنه مات من نتفه (قال) وإن كان المنتوف من الطائر غير ممتنع فحبسه في بيته أو حيث
شاء فألقطه وسقاه حتى يطير ممتنعا فدى ما نقص النتف منه ولا شئ عليه غير ذلك (قال الشافعي)
وإن أخر فداءه فلم يرد ما يصنع فداه احتياطا والقياس أن لا يفديه حتى يعلمه تلف (قال الشافعي)
وما أصابه في حال نتفه فأتلفه ضمن فيه التالف لأنه منعه الامتناع، وإن طار طيرانا غير ممتنع به كان

(1) السهوة: بالفتح كالصفة بين يدي البيت وقيل هي شبيه بالرف والطاق يوضع فيه الشئ وقيل
هي بيت صغير منحدر في الأرض سمكه مرتفع في السماء شبيه بالخزانة الصغيرة يكون فيها المتاع ولها
معان غير ذلك، مذكورة في اللسان فارجع إليه كتبه مصححه.
219

كمن لا يطير في جميع جوابنا حتى يكون طيرانه طيرانا ممتنعا ومن رمى طيرا فجرحه جرحا يمتنع معه أو
كسره كسرا لا يمتنع معه فالجواب فيه كالجواب في نتف ريش الطائر سواء لا يخالفه، فإن حبسه حتى
يجبر ويصير ممتنعا قوم صحيحا ومكسورا ثم غرم فضل ما بين قيمته من قيمة جزائه وإن كان جبر أعرج
لا يمتنع كله لأنه صيره غير ممتنع بحال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: إن رمى حرام
صيدا فأصابه ثم لم يدر ما فعل الصيد فليغرمه (قال الشافعي) وهذا احتياط وهو أحب إلي أخبرنا سعيد
عن ابن جريج أراه عن عطاء قال في حرام أخذ صيدا ثم أرسله فمات بعدما أرسله يغرمه، قال سعيد
بن سالم إذا لم يدر لعله مات من أخذه إياه أو مات من إرساله له، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج
عن عطاء أنه قال: إن أخذته ابنته فلعبت به فلم يدر ما فعل فليتصدق (قال الشافعي) الاحتياط أن
يجزيه ولا شئ عليه في القياس حتى يعلمه تلف.
(الجنادب والكدم)
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء كيف ترى في قتل (1) الكدم والجندب أتراهما بمنزلة
الجرادة؟ قال: لا. الجرادة صيد يؤكل وهما لا يؤكلان وليستا بصيد فقلت: أقتلهما؟ فقال: ما
أحب فإن قتلتهما فليس عليك شئ (قال الشافعي) إن كانا لا يؤكلان فهما كما قال عطاء سواء، لا
أحب أن يقتلا وإن قتلا فلا شئ فيهما وكل ما لا يؤكل لحمه فلا يفديه المحرم.
(قتل القمل)
أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح قال سمعت ميمون بن مهران قال كنت عند ابن عباس فسأله
رجل فقال أخذت قملة فألقيتها ثم طلبتها فلم أجدها فقال ابن عباس " تلك ضالة لا تبتغى " (قال
الشافعي) من قتل من المحرمين قملة ظاهرة على جسده أو ألقاها أو قتل قملا حلال فلا فدية عليه والقملة
ليست بصيد ولو كانت صيدا كانت غير مأكولة فلا تفدى وهي من الانسان لا من الصيد وإنما قلنا إذا
أخرجها من رأسه فقتلها أو طرحها افتدى بلقمة وكل ما افتدى به أكثر منها وإنما قلنا يفتدى إذا
أخرجها من رأسه فقتلها أو طرحها لأنها كالإماطة للأذى فكرهناه كراهية قطع الظفر والشعر (قال
الشافعي) والصئبان كالقمل فيما أكره من قتلها وأجيز.
المحرم يقتل الصيد الصغير أو الناقص
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " فجزاء مثل ما قتل من النعم " (قال الشافعي) والمثل مثل
صفة ما قتل وشبهه، الصحيح بالصحيح والناقص بالناقص والتام بالتام (قال الشافعي) ولا تحتمل
الآية إلا هذا ولو تطوع فأعطى بالصغير والناقص تاما كبيرا كان أحب إلي ولا يلزمه ذلك. أخبرنا سعيد

(1) الكدم: ضبطه في المحكم بفتحتين، وقال: إنه ضرب من الجنادب. كتبه مصححه.
220

بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء: أرأيت لو قتلت صيدا فإذا هو أعور أو أعرج أو منقوص فمثله
أغرم إن شئت؟ قال: نعم. قال ابن جريج فقلت له وواف أحب إليك؟ قال: نعم. أخبرنا سعيد
ابن سالم عن ابن جريج أنه قال إن قتلت ولد ظبي ففيه ولد شاة مثله أو قتلت ولد بقرة وحشى ففيه ولد
بقرة أنسى مثله. قال: فإن قتلت ولد طائر ففيه ولد شاة مثله فكل ذلك على ذلك.
ما يتوالد في أيدي الناس من الصيد (1) وأهل بالقرى
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت كل صيد قد أهل بالقرى فتوالد بها من صيد
الطير وغيره أهو بمنزلة الصيد؟ قال: نعم. ولا تذبحه وأنت محرم ولا ما ولد في القربة، أولادها بمنزلة
أمهاتها أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عمر ولم يسمعه منه أنه كان يرى داجنة
الطير والظباء بمنزلة الصيد (قال الشافعي) بهذا كله نأخذ ولا يجوز فيه إلا هذا ولو جاز إذا تحولت حال
الصيد عن التوحش إلى الاستئناس أن يصير حكمه حكم الانسي جاز للمحرم ذبحه وأن يضحى به
ويجزى به ما قتل من الصيد وجاز إذا توحش الانسي من الإبل والبقر والشاء أن يكون صيدا يجزيه
المحرم لو ذبحه أو قتله ولا يضحى به ولا يجزى به غيره، ولكن كل هذا على أصله (قال الشافعي) وإذا
اشترك الوحشي في الولد أو الفرخ، لم يجز للمحرم قتله فإن قتله فداه كله كاملا. وأي أبوي الولد
والفرخ كان اما أو أبا وذلك أن ينزو حمار وحشى أتانا أهلية أو حمار أهلي أتانا وحشية فتلد أو يعقوب
دجاجة أو ديك يعقوبة فتبيض أو تفرخ فكل هذا إذا قتله المحرم فداه من قبل أن المحرم منه على المحرم
يختلط بالحلال له لا يتميز منه وكل حرام اختلط بحلال فلم يتميز منه حرم كاختلاط الخمر بالمأكول
وما أشبه هذا وإن أشكل على قاتل شئ من هذا أخلطه وحشى أو لم يخلطه أو ما قتل منه وحشى أو
إنسي فداه احتياطا ولم يجب فداؤه حتى يعلم أن قد قتل وحشيا أو ما خالطه وحشى أو كسر بيض
وحشى أو ما خالطه وحشى.
(مختصر الحج المتوسط)
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال: ميقات أهل المدينة من ذي
الحليفة ومن وراء المدينة من أهل الشام والمغرب ومصر وغيرها من الحجفة وأهل تهامة اليمن يلملم وأهل
نجد اليمن وكل نجد قرن وأهل المشرق، ذات عرق، ولو أهلوا من العقيق كان أحب إلي والمواقيت
لأهلها ولكل من مر عليها ممن أراد حجا أو عمرة فلو مر مشرقي أو مغربي أو شامي أو مصري أو غيره
بذى الحليفة كانت ميقاته وهكذا لو مر مدني بميقات غير ميقاته ولم يأت من بلده كان ميقاته ميقات
أهل البلد الذي مر به والمواقيت في الحج والعمرة والقرآن سواء (قال) ومن سلك على غير المواقيت برا
أو بحرا أهل إذا حاذى المواقيت ويتأخى حتى يهل من جدر المواقيت أو من ورائه، ولا بأس أن يهل

(1) أهل: من باب علم، أي استأنس بالقرى.
221

أحد من وراء المواقيت إلا أنه لا يمر بالميقات إلا محرما فإن ترك الاحرام حتى يجاوز الميقات رجع إليه
فإن لم يرجع إليه أهراق دما (قال) وإذا كان الميقات قرية أهل من أقصاها مما يلي بلده وهكذا إذا كان
الميقات وأديا أو ظهرا أهل من أقصاه مما يلي بلده من الذي هو أبعد من الحرم وأقل ما عليه فيه أن يهل
من القرية لا يخرج من بيوتها أو من الوادي أو من الظهر إلا محرما ولو أنه أتى على ميقات من المواقيت
لا يريد حجا ولا عمرة فجاوزه لم يحرم ثم بدا له أن يحرم أحرم من الموضع الذي بدا له وذلك ميقاته
ومن كان أهله دون الميقات مما يلي الحرم فميقاته من حيث يخرج من أهله لا يكون له أن يجاوز ذلك إلا
محرما فإن جاوزه غير محرم ثم أحرم بعد ما جاوزه رجع حتى يهل من أهله وكان حراما في رجوعه
ذلك، وإن لم يرجع إليه أهراق دما.
(الطهارة للاحرام)
(قال الشافعي) أستحب للرجل والمرأة الطاهر والحائض والنفساء الغسل للاحرام فإن لم يفعلوا
فأهل رجل على غير وضوء أو جنبا فلا إعادة عليه ولا كفارة، وما كانت الحائض تفعله كان للرجل أن
يفعله جنبا وغير متوضئ.
(اللبس للاحرام)
(قال الشافعي) يجتمع الرجل والمرأة في اللبوس في الاحرام في شئ ويفترقان في غيره فأما ما
يجتمعان فيه فلا يلبس واحد منهما ثوبا مصبوغا بطيب ولا ثوبا فيه طيب، والطيب الزعفران والورس
وغير ذلك من أصناف الطيب وإن أصاب ثوبا من ذلك شئ فغسل حتى يذهب ريحه فلا يوجد له
ريح إذا كان الثوب يابسا أو مبلولا فلا بأس أن يلبسه وإن لم يذهب لونه ويلبسان الثياب المصبغة كلها
بغير طيب مثل الصبغ بالسدر والمدر والسواد والعصفر وإن نفض، وأحب إلى في هذا كله أن يلبس
البياض وأحب إلى أن تكون ثيابهما جددا أو مغسولة وإن لم تكن جددا ولا مغسولة فلا يضرهما
ويغسلان ثيابهما ويلبسان من الثياب ما لم يحرما فيه، ثم لا يلبس الرجل عمامة ولا سراويل ولا خفين
ولا قميصا ولا ثوبا محيطا مما يلبس بالخياطة مثل القباء والدراعة وما أشبهه ولا يلبس من هذا شيئا من
حاجة إليه إلا أنه إذا لم يجد إزارا لبس سراويل ولم يقطعه وإذا لم يجد نعلين لبس خفين وقطعهما أسفل
من الكعبين أخبرنا سفيان قال سمعت عمرو بن دينار يقول سمعت أبا الشعثاء يقول سمعت ابن عباس
يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا لم يجد المحرم نعلين لبس خفين وإذا لم يجد إزارا لبس
سراويل " أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من لا يجد نعلين يلبس
خفين ويقطعهما أسفل من الكعبين " (قال الشافعي) وإذا اضطر المحرم إلى لبس شئ غير السراويل
والخفين لبسه وافتدى والفدية صيام ثلاثة أيام أو نسك شاة أو صدقة على ستة مساكين مدين بمد النبي
صلى الله عليه وسلم وتلبس المرأة الخمار والخفين ولا تقطعهما والسراويل من غير ضرورة والدرع والقميص
والقباء وحرمها من لبسها في وجهها فلا تخمر وجهها وتخمر رأسها، فإن خمرت وجهها عامدة افتدت
وإن خمر المحرم رأسه عامدا افتدى وله أن يخمر وجهه وللمرأة أن تجافى الثوب عن وجهها تستتر به
222

وتجافى الخمار ثم تسدله على وجهها لا يمس وجهها ويلبس الرجل والمرأة المنطقة للدراهم والدنانير فوق
الثياب وتحتها (قال) وإن لبست المرأة والرجل ما ليس لهما أن يلبساه ناسيين أو تطيبا ناسيين لاحرامهما أو
جاهلين لما عليهما في ذلك غسلا الطيب ونزعا الثياب ولا فدية عليهما، أخبرنا سفيان عن عمرو بن
دينار عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مقطعة وبه أثر
صفرة فقال " أحرمت بعمرة وعلى ما ترى " فقال النبي " ما كنت فاعلا في حجك؟ " قال أنزع المنطقة
وأغسل هذه الصفرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " فافعل في عمرتك ما تفعل في حجك " (قال
الشافعي) ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكفارة ولا بأس أن تلبس المرأة المحرمة القفازين كان سعد
بن أبي وقاص يأمر بناته أن يلبسن القفازين في الاحرام ولا تتبرقع المحرمة (قال الشافعي) وإذا مات
المحرم لم يقرب طيبا وغسل بماء وسدر ولم يلبس قميصا وخمر وجهه ولم يخمر رأسه يفعل به في الموت كما
يفعل هو بنفسه في الحياة أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كنا
مع النبي صلى الله عليه وسلم فخر رجل محرم عن بعيره (1) فوقص فمات فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه
وسلم فقال " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما فإنه يبعث يوم القيامة مهلا أو ملبيا "
قال سفيان وأخبرني إبراهيم بن أبي جرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه
وسلم مثله وزاد فيه " ولا تقربوه طيبا " أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن شهاب أن عثمان بن
عفان فعل بابن له مات محرما شبيها بهذا (قال الشافعي) ويستظل المحرم على المحمل والراحلة والأرض
بما شاء ما لم يمس رأسه.
(الطيب للاحرام)
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن شهاب وهشام بن عروة أو عثمان بن عروة عن عروة
عن عائشة وعبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم
بيدي هاتين لاحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت، وزاد عثمان بن عروة عن أبيه قلت بأي
شئ؟ قالت بأطيب الطيب أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن عائشة بنت سعد أنها طيبت أباها
للاحرام بالسك والذريرة، أخبرنا سعيد بن سالم عن حسن بن زيد ولا أعلم إلا وقد سمعته من الحسن
عن أبيه قال رأيت ابن عباس محرما وفى رأسه ولحيته مثل الرب من الغالية (قال الشافعي) ولا بأس
أن يتطيب المحرمان الرجل والمرأة بأقصى غاية الطيب الذي يبقى من غالية ونضوح وغيره لان الطيب
كان في الاحلال وإن بقي في الاحرام شئ فالاحرام شئ أحدث بعده، وإذا أحرما فليس لهما أن
يتطيبا ولا أن يمسا طيبا فإن مساه بأيديهما عامدين وكان يبقى أثره وريحه فعليهما الفدية، وسواء قليل
ذلك وكثيره وإن كان يابسا وكان لا يبقى له أثر فإن بقي له ريح فلا فدية ولا بأس أن يجلسا عند العطار
ويدخلا بيته ويشتريا الطيب ما لم يمساه بشئ من أجسادهما وأن يجلسا عند الكعبة وهي تجمر وأن
يمساها ما لم تكن رطبة فإن مساها وهما لا يعلمان أنها رطبة فعلقت بأيديهما غسلا ذلك ولا شئ عليهما
.

(1) الوقص: كسر العنق، كذا في كتب اللغة. كتبه مصححه
223

وإن عمدا أن يمساها رطبة فعلقت بأيديهما افتديا ولا يدهنان ولا يمسان شيئا من الدهن الذي يكون
طيبا وذلك مثل البان المنشوش والزنبق والخيري والادهان التي فيها الأبقال وإن مسا شيئا من هذا
عامدين افتديا وإن شما الريحان افتديا وإن شما من نبات الأرض ما يكون طيبا مما لا يتخذه الناس طيبا
فلا فدية وكذلك إن أكلا التفاح أو شماه أو الأترج أو السفرجل أو ما كان طعاما فلا فدية فيه وإن
أدخلا الزعفران أو الطيب في شئ من الطعام فكان يوجد ريحه أو طعمه أو يصبغ اللسان فأكلاه
افتديا وإن لم يوجد ريحه ولا طعمه ولا يصبغ اللسان فلا فدية لأنه قد صار مستهلكا في الطعام وسواء
كان نيئا أو نضيجا لا فرق بين ذلك ويدهنان جميع أجسادهما بكل ما أكلا مما ليس بطيب من زيت
وشيرق وسمن وزبد (1) وسقسق ويستعطان ذلك إذا اجتنبا أن يدهنا الرأس أو يدهن الرجل اللحية فإن
هذين موضع الدهن فإن دهن الرجل أو المرأة الرأس أو الرجل اللحية بأي هذا كان افتدى وإن احتاجا
إلى أن يتداويا بشئ من الطيب تداويا به وافتديا (قال) وكل ما كرهت للمحرم أن يشمه أو يلبسه من
طيب أو شئ فيه طيب كرهت له النوم عليه وإن نام عليه مفضيا إليه بجلده افتدى، وإن نام وبينه
ثوب فلا فدية عليه.
(التلبية)
(قال الشافعي) وإذا أراد الرجل أن يحرم كان ممن حج أو لم يكن فواسع له أن يهل بعمرة وواسع
له أن يهل بحج وعمرة وواسع له أن يفرد وأحب إلى أن يفرد لان الثابت عندنا أن النبي صلى الله عليه
وسلم أفرد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن
عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج (قال الشافعي) وتكفيه النية في هذا كله من أن يمسى
حجا أو عمرة فإن سمى قبل الاحرام أو معه فلا بأس (قال) وإن لبى بحج وهو يريد عمرة فهو عمرة
وإن لبى بعمرة وهو يريد حجا فهو حج وإن لبى لا يريد حجا ولا عمرة فليس بحج ولا عمرة وإن لبى
ينوى الاحرام ولا ينوى حجا ولا عمرة فله الخيار أن يجعله أيهما شاء وإن لبى وقد نوى أحدهما فنسى
فهو قارن لا يجزيه غير ذلك لأنه إن كان معتمرا فقد جاء بالعمرة وزاد حجا وإن كان حاجا فقد جاء
بحج وعمرة وإن كان قارنا فقد جاء بالقران وإذا لبى قال " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك
ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " ولا أحب أن يزيد على هذا في التلبية حرفا إلا أن يرى شيئا
يعجبه فيقول " لبيك إن العيش عيش الآخرة " فإنه لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زاد في
التلبية حرفا غير هذا عند شئ رآه فأعجبه وإذا فرغ من التلبية صلى على النبي صلى الله عليه وسلم وسأل
الله تعالى رضاه والجنة واستعاذه برحمته من النار فإنه يروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال)
ويلبى قائما وقاعدا وراكبا ونازلا وجنبا ومتطهرا وعلى كل حال ويرفع صوته بالتلبية في جميع المساجد
مساجد الجماعات وغيرها وفى كل موضع من المواضع، وليس على المرأة رفع الصوت بالتلبية لتسمع
نفسها وكان السلف يستحبون التلبية عند اضطمام الرفاق وعند الاشراف، والهبوط وخلف الصلوات

(1) قوله: وسقسق، كذا في النسخ، ولم نقف له على ضبط ولا معنى، فحرره. كتبه
مصححه.
224

وفى الأسحار وفى استقبال الليل ونحن نبحه على كل حال.
(الصلاة عند الاحرام)
(قال الشافعي) وإذا أراد الرجل أن يبتدئ الاحرام أحببت له أن يصلى نافلة ثم يركب راحلته
فإذا استقلت به قائمة وتوجهت للقبلة سائرة أحرم وإن كان ماشيا فإذا توجه ماشيا أحرم (قال
الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لهم " فإذا رحتم متوجهين إلى منى فأهلوا " (قال الشافعي) وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه لم يره يهل حتى تنبعث به راحلته (قال الشافعي) فإن أهل قبل ذلك أو أهل في إثر مكتوبة إذا
صلى أو في غير إثر صلاة فلا بأس إن شاء الله تعالى ويلبى الحاج والقارن وهو يطوف بالبيت وعلى
الصفا والمروة وفى كل حال وإذا كان إماما فعلى المنبر بمكة وعرفة ويلبى في الموقف بعرفة وبعد ما يدفع
وبالمزدلفة وفى موقف مزدلفة وحين يدفع من مزدلفة إلى أن يرمى الجمرة بأول حصاة ثم يقطع التلبية
أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال أخبرني الفضل بن عباس أن النبي
صلى الله عليه وسلم أردفه من جمع إلى منى فلم يزل يلبى حتى رمى الجمرة، أخبرنا سفيان عن محمد
بن أبي حرملة عن كريب عن ابن عباس عن الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (قال
الشافعي) وروى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، ولبى عمر حتى رمى الجمرة وميمونة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم حتى رمت الجمرة وابن عباس حتى رمى الجمرة وعطاء وطاوس ومجاهد (قال)
ويلبى المعتمر حتى يفتتح الطواف مستلما أو غير مستلم أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن
عباس قال يلبى المعتمر حتى يفتتح الطواف مستلما أو غير مستلم (قال) وسواء في التلبية من أحرم من وراء
الميقات أو الميقات أو دونه أو المكي أو غيره.
(الغسل بعد الاحرام)
(قال الشافعي) رحمه الله ولا بأس أن يغتسل المحرم متبردا أو غير متبرد يفرغ الماء على رأسه وإذا
مس شعره رفق به لئلا ينتفه وكذلك لا بأس أن يستنقع في الماء ويغمس رأسه اغتسل النبي صلى الله
عليه وسلم محرما، أخبرنا سفيان عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال ربما قال لي
عمر " تعال أماقلك في الماء أينا أطول نفسا؟ " ونحن محرمان أخبرنا سفيان أن ابنا لعمر وابن أخيه تماقلا
في الماء بين يديه وهما محرمان فلم ينههما (قال الشافعي) ولا بأس أن يدخل المحرم الحمام أخبرنا الثقة إما
سفيان وإما غيره عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس أنه دخل حمام الجحفة وهو محرم
(قال الشافعي) أخبرنا ابن أبي نجيح أن الزبير بن العوام أمر بوسخ في ظهره فحك وهو محرم.
(غسل المحرم جسده)
(قال الشافعي) رحمه الله ولا بأس أن يدلك المحرم جسده بالماء وغيره ويحكه حتى يدميه إن شاء
225

ولا بأس أن يحك رأسه ولحيته وأحب إذا حكهما أن يحكهما ببطون أنامله لئلا يقطع الشعر وإن حكهما أو
مسهما فخرج في يديه من شعرهما أو شعر أحدهما شئ أحببت له أن يفتدى احتياطا ولا فدية عليه حتى
يعلم أن ذلك خرج من فعله وذلك أنه قد يكون الشعر ساقطا في الرأس واللحية فإذا مسه تبعه والفدية
في الشعرة مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم من حنطة يتصدق به على مسكين وفى الاثنتين مدان على
مسكينين وفى الثلاث فصاعدا دم ولا يجاوز بشئ من الشعر وإن كثر دم.
(ما للمحرم ان يفعله)
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء وطاوس أحدهما أو كلاهما
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم (قال الشافعي) فلا بأس أن يحتجم المحرم
من ضرورة أو غير ضرورة ولا يحلق الشعر وكذلك يفتح العرق ويبط الجرح ويقطع العضو للدواء ولا
شئ عليه في شئ من ذلك فلو احتاط إذا قطع عضوا فيه شعر افتدى كان أحب إلي وليس ذلك
عليه بواجب لأنه لم يقطع الشعر إنما قطع العضو الذي له أن يقطعه ويختتن المحرم ويلصق عليه الدواء
ولا شئ عليه ولو حج أغلف أجزأ عنه وإن داوى شيئا من قرحه وألصق عليه خرقة أو دواء فلا فدية
عليه في شئ من الجسد إلا أن يكون ذلك في الرأس فتكون عليه الفدية.
(ما ليس للمحرم أن يفعله)
(قال الشافعي) رحمه الله وليس للمحرم أن يقطع شيئا من شعره ولا شيئا من أظفاره وإن انكسر
ظفر من أظفاره فبقي متعلقا فلا بأس أن يقطع ما انكسر من الظفر وكان غير متصل ببقية الظفر ولا خير
في أن يقطع منه شئ متصل بالبقية لأنه حينئذ ليس بثابت فيه وإذا أخذ ظفرا من أظفاره أو بعض
ظفر أطعم مسكينا وإن أخذ ظفرا ثانيا أطعم مسكينين فإن أخذ ثلاثة في مقام واحد أهراق دما وإن
أخذها متفرقة أطعم عن كل ظفر مدا وكذلك الشعر وسواء النسيان والعمد في الأظفار والشعر وقتل
الصيد لأنه شئ يذهب فلا يعود ولا بأس على المحرم أن يقطع أظفار المحل وأن يحلق شعره وليس
للمحل أن يقطع أظفار المحرم ولا يحلق شعره فإن فعل بأمر المحرم فالفدية على المحرم وإن فعله بغير أمر
المحرم راقد أو مكره افتدى المحرم ورجع بالفدية على المحل.
(باب الصيد للمحرم)
(قال الشافعي) رحمه الله وصيد البر ثلاثة أصناف صنف يؤكل وكل ما أكل منه فهو صنفان طائر
ودواب فما أصاب من الدواب نظر إلى أقرب الأشياء من المقتول من الصيد شبها من النعم والنعم الإبل
والبقر والغنم فيجزى به ففي النعامة بدنة وفى بقرة الوحش بقرة وفى حمار الوحشي بقرة وفى الثيتل بقرة
وفى الغزال عنز وفى الضبع كبش، وفى الأرنب عناق وفى اليربوع جفرة وفى صغار أولادها صغار
226

أولاد هذه فإذا أصيب من هذا عور أو مكسور فدى مثله أعور أو مكسورا وأن يفديه بصحيح أحب
إلى، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه قضى في الضبع بكبش وفى الغزال بعنز وفى الأرنب بعناق وفى اليربوع بجفرة أخبرنا
الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة بن عبد الله بن
مسعود عن أبيه ابن مسعود أنه قضى في اليربوع بجفر أو جفرة، أخبرنا سفيان عن مخارق عن طارق أن
أربد أوطأ ضبا (1) ففرز ظهره فأتى عمر فسأله فقال عمر ما ترى؟ فقال جدي قد جمع الماء والشجر
فقال: عمر فذاك فيه أخبرنا سفيان عن مطرف عن أبي السفر أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قضى
في أم حبين بحملان من الغنم (2) والحملان الحمل أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين عن
شريح أنه قال لو كان معي حكم لحكمت في الثعلب بجدي أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء أنه
قال في صغار الصيد صغار الغنم وفى المعيب منها المعيب من الغنم ولو فداها بكبار صحاح من الغنم كان
أحب إلي (قال) وإذا ضرب الرجل صيدا فجرحه فلم يدر أمات أم عاش؟ فالذي يلزمه عندي فيه
قيمة ما نقصه الجرح فإن كان ظبيا قوم صحيحا وناقصا فإن نقصه العشر فعليه العشر من ثمن شاة، وهكذا إن كان بقرة أو نعامة وإن قتله إنسان بعد فعليه شاة مجروحة وإن فداه بصحيحة كان أحب إلي
وأحب إلي إذا جرحه فغاب عنه أن يفديه احتياطا ولو كسره كان هكذا عليه أن يطعمه حتى يبرأ ويمتنع
فإن لم يمتنع فعليه فدية تامة ولو أنه ضرب ظبيا ما خضا فمات كان عليه قيمة شاة ما خض يتصدق بها
من قبل أنى لو قلت له أذبح شاة ماخضا كانت شرا من شاة غير ماخض للمساكين فإذا أردت الزيادة
لهم لم أزدد لهم ما أدخل به النقص عليهم ولكني ازداد لهم في الثمن وأعطيهموه طعاما (قال) وإذا قتل
المحرم الصيد الذي عليه جزاؤه جزاه إن شاء بمثله فإن لم يرد أن يجزيه بمثله قوم المثل دراهم ثم الدراهم
طعاما ثم تصدق بالطعام وإذا أراد الصيام صام عن كل مد يوما ولا يجزيه أن يتصدق بالطعام ولا
باللحم إلا بمكة أو منى فإن تصدق به بغير مكة أو منى أعاد بمكة أو منى ويجزيه في فوره ذلك قبل أن
يحل وبعدما يحل فإن صدر ولم يجزه بعث بجزائه حتى يجزى عنه فإن جزاه بالصوم صام حيث شاء،
لأنه لا منفعة لمساكين الحرم في صيامه وإذا أصاب المحرم الصيد خطأ أو عمدا جزاه وإذا أصاب صيدا
جزاه ثم كلما عاد جزى ما أصاب فإن أصابه ثم أكله فلا زيادة عليه في الاكل وبئس ما صنع وإذا
أصاب المحرمان أو الجماعة صيدا فعليهم كلهم جزاء واحد (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الملك
ابن قريب عن ابن سيرين أن عمر قضى هو ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال مالك
هو عبد الرحمن بن عوف على رجلين أوطآ ظبيا فقتلاه بشاة وأخبرني الثقة عن حماد بن سلمة عن زياد
مولى بنى مخزوم وكان ثقة أن قوما حرما أصابوا صيدا فقال لهم ابن عمر عليكم جزاء، فقالوا على كل
واحد منا جزاء أم علينا كلنا جزاء واحد؟ فقال ابن عمر إنه لمغرر بكم بل عليكم كلكم جزاء واحد

(1) قوله: ففزر بفاء وزاي آخره راء مهملة أي شقه وفسخه كما في اللسان، وتقدم في باب
الضب بلفظ ففقر بقاف بعد الفاء وهو تحريف والصواب ما هنا لان صاحب اللسان ذكر الحديث في
مادة " ف زر " فليعلم.
(2) قوله: والحملان، الحمل، في الكلام سقط. فإن الحمل مفرد وجمعه حملان. كتبه
مصححه.
227

(قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء في النفر يشتركون في قتل الصيد قال:
عليهم كلهم جزاء واحد (قال) وهذا موافق لكتاب الله عز وجل لان الله تبارك وتعالى يقول " فجزاء
مثل ما قتل من النعم " وهذا مثل ومن قال عليه مثلان فقد خالف معنى القرآن.
(طائر الصيد)
(قال الشافعي) الطائر صنفان حمام وغير حمام، فما كان منه حماما ذكرا أو أنثى ففدية الحمامة منه
شاة اتباعا وأن العرب لم تزل بين الحمام وغيره من الطائر وتقول الحمام سيد الطائر والحمام كل ما هدر
وعب في الماء وهي تسميه أسماء جماعة الحمام وتفرق به بعد أسماء وهي الحمام واليمام والدباسي والقمارى
والفواخت وغيره مما هدر أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس أنه قضى في حمامة من
حمام مكة بشاة (قال الشافعي) وقال ذلك عمر وعثمان ونافع بن عبد الحرث وعبد الله بن عمر وعاصم
بن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء (قال) وهذا إذا أصيبت بمكة أو أصابها المحرم (قال) وما كان من
الطائر ليس بحمام ففيه قيمته في الموضع الذي يصاب فيه قلت أو كثرت (قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن
خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن بكير بن عبد الله عن القاسم عن ابن عباس أن رجلا سأله عن
محرم أصاب جرادة فقال: يتصدق بقبضة من طعام وقال ابن عباس: وليأخذن بقبضه جرادات (1)
ولكن على ذلك رأى (قال الشافعي) وقال عمر في الجرادة تمرة (قال الشافعي) وكل ما فدى من
الصيد فباض مثل النعامة والحمامة وغيرها فأصيب بيضة ففيه قيمته في الموضع الذي يصاب فيه كقيمته
لو أصيب لانسان وما أصيب من الصيد لانسان فعلى المحرم قيمته دراهم أو دنانير لصاحبه وجزاؤه
للمساكين وما أصاب المحرم من الصيد في الحل والحرم قارنا كان أو مفردا أو معتمرا فجزاؤه واحد لا
يزاد عليه في تباعد الحرم عليه لان قليل الحرم وكثيره سواء إذا منع بها الصيد، وكل ما أصاب المحرم
إلى أن يخرج من إحرامه مما عليه فيه الفدية فداه وخروجه من العمرة بالطواف والسعي والحلق أو
التقصير وخروجه من الحج خروجان فالأول الرمي والحلاق فلو أصاب صيدا خارجا من الحرم لم يكن
عليه جزاؤه لأنه قد خرج من جميع إحرامه إلا النساء وهكذا لو طاف بالبيت أو حلق بعد عرفة وإن لم
يرم ويأكل المحرم الصيد ما لم يصده أو يصد له (قال الشافعي) أخبرنا ابن أبي يحيى عن عمرو بن أبي
عمرو مولى المطلب عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال " لحم الصيد حلال لكم في الاحرام ماله تصيدوه أو يصد لكم " (قال الشافعي) وهكذا
رواه سليمان بن بلال (قال الشافعي) وأخبرنا الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو عن رجل من بنى
سلمة عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحم الصيد " حلال لكم في الاحرام
ما لم تصيدوه أو يصد لكم " (قال الشافعي) ابن أبي يحيى أحفظ من الدراوردي (قال الشافعي) ولو

(1) قوله: ولكن على ذلك رأى كذا في النسخ هنا وتقدم هذا الحديث بلفظ ولكن ولو قال
الشافعي قوله وليأخذن بقبضة جرادات إنما فيها القيمة وقوله ولكن ولو يقول تحتاط فتخرج أكثر مما
عليك بعد ما أعلمتك انه أكثر مما عليك اه‍ كتبه مصححه.
228

أن محرما صيد من أجله صيد فذبحه غيره فأكله هو أكل محرما عليه ولم يكن عليه جزاؤه لان الله تعالى
إنما جعل جزاءه بقتله وهو لم يقتله وقد يأكل الميتة وهي محرمة فلا يكون عليه جزاء ولو دل محرم حلالا
على صيد أو أعطاه سلاحا أو حمله على دابة ليقتله فقتله لم يكن عليه جزاء وكان مسيئا كما أنه لو امره
بقتل مسلم كان القصاص على القاتل لا على الآمر وكان الآمر آثما (قال) ولو صاد حلال صيدا فاشتراه
منه محرم أو اتهبه فذبحه كان عليه جزاؤه لأنه قاتل له، والحلال يقتل الصيد في الحرم مثل المحرم يقتله
في الحرم والاحرام ويجزيه إذا قتله.
(قطع شجر الحرم)
(قال الشافعي) ومن قطع من شجر الحرم جزاه، حلالا كان أو حراما، وفي الشجرة الصغيرة شاة وفى
الكبيرة بقرة ويروى هذا عن ابن الزبير وعطاء (قال الشافعي) وللمحرم أن يقطع الشجر في غير المحرم لان
الشجر ليس بصيد.
(ما لا يؤكل من الصيد)
(قال الشافعي) ومالا يؤكل لحمه من الصيد صنفان صنف عدو عاد، ففيه ضرر وفيه أنه لا يؤكل
فيقتله المحرم وذلك مثل الأسد والذئب والنمر والغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور ويبدأ
هذا المحرم ويقتل صغاره وكباره لأنه صنف مباح ويبتدئه وإن لم يضره وصنف لا يؤكل ولا ضرر له
مثل البغاثة والرخمة واللحكاء والقطا والخنافس والجعلان ولا أعلم في مثل هذا قضاء فأمره بابتدائه
وإن قتله فلا فدية عليه لأنه ليس من الصيد أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء قال: لا يفدى
المحرم من الصيد إلا ما يؤكل لحمه (قال) وهذا موافق معنى القرآن والسنة ويقتل المحرم القردان
والحمنان والحلم (1) والكتالة والبراغيث والقملان إلا أنه إذا كان القمل في رأسه لم أحب أن يفلى عنه
لأنه إماطة أذى وأكره له قتله وآمره أن يتصدق فيه بشئ وكل شئ تصدق به فهو خير منه من غير أن
يكون واجبا وإذا ظهر له على جلده طرحه وقتله. وقتله من الحلال (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن
عيينة عن ابن أبي نجيح عن ميمون بن مهران قال جلست إلى ابن عباس فجلس إليه رجل لم أر رجلا
أطول شعرا منه فقال: " أحرمت وعلى هذا الشعر " فقال ابن عباس " اشتمل على ما دون الاذنين
منه " قال " قبلت امرأة ليست بامرأتي " قال " زنا فوك " قال " رأيت قملة فطرحتها " قال " تلك الضالة لا
تبتغى " أخبرنا مالك عن محمد بن المنكدر عن ربيعة بن الهدير أنه رأى عمر بن الخطاب يقود بعير له
في طين بالسقيا وهو محرم (قال الشافعي) قال ابن عباس: لا بأس أن يقتل المحرم القراد والحلمة.

(1) الكتاله: كذا في النسخ وبدون نقط في بعضها ولم نعثر له على ضبط فحرره، وقوله:
والقملان، هو بكسر القاف جمع قمال بالضم، لغة في القمل، كغراب وغربان.
229

(صيد البحر)
(قال الشافعي) قال الله تعالى " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة " وقال الله عز
وجل " وما يستوى البحر ان هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا " (قال
الشافعي) فكل ما كان فيه صيد، في بئر كان أو ماء مستنقع أو غيره، فهو بحر وسواء كان في الحل والحرم
يصاد ويؤكل لأنه مما لم يمنع بحرمة شئ وليس صيده الا ما كان يعيش في أكثر عيشه، فأما طائره فإنما يأوى
إلى أرض فيه فهو من صيد البر إذا أصيب جزى.
(دخول مكة)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أحب للرجل إذا أراد دخول مكة أن يغتسل في طرفها ثم يمضى
إلى البيت ولا يعرج فيبدأ بالطواف وإن ترك الغسل أو عرج لحاجة فلا بأس عليه وإذا رأى البيت قال
" اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وعظمه وكرمه ممن حجه أو اعتمره
تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام " فإذا انتهى إلى
الطواف اضطبع فأدخل رداءه تحت منكبه الأيمن ورده على منكبه الأيسر حتى يكون منكبه الأيمن
مكشوفا ثم استلم الركن الأسود إن قدر على استلامه وقال عند استلامه " اللهم ايمانا بك وتصديقا
بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم " ثم يمضى عن يمينه فيرمل ثلاثة
أطواف من الحجر إلى الحجر ليس بينهما مشى ويمشى أربعة فإن كان الزحام (1) شيئا لا يقدر على أن
يرمل فكان إذا وقف لم يؤذ أحدا وقف حتى ينفرج له ما بين يديه ثم يرمل وإن كان يؤذى أحدا في
الوقوف مشى مع الناس بمشيهم وكلما انفرجت له فرجة رمل وأحب إلى لو تطرف حتى يخرج من
الناس حاشية ثم يرمل فإن ترك الرمل في طواف رمل في اثنين وإن تركه في اثنين رمل في واحد وإن
تركه في الثلاثة لم يقض، إذا ذهب موضعه لم يقضه فيما بقي ولا فدية عليه ولا إعادة وسواء تركه ناسيا
أو عامدا إلا أنه مسئ في تركه عامدا وهكذا الاضطباع والاستلام إن تركه فلا فدية ولا إعادة عليه
(قال) وأحب إلى أن يستلم فيما قدر عليه ولا يستلم من الأركان إلا الحجر واليماني يستلم اليماني بيده ثم
يقبلها ولا يقبله ويستلم الحجر بيده ويقبلها ويقبله إن أمكنه التقبيل ولم يخف على عينيه ولا وجهه أن
يجرح وأحب كلما حاذى به أن يكبر وأن يقول في رمله " اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا
مشكورا " ويقول في الأطواف الأربعة " اللهم اغفر وارحم واعف عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم
اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " فإذا فرغ من طوافه صلى خلف المقام
ركعتين فيقرأ في الأولى ب‍ " قل يا أيها الكافرون " وفى الأخرى ب‍ " قل هو الله أحد " وكل واحدة منهما
بعد أم القرآن ثم يعود إلى الركن فيستلمه وحيثما صلى أجزأه وما قرأ مع أم القرآن أجزأه وإن ترك استلام
الركن اليماني فلا شئ عليه ولا يجزيه الطواف بالبيت ولا الصلاة إلا طاهرا ولا يجزئه من الطواف
بالبيت أقل من سبع تام فإن خرج قبل سبع فسعى بين الصفا والمروة ألغى سعيه حتى يكون سعيه بعد

(1) شيئا: كذا في النسخ، ولعلها محرفة عن " شديدا " فانظر. كتبه مصححه.
230

سبع كامل على طهارة وإن قطع عليه الطواف للصلاة بنى من حيث قطع عليه وإن انتقض وضوؤه أو
رعف خرج فتوضأ ثم رجع فبنى من حيث قطع (1) وهكذا إن انتقض وضوؤه وإن تطاول ذلك
استأنف الطواف وإن شك في طوافه فلم يدر خمسا طاف أو أربعا؟ بنى على اليقين وألغى الشك حتى
يستيقن ان قد طاف سبعا تاما أو أكثر.
(الخروج إلى الصفا)
(قال الشافعي) وأحب إلى أن يخرج إلى الصفا من باب الصفا ويظهر فوقه في موضع يرى منه
البيت ثم يستقبل البيت فيكبر ويقول " الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا
والحمد لله على ما هدانا وأولانا ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت بيده
الخير وهو على كل شئ قدير لا إله إلا الله صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله
ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " ثم يدعو ويلبى ثم يعود فيقول مثل هذا القول حتى
يقوله ثلاثا ويدعو فيما بين كل تكبيرتين بما بدا له في دين أو دنيا ثم ينزل يمشى حتى إذا كان دون الميل
الأخضر المعلق في ركن المسجد بنحو من ستة أذرع سعى سعيا شديدا حتى يحاذي الميلين الأخضرين
اللذين بفناء المسجد ودار العباس ثم يمشى حتى يرقى على المروة حتى يبدو له البيت إن بدا له ثم يصنع
عليها ما صنع على الصفا حتى يكمل سبعا يبدأ بالصفا ويختم بالمروة وأقل ما عليه في ذلك أن يستوفى ما
بينهما مشيا أو سعيا وإن لم يظهر عليهما ولا على واحد منهما ولم يكبر ولم يدع ولم يسع في السعي فقد ترك
فضلا ولا إعادة ولا فدية عليه وأحب إلى أن يكون طاهرا في السعي بينهما وإن كان غير طاهر جنبا أو
على غير وضوء لم يضره لان الحائض تفعله وإن أقيمت الصلاة وهو يسعى بين الصفا والمروة دخل فصلى
ثم رجع فبنى من حيث قطع وإن رعف أو انتقض وضوؤه انصرف فتوضأ ثم رجع فبنى والسعي بين
الصفا والمروة واجب لا يجزى غيره ولو تركه رجل حتى جاء بلده فكان معتمرا كان حراما من كل شئ
حتى يرجع وإن كان حاجا قد رمى الجمرة وحلق كان حراما من النساء حتى يرجع ولا يجزى بين الصفا
والمروة إلا سبع كامل فلو صدر ولم يكمله سبعا فإن كان إنما ترك من السابع ذراعا كان كهيئته لو لم يطف
ورجع حتى يبتدئ طوافا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الله بن المؤمل العابدي عن
عمر بن عبد الرحمن بن محيصن عن عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة قالت أخبرتني (2) بنت أبي
تجزأة إحدى نساء بنى عبد الدار قالت: دخلت مع نسوة من قريش دار ابن أبي الحسين ننظر إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة فرأيته يسعى وإن مئزره ليدور من شدة السعي
حتى إني لاقول إني لا أرى ركبتيه وسمعته يقول " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي " (قال الشافعي)
أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال أخبرني من رأى عثمان بن عفان رضي الله عنه
يقوم في حوض في أسفل الصفا ولا يظهر عليه (قال الشافعي) وليس على النساء رمل بالبيت ولا

(1) قوله: وهكذا إن انتقض وضوؤه كذا في النسخ وهو مكرر مع قوله قبله " وإن انتقض
وضوؤه " فانظر.
(2) بنت أبي تجزأة، في القاموس: اسمها حبيبة، وتجزأة بضم فسكون ففتح.
231

بين الصفا والمروة ويمشين على هينتهن وأحب للمشهورة بالجمال ان تطوف وتسعى ليلا وإن طافت بالنهار
سدلت ثوبها على وجهها أو طافت في ستر ويطوف الرجل والمرأة بالبيت وبين الصفا والمروة ماشيين ولا
بأس أن يطوفا محمولين من علة وإن طافا محمولين من غير علة فلا إعادة عليهما ولا فدية، أخبرنا الربيع
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم القداح عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن (1)
عبيد الله بن عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت على راحلته يستلم الركن
بمحجنه (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر
أصحابه أن يهجروا بالإفاضة وأفاض في نسائه ليلا وطاف بالبيت يستلم الركن بمحجنه أظنه قال:
ويقبل طرف المحجن.
(الرجل يطوف بالرجل يحمله)
(قال الشافعي) وإذا كان الرجل محرما فطاف بمحرم صبي أو كبير يحمله ينوى بذلك أن يقضى
عن الكبير والصغير طوافه وعن نفسه فالطواف طواف المحمول لا طواف الحامل وعليه الإعادة وعليه أن
يطوف لأنه كمن لم يطف.
(ما يفعل المرء بعد الصفا والمروة)
(قال الشافعي) إذا كان الرجل معتمرا فإن كان معه هدى أحببت له إذا فرغ من الصفا والمروة أن
ينحره قبل أن يحلق أو يقصر وينحره عند المروة وحيثما نحره من مكة أجزأه وإن حلق أو قصر قبل أن
ينحره فلا فدية عليه وينحر الهدى وسواء كان الهدى واجبا أو تطوعا وإن كان قارنا أو حاجا أمسك عن
الحلق فلم يحلق حتى يرمى الجمرة يوم النحر ثم يحلق أو يقصر والحلق أحب إلي وإن كان الرجل أصلع
ولا شعر على رأسه أو محلوقا أمر الموسى على رأسه وأحب إلى لو أخذ من لحيته وشاربيه حتى يضع من
شعره شيئا لله وإن لم يفعل فلا شئ عليه لان النسك إنما هو في الرأس لا في اللحية وليس على النساء
حلق الشعر ويؤخذ من شعورهن قدر أنملة ويعم بالأخذ وإن أخذ أقل من ذلك أو من ناحية من نواحي
الرأس ما كان ثلاث شعرات فصاعدا أجزأ عنهن وعن الرجال وكيفما أخذوا بحديدة أو غيرها أو نتفا أو
قرضا، أجزأ إذا وقع عليه اسم اخذ، وكان شئ موضوعا منه لله عز وجل يقع عليه اسم جماع شعر
وذلك ثلاث شعرات فصاعدا.
(ما يفعل الحاج والقارن)
(قال الشافعي) وأحب للحاج والقارن أن يكثر الطواف بالبيت وإذا كان يوم التروية أحببت أن

(1) عبيد الله بن عبد الله بن عباس، كذا في بعض النسخ، وفى بعضها " عبيد الله بن عبد الله
عن ابن عباس " وانظر. كتبه مصححه.
232

يخرجا إلى " منى " ثم يقيما بها حتى يصليا الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ثم يغدوا إذا طلعت
الشمس على ثيبر وذلك أول بزوغها ثم يمضيا حتى يأتيا عرفة فيشهدا الصلاة مع الامام ويجمعا بجمعه
بين الظهر والعصر إذا زالت الشمس وأحب للامام مثل ما أحببت لهما ولا يجهر يومئذ بالقراءة لأنها
ليست بجمعة ويأتي المسجد إذا زالت الشمس فيجلس على المنبر فيخطب الخطبة الأولى فإذا جلس
أخذ المؤذن في الاذان وأخذ هو في الكلام وخفف الكلام الآخر حتى ينزل بقدر فراغ المؤذن من
الاذان فيقيم المؤذن فيصلى الظهر ثم يقيم المؤذن إذا سلم الامام من الظهر فيصلى العصر ثم يركب فيروح
إلى الموقف عند موقف الامام عند الصخرات ثم يستقبل القبلة فيدعو حتى الليل ويصنع ذلك الناس
وحيثما وقف الناس من عرفة أجزأهم لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " هذا الموقف وكل عرفة موقف "
ويلبى في الموقف ويقف قائما وراكبا ولا فضل عندي للقيام على الركوب إن كانت معه دابة إلا أن يعلم
أنه يقوى فلا يضعف فلا بأس أن ينزل فيقوم ولو نزل فجلس لم يكن عليه شئ وحيثما وقف من سهل
أو جبل فسواء وأقل ما يكفيه في عرفة حتى يكون به مدركا للحج أن يدخلها وإن لم يقف ولم يدع فيما
بين الزوال إلى طلوع الفجر من ليلة النحر فمن لم يدرك هذا فقد فاته الحج، وأحب إلى لو تفرغ يومئذ
للدعاء ولو أتجر أو تشاغل عن الدعاء لم يفسد عليه حجه ولم يكن عليه فيه فدية، ولو خرج من عرفة
بعد الزوال وقبل مغيب الشمس كان عليه أن يرجع فيما بينه وبين طلوع الفجر فإن فعل فلا فدية عليه
وإن لم يفعل فعليه الفدية والفدية ان يهريق دماء وإن خرج منها ليلا بعد ما تغيب الشمس ولم يكن
وقف قبل ذلك نهارا فلا فدية عليه وعرفة ما جاوز وادى عرنة الذي فيه المسجد وليس المسجد ولا
وادى عرنة من عرفة إلى الجبال القابلة على عرفة كلها مما يلي حوائط ابن عامر وطريق الحصن فإذا
جاوزت ذلك فليس من عرفة وإن ترك الرجل المرور ب‍ " منى " في البداءة فلا شئ عليه وكذلك إن
مر بها وترك المنزل ولا يدفع من عرفة حتى تغيب الشمس ويبين مغيبها.
(باب ما يفعل من دفع من عرفة)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأحب إذا دفع من عرفة أن يسير على هينته راكبا كان أو ماشيا
وإن سار أسرع من هينته ولم يؤذ أحدا لم أكره وأكره أن يؤذى فإن أذى فلا فدية عليه وأحب أن
يسلك بين المأزمين وإن سكك طريق ضب فلا بأس عليه ولا يصلى المغرب والعشاء حتى يأتي المزدلفة
فيصليهما فيجمع بينهما بإقامتين ليس معهما أذان وإن أدركه نصف الليل قبل أن يأتي المزدلفة صلاهما
دون المزدلفة والمزدلفة من حين يفضى من مأزمي عرفة وليس المأزمان من المزدلفة إلى أن يأتي قرن محسر
وقرن محسر ما عن يمينك وشمالك من تلك المواطن القوابل والظواهر والشعاب والشجار كلها من المزدلفة
ومزدلفة منزل فإذا خرج منه رجل بعد نصف الليل فلا فدية عليه وإن خرج قبل نصف الليل فلم يعد
إلى المزدلفة افتدى والفدية شاة يذبحها ويتصدق بها وأحب أن يقيم حتى يصلى الصبح في أول وقتها ثم
يقف عل قزح حتى يسفر وقبل تطلع الشمس ثم يدفع وحيثما وقف من مزدلفة أو نزل أجزأه وإن استأخر
من مزدلفة إلى أن تطلع الشمس أو بعد ذلك كرهت ذلك له ولا فدية عليه وإن ترك المزدلفة فلم ينزلها
ولم يدخلها فيما بين نصف الليل الأول إلى صلاة الصبح افتدى وإن دخلها في ساعة من هذا الوقت فلا
فدية عليه ثم يسير من المزدلفة على هينته كما وصفت السير من عرفة وأحب أن يحرك في بطن محسر قدر
233

رمية حجر فإن لم يفعل فلا شئ عليه (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه وأخبرنا
مسلم بن خالد عن ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة وزاد أحدهما على الآخر واجتمعا في المعنى
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كان أهل الجاهلية يدفعون من عرفة قبل أن تغيب الشمس ومن
المزدلفة بعد أن تطلع الشمس ويقولن: أشرق ثبير كيما نغير. فأخر الله تعالى هذه وقدم هذه. يعنى
قدم المزدلفة قبل أن تطلع الشمس وأخر عرفة إلى أن تغيب الشمس (قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن
خالد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر وأخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر وعن سعيد
ابن عبد الرحمن بن يربوع عن أبي الحويرث قال رأيت أبا بكر الصديق واقفا على قزح وهو يقول " أيها
الناس أصبحوا أيها الناس أصبحوا " ثم دفع فرأيت فخذه مما يحرش بعيره بمحجنه (قال الشافعي)
أخبرنا الثقة ابن أبي يحيى أو سفيان أو هما عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر كان يحرك في بطن محسر
ويقول: إليك تعدو قلقا وضينها * مخالفا دين النصارى دينها
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان أنه سمع عبيد الله بن أبي يزيد يقول سمعت ابن عباس يقول كنت
فيمن قدم النبي صلى الله عليه وسلم من ضعفه أهله، يعنى من المزدلفة إلى منى.
(دخول منى)
(قال الشافعي) أحب أن لا يرمى أحد حتى تطلع الشمس ولا بأس عليه أن يرمى قبل طلوع
الشمس وقبل الفجر إذا رمى بعد نصف الليل أخبرنا داود بن عبد الرحمن وعبد العزيز بن محمد
الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه قال دار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر إلى أم سلمة
فأمرها أن تعجل الإفاضة من جمع ترمى الجمرة وتوافي صلاة الصبح بمكة وكان يومها فأحب أن
توافيه أخبرنا الثقة عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه
وسلم مثله (قال الشافعي) وهذا لا يكون إلا وقد رمت الجمرة قبل الفجر بساعة ولا يرمى يوم النحر إلا
جمرة العقبة وحدها ويرميها راكبا وكذلك يرميها يوم النفر راكبا ويمشى في اليومين الآخرين أحب إلي،
وإن ركب فلا شئ عليه أخبرنا سعيد بن سالم قال أخبرني أيمن بن نابل قال أخبرني قدامة بن عبد الله
ابن عمار الكلابي قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمى جمرة العقبة على ناقته الصهباء ليس ضرب
ولا طرد وليس قيل إليك إليك (قال الشافعي) وأحب إلى أن يأخذ حصى الجمرة يوم النحر من مزدلفة
ومن حيثما أخذه أجزأه وكذلك في أيام منى كلها من حيث أخذه أجزأه إلا أنى أكرهه من ثلاثة
مواضع من المسجد لئلا يخرج حصى المسجد منه وأكرهه من الحش لنجاسته ومن كل موضع نجس
وأكرهه من الجمرة لأنه حصى غير متقبل وأنه قد رمى به مرة وإن رماها بهذا كله أجزأه (قال) ولا
يجزى الرمي إلا بالحجارة وكل ما كان يقع عليه اسم حجر من مرو أو مرمر أو حجر برام أو كذان أو
صوان أجزأه وكل ما لا يقع عليه اسم حجر لا يجزيه مثل الآجر والطين المجموع مطبوخا كان أو نيئا
والملح والقوارير وغير ذلك مما لا يقع عليه اسم الحجارة، فمن رمى بهذا أعاد وكان كمن لم يرم ومن
رمى الجمار من فوقها أو تحتها أو بحذائها من أي وجه لم يكن عليه شئ ولا يرمى الجمار في شئ من أيام
منى غير يوم النحر إلا بعد الزوال ومن رماها قبل الزوال أعاد ولا يرمى منها شئ بأقل من سبع حصيات
234

فإن رماها بست ست أو كان معه حصى إحدى وعشرون فرمى الجمار ولم يدر: أي جمرة رمى بست
عاد فرمى الأولى بواحدة حتى يكون على يقين من أنه قد أكمل رميها بسبع ثم رمى الاثنتين بسبع سبع
وإن رمى بحصاة فأصابت إنسانا أو محملا ثم استنت حتى أصابت موضع الحصى من الجمرة أجزأت
عنه وإن وقعت فنفضها الانسان أو البعير فأصابت موقف الحصى لم تجز عنه لو رمى إنسان بحصاتين أو
ثلاث أو أكثر في مرة لم يكن إلا كحصاة واحدة وعليه أن يرمى سبع مرات وأقل ما عليه في الرمي أن
يرمى حتى يوقع حصاه في موضع الحصى وإن رمى بحصاة فغابت عنه فلم يدر أين وقعت أعادها ولم
تجز عنه حتى يعلم أنها قد وقعت في موضع الحصى ويرمى الجمرتين الأولى والوسطى يعلوهما علوا ومن
حيث رماهما أجزأه ويرمى جمرة العقبة من بطن الوادي ومن حيث رماها أجزأه وإذا رمى الجمرة
الأولى تقدم عنها فجعلها في قفاه في الموضع الذي لا يناله ما تطاير من الحصى ثم وقف فكبر وذكر الله
ودعا بقدر سورة البقرة ويصنع مثل ذلك عند الجمرة الوسطى إلا أنه يترك الوسطى بيمين لأنها على
أكمة لا يمكنه غير ذلك ويقف في بطن المسيل منقطعا عن أن يناله الحصى ولا يصنع ذلك عند جمرة
العقبة ويصنعه في أيام منى كلها وإن ترك ذلك فلا إعادة عليه ولا فدية ولا بأس إذا رمى الرعاء
الجمرة يوم النحر أن يصدروا ويدعوا المبيت ب‍ " منى " ويبيتوا في إبلهم (1) ويقيموا ويدعوا الرمي الغد
من بعد يوم النحر ثم يأتوا بعد الغد من يوم النحر وذلك يوم النفر الأول فيبتدئوا فيرموا لليوم الماضي
الذي أعيوه في الإبل حتى إذا أكملوا الرمي أعادوا على الجمرة الأولى فاستأنفوا رمى يومهم ذلك فإن
أرادوا الصدر فقد قضوا ما عليهم من الرمي وإن رجعوا إلى الإبل أو أقاموا بمنى لا يريدون الصدر رموا
الغد وهو يوم النفر الاخر (قال) ومن نسي رمى جمرة من الجمار نهارا رماها ليلا ولا فدية عليه وكذلك
لو نسي رمى الجمار حتى يرميها في آخر أيام منى وسواء رمى جمرة العقبة إذا نسيه أو رمى الثلاث إذا
رمى ذلك في أيام الرمي فلا شئ عليه وإن مضت أيام الرمي وقد بقيت عليه ثلاث حصيات لم يرم
بهن أو أكثر من جميع الرمي فعليه دم وإن بقيت عليه حصاة فعليه مد وإن بقيت حصاتان فمدان وإن
بقيت عليه ثلاث فدم وإذا تدارك عليه رميان ابتدأ الرمي الأول حتى يكمله ثم عاد فابتدأ الآخر ولا
يجزيه أن يرمى في مقام واحد بأربع عشرة حصاة فإن أخر ذلك إلى آخر أيام منى فلم يكمل جميع ما
عليه من الرمي إلى أن تغيب الشمس افتدى كما وصفت الفدية في ثلاث حصيات فصاعدا دم ولا
رمى إذا غابت الشمس (قال) وكذلك لو نفر يوم النفر الأول ثم ذكر أنه قد بقي عليه الرمي أهراق دما
ولو احتاط فرمى لم أكره ذلك ولا شئ عليه لأنه قطع الحج وله القطع ويرمى عن المريض الذي لا
يستطيع الرمي وقد قيل يرمى المريض في يد الذي يرمى عنه ويكبر فإن فعل فلا بأس وإن لم يفعل فلا
شئ عليه فإن صح في أيام منى فرمى ما رمى عنه أحببت ذلك له فإن لم يفعل فلا شئ عليه ويرمى
عن الصبي الذي لا يستطيع الرمي فإن كان يعقل أن يرمى إذا أمر رمى عن نفسه وإذا رمى الرجل عن
نفسه ورمى عن غيره أكمل الرمي عن نفسه ثم عاد فرمى عن غيره كما يفعل إذا تدارك عليه رميان
وأحب إذا رمى أن يرفع يديه حتى يرى بياض ما تحت منكبيه ويكبر مع كل حصاة وإن ترك ذلك فلا
فدية عليه (قال) وإذا كان الحصى نجسا أحببت غسله أو ذلك إن شككت في نجاسته لئلا ينجس اليد

(1) ويقيموا، كذا في النسخ، وكذلك قوله بعد " أعيوه " ولعل هنا تحريفا من النساخ،
والأصل " ويعتموا " بالعين المهملة وبعدها مثناة فوقية وكذلك عتموا، فانظر. وحرر.
235

أو الإزار وإن لم يفعل ورمى به أجزأه ويرمى الجمار بقدر حصى الخذف لا يجاوز ذلك أخبرنا مسلم عن
ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمار بمثل حصى الخذف أخبرنا
سفيان عن حميد بن قيس عن محمد عن إبراهيم بن الحرث التيمي عن رجل من قومه من بنى تيم
يقال له معاذ أو ابن معاذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم ينزل الناس بمنى منازلهم وهو يقول: ارموا ارموا
بمثل حصى الخذف (قال الشافعي) (1) والخذف ما خذف به الرجل وقدر ذلك أصغر من الأنملة
طولا وعرضا وإن رمى بأصغر من ذلك أو أكبر كرهت ذلك وليس عليه إعادة.
(ما يكون بمنى غير الرمي)
(قال الشافعي) وأحب للرجل إذا رمى الجمرة فكان معه هدى أن يبدأ فينحره أو يذبحه ثم يحلق أو
يقصر ثم يأكل من لحم هديه ثم يفيض فإن ذبح قبل أن يرمى أو حلق قبل أن يذبح أو قدم نسكا قبل
نسك مما يعمل يوم النحر فلا حرج ولا فدية (قال الشافعي) أخبرنا مسلم عن ابن شهاب عن عيسى بن
طلحة بن عبيد الله عن عبد الله بن عمرو قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى
للناس يسألونه فجاء رجل فقال يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح فقال " اذبح ولا جرج "
فجاءه رجل فقال يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمى قال " ارم ولا حرج " قال فما سئل رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن شئ قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج (قال الشافعي) ولو أفاض قبل
أن يرمى فطاف كان عليه أن يرمى ولم يكن عليه إعادة الطواف ولو أخر الإفاضة حتى تمضى أيام منى
أو بعد ذلك لم يكن عليه فدية ولا وقت للعمل في الطواف (قال الشافعي) ولا يبيت أحد من الحاج
إلا بمنى ومنى ما بين العقبة وليست العقبة من منى إلى بطن محسر وليس بطن محسر من منى وسواء سهل
ذلك وجبله فيما أقبل على منى فأما ما أدبر من الجبال فليس من منى ولا رخصة لاحد في ترك المبيت
عن منى إلا رعاء الإبل وأهل السقاية سقاية العباس بن عبد المطلب دون السقايات ولا رخصة فيها
لاحد من أهل السقايات إلا لمن ولى القيام عليها منهم وسواء من استعملوا عليها من غيرهم أو هم (قال
الشافعي) أخبرنا يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم
رخص لأهل السقاية من أهل بيته أن يبيتوا بمكة ليالي منى (قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد عن
ابن جريج عن عطاء مثله وزاد عطاء من أجل سقايتهم (قال الشافعي) ومن بات عن منى غير من
سميت تصدق في ليلة بدرهم وفى ليلتين بدرهمين وفى ثلاث بدم (قال) ولا بأس إذا كان الرجل أكثر
ليله بمنى أن يخرج من أول ليلة أو آخره عن منى (قال الشافعي) ولو أن رجلا لم يفض فأفاض فشغله
الطواف حتى يكون ليله أكثره بمكة لم يكن عليه فدية من قبل أنه كان لازما له من عمل الحج وأنه كان
له أن يعمله في ذلك الوقت ولو كان عمله إنما هو تطوع افتدى وكذلك لو كان إنما هو لزيارة أحد أو
حديثه، ومن غابت له الشمس يوم النفر الأول بمنى ولم يخرج منها نافرا فعليه أن يبيت تلك الليلة

(1) قوله: والخذف ما خذف الخ كذا في الأصل، وانظر. كتبه مصححه.
236

ويرمى من الغد ولكنه لو خرج منها قبل أن تغيب الشمس نافرا ثم عاد إليها مارا أو زائرا لم يكن عليه
شئ إن بات ولم يكن عليه لو بات أن يرمى من الغد.
(طواف من لم يفض ومن أفاض)
(قال الشافعي) ومن قدم طوافه للحج قبل عرفة بالبيت وبين الصفا والمروة فلا يحل حتى يطوف
بالبيت سبعا وليس عليه أن يعود للصفا والمروة وسواء كان قارنا أو مفردا ومن أخر الطواف حتى يرجع
من منى فلا بد أن يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، وسواء كان قارنا أو مفردا، والقارن والمفرد سواء
في كل أمرهما إلا أن على القارن دما وليس ذلك على المفرد ولان القارن قد قضى حجة الاسلام
وعمرته وعلى المفرد إعادة عمرته فأما ما أصابا مما عليهما فيه الفدية فهما فيه سواء وسواء الرجل والمرأة في
هذا كله إلا أن المرأة تخالف الرجل في شئ واحد فيكون على الرجل ان يودع البيت وإن طاف بعد
منى، ولا يكون على المرأة وداع البيت إذا طافت بعد منى إن كانت حائضا وإن كانت طاهرا فهي
مثل الرجل لم يكن لها أن تنفر حتى تودع البيت وإذا كانت لم تطف بالبيت بعد منى لم يكن لها أن تنفر
حتى تطوف وليس على كريها ولا على رفقائها ان يحتسبوا عليها وحسن لو فعلوا (قال) وإذا نفر الرجل
قبل أن يودع البيت فإن كان قريبا والقريب دون ما تقتصر فيه الصلاة أمرته بالرجوع وإن بلغ ما
تقصر فيه الصلاة بعث بدم يهراق عنه بمكة فلو أنه عمد ذلك كان مسيئا ولم يكن ذلك مفسدا لحجه
وأجزأه من ذلك دم يهريقه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن سليمان الأحول عن
طاوس عن ابن عباس قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه رخص للمرأة الحائض
(قال) ولو طاف رجل بالبيت الطواف الواجب عليه ثم نسي الركعتين (1) الواجبة حتى يسعى بين
الصفا والمروة لم يكن عليه إعادة، وهكذا تقول في كل عمل يصلح في كل موضع والصلاة في كل
موضع وكان عليه أن يصلى ركعتي الطواف حيث ذكرهما من حل أو حرم.
(الهدي)
(قال الشافعي) الهدى من الإبل والبقر والغنم، وسواء البخت والعراب من الإبل والبقر والجواميس
والضأن والمعز، ومن نذر هديا فسمى شيئا لزمه الشئ الذي سمى صغيرا كان أو كبيرا ومن لم يسم شيئا
أو لزمه هدى ليس بجزاء من صيد فيكون عدله فلا يجزيه.
من الإبل ولا البقر ولا المعز إلا ثنى فصاعدا ويجزيه الذكر والأنثى ويجزى من الضأن وحده الجذع
والموضع الذي يجب عليه فيه الحرم لا محل للهدى دونه إلا أن يسمى الرجل موضعا من الأرض فينحر
فيه هديا أو يحصر رجل بعدو فينحر حيث أحصر ولا هدى إلا في الحرم لا في غير ذلك (قال)
والاختيار في الهدى أن يتركه صاحبه مستقبل القبلة ثم يقلده نعلين ثم يشعره في الشق الأيمن. والاشعار

(1) قوله: الواجبة. كذا في جميع النسخ وهي وصف للصلاة المستفادة من الركعتين كما هو ظاهر. كتبه
مصححه.
237

في الهدى أن يضرب بحديدة في سنام البعير أو سنام البقر حتى يدمى والبقر والإبل في ذلك سواء ولا
يشعر الغنم ويقلد الرقاع وخرب القرب ثم يحرم صاحب الهدى مكانه وإن ترك التقليد والاشعار فلا شئ
عليه وإن قلده وأشعر وهو لا يريد الاحرام فلا يكون محرما (قال) وإذا ساق الهدى فليس له أن يركبه إلا
من ضرورة وإذا اضطر إليه ركبه ركوبا غير فادح له وله أن يحمل الرجل المعيى والمضطر على هديه وإذا
كان الهدى أنثى فنتجت فإن تبعها فصيلها ساقه وإن لم يتبعها حمله عليها وليس له أن يشرب من لبنها
إلا بعد رى فصيلها وكذلك ليس له أن يسقى أحدا وله أن يحمل فصيلها وإن حمل عليها من غير
ضرورة فأعجفها غرم قيمة ما نقصها وكذلك إن شرب من لبنها ما ينهك فصيلها غرم قيمة اللبن الذي
شرب، وإن قلدها وأشعرها ووجهها إلى البيت أو وجهها بكلام فقال هذه هدى، فليس له أن يرجع
فيها ولا يبدلها بخير ولا بشر منها كانت زاكية أو غير زاكية وكذلك لو مات لم يكن لورثته أن يرثوها وإنما
أنظر في الهدى إلى يوم يوجب، فإن كان وافيا ثم أصابه بعد ذلك عور أو عرج أو ما لا يكون به وافيا
على الابتداء لم يضره إذا بلغ المنسك، وإن كان يوم وجب ليس بواف ثم صح حتى يصير وافيا قبل أن
ينحر لم يجز عنه ولم يكن له أن يحبسه ولا عليه أن يبدله إلا أن يتطوع بإبداله مع نحره أو يكون أصله
واجبا فلا يجزي عنه فيه إلا واف، والهدى هديان هدى أصله تطوع فذلك إذا ساقه فعطب فأدرك
ذكاته فنحره أحببت له أن يغمس قلادته في دمه ثم يضرب بها صفحته ثم يخلى بين الناس وبينه
يأكلونه، فإن لم يحضره أحد تركه بتلك الحال وإن عطب فلم يدرك ذكاته فلا بدل عليه في واحدة من
الحالين فإن أدرك ذكاته فترك أن يذكيه أو ذكاه فأكله أو أطعمه أغنياء أو باعه فعليه بدله وإن أطعم
بعضه أغنياء وبعضه مساكين أو أكل بعضه وخلى بين الناس وبين ما بقي منه غرم قيمة ما أكل وما
أطعم الأغنياء فيتصدق به على مساكين الحرم لا يجزيه غير ذلك، وهدى واجب فذلك إذا عطب دون
الحرم صنع به صاحبه ما شاء من بيع وهبة وإمساك وعليه بذله بكل حال ولو تصدق به في موضعه على
مساكين كان عليه بدله لأنه قد خرج من أن يكون هديا حين عطب قبل أن يبلغ محله وإذا ساق المتمتع
الهدى معه أو القارن لمتعته أو قرانه فلو تركه حتى ينحره يوم النحر كان أحب إلي وإن قدم فنحره في
الحرم أجزأ عنه من قبل أن على الناس فرضين فرض في الأبدان فلا يكون إلا بعد الوقت وفرض في
الأموال فيكون قبل الوقت إذا كان شيئا مما فيه الفرض وهكذا إن ساقه مفردا متطوعا به والاختيار إذا
ساقه معتمرا أن ينحره بعدما يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل أن يحلق عند المروة وحيث
نحره من فجاج مكة أجزأه والاختيار في الحج أن ينحره (1) يعنى بعد أن يرمى جمرة العقبة وقبل أن
يحلق وحيثما نحره من منى أو مكة إذا أعطاه مساكين الحرم أجزأه ولو أن رجلين كان عليهما هديان
واجبان فأخطأ كل واحد منهما بهدى صاحبه فذبحه ثم أدركه قبل أن يتصدق به أخذ كل واحد منهما
هدى نفسه ورجع كل واحد منهما على صاحبه بقيمة ما بين الهديين حيين ومنحورين وأجزأ عنهما
وتصدقا بكل ما ضمن كل واحد منهما لصاحبه ولو لم يدركاه حتى (2) فات تصدقه، ضمن كل واحد

(1) قوله: يعنى، كذا في جميع النسخ ولعل هذه الغاية وما بعدها من عبارة الربيع فأنظر.
(2) فات تصدقه، كذا في بعض النسخ، وفي بعضها " مات فصدقه " وانظر وحرر. كتبه مصححه.
238

منهما لصاحبه قيمة الهدى حيا وكان على كل واحد منهما البدل ولا أحب أن يبدل واحد منهما إلا
بجميع ثمن هديه وإن لم يجد بثمن هديه هديا زاد حتى يبدله هديا ولو أن رجلا نحر هديه فمنع
المساكين دفعه إليهم أو نحره بناحية ولم يحل بين المساكين وبينه حتى ينتن كان عليه أن يبدله والنحر يوم
النحر وأيام منى كلها حتى تغيب الشمس من آخر أيامها فإذا غابت الشمس فلا نحر إلا أن من كان
عليه هدى واجب نحره وأعطاه مساكين الحرم قضاء، ويذبح في الليل والنهار وإنما أكره ذبح الليل
لئلا يخطئ رجل في الذبح أو لا يوجد مساكين حاضرون فأما إذا أصاب الذبح ووجد مساكين
حاضرين فسواء وفى أي الحرم ذبحه ثم أبلغه مساكين الحرم أجزأه، وإن كان ذبحه إياه في غير موضع
ناس، وينحر الإبل قياما غير معقولة فإن أحب عقل إحدى قوائمها وإن نحرها باركة أو مضطجعة
أجزأت عنه وينحر الإبل ويذبح البقر والغنم وإن نحر البقر والغنم أو ذبح الإبل كرهت له ذلك وأجزأت
عنه ومن أطاق الذبح من امرأة أو رجل أجزأ أن يذبح النسيكة، وهكذا من حلت ذكاته إلا أنى أكره
أن يذبح النسيكة يهودي أو نصراني فإن فعل فلا إعادة على صاحبه، وأحب إلى أن يذبح النسيكة
صاحبها أو يحضر الذبح فإنه يرجى عند سفوح الدم المغفرة (قال الشافعي) وإذا سمى الله على النسيكة
أجزأ عنه وإن قال اللهم تقبل منى أو تقبل عن فلان الذي امره بذبحه فلا بأس، وأحب أن يأكل من
كبد ذبيحته قبل أن يفيض أو لحمها، وإن لم يفعل فلا بأس وإنما آمره أن يأكل من التطوع والهدى
هديان واجب وتطوع فكل ما كان أصله واجبا على إنسان ليس له حبسه فلا يأكل منه شيئا وذلك مثل
هدى الفساد والطيب وجزاء الصيد والنذور والمتعة، وإن أكل من الهدى الواجب تصدق بقيمة ما
أكل منه وكل ما كان أصله تطوعا مثل الضحايا والهدايا تطوعا أكل منه وأطعم وأهدى وادخر وتصدق
وأحب إلى أن لا يأكل ولا يحبس إلا ثلثا ويهدى ثلثا ويتصدق بثلث وإن لم يقلد هديه ولم يشعره قارنا
كان أو غيره أجزأه أن يشترى هديا من " منى " أو مكة ثم يذبحه مكانه لأنه ليس على الهدى عمل إنما
العمل على الآدميين والنسك لهم وإنما هذا مال من أموالهم يتقربون به إلى الله عز وجل ولا بأس أن
يشترك السبعة المتمتعون في بدنة أو بقرة وكذلك لو كانوا سبعة وجبت على كل واحد منهم شاة أو
محصرين ويخرج كل واحد منهم حصته من ثمنها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي الزبير عن جابر
قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة.
(ما يفسد الحج)
(قال الشافعي) إذا أهل الرجل بعمرة ثم أصاب فيما بين أن يهل إلى أن يكمل الطواف بالبيت
وبين الصفا والمروة فهو مفسد وإذا أهل الرجل بحج أو بحج وعمرة ثم أصاب أهله فيما بينه وبين أن يرمى
جمرة العقبة بسبع حصيات ويطوف بالبيت وإن لم يرم جمرة العقبة بعد عرفة فهو مفسد والذي يفسد
الحج الذي يوجب الحد من أن يغيب الحشفة لا يفسد الحج شئ غير ذلك من عبث ولا تلذذ وإن
جاء الماء الدافق فلا شئ وما فعله الحاج مما نهى عنه من صيد أو غيره وإذا أفسد رجل الحج مضى
في حجه كما كان يمضى فيه لو لم يفسده فإذا كان قابل حج وأهدى بدنة نجزى عنهما معا وكذلك لو
239

كانت امرأته حلالا وهو حرام أجزأت عنه بدنة وكذلك لو كانت هي حراما وكان هو حلالا كانت عليه
بدنة ويحجها من قابل من قبل أنه الفاعل وأن الآثار إنما جاءت ببدنة واحدة تجزى عن كليهما ولو وطئ
مرارا كان واحدا من قبل أنه قد أفسده مرة ولو وطئ نساء كان واحدا من قبل أنه أفسده مرة إلا انهن
إن كن محرمات فقد أفسد عليهن، وعليه أن يحجهن كلهن ثم ينحر عن كل واحدة منهن بدنة لان
إحرام كل واحدة منهن غير إحرام الأخرى وما تلذذ به من امرأته دون ما وصفت من شئ من أمر
الدنيا فشاة تجزيه فيه وإذا لم يجد المفسد بدنة ذبح بقرة وإن لم يجد بقرة ذبح سبعا من الغنم وإذا كان
معسرا عن هذا كله قومت البدنة له دراهم بمكة والدراهم طعاما ثم أطعم وإن كان معسرا عن الطعام
صام عن كل مد يوما وهكذا كل ما وجب عليه فأعسر به مما لم يأت فيه نفسه نص خبر صنع فيه هكذا
وما جاء فيه نص خبر فهو على ما جاء فيه ولا يكون الطعام ولا الهدى إلا بمكة ومنى ويكون الصوم
حيث شاء لأنه لا منفعة لأهل الحرم في صيامه.
(الاحصار)
(قال الشافعي) الاحصار الذي ذكره الله تبارك وتعالى فقال: " فإن أحصرتم فما استيسر من
الهدى " نزلت يوم الحديبية وأحصر النبي صلى الله عليه وسلم بعدو: ونحر عليه الصلاة والسلام في
الحل، وقد قيل: نحر في الحرم وإنما ذهبنا إلى أنه نحر في الحل، وبعضها في الحرم، لان الله عز
وجل يقول " وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله " والحرام كله محله عند أهل
العلم، فحيثما أحصر الرجل، قريبا كان أو بعيدا، بعدو حائل، مسلم أو كافر، وقد أحرم، ذبح شاة
وحل، ولا قضاء عليه، إلا أن يكون حجه حجة الاسلام فيحجها، وهكذا السلطان إن حبسه في
سجن أو غيره، وهكذا العبد يحرم بغير إذن سيده، وكذلك المرأة تحرم بغير إذن زوجها، لان لهما أن
يحبساهما وليس هذا للوالد على الولد، ولا للولي على المولى عليه. ولو تأتى الذي أحضر رجاء أن
يخلى، كان أحب إلي، فإذا رأى أنه لا يخلى حل، وإذا حل ثم خلى، فأحب إلي لو جدد إحراما،
وإن لم يفعل فلا شئ عليه، لأني إذا أذنت له أن يحل بغير قضاء، لم اجعل عليه العودة. وإذا لم
يجد شاة يذبحها للفقراء، فلو صام عدل الشاة قبل أن يحل، كان أحب إلي، وإن لم يفعل وحل،
رجوت أن لا يكون عليه شئ، ومتى أصابه أذى وهو يرجو أن يخلى، نحاه عنه وافتدى في موضعه
كما يفتدى المحصر إذا خلى عنه في غير الحرم، وكان مخالفا لما سواه لمن قدر على الحرم، ذلك لا يجزيه
إلا أن يبلغ هديه الحرم.
(الاحصار بالمرض وغيره)
(قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس وغيره، عن
ابن عباس أنه قال: " لا حصر إلا حصر العدو " وزاد أحدهما " ذهب الحصر الآن " (قال الشافعي):
والذي يذهب إلى أن الحصر الذي ذكر الله عز وجل يحل منه صاحبه حصر العدو، فمن حبس بخطأ
عدد أو مرض، فلا يحل من إحرامه، وإن احتاج إلى دواء، عليه فيه فدية أو تنحية أذى فعله
240

وافتدى، ويفتدى في الحرم بأن يفعله ويبعث بهدى إلى الحرم: فمتى أطاق المضي مضى فحل من
إحرامه بالطواف والسعي، فإن كان معتمرا فلا وقت عليه، ويحل ويرجع وإن كان حاجا فأدرك
الحج، فذاك، وإن لم يدرك، طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، وعليه حج قابل وما استيسر
من الهدى، وهكذا من أخطأ العدد (قال الشافعي) ومن لم يدخل عرفة إلا مغمى عليه، لم يعقل
ساعة ولا طرفة عين وهو بعرفة، فقد فاته الحج، وإن طيف به وهو لا يعقل فلم يطف، وإن أحرم وهو
لا يعقل فلم يحرم، وإذا عقل بعرفة ساعة، أو عقل بعد الاحرام ساعة وهو محرم. ثم أغمي عليه فيما
بين ذلك، لم يضره. إلا أنه ان لم يعقل حتى تجاوز الوقت، فعليه دم لترك الوقت، ولا يجزى عنه في
الطواف ولا في الصلاة إلا أن يكون عاقلا في هذا كله، لان هذا عمل لا يجزيه، قليله من كثيره،
وعرفة يجزيه قليلها من كثيرها، وكذلك الاحرام.
(مختصر الحج الصغير)
أخبرنا الربيع بن سليمان قال: (قال الشافعي) من سلك على المدينة أهل من ذي الحليفة، ومن
سلك على الساحل، أهل من الجحفة، ومن سلك بحرا أو غير الساحل، أهل إذا حاذى الجحفة،
ولا بأس أن يهل من دون ذلك إلى بلده، وإن جاوز رجع إلى ميقاته، وإن لم يرجع أهراق دما،
وهي شاة يتصدق بها على المساكين (قال): وأحب للرجل والمرأة إذا كانت حائضا أو نفساء، أن
يغتسلا للاحرام ويأخذا من شعورهما وأظفارهما قبله، فإن لم يفعلا وتوضأ أجزأهما (قال): وأحب أن
يهلا خلف الصلاة، مكتوبة أو نافلة، وإن لم يفعلا وأهلا على غير وضوء، فلا بأس عليهما (قال):
وأحب للرجل أن يلبس ثوبين أبيضين جديدين أو غسيلين، وللمرأة أن تلبس ثيابا كذلك، ولا بأس
عليهما فيما لبسا، ما لم يكن مصبوغا بزعفران أو ورس أو طيب، ويلبس الرجل الإزار والرداء، أو ثوبا
نظيفا يطرحه كما يطرح الرداء، إلا أن لا يجد إزارا فيلبس سراويل، وأن لا يجد نعلين فيلبس خفين
ويقطعهما أسفل من الكعبين. ولا يلبس ثوبا مخيطا ولا عمامة. إلا أن يطرح ذلك على كتفيه أو ظهره
طرحا، وله أن يغطى وجهه ولا يغطى رأسه، وتلبس المرأة السراويل والخفين والقميص والخمار،
وكل ما كانت تلبسه غير محرمة إلا ثوبا فيه طيب، ولا تخمر وجهها، وتخمر رأسها إلا أن تريد أن تستر
وجهها، فتجافى الخمار، ثم تسدل الثوب على وجهها متجافيا ويستظل المحرم والمحرمة في القبة (1)
والكنيسة وغيرهما ويبدلان ثيابهما التي أحرما فيها ويلبسان غيرها (قال) وإذا مات المحرم غسل بماء
وسدر ولم يقرب طيبا وكفن في ثوبيه ولم يقمص وخمر وجهه ولم يخمر رأسه (قال) وإذا ماتت المحرمة
غسلت بماء وسدر وقمصت وأزرت وشد رأسها بالخمار وكشف عن وجهها (قال) ولا تلبس المحرمة
قفازين ولا برقعا (قال) ولا بأس أن يتطيب المحرم والمحرمة بالغالية والنضوح والمجمر وما تبقى رائحته بعد
الاحرام إن كان الطيب قبل الاحرام وكذلك يتطيبان إذا رميا جمرة العقبة (قال) وإذا أخذا من
شعورهما قبل الاحرام فإذا أهلا فإن شاءا قرنا وإن شاءا أفردا الحج وإن شاءا تمتعا بالعمرة إلى الحج

(1) قوله: والكنيسة هكذا في جميع النسخ، ولم نجد لهذا اللفظ في كتب اللغة إلا المعنى
المشهور، وهو المتعبد، وهو غير مناسب لهذا المقام، فحرر. كتبه مصححه.
241

والتمتع أحب إلي (قال) وإذا تمتعا أو قرنا أجزأهما أن يذبحا شاة فإن لم يجداها صاما ثلاثة أيام فيما بين
أن يهلا بالحج إلى يوم عرفة فإن لم يصوماها لم يصوما أيام منى وصاما ثلاثة بعد منى بمكة أو في سفرهما
وسبعة بعد ذلك وأختار لهما التمتع، وأيهما أراد أن يحرما به كفتهما النية وإن سمياه فلا بأس.
(التلبية)
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك "
فإذا فرغ من التلبية صلى على النبي صلى الله عليه وسلم وسأل الله تعالى رضاه والجنة واستعاذه من
سخطه والنار ويكثر من التلبية ويجهر بها الرجل صوته ما لم يفدحه وتخافت بها المرأة وأستحبها خلف
الصلوات ومع الفجر ومع مغيب الشمس وعند اضطمام الرفاق والهبوط والاصعاد وفى كل حال أحبها
ولا بأس أن يلبى على وضوء وعلى غير وضوء، وتلبي المرأة حائضا ولا بأس أن يغتسل الرجل ويدلك
جسده من الوسخ ولا يدلك رأسه لئلا يقطع شعره وأحب له الغسل لدخول مكة فإذا دخلها أحببت له
أن لا يخرج حتى يطوف بالبيت (قال) وأحب له إذا رأى البيت أن يقول " الله زد هذا البيت
تشريفا وتعظيما وتكريما وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا " وأن
يستلم الركن الأسود ويضطبع بثوبه وهو أن يدخل رداءه من تحت منكبه الأيمن حتى يبرز منكبه ثم
يهرول ثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر ويمشى أربعة ويستلم الركن اليماني والحجر ولا يستلم غيرهما فإن
كان الزحام كثيرا مضى وكبر ولم يستلم (قال) وأحب أن يكون أكثر كلامه في الطواف " ربنا آتنا في
الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " فإذا فرغ صلى خلف المقام أو حيثما تيسر ركعتين قرأ
فيهما بأم القرآن " وقل يا أيها الكافرون " و " قل هو الله أحد " وما قرأ به مع أم القرآن أجزأه ثم يصعد
على الصفا صعودا لا يتوارى عنه البيت ثم يكبر ثلاثا " ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك
وله الحمد يحيى ويميت بيده الخير وهو على كل شئ قدير لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده
وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " ثم يدعو في أمر الدين والدنيا
ويعيد هذا الكلام بين أضعاف كلامه حتى يقول ثلاث مرات ثم يهبط عن الصفا، فإذا كان دون
الميل الأخضر الذي في ركن المسجد بنحو من ستة أذرع عدا حتى يحاذي الميلين المتقابلين بفناء المسجد
ودار العباس ثم يظهر على المروة جهده حتى يبدو له البيت إن بدا له ثم يصنع عليها مثل ما صنع على
الصفا وما دعا به عليها أجزأه حتى يكمل الطواف بينهما سبعا، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، وإن كان
متمتعا أخذ من شعره وأقام حلالا فإذا أراد التوجه إلى منى توجه يوم التروية قبل الظهر فطاف بالبيت
سبعا للوداع ثم أهل بالحج متوجها من المسجد ثم أتى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء
والصبح ثم غدا منها إلى عرفة فنزل حيث شاء واختار له أن يشهد الظهر والعصر مع الامام ويقف قريبا
منه ويدعو ويجتهد فإذا غابت الشمس دفع وسار على هينته حتى يأتي المزدلفة فيصلى بها المغرب والعشاء
والصبح ثم يغدو فيقف ثم يدعو ويدفع قبل أن تطلع الشمس إذا أسفر إسفارا بينا ويأخذ حصى جمرة
واحدة سبع حصيات فيرمى جمرة العقبة وحدها بهن، ويرمى من بطن المسيل، ومن حيث رمى
أجزأه، ثم قد حل له ما حرم عليه الحج إلا النساء ويلبى حتى يرمى جمرة العقبة بأول حصاة ثم يقطع
التلبية فإذا طاف بالبيت سبعا وبين الصفا والمروة سبعا فقد حل له النساء وإن كان قارنا أو مفردا فعليه
242

أن يقيم محرما بحاله ويصنع ما وصفت غير أنه إذا كان قارنا أو مفردا أجزأه إن طاف قبل منى وبين
الصفا والمروة أن يطوف بالبيت سبعا واحدا بعد عرفة تحل له النساء ولا يعود إلى الصفا والمروة وإن لم
يطف قبل منى فعليه بعد عرفة أن يطوف بالبيت سبعا وبين الصفا والمروة سبعا وأحب له أن يغتسل
لرمي الجمار والوقوف بعرفة والمزدلفة وإن لم يفعل وفعل عمل الحج كله على غير وضوء أجزأه، لان
الحائض تفعله إلا الصلاة والطواف بالبيت لأنه لا يفعله إلا طاهرا فإذا كان بعد يوم النحر فذبح شاة
وجبت عليه تصدق بجلدها ولحمها ولم يحبس منها شيئا وإن كانت نافلة تصدق منها وأكل وحبس
ويذبح في أيام منى كلها ليلا ونهارا والنهار أحب إلي من الليل ويرمى الجمار أيام منى كلها وهي ثلاث
كل واحدة منهن بسبع حصيات ولا يرميها حتى تزول الشمس في شئ من أيام منى كلها بعد يوم النحر
وأحب إذا رمى أن يكبر مع كل حصاة ويتقدم عن الجمرة الدنيا حيث يرى الناس يقفون فيدعو ويطيل
قدر قراءة سورة البقرة ويفعل ذلك عند الجمرة الوسطى ولا يفعله عند جمرة العقبة وإن أخطأ فرمى
بحصاتين في مرة واحدة فهي حصاة واحدة حتى يرمى سبع مرات ويأخذ حصى الجمار من حيث شاء
إلا من موضع نجس أو مسجد أو من الجمار فإني أكره له أن يأخذ من هذه المواضع ويرمى بمثل حصى
الخذف وهو أصغر من الأنامل ولا بأس أن يطهر الحصى قبل أن يحمله وإن تعجل في يومين بعد يوم
النحر فذلك له وإن غابت الشمس من اليوم الثاني أقام حتى يرمى الجمار من يوم الثالث بعد الزوال وإن
تتابع عليه رميان بأن ينسى أو يغيب فعليه أن يرمى فإذا فرغ منه عاد فرمى رميا ثانيا ولا يرمى بأربع
عشرة في موقف واحد فإذا صدر وأراد الرحيل عن مكة طاف بالبيت سبعا يودع به البيت يكون آخر
كل عمل يعمله فإن خرج ولم يطف بعث بشاة تذبح عنه والرجل والمرأة في هذا سواء إلا الحائض فإنها
تصدر بغير وداع إذا طافت الطواف الذي عليها وأحب له إذا ودع البيت أن يقف في الملتزم وهو بين
الركن والباب فيقول: اللهم إن البيت بيتك والعبد عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما
سخرت لي من خلقك حتى سيرتني في بلادك وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك فإن
كنت رضيت عنى فازدد عنى رضا وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري هذا أو ان انصرافي إن
أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم فاصحبني بالعافية في بدني
والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أحييتني " وما زاد إن شاء الله تعالى أجزأه.
* (كتاب الضحايا) *
أخبرنا الربيع قال: (قال الشافعي) رحمه الله تعالى الضحايا سنة لا أحب تركها ومن ضحى فأقل
ما يجزيه الثنى من المعز والإبل والبقر ولا يجزى جذع إلا من الضأن وحدها ولو زعمنا أن الضحايا واجبة
ما أجزأ أهل البيت أن يضحوا إلا عن كل إنسان بشاة أو عن كل سبعة بجزور ولكنها لما كانت غير فرض
كان الرجل إذا ضحى في بيته كانت قد وقعت ثم اسم ضحية ولم تعطل وكان من ترك ذلك من أهله لم
يترك فرضا (قال) ووقت الضحايا انصراف الامام من الصلاة فإذا أبطأ الامام أو كان الأضحى ببلد لا
إمام به، فقدر ما تحل الصلاة ثم يقضى صلاته ركعتين (1) وليس على الامام إن أبطأ بالصلاة عن

(1) وليس على الامام الخ هكذا في النسخ، ولعل لفظ " على " محرف عن " عمل " فتأمل. كتبه
مصححه.
243

وقتها لان الوقت إنما هو وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ما أحدث بعده وإن كان النبي صلى الله
عليه وسلم أمر الذي امره بإعادة ضحيته بضائنة جذعة فهي تجزى، وإن كان أمره بجذعة غير الضأن
فقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " تجزيك ولا تجزى أحدا بعدك " وأما سوى ما ذكرت
فلا يعد ضحايا حتى يجتمع السن والوقت وما بعده من أيام " منى " خاصة فإذا مضت أيام " منى " فلا
ضحية وما ذبح يومئذ فهي ذبيحة غير الضحية وإنما أمرنا بالضحية في أيام " منى " وزعمنا أنها لا تفوت
لأنا حفظنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " هذه أيام نسك ورمى فيها كلها الجمار " ورأينا المسلمين إذ
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أيام " منى " نهوا عنها ونهوا عن العمرة فيها من كان حاجا لأنه في
بقية من حجه فإن ذهب ذاهب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ضحى في يوم النحر فذلك أفضل
الأضحى وإن كان يجزى فيما بعده لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " هذه أيام نسك " فلما قال
المسلمون ما وصفنا لزمه أن يزعم أن اليوم الثالث كاليومين وإنما كرهنا أن يضحى بالليل على نحو ما
كرهنا من الحداد بالليل لان الليل سكن والنهار ينتشر فيه لطلب المعاش فأحببنا ان يحضر من يحتاج إلى
لحوم الضحايا لان ذلك أجزل عن المتصدق وأشبه أن لا يجد المتصدق في مكارم الأخلاق بدا من أن
يتصدق على من حضره للحياء ممن حضره من المساكين وغيرهم مع أن الذي يلي الضحايا يليها بالنهار
أخف عليه وأحرى أن لا يصيب نفسه بأذى ولا يفسد من الضحية شيئا وأهل الأمصار في ذلك مثل
أهل " منى " فإذا غابت الشمس من آخر أيام التشريق، ثم ضحى أحد، فلا ضحية له.
(باب ما تجزى عنه البدنة من العدد في الضحايا)
(قال الشافعي) رحمه الله أقول بحديث مالك عن أبي الزبير عن جابر أنهم نحروا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة (قال الشافعي) وكانوا محصرين قال
الله تبارك وتعالى " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى " (1) فلما قال " فما استيسر من الهدى " شاة
فأجزأت البدنة عن سبعة محصورين ومتمتعين وعن سبعة وجبت عليهم من قران أو جزاء صيد أو غير
ذلك إذا كانت على كل واحد منهم شاة لان هذا في معنى الشاة ولو أخرج كل واحد منهم حصته من
ثمنها أجزأت عنهم وإذا ملكوها بغير بيع أجزأت عنهم (2) وإذا ملكوها بثمن وسواء في ذلك كانوا أهل
بيت أو غيرهم لان أهل الحديبية كانوا من قبائل شتى وشعوب متفرقة ولا تجزئ عن أكثر من سبعة
وإذا كانوا أقل من سبعة أجزأت عنهم وهم متطوعون بالفضل كما تجزى الجزور عمن لزمته شاة ويكون
متطوعا بفضلها عن الشاة وإذا لم توجد البدنة كان عدلها سبعة من الغنم قياسا على هذا الحديث،
وكذلك البقرة، وإذا زعم أنه قد سمى الله تعالى عند الذبح فهو أمين وللناس أن يأكلوها وهو أمين
على أكثر من هذا الايمان والصلاة (قال الشافعي) وكل ذبح كان واجبا على مسلم فلا أحب له أن

(1) قوله: فلما قال الخ هكذا في النسخ وانظر، وحرر. اه‍.
(2) قوله: وإذا ملكوها بثمن، كذا في النسخ، وانظر أين الجواب، ولعل هذه الجملة مزيدة
من النساخ كتبه مصححه.
244

يولى ذبحه النصراني ولا أحرم ذلك عليه إن ذبحه لأنه إذا حل له لحمه فذبيحته أيسر وكل ذبح ليس
بواجب فلا بأس أن يذبحه النصراني والمرأة والصبي وإن استقبل الذابح القبلة فهو أحب إلي وإن أخطأ
أو نسي فلا شئ عليه إن شاء الله وإذا كانت الضحايا إنما هو دم يتقرب به إلى الله تعالى فخير الدماء
أحب إلي، وقد زعم بعض المفسرين أن قول الله عز وجل " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى
القلوب " استسمان الهدى واستحسانه وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الرقاب أفضل؟ قال
" أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها " (قال الشافعي) والعقل مضطر إلى أن يعلم أن كل ما تقرب به إلى الله
عز وجل إذا كان نفيسا كلما عظمت رزيته على المتقرب به إلى الله تبارك وتعالى كان أعظم لاجره.
(الضحايا الثاني)
(قال الشافعي) رحمه الله: الضحايا الجذع من الضأن والثنى من المعز والإبل والبقر ولا يكون
شئ دون هذا ضحية. والضحية تطوع سنة فكل ما كان من تطوع فهو هكذا وكل ما كان من جزاء
صيد صغير أو كبير إذا كان مثل الصيد أجزأ لأنه بدل والبدل مثل ما أصيب وهذا مكتوب بحججه في
كتاب الحج (قال الشافعي) وقت الأضحى قدر ما يدخل الامام في الصلاة حين تحل الصلاة وذلك
إذا برزت الشمس فيصلى ركعتين ثم يخطب خطبتين خفيفتين فإذا مضى من النهار قدر هذا الوقت حل
الأضحى وليس الوقت في عمل الرجال الذين يتولون الصلاة فيقدمونها قبل وقتها أو يؤخرونها بعد
وقتها، أرأيت لو صلى رجل تلك الصلاة بعد الصبح وخطب وانصرف مع الشمس أو قبلها أو أخر
ذلك إلى الضحى الاعلى هل كان يجوز أن يضحى في الوقت الأول أو يحرم أن يضحى قبل الوقت
الآخر لا وقت في شئ وقته رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقته، فأما تأخر الفعل وتقدمه عن فعله
فلا وقت فيه (قال الشافعي) وأهل البوادي وأهل القرى الذين لهم أئمة في هذا سواء ولا وقت إلا بقدر
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأما صلاة من بعده فليس فيها وقت لان منهم من يؤخر ومنهم
من يقدمها (قال الشافعي) وليس في القرن نقص فيضحى بالجلحاء، وإذا ضحى بالجلحاء فهي
أبعد من القرن من مكسورة القرن وسواء كان قرنها يدمى أو صحيحا لأنه لا خوف عليها في دم قرنها
فتكون به مريضة فلا نجزى من جهة المرض ولا يجوز فيها إلا هذا وإن كان قرنها مكسورا كسرا قليلا أو
كثيرا يدمى أو لا يدمى فهو يجزى (قال الشافعي) ومن شاء من الأئمة أن يضحى في مصلاة ومن شاء
ضحى في منزله وإذا صلى الامام فقد علم من معه أن الضحية قد حلت فليسوا يزدادون علما بأن
يضحى ولا يضيق عليهم أن يضحوا، أرأيت لو لم يضح على حال أو أخر الضحية إلى بعض النهار أو
إلى الغد أو بعده (قال الشافعي) ولا تجزى المريضة أي مرض ما كان بينا في الضحية وإذا أوجب
الرجل الشاة ضحية وإيجابها أن يقول هذه ضحية ليس شراؤها والنية أن يضحى بها إيجابا فإذا أوجبها
لم يكن له أن يبدلها بخير ولا شر منها ولو أبدلها فذبح التي أبدل كان عليه أن يعود فيذبح الأولى ولم يكن
له إمساكها ومتى لم يوجبها فله الامتناع من أن يضحى بها أبدلها أو لم يبدلها كما يشترى العبد ينوى أن
يعتقه والمال ينوى أن يتصدق به فلا يكون عليه أن يعتق هذا ولا يتصدق بهذا ولو فعل كان خيرا له
(قال) ولا تجزى الجرباء والجرب قليله وكثيره مرض بين مفسد للحم وناقص للثمن (قال الشافعي)
وإذا باع الرجل الضحية قد أوجبها فالبيع مفسوخ فإن فاتت فعليه أن يشترى بجميع ثمنها أضحية
245

فيضحى بها فإن بلغ ثمنها أضحيتين اشتراهما لان ثمنها بدل منها ولا يكون له أن يملك منه شيئا وإن بلغ
أضحية وزاد شيئا لا يبلغ ثانية ضحى بالضحية وأسلك الفضل مسلك الضحية (قال الشافعي) وأحب
إلي لو تصدق به وإن نقص عن ضحية فعليه أن يزيد حتى يوفى ضحية، لا يجزيه غير ذلك لأنه
مستهلك الضحية فأقل ما يلزمه ضحية مثلها (قال الشافعي) الضحايا سنة لا يجب تركها فمن ضحى
فأقل ما يكفيه جذع الضأن أو ثنى المعز أو ثنى الإبل والبقر والإبل أحب إلي أن يضحى بها من البقر والبقر
أحب إلي أن يضحى بها من الغنم وكل ما غلا من الغنم كان أحب إلي مما رخص وكل ما
طاب لحمه كان أحب إلي مما يخبث لحمه (قال) والضأن أحب إلي من المعز والعفر أحب إلي من السود
وسواء في الضحايا أهل منى وأهل الأمصار، فإذا كانت الضحايا إنما هو دم يتقرب به إلى الله تعالى
فخير الدماء أحب إلي، وقد زعم بعض المفسرين أن قول الله تعالى " ذلك ومن يعظم شعائر الله "
استسمان الهدى واستحسانه وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الرقاب أفضل؟ فقال " أغلاها
ثمنا وأنفسها عند أهلها " والعقل مضطر إلى أن يعلم أن كل ما تقرب به إلى الله تعالى إذا كان نفيسا كلما
عظمت رزيته على المتقرب به إلى الله تعالى كان أعظم لاجره وقد قال الله تعالى في المتمتع " فما استيسر
من الهدى " وقال ابن عباس ما استيسر من الهدى شاة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه
الذين تمتعوا بالعمرة إلى الحج أن يذبحوا شاة شاة وكان ذلك أقل ما يجزيهم لأنه إذا أجزأه أدنى الدم
فأعلاه خير منه ولو زعمنا أن الضحايا واجبة ما أجزأ أهل البيت أن يضحوا إلا عن كل إنسان بشاة أو
عن كل سبعة بجزور ولكنها لما كانت غير فرض كان الرجل إذا ضحى في بيته فقد وقع اسم ضحية عليه
ولم تعطل، وكان من ترك ذلك من أهله لم يترك فرضا، ولا يلزم الرجل أن يضحى عن امرأة ولا ولد
ولا نفسه وقد بلغنا أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان كراهية أن يقتدى بهما ليظن من
رآهما أنها واجبة وعن ابن عباس أنه جلس مع أصحابه ثم أرسل بدرهمين فقال اشتروا بهما لحما ثم قال
" هذه أضحية ابن عباس " وقد كان قلما يمر به يوم إلا نحر فيه أو ذبح بمكة وإنما أراد بذلك مثل الذي
روى عن أبي بكر وعمر ولا يعدو القول في الضحايا هذا أن تكون واجبة، فهي على كل أحد صغير أو
كبير لا تجزى غير شاة عن كل أحد، فأما ما سوى هذا من القول فلا يجوز (قال الشافعي) فإذا أوجب
الضحية فولدت ذبح ولدها معها كما يوجب البدنة فتنتج فيذبح ولدها معها إذا لم يوجبها فقد كان له
فيها إمساكها، وولدها بمنزلتها إن شاء أمسكه وإن شاء ذبحه، ومن زعم أنه ليس له أن يبدل الضحية
بمثلها ولا دونها مما يجزى فقد جعلها في هذا الموضع واجبة فيلزمه أن يقول في هذا الموضع مثل ما قلنا
ويلزم أن يقول ولا له أن يبدلها بما هو خير منها لأنه هكذا يقول في كل ما أوجب ولا تعدو الضحية إذا
اشتريت أن يكون حكمها حكم واجب الهدى فلا يجوز أن تبدل بألف مثلها أو حكمها حكم ماله يصنع
به ما شاء فلا بأس أن يبدلها بما شاء مما يجوز ضحية وإن كان دونها ويحبسها (قال الشافعي) وإذا
أوجب الضحية لم يجز صوفها وما لم يوجبها فله أن يجز صوفها، والضحية نسك من النسك مأذون في
أكله وإطعامه وادخاره فهذا كله جائز في جميع الضحية جلدها ولحمها وأكره بيع شئ منه والمبادلة به
بيع (قال الشافعي) فإن قال قائل ومن أين كرهت أن تباع وأنت لا تكره أن تؤكل وتدخر؟ قيل له لما
كان نسكا فكان الله حكم في البدن التي هي نسك فقال عز وجل " فكلوا منها وأطعموا " وأذن رسول
الله صلى الله عليه وسلم في أكل الضحايا والاطعام كان ما أذن الله فيه ورسوله صلى الله عليه وسلم
مأذونا فيه فكان أصل ما أخرج الله عز وجل معقولا أن لا يعود إلى مالكه منه شئ إلا ما أذن الله فيه
246

أو رسوله صلى الله عليه وسلم فاقتصرنا على ما أذن الله عز وجل فيه ثم رسوله ومنعنا البيع على أصل
النسك أنه ممنوع من البيع فإن قال: أفتجد ما يشبه هذا؟ قيل نعم الجيش يدخلون بلاد العدو فيكون
الغلول محرما عليهم ويكون ما أصابوا من العدو بينهم وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصابوا في
المأكول لمن أكله فأخرجناه من الغلول إذا كان مأكولا وزعمنا أنه إذا كان مبيعا إنه غلول وإن على بائعه
رد ثمنه ولم أعلم بين الناس في هذا اختلافا أن من باع من ضحيته جلدا أو غيره أعاد ثمنه أو قيمة ما باع
منه إن كانت القيمة أكثر من الثمن فيما يجوز أن تجعل فيه الضحية والصدقة به أحب إلي كما الصدقة
بلحم الضحية أحب إلي ولبن الضحية كلبن البدنة إذا أوجبت الضحية لا يشرب منه صاحبه إلا
الفضل عن ولدها وما لا ينهك لحمهما ولو تصدق به كان أحب إلي، فإذا لم يوجب صنع ما شاء (قال
الشافعي) ولا تجزئ العوراء وأقل البياض في السواد على الناظر كان أو على غيره يقع به اسم العورة
البين ولا تجزئ العرجاء وأقل العرج بين أنه عرج إذا كان من نفس الخلقة أو عرج خارج ثابت
فذلك العرج البين (قال) ومن اشترى ضحية فأوجبها أو أهدى هديا ما كان فأوجبه وهو تام ثم عرض
له نقص وبلغ المنسك أجزأ عنه إنما أنظر في هذا كله إلى يوم يوجبه فيخرج من ماله إلى ما جعله له
فإذا كان تاما وبلغ ما جعله له أجزأ عنه بتمامه عند الايجاب وبلوغه أمده وما اشترى من هذا فلم يوجبه
إلا بعد ما نقص فكان لا يجزئ ثم أوجبه ذبحه ولم يجز عنه لأنه أوجبه وهو غير مجزئ، فما كان من
ذلك لازما له فعليه أن يأتي بتام وما كان تطوعا فليس عليه بدله (قال الشافعي) وإذا اشترى الرجل
الضحية فأوجبها أو لم يوجبها فماتت أو ضلت أو سرقت فلا بدل عليه وليست بأكثر من هدى تطوع
يوجبه صاحبه فيموت فلا يكون عليه بدل إنما تكون الابدال في الواجب ولكنه إن وجدها بعدما
أوجبها ذبحها وإن مضت أيام النحر كلها كما يصنع في البدن من الهدى تضل وإن لم يكن أوجبها
فوجدها، لم يكن علة ذبحها ولو ذبحها كان أحب إلي (قال الشافعي) وإذا اشترى الرجل الضحية فلم
يوجبها حتى أصابها ما لا تجوز معه بحضرة الذبح قبل أن يذبحها أو قبل ذلك لم تكن ضحية ولو أوجبها
سالمة ثم أصابها ذلك وبلغت أيام الأضحى ضحى بها وأجزأت عنه إنما أنظر إلى الضحية في الحال
التي أوجبها فيها وليس فيما أصابها بعد ذبحها شئ يسأل عنه أحد إنما هي حينئذ ذكية مذبوحة لا عين
لها قائمة إلا وقد فارقها الروح لا يضرها ما كسرها ولا ما أصابها وإلى الكسر تصير (قال الشافعي) وإذا
زعمنا أن العرجاء والعوراء لا تجوز في الضحية كانت إذا كانت عوراء أو لا بد لها ولا رجل داخلة في
هذا المعنى وفى أكثر منه وليس في القرن نقص وإذا خلقت لها أذن ما كانت أجزأت وإن خلقت لا
أذن لها لم تجز، وكذلك لو جذعت لم تجز لان هذا نقص من المأكول منها (قال الشافعي) فإذا أوجب
الرجل ضحية أو هديا فذبحا عنه في وقتهما بغير إذنه فأدركهما قبل أن يستهلك لحمها أجزأتا معا عنه
لأنهما ذكاتان ومذبوحتان في وقت وكان له أن يرجع على الذي تعدى بما بين قيمتها قائمتين ومذبوحتين
ثم يجعله في سبيل الهدى وفى سبيل الضحية، لا يجزيه غير ذلك وإن ذبح له شاة وقد اشتراها ولم
يوجبها في وقتها وأدركها فشاء أن تكون ضحية لم تجز عنه ورجع عليه بما بين قيمتها قائمة ومذبوحة وإن
شاء أن يحبس لحمها حبسه لأنه لم يكن أوجبها فإن فات لحمها في هذا كله يرجع على الذابح بقيمتها
حية وكان عليه أن يبتاع بما أخذه من قيمة الواجب منها ضحية أو هديا وإن نقص عن ثمنها زاده من
عنده حتى يوفى أقل ما يلزمه فإن زاد جعله كله في سبيل الضحية والهدى حتى لا يكون حبس مما أخذ
منها شيئا والجواب في هذا كله كالجواب في حاجين لو نحر كل واحد منهما هدى صاحبه ومضحيين لو
247

ذبح كل واحد منهما أضحية صاحبه، ضمن كل واحد منهما هديه لصاحبه، ما بين قيمة ما ذبح حيا
ومذبوحا، وأجزأ عن كل واحد منهما هديه أو ضحيته إذا لم تفت وإن استهلك كل واحد منهما هدى
صاحبه أو ضحيته ضمن كل واحد منهما قيمة ما استهلك حيا وكان على كل واحد منهما البدل في كل
واجب (قال الشافعي) والحاج المكي (1) والمنتوي والمسافر والمقيم والذكر والأنثى ممن يجد ضحية سواء
كلهم، لا فرق بينهم إن وجبت (2) على كل واحد منهم وجبت عليهم كلهم وإن سقطت عن واحد
منهم سقطت عنهم كلهم ولو كانت واجبة على بعضهم دون بعض كان الحاج أولى أن تكون عليه واجبة
لأنها نسك وعليه نسك وغيره لا نسك عليه ولكنه لا يجوز أن يوجب على الناس إلا بحجة ولا يفرق
بينهم إلا بمثلهم ولست أحب لعبد ولا أجيز له ولا مدبر ولا مكاتب ولا أم ولد أن يضحوا لأنهم لا
أموال لهم وإنما أموالهم لمالكيهم وكذلك لا أحب للمكاتب ولا أجيز له أن يضحى لان ملكه على ماله
ليس بتام لأنه يعجز فيرجع ماله إلى مولاه ويمنع من الهبة والعتق لان ملكه لم يتم على ماله (قال
الشافعي) ولا يضحى عما في البطن (قال الشافعي) والأضحية جائزة يوم النحر وأيام منى كلها لأنها
أيام النسك وإن ضحى في الليل من أيام منى أجزأ عنه وإنما أكره له أن يضحى في الليل وينحر الهدى
لمعنيين، أحدهما خوف الخطأ في الذبح والنحر أو على نفسه أو من يقاربه أو خطأ المنحر والثاني أن
المساكين لا يحضرونه في الليل حضورهم إياه في النهار فأما لغير هذا فلا أكرهه فإن قال قائل ما الحجة
في أن أيام منى أيام أضحى كلها؟ قيل كما كانت الحجة بأن يومين بعد يوم النحر (3) يومى ضحية فإن
قال قائل فكيف ذلك؟ قيل نحر النبي صلى الله عليه وسلم وضحى في يوم النحر فلما لم يحظر على الناس
أن يضحوا بعد يوم النحر بيوم أو يومين لم نجد اليوم الثالث مفارقا لليومين قبله لأنه ينسك فيه ويرمى كما
ينسك ويرمى فيهما فإن قال فهل في هذا من خبر؟ قيل: نعم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه دلالة
سنة (4)
(كتاب الصيد والذبائح)
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال: الكلب المعلم الذي إذا

(1) المنتوي: أي المنتقل المتحول من بلد إلى بلد. كما في كتب اللغة.
(2) قوله: على كل واحد، كذا في النسخ ولعل لفظة " كل " من زيادة النساخ.
(3) يومى ضحية كذا في النسخ بنصب " يومى " وهو جائز على اللغة الأسدية. كتبه مصححه.
(4) في نسخة البلقيني هنا زيادة نصها " باب في العقيقة " وهي آخر تراجم الام، وفيها أخبرنا
الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد قال سمعت محمد بن إبراهيم
ابن الحرث النيمي يقول تستحب العقيقة ولو بعصفور قال مالك ليس عليه العمل وقد أمكن في محمد
ابن إبراهيم مثل ما أمكن في القاسم من أن يقول قائل إنما أعني أنه تستحب العقيقة ولو بعصفور علماء
المدينة مجمعون وسلفهم ثم لم تره أنت ولا أصحابك معنى يلزم ولا يكون حجة لمن أخذ به ولا حجة
لكم في تركه إلا أن تقول هذا كلام مغلق لا ندري من هذا الذي أفتى أنه تستحب العقيقة ولو
بعصفور؟.
248

أشلى استشلى وإذا أخذ حبس ولم يأكل فإذا فعل هذا مرة بعد مرة كان معلما يأكل صاحبه ما حبس
عليه وإن قتل ما لم يأكل فإذا أكل فقد قيل يخرجه هذا من أن يكون معلما وامتنع صاحبه من أن
يأكل من الصيد الذي أكل منه الكلب لان الكلب أمسكه على نفسه وإن أكل منه صاحب الكلب
أكل من صيد غير معلم ويحتمل القياس أن يأكل وإن أكل منه الكلب من قبل أنه إذا صار معلما صار قتله
ذكاة فأكل ما لم يحرم أكله ما كان ذكيا كما لو كان مذبوحا فأكل منه كلب لم يحرم وطرح ما حول ما
أكل وهذا قول ابن عمر وسعد بن أبي وقاص وبعض أصحابنا وإنما تركنا هذا للأثر الذي ذكر الشعبي
عن عدي بن حاتم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " فإذا أكل فلا تأكل " (قال الشافعي) وإذا
ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز تركه لشئ وإذا قلنا هذا في المعلم من الكلاب فأخذ
المعلم فحبس بلا أكل فذلك يحل وإن قتله يقوم مقام الذكاة فإن حبس وأكل فذلك موضع ترك فيه أن
يكون معلما فصار كهو على الابتداء لا يحل اكله كما كان لا يحل على الابتداء وهذا وجه يحتمله القياس
ويصح فيه وفيه أن متأولا لو ذهب فقال إن الكلب إذا نجسا فأكل من شئ رطب قد يمكن أن
يجرى بعضه في بعض نجسه ولكن لا يجوز أن يقول حتى يكون آكلا والحياة فيه والدم بالروح يدور فيه
فأما إذا كان بعد الموت فلا يدور فيه دم وإنما ينجس حينئذ موضع ما أكل منه وما قاربه قال الربيع
وفيه قول آخر ولو نجسه كله كان له أن يغسله ويعصره كما يغسل الثوب ويعصر فيطهر ويغسل الجلد فيطهر
فتذهب نجاسته وكذلك تذهب نجاسة اللحم فيأكله.
(باب صيد كل ما صيد به من وحش أو طير)
(قال الشافعي) وتعليم الفهد وكل دابة علمت كتعليم الكلب لا فرق بينهما غير أن الكلب أنجسها ولا
نجاسة في حي إلا الكلب والخنزيز وتعليم الطائر كله واحد البازي والصقر والشاهين والعقاب وغيرها وهو
ان يجمع أن يدعى فيجيب ويستشلى فيطير ويأخذ فيحبس فإذا فعلت هذا مرة بعد مرة فهي معلمة يؤكل
ما أخذت وقتلت فإن أكلت فالقياس فيها كهو في الكلب، زعم بعض المشرقيين أنه يؤكل ما قتلت
وإن أكلت وزعم إنه إذا أكل الكلب لا يؤكل وزعم أن الفرق بينهما عنده أن الكلب يضرب والبازي
لا يضرب فإذا زعم أنها تفترق في هذا فكيف زعم أن البازي لا يؤكل صيده حتى يكون يدعى
فيجيب ويستشلى فيطير وأنه لو طار من نفسه فقتل لم يؤكل إذا لم يكن معلما؟ أفرأيت إذا استجاز في
معلمين يفرق بينهما فلو فرق بينهما رجل حيث جمع بينهما أو جمع بينهما حيث فرق بينهما هل كانت
الحجة عليه إلا كهى عليه؟.
(باب تسمية الله عز وجل عند إرسال ما يصطاد به)
(قال الشافعي) وإذا أرسل الرجل المسلم كلبه أو طائره المعلمين أحببت له أن يسمى فإن لم يسم
ناسيا فقتل أكل لأنهما إذا كان قتلهما كالذكاة فهو لو نسي التسمية في الذبيحة أكل لان المسلم يذبح
على اسم الله عز وجل وإن نسي وكذلك ما أصبت بشئ من سلاحك الذي يمور في الصيد.
249

(باب إرسال المسلم والمجوسي الكلب)
(قال الشافعي) وإذا أرسل المسلم والمجوسي كلبا واحدا أو كلبين متفرقين أو طائرين أو سهمين
فأصابا الصيد ثم لم تدرك ذكاته فلا يؤكل فهو كذبيحة مسلم ومجوسي لا فرق بينهما فإذا دخل في
الذبيحة ما لا يحل لم تحل وكذلك لو أعانه كلب غير معلم وسواء أنفذ السهم أو الكلب العلم مقاتله أو لم
ينفذها إذا أصابه على قتله غيره مما لا يحل لان مقاتله قد تنفذ فيحيا إلا أن يكون قد بلغ منه ما يبلغ
الذبح التام بالمذبوح مما لا يعيش بعده طرفة عين ومما تكون حركته كحركة المذبوح كحشاشة روح
الحياة (1) التي يتتام خروجه فإن خرج إلى هذا فلا يضره ما أصابه لأنه قد أصابه وهو ميت.
(باب إرسال (2) الصيد فيتوارى عنك ثم تجد الصيد مقتولا)
(قال الشافعي) وإذا رمى الرجل الصيد أو أرسل عليه بعض المعلمات فتوارى عنه ووجده قتيلا
فالخبر عن ابن عباس والقياس أن لا يأكله من قبل أنه قد يمكن أن يكون قتله غير ما أرسل عليه من
دواب الأرض وقد سئل ابن عباس فقال له قائل: " إني أرمى فأصمى وأنمى " فقال له ابن عباس
" كل ما أصميت ودع ما أنميت " (قال الشافعي) ما أصميت ما قتله الكلب وأنت تراه وما أنميت ما
غاب عنك مقتله فإن كان قد بلغ وهو يراه مثل ما وصفت من الذبح ثم تردى فتوارى أكله فأما إنفاذ
المقاتل فقد يعيش بعدما ينفذ بعض المقاتل ولا يجوز فيه عندي إلا هذا إلا أن يكون جاء عن النبي
صلى الله عليه وسلم شئ فإني أتوهمه فيسقط كل شئ خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقوم معه
رأى ولا قياس فإن الله عز وجل قطع العذر بقوله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وإذا أصابت
الرمية الصيد والرامي لا يراه فذبحته أو بلغت به ما شاءت لم يأكله ووجد به أثرا من غيرها أو لم يجده لأنه
قد يقتله ما لا أثر له فيه وإذا أدرك الرجل الصيد ولم يبلغ سلاحه منه أو معلمه منه ما يبلغ الذبح من أن لا
يبقى فيه حياة فأمكنه أن يذبحه فلم يذبحه فلا يأكله وإمكانه أن يكون ما يذكى به حاضرا ويأتي عليه
مدة يمكنه فيها أن يذبحه فلا يذبحه لان الذكاة ذكاتان إحداهما ما قدر عليه فذلك لا يذكي إلا بالنحر
والذبح والأخرى ما لم يقدر عليه فيذكى بما يقدر عليه فإذا لم يبلغ ذكاته وقدر عليه فلا يجزى فيه إلا
الذبح أو النحر فإن أغفل السكين وقدر على الذبح فرجع له فمات لم يأكله إنما يأكله إذا لم يقدر من
حين يصيده على ذكاته ولو أجزنا له أكله بالرجوع بلا تذكية أجزنا له إن تعذر عليه ما يذكيه به يوما
فمات قبل أن يجده أن يأكله وإذا أدركته ومعك ما تذكيه به فلم يمكنك مذبحة ولم تفرط فيه حتى مات
فكله وإن أمكنك مذبحه فلم تفرط وأدنيت السكين فمات قبل أن تضعها على حلقه فكله وإن وضعتها
على حلقه ولم تمرها حتى مات ولم تتوان فكله لأنه يمكنك في شئ من هذا ذكاته وإن أمررتها فكلت
ومات فلا تأكله لأنه قد يكون قد مات خنقا والذكاة التي إذا بلغها الذابح أو الرامي أو المعلم أجزأت

(1) قوله: التي لم يتتام خروجه، كذا في النسخ بتأنيث الموصول وتذكير ضمير " خروجه "
وحرر. كتبه مصححه.
(2) قوله: إرسال الصيد. كذا في النسخ. وانظر. كتبه مصححه.
250

من الذبح أن يجتمع قطع الحلقوم والمرئ لا شئ دون ذلك وتمامها الودجين ولو قطع الودجان ولم
يقطع الحلقوم والمرئ لم تكن ذكاة من قبل أن الودجين قد يقطعان من الانسان ويحيا وأما الذكاة فيما
لا حياة فيه إذا قطع فهو الحلقوم والمرئ لأنهما أظهر منهما فإذا أتى عليهما حتى استؤصلا فلا يكون إلا
بعد إبانة الحلقوم والمرئ وإذا أرسل الرجل كلبه أو سهمه وسمى الله تبارك وتعالى وهو يرى صيدا
فأصاب غيره فلا بأس بأكله من قبل أنه قدر رأى صيدا ونواه وإن أصاب غيره وإن أرسلهما ولا يرى
صيدا ونوى فلا يأكل ولا تعمل النية إلا مع عين تراه وهكذا لو رمى صيدا مجتمعا ونوى أنه أصاب
أكل ما أصاب منه ولو كان لا يجوز أن يأكل إذا رمى إلا ما نوى بعينه كان العلم يحيط أن رجلا لو
أرسل سهما على مائة طير أو كلبا على مائة ظبي لم يقتلها كلها وإذا نواها كلها فأصاب واحدا فالواحد
المصاب غير منوى بعينه وكان يلزم من قال لا يأكل الصيد إلا أن يرميه بعينه أن لا يأكل من هذه شيئا
لان العلم يحيط أنه لا يقتلها كلها فإذا أحاط العلم بهذا فالذي نوى بغير عينه والله أعلم وكل ما أصاب
كلب غير معلم أو حجر أو بندقة أو شئ غير سلاح لم يؤكل إلا أن تدرك ذكاته فيكون مأكولا بالذكاة
كما تؤكل الموقوذة والمتردية والنطيحة إذا ذكيت (قال الشافعي) وأكثر ما تكون كلاب الصيد في غير
أيديهم إلا أنها تتبعهم وإذا استشلى الرجل كلبه على الصيد قريبا كان منه أو بعيدا فانزجر واستشلى
باستشلائه فأخذ الصيد أكل وإن قتله، وكان كإرساله إياه من يده وإن كان الكلب قد توجه للصيد
قبل استشلاء صاحبه فمضى في سننه فأخذه فلا يأكله إلا بإدراك ذكاته إلا أن يكون يزجره فيقف أو
ينعرج ثم يستشليه فيتحرك باستشلائه الآخر فيكون قد ترك الأمر الأول واستشلى باستشلاء مستأنف
فيأكل ما أصاب كما يأكله لو أرسله فيقف على الابتداء وإن كان في سننه فاستشلاه فلم يحدث عرجة
ولا وقوفا وازداد في سننه استشلاء فلا يأكل وسواء في ذلك استشلاء صاحبه أو غير صاحبه ممن يجوز
ذكاته (قال الشافعي) وصيد الصبي أسهل من ذبيحته فلا بأس بصيده لان فعله الكلام والذكاة بغيره
فلا بأس بذبيحته إذا أطاق الذبح وأتى منه على ما يكون ذكاة وكذلك المرأة وكل من تجوز ذكاته من
نصراني ويهودي (قال الشافعي) وإذا رمى لرجل الصيد أو طعنه أو ضربه أو أرسل إليه كلبه فقطعه
قطعتين أو قطع رأسه أو قطع بطنه وصلبه وإن لم يكن من النصف أكل الطرفين معا وهذه ذكاته وكل
ما كان ذكاة لبعضه كان ذكاة لكل عضو فيه ولكنه لو قطع منه يدا أو رجلا أو إربا أو شيئا يمكن لو لم
يزد على ذلك أن يعيش بعده ساعة أو مدة أكثر منها بعد أن يكون ممتنعا ثم قتله بعد برمية أكل ما كان
باقيا فيه من أعضائه ولم يأكل العضو الذي بان منه وفيه الحياة التي يبقى بعدها لأنه عضو مقطوع من
حي ولا يؤكل ما قطع من حي أدركت ذكاته أو لم تدرك ولو كان موته من القطع الأول أكلهما معا وقال
بعض الناس إذا ضربه فقطعه نصفين أكل وإن قطعه بأقل من النصف فكان الأقل مما يلي العجز أكل
الذي يلي الرأس ولم يأكل الذي يلي العجز (قال الشافعي) وإذا كانت الضربة التي مات منها ذكاة
لبعضه كانت ذكاة لكله ولم يصلح أن يؤكل منهما واحد دون صاحبه (قال الشافعي) وكل ما كان
يعيش في الماء من حوت أو غيره فأخذه ذكاته لا ذكاة عليه ولو ذكاه لم يحرم ولو كان من شئ تطول
حياته فذبحه لان يستعجل موته ما كرهته وسواء من أخذه من مجوسي أو وثنى لا ذكاة له لأنه ذكى في
نفسه فلا يبالي من أخذه وسواء ما كان منه يموت حين يخرج من الماء وما كان يعيش إذا كان منسوبا
إلى الماء وفيه أكثر عيشه وإذا كان هكذا فسواء ما لفظ البحر وطفا من ميتته وما أخرج منه وقد خالفنا
بعض المشرقيين فزعم أنه لا بأس بما لفظ البحر ميتا وما أخذه الانسان ميتا قبل أن يطفو فإذا طفا فلا
251

خير فيه ولا أدرى أي وجه لكراهية الطافي والسنة تدل على أكل ما لفظ البحر ميتا بضع عشرة ليلة
وهو يقول ذلك والقياس أنه كله سواء ولكنه بلغنا أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " سمى
جابرا أو غيره " كره الطافي فاتبعنا فيه الأثر (قال الشافعي) قلنا لو كنت تتبع الآثار أو السنن حين تفرق
بين المجتمع منها بالاتباع حمدناك ولكنك تتركها ثابتة لا مخالف لها عن النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه وتأخذ ما زعمت برواية عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره الطافي وقد
أكل أبو أيوب سمكا طافيا وهو رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومعه زعمت القياس
وزعمنا السنة وأنت تزعم أنه لو لم تكن سنة فقال الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قولا
معه القياس وعدد منهم قولا يخالف كان علينا وعليك اتباع القول الذي يوافق القياس وقد تركته في
هذا ومعه السنة والقياس، وذكر أيوب عن محمد بن سيرين أن أبا أيوب أكل سمكا طافيا
(باب ما ملكه الناس من الصيد)
(قال الشافعي) كل ما كان له أصل في الوحش وكان في أيدي الناس منه شئ قد ملكوه فأصابه
رجل فعليه رده فإن تلف في يده فعليه قيمته وذلك مثل الظباء والأروى وما أشبهه والقمارى والدباسي
والحجل وما أشبهها وكل ما صار إلى رجل من هذا بأن صاده أو صيد له أو صار إليه بوجه من الوجوه
فلم يعرف له صاحبا فلا بأس عليه فيه لان أصله مباح ولا يحرم عليه حتى يعلم أن غيره قد ملكه فإن
أخذه فاستهلكه أو بقي في يديه فادعاه مدع فالورع أن يصدقه ويرده عليه أو قيمته والحكم أن ليس
عليه تصديقه إلا ببينة يقيمها عليه وكل ما كان في أيدي الناس مما لا أصل له في الوحش مثل الحمام
غير حمام مكة فهو كالشاة والبعير فليس لأحد أخذه بوجه من الوجوه لأنه لا يكون إلا مملوكا وكذلك لو
أصابه في الجبل أو غيره قد فرخ فيه لم يكن له أخذه من قبل أن أفراخه لمالك أمهاته كما لو أصاب
الجمر الأهلية مباحة لم يكن له أخذها لأنها لا تكون إلا لمالك وهذا عندنا كما وصفت فإن كان بلد فيه
شئ من هذا معروفا أنه لغير مالك فهو كما وصفت من الحجل والقطا (قال الشافعي) وإذا كان لرجلين
برجان فتحول بعض حمام هذا إلى برج هذا فلازم له أن يرده كما يرد ضوال الإبل إذا أوت إلى إبله فإن
لم يعرفها إلا بادعاء صاحبها لها كان الورع أن يصدقه فيما ادعى ما لم يعرفه ادعى ما ليس له والحكم أن
لا يجبر على تصديقه إلا ببينة يقيمها ولا نحب له حبس شئ يشك فيه ونرى له إعطاءه ما عرف وتأخى ما لم يعرف واستحلال صاحبه فيما جهل، والجواب في الحمام مثله في الإبل والبقر والرقيق (قال
الشافعي) فإذا ملك الرجل الصيد ساعة ثم انفلت منه فأخذه غيره كان عليه رده إليه كان ذلك من
ساعة انفلت منه فأخذه أو بعد مائة سنة لا فرق بين ذلك، ولا يجوز غير هذا أو يكون حين زايل يد،
لا يملكه فلو أخذه من ساعته لم يرده إليه (1) فأما يرده إذا انفلت قريبا ولا يرده إذا انفلت بعيدا فليس
هذا مما يعذر أحد بجهالته وإذا أصاب الرجل الصيد مقلدا أو مقرطا أو موسوما أو به علامة لا يحدثها إلا
الناس فقد علم أنه مملوك لغيره فلا يحل له إلا بما تحل به ضالة الغنم وذلك أن ضالة الغنم لا تغنى عن
نفسها قد تحل بالأرض المهلكة ويغرمها من أخذها إذا جاء صاحبها والوحش كله في معنى الإبل وقد

(1) قوله: فأما يرده الخ هكذا في النسخ، وانظر. كتبه مصححه.
252

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يأتي ربها " فقلنا
كل ما كان ممتنعا بنفسه يعيش بغير راعية كما يعيش للبعير فلا سبيل إليه والوحش كله في هذا المعنى
فكذلك البقرة الانسية وبقرة الوحش والظباء والطير كله (قال) وما يدل عليه الكتاب ثم السنة ثم
الآثار ثم القياس أنه لا يجزى المحرم من الصيد شيئا لا يؤكل لحمه ويجزى ما كان لحمه مأكولا منه
والبازي والصوائد كلها لا تؤكل لحومها كما لا تؤكل لحوم الغربان فإن قتل المحرم بازا لانسان معلما ضمن
له قيمته في الحال التي يقتله بها معلما كما يقتل له العبد الخباز أو الصباغ أو الكاتب فيضمن له قيمته
في حاله التي قتله فيها ويقتل له البعير النجيب والبرذون (1) الماشي فيضمن له قيمته في الحال التي قتله
فيها ولا فدية في الاحرام عليه لأنه قتله وليس لأحد لم يكن عليه فيه فدية ولو قتل له ظبيا كانت عليه
شاة يتصدق بها على مساكين الحرم وقيمته بالغة ما بلغت لصاحبه كانت أقل من شاة أو أكثر (قال
الشافعي) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب فلا يحل بيع كلب ضار ولا غيره وهكذا
قال بعض أصحابنا وقال فإن قتله فعليه قيمته وقيمته بيع ذلك مردود لأنه ثمن المحرم والمحرم لا يكون إلا
مردودا أعلم بذلك من ساعته أو بعد مائة سنة كما يكون الخمر والخنزير وما لا يحل ثمنه بحال مردودا
وليس فيه إلا هذا أو ما قال المشرقيون بأن ثمنه يجوز كما يجوز ثمن الشاة فأما أن يزعم أن أصله محرم يرده
إن قرب ولا يرده إن بعد فهذا لا يجوز لاحد ولا يعذر به ولو جاز هذا لاحد بلا خبر يلزم جاز عليه أن
يرد الثمن إذا بعد ولا يرده إذا قرب فإن قال استحسنت في هذا؟ قيل له ونحن نستحسن ما استقبحت
ونستقبح ما استحسنت ولا يحرم بيع حي من دابة ولا طير ولا نجاسة في واحد منهما إلا الكلب والخنزير
فإنهما نجسان حيين وميتين ولا يحل لهما ثمن بحال (قال الشافعي) ومن قتل كلب زرع أو كلب ماشية أو
صيد أو كلب الحرس لم يكن عليه قيمته من قبل أن الخبر إذا كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالنهي عن ثمنه وهو حي لم يحل أن يكون له ثمن حيا ولا ميتا وأنا إذا أغرمت قاتله ثمنه فقد جعلت
له ثمنا حيا وذلك ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو جاز أن يكون له ثمن في إحدى حالتيه
كان ثمنه في الحياة مبيعا حين يقتنيه المشترى للصيد والماشية والزرع أجوز منه حين يكون لا منفعة فيه
(قال الشافعي) وإذا كان لك على نصراني حق من أي وجه ما كان ثم قضاكه من ثمن خمر أو خنزير
تعلمه لم يحل لك أن تأخذه وسواء في ذلك حلاله وحرامه فيما قضاكه أو وهب لك أو أطعمك كما لو
كان لك على مسلم حق فأعطاك من مال غصبه أو ربا أو بيع حرام لم يحل لك أخذه وإذا غاب عنك
معناه من النصراني والمسلم فكان ما أعطاك من ذلك أو أطعمك أو وهب لك أو قضاك يحتمل أن يكون
من حلال وحرام وسعك أن تأخذه على أنه حلال حتى تعلم أنه حرام والورع أن تتنزه عنه ولا يعدو ما
أعطاك نصراني من ثمن خمر أو خنزير بحق لك أو تطوع منه عليك أن يكون حلالا لك لأنه حلال له
إذا كان يستحله من أصل دينه أو يكون حراما عليك باختلاف حكمك وحكمه ولا فرق بين ما أعطاك
من ذلك تطوعا أو بحق لزمه واما أن يكون حلالا فحلال الله تعالى لجميع خلقه وحرامه عليهم واحد
وكذلك هو في الخمر والخنزير وثمنهما محرمان على النصراني كهو على المسلم فإن قال قائل فلم لا تقول إن
ثمن الخمر والخنزير حلال لأهل الكتاب وأنت لا تمنعهم من اتخاذه والتبايع به؟ قيل قد اعلمنا الله عز
وجل أنهم لا يؤمنون به ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله إلى قوله " وهم صاغرون " (قال

(1) قوله: الماشي، هكذا في النسخ. وانظر. كتبه مصححه.
253

الشافعي) فكيف يجوز لاحد عقل عن الله عز وجل أن يزعم أنها لهم حلال وقد أخبرنا الله تعالى أنهم لا
يحرمون ما حرم الله ورسوله؟ فإن قال قائل فأنت تقرهم عليها؟ قلت: نعم، وعلى الشرك بالله لان الله
عز وجل أذن لنا ان نقرهم على الشرك واستحلالهم شربها وتركهم دين الحق بأن تأخذ منهم الجزية
قوة لأهل دينه وحجة الله تعالى عليهم قائمة لا مخرج لهم منها ولا عذر لهم فيها حتى يؤمنوا بالله ورسوله
ويحرموا ما حرم الله ورسوله وكل ما صاده حلال في غير حرم مما يكون بمكة من حمامها وغيره فلا بأس
به لأنه ليس في الصيد كله ولا في شئ منه حرمة يمنع بها نفسه إنما يمنع بحرمة من غيره، من بلد أو
إحرام محرم أو بحرمة لغيره من أن يكون ملكه مالك، فأما بنفسه فليس بممنوع.
(باب ذبائح أهل الكتاب)
(قال الشافعي) رحمه الله: أحل الله طعام أهل الكتاب وكان طعامهم عند بعض من حفظت
عنه من أهل التفسير ذبائحهم وكانت الآثار تدل على إحلال ذبائحهم فإن كانت ذبائحهم يسمونها لله
تعالى فهي حلال وإن كان لهم ذبح آخر يسمون عليه غير اسم الله تعالى مثل اسم المسيح أو يذبحونه
باسم دون الله تعالى لم يحل هذا من ذبائحهم ولا أثبت أن ذبائحهم هكذا فإن قال قائل وكيف زعمت
أن ذبائحهم صنفان وقد أبيحت مطلقة؟ قيل قد يباح الشئ مطلقا وإنما يراد بعضه دون بعض فإذا
زعم زاعم ان المسلم إن نسي اسم الله تعالى أكلت ذبيحته وإن تركه استخفافا لم تؤكل ذبيحته وهو لا
يدعه للشرك كان من يدعه على الشرك أولى أن تترك ذبيحته، وقد أحل الله عز وجل لحوم البدن مطلقة
فقال " فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها " ووجدنا بعض المسلمين يذهب إلى أن لا يؤكل من البدنة التي
هي نذر ولا جزاء صيد ولا فدية فلما احتملت هذه الآية ذهبنا إليه وتركنا الجملة، لا أنها خلاف للقرآن
ولكنها محتملة ومعقول أن من وجب عليه شئ في ماله لم يكن له أن يأخذ منه شيئا لأنا إذا جعلنا له
أن يأخذ منه شيئا فلم نجعل عليه الكل إنما جعلنا عليه البعض الذي أعطى فهكذا ذبائح أهل الكتاب
بالدلالة على شبيه ما قلنا.
(ذبائح نصارى العرب)
(قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن دينار عن سعد الفلجة مولى عمر أو ابن
سعد الفلجة ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال " ما نصارى العرب بأهل كتاب وما تحل لنا
ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب أعناقهم " (قال الشافعي) أخبرنا الثقفي عن أيوب عن
ابن سيرين عن عبيدة عن علي رضي الله عنه أنه قال " لا تأكلوا ذبائح نصارى بنى تغلب فإنهم لم
يتمسكوا من دينهم إلا بشرب الخمر " (قال الشافعي) كأنهما ذهبا إلى أنهم لا يضبطون موضع الدين
فيعقلون كيف الذبائح وذهبوا إلى أن أهل الكتاب هم الذين أوتوه لا من دان به بعد نزول القرآن وبهذا
نقول لا تحل ذبائح نصارى العرب بهذا المعنى والله أعلم. وقد روى عكرمة عن ابن عباس أنه أحل
ذبائحهم وتأول " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " وهو لو ثبت عن ابن عباس كان المذهب إلى قول عمر
254

وعلى رضى الله تعالى عنهما أولى ومعه المعقول فأما " من يتولهم منكم فإنه منهم " فمعناها على غير حكمهم وهكذا
القول في صيدهم من أكلت ذبيحته أكل صيده ومن لم تحل ذبيحته لم يحل صيده إلا بان تدرك ذكاته.
(ذبح نصارى العرب)
(قال الشافعي) رحمه الله لا خير في ذبائح نصارى العرب فإن قال قائل فما الحجة في ترك
ذبائحهم؟ فما يجمعهم من الشرك وأنهم ليسوا الذين أوتوا الكتاب فإن قال فقد نأخذ منهم الجزية قلنا
ومن المجوس ولا نأكل ذبائحهم، ومعنى الذبائح معنى غير معنى الجزية فإن قال فهل من حجة من أثر
يفزع إليه؟ فنعم ثم ذكر حديثا أن عمر بن الخطاب قال " ما نصارى العرب بأهل كتاب ولا تحل لنا
ذبائحهم " ذكره إبراهيم بن أبي يحيى ثم لم أكتبه فإن قال قائل فحديث ثور عن ابن عباس رضي الله عنه
ما؟ قيل ثور، روى عن عكرمة عن ابن عباس ولم يدرك ثور ابن عباس فإن قال قائل ما دل على
الذي رواه عكرمة؟ فحدثنا إبراهيم عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس بهذا الحديث قال وما أفرى
الأوداج (1) غير مثرد ذكى به غير الظفر والسن فإنه لا تحل الذكاة بهما لنهى النبي صلى الله عليه وسلم
عن الذكاة بهما.
(المسلم يصيد بكلب المجوسي)
(قال الشافعي) رحمه الله في المسلم يصيد بكلب المجوسي المعلم يؤكل من قبل أن الصيد قد جمع
المعنيين اللذين يحل بهما الصيد وهما أن الصائد المرسل هو الذي تجوز ذكاته وأنه قد ذكى بما تجوز به
الذكاة وقد اجتمع الأمران اللذان يحل بهما الصيد وسواء تعليم المجوسي وتعليم المسلم لأنه ليس في
الكلب معنى إلا أن يتأدب بالامساك على من أرسله فإذا تأدب به فالحكم حكم المرسل لا حكم
الكلب وكذلك كلب المسلم يرسله المجوسي فيقتل لا يحل أكله، لان الحكم حكم المرسل وإنما الكلب
أداة من الأداة.
(ذكاة الجراد والحيتان)
(قال الشافعي) ان ذوات الأرواح التي يحل أكلها صنفان صنف لا يحل إلا بأن يذكيه من تحل
ذكاته والصيد والرمي ذكاة ما لا يقدر عليه، وصنف يحل بلا ذكاة ميته ومقتوله إن شاء (2) وبغير
الذكاة وهو الحوت والجراد وإذا كان كل واحد منهما يحل بلا ذكاة حل ميتا فأي حال وجدتهما ميتا
أكل لا فرق بينهما فمن فرق بينهما فالحوت كان أولى أن لا يحل ميتا لان ذكاته أمكن من ذكاة الجراد

(1) قوله: غير مثرد بالثاء المثلثة والراء المكسورة المشددة وعبارة اللسان المثرد الذي يقتل بغير
ذكاة، وقيل التثريد أن يذبح الذبيحة بشئ لا ينهر الدم ولا يسيله فهذا المثرد اه‍. كتبه مصححه.
(2) قوله: ويغير الزكاة، كذا في النسخ، وانظره مع قوله: قبله يحل بلا زكاة.
255

فهو يحل ميتا والجرادة تحل ميتة ولا يجوز الفرق بينهما فإن فرق بينهما فارق فليدلل من سن له ذكاة
الجراد أو أحل له بعضه ميتا وحرم عليه بعضه ميتا؟ ما رأيت الميت يحل من شئ إلا الجراد والحوت
(قال الشافعي أخبرنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " أحلت لنا ميتتان ودمان. أما الميتتان الحوت والجراد، والدمان أحسبه قال الكبد
والطحال ". أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حاتم بن إسماعيل والدراوردي أو أحدهما عن
جعفر عن أبيه رضي الله عنهما قال: النون والجراد ذكى.
(ما يكره من الذبيحة)
(قال الشافعي) رحمه الله: إذا عرفت في الشاة الحياة تتحرك بعد الذكاة أو قبلها أكلت وليس
يتحرك بعد الذكاة ما مات قبلها إنما يتحرك بعدها ما كان فيه الروح قبلها (قال) وكل ما عرفت فيه
الحياة ثم ذبحت بعده، أكلت.
(ذكاة ما في بطن الذبيحة)
(قال الشافعي) في ذبح الجنين إنما ذبيحته تنظيف وإن لم يفعل فلا شئ عليه، وقد نهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن المصبورة الشاة، تربط ثم ترمى بالنبل.
(ذبائح من اشترك في نسبه من أهل الملل وغيرهم)
(قال الشافعي) في الغلام أحد أبويه نصراني والآخر مجوسي يذبح أو يصيد لا تؤكل ذبيحته ولا
صيده لأنه من أبويه وليس هذا كالمسلم يكون ابنه الصغير على دينه ولا كالمسلمة يكون ابنها على دينها
من قبل أن حظ الاسلام إذا شرك حظ الكفر فيمن لم يدن كان حظ الاسلام أولى به، وليس حظ
النصرانية بأولى من حظ المجوسية ولاحظ المجوسية بأولى من حظ النصرانية كلاهما كفر بالله ولو ارتد
نصراني إلى مجوسية أو مجوسي إلى نصرانية لم نستتبه ولم نقتله لأنه خرج من كفر إلى كفر ومن خرج من
دين الاسلام إلى غيره قتلناه إن لم يتب فإذا بلغ هذا المولود فدان دين أهل الكتاب فهو منهم أكلت
ذبيحته فإن ذهب رجل يقيس الاسلام بالكفر الحق الولد بالنصرانية فزعم أن النصرانية تعمل ما يعمل
الاسلام دخل عليه أن يفرق بين من يرتد من نصرانية إلى مجوسية ودخل لغيره عليه أن يقول ولد الأمة
من الحر عبد حكمه حكم أمه، وولد الحرة من العبد حر حكمه حكم أمه فجعل حكم الولد المسلم
حكم الام دون الأب (1) فإن قال قائل المرتد عن الاسلام يقتل، والاسلام غير الشرك ولا يؤكل صيد
لم يصده مسلم ولا كتابي يقر على دينه ولا أعلم من الناس أحدا مجوسيا ولا وثنيا أشر ذبيحة منه
من قبل أنه يجوز للحاكم أن يأخذ الجزية من المجوسي ويقره على دينه ويجوز له بعد القدرة على الحربي

(1) قوله: فإن قال الخ كذا في النسخ، وانظر أين جواب الشرط.
256

أن يدعه بلا قتل ولا يجوز له هذا في المرتد فيحل دمه بما يحل به دم المحارب ولا يحل فيه تركه كما يحل
في المحارب لعظم ذنبه بخروجه من دين الله الذي ارتضى.
(الذكاة وما أبيح أكله وما لم يبح)
(قال الشافعي) الذكاة وجهان: وجه فيما قدر عليه الذبح والنحر وفيما لم يقدر عليه ما ناله الانسان
بسلاح بيده أو رميه بيده فهي عمل يده أو ما أحل الله عز وجل من الجوارح ذوات الأرواح المعلمات
التي تأخذ بفعل الانسان كما يصيب السهم بفعله فأما المحفرة فإنها ليست واحدا من ذا كان فيها
سلاح يقتل أو لم يكن ولو أن رجلا نصب سيفا أو رمحا ثم اضطر صيدا إليه فأصابه فذكاه لم يحل
أكله لأنها ذكاة بغير قتل أحد وكذلك لو مرت شاة أو صيد فاحتكت بسيف فأتى على مذبحها لم يحل
أكلها لأنها قاتلة نفسها لا قاتلها غيرها ممن له الذبح والصيد وإذا صاد رجل حيتانا وجرادا فأحب إلى
لو سمى الله تعالى ولو ترك ذلك لم نحرمه إذا أحللته ميتا فالتسمية إنما هي من سنة الذكاة فإذا سقطت
الذكاة حلت بترك التسمية والذكاة ذكاتان، فأما ما قدر على قتله من أنسى أو وحشى فلا ذكاة إلا في
اللبة والحلق وأما ما هرب منه من أنسى أو وحشى فما ناله به من السلاح فهو ذكاته إذا قتله، ومثله
البعير وغيره يتردى في البئر فلا يقدر على مذبحه ولا منخره فيضرب بالسكين على أي آرابه قدر عليه
ويسمى وتكون تلك ذكاة له (قال) ولو حدد المعراض حتى يمور موران السلاح فلا بأس بأكله.
(الصيد في الصيد)
(قال الشافعي) وإذا وجد الحوت في بطن حوت أو طائر أو سبع فلا بأس بأكل الحوت ولو وجد
في ميت لم يحرم لأنه مباح ميتا ولو كنت أحرمه لان حكمه حكم ما في بطنها لم يحل ما كان منه في
بطن سبع لان السبع لا يؤكل ولا في بطن طائر إلا أن أدرك ذكاته ثم ما كان لي أن أجعل ذكاته بذكاة
الطائر لأنه ليس بمخلوق من الطائر إنما تكون ذكاة الجنين في البطن ذكاة أمه لأنه مخلوق منها وحكمه
حكمها ما لم يزايلها في الآدميين والدواب فأما ما ازدرده طائر فلو ازدرد عصفورا ما كان حلالا بأن
يذكى المزدرد وكان على من وجده أن يطرحه فكذلك ما أصبنا في بطن طائر سوى الجراد والحوت فلا
يؤكل لحما كان أو طائرا لأنه شئ من غيره فإنما تقع ذكاته على ما هو منه لا على ما هو من غيره
فكذلك الحوت لو ازدرد شاة، أكلنا الحوت وألقينا الشاة لان الشاة غير الحوت.
(إرسال الرجل الجارح)
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا أرسل الرجل الجارح طائرا كان أو دابة على الصيد فمضى ثم
صرعه فرأى الصيد أو لم يره فإن كان إنما رجع عن سننه وأخذ طريقا إلى غيرها فهذا طالب غير راجع
فإن قتل الصيد أكل، وإذا رجع إلى صاحبه رأى الصيد أو لم يره ثم عاد بعد رجوعه فقتله لم يؤكل
من قبل أن الارسال الأول قد انقضى وهذا إحداث طلب بعد إرسال فإن زجره صاحبه برجوعه
257

فانزجر أو في وقفة وقفها فاستقبل أو في طريق غير طريق الصيد فعاد في جريه فقتله أكل وكان ذلك
كإرساله إياه من يده (قال الشافعي) وإذا رمى الصيد فأثبته إثباتا لا يقدر معه على أن يمتنع من أن
يؤخذ أو كان مريضا أو مكسورا أو صغيرا لا يستطيع الامتناع من أن يؤخذ فرمى فقتل لم يحل أكله ولا
يحل هذا إلا بالذكاة والذكاة وجهان ما كان من وحشى أو أنسى فما قدر عليه بغير الرمي والسلاح لم
يحل إلا بذكاة، وما لم يقدر عليه إلا برمي أو بسلاح فهو ذكاة له.
(باب في الذكاة والرمي)
(قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمر بن سعيد بن مسروق عن أبيه عن عباية
ابن رفاعة عن جده رافع بن خديج قال قلنا يا رسول الله " إنا لاقو العدو غدا وليس معنا مدى أنذكي
بالليط؟ ". فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ما أنهر الدم وذكر عليه اسم الله فكلوه إلا ما كان من سن
أو ظفر فإن السن عظم من الانسان والظفر مدى الحبش " (قال الشافعي) فإن كان رجل رمى صيدا
فكسره أو قطع جناحه أو بلغ به الحال التي لا يقدر الصيد أن يمتنع فيها من أن يكون مأخوذا فرماه أحد
فقتله كان حراما وكان على الرامي قيمته بالحال التي رماه بها مكسورا أو مقطوعا لأنه مستهلك لصيد قد
صار لغيره، ولو رماه فأصابه ثم أدرك ذكاته فذكى كان للرامي الأول وكان على الرامي الثاني ما نقصته
الرمية في الحال التي أصابه فيها ولو رماه الأول فأصابه وكان ممتنعا بطيران إن كان طائرا أو بعد، وإن
كان دابة، ثم رماه الثاني فأثبته حتى لا يستطيع أن يمتنع كان للثاني ولو رماه الأول في هذه الحال
فقتله ضمن قيمته للثاني لأنه قد صار له دونه، ولو رمياه معا فمضى ممتنعا ثم رماه ثالث فصيره غير
ممتنع كان للثالث دون الأولين، ولو رماه الأولان بعد رمية الثالث فقتلاه ضمناه، ولو رمياه معا أو
أحدهما قبل الآخر فأخطأته إحدى الرميتين وأصابته الأخرى كان الذي أصابته رميته ضامنا ولو أصابتاه
معا أو إحداهما قبل الأخرى كانت الرميتان مستويتين أو مختلفتين إلا أنهما قد جرحتاه فأنفذت إحداهما
مقاتله ولم تنفذه الأخرى كانا جميعا قاتلين له وكان الصيد بينهما كما يجرح الرجلان الرجل أحدهما
الجرح الخفيف والآخر الجرح الثقيل أو عدد الجراح الكثيرة فيكونان جميعا قاتلين فإن كانت إحدى
الرميتين أتت منه على ما لا يعيش منه طرفة عين مثل أن تقطع حلقومه أو مريئه أو رأسه أو تقطعه باثنين
فإن كانت هي التي وقعت أولا ثم وقعت الرمية الأخرى آخرا فإنما رمى الآخر ميتا فلا ضمان عليه إلا أن
يكون أفسد بالرمية جلدا أو لحما فيضمن قدر ما أفسد من الجلد أو اللحم ويكون الصيد للرامي الذي
ذكاه ولو كانت الرمية التي لم تبلغ ذكاته أولا والرمية التي بلغت ذكاته آخرا كان للرامي الآخر لأنه
الذي ذكاه ولم يكن على الرامي الأول شئ لأنه لم يجن عليه بعد ما صار له ولا على الذي ذكاه شئ
لأنه إنما رمى صيدا ممتنعا له رميه ولو كان رماه فبلغ أن لا يمتنع مثله وتحامل فدخل دار رجل فأخذه
الرجل فذكاه كان للأول لأنه الذي بلغ به أن يكون غير ممتنع وكان على صاحب الدار ما نقصته
الذكاة إن كانت نقصته شيئا ولو أخذه صاحب الدار ولم يذكه كان عليه رده إلى صاحبه ولو مات في
يده قبل أن يرده كان ضامنا له من قبل أنه متعد بأخذه ومنع من صاحبه ذكاته ولو كانت الرمية لم تبلغ
به أن يكون غير ممتنع وكان فيه ما يتحامل طائرا أو عاديا فدخل دار رجل فأخذه كان لصاحب الدار
(قال الشافعي) ولو رماه الأول ورماه الثاني فلم يدر أبلغ به الأول أن يكون ممتنعا أو غير ممتنع جعلناه
258

بينهما نصفين كما نجعل القاتلين معا وهو على الذكاة حتى يعلم أنه قد صار إلى حال لا يقدر فيها على
الامتناع ويكون مقدورا على ذكاته (قال) وإذا رمى الرجل طائرا يطير فأصابه أي أصابة ما كانت
أو في أي موضع ما كان إذا جرحته فأدمته أو بلغت أكثر من ذلك فسقط إلى الأرض ووجدناه ميتا لم
ندر أمات في الهواء أو بعدما صار إلى الأرض أكل من قبل أنه مما أحل من الصيد وأنه لا يوصل إلى أن
يكون مأخوذا إلا بالوقوع ولو حرمنا هذا خوفا أن تكون الأرض قتلته حرمنا صيد الطير كله إلا ما أخذ منه
فذكى وكذلك لو وقع على جبل أو غيره فلم يتحرك عنه حتى أخذ ولكنه لو وقع على جبل فتردى عن
موضعه الذي وقع عليه قليلا أو كثيرا كان مترديا لا يؤكل إلا أن يذكى حتى يحيط العلم أنه مات قبل أن
يتردى أو تجد الرمية قد قطعت رأسه أو ذبحته أو قعطته باثنين فيعلم حينئذ انه لم يقع إلا ذكيا فإن وقع
على موضع فتردى فمر بحجارة حداد أو شوك أو شئ يمكن أن يكون قطع رأسه أو نصفه أو أتى على
ذلك لم يؤكل حتى يحيط العلم أنه لم يترد إلا بعد ما مات وإذا رمى الرجل بسهمه صيدا فأصاب غيره
أو أصابه فأنفذه وقتل غيره فسواء ويأكل كل ما أصاب إذا قصد بالرمية قصد صيد يراه فقد جمع
الرمية التي تكون بها الذكاة وإن نوى صيدا وإذا رمى الرجل الصيد بحجر أو بندقة فخرقت أو لم تخرق
فلا يأكله إلا أن يدرك ذكاته لان الغالب منها أنها غير ذكاة وواقذة وأنها إنما قتلت بالثقل دون الخرق
وأنها ليست من معاني السلاح الذي يكون ذكاة ولو رمى بمعراض فأصاب بصفحه فقتل كان موقوذا لا
يؤكل ولو أصاب بنصله وحده نصله محدد فخرق أكل من قبل أنه سهم إنما يقتل بالخرق لا بالثقل ولو
رمى بعصا أو عود كان موقوذا لا يؤكل ولو خسق كل واحد منهما فإن كان الخاسق منهما محددا يمور مور
السلاح بعجلة السلاح أكل وإن كان لا يمور إلا مستكرها نظرت فإن كان العود أو العصا خفيفين كخفة
السهم أكلت لأنهما إذا خفا قتلا بالمور وان أبطئا، وإن كانا أثقل من ذلك بشئ متباين لم يؤكل من
قبل أن الأغلب على أن القتل بالثقل فيكون موقوذا.
(الذكاة)
(قال الشافعي) رحمه الله أحب الذكاة بالحديد وأن يكون ما ذكى به من الحديد موحيا أخف
على المذكى وأحب أن يكون المذكى بالغا مسلما فقيها ومن ذكى من امرأة أو صبي من المسلمين جازت
ذكاته وكذلك من ذكى من صبيان أهل الكتاب ونسائهم وكذلك كل ما ذكى به من شئ أنهر الدم
وفرى الأوداج والمذبح ولم يثرد جازت به الذكاة إلا الظفر والسن فإن النهى جاء فيهما عن النبي صلى
الله عليه وسلم فمن ذكى بظفره أو سنه وهما ثابتان فيه أو زائلان عنه أو بظفر سبع أو سنه أو ما وقع عليه
اسم الظفر من أظفار الطير أو غيره لم يجز الاكل به لنص السنة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال
الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن عمر بن سعيد بن مسروق (قال الشافعي) كمال الذكاة بأربع الحلقوم
والمرئ والودجين وأقل ما يكفي من الذكاة اثنان الحلقوم والمرئ وإنما أحببنا أن يؤتى بالذكاة على
الودجين من قبل أنه إذا أتى على الودجين فقد استوظف قطع الحلقوم والمرئ حتى أبانهما وفيهما موضع
الذكاة لا في الودجين لان الودجين عرقان قد يسيلان من الانسان ثم يحيا والمرئ هو الموضع الذي
يدخل فيه طعام كل خلق يأكل من بشر أو بهيمة والحلقوم موضع النفس وإذا بانا فلا حياة تجاوز طرفة
عين فلو قطع الحلقوم والودجين دون المرئ لم تكن ذكاة لان الحياة قد تكون بعد هذا مدة وإن قصرت
259

وكذلك لو قطع المرئ والودجين دون الحلقوم لم تكن ذكاة من قبل أن الحياة قد تكون بعد هذا مدة
وإن قصرت فلا تكون الزكاة إلا ما يكون بعده حياة طرفة عين وهذا لا يكون إلا في اجتماع قطع
الحلقوم والمرئ دون غيرهما.
(باب موضع الذكاة في المقدور على ذكاته وحكم غير المقدور عليه)
(قال الشافعي) الذكاة ذكاتان فذكاة ما قدر عليه من وحشى أو أنسى الذبح أو النحر وموضعهما اللبة
والمنحر والحلق لا موضع غيره لان هذا موضع الحلقوم والمرئ والودجين فذلك الذكاة فيه بما جاءت
السنة والآثار وما لم يقدر عليه فذكاته ذكاة الصيد أنسيا كان أو وحشيا فإن قال قائل بأي شئ قست
هذا؟ قيل قسته بالسنة والآثار وقد كتبت ذلك في غير هذا الموضع لان السنة أنه أمر في الانسي
بالذبح والنحر إذا قدر على ذلك منه وفى الوحشي بالرمي والصيد بالجوارح فلما قدر على الوحشي فلم
يحل إلا بما يحل به الانسي كان معقولا عن الله تعالى أنه إنما أراد به الصيد في الحال التي لا يقدر عليها
على أن يكون فيها مذكى بالذبح والنحر وكذلك لما أمر بالذبح والنحر في الانسي فامتنع امتناع الوحشي
كان معقولا أنه يذكى بما يذكى به الوحشي الممتنع فإن قال قائل لا أجد هذا في الانسي قيل ولا يجد
في الوحشي الذبح فإذا أحلته إلى الذبح والأصل الذي في الصيد غير الذبح حين صار مقدورا عليه
فكذلك فأحل الانسي حين صار إلى الامتناع إلى ذكاة الوحشي فإن قلت لا أحيل الانسي وإن امتنع
إلى ذكاة الوحشي جاز عليك لغيرك أن يقول لا أحيل الوحشي إذا قدر عليه إلى ذكاة الانسي وأثبت
على كل واحد منهما ذكاته في أي حال ما كان ولا أحيلهما عن حالهما بل هذا لصاحب الصيد أولى لأني
لا أعلم في الصيد خبرا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا وأعلم في الانسي يمتنع خبرا عن
النبي صلى الله عليه وسلم يثبت بأنه رأى ذكاته كذكاة الوحشي كيف يجوز لاحد أن يفرق بين المجتمع؟
ثم إذا فرق أبطل الثابت من جهة الخبر ويثبت غيره من غير جهة الخبر؟ (قال) وإذا رمى الرجل
بسيف أو سكين صيدا فأصابه بحد السيف أو حد السكين فمار فيه فهو كالسهم يصيبه بنصله وإن أصابه
بصفح السيف أو بمقبضه أو قفاه إن كان ذا قفا أو بنصاب السكين أوقفاه أو صفحه فانحرف الحد عليه
حتى يمور فلا يأكله إلا أن يدرك ذكاته وهذا كالسهم يرمى به والخشبة والخنجر فلا يؤكل لأنه لا
يدرى أيهم قتله (قال) وإن رمى صيدا بعينه بسيف أو سهم ولا ينوى أن يأكله فله أن يأكله كما يذبح
الشاة لا ينوى أن يأكلها فيجوز له أكلها ولو رمى رجل شخصا يراه يحسبه خشبة أو حجرا أو شجرا أو
شيئا فأصاب صيدا فقتله كان أحب إلي أن يتنزه عن أكله ولو أكله ما رأيته محرما عليه وذلك أن رجلا
لو أخطأ بشاة له فذبحها لا يريد ذكاتها أو أخذها بالليل فحز حلقها حتى أتى على ذكاتها وهو يراها
خشبة لينة أو غيرها ما بلغ علمي أن يكون ذا محرما ما عليه ولو دخل علينا بالتحريم عليه إذا أتى على ما
يكون ذكاة إذا لم ينو الذكاة دخل علينا أن يزعم أن رجلا لو أخذ شاة ليقتلها لا ليذكيها فذبحها وسمى
لم يكن له أكلها ودخل علينا أن لو رمى ما لا يؤكل من الطائر والدواب فأصاب صيدا يؤكل لم يأكله
من قبل أنه قصد بالرمية قصد غير الذكاة ولا نية المأكول ودخل علينا أن لو أراد ذبح شاة فأخطأ
بغيرها فذبحه لم يكن له أكله ولو أضجع شاتين ليذبح أحدهما ولا يذبح الأخرى فسمى وأمر السكين
فذبحهما حل له أكل التي نوى ذبحها ولم يحل له أكل التي لم ينو ذبحها ودخل علينا أكثر من هذا وأولى
260

أن يدخل مما أدخله بعض أهل الكلام وذلك أن يذبح الرجل شاة غيره فيدركها الرجل المالك لها
فزعم أنه لا يحل أكلها لواحد منهما من قبل أن ذابحها عاص لا يحل له أكلها ومالكها غير ذابح لها ولا
آمر بذبحها وهذا قول لا يستقيم يخالف الآثار ولا أعلم في الامر بالذبح ولا في النية عمل غير الذكاة
ولقد دخل على قائل هذا القول منه ما تفاحش حتى زعم أن رجلا لو غصب سوطا من رجل فضرب
به أمته حد الزنا ولو كان الغاصب السلطان فضرب به الحد لم يكن واحد من هذين محدودا وكان عليهما
أن يقام عليهما الحد بسوط غير مغصوب فإذا كان هذا عند أهل العلم على غير ما قال فالية أولى أن لا
تكون في الذبائح والصيد تعمل شيئا والله أعلم (قال الشافعي) وما طلبته الكلاب أو البزاة فأتعبته فمات
ولم تنله فلا يؤكل لأنه ميتة وإنما تكون الذكاة فيما نالت لأنها بما نالت تقوم مقام الذكاة ولو أن رجلا
طلب شاة ليذبحها فأتعبها حتى ماتت لم يأكلها وما أصيب من الصيد بأي سلاح ما كان ولم يمر فيه فلا
يؤكل حتى يبلغ أن يمر فيدمى أو يجاوز الادماء فيخرق أو يهتك وما نالته الكلاب والصقور
والجوارح كلها فقتلته ولم تدمه احتمل معنيين أحدهما أن لا يؤكل حتى يخرق شيئا لان الجارح ما خرق
وقد قال الله تبارك وتعالى " الجوارح " والمعنى الثاني أن فعلها كله ذكاة فبأي فعلها قتلت حل وقد يكون
هذا جائزا فيكون فعلها غير فعل السلاح لان فعل السلاح فعل الآدمي وأدنى ذكاة الآدمي ما خرق
حتى يدمى وفعلها عمد القتل لا على أن في القتل فعلين أحدهما ذكاة والآخر غير
ذكاة وقد تسمى جوارح لأنها تجرح فيكون اسما لازما وأكل ما أمسكن مطلقا فيكون ما أمسكن حلالا
بالاطلاق ويكون الجرح إن جرحها هو اسم موضوع عليها لا أنها إن لم تجرح لم يؤكل ما قتلت وإذا
أحرز الرجل الصيد فربطه وأقام عنده أو لم يقم فانفلت منه فصاده غيره من ساعته أو بعد دهر طويل
فسواء ذلك كله وهو لصاحبه الذي أحرزه لأنه قد ملكه ملكا صحيحا كما يملك شاته ألا ترى
أن رجلا لو قتله في يديه ضمن له قيمته كما يضمن له قيمة شاته فإذا
كان هذا هكذا فقد ملكه ملك الشاة ألا ترى أن حمار الانسي لو استوحش
فأخذه رجل كان للمالك الأول وسنة الاسلام أن من ملك من الآدميين شيئا لم يخرج من
ملكه إلا بأن يخرجه هو ولو كان هرب الوحشي من يديه يخرجه من ملكه كان هرب الانسي
يخرجه من ملكه ويسأل من خالف هذا القول إذا هرب خرج من ملكه بهرب نفسه يملك
نفسه فلا يجوز لاحد غيره أن يملكه فإن قال لا وكيف تملك البهائم أنفسها؟ قيل وهكذا لا يملكها غير
من ملكها على من ملكها إلا بإخراجه إياها من يده ويسأل ما فرق بين أن يخرج من يده فيصير ممتنعا
فإن أخذه غيره كان للأول إذا تقارب ذلك وإن تباعد كان للاخر أفرأيت إن قال قائل إذا تباعد كان
للأول وإذا تقارب كان للاخر ما الحجة عليه؟ هل هي إلا أن يقال لا يجوز إلا أن يكون للأول بكل
حال وإذا انفلت كان لمن أخذه من ساعته؟ وهكذا كل وحشى في الأرض من طائر أو غيره والحوت
وكل ممتنع من الصيد (قال الشافعي) وإذا ضرب الرجل الصيد أو رماه فأبان يده أو رجله فمات من
تلك الضربة فسواء ذلك ولو أبان نصفه فيأكل النصفين واليد والرجل وجميع البدن لان تلك الضربة
إذا وقعت موقع الذكاة كانت ذكاة على ما بان وبقى كما لو ضربه أو ذبحه فأبان رأسه كانت الذكاة
على الرأس وجميع البدن ولا تعدو الضربة أو الرمية أن تكون ذكاة والذكاة لا تكون على بعض البدن
دون بعض أو لا تكون ذكاة فلا يؤكل منه شئ ولكنه لو أبان منه عضوا ثم أدرك ذكاته فذكاه لم
261

يأكل العضو الذي أبان لان الضربة الأولى صارت غير ذكاة وكانت الذكاة في الذبح ولا يقع إلا على
البدن وما ثبت فيه منه ولم يزايله كان بمنزلة الميتة ألا ترى أنه لو ضرب منه عضوا ثم أدرك ذكاته فتركها
لم يأكل منه شيئا لان الذكاة قد أمكنته فصارت الضربة الأولى غير الذكاة؟
(باب فيه مسائل مما سبق)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وكل ما كان مأكولا من طائر أو دابة فأن يذبح أحب إلي وذلك
سنته ودلالة الكتاب فيه والبقر داخلة في ذلك لقوله عز وجل " إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة " وحكايته
فقال " فذبحوها وما كادوا يفعلون " إلا الإبل فقط فإنها تنحر لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر
بدنه، فموضع النحر في الاختيار في السنة في اللبة، وموضع الذبح في الاختيار في السنة أسفل من
اللحيين والذكاة في جميع ما ينحر ويذبح ما بين اللبة والحلق فأين ذبح من ذلك أجزأه فيه ما يجزيه
إذا وضع الذبح في موضعه وإن نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر كرهته له ولم أحرمه عليه وذلك أن النحر
والذبح ذكاة كله غير أنى أحب أن يضع كل شئ من ذلك موضعه لا يعدوه إلى غيره قال ابن عباس
" الذكاة في اللبة والحلق لمن قدر " وروى مثل ذلك عن عمر بن الخطاب وزاد عمر ولا تعجلوا
الأنفس أن تزهق (قال الشافعي) والذكاة ذكاتان فما قدر على ذكاته مما يحل أكله فذكاته في اللبة
والحلق لا يحل بغيرهما أنسيا كان أو وحشيا وما لم يقدر عليه فذكاته أن ينال بالسلاح حيث قدر عليه
أنسيا كان أو وحشيا فإن تردى بعير في نهر أو بئر فلم يقدر على منحره ولا مذبحه حيث يذكى فطعن فيه
بسكين أو شئ تجوز الذكاة به فأنهر الدم منه ثم مات أكل وهكذا ذكاة ما لا يقدر عليه، قد تردى
بعير في بئر فطعن في شاكلته فسئل عنه ابن عمر فأمر بأكله وأخذ منه عشيرا بدرهمين، وسئل ابن
المسيب عن المتردى ينال بشئ من السلاح فلا يقدر على مذبحه فقال: حيثما نلت منه بالسلاح فكله،
وهذا قول أكثر المفتين (قال الشافعي) وأحب في الذبيحة أن توجه إلى القبلة إذا أمكن ذلك وإن لم
يفعل الذابح فقد ترك ما أستحبه له ولا يحرمها ذلك (قال الشافعي) نهى عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عن النخع وأن تعجل الأنفس أن تزهق والنخع أن يذبح الشاة ثم يكسر قفاها من موضع الذبح
لنخعه ولمكان الكسر فيه أو تضرب ليعجل قطع حركتها فأكره هذا وأن يسلخها أو يقطع شيئا منها
ونفسها تضطرب أو يمسها بضرب أو غيره حتى تبرد ولا يبقى فيها حركة فإن فعل شيئا مما كرهت له بعد
الاتيان على الذكاة كان مسيئا ولم يحرمها ذلك لأنها ذكية (قال الشافعي) ولو ذبح رجل ذبيحة فسبقته
يده فأبان رأسها، أكلها وذلك أنه أتى بالذكاة قبل قطع الرأس ولو ذبحها من قفاها أو أحد صفحتي
عنقها ثم لم يعلم متى ماتت لم يأكلها حتى يعلم فإن علم أنها حييت بعد قطع القفا أو أحد صفحتي
العنق حتى وصل بالمدية إلى الحلقوم والمرئ فقطعهما وهي حية أكل وكان مسيئا بالجرح الأول كما لو
جرحها ثم ذكاها كان مسيئا وكانت حلالا ولا يضره بعد قطع الحلقوم والمرئ معا، أقطع ما بقي من
رأسها أو لم يقطعه، إنما أنظر إلى الحلقوم والمرئ فإذا وصل إلى قطعهما وفيها الحياة كانت ذكية وإذا لم
يصل إلى ذلك وفيها الحياة كانت ميتة وإذا غاب ذلك عنى وقد ابتدأ من غير جهتها جعلت الحكم على
الذي ابتدأ منه إذا لم أستيقن بحياة بعد (قال الشافعي) والتسمية على الذبيحة باسم الله فإذا زاد على
ذلك شيئا من ذكر الله عز وجل فالزيادة خير ولا أكره مع تسميته على الذبيحة أن يقول صلى الله على
262

رسول الله بل أحبه له وأحب له أن يكثر الصلاة عليه فصلى الله عليه في كل الحالات لان ذكر الله عز وجل
والصلاة عليه إيمان بالله تعالى وعبادة له يؤجر عليها إن شاء الله تعالى من قالها، وقد ذكر عبد الرحمن
ابن عوف أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فتقدمه النبي صلى الله عليه وسلم قال فاتبعه فوجده
عبد الرحمن ساجدا فوقف ينتظره فأطال ثم رفع فقال عبد الرحمن لقد خشيت أن يكون الله عز ذكره
قد قبض روحك في سجودك فقال " يا عبد الرحمن إني لما كنت حيث رأيت لقيني جبريل فأخبرني عن الله
عز وجل أنه قال " من صلى عليك صليت عليه " فسجدت لله شكرا فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " من نسي الصلاة علي خطئ به طريق الجنة " (قال الربيع) قال مالك لا يصلى على النبي صلى
الله عليه وسلم مع التسمية على الذبيحة وإن ذا لعجب والشافعي يقول يصلى على النبي صلى الله عليه
وسلم مع التسمية على الذبيحة (قال الشافعي) ولسنا نعلم مسلما ولا نخاف عليه أن تكون صلاته عليه صلى
الله عليه وسلم إلا الايمان بالله ولقد خشيت أن يكون الشيطان أدخل على بعض أهل الجهالة النهى عن
ذكر اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الذبيحة ليمنعهم الصلاة عليه في حال لمعنى يعرض في
قلوب أهل الغفلة وما يصلى عليه أحد إلا إيمانا بالله تعالى وإعظاما له وتقربا إليه صلى الله عليه وسلم
وقربنا بالصلاة عليه منه زلفى والذكر على الذبائح كلها سواء وما كان منها نسكا فهو كذلك فإن أحب
أن يقول " اللهم تقبل منى " قاله وإن قال " اللهم منك وإليك فتقبل منى " وإن ضحى بها عن أحد
فقال " تقبل من فلان " فلا بأس هذا دعاء له لا يكره في حال وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
من وجه لا يثبت مثله أنه ضحى بكبشين فقال في أحدهما بعد ذكر اسم الله عز وجل " اللهم عن
محمد وعن آل محمد " وفى الآخر " اللهم عن محمد وعن أمة محمد " (قال الربيع) رأيت الشافعي إذا
حضر الجزار ليذبح الضحية حضره حتى يذبح.
(باب الذبيحة وفيه من يجوز ذبحه)
(قال الشافعي) رحمه الله وذبح كل من أطاق الذبح من امرأة حائض وصبي من المسلمين
أحب إلي من ذبح اليهودي والنصراني وكل حلال الذبيحة، غير أنى أحب للمرء أن يتولى ذبح نسكه
فإنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة من أهله، فاطمة أو غيرها " أحضري ذبح نسيكتك
فإنه يغفر لك عند أول قطرة منها ". (قال الشافعي) وإن ذبح النسيكة غير مالكها أجزأت لان النبي
صلى الله عليه وسلم نحر بعض هديه ونحر بعضه غيره وأهدى هديا فإنما نحره من أهداه معه غير أنى أكره
أن يذبح شيئا من النسائك مشرك لان يكون ما تقرب به إلى الله على أيدي المسلمين فإن ذبحها مشرك
تحل ذبيحته أجزأت مع كراهتي لما وصفت ونساء أهل الكتاب إذا أطقن الذبح كرجالهم وما ذبح
اليهود والنصارى لأنفسهم مما يحل للمسلمين أكله من الصيد أو بهيمة الأنعام وكانوا يحرمون منه شحما
أو حوايا أو ما اختلط بعظم أو غيره إن كانوا يحرمونه فلا بأس على المسلمين في أكله لان الله عز وجل
إذا أحل طعامهم فكان ذلك عند أهل التفسير ذبائحهم فكل ما ذبحوا لنا ففيه شئ مما يحرمون فلو كان
يحرم علينا إذا ذبحوه لأنفسهم من أصل دينهم بتحريمهم لحرم علينا إذا ذبحوه لنا ولو كان يحرم علينا بأنه
ليس من طعامهم وإنما أحل لنا طعامهم وكان ذلك على ما يستحلون كانوا قد يستحلون محرما علينا
263

يعدونه لهم طعاما، فكان يلزمنا لو ذهبنا هذا المذهب أن نأكله لأنه من طعامهم الحلال لهم عندهم
ولكن ليس هذا معنى الآية معناها ما وصفنا والله أعلم (قال الشافعي) وقد أنزل الله عز ذكره على نبيه
صلى الله عليه وسلم فما أحل فيه فهو حلال إلى يوم القيامة كان ذلك محرما قبله أو لم يكن محرما وما حرم
فيه فهو حرام إلى يوم القيامة كان ذلك حراما قبله أو لم يكن ونسخ به ما خالفه من كل دين أدركه أو
كان قبله وافترض على الخلق اتباعه غير أنه أذن جل ثناؤه بأن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب وهم
صاغرون غير عاذر لهم بتركهم الايمان ولا محرم عليهم شيئا أحله في كتابه ولا محل لهم شيئا حرمه في
كتابه وسواء ذبائح أهل الكتاب حربيين كانوا أو مستأمنين أو ذمة (قال الشافعي) ولا أكره ذبيحة
الأخرس المسلم ولا المجنون في حال إفاقته وأكره ذبيحة السكران والمجنون المغلوب في حال جنونه ولا
أقول إنها حرام فإن قال قائل فلم زعمت أن الصلاة لا تجزى عن هذين لو صليا وأن ذكاتهما تجزى؟
قيل له إن شاء الله لاختلاف الصلاة والذكاة، الصلاة أعمال لا تجزى إلا من عقلها ولا تجزى إلا
بطهارة وفى وقت وأول وآخر، وهما مما لا يعقل ذلك والذكاة إنما أريد أن يؤتى عليها فإذا أتيا عليها لم
أستطع أن اجعلهما فيها أسوأ حالا من مشرك ومشركة حائض أو صغيرة لا تعقل أو من لا تجب عليه
الحدود، وكل هؤلاء تجزى ذكاته، فقلت بهذا المعنى: إنه إنما أريد الاتيان على الذكاة.
(كتاب الأطعمة وليس في التراجم وترجم فيه ما يحل ويحرم) (1)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أصل ما يحل أكله من البهائم والدواب والطير شيئان، ثم يتفرقان
فيكون منها شئ محرم نصا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشئ محرم في جملة كتاب الله عز
وجل خارج من الطيبات ومن بهيمة الأنعام فإن الله عز وجل يقول " أحلت لكم بهيمة الأنعام "
ويقول " أحل لكم الطيبات " فإن ذهب ذاهب إلى أن الله عز وجل يقول " قل لا أجد فيما أوحى إلى
محرما على طاعم يطعمه " فأهل التفسير أو من سمعت منه منهم يقول في قول الله عز وجل " قل لا أجد
فيما أوحى إلى محرما " يعنى مما كنتم تأكلون فإن العرب كانت تحرم أشياء على أنها من الخبائث وتحل
أشياء على أنها من الطيبات فأحلت لهم الطيبات عندهم إلا ما استثنى منها وحرمت عليهم الخبائث
عندهم قال الله عز وجل " ويحرم عليهم الخبائث " (قال الشافعي) فإن قال قائل ما دل على ما
وصفت؟ قيل لا يجوز في تفسير الآي إلا ما وصفت من أن تكون الخبائث معروفة عند من خوطب بها
والطيبات كذلك إما في لسانها وإما في خبر يلزمها ولو ذهب ذاهب إلى أن يقول كل ما حرم حرام بعينه
وما لم ينص بتحريم فهو حلال أحل أكل العذرة والدود وشرب البول لان هذا لم ينص فيكون كحرما ولكنه
داخل في معنى الخبائث التي حرموا فحرمت عليهم بتحريمهم وكان هذا في شر من حال الميتة والدم
المحرمين لأنهما نجسان ينجسان ما ماسا وقد كانت الميتة قبل الموت غير نجسة فالبول والعذرة اللذان لم
يكونا قط إلا نجسين أولى أن يحرما أن يؤكلا أو يشربا وإذا كان هذا هكذا ففيه كفاية مع أن ثم دلالة
بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الغراب والحدأة والعقرب
والفأرة والكلب العقور دل هذا على تحريم أكل ما أمر بقتله في الاحرام ولما كان هذا من الطائر

(1) هكذا ترجم السراج البلقيني في نسخته التي جرينا على ترتيبها، فليعلم. كتبه مصححه.
264

والدواب كما وصفت دل هذا على أن أنظر إلى كل ما كانت العرب تأكله فيكون حلالا وإلى ما لم تكن
العرب تأكله فيكون حراما فلم تكن العرب تأكل كلبا ولا ذئبا ولا أسدا ولا نمرا وتأكل الضبع فالضبع
حلال ويجزيها المحرم بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها صيد وتؤكل، ولم تكن الفأر ولا العقارب
ولا الحيات ولا الحدأ ولا الغربان فجاءت السنة موافقة للقرآن بتحريم ما حرموا وإحلال ما أحلوا
وإباحة أن يقتل في الاحرام ما كان غير حلال أن يؤكل ثم هذا أصله، فلا يجوز أن يؤكل الرخم ولا
البغاث ولا الصقور ولا الصوائد من الطائر كله مثل الشواهين والبزاة والبواشق ولا تؤكل الخنافس ولا
الجعلان ولا العظاء ولا اللكحاء ولا العنكبوت ولا الزنابير ولا كل ما كانت العرب لا تأكله، ويؤكل
الضب والأرنب والوبر وحمار الوحش وكل ما أكلته العرب أو فداه المحرم في سنة أو أثر، وتؤكل الضبع
والثعلب (قال الشافعي) أخبرنا مسلم وعبد المجيد وعبد الله بن الحرث عن ابن جريج عن عبد الله بن
عبيد بن عمير عن ابن أبي عمار قال سألت جابر بن عبد الله عن الضبع: أصيد هي؟ فقال: نعم.
قلت أتؤكل؟ قال: نعم، قلت: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم (قال
الشافعي) وما يباع لحم الضباع بمكة إلا بين الصفا والمروة وكل ذي ناب من السباع لا يكون إلا ما عدا
على الناس وذلك لا يكون إلا في ثلاثة أصناف من السباع الأسد والذئاب والنمور فأما الضبع فلا يعدو
على الناس وكذلك الثعلب ويؤكل اليربوع والقنفذ (قال الشافعي) والدواب والطير على أصولها، فما
كان منها أصله وحشيا واستأنس فهو فيما يحل منه ويحرم كالوحش وذلك مثل حمار الوحش والظبي
يستأنسان والحمار يستأنس فلا يكون للمحرم قتله فإن قتله فعليه جزاؤه ويحل أن يذبح حمار الوحش
المستأنس فيؤكل وما كان لا أصل له في الوحش، مثل الدجاج، والحمر الأهلية، والإبل، والغنم،
والبقر. فتوحشت فقتلها المحرم، لم يجزها، ويغرم قيمتها للمالك، إن كان لها، لأنا صيرنا هذه الأشياء
كلها على أصولها، فإن قال قائل: في الوحش بقر وظباء مثل البقر والغنم؟ قيل: نعم، تخلق غير خلق
الأهلية، شبها لها معروفة منها. ولو أنا زعمنا أن حمار الوحش إذا تأهل لا يحل أكله، دخل علينا أن لو
قتله محرم لم يجزه، كما لو قتل حمار أهليا لم يجزه، ودخل علينا في الحمار الأهلي أن لو توحش كان
حلالا، وكل ما توحش من الأهلي، في حكم الوحشي، وما استأنس من الوحشي، في حكم
الانسي: فأما الإبل التي أكثر علفها العذرة اليابسة، فكل ما صنع هذا من الدواب التي تؤكل،
فهي جلالة، وأرواح العذرة توجد في عرقها وجررها، لان لحومها تغتذى بها فتقلبها. وما كان من
الإبل وغيرها، أكثر علفه من غير هذا، وكان ينال هذا قليلا، فلا يبين في عرقه ولا جرره، لان
اغتذاءه من غيره، فليس بجلال منهى عنه. والجلالة منهى عن لحومها حتى تعلف علفا غيره ما تصير
به إلى أن يوجد عرقها وجررها منقلبا عما كانت تكون عليه فيعلم أن اغتذاءها قد انقلب، فانقلب
عرقها وجررها فتؤكل إذا كانت هكذا. ولا نجد شيئا نستطيع أن نجده فيها كلها أبين من هذا، وقد
جاء في بعض الآثار: أن البعير يعلف أربعين ليلة، والشاة عددا أقل من هذا، والدجاجة سبعا.
وكلهم فيما يرى إنما أراد المعنى الذي وصفت، من تغيرها من الطباع المكروهة، إلى الطباع غير
المكروهة، التي هي في فطرة الدواب.
265

(باب الذبائح بني إسرائيل)
أخبرنا الربيع قال: (قال الشافعي): قال الله تبارك وتعالى " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل
إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " الآية وقال عز ذكره " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت
لهم " (قال الشافعي): يعنى والله تعالى أعلم طيبات كانت أحلت لهم. وقال عز وجل " وعلى
الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر " إلى قوله " لصادقون " (قال الشافعي): الحوايا، ما حوى الطعام
والشراب في البطن، فلم يزل ما حرم الله تعالى علي بني إسرائيل اليهود خاصة، وغيرهم عامة
محرما من حين حرمه حتى بعث الله جل جلاله محمدا صلى الله عليه وسلم، ففرض الايمان به، وأمر
باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وطاعة أمره، وأعلم خلقه أن طاعته طاعته، وأن دينه الاسلام
الذي نسخ به كل دين كان قبله. وجعل من أدركه وعلم دينه فلم يتبعه كافرا به فقال " إن الدين عند
الله الاسلام " فكان هذا في القرآن، وأنزل عز وجل في أهل الكتاب من المشركين " قل يا أهل
الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " إلى قوله " مسلمون " وأمرنا بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يد
وهم صاغرون إن لم يسلموا، وأنزل فيهم " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا
عندهم في التوراة والإنجيل " إلى قوله " والاغلال التي كانت عليهم " فقيل والله أعلم أوزارهم
وما منعوا بما أحدثوا قبل ما شرع من دين محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يبق خلق يعقل منذ بعث
الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم كتابي ولا وثنى ولا حي ذو روح، من جن ولا إنس بلغته دعوة
محمد صلى الله عليه وسلم إلا قامت عليه حجة الله عز وجل باتباع دينه، وكان مؤمنا باتباعه وكافرا بترك
اتباعه، ولزم كل امرئ منهم آمن به أو كفر، تحريم ما حرم الله عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه
وسلم، كان مباحا قبله في شئ من الملل وأحل الله عز وجل طعام أهل الكتاب، وقد وصف
ذبائحهم، ولم يستثن منها شيئا، فلا يجوز أن تحرم منها ذبيحة كتابي وفى الذبيحة حرام على كل
مسلم، مما كان حرم على أهل الكتاب قبل محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يبقى من شحم
البقر والغنم. وكذلك لو ذبحها كتابي لنفسه وأباحها لمسلم لم يحرم على مسلم من شحم بقر ولا غنم منها
شئ ولا يجوز أن يكون شئ حلالا من جهة الذكاة لاحد، حراما على غيره، لان الله عز وجل أباح
ما ذكر عاما لا خاصا. فإن قال قائل: هل يحرم على أهل الكتاب ما حرم عليهم قبل محمد صلى الله
عليه وسلم من هذه الشحوم وغيرها إذا لم يتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم؟ فقد قيل ذلك كله محرم
عليهم حتى يؤمنوا، ولا ينبغي أن يكون محرما عليهم. وقد نسخ ما خالف دين محمد صلى الله عليه وسلم
بدينه، كما لا يجوز، إن كانت الخمر حلالا لهم إلا أن تكون محرمة عليهم، إذ حرمت على لسان محمد صلى
الله عليه وسلم، وإن لم يدخلوا في دينه.
(ما حرم المشركون على أنفسهم)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: حرم المشركون على أنفسهم من أموالهم أشياء أبان الله عز وجل
أنها ليست حراما بتحريمهم. وقد ذكرت بعض ما ذكر الله تعالى منها، وذلك مثل البحيرة والسائبة
والوصيلة والحام. كانوا يتركونها في الإبل والغنم كالعتق، فيحرمون ألبانها ولحومها وملكها، وقد فسرته
266

في غير هذا الموضع، فقال تبارك وتعالى " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " وقال
" قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا
مهتدين " وقال الله عز وجل وهو يذكر ما حرموا " وقالوا هذه أنعام وحرث حجر، لا يطعمها إلا من
نشاء بزعمهم " إلى قوله " حكيم عليم " وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على
أزواجنا " الآية وقال " ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين " الآية والآيتين بعدها فأعلمهم جل
ثناؤه، أنه لا يحرم عليهم ما حرموا. ويقال: نزلت فيهم " قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله
حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم " فرد إليهم ما أخرجوا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام
وأعلمهم أنه لم يحرم عليهم ما حرموا بتحريمهم وقال " أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم "
يعنى والله أعلم من الميتة. ويقال: أنزل في ذلك " قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه "
إلى قوله " فسقا أهل لغير الله به " وهذا يشبه ما قيل يعنى " قل لا أجد فيما أوحى إلي محرما " أي من
بهيمة الأنعام إلا ميتة أو دما مسفوحا منها وهي حية أو ذبيحة كافر. وذكر تحريم الخنزير معها وقد
قيل: ما كنتم تأكلون إلا كذا. وقال " فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا " إلى قوله " وما أهل لغير الله به "
وهذه الآية في مثل معنى الآية قبلها.
(ما حرم بدلالة النص)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى " ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث "
فيقال يحل لهم الطيبات عندهم، ويحرم عليهم الخبائث عندهم. قال الله عز وجل " لا تقتلوا الصيد
وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " وكان الصيد ما امتنع بالتوحش كله،
وكانت الآية محتملة أن يحرم على المحرم ما وقع عليه اسم صيد، وهو يجزى بعض الصيد دون بعض.
فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن من الصيد شيئا ليس على المحرم جزاؤه كل ما يباح
للمحرم قتله. ولم يكن في الصيد شئ يتفرق إلا بأحد معنيين، إما بأن يكون الله عز وجل أراد أن
يفدى الصيد المباح أكله ولا يفدى ما لا يباح أكله، وهذا أولى معنييه به والله أعلم لأنهم كانوا
يصيدون ليأكلوا، لا ليقتلوا، وهو يشبه دلالة كتاب الله عز وجل قال الله تعالى " ليبلونكم الله بشئ
من الصيد تناله أيديكم ورماحكم " وقال عز وجل " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " وقال " أحل لكم
صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة، وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " فذكر جل ثناؤه إباحة
صيد البحر للمحرم ومتاعا له، يعنى طعاما، والله أعلم، ثم حرم صيد البر فأشبه أن يكون إنما حرم
عليه بالاحرام ما كان أكله مباحا له قبل الاحرام، ثم أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحرم أن
يقتل الغراب، والحدأة، والفأرة، والكلب العقور، والأسد، والنمر، والذئب الذي يعدو على
الناس، فكانت محرمة الاكل على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نهى عن أكل كل ذي ناب
من السباع، فكان ما أبيح قتله معها، يشبه أن يكون محرم الاكل لاباحته معها، وأنه لا يضر
ضررها، وأباح رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل الضبع، وهو أعظم ضررا من الغراب والحدأة
والفأرة أضعافا، والوجه الثاني أن يقتل المحرم ما ضر، ولا يقتل ما لا يضر، ويفديه إن قتله، وليس
هذا معناه، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحل أكل لحم الضبع، وأن السلف والعامة عندهم
267

فدوها. وهي أعظم ضررا من الغراب والحداة والفراء. وكل ما لم تكن العرب تأكله من غير ضرورة،
وكانت تدعه على التقذر به محرم وذلك مثل الحداء. والبغاث. والعقبان. والبزاة. والرخم والفأرة.
واللحكاء. والخنافس. والجعلان. والعظاء. والعقارب. والحيات. والذر. والذبان. وما أشبه هذا.
وكل ما كانت تأكله لم ينزل تحريمه. ولم يكن في معنى ما نص تحريمه. أو يكون على تحريمه دلالة.
فهو حلال. كاليربوع. والضبع. والثعلب. والضب (1) وما كانت لا تأكله. ولم ينزل تحريمه مثل
البول. والخمر. والدود. وما في هذا المعنى. وعلم هذا موجود عندها إلى اليوم. وكل ما قلت:
حلال. حل ثمنه. ويحل بالذكاة. وكل ما قلت حرام. حرم ثمنه ولم يحل بالذكاة ولا يجوز أكل
الترياق المعمول بلحوم الحيات. إلا أن يجوز في حال ضرورة. وحيث تجوز الميتة. ولا تجوز ميتة بحال.
(الطعام والشراب (2))
أخبرنا الربيع بن سليمان قال (قال الشافعي) رحمه الله قال الله تبارك وتعالى " يا أيها الذين آمنوا لا
تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " وقال " إن الذين يأكلون أموال
اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا " وقال عز وجل " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة "
فبين الله عز وجل في كتابه أن مال المرأة ممنوع من زوجها الواجب الحق عليها إلا بطيب نفسها وأباحه بطيب نفسها لأنها مالكة لمالها، ممنوع بملكها، مباح بطيب نفسها كما قضى الله عز وجل في كتابه،
وهذا بين أن كل من كان مالكا فماله ممنوع به محرم إلا بطيب نفسه بإباحته، فيكون مباحا بإباحة مالكه
له، لا فرق بين المرأة والرجل، وبين أن سلطان المرأة على مالها، كسلطان الرجل على ماله إذا بلغت
المحيض وجمعت الرشد وقول الله عز وجل " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما " يدل والله أعلم
إذا لم يستثن فيه إلا بطيب أنفس اليتامى، على أن طيب نفس اليتيم لا يحل أكل ماله، واليتيم
واليتيمة في ذلك واحد، والمحجور عليه عندنا كذلك لأنه غير مسلط على ماله والله أعلم لان الناس في
أموالهم واحد من اثنين، مخلى بينه وبين ماله، فما حل له فأحله لغيره، حل، أو ممنوع. من ماله، فما
أباح منه لم يجز لمن أباحه له لأنه غير مسلط على إباحته له. فإن قال قائل: فهل للحجر في القرآن
أصل يدل عليه؟ قيل: نعم، إن شاء الله، قال الله عز وجل " فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو
ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو، فليملل وليه بالعدل " الآية (أخبرنا الربيع) قال: أخبرنا الشافعي،
قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يحلبن أحدكم
ماشية أخيه بغير إذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر فينتقل متاعه؟ " وقد روى حديث لا يثبت
مثله " إذا دخل أحدكم الحائط فليأكل ولا يتخذ (3) خبنة " وما لا يثبت لا حجة فيه. ولبن الماشية

(1) قوله: وما كانت لا تأكله الخ هكذا في النسخ، وانظر أين الخبر.
(2) كتب هنا في نسخة السراج البلقيني ما نصه وترجم في أوائل الثلث الثالث عقب ترجمة الاستحقاق
تقريبا الطعام والشراب، وذكر بعده تراجم تتعلق بما نحن فيه فنذكر ذلك على ما هو عليه اه‍، كتبه
مصححه.
(3) الخبنة: بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة ما تحمله في حضنك، كذا في اللسان، وقوله
بعد " فإن لم يثبت " هكذا الخ كذا في النسخ، وانظر أين الجواب؟ وحرر العبارة. كتبه مصححه.
268

أولى أن يكون مباحا. فإن لم يثبت هكذا من ثمر الحائط، لان ذلك اللبن يستخلف في كل يوم،
والذي يعرف الناس أنهم يبذلون منه ويوجبون من بذله ما لا يبذلون من الثمر، ولو ثبت عن النبي صلى
الله عليه وسلم، قلنا به، ولم نخالفه.
(جماع ما يحل من الطعام والشراب ويحرم)
(قال الشافعي) رحمه الله: أصل المأكول والمشروب إذا لم يكن لمالك من الآدميين: أو أحله
مالكه من الآدميين، حلال إلا ما حرم الله عز وجل في كتابه، أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
فإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لزم في كتاب الله عز وجل، أن يحرم ويحرم ما لم يختلف
المسلمون في تحريمه، وكان في معنى كتاب أو سنة أو إجماع، فإن قال قائل: فما الحجة في أن كل
ما كان مباح الأصل يحرم بمالكه حتى أذن فيه مالكه؟ فالحجة فيه أن الله عز وجل قال " لا تأكلوا
أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " وقال تبارك وتعالى " وآتوا اليتامى أموالهم "
الآية. وقال " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " إلى قوله " هنيئا مريئا " مع آي كثيرة في كتاب الله عز
وجل، حظر فيها أموال الناس إلا بطيب أنفسهم، إلا بما فرض في كتاب الله عز وجل ثم سنة نبيه
صلى الله عليه وسلم، وجاءت به حجة (قال) أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته
فتكسر؟ " فأبان الله في كتابه أن ما كان ملكا لآدمي لم يحل بحال إلا بإذنه. وأبانه رسول الله صلى الله
عليه وسلم فجعل الحلال حلالا بوجه، حراما بوجه آخر، وأبانته السنة، فإذا منع الله عز وجل مال
المرأة إلا بطيب نفسها، واسم المال يقع على القليل والكثير، ففي ذلك معنى سنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم في اللبن الذي تخف مؤنته على مالكه، ويستخلف في اليوم مرة أو مرتين، فحرم الأقل إلا
بإذن مالكه كان الأكثر مثل الأقل أو أعظم تحريما بقدر عظمه، على ما هو أصغر منه من مال المسلم.
ومثل هذا ما فرض الله عز وجل من المواريث بعد موت مالك المال، فلما لم يكن لقريب أن يرث المال
الذي قد صار مالكه غير مالك إلا بما ملك، كان لان يأخذ مال حي بغير طيب نفسه، أو ميت بغير
ما جعل الله له، أبعد (قال الشافعي) فالأموال محرمة بمالكها، ممنوعة إلا بما فرض الله عز وجل في
كتابه، وبينه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وبسنة رسوله، فلزم خلقه بفرضه، طاعة رسوله
صلى الله عليه وسلم، فإنه يجمع معنيين مما لله عز وجل، طاعة بما أوجب في أموال الأحرار
المسلمين، طابت أنفسهم بذلك أو لم تطب، من الزكاة وما لزمهم بإحداثهم وإحداث غيرهم ممن
سن رسول الله صلى الله عليه وسلم على من سن منهم أخذه من أموالهم، والمعنى الثاني يبين أن ما أمر به
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلازم بفرض الله عز وجل فذلك مثل الدية على قاتل الخطأ، فيكون
على عاقلته الدية وإن لم تطب بها أنفسهم، وغير ذلك مما هو موضوع في مواضعه من الزكاة
والديات، ولولا الاستغناء بعلم العامة بما وصفنا في هذا لأوضحنا من تفسيره أكثر مما كتبنا إن شاء الله
تعالى، فمن مر لرجل بزرع أو تمر أو ماشية أو غير ذلك من ماله، لم يكن له أخذ شئ منه إلا بإذنه،
لان هذا مما لم يأت فيه كتاب ولا سنة ثابتة بإباحته، فهو ممنوع بمالكه إلا بإذنه، والله أعلم، وقد قيل
269

من مر بحائط، فله أن يأكل، ولا يتخذ خبنة، وروى فيه حديث، لو كان يثبت مثله عندنا، لم
نخالفه، والكتاب والحديث الثابت، أنه لا يجوز أكل مال أحد إلا بإذنه، ولو اضطر رجل فخاف
الموت ثم مر بطعام لرجل، لم أر بأسا أن يأكل منه، ما يرد من جوعه، ويغرم له ثمنه، ولم أر للرجل
أن يمنعه في تلك الحال، فضلا من طعام عنده، وخفت أن يضيق ذلك عليه، ويكون أعان على
قتله، إذا خاف عليه بالمنع القتل.
(جماع ما يحل ويحرم أكله وشربه مما يملك الناس)
(قال الشافعي) رحمه الله: أصل ما يملك الناس مما يكون مأكولا ومشروبا، شيئان. أحدهما،
ما فيه روح، وذلك الذي فيه محرم وحلال، ومنه ما لا روح فيه، وذلك كله حلال، إذا كان بحاله
التي خلقه الله بها وكان الآدميون لم يحدثوا فيه صنعة خلطوه بمحرم، أو اتخذوه مسكرا، فإن هذا
محرم، وما كان منه سما يقتل رأيته محرما، لان الله عز وجل، حرم قتل النفس على الآدميين. ثم قتلهم
أنفسهم خاصة، وما كان منه خبيثا قذرا فقد تركته العرب تحريما له بقذره. ويدخل في ذلك، ما كان نجسا.
وما عرفه الناس سما يقتل، خفت أن لا يكون لاحد رخصة في شربه، لدواء ولا غيره، وأكره قليله وكثيره،
خلطه غيره أو لم يخلطه. وأخاف منه على شاربه وساقيه، أن يكون قاتلا نفسه ومن سقاه. وقد قيل: يحرم
الكثير البحت منه، ويحل القليل الذي الأغلب منه أن ينفع ولا يبلغ أن يكون قاتلا، وقد سمعت بمن مات
من قليل، قد برأ منه غيره، فلا أحبه، ولا أرخص فيه بحال، وقد يقاس الكثير السم، ولا يمنع هذا أن
يكون يحرم شربه.
(تفريع ما يحل ويحرم)
(قال الشافعي) رحمه الله قال الله تعالى " أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلى
الصيد وأنتم حرم " فاحتمل قول الله تبارك وتعالى " أحلت لكم بهيمة الأنعام " إحلالها دون ما سواها،
واحتمل إحلالها بغير حظر ما سواها. واحتمل قول الله تبارك وتعالى " وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا
ما اضطررتم إليه " وقوله عز وجل " قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة
أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به " وقوله " فكلوا مما ذكر اسم الله عليه "
وما أشبه هؤلاء الآيات، أن يكون أباح كل مأكول لم ينزل تحريمه في كتابه نصا، واحتمل كل مأكول
من ذوات الأرواح لم ينزل تحريمه بعينه نصا أو تحريمه على لسانه نبيه صلى الله عليه وسلم، فيحرم بنص
الكتاب وتحليل الكتاب بأمر الله عز وجل بالانتهاء إلى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم فيكون إنما حرم
بالكتاب في الوجهين: فلما احتمل أمر هذه المعاني، كان أولاها بنا، الاستدلال على ما يحل ويحرم
بكتاب الله ثم سنة تعرب عن كتاب الله أو أمر أجمع المسلمون عليه، فإنه لا يمكن في اجتماعهم أن يجهلوا لله
حراما ولا حلالا إنما يمكن في بعضهم، وأما في عامتهم فلا، وقد وضعنا هذا مواضعه على التصنيف.
270

(ما يحرم من جهة ما لا تأكل العرب)
(قال الشافعي) رحمه الله: أصل التحريم، نص كتاب أو سنة، أو جملة كتاب أو سنة أو إجماع
قال الله تبارك وتعالى " الذين يتبعون الرسول الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة
والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث " وقال عز
وجل " يسألونك ماذا أحل لهم " الآية. وإنما تكون الطيبات والخبائث عند الآكلين كانوا لها، وهم
العرب الذين سألوا عن هذا، ونزلت فيهم الاحكام، وكانا يكرهون من خبيث المآكل مالا يكرهها
غيرهم (قال الشافعي) وسمعت بعض أهل العلم يقولون في قول الله عز وجل " قل لا أجد فيما أوحى إلي
محرما على طاعم يطعمه " الآية: يعنى مما كنتم تأكلون. في الآي التي ذكرت في هذا الكتاب وما في
معناه، ما يدل على ما وصفت. فإن قال قائل: ما يدل على ما وصفت؟ قيل: أرأيت لو زعمنا أن
الأشياء مباحة إلا ما جاء فيه نص، خبر في كتاب أو سنة، أما زعمنا أن أكل الدود والذبان
والمخاط والنخامة والخنافس واللكحاء والعظاء والجعلان وخشاش الأرض والرخم والعقبان والبغاث
والغربان والحداء والفأر، وما في مثل حالها، حلال. فإن قال قائل: فما دل على تحريمها؟ قيل: قال
الله عز وجل " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما "
فكان شيئان حلالين، فأثبت تحليل أحدهما؟ وهو صيد البحر وطعامه (1)؟ وطعامه مالحه، وكل ما
فيه متاع لهم يستمتعون بأكله، وحرم عليهم صيد البر أن يستمتعوا بأكله في كتابه وسنة نبيه صلى الله
عليه وسلم. والله عز وجل لا يحرم عليهم من صيد البر في الاحرام إلا ما كان حلالا لهم قبل الاحرام،
والله أعلم. فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المحرم بقتل الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب
العقور وقتل الحيات، دل ذلك على أن لحوم هذه محرمة، لأنه لو كان داخلا في جملة ما حرم الله
قتله من الصيد في الاحرام، لم يحل رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله، ودل على معنى آخر، أن
العرب كانت لا تأكل مما أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله في الاحرام شيئا (قال) فكل ما
سئلت عنه، مما ليس فيه نص تحريم ولا تحليل من ذوات الأرواح فانظر هل كانت العرب تأكله،
فإن كانت تأكله ولم يكن فيه نص تحريم، فأحله، فإنه داخل في جملة الحلال والطيبات عندهم،
لأنهم كانوا يحلون ما يستطيبون. وما لم تكن تأكله، تحريما له باستقذاره فحرمه لأنه داخل في معنى
الخبائث، خارج من معنى ما أحل لهم، مما كانوا يأكلون، وداخل في معنى الخبائث التي حرموا
على أنفسهم. فأثبت عليهم تحريمها (قال الشافعي) ولست أحفظ عن أحد سألته من أهل العلم عمن
ذهب المكيين خلافا. وجملة هذا لان التحريم قد يكون مما حرمت العرب على أنفسها مما ليس
داخلا في معنى الطيبات، وإن كنت لا أحفظ هذا التفسير، ولكن هذه الجملة. وفى تتابع من
حفظت عنه من أهل العلم حجة، ولولا الاختصار لأوضحته بأكثر من هذا وسيمر في تفاريق الأبواب
إيضاح له إن شاء الله تعالى.

(1) قوله: وطعامه مالحه، كذا في نسخة، وفى أخرى " وطعامه يأكله " وانظر، وحرر. كتبه
مصححه.
271

(تحريم أكل كل ذي ناب من السباع)
قال الربيع أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري، ومالك عن ابن شهاب عن أبي
إدريس عن أبي ثعلبة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع. أخبرنا
مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال " أكل كل ذي ناب من السباع حرام " (قال الشافعي) وبهذا نقول (قال الربيع) قال
الشافعي رحمه الله: إنما يحرم كل ذي ناب يعدو بنابه.
(الخلاف والموافقة في أكل كل ذي ناب من السباع وتفسيره)
(قال الشافعي) رحمه الله قال لي بعض من يوافقنا في تحريم كل ذي ناب من السباع ما لكل ذي ناب من
السباع لا تحرمه دون ما خرج من هذه الصفة؟ قلت له العلم يحيط إن شاء الله تعالى ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا قصد قصد ان يحرم من السباع موصوفا. فإنما قصد قصد تحريم بعض السباع دون
بعض السباع، كما لو قلت قد أوصيت لكل شاب بمكة أو لكل شيخ بمكة. أو لكل حسن الوجه
بمكة، كنت قد قصدت بالوصية قصد صفة دون صفة. وأخرجت من الوصية من لم تصف أن له
وصيتك. قال: أجل. ولولا أنه خص تحريم السباع. لكان أجمع وأقرب. ولكنه خص بعضا دون
بعض بالتحريم (قال الشافعي) فقلت له: هذه المنزلة الأولى من علم تحريم كل ذي ناب. فسل عن
الثانية. قال: هل منها شئ مخلوق له ناب وشئ مخلوق لا ناب له؟ قلت: ما علمته، قال: فإن لم
تكن تختلف. فتكون الأنياب لبعضها دون بعض. فكيف القول فيها؟ قلت: لا معنى في خلق
الأنياب في تحليل ولا تحريم. لأني لا أجد إذا كانت في خلق الأنياب سواء شيئا أنفيه خارجا من
التحريم. ولا بد من إخراج بعضها من التحريم إذا كان في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
إخراجه. قال: أجل. هذا كما وصفت. ولكن ما أردت بهذا؟ قلت: أردت أن يذهب غلطك إلى
أن التحريم والتحليل في خلق الأنياب. قال: ففيم؟ قلت: في معناه دون خلقه. فسل عن الناب
الذي هو غاية علم كل ذي ناب. قال: فاذكره أنت، قلت: كل ما كان يعدو منها على الناس بقوة
ومكابرة في نفسه بنابه. دون ما لا يعدو. قال: ومنها ما لا يعدو على الناس بمكابرة دون غيره منها؟
قلت: نعم. قال: فاذكر ما يعدو. قلت: يعدو الأسد والنمر والذئب. قال: فاذكر ما لا يعدو
مكابرة على الناس. قلت الضبع والثعلب وما أشبهه. قال: فلا معنى له غير ما وصفت؟ قلت:
وهذا المعنى الثاني. وإن كانت كلها مخلوق له ناب (قال الشافعي) وقلت له: سأزيدك في تبيينه.
قال: ما أحتاج بعدما وصفت إلى زيادة. ولقلما يمكن إيضاح شئ إمكان هذا قلت: أوضحه لك
ولغيرك ممن لم يفهم منه ما فهمت أو أفهمه فذهب إلى غيره. قال: فاذكره (1).

(1) قوله: قال فاذكره، كذا في جميع النسخ التي بيدنا، لم يذكر بعد ذلك شئ مما طلب منه.
ذكره، ولعله مذكور في غير الام من كتب الامام رحمه الله.
272

(أكل الضبع)
(قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا سفيان ومسلم عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد الله بن
عمير (1) (قال الشافعي) ولحوم الضباع تباع عندنا بمكة بين الصفا والمروة، لا أحفظ عن أحد من
أصحابنا خلافا في إحلالها وفى مسألة ابن أبي عمار جابرا، أصيد هي؟ قال: نعم وسألته أتؤكل؟
قال: نعم، وسألته: أسمعته من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. فهذا دليل على أن الصيد
الذي نهى الله تعالى المحرم عن قتله، ما كان يحل أكله من الصيد، وأنهم إنما يقتلون الصيد ليأكلوه،
لا عبثا بقتله، ومثل ذلك الدليل في حديث علي رضي الله عنه، ولذلك أشباه في القرآن، منها قول
الله عز وجل " فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين " أنه إنما يعنى مما أحل الله أكله، لأنه
لو ذبح ما حرم الله عليه وذكر اسم الله عليه، لم يحل الذبيحة ذكر اسم الله عليه. وفى حديث جابر
عن النبي صلى الله عليه وسلم في الضبع دليل على ما قلنا، من أن كل ذي ناب من السباع. ما عدا
على الناس مكابرة. وإذا حل أكل الضبع، وهي سبع، لكنها لا تعدو مكابرة على الناس، وهي
أضر على مواشيهم من جميع السباع، فأحلت أنها لا تعدو على الناس خاصة مكابرة. وفيه دلالة على
إحلال ما كانت العرب تأكل مما لم ينص فيه خبر وتحريم ما كانت مما يعدو، من قبل أنها لم تزل
إلى اليوم تأكل الضبع، ولم تزل تدع أكل الأسد والنمر والذئب تحريما بالتقذر، فوافقت السنة فيما أحلوا
وحرموا مع الكتاب، ما وصفت، والله أعلم وفيه دلالة على أن المحرم إنما يجزى ما أحل أكله من
الصيد دون ما لم يحل أكله. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلب العقور في الاحرام،
وهو ما عدا على الناس، وهو لا يأمر بقتل ما لا يحل قتله، ويضمن صاحبه بقتله شيئا فدل ذلك على
أن الصيد الذي حرم الله قتله في الاحرام، ما يؤكل لحمه، ودل على ذلك حديث جابر بن عبد الله،
وعلى ما وصفت. ولا بأس بأكل كل سبع لا يعدو على الناس من دواب الأرض، مثل الثعلب وغيره
قياسا على الضبع. وما سوى السبع من دواب الأرض كلها تؤكل من معنيين، ما كان سبعا لا يعدو،
فحلال أن يؤكل. وما كان غير سبع، فما كانت العرب تأكله لغير ضرورة فلا بأس بأكله، لأنه داخل
في معنى الآية، خارج من الخبائث عند العرب. وما كانت تدعه على معنى تحريمه، فإنه خبيث
اللحم، فلا يؤكل بحال. وكل ما أمر بأكله فداه المحرم إذا قتله. ومثل الضبع ما خلا كل ذي ناب من
السباع من دواب الأرض وغيرها، فلا بأس أن يؤكل منه ما كانت العرب تأكله، وقد فسرته قبل
هذا.
(ما يحل من الطائر ويحرم)
(قال الشافعي) رحمه الله: والأصل فيما يحل ويحرم من الطائر وجهان، أحدهما: أن ما أذن رسول
الله صلى الله عليه وسلم للمحرم بقتله، منه ما لا يؤكل، لأنه خارج من معنى الصيد الذي يحرم على

(1) كذا في النسخ، لم يذكر متن الحديث، وكثيرا ما يقع في الام مثل هذا. كتبه مصححه.
273

المحرم قتله ليأكله. والعلم يكاد يحيط أنه إنما حرم على المحرم الصيد الذي كان حلالا له قبل الاحرام،
فإذا أحل رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل بعض الصيد، دل على أنه محرم أن يأكله، لان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل قتل ما أحل الله عز وجل " فالحدأة والغراب مما أحل رسول الله صلى
الله عليه وسلم قتله للمحرم. فما كان في مثل معناهما من الطائر، فهو داخل في أن لا يجوز أكل
لحمه، كما لا يجوز أكل لحمهما، لأنه في معناهما، ولأنهما أيضا مما لم تكن تأكل العرب، وذلك مثل
ما ضر من ذوات الأرواح من سبع وطائر، وذلك مثل العقاب والنسر والبازي والصقر والشاهين
والبواشق، وما أشبهها، دما يأخذ حمام الناس وغيره من طائرهم، فكل ما كان في هذا المعنى من
الطائر فلا يجوز أكله للوجهين اللذين وصفت من أنه في معنى الحدأة والغراب، وداخل في معنى ما
لا تأكل العرب. وكل ما كان لا يبلغ أن يتناول للناس شيئا من أموالهم من الطائر، فلم تكن العرب
تحرمه إقذارا له، فكله مباح أن يؤكل، فعلى هذا، هذا الباب كله وقياسه. فإن قال قائل: نراك
فرقت بين ما خرج من أن يكون ذا ناب من السبع، مثل الضبع والثعلب، فأحللت أكلها، وهي
تضر بأموال الناس أكثر من ضرر ما حرمت من الطائر. قلت إني وإن حرمته فليس للضرر فقط
حرمته، ولا لخروج الثعلب والضبع من الضرر أبحتها، إنما أبحتها بالسنة، وهي أن النبي صلى الله
عليه وسلم إذ نهى عن كل ذي ناب من السباع، ففيه دلالة على أنه أباح ما كان غير ذي ناب من
السباع، وأنه أحل الضبع نصا، وأن العرب لم تزل تأكلها، والثعلب. وتترك الذئب والنمر والأسد فلا
تأكله وأن العرب لم تزل تترك أكل النسر والبازي والصقر والشاهين والغراب والحدأة وهي ضرار، وتترك
ما لا يضر من الطائر فلم أجز أكله، وذلك مثل الرخمة والنعامة، وهما لا يضران، وأكلهما لا يجوز،
لأنهما من الخبائث وخارجان من الطيبات. وقد قلت مثل هذا في الدود، فلم أجز أكل اللحكاء ولا
العظاء ولا الخنافس، وليست بضارة ولكن العرب كانت تدع أكلها، فكان خارجا من معنى
الطيبات، داخلا في معنى الخبائث عندها.
(أكل الضب)
(قال الشافعي) رحمه الله: ولا بأس بأكل الضب، صغيرا أو كبيرا، فإن قال قائل: قد رويتم
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الضب فقال " لست آكله ولا محرمه " قيل له إن شاء الله فهو
لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضب شيئا غير هذا، وتحليله أكله بين يديه ثابت. فإن
قال قائل: فأين ذلك؟ قيل: لما قال: " لست آكله ولا محرمه " دل على أن تركه أكله لا من جهة
تحريمه، وإذا لم يكن من جهة تحريمه، فإنما ترك مباحا عافه ولم يشتهه. ولو عاف خبزا أو لحما أو تمرا
أو غير ذلك كان ذلك شيئا من الطباع، لا محرما لما عاف فقال لي بعض الناس: أرأيت إن قال هذا
القول غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أيحتمل معنى غير المعنى الذي زعمت أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قاله؟ فزعمت أنه بين لا يحتمل معنى غيره؟ قلت: نعم. قال: وإذا قلت من دون رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليس معصوما، قلت له: رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخرجه من التحليل
فلا يجوز أن يسأل عن تحليل ولا تحريم فيجيب فيه إلا أحله أو حرمه. وليس هكذا أحد بعده ممن يعلم
ويجهل، ويقف ويجيب، ثم لا يقوم جوابه مقام جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فما
274

المعنى الذي قلت قد بين هذا الحديث من غيره؟ قلت: قرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضب
فامتنع من أكلها، فقال خالد بن الوليد أحرام هي يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" لا، ولكن أعافها لم تكن ببلد قومي " فاجترها خالد بن الوليد فأكلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم
ينظر، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليست حراما فهي حلال، وإذا أقر خالدا بأكلها،
فلا يدعه يأكل حراما، وقد بين أن تركه إياها أنه عافها، لا حرمها.
(أكل لحوم الخيل)
أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر قال: أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
لحوم الخيل، ونهانا عن لحوم الحمر. أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام عن فاطمة عن أسماء قالت:
نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه، أخبرنا سفيان عن عبد الكريم بن أبي أمية
قال: أكلت فرسا على عهد ابن الزبير فوجته حلوا (قال الشافعي) كل ما لزمه اسم الخيل من العراب
والمقاريف والبراذين، فأكلها حلال.
(أكل لحوم الحمر الأهلية)
أخبرنا مالك عن شهاب عن عبد الله والحسن، ابني محمد بن علي، عن أبيهما عن علي بن أبي
طالب رضي الله عنهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عام خيبر عن نكاح المتعة، وعن لحوم
الحمر الأهلية (قال الشافعي) سمعت سفيان يحدث عن الزهري أخبرنا عبد الله والحسن ابنا محمد بن علي،
وكان الحسن أرضاهما، عن علي رضي الله عنه (قال الشافعي) في هذا الحديث دلالتان. إحداهما
تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية والأخرى، إباحة لحوم حمر الوحش، لأنه لا صنف من الحمر إلا
الأهلي والوحشي، فإذا قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتحريم قصد الأهلي، ثم وصفه، دل
على أنه أخرج الوحشي من التحريم وهذا مثل نهيه عن كل ذي ناب من السباع. فقصد بالنهي.
قصد عين دون عين. فحرم ما نهى عنه. وحل ما خرج من تلك الصفة سواه. مع أنه قد جاء عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحة أكل حمر الوحش. أمر أبا بكر رضي الله عنه أن يقسم حمارا
وحشيا قتله أبو قتادة بين الرفقة. وحديث طلحة أنهم أكلوا معه لحم حمار وحشى (قال الشافعي) وخلق
الحمر الأهلية يباين خلق الحمر الوحشية مباينة يعرفها أهل الخبرة بها. فلو توحش أهلي لم يحل أكله.
وكان على الأصل في التحريم. ولو استأهل وحشى لم يحرم أكله وكان على الأصل في التحليل. ولا
يذبحه المحرم وإن استأهل. ولو نزا حمار أهلي على فرس أو فرس على أتان أهلية، لم يحل أكل ما نتج
بينهما. لست أنظر في ذلك إلى أيهما النازي. لان الولد منهما فلا يحل حتى يكون لحمهما معا
حلالا. وكل ما عرف فيه حمار أهلي من قبل أب أو أم. لم يحل أكله بحال أبدا. ولا أكل نسله. ولو
نزا حمار وحشى على فرس. أو فرس على أتان وحشى حل أكل ما ولد بينهما لأنهما مباحان معا. وهكذا
لو أن غرابا أو ذكر حدأ أو بغاثا تجثم حيارى. أو ذكر حبارى أو طائر يحل لحمه. تجثم غرابا أو حدأ أو
275

صقرا أو ثيران (1) فباضت وأفرخت. لم يحل أكل فراخها من ذلك التجثم. لاختلاط المحرم والحلال
فيه. الا ترى أن خمرا لو اختلطت بلبن. أو ودك خنزير بسمن. أو محرما بحلال فصارا لا يزيل أحدهما
من الآخر حرم أن يكون مأكولا. ولو أن صيدا أصيب أو بيض صيد. فأشكلت خلقته. فلم يدر لعل
أحد أبويه مما لا يحل أكله والآخر يحل أكله، كان الاحتياط. الكف عن أكله. والقياس أن ينظر إلى
خلقته فأيهما كان أولى بخلقته جعل حكمه حكمه. إن كان الذي يحل أكله أولى بخلقته أكله. وإن كان
الذي يحرم أكله أولى بخلقته لم يأكله. وذلك مثل أن ينزو حمار انسى أتانا وحشية (2) أو أتانا أنسية. ولو
نزا حمار وحشى فرسا أو فرس أتانا وحشيا لم يكن بأكله بأس. لان كليهما مما يحل أكله. وإذا توحش
واصطيد، أكل بما يؤكل به الصيد. وهكذا القول في صغار أولاده وفراخه وبيضه، لا يختلف. وما
قتل المحرم من صيد يؤكل لحمه، فداه وكذلك يفدى ما أصاب من بيضه. وما قتل من صيد لا يؤكل
لحمه. أو أصاب من بيضه لم يفده. ولو أن ذئبا نزا على ضبع فجاءت بولد فإنها تأتى بولد لا يشبهها
محضا ولا الذئب محضا يقال له السبع، لا يحل أكله لما وصفت من اختلاط المحرم والحلال، وأنهما لا
يتميزان فيه.
(ما يحل بالضرورة)
(قال الشافعي) قال الله عز وجل فيما حرم ولم يحل بالذكاة " وما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله
عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه " وقال " إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم
الخنزير " إلى قوله " غفور رحيم " وقال في ذكر ما حرم " فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فإن
الله غفور رحيم " (قال الشافعي) فيحل ما حرم من ميتة ودم ولحم خنزير وكل ما حرم مما لا يغير العقل
من الخمر للمضطر. والمضطر، الرجل يكون بالموضع. لا طعام فيه معه ولا شئ يسد فورة جوعه،
من لبن وما أشبهه، ويبلغه الجوع ما يخاف منه الموت أو المرض، وإن لم يخف الموت أو يضعفه ويضره
أو يعتل أو يكون ماشيا فيضعف عن بلوغ حيث يريد، أو راكبا فيضعف عن ركوب دابته، أو ما في
هذا المعنى من الضرر البين، فأي هذا ناله فله أن يأكل من المحرم. وكذلك يشرب من المحرم غير
المسكر، مثل الماء تقع فيه الميتة وما أشبهه. وأحب إلى أن يكون اكله إن أكل وشاربه إن شرب أو
جمعهما فعلى ما يقطع عنه الخوف ويبلغ به بعض القوة ولا يبين أن يحرم عليه أن يشبع ويروى، وإن
أجزأه دونه، لان التحريم قد زال عنه بالضرورة. وإذا بلغ الشبع والري فليس له مجاوزته، لان
مجاوزته حينئذ إلى الضرر أقرب منها إلى النفع. ومن بلغ إلى الشبع فقد خرج في بلوغه من حد
الضرورة وكذلك الري. ولا بأس أن يتزود معه من الميتة ما اضطر إليه، فإذا وجد الغنى عنه طرحه.
ولو تزود معه ميتة فلقى مضطرا أراد شراءها منه، لم يحل له ثمنها، إنما حل له منها منع الضرر البين
على بدنه لا ثمنها، ولو اضطر، ووجد طعاما، لم يؤذن له به، لم يكن له أكل الطعام، وكان له أكل

(1) قوله: أو ثيران، هكذا في النسخ، بغير نقط. وحرره. كتبه مصححه.
(2) قوله: أو أتانا أنسية كذا في النسخ، ولعل في الكلام سقطا من الناسخ والأصل " أو حمار وحشي
أتانا انسية " كتبه مصححه.
276

الميتة، ولو اضطر، ومعه ما يشترى به ما يحل، فإن باعه بثمنه في موضعه أو بثمن ما يتغابن الناس
بمثله، لم يكن له أكل الميتة وإن لم يبعه إلا بما لا يتغابن الناس بمثله، كان له أكل الميتة، والاختيار
أن يغالى به ويدع أكل الميتة. وليس له، بحال، أن يكابر رجلا على طعامه وشرابه وهو يجد ما يغنيه
عنه من شراب فيه ميتة أو ميتة، وإن اضطر فلم يجد ميتة ولا شرابا فيه ميتة، ومع رجل شئ، كان
له أن يكابره، وعلى الرجل أن يعطيه. وإذا كابره، أعطاه ثمنه وافيا، فإن كان إذا أخذ شيئا خاف
مالك المال على نفسه، لم يكن له مكابرته. وإن اضطر وهو محرم إلى صيد أو ميتة، أكل الميتة وترك
الصيد، فإن أكل الصيد فداه، إن كان هو الذي قتله. وإن اضطر فوجد من يطعمه أو يسقيه،
فليس له أن يمتنع من أن يأكل أو يشرب. وإذا وجد فقد ذهبت عنه الضرورة إلا في حال واحدة،
أن يخاف إن أطعمه أو سقاه، أن يسمه فيه فيقتله، فله ترك طعامه وشرابه بهذه الحال. وإن كان
مريضا فوجد مع رجل طعاما أو شرابا، يعلمه يضره ويزيد في مرضه، كان له تركه، وأكل الميتة
وشرب الماء الذي فيه الميتة، وقد قيل: إن الضرورة وجها ثانيا، أن يمرض الرجل المرض يقول له
أهل العلم به، أو يكون هو من أهل العلم به: قلما يبرأ من كان به مثل هذا إلا أن يأكل كذا، أو
يشرب كذا، أو يقال له: إن أعجل ما يبرئك أكل كذا أو شرب كذا، فيكون له أكل ذلك وشربه،
ما لم يكن خمرا إذا بلغ ذلك منها أسكرته، أو شيئا يذهب العقل من المحرمات أو غيرها فإن إذهاب
العقل محرم. ومن قال هذا، قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم الاعراب أن يشربوا ألبان الإبل
وأبوالها وقد يذهب الوباء بغير ألبانها وأبوالها، إلا أنه أقرب ما هنالك أن يذهبه عن الاعراب لاصلاحه
لأبدانهم، والأبوال كلها محرمة، لأنها نجسة، وليس له أن يشرب خمرا، لأنها تعطش وتجيع. ولا
لدواء لأنها تذهب بالعقل. وذهاب العقل منع الفرائض، وتؤدى إلى إتيان المحارم. وكذلك ما أذهب
العقل غيرها. ومن خرج مسافرا فأصابته ضرورة بجوع أو عطش، ولم يكن سفره في معصية الله عز
وجل، حل له ما حرم عليه مما نصف إن شاء الله تعالى. ومن خرج عاصيا لم يحل له شئ مما حرم الله
عز وجل عليه بحال، لان الله تبارك وتعالى إنما أحل ما حرم بالضرورة، على شرط أن يكون المضطر
غير باغ ولا عاد ولا متجانف لاثم. ولو خرج عاصيا ثم تاب فأصابته الضرورة بعد التوبة رجوت أن
يسعه أكل المحرم وشربه. ولو خرج غير عاص، ثم نوى المعصية، ثم أصابته الضرورة ونيته المعصية،
خشيت أن لا يسعه المحرم، لأني أنظر إلى نيته في حال الضرورة، لا في حال تقدمتها ولا تأخرت
عنها (1).
277

(كتاب النذور (1))
(باب النذور التي كفارتها كفارة ايمان)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن قال " على نذر " ولم يسم شيئا فلا نذر ولا كفارة، لان النذر
معناه معنى على أن أبر وليس معناه معنى أنى أثمت ولا حلفت، فلم أفعل وإذا نوى بالنذر شيئا من
طاعة الله، فهو ما نوى (قال الشافعي) فإنا نقول فيمن قال " على نذر، إن كلمت فلانا، أو على نذر
أن أكلم فلانا، يريد هجرته، أن عليه كفارة يمين. وأنه إن قال: " على نذره أن أهجره، يريد
بذلك نذر هجرته نفسها، لا يعنى قوله إن أهجره أو لم أهجره. فإنه لا كفارة عليه، وليكلمه، لأنه
نذر في معصية (قال الشافعي) ومن حلف أن لا يكلم فلانا أو لا يصل فلانا، فهذا الذي يقال له
الحنث في اليمين خير لك من البر فكفر واحنث، لأنك تعصى الله عز وجل في هجرته، وتترك الفضل
في موضع صلته. وهذا في معنى الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم " فليأت الذي هو خير وليكفر عن
يمينه " وهكذا كل معصية حلف عليها أمرناه أن يترك المعصية ويحنث ويأتي الطاعة. وإذا حلف على
بر، أمرناه أن يأتي البر ولا يحنث، مثل قوله " والله لأصومن اليوم، والله لأصلين كذا وكذا ركعة
نافلة " فنقول له: بر يمينك وأطع ربك، فإن لم يفعل، حنث وكفر. وأصل ما نذهب إليه، أن النذر
ليس بيمين، وأن من نذر أن يطيع الله عز وجل أطاعه، ومن نذر أن يعصي الله لم يعصه، ولم يكفر.
(من جعل شيئا من ماله صدقة أو في سبيل الله)
(قال الشافعي) رحمه الله وإذا حلف الرجل في كل شئ سوى العتق والطلاق من قوله: مالي
هذا في سبيل الله أو داري هذه في سبيل الله أو غير ذلك مما يملك صدقة أو في سبيل الله إذا كان على
278

معاني الايمان فالذي يذهب إليه عطاء أنه يجزيه من ذلك كفارة يمين ومن قال هذا القول قاله في كل
ما حنث فيه سوى عتق أو طلاق وهو مذهب عائشة رضي الله عنها، والقياس ومذهب عدة من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم، وقال غيره: يتصدق بجميع ما يملك إلا أنه قال:
ويحبس قدر ما يقوته، فإذا أيسر تصدق بالذي حبس. وذهب غيره إلى أنه يتصدق بثلث ماله وذهب
غيره إلى أنه يتصدق بزكاة ماله، وسواء قال صدقة أو قال في سبيل الله إذا كانت على معاني الايمان
(قال الشافعي) ومن حلف بصدقة ماله فحنث فإن كان أراد يمينا فكفارة يمين، وإن أراد بذلك
تبررا، مثل أن يقول: لله على أن أتصدق بمالي كله، تصدق به كله. لان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال " من نذر أن يطيع الله عز وجل فليطعه ".
(باب نذر التبرر وليس في التراجم وفيها من نذر أن يمشى إلى بيت الله عز وجل)
(قال الشافعي) رحمه الله: ومن نذر تبررا أن يمشى إلى بيت الله الحرام لزمه أن يمشى إن قدر على
المشي وإن لم يقدر ركب وأهرق دما احتياطا لأنه لم يأت بما نذر كما نذر والقياس أن لا يكون عليه دم
من قبل أنه إذا لم يطق شيئا سقط عنه كما لا يطيق القيام في الصلاة فيسقط عنه ويصلى قاعدا ولا
يطيق القعود فيصلى مضطجعا. وإنما فرقنا بين الحج والعمرة والصلاة أن الناس أصلحوا أمر الحج
بالصيام والصدقة ونسك ولم يصلحوا أمر الصلاة إلا بالصلاة (قال الشافعي) ولا يمشى أحد إلى بيت
الله إلا حاجا أو معتمرا إلا بذلة منه (قال الربيع) وللشافعي قول اخر أنه إذا حلف أن يمشى إلى بيت
الله الحرام فحنث فكفارة يمين تجزئه من ذلك إن أراد بذلك اليمين (قال الربيع) وسمعت الشافعي أفتى
بذلك رجلا فقال: هذا قولك أبا عبد الله؟ فقال هذا قول من هو خير منى قال: من هو؟ قال:
عطاء بن أبي رباح (قال الشافعي) ومن حلف بالمشي إلى بيت الله ففيها قولان أحدهما معقول معنى
قول عطاء أن كل من حلف بشئ من النسك صوم أو حج أو عمرة فكفارته كفارة يمين إذا حنث ولا
يكون عليه حج ولا عمرة ولا صوم ومذهبه أن أعمال البر لله لا تكون إلا بفرض يؤديه من فروض الله عز
وجل عليه أو تبررا يريد الله به فأما ما علا علو الايمان فلا يكون تبررا وإنما يعمل التبرر لغير العلو وقد قال
غير عطاء: عليه المشي كما يكون عليه إذا نذره متبررا (قال الشافعي) والتبرر أن يقول: لله علي إن
شفى الله فلانا أو قدم فلان من سفره أو قضى عنى دينا أو كان كذا ان أحج له نذرا، فهو التبرر. فأما إذا
قال: إن لم أقضك حقك فعلى المشي إلى بيت الله فهذا من معاني الايمان لا معاني النذور وأصل معقول
قول عطاء في معاني النذور من هذا أنه يذهب إلى أن من نذر نذرا في معصية الله لم يكن عليه قضاؤه
ولا كفارة فهذا يوافق السنة وذلك أن يقول: لله على إن شفاني أو شفى فلانا أن أنحر ابني أو أن أفعل
كذا من الامر الذي لا يحل له أن يفعله فمن قال هذا فلا شئ عليه فيه وفى السائبة، وإنما أبطل الله عز
وجل النذر في البحيرة والسائبة لأنها معصية ولم يذكر في ذلك كفارة وكان فيه دلالة على أن من نذر
معصية الله عز وجل أن لا يفي ولا كفارة عليه وبذلك جاءت السنة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصيه "
(أخبرنا) سفيان عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال كانت بنو عقيل
279

حلفاء لثقيف في الجاهلية وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من المسلمين ثم إن المسلمين أسروا رجلا من
بنى عقيل ومعه ناقة له وكانت ناقته قد سبقت الحاج في الجاهلية كذا وكذا مرة، وكانت الناقة إذا
سبقت الحاج في الجاهلية لم تمنع من كلا ترتع فيه ولم تمنع من حوض تشرع منه (قال الشافعي) فأتى
به النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد فيم أخذتني وأخذت سابقة الحاج؟ فقال النبي صلى الله عليه
وسلم " بجريرة حلفائك ثقيف " (قال الشافعي) وحبس حيث يمر به النبي صلى الله عليه وسلم فمر به
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فقال له يا محمد إني مسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لو
قتلتها وأنت تملك أمرك كنت قد أفلحت كل الفلاح " قال ثم مر به النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى
فقال: يا محمد إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني فقال النبي صلى الله عليه وسلم " تلك حاجتك " ثم
إن النبي صلى الله عليه وسلم بدا له ففادي به الرجلين اللذين أسرت ثقيف وأمسك الناقة ثم إنه
أغار على المدينة عدو فأخذوا سرح النبي صلى الله عليه وسلم فوجدوا الناقة فيها قال وقد كانت
عندهم امرأة من المسلمين قد أسروها وكانوا يريحون النعم عشاء فجاءت المرأة ذات ليلة إلى النعم
فجعلت لا تجئ إلى بعير إلا رغا حتى انتهت إليها فلم ترغ فاستوت عليها فنجت فلما قدمت المدينة قال
الناس العضباء العضباء فقالت المرأة: إني نذرت إن الله أنجاني عليها أن أنجرها فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " بئسما جزيتها لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم " أخبرنا عبد الوهاب
عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين (قال الشافعي) فأخذ النبي صلى الله
عليه وسلم ناقته ولم يأمرها أن تنحر مثلها أو تنحرها ولا تكفر (قال) وكذلك نقول إن من نذر تبررا أن
ينحر مال غيره فهذا نذر فيما لا يملك فالنذر ساقط عنه وبذلك نقول قياسا على من نذر ما لا يطيق أن
يعمله بحال سقط النذر عنه لأنه لا يملك أن يعمله فهو كما لا يملك ما سواه أخبرنا سفيان عن أيوب عن أبي
قلابة عن أبي المهلب عم عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا نذر في
معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم " وكان في حديث عبد الوهاب الثقفي بهذا الاسناد أن امرأة من
الأنصار نذرت وهربت على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نجاها الله لتنحرنها فقال النبي صلى
الله عليه وسلم هذا القول وأخذ ناقته ولم يأمرها بأن تنحر مثلها ولا تكفر فكذلك نقول إن من نذر تبررا
أن ينحر مال غيره فهذا نذر فيما لا يملك والنذر ساقط عنه وكذلك نقول قياسا على من نذر ما لا يطيق
أن يعمله بحال سقط النذر عنه لأنه لا يملك أن يعمله فهو كما لا يملك مما سواه (قال الشافعي) وإذا
نذر الرجل أن يحج ماشيا مشى حتى يحل له النساء ثم يركب بعد، وذلك كمال حج هذا، وإذا نذر أن
يعتمر ماشيا مشى حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق أو يقصر وذلك كمال عمرة هذا
(قال الشافعي) وإذا نذر أن يحج ماشيا فمشى ففاته الحج فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ماشيا
حل وعليه حج قابل ماشيا كما يكون عليه حج قابل إذا فاته هذا الحج ألا ترى أن حكمه لو كان متطوعا
بالحج أو ناذرا له أو كان عليه حجة الاسلام وعمرته ألا يجزى هذا الحج من حج ولا عمرة؟ فإذا كان
حكمه أن يسقط ولا يجزى من حج ولا عمرة فكيف لا يسقط المشي الذي إنما هو هيئة في الحج
والعمرة؟ (قال الشافعي) وإذا نذر الرجل أن يحج أو نذر أن يعتمر ولم يحج ولم يعتمر فإن كان نذر
ذلك ماشيا فلا يمشى لأنهما جميعا حجة الاسلام وعمرته فإن مشى فإنما مشى حجة الاسلام وعمرته
وعليه أن يحج ويعتمر ماشيا من قبل أن أول ما يعمل الرجل من حج وعمرة إذا لم يعتمر ويحج فإنما هو
حجة الاسلام وإن لم ينو حجة الاسلام ونوى به نذرا أو حجا عن غيره أو تطوعا فهو كله حجة الاسلام
280

وعمرته وعليه أن يعود لنذره فيوفيه كما نذر ماشيا أو غير ماش (قال الربيع) هذا إذا كان المشي لا يضر
بمن يمشى فإذا كان مضرا به فيركب ولا شئ عليه على مثل ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا إسرائيل
أن يتم صومه ويتنحى عن الشمس فأمره بالذي فيه البر ولا يضر به ونهاه عن تعذيب نفسه لأنه لا
حاجة لله في تعذيبه وكذلك الذي يمشى إذا كان المشي تعذيبا له يضر به تركه ولا شئ عليه (قال
الشافعي) ولو أن رجلا قال: إن شفى الله فلانا فلله على أن أمشى لم يكن عليه مشى حتى يكون نوى
شيئا يكون مثله برا، فإن لم ينو شيئا فلا شئ عليه لأنه ليس في المشي إلى غير مواضع البربر (قال
الشافعي) ولو نذر فقال على المشي إلى إفريقية أو العراق أو غيرهما من البلدان لم يكن عليه شئ لأنه
ليس لله طاعة في المشي إلى شئ من البلدان وإنما يكون المشي إلى المواضع التي يرتجى فيها البر وذلك
المسجد الحرام وأحب إلي لو نذر أن يمشى إلى مسجد المدينة أن يمشى وإلى مسجد بيت المقدس أن
يمشى لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام
ومسجدي هذا ومسجد بيت المقدس " ولا يبين لي أن أوجب المشي إلى مسجد النبي صلى الله عليه
وسلم ومسجد بيت المقدس كما يبين لي أن أوجب المشي إلى بيت الله الحرام. وذلك أن البر بإتيان بيت
الله فرض والبر بإتيان هذين نافلتين وإذا نذر أن يمشى إلى بيت الله ولا نية له فالاختيار أن يمشى إلى
بيت الله الحرام ولا يجب ذلك عليه إلا بأن ينويه لان المساجد بيوت الله وهو إذا نذر أن يمشى إلى
مسجد مصر لم يكن عليه أن يمشى إليه ولو نذر برا أمرناه بالوفاء به ولم يجبر عليه. وليس هذا كما يؤخذ
للآدميين من الآدميين هذا عمل فيما بينه وبين الله عز وجل لا يلزمه إلا بإيجابه على نفسه بعينه وإذا نذر
الرجل أن ينحر بمكة لم يجزه إلا أن ينحر بمكة وذلك أن النحر بمكة بر. وإن نذر أن ينحر بغيرها
ليتصدق لم يجزه أن ينحر إلا حيث نذر أن يتصدق. وإنما أوجبته وليس في النحر في غيرها بر لأنه نذر
أن يتصدق على مساكين ذلك البلد، فإذا نذر أن يتصدق على مساكين بلد، فعليه أن يتصدق
عليهم.
(وفى ترجمة الهدى المذكورة في تراجم مختصر الحج المتوسط
نصوص تتعلق بالهدى المنذور (1))
فمنها قول الشافعي رحمه الله: الهدى من الإبل والبقر والغنم. وسواء البخت والعراب من الإبل
والبقر والجواميس والضأن والمعز، ومن نذر هديا فسمى شيئا لزمه الشئ الذي سمى، صغيرا كان أو
كبيرا، ومن لم يسم شيئا لزمه هدى ليس بجزاء من صيد، فيكون عدله. فلا يجزيه من الإبل ولا البقر
والا المعز، إلا ثنى فصاعدا ويجزيه الذكر والأنثى. ويجزى من الضأن وحده الجذع: والموضع الذي
يجب عليه فيه الحرم، لا محل للهدى دونه، إلا أن يسمى الرجل موضعا من الأرض، فينحر فيه
هديا، أو يحصر رجل بعدو، فينحر حيث أحصر، ولا هدى إلا في الحرم لا في غير ذلك. وذكر هنا
التقليد والاشعار، وقد سبق في باب الهدى آخر الحج، وهو يتعلق بالمنذور والتطوع (قال) وإذا ساق

(1) كذا وقعت الترجمة في ترتيب نسخة البلقيني.
281

الهدى، فليس له أن يركبه إلا من ضرورة. وإذا اضطر إليه، ركبه ركوبا غير فادح له، وله أن يحمل
الرجل المعيى والمضطر على هديه. وإذا كان الهدى أنثى فنتجت، فإن تبعا فصيلها ساقه وإن لم يتبعه
حمله عليها، وليس له أن يشرب من لبنها إلا بعد رى فصيلها، وكذلك ليس له أن يسقى أحدا. وله
أن يحمل فصيلها. وإن حمل عليها من غير ضرورة فأعجفها، غرم قيمة ما نقصها. وكذلك إن شرب
من لبنها ما ينهك فصيلها، غرم قيمة اللبن الذي شرب. وإن قلدها وأشعرها ووجهها إلى البيت، أو
وجهها بكلام فقيل " هذه هديي " فليس له أن يرجع فيها، ولا يبدلها بخير ولا بشر منها، كانت
زاكية أو غير زاكية، وكذلك لو مات لم يكن لورثته أن يرثوها. وأنما أنظر في الهدى إلى يوم يوجب،
فإن كان وافيا، ثم أصابه بعد ذلك عور أو عرج، أو ما لا يكون به وافيا علي الابتداء، لم يضره إذا
بلغ المنسك. وإن كان يوم وجب ليس بواف ثم صح حتى يصير وافيا قبل ينحر لم يجز عنه. ولم يكن
له أن يحبسه ولا عليه أن يبدله إلا أن يتطوع بإبداله مع نحره، أو يكون أصله واجبا، فلا يجزى عنه فيه
إلا واف (قال) والهدى هديان، هدى أصله تطوع، فذكر في عطبه وإطعامه ما سبق في باب الهدى
(قال) وهدى واجب فذلك إذا عطب دون الحرم صنع به صاحبه ما شاء من بيع وهبة وإمساك وعليه
بدله بكل حال ولو تصدق به في موضعه على مساكين، كان عليه بدله لأنه قد خرج من أن يكون
هديا حين عطب قبل أن يبلغ محله. وذكر هنا دم التمتع والقران وغير ذلك مما ذكرناه في باب الهدى
(قال) ولو أن رجلين كان عليهما هديان واجبان، فأخطأ كل واحد منهما بهدى صاحبه فذبحه ثم أدركه
قبل أن يتصدق به أخذ كل واحد منهما هدى نفسه، ورجع كل واحد منهما على صاحبه بقيمة ما بين
الهديين حيين ومنحورين وأجزأ عنهما وتصدقا بكل ما ضمن كل واحد منهما لصاحبه ولو لم يدركاه حتى
فات بصدقة ضمن كل واحد منهما لصاحبه قيمة الهدى حيا، وكان على كل واحد منهما البدل ولا
أحب أن يبدل واحد منهما إلا بجميع ثمن هديه، وإن لم يجد بثمن هديه هديا زاد حتى يبدله هديا،
ولو أن رجلا نحر هديا فمنع المساكين دفعه إليهم أو نحره بناحية ولم يحل بين المساكين وبينه حتى ينتن كان
عليه أن يبدله. والنحر يوم النحر وأيام " منى " كلها حتى تغيب الشمس من آخر أيامها فإذا غابت
الشمس فلا يجوز الا أن من كان عليه هدى واجب نحره وأعطاه مساكين الحرم قضاء. ويذبح في
الليل والنهار وإنما أكره ذبح الليل لئلا يخطئ رجل في الذبح أو لا يوجد مساكين حاضرون. فأما إذا
أصاب الذبح فوجد مساكين حاضرين فسواء وفى أي الحرم ذبحه ثم أبلغه مساكين الحرم أجزأه وإن
كان ذبحه إياه في غير موضع ناس. وينحر الإبل قياما غير معقولة وإن أحب عقل إحدى قوائمها. وإن
نحرها باركة أو مطلقة أجزأت عنه، وينحر الإبل ويذبح البقر والغنم، وإن نحر البقر والغنم أو ذبح الإبل
كرهت له ذلك وأجزأت عنه. ومن أطاق الذبح من امرأة أو رجل أجزأ
أن يذبح النسيكة وهكذا من حلت ذكاته إلا أنى أكره أن يذبح النسيكة
يهودي أو نصراني، فإن فعل فلا إعادة على صاحبه، وأحب إلى أن يذبح النسيكة صاحبها أو يحضر
الذبح فإنه يرجى عند سفوح الدم المغفرة (قال الشافعي) وإذا سمى الله عز وجل على النسيكة أجزأ عنه
وإن قال: " اللهم تقبل عنى أو تقبل عن فلان " الذي أمره بذبحه فلا بأس ثم ذكر الاكل من هدى
التطوع، وقد ذكرناه في باب الهدى (قال) والهدى هديان واجب وتطوع. فكل ما كان أصله واجبا
على الانسان ليس له حبسه فلا يأكل منه شيئا وذلك مثل هدى الفساد والطيب وجزاء الصيد والنذور
والمتعة فان أكل من الهدى الواجب تصدق بقيمة ما أكل منه، ثم ذكر ما يتعلق بالتطوع وقد تقدم
282

(قال) وإن لم يقلد هديه ولم يشعره، قارنا كان أو غيره، أجزأه أن يشترى هديا من " منى " أو من
" مكة " ثم يذبحه مكانه لأنه ليس على الهدى عمل إنما العمل على الآدميين والنسك لهم، وإنما هذا
من أموالهم يتقربون به إلى الله عز وجل (قال الشافعي) وإذا قال الرجل: غلامي حر إلا أن يبدو لي
في ساعتي هذه أو في يومى هذا أو شاء أو يشاء فلان أن لا يكون حرا أو امرأته طالق إلا أن أشاء أن لا
تكون طالقا في يومى هذا، أو يشاء فلان فشاء أو شاء الذي استثنى مشيئته، لم يكن العبد حرا ولا
المرأة طالقا (قال) وإذا قال الرجل: أنا اهدى هذه الشاة نذرا أو أمشى نذرا فعليه أن يهديها، وعليه
أن يمشى إلا أن يكون أراد: إني سأحدث نذرا أو إني سأهديها، فلا يلزمه ذلك وهو كما قاله لغير
إيجاب. فإذا نذر الرجل أن يأتي موضعا من الحرم ماشيا أو راكبا، فعليه أن يأتي الحرم حاجا أو
معتمرا. ولو نذر أن يأتي عرفة أو مرا أو موضعا قريبا من الحرم ليس بحرم، لم يكن عليه شئ لان هذا
نذر في غير طاعة، وإذا نذر الرجل حجا ولم يسم وقتا فعليه حج، يحرم به في أشهر الحج متى شاء.
وإذا قال: على نذر حج إن شاء فلان، فليس عليه شئ ولو شاء فلان. إنما النذر ما أريد الله عز
وجل به، ليس على معاني العلو ولا مشيئة غير الناذر. وإذا نذر الرجل أن يهدى شيئا من النعم، لم
يجزه إلا أن يهديه. وإذا نذر أن يهدى متاعا لم يجزه، إلا أن يهديه أو يتصدق به على مساكين الحرم،
فإن كانت نيته في هذه أن يعقله على البيت أو يجعل في طيب للبيت، جعله حيث نوى، ولو نذر أن
يهدى ما لا يحمل، مثل الأرضين والدور، باع ذلك فأهدى ثمنه. ويلي الذي نذر الصدقة بذلك
وتعليقه على البيت وتطييبه به، أو يوكل به ثقة يلي ذلك به. وإذا نذر أن يهدى بدنة، لم يجزه منها إلا
ثنى من الإبل، أو ثنية وسواء في ذلك الذكر والأنثى والخصي، وأكثرها ثمنا أحبها إلى، وإذا لم يجد
بدنة أهدى بقرة ثنية فصاعدا. وإذا لم يجد بقرة، أهدى سبعا من الغنم ثنيا فصاعدا، إن كن
معزى، أو جذعا فصاعدا، إن كن ضأنا. وإن كانت نيته على بدنة من الإبل دون البقر، فلا يجزيه
أن يهدى مكانها إلا بقيمتها. وإذا نذر الرجل هديا لم يسم الهدى ولم ينو شيئا، فأحب إلى أن يهدى
شاة وما أهدى من مد حنطة أو ما قوته أجزأه، لان كل هذا هدى، ولو أهدى (1) إنما كان أحب
إلى، لان كل هذا هدى. ألا ترى إلى قول الله عز وجل " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل
من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا " فقد يقتل الصيد وهو صغير أعرج وأعمى وإنما يجزيه بمثله.
أو لا ترى أنه يقتل الجرادة والعصفور، وهما من الصيد فيجزى الجرادة بتمرة والعصفور بقيمته؟ ولعله
قبضة، وقد سمى الله عز وجل هذا كله هديا. وإذا قال الرجل: شاتي هذه هدى إلى الحرم، أو
بقعة من الحرم، أهدى. وإذا نذر الرجل بدنة لم تجزئه إلا بمكة، فإن سمى موضعا من الأرض
ينحرها فيه أجزأته، وإذا نذر الرجل عدد صوم صامه إن شاء متفرقا، وإن شاء متتابعا (قال) وإذا
نذر صيام أشهر، فما صام منها بالأهلة صامه، عددا ما بين الهلالين، إن كان تسعة وعشرين وثلاثين.
فإن صامه بالعدد، صام عن كل شهر ثلاثين يوما. وإذا نذر صيام سنة بعينها، صامها كلها إلا
رمضان، فإنه يصوم لرمضان ويوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق ولا قضاء عليه. كما لو قصد بنذر أن
يصوم هذه الأيام، لم يكن عليه نذر ولا قضاء، فإن نذر سنة بغير عينها، قضى هذه الأيام كلها حتى
يوفى صوم سنة كاملة، وإن حال بينه وبينه مرض أو خطأ عدد أو نسيان أو توان، قضاه إذا زعمت

(1) قوله: بأنما كذا في الأصل، بدون نقط، وحرر هذا اللفظ. كتبه مصححه.
283

أنه يهل بالحج فيحصر بعدو فلا يكون عليه قضاء، كان من نذر حجا بعينه مثله، وما زعمت أنه إذا
أحصر فإن عليه القضاء أمرته أن يقضيه إن نذره فأحصر. وهكذا إن نذر أن يصوم سنة بعينها فمرض،
قضاها إلا الأيام التي ليس له أن يصومها. فإن قال قائل فلم تأمر المحصر إذا أحصر بالهدى ولا تأمر به
هذا؟ قلت: آمره به للخروج من الاحرام، وهذا لم يحرم فأمره بالهدى (قال) وإذا أكل الصائم أو
شرب في رمضان أو نذر أو صوم كفارة أو واجب بوجه من الوجوه أو تطوع ناسيا، فصومه تام ولا
قضاء عليه. وإذا تسحر بعد الفجر وهو لا يعلم، أو أفطر قبل الليل وهو لا يعلم، فليس بصائم في
ذلك اليوم، وعليه بدله. فإن كان صومه متتابعا فعليه أن يستأنفه. وإذا قال: لله على أن أصوم اليوم
الذي يقدم فيه فلان، فقدم ليلا فليس عليه صوم صبيحة ذلك اليوم لأنه قدم في الليل ولم يقدم في
النهار، وأحب إلى لو صامه. ولو قدم الرجل نهارا، وقد أفطر الذي نذر الصوم، فعليه أن يقضيه لأنه
نذر، والنذر لا يجزيه إلا أن ينوى صيامه قبل الفجر، وهذا احتياط وقد يحتمل القياس أن لا يكون
عليه قضاؤه من قبل أنه لا يصلح له أن يكون فيه صائما عن نذره. وإنما قلنا بالاحتياط أن جائزا أن
يصوم، وليس هو كيوم الفطر، وإنما كان عليه صومه بعد مقدم فلان فقلنا: عليه قضاؤه، وهذا
أصح في القياس من الأول. ولو أصبح فيه صائما من نذر غير هذا أو قضاء رمضان أحببت أن يعود
لصوم نذره وقضائه ويعود لصومه لمقدم فلان. ولو أن فلانا قدم يوم الفطر أو يوم النحر أو التشريق لم
يكن عليه صوم ذلك اليوم ولا عليه قضاؤه، لأنه ليس في صوم ذلك اليوم طاعة فلا يقضى ما لا
طاعة فيه. ولو قال: لله على أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان أبدا، فقدم فلان يوم الاثنين فإن
عليه قضاء اليوم الذي قدم فيه وصوم الاثنين كلما استقبله. فإن تركه فيما يستقبل قضاه، إلا أن يكون
يوم الاثنين يوم فطر أو أضحى أو أيام التشريق فلا يصوم ولا يقضيه. وكذلك إن كان في رمضان لم
يقضه وصامه في رمضان. كما لو أن رجلا نذر أن يصوم رمضان صام رمضان بالفريضة ولم يصمه
بالنذر ولم يقضه. وكذلك لو نذر أن يصوم يوم الفطر أو الأضحى أو أيام التشريق. ولو كانت المسألة
بحالها وقدم فلان يوم الاثنين وقد وجب عليه صوم شهرين متتابعين صامهما، وقضى كل اثنين منهما ولا
يشبه هذا شهر رمضان لان هذا شئ أدخله على نفسه بعدما أوجب عليه صوم يوم الاثنين، وصوم
رمضان شئ أوجبه الله لا شئ أدخله على نفسه، ولو كانت المسألة بحالها وكان الناذر امرأة فكالرجل
وتقضى كل ما مر عليها من حيضها. وإذا قالت المرأة: لله على أن أصوم كلما حضت أو أيام حيضي،
فليس عليها صوم ولا قضاء، لأنها لا تكون صائمة وهي حائض. وإذا نذر الرجل صلاة أو صوما ولم
ينو عددا، فأقل ما يلزمه من الصلاة ركعتان، ومن الصوم يوم لان هذا أقل ما يكون من الصلاة
والصوم لا الوتر (قال الربيع) وفيه قول آخر يجزيه ركعة واحدة وذلك أنه مروى عن عمر: أنه تنفل
بركعة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة بعد عشر ركعات، وأن عثمان أوتر بركعة (قال
الربيع) فلما كانت ركعة صلاة ونذر أن يصلى صلاة ولم ينو عددا فصلى ركعة، كانت ركعة صلاة بما
ذكرنا (قال الشافعي) وإذا قال الله على عتق رقبة فأي رقبة أعتق أجزأ.
* * *
تم الجزء الثاني، ويليه الجزء الثالث وأوله: " كتاب البيوع ")
284