الكتاب: فتح العزيز
المؤلف: عبد الكريم الرافعي
الجزء: ٩
الوفاة: ٦٢٣
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

فتح العزيز
شرح الوجيز
وهو الشرح الكبير للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 ه‍
..
الجزء التاسع
دار الفكر
بسم الله الرحمن الرحيم
1

قال * (النظر الرابع الكتاب في موجب الألفاظ المطلقة وتأثيرها باقتران العرف وهي ثلاثة
أقسام (الأول) ما يطلق في العقد * فمن اشترى شيئا بمائة فقال لغيره وليتك هذا العقد فقبل انتقل الملك
إليه بالمائة وسلم الزوائد للأول وتتجدد الشفعة بجريان هذا البيع (و) ولو حط عن المائة لحق الحط (و) المشترى
الثاني لأنه في حق الثمن كالبناء) *
عرفت في أول البيع أن كلام هذا النظر فيما يقع والألفاظ المتأثرة بالقرائن المنضمة إليها تنقسم إلى
راجعة إلى مطلق العقد وإلى راجعة إلى الثمن خاصة (أما) القسم الأول فمقصوده بيان لفظين يشتمل
2

الفصل على إحداهما وهي التولية والتولية أن يشترى شيئا ثم يقول لغيره وليتك هذا العقد فيجوز
ويشترط قبوله في المجلس على قاعدة التخاطب بأن يقول قبلت أو توليت ويلزمه مثل الثمن الأول
جنسا وقدرا ووصفا ولا يشترط ذكره إذا علماه فإن لم يعلمه المشترى أعلمه أولا ثم ولاه العقد وهذا العقد
بيع يشترط فيه القدرة على التسليم والتقابض إذا كان صرفا وسائر الشروط ولا يجوز قبل قبض المبيع على
ما مر في النظر الثالث والزوائد المنفصلة قبل التولية تبقى للمولى ولو كان المبيع شقصا مشفوعا وعفي
الشفيع تجددت الشفعة بالتولية * ولو حط البائع بعد التولية بعض الثمن انحط عن المولى أيضا ولو حط
الكل فكذلك لأنه وإن كان بيعا جديدا فخاصيته وفائدته التنزيل على الثمن الأول * وعن القاضي الحسين
أن الوجه التردد في جميع هذه الأحكام فعلى رأى يجعل المولى نائبا عن المولى فتكون الزوائد للمولى ولا
تتجدد الشفعة ويلحق الحط المولى وعلى رأى تعكس هذه الأحكام ونقول هي بيع جديد وظاهر
المذهب الفرق بين الزوائد والشفعة وبين الحط وعلى هذا لو حط البعض قبل التولية لم تجز التولية إلا
بالباقي ولو حط الكل لم تصح التولية ومن شرط التولية أن يكون الثمن مثليا ليأخذ المولى مثل ما بذل
فلو اشتراه بعرض لم يجز فيه التولية * قال في التتمة إلا إذا انتقل ذلك العرض من البائع إلى إنسان
فولاه العقد * قال ولو اشتراه بعرض وقال قام على بكذا وقد وليتك العقد بما قام على أو أرادت المرأة عقد
3

التولية على صداقها بلفظ القيام أو أراد الرجل التولية على ما أخذه من عوض الخلع ففي جميع ذلك وجهان *
ولو أخبر المولى عما اشترى به وكذب فمنهم من قال هو كالكذب في عقد المرابحة وسيأتي ومنهم من
قال يحط قدر الخيانة قولا واحدا *
قال (ولو قال أشركتك في هذا العقد على المناصفة كان تولية في نصف المبيع ولو لم يذكر
المناصفة فالأصح التنزيل على الشطر) *
اللفظة الثانية الاشتراك وهو أن يشترى شيئا ثم يشرك غيره فيه ليصير بعضه له بقسطه من الثمن
ثم إن نص على المناصفة أو غيرها فذاك وإن أطلق الاشتراك فوجهان (أحدهما) أنه يفسد العقد
للجهل بمقدار العوض كما لو قال بعتك بمائة ذهبا وفضة (والثاني) يصح ويحمل على المناصفة كما لو أقر
بشئ لزيد وعمر ويحمل على المناصفة (والأول) هو الذي أورده في التهذيب (والثاني) أصح عند صاحب
الكتاب وهو ما أورده في التتمة والاشراك في البعض كالتولية في الكل في الأحكام التي ذكرنا *
قال (القسم الثاني ما يطلق في الثمن من ألفاظ المرابحة فإذا قال بعت بما اشتريت وربح ده
4

يازده وكان قد اشترى بمائة استحق مائة وعشرة ولو قال بحط ده يازده وكان قد اشترى بمائة وعشرة
استحق مائة (و) *
بيع المرابحة جائز من غير كراهة وهو عقد بنى الثمن فيه على ثمن المبيع الأول مع زيادة مثل أن
يشترى شيئا بمائة ثم يقول لغيره بعت هذا بما اشتريته وربح ده يازده أو بربح درهم لكل عشرة أو في
كل عشرة ويجوز أن يضم إلى رأس المال شيئا ثم يبيعه مرابحة مثل أن يقول اشتريته بمائة وقد بعتكه
بمائتين وربح ده بازده وكأنه قال بعت بمائتين وعشرين * وكما يجوز البيع مرابحة يجوز محاطة مثل أن
يقول بعت بما اشتريت بحط ده بازده وفى القدر المحطوط وجهان (أحدهما) أنه يحط من كل عشرة
واحد كما زيد في المرابحة على كل عشرة واحد (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يحط من كل
أحد عشر واحد لان الربح في المرابحة جزء من أحد عشر فليكن كذلك الحط في المحاطة وليس
في حط واحد من العشرة رعاية لنسبة ده بازده * فإذا كان قد اشترى بمائة فالثمن على الوجه الأول
5

تسعون وعلى الثاني تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم حطا لتسعة من تسعة
وتسعين ولجزء من أحد عشر جزءا من الدرهم الباقي * ولو كان اشترى بمائة وعشرة فالثمن الآن
على الوجه الأول تسعة وتسعون وعلى الثاني مائة وعلى هذا القياس وصور كثير من العراقيين وغيرهم
المسألة فيما إذا قال بعت بما اشتريت بحط درهم من كل عشرة وأوردوا فيها الوجهين * قال إمام
الحرمين وهو غلط فان في هذه الصيغة تصريحا بحط واحد من كل عشرة فلا معنى للتردد فيه وإنما
موضع التردد لفظ ده يازده وهذا اعتراض بين * وذكر القاضي الماوردي وغيره أنه إذا قال بحط درهم
من كل عشرة فالمحطوط واحد من عشرة ولو قال بحط درهم لكل عشرة فالمحطوط واحد من
أحد عشر *
قال (ولو قال بعتك بما قام على استحق مع الثمن ما بذله من أجرة الدلال والكيال وكراء
البيت ولا يستحق ما أنفقه في علف الدابة ولا أجرة مثله إن كان يعمل بنفسه أو كان البيت ملكه لأنه
6

ليس من خرج التجارة) *
بيع المرابحة يفرض بعبارات أكثرها دورانا على الألسن ثلاث (إحداهما) بعت بما اشتريت
أو بما بذلت من الثمن وربح كذا (والثانية) بعت بما قام على وربح كذا ويختلف حكم العبارتين في
الداخل تحنهما وفيما يجب الاخبار عنه كما سنفصله من بعد فإذا قال بعت بما اشتريت لم يدخل فيه سوى
الثمن وإذا قال بما قام على دخل فيه مع الثمن أجرة الكيال والدلال والحمال والحارث والقصار والرفا
والصباغ وقيمة الصبغ وأجرة الختان وتطيين الدار وسائر المؤنات التي تلزم للاسترباح وألحق بها كراء
البيت الذي فيه المباع * قال الامام لان التربص ركن في التخاير وانتظار الأسعار (وأما) المؤنات
التي يقصد بها استبقاء الملك دون الاسترباح كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابة فلا تدخل فيه ويقع
في ذلك مقابلة المنافع والفوائد المستوفاة من المبيع وفي التتمة حكاية وجه أنها تدخل أيضا والمشهور الأول
نعم العلف الزائد للتسمين يدخل فيه ذكره القاضي حسين وغيره وأجرة الطبيب إن اشتراه مريضا
كأجرة القصار ونحوها لازدياد قيمته بزوال المرض وإن حدث المرض في يده فهي كالنفقة وفي مؤنة
السائس تردد عند الامام (والأظهر) إلحاقها بالعلف * ولو قصر الثوب بنفسه أو كال أو حمل أو طين
7

الدار بنفسه لم تدخل الأجرة فيه لان السلعة لا تعد قائمة عليه إلا بما بذل وكذا لو كان البيت ملكه
وكذا لو تطوع متطوع بالعمل أو بإعارة البيت فان أراد اشتراك ذلك فسبيله أن يقول اشتريت أو قام
على بكذا وعملت فيه ما أجرته كذا وقد بعتك بهما وربحت كذا * (والعبارة الثالثة) أن يقول بعتك
برأس المال وربح كذا فالمذهب الظاهر أنه كما لو قال بما اشتريت لان السابق إلى الافهام من رأس
المال الثمن وعن القاضي أبى الطيب أنه كما لو قال بما قام على وهو اختيار ابن الصباغ * وذكر صاحب
التتمة أن المكس الذي يأخذه السلطان يدخل في لفظه القيام وان في دخول الفداء إذا جنى العبد
ففداه وجهين والذي أورده الأكثرون أنه لا يدخل فداء الجناية ولا ما أعطاه واسترد به المغصوب في
شئ من الألفاظ والعبارات الثلاث تجرى في المحاطة جريانها في المرابحة *
قال (فلو كان مقدار ما اشترى به أو ما قام عليه مجهولا للمشترى الثاني عند العقد بطل (و) عقده) *
ينبغي أن يكون رأس المال أو ما قامت به السلعة عليه معلوما عند المتبايعين في بيع المرابحة فان
تبايعا وأحدهما جاهل به ففي صحة العقد وجهان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لا يصح للجهل
بالثمن كما في غير المرابحة وعلى هذا فلو أزيلت الجهالة في المجلس لم ينقلب العقد صحيحا وفيه وجه أنه
ينقلب صحيحا وبه قال أبو حنيفة (والثاني) أنه يصح لان الثمن فيه مبنى على الثمن في العقد الأول
8

الرجوع إليه سهل فصار كالشفيع يطلب الشفعة قبل الإحاطة بمبلغ الثمن يجوز لسهولة معرفته وعلى
هذا ففي اشتراط إزالة الجهالة في المجلس وجهان * ومهما كان الثمن دراهم معينة غير معلومة الوزن ففي
جواز بيعه مرابحة الخلاف المذكور (والأصح) المنع حتى يعرف * وإذا تأملت ما ذكرنا تبين لك أن
قوله للمشترى الثاني ليس لتخصيص الحكم بالمشترى بل لو كان مجهولا للبائع لكان الحكم كذلك *
قال (ويجب (ح) على البائع حفظ الأمانة بالصدق في قدر ما اشترى به وبالاخبار عما طرأ في يده
من عيب منقص أو جناية (ح) ولا يلزمه الاخبار عن الغبن (و) في العقد ولا عن البائع وإن كان ولده (ح و) ويجب
ذكر تأجيل الثمن) *
9

بيع المرابحة مبنى على الأمانة لاعتماد المشترى نظر البائع واستقصاه ورضاه لنفسه ما رضيه البائع
مع زيادة يبذلها فعلى البائع الصدق في الاخبار عما اشترى به وعما قام به عليه إن كان يبيع بلفظ القيام *
ولو اشتري بمائة وخرج عن ملكه ثم اشتراه بخمسين فرأس ماله خمسون ولا يجوز ضم الثمن الأول
إليه * ولو اشتراه بمائة وباعه بخمسين ثم اشتراه ثانيا بمائة فرأس ماله مائة ولا يجوز أن يخبر بمائة وخمسين
من قبل خسارته خمسين * ولو اشتراه بمائة وباعه بمائة وخمسين ثم اشتراه بمائة فإن كان يبيعه مرابحة
بلفظ رأس المال أو بلفظ ما اشتريت أخبر بمائة ولا يلزمه أن يحط منه ربح البيع الأول كما لم يجز في الصورة
الأولى ضم الخسران إلى المائة * وعن أبي حنيفة وأحمد أنه يجب حط ربح البيع الأول * وإن باعه بلفظ
قام على فوجهان (أحدهما) ويحكى عن ابن سريج أنه لا يخبر إلا بخمسين فان أهل العرف يعدون
السلعة والحالة هذه قائمة عليه بذلك (وأصحهما) أنه يخبر بمائة لان الملك الأخير قائم عليه بمائة * ويكره
أن يواطئ وكيله ببيع ما اشتراه منه ثم يشتريه بأكثر ليخبر به في المرابحة ولو فعل قال ابن الصباغ
يثبت للمشترى الخيار وخالفه غيره * ولو اشترى سلعة ثم قبل لزوم العقد ألحقا بالثمن زيادة أو نقصانا
وصححناه فالثمن ما استقر عليه العقد وإن حط عنه بعض الثمن بعد لزوم العقد وباع بلفظ ما اشتريت
لم يلزمه حط المحطوط عنه خلافا لأبي حنيفة وإن باعه بلفظ قام على لم يخبر إلا بالباقي فان حط الكل
لم يجز بيعه مرابحة بهذا اللفظ ولو حط عنه بعض الثمن بعد جريان المرابحة لم يلحق الحط المشترى
10

منه * وعن الشيخ أبي محمد وجه أنه يلحق كما في التولية والاشراك * ولو اشتري شيئا بعرض وباعه مرابحة
بلفظ الشراء أو بلفظ القيام ذكر أنه اشتراه بعرض قيمته كذا ولا يقتصر على ذكر القيمة لان البائع بالعرض
يشدد فوق ما يشدد البائع بالنقد * ولو اشتراه بدين على البائع فإن كان مليا غير مماطل لم يجب الاخبار عنه وإن
كان مماطلا وجب لأنه يشترى من مثله بالزيادة للتخلص من التقاصى * ويجوز أن يبيع مرابحة بعض الشئ
الذي اشتراه ويذكر قسطه من الثمن وكذا لو اشترى قفيزي حنطة ونحوها وباع إحداهما مرابحة * ولو اشترى
عبدين أو ثوبين وأراد بيع أحدهما مرابحة فسبيله أن يعرف قيمة كل واحد منهما يوم الشراء ويوزع
الثمن على القيمتين ثم يبيعه بحصته من الثمن وقال أبو حنيفة لا يجوز بيع أحدهما مرابحة لان التوزيع
بالقيمة تخمين ثم في الفصل صور (إحداها) يجب الاخبار عن العيوب الطارئة في يده سواء حدث
العيب بآفة سماوية أو بجنايته أو بجناية أجنبي لان المشترى يبنى العقد على العقد الأول ويتوهم بقاء
المبيع على ما كان ولا فرق بين ما ينقص العين وما ينقص القيمة كما في الرد وعن أبي حنيفة أنه لا يجب
الاخبار عن العيب الحادث بالآفة السماوية * ولو اطلع على عيب قديم واختار امساكه ذكره في بيع
المرابحة ولو تعذر رده لعيب حادث وأخذ الأرش فان باعه مرابحة بلفظ قام على حط الأرش وان
باعه بلفظ ما اشتريت ذكر ما جرى به العقد ويجب أن يذكر أيضا العيب واسترداد الأرش فان
الأرش المسترد جزء من الثمن * ولو أخذ أرش الجناية ثم باعه فان باع بلفظ ما اشتريت ذكر الثمن وأخبر
11

بالجناية وإن باع بلفظ قام على فوجهان (أحدهما) أنه نازل منزلة الكسب والزيادات والمبيع قائم
عليه بتمام الثمن (وأصحهما) أنه يحط الأرش من الثمن كأرش العيب والمراد من الأرش هاهنا قدر النقصان
لا المأخوذ بتمامه فإذا قطعت يد العبد وقيمته مائة فنقص منها ثلاثون يأخذ خمسين ويحط من الثمن ثلاثين
لا خمسين وحكى الامام وجها آخر أنه يحط جميع المأخوذ من الثمن * ولو نقص من القيمة أكثر من الأرش
المقدر حط ما أخذ من الثمن وأخبر عن قيامه عليه بالباقي وأنه نقص من قيمته كذا (الثانية) إذا كان
قد اشتراه بغبن فهل يلزمه الاخبار عنه فيه وجهان (أصحهما) عند الامام وهو المذكور في الكتاب
أنه لا يلزم لأنه باع ما اشترى كما اشترى (والثاني) يلزم لان المشتري منه اعتمد على نظره ويعتقد أنه
لا يحتمل الغبن فليخبره ليكون على بصيرة من أمره وقضية كلام الأكثرين ترجيح هذا الوجه لامرين
(أحدهما) أنهم قالوا لو اشتراه بدين من مماطل وجب الاخبار عنه لان الغالب أنه يشترى من مثله بالزيادة
وقد مر ذلك (والثاني) أنهم قالوا لو اشترى من ابنه الطفل وجب الاخبار عنه لان الغالب في مثله
الزيادة في الثمن نظرا للطفل واحترازا عن التهمة فإذا وجب الاخبار عند طن الغبن فلان يجب عند
تعيينه كان أولى وإن اشتراه من ولده البالغ أو من أبيه فاصح الوجهين باتفاق الأئمة لا يجب الاخبار
عنه كما لو اشترى من زوجته أو مكاتبه وفي الشامل ما يقتضى ترددا في المكاتب وعند أبي حنيفة وأحمد
إذا اشتراه من ابنه أو أبيه وجب الاخبار عنه (الثالثة) إذا اشتراه بثمن مؤجل وجب الاخبار عنه
12

للتفاوت الظاهر بين المؤجل والمعجل في المالية وفي البيان حكاية وجه غريب أنه لا يجب التعرض له
(الرابعة) لا يجب الاخبار عن وطئ الثيب ولا عن مهرها الذي تأخذه ولا عن الزيادات المنفصلة كالولد
واللبن والصوف والثمرة ولو كانت حاملا يوم الشراء أو كان في ضرعها لبن أو على ظهرها صوف أو على
النخلة طلع فاستوفاها حط بقسطها من الثمن وهذا في الحمل مبنى على أنه يقابله قسط من الثمن *
قال (فان كذب في شئ من ذلك ففي استحقاق حط قدر التفاوت قولان فان قلنا لا يحط
فله الخيار لكونه مظلوما بالتلبيس إلا إذا كان عالما بكذبه والأصح أن الأخيار للبائع ان قلنا يحط ولا للمشتري) *
إذا قال اشتريته بمائة وباعه مرابحة ثم بان أنه اشتراه بتسعين إما باقراره أو بالبينة فالبيع
صحيح على المذهب لان غاية ما فيه التغرير والتدليس وذاك لا يمنع صحة البيع كما لو روج عليه معيبا وعن
رواية القاضي أبى حامد وغيره وجه أنه لا يصح لكون الثمن مجهولا عند العقد ويحكى هذا عن مالك *
وإذا قلنا بظاهر المذهب فلا يخلو كذبه في هذا الاخبار إما أن يكون خيانة أو غلطا أما في الحالة الأولى
فقولان منصوصان في اختلاف العراقيين (أصحهما) وهو المنقول في المختصر وبه قال أحمد إنا نحكم بانحطاط
الزيادة وحصتها من الربح لأنه تمليك باعتبار الثمن الأول فيحط الزائد عليه كما في الشفعة (والثاني)
وبه قال أبو حنيفة أنا لا نحكم لأنه سمى ثمنا معلوما وعقد به العقد فليجب وإن كان ملبسا (وأما) في الحالة
الثانية فالمنصوص القول الأول والثاني مخرج من مثله في الحالة الأولى *
(التفريع) ان حكمنا بالانحطاط فهل للمشترى الخيار نقل المزني أنه يثبت وقال في اختلاف
العراقيين لا يثبت فمن الأصحاب من قال في المسألة قولان (أظهرهما) انه لا خيار له لأنه قد رضى بالأكثر
13

فأولى أن يرضى بالأقل (والثاني) وبه قال أبو حنيفة أنه يثبت الخيار لأنه إن بان كذبه بالاقرار لم
يؤمن كذبه ثانيا وثالثا وإن بان بالبينة فقد تخالف الظاهر والباطن وأيضا فقد يكون له غرض في الشراء
بذلك المبلغ لتحلة قسم وانفاذ وصية ونحوهما ومنهم من حمل النص الأول على ما إذا تبين كذب
البائع بالبينة والثاني على ما إذا تبين باقراره والفرق أنه إذا ظهر بالبينة خيانته لم تؤمن خيانته من
وجه آخر والاقرار يشعر بالأمانة وبذل النصح والطريقة الأولى أظهر (فان قلنا) لا خيار له
فامسك بما يبقي بعد الحط فهل للبائع الخيار فيه وجهان وقيل قولان (أحدهما) نعم لأنه لم يسلم له ما سماه
في العقد (وأظهرهما) لا إذ يبعد ان يصير تلبيسه أو غلطه سببا لثبوت الخيار له ومنهم من خص الوجهين
بصورة الخيانة وقطع بثبوت الخيار عند الغلط فأن حكمنا بعدم الانحطاط فللمشتري الخيار لان
البائع قد غره إلا أن يكون عالما بكذب البائع فيكون كما لو اشترى معيبا وهو عالم بعيبه وإذا أثبت الخيار
فلو قال البائع لا تفسخ فانى أحط الزيادة عنك ففي سقوط خياره وجهان وجميع ما ذكرناه
فيما إذا كان المبيع باقيا أما إذا ظهر الحال بعد هلاك المبيع فان القاضي الماوردي ذكر انه
تنحط الخيانة وحصتها من الربح قولا واحدا والظاهر جريان القولين في الانحطاط (فان
قلنا) بالانحطاط فلا خيار للمشترى لان البائع قد لا يزيد القيمة فالفسخ ورد القيمة يضربه
(وأما) البائع فإن لم يثبت له الخيار عند بقاء السلعة فكذلك هاهنا وإن أثبتناه ثم ثبت
هاهنا كما لو وجد بالعبد عيبا والثوب الذي هو عرضه تالف * (وإن قلنا) بعدم الانحطاط فهل للمشترى
الفسخ فيه وجهان (أظهرهما) كما لو عرف العيب بعد تلف المبيع ولكن يرجع بقدر التفاوت وحصته من
14

الربح كما يرجع بأرش العيب وعن أبي حنيفة انه لا يفسخ ولا يرجع بشئ * ولو كان قد اشتراه بثمن مؤجل
وحال فلم يتبين كونه مؤجلا لم يثبت الأجل في حق المشتري الثاني ولكن له الخيار وكذلك إذا ترك
ذكر شئ آخر مما يجب ذكره * (وقوله) في الكتاب فان كذب في شئ من ذلك ففي استحقاق حط
قدر التفاوت قولان يقتضى اثبات الخلاف فيما إذا أخبر عن سلامة المبيع وكان معيبا أو عن حلول الثمن
وكان مؤجلا كما لو أخبر عن القدر كاذبا وقد صرح في الوسيط بذلك فيما إذا لم يخبر عن العيب فضلا عن أن
يخبر عن السلامة كاذبا ولكن لم أر لغير المصنف رحمه الله تعرضا لذلك فان ثبت الخلاف فالسبيل
على قول الحط النظر إلى القيمة وتقسيط الثمن عليها والله أعلم *
(قال ولو كذب بنقصان الثمن وصدقه المشترى فالأصح أن لا تلحقه الزيادة إذ العقد لا يحتمل
الزيادة ولكن للبائع الخيار إن صدقه المشترى * وان كذبه فلا تسمع بينته ودعواه لأنه على نقيض
ما سبق منه * وان ذكر وجها مخيلا في الغلط فتسمع دعواه على رأى لبعض الأصحاب متجه) *
تكلمنا فيما إذا كذب المشتري في قدر الثمن بالزيادة غلطا أو خيانة أما إذا كذب بالنقصان بان قال
كان الثمن أو رأس المال أو ما قامت به السلعة على مائة وباع مرابحة ثم عاد وقال غلطت وإنما هو مائة وعشرة
فننظر إن صدقه المشترى ففيه وجهان (أحدهما) أنه يصح البيع كما لو غلط بالزيادة (وأصحهما) عند الامام
وصاحب التهذيب انه لا يصح لتعذر امضائه فان العقد لا يحتمل الزيادة وأما النقصان فهو معهود
بدليل الأرش (فان قلنا) بالأول فاصح الوجهين أن الزيادة لا تثبت ولكن للبائع الخيار (والثاني) أنها
تثبت مع ربحها وللمشتري الخيار (وقوله) في الكتاب فالأصح أن العقد لا يحتمل الزيادة إلى آخره أراد
15

به الوجهين الأخيرين المفرعين على وجه الصحة وذلك جواب منه بالصحة وهو الذي أورده القاضي
الماوردي (وقوله) آخرا إن صدقه المشترى تكرار غير محتاج إليه فإنه تبين ذلك في التصوير أولا *
وان كذبه المشترى فهذا يفرض على وجهين (أحدهما) أن لا يبين للغلط وجها مخيلا فلا يقبل قوله ولو
أقام عليه بينة لا تسمع دعواه لان اعترافه بان الثمن مائة يكذب قوله الثاني وبينته * فلو زعم أن المشترى
عارف بصدقه والتمس تحليفه على أنه لا يعرف ذلك فوجهان في أنه هل يجاب (أحدهما) لا يجاب كما
لا تسمع بينته (والثاني) يجاب لأنه ربما يقر عند عرض الثمن عليه فعلى هذا إن نكل هل ترد اليمين
على المدعي فيه وجهان بناء على أن اليمين المردودة بعد نكول المدعى عليه كالاقرار من جهة المدعي
عليه أو كالبينة من جهة المدعى وهذا أصل يشرح في موضعه * فعلى الأول يرد وعلى الثاني لاثم إذا
قلنا بتحليف المشترى فإنما يحلف على نفي العلم فان حلف أمضى العقد على ما حلف عليه وإن نكل
ورددنا اليمين فالبائع يحلف على القطع وإذا حلف فللمشتري الخيار بين إمضاء العقد بما حلف عليه وبين
الفسخ كذا أطلقوه وقضية تنزيله منزلة إقرار المدعى عليه أن يعود فيه ما ذكرنا في حالة التصديق
(والثاني) أن يتبين للغلط وجها مخيلا مثل أن يقول ما كنت اشتريته بنفسي وإنما اشتراه وكيلي وأخبرني
أن الثمن مائة فبان خلافه أو ورد على كتاب منه فبان مزورا أو أن يقول راجعت جريدتي فغلطت
من ثمن متاع إلى غيره فتسمع دعواه للتحليف لان بيان هذه الاعذار يحرك ظن صدقه ومنهم من
طرد الخلاف في التحليف وسماع البينة يترتب على التحليف ان قلنا لا تحليف فالبينة أولى ألا تسمع
وان قلنا له التحليف ففي البينة وجهان (والأظهر) أنها تسمع أيضا وقوله في الكتاب فلا تسمع بينته
ودعواه جواب على أنه ليس له التحليف والا فالتمكين من التحليف يتضمن سماع البينة والاصغاء
16

إليها وعلى مقابلته قوله فتسمع دعواه على رأى يشعر بسماع البينة وجواز التحليف والله أعلم *
(فرع) قوله في المرابحة بعتك بكذا يقتضي أن يكون الربح من جنس الثمن الأول ولكن
يجوز أن يجعل الربح من غير جنس الأصل ولو قال اشتريت بكذا أو بعتك به وربح درهم على كل
عشرة فالربح يكون من نقد البلد لاطلاقه الدرهم والأصل مثل الثمن سواء كان من نقد البلد أو غيره *
(فرع) لو أتهب بغير عوض لم يجز بيعه مرابحة الا أن يبين القيمة ويبيع بها مرابحة وان اتهب بشرط الثواب
ذكره وباع به مرابحة وإذا أجر دارا بعبد أو نكحت على عبد أو خالع زوجته عليه أو صالح عن الدم عليه لم
يجز بيع العبد مرابحة بلفظ الشراء ويجوز بلفظ قام على وبذكره في الإجارة أجرة مثل الدار وفي النكاح
والخلع مهر المثل وفى الصلح عن الدم الدية * وأعلم أن الأئمة اطبقوا على تصوير المرابحة فيما إذا قال
بعت بما اشتريت وربح كذا أو بما قام على ولم يذكروا فيه خلافا وفيما إذا أوصي لانسان بنصيب ابنه
ذكروا وجها أنه لا يصح إذا قال بمثل نصيب ابني فكأنهم اقتصروا ههنا على إيراد ما هو الأصح
والا فلا فرق بين البابين
17

(قال القسم الثالث ما يطلق في المبيع وهي ستة ألفاظ (الأول) لفظ الأرض وفى معناها العرصة
والساحة والبقعة ولا تندرج تحتها الأشجار والبناء على أصح القولين إلا إذا قال بعت الأرض (و) بما فيها) *
ذكر في هذا القسم ألفاظا تمس الحاجة إلى معرفة ما يندرج فيها وما لا يندرج (منها) الأرض والعرصة
والساحة والبقعة فإذا قال بعتك هذه الأرض وكان فيها أبنية وأشجار نظران قال دون ما فيها من البناء والشجر
لم تدخل هي في البيع وان قال بعتكها بما فيها دخلت الأبنية والأشجار وكذا لو قال بعتكها بحقوقها
على المشهور وحكي الامام وجها أنها لا تدخل وحقوق الأرض الممر ومجري الماء وما أشبههما وان أطلق
فنصه ههنا أنها تدخل ونص فيما لو رهن الأرض وأطلق انها لا تدخل وللأصحاب فيها طرق (أحدها)
ان فيهما قولين بالنقل والتخريج (وجه) الدخول انها للدوام والثبات في الأرض فأشبهت أجزاء الأرض
ولهذا يلحق بها في الاخذ بالشفعة (ووجه) المنع خروجها عن مسمى الأرض (والثاني) تقرير النصين والفرق
ان البيع قوى لإزالة الملك فيستتبع الشجر والبناء والرهن بخلافه ولهذا يكون النماء الحادث من أصل
18

المبيع للمشترى ولم يكن النماء الحادث من أصل المرهون مرهونا (والثالث) ويحكي عن ابن سريج
القطع بعدم الدخول في البيع والرهن جميعا ونصه ههنا محمول على ما إذا قال بحقوقها وكذا الحكم
في الرهن لو قال بحقوقها وما الأظهر من هذا الخلاف (ذكر) صاحب الكتاب ان الأصح انها لا تدخل
اقتداء بامام الحرمين ولا شك أنه أوضح في المعني لكن عامة الأصحاب رحمهم الله على أن ظاهر
المذهب دخولها ورأوا أصح الطرق تقرير النصين والله أعلم *
قال (وأصول البقول كالأشجار والزروع لا تندرج قطعا ولا البذر وإن كان كامنا
(والأصح) أنها لا تمنع صحة بيع الأرض كما لو باع دارا مشحونة بأمتعة نعم إن جهل المشترى فله الخيار
لتضرره بتعطيل المنفعة (والأصح) انه يدخل في ضمان المشترى (ح) ويده بالتسليم إليه وان تعذر
انتفاعه بسبب الزرع) *
في الفصل مسألتان (إحداهما) الزرع ضربان (الأول) ما لا تؤخذ ثمرته وفائدته مرة بعد أخرى
19

وإنما يؤخذ دفعة واحدة كالحنطة والشعير فلا يدخل في مطلق بيع الأرض لأنه ليس للثبات والدوام
وكان كمنقولات الدار ويصح بيع الأرض وإن كانت مزروعة على أصح الطريقين كما لو باع دارا
مشحونة بأمتعة ولا يخرج على الخلاف في بيع الدار المستأجرة لان يد المستأجر حائلة ثم (ومنهم) من
خرجه على القولين * قال الجمهور ولو كان في معني تلك الصورة لوجب أن يقطع بالفساد لان مدة
بقاء الزرع مجهولة وإذا قلنا بالصحيح فللمشتري الخيار إن كان جاهلا بالحال بأن كانت رؤية الأرض
سابقة على البيع وإن كان عالما فلا خيار له وهل نحكم بصيرورة الأرض في يد المشترى ودخولها في
ضمانه إذا خلى البائع بينه وبينها فيه وجهان (أحدهما) لا لأنها مشغولة بملك البائع كما ذكرنا فيما إذا
كانت الدار المبيعة مشحونة بأمتعة البائع فيما قبل (وأظهرهما) نعم لحصول التسليم في الرقبة وهي المبيعة
ويخالف صورة الاستشهاد لان التفريع ثم متأت في الحال على أن الامام أورد في تلك الصورة وجها
أيضا وادعى أنه ظاهر المذهب وإذا كان في الأرض جزر أو فجل أو سلق أو ثوم لم تدخل في بيع
20

الأرض كالحنطة والشعير وكل زرع لا يدخل في البيع لا يدخل وان قال بعت الأرض بحقوقها يحكى
ذلك عن الشيخ أبى حامد ورأيته لمنصور التميمي في المستعمل أيضا ولا يؤمر البائع بقطع الزرع
الذي يبقي له في الحال بل له ابقاؤه إلى أوان الحصاد خلافا لأبي حنيفة وعند وقت الحصاد يؤمر بالقطع
والتفريغ وعليه تسوية الأرض وقلع العروق التي يضر بقاؤها بالأرض كعروق الذرة تشبيها بما إذا
كان في الدار أمتعة لا يتسع لها باب الدار ينقض وعلى البائع ضمانه (الضرب الثاني) ما تؤخذ ثمرته
وفائدته مرة بعد أخرى في سنتين أو أكثر كالكرسف الحجازي والنرجس والبنفسج فالظاهر من ثمارها
عند بيع الأرض يبقى للبائع وفى دخول الأصول الخلاف الذي سبق في الأشجار وفى النرجس
والبنفسج وجه أنهما من الضرب الأول * وما يجز مرارا كالقت والقصب والهندبا والنعناع والكرفس
والطرخون تبقي جزتها الظاهرة عند البيع للبائع وفي دخول الأصول الخلاف وعن الشيخ أبى محمد
21

القطع بأنها تدخل في بيع الأرض لأنها كامنة فيها نازلة منزلة اجزائها بخلاف الأشجار فيجوز أن
نعلم لذلك قوله في الكتاب (وأصول البقول كالأشجار) بالواو وإذا قلنا بدخولها فليشترط على البائع
قطع الجزة الظاهرة لأنها تزيد ويشتبه المبيع بغيره ولا فرق بين أن يكون ما ظهر بالغا أو ان الجز أولا
يكون قال في التتمة إلا القصب فإنه لا يكلف بقطعه الا أن يكون ما ظهر قدرا ينتفع به ولو كان في
الأرض أشجار خلاف ما يقطع من وجه الأرض فهي كالقصب (المسألة الثانية) لو كانت الأرض
المبيعة مبذورة ففي البذر الكامل مثل التفصيل المذكور في الزروع فالبذر الذي لا ثبات لنباته
ويؤخذ دفعة واحدة لا يدخل في بيع الأرض ويبقى إلى أوان الحصاد وللمشتري الخيار إن كان جاهلا
به فان تركه البائع له سقط حق خياره وعليه القبول ولو قال آخذه وأفرغ الأرض سقط خياره أيضا
ان أمكن ذلك في زمان يسير * والبذر الذي يدوم نباته كنوي النخل والجوز واللوز وبذر الكراث
22

ونحوه من البقول حكمه في الدخول تحت بيع الأرض حكم الأشجار وجميع ما ذكرنا في المسألتين
مفروض فيما إذا أطلق بيع الأرض فأما إذا باعها مع الزرع أو البذر فانا نورده في خلال اللفظ السادس
إن شاء الله تعالى *
قال (والحجارة إن كانت مخلوقة في الأرض اندرجت وإن كانت مدفونة فلا وعلى البائع
النقل والتفريغ وتسوية الحفر فإن كانت تتعيب به الأرض أو تتعطل به منفعة في مدة النقل فله
الخيار عند الجهل فان أجاز فالأظهر أن له طلب أجرة المنفعة في هذه المدة وفي مدة بقاء الزرع
وكذلك له طلب أرش التعيب فان ترك البائع الحجارة بطل خيار المشترى لأنه غير متضرر بالبقاء
ثم لا يملكه بمجرد الاعراض (و) الا إذا جري لفظ الهبة وشرطها) *
الحجارة أن كانت مخلوقة في الأرض أو مثبتة دخلت في بيع الأرض * وإن كانت تضر بالزرع
23

والغرس فقد ذكرنا في عداد العيوب أنه عيب إذا كانت الأرض مما تقصد لذلك وفيه وجه أنه
ليس بعيب وإنما هو فوات فضيلة وإن كانت مدفونة فيها لم تدخل في البيع كالكنوز والأقمشة
في الدار ثم لا يخلو (أما) أن يكون المشتري عالما بالحال أو جاهلا (فان) كان عالما فلا خيار له في فسخ
العقد وان تضرر يقلع البائع وله اجبار البائع على القلع والنقل تفريغا لملكه بخلاف الزرع فان له
أمدا ينتظر ولا أجرة للمشتري في مدة القلع والنقل وان طالت كما لو اشتري دارا فيها أقمشة وهو
عالم بها لا أجرة له في مدة النقل والتفريغ ويجب على البائع إذا نقل تسوية الأرض * وإن كان جاهلا
فللحجارة مع الأرض أربعة أحول (الحالة الأولى) أن لا يكون في قلعها ولا في تركها ضرر بان لم يحوج
النقل وتسوية الأرض إلى مدة لمثلها اجرة ولم تنقص الأرض بها فللبائع النقل وعليه تسوية الأرض
ولا خيار للمشتري وله اجبار البائع على النقل وحكى الامام وجها أنه لا يجبر والخيرة للبائع والمذهب
24

الأول (الحالة الثانية) أن لا يكون في قلعها ضرر ويكون في تركها ضرر فيؤمر البائع بالنقل ولا خيار
للمشترى كما لو اشترى دارا فلحق سقفها خلل يسير يمكن تداركه في الحال أو كانت منسدة البالوعة
فقال البائع أنا أصلحه وأتقنها فلا خيار للمشترى (الثالثة) أن يكون القلع والترك جميعا مضرين
فللمشتري الخيار سواء جهل أصل الأحجار أو كون قلعها مضرا ولا يسقط خياره بأن يترك البائع
الأحجار لما في نقلها من الضرر وهل يسقط بأن يقول للمشترى لا تفسخ لأغرم لك أجرة المثل لمدة
النقل فيه وجهان (عن) رواية صاحب التقريب (أصحهما) لا كما لو قال البائع لا تفسخ البيع بالعيب
لأغرم لك الأرش ثم إن أجاز المشترى البيع فعلي البائع النقل وتسوية الأرض سواء كان النقل قبل
القبض أو بعده وهل تجب أجرة المثل لمدة النقل إن كان النقل قبل القبض فيبني على أن جناية
البائع قبل القبض كآفة سماوية أو كجناية الأجنبي (إن قلنا) بالأول لم تجب (وإن قلنا) بالثاني
فهو كما لو نقل بعد القبض وإن كان النقل بعد القبض فوجهان (أصحهما) عند الشيخ أبى حامد أنها
25

لا تجب لان اجازته رضي بتلف المنفعة في مدة النقل (وأصحهما) على ما يقتضيه كلام الأكثرين
وبه قال أبو إسحاق أنها تجب كما لو جني على المبيع بعد القبض عليه ضمانه وقد يختصر فيقال في وجوب الأجرة
ثلاثة أوجه (ثالثها) وهو الأظهر الفرق بين أن يكون النقل قبل القبض فلا تجب أو بعده
فتجب ويجرى مثل هذا الخلاف في وجوب الأرش لو بقي في الأرض بعد التسوية نقصان وعيب
وفي مأخذ الخلاف في الأرش ولزوم التسوية مزيد كلام مذكور في الغصب (الرابعة) أن يكون
في قلعها ضرر ولا يكون في تركها ضرر فللمشتري الخيار فان أجاز ففي الأجرة والأرش ما مر ولا يسقط
خياره بأن يقول للبائع اقلع واغرم الأجرة أو أرش النقص قاله في التهذيب ويجئ فيه مثل الخلاف
المذكور في الحالة الثالثة ولو رضى بترك الأحجار في الأرض سقط خيار المشترى إبقاء للعقد ثم ينظر
إن اقتصر على قوله تركتها إلى المشترى فهو تمليك أو مجرد إعراض لقطع الخصومة فيه وجهان
كالوجهين في ترك النقل على الدابة المردودة بالعيب (أحدهما) أنه تمليك ليكون سقوط الخيار في
26

مقابلة ملك حاصل (وأظهرهما) وهو الذي ذكره في الكتاب أنه قطع للخصومة لا غير (فان قلنا)
بالأول فلو قلعها المشترى يوما فهي له ولو بدأ البائع في تركها لم يمكن الرجوع (وان قلنا) بالثاني
فهي للبائع ولو أراد الرجوع قال الأكثرون له ذلك ويعود خيار المشترى وقال الامام لا رجوع ويلزمه
الوفاء بالترك وان قال وهبتها منك فان رآها من قبل واجتمعت شرائط الهبة حصل الملك ومنهم من
طرد الخلاف لأنه لا يبغي حقيقة الهبة وإنما يقصد دفع الفسخ وان لم تجتمع شرائط الهبة ففي صحتها
للضرورة وجهان (إن) صححناها ففي إفادة الملك ما ذكرنا في لفظ الترك * واعلم أن جميع ما ذكرنا فيما إذا
كانت الأرض بيضاء أما إذا كان فيها غراس فينظر إن كانت حاصلة يوم البيع واشتراها مع الأرض
فنقصان الأشجار وتعيبها بالأحجار كتعيب الأرض في إثبات الخيار وسائر الأحكام وان أحدثها
المشترى بعد الشراء فينظر ان أحدثها عالما بالأحجار فللبائع قلعها وليس عليه نقصان ضمان الغراس
وان أحدثها جاهلا ففي ثبوت الخيار وجهان (وجه) الثبوت ان الضرر ناشئ من إيداعه الأحجار
27

في الأرض (والأصح) إنه لا يثبت لرجوع الضرر إلى غير المبيع فإن كانت الأرض تنقص بالأحجار
أيضا نظر إن لم يورث الغرس وقلع المغروس نقصانا في الأرض فله القلع والفسخ وان أورث الغراس
أو القلع نقصانا فلا خيار في الفسخ إذ لا يجوز له رد المبيع ناقصا ولكن يأخذ الأرض وإذا قلع البائع
الأحجار فانتقص الغراس فعليه أرش النقص بلا خلاف ولو كان فوق الأحجار زرع اما للبائع
أو للمشترى ففي التهذيب أنه يترك إلى أوان الحصاد لان له غاية منتظرة بخلاف الغراس ومنهم من
سوى بينه وبين الغراس * إذا تقرر فقه الفصل فالحاجة بعده إلى معرفة ما ذكر في الكتاب واحلال
كل شئ محله (أما قوله) وعلى البائع النقل والتفريغ وتسوية الحفر فاعلم أن الجمع بين النقل والتفريغ
ضرب ايضاح والا فنقل الحجارة عن الموضع دون التفريغ محال ثم الكلام مجرى على اطلاقه في
صورة العلم باشتمال الأرض على الأحجار المدفونة وكذا في صورة الجهل حيث لا يثبت الخيار وحيث
ثبت فكذلك إن أجاز المشترى (وأما) إذا فسخ فلا يخفى أنه لا يكلف بالنقل وتسوية الحفر ثم
28

تكلم الامام في أنهم لم أوجبوا تسوية الحفر على البائع وعلى الغاصب إذا حفر في الأرض المغصوبة
ولم يوجبوا على من هدم الجدار أن يعيده وإنما أوجبوا الأرش وأجاب عنه بأن طم الحفر لا يكاد
يتفاوت وهيئات الأبنية تختلف وتتفاوت فشبه ذلك بذوات الأمثال وهذا بذوات القيم حتى لو رفع لبنة
أو لبنتين من رأس الجدار وأمكن الرد من غير اختلاف في الهيئة كان ذلك كطم الحفيرة فهذا
ما ذكره وفي وجوب الإعادة على هادم الجدار خلاف يذكر في كتاب الصلح (وقوله) فله الخيار عند
الجهل محمول على الحالة الثالثة والرابعة (فأما) في الأولى والثانية فقد عرفت أنه لا خيار وقوله فالأظهر أن
له طلب أجرة المنفعة في هذه المدة وفي مدة بقاء الزرع (أما) أجرة مدة النقل فقد تكلمنا فيها وبينا
أن الأظهر الفرق بين أن يكون النقل قبل القبض أو بعده (وأما) في مدة بقاء الزرع فوجهان
(عن) رواية صاحب التقريب الذي أورده المعظم أنه لا تجب الأجرة وتقع تلك المدة مستثناة كما لو باع
دارا مشحونة بأقمشة لا يستحق المشترى الأجرة لمدة التفريغ (والثاني) وهو الأظهر عند صاحب الكتاب
29

أنها تجب ولفظ المنفعة في قوله أجرة المنفعة حشو لا يضر اسقاطه إذ ليس الأجرة إلا عوض المنفعة
(وقوله) وان ترك البائع الحجارة بطل خيار المشترى مصور في الحالة الرابعة لا غير لأنه لا خيار
للمشترى في الأولي والثانية حتى بفرض سقوطه (وأما) في الثالثة فقد ذكرنا أن ترك الحجارة لا يسقط
الخيار وقوله لأنه غير متضرر بالبقاء فيه إشارة إلى التصوير في الحالة المذكورة (وقوله) ثم لا يملكه بمجرد
الاعراض معلم بالواو (وقوله) الا إذا جرى لفظ الهبة استثناء منقطع ويجوز أن يعلم قوله وشرطها بالواو للوجه
الذي ذكرناه في أنه لا تعتبر اجتماع الشروط *
قال (اللفظ الثاني الباغ وفى معناه البستان وهو مستتبع للأشجار ولا يتناول البناء على الأظهر
(وأما) اسم القربة والدسكرة فيتناول البناء والشجر) *
إذا قال بعتك هذا الباغ والبستان دخل في البيع الأرض والأشجار والحائط وفي دخول البناء الذي فيه ما سبق
في دخوله تحت الأرض وفي العريش الذي توضع عليه القضبان تردد للشيخ أبى محمد والظاهر عند الامام دخوله
وذكروا أن لفظ الكرم كلفظ البستان ولكن العادة في نواحينا إخراج الحائط عن مسمى الكرم وادخاله في مسمى
30

البستان ولا يبعد أن يكون الحكم على ما استمر الاصطلاح به ولو قال هذه الدار بستان دخلت الأبنية والأشجار
جميعا ولو قال هذا الحائط بستان أو هذه المحوطة دخل الحائط المحيط وما فيه من الأشجار وفي البناء
الخلاف السابق هكذا ذكره في التهذيب ولا يتضح في لفظ المحوطة فرق بين الأبنية والأشجار
فليدخلا أو ليكونا على الخلاف ولو قال بعتك هذه القرية دخل في البيع الأبنية والساحات التي
تحيط بها الصور وفى الأشجار وسطها الخلاف. اختيار الإمام وصاحب الكتاب دخولها بخلاف اختيارهما
في لفظ الأرض (وأما) المزارع فلا تدخل في البيع الا ترى أنه لو حلف أنه لا يدخل القرية لم يحنث
بدخوله المزارع ولو قال بعتكها بحقوقها لم تدخل أيضا بل لابد من نص على المزارع وفى النهاية أنها
تدخل وذكر القاضي ابن كج أنها تدخل إذا قال بحقوقها وهما غريبان والله أعلم *
قال (اللفظ الثالث الدار ولا يندرج تحته المنقولات إلا مفتاح الباب استثناه صاحب التلخيص
ويندرج تحته الثوابت وما أثبت من مرافق الدار للبقاء كالأبواب والمغاليق تندرج وفي الأشجار
31

وحجر الرحي والإجانات المثبتة خلاف وفى معناها الرفرف والسلاليم المثبتة بالمسامير) *
إذا قال بعتك هذه الدار دخل في المبيع الأرض والأبنية على تنوعها حتى يدخل الحمام المعدود
من مرافقها وحكي عن نصه أن الحمام لا يدخل وحملوه على حمامات الحجاز وهي بيوت من خشب تنقل ولو كان
في وسطها أشجار ففي دخولها ما سبق في دخولها تحت بيع الأرض ونقل الامام في دخولها ثلاثة أوجه (ثالثها) الفرق
بين أن يكثر بحيث يجوز تسمية الدار بستانا فلا يدخل في لفظ الدار وبين أن لا تكون كذلك
فتدخل (وأما) الآلات في الدار فهي على ثلاثة أنواع (أحدها) المنقولات كالدلو والبكرة والرشا والمجارف
والسرر والرفوف الموضوعة على الأوتاد والسلاليم التي لم تسمر ولم تطين والأقفال والكنوز والدفاين
فلا يدخل شئ منها في البيع نعم في مفتاح المغلاق المثبت وجهان (أحدهما) أنه كسائر المنقولات
(وأصحهما) ويحكى عن صاحب التلخيص أنه يدخل لأنه من توابع المغلاق المثبت وفي ألواح
الدكاكين مثا هذين الوجهين لأنها أبواب لها وإن كانت تنقل وتردد في الفوقاني من حجر الرحى
32

مثل هذين الوجهين ان أدخلنا التحتاني والأصح الدخول والثاني ما أثبت تتمة للدار ليدوم فيها ويبقي
كالسقوف والأبواب المنصوبة وما عليها من المغاليق والحلق والسلاسل والضبات تدخل في البيع
فإنها معدودة من أجزاء الدار (الثالث) ما أثبت على غير هذا الوجه كالرفوف والدنان والإجانات
المثبتة والسلاليم المسمرة والأوتاد المثبتة في الأرض والجدران والتحتاني من حجر الرحى وخشب
القصار ومعجن الخباز ففي جميع ذلك وجهان (أصحهما) أنها تدخل لثباتها واتصالها (والثاني) لا تدخل
لأنها إنما أثبتت لسهولة الارتفاق بها كي لا تتزعزع وتتحرك عند الاستعمال وأشار الامام إلى القطع
بدخول الحجرين في بيع الطاحونة وبدخول الإجانات المثبتة إذا باع باسم المدبغة والمصبغة وان الخلاف
في دخولها تحت بيع الدار وفى التتمة أن أصل الخلاف في هذه المسائل الخلاف في تجويز الصلاة
إلى العصا المغروزة في سطح الكعبة إن جوزنا فقد عددناها من البناء فتدخل والا فلا وهذا يقتضى
التسوية بين اسم الدار والمدبغة (وقوله) في الكتاب وتندرج تحته الثوابت وما أثبت من مرافق الدار كأنه
33

يعنى بالثوابت ما هو ثابت في نفسه من غير اثبات أو ما هو من ضرورات الدار وبما أثبت من المرافق ما سواها *
(فروع) (أحدها) لا يدخل مسيل الماء في بيع الأرض وكذا لا يدخل فيه
شربها من القناة أو النهر المملوكين إلا أن يشرط أو يقول بحقوقها وحكى أبو عاصم العبادي وجها
أنه لا يكفي ذكر الحقوق وإذا كان في الدار المبيعة بئر ماء دخلت في المبيع والماء الحاصل في البئر
لا يدخل أما إذا لم نجعله مملوكا فظاهر وأما إذا جعلناه مملوكا فلانه نماء ظاهر فأشبه الثمار المؤبرة وفى
النهاية حكاية وجه أنه يدخل إذا جعلناه مملوكا وينزل منزلة الثمار التي لم تؤبر لأنه العرف فيه وان
شرط دخوله في البيع صح على قولنا أن الماء مملوك بل لا يصح البيع دون هذا الشرط والا اختلط
ماء المشترى بماء البائع وانفسخ البيع وذكر الخلاف في الماء وتفاريعه مؤخر إلى احياء الموات (الثاني)
لو كان في الأرض أو الدار معدن ظاهر كالنفط والملح والغاز والكبريت فهو كالماء وإن كان باطنا
كالذهب والفضة دخل في البيع ألا أنه لا يجوز بيع ما فيه معدن الذهب والفضة من جهة الربا وفي
34

بيعه بالفضة قولان للجمع في الصفقة الواحدة بين البيع والصرف (الثالث) باع دارا في طريق
غير نافذ دخل حريمها في البيع وفى دخول الأشجار الخلاف الذي سبق وإن كان في طريق نافذ
لم يدخل الحريم ولا الأشجار في البيع بل لا حريم لمثل هذه الدار على ما سنذكر في أحياء الموات *
قال * (اللفظ الرابع العبد ولا يتناول مال العبد (وان قلنا) أنه يملك بالتمليك وفي ثيابه التي عليه ثلاثة
أوجه وفي (الثالث) يندرج ساتر العورة دون غيره والوجه الصحيح تحكيم العرف) *
العبد إذا ملكه سيده مالا هل يملكه فيه قولان مذكوران بتوجيههما في باب معاملات
العبيد * إذا عرف ذلك فلو ملكه سيده مالا ثم باعه وشرط المال لنفسه فلا كلام وان أطلق بيعه لم
يتبعه المال أيضا (أما) إذا قلنا أنه لا يملك فظاهر (وأما) إذا قلنا أنه يملك فلان اللفظ لا يتناول
المال وهو بسبيل من الرجوع فيه وكان ترك التعرض للمال رجوعا * وان باعه مع المال (فان قلنا) أنه
35

لا يملك ما ملكه اعتبر فيه شرائط المبيع حتى لو كان مجهولا أو غائبا لم يصح البيع وكذا لو
كان ذهبا والثمن فضة أو بالعكس فهو على قول الجمع بين البيع والصرف (وان قلنا) أنه
يملك فقد نص أن المال ينتقل إلى المشترى مع العبد وأنه لا بأس بكونه مجهولا أو غائبا ولم
يحتمل ذلك عن أبي سعيد الإصطخري أن المال تابع وقد يحتمل في البائع ما لا يحتمل
في الأصل ألا ترى أن الجهل في الحمل واللبن التابعين محتمل وكذا الجهل بحقوق الدار *
وعن ابن سريج وأبى اسحق أن المال ليس بمبيع لا أصلا ولا تبعا ولكن شرطه للمبتاع
يبقيه له على العبد كما كان فللمشتري انتزاعه منه كما كان للبائع الانتزاع فعلى هذا لو كان
المال ربويا والثمن من جنسه فلا بأس وعلى الأول لا يجوز ذلك ولا يحتمل الربا في البائع كما في الأصل
وأصح المعنين عند الأصحاب الثاني * هذه إحدى مسألتي الفصل (والثانية) الثياب التي على العبد هل
تدخل في بيعه فيه وجهان (أحدهما) لا تدخل اقتصار أعلى اللفظ كما أن السرج لا يدخل في بيع
36

الدابة (والثاني) تدخل وعلى هذا فوجهان (أحدهما) أن ما عليه من الثياب تدخل اعتبارا بالعرف
وبه قال أبو حنيفة (والثاني) يدخل ساتر العورة دون غيره (وقوله) في الكتاب والوجه الصحيح
تحكيم العرف ربما أشعر بوجه رابع لكن المنقول ليس إلا الوجوه الثلاثة فهو إذن ترجيح لوجه
دخول ما عليه من الثياب لكن صاخب التهذيب وغيره رجحوا الوجه السائر إلى أن شيئا منها
لا يدخل في البيع وكذا قالوا في عذار الدابة (وأما) نعلها فيدخل وكذا برة الناقة إلا أن يكون من
ذهب أو فضه *
قال (اللفظ الخامس الشجر ويندرج تحته الأغصان والأوراق حتى ورق الفرصاد على الأصح
وكذا العروق ويستحق الابقاء مغروسا ولا يستحق المغرس على الأصح من القولين ولكن يستحق
منفعتها للابقاء) *
في الفصل مسألتان (إحداهما) أغصان الشجرة تدخل في مطلق بيعها لأنها معدودة من أجزاء
37

الشجرة نعم لا يدخل الغصن اليابس في بيع الشجرة الرطبة لان العادة فيه القطع كما في الثمار قال في
التهذيب ويحتمل أن يدخل كالصوف على ظهر الغنم وتدخل العروق أيضا في مطلق بيع الشجرة
وكذلك الأوراق إلا أن شجرة الفرصاد إذا بيعت في الربيع وقد خرجت أوراقها ففي دخولها تحت
البيع وجهان (أصحهما) تدخل كما في غير وقت الربيع وكما في سائر الأشجار (وقال) أبو إسحاق
لا تدخل لأنها كثمار سائر الأشجار وفى أوراق شجر النبق ذكر طريقين في التتمة (أظهرهما) أنها كأوراق
غيرها من الأشجار (والثاني) أنها كأوراق الفرصاد لأنها تلتقط ليغسل بها الرأس (الثانية) لو باع
شجرة يابسة فعلى المشترى تفريغ الأرض عنها للعادة (قال) في التتمة فلو شرط ابقاءها فسد
البيع كما لو اشترى الثمرة بعد التأبير وشرط عدم القطع عند الجذاذ ولو باعها بشرط القلع أو القطع
جاز وتدخل العروق في البيع عند شرط القلع ولا تدخل عند شرط القطع بل تقطع عن وجه الأرض
وإن كانت الشجرة رطبة فباعها بشرط الابقاء أو شرط القلع اتبع الشرط ولو أطلق جاز الابقاء أيضا
38

للعادة كما لو اشترى بناء يستحق ابقاءه وهل يدخل المغرس في البيع وجهان. وقال الامام وصاحب
الكتاب رحمهما الله قولان (أحدهما) ويحكي عن أبي حنيفة نعم لأنه يستحق منفعته لا إلى غاية وذلك
لا يكون إلا على سبيل الملك ولا وجه لتملكه إلا دخوله في البيع (وأصحهما) لا لان أسم الشجرة لا يتناوله
وقد يستحق غير المالك المنفعة لا إلى غاية كما لو أعار جداره ليضع غيره الجذع عليه فعلى الوجه الأول
لو انقلعت الشجرة أو قلعها المالك كان له أن يغرس بدلها وله أن يبيع المغرس وعلى الثاني ليس
له ذلك ويجرى الخلاف فيما لو اشترى أرضا وشرط البائع لنفسه شجرة منها ان المغرس يبقي له أم لا *
قال (وإن كان عليها ثمرة مؤبرة لم تندرج تحته وغير المؤبرة تندرج (ح) وفى معني المؤبرة
كل ثمرة بارزة ظهرت للناظرين وإذا تأبر بعض الثمار حكم بانقطاع التبعية في الكل نظرا إلى وقت التأبير
لعسر تتبع العناقيد هذا إذا اتحد النوع وشملت الصفقة فان اختلفا أو أحدهما ففيه خلاف المقصود) *
بيان أن الثمرة متى تندرج في بيع الشجرة ومتى لا تندرج * والأصل في الباب ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما
39

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من باع نخلة بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع) (1) وروى أن رجلا ابتاع نخلا
من آخر واختلفا فقال المبتاع أنا أبرته بعدما ابتعت وقال البائع أنا أبرته من قبل البيع فتحاكما إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فقضى بالثمرة لمن أبر منهما) (2) * وأول ما يحتاج إلى معرفته تفسير التأبير * اعلم أن النخيل
فحول وإناث ومعظم المقصود من طلع الفحول استصلاح الإناث بها والذي يبدو منها أولا أكمة صغيرة ثم
40

تكبر وتطول حتى تصير كأذن الحمر فإذا كبرت تشققت فتظهر العناقيد في أوساطها فيذر فيها طلع
الفحول ليكون الحاصل من رطبها أجود فالتشقيق ودر طلع الفحول فيها هو التأبير وقد يسمى
تلقيحا أيضا ثم الأكثرون يسمون الكمام الخارج كله طلعا والامام خص اسم الطلع بما يظهر من النور
على العنقود من تشقق الكمام ثم المتعهدون للنخيل لا يؤبرون جميع الأكمة ولكن يكتفون
بتأبير البعض والباقي ينشق بنفسه وينبث ريح الفحول إليه وقد لا يؤبر في الحائط شئ وتتشقق
الأكمة بنفسها إذ كبرت الا أن رطبه لا يجئ جيدا وكذلك الخارج من الفحول ينشق بنفسه ولا يشقق
غالبا * إذا تقرر ذلك فإذا باع نخلة عليها ثمرة وشرطاها للبائع لم تندرج في بيع النخلة وان شرطاها
41

للمشترى اندرجت وان أطلقا وهي مسألة الكتاب نظر إن كانت مؤبرة لم تندرج في البيع وكذا
لو لم تؤبر وتشققت الأكمة بنفسها اعتبارا لظهور المقصود وان لم تؤبر ولا تشققت هي اندرجت في
البيع وبه قال مالك وأحمد (وقال) أبو حنيفة تبقى الثمار للبائع أبرت أو لم تؤبر * لنا ما سبق من الخبر
وأيضا فان لها حالة كمون وظهور بأصل الخلقة فيتبع الأصل في حالة الكمون اعتبارا بحال البهيمة
والجارية ولو باع الفحول من النخيل بعد تشقق طلعها لم يندرج الطلع في البيع وان لم يتشقق
فوجهان (أظهرهما) الاتدراج كما في طلع الإناث (والثاني) لا يندرج لان طلع الفحل يؤكل على
42

هيئته ويطلب لتلقيح الإناث به وليس له غاية منتظرة بعد ذلك فكان ظهوره كظهور ثمرة لا قشر لها
بخلاف طلع الإناث فإنه يعني بثمرته فاعتبر ظهورها * ثم الكلام في أمرين (أحدهما) ما عدا النخيل
من الأشجار أقسام (أولها) ما يفصل منه الورق كشجر الفرصاد وقد ذكرنا حكمه (قال) في البيان
وشجر الحنا ونحوه يجوز أن يلحق بشجر الفرصاد ويجوز أن يقال إذا ظهر ورقه فهي للبائع بلا خلاف
لأنه لا ثمرة لها سوى الورق وللفرصاد ثمرة مأكولة (وثانيها) ما يقصد منه الورد وهو على ضربين
(أحدهما) ما يخرج في كمام ثم ينفتح كالورد الأحمر فإذا بيع أصله بعد خروجه وتفتحه فهو للبائع كطلع
43

النخل المتشقق وان بيع بعد خروجه وقبل تفتحه فهو للمشترى كالطلع قبل التشقق وعن الشيخ أبى حامد
أنه يكون للبائع أيضا (والثاني) ما يخرج ورده ظاهرا كالياسمين فان خرج ورده فهو للبائع والا فللمشتري
(وثالثها) ما يقصد منه الثمرة وهو على ضربين (أحدهما) ما تخرج ثمرته بارزة بلا قشر ولا كمام
كالتين فهو كالياسمين والحق العنب بالتين وإن كان لكل حبة منه قشر لطيف يتشقق ويخرج
منها نور لطيف لان مثل ذلك موجود في ثمر النخل بعد التأبير ولا عبرة به (والثاني) ما لا يكون
كذلك وهو على ضربين (أحدهما) ما تخرج ثمرته في نور ثم يتنائر النور فتبرز الثمرة بلا حائل كالمشمش
44

والتفاح والكمثرى وما أشبهها فان باع الأصل قبل انعقاد الثمرة فإنها تنعقد على ملك المشتري وإن كان
النور قد خرج وان باعه قبل الانعقاد وتناثر النور فهي للبائع وان باعه بعد الانعقاد قبل تناثر
النور فوجهين (أحدهما) أنها للمشترى تنزيلا للاستتار بالنور منزلة استتار ثمر النخل بالكمام (والثاني)
أنها للبائع تنزيلا لها منزلة استتارها بعد التأبير بالقشر الأبيض وهذا أرجح عند أبي القاسم الكرخي
وصاحب التهذيب لكن الأول هو المحكى عن نصه في البويطي وعن أبي إسحاق واختاره ابن الصباغ
والقاضي الروياني والله أعلم (والثاني) ما يبقي له حائل على الثمرة المقصودة وله ضربان (أحدهما) ماله
45

قشرة واحدة كالرمان * فإذا بيع أصله وقد ظهر الرمان بقشره فهو للبائع ولا اعتبار بقشره لان ابقاءه من
مصلحته وان لم تظهر فالذي يظهر يكون للمشترى (والثاني) ماله قشرتان كالجوز واللوز والفستق
والرانج فان باعها قبل خروجها فإنها تخرج على ملك المشتري وان باعها بعد الخروج فتبقي على ملك
البائع ولا يعتبر في ذلك تشقق القشرة العليا على أصح الوجهين (والثاني) يعتبر وبه قال الشيخ
أبو حامد وطبقته * واعلم أن أشجار الضربين الأخيرين (منها) ما يخرج ثمره في قشره من غير نور كالجوز
46

والفستق (ومنها) ما يخرج في نور ثم يتناثر عنه كالرمان واللوز وما ذكرنا من الحكم فيما إذا بيع الأصل
بعد تناثر النور عنه فان بيع قبله عاد فيه الكلام السابق *
(فرع) الكرسف وهو القطن نوعان (أحدهما) ماله ساق تبقى سنين وتثمر كل سنة وهو
كرسف الحجاز والبصرة والشام فهو كالنخل أن بيع أصله قبل خروج الجوزق أو بعده وقبل تشققه
فالحاصل للمشترى وان بيع بعد التشقق فهو للبائع (والثاني) ما لا يبقى أكثر من سنة فهو كالزرع
47

فان باعه قبل خروج الجوزق أو بعده وقبل تكامل القطن فلابد من شرط القطع ثم إن لم يتفق
القطع حتى خرج الجوزق فهو للمشترى لحدوثه من عين ملكه (قال) في التهذيب وان باعه بعد
تكامل القطن فان تشقق الجوزق صح البيع مطلقا ودخل القطن في البيع بخلاف الثمرة المؤبرة لا تدخل
في بيع الشجرة لان الشجرة مقصودة لثمار سائر الأعوام ولا مقصود هنا سوى الثمرة الموجودة وان لم
يتشقق لم يجز البيع في أصح الوجهين لان المقصود مستتر بما ليس من صلاحه بخلاف الجوز واللوز
في القشرة السفلى (الأمر الثاني) لا يشترط لبقاء الثمرة على ملك البائع التأبير في كل كمام وعنقود لما
48

في بيع ذلك من العسر بل إذا باع نخلة أبر بعض طلعها بقي الكل للبائع وجعل غير المؤبر تابعا
للمؤبر وذلك أولى من أن يعكس فيجعل المؤبر تابعا لغير المؤبر لان المؤبر ظاهر واتباع الباطن
الظاهر أولى كما أن باطن الصبرة تبع لظاهرها في الرؤية ولان الباطن صائر إلى الظهور بخلاف
العكس * ولو باع نخلات طلع بعضها مؤبر وطلع البعض غير مؤبر فلها حالتان (إحداهما) أن يكون
في بستان واحد فينظر إن اتحد النوع وباعها صفقة واحدة فالحكم كما في النخلة الواحدة إذا أبر
بعض ثمرها دون بعض وان أفرد ما لم يؤبر طلعه فوجهان (أحدهما) أنه يبقى للبائع أيضا لدخول
49

وقت التأبير والاكتفاء به عن نفس التأبير (وأصحهما) أنه يكون للمشترى لأنه ليس في المبيع
شئ مؤبر حتى يجعل غير المؤبر تبعا له فيبقي تبعا للأصل وان اختلف النوع فوجهان (أحدهما)
وبه قال ابن خيران أن غير المؤبر يكون للمشترى والمؤبر للبائع لان لاختلاف النوع تأثيرا بينا (في
اختلاف الأيدي وقت التأبير) (1) (وأصحهما) أن الكل يبقي للبائع كما لو اتحد النوع دفعا لضرر اختلاف
الأيدي وسوء المشاركة (الحالة الثانية) أن يكون في بستانين فحيث قلنا في البستان الواحد إن كل
واحد من المؤبر وغير المؤبر يفرد بحكمه فهاهنا أولى وحيث قلنا بأن غير المؤبر يتبع المؤبر فهاهنا

(1) ما بين القوسين ساقط في بعض النسخ
50

وجهان (أصحهما) أن كل بستان يفرد بحكمه والفرق أن لاختلاف البقاع تأثيرا في وقت التأبير وأيضا
فإنه يلزم في البستان الواحد ضرر اختلاف الأيدي وسوء المشاركة ولان للخطة الواحدة من التأثير
في الجمع ما ليس للخطتين ألا ترى أن خطة المسجد تجمع بين الإمام والمأموم وان اختلف البناء
وتباعدت المسافة بينهما ولا فرق بين أن يكون البستانان متلاصقين أو متباعدين *
(فروع) أحدها إذا باع نخلة وبقيت الثمرة له ثم خرج طلع آخر من تلك النخلة أو من نخلة
أخرى حيث يقتضى الحكم اشتراكهما في الحال ففيه وجهان (أصحهما) أن الطلع الجديد للبائع أيضا
51

لأنه من ثمرة العام (وقال) ابن أبي هريرة أنه للمشترى لأنه حدث من ملكه بعد البيع
(الثاني) لو جمع في صفقة واحدة بين فحول النخل وإناثها كما لو جمع بين نوعين من الإناث
(الثالث) قال في التهذيب تشقق بعض الجوزق من الكرسف كتشقق الكل وما تشقق من
الورد يبقي للبائع وما لم يتشقق يكون للمشترى وإن كانا على شجرة واحدة ولا يتبع البعض البعض
بخلاف ثمر النخل لان المتشقق لا يقطع بل يترك إلى إدراك الكل وما تشقق من الورد يجتني
ولا يترك إلى تشقق الباقي وذكر أيضا أن التين والعنب إن ظهر بعضه دون بعض فما ظهر يكون
52

للبائع وما لم يظهر يكون للمشترى وهذه الصورة الأخيرة محل التوقف والله أعلم * (وأما) لفظ
الكتاب (فقوله) وغير المؤبر يندرج يحتاج إلى قيد آخر وهو أن لا يتشقق بنفسه إذ لو تشقق لما
اندرج وان لم يؤبر على أن بعضهم فسر التأبير بما يدخل فيه التشقيق والتشقق فعلى ذلك الاصطلاح
يستمر الكلام على ظاهره (وقوله) كل ثمرة ظهرت للناظرين أي إما في ابتداء الوجود كالتين
أو بالتفتح كالورد أو بالخروج من النور على التفصيل السابق (وقوله) نظرا إلى وقت التأبير
هذا التوجيه يقتضى أن يكون أحد البستانين تابعا للآخر لدخول وقت التأبير لكن الظاهر خلافه
53

على ما مر فهو إذا محمول على نخيل البستان الواحد وفى قوله هذا إذا اتحد النوع وشملت الصفقة مثل هذا
الكلام المعني وان اتحد البستان إلا أن يجاب بالوجه الآخر *
قال * (وليس لمشتري الأشجار أن يكلف البائع قطع الثمار بل له (ح) الابقاء إلى أوان القطاف للعرف
ولكل واحد أن يسقى الأشجار إذا كان يحتاج إليه إن لم يكن يتضرر صاحبه وان تقابل الضرران فأيهما
أولى به فيه ثلاثة أوجه (أصحها) أن المشترى أولى إذا التزم البائع سلامة الأثمار له وفي (الثالث)
يتساويان فيفسخ العقد لتعذر الامضاء إن لم يصطلحا ومهما لم تتضرر الثمار بالسقي وتضرر الشجر بترك
السقي فعلى البائع السقي أو القطع) *
54

في الفصل صور (إحداها) إذا باع الشجرة وبقيت الثمرة للبائع فان شرط القطع في الحال لزمه
القطع وان أطلق فليس للمشترى أن يكلفه القطع في الحال بل له الابقاء إلى أوان الجذاذ في النخل
والقطاف في العنب وبه قال مالك وأحمد (وقال) أبو حنيفة يلزمه القطع في الحال ولو شرط الابقاء
فسد * لنا أن مطلق العقد محمول على المعتاد والمعتاد في الثمار الابقاء حتى لو كانت الثمرة من نوع
يعتاد قطعها قبل النضج يكلف القطع وإذا جاء وقت الجذاذ لا يمكن من أن يأخذها على التدريج
ولا يؤخر إلى نهاية النضج (واعلم) أنه حكي اختلاف القول في جواز ابقاء الثمار في صورتين (إحداهما)
55

لو تعذر السقي لانقطاع الماء وعظم ضرر النخيل بابقاء الثمار ففيه قولان منقولان عن الام (قال)
أبو القاسم الكرخي (أصحهما) أنه ليس له الابقاء دفعا للضرر عن المشترى (الثانية) لو أصاب
الثمار آفة سماوية ولم يكن في إبقائها فائدة هل له الابقاء عن رواية صاحب التقريب فيه قولان (الصورة
الثانية) سقي الثمار عند الحاجة على البائع وعلى المشترى تمكينه من دخول البستان ليسقى فإن لم يأتمنه
نصب الحاكم أمينا للسقي ومؤنته على البائع وإذا كان السقي ينفع الثمار والأشجار معا فلكل واحد
من البائع والمشترى السقي وليس للآخر منعه وإن كان يضربهما معا فليس لأحدهما السقي إلا برضى
56

الآخر وان أضر بالثمار ونفع الأشجار فأراد المشترى أن يسقى ونازعه البائع فوجهان (قال) ابن أبي هريرة
للمشترى السقي ولا يبالي برضى البائع لأنه قد رضى به حين أقدم على هذا العقد (وقال) أبو إسحاق
يفسخ العقد لتعذر امضائه إلا باضرار أحدهما فان سامح أحدهما الآخر أقر وهذا أظهر وان أضر
بالأشجار ونفع الثمار وتنازعا جري الوجهان فعند ابن أبي هريرة للبائع السقي (وقول) أبى اسحق
لا يختلف فهذا ما نقله الجمهور واقتصروا عليه * وحكى الامام وصاحب الكتاب في الصورتين ثلاثة أوجه
(أحدها) أنه يجاب المشترى إلى مطلوبه لأنه التزم سلامة الأشجار للبائع (وثانيها) أنه يجاب البائع
57

لاستحقاقه ابقاء الثمار (والثالث) يتساويان وترجيح الوجه الأول مما لم أره إلا لصاحب الكتاب * ولو
كان السقي يضر بأحدهما وترك السقي يمنع حصول زيادة في جانب الثاني ففي التحاقه بتقابل الضرر
احتمالان عند الامام (الصورة الثالثة) لو لم يسق البائع وتضرر المشترى ببقاء الثمار لامتصاصها رطوبة
الأشجار أجبر على السقي أو القطع فان تعذر السقي لانقطاع الماء ففيه القولان السابقان والله أعلم *
قال (اللفظ السادس بيع الثمار * وموجب إطلاقه استحقاق الابقاء إلى القطاف فإن كان بعد
بدو الصلاح صح بكل حال وموجب الاطلاق التبعية (ح) وإن كان قبله بطل (ح) الا بشرط القطع
58

لأنها تتعرض للعاهات فلا يوثق بالقدرة على التسليم إلى القطاف وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم
(عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة) (1) ولو اشتراها صاحب الشجرة فلا يجب شرط القطع (و) ولو
باع الشجرة وبقيت الثمار له لم يجب شرط القطع لأن المبيع هو الشجر ولا خوف فيه ولو باع الشجرة مع الثمرة
فلا يشترط القطع لفقد العلة المذكورة ولو اطرد عرف قوم بقطع الثمار ففي الحاق العرف الخاص بالعام خلاف) *
قد ذكر في اللفظ الخامس حكم بيع الأشجار دون التعرض للثمار والغرض الآن
الكلام في بيع الثمار دون التعرض للأشجار وهي إما أن تباع بعد بدو الصلاح أو قبله (الحالة
59

الأولى) إذا بيعت بعد بدو الصلاح جاز مطلقا وبشرط ابقائها إلى وقت الجذاذ وبشرط القطع سواء كانت
الأصول للبائع أو للمشترى أو لغيرهما لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم " نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها " (1) والحكم بعد الغاية يخالف الحكم قبلها * ثم عند الاطلاق
يجوز الابقاء إلى أوان الجذاذ للعرف وشرط التبعية تصريح بما هو من مقتضيات العقد وساعدنا
مالك وأحمد على ما ذكرناه وعند أبي حنيفة لا يجوز البيع بشرط الابقاء ويلزم القطع في الحال في صورة
الاطلاق ولا يجوز ان يبيع الثمار بعد بدو الصلاح مع ما يحدث بعدها خلافا لمالك (الحالة الثانية) إذا بيعت
60

قبل بدو صلاحها (فاما) أن تباع مفردة عن الأشجار أو معها (الحالة الأولى) أن تباع مفردة عن
الأشجار فالأشجار تصور على وجهين (أحدهما) أن تكون للبائع أو لغير المتعاقدين فلا يجوز
بيع الثمار مطلقا ولا بشرط الابقاء ويجوز بشرط القطع (أما) الجواز بشرط القطع فمجمع عليه واما انه
لا يجوز مطلقا وبشرط الابقاء فلما سبق من الخبر فان ظاهره يمنع من مطلق البيع خرج البيع
المشروط بالقطع بالاجماع فيعمل به فيما عداه والمعني الفارق بين ما بعد بدو الصلاح وقبله أن الثمار بعد
بدو الصلاح تأمن من العاهات والجوائح غالبا لكبرها وغلظ نواها وقبل بدو الصلاح تسرع إليها
61

العاهات لضعفها فإذا تلفت لم يبقى شئ في مقابلة الثمن وكان ذلك من قبل أكل المال بالباطل والى
هذا المعني أشار باللفظ المروى في الكتاب وهو أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من
العاهة * وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " أرأيت إذا منع الله الثمرة فبم يستحل أحدكم مال أخيه " (1) (فاما) إذا شرط القطع
فيتبين أن غرضه هو الحصرم والبلح وأنه حاصل هذا هو المعنى المشهور وحكى الامام مع ذلك معني
آخر عن بعض الأصحاب وهو أن الثمار قبل بدو الصلاح تكبر أجزاؤها كبرا ظاهرا وتلك الأجزاء
62

من أجزاء الشجرة بامتصاصها رطوباتها فيتعذر الابقاء لذلك كما يتعذر البيع بشرط أن يأكل العبد المبيع من
مال البائع وساعدنا مالك وأحمد على قولنا * وقال أبو حنيفة لا يصح البيع بشرط الابقاء ويصح مطلقا
ويؤمر بقطعه في الحال وهذا ذهاب إلى أن مقتضى الاطلاق القطع إذ به يحصل التسليم وعندنا مقتضى
الاطلاق الابقاء بناء على العادة العامة كما تنزل الدراهم المطلقة في العقد على النقد الغالب والإجارة المطلقة على المنازل
المعهودة في الطريق والتسليم يجب بحسب العادة ألا ترى أنه لو باع دارا فيها أمتعة كثيرة لا يلزمه نقلها في
جنح الليل ولا أن يجمع كل حمال في البلد لتعجيل التسليم ولكن ينقل على العادة ثم ههنا فروع
63

* (أحدها) * وقد ذكره في الكتاب لو كان في البلاد الشديدة البرد كروم لا تنتهي ثمارها
إلى الحلاوة واعتاد أهلها قطعها حصرما ففي بيعها وجهان (عن) القفال أنه يصح من غير شرط القطع
تنزيلا لعادتهم الخاصة منزل العادات العامة وقد ذكرنا أن العقد المطلق محمول على المعتاد فيكون
القطع المعهود كالمشروط وامتنع الأكثرون من ذلك ولم يروا تواطؤ قوم مخصوصين بمثابة العادات
العامة وهذا الخلاف يجرى فيما لو جرت عادة قوم بانتفاع المرتهن بالمرهون حتى تنزل عادتهم على
رأى منزلة شرط الانتفاع ويحكم بفساد الرهن وأشار امام الحرمين رحمه الله إلى تخريج ذلك على مسألة
64

السر والعلانية (الثاني) إذا باع بشرط القطع وجب الوفاء به ولو تراضيا على الترك فلا بأس وكان
بدو الصلاح ككبر العبد الصغير وعن أحمد أنه يبطل البيع وتعود الثمرة إلى البائع (الثالث) قال
في التتمة إنما يجوز البيع بشرط القطع إذا كان المقطوع منتفعا به كالحصرم واللوز ونحوهما (فاما)
ما لا منفعة فيه كالجوز والكمثرى فلا يجوز بيعه بشرط القطع أيضا (الوجه الثاني) أن تكون الأشجار
للمشترى مثل أن يبيع الشجرة من إنسان بعد ظهور الثمرة وتبقى الثمرة له على ما مر ثم يبيع الثمرة من
مالك الشجرة أو يوصي بالثمرة لانسان ثم يبيع الموصى له الثمرة من الوارث فهل يشترط شرط القطع
فيه وجهان (أصحهما) عند الجمهور نعم لشمول الخبر والمعني فان المبيع هو الثمرة ولو تلفت لم يبق في
65

مقابلة الثمر شئ ولكن يجوز له الابقاء ولا يلزمه الوفاء بالشرط ههنا إذ لا معني لتكليفه قطع ثماره
من أشجاره (والثاني) وهو الذي أورده في الكتاب أنه لا حاجة إلى شرط القطع لأنه يجمعها مالك
واحد فأشبه ما لو اشتراهما معا وسيأتي ذلك ولو باع الشجرة وعليها ثمرة مؤبرة فبقيت للبائع فلا حاجة إلى
شرط القطع لأن المبيع هو الشجرة وهي غير متعرضة للعاهات والثمار مملوكة له بحكم الدوام ولو كانت
الثمرة غير مؤبرة فاستثناها لنفسه فهل يجب شرط القطع فيه وجهان (أحدهما) نعم لان الثمار والحالة
هذه مندرجة لولا الاستثناء فكان كملك مبتدأ (وأصحهما) أنه لا يجب لأنه في الحقيقة استدامة ملك
66

فعلى هذا له الابقاء إلى وقت الجذاذ ولو صرح بشرط الابقاء جاز وعلى الأول لا يجوز (الحالة الثانية)
ان تباع الثمار مع الأشجار فيجوز من غير شرط القطع بل لا يجوز شرط القطع فيه اما انه يجوز من
غير شرط القطع فلما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (من باع نخلة بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع الا أن يشترط المبتاع
جواز شرط الثمرة للمبتاع مع الأصل مطلقا) والمعني فيه أن الثمرة ههنا تتبع الأصل والأصل غير متعرض
للعاهة وقد يحتمل في الشئ إذا كان تابعا ما لا يحتمل فيه إذا أفرد بالتصرف كالحمل في البطن واللبن
في الضرع (وأما) أنه لا يجوز شرط القطع فيه فلما فيه من الحجر عليه في ملكه * ثم نتكلم في عبارات
67

الكتاب (قوله) صح بكل حال معلم بالحاء لأنه يتناول البيع بشرط التبعية وقد سبق أن أبا حنيفة لا يجوزه
(وقوله) موجبا لاطلاق التبعية مستغني عنه لان في قوله وموجب اطلاقه استحقاق الابقاء إلى القطاف ما يغني
عنه ثم هو معلم بالحاء وكذا قوله بطل الا بشرط القطع لما مر (وقوله) لأنها تتعرض للعاهات فلا يوثق بالقدرة
على التسليم إلى القطاف أراد به ان تمام التسليم إنما يحصل بالقطاف وهو بعرض الجوائح والآفات قبل ذلك فالقدرة
على التسليم إذا غير موثوق بها لكن في كون الامر كذلك مزيد كلام ستعرفه في مسألة الجوائح وما بعدها وقوله
لفقد العلة المذكورة أراد به أن تمام التسليم ههنا يحصل بالتخلية ولا يتوقف على القطاف لكون الأصول
مملوكة له (وقوله) ففي الحاق العرف الخاص بالعام خلاف ليس فيه تصريح بحكم المسألة لكن فيه
68

إشارة إلى مأخذها معناه في الاستغناء عن شرط القطع خلاف وجه الاستغناء حمل المطلق على القطع المعهود
كما يحمل المطلق على الابقاء المعهود ذهابا إلى أن المعهود بالعرف الخاص كالمعهود بالعرف العام *
قال (ثم اتفقوا على أن (ح) وقت بدو الصلاح كاف كما في التأبير ولكن بشرط اتحاد الجنس وكذلك
ينبغي أن يتحد النوع والبستان والملك والصفقة فلو اختلف شئ من ذلك ففيه خلاف وصلاح الثمار
أن يطيب أكلها ويأخذ الناس في الاكل وذلك بظهور مبادئ الحلاوة) *
في الفصل قاعدتان لابد من معرفتهما في الباب (الأولى) لا يشترط للاستغناء عن شرط القطع بدو الصلاح
69

في كل عنقود بل إذا باع ثمار شجرة بدا الصلاح في بعضها صح من غير شرط القطع ولو باع ثمار
أشجار بدا الصلاح في بعضها نظر ان اختلف الجنس لم يعتبر بدو الصلاح في أحد الجنسين حكم الجنس
الآخر حتى لو باع الرطب والعنب صفقة واحدة ولم يبد الصلاح في أحدهما وجب شرط القطع فيه وان
اتحد الجنس فالنظر في اتحاد النوع واختلافه وبتقدير الاتحاد فالنظر في اتحاد البستان وتعدده وبتقدير
الاتحاد فالنظر في بيعها صفقة واحدة وأفراد ما لم يبدو الصلاح فيه بالبيع وحكم الأقسام على ما مر في
البابين بلا فرق حتى أن الأصح أنه لا يبيعه عند الافراد وأنه لا أثر لاختلاف النوع وأنه لا يتبع بستان
70

بستانا وبهذا قال أحمد وعن مالك أن البستان يتبع البستان إذا تجاورا وربما نقل عنه الضبط ببساتين البلدة
الواحدة هذه إحدى القاعدتين بقي قوله والملك (أعلم) أن المصنف رحمه الله حكي خلافا في اشتراط اتحاد الملك وربما
يشير إليه كلام الامام ولابد من البحث عن موضعه وكيفيته فنقول: إذا بدا الصلاح في ملك غيره ولم يبدو في
ملكه لم يخل (أما) أن يكونا في بستان واحد أو في بستانين (فان) كانا في بستان واحد وباع ملكه فقد
ذكرنا وجهين فيما لو كان الكل ملكه وأفرد ما لم يبدو فيه الصلاح بالبيع وهل يعطى له حكم ما بدا فيه الصلاح
حتى يستغنى فيه عن شرط القطع أم لا وهو المراد من الخلاف في اعتبار اتحاد الصفقة فان ثبت الخلاف
في اعتبار اتحاد الملك والحالة هذه فسبيله أن يقال (أحد) الوجهين أن الحكم كما لو كان ما بدا فيه الصلاح
71

ملكه فيطرد الوجهان (والثاني) القطع بالمنع وإن كانا في بستانين فقد نقل الامام القطع بأنه لا عبرة به ولا نظر
إلى بدو الصلاح في بستان غير البائع لكنا إذا لم نفرق فيما بدا فيه الصلاح من ذلك البستان ولم يدخل في البيع
بين أن يكون ملك البائع أو ملك غيره فقياسه ان لا يفرق فيما بدا فيه الصلاح في بستان آخر أيضا
إذا لم يشترط اتحاد البستان والله أعلم * ثم حيث ثبت الخلاف في اعتبار اتحاد الملك ههنا فهو جائز في
التأبير أيضا وان لم يجر ذكره ثم والظاهر أنه غير معتبر في الموضعين (والثانية) بدو الصلاح في الثمار بظهور
72

النضج ومبادئ الحلاوة وزوال العفوصة أو الحموضة المفرطين وذلك فيما لا يتلون بان يتموه ويتلبن وفيما يتلون
بأن يحمر أو يصفر أو يسود (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى تزهى قيل يا رسول الله وما تزهى قال تحمر أو
تصفر) (1) واعلم أن هذه الأوصاف وإن كان يعرف بها بدو الصلاح في الثمار لكنها ليست ولا واحد
منها بشرط في تفسير بدو الصلاح لان القثاء لا يفرض فيه نضج ولا حلاوة وليس فيه عفوصة ولا حموضة
حتى تزول بل يستطاب أكله في الصغر كما يستطاب في الكبر ولذلك قال في الكتاب بأن يطيب
73

أكلها ويأخذ الناس في الاكل فاعتبر مع طيب الاكل أخذ الناس فيه وذلك في القثاء بأن يكبر
بحيث يجتني في الغالب ويؤكل وفى الصغر (؟) تؤكل على سبيل الندور وأيضا فان بدو الصلاح في
الزرع يحصل عند اشتداد الحب ولا يفرض فيه عفوصة ولا حموضة ولا نضج وحلاوة على أن اعتبار
الاكل غير معتبر في تفسير مطلق بدو الصلاح أيضا لان صاحب التهذيب ذكر أن بيع
أوراق الفرصاد قبل تناهيها لا يجوز الا أن يشترط القطع وبعده يجوز مطلقا ويشترط القطع فجعل تناهي
الورق صلاحا له وانه غير مأكول * إذا تقرر ذلك فلو قال قائل بدو الصلاح في هذه الأشياء
74

صيرورتها إلى الصفة التي تطلب غالبا لكونها على تلك الصفة لكان قد ذكر عبارة
شاملة والله أعلم *
قال (وبيع البطيخ إن كان مع الأصول (و) يتقيد بشرط القطع قبل الصلاح الا إذا بيع مع الأرض
وبيع أصول البقل لا يتقيد به إذ لا يتعرض للآفة) *
بيع البطيخ قبل بدو صلاحه لا يجوز من غير شرط القطع وان بدا الصلاح في كله أو بعضه نظر إن كان
يخاف خروج غيره فلابد من شرط القطع أيضا لأنه إذا وجب شرطه خوفا من الجائحة التي الغالب
75

فيها العدم فلان يجب خوفا من الاختلاط الذي الغالب فيه الوجود كان أولى فان شرط القطع
ثم لم يتفق حتى خرج غيره واختلط المبيع بغير المبيع ففي انفساخ البيع قولان نذكرهما
في نظائرها * وإن كان لا يخاف خروج غيره جاز بيعه من غير شرط القطع هذا إذا أفرد البطيخ
بالبيع ووراءه حالتان (إحداهما) لو أفرد أصوله بالبيع ذكر العراقيون وغيرهم انه يجوز ولا حاجة
إلى شرط القطع إذا لم يخف الاختلاط كبيع الزرع الذي اشتد حبه ثم الحمل الموجود يبقى للبائع
وما يحدث بعده يكون للمشترى وان خيف اختلاط الحملين فلابد من شرط القطع فان شرط
76

ولم يتفق القطع حتى وقع الاختلاط ففيه طريقان سنذكرهما في نظيرهما * ولو باع الأصول قبل خروج
الحمل فلابد من شرط القطع أو القلع كالزرع الأخضر وإذا اشترط ثم اتفق بقاؤه حتى خرج الحمل فهو
للمشترى (الثانية) لو باع البطيخ من أصوله فجواب الامام وصاحب الكتاب انه لابد من شرط
القطع بخلاف ما إذا باع الثمرة مع الشجرة لان الشجرة غير متعرضة للجائحة والبطاطيخ مع أصولها
متعرضة لها فلو باعها مع الأرض استغني عن شرط القطع وكان الأرض ههنا كالأشجار ثم * وقضية
77

ما نقلناه في بيع الأصول وحدها إذا لم يخف الاختلاط انه لا حاجة إلى شرط القطع فليعلم قوله يتقيد
بشرط القطع بالواو لذلك وقوله وبيع أصول البقل إلى آخره منازع فيه أيضا وسأذكره في الفصل التالي
لهذا والباذنجان وشجره كالبطيخ في الأحوال الثلاث *
(فرع) لابن الحداد رحمه الله * لو باع نصف الثمار على رؤس الأشجار مشاعا قبل بدو الصلاح لم يصح وعللوه
بان البيع والحالة هذه يفتقر إلى شرط القطع ولا يمكن قطع النصف الا بقطع الكل فتضرر البائع
بنقصان غير المبيع أشبه ما إذا باع نصفا معينا من سيف وما ذكروه من أن قطع النصف لا يمكن الا
78

بقطع الكل إنما يستمر بتقدير دوام الإشاعة وامتناع القسمة أما إذا جوزنا قسمة الثمار في حال الرطوبة
بناء على أنها افراز فيمكن قطع النصف من غير قطع الكل بأن يقسم أولا فليكن منع البيع مبنيا
على القول بامتناع القسمة لا مطلقا وعلى هذا يدل كلام ابن الحداد * قال القاضي أبو الطيب وهو الصحيح *
ولو باع نصفها مع نصف النخل صح وكانت الثمار تابعة * ولو كانت الشجرة لواحد والثمرة لآخر فباع
صاحب الثمرة نصفها من صاحب الثمرة فوجهان بناء على الخلاف في اشتراط القطع ههنا ولو كانت
الثمار والأشجار مشتركة بين رجلين فاشترى أحدهما نصيب صاحبه من الثمرة لم يجز ولو اشترى
79

نصيب صاحبه من الثمرة بنصيبه من الشجرة لم يجز مطلقا ويجوز بشرط القطع لان جملة الثمار تصير
لمشتري الثمرة وجملة الأشجار للآخر وعلى مشترى الثمرة قطع الكل لأنه بهذه المعاملة التزم قطع
النصف المشترى بالشرط والتزم تفريغ الأشجار لصاحبه وبيع الشجرة على أن يفرغها للمشترى جائز
وكذا لو كانت الأشجار لأحدهما والثمرة بينهما فاشترى صاحب الشجرة نصيب صاحبه من الثمرة
بنصف الشجرة على شرط القطع جاز *
قال (ولابد من الاحتياط في أمرين (أحدهما) أن تكون الثمار بادية الا على قول تجويز بيع الغائب
80

أو فيما صلاحه في ابقائه في الكمام كالرمان * وفى استتار الحنطة بالسنبلة والارزة بالقشرة والباقلاء
والجوز بالقشرة العليا خلاف (م ح) منشؤه أن الصلاح هل يتعلق ببقائه فيها) *
لا يجوز بيع الزرع الأخضر الا بشرط القطع لما سبق في الثمار فان باعه مع الأرض جاز تبعا وكذلك لا يجوز
بيع البقول في الأرض دون الأرض الا بشرط القطع أو القلع سواء كان مما يجز مرارا أو لا يجز الا مرة واحدة
هكذا أورده صاحب التهذيب وغيره وهو خلاف قوله في الكتاب (وبيع أصول البقل لا يتقيد به)
فاعلمه وأعلمه * ولو باع الزرع بعد اشتداد الحب فهو كما لو باع الثمار بعد بدو الصلاح فلا حاجة إلى شرط
القطع ولكن يشترط ظهور المقصود فلو باع ثمرة لا كمام لها كالتين والعنب والكمثرى جاز سواء
81

باعها على الشجرة أو على وجه الأرض ولو باع الشعير أو السلت مع السنابل جاز بعد الحصاد وقبله لان
الحبات ظاهرة في السنبلة ولو كان للثمرة أو الحب كمام لا يزال الا عند الاكل كالرمان والعلس
فكمثل ما له كمامان يزال أحدهما ويبقى الآخر إلى وقت الاكل كالجوز واللوز والرانج يجوز بيعه
في القشرة السفلى ولا يجوز في العليا لا على رأس الشجر ولا على وجه الأرض لتستر المقصود بما
ليس من صلاحه وفيه قول أنه يجوز ما دام رطبا في القشرة العليا وبه قال ابن القاص والاصطخري
لتعلق الصلاح به من حيث إنه يصون القشرة السفلى ويحفظ رطوبة اللب وبيع
82

الباقلا في القشرة العليا على هذا الخلاف وادعي الامام أن الأظهر فيه الصحة لان الشافعي رضي الله عنه
أمر بعض أعوانه بان يشتري له الباقلا الرطب * وما لا يرى حباته في السنبلة كالحنطة والعدس
والسمسم لا يجوز بيعه في السنبلة دون السنبلة ومعها قولان والقديم) الجواز لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن
بيع الحب حتى يشتد) (1) وقد اشتد (الجديد) المنع لتستر المقصود بما لا يتعلق به الصلاح كبيع تراب
الصاغة والكدس بعد الدياسة وقبل التنقية والأرز كالشعير يباع في السنابل لأنه يدخر في قشره وبهذا
قال ابن القاص وأبو علي الطبري ومنهم من قال هو كالحنطة * ولا يجوز بيع الجزر والثوم والبصل
83

والفجل والسلق في الأرض لتستر المقصود ويجوز بيع أوراقها الظاهرة بشرط القطع وبيع القنبيط في
الأرض لظهوره وكذا نوع من السلجم يكون ظاهرا ويجوز بيع اللوز في القشرة العليا قبل انعقاد
السفلى لأنه مأكول كله كالتفاح وهل القول بالمنع في صور الفصل مقطوع به أم هو مفرع على
قول منع بيع الغائب * ذكر الامام أنه مفرع عليه أما إذا جوزنا بيع الغائب صح البيع فيها جميعا و
على هذا جرى في الكتاب حيث قال الا على قول تجويز بيع الغائب وفى التهذيب أن المنع في بيع الجزر
وما معناه في الأرض ليس مبنيا على بيع الغائب لأنه في بيع الغائب يمكن رد المبيع بعد رؤيته في
84

بصفته وهاهنا لا يمكن وعند أبي حنيفة ومالك واحمد يصح البيع في جميع صورة الفصل * وإذا قلنا
بالمنع فلو باع الجوز مثلا في القشرة العليا مع الشجرة أو باع الحنطة في سنبلها مع الأرض فطريقان
(أحدهما) ان البيع باطل في الجوز والحب وفى الشجرة والأرض قولا تفريق الصفقة (وأصحهما) القطع
بالمنع في الكل للجهل بأحد المقصودين وتعذر التوزيع * ولو باع أرضا مبذورة مع البذر فقد قيل
يصح البيع في البذر تبعا للأرض والمذهب بطلان البيع فيه ثم في الأرض الطريقان ومن قال
بالصحة في الأرض لا يذهب إلى التوزيع بل يوجب جميع الثمن بناء على أحد القولين فيما لو باع ماله
85

ومال غيره وصححنا البيع في ماله وخيرناه فإنه إذا أجاز يجيز بجميع الثمن والله أعلم *
قال (الثاني ان يحذر من الربا فلو باع الحنطة في سنبلها بحنطة فهي المحاقلة (م) المنهى
عنها وهي ربا إذ لا يمكن الكيل في السنابل * وكذا لو باع الرطب بالتمر أيضا فهي المزابنة
المنهى عنها (م))
86

نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن المحاقلة والمزابنة) (1) فالمحاقلة هي بيع الحنطة في سنبلها بالحنطة
الصافية على وجه الأرض والمزابنة هي بيع الرطب على رأس النخل بالتمر على وجه الأرض روى عن
جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن المحاقلة والمزابنة) (2) فالمحاقلة أن يبيع
الرجل
الزرع بمائه فرق من الحنطة والمزابنة أن يبيع التمر على رؤس النخل بما به فرق من تمر فهدا التفسيران
87

كان من النبي صلى الله عليه وسلم فذاك وإن كان من الراوي فهو أعرف بتفسير ما رواه والمحاقلة مأخوذة من
الحقل وهي الساحة التي تزرع سميت محاقلة لتعلقها بزرع في حقل والمزابنة مأخوذة من الزبن وهو
الدفع سميت بذلك لأنها مبنية على التخمين والغبن فيها مما يكثر فيريد المغبون دفعه والغابن أمضاه
فيتدافعان والمعني أن كل واحد يبيع مال الربا بجنسه من غير تحقيق المساواة في المعيار الشرعي لان
المعيار فيهما الكيل ولا يمكن كيل الحنطة في السنابل ولا كيل الرطب على رؤس النخل والتخمين
بالخرص لا يغني كما لو كان كل واحد منهما على وجه الأرض وفى المحاقلة شيئان آخران
88

(أحدهما) أنه يبيع الحنطة والتبن بالحنطة (والثاني) أن المقصود مستتر بما ليس من صلاحه ولو باع
الشعير في سنبله بالحنطة على وجه الأرض أو الرطب على رأس النخل بجنس آخر من الثمار على الشجر
أو على وجه الأرض فلا بأس لكن يتقابضان بالتسليم فيما على وجه الأرض وبالتخلية فيما على الشجر
ولو باع الزرع قبل ظهور الحب بالحب فلا بأس أيضا لان الحشيش غير مطعوم ويجوز أن يعلم قوله فهي
المحاقلة وقوله فهي المزابنة - بالميم - لان عن مالك أن المحاقلة هي اكتراء الأرض ببعض ما يخرج منها
89

من الثلث أو الربع أو غيرهما والمزابنة هي ضمان الصبرة بقدر معلوم بأن يقول أضمن
لك صبرتك بكذا صاعا ان زاد فلي وان نقص فعلي ويستثنى عن المزاينة ما نذكره
على الأثر *
قال (ولا خبر في التخمين بالخرص الا فيما دون خمسة أوسق (ح) إذا باعها خرصا بما تعود
إليه على تقدير الجفاف وهي العرايا (م ح) التي أرخص فيها * والأظهر الجواز في قدر خمسة أوسق *
90

وميل المزني رحمه الله تعالى إلى تخصيص الجواز بما دون خمسة أوسق لتردد الراوي فيه * فلو زاد على
خمسة أوسق في صفقات جاز (ح) وكذا إذا تعدد المشترى واتحد البائع * ولو اتحد المشترى وتعدد
البائع ففيه خلاف * ووجه الفرق النظر إلى جانب من حصل الرطب في ملكه لان الرطب محل
الخرص الذي هو خلاف القياس * هذا في الرطب بالتمر * فأما في الرطب بالرطب ففيه خلاف
وكذا في غير المحاويج إذا تعاطوا (ح) العرايا) *
عن جابر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة وهي بيع التمر بالتمر
91

الا أنه رخص في العرية) (1) بيع العرايا جائز وهو أن يبيع رطب نخلة أو نخلتين باعتبار الخرص
بقدر كيله من التمر سميت عرية لأنه عرى أي أفرد نخلة أو نخلتين ببيع رطبها وذهب مالك
وأبو حنيفة إلى أن العرية أن يفرد نخلة أو نخلتين فيهب ثمرتها لرجل حتى تجتني كل يوم ثم تنثرم
بدخوله حائطه فعند مالك يشتريها منه بخرصها تمرا ولا يجوز ذلك لغير رب البستان وعند
أبي حنيفة له أن يستردها منه وله أن يعطيه بخرصها تمرا وساعدنا أحمد على تفسير العرية الا أن
عنه رواية أن الرطب يباع بمثله تمرا * لنا ما روى عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه (أن
92

رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر الا أنه رخص في العرية أن تباع بخرصها تمرا
يأكلها أهلها رطبا) (1) ولا يجوز العرايا من غير خرص وسبيل الخرص ما ذكرناه في الزكاة
ويجب التقابض في المجلس بتسليم التمر إلى البائع بالكيل وتخلية البائع بينه وبين النخلة وإن كان
التمر غائبا عنهما أو كانا غائبين عن النخل فأحضراه أو حضر عندها جاز ثم إن لم يظهر تفاوت
بين التمر المجعول عوضا وبين ما في الرطب من التمر بأن أكل الرطب في الحال فذاك وان ظهر
تفاوت نظر إن كان قدر ما يقع بين الكيلين لم يضر وإن كان أكثر فالعقد باطل وفيه وجه
93

أنه يصح في الكثير بقدر القليل والمشترى الكثير الخيار إذا لم يسلم له الجميع ويجوز بيع العرايا
في العنب كما يجوز في الرطب وفى سائر الثمار قولان (أصحهما) المنع لأنها متفرقة مستورة بالأوراق
فلا يتأتى الخرص فيها وثمرة النخيل والكروم متدلية ظاهرة ثم في الفصل ثلاث مسائل (إحداها) في
القدر الذي يجوز فيه بيع العرايا ويجوز بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق من التمر ولا يجوز فيما زاد
عليها وفى الخمسة قولان (أحدهما) وهو منقول المزني انه يجوز لاطلاق خبر سهل بن أبي حثمة
رضي الله عنه (والثاني) وهو مختار المزني المنع لان النهى عن المزابنة معلوم محقق والرخصة
94

في قدر الخمسة مشكوك فيه وذلك لان الشافعي رضي الله عنه روى عن مالك عن داود بن الحصين
عن أبي سفيان مولى بن أبي أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص
في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق الشك من داود) (1) فيستصحب المعلوم المحقق والقول
الأول أظهر عند صاحب الكتاب والثاني أظهر عند صاحب التهذيب والقاضي الروياني وغيرهما
وهو مذهب أحمد والقدر الذي يمنع من بيع العرايا فيه إنما يمنع في الصفقة الواحدة (أما) لو باع
قدرا كبيرا في صفقات فلا منع وكذا لو باع صفقة واحدة من رجلين ما يخص كل واحد منهما
95

القدر الجائز خلافا لأحمد في المسألتين ولو باع رجلان من واحد فوجهان (أصحهما) ان الحكم
كما لو باع واحد من رجلين لان تعدد الصفقة بتعدد البائع أظهر من تعددها بتعدد المشترى كما
ذكرنا في الرد بالعيب (والثاني) وبه قال صاحب التلخيص لا يجوز الزيادة على خمسة أوسق
نظرا إلى مشترى الرطب لأنه محل الخرص الذي هو خلاف قياس الربويات فلا ينبغي أن يدخل
في ملكه أكثر من القدر المحتمل دفعة واحدة ولو باع رجلان من رجلين صفقة واحدة لم يجز
في أكثر من عشرة أوسق ويجوز فيما دونها وفى العشرة قولان (الثانية) جميع ما ذكرناه في بيع
96

الرطب بالتمر أما لو باع الرطب على النخل بالرطب على النخيل خرصا فيهما أو بالرطب على وجه الأرض
كيلا فيه ففي جوازه أوجه (أصحها) وبه قال الإصطخري لا يجوز لان الرخصة إنما تثبت للحاجة
إلى تحصيل الرطب ومالك الرطب مستغني عنه أو حاجته إليه أدنى فلا يلحق بصورة الرخصة (والثاني)
وبه قال ابن خيران انه يجوز لأنه ربما يشتهى ما عند غيره (والثالث) انه ان اختلف النوعان جاز
والا فلا ويحكي هذا عن أبي إسحاق وحكي الشيخ أبو حامد وآخرون عنه تخصيص هذا التفصيل
بما إذا كان على النخيل والمنع فيما إذا كان أحدهما على وجه الأرض والفرق أنه قد يزيد النوع الذي
97

عند صاحبه ويريد أن يأكله رطبا على التدريج وما على وجه الأرض لا يمكن أن يؤكل رطبا على التدريج لأنه
يفسد أو يجف ولو باع الرطب على وجه الأرض بالرطب على وجه الأرض لم يجز لأنه ليس في معنى صورة الرخصة
من حيث أن أحد المعاني فيها أن يأكله طريا على التدريج وهذا لا يتحقق فيما على وجه الأرض. وذكر القفال
في شرح التلخيص انه على الخلاف لأنه إذا جاز البيع وأحدهما أو كلاهما على رأس النخل خرصا واحتملت
الجهالة فلان يجوز مع تحقق الكيل في الجانبين كان أولى (الثالثة) فيمن يجوز له بيع العرايا ويجوز ذلك
لمحاويج الناس وفى أغنيائهم قولان (أصحهما) الجواز لاطلاق الألفاظ التي رويناها (والثاني) لا يجوز ذكره
98

في اختلاف الحديث وبه قال احمد والمزني لما روى عن زيد ابن ثابت رضي الله عنه (انه سمى رجالا
محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون
به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضول قوتهم من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من
التمر (1) ومن قال بالأول قال هذه حكمة شرعية ثم قال يعم الحكم كما في الرمل والاضطباع في
الطواف ونظائرهما ومنهم من بنى الحلاف في هذه المسائل على أن الخرص أصل بنفسه يقام مقام
الكيل أو ليس كذلك ويتبع مورد النص والله أعلم *
99

قال * (وإذا اجتاحت الآفة الثمار قبل القطاف وبعد التخلية فهي من ضمان البائع على أحد
القولين * وميل الجديد إلى أنه ليس من ضمانه (م) * وما فات بآفة السرقة ليس من ضمانه على
الأصح * ويجب على البائع أن يسقى الأشجار لتربية الثمار فان ترك السقي ففسدت الثمار فهي من ضمانه *
فإن لم تفسد بل فاتت ففي انفساح العقد خلاف * كما في موت العبد المقبوض بمرض تقدم على القبض) *
الكلام من هذا الموضع إلى رأس النظر الخامس في أحكام الثمار المبيعة على رأس الأشجار
وما يعرض لها ضمن العوارض الجوائح كالحر والبرد والجراد والحريق ونحوها وقد قدم امام الحرمين
100

على بيان حكمها أصلين لا غنى عن معرفتهما وينفعان في أثناء المسألة (أحدهما) انه إذا باع الثمار بعد
بدو الصلاح يلزمه سقى الأشجار قبل التخلية وبعدها قدر ما ينمو به الثمار ويسلم عن التلف
والفساد * واحتج له بأن التسليم وأحب عليه والسقي من تتمة التسليم كالكيل في المكيلات
والوزن في الموزونات فيكون على البائع فلو شرط كونه على المشترى بطل العقد لأنه على خلاف
قضيته (والثاني) ان المشتري يتسلط على التصرف في الثمار بعد جريان التخلية من كل وجه
إذا تقرر ذلك فللجوائح حالتان (أحدهما) أن تعرض قبل التخلية فهي من ضمان البائع فان تلف
101

جميع الثمار انفسخ العقد ولو تلف بعضها انفسخ فيه وفي الباقي قولا التفريق (والثانية) أن تعرض
بعد التخلية فينظران باعها بعد بدو الصلاح ففيه طرق وأحدها فيه قولين (أحدهما) ان الجوائح
من ضمان البائع وبه قال أحمد لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر بوضع الجوائح) (1) (وأصحهما)
وهو الجديد وبه قال أبو حنيفة انها من ضمان المشترى لان القبض حصل بالتخلية فصار كما لو هلك
بعد القطاف والخبر محمول على الاستحباب ويشعر به ما روي (أن رجلا ابتاع ثمرة فأذهبتها الجائحة
102

فسأله أن يضع عنه فأبى أن لا يفعل فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يأبى أن
لا يفعل خيرا فأخبر البائع بما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمح به للمبتاع) (1) وتأيد القول
الأول بالأصل الأول والثاني بالثاني ولا فرق على القولين بين ان يقل أو يكثر وقال مالك يوضع الثلث
فصاعدا ولا يوضع ما دونه. وان باع الثمار قبل بدو الصلاح بشرط القطع ولم يقطعها حتى أضاعتها
الجائحة ففيه ثلاثة طرق (أظهرها) انه على القولين (والثاني) انها من ضمان المشترى قولا واحدا لتفريطه
103

بترك القطع وأيضا فلانه لا علقة بينهما إذ لا يجب السقي على البائع والحالة هذه ويحكى هذا عن القفال
(والثالث) انها من ضمان البائع قولا واحدا لأنه إذا شرط القطع كان القبض فيه بالقطع والنقل ويتفرع
على كونها من ضمان البائع أمور (الأول) أن المحكوم بكونه من ضمان البائع ما تلف قبل أوان الجذاذ
أما ما تلف بعد أوان الجذاذ وامكان النقل ففيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) انها من ضمان المشترى لتقصيره
بالترك (والثاني) من ضمان البائع أيضا لان التسليم لا يتم ما دامت الثمار متصلة بملك البائع ويشبه
104

أن يكون الأول أرجح * قال الامام وموضع الخلاف ما إذا لم يكن التأخير بحيث يعد
تقصيرا وتضييعا كاليوم واليومين فإن كان كذلك فلا مساغ للخلاف (الثاني) لو تلف بعض
الثمار فالحكم على هذا القول كما لو تلف قبل التخلية ولو عابت الثمار بالجوائح ولم تتلف ثبت
الخيار على هذا القول كما لو عابت قبل التخلية وعلى الجديد لا يثبت (الثالث) لو ضاعت الثمار بغصب
أو سرقة فوجهان (أحدهما) انها من ضمان البائع أيضا بناء على أن التسليم لا يتم الا بالتخلية (والثاني)
105

انها من ضمان المشترى لتمكنه من الاحتراز عنه بنصب الحافظين وأيضا فان الرجوع على الجاني
بالضمان متيسر وهذا أصح عند صاحب الكتاب والأكثرين فمن يقول به يقطع بأن
المغصوب والمسروق من ضمان المشترى والقائل الأول يجعلهما على القولين وهو ما أورده العراقيون
واعلم أن ما ذكرناه من القولين في الآفات السماوية التي لا نسبة لها إلى البائع بحال فأما إذا ترك السقي
وعرضت في الثمار آفة بسبب العطش فنتكلم أولا فيما إذا تلفت به ثم فيما إذا تعيبت وإن كان ترتيب
106

الكتاب عكسه (أما) إذا تلفت ففيه طريقان (أحدهما) ان في انفساخ البيع قولين أيضا يحكي
هذا عن أبي علي الطبري (وأصحهما) القطع بالانفساخ لاستناد هذه الآفة إلى ترك السقي المستحق
بالعقد قبل التخلية وما يستند إلى سبب سابق على القبض قد ينزل منزلة ما لو سبق بنفسه كما ذكرنا
في القتل بالردة السابقة والقطع بالسرقة السابقة وموت العبد من المرض المتقدم على القبض (فان قلنا)
بعدم الانفساخ فعلى البائع الضمان من القيمة والمثل وإنما يجب ضمان ما تلف ولا ينظر إلى ما كان
ينتهى إليه لولا العارض (وأما) إذا فسدت بالتعيب فللمشتري الخيار وان جعلنا الجوائح من ضمانه قال
107

الامام لان الشرع الزم البائع بتنمية الثمار بالسقي فالتعيب الحادث بترك السقي كالعيب المتقدم
على القبض ولو أفضي التعيب إلى التلف نظران لم يشعر به المشتري حتى تلف عاد الخلاف في
الانفساخ ولزم الضمان على البائع ان قلنا بعدم الانفساخ ولا خيار بعد التلف هكذا ذكره الامام وان
شعر به ولم يفسخ حتى تلفت فيغرم البائع في وجه لعدوانه ولا يغرم في آخر لتقصير المشترى بترك
الفسخ مع القدرة عليه *
(فرع) لو باع الثمار مع الأشجار فتلفت الثمار بجائحة قبل التخلية بطل العقد فيها وفى
108

الأشجار قولان وان تلفت بعد التخلية فهي من ضمان المشترى قولا واحدا لان العلائق منقطعة
ههنا والثمرة متصلة بملك المشتري *
(فرع) لو اشترى طعاما مكايلة وقبضه جزافا فهلك في يده ففي انفساخ العقد وجهان لبقا علقة الكيل بينهما *
قال (وان باع القثاء أو ما يغلب عليه التلاحق وعسر التسليم بطل على الأصح * فإن كان
نادرا واتفق ذلك قبل القبض انفسخ العقد على قول * ولعل الأظهر أنه لا ينفسخ * ولكن للمشترى
الخيار (و) إن لم يهب البائع ما تجدد منه * فان وهب سقط خياره * وإن كان ذلك بعد التخلية
فان قلنا إن الجوائح من ضمانه فهو كما قبل التخلية) *
109

ومن العوارض اختلاط الثمار المبيعة بغيرها لتلاحقها (أما) الاختلاط الذي يبقى معه التمييز فلا
اعتبار به (وأما) غيره فإذا باع الثمرة بعد بدو الصلاح والشجر يثمر في السنة مرتين فينظر إن كان
ذلك مما يغلب التلاحق فيه وعلم أن الحمل الثاني يختلط بالأول كالتين والبطيخ والقثاء والباذنجان لم
يصح البيع الا بشرط ان يقطع المشترى ثمرته عند خوف الاختلاط وفيه قول أو وجه أنه موقوف
ان سمح البائع بما حدث تبين انعقاد البيع وإلا تبين انه لم ينعقد من أصله والأصح الأول لما مر في
بيع البطيخ ثم إذا شرط القطع ولم يتفق حتى حصل التلاحق والاختلاط فالحكم كما لو اتفق
110

التلاحق فيما يندر فيه التلاحق فإن كان مما يندر فيه التلاحق وعلم عدم الاختلاط أو لم
يعلم أنه كيف يكون الحال فيصح البيع مطلقا وبشرط القطع والتبقية وان حصل الاختلاط فله حالتان
(إحداهما) أن يحصل قبل التخلية فقولان (أحدهما) أنه ينفسخ البيع لتعذر تسليم المبيع قبل
القبض (وأظهرهما) على ما رآه المصنف وهو اختيار المزني أنه لا ينفسخ لبقاء عين المبيع وامكان
امضاء البيع فعلى هذا يثبت للمشترى الخيار لأنه أعظم من إباق العبد المبيع وعن صاحب التقريب
حكاية قول أنه لا خيار أيضا وان الاختلاط قبل القبض كالاختلاط بعده والمذهب الأول ثم إن
111

قال البائع اسمح بترك الثمرة الجديدة للمشترى ففي سقوط خياره وجهان (أحدهما) لا يسقط لما في
قوله من المنة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يسقط كما سبق في الاعراض عن نعل الدابة
المردودة بالعيب ولو باع الثمرة قبل بدو الصلاح بشرط القطع ثم لم يتفق القطع حتى حصل
الاختلاط جرى القولان في الانفساخ وهما جاريان فيما إذا باع حنطة فانهال عليها مثلها قبل القبض
وكذا في المائعات ولو اختلط الثوب بأمثاله أو الشاة المبيعة بأمثالها فقد قال في التتمة المذهب ههنا
112

انفساخ البيع لأنه يورث الاشتباه وأنه مانع من صحة البيع لو فرض في الابتداء وفي الحنطة غاية ما يلزم
الإشاعة وأنها غير مانعة وفيه وجه أنه لا ينفسخ لامكان تسليمه بتسليم الكل ولو باع جرة من القث
بشرط القطع ولم يقطعها حتى طالت وتعذر التمييز جرى القولان ومنهم من قطع بعدم الانفساخ ههنا
تشبيها لطولها بكبر الثمرة والشجرة وسمن الحيوان وهو ضعيف لان البائع يجبر على تسليم الأشياء
المذكورة بزيادتها وههنا لا يجبر على تسليم ما زاد (والثانية) أن يحصل بعد التخلية ففيه طريقان
(أحدهما) وبه قال المزني القطع بعدم الانفساخ كما لو كان المبيع حنطة فانهالت عليها حنطة أخرى
113

بعد القبض (والثاني) أنه على القولين في الحالة الأولى بخلاف مسألة الحنطة لان هناك قد تم التسليم
وانقطعت العلائق بينهما وفى الثمار لم تنقطع العلائق لان البائع يدخل الحائط للسقي وتعهد النخيل
وغير ذلك ويمكن بناء الطريقين على ما ذكره الامام وصاحب الكتاب وهو أن حكم المسألة مأخوذ
من الخلاف في الجوائح ان جعلناها من ضمان المشترى أجبنا بالطريقة الأولى وان جعلناها من ضمان
البائع أجبنا بالثانية الا أن قضية هذا البناء أن يكون القطع بعدم الانفساخ أظهر وعامة الأصحاب
على ترجيح طريقة القولين وإذا قلنا بعدم الانفساخ فان تصالحا وتوافقا على شئ فذاك والا فالقول قول
114

صاحب اليد في قدر حق الآخر ومن صاحب اليد في صورة الثمار فيه وجهان بناء على أن الجوائح
من ضمان البائع والمشترى ووجه ثالث وهو أنها في يدهما جميعا وفى صورة الحنطة صاحب اليد هو
المشتري فالقول قوله في قدر حق البائع فإن كان المشتري قد أودعه الحنطة بعد القبض ثم حصل
الاختلاط فالقول قول البائع في قدر حق المشترى والله أعلم * وإذا تأملت ما ذكرناه علمت قوله في
الكتاب انفسخ البيع بالزاي وقوله للمشترى الخيار بالواو وكذا قوله سقط خياره ثم ههنا مسألة
أخرى لابد من ذكرها وهي أن يبيع شجرة عليها ثمرة تبقى للبائع وهي مما يثمر في السنة
115

مرتين ويغلب عليها التلاحق فلا يصح البيع الا بشرط ان يقطع البائع ثمرته عند خوف الاختلاط
ويجئ فيه الخلاف المذكور فيما إذا كان المبيع الثمرة ثم إذا تبايعا بهذا الشرط ولم يتفق القطع حتى
حصل الاختلاط أو كانت الشجرة مما يندر فيها التلاحق أو الاختلاط فاتفق ذلك نقل المزني قولين
في الانفساخ وللأصحاب طريقان (فعن) أبي علي ابن خيران والطبري القطع بعدم الانفساخ وتخطئة المزني
فيما نقل لان الاختلاط وتعذر التسليم لم يوجد في المبيع بخلاف ما إذا كان المبيع الثمار وأثبت الأكثرون
القولين ونقلوهما عن نصه في الام وقالوا الاختلاط وان لم يوجد في المبيع لكنه وجد في المقصود
116

بالعقد وهو الثمرة الحادثة فإنها مقصود المشترى من الشراء فجاز أن يجعل كالمبيع فان قلنا بعدم الانفساخ
نظران سمح البائع بترك الثمرة القديمة أجبر المشترى على القبول وان رضى المشترى بترك الثمرة
الحادثة أجبر البائع على القبول وأقر العقد ويشبه أن يجئ في الاجبار على القبول خلاف وان استمرا
على النزاع فالمثبتون للقولين قالوا انفسخ العقد بينهما كما لو كان المبيع الثمرة والقاطعون قالوا لا فسخ بل
إن كانت الثمرة والشجرة في يد البائع فالقول قوله في قدر ما يستحقه المشترى مع يمينه وإن كانتا في يد
المشترى فالقول قوله في قدر ما يستحقه البائع قال صاحب التهذيب وهذا هو القياس لان الفسخ
117

لا يفيد رفع النزاع لبقاء الثمرة الحادثة للمشترى وان قلنا بالانفساخ استرد المشترى الثمن ورد الشجرة
مع جميع الثمار ذكره صاحب التتمة *
قال (النظر الخامس من كتاب البيع)
* (في مداينة العبيد والتحالف وفيه بابان)
الأول (في معاملة العبيد والنظر في المأذون له في التجارة وغيره أما المأذون فالنظر فيما يجوز له
118

وفى العهدة وفيما يقضى منه ديونه (أما) ما يجوز له فكل ما يندرج تحت اسم التجارة أو كان من
لوازمه فلا ينكح ولا يؤاجر (ح) نفسه ولا يتعدى (ح) النوع الذي رسم له الاتجار فيه * ولا يأذن
(ح) لعبيده في التجارة الا بتوكيل معين * ولا يتخذ (ح) الدعوة للمجهزين * ولا يعامل سيده
(ح) ولا يتصرف (ح) فيما اكتسب باحتطاب واصطياد واتهاب ثم لا ينعزل (ح) بالإباق *
ولا يستفيد (ح) الاذن بالسكوت وإذا ركبته الديون لم يزل (ح) ملك سيده عما في يده ويقبل
اقراره (ح) بالدين لأبيه وابنه) *
119

أوضحنا في أول كتاب البيع أن كلام هذا النظر في مداينة العبيد واختلاف المتبايعين وفيهما
بابان (الأول) في مداينتهم والمراد من المداينة الاستقراض والشراء بالتسمية وليس الباب مقصورا على
بيان ذلك بل هو واف بأحكام سائر معاملاتهم لكنهم تبركوا بترجمة الشافعي رضي الله عنه والعبد
إما مأذون في التجارة أو غيره * القسم الأول المأذون في التجارة والكلام فيه يقع في ثلاثة
أمور (أحدها) فيما يجوز له من التصرفات وما لا يجوز (وثانيها) في أن الطلب في الديون الواجبة
بمعاملاته على من تتوجه (وثالثها) في أنها من أين تؤدي (أما الأول) فاعلم أنه يجوز للسيد أن يأذن لعبده
في التجارة وفى سائر التصرفات كالبيع والشراء اجماعا ولأنه صحيح العبارة ومنعه من التصرف لحق
120

السيد فإذا أمره به فقد ارتفع المانع ويستفيد المأذون في التجارة بهذا الاذن كل ما يندرج تحت اسم
التجارة أو كان من لوازمها وتوابعها كالنشر والطي وحمل المتاع إلى الحانوت والرد بالعيب والمخاصمة في
العهدة ونحوها ولا يستفيد به غير ذلك وهذا القول الجملي تفصله صور (منها) ليس للمأذون في
التجارة أن ينكح كما أنه ليس للمأذون في النكاح أن يتجر لان كل واحد منهما غير متناول باسم
الآخر (ومنها) ليس له أن يؤاجر نفسه لأنه لا يملك التصرف في رقبته فكذلك في منفعته وعن الحليمي
حكاية وجه أنه يملك ذلك وهو قول أبي حنيفة وهل له ايجار أموال التجارة كالعبيد والدواب فيه
121

وجهان (أحدهما) لا كما لا يؤاجر نفسه (وأصحهما) نعم لان التجار قد يعتادون ذلك ولان المنفعة
من فوائد المال فيملك العقد عليها كالصوف واللبن (ومنها) لو أذن له السيد في التجارة في نوع من المال
لا يصير مأذونا في سائر الأنواع وكذا لو أذن في التجارة شهرا أو سنة لم يكن مأذونا بعد تلك المدة
خلافا لأبي حنيفة فيهما وسلم انه لو دفع إليه ألفا ليشترى به شيئا لا يصير مأذونا في التجارة ولو دفع إليه ألفا
وقال اتجر فيه فله أن يشترى بعين ما دفع إليه وبقدره في ذمته ولا يزيد عليه ولو قال اجعله
رأس مالك وتصرف واتجر فله أن يشترى بأكثر من القدر المدفوع إليه (ومنها) ليس للمأذون في
122

التجارة أن يأذن لعبده في التجارة خلافا لأبي حنيفة ولو أذن له السيد في ذلك ففعل جاز ثم ينعزل مأذون
المأذون بعزل السيد سواء انتزعه من يد المأذون أو لم ينتزعه خلافا لأبي حنيفة فيما إذا لم ينتزعه وهل
له أن يوكل عبده في آحاد التصرفات فيه وجهان (أصحهما) عند الامام وهو الذي أورده في الكتاب
نعم لأنها تصدر عن نظره وإنما الممتنع أن يقيم غيره مقام نفسه (والثاني) لا لان السيد لم يرض
بتصرف غيره وهذا قضية ما أورده في التهذيب (ومنها) ألا يتخذ الدعوة للمجهزين والا يتصدق
ولا ينفق على نفسه من مال التجارة لأنه ملك السيد وعند أبي حنيفة له ذلك (ومنها) لا يعامل سيده
123

بيعا وشراء لان تصرفه لسيده بخلاف المكاتب يتصرف لنفسه وقال أبو حنيفة له أن يعامل سيده
وربما قيد ذلك بما إذا ركبته الديون (ومنها) ما اكتسبه المأذون من الاحتطاب والاصطياد والاتهاب وقبول
الوصية والاخذ من المعدن هل ينضم إلى مال التجارة حتى يتصرف فيه فيه وجهان (أحدهما) وهو الذي
أورده الفوراني والامام وصاحب الكتاب لا لأنه لم يحصل بجهة التجارة ولا سلمه لسيده إليه ليكون
رأس المال (والثاني) نعم لأنه من جملة أكسابه وهذا أصح عند صاحب التهذيب (ومنها) العبد
المأذون لا ينعزل بالإباق بل له التصرف في البلد الذي خرج إليه إلا إذا خص السيد الاذن بهذا البلد
124

وقال أبو حنيفة يصير محجورا عليه * لنا أن الإباق عصيان فلا يوجب الحجر كما لو عصى السيد من
وجه آخر ولو أذن لجاريته في التجارة ثم استولدها ففيه هذا الخلاف ولا خلاف في أن له أن يأذن
لمستولدته في التجارة (ومنها) إذا رأى عبده يبيع ويشترى فسكت عنه لم يصر مأذونا له في التجارة
خلافا لأبي حنيفة * لنا القياس على ما لو رآه ينكح فسكت عليه لا يكون سكوته إذنا في النكاح
(ومنها) إذا ركبته الديون لم يزل ملك سيده عما في يده فلو تصرف فيه ببيع أو هبة أو اعتاق بأذن المأذون
والغرماء جاز ويكون الدين في ذمة العبد وان أذن العبد دون الغرماء لم يجز وان أذن الغرماء دون العبد
125

فوجهان وعن أبي حنيفة أنه إذا ركبته الديون يزول ملك سيده عما في يده ولا يدخل في ملك الغرماء
(ومنها) اقرار المأذون بديون المعاملة مقبول على ما سيأتي في باب الاقرار ولا فرق بين أن يقربها لأجنبي
أو لابنه أو ابنته وقال أبو حنيفة لا يقبل اقراره لهما وهذا الخلاف كالخلاف في اقرار المريض لوارثه (وأما)
اقرار المأذون لغير دين المعاملة واقرار غير المأذون فالكلام فيهما منه ما هو مذكور في الاقرار ومنه
ما هو مذكور في السرقة وسينتهي الشرح إليهما إن شاء الله تعالى *
126

قال (ولا يكتفى بقوله (ح) إني مأذون بل لابد من سماع من السيد أو بينة عادلة *
ويكتفى بالشيوع على أحد الوجهين * ويكتفى بقوله في الحجر) *
من عامل المأذون وهو لا يعرف رقه فتصرفه صحيح ولا يشترط علمه بحاله ذكره في النهاية
ومن عرف رقه لم يجر له أن يعامله حتى يعرف إذن السيد ولا يكفي قول العبد أنا مأذون لان الأصل
عدم إذن المستحق فأشبه ما إذا زعم الراهن إذن المرتهن في بيع المرهون * وقال أبو حنيفة يكفي قول
العبد كما يكفي قول الوكيل قال الأصحاب ليس هما سواء لان في الوكيل لا حاجة إلى دعوى الوكالة بل
127

يجوز معاملته بناء على ظاهر الحال وان لم يدع شيئا وههنا بخلافه وإنما يعرف كونه مأذونا إما بسماع
الاذن من السيد أو ببينة تقوم عليه ولو شاع في الناس كونه مأذونا فوجهان (أصحهما) أنه يكتفي به
أيضا لان إقامة البينة لكل معامل مما يعسر ولو عرف كونه مأذونا ثم قال حجر على السيد لم يعامل
فان قال السيد لم أحجر عليه فوجهان (أصحهما) انه لا يعامل أيضا لأنه العاقد والعقد باطل بزعمه
(والثاني) وبه قال أبو حنيفة أنه يجوز معاملته اعتمادا على قول السيد ولو عامل المأذون من عرف
رقه ولم يعرف اذنه ثم بان كونه مأذونا فهو ملحق عند الأئمة بما إذا باع مال أبيه على ظن أنه حي
128

فإذا هو ميت ويقرب منه قولان حكاهما الحليمي فيما إذا كذب مدعى الوكالة ثم عامله فظهر صدقه
في دعوى الوكالة *
(فرع) لو عرف كونه مأذونا فعامله ثم امتنع من التسليم إلى أن يقع الاشهاد على الاذن
فله ذلك خوفا من خطر انكار السيد كما لو صدق مدعي الوكالة بقبض الحق ثم امتنع من التسليم
حتى يشهد الموكل على الوكالة *
(فرع) حكى في التتمة قولين في جواز معاملة من لا يعرف رقه وحريته (أظهرهما) الجواز لان
129

الأصل والغالب في الناس الحرية (والثاني) المنع لان الأصل بقاء الحجر وما حكيناه عن النهاية في
صدر الفصل كأنه جواب على الأظهر والله تعالى أعلم *
قال (أما العهدة فهو مطالب (و) بديون معاملته * وكذا سيده على الأظهر * وقيل السيد
لا يطالب أصلا * وقيل يطالب إن لم يكن في يد العبد وفاء * ويطرد هذا الخلاف في عامل القراض
مع رب المال * وقيل يطرده أيضا في الموكل إذا سلم إلى وكيله ألفا معينة * وان عتق العبد طولب
به * فان غرمه ففي رجوعه إلى السيد وجهان) *
130

القول في لفظ العهدة وتفسيرها موضعه غير هذا (وأما) فقه الفصل فإذا باع المأذون سلعة
وقبض الثمن فاستحقت السلعة وقد تلف الثمن في يد العبد فللمشتري الرجوع ببدله على العبد لأنه
المباشر للعقد وفى وجه لا رجوع على العبد لان يده يد السيد وعبارته مستعارة في الوسط وفى مطالبة
السيد ثلاثة أوجه رتبها الامام (أصحها) أنه يطالب أيضا لأن العقد له فكأنه البائع والقابض للثمن
(والثاني) لا يطالب لان السيد بالاذن قد أعطاه استقلالا فشرط من يعامله قصر الطمع على يده وذمته
(والثالث) أنه إن كان في يد العبد وفاء فلا يطالب السيد لحصول غرض المشترى وإلا فيطالب
131

وعن ابن سريج انه إن كان السيد قد دفع إليه عين مال وقال بعها أو خذ ثمنها واتجر فيه أو قال اشتر
هذه السلعة وبعها واتجر في ثمنها ففعل ثم ظهر الاستحقاق وطالبه المشترى بالثمن فله أن يطالب
السيد بقضاء الدين عنه لأنه أوقعه في هذه الغرامة وان اشتري باختياره سلعة وباعها ثم ظهر
الاستحقاق فلا ولو اشترى المأذون شيئا للتجارة ففي مطالبة السيد بالثمن الا وجه والوجه الأول والثاني
جاريان في عامل القراض مع رب المال لتنزيل رب المال العهدة على المال المعين ولو أن الرجل سلم
إلى وكيله ألفا وقال اشتر لي عبدا وأد هذا في ثمنه فاشترى الوكيل ففي مطالبته الموكل بالثمن
132

طريقان (أحدهما) أنه يطالب ولا حكم لهذا التعيين مع الوكيل لان الوكيل سفير محض والمأذون
مستخدم يلزمه الامتثال والتزام ما ألزمه السيد ذمته (وأقيسهما) طرد الوجهين فيه وإذا توجهت الطلبة
على العبد لم تندفع بعتقه لكن في رجوعه بالمغرم بعد العتق وجهان (أحدهما) يرجع لانقطاع
استحقاق السيد بالعتق (وأظهرهما) لا يرجع لان المؤدى بعد العتق كالمستحق بالتصرف السابق
على الرق وهذا كالخلاف في أن السيد إذا أعتق العبد الذي آجره في أثناء مدة الإجارة هل
يرجع بأجرة مثله للمدة الواقعة بعد العتق
133

قال * (ولو سلم إلى عبده ألفا ليتجر به فاشترى بعينه شيئا وتلف الألف انفسخ
العقد * وان اشترى في الذمة فثلاثة أوجه (الثالث) أن للمالك الخيار إن شاء فسخ وان شاء
أجاز وأبدل الألف) *
إذا سلم إلى عبده ألفا ليتجر به فاشترى بعينه شيئا ثم تلف الألف في يده انفسخ العقد كما لو
تلف المبيع قبل القبض وان اشترى في الذمة على عزم صرف الألف إلى الثمن ففي المسألة وجهان
(أحدهما) انه ينفسخ أيضا لأنه حصر اذنه في التصرف في ذلك الألف وقد فات محل الاذن
134

(وأصحهما) أنه لا ينفسخ وعلى هذا فوجهان (أحدهما) أنه يجب للسيد ألف آخر لأن العقد وقع
له والثمن غير متعين فعليه الوفاء باتمامه (والثاني) أنه لا يلزمه ذلك ولكنه ان أخرج ألفا آخر
أمضى العقد والا فللبائع فسخ العقد ويشبه أن يكون هذا أظهر وهو اختيار الشيخ أبى محمد وإذا
ترك الترتيب حصل في المسألة ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب ووراءها وجه رابع وهو أن الثمن
يكون في كسب العبد والوجهان في الأصل كالوجهين فيما إذا دفع ألفا قراضا إلى رجل فاشتري
شيئا في الذمة وتلف الألف عنده هل على رب المال الف آخر أو ينقلب العقد إلى العامل (ان
135

قلنا) بالأول فعلى السيد الف آخر (وان قلنا) بالثاني انفسخ العقد وإذا قلنا على السيد الف آخر
فهل يتصرف العبد فيه بالإذن السابق أم لابد من اذن جديد فيه وجهان وهما كالوجهين في أنه
إذا أخرج ألفا آخر في صورة القراض فرأس المال الف أو الفان (ان قلنا) الف فلابد من اذن
جديد (وان قلنا) ألفان كفى الإذن السابق قال الامام قدس الله روحه والألف الجديد إنما
يطالب به البائع دون العبد ولا شك أن العبد لا يمد يده إلى الف من مال السيد وانه لا يتصرف فيما
تسلمه البائع وإنما تظهر فائدة الخلاف فيما إذا ارتفع العقد بسبب من الأسباب ورجع الألف والله أعلم *
136

قال (أما قضاء ديونه فمن مال التجارة * لا من رقبته (ح) * وفى تعلقه باكتسابه من
الاحتطاب وغيره وجهان) *
الأمر الثالث أن ديون التجارة من أين تؤدى ولا شك أن ديون معاملات المأذون مؤداة
مما في يده من مال التجارة سواء فيه الأرباح الحاصلة بتجاراته ورأس المال وهل يؤدى من اكتسابه
بغير طريق التجارة كالاصطياد والاحتطاب فيه وجهان (أحدهما) لا كسائر أموال السيد (وأصحهما)
نعم كما يتعلق به المهر وثبوت النكاح ثم ما فضل من ذلك يكون في ذمته إلى أن يعتق وهل يتعلق
137

بما يكتسبه بعد الحجر فيه وجهان قال في التهذيب (أصحهما) أنها لا تتعلق به ولا تتعلق برقبته ولا بذمة
السيد (أما) أنها لا تتعلق برقبته فلانه دين لزمه برضاء من له الدين فوجب أن لا يتعلق برقبته كما لو
استقرض بغير إذن السيد وخالفنا أبو حنيفة فيه (وأما) أنه لا يتعلق بذمة السيد فلان ما لزمه بمعاوضة
مقصودة باذنه وجب أن تكون متعلقة بكسب العبد كالنفقة في النكاح ولو كان للمأذونة أولاد
لم تتعلق الديون بهم خلافا لأبي حنيفة في الذين ولدوا بعد الاذن في التجارة ولو أتلف السيد ما في يد
المأذون من أموال التجارة فعليه ما أتلف بقدر الدين ولو أنه قتل المأذون وليس في يده مال لم يلزم
138

قضاء الدين * هذه مسائل الكتاب وما يناسبها وفي المأذون فروع كثيرة تذكر في مواضع متفرقة
والذي نورده في هذه الخاتمة أنه لو تصرف فيما في يد المأذون ببيع أو هبة أو اعتاق ولا دين على
العبد فهو جائز وفى وجه يشترط أن يقوم عليه حجرا وإن كان عليه دين فقد سبق حكم تصرفه
وإذا باع العبد أو أعتقه صار محجورا عليه في أصح الوجهين وفى قضاء ديونه مما يكتسبه في يد
المشترى الخلاف المذكور فيما يكتسبه بعد الحجر عليه * واعلم أن المسائل الخلافية بيننا وبين أبي حنيفة
في المأذون يبنى أكثرها على أنه يتصرف لنفسه أو لسيده فعنده يتصرف لنفسه وعندنا
139

لسيده ولذلك نقول إنه لا يبيع نسيئة ولا بدون ثمن المثل ولا يسافر بمال التجارة إلا باذن السيد
ولا يتمكن من عزل نفسه بخلاف الوكيل *
(فرع) لو أذن لعبده في التجارة مطلقا ولم يعين مالا فعن أبي طاهر الزيادي أنه لا
يصح هذا الاذن وعن غيره أنه يصح وله التصرف في أنواع الأموال هذا تمام القسم الأول *
قال (وأما غير المأذون فلا يتصرف بما يضر سيده كالنكاح فإنه لا ينعقد دون إذنه *
والا قيس جوازاتها به * وقبوله الوصية فيدخل في ملك سيده كما يدخل باحتطابه * ويخلع زوجته *
140

ولا يصح (ز) ضمانه وشراؤه على الأصح لأنه عاجز عن الوفاء بالملتزم * وقيل إنه يصح كما في
المفلس * ولا يملك العبد بتمليك السيد (م) على القول الجديد) *
القسم الثاني غير المأذون في التجارة وهو قد يكون مأذونا في غير التجارة وقد لا يكون
مأذونا أصلا والمسائل الداخلة في هذا القسم منتشرة في الأبواب والتي أوردها في هذا الموضع خمس
(إحداها) ليس للعبد أن ينكح بغير إذن السيد لأنه لو جاز نكاحه لكان له أن يطأ متى شاء
وأنه يورث ضعف البنية ويتضرر به السيد هذا حكم كل تصرف يتعلق برقبة العبد (الثانية) الهبة
141

من عبد الانسان والوصية له هبة ووصية للسيد وفى صحة قبوله فيهما من غير إذن السيد وجهان
(أحدهما) وبه قال الإصطخري المنع لعدم رضاه بثبوت الملك (وأصحهما) الصحة لأنه اكتساب
لا يعقب عوضا فأشبه الاحتطاب والاصطياد بغير إذنه وأيضا فان العبد إذا خالع زوجته صح وثبت
العوض ويدخل في ملك السيد قهرا فكذلك ههنا وصورة الوصية قد ذكرها صاحب الكتاب في
الوصية (الثالثة) في صحة ضمانه بغير إذن السيد وجهان معادان في كتاب الضمان وشرحهما بذلك
الموضع أليق (الرابعة) هل يصح شراؤه دون إذن السيد فيه طريقان (أظهرهما) أن فيه وجهين (أحدهما)
142

وبه قال ابن أبي هريرة نعم لأنه يعتمد الذمة ولا حجر على ذمته (وأصحهما) لا وبه قال أبو إسحاق
والاصطخري لأنه لو صح فأما أن يثبت الملك له وليس هو أهلا لان يملك أو لسيده وذلك إما
بعوض يلزمه أو بعوض يكون في ذمة العبد والأول ما رضى به السيد والثاني ممتنع لما فيه من حصول
أحد العوضين لغير من يلتزم الثاني وبنوا الوجهين على القولين في أن المفلس المحجور عليه إذا اشترى
شيئا هل يصح ووجه الشبه أن كل واحد منهما صحيح العبارة وإنما حجر عليه لحق الغير (والطريق
الثاني) القطع بالبطلان ويفارق المفلس لأنه أهل للتمليك *
(التفريع) ان صححنا شراءه فمنهم من قال إن الملك للسيد والبائع ان علم رقه لم يطالبه بشئ
143

حتى يعتق وان لم يعلم فهو بالخيار بين الصبر إلى العتق وبين أن يفسخ ويرجع إلى عين
ماله ومنهم من قال الملك للعبد والسيد بالخيار بين أن يقره عليه وبين أن ينتزعه من يده
وللبائع الرجوع إلى عين المبيع ما دام في يد العبد لتعذر تحصيل الثمن كما لو أفلس المشترى بالثمن
وان تلف في يده فليس له إلا الصبر إلى أن يعتق وإن انتزعه السيد فهل للبائع الرجوع فيه وجهان
الذي أورده الأكثرون أنه لا يرجع كما لو زال يد المشترى عما اشتراه ثم أفلس بالثمن وفى التتمة أن
الصحيح أنه يرجع أيضا بناء على أن الملك يحصل للسيد ابتداء لا بالانتزاع وان أفسدنا شراءه
144

فللمالك استرداد العين ما دامت باقية سواء كانت في يد العبد أو في يد السيد وان تلفت في يد
العبد تعلق الضمان بذمته وان تلفت في يد السيد فللبائع مطالبته بالضمان وإلا ليس له
مطالبة العبد بعد العتق ولا يجب على السيد الضمان بأن رآه فلم يأخذه من يد العبد ولو أدى الثمن
من مال السيد فله استرداده والاستقراض في جميع ما ذكرناه كالشراء وللعبد إجارة نفسه باذن
السيد وكذا له بيع نفسه ورهنها في أصح الوجهين ولو اشترى العبد أو باع لغيره وكالة بغير إذن
السيد ففيه وجهان ذكر في التتمة انهما مبنيان على الخلاف فيما لو اشترى لنفسه والأصح المنع لما
145

فيه من تعلق العهدة بالوكيل وقوله في الكتاب ولا يصح ضمانه وشراؤه يجوز إعلامه بالحاء لان أبا
حنيفة يصحح شراءه وايراد الوسيط يدل على أن المراد من قوله على الأصح الأصح من الطريقين (وقوله) في
الكتاب وقيل إنه يصح كما في المفلس إشارة إلى الطريق الثاني. المعنى يصح في قول كما في المفلس (وقوله)
لأنه عاجز عن الوفاء بالملتزم وجهه في الضمان ظاهر فان الأداء في الحال متعذر عليه وأما في الشراء فهو
مبني على أن للسيد أخذ المبيع منه فلا يبقى للثمن متعلق في الحال (الخامسة) العبد هل يملك
146

بتمليك السيد فيه قولان (القديم) نعم وبه قال مالك لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (من باع عبدا وله
مال أضاف المال إليه) (1) والجديد لا وبه قال أبو حنيفة كما لا يملك بالإرث وتمليك غير السيد
147

ولأنه مملوك فأشبه البهيمة وعن أحمد روايتان كالقولين (فان قلنا) بالقديم فللسيد الرجوع عنه متى
شاء وليس للعبد التصرف فيه الا باذن السيد وله أن يشترى الجارية التي ملكها أباه ان أذن له
فيه وعن الأستاذ أبى اسحق منعه لضعف الملك وان لم يأذن له في الشراء فليس له ذلك وفيه وجه
ولو كان له عبدان فملك كل واحد منهما صاحبه فالحكم للتمليك الثاني وهو رجوع عن الأول
فان وقعا دفعة واحدة من وكيلين تدافعا والله أعلم *
148

(الباب الثاني في التحالف)
قال * (والنظر في سببه وكيفيته وحكمه (أما) السبب فهو التنازع في تفصيل العقد
وكيفيته بعد الاتفاق على الأصل كالخلاف في قدر العوض (ح) وجنسه وقدر الأجل (ح) وأصله
(ح) وشرط الكفيل (ح) والخيار (ح) والرهن (ح) وغيره * فموجبه التحالف سواء كانت
149

السلعة قائمة أو هالكة (ح م) جرى مع العاقد أو مع ورثته * قبل القبض أو بعده (ح)
لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا " (1)) *
150

الأصل في الباب ما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
151

(إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع والمبتاع بالخيار (1) ومعناه أن المبتاع بالخيار بين امساكه بما حلف
عليه البائع وبين أن يحلف على ما يقوله للرواية الأخرى (إذا اختلف المتبايعان تحالفا) وفي رواية (إذا اختلف
152

المتبايعان ولا بينة لأحدهما تحالفا * إذا عرفت ذلك فكلام الباب يقع في ثلاثة فصول (أحدها) في السبب
المحوج إلى التحالف ومتى تبايع اثنان ثم وقع بينهما اختلاف فذلك إما أن يكون مع الاتفاق على عقد صحيح
أولا معه القسم الأول أن يختلفا مع الاتفاق على عقد صحيح مثل أن يختلفا في قدر الثمن فيقول البائع
بعتك هذا بمائة فيقول المشترى بخمسين فينظر إن كان لأحدهما بينة قضى بها وان أقام كل واحد
153

منهما بينة على ما يقوله سمعا من حيث إن كل واحد منهما مدع ثم إن قلنا بالتساقط فكان لا بينة
والا توقفنا إلى ظهور الحال وان لم يكن لواحد منهما بينة فيتحالفان لان كل واحد منهما مدع ومدعى عليه
فالبائع مدع زيادة الثمن ومدعى عليه في تمليك السلعة بالأقل والمشترى بالعكس فإذا لم يكن بينة
حلف كل واحد منهما ولا فرق في ذلك بين أن تكون السلعة قائمة أو هالكة وقال أبو حنيفة إنما
يتحالفان عند قيام السلعة أما إذا هلكت فالقول قول المشترى مع يمينه وعن أحمد روايتان كالمذهبين
وعن مالك مثل ذلك ورواية المنذر هي أنه إن كان قبل القبض تحالفا وإن كان بعده فالقول قول المشترى
لنا ما سبق من اطلاق الاخبار وقياس حالة الهلاك على حالة البقاء لا فرق أيضا بين أن يقع الاختلاف
154

بين المتبايعين أو ورثتهما بعدهما وقال أبو حنيفة إن كان المبيع غير مقبوض تحالفا والا فالقول
قول ورثة المبتاع * ولو اختلفا في جنس الثمن أو بعض صفاته فهو كالخلاف في القدر وكذا الاختلاف في قدر
المبيع بأن يقول البائع بعتك هذا العبد ويقول المشترى هذا العبد وهذا الثوب والاختلاف في قدر
المبيع والثمن بأن يقول البائع بعتك هذا العبد بألف ويقول المشترى بعتنيه وهذه الجارية بألفين
ولو قال البائع بعتك هذا العبد فقال المشترى بعتني هذه الجارية ولم يختلفا في الثمن نظر إن كان
الثمن معينا تحالفا كما لو اختلفا في جنس الثمن وإن كان الثمن في الذمة فوجهان (أحدهما) أنهما يتحالفان
155

أيضا كما لو كان معينا وبهذا أجاب ابن الحداد واختاره القاضي أبو الطيب وابن الصباغ رحمهم الله
والثاني أنه لا تحالف لأن المبيع مختلف فيه والثمن ليس بمعين حتى يربط به العقد ويحكى هذا عن
الشيخ أبى حامد واختاره الامام وصاحب التتمة ونظير المسألة من الصداق أن يقول الزوج
أصدقتك أباك فقالت بل أمي وقد أوردها صاحب الكتاب في آخر كتاب الصداق ورأي الأصح
التحالف فان قلنا لا تحالف حلف كل واحد منهما على نفى ما يدعيه صاحبه ولم يجمع أحدهما في
اليمين بين النفي والاثبات ولا يتعلق بينهما فسخ ولا انفساخ ولو كانت المسألة بحالها وأقام كل واحد
156

منهما بينة على ما ذكره سلمت الجارية للمشترى وأما العبد فقد أقر البائع بيعه وقامت البينة عليه أو لم تقم فإن كان
في يد المشترى أقر عنده وإن كان في يد البائع فوجهان (أحدهما) أنه يسلم إلى المشترى ويجبر على
قبوله والثاني لا يجبر لأنه ينكر ملكه فيه فعلى هذا يقبضه الحاكم وينفق عليه من كسبه فإن لم يكن
له كسب ورأي الحظ في بيعه وحفظ ثمنه فعل ولو أنفقا على المبيع والثمن واختلفا في شرط الخيار أو قدره
أو شرط الرهن بالثمن أو الكفيل أو شرط الأجل أو قدره جرى التحالف أيضا خلافا لأبي حنيفة وأحمد حيث قالا
الاختلاف في شروط العقد لا يقتضى التحالف ولكن القول قول من منعها * لنا اطلاق الأخبار السابقة والرواية
157

المذكورة في الكتاب ولا تخفي المواضع المستحقة للعلامات من ألفاظ الكتاب *
قال (ويجرى في كل معاوضة * كالصلح عن دم العمد والخلع والنكاح والإجارة والمساقاة
والقراض والجعالة ولكن أثره في بدل الدم والبضع الرجوع إلى بدل المثل لا فسخ الخلع
والنكاح * ولو قال وهبت هذا منى فقال لا بل بعته فالقول قوله في أنه ما وهب * ولم يتحالفا إذ
لم يتفقا على عقد) *
في الفصل مسألتان (إحداهما) ان التحالف لا يختص بالمبايعات بل يجرى في سائر عقود
158

المعاوضات من السلم والإجارة والمساقاة والقراض والجعالة والصلح عن الدم والخلع والصداق والكتابة
طردا للمعنى ثم في البيع ونحوه يفسخ العقد بعد التحالف أو ينفسخ ويترادان كما سيأتي وفى الصلح
عن الدم لا يعود استحقاق بل إن التحالف في الرجوع إلى الدية فكذلك لا يرتد البضع ولكن
في النكاح ترجع المرأة إلى مهر المثل وفى الخلع يرجع إليه الزوج وسيعود ذكر هذا الكلام في كتابيهما ثم ذكر
الامام قدس الله روحه في هذا الموضع اشكالا فقال أي معنى للتحالف في القراض مع أنه جائز وكل واحد
منهما بسبيل من فسخه بكل حال وأيد ذلك بأن القاضي الحسين منع من التحالف في البيع في زمان
159

الخيار ومكانه لامكان الفسخ بسبب الخيار وأجاب بان التحالف ما وضع للفسخ ولكن عرضت الايمان
رجاء أن ينكف الكاذب ويتقرر العقد بيمين الصادق فإذا لم يتفق ذلك وأصرا فسخ العقد للضرورة
ونازع القاضي فيما ذكره لاشكالات قررها ثم مال بالآخرة إلى موافقته ورأي في القراض ان
يفصل فيقال التحالف قبل الخوض في العمل لا معنى له واما بعده فالنزاع يؤول إلى مقصود لا خيرة فيه
من ربح أو اجر مثل فيتحالفان والجعالة كالقراض (المسألة الثانية) لو قال بعتك هذا بالألف فقال
160

بل وهبتنيه فلا تحالف إذ لم يتفقا على عقد ولكن يحلف كل واحد منهما على نفى ما يدعيه صاحبه
فإذا حلفا فعلى مدعى الهبة رده بزوائده هذا هو المشهور ووراءه شيئان (أحدهما) عن صاحب
التقريب رواية قول أن القول قول مدعى الهبة لأنه مالك باتفاقهما وصاحبه يدعي عليه والأصل
براءة ذمته عنه (الثاني) أطلق في التتمة وجها أنهما يتحالفان وادعى انه الصحيح ولو قال بعتك
هذا بألف فقال بل وهبتنيه حلف كل واحد منهما على نفى ما يدعيه صاحبه ورد الألف واسترد
161

العين ولو قال رهنتكه بألف استقرضته؟ فقال بل بعتنيه بألف فالقول قول المالك مع يمينه وترد
الألف ولا يمين على الآخر ولا يكون رهنا لأنه لا يدعيه قاله في التهذيب *
قال (ولو تنازعا في شرط مفسد فكذلك * والأصح أن القول قول من ينكر الشرط
الفاسد * ولو رد المبيع عليه بعيب فقال هذا ليس ما قبضته منى فالقول قوله * وان جرى ذلك في
المسلم فيه ففيه خلاف من حيث إنه لم يعترف له بقبض صحيح * وقال ابن سريج إن كان بحيث
162

لو رضي به لوقع عن جهة الاستحقاق لرجوع التفاوت إلى الصفة فهو كالمبيع لان القبض صحيح
فيه لو رضى به) *
القسم الثاني أن يختلفا من غير الاتفاق على عقد صحيح بأن يدعى أحدهما صحة العقد والآخر
فساده كما إذا قال بعتك بألف فقال المشترى بل بألف وزق خمر وقال أحدهما شرطنا في العقد
شرطا مفسدا وأنكر الآخر فلا تحالف وفيمن القول قوله وجهان (أصحهما) عند صاحب التهذيب
163

أن القول قول من يدعى الفساد مع يمينه لان الأصل عدم العقد الصحيح وبقاء الملك للمالك
وصار كما لو اختلفا في أصل البيع (وأصحهما) عند المصنف وهو اختيار الشيخ أبى حامد وابن الصباغ
أن القول قول من يدعى الصحة لأن الظاهر من العقود الجارية بين المسلمين الصحة واحتج لهذا
الوجه بنصه في البويطي فيمن أسلم إلى رجل في طعام واختلفا فادعى المسلم إليه أنه شرط فيه الخيار
وأنكره المسلم أن القول قول المسلم مع يمينه وأيضا فلو قال هذا الذي بعتنيه حر الأصل وقال البائع
164

بل هو مملوك فالقول قول البائع وذكر الأئمة تخريج الوجهين على أصلين (أحدهما) عن القاضي
أبى الطيب أن أصل الوجهين قولان للشافعي رضي الله عنه فيمن تكفل برجل ثم اختلفا فقال
تكفلت على أن الخيار ثلاثا وأنكر المكفول له أن القول قول الكفيل أو المكفول له (والثاني)
عن القفال ان اصلهما القولان فيمن قال لفلان على الف من ثمن الخمر هل يؤاخذ بأول كلامه أم
يقبل قوله من ثمن الخمر (ان قلنا) بالثاني فالقول قول من يدعى الفساد (وان قلنا) بالأول فالقول
165

قول من يدعي الصحة والمخرج ان يخرج الوجهين على قولي تقابل الأصل والظاهر ولو قال بعتك
بألف فقال بل بخمر أو بثمن مجهول ففي التهذيب نقل طريقين (أظهرهما) طرد الوجهين (والثاني)
القطع بالفساد لأنه لم يقر بشئ ملزم وإذا فرعنا على أن القول قول من يدعى الصحة فلو قال بعتك بألف
فقال بل بخمسمائة وزق خمر وحلف البائع على نفي سبب الفساد صدق فيه وبقى التنازع في قدر
الثمن فيتحالفان * ثم الفصل يشتمل على مسألة أخرى في اختلاف المتبايعين من وجه آخر وهي أن يشترى
166

عبدا مثلا ثم يجئ بعبد ويريد رده بعيب فيه فيقول البائع ليس هذا ما ابتعته وقبضته مني
فالقول قول البائع لان الراد يريد الفسخ والأصل مضيه على السلامة ولو فرض ذلك في التسلم أو قال
ليس هذا على الوصف الذي أسلمت إليك فيه ففيه وجهان (أحدهما) أن القول قول المسلم إليه مع
يمينه كما أن القول قول البائع وبهذا أجاب في التنبيه (وأصحهما) أن القول قول المسلم لان اشتغال
ذمته بمال السلم معلوم والبراءة غير معلومة ويفارق صورة البيع لأنهما اتفقا على قبض ما ورد عليه
167

الشراء وتنازعا في سبب الفسخ والأصل استمرار العقد والوجهان جاريان في الثمن في الذمة أن القول
قول القابض أو الدافع وعن ابن سريج وجه ثالث وهو أنه يفرق بين ما يمنع صحة القبض وبين العيب
الذي يمنعها فإذا كان الثمن دراهم في الذمة وفرض هذا النزاع وكان ما أراد البائع رده زيوفا ولم
يكن ورقا فالقول قول البائع لانكار أصل القبض الصحيح وإن كانت ورقا لكنها رديئة النوع
لخشونة أو اضطراب سكة فالقول قول المشترى لان أصل القبض قد تحقق ولو رضى به لوقع المقبوض
168

عن الاستحقاق ولا يخفى مثل هذا التفصيل في المسلم فيه ولك أن تقول المعنى الفارق في المسلم فيه
ظاهر فان الاعتياض عنه غير جائز ولكن في الثمن لو رضى بالمقبوض لوقع عن الاستحقاق وان لم يكن
ورقا متى كانت له قيمة لان الاستبدال عن الثمن جائز على الصحيح وقوله في الكتاب لرجوع
التفاوت إلى الصفة أراد صفات الجودة والرداءة فان أخذ الردئ عن الجيد جائز وإنما المانع من الاخذ
تغاير الجنس ولو كان الثمن معيبا فهو كالمبيع فإذا وقع فيه هذا الاختلاف فالقول قول المشترى مع
169

يمينه قال في التهذيب لو كان المعين نحاسا لا قيمة له فالقول قول الراد لأنه يدعى بقاء ملكه
وفساد العقد ولك أن تقول ينبغي أن يكون هذا على الخلاف فيما إذا ادعى أحدهما صحة العقد
والآخر فساده ولو اشترى طعاما كيلا وقبضه بالكيل أو وزنا وقبضه بالوزن أو أسلم فيه وقبضه ثم جاء
وادعى نقصانا فيه نظر إن كان قدر ما يقع مثله في الكيل والوزن قبل والا فقولان عن رواية
الربيع (أحدهما) أن القول قول القابض مع يمينه لان الأصل بقاء حقه ويحكى هذا عن أبي حنيفة
170

ورجحه صاحب التهذيب (والثاني) ويحكى عن مالك أن القول قول الدافع مع يمينه لأنهما اتفقا
على القبض والقابض يدعى الخطأ فيه فيحتاج إلى البينة كما لو اقتسما ثم جاء أحدهما وادعي الخطأ
فيه يحتاج إلى البينة وهذا أصح عند القاضي أبى الطيب وغيره * ولو اختلف المتبايعان في القبض
فالقول قول المشترى ولو باع عصيرا وحصل القبض فوجد خمرا فقال البائع تخمر في يدك وقال
المشتري بل سلمته خمرا والقبض فاسد وأمكن الأمران جميعا فقولان (أحدهما) أن القول قول
171

البائع لان الأصل بقاء الحلاوة (والثاني) أن القول قول المشترى لان الأصل عدم القبض
الصحيح ولو قال أحدهما انه كان خمرا عند البيع فهذا يدعى فساد العقد والآخر يدعي صحته
وقد سبق حكمه وبهذا يقاس ما لو باعه لبنا فأخذه المشترى في ظرف ثم وجدت فيه فأرة وتنازعا
في نجاسته عند القبض وعند البيع ولو قال المشترى بعت العبد بشرط انه كاتب وأنكره البائع
فوجهان (أحدهما) أن القول قول البائع كما لو اختلفا في العيب (والثاني) أنهما يتحالفان كما
172

لو اختلفا في الأجل أو الخيار قال في التتمة وهذا أصح ولو كان الثمن مؤجلا واختلفا في انقضاء الأجل
فالأصل بقاؤه *
قال (أما كيفية اليمين فالبداءة (ح) بالبائع * وفى السلم بالمسلم إليه * وفى الكتابة بالسيد
لأنهما في رتبة البائع * وفى الصداق بالزوج لأنه في رتبة بائع الصداق وأثر التحالف يظهر فيه
لا في البضع * وقيل إنه يبدأ بالمشتري وهو مخرج * وقيل يتساويان فيتقدم بالقرعة أو برأي القاضي *
173

ثم يحلف يمينا واحدا ويجمع بين النفي والاثبات * ويقدم (و) النفي فيقول والله ما بعته
بألف بل بعته بألفين * فان حلف البائع عليهما ونكل المشترى عن أحدهما قضى عليه * وفيه
قول مخرج أنه لا يجمع في يمين واحدة بين النفي والاثبات بل يحلف البائع على النفي ثم المشترى
على النفي ثم البائع على الاثبات ثم المشترى على الاثبات فيتعدد اليمين) *
الفصل الثاني في كيفية التحالف وقاعدته أن يحلف كل واحد من المتعاقدين على إثبات
174

ما يقوله ونفى ما يقوله صاحبه ثم فيه مسألتان (إحداهما) فيمن يبدأ به من المتعاقدين وقد نص
في البيع انه يبدأ بالبائع وفى المسلم انه يبدأ بالمسلم إليه وفى الكتابة بالسيد وهذه النصوص متوافقة
وفى الصداق انه يبدأ بالزوج وظاهره يخالف سائر النصوص لان الزوج شبيه بالمشترى ونص
في الدعاوي أنه إن بدأ بيمين البائع خير المشترى وإن بدأ بيمين المشترى خير البايع وهذا يشعر
بالتسوية والتخيير وللأصحاب طريقان (أظهرهما) أن المسألة على ثلاثة أقوال (أظهرهما) أن البداية
175

بالبائع وبه قال أحمد واحتجوا له بأن جانبه أقوى لان ملكه على الثمن يتم بالعقد وملك المشتري
على المبيع لا يتم بالعقد ولأن المبيع يعود إليه بعد التحالف (والثاني) ان البداية بالمشترى وبه قال
أبو حنيفة لان البائع يدعى عليه زيادة ثمن والأصل براءة ذمته عنها فتقوى بذلك جانبه (والثالث)
أنه لا بداية بل يتساويان لان كل واحد منهما مدع ومدعي عليه فلا ترجيح وعن الشيخ أبى حامد
ان هذا أقيس وإن كان الأول ظاهر المذهب وعلى هذا فوجهان (أظهرهما) أن الحاكم مخير
176

في ذلك يبدأ بمن اتفق (والثاني) أنه يقرع بينهما كما يقرع بين المتساويين إلى مجلسه (والطريق الثاني)
القطع بان البداية بالبائع ومن قال بهذا قطع بأن البداية في اختلاف الزوجين بالزوج على ما نص
عليه وقرره من وجهين (أحدهما) أن أثر تحالف الزوجين إنما يظهر في الصداق دون البضع والزوج
هو الذي ينزل عن الصداق فكان كالبائع له (والثاني) أن تقديم البائع إنما كان لقوة جانبه بحصول
المبيع له بعد التحالف وفى النكاح يبقى البضع للزوج (وأما) نصه في كتاب الدعاوي فستعرف تأويله
177

(وإذا قلنا) بطريقة اثبات الخلاف فان قدمنا البائع لم يخف من ينزل منزلته في سائر العقود وفي الصداق ويأتي
وجهان (أحدهما) أن البداية بالمرأة لما مر وان قدمنا المشترى نقله صاحب التهذيب وغيره وأوفقهما للنص أن البداية
بالزوج لما مر وإن قدمنا المشترى فالقياس انعكاس الوجهين والله أعلم * ثم ههنا أمران مهمان (أحدهما)
أن جميع ما ذكرناه في الاستحباب دون الايجاب والاشتراط نص عليه الشيخ أبو حامد وصاحب التهذيب
والتتمة وهو أحد ما حمل عليه نصه في الدعاوي (والثاني) أن تقديم أحد الجانبين مخصوص بما إذا
178

باع عرضا بثمن في الذمة (فاما) إذا تبادلا عرضا بعوض فلا تتجه الا التسوية ذكره الامام وينبغي أن
يخرج ذلك على أن الثمن ماذا وقد سبق الخلاف فيه (المسألة الثانية) في تعدد اليمين وصفتها ظاهر نص
الشافعي رضي الله عنه الاكتفاء بيمين واحدة من كل واحد من المتعاقدين يجمع فيها بين النفي
والاثبات فيقول البائع ما بعت بخمسمائة وإنما بعت بألف ويقول المشترى ما اشتريت بألف وإنما اشتريت بخمسمائة ولو كان في يد رجلين دار فادعي كل واحد منهما أن جميعها له فالنص أن كل واحد منهما
179

يحلف على مجرد نفى استحقاق صاحبه ما في يده فلو حلف أحدهما ونكل الآخر فالحالف يحلف يمينا
أخرى للاثبات وللأصحاب فيهما طريقان (أصحهما) تقرير النصين والفرق أن منفى كل واحد منهما في
ضمن مثبته لأن العقد واحد بالاتفاق والتنازع في صفته فكان الدعوى واحدة فجاز التعرض في اليمين
الواحدة للنفي والاثبات وفى مسألة الدار منفى كل واحد منهما ممتاز عن مثبته فلا معنى ليمينه على الاثبات
قبل نكول صاحبه (والثاني) التصرف بتخريج قول من مسألة الدار فيما نحن فيه ووجهه الجري على
180

قياس الخصومات فان يمين الاثبات لا يبدأ بها في غير القسامة وهل يتصرف بتخريج قول ما نحن فيه
في مسألة الدار أيضا (قال) كثيرون نعم حتى يكون فيهما قولان بالنقل والتخريج (وقال) الشيخ أبو حامد والامام
لا وهو الحق لان كل واحد منهما لا يحتاج فيما في يده إلى الاثبات واليمين على الاثبات يمين الرد
فكيف يحلف الأول يمين الرد وصاحبه لم ينكل بعد وكيف يحلفها الثاني وقد حلف صاحبه
(التفريع) ان اكتفينا بيمين واحدة يجمع فيها بين النفي والاثبات فإذا حلف أحدهما
181

ونكل عن الثاني قضى للحالف سواء نكل عن النفي والاثبات جميعا أو عن أحدهما والنكول عن
البعض كهو عن الكل فينبغي أن يقدم النفي على الاثبات لأن النفي هو الأصل في الايمان وعن
الإصطخري أن الاثبات مقدم لأنه المقصود وهذا الخلاف في الاستحباب أو الاستحقاق (والأظهر) الأول
ونقل الإمام الثاني (وان قلنا) يحلف أولا على مجرد النفي فلو أضاف إليه الاثبات كان لغوا وإذا حلف
من وقعت البداية به على النفي عرضت اليمين على الثاني فان نكل حلف الأول على الاثبات وقضى
182

له وان نكل عن الاثبات لم يقض له لاحتمال صدقه في نفى ما يدعيه صاحبه وكذبه فيما يدعيه ثم عن
الشيخ أبى محمد أنه كما لو تحالفا لان نكول المردود عليه عن يمين الرد نازل في الدعاوي منزلة حلف
الناكل أولا ولو نكل الأول عن اليمين حلف الاخر على النفي والاثبات وقضى له * ولو حلفا على
النفي فوجهان (أصحهما) وبه قال الشيخ أبو محمد أنه يكفي ذلك ولا حاجة بعده إلى يمين الاثبات
لان المحوج إلى الفسخ جهالة الثمن وقد حصلت (والثاني) أنه تعرض يمين الاثبات عليهما فان حلفا تم
183

التحالف وان نكل أحدهما قضى للحالف والقول في أنه يقدم يمين النفي أو الاثبات يقاس بما ذكرنا على
تقدير الاكتفاء بيمين واحدة ولو عرضت اليمين عليهما فنكلا جميعا ففيه وجهان للامام (أحدهما)
أن تناكلهما كتحالفهما كما أنه إذا تداعي رجلان مولودا كان ذلك كتحالفهما (والثاني) أنه يوقف
الامر وكأنهما تركا الخصومة والله أعلم * وقوله في الكتاب في المسألة الأولى وقيل إنه يبدأ بالمشترى
وهو مخرج إنما ذكر ذلك لأنه مأخوذ من نصه في الصداق يجوز اعلام قوله وقيل في الموضعين
184

بالواو للطريق القاطعة بأن البداية بالبائع (وقوله) فالبداية بالبائع معلم بالحاء (وقوله) يبدأ بالمشترى
بالألف (وقوله) يتساويان بهما (وقوله) فيتقدم بالقرعة أو برأي القاضي ليس للتخيير وإنما أراد به
الوجهين اللذين قدمناهما (وقوله) ويقدم النفي في المسألة الثانية معلم بالواو (وقوله) بل يحلف البائع على النفي
إلى آخره مفرع على إن البداية بالبائع *
قال (أما حكم التحالف فهو إنشاء الفسخ إذا استمرا على النزاع * وفيه قول مخرج أنه ينفسخ *
185

ثم القاضي يفسخ * أو من (و) أراد من المتعاقدين فيه وجهان) *
(الفصل الثالث) في حكم التحالف وثمرته * إذا تحالفا ففي العقد وجهان (أحدهما) أنه
ينفسخ كما ينفسخ النكاح بتحالف المتلاعنين ولان التحالف يحقق ما قالاه ولو قال البائع بعت بألف
فقال المشترى اشتريت بخمسمائة لم ينعقد فكذلك ههنا (وأصحهما) وهو المنصوص انه لا ينفسخ
186

لان البينة أقوي من اليمين ولو أقام كل واحد منهما بينة على ما بقوله لا ينفسخ العقد فباليمين أولى
أن لا ينفسخ *
(التفريع) إن قلنا بالأول فلو تفارا على أحد اليمين لم يعد نافذا بل لابد من تجديد عقد
وهل ينفسخ المال أو يتعين ارتفاعه من أصله فيه وجهان (أظهرهما) أولهما لنفوذ تصرفات المشترى قبل
الاختلاف ويحكى الثاني عن أبي بكر الفارسي (وان قلنا) بالأصح فالحاكم يدعوهما بعد التحالف إلى الموافقة
187

فينظر هل يعطى المشترى ما يقوله البائع من الثمن فان فعل أجبر البائع عليه والا نظر هل يقنع
البائع بما يقوله المشترى فان فعل فذاك والا فحينئذ يحتاج إلى فسخ العقد ومن الذي يفسخه فيها وجهان
أحدهما الحاكم كالفسخ بالعنة لأنه فسخ مجتهد فيه وأظهرهما ان للمتعاقدين أيضا ان يفسخا ولأحدهما
أن ينفرد به كالفسخ بالعيب قال الامام (وإذا قلنا) الحاكم هو الذي يفسخ فذلك إذا استمرا على النزاع
ولم يفسخا أو التمسا الفسخ فاما إذا اعرضنا عن الخصومة ولم يتوافقا على شئ ولا فسخا ففيه تردد ثم
188

إذا فسخ العقد ارتفع في الظاهر وهل يرتفع في الباطن ثلاثة أوجه (أحدهما) لا لان سبب الفسخ تعذر
امضاؤه لعدم الوقوف على الثمن وانه أمر يتعلق بالظاهر (والثاني) نعم كالفسخ يتعلق بالعيب (والثالث) إن كان
البائع صادقا فنعم لتعذر وصوله إلى حقه كما لو فسخ بافلاس المشترى وإن كان كاذبا فلا يمكنه من
الوصول إلى ما ثبت له وهل يجرى مثل هذا الخلاف إذا فرعنا على انفساخ العقد بنفس التحالف
أم يجزم بالارتفاع باطنا أيضا اختلفوا فيه وإذا قلنا بالارتفاع باطنا ترادا وتصرف كل واحد منهما فيما
189

عاد إليه وان منعناه لم يجز لهما التصرف لكن لو كان البائع صادقا فقد ظفر بمال من ظلم لما استرد
المبيع فله بيعه أما بالحاكم في أحد الوجهين أو بنفسه في أصحهما واستيفاء حقه من ثمنه * واعلم أن جميع
ما ذكرناه مفرغ في قالب واحد وهو أن يكون اختلافهما في قدر الثمن وللامام عبارة نحو هذه الصورة
وسائر صور الاختلاف وهي ان الفسخ ان صدر مع المحق فالوجه تنفيذه باطنا وان صدر من المبطل فالوجه
منعه وإن صدر منهما جميعا فلا لاشك في الانفساخ باطنا وليس ذلك موضع الخلاف قال المصنف
190

في الوسيط كما لو تقايلا وإذا صدر من المبطل ولم ينفذه باطنا فطريق الصادق أثناء الفسخ وان أراد الملك
فيما عاد إليه وان صدر من القاضي فالظاهر الانفساخ باطنا لينتفع به المحق
قال (ثم يرد عين المبيع عند التفاسخ إن كان قائما والا فقيمته عند التلف اعتبارا بقيمته يوم
التلف على الأصح * وقيل يعتبر يوم القبض * ولو كان المبيع عبدين وتلف أحدهما ضم قيمة التالف
إلى القائم * ولو كان تعيب في يده ضم أرش العيب إليه * وإن كان آبقا أو مكاتبا أو مرهونا أو مكرى
191

غرم القيمة * وإذا ارتفعت الموانع ففي رد العين واسترداد القيمة خلاف) *
إذا انفسخ البيع بالتحالف أو فسخ فعلى المشترى رد المبيع إن كان قائما بحاله لما روى أنه صلى الله
عليه وسلم (قال إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا) ويسلم له الولد والثمرة والكسب والمهر وإن كان تالفا
فعليه قيمته سواء كانت أكثر من الثمن الذي يدعيه البائع أو أقل وفى القيمة المعتبرة وجوه وقال
الامام أقوال (أصحها) عند المصنف ان الاعتبار بقيمة يوم التلف لان مورد الفسخ العين لو بقيت
192

والقيمة خلف عنها فإذا فات الأصل فحينئذ ينظر إليها (والثاني) أنه يعتبر قيمة يوم القبض لأنه وقت
دخول المبيع في ضمانه ثم ما يعرض من زيادة أو نقصان فهو في ملكه ولم يذكر في الكتاب سوى
هذين (والثالث) أنه يعتبر أقل القيمتين لأنها إن كانت يوم العقد أقل فالزيادة حدثت في ملك المشتري وإن
كانت يوم القبض أقل فهو يوم دخوله في ضمانه وقد ذكرنا نظير هذه الثلاثة في القيمة التي نعتبرها
لمعرفة الأرش (والرابع) وقد أورده مع الأول في التهذيب ان الاعتبار بأقصى القيم من يوم القبض
193

إلى يوم التلف لان يده يد ضمان فتعتبر أعلا القيم قال الشيخ أبو علي هذا الخلاف ناظر إلى أن
العقد يرتفع من أصله أو من حينه (إن قلنا) بالأول فالواجب أقصى القيم (وإن قلنا) بالثاني
اعتبرنا قيمة يوم التلف * ولو اشترى عبدين وتلف أحدهما ثم اختلفا وتحالفا هل يرد العبد الباقي فيه
الخلاف المذكور في مثله وإذا وجد الباقي معيبا (إن قلنا) يرد فيضم قيمة التالف إليه وفي القيمة
المعتبرة الأوجه ولعل باحثا يقول لم كان الأصح ههنا غير الأصح في القيمة المعتبرة لمعرفة الأرش
194

(والجواب) يجوز أن يكون السبب فيه ما أشار إليه الامام وهو أن النظر إلى القيمة ثم ليس
ليغرم ولكن ليعرف منها الأرش الذي هو جزء من الثمن وكذلك العوض فيما إذا تلف أحد العبدين
ووجد عيبا بالباقي وجوزنا افراده بالرد يوزع الثمن على قيمة التالف والباقي وههنا المغرم القيمة
فكان النظر إلى حالة الاتلاف أليق وإن كان المبيع قائما الا انه قد تعيب رده مع الأرش وهو
قدر ما نقص من القيمة لان الكل مضمون على المشترى بالقيمة فيكون البعض مضمونا ببعض
195

القيمة بخلاف ما لو تعيب المبيع في يد البائع وأفضى الامر إلى الأرش يجب جزء من الثمن لان
الكل مضمون على البائع بالثمن فكذلك البعض قال الشيخ أبو علي وهذا أصل مطرد في المسائل
ان كل موضع لو تلف الكل كان مضمونا على الشخص بالقيمة فإذا تلف البعض كان مضمونا
عليه ببعض القيمة كالمغصوب وغيره الا في صورة وهي إذا عجل زكاة ماله ثم تلف ماله قبل الحول
وكان ما عجل تالفا يغرم المسكين القيمة ولو كان معيبا ففي الأرش وجهان * وهذه المسألة قد بيناها
196

أو الأرش فالقول قول المشترى لأنه الغارم ولو كان العبد المبيع قد أبق من يد المشترى حين تحالفا لم
يمتنع الفسخ فان الإباق لا يزيد على التلف ويغرم المشترى قيمته لتعذر الوصول إليه وكذا لو كاتبه
كتابة صحيحة ولو رهنه فالبائع بالخيار بين أخذ القيمة وبين الصبر إلى انفكاك الرهن ولو أجره فيبنى على
إن بيع المستأجر هل يجوز (ان قلنا) لا فهو كما لو رهنه (وان قلنا) نعم فللبائع أخذه لكنه يترك
عند المستأجر إلى انقضاء المدة والأجرة المسماة للمشترى وعليه للبائع أجرة المثل للمدة الباقية * وإن كان
197

في موضعها وميل الشيخ إلى طرد الأصل فيها * ثم التلف قد يكون حقيقيا وقد يكون حكميا كما لو كان
المشترى قد وقف المبيع أو أعتقه أو باعه أو وهبه وأقبضه فتجب القيمة وهذه التصرفات ماضية على
الصحة وعن أبي بكر الفارسي أنه يتبين بجريان التحالف فسادها وترد العين * والتعيب أيضا قد
يكون حقيقيا وقد يكون حكميا كما لو زوج الجارية المبيعة أو العبد المبيع فعليه ما بين قيمتها مزوجة
وخلية وتعود إلى البائع والنكاح بحاله * وعن الفارسي أنه يبطل النكاح أيضا * ومهما اختلفا في قدر القيمة
198

قد آجره من البائع فله أخذه لا محالة وفى انفساخ الإجارة وجهان كما لو باع الدار المكراة من المكترى
(ان قلنا) لا ينفسخ فعلي البائع المسمى للمشترى وعلى المشترى اجرة مثل المدة الباقية للبائع وإذا غرم القيمة في
هذه الصورة ثم ارتفع السبب الحائل وأمكن الرد هل تسترد القيمة وترد العين يبنى ذلك على أنه قبل
ارتفاع الحائل ملك من (أما) الآبق ففيه وجهان (أحدهما) أنه يبقى للمشترى والفسخ لا يرد على
الآبق كالمبيع وإنما هو وارد على القيمة (وأصحهما) انه في إباقه ملك للبائع والفسخ وارد عليه وإنما وجبت القيمة
199

للحيلولة (واما) المرهون والمكاتب ففيهما طريقان (أحدهما) طرد الوجهين (وأظهرهما) وبه قال
الشيخ أبو محمد القطع ببقاء الملك للمشترى كما أن المشترى إذا أفلس بالثمن والعبد آبق يجوز للبائع
الفسخ والرجوع إليه ولو كان مرهونا أو مكاتبا ليس له ذلك * وأم المكرى إذا منعنا بيعه فهو كالمرهون
والمكاتب والآبق لان حق المكرى يتعلق بمورد البيع والفسخ وهو فيه احتمالان للامام
(فإذا قلنا) ببقاء الملك للمشتري فالفسخ وارد على القيمة كما في صورة التلف فلا رد ولا استرداد
200

وان قلنا بانقلابه إلى البائع ثبت الرد والاسترداد عند ارتفاع الحيلولة والله أعلم * ونختم الباب بفروع
(أحدها) لو اختلف المتبايعان ثم حلف كل واحد منهما بعد التحالف أو قبله بحرية العبد المبيع ان
لم يكن الامر كما قال فلا يعتق العبد في الحال لأنه ملك المشتري وهو صادق بزعمه ثم إن فسخ العقد
أو عاد العبد إلى البائع بسبب آخر عتق عليه لان المشترى كاذب بزعمه والعبد قد عتق عليه فهو
كمن أقر بحرية العبد ثم اشتراه ولا يعتق في الباطن إن كان البائع كاذبا ويعتق على المشترى
201

إن كان صادقا وولاء هذا العبد موقوف لا يدعيه البائع ولا المشترى ولو صدق المشترى البائع حكم
بعتقه عليه ويرد الفسخ ان تفاسخا كما لو رد العبد بعيب ثم قال كنت أعتقته يرد الفسخ ويحكم
بعتقه ولو صدق البائع المشترى نظر ان حلف البائع بالحرية أولا ثم المشترى فإذا صدقه
البائع عقب يمينه ثم عاد العبد إليه لم يعتق لأنه لم يكذب المشترى بعد ما حلف بالحرية حتى يجعل
مقرا بعتقه وان حلف المشترى بحريته أولا ثم حلف البائع ثم صدقه عتق إذا عاد إليه لان حلفه بعد
202

حلف المشترى تكذيب له واقرار بالحرية ولو كانت المسألة بحالها لكن المبيع بعض العبد فإذا
عاد إلى ملك البائع عتق ذلك القدر عليه ولم يقوم عليه الباقي لأنه لم يحصل العتق بمباشرته بل
باقراره على غيره فصار كما لو خلف اثنين وعبدا فقال أحدهما أعتق أبى هذا العبد وأنكره
الآخر يعتق نصيب المقر ولا يقوم عليه الباقي وهذا الفرع من مولدات ابن الحداد رحمه الله (الثاني) إذا
جرى البيع بين وكيلين واختلفا ففي تحالفهما وجهان (وجه) المنع ان غرض اليمين ليخاف الظالم فيقر
203

واقرار الوكيل على موكله غير مقبول (الثالث) لو كان المبيع جارية ووطئها المشتري ثم اختلفا وتحالفا
إن كانت ثيبا فلا شئ عليه مع ردها وإن كانت بكرا ردها مع أرش البكارة لأنه نقصان جزء وإذا ترافع
المتنازعان إلى مجلس الحكم ولم يتحالفا بعد فهل للمشترى وطئ الجارية فيه وجهان (أصحهما) نعم
لبقاء ملكه وبعد التحالف وقبل الفسخ وجهان مرتبان وأولى بالتحريم لاشرافه على الزوال (الرابع)
لو تقابل المتبايعان أو رد المشترى المبيع بعيب بعد قبض البائع الثمن واختلفا في قدر الثمن فالقول قول
204

البايع مع يمينه لأن العقد قد ارتفع والمشترى يدعي زيادة والأصل عدمها *
(كتاب السلم والقرض وفيه بابان * الأول في شرائطه)
(قال والمتفق عليه منها خمسة (الأول) تسليم رأس المال في المجلس جبرا للغرر في الجانب الآخر
ولو كان في الذمة فعين في المجلس فهو كالتعيين في العقد * وكذلك في الصرف * وفي مثل ذلك
205

في بيع الطعام بالطعام خلاف ومهما فسخ السلم استرد عين رأس المال وإن كان قد عين بعد العقد
على الأصح) *
قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى) الآية وعن ابن عباس رضي الله عنه
ما أن المراد منه السلم (1) وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين وربما
قال والثلاث فقال من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " (2) وجمع في هذا
206

الكتاب بين السلم والقرض لتقاربهما واشتراكهما لفظا ومعنى (أما) اللفظ فلان كل واحد منهما يسمى
سلفا (وأما) المعنى فلان كل واحد منهما اثبات مال في الذمة مبذول في الحال وذكروا في تفسير السلم
عبارات متقاربة (منها) أنه عقد على موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلا (ومنها) أنه اسلاف عوض
حاضر في عوض موصوف في الذمة (ومنها) أنه تسليم عاجل في عوض لا يجب تعجيله * وعلم أن السلم بيع
207

على ما مر وقد سبق القول فيما يعتبر لصحة البيع. والسلم يختص بأمور عقد الباب الأول لبيانها وإنما قال
والمتفق عليه منها خمسة لان معظم الأئمة جعلوا شرائط السلم سبعا وضموا إلى الخمس العلم بقدر رأس المال
وبيان موضع التسليم وفيهما اختلاف قول كما سيأتي وقد أدرجهما حجة الاسلام في أثناء الكلام
لكن لم يفردهما بالترجمة وقد تعد أكثر من السبع وحقيقة الامر في مثل ذلك لا تختلف (الشرط الأول)
تسليم رأس المال في مجلس العقد. واحتج لاشتراطه بان المسلم فيه دين في الذمة فلو أخر تسليم رأس
208

المال عن المجلس لكان ذلك معنى في بيع الكالئ بالكالئ لان تأخير التسليم نازل منزلة
الدينية في الصرف وغيره (وقوله) في الكتاب جبرا للغرر في الجانب الآخر أراد به أن الغرر في المسلم
فيه احتمل للحاجة فجبر ذلك بتأكيد العوض الثاني بالتعجيل كي لا يعظم الغرر في الطرفين * إذا تقرر
ذلك فلو تفرقا قبل قبض رأس المال بطل العقد وبه قال أبو حنيفة واحمد * وقال مالك ان تأخر التسليم
مدة يسيرة كاليوم واليومين لم يضر وان تأخر مدة طويلة بطل العقد ولو تفرقا قبل تسليم بعضه
209

بطل العقد فيما لم يقبض وسقط بقسطه من المسلم فيه والحكم في المقبوض كما لو اشترى شيئين
فتلف أحدهما قبل القبض * ويجوز أن يجعل رأس المال منفعة عبد أو دار مدة معلومة وتسليمها بتسليم
العين ولا يشترط تعيين رأس المال عند العقد * ولو قال أسلمت إليك دينارا في ذمتي في كذا ثم
عين وسلم في المجلس جاز وكذلك في الصرف * ولو باع دينارا بدينار أو بدراهم في الذمة ثم عين
وسلم في المجلس جاز * ولو باع طعاما بطعام في الذمة ثم عين وسلم في المجلس فوجهان (أحدهما)
210

المنع لان الوصف فيه يطول بخلاف الصرف فان الامر في النقود أهون ولهذا يكفي فيها الاطلاق
ولا يكفي في العروض (والثاني) الجواز ويصفه كما يصف المسلم فيه والأشبه بكلام الشيخ أبى على
والأئمة أن هذا أظهر وظني أنه تقدم ذكر هذا الخلاف أو نظيره * ولو قبض رأس المال ثم أودعه
المسلم إليه قبل التفرق جاز ولو رده عليه بدين كان له عليه قال أبو العباس الروياني لا يصح لأنه
تصرف فيه قبل انبرام ملكه عليه فإذا تفرقا فعن بعض الأصحاب أنه يصح السلم بحصول القبض
211

وانبرام لملك ويستأنف اقباضه للدين ولو كان له في ذمة الغير دراهم فقال أسلمت إليك الدراهم
التي في ذمتك في كذا نظر أن شرط الأجل فيه فهو باطل لأنه بيع الدين بالدين وإن كان حالا
ولم يسلم المسلم فيه قبل التفرق فكمثل وان أحضره وسلمه فوجهان (أحدهما) يصح كما لو
صالح من تلك الدراهم على دنانير وسلمها في المجلس (وأظهرهما) المنع لان قبض
المسلم فيه ليس بشرط وإن كان السلم حالا فلو وجد لكان متبرعا به وأحكام البيع لا تبنى على
212

التبرعات ألا ترى أنه لو باع طعاما بطعام إلى أجل ثم تبرعا بالاحضار لم يجز * وأطلق صاحب التتمة
الوجهين في أن تسليم المسلم إليه في المجلس وهو حال هل يغنى عن تسليم رأس المال (والأظهر) المنع ولا يجوز
أن يحيل المسلم برأس المال على غيره وان قبضه المسلم إليه من المحال عليه في المجلس لان بالحوالة يتحول الحق إلى ذمة
المحال عليه فهو يؤديه من جهة نفسه لا من جهة المسلم ولو قبضه المسلم وسلمه إلى المسلم إليه جاز * ولو قال للمحال عليه
سلمه إليه ففعل لم يكف لصحة السلم لان الانسان في إزالة ملكه لا يصير وكيلا للغير لكن
213

يجعل المسلم إليه وكيلا عن المسلم في قبض ذلك * ثم السلم يقتضى قبضا ولا يمكنه أن يقبض من نفسه
ولو أحال المسلم إليه برأس المال الذي على المسلم فتفرقا قبل التسليم فالعقد باطل وان جعلنا الحوالة
قبضا لان المعتبر في السلم القبض الحقيقي * ولو أحضر رأس المال فقال المسلم إليه سلمه إليه ففعل صح
ويكون المحتال وكيلا عن المسلم إليه في القبض * ولو كان رأس المال دراهم في الذمة فصالح عنها
على مال لم يصح وان قبض ما صالح عليه * ولو كان عبدا فاعتقه المسلم إليه قبل القبض لم يصح
214

ان لم نصحح اعتاق المشترى قبل القبض وان صححناه فوجهان (وجه) الفرق أنه لو نفد لصار قابضا
من طريق الحكم وانه غير كاف في السلم بدليل الحوالة فعلى هذا ان تفرقا قبل قبضه بطل العقد
وان تفرقا بعده صح وفى نفوذ العتق وجهان ومتى فسخ السلم بسبب يقتضيه وكان رأس المال
معينا في ابتداء العقد وهو باق رجع المسلم إليه وإن كان تالفا رجع إلى بدله وهو المثل أو القيمة
وإن كان رأس المال موصوفا في الذمة ثم عجل في المجلس وهو باق فهل له المطالبة بعينه أم
215

للمسلم إليه الاتيان ببدله فيه وجهان (وجه) الثاني أن العقد لم يتناول الملك (العين ووجه) الأول وهو
الأصح أن المعين في المجلس كالمعين في العقد *
(فرع) وإذا وجدنا رأس المال في يد المسلم إليه واختلفا فقال المسلم أقبضتكه بعد التفرق وقال
المسلم إليه بل قبله وأقام كل واحد منهما بينة على ما قاله فبينة المسلم إليه أولى لأنها نافلة يحكى ذلك
عن ابن سريج *
216

قال (وأصح القولين وهو اختيار المزني أن رأس المال إن كان جزافا غير مقد جاز العقد (ح) كما يجوز
في البيع وكما يجوز مع الجهل بقيمته) *
عرفت أن رأس المال يجوز أن يكون في الذمة ثم يسلم في المجلس ويجوز أن يكون معينا في العقد
فعلى التقدير الأول لابد من معرفة قدره وذكر صفاته إذا كان عرضا وعلى التقدير الثاني هل تكفى
معاينته فيه قولان (أحدهما) لا بل لابد من بيان صفاته ومعرفة مقداره بالكيل في المكيلات
والوزن في الموزونات والذرع في المذروعات لأنه أحد العوضين في السلم فلا يجوز أن يكون جزافا
217

كالعوض الثاني وأيضا فان السلم لا يتم في الحال وإنما هو عقد منتظر تمامه بتسليم المسلم فيه وربما
ينقطع ويكون رأس المال تالفا فلا يدرى إلى ماذا يقع الرجوع وبهذا القول قال مالك واحمد واختاره
أبو إسحاق (وأصحهما) وبه قال المزني أن المعاينة كافية واحتمال الفسخ ثابت في البيع كما في
السلم هذا في المثليات * ولو كان رأس المال متقوما وضبطت صفاته بالمعاينة ففي اشتراط معرفة قيمته
طريقان (منهم) من طرد القولين (والأكثرون) قطعوا بصحة السلم ولا فرق على القولين بين السلم
218

الحال والمؤجل (ومنهم) من خصص القولين بالسلم المؤجل وقطع في الحال بأن المعاينة كافية كما في البيع
ثم موضع القولين ما إذا تفرقا قبل العلم بالقدر والقيمة أما إذا علما ثم تفرقا فلا خلاف في الصحة وبني
كثير من الأصحاب على هذين القولين أنه هل يجوز أن يجعل رأس مال السلم ما لا يجوز السلم فيه
ان قلنا بالأصح فيجوز وإلا فلا * قال الامام وليس ذلك على هذا الاطلاق بل الدرة الثمنية إذا عرفا
قيمتها وبالغا في وصفها وجب أن يجوز جعلها رأس مال لان منع السلم فيها من الاعزار في الوصف
219

يشبه عزة الوجود ولا معنى لاشتراط عموم الوجود في رأس المال وإذا جوزنا السلم ورأس المال جزاف
ثم اتفق الفسخ وتنازعا في قدره فالقول قول المسلم إليه لأنه غارم (وقوله) في الكتاب وأصح القولين
يجوز اعلامه بالواو لان السلم اما حال أو مؤجل أما الحال ففيه طريقة قاطعة بالصحة وأما المؤجل ففي
كتاب القاضي ابن كج طريقة قاطعة بالمنع (وقوله) جاز العقد معلم بالميم والألف ويجوز اعلامه بالحاء أيضا
لان عنده إن كان رأس المال مكيلا أو موزونا وجب ضبط صفاته وإن كان مذروعا أو معدودا فلا يجب
220

(وقوله) وكما يجوز مع الجهل بقيمته جواب على طريقة الأكثرين *
قال (الشرط الثاني) أن يكون المسلم فيه دينا * فلا ينعقد في عين لان لفظ السلم للدين *
وهل ينعقد بيعا فيه قولان * وكذلك لو قال بعت بلا ثمن هل ينعقد هبة * (والأصح) الابطال
لتهافت اللفظ * ولو أسلم بلفظ الشراء انعقد * وهل ينعقد سلما ليجب تسليم رأس المال في المجلس
فعلى وجهين * منشؤهما تقابل النظر إلى اللفظ والمعنى) *
221

يشترط في المسلم فيه أن يكون دينا لان لفظ السلف والسلم موضوع للدين ولو استعمل
لفظ السلم في العين فقال أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد فليس ما جاء به سلما
وفى انعقاده بيعا قولان (أحدهما) ينعقد نظرا إلى المعني (وأظهرهما) لا لاختلال اللفظ * ولو
قال بعت هذا بلا ثمن أو على أن لا ثمن لي عليك فقال اشتريت وقبضه هل يكون هبة فيه مثل
هذين القولين عن رواية القاضي وهل يكون المقبوض مضمونا على القابض فيه وجهان * ولو قال
222

بعت هذا ولم يتعرض للثمن أصلا لم يكن ذلك تمليكا والمقبوض مضمون (ومنهم) من طرد فيه
الوجهين * ولو أسلم بلفظ الشراء فقال اشتريت منك ثوبا أو طعاما صفته كذا بهذه الدراهم
فقال بعته منك انعقد لان كل سلم بيع فإذا استعمل لفظ البيع فيه فقد
استعمله في موضعه بخلاف استعمال لفظ السلم في البيع إذ ليس كل بيع بسلم وإذا انعقد
223

فهو سلم اعتبارا بالمعنى أو بيع اعتبارا باللفظ فيه وجهان (الأصح) على ما ذكره صاحب
التهذيب وغيره أن الاعتبار باللفظ فعلى هذا لا يجب تسليم الدراهم في المجلس ويثبت فيه خيار
الشرط وهل يجوز الاعتياض عن الثوب فيه قولان كما في الثمن (ومنهم) من قطع بالمنع لأنه مقصود الجنس كالمبيع وفى الأثمان الغالب قصد المالية لا قصد الجنس (وان قلنا) الاعتبار بالمعني وهو الصحيح
عند ابن الصباغ فهو سلم حتى يجب تسليم الدراهم في المجلس ولا يثبت فيه خيار الشرط ولا يجوز
224

الاعتياض عن الثوب ولو قال اشتريت ثوبا صفته كذا في ذمتك بعشرة دراهم في ذمتي فان جعلناه سلما
وجب تعين الدراهم وتسليمها في المجلس وان جعلناه بيعا لم يجب *
قال (ولا يشترط (ح) في المسلم فيه كونه مؤجلا * ويصح سلم الحال (ح م) ولكن
يصرح بالحلول * فان أطلق فهو محمول على الأجل لاقتضاء العادة الأجل * فان أطلق ثم ذكر
الأجل قبل التفرق جاز نص عليه) *
225

السلم الحال الصحيح خلافا لأبي حنيفة ومالك وأحمد * لنا أن في الأجل ضرب من الغرر لأنه
ربما يقدر في الحال ويعجز عند المحل فإذا جاز مؤجلا فهو حالا أجوز وعن الغرر أبعد * إذا عرف ذلك
فلو صرح بالحلول أو التأجيل فذاك وان أطلق فوجهان وقيل قولان (أحدهما) أن العقد يبطل لان
مطلق العقود يحمل على المعتاد والمعتاد في السلم التأجيل وإذا كان كذلك فيفسد ويكون كما لو ذكر
أجلا مجهولا (والثاني) يصح ويكون حالا كالثمن في البيع المطلق وبالوجه الأول أجاب صاحب الكتاب
226

لكن الأصح عند الجمهور هو الثاني وبه قال في الوسيط وفى بعض نسخ الكتاب بدل قوله فهو
مجهول على النص فهو محمول على الأجل وهما متقاربان في الغرض وأما النص فيمكن تنزيله على
ما حكى عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال ويذكره حالا أو مؤجلا فاعتبر ذكر الحلول كالتأجيل ولو
أطلقا العقد ثم ألحقا به أجلا في مجلس العقد فالنص لحوقه وهو المذهب ويجئ في الخلاف الذي تقدم في
سائر الالحاقات * ولو صرحا بالتأجيل في متن العقد ثم اسقطاه في المجلس سقط وصار العقد حالا ذكره
227

المسعودي وغيره واعلم أن في نصه على لحوق الأجل الملحق في المجلس دليلا ظاهرا على صحة العقد
عند الاطلاق والا فالعقد الفاسد كيف ينقلب صحيحا وكيف يعتبر مجلسه * وهذا أصل بني عليه
مسألة وهي أن الشرط الفاسد للعقد إذا حذفاه في المجلس هل ينحذف وينقلب العقد صحيحا أم لا
ظاهر المذهب أنه لا ينحذف ولا ينقلب العقد صحيحا وقد ذكرناه من قبل وعن صاحب التقريب
وجه انهما لو حذفا الأجل المجهول في المجلس انحذف وصار العقد صحيحا واختلفوا في جريان هذا
228

الوجه في سائر المفسدات كالخيار والرهن الفاسدين وغيرهما فمنهم من أجراه قال الامام والأصح
تخصيصه بالأجل لان بين الأجل والمجلس مناسبة لا توجد في سائر الأمور وهي أن البائع لا يملك
مطالبة المشترى بالثمن في المجلس كما لا يملكها في مدة الأجل فلم يبعد اصلاح الأجل في المجلس
واختلفوا أيضا في أن زمان الخيار المشروط هل يلحق بالمجلس في حذف الأجل المجهول تفريعا
على هذا الوجه والأظهر أنه لا يلحق به *
229

قال (ثم لا يجوز تأقيت الأجل بالحصاد والدياس (م) وما يختلف وقته * ويجوز (و ح)
بالنيروز والمهرجان * وكذا بفصح (و) النصارى وفطر اليهود (و) إن كان يعلم دون مراجعتهم
* وفى قوله نفر الحجيج * أو إلى جمادى وجهان * والأصح صحته * والتنزيل على الأول *
ولو قال إلى ثلاثة أشهر احتسب بالأهلة (ح) الا شهرا واحدا انكسر في الابتداء فيكمل ثلاثين *
ولو قال إلى الجمعة أو رمضان حل بأول جزء منه * ولو قال في الجمعة أو في رمضان فهو مجهول لأنه
جعله ظرفا * ولو قال إلى أول الشهر أو إلى آخره فالمشهور البطلان لأنه يعبر به عن جميع النصف
الأول والنصف الأخير) *
230

غرض الفصل أنهما إذا ذكرا أجلا في السلم وجب أن يكون معلوما قال صلى الله عليه
وسلم (إلى اجل معلوم) وفيه صور (إحداها) لا يجوز تأقيته بما يختلف وقته كالحصاد والدياس وقدوم الحاج
خلافا لمالك لنا ان ذلك يتقدم تارة ويتأخر أخرى فأشبه مجئ المطر ولو قال إلى العطاء لم يجز ان
أراد وصوله وان أراد وقت خروجه وقد عين السلطان له وقتا جاز بخلاف ما إذا قال إلى وقت
الحصاد إذ ليس له وقت معين ولو قال إلى الصيف أو إلى الشتاء لم يجز الا ان يريد الوقت ويجوز إعلام
231

(قوله في) الكتاب وما يختلف وقته بالواو لان القاضي أبا القاسم ابن كج ذكر ابن خزيمة يجوز
التأقيت بالميسرة لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (اشترى من يهودي شيئا إلى الميسرة) (1)
(الثانية)
التأقيت بشهور الفرس والروم جائز كالتأقيت بشهور العرب لأنها معلومة مضبوطة وكذا التأقيت
بالنيروز والمهرجان لأنهما يومان كالعيد وعرفة وعاشوراء وفي النهاية نقل وجه انه لا يجوز التأقيت
بهما ووجهه الامام بأن النيروز والمهرجان يطلقان على الوقتين الذين تنتهي الشمس فيهما إلى أوائل برجي
232

الحمل والميزان وقد يتفق ذلك ليلا ثم ينحبس مسير الشمس كل سنة بمقدار ربع يوم وليلة * ولو وقتا
بفصح النصارى نص الشافعي رضي الله عنه على أنه لا يجوز فأخذ بعض الأصحاب باطلاقه اجتنابا
عن التأقيت بمواقيت الكفار وعامتهم فصلوا فقالوا ان اختص بمعرفة وقته الكفار فالجواب
ما ذكره لأنه لا اعتماد على قولهم وإن عرفه المسلمون أيضا جاز كالنيروز والمهرجان ثم اعتبر معتبرون
فيهما جميعا معرفة المتعاقدين والأكثرون اكتفوا بمعرفة الناس وسواء اعتبر معرفتهما أم لا * فلو
233

عرفا كفى وفيه وجه أنه لابد من معرفة عدلين من المسلمين سواهما لأنهما قد يختلفان فلابد من
مرجع وفى معني الفصح سائر أعياد أهل الملل كفطر اليهود ونحوه (الثالثة) لو وقتا بنفر الحجيج
وقيدا بالأول أو الثاني جاز وان أطلقا فوجهان (أحدهما) أن الأجل فاسد لتردد المحل بين النفرين
(وأصحهما) ويحكى عن نصه أنه صحيح ويحمل على النفر الأول لتحقق الاسم به وعلى هذا الخلاف
التوقيت بشهر ربيع أو جمادي أو بالعيد * ولا يحتاج إلى تعيين السنة إذا حملنا المذكور على الأول
234

وحكى عن الحاوي أن التوقيت بالنفر الأول أو الثاني لأهل مكة جائز لأنه معروف عندهم ولغيرهم
وجهان وأن في التوقيت بيوم لأهل مكة وجهين أيضا لأنه لا يعرفه إلا خواصهم وهذا غير
فقيه لأنا ان اعتبرنا علم المتعاقدين فلا فرق وإلا فهي مشهورة في كل ناحية عند الفقهاء وغيرهم
(الرابعة) لو أجلا إلى سنة أو سنتين فمطلقه محمول على السنين الهلالية فان قيدا بالفارسية أو الرومية
أو الشمسية تعبد بالمذكور * ولو قال بالعدد فهو ثلاثمائة وستون يوما وكذا مطلق الأشهر محمول على
235

الشهور الهلالية ثم نظر ان جرى العقد في أول الشهر اعتبر الجميع بالأهلة تامة كانت أو ناقصة
وان جرى بعد مضى بعض الشهر عد الباقي منه بالأيام واعتبرت الشهور بعده بالأهلة ثم يتمم المنكسر
بالعدد ثلاثين وإنما كان كذلك لان الشهر الشرعي هو ما بين الهلالين الا أن في الشهر المنكسر لابد من
الرجوع إلى العدد كيلا يتأخر ابتداء الأجل عن العقد وفيه وجه أنه إذا انكسر الشهر انكسر الجميع فيعتبر الكل
بالعدد ويحكى هذا عن أبي حنيفة (والمذهب) الأول * وضرب الامام مثلا للتأجيل بثلاثة أشهر مع فرض
236

الانكسار فقال عقدوا وقد بقي لحظة من صفر ونقص الربيعان وجمادى فيحسب الربيعان بالأهلة
ويضم جمادى إلى اللحظة الباقية من صفر ويكملان بيوم من جمادى الآخرة سوى لحظة ثم قال
كنت أود في هذه الصورة أن يكتفي بالأشهر الثلاثة فإنها جرت عربية كوامل وما تمناه هو الذي
نقله أبو سعد المتولي وغيره وقطعوا بحلول الأجل بانسلاخ جمادى في الصورة المذكورة وان العدد
إنما يراعى فيما إذا جرى العقد في غير اليوم الأخير وهو الصواب والله أعلم (الخامسة) لو قال إلى
237

الجمعة أو إلى رمضان حل بأول جزء منه لتحقق الاسم به وربما يقال بانتهاء يوم الجمعة وانتهاء شعبان
والمقصود واحد ولو قال محله في الجمعة أو في رمضان فوجهان (عن ابن أبي هريرة) أنه يجوز ويحمل
على الأول كما لو قال أنت طالق في يوم كذا (وأصحهما) المنع لأنه جعل اليوم أو الشهر ظرفا
فكأنه قال محله وقت من أوقات يوم كذا وفرقوا بينه وبين الطلاق بان الطلاق يجوز تعليقه
بالمجاهيل والاغرار بخلاف السلم قال ابن الصباغ نعم لكن لو كان هذا من ذلك القبيل لوقع في الجزء
238

الأخير دون الأول وهذا أحسن والفرق مشكل * ولو قال إلى أول شهر كذا أو آخره فعن عامة الأصحاب
بطلانه لان اسم الأول يقع على جميع النصف فلابد من البيان والا فهو مجهول وقال الامام وصاحب
التهذيب وجب أن يصح ويحمل على الجزء الأول من كل نصف على قياس مسألة النفر وأيضا فإنه
إذا أجل إلى يوم حمل على أوله وإن كان اسم اليوم عبارة عن جميع الأجزاء وأيضا فان الامر في
الطلاق على ما ذكراه وأيضا فإنه لو قال إلى شهر كذا حمل على أول جزء منه (وقوله) إلى أول
239

شهر كذا أقرب إلى هذا المعني مما إذا أطلق ذكر الشهر * قال الامام وقد يحمل الفطر الأول على
الجزء الأول والآخر على الجزء الآخر وسينتهي إلى وجه كما أشار إليه في الطلاق *
(فرع) لو أسلم في جنس واحد إلى أجلين أو آجال دفعة واحدة كما لو أسلم في وقر حنطة يسلمه
بنجمين أو أسلم في جنسين إلى أجل كما لو أسلم في حنطة وشعير إلى شهر ففي الصورتين قولان (أحدهما)
البطلان لأنه ربما يتعذر تسليم بعض النجوم أو بعض الأجناس فيرتفع العقد فيه ويتعدى إلى الباقي
240

فيصير التنجيم شرطا متضمنا رفع العقد (وأصحهما) الصحة كما لو باع بثمن منجم أو بجنسين والخلاف
ناظر إلى أن الصفقة هل تفرق * واعلم أن الكلام في أن التأجيل ليس بشرط في السلم وفى أن شرط
الأجل ماذا لا اختصاص له بهذا الموضع وربما كان ذكره بعد الفراغ من الشروط كلها أليق *
قال (الشرط الثالث أن يكون المسلم فيه مقدورا على تسليمه * فلا يصح السلم في منقطع لدى
المحل * ولا يضر الانقطاع قبله (ح) ولا بعده * ولا يكفي الوجود في قطر آخر لا يعتاد نقله إليه
241

في غرض المعاملة * ولو أسلم في وقت الباكورة في قدر كثير يعسر تحصيله ففيه وجهان * ولو طرأ
الانقطاع بعد انعقاد السلم فأصح القولين أنه لا ينفسخ * بل له الخيار كما في إباق العبد المبيع * ولو
تبين العجز قبل المحل ففي تنجيز الخيار أو تأخره إلى المحل قولان) *
هذا الشرط ليس من خواص السلم بل يعم كل بيع على ما مر وإنما تعتبر القدرة على التسليم
242

عند وجوب التسليم وذلك في البيع والسلم الحال في الحال وفى السلم المؤجل عند المحل فلو أسلم في
منقطع لدي المحل كما لو جعل محل الرطب السالم يصح وكذا لو أسلم فيما يندر وجوده كلحم الصيد
حيث يعز فيه الصيد وإن كان يغلب على الظن وجوده لكن لا يتوصل إلى تحصيله الا بمشقة عظيمة
كالقدر الكثير من الباكورة ففيه وجهان (أقربهما) إلى كلام الأكثرين البطلان لأنه عقد غرر
فلا يحتمل فيه معاناة المشاق العظمية (وأقيسهما) عند الامام الصحة لان التحصيل ممكن وقد التزمه المسلم
243

إليه * ولو أسلم في شئ ببلد لا يوجد مثله فيه ويوجد في غيره قال في النهاية إن كان قريبا منه
صح وإن كان بعيدا لم يصح قال ولا تعتبر مسافة القصر ههنا وإنما التقريب فيه أن يقال إن كان
يعتاد نقله إليه في غرض المعاملة لا في معرض التحف والمصادرات صح السلم والا فلا ويجئ في
آخر الفصل ما ينازع في الاعراض عن مسافة القصر * ولو كان المسلم فيه عام الوجود عند المحل فلا
بأس بانقطاعه قبله أو بعده وعند أبي حنيفة يشترط عموم الوجود من وقت العقد إلى المحل * واحتج
244

الشافعي رضي الله عنه بالحديث المذكور في أول الباب (وهو أنهم كانوا يسلفون في الثمار السنة والسنتين)
والثمار لا تبقى هذه المدة بل تنقطع * وإذا أسلم فيما يعم وجوده ثم انقطع عند المحل لجائحة فقولان
(أحدهما) أنه ينفسخ العقد كما لو تلف المبيع قبل القبض (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة لا ينفسخ
لان المسلم فيه يتعلق بالذمة فأشبه ما إذا أفلس المشترى بالثمن لا ينفسخ العقد ولكن للبائع الخيار ولان
هذا العقد ورد على مقدور في الظاهر فعروض الانقطاع كإباق العبد المبيع وذلك لا يقتضى الا الخيار
245

فكذلك ههنا المسلم يتخير أن يفسخ العقد أو يصبر إلى وجود المسلم فيه ولا فرق في جريان
القولين بين أن لا يوجد المسلم فيه عند المحل أصلا وبين أن يكون موجودا فيسوف المسلم إليه
حتى ينقطع وعن بعض الأصحاب أن القولين في الحالة الأولى (أما) في الثانية فلا ينفسخ العقد
بحال لوجود المسلم فيه وحصول القدرة فان أجاز ثم بدا له مكن من الفسخ كزوجة المولى إذا رضيت
بالمقام ثم ندمت ووجهه الامام بأن هذه الإجازة انظار والانظار تأجيل والأجل لا يلحق العقد بعد
246

لزومه وقد يتوقف الناظر في كونها انظار أو يميل إلى أنها اسقاط حق ورضى بما عرض كإجازة زوجة
العنين ويجوز أن يقدر فيه وجهان لان الامام حكى وجهين في أنه لو صرح باسقاط حق الفسخ
هل يسقط قال والصحيح أنه لا يسقط * ولو قال المسلم إليه للمسلم لا تصبر وخذ رأس مالك فللمسلم
أن لا يجيبه وفيه وجه * ولو حل الأجل بموت المسلم إليه في أثناء المدة والمسلم فيه منقطع جرى القولان
ذكره في التتمة قال وكذا لو كان موجودا عند المحل وتأخر التسليم لغيبة أحد المتعاقدين ثم
247

حضر والمسلم فيه منقطع * ولو انقطع بعض المسلم فيه فقد ذكرنا حكمه في تفريق الصفقة * ولو أسلم
في شئ عام الوجود عند المحل ثم عرضت آفة علم بها انقطاع الجنس لدى المحل فيتنجز حكم الانقطاع
في الحال أو يتأخر إلى المحل فيه وجهان (أحدهما) يتنجز حتى ينفسخ العقد على قول ويثبت
الخيار على الثاني لتحقق العجز في الحال (وأظهرهما) لا لأنه لم يجئ وقت وجوب التسليم وهذا الخلاف
مأخوذ من الخلاف فيما إذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فتلف قبل الغد يحنث في الحال أو يتأخر
248

الحنث إلى الغد (وقوله) في الكتاب ففي تنجيز الخيار أو تأخيره تفريع على أن الثابت بالانقطاع الخيار دون
الانفساخ وعلى القول الآخر يتنجز الانفساخ واللفظ العام ما سبق واطلاقه القولين في المسألة اتباع للامام والوجه
الحمل على القولين المخرجين وحينئذ لا يبقي بينهما وبين الوجهين كثير فرق (فان قيل) فبم يحصل الانقطاع
(قيل) إن لم يوجد المسلم فيه أصلا بأن كان ذلك الشئ ينشأ في تلك البلدة وقد أصابته جائحة
مستأصلة فهذا انقطاع حقيقي وفى معناه ما لو كان يوجد في غير تلك البلدة ولكن لو نقل إليها
249

لفسد وما إذا لم يوجد إلا عند قوم محصورين وامتنعوا من بيعه ولم كانوا يبيعونه بثمن غال وجب
تحصيله ولم يكن ذلك انقطاعا وإن أمكن نقل المسلم فيه من غير تلك البلدة إليها وجب نقله إن كان
في حد القرب وبم يضبط (أما) صاحب التهذيب في آخرين فإنهم نقلوا وجهين (أقربهما) أنه
يجب نقله مما دون مسافة القصر (والثاني) من مسافة لو خرج إليها بكرة أمكنه الرجوع إلى أهله
ليلا (وأما) الامام فإنه جرى على الاعراض عن مسافة القصر وقال إن أمكن النقل على عسر
250

(فالأصح) أن السلم لا ينفسخ قطعا ومنهم من طرد فيه القولين *
قال (وأصح القولين أنه لا يشترط تعيين مكان التسليم بل ينزل المطلق على مكان العقد) *
السلم اما مؤجل أو حال أما المؤجل فقد حكى عن نص الشافعي رضي الله عنه اختلاف في أنه هل
يجب تعيين مكان التسليم وانقسم الأصحاب إلى نفاة للخلاف ومثبتين (أما) النفاة فعن أبي إسحاق
251

المروزي أنه ان جرى العقد في موضع يصلح للتسليم فلا حاجة إلى التعيين وإن جري في موضع
غير صالح فلا بد من التعيين وحمل النصين على الحالين * وعن ابن العاص أن المسلم فيه إن كان لحمله
مؤنة وجب التعيين والا فلا وحمل النصين على الحالين وبهذا قال أبو حنيفة وهو اختيار القاضي
أبى الطيب فهذان طريقان (وأما) المثبتون فلهم طرق (أحدها) وبه قال صاحب الافصاح والقاضي
أبو حامد ان المسألة على قولين مطلقا (والثاني) أنه ان لم يكن الموضع صالحا وجب التعيين
252

لا محالة وإن كان صالحا فقولان (والثالث) ان لم يكن لحمله مؤنة فلا حاجة إلى التعيين وإن كان
له مؤنة فقولان (والرابع) إن كان لحمله مؤنة فلا بد من التعيين وإلا فقولان وهذا أصح الطرق
عند الامام * ويروي عن اختيار القفال ووجه اشتراط التعيين ان الاغراض تتفاوت بتفاوت الأمكنة
فلابد من التعيين قطعا للنزاع كما لو باع بدراهم وفى البلد نقود مختلفة ووجه عدم الاشتراط وبه
قال احمد القياس على البيع فإنه لا حاجة فيه إلى تعيين مكان التسليم ووجه الفرق بين الموضع الصالح
253

وغير الصالح اطراد العرف بالتسليم في الموضع الصالح واختلاف الاغراض في غيره ووجه الفرق بين
ما لحمله مؤنة وغيره قريب من ذلك والفتوى من هذا كله على وجوب التعيين إذا لم يكن الموضع
صالحا أو كان لحمله مؤنة وعدم الاشتراط في غيرها تبين الحالتين ومتى شرطنا التعيين فلو لم يعين
فسد العقد وان لم نشرطه فان عين تعين وعن أحمد رواية ان هذا الشرط يفسد السلم وان لم يعين
حمل على مكان العقد * وفى التتمة انه إذا لم يكن لحمله مؤنة سلمه في أي موضع صالح شاء وذكر
254

وجها فيما إذا لم يصلح الموضع للتسليم انه يحمل على أقرب موضع صالح * ولو عين موضعا للتسليم
فخرب وخرج عن صلاحية التسليم ففيه ثلاثة أوجه ذكرها القاضي ابن كج (أحدها) أنه يتعين
ذلك الموضع (والثاني) لا وللمسلم الخيار (والثالث) يتعين أقرب موضع صالح (وأما) السلم
الحال فلا حاجة فيه إلى تعيين مكان التسليم كالبيع ويتعين مكان العقد لكن لو عينا موضعا آخر
جاز بخلاف البيع لان السلم يقبل التأجيل فيقبل شرطا يتضمن تأخير التسليم بالاحصار والأعيان
255

لا تحتمل التأجيل فلا تحتمل شرطا يتضمن تأخير التسليم وحكم الثمن في الذمة حكم المسلم فيه وإن كان
معينا فهو كالمبيع قال في التهذيب ولا نعنى بمكان العقد ذلك الموضع بعينه بل تلك المحلة
والله أعلم *
قال (الشرط الرابع أن يكون معلوم المقدار بالوزن أو الكيل * قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم * من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم * ولا يكفي العد في المعدودات
256

بل لابد من ذكر الوزن في البطيخ والبيض والباذنجان والرمان وكذا الجوز واللوز ان عرف
نوع لا يتفاوت في القشور غالبا ويجمع في اللبن بين العد والوزن) *
يشترط أن يكون المسلم فيه معلوم القدر للخبر والاعلام تارة تكون بالكيل وأخرى بالوزن أو
العدد أو الذرع (وقوله) في الحديث في كيل معلوم ووزن معلوم ينبغي أن يعرف فيه شيئان
257

(أحدهما) أنه ليس أمرا بالجمع بين الكيل والوزن بل الجمع قد يكون مبطلا كما لو أسلم في ثوب
ووصفه وقال وزنه كذا أو أسلم في مائة صاع حنطة على أن يكون وزنها كذا لأنه يورث عزة الوجود
قال الشيخ أبو حامد لكن لو ذكر وزن الخشب مع الصفات المشروطة جاز لأنه لو كان زائدا أمكن
نحته حتى يعود إلى القدر المشروط * إذا تقرر ذلك فالمراد من الخبر الامر بالكيل في المكيلات
والوزن في الموزونات (الثاني) هذا الامر ورد على العادة الغالبة في النوعين لا للتعيين فيجوز دكر
258

الوزن في المكيلات والكيل في الموزونات التي يتأتى فيها الكيل بخلاف الربويات لان المقصود
ههنا معرفة المقدار وكل واحد منهما معروف وثم نص الشارع على طريق المماثلة فوجب الاتباع
وعن أبي الحسين ابن القطان أن بعض الأصحاب منع من السلم كيلا في الموزونات والمشهور الأول
لكن امام الحرمين حمل ما أطلقه الأصحاب على ما يعتاد الكيل في مثله ضابطا (أما) لو أسلم في
فتات المسك والعنبر ونحوهما كيلا لم يصح لان للقدر اليسير منه مالية كبيرة والكيل لا يعد ضابطا
259

فيه * ثم الفصل صورتان (إحداهما) السلم في البطيخ والقثاء والرمان والسفرجل والباذنجان والرانج
والبيض جائز والمعتبر فيها الوزن دون الكيل لأنها تتجافى في المكيال ودون العدد لكثرة التفاوت
فيه والناس يكتفون بالعدد تعويلا على العيان وتسامحا وكذا لا يجوز السلم في الجوز واللوز عددا
ويجوز وزنا وفى الكيل وجهان نقلهما صاحب البيان المذكور منهما في الشامل الجواز وكذا في
الفستق والفندك * واستدرك الامام فقال قشور الجوز واللوز مختلفة فمنها غلاظ ومنها رقاق والغرض
260

يختلف باختلافها فليمتنع السلم فيها بالوزن أيضا وليحمل ما أطلقه الأصحاب على النوع الذي لا تختلف
قشوره في الغالب * وعن أبي حنيفة أنه يجوز السلم عددا في البيض والجوز ولا يجوز السلم في البقول
جزما لاختلافها وإنما السلم فيها بالوزن ولا يجوز السلم في البطيخة الواحدة والسفرجلة الواحدة ولا في
عدد منها لأنه يحتاج إلى ذكر حجمها ووزنها وذلك يورث عزة الوجود (وقوله) في الكتاب ولا
يكفي العد في المعدودات يجوز اعلامه بالحاء لما حكيناه عنه ثم هو غير مجرى على اطلاقه لان التقدير
261

في الحيوانات إنما يكون بالعد دون الوزن والكيل (وقوله) بل لابد من ذكر الوزن بعد قوله
ولا يكفي العد قد يوهم الحاجة إلى ذكر الوزن مع العد وليس كذلك بل هو مفسد كما سبق والمراد
أن المعتبر الوزن ولا نظر إلى العد (الثانية) يجمع في اللبن بين العد والوزن فيقول كذا لبنة وزن
كل واحدة كذا لأنها تضرب عن اختيار فالجمع فيها بين العد والوزن لا يورث عزة ثم الامر فيها
على التقريب دون التحديد *
262

قال (ولو عين مكيالا لا يعتاد كالكوز فسد العقد * وإن كان يعتاد فسد الشرط وصح العقد
على الأصح لأنه لغو * ولو أسلم في ثمرة بستان بعينه بطل لأنه ينافي الدينية * وان أضافه إلى ناحية
كمعقلي البصرة جاز إذ الغرض منه الوصف) *
في الفصل مسألتان (إحداهما) لو عين للكيل ما لا يعتاد الكيل به كالكوز فسد السلم
لان ملأه مجهول القدر ولان فيه غرر لا حاجة إلى احتماله فإنه قد يتلف قبل المحل وفى البيع لو قال
263

بعتك ملء هذا الكوز من هذه الصبرة فوجهان بناء على المعنيين (والأصح) الصحة اعتمادا على
المعني الثاني * ولو عين في البيع أو السلم مكيالا معتادا فهل يفسد العقد فيه وجهان (أحدهما)
نعم لتعرضه للتلف (وأصحهما) لا ويلغو الشرط كسائر الشروط الذي لا غرض فيها والسلم الحال
كالمؤجل أو كالبيع فيه وجهان (جواب) الشيخ أبى حامد منهما انه كالمؤجل لان الشافعي رضي الله عنه
قال لو أسلم في ملء هذه الجرة خلا لم يصح لأنها قد تنكسر فلا يمكن التسليم كذلك
264

ههنا * ولو قال أسلمت إليك في ثوب كهذا الثوب أو في مائة صاع من الحنطة كهذه الحنطة فقد
قال العراقيون لا يصح الا به ربما يتلف ذلك المحضر كما في مسألة الكوز وفى التهذيب أنه يصح
ويقوم مقام الوصف * ولو أسلم في ثوب ووصفه ثم أسلم في ثوب آخر بتلك الصفة جاز إن كانا
ذاكرين لتلك الأوصاف (الثانية) لو أسلم في حنطة ضيعة بعينها أو ثمرة بستان بعينه أو قرية صغيرة
لم يجز وعللوه بشيئين (أحدهما) أن تلك البقعة قد تصيبها جائحة فتنقطع ثمرته وحنطته فاذن في
265

التعيين غرر لا ضرورة إلى اجتماله (والثاني) وهو المذكور في الكتاب أن التعيين ينافي الدينية
من حيث إنه يضيق مجال التحصيل والمسلم فيه ينبغي أن يكون دينا مرسلا في الذمة ليتيسر أداؤه * وإن أسلم
في ثمرة ناحية أو قرية كبيرة نظر إن أراد المسلم فيه تنوع المسلم فيه كمعقلي البصرة جاز فإنه مع معقلي بغداد
صنف واحد لكن كل واحد منهما يمتاز عن الآخر بصفات وخواص فالإضافة إليها تفيد فائدة
الأوصاف وإن لم تفد تنويعا فوجهان (أحدهما) انه كتعيين المكيال لخلوه عن الفائدة (وأصحهما)
266

الصحة لأنه لا ينقطع غالبا ولا يتضيق به المجال *
قال (الشرط الخامس معرفة الأوصاف * فلا يصح السلم إلا في كل ما ينضبط منه كل
وصف تختلف به القيمة اختلافا ظاهرا لا يتغابن الناس بمثله في السلم * ولا يصح في المختلطات
المقصودة الا دكان كالمرق والحلاوي والمعجونات * والخفاف والقسي والنبال * والأصح أنه يصح
في العتابي والخز وان اختلف اللحمة والسدي لأنه في حكم الجنس الواحد كالشهد (و) واللبن *
267

وكذلك ما لا يفسد خلطه كالخبز وفيه الملح * والجبن واللبن وفيه الإنفحة * وكذا دهن البنفسج
والبان * وفى خل الزبيب والتمر وفيه الماء تردد) *
أقدم فقه الفصل ثم أتكلم في الضبط الذي حاوله (أما) الفقه فهو أن معرفة أوصاف المسلم
فيه بذكرها في العقد شرط فلا يصح السلم فيما لا تنضبط أوصافه أو تنضبط واهملا بعض ما يجب
ذكره لان البيع لا يحتمل جهالة المعقود عليه وهو عين فلان لا يحتملها السلم وهو دين كان أولى
268

ولتعذر الضبط أسباب (منها) الاختلاط والمختلطات أربعة أنواع لان الاختلاط اما أن يقع بالاختيار
أو خلقة والأول اما أن يتفق وجميع اخلاطها مقصودة أو يتفق والمقصود واحد والأول اما أن يكون بحيث
يتعذر ضبط اخلاطه أو بحيث لا يتعذر (النوع الأول) المختلطات المقصودة الأركان التي لا تنضبط أقدار
اخلاطها وأوصافها كالهرائس ومعظم المرق والحلاوي والمعجونات والحوارشات والغالية المركبة من
المسك والعنبر والعود والكافور فلا يصح السلم في شئ منها للجهل بما هو متعلق الاغراض وكذا
269

الخفاف والنعال لاشتمالها على الظهارة والبطانة والحشو لان العبارة تضيق عن الوفاء بذكر أطرافها
وانعطافاتها وفى البيان أن الصيمري حكي عن ابن سريج جواز السلم فيها وبه قال أبو حنيفة وكذا
القسي لا يجوز السلم فيها لاشتمالها على الخشب والعظم والعصب (وأما) النبل فقد نقل فيه اختلاف
نص واتفقوا على أنه لا خلاف فيه واختلاف النص محمول على اختلاف أحواله فلا يجوز السلم فيه
بعد التخريط والعمل عليه (أما) إذا كان عليه عصب وريش ونصل فللمعنيين (أحدهما) أنه من المختلطات
270

(والثاني) اختلاف وسطه وطرفيه دقة وغلطا وتعذر ضبطه وانه من أي موضع يأخذ من الدقة في
الغلظ أو بالعكس ولم تأخذ وأما إذا لم يكن فللمعنى الثاني ويجوز السلم قبل التخريط والعمل
عليه لتيسر ضبطه والمغازل كالنبال والترياق المخلوط كالغالية فإن كان نباتا واحدا أو حجرا جاز
السلم فيه (النوع الثاني) المختلطات المقصودة الأركان التي تنضبط اقدارها وصفاتها كالثياب العتابية
والخزوز المركبة من الإبريسم والوبر وفى السلم فيه وجهان (أحدهما) المنع كالسلم في الغالية والمعجونات
271

(وأصحهما) عند المصنف ومعظم العراقيين الجواز لان قدر كل واحد من اخلاطها مما يسهل ضبطه ويحكى
هذا عن نص الشافعي رضي الله عنه وبه أجاب القاضي ابن كج ويخرج على الوجهين السلم في الثوب
المعمول عليه بالإبرة بعد النسج من غير جنس الأصل كالإبريسم على القطن أو الكتان وإن كان
تركيبها بحيث لا تنضبط أركانها فهي كالمعجونات (النوع الثالث) المختلطات التي لا يقصد منها
إلا الخليط الواحد كالخبز وفيه الملح لكنه غير مقصود في نفسه وإنما يراد منه اصلاح الخبز وفى السلم
272

فيه وجهان (أصحهما) عند الامام أنه جائز وبه قال أحمد وهو الذي أورده في الكتاب لان الملح
مستهلك فيه والخبز في حكم الشئ الواحد (والثاني) وهو الأصح عند الأكثرين المنع لوجهين
(أحدهما) الاختلاط واختلاف الغرض بحسب كثرة الملح وقلته وتعذر الضبط (والثاني) تأثير النار
فيه * وفى السلم في الجبن مثل هذين الوجهين لكن الجمهور مطبقون على ترجيح وجه الجواز كأنهم
اعتمدوا في الخبز المعنى الثاني ورأوا أن عمل النار في الخبز يختلف وفى الجبن بخلافه والله أعلم *
273

والوجهان جاريان في السمك الذي عليه شئ من الملح وفى خل التمر والزبيب وجهان أيضا (أحدهما)
واليه ميل الصيمري والامام منع السلم فيهما لما فيهما من الماء كما لا يجوز السلم في المخيض (وأظهرهما) عند
الأكثرين الجواز لأنه لا غنية به عن الماء فان قوامه به بخلاف المخيض إذ لا مصلحة له في الماء
والأقط كالجبن وفى التتمة أن المصل كالمخيض لما فيه من الدقيق والادهان المطيبة كدهن البنفسج
والبان والورد إن خالطها شئ من جرم الطيب لم يجز السلم فيها وان تروح السمسم بها ثم اعتصر جاز *
274

(النوع الرابع) المختلطات خلقة ومثلها الامام بالشهد واللبن وعد الشهد من المختلطات أظهر من عد
اللبن منها لان في ركني الشهد امتيازا ظاهرا واللبن شئ واحد الا أنه بعرض أن يحصل منه شيئان
مختلفان وفى السلم في الشهد وجهان (أحدهما) المنع لان الشمع فيه وقد يقل وقد يكثر فأشبه سائر
المختلطات وهذا ما رواه القاضي ابن كج عن نصه (وأصحهما) الجواز لان اختلاطه خلقي فأشبه النوى
في التمر وكما يجوز السلم في الشهد يجوز في كل واحد من ركنية (واما) اللبن فلا خلاف في جواز السلم
275

فيه (وقوله) في أول الفصل فلا يصح السلم إلى قوله لا يتغابن الناس بمثله في السلم هكذا هو في بعض
النسخ وفى بعضها ما لا يتغابن الناس بمثله وهما صحيحان ومعني الأول لا يحتمل الناس اهمال مثل
ذلك الاختلاف والنقصان ومعنى الثاني انه لا بأس بأن لا تنضبط منه الأوصاف التي لا يبالي بها
ويحتمل فواتها * ثم اعلم أن من الأصحاب من يقول يجب التعرض للأوصاف التي يختلف بها الغرض
ومنهم من يعتبر الأوصاف التي تختلف بها القيمة (ومنهم) من يجمع بينهما وليس شئ منها معمولا
276

باطلاقه لان كون العبد ضعيفا في العمل وقويا وكاتبا وأمينا وما أشبه ذلك أوصاف يختلف بها الغرض
والقيمة ولا يجب التعرض لها ثم (قوله) لا يصح السلم الا في كذا يقتضى صحة السلم في كذا لان
الاستثناء من النفي اثبات وليس ذلك على الاطلاق بل لو انضبط منه كل وصف تختلف به
القيمة ولكن كان عزيز الوجود لا يصح السلم فيه
قال (وأما ما يقبل الوصف ولكن يفضى الاطناب فيه إلى عزة الوجود كاللآلئ الكبار
277

واليواقيت والجارية الحسناء مع ولدها إلى غير ذلك مما يعز وجوده فان ذلك يوجب عسرا في التسليم
فلا يجوز السلم فيه) *
قد سبق أن السلم فيما يندر وجوده لا يجوز لأنه عقد غرر فلا يحتمل إلا فيما يوثق بتسليمه
ثم الشئ قد يكون نادر الوجود من حيث جنسه كلحم الصيد في موضع العزة وقد لا يكون كذلك
إلا أنه بحيث إذا ذكرت أوصافه التي بينا أنه يجب التعرض لها عز وجوده لندرة اجتماعها وفى هذا
278

القسم صورتان (إحداهما) لا يجوز السلم في اللآلئ الكبار واليواقيت والزبرجد والمرجان لأنه لابد فيها من
التعرض للحجم والشكل والوزن والصفاء لعظم تفاوت القيمة باختلاف هذه الأوصاف واجتماع
المذكور فيها نادر ويجوز في اللآلئ الصغار إذا عم وجودها كيلا ووزنا وبم ضبط النوعين * قال
قائلون ما يطلب للتداوي فهو صغير وما يطلب للتزين فهو كبير * وعن الشيخ أبى محمد أن ما وزنه
279

سدس دينار يجوز السلم فيه وإن كان يطلب منه التزبن لعموم وجوده والوجه أن يكون اعتبار السدس
بالتقريب (الثانية) لو أسلم في جارية وولدها أو جارية وأختها أو عمتها أو شاة وسخلتها لم يجز
لان اجتماع الجارية الموصوفة بالصفات المشروطة نادر هكذا أطلقه الشافعي رضي الله عنه وعامة
الأصحاب رضي الله عنهم وفصل الامام فقال لا يمتنع ذلك في الزنجية التي لا تكثر صفاتها ويمتنع في
السرية التي تكثر صفاتها وإلى هذا التفصيل أشار في الكتاب بقوله والجارية الحسناء وهذا مفرع
280

على أن الصفات التي يجب التعرض لها تختلف باختلاف الجواري ولم تفصل الأئمة القول فيه كما ستعرفه
لكن في موضع السلم اشكال على الاطلاق لأنهم حكوا عن نصه أنه لو شرط كون العبد كاتبا أو
الجارية ماشطة جاز ولمدع أن يدعي ندرة اجتماع صفة الكتابة والمشط مع الصفات التي يجب التعرض
لها بل قضية ما أطلقوه تجويز السلم في عبد وجارية بشرط كون هذا كاتبا وتلك ماشطة وكما
يندر كون أحد الرقيقين ولدا للآخر مع اجتماع الصفات المشروطة فيهما فكذا يندر كون أحدهما
281

كاتبا والآخر ماشطا مع اجتماع تلك الصفات فلنسو بين الصورتين في المنع والتجويز * ولو أسلم في
جارية وشرط كونها حاملا فطريقان (أظهرهما) المنع وعللوه بان اجتماع الحمل مع الصفات المشروطة
نادر وهذا يؤيد الاشكال الذي أوردناه (والثاني) وبه قال أبو إسحاق وأبو علي الطبري وابن
القطان أنه على قولين بناء على أن الحمل هل له حكم أم لا (ان قلنا) نعم جاز والا فلا لأنه لا يعرف
حصوله وهما كالقولين في الشراء بهذا الشرط * ولو شرط كون الشاة المسلم فيها لبونا فقولان منصوصان
282

وقد ذهب الشيخ أبو حامد إلى ترجيح قول الجواز كما مر في شراء الجارية بشرط أنها لبون
لكن قضية توجيه أظهر الطريقين في صورة الحمل تقتضي ترجيح المنع ههنا أيضا وبه أجاب
صاحب التهذيب *
قال (ويجوز السلم في الحيوان (ح) للاخبار والآثار فيه فيتعرض للنوع واللون والذكورة والأنوثة
والسن فيقول عبد تركي أسمر ابن سبع طويل أو قصير أو ربع * ثم ينزل كل شئ على أقل الدرجات
283

ولا يشترط وصف آحاد الأعضاء إذ يفضي اجتماعها إلى عزة الوجود * وفى الكحل والدعج وتكلثم
الوجه والسمن في الجارية * وما لا يعز وجوده ولكن قد يعد استقصاء فيه تردد * وكذا في ذكر
الملاحة ويقول في البعير ثنى أحمر من نعم بنى فلان غير مودون أي غير ناقص الخلقة * ويتعرض
في الخيل للون والسن والنوع * ولا يجب التعرض للشيات كالطغر واللطيم * ويتعرض في الطيور
للنوع والكبر والصغر من حيث الجثة) *
284

يجوز السلم في الحيوان وبه قال مالك واحمد خلافا لأبي حنيفة لما روى عن عبد الله بن عمرو
ابن العاص قال (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اشترى بعيرا ببعيرين إلى أجل (1)
285

وعن علي رضي الله عنه " أنه باع بعيرا له بعشرين بعيرا إلى أجل (1) " وعن ابن عمر (أنه اشترى راحلة
بأربعة أبعرة يوفيها صاحبها بالربذة) (2) وهذه ونحوها هي الاخبار والآثار التي أجمل ذكرها في
286

الكتاب * ثم الحيوان أنواع (فمنها) الرقيق فإذا أسلم فيه وجب التعرض لأمور (أحدها) النوع فيبين
أنه تركي أو رومي أو هندي وهل يجب التعرض لصنف النوع إن كان فيه اختلاف فيه قولان (أظهرهما)
الوجوب (والثاني) اللون فيبين أنه أبيض أو أسود ويصف البياض بالسمرة أو الصفرة والسواد
287

بالصفاء أو الكدورة وهذا إذا اختلف لون الصنف المذكور فإن لم يقع فيه اختلاف أغني ذكره عن اللون
(والثالث) الذكورة والأنوثة (والرابع) السن فيقول محتلم أو ابن ست أو سبع ثم الامر في السن على
التقريب حتى لو شرط كونه ابن سبع مثلا بلا زيادة ولا نقصان لم يجز لندرة الظفر به والرجوع
في الاحتلام إلى قول العبد وفى السن يعتمد قوله إن كان بالغا وقول سيده إن ولد في الاسلام والا
فالرجوع إلى النحاسين فتعتبر ظنونهم (والخامس) القد فيبين أنه طويل أو قصير أو ربعة لان
288

القيمة تتفاوت بها تفاوتا ظاهرا * واعلم قوله في الكتاب طويل أو قصير - بالواو - لان الامام نقل عن
العراقيين أنه لا يعتبر ذكر القد وتابعه صاحب الكتاب في الوسيط لكن كتب العراقيين مشحونة
بأنه يجب ذكره ولم يتعرضوا لخلاف فيه والله أعلم * واعتبروا التعرض لأمر سادس وهو الجودة وهذا
لا يختص بالرقيق ولا بالحيوان وستعرف حكمه من بعد (وقوله) ثم ينزل كل شئ على أقل الدرجات
معناه أنه إذا أتى بما يقع عليه اسم الوصف المشروط كفى ووجب القبول لان الرتب لا نهاية لها وهذا
289

كما ذكرنا فيما إذا باع العبد بشرط أنه كاتب أو خباز والمسألة لا اختصاص لها بهذا الموضع بل تعم
كل مسلم فيه * ولا يشترط وصف كل عضو على حياله بأوصافه المقصودة وان تفاوت بها الغرض والقيمة
لان ذلك يورث عزة الموصوف لكن في التعرض للأوصاف التي يعتني بها أهل البصر وترغب
بها في الأرقاء كالكحل والدعج وتكلثم الوجه وسمن الجارية وما أشبهها وجهان (أحدهما) وبه قال
الشيخ أبو محمد أنه يجب لأنها مقصودة ولا يورث ذكرها العزة (وأظهرهما) أنه لا يجب لان الناس
290

يتسامحون باهمالها ويعدون ذكرها استقصاء وعن القفال تردد رأى في الملاحة بناء على أنها من حملة
المعاني أو المرجع بها إلى يميل إليه طبع كل أحد (والأظهر) أنه لا يعتبر * واعلم أن الشافعي ذكر
في السلم في العبد أنه يقول خماسي أو سداسي وانه يصف سنه واختلفوا في التفسير فمنهم من قال أراد
أراد بالخماسي والسداسي التعرض للقد يعنى خمسة أشبار أو ستة (ومنهم) من قال أراد به السن يعنى
ابن خمس أو ست فمن قال بالأول حمل قوله يصف سنه على المعني الثاني ومن قال بالثاني حمل قوله
291

يصف سنه على الأسنان المعروفة أي يذكر أنه مفلج الأسنان أو غيره وذلك من طريق الأولى دون
الاشتراط كالتعرض لجعودة الشعر أو سبوطته * وحكى المسعودي أن الخماسي والسداسي صنفان
من عبيد النوبة معروفان عندهم *
(فرع) ذكر الشيخ أبو حامد في آخرين أنه لا يجب ذكر الثيابة والبكارة في الجارية
وعن الصيمري أنه يجب وبه أجاب صاحب المهذب وهو الأولى (آخر) لو شرط كون العبد
292

يهوديا أو نصرانيا جاز كشرط كونه خبازا * ولو شرط كونه ذا زوجة وكون الجارية ذات زوج فعن
الصيمري أنه جائز وزعم أن ذلك مما لا يندر وعنه أنه لو شرط كونه سارقا أو زانيا أو قاذفا جاز أيضا
بخلاف ما لو شرط كون الجارية مغنية أو عوادة وفرق بأنها صناعة محظورة وتلك أمور تحدث كالعمى
والعور وقطع اليد وهذا فرق لا يقبله ذهنك (ثالث) لو أسلم جارية صغيرة في كبيرة فعن أبي إسحاق
أنه لا يجوز لأنها قد تكبر وهي بالصفة المشروطة فيسلمها بعد أن يطأها فتكون في معنى استقراض
293

الجواري (والصحيح) الجواز كاسلام صغار الإبل في كبارها وهل يتمكن من تسلمها عما عليه
فيه وجهان لاتحاد الثمن والمثمن (إن قلنا) يتمكن فلا مبالاة بالوطئ كوطئ الثيب وردها بالعيب * ومن
أنواع الحيوان الإبل ولابد من التعرض فيها لأمور (أحدها) الذكورة والأنوثة (وثانيها) السن فيقول
ابن مخاض أو ابن لبون أو ثني (وثالثها) اللون فيقول أحمر أو أسود أو أزرق (ورابعها) النوع مثل
أن يقول من نعم بني فلان ونتاجهم وهذا فيما إذا كثر عددهم وعرف بهم نتاج كطي وبني؟ قيس
294

فأما النسبة إلى الطائفة القليلة فهي كتعيين البستان في الثمار * ولو اختلف نتاج بني فلان وكان
فيها أرحبية ومهرية ومجيدية فأظهر القولين أنه لابد من التعيين (وأما) قوله غير مود نقى من العيوب
سبط الخلق محفر الجنبين والمودى غير ناقص الخلقة والسبط المديد القامة الوافر الأعضاء ومحفر الجنبين
عظيمها وواسعها واتفق الأصحاب على أن ذكر هذه الأمور ليست بشرط وإنما هو ضرب من التأكيد
(ومنها) الخيل فيجب التعرض فيها لما يجب التعرض له في الإبل ولو ذكر معه الشيئان كالاغرر
295

والمحجل واللطيم كان أولى ولو أهملهما جاز وحمل قوله أشقر أو أدهم على البهيم وكذا القول في البغال
والحمير والبقر والغنم ومالا يتبين نوعه بالإضافة إلى قوم يتبين بالإضافة إلى بلد وغيره (ومنها) الطيور
ويجوز السلم فيها كالنعم وغيرها وقال في المهذب لا يجوز لأنه لا يضبط سنها ولا يعرف قدرها بالدرع
فعلى المشهور يوصف منها النوع والصغر والكبر من حيث الجثة ولا يكاد يعرف سنها فان عرف
وصف به * ويجوز السلم في السمك والجراد حيا وميتا عند عموم الوجود ويوصف كل جنس من
الحيوان يما يليق به *
296

قال (ويقول اللحم لحم بقر أو غنم ضأن أو معز ذكر أو أنثى خصى أو غير خصى رضيع
أو فطيم معلوفة أو راعية من الفخذ أو من الجنب * ولا يشترط نزع العظم)
السلم في اللحم جائز خلافا لأبي حنيفة * لنا أنه يمكن ضبط صفاته فأشبه النمار ويجب فيه بيان
أمور (أحدها) الجنس فيقول لحم إبل أو بقر أو غنم (والثاني) النوع فيقول لحم بقر أهلي أو جواميس
ولحم ضأن أو معز (والثالث) الذكورة والأنوثة وإذا بين الذكورة فليبين أنه خصى أو غير خصى (والرابع)
297

السن فيقول صغير أو كبير ومن الصغير رضيع أو فطيم ومن الكبير جذع أو ثنى (والخامس) يبين
أنه من راعية أو معلوفة لان كل واحد من النوعين مطلوب من وجه قال الامام ولا اكتفاء بالعلف
بالمرة والمرات حتى ينتهي إلى مبلغ مؤثر في اللحم (فان قلت) أطلق الأصحاب قولهم باعتبار هذا
الامر ولفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر ويقول في لحم البعير خاصة بغير واع فكيف الجمع
(فالجواب) أن النص محمول على عادتهم فإنهم كانوا لا يعلفون الا الإبل فلم يفتقروا إلى التقييد في
298

غير الإبل فأما حيث جرت العادة بعلف غيره فلابد من بيانه (والسادس) يبين موضعه أهو من
الفخذ أو الجنب أو الكتف لاختلاف الاغراض وفى كتب العراقيين اعتبار أمر شائع وهو بيان
السمن والهزال ولا يجوز شرط الاعجف لان العجف هزال عن علة وشرط العيب مفسد على ما سيأتي *
ويجوز في اللحم المملح والقديد إذا لم يكن عليه عين الملح فإن كان فقد مر الخلاف في نظيره ثم
إذا أطلق السلم في اللحم وجب قبول ما فيه من العظم على العادة وان شرط نزع العظم جاز ولم يجب
299

قبوله * ويجوز السلم في الشحم والألية والكبد والطحال والكلية والرئة * وإذا أسلم في لحم الصيد
ذكر ما يجب ذكره في سائر اللحوم لكن الصيد الذكر لا يكون الا فحلا وراعيا فلا حاجة إلى
التعرض للامرين قال الشيخ أبو حامد والمقتدون به ويبين أنه صيد بأحبولة أو بسهم أو بجارحة
ويبين انها كلب أو فخذ لان صيد الكلب أطيب لطيب نكهته وفى لحم الطير والسمك يبين
الجنس والنوع والصغر والكبر من حيث الجثة ولا حاجة إلى ذكر الذكورة والأنوثة الا إذا أمكن
300

التميز وتعلق به الغرض ويبين موضع اللحم إذا كان الطير والسمك كثيرين ولا يلزم قبول الرأس
والرجل من الطير والذنب من السمك *
قال * (ولا يسلم في المطبوخ والمشوي إذا كان لا يعرف قدر تأثير النار فيه بالعادة) *
لا يجوز السلم في اللحم المطبوخ والمشوي لاختلاف الغرض باختلاف تأثير النار فيه وتعذر الضبط وفى
السلم في الخبز وجهان ذكرناهما في فصل المختلطات وجه الجواز أن لتأثير النار فيه نهاية مضبوطة كالسمن
301

والدبس والسكر والفانيذ كالخبز فيجرى في ثلثها الوجهان وأشار الامام إلى طريقة قاطعة بجواز السلم
في السكر والفانيذ وفي اللبا الوجهان (اختيار) الشيخ أبى حامد المنع (واختيار) القاضي أبى الطيب الجواز
فأما ما جفف ولم يطبخ فيجوز السلم فيه بلا خلاف ويقرب من صور الخلاف تردد صاحب التقريب
في السلم في الماء ورد لاختلاف تأثير النار فيما يتصعد ويقطر واستبعد إمام الحرمين وجه المنع فيها
302

جميعا ولا عبرة بتأثير الشمس بل يجوز السلم في العسل المصفي بالشمس وفى العسل المصفى بالنار الوجهان
في الدبس ونحوه ومما يوجه به المنع أن النار تعيبه وتسرع الفساد إليه *
قال (وفى السلم في رؤس الحيوانات بعد التنقية من الشعور قولان لترددها بين الحيوانات
والمعدودات * والأصح في الأكارع الجواز لقلة الاختلاف في أجزائها) *
في السلم في رؤس الحيوانات المأكولة قولان (أحدهما) الجواز وبه قال مالك واحمد كالسلم
303

في جملة الحيوان وكالسلم في لحم الفخذ وسائر الأعضاء (وأظهرهما) المنع وبه قال أبو حنيفة لاشتمالها
على ابعاض مختلفة كالمناخر والمشافر وغيرها وتعذر ضبطها ويخالف السلم في الحيوان فان المقصود
جملة الحيوان من غير تجريد النظر إلى آحاد الأعضاء ويخالف السلم في لحوم سائر الأعضاء فان
لحم سائر الأعضاء أكثر من عظمها والرأس على العكس والأكارع كالرؤوس ورأي صاحب الكتاب
الجواز فيها أصح لأنها أقرب إلى الضبط لكن الجمهور على الأول وعن القاضي أبي الطيب الدمرالي
304

القطع بالمنع فيها (فان قلنا) بالجواز فيهما فذلك بشروط (أحدها) أن تكون منقاة من الصوف
والشعر فأما السلم فيها من غير تنقية فلا يجوز لتستر المقصود بما ليس بمقصود (والثاني) أن توزن فأما
بالعدد فلا لاختلافها في الصغر والكبر (والثالث) أن تكون نية فأما المطبوخة والمشوية فلا
سلم فيها بحال وفى كتاب القاضي ابن كج اعتبار شرط آخر وهو أن تكون المشافر والمناخر منحاة
عنها وهذا لا اعتماد عليه (وقوله): الكتاب لترددها بين الحيوانات والمعدودات إشارة إلى توجيه
305

القولين فوجه الجواز الشبه بالحيوانات ووجه المنع أن الوزن لا يكفي فيها لكون الكبر مقصودا
منها فنلحق بالمعدودات ولا يجوز السلم فيها بالعد كما سبق وفى لفظ المختصر إيماء إلى هذا الكلام
فإنه قال وأرى الناس تركوا وزن الرؤس لما فيها من الصوف وأطراف المشافر والمناخر وما أشبه
ذلك لأنه لا يؤكل *
قال (ويجوز السلم في اللبن والسمن والزبد والمخيض والوبر والصوف والقطن والإبريسم
306

والغزلي المصبوغ وغير المصبوغ وكذا في الثياب بعد ذكر النوع والدقة والغلظ والطول والعرض
وكذا في الحطب والخشب والحديد والرصاص وسائر أصناف الأموال إذا اجتمعت الشرائط
التي ذكرناها) *
في الفصل صور (إحداها) يجوز السلم في اللبن ويبين فيه ما يبين في اللحم سوى الأمر الثالث
والسادس ويبين نوع العلف لاختلاف الغرض بذلك ولا حاجة إلى ذكر اللون ولا إلى ذكر
307

الحلاوة فان المطلق ينصرف إلى الحلو بل لو أسلم في اللبن الحامض لم يجز لان الحموضة عيب فيه
ولو أسلم في لبن يومين أو ثلاثة فإنما يجوز إذا بقي حلوا في تلك المدة وفى السلم في السمن ما يبين
في اللبن ويذكر أنه أبيض أو أصفر * وهل يحتاج إلى التعرض للحديث والعتيق قال الشيخ أبو حامد
لا بل العتيق معيب لا يصح السلم فيه وقال القاضي أبو الطيب العتيق المتغير هو المعيب لا كل
308

عتيق فيجب البيان * وفى الزبد يذكر مثل ما في السمن ويذكر أنه زبد يومه أو أمسه * ويجوز السلم
في اللبن كيلا ووزنا لكن لا يكال حتى تسكن الرغوة ويوزن قبل سكونها وكذا السمن يكال ويوزن
إلا إذا كان جامدا يتجافى في المكيال فيتعين الوزن وليس في الزبد الا الوزن وكذا في اللباء
المجفف وقبل الجفاف هو كاللبن * وإذا جوزنا السلم في الجبن وجب بيان نوعه وبلده وانه رطب
أو يابس (وأما) قوله والمخيض فاعلم أن المخيض الذي فيه ماء لا يجوز السلم فيه نص عليه الشافعي
309

رضي الله عنه وقد أدرجناه في أثناء المختلطات فالذي ذكره محمول على ما إذا مخض اللبن من غير
ماء وحينئذ فوصفه بالحموضة لا يضر لان الحموضة مقصودة فيه (الثانية) إذا أسلم في الصوف
قال صوف بلد كذا لاختلاف الغرض به ويبين لونه وطوله وقصره وانه خريفي أو ربيعي فالخريفي
أنظف وانه من ذكور أو إناث فصوف الإناث أشد نعومة واستغنوا بذلك عن ذكر اللبن
310

والخشونة ولا يقبل الا نقيا من الشوك والبعر وان شرط كونه مغسولا جاز الا أن يعيبه الغسل * والوبر
والشعر كالصوف والطريق فيهما الوزن (الثالثة) يبين في القطن بلده ولونه وكثرة لحمه وقلته والخشونة
والنعومة وكونه عتيقا أو حديثا ان اختلف الغرض به والمطلق يحمل على الجاف وعلى ما فيه الحب
ويجوز في الحليج وفى حب القطن ولا يجوز في الجورق قبل التشقق وأما بعده ففي التهذيب أنه
يجوز وقال في التتمة ظاهر المذهب أنه لا يجوز لاستتار المقصود بما لا مصلحة فيه وهذا ما أطلق
311

العراقيون حكاية عن النص (الرابعة) يبين في الإبريسم بلده ولونه ودقته وغلظه ولا حاجة إلى
ذكر الخشونة والنعومة * ولا يجوز السلم في القز وفيه الدود حية كانت أو ميتة لأنها تمنع معرفة
القز وبعد خروج الدود يجوز * وإذا أسلم في الغزل ذكر ما يذكر في القطن ويذكر الدقة والغلظ
أيضا * ويجوز السلم في غزل الكتان أيضا ويجوز شرط كونه مصبوغا ولابد من بيان الصبغ
(الخامسة) إذا أسلم في الثياب بين الجنس انه من إبريسم أو كتان أو قطن والنوع والبلد الذي ينسج
312

فيه ان اختلف به الغرض وقد يغني ذكر النوع عنه وعن الجنس أيضا ويبين الطول والعرض
والغلظ والدقة والصفاء فيه والرقة والنعومة والخشونة * ويجوز في المقصور والمطلق محمول على الخام
ولا يجوز في اللبيس لأنه لا ينضبط ويجوز فيما صبغ غزله قبل النسج كالبرود والمشهور في كتب
الأصحاب أنه لا يجوز في المصبوغ بعد النسج ووجهوه بشيئين (أحدهما) أن الصبغ عين تزاينه وهو
مجهول المقدار والغرض يختلف باختلاف اقداره (والثاني) أنه يمنع معرفة النعومة والخشونة وسائر
313

صفات الثوب وحكى الامام عن طائفة منهم شيخه أنه يجوز وبه قال صاحب الحاوي وهو القياس
ولو صح التوجيهان لما جاز السلم في المنسوج بعد الصبغ أيضا وفى الغزل المنسوج أيضا * وعن
الصيمري تجويز السلم في القميص والسراويلات إذا ضبطت طولا وعرضا وضيقا وسعة (السادس)
الخشب أنواع منها الحطب فإذا أسلم فيه ذكر نوعه وغلظه ودقته وانه من نفس الشجر أو أغصانه
ووزنه ولا يجب التعرض للرطوبة والجفاف والمطلق محمول على الجاف ويجب قبول المعوج والمستقيم
314

(ومنها) ما يطلب للبناء كالجذوع فيبين فيها النوع والطول والغلظ والدقة ولا حاجة إلى ذكر الوزن
خلافا للشيخ أبي محمد ولو ذكر جاز بخلاف الثياب قال الشيخ أبو حامد لأنه يمكن أن ينحت منها
ما يزيد على القدر المشروط * ولا يجوز السلم في المخروط لاختلاف أعلاه وأسفله (ومنها) ما يطلب ليتخذ
منه القسي والسهام فيذكر فيها النوع والدقة والغلظ وزاد بعضهم التعرض لكونه سهليا أو جبليا
لان الجبلي أصلح لها ومنهم من اعتبر التعرض للوزن أيضا فيه وفى خشب البناء (السابعة) إذا
315

أسلم في الحديد ذكر نوعه وانه ذكر أو أنثى ولونه وخشونته ولينه وفى الرصاص يذكر نوعه من قلعي وغيره
وفى
الصعر من شبه وغيره ولونهما وخشونتهما ولينهما ولابد من الوزن في جميع ذلك وكل شئ لا يتأتى ونرد بالقبان
يوزن بالعرض على الماء هذا شرح الصور التي نص عليها صاحب الكتاب ونردفها بصور على
سبيل الاختصار فنقول السلم في المنافع كتعليم القرآن وغيره جائز ذكره الروياني ويجوز السلم في
الدراهم والدنانير على أصح الوجهين لأنه مال يسهل ضبطه (والثاني) وبه قال أبو حنيفة أنه لا يجوز
316

وعلى الأول يشترط أن يكون رأس المال غير الدراهم والدنانير * ويجوز السلم في أنواع العطر العامة
الوجود كالعنبر والمسك والكافور ويذكر وزنها ونوعها فيقول عنبر أشهب أو غيره قطع أو فتات
ويجوز السلم في الزجاج والطين والجص والنورة وحجارة الأرحية والأبنية والأواني ويذكر نوعها
وطولها وعرضها وغلظها ولا حاجة إلى ذكر الوزن ولا يجوز في البرام المعمولة ولا في الكيزان
317

والخباب والطشوش والمنابر والقماقم والطناجر لندرة اجتماع الوزن مع الصفات المشروطة ولتعذر ضبطها
نعم ما يعيب منها في الغالب يجوز السلم فيه لأنه لا يختلف وكذا في الأسطال المربعة كما يجوز في
مربعات الصرم وقطع الجلود وزنا ولا يجوز في الجلود على هيئتها لتفاوتها دقة وغلظا وتعذر ضبطها
ويجوز السلم في الكاغد عددا ويبين فيه النوع والطول والعرض * وفى اللبن والآجر وفى الآجر
وجه لتأثير النار فيه * ولا يجوز السلم في العقار لأنه يحتاج فيه إلى بيان المكان وإذا بين تعين *
318

ولا يجوز في العلس والأرز لاستتارهما بالكمام ويجوز في الدقيق وعن الداركي أنه لا يجوز * وإذا
أسلم في التمر بين النوع فيقول معقلى أو برنى والبلد فيقول بغدادي أو بصرى واللون وصعر الحبات
وكبرها وكونه حديثا أو عتيقا ولا يجب تقدير المدة التي مضت عليه والحنطة وسائر الحبوب
كالتمر * وفى الرطب يبين جميع ذلك سوى الحديث والعتيق وفى الوسيط أنه يجب التعرض لذلك
في الرطب ولا حاجة إليه في البر والحبوب وهو خلاف النص وما عليه عامة الأصحاب * وفى
319

العسل يبين أنه جبلي أو بلدي صيفي أو خريفي أبيض أو أصفر ولا حاجة إلى ذكر الحديث والعتيق
لأنه لا يختلف الغرض به ويقبل مارق بسبب الجز ولا يقبل مارق رقة عيب والله أعلم *
وهذا باب لا ينحصر فاغتن بالمذكور عن المتروك *
قال * (فان شرط الجودة جاز ونزل على أقل الدرجات وان شرط الأجود لم يجز إذ لا يعرف
أقصاه * وان شرط الرداءة فكذلك لا يجوز فان شرط الأردأ جاز على الأصح لان طلب الأردأ
عناد محض فلا يثور به نزاع * والوصف الذي به التعريف ينبغي أن يكون بلغة يعرفها
غير المتعاقدين) *
320

مضمون الفصل مسألتان (إحداهما) ذهب العراقيون من مشايخنا إلى اشتراط التعرض للجودة أو
الرداءة في كل ما يسلم فيه وعللوه بان القيمة والأغراض تختلف بهما وظاهر النص يوافق ما ذكروه
وقال غيرهم لا حاجة إلى غيره ويحمل الطلق على الجيد وهو الأظهر وايراد الكتاب يوافقه وسواء
قلنا بالاشتراط أو لم نقل فإذا شرط الجودة نزل على أقل الدرجات كما إذا شرط صفة أخرى * ولو
شرط الأجود لم يجز لان أقصاه غير معلوم فكأنه شرط شيئا مجهولا وأيضا فإنه ما من شئ يأتي
321

به الا والمسلم يطالبه بما هو أجود منه تمسكا باللفظ فيدوم النزاع بينهما * وان شرط الرداءة فقد أطلق
في الكتاب أنه لا يجوز وفصل كثيرون فقالوا شرط رداءة النوع يجوز لانضباطه وشرط رداءة
العيب والصفة لا يجوز لأنها لا تنضبط وما من ردئ الا وهناك ما هو خير منه وإن كان رديئا
فيفضى إلى النزاع * واعلم أن نوع المسلم فيه لابد من التعرض له على ما سبق فإن لم ينص على
النوع وتعرض للردئ تعريفا للنوع فذلك محتمل لا محالة وان نص على النوع فذكر الرداءة
322

حشو (وأما) رداءة الصفة فالذي حكيناه عن العراقيين يقتضى تجويز اشتراطه لأنهم ذكروها في مقابلة
الجودة ولا شك أنهم لم يريدوا بها جودة النوع ولهم أن يعترضوا فيقولوا هب أن رداءة الصفة لا تنضبط
لكن الجودة أيضا كذلك وقد نزلناها على أقل الدرجات فلم لا تفعل في الرداءة مثله وان شرط
الأردأ ففيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) وهو المنصوص في المختصر أنه لا يجوز لأنه لا يوقف
323

على أقصاه كما في الأجود (وأصحهما) الجواز لأنه إذا أتى بردئ لم يطالبه المسلم بما هو أردأ منه وان
طالبه به كان معاندا فيمنع منه ويجبر على قبوله * ولك أن تعلم قوله في الكتاب وان شرط الجودة
لم يجز بالواو لان في تعليق الشيخ أبى حامد أن من أصحابنا من خرج قولا أنه جائز وكذلك قوله
فكذلك لا يجوز لما قدمناه (الثانية) صفات المسلم فيه المذكورة في العقد تنقسم إلى مشهورة
عند الناس والى غير مشهورة وذلك قد يكون لدقة معرفتها كما في الأدوية والعقاقير وقد يكون
324

لغرابة الألفاظ المستعملة فيها فلابد من معرفة المتعاقدين بها فلو جهلاها أو أحدهما لم يصح
العقد وهل يكفي معرفتهما فيه وجهان (أظهرهما) لا وهو المنصوص بل لابد من أن يعرفها غيرهما
ليرجع إليه عنه تنازعهما (والثاني) أنه يكفي معرفتهما والنص محمول على الاحتياط * فهذا شرط
آخر للسلم * وهل تعتبر فيها الاستفاضة أم يكفي معرفة عدلين سواهما فيه وجهان (أظهرهما) الثاني
ويجرى الوجهان فيما إذا لم يعرف المكيال المذكور الا عدلان * واعلم أن جميع ما ذكرناه الآن من
325

معرفة المتعاقدين وغيرهما يخالف ما قدمنا في مسألة فصح النصارى من نقض الوجوه ولعل الفرق
أن الجهالة هناك راجعة إلى الأجل وههنا راجعة إلى المعقود عليه فجاز أن يحتمل من نيل
الجهالة ما لا يحتمل من هذه والله تعالى أعلم *
(الباب الثاني في أداء المسلم فيه والقرض)
قال (أما المسلم فيه فالنظر في صفته وزمانه ومكانه (أما صفته) فان أتى بغير جنسه لم يقبل
326

لأنه اعتياض وذلك غيره جائز في المسلم فيه * وإن كان من جنسه ولكنه أجود وجب قبوله وإن كان
أردأ منه جاز قبوله ولم يجب * وان أتى بنوع آخر بأن أسلم في الزبيب الأبيض فجاء بالأسود
ففي جواز القبول وجهان إذ يكاد أن يكون اعتياضا) *
قوله والقرض معطوف على الأداء لا على المسلم فيه لأنه لم يقصر الكلام في القرض على أدائه
بل تكلم في فصول منها الأداء * إذا عرفت ذلك فاعلم أن الاعتياض عن المسلم فيه قبل القبض
327

غير جائز لما مر في النظر الثالث من كتاب البيع فلا يجوز أن يستبدل عنه غير جنسه *
وان لم يختلف الجنس فاما أن لا يختلف النوع أيضا أو يختلف (الحالة الأولى) أن لا يختلف فينظر
ان أتى بالمسلم فيه على الصفة المشروطة وجب قبوله وان أتى به على صفة أجود مما شرط جاز قبوله
وفى الوجوب وجهان (أحدهما) لا يجب لما فيه من المنة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب
أنه يجب لان إتيانه به يشعر بأنه لا يجد سبيلا إلى ابراء ذمته بغيره وذلك يهون أمر المنة وان أتى
328

به أراد أمما شرط جاز القبول ولم يجب (الحالة الثانية) أن يختلف كما لو أسلم في التمر المعقلي فجاء
بالبرنى أو في الذبيب الأبيض فجاء بالأسود أو في الثوب الهروي فجاء بالمروى فلا يجب على المسلم
قبوله لاختلاف الاغراض باختلاف الأنواع (ومنهم) من حكي وجها آخر أنه يجب تمسكا بقول الشافعي
رضي الله عنه وأصل ما يلزم السلف قبول ما أسلف فيه أن يأتيه به من جنسه (فان قلنا بالأول) فهل
يجوز قبوله فيه وجهان (أظهرهما) وبه قال الشيخ أبو حامد لا لأنه يشبه الاعتياض كما لو اختلف
329

الجنس (والثاني) نعم كما لو اختلفت الصفة * وذكروا خلافا في أن التفاوت بين التركي والهندي
من العبيد تفاوت جنس أو تفاوت نوع (والصحيح) الثاني وفى أن التفاوت بين الرطب أو التمر وما
يسقي بماء السماء وما يسقي بغيره تفاوت نوع أو صفة والأشبه الأول *
(فرع) ما أسلم فيه كيلا لا يجوز قبضه وزنا وبالعكس وعند الكيل لا يزلزل المكيال
ولا يوضع الكف على جوانبه (آخر) إذا أسلم في الحنطة وجب تسليمها نقية من الزوان والمدر
330

والتراب فإن كان فيها شئ قليل من ذلك وقد أسلم كيلا جاز وان أسلم وزنا لم يجز ويجب تسليم
التمر جافا والرطب صحيح غير منشدخ *
قال (اما الزمان فلا يطالب به قبل المحل ولكن ان جاء به قبله وله في التعجيل غرض
بأن كان بالدين رهن أو ضامن أو كان يظهر (و) خوف الانقطاع وجب القبول كما يجب
331

قبول النجوم من لمكاتب قبل المحل * وان لم يكن له غرض سوي البراءة نظر فإن كان للممتنع
غرض بأن كان في زمان نهب أو غارة أو كانت دابة يحذر من علفها فلا يجبر وان
لم يكن من الجانبين غرض فقولان في الاجبار) *
السلم اما مؤجل أو حال فإن كان مؤجلا فلا يخفى انه لا مطالبة بالمسلم فيه قبل المحل والا لبطل
فائدة التأجيل * ولو اتى المسلم إليه به قبل المحل وامتنع المسلم من قبوله فترتيب صاحب الكتاب
332

يخالف ترتيب الجمهور فنذكر ما ذكروه ثم نعود إلى ما أورده * قال الجمهور إن كان له في الامتناع كما
إذا كان وقت نهب أو كان المسلم فيه حيوانا يحذر من علفه أو ثمرة أو لحما يريد أكله عند المحل
طريا أو كان مما يحتاج إلى مكان مؤنة كالحنطة والقطن الكثيرين فلا يجبر على القبول لتضرره
وان لم يكن غرض في الامتناع فإن كان للمؤدى غرض في التعجيل سوى براءة الذمة كما لو كان
به رهن يريد فكاكه أو ضامن يريد براءته يجبر على القبول كالمكاتب يعجل النجوم ليعتق
333

يجبر السيد على قبولها وهل يلتحق بهذه الاعذار خوفه من انقطاع الجنس قبل الحلول فيه وجهان
المذكور منهما في الكتاب انه يلحق لما في التأخير من خطر انفساخ العقد أو ثبوت حق الفسخ *
وان لم يكن للمؤدى غرض سوي البراءة فقولان (أحدهما) انه لا يجبر المستحق على القبول لان
التعجيل كالتبرع بمزيد فلا يكلف تقلد المنة (وأصحهما) وهو المنصوص في المختصر انه يجبر
لان براءة الذمة غرض ظاهر وليس للمستحق غرض في الامتناع فيمنع من التعنت * وان تقابل غرض
334

الممتنع والمؤدى فقد حكى الامام فيه طريقين (أحدهما) انهما يتساقطان (وأصحهما) أن المرعى
جانب المستحق وحكى أيضا عن بعضهم طرد القولين فيما إذا كان للمعجل غرض في التعجيل
ولم يكن للممتنع غرض في الامتناع وهو غريب (وأما) صاحب الكتاب فإنه راعى جانب
المؤدى أولا فقال إن كان له غرض في التعجيل يجبر الممتنع على القبول والا فإن كان
له غرض في الامتناع فلا يجبر والا فقولان ولا يخفى مخالفته لطريقة الجمهور فان ذكره
335

عن ثبت فهو منفرد بما نقل والا فقد التبس الامر عليه والله أعلم *
وحكم سائر الديون
المؤجلة فيما ذكرنا حكم المسلم فيه (وأما) السلم الحال فالمطالبة فيه متوجهة في الحال ولو أتى المسلم إليه
بالمسلم فيه وأبي المسلم قبوله نظر إن كان للمعجل غرض سوى البراءة أجبر على القبول والا فطريقان
(أحدهما) أنه على القولين وجه عدم الاجبار أنه يقول الحق لي فلي ان أؤخره إلى أن أشاء
(وأصحهما) أنه يجبر على القبول أو الابراء وحيث ثبت الاجبار فلو أصر على الامتناع اخذه الحاكم له
336

روى (أن أنسا كاتب عبدا له على مال فجاء العبد بالمال فلم يقبله أنس فاتى العبد عمر رضي الله عنه فأخذه
منه ووضعه في بيت المال (1) *
قال (أما المكان فمكان العقد فلو ظفر به في غيره وكان في النقل مؤنة لم يطالب به *
ولكن يطالب (و) بالقيمة للحيلولة ثم لا يكون عوضا إذ يبقى استحقاق الدين * وان لم يكن مؤنة
طالب به * وفى مطالبة الغاصب بالمثل في موضع آخر مع لزوم المؤنة خلاف تغليظا عليه) *
337

إذا عين في السلم مكان التسليم أو لم يعين وقلنا يتعين مكان العقد وجب التسليم فيه فلو ظفر المسلم
به في غير ذلك المكان نظر إن كان لنقله مؤنة لم يطالب به وهل يطالب بالقيمة للحيلولة فيه وجهان
(أحدهما) لا لان أخذ العوض عن المسلم فيه قبل القبض غير جائز (والثاني) نعم لوقوع الحيلولة
بينه وبين حقه وهذا ما أورده صاحب الكتاب في هذا الموضع لكنه أعاد المسألة في باب الغصب
وذكر فيها الخلاف (والأصح) في المذهب هو الوجه الأول ولم يورد العراقيون وصاحب التهذيب
338

سواه وإذا فرعنا عليه فللمسلم الفسخ واسترداد رأس المال كما لو انقطع المسلم فيه * وان لم يكن لنقله
مؤنة كالدراهم والدنانير فله مطالبته به وأشار الامام إلى خلاف فيه * ولو ظفر المالك بالغاصب في غير
مكان الغصب أو الاتلاف فهل يطالبه بالمثل حكى فيه خلافا ههنا وذكر في الغصب أنه لا يطالب
الا بالقيمة وهو الأظهر ولنشرح المسألة ثم إن شاء الله تعالى (وقوله) في أول الفصل أما مكانه فمكان
339

العقد عند الاطلاق محمول على ما إذا عينا مكان العقد أو أطلقا ولم يشترط تعيين المكان (وقوله) ثم
لا يكون عوضا إذ يبقى استحقاق الدين أراد به أن القيمة المأخوذة لا تكون عوضا عن المسلم فيه
بل يبقى استحقاق المسلم فيه بحاله حتى إذا عاد لي مكان التسليم يطالبه به ويرد القيمة ولمن نص ظاهر
المذهب أن يقول لو صح هذا الكلام لوجب أن يحكم بمثله في انقطاع المسلم فيه * ولو أتي المسلم
340

إليه بالمسلم فيه في غير مكان التسليم وأبى المستحق قبوله فإن كان لنقله مؤنة أو كان الموضع مخوفا
لم يجبر والا فوجهان بناء على القولين في التعجيل قبل المحل فان رضي وأخذه لم يكن له
أن يكلفه مؤنة النقل *
قال (أما القرض فأداؤه كالمسلم فيه ولكن يجوز الاعتياض عنه * ويجب المثل في المثليات
وفى ذوات القيم وجهان أشبههما بالحديث أن الواجب المثل * استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
341

بكرا ورد بازلا والقياس القيمة) *
342

الاقراض مندوب إليه لما فيه من الإعانة على البر وكشف كربة المسلم وفى الفصل مسائل
(إحداها) أداء القرض في الصفة والزمان والمكان كما ذكرنا في المسلم فيه نعم لو ظفر بالمستقرض
في غير مكان الاقراض وكان المال مما لنقله مؤنة فلا خلاف في جواز مطالبته بالقيمة ثم إذا أخذها
في مكان الاقراض فهل له رد القيمة والمطالبة بالمثل وهل للمستقرض مطالبته برد القيمة فيه وجهان
343

والقيمة التي يطالبه بها هي قيمة بلد الاقراض يوم المطالبة وكذا في السلم يطالب بقيمة بلد العقد
عند من جوز المطالبة بالقيمة (الثانية) يجوز الاعتياض عن المقرض وقد ذكر هذه المسألة مرة
344

(الثالثة) ستعرف في الغصب أن المال ينقسم إلى مثلي والى متقوم فإذا استقرض مثليا رد مثله وإذا
استقرض متقوما فوجهان (أقيسهما) واختاره الشيخ أبو حامد أنه يرد القيمة كما لو أتلف متقوما على
345

انسان تلزمه القيمة (وأظهرهما) أنه يرد المثل من حيث الصورة واختاره الأكثرون لما روي أن
النبي صلى الله عليه وسلم (استقرض بكرا ورد بازلا) (1) والبكر الفتى من الإبل والبازل الذي له ثماني سنين وروي
أنه صلى الله عليه وسلم (استسلف بكرا فأمر برد مثله) (فان قلنا) بالأول فالاعتبار بقيمة يوم القبض ان قلنا
346

يملك القرض في القبض (وان قلنا) يملك بالتصرف فبالأكثر من يوم القبض إلى يوم التصرف
وفيه وجه أن الاعتبار بيوم القبض وإذا اختلفا في قدر القيمة أو في صفة المثل فالقول قول
المستقرض *
347

قال (ثم النظر في ركن القرض وشرطه وحكمه (أما ركنه) فمن جهة اللفظ صيغة دالة
عليه كقوله أقرضتك وفى اشتراط القبول وجهان (وجه) المنع ان هذه إباحة اتلاف بعوض وهي
348

مكرمة ولذلك بجوز الرجوع (م) عنه في الحال * ولا يجوز (م) شرط الأجل فيه * وأما المقرض
فكل ما جاز السلم فيه جاز قرضه الا الجواري ففيها قولان منصوصان والقياس الجواز * وما لا يجوز
349

السلم فيه ان قلنا إنه يرد في المتقومات القيمة فيصح أيضا اقراضه) *
عد حجة الاسلام رحمه الله أركان القرض ثلاثة كما فعل في البيع وهي الصبغة والقرض والمقرض
350

لكن أهمل ههنا ذكر المقترض لوضوح حاله والعلم بأنه لا يصح الاقراض الا من جائز التصرف
ويعتبر فيه أهلية التبرع لان القرض تبرع أو فيه شائبة التبرع ألا ترى أنه لا يقرض الولي مال الطفل
351

الا لضرورة ولذلك لا يجوز شرط الأجل لان المتبرع ينبغي أن يكون بالخيار في تبرعه وإنما يلزم
الأجل في المعاوضات (وأما) الصيغة فالايجاب لابد منه وهو أن يقول أقرضتك أو أسلفتك أو خذ
352

هذا بمثله أو خذه واصرفه في حوائجك ورد بدله أو ملكتك على أن ترد بدله * ولو اقتصر
على قوله ملكتك كان هبة فان اختلفا في ذكر البدل فالقول قول المخاطب * وأما القبول ففي
353

اشتراطه وجهان (أصحهما) ولم يورد المعظم سواه أنه يشترط كما في البيع وسائر التمليكات (والثاني)
لا يشترط لان القرض إباحة اتلاف على شرط الضمان فلا يستدعى القبول وادعي الامام أن هذا
354

أظهر وقرب هذا الخلاف من الخلاف في أن القرض يملك بالقبض أو بالتصرف وقوله في الكتاب
وهي مكرمة أراد به أن سبيله سبيل الميراث والتبرعات لا سبيل المعاوضات والمعاملات أو فيه شائبة
355

من هذه وشائبة من هذه ولهذا لم يجب التقابض فيه إذا كان المقرض ربويا * واحتج في الكتاب
لهذا الأصل بشيئين (أحدهما) أن للمقرض الرجوع عنه في الحال وهذا سنذكره من بعد (والثاني)
356

أنه لا يجوز شرط الأجل فيه ولا يلزم بحال وقال مالك يثبت الأجل في القرض ابتداء وانتهاء (أما)
ابتداء فبأن يقرضه مؤجلا (واما) انتهاء فبان يقرضه حالا ثم يؤجله (وأما) المقرض فالأموال ضربان (أحدهما)
357

ما يجوز السلم فيه فيجوز اقراضه حيوانا كان أو غيره نعم في اقراض الجواري قولان (أحدهما)
ويحكى عن المزني أنه جائز وهو القياس عند الامام وصاحب الكتاب إلحاقا للجواري بالعبيد
358

(وأظهرهما) المنع لنهى السلف عن اقراض الولائد قال الأصحاب وهما مبنيان على الخلاف في أن
القرض بما يملك وفى كيفية البناء طريقان قال قائلون (ان قلنا) يملك بالقبض جاز اقراضها والا فلا
359

لما في اثبات اليد من غير المالك من خوف الوقوع في الوطئ * وعن الشيخ أبى على أما ان قلنا يملك
بالقبض لم يجز اقراضها لأنه إذا ملكها فربما يطؤها ثم يستردها المقرض فيكون ذلك في صورة
360

إعارة الجواري للوطئ وان قلنا لا يملك بالقبض فيجور لأنه إذا لم يملكها لم يطأها وفيما حكى عن
نصه في الجديد رمز إلى هذه الطريقة (وقوله) في الكتاب قولان منصوصان اقتدى فيه بالامام وكلام
361

غيرهما لا يتعرض لكونهما منصوصين بل العراقيون رووا عن نصه قديما وجديدا المنع ونقلوا الجواز
عن بعض الأصحاب نقل الوجوه ويشبه أن يكون مخرجا على الأصل المذكور وكيف ما كان
362

فالخلاف مخصوص بالجارية التي تحل للمستقرض (فاما) المحرمة بنسب أو رضاع أو مصاهرة فلا
خلاف في جواز اقراضها منه (الضرب الثاني) ما لا يجوز السلم فيه كاللآلئ الكبار وغيرها فجواز
363

اقراضه مبني على أن الواجب في المتقومات المثل أو القيمة (ان قلنا) بالأول لم يجز لتعذر ضبطه حتى
يوجد مثله (وان قلنا) بالثاني جاز * وفى اقراض الخبز وجهان كما في السلم فيه (أحدهما) لا يجوز
364

وبه قال أبو حنيفة وهو الأصح عند صاحب التهذيب (والثاني) يجوز وبه قال احمد للحاجة
العامة واطباق الناس عليه وهذا ما اختاره ابن الصباغ وغيره ولا بأس لو رتب فقيل إن جوزنا
365

السلم فيه جاز قرضه والا فوجهان للحاجة وقد أشار صاحب البيان إلى هذا الترتيب ثم ذكر ان جوزنا
قرضه وجب رد مثله وزنا ان قلنا يجب في المتقومات المثل من حيث الصورة (وان قلنا) يجب
366

فيها القيمة فالواجب القيمة فان شرطنا رد المثل ففي جوازه وجهان ويجب أن يكون المقرض معلوم
القدر ليتأتى قضاؤه ويجوز اقراض المكيل وزنا والموزون كيلا كما في السلم وعن القفال أنه لا يجوز
367

اقراض المكيل بالوزن بخلاف السلم فإنه لا يسوى بين رأس المال والمسلم فيه وزاد فقال لو أتلف
مائة من من الحنطة ضمنها بالكيل * ولو باع شقصا مشفوعا بمثله بمائة من من الحنطة ينظر كما هي
368

بالكيل فيأخذه الشفيع بمثلها كيلا (والأصح) في الكل الجواز هذا تمام الكلام في
أركان القرض *
369

قال (أما شرطه فهو أن لا يجر القرض منفعة * فلو شرط زيادة قدر أو صفة فسد ولم يفسد
جواز التصرف ولو شرط رد المكسر عن الصحيح * أو تأخير القضاء (م) لغا شرطه وصح القرض
370

على الأصح لأنه عليه لا له * ولو شرط رهنا أو كفيلا به جاز فإنه إحكام عينه ولو شرط رهنا بدين
آخر فسد ولو قال أقرضتك بشرط أن أقرضك غيره صح ولم يلزمه الوعد بخلاف البيع فإنه يفسد بمثله
371

إذ يصير ذلك القرض جزأ من العوض المقصود) *
372

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن قرض جر منفعة) وروى أنه قال (كل قرض جر منفعة فهو
ربا) (1) فلا يجوز أن يقرضه بشرط أن يرد الصحيح عن المكسر أو الجيد عن الردئ ولو شرط
373

زيادة في القدر فكذلك إن كان المال ربويا والا فوجهان (أحدهما) يجوز لما روى عن عبد الله
ابن عمرو بن العاص قال (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجهز جيشا فنفذت الإبل فأمرني أن آخذ
بعيرا ببعيرين إلى أجل) (1) (وأصحهما) المنع لما سبق وهذا الحديث محمول على السلم ألا ترى أنه قال
374

إلى أجل والقرض لا يقبل الأجل * ولو شرط رده ببلد آخر لم يجز لما فيه من دفع خطر الطريق * وإذا
جرى القرض بشئ من هذه الشروط كان فاسدا للخبر وكما لو باع بشرط فاسد وفى البيان نقل
375

وجه أنه لا يفسد لأنه عقد مسامحة وارفاق * ولو أقرض من غير شرط ورد المستقرض ببلد آخر وأجود
أو أكثر جاز قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خياركم أحسنكم قضاء) (1) ولا فرق بين الربويات وغيرها
376

ولا فرق بين أن يكون الرجل مشهورا برد الزيادة أو لا يكون وفيه وجه أنه لا يجوز رد الزيادة في الربوبات
ووجه أنه لا يجوز اقرض المشهور برد الزيادة تنزيلا للمعتاد منزلة المشروط ثم في الفصل صور (إحداها) لو أقرضه
377

بشرط أن يرد عليه ارداء أو يرد المكسر عن الصحيح لغا الشرط وهل يفسد العقد فيه وجهان
(أحدهما) نعم لأنه على خلاف قضية العقد كشرط الزيادة (وأصحهما) لا لان المنهى عنه جر
378

المقرض النفع إلى نفسه وهاهنا لا نفع له في الشرط وإنما النفع للمستقرض وكأنه زاد في المسامحة
ووعده وعدا حسنا وايراد بعضهم يشعر بالخلاف في صحة الشرط * ولو شرط تأخير القضاء وضرب له
379

اجلا نظر ان لم يكن للمقرض فيه غرض فهو كشرط رد المكسر عن الصحيح وإن كان له فيه
غرض بأن كان زمان نهب والمقرض ملئ فهو كالتأجيل لغير غرض أو كشرط رد الصحيح عن
380

المكسر فيه وجهان (أظهرهما) الثاني (الثانية) يجوز أن يقرضه بشرط الرهن أو الكفيل وكذا
بشرط أن يشهد أو يقربه عند الحاكم لأن هذه التوثيقات لأحكام عين القرض لا أنها منافع زائدة
381

ولو شرط رهنا بدين آخر فهو كشرط زيادة الصفة وستعود هذه الصورة مفصلة إن شاء الله تعالى
في كتاب الرهن (الثالثة) لو أقرضه بشرط أن يقرضه مالا آخر صح ولم يلزمه ما شرط بل هو
382

وعد وعده وكذا لو وهب منه ثوبا بشرط أن يهب منه غيره ويخالف ما إذا باع بشرط قرض أو
هبة أو بيع آخر حيث يفسد البيع لأنهما جعلا رفق القرض أو الهبة أو البيع الآخر مع العشرة
383

المذكورة مثلا ثمنا والشرط لغو فيسقط بسقوطه بعض الثمن ويصير الباقي مجهولا وقد روى أن النبي
صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع وسلف) (1) وفسروه بأن يبيع شيئا بشرط أن يقرضه المشترى وفي المسألة وجه
384

أن الاقراض كالبيع بشرط الاقراض (وقوله) في الكتاب فلو شرط زيادة قدر أو صفة فسد يجوز
أن يريد به فسد الشرط ولم يفد القرض جواز التصرف ويجوز أن يريد به فسد القرض ولم يفد
385

جواز التصرف وعلى التقديرين يجوز أن يكون معلما بالواو (أما) على التقدير الأول فلانه أطلق
الكلام اطلاقا وقد حكينا وجها في جواز شرط زيادة القدر في غير الربويات (وأما) على التقدير
386

الثاني فللوجه المنقول عن البيان (وقوله) أو تأخير القضاء لغا شرطه شرط تأخير القضاء هو التأجيل وقد ذكره مرة
أنه لا يجوز شرط الأجل فيه إلا أنه اعاده مع نظيره ليقين أن فسادهما لا يفسد القرض (وقوله) صح القرض معلم
387

بالواو ولما نقلناه آخرا *
قال (وأما حكمه فهو التملك ولكن بالقبض أو بالتصرف فيه قولان (أقيسهما) أنه بالقبض
لأنه لا يتقاعد عن الهبة وللعوض فيه مدخل وعلى هذا الأصح أنه لو أراد الرجوع في
388

عينه جاز لأنه أقرب إلى حقه من بدله وله المطالبة ببدله للخبر (وان قلنا) يملك بالتصرف فقيل إنه
كل تصرف يزيل الملك فيخرج عنه الرهن والتزويج وقيل إنه كل تصرف يتعلق بالرقبة فيخرج
389

عنه الإجارة وقيل كل تصرف يستدعى نفوذه الملك فيخرج عنه الرهن إذا رهن المستعار جائز) *
لاشك أن المستقرض يتملك ما استقرضه ولكن فيما يملك به قولان متفرعان من كلام الشافعي رضي الله
390

عنهما (أصحهما) انه يملك بالقبض لأنه إذا قبضه ملك التصرف فيه من جميع الوجوه ولو لم يملكه
لما ملك التصرف فيه ولان الملك في الهبة يحصل بالقبض ففي القرض أولى لان للعوض مدخلا فيه
391

(والثاني) أنه يملك بالتصرف لأنه ليس بتبرع محض إذ يجب فيه البدل وليس على حقائق
المعاوضات كما سبق فوجب أن يكون تملكه بعد استقرار بدله *
392

(التفريع) (إن قلنا) يملك بالقبض فهل للمقرض أن ترجع فيه ما دام باقيا في يد
المستقرض بحاله فيه وجهان (أحدهما) لا صيانة لملكه وله أن يؤدى حقه من موضع آخر وهذا ما ذكره
393

في التهذيب (وأظهرهما) عند الأكثرين ان له ذلك لأنه يتمكن من تغريمه بدل حقه عند الفوات
فلان يتمكن من مطالبته بعينه كان أولى ولا يبعد أن يرجع فيما ملكه غيره كما يرجع الواهب في
394

الهبة (وقوله) في الكتاب وله المطالبة ببدله للجبز ليس مسألة أخرى بل المعني أن له المطالبة ببدل
ملكه عند فواته جبرا لحقه فأولى أن يكون له المطالبة بما كان عين ملكه وكثيرا ما يقرؤن قوله
395

للجبر للخبر وظني القريب من اليقين أنه خطأ لأنه ليس في كتب المصنف ولا في كتب غيره ذكر
خبر يستدل به على أن للمقرض المطالبة ببدل القرض مع بقاء عينه (وأما) للجبر فهو مناسب للمعني
396

المذكور وهو الذي أورده الامام والمصنف في الوسيط وغيره * وعن مالك أنه ليس للمقرض الرجوع
فيما أقرضه حتى يقضى المستقرض وطره منه أو يمضي زمان يسع لذلك * ولو رد المستقرض عين ما أخذه
397

فعلي المقرض لا محالة (وان قلنا) انه يملك بالتصرف فمعناه أنه إذا تصرف تبين لنا ثبوت
الملك قبله ثم في ذلك التصرف وجوه (أظهرها) أنه كل تصرف يزيل الملك (والثاني) كل تصرف
398

يتعلق بالرقبة (والثالث) كل تصرف يستدعى الملك فعلى الوجوه يكفي البيع والهبة والاعتاق
والاتلاف ولا يكفي الرهن والتزويج والإجارة وطحن الحنطة وخبز الدقيق وذبح الشاة على الوجه
399

الأول ويكفي ما سوي الإجارة على الثاني وما سوى الرهن على الثالث لأنه يجوز أنه يستعير للرهن
شيئا فيرهنه كما سيأتي (وقوله) رهن المستعار جائز يعني المستعار للرهن لا مطلق المستعار وعن الشيخ
400

أبى محمد عبارة أخرى وهي أن التصرف الذي يملك به القرض هو الذي يقطع رجوع الواهب والبائع
عند افلاس المشترى وإذا فرعنا على الوجه الأول فهل يكفي البيع بشرط الخيار (ان قلنا) انه لا يزيل
401

الملك فلا (وان قلنا) انه يزيله فوجهان لأنه لا يزيل صفة اللزوم ومن فروع القولين أنه إذا كان
المقرض حيوانا وقلنا إنه يملك بالقبض فنفقته على المستقرض (وإن قلنا) يملك بالتصرف فهي على
402

المقرض إلى أن يتصرف المستقرض ولو استقرض من يعتق عليه عتق عليه إذا قبضه على القول الأول
403

ولم يعتق على الثاني قال صاحب التهذيب ويجوز أن يقال يعتق ويحكم بالملك قبيله والله أعلم
404