الكتاب: المجموع
المؤلف: محيى الدين النووي
الجزء: ١٠
الوفاة: ٦٧٦
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

المجموع
شرح المهذب
للإمام أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي المتوفي سنة 676 ه‍
الجزء العاشر
دار الفكر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين * اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا *
قال الشيخ الإمام شيخ الاسلام * قدوة الاعلام * أوحد المجتهدين * قاضي قضاة المسلمين *
تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي أثابه الله الجنة *
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتثمر * وبفضله يأبى إلا أن يتم نوره ويظهر * أحمده
حمد معترف بالعجز مقصر * وأثنى عليه بأني لا أحصى ثناء عليه واستغفر * وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له شهادة معلن بالايمان ومظهر * وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبشر المنذر *
صلى الله عليه وسلم * وشمل أصحابه بالرضوان وعمم (أما بعد) فقد رغب إلى بعض الأصحاب والأحباب * في
أن أكمل شرح المهذب للشيخ الإمام العلامة علم الزهاد * وقدوة العباد * واحد عصره * وفريد
دهره * محيي علوم الأولين * وممهد سنن الصالحين * أبى زكريا النووي رحمه الله تعالى * وطالت رغبته
2

إلى * وكثر إلحاحه علي * وأنا في ذلك أقدم رجلا وأؤخر أخرى * وأستهون الخطب وأراه شيئا إمرا *
وهو في ذلك لا يقبل عذرا * وأقول قد يكون تعرضي لذلك مع تقعدي عن مقام هذا الشرح إساءة
إليه * وجناية مني عليه * واني انهض بما نهض به وقد أسعف بالتأييد * وساعدته المقادير فقربت منه
كل بعيد *
ولا شك ان ذلك يحتاج بعد الأهلية إلى ثلاثة أشياء (أحدها) فراغ البال واتساع
الزمان وكان رحمه الله تعالى قد أوتى من ذلك الحظ الأوفى * بحيث لم يكن له شاغل عن ذلك من
نفس ولا أهل (والثاني) جمع الكتب التي يستعان بها على النظر والاطلاع على كلام العلماء وكان
رحمه الله قد حصل له من ذلك حظ وافر لسهولة ذلك في بلده في ذلك الوقت (والثالث) حسن
النية وكثرة الورع والزهد والأعمال الصالحة التي أشرقت أنوارها وكان رحمه الله قد اكتال بالمكيال
الأوفى * فمن يكون اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث أنى يضاهيه أو يدانيه من ليس فيه واحدة
منها * فنسأل الله تعالى أن يحسن نياتنا وأن يمدنا بمعونته وعونه * وقد استخرت الله تعالى وفوضت
الامر إليه واعتمدت في كل الأمور عليه * وقلت في نفسي لعل ببركة صاحبه ونيته يعينني الله عليه
إنه يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم * فان من الله تعالى باكماله فلا أشك أن ذلك من فضل الله تعالى
ببركة صاحبه ونيته إذ كان مقصوده النفع للناس ممن كان وقد شرعت في ذلك مستعينا بالله
3

تعالى معتصما به ملتجئا إليه إنه لا حول ولا قوة إلا به وهو حسبي ونعم الوكيل * وإياه أسأل أن يغفر لي
ولوالدي وأهلي ومشايخي وجميع إخواني وأن يكثر النفع به ويجعله دائما إلى يوم الدين اه‍ *
وها أنا أذكر إن شاء الله تعالى المواد التي استمد منها (فمنها) ما هو عندي بكماله (ومنها)
ما عندي ما هو من الموضع الذي شرعت فيه الآن وها أنا أسمي لك ذلك كله (فمن ذلك) على المهذب
كتاب فوائد المهذب لأبي على الفارقي تلميذ المصنف وما عليه لأبي سعيد بن عصرون * وكتاب
بيان ما أشكل في المهذب لأبي الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني * وكتاب السؤال عما في
المهذب من الاشكال للعمراني أيضا * وكتاب تجريد شواهد المهذب لأبي عبد الله بن محمد بن أبي علي
القلعي * وكتاب المستغرب في المهذب للقلعي أيضا * وكتاب الوافي بالطلب في شرح المهذب تأليف
أبى العباس أحمد بن عيسى بعد ابن أبي بكر عبد الله * وكتاب التعليقة في شرح المهذب للشيخ
أبى إسحاق المشهور بالعراقي * وكتاب التعيب على المهذب لابن معن * وكتاب الفص المذهب في
غريب المهذب لابن عصرون * وكتاب المؤاخذات لجمال الدين بن البدري * وكتاب شرح
مشكلات منه لأبي الحسن علي بن قاسم الحليمي * وكتاب في مشكلات المهذب لطيف مجهول
المصنف * وكتاب آخر كذلك * وكتاب غاية المفيد ونهاية المستفيد في احتوارات المهذب لأبي محمد
عبد الله بن يحيى الصعبي * وكتاب آخر مجهول * وكتاب تفسير مشكلات من المهذب مما جمعه
4

ابن الدري * وكتاب التنكيت للدمنهوري * وكتاب المتهب في الرد عليه لحمزة بن يوسف الحموي
وكتاب لغة المهذب مجهول المصنف * وكتاب ابن باطيش * وشرح المهذب للفاربي المسمى
بالاستقصاء (ومن الكتب المذهبية) الام للشافعي رحمه الله وكتاب الاملاء له وقفت منه على
مجلدتين الثانية والثالثة * ومختصر المزني * ومختصر البويطي * وشرح مختصر المزني لأبي داود وشرحه
لأبي الحسن الجوزي * وكتاب المختصر من شرح تعليق الطبري لأبي علي بن أبي هريرة وكتاب
التلخيص لابن القاص * وكتاب المفتاح له وشرحه لسلامة بن إسماعيل بن سلامة المقدسي وشرح
آخر له مجهول * والمولدات لابن الحداد (ومن كتب العراقيين) وأتباعهم تعليقة الشيخ أبي حامد
الأسفراييني * والذخيرة للبندنيجي والدريق للشيخ أبى حامد أيضا * وتعليقة البندنيجي أيضا *
والمجموع للمحاملي * والأوسط للمحاملي * والمقنع للمحاملي * واللباب للمحاملي والتجريد للمحاملي
وتعليقة القاضي أبى الطيب الطبري والحاوي للماوردي والاقناع له واللطيف لأبي الحسن بن خيران
والتقريب لسليم * والمجرد له والكفاية له والكفاية للعبدرى * والتهذيب لنصر المقدسي * والكافي وشرح
الإشارة له والكفاية للمحاجري * والتلقين لابن سراقة * وتذنيب الأقسام للمرعشي * والكافي
للزبيدي * والمطارحات لابن القطان * والشافي للجرجاني والتجريد له والمعاياة له والبيان
للعمراني * والانتصار لابن عصرون والمرشد له والتنبيه والإشارة له والشامل لأبي نصر
ابن الصباغ والعدة لأبي عبد الله الحسين بن علي الطبري والبحر للروياني والحلية
5

للشاشي والحلية للروياني والتنبيه للمصنف وشرحه لابن يونس وشرحه لشيخنا ابن الرفعة * ودفع
التمويه عن مشكلات التنبيه لأحمد بن كتاسب وغير ذلك مما هو مشهور عليه (ومن كتب
الخراسانيين) وأتباعهم تعليقة القاضي حسين والفتاوى له والسلسلة للجويني والجمع والفرق له والنهاية
لإمام الحرمين والتذنيب للبغوي * والإبانة للفوراني والعمدة للفوراني وتتمة الإبانة للمتولى والبسيط
والوسيط والوجيز والخلاصة وشرح الوسيط لشيخنا ابن الرفعة واشكالات الوسيط والوجيز للعجيلي
وحواشي الوسيط لابن السكري * واشكالات الوسيط لابن الصلاح * والشرح الكبير للرافعي
والشرح الصغير له والتهذيب له والروضة للنووي ومختصر المختصر للجويني وشرحه المسمى بالمعتبر
والمحرر والمنهاج وتذكرة العالم لأبي علي بن سريج واللباب للشاشي (ومن كتب
أصحابنا) المصنفة في الخلاف * الاشراف لابن المنذر والكفاية في النظر للصيدلاني *
والغنية للجويني * والنكت للشيخ أبى اسحق المصنف * ومأخذ النظر للغزالي والتحصين
له والرؤيا للكتا وبعض مفردات أحمد للكتا وتعليقة الشريف المراغي وتعليق الكمال
السمناني ورؤوس المسائل للمحاملي وسمط المسائل للتبريزي ومختصر التبريزي والخواطر
الشريفة لهمام بن راجي الله بن سرايا وحقيقة القولين للروياني * والكافي في شرح
مختصر المزني للروياني والترغيب للشاشي والذخائر وتعليقة البندنيجي (ومن كتب)
المخالفين (من مذهب أبي حنيفة) شرح الهداية للفرغاني المرغيناني الوشداني والجامع الصغير
6

والوجيز للخضيري (ومن مذهب مالك) التلقين للماوردي وشرح الرسالة للقاضي
عبد الوهاب والتهذيب للبرادعي والتحصيل والبيان لابن رشد وتعليقة أبى اسحق التونسي
(ومن مذهب احمد) المعين في شرح الخرقي لأبي محمد عبد الله بن قدامه المقدسي وهو أحسن
كتاب عنده (ومن كتب) الآثار مصنف ابن أبي شيبة * (ومن مذهب الظاهرية) المحلى لابن حزم
والموضح لأبي الحسن بن المغلس (ومن كتب متون الحديث) وهو قسمان منها ما هو على الأبواب
الموطأ ومسند الشافعي وسنن الشافعي ومسند الدارمي وصحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود
وسنن النسائي وجامع الترمذي وسنن ابن ماجة وسنن الدارقطني والمستدرك للحاكم والتقاسيم
والأنواع لابن حبان وله ترتيب خاص وصحيح أبى عوانة والسنن الكبير للبيهقي ومعرفة السنن والآثار
له والسنن الصغيرة له والأحكام لعبد الحق * ومنها ما هو على المسانيد مسند أبى داود الطيالسي والمنتخب
من مسند عبد بن حميد ومسند أبى بكر بن أبي شيبة ومسند أحمد بن حنبل ومسند أحمد بن منيع
شيخ المهدى والمعجم الكبير للطبراني * (ومن كتب رجال الحديث) وعلله معجم الصحابة للبغوي
والاستيعاب للصحابة لابن عبد البر وأسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير وتاريخ البخاري
الكبير وتاريخ البخاري الصغير وتاريخ ابن أبي حسام والجرح والتعديل لابن أبي حاتم وكتاب
الكامل لابن عدي والضعفاء والمتروكين للبخاري والضعفاء والمتروكين للنسائي والضعفاء للعقيلي
7

والضعفاء لابن شاهين والثقات لابن حبان وتاريخ نيسابور للحاكم وتاريخ بغداد للخطيب وذيله
لابن المديني وذيله لابن النجار والعلل للدارقطني والطبقات لمسلم والضعفاء لأبي أيوب التميمي والطبقات
الكبرى لابن سعد والطبقات الصغرى له وكتاب ابن القطان على الأحكام (ومن شروح)
الحديث التمهيد لابن عبد البر والاستذكار والمنتقى له للباجي والاكمال للقاضي عياض وشرح مسلم للنوري
وشرح العمدة لابن دقيق العيد (ومن كتب اللغة) الصحاح والمحكم والعرنبين للنهروي والله أعلم *
(قال رحمه الله قال المصنف والأصحاب إذا تخايرا في المجلس قبل التقابض فهو كالتفرق
فيبطل العقد لما ذكره المصنف هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وقال ابن سريج لا يبطل لظاهر
الحديث فإنه يسمى يدا بيد (قلت) هذا آخر ما وجد من شرح أبى زكريا النووي رحمه الله
وأقول بعون الله تعالى وفى مسألة وجه ثالث ان الإجارة لاغية والخيار باق بحاله وبه جزم الماوردي
وقد شذ عن العراقيين بذلك فإنهم مطبقون على البطلان وممن جزم بذلك منهم الشيخ أبو حامد
والقاضي أبو الطيب ونقله عن الأصحاب والمحاملي والمصنف واتباعه وأكثرهم لم يحلو خلاف ابن سريج
ولا غيره في ذلك إلا سليمان في التقريب فإنه حكاه وقال إن المذهب البطلان ورأيته بخطه في
تعليقة أبى حامد وقال إنه حكاه في آخر الرهن وأما المراوذة فالنقداني في العمد وافق العراقيين
وجزم بالبطلان وأكثرهم يحكى وجهين مع اختلاف معنييهما فالقاضي الحسين حكى وجه البطلان
8

ووجه اللزوم في موضعين من كتابه بتلخيص كل منهما مراده كما ذكرناه وتبعه صاحب التتمة وصاحب
التهذيب وعين أن المخالف هو ابن سريج * وإمام الحرمين حكى عن نقل شيخه وصاحب التقريب
وجه الغاء الإجارة ووجه اللزوم ولم يذكر وجه البطلان وتبعه الغزالي في البسيط والوسيط مع زيادة ترجيح الزوم
وقد انفرد بترجيح ذلك من بين المصنفين ووافقه عليه من فضلاء المتأخرين زين الدين الحلبي شيخ
صاحب الوافي فانتظم من النقلين في طريقة المراوزة الأوجه الثلاثة المذكورة كما هي أيضا مفرقة
في طريقة العراق * ومن ذكرها مجموعة صاحب البحر وعزا القول بالبطلان إلى جمهور الأصحاب
(وأما) الرافعي رحمه الله تعالى فإنه ذكر الثلاثة مفرقة في موضعين من كتابه على وجه يتوقف في الجمع
بينهما ففي باب الربا قال والتخاير قبل القبض بمنزلة التفرق يبطل العقد خلافا لابن سريج كما فعل
صاحب التهذيب وفى باب خيار المجلس حكى وجهين (أحدهما) الغاء الإجارة (والثاني) لزوم العقد
كما فعل إمام الحرمين ولم يتعرض للتنبيه على أن كلا من الوجهين مخالف لما اقتضى كلامه في باب الربا
ترجيحه فاقتصار الرافعي على هذين الوجهين في هذا المكان يوهم الجزم بصحة العقد * والنووي
رحمه الله تعالى فعل هنا حيث وقف في باب الربا كما فعل الرافعي فيه وحكى في باب خيار المجلس فيما
تقدم وجهي الغاء الإجارة ولزوم العقد وقال إن أصحهما اللزوم قال وفيه وجه ثالث أنه يبطل العقد
9

فجمع الأوجه الثلاثة لكن بعبارة توهم أن البطلان مرجوح وهو قال هنا إنه المذهب (وأما) قوله
أصحهما اللزوم فيمكن الاعتذار عنه بأنه الأصح من الوجهين ولا يلزم أنه الأصح مطلقا فلا منافاة
بينه وبين أن يكون الثالث أصح منه
(واعلم) أن الرافعي رضي الله عنه وكذلك الشارح في هذا الفصل
نقل عن ابن سريج أنه لا يبطل العقد ولم يبين هل مراده بعد ذلك أنه يلزم العقد أم تلغو الإجارة وان
عدم بطلان العقد صادق على كلا الوجهين لكن سليم في التقريب وصاحب العدة بينا ذلك
صريحا فقالا وعن أبي العباس فيه وجه أن العقد يلزم بذلك ولا يبطل وكذلك يقتضيه كلام صاحب التهذيب
وكلام سليم وصاحب العدة أصرح وقول سليم وصاحب العدة أن القول بالبطلان هو المذهب قد يؤخذ
منه أن ذلك منصوص الشافعي رحمه الله ولم أر هذه المسألة فيما وقفت عليه من نصوص الشافعي وإنما
رأيتها في كلام الشيخ أبى حامد فمن بعده ولأجل إجمال الرافعي ومن وافقه في النقل عن ابن سريج
حصل التباس على شيخنا ابن الرفعة في الكفاية فجعل قول ابن سريج كقول الماوردي والصواب
ما قدمته (والأصح) عند الحنابلة كقول ابن سريج وعندهم احتمال كمذهبنا (وأما) مذهب مالك وأبي حنيفة
رحمهما الله تعالى فلا تأتى هذه المسألة عندهما لأنهما لا يقولان بخيار المجلس (توجيه كل وجه من ذلك)
أما القول بالغاء الإجارة فقد استدل له الماوردي بان اختيار الامضاء إنما يكون بعد تفصى علقة العقد وبقاء
10

القبض يمنع من تفصى علقه فمنع من اختيار امضائه (قال) في البحر وهذا حسن وليس كما قال فأن اختيار الامضاء
إما أن يكون يستدعى سبق صحة العقد أو سبق تفصى علقه إن كان الأول فهو حاصل وإن كان الثاني فمن جملة
العلق القبض في غير الربوي ولا تتوقف الإجارة عليه اتفاقا وتخصيص محل النزاع دون غيره تحكم * ثم إن حديث
(البيعان بالخيار) يدل على أن الخيار معناه ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر فمن ادعى أن الخيار
يبقى بعد التخاير كان مخالفا لمفهوم الحديث بل ولمنطوقه على رأيي فان فيه فإذا كان بيعهما عن
خيار فقد وجب البيع والشافعي رضي الله عنه يحمل ذلك على التخاير بعد العقد فاقتضى أن التخاير
موجب للعقد مطلقا والله سبحانه أعلم * (وأما) قول ابن سريج فوجهه ظاهر لأن الشرط التقابض
قبل التفرق وقد وجد والحاق التخاير بالتفرق في كل أحكامه ممنوع والذي ثبت من الشرع
مساواة التخاير للتفرق في لزوم العقد لا مطلقا فمن ادعى ذلك فعليه البيان وله أن يتمسك بحديث
(المتبايعان بالخيار) ودلالته على وجوب العقد بالتخاير كما تقدم من غير تفصيل بين عقود الربا وغيرها
(قالت) الحنابلة اشتراط التقابض قبل اللزوم تحكم بغير دليل لم يبطل بما إذا تخايرا قبل الصرف
ما لم يتفرقا فان الصرف يقع لازما صحيحا قبل القبض ثم يشترط القبض في المجلس ونحن نمنع
هذه المسألة على الأصح في مذهبنا ومن أثبت القول الذاهب إلى ذلك وأجرى ذلك في عقود الربا
11

والسلم استحال القول بان التخاير مبطل (واعلم) أن من الأصحاب من يثبت أن ذلك قول للشافعي
رحمه الله أعني صحة اشتراط نفي خيار المجلس فعلى هذا يتعين تخريج قول موافق لابن سريج في
مسألتنا هنا ولا سبيل إلى أن يقال إن ذلك لا يجرى في عقود الربا والله سبحانه أعلم * وحينئذ أقول
في توجيه ما اختاره أكثر الأصحاب أن الدليل على اشتراط التقابض قوله صلى الله عليه وسلم (يدا بيد) وهذا اللفظ اما أن يكون
ظاهرا في أنه يعطى بيد ويأخذ بأخرى واما أن يكون محتملا له لكنا خرجنا عن ذلك لقول
عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمالك بن أوس لما صرف من طلحة (لا تفارقه حتى تأخذ منه) فجعلنا
ذلك منوطا بالتفرق وليس اعتبار التفرق لذاته بل لمعنى يمكن إحالة الحكم عليه وهو أن العقد قبل
التفرق كأنه لم يوجد بدليل قوله صلى الله عليه وسلم (كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا إلا بيع الخيار) رواه
البخاري ومسلم كلاهما بهذا اللفظ * اقتضى الحديث تنزيل العقد الذي لم يلزم بالتفرق أو التخاير
منزلة العدم وانه بعد التفرق أو الخيار ليس كذلك فإذا وجد القبض قبل انقضاء الخيار وجد في
وقت كأنه لم تتكامل حقيقة العقد فيه فأشبه القبض الواقع وقت العقد بان يعطى بيد ويأخذ
بأخرى فكان أقرب إلى قوله صلى الله عليه وسلم (يدا بيد) بخلاف ما إذا وجد ذلك بعد اللزوم (وأما) اعتبار التفرق
من حيث هو فلا معنى له ولم يرد في الشرع ما يدل عليه ولا أن التقابض قبله مطلقا كاف ويتأيد
12

ذلك بان الأصل عندنا في بيع الربويات التحريم إلا ما قام الدليل على إباحته كما سننبه عليه إن شاء الله
تعالى فإذا تعارض ما يقتضى الحاق التخاير بالتفرق وما يقتضى عدمه تعين الرجوع إلى الأصل
فكيف ولم يحصل تعارض فان الشارع لم ينص على أنه متى حصل التقابض قبل التفرق صح العقد
ولا على جعل التفرق من حيث هو مظنة بل شرط أن يكون يدا بيد والعقد بالتخاير موجود
حقيقة وحكما وتقدم صحة العقد على شرطه ممتنع وأما ما قبل التخاير فالصحة المحكوم بها كلا
صحة لما قدمناه فكذلك اكتفى بالقبض فيها وأيضا فالتفرق اعتبر للدلالة على تكامل الرضا
والتخاير المصرح بذلك أولى (فان قلت) التخاير قبل التقابض إما أن يكون صحيحا أو باطلا فإن كان
صحيحا وجب أن يترتب عليه مقتضاه وهو اللزوم كما قال ابن سريج وإن كان باطلا وجب أن يلغو
ويبقى الخيار بحاله كما قال الماوردي فالحكم بكونه مبطلا للعقد بعيد (قلت) بطلان العقد لم ينشأ عن
التخاير بل عن عدم التقابض والتخاير مين لنا غاية الوقت الذي اشترط فيه التقابض كالتفرق
فالتخاير قاطع للمجلس حقيقة لوجود حقيقة الرضا الكامل وان تخلف لزوم العقد عنه والله أعلم *
(التفريع) إذا قلنا بقول ابن سريج فتقابضا بعد ذلك قبل التفرق فقد تم العقد لأنه لزم بالتخاير
وإن تفرقا قبل أن يتقابضا انفسخ العقد وهل يأثمان بذلك؟ جزم الإمام والغزالي والرافعي رحمهم الله
تعالى والنووي رحمه الله تعالى في هذا المجموع في باب الخيار أنه باللزوم يتعين عليهما التقابض وأنهما
13

إن تفرقا قبل التقابض انفسخ العقد بعد اللزوم ولا يعصيان إن كان تفرقهما عن تراض وان فارق
أحدهما انفسخ العقد وعصى بانفراده بما يضمر فسخ العقد واسقاط المستحق عليه وما حزموا به من كونهما
لا يعصيان إذا تفرقا عن تراض ينافي ما قاله ابن الصباغ والمتولي ونقله النووي عن الأصحاب فيما تقدم
أن التفرق قبل التقابض في عقود الربا يأثمان به وإن كان الخيار باقيا وأنه يكون جاريا مجرى بيع
الربوي نسيئة وكذلك جزم به القاضي أبو الطيب الطبري وفى كلام الشافعي رحمه الله تعالى ما يشير
إلى ذلك فإنه قال في الاملاء إذا تفرقا المتبايعان قبل أن يتقابضا صار ربا وانفسخ فيه البيع وقال في
كتاب الصرف من الام وإذا صرف الرجل شيئا لم يكن له أن يفارق من صرف منه حتى يقبض
منه ولا يوكل به غيره إلا أن يفسخ البيع ثم يوكل هذا بأن يصارفه (وقال) النووي رحمه الله تعالى
فيما تقدم قال أصحابنا فلو تعذر عليهما التقابض في المجلس وأراد ان يتفرقا لزمهما أن يتفاسخا العقد
قبل التفرق لئلا يأثما فإذا كان هذا في زمان الخيار فبعده أولى بلا شك ويتجه أن يخرج من كل
من الكلامين إلى الآخر وللنظر في كل منهما مجال يتجه أن يقال إن ذلك حرام مطلقا لأن الشارع
نهى عن هذا العقد الا يدا بيد وحكم على كل عقد من هذه العقود بأنه ربا إلا ها وها فمتى لم يحصل
هذا الشرط حصل المنهي عنه وحصل الربا والربا حرام وهذا الذي يقتضيه ظاهر اطلاق الأصحاب
لفظ الحرمة على هذه الأمور في عقود الربا كقولهم حرم النساء والتفرق قبل التقابض وليس تفرقهما
كتفاسخهما فإنهما بالتفاسخ رفعا العقد فلا يلزمهما شروطه وإذا لم يرفعاه وتفرقا فقد خالفا بالتفرق
وجعلاه عقد ربا والبطلان حكم من الشرع عليهما ويحتمل أن يقال إنه ليس المراد ههنا بالحرمة إلا
أن هذه الأشياء شروط في الصحة (قال) السمرقندي رحمه الله من الحنفية في كتاب المطلوب
14

في الخلاف أن المعنى بصحة العقد وفساده هنا وقوعه مقتضيا ثبوت أحكام مخصوصة دون الحرمة
المطلقة فإنهما إذا تبايعا وافترقا من غير قبض لا يأثمان ولكن يمتنع ثبوت هذه الأحكام عند الشافعي
رحمه الله وعندنا لا يمتنع يعني في بيع الطعام بالطعام * فافهم كلامه ان الإمامين غير قائلين بالحرمة
المطلقة والأول أرجح وأقرب إلى أصل الشافعية الذي تقدمت الإشارة إليه ويأتي إن شاء الله تعالى
(أما) بعد اللزوم على رأى ابن سريج فرضاهما بالفسخ لا أثر له ولم يبق إلا صورة التفرق فيتجه الجزم
بالتحريم وان رضيا به لأنهما رضيا بما يحقق العقد المنهي عنه فالقول بالتحريم في زمان الخيار مع عدم
التحريم بعد التخاير مما لا يجتمعان (فان قلت) القول بعدم التحريم بعد التخاير إنما ذكروه تفريعا
على رأى ابن سريج فجاز أن يكون ابن سريج مخالفا في ذلك الأصل فلا يلزم أن يجتمع كلامه
مع كلام الأصحاب (قلت) القائلون بذلك تفريعا على رأى ابن سريج لم ينقلوا التفريع المذكور عنه
وإنما فرعوه كسائر التفاريع المذهبية فلذلك حسن الايراد عليهم وأيضا فقد قلنا فيما تقدم إنه يتعين
تخريج قول مثل قول ابن سريج وإذا أثبتنا للشافعي قولا بصحة العقد والشرط فيما إذا تبايعا
على أن لاخيار لهما (فان قلت) إنهما في زمان الخيار متمكنان من الفسخ فلهما طريق في رفع العقد قبل
التفرق فلا يباح لهما التفرق وأما بعد اللزوم فلا طريق لهما الا التفرق (قلت) بعد اللزوم لا طريق لهما
إلى رفع العقد وارتفاعه إنما يحصل بغير اختيارهما كتلف المعقود عليه فإذا تفرقا فقد فعلا ما ليس لهما
فعله وإن كان يرتفع العقد به والله سبحانه أعلم * (وأما) جزمهم بأنه إذا فارق أحدهما يعصى لقطعه
ما هو مستحق عليه فعلى قاعدتهم وقولهم إنهما إذا تفرقا راضيين لا يعصيان فيه نظر فإنه لا يمتنع على
الانسان ان يتصرف في نفسه أو خاص ملكه تصرفا ينقطع به حق غيره إذا كان التصرف في نفسه
15

مباحا ألا ترى أن المكاتب يعجز نفسه فينقطع به حق السيد عنه والزوج يطلق قبل الدخول
فينقطع به حق المرأة في نصف الصداق عنه وإنما يمتنع إذا كان ذلك مقصودا للشرع فحينئذ يمتنع
كل منهما أن يفارقه لاستلزامه تفويت التقابض المستحق بالعقد شرعا تحرزا عن الربا والله أعلم *
هذا كله إذا فرعنا على قول ابن سريج وان فرعناه على ما اختاره الماوردي فالخيار باق بحاله فان
تقابضا بعد ذلك قبل الافتراق صح العقد واستقر وكانا بالخيار ما لم يتفرقا أو يتخايرا كذلك صرح
الماردى والله أعلم * وعلى ما اختاره أكثر الأصحاب لا اشكال في التفريع فان التخاير ملحق
بالتفرق من جميع وجوهه ومقتضى ذلك أن يأثما به كما يأثمان بالتفرق والتخاير المبطل أن يكون منهما
معا لأنه الذي ينقطع به خيارهما كالتفرق إذا أجاز أحدهما فليس ذلك في معنى التفرق حتى يبطل
به فان مجلس العقد باق فان أجاز الآخر بعد ذلك قبل التقابض لا إثم كما تقدم وفي الحكم باثم السابق
بالإجازة من غير مواطأة نظر وهذا الذي قلته من التفريع على قول أكثر الأصحاب تفقه لم أر
شيئا منه منقولا والله أعلم *
(فرع) ما تقدم من الكلام فيما إذا فارق أحدهما تفريعا على رأي ابن سريج صورته أن يكون
بغير اذن صاحبه كذلك صرح به الوسيط وعبارته في البسيط وان هرب أحدهما وهي أصرح
في المقصود وعليه يحمل اطلاق الإمام والرافعي أما لو فارق أحدهما برضى الآخر فان حكمه ما لو تفرقا
والله سبحانه أعلم *
(فرع) جميع ما تقدم من الخلاف في حكم الإجارة في عقود الربا والصرف التي يشترط فيها
التقابض ويبطلان العقد بذلك أو لزومه أو الغاء الإجارة وتفاريع ذلك جار بعينه في السلم لو أجرت
الإجارة قبل قبض رأس المال فيه ذكر القاضي حسين المسألتين وتكلم فيهما وكذلك الإمام وصاحب
التهذيب والله تعالى أعلم *
(فرع) إذا باع مال ولده من نفسه في عقد الصرف أو غيره مما يشترط فيه القبض في
المجلس وفارق مجلسه ذاك ولم يحصل القبض بطل العقد على أصح الوجهين في أنه إذا فارق المجلس يلزم
16

العقد وقبل لا يلزم الا باختيار اللزوم وذكر الماوردي أنه قول جمهور أصحابنا فعلى هذا في الصرف
يجوز أن يقبض بعد مفارقة المجلس ما لم يبطل الخيار باختيار اللزوم قاله صاحب التهذيب وصاحب
العدة ولنا وجه في أصل المسألة انه لا يثبت في هذا العقد خيار مجلس أصلا وعلى هذا أيضا يكون
المعتبر مجلس العقد فإذا فارقه بطل قاله صاحب العدة والله أعلم *
(فرع) حيث اشترطنا التقابض فسواء تركه ناسيا أم عامدا في فساد البيع نص عليه الشافعي
رحمه الله في الام وسواء علما فساد العقد بتأخر القبض أم جهلا قاله الماوردي وسواء كان ذلك اختيارا أو كرها نقله
صاحب الاستقصاء عن الايضاح ولم أر ذلك في غير الاستقصاء * ولعلك أن تقول قد حكوا خلافا في انقطاع الخيار
بالتفرق على وجه الاكراه والصحيح أنه لا ينقطع فجعلوا الاكراه هناك عذارا فهل كان هاهنا عذرا وكيف يحكم
ببطلان العقد مع بقاء الخيار الدال على بقاء المجلس والشرط أن يتقابضا في المجلس لا غير وأن يكون ذلك
التفرق كلا تفرق (فان قلت) قد نص الشافعي رحمه الله على أن النسيان في ذلك كالعمد وهو يشعر بأن الاكراه
كالاختيار (قلت) النسيان له صورتان أن ينسى العقد ويفارق المجلس ثم يتذكر وفي هذا قال امام الحرمين
رحمه الله لاشك أنه ينقطع خياره وأنه لا وجه لتقريب ذلك من الحنث في اليمين فان الحلف جعل اليمين وازعة
واليمين المنسية لا تزع والناسي إذا فارق مجلس العقد في حكم مضيع حق نفسه بالنسيان وقصد بهذا الفرق
بينه وبين المكره فهذه الصورة إذا حمل كلام الشافعي رضي الله عنه عليها لا ترد على المكره لأن
الاكراه تعلق بالتفرق والاكراه يسقط اعتبار المكره عليه فصار وجود التفرق كعدمه والنسيان
17

المذكور لم يتعلق بالتفرق بل التفرق مقصود والنسيان متعلق بالعقد فلا جرم رتب على التفرق المقصود
اختيار أثره (وأما) الصورة الثانية من النسيان فهي أن يوجد منه التفرق غير قاصد له بل على وجه السهو
والغفلة وإن كان في تسمية هذا نسيانا نظر فهذا إذا وقع على هذه الصورة يمكن إلحاقه بالاكراه بل
يتعين وقد قال صاحب الذخائر في الناسي إن بعض أصحابنا قال ينقطع خياره بالمفارقة ناسيا لأنه
لا يعدم سوى القصد ولا تأثير للقصد إذ هو غير شرط قال وفيه نظر فإنه حق ثابت لم يرض باسقاطه
فكيف يسقطه ويحتمل تخريجه على من أكره على التفرق وترك التخاير وكذلك القول في الجاهل
آل القول في ذلك إلى أن القصد في التفرق هل يشترط أم لا فمن لم يشترطه اكتفى بصورة التفرق ومن
اشترطه لم يكتف بذلك ولا يرد عليه الجنون لأنه انتقل عنه الخيار إلى غيره فهو كلميت (قلت) فإذا
تأملت كلام صاحب الذخائر وعليه بعض الأصحاب التي نقلها علمت أن ذلك الكلام إنما يظهر
في الصورة الثانية وتقوى فيه حينئذ ما قاله صاحب الذخائر ومتى حمل على الأول لا يستقيم عليه
صاحب ذلك الوجه ومتى ثبت أن التفرق على وجه السهو والغفلة لا يقطع الخيار يجب أن لا يبطل
العقد بالتفرق على ذلك الوجه قبل التقابض والله عز وجل أعلم * (وأما) الفرع الثاني الذي قاله الماوردي
رحمه الله تعالى فظاهر لأن الجهل بالحكم الشرعي لا يدفع ثبوته وقول صاحب الذخائر المتقدم فيه
نظر ان حمل على الجهل بالحكم يتعين ما قلناه من سقوط الخيار وان حمل على الجهل بان ذلك العقد
سمي تفرقا اتجه أن يبقى خياره والله سبحانه وتعالى أعلم *
18

(فروع) نص عليها الشافعي رحمه الله تعالى في الام * قال رضي الله عنه ومن اشترى فضة
بخمسة دنانير ونصف فدفع إليه ستة وقال خمسة ونصف بالذي عندي ونصف وديعة فلا بأس به
ولا بأس إذا صرف منه وتقابضا ان يذهبا فيزنا الدارهم وكذلك لا بأس أن يذهب هو على الانفراد
فيزنها وحمله صاحب البيان على أن يكون أحدهما عرف الوزن وصدقه الآخر وتقابضا على ذلك وما حمله
عليه فيه بحث سأذكره في باب الصبرة بالصبرة والله أعلم * قال الشافعي رحمه الله ولا بأس أن يصرف
الرجل من الصراف دراهم فإذا قبضها وتفرقا أودعه إياها *
(فرع) قال الشافعي رحمه الله تعالى لا بأس أن يقبض بعد الصرف ويدفع ما قبضه منه إلى غيره
أو يأمر الصراف أن يدفع باقيه إلى غيره إذا لم يتفرقا من مقامهما حتى يقبضا جميع ما بينهما مثاله أن
يصرف دينارا بعشرين منه عشرة ثم عشرة قبل أن يتفرقا وكذلك قال الماوردي رحمه الله لا يلزم دفع
جميعه مرة واحدة والله تعالى أعلم *
(فرع) لو اختلفا بعد الافتراق فقال أحدهما تفرقنا عن قبض وقال الآخر بخلافه كان القول
قول من أنكر القبض ويكون الصرف باطلا قاله الماوردي وقال (فان قيل) أليس لو اختلفنا بعد
الافتراق في الامضاء والفسخ كان القول في أحد الوجهين قول من يدعى الامضاء والبيع لازم فهلا
كان اختلافهما في القبض مثله (قيل) الفرق بينهما أن من ادعى الفسخ ينافي بدعواه مقتضى العقد لأن
مقتضاه اللزوم والصحة إلا أن يتفقا على الفسخ فكان الظاهر موافقا لقول من ادعى الامضاء وليس
19

كذلك من ادعى القبض لأن الأصل عدم القبض على أن أصح الوجهين أن القول قول مدعي
الفسخ (قلت) قوله إن أصح الوجهين أن القول قول مدعي الفسخ وافقه عليه ابن أبي عصرون
وهو مخالف لما صححه الرافعي وجماعة أن القول قول المنكر للفسخ لأنه الأصل (وأما) ما جزم به
بأن القول قول منكر القبض فقد خالفه فيه ابن عصرون ونقل فقال إن كان ما باع كل واحد منهما
في يده فالقول قول من يدعي عدم حصول القبض لأن الحال يشهد به وإن كان المالان في يد
أمين لا يعلم الحال أو في موضع البائع فالقول قول من يدعي حصول القبض لأن الأصل صحة
العقد ووجود ما يقتضيها وكذلك لو أقام كل واحد منهما بينة قدمت بينة الصحة لأن معها زيادة
علم هكذا ذكر في الانتصار ووقع في النسخة التي وقفت عليها من المرشد في القسم الأول أن القول قول من يدعى
حصول القبض ونقله ابن الرفعة عنه كذلك فجعل القول قول من يدعى حصول القبض في القسمين وذلك محمول
على غلط من النسخة سقط منها عدم من النسخة التي رأيتها ومن النسخة التي وقعت لابن الرفعة وليس في المرشد
تعليل يرشد إلى المعنى فلذلك وقع الوهم لابن الرفعة وهذه من آفة الكتب المختصرة (وأما) الانتصار فوقع
الكلام فيه على الصواب وتعليله يرشد إليه على أن ما قاله الماوردي أقوى مما قاله ابن أبي عصرون لكن
ابن الرفعة بعد أن حكى كلام صاحب المرشد على ما وجده قال ويعضد ذلك ما حكاه ابن الصباغ
في السلم فيما إذا اختلفا في قبض رأس المال قبل التفرق أو بعده أن القول قول من يدعى الصحة
قال ولم يحك سواه وطرده فيما إذا كان في يد المسلم وادعى المسلم إليه أنه أودعه إياه أو غصبه
(قاعدة) الأصل عندنا وعند المالكية في بيع الربويات بجنسها أو ما يشاركها في علة الربا التحريم
إلا ما قام الدليل على اباحته وهذا الأصل مستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم (لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق
20

إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء) لفظ مسلم رحمه الله تعالى في حديث ابن سعيد وفى حديث
عبادة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير
بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح الا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد إربا) لفظ مسلم أيضا
ومن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عمر رضي الله عنه (الذهب بالورق ربا الاها وها) الحديث
متفق على صحته لفظ البخاري (الذهب بالورق) ولفظ ملسم الورق بالذهب ومن قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا
اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) لفظ مسلم في حديث عبادة * وجه الاستدلال
انه صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول صدره بالنهي ثم استثنى منه وفى حديث عمر رضي الله عنه صدر بالحكم على
ذلك بالربا ثم استثنى وفى الحديث الآخر وهو بقية حديث عبادة علقه على شرط والمشروط عدم
عند عدم الشرط والأصل عدمه وهذه قاعدة شريفة نافعة في مسائل من باب الربا كمسألة بيع الحفنة
بالحفنتين والجهل بالمماثلة وغير ذلك كما سننبه عليه إن شاء الله تعالى * وفى مظان الاشتباه وتعارض
المأخذ إذا تساوت يجب الحكم بالتحريم عملا بالأصل وقد صرح الشافعي رحمه الله تعالى في الام
بأن الأصل ذلك ويخالفنا في ذلك الحنفية لأن الأصل عندهم في ذلك الجواز لاندراجه في جملة البيع
ويجعلون عقود الربا وسائر ما نهى عنه مخرجا من ذلك الأصل ويؤول تحقيق بحثهم إلى أن عقد
الربا اشتمل على وصف مفسد فهو كسائر البيوع التي اقترن بها ما يفسدها وممن صرح بنقل هذين الأصلين
عند المذهبين من أصحابنا الخلافيين الشريف المراغي وأبو المظفر بن السمعاني ومحمد بن يحيى وغيرهم قالوا واللفظ
المراعى الأصل عندنا في الأموال الربوية التحريم والجواز ثبت على خلافه رخصة مقيدة بشروط وعندهم الأصل
الجواز والتحريم ثبت على خلافه عند المفاضلة * ونقل ابن العربي المالكي عن أبي المطهر خطيب أصفهان قال قال لنا
21

المنذري الأصل في الأموال الربوية حظر البيع حتى يتجه تحقيق التماثل وعند أبي حنيفة رحمه
الله الأصل إباحة البيع حتى يمنعه حقيقة التفاضل وما قلناه أصح وممن صرح بهذا الأصل من
المالكية الطرطوشي وابنه في كلامه * وقد رأيت ما هو منسوب إلى الحنفية في كتبهم وتحقيقه عندهم
ما قدمته وهذه القاعدة يظهر نفعها في مواضع سأنبه عليها إن شاء الله تعالى وتقدم التنبيه على بعضها
(فان قلت) كيف تستقيم دعوى هذه القاعدة وقد اشتهر عن الشافعي رحمه الله تعالى في كلامه في معنى قوله تعالى
(وأحل الله البيع) وان أظهر معانيها عنده أنها عامة تتناول كل بيع وتقتضي إباحة جميعها إلا ما خصه
الدليل وقد تقدم في هذا المجموع ذكر أقوال الشافعي رحمه الله تعالى في ذلك وأن هذا القول أصحها
عنده وعند أصحابه وعقد الربا فرد من أفراد البيوع فيكون الأصل فيه الجواز كما تقوله الحنفية
وما خرج منها بالتخصيص كان على خلاف الأصل (قلت) مسلم أن الآية شملت دلالتها كل بيع وأخرج
منها عقود الربا بقوله (لا تبيعوا الذهب بالذهب) الحديث ونظائره وبقوله تعالى (وحرم الربا) ان صح
الاستدلال منه لما سننبه عليه إن شاء الله تعالى فصار هذا أصلا ثابتا أخص من الأول لأن هذا
خاص بالربويات ثم استثني من هذا الأصل أحوال وهو ما إذا حصلت المساواة والحلول والتقابض في
الجنس الواحد والحلول والتقابض خاصة في الجنسين فأبو حنيفة رحمه الله نظر إلى الأصل الأول وهو
إباحة البيوع وجعل صورة المفاضلة في الربويات مخرجة منه والشافعي رحمه الله نظر إلى الأصل الثاني
القريب وهو التحريم في الربويات كلها ثم جعل حالة التماثل مخرجة منه والحنفية ينازعون في تقرير هذا
الأصل الثاني ويقولون إن قوله لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا سواء بسواء وما أشبهه من هذه الصيغ في معنى
وقد صرح الشافعي رحمه الله في الام بان أصل البيوع كلها مباح إلا ما نهى عنه النبي صلى الله عليه
22

وسلم وما في معناه كل ذلك واحد ثم تارة يجعلون المقصود فساد البيع عند عدم المماثلة التي هي واجبة قال
هؤلاء لأن الكلام المقيد بالاستثناء يصير عبارة عن ما وراء المستثنى وكلهم يحومون على جعل المعنى
كلاما واحدا ولذلك يبنون كلامهم في باب الربا على حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر
والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربا) رواه مسلم رحمه الله تعالى فلم يأت في هذا اللفظ
صيغة نهى واستثناء فكان المعنى الحكم بايجاب المماثلة قالوا ولا يتصور الحكم بدون محله ومحله المماثلة
وهو القابل لها فعرفنا أن المحل الذي لا يقبل المماثلة في الكيل اجماعا * والجواب عن هذا أن كلا من خبر أبي
سعيد وخبر عبادة ورد بلفظ الاثبات فقط وورد بلفظ النهى والاستثناء وألفاظهما بذلك كلها
في الصحيح ولا تنافى بينهما واللفظ الذي فيه نفى واثبات فيه زيادة على ما فيه اثبات فقط فيجب
العمل بمقتضاه ودعواهم أن النهى والاستثناء في معنى كلام واحد وهو النهى عما وراء المستثنى فقط
وايجاب المستثنى فقط ممنوعة ولا دليل عليها وفيها تعطيل لبعض مدلول الكلام فهذه قاعدة مهمة
ينبغي الاعتناء بها فمن أتقنها وأتقن تحقيق العلة في الربويات * وهل الجنس وصف في العلة أو شرط
فيها أو محل لها وحقق النظر في الأجناس فقد أحاط علما بجميع أصول هذا الباب ولولا خوف
الإطالة لأمعنت الكلام في هذه القاعدة أكثر من هذا ولكني أرجو أن يكون فيما ذكرته كفاية وسوف
أعود إليها عند الكلام في اعتبار التساوي في الكيل في أول الفصل السادس من كلام المصنف
إن شاء الله تعالى وسأنبه على الامرين الآخرين اللذين أشرت إليهما إن شاء الله تعالى في محلها والله
تعالى أعلم
(فائدة) تقدم أن الأصح عند الشافعي رحمه الله تعالى أن البيع على عمومه الا ما خصه الدليل
23

وهو مذهب أكثر الفقهاء وللشافعي أقوال أخر تقدم نقلها في هذا المجموع وفى المسألة قول آخر
لبعض الفقهاء لم تتقدم حكايته فأحببت أن أنبه عليه وهو ان البيع في الآية من قبيل العموم الذي
لا خصوص فيه ولا يدخله الخصوص لأنه لا بيع الا وهو حلال وهؤلاء يمنعون تسمية شئ من
البياعات الفاسدة بيعا ويقولون ان نفى الحكم عن الاسم يمنع من وقوع الاسم عليه الا مجازا حكى
ذلك القاضي عبد الوهاب المالكي فعلى هذا لا يبقى للحنفية فيه دليل على ما يدعونه والله سبحانه
وتعالى اعلم
(فائدة) أخرى تقدم في كلامي توقف في الاستدلال بقوله تعالى (وحرم الربا) على تخصيص
البيع وذلك لأن الناس اختلفوا في مدلول الربا فقال أبو داود الظاهري حقيقة هذه اللفظة الزيادة
في نفس الشئ خاصة لقوله تعالى (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) والأرض إنما تربو في نفسها
لا فيما يقابلها ولا يطلق على الزيادة في المقابل الا مجازا ولعله ذهب إلى ذلك حتى يسد باب الاحتجاج
على أبيه فقوله تعالى (وحرم الربا) وانه يشمل الربا فيما عدا الأشياء الستة المنصوص عليها وقال ابن سريج
انه وان وضع للزيادة في نفس الشئ فإنه يطلق على الزيادة فيما يقابله عرفا ويكون من الأسماء العرفية
في الشرع كالصلاة ومال آخرون إلى انطلاق اللفظ على المعنيين انطلاقا متساويا ومن الناس من
ذهب إلى أن هذه التسمية تطلق على كل بيع محرم وأضيف هذا المذهب إلى عائشة رضي الله عنها
لأجل قولها لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا (خرج النبي صلى الله عليه وسلم فحرم التجارة في الخمر)
متفق عليه أشارت إلى أن بيع الخمر لما كان محرما كان ربا * وأضيف أيضا إلى عمر رضي الله عنه لقوله
إن من الربا بيع التمر وهي معصفة قبل أن تطيب ويحتجون باطلاق اسم الربا على النسيئة في الذهب
بالفضة لكونها محرمة وإن كان التفاضل جائزا حكى هذه الأقوال الأربعة الإمام أبو عبد الله الماذري
المالكي فعلى قول ابن داود لا يكون الربا داخلا في مسمى البيع البتة حتى يختص به بل يكون
24

واردا في ربا الجاهلية وهو أن يكون للرجل على الرجل الحق إلى أجل فإذا حل الأجل قال أتقضى أم
تربى فان قضاه أخذه والا زاده في حقه وزاده الآخر في الأجل * وقد ذهبت طائفة منهم القاضي
أبو حامد من أصحابنا إلى حمل الآية على ذلك وأن الألف واللام في الربا للعهد وليس هذا موضع
تقوية ذلك أو توهينه ولكن غرضي أن تخصيص قوله (وأحل الله البيع) بها لا يسلم من نزاع بخلاف
تخصيصه بالنسيئة وهكذا فعل الشافعي رضي الله عنه قال في الام أصل البيوع كلها مباح إذا كانت
برضا المتبايعين الجائزي الامر فيما تبايعا الا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وما كان في معنى ما نهى
عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم محرم باذنه داخل في المعنى المنهي عنه وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة
البيع في كتاب الله تعالى اه‍ فجعل المخصص هو السنة فحسب * وممن مال إلى أن المراد بالربا كل بيع
فاسد أبو بكر بن المغربي المالكي وقال إن الآيتين يعنى قوله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا) اقتضيا
كتاب البيوع كله على الشمول دون التفصيل وفصله النبي صلى الله عليه وسلم في ستة وخمسين حديثا * وقال
الروياني قيل الربا في الشرع اسم لمقابلة عوض بعوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع
حالة العقد أو تأخر في البدلين أو في أحدهما (قلت) وهذا حسن في تعريفه سواء كان حقيقة أم مجازا *
(فصل) في مذاهب العلماء في الأحكام التي ذكرها المصنف في هذا الفصل إلى هذا المكان *
اقتضى قول المصنف انه إذا باع الربوي بجنسه حرم فيه التفاضل والنساء والتفرق قبل التقابض وإذا
باعه بما يشاركه في العلة حرم النساء والتفرق فقط وان الشعير والحنطة جنسان فهذه خمسة أحكام (منها)
25

ما هو مجمع عليه (ومنها) ما هو مختلف فيه وسأبين ذلك واحدا واحدا إن شاء الله تعالى (الحكم الأول)
تحريم التفاضل في الجنس الواحد من أموال الربا إذا بيع بعضه ببعض كبيع درهم بدرهمين نقدا أو
صاع قمح بصاعين أو دينارا بدينارين ويسمى ربا الفضل لفضل أحد العوضين على الآخر وربا النقد
في مقابلة ربا النسيئة واطلاق التفاضل على الفضل من باب المجاز فان الفضل في أحد الجانبين دون
الآخر وقد أطبقت الأمة على تحريم التفاضل إذا اجتمع مع النساء وأما إذا انفرد نقدا فإنه كان فيه
خلاف قديم صح عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما إباحته وكذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما
مع رجوعه عنه وروي عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وأسامة بن زيد رضي الله عنه وفيه
عن معاوية شئ محتمل وزيد بن أرقم والبراء بن عازب من الصحابة رضي الله عنهم (فاما) التابعون فصح
ذلك أيضا عن عطاء بن أبي رباح وفقهاء المكيين وروى عن سعيد وعروة ثم روي عن ابن عباس
ما يقتضى رجوعه عن ذلك وكذلك عن ابن مسعود وانتدب جماعة من العلماء لتبيين رجوع من
قال بذلك من الصدر الأول والتشوف إلى دعوى الاجماع على التحريم * وها أنا إن شاء الله تعالى أبين
ما روى من الآثار عن القائلين بذلك ثم ما روي من رجوع من رجع عنه ثم أذكر كلام من تشوف
لجعل المسألة إجماعية ثم أبين الحق في ذلك بحول الله تعالى وقوته فهذه أربعة فصول (الأول) ما روى
من الآثار عن القائلين بذلك * روينا عن أبي صالح الزيات أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه
26

يقول الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم فقلت له فان ابن عباس لا يقوله فقال أبو سعيد سألته فقلت سمعته
من النبي صلى الله عليه وسلم أو وجدته في كتاب الله تعالى فقال كل ذلك لا أقول وأنتم أعلم برسول الله
صلى الله عليه وسلم منى ولكن أخبرني أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا ربا إلا
في النسيئة) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري فيما رويناه عنه وقد اجتمع في هذا الحديث ثلاثة
من الصحابة يروى بعضهم عن بعض * وروى عن ابن الزبير المكي واسمه محمد بن مسلم بن تدرس
- بفتح التاء ودال ساكنة وراء مضمومة وسين مهملة - قال (سمعت أبا أسيد الساعدي وابن عباس
يفتي الدينار بالدينارين فقال له أبو أسيد الساعدي وأغلظ له قال فقال ابن عباس ما كنت أظن
أن أحدا يعرف قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي مثل هذا يا أبا أسيد فقال أبو أسيد
أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الدينار بالدينار وصاع حنطة بصاع حنطة وصاع
شعير بصاع شعير وصاع ملح بصاع ملح لا فضل بينهما في شئ من ذلك فقال ابن عباس إنما هذا
شئ كنت أقوله برأيي ولم أسمع فيه بشئ) رواه الحاكم في المستدرك وقال إنه صحيح على شرط مسلم
رحمه الله وفى سنده عتيق بن يعقوب الزبيري قال الحاكم انه شيخ قرشي من أهل المدينة * أبو أسيد
- بضم الهمزة - وروينا في معجم الطبراني من حديث أبي صالح ذكوان أنه سأل ابن عباس عن بيع
الذهب والفضة فقال (هو حلال بزيادة أو نقصان إذا كان يدا بيد قال أبو صالح فسألت أبا سعيد بما
قال ابن عباس وأخبرت ابن عباس بما قال أبو سعيد والتقيا وأنا معهما فابتدأه أبو سعيد الخدري فقال
27

يا ابن عباس ما هذه الفتيا التي تفتي بها الناس في بيع الذهب والفضة تأمرهم أن يشتروه بنقصان
أو زيادة يدا بيد فقال ابن عباس رضي الله عنهما ما أنا بأقدمكم صحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا زيد
ابن أرقم والبراء بن عازب يقولان سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم) رواه الطبراني باسناد حسن * وروينا في صحيح مسلم
رحمه الله أيضا عن أبي نضرة - بالنون والضاد المعجمة - قال (سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن
الصرف فقال يدا بيد فقلت نعم قال لا بأس به فأخبرت أبا سعيد فقلت إني سألت ابن عباس عن
الصرف فقال يدا بيد قلت نعم قال فلا بأس به قال أو قال ذلك انا سنكتب إليه فلا يفتيكموه قال والله لقد
جاء بعض فتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر فأنكره قال كان هذا ليس من تمر أرضنا قال كان في تمر
أرضنا أو في تمرنا العام بعض الشئ فأخذت هذا وزدت بعض الزيادة فقال أضعفت أربيت لا تقربن
هذا إذا رابك من تمرك شئ فبعه ثم اشتر الذي تريد من التمر) وقد روى القول بذلك عن ابن عباس
من جهة جماعة من أصحابه منهم أبو الجوزاء وأبو مجلز وعبد الرحمن بن أبي نعيم وبكر بن عبد الله
المزني وزيادتنا ذكر رواياتهم في ذلك إن شاء الله تعالى في فصل رجوعه عن ذلك (أما) عبد الله
ابن عمر فروينا عن أبي نضرة المتقدم ذكره قال (سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف فلم يريا به
بأسا فاني لقاعد عند أبي سعيد الخدري فسألته عن الصرف فقال ما زاد فهو ربا فأنكرت ذلك لقولهما
فقال لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه صاحب نخلة بصاع من تمر طيب وكان تمر
النبي صلى الله عليه وسلم هذا اللون فقال له النبي صلى الله عليه وسلم انى لك هذا قال انطلقت بصاعين فاشتريت به هذا
28

الصاع فان سعر هذا في السوق كذا وسعر هذا كذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلك أربيت إذا أردت
ذلك فبع تمرك بسلعة ثم اشتر بسلعتك أي تمر شئت قال أبو سعيد فالتمر بالتمر أحق أن يكون ربا
أم الفضة بالفضة قال فأتيت ابن عمر بعد فنهاني ولم آت ابن عباس قال فحدثني أبو الصهباء انى سألت ابن
عباس رضي الله عنهما بمكة فكرهه) رواه مسلم بهذا اللفظ وهذا لفظ روايتنا فيه وفى هذا الحديث
ما يدل على أن أبا سعيد رضي الله عنه استعمل القياس في إشارته إلى أن الفضة بالفضة أحق بالربا
من التمر بالتمر وأن تحريم الربا في الأشياء الستة معلل والمراد بالصرف الذي سئل عنه ابن عمر
وابن عباس صرف النقد بجنسه مع عدم رعاية التماثل كذلك حمله عليه جماعة من العلماء وجعلوا
ابن عمر ممن خالف ثم رجع وسياق الرواية يرشد إلى ذلك وإن كان يحتمل أن يحمل على الصرف
الجائز ويكون نهيه بعد ذلك تبينا لمراده بالاطلاق أولا لا رجوعا لكن السياق وفهم أبى نضرة عنه
يأباه والله تعالى أعلم (وأما) عبد الله بن مسعود فروى الإمام الشافعي رضي الله عنه في كتاب
أحكام علي وابن مسعود عن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عبد الله
قال لا بأس بالدرهم بالدرهمين وهذا اسناد صحيح نقلته من نسخة معتبرة من الام قال فيها الشافعي أخبرنا
أبو معاوية ولا مانع من ذلك فإنه عاصره وروى البيهقي ذلك في كتاب المعرفة فقال عن الشافعي
فيما بلغه عن ابن معاوية وقد روى أيضا من طريق سعيد بن منصور عن أبي معاوية بهذا الاسناد
فأياما كان فهو صحيح عن ابن مسعود ولفظ ابن مسعود في رواية سعيد بن منصور (لا ربا فيما كان
29

يدا بيد) ورواه البيهقي في كتابيه السنن والآثار ومعرفة السنن مع روايته للفظ المتقدم بلفظ آخر ليس
بصريح سأذكره إن شاء الله تعالى في فصل الرجوع عن ذلك ولا حاجة إلى ذكره هنا للاستغناء
بما هو أصرح منه والله أعلم (وأما) معاوية فلم يحقق ذلك عنه فإنه روى عنه شئ محتمل لذلك
ولغيره وجرت له في ذلك قصة مع عبادة بن الصامت رضي الله عنهما مشهورة وروى عن أبي الدرداء
رضي الله عنه ولعلها جرت معهما مرتين اما قصة أبى الدرداء فروى مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم
عن عطاء ابن بشار أن معاوية ابن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها
فقال له أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثال هذا إلا مثلا بمثل فقال له معاوية ما أرى
بهذا بأسا فقال أبو الدرداء من يعذرني من معاوية أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه
لا أساكنك بأرض أنت بها ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فذكر ذلك
له فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية الا يبيع ذلك الا مثلا بمثل وزنا بوزن) لفظ الموطأ ورواه
النسائي إلى آخر لفظ النبي صلى الله عليه وسلم مثلا بمثل من طريق مالك والسقاية الاناء يسقى به والسقاية موضع
السقي قاله في المحكم * وروى مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة قصة عبادة مع معاوية عن أبي
الأشعث واللفظ لمسلم وهذا لفظ رواية روايتنا في صحيحه (قال غزونا غزاة وعلى الناس معاوية فغنمنا
غنائم كثيرة فكان فيما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس فتسارع الناس
في ذلك فبلغ عبادة بن الصامت فقام فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب
30

والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح الا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد
أو ازداد فقد أربا فرد الناس ما أخذوا فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا فقال الا ما بال رجال يتحدثون
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه فقام عبادة بن الصامت رضي
الله عنه فأعاد القصة وقال لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية أو قال وان رغم
ما أبالي ألا أصحبه في جنده ليلة سوداء) وفى رواية أبى داود والنسائي في هذا الحديث بأسانيد صحيحة
(الذهب بالذهب تبرها وعينها وزنا بوزن والفضة بالفضة تبرها وعينها) وفيه (عندهما فمن زاد أو ازداد
فقد أربى) وفى آخره عندهما (ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد وأما النسيئة فلا)
ولفظ ابن ماجة (وأمرنا أن نبيع البر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا) وهذا المنقول عن معاوية
معناه انه كان لا يرى الربا في البيع العين بالتبر ولا بالمصوغ وكان يخير في ذلك التفاضل ويذهب إلى
أن الربا لا يكون في التفاضل الا في التبر بالتبر وفى المصوغ بالمصوغ وفى العين بالعين كذلك
نقل عن ابن عبد البر فليس موافقا لابن عباس مطلقا وإن كان الذي ذهب إليه من الشذوذ الذي
لا يعول عليه وسيأتي الكلام عليه قريبا إن شاء الله تعالى (وأما أسامة) فلا أعلم عنه في ذلك شيئا
31

الا روايته عن النبي صلى الله وسلم إنما الربا في النسيئة ولا يكفي ذلك في نسبة هذا القول إليه فإنه لا يلزم
من الرواية القول بمقتضى ظاهرها لجواز أن يكون معناها عنده على خلاف ذلك أو يكون عنده
معارض راجح وإنما ذكرته لأن جماعة من أصحابنا وغيرهم كالماوردي من الشافعية وأبى محمد المقدسي
صاحب المغنى من الحنابلة نقلوه عنه وعن البراء بن عازب وزيد ابن أرقم وعبد الله بن الزبير ووافقهم
الشيخ أبو حامد الأسفرايني على هذا النقل فيما عدا البراء ووافقهم الخطابي في أسامة فإن كان عندهم
مسند غير ذلك فالله أعلم (أم البراء) وزيد بن أرقم فكذلك لا أعلم النقل عنهما صريحا في ذلك
الا ما روينا عن المنهال بشار بن سلامه (باع شريك لي بالكوفة دراهم بدراهم بينهما فضل
فقلت ما أرى هذا يصلح فقال لقد بعتها في السوق فما عاب علي ذلك أحد فأتيت البراء بن عازب
فسألته فقال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وتجارتنا هكذا فقال ما كان يدا بيد فلا بأس
وما كان نسيا فلا خير فيه ورأيت زيد بن أرقم فإنه كان أعظم تجارة منى فأتيته فذكرت ذلك له
فقال صدق البراء) إسناده صحيح ولكن له علة (وقيل) انه منسوخ وسأبسط الكلام عليه
إن شاء الله تعالى في ذكر دليل ابن عباس ومن وافقه والجواب عنه (وأما) عبد الله بن الزبير فلم
32

أقف على اسناد إليه بذلك وإنما الشيخ أبو حامد والماوردي وأبو محمد المقدسي الحنبلي حكوه عنه
والله أعلم * فهذا ما بلغني عن الصحابة رضي الله عنهم ممن نسب إليه القول بذلك * (وأما) التابعون فقال
الشافعي رحمه الله في كتاب اختلاف الحديث (كان ابن عباس لا يرى في دينار بدينارين ولا في
درهم بدرهمين يدا بيد بأسا ويراه في النسيئة) وكذلك عامة أصحابه وكان يروى مثل قول ابن عباس
عن سعيد وعروة بن الزبير رأيا منهما إلا أنه يحفظ عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشافعي
رحمه الله وهذا قول المكيين * هذا كلام الشافعي بحروفه وجاء عن جرير بن حازم قال (سألت
عطاء بن أبي رباح عن الصرف فقال يا بنى ان وجدت مائة درهم بدرهم نقدا فخذه) وقال ابن
عبد البر ان أهل مكة كانوا عليه قديما وحديثا يجرون التفاضل في ذلك إذا كان يدا بيد أخذوا
ذلك عن ابن عباس رحمه الله *
(الفصل الثاني) فيما نقل من رجوع من قال بذلك من الصدر الأول (أما) ابن عباس فقد
اختلف في رجوعه ذكر من قال إنه رجع عنه قد تقدم قول أبى الصهباء الثابت في صحيح مسلم
أنه سأله عنه فكرهه وتقدم أيضا مناظرة أبي سعيد وأبى أسيد له في قوله بإباحته * وعن حيان
- بالحاء المهملة والياء - ابن عبيد الله - بالتصغير - العدوي قال (سألت أبا مجلز عن الصرف فقال كان
ابن عباس لا يرى به بأسا زمانا من عمره ما كان منه عينا يعنى يدا بيد وكأن يقول إنما الربا
في النسيئة فلقيه أبو سعيد الخدري فقال له يا ابن عباس ألا تتقى الله إلى متى تؤكل الناس الربا أما
بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم وهو عند زوجته أم سلمة اني لأشتهي تمر عجوة
فبعثت صاعين من تمر إلى رجل من الأنصار فجاءت بدل صاعين صاعا من تمر عجوة فقامت
33

فقدمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه أعجبه فتناول تمرة ثم أمسك فقال من أين لكم هذا
فقالت أم سلمة بعثت صاعين من تمر إلى رجل من الأنصار فأتى بدل صاعين هذا الصاع الواحد
وها هو كل فألقى التمر بين يديه وقال ردوه لا حاجة لي فيه التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير
والذهب بالذهب والفضة بالفضة يدا بيد عينا بعين مثلا بمثل فمن زاد فهو ربا ثم قال كذلك
ما يكال أو يوزن أيضا فقال ابن عباس جزاك الله يا أبا سعيد الجنة فإنك ذكرتني أمرا كنت نسيته
أستغفر الله وأتوب إليه فكان ينهى عنه بعد ذلك أشد النهى) رواه الحاكم في المستدرك وقال هذا
حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة وفى حكمه عليه بالصحة نظر فان حيان بن عبيد الله
المذكور قال ابن عدي عامة ما يرويه افرادات يتفرد فيها وذكر ابن عدي في ترجمته حديثه في الصرف هذا
بسياقه ثم قال وهذا الحديث من حديث أبي مجلز عن ابن عباس تفرد به حيان قال البيهقي
وحيان تكلموا فيه * واعلم أن هذا الحديث ينبغي الاعتناء بأمره وتبين صحته من سقمه لأمر غير
ما نحن فيه وهو قوله وكذلك ما يكال ويوزن وقد تكلم فيه بنوعين من الكلام (أحدهما)
تضعيف الحديث جملة واليه أشار البيهقي وممن ذهب إلى ذلك ابن حزم أعله بشئ أنبه عليه لئلا
يغتر به وهو أنه أعله بثلاثة أشياء (أحدها) أنه منقطع من أبي سعيد ولا من ابن عباس (والثاني)
لذكره أن ابن عباس رجع واعتقاد ابن حزم أن ذلك باطل لمخالفة سعيد بن جبير (والثالث) أن
حيان بن عبيد الله مجهول (فأما) قوله إنه منقطع فغير مقبول لأن أبا مجلز أدرك ابن عباس وسمع
منه وأدرك أبا سعيد ومتى ثبت ذلك لا تسمع دعوى عدم السماع إلا بثبت (وأما) مخالفة سعيد
ابن جبير فسنتكلم عليها في هذا الفصل إن شاء الله تعالى (وأما) قوله إن حيان بن عبيد الله مجهول
34

فان أراد مجهول العين فليس بصحيح بل هو رجل مشهور روى واحد روي عنه حديث الصرف
هذا محمد بن عبادة ومن جهته أخرجه الحاكم وذكره ابن حزم وإبراهيم بن الحجاج الشامي ومن جهته
رواه ابن عدي ويونس بن محمد ومن جهته رواه البيهقي * وهو حيان بن عبيد الله بن حيان بن بشر
ابن عدي بصرى سمع أبا مجلز لاحق بن حميد والضحاك وعن أبيه وروى عن عطاء وابن بريدة
روى عنه موسى بن إسماعيل ومسلم بن إبراهيم وأبو داود وعبيد الله بن موسى عقد له البخاري
وابن أبي حاتم ترجمة فذكر كل منما بعض ما ذكرته وله ترجمة في كتاب ابن عدي أيضا كما أشرت
إليه فزال عنه جهالة العين * وان أراد جهالة الحال فهو قد رواه من طريق إسحاق بن راهويه فقال
في إسناده أخبرنا روح قال (حدثنا حيان بن عبيد الله وكان رجل صدق) فإن كانت هذه الشهادة له
بالصدق من روح بن عبادة فروح محدث نشأ في الحديث عارف به مصنف فيه متفق على الاحتجاج
به بصرى بلدي للمشهود له فتقبل شهادته له وإن كان هذا القول من إسحاق بن راهويه فناهيك
به ومن يثني عليه اسحق * وقد ذكر ابن أبي حاتم حيان بن عبيد الله هذا وذكر جماعة من
المشاهير ممن روى عنه وممن روى عنهم وقال إنه سأل أباه عنه فقال صدوق * (النوع الثاني)
من الكلام يتعلق بخصوص قوله وكذلك ما يكال أو يوزن وان سلم صحة أصل
الحديث والأولى ان أؤخر ذلك إلى محله إن شاء الله تعالى فإنه قد طال الكلام في ذلك ههنا *
وعن سليمان بن علي الربعي عن أبي الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي قال سمعت يأمر بالصرف
يعنى ابن عباس وتحدث ذلك عنه ثم بلغني انه رجع عن ذلك فلقيته بمكة فقلت إنه بلغني انك رجعت
قال نعم إنما كان ذلك رأيا مني وهذا أبو سعيد حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصرف
35

رويناه في سنن ابن ماجة ومسند الإمام أحمد باسناد رجاله على شرطه الصحيحين إلى سليمان بن علي
وسليمان بن علي روى له مسلم وقال ابن حزم إنه مجهول لا يدرى من هو وهو غير مقبول منه لما تبين
وعن أبي الجوزاء قال (كنت أخدم ابن عباس رضي الله عنهما تسع سنين إذ جاءه رجل فسأله عن
درهم بدرهمين فصاح ابن عباس وقال إن هذا يأمرني أن أطعمه الربا فقال ناس حوله ان كنا لنعمل
بفتياك فقال ابن عباس قد كنت أفتى بذلك حتى حدثني أبو سعيد وابن عمر أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى عنه فأنى أنهاكم عنه) رواه البيهقي في السنن الكبير باسناد فيه أبو المبارك وهو
مجهول وروينا عن عبد الرحمن بن أبي نعم - بضم النون واسكان العين - أن أبا سعيد الخدري لقى
ابن عباس فشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلا بمثل فمن
زاد فقد أربا فقال ابن عباس أتوب إلى الله مما كنت أفتى به ثم رجع) رواه الطبراني باسناد صحيح
وعبد الرحمن بن أبي نعم تابعي ثقة متفق عليه معروف بالرواية عن أبي سعيد وابن عمر وغيرهما من
الصحابة * وعن أبي الجوزاء قال (سألت ابن عباس عن الصرف عن الدرهم بالدرهمين يدا بيد فقال
لا أدري ما كان يدا بيد بأسا ثم قدمت مكة من العام المقبل وقد نهى عنه) رواه الطبراني باسناد حسن
وعن أبي الشعثاء قال (سمعت ابن عباس يقول اللهم إني أتوب إليك من الصرف إنما هذا من رأى
وهذا أبو سعيد الخدري يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه الطبراني ورجاله ثقات مشهورون مصرحون
بالتحديث فيه من أولهم إلى آخرهم * وعن عطية وهو العوفي - باسكان الواو وبالفا - قال (قال أبو سعيد
لابن عباس تب إلى الله تعالى فقال أستغفر الله وأتوب إليه قال ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن
الذهب بالذهب والفضة بالفضة وقال إني أخاف عليكم الربا قال فضيل بن مرزوق قلت لعطية ما الربا
36

قال الزيادة والفضل بينهما) رواه الطبراني بسند صحيح إلى عطية وعطية من رجال السنن قال يحيى
ابن معين صالح وضعفه غيره فالاسناد بسببه ليس بالقوى * وعن بكر بن عبد الله المزني (أن ابن عباس
جاء من المدينة إلى مكة وجئت معه فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس إنه لا بأس
بالصرف ما كان منه يدا بيد إنما الربا في النسيئة فطارت كلمته في أهل المشرق والمغرب حتى إذا
انقضى الموسم دخل عليه أبو سعيد الخدري وقال له يا ابن عباس أكلت الربا وأطعمته قال أو فعلت قال نعم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل تبره وعينه فمن زاد أو استزاد
فقد أربى والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل تبره وعينه فمن زاد أو استزاد فقد اربى والشعير
بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل فمن زاد أو استزاد فقد أربى حتى إذا كان العام المقبل
جاء ابن عباس وجئت معه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس انى تكلمت عام أول بكلمة من
رأيي وانى أستغفر الله تعالى منه وأتوب إليه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذهب بالذهب
وزنا بوزن مثلا بمثل تبره وعينه فمن زاد أو استزاد فقد أربى وأعاد عليهم هذه الأنواع الستة) رواه
الطبراني بسند فيه مجهول وإنما ذكرناه متابعة لما تقدم وهكذا وقع في روايتنا فمن زاد واستزاد بالواو
لا بأو والله أعلم * وروى أبو جابر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي في كتاب المعاني والآثار باسناد حسن
إلى أبي سعيد قال (قلت لابن عباس أرأيت الذي يقول الدينار بالدينار وذكر الحديث ثم قال قال
أبو سعيد ونزع عنها ابن عباس) وروى الطحاوي أيضا عن نصر بن مرزوق باسناد لا بأس به عن أبي
الصهباء أن ابن عباس نزل عن الصرف وهذه أصرح من رواية مسلم ومسه (1) لهما * وروى الطحاوي
عن أبي أمية باسناد حسن إلى عبد الله بن حسين أن رجلا من أهل العراق قال لعبد الله بن عمر إن

(1) كذا بالأصل فحرر
37

ابن عباس قال وهو علينا أمير من أعطى بالدرهم مائة درهم فليأخذها وذكر حديثا إلى أن قال فقيل
لابن عباس ما قال ابن عمر قال فاستغفر ربه وقال إنما هو رأى منى * وعن أبي هاشم الواسطي واسمه
يحيى بن دينار عن زياد قال (كنت مع ابن عباس بالطائف فرجع عن الصرف قبل أن يموت
بسبعين يوما) ذكره ابن عبد البر في الاستذكار وذكر أيضا عن أبي حرة قال (سأل رجل ابن سيرين
عن شئ فقال لاعلم لي به فقال الرجل أن يكون فيه برأيك فقال إني أكره أن أقول فيه برأي ثم يبدو
إلى غيره فأطلبك فلا أجدك ان ابن عباس قد رأى في الصرف رأيا ثم رجع) وذكر أيضا عن
ابن سيرين عن الهذيل - بالذال المعجمة - ابن أخت محمد بن سيرين قال (سألت ابن عباس عن الصرف
فرجع عنه فقلت إن الناس يقولون فقال الناس يقولون ما شاؤوا) * فهذا ما بلغني مما يدل على رجوعه عن
ذلك وإذا تأملت الروايات المذكورة وجدت أصحها اسنادا قول أبى الصهباء الذي رواه مسلم انه سأل
ابن عباس عنه فكرهه لكن لفظ الكراهة ليس بصريح فجاز أن يكون كرهه لما وقع فيه من
المناظرة الكبيرة شبهة تقتضي التوقف عنه أو التورع فان ثبت عدم رجوع ابن عباس تعين
حمل هذا اللفظ على ذلك والا فهو ظاهر في الرجوع وقد روي عن طاوس عن ابن عباس ما يدل
على التوقف الا أنى قدمت من رواية الطحاوي عن أبي الصهباء ما ينفى هذا الاحتمال ويبين أنه نزل
عن الصرف صريحا واسناده جيد كما تقدم والحديث الذي أخرجه الحاكم في المستدرك صريح
لكن سنده تقدم الكلام عليه ولا يقصر عن رتبة الحسن ويكفى في الاستدلال على ذلك أنه لم
يعارضه ما هو أقوى منه وحديث ابن ماجة الذي قدمته وبينت انه على شرط مسلم صريح في الرجوع
أيضا وكذلك رواية ابن أبي نعم المتقدمة عن الطبراني باسناد صحيح فهذه عدة روايات صحيحة
38

وحسنة من جهة خلق من أصحاب ابن عباس تدل على رجوعه وقد روى في رجوعه أيضا غير ذلك
وفيما ذكرته غنية إن شاء الله تعالى * (ذكر من قال إنه لم يرجع عنه) روى ابن حزم عن الإمام أحمد
قال حدثنا هاشم قال أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال (ما كان الربا
قط في ها وهات وحلف سعيد بن جبير بالله ما رجع عنه حتى مات) وهذا اسناد متفق على صحته
لكنها شهادة على نفي * وأصرح ما ذكره ابن عبد البر عن ابن عيينة عن فرات القزاز (قال دخلنا
على سعيد بن جبير نعوده فقال له عبد الملك بن مبشرة الدرداء كان ابن عباس نزل عن الصرف
فقال سعيد عهدي به قبل أن يموت بسنة وثلاثين يوما وهو يقوله وما رجع عنه) ذكره هكذا بغير
اسناد إلى ابن عيينة قال ابن عبد البر رجع ابن عباس أولم يرجع في السنة كفاية عن قول كل واحد
ومن خالفها رد إليها قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه رد والجهالات إلى السنة (وأما ابن مسعود)
فيدل على رجوعه ما رواه البيهقي في كتابيه معرفة السنن والآثار مختصرا والسنن الكبير مطولا
باسناد كله ثقات مشهورون عن أبي عبد الله بن مسعود أن رجلا من بنى سمح بن فزارة سأله عن رجل
تزوج امرأة فرأى أمها فأعجبته فطلق امرأته أيتزوج أمها قال لا بأس فتزوجها الرجل وكان
عبد الله على بيت المال فكان يبيع نفاية بيت المال يعطى الكثير ويأخذ القليل حتى قدم المدينة
فسأل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا لا يحل لهذا الرجل هذه المرأة ولا تصلح الفضة الا وزنا
بوزن فلما قدم عبد الله انطلق إلى الرجل فلم يجده ووجد قومه فقال إن الذي أفتيت به صاحبكم
لا يحل فقال إنه قد نثرت له بطنها قال وإن كان وأتي الصيارفة فقال يا معشر الصيارفة ان الذي كنت
أبايعكم لا يحل لا تحل الفضة الا وزنا بوزن النفاية - بنون مضمومة وفاء وبعد الألف ياء مثناة من تحت -
ما نفيته من الشئ لرداءته قاله الجوهري * وهذه الرواية صريحة في رجوعه وليست صريحة في موافقة
ابن عباس لجواز أن يكون ذلك في خصوص النفاية لرداتها وإن كان ذلك ليس بصحيح أيضا
لكن رواية أبى معاوية المتقدمة في الفصل الأول صريحة في بيع الدرهم بالدرهمين فانتظم منها ومن هذه
39

قوله أولا ورجوعه ثانيا والحمد لله (وأما ابن عمر) فقد تقدم رجوعه في الرواية التي دلت على قوله
وان ذلك في صحيح مسلم واشتهر عنه بعد ذلك من طرق كثيرة قوله بالتحريم ومبالغته في ذلك
في روايات صحيحة صريحة ولم يكن قوله الأول قد اشتهر عنه ولعله لم يستقر رأيه عليه زمانا بل رجع عنه قريبا
والله تعالى أعلم (وأما) أسامة وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وعبد الله بن الزبير فقد تقدم التوقف في
صحة ذلك عنهم (وأما) معاوية فقد تقدم أنه غير قائل بقول ابن عباس مع شذوذ ما قال به
أيضا والظن به لما كتب إليه عمر رضي الله عنه انه يرجع عن ذلك (وأما) التابعون فلم ينقل في رجوعهم
شئ فيما علمت والله تعالى أعلم غير أنى أقول إن الظن بكل من سمع من الصحابة ومنهم هذه الأحاديث
الصريحة الصحيحة في تحريم ربا الفضل أن يرجع إليها والله تعالى أعلم *
(الفصل الثالث) في بيان انقراض الخلاف في ذلك ودعوى الاجماع فيه * قال ابن المنذر
أجمع عوام الأمصار مالك بن أنس ومن تبعه من أهل المدينة وسفيان الثوري ومن وافقه من أهل
العراق والأوزاعي ومن قال بقوله من أهل الشام والليث بن سعد ومن وافقه من أهل مصر والشافعي
وأصحابه وأحمد واسحق وأبو ثور والنعمان ويعقوب ومحمد بن علي انه لا يجوز بيع ذهب بذهب ولا فضة
بفضة ولا بر ببر ولا شعير بشعير ولا تمر بتمر ولا ملح بملح متفاضلا يدا بيد ولا نسيئة وان من فعل
ذلك فقد أربى والبيع مفسوخ قال وقد روينا هذا القول عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وجماعة يكثر عددهم من التابعين (قلت) وممن قال بذلك من الصحابة أربعة عشر منهم أبو بكر وعمر
وعثمان وعلى وسعد وطلحة والزبير روى مجاهد عنهم الأربعة عشر أنهم قالوا الذهب بالذهب والفضة
بالفضة وأربو الفضل وروى ذلك ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن فضيل عن ليث وهو ابن أبي سليم
عن مجاهد وهؤلاء السبعة من العشرة المشهود لهم بالجنة وممن صحح ذلك عنه أيضا غير هؤلاء السبعة
عبد الله بن عمر وأبو الدرداء وروى عن فضالة بن عبيد وقد تقدم كلام أبي سعيد وأبى أسيد وعبادة
وقد رويت أحاديث تحريم ربا الفضل من جهة غيرهم من الصحابة والظاهر أنهم قائلون بها لعدم
قبولها للتأويل والله أعلم * وقال الترمذي بعد ذكره حديث أبي سعيد والعمل به على هذا عند أهل العلم
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلا ما روي عن ابن عباس وكذلك روى عن بعض
40

أصحابه شئ من هذا وقد روى عن ابن عباس انه رجع عن قوله والقول الأول أصح والعمل على هذا
عند أهل العلم وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وروى عن المبارك أنه قال ليس في الصرف
اختلاف هذا مختصر كلام الترمذي وقال ابن عبد البر لا أعلم خلافا بين أئمة الأمصار بالحجاز والعراق
وسائر الآفاق في أن الدينار لا يجوز بيعه بالدينارين ولا بأكثر منه وزنا ولا الدرهم بالدرهمين ولا بشئ
من الزيادة عليه إلا ما كان عليه أهل مكة قديما وحديثا من إجازتهم التفاضل على ذلك إذا كان
يدا بيد أخذوا ذلك عن ابن عباس رحمه الله * قال ابن عبد البر ولم يتابع ابن عباس على قوله في تأويله
حديث أسامة أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من بعدهم من فقهاء المسلمين إلا طائفة من
المكيين أخذوا ذلك عنه وعن أصحابه وهم محجوجون بالسنة الثابتة التي هي الحجة على من خالفها وجهلها
وليس أحد بحجة عليها * ونقل النووي في شرح مسلم اجماع المسلمين على ترك العمل بظاهر حديث أسامة قال
وهذا يدل على نسخه وقد استدل ابن عبد البر على صحة تأويله بحديث أسامة باجماع الناس ما عدا ابن
عباس عليه والله تعالى أعلم *
(الفصل الرابع) في بيان الحق في ذلك وأن هذه المسألة من المسائل الاجماعية أولا * اعلم أن
دعوى الاجماع في ذلك منحصرة في ثلاثة أوجه إما أن يدعى إجماع العصر الأول من غير سبق
خلاف استنادا إلى أن ندرة المخالف لا تضر واما أن يسلم سبق الخلاف المعتد به ويدعى رجوع المخالف
وصيرورة المسألة اجماعية قبل انقراض ذلك العصر واما أن يقال انعقد اجماع متأخر بعد انقراض
الماضين المختلفين (أما) الأول فقد اقتضى كلام بعضهم دعواه وزعموا أن الصحابة أنكرت على
ابن عباس في ذلك لمخالفته الجماعة وقد اختلف علماء الأصول في انعقاد الاجماع مع ندره
المخالف فالجماهير من جميع الطوائف على أنه لا ينعقد الاجماع مع مخالفة الواحد لأن المجمعين
حينئذ ليسوا كل الأمة والعصمة في الاجماع إنما تثبت لكل الأمة لا لبعضهم ولان
أبا بكر رضي الله عنه خالف الصحابة وحده في قتال ما نعى الزكاة وكان الحق معه ورجعوا إليه
وخالف ابن مسعود وابن عباس في عدة من مسائل الفرائض جميع الصحابة واعتد بخلافهم إلى اليوم
41

وهذا ظاهر على طريقة من يرى إسناد الاجماع إلى النصوص وهي طريقة الشافعي وكثير من
أصحابه منهم المصنف وأبى حامد الغزالي ومن تبعه وإن كان بين طريقة الشافعي وطريقة الغزالي
خلاف يسير فان الشافعي يرى التمسك بالكتاب بآيات من جملتها قوله تعالى (ومن يشاقق الرسول
من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين) الآية ويقال إنه قرأ القرآن ثلاث مرات
حتى وجد هذه الآية وانه أول من احتج بها فذكرها للرشيد حين طلب منه حجة من القرآن على
الاجماع والغزالي رحمه الله يقول التمسك بقوله صلى الله عليه وسلم (لا تجتمع أمتي على خطأ) ونظائره
لكونه من حيث اللفظ أدل على المقصود وكذلك القاضي أبو بكر بن الباقلاني والكلام في ذلك
مستوفى في أصول الفقه فعلى طريقة هؤلاء متى خالف واحد لم يصدق على الباقين أنهم كل الأمة
حقيقة فلا تتناولهم النصوص الشاهدة بالعصمة (واما) على طريقة من يرى اسناد الاجماع إلى جهة
قضاء العادة باستحالة اجماع الخلق العظيم على الحكم الواحد الا لدلالة أو أمارة وهو الذي
عول عليه امام الحرمين وابن الحاجب فيصعب على هذا المسلك تقرير ان مخالفة الواحد
للجم الغفير والخلق العظيم يقدح في اجماعهم فإنهم بالنظر إليهم دونه تقضى العادة باستحالة اجماعهم
على ما لا دليل عليه ولا امارة فأي فائدة لوفاقه أو خلافه وكذلك إذا فرضنا أن مجموع
علماء الأمة لا يبلغون مبلغا تقضى العادة باستحالة اجتماعهم على ذلك ينبغي على هذا المسلك
أن لا يكون قول كلهم حجة ولهذا قال إمام الحرمين ان اجماع المنحطين عن رتبة التواتر ليس بحجة
بناء على أن مأخذ الاجماع يستند إلى اطراد العادة ومع ذلك وافق على أن مخالفة الواحد والاثنين
يقدح في الاجماع والطريقة الصحيحة هي التي عول عليها الشافعي وأكثر الأصحاب وهي التمسك
بدليل السمع فلذلك خلاف الواحد والاثنين قادح في صحة الاجماع وقد اشتهر الخلاف في ذلك
عن ابن جرير الطبري قال إنه يكون اجماعا يجب على ذلك المخالف الرجوع إليه ووافقه أبو بكر
أحمد بن علي الرادي من الحنفية وأبو الحسين الخياط من المعتزلة وابن جرير بن منداد من المالكية ثم
اختلف النقل عن ابن جرير فيما زاد عن الاثنين ففي شرح اللمع للمصنف أبى اسحق انه إذا خالف
42

أكثر من ذلك لا يكون إجماعا وكذلك قال امام الحرمين ان ابن جرير طرد مذهبه في الواحد
والاثنين وسلم أن خلاف الثلاثة معتبر وتبعه الغزالي في المتحول ونقل سليم بن أيوب الداري في تقريبه
الأصولي ان ابن جرير لا يعتد بمخالفة الاثنين والثلاثة وكثير من المصنفين في الأصول كالقاضي
عبد الجبار وأبى نصر بن الصباغ في كتاب عدة العالم وغيرهم ترجموا المسألة بمخالفة الواحد والاثنين
وسكتوا عن الزائد (وأما) الغزالي في المستصفى فلم يعتد بعدد بل ترجم المسألة باجماع الأكثر مع
مخالفة الأقل وتبعه على ذلك جماعة من أصحابنا وغيرهم وتلخيص الخلاف فيه من متفرق كلامهم
سبعة مذاهب (أحدها) لا ينعقد الاجماع وهو قول الأكثرين (والثاني) ينعقد وهو قول ابن جرير
الخياط والرازي وأومأ إليه احمد على ما نقله ابن قلامة قلت ورأيت الشافعي في كتاب جماع العلم من الام
حكاه عن من بحث معه وأمعن في الرد عليه وسأذكر شيئا من كلامه قريبا إن شاء الله تعالى
(والثالث) إن بلغ الأقل عدد التواتر لم يعتد بالاجماع والا اعتد به قال الغزالي رحمه الله وهذا
فاسد (والرابع) إن سوغت الجماعة الاجتهاد في مذهب المخالف فخلافه معتد به كخلاف ابن عباس
في مسألة العول فإنها محل اجتهاد والا فلا كخلاف ابن عباس في مسألة ربا الفضل هذه ومسألة
المتعة ولذلك أنكر الناس الاجتهاد فيهما وهذا القول منسوب إلى أبي عبد الله الجرجاني وهو الذي
رأيت في كتب الحنفية منسوبا إلى أبى بكر الرازي قال نقل السغناقي في شرح الهداية أن شمس
الأئمة السرخسي قال والأصح عندما أشار إليه أبو بكر الرازي رحمه الله تعالى ان الواحد إذا
خالف الجماعة فان سوغوا له ذلك في الاجتهاد لا يثبت حكم الاجماع بدون قوله وان لم يسوغوا له
الاجتهاد وأنكروا عليه قوله فإنه يثبت حكم الاجماع (والخامس) أن قول الأكثر حجة لا
اجماع واختاره ابن الحاجب رحمه الله قال الغزالي رحمه الله في المستصفى وهو تحكم لا دليل عليه وهو
ظاهر لأنه إذا لم يكن اجماعا فبم ذا يكون حجة (والسادس) ان اتباع الأكثر أولى وان جاز خلافه
وضعفه الغزالي وحكى قولا سابقا بالفرق بين أصول الدين فلا يضر والفروع فيضر ولو ثبت
الخلاف الذي قدمته عن كلام سليم وغيره عن قائلين أو قائل واحد في وقتين صارت الأقوال
43

ثمانية ولكن أخشى أن يكون أحدهما غلطا على المنقول عنه أو يكون ذكر ذلك على سبيل
التمسك ويكون مراده الأكثر كما ذكر غيره وبالجملة فيرجح الأكثر على الأقل فيما طريقه الاجتهاد
ولا معنى له وكم من مسألة ذهب إليها الشافعي أو مالك أو أبو حنيفة ولم يوافقه عليها إلا الأقلون
وكم من قليل على الحق وكثير على غيره (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) قال
الشافعي رحمه الله عمن بحث معه قال لا أنظر إلى قليل من المتقين وانظر إلى الأكثر قال الشافعي
(قلت) أفتصف القليل الذين لا ينظر إليهم أهم إن كانوا أقل من نصف الناس أو ثلثهم أو ربعهم
قال لا أستطيع أن أحدهم ولكن الأكثر (قلت) العشرة أكثر من تسعة قال هؤلاء متقاربون
(قلت) فحدهم بما شئت قال ما أقدر على أن أحدهم (قلنا) فكأنك أردت أن تجعل هذا
القول مطلقا غير محدود فإذا وجد من يقول بقول اختلف فيه (قلت) عليه الأكثر وإذا أردت رد قول
قلت هؤلاء الأقل أفترضى من غيرك مثل هذا الجواب * وطول الشافعي كثير في الكلام معه بما
لا يحتمله هذا المكان ولا ضرورة تدعو إلى نقله وتمسكهم بالامر باتباع السواد الأعظم وأشباه
ذلك كله لا دليل فيه وقد بين ذلك في أصول الفقه ويلزم هؤلاء أنه إذا اتفق نصف الأمة وانضاف
إليهم واحد من النصف الآخر أن يوجبوا على الباقين اتباعهم قال القاضي عبد الجبار وهذا معلوم
الفساد (وأما) من اعتبر عددا معينا كما حكى عن ابن جرير فعلى ما نقل عنه سليم لا أعلم له وجها
يعول عليه في أن خلاف الثلاثة لا يقدح إن كأن يقول إن خلاف الأربعة بخلافه وبالضرورة نسبة
الثلاثة من ثلاثة آلاف كنسبة الأربعة من أربعة آلاف وعلى ما نقله امام الحرمين وغيره من أن
خلاف الثلاثة يقدح وما دونها لا يقدح فلا أعلم له وجها إلا ما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
خطب بالجابية فقال (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي فيكم فقال أكرموا أصحابي ثم الذين
يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يظهر الكذب فيحلف الرجل ولا يستحلف ويشهد ولا يستشهد فمن سره
دخول الجنة فليلزم الجماعة فان الشيطان مع الفذ وهو من الاثنين أبعد) رواه الشافعي في كتاب الرسالة
من حديث ابن سليمان بن يسار عن أبيه عن عمر ولم أعرف ابن سليمان هذا وهو حديث مشهور في السنن
44

المسانيد رويناه في سند علي بن حميد من حديث ابن الزبير عن عمر ورواه النسائي باسناد صحيح من
حديث جابر بن سمرة عن عمر وقال الترمذي حسن صحيح غريب من هذا الوجه وذكره الدارقطني
في العلل وذكر فيه اضطرابا لكنه غير قادح وفى مسند الإمام الجليل عبد الله بن سعيد
ابن المسيب قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الشيطان يهم بالواحد ويهم بالاثنين فإذا كانوا ثلاثة لم يهم
بهم) صحيح إلى سعيد وهو من مرسلاته وفى معناهما قوله صلى الله عليه وسلم (الواحد شيطان والاثنان شيطانان والثلاثة
ركب) رواه أبو داود والنسائي بلفظ الراكب وروي من طريق ابن وهب قال حدثني أبو فهر قال
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبع الأقلون من العلماء الأكثرون) وهذا مرسل باطل بلا شك ولذلك
تمسكوا بأن مخالفة الواحد والاثنين شذوذ والشذوذ منهي عنه وبإنكار الصحابة على ابن عباس في
هذه المسألة أعني ربا الفضل وأجاب الأصحاب وغيرهم عن الأول أن المراد به الشاذ أو الخارج
عن الإمام بمخالفة الأكثر على وجه يثير الفتنة وعن الحديث الثاني بأنه محمول على السفر وفى ذلك
ورد فان الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عمرو بن العاص أن رجلا قدم من سفر
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحبك قال ما صحبت أحدا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الراكب شيطان
والراكبان شيطانان والثلاثة ركب) كذا رواه ابن وهب في مسنده وهكذا لفظ أبى داود والنسائي
فان الحديث فيهما بلفظ الراكب لا بلفظ الواحد وعن كون ذلك شذوذا بأن الشاذ عبارة
عن الخارج من الجماعة بعد الدخول فيها وأما الذي لا يدخل أصلا فلا يسمى شاذا وعن الانكار
على ابن عباس بأنهم إنما أنكروا ذلك لمخالفته خبر أبي سعيد لا للاجماع والله أعلم (وأما) من فرق بين عدد
التواتر وغيره فهو يناسب طريقة من جعل مأخذ الاجماع حكم العادة باستحالة الخطأ على الجمع العظيم
وهو بعيد (وأما) من فرق بين ان تسوغ الجماعة الاجتهاد في ذلك الحكم أولا فضعيف لأن قول الجماعة
غير المخالف إن لم يكن حجة فلا اثر لتسويغهم وعدمه وإن كان حجة فهو محل النزاع فليس انكارهم
عليه بأولى من إنكاره عليهم نعم ههنا امر يجب التنبه له وهو ان الخلاف المعتد به هو الخلاف في
مظان الاجتهاد كالمسائل التي لا نص فيها أو فيها نص غير صريح وبالجملة ما يكون الخلاف فيه له
وجه محتمل (واما) هذه المسألة فان النصوص التي فيها صريحة غير قابلة للتأويل بوجه قريب
45

ولا بعيد ولا للنسخ لما سيأتي إن شاء الله تعالى وهي مع ذلك كالمتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم
أعني ما يدل على النهى عن ربا الفضل ولا تستبعدن دعوى التواتر فيها فمن تتبع الروايات عن
النبي صلى الله عليه وسلم حصل له العلم بذلك أو كاد * قال الطحاوي بعد أن ذكر ما رواه من الأحاديث
فثبت بهذه الآيات المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهى عن بيع الفضة بالفضة والذهب
بالذهب متفاضلا وسأعقد فصلا جامعا أشير فيه إلى أطراف الروايات في ذلك وإذا كان في المسألة
نصوص قطعية المتن قطعية الدلالة لم يكن مظان للاجتهاد بل الحق فيها واحد قطعا غاية الأمر ان
المجتهد المخالف لم يطلع عليها والتواتر قد يحصل في حق شخص ولا يصحل في حق آخر فإذا خاف
مجتهد لعدم اطلاعه على مثل هذه النصوص يكون معذورا في مخالفته إلى حيث يطلع
على النص ولا يحل العمل بقوله ذلك ولا يقلده فيه وينقض الحكم به * ولو لم تتصل إلى حد التواتر
مع صراحة دلالتها كان الحكم كذلك والله أعلم * (فان قلت) ليس القول بذلك خاليا عن وجه وغاية
الامر ان الأحاديث المقتضية لتحريم ربا الفضل صحيحة صريحة لكن الأحاديث المقتضية لجوازه
أيضا كذلك كما سيأتي وقد مضى شئ منه والترجيح معنا القرآن وقوله تعالى (وذروا ما بقي
من الربا) يبين ان الذي نهى عنه ما كان دينا وكذلك كانت العرب تعقد في لغتها وقد دل
النبي صلى الله عليه وسلم على أن النقد ليس للربا المتعارف عند أهل اللسان بقوله (ولا تبيعوا
الذهب بالذهب) الحديث فسماه بيعا وقد قال تعالى (ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا
وأحل الله البيع وحرم الربا) فذم من قال إنما البيع مثل الربا ففي تسمية النبي صلى
الله عليه وسلم لزيادة في الأصناف بيعا دليل على أن الربا في النساء لا في غيره (قلت)
أما التعارض فسنبين إن شاء الله تعالى الجواب عنه ووجه الجمع بينهما بأوضح شئ يكون وكون
الآية الكريمة وردت في تحريم نوع من الربا ان سلم اقتصارها على لا يدل على نفى غيره
والتعلق بكون ذلك يسمى بيعا لا ربا تعلق بالألفاظ مع تصريح الأحاديث بالنهي والتحريم واثبات
الربا فيه ومثل هذه التعلقات الضعيفة يجل ابن عباس ومن واقفه من الأئمة المجتهدين عن التعلق بها
ولو لم أرها مذكورة ولكن أبا الحسن ابن المعلس ذكرها عن القائلين بذلك والله سبحانه وتعالى أعلم *
46

(القسم الثاني) أن يدعى اجماع العصر الأول بعد اختلافهم لما روى من رجوع من قال بذلك منهم
وممن تعرض لذلك من أصحاب القاضي أبو الطيب في تعليقه والعبد رى في الكفاية قالا روي
عن ابن عباس أنه رجع عن ذلك فتكون المسألة إجماعا وابن عبد البر في التمهيد قال لم أعده خلافا لما
روي عنه من رجوعه وقد قدمت أن من الصحابة من صح النقل عنه بذلك فرجع عنه يقينا كابن
عمر وابن مسعود ومنهم من اختلف عنه في رجوعه كابن عباس وبقيتهم كأسامة وزيد بن أرقم والبراء
وابن الزبير لم أثبت النقل عنه بذلك ولم يرد عنهم رجوع فإن كانوا قائلين بذلك ولم يرجعوا فقد
تعذر دعوى هذا الوجه إلا وثبت رجوع ابن عباس ولم يبق فيهم مخالف فقد اختلف الأصوليون
في هذه المسألة إذا اختلف علماء العصر ثم اتفقوا ورجع المتمسكون بأحد القولين إلى الآخر وصاروا
مطبقين عليه هل يكون ذلك إجماعا أولا وتلخيص القول في ذلك أنه إما أن يكون الخلاف قد
استقر أولا إن لم يكن قد استقر كاختلافهم في قتل مانعي الزكاة ثم اجماعهم كلهم على رأى أبى بكر
رضي الله عنه فهذا يجوز قولا واحدا ويكون إجماعا وهذا القسم لا خلاف فيه وإن كان الخلاف
قد استقر وبرد ففيه خلاف مرتب على أنه هل يشترط انقراض العصر الأول أولا ان قلنا انقراض
العصر شرط وهو ظاهر كلام أحمد بن حنبل وقول ابن فورك وأحد الوجهين لأصحابنا ونسبه
عبد الجبار إلى أصحاب الشافعي وغيرهم ورجحه سليم في التقريب الأصولي وأطنب في الانتصار
له وذهب إليه من المالكية أبو تمام البصري فعلى هذا يجوز اتفاقهم بعد اختلافهم ويكون كونه
إجماعا موقوفا أيضا على انقراضهم (وإن قلنا) ان انقراض العصر الأول ليس بشرط وهو قول أكثر
أصحابنا على ما نقله ابن الصباغ وغيره وأصحاب أبي حنيفة وأصحاب مالك والأشاعرة ومن
جملتهم القاضي أبو بكر بن الطيب والمعتزلة وأومأ إليه أحمد بن حنبل واختاره أبو الخطاب من
أصحابه وهو الصحيح في شرح اللمع للمصنف رحمه الله وهو الذي اختاره الغزالي وأبو عبد الله
ابن الخطيب وأتباعه وأبى عمر وابن الحاجب قال البندنيجي في مقدمة كتابه الذخيرة وقد غلط
بعض أصحابنا فقال يعتبر انقراض العصر وليس بشئ ومن هؤلاء من يطلق أو يعمم الحكم في
الاجماع القولي والسكوتي وهو الذي يقتضي كلام المصنف في التبصرة ترجيحه * ومنهم من يفصل
47

ويخص ذلك بالقولي واما السكوتي فيعتبر فيه انقراض العصر وهو الذي قاله البندنيجي واختيار الأستاذ
أبى اسحق ومقتضى كلام المصنف في اللمع وفصل إمام الحرمين بين أن يكون الاجماع مقطوعا
به فلا يعتبر انقراض أو يتفقوا على حكم ويسندوه إلى ظن فلا ينبرم ما لم يطل الزمان * إذا عرف ذلك
فإن لم يعتبر انقرض العصر فهل يجوز الاجماع بعد الاختلاف قيل إنه ممتنع لأنه ينافي ما أجمعوا عليه
أولا من تجويز الاخذ بكل واحد من القولين نسب هذا القول إلى الصيرفي وأحمد بن حنبل وأبى
الحسن الأشعري ومال إليه الغزالي وداود وإمام الحرمين على امتناعه لكن لمدرك آخر وهو أن
ذلك مستحيل إعادة والغزالي ومن وافقه يقولون إنه يستحيل سمعا وقيل يجوز وإذا وقع لا يكون
حجة وهو بعيد وقيل يجوز ويكون حجة تحرم مخالفته وهو المختار فتلخص من هذا أن الاتفاق
بعد الاختلاف في العصر الواحد حجة واجماع على المختار وهو الذي أطلقه طوائف من الأصوليين
والفقهاء والمنقول عن القاضي أبى بكر أنه لا يكون إجماعا والأول هو الحق الذي لا يتجه غيره والقول
بأنهم بالاختلاف أجمعوا على تجويز الاخذ بكل واحد من القولين ممنوع وهو قول باطل لم يقم عليه
دليل والله أعلم * واعلم أن دعوى هذين الاجماعين بعيدة لما قدمته من جهة النقل وأيضا فلو سلم أن
ابن عباس وجميع الصحابة صح رجوعهم فقد لحق زمان ابن عباس جماعة من أصحابه ممن وافقه على
ذلك ولم ينقل عنه رجوع والصحيح المختار أن قول التابعي الذي نشأ في عصر الصحابة وصار من
أهل الاجتهاد قبل اجماعهم لا ينعقد اجماعهم بدونه وهذا قول أكثر أصحابنا وهو المنسوب إلى
الحنفية وأكثر الحنابلة وأكثر المتكلمين وقال بعض أصحابنا المتكلمين والقاضي من الحنابلة
لا يعتد به وأومأ أحمد إلا القولين والحق أنه يعتد به (والثاني) قول ضعيف جدا فان كثيرا من
فقهاء التابعين ماتوا في عصر الصحابة منهم علقمة ومسروق وشريح وسلمان بن ربيعة والأسود
وسعيد بن المسيب رضي الله عنهم وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وخلائق لا يحصون وهؤلاء
الذين سميت من علية الفقهاء وأئمة المجتهدين وعصر الصحابة وعصر التابعين متداخلان فان عصر
التابعين ابتداؤه من قبل الهجرة وكل من سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يره بالمدينة الذين أسلموا
على يدي أهل العقبة الأولى واليمن والبحرين وعمان والطائف والحبشة وغيرها يعد من التابعين
فمن المستحيل أن يقال إن هؤلاء كلهم لا يعتد بقول أحد ممن تفقه منهم ووصل إلى رتبة الاجتهاد
48

إلى انقراض الصحابة في سنة مائة من الهجرة والأعصار كلها متداخلة بعضها في بعض لا يوجد بين (1)
منها دفعة واحدة فعدم اعتبار قول التابعي قول ضعيف لا معنى له والتابعون قد ثبت عنهم الاختلاف
في هذه المسألة أعني ربا الفضل كما تقدم فالظاهر أن الخلاف في هذه المسألة إلى عصر التابعين لم
ينقرض وهذا الذي يفهم من كلام الشافعي حيث حكي الخلاف عن الصحابة والتابعين وعول على
الترجيح دون التمسك باجماع وقد تضمن كلام الشافعي في جماع العلم من الام أن ابن المسيب روى
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في الصرف شيئا واخذ به وله فيه مخالفون من الأمة فلا أدرى أيشير
الشافعي إلى تحريم ربا الفضل أم لا فإن كان فهو مولد لثبوت الخلاف وقال الترمذي بعد أن ذكر
مذهب ابن عباس ولذلك روى عن بعض أصحابه شئ من هذا وقد ادعى الشيخ أبو حامد
الأسفرايني رحمه الله تعالى ان تحريم ربا الفضل قول التابعين أجمعين وقد عرفت ما فيه والله تعالى
أعلم * (القسم الثالث) أن يدعى اجماع متأخر بعد انقراض المختلفين وذلك لا يمكن في أوائل
عصر التابعين لما عرفت من قولهم به ومن جملة القائلين به عطاء بن رباح وقد توفى سنة خمس عشرة
ومائة أو بعدها فان ادعى اجماع بعد ذلك اما من بقية التابعين واما ممن بعدهم فلا استحضر خلافا
يرده ولكن الأصولين والأصحاب مختلفون في حكم ذلك فأصح الوجهين وهو الذي ذهب إليه أبو
بكر الصيرفي وابن أبي هريرة وأبو علي الطبري وأبو حامد المروذي انه إذا اتفق التابعون على أحد
قولي الصحابة لا تصير المسألة اجماعية ولا يحرم القول بالقول الآخر وهو مذهب أبي الحسن الأشعري
وقال المصنف وأبو إسحاق انه قول عامة أصحابنا وقال سليم انه قول أكثر أصحابنا وأكثر الأشعرية
وقال امام الحرمين ان ميل الشافعي إليه واختاره الغزالي وقال ابن برهان ذهب الشافعي رضي الله عنه
إلى أن حكم الخلاف لا يرتفع وقال عبد الوهاب المالكي ليس عن مالك فيه شئ والجيد من
مذهبه الذي كان يختاره شيخنا أبو بكر ان الخلاف باق وذهب إليه من الحنابلة القاضي وهو المرجح
عندهم (والوجه الثاني) وبه قال أبو علي بن خيران وأبو بكر القفال والقاضي أبو الطيب ورجحه ابن
الصباغ وأكثر أصحاب أبي حنيفة وكثير من المعتزلة كالجنائي وابنه واليه ذهب المجلسي من
المتقدمين وأبو عبد الله بن الخطيب من المتأخرين وأبو الخطاب الحنبلي أنه يصير اجماعا لا تجوز
مخالفته وهذا الخلاف مترتب على أن الميت هل له قول (فان قلنا) ان له قولا لم يكن اجماعا والا

(1) كذا بالأصل فحرر
49

كان اجماعا والحنفية مع قولهم بأنه اجماع يقولون إنه من أدنى مراتب الاجماع ولذلك قال محمد ابن
الحسن فيمن قال لامرأته أنت خلية ونوى ثلاثا ثم جامعها في العدة وقال علمت أنها حرام لا يحل لأن
عمر رضي الله عنه كان يراها واحدة رجعية وقد أجمعنا بخلافه وشبهة الثلاث صحيحة بلا خلاف بين
الأمة اليوم لكن الحد يسقط بالشبهة وقد اختلف الناس في هذا الاجماع أهو حجه أولا فلا يصير
موجبا علما بلا شبهة هكذا قال أبو زيد الدبوسي في التقويم من كتبهم * وصورة المسألة عند الغزالي
بما إذا لم يصرح التابعون بتحريم القول الآخر فان صرحوا بتحريمه فقد تردد أعني الغزالي هل يمتنع
ذلك أولا ولا يجب اتباعهم فيه والله أعلم * والفرق بين هذه المسألة وبين ما إذا حصل الاجماع بعد
الاختلاف مع بقاء العصر حيث كان الصحيح هناك أنه يكون اجماعا ان المجمعين هناك كل الأمة
وأهل العصر الثاني بعض الأمة لا كلهم لأن الأمة اسم يعم الحي والميت فعلى ما قلناه من قول أكثر
أصحابنا امتنع دعوى الاجماع في تحريم ربا الفضل بوجه من الوجوه وهذا مقتضى صنع أبى الحسين
المحاملي رحمه الله فإنه ذكر مسألة ربا الفضل في مسائل كتاب الأوسط الذي صنفه في مسائل الخلاف
بين الشافعي وسائر الفقهاء ولو كانت عنده اجماعية لم يذكرها لكنا بحمد الله تعالى مستغنون عن
الاجماع في ذلك بالنصوص الصحيحة الصريحة المتظافرة كما قدمته وأقوله إن شاء الله تعالى وإنما
يحتاج إلى الاجماع في مسألة خفية مسندها قياس أو استنباط دقيق والله أعلم *
(فصل فيما يتعلق به ابن عباس وموافقوه والجواب عنه) تعلقوا في ذلك بحديثين (أحدهما)
حديث أسامة المتقدم وقد ورد بألفاظ مختلفة معناها سواء أو متقارب (منها) لا ربا إلا في النسيئة (ومنها)
إنما الربا في النسيئة (ومنها) ان الربا في النسيئة (ومنها) لا ربا فيما كان يدا بيد وهذه الألفاظ كلها صحيحة
(ومنها) ليس الربا إلا في النسيئة والنظرة (ومنها) لا ربا إلا في الدين رواهما الطبراني (ومنها) الربا في
النسيئة
واتفق الأئمة على حديث أسامة وان اختلفوا في تأويله والحديث (الثاني) حديث البراء بن عازب
وزيد بن أرقم وقد رويناه بطرق مختلفة وألفاظ متباينة فألفاظه التي في الصحيح لا متعلق لهم بها
ومنها لفظ في طريق خارج الصحيحين لهم فيه متعلق وهو ما رواه عبد الله بن الزبير الحميدي
صاحب الشافعي وشيخ البخاري عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار انه سمع أبا المنهال يقول (باع
50

شريك لي بالكوفة دراهم بدراهم بينهما فضل فقلت ما أرى هذا يصلح فقال لقد بعتها في السوق
فما عاب ذلك على أحد فأتيت البراء بن عازب فسألته فقال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وتحادثنا هكذا
وقال ما كان يدا بيد فلا بأس وما كان نسيئا فلا خير فيه وأتى زيد بن أرقم فإنه كان أعظم
تجارة مني فأتيته فذكرت ذلك فقال صدق البراء) قال الحميدي هذا منسوخ لا يؤخذ بهذا وهذا
الاسناد من أصح الأسانيد فان رواته كلهم أئمة ثقات وقد صرح سفيان بأنه سمعه من عمرو فانتفت
شبهة تدليسه ولكن سنذكر ما علل به فشرط الحكم بصحة الحديث سلامته من التعليل فنذكر
الجواب عن كل واحد من الحديثين والله المستعان
(أما) حديث أسامة فجوابه من خمسة أوجه
يجمعها ثلاثة أنواع تأويل وادعاء نسخ وترجيح * واعلم أنه متى أمكن الأول لا يعدل إلى الثاني
ومتى ثبت موجب الثاني لا يعدل إلى الثالث فاعتمد هذا في كل نصفين مختلفين ونحن نذكر الأوجه
التي نقلت في الجواب منها وجهان تضمنهما كلام الشافعي رحمه الله فإنه قال في كتاب اختلاف الحديث
بعد أن ذكر خبر أسامة وأخبار عبادة بن الصامت وأبي هريرة وأبى سعيد وعثمان بن عفان الدالة
على التحريم ذكرها ثم قال فأخذنا بهذه الأحاديث التي توافق حديث عبادة وكانت حجتنا في
أخذنا بها وتركنا حديث أسامة بن زيد إذ كان ظاهره يخالفها وقول من قال إن النفس على حديث
الأكثر أطيب لأنهم أشبه أن يحفظوا من الأقل وكان عثمان بن عفان وعبادة بن الصامت أسن
وأشد تقدم صحبة من أسامة وكان أبو هريرة وأبو سعيد الخدري أكثر حفظا عن النبي صلى الله عليه وسلم
فيما علمنا من أسامة * (فان) قال قائل فهل يخالف حديث أسامة حديثهم (قيل) إن كان يخالفها فالحجة
فيها دونه لما وصفنا (فان قال) فاني يرى هذا قيل الله أعلم قد يحتمل أن يكون سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يسأل عن الربا في صنفين مختلفين ذهب بفضة وتمر بحنطة قيل إنما الربا في النسيئة فحفظه فأدى قول
النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤد مسألة السائل فكان ما أدى عند من سمع أن لا ربا إلا في النسيئة هذا جواب
الشافعي رضي الله عنه وهو مشتمل على الترجيح والتأويل فهما جوابان يعنى انه إن كان حديث
أسامة جوابا لمن سأل عن صنفين فهو موافق لبقية الأحاديث لا يخالفها * وان لم يكن كذلك وكان
مخالفا لها فالعمل بالراجح متعين ورواية جماعة أرجح من رواية واحد ولم يجزم الشافعي رحمه الله
51

بالتأويل المذكور لأجل أن ابن عباس راوي الحديث وهو قائل به وروى الحاوي كلام الشافعي
بأبسط مما في اختلاف الحديث وهو يبين ما شرحت به كلامه وهذا التأويل الذي ذكره الشافعي هو الذي
ذكره ابن عبد البر وقال إنه معنى الحديث عند العلماء قال والدليل على صحة هذا التأويل بل إجماع
الناس ما عدا ابن عباس عليه وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث والأحاديث
الدالة على تحريم ربا الفضل
(الجواب الثالث) أنه محمول على الجنسين الواحد يجوز التماثل فيه نقدا
ولا يجوز نساء ذكره الماوردي
(الجواب الرابع) أن يكون محمولا على غير الربويات كبيع الدين
بالدين مؤجلا بأن يكون له عنده نقد موصوف فيبيعه بعرض موصوف مؤجلا ذكره النووي فهذه
ثلاث تأويلات أوضحها وأشهرها ما قاله الشافعي رحمه الله تعالى انه محمول على الجنس وليس من
شرط حمله على ذلك أن يثبت كونه جوابا لسؤال سائل عنه بل قد يكون اللفظ عاما ويحمل على
الخصوص بدليل يقتضيه أي دليل كان ولو لم يكن الا الجمع بين الأحاديث * واعلم أن هذه التأويلات
الثلاثة متفقة في الجمع بين الحديثين وقد نبهت فيما تقدم على أنه أولى من الترجيح فيما أمكن وكلام
ابن الصباغ يقتضى أن هنا مانعا من الجمع بين الحديثين فإنه قال في كتاب عدة العالم في أصول
الفقه انه ان أمكن الجمع بين الحديثين جمع إلى أن يقع الاجماع على تعارضهما مثل حديث ابن عباس
إنما الربا في النسيئة وحديث أبي سعيد قال فإنه يمكن أن يحمل حديث ابن عباس على الجنسين
المختلفين إلا أن الجماعة اتفقوا على تعارض الخبرين فالأكثر تركوا حديث ابن عباس والقليل
أجروا حديث ابن عباس على العموم فعلى طريقة ابن الصباغ هذه يتعين المصير إلى الترجيح
52

أو النسخ والله أعلم *
(الجواب الخامس) دعوى النسخ كما أشار إليه الحميدي في حديث البراء
ابن عازب وزيد بن أرقم المتقدم قال الحاوي من ادعى نسخ ذلك ذهب إلى حديث فيه مقال وذكر
حديثا من رواية بحر الشفاء عن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم
(نهى عن الصرف قبل موته بشهر) قال الحاوي هذا حديث واهي الاسناد وبحر الشفاء لا يقوم به الحجة
ثم في حديث عبادة ما يدل على أن التحريم كان يوم خيبر وذكر حديثا من رواية محمد بن إسحاق
عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أنه حدث عن عبادة بن الصامت قال (نهانا رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن نبيع أو نبتاع تبر الذهب بالذهب وتبر الفضة بالفضة العين قال وقال لنا ابتاعوا تبر
الذهب بالورق وتبر الفضة بالذهب العين) قال الحاوي هذا الحديث بهذا الاسناد وإن كان فيه
مقال من جهة ابن إسحاق غير أن له أصلا من حديث عبادة ثم يسنده حديث فضالة بن عبيد
فإن كان أسامة سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم قبل خيبر فقد ثبت النسخ والا فالحكم ما صار
إليه الشافعي جمعا بين الاخبار فبحثنا هل نجد حديثا يؤكد رواية أبى بكرة ويبين تقديم حديث
أسامة إن كان ما سمعه على ما سمعه فرأيناه ذكر حديث الحميدي الذي تقدم وكلام الحميدي ولم يزد
عليه (قلت) وحديث فضالة ظاهر في أن التحريم كان يوم خيبر فإنه قال (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم خيبر نبايع اليهود وفيه الذهب بالدينارين والثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبايعوا الذهب
الا وزنا بوزن) وهو مخرج في صحيح مسلم لكن النووي قال أنه يحتمل انهم كانوا يتبايعون الأوقية
من ذهب وخز وغيره بدينارين ظنا منهم جوازه للاحتياط حتى يبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرام حتى تميز * وها أنا
53

أتكلم على حديث الحميدي إن شاء الله تعالى (أما) حديث الحميدي فادعى فيه أمران (أحدهما)
النسخ كما قال رواية الحميدي وناهيك به علما واطلاعا لكن الصحيح عند الأصوليين أن قول
الراوي هذا منسوخ لا يرجع إليه لجواز أن يكون قال ذلك من طريق الاجتهاد بخلاف ما إذا صرح
بأنه متأخر فإنه يقبل كما إذا مر على ماء قليل فقال عدل قد ولغ فيه كلب يقبل فلو قال هو نجس
ولم يبين لم يقبل وممن صرح بذلك سليم والغزالي وابن برهان خلافا لأصحاب أبي حنيفة فيما نقله
ابن برهان مطلقا وابن الخطيب نقله عن الكرخي فيما إذا لم يعين الناسخ وجعل أبو العباس
القرطبي المالكي قوله نسخ كذا بكذا في معنى ذكره تقدم التاريخ ومحل الخلاف فيما إذا كان ذلك
القول من صحابي كذلك فرض الغزالي وابن برهان وابن الخطيب المسألة * وأطلق القرطبي الفرض
في الراوي فإن كان ذلك عن أسير سأل في العبارة وإلا فهو بعيد فان ثبت خلاف في غير الصحابي
كان قول الحميدي هنا من هذا القبيل والا فلا غير أنه قد عرف من موضع آخر تقدم تاريخ الإباحة
من حديث البراء وزيد بن أرقم وتأخر التحريم من حديث أبي بكرة في رواية ابن إسحاق كما تقدم
قريبا فإذا صح ذلك ظهر مستند الحميدي رضي الله عنه وصح النسخ * والمارودي جزم بالنسخ في حديث
البراء وزيد قال لأنه مروى عن أول الاسلام قبل تحريم الربا * وههنا دقيقة وهي أن دعوى النسخ
إذا سلم يظهر بين الأحاديث بأن تكون أحاديث التحريم ناسخة لأحاديث الإباحة اما أن الآية تكون
ناسخة لأحاديث الإباحة ففيه نظر لامرين (أحدهما) أن الكتاب لا ينسخ السنة على أحد قولي
54

الشافعي وإن كان الأصح عند الشافعية وغيرهم الجواز (والثاني) ان الأحاديث المبيحة خاصة بالنقد
والآية عامة وعند الشافعي وأكثر العلماء تقدم الخاص على العام ولو تأخر العام لا يكون ناسخا
للخاص وإذا ظهر أن النسخ إنما هو بين فحينئذ أقول اما أن نقول إن الآية محمولة على ربا الجاهلية
أولا (فان قلنا) بذلك فلا إشكال وصار النظر مقصورا على السنة (وان نقل به) وحملناها على العقود
الربوية إما عامة فيها وإما مجملة فإن كان نزولها متأخرا عن جميع الأحاديث المبيحة والمحرمة فيكون
مجموع الأحاديث المنسوخة والناسخة أو الناسخة فقط مبينة أو مخصصة للآية وهذا يوافق قول عمر وابن عباس
رضي الله عنهما ان آخر آية نزلت آية الربا وإن كان نزول الآية متوسطا بين المبيحة والمحرمة وهو
ما يشعر به قول عائشة رضي الله عنها لما نزلت الآيات في آخر سورة البقرة في الربا (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
فحرم التجارة في الخمر) متفق عليه وتحريم الخمر في السنة الثالثة والرابعة على أنه يحتمل أن يكون المراد
جدد تحريم التجارة في الخمر ولا يكون ذلك أول تحريمها فإن كان الامر كذلك وأن نزول آية
الربا بعد الأحاديث المبيحة وقبل المحرمة فالمبيحة مبينة أو مخصصة للآية كما تقدم وحينئذ فنتصدى
النظر في أن العام المخصص هل أريد به القدر الباقي بعد الاخراج مع قطع النظر عن المخرج أو أريد
به الباقي وخروج غيره والظاهر الأول فتكون الآية مرادا بها تحريم النساء والأحاديث المبينة المتقدمة
تقتضي حكمين (أحدهما) تحريم النساء وهو موافق للآية (والثاني) إباحة النقد وهو ثابت بالسنة
الخاصة وهو المنسوخ بالسنة مع كون الآية باقية على كون المراد بها النسيئة ولا يستدل بها فيما عداه
وتحريم النقد بالسنة زائد عليها وقد يقال إنه يأتي بحث الحنفية في أن الزيادة على النص إذا كان
55

لها تعلق به نسخ عندهم والصواب أن ذلك لا يأتي ههنا لأن إباحة النقد لم تفهم من الآية وهم إنما يقولون
ذلك فيما كانت الزيادة تدفع مفهوم اللفظ فهذا ما يتعلق بدعوى النسخ في ذلك (الأمر الثاني) مما ادعى
في حديث البراء وزيد بن أرقم هذا انه معلول فيمتنع الحكم بصحته وهذه الطريقة التي سلكها
الحافظ أبو بكر البيهقي وذلك أن لفظه الذي في الصحيح عن أبي المنهال قال (سألت البراء بن عازب
وزيد بن أرقم عن الصرف فقالا كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
الصرف فقال إن كان يدا بيد فلا بأس وإن كان نساء فلا يصلح) رواه البخاري بهذا اللفظ من حديث
ابن جريج عن عمرو بن دينار وعامر بن مصعب ورواه مسلم بلفظ آخر عن أبي المنهال قال (باع شريك لي
ورقا نسيئة إلى الموسم أو إلى الحج فجاء إلي فأخبرني فقلت هذا الامر لا يصلح قال فقد بعته في السوق
فلم ينكر ذلك على أحد فأتيت البراء بن عازب فسألته فقال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ونحن نبيع هذا
البيع فقال ما كان يدا بيد فلا بأس به وما كان نسيئة فهو ربا وأتى زيد بن أرقم فإنه أعظم تجارة
منى فأتيته فسألته فقال مثل ذلك) وكذلك رواه البخاري عن علي بن المديني ومسلم عن محمد بن حاتم
والنسائي عن محمد بن منصور ثلاثتهم عن سفيان وهذان اللفظان اللذان في الصحيح لا منافاة
بينهما ولا اشكال ولا حجة لمتعلق فيهما لأنه يمكن حمل ذلك على أحد أمرين إما أن يكون المراد
بيع دراهم بشئ ليس ربويا ويكون الفاسد لأجل التأخير بالموسم أو الحج فإنه غير محرر ولا سيما على
ما كانت العرب تفعل (والثاني) أن يحمل ذلك على اختلاف الجنس ويدل له رواية أخرى
56

عن أبي المنهال قال (سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف فكلاهما يقول نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا) رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ البخاري ومسلم بمعناه
وفى لفظ مسلم (عن بيع الورق بالذهب دينا) فهو يبين أن المراد صرف الجنس بجنس آخر وهذه
الرواية ثابتة من حديث شعبة عن حبيب بن أبي صالح عن أبي المنهال والروايات الثلاث الأول
رواية الحميدي واللتان في الصحيح وكلها أسانيدها في غاية الجودة ولكن حصل الاختلاف في سفيان
فخالف الحميدي علي ابن المديني ومحمد بن حاتم ومحمد بن منصور وكل من الحميدي وعلي بن المديني
في غاية الثبت ويترجح أن ابن المديني هنا بمتابعة محمد بن حاتم ومحمد بن منصور له وبشهادة ابن جريج
لروايته وشهادة رواية حبيب بن أبي ثابت لرواية شيخه ولأجل ذلك قال البيهقي رحمه الله ان
رواية من قال إنه باع دراهم بدراهم خطأ عنده فهذا جواب حديثي وقد لا يجسر الفقيه على الحكم
لتخطئة بمجرد ذلك ونقول إنه لا منافاة بين روايات عمرو بن دينار فان منها ما أطلق فيه الصرف
(ومنها) ما بين أنها دراهم بدراهم فيحمل المطلق على المقيد جمعا بين الروايتين فان أحدهما بين
ما أبهمه الآخر ويكون حديث حبيب بن أبي ثابت حديثا آخر ورادا في الجنسين وتحريم النساء فيهما
ولا تنافي في ذلك ولا تعارض وحينئذ يضطر إلى النسخ إن ثبت موجبه أو ترجيحه وهو حاصل
هنا بأمور (منها) ان رواية أحاديث التحريم أكثر كما سبقت عليهم والقاعدة الترجيح بالكثرة وهذا
قد نص عليه الشافعي رحمه الله تعالى في هذه المسألة التي نتكلم عليها فإنه روى تحريم الفضل عن عمر
وعثمان وأبي سعيد وأبي هريرة وعبادة وقال ورواية خمسة أولى من رواية واحد وقال سليم الداري
57

ان الشافعي رضي الله عنه أومأ في موضع إلى أنه لا ترجح بالكثرة في أحد الخبرين وهما سواء واليه
ذهب قوم من أصحاب أبي حنيفة اعتبارا بالشهادة حيث لم يرجح فيها بكثرة العدد ونقله
في شرح اللمع المصنف عن بعض أصحابنا (ومنها) انهم أسن فان فيهم عثمان وعبادة
وغيرهما ممن هم أسن من البراء وزيد كما قاله الشافعي رحمه الله في أسامة (ومنها) بالحفظ فان فيهم
أبا هريرة وأبا سعيد وغيرهما ممن هو مشهور بالحفظ أكثر من البراء وزيد لهذا الحديث في زمان
الصبا وهو موجوح بالنسبية إلى الأول * وإنما قلت إن تحمل البراء وزيد في حالة الصبا لأنهما قالا قدم
النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وتحادثنا) هكذا قال وعند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم كان سن كل
منهما عشرا أو نحوها لما ذكر ابن عبد البر عن منصور بن سلمة الخزاعي انه روى باسناده إلى زيد
ابن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استصغره يوم أحد والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وأبا سعيد
الخدري وسعيد بن حبيبة وعبد الله بن عمر * وعن الواقدي أن أول غزوة شهداها الخندق * ومن
المرجحات أيضا أن حديث البراء وزيد مبيح وأحاديث عبادة وأصحابه محرمة وإذا تعارض المقرر
والنقال فالمرجع الناقل عن حكم الأصل عند الجمهور وهو الذي جزم به المصنف وسليم لأنه يفيد
حكما شرعيا خلاف لأبي عبد الله بن الخطيب حيث قال يقدم المقرر وان حصل التعارض في التحريم
والإباحة من غير اعتضاد بأصل فالمحرم راجح على المبيح على أصح الوجهين عند أصحابنا ووافقهم
الكرخي من الحنيفة وأبو يعلى من الحنبلية للاحتياط خلافا للغزالي منا وعيسى بن إبان من الحنفية
وأبى هاشم وجماعة من المتكلمين حيث قالوا هما سواء وثم وجوه أخر من الترجيح لا تخفى عن الفطن
والله تعالى أعلم * واعلم أن ترجيح أحد الدليلين على الآخر كالمتفق عليه بين الأئمة وهو المعلوم من
58

استقراء أحوال الصحابة والسلف وأنكره بعض المتكلمين وقال يتعين المصير إلى دليل آخر سواهما
أو للتخيير والأول هو الصواب والله أعلم * فقد اتضح بحمد الله تعالى الجواب عن ذلك ولعلك
ترى أنى أطلت في ذكر هذه المسألة الأصولية فاعلم أنى متى جاءت قاعدة من هذه القواعد
حددتها وأقوال الأئمة فيها والراجح منها ثم إذا عاد ذكرها في موضع آخر حملت على الموضع الأول
والله أعلم *
(فصل في الأحاديث الواردة في تحريم ربا الفضل) روى ذلك من حديث أبي بكر الصديق
رضي الله عنه وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص
وعبادة بن الصامت وأبى سعيد الخدري وأبي هريرة وعبد الله بن عمر بن الخطاب وفضالة بن عبيد
وأبى بكرة ومعمر بن عبد الله ورافع بن خديج وأبى الدرداء وأبى أسيد الساعدي وبلال وجابر
ابن عبد الله وأنس بن مالك ورويفع بن ثابت وبريدة رضي الله عنهم أجمعين (أما) حديث أبي
بكر رضي الله عنه فمشهور عن محمد بن السائب الكلبي عن سلمة بن السائب عن أبي رافع عنه قال
(سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول الذهب بالذهب وزنا بوزن والفضة بالفضة وزنا بوزن والزائد والمستزيد في النار)
رواه أبو بكر بن أبي شيبة وعبيد بن حميد وغيرهما واختلف عن الكلبي فيه ففي سنن أبي قرة عن محمد
ابن السائب عن أبي رافع والكلبي ضعيف وروى من طريق غيره ولم يصح (وأما) حديث عمر رضي الله عنه
فرواه أبو جمرة ميمون القصاب عن سعيد بن المسيب عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الذهب
بالذهب والفضة بالفضة والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير مثلا بمثل من زاد أو ازداد فقد أربى)
59

وأبو جمرة ضعيف وقد اضطرب عنه في هذا الحديث قال الدارقطني في كتاب العلل وأبو جمرة
مضطرب الحديث والاضطراب في الاسناد من قبله والله أعلم * (وأما) حديث عثمان بن عفان
فصحيح أخرجه مسلم ولفظه في روايتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم
بالدرهمين) (وأما) حديث علي بن أبي طالب فأخرجه ابن ماجة والدارقطني في سننهما والحاكم
في المستدرك من طريق محمد بن العباس جد الشافعي عن عمر بن محمد عن أبيه وهو من الحنفية
عن جده وهو علي رضي الله عنه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل
بينهما من كانت له حاجة بورق فليصرفها بذهب وإن كانت له حاجة بذهب فليصرفها بورق
والصرف ها وها) وقال الحاكم انه غريب صحيح (وأما) حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
فمخرج في كتب السنن الأربعة والدارقطني والمستدرك على الصحيحين للحاكم وهذا لفظ المستدرك
قال سعد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اشتراء الرطب بالتمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبينهما فضل قالوا نعم
الرطب ينقص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يصح) هذا وان لم يكن في معنى الأحاديث المتقدمة فهو يدل
على معناها من جهة أنه دل على معنى الفضل فهؤلاء خمسة من العشرة فيهم الخلفاء الراشدون (وأما)
حديث عبادة فهو أتم الأحاديث وأكملها ولذلك جعله الشافعي العمدة في هذا الباب وعبادة أسن
وأقدم صحبة من أبي سعيد وقد تقدم أن حديث عبادة من أفراد مسلم ورواه معه من أصحاب السنن
أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ولفظه في مسلم من رواية أبى الأشعث عنه قال (سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح
بالملح إلا سواء بسواء وعينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى) وهذا اللفظ هو الذي أورده المصنف
أولا في الفصل الأول من هذا الباب ولم يخرجه بهذا اللفظ هكذا أحد من أصحاب الكتب الستة
60

غيره وقد اشتبه علي بن معن المتكلم على هذا الكتاب فنسبه إلى مسلم وأبى داود والترمذي ونسب
الثاني إلى مسلم وحده فأردت التنبيه على ذلك لئلا يغتر به فان المحدث إذا نسب الحديث إلى كتاب
مراده منه أصل الحديث فيحتمل منه ذلك (وأما) الفقيه فمراده ذلك اللفظ الذي يستدل به فلابد
من الموافقة فيه والله أعلم * ورواه النسائي بقريب من هذا اللفظ من حديث مسلم بن يسار وعبد الله
ابن عبيد بن عبادة قال (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالذهب والورق بالورق والبر بالبر
والشعير بالشعير والتمر بالتمر قال أحدهما والملح بالملح ولم يقله الآخر إلا مثلا بمثل يدا بيد وأمرنا أن
نبيع الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا قال أحدهما فمن
زاد أو ازداد فقد أربى) ورواه ابن ماجة كذلك بهذا اللفظ وقدم الورق على الذهب وبعض قوله وأمرنا
أن نبيع الذهب وقوله من زاد أو ازداد ورواية مسلم بن يسار هذه منقطعة فإنه لم يسمع ذلك من عبادة
وإنما سمعه من أبى الأشعث عنه (وأما) رواية عبد الله بن عبيد ويقال له ابن هرمز فمتصلة فيما أظن والله
أعلم * وذكره المزني في مختصره عن الشافعي رحمه الله كذلك من حديث مسلم ابن
يسار ورجل آخر عن عبادة ولفظه فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق
بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين يدا
بيد ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر والتمر بالملح والملح
بالتمر يدا بيد كيف شئتم) قال ونقص أحدهما التمر والملح وزاد الآخر فمن زاد أو استزاد فقد أربى
وكذلك رويناه في مسند الشافعي من رواية الربيع حرفا بحرف إلا أنه قال وزاد أحدهما من زاد
61

أو ازداد ورواه البيهقي في المعرفة من رواية المزني عن الشافعي أيضا من طريق أبى قلابة عن أبي الأشعث
متصلا بلفظ قريب من اللفظ الأول وهذه الألفاظ كلها متفقة في تصدير الحديث بالنهي وفى استيفاء
الأجناس الستة وانفردت رواية الشافعي بالجمع بين قوله عينا بعين يدا بيد ولم أقف على ذلك في
حديث عبادة الا من هذه الرواية ولا في أكثر الأحاديث الا في حديث أبي سعيد الخدري الذي تقدم
وفيه جمع بينهما فهذا اللفظ الواحد الذي أورده المصنف في الفصل الأول والظاهر أنه أورده من مسلم
أو ممن نقل عنه ونعم ما فعل إلا أن قوله في آخره استزاد ليس في مسلم بل في لفظ الشافعي في المختصر
والنسائي في رواية من لفظ عبادة وإنما جاء لفظ استزاد في مسلم من حديث أبي سعيد ولفظ عبادة
ازداد هذا الذي رأيته في روايتنا والله أعلم * وفى لفظ آخر لمسلم عن عبادة قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء
بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد وهذا اللفظ
هو الذي أورده المصنف في هذا الفصل لكنه قدم التمر على البر ولم يقل سواء بسواء فإنه تأكيد
لقوله مثلا بمثل ورواه بقريب من هذا اللفظ أبو داود والترمذي والنسائي من طريق أبى الأشعث
ولفظ أبى داود فيه (الذهب بالذهب تبرها وعينها والفضة بالفضة تبرها وعينها والبر مدا بمد والشعير
بالشعير مدا بمد والتمر بالتمر مدا بمد والملح بالملح مدا بمد فمن زاد أو ازداد فقد أربى) ولا بأس ببيع
الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدا بيد واما نسيئة فلا ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما
يدا بيد وأما النسيئة فلا) ولفظ الترمذي (الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل والتمر
62

بالتمر مثلا بمثل والملح بالملح مثلا بمثل والشعير بالشعير مثلا بمثل فمن زاد أو ازداد فقد أربى بيعوا
الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يدا بيد وبيعوا الشعير بالتمر كيف
شئتم يدا بيد) قال الترمذي حديث عبادة حديث حسن صحيح قال وقد روى بعضهم هذا الحديث
عن خالد بهذا الاسناد وقال بيعوا البر بالشعير كيف شئتم يدا بيد وروى بعضهم هذا الحديث عن خالد عن أبي
قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وزاد فيه قال خالد قال
أبو قلابة فبيعوا البر بالشعير كيف شئتم فذكر الحديث ولفظ النسائي قريب من لفظ أبى داود
مختصر وهذه الألفاظ مشتركة في تصدير الحديث بالاثبات لا بالنهي وفيها زيادة تصريح بالأصناف
المختلفة وعند النسائي من حديث حكيم بن جابر عن عبادة قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الذهب
الكفة بالكفة والفضة الكفة بالكفة حتى قال الملح الكفة بالكفة) وقد روى ما توهم أن حكيما
لم يسمعه من عبادة فهذه ألفاظ الكتب الخمسة في حديث عبادة والله أعلم * وإنما أطلت الكلام
على هذا الحديث لكونه الذي ذكره المصنف (وأما) حديث أبي سعيد الخدري فهو أتمها وأحسنها
بعد حديث عبادة لا سيما وهو المناظر لابن عباس في ذلك وهو في أصله متفق على صحته وقد اعتمد
عليه أبو حنيفة رضي الله عنه فإنه رواه عن عطية العوفي عنه ولفظه الذي اتفقا عليه مختصرا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تبيعوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق
إلا مثلا بمثل ولا تبيعوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائبا بناجز) وفى رواية البخاري إلا يدا بيد
ولفظه عند البخاري (كنا نرزق بجمع تمر الجمع وهو الخلط من التمر وكنا نبيع صاعين بصاع فقال
النبي صلى الله عليه وسلم لا صاعين بصاع ولا درهم بدرهمين) وكذلك في مسند أحمد (لا صاعي تمر بصاع ولا صاعي
حنطة بصاع ولا درهمين بدرهم) قال أحمد قال زيد ولا صاعا تمر بصاع ولا صاعا حنطة بصاع وفى
رواية للبخاري (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الذهب بالذهب مثلا بمثل والورق بالورق مثلا
63

بمثل) ولفظه عند مسلم (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير
والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطى فيه سواء) وهو
أتم ألفاظه * وكذلك رواه أحمد في المسند وقد تقدم من ألفاظه عن ذكر مذهب ابن عباس غير
هذا (وأما) حديث أبي الدرداء وأبى أسيد رضي الله عنهما فقد تقدما (وأما) حديث أبي هريرة
رضي الله عنه فرواه البخاري ومسلم مقرونا بحديث أبي سعيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على
خيبر فجاءه بتمر خبيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا قال لا والله يا رسول الله إنا
لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفعل بع الجميع بالدراهم
ثم ابتع بالدراهم خبيبا) ورواه مسلم وحده قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير
بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه) وفى أخرى
(الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل فمن زاد أو استزاد فهو
ربا) وفى رواية عنده قال (الدينار بالدينار لا فضل بينهما والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما) وفي رواية
في مسند أحمد صحيحة (الذهب بالذهب والورق بالورق ولا تفضلوا بعضها على بعض) (وأما) حديث
ابن عمر رضي الله عنهما فرواه مالك في الموطأ انه جاءه صائغ فقال يا أبا عبد الرحمن أنى أصوغ الذهب
ثم أبيع الشئ من ذلك بأكثر من وزنه فاستفضل في ذلك قدر عمل يدي فنهاه عبد الله بن عمر
عن ذلك فجعل الصائغ يردد عليه المسألة وعبد الله ينهاه حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابته يريد
أن يركبها ثم قال عبد الله بن دينار الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما هذا عهد نبينا صلى الله عليه وسلم إلينا
وعهدنا إليكم) هكذا رواه مالك في الموطأ فجعله من مسند ابن عمر ورواه من جهته النسائي فذكره
هكذا في كتابه الكبير من مسند ابن عمر وذكره في كتاب المجتبى أيضا من جهته لكن وقع
في روايتنا عنه عن مجاهد قال قال عمر وأخذ بظاهره ابن الأثير في جامع الأصول فقال إن النسائي
جعله من مسند عمر والذي أظن أن الذي وقع في روايتنا غلط سقط ابن وكذلك من النسخة التي
64

وقعت لابن الأثير والله أعلم * وقال الشافعي رحمه الله عقب روايته له عن مالك هذا خطأ ثم رواه
عن سفيان بن عيينة عن وردان الدوي عن ابن عمر فقال فيه هذا عهد صاحبنا إلينا وعهدنا إليكم قال
الشافعي رحمه الله يعني بصاحبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال البيهقي في المعرفة وهو كما قال
فالاخبار دالة على أن ابن عمر لم يسمع في ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ثم قال يعنى الشافعي يجوز أن
يقول هذا عهد نبينا إلينا وهو يريد إلى أصحابه بعد ما ثبت له ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم
من حديث أبي سعيد وغيره * وقد تكلم ابن عبد البر هنا بما لا أستحسن أن أقابله بمثله لما ألزمت
نفسي من الأدب مع العلماء ونسب الشافعي إلى الغلط ورأي أن رواية سفيان مجملة ورواية مالك
مبينة فيكون مراده بقوله صاحبنا هو النبي صلى الله عليه وسلم والصواب ما قاله الشافعي رحمه الله فان في صحيح
مسلم عن نافع قال (كان ابن عمر يحدث عن عمر في الصرف ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيئا) ولكن
لرواية ابن عمر أصل في تحريم ربا الفضل فإنه روى عنه قال (كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أناس فدعا بلالا
بتمر عنده فجاء بتمر أنكره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا التمر قال التمر الذي كان
عندنا أبدلناه صاعين بصاع فقال رد علينا تمرنا رويناه في مسند عبد بن حميد من حديث أبي دهقانة
عن ابن عمر وفى مسند أحمد عن شرحبيل أن ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد حدثوا أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل عينا بعين فمن زاد
أو ازداد فقد أربى) قال شرحبيل إن لم أكن سمعته منهم فأدخلني الله النار * ويحتمل أن يكون ابن عمر
أرسل ذلك لما ثبت له من جهة أبي سعيد وغيره (وأما) حديث فضالة بن عبيد فصحيح رواه مسلم
قال (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر نبايع اليهود الأوقية الذهب بالدينارين والثلاثة فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن) (وأما) حديث أبي بكرة فرواه البخاري ومسلم
قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفضة بالفضة والذهب بالذهب إلا سواء بسواء وأمرنا أن نبتاع الذهب
بالفضة كيف شئنا والفضة بالذهب كيف شئنا) رواه بهذا اللفظ (وأما) حديث معمر بن عبد الله
65

فصحيح أخرجه مسلم (أنه أرسل غلامه بصاع قمح فقال بعه ثم اشتر به شعيرا فذهب الغلام فأخذ
صاعا وزيادة بعض صاع فلما جاء معمرا أخبره بذلك فقال له معمر لم فعلت ذلك انطلق فرده ولا تأخذن
إلا مثلا بمثل فاني كنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الطعام بالطعام مثلا بمثل) وكان طعامنا يومئذ
الشعير قيل له فإنه ليس بمثله قال إني أخاف أن يضارع وقد ذكر المصنف المسند منه في الفصل
الأول وسيأتي الكلام على القمح والشعير (وأما) حديث رافع بن خديج فرواه أبو جعفر الطحاوي
في شرح معاني الآثار عن أبي بكرة ثنا عمر بن نفير نا عاصم بن محمد حدثني زيد بن محمد قال حدثني
نافع قال (مشى عبد الله بن عمر إلى رافع بن خديج في حديث بلغه عنه في بيان الصرف فأتاه فدخل
عليه فسأله عنه فقال رافع سمعته أذناي وأبصرته عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تشفوا الدينار على
الدينار ولا الدرهم على الدرهم ولا تبيعوا غائبا منها بناجز وان استنظرك حتى يدخل عتبة بابه (وأما)
حديث بلال رضي الله عنه فرويناه في مسند الإمام أبى محمد الدارمي ورواه عن عثمان بن عمر أنا إسرائيل
عن أبي إسحاق عن مسروق عن بلال قال (كان عندي مد تمر للنبي صلى الله عليه وسلم فوجدت أطيب منه صاعا
بصاعين فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم قال من أين لك هذا يا بلال قلت اشتريته صاعا بصاعين قال رده
ورد علينا تمرنا) (وأما) حديث ابن عبد الله فرواه الإمام أبو محمد بن عبد الله بن وهب في مسنده
قال أخبرني ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال (كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نعطي الصاع من
حنطة في ستة آصع من تمر فاما سوى ذلك من الطعام فيكره ذلك إلا مثلا بمثل وفى مسند أحمد وغيره
عن جابر بن عبد الله وأبى سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهم انهم نهوا عن الصرف رفعه
رجلان منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم * الصرف هنا محمول على الفضل في بيع النقد بمثله
والله أعلم * هذا وإن كان ظاهر لفظه فيه اشكال فإنه يفيد كراهة الطعام بجنسه إلا مثلا بمثل وهو
المقصود (وأما) حديث أنس بن مالك فرواه الدارقطني في سننه من حديث أبي بكر بن عياش
عن الربيع بن صبيح - بفتح الصاد - عن الحسن عن عبادة وأنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه
66

وسلم قال (ما وزن مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا وما كيل فمثل ذلك فإذا اختلف النوعان فلا بأس
به) قال الدارقطني لم يروه غير أبى بكر عن الربيع هكذا وخالفة جماعة فرووه عن الربيع عن
ابن سيرين عن عبادة وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ غير هذا اللفظ (وأما) حديث رويفع
ابن ثابت فرواه الطحاوي ثنا فهد بن أبي مريم أنا نافع بن يزيد أنا ربيعة بن سليم مولى عبد الرحمن
ابن حسان النحبي انه سمع جنس الصنعاني يحدث عن رويفع بن ثابت عن عروة إياس قبل العرب
يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر بلغني انكم تبتاعون المثقال بالنصف
والثلثين وانه لا يصلح إلا المثقال بالمثقال والوزن بالوزن) ورويفع بن ثابت هذا أنصاري صحابي قال
البخاري في التاريخ الكبير يعد في المصريين وذكره بن أبي خيثمة في تاريخه في الأنصار وروى
له حديثا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم (وأما) حديث بريدة فرواه الطحاوي بسند فيه الفضل
ابن حبيب السراج إلى بريدة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتهى تمرا فأرسل بعض أزواجه
ولا أراها إلا أم سلمة بصاعين من تمر فأتوا بصاع من عجوة فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم أنكره
فقال من أين لكم هذا قالوا بعثنا بصاعين فاتينا بصاع فقال ردوه فلا حاجة لي فيه) فهؤلاء من حضرني
رواياتهم من الصحابة رضي الله عنهم عشرون صحابيا ورواه مرسلا يحيى بن سعيد الأنصاري قال (أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين يوم خيبر أن يبيعا آنية من المغنم من ذهب أو فضة فباعا
كل ثلاثة بأربعة عينا أو كل أربعة بثلاثة عينا فقال لهما أربيتما فردا) رواه مالك في الموطأ والسعدان سعد بن مالك وسعد بن عبادة وروى أيضا مرسلا بزيادة على الستة عن مالك بن أوس بن الحدبان
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (التمر بالتمر والزبيب بالزبيب والبر بالبر والسمن بالسمن والزيت بالزيت
والدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما) وهو مرسل واسناده في غاية الضعف فيه رجل وضاع
وآخر مجهول فهذه اثنان وعشرون حديثا منها في الصحيحين حديث أبي سعيد وأبى بكرة وفى مسلم
وحده حديث عبادة وأبي هريرة وعثمان بن عفان وفضالة وعلى الخمسة الأول اقتصر الشافعي رضى الله
67

عنه (ومنها) خارج الصحيحين وهو صحيح حديت أبى أسيد وأبى الدرداء وسعد بن أبي وقاص والله أعلم
وفى بقية ذلك ما ينظر فيه والله أعلم (الحكم الثاني) تحريم النسيئة وهو حرام في الجنس والجنسين
إذا كان العوضان جميعا من أموال الربا كالذهب بالذهب والذهب بالفضة والحنطة بالحنطة والحنطة
بالتمر وذلك مجمع عليه بين المسلمين وممن نقل الاجماع عليه صريحا الشيخ أبو حامد ونقل جماعة عدم
الخلاف فيه فقال أبو محمد بن حزم في كتاب مراتب الاجماع واتفقوا أن بيع الذهب بالذهب بين
المسلمين نسيئة حرام وأن بيع الفضة بالفضة نسيئة بين المسلمين حرام إلا أنا وجدنا لعلي رضي الله عنه
انه باع من عمر بن حريث جبة منسوجة بالذهب بذهب إلى أجل وان عمر أحرقها وأخرج منها
من الذهب أكثر مما ابتاعها به ووجدنا للمغيرة المخزومي صاحب مالك أن دينارا وثوبا بدينارين
أحدهما نقد والآخر نسيئة جائز واتفقوا أن بيع القمح بالقمح نسيئة حرام وأن بيع الشعير بالشعير كذلك
نسيئة حرام وأن بيع الملح بالملح نسيئة حرام وأن بيع التمر بالتمر نسيئة حرام اه‍ كلام ابن حزم وقد
رأيت المسألة التي أشار إليها عن المغيرة المخزومي في تعليقة أبى اسحق التونسي من المالكية وذلك
مما لا يعرج عليه ولعل له تأويلا أو وقع وهم في النقل * ومن الأدلة على التحريم في ذلك الأحاديث
المتقدمة كحديث أسامة وحديث البراء وزيد بن أرقم وحديث أبي سعيد الخدري (أما) حديث
أسامة فقوله (إنما الربا في النسيئة) ان جعلناه منسوخا فالمنسوخ منه الحصر خاصة كما قيل مثله في (إنما
الماء من الماء) فان الحكم بالاثبات مستمر لم ينسخ * وان حملناه على أنه جواب عند اختلاف الجنسين
فيكون دالا على تحريم النساء في الجنسين وفى الجنس الواحد بطريق أولى لأن تحريم النساء آكد
بدليل تحريمه في الجنسين فإذا حرم التفاضل فالنساء أولى وان حملناه على التأويل الثالث وهو بيع
الدين بالدين فلا تبقى فيه دلالة وحديث البراء وزيد صريح في النهى عن بيع الذهب بالورق دينا
68

ففي الجنس الواحد أولى كما تقدم وفى حديث أبي سعيد (ولا تبيعوا منها غائبا بناجز) وهذا صريح
في منع الآجل في الجنس الواحد بل عمومه شامل لكل المذكور سواء كان جنسا أو جنسين وقد
أخذ هذا الحكم أيضا من قوله صلى الله عليه وسلم (هاوها) (إما) لأن اللفظة تقتضي ذلك ابتداء (واما)
لأنها تقتضي التقابض ومن ضرورته الحلول غالبا وأما فرض أجل يسير ينقض في المجلس فنادر غير
مقصود ومنع الماوردي أخذه من هذا وقال هو والغزالي إنه مأخوذ من قوله عينا بعين إذ العين لا يدخل
فيها الأجل ولا يمكنهما الوفاء بمقتضى هذا الاستدلال لأنهما وجميع الشافعية لا يشترطون التعيين بل
يجوزون أن يرد على موصوف في الذمة كما سيأتي إن شاء الله تعالى لكنه قد يقال إنه غلب اطلاق
الدينية في الأجل والعينية في مقابله وان لم يكن معينا وفى تسليم هذه الغلبة نظر والله أعلم *
(الحكم الثالث) تحريم التفرق قبل التقابض ويسمى ذلك ربا اليد ويستوى في ذلك الجنس
الواحد والجنسان (أما) في الذهب والورق فذلك مما لا خلاف فيه عن ابن المنذر قال أجمع كل من
أحفظ عنه من أهل العلم على أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد * وقال النووي
في شرح مسلم جوز إسماعيل بن علية التفرق عند اختلاف الجنس وهو محجوج بالأحاديث
والاجماع ولعله لم يبلغه الحديث ولو بلغه لما خالفه * وأما الطعام فقد خالف فيه أبو حنيفة رضي الله عنه
وقال إنه إذا باع الطعام بعضه ببعض وافترقا من المجلس ثم تقابضا بعدم لم يضر العقد إلا إذا كان
المبيع جزءا مشاعا من صبرة وفرق بينه وبين الصرف وفى الحقيقة ليس التقابض عنده من قاعدة
الربا في شئ لا في الصرف ولا في الطعام وإنما اشترطه في الصرف لأجل التعيين فان من أصله ان
الدارهم والدنانير لا تتعين بالتعيين وإنما تتعين بالقبض فلو تفرقا قبل القبض لصار دينار ولكان في
ذلك بيع الكالئ بالكالئ وذلك منهى عنه على الاطلاق في الربويات وغيرها ويجعلون قوله يدا
بيد لمنع النساء وقوله عينا بعين تأكيدا بخلاف ما يفعل أصحابنا وزعموا أن هذا احتمال يترك به الظاهر
69

إذا تأيد بدليل وقد دل عليه الكتاب والقياس (أما) الكتاب فهو أن المحرم في الآية هو الربا
والربا هو الزيادة وذلك اما في المقدار واما في الميعاد للاستحقاق وهو النساء أو الجودة أما في الجودة
فقد أسقطها الشرع حيث قال جيدها ورديئها سواء رواه (1) ولسقوط قيمتها تحققت المماثلة وفى هذا بنوا
أن من فوت جودة الحنطة لا يضمنها على حالها وكذلك كل مكيل وموزون لأن قيمة الجودة في
الربويات ساقطة بزعمهم على خلاف القياس والتفاضل في المقدار أو في الميعاد في الاستحقاق هو
الربا فليس التقابض من الربا في شئ إذ قيمة المقبوض بعد كونه نقدا كقيمة غير المقبوض في
المجلس بخلاف قيمة المؤجل فإنه يخالف قيمة الحال فلو حرم ترك التقابض بحكم الربا لكان زيادة
على كتاب الله تعالى (وأما) القياس فهو أن القبض موجب للعقد إذ بالعقد يجب الاقباض فكيف
يكون شرطا فيه لأن حق الشرط أن يقترن بالعقد فالواجب التعيين فقط لا القبض ووجه الكناية
عن هذا المعنى بقوله يدا بيد ان اليد آلة الاحضار والإشارة والتعيين كما أنها آلة القبض فكما يكنى بها عن
القبض يجوز أن يكنى بها عن التعيين * وإذا كان المعنى محتملا وتأيد بدليل فلا بد من قبوله فالتعيين هو المقصود في
الربويات وفى السلم أيضا فإذا أسلم دراهم في حنطة وجب اقباض الدراهم ليتعين فلا يكون بيع
الكالئ بالكالئ والأصل في السلم أن يجرى بالأثمان فيكون الثمن مسلما فيه وهو دين والثمن رأس
المال وهو دين فيجب تعيينه ثم لما عسر على العوام التفرقة بين ما يجب تعيينه ومالا يجب أوجب الشرع
القبض في رأس المال مطلقا باسم السلم وأوجب في الأثمان باسم الصرف تيسيرا لمرادهم وتحقيقا للغرض
قالوا ولو كان المراد التقابض لقال يدا من يد فلما قال يدا بيد كان مثل قوله عينا بعين (والجواب) عن ذلك أنه
لو كان التقابض في الصرف للخلاص عن بيع الكالئ بالكالئ لوقع الاكتفاء بالقبض في أحد الجانبين
لأن بيع العين بالدين جائز كما في السلم فوجوبه في الجانبين لا مسند له إلا الحديث (فان قلت) ليس

(1) بياض بالأصل فحرر
70

أحدهما بأولى من الآخر فلذلك وجب فيهما (قلت) الوجوب عندهم هنا ليس معناه أنه يأثم بتركه على
ما تقدم بل معناه أنه متى لم يحصل انفسخ العقد وتعليق انفساخ العقد على عدم قبض أحدهما غير
ممتنع وقد تمسكوا في الوجوب فيهما بالتسوية بين العوضين قال أصحابنا التسوية لحق المتعاقدين
فينبغي إذا أسقطاها أن يسقط وان ذلك يبطل بما إذا باع درهما بثوبين يجوز الاقتصار على قبض أحد
البدلين مع فقدان التسوية (وأما) قولهم إن عينا بعين تأكيد لقوله يدا بيد فذلك يستدعى أن
يكون جمع بينهما في حديث واحد وأن يكون عينا بعين متأخر حتى يصلح أن يكون مؤكدا وهو
في حديث أبي سعيد كما تقدم وفى لفظ المستدرك بتقديم يدا بيد على عينا بعين (وأما) في حديث
عبادة فلم أقف عليه إلا في رواية الشافعي وفيها تقديم قوله عينا بعين على يدا بيد والمؤكد لا يكون
سابقا على المؤكد فان جعلوا يدا بيد تأكيدا فالجواب ما قاله الإمام محمد بن يحيى تلميذ الغزالي سبق
قوله عينا بعين يمنع هذا التأويل فان الصريح في معنى يستغنى عن التأكيد بمحتمل كيف وتنزيل
اللفظ على فائدتين أولى من الحمل على واحدة وقولهم إن اليد آلة للتعيين كما هي آلة للاقباض
فالجواب أنها متعينة للاقباض (وأما) التعيين فيشاركها فيه الإشارة بالرأس والعين وغير ذلك وقولهم
لو كان كذلك لقال يدا من يد ليس بصحيح لأن قوله يد بيد معناه مقبوضا بمقبوض فعبر باليد عن
المقبوض لأنها إليه من باب التعبير بالسبب الفاعلي عن المسبب وانتصابه على الحال أي حال كونه مقبوضا
بمقبوض والباء للسببية فيدل على اشتراط القبض من الجانبين ولو قال من يد لم يفد ذلك ثم اشتهر هذا المجاز
حتى صار حقيقة عرفية حيث أطلق يدا بيد لا يفهم منه في العرف غير التقابض وقد اعتضد أصحابنا في المسألة بالأثر
والمعنى (أما) الأثر فحديث عمر رضي الله عنه مع مالك بن أوس وطلحة بن عبيد الله لما تصارفا
وقوله لا تفارقه فلما نهى عمر مالكا عن مفارقة طلحة حتى يقبض منه واستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم
(الا ها وها) ودل على أنه فهم منه التقابض لا مجرد الحلول وأنه أخذه من قاعدة الربا لا من قاعدة
71

لتعيين وبيع الكالئ بالكالئ وهذا الحديث سيأتي مستوفى إن شاء الله تعالى وفهم الراوي أولى
من فهم غيره لا سيما مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه * ولهم أن يقولوا بعد تسليم الاحتجاج بمثل
خلاف الظاهر والله أعلم * (وأما) المعنى فهو ان ترك التقابض ربا لأن الربا عبارة عن الفضل المطلق
والفضل يكون من وجوه كثيرة يكون قدرا في الصاع بالصاعين ونقدا في العين بالنساء وقبضا في
المقبوض وغير المقبوض قال أصحابنا بل الزيادة من حيث اليد فوق الزيادة من حيث العينية لأن الأعيان
إنما تطلب ليتوصل إليها بالأيدي ولان اليد تقصد بنفسها في كثير من العقود والعينية لا تقصد بنفسها
وإذا ثبت أنه ربا فيجب التقابض نفيا للربا ومتى جاز تأخير أحد العوضين أمكن الربا فلا يؤمن ذلك
إلا بايجاب التقابض فيهما وهذا ملخص سؤال وجواب ذكره ابن السمعاني رحمه الله وسيأتي القول
في تعيين الايمان الذي جعلوا بناء كلامهم عليه إن شاء الله تعالى والله سبحانه وتعالى أعلم * والمالكية
والحنبلية موافقون لنا في المسألة يشترطون التقابض في بيع الطعام بالطعام كما هو في الصرف وقد
أطال كل من الفريقين الحنفية ومقابليهم من أصحابنا وغيرهم في الاستدلال والالزامات بما لم أر
تطويل الكتاب بذكره وعمدة الحنفية في الجواب مبني على أن الأثمان لا يتعين بالتعيين وسيأتي
الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى فمتى لم يتم لهم ذلك الأصل انحل كلامهم في هذه المسألة بقيام
الاجماع على اشتراط القبض في الصرف وحينئذ لا يبقى فرق بينه وبين الطعام والله أعلم *
(فائدة) قال نصر المقدسي رحمه الله فتحصل في القبض ثلاث مسائل ما يعتبر فيه القبض بالاجماع
وهو الصرف وما لا يعتبر فيه بالاجماع وهو بيع المطعوم بنقد ومختلف فيه وهو بيع المطعوم بعضه
ببعض (الحكم الرابع) جواز التفاضل عند اختلاف الجنس مع تحريم النساء والتفرق قبل التقابض
ولا خلاف في جواز المفاضلة عند اختلاف الجنس للأحاديث الصريحة السابقة وكذلك تحريم النساء
عند الاتحاد في علة الربا كما تقدم اما في المنصوص عليه فبالاجماع واما في غيره فبإجماع القايسين
72

والتفرق قبل التقابض حرام كذلك عندنا وعند المالكية والحنبلية خلافا للحنفية فيما عدا الصرف
كما قدمته وقد مضى الكلام في ذلك ومضت الأحاديث الدالة على وجوب التقابض عند اتحاد
الجنس (وأما) الأحاديث الدالة على وجوب التقابض عند اختلاف الجنس واتحاده فحديث عمر
رضي الله عنه وهو حديث مجمع على صحته خرجه مالك والشافعي والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجة في كتبهم وهذا لفظ البخاري (عن مالك بن أوس انه التمس صرفا بمائة دينار
قال فدعاني طلحة بن عبيد فتراودنا حتى اصطرف منى وأخذ الذهب يقلبها في يده ثم قال حتى يأتي
خازني (1) من الغابة وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يسمع فقال عمر رضي الله عنه والله لا تفارقه حتى تأخذ
منه ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالورق ربا إلاها وها والبر بالبر ربا إلاها وها والتمر بالتمر ربا إلاها وها
والشعير بالشعير ربا إلا ها وها) وفي رواية في الصحيح أيضا من قول عمر قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) فذكره وفى رواية (قال عمر والذي نفسي بيده ليردن إليه ذهبه ولينقدنه ورقه) يقول عمر ذلك
لمالك بن أوس وفى الكلام التفات قال سفيان بن عيينة هذا أصح حديث روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
في هذا يعني في الصرف وفى رواية في هذا الحديث (الورق بالورق ربا إلا ها وها والذهب بالذهب
ربا إلاها وها) رواها ابن أبي ديب عن الزهري عن مالك بن أوس وأسانيد الروايات المتقدمة أصح
وهي في صرف النقد بغير جنسه وعن عمر رضي الله عنه قال (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل
ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تبيعوا الورق بالذهب أحدهما غائب والآخر ناجز وان
استنظرك حتى يلج بيته فلا تنظره الا يدا بيد هات وهذا إني أخشى عليك الربا) ومما هو نص
في المسألة في الصرف حديث ابن عمر قال (كنت أبيع الذهب بالفضة أو الفضة بالذهب فأتيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فقال صلى الله عليه وسلم إذا بايعت صاحبك فلا تفارقه

(1) كذا بالأصل فحرر
73

وبينك وبينه ليس لفظ النسائي والحديث مشهور مما انفرد به سماك وأكثر ما يروى بلفظ في أخذ
البدل عما في الذمة (الحكم الخامس) ان البر والشعير جنسان فيجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا
هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة رحمه الله والنووي وأحمد وإسماعيل بن علية وأبو إسحاق وأبو ثور وداود
وهو مذهب عطاء وإبراهيم النخعي والشعبي والزهري والحسن البصري وأهل البصرة وأكثر أهل
الكوفة وقال به من الصحابة ابن عمر وعبادة بن الصامت وأبو هريرة وجابر بن عبد الله وأنس
ابن مالك * وخالف مالك رحمه الله والأوزاعي والليث بن سعد فقالوا لا يجوز بيع الحنطة بالشعير الا مثلا
بمثل وبه قال ربيعة وأبو الزناد والحكم وحماد وأبو عبد الرحمن السلمي وسليمان بن بلال وروى ولم
يصح عن القاسم وسالم وسعيد بن المسيب وهو رواية عن أحمد قال ابن عبد البر وهو قول أكثر
أهل المدينة وأهل الشام ودليلنا في المسألة قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة الثابت في مسلم قال (قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد
أو ازداد فقد أربى الا ما اختلفت ألوانه) (وقوله) في حديث عبادة (فإذا اختلفت هذه الأصناف
فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) وأيضا فإنه نص على الأشياء الستة وأفرد كل واحد منها باسم
وأنما قصد الأجناس فدل على أن البر جنس والشعير جنس ويدل على المسألة صريحا قوله صلى الله عليه وسلم
في حديث عبادة من رواية مسلم (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد)
ومن رواية النسائي (وأمرنا أن نبيع الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر
يدا بيد كيف شئنا) وهذا نص (وأما) تأويل الحنفية فقد تقدم الجواب عنه وفى حديث عبادة
الذي في سنن أبي داود (ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد وأما النسيئة
74

فلا) وكذلك عند النسائي (ولا بأس ببيع الشعير بالحنطة يدا بيد والشعير أكثرهما) رواه من طريقين
وروى النسائي أيضا وابن ماجة من طريق ثالثة إلى عبادة أيضا فقال في آخر حديثه (وأمرنا أن نبيع
الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا) وكل هذه الطرق
ترجع إلى مسلم بن يسار وعبيد الله بن عبيد عن عبادة وقدم تقدم التنبيه على أن مسلم بن يسار سمعه
من أبى الأشعث عن عبادة لكن الترمذي في جامعه ذكر اختلافا في هذه اللفظة فذكر أولا باسناده
من رواية خالد الخلاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيه (وبيعوا الشعير
بالتمر كيف شئتم يدا بيد) ثم قال حديث عبادة عن حديث حسن صحيح وقد روى بعضهم هذا
الحديث عن خالد بهذا الاسناد وقال بيعوا البر بالشعير كيف شئتم يدا بيد وروى بعضهم هذا
الحديث عن خالد الخلاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وزاد فيه قال
خالد قال أبو قلابة بيعوا البر بالشعير كيف شئتم فذكر الحديث انتهى كلام الترمذي فقد حصل
الاختلاف على خالد الخلاء هل المذكور في مقابلة الشعير التمر أو البر فإن كان التمر فلا دليل فيه
على المالكية لأنهم قائلون به وأنهما جنسان وإن كان البر فالخلاف في ذلك أيضا هل كذا من كلام
النبي صلى الله عليه وسلم أو مدرج في الحديث من كلام أبى قلابة كما ذكره الترمذي في الرواية الأخيرة ولذلك
أو نحوه قال أبو بكر الأبهري من المالكية في شرح كتاب ابن عبد الحكم أن قوله في حديث عبادة
بيعوا الشعير بالحنطة كيف شئتم ليس هذا من حديث متفق على صحته ولا يلزمنا حجة به وقال
أبو الوليد بن رشد من المالكية أيضا في مختصره لكتاب الطحاوي أن قوله بيعوا البر بالشعير كيف
75

شئتم يدا بيد زيادة لم يتفق عليها جميع الرواة فاحتمل أن تكون من قوله قياسا على قول النبي صلى الله عليه وسلم
في بعض الروايات فإذا اختلف الصنفان فبيعوا كيف شئتم (والجواب) عن هذه العلة أن هذا
الاختلاف عن خالد الخلاء ورواية التمر بدل البر وردت عنه من طريق سفيان الثوري ولم يصرح
بأنه سمعها منه وقد انفرد الترمذي عن الكتب الخمسة بهذه الروايات عن سفيان عن خالد والمعروف
عن سفيان من رواية الأشجعي عنه البر بالشعير رواه البيهقي وكذلك رأيته في حديث سفيان
لابن بشر الدولابي من رواية عبد الله وهو ابن الوليد العدني عن سفيان وقال فيه بيعوا الذهب
بالفضة كيف شئتم والبر بالشعير مثل ذلك قال سفيان عن خالد ثنا فزالت شبهة التدليس ورواه
جماعة عن سفيان فلم يذكروا فيه شيئا من اللفظين مثل أبى قرة موسى بن طارق رواه في سننه
عن سفيان فقال فيه والملح بالتمر ولم يذكر برا ولا شعيرا فيه فإذا نظرت ما في الترمذي مع ما ذكرته
عن الدولابي والبيهقي علمت أن الخلاف وقع على سفيان والراجح عنه رواية البر بالشعير لأن
الأشجعي من أثبت الناس فيه وقد تابعه عبد الله بن الوليد وصرح بالتحديث فهذا موضع الاختلاف
على خالد يوهن رواية التمر بالشعير ولو لم يحصل رجحان في الخلاف على سفيان ولا على خالد فالذي
يقتضيه النظر الرجوع إلى غير روايات خالد وقد رأينا غير خالد مثل محمد بن سيرين عن مسلم بن
يسار وعبد الله بن عبيد ومثل قتادة عن مسلم بن يسار عن أبي الأشعث رويا خلاف ما روى عن
خالد وقالا الشعير بالبر وفى حديث بن سيرين وأمرنا أن نبيع الذهب بالورق والبر بالشعير
76

والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا (وقوله) أمرنا محمول على أن الآمر هو النبي صلى الله عليه وسلم لا عبادة فلا
وجه لتحمل الادراج فيه فوجب ان يحكم بصحة ذلك ولا ينظر إلى التعارض والاختلاف على خالد
ويتأيد ذلك بما في الصحيح من قوله إلا ما اختلفت ألوانه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فان
ظاهر ذلك أن التمر بالتمر والشعير بالشعير يجوز متفاضلا إذا اختلفت ألوانه صدنا عن ذلك الاجماع
والنصوص فتبقى في البر بالشعير على مقتنسى الدليل وبقوله إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا
كيف شئتم والذي عولت المالكية عليه أمران (أحدهما) ما روى عن معمر بن عبد الله (أنه أرسل
غلامه بصاع قمح فقال بعه ثم اشتر به شعيرا فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض صاع فلما
جاء معمر أخبره بذلك فقال له معمر لم فعلت ذلك انطلق فرده ولا تأخذ الا مثل بمثل فاني كنت
أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الطعام بالطعام مثلا بمثل وكان طعامنا يومئذ الشعير قيل فإنه ليس
بمثله قال إني أخاف أن يضارع) رواه مسلم في الموطأ عن مالك أنه بلغه أن سليمان بن يسار (قال فني
علف دابة سعد بن أبي وقاص فقال لغلام له خذ من حنطة أهلك فابتع بها شعيرا ولا تأخذ الا بمثله)
وهذا الأثر منقطع في الموطأ وقد روى من طريق ابن أبي شيبة موصولا عن شبابة عن ليث عن نافع
عن سليمان بن يسار وروى زيد أبو عباس أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت فقال
له سعد أيهما أفضل قال البيضاء فنهاه عن ذلك وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن شرى التمر
بالرطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أينقص الرطب إذا يبس قالوا نعم فنهاه عن ذلك) أخرجه أبو داود وغيره
مما رواه الشافعي عن مالك قال ابن عبد البر والبيضاء الشعير معروف ذلك عند العرب بالحجاز كما
أن السمراء عندهم البر قال مالك وبلغني عن القاسم بن محمد عن معيقيب المدوسي مثل ذلك هكذا هو
77

في موطأ العقبى عن معيقيب وفى موطأ يحيى بن يحيى عن معيقيب وقال مالك أيضا عن نافع أن سليمان
ابن يسار أخبره أنه فني علف دابة عبد الرحمن بن الأسود بن يغوث فقال لغلامه خذ من حنطة
أهلك طعاما فابتع به شعيرا ولا تأخذ إلا مثله وروى عن يحيى بن أبي كثير عن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه أنه أرسل غلاما له بصاع من بر ليشترى له به صاعا من شعير وزجره ان زاد أو يزداد
قال ابن عبد البر وقد روى عن عمر بن الخطاب أنه رأى معيقيبا ومعه صاع من شعير قد استبدله
بمد من حنطة فقال له عمر رضي الله عنه لا يحل لك إنما الحب مد بمد وأمره أن يرده إلى صاحبه قال
ابن عبد البر فاحتمل أن يكون عمر رأى الحبوب كلها صنفا واحدا واحتمل أن يكون البر عنده
والشعير فقط صنفا واحدا فهؤلاء أربعة من الصحابة عمر وسعد بن أبي وقاص ومعمر ومعيقيب المدوسي
وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وهو من كبار التابعين منعوا التفاضل بينهما مع ظاهر قوله
صلى الله عليه وسلم (الطعام بالطعام مثلا بمثل) فهذا وجه من التمسك بالأثر وهو مغن عن تحقيق كونها جنسا
واحدا أو جنسين (الثاني) اثبات كونهما جنسا واحدا بالنظر فيما بينهما من التقارب وإذا ثبت ذلك
امتنع التفاضل بينهما ولم يشملهما منطوق قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم) بل
يكون مفهومه مانعا من التفاضل بينهما على تقدير كونهما جنسا قالوا لأن تقارب الاعراض والمنافع
في الشئ يصيره كالجنس الواحد بدليل اتفاقهم في الحنطة والعلس وان اختلفت أسماؤهما وأجناسهما
وما بين الحنطة والشعير من التقارب أشد مما بينهما وبين العلس هذا مع اتفاق القمح والشعير في
المسبب والمحصد وان أحدهما لا يكاد ينفك عن الآخر فلولا أنهما جنس واحد لم يجز بيع البر بالبر
78

وفيه شئ من الشعير لأنه لابد من تفاوتهما فهما نوعان لجنس واحد كالحنطة الحمراء مع السمراء
والاعتبار في الجنسية مع التقارب في الأحكام كالتقارب بين التمر والزبيب في الخرص وكذلك التقارب
في الأثمان والجلاوة لأن اغراض النفس تختلف في كل نوع منها ذكر القاضي عبد الوهاب هذا
جوابا عن قول الشافعي رضي الله عنه أن تقارب التمر والزبيب أشد من تقارب الحنطة والشعير وقال إن
الامر بالعكس ورجحوا مع هذين الامرين مذهبهم بأنه أحوط وأبعد عن الربا (والجواب) عن أثر
معمر أن فيه التصريح بأنه ليس مثله وإنما تركه تورعا وخشية أن يضارعه قال ابن العربي المالكي
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهما صنفان وجواز التفاضل بينهما فلا وجه للمضارعة والاحتراز من الشبهة
مع وجود النص (وأما) الأثر عن عمر ومعيقب فمنقطعان (وأما) الأثر عن سعد فعلى ظاهر رواية
سليمان بن يسار لا دليل في لجواز أن يكون فعل سعد ذلك على سبيل الورع كما فعل معمر وعلى
رواية ابن عباس أن سعدا سئل عن البيضاء بالسلت فقال سعد أيهما أفضل قال البيضاء فنهى عن ذلك
إلى آخره فقد أجاب الشافعي رحمه الله تعالى عنه في الام فقال في باب بيع الطعام بالطعام على
الحديث رأى سعد نفسه أنه كره البيضاء بالسلت فإن كان كرهها نسيئة فذلك موافق لحديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه نأخذ ولعله إن شاء الله تعالى كرهها لذلك وان كرهها متفاضلة فان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قد أجاز البر بالشعير متفاضلا فليس في قول أحد حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو القياس على سنة
النبي صلى الله عليه وسلم أيضا وهذا الكلام من الشافعي رضي الله عنه لا مزيد على حسنه وفيه تسليم أن البيضاء
بالسلت هي البر بالعشير وقد رأيت في كتاب غريب الحديث لإبراهيم الحربي أن السلت حبة
بيضاء مضرسة وأهل العراق يسمون جنسا من الشعير لا قشر له السلت ذكر ذلك في الحديث السادس
79

أن سعدا سئل عن السلت بالذرة فكرهه وهذا الذي قاله الحربي مع الذي قال ابن عبد البر يبين
أن البيضاء والسلت اللذين سئل عنهما سعد نوعان من الشعير لا سيما وسعد كان بالعراق فيحمل
السلت الذي سئل عنه على ما يتعارفه أهل العراق وحينئذ لا يجوز بيعه بالشعير متفاضلا لأنه نوع منه
كما أن الرطب والتمر نوعان من جنس واحد لا يجوز بيعهما متفاضلا لكن رواية الحربي تقتضي أن
سعدا كره السلت بالذرة أيضا فلعله يطرد ذلك في جميع المطعومات أو يكون مذهبه كما سنذكره من
مذهب الليث بن سعد لكن ابن عبد البر جعل ذكر الذرة في حديث سعد من وهم وكيع عن مالك
وليس كذلك فان الحربي رواه عن أحمد بن يونس وخالد بن خداش كلاهما عن مالك وقالا فيه
السلت بالذرة والله أعلم * وقال صاحب المحكم السلت ضرب من الشعير قال وقيل في السلت هو
الشعير بعينه وقيل هو الشعير الحامض وقال أبو عبيد الهروي في العرنيين في هذا الحديث البيضاء
الحنطة وهي السمراء وإنما كره ذلك لأنهما عنده جنس واحد هذا قول الهروي وعنه أن السلت
هو حب من الحنطة والشعير لا قشر له رواه البيهقي عنه في بعض نسخ السنن الكبير وروى
البيهقي باسناده في هذا الحديث عن سعد أنه سئل عن رجلين تبايعا بالسلت والشعير وإذا كان
كذلك والسلت هو الشعير فلا حجة فيه لذلك والله أعلم * وقال الخطابي البيضاء نوع من البرابيض
اللون وفيه رداءة يكون ببلاد مصر والسلت نوع غير البر وهو أدق حبا منه وقال بعضهم البيضاء
هي الرطب من السلت والأول أعرف لأن هذا القول أليق بمعني الحديث وعليه يبني موضع التشبيه
من الرطب بالتمر وإذا كان الرطب منهما جنسا واليابس جنسا آخر لم يصح التشبيه انتهى كلام الخطابي
فان صح أن البيضاء الرطب من السلت فمنع سعد ظاهر كالرطب وعبد الرحمن بن الأسود ليس
بصاحبي بل هو تابعي كبير ولد على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو صح القول بذلك عن أحد من الصحابة
80

معارضا (وأما) قوله صلى الله عليه وسلم (الطعام بالطعام مثلا بمثل) فاما أن يكون الطعام جنسا خاصا أو كل
ما يطعم فإن كان جنسا خاصا إما الحنطة وحدها أو الشعير كما قد يفهمه قوله (وكان طعامنا
يومئذ الشعير) فلا دليل فيه على المسألة وإن كان الطعام كل ما يطعم لزم ألا يباع القمح بالتمر ولا بغيره
من المطعومات إلا مثلا بمثل وهم لا يقولون به ولا أحد فتعين حمله على ما إذا كان من جنسه بدليل
قوله فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم) وحينئذ تقف الدلالة من الحديث ويحتاج في
تحقيق كونها جنسين أو جنسا واحدا إلى دليل منفصل (فان قلت) هل هذا الحمل من باب تخصيص
العموم أو من باب حمل المطلق على المقيد (قلت) من باب تخصيص العموم والمخصوص هو من قوله بالطعام كأنه
قال الطعام بالطعام المجانس له مثلا بمثل والتجانس في اللفظ يشعر بالتجانس في المعنى (وأما) حمل المطلق
على المقيد فمتعذر فيما إذا كان الحكمان نهيين فإن كان المراد بالحديث النهى عن بيع الطعام بالطعام
إلا مثلا بمثل وهو المتبادر إلى الفهم والموافق لبقية الأحاديث فإنه ههنا حمل المطلق على المقيد وإن كان
المراد بالحديث بيان وجوب المماثلة في الطعام بالطعام (فان قلنا) ان المراد المعرف بالألف
واللام العموم كما هو رأى أكثر الفقهاء فأيضا لا اطلاق ولا تقييد ويتعين المصير إلى التخصيص
(وان قلنا) لا يعم فيمكن أن يقال به على بعد لأن ايجاب وصف في مطلق ماهية لا يستدعى
وجوبه في كل أفرادها ووجه بعده لا يخفى (وأما) ما تمسكوا به من جهة المعنى وتحقيق كونهما جنسا
واحدا تتقارب المنفعة فيهما والأمور التي ذكروها (فقد) أجاب أصحابنا بأن القمح والشعير مختلفان في
الصفة والخلقة والمنفعة فان القمح يوافق الآدمي ولا يوافق البهائم والشعير بالعكس يوافق البهائم
ولا يوافق الآدمي غالبا ولا يغلب اقتياتهما في بلد واحد وإنما يغلب اقتيات الشعير في موضع يعز
81

القمح فيه وهذه الذرة يقتاتها خلق من الناس والأرز يقتات غالبا في بعض البلاد وهما عند مالك
صنفان جائز التفاضل بينهما وبين كل منهما وبين البر وجعل الليث بن سعد الذرة والدخن والأرز
صنفا وسلم في القطاني كالعدس والحمص والفول والجلبان فنلزمه بالقول لأنه يقتات في بعض الأوقات
ويختبز وقد جعل ذلك هو العلة فيما نقل عنه وقد حصل اختلاف المالكية في القطاني وسأذكر
خلافهم في ذلك في فصل جامع أتكلم فيه على تحقيق الأجناس إن شاء الله تعالى وهذا الذي ألزمناهم
به ههنا هو قول مالك الذي لا اختلاف عنه فيه (وأما) الغاء القاضي عبد الوهاب ما ألزمهم الشافعي به
من التقارب بين التمر والزبيب في أنهما حلوان ويخرصان وتجب الزكاة فيهما فإلغاء على وجه التحكم
والا فما الدليل على ابطال هذه الشبه واعتبار ما ادعاه هو (وأما) احتجاجهم ببيع البر بالبر وفيه شئ
من الشعير فإن كان الشعير المخالط قدرا لو ميز لظهر على المكيال فإنه يمنع الحكم وعندنا أن البيع
لا يجوز والحالة هذه وإن كان الشعير المخالط لا يظهر على المكيال لو ميز فجواز البيع حينئذ لعدم
ظهوره في المكيال لا لموافقته في الجنس ألا ترى أن التراب الذي لا يظهر في المكيال لا تضر مخالطته
وليس بجنس للطعام وقولهم إن ذلك بمنزلة الحنطة الحمراء مع السمراء ممنوع فان الحنطتين ليس لكل
منهما اسم خاص بخلاف الشعير مع القمح (وأما) العلس فإنه يصدق عليه اسم الحنطة بخلاف
الشعير لا يصدق عليه حنطة لا في لغة ولا غيرها * ثم إن ما يحاولونه من المعنى ينكسر بالذهب والفضة
فان قيام كل منهما مقام الآخر أعظم من قيام الشعير مقام البر ومع ذلك هما جنسان وبالجملة
فالنص مغن عن الالتفات إلى المعنى وقد ثبت ذلك في جانبنا كما تقدم صريحا من رواية أبى داود
والترمذي وغيرهما وظاهرا من رواية مسلم في حديث أبي هريرة وعبادة وقد قاس أصحابنا على ما إذا
أتلف له حنطة أو أقر له أو صالحه عليها أو ضربها الإمام جزية أو وجب عشر حنطة لم يقم الشعير
مقامها في شئ من ذلك *
82

(التفريع على هذه الأحكام)
(فرع) على تحريم التفاضل في الجنس الواحد قال أصحابنا لا يجوز بيع الذهب بالذهب
متفاضلا ولا الفضة بالفضة كذلك سواء كانا مصوغين أو تبرين أو عينين أو أحدهما مصوغا والآخر
تبرا أو عينا أو جيدين أو رديئين أو أحدهما جيدا والآخر رديئا أو كيف كان وهو مذهب الأوزاعي
وأبي حنيفة وأحمد وأكثر العلماء وعلى ذلك مضى السلف والخلف قال الشافعي رضي الله عنه في
كتاب الصرف من الام (ولا خير في أن يصارف الرجل الصائغ الفضة بالحلي الفضة الممولة ويعطيه
اجارته لأن هذا الورق بالورق متفاضلا ولا نعرف في ذلك خلافا إلا ما روي عن معاوية أنه كان
لا يرى الربا في بيع العين بالتبر ولا بالمصوغ ويذهب إلى أن الربا لا يكون في التفاضل إلا في التبر
بالتبر وفى المصوغ بالمصوغ وفى العين بالعين كذلك حكاه ابن عبد البر ويشهد له ما تقدم وقد
أشرت إليه هناك * وحكى بعض أصحاب أحمد عن أحمد أنه لا يجوز بيع الصحاح بالمكسر لأن للصناعة
قيمة وحكي أصحابنا وغيرهم عن مالك رحمه الله تعالى جواز بيع المضروب بقيمته من جنسه كحلي وزنه
مائة يشتريه بمائة وعشرة وتكون الزيادة في مقابلة الصنعة وهي الصياغة قال الشيخ أبو حامد
قال الأوزاعي كان أهل الشام يجوزون ذلك فنهاهم عمر بن عبد العزيز والمالكية ينكرون هذا
83

النقل عن مالك قال القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة وحكى بعضهم عنا في هذا العصر أنه
يجوز أن يستفضل بينهما قدر قيمة الصياغة وهذا غلط علينا وليس هذا بقول لنا ولا لاحد على وجه
والدليل على منع ذلك عموم الظواهر التي قدمناها وليس فيها فرق بين المصوغ والمضروب وصرح
القاضي عبد الوهاب بأن زيادة قيمة الصنعة إنما لا تراعى إلا في الاتلاف دون المعاوضات فلا وجه
لنصب الخلاف معهم وهم موافقون وقد نصب أصحابنا الخلاف معهم وكان شبهة النقل عنه في ذلك
مسألة نقلها الشافعي رحمه الله عن مالك فكأن الأصحاب أخذوا منها ذلك لما كان لازما بينا منها
وها أنا أنقل المسألة من كلام المالكية قال ابن عبد البر في الاستذكار رواها جماعة من أصحاب مالك
عن مالك وهي مسألة سوء منكرة لا يقول بها أحد من فقهاء المسلمين وقد روى عن مالك في غير
مسألة ما يخالفها قال مالك في التاجر يأتي دار الضرب بورقه فيعطيهم أجر الضرب ويأخذ منهم وزن
ورقه مضروبة قال إذا كان ذلك لضرورة خروج الرقعة ونحوه فأرجو أن لا يكون به باس وقال سحنون
عن ابن القاسم أراه حقيقا للمضطر ولذي الحاجة قال ابن وهب وذلك ربا ولا يحل شئ منه وقال
عيسى بن دينار لا يصلح هذا ولا يعجبني اه‍ وقد ذكر بن رشد هذه المسألة في كتاب البيان
والتحصيل ونقل عن مالك أنه قال إني لا أرجو أن يكون حقيقا وقد كان يعمل به بدمشق فيما مضى
وتركه أحب إلى أهل الورع من الناس فلا يفعلون ذلك وقال ابن رشد إنها على وجهين مذمومين
أخفهما خلط اذهاب الناس فإذا خرجت من الضرب أخذ كل انسان منهم على حساب ذهبه وأعطى
الضراب اجرته ونقل عن مالك رحمه الله أنه كان يعمل به في زمان بنى أمية لأنها كانت سكة واحدة
والتجار كثير والناس مجتازون والأسواق متقاربة فلو جلس كل واحد حتى يضرب ذهب صاحبه
فاتت الأسواق فلا أرى بذلك بأسا فاما اليوم فان الذهب يغش وقد صار لكل مكان سكة تضرب
84

فلا أرى ذلك يصلح والى هذا ذهب ابن الموان من رأيه ان ذلك لا يجوز اليوم لأن الضرورة
ارتفعت وقال سحنون لا خير فيه واليه ذهب ابن حبيب وحكى أنه سأل عن ذلك من لقى من
المدنيين والمصريين فلم يرخصوا فيه على حال (والوجه الثاني) استعمال الدنانير ومبادلتها بالذهب
بعد تخليصها وتصفيتها مع زيادة أجرة عملها قال فقال ابن حبيب ان ذلك حرام لا يحل لمضطر ولا
لغيره وهو قول ابن وهب وأكثر أهل العلم وخفف ذلك مالك رحمه الله في وسم بدرسعة مصوفها
بعد هذا لما يصيب الناس في ذلك من الحبس عن حقوقهم في ذلك كما جوز المعرى جواز العرية
بخرصها وكما جوز دخول مكة بغير احرام لكن يكثر التردد إليها ثم قال ما هو من عمل الأبرار
وقال ابن القاسم أراه خفيفا للمضطر وذوي الحاجة (والصواب) ان ذلك لا يجوز الا مع
الخوف على النفس الذي يبيح أكل الميتة وإنما خفف ذلك مالك ومن تابعه مع الضرورة
التي تبيح أكل الميتة مراعاة لقول من لا يرى الربا الا في النسيئة روى ذلك عن ابن عباس
ثم قال ابن رشد في آخر كلامه ولم يجز مالك ولا أحد من أصحابه شراء حلي الذهب والفضة
بوزنه من الذهب والفضة وزيادة قدر الصياغة وإن كان معاوية يجيز تبر الذهب بالدنانير
متفاضلا والمصوغ من الذهب بالذهب متفاضلا إذ لا ضرورة في ذلك فراعى فيه قوله إنتهى ما أردت
نقله من كلامه فقد ظهر بذلك تحرير مذهب مالك ووجه الاشتباه في النقل عنه ولا فرق بين معنى
ما نقل عنه ومعنى ما قاله إلا للضرورة وقد ذكر أصحابنا لما نقلوا عنه حجتهم في ذلك وجوابها فنذكرها
ليستفاد ويحصل بها الجواب عن مذهب معاوية وعما ذهبوا إليه في حالة الضرورة فنقلوا من
احتجاج من نص قولهم إنه لو أتلف على رجل حليا وزنه مائة وصياغته تساوى عشرا فإنه يجب عليه
مائة وعشرة ولا يكون ذلك ربا فكذلك إذا اشتراه وقد ذكر أصحابنا الجواب عن ذلك وأبسطهم
جواب القاضي أبو الطيب قال الجواب عن احتجاجهم بقياس البيع على الاتلاف أن أصحابنا قالوا
85

إذا أتلف على رجل ذهبا مصوغا فإن كان نقد البلد من غير جنس المتلف مثل أن يكون نقد البلد
فضة والمتلف ذهبا فإنه يقوم بنقد البلد ولا يكون ربا وإن كان نقد البلد من جنس المتلف مثل أن
يكون جميعا ذهبا أو يكون فضة فاختلف أصحابنا فيه فمنهم من قال يقوم بغير جنسه وان لم يكن
من نقد البلد فعلى هذا لا يصح ما قالوه ومن أصحابنا من قال يوم بنقد البلد وإن كان من جنس المتلف
بالغا ما بلغت قيمته وان زادت على وزنه فعلى هذا يكون الفرق بين ضمان الاتلاف وضمان البيع من
ثلاثة أوجه (أحدها) انه إذا بذل في مقابلة الذهب المصوغ أكثر من وزنه كانت الزيادة في
مقابلة الصياغة والصياغة إنما هي تأليف بعض الذهب إلى بعض والتأليف لا يأخذ قسطا من الثمن ألا ترى
أنه لو باع دارا مبنية بثمن معلوم ثم انهدمت قبل تسليمها إلى المشترى فان العقد لا ينفسخ ويقال للمشترى إما أن تأخذها بجميع الثمن أو تفسخ العقد وليس لك أن تسقط من الثمن جزءا لأجل
زوال تأليف الدار فلم يصح قول مالك إن زيادة الثمن تكون في مقابلة الصياغة (والثاني) أنه لا يمتنع
أن يجرى التفاضل في قيمة المتلف ولا يجرى في البيع ألا ترى أنه لو أراد أن يبيع درهما صحيحا
بأكثر من درهم مكسر لم يجز ولو أتلف على رجل درهما صحيحا ولم يوجد له مثل فإنه يقوم بالمكسر
وان بلغت قيمته أكثر من درهم ولا يكون ربا فدل على الفرق بين البيع والاتلاف (والثالث)
أن الاتلاف قد يضمن به مالا يضمن بالبيع ألا ترى أن من أتلف حرا أو أم ولد لزمه قيمتها ولو باعها
لم تصح ولم تجب عليه قيمتها فدل على الفرق بالضمانين وبطل اعتبار أحدهما بالآخر هذا كلام القاضي
نقلته بلفظه لحسنه والله أعلم *
(فرع) على تحريم التفاضل أيضا نقلت المالكية عن مالك أنه أجاز مبادلة الدنانير أو الدراهم
الناقصة بالوازنة على وجه معروف يدا بيد كرجل دفع إلى أخ له ذهبا أو ورقا ناقصا أو طعاما مأكولا
فقال له أحسن إلي أبدل هذا بأجود منه وأنفقه فيما ينفق قال الأبهري قال ذلك لأنه على وجه المعروف
86

فجاز كما يجوز أن يقضى في القرض خيرا مما أخذه قال ابن رشد ومعنى ذلك في الذهب والورق
بأقل منه الدينارين والثلاثة إلى الستة على ما في المدونة وإن كان سحنون قد أصلح الستة وردها ثلاثة
قال ابن رشد وقوله بأجود منه يدل على جواز بدلها بأوزن وأجود خلاف قول مالك في المدونة مثل
قول ابن القاسم فيها ثم قال ومنع ذلك أشهب كالدنانير الكثيرة النقص بالوازنة فلم يجز المعفون
بالصحيح ولا لكثير الغش بالخيف الغش وأجاز ذلك سحنون في المعفون وقال أنه لا يشبه الدنانير
لأن بين الدنانير الكثيرة النقص بالوازنة تفاضلا بالوزن ولا تفاضل في الكيل بين المعفون والصحيح
وأصحابنا لا يجيزون شيئا من ذلك ولا يغتفرون من التفاضل شيئا قال الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب
الصرف في الام ولا خير في أن يأخذ منه شيئا بأقل منه وزنا على وجه البيع معروفا كان أو غير معروف
والمعروف ليس يحل بيعا ولا يحرمه فإن كان وهب له دينار وأثابه الآخر دينارا أوزن منه أو أنقص فلا بأس
فإنه أسلفه ثم اقتضى منه أقل فلا بأس لأنه مقطوع له بهبة الفضل وكذلك ان تطوع له القاضي
بأكثر من وزن ذهبه فلا بأس في هذا * ليس من معاني البيوع اه‍ والله أعلم *
(فرع) نص عليه الشافعي والأصحاب له تعلق بالتماثل والتفاضل * إذا قال رجل لصائغ صغ
لي خاتما من فضة لأعطيك درهم فضة وأجرة صياغتك ففعل الصائغ ذلك قال القاضي أبو الطيب
ونصر المقدسي وغيرهما لم يصح ذلك وكان الحاكم على ملك الصائغ لأنه شراء فضة مجهولة بفضة مجهولة
وتفرقا قبل التقابض وشرط العمل في الشراء وذلك كله يفسد العقد فإذا أصاغه فان أراد أن يشتريه
اشتراه بغير جنسه كيف شاء وبجنسه بمثل وزنه وقال الشافعي في كتاب الصرف من الام ولا خير
في أن يأتي الرجل بالفص إلى الصائغ فيقول له اعمله لي خاتما حتى أعطيك ذلك وأعطيك أجرتك
وقاله مالك انتهى كلام الشافعي وقالت الحنبلية للصائغ أخذ الدراهم أحدهما في مقابلة الخاتم والثاني
أجرة له فيما إذا قال صغ لي خاتما وزنه درهم وأعطيك مثل زنته وأجرتك درهما والله أعلم * فان أراد
أن للصائغ أخذ الدرهمين بحكم العقد الأول فهو فاسد لما قاله القاضي أبو الطيب من عدم القبض
87

والشرط وان أرادوا بحكم عقد جديد يورده على الخاتم المصوغ بعد صياغته فهذا عين ما تقدم في
المنسوب إلى مالك فلا اتجاه لهذا الفرع إلا عليه والله أعلم * قال في الذخائر وكذا لو قال بعني درهما بدرهم
وصفه وأجرتك كذا وتفرقا على ذلك لم يجز أيضا لما فيه من التفرق قبل القبض والشرط العمل والله
أعلم وفى معنى هذا الفرع وان لم يكن ما باب الربا *
(فرع) لو نسج الحائك من ثوب بعضه فقال له بعني هذا الثوب بكذا وكذا على
أنك تتمه لم يجز نقله المحاملي وغيره عن نصه في الصرف قال لأنه ليس بمعين ولا موصوف في الذمة
(فرع) ومن كان معه قطوع مكسره من الذهب أو الفضة أو نقرة فأراد أن يبيعها بجنسها
صحاحا أو كان معه صحاح فأراد أن يبيعها بجنسها قطوعا فاما أن يتراضيا على المساواة بينهما في الوزن
وإما أن يبيع أحد النقدين بعرضين ويتقابضا ثم يشترى بالعرضين من النقد الآخر فاما مع الزيادة
أو النقص فهو الربا كذلك قال نصر في تهذيبه وهو مما لا خلاف فيه قال نصر وهكذا الدينار الرومي
بالعربي والخراساني بالمغربي والدراهم الرومية مع العربية والخراسانية مع المغربية وكذلك في الصقلي
مع المصري وسائر ما يكون من ذلك *
88

(فرع) وهكذا في المطعوم بلا خلاف قال نصر في التهذيب إذا باع صاع حنطة جيدة
لها ريع وافر بصاع حنطة رديئة ليس لها ريع وافر جاز ولا تجوز الزيادة فيه لأجل الريع وكذلك في
سائر الحبوب وهكذا إذا باع صاع صيجاني أو معقلي بصاع دقل أو صاع جمع جاز وإن كان أحدهما
أجود من الآخر وكذلك في سائر أجناس المطعومات لأن المساواة المأمور بها قد وجدت فلا يجوز
خلافها لأمر آخر كما لو باع دينارا صرفه خمسون درهما بدينار صرفه أربعون درهما فإنه يصح لما
ذكرنا انتهى والله أعلم *
(فرع) على تحريم التفاضل لا يجوز بيع العلس بالحنطة لعدم التماثل بينهما كذلك الشعير
بالسلت لأن على العلس قشرتين *
(فرع) من فروع اشتراط التقابض في المجلس قال الشافعي رحمه الله في كتاب الصرف
من (1) إذا اشترى دينارا بدينار وتقابضا ومضى كل واحد منهما يستعير الدينار الذي قبضه
بالوزن جاز قال صاحب البيان وهذا يقتضى أن يكون كل واحد منهما قد عرف وزن الدينار وصدقه
الآخر وتقابضا على ذلك فاما إذا جهل وزن الدينار لم يجز البيع فان وزن أحدهما الدينار الذي أخذه
فنقص يبطل الصرف لأنه وقع العقد على عوضين متفاضلين *
(فرع) من فروع التقابض إذا باع دينارا بعشرين في ذمته فأحاله المشتري على إنسان
بالعشرين وتفرقا لم تقم الحوالة مقام القبض وبطل الصرف بتفرقهما قاله نصر في التهذيب *
(فرع) على التقابض أيضا قد عرف فيما تقدم أن التقابض شرطه أن يكون في المجلس ولا يشترط
عندنا أن يكون زمن العقد قصيرا بل سواء طال المجلس أم قصر للأثر المروى عن عمر رضي الله عنه
في مصارفة طلحة ووافقنا على ذلك الحنفية والحنبلية ولم يسمح مالك رحمه الله بالاكتفاء بالتقابض
في المجلس إذا طال والله أعلم *

(1) بياض بالأصل فحرر
89

(فرع) على تحريم النساء في الجنس الواحد والجنسين المتفقي العلة لا فرق في ذلك بين قليل
الأجل وكثيره وليس الحلول ملازما للتقابض فقد يؤجل بساعة ويحصل القبض في المجلس ومع
ذلك هو فاسد لعدم الحلول وهذا لا خلاف فيه وممن صرح به في اليوم والساعة ونحوهما الغزالي ومحمد
ابن يحيى وقد تكرر في كلام صاحب الذخائر أن المعني بالنسيئة تأخر القبض وأنكر أن يكون
المقصود به الحلول وليس بصحيح والعقود المشتملة على عوض مالي ثابت في الذمة بالنسيئة إلى الحلول
وعدمه على أقسام (منها) ما يشترط فيه الحلول بالاجماع وهو عقود الربا (ومنها) ما يشترط فيه الأجل وهو
الكتابة (ومنها) ما يجوز حالا ومؤجلا وهو أكثر العقود (ومنها) ما يجوز مؤجلا بالاجماع وفي جوازه
حالا خلاف بين العلماء *
(فرع) من فروع اشتراط الحلول في الربويات إذا بيع منها الشئ بجنسه امتناع السلم فيها
كذلك ولذلك قال الغزالي في الوسيط لما تكلم في التماثل في الحلول قال ونعني به معنى الأجل
والسلم يعني ان كل عوضين مجتمعين في علة تحريم التفاضل فلا يجوز إسلام أحدهما في الآخر كالحنطة
مع الشعير والدراهم مع الدنانير وهذا هو المشهور المنصوص أما المؤجل فظاهر وأما الحال فلان الغالب
على جنس السلم الأجل والغالب على الأجل أنه يتأخر عن المجلس فلما اشترط التقابض كان ظاهرا
في اخراج ما يتأخر فيه التقابض غالبا والله أعلم * وكذلك لا يجوز اسلام أحدهما فيما هو من جنسه
بطريق أولى قال الشافعي رحمه الله تعالى في الام ولا يسلم مأكولا ومشروبا في مأكول ومشروب
وقال أيضا ولا يجوز أن يسلم ذهب في ذهب ولا فضة في فضة ولا ذهب في فضة ولا فضة في ذهب
90

وبه جزم الماوردي وابن الصباغ والمصنف في هذا الباب وغيرهم ولم يفصلوا بين أن يكون مؤجلا أو
حالا والقاضي أبو الطيب أنه حكاه عن الأصحاب ثم قال (قلت) انا ان أسلم ذلك مطلقا كان حالا
فان تقابضا في المجلس جاز عندي واقتضى كلام الغزالي في البسيط ترجيح هذا وجعله بيعا بلفظ
السلم على أن كلام الغزالي في الوسيط الذي حكيته استشكله جماعة وتكلموا عليه وحمله بعضهم على السلم
المؤجل وجعل عطفه على الأجل من عطف الخاص على العام وبعضهم اعترف بان المراد ألا يعقد
بصيغة السلم وهذا هو الحق (وأما) إسلام النقدين في المطعومات فصحيح إذ لم يجتمعا في علة
واحدة قال محمد بن يحيى (فان قيل) ينبغي ألا يصح لأن الحديث أخذ علينا شرطين الحلول
والتقابض عند اختلاف الجنس (قلنا) ظاهر هذا الكلام يقتضى هذا تنزيلا على اختلاف الجنسين
في هذه السنة المذكورة غير أن الأمة أجمعت على أن السنة المذكورة في الحديث جملتان متفاضلتان
النقدان والأشياء الأربعة تنفرد كل جملة بعلتها والمراد بالحديث اختلاف الجنسين من جملة واحدة
كالذهب بالفضة والحنطة بالشعير وحاصله تخصيص عام أو تقييد مطلق بالاجماع وهذا الاجماع الذي
قاله محمد بن يحيى والذي قاله المصنف في آخر هذا الفصل وسأذكر من نقله غيرهما إن شاء الله
تعالى
(قاعدة) لعلك تقول قد تقرر ان العلة في الربويات الأربعة عند الشافعي الطعم وذلك
مشترك في الجنس والجنسين فما السبب في اختلاف الحكم حيث كان المحرم عند اتحاد الجنس
ثلاثة أشياء وعند اختلاف الجنس شيئين فقط (فاعلم) بان الوصف المحكوم بكونه علة تارة لا يعتبر
معه أمر آخر أصلا فهذا متى ثبت ثبت الحكم وتارة يعتبر معه أمر آخر إما شرط في تأثره
وأما محل يؤثر فيه دون محل آخر وهذا إذا وجد في محله أو مع شرطه أثر وإذا وجد بغير شرطه
91

أوفى غير محله لا يؤثر ذلك الحكم الخاص وقد يؤثر في حكم من جنس ذلك الحكم مثاله الزنا علة
للرجم في المحصن فإذا فقد الاحصان لا يؤثر الرجم ولكنه يؤثر في حكم من جنسه وهو الجلد فالطعم
علة في تحريم الثلاثة التفاضل والنساء والتفرق قبل التقابض إذا كان في جنس واحد أما إذا كان
في جنسين فيؤثر في النساء والتفرق فقط فمطلق الطعم علة لتحريم هذين الشيئين من غير شرط وعلة
لتحريم التفاضل بشرط كونه في جنس واحد فعليته مشتركة بين الثلاثة لكن في واحد منها بشرط
وفى اثنين بغير شرط وعند هذا أذكر تقسيما في مطلق العقود وهي تنقسم إلى أربعة أقسام لأنه إما
أن يحصل في العوضين اشتراك في علة الربا والجنسية أو لا يحصل واحد منهما أو يحصل الاشتراك
في العلة فقط أو في الجنسية فقط (فالقسم الأول) يحرم فيه النساء إجماعا والتفاضل والتفرق قبل القبض
(والثاني) يجوز فيه التفاضل والنساء والبدل قبل التقابض سواء كانا من أموال الربا كالذهب
والحنطة أم لا كاسلام عبد في ثوبين وفى ثوب واحد (والثالث) تحريم النساء والتفرق ولا يحرم
التفاضل كالذهب بالفضة والملح بالحنطة (والرابع) يجوز التفاضل فيه نقدا كبيع عبد بعبدين ولا
خلاف عندنا في جوازه نساء ولبقية العلماء اختلاف فيه كما إذا أسلم ثوبا في ثوبين فالقسم الرابع
وأحد نوعي القسم الثاني ذكرهما المصنف في الفصل الذي قبل هذا الفصل * إذا عرفت ذلك
فاعتبار الجنسية في القسم الأول هل نقول الجنسية شرط العمل العلة فالجنسية وحدها لا أثر لها عندنا
أو وصف من أوصافها فتكون مركبة أو مجمل فيه العلة فالذي يوجد في كلام المتقدمين من أصحابنا
كالشيخ أبى حامد وغيره انه وصف وان العلة مركبة وتبعه على ذلك جماعة من العراقيين منهم
المصنف وهو الذي يقتضيه كلام الكفاية في تخريج أبي بكر الصيدلاني من طريقة ناصر
92

العمري وزعم القاضي عبد الوهاب المالكي اتفاق أصحابهم ممن صنف الخلاف وأصحابنا وأصحاب أبي
حنففة على مر الأعصار إلى وقته أن الجنس أحد وصفى علة الربا قال وخالف قوم من أهل
هذا العصر من أهل المذهبين جميعا في ذلك يعني الحنفية والشافعية فمن أصحاب الشافعي من قال
العلة هي الطعم بمجرده ولكن الجنس من شرطه فكأن يقول العلة الطعم في الجنس سمعت
القاضي أبى القاسم بن كج الشافعي بالدينو يقول هذا ويذهب إليه ثم قال ليس عن مالك رحمه الله ولا
عمن عاصره من أصحابه في ذلك شئ يتحرر ولم يدققوا في النظر ولا تعلقوا فيه إلى هذا التضييق
والتحقيق ثم اختار عبد الوهاب أن الجنس شرط كما نقله عن الشافعي والحنفية وذكر عن ابن أبي
زيد ما يدل على ذلك وأما المراوزة من أصحابنا فأطبقوا على أن الجنسية ليست بوصف وأطنب
الغزالي وغيره في تحقيق ذلك وفرعوا عليه أن الجنسية لا أثر لها لأن المحل لا أثر له والحنفية جعلوا الجنسية وصفا في
العلة ففرعوا عليه أن الجنسية وحدها تحرم النساء فلا يجوز اسلام ثوب في ثوبين ومعنى المحل ما يعين لعمل
العلة ولا يؤثر في الحكم ثم اختلفت المراوزة هل هي محل أو شرط فاختار إمام الحرمين والغزالي
وتلميذه ابن يحيى أنها محل واختار الشريف المراغي والفقيه القطب انها شرط قال الرافعي وليس تحت
هذا الاختلاف كبير طائل ومنع أنه إذا كان وصفا يلزم إفادته والله أعلم * والغزالي قد تعرض
لهذا المنع أيضا في التحصين
(قاعدة) العقود بالنسبة إلى التقابض على أربعة أقسام (منها) ما يجب
فيه التقابض قبل التفرق بالاجماع وهو الصرف (ومنها) ما لا يجب بالاجماع كبيع المطعومات وغيرها
من العروض بالنقدين الذهب والفضة (ومنها) ما يشترط عندنا وعند مالك وأحمد خلافا لأبي حنيفة
وهو بيع الطعام بالطعام (ومنها) ما يشترط عندنا وعند أبي حنيفة خلافا لمالك ولا يشترط عنده فيه
قبض رأس المال في المجلس والله أعلم *
93

(فصل) في التنبيه على ما يحتاج إليه من ألفاظ الحديث الذي ذكره المصنف (الذهب)
يذكر ويؤنث وجمعه اذهاب والورق الفضة وفيه أربع لغات - فتح الواو مع كسر الراء واسكانها
وكسر الواو مع اسكان الراء - وهذه الثلاث مشهورة والرابعة - فتح الواو والراء معا - حكاهما الصاغاني في
كتاب الشوارد في اللغات قال وقرأ أبو عبيد (أحدكم بورقكم) ونقلت ذلك من خط شيخنا الحافظ
أبى محمد الدمياطي وضبطه (وقوله) صلى الله عليه وسلم (مثلا بمثل) أكثر الروايات هكذا بالنصب
وهو على الحال ففي الحديث المصدر بالنهي التقدير لا تبيعوا الأشياء المذكورة في حالة من الأحوال
إلا في حالة المماثلة وفى الحديث الآخر التقدير الذهب مبيع بالذهب في حالة المماثلة ورأيت في كلام
جماعة من الفقهاء أنه روى في هذا الحديث مثل بمثل بالرفع فيكون مثل بمثل مبتدأ وخبر
وهي جملة مبينة للجملة الأولى وهي قوله الذهب بالذهب وأخواتها والتقدير مثل منه
بمثل وحذفت منه ههنا كما حذفت منوان منه بدرهم والمثل في اللغة النظير قاله ابن فارس
قوله (سواء بسواء) قال الأزهري مستويا بمستو لا فضل لأحدهما على الآخر قال الله تعالى (ليسوا
سواء) أي مستوين وكذلك قوله (سواء للسائلين) أي مستويا وهذا مصدر وضع موضع الفاعل
فاستوى الجمع والواحد والمذكر والمؤنث فيه ويكون السواء بمعنى العدل والنصفة بمعنى الوسط قوله
(عينا بعين) منصوب على الحال يريد مرئيا بمرئى لا غائبا بغائب ولا غائبا بحاضر فيجوز ان يراد بالعين عين
المرئي لأنها سبب الرؤية قال الأزهري أي حاضرا بحاضر وهو في معنى الأول وقد يؤخذ من الكلمتين
94

كلمة واحدة منصوبة على الحال أي معاينة كما في مثل قولهم كلمته فاه إلى في أي مشافهة والعين في
اللغة تطلق على معان حاسة البصر والعين والمعاينة والنظر والعين الذي ينظر للقوى وهو الريبة والعين
الذي تبقيه ليتجسس لك الخبر والعين ينبوع الماء وعين الركية مصب مائها والعين من السحاب ماء
عن يمين قبلة العراق وقد يقال العين ماء عن يمين قبلة العراق إلى الناحية والمعين مطر أيام لا يقلع
وقيل هو المطر يدوم خمسة أيام أو ستة والعين الناحية كذا أطلقه ابن سيده وعين الركية نقرة في
مقدمها وعين الشمس شعاعها الذي لا تثبت عليه العين قاله ابن سيده والمعين المال الحاضر ومن
كلامهم عين غير دبر والعين الدينار والعين الذهب عامة قال سيبويه وقالوا عليه مائة عينا والرفع
الوجه والعين في الميزان الميل وجئتك بالحق من عين صافية أي من فضة وجاء بالحق بعينه أي
خالصا واضحا وعين المتاع خياره وعين الشئ نفسه وشخصه وأصله والعين والعينة المسلف وقال
ابن فارس العين الثقب في المزادة والعين المال الناض قاله ابن فارس وقال الخطابي المضروب من الدراهم
والدنانير والعين الإصابة بالعين والعين عين الشمس في السماء قالها الأزهري فهذه نيف وعشرون
للعين مجموعة من كلام الأزهري وابن سيده وابن فارس والهروي وأكثرها في كلام ابن سيده وقوله
(يدا بيد) إعرابه كما تقدم أي مقابضة وهو منصوب على الحال مثل كلمته فاه إلى في أي مشافهة عن
سيبويه * قال واعلم أن هذه الأسماء التي في هذا الباب لا يفرد منها شئ دون شئ فلا تقل بعته يدا
حتى تقول بيد وكذلك الثاني ومن العرب من يرفع هذا النحو وقد تقدم الكلام في الجمع بينهما
95

ومن جمع من الرواة بينه وبين قوله عينا بعين ومن اقتصر على أحدهما ودعوى الحنفية أن الثانية
مؤكدة للأولى ودعوى الشافعية أن كلا منهما بمعنى فالعين لإفادة الحلول واليد لإفادة التقابض أي
مقبوضا بمقبوض ويعبر عنه بكلمة واحدة كما تقدم فنقول مناجزة قال الأزهري أي يعطى بيد ويأخذ
بأخرى قال الفراء العرب تقول باع فلان غنمه باليدين يريد تسليمها بيد وأخذ ثمنها بيد قال ويقال
أبيعت الغنم باليدين أي بثمنين مختلفين أخبرني بذلك المنذر عن أبي طالب عن أبيه عن الفراء وقوله
في بعض الروايات (ها وها) معناه التقابض وقال الخطابي أصحاب الحديث يقولون (ها وها) مقصورين
والصواب مدهما ونصب الألف منهما وجعل أصله هاك أي خذ فأسقطوا الكاف وعرضوا عنها المد
يقال للواحد ها وللاثنين ها وأما بزيادة الميم للجماعة فهاؤم قال الله تعالى (هاؤم اقرؤا كتابيه) وهذا قول
الليث بن المظفر وذكر أبو بكر ابن العربي هذا القول وقال ومن العرب من يقول هاك وهاكما وهاكم
وجرى في ذلك قول كثير لبابه عند أن ها تنبيه وحذف خذ واعط لدلالة الحال عليه والكاف
للخطاب وأما هاؤما وهاؤم فقيل فيه معنى أما وأموا أي اقصدوا ويعترض عليه انه لم يستعمل في
الواحد إلا بالكاف فهي الأصل ولذلك أجرت بعض العرب الاثنين على الواحد في لحوق الكاف
والله أعلم * (وقوله) (من زاد أو أزداد فقد أربى) قال الأزهري يقول من زاد صاحبه على ما أخذ
وازداد لنفسه على ما دفع فقد أربى أي دخل في الربا المنهى عنه (وقوله) (الأصناف) سيأتي الكلام
96

على تحقيقه عند الكلام في الأجناس أن شاء الله تعالى (وقوله) (كيف شئتم) كيف ههنا اسم
شرط أي كيف شئتم فبيعوا فالجواب محذوف يدل عليه قوله فبيعوا المتقدم ولا يصح أن يكون
كيف هنا للاستفهام كما هو أغلب أحوالها وكونها تأتى اسم شرط قد ذكره النحاة قال أبن مالك *
وجوبك بكيف معنى لا عملا خلافا للكوفيين * يعنى أن الكوفيين يجعلونها اسم شرط معنى وعملا
ومن مجئ كيف شرطية قوله تعالى (ينفق كيف يشاء) أي كيف يشاء ينفق ومعناها في ذلك
عموم الأحوال وذكر أصحابنا فرعا في كتاب الوكالة إذا قال لوكيله بعه كيف شئت فله البيع
بالنسيئة ولا يجوز بالغبن وبغير نقد البلد وعن القاضي حسين تجويز الكل فيمكن اعتضاده بالحديث
في ادراج الزيادة والنقصان تحت الكيف لكن بين هذا المثال وبين ما جاء به الحديث فرق فان
في الحديث المبيع والثمن معا كقوله (لا تبيعوا الذهب بالذهب فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا
الصنف بصنف آخر كيف شئتم على أحدهما زيادة) فشمل أي فبيعوا في الثمن وذلك مقابله المبيع بالكيفية إلى
أحوال ونقصانه عنه (وأما) المثال المذكور في الوكالة فالكيفية راجعة إلى نفس البيع فلا جرم شمل
النقد والنسيئة ولم يشمل قلة الثمن وكثرته وبيان جنسه لعدم دخوله تحت مسمى البيع (وقوله) تعالى
(ينفق كيف يشاء) وموقع كيف في الحديث أن التماثل والتفاضل صفتان للمبيع يرجعان إلى أحوال
مقابلته بغيره وذلك من الكيف لامن الكم فلذلك جاء الحديث بها والله أعلم * (وقوله) (إذا
كان يدا بيد) قد تقدم الكلام عليه وذكره صلى الله عليه وسلم له ثانيا واهتمامه به يبعد أن يكون
المراد به في الأول التأكيد كما زعم بعضهم وإنما اقتصر عليه دون قوله عينا بعين لأن قوله يدا بيد
يدل على التقابض صريحا وعلى الحلول ظاهرا كما تقدم في كلام محمد بن يحيى ففي الأول أتى باللفظين
ليدلا على المعنيين صريحا وفى الأخير اكتفى بما يدل عليهما في الجملة والله أعلم * والضمير في كان
97

للبيع أي إذا كان البيع يدا بيد أي مناجزة فههنا لا يستقيم أن يكون حالا من المبيع وفى الأول
يحتمل أن يكون حالا من المبيع كما تقدم ويحتمل أن يكون المراد لا تبيعوا إلا مناجزة فيكون نعتا
لمصدر محذوف أي بيعا مناجزة والله أعلم * وقوله في بعض الروايات تبرها وعينها قال الأزهري التبر
من الدراهم والدنانير ما كان غير مصوغ ولا مضروب وكذلك من النحاس وسائر الجواهر وما كان
كسارا أو غير مصوغ ولا مضروب فلوسا وأصل التبر من قولك تبرت الشئ أي كسرته
جدا وظاهر الحديث أنه يجوز التبر بالتبر وبالعين ويمكن حمل ذلك على الحاصل بعد التصفية
وقبل الضرب وأما التبر المأخوذ من المعدن قبل التصفية فقد أخبرني بعض أهل المعرفة بذلك أنه
لا يخلو عن فضة ولا يوجد تبر ذهب خالصا من فضة ولا ينفصل منه الا بالتصفية فإذا كان كذلك
فيكون بيع التبر المذكور بمثله أو بخالص كبيع مد عجوة ودرهم فيمتنع عند الشافعي والله سبحانه
وتعالى أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
(وان تبايعا دراهم بدنانير في الذمة وتقابضا ثم وجد أحدهما بما قبض عيبا نظرت فإن لم يتفرقا
جاز أن يرد ويطالب بالبدل لأن المعقود عليه ما في الذمة وقد قبض قبل التفرق وان تفرقا ففيه قولان
(أحدهما) يجوز ابداله لأن ما جاز ابداله قبل التفرق جاز بعده كالمسلم فيه (والثاني) لا يجوز وهو قول
المزني لأنه إذا أبدله صار القبض بعد التفرق وذلك لا يجوز *
(الشرح) هذه المسألة فرع جواز الصرف في الذمة وأنه لا يشترط التعيين في العوضين
ولا أحدهما إذا حصل التعيين في المجلس فلنتكلم على هذه المسألة أولا ثم نرجع إلى مسألة الكتاب
فنقول إن عقد الصرف تارة يرد على معين وتارة يرد على الذمة والوارد على الذمة إما أن يرد على شئ
يستحق بالعقد وإما على شئ كان ثابتا قبل العقد فيتحول به عما كان عليه فهذه ثلاثة أقسام (الأول)
98

المعين (والثاني) الموصوف أو ما في معناه (والثالث) الدين ومن المعلوم أن الصفقة تشتمل على عوضين
والحاصل من ضربهما في الأقسام الثلاثة ستة ترتيبها أن يأخذ كل قسم مع نفسه ومع ما بعده وقد رتبتها
هكذا (الأول) أن يكونا معينين (الثاني) معين وموصوف (الثالث) أن يكونا دينين (الرابع) معين
وموصوف (الخامس) معين ودين (السادس) موصوف ودين فلنتكلم على كل قسم وما يجوز منها وما يمتنع
(أما الأول) وهو أن يكونا معينين فذلك مما لا خلاف بين الأئمة في جوازه كما إذا قال بعتك
أو صارفتك هذه الدنانير بهذه الدراهم وكذلك جميع أموال الربا كبعتك هذه الحنطة بهذه الحنطة
أو بهذا الشعير فالاجماع على صحة ذلك وقد تقدم اطلاق ذلك وتفاصيله ومن أحكام هذا القسم أن
العوضين يتعينان بالعقد عندنا وفائدة ذلك أنه ليس لكل منهما أن يعطى غير المتعين كما صرح به
الشافعي والأصحاب ومتى تلف قبل القبض انفسد العقد وإذا خرج مستحقا تبين بطلان العقد وحيث
استحق الرجوع به إما بمقايلة واما برد بعيب حيث ثبتت فإنه يجب رد عين تلك الدراهم إن كانت
باقية وهذا هو المشهور عن مالك وأحمد ولم يكن له ان يبدله سواء كان العيب بكل المبيع أو ببعضه
وسواء كان قبل التفرق أو بعد التفرق صرح به الشيخ أبو حامد وغيره وعن صاحب التقريب
أنه يجوز قبل التفرق أخذ بدلها من غير فسخ العقد حتى لو كان العقد بثمن مجهول فاعله قبل التفرق
صح حكاه الفوراني في العمد وغيره وهذا الوجه المحكي عن صاحب التقريب في هذا يشبه أن يكون
فرعه على قوله إنه يجوز الصرف في الثمن المعين قبل قبضه فان القاضي حسين نقل ذلك عنه قال في
كتاب الاسرار في جواز التصرف في الثمن إذا كان معينا قبل القبض أخطأ من جوزه وهو صاحب
التقريب * وقال أبو حنيفة رضي الله عنه وهي رواية عن أحمد الدراهم والدنانير لا تتعين بالعقد ويجوز
للمشتري إن يدفع مثل الدراهم التي وقع العقد عليها وان تلفت قبل القبض لم يبطل العقد واحتجوا
له من جهة اللغة بقول الفراء ان الثمن له شرطان أن يصحبه البائع وأن يكون في الذمة كقوله بعتك هذا
الثوب بدينار قيل إنه ذكر ذلك في معاني القرآن ومن جهة الشرع بحديث ابن عمر رضي الله عنهما
99

أنه قال يا رسول الله انى أبيع الإبل بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير
فقال لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شئ ولم يفصل بين أن يكون الثمن مطلقا أو معينا (والجواب)
عن الحديث أنه محمول على الغالب وهو كون الأثمان مطلقة وعن قول الفراء بأن التعيين حكم شرعي
لا مجال للغة فيه فان قال إن هذا لا يسمى ثمنا صار بحثا لفظيا وصار كما إذا باع عبدا بثوب فعند بعضهم
أن الصفقة خالية عن الثمن وذلك من حيث التسمية فقط فكما أن الثبوت متعين بالعقد كذلك النقد
وقال القاضي أبو الطيب أن الفراء خلط في هذا الكتاب اللغة بالفقه وعول على فقه الكوفيين
فلا حجة في قوله قال ولا خلاف بيننا فيما تقتضيه اللغة وإنما الخلاف فيما يقتضيه الشرع وقد اتفقوا على أن النقدين
يتعينان بأجناسهما فإذا باع بدراهم يتعين جنس الدراهم أو بدنانير يتعين جنس الدنانير نقل الاتفاق على ذلك
الطاووسي في طريقته وحجتنا في التعيين من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الربا (عينا بعين) قال
أصحابنا القاضي أبو الطيب وغيره ولو كانا لا يتعينان لما كانا عينا بعين والقياس على ما إذا كان
عوضا بجامع ما بينهما من أن كلا منهما عوض مشار إليه في العقد ويتعين بالقبض وعلى القرض والوديعة
والغصب والوضيعة والإرث والصداق والوكالة وكذلك إذا كان حليا فإنها تتعلق بعين النقد بخصوصه
وقد وافقونا على ذلك فكذلك البيع لكنهم اعتذروا عن العقود المذكورة بأنه ليس مقتضاها
وجوبها في الذمة إذا كان الثمن معينا ولان هذا العقد المعين أن صلح للعوضية لم يجز ابداله لتعلق
الملك به وان لم يصلح فلا يتعلق العقد به والفرض أنهما لم يذكرا ثمنا في الذمة فلا يتعلق بها فلا يبطل
العقد (فان قيل) ان الثمن متعلق بالذمة ومعنى التعيين أنه يوفى ذلك المطلق في الذمة من هذا المعين
(فنقول) ان ما كان كذلك ينبغي أن يبطل العقد فيه بالتعيين كالسلم إذا عين ثمرة نخلة بعينها وهذه
حجة ابن سريج وربط العقد بغير المعين لا وجه له فان العقد قد يتعلق بخصوصه لعلمه بحله أو لغير
ذلك من الأغراض وذكر أصحابنا رحمهم الله فوائد ومقاصد في تعيين الثمن (منها) للبائع الرجوع في
عينه عند الفلس وتبرئة ذمته لقصر الحق على تلك العين (ومنها) للمشترى تكميل ملكه إذ الملك في
100

العين آكد منه في الدين ولهذا أجير المشترى على تسليم الثمن ليساوي البائع في بيع العين فبالتسليم
يصير ما عليه عينا مثل المبيع قال ذلك القاضي حسين في كتاب الاسرار وقد ذكر النووي رحمه الله
تعالى تعيين الدراهم والدنانير في هذا المجموع في باب ما نهى عنه من بيع الغرر مختصرا ولا فرق في
تعيين الدراهم بين أن يكون في عقد الصرف أو غيره والله أعلم *
(فرع) لو استبدل عن المعين بعد التقابض والتخاير صح بلا خلاف أو قبلهما لم يصح
على المذهب المشهور كما هو مبين في موضعه أو بعد التقابض وقبل التخاير صح على قول ابن سريج
فإنه جعل اتفاقهما على العقد الثاني كالتفرق وهو الصحيح عند القاضي أبى الطيب والرافعي وضعفه
الماوردي (والثاني) وهو الذي نقله الخراسانيون عن صاحب التقريب أنه إذا قلنا لا يملك المشترى
الا بانقضاء الخيار لا يصح أو بعد التخاير وقبل التقابض فقد سبق أنه يبطل العقد فلا يصادف
الاستبدال محلا خلافا لابن سريج والله أعلم
(فرع) لو وهب الصيرفي الدراهم المعينة لباذلها فإن كان قبل قبضها لم يجز لأن الملك لها
لم يستقر وإن كانت الهبة بعد قبضها ففيها وجهان كالبيع قاله الماوردي ومقصوده أنه بعد قبضها وقبل
التفرق وانقضاء الخيار الذي فيه الخلاف المنقول عن حكاية صاحب التقريب فإنه طرد ذلك في
البيع والهبة والتزويج أيضا لو كان المبيع جاريه فزوجها المشترى من البائع في المجلس قال (إن قلنا)
المشترى ملك صح التزويج والا فلا ويسقط الخيار ويلزم البيع *
(فرع) إذا تعاقدا على معينين يجوز جزافا عند اختلاف الجنس نص عليه الشافعي رحمه
الله تعالى والأصحاب (القسم الثاني) أن يكونا موصوفين أوفى معنى الموصوفين وهو المطلق في
موضع فيه نقد متعارف كما إذا قال بعتك أو صارفتك دينارا مصريا في ذمتي بعشرين درهما من
101

الضرب الفلاني في ذمتك فقد اتفق جمهور الأصحاب على جواز ذلك إذا تواصفا العوضين أو أطلقا
وكان للبلد نقد واحد لا يختلف أو نقود مختلفة إلا أن أحدهما غالب فيرجع الاطلاق إليه ثم يعينان
ويتقابضان قبل التفرق وان لم يكن معهما فاستقرضا وتقابضا جاز وكذلك في قيم المتلفات إنما يقوم
بالغالب فإن لم يكن للبلد نقد غالب بأن كان فيها نقود مختلفة وليس بعضها أغلب من بعض اشترط
تعيين النوع كقوله عشرة دراهم راضية أو ناصرية بدينار مطبقي أو ما سيأتي أو أهوارى أو سابوري
وفى التقويم يعين القاضي واحدا للتقويم قاله في التهذيب فان وقع من غير تعين فسد العقد ولا
خلاف بين الأصحاب في ذلك الا ما حكاه صاحب التتمة والروياني عن أبي عاصم العبادي أنه حكى
ان هذا بمنزلة بيع الأعيان بعضها ببعض فان جوزنا بيع الغائب فالعقد صحيح والا فلا لأن الشرع
حرم بيع الدين فقد نهى صلوات الله عليه عن بيع الكالئ بالكالئ قال فلو لم يقدر العوض عينا غائبة لما
كان إلى تصحيح العقد سبيل واستضعف الروياني هذا ونظير هذا الوجه الذي حكاه صاحب التتمة عن أبي
عاصم وجه حكاه الماوردي عن أبي العباس بن صالح المصري من أصحابنا أنه لا يصح السلم الا
أن يكون رأس المال معينا ثم يقبض في المجلس فلو عقد على موصوف ثم أحضره وأقبضه في المجلس
لم يصح لأن كلا البدلين موصوف قال ابن أبي الدم فهذان وجهان غريبان في المذهب لم يحكهما
في المسئلتين غير هذين المصنفين يعني صاحب التتمة والماوردي فيما أعلم ولست أدرى هل يوافق
كل واحد من هذين الإمامين يعني أبا عاصم العبادي وأبا العباس المصري صاحبي الوجه صاحبه في
مسألته أم لا والمساواة متجهة وقد يتكلف فرق بينهما قال القاضي أبو الطيب (فان قيل) هذا
خلاف السنة التي رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق
102

بالورق إلى قوله سواء بسواء عينا بعين يعنى يدا بيد فالجواب أنهما إذا عينا في المجلس صار عينا
بعين كما إذا تقابضا في المجلس كان يدا بيد فلم يرد التعيين والتقابض في نفس العقد اه‍ وهذا
مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه واحمد وقال مالك لا يجوز الصرف حتى يكون العينان
حاضرتين وعنه لا يجوز حتى يظهر إحدى العينين ويعين وعن زفر رحمه الله مثله وقال مالك على هذه
الرواية يحتاج أن يكون قبضه لما لم يعنيه قريبا متصلا بمنزلة النفقة يحلها من كيسه قال ابن عبد البر
قال الطحاوي واتفقوا يعني هؤلاء الفقهاء الثلاثة يعني أبا حنيفة ومالك والشافعي رضي الله عنهم على
جواز الصرف إذا كان أحدهما دينا وقبضه في المجلس فدل على اعتبار القبض في المجلس دون كونه
عينا اه‍ ومما يدل على أنه لا يشترط التعيين في العوضين حين العقد حديث ابن عمر في تقاضيه
الدراهم عن الدنانير والدنانير عن الدراهم فان أخذ أحدهما عن الآخر صرف والمأخوذ عنه ليس معينا
وسنذكر ذلك في الكلام في القسم الخامس إن شاء الله تعالى (فان قلت) حكمتم هنا بجواز
الصرف على الموصوفين على المشهور وحرمتم فيما تقدم أن اسلام أحد النقدين في الآخر لا يجوز ولنا
خلاف مشهور على النظر إلى المعين أن يحكم بفساده لأنه سلم أو يحكم بصحة السلم فيه حالا كما قال
القاضي أبو الطيب (قلت) امتناع إسلام أحد النقدين في الآخر والكلام فيه مختص بما إذا كان
بلفظ السلم فإنه ينبئ عن الأجل والمانع من صحة الصرف (فان قلت) هذا نظرا إلى جانب اللفظ
والسؤال إذا نظرنا إلى المعني ثم إن اشعار اللفظ بالأجل يزول بشرط الحلول وحينئذ يلزم أحد
الامرين (إما) تصحيح السلم فيها كما قال القاضي أبو الطيب (وإما) فساد هذا العقد ولم يقل به
أحد من الأصحاب (قلت) الصرف والسلم قسمان من أقسام البيع فهما خاصان تحت أعم وبينهما
أعني الصرف والسلم عموم وخصوص من وجه فان بيع الموصوف في الذمة قد يكون نقدا وقد
103

لا يكون وبيع النقد قد يكون في الذمة وقد لا يكون ففي محل صدقهما وهو ما إذا كان النقد موصوفا
في الذمة يجب النظر في الأحكام فحكم الصرف وجوب التقابض من الجانبين وحكم السلم قبض
الثمن (وأما) المثمن فاما أن تقول ان السلم يقتضى جواز تأخره فيكون بين مقتضاه ومقتضى الصرف
تضاد أو تقول إن السلم لا يقتضى ذلك ولا عدمه بل مقتضاه بالنسبة إلى المسلم فيه ثبوته في الذمة فقط
(فان قلنا) بالأول فيرجح باللفظ فان عقد بلفظ السلم بطل وان عقد بلفظ البيع أو الصرف صح
وكان صرفا وان لم يكن بينهما تضاد وكان السلم غير مانع من لزوم التقابض فيجب أن يوفي
الصرف حكمه ضرورة وجود المقتضى السالم عن المعارض فان كونه صرفا يقتضي التقابض وكونه سلما
غير مانع على هذا التقدير (فان قلت) الترجيح باللفظ فيما إذا جرى العقد بلفظ الصرف فيصح أو
بلفظ السلم فيبطل لما بين اللفظين على ذلك التقدير من التضاد أما إذا جرى بلفظ البيع وهو أعم
من السلم والصرف فيبقى تعارض المعنيين بغير مرجح ضرورة اشتراكهما في مسمى البيع (قلت)
بل لفظ البيع واضافته إلى هذا المبيع الخاص مرجح لأن الشارع اعتبره بقوله لا تبيعوا الذهب إلى
آخره وإنما العلماء سموا هذا النوع باسم الصرف لما ستعرفه وهذا البحث لا يختص بهذا القسم بل
يجرى فيما إذا كان البيع موصوفا والثمن معين أو دين في القسم الرابع والسادس والله أعلم * والإمام
رحمه الله استشعر هذا البحث فقال لما تكلم في الصرف على الذمة ولا يكون هذا من السلم فان
وضع السلم على اشتراط تسليم رأس المال في المجلس فيحسب والصرف يجوز عقده على الوصف ثم
لابد من التقابض وهذا الذي قالة رحمه الله إنما هو ذكر حكم للسلم والصرف وحكم العقد زائد
على حقيقته فلا يجوز أن يجعل جزءا منها وفيما قدمته كفاية والله أعلم *
(فرع) لم يجزم الأصحاب بجواز بيع الطعام الموصوف في الذمة بالطعام الموصوف كما جزموا
104

في الصرف بل حكوا في الطعام وجهين وقال الرافعي إن الأشبه بكلام الشيخ أبى علي والأئمة أن
وجه الجواز أظهر *
(فرع) هل يسوغ الاستبدال في هذا القسم أولا؟ اعلم أن الاستبدال عن الثمن الثابت
في الذمة في غير الصرف يجوز على الجديد المشهور (وأما) في الصرف فالصواب المقطوع به أن ذلك
لا يجوز لأنه لو استبدل عنه لم يحصل مدلول قوله صلى الله عليه وسلم (عينا بعين) لا عند العقد
ولا في المجلس فوجب البطلان والفرق بينه وبين الثمن في غير الصرف أن الثمن في الصرف غير
مستقر لأنه بعرضية البطلان بالتفرق قبل قبضه بخلاف الثمن في غير الصرف ولهذا جزم بعض
الأصحاب أن محل الخلاف فيما إذا كان المبيع قد قبض أما إذا المبيع لم يقبض فإنه لا يجوز الاستبدال
عنه قولا واحدا وللقائل الآخر أن يقول إنه غير قابل للانفساخ من جهته بان يتلف قبل قبضه فينفسخ
العقد به والثمن في الصرف قابل للانفساخ الآتي من جهته بعدم قبضه وأيضا فهو غير لازم على
المذهب لأن العقد لا يلزم على المذهب ما لم يتقابضا بخلاف الثمن في غير الصرف
فإنه يتصور فيه اللزوم قبل القبض ولو فرعنا على رأى ابن سريج في اللزوم قبل التقابض
أو على الوجه القائل بصحة بيع المبيع في زمان الخيار لم يلزم أن يطرد ذلك في الصرف لما أشرت
إليه من دلالة الحديث على اشتراط التعيين فإن لم يكن في العقد فلابد من المجلس وقد خرج
شيخنا أبو العباس بن الرفعة جواز الاستبدال فيما إذا كان العوضان نقدين على أن الثمن ماذا وحكم
بانا إذا قلنا الثمن النقد ولا مبيع هنا فيجرى الخلاف في الاستبدال عن كل منهما وهو سهو لا ينبغي
التعريج عليه والله أعلم *
105

(فرع) الابراء عن هذا العوض الثابت في الذمة في الصرف لا يصح فان افترقا قبل
قبضها بطل الصرف لأنه ابراء مما لم يستقر ملكه عليه قاله الماوردي *
(فرع) جريان الصرف في الذمة عند اختلاف الجنس لا إشكال فيه كذلك يجوز عند
اتفاق الجنس كأن يبيع دينارا بدينار في الذمة أو دراهم بدراهم في الذمة وصرح به الجرجاني في
الشافي وابن أبي عصرون في المرشد والانتصار والخوارزمي في الكافي *
(فرع) ظاهر المذهب جواز المعاملة بالدراهم المغشوشة قال في التهذيب فلو باع بدرهم
مطلقا ونقد البلد مغشوش يجب درهم من ذلك ومن أصحابنا من قال لأن المقصود ما فيه من النقرة
وهو مجهول كتراب الصاغة وإن كان نقد البلد فلوسا أو دراهم عطر بقية يجوز التصرف فيها ومطلق
العقد ينصرف إليها *
(فرع) جريان هذا القسم في صرف النقد بغير جنسه لا إشكال فيه وهل يجوز في الجنس
الواحد حيث يكون هناك غرض صحيح ويمكن فرض ذلك فيما إذا اختلفت الصفة كأن يبيع دنانير
مغربية بدنانير مشرقية أو دراهم لينة بدراهم خشنة لم أره منقولا والظاهر الجواز *
106

(فرع) لو باع في هذا القسم طعاما بطعام في الذمة ثم عين وسلم في المجلس فوجهان (أحدهما)
المنع لأن الوصف فيه يطول بخلاف الصرف فان الامر في النقود أهون وهكذا يكفي فيها الاطلاق
(والثاني) الجواز قال الرافعي رحمه الله والأشبه بكلام الشيخ أبى علي والأئمة أن هذا أظهر (القسم الثالث)
أن يكونا دينين كما إذا قال بعتك الدينار الذي لي في ذمتك بالعشرة الدارهم التي لك في
ذمتي حتى تبرأ ذمة كل منا وهذه المسألة تسمى بتطارح الدينين قال الشافعي رضي الله عنه في
كتاب الصرف من الام ومن كانت عليه دراهم لرجل وللرجل عليه دنانير فحلت أولم تحل
فتطارحاها صرفا فلا يجوز لأن ذلك دين بدين وقال مالك إذا حل فهو جائز وإذا لم يحل
فلا يجوز انتهى قال أصحابنا ولكن طريقهما ان يبرئ كل منهما صاحبه فمذهب الشافعي رحمه الله
وجميع أصحابه انه لا يجوز وبه قال جماعة منهم الليث بن سعد وأحمد ومذهب أبي حنيفة كمذهب مالك
رحمه الله ان ذلك جائز ومنشأ الخلاف في ذلك أن هذا هل يدخل في بيع الدين بالدين أولا وقد
أجمع أهل العلم على أن بيع الدين بالدين لا يجوز نقل ذلك ابن المنذر وقال قال احمد جماع الأئمة ان لا يباع
دين بدين (قلت) وناهيك بنقل أحمد الاجماع فإنه معلوم سنده فيه مع الحديث الذي روى أن
النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الكالئ بالكالئ) وإن كان ابن المنذر قال إن إسناده لا يثبت
والحديث مشهور عن موسى بن عبيد وهو ضعيف ونقل عن أحمد أنه سئل أيصح في هذا حديث
قال لا فلو ثبت الحديث أمكن التمسك به فان الكالئ بالكالئ هو الدين بالدين كذلك فسره
نافع راوي الحديث والدين بالدين حقيقة فيما نحن فيه (أما) إذا لم يثبت فالاجماع لا يمكن التمسك به
107

مع جود الخلاف في هذه الصورة الخاصة فإنه يؤول هذا إلى تفسير بيع الدين بالدين المجمع على
منعه يعنى ما نحن فيه وهو أن يكون للرجل على الرجل دين فيجعله عليه في دين آخر مخالف له في
الصفة أو في القدر فهذا هو الذي وقع الاجماع على امتناعه وهو في الحقيقة بيع دين بما يصير دينا
وإذا لم يكن في الحديث متمسك بضعفه ولا في الاجماع لعدم التوارد على محل واحد * واحتجت
الحنفية والمالكية بحديث ابن عمر رضي الله عنهما وتقاضيه الدارهم عن الدنانير وبالعكس ولا دليل
فيه لأنه إنما يدل على الدين بالعين أو بالموصوف والله أعلم *
(فرع) قال الصيمري فلو وجب لزيد في ذمة عمرو دينار أهواري ووجب لعمرو في ذمة زيد
دينار أهواري جاز أن يجعل ذلك قصاصا (القسم الرابع) معين وموصوف كما إذا قال بعتك هذا
الدينار بعشرة دراهم فهذا جائز عندنا وعند جمهور العلماء الا ما تقدم من النقل عن مالك رحمه الله
فلو جرى هذا القسم بلفظ السلم كان باطلا أيضا كالقسم الثاني ورأي شيخنا ابن الرفعة القطع
بالجواز في هذا القسم للبعد عن بيع الكالئ بالكالئ وهذا غلط مخالف (القسم الخامس) دين
بعين كما إذا كان له عليه دينار فقال بعتك الدينار الذي لي عليك بهذه العشرة الدراهم فيجوز أيضا
بشرط أن يكون ذلك الدين مما يجوز الاستبدال عنه وهذا قسمان (أحدهما) أن لا يكون ثمنا ولا
مثمنا كدين القرض والاتلاف (والثاني) أن يكون ثمنا على الجديد في غير الصرف فلو كان
108

في الصرف فقد تقدم ما فيه ويشترط أن يكون الدين حالا أيضا فإن كان مؤجلا فسيأتي حكمه * إذا
عرف ذلك فجواز أخذ الدراهم عن الدنانير والدنانير عن الدراهم الثابتة في الذمة حكى عن
عمر وابنه والحسن والحكم وحماد وطاووس والزهري والقاسم بن محمد وقتادة وإبراهيم وعطاء على
اختلاف عنهما وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والثوري والأوزاعي وأحمد واسحق وعبد الله بن الحسن
وأبى ثور وروى كراهة ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وأبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود وأبى سلمة
ابن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب وابن شبرمة وهو أحد قولي الشافعي رضي الله عنه * ثم اختلف الأولون
فمنهم من قال يشترط أن يكون بسعر يومها (وقال) أبو حنيفة رضي الله عنه يؤخذ بسعر يومها وبأعلى
وبأرخص (قال) أحمد بن حنبل رضي الله عنه إنما يقتضيه إياها بالسعر وقال ابن قدامة لم يختلفوا في
أنه يقضيه إياها بالسعر إلا ما قال أصحاب الرأي ووجه الأول قوله صلى الله عليه وسلم (لا بأس أن
تأخذها بسعر يومها) واستدل له بأن هذا حال مجرى القضاء فيقيد بالمثل كما لو حصيناه من الجنس والتماثل
بينا متعذر من حيث الصورة فاعتبر من حيث القيمة والعمدة فيه حديث ابن عمر الذي تقدمت
الإشارة إليه وهو ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث سماك بن حرب عن سعيد
ابن جبير عن ابن عمر قال (كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع الدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ
الدنانير آخذ هذه عن هذه وأعطى هذه عن هذه فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة فقلت
يا رسول الله رويدك أسألك انى أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم
وآخذ الدنانير آخذ هذه عن هذه وأعطى هذه عن هذه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بأس
109

من أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شئ) وهذا لفظ أبى داود وقد تفرد سماك بن حرب بهذا
الحديث لا يروى من غير جهة سماك وقد وقع في ابن ماجة من رواية عمر بن عبيد وهو الطنافسي
قال ثنا عطاء بن السائب أو سماك على الشك قال ولا أعلم إلا سماك والحديث معروف بسماك من
أفراده لم يرفعه أحد غيره وسماك اختلف الناس فيه فضعفه شعبة والنووي وابن المبارك ونقل
عن علي نحوه وقال أحمد مضطرب الحديث إنه كان يقبل التلقين وان شعبة شهد عليه بذلك ووثقه
يحيى بن معين وقال أبو حاتم صدوق روى له مسلم وقال ابن عدي ولسماك حديث كبير مستقيم إن شاء الله
تعالى كله وقد حدث عنه الأئمة وهو من كبار تابعي الكوفيين وأحاديثه حسان عمى يروى عنه
وهو صدوق لا بأس به وفى كتاب ابن أبي حاتم عن علي بن المديني قال سمعت أبا داود
الطيالسي قال سمعت خالد بن طليق يسأل شعبة فقال يا أبا بسطام حدثني بحديث سماك في
اقتضاء الورق عن الذهب حديث ابن عمر فقال أصلحك الله وهذا حديث ليس يرفعه
أحد الا سماك قال فتذهب أن أروى عنك قال لا ولكن حدثنيه قتادة عن سعيد بن المسيب عن
ابن عمر ولم يرفعه وأخبرنيه أيوب عن نافع عن ابن عمر ولم يرفعه وحدثني داود بن أبي هند عن سعيد
ابن جبير ولم يرفعه ورفعه سماك فأنا أفرق به قلت وقد روى شعبة عن سماك فمن جملة ما روى عنه حديث
سويد بن قليس قال خليت أنا ومخرمة العبدي يدا من هجر أو البحرين حديث ليس لزيد رواه الحاكم في
المستدرك فهذا ما حضرني من حال سماك وهو إن شاء الله تعالى إلى التوثيق أقرب وحديثه هذا يدخل
110

في قسم الحسن كما اقتضاه كلام ابن عدي وقد أخرجه الحاكم في المستدرك وقال إنه صحيح على شرط
مسلم فإن لم يكن كما قال فلا أقل من أن يكون حسنا وسماك بن حرب رجل صالح قال قد أدركت
ثمانين رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم روى عنه قال (ذهب بصرى فرأيت إبراهيم الخليل عليه
أفضل الصلاة والسلام في النوم فقلت ذهب بصرى قال أنزل إلى الفرات فاغمس رأسك فيه وافتح عينيك
فان الله تعالى يرد عليك بصرك قال ففعلت ذلك فرد الله تعالى على بصرى) وقد جعل قوم حديث
ابن عمر هذا معارضا لحديث أبي سعيد وشبهه في قوله (ولا تبيعوا منها غائبا بناجز) قال ابن عبد البر
وليس الحديثان بمتعارضين عند أكثر الفقهاء لأنه يمكن استعمال كل واحد منهما فحديث ابن عمر
مفسر وحديث أبي سعيد الخدري مجمل فصار معناه لا تبيعوا منها غائبا ليس في ذمة بناجز وإذا حملا
على هذا لم يتعارضا اه‍ وإذا ثبت هذا الحديث فهو نص في أخذ المعين عن الدين (وأما) الاستدلال
به على الموصوف عن الدين فمحتمل فان كلام ابن عمر محتمل لأن يكون يعتاض عن الدنانير دراهم
معينة ويحتمل أن يعتاض عنها دراهم غير معينة فلم يعينها ويترجح الأول بقوله (وآخذ) فإنه ظاهر
في القبض لا في مجرد المعاوضة ويمكن ترجيح الثاني بقوله صلى الله عليه وسلم ويفسده الجواب ورفع البأس مما إذا
تفرقا وليس بينهما شئ ولو حصل التقابض لم يبق بينهما شئ وان لم يتفرقا فلا يحتاج إلى تقييده
بالشرط وقد رد ابن حزم هذا الحديث ومنع جواز ذلك ورد الحديث لأجل ما تقدم وقد مضى الكلام
فيه ولأجل أنه قد روى هذا الحديث بعينه في النسائي عن ابن عمر قال (كنت أبيع الذهب بالفضة
والفضة بالذهب فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فقال إذا بايعت صاحبك فلا تفارقه وبينك
وبينه لبس) والجواب عن هذا بعد تسليم كونه حديثا واحدا وان هذه القصة مختصرة من تلك فان
مضمون لفظ الحديث المتقدم انه كان يبيع الإبل بالدنانير ثم يبيع الدنانير بالدراهم وبالعكس فاقتصر
111

في رواية النسائي على ما ذكر ما يفعل في الثمن دون شرح القصة بكمالها فلا تعارض ولا منافاة ومن
زاد حجة على من اقتصر والله أعلم * ويشترط في هذا القسم الخامس القبض في المجلس وبى
مسألة ما إذا صالح بدين على عين *
(فرع) يشترط في هذا القسم أن يكون الدين حالا فلو أراد أن يأخذ على الدين المؤجل عوضا
قبل حلول الدين لم يصح اما تقديم الدين فيجوز وقد تقدمت مسألة الاستبدال في كلام الشيخ
ولكني ذكرت هنا منها ما يتعلق بالصرف والذي صححه الماوردي هنا انه إذا اعتاض عرضا عن النقد
الذي في الذمة لا يلزم فيه قبض العرض في المجلس وادعى ان ذلك ظاهر المذهب وانه لو اعتاض
عرضا ونقدا ففيه قولا الجمع بين (1) لا يسلم له ما ادعى انه ظاهر المذهب وليس هذا
موضع تحقيق ذلك وإنما ذكرت هنا ما يتعلق بالصرف وممن صرح بأنه لا يجوز الاعتياض عن
الدين المؤجل الماوردي قال لأن المؤجل لا يجوز أخذ العوض عنه *
(فرع) قال في التهذيب لا فرق في جواز الاستبدال بين أن يكون بعد تسليم المبيع أو قبله
ولو باع شيئا بغير الدراهم والدنانير في الذمة قال في التهذيب انه كالدراهم والدنانير في جواز الاستبدال *
(فرع) ولا بد في ذلك من لفظ البيع أو ما في معناه (2) قال ومن كان له على رجل ذهب حال
فأعطاه (3) على غير بيع مسمى من الذهب فليس ببيع والذهب (4) وعلى هذا دراهم مثل الدراهم التي
أخذ (القسم السادس) دين بموصوف كما إذا قال بعتك الدينار الذي لي في ذمتك بعشرة دراهم
موصوفة أو مطلقة في بلد فيها نقد غالب فيصح ذلك عندنا أيضا على الأصح بشرط التعيين في المجلس
وهي مسألة ما إذا صالح من دين على دين وحديث ابن عمر محتمل له كما تقدم ولا فرق في المعنى بين
هذا القسم وبين الموصوفين فقد تلخصت هذه الأقسام الستة وكلها جائزة عند الشافعي رضي الله عنه
الا القسم الثالث فقط وهو بيع الدين بالدين والله أعلم * إذا عرف ذلك فالصرف في الذمة واقع في ثلاث
صور القسم الثاني والرابع والسادس وصوره بمسألة الكتاب في القسم الثاني وهو ما إذا كانا

(1) بياض بالأصل فحرر
(2) بياض بالأصل فحرر
(3) كذا بالأصل فحرر
(4) كذا بالأصل فحرر
112

موصوفين وقد علمت أن المطلقين المعلومين حكمهما حكم الموصوفين فإذا تبايعا دراهم في الذمة
بدنانير في الذمة ووصفا كلا من العوضين أو أطلقا وكان في البلد نقد واحد أو غالب وتقابضا
صح العقد على ما تقدم لا خلاف في المذهب فيه الا ما حكيته عن أبي عاصم وإنما صورة مسألة
الكتاب فيما إذا كان العوضان في الذمة وإن كان صدر كلامه محتملا لما إذا كانت الدنانير في الذمة
فقط لاطلاقه بعد ذلك أن لأحدهما ان يرد ويطالب بالبدل وتعليله بان المعقود عليه ما في الذمة ولو
كان أحد العوضين معينا لم يأت هذا الحكم والتعليل الا في العوض الآخر فقط فلذلك قلت إن صورة
مسألة الكتاب فيما إذا كان في الذمة فإذا وجد أحدهما بما قبضه عيبا وهما في المجلس لم يتفرقا ولم يناجزا
جاز ان يرده لا على سبيل الفسخ للعقد بل على أنه يطالب ببدل المقبوض ويطالب بالبدل لأن العقد
وقع على ما في الذمة وما في الذمة صحيح لا عيب فيه فإذا قبض معيبا كان له ان يطالب بما في ذمته
مما يتناوله العقد كما إذا قبض المسلم فيه ثم وجد به عيبا فان له أن يطالب ببدله بخلاف المعين فان
العقد تناوله بعينه فلو طالبه ببدله لطالبه بشئ لم يتناوله العقد فكان له فسخه واسترجاع ثمنه فقط وهذا
الحكم من كونه يرد العوض المقبوض عما في الذمة ويطالب ببدله نص عليه الشافعي رحمه الله
والأصحاب وجزموا به قولا واحدا وممن صرح بذلك القاضي أبو الطيب والشيخ أبو محمد وغيرهم ولا
فرق في ذلك بين أن يكون العيب من جنسه مثل أن يكون فضة خشنة أو صكتها مضطربة مخالة
لسكة السلطان أو بها صدع أو ثلم أم من غير جنسه مثل أن يشترى دنانير فتخرج نحاسا أو فضة مطلية
بذهب أو شبهها أو يشترى دراهم فتخرج رصاصا كذلك صرح الشيخ أبو حامد والمحاملي والماوردي
والقاضي أبو الطيب والروياني وصاحب العدة وغيرهم والقاضي حسين والمصنف وغيرهما وسواء كان
العيب بكل المقبوض أم ببعضه نص عليه الشافعي رحمه الله والأصحاب فإذا رد العوض المذكور
وقبض بدله وهما في المجلس صح لأنه قد قبض قبل التفرق هكذا ينبغي أن يفهم كلام المصنف
113

وسكوته عن صحة قبض البدل إذا أخذ بشرطه لأنه لازم لجواز المطالبة بالبدل فيكون التقدير يطالب
بالبدل لأن المعقود عليه ما في الذمة فكان له المطالبة به كالمسلم فيه وإذا قبضه صح لأنه قد قبض قبل
التفرق فيكون الكلام متضمنا حكمين وعلتين أو يجعل تقدير الكلام فيطالب بالبدل لأن المعقود
عليه ما في الذمة فإذا قبض والحالة هذه فقد قبض المعقود عليه قبل التفرق أو يقتصر على الحكم الأول
فقط وحينئذ لا يحتاج إلى قياسه على المسلم فيه بل يكون التقدير يطالب بالبدل لأن المعقود عليه ما
في الذمة فإذا قبضه فقد قبض قبل التفرق فلم ينفسخ العقد وهذه العلة كافيه في بقاء العقد الموجب
لجواز المطالبة ولا بد من أخذ هذين النقدين والا فلا يحسن أن يجعل علة جواز المطالبة بالبدل أنه قد
قبض قبل التفرق لأنه إلى الآن لم يقبض وهذا الخلاف قريب ظاهر من معنى الكلام لا يخفى على
متأمل وإذا قدرت جملة شرطية محذوفة كما ذكرت صار المعنى فإذا قبض قبل التفرق فقد قبض
قبل التفرق وظاهر هذا أنه كلام لغو فان المغايرة بين الشرط والجزاء واجبة فاعلم أن المغايرة تحصل
باختلاف الضميرين فالضمير في قبض الأول عائد على البدل والضمير في قبض الثاني عائد على
المعقود عليه الذي قبضه من حيث هو شرط والله أعلم * والقاضي أبو الطيب ذكر الجملة الأولى
وقاسه على المسلم فيه ولم يحتج بعد ذلك أن يصرح بأنه إذا قبضه يصح لوضوحه ولم يذكر القبض
114

قبل التفرق في العلة وكذلك الشيخ أبو حامد فاحتمل كلام المصنف بهذه الزيادة من البحث والتقدير
ما لم يحتمله كلامهما والله أعلم * ومذهب أحمد في ذلك كمذهبنا (فان قلت) كيف جزموا بأن
له أن يرد ويطالب بالبدل ولنا خلاف في رأس مال السلم أن تعيينه في المجلس هل يكون
كتعيينه في العقد والأصح على ما قاله الغزالي والرافعي في كتاب السلم أن المعين في المجلس كالمعين
في العقد وأن له المطالبة بعينه عند الفسخ وليس للمسلم إليه الاتيان ببدله فهلا كان كذلك ههنا
(قلت) قد تخيل ذلك بعض شيوخنا وقال إنه يلزم على هذا التقدير أنه إذا وجد به عيبا ورده في
المجلس ألا يجوز له أخذ البدل على وجه كما إذا ورد العقد على عينه قال ولم أره وهذا التخيل ضعيف
والأصحاب كلهم مطبقون على الجزم بهذه المسألة وألزموا بها المزني في قوله إنه لا يرد بعد التفرق وجعلوا
هذه المسألة ناقضة لدعوى أن المعين في المجلس كالمعين في العقد مطلقا وإذا تأملت الفرق بين المعين
وما في الذمة ظهر لك الجواب عن هذا الالزام فان امتناع الاستبدال في المعين لأنه نقل للعقد من محل
إلى محل وليس كذلك في الموصوف بل هو مطالبة بالمستحق فان العقد لم يرد على هذا المقبوض
قطعا (وان قلنا) بأنه بعينه قام مقامه تعيينه في العقد والاكتفاء به وفى الرجوع إلى عينه عند
الانفساخ فإنه يلزم من ارتفاع العقد ارتفاع الملك فيه لكونه من اثره وإنما ورد العقد على الموصوف
115

ولا تتعين حقيقته بالقبض والله أعلم * والذي ذكره الأصحاب هنا من الفرق بين ما قبل التفرق
وبعده جار بعينه في المسلم فيه كذلك صرح صاحب التتمة والروياني وجزما في السلم والصرف بجواز
الاستبدال عند ظهور العيب قبل التفرق وأجراء الخلاف بعده والذي ذكروه في السلم من أنه إذا
فسخ بسبب يقتضيه وكان رأس المال موصوفا ثم عجل في المجلس وهو باق له المطالبة بعينه على الأصح
تفريعا على أن له حكم المعين في العقد الذي يظهر بأنه يجرى بعينه في الصرف وان لم أره منقولا حتى
لو تقايلا في الصرف بعد التفرق لو جرى سبب يقتضى الفسخ كان له الرجوع إلى عين العوض
الذي سلمه في المجلس فلا منافاة بين هاتين المسألتين فزال الايراد والتخريج الذي يخيل والله أعلم
وقد علل المحلى في الذخائر جواز الابدال قبل التفرق بان ما في الذمم باق لا تبرأ بالمعيب صحيح وان
جاز رده والله أعلم *
(فرع) لو قبض المعقود عليه في الصرف في الذمة وتلف في المجلس ثم اطلع على عيب
فيه وهما في مجلس العقد قال في التهذيب غرم ما تلف عنده ويستبدل *
(فرع) لا شك أنه لو رضى به بعيبه جاز في هذا القسم إذا كان العيب من جنسه وان اختار
أخذ أرشه لم يجز * وقال الحنابلة إن كان من جنسين جاز والله أعلم * هذا كله إذا لم يتفرقا ومن المعلوم أنه
يجوز الرضا بالعيب إذا كان العيب من الجنس كرداءة الفضة وما أشبه ذلك والله أعلم * أما إذا تفرقا
116

ثم ظهر العيب فإن كان العيب من حيث اختلاف الجنس بأن يسلمه على أنه دراهم فإذا هي رصاص
أو على أنه ذهب فإذا هي تبر والفرض أن العيب الجميع فقد بطل العقد لأن الذي قبضه
غير العوض الذي وقع عليه العقد ولا يجوز له إمساكه فإذا قد عقد اعقد الصرف وتفرقا قبل
القبض فبطل ما نص عليه الشافعي رحمه الله في البويطي واتفق عليه الأصحاب لا خلاف
بينهم فيه * وقال أبو علي الطبري انه يبطل قولا واحدا على هذا القول يعني قول منع الاستبدال فأوهم
أن في ذلك خلافا على القول الآخر ولا يكاد يصح وكذلك قال القاضي حسين انه لا خلاف فيه
والله أعلم * ثم ينظر فإن كان العيب في الكل بطل عقد الصرف لما قلناه وإن كان في بعضه بطل
العقد فيه وقال الماوردي وصح في السلم على الصحيح من المذهب وكان أبو إسحاق المروزي رحمه الله
يخرجه على قولين من تفريق الصفقة قال وليس بصحيح لأن الفساد (1) وإنما القولان فيما إذا كان الفساد
مقترنا بالصفقة وهذا التخريج الذي قاله أبو إسحاق هو الذي جزم به القاضي أبو الطيب والمحاملي
وقال الروياني ان تخريجهما على تفريق الصفقة هو اختيار القفال وليس كمسألة العبدين إذا تلف أحدهما
قبل القبض حيث لا يبطل في الباقي على الصحيح من المذهب قولا واحدا لأن عدم القبض في
الصرف فساد في نفس العقد إذ تمام الصرف بالقبض فيكون في الباقي قولان فعلى هذا ان أبطلناه

(1) كذا بالأصل فحرر
117

في الكل رجع بجميع الثمن وان قيل بجوازه في السليم كان المشترى بالخيار لتفريق الصفقة عليه
بين أن يفسخ في السليم فيرجع بجميع الثمن أو يمضيه فان أمضاه في السليم فبماذا يمضيه نظر إن كان
الصرف جنسا واحدا أمضاه بحصته من الثمن قاله المحاملي وإن كان جنسين فقولان (أحدهما) بحصته
(والثاني) بجميع الثمن قاله المحاملي قال الماوردي وكان أبو إسحاق يخرج قولا ثانيا أنه يأخذه بجميع
الثمن والا فسخ على معنى قوله في تفريق الصفقة قلت وما قال من الحكم بالصحة محله إذا كان بغير
الجنس كالدراهم والدنانير أما في الجنس الواحد كما مثلناه في الفرع السابق فمتى أجاز بكل الثمن
يدخل في ال‍ (1) كما سيأتي نظيره في الصرف المعين هذا كله إذا كان العيب يخرجها من الجنس
وإن كان العيب لا يخرجها من الجنس بل من حيث رداءة الجوهر وخساسة المعدن أو قبح السكة والطبع
فالبيع لا يبطل بذلك قولا واحدا ولا خلاف أن له إمساكه والرضا به نص عليه الشافعي والأصحاب
وممن صرح بنفي الخلاف فيه الشيخ أبو حامد وله رده واسترجاع ثمنه وهل له إبداله لا يخلو
إما أن يكون العيب بكل العوض أو ببعضه فإن كان الكل معيبا ففيه قولان حكاهما المصنف والأصحاب
وهما منصوصان في مختصر المزني (أصحهما) أن له الاستبدال وهو الذي رجحه الشيخ أبو حامد
والمحاملي في المجموع والتجريد والمجرد وأبو الحسن بن خيران في اللطيف والجرجاني في المعاياه

(1) كذا بالأصل فحرر
118

والخوارزمي في الكافي والغزالي في الخلاصة والبغوي في التهذيب والرافعي وغيرهم وهو قول أبى يوسف
ومحمد وأحمد بن حنبل في أصح روايتيه وروى ذلك عن الحسن وقتادة * واحتج الأصحاب له بالقياس
الذي ذكره المصنف وهو مأخوذ من كلام الشافعي رضي الله عنه فإنه قال في المختصر لأنه بيع
صفة أجازها المسلمون إذا قبضت قبل التفرق ويشبه أن يكون من حجته كما لو اشترى سلما بصفة
ثم قبضه فأصاب به عيبا أخذ صاحبه بمثله وهذا القياس الذي ذكره الشافعي رحمه الله
وجه الشبه فيه ظاهر فان كلا منهما موصوف في الذمة وقد تعين بالقبض لكن للمزني أن
يقول إن التعيين بعد التفرق لا يصيره كالمعين في العقد فلهذا جاز إبدال المسلم فيه ولو فرضنا أن المسلم فيه
حصل قبضه في مجلس عقد السلم ثم اطلع على عيب فيه بعد التفرق يجوز إبداله أيضا فان إقباضه في
المجلس لا يكون واجبا كأقباض عوض الصرف فلا فرق بين إقباضه في المجلس وبعده بخلاف الصرف
فزاد الشيخ في القياس تبعا للشيخ أبى حامد كلمة على سبيل الالزام للمزني فجعل الجامع بينه وبين
المسلم فيه جواز الابدال قبل التفرق وجعله ملزوما بجواز الابدال بعده ولا يمكن للمزني أن يعترض عليه
بما قدمته لأنه يلزمه أن يقول بعد جواز الابدال في الصرف قبل التفرق وهو لا يقول به وهذا القياس
أحد أنواع قياس الدلالة وهو أعني هذا النوع منه أن يستدل بالنظير على النظير كقوله من صح
119

طلاقه صح ظهاره كالمسلم فان الطلاق نظير الظهار فيدل أحدهما على الآخر كذلك هنا الابدال بعد
التفرق فيدل أحدهما على الآخر وهذا الابدال بعد التفرق نظير الابدال قبل التفرق لكن للمزني
أن يقطع النظير ويقول إن الابدال قبل التفرق لا يلزم منه محظور بخلاف الابدال بعد التفرق
فإنه يلزم منه حصول التقابض بعد التفرقة والتسوية بينهما في السلم لا محظور فيها أيضا ولا يلزم من
استوائهما في السلم استواءهما في الصرف الا بعد بيان استواء حكم السلم والصرف وانه غير ثابت فتقف الدلالة
وفى كلام الشيخ أبى حامد زيادة يندفع بها هذا السؤال وهو أنه قال إذ لو لم يجز الرد بعد المجلس لما جاز
فيه كالمعين بالعقد وهذه الزيادة كافية من غير قياس على المسلم فيه وللمزني أن يمنع الملازمة والقياس
على المعين بالعقد فان الامتناع فيه لأجل نقل العقد من محل إلى محل وهو مشترك بين ما قبل التفرق وبعده
وأما الموصوف فالمنع فيه عنده بعد التفرق لعلة قاصرة عليه وهو كونه قصر القبض في الصرف بعد
التفرق وهذا منتف فلا يصح القياس ولهذا قال في تعليق الطبري على القول الذي اختاره
المزني في التسوية بين المعين والموصوف انهما متفقان في الجواز مختلفان في الاعتلال قال لأن
في بيوع الأعيان إنما لم يجعل له الاستبدال لأن العقد وقع بعينه وفيما إذا كان موصوفا في الذمة إنما
لم يجعل له الاستبدال لأنه كان يؤدى إلى أن يقع التقابض بعد الافتراق فيؤدى إلى دخول الربا فيه
120

فأشار رحمه الله بهذا إلى خلاف العلة ومع اختلاف العلة لا يصح القياس والله أعلم * فلم يبق إلا النظر في
دليل المزني فإن لم يسلم فالقياس يقتضى جواز الابدال مطلقا فلنذكر ما ذهب إليه المزني وتوجيهه وهو
القول الأخير من القولين اللذين نص عليهما الشافعي أنه ليس له الاستبدال قال الشافعي كالجواب
في المعين ورجح المزني هذا القول فلهذا نسبت البحث المتقدم إليه وممن رجحه أبو علي العارفي تلميذ
المصنف والروياني في الحلية والبحر قال إنه الصحيح ونسبه صاحب العدة إلى أبي حنيفة وابن أبي عصرون
في الانتصار والمرشد وجزم به الفوراني والقاضي حسين قال إمام الحرمين رحمه الله وعبر الأئمة عن حقيقة
القولين فقالوا إذا فرض رد على قصد الاستبدال فتبين أن القبض الذي هو ركن العقد لم يجز أم لا يستند
البعض إلى ما تقدم من القبض فعلى قولين وهذا بمثابة الاختلاف في نظير هذا من السلم فلو أسلم
رجل في جارية ثم قبض جارية فوجدها دون الوصف فان قنع بها فذاك وان ردها فلا شك أنه
يطلب جارية على الوصف المستحق ولكن المسلم إليه هل يجب عليه استبراء الجارية التي ردت
عليه فعلى قولين مأخوذين من الأصلين اللذين مهدنا الآن اه‍ قال المزني في المختصر بعد حكاية
كلام الشافعي رحمه الله إذا كان بيع الأعيان والصفات من الدينار بالدراهم فيما يجوز بالقبض قبل
الافتراق سواء وفيما يفسد به البيع من الافتراق قبل القبض سواء لزم عندي أن يكون في حكم المعيب
بعد القبض سواء وقد قال يرد الدرهم بحصته من الدينار قال الشيخ أبو حامد وغيره للقول الذي اختاره
المزني ثلاثة أدلة (أحدها) أنا إذا جوزنا الاستبدال فإنه يرد المعيب ويأخذ العوض الذي استحقه
بالعقد فيكون ذلك قبضا لعوض الصرف بعد التفرق وهذا يوجب فساد عقد الصرف فوجب أن
لا يجوز وقال الشيخ أبو حامد فيما علق عنه البندنيجي إن هذه العلة أجود الثلاثة وهي التي أشار
إليها إمام الحرمين في كلامه المتقدم (الثاني) أن ما عين بالقبض بمنزلة ما عين بالعقد بدليل أنه يتعين به كما يتعين
المعين بالعقد (الثالث) دلالة المزني يعنى في الكلام المتقدم ومعناه التسوية بين الصرف المعين والصرف
في الذمة في الاستبدال قياسا على استوائهما في التقابض والتفرق وأجاب الشيخ أبو حامد والأصحاب عن
121

الأول بأن القبض الذي حصل كان قبضا صحيحا بدليل أنهما لما تفرقا لم يبطل العقد ويجوز إمساكه
بلا خلاف ولو تلف لكان من ضمان القابض فالقبض صحيح لكن هو جائز وليس بلازم فإذا أراد
الرد فإنه بفسخ العقد في الحال لأن الفسخ رفع العقد من حينه زاد المحاملي وقام القبض الثاني مقامه
فهما قبضان تعقب أحدهما الآخر فلم يكن في ذلك تفرق قبل القبض يوجه (وأما) الثاني فباطل إذا
وجد العيب قبل التفرق فإنه قد يعين بالقبض كما يعين بالعقد ثم له الاستبدال وان لم يكن له ذلك
في المعين بالعقد لأنه يطلب منه غير ما ابتاعه قال وما قاله المزني ينكسر بالاستبدال في المجلس لأنهما اتفقا
فيما قال وافترقا في ذلك فهذا ما ذكره المزني وجوابه وأنت إذا تأملت ذلك وجدته جوابا إلزاميا فإنهم
وجدوا المزني وافق على أنه يجوز الابدال قبل التفرق هكذا أومأ إليه كل من تكلم في المسألة ورأيت
ذلك عينة في تعليق الطبري عن أبي علي بن أبي هريرة صريحا ووافق أيضا على أنه يجوز له إمساكه كما
يقتضيه كلام الشيخ أبى حامد وغيره فلزمه بمقتضى ذلك والا فلو أن ذاهبا ذهب إلى أنه إذا خرج
معيبا بعد التفرق بان بطلان العقد كان للبحث فيه مجال فان أصحابنا ذكروا خلافا في السلم في أن
المعيب المقبوض هل يملك من حين القبض أم لا يملك إلا من حين الرضى بالعيب وخرجوا على
ذلك مسائل وكذلك قال امام الحرمين فإنه قال فيما إذا قبض في الصرف ثم ظهر العيب قبل التفرق
أنه بان أن المقبوض ليس ذلك الموصوف في الذمة فكأن القابض لم يقبض والمجلس بعد جامع هذا
توجيه امام الحرمين لجواز الابدال قبل التفرق فكان على مقتضى ذلك ينبغي إذا قبض المعيب في
عقد الصرف من غير علم بالعيب أن لا يملكه قبل العلم به على أحد القولين فإذا تفرقا والحالة هذه
بطل العقد والعذر عن هذا أن الخلاف في أن المعيب المقبوض هل يملك من حين القبض أو من
حين الرضى يدل أن لا يؤخذ بظاهره بل يكون معناه اللهم الا ان يقال إن المعتبر في الصرف التقابض
لا حصول الملك به وهذا التقابض جرى صحيحا بدليل حصول الملك عند الرضى بلا خلاف ولو لم يكن
القبض صحيحا لا احتاج إلى قبض ثان وحينئذ يستقيم كلام الأصحاب ولا يبقى تناقض بين ما جزموا
به وبين ما اختلفوا فيه ولا مانع يمنع من ذلك فان الشرط في الربويات حصول التقابض وقد وجد
ذلك والله أعلم * قال امام الحرمين رحمه الله فان قلت الصرف أضيق من غيره ونص الشرع يقتضى
أن لا يبقى بينهما علقة أصلا والملك أقوى العلق وإن كان الامر كذلك لكن الأمور التي سبق اعتبارها
122

تغتفر وحصول العلم بكون المقبوض لا عيب فيه مما يشق فلذلك لم يشترط وصحح العقد بالتفرق على
هذه الصورة والله أعلم * وقال القاضي حسين ان القولين يلتقيان على أصل وهو أن المستوفى عن
الذمة إذا رد بالعيب هل يجعل كأنه لم يوجد الاخذ أولا أو كأنه وجد وزال الملك عنه ثم تجدد الملك ثانيا
بالرد وفيه قولان فائدتهما في مسألتين (إحداهما) إذا كان المسلم فيه جارية فردها بعيب هل يجب
استبراؤها (الثانية) إذا كان المسلم فيه عبدا فاستكسبه واخذ كسبه وغلته ثم رده بعيب فهل يجب
رد الكسب والغلة فعلى القولين قال القاضي حسين رحمه الله إن قلنا بأنه جعل كأنه لم يوجد القبض
والاخذ فههنا يفسخ العقد لأنه حصل التفرق بينهما قبل القبض في مجلس العقد وان قلنا هذا ملك آخر أي
وتجدد الملك به فلا ينفسخ العقد به وهذان القولان اللذان نقلهما القاضي وإن كانا قد تبين
من القولين اللذين حكيناهما عن الأصحاب في أنه هل يملك المعيب من حين القبض أو من
حين الرضى فهما غيرهما ولا يرد عليهما السؤال كما ورد على قائل القولين لأن كلام القاضي
مفروض فيما إذا رد واحد البدل هل يقول إنه انتقض الملك في الأول ويثبت في البدل أو يقدر أنه لم
يوجد الملك في الأول أصلا وهذا أمر تقديري لا أنه بطريق اليقين وهو في الحقيقة يدل إلى القول
بأن الفسخ يرفع العقد من أصله فكذلك هذا رفع حكم القبض مني أصله والعامل الآخر يرفعه من حينه
فكذلك تقول إنه زال الملك في الأول وعاد في الثاني هكذا ينبغي أن يفهم كلام القاضي وليس يلزم
اثبات خلاف في أنه إذا لم يرد ورضى بالعيب في حصول الملك من حين الرضى أو من حين القبض
فذلك الخلاف على الأصح الذي أورده القاضي سالم على الاشكال. وإنما ورد على من غيره بالعبارة الأولى وقد
أورد أبو علي الفارقي على المصنف فقال إطلاق الابدال على ما يوجد عما في الذمة لا يجوز فأن الاجماع منعقد
على أنه لا يجوز ابدال المسلم فيه قبل قبضه * قال (فأن قيل) لو لم يكن المقبوض بدلا عما ثبت في الذمة لكان
إذ تلف في يده يلزمه قيمته ولا يرجع بماله في الذمة (قلنا) إنما يسقط حقه بما في الذمة إذا تلف المقبوض لأنه قبضه بصفة
المسلم فيه لا أنه بدل عنه ولهذا لو قبضه على أنه بصفته ثم وجده معيبا فرضى به جاز وما كان بطريق البدل بل
لأنه أخذ على أنه بصفة ماله في الذمة فكذلك إذا تلف فعلى هذا الصحيح قول المزني. وهو أنه لا يجوز الابدال
بعد التفرق لأنه يصير القبض في المستحق واقعا بعد التفرق. وذلك لا يجوز بحل اه وما ذكره مبني
على أن المراد إبدال ما في الذمة وليس كذلك بل المراد أن الذي يؤخذ ثانيا بدل عن المأخوذ أولا
123

فالابدال للمقبوض عما في الذمة لا لما في الذمة والممتنع في السلم ابدال ما في الذمة. فأين أحدهما من
الآخر، واعلم أن ما في الذمة موصوف ينطلق على أفراد كثيرة كالمهم بينها ولا يتأتى تسليمه كذلك
لكنه يعينه في فرد من افراده فيتعين فيه ويكون مسلما لما في الذمة في ضمن ذلك المعين إذ لا يتأتى
تسليم ما في الذمة مجردا فإذا رد ذلك المعين وأخذ البدل فقد انتقض ذلك التعيين وانتقل إلى معين آخر
وما في الذمة صادق عليهما لم يقع فيه ابدال وإنما الابدال لقيام المعين الثاني مقام المعين الأول وليس
المعنى بالابدال ههنا المبادلة والاعتياض وإنما المراد أخذ ما يسد مسد الأول فقد بان أن الذي ذكره الفارقي
وفرع عليه ترجيح قول المزني غير متوجه والله أعلم *
(التفريع) إذا قلنا بالصحيح وهو جواز الاستبدال بعد التفرق فإنه يرد ويأخذ بدله في
المجلس كذلك قال الشيخ أبو حامد ويوافقه ما تقدم من قول المحاملي أنهما قبضان تعقب أحدهما الآخر
وبه صرح الغزالي في الخلاصة والبغوي في التهذيب وحكى القاضي حسين في تعليقه مع ذلك وجها
أنه لا يشترط إلا أن وجد في العقد الأول وقد (1) ولا خيار في الفسخ واسترجعا الثمن على هذا القول قال
الماوردي وابن الصباغ وغيرهما من غير أرش قال القاضي أبو الطيب أن له رد واسترجاع
ثمنه وكذلك الروياني! في البحر ذكر أن له فسخ العقد ومال ابن الرفعة إلى ما قاله الماوردي في ذلك
من غير أن يقف عليه ونقله عن صاحب التتمة لأن المعقود عليه باق في الذمة كما في المسلم فيه إذا رد
بسبب العيب ثم ذكر أنه يشكل علي بناء الإمام فأنا إنما جوزنا الابدال بناء على أنه ملك بالقبض
ومتى ملك المعيب بالقبض امتنع أن يكون باقيا في الذمة والأصح ما قاله الماوردي وابن الصباغ وممن
جزم به ابن أبي عصرون في الانتصار والله أعلم * وان قلنا بالقول الآخر فيخير بين أن يرضى به معيبا
وان يرده ويفسخ العقد ويرجع ما دفع كالصرف المعين فان أراد أن يمسك البعض ويرد البعض ففيه
وجهان مذكوران في تعليق ابن أبي هريرة (أحدهما) لا سبيل له إلى ذلك. قال وهو أقوى (والثاني)
له ذلك على قول من يفرق الصفقة. ومن أصحابنا من قال قولا واحدا ان لا سبيل له إلى ذلك فهذه
طريقان في جواز رد البعض إذا كان الكل معيبا وهما غريبان لم أرهما الا في تعليق أبى على الطبري
عن ابن أبي هريرة هذا إذا كان الكل معيبا فأن كان العيب ببعضه وفرض أن العيب لا يخرجها
من الجنس فقد بناه الأصحاب والشيخ أبو حامد والقاضي والمحاملي على القولين السابقين ان قلنا هناك

(1) كذا بالأصل فحرر
124

له الاستبدال فههنا له أن يرد القدر الذي هو معيب ويطالبه ببدله سليما. وقال المحاملي إنه ههنا أولى.
وعبارتهم مشعرة بأنه ليس له أن يرد الجميع وبه صرح في تعليق أبى على الطبري فإنه قال فيما إذا وجد
بعضه جيدا وبعضه رديئا أنه ليس له أن يرد الجيد ويكون له الردئ بالخيار بين أن يرضى به وبين أن
يستبدل وهو يوافق ما قدمناه أن لا خيار له إذا كان الكل معيبا وقلنا بجواز الاستبدال وان قلنا إنه
ليس له الاستبدال فيما إذا كان كله معيبا فههنا كذلك ونقلت من خط سليم الدار عن
الشيخ أبى حامد أنه ههنا أولى فأن اختار إمساكه فلا كلام وإن اختار الرد بالعيب نظرت فأن رد الكل
كان له ذلك وان أجاز رد البعض الذي هو معيب وامساكه السليم بني على تفريق الصفقة. فأن قلنا
لا يجوز تبعيض الصفقة لم يجز فيخير بين الامساك بجميع الثمن والرد وليس له البدل وان قلنا تبعض
الصفقة يجوز رد ذلك القدر بالعيب وإمساك السليم. ويخير بين ثلاثة أشياء امساك الكل ورده وامساك
السليم بالحصة قولا واحدا كذلك بناه الشيخ أبو حامد وأبو علي الطبري والمحاملي والماوردي
والشاشي والبغوي. وإذا أمسك السليم أمسكه بالحصة قولا واحدا. قاله المحاملي قال لأن العيب من
جنسه وفى هذا التعليل نظر فيحصل في هذا القسم الآخر وهو ما إذا أصاب ببعض ما معه بعد التفرق
ثلاثة أقوال جمعها الشافعي رحمه الله في المختصر ولخصها الأصحاب (أحدها) أنه يبدل البعض المعيب (والثاني)
(والثالث) قولا تفريق الصفقة فعلى قول ليس له أن يبدل ولكنه ان شاء رد الكل واسترجع الثمن
وان شاء رضى به بجميع الثمن فيكون بالخيار بين شيئين وعلى قول الصفقة في الرد فأن شاء رد البعض
وامسك الباقي بحصته من الثمن وأن شاء رد الجميع أو أمسك الجميع فهو مخير بين ثلاثة أشياء والله أعلم *
(فرع) لو ظهر العيب بعد التصرف وبعد تلف المقبوض المعيب ذكر في التهذيب أنه ان جوزنا
الاستبدال غرم ما تلف عنده واستبدل وان لم نجوز الاستبدال فإن كان الجنس مختلفا يسترد من
الثمن بقدر العيب وإن كان الجنس متفقا فعلى الأوجه الثلاثة يعني التي نقلها عنه في نظيره في الصرف
المعين (وأصحها) عنده انه يأخذ الأرش وبه جزم القاضي حسين في الصرف المعين خلافا لما جزم به
كثيرون كما ستعرفه إن شاء الله تعالى * وقد أطلق الماوردي أنه إذا اشترى دينارا فقبضه ثم وجده معيبا
بعد تلفه أنه إذا اشتراه بجنسه لا يجوز الرجوع بالأرش وبغير جنسه فيه وجهان وسيأتي ذكرهما مبسوطان في
الصرف المعين * ثم قال بعد ذلك تفريعا على امتناع أخذ الأرش فإذا رد مثل الدينار المعيب فيما له
125

مثل أو رد قيمته ورقا فيما ليس له مثل نظر فإن كان قد اشترى الدينار الذي بان عيبه بعينه لم يكن
له المطالبة ببدله وإن كان اشتراه في الذمة من غير متعين فهل له الرجوع ببدله سليما فيه قولان مضيا
فأفهم كلام الماوردي امتناع أخذ الأرش فيما نحن فيه في الجنس الواحد وجريان الخلاف فيه في
الجنسين كما سيأتي في الصرف المعين والله أعلم * وهو عكس ما قاله صاحب التهذيب هذا كله في
مسألة الكتاب وهي ما إذا كان الصرف في الذمة ومثله جار فيما إذا كان أحد العوضين موصوفا والآخر
معينا أما إذا كانا معينين فقد ذكرهما المصنف في التنبيه ولم يذكرهما ههنا * وتلخيص القول أن
الصرف قسمان * صرف للنقد بغير جنسه كالدراهم بالدنانير فالعيب إما أن يكون من الجنس أولا
فإن كان من غير الجنس فاما أن يكون بالكل أو بالبعض فإن كان بالكل كما إذا اشترى دنانير
فخرجت نحاسا فقد نص الشافعي رضي الله عنه على أن العقد باطل وتبعه على ذلك معظم الأصحاب
كالشيخ أبى حامد والقاضي أبى الطيب والمحاملي في المجموع والتجريد والمجرد والماوردي وابن الصباغ
والروياني والشاشي وغيرهم عن أبي على الطبري في الافصاح أنه قال من أصحابنا من قال البيع صحيح
ويثبت فيه الخيار لأن العقد قدر على عينه وهي رواية عن أحمد وهو مخالف لنص الشافعي فإنه قال
في كتاب الصرف من الام * وإن كان رأى من قبل أنه نحاس أو شئ غير فضة فلا يكون للمشترى
أن يقبله من قبل أنه غير ما اشترى والبيع منتقض بينهما قال القاضي أبو الطيب هذا نص يبطل
كل تخريج * قال الرافعي وهذا إذا كان له قيمة فإن لم يكن لم يجئ هذا الخلاف * وفى مذهب أحمد
رواية ثالثة ضعيفة عن أحمد أن العقد صحيح لازم وليس له رد ولا بدل وهو بعيد والله أعلم * قال
الشيخ أبو حامد لم يقتصر الشافعي على بطلان البيع باختلاف إلا في هذا الموضع وجعل القاضي حسين
الخلاف في ذلك قولين وهو غريب أو توسع في الاطلاق ولهذه المسألة أمثلة يجمعها الاختلاف في
النظر إلى الإشارة أو العبارة (منها) إذا قال بعتك هذه البغلة فخرجت حمارا وفى البغال نوع يشبه الحمير
يكون بطبرستان (ومنها) إذا اشترى ثوبا على أنه من قطن فإذا هو كتان نقله أبو حامد وابن الصباغ
عن الأصحاب أو على أنه قز فخرج كتانا لأن الكتان الخام يشبه القز * قاله القاضي أبو الطيب
(ومنها) إذا اشترى فصا على أنه ياقوت فخرج زجاجا * نقله الجوزي عن الشافعي * (ومنها) إذا اشترى
غلاما فكان جارية قاله الماوردي في آخر شطر من باب الربا ففي هذه الصور كلها البيع باطل على
126

المذهب * وفيه الوجه الذي تقدمت حكايته وينبغي أن يكون محل الوجه الذي حكاه صاحب الافصاح
ما إذا جرى العقد بلفظ البيع أما إذا جرى بلفظ الصرف فيبطل قولا واحدا لأن بيع النقد بالنحاس لا يشمله
اسم الصرف والله أعلم * فان قلنا بالصحة قال القاضي حسين فحكمه حكم ما إذا كان العيب من جنسه فان رضى
به فذاك وان رده ينفسخ العقد ويأخذ ما دفعه إليه وليس له الاستبدال وهذه الصورة التي حكم فيها بالبطلان
شرطها أن يقع الاختلاف في الجنس كما رأيت أما لو وقع الاختلاف مع اتحاد الجنس فلا يبطل كما إذا اشترى
دنانير على أنها مغربية فخرجت مشرقية أو على أنها ذهب أحمر فخرجت أصفر أو ثوبا على أنه هروى فإذا
هو غير هروى صرح به الماوردي وقد ذكر المصنف بعض هذه المسائل في باب بيع المصراة وذكر فيها
وجهين والقاضي حسين ذكر ذلك قولين ولعله أثبت ما حكاه صحاب الافصاح قولا. وقد وقع في
الكفاية لابن الرفعة وهم في النقل عن أبي الطيب والماوردي في الإجازة بكل الثمن أو بالقسط فقال
عن الماوردي انه جزم بالقسط وعن أبي الطيب أنه خرجه على الخلاف وذلك تخليط نشأ من عدم
التمييز بين الأقسام واختلاف أبى الطيب والماوردي ليس في هذا القسم بل في قسم يأتي بعد ذلك
هذا إذا كان العيب بالجميع أما إذا كان ببعضها والفرض أنه من غير الجنس كما إذا اشترى دراهم
فوجد بعضها نحاسا بطل البيع في النحاس على ما تقدم وفى الباقي قولا تفريق الصفقة فأن قلنا لا تفريق
بطل في الجميع واسترد جملة الثمن وان قلنا يفرق وهو الصحيح كان له امساك الباقي. وبماذا يمسكه وفرض
المسألة في صرف النقد بغير جنسه هل يمسك الباقي بحصته من الثمن أو بالجميع فيه قولان حكاهما القاضي
أبو الطيب والماوردي وآخرون وهما القولان فيما عداها من صور تفريق الصفقة والأصح أنه يأخذه بالحصة فعلى
هذا يثبت له الخيار لأن الصفقة قد تفرقت عليه وممن صرح بذلك القاضي أبو الطيب والماوردي وإن كان
العيب من جنس المعقود عليه كخشونة الفضة ورداءة المعدن وما أشبه ذلك فالبيع صحيح لما تقدم التنبيه عليه
ثم إما أن يظهر العيب والمعيب باق أو بعد تلفه فأن ظهر والمعيب باق فهو بالخيار بين أن يرد ويسترجع الثمن
وبين أن يرضى به * نص عليه الشافعي والأصحاب. وحكم الرد انفساخ العقد. وليس له أن يطالب
ببدله ولا يستبدل عنه قولا واحدا سواء قبل التفرق وبعده فأن مورد العقد معين
اتفقت كلمة الأصحاب على ذلك. ولا أن يأخذ أرش المعيب لأن الأرش لا يستحق مع القدرة على
الرد قاله الماوردي وغيره وذلك معروف في موضعه وسيأتي إن شاء الله تعالى تفاصيل ذلك وأحكامه في
127

باب الرد بالعيب ومذهب أحمد في هذا القسم أنه يجوز أخذ الأرش في المجلس والفرض في صرف النقد بغير جنسه
ولا يجوز بعد المجلس إلا أن يجعل الأرش غير الأثمان إذا ثبت ذلك فأن كان العيب بالجميع كان بالخيار بين رده
وبين الرضى به معيبا بالثمن كله. وإن كان العيب بالبعض كان له رد الجميع لوجود العيب في الصفقة. وحكى الغزالي
رحمه الله في الوسيط وجها في مسألة العبدين أنه لا يردهما الا إذا كانا معيبين وسأتكلم على ذلك في باب الرد
بالعيب إن شاء الله تعالى. وهل له أن يرد المعيب ويمسك السليم. قال الشافعي رحمه الله في كتاب الصرف
من الام فأن رده رد البيع كله لأنها صفقة واحدة. وهذا الكلام قد يوهم أنه ليس له التفريق
وهو الذي جزم به الشيخ أبو حامد في مسألة العبدين وأكثر الأصحاب أطبقوا على تخريجه على قولي
تفريق الصفقة في الدوام. وسيأتي التنبيه في باب الرد بالعيب على أن الصحيح عدم التفريق هنا.
وإن كان الصحيح أن الصفقة تفرق فالخلاف وإن كان مخرجا على الخلاف لكن الصحيح غير الصحيح.
فان قلنا لا يتبعض كلا ويتخير بين شيئين امساك الجميع ورد الجميع وان قلنا تفرق فان قلنا أنه يخير بحصته من الثمن
كان له رد المعيب وامساك السليم بحصته من الثمن وان قلنا يخير بكل الثمن لم يكن حظه في رد المعين لأنه
لا يسترجع بإزائه من الثمن شيئا فيكون رده سفها لأن تبقيته على ملكه أصلح له من رده. هكذا قال القاضي
أبو الطيب. وليس في هذا اللفظ بيان أنه هل يمتنع على افراد المعيب بالرد على قول الإجازة بكل
الثمن لافضائه إلى هذا المحذور أو أنه يجوز له رده وامساك السليم لأن القعد قد صح على الكل فإذا ارتفع في
بعضه يسقط بقدره من الثمن بخلاف تفريق الصفقة في الابتداء ولا يجرى قول الإجارة بالكل ههنا.
الأول مقتضى كلام الشيخ أبى حامد والمحاملي في المجموع والجرجاني فإنهم قالوا. واللفظ الثاني هو
مقتضى كلام المحاملي في التجريد فإنه قال إن قلنا تفرق الصفقة فله رد المعيب وإمساك السليم
بحصته من الثمن قولا واحدا. وكذلك قال الماوردي وصاحب التهذيب. وعبارة الرافعي قريبة
منهم. ذكر ذلك في فروع في آخر باب الرد بالعيب وهو الأقرب. فعلى الأول
يخير بين شيئين خاصة رد الجميع وإمساك الجميع ويمتنع عليه التفريق لهذا
المحذور. وعلى الثاني يكون مخيرا بين ثلاثة رد الجميع وامساك الجميع وامساك السليم بالحصة ليس
الا وهو الذي صرح به الماوردي والمحاملي قال الماوردي (فأن قيل) ما لفرق بين هذا حيث أخذه بحسابه
128

من الثمن قولا واحدا وبين أن يكون عيب بعضها يخرجها من الجنس قبل التفرق بينهما أن ههنا قد
كان له المقام على الكل بجميع الثمن وإنما فسخ في البعض المعيب وأقام على البعض السليم طلبا للحظ
فلو قيل يأخذه بجميع الثمن كان فسخ البيع سفها وليس كذلك إذا كان العيب من غير الجنس
لأن البيع فيه قد بطل فلم يكن له أن يأخذه بكل الثمن فجاز في أحد القولين أن يأخذ السليم بجميع
الثمن وقد ذكر هذا الفرق غير واحد من الأصحاب وهذا لا اختصاص له بالصرف والربا بل هو في مسألة
العبدين أيضا إذا ظهر بأحدهما عيب وأراد رد المعيب وحده وامساك السليم لا يمكن أن يمسكه بجميع
الثمن لأنه يصير رد المعيب سفها بخلاف تفريق الصفقة في الابتداء إذا اشترى عبدا وحرا فإنه لا يمكنه
إمساك الحر مع العبد وكذلك إذا اشترى عبدين فتلف أحدهما قبل القبض وقلنا بالتفريق فإنه يمسكه
بحصته من الثمن قطعا على المشهور الذي ذكره المصنف وغيره وحكي صاحب التتمة طريقة ضعيفة
أنه على قولين أيضا وصاحب هذه الطريقة يلزمه أن يجرى ذلك في الصرف وهذه طريقة لا يعرج
عليها فالحاصل أنه لا يمسك السليم وحده بجميع الثمن وأما امتناع التفريق أو جوازه والقطع بالتوزيع
ففيه ما قدمته من البحث ولم أر من صرح به إلا ما فهمته من اختلاف عبارات الأصحاب كما قدمت لك
والله سبحانه أعلم * فهذه أربع مسائل فيما إذا كان الصرف المعين في جنسين (القسم الثاني) إذا
كان في جنس واحد كالدراهم بالدراهم أو الدنانير بالدنانير فاما أن يكون العيب في بعض المبيع أو في
129

كله وإذا كان في كله فأما أن يكون من الجنس أو من غيره وإذا كان من الجنس فأما أن يتبين قبل
التلف أو بعده فهذه أربع مسائل أيضا (المسألة الأولى) إذا كان بعضها معيبا كما إذا اشترى دراهم
بدراهم أو دنانير بدنانير فوجد ببعضها عيبا قال القاضي أبو الطيب وصاحب الشامل ان البيع باطل سواء
كان العيب من جنسها أو من غير جنسها لكونه ربا فإنه باع جيدا ومعيبا بجنسه فينقسم الثمن عليهما على
قدر قيمتها فيودى إلى التفاضل كما في قاعدة مد عجوة وفى كلام المحاملي والماوردي ما يقتضي النزاع
فيه فإنهما قالا فيما إذا كان الصرف في جنس واحد وفرعنا على أن الصفقة تفرق أنه يمسك السليم بحصته
من الثمن قولا واحدا لأنه إذا كان الصرف دراهم بدراهم أو دنانير بدنانير وأمسك البعض بجميع
الثمن كان ربا وهذا الكلام منهما يقتضى الحكم بصحة العقد بناء على تفريق الصفقة وكذلك الشيخ
أبو حامد وإن كان لم يصرح بالمسألة لكنه قال في صدر كلامه ان الجنس الواحد والجنسين في الحكم
سواء فاقتضى اطلاقه الحكم بالصحة وكذلك قال في المجرد فان تصارفا عينا بعين جنسا واحدا أو
جنسين لا فرق بينهما وذكر الأقسام إلى أن قال فإن كان بعضه معيبا بني على تفريق الصفقة وكذلك
قال الجرجاني في المعاياة كل من ملك الجملة بعقد إذا وجد ببعضه عيبا وقلنا له في أحد القولين أن
يفرق يفرق الصفقة في الرد فإنه يمسك الباقي بجميع الثمن في قول وبقسطه من الثمن في القول الآخر في
الصرف وفى مال الربا إذا باع جنسا بجنس فإنه يمسكه بقسطه من الثمن قولا واحدا لئلا يؤدى إلى
130

التفاضل وقد أقام صاحب البيان ما قاله كل من الفريقين وجها فجعل البطلان قول ابن الصباغ
والآخر قول الشيخ أبى حامد وأثبتهما وجهين وما قاله القاضي أبو الطيب ومن وافقه أوفق لاطلاقهم
في قاعدة مد عجوة ولعل الآخرين لاحظوا ما يقتضيه تفريق الصفقة من حيث العموم ولم
يلاحظوا هذا العقد الخاص وانه من صورة مد عجوة ولا يأتي الوجه الآخر الا على وجه
بعيد حكاه الفوراني وآخرون في قاعدة مد عجوة أن اختلاف النوع أو الوصف لا يؤثر والمذهب
خلافه والمحاملي من المصرحين باشتراط اتحاد النوع في الجنس الواحد في الصرف وقد صرح بذلك
في اللباب وجزم في المجرد بان بيع الذهب الجيد بالوسط لا يجوز ويكون المدرك في ذلك أن امتناع
بيع الجيد والردئ مشروط بما إذا كانا متميزين (أما) إذا خلطا ولم يتميز أحدهما من الآخر فان
ذلك جائز على ما سيأتي عن صاحب التتمة والتهذيب ولنستدل له بحديث إن شاء الله تعالى لكن
في كون ذلك في المطعوم خاصة أو يجرى فيه وفى النقد نظر وأطلق صاحب التهذيب فيها (وأما)
الروياني رحمه الله فإنه ذكرها وأخرج المعيب من غير الجنس بالبعض وقال إن المذهب البطلان
قولا واحدا ولا يخرج على تفريق الصفقة فوافق القاضي أبو الطيب ثم ذكر خروج العيب من
الجنس بالبعض وجعله من تفريق الصفقة فوافق في ذلك أبا حامد والمحاملي فلا أدرى أذلك عن
عمد أو لا وسيأتي تحقيق قاعدة مد إن شاء الله تعالى والله أعلم * قول أبى حامد يكون
131

حكمه كما تقدم من أنه مخير (أما) أن يكون العيب من الجنس أو من غيره إن كان من الجنس
فيخير بين رد الجميع وامساكه وفى رد المعيب وامساك السليم بما يخصه ما سبق ولا يجئ ههنا
قول الإجازة بكل الثمن لكن يخير بالحصة قطعا كما قلنا هناك بتلك العلة ولعلة أخرى وهي أنه ربا
فإنه يتحقق التفاضل وإن كان العيب من غير الجنس فيبطل في المعيب بناء على المذهب فيما تقدم
وفى الثاني قولا تفريق الصفقة فان أجاز فيتعين أن يخير بالقسط قطعا وقد يؤخر * رأيت في الكافي
للخوارزمي أنه لو تصارفا عينا بعين بأن تبايعا دينارا معينا بدينار معين فظهر أحدهما مستحقا أو نحاسا
لا قيمة له بالبيع ولو أخر بعضه لا ينعقد وفى الباقي قولان (فان قلنا) ينعقد فللمشتري الخيار فلو
أجاز يخير بحصته من الثمن على أصح القولين فأجري قول الإجازة بالكل هنا وهذا وهم لم أره لغيره ولا يأتي وجه
الإجازة بالكل حذرا من الربا كما تقدم (وأما) على الوجه الذي حكاه صاحب الافصاح فيمكن تخريجه على
هذا الوجه على تفريق الصفقة في الأحكام فان النحاس مبيع لا يشترط فيه التقابض والنقد صرف فقد جمع
بين بيع وصرف وفيه قولان هذا إذا لم يلاحظ صاحب هذا الوجه قاعدة مد عجوة أيضا فان لاحظها
وجعل ذلك تابعا بطل في الكل ولم أر شيئا مما ذكرته تفريعا على هذا الوجه منقولا بل ذكرته
تفقها والله أعلم * (المسألة الثانية) أن يكون العيب في الجميع ويكون العيب من غير الجنس كما إذا
باع ذهبا بذهب فخرج نحاسا فحكمه البطلان كما تقدم وفيه الوجه الذي حكاه صاحب الافصاح
132

(المسألة الثالثة) أن يكون العيب في الجميع من الجنس كرداءة النوع وما أشبهه وتبين
ذلك قبل التلف فحكمه ما تقدم فله رده وإذا رده انفسخ العقد ولا يجوز اخذ البدل
(المسألة الرابعة) أن يكون العيب في الجميع من الجنس ويتبين العيب بعد التلف كما إذا صارف
ذهبا بذهب أو ورقا بورق وتقابضا وتلف أحد المبيعين ثم علم الذي تلف ما حصل له أنه كان به عيب
فقد ذكرها المحاملي فرعا في المجموع ههنا والصيمري قال وجماعة من الأصحاب بعده وذكرها المصنف
في باب الرد بالعيب وفرضه إذا كان المبيع اناء من فضة وزنه ألف درهم وقيمته الفان فكسره ثم علم
به عيبا وذكره الغزالي أيضا في الرد بالعيب وفرضه فيما إذا كان المبيع حليا وجد به عيب مانع من الرد
وقد يتوهم أن ذلك كله أمثلة لمسألة واحدة لاشتراكهما في تعذر وليس كذلك بل ما ذكر في باب
العيب في كلام المصنف وفى كلام الغزالي مسألة واحدة وهو إذا كان المعيب باقيا ولكن طرأ ما يمنع
الرد فرأى المصنف هناك وغيره أنه يرد ويغرم الأرش ومسألتنا هنا فيما إذا كان المعيب تالفا فههنا
لا يمكن القول بالرد إذ لا مردود فماذا نصنع قال المحاملي قال ابن أبي هريرة يفسخ البيع ويرد مثل
ما أخذه وليسترجع ما دفعه لأنه لا يمكن أن يقول إنه يأخذ الأرش لأنه يحصل معه في البيع تفاضل
133

ولا يمكن الرد لأن ذلك تالف لا يمكن رده ولا يمكن رده أن يقال إنه يقر العقد ولا شئ له لأنه قد عين
بالمعيب فلا بد له من استدراك ضلامته فدعت الضرورة إلى ما ذكرنا وهذا الذي قاله ابن أبي هريرة
هو المذكور في العدة وشرح الكفاية للصيمري والتحرير للجرجاني كلهم جزموا بأنه اما أن يرضى
واما أن يرد مثل التالف في عينه ويسترجع ما أعطاه وكذلك الماوردي جزم بأنه ليس له الرجوع
بالأرش وقال الروياني ليس له الأرش ولا يمكنه الرد فالوجه أن يفسخ العقد بينهما ثم يرد عليه مثل
الجيد ويكون الردئ في ذمته يعطيه مثله أو قيمته ان اتفقا عليه ذكره ابن أبي هريرة وقال القاضي
حسين إذا فسخ العقد في المعيب التالف فإنه يرجع عليه بأرش العيب مثل إن كان التالف
معيبا بعشر قيمته فإنه يسترد منه عشر القيمة وتبعه صاحب التهذيب وزاد فذكر في هذه المسألة ثلاثة
أوجه قول ابن أبي هريرة ووجها أنه يأخذ الأرش من غير جنس ما أعطى قال وهذا ضعيف ووجها
أنه يسترد من الثمن بقدره كما في غير الصرف وقال إن هذا أصح وأنه المذهب قال لأن المماثلة في
مال الربا تشترط حالة العقد واسترجاع بعض الثمن حق ثبت له ابتداء فلا يراعى فيه معنى الربا *
134

(فرع) اشترى دينارا معينا بدينار معين فتلف أحدهما فوجد بالباقي عيبا حكم عليه بمثله
ولا يحكم عليه بالأرش لأنه يؤدى إلى الربا قاله ابن أبي هريرة والماوردي فإن لم يكن له مثل مثل
أن يكون نقرة أو إناء مصنوعا حكم عليه بقيمته أو يرضى به ناقصا فيكون له ذلك قاله ابن أبي هريرة
فلو كان قد اشترى الدينار المعين بدراهم ففي جواز رجوعه بالأرش وجهان في الحاوي (أقيسهما) عنده
الجواز فيرجع بأرش الدينار دراهم وبأرش الفضة ذهبا (والثاني) قول الشيوخ من أصحابنا البصريين
والجمهور من غيرهم لا يجوز الرجوع بأرش عيب الدراهم والدنانير لأن الصرف أضيق من البياعات
فلم يتسع لدخول الأرش فيه ولان الأرش بالايمان فلا يدخل فيها فعلى هذا إن كان عيب الدينار
التالف الذي لا يخرجه من الجنس يصح أن يكون صفة بها يثبت في الذمة كما إذا اشترى قاسانيا
135

فبان بعد تلفه مغربيا فعلى المشترى أن يرد بدله مغربيا وإن كان المبيع مبهرجا مما لا يصح أن يكون صفة
لما في الذمة فعليه إذا لم يرض بعيبه أن يرد قيمته دراهم ولا يرد مثله لأن المبهرج لا مثل له وذكر صاحب
الشامل هذا الفرع غير منسوب إلى أحد وقال فيه يفسخ العقد بينهما ويرد مثل التي أتلفها أو قيمتها
ان لم يكن مثل (فاما) قوله يفسخ العقد بينهما فقد وافقه على هذا العبارة في الشافي وقال فإذا فسخ رد
من تلفت الدرهم في يده درهما معيبا واسترد درهمه فالجيد مع بقائه وبدله مع تلفه ففي هذه العبارة
إيهام أنه لا يستقل بالفسخ وهو بعيد لأن باذل المعيب حينئذ يمتنع من الفسخ إن كان ذلك موقوفا
على رضاه واما فرقة بين المثلى والمتقوم فهو أولى من اطلاق ابن أبي هريرة وغيره لأن العيب قد يخرجه
عن كونه مثليا وقد تقدم ذلك في كلام الماوردي وقال ابن أبي عصرون في الانتصار يفسخ العقد ويرد
مثل التالف أو قيمته ان لم يكن له مثل فوافق صاحب الشامل وذكر مجمل هذا الفرع في الذخائر
ولم يزد على أنه ليس له الا الرجوع بالأرش وإذا تأملت ما ذكرته وجدت من عد القاضي حسين وصاحب
التهذيب جازمين أو مرجحين أنه لا يجوز أخذ الأرش والله أعلم * وقد بقي مما هو متعلق بهذا المكان
136

فرع حسن قال ابن أبي الدم وذكر أنه شئ لم يزل يختلج في القلب وهو أن الأصحاب
أطبقوا على أن المشترى في باب المعيب إذا اشترى شاة مثلا وقبضها ونتجت عنده ثم اطلع فيها على
عيب قديم فله ردها والزيادة يختص المشترى بها هذا في شراء العرض فلو أسلم إليه في شئ وكان
رأس مال السلم شاة موصوفة في الذمة ثم أحضرها المسلم في المجلس وقبضها منه المسلم إليه ثم افترقا
ونتجت عنده ثم وجد بها عيبا فله ردها عليه ومطالبته بشاة سلمية موصوفة بالصفات المشروطة فهل
يختص المسلم فيه بالنتاج قال ابن أبي الدم هذا لم أر فيه نقلا إلى الآن ولا بلغنيه من أحد من الأئمة بل
فرعته استنباطا من جهتي حيث اقتضاه التفريع على الأصول المذكرة ونشأ مما ذكره الإمام وصدره في
137

القاعدة المبدوء بذكرها يقتضى أن يكون في النتاج وجهان مبنيان على القولين المذكورين أولا وهو
أن المقبوض في المجلس عما في الذمة إذا رده بالعيب بعد التفرق هل نقول تملكه بالقبض وبالرد قد
يقبض المالك أو يقال بالرد تبين أنه لم يملكه أصلا كأنهما تفرقا عن غير قبض فيه وجهان (فأن قلنا) إنه
ملكه بالقبض فقد حدثت الزيادة في ملكه أعني في ملك المسلم إليه بعد قبضه فيختص بها (وإن) قلنا
إنه بالرد تبين أنه لم يملكه أصلا فالزيادة حادثه على ملك المسلم فيجب على المسلم إليه ردها مع الأصل
وهذا حسن ظاهر وبه يظهر الفرق الذي ذكرناه بين العرض المعقود عليه عينا وبين العرض الموصوف
في الذمة دينا ثم يقبض في المجلس عما ثبت في الذمة هذا آخر كلام ابن أبي الدم وقد قدمت الكلام
على هذا الأصل الذي أشار إليه وأنه هل ذلك بطريق التبين أم بطريق الفسخ المستأنف والله أعلم *
ولا يخفي أن المسألة لا تختص بالصرف بل تجرى في كل حال من أحوال الربا بيع بجنسه قاله الرافعي
ويجئ في التفاصيل المذكورة في الذمة وفى العين الخلاف المذكور وفرض القاضي حسين الفرع
إذا كان على معين فأن كان بدينار في الذمة قال فأن كان تالفا فأن لم يجوز الاستبدال مع بقائه
فالحكم كالمبيع بالمعين وقد تقدم وإن جوزنا الاستبدال فقولان (أحدهما) يرجع عليه بأرش العيب للضرورة
(والثاني) لا بل يغرم قيمة التالف ثم يرجع عليه بدينار سليم أو بخلخال سليم وكان فرض المسألة في
138

بيع خلخال بدينار قال وهكذا إذا قلنا في المسلم فيه إذا تلف في يده ثم تبين له أنه كان معيبا ففيه
قولان (أحدهما) يرجع عليه بأرش العيب فيأخذ منه بقدره من رأس المال (والثاني) لا بل يغرم
قيمة المتلف ويرجع عليه بالسليم فيه والله سبحانه وتعالى أعلم * قال صاحب التهذيب وكذلك لو باع طعاما بطعام
ثم وجد به عيبا بعد ما تلف عنده قال وكذلك لو وجد المسلم إليه برأس مال السلم عيبا بعد ما تلف عنده
فأن كان رأس المال معيبا سقط من المسلم فيه بقدره مثل أن كان العيب ينقص عشر قيمته فيسقط
عشر المسلم فيه وإن كان في الذمة وعينه فإن كان في المجلس يغرم ما تلفت عنده ويستبدل وإن
كان بعد التفرق فان جوزنا الاستبدال فكذلك وإن لم نجوز فيسقط من المسلم فيه بقدره كما في
المعين والله أعلم (واعلم) أن الأصحاب أطلقوا ما ذكرته ولم يبينوا أن بدل التالف هل ينزل منزلته حتى
يكون الفسخ برده أو تمكينه من الفسخ لتعذر الرد بالتلف والأقرب إلى الفهم من عباراتهم
المتقدمة الثاني وهو مذهب أحمد قال صاحب المغني في مذهبهم إذا تلف العوض في الصرف بعد
القبض ثم علم عيبه فسخ العقد ويرد الموجود وتبقى قيمة المعيب في ذمة من تلف في يده فيرد مثلها
أو عوضها إذ اتفقا على ذلك سواء كان الصرف بجنسه أو بغير جنسه ذكره ابن عقيل وهو
قول الشافعي قال ابن عقيل وقد روى عن أحمد جواز أخذ الأرش انتهى كلامه وهو بين وكأنه جعل
العيب مخرجا له عن كونه مثليا فلذلك حكم بالقيمة والله أعلم *
139

(فرع) لو باع طعاما بطعام فحدث عنده عيب ووجد به عيبا قديما قال في المطارحات ان باع
بغير جنسه رجع بنقصان المعيب لأن المماثلة من شرط صحة البيع ولكن يرد عليه مثل طعامه ويرجع
عليه بما دفع ولا يرد لما حدث عنده من العيب شيئا (قلت) ولو باع نقدا بنقد فالحكم والتفصيل كذلك وهذه
المطارحات ظني انها لابن العطار وكذلك رأيتها منسوبة إليه في نسخة. وفى نسخة أخرى رأيتها منسوبة
لأبي إسحاق الأسفرايني *
(فرع) لو كان الصرف في الذمة وحصل التلف المذكور ثم اطلع على عيب قال في التهذيب
إن كان في مجلس العقد يغرم ما تلف عنده ويستبدل. وإن كان بعد التفرق. فان جوزنا الاستبدال
فهكذا. وان لم نجوز الاستبدال بعد التفرق. فإن كان الجنس مختلفا يسترد من الثمن بقدر العيب.
وإن كان الجنس متفقا فعلى الأوجه الثلاثة (أصحها) يسترد من الثمن بقدر العيب. وكذلك لو باع
طعاما بطعام. وكذلك لو وجد المسلم إليه برأس مال السلم عيبا بعد تلفه. اما أن يكون رأس المال
معينا أو في الذمة على التفصيل والحكم المتقدم *
140

(فرع) كل ما ذكرناه فيما إذا كان العيب من الجنس كرداءة السكة والجوهر وما أشبه
ذلك. أما لو بان بعد تلفه نحاسا أو مطلية فالبيع باطل ويترادان. قاله الصيمري. وهو ظاهر مما تقدم
وكل ذلك مفروض في صرف النقد بجنسه. أما إذا كان بغير جنسه فإنه يسترد من الثمن بقدر
العيب كما في غير الصرف. قاله في التهذيب *
(فرعان) لهما تعلق بالاستبدال عن الثمن (أحدهما) قال القاضي حسين إذا باع شيئا بدراهم برمكية لا يجوز
العقد لأنه عزيز الوجود وقل ما يوجد في بلادنا هذه: ولو باعه بدراهم فتحية ينظر فيه فإن كان في بلد يعم
وجوده (1) هذا يبنى على أن الاستبدال عنه جائز أم لا. ان قلنا جائز صح. والا فلا يصح العقد قال صاحب التهذيب
انه إذا باع بما يعز وجوده في البلد يبنى على أن الاستبدال عن الثمن هل يجوز ان قلنا يجوز صح ثم إن وجد ذلك
النقد والا يستبدل. وان قلنا لا يجوز الاستبدال لم يصح. كما لو أسلم فيما يعز وجوده وهذا الاطلاق
الذي قاله صاحب التهذيب أولى من التفصيل الذي ذكره القاضي (الثاني) إذا باع بنقد البلد ثم
انقطع ذلك من أيدي الناس قال القاضي حسين ان قلنا يجوز الاستبدال فلا يفسد العقد وان

(1) بياض بالأصل فحرر
141

قلنا لا يجوز الاستبدال فقولان (أحدهما) ينفسخ (والثاني) يثبت له حق الفسخ وهما كالقولين في
المسلم فيه إذا انقطع (فاما) إذا باع بنقد البلد ثم إن السلطان رفع ذلك لاغير سواء باعه بثمن معين
أو بثمن مطلق قال الروياني وهكذا لو باع بفلوس فنسخها السلطان. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه
ينفسخ العقد. هذا كلام القاضي حسين وقاسه البغوي على ما لو أسلم في صبطة فرخصت ليس له الا صبطة
وحكى مع ذلك وجها أن البائع يخير بين أن يجيز العقد فيأخذ النقد الأول وبين أن يفسح ويسترد
ما أعطى كما لو تغيب المبيع قبل القبض، قال الروياني وهكذا لو باع بفلوس فنسخها السلطان.
قال الروياني لو جاء بالنقد الثاني المحدث لا يلزمه قبوله فان أراد قبوله كان على سبيل الاعتياض.
وعن أبي حنيفة رحمه الله انه يلزمه قبوله قال الروياني لو حصل له على غيره مائة درهم من نقد معروف
142

فلقيه ببلد آخر لا يتعامل فيه به فقال خذه لزمه أخذه كما لو حرمه السلطان في بلده وقيل لا يلزمه أخذه
وقيل إن كان لا يتعامل به البتة لا يلزمه أخذه وإن كان يتعامل به لكن ليس برائج يلزمه أخذه
وأصل هذه المسألة رجل يثبت له على آخر عشر درهم يلزمه أخذه أو يبرئه *
(فصل) في مذاهب العلماء في هذه المسألة * قد تقدم ذكر الأصح من مذهبنا أن له الابدال
فيما إذا خرج المقبوض عن الموصوف في الذمة معيبا بعد التفرق وبذلك قال أبو حنيفة رضي الله عنه
وأبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين والأوزاعي والليث بن سعد والحسن بن حسين
حكاه عنهم العبدري وقال صاحب المحيط من الحنفية في كتاب الصرف في باب خيار الرد بالربا فيه
والاستحقاق ولو وجد أحد المتصارفين الدراهم المقبوضة زيوفا أو كاسدة أو رابحة في بعض التجارات
دون بعض وذلك عيب عندهم فله أن يردها ويستبدل غيرها أن العقد يقتضى سلامة البدل كما في
بيع العين والكلام في صحة الاستبدال في مجلس الرد من باب السلم ولو اشترى فضة فوجدها رديئة
بغير عيب لا يردها لأن الرداءة ليست بعيب بل صفة تخلق عليها إلا أنه ليس بجيد وصفة الجودة
لا تستحق بالعقد إلا بالشرط كما لو اشترى حنطة فوجدها أردأ حنطة ليس له ردها إلا إذا اشترط جودتها
وقال صاحب المحيط الحنفي أيضا في باب ما ينتقض القبض فيه من باب السلم ولو وجد رأس المال
مستحقا ومعيبا فلا يخلوا اما أن يكون رأس المال عينا أو دينا فوجده مستحقا أو معيبا فرده في المجلس
أو بعد الافتراق فان أجاز المستحق أو رضى المسلم إليه بالعيب جاز السلم لأنه سلم له البدل والأصل أن
صحة القبض تقف على اجازته فإذا أجاز يظهر أن قبضه وقع صحيحا وان لم يجز المستحق ولم يرض
143

المسلم إليه بالعيب بطل السلم لأن العقد وقع على المعين ولم يسلم إليه فإن كان رأس المال دينا وقبضه
فان وجده مستحقا في المجلس فان أجاز المستحق جاز إذا كان رأس المال قائما نص على ذلك
الجامع وان لم يجز انتقض القبض بقدره من الأصل فصار كأنه لم يقبض فان قبض مثله في المجلس جاز
والا فلا وإن وجد ستوقا أو رصاصا فان تجوز به بطل السلم لأنه من جنس حقه فيكون استبدالا
برأس المال قبل القبض وذلك لا يجوز وان رده وقبض آخر مكانه في المجلس جاز السلم لأنه لما رده
وانتقض قبضه فكأنه لم يقبض وأخر القبض إلى آخر المجلس جاز وان وجده زيوفا فان تجوز به جاز
لأنه من جنس حقه وان رده واستبدل مكانه في المجلس جاز فأما إذا تفرقا فوجده مستحقا ان أجاز المالك
ورأس المال قائم جاز والا بطل وان وجده ستوقا انتقض السلم بقدره تجوز به أو رده لأن الستوقة
ليست من جنس حقه فيكون افتراقا لا عن قبض هذا القدر *
(فرع) حكم رأس مال السلم إذا وجد المسلم إليه عيبا حكم بدل الصرف على التفصيل الذي تقدم
ذكره صاحب التهذيب وقد تقدم التنبيه على ذلك في كلام المتولي والروياني والله أعلم *
(فرع) لو أحال بالدنانير التي استحق فيها في الصرف قبل الافتراق على رجل حاضر فإن لم
يقبضها المستحق لها من المحال عليه حتى افترقا بطل الصرف وان قبضها في المجلس قبل الافتراق
فوجهان حكاهما الماوردي (ان قلنا) الحوالة معاوضة لم يجز (وان قلنا) استيفاء جاز *
(فرع) لو اشترى من صيرفي دينارا بعشرة دراهم وقبض الدينار حصل للمشترى على الصيرفي
عشرة دراهم فقال اجل هذه العشرة بدلا من الثمن لم يجز سواء حصلت العشرة على الصيرفي قبل الصرف
أو بعده * وقال أبو حنيفة رضي الله عنه ان حصلت قبل الصرف لم يجز وان حصلت بعده جاز قاله الماوردي *
144

(فرع) اشترى بألف درهم من نقد سوق كذا فإن كان نقد ذلك السوق مختلفا بطل
والا فوجهان (أظهرهما) الجواز (والثاني) لا لامكان التعيين قاله الماوردي ولو اشترى بألف درهم
من ضرب كذا أو بما يضربه السلطان لم يجز قاله (1) وإذا شرط في الصرف أن الذهب
يساوى كذا أو ما أشبه ذلك بطل الصرف لأنه ينافي مقتضاه قاله الماوردي وغيره وإن باعه بدينار
إلا درهم فان جهلا أو أحدهما قيمة الدينار في الحال بطل البيع وان علماها فوجهان (أصحهما) البطلان
قاله الماوردي وإذا صرف بدينار فدفع إليه دينارا راجحا قيراطا فأعطاه عن القيراط ذهبا مثله جاز
وكذلك إذا أعطاه فضة معلومة أو جزافا صح لاختلاف الجنس ولو جهلا مقدار الرجحان فأعطاه
به ذهبا مماثلا له صح كما لو باع سبيكة ذهب لا يعلم وزنها بوزنها ذهبا يجوز إن جهلا القدر *
(فرع) قال الماوردي إذا قبض من رجل ألف درهم من دين عليه فضمن له رجل بدل
ما كان فيها من زائفة أو مبهرجة أو درهم لا يجوز فالضمان جائز الحاقا بضمان الدرك وإن كان مترددا
بين الوجوب والاسقاط وهذه من منصوصات ابن سريج وان وجد القابض زائفا أو مبهرجا فهو بالخيار
في ابدالها ان شاء على المؤدي وان شاء على الضامن فان أبدلها من المؤدى برئ الضامن وان أبدلها
من الضامن يرجع الضامن على المؤدى إن كان الضمان باذنه فان قال الضامن اعطوني المردود
لأعطيكم بدله لم يعطه إياه وقيل له الواجب أن تفسخ في القضاء على المردود فأنت ترد على المضمون له
ما ضمنته وهذا المردود من مال المضمون عنه ولك الرجوع عليه بمثل ما أديت فلو أحضر القابض
دراهم رديئة وقال هي ما قبضت وأنكراه جميعا فإن كانت رادءتها بعيب فالقول قولهما مع اليمين لأنه

(1) بياض بالأصل فحرر
145

ملك بالقبض وبرئت ذمتهما منه وإن كانت نحاسا أو غير فضة فالقول قوله مع يمينه لأن أصل
الدين ثابت وإنما أقر بقبض النحاس وهو لا يكون قبضا عن الفضة (قلت) وقوله أن القول قوله
إذا كانت نحاسا أو غير فضة هو قول ابن سريج وفى المسألة خلاف نتعرض له في آخر باب السلم
إن شاء الله تعالى فان المصنف ذكر في التنبيه هناك وهذه المسألة يحتاج الناس إليها كثيرا فان
كثيرا من الناس يقبض ماله في المعاملات وغيرها بالصيرفي ويعتمد على نقده ويظنون أنه بمجرد
ذلك يلزم الصيرفي ضمان دركها وليس كذلك بل متى لم يصدر منه ضمان فهو أمين لا يلزمه شئ
فيتعين لمن يريد الاحتراز من ذلك أن يدع الصيرفي يتلفظ بالضمان ويشهد عليه به * وما يخرج من
الدراهم المتعارفة في هذا الوقت ويرد القول فيه قول القابض على قول ابن سريج والماوردي لأنه
أكثر نحاسا من المتعامل به الذي تنزل المعاملة عليه فلا يصح أن يكون قضاء عنه فيكون كأخذ النحاس عن
الفضة وليس كأخذ المعيب عن السليم هذا هو الظاهر عندي في ذلك والله أعلم * والذي قاله الماوردي قريب
مما قاله صاحب التهذيب فإنه قال لو باع سلعة بدينار أو تصارفا وتقابضا ثم جاء المشترى بدينار معيب
فالقول قول من يرد مع يمينه هذا هو الأصح عندي وفيه وجه القول قول الدافع قال وكذلك لو
أتى المسلم بالمسلم فيه معيبا فالقول قول المسلم مع يمينه على الأصح ولو كان قد تلف في يد المسلم حلف
وغرم التالف وطالبه بالجيد * وإن كان العقد ورد على معين فالقول قول من أعطى مع يمينه لأن
الأصل قصر هذا العقد على السلامة قاله صاحب التهذيب قال إلا أن يكون نحاسا لا قيمة له فالقول
قول من يرده لأنه يدعى فساد العقد والأصل بقاء ماله على ملكه (قلت) ولو خرج ذلك على
الخلاف في دعوى الصحة والفساد لم يبعد *
146

(فرع) قال أصحابنا إذا باع دينار بدينار فليس من شرطه ان يتوازنا وقت العقد بل إذا
وزنا قبله وعرفا المساواة بينهما جاز *
(فرع) قال الأصحاب إذا كان معه عشرة دراهم ومع غيره دينار يساوى عشرين فأراد
صاحب العشرة شراء نصف الدينار جاز ويقبضه كله ليكون نصفه قبضا بالشراء ونصفه وديعة ثم
يتفقان على كنزه أو بيعه وجائز أن يكون بعد القبض عند أيهما شاء ولو أراد أن يشتريه كله وليس
معه الا عشرة جاز أن يشتريه بعشرين في ذمته ثم يقبضه منها العشرة التي معه من الثمن فإذا قبضها
استقرضها منه فإذا قبضها قضاه العشرة التي بقيت عليه من ثمن الدينار وتقابضا ويكون لصاحب الدينار
عليه عشرة قرضا هل يجوز ذلك فيه وجهان في تعليق أبى الطيب والشامل والرافعي وغيرها والحاوي
(أحدهما) وهو الأصح عند الرافعي لا يجوز لأن القرض يملك بالتصرف وهذه الدراهم لم يتصرف فيها
وإنما ردها إليه بحالها فكان ذلك فسخا للقرض وحكى المحاملي في المجموع هذا الوجه عن أبي إسحاق
المروذي وقال في المجرد إن الداركي نقله عن المروذي ولم يذكر القاضي حسين في تعليقه غيره وعلله
بأن التصرف فيه قبل انبرام العقد بينهما باطل وحكي المحاملي عن أبي إسحاق أنه علله بذلك وبأن
(1) فإنه يجوز هكذا استشهد أبو الطيب وصاحب الشامل ولا في كلام القاضي حسين الذي حكيته

(1) بياض بالأصل فحرر
147

ما ينازع فيه هذا إذا كان ذلك قبل التخاير فلو كان ذلك بعد التخاير وقلنا إن التخاير بمنزلة التفرق
وهو الصحيح فلا يجوز أيضا والا فيجوز قاله القاضي حسين (أما) لو استقرض منه غيرها ودفعها إليه
عن بقية الثمن جاز قولا واحدا وصحح في البحر الصحة ووافق القاضي أبا الطيب في ذلك قال وعلى
هذا لو باع درهما في الذمة بدرهم في الذمة ثم سلم أحدهما ثم اقترض الآخر وردها عليه هل يجوز فيه وجهان
مبنيان على أن القرض متى يملك وعند أبي إسحاق يبطل هذا الصرف ههنا لأنه قبض قبل أن يستقر
ملكه عليها إلا أنه لا يملكها الا بالتصرف (والوجه الثاني) وهو الأصح عند صاحب الشامل وشيخه
أبى الطيب وبه قال الشيخ أبي حامد على ما حكاه صاحب المجرد وقال إن الشافعي قاله في الصرف
نصا أنه يجوز وصححه أيضا ابن أبي عصرون لأنه دفعها قضاء عما عليه وذلك تصرف كما إذا اشترى
بها النصف الآخر من الدينار *
(فرع) يجوز أن يشترى الدراهم من الصراف ويبيعها منه بعد القبض وتمام العقد بالتفرق
أو التخاير بأقل من الثمن أو أكثر سواء جرت له بذلك عادة أم لا ما لم يكن ذلك مشروطا في عقد البيع
148

قاله الشافعي والأصحاب خلافا لمالك حيث قال إن كان ذلك عادة له حرم وتمسك الأصحاب بأن العادة
الخاصة لا تنزل منزلة الشرط كما لو نكح من عادته الطلاق لا يجعل ذلك كشرط الطلاق في العقد
وكذلك لا فرق بين أن يكون ذلك مقصودا أو غير مقصود حتى قال القاضي حسين وغيره إذا كان
معه دينار وأراد أن يبيعه بدينار وسدس أو أكثر منه فالحيلة أن يبيع الدينار منه بالدراهم ويتقابضا
العوضين ويتخايرا ثم يشترى منه بتلك الدراهم دينارا وسدسا أو ما يزيد قال الأصحاب وإذا أراد
بيع صحاح بمكسرة أكثر من وزنها يبيع الدراهم بالدنانير أو الدنانير بالدراهم أو بعرض ثم إذا تقابضا
وتفرقا وتخايرا اشترى بالدراهم أو بذلك العرض المكسرة ويجوز ذلك سواء فعله في مجلس واحد مرة
أو مرارا وقد أطبق جمهور الأصحاب تبعا للشافعي على ذلك مع مخالفة الأئمة الثلاثة ولو كان ذلك
في غير أموال الربا جاز أيضا من غير فرق بين أن يكون العقد الأول حالا أو مؤجلا فيجوز أن
يبيع الشئ إلى أجل قال الشافعي رحمه الله من باع سلعة من السلع إلى أجل وقبضها المشترى فلا بأس
أن يبيعها من الذي اشتراها منه بأقل من الثمن أو أكثر أو دين أو نقد لأنها بيعة غير البيعة الأولى
وقال بعض الناس لا يشتريها البائع بأقل من الثمن وزعم أن القياس أن ذلك جائز ولكنه زعم تتبع
الأثر ومحمود منه أن يتبع الأثر الصحيح فلما سئل عن الأثر إذا هو (أبو إسحاق عن امرأته عالية بنت
أنفع أنها دخلت مع امرأة أبى السفر على عائشة فذكرت لعائشة بيعا باعته من زيد بن أرقم بكذا أو كذا
149

إلى العطا ثم اشترته منه بأقل من ذلك فقالت عائشة رضي الله عنها بئس ما شريت وبئس
ما اشتريت أخبري زيد بن أرقم أن الله عز وجل قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب)
وقال في الام في باب بيع الآجال أصل ما ذهب إليه من ذهب في بيوع الآجال أنهم رووا عن عالية
بنت أنفع (أنها سمعت عائشة أو سمعت امرأة أبى السفر تروى عن عائشة أن امرأة سألتها عن بيع
باعته من زيد بن أرقم بكذا وكذا إلى العطا ثم اشترته منه بأقل نقدا فقالت عائشة بئس ما شريت
وبئس ما ابتعت أخبري زيد بن أرقم أن الله عز وجل قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم) قال الشافعي رضي الله عنه قد تكون عائشة لو كان هذا ثابتا عنها عابت
عليها بيعا إلى العطاء لأنه اجل غير معلوم وهذا ما لا يجيزه ولو اختلف بعض أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم في شئ فقال بعضهم فيه شيئا وقال غيره خلافه فان أصل ما نذهب إليه أنا نأخذ بقول
الذي معه القياس والذي معه القياس قول زيد بن أرقم قال وحكمة هذا أنا لا نثبت مثله
على عائشة مع أن زيدا لا يبيع الا ما يراه حلالا ولا يبتاع الا مثله * ولو أن رجلا باع شيئا أو ابتاعه
نراه نحن محرما وهو يراه حلالا لم نزعم أن الله تعالى يحبط من عمله شيئا. وقد أشار الشافعي رضى
150

الله عنه في هذا الكلام إلى جميع ما يقال في الجواب عن هذا الأثر فأتكلم عليه إن شاء الله تعالى.
(اعلم) أن هذا الأثر رواه الدارقطني من طريق داود بن الزبرقان عن معمر عن أبي إسحاق عن امرأته
(أنها دخلت على عائشة رضي الله عنها فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم الأنصاري وامرأة أخرى فقالت
أم ولد زيد بن أرقم يا أم المؤمنين انى بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة وانى ابتعته
بستمائة نقدا فذكرته) وهذا أسلم في الدلالة لهم الأول فإنه أطلق النسيئة ولم يعين أنه إلى العطاء
حتى يحمد المنع إلى الجهالة لكن هذا الاسناد فيه داود بن الزبرقان وقال يحيى بن معين وليس بشئ
وقال علي بن المديني كتبت عنه شيئا يسيرا ورميت به وضعفه جدا وقال الجرجاني إنه كذاب وقال
أبو زرعة متروك الحديث وقال البخاري هو مضرب الحديث وقال ابن أبي عدى هو في جملة الضعفاء
الذين يكتب حديثهم روى له الترمذي وابن ماجة وقال ابن حبان داود بن الزبرقان لا أتهمه في
الحديث وقال أبو حاتم داود بن الزبرقان شيخ صالح يحفظ الحديث ويذاكر ولكنه كان يهم في
المذاكرة ويغلط في الرواية إذا حدث من حفظه ويأتي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم فلما نظر يحيى
151

إلى تنكر الأحاديث أنكرها وأطلق عليه الجرح بها (وأما) أحمد بن حنبل فإنه علم ما قلنا وأنه لم يكن
بالمتعمد في شئ من ذلك ولا يستحق الانسان الجرح بالخطأ بخطأ أو الوهم بوهم ما لم يفحش ذلك
حتى يكون الغالب على أمره فإذا كان كذلك استحق الترك وداود بن الزبرقان عنده صدوق
فيما وافق الثقات إلا أنه يحتج به إذا انفرد * هذا كلام ابن حبان وجعله من المختلف فيهم ووعد هنا
بأن يملى كتابا فيهم ويذكر السبب الداعي لهم في ذلك والصواب فيه لئلا يطلق على مسلم الجرح بغير
علم وقال النسائي داود بن الزبرقان ليس بثقة ورواه أبو الحسن الدارقطني أيضا عن محمد بن مخلد
قال حدثنا عباس ومحمد قال حدثنا فرداد أبو نوح قال حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية
قالت خرجت أنا وأم محبة إلى مكة فدخلنا على عائشة رضي الله عنها فسلمنا عليها فقالت لنا ممن أنتن
قلنا من أهل الكوفة قالت فكأنها أعرضت عنا فقالت لها أم محبة يا أم المؤمنين كانت لي جارية
وإني بعتها من زيد بن أرقم الأنصاري بثمانمائة درهم إلى عطائه وإنه أراد بيعها فابتعتها منه بستمائة
نقدا قالت فأقبلت عليها فقالت بئس ما شريت وبئس ما اشتريت فابلغي زيدا أن الله قد أبطل
جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب فقالت لها أرأيت إن لم آخذ منه الا رأس مالي قالت فمن
152

جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وهذا اسناد (1) وحجة المخالف أيضا في ذلك
ما رواه أبو داود من حديث أبي عبد الرحمن الخراساني أن عطاء الخراساني حدثه أن نافعا حدثه
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب
البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله تعالى عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) انفرد
أبو داود عن بقية الأئمة الستة بتخريج هذا الحديث ولم يذكر الخطابي في كلامه على السنن هذا
الباب بالجملة الكافية وفسر أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي العينة هو أن يبيع الرجل من رجل سلعة
بثمن معلوم إلى أجل مسمى ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به قال وان اشترى بحضرة طالب
العينة سلعة من آخر بثمن معلوم وقبضها ثم باعها من طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراه إلى أجل
مسمى ثم باعها المشترى من البائع الأول بالنقد بأقل من الثمن فهذه أيضا عينة وهي أهون من الأولى
وهو جائز عند بعضهم وسميت عينة بحصول النقد لصاحب العينة وذلك أن العين هو المال
الحاضر فالمشترى إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضر يصل إليه من نقده انتهى كلام الهروي وجعله
اسم العينة يشمل الامرين المذكورين مختلف فيه منهم من جعل العينة اسما للثاني فقط
ويسمى الأول الذي نحن فيه شراء ما باع بأقل مما باع وهذا صنع الحنفية وعبارتهم وقال ابن فارس
وغيره من أهل اللغة العينة السلف وعينة كل شئ خياره قالوا ويقال أعيان إذا اشترى بالعينة وا
أسلف: وأنشد الشيخ أبو حامد قول الشاعر
أبدان أم لعيان أم تنبري * لنا فهي مثل حد السيف هزت مضاربه

(1) بياض بالأصل فحرر
153

ويصحح الحنفية الثاني المسمى عندهم بالعينة دون الأول ومن العلماء من يجعل اسم العينة شاملا
للامرين جميعا كما قال الهروي وكذلك اطلاق أصحابنا وإلى ذلك جنح المالكيون والاحتجاج بحديث
(النهى عن العينة حسد) يكون من جهتهم لا من جهة الحنفية (والجواب) عن الحديث المذكور أنه
من رواية أبى عبد الرحمن الخراساني واسمه إسحاق بن أسيد - بفتح الهمزة - قال أبو حاتم الراوي فيه
شيخ ليس بالمشهور ولا يستقل به وعن أبي أحمد بن عدي قال هو مجهول ولعل المراد بذلك جهالة الحال فإنه
قد روى عنه حياة بن سريج في هذا الاسناد الذي في السنن والليث بن سعد ذكر ذلك البخاري
في تاريخه وابن أبي حاتم في كتابه عن أبيه وأبى زرعة وروى عنه أيضا سعيد بن أبي أيوب قاله
البخاري في تاريخه وابن لهيعة قاله أبو حاتم فقد ارتفعت جهالة العين واعترض كل من الفريقين عن
الآخر به عن الحديثين باعتراضات (منها) أن قول عائشة رضي الله عنها وتغليطها في ذلك لا يكون مثله
في مسائل الاجتهاد فدل على أنه توقيف (ومنها) أن الحمل على أن ذلك للتأجيل بالعطاء ممتنع لأن
عائشة رضي الله عنها كانت تذهب إلى جواز البيع إلى العطاء (ومنها) أنها ثبتت جهة المنع في ذلك
وانه مما يتعلق بالربا لما استشهدت بقوله تعالى (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى) وقد تقدم قول إمام
الحرمين في التوفيق بين النقلين عن عائشة وبقية ما قالوه ممنوع وقد سلموا أن القياس الجواز * قالت
المالكية إلا أن تركه واجب لما هو أقوى منه وهو وجوب القول بالذرائع والقول بالذرائع أصل في
154

نفسه مقدم إلا أن الجزء مقدم عليه قالوا ووجه الذريعة فيها هو أن البائع دفع مائة نقدا ليأخذ مائة وخمسين
إلى أجل وذكر السلعة والتبايع لغو وهذه ذريعة لأهل العينة أن يقول الرجل للرجل أتبيع لي هذه
السلعة بعشرة دنانير وأنا أربحك دينارا فيفعل ذلك فيحصل منه قرضه عشرة دنانير بأحد عشر
من غير حاجة بالبائع إلى السلعة وإنما تذرع بها إلى قرض ذهب بأكثر منها وإذا وجدنا
فعلا من الافعال يقع على وجه واحد ولا يختلف الا بالنية من فاعله والقصد وكان
ظاهره واحدا ولم يكن لنا طريق إلى تميز مقاصد الناس ولا إلى تفصيل قصودهم
وأغراضهم وجب حسم الباب وقطع النظر إليه فهذا وجه بناء هذه المسألة على الذريعة
قالوا فأن سلم لنا هذا الأصل بنينا الكلام عليه وإن لم يسلم نقل الكلام إليه هذا ما عولت عليه
المالكية والنزاع معهم في هذا الأصل مشهور في الأصل وقد وافقونا كما ظهر من كلامهم على
عدم إناطة الأحكام بالمقاصد ووجوب ربطها بمظان ظاهرة فقد يوجد القصد الفاسد في عقد نتفق
نحن وهم على الحكم بصحته وقد يعدم القصد الفاسد في عقد يحكمون هم بفساده والحكم حينئذ بالفساد
احتكام بنصب شئ مفسد وذلك منصب الشارع ليس لآحاد الفقهاء استقلال به فإذا لم يكن
الرجوع إلى المقاصد الحنفية جائز اتفاقا فالأولى الاعتماد على ظواهر العقود الشرعية وعدم الأحكام بأمر
آخر وليس هذا موضوع الاطناب في ذلك وقد استدل الأصحاب في هذه المسألة وشبهها بالحديث
الثابت في الصحيحين عن أبي سعيد وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (استعمل رجلا على خيبر
فجاءهم بتمر خبيب فقال أتمر خيبر هكذا قال إنا لنأخذ الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة قال لا تفعل بع
الجميع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم خبيبا) ولم يفصل بين أن يشترى من المشترى أو من غيره فقد أرشده
155

صلى الله عليه وسلم إلى الخلاص من الربا بذلك وإن كان المقصود تحصيل الخبيب بالجمع وقد أطنب
المالكية في فروع هاتين المسألتين والأولى التي صدرنا الكلام بها مترجمة عندهم ببيوع الآجال وتنقسم
أقساما كثيرة جدا وفى بعضها ما هو صحيح عندهم والمسألة الثانية مسألة العينة والله تعالى أعلم *
واعلم أن المسألة تارة تفرض في الصرف فلا يتصور دخول الأجل فيها وتارة تفرض في غير الصرف
فتقع تارة بدون الأجل وتارة بالأجل وبوب الأصحاب لها باب الرجل يبيع الشئ بأجل ثم يشتريه
بأقل من الثمن فهذه الترجمة أخص من شراء ما باع بأقل مما باع وكل ذلك عندنا جائز قال القاضي
حسين في تعليقه سمعت القاضي أبا علي يقول المسألة عندنا أنه بيع ربح ما لم يضمن وقد صح النهى
عنه وإنما ادعيناه لأن حقيقة الربح الفاضل له بالعقد الثاني على ما ملك عليه بالعقد الأول أو فضل
ما بين المضمون عليه بالبيع والمضمون عليه بالشراء والانسان مرة يربح بأن يبيع بأكثر مما اشترى
وأخرى بأن يشترى بأقل مما باع والربح لا يكاد يتحقق إلا بعقدين فتعود العين إليه مع خلوص
الربح له وهذا مجرد الدعوى بل حقيقة الربح قصد ما يملك على ما يملك يدل عليه أنه لو باع الموروث
أو الموهوب بأكثر من قيمته حسن أن يقال ربح عليه وان لم يكن مضمونا له في الشرائط هذا
كلام القاضي حسين وأبو علي الذي حكى عنه القاضي هو من أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه
فيما أظن *
156

(فرع) كلام الشافعي رضي الله عنه صريح في أنه لا فرق في جواز ذلك بين أن يكون
بعادة أو بغير عادة وقد حكى الرافعي أن بالمنع أفتى الأستاذ أبو إسحاق والشيخ أبو محمد إذا صار ذلك
عادة فيبطل العقدان جميعا يعنى لا لأجل سد الذرائع بل لأجل ان العادة تصير كالمشروطة قال
ابن أبي الدم في شرح الوسيط ومسألة العينة قد عم العرف بها بالزيادة في النقود ولنا وجه فنقول في
مذهبنا أن ما يتقدم العقد التي لو امتزجت بالعقد لأفسدته فإذا تقدمت فيفسد العقد بها فيتأيد هذا
الوجه مع ضعفه بعموم العرف (فاما) ما قاله الأستاذ والشيخ أبو محمد فإنه مخالف صريح كلام الشافعي
فإنه قال وعادة وغير عادة سواء (وأما) ما قاله ابن أبي الدم ان قصره على ما إذا فرض شرط متقدم
فقياس ذلك الوجه الذي ذكره أن يأتي فيه وقد اعترف بضعفه (وأما) اعتبار العادة والعرف
فكلام الشافعي يأباه *
(فرع) فان فرض الشرط مقارنا للعقد بطل بلا خلاف وليس محل الكلام وإنما
157

محل الكلام فيما إذا لم يكن مشروطا في العقد وذلك من الواضحات وممن صرح به أبو بكر المرعشي
في ترتيب الأقسام *
(فرع) عرفت ان في المسألة خلافا فيما إذا كان ثم عادة فإن لم يكن ثم عادة فلا خلاف
أعلمه في المذهب في الجواز في المسألتين مسألة العينة ومسألة شراء ما باع بأقل مما باع وفى كلام
الأصحاب اطلاق العينة عليهما وجميع ما وقفت عليه من كتب المذهب جازمة بجواز ذلك وقال
ابن الرفعة انه قد تنازع في ذلك قول بعض الأصحاب وما حكيناه في مسألة العينة ومسألة شراء ما باع
بأقل مما باع من الجزم بالجواز هو الموجود في أكثر كتب أصحابنا وقال ابن الرفعة انه قد ينازع في
ذلك قول بعض الأصحاب أن الشخص إذا باع في مرض موته شقصا من دار بدون ثمن مثله
ولوارثه فيه شفعة أن الوارث لا يأخذ بالشفعة سدا لذريعة التبرع عليه وكذا قول الأصحاب أن الولي
إذا باع على اليتيم شقصا له شفعة لا يأخذه بالشفعة وقال هنا انه ذكر في كتاب احياء الموات من
كلام الشافعي في منع الماء ليمنع به الكلأ ما يقتضى اثبات قولين له في سد الذرائع قال وذلك يقتضى
اثبات قولين في المبيع فيما نحن فيه كما صار إليه الخصم (قلت) والذي أحال عليه من كلام الشافعي
158

قوله في باب احياء الموات من الام بعد أن ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم (من منع فضل الماء
ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته) قال الشافعي وفى منع الماء ليمنع به الكلأ الذي هو من
رحمة الله عام يحتمل معنيين (أحدهما) أن من كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل وكذلك
ما كان ذريعة إلى احلال ما حرم الله تعالى قال الشافعي رضي الله عنه فإذا كان هذا هكذا ففي هذا
ما يثبت أن الذرائع في الحلال والحرام تشبه معاني الحلال والحرام ويحتمل أن يكون منع الماء إنما
يحرم لأنه في معنى تلف على مالا غنى به لذوي الأرواح من الآدميين وغيرهم فإذا منعوا فضل الماء
منعوا فضل الكلأ والمعنى الأول أشبه والله أعلم * هذا كلام الشافعي رحمه الله بلفظه وقد تأملته
فلم أجد فيه متعلقا قويا لاثبات قول سد الذرائع بل لأن الذريعة تعطى حكم الشئ المتوصل بها إليه
وذلك إذا كانت مستلزمة له كمنع الماء فإنه مستلزم لمنع الكلأ ومنع الكلأ حرام ووسيلة الحرام
حرام والذريعة هي الوسيلة فهذا القسم وهو ما كان من الوسائل مستلزما لا نزاع فيه والعقد الأول
ليس مستلزما للعقد الثاني لأنه قد لا يسمح له المشترى بالبيع أو ببذولهما أو بمنع مانع آخر فكل عقد
منفصل عن الآخر لا تلازم بينهما فسد الذرائع الذي هو محل الخلاف بيننا وبين المالكية أمر زائد
159

على مطلق الذرائع وليس في لفظ الشافعي تعرض لهما والذرائع التي تضمنها كلام لفظه لا نزاع في
اعتبارها قال أبو العباس القرافي المالكي (وأما) الذرائع فقد أجمعت الأمة على أنها ثلاثة أقسام
(أحدها) معتبر اجماعا كحفر الآبار في طريق المسلمين والقاء السم في أطعمتهم وسب الأصنام عند
من يعلم من حاله أنه يسب الله تعالى حسدا (وثانيها) ملغى اجماعا كزراعة العنب فإنه لا يمنع خشية
الخمر والشركة في سلم الاذرة خشية الربا (وثالثها) مختلف فيه كبيوع الآجال اعتبرنا نحن الذريعة
فيها وخالفنا غيرنا فحاصل القصة أنا قلنا بسد الذرائع أكثر من غيرنا انتهى كلامه * فالذرائع هي
الوسائل وهي مضطربة اضطرابا شديدا قد تكون واجبة وقد تكون حراما وقد تكون مكروهة
ومندوبة ومباحة وتختلف أيضا مع مقاصدها بحسب قوة المصالح والمفاسد وضعفها وانغمار الوسيلة فيها
وظهورها فلا يمكن دعوى كلية باعتبارها ولا بالغائها ومن تتبع فروعها الفقهية ظهر له هذا ويكفي
الاجماع على المراتب الثلاثة المذكورة في كلام القرافي فإنه يدل على أن الذريعة من حيث هي
غير كافية في الاعتبار إذ لو كانت كذلك لاعتبرت مطلقا ولا بلغناه كذلك بل لا بد معها من فضل
خاص يقتضى اعتبارها والغاءها فلا دليل في كلام الشافعي على اثبات قول له في مسألة العينة
وبيوع الآجال (وأما) المسألتان اللتان تمسك بهما من قول بعض الأصحاب (فاما) مسالة الولي إذا باع على
اليتيم شقصا له فيه شفعة وكون بعض الأصحاب قال بأنه لا يأخذه بالشفعة فقول بعض الأصحاب
160

هذا هو الأصح في المذهب على ما قاله الرافعي في كتاب الشفعة ولكن لا متعلق له في ذلك لأن
العلة في ذلك أنه لو تمكن من ذلك لم يؤمن أن يترك النظر والاستقصاء للصبي وتسامح في البيع ليأخذ
بالثمن البخس فالتهمة المانعة كما أنه ليس له أن يبيع من نفسه وليس ذلك من سد الذرائع في شئ وهذا
لو كان الولي أبا أو جدا جاز لهما الاخذ لوفور الشفقة وأما مسألة المريض إذا باع في مرض موته شقصا
بدون ثمن المثل فالخلاف فيها على خمسة أوجه (أصحها) أنه يأخذ (وقيل) يصح البيع ولا يأخذه الوارث
بالشفعة لما ذكر وهو الأصح عند ابن الصباغ (وقيل) لا يصح البيع أصلا وهذا الوجه والأول من جملة أربعة
أوجه منقولة عن ابن سريج وظاهر هذين الوجهين الآخرين أنه يلزم مجئ مثله في مسألتنا هذه
فقياس قول ابن الصباغ أنه لا يصح البيع الأول ولا الثاني وقياس الوجه الآخر ألا يصح العقد الثاني
والحق ان كلا من الوجهين لا يلزم في مسألتنا هذه لامرين (أحدهما) بالفرق بين المسألتين فأن
الشفيع مسلط على الاخذ من المشترى قهرا ومحاباة المريض للمشترى تبرع فهو بالمحاباة في هذه الصورة
أوجد تبرعا يقدر الوارث على الاستبدال بأخذه بدون رضا المشترى فأشبه التبرع الحاصل من المريض
للوارث فان أخذ الوارث قهرا من المشترى مثل قبوله من المريض بخلاف مسألتنا هذه فان البائع
لا يستقل بالعقد الثاني بل يفتقر إلى إيجاب وقبول وقد لا يوافقه المشترى عليه (والأمر الثاني) أن التخريج في
المذهب إنما يكون من أقوال الإمام اما الوجوه المنقولة عن بعض الأصحاب فإنما يلزم قائلها إذا لم يظهر
فرق وقد ظهر الفرق والله أعلم *
(فرع) أكثر أصحابنا أطلقوا الجواز في ذلك ولم يبينوا هل المراد الجواز مع الكراهة أو
161

بدونها وقد صرح الروياني في البحر وابن أبي عصرون في الانتصار والنووي في الروضة بالكراهة
في ذلك ونقله ابن عبد البر عن الشافعي وقال النووي إن دلائل الكراهة أكثر من أن تحصى
واستدل له ابن عصرون بأن كل ما يجوز التصريح بشرطه في العقد يكره قصده وقال ابن داود شارح
مختصر المزني انه إن اتحد ذلك عادة كره فأفهم انه لا يكره إذا لم يكن عادة (والصواب) ما تقدم وانه متى
كان مقصودا كره سواء اعتاده أو لم يعتده نعم ان جرى ذلك بغير قصد للمكروه ولا عادة كقصة عامل
خيبر فينبغي الجزم بعدم الكراهة (والحاصل) أنها مراتب (الأولى) أن يجرى ذلك بقصد المكروه
من أهل التهمة فهو حرام عند المالكية جائز عندنا مع الكراهة (الثانية) أن يجرى من غير قصد
للمكروه ولا يكون الشخص ممن يتطرق إليه التهمة كقصة عامل خيبر فالذي ينبغي الجزم به عدم
الكراهة فإنه لغرض صحيح وهو التخلص من الربا أو أنه وقع اتفاقا فالظاهر من كلام المالكية أنه
حرام اعتبار بالصورة الظاهرة ومظنة التهمة وفى كلام بعضهم ما يقتضى جوازه كما سنحكيه عنه إن شاء الله
تعالى (المرتبة الثالثة) أن يجرى بقصد المكروه من غير أهل التهمة فيكره عندنا ومقتضى
مذهب مالك وإناطتهم ذلك بالمظنة أن يجوزوه (واعلم) أن مسألة بيوع الآجال تصنيفا لكني أذكر
نبذة يسيرة جدا *
(فرع) في نبذة يسيرة من كلام المالكية قال ابن رشد في البيان والتحصيل وهذه
مسألة تنتهي في التفريع إلى أربع وخمسين مسألة ثمان عشرة مسألة في الشراء بالنقد وثمان عشرة
مسألة في الشراء إلى أجل مقاصة وثمان عشرة مسألة في الشراء إلى أبعد من الأجل وذلك أنه قد
162

يشتري منه الطعام بعينه الذي باع منه قبل أن يغيب عنه بمثل الثمن وبأقل منه وبأكثر نقدا وقد
يشتريه منه وزيادة عليه بمثل الثمن أيضا وبأقل منه وبأكثر نقدا فهذه تسع مسائل إذا لم يغب
المبتاع عن الطعام وتسع أخرى إذا غاب عليه ثمان عشرة مسألة في الشراء بالنقد ومثلها في الشراء إذا
غاب إلى أجل مقاصة ومثلها أيضا في الشراء إلى أبعد من الأجل فمنها خمسة عشر مسألة لا تجوز وهي
أن يشترى منه بأقل من الثمن نقدا الطعام الذي باع منه بعينه قبل أن يغيب عليه أو بعضه أو كله
وزيادة عليه وان يشترى منه بأقل من الثمن أيضا مثل الطعام الذي باع منه بعد أن غاب عليه أو أقل منه نقدا أو
مقاصة وان يشترى منه الطعام بعينه الذي باع منه وزيادة عليه بمثل الثمن أو أكثر منه نقدا أو مقاصة وبالله
التوفيق * وقال أبو إسحاق التونسي المالكي في تعليقه في باب ما يكره من العينة وبيوع الآجال في
كتاب ابن الموان من قول لمالك وأصحابه إنما تكره العينة في البيع إلى أجل وأما بيع النقود فلا
إلا من عرف بالعينة المكروهة وإذا كانت البيعة الأولى إلى أجل والثانية نقدا أو إلى أجل اتهم فيها
كل أحد وإذا كانت الأولى نقدا فلا يتهم في الثانية الا العينة خاصة (أصبغ) * وإذا كان أحدهما من أهل
163

العينة فالحمل على أنهما جميعا من أهلها ووقع لابن وهب إذا كانت الأولى نقدا والثانية
إلى أجل أنهما يتهمان فيهما كما يتهمان إذا كانت الأولى إلى أجل، وخالفه ابن القاسم
وأشهب قال أعني التونسي ومما يكره من البياعات من أهل العينة مثل أن يبيع رجل منه
سلعة بعشرة نقدا ثم يشتريها منه البائع بخمسة عشر نقدا أو إلى أجل فيتهم المشترى أو يكون
دفع عشرة انتفع بها البائع ورد عوضها خمسة عشرة وكانت سلعته لغوا لرجوعها إليه ومثل
أن يبيع منه سلعة بعشرة نقدا أو بعشرة إلى أجل فلا يجوز في أهل العينة لأنهما يحملان على أنه إنما
باع منه من السلعة ما بعد العشرة التي يأخذها البائع نقدا فكأنه قال اذهب فبع منها بعشرة تدفعها
إلى والباقي بعته منك بعشرة إلى أجل وهو مجهول ومثله من أهل العينة إذا كان إنما يشترى ليبيع
لا ليأكل مثل أن يبيع منه سلعة بعشرة إلى أجل فيذهب فيقول بعتها بثمانية فحط عني من الربح قدر
الدينارين فلا يجوز أيضا هذا من أهل العينة الذين يبيعون وكأنه إنما عقد معه على أنه ما صح لك
فيها ربحت عليك فيه الدرهم درهما أو نصفا فصار أصل المبيع الأول لا يعلم ما ثمنه الا بعد بيعه وهذا
لمن يشترى ليبيع ويجوز هذا لمن أراد ان يأكل أو ينتفع وإن كان من أهل العينة ومن ذلك أن
يقول له اشتر لي سلعة كذا وكذا وأربحك فيها كذا إلى أجل كذا فهو مكروه وأكثر المالكية
من هذا المسائل وأخواتها جدا *
164

(فرع) اشترى عشرة دنانير بمائة درهم وتقابضا البعض وافترقا بطل في غير المقبوض وفى
المقبوض طريقان كما لو تلف أحد العبدين قبل القبض وقال الروياني إنه لا يجئ لأنه لم يجمع بين
حلال وحرام ولا الثمن مجهول قال وقال ابن القاص في نظره من السلم قولان بناء على القولين في
تفريق الصفقة وهذا اختيار القفال ولا يرتضيه المحصلون من أصحابه ولا يقتضيه مذهبه ومسألة العبدين
لا يبطل في الباقي قولا واحد ومن أصحابنا من قال خرج أبو إسحاق فيه قولا إنه إذا مات أحدهما
يبطل العقد وهذا غلط على أبى اسحق لأنه قال في الشرح بخلافه ولعله محكى عن غيره وليس بشئ
وقد تقدم عن النووي ذكر هذه المسألة وجعلها كمسألة العبدين وكلام الروياني الذي حكيته يوافقه
لكن كلام الشافعي في الصرف يقتضى الفساد فيمكن أن يكون ذلك على أحد القولين ويمكن أن
يقال بالفساد هنا احتياطا للربا ولا يخرج على مسألة العبدين والله أعلم *
(فرع) لو وكل في الصرف وعقد الوكيل هل للموكل أن يقبض ويكتفى بقبضه عن
قبض الوكيل؟ قال الجرجاني في التحرير في كتاب الوكالة ويتعلق بالوكيل ما يتم به العقد من الايجاب
والقبول والرؤية وقبض رأس السلم والتقابض في الصرف وتتعلق حقوقه بالموكل وينتقل الملك إليه
وهذا يقتضى أنه لا يكتفي بقبض الموكل وكذلك حكي عن القاضي حسين أنه قال في كتاب الوكالة
أن حقوق العقد تتعلق بالوكيل في مجلس العقد وبطلان العقد بمفارقة المجلس قبل أخذ بدل
الصرف وقال في آخر الكتاب ولا خلاف في أن القبض في الصرف والسلم وتقرير الملك يتعلق
بالوكيل دون الموكل وإن كان حاضرا في ذلك المجلس وقد تقدم في هذا المجموع من كلام النووي
165

رحمه الله والأصحاب قبض الوكيل قائم مقام قبض الموكل قال ابن الرفعة إن كلام القاضي حسين
والجرجاني المذكور قد ينازع باطلاقه في هذا وقد يسلم ويقال إن الوكيل ينوب عن الموكل فإذا
قبض فيده كيده والموكل لا ينوب عن الوكيل فيما يتصرف فيه لنفسه فلم يقم قبض الموكل مقام قبض
الوكيل وان وقع في المجلس (قلت) وهذا هو الحق ولا تناقض بين كلام القاضي حسين والجرجاني
وسائر الأصحاب والله أعلم * (فائدة) في تسمية الصرف قال ابن سيده في المحكم الصرف فضل
الدرهم على الدرهم والدينار على الدينار والصرف بيع الذهب بالفضة والصراف والصرف والصيرفي
النقاد والجميع صيارف وصيارفة دخلت فيه الهاء لدخولها في الملائكة والقساعمة لا للنسب
وقال الأصحاب الصرف بيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب والذهب بالذهب ورأيت في مختصر البويطي
ما يقتضى أن الصرف اسم لبيع أحد النقدين بالآخر والمصارفة اسم لبيع النقد بجنسه فإنه قال
لا يجوز أن يصارف ذهبا بذهب ويشترط عند المصارفة أن يبيعه أو يشترى منه كل دينار زاد بدراهم لأن
الصيغة جمعت الصرف والمصارفة وذلك مجهول حصة المصارفة من حصة الصرف وقال الماوردي سمي
الصرف صرفا لصرف حكمه عن أكثر أحكام البيع وقيل لصرف المسامحة عنه في زيادة أو تأخير وقيل
لأن الشرع أوجب على كل منهما مصارفة صاحبه (أي مضايقته) *
(فرع) كان له على رجل عشرة دنانير فأعطاه عشرة عددا قضاء لما عليه فوزنها القابض
فوجدها أحد عشر دينارا قال الأصحاب والقاضي أبو الطيب والرافعي كان الدينار الزائد للقاضي
مشاعا فيها ويكون مضمونا على القابض لأنه أخذه عوضا ولم يأخذه أمانة وليس كما إذا سلم دينارا
نصفه شائعا حيث يكون النصف الآخر أمانة لأنه لم يقبض النصف الزائد بدلا عما عليه وهنا قبضه
بدلا عما في ذمته وفى الصورتين قال القاضي أبو الطيب إن شاء القاضي استرجع منه دينارا وان شاء
166

وهبه له أو اشترى به منه عرضا أو أخذ به دراهم يشترط قبض الدراهم في المجلس وان شاء جعله ثمنا
لموصوف في ذمته سلما هكذا أطلقوه وفى الصورة الأخيرة يجب حمله على ما إذا كان الدينار باقيا فلو تلف صار دينا لم يجز جعله رأس مال في السلم لأنه بيع دين بدين ثم ما ذكروه كله يدل على
صحة القبض في مقدار العين وذلك مخالف للقاعدة المقررة (أن قبض الموزون أو المكيل جزافا
فاسدا) حتى لو قال له الدافع إنني وزنتها وأنها كذا فقبضها على ذلك قال الرافعي يكون فاسدا
ومقتضى ذلك أنه لا يدخل في ملكة فيجب تجديد القبض ومحل تحرير ذلك في كلام المصنف
في آخر باب السلم إن شاء الله تعالى *
(فرع) لو كان له عنده عشرة دنانير موصوفة فأعطاه دينارا واحدا وزنه عشرة
مثاقيل لم يلزمه فلو باعه عبدا بمائة دينار أهوازية فجاءه بثلاثة وتسعين دينارا وزنه مائة لزمه أن
يقبض إلا أن يكون شرط عليه مائة وزنها وعددها سواء فلا يلزمه أخذ ذلك قالهما الصيمري في
شرح الكفاية *
(فرع) قال القاضي حسين إذا قال بعت منك هذا الدينار بما يقابله من دينارك فكان ديناره
زائدا سدسا أو أكثر فإنه بالخيار بين أن يهبه تلك الزيادة أو يبيعه منه بعد بشئ آخر ويقطع الزيادة
منه أو يشركه فيه أو يتركه على حاله برضاه والله أعلم *
(فرع) آخر قاله القاضي حسين لو قال بنصف دينار لزمه بوزن المدينة بغير البلد فلو قال
بنصف هذا الدينار لزمه نصفه سواء كان وزنه دينار أو أقل أو أكثر فلو قال بنصف دينار من
هذا الدينار فإن كان وزنه أكثر أخذ منه نصف دينار أو إن كان وزنه نصف دينار دفع الكل
إليه وإن كان أقل من ذلك ففي صحة العقد وجهان بناء على القولين في تغليب الإشارة أو العبارة *
167

(فرع) قال الشافعي رضي الله عنه في الام إن كان وهب منه دينارا أو أثابه الآخر دينارا
أو زن أو نقص فلا بأس *
(فرع) قال الأصحاب إذا كان له عند صيرفي دينار فاخذ منه دراهم من غير عقد فالدينار
له والدراهم عليه فان بلغت فطريقهما أن يتباريا *
(فرع) له عند صيرفي دينار قبض ثمنه من غير لفظ البيع لم يصح وصار للصيرفي عليه
دراهم ولا يخفى الحكم *
(فرع) التولية ببيع جائزة في عقد الصرف كغيره فان قال لرجل اشترى عشرين درهما
لنفسك بدينار ثم ولني نصفها بنصف الثمن لم يصح لأنه إذا ولاه كان بيع غائب *
(فرع) باع ثوبا بمائة درهم صرف عشرين درهما بدينار لم يصح كما لو قال بعتك قفيزا
من طعام قيمته درهم وإن كان نقد البلد من صرف عشرين درهما بدينار لم يجب حمله عليه لأن
السعر يختلف *
(فرع) اشترى ثوبا بمائة درهم الا دينارا أو مائة دينار إلا درهما لم يصح فلو قال بمائة
درهم إلا درهما صح هكذا أطلق (1) إذا قال بعتك بدينار الا درهم وكان يعلم قيمة الدرهم من
الدينار أما عشره أو نصف عشره صح البيع لأنه استثناء معلوم من معلوم وقال الماوردي فيما تقدم *
(فرع) اشترى ثوبا بنصف دينار لزمه شق دينار ولا يلزمه من دينار صحيح ولو اشترى
منه ثوبا آخر بنصف دينار لزمه نصف دينار آخر مكسورة ولا يلزمه دينار صحيح فان أعطاه صحيحا
فقد أحسن فان شرط في الثاني (2) إن كان بعد لزوم العقد الأول فالثاني باطل فقط بلا خلاف
وإن كان خيار العقد باقيا فسد الأول والثاني جميعا هكذا قال القاضي أبو الطيب وغيره وقال القاضي
حسين إن القول بفساد العقدين جميعا قول صاحب التقريب لأن الشرط الفاسد أو الصحيح إذا
168

وجد في المجلس يلتحق بأصل العقد قال وقال القفال يصح العقدان ويجعل كما لو قال في الابتداء
بعت منك هذين الشيئين بدينار صحيح وفى المسألة شئ آخر وهو أن القاضي مع ذلك أطلق في
صدر المسألة أنه إذا قال بعتك هذا بنصف دينار لا يجوز لقلة وجودة ولعزته قال ولو قال بعت منك هذا
بنصف دينار صحيح يجوز لكثرة وجوده ثم يعطيه قطعة وزنها نصف دينار أو يشركه في دينار صحيح
ان رضى به وساق بقية الكلام فأثر هذا الكلام إشكالا فان النصف اما أن يحمل عند الاطلاق على
نصف شائع من دينار أو على جزء متميز فإن كان الأول فوجب أن يلزمه تسليم النصف شائعا ولا يكسره
فإنه ينتقص قيمته به ويكون ذلك كسر المشاع ولا يلزمه على هذا فساد العقد لأن ذلك ليس بعزيز
الوجود وقد جزموا بأنه لا يلزمه تسليم نصف من دينار صحيح ولا يلزم البائع أيضا أن يأخذ مشاعا إلا برضاء
كما قال القاضي حسين وان حمل على جزء متميز فيتجه فساد العقد لأنه إما عزيز الوجود واما أن يحصل
به تنقيص عين المبيع إذا ألزمناه بقطع دينار وهذا إذا أطلق النصف وان قيد فان قال نصفا من دينار
صحيح اقتضى الإشاعة ولا يأتي ما قالوه في تسليم شق دينار لأنه خلاف الشرط وان قال نصفا صحيحا
اقتضى الفساد لعزة وجوده كما قال القاضي حسين وان قال نصفا مكسورا من دينار اقتضى الفساد
أيضا إذ لا يوجد على هذه الهيئة إلا عزيزا وان ألزمناه مكسرا اقتضى تنقيص عين المبيع والله أعلم *
والشافعي رحمه الله لما ذكر المسألة في الام أطلق القول بالصحة إذا باع بنصف دينار وكذا قال إذا
اشترط عليه عند العقد أن له عليه دينارا فان قيده بأن لا يكون نصف * (1)
(فرع) وهو من تتمة ما قاله القاضي حسين أعلاه قال الروياني في البحر لو قال بنصف دينار
صحيح فإن لم يقل مدورا يصح ولو سلم مدورا وشقا من دينار يجوز وان سلم ثقيلا وأشركه فيه يجوز
وان قال مدورا وهو عام الوجود يجوز وإن كان نادر الوجود لا يجوز هكذا قال الروياني وهو كلام
169

بين فلينزل كلام القاضي حسين عليه *
(فرع) اشترى ثوبا بعشرين درهما وجاء بعشرين صحاحا وزنها عشرون ونصف وقبض
بنصف درهم فضة جاز وإن كان ذلك شرطا في أصل بيع الثوب لم يصح لأنه بيعتان في بيعة *
(فرع) لو ابتاع ثوبا بدينار يلزم المشترى دينار صحيح ولا يجب على البائع أن يأخذ دينارا
بنصفين قاله الماوردي ولو باع الثوب الأول بنصف دينار والثاني بنصف دينار على أن له عليه دينار
كان البيع الأول والثاني جائزين هكذا قال الماوردي لأن الشرط المقترن بالثاني لا ينافيه مع موافقته
على ما تقدم عن أبي الطيب ولعل مأخذه أن الدينار المشروط عليه لم يصفه بالصحة فلا ينافي نصفي
دينار يحمل عليه بخلاف ما إذا باع أولا بدينار مطلق فإنه يحمل على الصحيح لأجل الاطلاق
وفيما نحن فيه قرينة تصرفه عن ذلك والله أعلم * ذكر هذه الفروع في هذا المكان القاضي أبو الطيب
رحمه الله وغيره ورضي الله عنه *
* قال المصنف رحمه الله *
(وإن كان مما يحرم فيهما الربا بعلتين كبيع الحنطة بالذهب والشعير بالفضة حل فيه التفاضل
والنساء والتفرق قبل التقابض لا جماع الأمة على جواز اسلام الذهب والفضة في المكيلات والمطعومات *)
(الشرح) هذا قسيم قوله فإن كان مما يحرم فيهما الربا بعلة واحدة والضمير في كان لا يمكن
عوده على الثمن وحده لأنه لا يحرم الربا فيه وحده بعلتين ويعود ضمير التثنية عليه ولا إلى المبيع وحده
كذلك ولا إليهما لامتناع عود الضمير المفرد إلى اثنين فتعين أن يكون عائدا إلى جنس ما اشتملت
عليه الصفقة من الجانبين وهو ما يحرم فيه الربا الذي هو قدر مشترك بينهما وهو الذي صدر به المصنف
الفصل وهو قوله فيهما أعاد الضمير على مثنى على معنى مالان المراد به التثنية وكان يجوز أن يعيده
170

على لفظها فيقول فيه والمراد بذلك حرمة الربا في كل منهما على الافراد وأما المجموع حالة المقابلة
المذكورة فلا يحرم فيه الربا أصلا لا بعلة ولا بعلتين وذلك واضح فلم تجتمع العلتان على حكم واحد بعينه
بل الطعم علة لحرمة الربا في المطعومات فقط والثمنية علة حرمة الربا في النقد فالعلتان موجبتان لنوع
حرمة الربا المقيد بذلك المحل وعبارة المصنف أخص من عبارته في التنبيه على قوله وان لم يحرم فيهما
الربا بعلة واحدة فان ذلك شامل لما إذا باع الربوي بغير ربوي وإن كان التمثيل بعيد والحكم
لا يختلف وعبارته في المهذب خاصة بما إذا كان العوضان ربويين وأما غير الربوي فإنه أفرد له الفصل
الذي قبل هذا فلم يحتج أن يدرجه في كلامه ولو كان مقصوده إدراجه في الكلام لجاءت الأقسام
خمسة لأنه إما أن لا يكون العوضان ربويين أو أحدهما ربويا دون الآخر وهذان القسمان لا يحرم
فيهما شئ من أنواع الربا واما أن يكونا جميعا ربويين فاما أن لا يكون العوضان من جنس واحد
171

فيحرم فيهما جميع أنواع الربا واما أن يكونا من جنسين فاما أن يشتركا في علة الربا أو يختلفا فان اشتركا
حرم النساء والتفرق وان اختلفا لم يحرم شئ كما لو لم يكن أحدهما ربويا * إذا عرف ذلك فإذا باع
الربوي بربوي آخر يخالفه في علة الربا حل فيه التفاضل والنساء والتفرق قبل التقابض لما ذكره
المصنف رحمه الله وللاجماع المذكور نقله الشافعي رحمه الله تعالى في الاملاء واقتضاه كلامه في الام
والمختصر ولفظه في الاملاء أصرح قال فيه (لأن المسلمين أجمعوا على أن لذهب والورق يسلمان فيما سواهما)
وقال في الام في باب الآجال في الصرف (ولا أعلم المسلمين اختلفوا في أن الدنانير والدراهم يسلمان
في كل شئ إلا أن أحدهما لا يسلم في الآخر) وقال في مختصر المزني رحمه الله (ولا أعلم بين المسلمين
خلافا في أن الدينار والدرهم يسلمان في كل شئ ولا يسلم أحدهما في الآخر) اه‍ والاستدلال بجواز
172

السلم على جواز النساء إذا منعنا التسلم الحال واضح وأما إذا جوزناه فطريق تقريره قد تقدم في الصرف
على الذمة فكل سلم هو بيع نسيئة وأما أن كل بيع نسيئة سلم فإنه ينبني على أنه إذا باع موصوفا في
الذمة هل يكون سلما أو بيعا وفيه وجهان (ان قلنا) يكون سلما فصار السلم والبيع نسيئة شيئا واحدا
فيقال على هذا في هذا القسم الذي نحن فيه يجوز نقدا ونسيئا ولا يذكر بعد ذلك أنه يجوز إسلام أحدهما
في الآخر (فان قلنا) إنه يكون بيعا لا سلما فانا نقول يجوز نقدا ونسيئا ويجوز اسلام أحدهما
في الآخر ذكر معنى ذلك أو قريبا منه الشيخ أبو حامد الأسفرايني وقال أيضا ومعنى قولنا نقدا ونسيئا
أن يقول بعتك ثوبا صفته كيت وكيت إلى أجل كذا ولا يريد به أن يشترى عينا ويشترط تسليمه
إلى أجل فان هذا لا يجوز (قلت) ولا ينحصر الفساد فيما قاله بل تارة يكون النساء في المبيع
وصورته ما ذكر كما إذا قال بعتك أردب قمح في ذمتي إلى شهر بهذا الدينار وتارة يكون في الثمن كما إذا قال
بعتك هذا الأردب القمح بدينار في ذمتك إلى شهر وفى القسم الأول يشترط قبض رأس المال إذا
173

جعلناه سلما وفى القسم الثاني لا يشترط قبض واحد منهما لأنه بيع محض وكلام المصنف رحمه الله
يحتمل كلا من المعنيين أن تكون الحنطة مبيعة في الذمة نساء بالذهب فيكون سلما على أحد الوجهين
أو بيعا في معنى السلم على الوجه الآخر وحينئذ يكون الاستدلال بالاجماع في عين المسألة وهذا الذي
يشعر به كلام الشيخ أبى حامد ويحتمل أن يكون مراده بيع الحنطة المعينة بذهب في الذمة نساء
وحينئذ لا يكون نساء فيكون حكمه مأخوذا من القياس على السلم الثابت بالاجماع فالاجماع المذكور
دليل الأصل المقيس عليه ولما كان الالحاق جليا بعد ثبوت الأصل المقيس عليه سكت عن ذكره ثم إذا
جاز البيع نسيئة تبعه جواز التفرق قبل التقابض لأن كل عوضين حرم التفرق فيهما قبل التقابض حرم
النساء فيهما ومالا فلا ولا ينتقض ببيع الجوهرة بالجوهرة فإنه يجوز التفرق قبل القبض إذا كانتا
حاضرتين ولا يجوز النساء فيهما لأن التحريم في ذلك لا يرجع إلى النساء بل لكونه لا يضبط بالصفة
فيكون المسلم فيه مجهولا ولم أر أحدا من أصحابنا ولا من غيرهم ذكر خلافا في هذه المسألة أعني
جواز بيع الحنطة بالذهب والشعير بالفضة نساء ولا أشعر به إلا أبا محمد بن حزم الظاهري فإنه
قال في كتابه المسمى مراتب الاجماع، واتفقوا على أن الابتياع بدينارين أو دراهم حالة في الذمة
غير مقبوضة أو بها إلى أجل محدود بالأيام أو الأهلة والساعات والأعوام القمرية ما لم يتطاول
الأجل جدا جائز ما لم يكن المبيع شيئا مما يؤكل أو يشرب فان الاختلاف في جواز بيع ذلك
بالدراهم والدنانير إلى أجل موصوف وأما حالا فلا خلاف أن ذلك جائز واختلفوا فيما عدا الدراهم
والدنانير في كلا الوجهين المذكورين فتضمن كلام ابن حزم اثبات خلاف في ذلك ويمكن أن يحتج
له بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بعد ذكره الأشياء الستة (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف
174

شئتم إذا كان يدا بيد) لفظ مسلم واختلاف الأصناف ويشتمل اختلافهما على وجه تكون علة الربا فيهما
واحدة أو متعددة وقد شرط في ذلك التقابض وقال صاحب المغني من الحنابلة ويحتمل كلام الحزمي
وجوب التقابض على كل حال لقوله يدا بيد واقتصار المصنف على المكيلات والمطعومات وإن كان
الحكم عاما في جميع ما سوى الذهب والفضة كما يدل عليه عبارة الشافعي كان غرضه بذلك والله أعلم
التنبيه على ما يخالف الذهب والفضة في العلة عندنا وعند الحنفية فعندنا المطعومات وعندهم المكيلات *
* قال المصنف رحمه الله *
(وكل شيئين اتفقا في الاسم الخاص من أصل الخلقة كالتمر البرنى والتمر المعقلي فهما جنس واحد
وكل شيئين اختلفا في الاسم من أصل الخلقة كالحنطة والشعير والتمر والزبيب فهما جنسان والدليل
عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ستة أشياء وحرم فيها التفاضل إذا باع كل شئ منها بما وافقه
في الاسم وأباح فيه التفاضل إذا باعه بما خالفه في الاسم فدل على أن كل شيئين اتفقا في الاسم فهما
جنس وإذا اختلفا في الاسم فهما جنسان) *
(الشرح) لما تقرر أن حكم الربوي إذا بيع بجنسه مخالف لحكمه إذا بيع بغير جنسه احتيج
إلى معرفة الجنس فان كل ربويين يشتركان في أمور ويختلفان في أمور فلا بد من ضابط فذكر
المصنف هذا الضابط وقد أخذه من معاني كلام الشافعي والأصحاب وحرره بهذه العبارة واستدل له
وهو أصل عظيم ينبني عليه مسائل كثيرة كاللحوم والألبان والأدقة واعتراضات وأجوبة عليها
ستنكشف لك فيما بعد إن شاء الله تعالى * قال الشافعي رضي الله عنه في الام في باب جماع تفريع
الكيل والوزن بعضه ببعض ما ملخصه، إنك تنظر إلى الاسم الأعم الجامع كالنبات مثلا ثم تقسمه إلى
الحب اسما غيره بمعنى الاسم الذي يميزه به عما يشاركه من الحب والنبات وكذلك الذهب والفضة
175

يشملهما أنهما مخلوقان من الأرض ثم ينقسم ذلك إلى تبر وغيره ثم ينقسم التبر إلى ذهب وفضة وغيرهما
من النحاس والحديد وغيرهما فالذهب والفضة والتمر والزبيب والحنطة والشعير أخص الأسماء الصادقة على ذلك
وليس ينقسم بعد ذلك الا إلى الصفات فيقال تمر برني وتمر معقلي وذهب مصري وذهب مغربي وما أشبه
ذلك وليس لكل نوع من ذلك شئ يخصه بل إذا أريد معرفته ذكر الاسم الخاص وهو التمر
والذهب ثم قيل بتلك الصفة بخلاف الذهب والتمر بالنسبة إلى التبر والحب لا يذكر الاسم الأعم منهما
بل اسمهما بخصوصه قال الشافعي رضي الله عنه الحنطة جنس وان تفاضلت وتباينت في الأسماء كما
يتباين الذهب ويتفاضل في الأسماء قال ولا بأس بحنطة جيدة يساوى مدها دينارا بحنطة رديئة لا يسوى مدها
سدس دينار ولا حنطة حديثة بحنطة قديمة ولا حنطة بيضاء صافية بحنطة سوداء قبيحة مثلا بمثل فقول
الصنف في الاسم الخاص قال ابن أبي عصرون قال أبو علي الفارقي احتراز من الاسم المشترك كالفاكهة فإنه اسم
يعم وكذلك التمر فإذا قال تمر فقد خصص (قلت) فلم قال من أصل الخلقة ولم يقل من أصل الوضع
والأسماء توضع ولا يقال تخلق قال فيه احتراز من الدقيق فإنه اسم ثابت له من أصل الوضع ولكن
الاسم الذي ثبت له من أصل الخلقة هو الحنطة والشعير فان الدقيق لم يخلق على هيئته وإنما يخلق
حبا ثم يطحن فيصير دقيقا انتهى وكذلك اللحوم قال ابن الرفعة قيل ولا حاجة إلى زيادة هذا القيد كما
أسقطه في التتمة فان الاسم الخاص فيها لا يكون الا مع الإضافة كقوله دقيق بر ودهن سمسم ونحو ذلك
(قلت) وقول المصنف في الجنسين اختلفا في الاسم ولم يقل الخاص كما قال في الجنس الواحد في غاية
الحسن لأن الاختلاف في الاسم صادق بطريقين (أحدهما) بالاختلاف في الاسم الخاص مع الاشتراك
في العام كما مثل (والثاني) الاختلاف في الاسم العام أيضا ومن ضرورته الاختلاف في الاسم الخاص
وإذا كان الاختلاف في الاسم الخاص يوجب الاختلاف في التجانس فالاختلاف في الاسم العام
بذلك أولى وإن كان لابد بين كل شيئين من اسم عام لكنه قد يكون بعيدا واستدلال المصنف
176

لذلك بما ذكر في غاية الجودة فان النبي صلى الله عليه وسلم أباح التفاضل عند اختلاف هذه الأشياء التمر
بالبر والذهب بالفضة مع اشتراكهما في الاسم العام وهو الحب والتبر وحرم التفاضل عند مقابلتها
بمثلها كالذهب بالذهب وهما متفقان في الاسم وان اختلفا فيما هو أخص من ذلك كالقاساني والسابوري
فدل على أنه حيث حصل الاتفاق في الاسم الخاص حرم التفاضل وحيث اختلفا في الاسم الخاص
جاز التفاضل وذلك هو مرادنا هنا باتفاق الجنس واختلافه وكذلك الصنف المراد به هنا الجنس
فحيث اتفق الاسم صدق أنه جنس واحد وصنف واحد وحيث اختلف يقال جنسان وصنفان
فلذلك جاء في حديث عبادة في مسلم (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم) وكذلك
اللون فقد تقدم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في مسلم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
ذكر الأشياء (فمن زاد أو استزاد فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه) وليس المراد بالألوان من التمر أو الحنطة وما
أشبههما لما تقرر ان ألوان التمر لا يجوز التفاضل بينهما من التمر والحنطة وما أشبههما تقرر أن ألوان التمر لا يجوز التفاضل بينها ويدل عليه حديث عامل خيبر المتقدم في الجمع والخصيب
177

وإنما المراد بالألوان الأصناف فحينئذ الجنس والصنف واللون فيما نحن فيه سواء وليس المراد بالجنس
ههنا ما يتعارفه الأصوليون فان ذلك اصطلاح آخر وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في شرح الرسالة
إن قولنا جنس تارة يرجع إلى اتفاق في حكم من أحكام الشرع كالإبل والبقر والغنم في اشتراكهما
في وجوب الزكاة والاجزاء في الضحايا والهدايا وانها من بهيمة الأنعام ذكر في تأييد قولهم في اللحوم
وما قدمناه من اعتبار التسمية أولى لأن الدليل المتقدم دل عليه وما سواه لم يقم دليل على اعتباره وقد
يقال إن مقتضى هذا الضابط أن يكون الطلع والرطب والتمر أجناسا لاختلافهما في الاسم الخاص وقد
اتفق الأصحاب على أنها جنس واحد وان اختلفوا في بيع الطلع بالتمر والرطب وكذلك الدقيق والحنطة
مختلفان في الاسم الخاص (فالجواب) أما الطلع فإنه اسم يدخل تحته طلع النخلة كله ثم هو بعد ذلك
يصير إلى حالة تسمى بسرا أو رطبا أو تمرا فهو حين كان طلعا كان جنسا واحدا بلا إشكال للاتفاق
في الاسم والحقيقة فحين انتقل شئ من الطلع إلى حالة يسمى فيهما تمرا أو رطبا لا يمكن أن يقال إنه
178

جنس غير الطلع لأنه هو مع تبدل صفته وحصل له اسم خاص تبعا لتلك الصفة وذلك لا يوجب
الاختلاف في الجنس فان اختلاف الجنس الواحد باليبس والرطوبة والتلون لا يوجب اختلاف
حقيقته فلذلك لم يصر اختصاص كل منهما باسم أخص من الطلع في جعلها أجناسا لأن الطلع الذي
فرضنا الكلام طلع نخلة بعينها تبدلت حالاته فالطلع اسم خاص بتلك الذات ولأفرادها أسماء باعتبار
الصفات وهذا أولى بالاتحاد من المعقلي والبرني لأنهما نوعان واختلاف النوع أشد من اختلاف
الوصف فان النوعين اختلافهما في النوعية ثابت من أصل الخلقة بخلاف التمر مع الرطب والطلع
وكذلك الدقيق هو الحنطة بعينه ولكن تبدلت صفته واختلاف الأسماء إنما جعل مناط اختلاف
الأجناس عند اختلاف الذوات كالبر والشعير أما مع اتحادها فلا أثر لاختلافه التابع للصفات ولك أن
تأخذ على قياس هذا أنه مع اختلافها لا أثر للاتحاد الطارئ كاللحمان والأدقة والادهان والخلول
وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى (فان قلت) قد اختلف الأصحاب في السلم هل اختلاف
179

النوع كاختلاف الجنس والأصح أنه مثله وههنا اتفقوا على أن اختلاف النوع ليس كاختلاف الجنس
فلا يجوز بيع نوع من الربويات بنوع آخر من جنسه متفاضلا فما الفرق بين الغايتين (قلت)
القول في السلم أن عند اختلاف النوع لم يأت بما يثبت في ذمته بل بغيره والأصل أن لا تبرأ ذمة
إلا بما يثبت فيها سواء كان من جنسه أو من غير جنسه إلا أن يكون بينهما من الاختلاف مالا يختلف
الغرض به وأما الربويات فالمعتبر مسمى الجنس وهو موجود في النوعين ونحن وان قلنا في السلم
لا يأخذ أحد النوعين عن الاخر لا نجعلهما جنسين بل مع اتفاق الجنس نمنع من الاخذ لما تقدم والله
أعلم * فأنواع التمر كلها كالمعقلي والبرني وغير ذلك جنس واحد وأنواع الحنطة كالصعيدي والبحيري
وغيرهما جنس واحد وأنواع الذهب كالمصري والمغربي وغيرهما جنس واحد وأنواع الزبيب كالأسود
والأحمر وسائر أصنافه جنس واحد والمعتمد فيه حديث بلال المتقدم وإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم (التمر بالتمر
والذهب بالذهب والحنطة بالحنطة)
(فائدة) البرني ضرب من التمر أصفر مدور عن صاحب المحكم
أنه أجود التمر وقال الشيخ في السلم إن المعقلي أفضل منه ونوزع في ذلك وقولهم في البرني أنه مدور أصفر
كذلك لقد رأيناه وليس فيه تدوير والمعقلي بالعراق منسوب إلى معقل بن يسار الصحابي رضي الله عنه
واليه ينسب نهر معقل بالبصرة ولكن لا يستكمل الغرض في تحقيق هذا الضابط وتحريره
الا بذكر المسائل التي وقع فيها الاشتباه في ذلك فبذلك يتضح المعتمد في هذا الأصل والله المستعان *
180

وقول المصنف فدل على أن كل شيئين اتفقا في الاسم فهما جنس واحد مقصوده بالاسم الاسم الخاص
الذي من أصل الخلقة وسكت عن تقييده بذلك لما تقدم من كلامه ولان المراد الاسم المعهود الذي
ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الأشياء الستة فإنه بهذه الصفة والله أعلم * وقد يورد على هذا الأصل
التمر والرطب فأنهما جنس واحد مع اختلافهما في الاسم ولا يرد التمر فأن اسم التمر طارئ عليه بعد كونه
رطبا وكذلك لا يرد الضأن والمعز فأنهما يذكران صفة لا اسما فيقال شاة ضانية وشاة ماعزة *
* قال المصنف رحمه الله *
(وما اتخذ من أموال الربا كالدقيق والخبز والعصير والدهن تعتبر بأصولها فإن كانت الأصول أجناسا
فهي أجناس وإن كانت الأصول جنسا واحد فهي جنس واحد) *
(الشرح) لما أفهم كلام المصنف فيما تقدم أن الاتفاق في الاسم قد يكون من أصل الخلقة وقد
لا يكون احتاج أن يبين حكم القسم الثاني وهو على قسمين (أحدهما) ما يكون متحدا في أموال الربا كالدقيق
والدهن (والثاني) ما ليس كذلك كاللحوم والألبان وسيأتي (أما) القسم الأول كالأدقة والأخباز والأدهان
والعصير والخلول فقد ذكر الشافعي رضي الله عنه والأصحاب أنه يعتبر بأصولها فإن كانت أصولها أجناسا
فهي أجناس وذلك لأنها مختلفة في أنفسها وإشراكها في اسم علم وهو الدقيق أو الدهن مثلا لا يوجب
اتحادها كما يشترك البر والشعير في الحب وليسا متحدين في الجنس وغايته أن العرب لم تضع لكل
من الأدقة اسما يخصه بل اكتفت فيه بالاسم العام المتميز بالإضافة إلى ما يخرج منه وذلك لا يوجب
الاتحاد في الجنس وكونها مختلفة الحقائق ناشئ من أجناس توجب الاختلاف فاعتبرت بأصولها
181

كذلك قال الشافعي رحمه الله لما تكلم في الادهان وقال فأن قال قائل قد يجمعها اسم الدهن قيل وكذلك
يجمع الحنطة والإذرة والأرز اسم الحب وليس للأدهان اسم موضوع عند العرب إنما سميت معان لأنها
تنسب إلى ما يكون يشير الشافعي بذلك إلى ما قلته ومن هذا الكلام استفدته وهو أسهل في التقرير
من أن يسلم اتفاقا في الاسم الخاص ثم يدعى اختلافهما لا خلاف أصولهما وقد صرح القاضي أبو الطيب
أنهما مشتركان في الاسم الخاص والامر في ذلك قريب وقد وضعوا لبعض الادهان اسما بخصوصه
كالشيرج والزيت فصار اختلافهما لامرين اختلاف اسمهما الخاص واختلاف أصلهما وبهذا يزول
اعتراض من يقول إنه إذا كان المعتبر الاسم فالأدقة والأدهان واللحوم والألبان كل منها متحدة
الاسم فهذه كانت جنسا واحد وسنذكر في كل من الأدقة والأدهان والخلول خلافا ضعيفا وكذلك في
العصير والمعتمد ما يقتضيه هذا الأصل الممهد والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(فعلى هذا دقيق الحنطة ودقيق الشعير جنسان وخبز الحنطة وخبز الشعير جنسان ودهن
الجوز ودهن اللوز جنسان) *
182

(الشرح) هذا التفريع على ذلك الأصل لاخفاء فيه هذا هو الصحيح المشهور وبه جزم
أكثر الأصحاب وادعى الشيخ أبو حامد أن مسألتي الدقيق والخبز لا خلاف فيهما لأن الأدقة
أجناس والأخباز أجناس وكذلك ادعى المحاملي في المجموع أيضا وكذلك قال الإمام في الأدقة
قال المحاملي وقد ذكر في حرمله كلاما يؤدى إلى أنها جنس واحد وليس بشئ قال الرافعي وفى
الأدقة حكاية قول الإمام في حرمله أنها جنس واحد وكلام المحاملي يقتضي أن ذلك ليس مصرحا
به فلا يجزم باثباته والظاهر أنه اطلع على ذلك الكلام وتأمل معناه وان الرافعي رحمه الله تعالى
نقل ذلك عن غيره فينبغي التوقف في اثبات ذلك قولا وكيفما قدر فالمذهب المشهور الذي قطع به كثيرون
خلافه فعلى المشهور في أنها أجناس فيباع دقيق الحنطة بدقيق الشعير متساويا ومتفاضلا يدا بيد ولا
فرق بين أن يكون رطبا أو يابسا بيابس لأن أكثر ما فيه وجود التفاضل وهو جائز وان ثبت القول
الآخر أنها جنس واحد فان الحكم في ذلك كالحكم في بيع دقيق الحنطة بدقيقها وخبزها بخبزها وسيأتي
183

حكمهما في الفصل العاشر بعد هذا الفصل إن شاء الله تعالى * وقال الإمام إن الطريقة الجازمة بان
الأدقة أجناس هي الطريقة المرضية وأنه لا يتم غرض الذي خرجها على القولين في اللحمان الا بالفرق
بينهما وبين الأدقة فنقول الدقيق عين أجزاء الحب ولكنها مجموعة فتفرقت والدهن المعتصر وإن كان
في أصله ولكنه في ظن الناس كالشئ المحصل جديدا وقد تجد في كلام الفقهاء اطلاق القول
بأنه لا يجوز بيع الخبز بالخبز والمراد به ما إذا كانا من جنس واحد كما سيأتي إن شاء الله تعالى (وأما) الادهان
فالقول الجملي فيها أنها أجناس على المشهور وحكى الخراسانيون مع ذلك قولا أنها جنس واحد
والعراقيون حكوا ذلك عن تخريج بعض الأصحاب وزيفوه (وأما) القول التفصيلي فقد قسمها الأصحاب
أربعة أقسام دهن يعد للاكل ودهن يعد للدواء ودهن يعد للطيب ودهن لا يعد للاكل ولا للدواء ولا للطيب فالأول
المعد للاكل كدهن الجوز واللوز الحلو والشيرج والزيت والسمن ودهن الصنوبر والبطم والخردل والحبة الخضراء
فلا خلاف في أنها ربوية والمشهور انها أجناس كما تقدم وحكى الشيخ أبو حامد وغيره أن من الأصحاب من قال
184

فيها وفى الخلول قولان كما في اللحمان وحكى الماوردي ذلك عن ابن أبي هريرة وقد رأيت في تعليق الطبري عن
ابن أبي هريرة أن ذلك على قولين أعني الادهان قال الشيخ أبو حامد وذهب سائر أصحابنا إلى فساد هذا التخريج
وسيأتي الفرق في مسألة اللحمان إن شاء الله تعالى * إذا ثبت هذا فان باع شيئا من جنسه جاز بشرط رعاية الحلول
والتماثل والتقابض لا خلاف في شئ من ذلك إلا الشيرج فقال ابن أبي هريرة لا يجوز بيع بعضه
ببعض لما فيه من الملح والماء ونقل القاضي أبو الطيب ذلك أيضا عن ابن أبي إسحاق وستأتي هذه
المسألة في كلام المصنف إن شاء الله تعالى وسيأتي أيضا في زيت الزيتون وزيت الفجل خلاف
وممن أثبت القولين في تجانس الادهان المحاملي في اللباب وكذلك هو في الرونق المنسوب لأبي حامد *
(الضرب الثاني) ما يقصد للدواء كدهن الخروع واللوز المر ونوى المشمش ونوى الخوخ وعد من
ذلك أبو حامد الحبة الخضراء وأبو الطيب الخردل فهذا ربوي كالسقمونيا وغيره من الأدوية وحكم
هذا الضرب في كونه أجناسا حكم الضرب الأول فان باع شيئا منه بجنسه حرمت المفاضلة وان باعه بغير جنسه حلت
المفاضلة وحرم النساء ومقتضى ما نذكره قريبا من كلام الماوردي جريان خلاف في هذا الضرب في كونه ربويا
185

وهو مردود لأن الشافعي رحمه الله نص صريحا في باب ما يكون رطبا أبدا قال فيه ودهن كل شجر
يؤكل أو يشرب بعد الذي وصفت واحد لا يحل في شئ منه الفضل بعضه على بعض وإذا اختلف
الصنفان منه حل الفضل يدا بيد ولم يجز نسيئة ولا بأس بدهن الحب الأخضر بدهن الشيرج
متفاضلا يدا بيد ولا خير فيه نسيئة والادهان التي تشرب للدواء عندي في مرتبة هذه الصفة دهن
الخروع ودهن اللوز المر وغيره من الادهان (الضرب الثالث) ما يقصد منه الطيب كدهن الورد
والياسمين والبنفسج والنيلوفر والخيري والزنبق فهذا كله جنس واحد على الصحيح المنصوص لأن
أصل الجميع السمسم وقال الماوردي إنه لا يختلف المذهب فيه وفيه وجه مشهور إنه لا ربا في هذا النوع
لأنه ليس بمأكول وقد تقدم ذلك في كلام المصنف رحمه الله الذي شرحه النووي رحمه الله أول الباب
وإنما أعدنا ذلك هنا لاستيفاء الكلام فيه ورد هذا الوجه بأنه مأكول وإنما لا يعتاد أكله لعزته فلا
يزول عنه حكم الربا كالزعفران هو مطعوم وإن كان يقصد للصبغ والطيب فيباع دهن الورد بدهن
البنفسج متماثلا وكذلك دهن الورد بدهن الورد ونقل ابن المنذر عن أبي ثور أنه يجعل ذلك أصنافا
ويجيز التفاضل في بيع بعضها ببعض قال وبه قال مالك * قال الأصحاب وإنما جاز بيع هذه الادهان بعضها
ببعض لأنه ليس ههنا مع الدهن شئ وإنما الورد يرتب به السمسم فيفرش السمسم ويطرح عليه
ذلك حتى يجف ثم يطرح عليه مرة وعلى هذا أبدا حتى يطيب ثم يستخرج منه الدهن فلا يكون مع
الدهن غيره فأن فرض أن الدهن مستخرج أولا ثم يطرح أوراقها فيه حتى يطيب أو يطبخ مع الورد لم
يجز بيع بعضه ببعض كما سيأتي عند الكلام على بيع الشيريج بالشريج وبه جزم القاضي حسين وصاحب
التهذيب والروياني ولك ان تقول هذا يظهر عند من يجعل الدهن موزونا أما من يجعله مكيلا فقد
يقال أن الذي يكتسبه الدهن من الأوراق لا يظهر له أثر في المكيال وصاحب التهذيب أطلق أن
ذلك يؤثر في تماثله والله أعلم (الضرب الرابع) مالا يتناول ادما ولا دواء ولا هو طيب كدهن بذر
الكتان المقصود للاستصباح ودهن السمك وقد ذكره المصنف رحمه الله في أول الباب فيما شرحه
النووي رضي الله عنه والصحيح المشهور انه لا ربا فيه قال الروياني في البحر أن ظاهر المذهب أنه ربوي لأنه
يؤكل ويشرب طريا ويقلى به السمك والشافعي رضي الله عنه قال في الام إن ما كان من هذه الادهان
186

لا يؤكل ولا يشرب بحال أبدا لدواء ولا غيره فهو خارج من الربا ولم يذكر مثالا فبقي تحقيق
مناط أن هذا هل يؤكل أو لا يؤكل وذكر الروياني أن اختيار القاضي الطبري أنه ربوي وعلله في
المهذب بأن دهن السمك يأكله الملاحون ودهن بزر الكتان يؤكل أول ما يستخرج ثم يتغير بمرور
الزمان عليه فهذه أقسام الدهن والماوردي رحمه الله سلك طريقا آخر فجعلها أربعة أضرب (أحدها)
مأكولة مستخرجة من أصل مأكول كالذي ذكرناه في القسم الأول ففيها الربا اعتبارا بأنفسها وأصولها
(الثاني) ما استخرج من غير مأكول وهو في نفسه غير مأكول كدهن المحلب والبان والكافور
فلا ربا فيها (الثالث) ما هي في نفسها غير مأكولة عرفا كدهن الورد والخيري والياسمين لكنها
مستخرجة من أصل مأكول وهو السمسم ففي ثبوت الربا فيها وجهان وكذلك دهن السمك وأما دهن
البذر والقرطم قال فقد اختلف أصحابنا في أصولها هل هي مأكولة يثبت الربا فيها أم لا على وجهين
(فان قلنا) فيها الربا ففي أدهانها وجهان لأنها من أصل مأكول (الرابع) ما استخرجت من أصول غير
مأكولة لكنها بعد استخراجها دهنا مأكولا كدهن الخروع والقرع ففي ثبوت الربا فيها وجهان
نظرا إلى أنفسها وأصولها (قلت) قوله في القرع سبقه إليه الصيمري ويعني به حب القرع نفسه
فإنه مأكول وقول المصنف رحمه الله دهن اللوز يحتمل أن يكون مراده الحلو فيكونان جميعا من القسم
187

الأول ولا خلاف في أنه ربوي ويحتمل أن يكون مراده مطلقا فيندرج فيه المر وقد أشعر كلام
الماوردي كما نبهت عليه آنفا بجريان خلاف فيه حيث ذكر ذلك في دهن الخروع المأكول للتداوي
المتخذ من أصل غير مأكول وإذا لم يكن ربويا لا يكون مما نحن فيه والله عز وجل أعلم * وهذه جملة
من كلام الشافعي في الام في الادهان قال بعد أن ذكر ما نحكيه عنه في زيت الفجل وزيت
الزيتون وكذلك دهن الورد والحبوب كلها كل دهن منه مخالف دهن غيره ودهن الصنوبر ودهن
الحب الأخضر ودهن الخردل ودهن السمسم ودهن اللوز ودهن الجوز فكل دهن من هذه الادهان
خرج من حبه أو ثمره فاختلف ما يخرج من تلك الثمرة أو تلك الحبة أو تلك العجمة فهو صنف واحد
ولا يجوز إلا مثلا بمثل ويدا بيد وكل صنف منه خرج من حبه أو ثمره أو عجمه فلا بأس
به في غير صنفه الواحد منه بالاثنين ما لم يكن نسيئة ثم قال فإذا كان ما خرج منه واحدا فهو صنف
وإذا خرج من أصلين مفترقين فهما صنفان يفترقان كالحنطة والتمر فعلى هذا جميع الادهان المأكولة
والمشروبة للغذاء والتلذذ لا يختلف الحكم فيها كهو في التمر والحنطة سواء هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه
بحروفه *
(فرع) قال ابن عبد البر قال الأوزاعي لا يجوز بيع السمن بالودك الا مثلا بمثل وكذلك
الشحم غير المذاب بالسمن إلا أن يريد أكله ساعتئذ فيجوز قال ابن الصباغ إن أصحاب أبي حنيفة
رضي الله عنه يجوزون بيع الدهن المطيب متفاضلا وإن كان أصله واحدا إذا اختلف طيبه وقالوا
يجوز بيع مكيله من دهن الورد بمثله من دهن الخيري لأن القصد بهما مختلف فصارا كالجنسين وقالوا
أيضا يجوز المطيب بغير المتطيب متفاضلا *
188

(فرع) ذكر في الرونق المنسوب للشيخ أبي حامد أن قول الشافعي رضي الله عنه اختلف في
الحيتان والأجبان والأسمان والأدهان والخلول هل هي أنواع أو نوع واحد على قولين وكذلك
الخبز والخلول وحصلت لي ريبة في نسبة الرونق إليه لأنه أنكر جريان الخلاف في الخلول والادهان
كما تقدم عنه قريبا إلا أن يكون ظهر له في هذا الكتاب ما لم يظهر له في التعليقة والله أعلم *
(فرع) قال الروياني لا خلاف أن السمن مع سائر الادهان جنسان لأن اسم الادهان
لا يقع على السمن يعنى وان قلنا أن الادهان جنس واحد والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(واختلف قوله في زيت الزيتون وزيت الفجل فقال في أحد القولين هما جنس
واحد لأنه جمعهما اسم الزيت والثاني أنهما جنسان وهو الصحيح لأنهما يختلفان في الطعم واللون
فكانا جنسين كالتمر الهندي والتمر البرنى ولأنهما فرعان لجنسين مختلفين فكانا جنسين كدهن
الجوز ودهن اللوز) *
(الشرح) اختلاف القول المذكور أشار إليه الشافعي في الام في باب ما يجامع التمر وما يخالفه
قال وكل ما خرج من زيت الزيتون فهو صنف واحد يجوز منه ما يجوز بالحنطة والتمر بالتمر وبرد ما يرد
من الحنطة والتمر لا يختلف وقد يعصر من الفجل دهن يمسى زيت الفجل وليس مما يكون ببلادنا
يعرف له اسم بأمه ولست أعرفه يمسى زيتا إلا على معنى أنه دهن لا اسم له مستعمل في بعض
189

ما يستعمل فيه الزيت وهو مباين للزيت في طعمه وريحه وشجرته وهو فرع والزيتون أصل قال
ويحتمل معنيين فالذي هو أولى به عندي والله أعلم ألا يحكم بأن يكون زيتا ولكن يحكم بأن يكون
دهنا من الادهان فيجوز أن يباع الواحد منه بالاثنين من زيت الزيتون وذلك أنه إذا قال رجل
أكلت زيتا أو اشتريت زيتا أعرف انه يراد به زيت الزيتون لأن الاسم له دون زيت الفجل وقد
يحتمل أن يقال هو صنف من الزيت فلا يباع بالزيت إلا مثلا بمثل والسليط دهن الجلجلان وهو صنف
غير زيت الفجل وغير زيت الزيتون فلا بأس بالواحد منه بالاثنين من كل واحد منهما والأصحاب
عادتهم إذا ذكر الشافعي رحمه الله مثل هذا التردد يجعلوه تردد قول له قال المصنف في اللمع وقد
قال المحامدي ان الشافعي نص في المسألة في الصرف على قولين فلعل نصه هناك أصرح من هذا وأطلق
الشيخ أبو حامد حكاية القولين وقد ذكر الشافعي المسألة أيضا في باب ما يكون رطبا أبدا وقال
فيه فزيت الزيتون صنف زيت الفجل صنف غيره جزم بذلك في هذا الباب وكذلك جزم في باب
بيع الآجال من الام فقال ولا بأس بزيت الزيتون بزيت الفجل بزيت الفجل بالسمن متفاضلا وقد
اقتضى كلامه فيما تقدم ترجيحه فلا جرم كان الصحيح أنهما جنسان وقد اقتضى كلام الرافعي أن في
المسألة طريقين كأنه قال الزيت المعروف مع زيت الفجل جنسان ومنهم من قال حكمهما حكم اللحمان
وقال الروياني ان القول بأنها جنسان أشهر وأصح كما قال المصنف رحمه الله وقد أشار الشافعي رضي الله عنه
في ترجيحه أنهما جنسان إلى منع اتفاقهما في الاسم الخاص وأن زيت الفجل لا يسمى زيتا
على سبيل الحقيقة بل هو من الادهان التي لم يوضع لها اسم خاص لكنه لما كان مستعملا في بعض
ما يستعمل فيه الزيت أطلق عليه اسم زيت أي مجازا هذا معنى كلام الشافعي رضي الله عنه وهو قريب من
بحثه الذي تقدم في الدقيق وإن كان في هذا زيادة على ذلك فلما انتفى وضع الخاص لهما وكانا مع
190

ذلك مختلفي الطعم والريح والشجرة حكمنا بأنهما جنسان وقاسهما المصنف على التمر الهندي والتمر
البرنى بجامع يشتركان فيه من الأوصاف المذكورة وهذا من المصنف يدل عليه أنه رأى أن التمر
الهندي جنس برأسه جزما وهو المشهور عند الأصحاب وعن ابن القطان وجه أنه من جنس التمر
ولعل شبهة ابن القطان أنه ظن اشتراكهما في الاسم الخاص كما قلنا في الزيت وجوابه يشمل ما تقدم
عن الشافعي رضي الله عنه بان التمر الهندي لا يفهم من اسم التمر عند الاطلاق وإنما يطلق عليه
مقيدا فيقال تمر هندي وعند الاطلاق يتبادر الذهن إلى التمر المعروف لا إلى الهندي فلم يكن اسم التمر
مشتركا بينهما والموجب لاتحاد الجنس الاتفاق في الاسم بالدليل المتقدم وهو أبعد من الزيت لأنه
لا يقال إلا تمر هندي مقيدا بخلاف الزيت فإنه قد يطلق مجردا فلا يحسن إلحاقه به وتخريجه عليه وقد
وقع في الكلام أبى محمد عبد الله بن يحيى الصغير على المهذب أن التمر الهندي لم يدخل الربا فيه من
أصل الخلقة كاللحوم قال أبو عبد الله محمد بن أبي على القلعي في احترازاته قوله فرعان لجنسين احتراز
من دقيق الحنطة البيضاء ودقيق الحنطة السمراء فإنهما فرعان لجنس واحد وقوله مختلفين تأكيد
لا احتراز فيه فان تغاير الجنسية وتعددها يوجب اختلافهما ضرورة وقد أفاد ابن الصعبي أن في مختلفين
فائدة وهي التنبيه على أن الاختلاف حاصل قبل اشتراكهما في اسم الزيت أي أن الاختلاف
هو علة التعدد في الجنسية وهو حاصل هنا في الأصل فيسير في اللفظ اشعار بعلة التعدد وتنبيه
على مناط الحكم وأنه ان فقد في الفرع فهو موجود في الأصل (فائدة) السليط الشيرج والجلجلان
السمسم قاله القاضي أبو الطيب *
(فرع) من كلام الرافعي في البطيخ المعروف مع الهندباء والقثاء مع الخيار وجهان حكاهما
الروياني وغيره قال في الروضة (أصحهما) أنهما جنسان البقول كالهندباء والنعناع وغيرهما أجناس
191

(إذا قلنا) بجريان الربا فيها قاله الرافعي والروياني ودهن السمسم وكسبه جنسان قاله جماعة
كالمخيض والسمن وفى عصير العنب مع خله وجهان (أظهرهما) أنهما جنسان لا فراط التفاوت في
الاسم والصفة والمقصود في السكر الفانيد وجهان (أظهرهما) أنهما جنسان لاختلاف قصبهما
وكذا السكر النبات والطبرزد جنس واحد (1) وفى السكر الأحمر وهو القوالب وهو عكى الأبيض
ومن قصبه تردد للأئمة لاختلافهما في الصفة قال الإمام ولعل الأظهر أنه من جنس السكر والله أعلم *
(فرع) قال صاحب التتمة الذرة جنس واحد وإن كانت الذرة المعروفة بيضاء اللون
كثيرة الحبات والذي تعرف بالدخن صغيرة الحبات صفراء اللون إلا أن الاسم يشمل الكل
ويتقاربان في الطعم والطبع وأنواع العنب كلها جنس واحد حتى أن المشمش مع سائر الأعناب
جنس واحد وأنواع كل واحد من أجناس الكمثرى والرمان والسفرجل والتفاح والمشمش أنواع
كل منها جنس وأنواع البطيخ جنس واحد الحلو وغير الحلو فان البطيخ الذي فيه الحبات السود
ويعرف في العراق بالريفي والرومي وفى بعض البلاد بالهندي مع البطيخ المعروف جنس واحد أو
جنسان فيه وجهان *
(فرع) الجوز الهندي مع الجوز المعروف جنسان قاله الروياني وكلامه يقتضي أن خلاف
ابن القطان فيه فإنه قال التمر الهندي مع التمر المعروف جنسان وكذلك الجوز المعروف مع الجوز
الهندي وحكى ابن القطان وجها أنها جنس واحد لأن الاسم يشمل الكل وكلامه أيضا يقتضى أن
ابن القطان ناقل الوجوه لا يخرج له والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(واختلف قوله في اللحمان فقال في أحد القولين هي أجناس وهو قول المزني وهو الصحيح
192

لأنها فروع لأصول هي أجناس فكانت أجناسا كالأدقة والادهان (والثاني) أنها جنس واحد
لأنها تشترك في الاسم الخاص في أول دخولها في تحريم الربا فكانت جنسا واحد كالتمور وتخالف
الأدقة والأدهان لأن أصولها أجناس يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلا فاعتبر فروعها بها واللحمان
لا يحرم الربا في أصولها فاعتبرت بنفسها) *
(الشرح) القولان في اللحم مشهوران منصوص عليهما قال الشافعي رضي الله عنه في
المختصر اللحم كله صنف وحشيه وانسيه وطائره لا يحل فيه البيع حتى يكون يابسا وزنا بوزن ونسب
الماوردي هذا إلى القديم وقد رأيت اللفظ المذكور في المختصر في الام في باب الرطب بالتمر ولكن
في آخره كلام متناقض لم يتبين لي الجمع بينهما وتوهمت أنه غلط من ناسخ فرأيته في أكثر من
نسخة ونسب الماوردي القول بأنها أجناس إلى الجديد وقال في الام في باب بيع اللحم والقول في
اللحمان المختلفة واحد من قولين (أحدهما) أن لحم الغنم صنف ولحم الإبل صنف ولحم البقر صنف ولحم الظباء
صنف ولحم كل ما تفرقت به أسماء دون الأسماء الجامعة صنف فيقال كله حيوان وكله دواب وكله من بهيمة الأنعام
فهذا جماع أسمائه كله ثم يعرف أسماؤه فيقال لحم غنم ولحم بقر ولحم إبل ويقال لحم ظباء ولحم أرانب
ولحم زرابيع ولحم ضباع ولحم ثعالب ثم يقال في الطير هكذا لحم كراكي ولحم حباريات ولحم حجل
ولحم معاقب كما يقال طعام ثم يقال حنطة وذرة وشعير وهذا قول يصح وينقاس وأطال الشافعي في
193

التفريع على هذا القول نحو ورقة ثم قال الثاني في هذا الوجه ان يقال اللحم كله صنف كالتمر كله صنف
ومن قال هذا لزمه عندي أن يقوله في الحيتان لأن اسم اللحم جامع لهذا القول ومن ذهب هذا
المذهب لزمه إذا أخذه بجامع اللحم أن يقول هذا الجامع مع التمر يجعل الزبيب والتمر وغيره من الثمار
صنفا وهذا ما يجوز لاحد أن يقوله عندي فاقتضى كلام الشافعي رضي الله عنه هذا الرد على من يقول
بأنها من جنس واحد والزامه بأن يقول إن الزبيب والتمر جنس واحد لاشتراكهما في اسم جامع
وهذا ينبهك على أن اسم اللحم اسم عام لا خاص وكلام الأصحاب كالشيخ أبى حامد والقاضي أبى الطيب
والمصنف وغيرهم يقتضى أن اسم اللحم خاص ثم يقررون بعد ذلك أنها أجناس بما سنذكره وتحقيق ذلك
يؤول إلى بحث لفظي فإنه أن أريد بالخاص ما لم يوضع لما تحته من أن أنواعه اسما بخصوصها فاسم اللحم
على هذا خاص وما تحته من لحم البقر والغنم شبيه بالمعقلي والبرني إذ ليس لكل منهما اسم يخصه وان
أريد به أن يكون ثم أسماء صادقة على ذلك الشئ ويكون هو أخصها كالحب والحنطة فاسم اللحم
194

على هذا ليس بخاص وأن اسم البقر والحيوان والدواب وبهيمة الأنعام لا يصدق شئ منها على اللحم
حالة كونه لحما على أن تقسيم الشافعي الذي قدمته آنفا يشعر بخلاف ذلك فينبغي تأويله عليه حتى
يجرى كلامه هنا وفى الادهان على نمط واحد فإنه جعل الادهان مما لا يوضع لها اسم خاص وهي بمنزلة اللحم
في ذلك لأنه لا يصدق عليها حالة كونها دهنا اسم ما استخرجت منه بل تذكر مضافة إليه كما بذكر اللحم
مضافا إلى الحيوان الذي هو منه فان جعلنا اسم اللحم ليس بخاص سهل النظر في المسألة واثبات أنها
أجناس وان جعلناه خاصا فقد وجه الأصحاب ذلك بما ذكره المصنف وينبغي أن يتأمل قول المصنف
فيما تقدم في زيت الزيتون وزيت الفجل أنهما فرعان لجنسين مختلفين وقوله هنا إنها فروع لأصول
هي أجناس فلم يقل فروع لأجناس كما قال ولا قال مختلفة والحكمة في ذلك أن كون الزيتون والفجل
جنسين لا شبهة فيه وذلك معلوم من أحكام الربا فيهما وأما كون الحيوانات أجناسا فتحتاج إلى دليل
لعدم جريان الربا فمن أين لنا أنها أجناس أو جنس واحد فلذلك جعل الوصف المشترك في صدر
كلامه أنها فروع لأصول وهذا لا يمكن منعه ثم قال هي أجناس وهذا في حكم الدعوى والدليل
عليه أن الإبل والغنم لا يضم بعضها إلى بعض في الزكاة فدل على أنها أجناس مختلفة كذلك استدل
له القاضي أبو الطيب ولما كان زيت الزيتون وزيت الفجل يشتركان في اسم الزيت الذي هو
أخص من الدهن وذلك يوهم اتحادهما احتاج أن يوضح التباين في أصولهما بقوله مختلفين واللحمان
كلها إنما تتميز بالإضافة كبقية الادهان مما ليس له اسم يخصه اعتنى باثبات أن
195

أصولها أجناس ولم يحتج إلى زيادة لفظ الاختلاف فهذا هو القول وهذا من الشافعي رحمه الله قطع
بان اللحمان أصناف وقد قطع قبل هذا الباب بان ألبان الغنم والبقر والإبل أصناف مختلفة فلحومها التي
هي أصل الألبان بالاختلاف أولى وقال ابن الرفعة ومن هنا نسب الأصحاب إلى المزني اختيار
القول بأنها أجناس وان كلام المزني يقتضى اختيار القطع به ولم يصر إليه أحد من الأصحاب لأجل
أن ما تمسك به في مأخذه غير خال عن احتمال فان الاشتراك في اسم خاص كالتمر والبر واشتراك التمر
196

والزبيب في اسم عام وهو الثمرة وبه ينقطع الالزام (قلت) وسيأتي من كلام القاضي حسين ما يقتضى
حكاية طريقة قاطعة والله أعلم (والقول الثاني) أنها جنس واحد لما ذكره المصنف (وقوله) في الاسم
الخاص احتراز من البر والشعير والرطب والعنب فإنهما يشتركان في اسم عام كالحب والثمرة (وقوله)
في أول دخولها في تحريم الربا احتراز من الأدقة قال القاضي أبو الطيب لأنها أجناس منع اشتراكهما
في الاسم الخاص وهو الدقيق الا أنها ليست أول حال الربا لأن الربا يجرى في حباتها ولا يشترك
في الاسم الخاص وقياسه على التمور قال القاضي ان أصحابنا يقيسون على التمر أنه ليس بصحيح لأن
الربا يسبق كونه رطبا وبسرا وتمرا وخلا لأن الطلع مطعوم يجرى فيه الربا وهو أول حاليه فوجب
بان يقاس على الطلع فان الاسم الخاص وهو الطلع يجمع الجميع وتابعه على ذلك صاحب الشامل
197

وما قاله القاضي فيه نظر فان الطلع اسم لطلع النخلة قبل صيرورته بلحا أو بسرا (وأما) اطلاقه على
البسر والرطب والتمر فمن باب المجاز لأنه كان كذلك فلم يتجه قول القاضي انه اسم يجمع الجميع
وإذا كان كذلك فلا يصح القياس عليه لأنه ليس هناك أشياء تشترك فيه وإن كان أول دخول
الربا فلا جرم والله أعلم لم يعتمد المصنف ما قاله القاضي أبو الطيب مع هذا الموضع مع كونه شيخه
ومعتمده واعتمد ما قاله الأصحاب (وأما) الاشكال الذي أورده القاضي فجوابه أن أنواع التمر مشتركة
في اسم خاص في جميع أحوالها من أول دخولها في الربا بكون كل منها طلعا ثم يصير بسرا أو رطبا
ثم يصير تمرا وفى كل حالة من أحواله الثلاث يصدق ذلك الاسم على كل من الأنواع المعقلي والبرني
وغيرهما وذلك الاسم خاص فصح أن أنواع التمور تشترك من أول دخولها في تحريم الربا إلى
198

آخرها في اسم خاص هو إما طلع وإما رطب وإما تمر فان ثلاثتها أنواع للثمرة وليس المراد أنها من
أول دخولها في الربا تشترك في اسم التمر فافهم ذلك فاني لم أره لغيري وهو مما فتح الله تعالى به
وبذلك يحسن الاحتراز بهذا القيد عن الادهان والأدقة فان دقيق القمح ودقيق الشعير
مثلا إنما يشتركان في الاسم الخاص حين صارا دقيقا وقبل ذلك كان
هذا قمحا وهذا شعيرا ليس بينهما اشتراك في اسم خاص لا دقيق ولا قمح ولا شعير
وإنما يشتركان في اسم الحب والله أعلم * ثم بعد ذلك رأيت هذا الذي ظهر لي بعينه ذكره القاضي
أبو الطيب في مسألة الألبان فرحمه الله ورضى عنه وبعد أن حرر القاضي أبو الطيب القياس على
الطلع على ما ارتضاه أجاب عنه بان الطلع إنما اعتبر اشتراكه في الاسم الخاص لأن أصوله لم يثبت
لها حكم الأصناف فكان الاعتبار بنفسه وليس كذلك اللحوم فان أصولها أصناف فكان الاعتبار
بأصولها كما نقول في الأدقة والأدهان وذكر القاضي حسين لما تكلم في الألبان أن في اللحمان
طريقين ولم يبينهما ولعل في ذلك طريقة قاطعة بأنها أجناس وان من أصحابنا من قال إنها كاللحمان
ومنهم من قال الألبان أجناس قولا واحدا وقول المصنف ويخالف الأدقة والأدهان الخ مقصوده
بذلك الفرق بينهما وبين اللحمان (فان قلت) كيف تحرير هذا الفرق فان الفرق أبدى معنى في
إحدى الصورتين مفقود في الأخرى والمعنى الذي أبداه في الأدقة والأدهان كون أصولها أجناسا
يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلا ونحو ذلك ليس مفقودا في أصول اللحمان حتى يضم إليه تحريم
النساء فليس بين الوصفين اللذين ذكرهما وهما جواز التفاضل وعدم حرمة الربا تضاد فكانت المقابلة
الظاهرة أن يقال لأن أصول الأدقة والأدهان ربوية بخلاف أصول اللحمان هكذا صنع الشيخ أبو حامد
(قلت) لما كان حكم الربا في الأصول المذكورة معلوما سكت عنه وجعل المعنى المقصود أنه في
199

ذلك المحل ثبت لها حكم الأجناس المختلفة في الربا ولهذا صرح بجواز التفاضل فإنه أثر اختلاف
الجنس فيها فلما كان اختلاف الجنس معتبرا فيها اعتبر في فروعها بخلاف أصول اللحمان فإنها وإن كان
ت أجناسا إلا أن اختلاف الجنس ليس معتبرا فيها في الربا لأنه لا ربا فيها فنبه باختلاف الجنس
في الأدقة والأدهان على المعنى الموجب لاختلاف الفروع والمراد كونه في محل ربوي ونبه بقوله لا
يحرم الربا في أصول اللحمان على عدم ذلك المعنى فيها لأنه متى لم تكن ربوية لا يصح أنه يثبت
لها حكم الأجناس المختلفة في الربا ضرورة فكأنه نفى الوصف المذكور بدليله والمقصود أن اللحمان
لا تعتبر في أصولها في كونها أجناسا بخلاف الأدقة حيث اعتبرت بأصولها في ذلك وليس المقصود
اعتبار كل منهما بأصله في كونه ربويا أو غير ربوي إذ كل من الفرعين ربوي قطعا فثبوت حكم
الربا أمر معلوم والفرق راجع إلى أن أصول الأدقة والأدهان يثبت لها حكم الأجناس المختلفة في
الربا بخلاف أصول اللحمان لم يثبت لها ذلك لأنه لا ربا فيها وقد أجاب القاضي أبو الطيب عن هذا
الفرق بان أصول اللحمان ثبت لها حكم الأجناس المختلفة في الزكاة ولا فرق بين الزكاة والربا فان
حكم الصنف الواحد والأصناف فيها سواء الا ترى ان الحنطة لا تضم إلى الشعير في الزكاة ويكونان
صنفين مختلفين وكذلك في الربا فلا فرق بينهما فقد تبين الغاء الفرق (والجواب) عن القياس
الذي استدل به لكونها جنسا ان جعل الأصل المقيس عليه الطلع فقد تقدم جواب القاضي أبى الطيب
200

عنه وان جعل القياس على التمور كما فعله المصنف وأكثر الأصحاب فكذلك لأن المعقلي والبرني أصل
كل منها ليس جنسا مخالفا لأصل الآخر لأن أصلها التمر والرطب والطلع وهو شئ واحد في جميع
الأحوال كما تقدم التنبيه عليه فليس له أصول مختلفة فلذلك اعتبر بنفسه بخلاف اللحمان فان لها أصولا
مختلفة كل منها صنف مستقل فاعتبر به فقد تحرر المذهب نقلا ودليلا ان اللحمان أجناس وهو
الذي صححه كثير من الأصحاب وممن صرح به القاضي أبو الطيب والمصنف وصاحب البيان والشاشي
في الحلية والرافعي وقال المحاملي في مسألة الألبان إنه القياس ونسبه الماوردي إلى الجديد وأكثر كتبه
وخالف القاضي حسين فقال الصحيح أنها جنس واحد وكذلك الجوزي فيما حكاه ابن الرفعة عنه وقد
اعترض المصنف في الثلث على الدليل الذي ذكره هنا لكونها أجناسا فقال لا تأثير للوصف فان
201

الثياب الهروية والمروية عندهم أجناس وإن كانت فروعا لجنس واحد هذا السؤال يسمى بعدم
التأثر ومعناه أن لا يعدم الحكم لعدم العلة وقد تتعجب من المصنف لكونه استدل للقول الثاني
وأجاب عن دليل الأول وسكت على ذلك مع كونه صرح بتصحيح القول الأول ولا عجب
والسبب الداعي لذلك أن القول الثاني وإن كان ضعيفا في المذهب فهو مقصور في الخلاف بيننا وبين
أبي حنيفة فان مذهبه كالصحيح عندنا والمسألة مذكورة في الخلافيات وممن ذكرها المصنف وقد اعترض
ابن معن صاحب التنقيب على المهذب فقال قوله مشترك في الاسم الخاص في أول دخولها في الربا
فيه خلل لأن ثبوت الجنسية وعدمها لا يتلقى من تحريم الربا وإنما تحريم الربا ينبني على ثبوت الجنسية
وعدمها وإذا كانت أصولها أجناسا في أصل خلقتها كانت أجناسا إذا دخلت في تحريم الربا وهذا
الاعتراض يظهر جوابه مما تقدم اللحمان - بضم اللام - وهل هو جمع أو اسم جمع كلام ابن سيده في المحكم
يقتضى انه جمع فإنه قال اللحم واللحم لغتان والجمع ألحم ولحوم ولحام ولحمان *
(فصل) في ذكر مذاهب العلماء في هذه المسألة * قد تقدم ذكر مذهبنا ومذهب أبي حنيفة
انها أجناس كالصحيح وكذلك الأصح من مذهب أحمد ونقل ابن الصباغ عن أحمد ان المشهور عنه
أنها جنس واحد وفصلت المالكية فقالوا لحوم ذوات الأربع من الانعام والوحش صنف ولحوم الطير
كله صنف ولحوم ذوات الماء كلها صنف فهي عندهم ثلاثة أصناف وعند الحنابلة رواية قريبة من
ذلك واعتبر المالكية في ذلك تقارب المنفعة والرجوع إلى العادة فعلى قول مالك رحمه الله الإبل
202

والبقر والغنم والوحوش كلها صنف واحد لا يجوز من لحومها واحد باثنين والطير كلها صنف انسيها
ووحشيها لا يصلح من لحمها اثنان بواحد والحيتان كلها صنف واحد ولا بأس بلحم لحيتان بلحم
البقر متفاضلا وقال أبو ثور إنها كلها جنس واحد كأحد قولي الشافعي *
* قال المصنف رحمه الله *
(فان قلنا إن اللحم جنس واحد لم يجز بيع لحم شئ من الحيوان بلحم غيره متفاضلا وهل
يدخل لحم السمك في ذلك فيه وجهان وقال أبو إسحاق يدخل فيها فلا يجوز بيعه بلحم شئ من
الحيوان متفاضلا لأن اسم اللحم يقع عليه والدليل عليه قوله تعالى (لتأكلوا منه لحما طريا) ومن أصحابنا
203

من قال لا يدخل فيه لحم السمك وهو المذهب لأنه لا يدخل في اطلاق اسم اللحم ولهذا لو حلف
لا يأكل اللحم لم يحنث بأكل لحم السمك) *
(الشرح) إذا قلنا إن اللحمان كلها جنس واحد فلحم الإبل والبقر والغنم مع اختلاف
أنواعها والوحوش كلها والطيور كلها جميع ذلك صنف واحد لا فرق فيه بين الوحشي والأهلي لا يجوز
بيع شئ منه بآخر الا مثلا بمثل فلا يباع لحم العصفور بحلم الجمل الا سواء بسواء وكذلك بقيتها
وهكذا تحرم البحريات بعضها مع بعض كلها جنس واحد وعلى هذا القول قال الفوراني بل أولى ولعل
الأولوية التي ادعاها من جهة انه لم يثبت لأصولها حكم الأجناس المختلفة بخلاف لحمان البر فان أصولها
ثبت لها حكم الأجناس المختلفة كما تقدم (وأما) السمك مع البريات ففيه وجهان حكاهما العراقيون
والخراسانيون (أحدهما) وهو قول أبى اسحق المروزي والقاضي أبى حامد والقاضي أبى الطيب
وابن الصباغ وهو الذي أورده في التهذيب أنه من جنس سائر اللحوم وادعى القاضي أبو الطيب
أنه الذي نص عليه الشافعي رحمه الله وأخذ ذلك من قوله في الام الذي حكيته عنه قريبا ومن قال
بهذا لزمه عندي أن يقول في الحيتان ان اسم اللحم جامع واستدل القاضي أبو الطيب وغيره
لهذا القول بقوله تعالى (ومن كل تأكلون لحما طريا) واستدل المصنف بالآية التي في
204

الكتاب وهي أنص في الاستدلال لأنه أطلق فيها اللحم عليه بصراحة وأما قوله (ومن
كل تأكلون) فأطلق فيها على ما في البر والبحر معا فجاز أن يكون للتغليب (والثاني) وهو
قول أبى على الطبري واختيار الشيخ أبى حامد الأسفرايني والمصنف والمحاملي وقال إنه المنصوص
انها مستثناة من اللحوم وأنها معها جنسان وقال الروياني إنه الأصح في القياس وعن البندنيجي وسليم
أنه المذهب لأن لها اسما أخص من اللحم وهو السمك وحمل الشيخ أبو حامد قول الشافعي المذكور على
أنه الزم من قال اللحمان صنف أن يكون السمك منها على سبيل الانكار ولم يرتض أبو الطيب هذا
وحمل قول الشافعي وهذا مالا يجوز لاحد أن يقوله على التمر (1) قد تقدم قول الشافعي رضي الله عنه ذلك
وأجاب أبو الطيب عن كون السمك أخص بأن اسم اللحم جامع بدليل الآية والراجح ما قاله الشيخ
أبو حامد ومتابعوه ولا دلالة لأبي الطيب من كلام الشافعي رضي الله عنه بل هو محتمل لذلك ولما قاله
أبو حامد والجواب عن قول أبي الطيب عن اسم اللحم انه وإن كان جامعا لكنه عن الاطلاق

(1) بياض بالأصل فحرر
205

يتبادر الذهن منه إلى ما سوى لحم السمك والآية فيها قرينة تبين إرادته وهو قوله (لتأكلوا منه)
أي من البحر فلم تتناوله مطلقا ومما يبين أن اسم اللحم عند الاطلاق لا ينصرف إلى السمك أنه لو حلف
لا يأكل اللحم لم يحنث بأكل لحم السمك كذا قال الشيخ أبو حامد والماوردي وغيرهما وهو الصحيح
المشهور وفيه وجه عن بعض الخراسانيين ولو كان يدخل في مطلقة لحنث به فأما أن يقول إن صدق اللحم
على لحم السمك بطريق المجاز وإما أن يقول إنه عند الاطلاق يتقيد بما عدا السمك ولا يستبعد أن يكون
إطلاق الشئ يدل على ما هو أخص من حقيقته كالماء المطلق يختص ببعض ما يسمى ماء والله أعلم
واحتج الأصحاب أيضا بان السمك لا يضاف لحمه إليه فلا يقال لحم سمك وإنما يقال سمك فلا ينطلق عليه
اسم اللحم ولو كان من اللحمان لصح أن يضاف باسم اللحم إلى جنسه فيقال لحم السمك كما يقال لحم
الغنم فلما لم يصح ان يقال ذلك ثبت انه ليس من جهة اللحمان قال الماوردي فعلى هذا الوجه يكون
اللحمان كلها صنفين فلحوم حيوان البر على اختلافها صنف واحد ولحوم حيتان البحر على اختلافها
206

صنف واحد * واعلم أن كلام المصنف والأكثرين إنما فرضوه في السمك مع حيوانات البر وفى البحر
أنواع من الحيوانات فهل الخلاف المذكور جار في جميعها أم كيف الحال فيها اما الفوراني فكلامه
يقتضى تعميم ذلك الخلاف وان الوجهين في لحمان البر مع لحمان البحر مطلقا وكذلك الإمام وأما
القاضي حسين فتوقف فقال في السمك مع اللحم وجهان وأما حيوانات البحر فقد تقدم القول فيها إذا قلنا بان
اللحوم جنس واحد واما على القول بأن حيوانات البر أجناس فلا شك في أن حيوانات البحر مخالفة
لحيوانات البر وأما حيوانات البحر بعضها مع بعض ففيها خلاف وجهان أو قولان مبنيان كما قاله
الفوراني وأفهمه كلام القاضي حسين والإمام على أن اسم السمك والحوت هل يشمل الجميع حتى يحل
أكل خنزير الماء وكلبه أولا (فان قلنا) ان اسم السمك والحوت شامل للجميع كانت كلها جنسا
واحدا ذا أنواع (وان قلنا) إن اسم السمك والحوت لا يشمل الجميع فالحوت مع مالا يسمى حوتا جنسان
وما عدا الحوت أجناس أيضا فغنم الماء وبقره عند هذا القائل جنسان لا يطلق على الكل اسم
السمك فهي أجناس مختلفة وجماعة من الأصحاب منهم الرافعي أطلق الخلاف في ذلك من غير بناء
207

وهو أولى فان الأصح ان اسم السمك يقع على جميعها (والأصح) أنها أجناس كحيوانات البر كما هو
ظاهر كلام الشافعي وفصل القاضي حسين فقال في السمك مع اللحم وجهان فأما سائر حيوانات
البحر ان قلنا إن السمك مع حيوانات البر جنسان فسائر حيوانات البحر مع حيوانات البر أيضا
جنسان بل أولى وان قلنا إن السمك مع حيوانات البر جنس واحد فهل ينبني على أن الكل
هل يسمى سمكا أم لا وفيه قولان (ان قلنا) الكل يسمى سمكا فحكم الكل حكم السمك
والا فهي أجناس مختلفة (قلت) والأصح على ما قاله صحاب التهذيب ان الكل يسمى سمكا فلذلك أتى
المصنف وغيره بلفظ السمك لشموله للجميع والله أعلم * ثم فيما قاله القاضي حسين مناقشة وهي أن المدرك في استثناء
السمك أنها اختصت باسم وهذا المعنى لا يوجد في بقية حيوانات البحر فينبغي أن يقال إن قلنا السمك من جنس
لحوم البر فبقية حيوانات البحر أولى (وان قلنا) السمك جنس آخر ففي بقية حيوانات البحر وجهان مبنيان على
أن الكل يسمى سمكا أولا (وإن قلنا) يسمى سمكا فحكمها حكم السمك فيكون جنسا آخر (وان قلنا)
لا يمسى سمكا كانت من جنس اللحوم لعدم الاسم الخاص أعني أن لحمها ليس له اسم بخصوصه
208

فان صح هذا الترتيب فيجئ في حيوانات البحر ثلاثة أوجه (أحدها) أنها من جنس اللحم
مطلقا (والثاني) جنس آخر مطلقا (والثالث) ان غير السمك من جنس اللحم والسمك جنس آخر
وهذه الثلاثة أوجه تفريع على أن اللحوم جنس واحد وحكم بيع اللحم باللحم على هذا القول سنذكره
إن شاء الله تعالى في الفصل السادس بعد هذا الفصل *
(فرع) عن التتمة على قول أبى اسحق * الجراد هل يكون من جنس اللحم فيه وجهان
(أحدهما) نعم كالسمك (والثاني) لا لأن اسم اللحم لا يطلق على الجراد وصورته ليست صورة اللحم وإذا
قلنا بقول أبى على في أن السمك لا يدخل في اللحم فالجراد هل يلحق بحيوان البحر لحل ميتتهما
ولأنه نقل في الآثار إن أصله سمك فيه وجهان ولخص الرافعي ذلك
* قال المصنف رحمه الله *
(فان قلنا أن اللحوم أجناس جاز بيع لحم كل جنس من الحيوان بلحم جنس آخر متفاضلا
فيجوز بيع لحم البقر بلحم الغنم متفاضلا ولحم بقر الوحش بلحم بقر الأهل لأنهما جنسان ولا يجوز
بيع لحم الضأن بلحم المعز ولا لحم البقر بلحم الجواميس متفاضلا لأنهما نوعان من جنس واحد) *
209

(الشرح) إذا قلنا بان اللحوم أجناس فلا شك أن البحري مع البري جنسان وممن صرح
به الرافعي فاما البري مع البحري فقد تقدم قول الشافعي رضي الله عنه إن لحم الغنم صنف ولحم
الإبل صنف الخ وبسط الأصحاب ذلك فقالوا الأهليات من حيوانات البر مع الوحشيات جنسان لكل من
القسمين أجناس فلحوم الإبل بأنواعها جنس بخاتيها وعرابها وأرحبيها ونجديها ومهريها وسائر أنواعها جنس عرابها
وجواميسها ودرنانيها هكذا رأيتها مضبوطة بخط سليم - بفتح الدال والراء المهملة والنون - والغنم الأهلية
ضأنها وماعزها جنس والوحوش أجناس فالظباء جنس ما تأنس منها وما توحش قاله الشيخ أبو حامد وبقر
الوحش صنف قاله الشيخ أبو حامد والمصنف والمحاملي والماوردي وابن الصباغ لأن الاسم لا ينصرف إليها عند
الاطلاق ولا يضم إليها في الزكاة وسيأتي فيه وجه أنها جنسان والضباع جنس والأرانب جنس والثعالب جنس
واليرابيع جنس والوحشي من الغنم جنس غير الغنم الانسي نص عليه الشافعي رحمه الله والقاضي أبو الطيب
والمحاملي وابن الصباغ وقالا إن الوحشي من الغنم هو الظباء والحمر الوحشية صنف قاله ابن الصباغ
قال المحاملي وغيره وليس في الإبل وحشي وفى الظباء مع الإبل - بالياء المثناة من تحت - تردد للشيخ
أبى محمد ويستقر جوابه على أنهما كالضأن والمعز وفى التتمة أيضا حكاية وجه أن الظباء والإبل تلحق
بالغنم لأنها تقرب منه والتفاوت الذي بين الظباء والمعز ليس بأكثر من التفاوت بين الضأن والمعز
وطرد ذلك في البقر الوحشي مع الانسي وهذا موافق مذكورا في الايمان عن صاحب التهذيب أن
الحالف على لحم البقر لا يحنث بالوحشي وبناه على أنه هل يجعل جنسا في الربا وهذا هو الوجه الذي
وعدت بذكره قريبا والطيور أصناف الكراكي صنف والإوز صنف والعصافير على اختلاف أنواعها
210

فاما لحم اللبح (1) فجنس واحد لحم العصفور لأنه لا يسمى عصفورا قاله القاضي حسين صنف والبطوط
صنف والفواخت صنف والدجاج صنف قال الشيخ أبو حامد قال الربيع والحمام صنف والحمام كل
ماعب وهدر قال الشيخ أبو حامد والذي عندي القول بان الفواخت جنس والقمارى جنس والدباسي
جنس وقال الروياني إن الذي اختاره الشيخ أبو حامد اختيار جماعة أصحابنا وقد أطلق جماعة حكاية
الخلاف في ذلك عن الربيع كما أشار إليه الشيخ أبو حامد منهم الرافعي قال وعن الربيع أن الحمام
بالمعنى المتقدم في الحج وهو كل ماعب وهدر جنس قال الرافعي فيدخل فيه القمري والدبسى
والفاخت وهذا اختيار جماعة منهم الإمام وصاحب التهذيب قال الرافعي واستبعد أصحابنا العراقيون
وجعل كل واحد منهما جنسا برأسه (قلت) والذي رأيته في الام في باب بيع الآجال قال الربيع ومن
زعم أن اليمام من الحمام فلا يجوز لحم اليمام بلحم الحمام متفاضلا ولا يجوز الا مثلا بمثل إذا انتهى
تبينه وإن كان من غير الحمام فلا بأس به متفاضلا وهذا ليس فيه جزم من الربيع بان اليمام من جنس
الحمام لكنه لما ثبت في الحج أن اليمام والقمرى والفاخت والدبسى والقطا كلها داخلة في اسم
الحمام وقد قال الربيع هنا ان من زعم أن اليمام من الحمام فلا يجوز متفاضلا اقتضى مجموع هذين
أن اليمام بالحمام لا يجوز متفاضلا فيكون كذا ولكن لابد في ذلك من أن يكون الربيع موافقا على
ما ذكر في الحج حتى ينسب إليه والأصحاب ذكروا ذلك في الحج ولم يذكروا عن الربيع فيه شيئا موافقة ولا مخالفة
وكلام الربيع الآن فيما يحضرني هنا يقتضى ثبوت خلاف في دخول اليمام تحت اسم الحمام ولم يذكر عن
نفسه اختيارا في ذلك واستبعاد أصحابنا العراقيين ذلك فيه نظر فإنه إذا ثبت دخولها في اسم الحمام في الحج

(1) كذا بالأصل فحرر
211

كانت من جنسه ولا يضر كونها لها اسما خاصا كالجواميس مع البقر فلا جرم ذهب الإمام وصاحب
التهذيب إلى ذلك وهو قوى قال الماوردي وهكذا كل جنس من الطيور لحوم جنسها صنف ونقل
الشيخ أبو حامد وابن الصباغ عن الربيع أنه قال ماعب وهدر جنس واحد واللفظ لابن الصباغ قال ابن الصباغ
وهذا بعيد لأن ما انفرد باسم وصفة وجب أن يكون صنفا وفي الام قال الربيع ومن زعم أن اليمام من الحمام
فلا يجوز لحم اليمام بلحم الحمام متفاضلا وإن كان من غير حمام فلا بأس به متفاضلا وفى المجرد حكاية
الوجهين عن المروزي وأن الشيخ يعنى أبا حامد قال هي أصناف قولا واحدا وهكذا السموك أجناس قال
الرافعي في غنم الماء وبقره وكذا بعضها مع بعض قولان (أصحهما) أنها أجناس كحيوانات البر
(قلت) وهذا المنصوص عليه قال الشافعي في الام في باب ما جاء في بيع اللحم في التفريع على القول
بأن اللحوم أجناس (ولا بأس بلحم ظبي بلحم أرنب رطبا برطب ويابسا بيابس مثلا بمثل أو بأكثر
وزنا بجزاف وجزافا بجزاف لاختلاف الصنفين وهكذا الحيتان كله لا يجوز أن أقول هو صنف لأنه
ساكن الماء ولو زعمت أن ساكن الأرض كله صنف وحشيه وانسيه وكان أقل ما يلزمني أن أقول
ذلك في وحشيه لأنه يلزمه اسم الصيد فإذا اختلف الحوتان فكل ما تملكته ويصير لك فلا بأس برطل من
أحدهما بأرطال من آخر يدا بيد ولا خير فيه نسيئة ولا بأس به يدا بيد وجزافا بجزاف وجزافا بوزن)
هذا كلام الشافعي بلفظه قال القاضي أبو الطيب في الحيتان كل ما اختص باسم وصفة فهو صنف وقال
الرافعي وفى غنم الماء وبقره وغيرهما من السموك وكذا بعضها من بعض قولان (أصحهما) أنها أجناس
212

كحيوانات البر وكذلك الماوردي حكى في لحوم الحيتان على القول بان اللحوم أجناس وجهين
(أحدهما) أن جميعها صنف قال وهذا قول من يزعم أنه لا يؤكل من حيوان البحر إلا حيتانه
(والثاني) إنها أصناف قال وهو قول من يزعم إن حيوان البحر كله مأكول حيتانه ودوابه وما فيه
من كلب وغيره فعلى هذا يكون السمك كله صنفا واحدا والنتاج صنفا وكلما اختص باسم يخالف
غيره صنفا (قلت) وكلام الشافعي رضي الله عنه المتقدم الآن صريح في أن الحوتين قد يختلفان
فيكونان جنسين فهو يرد ما قاله والله أعلم * وكذلك قال الشافعي في باب بيع الآجال من الام (إذا
اختلفت أجناس الحيتان فلا بأس ببعضها ببعض متفاضلا وكذلك لحم الطير إذا اختلفت أجناسها)
هذا لفظ الشافعي بحروفه وهو صريح في ذلك ولم يذكره تفريعا على قول بل أطلقه والله أعلم * وإذا
عرف ذلك قال الشافعي رحمه الله والأصحاب إذا قلنا اللحوم أجناس فباع جنسا بجنس آخر فجاز
البيع سواء كانا رطبين أم يابسين أم رطبا ويابسا وزنا وجزافا متفاضلا ومتماثلا إذا كان نقدا يدا بيد
كالقمح والشعير وإنما جعل بقر الوحش جنسا مخالفا للبقر لأنه لا يفهم من لفظ البقر عند الاطلاق
فكان كالتمر الهندي مع التمر وزيت الفجل مع الزيت وكذلك غنم الوحش مع الأهل وإنما كانت
الظباء جنسا وحشيها وما تأنس منها لأن الاسم الصادق عليهما واحد (والضمير) في قول المصنف لأنهما
جنسان الأولى أن يكون عائدا إلى بقر الوحش وبقر الأهل ونبه على ذلك لأنه قد يخفى (أما) البقر
والغنم فذلك مما لا يخفى على القول الذي عليه نفرع والضأن والمعز نوعان لجنس واحد قال المتولي ان
213

ذلك لا خلاف فيه وكذلك البقر العراب والجواميس فكذلك لم يجز التفاضل بينهما وقد يستشكل
من جهة أن الجواميس اختصت باسم لا يشاركها فيه غيرها فكانت كالسمك مع اللحم (وأما) الضأن
والمعز فالظاهر أنهما صنفان لنوعي الغنم لا اسما فاشبها المعقلي والبرني وفى النفيس من الجواميس وان
سلمنا صدق البقر عليها فذلك كصدق الدهن على الزيت قال الماوردي ولا فرق بين المعلوف والراعي ولا بين
المهزول والسمين (تنبيه) إطلاق كثير من الأصحاب على عبارتهم أن السمك مع اللحم إذا قلنا بأن اللحوم
أجناس جنسان وعبارة بعضهم ومنهم الرافعي لحوم حيوانات البحر وبين العبارتين فرق فان الكلام في لحميهما
أما السمكة الكاملة ففي بيعها باللحم حية وميتة كلام نذكره في بيع اللحم بالحيوان إن شاء الله تعالى *
(فرع) ينبغي أن يكون هذا الفرع تفريعا على أن اللحوم جنس واحد * هل الجراد من
جنس اللحوم فيه وجهان (إن قلنا) نعم فهو من البريات أو البحريات فيه وجهان قاله الروياني والرافعي
فاجتمع فيه ثلاثة أوجه قال في الروضة (أصحها) أنه ليس من جنس اللحوم واستدل الروياني بكونه
من البحريات لكونه نقل في الآثار أن أصله سمك ولهذا حلت ميتته والوجه الآخر بأنه حيوان
برى يلزم الجزاء على المحرم بقتله *
* قال المصنف رحمه الله *
(فصل واللحم الأحمر والأبيض جنس واحد لأن الجميع لحم واللحم والشحم جنسان واللحم
والألية جنسان والشحم والألية جنسان واللحم والكبد جنسان والكبد والطحال جنسان واللحم
والكلية جنسان لأنها مختلفة الاسم والخلقة) *
(الشرح) الكلام في هذا الفصل في اللحم الذي تختلف صفته وفى أعضاء الحيوان الواحد
(فأما) اللحم المختلف الصفة فإنه لا أثر لاختلاف الصفة فيه قال الشيخ أبو حامد لا خلاف على القولين
214

أن اللحم الأبيض السمين واللحم الأحمر جنس واحد يعني (ان قلنا) ان اللحم جنس واحد فذلك
جنس واحد سواء كان من حيوان واحد أم من حيوانين (وان قلنا) انها جنسان فإذا انقسم لحم الجنس
الواحد إلى أبيض وأحمر كان جنسا ولا أثر للاختلاف في هذا الوصف أما إذا كان الأبيض من جنس
والأحمر من جنس آخر فلا شك أنهما جنسان على القول بأن اللحوم أجناس لاختلاف أصليهما وصفتيهما
وقد أطبق الأصحاب على أن اللحم الأحمر والأبيض جنس وسنذكر خلافا عن الماوردي في أن ما حمله
الظهر من جنس الشحم أولا ومقتضى قول من يجعله من جنس الشحم أن يقول بأنه مخالف للحم
وذلك اختلاف في حقيقته هل هو لحم أبيض أو شحم مع الاتفاق على حكم التسمية (وأما) أعضاء الحيوان
الواحد كالكرش والكبد والطحال والقلب والرئة ففيها طريقان (أشهرهما) أنا إذا قلنا اللحوم أجناس فهذه
أولى لاختلاف أسمائها وصفاتها (وان قلنا) انها جنس واحد فوجهان لأن من حلف أن لا يأكل اللحم
لا يحنث بأكل هذه الأشياء على الصحيح وهذا كالخلاف في أن لحم السمك أجناس أو هو جنس
كسائر اللحم هكذا عبر الرافعي عن هذه الطريقة وعبر الإمام عنها بأنا ان قلنا اللحوم جنس واحد
فكل ما حنث به الحالف على الامتناع من أكل اللحم فهو من جنس اللحمان وفيما لا حنث بأكله
215

وجهان كالوجهين في اللحم الذي مع لحوم الحيتان والكلامان راجعان إلى معنى واحد فالرافعي كأنه
بنى كلامه على أن الحالف على اللحم لا يحنث بهذه وحكى الخلاف مع ذلك ورجع إلى ما قاله وان
شئت جعلت الخلاف مرتبا فتقول (إن قلنا) إنها جنس فان قلنا يحنث الحالف على اللحم بها فهي جنس
(وان قلنا) لا يحنث ففي المجانسة وجهان كالسمك مع اللحم والطريقة الثانية وكلام المصنف أقرب إلى
الطريقة الأولى مع عدم حكاية الخلاف فكأنه جزم بالاختلاف على القولين أو رجح القول
بالاختلاف في هذه على القول بأن اللحوم جنس واحد ولو تحقق من المصنف الجزم بذلك
كان ذلك طريقة ثالثة في المسألة وهو الجزم بأنها أجناس على القولين والطريقة الثانية عن القفال
قال الإمام وهذه الطريقة رديئة لم أرها إلا لشيخنا حكاها عن القفال قال فلا أعدها من المذهب
216

أنا ان جعلنا اللحوم جنسا واحدا فهذه الأشياء مجانسة لها وان جعلناها أجناسا فوجهان لاتحاد الحيوان
وصار كلحم الظهر مع شحمه قال الرافعي وكيفما قدر فظاهر المذهب ما قاله المصنف فنذكر الأعضاء
كما ذكرها المصنف مفصلة وما ذكره معها مما يشبه الأعضاء وإن كان لا يسمى عضوا ونتكلم في ذلك
على ترتيبه أما اللحم والشحم فجنسان سواء كانا من حيوان واحد أو من حيوانين مختلفي الجنس وان
قلنا اللحوم جنس واحد لاختلاف أسميهما فان لكل منهما اسما يخصه ومع اختلاف الاسم الخاص لا أثر
لاتحاد الجنس المأخوذ منه أو اختلافه وهذا لا خلاف فيه أيضا على ما اقتضاه كلام الشيخ أبى حامد
وقال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ إنه نص عليه في رواية حرمله قال هو والمحاملي وابن الصباغ
وأراد به الشحم الذي في الجوف فاما الذي على جنب البهيمة فالظاهر أنه لحم أبيض وليس بشحم وممن
جزم به من الخراسانيين أيضا القاضي حسين واعلم أن الكلام في شحم الظهر والجنب شئ واحد
والأصح أنهما من جنس اللحم لاحتكارها عند الهزال وقيل من جنس الشحم لقوله تعالى (حرمنا عليهم
شحومهما) الا ما حملت ظهورهما وأما شحم البطن فمغاير للحم بلا خلاف وشحم العين جزم الشافعي رحمه
الله في أول كلامه في الايمان بأنه كشحم البطن ثم حكى فيه وجهين في آخر كلامه قال صاحب
التهذيب ويجوز بيع شحم البطن بشحم الظهر ولحمه متفاضلا وجزافا ورطبا ويابسا لأنهما جنسان وتابعه
الرافعي على ذلك وجزم في الربا بكونهما جنسين ولك أن تقول يتعين أنهما جنس واحد وهو
الخلاف الذي تقدم وسيأتي عن الماوردي وذكروا وجها في الايمان عن أبي زيد أن الحالف إن كان
عربيا فشحم الظهر شحم في حقه لأنهم يعدونه شحما وإن كان عجميا فهو لحم في حقه وهذا الوجه
لا يظهر جريانه في الربا لأن الجنسية في الربا ليست راجعة إلى فهم المتعاقبين والله أعلم * وكذلك
217

اللحم والألية جنسان على الصحيح من المذهب ونقله المحاملي عن الأصحاب وهو الذي أورده الصيمري
وصاحب التهذيب وعلل القاضي حسين الوجه الآخر بأن الألية لحم إلا أنه سمين فأشبه لحم الظهر ولحم
الجنب وهذا ضعيف والشحم والألية جنسان جزم به في التهذيب وقال الجرجاني في الشافي إنه لا خلاف
في ذلك وقال القاضي حسين إن الخلاف فيها كاللحم والألية ونقل صاحب الذخائر بعد ما حكى قول
الأصحاب في الألية مع اللحم والشحم احتمال الإمام عن أبي بكر الشاشي أنه حكى طريقين في
الألية مع اللحم والشحم (أحدهما) أنه على الوجهين المذكورين (والثاني) أنها من اللحم قولا واحدا
والأصح على ما ذكره الرافعي في الايمان أن الألية ليست بلحم ولا شحم وقيل لحم وقيل شحم (أما)
الشحوم وحدها هل هي أجناس أو جنس واحد فيها قولان كاللحوم قاله الماوردي قال ولكن هل
218

تكون الألية وما حمله الظهر صنفا من الشحم أم لا فعلى وجهين (أحدهما) أنها من جملة الشحم وهو قول مالك
(والثاني) أنها أصناف مختلفة وهو قول أبي حنيفة. ولتوجيه ذلك موضع من كتاب الايمان * واللحم
والكبد جنسان. قاله الماوردي والمصنف. والألية والسنام جنسان على ما قاله الرافعي في الايمان. قال
صاحب البيان فكل واحد من هذه الأجناس يجوز بيعه بالجنس الآخر متفاضلا *
(فرع) وهو أصل قال الإمام لما تكلم في هذه الأشياء القول في هذا يستدعى تقديم أمر إلى أصل في
الايمان إذا قال الرجل والله لا آكل اللحم فالذي ذهب إليه جماهير الأصحاب أنه لا يحنث بأكل الكبد والكرش
والطحال والمعاء والرئة فإنها لا تسمى لحما. وحكى الشيخ أبو علي عن أبي زيد المروزي قولين (أحدهما)
هذا (والثاني) يحنث فإنها في معنى اللحم وهذا بعيد لم أره لغيره ولم يختلف الأصحاب في أن من حلف لا يأكل
اللحم لم يحنث بأكل الشحم ولست أعني سمين اللحم فإنه معدود من اللحم. اتفق عليه من نقلوه (وأما)
القلب فقد قطع الصيدلاني وغيره من المراوزة بأنه لحم. وذكر العراقيون أنه كالكبد. والذي قاله
محتمل، والكلية عندي في معنى القلب والألية لم يعدها المحققون من اللحم ولا من الشحم وهذا فيه
احتمال عندي فيشبه أن يقال هو كاللحم السمين يجمع للضائر على موضع مخصوص فإذا ثبت ما ذكرناه
من حكم الايمان واستقصاؤه يحال على موضعه عدنا إلى غرضنا *
219

(فرع) قال الماوردي فاما البيض فنوعان بيض طير وبيض سمك فبيض الطير لا يكون
صنفا من لحم الطير لأن البيض أصل الحيوان فلم يجز أن يكون صنفا من اللحم الذي هو فرع للحيوان فعلى
هذا إذا قيل اللحمان أصناف فالبيض أولى أن يكون أصنافا وإذا قيل هذا صنف واحد ففي البيض وجهان
(وأما) بيض السمك فهل يكون نوعا من لحم السمك فيه وجهان (أحدهما) أنه صنف غيره كما أن بيض
الطير صنف غير لحمه (والثاني) أنه نوع من لحم السمك يؤكل معه حيا وميتا وسيأتي الكلام في البيض
في آخر الباب عند ذكر المصنف له والأصح من الوجهين المذكورين في بيض الطيور أنه أجناس *
(فرع) صفرة البيض وبياضه جنس واحد لا يجوز بيع بعضه ببعض * هكذا قال الروياني *
(فرع) البيض المقلى بالمقلى أو المقلى بغير المقلى * قال الروياني فيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لتغيره
عن حال الكمال ولدخوله النار (والثاني) يجوز لأنه بالمقلى لم يخرج عن حال الادخار والنار لا تنقص منه شيئا
(قلت) إن كان فرض المسألة في المنزوع القشر فلا يجوز بيع بعضه ببعض وإن كان بقشره فلا يسمى
مقليا فلينظر اه‍ والكبد والطحال جنسان قاله المصنف وصاحب البيان الفؤاد صنف آخر قاله الماوردي
وكذلك المخ والدماغ والكرش والمصران كل واحد منها صنف أيضا وقال القاضي حسين ان الكرش
والمصران كاللحم مع الشحم يعني فيكونان جنسين كما قال الماوردي وكذلك اللسان صنف آخر قاله
الروياني والقلب والألية قال القاضي حسين قد قيل فيهما وجهان لأنهما يسميان لحما وجزم صاحب التهذيب أن
القلب والرئة واللحم أجناس مختلفة وهو الأصح في الرافعي في الايمان والمخ مع هذه الأشياء جنس آخر قاله الإمام
220

والرافعي وغيرهما وكذا الجلد جنس آخر قاله الرافعي واستدرك عليه في الروضة فقال المعروف
أن الجلد ليس ربويا فيجوز بيع جلد بجلود وبغيرها فلا حاجة إلى قوله إنها جنس آخر
(قلت) ويمكن حمل كلام الرافعي على الجلد الذي يؤكل كجلد السميط فإنه مأكول فكيف لا يكون ربويا وقد
صرح صاحب التلخيص بجواز بيع اللحم المسموط في جلده وقد قال الماوردي انه إذا باع اللحم الذي عليه جلد
يؤكل كجلد الحدأ والدجاج بمثله ففيه وجهان كالعظم وقال في الرونق المنسوب لأبي حامد الجلود مما اختلف
قول الشافعي فيه هل هو نوع أو أنواع فيصح ما قاله الرافعي ويظهر أنه إذا باع اللحم مع جلده
المأكول بلحم كان من قاعدة مد عجوة وصورة المسألة إذا كان اللحم يابسا والله أعلم * ورأيت
في البحر للروياني ما هو أغرب من هذا قال إذا باع جلد الغنم بجلد البقر متفاضلا هل يصح يحتمل
221

قولين بناء على القولين في اللحمان وهذا لا يمكن تأويله على ما حملنا عليه كلام الرافعي وهو يدل على
أنه يعتقد ان الجلد ربوي وأنه لو باعه بجلد من جنسه لم يجز التفاضل قولا واحدا وهو عجيب والذي
قاله النووي هو الأقرب وفى شحم الظهر مع شحم البطن وجهان قاله الرافعي وسنام البعير مع شحم
ظهره وشحم بطنه جنسان قاله صاحب التهذيب والرافعي وكلام الرافعي يحتاج إلى تأمل حتى ينزل على ذلك
وكلام التهذيب صريح ولحم الرأس والأكارع من جنس اللحم قاله الرافعي وفى الأكارع احتمال
عند الإمام فإنه قال إن الأئمة قطعوا بذلك ثم قال ولا اعتراض في الاتفاق فلعل ذلك من جهة أنه
يؤكل أكل اللحم والا فالظاهر عندي أن القصبة المفردة ليست لحما والذي قاله البغوي أن في لحم
الرأس والخد واللسان والأكارع طريقين (أصحهما) يحنث بأكلها إذا حلف أن لا يأكل اللحم
222

(الثانية) على وجهين فيكون ما قاله في الربا جريا على أحد الطريقين قال الإمام والعظم لا شك
أنه ليس بلحم الصلب منه والمشاشي والغضروفي وقد علل المصنف ذلك كله بأنها مختلفة الاسم
والخلقة وهي علة شاملة غير أنه لم يتقدم في ضابطه الا اختلاف الاسم (وأما) اختلاف الخلقة
فلم ينبه عليه فيما تقدم *
(فرع) قد تقدم أن الشحوم جنس غير اللحم وفى الشحوم نفسها قولان كاللحم حكاهما
الماوردي قال وهل الألية وما حمله الظهر صنفان من الشحم فيه وجهان (أحدهما) نعم وهو قول
مالك (والثاني) أنها أصناف مختلفة غير الشحم وهو قول أبي حنيفة *
* قال المصنف رحمه الله *
(وأما الألبان ففيها طريقان (من) أصحابنا من قال هي كاللحمان وفيها قولان (ومنهم) من قال
الألبان أجناس قولا واحدا لأنها تتولد من الحيوان والحيوان أجناس فكذلك الألبان واللحمان
لا تتولد من الحيوان والصحيح أنها كاللحمان) *
(الشرح) نص الشافعي رحمه الله في الام والمختصر جازم بأن الألبان أجناس قال في
الام في باب ما يكون رطبا أبدا والصنف الواحد لبن الغنم ماعزه وضانيه والصنف الذي يخالفه البقر
223

رديانيه وعرابيه وجواميسه والصنف الواحد الذي يخالفهما معا لبن الإبل أو اركها وعواديها ومهريها
ونجيبتها وعرابها وقال في باب بيع الآجال والألبان مختلفة وذكر أصنافها وصرح ببيعها متفاضلا قال
أبو حامد إنه لا يعرف أنه نص على غير ذلك وقال القاضي الماوردي أنه نص في القديم على أنها
صنف واحد وهذا غريب وبتقدير ثبوته لما اقتصر الشافعي في الجديد فيها على قول واحد ونص في
الام في اللحمان على القولين المتقدمين قال الشيخ أبو حامد الأسفرايني وابن الصباغ والقاضي أبو الطيب
قال أصحابنا يجب أن تكون الألبان أيضا على قولين لأنه لا فرق بينها وبين اللحمان وتوجبه القولين
كما مر في مسألة اللحمان حرفا بحرف والصحيح من القولين أنها أجناس كما في اللحمان قاله القاضي
أبو الطيب وابن الصباغ وممن جزم بهذه الطريقة وتخريجها على قولي اللحمان المحاملي في المجموع
ورجحها أبو إسحاق المروزي والمصنف وقال الرافعي انها الأظهر عند الأكثرين وذهب آخرون إلى القطع
بأنها أجناس مختلفة وفرقوا بينها وبين اللحمان بفرقين (أحدهما) ما ذكره في الكتاب وممن ذكره
224

القاضي أبو الطيب وذكر القاضي أبو الطيب عن أبي إسحاق أنه قال يمكن أن يقال لا يجوز بيع
شاة لبون بشاة لبون ويجوز بيع الشاة بالشاة إذا لم يكن فيهما لبن ولا يمنع ما فيها من اللحم من بيع
إحديهما بالأخرى تولد على افتراقهما ثم قال أبو إسحاق الأقوى تخريجها على قولين (والثاني) أن
الأصول التي حصل اللبن فيها باقية بحالها وهي مختلفة فيدام حكمها على الفروع بخلاف أصول اللحم
قاله الرافعي وفى كل من الفرقين نظر (أما الأول) الذي في الكتاب فلان لقائل أن يغلب
ذلك لأن الألبان تتولد من الحيوان بانتقالها عما كانت على حين كانت جزء حيوان دما إلى حالة
أخرى فناسب أن تعتبر بنفسها واللحمان لا تتولد بل هي عين جزء الحيوان فارقته الروح فكان
اجراء حكمها عليها أولى من الفروع المتولدة عنها (وأما) الفرق الثاني فلان الوصف المذكور لا تأثير له
بدليل أنه مفقود في الأدقة وهي أجناس وذكر القاضي حسين فرقا ثالثا وهو أن اللبن يجرى فيه
الربا وإن كان متصلا بالحيوان بخلاف اللحم قال الإمام وهذا الفرق ردئ فان الألبان في الضروع
وقد اشتركت في الاسم الخاص من أول حصولها وهذا معتمد اتحاد الجنس ولا منفعة في اجراء الربا
فيها في الضروع بعد القطع باختلاف أصولها وقد تقدم عن القاضي حسين أن في اللحمان أيضا طريقة
قاطعة (1) فعلى تلك الطريقة الألبان أولى وعلى طريقة إجراء القولين يأتي الطريقان المذكوران هنا *
(التفريع) إن قلنا إنها صنف واحد فلا يجوز بيع لبن بلبن الا متماثلا وله أحكام تذكر
في كلام المصنف في الفصل الثاني عشر بعد هذا الفصل قال القاضي أبو الطيب على هذا القول
225

كل ما يسمى لبنا جنس واحد (وإن قلنا) أصناف فلبن البقر الأهلية جنس ولبن البقر الوحشية
باختلاف أنواعها جنس ولبن الغنم الأهلية جنس ولبن الغنم الوحشية وهي الظباء وأنواعها جنس ولبن
الإبل بأنواعها جنس ولا يكون للإبل وحش فيجوز بيع أحد الجنسين بالآخر متفاضلا وبيعه
بما يتخذه من الآخر وقد تقدم تفصيل ذلك في اللحوم ولكني أقصد زيادة البيان وتأسيت أيضا بالأصحاب
فأنهم ذكروه كذلك ولبن الضأن والمعز جنس واحد ولبن الوعل مع المعز الأهلي جنسان اعتبارا
بالأصول قاله الرافعي وصاحب التهذيب ولبن الآدميات جنس قاله ابن سراقة ولا شك في ذلك
إذا قلنا إن الألبان أجناس (أما) إذا قلنا الألبان جنس واحد فسيأتي والكلام في بيع اللبن بعضه ببعض
من جنسه سيأتي في كلام المصنف إن شاء الله تعالى * ومذهب مالك وأحمد رحمهما الله تعالى أنها صنف
ومذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أنها أصناف (فائدة) قال أبو محمد عبد الله بن سعيد الأموي في
نوادره ولا أقول صنفا إنما هو صنف - بالفتح - وصنوف وأنشد (إذا مت كان الناس صنفين) البيت *
(فرع) إن قلنا الألبان جنس واحد فلبن الآدمي مع غيره فيه وجهان (أحدهما) أن الكل
226

جنس واحد (والثاني) لا لأن لبن الآدمي جنس وسائر الألبان جنس آخر لأن ما يستخرج منه هذا اللبن
لا يؤكل لحمه ويخالف سائر الألبان في الحكم فكان جنسا آخر قاله القاضي حسين *
* قال المصنف رحمه الله *
(فصل وما حرم فيه الربا لا يجوز بيع بعضه ببعض حتى يتساويا في الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن
لما روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الذهب بالذهب تبره وعينه وزنا
بوزن والفضة بالفضة تبره وعينه وزنا بوزن والملح بالملح والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير
كيلا بكيل فمن زاد أو ازداد فقد أربى) *
(الشرح) حديث عبادة هذا بهذا اللفظ أخرجه النسائي في السنن الكبرى وسنده صحيح ولم
يخرجه من الأئمة الستة أحد غيره ورواه البيهقي أيضا من غير طريق النسائي وأخرجه النسائي في كتابه المجتبى
بهذا اللفظ أيضا إلا قوله في آخره كيلا بكيل فان موضعها عنده سواء بسواء مثلا بمثل وقد تقدم حديث
عبادة رضي الله عنه في موضعين من كلام المصنف وأصله في صحيح مسلم كما تقدم وقد تقدمت أحاديث
صحيحة في هذا المعنى (منها) حديث فضالة بن عيينة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال (لا تبيعوا الذهب
بالذهب إلا وزنا بوزن) رواه مسلم (ومنها) حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل) رواه مسلم رحمه الله
227

والأحاديث التي فيها ذكر الصاع في الأشياء الأربعة كثيرة وقد روى أبو داود هذا الحديث بقريب مما في
الكتاب من غير ذكر الوزن لكن قال في الأشياء الأربعة مدى بمدى والمدى قال القلعي والمد مكيال
لأهل الشام معروف يسع نيفا وأربعين رطلا والتبر قال الأزهري التبر من الذهب والفضة ما كان غير مصوغ
ولا مضروب وكذلك من النحاس وسائر الجواهر ما كان كسارا غير مصنوع آنية ولا مضروب
فلوسا وأصل التبر من قولك تبرت الشئ أي كسرته حدادا وقد تقدم في التبر بحث (وقوله) عينه يريد
ذاته وقد تقدم أنه من الأسماء المشتركة وقد اتفق أكثر العلماء على هذه الجملة وأن المساواة المعتبرة
هي المساواة في المكيل كيلا وفى الموزون وزنا ولا يضر اختلاف المكيلين في الوزن ولا اختلاف
228

الموزونين في الكيل فأما ما أصله الوزن فلا يجوز بيعه كيلا بكيل نقل الشيخ أبو حامد الاجماع فيه
وأما ما أصله الكيل فنقل الفوراني من أصحابنا أنه يجوز بيعه وزنا حكاه عنه جماعة منهم ابن يونس وقال
صاحب الذخائر انه أعني الفوراني حكاه عنه المهذب ولم يحك سواه وهذا ضعيف مردود ولا معول عليه
مع أن الذي رأيته في كتاب الإبانة المنع وموافقة الأصحاب * وحكى الجواز عن أبي حنيفة وروى عن
مالك قال يجوز بيع بعض الموزونات ببعض جزافا وسيأتي النقل عن مالك وقال الشيخ أبو حامد
قال بعضهم يجوز أن يبيع المكيل كيلا بكيل ووزنا بوزن قال لأن الاعتبار بالتساوي فإذا وجد بالوزن
جاز ولأنه لا خلاف أنه لو أسلم في مكيل بالوزن جاز * لنا أنه يؤدى إلى التفاضل في الكيل بأن يكون
أحد التمرين ثقيلا فيؤدى إلى بيع صاع بأكثر من صاع ولأنه لا خلاف في الموزون لا يجوز بيع بعضه ببعض
كيلا والمساواة المعتبرة هي المأمور بها وهو الكيل في المكيل والوزن في الموزون وإنما جاز في السلم
لأن القصد فيه أن يصير مضبوط القدر وليس كذلك ههنا لأنه تراعي المماثلة على ما أمرنا بها في الشرع *
(فرع) فصل القاضي حسين وصاحب التتمة وغيرهما في الملح بين أن يكون قطعا كبارا أو صغار فإن كان
مسحوقا ناعما أو مدقوقا بحيث لا يزيد جرمه على جرم التمر فلا يجوز البيع إلا كيلا وإن كان القطع كبارا
فوجهان (أحدهما) يباع وزنا وبه جزم في التهذيب وكلام القاضي حسين يقتضى ترجيح اعتبار الوزن وقال
الرافعي انه الأظهر (والثاني) يسحق ويباع كيلا لأنه الأصل فيه قال القاضي حسين وفى هذا ضيق على
الناس وأظهر الوجهين اعتباره بالوزن *
(فرع) وقول المصنف رحمه الله تعالى فيما يكال وفيما يوزن يعني بالنظر إلى جنسه لا إلى قدره
229

فلو امتنع لأجل القلة كالحبة والحبتين فإنها لاتكال والذرة من الذهب والفضة فإنها لا توزن فعندنا
يمتنع بيعها بمثلها فلا يباع حفنة بحفنة ولا بحفنتين ولا تمرة بتمرتين ولا ذرة من ذهب
وفضة بذرة وقال أبو حنيفة يجوز ذلك كله وقد تقدم التنبيه على مأخذنا ومأخذه وضابط ما يجوز بيعه
بجنسه من سائر المكيلات عند الحنفية أن لا يبلغ نصف صاع فلو بلغه أحدهما دون الآخر امتنع
عندهم وفى المسألة تطويلات في كتب الخلاف لا ضرورة إلى ايرادها هنا وقد رأيتها في مباحث
الشافعي رضي الله عنه معهم في الاملاء فنقل عن بعض الناس انه لا بأس بالتمرة بالتمرتين والتمرتين
بالأربع عددا وأطال في البحث معه في ذلك وألزمه بالموزون وكأنه لا يقول به ولعل أصحابهم فرعوا
ذلك والتزموه والله أعلم *
(فرع) أطلق الرافعي رضي الله عنه والنووي رضي الله عنه هنا أن كل ما يتجافى في
المكيال يباع بعضه ببعض وزنا وظاهر ذلك شموله لما علم معيار جنسه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
230

وما لم يعلم فمقتضاه أن التمر الكبار الذي يتجافى في المكيال يباع وزنا ولم أر من صرح به نعم هذا الضابط
ذكره غير الرافعي فيما لم يعلم معياره وعبارة التهذيب مطلقة كعبارة الرافعي *
* قال المصنف رحمه الله *
(فان باع صبرة طعام بصبرة طعام وهما لا يعلمان كيلهما لم يصح البيع لما روى جابر رضي الله عنه
قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتباع الصبرة من الطعام بالصبرة من الطعام) *
(الشرح) حديث جابر المذكور بهذا اللفظ الذي في الكتاب رواه النسائي وزاد (ولا الصبرة
من الطعام بالكيل المسمى من الطعام) وسنده على شرط مسلم ورواه مسلم بلفظ آخر فقال فيه جابر
(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر) ورواه
الشافعي رضي الله عنه في الام بهذا اللفظ الذي عند مسلم سواء ومن العجب أن الحاكم ذكره في
مستدركه وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وكأنه سقط من نسخته من مسلم أو غفل عنه والله
أعلم * وإنما ذكرت ذلك لئلا يقف أحد على كتاب المستدرك فيظن الوهم في نسبته إلى مسلم والله
أعلم * وفى رواية عند مسلم لم يذكر من التمر في آخر الحديث فلاختلاف بين روايتي مسلم والرواية الأولى
في تقييده الصبرة المعينة بالتمر رواية مسلم من الطريقين مقيدة والرواية الأولى مطلقة والنسائي روي الوجهين
جميعا وترجم على كل منهما بما يناسبه والسند واحد فيهما وليس هذا باختلاف ضار ولعلهما جميعا
ثابتان فلا تنافى بينهما لا سيما والاطلاق من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم والتقييد في الرواية الأخرى من قول
جابر فلعل جابرا حضر النبي صلى الله عليه وقد وسلم وقد سئل عن بيع صبرة من التمر غير معلومة المكيال فنهى عنها
231

وذكر صلى الله عليه وسلم إما في ذلك الوقت واما في غيره لفظا شاملا تندرج فيه تلك الصبرة وغيرها وروى
الأمران عنه فلا يكون ذلك من الباب الذي نحن فيه حمل المطلق على المقيد وإنما يصح ذلك لو
كان الكلامان من قول النبي صلى الله عليه وسلم وحينئذ يبقى النظر في أن حمل المطلق على المقيد يختص بالاثبات
كما نبه عليه بعض الأصوليين ولا مجال له في النفي وهذان اللفظان مثال لذلك أو يقال إن المطلق
يحمل على المقيد مطلقا ولو فرضنا أنه لم يمكن الجمع المذكور وان الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما فقط
وأن ذلك اختلاف في الرواية فالأخذ باللفظ المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أولى من الاخذ باللفظ الذي
عبر به الراوي عنه ولو لم يحصل الترجيح المذكور ولم يثبت الا الرواية المقيدة لكان القياس الجلي
ويدل على أنه لا فرق بين التمر وغيره والله أعلم * ولفظ الحديث عام المراد به خاص وهو ما إذا كانتا
غير معلومتين بدليل الرواية الأخرى والله أعلم * إذا عرف ذلك فإذا باع صبرة من طعام بصبرة من
طعام وهما لا يعلمان كيلهما فاما أن يكون الصبرتان من جنس واحد أولا فإن كانتا من جنس واحد
لم يجز نقل ابن المنذر الاجماع على ذلك والحديث المذكور حجة له ولهذا نقول إن الجهل بالمماثلة كحقيقة
232

المفاضلة ولا يجوز ذلك جزافا ولا بالتحري والحذر والتخمين ونقل القاضي أبو الطيب والمحاملي وغيرهما
عن مالك أنه أجاز ذلك في البادية والسفر في المكيل دون الموزون لأن البادية يتعذر فيها وجود
المكيال وأجاب القاضي بمنع ذلك لأن الكيل يمكن بالاناء والقصعة والدلو وحفر حفيرة يكيل فيها
وغير ذلك واتفق أكثر العلماء على خلاف هذا وانه لا يجوز البيع في ذلك جزافا ولا بالحذر
والتخمين والتحري بل لابد من العلم سواء خرجتا متماثلتين أم لا نص عليه الشافعي رحمه الله في الام
والأصحاب أما إذا ظهر التفاضل فظاهر وأما إذا خرجتا متماثلتين فاحتجوا له بان التساوي شرط وشرط
العقد يعتبر العلم به عند العقد ألا ترى أنه لو نكح امرأة لا يدرى أهي معتدة أم لا أو هي أخته من
الرضاع أم لا لا يصح النكاح وقد يعترض على هذا بان بقية شروط المبيع كالملك وشبهه لا يشترط
العلم بها الا ترى انه لو باع مال أبيه على ظن أنه حي فإذا هو ميت صح على الأصح فالأولى التمسك
بالحديث فالمماثلة شرط والعلم بها شرط آخر وإنما كان كذلك دون بقية الشروط في المبيع كالملك
وما أشبهه حيث يشترط وجوده فقط لا العلم به على الصحيح من المذهب للاحتياط فيما أصله التحريم
فلما كان الأصل في الربويات وفى الابضاع التحريم اشترط فيها العلم بالشروط والأصل في البيع الحل
فلذلك صح في بيع المال الذي يظنه لأبيه إذا تبين خلافه ونقل عن زفر رحمه الله أنه إذا خرجتا
متماثلتين صح وعن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه يصح ان علما التساوي قبل التفرق وزفر لم يشترط
ذلك بل حكم بالصحة سواء حصل العلم قبل التفرق أو بعده والحديث حجة عليهما وكل ما قلناه في
الصبرة بالصبرة جاز بعينه في الدراهم بالدراهم وفى الدنانير بالدنانير وفى كل ربوي بجنسه صرح
الأصحاب بذلك والأجل جزم الأصحاب بالمنع في ذلك رد القاضي حسين على من يقول من الأصحاب
233

إن العلة لطعم والشرط عدم التساوي في المعيار وقال ابن الرفعة رحمه الله إن هذا القائل قد يقول بالجواز
ونظره بيع مال ظنه لأبيه وكان لنفسه لموت أبيه قبل بيعه (قلت) وهذا التخريج مردود فان
الأصحاب متفقون على المنع والحديث حجة فيه وما نقله ابن المنذر من الاجماع ان ثبت ولم يصح
قول زفر فالوجه الجواب عن بيع ما ظنه لأبيه والفرق بين المسألتين لا أن يطلب تخريج على خلاف
قول الأصحاب والله أعلم * وإن كانتا من جنسين كتمر بزبيب أو حنطة وشعير وتبايعاهما جزافا
جاز استدلالا بقوله صلى الله عليه وسلم (فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم) ولمفهوم الرواية الأولى من
روايتي مسلم المتقدمة التي فيها بالكيل المسمى من التمر فتقييده بذلك يدل على أنه لو باعها بجنس غير
التمر لجاز وهذا التقييد هنا زيادة من الراوي يجب قبولها وليس فيها من البحث ما تقدم كما لا يخفى
على متأمل * هذا مذهبنا ومذهب أكثر العلماء قال الشافعي رضي الله عنه لأن أصل البيع إذا
كان حلالا (1) بجزف وكانت لزيادة إذا اختلف الصنفان حلا فليس في الجزاف معنى أكثر من أن
يكون أحدهما أكثر من الآخر ونقل عن أحمد كراهة ذلك ومنعه جماعة من أصحابه قالوا لأن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام بالطعام مجازفة وذكر أبو الحسن علي بن محمد الطبري المعروف
بالكتا من أصحابنا هذه المسألة في كتابه الذي صنفه في بعض مفردات احمد قال فإذا اختلف
الجنس جاز بيع أحدهما بالآخر مجازفة كالدراهم بالدنانير جزافا والحنطة والشعير صبرة بصبرة وجوز
أحمد رضي الله عنه بيع المكيل بالموزون جزافا كبيع صبرة من حنطة بصبرة من الدراهم
وإنما خالف في بيع ما يكال بما يكال أو ما يوزن بما يوزن جزافا وروى عن جابر قال (نهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ان تباع الصبرة بالصبرة من الطعام ولا يدرى ما كيل هذا وهذا نص في الصبر وعام في
234

الجنس والجنسين قال وتعلقهم بهذا باطل فإنه إذا جعل الجهل مانعا فالنهي بالتساوي لا يزيد
على العلم بالتفاضل فحيث جوز الشرع التفاضل وقال إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم فلا
وجه لمنع المجازفة فدل على أن المراد به إذا اتحد الجنس والذي ذكرناه من التأويل هو مأخذنا وهو
المقطوع به انتهى * على أن ابن قدامة الحنبلي في كتابه المغنى بعد أن ذكر ما روى عن أحمد
وقول المانعين من أصحابهم رد القول بالمنع ورجح الجواز وقال إذا كان حقيقة الفضل لا تمنع فاحتماله
أولى أن لا يكون مانعا قال وحديثهم أراد به الجنس الواحد فلهذا جاء في بعض ألفاظه نهى أن تباع
الصبرة لا يعلم مكيلها من التمر بالصبرة لا يعلم مكيلها من التمر وكما يجوز أن يتبايعا ذلك مجازفة يجوز أن يتبايعا
المكيل موزونا والموزون مكيلا عند اختلاف الجنس نص عليه الشافعي وذلك مما لا يخفي ولنرجع
إلى ألفاظ الكتاب (قوله) صبرة طعام بصبرة طعام أي من جنسه وحذف ذلك لأن كلامه
السابق في بيع الجنس الواحد بعضه ببعض فأغنى عن تقييده وأيضا فان الطعام في عرف أهل بغداد
235

والعراق يختص بالقمح فلذلك كثيرا ما يذكره الفقهاء العراقيون ويريدون ذلك وكذلك الحكم لو
باع صبرة دراهم بصبرة دراهم وهما لا يعلمان وزنهما أو ذهبا بذهب كذلك فلو حذف لفظة الطعام كان
أشمل لكنه قيد بذلك ليكون الحديث الذي استدل به منطبقا على دعواه وافيا بمقصوده (وقوله)
وهما لا يعلمان ظاهره أن كلا منهما لا يعلمه لأن دلالة الضمائر كلية كالعام ولأن النفي إذا تأخر عن
صيغة العموم أفاد الاستفراق ولا فرق في الحكم بين أن لا يعلما وأن يعلم أحدهما دون الآخر وقد نقل
ابن المنذر في الصبرة إذا علم البائع كيلها دون المبتاع أن عطاء وابن سيرين وعكرمة ومجاهدا ومالكا
وأحمد واسحق كرهوا ذلك وأن الشافعي أجازه جزافا وإذا عرف كيلة أحب إليه ومراده إذا باعها
بالدرهم وبغير جنسها والا فبيع الصبرة بجنسها لا يجيز الشافعي رضي الله عنه فيه الجزاف نعم إذا علم البائع
كيلها وأخبر به المشترى فاعتمد عليه فمقتضى كلام الشافعي الجواز (وقوله) لا يعلمان كيلها أفرد الضمير وهو
صالح لأن يعود على الصبرة المعينة وعلى الصبرة التي هي ثمن والحكم شامل لهما لا فرق بين أن
236

يجهل كلتا الصبرتين أو إحداهما نص عليه الشافعي رحمه الله والأصحاب ودليله الرواية المتقدمة
عن مسلم (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلها بالكيل
المسمى من التمر) *
(فرع) لو باع دينارا بدينارين ممن كاتبه كتابة فاسدة ولم يعلم فسادها لا يجوز كما لو
تزوج بمن لا تحل له ظاهرا ثم انكشف أنها تحل له لا يصح النكاح قاله الروياني في البحر والحكم
صحيح لكن قول الروياني إنه لا يجوز إما أن يريد به لا يصح أو لا يحل فان أراد نفى الصحة فعدم
الصحة حاصل سواء كانت الكتابة فاسدة أم صحيحة وسواء علم السيد بها أم جهل فلا وجه
لتشبيهها بمسألة النكاح وان أراد بعدم الجواز عدم الحل فهذه المعاملة إذا صدرت
من السيد مع عبده القن حكمها حكم العقود الفاسدة فان حكمنا بأن
تعاطى العقود الفاسدة حرام وهو الحق إذا أريد بها تحقيق معناها المنهى عنه شرعا فحينئذ هذه
237

المعاملة بين السيد ومكاتبه لا تحل سواء علم بفساد الكتابة أم لم يعلم فلا يصح تشبيهها بمسألة النكاح
المذكورة وان قيل بان تعاطى العقود الفاسدة ليس بحرام وانه يجوز للسيد أن يبيع من عبده القن
دينارا بدينارين فالوجه القطع هنا بالتحريم ثم أيكفي حصول الاثم لأن ذلك دائر مع الظن وجودا
وعدما وقد أقدم على العقد ههنا مع ظنه تحريمه فيأثم وليس ذلك أيضا كما إذا باع مال أبيه على ظن
أنه حي فإذا هو ميت لأن الكلام في تلك المسألة في الصحة لا في الحل فقد تبين أن الفساد كما
قال الروياني أنه لا يجوز وأن التشبيه فيه نظر والله أعلم *
238

* قال المصنف رحمه الله *
(وان باع صبرة طعام بصبرة طعام صاع بصاع فخرجتا متساويتين صح البيع وان خرجتا
متفاضلتين ففيه قولان (أحدهما) أنه باطل لأنه بيع طعام بطعام متفاضلا (والثاني) أنه يصح فيما
تساويا فيه لأنه شرط التساوي في الكيل ومن نقصت صبرته فهو بالخيار بين أن يفسخ البيع
وبين أن يمضيه بمقدار صبرته لأنه دخل على أن يسلم له جميع الصبره ولم يسلم له فثبت
له الخيار)
(الشرح) بيع الصبرة بالصبرة له حالتان (إحداهما) أن يكون جزافا وقد تقدم حكمه
(والثاني) أن يكون مكايلة كما إذا باع صبرة طعام بصبرة طعام صاعا بصاع والكلام الآن فيه
والمسألة هكذا كما ذكرها المصنف رحمه الله منصوص عليها في الام في باب المزابنة قال الشافعي
رضي الله عنه ولو أعقدا بيعهما أن يتكايلا هذين الطعامين جميعا بأعيانهما مكيالا بمكيال فتكايلا
فكان مستويين جاز وإن كانتا متفاضلتين فقولان (أحدهما) أن للذي نقصت صبرته الخيار في
رد البيع لأنه بيع شئ فلم يسلم له لأنه لا يحل له أخذه أو رد البيع (والقول الثاني) أن البيع
239

مفسوخ لأنه وقع على شئ بعضه حرام وبعضه حلال فالبيع مفسوخ وبهذا أقول والقول الذي حكيت ضعيف ليس
بقياس وإنما يكون له الخيار فيما نقص قيما لأن في الزيادة بعضه على بعض فاما فيما فيه ربا فقد انعقد البيع على
الكل فوجدنا البعض محرما أن يملك بهذا العقد فكيف يكون له الخيار في أن يأخذ بعض بيعه وفيها
حرام هذا لفظ الشافعي رحمه الله بحروفه وتبعه أصحابه على ذلك القاضي أبو الطيب والقاضي الحسين
والمحاملي والفوراني والشيخ أبو محمد والرافعي والمراني وآخرون كلهم جزموا بالصحة فيما إذا خرجتا
متساويتين قال الشيخ أبو محمد في السلسلة البيع جائز قولا واحدا وأغرب الشاشي فقال في الحلية ان
خرجتا متساويتين وقلنا عند التفاضل يبطل فههنا وجهان (أحدهما) يبطل قال وليس بشئ وينبغي
240

أن يتوقف في اثبات هذا الخلاف في متابع فانى أخشى أن يكون حصل في ذلك وهم وانتقال من
الفرع الذي سيأتي إذا تقابضا مجازفة وتفريقا ثم تكايلا وخرجتا سواء فهناك وجهان والله أعلم * وقد
يستشكل الجزم بالصحة في ذلك فان العلم بالمماثلة حالة العقد لم يوجد وهو شرط كما تقدم وحصول العلم
في المجلس لا يكفي عندنا بدليل ما لو تبايعا جزافا ثم ظهر التساوي في المجلس لا يكفي وان تخيل متخيل
أن المقصود مقابلة كل صاع بصاع لا مقابلة المجموع بالمجموع فذلك باطل بل المقابلتان مقصودتان
وانطباق الجملة على التفصيل غير معلوم عند العقد فيندرج تحت قوله صلى الله عليه وسلم لاتباع الصبرة من الطعام
241

بالصبرة من الطعام) ونهيه عن بيع الصبرة من التمر لا تعلم بكيلها وقد يعتذر عنه بأنه لما كانت المكايلة
هنا مشترطة واجبة على البائع اكتفى بها وفارق بذلك التبايع جزافا فأن الكيل ليس واجبا فيه بحكم
العقد فبطل وهذا العذر لا يفيد قوله وإن خرجتا متفاضلتين فقولان كما تقدم في ذلك كلام الشافعي وقد
رجح رضي الله عنه في كلامه الذي تقدم القول بالبطلان ولذلك قال البندنيجي فيما حكى عنه أنه المذهب
وصححه البغوي في التهذيب وخالف ابن أبي عصرون فصحح في الانتصار وجزم في المرشد والأحكام المختارة
242

بالصحة فيما تساويا فيه والمشهور البطلان وعلله البغوي بأنه قابل الجملة بالجملة وهما متفاوتتان وكلام
الشافعي رحمه الله المتقدم يرشد إلى هذه العلة وفى المطلب أن المأخذ في ذلك النظر إلى عدم الصحة
فيما إذا باع صبرة أو قفيزا وأن القائل الآخر ينظر إلى أن ذلك لم يقع مقصودا وقال إن هذا أشبه من
المأخذ الذي ذكره البغوي لأنه لا مقابلة مع اشتراط كيل بكيل وما قاله ممنوع مخالف لكلام
الشافعي فأن المقابلة حاصلة * واعلم أن كلام الشافعي وما ذكره من العلة كالصريح في أنه بنى ذلك على
قوله المعروف في منع تفريق الصفقة وهو الذي قال الربيع في كتاب الصلح من الام أنه الذي يذهب
إليه الشافعي ولكنه لو قلنا بأن الصفقة تفرق لم يطرد ذلك هنا لأنه لا جريان له في الربويات ألا ترى
243

انه لو باع درهما بدرهمين لم نقل بصحته في درهم مشاعا ولو قلنا بأنه يخير بكل الثمن وهذا أحد
ما يستدل به لمنع تفريق الصفقة والضابط فيما يجرى فيه خلاف تفريق الصفقة أن يكون الفساد تخلل
في بعض المعقود عليه والفساد في الربويات إنما كان تخلل في العقد نفسه وكون هذه المقابلة محظورة
من الشارع ونسبة ذلك إلى كل من اجزاء المبيع على السواء واجزاء كل من العوضين صالحة لا يراد العقد
عليها وكل منهما مستجمع شرائط البيع فلذلك لم يمكن القول بتفريق الصفقة فيه وفسد في الجميع
244

قولا واحدا بخلاف المسائل التي يجرى فيها خلاف تفريق الصفقة فأن بعض المعقود عليه فيها لم يستجمع
شرائط البيع من حيث (1) فأمكن القول بالابطال فيه وتصحيح غيره والحاصل أن الحرام في صور
تفريق الصفقة هو أحد الجزءين والهيأة الاجتماعية إنما حرمت لاشتمالها عليه فإذا فرض الابطال زال
المقتضى لتحريمها وعقود الربا بالعكس من ذلك فان المحرم فيها ليس واحدا من الجزءين وإنما المحرم
الهيأة الاجتماعية ونسبتها إلى كل الاجزاء على السواء ولذلك بطل في الجميع (فان قلت) قول الشافعي

(1) كذا بالأصل
245

رضي الله عنه بأنه وقع العقد على شئ بعضه حرام وبعضه حلال يخالف ما بطل في الجميع (قلت)
ظاهره ذلك ولكن من تأمله إلى آخره علم ما قلته فإنه فرق بين الربوي وغيره وذلك الوصف مشترك
بينهما فكان تأويل كلامه وحمله على ما قلته غير ممتنع للنظر وإن كان فيه بعض تعسف وقول الشافعي
إنما يكون له الخيار فيما نقص لا فيما لا ربا في زيادة بعضه على بعض إلى آخره يؤيده إذا باعه صبرة بعشرة دارهم
مثلا كل صاع بدرهم وخرجت ناقصة عن العشرة فههنا يمكن أن يقال إنه يصح في الصبرة بجميع
العشرة لأنه لا ربا فيها ويثبت له الخيار وفيه مخالفة لما صححه صاحب التهذيب هناك فإنه صحح انها
246

متى خرجت ناقصة أو زائدة ببطلان البيع وعلله بأنه باع جملة الصبرة بعشرة وشرط مقابلة كل صاع
منها بدرهم والجمع بينهما عند الزيادة والنقصان ممتنع وهذه العلة مطردة في مسألتنا أيضا لكن
لا حاجة إليها لما تقدم وقد اتفقت طريقة الأصحاب على حكاية هذين القولين وفى تعليق الطبري
عن أبي هريرة قال وقد قيل إنه إنما يكون البيع جائزا إذا كان ليس مما لا ربا فيه مثل الحمص وما
أشبهه فاما ما فيه الربا فإنه قول واحد البيع باطل لأنه بيع الطعام متفاضلا *
(التفريع) ان قلنا بالصحة فيما تساويا فيه فيثبت للذي باع الصبرة الناقصة وهو مشترى
الناقصة وهو مشترى الصبرة الكثيرة الخيار كما نص عليه الشافعي والأصحاب لما ذكره المصنف
قال في المطلب وفيه نظر من جهة أن مقابلة الشئ بمثله مقصود بالعقد فلم يغب عليه شئ وهذا النظر
ضعيف لأن فيه إحالة لتصوير المسألة فان صورتها أن تقع مقابلة الجملة بالجملة ولكن المماثلة مظنونة
فإذا فاتت المماثلة بطل الخيار وممن وافقنا على هذه المسألة والصحة عند التساوي وثبوت الخيار عند
ظهور التفاضل الحنابلة *
247

(فرع) لو تفرقا بعد تقابض الجملتين وقبل الكيل في المكيل والوزن في الموزون فهل يبطل
العقد فيه وجهان في الإبانة والنهاية وغيرهما ونسبهما الروياني إلى القفال (أصحهما) على ما قاله البغوي في
التهذيب والرافعي لا لوجود التقابض في المجلس (والثاني) نعم لبقاء العلقة بينهما وقال ابن الرفعة انه الأشبه
قال لأنه يجوز أن يقال إن القبض جزافا في هذه لا يصح فقد تفرقا قبل التقابض (قلت) وقد بناهما
الشيخ أبو محمد في السلسلة على هذه الصفة هل يصح أم لا وفيه وجهان وإذ نظرنا إلى هذا الأصل
قوى القول ببطلان العقد لأن الشافعي وسائر الأصحاب المتقدمين والمتأخرين بل والشافعي بل وسائر
العلماء جازمون بأن القبض فيما يباع مكايلة لابد فيه من الكيل وقال الشافعي رضي الله عنه في
الام ومن ابتاع طعاما كيلا فقبضه (ان يكتاله) له وقال في مختصر البويطي في باب الصرف
والقبض من البيوع كل ما كان ينتقل مثل الصيد والعروض أو يوزن ويكال فقبضه الكيل والانتقال
248

والوزن وقال في مختصر المزني ولو أعطى طعاما فصدقة في كيله لم يجز ونقل ابن عبد البر في التمهيد
أنه لا خلاف بين جماعة العلماء في أنه لا يكون ما بيع من الطعام على الكيل والوزن مقبوضا إلا كيلا
أو وزنا وأطلق الأصحاب ومن جملتهم الرافعي أن ذلك القبض فاسد وذكر المصنف المسألة في باب السلم
وجزم أنه إذا اشترى منه طعاما بالكيل فدفع إليه الطعام من غير كيل لم يصح القبض وحكي الرافعي
في باب بيع الثمار أنه لو اشترى طعاما مكايلة وقبضه جزافا فهلك في يده ففي انفساخ العقد وجهان لبقاء
الكيل بينهما لكنه في باب القبض أطلق القول بأنه يدخل في ضمانه واقتصر على حكاية الخلاف
في كونه مسلطا على التصرف في القدر المستحق فأبو إسحاق المروزي انه يصح قال في البحر وهذا
أقيس وقال ابن أبي هريرة لا يصح وادعى المصنف في باب السلم وأبو الطيب هنا أنه المنصوص وقال
إمام الحرمين انه الذي قطع به شيخه وطوائف من الأصحاب وقال الرافعي إن الجمهور عليه ورد الشيخ
أبو حامد والمحاملي ذلك على ابن أبي هريرة وقالا وغيرهما من الأصحاب ان المراد بفساد القبض ههنا
أن القول قول القابض في مقداره قال امام الحرمين وهذا ليس محملا واضحا قال وإنما يستمر اطلاق الفساد ممن
يمنع التصرف من القدر المستيقن وسنوضح المسألة إن شاء الله تعالى في السلم حيث ذكرها المصنف والمقصود هنا أن
249

الرافعي من القائلين بعدم صحة التصرف وذلك يقتضى عدم اعتباره القبض المذكور فينبغي على قياس
ذلك أن لا يعتبره في الصرف ويبطل العقد بالتفرق ولا يكتفى بصورة القبض وإن كان معتبرا من وجه
كونه ناقلا للضمان على إشكاله لكن باب الربا يجب الاحتياط فيه وأن لا يكتفي الا بما هو قبض
تام ويعضده مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم (لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شئ) فاقتضى اشتراط أن
لا يبقى شئ من العلق ومن جملة ذلك الكيل وقد أجاز الإمام فبنى الوجهين في
بطلان العقد بالتفرق المذكور على الخلاف المذكور في أن التقابض على المجازفة هل يسلط
على بيع ما أستتبعته (ان قلنا) نعم لم يبطل العقد والا فوجهان (أحدهما) يبطل لنقصان القبض
(والثاني) لا لجريانه واقتضائه نقل الضمان وسبقه إلى ذلك الشيخ أبو محمد فقال الوجهان
يبنيان على أصل وهو أن القبض على هذه الصفة من غير مكايلة هل يكون قبضا
250

صحيحا في انبرام العقد أم لا فعلى وجهين (أحدهما) صحيح لانتقال الضمان (والثاني) لا لعدم التصرف
(فان قلت) كيف يقال إن القبض المذكور لا يكفي وقد قال صاحب البيان إن الشافعي قال في الصرف
إذا اشترى دينارا بدينار وتقابضا ومضى كل منهما يستعير الدينار الذي قبضه بالوزن جاز ونزله صاحب
البيان على أن يكون كل واحد منهما عرف وزن الدينار فصدقه الآخر وتقابضا ويقتضي أن لا يبطل
العقد بالتفرق حينئذ فيدل على أن القبض المذكور كاف كما قال الرافعي رحمه الله (قلت) قد تقدم الكلام
مع صحاب البيان في ذلك وتأويل كلام الشافعي فتأمله هناك في الفروع السالفة أولا والله أعلم *
ثم اعلم أن القبض من غير كيل له صورتان (إحداهما) أن يحصل مع اعتقاد المماثلة اعتمادا على خبر
من يوثق به من أحد المتعاقدين أو غيره. (والثاني) أن يحصل التقابض بالجزاف مع الجهل والتردد (فاما)
هذه الصورة الثانية فيظهر فيها الحكم بفساد القبض وأن التفرق بعده قبل جريان قبض صحيح مبطل
لبقاء علق العقد ولا يتحقق به بيع لازم في صبرة بصبرة لا يعلمان كيلهما وذلك مصادم لحديث (وأما)
الصورة الأولى فوجه الحكم بفساد القبض فيها أن الاكتيال مستحق بالعقد لقوله صلى الله عليه وسلم (من ابتاع
طعاما فلا يبيعه حتى يكتاله) رواه مسلم من حديث ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم وعن ابن
عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه) رواه
251

أبو داود والنسائي ولان البائع شرط الكيل فيجب عليه الوفاء به على أن الشيخ أبا حامد في شرح
قول الشافعي إذا أعطاه طعاما فصدقه في كيله صور المسألة فيما إذا كان في الذمة أو اشتراه
مشاعا من صبرة فعزل الذي عليه الطعام قدرا وقال قد كلت هذا والحكم بعد الاكتفاء بذلك ظاهر
وعليه يخرج ما نقلته فيه مما تقدم من موافقة صاحب البيان لكن القاضي أبا الطيب وصاحب الشامل
جعلوا من صور المسألة إذا اشترى منه طعاما يعينه بكيل معلوم مثل أن يبيعه صبرة على أنها عشرة أقفزة ثم قبضه منه
جزافا إن قال له قد كلته أو هو عشرة أقفزة فقبل قوله وقبضة فان القبض فاسد قال لأن من شرطه الكيل لما قدمنا من
السنة يريد بذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان (إذا ابتعت فاكتل وإذا بعت فكل) رواه البيهقي وقول جابر من رواية ابن
الزبير (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشترى) ولولا
الأحاديث المذكورة كان تقوى الفرق بين أن يكون الطعام في الذمة فلا يكتفى بالقبض المذكور
وبين أن يكون معينا فيكتفى به لكن السنة أحق بالاتباع لا سيما وقد عضدها الاجماع الذي يقتضي
252

كلام ابن عبد البر نقله مع أن السنة غنية عن الاعتضاد بغيرها ومهما ثبت في الطعام ثبت مثله في
النقد بالقياس عليه فان التقدير فيهما فظهر من هذا ان الراجح فساد القبض المذكور في هذه
المسألة وفي الفرع المتقدم عن صاحب البيان في بيع الدينار بالدينار وأنه لا يكتفى بذلك القبض
وأنه يبطل العقد بالتفرق قبل الكيل والوزن والله سبحانه أعلم * ولا بد من مراجعة ما قدمته في
بيع الدينار بالدينار في الفرع المذكور فيهما حتى يحصل الغرض من هذه المسألة إن شاء الله تعالى *
(فرع) على هذا الفرع إذا قلنا بما صححه صاحب التهذيب والرافعي انه لا يبطل العقد بذلك
فعلى هذا إن كيلتا بعد ذلك فخرجتا متساويتين صح وإن خرجتا متفاضلتين جرى الخلاف المذكور
في أصل المسألة فعلى الصحيح من ذلك الخلاف يتبين بطلان العقد والقبض وعلى القول الآخر
يصح ويثبت الخيار (وإن قلنا) بالوجه الآخر وهو أنه يبطل فلا فرق على ذلك بين أن يكالا بعد
ذلك فيخرجا متساويتين أو متفاضلتين وسلك القاضي حسين وصاحب التتمة ترتيبا آخر ليس بينة
253

وبين ما تقدم اختلاف فقال إذا تقابضا جزافا ثم تكايلا بعد التفرق فان خرجتا متفاوتتين هل يجوز
في القدر الذي تساويا فيه أم لا فيه قولان وقال صاحب التتمة وجهان إن قلنا لا يجوز فلأي معنى فيه
معنيان (أحدهما) أنهما تفرقا وبقى بينهما علقة التقابض والباب باب ربا (والثاني) لوجود الفضل في
أحد البدلين وإن خرجتا متساويتين (فان قلنا) لو خرجتا متفاوتتين يجوز فههنا أولى وان قلنا هناك
لا يجوز فهنا وجهان بناء على المعنيين (إن قلنا) المعني فيه بقاء العلقة لم يجز (وإن قلنا) بالثاني جاز
وذكر القاضي أن القولين فيما إذا خرجتا متفاوتتين قبل التفرق يبنيان على هذين المعنين وليس في
هذا زيادة على ما تقدم إلا حسن الترتيب والبناء والله سبحانه وتعالى أعلم *
(فرع) قال القاضي حسين إذا كانت الصبرتان معلومتي المقدار متساويتين في القدر فقال
(أحدهما) لصاحبه بعت منك هذه الصبرة بهذه الصبرة فإنه يجوز قلت ولا يحتاج في هذه الحالة في
قبضها إلى كيل بل حكمه في القبض حكم الجزاف لأنه لم يشترط فيه الكيل والكيل إنما يشترط
254

فيما بيع مكايلة لا أعلم في ذلك خلافا بين (1) في المسألتين انه يشترط (2) فيما بيع (3) ولا يشترط
فيما بيع مجازفة قال القاضي أبو الطيب فاما إذا اشتراه جزافا فلا يحتاج إلى الكيل بالاجماع وما ذكره
القاضي حسين من هذه المسألة واضح لا اشكال فيه وقد نقل الإمام الشافعي في الام بسنده إلى
طاووس انه أن يكره أن تباع صبرة بصبرة من طعام لا يعرف مكيلهما أو يعلم مكيلة إحديهما ولا يعلم
مكيلة الأخرى أو يعلم مكيلتهما جميعا هذه بهذه وهذه بهذه قال لا الا كيلا بكيل يدا بيد فهذا
يقتضى أن طاووسا يقول بالمنع في الصورة المذكورة وينبغي أن يحمل كلام القاضي حسين على أن
الصبرتين معلومتا المقدار عند كل من المتبايعين فلو كانت كل واحدة منهما معلومة عند بائعها فقط
جاء فيه البحث المتقدم في الدينارين والأحوال الأربعة التي قدمتها في الدينارين جارية في الصبرتين
من غير فرق *
255

(فرع) إذا قال بعتك هذه الصبرة بكيلها من صبرتك وصبرة المخاطب كبيرة صح جزم بذلك
القاضي حسين والبغوي والمتولي والرافعي وزاد القاضي في تصويرها أن يقول كيلا بكيل وقال ابن
الرفعة أنه يأتي فيه وجه أنه لا يصح أخذ مما إذا قال بعتك صاعا من هذه الصبرة لأن المقابل بالصبرة
الصغيرة متميز قال وهذا لا شك عندي فيه إذ لا فرق بين أن يكون الثمن نقدا أو من النوع
(قلت) وما جزم به القاضي والمتولي والرافعي يمكن فرضه فيما إذا كانت الصبرتان معلومتي المقدار فلا
يأتي فيهما الوجه الذي أشار إليه وان فرض فيما إذا كانت مجهولة فلعلهم إنما سكتوا عن ذلك تفريعا
على ما هو المشهور في المهذب واكتفوا بذكره في موضعه والا فالذي قاله ابن الرفعة من التخريج متجه
إذ لا فرق بين النقد وغيره ولا فرق بين أن يكون الصاع من الصبرة مبيعا أو ثمنا وإذا ثبت أن ذلك
صحيح قال الرافعي فان كالا في المجلس وتقابضا تم العقد وما زادت الكبيرة لصاحبها وان تقابضا
الجملتين وتفرقا قبل الكيل فعلى ما سبق من الوجهين والله عز وجل أعلم * ومن جملة أمثلة المسألة أن
يقول بعتك هذه القطعة الذهب بقدرها من دينارك أو هذا الاناء الفضة بما يوازنه من فضتك يصح
قاله في التهذيب *
256

(فرع) له تعلق بالكيل قال ابن أبي الدم لو اشترى منه بمكيال فاكتاله بغير جنس
ذلك المكيال لم يجز مثل أن يشترى منه مائة صاع من طعام فاكتاله بالقفيز لم يتم القبض فلو اشترى
منه قفيزا من طعام فاكاله منه بالمكول الذي هو ربع القفيز ففيه وجهان وهكذا لو اكتال الصاع
بالمد ففيه وجهان اه‍ *
(فرع) لو باع صاعا من صبرة بصاع من صبرة أخرى جاز قاله في الإبانة والتتمة وفيه من البحث
ما تقدم ينبغي إن كانتا معلومتي الصيعان صح جزما وإن كانتا مجهولتين يأتي فيهما خلاف القفال الذي أشار
إليه ابن الرفعة فيما تقدم والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(وإن باع صبرة طعام بصبرة شعير كيلا بكيل فخرجتا متساويتين جاز وإن خرجتا
متفاضلتين فان رضى صاحب الصبرة الزائدة بتسليم الزيادة أقر العقد ووجب على الآخر قبوله لأنه
257

ملك الجميع بالعقد وان رضى صاحب الصبرة الناقصة بقدر صبرته من الصبرة الزائدة أقر العقد وان
تشاحا فسخ البيع لأن كل واحد منهما باع صبرته بجميع صبرة صاحبه على التساوي في المقدار وقد
تعذر ذلك ففسخ العقد) *
(الشرح) إذا باع صبرة بصبرة من غير جنسها مكايلة جاز البيع بلا خلاف وذلك واضح
وان خرجتا متفاضلتين قال القاضي أبو الطيب والمصنف والمحاملي وابن الصباغ والروياني وغيرهم ان
تبرع صاحب الصبرة الزائدة بالزيادة جاز البيع قال المصنف رحمه الله ومن تبعه ووجب
على الآخر قبوله وعلته ما ذكره المصنف وهي مصرحة بأنه ملك الجميع بالعقد وذلك لأن العقد ورد
على الجميع كما تقدم التنبيه عليه غير مرة ولكنه فات على كل منهما غرض (أما) بائع الصبرة الثانية
فلانه أورد العقد على أن تكون مساوية للصبرة الأخرى وقد فات عليه ذلك وفوات الشرط لا
يقتضى فساد العقد وإنما يثبت الخيار (وأما) الآخر فلظنه أنها تحصل له كاملة وقد أخلف فثبت له الخيار
أيضا ومسامحة كل منهما تحصل لغرض الآخر الذي وقع العقد عليه فيسقط خياره وبهذا المعنى الذي
258

ذكره المصنف وهو انه ملك الجميع بالعقد فارق ذلك مسألة الاعراض النقد فان فيها خلافا في
وجوب القبول ومسألة إذا ترك البائع حقه للمشترى في الثمار المختلطة فان المتروك في كل من المسألتين
ملك البائع فان في كل من المسألتين إذا قلنا بالاجبار على القبول أجبرناه على قبول ما لم يكن في
ملكه بخلاف مسألتا هنا والله أعلم * وان امتنع ورضى صاحب الصبرة الناقصة بان يأخذ بقدرها
من الصبرة الزائدة جاز البيع لما تقدم وان تمانعا فسخ البيع بينهما لا لأجل الربا ولكن لأن كل
واحد منهما باع صبرته بجميع صبرة صاحبه على أنهما سواء في المقدار فإذا تفاضلا وتمانعا وجب
فسخ البيع بينهما هذه علة القاضي أبى الطيب والمصنف ومقتضى ما قدمته آنفا أن يثبت لكل
منهما خيار الخلف فأن فسخ أحدهما البيع فذاك وان أصرا على الطلب والمنازعة فسخ بينهما كما
يفسخ في التخالف وقال صاحب التهذيب فيما إذا خرجتا متفاضلتين فيه قولان (أصحهما) يجوز فان
259

جوزناه فالزيادة غير مبيعة ولمشتريها الخيار هكذا قال صاحب التهذيب وذلك موافق لما قاله فيما
إذا قال بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم كل صاع بدرهم فخرجت بخلافه والرافعي رحمه الله
تعالى أتى بعبارة مشكلة فقال إنه لو باع صبرة حنطة بصبرة شعير صاعا بصاع أو بصاعين فالحكم
كما لو كانتا من جنس واحد ومقتضى ذلك أنه إن خرجتا متساويتين صح وان خرجتا على خلاف
ما يقتضيه التوزيع فعلى القولين المتقدمين في الجنس الواحد وفيه نظر فان البطلان هناك مأخذه
التفاضل في الجنس الواحد ولعل مراده ما قاله صاحب التهذيب بالقولين وأنه ناقل الجملة كما تقدم
عن صاحب التهذيب فيما إذا قال بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم كل صاع بدرهم فان فيه قولين
(أصحهما) عند صاحب التهذيب البطلان لأنه باع جملة الصبرة بالعشرة بشرط مقابلة كل صاع
منها بدرهم والجمع بين هذين الامرين عند الزيادة والنقصان محال وهذا حاصل ههنا ولا يظهر فرق
في ذلك بين أن يكون الدين معينا أو في الذمة ولا بين أن يكون نقدا أو غيره وهذه العلة التي
جعلها صاحب التهذيب علة للبطلان هي بعينها علة المصنف والقاضي أبى الطيب في الفسخ والذي
260

ينبغي التفصيل بين أن يقع ذكر الكل في معرض الشرط أو في معرض تفصيل الثمن فان خرج
مخرج تفصيل الثمن كقوله بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة كل صاع منها بصاع منها فهذا تفصيل
الثمن والصفقة تتعدد به فيكون الكلام متضمنا لعقدين متضادين (أحدهما) مقابلة المجموع بالمجموع
(والثاني) المقابلة التفصيلية فيتجه هنا البطلان كما قال صاحب التهذيب وان خرج مخرج الشرط
مثل أن يقول بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة على أن كلا منهما عشرة آصع مثلا فيتجه هنا ما قاله
المصنف والقاضي أبو الطيب لأنه ليس هنا الا صفقة تضمنت شرطا وقد أخلف فيثبت الخيار كما
تقدم وفيه نبه النووي على ذلك مستدركا على الرافعي فنقل ما قاله المصنف والقاضي عن أكثر
أصحابنا وأما كونه يفسخ بينهما عند المشائخ فنظيره ما إذا اشترى ثمرة ولم يأخذها حتى حدثت
ثمرة أخرى واختلطت ولم تتميز على أحد القولين إذا تشاحا يفسخ الحاكم البيع بينهما *
(فرع) ذكره القاضي حسين مع المسائل المتقدمة وأطلقه ويتعين ذكره هنا وحمله على الجنس
بما يخالفه إذا قال بعت منك هذه الصبرة بهذه الصبرة على أنها عشرة أقفزة فخرجت عشرة أقفزة جاز العقد وان
261

خرجت أحد عشر هل يجوز العقد أو لا فيه قولان بناء على الإشارة والعبارة (ان قلنا) لا يصح فلا كلام
(وان قلنا) يصح في العشرة فالقدر الزائد لمن يكون فيه وجهان (أحدهما) أنه للمشترى لأنا غلبنا الإشارة
(والثاني) أنه للبائع لأن المشترى قد سلم له المبيع المسمى في العقد (إن قلنا) ان الزيادة للمشترى
فهل يثبت للبائع الخيار في فسخ البيع أو لا (الصحيح) لا لوجود التفريط من جهته في ترك المكايلة
وفيه وجه آخر أن له الخيار (وان قلنا) الزيادة للبائع فهل للمشترى الخيار فيه وجهان ظاهران
(أحدهما) نعم لأنه لم يسلم له جميع الصبرة (والثاني) لا لأنه سلم له ما صرح به في العقد وهو عشرة
أقفزة فأما إذا خرجت تسعة ففي صحة العقد قولان (ان قلنا) يصح ثبت للمشترى الخيار في فسخ
العقد دون البائع فان فسخ فلا كلام وان أجاز فبكم يجيز فيه وجهان (أحدهما) بحصته من الثمن
(والثاني) بجميع الثمن هذا كلام القاضي الحسين والله أعلم *
262

(فرع) مفهوم كلام الشافعي رضي الله عنه المتقدم وقوله إنما يكون الخيار فيما نقص
فميا لا ربا فيه يقتضى أنه إذا باع صبرة بغير جنسها سواء كان طعاما أو دراهم أو غير ذلك مكايلة فخرجت
إحداهما ناقصة أنه يصح ويثبت الخيار وذلك مخالف لما صححه صاحب التهذيب من البطلان إذا قال
بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم كل صاع بدرهم فخرجت ناقصة أو زائدة والله أعلم *
(فرع) لو باع اناء فضة بدينار على أن وزنه مائة فتفرقا وكان وزنه تسعين قال الروياني في
البحر فللمشتري الخيار قال وإن كان زائدا فلا خيار له وهل للبائع الخيار إذا قال عندي أن الوزن مائة فأن كذبه
المشترى وكان عالما به فلا خيار وأن صدقه يحتمل وجهين وان باعه وأخبر أن وزنه مائة لا على طريق
الشرط فزاد أو نقص فلا خيار *
* قال المصنف رحمه الله *
(ويعتبر التساوي فيما يكال ويوزن بكيل الحجاز ووزنه لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (المكيال
مكيال أهل المدينة والميزان ميزان أهل مكة)) *
(الشرح) الحديث المذكور رواه أبو داود والنسائي ولفظ أبى داود (الوزن وزن أهل
مكة والمكيال مكيال أهل المدينة) ولفظ النسائي (المكيال على مكيال أهل المدينة والوزن على وزن
أهل مكة) رواه من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه
وسلم وذكر أبو داود اختلافا في سنده ومتنه (أما) السند فقيل فيه عن ابن عباس عن النبي صلى
الله عليه وسلم وهذا لا يضر فإنه أيا ما كان فهو صحابي (واما) المتن فإنه رواه باللفظ
263

المتقدم من حديث سفيان عن حنظلة عن طاوس عن ابن عمر قال ورواه الوليد بن مسلم عن
حنظلة قال (وزن المدينة ومكيال مكة) قال أبو داود أيضا واختلف في المتن في حديث مالك بن دينار
عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكره أبو عبيد في غريب الحديث فقال وبعضهم يقول (الميزان ميزان
المدينة والمكيال مكيال مكة) قال أبو عبيد يقال إن هذا الحديث أصل لكل شئ والكيل
والوزن إنما يأتم الناس فيهما باهل مكة وأهل المدينة وان تغير ذلك في سائر الأمصار قال الخطابي لي
هذا حديث قد تكلم فيه بعض الناس وتخبط في تأويله وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بهذا القول تعديل الموازين
والأرطال والمكاييل وجعل عيارها أوزان أهل مكة ومكاييل أهل المدينة فيكون عند الشارع
حكما بين الناس يحملون عليها إذا تداعوا فادعى بعضهم وزنا أو في مكيالا أكبر وادعى الخصم أن الذي
لزمه هو الأصغر منهما دون الأكبر قال وهذا تأويل فاسد خارج عما عليه أقاويل أكثر الفقهاء
وذلك أن من أقر لرجل بمكيلة بر أو بغيره أو برطل من تمر أو غيره فاختلفا في قدر المكيلة والرطل
فإنهما يحملان على عرف البلد وعادة الناس في أوزان البلد الذي هو به ولا يكلف أن يعطى
برطل مكة ولا بمكيال المدينة وكذلك إذا أسلف في عشرة مكاييل قمح أو شعير
وليس هناك إلا مكيلة واحدة معروفة فأنهما يحملان عليها فأن كان هناك مكاييل مختلفة فأسلفه
في عشر مكاييل ولم يصف الكيل بصفة يتميز بها عن غيره فالسلم فاسد وعليه رد الثمن وإنما جاء الحديث
264

في نوع ما يتعلق به أحكام الشريعة في حقوق الله سبحانه وتعالى دون ما يتعامل به الناس في بياعاتهم وأمور
معاشهم (وقوله) والوزن وزن أهل مكة يريدون الذهب والفضة خصوصا دون سائر الأوزان معناه ان الوزن الذي
تتعلق به الزكاة في النقود دون أهل مكة وهي دراهم الاسلام المعدلة منها العشرة بسبعة مثاقيل فإذا ملك رجل منها
مائتي درهم وجبت فيها الزكاة وذلك أن الدراهم مختلفة الأوزان في بعض البلدان والا ماكن فمنها البغلي ومنها
الطبري ومنها الخوارزمي وأنواع غيرها فالبغلي ثمانية دوانيق والطبري أربعة دوانيق وهو نقد أهل مكة ووزنهم
الجائز بينهم وكان أهل مكة يتعاملون بالدراهم عددا وقت مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها والدليل عليه
قول عائشة رضي الله عنها في قصة بريرة (إن شئت أعدها لهم) فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى الوزن فيها وجعل
العيار وزن أهل مكة دون ما يتفاوت وزنه فيها في سائر البلدان وأطال الخطابي في تحقيق الدراهم
وضربها ثم قال (وأما) قوله والمكيال مكيال أهل المدينة فإنما هو الصاع الذي يتعلق به وجوب
265

الكفارات ويجب إخراج صدقة الفطر به وتكون بقدر النفقات وما في معناها معيار وللناس صيعان
مختلفة فصاع أهل الحجاز خمسة أرطال وثلث بالعراقي وصاع أهل البيت فيما يذكره زعماء الشيعة تسعة
أرطال وثلث وينسبونه إلى جعفر بن محمد وصاع أهل العراق ثمانية أرطال وهو صاع الحجاج الذي
سعر به على أهل الأسواق ولما ولى خالد بن عبد الله القسري العراق ضاعف الصاع فبلغ به ستة عشر
رطلا فإذا جاء باب المعاملات حملنا العراقي على الصاع المتعارف المشهور عند أهل بلاده والحجازي على
الصاع المعروف ببلاد الحجاز وكذلك أهل كل بلد على عرف أهله فإذا جاءت الشريعة وأحكامها
فهو صاع المدينة فهو معنى الحديث وتوجيهه عندي والله أعلم * هذا آخر كلام الخطابي رحمه الله وكذلك
قال ابن معن في شرح المهذب إن هذا الذي ذكره الشيخ يحتاج إلى تأويل إذ لا خلاف أن التساوي لا
ينحصر في الكيل بمكيال المدينة ولا التساوي بميزان مكة في الموزونات والمكيلات في سائر البلاد بل أي كيل
266

اتفقا عليه أو ميزان اتفقا عليه وعرف التساوي جاز البيع وان لم يكن ميزان مكة أو كيل المدينة
وكذلك قال إمام الحرمين انه لا خلاف أن اعتبار مكاييل أهل المدينة وموازين أهل مكة لا
تراعي وقال الشارحون للمهذب والأصحاب إنه ليس المراد أنه لا يكال إلا بكيل المدينة ولا يوزن إلا بوزن
مكة وإنما المراد أن المرجع في كون الشئ مكيلا أو موزونا إلى هذين البلدين فكل مطعوم
كان أصله بالحجاز في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الكيل كالبر والشعير والتمر والملح واللوبية والباقلا قالهما
267

صاحب الاستقصاء ونحو ذلك فاعتبار المماثلة فيه بالكيل وما كان أصله بالحجاز الوزن كالذهب
والفضة ونحوهما فاعتبار المماثلة فيه بالوزن قال الشافعي رحمه الله تعالى في باب بيع الآجال من الام
وأصل الوزن والكيل بالحجاز فكل ما وزن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأصله الوزن وكل ما كيل فأصله
الكيل وما أحدث الناس منه مما يخالف ذلك رد إلى الأصل واتفق الأصحاب على ما قاله الشافعي
رحمه الله وإنه إن أحدث الناس خلاف ذلك فلا اعتبار به واستدل له الشيخ أبو حامد والمصنف
268

وغيرهما بالحديث المذكور في الكتاب واحتج له ابن الصباغ وابن أبي عصرون من جهة المعنى بأن
ما كان مكيلا منه في زمنه صلى الله عليه وسلم انصرف التحريم إليه بتفاضل الكيل وكذلك ما كان يوزن
فلا يجوز أن يغير بعد ذلك والحديث وان لم يذكر فيه إلا مكة والمدينة فلا خلاف انه لا يختص بهما
بل الحجاز كله كذلك وأطلق الشافعي والأصحاب ذلك اطلاقا وذكره صاحب البيان وإسماعيل
الحصري شارح المهذب مبينا فقالا مكة والمدينة ومخالفيها وقال صاحب الاستقصاء تبعا للشيخ أبى
269

حامد والمحاملي وغيرهما وذكر مكيال أحد البلدين وميزان الآخر على سبيل التنبيه بما ذكر في
كل واحد منهما على ما لم يذكره في البلد الآخر ولذلك جاء الخبر على الوجهين يعني الوجهين اللذين
ذكرهما أبو داود في المتن في رواية (وزن مكة ومكيال المدينة) وفى رواية (وزن المدينة ومكيال مكة)
وقد سبقه إلى هذا المعنى الشيخ أبو حامد قال فأن ذلك لم يختلف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلدين
جميعا فإن كانت تكال كانت العادة فيهما الكيل وكذلك الوزن ومما استدل به المحاملي في
270

المسألة أن ما ورد به الشرع مطلقا وليس له حد في الشرع ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف والعادة
وأوالي العادات ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم وهذه الطريقة أولى فأن الذي يظهر من قوله (الميزان ميزان أهل
مكة) اعتبار الوزن * واعلم أنه ليس في كلام المصنف ما يقتضى أن يعتبر الاكتيال بمكيال الحجاز
بل أنه يعتبر التساوي به ومتى تساوى طعامان في مكيال أي مكيال كان فعلم استواؤهما في مكيال الحجاز
بمعنى أنه لو كيلا به كانا مستويين وكذلك إذا استوى موزونان في أي ميزان كان فعلم أنهما
271

لو وزنا بميزان الحجاز كانا مستويين فهذا وجه تصحيح كلام المصنف وتكون فائدة ذلك نفى
فساد المكيل في الوزن أو الموزون في الكيل ان أردت دفع السؤال مرة فاجعل قوله بكيل
الحجاز ووزنه معمولا لقوله ويكال ويوزن كأنه قال ويعتبر التساوي المذكور في الفصل المتقدم وهو
التساوي في الكيل في المكيل والوزن في الموزون فيما هو مكيل بالحجاز أو موزون به وأما ما
ليس مكيلا بالحجاز ولا موزونا به فسيأتي حكمه فهذا محمل سائغ ويؤيده أنه لو كان المراد ويعتبر
272

التساوي بكيل الحجاز ووزنه فيما يكال ويوزن مطلقا لم يحسن قوله بعد ذلك وإن كان مما
لا أصل له بالحجاز في الكيل والوزن وجوز إمام الحرمين في حمل الحديث احتمالين (أحدهما)
ما قاله الخطابي (والثاني) أنه لعل اتحاد المكاييل كان يعم في المدينة واتحاد الموازين كان يعم بمكة
فخرج الكلام على العادة (قلت) وكلا الاحتمالين ممكن وما قاله الخطابي أقرب إلى تأسيس القواعد
الشرعية (وأما) انحصاره في الأشياء التي ذكرها فلا يلزم بل من جملة الأمور الشرعية التي يجب
اندراجها فيه كل ما اعتبر الشرع التقدير فيه بالكيل أو الوزن ومن ذلك ما يكال ويوزن من الربويات
فيعتبر به فيصح استدلال الشيخ والمقصود أن يعتبر بعادة الحجاز في الكيل والوزن وأما كون المكيل بالكيل
والموزون بالوزن فقد تقدم دليله في الفصل السابق قال بعضهم والسر في هذا الحديث أن أهل مكة
كانوا تجارا لما فيهم من الأغنياء وأهل المدينة كانوا أصحاب النخيل والكيل وقول الشيخ بكيل
273

الحجاز ووزنه أي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فهو المعتبر وأما العادة الحادثة بالحجاز في غير زمنه صلى الله عليه وسلم
فلا اعتبار بها اتفاقا وقد تقدم ذلك في كلام الشافعي وصرح به من الأصحاب قال إمام الحرمين ولو اتحد
مكيال لم يعهد مثله في عصر الشارع وكان يجري التماثل به فالوجه القطع بجواز رعاية التماثل به فان
النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعبدنا في الحديث الا بالكيل المطلق فيما يكال ولم يعين مكيالا (قلت) وهذا
الذي قاله إمام الحرمين حق لا شك فيه وإذا تأملت ما قدمته لك من أن التساوي في مكيال دال
على التساوي في كل مكيال تنبهت لذلك فافهم ذلك فإنه المقصود وليس المقصود أعيان المكاييل
فانا إذا كلنا صاعا بصاع المدينة وعلمنا أن الصاع يسع قدحين بالكيل المصري علمنا أن الصاع
يساوى القدحين هذا لا شك فيه وكذلك إذا وزنا درهما بدرهم في ميزان بعض البلاد وتساويا يعلم
274

أنها مستويان في جميع الموازين إذا كانت كلها صحيحة قال إمام الحرمين أجمع أئمتنا على أن الدراهم
إذا بيعت بالدراهم وعدلتا بالتساوي في كفتي ميزان فالبيع صحيح وإن كان لا يدرى ما تحويه كل
كفة قال وهذا الذي ذكرته في مكيال يجري العرف باستعماله ولكن لم يعهد في زمن رسول الله
صلى الله عليه وسلم فلو بيع ملء قصعة بملئها وما جرى العرف بالكيل بأمثالها فقد حكى شيخي ترددا عن القفال
والظاهر عندنا الجواز (قلت) هذا الذي رجحه الإمام هو الراجح عن الأصحاب وجزم به جماعة منهم
القاضي أبو الطيب وكذلك يكال بالدلو والدورق والجرة والحفنة والزمبيل وبحفر حفرة يكال فيها
قاله الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وصاحب التتمة والله سبحانه أعلم * ومحل خلاف
القفال في قصعة لم يجر العرف بالكيل بها أما قصعة يعتاد الكيل بها وان لم يكن في عهد الشارع فيجوز
275

جزما كما اقتضاه كلام (1) وابن أبي الدم في كلامه على الوسيط وقال الإمام والرافعي والوزن بالطيار وزن
وان لم يكن له لسان والاستواء يبين فيه بتساوي فرعى الكفتين والوزن بالقرطستون وزن قالا وقد
يتأنى الوزن بالماء بأن يوضع الشئ في ظرف ويكفي على الماء وينظر إلى مقدار غوصه ولكنه ليس
وزنا شرعيا ولا عرفيا والظاهر أنه لا يجوز التعويل عليه في تماثل الربويات قال النووي رحمه الله
قد عول أصحابنا عليه في أداء المسلم فيه وفي الزكاة في مسألة الاناء بعضه ذهب وبعضه فضة قال
ولكن الفرق ظاهر وتوقف ابن الرفعة في الوزن بالطيار لعدم اللسان والله أعلم * وهذه القاعدة
المقررة في هذا الفصل وإن كانت عامة فإنما تنفع فيما سوى الأشياء الستة المنصوص عليها (وأما)
الستة فقد تقدم الفصل السابق حديث عبادة والتنصيص فيه على أن الذهب والفضة موزونان
والأربعة الباقية مكيلة وتقدم تفصيل صاحب التتمة وغيره في الملح والله أعلم *

(1) بياض بالأصل فحرر
276

(فرع) المخالف لنا في هذه المسألة أبو حنيفة رضي الله عنه نقل أصحابنا عنه أن الأربعة
المنصوص عليها مكيلة ولا اعتبار بما أحدثه الناس من بعد فيها وأما ما سوى الأربعة فالاعتبار فيها
بعادة الناس في بلدانهم ولا اعتبار بعادة الحجاز ولا بما كان في ذلك الزمان واستدل الأصحاب
بالحديث المذكور وبالقياس على الأشياء الستة المذكورة في الحديث لو أحدث الناس فيها عادة غير
ما كانت عليه لم يعتبر في بيع بعضها ببعض *
(فرع) عند الماوردي أشياء ادعى فيها أنها كانت في عهده صلى الله عليه وسلم مكيلة (منها) الحبوب
277

والادهان والألبان والتمر والزبيب وما ادعاه سالم له الا في الادهان فيستغرق حكمها عند الكلام على بيع
الشيرج بالشيرج إن شاء الله تعالى وقد عرض لي ههنا بحث من قول الحطابي أن الطبري الذي هو
أربع دوانيق هو وزن أهل مكة (قلت) فعلى هذا ينبغي أن ينزل ما أوجبه الشرع من الزكاة وغيرها
عليه والدرهم اليوم سته دوانيق على ما تقدم وقول النبي صلى الله عليه وسلم (الوزن وزن أهل مكة) ينفى اعتبار
غيره مما كان في ذلك الزمان ومما حدث بعده فما الدليل على اعتبار هذا الدرهم المعدل بين وزن مكة
وغيره الذي ضرب في زمان عبد الملك وعلى هذا يكون النصاب من هذه الدراهم اليوم مائة وثلاثة
278

وثلاثين وثلث وواجبها ثلاثة وثلث وإنما بوزن أهل مكة مائتان والمخرج خمسة فإن كان كذلك
فهذه الدراهم المغشوشة اليوم كل مائتين منها يجب فيها الزكاة لأن فيها من الخالص هذا المقدار الا
أن يقال ما قاله الخطابي عن أبي عبيد انهم كانوا يتعاملون بالبغلية والطبرية نصفين مائة بغلية ومائة
طبرية فكان في مائتين الزكاة لكنا نقول مجرد المعاملة لا يكفي إلا أن يكون متعارفا في مكة التي
اعتبر الشرع وزنها على الخصوص على أن الخطابي قدم في أول كلامه ما يقتضى أن وزن مكة موافق
للوزن الذي هو اليوم *
(فرع) فيما هو مكيل وما هو موزون * الذهب والفضة موزونان بالنص والقمح والشعير
مكيلان بالنص والملح مكيل بالنص إلا أن الأصحاب استثنوا ما إذا كان قطعا كبارا فإنه موزون وكل
279

ما هو في جرم التمر ودونه فهو مكيل كاللوز والعناب وكل ما فوقه موزون قالهما القاضي حسين والعجب
أن القاضي حسين قبل ذلك بسطر قال إن دهن اللوز موزون لأنه يستخرج من أصل موزون
والأرز مكيل قاله الروياني وكذلك الزبيب والسمسم قاله الروياني وغيره *
(فرع) قاله الماوردي رحمه الله وصاحب البحر وغيرهما * إذا كانت صيغة بتساوي طعاما في
الكيل والوزن ولا يفضل بعضه على بعض فاعرف من حاله أن التماثل فيه بالوزن كالتماثل فيه بالكيل
280

فقد اختلف أصحابنا هل يجوز بيع بعضه ببعض وزنا على وجهين (أحدهما) لا لما فيه من مخالفة
النص وتغيير العرف (والثاني) يجوز لكون الوزن فيه ثابتا عن الكيل للعلم بموافقته
كم كان مكيال العراق ثابتا عن مكيال الحجاز لموافقته في المساواة بين المكيالين
والذي نقله الروياني عن أصحابنا انه لا يجوز لأنه يتوهم التفاضل والوهم كالحقيقة
ثم نقل مع ذلك ما قاله الماوردي والذي جزم به القاضي حسين انه لا يجوز بيع الحنطة بالحنطة وزنا
سواء تفاضلا في الكيل أو تساويا وأطلق صاحب الذخائر فيما إذا كانت قرية يباع الطعام فيها وزنا
فباع بعضه ببعض موازنة وجهين (وقال) أصحهما المنع وهذا الاطلاق ليس بجيد ولعله أراد ما قاله
الماوردي فإنه توهم جواز بيعها وزنا وان تفاوتا في الكيل على وجه وليس كذلك والظاهر أنه لم يرد
إلا ما قاله الماوردي *
281

* قال المصنف رحمه الله *
(وإن كان مما لا أصل له بالحجاز في الكيل والوزن نظرت فإن كان مما لا يمكن كيله اعتبر
التساوي فيه بالوزن لأنه لا يمكن غيره وإن كان مما يمكن كيله ففيه وجهان (أحدهما) انه يعتبر بأشبه
الأشياء به في الحجاز فإن كان مكيلا لم يجز بيعه الا كيلا وإن كان موزونا لم يجز بيعه الا موزونا
لأن الأصل فيه الكيل والوزن بالحجاز فإذا لم يكن له في الحجاز أصل في الكيل والوزن اعتبر
بأشبه الأشياء به والثاني أنه يعتبر بالبلد الذي فيه البيع لأنه أقرب إليه) *
(الشرح) قوله وإن كان أي الذي يكال أو يوزن الذي صدر الفصل به وحاصله أن المبيع
المطعوم إما أن يكون مما يكال أو يوزن أو لا وعلى كل من التقديرين فأما أن يكون عهد له أصل
بالحجاز أو لا (فالقسم الأول) وهو المكيل أو الموزون المعهود بالحجاز تقدم الكلام فيه في صدر
الفصل وأنه يعتبر الكيل في المكيل والوزن في الموزون (والقسم الثاني) المكيل أو الموزون الذي
282

ليس له أصل بالحجاز وهو المقصود بهذه القطعة من الفصل وإنما فرضت كلام المصنف في ذلك
ليكون مما يجرى فيه الربا قولا واحدا قديما وجديدا فإنه ذكر القسمين الأخيرين اللذين (1) الذي فيما
لا يكال ولا يوزن بعد ذلك وفرعه على الجديد فأفاد كلامه انه أراد ما ذكرته من التصوير وبذلك
يتبين أن قول ابن يونس في شرح التنبيه عن المشهور في الكتب أن مالا يكال ولا يوزن في الحجاز
لا يجرى فيه الربا في القديم ويجرى في الجديد ليس كما قال ولم يحرر العبارة فليس في الكتب
اشتراط الحجاز في ذلك في اعتبار الكيل والوزن فافهمه * إذا عرفت ذلك فالمكيل أو الموزون
الذي ليس له أصل بالحجاز أما لأنه حدث بالحجاز بعد النبي صلى الله عليه وسلم وإما لأنه كان فيما عداها من البلاد
ولم يكن بها اما أن يكون مما يمكن كيله أو لا ولا يتأتى بين هذا وبين قولنا انه مما يكال أو يوزن

(1) كذا بالأصل فحرر
283

لأنه يصح هذا الاطلاق إذا صح واحد فقط فقد صح أحد الامرين فهاتان مسألتان (المسألة
الأولى) إن كان مما لا يمكن كيله فقد جزم المصنف واتباعه بان الاعتبار فيه الوزن وكذلك من
الخراسانيين القاضي الحسين وصاحب التتمة وصاحب المهذب ومن تبعهم من غير أن يأتوا بلفظ الامكان
أو عدمه بل عجلوا ما يتجافى في المكيال يباع وزنا وأصل هذه العبارة في كلام الشافعي فإنه قال
في الام في باب جماع ما يجوز فيه السلف وما لا يجوز ولو جاز أن يكال ما يتجافى في المكيال حتى
يكون المكيال يرى ممتلئا وبطنه غير ممتلئ لم يكن للمكيال معنى وضبطه القاضي حسين وصاحب
التتمة بما زاد غالى جرم التمر وهو موافق لكلام الشافعي رحمه الله الذي سنذكره قريبا إن شاء الله
تعالى ونقل الروياني ذلك عن القفال وانه جعل ذلك حدا فاصلا بين ما يتجافى وما لا يتجافى ولعل
مراد المصنف ذلك وإن لم يكن فلا شك ان هؤلاء قائلون بالوزن فيما يقول هؤلاء فأن ما زاد على ذلك
داخل في كلامهم فصح عدهم فيمن يقول بالوزن في القسم الذي ذكره المصنف وذلك إذا أخذ
على ظاهر عبارة المصنف فمما لا يتأتى فيه خلاف لأنه ربوي قطعيا لاجتماع الطعم والوزن وان لم يكن
بالحجاز فان ذلك ليس بشرط عند من اعتبر التقدير في الربا ولا بد من معيار تعرف به المماثلة ولا
معيار الا الكيل أو الوزن والكيل ممتنع لما فرض فتعين الوزن فهذا بسط كلام المصنف
284

ونبه بقوله لا يمكن غيره في المقدمتين الأخيرتين وهما انحصار المعيار في الكيل والوزن وامتناع الكيل
فان عدم امكان غير الوزن إما لتعذره كالكيل واما لعدم اعتباره فهذه الفائدة في قوله غيره ولم
يحتج إلى أنه لا بد من معيار للعلم به ولأنه قد يؤخذ من صدر كلامه في أول الفصل فهذا التعليل
واضح لا خفاء به على عبارة المصنف وأما على عبارة القاضي حسين وأتباعه فقد لا يسلم لهم امتناع
الكيل فيما زاد على التمر بقليل فلذلك علله صاحب التتمة بأنه لم يعهد الكيل بالحجاز فيما هو أكبر
من التمر وبأنه يتجافى في المكيال ويكثر التفاوت وهذان المعنيان يمكن أن يجعلا جزئي علة واحدة
واعلم أن جماعة بل جماعات لم يذكروا هذا القسم الذي ابتدأ به المصنف وإنما ذكروا الخلاف فيما
لا أصل له بالحجاز مطلقا واطلاقهم محمول على هذا التفصيل والله أعلم *
(فرع) السمن والزبيب والعسل والسكر كلها تباع وزنا على المنصوص وسيأتي في بعضها
خلاف نذكره عند تعرض المصنف لذلك إن شاء الله تعالى *
285

(فرع) هو كالقاعدة في المكيل والموزون قال الشافعي رضي الله عنه في الام في باب السلم
في المكيل كيلا أو وزنا أصل السلف فيما يتبايعه الناس أصلان فما كان منه بصفة وتستوي خلقته
فيحتمله المكيال ولا يكون إذا كيل تجافى في المكيال فيكون الواحد منه يأتيه في المكيال عريضة
الأسفل رفيعة الرأس أو عريضة الأسفل والرأس رفيعة الوسط فإذا وضع شئ إلى جنبها منعه عرض
أسفلها من أن يلصق بها ووقع في المكيال وما بينها وبينه تجافى ثم كانت الطبقة التي فوقه منه
هكذا لم يجز أن يكال واستدللنا على أن الناس إنما تركوا كيله لهذا المعنى فلا يجوز أن يسلف فيه كيلا
وفي شبيه بهذا المعنى ما عظم واشتد فصار يقع في المكيال منه الشئ لم يقع فوقه منه شئ
286

معترضا وما بين القائم تحته متجاف فيسد المعرض الذي فوقه الفرجة التي تحته ويقع عليه فوقه غيره
فيكون من المكيال شئ فارغ بين الفراغ وذلك مثل الرمان والسفرجل والخيار والباذنجان وما أشبهه
مما كان في المعنى الذي وصفت ولا يجوز السلف في هذا كيلا ولو تراضيا عليه المتبايعان سلفا
وما صغر وكأن يكون في المكيال فيمتلئ المكيال به ولا يتجافا التجافي البين مثل التمر وأصغر منه
مما لا تختلف خلقته اختلاف بائنا مثل السمسم وما أشبهه أسلم فيه كيلا وكلما وصفت لا يجوز السلم فيه
كيلا فلا بأس بالسلم فيه وزنا انتهى كلام الشافعي رحمه الله وهو ضابط فيما يكال ويوزن وفيه
شاهد لما قاله القاضي حسين وصاحب التتمة ويمكن تنزيل كلام المصنف عليه والله أعلم * ومثل
الروياني ما يتجافى بعروق الشجر وقطع الخشب مما يتداوى به والله أعلم * وقال الروياني ان
السعمق يباع وزنا لأنه قد يكون فتاتا ويكون قطعا فلا يمكن كيله (المسألة الثانية) إذا كان مما
يمكن كيله ومن المعلوم أنه يمكن وزنه وهكذا صور الإمام المسألة فيما يتأتى فيه الكيل والوزن جميعا
فيما إذا تعتبر المماثلة فيه ذكر المصنف والشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي وابن الصباغ
والروياني في البحر والجرجاني وغيرهم من سالكي طريقتهم الوجهين الذين ذكرهم المصنف في
287

الكتاب والأول منهما مشهور في طريقة العراق وصححه ابن أبي عصرون وجزم به سلام المقدسي في
شرح المفتاح (قال) الأصحاب وهذا كما قال الشافعي رضي الله عنه في جزاء الصيد يعتبر ما لم يحكم
فيه الصحابة رضي الله عنهم بأشبه الأشياء بما حكمت فيه وكذلك ما استطابته العرب حل وما
استخبثته حرم وما لم يعرف حاله رد إلى أقرب الأشياء شبها به ولان هذا المرجع في الأمور التي يقع
فيها الاشتباه أن ترد إلى أشبه الأصول بها ومقصود المصنف في استدلاله أن المرجع فيه إلى الحجاز أي لما
تقدم من الحديث فإذا ثبت أن المرجع إلى الحجاز وليس له بها أصل فنعتبر ما يشبهه محافظة على ذلك
ولو اعتبرناه ببلده لفات ذلك بالكلية (والوجه الثاني) وهو الرجوع إلى العادة قال الرافعي انه الأشبه
وقال الغزالي إنه الأفقه واقتضى إيراد الجرجاني ترجيحه وهو الذي جزم به الماوردي وجعل محل الخلاف
فيما لا عادة فيه أو كانت العادة مستوية فيه قال صاحب الواقي ومن قال بالرد إلى العرف لا إلى أشبه الأشياء
به لعله يفرق بين جزاء الصيد ومسألتنا بأن البعيد في اعتبار الأشباه معمول به في جزاء الصيد بدليل
288

إيجاب الشاة في قتل الحمام وما عب وهدر فهو مردودا إلى أدنى شبه بخلاف مسألتنا فأن المعمول فيه
أصلا هو العرف لا ما يشبه ألا ترى أن التمر مكيل وإن كان إلى الوزن أقرب فاتبع فيه العرف
فكذلك فيما له شبه ولم يكن فيه أصل يرد إليه واختلفت عبارات المصنفين عن هذا الوجه فالمصنف
وأتباعه وإمام الحرمين وصاحب التهذيب قالوا بلد البيع قال الرافعي وهو أحسن وهو الذي رجحه في
المحرر قال ابن أبي عصرون مع هذا فأن اختلفت بالعرف فالغالب وقال الماوردي عرف أهل الوقت في
أغلب البلاد وجزم به فان استوت أو فقدت فأربعة أوجه وقال القاضي أبى الطيب وابن الصباغ من
289

العراقيين والقاضي الحسين من الخراسانيين عرف البلاد قالوا فان اختلفت فكان يكال في بعضها
ويوزن في بعضها حكم بالأكثر زاد المتولي فأن تعذر الرجوع إلى العرف للاختلاف ولا أدري
أي العرفين أغلب يرد إلى أقرب الأشياء شبها به وابن الصباغ ذكر أيضا بحثا لكن من عند نفسه
(وأما) الشيخ أبو حامد فقال فيما علق عنه البندنيجي غالب عادة الناس به في موضعه وأطلق وفيما
علق عنه سليم قال في موضعه الذي حدث به وليس هذا اختلافا في المعنى ويمكن حمله وحمل كلام
المصنف على شئ واحد فلا يبقى اختلاف الا بين كلام المصنف وكلام القاضي أبى الطيب فيعدان
290

كذلك وجهين وكذلك حكاهما صاحب البحر غير منسوبين فتحصلنا من ذلك على ثلاثة أوجه
في المسألة في هذا القسم وليس يوجد في معظم كتب العراقيين غير ذلك ولم يحكوا في المسألة الا
وجهين ولا يكفي من نقح المسألة وميز أقسامها وتكلم في كل قسم وحده غير المصنف رحمه الله فيما
أعلم الآن ويوجد في المسألة أوجه أخر حكاها الماوردي من العراقيين والفوراني والقاضي حسين
والشيخ أبو محمد وآخرون من الخراسانيين (رابعها) أن الاعتبار بالكيل لأن أكثر ما ورد فيه
النص مكيل بل كل ما ورد فيه النص من المأكولات مكيل (وخامسها) الوزن لأنه أخص (وسادسها)
291

أنه يتخير بينهما وهذه الثلاثة حكاها الماوردي والقاضي حسين والشيخ أبو حامد ونقل امام الحرمين وجه
التخيير عن نقل شيخه واستبعده لأنه لم يقف عليه كغيره (وسابعها) أن كان متخرجا من أصل معلوم
التقدير سلك به مسلك ذلك الأصل فعلى هذا دهن السمسم مكيل كأصله ودهن اللوز موزون والخل مكيل قاله
القاضي حسين وغيره كما سيأتي والعصير مكيل قاله الشيخ أبو محمد وغيره كما سيأتي قال الروياني في البحر لأن الزبيب
مكيل وهذا الوجه قال الشيخ أبو محمد أنه الأصح وجزم به القاضي حسين وصاحب التتمة وحكاه الإمام عن صاحب
التقريب والصيدلاني أيضا وجعلوا محل الخلاف فيما ليس مستخرجا من أصل معلوم التقدير
والرافعي قال أن منهم من خصص الخلاف بما إذا لم يكن له أصل معلوم التقدير
292

ومنهم من أطلق وقد تقدم تخصيص الماوردي محل الخلاف بما لإعادة فيه أوما كانت العادة فيه مستوية (فأما)
صاحب البحر فإنه سلك طريقة أخرى جعل في أصل المسألة وجهين (وجه) اعتبار الشبه (ووجه) اعتبار
غالب البلدان كما فعل القاضي أبو الطيب ثم قال (إن قلنا) بالأول وكان شبهه بالمكيل والموزون سواء
فقيل الكيل وقيل الوزن وقيل يتخير (وان قلنا) بالثاني وعادة الناس سواء في الكيل والوزن فالوزن
وقيل الكيل يتخير وقيل يعتبر بأشبه الأشياء ثم ذكر وجهي أنه يعتبر بأصله أو بعادة بلد البيع
وهذه طريقة مخالفة لما في أكثر الكتب والله أعلم * وهي على الوجه الثاني غير ما في الحاوي وعن
البندنيجي أنه حكى وجهين على قولنا باعتبار الشبه فكان تشبيههما معا فأنهما يعتبر فيه وجهان (1)
وهو بعض ما قاله الروياني وبحث إمام الحرمين من عند نفسه بعد أن حكى الوجه الذي استبعده
عن شيخه فقال ولو منع مانع أصل البيع لاستبهام طريق التماثل لكان أقرب مما ذكره يعنى شيخه
(قلت) ولا يتأتى منع البيع لأن هذا مكيل أو موزون فيباع اما الكيل واما الوزن وليس هذا كما
لا يكال ولا يوزن حيث نقول إنه لا يباع بعضه ببعض على أحد القولين لأن العلة فيه أن المبيع
ممتنع الا بشرط المماثلة في الكيل أو الوزن وهما مفقودان وههنا بخلافه هما ممكنان ومع المرجح من

(1) كذا بالأصل فحرر
293

العادة أو الشبه أو الأصل لا نسلم الانبهام والله أعلم * ثم أعلم أن الأكثرين أطلقوا هذا الخلاف كما
ذكرناه والجوزي جعل محل الخلاف ما كاله قوم ووزنه آخرون (أما) ما اتفق الناس فيه على كيل أو
وزن فهو أصل في نفسه كالسكر لم يكن بالمدينة وليس له أصل واتفق الناس على وزنه (قلت)
294

إنما يحتاج في السكر إلى ذلك إذا كان مدقوقا اما الكبار ففي الضوابط المتقدمة ما يفيد انه موزون
والله أعلم *
(فرع) ما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلم أنه كان يكال أو يوزن فحكمه حكم ما علم
أنه لا أصل له في جميع ما تقدم وإن كانت عبارة المصنف لا تشمله ذكره القاضي أبو الطيب والماوردي
والشيخ أبو محمد وابنه امام الحرمين والفوراني والمتولي والبغوي والرافعي وغيرهم وكذلك ما علم أنه
يكال مرة ويوزن أخرى ولم يكن أحدهما أغلب قاله الرافعي وصاحب التهذيب *
295

(فرع) يباع البيض بالبيض وزنا وإن كان عليه قشرة لأنه من صلاحه * قاله في
التهذيب *
(فرع) قال الشافعي رضي الله عنه في الام في باب جماع السلف في الوزن ولا بأس أن
تسلف في شئ وزنا وإن كان يباع كيلا ولا في شئ يباع كيلا وإن كان يباع وزنا إذا كان لا
يتجافى في المكيال مثل الزيت الذي هو ذائب إن كان يباع في المدينة في عهد النبي صلى الله على وسلم قلنا
الله أعلم اما الذي أدركنا المتبايعين به عليه فأما ما قل منه فيباع كيلا والجملة لا لكثرة يباع وزنا
296

ودلالة الاخبار على مثل ما أدركنا الناس عليه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لا آكل سمنا ما
دام السمن يباع بالأواقي) ويشبه الأواقي أن يكون كيلا انتهى كلام الشافعي رضي الله عنه * وفى
قوله ويشبه الأواقي أن يكون كيلا نظر وقال أبو عبيدة في هذا الأثر عن عمر في عام الرمادة وقد
كان يأكل الخبز بالزيت فقرقر بطنه فقال (قرقر ما شئت فلا يزال هذا دأبك ما دام السمن يباع
بالأواقي) وجعل هذا دليلا على أن أصل السمن الوزن والذي أفهمه من ذلك أن السمن لقلته صار
يباع بالأواقي التي تدل على الوزن فامتنع عمر رضي الله عنه عن اكله فيدل على خلاف ما أراده
الشافعي إلا أن يكون لفظ الأواقي اسم للمكاييل كما أشار إليه الشافعي رضي الله عنه وهو خلاف
ما عليه العرف الآن والشافعي أخبر بعرف ذلك الزمان *
* قال المصنف رحمه الله *
(وإن كان مما لا يكال ولا يوزن وقلنا بقوله الجديد إنه يحرم فيه الربا وجوزنا بيع بعضه ببعض نظرت
فإن كان مما لا يمكن كيله كالبقل والقثاء والبطيخ وما أشبهها بيع وزنا وإن كان مما يمكن
كيله ففيه وجهان (أحدهما) لا يباع الا كيلا لأن الأصل هو الأعيان الأربعة المنصوص عليها وهي
مكيلة فوجب رده إلى الأصل (والثاني) انه لا يباع الا وزنا لأن الوزن احصر) *
(الشرح) (قوله) وإن كان أي المبيع المطعوم مما لا يكال ولا يوزن أي في العادة وإن كان
قد يتأتى كيله أو وزنه على خلاف العادة وهذا القسم يندرج تحته القسم الثالث والرابع من
التقسيم المتقدم لأنه لا فرق في الحكم هنا بين ما عهده في زمنه صلى الله عليه وسلم كذلك وما حدث بعده على
ما تقدم التنبيه عليه وعلى كلام ابن يونس فيه (وأما) العمراني فإنه في كتاب السؤال عما في المهذب من
الاشكال جعل المسألة الأولى التي تقدمت في المطعومات التي لم تكن بأرض الحجاز في زمن النبي
297

صلى الله عليه وسلم والمسألة الثانية وهي هذه التي شرعنا فيها في المطعومات التي كانت في أرض الحجاز في زمن
النبي صلى الله عليه وسلم مما لم تجر العادة فيه بكيل ولا وزن والذي قلته أشمل وأحسن فاعلمه * إذا عرف ذلك
فان لنا خلافا قدمه المصنف في أول الفصل من هذا الباب في جريان الربا في هذه الأشياء كالبقل
والقثاء والبطيخ والرمان والسفرجل والباذنجان والخيار والجوز وسائر الفواكه التي تباع عددا قال
بعضهم وذلك على عادة الشرق والا فالجوز والقثاء في بلادنا يباعان وزنا والباذنجان وكثير من
الخضراوات في بعض البلاد كذلك ضابط ما يكيله فيه ما لم يجر العرف العام بتقديره ولا اعتبار
بما يتفق في بعض على خلاف العموم فالقديم لا يجرى الربا فيه لعدم التقدير بالكيل أو الوزن وهو
298

جزء العلة في القديم فعلى هذا يجوز بيع بعضه ببعض عددا وجزافا ومتفاضلا ولا تأتى المسألة فيما نحن فيه
(وإن قلنا) بقوله الجديد فله في الجديد قولان ذكرهما المصنف بعد هذا بفصلين فيما لا يدخر من الفواكه ويذكرهما
القاضي حسين وجهين فيما يدخر بعد تجفيفه قال لا يجوز رطبة برطب وبعد الجفاف فيه وجهان
لأنه لا يعرف له معيار في الشرع وسيأتي شرح ذلك إن شاء الله تعالى فحيث قلنا لا يجوز بيع بعضه
ببعض لا تأتى المسألة وحيث قلنا بالجواز وهو الذي نسبه بعض إلى ابن جريج بن شريح فعلى هذا إن
كان مما لا يمكن كيله كالبقل والقثاء والبطيخ والرمان قال الماوردي والسفرجل الكبار قاله الجرجاني
والفجل والسلجم والجزر قاله القاضي أبو الطيب وما أشبهه بيع وزنا قاله الشيخ أبو حامد
والقاضي أبو الطيب والماوردي والمحاملي والمصنف وابن الصباغ والرافعي وغيرهم وإن كان مما يمكن
كيله كالتفاح قاله أبو الطيب وابن الصباغ والتين قاله الرافعي والنبق والعناب قالهما الماوردي والخوخ
الصغار قاله الشيخ أبو حامد وابن الصباغ ففي معياره وجهان حكاهما الشيخ أبو حامد والقاضي أبو
الطيب والماوردي والمحاملي وابن الصباغ والمصنف والرافعي وغيرهم وحكاهما أبو علي الطبري في تعليقه
عن أبي هريرة قولين (أصحهما) أنه يباع وزنا لأنه أحصر في حصول حقيقة المساواة وهذا ما صححه
الجرجاني في التحرير والشافي وممن صحح ذلك القاضي أبو الطيب وكذلك الغزالي قال في البسيط
بعد ذكر مالا يكال ولا يوزن وهذا فيما لا قشر له أما الجوز والبيض فلا يجوز بيعه وزنا وجها واحدا
وطرد صاحب التقريب فيه خلافا إذا بيع وزنا وهو بعيد لأن الوزن فيه لا يضبط وقال هو وابن الصباغ
299

انه صرح به في الام وقد رأيته في الام في باب الآجال في الصرف حال بعد أن قرر القول الجديد
وجريان الربا في غير المكيل والموزون من المأكول وإذا بيع منه جنس بشئ من جنسه لم يصح عددا
ولم يصح إلا وزنا بوزن وهذا مكتوب في غير هذا الموضع بغلطه هذا لفظ الشافعي رحمه الله تعالى
وممن صححه القاضي أبو الطيب والجرجاني والرافعي قال الرافعي ولا بأس على الوجهين بتفاوت العدد ونقل
إسماعيل الخضري عن الشيخ أبي حامد أن أولى الوجهين الكيل قال ابن الصباغ فأن قيل من شأن
الفرع أن يرد إلى الأصل بحكمه وهذه الأصول حكمها تحريم التفاضل في الكيل فكيف يكون
300

حكم فروعها تحريم التفاضل في الوزن قلنا إنما اعتبر الكيل في المنصوص عليها لأن تقديرها في
العادة بالكيل والفرع الملحق بها ينبغي أن يعتبر في تساويه بما يقدر به في غالب العادة كيلا كان أو
غيره يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم (وكذلك الميزان) وقد بينا أن الوزن ليس بعلة فلم يبق إلا أنه أراد
الموزون في المطعومات واعلم أن المصنف في التنبيه ذكر الخلاف في بيع هذا القسم بعضه ببعض على
الجديد مقصودا وهنا أشار إليه في ضمن مسألة المعيار وذكر وجها هنا انه يعتبر فيه الكيل ولم يذكر
في التنبيه الا الوزن فقط ومقتضى كلام صاحب الوافي أنها مسألة واحدة وانه يأتي فيها من مجموع الكتابين
ثلاثة أوجه ويحتمل أن يكون مراده في التنبيه ما إذا كان لا يمكن كيله الذي هو القسم الأول
في كلام المصنف آنفا كالبقل والقثاء والبطيخ فإنه لا يأتي فيه إلا قولان (أحدهما) امتناع بيع
بعضه ببعض الذي أشار إليه المصنف هنا (والثاني) الجواز إذا تساويا في الوزن وأما إذا أمكن كيله
ووزنه فلم يذكره في التنبيه أو يكون مراده في التنبيه ما يشمل الصورتين ما يمكن كيله ومالا يمكن
301

قال في كل منهما قولا أنه لا يجوز بيع بعضه ببعض وعلى القول الآخر يباع وزنا اما فيما لا يمكن كيله
فقطعا وأما فيما يمكن كيله فعلى الأصح وسكت عن قول اعتبار الكيل الذي هو خاص بإحدى
الصورتين كذلك ولضعفه فهذه الاحتمالات الثلاثة شائعة في كلامه كل منها محتمل لا يرد عليه شئ والله أعلم
وقد صحح كلامه في التنبيه على جماعة وربما فهم منه خلاف مراده واستغرب بعضهم حكايته فيه
القول بامتناع مطلقا وهو أعم من القولين الآتيين في المهذب فيما لا يدخر من الفواكه والله أعلم
فان كلامه في التنبيه شامل لما يدخر وقد عرفت أن القاضي حسين حكى في بيع بعضه ببعض في
حالة جفافه وجهين ولما لا يدخر الذي حكى الخلاف فيه في المهذب *
302

(فرع) يجوز بيع الجوز بالجوز مع قشرهما على المذهب وحكى عن ابن كج انه نقل عن
النص أنه لا يجوز فعلى الأول ما المعيار فيه قال البندنيجي في تعليقة أبى حامد قلت له فالجوز بالجوز
فقال الذي عندي أنه على الوجهين (أحدهما) يباع وزنا (والثاني) يباع كيلا وكذلك حكى الجرجاني فيه
وجهين وقال في التهذيب والتتمة يجوز بيع الجوز بالجوز وزنا واللوز باللوز كيلا ويجوز بيع البيض
بالبيض في قشره وزنا على المذهب قاله الرافعي وغيره (قلت) وكون الجوز موزونا أقرب لما تقدم من
الضابط فيما زاد على حد التمر (وقوله) ان اللوز مكيل مخالف لما تقدم عن القاضي حسين أنه موزون
ولكن ما ذكره البغوي أولى فإنه يتجافى في المكيال والله أعلم * وقال الشافعي في الام في باب بيع
الآجال ما ظاهره انه لا يجوز بيع بعضه ببعض فإنه قال وإذا كان معه شئ معيب مثل الجوز واللوز وما يكون
مأكوله في داخله فلا خير فيه بعضه ببعض عددا ولا كيلا وزنا من قبل أن مأكوله معيب وان قشره
يختلف في الثقل والخفة فلا يكون أبدا الا مجهول بمجهول فإذا كسر فخرج مأكوله فلا باس ببيع
بعضه ببعض عددا لا وزنا ولا كيلا فإذا اختلف فلا باس به من قبل إنه إذا كان رطبا فقد يبس
فينقص وإذا انتهى يبسه فلا يستطاع أن يكال وأصله الكيل فلا خير فيه وزنا لأنا لا نحيل الوزن
إلى الكيل هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه وفى المجرد من تعليق أبى حامد حكى عن الشافعي أنه
303

قال في الصرف لا يباع الجوز بعضه ببعض كيلا ولا وزنا ثم قال الشيخ وهذا بعيد على المذهب
وقد حكى الرافعي عن ابن كج أنه حكى عن نص الشافعي أنه لا يجوز ولعله أشار إلى النص المذكور
وقد حكى الماوردي أيضا ذلك عن النص ولم يرد عليه وبالجواز جزم القاضي حسين لأن قشره من
صلاح اللب ويدخر معه كيلا يفسد فهو كالنوى من التمر إلا أن هناك ما يقيه من الفساد يكون في
جوفه وههنا ما يقيه من الفساد يكون على ظاهره ومقتضى كلام الإمام الجوز والبيض مما لا يكال
ولا يوزن وانه أبعد في جواز البيع من القثاء بالقثاء فإنه ذكر أن الأصح في القثاء المنع على الجديد ثم
قال واتفقت الطرق على منع بيع البيض بالبيض والجوز بالجوز وزنا بوزن من جهة أن المقصود في أجوافها
وقشورها تتفاوت تفاوتا ظاهرا وهذا لا يتحقق في القثاء وما في معناه قال وذكر صاحب التقريب في البيض
والجوز إذا بيع البعض بالبعض منها وزنا وجهين قال وهذا بعيد (قلت) وذلك أن الجوز في غالب
البلاد يباع بالعدد ولم يستمر العرف في وزنه فهو ربوي على الجديد دون القديم ولم يثبت للشارع
فيه معيار فامتنع بيع بعضه ببعض وهو أولى بذلك من القثاء من جهة استتاره وذكر الروياني في البحر
أنه حكى عن القفال أنه لا يجوز بيع الجوز بالجوز ولا اللوز باللوز عددا ولا وزنا إلا أن لا ينقص في
304

الكيل فيجوز وقيل لا يجوز أصلا لأن المقصود في جوفه قال والصحيح الأول لأن قشره من
صلاحه ومقتضى كلام بعضهم الفرق بين الجوز واللوز فان الجوز معدود واللوز مكيل *
(فرع) قال في الإبانة بيع الأدوية بالأدوية إن كانت لا تتجافى في المكيال فتباع كيلا
والا فوزنا وإن كانت معجونة فلا يصح بيع بعضها ببعض لأن الاخلاط فيها مجهولة هذا إذا كانا
من جنس واحد وجزم الروياني في البحر بجواز بيع البيض بالبيض وزنا قال لأن هذه الحالة حالة
كماله فإن كانا مكسورين لم يجز (فائدة) قال الجرجاني في التحرير وما لا يكال ولا يوزن في
مكان لا يباع بعضه ببعض في أحد القولين ويباع في القول الآخر وهو الأصح وينظر فإن كان
لا يأتي عليه الكيل بيع وزنا وإن كان يأتي عليه الكيل بيع كيلا على أحد الوجهين ووزنا على
الآخر اه‍ فاستفيد من قوله في مكان ما قدمته من أنه ليس المعتبر هنا عدم الكيل والوزن خاصة
بل مطلقا وهو محل كلام صاحب التنبيه فيه والله أعلم * (فائدة) الأصحاب يطلقون الخلاف
بين القديم والجديد في المطعوم الذي لا يكال ولا يوزن ولا يصرحون باعتبار
العرف أو الشرع والمقصود من ذلك ما قدمته وكلام المصنف وغيره إذا
أمعنت فيه التأمل يدلك على ذلك ولذلك قال أبو محمد عبد السلام في الغاية
فصل فيما لا يقدر شرعا ولا عرفا ما لا يقدر في العرف بكيل ولا وزن القديم أنه
305

ليس بربوي) فأفاد ذلك ما قلته وذلك مستفاد من غضون كلام الإمام في النهاية ومن تلك اللفظة
أخذ ابن عبد السلام رحمه الله ذلك والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله
* (فصل وما حرم فيه الربا لا يجوز بيع بعضه ببعض ومع أحد العوضين جنس آخر يخالفه في القيمة
كبيع ثوب ودرهم بدرهمين ومد عجوة ودرهم بدرهمين ولا يباع نوعان من جنس بنوع كدينار
قاساني ودينار سابوري بقاسانيين أو سابوريين أو وكدينار صحيح ودينار قراضة بدينارين صحيحين أو
دينارين قراضة والدليل عليه ما روى فضالة بن عبيد قال (أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلادة فيها
306

خرز مغلفة بذهب فابتاعها رجل بسبعة دنانير أو تسعة دنانير فقال عليه السلام لا حتى تميز بينه
وبينه قال أنا أردت الحجارة فقال لا حتى تميز بينهما) ولان الصفقة إذا جمعت شيئين مختلفي القيمة
انقسم الثمن عليهما والدليل عليه أنه إذا باع سيفا وشقصا بألف قوم السيف والشقص وقسم الألف
عليهما على قدر قيمتهما وأخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن على قدر قيمته وأمسك المشترى
السيف بحصته من الثمن على قدر قيمته وإذا قسم الثمن على قدر القيمة أدى إلى الربا لأنه إذا باع دينارا
صحيحا قيمته عشرون درهما ودينارا قراضة قيمته عشرة بدينارين وقسم الثمن عليهما على قدر قيمتهما
صارت القراضة مبيعة بثلث الدينارين والصحيح بالثلثين وذلك ربا) *
(الشرح) حديث فضالة رواه أبو داود بسند صحيح وهو أيضا بغير هذا اللفظ في صحيح
مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح ونسبه ابن معن شارح
307

المهذب إلى مسلم وأبن داود والترمذي والنسائي اعتبارا بأصل الحديث على اصطلاح المخرجين من
المحدثين وليس بجيد والصواب ما حررته ورواية الصحابي فضالة بفتح - الفاء - والضاد - المعجمة
ابن عبيد مصغرا ابن نافذ - بالفاء والذال المعجمة - ابن قيس بن صهيب بن الاضرم من جحجبا - بجيمين
مفتوحتين بينهما حاء مهملة ساكنة وبعدهن باء موحدة - ابن كلفة بضم الكاف واسكان اللام -
ابن عوف بن عمرو بن عوف مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي العمرى - بفتح العين - وسكون الميم - أبو محمد
308

وأمه عفرة - بفتح العين - ابنت محمد بن عقبة بن أحيحة بن الحلاج بن الحريس بن جحجبا المذكور
شهد فضالة أحدا والخندق وما بعدها من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايع تحت الشجرة وتولى
القضاء بدمشق لما مات أبو الدرداء بوصية أبى الدرداء لمعاوية ومات بها في خلافة معاوية وله عقب
كانت وفاته سنة ثلاث وخمسين على الأصح قاله ابن أبي خيثمة عن المدايني ورأيت في معجم الصحابة
للبغوي انه سكن مصر ومات بها مع ذكره لما تقدم وكان ذلك وهم من كاتب والله أعلم * وروى
عنه هذا الحديث حنش ابن عبد الله الصنعاني وعلي بن رباح اللخمي وفى طبقته حنش الراوي
309

عن عكرمة عن ابن عباس روى عنه سليمان التيمي وخالد الواسطي في حديثه ضعف اسمه حسين
ابن قيس وحنش بن المعتمر الكوفي الراوي عن علي بن أبي طالب وحنش بن الحارث بن لقيط
النخعي الكوفي يروى عنه أبو نعيم وغيره وروى هذا الحديث عن خالد بن أبي عمران عن حنش
الصنعاني المذكور أبو شجاع هذا وسعيد بن يزيد أبو سلمة بصرى ثقة روى عنه شعبة وسعيد
ابن يزيد مصري روى يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عنه حديثه مرسلا وقد روى هذا الحديث
بألفاظ مختلفة (منها) اللفظ الذي في الكتاب رواه أبو داود (ومنها) عن فضالة قال (اشتريت
310

يوم خيبر قلادة ثمنها اثنا عشر دينارا فيها ذهب وخرز ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثنى عشر دينارا فذكرت
ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لا تباع حتى تفصل) لفظ مسلم وأبى داود في أحد طريقيه والترمذي وقال حديث
حسن صحيح ولفظ النسائي مثله الا أنه لم يعين الثمن (ومنها) عن فضالة قال (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلائد
فيها خرز وذهب وهي من الغنائم تباع فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع ثم قال لهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب وزنا بوزن) رواه مسلم أيضا (ومنها) عن حنش قال (كنا مع
فضالة بن عبيد في غزوة فطارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب وورق وجوهر فأردت
أن أشتريها فسألت فضالة بن عبيد فقال إنزع ذهبها فاجعله في كفة واجعل ذهبك في كفة ثم لا
تأخذن إلا مثلا بمثل فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا
يأخذن إلا مثلا بمثل) رواه مسلم أيضا (ومنها) عن فضالة قال أصبت يوم خيبر قلادة فيها ذهب
311

وخرز فأردت بيعها فذكرت ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال أفصل بعضها من بعض ثم بعها) رواه النسائي من حديث
الليث عن خالد بن أبي عمران عن حنش ولم يذكر أبا شجاع وخالد والله أعلم والروايات كلها ترجع إلى
حنش قال البيهقي في كتاب السنن الكبير سياق هذه الأحاديث مع عدالة رواتها تدل على أنها كانت
بيوعا شهدها فضالة كلها والنبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنها فأداها كلها وحنش الصنعاني أداها منفرقا وقال
في كتاب المعرفة بعد أن ذكر الرواية التي ذكرها المصنف ثم ذكر القصة الأخرى التي ذكرناها
عن مسلم ثم حكم بأنها قصة أخرى قال لأن في هذه الرواية أنه بنفسه اشتراها وفى تلك أن رجلا ابتاعها واختلفا أيضا
في قدر الدنانير غير أنهما اتفقا في النهى حتى يفصل وفى ذلك دلالة على أن المنع من البيع لأجل الجمع بينهما في صفقة
واحدة وهذا الذي قاله البيهقي متعين فأن أسانيد الطرق كلها صحاح ولا منافاة بينها فالجمع بينها
بذلك أولى من الحكم على بعضها بالغلط وأيضا كلها متفقة على النهى عن البيع حتى يفصل كما
أشار إليه البيهقي وهو موضع الاستدلال وقد رام الطحاوي دفعها بما حصل فيها من الاختلاف قال
وقد اضطرب علينا حديث فضالة الذي ذكرنا فرواه قوم على ما ذكرنا في أول (1) ورواه آخرون على
غير ذلك فقد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فصل الذهب لأن صلاح المسلمين كان في ذلك
ففعل ما فيه صلاحهم لا لأن بيع الذهب قبل أن ينزع مع غيره في صفقة واحدة غير جائز وهذا
خلاف ما روى من روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يباع حتى يفصل) ثم قال فقد اضطرب

(1) بياض بالأصل فحرر
312

علينا هذا الحديث فلم يوقف على ما أريد منه فليس لأحد أن يحتج بمعنى من المعاني التي روي
عليها إلا إن احتج مخالفة عليه بالمعنى الآخر (قلت) وليس ذلك باضطراب قادح ولا ترد الأحاديث
الصحيحة بمثل هذه الاحتمالات (وقوله) صلى الله عليه وسلم (لا يباع حتى يفصل) صريح لا يحتمل التأويل
وكون فضالة أفتى به في غير طريقة غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفى سماعه له فقد يسمع الراوي
شيئا ثم يتفق له مثل تلك الواقعة فيفتى بمثله والله أعلم (وقوله) معلقة بذهب ضبطه ابن النويك - بعين
مهملة مفتوحة وقاف - ابن معن يروى بالقاف ويروى مغلفة بالغين المعجمة والفاء - وهذا الحديث معتمد
313

أصحابنا من جهة للأثر في القاعدة المترجمة بمد عجوة وقد تقدم من تفسير ابن وهب ومن فقه للسقاية
التي باعها معاوية وأنكرها عبادة أنها القلادة وخالفهم غيرهم والله أعلم * ونقل البيهقي في كتاب المعرفة
ان الشافعي رضي الله عنه قال في القديم وفى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عامله على خيبر أن يبيع الجميع
بالدراهم ثم يشترى بالدراهم حساما دل والله أعلم على أن لا يباع صاع تمر ردئ فيجمع مع صاع تمر فائق
ثم يشترى بهما صاعا تمر وسط ثم بسط الكلام في بيان ذلك إلى أن قال ولو كان يجوز أن يجمع
الردئ مع الجيد للغاية أمره فيما يرى والله أعلم أن يضم الردئ إلى الجيد ثم يشترى به وسطا وكان
314

ذلك موجودا انتهى ما نقله البيهقي من ذلك وقد رأيت ما نسبه البيهقي إلى القديم في الاملاء وسأنقله
في آخر نصوص الشافعي إن شاء الله تعالى وقد اتفقت نصوص الشافعي على منع هذه المعاملة قال في بيع الآجال من
الام وإذا بعت شيئا من المأكول أو المشروب أو الذهب أو الورق بشئ من صنفه فلا يصلح الا مثلا بمثل وأن يكون
ما بعت منه صنفا واحدا جيدا أو رديئا ويكون ما اشتريت صنفا واحدا ولا نبالي أن يكون أجود أو أردأ مما اشتريته
به ولا خير في أن تأخذ خمسين دينارا مروانية وخمسين حدثا (1) بمائة هاشمية ولا بمائة غيرها وكذلك لا خير في أن

(1) كذا بالأصل فحرر
315

تأخذ صاع بردى وصاع لون بصاعي صحاني وإنما كرهت هذا من قبل أن الصفقة إذا جمعت شيئين
مختلفين فكل واحد منهما مبيع بحصته من الثمن فيكون تمر صاع البردى بثلاثة أرباع صاعي الصحاني وذلك صاع
ونصف وصاع اللون بربع صاعي الصحاني وذلك نصف صاع صحاني فيكون هذا التمر بالتمر متفاضلا وهكذا * هذا
في الذهب والورق وكل ما كان فيه الربا في التفاضل في بعضه على بعض وقال في باب الصرف من الام وإذا
كانت
الفضة مقرونة بغيرها خاتما فيه فص أو فضه أو حليه السيف أو مصحف أو سكين فلا يشترى شئ من الفضة قل أو
كثر بحال لأنها حينئذ فضة بفضة مجهولة القيمة والوزن وهكذا الذهب ولكن إذا كانت الفضة مع سيف
اشترى بذهب وإن كان فيه ذهب اشترى بفضة وإن كان فيه ذهب وفضة لم يشتر بذهب ولا فضة واشترى
316

بالعروض قال الربيع وفيه قول آخر أنه لا يجوز أن يشترى شئ فيه فضة مثل مصحف أو سيف وما أشبهه
بذهب ولا ورق لأن في هذه البيعة صرف وبيع لا ندري كم حصة البيع من حصة الصرف والله
أعلم * وقال في هذا الباب أيضا وإذا جمعت صفقة البيع شيئين مختلفي القيمة مثل تمر بردى وتمر عجوة
بيعا معا بصاعي تمر وصاع من هذا بدرهمين وصاع من هذا بعشرة دراهم وقيمة البردي خمسة أسداس
الاثني عشر وقيمة العجوة سدس الاثني عشر فالبردي بخمسة أسداس الاثني عشر والعجوة بسدس
الاثني عشر وهكذا لو كان صاع البردي وصاع العجوة بصاعي لون كل واحد منهما بحصته من اللون
317

فكان البردي بخمسة أسداس صاعين والعجوة بسدس صاعين فلا يحل من قبل أن البردي بأكثر
من كيله والعجوة بأقل من كيلها وهكذا ذهب بذهب كان مائة دينار مروانية وعشرة محدثة بمائة
وعشرة هاشمية فلا خير فيه من قبل أن قيمة المروانية أكثر من قيمة المحدثة وهكذا الذهب بالذهب
متفاضلا لأن العين الذي في هذا في الذهب بالذهب متفاضلا ولا بأس أن يراطل الدنانير الهاشمية
التامة بالعتق الناقصة مثلا بمثل في الوزن وإن كان لهذه فضل وزنها وهذا فضل عيونها فلا باس
بذلك إذا كان وزنا بوزن وقال في آخر باب المزابنة ولذلك لا يجوز أن يدخل في الصفقة شيئا من
318

الذي فيه الربا في الفضل في بعضه على بعض يدا بيد ومن ذلك أن يشترى صبرة تمر مكيلة أو
جزافا بصبرة حنطة مكيلة أو
جزافا ومع الحنطة من التمر قليل أو كثير وذلك أن الصفقة في الحنطة
تقع على حنطة وتمر بتمر وحصة التمر غير معروفة من قبل أنها إنما تكون بقيمتها والحنطة بقيمتها والتمر بالتمر لا يجوز
إلا معلوما كيلا بكيل (وقال) في باب تفريع الصنف من المأكول والمشروب بمثله وكل ما لم يجز
الا مثلا بمثل يدا بيد فلا خير في أن يباع منه شئ ومعه شئ غيره بشئ آخر لا خير في مد بمد
عجوة ودرهم بمدى تمر عجوة ولا مد حنطة سمراء ودرهم بمدى حنطة محمولة حتى يكون الطعام
319

بالطعام لا شئ مع واحد منهما غيرهما أو يشترى شيئا من غير صنفه ليس معه من صنفه شئ (وقال)
في باب (1) في التمر بالتمر ولا خير في أن يكون صاع أحدهما من تمرين مختلفين وصاع الاخر من
تمر واحد (وقال) في مختصر المزني ولا خير في مد عجوة ودرهم بمدى عجوة حتى يكون التمر
بالتمر مثلا بمثل (وقال) فيه أيضا ولو راطل مائة دينار عتق مروانية ومائة دينار من ضرب مكروه
بمائتي دينار من ضرب وسط خير من المكروه ودون المروانية لم يجز لأني لم أر بين أحد ممن لقيت
من أهل العلم اختلافا ان ما جمعته الصفقة من عبد ودار أن الثمن مقسوم على كل واحد منها بقدر قيمته من

(1) كذا بالأصل فحرر
320

الثمن فكان قيمة الجيد من الذهب أكثر من الردئ والوسط أقل من الجيد (وقال) في مختصر
البويطي في باب البيوع وكل شئ من المأكول والمشروب والذهب والورق الذي لا يجوز بعضه
ببعض الا مثلا بمثل الحنطة والتمر والشعير والعسل والدنانير والدراهم فإذا أراد رجل أن يبيع من عسل
ودرهم بدرهم ومد عسل فلا يجوز أو درهم وثوب بدرهم وثوب أو درهم وثوب بدرهمين أو مد
حشف ومد تمر بمدى تمر أو مد حنطة ومد دقيق بمدى حنطة وبما أشبهه فلا يجوز من قبل أن
الصفقة تجمعهما ولا يتميز تمر كل واحد منهما ولكل واحد منهما حصته من الثمن ولا يدري كم ذلك
321

فيدخل في ذلك التفاضل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه الا مثلا بمثل مثل ثوب ورطل من عسل
بثوب ورطل عسل لأن للثوب والدرهم الذي وقع بالثوب والدرهم للدرهم حصة من الدرهم والثوب
ومن الآخر مثل ذلك فلا يجوز لأن ثمنها لا يميز من كل واحد منهما ويدخل الثوب والدرهم بالثوب
والدرهم بيع وصرف (وقال) في مختصر البويطي أيضا في باب الصرف وإذا صارفه خمسين قطاعا
وخمسين صحاحا بمائة صحاح فلا يجوز لأن للخمسين القطاع حصة من المائة الصحاح أقل من ثمنها
فيدخل في ذلك التفاضل والثمن مقوم عليهما وهو مثل رجل اشترى عبدا وثوبا بمائة دينار ولو اشترى
322

مائة دينار قطع بمائة صحاح فلا بأس وقد قيل يجوز خمسين قطاع وخمسين صحاح بمائة صحاح * وهذا
القول الذي نقله الشافعي رحمه الله سيأتي مثله مبسوطا في الاملاء والله أعلم * (وقال) في مختصر
البويطي في كتاب التفليس وان باع عبدا وله مال دنانير ودارهم فلا يجوز شراؤه بدنانير ولا بدراهم
إذا استثنى ماله وان اشتراه وحده بلا مال فجائز (وقال) الشافعي رضي الله عنه في كتاب الاملاء
في باب بيع التمر بالتمر في أمر النبي صلى الله عليه وسلم عامله على خيبر (أن يبيع الجميع بالدراهم ثم يشترى بالدراهم
حساما) دل والله أعلم على أن لا يجوز أن يباع صاع تمر ردئ فيجمع مع صاع تمر فائق ثم يشترى
323

بهما صاعين بتمر وسط وذلك أن العلم يحيط بأن صاع التمر الردئ لو عرض على صاحب التمر
الوسط بربع صاع لم يقبله ولو قوم لم تكن قيمته كقيمة ربع صاع من الوسط وإنما يعطى صاحب
الصاعين من الوسط صاعين بصاع ردئ وصاع جيد ليدرك فضل تمره الجيد على الردئ بما يأخذه
من الجيد وعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان يقاسمهم نصف تمرهم فيأخذ الجيد الغاية من صاحب
الجيد الغاية والردئ الذي لا أسفل منه من صاحب التمر الردئ ومن كل ذي تمر نصف تمره ولو كان
يجوز أن يجمع الردئ مع الجيد الغاية أمره فيما يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضم الردئ إلى الجيد ثم
324

يشترى به وسطا إن كان ذلك موجودا فخالف بعض الناس في هذا فقال (لا بأس أن يضم الحشف
إلى الردئ ثم يشترى بكليهما تمر عجوة) وقال (لا بأس بالذهب بالذهب متفاضلة إذا دخل واحدا
منهما فليس) قال الشافعي ومعنى الذهب يضم إليها غيرها معنى التمر الردئ يضم إليه التمر
الردئ منها قال الشافعي رضي الله عنه وقلت لبعض من قال هذا القول أرأيت رجلا اشترى
ألف درهم تسوي عشرة الدراهم بألفي درهم قال جائز (قلت) فان وجد بالثوب عيبا قال يرده
بألف قلت فهكذا يقول في البيوع كلها قال أي البيوع (قلت) أرأيت لو باع جارية تسوي
ألفا وثوبا يسوي عشرة دراهم بألفين فوجد بالثوب عيبا قال تقسم الألفان على الألف وعشرة
325

ويرد الثوب بحصة عشرة من الألفين) قال (وكذلك جارية تسوي ألفا وثوبا يسوي مائة بيعا
بألفين ومائتين يرد الثوب بمائتين لأنهما سهم من أحد عشر سهما من الثمن ويكون صحة هذا في البيع وان لم يسم
لكل واحد منهما حصته من الثمن (قلت) فلم لا يكون الثمن هكذا قال لأن الثمن كله معروف (قلت) والسلعتان
اللتان بيعتا معروفة في القيمة من الثمن قال نعم (قلت) وهكذا البيوع كلها قال نعم (قلت) لم لم يقل هذا في الثوب
مع الدراهم قال إذا احترز الربا فيكون ألفا بأكثر منها (قلت) فهذا أبطلنا ما أجزت من الصرف
وإذا أجزته فقد تركت أن يقسم الثمن على ما وقعت عليه عقدة البيع هذه نصوص الشافعي رحمه الله
وهي مشتملة على ما إذا كان المبيع من جنسين مختلفين وعلى ما إذا كان نوعين من جنس واحد
326

ويعبر الأصحاب عن كل من الامرين بقاعدة مد عجوة وضابطها عندهم أن تشتمل الصفقة على
مال واحد من أموال الربا من الجانبين ويختلف مع ذلك أحد العوضين أو كلاهما جنسا أو نوعا أو
صفقة فقولنا مال واحد خرج به ما إذا اشتملت على جنس مال الربا كما إذا باع قمحا وشعيرا بتمر
وزبيب فإنه لولا هذه اللفظة لدخل تحت الضابط وان شئت قلت أن يبيع مال الربا بجنسه ومع
أحدهما غيره على مما فيه الربا أو مما لا ربا فيه وهذه عبارة أبى الطيب وابن الصباغ وينبغي أن
يحمل غيره على ما هو من الجنس والنوع والصفة وعبارة المصنف في الكتاب وفى التنبيه من أحسن
العبارات وأسلمها لكن فيها اعتبار القيمة مطلقا وسأتكلم عليه إن شاء الله تعالى وأول ما يعتنى
به في المسألة أصلان (أحدهما) أن الجهل بالمماثلة لحقيقة المفاضلة وقد تقدم التنبيه
327

على ذلك مرارا ويشهد له النهى عن بيع الصبرة بالصبرة لا يعلمان كيلها ومنع بيع التمر بالرطب خرصا
في غير العرايا قال ابن السمعاني وهي تخرج المسألة على الأصل الذي عرف لنا في مسائل الربا وهو
أن الأصل في بيع هذه الأموال بعضها ببعض الحظر إلا أنه يتخلص عن الحظر بالبيع على وجه
مخصوص فإذا لم يوجد ذلك الوجه يبقى محظورا تمسكا بالأصل (والأصل الثاني) أن اختلاف
العوضين من الجانبين أو من أحدهما يوجب اعتبار القيمة وتوزيع الثمن بالقيمة يوم العقد لدليلين
(أحدهما) من حيث العرف فان التجار يقصدون بالشراء التثمين (والثاني) من حيث الحكم كما إذا
328

باع عبدا وثوبا ثم خرج أحدهما مستحقا فإنه يرجع بقيمة المستحق من الثمن إلا بنصف الثمن وإذا باع
شقصا وسيفا يأخذ الشفيع الشقص بقيمته من الثمن إلا بنصف الثمن والشفيع إنما يأخذ بما شاء وله
حالة العقد فلولا أن التوزيع حاصل حين العقد لم يصح وكما في رد البعض بالعيب وتلف البعض عند
البائع قال أصحابنا ولولا التوزيع في الابتداء ما توزع في الانتهاء ولا يترك التوزيع بأن يؤدى إلى
بطلان البيع فان العقد إذا كان له مقتضى حمل عليه سواء أدى إلى فساد العقد أو إلى صلاحه كما
إذا باع درهما بدرهمين لما كان مقتضى العقد مقابلة جميع الثمن للثمن حمل عليه وان أدى إلى فساده ولم
يحمل على أحد الدرهمين هبة والآخر ثمن ليصح العقد وقولهم أنه يغلب وجه الصحة بكل حال ممنوع
قال العجلي في كلامه على الوسيط بعرض الكلام فيما إذا كان الجيد لواحد والردئ لآخر قائلا هما
329

ثمانين فيقول صاحب المائة الجيدة نزل عن مائة وحصل أكثر منها بطريق المقابلة بالبيع فلا يحل له
ذلك كما لو انفرد * بيانه أن قيمة الجيدة إذا كانت الفي درهم وقيمة الردئ ألفا وصاحب الجيدة أخذ
ثلثي الثمن وهو مائة وثلاثة وثلاثون وثلث وصاحب الردئ يأخذ الباقي بالمائة وهو ستة وستون
وثلثان وهذا عين الربا وهذا مقتضى للعقد لأنه اما أن يقال لم يقتض العقد لكل منهما ملكا أصلا
أو اقتضى لكل واحد ملكا في الكل أو اقتضى ملكا في النصف على التساوي أو اقتضى ملكا
بحسب ما يتميز عند القيمة والأقسام الثلاثة الأولى ظاهرة البطلان فتعين الرابع وهو أن مقتضى العقدان
330

ما ظهر بالقيمة وإذا ظهر ذلك عند تعدد الملك فكذا عند اتحاده لأن ذلك مقتضى العقد بسبب
اختلاف النوع والقسمة لا بسبب اختلاف الملك إذ باذل الجيد لا يرضى أن يستفيد في مقابلة الجيد
ما يستفيده في مقابلة الردئ ولا باذل الثمن يبذله على التساوي بل هذا القصد ضروري في نفس
المعاقد ومطلق كلامه لا يفهم منه الا ما يقصد في عادة التعامل فكأنه صرح بمقابلة الجيد بزيادة اه‍
ثم ألزمهم بمسألة الشفعة ثم قال فان قيل التفاضل مقتضى الانقسام والانقسام يقتضى اختلاف الملك
أو اختلاف العيب أو الاستحقاق أو ثبوت الشفعة فإن لم يكن بينهما هذه الاختلافات الأربع
331

أطلقنا القول بأن الكل بالكل ولم يظهر منه تفاضل (قلنا) كان من الواجب أنه إذا وجدت هذه
الاختلافات يبطل العقد في هذه الصور الأربع وأنتم تصححون العقد مع أن مقتضى الانقسام والتفاضل
موجود اه‍ ولا يرد على ما فرضه من اختلاف الملك أن العقد غير صحيح كما لو كان لرجلين عبدين
فباعاهما بثمن واحد لأنه إنما أراد بذلك الغرض ولأنه صحيح على أحد القولين وأيضا فظاهر كلامه
يقتضى أن الخصم يقول بصحته فيصح على طريق الالزام والله أعلم * وألزم أصحابنا الخصم بالتوزيع
وإن كان يؤدى إلى بطلان العقد كما لو باع عبدا بألف نسيئة ثم اشتراه مع آخر بأكثر نقد فأن عندهم
332

لا يصح لأنه عاد إليه بالقسمة بأقل مما باع واعتذروا عن هذا الالزام بأن هنا في مسألة العبد وجوه
الصحة كثيرة بأن يجعل العقد الأول ألفا وما فوقه درهما درهما إلى أن يبقى درهم للعقد الثاني وإذا
كثرت الوجوه صار ما قابل الأول من هذه الأثمان مجهولا فبطل كما لو باع بثمن وفى البلد نقود وأبطل
أصحابنا هذا الجواب بما إذا استأجر دارا بعشرة وأحدث فيها عمارة واكراها بإحدى عشرة (1) أجرة فإنه
يمكن أن يجعل في مقابلة الدار درهما وما زاد درهما درهما إلى أن يبقى درهم في مقابلة العمارة فيبطل
العقد ولم يفعلوا بل جعلوا قدر رأس المال في مقابلة الدار والزيادة في مقابلة العمارة وصححوا (قال) أصحابنا

(1) بياض بالأصل فحرر
333

وقد تكثر وجوه الصحة في مسئلتنا وهو أن يبيع مد حنطة ومد شعير ومد تمر بمدى حنطة ومدى
شعير بمدى تمر ومد تمر بمدى حنطة والوجه الآخر أن يجعل مدى حنطة بمد شعير ومدى
شعير بمدى تمر ومدى تمر بمد حنطة وكذا مد حنطة ومد شعير بمد حنطة ومدى شعير فقد كثرت
وجوه الصحة ومع ذلك جوزتم * وألزمهم أصحابنا أيضا إذا باع مدا ودرهما بمد ودرهم وتصرفا قبل
القبض بطل العقد عندهم وان أمكن تقدير مقابله لا يشترط التقابض فيها بأن يجعل الدرهم بالمد فقد اتضح بهذه
المباحث نظرا وإلزاما اتجاه القول بالتوزيع قال الفارقي وهذا أصل مقطوع به فأن الانسان لا يبذل من العوض في
334

مقابلة الردئ ما يبذله في مقابلة الجيد على أن إمام الحرمين اعترض على هذه الطريقة بان العقد لا يقتضى في وضعه
توزيعا مفصلا بل مقتضاه مقابلة الجملة بالجملة أو مقابلة الجزء الشائع مما في أحد الشقين بمثله مما في الشق الآخر بان
يقال ثلث المد وثلث الدرهم يقابل ثلث المدين يعنى إذا باع مدا ودرهما بمدين ولا ضرورة إلى تكليف توزيع
يؤدى إلى التفاضل وإنما يصار إلى التوزيع في مسالة الشفعة لضرورة الشفعة (قال) والمعتمد عندي في التعليل
أنا تعبدنا بالمماثلة تحقيقا وإذا باع مدا ودرهما بمدين لم يحقق المماثلة فيفسد العقد (قال) الرافعي
ولناصريها أن يقولوا أليس قد ثبت التوزيع المفصل في مسألة الشفع ولولا كونه قضية العقد لكان
335

ضم السيف إلى الشقص من الأسباب الدافعة للشفعة فإنها قد تندفع بعوارض (وأما) قوله إنا تعبدنا
بتحقيق المماثلة فللخصم أن يقول تعبدنا بتحقيق المماثلة فيما إذا تمخضت مقابلة شئ منها بجنسه أم
على الاطلاق (ان قلنا) بالثاني فممنوع (وان قلنا) بالأول فمسلم ولكنه ليس صورة المسألة والاعتراض
الأول الذي اعترض به الرافعي على الإمام حق وقد نبهت عليه وعلى ما يقويه فيما تقدم نقله من
كلام الأصحاب (وأما) الاعتراض الثاني فضعيف ولا سيما في الفرض الذي فرضه وهو إذا باع مدا ودرهما بمدين
فإنه يصح في هذه الصورة أنه باع تمرا بتمر لأن الثمن الذي مع الدرهم مبيع قطعا ولا مقابل له الا
تمر ومتى صدق أنه باع تمرا بتمر وجبت المماثلة بالنص وبمحض المقابلة فمد زائد لم يدل على دليل
واعتراض ابن الرفعة على الإمام في جعله العمدة في التوزيع منسوبه للأصحاب فإنها عمدة الشافعي أيضا
وفى دعواه أن الشافعي رضي الله عنه اعتمد حديث القلادة قال ولم أر في كلام الشافعي تعرضا له
ولأجل ذلك لم يذكره البيهقي عنه بل عن الأصحاب والله سبحانه أعلم *
(فصل) إذا تقرر هذان الأصلان هان تقدير القاعدة المذكورة وليست كلها على مرتبة
واحدة بل هي ثلاث مراتب كما تقدمت الإشارة إليه تارة يختلف الجنس وتارة يختلف النوع
وتارة يختلف الوصف فلنفرد كل مرتبة بالكلام عليها (المرتبة الأولى) أن يختلف الجنس وهي التي
صدر المصنف كلامه بها سواء كان كل منهما ربويا كمد عجوة ودرهم بمدى عجوة أو بدرهمين أو بمد عجوة
ودرهم وكما إذا باع صاع حنطة وصاع شعير بصاع حنطة وصاع شعير أو صاعي حنطة أو صاعي
شعير أو دينار ودرهم بدينار ودرهم أو بدينارين أو بدرهمين أو كان أحدهما ربويا فقط كثوب
ودرهم بدرهمين أو بثوب ودرهم ولا يمكن أن يكون بثوبين لأن مال الربا حينئذ لم يتحد من
الجانين فلا يكون من صورة المسألة وكما إذا باع خاتما فيه فص بخاتم فيه فص أو لا فص فيه وهما
336

جميعا فضة أو ذهب أو سيفا محلى بفضة بدراهم أو بسيف محلى بفضة أو سيفا محلى بذهب أو بسيف
محلى بذهب أو قلادة فيها ذهب بذهب أو عبدا معه مال دراهم بدراهم أو دنانير بدنانير إذا اشترط
كون المال للمشترى نص عليه في البويطي وقد أطبق الأصحاب تبعا للشافعي على بطلان البيع في
337

ذلك كله إلا أن ينص في بيعه فيقول المد في مقابلة المد والدرهم قي مقابلة الدرهم كذلك صرح
باستثنائه جماعة من الأصحاب ابن السمعاني وصاحب العدة والماوردي والرافعي وغيرهم ولا شك فيه
واحتجوا في ذلك بحديث فضالة المتقدم وبالأصلين اللذين تقدما ووجه الجهل بالمماثلة فيه أنه يحتمل
أنه باع المد بالمد والمد الثاني بالدرهم ويحتمل غيره بأن يجعل بأكثر من المد أو بأقل منه فدل على
أنه لما باع المثل بالمثل ولن يكون كذلك إلا إذا نص على وجه لا يحتمل غيره فأما إذا أطلق هو
اطلاقا لم يحمل عليه من قبل الشرع على زعم المخالف فلا يكون هو تابعا على الوجه الصحيح فبقي
338

على الفساد ويزيد ذلك إيضاحا وهو أنه إذا باع مدا ودرهما بمدين فأما أن تكون قيمة المد الذي مع
الدرهم أكثر من درهم أو أقل أو درهما فإن كان أكثر مثل أن تكون قيمته درهمين فيكون
المد ثلثي ما في هذه الطرف فيقابله ثلثا المدين من الطرف الآخر فيصير كأنه قابل مدا بمد وثلث وإن
كانت قيمته أقل كنصف درهم فيكون المد ثلث ما في هذا الطرف فيقابله ثلث المدين من الطرف
فيصير كأنه قابل مدا بثلثي مد وإن كانت قيمته درهما فلا تظهر المفاضلة والحالة هذه لكن المماثلة فيها تستند
إلى التقويم والتقويم بخمسين قد يكون صوابا وقد يكون خطأ والمماثلة المعتبرة في الربا هي المماثلة
339

الحقيقة * هذا كلام الرافعي رحمه الله تعالى وهو مقتضى كلام أكثر الأصحاب ولا فرق في ذلك بين
أن تكون قيمة المد مثل الدرهم أو لا على مقتضى اطلاق أكثر الأصحاب وادعى إمام الحرمين اتفاق
الأصحاب عليه ولا فرق أيضا بين أن يكون المدان من نوع واحد والدرهمان من ضرب واحد أم لا
وخالف في كل منهما مخالفون (أما) الأول فقاله القاضي أبو الطيب في تعليقة إنهما لو علما قبل العقد
إن قيمة المد مثل الدرهم وتبايعا على ذلك إن ذلك جائز لأنهما متماثلان وإنما يكون ربا إذا كان
التفاضل معلوما أو التماثل مجهولا وهذا الذي قاله يبعده إن القيمة أمر تخميني لا يكتفي به في الربا
الا ترى إنه لو باع صبرة بصبرة تخمينا لم يصح وهذا الذي قاله القاضي أبو الطيب لم أر من وافقه عليه
340

إلا المصنف هنا وفي التنبيه فإن عبارته تقتضيه وتابعه على ذلك الشاشي في الحلية وابن أبي عصرون
ووافقهم الجرجاني في الشافي وأطلق أنهما إذا كانا متساويين في القيمة يجوز وأخذه الروياني من قول
الشافعي في تعليل المسألة حتى يكون التمر بالتمر مثلا بمثل وقال إن ظاهره يقتضى جواز البيع في مد
عجوة قيمته درهم مع درهم بمدى عجوة قيمة كل واحد منهما درهم لأنا إذا وزعنا الدرهم على المدين خص
كل مد نصف درهم وإذا وزعنا المد الذي مع الدرهم خص كل مد من المد الموزع نصفه فيصير بيع مد قيمته درهم
بنصف مد قيمته نصف فيقع نصف المد بإزاء نصف المد ولا يؤدى إلى التفاضل كما يؤدي إلى التفاضل
341

في الصورة الأولى ونقل عن الإمام أبى محمد الجويني أنه قال سمعت بعض من رجعت إليه وبه العصر (1) من أئمة أصحابنا
يجوز هذا البيع ويحتج بتعليل الشافعي قال الإمام الروياني وعندي أنه لم يسبق إلى هذا التخريج والذي عليه
عامة أصحابنا قديما وحديثا أن البيع باطل ههنا أيضا لأصل آخر سوى المعاملة وذلك أن التحري في مسائل الربا
ممنوع كما نص عليه قبل هذه المسألة والتقويم ضرب من التخمين ثم قال وقال القاضي الإمام الطبري
في المنهاج لا يختلف المذهب أنه يجوز في هذه الصورة إذا تحققنا المماثلة وهو الصحيح وقد تحقق ذلك
إذا اجتنيا من شجرة واحدة بحيث تتحقق المساواة ولا مجال للتحري في ذلك بوجه قال والتشكيك في مثل

(1) كذا بالأصل فحرر
342

هذا الموضع نوع من الوسواس وهذا أصح عندي والله أعلم * ولذلك جزم الروياني في الحلية بأنه لو
تحقق المساواة بأن اجتنيا من شجرة واحدة من غصن واحد يجوز ونقل عنه أنه قال في التجربة أنه
المذهب وغلط من قال بخلافه وكلهم فرضوا المسألة فيما إذا باع مدا ودرهما بمدين وشبهه ونقل القاضي
حسين فيما إذا باع مدا ودرهما بمد ودرهم والمدان من نوع واحد والدرهمان من ضرب واحد وجهين وكذلك
صاحب القيمة فيما إذا باع درهما ودينارا بدرهم وديناران والدرهمان من ضرب واحد أو باع صاع
343

حنطة وصاع شعير بصاع حنطة وصاع شعير وصاعا الحنطة من صبرة واحدة وصاعا الشعير كذلك ونقل عن القاضي
حسين أنه كان يختار الصحة في ذلك على أن كلامه في الاسرار يقتضى الفساد وهذا هو الأمر الثاني الذي وقع
الخلاف فيه وهو أخص من الأول وإن كان بينهما بعض الموافقة ويمكن أن يكون خلافا واحدا
وإنما اختلفت العبارة في تصوير المسألة واطلاق أكثر الأصحاب لم يفصلوا في ذلك وكذلك نصوص
الشافعي المتقدمة إذا تأملتها لم يعتبر فيها القيمة الا في اختلاف النوع وأما في اختلاف الجنس فإنه
344

أطلق القول بالفساد ولم يقيده وهو مقتضى التمسك بحديث فضالة المذكور لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل
عن قيمة الخرز الذي مع الذهب وهل يقتضى التوزيع تفاضلا أولا فكان الحكم عاما وذكر
الروياني من حجة المانعين إنه إذا باع درهما ودينارا بدرهم ودينار من ضرب واحد فالدينار يقابل ما يخصه
من الدينار والدرهم معا لو خرج الدينار مستحقا أو معيبا يرد بعض الدينار وبعض الدرهم باعتبار التقسيط
بالقيمة * مثاله قيمة الدينار عشرة دراهم معه درهم فالجميع أحد عشر فنجعل الدينار أحد عشر جزءا
345

فيسترد في مقابلة الدينار عشرة أجزاء من الدينار وعشرة أجزاء من درهم فيكون بين الذهب والفضة
تفاوت في القيمة فيحتاج أن يقسط الدينار على ما حصل في مقابلته من الدينار والدرهم وإذا قسطنا
يؤدى إلى التفاضل أو الجهل بالتماثل * هذا كلام الروياني ويحتاج إلى تأمل * على أن الروياني لا يختار
ذلك بل يختار الصحة كما تقدم عنه والأول هو المشهور المعتمد * وقد صرح الروياني في الإبانة بذلك
فقال لا يصح - وان قال أهل العلم - هما متفقان في القيمة لأنهم يخيرون عن الاجتهاد وربما يتفاوت
عرف أن تقييد الشيخ بالمخالفة في القيمة وجه في المهذب وإن كان الصحيح المشهور غيره (وأما) الشيخ
346

تاج الدين الفراري في شرح التنبيه فإنه قال إن ذكر المخالفة في القيمة لا معنى له فان المخالفة
فيها ليست شرطا بل لو كان التساوي مجهولا كفى في البطلان ولو كانت العجوة من شجرة واحدة
وقيمة المد درهم بحيث يغلب على الظن جعل المد في مقابلة المد والدرهم في مقابلة المد الآخر فالمذهب
البطلان قال وفيه وجه يبعد حمل كلامه على ارادته لغرابة الوجه ولان المصحح ثم اتفاق القيمة لا عدم
اختلافها ثم هو غير مطابق للمثال فان الجنس العجوة والعوض المخالف الدرهم ولا يقال في الدرهم
انه مخالف في القيمة لأنه في نفسه قيمة فلو كان كمد عجوة ومد حنطة لكان أجود (قلت) أما
347

استبعاده ارادته لغرابته فليس كذلك لأن القاضي أبا الطيب قاله كما علمت وهو شيخ المصنف فلم
يخف عنه وليس غريبا في حقه (وأما) كون المصحح على ذلك الوجه اتفاق القيمة لا عدم اختلافها
فالمدرك الذي بنيت عليه المسألة هو التوزيع والتفاوت فيه شئ غير اختلاف القيمة فلذلك جعله
وصفا في البطلان ولم يجعل عدم الاختلاف مصححا على أنه متى كان شرطا فلا بد من تحققه وليس بين
تحقق عدم الاختلاف ووجود الاتفاق واسطة فنبه الشيخ بذلك على الحالة التي يظهر فيها القول
بالبطلان (وأما) لو كان التساوي مجهولا فقد عرف من قواعد الربا أن الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة
348

(وأما) كونه لا يقال في الدرهم إنه مخالف في القيمة فعبارة المذهب سالمة عن هذا فان المخالفة في
المذهب وصف للجنس المضموم إلى الدرهم لأنه مثل بمد عجوة ودرهم بدرهمين فالمضموم إلى
الجنس الذي بيع بعضه ببعض هو العجوة وهو الموصوف بأنه يخالف الدرهم في القيمة وذلك صحيح
فان العجوة تخالف الدرهم في قيمتها بحسب ما فرض ومعنى ذلك أن قيمتها مخالفة للدرهم وليس
معناه أنها مخالفة لقيمة الدرهم حتى يرد ما ذكره (وأما) على عبارة التنبيه في أكثر النسخ المشهورة
فإنه جعل مد عجوة فالمضموم هو الدرهم وقد قال يخالفه في القيمة فمعناه أن الدرهم يخالف المد
349

في القيمة فطريق الصحيح أن يجعل المعنى أن الدرهم يخالف المد في قيمة المد لا في قيمة الدرهم
فان هذه المناقشة واردة في كلام الشيخ مطلقا سواء حمل على ذلك أم لا ولو أتى بما ذكره من
المثال لكان أوضح * واعلم أن ما قاله القاضي أبو الطيب وما حكاه القاضي وصاحب التتمة يظهر أنه
شئ واحد والمراد بذلك المثال أن تتفق القيمة حتى لا تؤدى إلى المفاضلة ويدل على هذا ما تقدم
نقله عن المنهاج للقاضي أبى الطيب حيث صوره فيما أخذ من شجرة واحدة (قال) ابن الرفعة إلا أن
350

يقال عند الاختلاف في الجانبين يعني في مثال القاضي حسين لا يحتاج إلى تقويم بخلافه من أحد
الجانبين فإنها تحتاج فيه إلى التقويم وهو حدس وتخمين (قلت) وذلك فرق ضعيف والظاهر أنه
خلاف واحد فان ثبت الفرق الذي لمحه ابن الرفعة وإلا كان في ذلك تظافر على اعتبار القيمة كما يقتضيه
كلام المصنف ويكفى ما تقدم من كلام أبي الطيب وصاحب البحر والشيخ أبى محمد فأن في ذلك
شاهدا لما ذكره المصنف وقد أطلق العبارة بعض من تكلم على التنبيه ولم يقف على هذه النقول
فقال إنه خلاف اجماع أئمة المذهب وليس كما توهمه والله أعلم * وأبو علي الفارقي تلميذ المصنف حكى
351

الوجهين في المسألة وضعف الوجه القائل بالمنع فوافق المصنف فالله أعلم وذكر ابن الرفعة أيضا في الخلاف
الذي ذكره القاضي حسين وصاحب التتمة أن له عنده التفاتا على أن من نصفه حر ونصفه عبد إذا قتل مثله
هل يجب عليه القصاص فطريقة العراقيين جريان الخلاف وطريق المراوزة المنع وهي المصححة (قلت) وذلك
غير متجه لأنه لا يوزع مع هناك فلا يلزم من ثبوت القصاص هناك لأجل المساواة الظاهرة جواز
البيع هنا لضرورة التوزيع ولذلك نجزم بالمنع عند اختلاف القيمة بخلافه هناك والله أعلم * وأطلق أئمة
المذهب أيضا البطلان في جميع العقد إلا صاحب التتمة فإنه قال لا يصح البيع عندنا في المد الذي
352

مع الدرهم وفيما يقابله من المدين وفى الدرهم وما يقابله من الدرهمين وفى المد وما يقابله قولان وكذا
إذا باع دينارا أو درهما بدينارين أو بدرهمين فالعقد في القدر الذي قابل الجنس باطل وفى الباقي
قولان ووافقه على ذلك الروياني في البحر قال الرافعي ويمكن أن يكون كلام من أطلق محمولا
على ما فصله وفيه نظر لأن التقسيط لو اعتبر في هذه المسألة لصح فيما إذا اتفقت القيمة والرافعي مع
الجمهور في عدم الصحة فعلى ما قاله صاحب التتمة ومال إليه الرافعي لا وجه للابطال لأنا إذا صححنا
في الدرهم بمد بناءا على تفريق الصفقة يبقى مد في مقابلة مد بغير زيادة فلو أبطلناه لكان بغير موجب
والعذر عن عدم تخريجه على تفريق الصفقة أن التقويم لما لم يكن معتبرا في الربويات لكونه تخمينا
بطل اعتباره مطلقا فلا يعلم القدر المقابل من المدين للمد فيصير المقابل منهما للمد مجهولا ومن ضرورته
أن يكون المقابل للدرهم مجهولا بخلاف الجمع بين العبد والحر فأن الشرع لم يسقط اعتبار التقويم
فيهما وحاول ابن الرفعة جوابا آخر عما قاله صاحب التتمة فقال الفرق على طريقة الجمهور أن عند
غيره غير قابل للصحة بحال لتميزه فأمكن قصر البطلان عليه ولا كذلك ما قابل الجنس فإنه قابل
للصحة بالطريق الذي سلكه أبو حنيفة رحمه الله وإذا قبلها لم يمكن قصر البطلان عليه وقرب مما إذا
تزوج خمس نسوة في عقد لا يصح ولا يقول بطل في واحد وفى الباقيات قولا تفريق الصفقة نعم
صاحب الذخائر أغرب فقال في صحته في أربع نسوة قولا تفريق الصفقة وعلى الجملة بالخبر يرد طريقة
353

المتولي إلا أن يقول كان المذهب فيه هو المقصود والجور تابع فلذلك لم ينظر إليه (قلت) وتمسكه
في هذا الفرق بمسلك أبي حنيفة سهل على ضعفه فانا لا نخشى أن نجعل الجواب على مذهبنا مستندا
إلى شئ لا نقول به والله أعلم (نعم) إنما يقوى هذا البحث من القاضي أبى الطيب وموافقيه القائلين
بالصحة عند اتحاد القيمة فعند اختلافها يمكن دعوى التخريج على تفريق الصفقة ثم فيه نظر من جهة
أن هذا العقد صفقة واحدة وهي من عقود الربا فبطلت جملة الا ترى أنه لو اشترى في العرايا أكثر
من خمسة أوسق في عقد واحد أنه يبطل ولا يتخرج على تفريق الصفقة وعلله القاضي الماوردي بأنه
بالزيادة على الخمسة قد صار مزابنة والمزابنة فاسدة ومع ذلك ففيه نظر يحتاج إلى مزيد تأمل والله عز
وجل أعلم * ويمكن أن يتمسك بحديث القلادة المذكورة في رد ذلك فان النبي صلى الله عليه وسله منع ذلك ورده
حتى يفصل وعلى ما قاله صاحب التتمة يبطل في الذهب وما يقابله من الذهب وفى والخرز وما يقابله
قولا تفريق الصفقة فيستدل بالحديث على أحد الامرين (أما) بطلان التخريج في ذلك على تفريق
الصفقة (واما) أن الصحيح أن الصفقة لا تفريق والله أعلم * إذا تحذر المذهب في ذلك فقد وافقنا
على المنع في هذه الرتبة من الصحابة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وروى محمد بن عبد الله السعيني
عن أبي قلابة عن أنس قال (أتانا كتاب عمر ونحن بأرض فارس لا تبيعوا
سيوفا فيها حلقة فضة بالدراهم) وفضالة بن عبيد وقد تقدم الأثر الدال عنه على ذلك وروى فيه عن
354

علي شئ محتمل وصح عن ابن عمر أنه كان لا يبيع سرجا ولا سيفا فيه فضة حتى ينزعه ثم يبيعه وزنا
بوزن ومن البائعين ابن شهاب الزهري كان يكره أن يشترى السيف المحلى بفضة ويقول اشتره
بالذهب يدا بيد * وابن سيرين كان يكره شراء السيف المحلى الا بعرض ويقول إذا كانت الحلية
فضة اشتراها بالذهب وإن كانت الحلية ذهبا اشتراها بالفضة فإن كانت ذهبا وفضة اشتراها بالذهب
وإن كانت الحلية ذهبا اشتراها بالفضة فإن كانت ذهبا وفضة فلا تشتريها بذهب ولا بفضة واشترها
بعرض وشريح القاضي سئل عن طريق ذهب فيه فصوص أيباع بالدنانير قال تنزع الفصوص
ثم يباع الذهب بالذهب وزنا بوزن وعن ابن سيرين والزبيري قالا جميعا يكره أن
يباع الخاتم فيه فضة بالوزن وعن إبراهيم النخعي أنه كان يكره أن يشترى ذهبا وفضة بذهب وقال
حماد أراد أن يشترى ألف درهم بمائة دينار ودرهم فمنع من ذلك وقال لا ولكن اشترى ألف درهم غير
درهم بمائة دينار وكل هذه الآثار بأسانيد صحيحة وروى مثل ذلك أيضا عن سلم بن عبد الله
والقاسم بن محمد ووافقنا من الأئمة أحمد بن حنبل في المشهور واسحق وأبو ثور وخالفنا في ذلك جماعة
355

روى المغيرة بن حنين عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه (انه أتاه رجل وهو يخطب فقال يا أمير
المؤمنين ان بأرضنا قوما يأكلون الربا قال علي وما ذاك قال يبيعون جامات مخلوطة بذهب وفضة
بورق فنكس علي رأسه وقال لا أي لا بأس به) المغيرة ابن حنين ذكره البخاري في تاريخه عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال (لا بأس ببيع السيف المحلى بالدراهم) وعن إبراهيم النخعي قال كان خباب
356

فينا وكان ربما اشترى السيف المحلى بالورق) وعن طارق بن شهاب قال (كنا نبيع السيف المحلى بالفضة
ونشتريه ومن البائعين الحكم بن عيينة سئل عن ألف دينار وستين درهما بألف درهم وخمسة دنانير
قال لا باس ألف بألف والفضل بالدنانير) وعن الحسن وإبراهيم والشعيبي قالوا كلهم (لا بأس بالسيف
فيه الحلية والمنطقة والخاتم بان يبتاعه بأكثر ما فيه أو بأقل ونسيئة وعن مغيرة قال (سألت إبراهيم
357

النخعي عن الخاتم أبيعه نسيئة فقال أفيه فص فقلت نعم فكأنه هون فيه) وهذا فيه بعض المخالفة لما
تقدم عن إبراهيم ويمكن الجمع بينهما إن كان يفرق بين أن يكون المضموم إليه ربويا أو غيره وعن ابن سيرين
وقتادة لا بأس بشراء السيف المفضض والخوان والقدح بالدراهم) وعن حماد ابن أبي سليمان سئل عن
السيف المحلى يباع بالدراهم فقال لا بأس به هذه من طريق الرواية المتقدمة عنه في الموافقين
من طريق حماد بن سلمة وروي عن سليمان بن موسى ومكحول مثل ما روى عن
358

هؤلاء وعن الشعبي أنه كان لا يرى بأسا بالسيف المحلى يشترى نقدا ونسيئة ويقول فيه الحديد
والحمائل وعن الحكم بن عيينة في السيف المحلى يباع بالدراهم إن كانت الدراهم أكثر من
الحلية فلا بأس به ومثله أيضا عن الحسن وإبراهيم وهو قول سفيان * وعن إبراهيم النخعي قول آخر
في الذهب والفضة يكونان جميعا قال لا يباع الا بوزن واحد منهما كأنه يلغي الواحد (وأما) الأئمة
بعدهم فقال الأوزاعي إن كانت الحلية تبعا وكان الفضل في الفضل جاز بيعه بنوعه نقدا وتأخيرا
359

وقال مالك إن كانت فضة السيف المحلى بالفضة والمصحف كذلك والمنطقة أو خاتم الفضة يقع في
الثلث من قيمتها من النصل والغمد والحمائل ومع المصحف ومع الفص وكان حلي النساء من الذهب
والفضة تقع الفضة أو الذهب في ثلث القيمة الجميع مع الحجارة ما قل جاز بيع كل ذلك بنوعه أكثر مما
فيه ومثله وأقل نقدا ولا يجوز نسيئة فإن كان أكثر من الثلث لم يجز أصلا وقال أيضا لا يجوز بيع
360

غير ما ذكرنا يكون فيه فضة أو ذهب بنوع ما فيه منهما قل أو كثر كالسكين المحللات بالفضة أو
الذهب أو السرج كذلك وكل شئ كذلك إلا أن يكون ما فيه من الفضة والذهب إذا نزع لم
يجتمع منه شئ له بال فلا بأس حينئذ ببيعه بنوع ما فيه من ذلك نقدا أو بتأخير وكيف شاء
وقال أبو حنيفة كل شئ يحلى بفضة أو ذهب فجائز بيعه بنوع ما فيه من ذلك إذا كان الثمن أكثر
مما في البيع من الفضة أو الذهب ولا يجوز بمثل ما فيه من ذلك ولا بأقل ولا بد من قبض ما تقع
361

الفضة أو الذهب من الثمن قبل التفرق وجواز أن يباع مد عجوة ودرهم بمدى عجوة وشبهه * وقال
يكون المد في مقابلة المد والمد الاخر في مقابلة الدرهم حتى قال لو باع مائة دينار بدينار في خريطة
مع الخريطة جاز ويكون دينار من المائة في مقابلة الدينار وبقيتها في مقابلة الخريطة وقد تقدمت الإشارة
إلى شئ من حجته والجواب عنها * وتكلموا على الحديث الذي اعتمدنا عليه بالاختلاف في طرقه وبأنه
يحتمل أن يكون الذهب الذي في القلادة أكثر من الذهب الذي هو الثمن واعتضدوا في ذلك
بالرواية التي فيها أنه فصلها فجاءت اثني عشر دينارا وقد تقدم الجواب بأنها قصتان وأيضا فان النبي
صلى الله عليه وسلم (لم يستفصل) وأناط المنع بوصف وهو عدم التمييز فدل
362

على أنه هو العلة لا غيره وأما الراوي قال إنما أردت الحجارة فحمله على
أن الذهب فيها كان أكثر من الذهب الذي هو ثمن بعيد والله أعلم * وعن
طاوس أنه لا بأس بدينار ثقيل بدينار أخف منه ودرهم وعن الحكم في الدينار الشامي بالدينار
الكوفي وفضل الشامي فضة قال لا بأس به وعن مجاهد قال لا بأس به وعن إبراهيم أنه كرهه وعن
ابن سيرين أنه سئل عن مائة مثقال بمائة دينار وعشرة دراهم فكرهه روى ذلك ابن أبي شيبة ومعنى
فضل الشامي فضة أن الشامي أثقل من الكوفي فيأخذ بالفضل فضة * وصح عن سفيان الثوري
من طريق ابن أبي شيبة أيضا أنه كره عشرة دراهم بتسعة وفلس ولم ير بأسا بعشرة دراهم بتسعة دراهم
363

وذهب ولم أفهم الفرق بين الصورتين من جهة كون الذهب نقدا والفلوس ليس بنقد *
(فرع) من هذه المرتبة باع خاتم فضة فيه فص بفضة لا يجوز * وإن باعه بذهب ففيه
القولان في الجمع بين بيع وصرف وهو نظير ما ذكره الشافعي في العبد إذا كان معه دراهم
وباعه وبيع الذهب الابريز بالهروي وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى والله أعلم * ومن فروع
قاعدة مد عجوة بعض المختلطات كالسكر المختلط ببعض اللبون إذا بيع بمثله باطل * قاله الإمام قال
الروياني كل ما خلط من شيئين فلا يجوز بيع بعضه ببعض *
(فصل) المرتبة الثانية من قاعدة مد عجوة أن يختلف النوع أو الصفة من الطرفين أو من
أحدهما كما إذا باع مد عجوة ومد برنى بمدى معقلي أو قفيز طعام وقفيز طعام ردئ بقفيزين من طعام
جيد أو ردئ أو جيد وردئ أو باع مائة دينار جيد ومائة دينار ردئ بمائتي دينار جيد أو ردئ
364

أو وسط أو مائة دينار جيدة أو مائة دينار رديئة أو دينارا قاسانيا ودينارا سابوريا بقاسانيين أو
سابوريين أو بقاساني وسابوري أو قاساني وأبريزي بقاسانيين أو أبريزيين أو قاساني وأبريزي أو
دينارا صحيحا ودينارا مكسورا بدينارين صحيحين أو مكسورين أو صحيح ومكسور أو ذهب درة بيضاء وذهب درة حمراء بذهبي درة بيضاء أو حمراء أو دراهم صحاحا وغلة بدراهم صحاحا وغلة أو دينار مغربي ودينار سابوري بدينارين مغربيين أو حنطة حمراء وسمراء ببيضاء وإلى هذه المرتبة أشار الشافعي
365

رضي الله عنه بمسألة المراطلة التي قال فيها ولو راطل بمائة دينار عتق مراونية ومائة دينار
من ضرب مكروه بمائتي دينار من ضرب وسط وبقوله في مختصر البويطي إذا صارفه خمسين قطاعا
وخمسين صحاحا بمائة صحاح وبقوله في الاملاء والام الذي تقدم نقله عنه في التمر البردي والعجوة أو
اللوز بالصحاني والمشهور عند جمهور الأصحاب البطلان في هذه المرتبة أيضا وإلحاقها بالمرتبة الأولى
وقد عرفت قوله في مختصر البويطي وقد قيل يجوز خمسين قطاع وخمسين صحاح بمائة صحاح وهذا
القول الظاهر أن المراد منه قول بعض الأئمة المتقدمين كما ذكره في الاملاء وليس بقول الشافعي فلذلك
366

لا يحكى عن الشافعي خلاف في ذلك وهل هو من نقل الشافعي أو البويطي ظاهر كلام القفال
الثاني فإنه قال ما حكى البويطي أنه يجوز فليس بشئ والأقرب أنه من كلام الشافعي لأنه في
الاملاء ووافق القفال على أن ذلك من كلام البويطي صاحب التلخيص وجعله عائدا إلى جميع
صور اختلاف النوع في التمر والنقد وقد حكى وجه في طريقة الخراسانيين روى عن حكاية صاحب
التقريب وغيره أن صفة الصحة في محل المسامحة ورأي أن التفاوت في الصحة لا يضر وحكي الفوارني
وغيره وجهين في بيع الصحاني والبرني بالصحاني أو البرني والصحاني وفى بيع الصحيح والمكسور
بالصحيح أو المكسور أو بهما وفى الجيد والردئ بالجيدين أو الرديئين وأشار القاضي حسين إلى
367

حكاية هذا الوجه في الصحيح والمكسور وحكاية القفال في شرح التلخيص عن بعض أصحابنا لكن
حكاه في صورة بيع الصحيح بالمكسور والصحيح وسكت عنه وعلله بأن صاحب الصحاح حاكي
وحكاه في مسألة بيع الصحاح والمكسر بالصحاح والمكسر ورد عليه (وأما) مسألة بيع الصحاح
والمكسر بالمكسر فجزم بالبطلان ولم يحك فيها خلاف والقياس جريانه وجزم القفال أيضا في مسألة
الدنانير العتق والجدد بمثلها أو بجدد أو عتق بالبطلان وصرح صاحب البيان بحكاية الوجه عن
بعض أصحابنا الخراسانيين في نوعي الجنس الواحد مطلقا وقد تقدم منى التنبيه في فرع ذكره
368

القاضي أبو الطيب إذا اشترى دنانير بدنانير فوجد ببعضها عيبا من جنسها كان البيع باطلا وخالفه
الشيخ أبو حامد والمحاملي والماوردي ونبهت على أن مخالفتهم إنما تتم إذا فرعنا على هذا الوجه مع أنهم
في هذا الموضع صرحوا بأنه لا يجوز بيع الجيد والردئ بالجيد والردئ وابن الصباغ قال في ذلك
إن الذي يجئ على المذهب ما قاله القاضي أبو الطيب والامر كما قال وهذا الوجه موافق لمذهب
أبي حنيفة رحمه الله وأحمد في المشهور من مذهبه غير أن أبا حنيفة طرده عند اختلاف الجنس كما
369

تقدم على التفصيل المذكور وهذا القائل من أصحابنا وأحمد لم يطرداه بل خصاه باختلاف النوع لا غير
وصاحب التقريب قصره على الصحيح والمكسور وكذلك إمام الحرمين وافق على ما قاله صاحب
التقريب وقال إن التوزيع في أصلها باطل عندي وهو في هذه الصورة نهاية الفساد فأن الصفقة إذا
انطوت على عشرة من جانب نصفها مكسورة وعلى عشرة على هذا الوجه من الجانب الثاني فتكلف
التوزيع في هذا غلو واشتغال بجلب التفاضل على مكلف وقد صارت المماثلة محسوسة بين الجملتين
ثم هو في وضوحه في المعنى يعتضد بما يقرب ادعاء الوفاق فيه فما زال الناس يبيعون المكسرة بالصحاح
370

والمكسرة لو قسمت لكان فيها قطع كبار وصغار والقيمة تتفاوت في ذلك تفاوتا ظاهرا ثم لم يشترط
أحد تساوى صفة القطاع فقد خرجت هذه المسائل على ما ذكرناه أولا فمن راعى التوزيع أفسد
البيع ومن تعلق بما ذكرناه حكم بالصحة لتحقق تماثل الجملتين ولأجل هذا الكلام من الإمام
قطع الأرعياني (1) على ما حكى عنه في فتاوي النهاية بالصحة وهو المختار لما سنذكره وأشار الغزالي رحمه
الله تعالى في الوسيط إلى ترجيحه (وقال) في البسيط إن القياس الصحة قال ولا يزال الناس يتبايعون
الدارهم وهي تشتمل على الصحاح والمكسرات والمكسرات منها تشتمل الكبار والصغار وكذلك

(1) كذا بالأصل فحرر
371

الدنانير تشتمل على أنواع مختلفة يعرف الصيارف صرفها وفضل بعضها على بعض ولم يتكلفوا قط تمييزها
وكذلك التمر إذا بيع بالتمر ويشتمل الصاع على تمرات رديئة وأخرى جيدة ولو فصلت لتفاوتت
قيمتها وابطال بيعها بعد واعلم أن هذه المسائل التي استشهد بها فيها توقف لأن صاحب التتمة ثم
صاحب البحر ذكر أنه ان ميز بين صغار التمر وكباره فباع صاعا من الصغار وصاعا من الكبار بصاع
من الصغار وصاع من الكبار فالحكم كالحكم فيما باع ردهما ودينارا بدرهم ودينار وهما من ضرب
372

واحد فأما إذا لم يميز بين الصغار والكبار ولكن أراد أن يبيع صاعين بصاعين فلا شك أنه يشتمل
كل عوض على الصغار والكبار فما حكم العقد اختلف أصحابنا فمنهم من قال إذا كان بين أحد العوضين
تفاوت لا يصح العقد وان لم يكن متميزا والشرط في بيع مال الربا بجنسه ان تتساوى اجزاء كل واحد
من العوضين لأن الاختلاف بين الاجزاء يقتضى أن يفرد البعض عن البعض وتحقيق المقابلة
والتقسيط يؤدى ذلك إلى الربا وهو اختيار القاضي الإمام حسين ومن أصحابنا من قال إذا باع صاعا
بصاع وفى كل واحد منهما صغار وكبار إن كان الصغار ظاهرة فيما بين الكبار بحيث يتعين ذلك
373

ذلك للنظار لكنه من غير تأمل فلا يصح العقد وان لم تكن الصغار ظاهرة فيها بين الكبار فالعقد
صحيح وصار كما لو باع أرضا وفيها معدن ذهب بذهب إن كان المعدن ظاهرا لا يصح العقد وإن لم
يكن ظاهرا يصح العقد فعلى هذا يحتاج أن يفرق بين أن تكون الصغار مختلطة بالكبار وبين أن
تكون مفردة لأنه لو التقط الصغار عن الجملة وميزها عنها ثم باع الصغار والكبار بالصغار والكبار
فيكون الحكم على ما تقدم والفرق أن عند التمييز كل نوع مقصود في نفسه وعند الاختلاط الجملة
مقصودة وكل نوع في نفسه غير مقصود وتظهر هذه المسألة أن عند الاختلاط لو باع صاعين بدرهمين
374

ثم خرج أحد الصاعين مستحقا يسترد بإزائه درهما من الجملة وإذا كانت الصغار مفردة عن الكل
فخرج أحد القسمين مستحقا لا يسترد بإزائه درهما من الثمن وإنما يسترد ما يقابله باعتبار القيمة *
انتهى كلام صاحب التتمة وملخصه عند عدم التمييز وجهان (أحدهما) لا يصح مطلقا (والثاني)
إن كانت ظاهرة تظهر من غير تأمل لم يصح والأصح والوجهان ضعيفان والصواب الصحة مطلقا
عند عدم التمييز سواء ظهرت أم لم تظهر فأن في صحيح مسلم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا بنى عدى
الأنصاري فاستعمله على خيبر فقدم بتمر خبيب فقال رسول صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا قال لا والله
375

يا رسول الله انا نشتري الصاع بالصاعين من الجمع فقال رسول صلى الله عليه وسلم لا تفعلوا ولكن مثلا بمثل أو
بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا وكذلك الميزان) وجه الدلالة أن الجمع اسم لما يجمع أنواع التمر وقد
خيره النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يشتري صاعا من الخبيب بصاع منه وبين أن يشترى بثمنه ولم يفصل النبي
صلى الله عليه وسلم بين أن يكون بعض الأنواع ظاهرا من ذلك أولا مع أن الجمع يظهر الاختلاط فيه وإن كان
غير متميز والله أعلم * وأما إذا كان كل نوع متميزا منفصلا ففي الحاقه بما يدل عليه الحديث نظر
أن المختلط لا يوزع أهل العرف الثمن عليه بل يقومون شيئا واحدا والتمييز يقوم أهل العرف كل واحد
على حدة والله أعلم * وبما ذكرته وما قاله صاحب التتمة يظهر وجه الاعتراض على ما استشهد به
376

الإمام والغزالي فعند عدم التميز الحق ما قاله الإمام استدلالا بالحديث وهو الذي أورده صاحب
التهذيب وعند التمييز الصحيح عند جمهور الأصحاب البطلان قال الروياني وأصحاب أبي حنيفة
يلزمون هذه المسألة فيقولون إن خلط الصحاني بالبردي أو الكبار بالصغار ثم باع صاعا بصاع يجوز
عندكم ولو أفرد كل واحد ثم باع لم يجز قال وهذا مشكل إن سلمنا والصحيح ما ذكرنا يعني
من التفصيل الذي ذكره هو وصاحب التتمة والله أعلم * (وجه الاعتراض) على ما استشهد
به الإمام والغزالي والصحيح عند جمهور الأصحاب البطلان وهو مذهب مالك واختاره القاضي
377

أبو يعلي من الحنابلة وعن أحمد رواية بمنع ذلك في النقد وتجويزه في التمر لأن الأنواع في غير الأثمان
يكثر اختلاطها ويشق تمييزها ثم إن صاحب التقريب على ما قاله الإمام احترز في الوجه الذي حكاه
عن مسألة نص الشافعي رضي الله عنه في المراطلة بما يقتضى عدم طرده فيها فان الشافعي فرض
مسألة المراطلة في العتق وهي نفيسة والمروانية وهي دونها ثم فرض من الجانب الثاني مائتي دينار وسطا
حتى لا يتحقق معنى المسامحة وإذا لم يتحقق ذلك اقتضى العقد من الشقين طلب المعاينة وهذا يقتضى
التوزيع وهو يفضي إلى التفاضل لا محالة فلأجل ذلك لا يعرف خلاف في مسألة المراطلة وإن نقل
الخلاف في مسألة الصحاح والمكسرة لكن إمام الحرمين قال إن قياسه يقتضى القطع بالصحة في
378

مسألة المراطلة قال وما ذكرته في هذه الصورة من التصحيح رأى رأيته وهو خارج عن مذهب
الشافعي رحمه الله وأصحابه وتابعه القرافي في البسيط وقال إنه ليس يتبين فرق بين مسألة المراطلة وبين
ما لو باع خمسة مكسرة وخمسة صحيحة بمثلها وقد ذكر الأصحاب في هذه المسألة خلافا ولم يذكروا في
مسألة المراطلة خلافا ثم قال في آخر كلامه هذا نقل المذهب ووجه الاشكال وقد قال
الغزالي في كتابه المسمى - بمأخذ الاشراف على مطالع الانصاف في مسائل الخلاف - إن الطريقة المتقدمة
يعني طريق التوزيع والجهل بالمماثلة لا تأتى في مسائل هذه المرتبة كمسألة المراطلة ومسألة الصحاح
والمكسرة وقال ابن أبي الدم في قول القاضي أبى الطيب بصحة العقد إذا علما أن قيمة المد مثل
379

الدرهم كما تقدم أنه قريب من مسألة المراطلة التي خالف الإمام صاحب المذهب فيها فأن للنظر فيها مجالا
وذلك أنه راطل مائة دينار عتق ومائة مروانية بمائتي دينار وسط فان فرض مساواة الوسط
للمائتين العتق والمروانية في القيمة صح العقد كما هو مذهب القاضي أبى الطيب وإن فرض التفاضل
أو الجهل بالتماثل وجب القول بالفساد قطعا يعنى على رأى الإمام أيضا لما ذكره من العلة قال الغزالي
ويتجه لهم يعنى للخصم في هذه الصورة التمسك بقوله عليه السلام (الذهب بالذهب وزنا بوزن)
380

وقد قال في آخر الحديث (جيدها ورديئها سواء) (قلت) لم أر هذا اللفظ في حديث * والحنفية
استندوا إلى حديث عبادة كذا في شرح الميرغيناني للهداية والله أعلم * قال وحققوا ذلك بأن
الواجب مقابلة الذهب بالذهب بوزن العين لا برعاية الصفة ولو روعيت الصفات لما تصور تصحيح
بيع صاع من تمر إذ ما من صاع إلا ويشتمل على تمرات رديئة مختلفة لو ميزت لاختلفت قيمتها وذلك
مما لا يرعاها الشرع قطعا ولا فرق بينها وبين محل النزاع فإنه لازم على مساق المذهب فنقول قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم (جيدها ورديئها سواء) إن كان حديثا أراد به ما إذا اتحد الجنس فاما إذا اختلف
381

النوع فهو مستخرج بالدليل وهو أن المماثلة في المعاملة قد تعبدنا بها والتوزيع يفضى إلى مفاضلة لا
محالة بدليل أن الدينار الجيد لو كان لواحد والدينار الردئ لآخر لا يتقاسمان الدينارين بالسوية بل
يستحق صاحب الجيد زيادة ولا يستند استحقاقه لملك الزيادة إلى القسمة إذا القسمة إفراز للحق لا يزيد به الحق
ولا ينقص فليس ذلك الا لاقتضاء العقد هذه المقابلة عند تعدد العاقد فلا تختلف المقابلة باتحاد العاقد
ثم قال هذا طريق التوزيع وفيه غموض لا ينكره من تأمله وهو الاستدلال الذي استدل به الفراقي
لهم من الحديث وقد ذكره كذلك المتقدمون والمتأخرون من الموافقين والمخالفين وذكروا أيضا قوله
صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة (لا تبيعوا الذهب بالذهب) إلى أن قال (الا مثلا بمثل سواء بسواء) قالوا ما
جاز بيع الفضة بالفضة والذهب بالذهب سواء بسواء ولم يفرق بين أن تجمع الصفقة نوعا واحدا أو
382

نوعين وكذلك قال في الطعام (إلا كيلا بكيل) قالوا ولأنه إما أن يكون الاعتبار المساواة في
المقدار أو في القيمة لا جائز أن تكون في القيمة لأنه لا خلاف أنه إذا باع درهمين صحيحين بمكسورين
يجوز وإن كانت قيمة الصحاح أكبر وأجاب الشيخ أبو حامد وغيره بأن الخبر حجة لنا لأنه قال
(إلا سواء بسواء) وليس سواء بسواء وإنما جاز في الدرهمين الصحيحين بالمكسورين لأنه متفق وليس كذلك
في مسألتنا وأما اعتبار المماثلة فإنما التماثل بالقدر غير أن القيمة كما قال الماوردي يعرف بها تماثل القدر
وتفاضله والله أعلم * وبعد أن ذكر الجوزي طريق التوزيع قال واستدل المديني بهذا الدليل ثم ذكر
أنه لابن سريج وزعم أنه تعد لأنه يلزمه المنع من صاعي برني بصاعي سهرير بجواز أن يستحق
أحدهما صاعي السهرير فيرجع صاحبه بقيمته من البرنى وهو نصف صاع فيصير إلى أن أعطى صاعا
ونصفا برنيا بصاع من سهرير قال فإن كان اقتحم المنع من ذلك ولا أراه فاعله لزمه أن لا يجيز التمر
بالتمر حتى يكونا متماثلي القيم على أنه قد تنخفض قيمتهما بعد ذلك فيدخل ما خافه وهذا الاعتراض
383

ضعيف لأن صاع السهرير مقابل بصاع من البرنى لا غير وقد أبطله الجوزي وبسط الكلام في
ابطاله والله أعلم * واعلم أن المرتبة الأولى اعتضدنا فيها بحديث القلادة وأما في هذه المرتبة فلا دلالة فيه
لأن القلادة اختلف الجنس فيها فلم يبق لها هنا الا التمسك بالمعنى والنظر في الحاق هذه الرتبة بالأولى
ولذلك خالف في هذه بعض من وافق في الأولى * ومذهب مالك في مسألة المراطلة كمذهب الشافعي
رحمهما الله قال ابن عبد البر وأما الكوفيون والبصريون فجائز ذلك كله عندهم لأن ردئ التمر
وجيده لا يجوز الا مثلا بمثل *
(فرع) قال الماوردي إذا باع مائة درهم صحاحا ومائة درهم غلة بمائة درهم صحاح ومائة درهم
غلة فان اختلف جوهر الصحاح من هذا العوض وجوهر الغلة من هذا العوض لم يجز والا فوجهان
384

وهذا يبين محل الخلاف وهو ما إذا كانت راجعة لأمر زائد على جوهر العوضين أما إذا اختلف
جوهر العوض مع المضموم فيبطل جزما هكذا يقتضيه هذا الكلام *
(فرع) ذكر القاضي أبو الطيب في مسألة المراطلة علة الجواز في بيع الدينار الجيد بالردئ أن أجزاء الجيد
متساوية القيمة وأجزاء الردئ متساوية القيمة ومقتضى هذه العلة أنه لو فرضت الرداءة في طرف
من الدينار وبقيته جيد أنه لا يجوز بيعه بجيد ولا ردئ ولا بمثله والظاهر خلافه لأن الدينار شئ
واحد لا يوزع الثمن على أجزائه القيمة وإنما يقصد جملته ولو فرض اختلاف رداءته كالصاع من التمر
المختلط والله أعلم *
(فرع) أطلق صاحب التلخيص تبعا للشافعي وللأصحاب أنه لو باع عتقا وجددا بعتق
وجدد متماثلين في الوزن لم يجز وينبغي أن يقيد ذلك بما إذا اختلفت قيمة العتق والجدد أو كان
الغرض يختلف بها أما إذا لم يختلف كما هو الواقع اليوم فينبغي ان لا يضر ذلك *
385

(فرع) جعل نصر المقدسي من جملة الأمثلة في هذه المرتبة دينار صحيح ودينار رباعيات
بدينارين صحيحين أو رباعيان قال وكذلك في الدراهم (قلت) ومقتضى ذلك أنه لو باع درهما بنصفين
وزنهما درهم لم يجز وإن كان الرواج واحدا وهو يبين مرادهم بالمكسور وإنما نبهت على ذلك لأنه قد يتوهم
أن المكسور والمقطوع الذي لا يروج رواج الصحيح وكذلك عن نصر رحمه الله تعالى من هذه
المرتبة مد حنطة شامية ومد حنطة مصرية بمدين مصريين أو شاميين في (1) أنه من كلام الشافعي فلينظر *
(فرع) من فروع هذه المرتبة لو باع ذهبا مصوغا وذهبا غير مصوغ بذهب مقتضى المذهب
أنه لا يجوز لأن الثمن يوزع عليهما لأن المصوغ متقوم مخالف لغير المصوغ أما لو باع ذهبا مصوغا
بذهب غير مصوغ جاز ونقلوه عن نص الشافعي (فائدة) قال صاحب التخليص الربا لا يقع
من طريق القيمة الا في أربع مواضع وذكر هذه الأمثلة المتقدمة في قاعدة مد عجوة وأنت إذا
وقفت على ما تقدم علمت أن ذلك ليس اعتبارا للقيمة فحسب والله أعلم *
386

(فرع) أطلق صاحب التهذيب والرافعي أنه إذا خلط الجيد بالردئ أو الحنطة النقية
بالبخسة ثم باع صاعا منه بمثله أو باع بصاع ردئ جاز لأن أحد النوعين إذا لم يتميز عن الآخر
لا يوجب التوزيع بالقيمة بل تتوزع الاجزاء فيصير كما لو باع جيدا بردئ فيحتمل أن يكون مراده
ما قاله صاحب التتمة فيما تقدم إذا لم يظهر من غير تأمل ويحتمل أن يكون مطلقا كما أخبر به استدلالا بالحديث
وقياس ذلك أنه إذا خلط نوعين من الذهب وضربهما دينارا واحدا أو خلطه بمثله أو خلط دنانير أو
دراهم من نوعين حتى صارت لا تتميز ثم باعها بمثلها يصح فلو خلط جنسا بجنس آخر ثم باعه بأحدهما
مقتضى كلام القاضي حسين أنه يصح أيضا فإنه قال بعد أن ذكر أن التمر الهندي مع التمر المصري
جنسان قال وبيع مدي كرماني ومد بصري بمد تمر شحري إن كان منفردا يجوز وإن كان مجتمعا
لا يجوز (قلت) ومراده بالشحري الهندي وأما الكرماني فيتعين أن يكون مراده به نوعا من الهندي
لأنه لو كان نوعا من البصري جاز مطلقا لاختلاف الجنس وإن كان نوعا من الهندي فقد باع الهندي
بالهندي مع جنس آخر فأن كان للاختلاط مسوغا كذلك فليكن مسوغا في سائر صور اختلاف
الجنس كقمح وشعير مختلطين بقمح والمعروف أنه لا يجوز والله أعلم *
387

(فرع) إذا ثبت أن اختلاف النوع نص كما هو المذهب المشهور فيصير بيع الربوي بجنسه
مشروطا بأربعة شروط (الحلول والتماثل والتقابض وكون كل عضو من نوع واحد) وقد نبه أبو حامد
في الرونق على ذلك وجعل هذا الشرط الرابع من شروط الصرف وكذلك المحاملي في اللباب وما
أقدر الكتابين أن يكونا كتابا واحدا ثم لنتنبه لأمور (أحدها) أن الأصحاب أطلقوا اختلاف النوع واختلاف
الصفة ولم يبينوا النوع من الصفة وكان المراد بالصفة الجودة والرداءة والصغر والكبر والمراد بالنوع اختلاف
أنواع التمر وشبهه لكن عد الصحة والتكسير في الوصف أقرب من عدها في النوع والامر في ذلك
قريب فان الحكم متحد فان المذهب المشهور المنع في الجميع (والوجه) الذي حكاه الفوراني الجواز
في الجميع نعم وجه صاحب التقريب مختص بالصحاح والمكسرة واحترز فيه كما تقدم عن مسألة المراطلة
ولا يظهر بين الصحة والتكسير وبين الجودة والرداءة منقدح والله أعلم (الثاني) أن اختلاف القيمة هل
يشترط في النوعين كما قيل به في الجنسين على وجه قد علمت ما يقتضيه كلام الشافعي في ذلك وان
388

ظاهره الاشتراط وقد شرطه المصنف في التنبيه ولا شك أن كل من شرطه في الجنسين ففي النوعين أولى
فقد اشترطه ابن الصباغ هنا وان لم يتعرض له عند اختلاف الجنس وهو أقرب إلى كلام الشافعي رحمه
الله والأصحاب (الثالث) الألفاظ التي وقع التعرض لها في كلام المصنف في هذا الفصل النوع قال
ابن سيده الضرب من الشئ - وقال الجوهري - النوع أخص من الجنس - والعجوة ضرب من أجود التمر -
بالمدينة ونخلتها تسمى لينة قاله الجوهري وقال ابن الأثير أكبر من الصيحاني يضرب إلى السواد من
غرس النبي صل الله عليه وسلم وقال الأزهري ان الصيحاني الذي يحمل من المدينة من العجوة والبردي
- بضم الباء - ضرب من أجود التمر قاله الجوهري وفى الحديث أمر أن يؤخذ البردي في
الصدقة والبردي بالفتح نبات معروف قاله الجوهري واللون قال الهروي النخل كله ما خلا
البرنى والعجوة يسميها أهل المدينة الألوان وفي حديث عمر بن عبد العزيز أنه كتب
389

في صدقة التمر أن يؤخذ في البرنى من البرنى وفى اللون من اللون قالوا اللون ألذ قال وجمعه الألوان
وقال الجوهري اللون النوع واللون ألذ قال وهو ضرب من النخل والصيحاني قال الجوهري ضرب
من تمر المدينة وقال الأزهري الصحياني من جملة ألوان العجوة جنس معروف وهو ألوان وهذا الصحياني
الذي يحمل من المدينة من العجوة والبرني قال الجوهري ضرب من التمر والحشف قال ابن فارس
هو أردأ التمر يقال (أحشفا وسوء كيله) وقال إبراهيم الجربى الحشف فاسد التمر أخبرني
أبو نصر عن الأصمعي قال الحشفة الواحدة من ردئ التمر والحشفة القطعة من الجبل الغليظة عن ابن
عباس قال (كانت الأرض كلها ماء فبعث الله تعالى ريحا فنسخت الأرض حتى ظهرت حشفة
فخلق الله تعالى منها بيته) والحشفة الكمرة والعاتق فهي مشتركة بين هذه المعاني والحشيف الثوب
الخلق والجمع قال الدارقطني يقال كل شئ من النخل لا يعرف اسمه فهو جمع وكذلك قال الرافعي
وابن سيده في المحكم قال كل لون من التمر لا يعرف اسمه قال وقيل هو التمر الذي يخرج من النوى
390

وقال ابن وهب عن مالك والقاساني - بفتح القاف وسكون الألف والسين المهملة أو الشين
المعجمة وبعد الألف نون - قال ابن السمعاني هذه النسبة إلى قاسان وهي بلدة عند قم وأهلها
شيعة ينسب إليها جماعة من العلماء والسابوري - بفتح السين المهملة وضم الباء الموحدة
بعد الألف وبعدها الواو وفى آخرها راء - هذه النسبة مشتركة بين ثلاثة أشياء نسبة إلى
سابور بلدة بفارس قال ابن السمعاني وظني أنها حد نيسابور كان بها جماعة من أهل العلم ونسبة إلى جد
اسمه سابور منهم جماعة من أهل العلم أيضا (والثالثة) نسبة إلى ملك من ملوك العجم وهو سابور
المشهور بذي الأكتاف بن هرمز بن موسى بن بهرام بن بهرام بن هرمز بن سابور بن أردشير بن
بابك بن ساسان وهو الذي ينتهى إليه آخر ملوك الفرس الذي وافى سعد بن أبي وقاص وهو
يزدجرد بن شهربار ابن كسرى بن قباذ بن فيروز بن يزدجرد بن بهرام حور بن يزدجرد بن بهرام بن
سابور ذي الأكتاف وهؤلاء كلهم ملوك وجعل ابن الرفعة سابور ههنا بنيسابور وقال الشيخ تاج
الدين الفزاري انه الملك والقراضة القطع تقرض من الدينار للمعاملة في صغار الحوائج وهي تنقص عن
الصحاح ويجوز فيها في كلام المصنف في الموضعين الجر على الصفة والنصب على التمييز وقد اشترط
391

ابن الصباغ في البطلان أن يكون المكسر المضموم إلى الصحيح قيمته دون قيمة الصحيح وذلك
تفريع على رأيه في اعتبار القيمة ومقتضى اطلاق الأكثرين وعدم اعتبارهم القيمة أن لا فرق ويوافقه
قول نصر المقدسي في التهذيب انه لا يصح بيع دينار صحيح ودينار رباعيان بدينارين صحيحين الا
أن يكون ذلك معروضا في رباعيان تخالف قيمتها قيمة الصحيح فان ثبت أنه لا فرق فيجب طرد
مثله في درهم ونصفين بدرهمين والصحيح (1) () والغلة () والمروانية ()
والهاشمية العامة () والحدث أو المحدثة () والردئ اما بانمحاء السكة أو بعدم الطبع أو
بنقصان الوزن كذلك قال الفارقي وليس الردئ هو المغشوش بغير الذهب فان ذلك هو مسألة مد
عجوة بعينه لأنه يشتمل على ذهب وغيره والعتق النافقة () والضرب المكروه
() والضرب الوسط () والقطاع أظنها القراضة وقد تقدم من كلام بعض
الأصحاب ما يقتضى أن الرباعيات منها ولعله محمول على ما إذا اختلفت القيمة والرواج أما إذا لم تختلف
كالانصاف مع الدراهم في هذا الزمان فلا يظهر تفاوت والمراطلة لفظ قديم قاله مالك في الموطأ
وروى فيه عن سعيد بن المسيب أن يراطل الذهب بالذهب فيفرغ ذهبه في كفة الميزان ويفرغ
صاحبه الذي يراطله ذهبه في كفة الميزان الأخرى فإذا اعتدل لسان الميزان أخذ وأعطى قال ابن
عبد البر قد روى هذا عن ابن عمر وغيره وقال الأزهري () وفى كلام الحنفية دراهم غطريفية قالوا
وهي منسوبة إلى غطريف بن عطاء الكندي أمير خراسان أيام الرشيد كذا في المعرب وقل هو

(1) ما بين الأقواس بياض بالأصل
392

خال هارون الرشيد ويوجد في كلام الأصحاب دينار شلابي وهو نسبة (1) ودينار جعفري وأظنه نسبة إلى
المتوكل فان اسمه جعفر ودينار أهواري وهو نسبة (الثالث) أن المصنف ذكر في الفصل ما إذا
كان كل من الجنسين أو النوعين مقصودا أما إذا كان أحدهما غير مقصود فسيأتي له أمثلة في فصول
متفرقة بعد ذلك إن شاء الله تعالى *
(فرع) كل ما ذكرناه فيما إذا كان بين العوضين ربا الفضل وهو ما إذا بيع الربوي
بجنسه ومعه غيره (أما) إذا بيع الربوي بغير جنسه وفى الطرفين أو أحدهما شئ آخر فينظر إن اتفقا
فإن كان التقابض في جميع العوضين جاز أيضا كصاع حنطة وصاع شعير بصاعي تمر أو
صاع تمر وصاع ملح وإن كان التقابض شرطا في البعض دون البعض ففيه قولا الجمع بين مختلفي
الحكم لأن ما يقابل الدرهم من الشعير لا يشترط التقابض وكذلك صاع حنطة وثوب بصاع شعير
ممن صرح بهذه الأحكام الروياني والرافعي والماوردي والبغوي وقد يكون (2) قال الروياني وكذلك إذا
باع سيفا محلى بفضة بدنانير فيه قولان لأنه صرف وبيع *

(1) كذا بالأصل فحرر
(2) كذا بالأصل فحرر
393

(فرع) لو باع دارا مموهة بذهب بدنانير أو مموهة بالفضة بدراهم وكان التمويه بحيث إذا
نحت يخرج منه شئ لم يصح والأصح ما ذكره القاضي حسين وغيره فلو باع المموهة بالذهب بفضة
أو المموهة بالفضة بذهب فإن كان بحيث إذا نحت لا يحصل منه شئ صح وإن كان يحصل منه
شئ ففيه قولان مبنيان على القولين في الجمع بين مختلفي الحكم قاله القاضي حسين * ولو باع دارا
بذهب فظهر فيها معدن ذهب ففي صحة البيع وجهان (أصحهما) عند البغوي والرافعي الصحة لأنه
تابع بالإضافة إلى مقصود الدار وقد تقدم في كلام صاحب التتمة الجزم بهذا ومحله إذا لم يكن المعدن
ظاهرا وهو يوافق التفصيل المذكور في بيع القمح المختلط بالشعير وكونه يعتبر فيه أن يكون
مقصودا إذا بيع بغير جنسه (ولعلك) تقول قد تقدم فيما إذا باع دراهم بدراهم وظهر فيها معيب أن جماعة
اختاروا البطلان وخرجوه على قاعدة مد عجوة والذي ظهر به الاختلاف لم يكن مقصودا عند
العقد فهلا كان المعدن كذلك (والجواب) أنه في بيع الدراهم بالدراهم يشترط المماثلة وقد ظهر انخرامها
بانقسام العوض إلى صحيح ومعيب والدار المبيعة بالذهب وهي المقصودة لا ربا فيها والربوي
الذي ظهر فيها لم يكن مقصودا (أما) لو كان المعدن ظاهرا حين البيع لم يصح البيع كما تقدم
394

عن صاحب التتمة ولو باع دارا فيها بئر ماء وفرعنا على أن الماء ربوي فأصح الوجهين عند الرافعي
الصحة للتبعية ولم يفرقوا بين أن تكون البئر ظاهرة وقت البيع أو لا لأن البئر وإن كانت ظاهرة
فهي تابعة لمقصود الدار بخلاف المعدن فإنه إذا كان ظاهرا يقصد وحده ولا تعلق له بالدار وسيأتي
في بيع الدار بحث عند ذكر المصنف بيع الشاة اللبون بالشاة اللبون * ولو باع بقرة بلبن بقر ثم ظهر
أن في البقرة لبنا فقد ذكر البغوي هنا أنه لا يصح واستدل به للوجه القائل بعدم الصحة فيما إذا ظهر
المعدن فيحتاج على ما صححه هو والرافعي إلى الفرق أو طرد الحكم وقد فرق ابن الرفعة بان الشرع جعل
اللبن في الضرع في المصراة بمنزلته في الاناء والمعدن ليس كذلك (قلت) قوله ليس كذلك ان أراد
لم يأت فيه نص يدل على ذلك فمسلم ولكن لا يمتنع أن نلحقه بذلك لأنه في معناه وان أراد أن الشارع حكم
فيه بخلاف ذلك فممنوع والله أعلم * قال ابن الرفعة ووزان اللبن بيع الدار المصفحة بالذهب بالذهب
وأنه لا يجوز لأنه من قاعدة مد عجوة اه‍ *
395

(فرع) لو أجر حليا من الذهب بذهب يجوز ولا يشترط القبض في المجلس قاله صاحب
التهذيب ولو باع دارا فيها صفائح ذهب بفضة فهو صرف وبيع ففيه قولان قاله الروياني قال فإذا قلنا
يصح فلابد من تسليم الدار وما يقابل الصفائح من البدل في المجلس وما يقابل الدار لا يعتبر قبضه
في المجلس ولو باع دارا فيها صفائح ذهب بدار فيها صفائح فضة يمكن جمعها وقلنا يصح فلا بد من
قبض الدارين في المجلس لأن قبض ما عليهما يكون بقبض الدارين هكذا ذكره الروياني ولو قيل بأن
تسليم الذهب والفضة واجب في المجلس وتسليم الدارين غير واجب في المجلس وهذان عقدان فيكون
عقد الصرف اقتضى تسليم شئ آخر غير ما ورد عليه عقد الصرف فينبغي أن يبطل العقد كذلك بحثنا وسأكرر
هذا الاشكال في مسائل متعددة إلى أن يفتح الله فيه بجواب أو يبين الحق في ذلك والله أعلم *
(فرع) الشفيع إذا أراد أن يأخذ هذه الدار بالشفعة قال الروياني فلابد من أن يسلم قدر ما يقابل
الصفائح في المجلس ويتسلم الدار *
396

* قال المصنف رحمه الله *
(فصل ولا يباع خالصه بمشوبة كحنطة خالصة بحنطة فيها شعير أو زوان وفضة خالصة بفضة مغشوشة
وعسل مصفى بعسل فيه شمع لأن أحدهما يفضل على الآخر ولا يباع مشوبة بمشوبة كحنطة فيها
شعير أو زوان بحنطة فيها شعير أو زوان وفضة مغشوشة بفضة مغشوشة أو عسل فيه شمع بعسل فيه شمع لأنه
لا يعلم التماثل بين الحنطتين وبين الفضتين وبين العسلين ويجوز أن يباع طعام بطعام وفيه قليل تراب
لأن التراب يحصل في سفوف الطعام ولا يظهر في الكيل فأن باع موزونا بموزون من جنسه من
أموال الربا وفيه قليل تراب لم يجز لأن ذلك يظهر في الوزن ويمنع من التماثل) *
(الشرح) هذا الفصل يتضمن القسم الثاني من أقسام قاعدة مد عجوة وهو ما يكون أحد
الجنسين فيه غير مقصود كما تقدم التنبيه عليه وهو على قسمين (منه) ما يكون بحيث لو فصل وميز
لكان قد يقصد حينئذ ويقابل بالاعراض وحده كالشعير المخالط للحنطة والنحاس المخالط للفضة
والشمع المخالط للعسل (ومنه) مالا يكون مقصودا بوجه ما كالتراب والقصل والزوان والشيلم
397

وكلا القسمين اما أن يكون في المكيل أو في الموزون فأن كان في الموزون امتنع مطلقا لما
ذكره المصنف في آخر كلامه من أن ذلك يظهر في الوزن ويمنع التماثل وإن كان في المكيل فأما أن
يكون المخالط قدرا لا يظهر أثره على المكيال كالشعير اليسير جدا المخالط للحنطة والزوان والقصل
إذا كان كذلك والتراب أيضا كذلك فلا يضر لأن ذلك يحصل في سفوف الطعام وقد
زاد بعض الأصحاب على العلة المذكورة أن ذلك قل أن ينفك عنه الطعام فتسومح به ولا حاجة إلى
ذلك مع فرض أن ذلك لم يؤثر في المكيال نعم قد يقال إن ذلك لابد أن يؤثر ولو يسيرا لكن
ذلك التأثير الذي لا يظهر على المكيال في محل المسامحة وإن كان بحيث يؤثر في المكيال امتنع
فهذا جملة الفصل (وحاصله) الحكم في الكيل بالامتناع الا فيما لا يظهر أثره على المكيال في
المكيل وذلك مقتضى عبارة الشافعي رحمه الله في المختصر فإنه قال وكذلك كل ما اختلط به إلا أن
يكون لا يزيد في كيله مثل قليل التراب الدقيق وما دق من تبنه فأما الوزن فلا خير في مثل هذا
(وقال) في الام وهكذا كل صنف من هذه خلطه غيره مما يقدر على تمييزه منه لم يجز بعضه ببعض
الا خالصا مما يخلطه إلا أن يكون ما يخلط المكيل لا يزيد في كيله مثل قليل التراب وما دق من
تبنه فذلك لا يزيد في كيله فأما الوزن فلا خير في شئ من هذا فيه اه‍ * والعبارة الجامعة لذلك
أن الربوي لا يباع بجنسه وفيهما أو في أحدهما ما يأخذ خطأ من المكيال وهي عبارة نصر المقدسي
في الكافي وقد ذكر المصنف في تعضيد ذلك ثلاث مسائل في أمثلة الخالص بالمشوب عليها واحدة
(الأولى) الحنطة الخالصة بالحنطة التي فيها شعير أو زوان قال الشافعي في المختصر لا خير في مد
حنطة فيها قصل أو زوان بمد حنطة لا شئ فيها من ذلك لأنها حنطة بحنطة متفاضلة ومجهولة وقال
في الام في باب المأكول من صنفين شيب أحدها بالآخر ولا خير في مد حنطة فيها قصل أو فيها حجارة
أو فيها زوان بمد حنطة لا شئ فيها من ذلك أو فيها تبن لأنها الحنطة بالحنطة متفاضلة ومجهولة وقال
القاضي حسين في قول الشافعي لا خير أراد بقوله لا خير يعني لا يجوز قال الروياني وكنا
398

نتوهم ان هذه اللفظة له حتى وجدناها لمالك رحمه الله في مسائل الربا فتوهمناها له حتى وجدناها
لرسول الله صلى الله عليه وسلم استعملها في مثل هذه المسائل وعبارة الام أصح من عبارة المختصر فإنه في المختصر
أخل بأحد القسمين واتفق الأصحاب على امتناع البيع في ذلك وقيده ابن أبي هريرة بما إذا كان
القصل كثيرا يعنى بحيث يظهر أثره على المكيال أما ما كان يسيرا لا يتبين في المكيال قال
فيجوز وكذلك امام الحرمين والغزالي في البسيط وطردا ذلك في الشعير المخالط للحنطة وكلام الشافعي
يرشد إليه في قوله إلا أن يكون لا يزيد في كيله وكلام القاضي أبى الطيب أيضا فإنه لما تكلم في بيع
الحنطة المختلطة بالشعير بمثلها قيد ذلك بأن يكون الشعير كثيرا وذلك هو الحق الذي لامرية فيه
وينبغي أن ينزل كلام من أطلق من الأصحاب عليه وقد وقع في كلام صاحب التهذيب ما يوهم
المخالفة فإنه قال بعد ذكر القصل والزوان قل أو كثر وهذا لا ينبغي ان يعد مخالفة بل ينبغي
ان يحمل القليل في كلامه على ما ليس مقصودا وان أثر في المكيل فاختلف الحكم في
399

ذلك بحسب اختلاف المراد بالقليل والكثير وضابطه أن ما كان بحيث لا يؤثر في المكيال فلا
اعتبار به في منع المماثلة وما كان بحيث يؤثر في المكيال فأن كان مقصودا فيمنع عند
اختلاف الجنس واتحاده وإن كان غير مقصود فيمنع عند اتحاد الجنس لفوات المماثلة ولا
يمنع عند اختلاف الجنس لعدم اشتراطها ولا فرق في ذلك بين الزوان والقصل والشعير والشيلم كما
قال القاضي أبو الطيب وهو وغيره ضابطه ما ذكرناه وعلى ذلك ينبغي أن ينزل كلام القاضي
حسين وصاحب العدة ومن نحا نحوهم فأنهم قالوا واللفظ للقاضي حسين ولو باع الحنطة بالحنطة وفى
كل واحد منهما أو في أحديهما حبات من الشعير لا يجوز ولو باع الحنطة بالشعير وفى الحنطة حبات
من الشعير فأن كان يسيرا جاز وإن كان كثيرا فلا وبعضهم لا يذكر هذا التفصيل الأخير بين اليسير
والكثير ويطلق عند اختلاف الجنس الجواز وهذا الكلام منهم يوهم أن الحنطة المشوبة لاتباع
400

بمثلها ولا بالخالصة وإن قل الخليط وذكر الإمام في النهاية عن الأئمة ما ظاهره يوافق كلام القاضي
حسين وموافقية واختصره الشيخ أبو محمد بن عبد السلام في الغاية فأوضحه وبين ما ذكرته فقال
وقد قالوا إذا باع حنطة بحنطة في المكيالين أو أحدهما شعير أو تراب فهو ممنوع إن أثر في التماثل جائز
إن لم يؤثر ولو باع الشعير بحنطة فيها شعير فأن كان مما لا يقصد مثله صح البيع سواء أثر في المكيال أو لم يؤثر
اه‍ قال الإمام والغزالي ولا يكترث بظهور أثره في المكيال ولا بكونه متمولا فالنظر إلى كونه مقصودا
على حياله يعني أن المعتبر كون الشعير الذي خالط الحنطة قدرا يقصد غيره ليستعمل شعيرا وكذا
بالعكس وشبهوا هذا بالمحرم الذي قطع مدة لا يلزمه فدية الشعور التي عليها لأنها تقع مقصودة والله
أعلم * وكذا في كلام صاحب التتمة وصاحب التهذيب يبين المراد من ذلك فقد تلخص أن الربوي
المكيل إذا بيع بغير جنسه وكل منهما أو أحدهما مشوب بالآخر فالمانع كون المخالط مقصود التمييز
ليستعمل وحده وليس لتبينه في المكيال أثر ولا لماليته وإذا بيع بجنسه فالمانع كون المخالط قدرا
يؤثر في المكيال ولا فرق في ذلك بين المكيل والموزن كما ستعلمه من الفرع الآتي عن الشيخ أبى محمد بقي
ههنا *
(فرع) وهو إذا كان المخالط عند اتحاد الجنس قدرا لا يؤثر في المكيال لكنه مقصود
كما لو باع التمر بالتمر وفى أحد المكيالين أو فيهما طعام صغير الحب لا يؤثر في المكيال ويقصد كالسمسم
401

مثلا ومقتضى التفريع أنه يمتنع ويكون من قاعدة مد عجوة والله أعلم (ثم ليتنبه) لأمر وهو أن لفظ
الفصل الذي أجريناه المفهوم من كلام الإمام والرافعي منه أن يقصد تمييز الخليط ليستعمل على
حياله وهذا أعم من أن يكون هو مقصودا في نفسه لأنه قد يكون مقصودا منضما إلى غيره ولا
يقصد تمييزه كالأشياء التي يقصد مجموعها سواء امتنع التمييز فيها كخل التمر بخل الزبيب مع أن الماء لا
يقصد تمييزه عنه ولا يصح بيعه فهو كحنطة وشعير بحنطة وشعير وكل منهما مقصود أو أمكن تمييزه
ولكنه يقصد اختلاطها كالقمح المشتمل على شعير كثير قد يقصده بعض الناس لرخصه أو لغرض
من الاغراض ولا يقصد تمييز الشعير عنه وان أردنا أن قصد تمييز المبيع عن الخليط مانع فلا شك
أن القصد يتعلق بتمييز الحنطة عن الشعير وان قال فذلك غير مراد وان حذفنا لفظ التمييز وقلنا
المانع عند اختلاف الجنس أن يكون الخليط مقصودا استقام ولا يرد عليه ذلك في الطرد أي كل
خليط مقصود مانع ولا يستقيم في العكس إذ ليس كل مانع يشترط أن يكون مقصودا ألا ترى أن
402

لبن الغنم المشوب بالماء يمتنع بيعه بلبن البقر المشوب والخالص كما قلنا في خل التمر وإن كان الماء في اللبن ليس بمقصود ولا يفيد كونه يقصد تمييز اللبن عنه لما تقدم أنه غير مراد فالأولى أن يحذف لفظ
التمييز ويجعل هذا الضابط غير منعكس أو يدعى انعكاسه ويعتذر عن مسألة اللبنين بأن المانع جهالة
مقدار اللبن وهو المقصود بالبيع وحده بخلاف الخل فان المقصود الهيئة التركيبية ولا يرد على الطرد
الذي ادعيناه خل التمر بخل العنب في كون الماء الخليط في خل التمر مقصودا لأنا نتكلم فيما إذا
كان أحد العوضين مشوبا بالآخر وههنا ليس في أحد العوضين شيئا مما في الآخر إذ خل التمر لا عنب
فيه وخل العنب لا ماء فيه ولا تمر ولعلك تقول الكلام في بيع الحنطة بالشعير وفى كل منهما شئ
من الآخر وليس في أحد اللبنين شئ مما في الآخر ولا في أحد الخلين وإنما مع كل منهما ماء فاعلم أن المانع في الخلين
كونه مقابله خلا وأما الماء في الخل لا يقصد تمييزه وهذا المعنى نفسه حاصل في الحنطة والشعير
بحنطة وشعير وإن كان الخليط في كل طرف غير مقصود في التمييز والله أعلم (فأن قلت)
إذا باع القمح بالقمح وفى كل منهما شعير قد خلط به وعرف مقدار الخليطين ينبغي أن تخرج الصحة
فيه على الخلاف في بيع مد ودرهم بمد وهما من غلة واحدة وسكة واحدة وروى القاضي حسين ومن
وافقه الصحة فينبغي أن يكون هنا كذلك وقد تقدم أن رأى المصنف اشتراط الاختلاف في القيمة
403

فينبغي إذا فرض اتحاد قيمة الشعير مع قيمة القمح أن يكون رأيه في ذلك الصحة وهو قد أطلق
القول بالفساد ههنا وقد تقدم عن صاحب التتمة صريحا أنه إذا باع صاع حنطة وصاع شعير بصاع حنطة
وصاع شعير وصاعا الحنطة من صبرة واحدة وصاعا الشعير كذلك وفيه خلاف وإذا جرى الخلاف
في الحنطة والشعير المتميزين فلان يجري في المختلطين بطريق أولى فان عدم التمييز في النوعين
قد جعل عذرا كما تقدم عن صاحب التهذيب أنه يجوز بيع الصاع المختط من الجيد والردئ بمثله
وبالردئ وإن كان في الجنسين لم؟ كالدراهم المغشوشة والشهد وما أشبهه فإذا جرى الخلاف
في الحنطة والشعير عند التمييز فلان يجري مع الاختلاط أولى (قلت) ذلك حق والعذر عن الشيخ
في إطلاقه أن الغالب في قيمة الشعير لا تكون مساوية لقيمة القمح فلا يلزمه القول بالصحة في ذلك
404

وإنما يلزم ذلك القاضي حسين وموافقيه فإنهم لم يشترطوا الموافقة في القيمة بين الجنسين المضمومين
في العوض الواحد كما اقتضاه كلام المصنف بل أن يكون جزء كل عوض وما يماثله من العوض
الآخر متساويين وإذا كان الشعيران متساويين والحنطتان متساويتين لزمهم القول بالصحة وقد
نبه على ذلك ابن الرفعة رحمه الله ولعلهم إنما أطلقوا المنع على ما هو الغالب من عدم معرفة مقدار
الشعير المضموم إلى الحنطة والله أعلم (فائدة أخرى) نبه على الكلام فيها ابن الرفعة * قد تقدم ان
الشعير إذا كان قليلا بحيث لا يؤثر في المكيال فإنه لا يضر ويجوز بيع الحنطة المختلطة به بمثلها
وبالخالصة عنه وانه إذا كان كثيرا بحيث يؤثر في المكيال ولكنه غير مقصود تمييزه
405

لا يضر في بيع الحنطة بالشعير للاختلاف في الجنسين واقتضى كلام الإمام شبيه ذلك
ببيع المختلط بالزبد فان ما في الزبد من الرغوة المماثلة للمخيض غير مقصودة والزبد
والمخيض بعد نزع زبده يختلفان فلم يمتنع البيع لكن المصنف في أواخر هذا الباب وغيره حكوا عن أبي إسحاق
انه لا يجوز بيع الزبد بالمختلط لأن في الزبد شنان المخيض وكذلك حكوا في بيع الزبد
بالزبد وجهين قال ابن الرفعة فقياس الشبهة يقتضى ان يأتي وجه في بيع الحنطة المختلطة بالشعير كقول
أبى اسحق في بيع المختلط بالزبد * واعلم أن الأصحاب ردوا على أبى اسحق هنالك بان ما في
الزبد من المخيض لا يظهر وقاسه صاحب التتمة على بيع الحنطة بالشعير وفيهما قليل منه والتخاريج
المذهبية إنما تطرد في أقوال الشافعي (أما) الوجه الذي للأصحاب فلا يلزمنا طردها بل إنما يلزم صاحبها فان
طردها وكان له جواب فارق والا تبين ضعف قوله وليس يسوغ ان يؤتى إلى وجه ضعيف مردود عليه
وهو ممنوع على تعليل حكى عن أبي إسحاق انه علل به كلام الشافعي في بيع الزبد باللبن كما سنتكلم
عليه عند كلام المصنف إن شاء الله تعالى ورد الأصحاب عليه في ذلك التعليل وقال القاضي أبو الطيب
ان أبا إسحاق لم يذكره في الشرح فيوجد وجه مثل هذا يثبت به خلاف في مسألة مجزم بها بل يرد
بالمسألة المجزوم بها على ذلك الوجه الضعيف نعم حكوا في بيع الزبد وجهين والوجه القائل بالفساد
ناظر إلى أن ما فيه من اللبن يمنع المماثلة وهو موزون فلا يغتفر فيه وإن كان يسيرا فليس كمدرك
أبى اسحق في بيع الزبد بالمخيض ولا يلزم طرده في بيع الحنطة المختلطة بالشعير القليل الذي لا يؤثر في الكيل
406

بمثلها ولا بالشعير والله أعلم * وقد نبه الشافعي رضي الله عنه على هذه القاعدة في باب المأكول من
صنفين شيبا في الام قال في آخر كل ما شابه غيره فبيع واحد منه بواحد من جنسه وزنا بوزن فلا
خير فيه وان بيع كيلا بكيل فكان ما شابه ينقص من كيل الجنس فلا خير فيه ثم قال وهي مثل لبن خلطه
ماء بلبن خلطه ماء أو لم يخلطه يعنى فيمتنع (قلت) وهذا الكلام ينبه على أن الماء المختلط باللبن لو
كان يسيرا جدا بحيث لا يؤثر في الكيل صح فان اللبن مكيل على الصحيح *
(فرع) إذا خلطا نوعا بنوع من جنس واحد وباعه بنوع منه كمعقلي ببرنى أو قمح صعيدي
ببحرى وفى كل منهما أو أحدهما شئ من الآخر فيتجه ان يقال حيث نقول بالصحة في الجنسين
بأن يكون الخليط غير مقصود كما إذا باع معقليا ببرنى فيه شئ يسير من المعقلي لا يقصد فههنا أولى
وحيث نقول بالبطلان في الجنسين بأن يكون الخليط مقصودا فههنا يأتي ما تقدم في المرتبة الثانية
407

من قاعدة مد عجوة والصحيح الصحة لعدم تمييزه ويأتي فيه الوجه الذي حكاه صاحب التتمة انه إن كان
ظاهرا يرى من غير تأمل لم يجز ولا أثر لكون الخليط موجبا لتفوات الكيل فيما اختلط به ومقابله
لأن الخليط هنا من الجنس معتبر في الكيل أيضا والله سبحانه وتعالى أعلم (المسألة الثانية) الفضة الخالصة
بالفضة المغشوشة والمغشوشة على قسمين (قسم) الغش الذي فيها مما له ثبات وقيمة كالرصاص والنحاس والمس
وهو (1) وكذلك الدراهم المزيفة وهي التي فيها فضة ورصاص وزئبق فيستهلك الزئبق ويبقى الفضة
والرصاص (وقسم) الغش الذي فيها مما يستهلك كالزرنيخية والاندرانية وهي التي تتخذ شبه الدراهم من
الزرنيخ والنورة ثم يطلى عليه الفضة وقد كان يتعامل بها في بغداد وغيرها وتسمى بخراسان الزرنيخية
والمراد بالاستهلاك انه لا يبقى لغشها قيمة وليس المراد انه يستهلك عين الغش فإنه لا يزول والحكم
المذكور شامل للقسمين لا يجوز بيع الخالصة بالمغشوشة في القسمين معا سواء كان الغش مما قيمته باقية

(1) بياض بالأصل فحرر
408

أم لا لا خلاف بين الأصحاب في ذلك قال نصر وان قل وكذلك المغشوشة بالمغشوشة لكن التعليل مختلف (فأما) المغشوشة بغش يبقى له قيمة فاختلف الأصحاب في تعليله على وجهين نقلهما الشيخ أبو
حامد وآخرون (أحدهما) وهو الصحيح عند الشيخ أبى حامد وغيره انه بيع فضة وشئ بفضة أو
بفضة وشئ فصار كمسألة مدعجوة (والثاني) لأن الفضة هي المقصودة وهي مجهولة غير متميزة فأشبه
بيع تراب الصاغة واللبن المشوب بالماء وبنوا على المعنيين شراء تراب الصاغة وتراب المعدن وهذا
رأى القفال فيما حكاه الروياني واستضعفوا هذا واستدلوا للأول بما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال
(من زافت دراهمه فليأت السوق وليشتر بها ثيابا) رواه (1) على أنه قد نقل عن أحمد بن حنبل إنه حمل
قوله (زافت) على أنها بقيت ليس انها زيوف جمعا بين ذلك وبين ما روى عن عمر أيضا رضي الله عنه
انه نهى عن بيع نفاية بيت المال حكى ذلك ابن قدامة وهذه هي مسألة المعاملة بالدراهم المغشوشة وقد
ذكرها النووي رضي الله عنه في هذا المجموع في باب زكاة الذهب والفضة وذكر انه إن كان
قدر الغش معلوما جاز قطعا والا فأربعة أوجه (رابعها) إن كان الغش غالبا لم يصح والا فيصح وهو
مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى واختيار القاضي حسين والصحيح الصحة مطلقا وهو الذي صححه
الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب (وأما) المغشوشة بغش لا قيمة له كالزرنيخية فالعلة في منع بيع بعضها
ببعض أو بالخالصة الجهل بالمماثلة أو تحقق المفاضلة وان ابتاع بها ثيابا جاز لأن البيع واقع على الفضة
فحسب وهي متميزة عن الزرنيخية ظاهرة عليه فلا منع على العلتين المذكورتين في القسم الأول وان
اشترى بها ذهبا جاز قولا واحدا هكذا قال المحاملي ومقتضى ذلك أنه لا يجئ خلاف التعامل بالدراهم

(1) بياض بالأصل فحرر
409

المغشوشة ولا وجه لإعادة الكلام فيها مع تقدمها ومما أفاده صاحب التتمة فيها انه يكره اخذها
وامساكها إذا كان النقد الذي في أيدي الناس خالصا لأن ذلك يتضمن تغرير الناس قال فلو
كان جنس النقد مغشوشا فلا كراهية وأفاد الروياني أيضا ان الغش لو كان قليلا مستهلكا بحيث
لا يأخذ حظا من الوزن فلا تأثير له في ابطال البيع لأن وجوده كعدمه وقد قيل يتعذر طبع الفضة
إذا لم يخالطها جط من جوهر آخر (قلت) وذلك صحيح وقد بلغني ان في بعض البلاد في هذا الزمان
ضربت الفضة خالصة فتشققت فجعل فيها في كل ألف درهم مثقال من ذهب فانصلحت لكن مثل
هذا إذا بيع درهم مثلا لا يظهر في الميزان ما معه من الغش وأما إذا بيع قدر كبير فيظهر في ذلك في
الوزن فينبغي البطلان والله أعلم * ورتبوا على هذا الخلاف جواز بيعها بالذهب (ان قلنا) لا يجوز شراء
الثياب بها فالذهب أولى (وان قلنا) يجوز فههنا بيع الفضة بالذهب صرف وبيع الرصاص والنحاس
بالذهب بيع فهو بيع وصرف ولنا في ذلك قولان (وأما) القسم الثاني وهو ما يكون الغش فيه مستهلكا
كالزرنيخية والاندرانية فكذلك لا يجوز بيع بعضها ببعض ولا بالخالصة لأنه فضة بفضة مجهولة
التساوي أو معلومة التفاضل وان اشترى بها ثيابا جاز بلا خلاف على التعليلين جميعا (أما) على الأول
وهو النظر إلى قاعدة مد عجوة فلانه ليس ههنا مع الفضة شئ ينقسط عليه الثمن (وأما) على الثاني وهو
ان المقصود مجهول فههنا المقصود ظاهر وهكذا إذا اشترى ذهبا لا يجوز لأن الذي مع الفضة
لا قيمة له فليس فيه جمع بين بيع وصرف ويجب ان تستثنى هذه الصورة من قولنا ان
الدراهم المغشوشة لا يجوز التعامل بها على وجه أو فيها خلاف فان هذه دراهم مغشوشة
410

ولا خلاف في جواز التعامل بها قال القاضي أبو الطيب لا يختلف أصحابنا في جواز شراء السلع بها والله
عز وجل أعلم * وكل ما ذكرناه في الفضة يأتي في الذهب حرفا بحرف اما أن يكون مغشوشا بمغشوش
أو خالصا بمغشوش وأقسام الغش وأحكامه لا يختلف كذلك صرح الأصحاب بالأحكام والأقسام
المذكورة فيهما معا والله أعلم * وهذه فوائد وإن كانت زائدة على ما يحتاج إليه في شرح الكتاب فهي
متعلقة به تحتاج والله أعلم (المسألة الثالثة) بيع العسل المصفى بالعسل الذي فيه شمع وقد نص الشافعي على
ذلك في الام والمختصر وهذا لفظه في الام ولا يباع عسل بعسل الا مصفيين من الشمع وذلك أن
الشمع غير العسل فلو بيع وزنا وفى أحدهما الشمع كان العسل أقل منه قال وكذلك لو باعه وزنا
وفى كل واحد منهما شمع لم يخرجا من أن يكون ما فيهما من العسل ومن وزن الشمع مجهولا لا يجوز
مجهول بمجهول وقد يدخلهما انهما عسل بعسل متفاضلا وكذلك لو بيعا كيلا بكيل واتفق الأصحاب
على هذا الحكم وعللوه بعلتين (إحداهما) ما ذكره الشافعي رحمه الله من التفاضل والجهل بالتماثل (والأخرى)
انه كمسألة مدعجوة وقد اختلف الأصحاب في قوله مصفيين هل المصفيين بالشمس أو بالنار على
حسب اختلافهم في بيع المصفى بالنار بعضه ببعض وسيأتي ذلك في كلام المصنف إن شاء الله تعالى
وليس الغرض الآن الا منع بيعهما وفيهما أو في أحدهما شمع وسأذكر إن شاء الله تعالى تحقيق القول
في أن العسل مكيل أو موزون عند كلام المصنف في ذلك فإنه تعرض له قبل آخر الباب بفصلين
والله أعلم * وقد اشتركت هذه المسائل الثلاث التي فرضها المصنف في علة واحدة وهي حقيقة المفاضلة
كما أشار إليه في علته ولا شك ان الموزون منها كالفضة والعسل إذا قلنا بأنه موزون وهو الصحيح
يؤثر فيه المخالط سواء كان يسيرا أو كثيرا وأما المكيل كالحنطة والعسل إذا قلنا بأنه مكيل كما هو
قول أبى اسحق فقد أطلق المصنف ان الخالصة لا تباع بالمشوبة وكذا الشافعي رحمه الله فيما حكيته الآن
من لفظه في الام والمختصر في العسل واطلاق القاضي حسين وجماعة يقتضى ذلك وقد عرفت
تقييده وان ذلك ليس على اطلاقه وقد عرفت ان مسألة الحنطة المختلطة بالزوان ومسألة العسل
منصوصة وما سواها متفق عليه بين الأصحاب والله أعلم * والمسائل الثلاث الأخرى التي هي بيع
المشوب بالمشوب مشتركة في علة واحدة وهي الجهل بالمماثلة ان لم يعلم مقدار الغش وقد يعلم وتحقق
411

المفاضلة أو تجهل المماثلة بالطريق التي تقدم في قاعدة مدعجوة ومسألة الحنطة المختلطة بالزوان
بمثلها مشار إليها في كلام الشافعي المتقدم حيث منع أن تباع بالمختلطة بالتبن وهو مقتضى كلام
الأصحاب وممن صرح بها الماوردي وصورة ذلك ما إذا كان المخالط كثيرا أما إذا كان يسيرا لا يتبين
في المكيال فيجوز صرح به ابن أبي هريرة وقد تقدم التنبية على ذلك وتأويل ما يتوهم مخالفته له
ومسألة الحنطة المختلطة بالشعير بمثلها لم أرها منصوصة لكنها متفق عليها بين الأصحاب والنص
في القصل والزوان والتبن دال عليها وقد تقدم التنبيه على أن صورة المسألة إذا كان كثيرا كما صرح
به القاضي أبو الطيب وغيره أما إذا كان يسيرا لا يظهر في المكيال فلا بأس ومسألة الفضة المغشوشة
بالفضة المغشوشة تقدم الكلام عليها وانها مجمع عليها بين الأصحاب وكذلك الذهب المغشوش
بالذهب المغشوش والله أعلم * قال القاضي حسين وهكذا دينار نيسابوري بدينار نيسابوري لا يجوز
لأنه قد قيل إنه دخله الغش وقد ذكر الغزالي رحمه الله ذلك في الوسيط قال امام الحرمين وبيع الذهب
الابريز بالهروي عين الربا قال وبيع الذهب الهروي بالورق باطل فان النقرة في الهروي مقصودة
(قلت) والهروي نقد فيه ذهب وفضة والنيسابوري ذهب خالص *
(فرع) بيع الذهب الهروي بالذهب الهروي لا يجوز لما فيه من الغش قاله القاضي حسين
وإمام الحرمين والغزالي وهذا بيع الدراهم المغشوشة بالمغشوشة لا يجوز قاله القاضي حسين وقال ابن
الرفعة في بيع الهروي بالهروي ان قياس الوجه الذاهب إلى جواز بيع مد ودرهم بمد ودرهم من سكة
واحدة ونخلة واحدة أن يجوز بيع الهروي بمثله إذا كان مقدار الفضة والذهب فيه معلوما والنوع واحد
والسكة واحدة الا ان يقال الدرهم والمد بالدرهم والمد معلومة من حيث المشاهدة والمقابلة في الهروي
بمثله غير معلومة فأن النار عند الضرب قد تذهب من أحد الجوهرين أكثر مما تذهبه من الآخر
فلا يأتي الوجه المذكور وهو الأشبه (قلت) وجزم الأصحاب بجواز بيع الفضة المضروبة بمثلها يدل
412

على أنه لا أثر لتأثير النار فيها وإذا كان كذلك فلا أثر لهذا الاحتمال وحينئذ يتعين أن يأتي الوجه
المذكور وينبغي أن يحرر هل النار تأخذ من جوهر الذهب والفضة شيئا عند الضرب أم تخلصهما
فقط فأن كانت تأخذ فالامر كما قال والا فلا ومسألة العسل الذي فيه شمع بالعسل الذي فيه شمع منصوص
عليها في كلام الشافعي كما تقدم الأصحاب متفقون على أنه لا يباع شهد بشهد وقد ذكر الأصحاب الشيخ أبو حامد
والقاضي أبو الطيب والماوردي وسائر الأصحاب سؤالا وجوابا فقالوا (ان قيل) أليس يجوز بيع التمر بالتمر
وفيهما النوى وهكذا اللحم باللحم الطري ان جوزناه والقديد بالقديد كما قاله أبو الطيب وابن الصباغ
وفيهما العظم (قيل) الفرق بينهما من وجهين (أحدهما) أن بقاء النوى في التمر من صلاح التمر لأنه إذا
نزع منه النوى لا يدوم بقاؤه كما وفيه النوى وهذا الفرق جواب عن النوى والعظم معا والأول إنما
يظهر في النوى وأما العظم فزعم القاضي أبو الطيب وابن الصباغ أنه من مصلحة اللحم وفى ذلك نزاع
فالجواب الثاني كاف فيه وقد قال أبو الطيب في مكان آخر ان بقاء العظم في اللحم مفسدة وليس
كذلك الشمع لأنه ليس من مصلحة العسل (والثاني) أن النوى والعظام غير مقصودين ولا قيمة لهما
في الغالب ولهذا يرمى بهما فلم يجعل كأنه باع تمرا وشيئا آخر بتمر والشمع له قيمة فإذا بيع مع العسل
كان ربا أو لحما وشيئا آخر بلحم وبهذين المعنيين فرقنا بين الجوز واللوز في قشريهما وبين العسل
وذكر الإمام أيضا فرقا بين الشهد واللبن حيث جوزوا بيع اللبن باللبن وإن كان مشتملا على السمن
والمخيض بأن الشمع غير مخامر للعسل في أصله فان النحل ينسج البيوت من الشمع المحض ثم يلقى في
خلله العسل المحض فالعسل متميز في الأصل ثم ينشار العسل بخلطه بالشمع بعض الخلط بالتعاطي
والضغط وليس اللبن كذلك والله أعلم *
413

(فرع) بيع الشمع بالعسل المصفى وغير المصفى جائز لأن الشمع ليس من أموال الربا قاله
القاضي حسين وغيره والله أعلم * (ومسألة) الطعام المختلط بالتراب القليل منصوص عليها في
كلام الشافعي كما تقدم وأطبق الأصحاب على ذلك والمراد به إذا كان التراب بحيث يظهر على المكيال
فلا يمنع تماثل القدر فأما إذا كان بحيث لو ميز ظهر نقصانه على المكيال فالبيع باطل سواء كان فيهما
أو في أحدهما كما صرح به الإمام ووالده الشيخ أبو محمد والغزالي للتفاضل أو الجهل بالتماثل وعلة البطلان
ههنا إما المفاضلة أو الجهل بالمماثلة خاصة ولا تعلق لذلك بقاعدة مدعجوة لأن التراب غير مقصود
قال الإمام ولو كان التراب منبسطا على صبرة انبساطا واحدا على تناسب فبيع صاع منها بصاع
فالمماثلة محققة ولكن هذا غير موثوق به فان التراب لا يبسط على تناسب واحد فإنه ينسل من
خلل الحبات يطلب السفل ولذلك يكثر التراب في أسفل الصبرة قال الإمام ومن تمام البيان في
ذلك النقصان فإن كان ما اشتمل عليه العقد بحيث لو ميز التراب منه لم يبن النقصان صح العقد
وان ورد العقد على مقدار لو جمع ترابه لملا صاعا أو أصعاء فالبيع باطل فان استبعد من لم يحط بأصل
الباب تجويز البيع في القليل ومنعه في الكثير لم يبال به والله أعلم * ومثل التراب المختلط بالحنطة
دقاق التبن كما قاله الشافعي رحمه الله والشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وغيرهم ولا فرق في ذلك
إذا كان التراب لا يؤثر في المكيال بين بيع بعضه ببعض وبين بيعه بالخالص عنه بينهما لأن
المدرك كونه غير مؤثر في الكيل ولا مانع من المماثلة وذلك شامل للقسمين والله أعلم * ومسألة
الموزون المختلط بقليل من التراب منصوص عليها أيضا كما تقدم وممن صرح بها من الأصحاب ابن أبي
هريرة وابن داود وأبو حامد وأبو الطيب والمحاملي والماوردي والقاضي حسين وجميع المتقدمين
والمتأخرين ولم يفصل أحد منهم في ذلك الا ما حكاه صاحب الاستقصاء عن صاحب الافصاح أنه
414

قال إلا أن يكون الميزان كبيرا لا يؤثر فيه القراريط والدوانيق فهذا كالكيل وهذا التفصيل حسن
فإنه إذا فرض أنه خالطه ما لا يظهر في الوزن كان كما لا يظهر في الكيل ألا ترى أن موازين الذهب
والفضة يظهر فيها الشئ اليسير الذي قد لا يظهر في ميزان الأرطال وميزان الأرطال يظهر فيها مالا
يظهر في القبان ولعل الأصحاب إنما أطلقوا ذلك اعتبارا بغالب الموازين ولا فرق في الموزون بين أن
يكون نقدا كالدراهم والدنانير أو مطعوما كحب الرمان والسكر وشبهه قال الروياني ولو باع الزعفران
بالزعفران وزنا وفى إحدى الكفتين يسير تراب لا يجوز البيع والله أعلم *
(فصل) المعجونات والمخلوطات بعضها ببعض حكمه حكم هذه المسائل في البطلان
ذكره الإمام والغزالي *
(فرع) ذكره الماوردي وغيره العلس بالعلس لا يجوز الا بعد اخراجه من قشرته لجواز
أن يكون قشر أحدهما أكثر من قشر الآخر وكذلك بيعه بالحنطة لا يجوز قبل تقشره لأنه صنف
منها ولكن يجوز بيعه بالشعير لأنهما جنسان فأما بيع الأرز بالأرز قبل اخراجه من القشرة العليا لا
يجوز كالعلس وبعد اخراجه من القشرة العليا وقبل اخراجه من الثانية الحمراء كان بعض أصحابنا
يمنع من بيعه فيها بمثله ويجعل النصاب فيها عشرة أو سق كالعلس وذهب سائر أصحابنا إلى أن
415

هذه القشرة الحمراء الملاصقة به تجرى مجرى أجزاء الأرز لأنه قد يطحن معها ويؤكل أيضا معها وإنما
يخرج منها تناهيا في استطابته كما يخرج ما لصق بالحنطة من النخالة ونصابه في الزكاة خمسة
أوسق كالحنطة مع قشرتها الحمراء والله أعلم * قال الروياني والقول الثاني هو الصحيح عندي ولا
يحتمل الوجه الآخر قال والصحيح أنه يجوز بيع الأرز بالأرز في قشرته العليا أيضا لأنه من صلاحه ويدخر
معه وكذلك الباقلا بالباقلا في قشره يجوز وهو المذهب (قلت) أما قشره الأسفل فتصحيح الجواز فيه ظاهر
وأما الاعلى فلا يمكن للجهل بالمماثلة وعدم امكان كيله وإن كان رطبا فيزداد امتناعا وبيع الأرز
بعد تنحية القشرة السفلى جائز ولا يبطل ادخاره بتنحيتها قال ابن الرفعة وجواز بيعه بغيره قبل زوال
القشرة العليا يكون كبيع الحنطة في سنبلها لأنه مستور بما ليس بصائن له عن الفساد وهذه طريقة
أبى حامد المحكية عن النص (وقيل) كالشعير يباع في سنبله * واعلم أن الأرز يكون أولا في قشرته
فتزال عنه القشرة العليا ثم ينضح بالملح فيزال عنه القشر الآخر وهو أحمر دقيق ويدخر بعد ازالتها
فيجوز بيع بعضه ببعض إذا خلا عن ملح له تأثير في الكيل كما هو الغالب فلو فرض فيه ملح له أثر في
المكيال امتنع والله أعلم * (تنبيه) قول الشافعي رضي الله عنه المتقدم في الام كل صنف من
هذه خلط بغيره مما يقدر على تمييزه لم يجز بيع بعضه ببعض إلى آخره يفهم أنه إذا كان مما لا يقدر
على تمييزه يجوز بيع بعضه ببعض وان اثر في المكيال ولا خلاف في أن الخليط المؤثر في المكيال
عند اتحاد الجنس مانع سواء قصد أم لا فالظاهر أن الشافعي رضي الله عنه أشار بذلك إلى ما يكون
متصلا بالمأكول لا يمكن فصله كنوى التمر وقشر الجوز واللوز وما أشبه ذلك والله أعلم *
416

(فصل) في أحاديث مرسلة تحتمل أن تكون من هذا الباب * روي أبو داود في كتاب
المراسيل عن عبد الاعلي بن عبد الأعلى عن برد عن سليمان عن موسى قال (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم
على رجل يبيع طعاما مغلوثا فيه شعير فقال اعزل هذا من هذا وهذا من هذا ثم بع ذا كيف شئت فإنه ليس
في ديننا غش) وعن مكحول ان رسول الله صلى الله عليه وسلم (مر على رجل يبيع الحنطة
يخلط الجيد بالردئ فنهاه وقال ميز كل واحد على حدة) المغلوث والغليث هو الطعام المخلوط
بالشعير أو الذرة وعم به بعضهم ويقال أيضا المغلوث والغليث الطعام الذي فيه المدر والزوان قال
ذلك ابن سيده في محكمه (وأما) القسم الثاني وهو ما إذا خالط المبيع قليل تراب وكذلك دقاق التبن
كما قال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب فأما أن يكون المبيع مكيلا أو موزونا فأن كان مكيلا
لم يضر لأن التراب لا يظهر في الكيل لتخلله في شقوق الطعام فلا يمنع التماثل وإن كان موزونا
لم يجز لظهور أثره في الميزان ومنعه من التماثل وذلك واضح *
(فرع) لو تصارفا دينارا محموديا بدينار محمودي لم يجز لما فيه من الفضة ولو تصارفا دينارا
محموديا بفضة جاز على الأصح وإن كان فيه فضة والفرق في أن بيع الدينار بالدينار المقصود هو الذهب
والمماثلة شرط وما فيهما من الفضة يفوت العلم بها وفى بيع الدينار بالدرهم المقصود من أحد الجانبين
الذهب ومن الآخر الفضة والمماثلة ليست بشرط في بيع الذهب بالفضة والفضة التي في الدينار قليلة
غير مقصودة فلا يعبأ بها قاله الخوارزمي في الكافي وهو ظاهر من القواعد التي قدمناها *
(فرع) قال الشيخ أبو محمد في الجمع والفرق أنه إذا باع الدينار الهروي بالهروي فهو باطل
كما تقدم وإذا باعه بدرهم أو بدراهم فالبيع جائز وإن كان في كل جانب فضة مجهولة أو متفاضلة قال
والفرق أن الدينار إذا صار مقابلا بالدينار فالذهب هو المقصود في كل جانب ومماثلة الذهب مجهولة
بسبب مخالطة الفضة أما إذا قوبل الدينار بالدرهم فالمقصود مقابلة الذهب الذي في الدينار بالفضة وهما
417

جنسان ولا يعبأ بالفضة اليسيرة المختلطة بالدينار ومثله بيع الحنطة بالشعير وفيه حبات حنطة وهذا
يلتبث على ما تقدم أنه إذا لم يكن الخليط مقصودا لا يضر وان أثر في المعيار إذا كان بغير الجنس *
(فرع) قال ابن داود شارح مختصر المزني قول الشافعي في العسل (وكذلك لو بيع كيلا)
قال فيه كالدليل على أنه يجوز كيلا تارة ووزنا أخرى وهذا غريب قل ما يوجد له نظير (قلت)
ولعل الشافعي إنما قال ذلك لتردده هل هو مكيل أو موزون على ما دل عليه قوله الذي حكيناه فيما
تقدم عند قول المصنف وإن كان مما لا أصل له بالحجاز *
(فرع) تقييد الشافعي فيما تقدم من كلامه التراب بالدقيق لأن الغالب أنه هو الذي لا يؤثر
في الكيل لدخوله بين الحبات وهو يفيد أن الطين المخالط للقمح في العادة يمنع المماثلة وذلك قل
ان يخلو عنه الطعام وكذلك إذا كان كثيرا أما المدر اليسير الذي لو فصل لم يظهر على الكيل
فهو كالتراب *
(فرع) لو اجتمع في الحنطة شعير يسير لا يؤثر في الكيل وتراب قليل كذلك ويسير من
التبن والقصل كذلك ولكن مجموعه يؤثر في الكيل كما هو العادة في الغلث فإنه إذا غربل ينقص
في الكيل حسا فلا شك ان ذلك يؤثر فلا يجوز بيعه بالمغربل وأما بيعه بمثله من الغلث فمقتضى
المذهب أنه لا يجوز أيضا *
(فرع) العسل إذا قلنا بأنه مكيل كما هو قول أبي إسحاق وكان فيه شمع يسير يظهر أثره
على المكيال هل يسامح به ينبغي أن يكون حكمه حكم الحنطة المختلطة بشعير يسير *
(فرع) هذه الأشياء التبن والقصل والمدر والحصا والزوان والشعير يجب على المسلم إليه
في الحنطة أن يسلمها نقية عن هذه الأشياء نص عليه الشافعي رضي الله عنه في باب السلف في الحنطة
من الام وسيأتي في السلم إن شاء الله تعالى *
418

(فرع) يجوز بيع الجوز بالجوز واللوز باللوز ولا بأس بما عليهما من القشر لأن الصلاح
يتعلق به *
(فصل) في التنبيه على ألفاظ الكتاب الخالص () والمشوب - بفتح الميم
وضم الشين - ما خالطه غيره () والزوان هو حب أسود وصغار قال الشيخ أبو حامد وغيره
وآخرون حاد الطرفين غليظ الوسط وقال ابن باطيش يشبه الرازيانج من الطعم يفسد الخبز
وقال الروياني هو الذي يسكر أكله وفيه ثلاث لغات حكاها القلعي وابن باطيش زوان
- بضم الزاي والهمز - قال القلعي وهي أفصحها وزوان - بالضم من غير همز - وزوان قال الأزهري قال أبو
عبيد عن الفراء يقال في الطعام قصل وزوان ومزمرا ورعرا وعفا منقوص وكل هذا مما يخرج منه
فيرمى به والشمع قال ابن فارس والشمع معروف وقد تفتح ميمه والفضة () والقصل قال
ابن داود وهو ساق الزرع وقال الشيخ أبو حامد وأبو الطيب والقاضي حسين وخلائق لا يحصون
هو عقد التبن الذي يبقى في الطعام بعد تصفيته والشيلم واحد طرفيه دقيق أصغر من الزوان *
* قال المصنف رحمه الله *
(فصل ولا يباع رطبه بيابسه على الأرض لما روى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه (أن النبي
صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا نعم فقال لا إذا) فنهى عن
بيع الرطب بالتمر وجعل العلة فيه أنه ينقص عن يابسه فدل على أن كل رطب لا يجوز بيع رطبه بيابسه) *
(الشرح) حديث سعد هذا أصل عظيم يجب الاعتناء به وقد رواه أبو داود والترمذي
وقال حسن صحيح والنسائي وابن ماجة والأئمة مالك في الموطأ والشافعي في الام والاملاء وغيرهما
وعبد الله بن وهب وأحمد بن حنبل وأبو داود الطيالسي وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو جعفر أحمد بن منيع
وجمعتهم في مسانيدهم وأبو محمد بن الجارود في المنتقى والحاكم أبو عبد الله بن التبع في المستدرك من

(1) بياض بالأصل فحرر
(2) بياض بالأصل فحرر
(3) بياض بالأصل فحرر
419

طرق وقال هذا حديث صحيح لاجماع أئمة النقل على إمامة مالك رحمه الله وأنه محكم في كل ما يرويه
من الحديث إذ لم يوجد في رواياته إلا الصحيح خصوصا في حديث أهل المدينة ثم لمتابعة هؤلاء
الأئمة إياه في روايته عن عبد الله بن يزيد والشيخان لم يخرجاه لما خشياه من جهالة زيد بن أبي
عياش وأخرجه الدارقطني أيضا في سننه والبيهقي في كتبه الثلاثة السنن الكبير والسنن الصغير
ومسرفة السنن والآثار وعن ابن خزيمة أنه أخرجه في مختصر المختصر فطرقه كلها في جميع هذه
الكتب ترجع إلى زيد بن أبي عياش - بالياء المثناة من تحت والشين المعجمة - مولى بنى زهرة
هكذا في كثير من روايات الحديث وهو قول أكثرهم ويقال فيه مولى بنى مخزوم وقيل غير ذلك قال
ابن عبد البر ولا يصح شئ من ذلك قال الدارقطني ثقة ورواه أبو داود من حديث يحيى بن أبي
كثير روى هذا الحديث عن عبد الله بن عياش عن سعد قال ابن عبد البر ويقولون ان عبد الله
ابن عياش هذا هو أبو عياش الذي قاله مالك وان يحيى بن أبي كثير أخطأ في اسمه بلا شك وفى
موضوع آخر شك فيه وأما عبد الله بن يزيد الراوي عنه فالأكثرون رووه عن مالك هكذا من غير
زيادة فظن بعض الناس لذلك أنه ابن هرمز القارئ الفقيه المشهور وقال ابن عبد البر ليس كما ظن
هذا القائل ولم يرو مالك عن ابن هرمز في موطئه حديثا مسندا وهذا الحديث لعبد الله بن يزيد
مولى الأسود بن سفين محفوظ وقد نسبه جماعة عن مالك منهم الشافعي وأبو مصعب (قلت)
وأبو قرة وهذا الذي قاله ابن عبد البر لهو الصواب وخلافه خطأ لتضافر الروايات عن مالك وغيره بأنه مولى
الأسود بن سفين مثبتا قال يحيي بن معين ثقة وقال البخاري قال أبو أويس مولى الأسود ابن
عبد الأسد المخزومي وقال غير البخاري ويقال مولى بني تميم وعبد الله بن يزيد بن هرمز الذي توهم بعض
الناس أنه هو ثقة أيضا ورواه عن عبد الله بن يزيد مالك بن أنس وإسماعيل بن أمية والضحاك ابن
عثمان وأسامة بن زيد اتفق هؤلاء الأربعة عنه على ذلك وخالفهم يحيي بن أبي كثير وقال فيه (نهى
420

رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر نسيئة) رواه أبو داود أيضا كما أشرت إليه قال الدارقطني واجتماع
هؤلاء الأربعة على خلاف ما رواه يحيى يدل على ضبطهم للحديث وفيهم امام حافظ وهو مالك بن
أنس رحمه الله وهذا الذي قاله الدارقطني حجة على تصويب رواية مالك ومن تابعه ويحتمل على
طريقة الفقهاء أن يحكم بصحتهما جميعا لثقة روايتهما وتكونان واقعتين مرة نهى عنه نسيئة ومرة
نهى عنه مطلقا وان بعض الرواة زاد ما أسقطه الآخر ولا تنافى الا من جهة المفهوم والمنطوق
مقدم عليه لكن النظر الحديثي ههنا أقوى والظاهر مع من أسقط لفظة النسيئة وقد تابع
عبد الله بن يزيد على روايته عمران بن أبي أنس وليس فيه زيادة لفظ النسيئة كذلك قال البيهقي
ورواه من طريق الربيع بن وهب لكني رأيت في مسند ابن وهب عن عمرو بن الحرث ان بكر ابن
عبد الله حدثه عن عمران بن أبي أنس حدثه (أن مولى لبني مخزوم حدثه أنه سأل سعد بن أبي وقاص
عن الرجل يسلفه الرجل الرطب بتمر إلى أجل فقال سعد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا) وهذا شاهد
جيد لرواية يحيى بن أبي كثير فان ثبت فيحمل على أنهما حديثان كما قد نبهت عليه قريبا فلا ينافي
ذلك ويحتمل أن يكون سئل عنه نبيئة فهي عنه وسئل مرة أخرى عنه مطلقا فنهى عنه وان لم يكونا
حديثين فالحكم باسقاط الزيادة متعيين قال البيهقي الخبر مصرح بان المنع إنما كان لنقصان الرطب
في المتعقب وحصول الفضل بينهما بذلك وهذا المعنى يمنع أن يكون النهى لأجل النسيئة فلذلك لم
لم تقبل هذه الزيادة ممن خالف الجماعة بروايتها في هذا الحديث ولذلك قال الشيخ أبو حامد قال لأن علة
النساء عندنا الطعم وعندهم الجنس (أما) النقصان فلا والله أعلم * وقد وردت أحاديث حسنة وصحيحة
وغير ذلك تشهد لرواية هذا الحديث وان المنع مطلق (منها) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول
الله صل الله عليه وسلم قال (لا تبايعوا التمر حتى يبدو صلاحه ولا تبايعوا التمر بالتمر) رواه مسلم وعن ابن عمر
عن رسول الله صل الله عليه وسلم قال (لا تبيعوا التمر بالتمر) متفق عليه وعنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر
421

بالتمر كيلا) متفق عليه وعنه قال (نهى رسول الله صل الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر الجاف) رواه ابن
وهب في مسنده بسند ضعيف ورواه الدارقطني بسند آخر ضعيف أيضا وعنه قال (نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن الرطب باليابس) رواه الدارقطني بسند فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف وروي أيضا
عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن رطب بتمر فقال (أينقص الرطب فقالوا نعم
فقال لا يباع الرطب باليابس) لكن في سنده أسامة بن زيد وهو ضعيف وروى البيهقي أيضا من
طريق ابن وهب من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبد الله بن أبي أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
سئل عن رطب بيابس فقال البيهقي وهذا مرسل جيد شاهد لما تقدم (قلت) وسيأتي إن شاء الله تعالى
في الفصل الذي يلي هذا عند كلام المصنف في المزابنة حديث في معجم الطبراني بسند صحيح لفظه
(رخص في بيع العرايا بخرصها من التمر اليابس) فيمكن أن يجعل شاهدا لما تقدم فإنه يقتضى سبق
التحريم لكن للخصم أن يقول أنا أسلم سبق التحريم في الرطب على رؤوس النخل بالتمر وهو الذي
وردت فيه الرخصة وقال عبد الحق في الأحكام بعد أن ذكر حديث أبي عياش هذا اختلف في صحة
هذا الحديث ويقال إن زيدا أبا عياش مجهول (قلت) والظاهر أن عبد الحق اخذ ذلك من ابن حزم
فإنه قال إنه لا يصح لجهالة أبى عياش ولذلك قبله ابن المفلس الظاهري وسبقهما إلى ذلك أبو جعفر
الطحاوي فقال إن أبا عياش لا يعرف وذكر الاختلاف الذي وقع في الحديث ثم قال فبان بحمد الله
ونعمته فساد هذا الحديث في اسناده ومتنه وأنه لا حجة فيه على من خالفه من أبي حنيفة ومن تابعه اه‍
ومدار تضعيف من ضعفه على جهالة أبى عياش وأول من رده بذلك أبو حنيفة رحمه الله وقال هو مجهول لما
422

سئل عن هذه المسألة عند دخوله بغداد وعلى أنه يتضمن مالا يمكن نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم من
الاستفهام عما لا يخفى فاما تضعيفه بسبب جهالة أبى عياش فقد قال الدارقطني فيما نقل التربشتى عنه
أنه ثقة فتثبت بذلك عدالته ولا يضره قول من لا يعرفه انه مجهول فان ذلك ليس بتخريج (وأما)
التضعيف بسبب ما تضمنه من الاستفهام فضعيف جدا وسيأتي الجواب عنه ولم أعلم أحدا من أئمة
الحديث ضعف هذا الحديث ولا تكلم في أبى عياش هذا قال الإمام أبو سليمان قد تكلم بعض
الناس في اسناد حديث سعد بن أبي وقاص وقال زيد أبو عياش رواية ضعيفة ومثل هذا الحديث
على أصل الشافعي لا يجوز أن يحتج به قال الخطابي وليس الامر على ما توهمه وأبو عياش هذا مولى
لبني زهرة معروف وقد ذكره مالك في الموطأ وهو لا يروى عن رجل متروك الحديث بوجه وهذا
من شأن مالك وعادته معلومة هذا آخر كلامه قال الحافظ أبو محمد عبد العظيم المنذري وقد حكى
عن بعضهم أنه قال زيد أبو عياش مجهول وكيف يكون مجهولا وقد روى عنه اثنان ثقتان عبد الله
ابن يزيد وعمران بن أبي أنس وهما ممن احتج به مسلم في صحيحه وقد عرفه أئمة هذا الشأن هذا الإمام
مالك رضي الله عنه وقد أخرج حديثه في موطئه مع شدة تحريه في الرجال ونقده وتتبعه لأحوالهم والترمذي قد
أخرج حديثه وصححه كما ذكرنا وصحح حديثه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري وقد ذكره مسلم بن الحجاج
في كتاب الكنى وذكر انه سمع من سعد بن أبي وقاص وذكره أيضا النسائي في كتاب الكنى
وما علمت أحدا ضعفه والله أعلم * (قلت) وقد ذكره البخاري أيضا في تاريخه الكبير في ترجمة
423

عبد الله بن يزيد الرواي عنه ووصفه بالأعور وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستذكار
والتمهيد بعد أن ذكر الخلاف في جهالته وقد قيل إن زيدا أبا عياش هذا هو أبو عياش الزرقي وأبو عياش
الزرقي اسمه عند طائفة من أهل العلم بالحديث زيد بن الصامت وقيل زيد بن النعمان وهو من صغار
الصحابة وممن حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه وشهد معه بعض مشاهده ورواه ابن عبد البر من
طريق ابن أبي عمر وهو العدني عن سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية فقال فيه الزرقي وهذه
زيادة من عدل مثبتة أنه هو الصحابي وكذلك رويناه في سنن الشافعي عنه عن سفيان بن عيينة فاجتماع
الشافعي والعدني عن سفيان على ذلك دليل على أنه هو لكن ذلك مخالف لما اشتهر في الروايات
أنه مولى بني زهرة وأحال الطحاوي أن يكون أبو عياش هو الزرقي قال لأن أبا عياش الزرقي من
جلة أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم لم يدركه عبد الله بن يزيد فإن كان هو إياه فقد كفيناه مؤنة الكلام
والا فيكفي ما تقدم من توثيق الدارقطني له وحكم الأئمة بتصحيح حديثه وأبو عياش الزرقي عاش
إلى زمان معاوية مات بعد الأربعين وقيل بعد الخمسين وقال أحمد بن حنبل اسمه زيد بن النعمان
وكل الرواة لهذا الحديث يقولون فيه أبو عياش - بالباء المثناة والشين المعجمة - إلا رواية ذكرها
أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي في جمعه حديث يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إسحاق
424

ابن خزيمة يسنده إلى يحيى قال فيها إن أبا عياش أو عياش شك يحيى وهذا مما يدل على قلة ضبط يحيى
في هذا الحديث ورأيت في كتاب الإسماعيلي هذا أيضا ذكره بطريق آخر إلى يحيى وقال فيه
(نهى رسول الله صل الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر يابس) هكذا وقع في الكتاب وعليه تطبيب وعلامة
أنه ينظر فيه فإن لم يكن تصحيفا فهو اختلاف موهن لرواية يحيى أيضا * واعلم أن هذا الحديث لا
يحتاج إلى تقدير صحته الا لما فيه من التعليل بالنقصان (وأما) الحكم فإنه ثابت في الحديث الصحيح المتفق
عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صل الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر) وقد تقدم التنبيه على ذلك من حديثه
ومن حديث أبي هريرة وغيره فقد علم ما في هذا الحديث وان الراجح حصته (وأما) الحكم الذي دل
عليه فثابت في الأحاديث الصحيحة وقد روى الشافعي هذا الحديث من جهة اثنين من الأربعة
الرواة عن عبد الله بن يزيد رواه عن مالك بن أنس ومن جهة إسماعيل بن أمية
رواه عن سفيان بن عيينة عنه (أما) روايته عن مالك فرويناها عنه في مسند الشافعي
من طريق الربيع عنه وكذلك هي في الام والاملاء (وأما) روايته من طريق إسماعيل فرويناها في
سنن الشافعي التي يرويها الطحاوي عن المزني عن الشافعي وفيها وصف أبى عياش بالزرقي فيحصل
بذلك متابعة العدني كما تقدم ورفع الجهالة عنه وأكثر الرواة عن مالك رحمه الله يقولون (سئل عن
شراء التمر بالرطب) وكذلك هو في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرهم وبعض الرواة عن
إسماعيل بن أمية يقولون (عن الرطب بالتمر) كذلك هو في النسائي وغيره من طريق سفيان الثوري
عنه وكذلك قاله ابن منيع من رواية أسامة بن زيد (وقال) أبو داود الطيالسي ووكيع وابن نمير
شيخ أحمد وأحمد بن يونس وخالد بن خداش شيخا إبراهيم الحزبي خمستهم عن مالك (الرطب
بالتمر) مثل رواية الآخرين (وقال) أحمد بن حنبل عن سفيان عن إسماعيل (عن تمر برطب)
مثل رواية مالك المشهورة والذي قاله الشافعي وغيره في حديث إسماعيل (تبايع رجلان على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر ورطب) فلم يعينوا شيئا والامر في ذلك قريب وأما قول المصنف (عن بيع) فلم أجده في
شئ من كتب الحديث بل كلهم اما بلفظ الشراء واما بحذفهما معا وانا رأيته في كتب الفقهاء كالقاضي أبى الطيب
ومن بعده (1) أكثر الرواة عنهم يقولون في آخره (قالوا نعم فنهى عنه) وكذلك لفظ أبى داود والترمذي

(1) بياض بالأصل فحرر
425

والنسائي وغيرهم وفى رواية (فكرهه) ورواه سفيان بن عيينة عن إسماعيل فقال فيه (قالوا نعم فلا إذا) مثل ما
ذكره المصنف كذلك رواه أحمد في مسنده والدارقطني وغيرهما وكذلك رواه الحاكم من طريق
مالك وإسماعيل جميعا وذكره أبو قرة في سننه من طريق مالك وإسماعيل فقال فيه (فنهاه
عنه) وذكره أبو داود الطيالسي عن مالك قال فيه (فقالوا نعم فقال لا أو فنهي عنه) هكذا
رواه على الشك وأكثر الرواة يقولون (إذا يبس) وفى رواية وكيع عن مالك (إذا جف)
ذكرها ابن أبي شيبة وبعض الرواة يقولون (أينقص؟) وبعضهم يقول (أليس ينقص؟) وبعضهم
يقول (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التمر بالرطب فقال فيه إذا يبس نقص) هذه رواية عبد الله بن عون
الخراز عن مالك بأسناده المذكور فهذه كلمات يحتاج إليها فيما ذكره المصنف لمن يريد تحرير النقل
ولنذكر لفظ الحديث بتمامه محررا روينا في مسند الإمام الشافعي عن مالك رضي الله عنهما عن
عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان (أن زيدا أبا عياش أخبره أنه سأل سعد بن أبي وقاص
عن البيضاء بالسلت فقال له سعد أيتهما أفضل فقال البيضاء فنهى عن ذلك وقال سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يسأل عن شراء التمر بالرطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا نعم فنهى
عن ذلك) وهو في الام كذلك حرفا بحرف وفى الاملاء كذلك الا أنه أبدل همزة الاستفهام بهل
وهو في أكثر الكتب قريب من هذا اللفظ قال العلماء منهم الخطابي قوله صلى الله عليه وسلم (أينقص الرطب
إذا يبس) لفظه لفظ الاستفهام ومعناه التقرير والتنبيه فيه على نكتة الحكم وعلته ليعتبروها في نظائرها
وأحوالها وذلك أنه لا يجوز أن يخفى عليه صلى الله عليه وسلم ان الرطب إذا يبس نقص فيكون سؤال تعرف
واستفهام وإنما هو على الوجه الذي ذكرته وهذا كقول جرير
ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح
ولو كان هذا استفهاما لم يكن فيه مدح وإنما معناه أنتم خير من ركب المطايا هذا كلام الخطابي
رحمه الله تعالى والاستفهام بمعنى التقرير كثير موجود في الكتاب العزيز في قوله تعالى (وما تلك
بيمينك يا موسى) وقوله (ألم نشرح لك صدرك) وغير ذلك وإنما اعتنى الأصحاب ببيانه هنا لأن
من جملة ما ضعف به الخصم هذا الحديث كونه متضمنا للاستفهام عن أمر لا يخفى (وقال) الشافعي
426

رحمه الله في الام في باب الطعام بالطعام وفيه دلائل (منها) إنه سأل أهل العلم بالرطب عن نقصانه
فينبغي للامام إذا حضره أهل العلم بما يرد عليه أن يسألهم عنه وبهذا صرنا إلى قيم الأموال بقول
أهل العلم والقبول من أهلها (ومنها) أنه صلى الله عليه وسلم نظر في متعقب الرطب فلما كان ينقص لم يجز بيعه
بالتمر لأن التمر من الرطب إذا كان نقصانه غير محدود وقد حرم أن يكون التمر بالتمر الا مثلا بمثل
وكانت فيها زيادة بيان النظر في المتعقب من الرطب فدلت على أن لا يجوز رطب بيابس من جنسه
لاختلاف الكيلين وكذلك دلت على أنه لا يجوز رطب برطب لأنه نظر في البيوع في المتعقب
خوفا من أن يزيد بعضها على بعض فهما رطبان معناهما معنى واحد وقال في الاملاء قريبا من
ذلك وزاد قال الشافعي فقال بعض لا بأس بالرطب بالتمر وإن كان الرطب ينقص إذا يبس قال
الشافعي فخالفه صاحبه قال قولنا في كراهية الرطب بالتمر قال الشافعي ثم عاد إلى معنى قوله فقال
لا بأس بحنطة رطبة بحنطة يابسة وحنطة مبلولة بحنطة مبلولة وإن كان أحدهما أكثر نقصانا إذا يبس
من الآخر وتكلم الشافعي رحمه الله تعالى أيضا في الام على قول سعد في البيضاء والسلت وقد تقدم ذلك
عند الكلام مع المالكية في بيع الحنطة بالشعير والله أعلم * وقد اتفق جمهور العلماء على مقتضى هذا الحديث
وأنه لا يجوز بيع الرطب بالتمر وقد اتفق الأصحاب مع الشافعي رحمه الله على ذلك لا خلاف عندهم
في ذلك الا خلافا حكاه ابن الرفعة في الكفاية عن تعليق القاضي حسين فيما إذا باع الرطب على
الأرض بالتمر وكذلك حكاه مجلي عن الإبانة للفوراني ولم أجده في شئ من الكتابين على الاطلاق
ولا يجوز اعتقاده وإنما هو في الإبانة والتتمة في خمسة أوسق فما دونها تخرجا على مسألة العرايا وعبارة
التتمة مصرحة بذلك وإن كانت عبارة الفوراني مطلقة (أما) الزائد عليها فليفهم ذلك ولم أر أحدا
نقل هذا الخلاف الا مجلي وابن الرفعة وكيفما كان فهو مردود يجب اعتقاده أن ذلك وهم منهما أو
سوء في العبارة واطلاقها ولعل حملها على ذلك اطلاق عبارة الفوراني ولكن ذاك لأنه قد ذكرها
في فصل العرايا فكان ذلك قرية بخلافهما حيث تكلما في فصل بيع الرطب بالتمر مع أن ابن الرفعة
في شرح الوسيط صرح بالاتفاق على أنه لا يجوز ذلك في أكثر من خمسة أوسق كما نبهت عليه
(وقوله) في الكفاية أوجب الافهام فيه كونه ذكره في غير محله ولم ينبه على محله والله أعلم * وممن ذهب
427

إلى المنع من ذلك كما ذهب إليه الشافعي من الصحابة سعد بن أبي وقاص ومن التابعين سعيد بن
المسيب ومن الفقهاء مالك والليث بن سعد والأوزاعي والثوري وأبو يوسف ومحمد بن الحسن لكنه
قال إذا أحاط العلم بأنهما إذا يبسا تساويا جاز وأحمد بن حنبل واسحق وداود هكذا نقل جماعة من
أصحابنا والحجة في ذلك الأحاديث المتقدمة ومن جهة أنه ان بيع متماثلا فالمنع لتحقق المفاضلة عند
الجفاف وإن كان التمر أكثر فللجهل بالمماثلة والتخمين لا يكفي في ذلك الا في العرايا * وقال أبو حنيفة
بجواز بيع الرطب بالتمر كيلا بكيل مثلا بمثل قال الشيخ أبو حامد وانفرد بذلك ولم يتابعه أحد عليه
ونقل ابن عبد البر عن داود موافقته له ونقل ابن المنذر أنهم أجمعوا على أن بيع التمر بالرطب لا يجوز
إلا أن أبا حنيفة وقال الشيخ أبو حامد إنه لم يخالف سعدا من الصحابة أحد ولا خالف أحد من التابعين
وهكذا يقوله في كل فاكهة رطبة بيابسها يجوز بيع العنب بالزبيب والحنطة الرطبة باليابسة وتابعه
على هذا أبو يوسف كما أشار إليه الشافعي في كلامه المتقدم في الاملاء وداود الظاهري وموافقة أبى يوسف
له في بقية الفواكه مع مخالفته له في الرطب بالتمر لا وجه له فمتى ثبت الحكم فيه ثبت فيها وقول
أبى يوسف المذكور في الحنطة الرطبة بالماء (أما) الرطبة من الأصل كالفريك فلا يجوز باليابسة
ولنرجع على الكلام على الرطب بالتمر ومحل الخلاف في الرطب المقطوع على الأرض * واحتج المنتصرون
لأبي حنيفة بأن الرطب والتمر إما أن يكونا جنسا واحد أو جنسين فإن كانا جنسا واحد فبيع الجنس الواحد بعضه
ببعض مثلا بمثل جائز وإن كانا جنسين فبيع جنس بجنس آخر أجوز والاستدلال على كل من القسمين لا يخفى
وفى المبسوط من كتب الحنفية أن أبا حنيفة دخل بغداد فسئل عن هذه المسألة وكانوا شديدين عليه لمخالفته الخبر
فذكر هذا الاستدلال فأورد عليه حديث سعد فقال إن زيدا أبا عياش لا يقبل حديثه قال شارح الهداية
من كتبهم وهذا الكلام حسن في المناظرة لدفع شغب الخصم ولكن الحجة لا تتم لجواز أن يكون
بينهما قسم ثالث كما في الحنطة المقلية بغير المقلية يعني أنها لا تجوز عندهم ومع ذلك الترديد المذكور
جاز فيها ولأنه إذا صح التساوي حال العقد لم يمنع توقع نقص يحدث العقد كالتمر الحديث بالتمر الحديث
أو العتيق والسمسم بالسمسم وإن كان يؤول إلى الشيرج (وأجابوا) عن حديث سعد بجهالة زيد أبى
عياش وبحمله على أن المراد إذا كان نسيئة وقد ورد ذلك في رواية أخرى كما تقدم فيحتج بمفهومها
428

ويخص به عموم النهى عن بيع الرطب بالتمر الوارد في حديث سعد وابن عمر وغيرهما وتحمل النواهي
الواردة في ذلك على ما إذا كان الرطب على رؤس النخل وهو المزابنة (واحتجوا) أيضا بعموم نهيه
صلى الله عليه وسلم (عن الطعام بالطعام الا مثلا بمثل) وكذلك قوله (التمر بالتمر) وقالوا ان التمر اسم لثمرة النخل من حين
ينعقد إلى أن يدرك (وأجاب) الأصحاب عن الأول بأنهما جنس واحد ولا يلزم جواز بيع بعضه ببعض
كالدقيق بالحنطة وقد وافقنا أبو حنيفة على أنه لا يجوز بيعه بها فان اعتذروا بان طحن الدقيق صنعة
تعارض عملها لزمهم أن يجيزوا التفاضل بين الدقيق والحنطة ثم إن الصنعة لا أثر لها في عقود الربا
(وعن) الثاني بأن المعتبر التساوي حالة الادخار وبأن هذه علة مستنبطة وعلة النبي صلى الله عليه وسلم منصوص
عليها فكانت أولى (وعن) جهالة أبى عياش بما تقدم (وعن) الاحتجاج بالمفهوم على تقدير ثبوت
تلك الرواية وتخصيص العموم بأن المحتجين بذلك لا يقولون بالمفهوم وأيضا فان العام المذكور قارنه
تعليل وهو قوله (أينقص الرطب إذا يبس) فصار معناه خاصا كأنه قال نهى عن بيع الرطب بالتمر
بعد لأن اعتبار التساوي مع التعليل المذكور لا وجه له وإذا ثبت أن ذلك اللفظ العام أريد به الخصوص
فالمفهوم المقابل له (من) أصحابنا من يجعله كالقياس فيسقطه لرجحان المنطوق عليه (ومنهم) من يقول هو
بمنزلة المنطوق ويتقابلان فعلى هذا يكون هذا المنطوق أولى لأنه نطق خاص معه تعليل فيكون
أولى من الذي لا تعليل معه هكذا حكى هذا الخلاف عن أصحابنا والبناء عليه الشيخ أبو حامد وغيره
وهو يقتضى أن بعض الأصحاب قائل بمساواة المفهوم للمنطوق عند تجرده عن التعليل وهو غريب
فأن المعروف أن المنطوق راجح على المفهوم نعم قد يكون ذلك فيما إذا كان المفهوم خاصا والمنطوق
عاما وهو بعيد أيضا لأنه يقتضى أن بعضهم يتوقف فيه وبعضهم يسقط المفهوم والمعروف أن المفهوم
يخصص العموم (وعن) احتجاجهم بقوله الطعام بالطعام بأن هذا عام في الرطب واليابس فيحمل
ذلك على اليابس بدليل ما ذكرنا وعن قوله (التمر بالتمر) أن الرطب لا يسمى تمرا لو حلف لا يأكل التمر
فأكل الرطب لم يحنث (والجواب) عن حملهم ذلك على ما إذا كان على رؤس النخل لا يكال (وأيضا) فأن
المزابنة تعم القسمين كما سيأتي إن شاء الله (وعن) قياسهم على بيع الحديث بالعتيق من ثلاثة أوجه مجموعة من
كلام القاضي أبي الطيب والماوردي والمحاملي (أحدهما) أن النقص لا يقدح في العلة الشرعية كتخصيص العموم
429

(الثاني) أن التمر الحديث والعتيق تساويا في حالة الادخار فلا يضر النقصان بعد ذلك (والثالث) أن
نقصان الحديث يسير وقد يعفى عن اليسير كما لو كان في الحنطة تراب وزوان يسير (قلت) وهذا
الجواب هو المعتمد ولذلك نقول إن الحديث إنما يجوز بيعه بالعتيق إذا لم تبق النداوة في الحديث
بحيث يظهر دونها في المكيال وسيأتي ذلك في آخر هذا الفصل عند ذكر المصنف له إن شاء الله تعالى
والله أعلم * واعترض نصر عليهم بأنهم يحتجون بخبر المجهول فكيف يدفعون هذا الخبر به لو
كان مجهولا كما ادعوه وعمدتنا في ذلك الحديث فهو كاف في الاستدلال من غير شغب والقياس
على بيع القمح بالدقيق فأنهم سلموا امتناعه ولا يقال إن الدقيق الذي في الحنطة أكثر من الدقيق
الذي في مقابلة لأنه ينتقض بيع جيدة بحنطة ضامرة مهزولة فإنه يصح والدقيق في الجيدة أكثر
ولهم ولأصحابنا أجوبة وأسئلة ضعيفة يطول الكتاب بذكرها وفيما ذكرته مقنع وهذه المسألة مما
تلتبث أيضا على الأصل الذي قدمته وهو أن المطلوب هل هو وجوب المساواة كما يقوله الحنفية أو
التحريم حتى تتحقق المساواة والله أعلم * وسعد بن أبي وقاص راوي الحديث مذكور في باب
حمل الجنازة (وقوله) البيضاء بالسلت قال ابن عبد البر في الحديث تفسير البيضاء وأنها الشعير وقد تقدم
الكلام في ذلك قال ابن عبد البر إن السلت والشعير عند سعد صنف واحد لا يجوز التفاضل بينهما وكذلك
القمح معها صنف واحد قال وهذا مشهور من مذهب سعد رضي الله عنه واليه ذهب مالك وأصحابه ولنرجع
بعد ذلك إلى ألفاظ الكتاب (قول) المصنف على الأرض تنبيه على أن الكلام في المسألة المختلف فيها واحتراز
عن بيع الرطب على رؤس النخل بالتمر على الأرض فلا خلاف في أنه ممتنع الا العرايا فيكون قوله
على الأرض حالا من رطبه أي لا يباع رطبه حال كونه على الأرض بيابسه ومعلوم أن اليابس على
الأرض ويجوز أن يجعل حالا منهما جميعا والله أعلم * (وقوله) إنه نهى عن بيع الرطب بالتمر لوجود
الصيغة الدالة (وقوله) انه جعل العلة فيه أنه ينقص مأخوذ من ثلاثة أوجه (أحدها) الفاء الداخلة
على الحكم المرتب على الوصف (والثاني) إذا فإنه للتعليل (والثالث) استنطاقه وتقريره صلى الله عليه وسلم
لنقصانه إذا يبس وهو صلى الله عليه وسلم والحاضرون يعلمون ذلك فلو لم يكن النقصان علة في المنع لم يكن
للتقرير عليه فائدة وهذا المثال عده الغزالي ومن تابعه في أقسام الايماء والتنبيه لكنه
430

لأجل ازدحام هذه الوجوه قال الغزالي ومن تابعه انه ترقى في الظهور إلى رتبة الصريح وقال المصنف
في اللمع وشرحها ان ذلك أعني قوله صلى الله عليه وسلم (أينقص الرطب إذا يبس فقيل نعم فقال فلا
إذا) صريح في التعليل وجعله مقدما على ذكر الصفة التي لا يفيد ذكرها غير التعليل وكذلك
جعله في المعونة أيضا (وقوله) بعد ذلك فدل على أن كل رطب لا يجوز بيع رطبه بيابسه مستنده
القياس وعموم العلة فيعم الحكم لعموم علته وبذلك يتم الاستدلال على القاعدة الكلية التي
ادعاها أنه لا يباع رطبه بيابسه مطلقا في بعضه بالنص وفى باقيه بالقياس فنبه على أن النص وحده
لا يكفي في اثبات تلك القاعدة والله تعالى أعلم * وان العلة لو كانت في رتبة الصريح لا تكون كالتنصيص
على جميع محالها فيكون الحكم فيها ثابتا بالنص كما ادعاه بعض الأصوليين بل إنما يثبت في الفرع
بالقياس والله أعلم * (وقوله) رطبه بيابسه يشمل الرطب والبسر والبلح والخلال بلغة العراق الذي
يسميه المصريون رامخا لا يجوز أن يباع شئ منها بالتمر وكذلك العنب والحصرم إذا بيع بالزبيب
والجوز واللوز رطبها بيابسها وكذلك البندق والفول والمشمش والتين الرطب باليابس والخوخ
الرطب بالمقدد على ما قاله القاضي أبو الطيب وغيره ومراده به (1) وكذلك أحد نوعي الجنس
الواحد إذا بيع بالآخر كالرطب المقلى بالتمر البرنى لا يجوز أيضا قاله الماوردي وهو واضح وما أشبه ذلك
صرح الشافعي رحمه الله والأصحاب بهذه الأمثلة كلها وهم والشافعي مصرحون بإطلاق هذه القاعدة
التي ادعاها المصنف بأنه لا يباع من الجنس الواحد رطب بيابس في غير العرايا ولم يختلفوا في شئ منها
إلا في بيع الطلع بالرطب وقد حكى الماوردي والروياني فيه ثلاثة أوجه (أحدها) الجواز لأنه
لا ينعقد فأشبه القصل بالحنطة (والثاني) لا لأن نفس الطلع يصير رطبا بخلاف القصل (والثالث)
قالا وهو أصح إن كان من طلع الفحال جاز لأنه صار رطبا وإن كان من طلع الإناث لم يجز
وممن صرح بأن البسر والبلح كالرطب في ذلك الماوردي والمتولي وكذلك الخلال قاله
الماوردي وكذا كل ما يتخذ من التمر والرطب كالدبس والناطف لا يجوز بيعه بتمر ولا رطب ولا
بما يصير تمرا أو رطبا كالبلح والخلال والبسر صرح به الماوردي وقال امام الحرمين عند الكلام
الأجناس إن البلح مع الرطب والحصرم مع العنب كالعصير مع الخل عنده وأظهر الوجهين عنده

(1) بياض بالأصل فحرر
431

في العصير مع الخل أنهما جنسان فيكون الظاهر عنده جواز بيع البلح بالرطب والتمر متفاضلا وجواز
بيع الحصرم بالعنب متفاضلا وأنهما جنسان وهذا بعيد لأنه لو لزم من الاختلاف في هذه الصفة
الاختلاف في الجنسية لزم أن يكون الرطب والتمر جنسين مختلفين وهو لا يقول به فهذا يفسد عليه
ما اختاره من أن العصير والخل جنسان بل هما جنس واحد لأن التفاوت الذي بينهما أشد مما
بين الرطب والتمر * واعلم أن الحكم بكون الطلع والرطب والتمر جنسا واحدا وكذلك الحكم
بان الرطب والتمر جنس واحد فيه اشكال لأن كلا منهما منفرد باسم خاص وذلك يقتضى كونهما
جنسين على مقتضى الضابط المشهور في اتحاد الجنس واختلافه وقد تقدم التعرض لذلك عند
الكلام في الأجناس والله أعلم * والضمير في قوله رطبه بيابسه عائد على ما حرم به الربا الذي صدر به
الفصل السابق على الفصل الذي قبل هذا واتحاد الضمير يفيد ان المراد الجنس الواحد أي لا يباع
رطب الجنس بيابس ذلك الجنس وليس الحكم مقتصرا على الرطب بالتمر والعنب بالزبيب بل كل
رطب بيابس إذا كان ربويا من جنس واحدا كحب الرمان بالرمان الرطب قال الشيخ أبو حامد
لا خلاف على مذهبنا أنه لا يجوز يعنى تفريعا على الجديد أنه يجرى فيها الربا والله أعلم * ومن
الواضحات أنه يجوز بيع الرطب بالعنب والعنب بالتمر والرطب بالزبيب والزبيب بالتمر لأنهما جنسان
وقد نص الأصحاب على ذلك كله والله أعلم * وقد أفهم كلام المصنف جواز بيع يابسه بيابسه كبيع
التمر بالتمر والزبيب بالزبيب إذا تساويا في المكيال وذلك بالاتفاق وكذلك كل تمرة لها حالة
جفاف كالمشمش والخوخ والبطيخ الذي يفلق والكمثرى الذي يفلق والرمان وسيأتي تفصيل ذلك
إن شاء الله تعالى وقد مر بعضه عند الكلام في المعيار والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
(وأما بيع رطبه برطبه فينظر فيه فإن كان ذلك مما يدخر يابسه كالرطب والعنب لم يجز بيع
رطبه برطبه وقال المزني يجوز لأن معظم منافعه في حال رطوبته فجاز بيع بعضه ببعض كاللبن والدليل
على أنه لا يجوز انه لا يعلم التماثل بينهما في حال الكمال والادخار فلم يجز بيع أحدهما بالآخر كالتمر بالتمر
جزافا ويخالف اللبن فان كماله في حال رطوبته لأنه يصلح لكل ما يراد به والكمال في الرطب
والعنب في حال يبوسته لأنه يعمل منه كل ما يراد منه ويصلح للبقاء والادخار) *
432

(الشرح) الطعام الرطب منه ما يخرج عن الرطوبة في حال يصير يابسا وهذا ينقسم
إلى ما يدخر يابسه والى ما لا يدخر فذكر المصنف في المأكول والمشروب الذي يكون رطبا ابدا قال
المصنف من المأكول والمشروب الذي يكون رطبا ابدا إذا ترك لم ينتن مثل الزيت والسمن
والشيرج والادهان واللبن والخل وغيره مما لا ينتهى بيبس في مدة جاءت عليه ابدا الا ان يبرد
فيجمد بعضه ثم يعود ذائبا كما كان أو بأن يقلب بأن يعقد على نار أو يجعل عليه يابس فيصير هذا
يابسا بغيره وعقد نار فهذا الصنف خارج من معنى ما يكون رطبا بمعنيين (أحدهما) أن رطوبة
ما يبس من التمر رطوبة في شئ خلق مستحسلا إنما هو رطوبة طرأ كطروت اغتذائه في شجره
وأرضه فإذا زال موضع الاغتذاء من مسه عاد إلى اليبس وما وصفت رطوبته مخرجة من أمات
الحيوان أو تمر شجر أو زرع قد زال الشجر والزرع الذي هو لا ينقص بمزايلة الأصل الذي هو
فيه نفسه ولا يجف به بل يكون ما هو فيه رطبا انطباع رطوبته (والثاني) أنه لا يعود يابسا كما يعود
غيره إذا ترك مدة الا بما وصفت فلما خالفه لم يجز أن نقيسه عليه وجعلنا حكم رطوبته حكم جفوفه
ولأنا كذلك نجده في كل أحواله لا متنقلا الا بتنقل غيره اه‍ فهذا القسم لم يتعرض له المصنف
في كلامه بل ذكر شيئا من مسائله فيما بعد كالخلول والألبان كما سيأتي إن شاء الله تعالى واقتصر
على الرطب الذي يكون منه يابسة وقسمه قسمين (الأول) الذي يدخر يابسه كالرطب والعنب
والحنطة والشعير والفول والجوز واللوز والرمان الحامض والفستق والبندق ونحو ذلك وكل ما غالب
منافعه في حال يبسه فهذا لا يجوز بيع رطبه برطبه قال الشافعي رضي الله عنه في الام في باب بيع
الآجال وكل شئ من الطعام يكون رطبا ثم ييبس فلا يصلح منه رطب بيابس لأن النبي صلى الله عليه وسلم
سئل عن الرطب بالتمر فقال (أينقص الرطب إذا يبس فقال نعم فنهي عنه) فنظر في المتعقب فكذلك
ننظر في المتعقب فلا يجوز رطب برطب لأنهما إذا تيبسا اختلف نقصيهما فكانت فيهما الزيادة في المتعقب
وقد تقدم من كلامه في الام نحو ذلك أيضا وقال في باب الرطب بالتمر وهكذا كل صنف من الطعام
الذي يكون رطبا ثم ييبس فلا يجوز فيه الا ما جاز في الرطب بالتمر والرطب نفسه ببعض لا يختلف ذلك
وهكذا ما كان رطبا فرسك وتفاح وتين وعنب وأجاص وكمثرى وفاكهة لا يباع شئ منها بشئ
رطبا ولا رطب منها بيابس ولا جزاف منها بمكيل (قلت) وجمع الشافعي في ذلك بين ما يدخر يابسه
433

وما لا يدخر ومقصوده منع بيع الرطب بالرطب واليابس مطلقا والله أعلم * وقال في الاملاء
وبين عندي والله أعلم أن لا يشترى رطب برطب لأن أحد الرطبين أقل نقصا من الآخر وقد اشتمل
هذا الكلام على ما يجفف مطلقا سواء كان تجفيفه غالبا أم لا ولم يفصل العراقيون بين القسمين فلذلك
أطلق المصنف وسيأتي عن الإمام تفصيل في ذلك فنؤخر الكلام فيما جفافه نادر ونجعل الكلام الآن فيما
جفافه غالب كالرطب والعنب وهو أصل ما يتكلم عليه في المسألة فقد اتفق جمهور الأصحاب غير
المزني من المتقدمين والروياني من المتأخرين على أنه لا يجوز بيع بعضه ببعض في حال الرطوبة فلم
يحكوا فيه خلافا وكذلك قال الجعدي ان المنع من ذلك قول واحد وامام الحرمين قال إنهم لم يختلفوا
فيه ومحل الكلام في الزائد على خمسة أوسق (أما) إذا باع خمسة أوسق فما دونها رطبا مقطوعا على
الأرض بمثله فسيأتي في العرايا فيه خلاف عن شرح التلخيص للقفال وقد خالف الشافعي رحمه الله
في هذه المسألة أكثر العلماء فذهب مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل في المشهور
والمزني واختاره الروياني من أصحابنا فقال في الحلية وهو القياس والاختيار حتى قال ابن المنذر فيما
حكي عنه القاضي حسين أن العلماء اتفقوا على أن بيع الرطب جائز الا الشافعي وقد وافق الشافعي
على ذلك عبد الملك بن الماجشون وأبو حفص العكبري من الحنابلة قال الشيخ أبو حامد والكلام
مع أبي حنيفة في ذلك ضرب من التكليف لأنه إذا أجاز بيع الرطب بالتمر فالرطب بالرطب أجوز
(فاما) مالك وغيره فقد منعوا بيع الرطب بالتمر وأجازوا هذا فالكلام معهم (اما) حجة الشافعي
فظاهرة من القياس على بيع الرطب بالتمر وان لم يكن في الرطب بالرطب حقيقة المفاضلة ففيه
الجهل بالمماثلة في الحالة المعتبرة وهي حالة الجفاف فان في الارطاب ما ينقص كثيرا وهو إذا كان كثير
الماء رقيق القشرة فإذا يبس ذهب ماؤه ولحمه حتى لا يبقى منه شئ ومثله الأصحاب بالهلبات وهو (1)
والإبراهيمي وهو (2) وغيرهما ومنه ما ينقص قليلا وهو ما كثر لحمه وقل ماؤه وغلظ
قشره ومثلوه بالمعقلي والبرني والطبرزوى وهذا ما أراده المصنف بقوله إنه لا يعلم التماثل بينهما
في حال الكمال والادخار وزاد الأصحاب فقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى
عن الرطب بالتمر لأجل النقصان في أحد الطرفين فكان المنع إذا وجد النقصان في الطرفين
أولى وأحرى وروي أبو بكر الإسماعيلي في كتابه المستخرج على البخاري حديث ابن عمر المتقدم

(1) بياض بالأصل فحرر
(2) بياض بالأصل فحرر
434

في بيع الرطب بالتمر بلفظ يدل على منع بيع الرطب بالرطب قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع
التمرة بالتمرة فيشمل الرطب وسائر أحواله) وهذه الرواية أصرح من روايته المذكورة في البخاري وغيره
(نهى عن بيع التمر بالتمر) فإنه يحتمل أن يكون جميعا بالثاء المثلثة فتكون موافقة لها ويحتمل أن
يكون إحداهما التمر بالمثناة وكذلك ضبطه جماعة أن الأولى بالمثلثة والثانية بالمثناة يعني بيع الرطب
بالتمر وأما رواية الإسماعيلي هذه فصريحة فإنها بزيادة الهاء في آخرها ولما لم يتمسك الأصحاب بغير
القياس اعترض المخالفون على القياس الذي ذكره الأصحاب بأن النقصان في أحد الطرفين
موجب للتفاوت والنقصان في الطرفين غير موجب له وأجابوا عن هذا الاعتراض بجوابين (أحدهما)
ما تقدم من تفاوت النقص في الارطاب (والثاني) أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يراع التفاوت في الثاني وإنما
راعى النقصان إذا يبس وذلك موجود في الرطبين ولك أن تقول هذا الجواب الثاني جمود على
الوصف وظاهرية محضة ولا شك أن النقص إنما اعتبر بحصول التفاضل في الربوي فالأولى الاقتصار
على الأول أو نقول إن النبي صلى الله عليه وسلم منع من بيع الرطب بالتمر مطلقا وذلك يشتمل ما إذا بيع كيلا
بكيل وما إذا بيع خرصا كما إذا باع صاع تمر بصاعين رطبا فظن أنه يجئ منها صاع والأول فيه
الجهل بالتماثل بين الرطبين لما لم يكن معتبرا في حال الارطاب صار غير معلوم فيكون كما لو تبايعا
جزافا واحتمال المساواة عند الجفاف كاحتمال كون الصبرتين متساويتين في نفس الامر وأيضا
فكل جنس اعتبر التماثل في بيع بعضه ببعض فالجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل بدليل النهى عن التمر
بالتمر جزافا وذكر المصنف لحالة الكمال والادخار تحقيق لعدم العلم بالمماثلة لا لأنه مشترك بينه
وبين الصورة المقيس عليها * واعترضوا على هذا القياس أيضا بأنه منقوض بالعرايا فإنه يصح مع الجهل
بالمساواة لأن مع الحرص لا تتحقق المساواة بل هي مشكوك فيها وأجاب الشيخ أبو حامد بأنه
في العرايا غلب على ظنه المساواة بالخرص وغلبة الظن فوق الشك فإذا غلب على ظنه أن في هذه
النخلة رطب يجئ منه مثل هذا التمر المكيل على الأرض جوزناه (واعلم) أن هذا الجواب
يقتضى أن يجوز بيع الرطب بالرطب المقطوعين باعتبار الخرص أو تكون العلة منقوصة كما هي
فيحتاج إلى جواب غير هذا فنقول إن الشارع اكتفى بالظن الحاصل من الخرص رخصة في العرايا
435

وغيرها ليس في معناها فلا يحسن ايرادها نقضا ومقصود الشيخ أبى حامد دفع النقض المذكور
فقط بالفرق لا أن وصف علية الظن مصحح مطلقا والله أعلم * واحتج المخالفون بالقياس
الذي ذكره المصنف قال المزني وقال أيضا ولأنه إذا بيع الرطب بالرطب فهما متماثلان
في كل حال لأنهما إذا بقيا يبسا جميعا ونقصا نقصانا واحدا وما يحصل بينهما من التفاوت
في حال اليبس يسير معفو عنه بمنزلة النقصان الحاصل في التمر الحديث إذا بيع بعضه ببعض وربما
أورد ذلك على جهة النقض على علتنا فقالوا النقصان الذي ذكرتموه موجود في التمر الحديث بالتمر
الحديث ومع هذا البيع جائز فانتقضت العلة (وأجاب) الأصحاب عن قياسهم على اللبن بما ذكره المصنف
قالوا لأن التمر يصلح لما يصلح له الرطب وزيادة الادخار ولا يصلح الرطب لما يصلح له التمر واللبن
يصلح لأشياء كثيرة وإذا جبن أو جعل لباء أو غير ذلك لم يصلح لكل تلك الأشياء وليس
للبن حالة أخرى ينتهى إليها بنفسه بخلاف الرطب وعن كلام المزني في أنهما يتساويان في النقصان
إذا يبسا بما تقدم أن الارطاب تتفاوت في اليبس فيؤدى إلى التفاضل في حال كمالها والتفاضل
المحتمل هنا أكثر من الحاصل في الحديث فان فرض أن التمر الحديث يتناهى في الجفاف بعد ذلك
إلى حالة يظهر فيها التفاوت في الكيل فإنه لا يجوز بيع بعضه ببعض وهي المسألة ومع هذا لا يرد
النقض المذكور (وأما) الشيخ أبو حامد فإنه أجاب عن النقض المذكور بأن العلة علتان مستنبطة
ومنصوصة فالمستنبطة لا يجوز تخصيصها واختلف أصحابنا في المخصوصة فقيل كالمستنبطة وقيل لا يجوز
تخصيصها لأن المستنبطة إنما جعلت علة لاطرادها والمنصوصة علة بالنص فجرت مجرى الأسماء إذا
قام دليل على خصوصها تخصصت والنقص مندفع على كلا الطريقين لأنا وإن قلنا بأنه
لا يجوز أن يخص فليست العلة مجرد النقصان وإنما هو نقصان قبل حالة الادخار قال
صلى الله عليه وسلم (أينقص الرطب إذا يبس) وفى المسألة التي ذكروها نقصان يحدث بعد بلوغ
حالة الادخار *
(فرع) هذا القسم الذي تجفيفه غالب إذا جفف فلا خلاف في جواز بيع بعضه ببعض
في حالة الجفاف إذا كان له معيار شرعي وان لم يكن له معيار شرعي فيأتي فيه الخلاف فيما
ليس بمكيل ولا موزون هل يجوز بيع بعضه ببعض أولا والذي يغلب على الظن أن كل ما
436

يجفف غالبا فهو مقدر كالرطب والعنب والقمح والشعير فليس ثم ما يجفف غالبا وهو غير مقدر حتى يتردد
في بيعه في حالة جفافه فان فرض جرى فيه الخلاف والله أعلم *
(فرع) أما ما لا يغلب تجفيفه بل تجفيفه في حكم النادر الذي يستعمل في التفاضل عند
الاكل من رطب الجنس وأكثر الغرض في رطبه فقد ذكر الإمام فيه ثلاث أوجه ومثله بالمشمش والخوخ (أحدها)
الجواز رطبا ويابسا (والثاني) المنع رطبا ويابسا فإنه لم تتقرر له حالة كمال لا رطبا ولا يابسا (والثالث) المنع رطبا
والجواز يابسا قال الإمام ولم يصر أحد من أئمة المذهب إلى الجواز رطبا والمنع جافا ثم الرطب الذي لو جفف فسد
يجتمع فيه أربعة أوجه وستأتي إن شاء الله تعالى وحكى القاضي حسين في حالة الخوف وجهين في
المشمش والخوخ والكمثرى والبطيخ الذي يتفلق والرمان الحامض وهما الوجهان اللذان في التنبيه
فيما لا يكال ولا يوزن *
(فرع) قال الإمام قال العراقيون جفاف البطيخ حيث يعتاد من البلاد في حكم جفاف
المشمش قال والامر على ما ذكره *
(فرع) الذي جزم به صاحب العدة في البطيخ والمشمش امتناعه رطبا والجواز يابسا فخرج
من هذا أن ما كان جافا كاملا ذا معيار جاز بيعه قطعا وان فقد المعيار كما مثل أو الكمال كالفواكه
التي لا تدخر والرطب الذي لا يحنى منه في الأقسام الثلاثة خلاف وان فقد الكمال والجفاف امتنع
قطعا كالرطب والعنب غالبا *
(فرع) قول الشيخ رحمه الله رطبه برطبه يشمل اليبس والرطب والطلع والخلال وغير
ذلك إذا بيع كل منها بمثله أو بالآخر وإذا امتنع بيع الشئ من ذلك بمثله فلان يمتنع بالآخر
بطريق أولى فأن النقصان في أحد الطرفين أكثر وقد ورد في بعض طرق حديث سعد المتقدم
(تبايع رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ببسر ورطب فقال صلى الله عليه وسلم هل ينقص الرطب إذا يبس
قالوا نعم قال فلا إذا) رواه الحاكم في المستدرك من طريق إسماعيل بن أمية بالسند المشهور فأن لم يكن لفظ
البسر تصحيفا فهو حجة في هذه المسألة *
437

(فرع) قال الشافعي كل ما لم يجز التفاضل فيه فالقسم فيه كالبيع فذكر الأصحاب لذلك
فروعا (منها) لو كانت ثمرة على أصولها مشتركة بين رجلين فاقتسماها خرصا (وقلنا) القسمة بيع وهو
القول الذي ادعى الماوردي هنا أنه الأشهر وقال صاحب التهذيب إنه الأصح لم يصح (وان قلنا)
إفراز فإن كانت الثمرة مما لا زكاة فيه لم يصح لأن خرصه لا يجوز وإن كان مما يجب فيه
العشر كالرطب والعنب فإن كان قبل بدو الصلاح لم يجز قاله المحاملي وإن كان بعد
بدو الصلاح فقولان (نقلوا) عن نصه في الصرف الجواز لأنه إذا جاز خرصها لمعرفة حق الفقراء وتضمينه
جاز لتمييز أحد الحقين عن الآخر نقله القاضي أبو الطيب وغيره ونقل المحاملي عن نصه في سائر كتبه أنه
لا يجوز وغير المحاملي لم يفصل بين ما بعد بدو الصلاح وقبله ورجح صاحب التهذيب انه لا يجوز
وان فرعنا على أن القسمة إفراز لأن الخرص ظن لا يعلم نصيب كل واحد على الحقيقة وفى الزكاة
جوزنا الخرص لأن الخرص للمساكين فيه حقيقة شركة بدليل انه يجوز أداء حقهم من موضع اخر
وهو الصحيح وقال في الإبانة ومن أصحابنا من قال قولا واحدا يصح (وان قلنا) انها بيع لأن هذا
موضع ضرورة (قلت) فيخرج من هذا ثلاث طرق فكل ربوي لا يجوز بيع بعضه ببعض لا يجوز
قسمته على القول بأن القسمة بيع ويجوز على قول الافراز وهل تجوز قسمة أموال الربا المكيل
وزنا والموزون كيلا (ان قلنا) القسمة افراز جاز (وان قلنا) بيع فلا اتفق عليه الأصحاب فعلى الأول
يجوز قسمة الرطب ونحوه وزنا والله أعلم * ولا يجوز قسمة الطعام ولا غيره جزافا صرح به المحاملي
يعنى على القولين جميعا ومأخذ الخلاف في أن القسمة بيع أو افراز اختلاف قول الشافعي كما قال
الماوردي هنا في خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمار المدينة هل كان لمعرفة قدر الزكاة أو لافراز حقوق
أهل السهمان فعلى الأول لا يجوز قسمة الثمار خرصا وتكون القسمة بيعا وعلى الثاني يجوز قسمة الثمار
وتكون افراز حق وتمييز نصيب *
(فرع) فإذا قلنا القسمة بيع وتقاسما مالا ربويا مما يجوز بيع بعضه ببعض قال الماوردي لهذه
القسمة خمسة شروط (إحداها) الكيل في المكيل والوزن في الموزون فإذا كانت الصبرة بينهما نصفين
وأراد قسمتها أخذ هذا قفيزا وهذا قفيزا وإن كان أثلاثا اخذ هذا قفيزا وهذا قفيزين ولا يجوز لأحدهما
438

أن يستوفى جميع حصته من الصبرة ثم يكتاله للآخر ما بقي لاحتمال أن يتلف الباقي قبل أن يكال
الشريك الآخر ولأنهما قد استويا في الملك فوجب أن يستويا في القبض فان اتفقا على المبتدئ
منهما بأخذ القفيز الأول والا أقرع بينهما في أخذه ويكون استقرار ملك الأول على ما أخذه موقوفا
على أن يأخذ الآخر ملكه فلو أخذ الأول قفيزا فهلكت الصبرة قبل أن يأخذ الثاني مثله لم يستقر
ملك الأول على القفيز وكان الثاني شريكا له (الشرط الثاني) أن يتساويا في قبض حقوقهما من
غير تفاضل وكذلك إذا كانت بينهما أثلاثا أخذ هذا الثلثين وهذا الثلث من غير أن يزداد شيئا
أو ينقص شيئا (الشرط الثالث) إن يكون كل منهما أو وكيله قابضا لنصيبه مقبضا لنصيب شريكه
فلا يصح انفراد أحدهما ولا أن يأذنا لشخص واحد يتولى القبض والاقباض (الشرط الرابع) أن
يتقابضا قبل التفرق وتقابضهما بالكيل وحده دون النقل بخلاف البيع حيث كان النقل فيه معتبرا
فان المبيع مضمون على بائعه باليد فاعتبر في قبضه النقل لترتفع اليد فيسقط الضمان وليس في القسمة
ضمان يسقط بالقبض وإنما هي موضوعة للإجارة وبالكيل تحصل فلو تقابضا بعض الصبرة ولم يتقابضا
الباقي صح فيما تقابضا قولا واحد وكانت الشركة بينهما فيما بقي (الشرط الخامس) وقوع القسمة ناجزة
من غير خيار لا بالشرط ولا بالمجلس وإن كانت بيعا لانتفاء المحاباة والغبن عنها هذا كلام الماوردي
وقال ابن الرفعة وهذا ظاهر فيما يخير عليه دون ما لا يخير عليه ولا جرم قال ابن الصباغ بثبوتهما يعني
الخيارين إذا اقتسما بأنفسهما والغزالي حكى في ثبوت خيار المجلس وجهين قال ودعوى الماوردي أنه
لا يد مضمنة في القسمة فيه نظر لأن يد كل واحد على حصته فقط فلا فرق حينئذ بين يد القاسم
والبائع فيما نظنه (قلت) هذا الذي قاله ابن الرفعة هو الذي يترجح والله أعلم *
(فرع) إذا أراد قسمة الثمار وقد قلنا على هذا القول بأنه لا يجوز قال الماوردي فالوجه في
ارتفاع الشركة بينهما أن يجعلا ذلك حصتين متميزتين ثم يبيع أحدهما حقه من إحدى الحصتين على
شريكه بدينار ويبتاع منه حقه من الحصة الأخرى بدينار ثم يتقاصان فيكون هذا بيعا يجرى عليه
أحكام البيوع *
(فرع) من الحاوي أيضا (فان قلنا) بان القسمة افراز يجوز لأحدهما أن ينفرد بأخذ حصته
عن اذن شريكه بخلاف ما تختلف اجزاؤه كالثياب والحيوان لأن ذلك يفتقر إلى اجتهاد فلم يجز
439

لأحدهما أن ينفرد وان إذن الشريك وبخلاف ما إذا قلنا بالقول الأول لأن البيع لا ينفرد به أحدهما
ولو انفرد بأخذ نصيبه من غير اذن شريكه فوجهان (أحدهما) لا يجوز للإشاعة فعلى هذا ما أخذه
مشترك مضمون عليه حصة شريكه فيه (والثاني) يجوز لأنه لو استأذنه لم يكن له منعه قال
الروياني وعندي الأصح الوجه الأول (وان قلنا) القسمة بيع لم يجز لأحدهما أن ينفرد بحال لا
بالاذن ولا بغير الاذن قاله الروياني وذكر جميع ما ذكره الماوردي *
(فرع) جميع ما تقدم من الكلام وخلاف العلماء لا فرق فيه بين الرطب بالرطب والبسر بالبسر يمتنع عندنا وجائز عند أبي حنيفة رضي الله عنه ومالك * وقال أبو حنيفة يجوز البسر بالرطب
مثلا بمثل وهو قول داود * وقال مالك وأبو يوسف ومحمد لا يجوز الرطب بالبسر على حال نقل ذلك
ابن عبد البر *
* قال المصنف رحمه الله *
(وإن كان مما لا يدخر يابسه كسائر الفواكه ففيه قولان (أحدهما) لا يجوز لأنه جنس فيه
ربا فلم يجز بيع رطبه برطبه كالرطب والعنب (والثاني) إنه يجوز لأن معظم منافعه في حال رطوبته
فجاز بيع رطبه برطبه كاللبن) *
(الشرح) الذي لا يدخر يابسه في العادة كالأترج والسفرجل والتفاح والتوت والبطيخ والموز
والقثاء والخيار والباذنجان والرمان الحلو والقرع والزيتون عند بعضهم والكراث والبصل وجميع
البقول وكل ما غالب منافعه في حال رطوبته سوى الرطب والعنب وكل رطب لا ينفع إذا يبس إما
من المكيلات أو الموزونات التي فيها الربا قولا واحدا واما من غيرها على الجديد ومن ذلك أيضا
السفرجل وقال الجوزي إنه ييبس ويدخر وهو غريب فهل يجوز بيع بعضها ببعض فيه قولان
منصوصان كما قاله الشيخ أبو حامد وقد رأيت ما يقتضى ذلك في الام والذي نص عليه في باب
بيع الآجال المنع فإنه قال وكذلك كل مأكول لا ييبس إذا كان مما ييبس فلا خير في رطب منه
برطب كيلا بكيل ولا وزنا بوزن ولا عددا بعدد ولا خير في أترجة بأترجة ولا بطيخة ببطيخة وزنا
ولا كيلا ولا عددا وقول الشافعي إذا كان مما ييبس احتراز عما يكون رطبا ابدا الذي تقدم من
كلامه وفى آخر كلامه هنا ما يبين ذلك أيضا فإنه قال فإذا كان من الرطب شئ لا ييبس بنفسه أبدا
440

مثل الزيت والسمن والعسل واللبن فلا بأس ببعضه على بعض إن كان مما يوزن فوزنا وإن كان مما
يكال فكيلا مثلا بمثل ينبغي أن تضبط الأولى ييبس - بياء مضمومة ثم ياء مفتوحة ثم باء مشددة -
والثانية - بياء مفتوحة ثم ياء ساكنة ثم باء مخففة مفتوحة - أي هو ييبس بنفسه وإن كان يبسا غير
آيل إلى صلاح ولكنه لا ييبسه الناس ولذلك قال في باب الرطب بالتمر فيه هكذا ما كان رطبا
فرسك (1) وتفاح وتين وعنب وأجاص وكمثرى وفاكهة لا يباع شئ منها بشئ رطبا ولا رطب منها
بيابس ولا جزاف منها بمكيل ثم قال فيه أيضا وهكذا كل مأكول لو ترك رطبا ييبس فينقص وهكذا
كل رطب لا يعود تمرا بحال وكل رطب من المأكول لا ينفع يابسا بحال مثل الخريز والقثاء والخيار
والفقوس والجزر والأترج لا يباع منه شئ بشئ من صنفه وزنا بوزن ولا كيلا بكيل لمعنى ما في
الرطوبة من تغيره عند اليبس وكثرة ما يحمل بعضها من الماء فيثقل به ويعظم وقلة ما يحمل غيرها
فيضمر به ويخف وإذا اختلف الصنفان منه فلا بأس (وقال في آخر هذا الباب) كل فاكهة
يأكلها الآدميون فلا يجوز رطب بيابس من صنفها ولا رطب برطب من صنفها لما وصفت من الاستدلال
بالسنة وقال في الام أيضا في باب الآجال في الصرف بعد أن قرر القول الجديد وجريان الربا في غير
المكيل والموزون من المأكول والمشروب (قال) ولا يصح على قياس هذا رمانة برمانتين
عددا ولا وزنا ولا سفرجلة بسفرجلتين ولا بطيخة ببطيختين ولا يصح أن يباع منه جنس بمثله الا
وزنا بوزن يدا بيد وظاهر هذا الاستثناء جواز بيع السفرجل والبطيخ بعضه ببعض وزنا وهو أيضا
ظاهر في أن المعتبر في ذلك الوزن دون الكيل لأن كلامه يشمل ما يمكن كيله وما لا يمكن فأن قوله
منه أي من المأكول والمشروب غير المكيل والموزون وقد تقدم ذلك وكذلك حكى أكثر
الأصحاب في ذلك قولين منهم الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي والمصنف واتباعه
والمتولي والبغوي والرافعي وآخرون وبعضهم من المراوذة يجعلها وجهين وقال الماوردي ان جمهور أصحابنا
أنه لا يجوز بيعه رطبا برطب ولا رطبا بيابس وأن ابن سريج ذهب إلى الجواز وأن ابن أبي هريرة
كان يجعل مذهب ابن سريج قولا للشافعي ويخرج المسألة على قولين (أحدهما) جواز ذلك وهو المحكى
عن ابن سريج تعليقا بأن الشافعي قال في موضع من كتاب البيوع ولا يجوز بيع البقل المأكول من

(1) الفرسك كزبرج الخوخ أو ضرب منه اه‍ مصححه
441

صنف إلا مثلا بمثل (قلت) وقد تقدم من كلام الشافعي رحمه الله ما يدل على ذلك (والثاني) وهو
الصحيح من المذهب والمشهور من مذهب الشافعي أن بيع ذلك رطبا لا يجوز بجنسه فعلى هذا لا يجوز
رمانة برمانتين ولا رمانة برمانة لعدم التماثل وفيه وجه أنه يجوز بيع رمانة برمانة متماثلتين وزنا حكاه
الروياني وقال ليس بمشهور وقال نصر المقدسي في تهذيبه قريبا مما قاله الماوردي فجعل الجواز من
تخريج ابن سريج بعد أن جزم بالمنع وجعل ذلك تفريعا على قوله الجديد وقد أطبق الأصحاب على
حكاية القولين في ذلك كما حكاهما المصنف وممن حكاهما الشيخ أبو حامد والمحاملي وغيرهما وذكر
الروياني المسألة في موضع آخر في البقول خاصة تفريعا على الجديد وجعل المنع قول الشافعي والجواز قول
ابن سريج وعلل قول ابن سريج بالقياس على اللبن وهذا أبلغ لأنه لا يؤول إلى صلاح بحال بخلاف
اللبن ويمكن الذاهبين إلى ترجيح المنع أن يؤولوا نص الشافعي الذي حكيته بأن المراد بيعها حالة
الجفاف فإنه لم يصرح بأن ذلك مع الرطوبة فان نصوصه على المنع أكثر من خراصتها والله أعلم
(والأصح) من القولين على ما تقدم من كلام صاحب الحاوي وعند صاحب التهذيب والرافعي وابن
داود شارح المختصر الأول وهو أنه لا يجوز بيع بعضه ببعض وجزم به أبو الحسن بن حزان في اللطيف
والأصح عند جماعة الثاني أنه يجوز بيع بعضه ببعض وممن صحح ذلك الروياني وقال في البحر أنه
المذهب والجرجاني في الشافي وابن أبي عصرون في الانتصار والمرشد قال الروياني وقيل القولان فيما
لا ينتفع بيابسه كالقثاء والبطيخ فأما فيما ينتفع بيابسه فقولا واحد لا يجوز رطبا قال الروياني وهذا أقيس
قال قال هذا القائل والمذهب أنه لا يجوز بيع رطبه برطبه وإنما نص الشافعي رضي الله عنه على اليابس
بالرطب قصدا لأظهر الحالتين وأوضح المسألتين *
(فرع) بيع الزيتون الرطب بالزيتون الرطب نقل الإمام الجواز فيه عن صاحب التقريب وتابعه
عليه وكذلك الغزالي جزم به وقد تقدم في كلامي عدة من جملة ما لا يجفف فيقتضى ذلك أجراء
الخلاف الذي فيها فيه وتابعت في ذلك بعض المصنفين ولا يحضرني في هذا الوقت اسمه فان صح ذلك
ثبت خلاف فيه والله سبحانه أعلم *
442

(فرع) هذا الذي تقدم كله في بيع الرطب من هذه الأشياء بالرطب أما لو باع رطبا بيابس
كحب الرمان بالرمان فلا يجوز قولا واحدا لأن أحدهما على هيئة الادخار والآخر ليس على هيئة
الادخار فشابه الرطب والتمر هكذا قال الشيخ أبو حامد وقال لا خلاف على مذهبنا انه لا يجوز
وجعل محل الخلاف في الرطبين فقط (قلت) وعلى هذا يجب تأويل كلام الماوردي المتقدم قريبا في قوله
لا يجوز بيعه رطبا برطب ولا رطبا بيابس وان ابن سريج ذهب إلى الجواز فيكون مراده ان ابن
سريج ذهب إلى الجواز في الرطب بالرطب فقط لا فيهما والله أعلم وكذلك نصر المقدسي لم يحكه عنه
الا في الرطبين والله أعلم *
(فرع) البطيخ مع القثاء جنسان قاله في التهذيب قال وفى القثد (1) مع القثاء وجهان *
(فرع) لو فرض في هذا القسم التجفيف على ندور فعن القفال انه لا يجرى فيه الربا على
القديم وإن كان مقدارا فان أكمل أحواله الرطوبة فلا ينظر إلى حالة الجفاف وتتبع هذه الحالة
تلك في سقوط الربا والظاهر خلافه (فإذا قلنا) انه ربوي هل يجوز بيع بعضه ببعض فالذي جزم
به الشيخ أبو حامد والمحاملي وصاحب العدة انه يجوز متماثلا كالتمر بالتمر وحكى الإمام في ذلك وجهين
قال إنهما مشهوران ورتبهما في الوسيط على حالة الرطوبة وأولى بالجواز فيخرج من هذا الترتيب
ثلاثة أوجه (جواز) بيع بعضه ببعض في الحالتين رطبا ويابسا (والمنع) في الحالتين (والمنع) رطبا والجواز يابسا
وهي كالأوجه الثلاثة المتقدمة فيما يجفف نادرا مما يعتاد تجفيفة كالمشمش والخوخ (قال ابن الرفعة)
ويجب طرد الوجه الرابع المذكور في الرطب الذي لا يتتمر وهو انه يباع رطبا ولا يباع يابسا يعنى
لما بينهما من المشاركة في عدم اعتبار التجفيف فيه فان الكمال فيه في حال الرطوبة ولله دره فقد
صرح الإمام بان الأوجه الأربعة تجرى فيه بمثابة الرطب الذي لا يجفف اعتيادا وكأن ابن الرفعة
لم يقف على ذلك في النهاية والله أعلم * ومن المعلوم انه لو باع جنسا منها بجنس آخر كالهندبا بالنعنع
صح نقدا كيف شاء وممن صرح به الروياني (فائدة) كلام المصنف يشعر بان حالة الادخار هي
الكمال ولذلك قال الغزالي كل فاكهة كمالها في جفافها وهي حالة الادخار وقال الرافعي لما شرح ذلك

(1) القثد نوع من القثاء اه‍ مصححه
443

إن طائفة من أصحابنا ذكروا لفظ الادخار وآخرون أعرضوا عنه ولا شك أنه غير معتبر بحالة التماثل في جميع
الربويات ألا ترى أن اللبن لا يدخر ويباع بعضه ببعض فمن أعرض عنه فذاك ومن أطلقه أراد اعتياده
في الحبوب والفواكه لا في جميع الربويات (قلت) وقد تقدمه الإمام إلى ذلك فقال إن بعض
أصحابنا أجرى لفظ الادخار في ادراج الكلام وهو غير معتمد فان اللبن يباع ببعض وأراد الإمام بذلك
تقوية جواز بيع الرطب الذي لا يدخر يابسه بعضه ببعض والصحيح أن ذلك لا يجوز فالغزالي محتاج إلى ذكره
ليحترز به عما لا يدخر يابسه وهو هذا القسم الذي فرغنا من شرحه فإنه لا كمال له وان جف على أحد الوجهين وهو
إنما تكلم في الفاكهة فلا يشمل جميع الربويات أما إذا تكلم في حالة الكمال على الاطلاق فلا يستقيم أن
يجعل ذلك ضابطا وضبط حالة الكمال على الاطلاق عسير وقد نبه الرافعي رحمه الله على عسرها
فإنه لما شرح ذلك المكان قال فإذا تأملت ما في هذا الطرف عرفت أن النظر في حالة الكمال
راجع إلى أمرين في الأكثر (أحدهما) كون الشئ بحيث يتهيأ لأكثر الانتفاعات المطلوبة منه
(والثاني) كونه على هيئة الادخار لكنهما لا يعتبران جميعا فان اللبن ليس بمدخر والسمن ليس
بمتهئ لأكثر الانتفاعات المطلوبة من اللبن وكل واحد من المعنيين غير مكتفي به أيضا فان الثمار
التي لا تدخر تتهيأ لأكثر الانتفاعات المطلوبة منه والدقيق مدخر وليسا على حالة الكمال
ولا تساعدني عبارة ضابطة كما أحب في تفسير الكمال فان ظفرت بها ألحقتها بهذا الموضع وبالله التوفيق
هذا كلام الرافعي رضي الله عنه ولك أن تقول إنا إذا جعلنا المعتبر التهئ لأكثر الانتفاعات المطلوبة
منه لا يرد السمن وقول الرافعي انه ليس بمتهئ لأكثر الانتفاعات المطلوبة من اللبن صحيح
لكن ذلك غير معتبر فان السمن عين أخرى غير اللبن كان اللبن مشتملا عليها فهو كالشيرج
من السمسم وليس كالدقيق مع القمح ولا كالرطب مع التمر فان كلا منهما هو الآخر وإنما تغيرت حالته
فالرطب صار إلى يبس وهو حالة تهيئه لأكثر الانتفاعات المقصودة منه والقمح صار إلى تفرق فخرج
عن تلك الحال وليس السمن هو اللبن حتى تعتبر فيه منافع اللبن بل تعتبر فيه الانتفاعات المقصودة
444

منه نفسه وهو متهئ لها (وأما) الفواكه التي لا تدخر فقد فهمت من كلام الشافعي ما يخرجها وهو
ما حكيته عنه قريبا (وقوله) انها خلقت مستحشفة والرطوبة التي فيها رطوبة طراءة فإذا زايل موضع اغتذائه
عاد إلى اليبس يعنى أن الرطوبة فيه ليست طليقة لازمة له بل مفارقة بنفسها فلذلك تخليت أنا ضابطا
وهو أن يقال المعتبر في الكمال عدم الرطوبة المفارقة أو التغير المانعين من التماثل عن النداوة اليسيرة
والتغير اليسير لكن يرد عليه الزيتون فإنه كامل وإن كان رطبا قال ابن الرفعة في ضابط حالة
الكمال يصح أن يقال ما يقصد جفافه وان أمكن تحصيل القوت أو الادم منه في حال رطوبته فكماله
في حالة ادخاره وجفافه ويدخل فيه اللحم على النص وما لا يجفف بحال كالزيتون أو لا يمكن تجفيفه
كاللبن فحالة كماله حالة رطوبته وقد تعرض له حالة كمال أخرى أو أكثر وإذا جوزنا بيع الزبد
بالزبد وليس يوصف كل واحد منهما أنه انتهى إلى حالة جفاف وليس يصير اللبن زبدا أو سمنا ولا
الزيتون زيتا كذلك وبذلك يتم المقصود فيما نظنه ولا ترد الثمار التي لا تجفف لأنها تؤكل تفكها
فلم يكن بذلك اعتبار لأنه لا تعم الحاجة إليها ولا يرد الدقيق لأن الاعتبار في المدخر بما يقصد غالبا
فيه طالت مدته أو قصرت وادخار كل شئ بحسبه والغالب في الحب ادخاره حبا *
* قال المصنف رحمه الله *
(وفى الرطب الذي لا يجئ منه التمر والعنب الذي لا يجئ منه الزبيب طريقان (أحدهما) أنه
لا يجوز بيع بعضه ببعض لأن الغالب منه أنه يدخر يابسه وما لا يدخر منه نادر فألحق بالغالب (والثاني)
وهو قول أبى العباس أنه على قولين لأن معظم منفعته في حال رطوبته فكان على قولين كسائر الفواكه) *
(الشرح) الرطب والعنب على قسمين (منه) ماله جفاف وكمال في حالة جفافه وقد تقدم حكمه
وأنه لا يجوز بيع رطبه برطبه ولا بيابسه جزما ويجوز بيع يابسه بيابسه اتفاقا (ومنه) ما لا يجفف في العادة
ولو جفف لاستحشف وفسد لكثرة رطوبته ورقة قشره كالرقل وهو أردأ التمر والعمري وهو (1)
والإبراهيمي والهليات وكذلك العنب الذي لا يجئ منه زبيب كالعنب البحري بأرض مصر فهذا

(1) بياض بالأصل فحرر
445

القسم فيه شبه من الفواكه التي ليس لها جفاف لأن غالب منافعه في حال رطوبته وقد تقدم فيها
قولان ويفارقها في أن الغالب في جنسه التجفيف والادخار بخلافها ونادر كل نوع ملحق بغالبه
فلذلك كان في المسألة مغايرا لها واختلف الأصحاب في الحاقه بها على طريقين (أحدهما) أنه لا يجوز
بيع بعضه ببعض لما ذكره المصنف وهذا هو المنصوص في الام صريحا أن الرطب الذي لا يعود تمرا بحال
لا يباع منه شئ بشئ من صنفه وقد تقدم حكاية ذلك ونسب العمراني هذه الطريقة إلى أكثر أصحابنا ونسبها
صاحب المجرد من تعليق أبى حامد إلى أبي إسحاق المروزي يقول إنه لا يجوز قولا واحدا وفى موضع آخر من
المجرد قال إنه لا يجوز بيع بعضه ببعض وزنا ولا كيلا لا يختلف القول فيه فكأنه اقتصر في هذا
الموضع على طريقة المروزي (والطريقة الثانية) أنه على القولين المتقدمين في سائر الفواكه وهي التي
ذكرها الشيخ أبو حامد عند الكلام فيما لا يكال ولا يوزن وقال هو أسوأ حالا فهو على القولين
وكذلك القاضي أبو الطيب والمحاملي وابن الصباغ والرافعي وغيرهم صرحوا بحكاية القولين وقال
القاضي أبو الطيب إن المنع هو القول المشهور الذي صرح به في الام وأعاد والمسألة هنا فنسب الشيخ
أبو حامد والمحاملي والروياني وصاحب العدة القول بالجواز إلى تخريج ابن سريج ونسبه القاضي أبو
الطيب إلى حكاية الأصحاب ونسب الجوزي القولين جميعا في ذلك وفى البطيخ ونحوه من الفاكهة
التي لا تصير إلى حالة الجفاف والبقول إلى تخريج ابن سريج وابن سلمة وأبى حفص فأفاد زيادة
ابن سلمة وأبى حفص ابن الوكيل وأبعد في جعل القولين مخرجين فان القولين في تلك الأشياء
منصوصان كما تقدم وكذلك قول المنع هنا والماوردي قد تقدم عنه في الفواكه الرطبة أنه جعل
الجواز قول ابن سريج وقال عن ابن أبي هريرة انه كان يجعل مذهب ابن سريج قولا للشافعي
ويخرج المسألة على قولين وذكر الماوردي مسألة الرطب الذي لا يصير تمرا بخصوصها في مسألة بيع الرطب
بالرطب وجعل الجواز قول ابن سريج وأبطله وبمقتضى هذه النقول يصح نسبة الطريقة الثانية إلى
ابن سريج وابن أبي هريرة وابن سلمة وابن الوكيل ولعل ابن سريج خرج ذلك واختاره فيصح
446

نسبة ذلك إليه والى تخريجه وكثير من الأصحاب لم يفرقوا بين المسألتين أعني مسألة
مالا يدخر يابسه ومسألة الرطب الذي لا يجئ منه تمر بل أطلقوا الكلام اطلاقا يشملها
واغرب ابن داود فحكى أن أبا العباس اختار أنه لا يجوز بحالة وحكى وجه الجواز ولم ينسبه
إلى أحد والذي يقتضيه ايراد الشيخ أبى حامد وأبى الطيب والماوردي في ذلك ترجيح المنع وحكاه
الماوردي عن جمهور الأصحاب هذا ما في طريقة العراق وأما الخراسانيون فجمهورهم أيضا مطبقون على
حكاية الخلاف من غير ذكر الطريقة القاطعة وعبروا عن الخلاف بالوجهين ممن سلك هذا المسلك
منهم القاضي حسين والفوراني والإمام والبغوي وصاحب العدة في أحد الموضعين من كتابه والغزالي
ووافقهم ابن داود شارح مختصر المزني والرافعي سلك طريقة العراقيين في حكايتهما قولين ولم يحك
الطريقة القاطعة وإذا وقفت على ذلك استبعدت نسبة العمراني الطريقة القاطعة إلى أكثر الأصحاب
وظهر لك أن طريقة الخلاف أشهر وهي أيضا أظهر فأن القياس المقتضى لالحاق ذلك بالفواكه
أقوى من الفارق الذي ذكر للتي قد ذكرت فيما تقدم أن نص الشافعي في الفواكه على الجواز ليس
صريحا في أن ذلك في حال الرطوبة بل هو محتمل لأن يحمل على حالة الجفاف ونصوصه على
المنع هناك وهنا صريحة لا تحتمل فلا جرم كان الصحيح في الموضعين المنع عند البغوي والرافعي
وهو مقتضى إيراد أبى حامد وأبى الطيب والماوردي هنا كما تقدم وصحح جماعة الجواز منهم
الجرجاني في الشافي وابن أبي عصرون في الانتصار والمرشد وقال الإمام أنه القياس وقال الروياني
في البحر وهذا أظهر عندي ولا شك أن من صحح قول المنع هناك فهو مصحح له ههنا وقد تقدم
ذكرهم وذكر من جزم بذلك أيضا وهذا الذي صححه هؤلاء مخالف لنص الشافعي الصريح كما علمت وهو
ضعيف من جهة الدليل أيضا لعموم الحديث الثابت عن ابن عمر ان رسول الله صل الله عليه وسلم قال (لا تبيعوا التمرة بالتمرة
447

ورواه الإسماعيلي في المستخرج وقد تقدم التنبيه عليه وانه مضبوط هكذا بالهاء في كل منهما والثمرة
اسم عام يشمل ماله جفاف ومالا جفاف له يخرج من ذلك ما إذا اختلف الجنس كبيع العنب بالرطب
(قوله) (إذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم) ويبقى فيما عدا ذلك على مقتضى الدليل
وأيضا الوصف الذي جعل علة وهو قوله (أينقص الرطب إذا جف) ولا شك أن النقصان موجود فيما
يجئ منه تمر وفيما لا يجئ منه وذلك يشير إلى أن التساوي في حال الرطوبة لا اعتبار به (وأما)
كوننا نتحيذ إلى التعليل بذلك نظرا إلى أشرف حالاته وأكملها وهو حالة الجفاف وذلك مفقود فيما
لا يجئ منه تمر فهو وإن كان معنى مناسب لكنه لا يقوى على معارضة الظاهر المستفاد من العموم
ومن الوصف الذي جعل علة والله أعلم (التفريع) لو جفف هذا النوع على ندور (ان قلنا) بالجواز
في حال الرطوبة فهل يجوز أيضا في حال الجفاف فيه وجهان (وجه) المنع أن الرطوبة في هذا النوع
هي الكمال والجفاف غير معتاد أصلا (وان قلنا) بالمنع وهو الصحيح ففي حال الجفاف أيضا وجهان (أحدهما)
المنع فعلى هذا لا يجوز بيع بعضه ببعض رطبا ولا يابسا لأنه لم يتقرر له حالة كمال والبيع الذي نحن
نتكلم فيه نعتمد حالة الكمال فامكان الجفاف وجريانه أخرج حالة الرطوبة عن الكمال وعدم
عموم ذلك أخرج حالة اليبوسة عن الكمال وكل من الخلافين مأخوذ من كلام الإمام فإنه قال إنه
يجتمع في المسألة أربعة أوجه يعنى (المنع) رطبا ويابسا والجواز رطبا ويابسا قال في الغاية مختصر النهاية
448

وهو القياس والمنع رطبا فقط وعكسه لكنه فرضها في الرطب الذي لو جفف فسد ولم يبق فيه انتفاع
يحتفل به فمن المعلوم أنه لا بد من المنفعة التي هي شرط في كل بيع وإنما مراده والله أعلم بصورة المسألة
أن نقل منفعته ولهذا قال لا يحتفل بها (اما) لو وصل إلى حالة لا ينتفع به أصلا لم يجز بيعه
بجنسه ولا بغيره ولم يأت فيه في حال رطوبته الا القولان الأصليان ان يباع بعضه ببعض أو لا يباع
أصلا وهو الصحيح وقد تقدم نظير المسألة في الفواكه وحكى الإمام فيها ثلاثة أوجه (الأول) وقال
إنه لم يصر أحد من أئمة المذهب إلى الرابع المذكور ههنا والفارق ما تقدمت الإشارة إليه أن الرطب لم
يعتد فيه الجفاف أصلا بخلاف المشمش والخوخ ونحوه فإنه معتاد وإن كان قليلا وكتب هناك عن
جماعة من الأصحاب أنهم جزموا بالجواز في حالة الجفاف (وأما) هنا في الرطب الذي لا يجئ منه تمر
فقل من تعرض لهذا الفرع غير الإمام وعذرهم بالسكوت عنه فرض المسألة في رطب لا يصير تمرا
فان فرض ما ذكره الإمام وان الرطب ييبس وصارت فيه منفعة تقابل بالأعواض وان لم تكن
هي المقصودة منه فينبغي أن يجوز بيع بعضه ببعض وان منعنا بيع رطبه برطبه لانتفاء النقصان الذي
أشار الحديث إلى أنه علة المنع والله أعلم *
449

(فرع) بيع الرطب الذي لا يجئ منه تمر بالرطب الذي يصير تمرا وكذلك بيع الرمان الحلو
بالحامض قال القاضي حسين فيه وجهان مرتبان على بيع الرطب الذي لا يتتمر بمثله (ان قلنا) هناك
لا يجوز فههنا أولى (وان قلنا) يجوز فههنا وجهان والفرق أن لأحدهما حالة الكمال ههنا وليس للآخر
ذلك فلم يستويا في أكمل حالتيهما بخلاف الذي لا يتتمر إذا بيع بمثله قال ابن الرفعة ومن ذلك يحصل
في بيع الرطب الذي لا يتتمر بالرطب ثلاثة أوجه (ثلثها) يجوز بمثله ولا يجوز بما يتتمر * ومن المعلوم أن
الكلام في هذه المسألة مفرع على غير رأى المزني الذي اختاره الروياني فإنه يجوز الرطب بالرطب
مطلقا والله أعلم *
(فرع) بيع الرطب الذي لا يجئ منه تمر بالتمر هل يجرى فيه الخلاف أولا قد تقدم قول
الشيخ أبى حامد في الفواكه وان بيع حب الرمان بالرمان غير جائز قولا واحدا ومقتضى ذلك أنه
لا يجوز بيع الرطب المذكور بالتمر قولا واحدا أيضا فإنه لا فرق بينهما وكذلك قال امام الحرمين انه
لم يختلف أئمتنا في منع بيع الرطب الذي لا يجفف بالتمر وان ذلك مدلول كلامهم ولم نجد لهم فيه
نصا ورأيي أن القياس يقتضى تجويزه عند من يجوز بيع الرطب بالرطب إذا كان لا يجفف
وتبعه الغزالي على ذلك وجعله منقدحا ويمكن الجواب عنه بأن المساواة بين الرطبين عند ذلك القائل
حاصلة ولا كمال له غيرهما فجاز بيعه (وأما) الرطب بالتمر فلا يمكن دعوى المساواة بينهما لأنا نعلم
أن في الرطب مائية ليست في التمر فيحصل التفاوت قطعا مع دخوله تحت النهى عن بيع الرطب
بالتمر وقال ابن أبي الدم في شرح الوسيط سمعت فيما يغلب على ظني فيه وجهين أنه يجوز بيع رطبه
بالتمر وتوجيهه ظاهر لأنه إن كان لا يتتمر وكان كماله في هذه الحال ويجوز بيع بعضه ببعض صار
بمنزلة التمر فإذا جاز بيع التمر بالتمر لأنه حالة كمالها جاز بيع هذا الرطب بالتمر لأنه حالة كمالها وذكر أن
كلام الإمام المتقدم يشعر بالخلاف الذي حكاه (قلت) أما كلام الإمام فإنما أراد به ما أبداه من القياس
عنده (وأما) ما ذكره من التوجيه فقد تقدم ما فيه جواب عنه ولا ينهض المعنى الذي يخصص نهيه عن
بيع الرطب بالتمر والله أعلم *
450

(فرع) جعل القاضي حسين البطيخ الذي لا يفلق والقثاء والقثد في التمثيل مع الرطب الذي
لا يتتمر والعنب الذي لا يصير زبيبا وقال في الكل لا يجوز بيع بعضه ببعض عددا وجزافا وهل يجوز
هنا فيه وجهان وعلل المنع بأنه لم يعرف له معيار في الشرع *
(فرع) قال الإمام وقال صاحب التقريب بيع الزيتون بالزيتون جائز فإنه حالة كماله وليس له حالة ولكن
يعصر الزيت منه وليس ذلك من باب انتظار كمال في الزيتون فإنه تفريق اجزائه ويعيره كما يستخرج السمن
من اللبن قال الإمام والامر على ما ذكره (فائدة) تعرف بها مراتب الأنواع المذكورة على طريقة العراقيين ما يجفف
ويدخر عادة كله قسم واحد ويليه في المرتبة ما لا يدخر من الفواكه غير الرطب والعنب ويليه الرطب
والعنب اللذان لا يجففان لما ذكر بينهما من الفرق (وأما) الخراسانيون فالذي يقتضيه ايراد الإمام أن
ما يجفف ويدخر عادة غالبه قسم ويليه ما يعتاد تجفيفه ولكن معظم المقصود منه الرطب ويليه ما لا يعتاد
تجفيفه أصلا ويضطربون في التمثيل مع اتفاقهم على أن المشمش والخوخ من القسم الثاني وأدخل
القاضي حسين معه في التمثيل الكمثرى والبطيخ الحلبي الذي ينفلق والرمان الحامض وجزم أنه
لا يجوز بيعها في حال الرطوبة وتردد حالة الجفاف والقثاء من القسم الثالث وقال نصر المقدسي ما يمكن
تجفيفه كالإجاص القبرصي والخوخ والقراصيا والتين
* قال المصنف رحمه الله *
(وفى بيع اللحم الطري باللحم الطري أيضا طريقان (أحدهما) وهو المنصوص أنه لا يجوز
لأنه يدخر يابسه فلم يجز بيع رطبه برطبه كالرطب والعنب (والثاني) وهو قول أبى العباس أنه على
قولين لأن معظم منفعته في حال رطوبته فصار كالفواكه)
* (الشرح) صورة المسألة في بيع اللحم بلحم من جنسه ان قلنا إن اللحوم أجناس وهو الصحيح
أو مطلقا على القول الآخر (أما) إذا قلنا إنها أجناس وباعه بغير جنسه فإنه يجوز متماثلا ومتفاضلا رطبين
ويابسين ورطبا ويابسا وزنا وجزافا لا شك في ذلك وممن صرح به القاضي أبو الطيب والقاضي حسين
وإنما مقصود المصنف إذا كانا من جنس واحد أو على القول الآخر كما نبهت عليه * إذا عرف ذلك فقد
قال الشافعي رحمه الله في الام في بيع الآجال ولا خير في اللحم الطري بالمالح والمطبوخ ولا باليابس
451

على كل حال ولا يجوز الطري بالطري ولا اليابس بالطري حتى يكونا يابسين أو حتى تختلف أجناسهما وقال
أيضا فيه فإذا كان منهما شئ من صنف واحد مثل لحم غنم بلحم غنم لم يجز رطب برطب ولا رطب بيابس
وجاز إذا يبس فانتهى يبسه بعضه ببعض وزنا وقال في باب ما جاء في بيع اللحم لا يجوز منه لحم ضائن
بلحم ضائن رطل برطل أحدهما يابس والآخر رطب ولا كلاهما رطب لأنه لا يكون اللحم ينقص
نقصانا واحدا لاختلاف خلقته ومراعيه التي يغتذى منها لحمه فيكون منها الرخص الذي ينقص إذا
يبس نقصانا كثيرا والغليظ الذي يقل نقصه ثم يختلف غلظهما باختلاف خلقته ورخصهما باختلاف خلقته
فلا يجوز لحم أبدا الا يابسا قد بلغ أباه بيبسه وزنا بوزن من صنف واحد فلا جرم قال المصنف
والأصحاب ان المنصوص انه لا يجوز وحكي الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ
وغيرهم قول أبى العباس أن فيه قولا آخر وجعله الشيخ أبو حامد في بعض المواضع من تخريج أبي
العباس ثم قال الشيخ أبو حامد وهذا غلط والصحيح ما ذكره الشافعي رحمه الله وقال القاضي أبو
الطيب ان ذلك مما ليس بمشهور ليس بصحيح ونسب الماوردي والرافعي ذلك إلى ابن سريج
من غير ذكر نقل ولا تخريج وكذلك القاضي حسين والروياني وفرق الشيخ أبو حامد وغيره من
الأصحاب بين ذلك وبين الفواكه لأنها إذا يبست لا تكون فيها المنافع التي تكون فيها حال
رطوبتها واللحم كل ما يكون منه وهو رطب يكون منه وهو يابس وزيادة وهو أنه على هيئة الادخار
فأشبه الرطب بالرطب وفرقوا بينه وبين اللبن فإنه ليس للبن حالة أخرى ينتهى إليها واللحم له حالة
ادخار ينتهي إليها وقال المحاملي ان سائر أصحابنا يعني غير ابن سريج ذهبوا إلى أنه لا يجوز بيع ذلك
رطبا بحال وفرقوا بينه وبين الثمار بما تقدم ونسب الروياني في الحلية الجواز إلى ابن سريج وغيره
قال وهو الاختيار وممن صحح الطريقة الأولى الشيخ أبو حامد في التعليق والقاضي أبو الطيب
والماوردي فإنهما قالا عن قول ابن سريج إنه ليس بصحيح والقاضي حسين وامام الحرمين وقال إنه
الذي قطع به معظم الأصحاب وانا ظاهر المذهب في تعليق أبى حامد والروياني في البحر وصاحب
العدة وصاحب التتمة وحكى هو وغيره قول الجواز عن ابن سريج ولم يذكر أنه خرجه ولا حكاه
452

وجزم جماعة بالمنع ولم يحكوا خلافا منهم الفوراني في الإبانة والعمدة والبغوي في التهذيب والجرجاني
في الشافي وابن أبي عصرون وأبو الحسن بن خيران في اللطيف وسليم في الكفاية والماوردي في
في الاقناع ونصر المقدسي في الكافي ووجه قول الجواز بإلحاقه بما جفافه نادر وفى المجرد قال عن
قول الجواز وليس بشئ وأطلق المحاملي في اللباب والشيخ أبو حامد في الرونق أن بيع اللحم الرطب
بالرطب متماثلين جائز وهذا بعمومه يشمل الجنس الواحد والجنسين (فأما) في الجنسين فصحيح (وأما)
في الجنس الواحد فهو مخالف لما قال الأولون وهو موافق لما اختاره الروياني في الحلية وخالف أبو حنيفة
رحمه الله في ذلك فجوز بيع اللحم باللحم طريا على ما حكاه الفوراني في العمد وكذلك جوز اللحم
النيئ بالمشوي قال صاحب العدة والمسألة تبني على بيع الرطب بالتمر *
(فرع) قال الروياني بعد ما ذكر حكم بيع اللحم باللحم رطبا ويابسا وبيع الشحم بالشحم
والألية بالألية كاللحم باللحم وأصح الوجهين في مذهب أحمد جواز بيع اللحم الطري بعضه ببعض *
(فرع) بيع اللحم الطري باليابس أيضا لا يجوز كبيع الطري بالطري نص عليه المحاملي
في اللباب والقاضي حسين في التعليق والقاضي أبو الطيب في التعليق والجرجاني وغيرهم والروياني
وظاهر كلامه أن خلاف ابن سريج فيه أيضا فإنه قال إذا باع بعضه ببعض رطبا برطب فالمذهب
أن البيع باطل وكذلك إذا كان أحدهما رطبا والآخر يابسا وقال ابن سريج فيه قول آخر يجوز
وكذلك كلام الماوردي المتقدم وظاهر هذا الكلام جريان خلاف ابن سريج في الرطب باليابس
وهو مخالف لما تقدم عن الشيخ أبى حامد وإمام الحرمين في نظيره ومؤيد ان صح للاحتمال الذي
أبداه الإمام وينبغي أن يقول على خلاف ابن سريج عائد إلى الأول فقط والثاني ذكره على سبيل
الاستطراد وقد تقدم التنبيه على ذلك *
(فرع) بيع الشحم بالشحم والألية بالألية كبيع اللحم باللحم قاله المتولي والروياني *
* قال المصنف رحمه الله *
(فان باع منه ما فيه نداوة يسيرة بمثله كالتمر الحديث بعضه ببعض جاز بلا خلاف لأن
ذلك لا يظهر في الكيل وإن كان مما يوزن كاللحم لم يجز لأنه يظهر في الوزن) *
453

(الشرح) مقصود المصنف الكلام على ما يمنع بيع رطبه برطبه أو بيابسه من الأشياء
المتقدمة إذا وصل إلى حالة اليبس هل يشترط تناهى اليبس أو يكتفى بما دون ذلك وما الضابط فيه
وقد فرق في ذلك بين المكيل والموزون وذلك مأخوذ من كلام الشافعي رضي الله عنه قال الشافعي
في الام في باب بيع الآجال ولا خير في التمر بالتمر حتى يكون ينتهى يبسه وان انتهى يبسه إلا
أن بعضه أشد انتفاخا من بعض فلا يضره إذا انتهى يبسه كيلا بكيل وقال فبين الشافعي أنه لا بد
من انتهاء اليبس وقال في باب ما جاء في الكيل للحم (فان) قال قائل فهل يختلف الوزن والكيل فيما
بيع يابسا قيل يجتمعان ويختلفان (فان قيل) قد عرفنا حيث يجتمعان فأين يختلفان (قيل) التمر إذا وقع
عليه اسم اليبس ولم يبلغ إناه يبسه فبيع كيلا بكيل لم ينقص في الكيل شيئا وإذا ترك زمانا
نقص في الوزن لأن الجفوف كلما زاد فيه كان أنقص لوزنه حتى يتناهى قال وما بيع وزنا فإنما قلت
في اللحم لا يباع حتى يتناهى جفوفه لأنه قد يدخله اللحم باللحم متفاضل الوزن أو مجهولا وإن كان
ببلاد ندية فكان إذا يبس ثم أصابه الندى رطب حتى يثقل لم يبلع وزنا بوزن رطبا من ندى حتى
يعود إلى الجفوف وحاله إذا حدث الندى فزاد في وزنه كحاله الأولى ولا يجوز أن يباع حتى يتناهى
جفوفه كما لم يجز في الابتداء اه‍ وقد ذكر الشيخ أبو حامد وأبو الطيب والماوردي وغيرهم الفرق الذي
ذكره الشافعي رحمه الله هذا وفرقا آخر للأصحاب أن التمر وإن كان فيه رطوبة فهو إذا ترك على ما هو
عليه وادخر على حاله لم يضره ذلك واللحم إذا كان فيه نداوة فادخر على حالته عفن وفسد
وفسر الشافعي في الام انتهاء جفاف اللحم بأن يملح ويسيل ماؤه فذلك انتهاء جفافه ولا يحصل من
هذا اللفظ كمال المقصود في البيان والذي نحكيه عن الأصحاب أصرح وقد اتفق الأصحاب على
454

الحكمين اللذين ذكرهما المصنف وقال الروياني في البحر لو باع التمر الحديث بالتمر العتيق قال بعض
أصحابنا يجوز لأن النقصان يسير فيعفي كقليل التراب في المكيل قال وهذا لا يصح والتحقيق أنه
ينظر فإن كان إذا جف تاما ينقص وزنه ولا يتقلص حبه ولا يظهر في الكيل فيجوز لأنه لا اعتبار بالوزن فيه
وإن كان يتقلص حبه ويظهر ذلك في الكيل فلا يجوز (قلت) وهذا التفصيل متعين وهو مراد
من أطلق المسألة وليس ذلك خلافا والله أعلم * ولذلك شبهوه بالتراب والتراب لو كان كثيرا بحيث يوجب
التفاوت في البيع منع والله أعلم * وممن صرح بهذا التفصيل صاحب التتمة والرافعي قال صاحب التتمة إن كان
بحيث إذا طرح في الشمس تنقص جثته لا يصح وإن كان لا تنقص جثته وإنما ينقص وزنه فيصح وكذلك
صرح بمسألة اللحم وانه يشترط تناهى جفافه كما ذكره الشافعي والأصحاب والقاضي في كتاب الارشاد
صرح أيضا بأن التمر الحديث إذا لم يبلغ النهاية في الضمورة لا يجوز بيعه بالعتيق وفى معنى التمر كل
مكيل كالحنطة وغيرها وقد أطلق الرافعي في بيعها أنه يشترط تناهى جفافها وان التي لم يتم
جفافها وان فركت وأخرجت من السنابل لا يجوز بيع بعضها ببعض وينبغي أن يحمل ذلك على
ما إذا كان فيها من البلل ما يوجب التفاوت في الكيل إذا جففت أما إذا فرض نداوة يسيرة لا يظهر
بسببها أثر في الكيل فيجوز كالتمر إذ لا فرق بينهما وبمقتضى الأصل الذي قرره الشافعي قريبا من
الفرق بين المكيل والموزون في ذلك قال صاحب التهذيب يجوز بيع الحديث بالعتيق لأن العتاقة
بعد حصول الجفاف ان أثرت إنما تؤثر في خفة الوزن لا في تصغير الجثة فلا يظهر ذلك في الكيل
فأن كان في الحديث نداوة لو زالت لظهر ذلك في الكيل لم يجز فلا يعتقدون في المسألة خلافا كما
أشعر به كلام الروياني بل المفصلون والمطلقون كلامهم منزل على شئ واحد والله أعلم * ودل
كلام الشافعي المتقدم على أن النداوة المانعة من بيع اللحم بعضه ببعض لا فرق بين أن تكون قبل
جفافه أو طارئة عليه بعد جفافه لعارض والامر كذلك بلا خلاف بين أصحابنا فإنه إذا كان يابسا
455

فحمل إلى مكان ندى فتندى صار كالطعام المبلول فيمتنع بيع بعضه ببعض وممن صرح به الشيخ
أبو حامد والقاضي أبو الطيب *
(فرع) مذهبنا ومذهب مالك ومحمد بن الحسن والليث بن سعد أنه لا يجوز بيع الحنطة
المبلولة باليابسة لا خلاف عندنا في ذلك سواء طرأ البلل عليها أو كانت رطبة من الأصل وهي الفريك وقال
الإمام أبو حنيفة رحمه الله يجوز مطلقا وفصل محمد رحمه الله وقد تقدم تفصيلها عند بيع الرطب بالتمر
ثم إذا جفت بعد البلل قال الرافعي لم يجز أيضا لتفاوت قمحها حالة الجفاف وفى كلام القاضي أبي الطيب
قال لا يجوز بيعها حتى تجف وهذا يوهم أنه يصح بعد الجفاف فلعل مراده بالبلل الرطوبة الأصلية
فيصح إن يقال أن البيع مغيابا لجفاف وأما البلل الطارئ فقد جزم الرافعي بالمنع وان جفت كما عرفت
وقال الإمام لو بلت الحنطة فنحى منها قشرها بالدق والتهريش وهي الكشك قال الأئمة هي الدقيق
فإنها تفسد على القرب ولو بلت ثم جفت ولم تهرش فإنها تسح في جفافها على تفاوت يفضى إلى الجهل
بالمماثلة قيل وإن كان كذلك فالوجه المنع في الحاورش إذا نحتت منه القشرة انتهى كلام الإمام *
(فرع) إذا انتهى يبس التمر وكان بعضه أشد انتفاخا من بعض لم يضر نص عليه الشافعي
في باب بيع الآجال من الام (فائدة) الحديث هو الجديد من الأشياء قاله ابن سيده *
(فرع) قال الرافعي إذا منع بمجرد البلل بيع بعض الحنطة ببعض فالتي نحتت قشرتها بعد
البلل بالتهريش أولى بان لا يباع بعضها ببعض قال الإمام وفى الحاورش عندي احتمال إذا نحتت
قشرتها * واعلم أن المصنف رحمه الله اقتصر في هذا الفصل على حكم بيع اللحم الطري ما فيه نداوة وأما
إذا تناهى جفافه فنذكره من بعد قبل آخر الباب بفصل والله أعلم *
456