الكتاب: المجموع
المؤلف: محيى الدين النووي
الجزء: ٢
الوفاة: ٦٧٦
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

المجموع
شرح المهذب
للامام أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 ه‍
الجزء الثاني
دار الفكر
1

(بسم الله الرحمن الرحيم
قال المصنف رحمه الله
(باب الاحداث التي تنقض الوضوء)
الاحداث التي تنقض الوضوء خمسة: الخارج من السبيلين والنوم والغلبة على العقل بغير
النوم ولمس النساء ومس الفرج: فأما الخارج من السبيلين فإنه ينقض الوضوء لقوله تعالى:
(أو جاء أحد منكم من الغائط): ولقوله صلى الله عليه وسلم (لا وضوء الا من صوت أو ريح))
[الشرح] قال الله تعالى (وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم
النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا) اختلف العلماء في أو هذه فقال الأزهري هي بمعنى الواو قال وهي واو الحال
2

وأنشد فيه أبياتا قال ولا يجوز في الآية غير معني الواو حتى يستقيم التأويل على ما أجمع عليه الفقهاء
وقال
القاضي أبو الطيب في تعليقه في مسألة ملامسة المرأة في الآية تقديم وتأخير ذكره الشافعي عن زيد بن أسلم
تقديرها إذا قمتم إلى الصلاة من النوم أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم وامسحوا برءوسكم وأرجلكم وان كنتم جنبا فاطهروا وان كنتم مرضي أو على سفر فلم
تجدوا ماء فتيمموا قال وزيد ابن أسلم من العالمين بالقرآن والظاهر أنه قدر الآية توقيفا مع أن
التقدير في الآية لابد منه فان نظمها يقتضى ان المرض والسفر حدثان يوجبان الوضوء ولا يقوله
أحد:
وأما قوله صلى الله عليه وسلم (لا وضوء الا من صوت أو ريح) فحديث صحيح رواه الترمذي
وغيره بهذا اللفظ بأسانيد صحيحة من رواية أبي هريرة رضي الله عنه ورواه مسلم من رواية أبي
هريرة رضي الله عنه بقريب من معناه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا وجد أحدكم في
بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شئ أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد
ريحا) وثبت عن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه قال شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم
الرجل يخيل إليه انه يجد الشئ في الصلاة فقال لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا رواه
3

البخاري ومسلم ومعنى يجد ريحا يعلمه ويتحقق خروجه وليس المراد يشمه والأحاديث في الدلالة
على الذي ذكره كثيرة مشهورة
أما حكم المسألة فالخارج من قبل الرجل أو المرأة أو دبرهما ينقض
الوضوء سواء كان غائطا أو بولا أو ريحا أو دودا أو قيحا أو دما أو حصاة أو غير ذلك ولا
فرق في ذلك بين النادر والمعتاد ولا فرق في خروج الريح بين قبل المرأة والرجل ودبرهما نص عليه
الشافعي رحمه الله في الأم واتفق عليه الأصحاب قال أصحابنا ويتصور خروج الريح من قبل
الرجل إذا كان آدر وهو عظيم الخصيين وكل هذا متفق عليه في مذهبنا ولا يستثنى من الخارج الا
شئ واحد وهو المنى فإنه لا ينقض الوضوء على المذهب الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور
قالوا لان الخارج الواحد لا يوجب طهارتين وهذا قد أوجب الجنابة فيكون جنبا لا محدثا قال الرافعي لان
الشئ مهما أوجب أعظم الأثرين بخصوصه لا يوجب أوهنهما بعمومه كزنى المحصن يوجب أعظم
الحدين دون أخفهما وحكي جماعة منهم صاحب البيان (1) عن القاضي أبي الطيب انه ينقض الوضوء
فيكون جنبا محدثا وقد وافق القاضي أبو الطيب (2) الجمهور في تعليقه فقال في مسألة من وجب عليه
وضوء وغسل أنه يكون جنبا لا محدثا وهناك ذكر الجمهور المسألة: وأما قول الغزالي رحمه الله الخارج
من السبيلين ينقض الوضوء طاهرا كان أو نجسا فمراده بالطاهر الدود والحصى وشبههما مما هو طاهر
العين وإنما ينجس بالمجاورة قال الرافعي ولا يغتر بتعميم الأئمة القول في أن الخارج من السبيلين
ينقض الوضوء فان هذا ظاهر يعارضه تصريحهم في تصوير الجنابة المفردة عن الحدث على أن من
أنزل بمجرد النظر فهو جنب غير محدث: وأما أدلة الانتقاض بكل خارج من السبيلين غير المنى
فكلها صحيحة ظاهرة: أما الغائط فبنص الكتاب والسنة والاجماع: وأما البول فبالسنة المستفيضة
والاجماع والقياس على الغائط: وأما الريح فبالأحاديث الصحيحة التي قدمناها وهي عامة تتناول

(1) هذا الذي نقله صاحب البيان وغيره قد صرح به القاضي
أبو الطيب في شرح فروع ابن الحداد اه‍ من هامش الأذرعي (2) أقول ما قاله
القاضي يشهد له ظاهر نصه في الأم فإنه ذكر جملا مما ينقض الوضوء ثم قال وكل
ما خرج من واحد من الفروج ففيه الوضوء وقال قبله فدلت السنة على الوضوء من
المذي والبول مع دلالتها على الوضوء من خروج الريح فلم يجز إلا أن يكون جميع ما
خرج من ذكر أو دبر رجل أو امرأة أو قبل المرأة الذي هو سبيل الحدث يوجب الوضوء اه‍ أذرعي
4

الريح من قبلي الرجل والمرأة ودبرهما: وأما المذي والودي والدود وغيرهما من النادرات فسنذكر
دليلها في فرع مذاهب العلماء والله أعلم *
(فرع) ذكر المصنف ان نواقض الوضوء خمسة وهكذا ذكرها جمهور الأصحاب وبقي من
النواقض ثلاثة أشياء أحدها متفق عليه والآخران مختلف فيهما فالمتفق عليه انقطاع الحدث الدائم (1)
كدم الاستحاضة وسلس البول والمذي ونحو ذلك فان صاحبه إذا توضأ حكم بصحة وضوئه فلو
انقطع حدثه وشفى انتقض وضوءه ووجب وضوء جديد كما سنوضحه في باب الحيض إن شاء الله
تعالى: والمختلف فيه نزع الخف وفيه خلاف تقدم واضحا والأصح ان مسح الخف يرفع الحدث فإذا
نزعه عاد الحدث وهل يعود إلى الأعضاء كلها أم إلى الرجلين فقط فيه القولان: والثالث الردة (2)
وفيها ثلاثة أوجه أصحها انها تبطل التيمم دون الوضوء: والثاني تبطلهما والثالث لا تبطل واحدا
منهما حكاها البندنيجي في آخر باب التيمم وآخرون وممن ذكر مسألة الخف وانقطاع الحدث الدائم
من النواقض في هذا الباب المحاملي في اللباب ولعل الأصحاب لم يذكروهما هنا لكونهما موضحتين في
بابيهما: وأما مسألة الردة فالنقض في الوضوء وجه ضعيف لم يعرجوا عليه هنا: وقد قطع المصنف
ببطلان التيمم بالردة ذكره في باب التيمم * واحتج لابطال الوضوء والتيمم بان الطهارة عبادة لا تصح
مع الردة ابتداء فلا تبقى معها دواما كالصلاة إذا ارتد في أثنائها ولعدم الابطال بأنها ردة بعد
فراغ العبادة فلم تبطلها كالصوم والصلاة بعد الفراغ منهما وللفرق بين الوضوء والتيمم بقوة الوضوء

(1) ونقل ابن كج وجهين في أن لمس الميت يوجب الوضوء أم لا
ذكرهما من فرع قبل كتاب الحيض من كتابه وفى ايراد انقطاع الحدث الدائم نظن
لأنه ما ارتفع حدثه وإنما هو مسح كالتيمم اه‍ أذرعي
(2) قال ابن كج في كتاب التيمم فرع قال الشافعي ولو تيمم ثم ارتد بطل تيممه
قال وان توضأ ثم ارتد لم يبطل وضوءه قال ابن كج والجواب * أن لا فصل بينهما متى
رجع عن قرب فيها وتأويل مسألة التيمم انه أقام في الردة طويلا فوجب عليه أن
يحدث طلبا وتيمما مجددا لان سبيل التيمم أن يكون خلفه صلاة الفريضة ومن أصحابنا
من قال بظاهر قول الشافعي وفصل بينهما بان التيمم قد اتخفضت مزيته عن مزية
الوضوء الا ترى أنه يبطل برؤية الماء ولا يجمع بين فرضين ولا يجوز قبل دخول الوقت اه‍ أذرعي
5

وضعف التيمم وأما إذا اغتسل ثم ارتد ثم أسلم فالمذهب انه لا يجب إعادة الغسل وبه قطع الأصحاب
وفيه وجه انه يجب حكاه الرافعي وهو شاذ ضعيف: ولو ارتد في أثناء وضوءه ثم أسلم فان أتي بشئ منه
في حال الردة لم يصح ما أتي به في الردة: كذا قطع به امام الحرمين وغيره ويجيئ فيه الوجه
الشاذ الذي سبق في باب نية الوضوء عن حكاية المحاملي أنه يصح من كل كافر كل طهارة وإن لم
يأت بشئ فقد انقطعت النية فإن لم تجدد نية لم يصح وضوءه وان جددها بعد الاسلام وقلنا
لا يبطل الوضوء بالردة انبنى على الخلاف في تفريق النية: والأصح انه لا يضر كما سبق بيانه في باب
نية الوضوء فان قلنا يضر استأنف الوضوء والا فإن كان الفصل قريبا بنى والا ففيه القولان
في الموالاة والله أعلم
(فرع) في مذاهب العلماء في الخارج من السبيلين قد سبق أن مذهبنا ان الخارج من أحد السبيلين
ينقض سواء كان نادرا أو معتادا وبه قال الجمهور قال ابن المنذر اجمعوا انه ينتقض بخروج الغائط
من الدبر والبول من القبل والريح من الدبر والمذي قال ودم الاستحاضة ينقض في قوله عامة
العلماء إلا ربيعة قال واختلفوا في الدود يخرج من الدبر فكان عطاء بن أبي رباح والحسن البصري
6

وحماد بن أبي سليمان وأبو مجلز والحكم وسفيان الثوري والأوزاعي وابن المبارك والشافعي واحمد
واسحق وأبو ثور يرون منه الوضوء وقال قتادة ومالك لا وضوء فيه وروى ذلك عن النخعي
وقال مالك لا وضوء في الدم يخرج من الدبر هذا كلام ابن المنذر ونقل أصحابنا عن مالك ان النادر
لا ينقض والنادر عنده كالمذي يدوم لا بشهوة فإن كان بشهوة فليس بنادر وقال داود لا ينقض
النادر وان دام الا المذي للحديث * واحتج لمن قال لا ينقض النادر بقوله صلى الله عليه وسلم
(لا وضوء الا من صوت أو ريح) وهو حديث صحيح كما سبق وبحديث صفوان بن عسال
المتقدم في أول باب مسح الخف وقوله لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام الا من جنابة لكن من غائط
وبول ونوم ولأنه نادر فلم ينقض كالقئ وكالمذي الخارج من سلس المذي * واحتج أصحابنا بحديث
علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المذي (يغسل ذكره ويتوضأ وفى رواية
فيه الوضوء: وفى رواية يتوضأ وضوءه للصلاة) رواه البخاري ومسلم: وعن ابن مسعود وابن عباس
رضي الله عنهم قالا (في الودي الوضوء) رواه البيهقي ولأنه خارج من السبيل فنقض كالريح والغائط
ولأنه إذا وجب الوضوء بالمعتاد الذي تعم به البلوى فغيره أولى: وأما الجواب عن حديثهم الأول
فهو انا أجمعنا على أنه ليس المراد به حصر ناقض الوضوء في الصوت والريح بل المراد نفى وجوب
الوضوء بالشك في خروج الريح كما قدمناه: وأما حديث صفوان فبين فيه جواز المسح وبعض ما يمسح
بسببه ولم يقصد بيان جميع النواقض ولهذا لم يستوفها الا تراه لم يذكر الريح وزوال العقل وهما مما
ينقض بالاجماع: وأما القئ فلانه من غير السبيل فلم ينقض كالدمع: وأما سلس المذي فللضرره ولهذا
نقول هو محدث ولا يجمع بين فريضتين ولا يتوضأ قبل الوقت فهذا ما نعتمده في المسألة دليلا وجوابا
وأما ما احتج به بعض أصحابنا (الوضوء مما خرج) فقد رواه البيهقي عن علي وابن عباس رضي الله عنهم
قال وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يثبت والله أعلم *
7

(فرع) قد ذكرنا أن خروج الريح من قبلي الرجل والمرأة ينقض الوضوء وبه قال احمد ومحمد
ابن الحسن وقال أبو حنيفة لا ينقض قال المصنف رحمه الله *
[فان انسد المخرج المعتاد وانفتح دون المعدة مخرج انتقض الوضوء بالخارج منه لأنه لابد
للانسان من مخرج يخرج منه البول والغائط فإذا انسد المعتاد صار هذا هو المخرج فانتقض الوضوء
بالخارج منه وان انفتح فوق المعدة فقيه قولان أحدهما ينتقض الوضوء بالخارج منه لما ذكرناه وقال
في حرملة لا ينتقض لأنه في معنى القئ وإن لم ينسد المعتاد وانفتح فوق المعدة لم ينتقض الوضوء
بالخارج منه وإن كان دون المعدة ففيه وجهان أحدهما لا ينتقض الوضوء بالخارج منه لان ذلك
كالجائفة فلا ينتقض الوضوء بما يخرج منه: والثاني ينتقض لأنه مخرج منه الغائط فهو كالمعتاد]
[الشرح] المعدة بفتح الميم وكسر العين وبكسر الميم واسكان العين ومراد الشافعي والأصحاب
بما تحت المعدة ما تحت السرة وبما فوق المعدة ما فوق السرة ولو انفتح في نفس السرة أو في
محاذاتها فله حكم ما فوقها لأنه في معناه ذكره إمام الحرمين وغيره (1) وقد ذكر المصنف أربع صور
إحداها ينسد المعتاد وينفتح مخرج تحت المعدة فينتقض الوضوء بالخارج منه قولا واحدا هكذا قطع
به الأصحاب في كل الطرق الا صاحب الحاوي فحكي عن أبي على ابن أبي هريرة أنه قال فيه قولان
كما لو لم ينسد (2) قال وأنكر سائر أصحابنا ذلك عليه ونسبوه إلى الغفلة فيه: الثانية ينسد المعتاد وينفتح فوق
المعدة فقولان مشهوران الصحيح عند الجمهور لا ينتقض ممن صححه القاضي أبو حامد والجرجاني والرافعي
في كتابيه واختاره المزني وقطع المحاملي بالانتقاض وهو ضعيف: الثالثة لا ينسد المعتاد وينفتح تحت المعدة
ففي الانتقاض خلاف مشهور منهم من حكاه وجهين وبعضهم حكاه قولين والأصح باتفاقهم
لا ينقض وبه قطع الجرجاني في التحرير (3): الرابعة لا ينسد المعتاد وينفتح فوق المعدة فطريقان
قطع الجمهور بأنه لا ينتقض قولا واحدا ممن صرح به المصنف هنا وفى التنبيه والماوردي والشيخ
أبو محمد والقاضي حسين والفوراني وامام الحرمين والغزالي والمتولي والبغوي وصاحب العدة
والرافعي وآخرون ونقل الفوراني والمتولي الاتفاق عليه وقال الشيخ أبو حامد والبندنيجي والمحاملي
ان قلنا فيما إذا انسد الأصلي وانفتح فوق المعدة لا ينقض فهنا أولى والا فوجهان وادعى صاحب
البيان أن هذه طريقة الأكثرين وان صاحب المهذب خالفهم وليس كما قال والله أعلم *

(1) قلت قال ابن يونس في شرحه للتعجيز هنا المعدة بين الصدر
والسرة وقال صاحب الذخائر فان قيل ما حد المعدة حتى نتبين فوقها ودونها قلنا
حد المعدة من السرة إلى ثغرة الصدر فما كان دون السرة فهو دون المعدة وما كان
فوق ثغرة الصدر فهو فوق المعدة انتهى لفظه ونقله هذا عن الامام لم أره في
النهاية في هذا الموضع صريحا وإنما تكلم على المنفتح تحت المعدة وفوقها وفيها
ولم يصرح بمحلها انه محاذي للسرة ولا لغيره فالله اعلم ما في الأذرعي
(2) قلت وافقه على ذلك أبو الفضل ابن عبدان كذا نقله الرافعي في شرحه الصغير اه‍ أذرعي
(3) وقال الروياني في البحر المذهب المشهور انه لا ينتقض ومن أصحابنا من قال
فيه قولان مخرجان انتهى وقطع المحاملي في المقنع بأنه ينقض فصار في المسألة
ثلاثة طرق اه‍ من هامش الأذرعي
8

(فرع) في مسائل تتعلق بهذه المسألة: إحداها قال صاحب الحاوي هذه المسائل والتفصيل
الذي ذكرناه في المخرج المنفتح هي إذا كان انسداد المخرج عارضا لعلة قال وحينئذ حكم السبيلين
جار عليهما في نقض الوضوء بمسهما ووجوب الغسل بالايلاج فيهما فأما إذا كان انسداد الأصلي
من أصل الخلقة فسبيل الحدث هو المنفتح والخارج منه ناقض للوضوء سواء كان تحت المعدة
أو فوقها والمنسد كالعضو الزائد من الخنثى لا وضوء بمسه ولا غسل بايلاجه وايلاج فيه هذا
كلام صاحب الحاوي ولم أر لغيره تصريحا بموافقته أو مخالفته والله أعلم: (الثانية) لا فرق فيما
ذكرناه في المنفتح بين الرجل والمرأة والقبل والدبر (الثالثة) حيث حكمنا في مسائل المنفتح بالانتقاض
بالخارج فإن كان الخارج بولا أو غائطا انتقض بلا خلاف وإن كان غيرهما كدم أو قيح أو حصاة
ونحوها ففيه قولان حكاهما الخراسانيون قال امام الحرمين وآخرون منهم أصحهما الانتقاض وبه
قطع المتولي وهو مقتضى اطلاق العراقيين لأنا جعلناه كالأصلي ولا فرق عندنا في الأصلي بين المعتاد
وغيره وخالف البغوي الجماعة فقال الأصح لا ينقض لأنا جعلناه كالأصلي للضرورة لكون الانسان
لا بد له من مخرج يخرج منه المعتاد فإذا خرج غير المعتاد عدنا إلى الأصل ولو خرج منه الريح انتقض
عند الجمهور لأنه معتاد وطرد البغوي والرافعي فيه القولين (الرابعة) إذا نقضنا بالخارج هل يكفيه
الاستنجاء فيه بالحجر أم يتعين الماء فيه ثلاثة أوجه (1) أصحهما يتعين الماء والثاني لا والثالث يتعين في الخارج
النادر دون المعتاد وان قلنا لا ينقض تعين الماء لإزالة هذه النجاسة بلا خلاف: (الخامسة) حيث قلنا ينقض
الخارج منه هل يجب الوضوء بمسه والغسل بالايلاج فيه فيه وجهان مشهوران أصحهما بالاتفاق لا يجب لأنه
ليس بفرج قال امام الحرمين وهذا الخلاف على بعده لا يتعدى أحكام الحدث فلا يثبت
بالايلاج فيه شئ من أحكام الوطئ سوى الغسل على وجه وهكذا قطع به الجمهور مع الامام وذكر
القاضي حسين في تعليقه الوجهين في وجوب الحد بالايلاج فيه وذكر صاحب البيان ان الوجهين

(1) قال في الروضة فيه ثلاثة أقوال وقبل اه‍ أذرعي أوجهه
9

يجريان في وجوب المهر بالايلاج فيه وحصول التحليل به: قال الرافعي وطرد أبو عبد الله
الحناطي بالحاء المهملة والنون الوجهين في المهر وسائر أحكام الوطئ (قلت) وكل هذا شاذ فاسد:
(السادسة) إذا كان فوق سرة الرجل ونقضنا به ففي وجوب ستره وحل النظر إليه للرجال وجهان
أصحهما لا يجب الستر ويحل النظر لأنه ليس في محل العورة قال الرافعي ويجرى الوجهان لو حاذى
السرة وقلنا بالمذهب انها ليست عورة (السابعة) إذا نقضنا بخروج الريح منه فنام ملصقا له بالأرض
ففي انتقاضه وجهان حكاهما صاحبا الحاوي والبحر أصحهما لا ينتقض
(فرع) الخنثى الذي زال اشكله إذا خرج من فرجه الزائد شئ فله حكم المنفتح تحت
المعدة مع انفتاح الأصلي: وأما الخنثى المشكل إذا بال من أحد قبليه (1) ففيه ثلاثة طرق قطع الجمهور
بأنه كالمنفتح تحت المعدة مع انفتاح الأصلي (2) لاحتمال انه زائد وممن قطع بهذا امام الحرمين والمتولي
والقاضي أبو الفتوح وقطع أبو علي السنجي بالانتقاض كذا حكاه عنه صاحب البيان (3) وقطع الماوردي
بأنه لا ينتقض ذكره في مسائل لمس الخنثى فرجه وإذا بال منهما توضأ قطعا *
(فرع) لو كان لرجل ذكران فخرج من أحدهما شئ انتقض وضوءه: ذكره الماوردي:
(فرع) إذا خرج دم من الباسور إن كان داخل الدبر نقض الوضوء وإن كان الباسور
خارج الدبر لم ينقض هكذا ذكره الصيمري وغيره (4) *
(فرع لو أخرجت دودة رأسها من أحد السبيلين ثم رجعت قبل انفصالها ففي انتقاض
الوضوء وجهان حكاهما الماوردي والروياني والشاشي وغيرهم أصحهما ينتقض للخروج والثاني
لا لعدم الانفصال والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وان ادخل في إحليله مسبارا وأخرجه أو زرق فيه شيئا وخرج منه انتقض وضوءه]

(1) لفظ الامام في النهاية فرع خروج الخارج من أحد سبيلي الخنثى
المشكل بمثابة خروج نجاسة من سبيل ينفتح أسفل من المعدة وقد مضى
(2) قال في البيان ومن عادته ان يبول منهما في بعض الحالات انتهى والعجب
من المصنف إهمال هذا مع أنه من تمام تصوير المسألة مع وقوفه على كلام البيان
فيه وهو متعين في التصوير لابد منه بلا شك
(3) وقال لعله بناه على الأصح عنده يعني ان الخارج من منفتح تحت المعدة مع
انفتاح الأصلي ينقض اه‍ أذرعي
(4) ونقله ابن كج عن النص اه‍
10

[الشرح] الإحليل بكسر الهمزة هو مجرى البول من الذكر والمسبار بكسر الميم وبالباء
الموحدة بعد السين وهو ما يسبر به الجرح من حديدة أو ميل أو فتيلة أو نحوه أي يعرف به غور
الجرح ويقال له أيضا السبار بكسر السين وحذف الميم وكذا ذكره الشافعي رحمه الله ويقال
سبرت الجرح أسبره سبرا كقتلته اقتله قتلا واتفق الأصحاب على أنه إذا ادخل رجل أو امرأة
في قبلهما أو دبرهما شيئا من عود أو مسبار أو خيط أو فتيلة أو إصبع أو غير ذلك ثم خرج
انتقض الوضوء سواء اختلط به غيره أم لا: وسواء انفصل كله أو قطعة منه لأنه خارج من السبيل
واما مجرد الادخال فلا ينقض بلا خلاف فلو غيب بعض المسبار فله ان يمس المصحف ما لم يخرجه
ولو صلى لم تصح صلاته لا بسبب الوضوء بل لان الطرف الداخل تنجس والظاهر له حكم ثوب
المصلي فيكون حاملا لمتصل بالنجاسة فلو غيب الجميع صحت صلاته هكذا ذكره القاضي حسين
في تعليقه والمتولي والشاشي في المعتمد وآخرون وحكي الشيخ أبو محمد في الفروق ان بعض
أصحابنا قال لو لف على إصبعه خرقة وأدخلها في دبره وهو في الصلاة لم تبطل صلاته فحصل وجهان
وحاصلهما ان النجاسة الداخلة هل لها حكم النجاسة ويتنجس المتصل بها الذي له حكم الظاهر
أم لا: والأشهر أن لها حكم النجاسة وينجس المتصل بها وفى الفتاوى المنقولة عن صاحب
الشامل أنه لا حكم لها وذكر القاضي حسين هنا والمتولي في كتاب الصيام وغيرهما فرعا له تعلق
بهذا وهو انه لو ابتلع خيطا في ليلة من رمضان فأصبح صائما وبعض الخيط خارج من فمه وبعضه
داخل في جوفه فان نزع الخيط غيره في نومه أو مكرها له لم يبطل صومه وتصح صلاته وان بقي
الخيط لم تصح صلاته لاتصاله بالنجاسة ويصح صومه: وان نزعه أو ابتلعه بطل صومه وصحت صلاته
لكن يغسل فمه ان نزعه: وأيهما أولى بالمحافظة عليه فيه وجهان أرجحهما عند القاضي
وغيره مراعاة صحة الصوم (1) أولى لأنه عبادة دخل فيها فلا يبطلها قال القاضي وهذا كما لو دخل
في صلاة القضاء ثم بان له أنه لم يبق من الوقت الا قدر إذا اشتغل باتمام القضاء فاته صلاة
الوقت يلزمه اتمام القضاء لشروعه فيه (2) فعلى هذا يصلى في مسألة الخيط على حسب
حاله ويعيد والثاني الصلاة أولى بالمراعاة ولأنها آكد من الصيام ولأنها متعددة فإنها ثلاث

(1) قال في الروضة الأصح مراعاة الصلاة وكذا قال في كتاب الصيام في هذا الكتاب ان الأصح مراعاة الصلاة وهذا أولى فان الأصح تفضيل الصلاة على الصوم واما مسألة الفائتة
فالأصح انها يجب قطعها والشروع في الحاضرة خلاف ما قاله القاضي اه‍ أذرعي (2) هذا مخالف لما جزم به في كتاب الصلاة الجماعة اه‍ أذرعي
11

صلوات ونقل الشاشي هذه المسألة عن القاضي كما ذكرتها ثم قال وعندي ان البقاء على حاله
لا يصح بل ينزعه أو يبتلعه ويبطل صومه لان بطلان الصوم حاصل لا محالة لأنه مستديم لادخاله بعد الفجر
واستدامته كالابتداء كما لو طلع الفجر وهو مجامع فاستدام فإنه يبطل كابتداء الجماع هذا كلام الشاشي
وهو ضعيف والفرق ظاهر فان مستديم الجماع يعد مجامعا منتهكا حرمة اليوم بخلاف مستديم الخيط
والله أعلم، ونظير المسألة ما إذا كان محرما بحج وهو بقرب عرفات ولم يكن وقف بها ولا صلي
العشاء ولم يبق من وقت العشاء والوقوف الا قدر يسير بحيث لو صلى فاته الوقوف ولو ذهب
إلى الوقوف لفاتته الصلاة وأدرك الوقوف ففيه ثلاثة أوجه الصحيح منها عند القاضي وغيره انه
يذهب إلى الوقوف ويعذر في تأخير الصلاة لان فوات الوقوف أشق فإنه لا يمكن قضاؤه الا بعد
سنة وقد يعرض قبل ذلك عارض وقد يعرض في القضاء ما يحصل به الفوات أيضا وقد يموت مع
ما يلزمه من المشقة الشديدة في تكرار هذا السفر ولزوم دم الفوات وغير ذلك: والصلاة يجوز تأخيرها
بعذر الجمع (1) الذي ليس فيه هذه المشقة ولا قريب منها مع امكان قضائها في الحال: والثاني يقدم
الصلاة لأنها آكد وعلى الفور وهذا ليس بشئ وإن كان مشهورا: والثالث يصلى صلاة الخوف
ماشيا فيحصل الحج والصلاة جميعا ويكون هذا عذرا من اعذار صلاة شدة الخوف وقد حكي
امام الحرمين وغيره هذه الأوجه في باب صلاة الخوف عن القفال رحمه الله والله أعلم * قال
المصنف رحمه الله *
[واما النوم فينظر فيه فان وجد منه وهو مضطجع أو مكب أو متكئ انتقض وضوءه لما روى علي كرم الله وجهه
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ) وان وجد منه وهو قاعد ومحل
الحدث متمكن من الأرض فإنه قال في البويطي ينتقض وضوءه وهو اختيار المزني لحديث علي ولان ما
نقض الوضوء في حال الاضطجاع نقضه في حال القعود كالأحداث والمنصوص في الكتب أنه لا ينتقض
وضوءه لما روى أنس رضي الله عنه قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون
العشاء فينامون قعودا ثم يصلون ولا يتوضأون وروي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن

(1) التأخير يعذر الجمع وإن كان مشقته أهون فان المتأخرة تكون به أداء بخلاف مسألة الوقوف اه‍ أذرعي
12

النبي صلى الله عليه وسلم قال (من نام جالسا فلا وضوء عليه ومن وضع جنبه فعليه الوضوء) ويخالف
الاحداث فإنها تنقض الوضوء لعينها والنوم ينقض لأنه يصحبه خروج الخارج وذلك لا يحس به
إذا نام زائلا عن مستوي الجلوس ويحس به إذا نام جالسا: وان نام راكعا أو ساجدا أو قائما في الصلاة
ففيه قولان قال في الجديد ينتقض لحديث علي رضي الله عنه ولأنه نام زائلا عن مستوى الجلوس
فأشبه المضطجع وقال في القديم لا ينتقض لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا نام العبد في صلاته باهى
الله به ملائكته يقول عبدي روحه عندي وجسده ساجدا بين يدي) فلو انتقض وضوءه لما
جعله ساجدا] *
[الشرح] في هذا الفصل جمل من الأحاديث واللغات والألفاظ والأسماء والأحكام
وبيانها مع فروعها بمسائل: إحداها حديث علي رضي الله عنه حديث حسن رواه أبو داود وابن
ماجة وغيرهما بأسانيد حسنة: وأما حديث أنس رضي الله عنه فصحيح رواه مسلم في صحيحه بمعناه قال
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضأون رواه أبو داود وغيره
بلفظه في المهذب الا قوله قعودا فإنه لم يذكره لكن ذكر ما يدل عليه فقال حتى تخفق رؤسهم
واسناد رواية أبي داود اسناد صحيح وكذلك رواه الشافعي رحمه الله في مسنده وغيره وفى رواية
لأبي داود والبيهقي وغيرهما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون
ولا يتوضأون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى رواية للبيهقي لقد رأيت أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوقظون للصلاة حتى أني لأسمع لأحدهم غطيطا ثم يقومون فيصلون
ولا يتوضأون: واما حديث عمرو بن شعيب فضعيف جدا ورواه أبو داود وغيره من رواية ابن
عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الوضوء على من نام مضطجعا فإنه إذا اضطجع استرخت
مفاصله) قال أبو داود هذا حديث منكر وأما حديث المباهاة بالساجد فيروي من رواية أنس
وهو حديث ضعيف جدا:
(المسألة الثانية) في اللغات والألفاظ المكب بضم الميم وكسر الكاف يقال أكب
13

فلان على وجهه وكببته انا لوجهه إذا صرعته لوجهه قال الله تعالى: (أفمن يمشي مكبا على وجهه)
قال أهل اللغة والتصريف هذا من النادرات ان يقال أفعلت انا وفعلت غيري وقوله أو متكئا
هو بهمزة آخره والوكاء بكسر الواو وبالمد وهو الخيط الذي يشد به رأس الوعاء والسه بفتح السين المهملة
وكسر الهاء المخففة وهي الدبر ومعناه اليقظة وكاء الدبر أي حافظة ما فيه من الخروج أي ما دام.
الانسان مستيقظا فإنه يحس بما يخرج منه فإذا نام زال ذلك الضبط وقوله يحس به هو بضم الياء وكسر الحاء
هذه اللغة الفصيحة المشهورة وبها جاء القرآن قال الله تعالى (هل تحس منهم من أحد) وفى لغة قليلة
بفتح الياء وضم الحاء: قوله مستوى الجلوس هو بفتح الواو أي عن استوائه وأصل المباهاة المفاخرة والروح
تذكر وتؤنث لغتان ومذهب أصحابنا المتكلمين انها أجسام لطيفة والله أعلم (الثالثة) في الأسماء أما
علي رضي الله عنه فسبق بيانه في أول صفة الوضوء وأنس تقدم في باب الآنية وعمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده تقدم بيانه في آخر الفصول السابقة في مقدمة الكتاب والبويطي في الباب الثاني من
الكتاب
(الرابعة) في الأحكام وحاصل المنقول في النوم خمسة أقوال للشافعي الصحيح منها من حيث
المذهب ونصه في كتبه ونقل الأصحاب والدليل انه ان نام ممكنا مقعده من الأرض أو نحوها لم
ينتقض وإن لم يكن ممكنا انتقض على أي هيئة كان في الصلاة وغيرها: والثاني انه ينقض بكل
حال وهذا نصه في البويطي: والثالث ان نام في الصلاة لم ينتقض على أي هيئة كان وان نام
في غيرها غير ممكن مقعده انتقض وإلا فلا وهذه الأقوال ذكرها المصنف: والرابع ان نام
ممكنا أو غير ممكن وهو على هيئة من هيئات الصلاة سواء كان في الصلاة أو في غيرها لم ينتقض
والا انتقض: والخامس ان نام ممكنا أو قائما لم ينتقض والا انتقض حكى هذين القولين الرافعي
وغيره وحكي أولهما القفال في شرح التلخيص والصواب القول الأول من الخمسة وما سواه ليس
بشئ وقد ذكر المصنف دلائلها وسأبسطها في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى * وتأول
أصحابنا نصه في البويطي على أن المراد انه نام غير ممكن وقال امام الحرمين قال الأئمة
14

غلط البويطي: وهذا الذي قاله الامام ليس بجيد والبويطي يرتفع عن التغليظ بل الصواب تأويل
النص وهو محتمل للتأويل وهذا نصه في البويطي: قال ومن نام مضطجعا أو راكعا أو ساجدا
فليتوضأ وان نام قائما فزالت قدماه عن موضع قيامه فعليه الوضوء: وان نام جالسا فزالت مقعدته
عن موضع جلوسه وهو نائم فعليه الوضوء: ومن نام جالسا أو قائما فرأى رؤيا وجب عليه
الوضوء ومن شك أنام جالسا أو قائما أو لم ينم فليس عليه شئ حتى يستيقن النوم فان ذكر أنه
رأى رؤيا وشك أنام أم لا فعليه الوضوء لان الرؤيا لا تكون الا بنوم هذا نصه بحروفه في البويطي
ومنه نقلته: فقوله إن نام جالسا فزالت مقعدته فعليه الوضوء دليل على أن من لم تزل لا وضوء عليه
فيتأول باقي كلامه على النائم غير ممكن (1) والله أعلم
(فرع) إذا نام في صلاته ممكنا مقعده من الأرض لم تبطل صلاته بلا خلاف
الا على رواية البويطي ولا تفريع عليها ولو نام في الصلاة غير ممكن ان قلنا بالقديم الضعيف فصلاته
ووضوءه صحيحان وان قلنا بالمذهب بطلا قال القاضي حسين والمتولي وغيرهما لو صلى مضطجعا لمرض فنام ففي
بطلان وضوئه القولان لأن علة منع انتقاض وضوء المصلى على القديم حرمة الصلاة وهي موجودة والله أعلم
(فرع) في مسائل تتعلق بالفصل والتفريع على المذهب وهو ان نوم الممكن لا ينقض وغيره
ينقض: إحداها قال الشافعي في الأم والمختصر والأصحاب رحمهم الله يستحب للنائم ممكنا أن
يتوضأ لاحتمال خروج حدث وللخروج من خلاف العلماء: (الثانية) قال الشافعي في الأم والأصحاب
لا ينتقض الوضوء بالنعاس وهو السنة وهذا لا خلاف فيه: ودليله من الأحاديث حديث ابن
عباس رضي الله عنهما قال (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى يصلى في الليل فقمت إلى جنبه
الأيسر فجعلني في شقه الأيمن فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني فصلى احدى عشرة ركعة)
رواه مسلم: قال الشافعي والأصحاب الفرق بين النوم والنعاس ان النوم فيه غلبة على العقل وسقوط

(1) لكن التأويل لا يتأتى فيما أفهمه قوله وان نام قائما فزالت
قدماه من موضع قيامه فعليه الوضوء لأنه يقتضي أن لا وضوء عليه إذا لم تزل قدماه
لكن يعارضه قوله بعد ومن نام جالسا أو قائما فرأي رؤيا فعليه الوضوء لان هذا
يقتضي ان عليه الوضوء وإن لم تزل قدماه وطريق الجمع بينهما ان زوال القدم
والرؤيا يقتضيان الاستغراق في النوم بخلاف ما إذا لم ير رؤيا ولم تزل قدماه وحينئذ
لا يتحقق النوم الناقض بل هو نعاس وسنة وعليه يحمل ذلك المفهوم وهذا متعين به والله أعلم اه‍ أذرعي
15

حاسة البصر وغيرها والنعاس لا يغلب على العقل وإنما تفتر فيه الحواس بغير
سقوط قال القاضي حسين والمتولي حد النوم ما يزول به الاستشعار من القلب مع استرخاء المفاصل
وقال امام الحرمين النعاس يغشى الرأس فتسكن به القوى الدماغية وهو مجمع الحواس ومنبت
الأعصاب فإذا فترت فترت الحركات الإرادية وابتداؤه من أبخرة تتصعد فتوافى أعباء من قوى الدماغ
فيبدو فتور في الحواس فهذا نعاس وسنة فإذا تم انغمار القوة الباصرة فهذا أول النوم ثم تترتب غلبة فتور
الأعضاء واسترخاؤها وذلك غمرة النوم قال ولا ينتقض الوضوء بالغفوة وإذا تحققنا النوم لم نشترط
غايته فان الشافعي رحمه الله نقض وضوء النائم قائما ولو تناهى نومه لسقط: هذا كلام امام الحرمين
قال أصحابنا ومن علامات النعاس أن يسمع كلام من عنده وإن لم يفهم معناه قالوا والرؤيا من علامات
النوم ونص عليه في الأم وفى البويطي كما سبق واتفقوا عليه فلو تيقن الرؤيا وشك في النوم انتقض
إذا لم يكن ممكنا فان خطر بباله شئ فشك أكان رؤيا أم حديث نفس لم ينتقض لان الأصل بقاء
الطهارة ولو شك أنام أم نعس وقد وجد أحدهما لم ينتقض قال الشافعي في الأم والاحتياط
أن يتوضأ: الثالثة لو تيقن النوم وشك هل كان ممكنا أم لا فلا وضوء عليه هكذا صرح به صاحب
البيان (1) وآخرون وهو الصواب: وأما قول البغوي في مسائل الشك في الطهارة لو تيقن رؤيا ولا
يذكر نوما فعليه الوضوء ولا يحمل على النوم قاعدا لأنه خلاف العادة فهو متأول أو ضعيف والله أعلم *
(الرابعة): نام جالسا فزالت ألياه أو إحداهما عن الأرض فان زالت قبل الانتباه انتقض
لأنه مضي لحظة وهو نائم غير ممكن وان زالت بعد الانتباه أو معه أو لم يدر أيهما سبق لم ينتقض
لان الأصل الطهارة ولا فرق بين أن تقع يده على الأرض أو لا تقع وحكي عن أبي حنيفة رحمه

(1) لفظ البيان فان نام جالسا ثم زال عن حالته فان زال ألياه أو
أحدهما قبل الانتباه بطلت طهارته وان انتبه بزوالهما لم تبطل وان تيقن النوم
وشك هل نام قاعدا أو زائلا عن مستوى الجلوس لم ينتقض وضوءه لان الأصل بقاء
الطهارة اه‍ وهذه غير مسألة البغوي ومراد البغوي المسألة السابقة قبل هذا النقل
عنه بثلاثة أسطر وهي منصوص عليها في الأم ومتفق عليها ومن وقف على كلام الأم
والبغوي تحقق انها هي بعينها وقد قال متصلا بها ولو شك انه كان رؤيا أو
حديث نفس فلا وضوء عليه وهو فقط للشافعي عقب مسألة النص المذكورة وقوله
لا يحمل على النوم قاعدا كلام صحيح وفى كلام الأم إشارة إليه وكيف يحمل على النوم قاعدا وهو لا يتذكر النوم
16

الله انه ان وقعت يده على الأرض انتقض وإلا فلا ودليلنا ان الاعتبار بمحل الحدث فتعين
التفصيل الذي ذكره أصحابنا: (الخامسة) نام ممكنا معقده من الأرض مستندا إلى حائط أو غيره
لا ينتقض وضوءه سواء كان بحيث لو وقع الحائط لسقط أم لا وهذا لا خلاف فيه بين أصحابنا
قال امام الحرمين ونقل المعلقون عن شيخي أنه كأن يقول إن كان بحيث لو رفع الحائط لسقط
انتقض قال الامام وهذا غلط من المعلقين والذي ذكروه إنما هو مذهب أبي حنيفة: (السادسة) قليل
النوم وكثيره عندنا سواء: نص عليه الشافعي والأصحاب فنوم لحظة ويومين سواء في جميع التفصيل
والخلاف: (السابعة) قال أصحابنا لا فرق في نوم القاعد الممكن بين قعوده متربعا أو مفترشا أو متوركا
أو غيره من الحالات بحيث يكون مقعده لاصقا بالأرض أو بغيرها متمكنا وسواء القاعد
على الأرض وراكب السفينة والبعير وغيره من الدواب فلا ينتقض الوضوء بشئ من ذلك
نص عليه الشافعي رحمه الله في الأم واتفق الأصحاب عليه ولو نام محتبيا وهو أن يجلس على ألييه
رافعا ركبتيه محتويا عليهما بيديه أو غيرهما ففيه ثلاثة أوجه حكاها الماوردي والروياني: أحدها
لا ينتقض كالمتربع والثاني ينتقض كالمضطجع والثالث إن كان نحيف البدن بحيث لا تنطبق ألياه على
الأرض انتقض وإلا فلا قاله أبو الفياض البصري والمختار الأول *
(الثامنة) إذا نام مستلقيا علي قفاه والصق ألييه بالأرض فإنه يبعد خروج الحدث منه ولكن
اتفق الأصحاب على أنه ينتقض وضوءه لأنه ليس كالجالس الممكن فلو استثفر وتلجم بشئ فالصحيح
المشهور الانتقاض أيضا وبه قطع إمام الحرمين في النهاية وقال في كتابه الأساليب في الخلاف فيه للنظر
مجال ويظهر عدم الانتقاض وقال صاحبه أبو الحسن الكيا في كتابه في الخلافيات فيه تردد للأصحاب
(التاسعة) في مذاهب العلماء في النوم قد سبق ان الصحيح في مذهبنا ان النائم الممكن مقعده من الأرض أو
نحوها لا ينتقض وضوءه وغيره ينتقض سواء كان في صلاة أو غيرها وسواء طال نومه أم لا وحكى عن
أبي موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وأبي مجلز وحميد الأعرج ان النوم لا ينقض بحال ولو
كان مضطجعا قال القاضي أبو الطيب واليه ذهب الشيعة * وقال إسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم
ابن سلام والمزني ينقض النوم بكل حال ورواه البيهقي بإسناده عن الحسن البصري قال ابن
المنذر وبه أقول قال وروى معناه عن ابن عباس وانس وأبي هريرة رضي الله عنهم: وقال مالك واحمد في
احدى الروايتين ينقض كثير النوم بكل حال دون قليله وحكاه ابن المنذر عن الزهري وربيعة والأوزاعي

ومسألة البيان فيمن نام قاعدا أو شك في التمكن وليست من مسألة البغوي في شئ يعم فيه كمسألة البيان وهو انه إن كان الأصل بقاء الطهارة فالأصل عدم التمكين مع تحقق النوم والأصل شغل الذمة بالصلاة أيضا وقد شككنا في بقاء شرطها اه‍ أذرعي
17

وقال أبو حنيفة وداود ان نام على هيئة من هيئات المصلى كالراكع والساجد والقائم والقاعد لم
ينتقض سواء كان في الصلاة أم لا وان نام مستلقيا أو مضطجعا انتقض ولنا قول ان نوم المصلى
خاصة لا ينقض كيف كان كما سبق وحكاه أصحابنا عن ابن المبارك وحكاه الماوردي عن جماعة
من التابعين * واحتج لأبي موسى وموافقيه بقول الله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم)
إلى آخر الآية فذكر سبحانه نواقض الوضوء ولم يذكر النوم: وبحديث أبي هريرة رضي الله
عنه المتقدم (لا وضوء الا من صوت أو ريح) قالوا ولأنا أجمعنا نحن وأنتم على أن النوم ليس
حدثا في عينه وأنتم أوجبتم الوضوء لاحتمال خروج الريح والأصل عدمه فلا يجب الوضوء بالشك *
واحتج أصحابنا بحديث علي رضي الله عنه (العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ) وهو حديث حسن
كما سبق بيانه وبحديث صفوان (لكن من غائط أو بول أو نوم) وهو حديث حسن سبق بيانه
وفى المسألة أحاديث كثيرة ولان النائم غير الممكن يخرج منه الريح غالبا فأقام الشرع هذا الظاهر
مقام اليقين كما أقام شهادة الشاهدين التي تفيد الظن مقام اليقين في شغل الذمة: وأما الجواب عن
احتجاجهم بالآية فمن وجهين أحدهما أن جماعة من المفسرين قالوا وردت الآية في النوم أي إذا
قمتم إلى الصلاة من النوم فاغسلوا وجوهكم وكذا حكاه الشافعي في الأم عن بعض أهل العلم
بالقرآن قال ولا أراه الا كما قال: والثاني ان الآية ذكر فيها بعض النواقض وبينت السنة الباقي
ولهذا لم يذكر البول وهو حدث بالاجماع: وأما الجواب عن حديث أبي هريرة فهو أنه ورد في دفع
الشك لا في بيان أعيان الاحداث وحصرها ولهذا لم يذكر فيه البول والغائط وزوال العقل
وهي احداث بالاجماع ونظيره حديث عبد الله بن زيد الذي قدمناه في شرح أول الفصل (لا ينصرف
حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) وأما قولهم خروج الخارج مشكوك فيه فجوابه ما قدمناه أن الشرع
جعل هذا الظاهر كاليقين كما جعل شهادة شاهدين كاليقين والله أعلم * واحتج من قال ينقض
18

بكل حال بعموم حديثي علي وصفوان رضي الله عنهما وبالقياس على الاغماء * واحتج أصحابنا
بحديث أنس كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (ينامون ثم يصلون ولا يتوضأون)
وهو صحيح ذكرناه بطرقه في أول الفصل وعن أنس رضي الله عنه قال أقيمت صلاة العشاء فقال
رجل لي حاجة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يناجيه حتى نام القوم أو بعض القوم ثم صلوا وفى
رواية حتى نام أصحابه ثم جاء فصلي بهم رواهما مسلم في صحيحه وعن ابن عمر رضي الله عنهما
أن النبي صلى الله عليه وسلم شغل ليلة عن العشاء فأخرها حتى رقدنا في المسجد ثم استيقظنا ثم خرج علينا وعن ابن عباس
رضي الله عنهما (اعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء حتى رقد الناس واستيقظوا ورقدوا واستيقظوا روى
البخاري في صحيحه هذين الحديثين بهذا اللفظ وظاهرهما أنهم صلوا بذلك الوضوء وروى مالك والشافعي
باسناد الصحيح أن ابن عمر رضي الله عنهما كان ينام وهو جالس ثم يصلي ولا يتوضأ وروى
البيهقي وغيره معناه عن ابن عباس وزيد بن ثابت وأبي هريرة وأبي أمامة رضي الله عنهم
فهذه دلائل ظاهرة من الأحاديث الصحيحة والآثار * واحتج جماعة من أصحابنا بحديث عمرو
ابن شعيب المذكور في الكتاب وبحديث حذيفة كنت أخفق برأسي فقلت يا رسول الله وجب
علي وضوء قال لا حتى تضع جنبك وهذان الحديثان ضعيفان بين البيهقي وغيره ضعفهما وفيما
سبق ما يغنى عنهما: وأما الجواب عن الحديث فهو أنه محمول على نوم غير الممكن وهذا يتعين
المصير إليه للجمع بين الأحاديث الصحيحة: وأما قياسهم على الاغماء فالفرق ظاهر لان المغمى
عليه ذاهب العقل لا يحسن بشئ أصلا والنائم يحس ولهذا إذا صيح به تنبه * واحتج من قال ينقض
كثير النوم كيف كان دون قليله بحديث أنس أنهم كانوا ينامون فتخفق رؤوسهم وهذا
يكون في النوم القليل ولأنه مع الاستثقال يغلب خروج الخارج بخلاف القليل واحتج أصحابنا
بالأحاديث السابقة وليس فيها فرق بين القليل والكثير: والجواب عن حديث أنس انا قد بينا أنه
حجة لنا وليس فيه فرق بين قليله وكثيره ودعواهم أن خفق الرؤوس إنما يكون في القليل لا يقبل:
وأما المعني الذي ذكروه فلا نسلمه لان النوم اما أن يجعل حدثا في عينه كالاغماء وهم لا يقولون
به واما دليلا على الخارج وحينئذ إنما تظهر دلالته إذا لم يكن المحل ممكنا وأما المتمكن فيبعد
خروجه منه ولا يحس به فلا ينتقض بالوهم * واحتج من قال لا ينقض النوم على هيئة من هيئات
19

الصلاة بما رواه أبو خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية (1) عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله
عليه وسلم (إنما الوضوء على من نام مضطجعا فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله) وبحديث
حذيفة الذي قدمناه أنه نام جالسا فقال يا رسول الله (أمن هذا وضوء قال لا حتى تضع جنبك على الأرض)
* واحتج أصحابنا بالأحاديث الصحيحة السابقة كحديث علي وصفوان وغيرهما من غير تعرض لهذا
الفرق الذي زعموه ولا أصل له ولأنه نام غير ممكن مقعده من الأرض فأشبه المضطجع ولأنا اتفقنا
نحن وهم على أن النوم ليس حدثا في عينه وإنما هو دليل للخارج فضبطناه نحن بضابط صحيح
جاءت به السنة ومناسبته ظاهرة وضبطوه بما لا أصل له ولا معني يقتضيه فان الساجد والراكع كالمضطجع
ولا فرق بينهما في خروج الخارج: وأما حديث الدالاني فجوابه أنه حديث ضعيف باتفاق أهل الحديث
وممن صرح بضعفه من المتقدمين أحمد بن حنبل والبخاري وأبو داود: قال أبو داود وإبراهيم
الحربي هو حديث منكر ونقل امام الحرمين في كتابه الأساليب اجماع أهل الحديث على ضعفه
وهو كما قال والضعف عليه بين وأجاب أصحابنا عنه بأجوبة وتأولوه تأويلات لا حاجة إليها مع الاتفاق
على ضعفه فإنه لا يلزم الجواب عما ليس بدليل: وأما حديث حذيفة فضعيف أيضا كما سبق بيانه
قريبا * واحتج من قال لا ينتقض وضوء النائم في الصلاة كيف كان بحديث المباهاة المذكور في الكتاب
ولان الحاجة تدعوا إليه ولا يمكن لمجتهد ونحوه الاحتراز منه الا بعسر فعفى عنه كما عفى عن أشياء
كثيرة في الصلاة للحاجة * واحتج أصحابنا بما احتجوا به على القائلين لا ينقض النوم على هيئة المصلي
وأجابوا عن حديث المباهاة بما سبق من الاتفاق على ضعفه ولو صح لكان تسميته ساجدا باسم
ما كان عليه فمدحه على مكابدة العبادة: وأما المعنى الذي ذكروه فلا يقبل لان الاحداث لا تثبت
الا توقيفا وكذا العفو عنها فحصل في هذه المسألة جمل من الأحاديث جمعنا بينها ولم نرد منها صحيحا
ولله الحمد وهو أعلم بالصواب:
(العاشرة) كان من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم انه لا ينقض

(1) أبو العالية هذا هو البراء البصري واسمه زياد وقيل كلثوم ثقة بالاتفاق روى له البخاري ومسلم واما قول صاحب البحر من أصحابنا في تضعيف هذا الحديث ان أبا العالية ضعيف فغلط قبيح اه‍ أذرعي
20

وضوءه بالنوم مضطجعا للأحاديث الصحيحة: منها حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين
أنه صلى الله عليه وسلم (نام حتى سمع غطيطه ثم صلى ولم يتوضأ) وقال صلى الله عليه وسلم (ان عيني تنامان
ولا ينام قلبي) فان قيل هذا مخالف للحديث الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم (نام في الوادي
عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس (ولو كان غير نائم القلب لما ترك صلاة الصبح فجوابه من وجهين أحدهما
وهو المشهور في كتب المحدثين والفقهاء أنه لا مخالفة بينهما فان القلب يقظان يحس بالحدث وغيره مما يتعلق
بالبدن ويشعر به القلب وليس طلوع الفجر والشمس من ذلك ولا هو مما يدرك بالقلب وإنما يدرك بالعين وهي
نائمة والجواب الثاني (1) حكاه الشيخ أبو حامد في تعليقه في هذا الباب عن بعض أصحابنا قال كان للنبي
صلى الله عليه وسلم نومان: أحدهما ينام قلبه وعينه: والثاني عينه دون قلبه فكان نوم الوادي من
النوع الأول والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وأما زوال العقل بغير النوم فهو أن يجن أو يغمي عليه أو يسكر أو يمرض فيزول عقله
فينتقض وضوءه لأنه إذا انتقض الوضوء بالنوم فلان ينتقض بهذه الأسباب أولى ولا فرق في ذلك بين القاعد
وغيره ويخالف النوم فان النائم إذا كلم تكلم وإذا نبه تنبه فإذا خرج منه الخارج وهو جالس أحس
به بخلاف المجنون والسكران قال الشافعي رحمه الله قد قيل أنه قل من جن الا وينزل فالمستحب
أن يغسل احتياطا]
[الشرح] أجمعت الأمة على انتقاض الوضوء بالجنون وبالاغماء وقد نقل الاجماع فيه ابن المنذر
وآخرون واستدل له أصحابنا وغيرهم بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (أغمي
عليه ثم أفاق فاغتسل ليصلى ثم أغمي عليه ثم أفاق فاغتسل) رواه البخاري ومسلم واتفق أصحابنا
على أن من زال عقله بجنون أو اغماء أو مرض أو سكر بخمر أو نبيذ أو غيرهما أو شرب دواء
للحاجة أو غيرها فزال عقله انتقض وضوءه ولا خلاف في شئ من هذا الا وجها للخراسانين انه

(1) هذا الجواب الثاني ضعيف مخالف لظاهر حديث ولا ينام قلبي فلا يقبل الا بدليل والصحيح الأول اه‍ أذرعي
21

لا ينتقض وضوء السكران إذا قلنا له حكم الصاحي في أقواله وأفعاله: حكاه الفوراني والغزالي
في البسيط والمتولي وصاحب العدة والروياني وغيرهم وهو غلط صريح فان انتقاض الوضوء منوط
بزوال العقل فلا فرق فيه بين العاصي والمطيع: قال أصحابنا والسكر الناقض هو الذي لا يبقى معه شعور
دون أوائل النشوة: قال أصحابنا ولا فرق في كل ذلك بين القاعد ممكنا مقعده وغيره ولا
بين قليله وكثيره وأما الدوار بضم الدال وتخفيف الواو وهو دوار الرأس فلا ينقض مع بقاء
التمييز ذكره امام الحرمين وهو واضح
قال القاضي حسين والمتولي حد الجنون زوال الاستشعار من القلب مع بقاء الحركة والقوة في الأعضاء
والاغماء زوال الاستشعار مع فتور الأعضاء: والله أعلم * وأما قوله قال الشافعي قد قيل من يجن الا
وينزل فهو مشهور عن الشافعي ذكره في الأم وحرملة وأما لفظ النص فقال في الأم في آخر باب ما يوجب
الغسل وقد قيل ماجن انسان الا انزل فإن كان هذا هكذا اغتسل المجنون للانزال وان شك فيه أحببت
له الاغتسال احتياطا ولم أوجب ذلك عليه حتى يستيقن الانزال هذا نصه بحروفه ومن الأم نقلته
22

وكذا نقله عن الأم جماعة من الأصحاب ونقله الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والماوردي
وجماعة في المغمى عليه والذي في الأم إنما هو في المجنون كما نقلته واختلف الأصحاب في المسألة فجزم
المصنف وجماعات من المحققين بان غسل المجنون إذا أفاق سنة ولا يجب إلا أن يتيقن خروج المنى:
وقال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وجماعات من الأصحاب إن كان الغالب من حال الذين يجنون
الانزال وجب الغسل إذا أفاق وإن لم يتحقق الانزال كما نوجب الوضوء بالنوم مضطجعا للظن
الغالب فإن لم يكن الانزال غالبا لم يجب الغسل بالشك: ونقل صاحب البحر هذا التفصيل عن الأصحاب
ونقل صاحب الحاوي عن الأصحاب ان الاغماء إن كان لا ينفك عن الانزال وجب الغسل وإن كان
قد ينفك فلا: والصحيح طريقة المصنف ومن وافقه ان يستحب الغسل ولا يجب حتى يتيقن
خروج المنى فان القواعد تقتضي أن لا تنتقض الطهارة الا بيقين الحدث: خالفنا ذلك في النوم بالنصوص
التي جاءت وبقي ما عداها على مقتضاه قال أصحابنا ويستحب للمغمى عليه الغسل إذا أفاق اقتداء
برسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن المنذر وابن الصباغ وغيرهما أجمع العلماء على أن الغسل
لا يجب عليه وحكي الرافعي وجها ضعيفا شاذا انه يجب الغسل من الجنون مطلقا ووجها أشذ منه
أنه يجب من الاغماء أيضا ذكره في باب الغسل والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وأما لمس النساء فإنه ينقض الوضوء وهو أن يلمس الرجل بشرة المرأة أو المرأة بشرة الرجل
بلا حائل بينهما فينتقض وضوء اللامس منهما لقوله تعالى (أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا)
23

وفى الملموس قولان أحدهما ينتقض وضوءه لأنه لمس بين الرجل والمرأة ينقض طهر اللامس فنقض طهر
الملموس كالجماع وقال في حرملة لا ينتقض لان عائشة رضي الله عنها قالت (افتقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الفراش فقمت أطلبه فوقعت يدي على أخمص قدميه فلما فرغ من صلاته قال أتاك شيطانك)
ولو انتقض طهره لقطع الصلاة ولأنه لمس ينقض الوضوء فنقض طهر اللامس دون الملموس كما لو مس
ذكر غيره وان لمس شعرها أو ظفرها لم ينتقض الوضوء لأنه لا يلتذ بلمسه وإنما يلتذ بالنظر إليه:
وان لمس ذات رحم محرم ففيه قولان أحدهما ينتقض وضوء للآية: والثاني لا ينتقض لأنه ليس
بمحل لشهوته فأشبه لمس الرجل الرجل والمرأة المرأة وان مس صغيرة لا تشتهي أو عجوزا
لا تشتهي ففيه وجهان: أحدهما ينتقض لعموم الآية والثاني لا ينتقض لأنه لا يقصد بلمسها الشهوة
فأشبه الشعر]
[الشرح] في هذا الفصل مسائل إحداها: حديث عائشة صحيح رواه مسلم في صحيحه في
كتاب الصلاة من طريقين بغير هذا اللفظ: أما الطريق الأول فقالت (افتقدت النبي صلى الله عليه
وسلم ذات ليلة فظننت انه ذهب إلى بعض نسائه فتحسست ثم رجعت فإذا هو راكع أو ساجد
يقول سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت)
وأما الثانية فقالت (فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي
على بطن قدمه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم أعوذ برضاك من سخطك) إلى آخر
الدعاء وفى رواية للبيهقي باسناد صحيح (فالتمست بيدي فوقعت يدي على قدميه وهما منصوبتان وهو
ساجد يقول اللهم أعوذ) إلى آخره فحصل من مجموع هذه الروايات ان الرواية المذكورة
في الكتاب صحيحة المعنى لكن قوله أتاك شيطانك غير مذكور في الروايات المشهورة وذكرها البيهقي
24

في السن الكبير في باب ضم العقبين في السجود من أبواب صفة الصلاة باسناد صحيح فيه رجل مختلف في
عدالته وقد روى له البخاري وقد ذكر مسلم في أواخر صحيحه هذه اللفظة وان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها
أقد جاءك شيطانك والله أعلم: (المسألة الثانية) في اللغات والألفاظ والاحترازات قوله تعالى
(أو لمستم النساء) قرئ في السبع لمستم ولامستم والنساء من الجموع التي لا واحد لها من لفظها كالرهط
والنفر والقوم وكذا النسوة بكسر النون وضمها لغتان وقوله يلمس بضم الميم وكسرها لغتان
وقوله لا حائل بينهما تأكيد وايضاح ولو حذفه لاستغنى عنه فإن لمس البشرة إنما يكون إذا لم
يكن حائل وقوله لأنه لمس بين الرجل والمرأة فيه احتراز مما إذا أولج فيه بهيمة فإنه ينقض طهر
اللامس دون الملموس واحتراز أيضا من لمس الرجل ذكر غيره فإنه ينقض اللامس دون الملموس على
المذهب وبه قطع المصنف والعراقيون وقوله ينقض طهر اللامس احتراز من مس الصغيرة والشعر
والظفر وقولها افتقدت وفى الرواية الثانية لمسلم فقدت وهما لغتان فصيحتان قال أهل اللغة يقال
فقدت الشئ أفقده فقدا وفقدانا وفقدانا بكسر القاف وضمها وكذا افتقدته افتقده افتقادا
وقولها أخمص قديمه هو مفسر في رواية مسلم بطن قدمه قال أهل اللغة الأخمص ما دخل من باطن
القدم فلم يصب الأرض: والشيطان كل جنى مارد ونونه أصل وقيل زائدة فعلى الأول هو من شطن
إذا بعد وعلى الثاني من شاط إذا احترق وهلك وقوله لأنه لمس ينقض الوضوء احتراز من لمس
الشعر ولو قال لمس يوجب الوضوء على الأمس لكان أحسن ليعم باحترازه الشعر والجماع
ويكون فيه احتراز عما قاس عليه الأول وهكذا عادة المنصف فإنه يذكر في قايس القول الثاني
قيودا يخرج بها ما قاس عليه الأول ولم يعمل هنا بعادته ولا يقال قد احترز عن الجماع بقوله
ينقض الوضوء لان الجماع ناقض للوضوء وإن كان يوجب الغسل وفيه وجه شاذ سنذكره في
باب صفة الغسل إن شاء الله تعالى: وقوله كما لو مس ذكر غيره يعنى فإنه ينقض الماس دون الممسوس
25

[قولا واحدا وهذا على طريقة المصنف والعراقيين وفيه خلاف للخراسانيين سنذكره في موضعه إن شاء الله
تعالى (المسألة الثالثة) إذا التقت بشرتا رجل وامرأة أجنبية تشتهي انتقض وضوء اللامس منهما
سواء كان اللامس الرجل أو المرأة وسواء كان اللمس بشهوة أم لا تعقبه لذة أم لا وسواء قصد
ذلك أم حصل سهوا أو اتفاقا وسواء استدام اللمس أم فارق بمجرد التقاء البشرتين وسواء لمس
بعضو من أعضاء الطهارة أم بغيره وسواء كان الملموس أو الملموس به صحيحا أو أشل زائدا
أم أصليا فكل ذلك ينقض الوضوء عندنا وفي كله خلاف للسلف سنذكره في فرع مذاهب
العلماء إن شاء الله تعالى ولنا أوجه ضعيفة في بعض هذه الصور منها وجه حكاه القاضي حسين
وغيره أن المرأة لا تزال ملموسة ولا تكون لامسة وإن كانت هي الفاعلة بل يكون فيها القولان
في الملموس ووجه حكاه الرافعي وغيره ان لمس العضو الأشل أو الزائد لا ينقض ووجه حكاه
الرافعي عن الحناطي أن ابن سريج كان يعتبر الشهوة في الانتقاض قال الحناطي وحكي هذا عن
نص الشافعي ووجه حكاه الفوراني وامام الحرمين وآخرون أن اللمس إنما ينقض إذا وقع قصدا
وهذه الأوجه شاذة ضعيفة والصحيح المعروف في المذهب ما سبق: (الرابعة) هل ينتقض وضوء
الملموس فيه قولان مشهوران قد ذكر المصنف دليلهما وذكر الماوردي والقاضي حسين والمتولي وغيرهم ان
القولين مبنيان على القراءتين فمن قرأ لمستم لم ينقض الملموس لأنه لم يلمس ومن قرأ لامستم نقضه
لأنها مفاعلة وهذا البناء الذي ذكروه ليس بواضح واختلف في الأصح من القولين فصحح الروياني
والشاشي في طائفة قليلة عدم الانتقاض وصحح الأكثرون الانتقاض ممن صححه الشيخ أبو حامد
والمحاملي في التجريد وصاحب الحاوي والجرجاني في التحرير والبغوي والرافعي في كتابيه
وآخرون وقطع به أبو عبد الله الزبيري في كتابه الكافي والمحاملي في المقنع والشيخ نصر المقدسي
في الكافي وغيرهم من أصحاب المختصرات وهو المنصوص عليه في معظم كتب الشافعي قال الشيخ أبو حامد
نقل حرملة انه لا ينتقض: ونص الشافعي في مختصر المزني والأم والبويطي والاملاء والقديم وسائر
كتبه أنه ينتقض وكذا قال المحاملي وغيره قال الشافعي في حرملة لا ينتقض وقال في سائر كتبه ينتقض وبعضهم
يقول عامة كتبه ينتقض كذا قاله البندنيجي ونقل القاضي أبو الطيب وغيره ان الشافعي نص في حرملة على
26

قولين الانتقاض وعدمه وأجاب هؤلاء عن حديث عائشة بأنه يحتمل كون اللمس كان فوق
حائل وعن القياس على الممسوس أن المعتبر في مس الذكر مسه ببطن كفه ولم يحصل ذلك من
الممسوس والمعتبر هنا التقاء بشرتي رجل وامرأة *
(فرع) لو التقت بشرة رجل وامرأة بحركة منهما دفعة واحدة فكل واحد منهما لامس
وليس فيهما ملموس ذكره الدارمي وهو واضح:
(الخامسة) (1) إذا لمس أحدهما شعر الآخر
أو سنه أو ظفره أو لمس بشرته بسنه أو شعره أو ظفره فطريقان أحدهما لا ينتقض وهو المذهب
والمنصوص في الأم وبه قطع الجمهور: والثاني فيه وجهان حكاهما الماوردي وجماعات من الخراسانيين
أحدهما الانتقاض لان الشعر له حكم البدن في الحل بالنكاح والتحريم بالطلاق ووقوع الطلاق
بايقاعه عليه وعتقها باعتاقه ووجوب غسله بالجنابة والموت وغيرهما وغير ذلك من الأحكام
واستدلوا من نص الشافعي بقوله في المختصر والملامسة أن يفضي بشئ منه إلى جسدها والشعر
شئ فينبغي ان ينقض والصحيح انه لا ينقض كما نص عليه في الأم وقاله الجمهور لأنه لا يقصد ذلك
للشهوة غالبا وإنما تحصل اللذة وتثور الشهوة عن التقاء البشرتين للاحساس: واما نصه في المختصر
فمراده به ما صرح به في الأم وغيره فعلى هذا قال الشافعي في الأم والأصحاب يستحب ان يتوضأ
من لمس الشعر والسن والظفر
(فرع) تيقن لمسها وشك هل لمس شعرها أم غيره وهل لمسها بظفره أو بشعره أم بغيره لم ينتقض
لان الأصل بقاء الطهارة ويستحب أن يتوضأ:
(السادسة) إذا لمس ذات رحم محرما ففي انتقاضه قولان
مشهوران ذكر المصنف دليلهما قال القاضي أبو الطيب والمحاملي في كتابيه وصاحبا الشامل والبحر وآخرون
نص عليهما الشافعي في حرملة قال المحاملي في المجموع لم يذكر الشافعي هذه المسألة الا في حرملة
وقال الشيخ أبو حامد في التعليق ظاهر قول الشافعي في جميع كتبه أنه لا ينتقض إلا أن أصحابنا
قالوا فيه قولان ولست أعلم أن ذلك منصوص: وقال صاحب الحاوي في المسألة قولان أصحهما
وبه قال في الجديد والقديم لا ينتقض فحصل من هذا أن المشهور عن الشافعي عدم الانتقاض
واتفق أصحابنا في جميع الطرق على أن الصحيح الا صاحب الإبانة فصحح الانتقاض (2) وهو شاذ

(1) لفظه في الأم قال رضي الله عنه فان أفضى بيده إلى شعرها ولم يمس لها بشرا فلا وضوء عليه كان ذلك لشهوة أو لغير شهوة كما يشتهيها فلا يمسها ولا يجب عليه
وضوء ولا معنى للشهوة لأنها في القلب إنما المعني للفعل والشعر مخالف للبشرة قال ولو احتاط فتوضأ من لمس شعرها كان أحب إلى انتهى لفظه رضي الله عنه اه‍ أذرعي
(2) قلت يوافقه قول الشيخ أبى محمد في السلسلة ان الجديد الانتفاض والقديم منعه اه‍ أذرعي
27

ليس بشئ وهذان القولان في محرم ذات رحم كالأم والبنت والأخت وبنت الأخ والأخت والعمة
والخالة: وأم المحرمة برضاع أو مصاهرة كأم الزوجة وبنتها وزوجة الأب والابن والجد ففيها طريقان
المذهب أنها على القولين الصحيح عدم الانتقاض وبهذا قطع البغوي والرافعي وآخرون والثاني (1)
حكاه الروياني القطع بالانتقاض قال وهذا ليس بشئ وحكي في البيان الطريقين فيمن كانت حلالا
له ثم حرمت بالمصاهرة كأم زوجته وبنتها والصحيح الأول: وأما المحرمة على التأبيد بلعان أو وطئ
شبهة أو بالجمع كأخت الزوجة وبنتها قبل الدخول والمحرمة لمعنى فيها كالمرتدة والمجوسية والمعتدة
فينقض لمسها بلا خلاف *
(فرع) إذا قلنا لا ينقض لمس المحرم فلمسها بشهوة لم ينتقض صرح به القاضي حسين
والبغوي: قالا لأنها كالرجل في حقه فيصير كما لو لمس رجل رجلا بشهوة فإنه لا ينتقض *
(فرع) قال أصحابنا لو لمس صغيرة أو عجوزا لا تشتهي من محارمه وقلنا الصغيرة والعجوز
الأجنبية تنقض ففيها القولان *
(فرع) لمس امرأة وشك هل هي محرم أم أجنبية فعلى القولين في المحارم لان الأصل بقاء
الطهارة ذكره الدارمي: (السابعة) لمس صغيرة لا تشتهي أو عجوزا لا تشتهي فوجهان مشهوران ذكر
المصنف دليلهما ومن الأصحاب من حكاهما قولين والصواب وجهان ومن قال قولان أراد أنهما
مخرجان: قال القاضي أبو الطيب والروياني وجماعات ليس للشافعي نص في هذه المسألة ولكن
الأصحاب خرجوها على وجهين بناء على القولين في المحارم واتفقوا على أن الصحيح في الصغيرة
عدم الانتقاض وأما العجوز فالجمهور صححوا الانتقاض: وقطع به جماعة لأنها مظنة الشهوة ومحل
قابل في الجملة وشذ الجرجاني فصحح عدم الانتقاض وقطع به المحاملي في المقنع والصحيح الانتقاض
والخلاف في صغيرة لا تشتهي كما ذكرنا فاما التي بلغت حدا تشتهيها الرجال فتنقض بلا خلاف:
والرجوع في ضبط هذا إلى العرف ورأيت في تعليق الشيخ أبي حامد قال الصغيرة مثل أن يكون
لها سبع سنين فما دونها والصواب ما قدمته لان هذا يختلف باختلاف الصغيرات: قال الدارمي
ويجرى الخلاف في لمس المرأة شيخا هرما وصبيا صغيرا لا يشتهيان: قال صاحب الحاوي ويجرى

(1) قوله والثاني حكاه الروياني عجب وهي طريقة صاحب المهذب فيه وفي التنبيه وخلائق من العراقيين اه‍ أذرعي
28

الخلاف إذا لمس شيخ فقد الشهوة واللذة بدن شابة وقطع الدارمي بان الشيخ إذا لمس ينتقض كما لو
لمس العنين والخصي والمراهق فإنه ينتقض بلا خلاف والله أعلم *
(فروع) الأول لمس امرأة أو لمسته فوق ثوب رقيق بشهوة ولم تمس البشرة أو تضاجعا
كذلك بشهوة لا ينتقض لعدم حقيقة الملامسة: الثاني لمس لسانها أو لثتها أو لمسها بلسانه انتقض ذكره
الدارمي وهو واضح ولو تصادم لساناهما دفعة فلا مسان: الثالث لمس امرأة ميتة أو لمست رجلا
ميتا ففي انتقاض اللامس طريقان حكاهما ابن الصباغ والبغوي والروياني والشاشي وآخرون
أحدهما أنه على الوجهين في العجوز وبهذا قطع الماوردي والقاضي حسين وامام الحرمين والمتولي
وغيرهم لعدم الشهوة واللذة والطريق الثاني القطع بالانتقاض وهذا هو الصحيح المختار وممن
صححه البغوي وقطع به جماعة منهم الدارمي والمحاملي والفوراني (1) ونقل الشيخ أبو حامد
الاتفاق عليه كما لو مس ذكر ميت (2) وكما لو أولج في ميتة فإنه يلزمه الغسل بلا خلاف:
الرابع: لمس عضوا مقطوعا من امرأة كيد واذن وغيرها أو لمست عضوا مقطوعا من
رجل فطريقان أحدهما فيه وجهان أحدهما ينتقض كلمسه في حال الاتصال وأصحهما لا لأنها ليست
امرأة ولا شهوة ولا لذة وهذا الطريق مشهور عند الخراسانيين: والثاني وهو المذهب لا ينتقض
وبه قطع العراقيون والبغوي ونقله القاضي حسين في تعليقه عن نص الشافعي ونقل القاضي ان
الشافعي نص على الانتقاض في مس الذكر المقطوع وعلى عدمه في اليد المقطوعة فمن الأصحاب

(1) وابن كج في النواقص وجزم في آخر باب غسل الجمعة بعكسه اه‍ أذرعي
(2) في مس ذكر الميت وجه أيضا مع أنه أولى بالنقض من مس الميتة لان مس الذكر لم ينظر فيه إلى المعني على الصحيح كما سيأتي بخلاف مسألتنا اه‍ أذرعي
29

من نقل وخرج فجعل في المسألتين خلافا ومنهم من قرر النصين وفرق بأنه مس ذكرا ولم يلمس امرأة
والتسرع ورد بمس الذكر ولمس المرأة: (الخامس): لو لمس الخنثى المشكل بشرة خنثى مشكل أو
لمس رجل أو امرأة بدن المشكل أو لمس المشكل بدنهما لم ينتقض للاحتمال فلو لمس المشكل
بشرة رجل وامرأة انتقض هو لأنه لمس من يخالفه ولا ينتقض الرجل ولا المرأة للشك وكذا
لو لمساه لم ينتقض واحد منهما للشك وفى انتقاض الخثى القولان في الملموس فلو اقتدت المرأة
بهذا الرجل لم تصح صلاتها لأنها إن لم تكن محدثة فأمامها محدث: (السادس) لو ازدحم رجال ونساء
فوقعت يده على بشرة لا يعلم أهي بشرة امرأة أم رجل لم ينتقض كما لو شك هل لمس محرما أم
أجنبية أو هل لمس شعرا أم بشرة كما سبق بيانه: (السابع) إذا لمس الرجل أمرد حسن الصورة
بشهوة أم بغيرها لم ينتقض وضوء واحد منهما صغيرا كان أو كبيرا هذا هو المذهب الصحيح
المشهور به قطع الجمهور: وحكي الماوردي والروياني والشاشي وغيرهم وجها عند أبي سعيد
الإصطخري أنه ينتقض لأنه في معنى المرأة والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في اللمس قد ذكرنا أن مذهبنا أن التقاء بشرتي الأجنبي والأجنبية
ينتقض سواء كان بشهوة وبقصد أم لا ولا ينتقص مع وجود حائل وإن كان رقيقا وبهذا قال
عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وزيد بن أسلم ومكحول والشعبي والنخعي
وعطاء بن السائب والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة وسعيد بن عبد العزيز وهي إحدى
الروايتين عن الأوزاعي: المذهب الثاني لا ينتقض الوضوء باللمس مطلقا وهو مروي عن ابن عباس
وعطاء وطاوس ومسروق والحسن وسفيان الثوري وبه قال أبو حنيفة لكنه قال إذا باشرها دون
الفرج وانتشر فعليه الوضوء: المذهب الثالث ان لمس بشهوة انتقض وإلا فلا وهو مروي عن
الحكم وحماد ومالك والليث واسحق ورواية عن الشعبي والنخعي وربيعة والثوري وعن أحمد ثلاث
روايات كالمذاهب الثلاثة: المذهب * الرابع ان لمس عمدا انتقض وإلا فلا وهو مذهب داود وخالفه
ابنه فقال لا ينتقض بحال: (الخامس) ان لمس بأعضاء الوضوء انتقض وإلا فلا حكاه صاحب الحاوي
عن الأوزاعي وحكي عنه انه لا ينقض الا اللمس باليد (السادس) ان لمس بشهوة انتقض وان لمس
30

[فوق حائل رقيق حكى عن ربيعة ومالك في رواية عنهما (السابع) ان لمس من تحل له لم ينتقض وان
لمس من تحرم عليه انتقض حكاه ابن المنذر وصاحب الحاوي عن عطاء وهذا خلاف ما حكاه
الجمهور عنه ولا يصح هذا عن أحد إن شاء الله * واحتج لمن قال لا ينتقض مطلقا بحديث حبيب
ابن أبي ثابت عن عروة عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه
ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ: وعن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة (ان النبي صلى الله عليه
وسلم كان يقبل بعد الوضوء ثم لا يعيد الوضوء) وبحديث عائشة المتقدم أن يدها وقعت على قدم
النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد وهو صحيح كما سبق وبالحديث المتفق على صحته أن
النبي صلى الله عليه وسلم (صلى وهو حامل أمامة بنت زينب رضي الله عنهما فكان إذا سجد وضعها وإذا
قام رفعها) رواه البخاري ومسلم: وبحديث عائشة في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم (كان
يصلى وهي معترضة بينه وبين القبلة فإذا أراد أن يسجد غمز رجلها فقبضتها) وفى رواية للنسائي باسناد
صحيح (فإذا أراد أن يؤثر مسني برجله) واحتجوا بالقياس على المحارم والشعر قالوا ولو كان اللمس
ناقضا لنقض لمس الرجل الرجل كما أن جماع الرجل الرجل كجماعه المرأة * واحتج أصحابنا بقول الله
تعالى (أو لمستم النساء) واللمس يطلق على الجس باليد قال الله تعالى (فلمسوه بأيديهم) وقال النبي
صلى الله عليه وسلم لماعز رضي الله عنه (لعلك قبلت أو لمست) الحديث ونهي عن بيع الملامسة وفى الحديث
الآخر (واليد زناها اللمس) وفى حديث عائشة قل يوم الا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف علينا
فيقبل ويلمس: قال أهل اللغة اللمس يكون باليد وبغيرها وقد يكون بالجماع قال ابن دريد اللمس
أصله باليد ليعرف مس الشئ وأنشد الشافعي وأصحابنا وأهل اللغة في هذا قول الشاعر:
وألمست كفي كفه طلب الغنى * ولم أدر أن الجود من كفه يعدى
قال أصحابنا ونحن نقول بمقتضى اللمس مطلقا فمتى التقت البشرتان انتقض سواء كان بيد
أو جماع. واستدل مالك ثم الشافعي وأصحابهما بحديث مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله
ابن عمر عن أبيه (قال قبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة فمن قبل امرأته أو جسها بيده
31

فعليه الوضوء) وهذا اسناد في نهاية من الصحة كما تراه: فان قيل ذكر النساء قرينة تصرف اللمس
إلى الجماع كما أن الوطئ أصله الدوس بالرجل وإذا قيل وطئ المرأة لم يفهم منه الا الجماع: فالجواب
ان العادة لم تجر بدوس المرأة بالرجل فلهذا صرفنا الوطئ إلى الجماع بخلاف اللمس فان استعماله في
الجس باليد للمرأة وغيرها مشهور: وذكر أصحابنا أقيسة كثيرة منها أنه لمس يوجب الفدية على
المحرم فنقض كالجماع قال إمام الحرمين في الأساليب الوجه أن يقال ما ينقض الوضوء لا يعلل
وفاقا قال وقد اتفق الأئمة على أن اقتضاء الاحداث الوضوء ليس مما يعلل وإذا كان كذلك فلا
مجال للقياس وليس لمس الرجل الرجل في معنى لمسه المرأة فإن لمسها يتعلق به وجوب الفدية وتحريم
المصاهرة وغير ذلك فلا مطمع لهم في القياس على الرجل وقد سلم أكثرهم ان الرجل والمرأة إذا
تجردا وتعانقا وانتشر له وجب الوضوء فيقال لهم بم نقضتم في الملامسة الفاحشة فان قالوا بالقياس لم يقبل
وان قالوا لقربه من الحدث قلنا القرب من الحدث ليس حدثا بالاتفاق ولا يرد علينا النائم فإنه
إنما انتقض بالسنة لكونه لا يشعر بالخارج فلم يبق لهم ما يوجب الوضوء في الملامسة الفاحشة الا
ظاهر القرآن العزيز وليس فيه فرق بين الملامسة الفاحشة وغيرها: واما الجواب عن احتجاجهم
بحديث حبيب بن أبي ثابت فمن وجهين: أحسنهما وأشهرهما انه حديث ضعيف باتفاق الحفاظ
ممن ضعفه سفيان الثوري ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل وأبو داود وأبو بكر النيسابوري
وأبو الحسن الدارقطني وأبو بكر البيهقي وآخرون من المتقدمين والمتأخرين: قال أحمد بن حنبل
وأبو بكر النيسابوري وغيرهما غلط حبيب من قبلة الصائم إلى القبلة في الوضوء: وقال أبو داود
روى عن سفيان الثوري أنه قال ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني يعنى لا عن عروة بن الزبير
وعروة المزني مجهول وإنما صح من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو
32

صائم: والجواب الثاني لو صح لحمل على القبلة فوق حائل جمعا بين الأدلة: والجواب عن حديث
أبي روق بالوجهين السابقين وضعفوا الحديث بوجهين أحدهما ضعف أبي روق ضعفه يحيى بن معين
وغيره: والثاني أن إبراهيم التيمي لم يسمع عائشة هكذا ذكره الحفاظ منهم أبو داود وآخرون وحكاه
عنهم البيهقي فتبين أن الحديث ضعيف مرسل قال البيهقي وقد روينا سائر ما روى في هذا الباب في
الخلافيات وبينا ضعفها فالحديث الصحيح عن عائشة في قبلة الصائم فحمله الضعفاء من الرواة على ترك
الوضوء منها: والجواب عن حديث حمل امامة في الصلاة ورفعها ووضعها من أوجه أظهرها أنه لا يلزم
من ذلك التقاء البشرتين: والثاني أنها صغيرة لا تنقض الوضوء: والثالث أنها محرم: والجواب عن
حديث عائشة في وقوع يدها على بطن قدم النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحتمل كونه فوق حائل والجواب
عن حديثها الآخر انه لمس من وراء حائل وهذا هو الظاهر فيمن هو نائم في فراش وهذان
الجوابان (1) إذا سلمنا انتقاض طهر الملموس وإلا فلا يحتاج إليهما: وأما قياسهم على الشعر والمحارم
ولمس الرجل الرجل: فجوابه ما سبق أن الشعر لا يلتذ بلمسه والمحرم والرجل ليسا مظنة شهوة
وقد سبق عن امام الحرمين ابطال القياس في هذا الباب * واحتج لمن قال ينقض اللمس بشهوة
دون غيره بحديث امامة والظاهر أنه كان يحصل معه مباشرة لكن بغير شهوة ولأنها مباشرة
بلا شهوة فأشبهت مباشرة الشعر والمحارم والرجل ولأنها ملامسة فاشترط في ترتب الحكم عليها
الشهوة كمباشرة المحرم بالحج * واحتج أصحابنا بقول الله تعالى (أو لمستم النساء) ولم يفرق: والجواب
عن حديث امامة بالأوجه الثلاثة السابقة وعن الشعر وما بعده لأنه ليس مظنة شهوة ولذة وعن
مباشرة المحرم بأنه منع من الترفه وذلك يختص بالشهوة بخلاف هذا * واحتج لداود بقول الله تعالى
(أو لمستم) وهذا يقتضى قصدا: واحتج أصحابنا بالآية وليس فيها فرق ولان الاحداث لا فرق
33

فيها بين العمد والسهو كالبول والنوم والريح: وقولهم اللمس يقتضي القصد غلط لا يعرف عن
أحد من أهل اللغة وغيرهم بل يطلق اللمس على القاصد والساهي كما يطلق اسم القاتل والمحدث والنائم
والمتكلم على من وجد ذلك منه قصدا أو سهوا أو غلبة * واحتج لمن خص النقض باليد بالقياس
على مس الذكر: واحتجاج الأصحاب بالآية والملامسة لا تختص وغير اليد في معناها في هذا
وليس على اختصاص اليد دليل: وأما مس الذكر باليد فمثير للشهوة بخلاف غير اليد ولمس المرأة
يثير الشهوة بأي عضو كان * واحتج لمن قال اللمس فوق حائل رقيق ينقض بأنه مباشرة
بشهوة فأشبه مباشرة البشرة: واحتج الأصحاب بأن المباشرة فوق حائل لا تسمى لمسا ولهذا
لو حلف لا يلمسها فلمس فوق حائل لم يحنث والله أعلم قال المصنف رحمه الله *
[وأما مس الفرج فإنه إن كان ببطن الكف نقض الوضوء لما روت بسرة بنت صفوان
رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ) وروت عائشة
رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضؤن)
قالت بأبي وأمي هذا للرجال أفرأيت النساء فقال (إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ) وإن كان
بظهر الكف لم ينتقض لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أفضى أحدكم
بيده إلى ذكره ليس بينهما شئ فليتوضأ وضوءه للصلاة) والافضاء لا يكون الا ببطن الكف ولان
ظهر الكف ليس بآلة لمسه فهو كما لو أولج الذكر في غير الفرج وان مس بما بين الأصابع
ففيه وجهان المذهب انه لا ينتقض لأنه ليس بباطن الكف: والثاني ينتقض لان خلقته خلقة
الباطن وان مس حلقة الدبر انتقض وضوءه وحكي ابن القاص قولا أنه لا ينقض وهو غير
مشهور ووجهه أنه لا يلتذ بمسه والدليل على أنه ينقض أنه أحد السبيلين فأشبه القبل: وان انسد
34

المخرج المعتاد وانفتح دون المعدة مخرج فمسه ففيه وجهان أحدهما لا ينقض لأنه ليس بفرج
والثاني ينقض لأنه سبيل للحدث فأشبه الفرج وان مس فرج غيره من صغير أو كبير أوحي
أوميت انتقض وضوءه لأنه إذا انتقض بمس ذلك من نفسه ولم يهتك به حرمة فلان ينتقض
بمس ذلك من غيره وقد هتك به حرمة أولى وان مس ذكرا مقطوعا ففيه وجهان أحدهما
لا ينتقض وضوءه كما لو مس يدا مقطوعة من امرأة والثاني ينتقض لأنه قد وجد مس
الذكر ويخالف اليد المقطوعة فإنه لم يوجد لمس المرأة وان مس فرج بهيمة لم يجب
الوضوء وحكي ابن عبد الحكم قولا آخر أنه يجب الوضوء وليس بشئ لان البهيمة لا حرمة
لها ولا تعبد عليها] *
(الشرح) في هذه الجملة مسائل إحداها حديث بسرة حديث حسن رواه مالك في الموطأ
والشافعي في مسنده وفى الأم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم في سننهم بالأسانيد
الصحيحة: قال الترمذي وغيره هو حديث حسن صحيح وقال الترمذي في كتاب العلل قال
البخاري أصح شئ في هذا الباب حديث بسرة وعليه ايراد سنذكره مع جوابه في فرع مذاهب
العلماء إن شاء الله تعالى: وأما حديث عائشة فضعيف وفى حديث بسرة كفاية عنه فإنه روى
مس ذكره وروى (من مس فرجه) وأما حديث أبي هريرة فرواه الشافعي في مسنده وفى الأم
والبويطي بأسانيده ورواه البيهقي من طرق كثيرة وفى اسناده ضعف لكنه يقوى بكثرة طرقه
(المسألة الثانية) في ألفاظ الفصل * أصل الفرج الخلل بين شيئين قوله يمسون بفتح الميم على المشهور
وحكي ضمها في لغة قليلة والماضي مسست بكسر السين على المشهور وعلى اللغية الضعيفة بضمها
قولها بأبي وأمي معناه أفديك بأبي وأمي من كل مكروه ويجوز أن يقول الانسان فداك أبي وأمي
35

سواء كان أبواه مسلمين أم لا هذا هو الصحيح المختار: ومن العلماء من منعه إذا كانا مسلمين
وقد أوضحت ذلك بدلائله في كتاب الأذكار الذي لا يستغنى طالب الآخرة عن مثله: قوله
الافضاء لا يكون الا ببطن الكف معناه الافضاء باليد لا يكون الا ببطن الكف والا فالافضاء
يطلق على الجماع وغيره: قال الشافعي رحمه الله في الأم والافضاء باليد إنما هو ببطنها كما يقال
أفضى بيده مبايعا وأفضى بيده إلى الأرض ساجدا والى ركبتيه راكعا هذا لفظ الشافعي في الأم
ونحوه في البويطي ومختصر الربيع وهذا الذي ذكره الشافعي مشهور كذلك في كتب اللغة
قال ابن فارس في المجمل أفضى بيده إلى الأرض إذا مسها براحته في سجوده ونحوه في صحاح
الجوهري وغيره: وقوله ولان ظهر الكف ليس بآلة لمسه معناه أن التلذذ لا يكون الا بالباطن
فالباطن هو آلة مسه: وقوله حلقة الدبر هي باسكان اللام هذه اللغة المشهورة وحكي الجوهري
فتحها أيضا في لغة رديئة وكذلك حلقة الحديد وحلقة العلم وغيرها كله باسكان اللام على المشهور
وقوله فلان ينتقض هو بفتح اللام وقد سبق بيانه في باب الآنية: قوله لان البهيمة لا حرمة لها
ولا تعبد عليها هذه العبارة عبارة الشافعي رحمه الله وشرحها صاحب الحاوي وغيره فقالوا معناه
لا حرمة لها في وجوب ستر فرجها وتحريم النظر إليه ولا تعبد عليها في أن الخارج منه لا ينقض
طهرا:
(المسألة الثالثة) في الأسماء: أما عائشة وابن القاص فسبق بيانهما وأما بسرة فبضم
الباء واسكان السين المهملة: وهي بسرة بنت صفوان بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وورقة
ابن نوفل عمها وهي جدة عبد الملك بن مروان أم أمة وهي ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم
36

ورضى عنها:
وأما ابن عبد الحكم هذا فهو أبو محمد عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري
كان من أجل أصحاب مالك وأفضت إليه الرياسة بمصر بعد اشهب وأحسن إلى الشافعي كثيرا
فأعطاه من ماله ألف دينار وأخذ له من أصحابه الفي دينار ولد سنة خمسين ومائة وتوفى سنة أربع
عشرة ومائتين رحمه الله: (المسألة الرابعة) في الأحكام فإذا مس الرجل أو المرأة قبل نفسه
أو غيره من صغير أو كبير حي أوميت ذكر أو أنثى انتقض وضوء الماس ودليله ما ذكره
المصنف ويتصور كون مس الرجل قبل المرأة نافضا إذا كانت محرما له أو صغيرة وقلنا بالمذهب أن لمسها
لا ينقض فينتقض بمس فرجها بلا خلاف (1) وحكي الماوردي والشاشي والروياني وغيرهم وجها
شاذا انه لا ينتقض بمس ذكر الميت وحكي الرافعي وجها آخر أنه لا ينتقض بمس ذكر الصغير (2)
وحكي غيره وجها شاذا انه لا ينتقض بمس فرج غيره الا بشهوة والصحيح المشهور الانتقاض بكل ذلك
ثم إنه لا ضبط لسن الصغير حتى لو مس ذكر ابن يوم انتقض صرح به الشيخان أبو حامد وأبو
محمد وامام الحرمين وغيرهم (3)
(فرع) ولو مس ذكرا أشل أو بيد شلاء انتقض على المذهب وبه قطع الجمهور لأنه مس
ذكرا وحكي الماوردي والروياني والشاشي وجها شاذا أنه لا ينتقض لأنه لا لذة: (الخامسة) إن
مس ببطن الكف وهو الراحة وبطن الأصابع انتقض وان مس بظهر الكف فلا ودليله مذكور
في الكتاب وان مس برؤوس الأصابع أو بما بينها أو بحرفها أو بحرف الكف ففي الانتقاض وجهان
مشهوران الصحيح عند الجمهور لا ينتقض وبه قطع البندنيجي ثم الوجهان في موضع الاستواء من
رؤوس الأصابع أما المنحرف الذي يلي الكف فإنه من الكف فينقض وجها واحدا قال الرافعي

(1) وفيه نظر بل ينبغي أن يكون على الوجهين في مس فرج الصغير اه‍ أذرعي (2) وهذا الوجه مخالف لنصه الصريح في الأم اه‍ أذرعي (3) وهو ظاهر نصه في الأم فإنه قال أومس ذلك من صبي وجب عليه الوضوء اه‍ أذرعي
37

من قال المس برؤوس الأصابع ينقض قال باطن الكف ما بين الأظفار والزند في الطول ومن قال
لا ينقض قال باطن الكف هو القدر المنطبق إذا وضعف إحدى الكفين على الأخرى مع تحامل
يسير والتقيد بتحامل يسير ليدخل المنحرف (1) وحكي الماوردي عن أبي الفياض البصري وجها أنه
ان مس بما بين الأصابع مستقبلا للعانة ببطن كفه انتقض وان استقبلها بظهر كفه لم ينتقض قال
الماوردي وهذا لا معنى له:
(السادسة) إذا مس دبر نفسه أو دبر آدمي غيره انتقض على المذهب
وهو نصه في الجديد وهو الصحيح عند الأصحاب وقطع به جماعات منهم: وحكي ابن القاص في
كتابه المفتاح قولا قديما أنه لا ينتقض ولم يحكه هو في التلخيص وقد حكاه جمهور أصحابنا المصنفين
عن حكاية ابن القاص عن القديم ولم ينكروه وقال صاحب الشامل قال أصحابنا لم نجد هذا القول
في القديم فان ثبت فهو ضعيف قال أصحابنا والمراد بالدبر ملتقى المنفذ أما ما رواء ذلك من باطن الأليين
فلا ينقض بلا خلاف (السابعة) إذا انفتح مخرج تحت المعدة أو فوقها وحكمنا بان الخارج منه ينقض
الوضوء على التفصيل والخلاف السابقين فهل ينتقض الوضوء بمسه فيه وجهان أصحهما لا ينتقض
وقد سبق بيانهما في فروع مسائل المنفتح في أول الباب (الثامنة) إذا مس ذكرا مقطوعا ففي انتقاض
وضوئه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما أصحهما عند الأكثرين الانتقاض ونقله القاضي
حسين عن نص الشافعي وصححه المتولي والبغوي والرافعي وآخرون وقطع به الجرجاني في التحرير
واختار الشيخ أبو محمد في كتابه الفروق وصاحب الشامل عدم الانتقاض لكونه لا لذة فيه ولا يقصد
ولا يكفي اسم الذكر كما لو مسه بظهر كفه وسواء قطع كل الذكر أو بعضه ففيه الوجهان صرح به
البغوي وغيره قال الماوردي ولو مس من ذكر الصغير الأغلف ما يقطع في الختان انتقض بلا خلاف
لأنه من الذكر ما لم يقطع قال فان مس ذلك بعد القطع لم ينتقض لأنه بائن من الذكر لا يقع
عليه اسم الذكر
(التاسعة) إذا مس فرج بهيمة لم ينتقض وضوءه على المذهب الصحيح

(1) قال في البحر بطن الكف ما بين الأظفار والزند فان مسه برؤوس الأصابع بطل وضوءه على الصحيح في المذهب ومن أصحابنا من قال فيه وجهان وهو ضعيف قال والمس
بخلال الأصابع لا ينقض نص عليه في الأم وقيل فيه وجهان ولا معني له ولو مس بحرف يده لم ينقض نص عليه في البويطي اه‍ أذرعي
38

وهو المشهور في نصوص الشافعي: وحكي ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه ينقض: قال الشيخ
أبو حامد الأسفرايني في تعليقه ابن عبد الحكم هذا هو عبد الله بن عبد الحكم وحكي الفوراني
وامام الحرمين وصاحب العدة وغيرهم هذا القول عن حكاية يونس بن عبد الأعلى عن الشافعي
وحكاه الدارمي عن حكاية ابن عبد الحكم ويونس جميعا فمن الأصحاب من أنكر كون هذا قولا
للشافعي وقال مذهبه انه لا ينقض بلا خلاف وإنما حكاه الشافعي عن عطاء قال المحاملي لم يثبت
أصحابنا هذا قولا للشافعي وقال البندنيجي رد أصحابنا هذه الرواية وذهب الأكثرون إلى اثباته
وجعلوا في المسألة قولين قال الدارمي ولا فرق في هذا بين البهائم والطير: ثم الجمهور أطلقوا الخلاف
في فرج البهيمة وظاهره طرد الخلاف في قبلها ودبرها وقال الرافعي القول بالنقض إنما هو بالقبل
أما دبر البهيمة فلا ينقض قطعا لان دبر الآدمي لا يلحق على القديم بقبله فدبر البهمية أولى: وهذا
الذي قاله غريب وكأنه بناه على أن القول الضعيف في النقض قول قديم كما ذكره الغزالي وليس
هو بقديم ولم يحكه الأصحاب عن القديم وإنما حكوه عن رواية ابن عبد الحكم ويونس وهما ممن
صحب الشافعي بمصر دون العراق (1) فإذا قلنا بالمذهب وهو أن مس فرج البهيمة لا ينقض فأدخل
يده في فرجها ففي الانتقاض وجهان مشهوران وحكاهما امام الحرمين عن الأصحاب أصحهما بالاتفاق
لا ينقض صححه الفوراني والامام والغزالي في البسيط والروياني وغيرهم هذا حكم مذهبنا
في البهيمة: وحكى أصحابنا عن عطاء أن مس فرج البهيمة المأكولة ينقض وغيرها لا ينقض وعن
الليث ينقض الجميع لاطلاق الفرج والصواب عدم النقض مطلقا لان الأصل عدم النقض حتى
تثبت السنة به ولم تثبت واطلاق الفرج في بعض الروايات محمول على المعتاد المعروف وهو
فرج الآدمي والله أعلم *

(1) هذا القول لا يمنع أن يكون قديما فان البويطي والمزني والربيع رووا عن القديم أقوالا كثيرة وهم مصريون اه‍ أذرعي
39

(فروع) الأول اللمس ينقض سواء كان عمدا أو سهوا نص عليه الشافعي والأصحاب رحمهم
الله تعالى وحكي الحناطي والرافعي وجها أنه لا ينتقض بمس الناسي وهذا شاذ ضعيف: الثاني إذا
مس ذكرا أشل أو بيد شلاء انتقض على المذهب وفيه وجه سبق بيانه ولو مس ببطن أصبع زائدة
أو كف زائدة انتقض أيضا على المذهب ونقله أيضا الشيخ أبو حامد عن نص الشافعي وقطع به
الجمهور وفيه وجه مشهور وهو ضعيف: ثم الجمهور أطلقوا الانتقاض بالكف الزائدة وقال البغوي
إن كانت الكفان عاملتين انتقض بكل واحدة وإن كان العامل إحداهما انتقض بها دون الأخرى
وأطلق الجمهور أيضا الانتقاض بالإصبع الزائدة قال المتولي والبغوي وغيرهما هذا إذا كانت الزائدة
نابتة على وفق سائر الأصابع الأصلية فإن كانت على ظهر الكف لم ينقض المس ببطنها قال الرافعي إن كانت
الإصبع الزائدة على سنن الأصابع الأصلية نقضت في أصح الوجهين وإلا فلا في أصح
الوجهين: (الثالث) قال أصحابنا لا ينقض مس الأنثيين وشعر العانة من الرجل والمرأة ولا موضع
الشعر ولا ما بين القبل والدبر ولا ما بين الأليين وإنما ينقض نفس الذكر وحلقة الدبر وملتقى شفري
المرأة فان مست ما رواء الشفر (1) لم ينقض بلا خلاف صرح به امام الحرمين والبغوي وآخرون
ولوجب ذكره قال أصحابنا ان بقي منه شئ شاخص وان قل انتقض بمسه بلا خلاف وإن لم يبق
منه شئ أصلا فهو كحلقة الدبر فينتقض على الصحيح وان نبت موضع الجب جلدة فمسها فهو كمسه
من غير جلدة قاله إمام الحرمين وغيره وهو واضح: هذا تفصيل مذهبنا وحكي أصحابنا عن عروة
ابن الزبير أن مس الأنثيين والألية والعانة ينقض وقال جمهور العلماء لا ينقض ذلك كمذهبنا * واحتج
لعروة بما روى من مس ذكره أو أنثييه أو رفغيه فليتوضأ وهذا حديث باطل موضوع إنما هو من
كلام عروة كذا قاله أهل الحديث والأصل ان لأنقض الا بدليل والرفغ بضم الراء واسكان الفاء
وبالغين المعجمة وهو أصل الفخذين ويقال لك موضع يجتمع فيه الوسخ رفغ: (الرابع) اتفق
أصحابنا ونصوص الشافعي أن المس بغير بطن الكف من الأعضاء لا ينقض الا صاحب الشامل (2)
فقال لو مس بذكره دبر غيره ينبغي أن ينتقض لأنه مسه بآلة مسه وحكي صاحب البحر هذا عن
بعض أصحابنا بالعراق وأظنه أراد صاحب الشامل ثم قال وهذا ليس بصحيح لان الاعتماد على الخبر
ولم يرد بهذا خبر وصرح الدارمي ثم امام الحرمين بأنه لا ينقض فقالا في باب غسل الجنابة إذا أجنب
من غير حدث بأن أولج ذكره في بهيمة أو رجل أجزأه الغسل بلا خلاف فهذا تصريح بأن ادخال

(1) قلت في فتاوى القفال إنما لو مس الشعر النابت من الموضع
الذي يكون مدخل الذكر أو ثقبة البول أو مست موضع ختانها انتقض وضوءها لذلك كله اه‍ أذرعي
(2) الذي قاله في الشامل ونقله عنه صاحبه الشاشي في المسألة ان الذي يقتضيه
المذهب أن لا ينتقض طهره والذي يقتضيه التعليل ان ينتقض وكذا نقله عنه في
الذخائر وزاد فقال وذكر الشيخ أبو بكر ان الشيخ أبا إسحاق ذكر في تعليق الخلاف
ما يوافق مقتضى المذهب وهو انه لا ينتقض ووقع في البحر عن الشامل كما وقع هنا
وكذا في الصبان وكأنهم أرادوا احتماله اه‍ أذرعي
40

الذكر في دبر الرجل لا ينتقض الوضوء فوضعه عليه أولى فالصواب أنه لا ينتقض بمسه به ولا بادخاله
لان الباب مبنى على اتباع الاسم ولهذا لو قبل امرأة وعانقها فوق حائل رقيق وأطال وانتشر
ذكره لا ينتقض ولو وقع بعض رجله على رجلها بلا قصد انتقض في الحال لوجود اللمس مع أن الأول
أفحش بل لا نسبة بينهما ووافق صاحب الشامل على أنه لو مس بذكره ذكر غيره لم ينتقض والله
أعلم * (الخامس) لو كان له ذكر مسدود فمسه انتقض وضوءه على الصحيح المشهور وفيه وجه حكاه
الصيمري وصاحبا البحر والبيان: (السادس) إذا كان له ذكران عاملان انتقض بمس كل واحد
منهما بلا خلاف صرح به الأصحاب وإن كان العامل أحدهما فوجهان الصحيح الذي قطع به الجمهور
أنه ينتقض بالعامل ولا ينتقض بالآخر ممن قطع به الدارمي والماوردي والفوراني والبغوي وصاحب
العدة وآخرون ونقله الروياني عن أصحابنا الخراسانيين وقال المتولي المذهب أنه ينتقض أيضا
بغير العامل لأنه ذكر وشذ الشاشي عن الأصحاب فقال في كتابيه ينبغي أن لا ينتقض بأحد العاملين
كالخنثى وهذا غلط مخالف للنقل والدليل: قال الماوردي ولو أولج أحد العاملين في فرج لزمه الغسل
ولو خرج من أحدهما شئ وجب الوضوء قال ولو كان يبول من أحدهما وحده فحكم الذكر جار
عليه والآخر زائد لا يتعلق به حكم في نقض الطهارة قال الدارمي ولو خلق للمرأة فرجان فبالت منهما
وحاضت انتقض بكل واحد وان بالت وحاضت من أحدهما فالحكم متعلق به: (السابع) الممسوس ذكره لا
ينتقض وضوءه على المذهب الصحيح وبه قطع العراقيون وكثير من الخراسانيين أو
أكثرهم وقال كثيرون من الخراسانيين فيه قولان كالملموس والفرق على المذهب ان الشرع ورد
هناك بالملامسة وهي تقتضي المشاركة الا ما خرج بدليل وهنا ورد بلفظ المس والممسوس لم يمس:
(فرع) في مذاهب العلماء قد ذكرنا أن مذهبنا انتقاض الوضوء بمس فرج الآدمي بباطن
الكف ولا ينتقض بغيره وبه قال عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وابن عباس
وأبو هريرة وعائشة وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وأبان بن عثمان وعروة بن الزبير وسليمان
ابن يسار ومجاهد وأبو العالية والزهري ومالك والأوزاعي واحمد واسحق وأبو ثور والمزني * وعن
الأوزاعي انه ينقض المس بالكف والساعد وهو رواية عن أحمد وعنه رواية أخرى أنه ينقض
41

بظهر الكف وبطنها وأخرى أن الوضوء مستحب وأخرى يشترط المس بشهوة وهو رواية عن
مالك وقالت طائفة لا ينقض مطلقا وبه قال علي بن أبي طالب وابن مسعود وحذيفة وعمار وحكاه
ابن المنذر أيضا عن ابن عباس وعمران بن الحصين وأبي الدرداء وربيعة وهو مذهب الثوري
وأبي حنيفة وأصحابه وابن القاسم وسحنون قال ابن المنذر وبه أقول وقال بعض أهل العلم
ينقض مسه ذكر نفسه دون غيره * واحتج لهؤلاء بحديث طلق بن علي رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم سئل عن مس الذكر في الصلاة فقال (هل هو الا بضعة منك) وعن أبي ليلى
قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فاقبل الحسن يتمرغ عليه فرفع عن قميصه وقبل زبيبته
ولأنه مس عضو منه فلم ينقض كسائر الأعضاء * واحتج أصحابنا بحديث بسرة وهو صحيح كما
قدمنا بيانه وبحديث أم حبيبة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من مس فرجه فليتوضأ) قال
البيهقي قال الترمذي سألت أبا زرعة عن حديث أم حبيبة فاستحسنه قال ورأيته يعده محفوظا وعن
زيد بن خالد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من مس ذكره فليتوضأ) قال القاضي أبو الطيب قال
أصحابنا روى الوضوء من مس الذكر بضعة عشر نفسا من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فان قيل قال يحيى بن معين ثلاثة أحاديث لا تصح أحدها الوضوء من مس الذكر: فالجواب
ان الأكثرين على خلافه فقد صححه الجماهير من الأئمة الحفاظ واحتج به الأوزاعي ومالك والشافعي
واحمد وهم أعلام أهل الحديث والفقه ولو كان باطلا لم يحتجوا به: فان قالوا حديث بسرة رواه
شرطي لمروان عن بسرة وهو مجهول: فالجواب أن هذا وقع في بعض الروايات وثبت من غير
رواية الشرطي: روى البيهقي عن إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة قال أوجب الشافعي
الوضوء من مس الذكر لحديث بسرة وبقول الشافعي أقول لان عروة سمع حديث بسرة منها:
فان قالوا الوضوء هنا غسل اليد قلنا هذا غلط فان الوضوء إذا أطلق في الشرع حمل على غسل
الأعضاء المعروفة هذا حقيقته شرعا ولا يعدل عن الحقيقة الا بدليل واحتج أصحابنا بأقيسة ومعان
لا حاجة إليها مع صحة الحديث: وأما الجواب عن احتجاجهم بحديث طلق بن علي فمن أوجه أحدها
انه ضعيف باتفاق الحفاظ وقد بين البيهقي وجوها من وجوه تضعيفه: الثاني أنه منسوخ فان وفادة
42

طلق بن علي على النبي صلى الله عليه وسلم كانت في السنة الأولى من الهجرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبنى مسجده
وراوي حديثنا أبو هريرة وغيره وإنما قدم أبو هريرة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة سبع من الهجرة وهذا
الجواب مشهور ذكره الخطابي والبيهقي وأصحابنا في كتب المذهب: الثالث أنه محمول على المس فوق حائل لأنه قال
سألته عن مس الذكر في الصلاة والظاهر أن الانسان لا يمس الذكر في الصلاة بلا حائل: والرابع ان خبرنا
أكثر رواة فقدم: الخامس أن فيه احتياطا للعبادة فقدم: وأما حديث... أبى ليلى فجوابه من أوجه أحدها
أنه ضعيف بين البيهقي وغيره ضعفه: الثاني يحتمل أنه كان فوق حائل: الثالث انه ليس فيه أنه مس زبيبته
ببطن كفه ولا ينقض غير بطن الكف: الرابع انه ليس فيه أنه صلي بعد مس زبيبته ببطن كفه ولم
يتوضأ وعلى الجملة استدلالهم بهذا الحديث من العجائب وأما قياسهم علي سائر الأعضاء فجوابه
من وجهين أحدهما انه قياس ينابذ النص فلا يصح: الثاني أن الذكر تثور الشهوة بمسه غالبا
بخلاف غيره والله أعلم
(فرع) مس الدبر نافض عندنا على الصحيح وهو رواية عن أحمد وقال مالك وأبو حنيفة
وداود واحمد في رواية لا ينقض ولا ينقض مس فرج البهيمة عندنا وبه قال العلماء كافة الاعطاء
والليت وإذا مست المرأة فرجها انتقض وضوءها عندنا وعند احمد وقال أبو حنيفة ومالك لا ينتقض
قال المصنف رحمه الله تعالى
[وان مس الخنثى المشكل فرجه أو ذكره أو مس ذلك منه غيره لم ينتقض الوضوء حتى
يتحقق أنه مس الفرج الأصلي أو الذكر الأصلي ومتى جوز أن يكون الذي مسه غير الأصلي
لم ينتقض الوضوء ولذا لو تيقنا أنه انتقض طهر أحدهما ولم نعرفه بعينه لم نوجب الوضوء على واحد
منهما لأن الطهارة متيقنة ولا يزال ذلك بالشك]
[الشرح] هذا الذي ذكره المصنف رحمه الله في بعضه تساهل فأنا أذكر المذهب على
ما قاله الأصحاب واقتضته الأدلة ثم أبين وجه التساهل إن شاء الله تعالى قال أصحابنا إذا مس
43

الخنثى المشكل ذكر رجل أو فرج امرأة انتقض طهر الخنثى ولا ينتقض الممسوس لاحتمال أنه
مثله الا إذا قلنا بالوجه الضعيف أن الممسوس فرجه ينتقض فينتقض هنا لأنه ملموس أو ممسوس
وأما إذا مس الخنثى المشكل فرج نفسه أو ذكر نفسه فلا ينتقض بالاتفاق لاحتمال أنه عضو زائد
لكن يندب الوضوء للاحتمال فان مسهما معا أو مس أحدهما ثم مس الآخر انتقض بالاتفاق وان
مس أحدهما ثم مس مرة ثانية وشك هل الممسوس ثانيا هو الأول أو الآخر لم ينتقض لاحتمال
أنه الأول وان مس أحدهما ثم صلى الظهر ثم توضأ ثم مس الآخر ثم صلى العصر فوجهان مشهوران (1)
أحدهما تلزمه إعادة الصلاتين لان إحداهما بغير وضوء فهو كمن نسي صلاة من صلاتين: والثاني
لا يلزمه إعادة واحدة من الصلاتين لان كل واحدة مفردة بحكمها وقد صلاها مستصحبا أصلا
صحيحا فلا تلزمه اعادتها كمن صلى صلاتين بالاجتهاد إلى جهتين ويخالف من نسي صلاة من
صلاتين لان ذمته اشتغلت بكل واحدة من الصلاتين والأصل أنه لم يفعلها فتبقى وهنا فعلها
قطعا معتمدا أصلا صحيحا وصحح الروياني الوجه الأول وهو شاذ منفرد بتصحيحه وصحح
جمهور الأصحاب الوجه الثاني وهو أنه لا إعادة صححه الفوراني والرافعي وآخرون وقطع به
القفال في شرح التلخيص والقاضي حسين في تعليقه والشيخ أبو محمد في الفروق والمتولي والبغوي
وغيرهم: ولو مس أحدهما وصلى الظهر ثم مس الآخر وصلى العصر ولم يتوضأ بينهما لزمه إعادة
العصر بلا خلاف لأنه صلاها محدثا قطعا ولا يلزمه إعادة الظهر بلا خلاف لأنها مضت على الصحة
ولم يعارضها شئ (2) ولو مس ذكره وصلى أياما يمس فيها الذكر ثم بان أنه رجل فهل يلزمه قضاء
تلك الصلوات فيه طريقان حكاهما المتولي والشاشي أحدهما وبه قطع القاضي حسين انه على وجهين
بناء على القولين فيمن صلى إلى جهة أو جهات ثم تيقن الخطأ والثاني وهو الصحيح عند المتولي
والشاشي وقطع به البغوي وهو المختار تلزمه الإعادة بلا خلاف كمن ظن الطهارة وصلى فبان محدثا
بخلاف القبلة فان أمرها مبني على التخفيف فيباح تركها في نافلة السفر مع القدرة ولا يجوز ترك

(1) قال في البحر وهذا عندي خطأ بل يلزمه اعادتهما وجها واحدا
كمن تيقن انه نسي سجدة في احدى الصلاتين يلزمه اعادتهما اه‍ أذرعي
(2) قال في الذخائر والصلاتان معا باطلتان لان لمس الفرج الثاني تحقيقا لمس
ما تنتقض به الطهارة وشككنا في عين السبب الناقض فيحتمل أن يكون هو الثاني
فتبطل الصلاة الثانية ويحتمل أن يكون هو الأول فتبطل الصلاتان معا والصلاة يؤخذ
فيها بالاحتياط فيجب اعادتها كما لو صلى صلاتين بوضؤين عن حدثين ثم تحقق أنه
نسي عضوا من أعضاء الطهارة في احدى طهارتيه والجامع بينهما تحقق السبب المفسد
وحصول الشك في تعيين السبب دون حصول ما تنتقض به الطهارة قال هذا الذي
يقتضيه النظر ولم أر للأصحاب فيها نصا انتهى لفظه اه‍ أذرعي
44

الطهارة مع القدرة ولان اشتباه القبلة والخطأ فيها يكثر بخلاف الحدث ومتى أبحنا للخنثى الصلاة
بعد مس أو لمس أو إيلاج بناء على الأصل ثم بان خلافه ففي وجوب الإعادة الطريقان وكذا
ينبغي أن يكون الحكم في الرجل والمرأة إذا لمساه أو مساه أو أولج فيه رجل أو أولج هو في
مرأة ولم توجب طهارة وصلى فبان الخنثى بصفة توجب الطهر ففي الإعادة الخلاف هذا حكم مس
الخنثى نفسه أو رجلا أو امرأة أما إذا مس رجل فرج الخنثى فلا ينتقض واحد منهما لاحتمال انه
عضو زائد وكذا إذا مست المرأة ذكر الخنثى فلا وضوء للاحتمال ولو مس الرجل ذكر الخنثى
انتقض وضوء الرجل لان الخنثى إن كان رجلا فقد مس ذكره وإن كان امرأة فقد لمسها بلمس
عضوها الزائد ولا ينتقض الخنثى لاحتمال انه رجل والممسوس لا ينتقض هكذا قاله
الأصحاب ومرادهم التفريع على المذهب وهو أن المموس لا ينتقض وان العضو الزائد ينقض لمسه
ولو مست المرأة فرج الخنثى فهو كمس الرجل ذكر الخنثى فتنتقض المرأة لأنه إن كان رجلا فقد
لمسه وإن كان أنثى فقد مست فرجها فهي لامسة أو ماسة ولا ينتقض الخنثى بما سبق وان مس
الرجل أو المرأة فرجي الخنثى انتقض الماس وضابطه ان من مس من الخنثى ماله مثله انتقض
وإلا فلا: فينتقض الرجل بمسه ذكر الخنثى لا فرجه والمرأة عكسه وأما إذا مس الخنثى خنثى فينظر ان مس فرجيه انتقض الماس وكذا لو مس فرج مشكل وذكر مشكل آخر انتقض لأنه مس أو
لمس وان مس أحد فرجى المشكل لم ينتقض كالواضح لاحتمال الزيادة ولو لمس إحدى الخنثيين
فرج صاحبه ومس الآخر ذكر الأول فقد انتقض طهر أحدهما بيقين لأنهما إن كانا رجلين
انتقض ماس الذكر أو أنثيين انتقض ماس الفرج أو رجل وامرأة انتقضا جميعا
فانتقاض أحدهما متيقن لكنه غير متعين والأصل في حق كل واحد الطهارة فلا تبطل بالاحتمال
فلكل واحد أن يصلى بتلك الطهارة: هذا كله إذا لم يكن بين الخنثى وبين من مسه محرمية أو غيرها
مما يمنع نقض الوضوء باللمس فإن كان لم يخف حكمه بتقدير أحواله وحيث لا ينقض في هذه الصور
45

يتسحب الوضوء لاحتمال الانتقاض هذا مختصر كلام الأصحاب في المسألة وفروعها وأما قول
المصنف أو مس ذلك منه غيره لم ينتقض حتى يتحقق أنه مس الفرج الأصلي أو الذكر الأصلي
فهذا مما ينكر عليه لان غيره إن كان مس منه ماله مثله انتقض كما قدمناه لأنه ماس أو لامس
ويجاب عن المصنف بأن مراده لا ينتقض بسبب المس فان الكلام فيه: وأما إذا مس منه ماله مثله
فينتقض بسبب اللمس أو المس لا بالمس على التعيين ولم يرد أنه لا ينتقض بكل سبب ولكن كلامه
موهم وقوله ومتى جوز أن يكون الذي مسه غير الأصلي لم ينتقض هذا مكرر وزيادة لا حاجة إليها
لأنه قد علم من قوله لم ينتقض حتى يتحقق أنه مس الأصلي إلا أن فيه ضربا من والتأكيد
فلهذا ذكره وقوله وكذا لو تيقنا أنه انتقض طهر أحدهما ولم نعرفه بعينه لم نوجب الوضوء على واحد
منهما مثاله مس أحد الخنثيين ذكر صاحبه والآخر فرج الأول وقد بيناه والله أعلم
(فرع) هذا أول موضع جرى فيه شئ من أحكام الخنثى في الكتاب ولبيان أحكامه وصفات
وضوحه وإشكاله مواطن: منها هذا الباب وباب الحجر وكتاب الفرائض وكتاب النكاح وللأصحاب
فيه عادات مختلفة فبعضهم ذكره هنا كامام الحرمين والغزالي وآخرين وبعضهم في الحجر وذكر
المصنف منه هناك شيئا وأكثرهم ذكروه في الفرائض ومنهم المصنف في المذهب وبعضهم في
النكاح ومنهم المصنف في التنبيه والبغوي وبعضهم أفرده بالتصنيف كالقاضي أبي الفتوح وغيره وقد
ذكر البغوي فيه فصلين حسنين قبيل كتاب الصداق وقد قدمت في الخطبة اني أقدم ما أمكن
تقديمه في أول مواطنه فاذكر إن شاء الله تعالى معظم أحكامه مختصرة جدا وسأوضحها إن شاء الله
تعالى في مواطنها أيضا مفصلة والكلام فيه يحصره فصلان أحدهما في طريق معرفة ذكورته
وأنوثته وبلوغه والثاني في أحكامه في حال الاشكال
اما الفصل الأول ففي معرفة حاله قال أصحابنا الأصل في الخنثى ما روى الكلبي عن أبي صالح
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مولود له ما للرجال وما للنساء يورث من
حيث يبول وهذا حديث ضعيف بالاتفاق وقد بين البيهقي وغيره ضعفه والكلبي وأبو صالح هذان
ضعيفان وليس هو أبا صالح ذكوان السمان الراوي في الصحيحين عن أبي هريرة وروى عن علي
ابن أبي طالب وسعيد بن المسيب مثله
واعلم أن الخنثى ضربان أحدهما وهو المشهور أن يكون له
46

فرج المرأة وذكر الرجل: والضرب الثاني أن لا يكون له واحد منهما بل له ثقبة يخرج منها الخارج ولا تشبه
فرج واحد منهما وهذا الضرب الثاني ذكره صاحب الحاوي والبغوي والرافعي وجماعات في كتاب
الفرائض قال البغوي وحكم هذا الثاني انه مشكل يوقف أمره حتى يبلغ فيختار لنفسه ما يميل إليه
طبعه من ذكورة وأنوثة فان أمني على النساء ومال إليهن طبعه فهو رجل وإن كان عكسه فامرأة
ولا دلالة في بول هذا: وأما الضرب الأول فهو الذي فيه التفريع فمذهبنا انه إما رجل وإما امرأة
وليس قسما ثالثا والطريق إلى معرفة ذكورته وأنوثته من أوجه منها البول فان بال بآلة الرجال
فقط فهو رجل وان بال بآلة المرأة فقط فهو امرأة وهذا لا خلاف فيه فإن كان يبول بهما جميعا
نظر ان اتفقا في الخروج والانقطاع والقدر فلا دلالة فيه وان اختلفا في ذلك ففيه وجهان أحدهما
لا دلالة في البول فهو مشكل إن لم تكن علامة أخرى: والثاني وهو الأصح انهما إن كانا ينقطعان
معا ويتقدم أحدهما في الابتداء فهو للمتقدم وان استويا في التقدم وتأخر انقطاع أحدهما فهو
للمتأخر وان تقدم أحدهما وتأخر الآخر فهو للسابق على أصح الوجهين وقيل لا دلالة وان استويا
في الابتداء والانقطاع وكان أحدهما أكثر وزنا فوجهان أحدهما يحكم بأكثرهما وهو نص الشافعي
في الجامع الكبير للمزني وهو مذهب أبي يوسف ومحمد والثاني وهو الأصح لا دلالة فيه وصححه
البغوي والرافعي وغيرهما وقطع به صاحب الحاوي في كتاب الفرائض وإمام الحرمين هنا وهو
مذهب أبي حنيفة والأوزاعي ولو زرق كهيئة الرجل أو رشش كعادة المرأة فوجهان أصحهما
لا دلالة فيه: والثاني يدل فعلى هذا ان زرق بهما فهو رجل وان رشش بهما فامرأة وان زرق بأحدهما
ورشش بالآخر فلا دلالة ولو لم يبل من الفرجين وبال من ثقب آخر فلا دلالة في بوله: ومنها المني
والحيض فان أمنى بفرج الرجل فهو رجل وان أمنى بفرج المرأة أو حاض به فهو امرأة وشرطه
في الصور الثلاث أن يكون في زمن امكان خروج المنى والحيض وأن يتكرر خروجه ليتأكد الظن
به ولا يتوهم كونه اتفاقيا ولو أمنى بالفرجين فوجهان أحدهما لا دلالة وأصحهما أنه ان أمنى منهما
بصفة منى الرجال فرجل وان أمنى بصفة مني النساء فامرأة لأن الظاهر أن المنى بصفة منى الرجال
ينفصل من رجل وبصفة منى النساء ينفصل من امرأة ولو أمنى من فرج النساء بصفة مني الرجال أو من
فرج الرجال بصفة منى النساء أو أمنى من فرج الرجال بصفة منيهم ومن فرج النساء بصفة منيهن
47

فلا دلالة ولو تعارض بول وحيض فبال من فرج الرجل وحاض من فرج المرأة فوجهان أصحهما
لا دلالة للتعارض: والثاني يقدم البول لأنه دائم متكرر: قال امام الحرمين كان شيخي يميل إلى
البول: قال والوجه عندي القطع بالتعارض ولو تعارض المني والحيض فثلاثة أوجه ذكرها البغوي
وغيره أحدها وهو قول أبي إسحاق انه امرأة لان الحيض مختص بالنساء والمني مشترك: والثاني
وهو قول أبي بكر الفارسي أنه رجل لان المنى حقيقة وليس دم الحيض حقيقة: والثالث لا دلالة
للتعارض وهو الأصح الأعدل وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وصححه الرافعي ومنها الولادة
وهي تفيد القطع بالأنوثة وتقدم على جميع العلامات المعارضة لها لان دلالتها قطعية قال القاضي
أبو الفتوح في كتابه كتاب الخناثي لو ألقى الخنثى مضغة وقال ألقوا بل انها مبدأ خلق آدمي حكم
بأنها امرأة وان شككن دام الاشكال: قال ولو انتفخ بطنه فظهرت امارة حمل لم يحكم بأنه امرأة حتى
يتحقق الحمل أما نبات اللحية ونهود الثدي ففيهما وجهان: أحدهما يدل النبات على الذكورة
والنهود على الأنوثة لان اللحية لا تكون غالبا الا للرجال والثدي لا يكون غالبا الا للنساء: والثاني
وهو الأصح لا دلالة لان ذلك قد يختلف ولأنه لا خلاف ان عدم اللحية في وقته لا يدل للأنوثة
ولا عدم النهود في وقته للذكورة فلو جاز الاستدلال بوجوده عملا بالغالب لجاز بعدمه عملا بالغالب
قال إمام الحرمين ولا يعارض نبات اللحية والنهود شيئا من العلامات المتفق عليها قلت والحق
عندي انه ان كثفت اللحية وعظمت فهو رجل لان هذا لا يتفق للنساء وان خفت فمشكل لأنه
يتفق للنساء قاله أحمد الأوزاعي: واما نزول اللبن من الثدي فقطع البغوي بأنه لا دلالة فيه للأنوثة
وذكر غيره فيه وجهين الأصح لا دلالة: واما عدد الأضلاع ففيه وجهان أحدهما يعتبر فإن كانت
أضلاعه من الجانب الأيسر ناقصة ضلعا فهو رجل وان تساوت من الجانبين فامرأة ولم يذكر البول
غيره: والثاني لا دلالة فيه وهو الصحيح وبه قطع صاحب الحاوي والأكثرون وصححه الباقون لان
هذا لا أصل له في الشرع ولا في كتب التشريح: قال إمام الحرمين هذا الذي قيل من تفاوت الأضلاع
لست أفهمه ولا أدري فرقا بين الرجال والسناء وقال صاحب الحاوي لا أصل لذلك لإجماعهم على
تقديم المبال عليه يعنى ولو كان له أصل لقدم على المبال لان دلالته حسية كالولادة قال أصحابنا ومن
العلامات شهوته وميله إلى النساء أو الرجال فان قال اشتهى النساء ويميل طبعي إليهن حكم بأنه رجل
وان قال أميل إلى الرجال حكم بأنه امرأة لان الله تعالى اجرى العادة بميل الرجل إلى المرأة والمرأة إلى
الرجل وان قال أميل إليهما ميلا واحدا أو لا أميل إلى واحد منهما فهو مشكل: وقال أصحابنا وإنما
48

نراجعه في ميله وشهرته ونقبل في ذلك قوله إذا عجزنا عن العلامات السابقة فاما مع واحدة منها فلا نقبل
قوله لان العلامة حسية وميله خفى قال أصحابنا وإنما نقبل قوله في الميل بعد بلوغه وعقله كسائر
أخباره ولان الميل إنما يظهر بعد البلوغ هذا هو المذهب الصحيح المشهور وحكى الرافعي وغيره
وجها أنه يقبل قول الصبي المميز في هذا كالتخيير بين الأبوين في الحضانة وهذا ليس بشئ لان
تخييره بين الأبوين تخيير شهوة للرفق به ولا يلزمه الدوام عليه ولا يتعلق به أحكام بخلاف قول
الخنثى فإنه إخبار فيشترط أن يكون ممن يقبل خبره وليس موضوعا للرفق ولأنه يتعلق به حقوق
كثيرة في النفس والمال والعبادات له وعليه وهو أيضا لازم لا يجوز الرجوع عنه وفرع أصحابنا
على اخباره فروعا أحدها انه إذا بلغ وفقدت العلامات ووجد الميل لزمه ان يخبر به ليحكم به
ويعمل عليه فان اخره اثم وفسق كذا قاله البغوي وغيره: الثاني ان الاخبار إنما هو بما نجده من
الميل الجبلي ولا يجوز الاخبار بلا ميل بلا خلاف: (الثالث) إذا أخبر بميله إلى أحدهما عمل به
ولا يقبل رجوعه عنه بل يلزمه الدوام عليه فلو كذبه الحس بأن يخبر انه رجل ثم يلد بطل قوله
ويحكم بأنه امرأة وكذا لو ظهر حمل وتبيناه كما لو حكمنا بأنه رجل بشئ من العلامات ثم
ظهر حمل فانا نبطل ذلك ونحكم بأنه امرأة: واما قول الغزالي في الوسيط فإذا أخبر لا يقبل رجوعه
إلا أن يكذبه الحس بأن يقول أنا رجل ثم يلد فهذه العبارة مما أنكر عليه لأنه استثني من قبول
رجوعه ما إذا ولد فأوهم أنه يشترط في الحكم بأنوثته رجوعه إليها وذلك غير معتبر بلا خلاف
بل بمجرد العلم بالحمل يحكم بأنه أنثى وإن لم يرض وكلام الغزالي محمول على هذا فكأنه قال فلا يقبل
رجوعه بل يجري عليه الأحكام إلا أن يكذبه الحسن فالاستثناء راجع إلى جريان الأحكام
لا إلى قبول الرجوع وهذا الذي ذكرناه من منع قبول الرجوع هو فيما عليه ويقبل رجوعه
عما هو له قطعا وقد نبه عليه امام الحرمين وأهمله الغزال والرافعي وغيرهما: (الرابع) إذا أخبر
حكم بقوله في جميع الأحكام سواء ماله وما عليه قال امام الحرمين لان ابن عشر سنين لو قال
بلغت صدقناه لان الانسان أعرف بما جبل عليه قال البغوي وغيره حتى لو مات للخنثى قريب
فأخبر بالذكورة وارثه بها يزيد قبل قوله وحكم له بمقتضاه: ولو قطع طرفه فأخبر بالذكورة وجب
له دية رجل وقال امام الحرمين في كتاب الجنايات لو أقر الخنثى بعد الجناية على ذكره بأنه رجل
49

فظاهر المذهب أنه لا يقبل اقراره لايجاب القصاص قال ومن أصحابنا من قال يقبل وهذا مزيف
لا أصل له والوجه القطع بأن قوله غير مقبول بعد الجناية إذا كان يتضمن ثبوت حق لولاه
لم يثبت مالا كان أو قصاصا لأنه متهم وهذا الذي ذكره الامام ظاهر والخلاف في اقراره بعد
الجناية أما قبله فمقبول في كل شئ بلا خلاف: (الخامس) قد سبق أنه إنما يرجع إلى قوله إذا
عجزنا عن العلامات فلو حكمنا بقوله ثم وجد بعض العلامات فالذي يقتضيه كلام الأصحاب
انه لا يبطل قوله بذلك لأنهم قالوا لا يرجع عنه إلا أن يكذبه الحس لأنه حكم لدليل فلا يترك
بظن مثله بل لا بد من دليل قاطع وذكر الرافعي فيه احتمالين لنفسه أحدهما هذا والثاني يحتمل
أن يحكم بالعلامة كما لو تداعى اثنان طفلا وليس هناك قائف فانتسب بعد بلوغه إلى أحدهما ثم
وجدنا قائفا فانا نقدم القائف على اخباره والله أعلم
الفصل الثاني في أحكام الخنثى المشكل على ترتيب المهذب مختصرة جدا فإذا لم يتبين الخنثى
بعلامة ولا اخباره بقي على إشكاله وحيث قالوا خنثى فمرادهم المشكل وقد يطلقونه نادرا على الذي
زال إشكاله لقرينة يعلم بها كقوله في التنبيه في باب الخيار في النكاح وان وجد أحد الزوجين الآخر
خنثى ففي ثبوت الخيار قولان وهذه نبذة من أحكامه
إذا توضأ الخنثى المشكل أو اغتسل أو تيمم
لعجزه عن الماء بسبب إيلاج وملامسة فإن كان في موضع حكمنا بانتقاض طهارته صار الماء والتراب
مستعملا وكل موضع لم يحكم بانتقاضها للاحتمال ففي مصيره مستعملا الوجهان في المستعمل في نفل
الطهارة ذكره القاضي أبو الفتوح وفى ختانه وجهان سبقا في باب السواك الأصح لا يختن وحكم
لحيته الكثيفة كلحية المرأة في الوضوء لا في استحباب حلقها وقد سبق بيانه في الوضوء: ولو خرج
شئ من فرجيه انتقض وضوءه فان خرج من أحدهما ففيه ثلاث طرق سبقت في أول هذا الباب
ولو لمس رجلا أو امرأة أو لمسه أحدهما لم يجب الوضوء على أحد منهم وان مس ذكر نفسه أو
فرجه أو فرج خنثى آخر أو ذكره لم ينتقض: وكذا لو مس فرجه رجل أو ذكره امرأة وقد سبق
بيانه: ولو مس انسان ذكرا مقطوعا وشك هل هو ذكر خنثى أو ذكر رجل قال القاضي أبو الفتوح
في كتابه كتاب الخناثى يحتمل أن لا ينتقض قطعا للشك قال والأصح أنه على الوجهين في ذكر الرجل
المقطوع لندوره (1) ولا يجزيه الاستنجاء بالحجر في قبليه على الأصح وقيل وجهان: ولو أولج في فرج أو

(1) يحتمل أن يكون على الوجهين في العضو المبان من المرأة فان الأصح منهما عدم النقض بخلاف الذكر المقطوع فان الأصح النقض وهذا هو المنصوص في المسألتين وتقدم الفرق بينهما اه‍ أذرعي
50

أولج رجل في قبله لم يتعلق به حكم الوطئ فلو أولج في امرأة وأولج في قبله رجل وجب الغسل على
الخنثى ويبطل صومه وحجه لأنه اما رجل أولج واما امرأة وطئت ولا كفارة عليه في الصوم ان
قلنا لا يجب على المرأة لاحتمال أنه امرأة ويستحب له اخراجها قال البغوي وكل موضع لا نوجب
الغسل على الخنثى لا نبطل صومه ولا حجه ولا نوجب على المرأة التي أولج فيها عدة ولا مهر لها:
ولو أولج ذكره في دبر رجل ونزعه لزمهما الوضوء لأنه إن كان رجلا لزمهما الغسل وإن كان امرأة
فقد لمست رجلا وخرج من دبر الرجل شئ فغسل أعضاء الوضوء واجب والزيادة مشكوك فيها
والترتيب في الوضوء واجب لتصح طهارته وقيل لا يجب وهو غلط وسنوضحه في بابه إن شاء الله
تعالى: ولو أن خنثيين أولج كل واحد في فرج صاحبه فلا شئ على واحد منهما لاحتمال زيادة
الفرجين. ولو أولج كل واحد في دبر صاحبه لزمهما الوضوء بالاخراج ولا غسل لاحتمال انهما
امرأتان: ولو أولج أحدهما في فرج صاحبه والآخر في دبر الأول لزمهما الوضوء (1) بالنزع لاحتمال
انهما امرأتان ولا غسل: وإذا أمنى الخنثى من فرجيه لزمه الغسل ومن أحدهما قيل يجب وقيل
وجهان: قال البغوي ولو أمنى من الذكر وحاض من الفرج وحكمنا ببلوغه وإشكاله لم يجزله ترك الصلاة
والصوم لذلك الدم لجواز أنه رجل ولا يمس المصحف ولا يقرأ في غير الصلاة: فإذا انقطع الدم
اغتسل لجواز كونه امرأة: ولو أمنى من الذكر اغتسل ولا يمس المصحف ولا يقرأ حتى يغتسل
هكذا نقل البغوي هذه المسائل عن ابن سريج ثم قال والقياس أنه لا يجب الغسل بانقطاع الدم
ولا يمنع المصحف والقرآن كما لا يترك الصلاة لذلك الدم: فان أمنى معه وجب كما لا يجب
الوضوء بمس أحد فرجيه ويجب لهما جميعا قال وما ذكره ابن سريج احتياط: (قلت) وقطع القاضي
أبو الفتوح بأنه لا يجب الغسل بخروج الدم من الفرجين وان استمر يوما وليلة لاحتمال أنه رجل
وهذا دم فساد بخلاف المني من الفرجين لأنه لا يكون فاسدا: وبول الخنثى الذي لم يأكل شيئا
كالأنثى فلا يكفي نضحه على المذهب: وله حكم المرأة في الأذان والإقامة: ولو صلى مكشوف
الرأس صحت صلاته هكذا أطلقه البغوي وكثيرون: وقال أبو الفتوح يجب عليه ستر جميع عورة
المرأة فان كشف بعضها مما سوى عورة الرجل أمرناه بستره فإن لم يفعل وصلى كذلك لم تلزمه
الإعادة للشك: وذكر في وجوب الإعادة وجهين ولا يجهر بالقراءة في الصلاة كالمرأة ولا
يجافي مرفقيه عن جنبيه في الركوع والسجود كالمرأة وقال أبو الفتوح لا نأمره بالمجافاة

(1) قوله لزمهما الوضوء فيه نظر فان المولج في فرجه لا ينتقض وضوءه لاحتمال انهما رجلان الا إذا قلنا المنفتح تحت المعدة مع انفتاح الأصلي ينقض الخارج منه اه‍ أذرعي
51

ولا بتركها بل يفعل أيهما شاء والمختار ما قدمناه وإذا نابه شئ في صلاته صفق كالمرأة
ولا يؤم رجلا ولا خنثى فان أم نساء وقف قدامهن ولا جمعة عليه بالاتفاق لكن يستحب:
قال أبو الفتوح فلو صلى الظهر ثم بان رجلا وأمكنه ادراك الجمعة لزمه السعي إليها فإن لم
يفعل لزمه إعادة الظهر وهذا تفريع على الصحيح أن الرجل إذا صلي الظهر قبل فوات الجمعة
لا يجزئه: قال ولو صلى بهم الجمعة أو خطب أو كمل به العدد لزمهم الإعادة فإن لم يعيدوا حتى بان
رجلا قال ففي سقوط الإعادة وجهان الصحيح تجب الإعادة: ويحرم عليه لبس الحرير لأنه أبيح
للنساء للتزين للزوج: وإذا مات فإن كان له قريب من المحارم غسله وإلا فأوجه أصحه عند الخراسانيين
يغسله الأجانب من الرجال والنساء للضرورة واستصحابا لما كان في الصغر: والثاني يغسله أوثق
من هناك من الرجال أو النساء من فوق ثوب: قاله الماوردي: والثالث يشترى له جارية من
ماله وإلا فمن بيت المال تغسله ثم تباع وهذا ضعيف بالاتفاق: والرابع هو كرجل أو امرأة لم يحضرهما
إلا أجنبية أو أجنبي وفيه وجهان: أحدهما ييمم: والثاني يغسل من فوق ثوب وهذا الرابع
اختاره ابن الصباغ والمتولي والشاشي وغيرهم: ويستحب تكفينه في خمسة أثواب كالمرأة: وإذا
مات محرما قال البغوي لا يخمر رأسه ولا وجهه وهذا إن أراد به انه يستحب فهو حسن احتياطا
لأنه إن كان رجلا وجب كشف رأسه وإن كان امرأة وجب كشف الوجه فالاحتياط كشفهما
وان أراد وجوب ذلك فهو مشكل وينبغي أن يكفي كشف أحدهما: ويقف الامام في الصلاة
عليه عند عجيزته كالمرأة: ولو حضر جنائز قدم الامام الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة: ولو
صلى الخنثى على الميت فله حكم المرأة ولا يسقط به الفرض على أصح الوجهين: ويتولى حمل الميت
ودفنه الرجال فان فقدوا فالخناثى ثم النساء وحيث أوجبنا في الزكاة أنثى لم تجزئ الخنثى وحيث
أوجبنا الذكر أجزأ الخنثى على الصحيح وفيه وجه لقبح صورته ويعد ناقصا: ولا يباح له
حلي النساء وكذا لا يباح له أيضا حلي الرجال للشك في اباحته ذكره القاضي أبو الفتوح: ولو كان
صائما فباشر بشهوة فأمنى بأحد فرجيه أو رأى الدم يوما وليلة لم يفطر وان اجتمعا أفطر: وليس
له الاعتكاف في مسجد بيته وان جوزناه للمرأة وفيه احتمال لأبي الفتوح قال ولا يبطل اعتكافه
بخروج الدم من فرجه ولا يخرج من المسجد إلا أن يخاف تلويثه: ولو أولج في دبره بطل اعتكافه
52

ولو أولج في قبله أو أولج هو في رجل أو امرأة أو خنثى ففي بطلان اعتكافه قولان كالمباشرة
بغير جماع قال أبو الفتوح ولا يلزمه الحج الا إذا كان له محرم من الرجال أو النساء كأخيه وأخواته
يخرجون معه ولا اثر لنسوة ثقات أجنبيات فإنه لا تجوز الخلوة بهن: قال أصحابنا وإذا أحرم فستر
رأسه أو وجهه فلا فدية فان سترهما وجبت وان لبس المخيط وستر وجهه وجبت: وان لبسه وستر
رأسه فلا لاحتمال انه امرأة: ويستحب ترك المخيط فان لبسه استحبت الفدية: ولا يرفع صوته بالتلبية
ولا يرمل ولا يضطبع ولا يحلق بل يقصر ويمشي في كل المسعى ولا يسعى كالمرأة: ويستحب له
ان يطوف ويسعى ليلا كالمرأة لأنه استر فان طاف نهارا طاف متباعدا عن الرجال والنساء: وله
حكم المرأة في الذبح فالرجل أولى منه: قال البغوي ولو أولج البائع أو المشترى في زمن الخيار أو
الراهن أو المرتهن في فرج الخنثى فليس له حكم الوطئ في الفسخ والإجازة وغيره: قال فان اختار
الأنوثة بعده تعلق بالوطئ السابق الحكم: ولو اشترى خنثى قد وضح وبان رجلا فوجده يبول
بفرجيه فهو عيب لان ذلك لاسترخاء المثانة وإن كان يبول بفرج الرجال فليس بعيب: وإذا
وكل في قبول نكاح أو طلاق فلم أر فيه نقلا وينبغي أن يكون كالمرأة للشك في أهليته
(1) فلو أولج فيه غاصب قهرا فلا مهر كما سبق: ولا يدخل في الوقف على البنين ولا على
البنات ويدخل في الوقف عليهما على الصحيح وفيه وجه: ويدخل في الوقف على الأولاد وليس
لمن وهب لأولاده وفيهم خنثى أن يجعله كابن فلا يفضل الابن عليه وجها واحدا: وإن كان
يفضل الابن علي البنت على وجه ضعيف: ولو أوصى بعتق أحد رقيقيه دخل فيه الخنثى على
الصحيح وفيه وجه ويورث اليقين هو ومن معه ويوقف ما يشك فيه: ولو قال له سيده ان كنت
ذكرا فأنت حر قال البغوي ان اختار الذكورة عتق أو الأنوثة فلا: وان مات قبل الاختيار
فكسبه لسيده لان الأصل رقه وقيل يقرع فان خرج سهم الحرية فهو موروث وان خرج سهم الرق
فهو لسيده ويحرم على الرجال والنساء النظر إليه إذا كان في سن يحرم النظر فيه إلى الواضح
ولا تثبت له ولاية النكاح ولا ينعقد بشهادته ولا بعبارته ولو ثار له لبن لم تثبت به أنوثته على المذهب
فلو رضع منه صغير يوقف في التحريم فان بان أنثى حرم لبنه وإلا فلا: وأما حضانته وكفالته بعد
البلوغ فلم أر فيه نقلا وينبغي أن يكون كالبنت البكر حتى يجيئ في جواز استقلاله وانفراد عن

(1) قلت صرح أبو الحسن السلمي من أئمتنا في كتابه في الخناثى انه لا يجوز التوكيل في عقد النكاح قال وفي توكيله في الطلاق وجهان بناء على توكيل المرأة فيه أن صححت توكيلها صح توكيلها وإلا فلا انتهى فقد وافق فقه الشيخ المنقول ولله الحمد اه‍ أذرعي
53

الأبوين إذا شاء وجهان وديته دية امرأة فان ادعى وارثه انه كان رجلا صدق الجاني بيمينه ولا
يتحمل الدية مع العاقلة: ولا يقتل في القتال إذا كان حربيا إلا إذا قاتل كالمرأة وإذا أسرناه لم يقتل
الا إذا اختار الذكورة ولا يسهم له في الغنيمة ويرضخ له كالمرأة: ولا تؤخذ منه جزية فان اختار
الذكورة بعد مضي سنة اخذت منه جزية ما مضى ولا يكون اماما ولا قاضيا ولا يثبت بشهادته
الا ما يثبت بامرأة وشهادة خنثيين كرجل: فهذه أطراف من مسائل الخنثى نقحتها ولخصتها مختصرة
وستأتي إن شاء الله تعالى مبسوطة بأدلتها وفروعها في مواطنها وقل أن تراها في غير هذا الموضع
هكذا: والله أعلم قال المصنف رحمه الله
[وما سوى هذه الأشياء الخمسة لا ينقض الوضوء كدم الفصد والحجامة والقئ لما روى
أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه]
[الشرح] أما حديث أنس هذا فرواه الدارقطني والبيهقي وغيرهما وضعفوه ويغنى
عنه ما سنذكره إن شاء الله تعالى * ومذهبنا انه لا ينتقض الوضوء بخروج شئ من غير
السبيلين كدم الفصد والحجامة والقئ والرعاف سواء قل ذلك أو كثر وبهذا قال ابن عمر وابن
عباس وابن أبي أوفى وجابر وأبو هريرة وعائشة وابن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر والقاسم
ابن محمد وطاوس وعطاء ومكحول وربيعة ومالك وأبو ثور وداود قال البغوي وهو قول
أكثر الصحابة والتابعين * وقالت طائفة يجب الوضوء بكل ذلك وهو مذهب أبي حنيفة والثوري
والأوزاعي وأحمد وإسحاق قال الخطابي وهو قول أكثر الفقهاء وحكاه غيره عن عمر بن الخطاب
وعلي رضي الله عنهما وعن عطاء وابن سيرين وابن أبي ليلى وزفر: ثم اختلف هؤلاء في الفرق بين القليل
والكثير * واحتجوا بما روى عن معدان ابن طلحة عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم (قاء فأفطر) قال معدان
فلقيت ثوبان فذكرت ذلك له فقال أنا صببت له وضوءه * وعن إسماعيل بن عياش عن ابن
جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا قاء أحدكم في صلاته
أو قلس أو رعف فليتوضأ ثم ليبن علي ما مضي ما لم يتكلم) وبما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال
للمستحاضة (إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فتوضئي لكل صلاة) فعلل وجوب الوضوء بأنه دم
عرق وكل الدماء كذلك * وعن يزيد بن خالد عن يزيد بن محمد عن عمر بن عبد العزيز عن تميم
54

الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم (الوضوء من كل دم سائل) وعن سلمان قال رآني النبي صلى الله عليه
وسلم وقد سال من أنفى دم فقال (أحدث لذلك وضوءا) وعن ابن عباس كان النبي
صلى الله عليه وسلم (إذا رعف في صلاته توضأ ثم بنى على ما بقي من صلاته) ولأنه نجس خرج
إلى محل يلحقه حكم التطهير فنقض كالبول * واحتج أصحابنا بحديث أنس المذكور في الكتاب
لكنه ضعيف كما سبق وأجود منه حديث جابر (أن رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم حرسا المسلمين ليلة في غزوة ذات الرقاع فقام أحدهما يصلى فجاء رجل من الكفار فرماه
بسهم فوضعه فيه فنزعه ثم رماه بآخر ثم بثالث ثم ركع وسجد ودماؤه تجري) رواه أبو داود في
سننه باسناد حسن واحتج به أبو داود وموضع الدلالة انه خرج دماء كثيرة واستمر في الصلاة
ولو نقض الدم لما جاز بعده الركوع والسجود واتمام الصلاة وعلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولم
ينكره وهذا محمول على أن تلك الدماء لم يكن يمس ثيابه منها الا قليل يعفى عن مثله هكذا قاله
أصحابنا ولا بد منه * وأنكر الخطابي على من يستدل بهذا الحديث مع سيلان الدماء على ثيابه
وبدنه ويجاب عنه بما ذكرنا * واحتجوا أيضا بما رواه البيهقي عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضي الله
عنهم في ترك الوضوء من ذلك ولان مالا يبطل قليله لا يبطل كثيره كالجشاء وهذا قياس الشافعي
وأحسن ما اعتقده في المسألة أن الأصل أن لأنقض حتى يثبت بالشرع ولم يثبت والقياس ممتنع
في هذا الباب لأن علة النقض غير معقولة * وأما الجواب عن احتجاجهم بحديث أبي الدرداء فمن
أوجه أحسنها انه ضعيف مضطرب قاله البيهقي وغيره من الحفاظ * والثاني لو صح لحمل على
ما تغسل به النجاسة وهذا جواب البيهقي وغيره * والثالث أنه يحتمل الوضوء لا بسبب القئ
فليس فيه أنه توضأ من القئ والجواب عن حديث ابن جريج من أوجه أحسنها أنه ضعيف
باتفاق الحفاظ وضعفه من وجهين أحدهما أن رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج وابن جريج
حجازي ورواية إسماعيل عن أهل الحجاز ضعيفة عند أهل الحديث والثاني أنه مرسل قال
الحفاظ المحفوظ في هذا انه عن ابن جريج عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ممن قال ذلك
الشافعي وأحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى الذهلي وعبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه وأبو زرعة
وأبو أحمد ابن عدي والدارقطني والبيهقي وغيرهم وقد بين الدارقطني والبيهقي ذلك أحسن بيان
55

والجواب الثاني لو صح لحمل على غسل النجاسة كما سبق وبه أجاب الشافعي والأصحاب وغيرهم
والثالث أنه محمول على الاستحباب والجواب عن حديث المستحاضة من وجهين أحدهما انه ضعيف
غير معروف وحديث المستحاضة مشهور في الصحيحين بغير هذه الزيادة وهي ذكر الوضوء
فهي زيادة باطلة: والثاني لو صح لكان معناه إعلامها ان هذا الدم ليس حيضا بل هو موجب
للوضوء لخروجه من محل الحدث ولم يرد أن خروج الدم من حيث كان يوجب الوضوء ومن
العجب تمسكهم بهذا الحديث الضعيف الذي لو صح لم يكن فيه دلالة وقد قال امام الحرمين في
الأساليب ان هذا الحديث مما يعتمدونه وهذا أشد تعجبا: واما حديث تميم الداري فجوابه من
أوجه أحدها انه ضعيف وضعفه من وجهين أحدهما ان يزيد ويزيد الراويين مجهولان والثاني انه
مرسل أو منقطع فان عمر بن عبد العزيز لم يسمع تميما: الجواب الثاني والثالث لو صح حمل على غسل
النجاسة أو الاستحباب: والجواب عن حديثي سلمان وابن عباس من الأوجه الثلاثة: واما قياسهم
فرده أصحابنا وقالوا الحدث المجمع عليه غير معقول المعني ولا يصح القياس لعدم معرفة العلة قال
أبو بكر بن المنذر لا وضوء في شئ من ذلك لأني لا أعلم مع من أوجب الوضوء فيه حجة
هذا كلام ابن المنذر الذي لاشك في إتقانه وتحقيقه وكثرة اطلاعه على السنة ومعرفته بالدلائل
الصحيحة وعدم تعصبه والله أعلم * واما قول المصنف لا ينتقض الوضوء بشئ سوى هذه الخمسة فهو
كقوله في أول الباب الذي ينقضه خمسة وقد قدمنا في أول الباب انه ترك ثلاثة: انقطاع الحدث
الدائم ونزع الخف والردة على خلاف فيهما * قال المنصف رحمه الله *
[وكذلك اكل شئ من اللحم لا ينقض الوضوء وحكي ابن القاص قولا آخر
ان اكل لحم الجزور ينقض الوضوء وليس بمشهور والدليل على أنه لا ينقض الوضوء ما روى
جابر رضي الله عنه (قال كان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء
مما غيرت النار) ولأنه إذا لم ينتقض الوضوء بأكل لحم الخنزير وهو حرام فلان لم
ينتقض بغيره أولى] *
56

[الشرح] حديث جابر صحيح رواه أبو داود والنسائي وغيرهم بأسانيد صحيحة * ومذهبنا انه لا
ينتقض الوضوء بشئ من المأكولات سواء ما مسته النار وغيره غير لحم الجزور وفى لحم الجزور
بفتح الجيم وهو لحم الإبل قولان الجديد المشهور لا ينتقض وهو الصحيح عند الأصحاب والقديم
أنه ينتقض وهو ضعيف عند الأصحاب ولكنه هو القوى أو الصحيح من حيث الدليل وهو الذي
أعتقد رجحانه وقد أشار البيهقي إلى ترجيحه واختياره والذب عنه وستري دليله إن شاء الله تعالى
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة مذاهب أحدها لا يجب الوضوء بأكل شئ سواء ما
مسته النار ولحم الإبل وغير ذلك وبه قال جمهور العلماء وهو محكي عن أبي بكر الصديق وعمر
وعثمان وعلى وابن مسعود وأبي بن كعب وأبي طلحة وأبي الدرداء وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبى امامة
رضي الله عنهم وبه قال جمهور التابعين ومالك وأبو حنيفة * وقالت طائفة يجب مما مسته النار وهو
قول عمر بن عبد العزيز والحسن والزهري وأبي قلابة وأبي مجاز وحكاه ابن المنذر عن جماعة من
الصحابة ابن عمرو أبي طلحة وأبي موسى وزيد بن ثابت وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم * وقالت
طائفة يجب من اكل لحم الجزور خاصة وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن
يحيى وحكاه الماوردي عن جماعة من الصحابة زيد بن ثابت وابن عمر وأبي موسى وأبي طلحة وأبي
هريرة وعائشة وحكاه ابن المنذر عن جابر بن سمرة الصحابي ومحمد بن إسحاق وأبي ثور وأبي
خيثمة واختاره من أصحابنا أبو بكر بن خزيمة وابن المنذر وأشار إليه البيهقي كما سبق * واحتج من أوجبه مما
مست النار بأحاديث صحيحة منها حديث زيد بن ثابت وأبي هريرة وعائشة عن النبي صلى الله
عليه وسلم (توضؤا مما مست النار) رواها كلها مسلم في صحيحه وفى المسألة عن أبي طلحة وأبي موسى
وأبي سعيد وأم حبيبة وأم سلمة وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم * واحتج أصحابنا بالأحاديث
الصحيحة منها حديث بن عباس (ان النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ) رواه البخاري ومسلم
وعن عمرو بن أمية الضمري قال (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة يأكل منها ثم صلي
ولم يتوضأ) رواه البخاري ومسلم من طرق وعن ميمونة ان النبي صلى الله عليه وسلم (اكل عندها
57

كتفا ثم صلى ولم يتوضأ) رواه مسلم وعن أبي رافع قال (أشهد لكنت أشوى لرسول الله صلى الله
عليه وسلم بطن الشاة ثم صلي ولم يتوضأ) رواه مسلم وعن جابر وعائشة وأم سلمة مثله عن البني
صلى الله عليه وسلم قال البيهقي وغيره وفي الباب عن عثمان وابن مسعود وسويد بن النعمان ومحمد
ابن مسلمة وعبد الله بن عمرو بن العاص والمغيرة وأبي هريرة و عبد الله بن الحرث ورافع بن خديج
وغيرهم * واحتج الأصحاب أيضا بحديث جابر المذكور في الكتاب واعترض عليه جماعة ممن نفي القول
بايجاب الوضوء فقالوا لا دلالة فيه لأنه مختصر من حديث طويل رواه أبو داود وغيره عن جابر
قال (ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى امرأة من الأنصار فقربت شاة مصلية
(أي مشوية) فأكل وأكلنا فحانت الظهر فتوضأ ثم صلى ثم رجع إلى فضل طعامه فأكل ثم حانت صلاة
العصر فصلى ولم يتوضأ) قالوا فقوله آخر الامرين يريد هذه القضية وان الصلاة الثانية هي آخر
الامرين يعني آخر الامرين من الصلاتين لا مطلقا: وممن قال هذا التأويل أبو داود السجستاني قالوا
والأحاديث الواردة بالأمر بالوضوء متأخرة على حديث جابر وناسخة له: وممن قال هذا الزهري
وغيره فعندهم أن أحاديث ترك الوضوء منسوخة بأحاديث الامر به وهذا الذي قالوه ليس كما
زعموه فأما تأويلهم حديث جابر فهو خلاف الظاهر بغير دليل فلا يقبل وهذه الرواية المذكورة
لا تخالف كونه آخر الامرين فلعل هذه القضية هي آخر الامر واستمر العمل بعدها على ترك الوضوء
ويجوز أيضا أن يكون ترك الوضوء قبلها فإنه ليس فيها أن الوضوء كان لسبب الأكل: وأما دعواهم
نسخ أحاديث ترك الوضوء فهي دعوى بلا دليل فلا تقبل وروى البيهقي عن الامام الحافظ
عثمان بن سعيد الدارمي شيخ مسلم قال اختلف في الأول والآخر من هذه الأحاديث فلم يقف على
الناسخ منها ببيان يحكم به فأخذنا باجماع الخلفاء الراشدين والاعلام من الصحابة رضي الله عنهم
في الرخصة في ترك الوضوء مع أحاديث الرخصة: والجواب عن أحاديثهم أنها منسوخة هكذا
أجاب الشافعي وأصحابه وغيرهم من العلماء ومنهم من حمل الوضوء فيها على المضمضة وهو ضعيف *
واحتج القائلون بوجوب الوضوء بأكل لحم الجزور بحديث جابر بن سمرة أن رجلا سأل رسول
58

الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الغنم: قال (إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال
أتوضأ من لحوم الإبل قال نعم فتوضأ من لحوم الإبل) رواه مسلم من طرق وعن البراء سئل
النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل (فأمر به) قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن
راهويه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان حديث جابر والبراء وقال امام الأئمة
محمد بن إسحاق بن خزيمة لم نر خلافا بين علماء الحديث في صحة هذا الحديث وانتصر البيهقي
لهذا المذهب فقال بعد أن ذكر ما ذكرناه وأما ما روى عن علي وابن عباس رضي الله عنهم
(الوضوء مما خرج وليس مما دخل) فمرادهما ترك الوضوء مما مست النار قال وأما ما روى عن أبي
جعفر عن ابن مسعود (أنه أتي بقصعة من لحم الجزور من الكبد والسنام فأكل ولم يتوضأ)
فهو منقطع وموقوف قال وبمثل هذا لا يترك ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * واحتج
أصحابنا بأشياء ضعيفة في مقابلة هذين الحديثين فتركتها لضعفها والمعتمد للمذهب حديث جابر
المذكور كان آخر الأمرين ولكن لا يرد عليهم لأنهم يقولون ينتقض بأكله نيئا وأصحابنا يقولون
هو محمول على أكله مطبوخا لأنه الغالب المعهود: وأجاب الأصحاب عن حديث جابر بن سمرة
والبراء بجوابين أحدهما ان النسخ بحديث جابر كان آخر الامرين والثاني حمل الوضوء على غسل
اليد والمضمضة قالوا وخصت الإبل بذلك لزيادة سهوكة لحمها وقد نهى أن يبيت وفى يده أو فمه
دسم خوفا من عقرب ونحوها وهذان الجوابان اللذان أجاب بهما أصحابنا ضعيفان اما حمل الوضوء
على اللغوي فضعيف لان الحمل على الوضوء الشرعي مقدم على اللغوي كما هو معروف في كتب
الأصول وأما النسخ فضعيف أو باطل لان حديث ترك الوضوء مما مست النار عام وحديث الوضوء
59

من لحم الإبل خاص والخاص يقدم على العام سواء وقع قبله أو بعده وأقرب ما يستروح إليه قول
الخلفاء الراشدين وجماهير الصحابة والله أعلم *
(فرع) لا فرق عند احمد بين أكل لحم الإبل مطبوخا ونيئا ومشويا ففي كله الوضوء وكذا
قولنا القديم ولأحمد رواية أنه يجب الوضوء من شرب لبن الإبل ولا أعلم أحدا وافقه عليها * ومذهبنا
ومذهب العلماء كافة لا وضوء من لبنها: واحتج أصحاب احمد بحديث عن أسيد بن حضير بضم
أولهما والحاء مهملة والضاد معجمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا توضؤا من
ألبان الغنم وتوضأوا من ألبان الإبل) رواه ابن ماجة باسناد ضعيف فلا حجة فيه ودليلنا ان الأصل
الطهارة ولم يثبت ناقض واختلف أصحاب احمد في اكل كبد الجزور وطحاله وسنامه ودهنه ومرقه
وعندنا وعند الجمهور لا ينقض لما سبق في اللبن وأما قول الغزالي رحمه الله في الوسيط لا وضوء
مما مسته النار خلافا لأحمد فمما أنكروه عليه لان احمد لا ينقض بما مست النار وإنما ينقض بالجزور
خاصة والله أعلم * قال المنصف رحمه الله *
[وكذلك لا ينتقض الطهر بقهقهة المصلى لما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال (الضحك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء]
[الشرح] حديث جابر هذا روى مرفوعا وموقوفا على جابر ورفعه ضعيف قال البيهقي
وغيره الصحيح انه موقوف على جابر وذكره البخاري في صحيحه عن جابر موقوفا عليه ذكره
تعليقا والضحك معروف وهو بفتح الضاد وكسر الحاء هذا أصله ويجوز إسكان الحاء مع فتح
الضاد وكسرها ويجوز كسرهما فهي أربعة أوجه * واختلف العلماء في الضحك في الصلاة إن كان
بقهقهة فمذهبنا ومذهب جمهور العلماء انه لا ينقض وبه قال ابن مسعود وجابر وأبو موسى الأشعري
وهو قول جمهور التابعين فمن بعدهم وروى البيهقي عن أبي الزناد قال أدركت من فقهائنا الذين
ينتهي إلى قولهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبا بكر بن عبد الرحمن
وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عقبة وسليمان بن يسار ومشيخه جلة سواهم
60

يقولون الضحك في الصلاة ينقضها ولا ينقض الوضوء قال البيهقي وروينا نحوه عن عطاء والشعبي
والزهري وحكاه أصحابنا عن مكحول ومالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود * وقال الحسن
البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبو حنيفة ينقض الوضوء وعن الأوزاعي روايتان وأجمعوا
أن الضحك إذا لم يكن فيه قهقهة لا يبطل الوضوء وعلى أن القهقهة خارج الصلاة لا تنقض
الوضوء * واحتج للقائلين بالنقض في الصلاة بما روى عن أبي العالية والحسن البصري ومعبد الجهني
وإبراهيم النخعي والزهري أن رجلا أعمى جاء والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فتردى في بئر
فضحك طوائف من الصحابة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة
وعن عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم (الضحك في الصلاة قرقرة يبطل الصلاة
والوضوء) ولأنها عبادة يبطلها الحدث فأبطلها الضحك كالصلاة * واحتج أصحابنا بحديث جابر
المذكور في الكتاب وقد بيناه وبأن الضحك لو كان ناقضا لنقض في الصلاة وغيرها كالحدث
ولأنها صلاة شرعية فلم ينقض الضحك فيها الوضوء كصلاة الجنازة فقد وافقوا عليها وذكر
الأصحاب أقيسة كثيرة ومعاني والمعتمد أن الطهارة صحيحة ونواقض الوضوء محصورة فمن ادعى
زيادة فليثبتها ولم يثبت في النقض بالضحك شئ أصلا: وأما ما نقلوه عن أبي العالية ورفقته وعن
عمران وغير ذلك مما رووه فكلها ضعيفة واهية باتفاق أهل الحديث قالوا ولم يصح في هذه المسألة
حديث وقد بين البيهقي وغيره وجوه ضعفها بيانا شافيا فلا حاجة إلى الإطالة بتفصيله مع الاتفاق
على ضعفها وأما قياسهم فلا يصح لان الاحداث لا تثبت قياسا لأنها غير معقولة العلة كما سبق
ولو صح لكان منتقضا بغسل الجنابة فإنه يبطله خروج المنى ولا يبطله الضحك في الصلاة بالاجماع
قال ابن المنذر بعد أن ذكر اختلاف العلماء فيه وبقول من قال لا وضوء نقول لأنا لا نعلم لمن أوجب
الوضوء حجة قال والقذف في الصلاة عند من خالفنا لا يوجب الوضوء فالضحك أولى والله أعلم
(فرع) قدمنا في أول الباب أن الردة لانتقض الوضوء عندنا على الصحيح وبه قال جمهور
العلماء وقال الأوزاعي واحمد وأبو ثور وأبو داود تنقض * واحتجوا بقوله تعالى (ومن يكفر بالايمان
فقد حبط عمله) ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم (لا وضوء الا من صوت أو ريح) وهو حديث
صحيح سبق بيانه أول الباب والجواب عن الآية الكريمة أن المراد بالاحباط من مات على الردة
61

كما قال سبحانه وتعالى (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم)
* قال المصنف رحمه الله *
[والمستحب ان يتوضأ من الضحك في الصلاة ومن الكلام القبيح لما روى عن عبد الله
ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال (لان أتوضأ من الكلمة الخبيثة أحب إلى من أن أتوضأ من
الطعام الطيب) وقالت عائشة رضي الله عنها يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب ولا يتوضأ من
الكلمة العوراء وقال ابن عباس رضي الله عنهما الحدث حدثان حدث اللسان وحدث الفرج
وأشدهما حدث اللسان] *
[الشرح] الأثر المذكور عن ابن عباس مشهور ورآه البخاري في كتاب الضعفاء وأشار
إلى تضعيفه وقول عائشة الكلمة العوراء أي القبيحة قال الهروي قال ابن الأعرابي تقول العرب
للردئ من الأمور والأخلاق أعور والأنثى عوراء ثم إن المصنف حمل هذه الآثار على الوضوء
الشرعي الذي هو غسل الأعضاء المعروفة وكذا حملها ابن المنذر وجماعة من أصحابنا وقال ابن
الصباغ الأشبه انهم أرادوا غسل الفم وكذا حملها المتولي على غسل الفم وحكى الشاشي في المعتمد
كلام ابن الصباغ ثم قال وهذا بعيد بل ظاهر كلام الشافعي أنه أراد الوضوء الشرعي قال والمعني
يدل عليه لان غسل الفم لا يؤثر فيما جرى من الكلام وإنما يؤثر فيه الوضوء الشرعي والغرض
منه تكفير الخطايا كما ثبت في الأحاديث فحصل ان الصحيح أو الصواب (1) استحباب الوضوء
الشرعي من الكلام القبيح كالغيبة والنميمة والكذب والقذف وقول الزور والفحش وأشباهها
ولا خلاف في استحبابه إذا ضحك في الصلاة ولا يجب شئ من ذلك قال ابن المنذر في كتابيه
الاشراف والاجماع وابن الصباغ أجمع العلماء على أنه لا يجب الوضوء من الكلام القبيح كالغيبة
والقذف وقول الزور وغيرها ونقل الروياني عن الشيعة إيجاب الوضوء من ذلك والشيعة لا يعتد
بخلافهم واحتج الشافعي ثم ابن المنذر ثم البيهقي وأصحابنا في المسألة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من قال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله الا الله ومن
قال لغيره تعال أقامرك فليتصدق رواه البخاري ومسلم *
(فرع) قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله وما أوجب الطهارة فلا فرق فيه بين ما وجد منه

(1) هذا الذي صححه شيخنا رحمه الله هو الحق إن شاء الله تعالى ولعل الذي دعاهم إلى حمل الوضوء على غسل الفم الوضوء من الطعام الطيب فأقول يحتمل ان المراد بالطعام الطيب ما يؤول إليه وفي الأثر عن ابن عباس ما يؤيده اه‍ أذرعي
62

بتعمده واختياره وما وجد بغير تعمد واختيار كالساهي والمكره على الحدث ومن سبقه الحدث
ودليله الكتاب والسنة قال الله تعالى (وان كنتم جنبا فاطهروا) والجنابة تكون باحتلام وغيره
والاحتلام بغير قصد واختيار وأمر النبي صلى الله عليه وسلم في المذي بالوضوء وهو يخرج بلا
قصد وقد سبق في اللمس والمس ساعيا وجه شاذ ضعيف انهما لا ينقضان *
(فرع) قال أبو العباس بن القاص في التلخيص لا يبطل شئ من العبادات بعد انقضاء
فعلها الا الطهارة إذا تمت ثم أحدث فتبطل قال القفال في شرح التلخيص قال غير أبي العباس
لا نقول بطلت الطهارة بل نقول انتهت نهايتها فان أطلقنا لفظ بطلت فهو مجاز وذكر جماعة
غير القفال أيضا الخلاف واظهر قول من يقول انتهت ولا يقول بطلت الا مجازا كما يقال إذا
غربت الشمس انتهى الصوم ولا يقال بطل وإذا مضت مدة الإجارة يقال انتهت الإجارة لا بطلت
وقوله لا يبطل شئ من العبادات بعد انقضائها يستثنى منه الردة المتصلة بالموت فإنها تحبط العبادات
بالنص والاجماع والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى على يقين الطهارة لأن الطهارة يقين فلا يزال ذلك بالشك
وان تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على يقين الحدث لان الحدث يقين فلا يزال بالشك
وان تيقن الطهارة والحدث وشك في السابق منهما نظرت فإن كان قبلهما طهارة فهو الآن محدث
لأنه تيقن أن الطهارة قبلهما ورد عليها حدث فأزالها وهو يشك هل ارتفع هذا الحدث بطهارة
بعده أم لا فلا يزال يقين الحدث بالشك وإن كان قبلهما حدث فهو الآن متطهر لأنه تيقن أن
الحدث قبلهما ورد عليه طهارة فأزالته وهو يشك هل ارتفعت هذه الطهارة بحدث بعدها
أم لا فلا يزال يقين الطهارة بالشك وهذا كما نقول في رجل أقام بينة بدين وأقام المدعي عليه
بينة بالبراءة فانا نقدم بينة البراءة لأنا تيقنا أن البراءة وردت على دين واجب فأزالته ونحن
نشك هل اشتغلت ذمته بعد البراءة بدين بعدها فلا يزال يقين البراءة بالشك] *
(الشرح) في الفصل ثلاث مسائل إحداها إذا تيقن الحدث وشك هل تطهر أم لا
فيلزمه الوضوء بالاجماع ودليله مع الاجماع ما ذكره المصنف (الثانية) تيقن الطهارة وشك
63

في الحدث بنى على يقين الطهارة ولا يلزمه الوضوء سواء حصل الشك وهو في صلاة أو غيرها
هذا مذهبنا وبه قال جمهور العلماء * وحكي أصحابنا عن الحسن البصري انه ان شك
وهو في صلاة فلا وضوء عليه وإن كان في غيرها لزمه الوضوء وحكي المتولي والرافعي
وجها لأصحابنا مثله وعن مالك ثلاث روايات إحداها مثله والثانية يلزمه الوضوء بكل حال
والثالثة يستحب * ودليل الجمهور ما ذكره المصنف مع قوله صلى الله عليه وسلم (لا ينصرف حتى
يسمع صوتا أو يجد ريحا) رواه البخاري ومسلم وسبق في أول الباب: قال أصحابنا وسواء في
الشك استوى الاحتمالان عنده أو ترجح أحدهما (1) فالحكم سواء وقد قدمت بيان هذه القاعدة في
باب الشك في نجاسة الماء: قال امام الحرمين اتفق الأصحاب على أن من تيقن الوضوء وغلب على
ظنه الحدث فله الاخذ بالوضوء قال وقد ذكرنا قولين للشافعي رحمه الله في أن ما يغلب على الظن
نجاسته هل يحكم بنجاسته قال وكان شيخي يقول الفرق بينهما ان الاجتهاد يتطرق إلى تمييز
الطاهر من النجس لان للنجاسة امارات بخلاف الحدث والطهارة قال الامام وعندي في هذا
فضل مباحثة فأقول تمييز الحيض من الاستحاضة والمني من غيره إنما هو بالصفات وهذا اجتهاد
فاطلاق القول بان الاجتهاد لا يتطرق إلى الاحداث غير سديد: ثم ذكر الامام لنفسه فرقا بعبارة
طويلة حاصله ان الأسباب التي تظن بها النجاسة كثيرة جدا وهي قليلة في الاحداث فلا مبالاة
بالنادر منها فتعين التمسك بحكم اليقين: قال أصحابنا وإذا تيقن الطهارة وشك في الحدث استحب
ان يتوضأ فان توضأ ودام الاشكال فوضوءه وصلاته صحيحان مجزيان وان بان كونه كان محدثا
ففي اجزائه وجهان سبقا في آخر نية الوضوء: (المسألة الثالثة) إذا علم أنه جرى منه بعد طلوع الشمس
طهارة وحدث لا يعلم أسبقهما ففيه أربعة أوجه: أحدها انه بضد ما كان قبل طلوع الشمس ودليله
ما ذكره المصنف وهذا الوجه هو قول أبي العباس بن القاص ذكره في باب المسح على الخف من
كتابه التلخيص وبه قطع المنصف هنا وفى التنبيه وهكذا قطع به جمهور المصنفين فعلى هذا لو لم
يعرف ما كان قبلهما لزمه الوضوء صرح به الدارمي والمتولي وغيرهما لأنهما تعارضا وما قبلهما
لا يعرف ولا بد من طهارة متيقنة أو مظنونة أو مستصحبة وليس هنا شئ فوجب الوضوء:
والوجه الثاني انه يتعارض الأمران ويسقطان ويكون حكمه ما كان قبلهما فإن كان قبل طلوع الشمس
متطهرا فهو الآن متطهر والا فمحدث وهذا الوجه حكاه جماعات من الخراسانيين وحكاه الدارمي

(1) هذا هو المشهور المعروف وقال الرافعي الا في طرف الطهارة فإنه لو ظنها بعد تيقن الحدث فله ان يصلى بها وهذا غريب بعيد اه‍ أذرعي
64

وغيره عن ابن المزربان قال الدارمي وغيره ورجع عنه ابن المزربان إلى قول ابن القاص حين
بلغه وهذا الوجه غلط لاشك فيه لأنا علمنا بطلان ما قبلهما قطعا فكيف نحكم ببقائه ونعمل
بمقتضاه: والوجه الثالث يعمل بما يظنه فان تساويا فمحدث وهذا الوجه اختاره الدارمي في
الاستذكار: والوجه الرابع يلزمه الوضوء بكل حال وهذا هو الأظهر المختار (1) حكاه
القاضي أبو الطيب في تعليقه وابن الصباغ والمتولي والروياني والشاشي وآخرون قال القاضي أبو الطيب
هو قول عامة أصحابنا وأشار ابن الصباغ إلى ترجيحه واختاره الدارمي في كتابه الاستذكار وغيره
ورجحه غيره ودليله أن الطهارة والحدث بعد طلوع الشمس تعارضا فليس أحدهما أولى من الآخر
وما قبلهما تحققنا بطلانه ولا بد من طهارة معلومة أو مظنونة أو مستصحبة فوجب الوضوء ثم إن
الجمهور أطلقوا المسألة وقال المتولي والرافعي صورتهما فيمن عادته تجديد الوضوء فأما من لم يعتده
فالظاهر أن طهارته تكون بعد الحدث فيكون الآن متطهرا وتباح له الصلاة والله أعلم * وأما قول
المصنف لا يزال اليقين بالشك فمعناه حكم اليقين وقد سبق بيان هذه العبارة في باب الشك في نجاسة
الماء: وقوله الآن هو الزمان الحاضر: وأما قياسه على مسألة البراءة من الدين فكذا قاسه أصحابنا
لكن صورها المتولي تصويرا حسنا مشابها لمسألة الحدث وقال استشهد أصحابنا فقالوا لو علمنا لزيد
على عمرو ألف درهم فأقام عمرو بينة بالأداء أو الابراء فأقام زيد بينة أن عمرا أقر له بألف درهم مطلقا
لم يثبت بهذه البينة شئ لاحتمال أن الألف الذي أقر به هي الألف الذي علمنا وجوبه وقامت البينة ببراءته
منه ولا تشغل ذمته بالاحتمال ولهذه المسألة فروع وتتمات سبق بيانها في آخر باب الشك في نجاسة
الماء والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[ومن أحدث حرمت عليه الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة بغير طهور)
ويحرم عليه الطواف لقوله صلى الله عليه وسلم (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام)
ويحرم عليه مس المصحف لقوله تعالى (لا يمسه الا المطهرون) ولما روى حكيم بن حزام رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تمس القرآن الا وأنت طاهر) ويحرم عليه حمله في كمه
لأنه إذا حرم مسه فلان يحرم حمله وهو في الهتك أبلغ أولى: ويجوز أن يتركه بين يديه ويتصفح
أوراقه بخشبة لأنه غير مباشر له ولا حامل له وهل يجوز للصبيان حمل الألواح وهم محدثون فيه
وجهان أحدهما لا يجوز كما لا يجوز لغيرهم: والثاني يجوز لان طهارتهم لا تنحفظ وحاجتهم إلى ذلك

(1) واختاره أيضا الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في مشكلات الوسيط وقرره تقريرا حسنا ومضف قول ابن القاص وصنف الدارمي في هذه المسألة تصنيفا مستقلا اختار فيه الرابع وقدره وهذا
هو الصحيح المختار (قلت) وحكاه في البحر عن اختيار الشيخ أبى حامد وجماعة ورأيت القاضي بن كج أجاب به مقتصرا عليه اه‍ من هامش الأذرعي
65

ماسة وان حمل رجل متاعا وفى جملته مصحف وهو محدث جاز لان القصد نقل المتاع فعفى عما
فيه من القرآن كما لو كتب كتابا إلى دار الشرك وفيه أيات من القرآن وان حمل كتابا من كتب
الفقه وفيه آيات من القرآن أو حمل الدراهم الأحدية أو الثياب التي طرزت بآيات من القرآن ففيه
وجهان أحدهما لا يجوز لأنه يحمل القرآن: والثاني يجوز لان القصد منه غير القرآن وإن كان على
موضع من بدنه نجاسة فمس المصحف بغيره جاز وقال القاضي أبو القاسم الصيمري رحمه الله لا يجوز
كما لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف بظهره وإن كانت الطهارة تجب في غيره وهذا لا يصح لان
حكم الحدث يتعدى وحكم النجاسة لا يتعدى محلها]
[الشرح] في هذا الفصل مسائل إحداها حديث (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) صحيح
رواه مسلم من رواية ابن عمر رضي الله عنهما وحديث (الطواف بالبيت صلاة الا ان الله أباح فيه
الكلام) رواه البيهقي وغيره من رواية ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم باسناد ضعيف
والصحيح عندهم أنه موقوف على ابن عباس وحديث (لا تمس القرآن الا وأنت طاهر) رواه
المصنف والشيخ أبو حامد عن حكيم بن حزام والمعروف في كتب الحديث والفقه أنه عن عمرو
ابن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي كتبه له لما وجهه إلى اليمن واسناده ضعيف
رواه مالك في الموطأ مرسلا ورواه البيهقي أيضا من رواية ابن عمر والله أعلم: (الثانية) في اللغات
والألفاظ والأسماء لا يقبل الله صلاة بغير طهور هو بضم الطاء ويجوز فتحها في لغة والمراد به فعل
الطهارة وفى المصحف ثلاث لغات ضم الميم وفتحها وكسرها تقدم بيانهن في نية الوضوء: قوله
فلان يحرم هو بفتح اللام وقد سبق بيانه في مواضع والدراهم الأحدية بفتح الهمزة والحاء وكسر
الدال وتشديد الياء هي المكتوب عليها (قل هو الله أحد)
وأما حكيم ابن حزام بالزاي
فهو أبو خالد حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى أسلم يوم الفتح وكان ولد في جوف
الكعبة ولم يصح أن غيره ولد في الكعبة وعاش مائة وعشرين سنة ستين في الجاهلية وستين في الاسلام (1)
وتوفى بالمدينة وأما الصيمري فهو بصاد مهملة مفتوحة ثم ياء ساكنة ثم ميم مفتوحة على المشهور وحكي ضمها
وقد بينته في تهذيب الأسماء وهو منسوب إلى قرية عند البصرة وقيل غير ذلك وهو أبو القاسم عبد
الواحد بن الحسين بن محمد كان من كبار أئمة أصحابنا حضر مجلس أبي حامد المرورذي وتفقه على
أبي الفياض وتفقه عليه أقضى القضاة الماوردي صاحب الحاوي وكان حافظ للمذهب حسن التصانيف

(1) قوله في الاسلام أي من حين فشى الاسلام وظهر لأنه أسلم عام الفتح وهو سنة ثمانية وتوفي في المدينة سنة أربع وخمسين هجرية اه‍ أذرعي
66

له مصنفات كثيرة في أنواع من العلوم منها الايضاح في المذهب نحو سبع مجلدات نفيس وقد بسطت
حاله في تهذيب الأسماء: (المسألة الثالثة) أجمع المسلمون على تحريم الصلاة على المحدث (1)
وأجمعوا على أنها لا تصح منه سواء إن كان عالما بحدثه أو جاهلا أو ناسيا لكنه ان صلى جاهلا
أو ناسيا فلا اثم عليه وإن كان عالما بالحدث وتحريم الصلاة مع الحدث فقد ارتكب معصية عظيمة
ولا يكفر عندنا بذلك إلا أن يستحله وقال أبو حنيفة يكفر لاستهزائه * دلينا أنه معصية
فأشبهت الزني وأشباهه هذا كله إذا لم يأت ببدل ولا اضطر إلى الصلاة محدثا * أما المستحاضة
وسلس البول وسائر من به حدث دائم ومن صلى بالتيمم ومن صلى الفرض بلا ماء ولا تراب
لعدمها أو أكره على الصلاة محدثا فلا شك في أنه لا اثم عليه في هذه المواضع في الصلاة وإن كان
محدثا: وحكم سجود التلاوة والشكر حكم الصلاة في ذلك وأما ما يفعله عوام الفقراء
وشبههم من سجودهم بين يدي المشايخ وربما كانوا محدثين فهو حرام باجماع المسلمين وسواء
في ذلك كان متطهرا أو غيره وسواء استقبل القبلة أم لا وقد يتخيل كثير منهم أن ذلك تواضع
وكسر للنفس وهذا خطأ فاحش وغباوة ظاهرة فكيف تكسر النفوس أو تتقرب إلى الله تعالى
بما حرمه وربما اغتر بعضهم بقوله تعالى (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا) والآية
منسوخة أو متأولة كما هو معروف في كتب العلماء وسئل الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله
عن هذا السجود الذي قدمناه فقال هو من عظائم الذنوب ونخشى أن يكون كفرا:
(المسألة الرابعة)
يحرم على المحدث الطواف بالكعبة فان طاف عصى ولم يصح: هذا مذهبنا وبه قال مالك وأحمد
في احدى الروايتين عنه وقال أبو حنيفة يصح بلا طهارة وفى تحريمه عنه روايتان دليلنا
الحديث المذكور وهو صحيح عن ابن عباس كما ذكرنا وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه
وسلم توضأ للطواف وقال (لتأخذوا عني مناسككم) وسواء الطواف في حج وعمرة وغيره
والله أعلم: (المسألة الخامسة) يحرم على المحدث مس المصحف وحمله سواء ان حمله بعلاقته أو في كمه
أو على رأسه وحكى القاضي حسين والمتولي وجها أنه يجوز حمله بعلاقته وهو شاذ في المذهب
وضعيف قال أصحابنا وسواء مس نفس الأسطر أو ما بينهما أو الحواشي أو الجلد فكل ذلك حرام
وفى مس الجلد وجه ضعيف أنه يجوز وحكى الدارمي وجها شاذا بعيدا أنه لا يحرم مس الجلد
ولا الحواشي ولا ما بين الأسطر ولا يحرم الأنفس المكتوب والصحيح الذي قطع به الجمهور

(1) اي القارئ على غير الطهارة اه‍ أذرعي
67

تحريم الجميع وفى مس العلاقة والخريطة والصندوق إذا كان المصحف فيها وجهان مشهوران أصحهما
يحرم وبه قطع المتولي والبغوي لأنه متخذ للمصحف منسوب إليه كالجلد والثاني يجوز واختاره
الروياني في مس الصندوق أما حمل الصندوق وفيه المصحف فاتفقوا على تحريمه قال أبو محمد
الجويني في الفروق وكذا يحرم تحريكه من مكان إلى مكان وأما إذا تصفح أوراقه بعود ففيه
وجهان مشهوران في كتب الخراسانيين أصحهما وبه قطع المصنف وسائر العراقيين يجوز لأنه
غير مباشر له ولا حامل والثاني لا يجوز ورجحه الخراسانيون لأنه حمل الورقة وهي بعض المصحف
ولو لف كمه على يده وقلب الأوراق بها فهو حرام هكذا صرح به الجمهور منهم الماوردي والمحاملي
في المجموع وامام الحرمين والغزالي والروياني وغيرهم وفرقوا بينه وبين العود بأن الكم متصل
به وله حكم أجزائه في منع السجود عليه وغيره بخلاف العود قال امام الحرمين ولان التقليب يقع
باليد لا بالكم قال ومن ذكر فيه خلافا فهو غالط وشذ الدارمي عن الأصحاب فقال إن مسه
بخرقة أو بكمه فوجهان وان مسه بعود جاز: وأما إذا حمل المصحف في متاع فوجهان حكاهما
الماوردي والخراسانيون أصحهما وبه قطع المصنف والجمهور ونقله الماوردي والبغوي عن نص
الشافعي يجوز لأنه غير مقصود والثاني يحرم لأنه حامله حقيقة ولا أثر لكون غيره معه كما لو حمل
المصلي متاعا فيه نجاسة فان صلاته تبطل قال الماوردي وصورة المسألة أن يكون المتاع مقصودا
بالحمل فإن كان بخلافه لم يجز وإنما قاس المصنف على ما إذا كتب كتابا إلى دار الشرك فيه آيات
لان النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى دار الشرك كتابا فيه شئ من القرآن مع نهيه صلى الله عليه
وسلم عن المسافرة بالقرآن إلى دار الكفر فدل على أن الآيات في ضمن كتاب لا يكون لها حكم
المصحف والله أعلم: وأما إذا حمل كتاب فقه وفيه آيات من القرآن أو كتاب حديث فيه أيات أو دراهم
أو ثوب أو عمامة طرز بآيات أو طعام نقش عليه أيات فوجهان مشهوران ذكر المصنف دليلهما أصحهما
بالاتفاق جوازه وقطع به امام الحرمين والبغوي وجماعات ومنهم من قطع به في الثوب وخص الخلاف
بالدراهم وعكسه المتولي فقطع بجواز مس كتاب الفقه وجعل الوجهين في مس ثوب أو خشبة أو حائط
أو طعام أو دراهم عليها أيات وكذا ذكر غيره الوجهين في مس الحائط أو الحلوى والخبز المنقوش
بقرآن والصحيح الجواز مطلقا لأنه ليس بمصحف ولا في معناه قال المتولي وغيره إذا لم نحرمه فهو مكروه
وفيما قالوه نظر وقال الماوردي الدراهم والدنانير المنقوشة بقرآن ضربان ضرب لا يتداوله الناس كثيرا ولا
68

يتعاملون به غالبا كالتي عليها صورة الاخلاص وضرب يتداولونه كثيرا فالأول لا يجوز حمله وفى الثاني
الوجهان والمشهور في كتب الأصحاب إطلاق الوجهين بلا فرق بين المتداول وغيره فالفرق غريب
نقلا ضعيف دليلا قال القاضي حسين ويجوز مس خاتم نقش بآيات وحمله (1) ولعله فرعه على الصحيح
وإلا فهو كالدراهم وأما إذا كان على موضع من بدنه نجاسة غير معفو عنها فان أصاب المصحف
بموضع النجاسة فهو حرام بلا خلاف وان أصابه بغيره فوجهان الصحيح أنه لا يحرم وبه قطع الجمهور
وقال الصيمري يحرم وقد ذكر المصنف دليلهما قال القاضي أبو الطيب هذا الذي قاله الصيمري
مردود بالاجماع قال المتولي إذا قلنا بالمذهب أنه لا يحرم فهو مكروه وفيما قاله نظر * وأما الصبي
فإن كان غير مميز لم يجز لوليه تمكينه من المصحف لئلا ينتهكه وإن كان مميزا فهل يجب على الولي
والمعلم تكليفه الطهارة لحمل المصحف واللوح ومسهما فيه وجهان مشهوران أصحهما عند الأصحاب
لا يجب للمشقة ونقله الماوردي عن أكثر الأصحاب وقطع القاضي حسين والمتولي به في اللوح
وذكر الوجهين في المصحف وقطع الجرجاني بأنه لا يمنع من مس المصحف واللوح في المكتب
والمشهور طرد الوجهين فيهما في المكتب وغيره وقول المصنف هل يجوز للصبيان فيه وجهان
أحدهما لا يجوز والثاني يجوز وقد قال مثله الفوراني وابن الصباغ والروياني وهو تساهل فان الصبي
ليس مكلفا فكيف يقال هل يجوز له فيه وجهان والعبارة الصحيحة ما قدمناه والله أعلم
(فرع) في مسائل إحداها أجمع المسلمون على جواز قراءة القرآن للمحدث والأفضل أنه يتطهر لها
قال امام الحرمين والغزالي في البسيط ولا نقول قراءة المحدث مكروهة فقد صح أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يقرأ مع الحدث * (الثانية) كتاب تفسير القرآن إن كان القرآن فيه أكثر كبعض
كتب غريب القرآن حرم مسه وحمله وجها واحدا كذا ذكره الماوردي وغيره ونقله الروياني
عن الأصحاب وإن كان التفسير أكثر كما هو الغالب ففيه أوجه أصحها لا يحرم لأنه ليس بمصحف
وبهذا قطع الدارمي وغيره والثاني يحرم لتضمينه قرآنا كثيرا والثالث إن كان القرآن متميزا
عن التفسير بخط غليظ حمرة أو صفرة ونحو ذلك حرم وإلا فلا وبه قطع القاضي حسين
وصاحباه المتولي والبغوي وضعفه غيرهم قال المتولي وإذا لم يحرم كره وأما كتب القراءات
فجعلها الشيخ نصر المقدسي ككتب الفقه وقطع هو بجوازها وأما كتب حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأطلق الماوردي والقاضي حسين والبغوي وغيرهم جواز مسها وحملها مع الحدث

(1) ويمكن الفرق بين الخاتم والدراهم بان الخاتم تلبسه في غالب الأوقات فيشق عليه التطهر له مشقة شديدة بخلاف الدراهم صحح البغوي الوجوب اه‍ من هامش الأذرعي
69

وقال المتولي والروياني يكره والمختار ما قاله آخرون انه إن لم يكن فيها شئ من القرآن جاز والأولى
أن لا يفعل الا بطهارة وإن كان فيها قرآن فعلى الوجهين في كتب الفقه (الثالثة) يجوز للمحدث مس
التوراة والإنجيل وحملهما كذا قطع به الجمهور وذكر الماوردي والروياني فيه وجهين أحدهما
لا يجوز والثاني قالا وهو قول جمهور أصحابنا يجوز لأنها مبدلة منسوخة قال المتولي فان ظن أن
فيها شيئا غير مبدل كره مسه ولا يحرم قال الرافعي وحكم المنسوخ تلاوته من القرآن حكم التوراة
(الرابعة) إذا كتب المحدث أو الجنب مصحفا نظران حمله أو مسه في حال كتابته حرم والا فالصحيح
جوازه لأنه غير حامل ولا ماس وفيه وجه مشهور أنه يحرم ووجه ثالث حكاه الماوردي (1) أنه يحرم
على الجنب دون المحدث: (الخامسة) إذا كتب القرآن في لوح فله حكم المصحف فيحرم مسه وحمله
على البالغ المحدث هذا هو المذهب الصحيح وبه قطع الأكثرون وفيه وجه مشهور أنه لا يحرم
لأنه لا يراد للدوام بخلاف المصحف فعلى هذا يكره قاله في التتمة ولا فرق بين أن يكون المكتوب
قليلا أو كثيرا فيحرم على الصحيح قال امام الحرمين لو كان على اللوح آية أو بعض آية كتب
للدراسة حرم مسه وحمله: (السادسة) لا يجوز كتابة القرآن بشئ نجس ذكره البغوي وغيره قال
البغوي وغيره يكره نقش الحيطان والثياب بالقرآن وبأسماء الله تعالى قال القاضي حسين والبغوي
وغيرهما وإذا كتب قرآنا على حلوى وطعام فلا بأس بأكله قال القاضي فإن كان على خشبة كره احراقها (2)
(السابعة) قال القاضي حسين وغيره لا يجوز توسد المصحف ولا غيره من كتب العلم قال القاضي
إلا أن يخاف عليه السرقة فيجوز وهذا الاستثناء فيه نظر والصواب منعه في المصحف وان خاف
السرقة قال القاضي حسين ولا يمكن الصبيان من محو الألواح بالاقدام ولا يمكن المجنون والصبي
الذي لا يميز من حمل المصحف لئلا ينتهكه: (الثامنة) لو خاف المحدث على المصحف من حرق
أو غرق أو وقوع نجاسة عليه أو وقوعه بيد كافر جاز أخذه مع الحدث صرح به الدارمي وغيره بل
يجب ذلك صيانة للمصحف ولو لم يجد من يودعه المصحف وعجز عن الوضوء فله حمله مع الحدث قال
القاضي أبو الطيب ولا يلزمه التيمم له لأنه لا يرفع الحدث وفيما قاله نظر وينبغي أن يجب التيمم لأنه
وإن لم يرفع الحدث فيبيح الصلاة ومس المصحف وحمله: (التاسعة) قال القاضي حسين وغيره يكره
للمحدث حمل التعاويذ يعنون الحروز قال أبو عمرو بن الصلاح في الفتاوى كتابة الحروز واستعمالها
مكروه وترك تعليقها هو المختار وقال في فتوى أخري يجوز تعليق الحروز التي فيها قرآن على النساء

(1) هذا النقل عن الماوردي فيه نظر فإنه يؤذن بأنه أورد الوجه في المحدث وزاد وجها ثالثا وليس كذلك بل جزم بتمكين المحدث وخص الوجهين بالجنب نعم يخرج من كلامه وجه فارق بين الجنب والمحدث اه‍ من هامش الأذرعي
(2) نقل ابن الرفعة: عن القاضي أنه قال لا يجوز احراقها قال وقال في الروضة يكره فليحقق: اه‍ أذرعي
70

والصبيان والرجال ويجعل عليها شمع ونحوه ويستوثق من النساء وشبههن بالتحذير من دخول
الخلاء بها والمختار انه لا يكره إذا جعل عليه شمع ونحوه لأنه لم يرد فيه نهي ونقل ابن جرير الطبري
عن مالك نحو هذا فقال قال مالك لا بأس بما يعلق على النساء الحيض والصبيان من القرآن إذا
جعل في كن كقصبة حديد أو جلد يخرز عليه وقد يستدل للإباحة بحديث عمر وبن شعيب عن أبيه
عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يعلمهم من الفزع كلمات أعوذ بكلمات الله التامة
من غضبه وشر عباده ومن همزات الشياطين أن يحضرون) قال وكان عبد الله بن عمرو يعلمهن
من عقل من بنيه ومن لم يعقل كتبه فأعلقه عليه) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن:
(العاشرة) إذا تيمم المحدث تيمما صحيحا فله مس المصحف وإن كان لم يرتفع حدثه وكذا إذا توضأ
من به حدث دائم كالمستحاضة فله مس المصحف وحمله وأما من لم يجد ماء ولا ترابا فيصلى على
حاله للضرورة ويحرم عليه مسه وحمله لعدم الضرورة: (الحادية عشرة) اتفقوا على أنه لا يجوز
المسافرة بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه في أيديهم لحديث ابن عمر رضي الله عنهما
في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهي أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو) واتفقوا
انه يجوز أن يكتب إليهم الآية والآيتان وشبههما في أثناء كتاب لحديث أبي سفيان رضي الله عنه
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل عظيم الروم كتابا فيه (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة
سواء بيننا وبينكم) الآية (الثانية عشرة) قال أصحابنا لا يمنع الكافر سماع القرآن ويمنع من المصحف وهل
يجوز تعليمه القرآن ينظر إن لم يرج اسلامه لم يجز وان رجى جاز في أصح الوجهين وبه قطع
القاضي حسين ورجحه البغوي وغيره: والثاني لا يجوز كما لا يجوز بيعه المصحف وان رجى اسلامه
قال البغوي وحيث رآه معاندا لا يجوز تعليمه بحال وهل يمنع التعليم فيه وجهان حكاهما المتولي
والروياني وغيرهما أصحهما يمنع (الثالثة عشرة) أجمع العلماء على وجوب صيانة المصحف واحترامه
فلو ألقاه والعياذ بالله في قاذورة كفر وأجمعوا على استحباب كتابة المصحف وتحسين كتابته
وتبيينها وايضاحها وايضاح الخط دون مشقة وتعليقه ويستحب نقط المصحف وشكله لأنه صيانة
له من اللحن والتحريف وفى تذهيبه وتفضيضه خلاف سنذكره حيث ذكره المصنف والأصحاب
في باب زكاة الذهب والفضة: وبيع المصحف وشراؤه جائز عندنا وفى كراهة بيعه وجهان
المنصوص يكره وفيه مذاهب للسلف سنوضحها حيث ذكره الصنف في باب ما يجوز بيعه ان
71

شاء الله تعالى: وبيعه للكفار حرام وفى انعقاده قولان أصحهما لا ينعقد وسنوضحه مع فروعه
في كتاب البيع إن شاء الله تعالى واما آداب قراءة القرآن وتفضيلها على التسبيح وتحسين الصوت
بالقرآن ونحو ذلك فسأذكره موضحا إن شاء الله تعالى في آخر باب ما يوجب الغسل فهو
أليق به *
(فرع) في مذاهب العلماء في مس المصحف وحمله مذهبنا تحريمهما وبه قال أبو حنيفة ومالك
وأحمد وجمهور العلماء * وعن الحكم (1) وحماد وداود يجوز مسه وحمله وروى عن الحكم وحماد جواز
مسه بظهر الكف دون بطنه * واحتجوا بان النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل كتابا فيه قرآن وهرقل
محدث يسمه وأصحابه ولان الصبيان يحملون الألواح محدثين بلا انكار ولأنه إذ لم تحرم القراءة فالمس
أولى وقاسوا حمله على حمله في متاع * واحتج أصحابنا بقول الله تعالى (انه لقرآن كريم في كتاب مكنون
لا يمسه الا المطهرون تنزيل من رب العالمين) فوصفه بالتنزيل وهذا ظاهر في المصحف الذي
عندنا فان قالوا المراد اللوح المحفوظ لا يمسه الا الملائكة المطهرون ولهذا قال يمسه بضم السين
على الخبر ولو كان المصحف لقال يمسه بفتح السين على النهى فالجواب ان قوله تعالى تنزيل
ظاهر في إرادة المصحف فلا يحمل على غيره الا بدليل صحيح صريح وأما رفع السين فهو نهى
بلفظ الخبر كقوله (لا تضار والدة بولدها) على قراءة من رفع وقوله صلى الله عليه وسلم (لا يبيع
أحدكم على بيع أخيه) باثبات الياء ونظائره كثيرة مشهورة وهو معروف في العربية فان قالوا لو
أريد ما قلتم لقال لا يمسه الا المتطهرون فالجواب أنه يقال في المتوضئ مطهر ومتطهر واستدل
أصحابنا بالحديث المذكور وبأنه قول على وسعد بن أبي وقاص وابن عمر رضي الله عنهم ولم
يعرف لهم مخالف في الصحابة والجواب عن قصة هرقل ان ذلك الكتاب كان فيه آية ولا يسمى
مصحفا وأبيح حمل الصبيان الألواح للضرورة وأبيحت القراءة للحاجة وعسر الوضوء لها كل
وقت وحمله في المتاع لأنه غير مقصود وبالله التوفيق *

(1) هو الحكم بن عتبة وحماد ابن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة اه‍ أذرعي
72

باب الاستطابة)
الاستطابة والاستنجاء والاستجمار عبارات عن إزالة الخارج من السبيلين عن مخرجه
فالاستطابة والاستنجاء يكونان تارة بالماء وتارة بالأحجار والاستجمار يختص بالأحجار مأخوذا
من الجمار وهي الحصى الصغار وأما الاستطابة فسميت بذلك لأنها تطيب نفسه بإزالة الخبث قال
الأزهري يقال استطاب يستطيب فهو مستطيب وأطاب يطيب فهو مطيب إذا فعل ذلك: وأما
الاستنجاء فقال الأزهري قال شمر هو مأخوذ من نجوت الشجرة وأنجيتها إذا قطعتها كأنه
يقطع الأذى عنه وقال ابن قتيبة هو مأخوذ من النجوة وهي ما يرتفع من الأرض وكان الرجل إذا
أراد قضاء الحاجة تستر بنجوة قال الأزهري قول شمر أصح والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[إذا أراد دخول الخلاء ومعه شئ عليه ذكر الله تعالى فالمستحب أن ينحيه لما روى
أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه) وإنما وضعه
لأنه كان عليه محمد رسول الله] *
[الشرح] حديث أنس هذا مشهور رواه أبو داود وابن ماجة والبيهقي وغيرهم في كتاب
الطهارة والترمذي في اللباس والنسائي في الزينة وضعفه أبو داود والنسائي والبيهقي قال أبو داود
هو منكر وإنما يعرف عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه وقال
النسائي هذا الحديث غير محفوظ وخالفهم الترمذي فقال حديث حسن صحيح غريب: وقوله وإنما
وضعه إلى آخره هو من كلام المصنف لا من الحديث ولكنه صحيح ففي الصحيحين (أن نقش
خاتمه صلى الله عليه وسلم كان محمد رسول الله) ويقال خاتم وخاتم بكسر التاء وفتحها وخاتام وخيتام
أربع لغات والخلاء بالمد وهو الموضع الخالي وقوله كان إذا دخل الخلاء أي أراد الدخول: أم
حكم المسألة فاتفق أصحابنا على استحباب تنحية ما فيه ذكر الله تعالى عند إرادة دخول الخلاء
ولا تجب التنحية وممن صرح بأنه مستحب المصنف وشيخه القاضي أبو الطيب في تعليقه والمحاملي
في كتبه الثلاثة وابن الصباغ والشيخ نصر المقدسي في كتبه الثلاثة الانتخاب والتهذيب والكافي
وآخرون قال المتولي والرافعي وغيرهما لا فرق في هذا بين أن يكون المكتوب عليه درهما
ودينارا أو خاتما أو غير ذلك وكذا إذا كان معه عوذة وهي الحروز المعروفة استحب ان ينحيه
73

صرح به المتولي وآخرون وألحق الغزالي في الاحياء والوسيط بذكر الله تعالى اسم رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقال امام الحرمين لا يستصحب شيئا عليه اسم معظم ولم يتعرض الجمهور لغير
ذكر الله تعالى وفى اختصاص هذا الأدب بالبنيان وجهان قال الشيخ أبو حامد في تعليقه يختص
وقطع الجمهور بأنه يشترك فيه البنيان والصحراء وهو ظاهر كلام المصنف وصرح به المحاملي
وغيره وإذا كان معه خاتم فقد قلنا ينزعه قبل الدخول فلو لم ينزعه سهوا أو عمدا ودخل فقيل
يضم عليه كفه لئلا يظهر قال ابن المنذر إن لم ينزعه جعل فصه مما يلي بطن كفه وحكي ابن
المنذر عن جماعة من التابعين ابن المسيب والحسن وابن سيرين الترخيص في استصحابه والله أعلم
قال المصنف رحمه الله [ويستحب أن يقول إذا دخل الخلاء باسم الله لقوله صلى الله عليه وسلم
(ستر ما بين عورات أمتي واعين الجن باسم الله)] * [الشرح] هذا الحديث رواه الترمذي وغيره من رواية علي رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال (ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول باسم الله)
قال الترمذي اسناده ليس بالقوى والستر بكسر السين الحجاب قال ابن السكيت يقال ما دون
ذلك الامر ستر وما دونه حجاب وما دونه وجاح بمعنى واحد والوجاح بواو مفتوحة وجيم ثم الف ثم
حاء مهملة وقوله باسم الله هكذا يكتب باسم بالألف وإنما تحذف الألف من بسم الله الرحمن
الرحيم لكثرة تكررها كذا علله أهل الأدب والمصنفون في الخط وفيه نظر وقوله إذا دخل أي
أراد الدخول وهذا الأدب متفق على استحبابه ويستوي فيه الصحراء والبنيان صرح به
المحاملي والأصحاب والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[ويستحب أن يقول (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) لما روى أنس رضي
الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال ذلك] *
[الشرح] حديث أنس هذا رواه البخاري ومسلم قال الخطابي الخبث بضم الباء جماعة الخبيث
والخبائث جمع الخبيثة يريد ذكور الشياطين وإناثهم قال وعامة المحدثين يقولون خبث وهو غلط
والصواب الضم وهذا الذي غلطهم الخطابي فيه ليس بغلط بل انكار تسكين الباء وشبهه غلط فان
74

التسكين في هذا وشبهه جائز تخفيفا بلا خلاف عند أهل النحو والتصريف وهو باب معروف عندهم
فمن ذلك كتب ورسل وعنق وأشباهها مما هو على ثلاثة أحرف مضموم الأول والثاني ولعل الخطابي
أراد انه ليس ساكنا في الأصل ولم يرد انكار الاسكان تخفيفا ولكن عبارته موهمة وقد صرح
جماعة من أئمة هذا الفن باسكان الباء منهم أبو عبيد القاسم بن سلام إمام هذا الفن واختلف الذين
رووه ساكن الباء في معناه فقيل الخبث الشر وقيل الكفر وقيل الشيطان والخبائث المعاصي قال
ابن الأعرابي الخبث في كلام العرب المكروه فإن كان من الكلام فهو الشتم وإن كان من الملل
فهو الكفر وإن كان من الطعام فهو الحرام وإن كان من الشراب فهو الضار: وقوله إذا دخل الخلاء
أي إذا أراد دخوله وكذا جاء مصرحا به في رواية للبخاري: وهذا الذكر مجمع على استحبابه وسواء
فيه البناء والصحراء وقول المصنف يقول اسم الله ويقول اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث
فيه إشارة إلى أنه يستحب أن يقدم التسمية وهكذا صرح به امام الحرمين والغزالي والروياني
والشيخ نصر وصاحبا العدة والبيان وآخرون وقد جاء في رواية من حديث أنس هذا (بسم الله
اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) ويخالف هذا التعوذ في الصلاة والقراءة فإنه يقدم على
البسملة لان التعوذ هناك للقراء والبسملة من القرآن فقدم التعوذ عليها بخلاف هذا: والله أعلم
قال المصنف رحمه الله
[ويقول إذا خرج غفرانك الحمد لله الذي أذهب عنى الأذى وعافاني لما روى أبو ذر
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الخلاء قال (الحمد لله الذي أذهب
عنى الأذى وعافاني) وروت عائشة رضي الله عنها قالت ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
من الخلاء الا قال (غفرانك)]
[الشرح] الحديث أبي ذر هذا ضعيف رواه النسائي في كتابه عمل اليوم والليلة من طرق
بعضها مرفوع وبعضها موقوف على أبي ذر واسناده مضطرب غير قوى ورواه ابن ماجة عن أنس عن
النبي صلى الله عليه وسلم باسناد ضعيف قال الترمذي لا يعرف في هذا الباب الا حديث عائشة وأما حديث
عائشة فصحيح رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة ورواه النسائي في اليوم والليلة قال الترمذي حديث
75

حسن ولفظ روايتهم كلهم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الغائط قال
(غفرانك) وبين هذا اللفظ ولفظ المصنف تفاوت لا يخفى لكن المقصود يحصل: وجاء في الذي
يقال عقب الخروج أحاديث كثيرة ليس فيها شئ ثابت الا حديث عائشة المذكور وهذا مراد
الترمذي بقوله لا يعرف في الباب الا حديث عائشة والله أعلم * وغفرانك منصوب بتقدير أسألك
غفرانك أو اغفر غفرانك والوجهان مقولان في قول الله تعالى (غفرانك ربنا) والأول أجود
واختاره الخطابي وغيره قال الخطابي وقيل في سبب قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذكر في
هذا الموطن قولان أحدهما أنه استغفر من ترك ذكر الله تعالى حال لبثه على الخلاء وكان لا يهجر
ذكر الله تعال الا عند الحاجة: والثاني انه استغفر خوفا من تقصيره في شكر نعمة الله تعالى
التي أنعمها عليه فأطعمه ثم هضمه ثم سهل خروجه فرأى شكره قاصرا عن بلوغ هذه النعمة
فتداركه بالاستغفار وقولها خرج من الغائط أي الموضع الذي يتغوط فيه: قال أهل اللغة أصل الغائط
المكان المطمئن كانوا يأتونه للحاجة فكنوا به عن نفس الحدث كراهة لاسمه ومن عادة العرب
التعفف في ألفاظها واستعمال الكنايات في كلامها وصون الألسن مما تصان الأبصار والأسماع عنه
وهذا الذي ذكره المصنف متفق على استحبابه ويشترك فيه البناء والصحراء صرح به المحاملي
وغيره والله أعلم *
وأبو ذر اسمه جندب بفتح الدال وضمها ابن جنادة بالضم وقيل في اسمه أقوال أخر أسلم
بمكة في أول الأمر رابع أربعة وقيل خامس خمسة ومناقبه كثيرة مشهورة وزهده من المشهورات
توفى بالربذة سنة اثنتين وثلاثين وقد بسطت أحواله في تهذيب الأسماء رضي الله عنه والله أعلم
قال المصنف رحمه الله
[ويستحب ان يقدم في الدخول رجله اليسرى وفى الخروج اليمنى لان اليسار للأذى
واليمنى لما سواه]
76

(الشرح) اليسار بفتح الياء وكسرها لغتان الفتح أفصح عند الجمهور وخالفهم ابن دريد
وهذا الأدب متفق على استحبابه وهذه قاعدة معروفة وهي ان ما كان من التكريم بدئ فيه باليمنى
وخلافه باليسار وقد قدمت هذه القاعدة بأمثلتها ودلائلها من الأحاديث الصحيحة في باب صفة
الوضوء في فصل غسل اليد وفى اختصاص هذا الأدب بالبنيان وجهان: أحدهما وبه قطع امام
الحرمين والغزالي يختص وهو ظاهر كلام المصنف وكثيرين وأصحهما لا يختص صرح به المحاملي في
كتبه وغيره ونقله الرافعي عن الأكثرين قال فيقدم في الصحراء رجله اليسرى إذا بلغ موضع
جلوسه وإذا فرغ قدم اليمنى في انصرافه * قال المصنف رحمه الله *
[وإن كان في الصحراء أبعد لما روى المغيرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا ذهب
إلى الغائط أبعد) ويستتر عن العيون بشئ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من اتي الغائط
فليستتر فإن لم يجد الا ان يجمع كثيبا من رمل فليستتر به] *
[الشرح] حديث المغيرة صحيح رواه أحمد بن حنبل والدارمي في مسنديهما وأبو داود
والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم بأسانيد صحيحة: قال الترمذي هو حديث حسن صحيح وعن
المغيرة أيضا قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال يا مغيرة خذ الإداوة فأخذتها فانطلق رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى توارى عنى فقضي حاجته رواه البخاري ومسلم وعن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد البراز
انطلق حتى لا يراه أحد رواه أبو داود وابن ماجة باسناد فيه ضعف يسير وسكت عليه أبو داود فهو حسن
عنده: وأما حديث أبي هريرة فحسن رواه أحمد والدارمي وأبو داود وابن ماجة بأسانيد
حسنة وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال (كان أحب ما استتر به النبي صلى الله عليه وسلم
هدف أو حائش نخل) رواه مسلم والحائش بالحاء المهملة والشين المعجمة وهو الحائط والكثيب
بالثاء المثلثة قطعة من الرمل مستطيلة محدودبة تشبه الربوة وهذان الأدبان متفق على استحبابهما
وجاء فيهما أحاديث كثيرة جمعتها في جامع السنة قال الرافعي وغيره ويحصل هذا التستر بأن
يكون في بناء مسقف أو محوط يمكن سقفه أو يجلس قريبا من جدار وشبهه وليكن الساتر قريبا من
77

آخرة الرحل وليكن بينه وبينه ثلاث أذرع فأقل ولو أناخ راحلته وتستر بها أو جلس في وهدة
أو نهر أو أرخى ذيله حصل هذا الغرض والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها لغائط ولا بول) ويجوز
ذلك في البنيان لما روت عائشة رضي الله عنها أن ناسا كانوا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أوقد فعلوها حولوا بمقعدتي إلى القبلة) ولان في
الصحراء خلقا من الملائكة والجن يصلون فيستقبلهم بفرجه وليس ذلك في البنيان] *
[الشرح] حديث أبي هريرة صحيح رواه الشافعي في مسنده وفى الأم باسناده الصحيح
بهذا اللفظ المذكور في الكتاب ورواه مسلم في صحيحه دون قوله لغائط ولا بول ورواه البخاري
ومسلم من رواية أبي أيوب ووقع في المذهب لغائط باللام وقد روى هذا الحديث لغائط وبغائط
باللام وبالباء وكلاهما صحيح: وأما حديث عائشة فرواه أحمد بن حنبل وابن ماجة واسناده حسن
لكن أشار البخاري في تاريخه في ترجمة خالد بن أبي الصلت إلى أن فيه علة وقوله صلى الله عليه
وسلم (أو قد فعلوها) هو بفتح الواو وهي واو العطف وهو استفهام توبيخ وتقريع قال الواحدي
في تفسير قول الله تعالى (أو لو كانوا لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) إنما جعل الاستفهام للتوبيخ
لأنه يقتضى الاقرار بما الاقرار به فضيحة كما يقتضى الاستفهام الاخبار عن المستفهم عنه والمقعدة
بفتح الميم وهي موضع العقود لقضاء حاجة الانسان: أما حكم المسألة فمذهبنا أنه يحرم استقبال
القبلة واستدبارها ببول أو غائط في الصحراء ولا يحرم ذلك في البنيان ودليله ما ذكره المصنف
مع ما سأذكره في فروع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى قال أصحابنا الخراسانيون وجماعة من
العراقيين منهم صاحب الشامل إنما يجوز الاستقبال والاستدبار في البنيان بشرط أن يكون بينه
وبين الجدار ونحوه ثلاث أذرع فما دونها ويكون الجدار ونحوه مرتفعا قدر مؤخرة الرحل فان
78

زاد ما بينهما على ثلاث أذرع أو قصر الحائل عن مؤخرة الرحل فهو حرام الا إذا كان في بيت
بني لذلك فلا حرج فيه قالوا ولو كان في الصحراء وتستر بشئ على ما ذكرناه من الشرطين زال
التحريم فالاعتبار بالساتر وعدمه فحيث وجد الساتر بالشرطين حل في البناء والصحراء
وحيث فقد أحد الشرطين حرم في الصحراء والبناء وذكر الماوردي والروياني وجهين
أحدهما هذا والثاني يحل في البناء مطلقا بلا شرط ويحرم في الصحراء مطلقا وان قرب
من الساتر والصحيح الأول قال أصحابنا ولا فرق في الساتر بين الجدار والدابة والوهدة (1) وكثيب
الرمل ونحو ذلك: ولو أرخى ذيله في قبالة القبلة فهل يحصل به الستر فيه وجهان حكاهما امام الحرمين وغيره
أحدهما لا يحصل لأنه لا يعد ساتر أو أصحهما يحصل لان المقصود أن لا يستقبل ولا يستدير بسوءته وهذا
المقصود يحصل بالذيل وبهذا الثاني قطع الفوراني وآخرون وصححه الامام والغزالي في البسيط وحيث
جوزنا الاستقبال قال المتولي يكره وقال امام الحرمين إذا كان في بيت يعد مثله ساترا لم يحرم
الاستقبال والاستدبار لكن الأدب ان يتوقاهما ويهيئ مجلسه مائلا عنهما ولم يتعرض الجمهور
للكراهة التي ذكرها المتولي والمختار انه لا كراهة للأحاديث التي سنذكرها إن شاء الله تعالى
لكن الأدب والأفضل الميل عن القبلة إذا أمكن بلا مشقة والله أعلم *

(1) قال العمراني في زوائده ولو كان في وهدة وبينه وبين ما يستره من الأرض أو شجرة فوجهان أصحهما حصول الستر والثاني المنع لأنه يقع عليه اسم الصحراء اه‍ أذرعي
79

(فرع) إذا تجنب استقبال القبلة واستدبارها حال خروج البول والغائط ثم أراد استقبالها
حال الاستنجاء فمقتضى مذهبنا واطلاق أصحابنا جوازه لان النهي ورد في استقبالها واستدبارها
ببول أو غائط وهذا لم يفعله ونقل الروياني في الحلية جوزاه عن أبي حنيفة قال وهو صحيح يحتمله
مذهبنا ولا كراهة أيضا في اخراج الريح إلى القبلة لما ذكرناه والله أعلم *
(فرع) قال العبدري من أصحابنا في كتابه الكفاية يجوز عندنا الجماع مستقبل القبلة
ومستدبرها في البناء والصحراء قال وبه قال أبو حنيفة واحمد وداود واختلف فيه أصحاب مالك
فجوزه ابن القاسم وكرهه ابن حبيب ونقل غير العبدري من أصحابنا أيضا انه لا كراهة فيه
عندنا لان الشرع ورد في البول والغائط والله أعلم
(فرع) قال أصحابنا لا يحرم استقبال بيت المقدس ببول ولا غائط ولا استدباره لا في البناء
ولا في الصحراء قال المتولي وغيره ولكنه يكره ونقل الروياني عن الأصحاب أيضا أنه يكره
لكونه كان قبلة: وأما حديث معقل بن أبي معقل الأسدي رضي الله عنه قال (نهى رسول الله صلي
عليه وسلم أن يستقبل القبلتين ببول أو غائط) رواه أحمد بن حنبل وأبو داود وابن ماجة وغيرهم
واسناده جيد ولم يضعفه أبو داود فأجاب عنه أصحابنا بجوابين لمتقدمي أصحابنا أحدهما أنه نهي
عن استقبال بيت المقدس حيث كان قبلة ثم نهى عن الكعبة حين صارت قبلة فجمعهما الراوي
قال صاحب الحاوي هذا تأويل أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة: والثاني المراد بالنهي
أهل المدينة لان من استقبل بيت المقدس وهو في المدينة استدبر الكعبة وان استدبره استقبلها
والمراد بالنهي عن استقبالهما النهى عن استقبال الكعبة واستدبارها قال صاحب الحاوي هذا تأويل
80

عن بعض المتقدمين فهذان تأويلان مشهوران للأصحاب ولكن في كل واحد منهما
ضعف والظاهر المختار أن النهي وقع في وقت واحد وأنه عام لكلتيهما في كل مكان ولكنه في
الكعبة نهي تحريم في بعض الأحوال على ما سبق وفى بيت المقدس نهى تنزيه ولا يمتنع جمعهما
في النهي وان اختلف معناه وسبب النهى عن بيت المقدس كونه كان قبلة فبقيت له حرمة الكعبة
وقد اختار الخطابي هذا التأويل فان قيل لم حملتموه في بيت المقدس على التنزيه قلنا للاجماع فلا
نعلم من يعتد به خرمه والله أعلم
(فرع) في مذاهب العلماء في استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط هي أربعة مذاهب
أحدها مذهب الشافع أن ذلك حرام في الصحراء جائز في البنيان على ما سبق وهذا قول العباس
ابن عبد المطلب وعبد الله بن عمر والشعبي ومالك وإسحاق ورواية عن أحمد * والمذهب الثاني
يحرم ذلك في الصحراء والبناء وهو قول أبي أيوب الأنصاري الصحابي ومجاهد والنخعي والثوري
وأبي ثور ورواية عن أحمد * والثالث يجوز ذلك في البناء والصحراء وهو قول عروة بن الزبير
وربيعة وداود الظاهري * والرابع يحرم الاستقبال في الصحراء والبناء ويحل الاستدبار فيهما
وهو رواية عن أبي حنيفة واحمد * واحتج لمن حرم مطلقا بحديث أبي أيوب رضي الله عنه ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط ولكن
شرقوا أو غربوا قال أبو أيوب فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة فننحرف
ونستغفر الله) رواه البخاري ومسلم: وعن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال (إذا جلس أحدكم على حاجة فلا يستقبلن القبلة ولا يستدبرها) رواه مسلم وعن سلمان رضي الله عنه
قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة لغائط أو بول قالوا ولأنه إنما
منع لحرمة القبلة وهذا موجود في البناء كالصحراء ولأنه لو كفى الحائل لجاز في الصحراء فان
81

بيننا وبين الكعبة أودية وجبالا وأبنية * واحتج أصحابنا عليهم بحديث عائشة المذكور في
الكتاب وبحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال (رقيت على ظهر بيت فرأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم قاعدا على لبنتين مستقبلا بيت المقدس مستدبرا الكعبة) رواه البخاري ومسلم: وعن
جابر رضي الله عنه قال (نهي نبي الله صلى الله عليه وسلم ان نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن
يقبض بعام يستقبلها) حديث حسن رواه أحمد وأبو داود والترمذي وهذا لفظهما قال الترمذي
حديث حسن وعن مروان الأصفر قال (رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس يبول
إليها فقلنا يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهى عن هذا قال بلى إنما نهى عن ذلك في الفضاء فإذا كان
بينك وبين القبلة شئ يسترك فلا بأس) رواه أبو داود والدارقطني والحاكم أبو عبد الله في
المستدرك على الصحيحين وقال هو صحيح على شرط البخاري ولأنه تلحقه المشقة في اجتناب
القبلة في البناء دون الصحراء فان قالوا خصوا الجواز بمن لحقه مشقة قلنا الرخصة ترد لسبب ثم
تعم كالقصر ولان الأحاديث تعارضت في المنع والجواز فوجب الجمع بينها ويحصل الجمع بينها
بما قلناه فإنها جاءت على فقه ولا تكاد تحصل بغيره: وأما الجواب عن الأحاديث التي احتجوا بها
فهو انها محمولة على من كان بالصحراء للجمع بين الأحاديث: واما قول أبي أيوب رضي الله عنه
فننحرف ونستغفر الله تعالى فجوابه من وجهين أحدهما انه شك في عموم النهي فاحتاط الاستغفار
والثاني ان هذا مذهبه ولم ينقله عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحا وقد خالفه غيره من الصحابة كما
سبق: واما قولهم المنع لحرمة القبلة وما بعده فجوابه ان الشرع ورد بالفرق على ما قدمناه فلا يلتفت إلى
قياس ومعنى يخالفه: ومع هذا فالفرق ظاهر فان المشقة تلحق في البناء دون الصحراء * واحتج من
أباح مطلقا بحديثي جابر وعائشة قالوا وهما ناسخان للنهي قالوا ولان الأحاديث تعارضت فرجعنا
إلى الأصل * واحتج أصحابنا بأن الأحاديث السابقة صحيحة فلا يجوز الغاؤها بل يجب الجمع بينها
82

فجمعنا بينها واستعملناها ولم نعطل شيئا منها: واما قولهم ناسخان فخطأ لان السنخ لا يصار إليه الا إذا
تعذر الجمع ولم يتعذر هنا واما من جوز الاستدبار دون الاستقبال فمحجوج بالأحاديث الصحيحة
المصرحة بالنهي عنهما جميعا والله أعلم *
(فرع) قول المصنف ولان في الصحراء خلقا من الملائكة والجن يصلون هكذا قاله أصحابنا
واعتمدوه ورواه البيهقي باسناد ضعيف عن الشعبي التابعي من قوله وهو تعليل ضعيف فإنه لو قعد
قريبا من حائط واستقبله ووراءه فضاء واسع جاز بلا شك صرح به امام الحرمين والبغوي وغيرهما
ويدل عليه ما قدمناه عن ابن عمر انه أناخ راحلته وبال إليها فهذا يبطل هذا التعليل فإنه لو كان
صحيحا لم يجز في هذه الصورة فإنه مستدبر الفضاء الذي فيه المصلون ولكن التعليل الصحيح
أن جهة القبلة معظمة فوجب صيانتها في الصحراء ورخص فيها في البناء للمشقة وهذا التعليل
اعتمده القاضي حسين والبغوي والروياني وغيرهم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله
عليه وسلم (كان لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض]
[الشرح] حديث ابن عمر ضعيف رواه أبو داود والترمذي وضعفاه * وهذا الأدب مستحب
بالاتفاق وليس بواجب كذا صرح به الشيخ أبو حامد وابن الصباغ والمتولي وغيرهم (1) ومعناه إذا
أراد الجلوس للحاجة لا يرفع ثوبه عن عورته في حال قيامه بل يصبر حتى يدنو من الأرض ويستحب
أيضا أن يسبل ثوبه إذا فرغ قبل انتصابه صرح به الماوردي في الاقناع وهذا كله إذا لم يخف
تنجس ثوبه فان خافه رفع قدر حاجته والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[ويرتاد موضعا للبول فإن كانت الأرض الأصلية دقها بعود أو حجر حتى لا يترشش عليه
البول لما روى أبو موسى رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أراد أحدكم ان يبول
فليرتد لبوله] *
[الشرح] حديث أبي موسى ضعيف رواه أحمد وأبو داود عن رجل عن أبي موسى وقوله
فليرتد أي يطلب موضعا لينا وأبو موسى هو عبد الله بن قيس الأشعري منسوب إلى الأشعر جد
القبيلة توفى أبو موسى بمكة وقيل بالكوفة سنة خمسين وقيل احدى وخمسين وقيل أربع وأربعين وهو ابن

(1) قلت قال في تعليقه على التنبيه ان هذا مبني على الخلاف في وجوب ستر العورة في الخلوة ان قلنا واجب وهو الأصح كان رفع الثوب قبل الدنو وإن لم يحتج إليه حراما وان قلنا لا يجب الستر في الخلوة كان الرفع مكروها لا محرما انتهى لفظه رحمه الله تعالى اه‍ أذرعي
83

ثلاث وستين ومناقبه مشهورة وقد ذكرتها في التهذيب * وهذا الأدب متفق على استحبابه قال أصحابنا يطلب أرضا لينة ترابا أو رملا فإن لم يجد الا أرضا صلبة دقها بحجر ونحوه لئلا يترشش
عليه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[ويكره أن يبول قائما من غير عذر لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال (ما بلت) قائما
منذ أسلمت ولأنه لا يؤمن أن يترشش عليه ولا يكره ذلك لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (اتي سباطة قوم
فبال قائما لعلة بمنبضيه]
[الشرح] أما الأثر المذكور عن عمر رضي الله عنه فذكره الترمذي في كتابه تعليقا لا مسندا
وروى ابن ماجة والبيهقي عن عمر أنه قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا أبول قائما فقال
يا عمر لا تبل قائما فما بلت بعد قائما لكن اسناده ضعيف وروى عن جابر قال نهي رسول الله صلى
الله عليه وسلم (أن يبول الرجل قائما) رواه ابن ماجة والبيهقي وضعفه البيهقي وغيره ويغني عن
هذا حديث عائشة رضي الله عنها قالت من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يبول قائما
فلا تصدقوه ما كان يبول الا قاعدا) رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وغيرهم
واسناده جيد وهو حديث حسن وأما الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم (أتي سباطة
قوم فبال قائما) فصحيح رواه البخاري ومسلم من رواية حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما والذي
في الصحيحين أتي سباطة قوم فبال قائما وأما قوله لعلة بمأبضيه رواه البيهقي من رواية أبي هريرة
لكن قال لا تثبت هذه الزبادة وذكر الخطابي ثم البيهقي في سبب بوله صلى الله عليه وسلم قائما أوجها
أحدها قالا وهو المروى عن الشافعي رحمه الله أن العرب كانت تشتشفى بالبول قائما لوجع الصلب
فنرى أنه كان به صلى الله عليه وسلم إذ ذاك وجع الصلب قال القاضي حسين في تعليقه وصار
هذا عادة لأهل هراة يبولون قياما في كل سنة مرة احياء لتلك السنة: والثاني أنه لعلة بمأبضيه
والثالث أنه لم يجد مكانا يصلح للقعود فاحتاج إلى القيام إذا كان الطرف الذي يليه عاليا مرتفعا
84

ويجوز وجه رابع أنه لبيان الجواز: وأما السباطة فبضم السين وهي ملقى التراب والكناسة ونحوها
تكون بفناء الدور مرفقا للقوم قال الخطابي ويكون ذلك في الغالب سهلا لينا منثالا يخد فيه
البول ولا يرجع على البائل وأما المئبض فبهمزة ساكنة بعد الميم ثم باء موحدة مكسورة ثم ضاد
معجمة ويجوز تخفيف الهمزة بقلبها ألفا كما في رأس وأشباهه والمئبض باطن الركبة من الآدمي
وغيره وجمعه مآبض بالمد كمسجد ومساجد
وأما بوله صلى الله عليه وسلم في سباطة القوم فيحتمل
أوجها أظهرها انه علم أن أهلها يرضون ذلك ولا يكرهونه ومن كان هذا حاله جاز البول في
أرضه: (الثاني) أنها لم تكن مختصة بهم بل كانت بفناء دورهم للناس كلهم فأضيفت إليهم
لقربها منهم (الثالث) انهم أذنوا لمن أراد قضاء الحاجة فيها بصريح الاذن أو بمعناه: والله أعلم *
أما حكم المسألة فقال أصحابنا يكره البول قائما بلا عذر كراهة تنزيه ولا يكره للعذر وهذا مذهبنا
وقال ابن المنذر اختلفوا في البول قائما فثبت عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل
ابن سعد انهم بالوا قياما وروى ذلك عن علي وأنس وأبي هريرة وفعله ابن سرين وعروة وكرهه
ابن مسعود والشعبي وإبراهيم بن سعد وكان إبراهيم بن سعد لا يقبل شهادة من بال قائما قال وقال
مالك إن كان في مكان لا يتطاير إليه من البول شئ فمكروه وان تطاير فلا كراهة قال ابن المنذر
البول جالسا أحب إلى وقائما مباح وكل ذلك ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال
المصنف رحمه الله
[ويكره أن يبول في ثقب أو سرب لما روي عبد الله بن سرجس رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم (نهى عن البول في جحر) ولأنه ربما خرج عليه ما يلسعه أو يرد عليه البول]
[الشرح] حديث ابن سرجي صحيح رواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم بالأسانيد
الصحيحة وفى رواياتهم زيادة قالوا لقتادة الراوي عن ابن سرجس ما تكره من البول في جحر فقال
كان يقال إنها مساكن الجن والثقب بفتح الثاء وضمها لغتان تقدمتا في باب صفقة الوضوء في فصل
85

غسل اليد والفتح أفصح وأشهر والسرب بفتح السين والراء: فالثقب ما استدار وهو الجحر المذكور
في الحديث والسرب ما كان مستطيلا: وعبد الله بن سرجس من بنى بصرى وأبوه سرجس بفتح
السين المهملة وكسر الجيم وآخره سين أخرى لا ينصرف: وهذا الذي قاله المصنف من الكراهة
متفق عليه وهي كراهة تنزيه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله تعالى *
[ويكره أن يبول في الطريق والظل والموارد لما روى معاذ رضي الله عنه ان النبي صلى الله
عليه وسلم قال (اتقوا الملاعن الثلاثة البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل]
[الشرح] هذا الحديث رواه أبو داود وابن ماجة والبيهقي باسناد جيد وفى صحيح مسلم عن
أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اتقوا اللعانين قالوا وما اللعانان يا رسول الله
قال الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم) وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (من
سل سخيمته على طريق عامر من طرق المسلمين فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) رواه
البيهقي والسخيمة بفتح السين المهملة وكسر الخاء المعجمة هي الغائط والملاعن مواضع اللعن جمع
ملعنة كمقبرة ومجزرة موضع القبر والجزر وأما اللعانان في رواية مسلم فهما صاحبا اللعن أي الذي
يلعنهما الناس كثيرا وفى رواية أبي داود اللاعنان ومعناه الأمران الجالبان للعن لان من فعلهما
لعنه الناس في العادة فلما صارا سببا للعن أضيف الفعل إليهما قال الخطابي وقد يكون اللاعن بمعنى
الملعون فالتقدير اتقوا الملعون فاعلهما: وأما الموارد فقال الخطابي وغيره هي طرق الماء واحدها
مورد قالوا والمراد بالظل مستظل الناس الذي اتخذوه مقيلا ومناخا ينزلونه أو يقعدون تحته قالوا
وليس كل ظل يمنع قضاء الحاجة تحته فقد قعد النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته تحت حائش النخل
ثبت ذلك في صحيح مسلم وللحائش ظل بلا شك: وأما البراز فقال الخطابي هو هنا بفتح الباء وهو الفضاء
الواسع من الأرض كنوابه عن قضاء الحاجة كما كنوا عنه بالخلاء ويقال تبرز الرجل إذا تغوط كما
يقال تخلى قال وأهل الحديث يروونه البراز بكسر الباء وهو غلط هذا كلام الخطابي وقال غيره
86

الصواب البراز بكسر الباء وهو الغائط نفسه كذا ذكره أهل اللغة فإذا كان البراز بالكسر في اللغة
هو الغائط وقد اعترف الخطابي بان الرواة نقلوه بالكسر تعين المصير إليه فحصل أن المختار كسر
الباء وقد بسطت الكلام في هذه اللفظة في تهذيب الأسماء واللغات: وأما قارعة الطريق فأعلاه
قاله الأزهري والجوهري وغيرهما وقيل صدره وقيل ما برز منه والطريق يذكر ويؤنث لغتان
مشهورتان تقدم بيانهما وأما معاذ الراوي فهو أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل بن عمرو الأنصاري المدني
من كبار الصحابة وفقهائهم ومن أعلمهم بالأحكام شهد بدرا وسائر المشاهد وأسلم وله ثمان عشرة سنة توفى
سنة ثمان عشرة شهيدا في طاعون عمواس بفتح العين والميم وهي قرية بالأردن من الشام وقبره بغور بيسان
ومناقبه كثيرة مشهورة رضي الله عنه * وهذا الأدب وهو اتقاء الملاعن الثلاث متفق عليه وظاهر كلام
المصنف والأصحاب ان فعل هذه الملاعن أو بعضها مكروه كراهة تنزية لا تحريم وينبغي أن يكون
محرما لهذه الأحاديث ولما فيه من إيذاء المسلمين وفى كلام الخطابي وغيره (1) إشارة إلى تحريمه *
والله أعلم قال المصنف رحمه الله
[ويكره أن يبول في مساقط الثمار لأنه يقع عليه فينجس]
[الشرح] هذا الذي ذكره متفق عليه ولا فرق بين الشجر المباح والذي يملكه ولا بين وقت
الثمر وغير وقته لان الموضع يصير نحسا فمتى وقع الثمر تنجس وسواء البول والغائط وإنما اقتصر
المصنف على البول اختصارا وتنبيها للأدنى على الأعلى وإنما لم يقولوا بتحريم ذلك لان تنجس الثمار
به غير متيقن * قال المصنف رحمه الله *
[ويكره أن يتكلم لما روي أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان فان الله تبارك وتعالى
يمقت على ذلك] *

(1) هو البغوي في شرح السنة وقد صرح به في تعليقه على التنبيه وقد قطع هو والرافعي في كتاب الشهادة ان القعود في الطريق من الصغائر فيما نقلاه عن صاحب العدة بعد أن اعترض كل منهما عليه في أشياء وأقراه معا على تحريم التغوط في طريق المسلمين اه‍ أذرعي
87

[الشرح] هذا الحديث حسن رواه أحمد وأبو داود وغيرهما باسناد حسن ورواه الحاكم
في المستدرك وقال هو حديث صحيح وفى رواية للحاكم قال أبو سعيد قال النبي صلى الله عليه وسلم
(في المتغوطين أن يتحدثا فان الله يمقت على ذلك) ومعني يضربان الغائط باتيانه قل أهل اللغة
يقال ضربت الأرض إذا أتيت الخلاء وضربت في الأرض إذا سافرت وقوله صلى الله عليه وسلم
كاشفين كذا ضبطناه في كتب الحديث وفى المهذب وهو منصوب على الحال ووقع في كثير من
نسخ المهذب كاشفان بالألف وهو صحيح أيضا خبر مبتدأ محذوف أي وهما كاشفان والأول أصوب
والمقت البغض وقيل أشد البغض وقيل تعيب فاعل ذلك: وأبو سعيد الخدري سعد بن مالك تقدم
بيانه في آخر صفة الوضوء وهذا الذي ذكره المصنف من كراهة الكلام على قضاء الحاجة متفق
عليه قال أصحابنا ويستوي في الكراهة جميع أنواع الكلام ويستثنى مواضع الضرورة بأن رأى
ضريرا يقع في بئر أو رأى حية أو غيرها تقصد انسانا أو غيره من المحترمات فلا كراهة في الكلام
في هذه المواضع بل يجب في أكثرها فان قيل لا دلالة في الحديث المذكور لما ادعاه المصنف
لان الذم لمن جمع كل الأوصاف المذكورة في الحديث قلنا ما كان بعض موجبات المقت لاشك
في كراهته ويؤيده الرواية التي قدمناها عن الحاكم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[ويكره أن يرد السلام أو يحمد الله تعالى إذا عطس أو يقول مثل ما يقول المؤذن لان النبي
صلى الله عليه وسلم (سلم عليه رجل فلم يرد عليه حتى توضأ ثم قال كرهت أن أذكر الله تعالى
الا على طهر)] *
[الشرح] هذا الحديث صحيح لكن المصنف لم يذكره على وجهه ففوت المقصود منه
وموضع الدلالة روى المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه قال (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول
فسلمت عليه فلم يرد على حتى توضأ ثم اعتذر إلي فقال إني كرهت أن أذكر الله تعالى الا على طهر)
أو قال على طهارة رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم بأسانيد صحيحة وفى رواية
88

البيهقي فسلمت عليه وهو يتوضأ فلم يرد على وهذه الرواية قريبة مما ذكره المصنف وقوله صلى الله
عليه وسلم (كرهت أن أذكر الله الا على طهر) هذه الكراهة بمعنى ترك الأولى لا كراهة تنزيه
واحتج غير المصنف بحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال (مر رجل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم
يرد عليه) رواه مسلم وعن جابر (أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فقال له النبي صلى
الله عليه وسلم إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم على فإنك ان فعلت ذلك لم أرد عليك)
رواه ابن ماجة وهذا الذي ذكره المصنف من كراهة رد السلام وما بعده متفق عليه عندنا وكذا
التسبيح وسائر الأذكار قال البغوي في شرح السنة فان عطس على الخلاء حمد الله تعالى في نفسه
قاله الحسن والشعبي والنخعي وابن المبارك قال البغوي يحمد الله تعالى في نفسه هنا وفى حال الجماع
ثم هذه الكراهة التي ذكرها المصنف والأصحاب كراهة تنزيه لا تحريم بالاتفاق وحكي ابن المنذر
الكراهة عن ابن عباس وعطاء ومعبد الجهني وعكرمة: وعن النخعي وابن سيرين قالا لا بأس به
قال ابن المنذر وترك الذكر أحب إلى ولا أؤثم من ذكر والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[والمستحب أن يتكأ على رجله اليسرى لما روى سراقة بن مالك رضي الله عنه
قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتينا الخلاء أن نتوكأ على اليسرى) ولأنه أسهل
في قضاء الحاجة] *
[الشرح] هذا الحديث ضعيف رواه البيهقي عن رجل عن أبيه عن سراقة قال (علمنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدنا الخلاء أن يعتمد اليسرى وينصب اليمنى)
وسراقة هو أبو سفيان سراقة بن مالك بن جعشم بضم الجيم واسكان العين المهملة وضم الشين
المعجمة وفتحها المدلجي توفى سنة أربع وعشرين رضي الله عنه وقوله يتكئ ويتوكأ بهمز آخرهما
وهذا الأدب مستحب عند أصحابنا * واحتجوا فيه بما ذكره المصنف وقد بينا أن الحديث لا يحتج به فيبقى
المعنى ويستأنس بالحديث والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
89

(ولا يطيل القعود لأنه روى عن لقمان عليه السلام أنه قال طول القعود على الحاجة تتجع
منه الكبد ويأخذ منه الباسور فاقعد هوينا واخرج]
[الشرح] هذا الأدب مستحب بالاتفاق ولقمان هو الحكيم الذي قال الله تعالى فيه (ولقد
آتينا لقمان الحكمة) قال أبو إسحاق الثعلبي المفسر اتفق العلماء على أنه كان رجلا صالحا حكيما
ولم يكن نبيا الا عكرمة فانفرد وقال كان نبيا وقوله تتجع أوله تاء مثناة فوق ويجوز بالمثناة تحت
والجيم مفتوحة يقال تجعت تتجع كمرضت تمرض والكبد بفتح الكاف وكسر الباء ويجوز تسكين
الباء مع فتح الكاف وكسرها كما سبق في نظائره والباسور ضبطناه في المهذب بالباء والسين وفيها
ثلاث لغات ذكرهن الجوهري وغيره باسور بالباء والسين وناسور بالنون وناصور بالنون والصاد وهي
علة في مقعدة الانسان وقوله هوينا هو مقصور غير منون تصغير هوني كحبلي تأنيث الأهون
والمشهور فيه الهونا كالدنيا وقد قيل هونا كما قد قيل دنيا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وإذا بال تنحنح حتى يخرج إن كان هناك شئ ويمسح ذكره مع مجامع العروق
ثم ينتره] *
[الشرح] قوله ينتره بفتح أوله وضم ثالثه والنتر جذب بجفاء كذا قاله أهل اللغة واستنتر
إذا جذب بقية بوله عند الاستنجاء قال الشافعي رحمه الله في الأم يستبرئ البائل من البول لئلا
يقطر عليه قال وأحب إلى أن يقيم ساعة قبل الوضوء وينتر ذكره هذا لفظ نصه (1) وكذا قال
جماعات يستحب أن يصبر ساعة يعنون لحظة لطيفة (2) وقال الماوردي والروياني وغيرهما يستحب
أن ينتر ثلاثا مع التنحنح وقال جماعة منهم الروياني ويمشي بعده خطوة أو خطوات وقال إمام
الحرمين ويهتم بالاستبراء فيمكث بعد انقطاع البول ويتنحنح قال وكل أعرف بطبعه قال والنتر
ما ورد به الخبر وهو أن يمر إصبعا ليخرج بقية إن كانت والمختار أن هذا يختلف باختلاف الناس
والمقصود أن يظن أنه لم يبق في مجرى البول شئ يخاف خروجه فمن الناس من يحصل له هذا

(1) قال في البحر ويستبرئ من البول فيقم ساعة ثم ينتر ذكره قبل
الاستنجاء بيده اليسرى ثلاثا وهو ان يضع أصبعه على ابتداء مجرى بوله وهو من
عند حلقه الدبر ثم يسلت المجرى بتلك الإصبع إلى رأس الذكر قال والنتر هو
الدلك الشديد وقيل يمسك الذكر بيده اليسرى ويضع إصبع يده اليمنى على ابتداء
المجرى فإذا انتهى إلى الذكر نتره باليسرى وهذا أمكن حكاه الساجي انتهى لفظه اه‍ أذرعي
(2) لا معنى لقوله لحظة لطيفة بل هو مقيد بالحاجة بحيث يغلب على ظنه انه لو
كان ثم مني يخرج يختلف هذا باختلاف أحوال الناس كما قال فيما بعد اه‍ أذرعي
90

المقصود بأدنى عصر ومنهم من يحتاج إلى تكراره ومنهم من يحتاج إلى تنحنح ومنهم من
يحتاج إلى مشى خطوات ومنهم من يحتاج إلى صبر لحظة ومنهم من لا يحتاج إلى شئ من هذا
وينبغي لكل أحد أن لا ينتهي إلى حد الوسوسة قال أصحابنا وهذا الأدب وهو النتر والتنحنح
ونحوهما مستحب فلو تركه فلم ينتر ولم يعصر الذكر واستنجى عقيب انقطاع البول ثم
توضأ فاستنجاءه صحيح ووضوءه كامل لان الأصل عدم خروج شئ آخر قالوا والاستنجاء
يقطع البول فلا يبطل استنجاءه ووضوءه إلا أن يتيقن خروج شئ * واحتج جماعة
في هذا الأدب بما روى يزداذ وقيل ازداذ بن فسأة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا
بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث مرات) رواه أحمد وأبو داود في المراسيل وابن ماجة والبيهقي
واتفقوا على أنه ضعيف وقال الأكثرون هو مرسل ولا صحبة ليزداذ وممن نص على أنه لا صحبة
له البخاري في تاريخه وأبو حاتم الرازي وابنه عبد الرحمن وأبو داود وأبو أحمد بن عدي الحافظ
وغيره وقال يحيى بن معين وغيره لا نعرف يزداذ فالتعويل على المعنى الذي ذكره الأصحاب ويزداذ
بزاي ثم دال مهملة ثم ألف ثم ذال معجمة وفساءة بالفاء والسين المهملة المخففة وبالمد *
(فرع) قال أصحابنا يكره حشو الذكر بقطنة ونحوها صرح به المتولي والروياني والرافعي ونقله الروياني
عن الأصحاب والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[والمستحب أن لا يستنجى بالماء في موضع قضاء الحاجة لما روى عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه فان عامة الوسواس منه]
[الشرح] هذا الحديث حسن رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم باسناد حسن
وروي حميد بن عبد الرحمن الحميري عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة
رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله)
رواه أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي واسناده صحيح قال الخطابي المستحم المغتسل سمى مستحما
91

مشتقا من الحميم وهو الماء الحار الذي يغتسل به وعبد الله بن مغفل بغين معجمة مفتوحة ثم فاء مشددة
مفتوحة كنية عبد الله أبو سعيد وقيل أبو عبد الرحمن وقيل أبو زياد وهو ممن بايع رسول الله صلى الله عليه
وسلم تحت الشجرة بيعة الرضوان توفى سنة ستين رضي الله عنه * واتفق أصحابنا على أن المستحب أن
لا يستنجي بالماء في موضع قضاء الحاجة لئلا يترشش عليه وهذا في غير الا خلية المتخذة لذلك * أما المتخذ
لذلك كالمرحاض فلا بأس فيه لأنه لا يترشش عليه ولان في الخروج منه إلى غيره مشقة وقول المصنف
والأصحاب لا يستنجى بالماء في موضعه احتراز من الاستنجاء بالأحجار فان شرطه أن لا ينتقل عن موضعه
كما سنوضحه إن شاء الله تعالى
(فرع) في مسائل تتعلق بآداب قضاء الحاجة: إحداها قال أصحابنا لا بأس بالبول في إناء
لما روت عائشة رضي الله عنها قالت (يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصي إلى علي رضي الله
عنه لقد دعي بالطست يبول فيها فانحبس فمات وما أشعر به) هذا حديث صحيح رواه النسائي
وابن ماجة والبيهقي في سننهم والترمذي في كتاب الشمايل هكذا ورواه البخاري ومسلم في صحيحيهما
بمعناه: قالا قالت فدعى بالطست ولم تقل ليبول فيها وهو محمول على الرواية الصحيحة الصريحة
في البول والطست بالسين المهملة وهي مؤنثة وعن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها قالت (كان
للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت السرير) رواه أبو داود
والنسائي والبيهقي ولم يضعفوه وأميمة ورقيقة بضم أولهما ورقيقة بقافين وقولها
من عيدان هو بفتح العين المهملة وهي النخل الطوال المتجردة الواحدة عيد انه: (الثانية) يحرم
البول في المسجد في غير إناء: وأما في الاناء ففيه احتمالان لابن الصباغ ذكرهما في باب الاعتكاف
أحدهما الجواز كالفصد والحجامة في إناء: والثاني التحريم لان البول مستقبح فنزه المسجد منه وهذا
الثاني هو الذي اختاره الشاشي وغيره وهو الأصح المختار وجزم به صاحب التتمة في باب الاعتكاف
ونقله العبدري في باب الاعتكاف عن الأكثرين: (الثالثة) يحرم البول على القبر ويكره البول
92

بقربه: (الرابعة) قال أصحابنا يكره البول في الماء الراكد قليلا كان أو كثيرا لحديث جابر رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن يبال في الماء الراكد) رواه مسلم وفى الصحيحين نحوه من
رواية أبي هريرة رضي الله عنه: وأما الجاري فإن كان قليلا كره وإن كان كثيرا لا يكره هكذا قاله جماعة
من أصحابنا وفيه نظر وينبغي أن يحرم البول في القليل مطلقا لأنه ينجسه ويتلفه على نفسه وعلى غيره وأما
الكثير الجاري فلا يحرم لكن الأولى اجتنابه ومما ينهى عنه التغوط بقرب الماء صرح به الشيخ نصر
في الانتخاب والكافي وهو واضح داخل في عموم النهى عن البول في الموارد (الخامسة) قال أصحابنا يكره
استقبال الريح بالبول لئلا يرده عليه فيتنجس بل يستدبرها هذا هو المعتمد في كراهته: وأما الحديث
المروى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره البول في الهواء فضعيف بل
قال الحافظ أبو أحمد بن عدي إنه موضوع وجاء عن حسان بن عطية التابعي قال يكره للرجل أن
يبول في هواء وان يتغوط على رأس جبل (السادسة) قال أصحابنا يستحب أن يهئ أحجار الاستنجاء
قبل جلوسه لحديث عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا ذهب أحدكم
إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار) حديث حسن رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة
والدارقطني وغيرهم قال الدارقطني إسناده حسن صحيح فهذا هو المعتمد وأما ما احتج به جماعة
من أصحابنا من حديث (اتقوا الملاعن وأعدوا النبل) فليس بثابت فلا يحتج به والنبل
بضم النون وفتح الباء الموحدة الأحجار الصغار (السابعة) لا يجوز أن يبول على ما منع الاستنجاء
به لحرمته كالعظم وسائر المطعومات * (الثامنة) قال امام الحرمين والغزالي والبغوي وآخرون
يستحب أن لا يدخل الخلاء مكشوف الرأس قال بعض أصحابنا فإن لم يجد شيئا وضع كمه على رأسه
ويستحب أن لا يدخل الخلاء حافيا ذكره جماعة منهم أبو العباس بن سريج في كتاب الأقسام
وروى البيهقي باسناده حديثا مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا دخل الخلاء لبس
حذاءه وغطى رأسه) وروى البيهقي أيضا عن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء

(1) اما الاستنجاء في الماء الكثير الراكد فقال في شرح مسلم لا
يظهر كراهيته لأنه ليس في معني البول ولا يقاربه ولو اجتنبه كان حسنا وفيما
قاله نظر وعندي أنه مكروه ولا ينجسه غيره لأنه ثبت في الصحيح النهي عن الاغتسال
في الماء الدائم ونص الشافعي والأصحاب على كراهة الاغتسال فيه قليلا كان أو
كثيرا وهذا أولى بالكراهة لأنه أبلغ في الاستقذار اه‍ أذرعي
93

غطي رأسه وإذا أتي أهله غطي رأسه لكنه ضعيف قال البيهقي وروى في تغطية
الرأس عند دخول الخلاء عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو صحيح عنه: (قلت) وقد اتفق
العلماء على أن الحديث المرسل والضعيف والموقوف يتسامح به في فضائل الاعمال ويعمل بمقتضاه
وهذا منها: (التاسعة) قال صاحب البيان وغيره يستحب لمن هو على قضاء الحاجة
أن لا ينظر إلى فرجه ولا إلى ما يخرج منه ولا إلى السماء ولا يعبث بيده: (العاشرة) قال المصنف
في التنبيه وكثيرون من أصحابنا يستحب أن لا يستقبل الشمس ولا القمر واستأنسوا فيه بحديث
ضعيف وهو مخالف لاستقبال القبلة في أربعة أشياء: أحدها أن دليل القبلة صحيح مشهور ودليل
هذا ضعيف بل باطل ولهذا لم يذكره المصنف ولا كثيرون ولا الشافعي وهذا هو المختار لان
الحكم بالاستحباب يحتاج إلى دليل ولا دليل في المسألة: الثاني يفرق في القبلة بين الصحراء والبناء
كما سبق ولا فرق هنا صرح به المحاملي وآخرون: الثالث النهى في القبلة للتحريم وهنا للتنزيه
الرابع أنه في القبلة يستوي الاستقبال والاستدبار وهنا لا بأس بالاستدبار وإنما كرهوا الاستقبال: هذا هو
الصحيح المشهور وبه قطع المصنف في التنبيه والجمهور وقال الصيمري وأبو العباس الجرجاني في كتابه
الشافي يكره الاستدبار أيضا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[والاستنجاء واجب من البول والغائط لما روى أبو هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى
الله عليه وسلم قال (وليستنج بثلاثة أحجار) ولأنها نجاسة لا تلحق المشقة في أزالها غالبا فلا تصح
الصلاة معها كسائر النجاسات] *
[الشرح] حديث أبي هريرة هذا صحيح رواه الشافعي وأبو داود وغيرهما بأسانيد
صحيحة وسأذكره بكماله إن شاء الله تعالى * قوله وليستنج هو هكذا بالواو معطوف على ما قبله كما
سأذكره بكماله إن شاء الله تعالى وقول المصنف لا تلحقه المشقة في ازالتها احتراز من دم البراغيث
ونحوه وقوله فلم تصح الصلاة معها عبارة حسنة فإنه لو قال فوجب ازالتها لا تنتقض بنجاسة على ثوب
94

لا يصلى فيه والغائط معروف وتقدم في هذا الباب بيان أصله: أما حكم المسألة فالاستنجاء واجب
عندنا من البول والغائط وكل خارج من أحد السبيلين نجس ملوث وهو شرط في صحة الصلاة
وبه قال احمد وإسحاق وداود وجمهور العلماء ورواية عن مالك * وقال أبو حنيفة هو سنة وهو
رواية عن مالك وحكاه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والعبد ري وغيرهم عن المزني وجعل أبو حنيفة
هذا أصلا للنجاسات فما كان منها قدر درهم بغلي عفى عنه وإن زاد فلا وكذا عنده في الاستنجاء
ان زاد الخارج على درهم وجب وتعين الماء ولا يجزيه الحجر ولا يجب عنده الاستنجاء بالحجر *
واحتجوا بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن
ومن لا فلا حرج) رواه الدارمي وأبو داود وابن ماجة وهو حديث حسن ولأنها نجاسة لا تجب
إزالة أثرها فكذلك عينها كدم البراغيث ولأنه لا تجب ازالتها بالماء فلم يجب غيره قال المزني
ولأنا أجمعنا على جواز مسحها بالحجر فلم تجب إزالتها كالمني * واحتج أصحابنا بحديث أبي هريرة
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما أنا لكم مثل الوالد فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط
فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول وليستنج بثلاثة أحجار ونهى عن الروث والرمة وأن يستنجي
الرجل بيمينه) حديث صحيح رواه الشافعي في مسنده وغيره باسناد صحيح ورواه أبو داود والنسائي وابن
ماجة في سننهم بأسانيد صحيحة بمعناه قال البيهقي في كتابه معرفة السنن والآثار قال الشافعي في القديم هو
حديث ثابت وعن سلمان رضي الله عنه قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن يستنجى أحدنا بأقل
من ثلاثة أحجار) رواه مسلم وعن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا
95

ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن فإنها تجزى عنه) حديث صحيح
رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارقطني وقال اسناده حسن صحيح * واحتج الأصحاب
بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم (مر بقبرين فقال إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير
أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستنزه من بوله) وروى (لا يستبرئ)
رواه البخاري ومسلم وفى الاستدلال به نظر * واحتجوا من القياس بما ذكره المصنف والجواب عن
حديثهم أنه لأخرج في ترك الايتار وهو محمول على الايتار الزائد على ثلاثة أحجار جمعا بينه وبين
باقي الأحاديث الصحيحة لحديث سلمان وغيره: والجواب عن قياسهم على دم البراغيث ان ذلك
مشقة عظيمة بخلاف أصل الاستنجاء ولهذا تظاهرت الأحاديث الصحيحة على الامر بالاستنجاء
ولم يرد خبر في الامر بإزالة دم البراغيث وقياس المزني على المنى لا يصح لأنه طاهر والبول نجس
والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وان خرجت منه حصاة أو دودة لا رطوبة معها ففيه قولان أحدهما يجب
الاستنجاء لأنها لا تخلو من رطوبة والثاني لا يجب وهو الأصح لأنه خارج من غير رطوبة
فأشبه الريح] *
[الشرح] هذان القولان مشهوران وحكاهما بعض الأصحاب عن الجامع الكبير
وخالف الغزالي وشيخه وشيخ شيخه الأصحاب فنقلوهما وجهين نقله والصواب
قولان والصحيح منهما عند المصنف والجمهور لا يجب واختاره المزني وقال امام الحرمين الأصح
الوجوب ولو خرج المعتاد يابسا كبعرة لا رطوبة معها فهي كالحصاة لا يجب الاستنجاء على الصحيح
كذا صرح به الشيخ أبو محمد في الفروق والقاضي حسين وابن الصباغ والشاشي والبغوي وجماعات
وقطع به أبو العباس بن سريج في كتاب الأقسام وقول المصنف فأشبه الريح كذا قاسه الأصحاب
وأجمع العلماء على أنه لا يجب الاستنجاء من الريح والنوم ولمس النساء والذكر وحكي عن قوم
من الشيعة أنه يجب والشيعة لا يعتد بخلافهم قال الشيخ نصر في الانتخاب ان استنجى
لشئ من هذا فهو بدعة وقال الجرجاني يكره الاستنجاء من الريح والله أعلم * قال المصنف
رحمه الله *
96

[ويستنجي قبل أن يتوضأ فان توضأ ثم استنجي صح الوضوء وان تيمم ثم استنجي لم
يصح التيم وقال الربيع فيه قول آخر انه يصح: قال أبو إسحاق هذا من كيسه: والأول هو
المنصوص عليه في الأم ووجهه ان التيمم لا يرفع الحدث وإنما تستباح به الصلاة من نجاسة
النجو فلا تستباح مع بقاء المانع ويخالف الوضوء فإنه يرفع الحدث فجاز أن يرفع الحدث والمانع
قائم وان تيمم وعلى بدنه نجاسة في غير موضع الاستنجاء: ففيه وجهان أحدهما أنه كنجاسة النحو
والثاني أنه يصح التيمم لان التيمم لا تستباح به الصلاة من هذه النجاسة فصح فعله مع وجودها
بخلاف نجاسة النجو] *
[الشرح] إذا توضأ أو تيمم قبل الاستنجاء ثم استنجى بالحجر أو بالماء لافا على يده
خرقة أو نحوها بحيث لا يمس فرجه فقد نص الشافعي رحمه الله في البويطي أنه يصح وضوءه ولا
يصح تيممه ونقل المزني في المنثور عن الشافعي في صحة التيمم والوضوء جميعا قولين ونقل ابن القاص
أنه يصح الوضوء وفى التيمم قولان ونقل الربيع أنه لا يصح التيمم قال وفيه قول آخر انه يصح
فحصل في المسألتين ثلاثة أقوال أحدها يصح الوضوء والتيمم والثاني لا يصحان والثالث يصح الوضوء
ولا يصح التيمم وهذا الثالث هو الصحيح عند الأصحاب وقطع به أكثر المتقدمين والمتأخرين
وصححه الباقون قال القاضي أبو الطيب غلط من ذكر الخلاف في الوضوء وقال إمام الحرمين نقل
الخلاف في الوضوء بعيد جدا ولولا أن المزني نقله في المنثور عن الشافعي لما عددته من المذهب وقال
الشيخ أبو حامد قال أصحابنا هذا الذي ذكره الربيع في صحة التيمم ليس بمذهب للشافعي وقال
المحاملي غلط أصحابنا الربيع في ذلك وهذا معني قول المصنف قال أبو إسحاق هذا من كيس
الربيع وهو بكسر الكاف معناه ليس هذا منصوصا للشافعي بل الربيع خرجه من عند نفسه: وأما
قول صاحب الإبانة الأصح صحة التيمم فغلط مخالف للأصحاب ونصوص الشافعي والدليل: أما
إذا كان على موضع من بدنه نجاسة في غير موضع الاستنجاء فتيمم قبل ازالتها ففي صحة التيمم
97

الوجهان اللذان ذكرهما المصنف وهما مشهوران ونقل ابن الصباغ ان الشافعي نص في الأم على أنه
لا يصح تيممه حتى يزيلها واختلف الأصحاب في الأصح فصحح الشيخ أبو حامد والقاضي أبو
الطيب وابن الصباغ والشيخ نصر والشاشي وآخرون من العراقيين بطلان التيمم وصحح إمام
الحرمين والبغوي صحته وبه قطع أبو علي الطبري في الافصاح ودليله ما ذكره المصنف قال امام
الحرمين ولأنه لا خلاف أنه لو تيمم وهو مكشوف العورة صح تيممه وإن كان هذا التيمم لا يستعقب
إباحة الصلاة حتى يستر عورته وذكر القاضي أبو الطيب نحو هذا: وهذا الذي أورداه من ستر
العورة اشكال قوى: ويمكن الفرق بأن ستر العورة أخف من إزالة النجاسة ولهذا تصح الصلاة مع
العرى بلا إعادة بخلاف النجاسة والله أعلم * ثم صورة المسألة أن يكون مع هذا التيمم من الماء ما يكفيه
لإزالة النجاسة من غير زيادة كذا صورها امام الحرمين وغيره وهو الصواب: وتتصور أيضا فيمن
تيمم لجراحة أو مرض بحيث لا يجب استعمال الماء في الحدث ويجب في النجس لقلته وقال البغوي
الوجهان فيمن ليس معه ما يغسل به النجاسة فأما من معه ما يكفيه للنجاسة فلا يصح تيممه قبل
ازالتها والصواب ما سبق * ولو تيمم وليس عليه نجاسة ثم حدثت نجاسة وقلنا النجاسة المقارنة تمنع
صحة التيمم ففي الحادثة وجهان حكاهما الروياني قال وهما كالوجهين فيما إذا تيمم ثم ارتد لأن النجاسة
تمنع الصلاة كالردة وقال القاضي حسين ان تيمم عالما بالنجاسة صح تيممه لان طلبه الماء
للتيمم يكفيه له وللنجاسة: وان تيمم وعليه نجاسة لا يعلمها أو حدثت بعد التيمم بطل التيمم لأنه
يجب طلب الماء لازالتها والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وإذ أراد الاستنجاء نظرت فإن كانت النجاسة بولا أو غائطا ولم تجاوز الموضع المعتاد جاز بالماء
والحجر والأفضل أن يجمع بينهما لان الله تعالى اثنى على أهل قباء فقال سبحانه وتعالى (فيه رجال يحبون
أن يتطهروا والله يحب المطهرين) فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عما يصنعون فقالوا نتبع الحجارة
الماء: فان أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل لأنه أبلغ في الانقاء وان أراد الاقتصار على الحجر جاز
98

لما روت عائشة رضي الله عنها قالت (بال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام عمر خلفه بكوز من ماء فقال
ما هذا يا عمر فقال ماء تتوضأ به فقال ما أمرت كلما بلت ان أتوضأ ولو فعلت لكان سنة) ولأنه قد يبتلى
بالخارج في مواضع لا يلحق الماء فيها فسقط وجوبه]
[الشرح] أما حديث عائشة فرواه أبو داود وابن ماجة والبيهقي في سننهم وهو حديث ضعيف (1)
والمراد بالوضوء هنا الاستنجاء بالماء وقوله لكان سنة أي واجبا لازما ومعناه لو واظبت
على الاستنجاء بالماء لصار طريقة لي يجب اتباعها * واما حديث أهل قباء فروى فيه عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال (نزلت هذه الآية في أهل قباء (فيه رجال يحبون ان يتطهروا) وكانوا
يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والبيهقي وغيرهم ولم يضعفه
أبو داود لكن اسناده ضعيف فيه يونس بن الحرث قد ضعفه الأكثرون وإبراهيم بن أبي ميمونة
وفيه جهالة وعن عويم بن ساعدة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم (أتاهم في مسجد قباء فقال إن
الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور فما هذا الطهور الذي تطهرون به قالوا والله يا رسول الله ما نعلم
شيئا الا انه كان لنا جيران من اليهود يغسلون أدبارهم فغسلنا كما غسلوا) رواه أحمد بن حنبل في مسنده
وأبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في صحيحه وعن جابر وأبي أيوب وانس رضي الله عنهم قالوا نزلت
هذه الآية (فيه رجال يحبون ان يتطهروا) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا معشر الأنصار قد
اثنى الله عليكم في الطهور فما طهوركم قالوا نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة ونستنجي بالماء فقال هو
ذلك فعليكموه) رواه ابن ماجة والدارقطني والبيهقي وفي رواية البيهقي (فما طهوركم قالوا نتوضأ للصلاة
ونغتسل من الجنابة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهل مع ذلك غيره قالوا لا غير أن أحدنا
إذا خرج من الغائط أحب أن يستنجي بالماء قال هو ذاك فعليكموه): واسناد هذه الرواية ورواية
ابن ماجة وغيره اسناد صحيح الا ان فيه عتبة بن أبي حكيم وقد اختلفوا في توثيقه فوثقه الجمهور
ولم يبين من ضعفه سبب ضعفه والجرح لا يقبل الا مفسرا فيظهر الاحتجاج بهذه الرواية فهذا

(1) هذا الحديث لو ثبت لكان في الاحتجاج به لهذه المسألة نظر لأنه يحتمل ان المراد الوضوء الشرعي إذ لا مانع منه اه‍ من هامش الأذرعي
99

الذي ذكرته من طرق الحديث هو المعروف في كتب الحديث أنهم كانوا يستنجون بالماء وليس
فيها ذكر الجمع بين الماء والأحجار: وأما قول المصنف قالوا نتبع الحجارة الماء فكذا يقوله أصحابنا
وغيرهم في كتب الفقه والتفسير وليس له أصل في كتب الحديث وكذا قال الشيخ أبو حامد في
التعليق ان أصحابنا رووه قال ولا أعرفه فإذا علم أنه ليس له أصل من جهة الرواية فيمكن تصحيحه
من جهة الاستنباط لان الاستنجاء بالحجر كان معلوما عندهم يفعله جميعهم: وأما الاستنجاء بالماء فهو الذي
انفردوا به فلهذا ذكر ولم يذكر الحجر لأنه مشترك بينهم وبين غيرهم ولكونه معلوما فان المقصود
بيان فضلهم الذي أثنى الله تعالى عليهم بسببه ويؤيد هذا قولهم إذا اخرج أحدنا من الغائط أحب أن
يستنجى بالماء فهذا يدل على أن استنجاءهم بالماء كان بعد خروجهم من الخلاء والعادة جارية بأنه
لا يخرج من الخلاء الا بعد التمسح بماء أو حجر: وهكذا المستحب أن يستنجى بالحجر في موضع
قضاء الحاجة ويؤخر الماء إلى أن ينتقل إلى موضع آخر والله أعلم * وقباء بضم القاف يذكر
ويؤنث وفيه لغات المد والقصر قال الخليل مقصور وقال الأكثرون ممدود ويجوز فيها أيضا
الصرف وتركه والأفصح الأشهر مده وتذكيره وصرفه وهو قرية على ثلاثة أميال من المدينة وقيل
أصله اسم بئر هناك وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور قباء كل سبت راكبا
وماشيا ويصلى فيه والله أعلم * أما حكم المسألة فقال أصحابنا يجوز الاقتصار في الاستنجاء على
الماء ويجوز الاقتصار على الأحجار والأفضل أن يجمع بينهما فيستعمل الأحجار ثم يستعمل الماء فتقديم
الأحجار لتقل مباشرة النجاسة واستعمال الماء ثم يستعمل الماء ليطهر المحل طهارة كاملة فلو استنجي
أولا بالماء لم يستعمل الأحجار بعده لأنه لا فائدة فيه: صرح به الماوردي وآخرون وهو واضح
وان أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل لأنه يطهر المحل ولا فرق في جواز الاقتصار على الأحجار
بين وجود الماء وعدمه ولا بين الحاضر والمسافر والصحيح والمريض هذا مذهبنا وبه قال جماهير
العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وحكي ابن المنذر عن سعد بن أبي وقاص وحذيفة
100

وابن الزبير رضي الله عنهم انهم كانوا لا يرون الاستنجاء بالماء وعن سعيد بن المسيب
قال ما يفعل ذلك الا النساء وقال عطاء غسل الدبر محدث قال القاضي أبو الطيب
وغيره قالت الزيدية والقاسمية من الشيعة لا يجوز الاستنجاء بالأحجار مع وجود الماء: فأما سعيد
وموافقوه فكلامهم محمول على أن الاستنجاء بالماء لا يجب أو ان الأحجار عندهم أفضل: وأما
الشيعة فلا يعتد بخلافهم ومع هذا فهم محجوجون بالأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم
أمر بالاستنجاء بالأحجار واذن فيه وفعله وقد سبقت جملة من الأحاديث وسنذكر الباقي في
مواضعها إن شاء الله تعالى: وأما الدليل على جوازه بالماء فأحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها
حديث أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم (يأتي الخلاء فأتبعه انا وغلام بإداوة من ماء فيستنجي
بها) رواه البخاري ومسلم وعن عائشة انها قالت لنسوة (مرن أزواجكن ان يستنجوا بالماء فاني
استحييهم وان النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله) حديث صحيح رواه أحمد والترمذي والنسائي
وآخرون قال الترمذي حديث حسن صحيح وعن أبي هريرة كان النبي صلى الله عليه وسلم (إذا
أتي الخلاء أتيته بماء في ركوة فاستنجي ثم مسح يده على الأرض ثم أتيته باناء آخر فتوضأ) رواه
101

لأحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي ولم يضعفه أبو داود ولا غيره واسناده صحيح إلا أن فيه
شريك بن عبد الله القاضي وقد اختلفوا في الاحتجاج به وفى المسألة أحاديث كثيرة غير ما ذكرناه
قال الخطابي وزعم بعض المتأخرين أن الماء مطعوم فلهذا كره الاستنجاء به سعد وموافقوه وهذا
قول باطل منابذ للأحاديث الصحيحة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وان أراد الاقتصار على الحجر لزمه أمران أحدهما ان يزيل العين حتى لا يبقى الا أثر لاصق
لا يزيله الا الماء والثاني أن يستوفى ثلاث مسحات لما روى أن رجلا قال لسلمان رضي الله عنه
انه علمكم نبيكم كل شئ حتى الخراءة قال (أجل نهانا ان نجتزئ بأقل من ثلاثة أحجار) فان استنجي
بحجر له ثلاثة أحرف أجزأه لان القصد عدد المسحات وقد وجد ذلك]
[الشرح] حديث سلمان رواه مسلم في صحيحه ووقع في المهذب (نهانا أن نجتزئ)
والذي في مسلم نستنجي بدل نجتزئ وفى رواية لمسلم قال (ولا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة
أحجار) وقوله الخراءة هي بكسر الخاء وبالمد قال الخطابي هي أدب التخلي والقعود عند الحاجة
وسلمان الراوي هو أبو عبد الله سلمان الفارسي الأصبهاني من فضلاء الصحابة وفقهائهم وزهادهم
وعبادهم ومناقبه أكثر من أن تحصر وهو مولى النبي صلى الله عليه وسلم توفى بالمدائن سنة ست
وثلاثين وقيل سبع وعمر عمرا طويلا جدا واتفقوا على أنه عاش مائتين وخمسين سنة واختلفوا في الزيادة
عليها فقيل ثلاثمائة وخمسين وقيل غير ذلك والله أعلم: اما حكم المسألة فمن اقتصر على الحجر لزمه
أمران أحدهما أن يزيل العين حتى لا يبقى الا أثر لاصق لا يزيله إلا الماء هكذا نص عليه الشافعي
في الأم ومختصر المزني بهذا اللفظ وكذا قاله الأصحاب في كل الطرق الا الصيمري وصاحبه صاحب
102

الحاوي فقال إذا بقي مالا يزول بالحجر ويزول بصغار الخزف وبالخرق ففيه وجهان أحدهما وهو
ظاهر مذهب الشافعي وقول أكثر الأصحاب تجب ازالته لأنها ممكنة بغير الماء: والثاني وهو قول
بعض المتقدمين لا يجب لان الواجب الإزالة بالأحجار وقد أزال ما يزول بالأحجار ورجح الروياني
هذا الثاني وهو الصواب لان الشرع لم يكلفه غير الأحجار وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة
المصرحة بأجزاء الأحجار
(الثاني) انه يلزمه ثلاث مسحات وان حصل الانقاء بمسحة واحدة
نص عليه الشافعي في الأم واتفق عليه جماهير الأصحاب في كل الطرق وحكي الحناطي بالحاء
المهملة والنون وصاحب البيان والرافعي وجها انه إذا حصل الانقاء بحجرين أو حجر كفاه وهذا
شاذ ضعيف والصواب وجوب ثلاث مسحات مطلقا ثم هو مخير بين المسح بثلاثة أحجار أو بحجر له
ثلاثة أحرف هكذا نص عليه الشافعي في الأم وغيره واتفق عليه الأصحاب وفرقوا بينه وبين
من رمى الجمار في الحج بحجر له ثلاثة أحرف فإنه لا يحسب له الا حجر واحد لان المقصود هناك عدد
الرمي والمقصود هنا عدد المسحات قال الشافعي والأصحاب والمسح بثلاثة أحجار أفضل من
أحرف حجر للحديث (وليستنج بثلاثة أحجار): قال المحاملي وغيره ولو بال وتغوط فالمستحب ان
يمسح بستة أحجار فان مسحهما بحجر له ستة أحرف ست مسحات أجزأه لحصول المسحات قال
ابن الصباغ وغيره وكذا الخرقة الغليظة التي إذا مسح بأحد وجهيها لا يصل البلل إلى الجانب الآخر
يجوز ان يمسح بوجهيها ويحسب مسحتين وحكى الدارمي في الاستذكار عن ابن جابر انه لا يجزئه
حجر له ثلاثة أحرف وأظنه أراد بابن جابر إبراهيم بن جابر من أصحابنا وحينئذ يكون وجها
شاذا في المذهب وهو رواية عن أحمد ابن حنبل واختاره ابن المنذر للحديث: قال أصحابنا وإذا حصل
الانقاء بثلاثة أحجار فلا زيادة فإن لم يحصل بثلاثة وجب رابع فان حصل به استحب خامس
ولا يجب فإن لم يحصل وجب خامس فان حصل به فلا زيادة والأوجب سادس فان حصل به استحب
سابع ولا يجب والأوجب وهكذا أبدا متى حصل بثلاثة فما فوقها لم تجب زيادة: واما الاستحباب
103

فإن كان حصول الانقاء بوتر لم يستحب الزيادة والا استحب الايتار لقوله صلى الله عليه وسلم (من
استجمر فليوتر) رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة وحكى صاحب البيان وجها ان الايتار بخامس
واجب لعموم الامر بالايتار وهذا الوجه شاذ فان الامر بالايتار بعد الثلاث للاستحباب
والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في عدد الأحجار قد ذكرنا أن مذهبنا وجوب ثلاث مسحات
وان حصل الانقاء بدونها وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وقال مالك وداود الواجب الانقاء
فان حصل بحجر أجزأه وهو وجه لنا كما سبق وحكاه العبدري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وبه قال أبو حنيفة حيث أوجب الاستنجاء * واحتجوا بحديث أبي هريرة السابق (من استجمر
فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج) قالوا ولان المقصود الانقاء ولأنه لو استنجى بالماء
لم يشترط عدد فكذا الحجر * واحتج أصحابنا بحديث سلمان وهو صريح في وجوب الثلاث وبحديث
أبي هريرة (وليستنج بثلاثة أحجار) وهما صحيحان سبق بيانهما وبحديث عائشة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن
فإنها تجرئ عنه) وهو صحيح سبق بيانه في مسألة وجوب الاستنجاء وبحديث أبي هريرة (كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة) رواه أحمد
وأبو داود والنسائي وابن ماجة بأسانيد صحيحة: الرمة بكسر الراء العظم البالي وبحديث خزيمة
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستطابة فقال (بثلاثة أحجار) رواه أحمد وأبو داود وابن
ماجة والبيهقي ولم يضعفه أبو داود ولا غيره وبحديث ابن مسعود (أتى النبي صلى الله عليه وسلم
الغائط فأمرني ان آتيه بثلاثة أحجار فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجد فأخذت روثة فأتيته
بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال إنها ركس) رواه البخاري هكذا ورواه أحمد والدارقطني
والبيهقي في بعض رواياته زيادة فألقى الروثة وقال ائتني بحجر يعني ثالثا وفى بعضها ائتني بغيرها
وبحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من استجمر فليوتر) رواه مسلم وفى رواية
104

لأحمد والبيهقي (إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثا) قال البيهقي هذه الرواية تبين أن المراد
بالايتار في الرواية الأولى ما زاد على الواحد * واحتجوا من القياس بأشياء كثيرة منها قياس
القاضيين أبي الطيب وحسين في تعليقيهما عبادة تتعلق بالأحجار يستوي فيها الثيب والأبكار فكان
للعدد فيها اعتبار قياسا على رمى الجمار قال أبو الطيب قولنا يستوي فيها الثيب والأبكار احتراز
من الرجم ولا حاجة إلى الأقيسة مع هذه الأحاديث الصحيحة قال الخطابي في حديث سلمان
(أمرنا أن نستنجي بثلاثة أحجار) في هذا البيان الواضح أن الاقتصار على أقل من ثلاثة
أحجار لا يجوز وان حصل الانقاء بدونها ولو كفى الانقاء لم يكن لاشتراط العدد معنى فانا نعلم أن
الانقاء قد يحصل بواحد وليس هذا كالماء إذا أنقى كفى لأنه يزيل العين والأثر فدلالته قطعية
فلم يحتج إلى الاستظهار بالعدد: وأما الحجر فلا يزيل الأثر وإنما يفيد الطهارة ظاهرا لا قطعا
فاشترط فيه العدد كالعدة بالأقراء لما كانت دلالتها ظنا اشترط فيها العدد وإن كان قد تحصل
براءة الرحم بقرء ولهذا اكتفى بقرء في استبراء الأمة ولو كانت العدة بالولادة لم يشترط العدد
لان دلالتها قطعية هذا مختصر كلام الخطابي: فان قيل التقييد بثلاثة أحجار إنما كان لان الانقاء
لا يحصل بدونها غالبا فخرج مخرج الغالب قلنا لا يجوز حمل الحديث على هذا لان الانقاء شرط
بالاتفاق فكيف يخل به ويذكر ما ليس بشرط مع كونه موهما للاشتراط: فان قيل فقد ترك ذكر
الانقاء قلنا ذلك من المعلوم الذي يستغنى بظهوره عن ذكره بخلاف العدد فإنه لا يعرف الا بتوقيف
فنص على ما يخفى وترك مالا يخفى ولو حمل على ما قالوه لكان اخلالا بالشرطين معا وتعرضا لما
لا فائدة فيه بل فيه إيهام: والجواب عن الحديث الذي احتجوا به أن الوتر الذي لا حرج في تركه
هو الزائد على ثلاثة جمعا بين الأحاديث: والجواب عن الدليلين الآخرين سبق في كلام
الخطابي والله أعلم *
(فرع) قال أصحابنا لو مسح ذكره مرتين أو ثلاثا ثم خرجت منه قطرة وجب استئناف
الثلاث * قال المصنف رحمه الله *
105

[وفى كيفية الاستنجاء بالحجر وجهان قال أبو علي بن أبي هريرة يضع حجرا على مقدم
صفحته اليمنى وبمره إلى آخرها ثم يدبر الحجر إلى الصفحة اليسرى فيمره عليها إلى أن ينتهي إلى
الموضع الذي بدأ منه ويأخذ الثاني فيمره على الصفحة اليسرى ويمره إلى آخرها ثم يديره إلى صفحته
اليمني فيمره عليها من أولها لي أن ينتهي إلى الموضع الذي بدأ منه ويأخذ الثالث فيمره على المسربة
لقوله صلى الله عليه وسلم (يقبل بواحد ويدبر بآخر ويحلق بالثالث) وقال أبو إسحاق
يمر حجرا على الصفحة اليميني وحجرا على الصفحة اليسرى وحجرا على المسربة لقوله صلى الله عليه
وسلم (أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار حجران للصفحتين وحجر للمسربة) والأول أصح
لأنه يمر كل حجر على المواضع الثلاثة] *
[الشرح] اما الحديث الأول فضعيف منكر لا أصل له وينكر على المصنف قوله فيه لقوله
صلى الله عليه وسلم فعبر عنه بصيغة الجزم مع أنه حديث منكر: اما الثاني فحديث حسن عن سهل
ابن سعد الساعدي رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستطابة فقال
(أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار حجرين للصفحتين وحجرا للمسربة) رواه الدارقطني والبيهقي
وقالا اسناده حسن: وأما قول الرافعي الحديثان ثابتان فغلط منه في الحديث الأول ووقع في
الحديث حجرين وحجرا بالنصب: وفى المهذب حجران وحجر بالرفع وكلاهما صحيح فالأول
على البدل من ثلاثة: والثاني على الابتداء: وقد جاء القرآن بالوجهين: فالبدل في مواضع كثيرة
106

كقوله تعالى (ان هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم) والابتداء قوله تعالى (قد كان لكم
آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله) وقوله ويحلق هو بضم الياء وكسر اللام المشددة أي
يديره كالحلقة والمسربة هنا مجرى الغائط وهي بضم الراء وقيل يجوز فتحها وللمسربة معنى آخر
في اللغة وهي الشعر المستدق من السرة إلى العانة: وجماء ذكرها في الحديث وليست مرادة هنا:
أما حكم المسألة ففي كيفية الاستنجاء ثلاثة أوجه أحدها يمر حجرا من مقدم الصفحة اليمنى ويديره
عليها ثم على اليسرى حتى يصل الموضع الذي بدأ منه ثم يمر الحجر الثاني من أول الصفحة اليسرى
إلى آخرها ثم على اليمنى حتى يصل موضع ابتدائه ثم يمر الثالث على المسربة وهذا قول ابن أبي هريرة:
الثاني يمسح بحجر الصفحة اليمنى وحدها ثم بحجر اليسرى وحدها وبالثالث المسربة وهذا قول أبي إسحاق
المروزي: والثالث يضع حجرا على مقدم المسربة ويمره إلى آخرها ثم حجرا على مؤخر المسربة ويمره
إلى أولها ثم يحلق بالثالث حكاه البغوي وهو غريب: واتفق الأصحاب على أن الصحيح هو الوجه الأول
لأنه يعم المحل بكل حجر ونقل القاضي أبو الطيب وصاحبا الشامل والتتمة عن الأصحاب أنهم غلطوا أبا
إسحاق المروزي في الوجه الثاني ونقل القاضي حسين في تعليقه ان الشافعي نص في الكبير على قول أبي إسحاق
لكن الأصحاب تأولوه وعلى هذا الجواب عن الحديث الذي احتج به أن قوله صلى الله عليه وسلم حجرين للصفحتين
معناه كل حجر للصفحتين ثم اختلفوا في هذا الخلاف فالصحيح أنه خلاف في الأفضل وان الجميع
جائز: وبهذا قطع العراقيون والبغوي وآخرون من الخراسانيين وحكاه الرافعي عن معظم الأصحاب
وحكي الخراسانيون وجها انه خلاف في الوجوب فصاحب الوجه الأول لا يجيز الكيفية الثانية
وصاحب الثاني لا يجيز الأولى وهذا قول الشيخ أبى محمد الجويني: وقال الغزالي في درسه ينبغي
أن يقال من قال بالأول لا يجيز الثاني ومن قال بالثاني يجيز الأول (1) قال المتولي فان احتاج إلى استعمال

(1) قال ابن الصلاح وهذا الذي قاله من عنده مليح اه‍ أذرعي
107

حجر رابع وخامس فصفة استعماله كصفة الثالث لأنا أمرناه في الثالث بمسح الجميع لان عين النجاسة
زالت بالحجرين الأولين وليس في المحل الا أثر فلا يخشى انبساطه
(فرع) قال أصحابنا الخراسانيون ينبغي أن يضع الحجر على موضع طاهر بقرب النجاسة
ولا يضعه على نفس النجاسة لأنه إذا وضعه عليها بقي شيئا منها ونشرها وحينئذ يتعين الماء ثم إذا
انتهي إلى النجاسة أدار الحجر قليلا قليلا حتى يرفع كل جزء من الحجر جزا من النجاسة فلو
أمر الحجر من غير إدارة ونقل النجاسة من موضع إلى موضع تعين الماء وان أمر ولم ينقل فهل
يجزئه فيه وجهان: الصحيح يجزيه هكذا ذكره امام الحرمين والغزالي والرافعي وغيرهم ولم يشترط
العراقيون شيئا من ذلك وهو الصحيح فان اشتراط ذلك تضييق للرخصة غير ممكن
الا في نادر من الناس مع عسر شديد وليس لهذا الاشتراط أصل في السنة والله أعلم * قال
المصنف رحمه الله *
[ولا يجوز أن يستنجي بيمينه لما روت عائشة رضي الله عنها قالت (كانت يد رسول الله
صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى) فإن كان يستنجى
بغير الماء أخذ ذكره بيساره ومسحه على ما يستنجى به من أرض أو حجر فإن كان الحجر صغيرا
غمز عقبه عليه وأمسكه بين ابهامي رجليه ومسح ذكره عليه بيساره وإن كان يستنجي بالماء
صب الماء بيمينه ومسحه بيساره فان خالف واستنجى بيمينه أجزأه لان الاستنجاء يقع بما في
اليد لا باليد فلم تمنع صحته] *
[الشرح] حديث عائشة صحيح رواه أحمد وأبو داود بأسناد صحيح وروى جماعة من
الصحابة في النهى عن الاستنجاء باليمين: فروي أبو قتادة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم (إذا أتي أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بيمينه) رواه البخاري ومسلم
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستنجي باليمين)
108

رواه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما أنا لكم بمنزلة
الوالد أعلمكم فإذا أتي أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستطيب بيمينه وكان
يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة) حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وغيرهما
بأسانيد صحيحة وهذا لفظ أبي داود وقوله صلى الله عليه وسلم (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد) فيه
تفسير أن ذكرهما صاحب الحاوي وآخرون أظهرهما ولم يذكر الخطابي غيره انه كلام بسط وتأنيس
للمخاطبين لئلا يستحيوا عن مسألته فيما يحتاجون إليه من أمر دينهم لا سيما ما يتعلق بالعورات
ونحوها فقال أنا كالوالد فلا تستحيوا منى في شئ من ذلك كما لا تستحيون من الوالد: والثاني
معناه يلزمني تأديبكم وتعليمكم أمر دينكم كما يلزم الوالد ذلك ويجوز أن يكون المراد كالوالد في
الامرين جميعا وفى ثالث أيضا وهو الحرص على مصلحتكم والشفقة عليكم والله أعلم * أما حكم
المسألة فقال الأصحاب يكره الاستنجاء باليمين كراهة تنزيه ولا يحرم هكذا صرح به الجمهور قال
الشيخ أبو حامد في تعليقه يستحب أن يستنجى بيساره وهو منهى عن الاستنجاء بيمينه نهى
تنزيه لا تحريم وقال امام الحرمين الاستنجاء باليمين مكروه غير محرم قال وحرمه أهل الظاهر
وقال ابن الصباغ وآخرون الاستنجاء باليسار أدب وليس اليمين معصية وقال القاضي أبو الطيب وآخرون
يستحب أن يستنجى بيساره وقال المحاملي والفوراني والغزالي في البسيط والبغوي والروياني
وصاحب العدة وآخرون يكره باليمين وقال أبو محمد الجويني في الفروق والبغوي في شرح السنة
النهي عن اليمين نهي تأديب وعبارات الجمهور ممن لم أذكرهم نحو هذه العبارات وقال الخطابي
النهي عن الاستنجاء باليمين عند أكثر العلماء نهى تأديب وتنزيه وقال بعض أهل الظاهر
109

لا يجزئه: وأما قول المصنف لا يجوز الاستنجاء باليمين فكذا قاله سليم الرازي في الكفاية والمتولي (1)
والشيخ نصر في كتبه التهذيب والانتخاب والكافي وكذا رأيته في موضع من تعليق أبي حامد
وظاهر هذه العبارة تحريم الاستنجاء باليمين ولكن الذي عليه جمهور الأصحاب أنه مكروه كراهة
تنزيه كما ذكرنا ويؤيده قول الشافعي في مختصر المزني النهى عن اليمين أدب ويمكن أن يحمل كلام
المصنف وموافقيه على أن قولهم لا يجوز معناه ليس مباحا مستوى الطرفين في الفعل والترك
بل هو مكروه راجح الترك وهذا أحد المذهبين المشهورين في أصول الفقه وقد استعمل المصنف
لا يجوز في مواضع ليست محرمة وهي تتخرج على هذا الجواب: فان قيل هذا غير معتاد
في كتب المذهب قلنا هو موجود فيها وإن كان قليلا ولا يمتنع استعماله على اصطلاح
الأصول وقد حكى أن المصنف ضرب في نسخة أصله بالمهذب على لفظة يجوز ان وبقي قوله ولا يستنجى باليمين وهذا يصحح ما قلناه والله أعلم: قال أصحابنا ويستحب أن لا يستعين بيمينه في شئ
من أمور الاستنجاء الا لعذر وقول المصنف إن كان الحجر صغيرا غمز عقبه عليه أو أمسكه بين
ابهامي رجليه كذا قاله أصحابنا لئلا يستنجى بيمينه ولا يمس ذكره بيمينه فإن لم يمكنه ذلك
واحتاج إلى الاستعانة باليمين فالصحيح الذي قاله الجمهور انه يأخذ الحجر بيمينه والذكر بيساره
ويحرك اليسار دون اليمين فان حرك اليمين أو حركهما كان مستنجيا باليمين مرتكبا لكراهة التنزيه
ومن أصحابنا من قال يأخذ الذكر بيمينه والحجر بيساره ويحرك اليسار لئلا يستنجي باليمين حكاه
صاحب الحاوي وغيره وهو غلط فإنه منهى عن مس الذكر بيمينه وذكر الرافعي وجها انه لا طريق
إلى الاحتراز من هذه الكراهة الا بالامساك بين العقبين أو الإبهامين وكيف استعمل اليمين
بإمساك الحجر أو غيره فمكروه وهذا الوجه غلط أيضا قال أصحابنا فلو كان بيده اليسرى مانع
كقطع وغيره فلا كراهة في اليمين للضرورة والله أعلم *
(فرع) في مسائل تتعلق بالفصل (إحداها) السنة أن يستنجى قبل الوضوء ليخرج من
الخلاف وليأمن انتقاض طهره قال أصحابنا ويستحب ان يبدأ في الاستنجاء بالماء بقبله

(1) كلام المتولي مضطرب فإنه ذكر في كلامه على الاستنجاء بالأشياء
المحترمة حيث لا يصح ان الفرق بينه وبين الاستنجاء باليمين ان النهى عنه على
سبيل الأدب ثم قال بعده بورقتين لا يستنجى باليمين مع القدرة على الاستنجاء
باليسرى واستدل له ثم قال فان استنجى بها صح لان الخلل ليس فيما يقع الاستنجاء
به وإنما هو في الآلة فصار كما لو توضأ بماء مطلق من آية الذهب والفضة فان
يجوز وهذا ظاهر في التحريم كما نقله الشيخ عند أنه قال لا يجوز وكلامه الأول
يخالفه والله أعلم ويتعين حمل الثاني على الأول اه‍ أذرعي
110

(الثانية) إذا أراد الرجل الاستنجاء من البول مسح ذكره على ثلاثة مواضع (1) من الحجر طاهرة
فلو مسحه ثلاثا على موضع واحد لم يجزئه وتعين الماء قال القاضي حسين ولو وضع رأس الذكر
على جدار ومسحه من أسفل إلى أعلى لم يجزئه وان مسحه من أعلى إلى أسفل أجزأه وفى هذا التفصيل
نظر: (الثالثة) إذا أراد الاستنجاء في الدبر بالماء استحب أن يعتمد على أصبعه الوسطى لأنه أمكن
ذكره الماوردي وغيره ويستعمل من الماء ما يظن زوال النجاسة به: فان فعل ذلك ثم شم من
يده رائحة النجاسة فوجهان حكاهما الماوردي وغيره: أحدهما يدل ذلك على بقاء النجاسة فتجب
ازالتها بزيادة الغسل وعلى هذا يستحب شم الإصبع قال الماوردي وهذا مستبعد وإن كان مقولا:
والثاني لا يدل على بقاء النجاسة في محل الاستنجاء ويدل على بقائها في الإصبع فعلى هذا لا يستحب
شم الإصبع: وهذان الوجهان مأخوذان من القولين فيما إذا غسلت النجاسة وبقيت رائحتها هل يحكم بطهارة
المحل وقد ذكرهما المصنف في باب إزالة النجاسة وهناك نشرحهما ونبسط الكلام فيه إن شاء الله
تعالى: قال الغزالي في الاحياء يدلك دبره مع الماء حتى لا يبقى أثر تدركه الكف بالمس قال ولا يستقصى
فيه بالتعرض للباطن فان ذلك منبع الوسواس: قال وليعلم أن كل مالا يصل الماء إليه فهو باطن
ولا يثبت للفضلات الباطنة حكم النجاسة حتى تبرز وما ظهر ثبت له حكم النجاسة: وحد ظهوره أن يصله الماء
وقوله لا يثبت للفضلات الباطنة حكم النجاسة يحتمل أنه أراد في وجوب ازالتها ويحتمل أنها لا يحكم
بكونها نجاسة مطلقا وفى المسألة خلاف سبق مبسوطا في أول باب ما ينقض الوضوء: (الرابعة) قال
أصحابنا الرجل والمرأة والخنثى المشكل في استنجاء الدبر سواء وأما القبل فأمر الرجل فيه ظاهر
وأما المرأة فنص الشافعي رحمه الله على أن البكر والثيب سواء فيجوز اقتصارهما على الحجر وبهذا
قطع جماهير الأصحاب في الطريقتين وقطع الماوردي بان الثيب لا يجزئها الحجر حكاه المتولي والشاشي
وصاحب البيان وجها وهو شاذ: والصواب الأول: قال الأصحاب لان موضع الثيابة والبكارة
في أسفل الفرج والبول يخرج من ثقب في أعلى الفرج فلا تعلق لأحدهما بالآخر فاستوت البكر
والثيب إلا أن الثيب إذا جلست انفرج أسفل فرجها فربما نزل البول إلى موضع الثيابة والبكارة
وهو مدخل الذكر ومخرج الحيض والمني والولد فان تحققت نزول البول إليه وجب غسله بالماء وإن لم
تتحقق استحب غسله ولا يجب: نص الشافعي على استحبابه إذا لم تتحقق واتفق الأصحاب
عليه واتفقوا على وجوب غسله إذا تحققت نزوله قال صاحب البيان وغيره يستحب للبكر أن تدخل

(1) في التتمة انه يقرب الذكر من الحائط أي ويجره حتى يسلب الحائط الرطوبة ولا يمسح لأنه ينتشر البول على المحل لا محالة وكذا يفعل في الكرة الثانية وفى الثالثة يمسح لأن النجاسة قلت على الموضع ولا يخشي انتشارها اه‍ أذرعي
111

أصبعها في الثقب الذي في الفرج فتغسله ولا يلزمها ذلك بالاتفاق قال الشافعي والأصحاب ويلزم
الثيب أن توصل الحجر إلى الموضع الذي يجب ايصال الماء إليه في غسل الجنابة ويجب ايصال الماء
إلى ما يظهر عند جلوسها على قدميها وإن لم يظهر في حال قيامها نص عليه الشافعي والأصحاب
وشبههه الشافعي بما بين الأصابع ولا يبطل صومها بهذا قال الروياني قال أصحابنا ما وراء هذا فهو
في حكم الباطن فلا يكلف ايصال الماء والحجر إليه ويبطل الصوم بالواصل إليه ولنا وجه ضعيف
انه لا يجب ايصال الماء إلى داخل فرج الثيب وأما الخنثى المشكل فقطع الأكثرون بأنه يتعين الماء
في قبليه ممن قطع به الماوردي والقاضي حسين والفوراني والغزالي في البسيط والبغوي والروياني
وصاحب العدة وقال المتولي والشاشي وصاحب البيان هل يتعين الماء في قبليه أم يجزئ الحجر
فيه وجهان كمن أنفتح له مخرج دون المعدة مع انفتاح الأصلي وقلنا ينقض الخارج منه الأصح
يتعين الماء وهذه الطريقة أصح ولعل مراد الأكثرين التفريع على الأصح فان قلنا يجزئه الحجر وجب
لكل فرج ثلاثة أحجار والله أعلم * (الخامسة) السنة أن يدلك يده بالأرض بعد غسل الدبر ذكره البغوي
والروياني وآخرون لحديث ميمونة رضي الله عنها قالت (وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءا
للجنابة فأكفأ بيمينه على شماله مرتين أو ثلاثا ثم غسل فرجه ثم ضرب بيده الأرض أو الحائط
مرتين أو ثلاثا) رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ البخاري وفى رواية مسلم (ثم أفرغ على فرجه
وغسله بشماله ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكا شديدا) وعن أبي هريرة (كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا أتي الخلاء أتيته بماء فاستنجى ثم مسح يده على الأرض ثم أتيته باناء آخر فتوضأ)
رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وغيرهم وهو حديث حسن: وعن جرير عن عبد الله رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (دخل الغيضة فقضى حاجته ثم استنجى من إداوة ومسح
يده بالتراب) رواه النسائي وابن ماجة باسناد جيد: (السادسة) يستحب أن يأخذ حفنة من
ماء فينضح بها فرجه وداخل سراويله أو إزاره بعد الاستنجاء دفعا للوسواس ذكره الروياني
وغيره وجاء به الحديث الصحيح في خصال الفطرة وهو الانتضاح: والله أعلم * قال
المصنف رحمه الله *
[ويجوز الاستنجاء بالحجر وما يقوم مقامه قال أصحابنا ويقوم مقامه كل جامد طاهر مزيل
للعين وليس له حرمة ولا هو جزء من حيوان]
112

[الشرح] اتفق أصحابنا على جواز الاستنجاء بالحجر وما يقوم مقامه وضبطوه بما ضبطه به
المصنف (1) قالوا وسواء في ذلك الأحجار والأخشاب والخرق والخزف والآجر الذي لا سرجين
فيه وما أشبه هذا ولا يشترط اتحاد جنسه بل يجوز في القبل جنس وفى الدبر جنس آخر ويجوز
أن يكون الثلاثة حجرا وخشبه وخرقة نص عليه الشافعي واتفق الأصحاب عليه هذا مذهبنا قال
الشيخ أبو حامد وبه قال العلماء كافة إلا داود فلم يجوز غير الحجر وكذا نقل أكثر أصحابنا عن
داود: قال القاضي أبو الطيب هذا ليس بصحيح عن داود بل مذهبه الجواز * واحتج الأصحاب
بحديث أبي هريرة قال اتبعت النبي صلى الله عليه وسلم وخرج لحاجته فقال (ابغني أحجارا استفض
بها أو نحوه ولا تأتني بعظم ولا روث) رواه البخاري وبقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي
هريرة الآخر (وليستنج بثلاثة أحجار ونهي عن الروث والرمة) قال أصحابنا فنهيه صلى الله عليه
وسلم عن الروث والعظم دليل على أن غير الحجر يقوم مقامه وإلا لم يكن لتخصيصهما بالنهي معنى
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال (أتي النبي صلى الله عليه وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة
أحجار فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده فأخذت روثة فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى
الروثة وقال هذا ركس) رواه البخاري قال أصحابنا موضع الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم علل
منع الاستنجاء بها بكونها ركسا ولم يعلل بكونها غير حجر * واحتج الأصحاب أيضا بحديث رووه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الاستنجاء بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد قيل فإن لم يجد قال ثلاث
حفنات من تراب) وهذا ليس بصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال البيهقي الصحيح أنه
من كلام طاوس وروي من حديث سراقة بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ضعيف أيضا قال
البيهقي وأصح ما روى في هذا ما رواه يسار بن نمير قال كان عمر رضي الله عنه إذا بال قال ناولني
شيئا استنجى به فأناوله العود والحجر أو يأتي حائط يتمسح به أو يمسه الأرض ولم يكن يغسله

(1) قال في البحر في حد ما يجوز الاستنجاء به قال بعض أصحابنا
أن يكون جامدا طاهرا منقيا لا حرمة له ولا متصلا بحيوان ومعني المنقي انه يزيل
العين حتى لا يبقى الا اثر الاصقا لا يخرجه الماء وقال أهل خراسان أن يكون طاهرا
منشقا لا حرمة له وقيل بدل المنشف القالع وقيل أن يكون جامدا طاهرا منقيا غير
مطعوم وهذا أصح ثم قال في آخر الفصل وقيل حده أن يكون جامدا طاهرا قالعا
للنجاسة غير محترم ولا مخلف وفيه احتراز عن التراب إذا لم يجز الاستنجاء به في
أحد القولين لأنه يخلف على المحل جزءا منه انتهى وهذا الذي ذكره آخرا هو كلام
المتولي في التتمة وظاهر هذا الكلام من الروياني ان الحكم يختلف باختلاف هذه
الحدود والا لما كان لتعدادها فائدة ولهذا قال في بعضها وهذا أصح فليتأمل اه‍ أذرعي
113

وأما قوله صلى الله عليه وسلم وليستنج بثلاثة أحجار وشبهه فإنما نص على الأحجار لكونها غالب
الموجود للمستنجي بالفضاء مع أنه لا مشقة فيها ولا كلفة في تحصيلها وهذا نحو قول الله تعالى
(ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) وقوله تعالى (فليس عليكم جناح أن تقصروا من
الصلاة ان خفتم) ونظائر ذلك فكل هذا مما ليس له مفهوم يعمل به لخروجه على الغالب
والله أعلم *
(فرع) ورد الشرع باستعمال الحجر في الاستنجاء ورمى جمار الحج وباستعمال الماء في طهارة
الحدث والنجس وباستعمال التراب في التيمم وغسل ولوغ الكلب وباستعمال القرظ في الدباغ فأما
الحجر فمتعين في الرمي دون الاستنجاء لان الرمي لا يعقل معناه بخلاف الاستنجاء وأما الماء في
الطهارة والتراب في التيمم فمتعينان وفى التراب في الولوغ قولان وفى الدباغ طريقان تقدما المذهب
انه لا يتعين القرظ والثاني قولان كالولوغ والفرق ان الولوغ دخله التعبد والفرق بين الدباغ
والاستنجاء ان الاستنجاء مما تعم به البلوى ويضطر كل أحد إليه في كل وقت وكل مكان ولا يمكن
تأخيره فلو كلف نوعا معينا شق وتعذر في كثير من الأوقات ووقع الحرج وقد قال الله تعالى (وما
جعل عليكم في الدين من حرج) والدباغ بخلافه في كل هذا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[فأما غير الماء من المائعات فلا يجوز الاستنجاء به لأنه ينجس بملاقاة النجاسة فيزيد في النجاسة
وما ليس بطاهر كالروث والحجر النجس لا يجوز الاستنجاء به لأنه نجس فلا يجوز الاستنجاء
به كالماء النجس فان استنجى بذلك لزمه بعد ذلك أن يستنجى بالماء لان الموضع قد صار نجسا
بنجاسة نادرة فوجب غسله بالماء ومن أصحابنا من قال يجزئه الحجر لأنها نجاسة على نجاسة
فلم تؤثر] *
114

[الشرح] إذا استنجي بمائع غير الماء لم يصح ويتعين بعده الاستنجاء بالماء ولا يجزئه الأحجار
بلا خلاف لما ذكره المصنف واما قول صاحب البيان إذا استنجى بمائع فهل يجزئه بعده الحجر
فيه وجهان فغلط بلا شك وكأنه اشتبه عليه كلام صاحب المهذب فتوهم ان قوله ومن أصحابنا
من قال يجزئه الحجر عائدا إلى المسألتين وهما الاستنجاء بالماء وبالنجس كالروث وهذا وهم باطل
لان مراد صاحب المهذب الخلاف في المسألة الثانية وحدها: وأما مسألة المائع فمتفق فيها على أن الماء
يتعين لان المائع ينشر النجاسة وقد أشار المصنف إلى هذا بقوله فيزيد في النجاسة والله أعلم: واما
النجس وهو الروث والحجر النجس وجلد الميتة والثوب النجس وغيرها فلا يجوز الاستنجاء به
فان خالف واستنجى به لم يصح بلا خلاف وهل يتعين بعده الاستنجاء بالماء أم يجوز بالأحجار
فيه الوجهان اللذان ذكرهما المصنف بدليلهما الصحيح عند الجمهور يتعين الماء وبه قطع امام الحرمين
والغزالي في البسيط والبغوي وغيرهم وصححه الجمهور وخالفهم المحاملي فقال في التجريد قال أصحابنا
إذا استنجى بنجس لزمه أن يستنجى بثلاثة أحجار طاهرة قال حتى لو استنجى بجلد كلب أجزأه
الحجر بعد ذلك لأن النجاسة الطارئة تابعة لنجاسة النجو قال وقال الشيخ أبو حامد الذي يجئ
على المذهب أنه لا يجزئه الا الماء هذا كلام المحاملي ورأيت أنا في تعليق الشيخ أبي حامد خلاف
ما نقله عنه فقطع بأنه إذا استنجى بجامد نجس كفاه بعد الأحجار قال فلو استنجي بكلب فالذي
يجئ على تعليل الأصحاب أنه يجزئه الحجر ولا يحتاج إلى سبع مرات إحداهن بالتراب هذا
كلامه ولكن نسخ التعليق تختلف وقد قدمت نظائر هذا: والصواب في مسألة الاستنجاء بجلد
كلب انه يجب سبع غسلات إحداهن بتراب: والصحيح في سائر النجاسات انه يتعين الماء *
(فرع) قد ذكرنا أنه لا يجوز الاستنجاء بنجس هذا مذهبنا ومذهب جمهور العلماء وجوزه
115

أبو حنيفة بالروث * دليلنا حديث أبي هريرة المتقدم في الفصل قبله وقوله صلى الله عليه وسلم (ولا تأتني
بعظم ولا روث) وحديثه الآخر (ونهى عن الروث والرمة) وحديث ابن مسعود (فأخذ
الحجرين والقى الروثة وقال إنها ركس) وهذه أحاديث صحاح تقدمت قريبا وعن سلمان (نهانا
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروث والعظام) رواه مسلم وعن جابر (نهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن يتمسح بعظم أو بعر) رواه مسلم وعن أبي هريرة (نهي النبي صلى الله عليه
وسلم أن يستنجى بعظم أو روث وقال إنهما لا يطهران) رواه الدارقطني وقال اسناد صحيح
وعن رويفع بن ثابت قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا رويفع لعل الحياة ستطول بك بعدي
فأخبر الناس ان من عقد لحيته أو تقلد وترا أو استنجى برجيع دابة أو عظم فان محمدا منه برئ)
رواه أبو داود والنسائي باسناد جيد والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وما لا يزيل العين لا يجوز الاستنجاء به كالزجاج والحممة لما روى ابن مسعود رضي الله عنه
(ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستنجاء بالحممة) ولان ذلك لا يزيل النجو] *
[الشرح] هذا الحديث ضعيف ولفظه (قدم وفد الجن على النبي صلى الله عليه وسلم
فقالوا يا محمد انه أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة فان الله عز وجل جعل لنا فيها رزقا
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم) رواه أبو داود والدارقطني والبيهقي ولم يضعفه أبو داود وضعفه
الدارقطني والبيهقي: والحممة بضم الحاء وفتح الميمين مخففتين وهي الفحم كذا قاله أصحابنا في كتب
الفقه وكذا قاله أهل اللغة وغريب الحديث وقال الخطابي الحمم الفحم وما أحرق من الخشب
والعظام ونحوهما قال والاستنجاء به منهى عنه لأنه جعل رزقا للجن فلا يجوز افساده عليهم قال
116

البغوي قيل المراد بالحممة الفحم الرخو الذي يتناثر إذا غمز فلا يقلع النجاسة والزجاج معروف
وهو بضم الزاي وفتحها وكسرها ثلاث لغات حكاهن ابن السكيت والجوهري وغيرهما: وأما
راوي الحديث فهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل بالغين المعجمة والفاء بن حبيب
الهذلي وهو من كبار الصحابة وساداتهم وكبار فقهائهم وملازمي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وخدامه ومناقبه كثيرة مشهورة أسلم في أول الاسلام سادس ستة وأسلمت أمه وسكن الكوفة
ثم عاد إلى المدينة وتوفى بها سنة اثنين وثلاثين وهو ابن بضع وستين سنة وقد ذكرت قطعة من
أحواله في التهذيب رضي الله عنه: أما حكم المسألة فاتفق الأصحاب على أن شرط المستنجي به
كونه قالعا لعين النجاسة واتفقوا على أن الزجاج والقصب الأملس وشبههما لا يجزئ: وأما الفحم
فقطع العراقيون بأنه لا يجزئ وقال الخراسانيون اختلف نص الشافعي فيه قالوا وفيه طريقان
الصحيح منهما أنه على حالتين فإن كان صلبا لا يتفتت أجزأ الاستنجاء به وإن كان رخوا يتفتت لم
يجزئه وقيل فيه قولان مطلقا حكاهما القفال والقاضي حسين والمتولي وغيره من الخراسانيين وحكاهما
الدارمي من العراقيين قال امام الحرمين هذا الطريق غلط والصواب التفصيل فإنه لم يصح الحديث
بالنهي فتعين التفصيل بين الرخو والصلب قال أصحابنا فإذا استنجى بزجاج ونحوه لزمه الاستنجاء
ثانيا فإن كان حين استنجى بالزجاج بسط النجاسة بحيث تعدت محلها تعين الماء والا فتكفيه
الأحجار هكذا صرح به الفوراني وامام الحرمين والغزالي والمتولي وصاحب العدة وآخرون
وقال القفال والقاضي حسين والبغوي يتعين الماء لأنه يبسط النجاسة ومرادهم إذا بسط
وقد قال الغزالي في البسيط لا خلاف انه إذا لم يبسط النجاسة يكفيه الأحجار والله أعلم * قال
المصنف رحمه الله *
117

[وماله حرمة من المطعومات كالخبز والعظم لا يجوز الاستنجاء به لان النبي صلى الله عليه وسلم
نهى عن الاستنجاء بالعظم وقال (هو زاد إخوانكم من الجن) فان خالف واستنجى به لم يجزئه
ولان الاستنجاء بغير الماء رخصة والرخص لا تتعلق بالمعاصي] *
[الشرح] أما حديث النهى عن الاستنجاء بالعظم فصحيح رواه جماعة من الصحابة منهم
سلمان وجابر وأبو هريرة ورويفع وأحاديثهم صحيحة تقدمت قريبا في الفرع: وأما قوله وقال هو
زاد إخوانكم من الجن فقد رواه مسلم في صحيحه بإسناده عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود عن
النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل قال في آخره وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تستنجوا
بالعظم والبعرة فإنهما طعام إخوانكم) يعنى الجن ورواه مسلم من طريق آخر ولم يذكر هذه الزيادة
فيه: ورواه من طريق ثالث عن داود بن أبي هند عن الشعبي ولم يذكر هذه الزيادة
ثم قال قال الشعبي قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تستنجوا بالعظم والبعر) قال الترمذي كأن هذه
الرواية أصح يعني فيكون مرسلا: (قلت) لا يوافق الترمذي بل المختار أن هذه الزيادة متصلة * أما
حكم المسألة فلا يجوز الاستنجاء بعظم ولا خبز ولا غيرهما من المطعوم لما سبق فان خالف واستنجى
به عصى ولا يجزئه هكذا نص عليه الشافعي وقطع به الجمهور: وفيه وجه أنه يجزئه إن كان العظم
طاهر لازهومة عليه حكاه الخراسانيون لحصول المقصود: والصحيح الأول لأنه رخصة فلا تحصل
118

بحرام وقد اتفقوا على تحريمه وإذا لم يجزئه المطعوم كفاه بعده الحجر بلا خلاف إن لم ينشر النجاسة
ولم يكن على العظم زهومة: قال الماوردي ولو أحرق عظم طاهر بالنار وخرج عن حال العظم
فوجهان أحدهما يجوز الاستنجاء به لان النار أحالته: والثاني لا يجوز لعموم الحديث في
النهى عن الرمة وهي العظم البالي ولا فرق بين البالي بنار أو مرور الزمان وهذا الثاني أصح
والله أعلم *
(فرع) اتفق أصحابنا على تحريم الاستنجاء بجميع المطعومات كالخبز واللحم والعظم وغيرها:
وأما الثمار والفواكه فقسمها الماوردي تقسيما حسنا فقال منها ما يؤكل رطبا لا يابسا كاليقطين فلا
يجوز الاستنجاء به رطبا ويجوز يابسا إذا كان مزيلا ومنها ما يؤكل رطبا ويابسا وهو أقسام أحدها
مأكول الظاهر والباطن كالتين والتفاح والسفرجل وغيرها فلا يجوز الاستنجاء بشئ منه رطبا ولا يابسا
والثاني ما يؤكل ظاهره دون باطنه كالخوخ والمشمس وكل ذي نوى فلا يجوز بظاهره ويجوز بنواه المنفصل
والثالث ماله قشر ومأكوله في جوفه كالرمان فلا يجوز الاستنجاء بلبه: وأما قشره فله أحوال أحدها
لا يؤكل رطبا ولا يابسا كالرمان فيجوز الاستنجاء بالقشر وكذا استنجي برمانة فيها حبها جاز إذا
كانت مزيلة (والثاني) يؤكل قشره رطبا ويابسا كالبطيخ فلا يجوز رطبا ولا يابسا (والثالث)
يؤكل رطبا لا يابسا كاللوز والباقلاء فيجوز بقشره يابسا لا رطبا: وأما ما يأكله الآدميون والبهائم
فإن كان أكل البهائم له أكثر جاز وإن كان أكل الآدميين له أكثر لم يجز: وان استويا
فوجهان من اختلاف أصحابنا في ثبوت الربي فيه هذا كلام الماوردي وذكر الروياني نحوه قال
البغوي ان استنجى بما مأكوله في جوفه كالجوز واللوز اليابس كره وأجزأه فان انفصل القشر
جاز الاستنجاء به بلا كراهة والله أعلم
(فرع) قال أصحابنا ومن الأشياء المحترمة التي يحرم الاستنجاء بها الكتب التي فيها شئ من
علوم الشرع فان استنجي بشئ منه عالما أثم وفى سقوط الفرض الوجهان: الصحيح لا يجزئه فعلى
119

هذا تجزئه الأحجار بعده: ولو استنجي بشئ من أوراق المصحف والعياذ بالله عالما صار كافرا
مرتدا نقله القاضي حسين والروياني وغيرهما والله أعلم *
(فرع) لو استنجي بقطعة ذهب أو فضة (1) ففي سقوط الفرض به وجهان حكاهما الماوردي
وآخرون قال الماوردي والرافعي الصحيح سقوطه ولو استنجى بقطعة ديباج سقط الفرض على
المشهور وطرد الماوردي فيه الوجهين وطردهما أيضا في الاستنجاء بحجارة الحرم قال وظاهر
المذهب سقوط الفرض بكل ذلك لان لماء زمزم حرمة تمنع الاستنجاء به ثم لو استنجى به أجزأه
بالاجماع
(فرع) قال الشافعي في البويطي ولا يستنجي بعظم ذكى ولا ميت للنهي عن العظم مطلقا
وقال في الأم ولا يستنجي بعظم للخبر فإنه وإن كان غير نجس فليس هو بنظيف وإنما الطهارة
بنظيف طاهر ولا أعلم شيئا في معنى عظم الا جلد ذكي غير مدبوغ فإنه ليس بنظيف وإن كان طاهرا
وأما الجلد المدبوغ فنظيف طاهر هذا نصه في الأم: وقال في مختصر المزني والفرق بين أن يستطيب
بيمينه فيجزئه وبالعظم فلا يجزئ أن اليمين أداة والنهى عنها أدب والاستطابة طهارة والعظم
ليس بطاهر هذا نصه في المختصر واعترض على قوله والعظم ليس بطاهر فان العظم لا يصح الاستنجاء
به طاهرا كان أو نجسا: واختلف أصحابنا في هذا الكلام على ثلاثة أوجه (أحدها) ان هذا غلط
من المزني وإنما قال الشافعي والعظم ليس بنظيف كما سبق عن الأم وأراد بقوله ليس بنظيف ان
عليه سهوكة: قال الماوردي وهذا قول أبي إسحاق المروزي وبه قطع القاضي أبو الطيب (والثاني)
ان نقل المزني صحيح: وقوله ليس بطاهر أي ليس بمطهر قال الماوردي وهذا تأويل أبي علي بن أبي
هريرة (والثالث) أنه ذكر احدى العلتين في العظم النجس لان العظم النجس يمتنع الاستنجاء به
لعلتين (إحداهما) كونه نجسا والأخرى كونه مطعوما والعظم الطاهر يمتنع لكونه مطعوما فقط
قال الماوردي هذا تأويل أبي حامد الأسفرايني واختار الأزهري الوجه الأول وهو تغليط المزني وبسط

(1) قال العجلي في شرح الوجيز ولا يجوز الاستنجاء بالذهب والفضة والجواهر النفيسة وبالغير والعصفور لان الكل محترم هذا لفظه اه‍ أذرعي
120

الكلام فيه وفى الفرق بين النظيف والطاهر قال فما فيه زهومة أو رائحة كريهة فهو طاهر ليس بنظيف
وذلك كالعظم وجلد المذكي قبل الدباغ هذا تفصيل مذهبنا * وقال أبو حنيفة ومالك يصح الاستنجاء
بالعظم وممن قال لا يجوز احمد وداود * قال المصنف رحمه الله *
[وما هو جزء من حيوان كذنب حمار لا يجوز الاستنجاء به ومن أصحابنا من قال يجوز والأول
أصح لأنه جزء من حيوان فلم يجز الاستنجاء به كما لو استنجي بيده ولان له حرمة فهو كالطعام]
[الشرح] الصحيح عند الأصحاب تحريم الاستنجاء بأجزاء الحيوان في حال اتصاله كالذنب
والاذن والعقب والصوف والوبر والشعر وغيرها وخالفهم الماوردي والشاشي فقالا الأصح صحة
الاستنجاء لان حرمة الحيوان في منع إيلامه لا منع ابتذاله بخلاف المطعوم والصواب ما صححه الجمهور
وهو التحريم وعدم اجزائه وقيل يحرم ويجزئ: فإذا قلنا بالصحيح وهو أنه لا يجزئ كفاه الأحجار
بعده: وأما الاستنجاء بيد آدمي ففيه كلام منتشر حاصله أربعة أوجه الصحيح لا يجزيه لا بيده
ولا بيد غيره وبه قطع المتولي وآخرون لأنه عضو محترم: والثاني يجزئه بيده ويد غيره حكاه
الماوردي عن ابن خيران وليس بشئ: والثالث يجوز بيده ولا يجوز بيد غيره وبه قطع امام
الحرمين وغيره: (والرابع) يجزئه بيد غيره دون يده كما يسجد على يد غيره دون يده وهذا
اختيار الماوردي وحكاه الفوراني عن الشيخ أبي حامد وهو ضعيف أو غلط: والله أعلم *
قال المصنف رحمه الله *
[وان استنجي بجلد مدبوغ ففيه قولان: قال في حرملة لا يجوز لأنه كالرمة وقال في الأم
يجوز لأنه إن كان لينا فهو كالخرق وإن كان خشنا فهو كالخرف وان استنجي بجلد حيوان مأكول
اللحم مذكي غير مدبوغ ففيه قولان: قال في الأم وحرملة لا يجوز لأنه لا يقلع النجو للزوجته وقال
121

في البويطي يجوز والأول هو المشهور] *
[الشرح] حاصل ما ذكره ثلاثة أقوال أصحها عند الأصحاب يجوز بالمدبوغ دون غيره وهو
نصه في الأم والثاني يجوز بهما قاله في البويطي: والثالث لا يجوز بواحد منهما قاله في حرملة وحكي امام
الحرمين طريقا آخر وهو القطع بنصه في الأم وتأويل الآخرين ودليل الجميع ذكره المصنف ثم لا فرق في
المدبوغ بين المذكي والميتة لأنهما طاهران قالعان هذا هو الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور
وفيه وجه أنه لا يجوز بجلد الميتة المدبوغ وان جاز بالمدبوغ المذكي تفريعا على قولنا لا يجوز بيعه
حكاه جماعة منهم الماوردي عن أبي علي بن أبي هريرة وليس بشئ: هذه طريقة الأصحاب كلهم
الا المتولي فإنه انفرد بطريقة غريبة فقال إن كان جلد مذكي واستنجى بالجانب الذي يلي اللحم
فهو كما لو استنجي بمطعوم لأنه مما يؤكل في الجملة وان استنجي بالجانب الذي عليه الشعر وشعره
كثير جاز: وإن كان الجلد مدبوغا وهو جلد مذكي جاز وإن كان جلد ميتة فقولان بناء على
أن الدباغ هل يطهر باطن الجلد أم لا والله أعلم * فان قيل الجلد مأكول فكيف جوزتم الاستنجاء
به: فالجواب ما أجاب به الأصحاب أنه غير مأكول عادة ولا مقصود بالأكل ولهذا جاز بيع جلدين
بجلد والله أعلم: وقول المصنف كالرمة هي بكسر الراء وتشديد الميم وهو العظم البالي كذا قاله الشافعي
في الأم وأصحابنا وغيرهم قال الخطابي سميت العظام رمة لان الإبل ترمها أي تأكلها وإنما قاس المصنف
عليها لان النص ثبت فيها كما سبق في الأحاديث والله أعلم *
(فرع) في مسائل تتعلق بالفصل إحداها قال الشافعي رحمه الله في الأم والمختصر ولا يستنجى
بحجر قد استنجي به مرة إلا أن يكون طهر بالماء واتفق الأصحاب على أنه إذا استنجي بحجر ثم
غسل ويبس جاز الاستنجاء به ثانية فان غسل ويبس جاز ثالثة وهكذا أبدا ولا يكره ذلك كما
122

لا يكره أن يصلي في الثوب مرات بخلاف رمي الجمار في الحج فإنه يكره أن يرمي بحصاة قد رمى
بها هو أو غيره لأنه جاء ان ما تقبل منها رفع وما لم يتقبل ترك: ولان المطلوب تعدد المرمي به ولو
غسله ثم استنجى به والماء باق عليه لم يصح فان انبسطت النجاسة تعين الاستنجاء بالماء والا فقد
قال امام الحرمين كان شيخي يقول يتعين الماء أيضا لان ذلك البلل ينجس بملاقاة النجاسة فيصير
في حكم نجاسة أجنبية فيتعين الماء: قال امام الحرمين ولى في هذا نظر لان عين الماء لا تنقلب نجسا
وإنما تجاور النجاسة أو تخالطها هذا كلام الامام. والمختار قول شيخه وهو مقتضى كلام غيره وان
غسله ولم يبق عليه ماء وبقيت رطوبة فوجهان حكاهما ابن كج والدارمي وصاحبا الحاوي والبحر
وغيرهم أصحهما لا يصح الاستنجاء به وبه قطع القاضي أبو الطيب والشيخ أبو محمد والقاضي حسين
وصاحبا التتمة والتهذيب وآخرون وحكي صاحب البيان عن الصيمري وجها ثالثا إن كانت
الرطوبة يسيرة صح وإلا فلا
(فرع) إذا استنجى بحجر فحصل به الانقاء ثم استعمل حجرا ثانيا وثالثا ولم يتلوثا ففي
جواز استعمالهما مرة أخرى من غير غسلهما وجهان حكاهما القاضي حسين وصاحبا التتمة والبحر
أصحهما يجوز لأنهما طاهران صححه الشاشي والرافعي وقطع به البغوي: والثاني لا يجوز لأنه تبعد
سلامته من نجاسة خفية وقياسا على الماء المستعمل
(فرع) لو رأى حجرا شك في استعماله جاز استعماله لان الأصل طهارته والمستحب تركه
أو غسله ولو علم أنه مستعمل وشك في غسله لم يجز استعماله لان الأصل بقاء النجاسة عليه *
(فرع) قال الماوردي إذا جف ورق الشجر ظاهره وباطنه أو ظاهر جاز الاستنجاء به إن كان
مزيلا وإن كان ندى الظاهر ففيه الوجهان في الحجر الندى: (المسألة الثانية) ورق الشجر
123

الذي يكتب عليه والحشيش اليابسات قال الماوردي وغيره إن كان خشنا مزيلا جاز الاستنجاء به
وإلا فلا (الثالثة) نص الشافعي رحمه الله في البويطي ومختصر الربيع على جواز الاستنجاء بالتراب
قال أصحابنا أراد إذا كان مستحجرا تمكن الإزالة به فإن كان دقيقا لا تمكن الإزالة به لم يجزئ لأنه تعلق
بالمحل هكذا ذكره الجمهور منهم الماوردي والفوراني وإمام الحرمين ونقله الروياني عن أصحابنا وذكر
المتولي والروياني وجها انه يجوز بالتراب وإن كان رخوا للحديث السابق في الاستنجاء بثلاث حثيات
من تراب وهذا الوجه غلط والحديث باطل فقد قدمنا أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقد
امر بالحجر فلا يجزئ الا الحجر وما في معناه وليس التراب الرخو في معناه قال القاضي حسين فعلى هذا الوجه
الضعيف يجب أربع مسحات ويستحب خامسة للايتار وهذا كله ليس بشئ (الرابعة) قال
المحاملي وصاحبا البحر والبيان وغيرهم قال الشافعي رحمه الله في حرملة إذا نتف الصوف من
الغتم واستنجى به كرهته وأجزأه؟؟ قالوا وإنما كرهه لان فيه تعذيب الحيوان: فأما الاستنجاء بالصوف
فليس بمكروه فان أخذه من شاة بعد ذكاتها أو جزه في حياتها فلا كراهة: (الخامسة) نص الشافعي
رحمه الله على جواز الاستنجاء بالآجر: قال أصحابنا قاله على عادة أهل عصره بالحجاز ومصر
أنهم لا يخلطون بترابة السرجين: فأما ما خلط به فلا يجوز وقيل بل علم بخلطه بالسرجين وجوزه
لان النار تحرق السرجين فإذا غسل طهر ظاهره وهذا الوجه ضعيف وسنذكر المسألة
مبسوطة في آخر باب إزالة النجاسة حيث ذكرها المصنف إن شاء الله تعالى * قال
المصنف رحمه الله *
[وان جاوز الخارج الموضع المعتاد فإن كان غائط فخرج إلى ظاهر الألية لم يجز فيه الا الماء
لان ذلك نادر فهو كسائر النجاسات وان خرج إلى باطن الألية ولم يخرج إلى ظاهرها ففيه قولان:
124

أحدهما أنه لا يجزئ فيه الا الماء لأنه نادر فهو كما لو خرج إلى ظاهر الألية: والثاني يجزئ فيه
الحجر: لان المهاجرين رضي الله عنهم هاجروا إلى المدينة فأكلوا التمر ولم يكن ذلك من عادتهم
ولا شك أنه رقت بذلك أجوافهم ولم يؤمروا بالاستنجاء بالماء ولان ما يزيد على المعتاد لا يمكن
ضبطه فجعل الباطن كله حدا ووجب الماء فيما زاد: وإن كان بولا ففيه طريقان: قال أبو إسحاق
إذا جاوز مخرجه حتى رجع على الذكر أعلاه أو أسفله لم يجز فيه الا الماء لان ما يخرج من البول
لا ينتشر الا نادرا بخلاف ما يخرج من الدبر فإنه لا بد من أن ينتشر ومن أصحابنا من قال فيه قولان
أحدهما لا يجوز فيه الا الماء نص عليه في البويطي ووجهه ما قال أبو إسحاق: والثاني يجوز
فيه الحجر ما لم يجاوز الحشفة نص عليه في الأم لأنه لما جاز الحجر في الغائط ما لم يجاوز باطن
الألية لتعذر الضبط وجب أن يجوز في البول ما لم يجاوز الحشفة لتعذر الضبط] *
[الشرح] قال أصحابنا إذا خرج الغائط فله أربعة أحوال: أحدها أن لا يجاوز نفس المخرج
فيجزئه الأحجار بلا خلاف: الثاني أن يجاوزه ولا يجاوز القدر المعتاد من أكثر الناس فيجزئه
الحجر أيضا لأنه يتعذر الاحتراز من هذا القدر ونقل المزني أنه إذا جاوز المخرج تعين الماء ونقل
البويطي نحوه فمن الأصحاب من جعله قولا آخر وقطع الجمهور بأنه ليس على ظاهره بل يكفيه الحرج
قولا واحدا ثم منهم من غلط المزني في النقل وهذا قول العراقيين وجماعة من الخراسانيين ونقل
البندنيجي والمحاملي اتفاق الأصحاب على تغليطه ومنهم من تأوله على أنه سقط من الكلام شئ
وصوابه إذا جاوز المخرج وما حوله (1) وهذا وان سموه تأويلا فهو بمعنى التغليط ان جمهور الأصحاب
قالوا الاعتبار بعادة غالب الناس وذكر الدارمي وجهين في أن الاعتبار بعادة الناس أم بعادته
الحال (الثالث) أن ينتشر ويخرج عن المعتاد ولا يجاوز باطن الألية فهل يتعين الماء أم يجزئه الحجر فيه

(1) يمكن تأويله على المجاوزة الزائدة على ما حواليه وهذا أولى من تغليطه وهو بمعنى التأويل المذكور لكن لا حاجة لي تقدير ساقط اه‍ من هامش الأذرعي
125

قولان أصحهما يجزئه الحجر وهو نصه في الأم وحرملة والاملاء كذا قاله البندنيجي وغيره وصححه
الأصحاب: والثاني يتعين الماء نص عليه في المختصر والقديم وقد ذكر المصنف دليلهما وهذا
الذي استدل به من قصة المهاجرين صحيح مشهور واستدل به الشافعي في الأم والأصحاب:
(الرابع) أن ينتشر إلى ظاهر الأليين فإن كان متصلا تعين الماء في جميعه كسائر النجاسات لندوره
وتعذر فصل بعضه عن بعض وان انفصل بعضه عن بعض تعين الماء في الذي على ظاهر الألية: وأما
الذي لم يظهر ولم يتصل فهو على الخلاف والتفصيل السابق إن لم يجاوز العادة أجزأه الحجر وان
جاوزه فقولان أصحهما يجزئه أيضا هكذا ذكر هذا التفصيل الشيخ أبو محمد في الفروق والقاضي
حسين والمتولي وآخرون: ونقله الروياني عن الأصحاب وفى الحاوي وغيره وجه مخالف لهذا
وليس بشئ ولو انتشر الخارج انتشارا معتادا وترشش منه شئ إلى محل منفصل قريب من
الخارج بحيث يكفي فيه الحجر لو اتصل تعين الماء في المترشش صرح به الصيدلاني ونقله عنه امام
الحرمين ولم يذكر غيره والله أعلم * وأما البول فان انتشر وخرج عن الحشفة متصلا تعين فيه الماء
وإن لم يخرج عنها فطريقان ذكرهما المصنف والأصحاب اختلف في الراجح منهما فقطع الشيخ
أبو حامد والماوردي بأنه يتعين الماء لندوره: وقال الجمهور الصحيح أنه على القولين في انتشار
الغائط إلى باطن الألية وقطع المحاملي في المقنع باجزاء الحجر ما لم يجاوز الحشفة وصححه الرافعي
قال البندنيجي وهو ظاهر نصه في حرملة وهذا هو الأصح لان البول ينتشر أيضا في العادة ويشق
126

ضبط ما تدعو الحاجة إليه فجعلت الحشفة فاصلا فعلى هذا حكمه حكم الغائط إذا لم يخرج عن باطن
الألية على التفصيل والخلاف السابق والله أعلم * وقول المصنف قال أبو إسحاق إذا جاوز مخرجه
أعلاه حتى رجع على الذكر أعلاه وأسفله كذا قاله أبو إسحاق وكذا نقله الأصحاب عنه وقوله أعلاه
وأسفله مجروران على البدل من الذكر تقديره حتى رجع على أعلا الذكر وأسفله ويقال الأليان
الأليتان بحذف التاء واثباتها وحذفها أفصح وأشهر والله أعلم * والمراد بباطن الألية ما يستتر في
حال القيام وبظاهرها مالا يستتر * قال المصنف رحمه الله *
[وإن كان الخارج نادرا كالدم والمذي والودي أو دودا أو حصاة وقلنا يجب الاستنجاء منه
فهل يجزئ فيه الحجر فيه قولان أحدهما انه كالبول والغائط وقد بيناهما والثاني لا يجزئ الا
الماء لأنه نادر فهو كسائر النجاسات] * [الشرح] إذا كان الخارج نادرا كالدم والقيح والودي (1) والمذي وشبهها فهل يجزئه الحجر
فيه طريقان الصحيح منهما وبه قطع العراقيون أنه على قولين أصحهما يجزيه الحجر نص عليه في
المختصر وحرملة لان الحاجة تدعو إليه والاستنجاء رخصة والرخص تأتي لمعنى ثم لا يلزم وجود
ذلك المعنى في جميع صورها كالقصر وأشباهه: والقول الثاني يتعين الماء قاله في الأم ويحتج له مع
ما ذكره المصنف بالحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر بغسل الذكر من المذي)
وسنذكره واضحا في باب الغسل إن شاء الله تعالى والجواب الصحيح عن هذا الحديث أنه محمول على
الندب والطريق الثاني ذكره الخراسانيون أنه يجزيه الحجر قولا واحدا وتأولوا قوله في الأم على ما إذا
كان الخارج لا من داخل الفرج بل من قرح أو باسور وشبهه خارج الدبر وهو تأويل بعيد
والله أعلم: ثم المذهب الصحيح أن القولين جاريان سواء خرج النادر وحده أو مع المعتاد وحكى
الفوراني وغيره عن القفال أن القولين فيما إذا خرج النادر مع المعتاد فان تمحض النادر تعين الماء
قطعا والصحيح طرد القولين في الحالين كذا صرح به المتولي وغيره وهو مقتضى اطلاق الجمهور قال

(1) في عد الودي من النادر نظر ظاهر وان ذكره جماعة لأنه يخرج عقب البول غالبا بل هو منه بمنزلة العكر من الزيت ولهذا جزم العمراني بأنه معتاد اه‍ أذرعي
127

الماوردي ودم الاستحاضة نادر فيكون على القولين قال هو وغيره ودم الباسور الذي في داخل
الدبر نادر واتفقوا على أن المذي من النادر (1) كما ذكره المصنف وفى كلام الغزالي ما يوهم خلافا في
كونه نادرا ولا خلاف فيه فليحمل كلامه على موافقة الأصحاب قال الماوردي ودم الحيض معتاد
فيكفي فيه الحجر قولا واحدا وهذا الذي قاله قد يستشكل من حيث إن الأصحاب في الطريقتين
قالوا لا يمكن الاستنجاء بالحجر من دم الحيض في حق المغتسلة لأنه يلزمها غسل محل الاستنجاء
في غسل الحيض فيقال صورته فيما إذا انقطع دم الحائض ولم تجد ما تغتسل به أو كان بها مرض
ونحوه مما يبيح لها التيمم فإنها تستنجي بالحجر عن الدم ثم تتيمم للصلاة بدلا عن غسل الحيض
وتصلي ولا إعادة بخلاف المستحاضة: ومن خرج منه مذي أو دم أو غير ذلك من النادر فإنه إذا
استنجي بالحجر وتيمم لعدم الماء وصلى تلزمه الإعادة على أحد القولين وهو قولنا لا يصح
استنجاؤه واما قول امام الحرمين والغزالي قال العراقيون لا يكفي الحجر في دم الحيض الموجب
للغسل فمحمول على ما إذا وجدت الماء واستنجت بالحجر وغسلت باقي البدن ولم تغسل موضع
الاستنجاء فهنا لا يصح (2) استنجاؤها بلا خلاف لأنه يجب غسل ذلك الموضع عن غسل الحيض
ولم يريدا بقولهما قال العراقيون ان غيرهم يخالفهم بل أرادا انهم هم الذين ابتدؤا بذكر ذلك وشهروه
في كتبهم فقد ذكره الخراسانيون أيضا ولكنهم أخذوه من كتب العراقيين والله أعلم * وأما
قول المصنف في الدود والحصى إذا أوجبنا الاستنجاء منه فهل يجزئ الحجر فيه القولان كالنادر
فكذا قاله الشيخ أبو حامد والبندنيجي والمحاملي وابن الصباغ والبغوي والجمهور قال القاضي أبو الطيب
وهذا غلط لان الاستنجاء هنا إنما يجب لتلك البلة وهي معتادة فيكفي الحجر قولا واحدا وحكى
الروياني عن القفال مثله وهذا هو الصحيح المعتمد قال ابن الصباغ وغيره والمني طاهر لا يجب
الاستنجاء منه وهو محمول على من خرج منه منى ولم يخرج غيره وصلى بالتيمم لمرض أو فقد
الماء فإنه تصح صلاته ولا إعادة كما ذكرنا في دم الحيض أما إذا اغتسل من الجنابة فلا من غسل
رأس الذكر والله أعلم *

(1) ليس الامر كذلك بل الذي تقله العمراني في البيان ان المذي والودي من المعتاد وبه أجاب المحاملي في المقنع لكن في المذي وحده ولا فرق اه‍ أذرعي
(2) قوله لا يصح استنجاؤها اي لا يكفي كما قال لان الاستنجاء وقع صحيحا ولكن وجب غسل الموضع في غسل الحيض فلا تظهر فائدة الا في مسألة التيمم كالجنب إذا بال واستنجى بالحجر اه‍ أذرعي
128

(فرع) في مسائل تتعلق بالباب إحداها قال أصحابنا شرط جواز الاستنجاء بالحجر من الغائط
أن لا يقوم من موضع قضاء الحاجة حتى يستنجى فان قام تعين الماء لان بالقيام تنطبق الأليان
فتنتقل النجاسة من محلها إلى محل أجنبي فإن لم يكن معه أحجار وكانت بقربه ولم يجد من يناوله
إياها فطريقه أن يزحف على رجليه من غير أن تنطبق ألياه حتى يصل إلى الحجر قال الشيخ أبو
محمد ولو قام متفاجحا بحيث لا تنطبق الأليان أو استيقن ان النجاسة لم تجاوز محلها أجزأه الحجر
قال أصحابنا ولو وقع الخارج منه على الأرض ثم ترشش منه شئ فارتفع وعلق بالمحل أو تعلقت
بالمحل نجاسة أجنبية تعين الماء فان تميز المرتفع وأمكن غسله وحده غسله وكفاه الأحجار في نجاسة
المحل (الثانية) لا يجب الاستنجاء على الفور بل يجوز تأخيره حتى يريد الطهارة أو الصلاة (الثالثة)
الاستنجاء طهارة مستقلة ليست من الوضوء هذا هو الصحيح المشهور الذي قاله الجمهور وحكي المتولي
وجها انه من واجبات الوضوء واستنبطه من القول الشاذ الذي قدمناه ان الوضوء لا يصح قبل
الاستنجاء قال المتولي وهذا ليس بصحيح (الرابعة) إذا استنجي بالأحجار فعرق محله وسال العرق
منه وجاوزه وجب غسل ما سال إليه (1) وإن لم يجاوزه فوجهان: أحدهما يجب غسله والصحيح لا يلزمه
شئ لعموم البلوى بذلك ولو انغمس هذا المستجمر في مائع أو فيما دون قلتين نجسه بلا خلاف
(الخامسة) قال الشافعي رحمه الله في الأم والأصحاب إنما يجزى الاستجمار المتوضئ والمتيمم أما المغتسل
من جنابة وغيرها فلا يجزئه بل لا بد من تطهير محله بالماء وهذا متفق عليه وهو كما قلنا لا يكفي
مسح الخف في حق المغتسل بخلاف المتوضئ والفرق ان الاستجمار ومسح الخف رخصتان دعت
الحاجة إليهما لتكرر الوضوء وأما الغسل فنادر فلا تدعوا لحاجة إليهما فيه والله أعلم *
(فرع) له تعلق بالباب: روى أبو داود باسناد فيه ضعف عن امرأة من بنى غفار (ان النبي
صلى الله عليه وسلم أردفها على حقيبة فحاضت فأمرها أن تغسل الدم بماء وملح) الحديث قال الخطابي

(1) في وجوب غسل ما سال إليه نظر فإنه يشق الاحتراز منه فينبغي ان يعفى عنه وقد قاله في الروضة ولو عرق وتلوث بمحل النجو غيره فوجهان أصحهما العفو لعسر الاحتراز بخلاف حمل غيره وهذا يقتضي العفو إذا تلوث به ثوب أو بدن ويدل عليه أحوال الصحابة اه‍ أذرعي
129

الملح مطعوم فقياسه جواز غسل الثوب بالعسل كثوب الإبريسم الذي يفسده الصابون وبالخل
إذا أصابه حبر ونحوه قال ويجوز على هذا التدلك بالنخالة وغسل الأيدي بدقيق الباقلي والبطيخ ونحوه
مما له قوة الجلاء قال وحدثونا عن يونس ابن عبد الأعلى قال دخلت الحمام بمصر فرأيت الشافعي يتدلك
بالنخالة هذا كلام الخطابي *
* (باب ما يوجب الغسل) *
يقال غسل الجنابة وغسل الحيض وغسل الجمعة وغسل الميت وما أشبهها بفتح الغين وضمها
لغتان الفتح أفصح وأشهر عند أهل اللغة والضم هو الذي يستعمله الفقهاء أو أكثرهم وزعم بعض
المتأخرين ان الفقهاء غلطوا في الضم وليس كما قال بل غلط هو في إنكاره ما لم يعرفه وقد أوضحته
في تهذيب الأسماء واللغات وأشرت إلى بعضه في آخر صفة الوضوء من هذا الشرح * قال
المصنف رحمه الله *
[والذي يوجب الغسل إيلاج الحشفة في الفرج وخروج المني والحيض والنفاس: فأما إيلاج
الحشفة فإنه يوجب الغسل لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا التقى
الختانان وجب الغسل) التقاء الختانين يحصل بتغييب الحشفة في الفرج وذلك أن ختان الرجل
هو الجلد الذي يبقي بعد الختان وختان المرأة جلدة كعرف الديك فوق الفرج فيقطع منها في الختان
فإذا غابت الحشفة في الفرج حاذى ختانه ختانها وإذا تحاذيا فقد التقيا ولهذا يقال التقى الفارسان
إذا تحاذيا وإن لم يتضاما]
[الشرح] حديث عائشة صحيح رواه مسلم بمعناه قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان وجب الغسل) هذا لفظ مسلم رواه الشافعي وغيره
130

بلفظه في المهذب واسناده أيضا صحيح وفى المسألة أحاديث كثيرة سأذكرها إن شاء الله تعالى
في فرع مذاهب العلماء: وأما قول المصنف والتقاء الختانين يحصل بتغييب الحشفة إلى آخره فهو
لفظ الشافعي رحمه الله وتابعه عليه الأصحاب وبين الشيخ أبو حامد فرج المرأة والتقاء الختانين
بيانا شافيا فقال هو وغيره ختان الرجل هو الموضع الذي يقطع منه في حال الختان وهو ما دون
حزة الحشفة وأما ختان المرأة فاعلم أن مدخل الذكر هو مخرج الحيض والولد والمني وفوق مدخل
الذكر ثقب مثل إحليل الرجل هو مخرج البول وبين هذا الثقب ومدخل الذكر جلدة رقيقة
وفوق مخرج البول جلدة رقيقة مثل ورقة بين الشفرين والشفران تحيطان بالجميع فتلك الجلدة الرقيقة
يقطع منها في الختان وهي ختان المرأة فحصل ان ختان المرأة مستقل وتحته مخرج البول وتحت
مخرج البول مدخل الذكر قال البندنيجي وغيره ومخرج الحيض الذي هو مخرج الولد ومدخل الذكر هو
خرق لطيف فإذا افتضت البكر اتسع ذلك الخرق فصارت ثيبا قال أصحابنا فالتقاء الختانين أن تغيب
الحشفة في الفرج فإذا غابت فقد حاذى ختانه ختانها والمحاذاة هي التقاء الختانين وليس المراد بالتقاء الختانين
التصاقهما وضم أحدهما إلى الآخر فإنه لو وضع موضع ختانه على موضع ختانها ولم يدخله في مدخل
الذكر لم يجب غسل باجماع الأمة هذا آخر كلام الشيخ أبي حامد وغيره يزيد بعضهم على بعض:
قال صاحب الحاوي وشبه العلماء الفرج بعقد الأصابع خمسة وثلاثين فعقد الثلاثين هو صورة الفرج
وعقد الخمسة بعدها في أسفلها هي مدخل الذكر ومخرج المني والحيض والولد والله أعلم * أما حكم
المسألة فالذي يوجب اغتسال الحي أربعة متفق عليها وهي إيلاج حشفة الذكر في فرج وخروج المنى والحيض
والنفاس وفى خروج الولد والعلقة والمضغة خلاف نذكره إن شاء الله تعالى قريبا ولم يذكره المصنف
هنا وسنذكره قريبا وإنما لم يذكره لأنه مندرج عنده في خروج المنى لأنه منى منعقد ويجب غسل
131

الميت وله باب معروف وقد يجب غسل البدن بعارض بأن يصيبه كله نجاسة أو تقع في موضع
منه ويخفى مكانها أما إيلاج الحشفة فيوجب الغسل بلا خلاف عندنا والمراد بايلاجها ادخالها
بكمالها في فرج حيوان آدمي أو غيره قبله أو دبره ذكر أو أنثى حي أو ميت صغير أو كبير فيجب
الغسل في كل ذلك والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وان أولج في فرج امرأة ميتة وجب عليه الغسل لأنه فرج آدمية فأشبه فرج الحية وان أولج
في دبر امرأة أو رجل أو بهيمة وجب الغسل لأنه فرج حيوان فأشبه فرج المرأة وان أولج
في دبر خنثى مشكل وجب عليه الغسل وان أولج في فرجه لم يجب لجواز أن يكون ذلك عضوا
زائد فلا يجب الغسل بالشك] *
[الشرح] هذه المسائل كلها متفق عليها عندنا كما ذكرها المصنف ودليلها ما ذكره
(فرع) مسائل تتعلق بالفصل: إحداها قد ذكرنا أنه إذا أولج ذكره في قبل امرأة أو دبرها
أو دبر رجل أو خنثى أو صبي أو في قبل بهيمة أو دبرها وجب الغسل بلا خلاف وسواء كان المولج
فيه حيا أو ميتا أو مجنونا أو مكرها مباحا كالزوجة أو محرما ويجب على المولج والمولج فيه المكلفين
وعلى الناسي والمكره وأما الصبي إذا أولج في امرأة أو دبر رجل أو أولج رجل في دبره فيجب الغسل
على المرأة والرجل وكذا إذا استدخلت امرأة ذكر صبي فعليها الغسل ويصير الصبي في كل هذه الصور
جنبا وكذا الصبية إذا أولج فيها رجل أو صبي وكذا لو أولج صبي في صبي وسواء في هذا الصبي
المميز وغيره وإذا صار جنبا لا تصح صلاته ما لم يغتسل كما إذا بال لا تصح صلاته حتى يتوضأ: ولا يقال
يجب عليه الغسل كما لا يقال يجب عليه الوضوء بل يقال صار محدثا ويجب على الولي أن يأمره بالغسل
إن كان مميزا كما يأمره بالوضوء فإن لم يغتسل حتى بلغ لزمه الغسل كما إذا بال ثم بلغ يلزمه الوضوء
132

وان اغتسل وهو مميز صح غسله فإذا بلغ لا تلزمه اعادته كما لو توضأ ثم بلغ يصلى بذلك الوضوء
وقد سبق في آخر باب نية الوضوء وجه شاذ أنه تجب إعادة طهارته إذا بلغ والصبية كالصبي فيما
ذكرنا ولو أولج مجنون أو أولج فيه صار جنبا فإذا أفاق لزمه الغسل: (الثانية) لو استدخلت امرأة
ذكر رجل وجب الغسل عليه وعليها سواء كان عالما بذلك مختارا أم نائما أم مكرها نص عليه الشافعي
في الأم واتفق عليه الأصحاب ولو استدخلت ذكرا مقطوعا ففي وجوب الغسل عليها وجهان (1) هما
كالوجهين في انتقاض الوضوء بمسه حكاهما الدارمي والمتولي والروياني وآخرون قال الدارمي ولا حد
عليها بلا خلاف ولا مهر لها لو أولج المقطوع فيها رجل: ولو استدخلت ذكر ميت لزمها الغسل
كما لو أولج في ميت ولو استدخلت ذكر بهيمة لزمها الغسل كما لو أولج في بهيمة صرح به الشيخ
أبو محمد الجويني والدارمي والمتولي وآخرون ونقله الروياني عن الأصحاب (2) قال امام الحرمين وفيه
نظر من حيث إنه نادر قال ثم في اعتبار قدر الحشفة فيه كلام يوكل إلى فكر الفقيه: (الثالثة) وجوب
الغسل وجميع الأحكام المتعلقة بالجماع يشترط فيها تغييب الحشفة بكمالها في الفرج ولا يشرط
زيادة على الحشفة ولا يتعلق ببعض الحشفة وحده شئ من الأحكام وهذا كله متفق عليه في جميع
الطرق الا وجها حكاه الدارمي وحكاه الرافعي عن حكاية ابن كج أن بعض الحشفة كجميعها وهذا في
نهاية من الشذوذ والضعف ويكفى في بطلانه قوله صلى الله عليه وسلم (إذا التقى الختانان وجب الغسل):
أما إذا قطع بعض الذكر فإن كان الباقي دون قدر الحشفة لم يتعلق به شئ من الأحكام باتفاق الأصحاب
وإن كان قدرها فقط تعلقت الأحكام بتغيبه كله دون بعضه وإن كان أكثر من قدر الحشفة فوجهان
مشهوران ذكرهما المصنف في مواضع من المهذب منها باب الخيار في النكاح في مسألة العنين ورجح المصنف

(1) قال في البحر هما مبنيان على الوجهين في الانتقاض اه‍ أذرعي
(2) وقال بلا خلاف بينهم فيه اه‍ أذرعي
133

منهما أنه لا يتعلق الحكم ببعضه ولا يتعلق الا بتغييب جميع الباقي وكذا رجحه الشاشي ونقله الماوردي
عن نص الشافعي ورجح الأكثرون تعلق الحكم بقدر الحشفة منه وقطع به الفوراني وامام الحرمين والغزالي
والبغوي وصاحب العدة وآخرون وصححه الرافعي وغيره (الرابعة) إذا كان غير مختون فأولج
الحشفة لزمهما الغسل بلا خلاف ولا اثر لذلك: ولو لف على ذكره حرقة وأولجه بحيث غابت
الحشفة ولم ينزل ففيه ثلاثة أوجه حكاها الماوردي والشاشي في كتابيه والروياني وصاحب البيان
وغيرهم الصحيح وجوب الغسل عليهما وبه قطع الجمهور لان الأحكام متعلقة بالايلاج وقد حصل
(والثاني) لا يجب الغسل ولا الوضوء لأنه أولج في خرقة ولم يلمس بشرة وصححه الروياني قال
وهو اختيار الحناطي (الثالث) إن كانت الخرقة غليظة تمنع اللذة لم يجب وإن كانت رقيقة لا تمنعها
وجب وهذا قول أبي الفياض البصري والقاضي حسين: وقال الرافعي في هذا الثالث الغليظة هي
التي تمنع وصول بلل الفرج إلى الذكر ووصول الحرارة من أحدهما إلى الآخر والرقيقة مالا تمنع
قال الروياني ويجرى هذا الخلاف في افساد الحج به وينبغي أن يجرى في كل الأحكام (الخامسة)
إذا أولج ذكر أشل وجب الغسل على المذهب وبه قطع الأكثرون وحكي الدارمي فيه وجهين
(السادسة) إذا انفتح له مخرج غير الأصلي وحكمنا بنقض الوضوء بالخارج فأولج فيه ففي وجوب
الغسل وجهان سبقا في باب ما ينقض الوضوء الصحيح لا يجب ولو أولج في الأصل وجب بلا خلاف
(السابعة) لو كان له ذكران قال الماوردي في مسائل لمس الخنثى إن كان يبول منهما وجب الغسل
بايلاج أحدهما وإن كان يبول بأحدهما تعلق الحكم به دون الآخر وقد ذكرنا هذا في باب ما ينقض
الوضوء وذكرت هناك إيلاج الخنثى المشكل والايلاج فيه مبسوطا (الثامنة) إذا أتت المرأة المرأة
فلا غسل ما لم تنزل وهذا وإن كان ظاهرا فقد ذكره الدارمي وغيره وقد يخفى فنبهوا عليه وقد
قال الشافعي في الأم والأصحاب لو أولج ذكره في فم المرأة واذنها وإبطها وبين أليتها ولم ينزل فلا
134

غسل ونقل فيه ابن جرير الاجماع (التاسعة) ذكر المتولي وغيره في الموجب للغسل ثلاثة أوجه:
أحدها إيلاج الحشفة أو نزول المني لأنه حكم يتعلق بالجنابة فتعلق بسببه كقراءة القرآن ومس
المصحف والصلاة وغيرها: والثاني القيام إلى الصلاة لأنه لا يلزمه قبله: والثالث هو الصحيح
يجب بالايلاج مع القيام إلى الصلاة أو بالانزال مع القيام إلى الصلاة كما أن النكاح يوجب الميراث
عند الموت والوطئ يوجب العدة عند الطلاق وتقدم مثل هذه الأوجه في موجب الوضوء وبسطت
الكلام في شرح هذا كله بسطا كاملا في آخر صفة الوضوء (العاشرة) إذا وطئ امرأة ميتة
فقد ذكرنا أنه يلزمه الغسل وهل يجب إعادة غسل الميتة إن كانت غسلت فيه وجهان مشهوران
أصحهما عند الجمهور لا يجب لعدم التكليف وإنما يجب غسل الميت تنظيفا واكراما
وشذ الروياني فصحح وجوب اعادته والصواب الأول: قال أصحابنا ولا يجب بوطئها مهر قال
القاضي أبو الطيب وغيره كما لا يجب بقطع يد هادية: وفى وجوب الحد على الواطئ أوجه: أحدها يجب لأنه
وطئ محرم بلا شبهة: والثاني لا لخروجها عن المظنة: والثالث وقيل إنه منصوص إن كانت ممن
لا يحد بوطئها في الحياة وهي الزوجة والأمة والمشتركة وجارية الابن ونحوهن فلا حد والا فيحد
والأصح أنه لا يجب مطلقا: قال أصحابنا وتفسد العبادات بوطئ الميتة وتجب الكفارة في الصوم والحج:
(الحادية عشرة) قال صاحب الحاوي والبيان في كتاب الصداق قال أصحابنا الأحكام المتعلقة
بالوطئ في قبل المرأة تتعلق بالوطئ في دبرها الا خمسة أحكام: التحليل للزوج الأول: والاحصان
والخروج من التعنين ومن الايلاء: والخامس لا يتغير به اذن البكر بل يبقى اذنها بالسكوت هكذا
ذكراه وذكر المحاملي في اللباب سادسا وهو أن الوطئ في الدبر لا يحل بحال بخلاف القبل: وسابعا وهو
أن خروج منى الرجل بعد الاغتسال من دبرها لا يوجب غسلا ثانيا وخروجه من قبلها يوجبه
على تفصيل سنذكره قريبا إن شاء الله تعالى: (قلت) وهذا الذي ذكروه ضابط نفيس يستفاد منه
فوائد وقد يخرج من الضابط مسائل يسيرة في بعضها وجه ضعيف كالمصاهرة وتقرير المسمى
في الصداق ونحو ذلك ولكنها وجوه ضعيفة شاذة لا تقدح في الضابط والله أعلم
(الثانية عشرة)
135

في مذاهب العلماء في الايلاج قد ذكرنا أن مذهبنا أن الايلاج في فرج المرأة ودبرها ودبر الرجل
ودبر البهيمة وفرجها يوجب الغسل وإن لم ينزل وبهذا قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين
ومن بعدهم وقال داود لا يجب ما لم ينزل وبه قال عثمان بن عفان وعلي وأبي بن كعب وزيد بن ثابت
ومعاذ بن جبل وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم: ثم منهم من رجع عنه إلى موافقة الجمهور ومنهم
من لم يرجع: وقال أبو حنيفة لا يجب بالايلاج في بهيمة ولا ميتة * واحتج لمن لم يوجب مطلقا بما روى
البخاري في صحيحه عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه (أنه سأل عثمان بن عفان عن الرجل
يجامع امرأته ولم يمن قال عثمان يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره وقال عثمان سمعته من رسول
الله صلى الله عليه وسلم) قال زيد فسألت عن ذلك علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة
بن عبيد الله وأبي بن كعب فأمروه بذلك: وعن أبي أيوب الأنصاري أنه سمع ذلك من رسول
الله صلى الله عليه وسلم: وعن أبي بن كعب أنه قال يا رسول الله إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل
قال (يغسل ما مس المرأة منه ثم يتوضأ ويصلي) قال البخاري الغسل أحوط وذاك الآخر إنما بينا
اختلافهم يعنى أن الغسل آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصدنا بيان اختلاف
الصحابة مع أن آخر الامرين الغسل هذا كله في صحيح البخاري وبعضه في مسلم: وعن أبي سعيد
الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار فأرسل إليه فخرج ورأسه
يقطر فقال لعلنا أعجلناك قال نعم يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أعجلت
أو أقحطت فلا غسل عليك وعليك الوضوء) رواه البخاري ومسلم ومعنى أعجلت أو أقحطت أي
جامعت ولم تنزل وروى أقحطت بضم الهمزة وبفتحها وعن أبي سعيد أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (
إنما
الماء من الماء) رواه مسلم ومعناه لا يجب الغسل بالماء الا من أنزال الماء الدافق وهو المنى * واحتج أصحابنا
والجمهور بحديث عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان
الختان وجب الغسل) رواه مسلم وفى الرواية الأخرى (إذا التقى الختانان وجب الغسل) وهو
صحيح كما سبق: وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا قعد بين شعبها الأربع
وألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل) رواه البخاري ومسلم وفى رواية لمسلم (وإن لم ينزل)
136

وفي رواية البيهقي (أنزل أولم ينزل) قيل المراد بشعبها رجلاها وشفراها وقيل يداها ورجلاها
وقيل ساقاها وفخذاها: وعن عائشة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجامع أهله ثم
يكسل هل عليهما الغسل فقال النبي صلى الله عليه وسلم (انى لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل)
رواه مسلم في صحيحه وفى الباب أحاديث كثيرة صحيحة: واستدل الشافعي رحمه الله بقول الله تعالى
(ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا) قال والعرب تسمى الجماع وإن لم يكن معه إنزال جنابة: واستدل
أصحابنا من القياس بأنه حكم من أحكام الجماع فتعلق به وإن لم يكن معه إنزال كالحدود: والجواب
عن الأحاديث التي احتجوا بها انها منسوخة هكذا قاله الجمهور: وثبت عن ابن عباس رضي الله
عنهما جواب آخر وهو ان معنى الماء من الماء أي لا يجب الغسل بالرؤية في النوم الا ان ينزل: واما
الآثار التي عن الصحابة رضي الله عنهم فقالوها قبل أن يبلغهم النسخ: ودليل النسخ انهم اختلفوا
في ذلك فأرسلوا إلى عائشة رضي الله عنها فأخبرتهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا جلس
بين شعبها الأربع وجهدها وجب الغسل) فرجع إلى قولها من خالف: وعن سهل بن سعد الساعدي
قال حدثني أبي بن كعب ان الفتيا التي كانوا يفتون إنما الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول
الله صلى الله عليه وسلم في بدء الاسلام ثم امر بالاغتسال بعد: وفى رواية ثم أمرنا حديث صحيح رواه
الدارمي وأبو داود والترمذي وابن ماجة والبيهقي وغيرهم بأسانيد صحيحة قال الترمذي هو حديث
حسن صحيح: وعن محمود بن لبيد قال سألت زيد بن ثابت عن الرجل يصيب أهله ثم
يكسل ولا ينزل قال يغتسل فقلت أن أبيا كان لا يرى الغسل فقال زيد ان أبيا نزع عن
ذلك قبل أن يموت هذا صحيح رواه مالك في الموطأ باسناده الصحيح قوله نزع أي رجع:
ومقصودي بذكر هذه الأدلة بيان أحاديث المسألة والجمع بينها والا فالمسألة اليوم مجمع عليها
ومخالفة داود لا تقدح في الاجماع عند الجمهور والله أعلم * واحتج أبو حنيفة في منع الغسل
بايلاجه في بهيمة وميتة بأنه لا يقصد به اللذة فلم يجب كايلاج إصبعه واحتج أصحابنا بأنه أولج
ذكره في فرج فأشبه قبل المرأة الحية: فان قالوا ينتقض هذا بالمسك فان في البحر سمكة يولج
فيها سفهاء الملاحين ببحر البصرة فالواجب ما أجاب به القاضي أبو الطيب ونقله الروياني عن الأصحاب انه إن كان هذا هكذا وجب الغسل بالايلاج فيها لأنه حيوان له فرج: والجواب عن دليلهم
من وجهين: أحدهما أنه منتقض بوطئ العجوز الشوهاء المتناهية في القبح العمياء الجذماء البرصاء
137

المقطعة الأطراف فإنه يوجب الغسل بالاتفاق مع أنه لا يقصد به لذة في العادة: والثاني أن الإصبع
ليست آلة للجماع: ولهذا لو أولجها في امرأة حية لم يجب الغسل بخلاف الذكر والله أعلم * قال
المصنف رحمه الله *
[وأما خروج المنى فإنه يوجب الغسل على الرجل والمرأة في النوم واليقظة لما روى أبو سعيد
الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الماء من الماء) وروت أم سلمة
رضي الله عنها قالت جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت (يا رسول
الله ان الله لا يستحي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت قال نعم إذا رأت الماء] *
[الشرح] حديث أبي سعيد صحيح رواه مسلم من طريقين لفظه فيهما (إنما الماء من الماء)
ورواه البيهقي وغيره (الماء من الماء) كما وقع في المهذب ومعناه يجب الغسل بالماء من أنزال الماء
الدافق وهو المنى: وأما حديث أم سلمة فرواه البخاري ومسلم بلفظه في المهذب ورواه مسلم
أيضا والدارمي من رواية أنس ومن رواية عائشة: ويجمع بين الروايات بان الجميع حضروا القصة
فرووها: وأم سلمة هي أم المؤمنين واسمها هند بنت أبي أمية حذيفة المخزومية كانت قبل رسول
الله صلى الله عليه وسلم زوجة لأبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد وهاجر بها الهجرتين إلى الحبشة
ثم توفى فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أربع وقيل سنة ثلاث توفيت سنة تسع وخمسين ولها
أربع وثمانون سنة ودفنت بالبقيع: وأما أم سليم فهي أم أنس بن مالك بلا خلاف بين العلماء
وقول الصيدلاني وامام الحرمين والغزالي والروياني هي جدة أنس غلط بلا شك باجماع أهل
النقل من الطوائف: قيل اسمها سهلة وقيل رميلة وقيل رميثة وقيل أنيفة وقيل غير ذلك وهي من
فاضلات الصحابيات ومشهوراتهن وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمها ويكرم أختها أم حزام بنت ملحان
ويقيل عندهما وكانتا خالتيه ومحرمين له: واسم أبى طلحة زوجها زيد بن سهل شهد العقبة وبدرا
وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من النقباء ليلة العقبة ومناقبه مشهورة رضي الله عنه:
وقولها ان الله لا يستحى من الحق روى يستحيي بياءين وروى يستحى بياء واحدة وكلاهما صحيح والأصل
بياءين فحذفت إحداهما قال الأخفش استحى بواحدة لغة تميم واستحيى بياءين لغة أهل الحجاز
138

وبها جاء القرآن: والاحتلام افتعال من الحلم بضم الحاء واسكان اللام وهو ما يراه النائم من المنامات
يقال حلم في منامه بفتح الحاء واللام واحتلم وحلمت كذا وحلمت بكذا هذا أصله ثم جعل اسما لما
يراه النائم من الجماع فيحدث معه إنزال المنى غالبا فغلب لفظ الاحتلام في هذا دون غيره من
أنواع المنام لكثرة الاستعمال: وقوله صلى الله عليه وسلم (نعم إذا رأت الماء) بيان لحالة وجوب
الغسل بالاحتلام وهي إذا كان معه إنزال المنى والله أعلم: وقوله واليقظة هي بفتح القاف وهي ضد
النوم:
أما أحكام الفصل ففيه مسائل (إحداها) اجمع العلماء على وجوب الغسل بخروج المنى ولا
فرق عندنا بين خروجه بجماع أو احتلام أو استمناء أو نظر أو بغير سبب سواء خرج بشهوة أو غيرها
وسواء تلذذ بخروجه أم لا وسواء خرج كثيرا أو يسيرا ولو بعض قطرة وسواء خرج في النوم
أو اليقظة من الرجل والمرأة العاقل والمجنون فكل ذلك يوجب الغسل عندنا: وقال أبو حنيفة
ومالك واحمد لا يجب الا إذا خرج بشهوة ودفق كما لا يجب بالمذي لعدم الدفق: دليلنا الأحاديث
الصحيحة المطلقة كحديث (الماء من الماء) وبالقياس على إيلاج الحشفة فإنه لا فرق فيه ولا يصح
قياسهم على المذي لأنه في مقابلة النص ولأنه ليس كالمني: وحكي صاحب البيان عن النخعي أنه قال
لا يجب على المرأة الغسل بخروج المنى ولا أظن هذا يصح عنه فان صح عنه فهو محجوج بحديث
أم سلمة وقد نقل أبو جعفر محمد بن جرير الطبري اجماع المسلمين على وجوب الغسل بإنزال المنى
من الرجل والمرأة والله أعلم: (المسألة الثانية) إذا أمنى واغتسل ثم خرج منه منى على القرب بعد غسله
لزمه الغسل ثانيا سواء كان ذلك قبل أن يبول بعد المنى أو بعد بوله هذا مذهبنا نص عليه الشافعي
واتفق عليه الأصحاب وبه قال الليث واحمد في رواية عنه: وقال مالك وسفيان الثوري وأبو يوسف
وإسحاق بن راهويه لأغسل مطلقا وهي أشهر الروايات عن أحمد وحكاه ابن المنذر عن علي بن
أبي طالب وابن عباس وعطاء والزهري وغيرهم رضي الله عنهم وقال أبو حنيفة إن كان ما بال قبل
الغسل ثم خرج المنى فلا غسل عليه لأنه بقية المنى الذي اغتسل عنه وإلا فيجب الغسل ثانيا وهو
رواية ثالثة عن أحمد: وعن أبي حنيفة عكس هذا إن كان بال لم يغتسل لأنه منى عن غير شهوة والا
139

وجب الغسل لأنه عن شهوة: دليلنا على الجميع قوله صلى الله عليه وسلم (الماء من الماء) ولم يفرق
ولأنه نوع حدث فنقض مطلقا كالبول والجماع وسائر الاحداث: (الثالثة) لو قبل امرأة فأحس بانتقال
المني ونزوله فأمسك ذكره فلم يخرج منه في الحال شئ ولا علم خروجه بعد ذلك فلا غسل عليه عندنا
وبه قال العلماء كافة الا أحمد فإنه قال في أشهر الروايتين عنه يجب الغسل قال ولا يتصور رجوع
المني: دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الماء من الماء) ولان العلماء مجمعون على أن من أحس
بالحدث كالقرقرة والريح ولم يخرج منه شئ لا وضوء عليه فكذا هنا قال صاحب الحاوي ولو أنزلت
المرأة المني إلى فرجها فإن كانت بكرا لم يلزمها الغسل حتى يخرج من فرجها لان داخل فرجها في
حكم الباطن ولهذا لا يلزمها تطهيره في الاستنجاء والغسل فأشبه إحليل الذكر وإن كانت ثيبا لزمها
الغسل لأنه يلزمها تطهير داخل فرجها في الاستنجاء فأشبه العضو الظاهر (الرابعة) لو انكسر صلبه
فخرج منه المني ولم ينزل من الذكر ففي وجوب الغسل وجهان حكاهما الماوردي والروياني والشاشي
وغيرهم قال الشاشي أصحهما لا يجب وبه قطع القاضي أبو الطيب في تعليقه ذكره في كتاب الحجر قال
الماوردي هما مأخوذان من القولين في انتقاض الوضوء بخارج من منفتح غير السبيلين: وقال المتولي
إذا خرج المنى من ثقب في الذكر غير الإحليل أو من ثقب في الأنثيين أو الصلب فحيث نقضنا الوضوء
بالخارج منه أوجبنا الغسل: وقطع البغوي بوجوب الغسل بخروجه من غير الذكر والصواب
تفصيل المتولي قال أصحابنا وهذا الخلاف في المنى المستحكم فإن لم يستحكم لم يجب الغسل بلا
خلاف ولو خرج المنى من قبلي الخنثى المشكل لزمه الغسل فان خرج من أحدهما ففيه
طريقان حكاهما صاحب البيان وغيره: أحدهما يجب: والثاني على وجهين وسبق بيانه في باب ما ينقض
الوضوء ولو خرج المنى من دبر رجل أو امرأة ففي وجوب الغسل وجهان أشار إليهما القاضي أبو الفتوح
بناء على الخروج من غير المخرج والله أعلم *
(فرع) في لغات المنى والودي والمذي وتحقيق صفاتها: أما المني فمشدد ويسمي منيا لأنه
يمنى أي يصب وسميت مني لما يراق فيها من الدماء: ويقال أمنى ومنى بالتخفيف ومنى بالتشديد
ثلاث لغات الأولى أفصح وبها جاء القرآن قال الله تعالى (أفرأيتم ما تمنون) وفى المذي ثلاث
لغات المذي باسكان الذال وتخفيف الياء والمذي بكسر الذال وتشديد الياء وهاتان مشهورتان
140

قال الأزهري وغيره التخفيف أفصح وأكثر: والثالثة المذي بكسر الذال واسكان الياء حكاها
أبو عمر الزاهد في شرح الفصيح عن ابن الأعرابي: ويقال مذى بالتخفيف وأمذى ومذي بالتشديد
والأولى أفصح: والودي باسكان الدال المهملة وتخفيف الياء ولا يجوز عند جمهور أهل اللغة غير
هذا وحكي الجوهري في الصحاح عن الأموي أنه قال بتشديد الياء: وحكى صاحب مطالع الأنوار
لغية أنه بالذال المعجمة وهذان شاذان: ويقال ودي بتخفيف الدال وأودى وودي بالتشديد
والأولى أفصح قال الأزهري لم أسمع غيرها: قال أبو عمر الزاهد قال ابن الأعرابي يقال مذي
وأمذى ومذي بالتشديد وهو المذي مثال الرمي والمذي مثال العمى وودي وأودي وودي وأمنى ومني
ومني قال والأولى منها كلها أفصح: واما صفاتها فمما يتأكد الاعتناء به لكثرة الحاجة إليه فمني الرجل
في حال صحته ابيض ثخين يتدفق في خروجه دفعة بعد دفعة ويخرج بشهوة ويتلذذ بخروجه ثم إذا
خرج يعقبه فتور ورائحته كرائحة طلع النخل قريبة من رائحة العجين وإذا يبس كانت رائحته
كرائحة البيض هذه صفاته وقد يفقد بعضها مع أنه منى موجب للغسل بأن يرق ويصفر لمرض
أو يخرج بغير شهوة ولا لذة لاسترخاء وعائه أو يحمر لكثرة الجماع ويصير كماء اللحم وربما
خرج دما عبيطا ويكون طاهرا موجبا للغسل: وفى تعليق أبي محمد الأصبهاني انه في الشتاء ابيض
ثخين وفى الصيف رقيق: ثم إن من صفاته ما يشاركه فيها غيره كالثخانة والبياض يشاركه فيهما
الودي ومنها مالا يشاركه فيها غيره وهي خواصه التي عليها الاعتماد في معرفته وهي ثلاث إحداها
الخروج بشهوة مع الفتور عقيبه: والثانية الرائحة التي تشبه الطلع والعجين كما سبق: الثالثة الخروج
بتزريق ودفق في دفعات فكل واحدة من هذه الثلاثة كافية في كونه منيا ولا يشترط اجتماعها
فإن لم يوجد منها شئ لم يحكم بكونه منيا: واما مني المرأة فأصفر رقيق قال المتولي وقد يبيض
لفضل قوتها قال امام الحرمين والغزالي ولا خاصية له الا التلذذ وفتور شهوتها عقيب خروجه
ولا يعرف الا بذلك: وقال الروياني رائحته كرائحة منى الرجل فعلى هذا له خاصيتان يعرف بإحداهما
وقال البغوي خروج منيها بشهوة أو بغيرها يوجب الغسل كمني الرجل وذكر الرافعي ان الأكثرين
قالوا تصريحا وتعريضا يطرد في منيها الخواص الثلاث وأنكر عليه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح وقال
هذا الذي ادعاه ليس كما قاله والله أعلم: واما المذي فهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند شهوة لا بشهوة
ولا دفق ولا يعقبه فتور وربما لا يحس بخروجه ويشترك الرجل والمرأة فيه قال امام الحرمين وإذا
141

هاجت المرأة خرج منها المذي قال وهو أغلب فيهن منه في الرجال: وأما الودي فماء أبيض كدر
ثخين يشبه المنى في الثخانة ويخالفه في الكدورة ولا رائحة له ويخرج عقيب البول إذا كانت الطبيعة
مستمسكة وعند حمل شئ ثقيل ويخرج قطرة أو قطرتين ونحوهما: وأجمع العلماء أنه لا يجب الغسل
بخروج المذي والودي: واتفق أصحابنا على وجوب الغسل بخروج المنى على أي حال ولو كان دما عبيطا
ويكون حينئذ طاهرا صرح به الشيخ أبو حامد والأصحاب وحكي الرافعي وجها شاذا انه إذا كان
كلون الدم لم يجب الغسل وليس بشئ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[فان احتلم ولم ير المنى أو شك هل خرج منه المني لم يلزمه الغسل وان رأى المنى ولم يذكر
احتلاما لزمه الغسل لما روت عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يجد البلل ولا يذكر
الاحتلام قال يغتسل وعن الرجل يرى أنه احتلم ولا يجد البلل قال لا غسل عليه)] * [الشرح] حديث عائشة
هذا مشهور رواه الدارمي وأبو داود والترمذي وغيرهم لكنه من
رواية عبد الله بن عمر العمرى وهو ضعيف عند أهل العلم لا يحتج بروايته ويعنى عنه حديث أم سليم
المتقدم فإنه يدل على جميع ما يدل عليه هذا وتقدم تفسير الاحتلام وهذا الحكم الذي ذكره المصنف
متفق عليه ونقل ابن المنذر الاجماع انه إذا رأى في منامه أنه احتلم أو جامع ولم يجد بللا فلا غسل
عليه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
[وان رأي المني في فراش ينام فيه هو وغيره لم يلزمه الغسل لان الغسل لا يجب بالشك والأولى
أنه يغتسل وإن كان لا ينام فيه غيره لزمه الغسل وإعادة الصلاة من آخر نوم نام فيه] *
[الشرح] هنا مسألتان إحداهما رأى منيا في فراش ينام فيه هو وغيره ممن يمكن أن يمني فلا غسل
142

عليه لاحتمال أنه من صاحبه ولا يجب على صاحبه لاحتمال أنه من الآخر ولا يجوز ان يصلى أحدهما
خلف الآخر قبل الاغتسال والمستحب لكل واحد منهما أن يغتسل (الثانية) رأى المنى في فراش
ينام فيه ولا ينام فيه غيره أو ثوبه الذي يلبسه ولا يلبسه غيره أو ينام فيه ويلبسه صبي لم يبلغ سن
إنزال المنى فيلزمه الغسل نص عليه الشافعي رحمه الله في الأم واتفق عليه الأصحاب الا وجها شاذا
حكاه صاحب البيان (1) أنه لا يجب وليس بشئ والصواب الوجوب فعلى هذا قال أصحابنا يلزمه إعادة
كل صلاة صلاها لا يحتمل حدوث المني بعدها ويستحب أن يعيد كل صلاة يجوز أن المني كان موجودا
فيها: ثم إن الشافعي والأصحاب أطلقوا المسألة وقال صاحب الحاوي هذا إذا رأى المنى في باطن الثوب
فان رآه في ظاهره فلا غسل عليه لجواز أن يكون أصابه من غيره والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
[ولا يجب الغسل من المذي وهو الماء الذي يخرج بأدنى شهوة والدليل عليه ما روى علي بن أبي طالب
رضي الله عنه قال (كنت رجلا مذاء فجعلت اغتسل في الشتاء حتى تشقق ظهري فذكرت ذلك للنبي
صلى الله عليه وسلم فقال لا تفعل إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة فإذا
فضخت الماء فاغتسل) ولا من الودي وهو ما يقطر عند البول لان الايجاب بالشرع ولم يرد الشرع
الا في المنى] *
[الشرح] حديث علي رضي الله عنه صحيح رواه أبو داود والنسائي والبيهقي بلفظه في المذهب إلا أنهم
قالوا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر له: ورواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن علي قال (كنت رجلا مذاء
فأمرت المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسأله فقال توضأ واغسل ذكرك)
وفى رواية لهما فأمرت رجلا وفى رواية للنسائي فأمرت عمار بن يسار وفى رواية لمسلم (توضأ وانضح

(1) حكاه في البيان عن صاحب الفروع وأبي المحاسن وهو ما أجاب به أبو حاتم القزويني في كتابه تجريد التجريد للمحاملي حيث قال ولو وجد في ثوبه منيا لم يلزمه الاغتسال سواء كان على ظاهره أو باطنه أو في ثوب لا يلبسه غيره أو يلبسه ما لم يتيقن انه خرج منه اه‍ أذرعي
143

فرجك) وفى رواية (منه الوضوء) ووقع في بعض نسخ المهذب فإذا نضحت الماء فاغتسل بالنون
والحاء المهملة وفى بعضها فضخت بالفاء والخاء المعجمة ومعناهما دفقت: وقوله كنت مذاء هو
بفتح الميم وتشديد الذال وبالمد ومعناه كثير المذي كضراب: وقوله أمرت المقداد وفى الرواية
الأخرى عمارا محمول على أنه أمر أحدهما ثم أمر الآخر قبل أن يخبر الأول وقوله في رواية صاحب
الكتاب ومن وافقه فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أي أمرت من ذكركما جاء في معظم
الرويات: وفى رواية لمسلم وغيره فاستحييت ان اسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته فأمرت
رجلا فسأله ومعنى استحييت لمكان ابنته ان المذي يكون غالبا لمداعبة الزوجة وقبلتها ونحو ذلك
والأدب أن لا يذكر الرجل مع اصهاره ما يتضمن شيئا من ذلك والله أعلم: أما حكم المسألة: فاجمع
المسلمون على أن المذي والودي لا يوجبان الغسل وقد سبق بيان هذا وبيان حقيقة المذي والودي
ولغاتهما قريبا: وأشار المصنف بقوله لان الايجاب بالشرع إلى مذهب أهل الحق أن الأحكام
إنما تثبت بالشرع وأن العقل لا يوجب شيئا ولا يحسنه ولا يقبحه والله أعلم *
(فرع) في حديث علي رضي الله عنه هذا فوائد: منها ان المذي لا يوجب الغسل وأنه نجس
وانه يجب غسل النجاسة وان الخارج من السبيل إذا كان نادرا لا يكفي في الاستنجاء منه الحجر
بل يتعين الماء وانه يجب الغسل من المنى وان المذي وغيره من النادرات يوجب الوضوء وانه
يجوز الاستنابة في الاستفتاء وانه يجوز العمل بالظن وهو خبر الواحد هنا مع القدرة على اليقين بالمشافهة
وانه يستحب مجاملة الأصهار والتأدب معهم بترك الكلام فيما يتعلق بمعاشرة النساء أو يتضمنه
وأنه يستحب الاحتياط في استيفاء المقصود ولهذا أمر بغسل الذكر والواجب منه موضع النجاسة
فقط هذا مذهبنا ومذهب الجمهور: وعن مالك واحمد رواية انه يجب غسل كل الذكر وعن أحمد
رواية انه يجب غسل الذكر والأنثيين: دليلنا ما روى سهل بن حنيف رضي الله عنه قال (كنت
ألقى من المذي شدة وعناء فكنت أكثر من الغسل فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم
144

فقال (إنما يجزئك من ذلك الوضوء) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح: وعن علي رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من المذي الوضوء) قال الترمذي حديث حسن صحيح: وأما
الامر بغسل الذكر في حديث المقداد فعلى الاستحباب أو ان المراد بعض الذكر وهو ما أصابه المذي:
وأما حديث عبد الله بن سعد الأنصاري رضي الله عنه قال (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب
الغسل وعن الماء يكون بعد الماء فقال ذلك المذي وكل فحل يمذي فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك
وتوضأ وضوءك للصلاة) رواه أبو داود وغيره باسناد صحيح فمحمول على ما إذا أصاب الذكر والأنثيين
أو على الاستحباب لاحتمال إصابة ذلك والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[فإذا خرج منه ما يشبه المني والمذي ولم يتميز له فقد اختلف أصحابنا فيه فمنهم من قال يجب
عليه الوضوء منه لان وجوب غسل الأعضاء مستيقن وما زاد على أعضاء الوضوء مشكوك في وجوبه فلا
يجب بالشك ومنهم من قال هو مخير بين ان يجعله منيا فيجب منه الغسل وبين ان يجعله مذيا فيجب
الوضوء وغسل الثوب منه لأنه يحتمل الامرين احتمالا واحدا وقال الشيخ الامام أحسن الله توفيقه
وعندي انه يجب ان يتوضأ مرتبا ويغسل سائر بدنه ويغسل الثوب منه (1) لأنا ان جعلناه منيا أو جبنا
عليه غسل ما زاد على أعضاء الوضوء بالشك والأصل عدمه وان جعلناه مذيا أوجبنا عليه غسل
الثوب والترتيب في الوضوء بالشك والأصل عدمه وليس أحد الأصلين أولى من الآخر ولا
سبيل إلى اسقاط حكمهما لان الذمة قد اشتغلت بفرض الطهارة والصلاة: والتخيير لا يجوز لأنه إذا
جعله مذيا لم يأمن أن يكون منيا فلم يغتسل له وان جعله منيا لم يأمن أن يكون مذيا ولم يغسل
الثوب منه ولم يرتب الوضوء منه وأحب ان يجمع بينهما ليسقط الفرض بيقين] *
[الشرح] إذا خرج منه ما يشبه المنى والمذي واشتبه عليه ففيه أربعة أوجه: أحدها يجب
الوضوء مرتبا ولا يجب غيره وقد ذكر المصنف دليله قال الرافعي وغيره فعلى هذا لو اغتسل
كان كمحدث اغتسل: والثاني يجب غسل أعضاء الوضوء فقط ولا يجب ترتيبها بل يغسلها كيف
شاء لان المتحقق هو وجوبها والترتيب مشكوك فيه وهذا الوجه مشهور في طريقة الخراسانيين
وصححه الشيخ أبو محمد الجويني في كتابه الفروق وهذا عجب منه بل هذا الوجه غلط صريح لاشك فيه

(1) قوله لأنا الخ هذه العبارة إلى اخر المتن لم تذكر في نسخ الشرح وإنما أشار لها الشارح بقوله (وذكر دليله) ونحن أثبتنا الدليل بنصه في عبارة المتن كما التزمنا أننا نذكر جميع عبارة المصنف اه‍ مصححه
145

فإنه إذا لم يرتب فصلاته باطلة قطعا لأنه لم يأت بموجب واحد منهما وقد حكي القاضي حسين هذا
الوجه في آخر صفة الوضوء عن شيخه القفال وانه رجع عنه فقال قال القفال الترتيب واجب الا في ثلاث
صور: إحداها هذه (والثانية) إذا أولج الخنثى ذكره في دبر رجل فعلى المولج فيه الوضوء بلا ترتيب
و (الثالثة) مسألة ابن الحداد التي قدمناها في فصل ترتيب الوضوء: قال القاضي ثم إن القفال رجع
عن المسألتين الأوليين وقال الأصل شغل ذمته بالصلاة ولا تبرأ بهذا فصرح القاضي برجوع القفال
وان هذا الوجه خطأ وكأن من حكاه خفى عليه رجوع القفال عنه: والوجه الثالث أنه مخير بين
التزام حكم المنى أو المذي وهذا هو المشهور في المذهب وبه قال أكثر أصحابنا المتقدمين وقطع به جمهور
المصنفين وصححه الروياني والرافعي وجماعة من فضلاء المتأخرين لأنه إذا أتي بمقتضى أحدهما برئ
منه يقينا والأصل براءته من الآخر ولا معارض لهذا الأصل بخلاف من نسي صلاة من صلاتين
لان ذمته اشتغلت بهما جميعا والأصل بقاء كل واحد منهما: والوجه الرابع يلزمه مقتضى
المنى والمذي جميعا وهو الذي اختاره المصنف (1) وجعله احتمالا لنفسه وهو وجه حكاه الرافعي
وهو الذي يظهر رجحانه لان ذمته اشتغلت بطهارة ولا يستبيح الصلاة الا بطهارة متيقنة
أو مظنونة أو مستصحبة ولا يحصل ذلك الا بفعل مقتضاهما جميعا: قال أصحابنا فان قلنا بالتخيير
فتوضأ وصلى في ثوب آخر صحت صلاته وان صلى في الثوب الذي فيه البلل ولم يغسله لم تصح صلاته
لأنه إما جنب واما حامل نجاسة: وان اغتسل وصلى في هذا الثوب قبل غسله صحت صلاته لاحتمال
انه مني: قال الرافعي ويجرى هذا الخلاف فيما لو أولج خنثى مشكل في دبر رجل فهما على تقدير
ذكورة الخنثى جنبان والا فمحدثان فالجنابة محتملة فإذا توضأ وجب الترتيب وفيه الوجه السابق
وهو غلط والله أعلم
(فرع) قد يعترض على المصنف في قوله على اختياره يلزمه غسل الثوب مع الوضوء والغسل
فيقال الصواب أنه لا يجب غسل الثوب لان الأصل طهارة فلا يجب غسله بالشك بخلاف الجمع بين
الوضوء والغسل لان ذمته اشتغلت بأحدهما ولا تصح الصلاة الا به ولا نعلم أنه أتي به الا إذا جمع بينهما

(1) هذا الذي اختاره المصنف فيه نظر فان استصحاب الطهارة حاصل على الوجه الثالث وهو المختار والجواب عن الاعتراض المذكور انا إنما أوجبنا الوضوء احتياطا لاحتمال انه مذي ولا يحصل الاحتياط الا بغسل الثوب فإنه لا فائدة في الوضوء إذا اه‍ أذرعي
146

فوجب الجمع وهذا اعتراض حسن: فان قيل ما الفرق على قول الجمهور بين هذه المسألة وما إذا ملك
اناء من ذهب وفضة مختلطين وزنه ألف: ستمائة من أحدهما وأربعمائة من الآخر ولا يعرف أيهما
أكثر فان المذهب وجوب الاحتياط بان يزكي ستمائة من كل واحد ولم يلزمه الجمهور هنا الاحتياط:
فالجواب أن في مسألة الاناء يمكنه معرفة اليقين بسبكه ولا يمكنه اليقين بعينه والله أعلم * قال
المصنف رحمه الله تعالى
[وأما الحيض فإنه يوجب الغسل لقوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء
في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن) قيل في التفسير هو الاغتسال
ولقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش (إذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة
وإذا أدبرت فاغتسلي وصل) وأما دم النفاس فإنه يوجب الغسل لأنه حيض مجتمع ولأنه يحرم
الصوم والوطئ ويسقط فرض الصلاة فأوجب الغسل كالحيض]
[الشرح] أما تفسير الآية فقال جمهور المفسرين المحيض هنا هو الحيض وهو مذهبنا نص
عليه الشافعي والأصحاب: قال القاضي أبو الطيب في أول باب الحيض اختلف الناس في المحيض
فعندنا هو الدم وقال قوم هو الفرج نفسه لأنه موضع الدم كالمبيت والمقيل موضع البيتوتة والقيلولة:
وقال قوم هو زمان الحيض وهذان القولان غلط لان الله تعالى قال (قل هو أذى) والفرج والزمان
لا يوصفان بذلك وفى حديث أم سلمة (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض) أي الدم
وسنزيد في تفسير الآية وايضاحها في أول كتاب الحيض إن شاء الله تعالى: وأما حديث بنت
أبي حبيش فصحيح رواه البخاري ومسلم من رواية عائشة رضي الله عنها من طرق وفى بعض
رواياتهما (وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي) كما هو في المهذب وفى بعضها (فاغسلي عنك الدم وصلى)
والحيضة بكسر الحاء وفتحها فالكسر اسم لحالة الحيض والفتح بمعنى الحيض وهي المرة
الواحدة منه قال الخطابي الصواب الكسر وغلط من فتح وجوز القاضي عياض وغيره الفتح
وهو أقوى:
وحبيش بضم الحاء المهملة ثم باء موحدة مفتوحة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة
147

ثم شين معجمة: واسم أبي حبيش قيس بن المطلب بن أسد بن عبد العزى * أما حكم
المسألة فأجمع العلماء على وجوب الغسل بسبب الحيض وبسبب النفاس وممن نقل الاجماع
فيهما ابن المنذر وابن جرير الطبري وآخرون وذكر المصنف دليلهما ووجه الدلالة من الآية أنه
يلزمها تمكين الزوج من الوطئ ولا يجوز ذلك الا بالغسل ومالا يتم الواجب الا به فهو واجب:
واختلف أصحابنا في وقت وجوبه فقال القاضي أبو الطيب والمحاملي وابن الصباغ وآخرون من
العراقيين والروياني الصحيح أنه يجب بأول خروج الدم كما قالوا يجب الوضوء بأول قطرة من البول
قالوا وفيه وجه أنه يجب بانقطاع الدم وليس بشئ وعكس الخراسانيون هذا فقالوا الأصح انه
يجب بانقطاعه لا بخروجه كذا صححه الفوراني وجماعات منهم: قال امام الحرمين قال الأكثرون
يجب بانقطاع الدم وقال أبو بكر الإسماعيلي يجب بخروجه وهو غلط لان الغسل مع دوام الحيض
غير ممكن ومالا يمكن لا يجب: قال الامام والوجه أن يقال يجب بخروج جميع الدم وذلك يتحقق
عند الانقطاع: وقطع الشيخ أبو حامد بوجوبه بالانقطاع والبغوي بالخروج وكل من أوجب بالخروج
قاسوه على البول والمني وقد سبق فيهما ثلاثة أوجه عن المتولي وغيره في أن الوجوب بخروج البول
والمني أم بالقيام إلى الصلاة أم بالمجموع: قال المتولي وتلك الأوجه جارية في الحيض قال إلا أن
القائلين هناك يجب بالخروج اختلفوا فمنهم من قال يجب بخروج الدم ومنهم من قال بانقطاعه فحصل
أربعة أوجه في وقت وجوب غسل الحيض والنفاس: أحدها بخروج الدم: والثاني بانقطاعه: والثالث
بالقيام إلى الصلاة: والرابع بالخروج والانقطاع والقيام إلى الصلاة والأصح وجوبه بالانقطاع قال
امام الحرمين وغيره وليس في هذا الخلاف فائدة فقهية وقال صاحب العدة فائدته أن الحائض
إذا أجنبت وقلنا لا يجب غسل الحيض الا بانقطاع الدم وقلنا بالقول الضعيف ان الحائض لا تمنع
قراءة القرآن فلها أن تغتسل عن الجنابة لاستباحة قراءة القرآن وسيأتي هذا مع زيادة ايضاح في
أول كتاب الحيض إن شاء الله تعالى: وذكر صاحب البحر في كتاب الجنائز له فائدة أخرى حسنة
فقال لو استشهدت الحائض في قتال الكفار قبل انقطاع حيضها فان قلنا يجب بالانقطاع لم تغسل
148

وان قلنا بالخروج فهل تغسل فيه الوجهان في غسل الجنب الشهيد: فحصل في الخلاف فائدتان: إحداهما
مسألة الشهيد: والثانية مسألة الحائض إذا أجنبت: فان قيل الحائض على القول القديم يباح لها القراءة
سواء قلنا يجب الغسل بخروج الدم أم بانقطاعه فينبغي إذا أجنبت أن لا يختلف الحكم: فالجواب
أنا إذا قلنا لا يجب الغسل بخروج الدم فأجنبت فهذه امرأة جنب لا غسل عليها الا للجنابة فإذا
اغتسلت لها ارتفعت جنابتها وبقيت حائضا مجردة فتباح القراءة على القديم وإذا قلنا يجب الغسل
بالخروج فاغتسلت للجنابة لم يصح ولم ترتفع جنابتها لان عليها غسلين غسل حيض وغسل جنابة
وغسل الحيض لا يمكن صحته مع جريان الدم وإذا لم يصح غسل الحيض لم يصح غسل الجنابة لان
من عليه حدثان لا يمكن أن يرتفع أحدهما ويبقى الآخر كمن أحدث بنوم مثلا ثم شرع في البول
وتوضأ في حال بوله عن النوم فإنه لا يصح بلا شك والله أعلم *
(فرع) قال صاحب البيان وغيره لو خرج الدم من قبلي الخنثى المشكل أو من أحدهما فلا غسل
عليه وإن كان بصفة دم الحيض وفى وقته لجواز أنه رجل *
(فرع) قال الشافعي رحمه الله في المختصر وتغتسل الحائض إذا طهرت والنفساء إذا انقطع
دمها قال القاضي حسين وصاحب البحر قيل لا معنى لتغيير العبارة في الحائض والنفساء الا تحسين
اللفظ وقيل هي إشارة إلى أن دم النفاس لا يتقدر أقله فمتى ارتفع بعد الولادة وان قل
وجب الغسل ودم الحائض لو ارتفع قبل يوم وليلة لا يكون حيضا ولا غسل * قال
المصنف رحمه الله *
[وأما إذا ولدت المرأة ولدا ولم تر دما ففيه وجهان أحدهما يجب عليها الغسل لان الولد
مني منعقد: والثاني لا يجب لأنه لا يسمى منيا] *
[الشرح] هذان الوجهان مشهوران والأصح منهما عند الأصحاب في الطريقتين وجوب الغسل
وقطع به جماعة من أصحاب المختصرات وشذ الشاشي فصحح عدم الوجوب: ثم من الأصحاب من
ذكر المسألة هنا ومنهم من ذكرها في كتاب الحيض ومنهم من ذكرها في الموضعين قال الماوردي
في كتاب الحيض القول بالوجوب هو قول ابن سريج ومذهب مالك وبعدمه قول أبى على ابن
149

أبي هريرة ومذهب أبي حنيفة: وعن أحمد روايتان كالوجهين وهذا التعليل الذي ذكره المصنف للوجوب
وهو كون الولد منيا منعقدا هو التعليل المشهور في الطريقتين وذكر القاضي حسين هذا التعليل
وعلة أخرى وهي أن الولد لا يخلو عن رطوبة وان خفيت قال الماوردي وتوجد الولادة بلا دم
في نساء الأكراد كثيرا: قال أصحابنا فإذا قلنا لا غسل عليها فعليها الوضوء: ولو خرج منها ولد بعد
ولد وقلنا يجب الغسل فاغتسلت للأول قبل خروج الثاني وجب الغسل للثاني اتفق عليه أصحابنا
ولو ألقت علقة أو مضغة ففي وجوب الغسل الوجهان الأصح الوجوب ذكره المتولي وآخرون
وقطع القاضي حسين والبغوي بالوجوب في المضغة وخص الوجهين بالعلقة قال الماوردي
وهل يصح غسلها بمجرد وضعها أم لا يصح حتى تمضي ساعة: فيه وجهان بناء على الوجهين في أن
أقل النفاس محدود بساعة أم لا والصحيح الذي يقتضيه اطلاق الجمهور صحة الغسل بمجرد الوضع
والصحيح أن النفاس غير محدود والله أعلم
(فرع) إذا ولدت في نهار رمضان ولم ترد ما ففي بطلان صومها طريقان أحدهما لا يبطل سواء
أوجبنا الغسل أم لا وبه قطع الفوراني في كتاب الحيض: (والثاني) فيه وجهان بناء على الغسل
ان أوجبناه بطل الصوم وإلا فلا وبهذا الطريق قطع الماوردي والبغوي وغيرهما وأنكره صاحب
البحر وقال عندي أنه لا يبطل لأنها مغلوبة كالاحتلام وهذا الذي قاله قوى في المعنى ضعيف التعليل (1)
أما ضعف تعليله فلانه ينتقض بالحيض فإنه يبطل الصوم وإن كانت مغلوبة: وأما قوته في
المعنى فلان الذي اعتمده الأصحاب في تعليل وجوب الغسل أن الولد مني منعقد وهذا يصلح
لوجوب الغسل لا لبطلان الصوم فان خروج المني من غير مباشرة ولا استمناء لا يبطل
الصوم والله أعلم
(فرع) إذا حاضت ثم أجنبت أو أجنبت ثم حاضت لم يصح غسلها عن الجنابة في حال الحيض
لأنه لا فائدة فيه وفيه وجه ضعيف ذكره الخراسانيون انه يصح غسلها عن الجنابة ويفيدها قراءة
القرآن إذا قلنا بالقول الضعيف أن للحائض قراءة القرآن وقد تقدم هذا قريبا عن صاحب العدة
(فرع) قال أصحابنا وغيرهم أعضاء الجنب والحائض والنفساء وعرقهم طاهر وهذا لا خلاف فيه بين

(1) تعليله مني على العلة المشهورة وهي انه مني منعقد وأما العلة الأخرى فيبطل كالحيض وقوله فيه وجه ضعيف فيه نظر فإنه صحح وجوبه بالانقطاع اه‍ أذرعي
150

العلماء ونقل ابن المنذر الاجماع فيه وحكي أصحابنا عن أبي يوسف أن بدن الحائض نجس فلو أصابت
ماء قليلا نجسته وهذا النقل لا أظنه يصح عنه فان صح فهو محجوج بالاجماع وبقوله صلى الله عليه وسلم
(حيضتك ليست في يدك) وقوله صلى الله عليه وسلم (ان المسلم لا ينجس رواهما
البخاري ومسلم وسنبسط المسألة في آخر كتاب الحيض إن شاء الله تعالى * قال المصنف رحمه الله
[وان استدخلت المرأة المنى ثم خرج منها لم يلزمها الغسل] *
[الشرح] إذا استدخلت المرأة المنى في فرجها أو دبرها ثم خرج منها لم يلزمها الغسل هذا هو
الصواب الذي قطع به الجمهور في الطريقتين وحكي القفال والمتولي والبغوي وغيرهم من الخراسانيين
وجها شاذا أنه يلزمها الغسل وهو قول الشيخ أبي زيد المروزي قال البغوي والرافعي وعلى هذا
لا فرق بين ادخالها قبلها أو دبرها كتغييب الحشفة وحكوا مثل هذا الوجه عن الحسن البصري وحكاه
ابن المنذر عن عطاء والزهري وعمرو بن شعيب وهو غلط وان كثر قائلوه وناقلوه ثم إنه وإن كان
له أدني خيال إذا استدخلته في قبلها لاحتمال أنها تلذذت فأنزلت منيها فاختلط به فإذا خرج
المنى الأجنبي صحبه منيها لكن ايجابه بخروجه من الدبر لا وجه له ولا خيال: وممن قال من السلف لا يجب
قتادة والأوزاعي وأحمد وإسحاق ودليله النصوص في أن الغسل إنما يلزمه بمنيه: واتفق الأصحاب
على أنها لو أدخلت في فرجها دم الحيض أو أدخل الرجل في دبره أو قبله المنى وخرجا فلا غسل
نقله القاضي أبو الطيب وغيره وقال أصحابنا ويلزمها الوضوء بخروجه كما سبق في باب ما ينقض
الوضوء: أما إذا جومعت فاغتسلت ثم خرج منها منى الرجل فقال الأصحاب لا غسل عليها أيضا
وعليها الوضوء قال المتولي كان القاضي حسين يقول مراد الأصحاب إذا كانت الموطوءة صغيرة
لا تنزل أو كبيرة لكن أنزل الزوج عقيب الايلاج بحيث لم تنزل هي في العادة فأما إذا امتد الزمان
قبل إنزاله فالغالب أنها تنزل ويختلط المنيان فعليها الغسل ثانيا: وذكر الروياني عن الأصحاب انه
لا غسل عليها ثم ذكر كلام القاضي بحروفه وحكي امام الحرمين عن بعض الأصحاب وجوب الغسل
151

ثم قال وعندي في هذا تفصيل فذكر نحو كلام القاضي والله أعلم: قال المصنف رحمه الله *
[وإذا أسلم الكافر ولم يجب عليه غسل في حال الكفر فالمستحب ان يغتسل لما روى أنه
أسلم قيس بن عاصم فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل ولا يجب ذلك لأنه أسلم خلق
كثير ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل وان وجب عليه غسل في حال الكفر ولم يغتسل
لزمه أن يغتسل وإن كان قد اغتسل في حال الكفر فهل يجب عليه اعادته فيه وجهان: أحدهما لا تجب
اعادته لأنه غسل صحيح بدليل انه تعلق به إباحة الوطئ في حق الحائض إذا طهرت فلم تجب اعادته
كغسل المسلمة: والثاني تجب اعادته وهو الأصح لأنه عبادة محضة فلم تصح من الكافر في حق الله
تعالى كالصوم والصلاة] *
[الشرح] حديث قيس بن عاصم حديث حسن رواه أبو داود والترمذي والنسائي من رواية
قيس بن عاصم هذا: قال الترمذي حديث حسن وقيس هذا من سادات العرب كنيته أبو علي وقيل
أبو قبيصة وقيل أبو طلحة قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم سنة تسع من الهجرة
فأسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا سيد أهل الوبر وكان حليما عاقلا قيل للأحنف بن قيس
ممن تعلمت الحلم قال من قيس بن عاصم رضي الله عنه: وقول المصنف لأنه عبادة محضة احترز
بعبادة عن البيع وغيره من المعاملات وبمحضة عن العدة والكفارة وقوله فلم تصح من الكافر في حق
الله احتراز من غسل الكافرة التي طهرت من الحيض فإنه عبادة محضة ويصح من الكافر لكن
في حق الآدمي: أما أحكام الفصل ففيه ثلاث مسائل إحداها إذا أجنب الكافر ثم أسلم قبل الاغتسال
لزمه الغسل: نص عليه الشافعي واتفق عليه جماهير الأصحاب: وحكي الماوردي عن أبي سعيد
الإصطخري وجها انه لا يلزمه وهو مذهب أبي حنيفة لقول الله تعال (قل للذين كفروا ان ينتهوا
يغفر لهم ما قد سلف) ولحديث عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الاسلام يهدم
ما قبله) رواه مسلم ولأنه أسلم خلق كثير لهم الزوجات والأولاد ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه
وسلم بالغسل وجوبا ولو وجب لأمرهم به وهذا الوجه ليس بشئ لأنه لا خلاف انه يلزمه الوضوء
فلا فرق بين ان يبول ثم يسلم أو يجنب ثم يسلم: وأما الآية الكريمة والحديث فالمراد بهما غفران
152

الذنوب فقد أجمعوا على أن الذمي لو كن عليه دين أو قصاص لا يسقط باسلامه ولان ايجاب الغسل ليس
مؤاخذة وتكليفا بما وجب في الكفر بل هو إلزام شرط من شروط الصلاة في الاسلام فإنه جنب
والصلاة لا تصح من الجنب ولا يخرج باسلامه عن كونه جنبا والجواب عن كونهم لم يؤمروا بالغسل
بعد الاسلام انه كان معلوما عندهم كما أنهم لم يؤمروا بالوضوء لكونه معلوما لهم والفرق بين وجوب
الغسل ومنع قضاء الصوم والصلاة من وجهين أحدهما ما سبق ان الغسل مؤاخذة بما هو حاصل في
الاسلام وهو كونه جنبا بخلاف الصلاة: والثاني ان الصلاة والصوم يكثران فيشق قضاؤهما وينفر
عن الاسلام: واما الغسل فلا يلزمه الا غسل واحد ولو أجنب الف مرة وأكثر فلا مشقة فيه:
(المسألة الثانية) إذا أجنب واغتسل في الكفر ثم أسلم ففي وجوب إعادة الغسل وجهان مشهوران
ذكر المصنف دليلهما أصحهما عند الأصحاب وجوب الإعادة ونص عليه الشافعي وقطع به
القاضي أبو الطيب وآخرون وأجابوا عن احتجاج القائل الآخر بالحائض فقالوا لا يلزم من صحته
في حق الزوج للضرورة صحته بلا ضرورة قاسوه على المجنونة إذا طهرت من الحيض فغسلها زوجها ليستبيحها
فإنها إذا فاقت يلزمها الغسل وهذا على المذهب والمشهور: وفيها خلاف ضعيف سبق في آخر باب نية الوضوء
ولا فرق في هذا بين الكافر المغتسل في الكفر والكافرة المغتسلة لحلها لزوجها المسلم (1) فالأصح في الجميع
وجوب الإعادة وخالف امام الحرمين الجمهور فصحح في الحائض عدم الإعادة وقد سبق هذا في آخر
باب نية الوضوء (الثالثة) إذا أسلم ولم يجنب في الكفر استحب أن يغتسل ولا يجب عليه الغسل بلا خلاف
عندنا وسواء في هذا الكافر الأصلي والمرتد والذمي والحربي قال الخطابي وغيره وبهذا قال
أبو حنيفة وأكثر العلماء وقال مالك واحمد وأبو ثور يلزمه الغسل واختاره ابن المنذر والخطابي
واحتجوا بحديث قيس بن عاصم وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال (بعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد) وذكر
الحديث وفى آخره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من
المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله) رواه البخاري
وفى رواية للبيهقي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (مر عليه فأسلم فأطلقه وبعث به إلى
حائط أبي طلحة وأمره ان يغتسل فاغتسل وصلى ركعتين) قال البيهقي يحتمل أن يكون أسلم عند

(1) وإن لم يكن لها زوج أو كان كافرا قال الامام يجب إعادة الغسل وجها واحدا وقال أبو بكر الفارسي بطرد الخلاف في اجزاء الغسل في كل كافر قال وهذا غلط صريح متروك عليه وليس من الرأي ان تحتسب غلطات الرجال من متن المذهب اه‍ أذرعي
153

النبي صلى الله عليه وسلم ثم اغتسل ودخل المسجد فأظهر الشهادة ثانيا جمعا بين الروايتين * واحتج
أصحابنا بما ذكره المصنف وهو انه أسلم خلق كثير ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال
ولأنه ترك معصية فلم يجب معه غسل كالتوبة من سائر المعاصي: والجواب عن حديثيهما من وجهين
أحدهما حملهما على الاستحباب جمعا بين الأدلة ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم أمر قيسا أن يغتسل
بماء وسدر واتفقنا على أن السدر غير واجب (الثاني) أنه صلى الله عليه وسلم علم أنهما اجنبا لكونهما
كانت لهما أولاد فأمرهما بالغسل لذلك لا للاسلام والله أعلم *
(فرع) يستحب للكافر إذا أسلم ان يحلق شعر رأسه نص عليه الشافعي في الأم والشيخ أبو حامد
والبندنيجي والقاضي أبو الطيب والمحاملي وابن الصباغ والروياني والشيخ نصر وآخرون * واحتجوا
له بحديث عثيم بضم العين المهملة وفتح المثلثة عن أبيه عن جده انه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال أسلمت: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (الق عنك شعر الكفر) يقول احلق رواه أبو داود
والبيهقي واسناده ليس بقوي لان عثيما وكليبا ليسا بمشهورين ولا وثقا لكن أبا داود رواه ولم
يضعفه وقد قال إنه إذا ذكر حديث ولم يضعفه فهو عنده صالح أي صحيح أو حسن فهذا الحديث
عنده حسن ويستحب أن يغتسل بماء وسدر لما ذكرناه من حديث قيس والله أعلم *
(فرع) إذا أراد الكافر الاسلام فليبادر به ولا يؤخره للاغتسال بل تجب المبادرة بالاسلام
ويحرم تحريما شديدا تأخيره للاغتسال وغيره وكذا إذا استشار مسلما في ذلك حرم على المستشار
تحريما غليظا أن يقول له أخره إلى الاغتسال بل يلزمه أن يحثه على المبادرة بالاسلام هذا هو الحق
والصواب وبه قال الجمهور وحكي الغزالي رحمه الله في باب الجمعة وجها انه يقدم الغسل على الاسلام
ليسلم مغتسلا قال وهو بعيد وهذا الوجه غلط ظاهر لا شك في بطلانه وخطأ فاحش بل هو من
الفواحش المنكرات وكيف يجوز البقاء على أعظم المعاصي وأفحش الكبائر ورأس الموبقات وأقبح
المهلكات لتحصيل غسل لا يحسب عبادة لعدم أهلية فاعله وقد قال صاحب التتمة في باب الردة
لو رضى مسلم بكفر كافر بان طلب كافر منه أن يلقنه الاسلام فلم يفعل أو أشار عليه بأن لا يسلم
أو أخر عرض الاسلام عليه بلا عذر صار مرتدا في جميع ذلك لأنه اختار الكفر على الاسلام
وهذا الذي قاله افراط أيضا بل الصواب ان يقال ارتكب معصية عظيمة: وأما قول النسائي (1) في
سننه باب تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم واحتج بحديث أبي هريرة ان ثمامة انطلق فاغتسل

(1) هذا الذي احتج به النسائي محمول على ما سبق وهو انه اظهر اسلامه بعد الغسل بدليل الرواية الأخرى فإنها مصرحة بتقديم الاسلام اه‍ أذرعي
154

ثم جاء فأسلم فليس بصحيح ولا دلالة فيما ذكره لما ادعاه والله أعلم * ويتعلق بهذا الفصل مسائل
نفيسة تقدمت في أواخر باب نية الوضوء وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله *
[ومن أجنب حرم عليه الصلاة والطواف ومس المصحف وحمله لأنا دللنا على أن ذلك يحرم
على المحدث فلان يحرم على الجنب أولى ويحرم عليه قراءة القرآن لما روى ابن عمر رضي الله عنه
ما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن) ويحرم عليه
اللبث في المسجد ولا يحرم عليه العبور لقوله تعالى (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا
ما تقولون ولا جنبا الا عابري سبيل) وأراد موضع الصلاة وقال في البويطي ويكره له ان ينام
حتى يتوضأ لما روي أن عمر رضي الله عنه قال يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب قال
(نعم إذا توضأ أحدكم فليرقد) قال أبو علي الطبري وإذا أراد أن يطأ أو يأكل أو يشرب توضأ
ولا يستحب ذلك للحائض لان الوضوء لا يؤثر في حدثها ويؤثر في حدث الجنابة لأنه يخففه ويزيله
عن أعضاء الوضوء] *
[الشرح] هذا الفصل مشتمل على جمل ويتعلق به فروع كثيرة منتشرة فالوجه أن نشرح
كلام المصنف مختصرا ثم نعطف عليه مذاهب العلماء ثم الفروع والمتعلقات: أما الآية الكريمة
فسيأتي تفسيرها والمراد بها في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى: وأما حديث ابن عمر لا يقرأ
الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن فرواه الترمذي وابن ماجة والبيهقي وغيرهم وهو حديث
ضعيف ضعفه البخاري والبيهقي وغيرهما والضعف فيه بين وسنذكر في فرع مذاهب العلماء
غيره مما يغنى عنه إن شاء الله تعالى: واما حديث عمر رضي الله عنه فصحيح رواه البخاري
ومسلم وقوله فلان يحرم على الجنب هو بفتح اللام وقد سبق ايضاحه في باب الآنية ثم في مواضع وقوله لا يقرأ
الجنب روى بكسر الهمزة وروى بضمها على الخبر الذي يراد به النهي وهما صحيحان وممن ذكرهما القاضي
أبو الطيب في هذا الموضع من تعليقه ونظائرهما كثيرة مشهورة واللبث هو الإقامة: قال أهل اللغة يقال لبث
بالمكان وتلبث أي أقام قال الأزهري وصاحب المحكم وغيرهما يقال لبث يلبث لبثا ولبثا باسكان الباء وفتحها
زاد في المحكم ولباثة ولبيثة يعني بفتح اللام فيهما: وأما الجنابة فأصلها في اللغة البعد وتطلق في الشرع على من
أنزل المنى وعلى من جامع وسمي جنبا لأنه يجتنب الصلاة والمسجد والقراءة ويتباعد عنها ويقال أجنب
الرجل يجنب وجنب بضم الجيم وكسر النون يجنب بضم الياء وفتح النون لغتان مشهورتان الأولى
155

أفصح وأشهر يقال رجل جنب ورجلان ورجال وامرأة وامرأتان ونسوة جنب بلفظ واحد
قال الله تعالى (وان كنتم جنبا فاطهروا) قال أهل اللغة ويقال جنبان وأجناب فيثنى ويجمع
والأول أفصح وأشهر:
أما أحكام المسألة فيحرم على الجنب ستة أشياء الصلاة والطواف ومس
المصحف وحمله واللبث في المسجد وقراءة القرآن: فأما الأربعة الأولى فتقدم شرحها وما يتعلق
بها في باب ما ينقض الوضوء: وأما قراءة القرآن فيحرم كثيرها وقليلها حتى بعض آية: وكذا
يحرم اللبث في جزء من المسجد ولو لحظة: وأما العبور فلا يحرم وقد ذكر المصنف دليل الجميع
قال أصحابنا ويكره للجنب أن ينام حتى يتوضأ ويستحب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو يطأ
من وطئها أولا أو غيرها أن يتوضأ وضوءه للصلاة ويغسل فرجه في كل هذه الأحوال ولا يستحب
هذا الوضوء للحائض والنفساء نص عليه الشافعي في البويطي واتفق عليه الأصحاب ودليله ما ذكره
المصنف أن الوضوء لا يؤثر في حدثها لأنه مستمر فلا تصح الطهارة مع استمراره وهذا ما دامت
حائضا فأما إذا انقطع حيضها فتصير كالجنب يستحب لها الوضوء في هذه المواضع لأنه يؤثر في
حدثها كالجنب وهذا الذي قلناه وقاله المصنف والأصحاب ان الوضوء يؤثر في حدث الجنب
ويزيله عن أعضاء الوضوء هو الصحيح الذي قطع به الجمهور وخالف فيه إمام الحرمين فقال
لا يرتفع شئ من الحدث حتى تكمل الطهارة وقد سبق بيان هذه المسائل في المسائل الزوائد في آخر
صفة الوضوء ودليل استحباب الوضوء وغسل الفرج في هذه الأحوال أحاديث صحيحة منها
حديث عمر رضي الله عنه قال يا رسول الله (أيرقد أحدنا وهو جنب فقال نعم إذا توضأ)
رواه البخاري ومسلم وفى الصحيحين عن ابن عمر قال ذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه تصيبه الجنابة من الليل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (توضأ واغسل ذكرك ثم نم)
وعن عائشة (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة)
رواه البخاري ومسلم هذا لفظ البخاري وفى رواية مسلم (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام) وفى رواية له (كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه) وعن عمار بن ياسر ان النبي
صلى الله عليه وسلم (رخص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ) رواه أبو داود والترمذي
وقال حديث حسن صحيح ومعناه إذا أراد أن يأكل: وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال
156

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أتي أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا)
رواه مسلم زاد البيهقي في رواية (فإنه أنشط للعود): وأما حديث ابن عباس في الصحيح أن
النبي صلى الله عليه وسلم (قام من الليل فقضى حاجته ثم غسل وجهه ويديه ثم نام) فالمراد بحاجته
الحدث الأصغر: وأما حديث أبي إسحاق السبيعي بفتح السين المهملة عن الأسود عن عائشة أن
النبي صلى الله عليه وسلم (كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء) رواه أبو داود والترمذي والنسائي
وغيرهم فقال أبو داود عن يزيد بن هارون وهم السبيعي في هذا يعني قوله ولا يمس ماء وقال الترمذي
يرون أن هذا غلط من السبيعي وقال البيهقي طعن الحفاظ في هذه اللفظة وتوهموها مأخوذة عن غير
الأسود وأن السبيعي دلس قال البيهقي وحديث السبيعي بهذه الزيادة صحيح من جهة الرواية لأنه
بين سماعه من الأسود والمدلس إذا بين سماعه ممن روي عنه وكان ثقة فلا وجه لرده: (قلت)
قالت طائفة من أهل الحديث والأصول ان المدلس لا يحتج بروايته وان بين السماع: والصحيح الذي
عليه الجمهور أنه إذا بين السماع احتج به فعلى الأول لا يكون الحديث صحيحا ولا يحتاج إلى جواب
وعلى الثاني جوابه من وجهين أحدهما ما رواه البيهقي عن ابن سريج رحمه الله واستحسنه البيهقي أن
معناه لا يمس ماء للغسل لنجمع بينه وبين حديثها الآخر وحديث عمر الثابتين في الصحيحين: والثاني (1)
أن المراد أنه كان يترك الوضوء في بعض الأحوال ليبين الجواز إذ لو واظب عليه لاعتقدوا وجوبه
وهذا عندي حسن أو أحسن وثبت في الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم (طاف
على نسائه بغسل واحد وهن تسع نسوة) فيحتمل أنه كان يتوضأ بينهما ويحتمل ترك الوضوء لبيان
الجواز وفى رواية لأبي داود أنه طاف على نسائه ذات ليلة يغتسل عند هذه وعند هذه فقيل يا رسول
الله ألا تجعله غسلا واحدا فقال (هذا أزكي وأطيب وأطهر) قال أبو داود والحديث الأول
أصح: (قلت) وان صح هذا الثاني حمل على أنه كان في وقت وذاك في وقت والحديثان
محمولان على أنه كان برضاهن ان قلنا بالأصح وقول الأكثرين أن القسم كان واجبا عليه صلى الله عليه
وسلم في الدوام فان القسم لا يجوز أقل من ليلة ليلة الا برضاهن والله أعلم *
(فرع) روى أبو داود والنسائي باسناد جيد عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم (لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا جنب ولا كلب) قال الخطابي المراد الملائكة
الذين ينزلون بالرحمة والبركة لا الحفظة لأنهم لا يفارقون الجنب ولا غيره: قال وقيل لم يرد

(1) هذا الثاني هو المختار كما اختاره الشيخ رحمه الله وهو ظاهر الحديث والأول فيه نظر فإنه تأويل بعيد لا حاجة إليه إذ لا منافاة بين الروايتين اه‍ أذرعي
157

بالجنب من أصابته جنابة فأخر الاغتسال إلى حضور الصلاة ولكنه الجنب الذي يتهاون بالغسل
ويتخذ تركه عادة لان النبي صلى الله عليه وسلم (كان ينام وهو جنب ويطوف على نسائه بغسل
واحد): قال وأما الكلب فهو أن يقتني كلبا لغير الصيد والزرع والماشية وحراسة الدار: قال
وأما الصورة فهي كل مصور من ذوات الأرواح سواء كان على جدار أو سقف أو ثوب هذا كلام
الخطابي وفى تخصيصه الجنب بالمتهاون والكلب بالذي يحرم اقتناؤه نظر وهو محتمل *
(فرع) هذا الذي ذكرناه من كراهة النوم قبل الوضوء للجنب هو مذهبنا وبه قال أكثر
السلف أو كثير منهم حكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن عباس وأبي سعيد الخدري
وشداد بن أوس وعائشة والحسن البصري وعطاء والنخعي ومالك واحمد وإسحاق واختاره ابن
المنذر قال وقال سعيد بن المسيب وأصحاب الرأي هو بالخيار: دليلنا الأحاديث السابقة والله أعلم
(فرع) في مذاهب العلماء في قراءة الجنب والحائض: مذهبنا انه يحرم على الجنب والحائض قراءة
القرآن قليلها وكثيرها حتى بعض آية وبهذا قال أكثر العلماء كذا حكاه الخطابي وغيره عن الأكثرين
وحكاه أصحابنا عن عمر بن الخطاب وعلي وجابر رضي الله عنهم والحسن والزهري والنخعي وقتادة واحمد
وإسحاق وقال داود يجوز للجنب والحائض قراءة كل القرآن وروى هذا عن ابن عباس وابن المسيب قال
القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما واختاره ابن المنذر وقال مالك يقرأ الجنب الآيات اليسيرة
للتعوذ وفى الحائض روايتان عنه إحداهما تقرأ والثاني لا تقرأ وقال أبو حنيفة يقرأ الجنب بعض
آية ولا يقرأ آية وله رواية كمذهبنا * واحتج من جوز مطلقا بحديث عائشة رضي الله عنها أن
النبي صلى الله عليه وسلم (كان يذكر الله تعالى على كل أحيانه) رواه مسلم قالوا والقرآن ذكر
ولان الأصل عدم التحريم * واحتج أصحابنا بحديث ابن عمر المذكور في الكتاب لكنه ضعيف
كما سبق وعن عبد الله بن سلمة بكسر اللام عن علي رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقضى حاجته فيقرأ القرآن ولم يكن يحجبه وربما قال يحجزه عن القرآن شئ ليس
158

الجناية) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وغيرهم قال الترمذي حديث
حسن صحيح وقال غيره من الحفاظ المحققين هو حديث ضعيف ورواه الشافعي في سنن حرملة
ثم قال إن كان ثابتا ففيه دلالة على تحريم القراءة على الجنب قال البيهقي ورواه الشافعي في كتاب
جماع الطهور وقال وإن لم يكن أهل الحديث يثبتونه: قال البيهقي وإنما توقف الشافعي في ثبوته لان
مداره على عبد الله بن سلمة وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة وإنما روى هذا
الحديث بعد ما كبر قاله شعبة ثم روى البيهقي عن الأئمة تحقيق ما قال ثم قال البيهقي وصح عن عمر
رضي الله عنه أنه كره القراءة للجنب ثم رواه باسناده عنه وروى عن علي لا يقرأ الجنب القرآن
ولا حرفا واحدا وروى البيهقي عن عبد الله بن مالك الغافقي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول
إذا توضأت وأنا جنب أكلت وشربت ولا أصلي ولا أقرأ حتى أغتسل) واسناده أيضا ضعيف:
واحتج أصحابنا أيضا بقصة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه المشهورة أن امرأته رأته يواقع جارية
له فذهبت فأخذت سكينا وجاءت تريد قتله فأنكر أنه واقع الجارية وقال أليس قد نهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم الجنب أن يقرأ القرآن: قالت بلى فأنشدها الأبيات المشهورة فتوهمتها
قرآنا فكفت عنه فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فضحك ولم ينكر عليه: والدلالة فيه من
وجهين: أحدهما ان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه قوله حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم
القرآن والثاني أن هذا كان مشهورا عندهم يعرفه رجالهم ونساؤهم ولكن اسناد هذه القصة ضعيف
ومنقطع وأجاب أصحابنا عن احتجاج داود (1) بحديث عائشة بأن المراد بالذكر غير القرآن فإنه
المفهوم عند الاطلاق: وأما المذاهب الباقية فقد سلموا تحريم القراءة في الجملة ثم ادعوا تخصيصا
لا مستند له: فان قالوا جوزنا للحائض خوف النسيان قلنا يحصل المقصود بتفكرها بقلبها والله أعلم *

(1) مذهب داود قوي فإنه لم يثبت في المسألة شئ يحتج به لنا كما أوضحه وقد نقل البيهقي في معرفة السنن والآثار عن الشافعي أنه قال أحب للجنب أن لا
يقرأ القرآن لحديث لا يثبته أهل الحديث وهذا المذهب هو اختيار ابن المنذر كما سبق والأصل عدم التحريم اه‍ من هامش الأذرعي
159

(فرع) في مذاهب العلماء في مكث الجنب في المسجد وعبوره فيه بلا مكث: مذهبنا انه يحرم عليه المكث
في المسجد جالسا أو قائما أو مترددا أو على أي حال كان متوضأ كان أو غيره ويجوز له العبور من غير
لبث سواء كان له حاجة أم لا وحكي ابن المنذر مثل هذا عن عبد الله ابن مسعود وابن عباس
وسعيد بن المسيب والحسن البصري وسعيد بن جبير وعمرو بن دينار ومالك وحكي عن سفيان
الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وإسحاق ابن راهويه أنه لا يجوز له العبور إلا أن لا يجد بدا منه فيتوضأ
ثم يمر وقال احمد يحرم المكث ويباح العبور لحاجة ولا يباح لغير حاجة قال ولو توضأ استباح
المكث: وجمهور العلماء على أن الوضوء لا أثر له في هذا وقال المزني وداود وابن المنذر يجوز للجنب
المكث في المسجد مطلقا وحكاه الشيخ أبو حامد عن زيد بن أسلم * واحتج من أباح المكث مطلقا
بما ذكره ابن المنذر في الاشراف وذكره غيره ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (المسلم لا ينجس)
رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة وبما احتج به المزني في المختصر واحتج به غيره ان
المشرك يمكث في المسجد فالمسلم الجنب أولى: وأحسن ما يوجه به هذا المذهب ان الأصل عدم
التحريم وليس لمن حرم دليل صحيح صريح * واحتج أصحابنا بقول الله تعالى (لا تقربوا الصلاة
وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل) قال الشافعي رحمه الله في الأم قال
بعض العلماء بالقرآن معناها لا تقربوا مواضع الصلاة قال الشافعي وما أشبه ما قال بما قال لأنه ليس
في الصلاة عبور سبيل إنما عبور السبيل في موضعها وهو المسجد قال الخطابي وعلى ما تأولها الشافعي
تأولها أبو عبيدة معمر بن المثني قال البيهقي في معرفة السنن والآثار وروينا هذا التفسير
عن ابن عباس قال وروينا عن جابر قال كان أحدنا يمر في المسجد مجتازا وهو جنب وعن أفلت بن
خليفة عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة رضي الله عنها قالت جاء النبي صلى الله عليه وسلم وبيوت
أصحابه شارعة في المسجد فقال (وجهوا هذه البيوت عن المسجد فاني لا أحل المسجد لحائض ولا
جنب) رواه أبو داود وغيره قال البيهقي ليس هو بقوي قال قال البخاري عند جسرة عجائب
وقد خالفها غيرها في سد الأبواب وقال الخطابي ضعف جماعة هذا الحديث وقالوا أفلت مجهول
وقال الحافظ عبد الحق هذا الحديث لا يثبت (قلت) وخالفهم غيرهم فقال احمد ابن حنبل لا أرى بافلت
160

بأسا وقال الدارقطني هو كوفي صالح وقال أحمد بن عبد الله العجلي جسرة تابعية ثقة وقد روي
أبو داود هذا الحديث ولم يضعفه وقد قدمنا أن مذهبه ان ما رواه ولم يضعفه ولم يجد لغيره فيه تضعفيا
فهو عنده صالح ولكن هذا الحديث ضعفه من ذكرنا وجسرة بفتح الجيم واسكان السين المهملة
وافلت بالفاء قال الخطابي وجوه البيوت أبوابها وقال ومعنى وجهوها عن المسجد اصرفوا وجوهها
عن المسجد: وأجاب أصحابنا عن احتجاجهم بحديث (المسلم لا ينجس) بأنه لا يلزم من عدم نجاسته
جواز لبثه في المسجد: وأما القياس على المشرك فجوابه من وجهين أحدهما ان الشرع فرق بينهما
فقام دليل تحريم مكث الجنب وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس بعض المشركين في المسجد
فإذا فرق الشرع لم يجز التسوية والثاني ان الكافر لا يعتقد حرمة المسجد فلا يكلف بها بخلاف
المسلم وهذا كما أن الحربي لو أتلف على المسلم شيئا لم يلزمه ضمانة لأنه لم يلتزم الضمان بخلاف المسلم
والذمي إذا اتلفا * واحتج من حرم المكث والعبور بحديث (لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)
وبحديث سالم بن أبي حفصة عن عطية بن سعد العوفي المفسر عن أبي سعيد الخدري قال قال
النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه (يا علي لا يحل لاحد يجنب في هذا المسجد
غيري وغيرك) رواه الترمذي في جامعه في مناقب على وقال حديث حسن غريب لا نعرفه الا
من هذا الوجه قال أبو نعيم ضرار بن صرد معناه لا يحل لاحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك قال الترمذي
سمع البخاري منى هذا الحديث واستغربه قالوا ولأنه موضع لا يجوز المكث فيه فكذا العبور كالدار
المغصوبة وقياسا على الحائض ومن في رجله نجاسة * واحتج أصحابنا بما احتج به الشافعي وغيره
وهو قول الله تعالى (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا الا عابري
سبيل) وتقدم ذكر الدلالة منها قال أصحاب أبي حنيفة المراد بالآية أن المسافر إذا أجنب وعدم
الماء جاز له التيمم والصلاة وإن كانت الجنابة باقية لأن هذه حقيقة الصلاة: والجواب أن هذا
الذي ذكروه ليس مختصا بالمسافر بل يجوز للحاضر فلا تحمل الآية عليه وأما ما ذكرناه فهو الظاهر
وقد جاء الحديث (2) وأقوال الصحابة وتفسيرهم على وفقه فكان أولى * واحتجوا بحديث جابر (كنا

(1) قوله ولم يجد لغيره هكذا ذكره في علوم الحديث وفيه نظر فإنه قال وما لم اذكر فيه شيئا فهو صالح أي صحيح أو حسن كما سبق ولم يشترط عدم تضعيف غيره فان ضعفه غيره فهو عند أبي داود صالح وان خالفه غيره اه‍ أذرعي
(2) قوله وقد جاء الحديث فيه نظر فإنه لم يذكر حديثا في جواز العبور يحتج به والعمدة فيه الآية الكريمة اه‍ أذرعي
161

نمشي في المسجد جنبا لا نرى به بأسا (رواه الدارمي باسناد ضعيف ولأنه مكلف أمن تلويث
المسجد فجاز عبوره كالمحدث: وأما الجواب عن حديثهم الأول فهو أنه إن صح حمل على المكث
جمعا بين الأدلة: وأما الثاني فضعيف لان مداره على سالم بن أبي حفصة وعطية وهما ضعيفان جدا
شيعيان متهمان في رواية هذا الحديث وقد أجمع العلماء على تضعيف سالم وغلوه في التشيع ويكفى
في رده بعض ما ذكرنا لا سيما وقد استغربه البخاري امام الفن على أنه لو صح لم يكن معناه ما ذكره
أبو نعيم لأنه خلاف ظاهره بل معناه إباحة المكث في المسجد مع الجنابة وقد ذكر أبو العباس
ابن القاص هذا في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم: وأما قياسهم على الدر المغصوبة فمنتقض
بمواضع الخمور والملاهي والطرق الضيقة: وأما قياسهم على من على رجله نجاسة فإنما يمنع عبوره
إذا كانت النجاسة جارية أو متعرضة للجريان وهذا يمنع صيانة للمسجد من تلويثه والجنب بخلافه
فنظير الجنب من على رجله نجاسة يابسة فله العبور وبهذا يجاب عن قياسهم على الحائض ان حرمنا
عبورها والا فالأصح جواز عبورها إذا أمنت التلويث والله أعلم *
[فصل]
يتعلق بقراءة الجنب والحائض والمحدث وأذكارهم ومواضع القراءة وأحوالها ونحو ذلك
وهذا الفصل من المهمات التي يتأكد لطالب الآخرة معرفتها وقد جمعت في هذا كتابا
لطيفا وهو (التبيان في آداب حملة القرآن) وأنا أشير هنا إلى جمل من مقاصده إن شاء الله تعالى
وفيه مسائل: (إحداها) قد ذكرنا أنه يحرم على الجنب والحائض والنفساء قراءة شئ من القرآن
وان قل حتى بعض آية ولو كان يكرر في كتاب فقه أو غيره فيه احتجاج بآية حرم عليه قراءتها
ذكره القاضي حسين في الفتاوى لأنه يقصد القرآن للاحتجاج: قال أصحابنا ولو قال لإنسان
خذ الكتاب بقوة ولم يقصد به القرآن جاز وكذا ما أشبهه ويجوز للجنب والحائض والنفساء
في معناه أن تقول عند المصيبة (انا لله وانا إليه راجعون) إذا لم تقصد القرآن: قال أصحابنا
الخراسانيون ويجوز عند ركوب الدابة أن يقول (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين)
162

لا بقصد القرآن وممن صرح به الفوراني والبغوي والرافعي وآخرون وأشار العراقيون إلى
منعه والمختار الصحيح الأول: قال القاضي حسين وغيره ويجوز أن يقول في الدعاء (ربنا آتنا في
الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار): قال امام الحرمين ووالده الشيخ أبو محمد والغزالي
في البسيط إذا قال الجنب باسم الله أو الحمد لله فان قصد القرآن عصا وان قصد الذكر لم يعص
وإن لم يقصد واحدا منهما لم يعص أيضا قطعا لان القصد مرعي في هذه الأبواب: (المسألة الثانية)
تجوز للجنب قراءة ما نسخت تلاوته كالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما وما أشبهه: صرح
به القاضي حسين والبغوي وآخرون: (الثالثة) يجوز للجنب والحائض النظر في المصحف وقراءته
بالقلب دون حركة اللسان وهذا لا خلاف فيه: (الرابعة) قال أصحابنا إذا لم يجد الجنب ماء
ولا ترابا يصلى الفريضة وحدها لحرمة الوقت ولا يقرأ زيادة على الفاتحة وفى الفاتحة وجهان حكاهما
الخراسانيون أحدهما ورجحه القاضي حسين والرافعي لا تجوز قراءة الفاتحة أيضا لأنه عاجز عنها
شرعا فيأتي بالأذكار التي يأتي بها من لا يحسن الفاتحة: (والثاني) وهو الصحيح وبه قطع الشيخ
أبو حامد وسائر العراقيين والروياني في الحلية وآخرون من الخراسانيين أنه تجب قراءة الفاتحة
لأنه قادر وقراءته كركوعه وسجوده وستأتي المسألة إن شاء الله تعالى مبسوطة في باب التيمم:
(الخامسة) غير الجنب والحائض لو كان فمه نجسا كره له قراءة القرآن: قال الروياني وفى تحريمه وجهان
خرجهما والدي: أحدهما يحرم كمس المصحف بيده النجسة: (والثاني) لا يحرم كقراءة المحدث كذا
أطلق الوجهين والصحيح أنه لا يحرم وهو مقتضى كلام الجمهور واطلاقهم أن غير الجنب والحائض
والنفساء لا يحرم عليه القراءة: (السادسة) أجمع المسلمون على جواز قراءة القرآن للمحدث الحدث
الأصغر والأفضل أن يتوضأ لها قال امام الحرمين وغيره ولا يقال قراءة المحدث مكروهة فقد صح
عن النبي صلى الله عليه وسلم (انه كان يقرأ مع الحدث) والمستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهر
كالمحدث: (السابعة) لا يكره للمحدث قراءة القرآن (1) في الحمام نقله صاحبا العدة والبيان وغيرهما من
أصحابنا وبه قال محمد بن الحسن ونقله ابن المنذر عن إبراهيم النخعي ومالك ونقل عن أبي وائل

(1) نقل المصنف في التبيان، عدم الكراهة عن الأصحاب مطلقا فقال قال أصحابنا لا تكره يعني القراءة في الحمام وهذا فيه نظر لا يخفى لان قراءة القرآن عبادة وليس الحمام
من موضع العبادة ثم رأيت بعد هذا بزمان جماعة من أصحابنا كرهوا ذلك منهم الحليمي والصيمري وغيرهما اه‍ أذرعي
163

شقيق بن سلمة التابعي الجليل والشعبي ومكحول والحسن وقبيصة بن ذؤيب كراهته وحكاه أصحابنا
عن أبي حنيفة ورويناه في مسند الدارمي عن إبراهيم النخعي فيكون عنه خلاف: دليلنا انه لم يرد
الشرع بكراهته فلم يكره كسائر المواضع: (الثامنة) لا تكره القراءة في الطريق مارا إذا لم يلته وروى
نحو هذا عن أبي الدرداء وعمر بن عبد العزيز: وعن مالك كراهتها قال الشعبي تكره القراءة في
الحش وبيت الرحا وهي تدور وهذا الذي ذكره مقتضى مذهبنا: (التاسعة) إذا كان يقرأ فعرضت
له ريح أمسك عن القراءة حال خروجها: (العاشرة) أجمع المسلمون على جواز التسبيح والتهليل
والتكبير والتحميد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأذكار وما سوى
القرآن للجنب والحائض ودلائله مع الاجماع في الأحاديث الصحيحة مشهورة: (الحادية عشرة)
قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل وسائر الأذكار الا في المواضع التي ورد الشرع بهذه
الأذكار فيها وستأتي دلائله إن شاء الله تعالى حيث ذكره المصنف في أذكار الطواف: (الثانية عشرة)
يستحب أن ينظف فمه قبل الشروع في القراءة بسواك ونحوه ويستقبل القبلة ويجلس متخشعا
بسكينة ووقار ولو قرأ قائما أو مضطجعا أو ماشيا أو على فراشه جاز ودلائله في الكتاب والسنة
مشهورة وإذا أراد القراءة تعوذ وجهر به (1): والتعوذ سنة ليس بواجب ويحافظ على قراءة بسم الله
الرحمن الرحيم في أوائل السور غير براءة فإذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر
والخضوع فهو المطلوب والمقصود وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب قال الله تعالى (كتاب
أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته) وقال تعالى (أفلا يتدبرون القرآن والأحاديث فيه كثيرة
وقد بات جماعة من السلف يردد أحدهم الآية جميع ليلته أو معظمها وصعق جماعات من السلف عند القراءة
ومات جماعات منهم بسبب القراءة وقد ذكرت في التبيان جملة من أخبار هؤلاء رضي الله عنهم: ويسن
تحسين الصوت بالقرءان للأحاديث الصحيحة المشهورة فيه: وقد أوضحتها في التبيان وسأبسطها إن شاء الله
تعالى في هذا الكتاب حيث ذكر المصنف المسألة في كتاب الشهادات قالوا فإن لم يكن
حسن الصوت حسنه ما استطاع ولا يخرج بتحسينه عن حد القراءة إلى التمطيط المخرج له عن حدوده
ويستحب البكاء عند القراءة وهي صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين: قال الله تعالى (ويخرون
للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) والأحاديث والآثار فيه كثيرة وفى الصحيحين عن ابن مسعود

(1) هي يعني في غير الصلاة اه‍ أذرعي
164

رضي الله عنه أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قال (حسبك) قال فرأيت عينيه تذرفان
وطريقه في تحصيل البكاء ان يتأمل ما يقرؤه من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود ثم يفكر
في تقصيره فيها فإن لم يحضره عند ذلك حزن وبكاء فليبك على فقد ذلك فإنه من المصائب: ويسن
ترتيل القراءة: قال الله تعالى (ورتل القرآن ترتيلا) وثبت في الأحاديث الصحيحة أن قراءة رسول
الله صلى الله عليه وسلم كانت مرتلة واتفقوا على كراهة الافراط في الاسراع ويسمى الهذ قالوا
وقراءة جزء بترتيل أفضل من قراءة جزءين في قدر ذلك الزمن بلا ترتيل قال العلماء والترتيل
مستحب للتدبر ولأنه أقرب إلى الاجلال والتوقير وأشد تأثيرا في القلب ولهذا يستحب الترتيل
للأعجمي الذي لا يفهم معناه ويستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله وإذا مر بآية
عذاب ان يستعيذ من العذاب أو من الشر ونحو ذلك وإذا مر بآية تنزيه لله تعالى نزه فقال تبارك
الله أوجلت عظمة ربنا ونحو ذلك: وهذا مستحب لكل قارئ سواء في الصلاة وخارجها وسواء
الإمام والمأموم والمنفرد وقد ثبت ذلك في صحيح مسلم من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنبسط
ذلك بدلائله إن شاء الله تعالى حيث ذكره المصنف في آخر باب سجود التلاوة ولا تجوز القراءة
بالأعجمية سواء أحسن العربية أم لا سواء كان في الصلاة أم خارجها وتجوز بالقراءات السبع ولا
تجوز بالشواذ وسنوضح ذلك بدلائله في صفة الصلاة حيث ذكره المصنف إن شاء الله تعالى والأولى
ان يقرأ على ترتيب المصحف سواء قرأ في الصلاة أم خارجها وإذا قرأ سورة قرأ بعدها التي تليها
لان ترتيب المصحف لحكمة فلا يتركها الا فيما ورد الشرع فيه بالتفريق كصلاة الصبح يوم الجمعة
(بآلم) (وهل أتي) وصلاة العيد (بق) (واقتربت) ونظائر ذلك فلو فرق أو عكس جاز وترك
الأفضل وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فمتفق على منعه وذمه لأنه يذهب بعض أنواع
الاعجاز ويزيل حكمة الترتيب وأما تعليم الصبيان من آخر الختمة إلى أولها فلا بأس به لأنه يقع
في أيام *
165

(فرع) القراءة في المصحف أفضل من القراءة عن ظهر القلب لأنها تجمع القراءة والنظر في
المصحف وهو عبادة أخرى كذا قاله القاضي حسين وغيره من أصحابنا ونص عليه جماعات من
السلف ولم أر فيه خلافا ولعلهم أرادوا بذلك في حق من يستوي خشوعه وحضور قلبه في الحالين
فاما من يزيد خشوعه وحضور قلبه وتدبره في القراءة عن ظهر القلب وهي أفضل في حقه *
(فرع) لا كراهة في قراءة الجماعة مجتمعين بل هي مستحبة وكذا الإدارة وهي أن يقرأ
بعضهم جزءا أو سورة مثلا ويسكت بعضهم ثم يقرأ الساكتون ويسكت القارئون وقد ذكرت
دلائله في التبيان وللقارئين مجتمعين آداب كثيرة منها ما سبق في آداب القارئ وحده ومنها
أشياء يتساهل فيها في العادة فمن ذلك أنهم مأمورون باجتناب الضحك واللغط والحديث في حال
القراءة الا كلاما يسيرا للضرورة وباجتناب العبث باليد وغيرها والنظر إلى ما يلهى أو يبدد
الذهن وأقبح من ذلك النظر إلى من يحرم النظر إليه كالأمرد وغيره سواء كان بشهوة أم بغيرها
ويجب على الحاضر في ذلك المجلس أن ينكر ما يراه من هذه المنكرات وغيرها فينكر بيده ثم لسانه
على حسب الامكان فإن لم يستطع فليكرهه بقلبه *
(فرع) جاءت في الصحيح أحاديث تقتضي استحباب رفع الصوت بالقراءة وأحاديث
تقتضي أن الاسرار والاخفاء أفضل قال العلماء وطريق الجمع بينها أن الاخفاء أبعد من الرياء
فهو أفضل في حق من يخاف الرياء وكذا ما يتأذى المصلون وغيرهم بجهره فالاخفاء أفضل في
حقه فإن لم يخف الرياء ولم يتأذ أحد بجهره فالجهر أفضل لان العمل فيه أكثر ولان فائدته
تتعدى إلى السامعين ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه
ويطرد النوم ويزيد في النشاط وقد أوضحت جملة من الأحاديث والآثار الواردة من
ذلك في التبيان *
(فرع) يسن تحسين الصوت بالقراءة للأحاديث الصحيحة المشهورة فيه وسنبسطه ان شاء
166

الله تعالى حيث ذكره المصنف في كتاب الشهادات ويسن طلب القراءة من حسن الصوت والاصغاء
إليها وهذا متفق على استحبابه وهو عادة الأخيار والمتعبدين وعباد الله الصالحين وفى الصحيحين
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن مسعود اقرأ على القرآن فاني أحب أن أسمعه
من غيري فقرأ عليه من سورة النساء حتى بلغ (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك
على هؤلاء شهيدا) والآثار فيه كثيرة مشهورة وقد مات جماعة من الصالحين بقراءة من سألوه
القراءة واستحب العلماء افتتاح مجلس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بقراءة قارئ حسن
الصوت ما تيسر من القرآن
(فرع) ينبغي للقارئ أن يبتدئ من أول السورة أو من أول الكلام المرتبط ويقف
على آخرها أو آخر الكلام المرتبط بعضه ببعض ولا يتقيد بالاجزاء والأعشار فإنها قد تكون في
وسط كلام مرتبط كالجزء في قوله تعالى (والمحصنات) (وما أبرئ نفسي) (قال ألم أقل لك
انك لن تستطيع معي صبرا) (ومن يقنت منكن) (وما أنزلنا على قومه) (إليه يرد علم الساعة)
(قال فما خطبكم) فكل هذا وشبهه لا يبتدأ به لا يوقف عليه ولا يغتر بكثرة الفاعلين له ولهذا
قال العلماء قراءة سورة قصيرة بكمالها أفضل من قدرها من طويلة لأنه قد يخفى الارتباط *
(فرع) تكره القراءة في أحوال منها حال الركوع والسجود والتشهد وغيرها من أحوال
الصلاة سوى القيام وتكره في حال القعود على الخلاء وفى حال النعاس وحال الخطبة لمن يسمعها
ويكره للمأموم قراءة ما زاد على الفاتحة في صلاة جهرية إذا سمع قراءة الإمام ولا يكره في الطواف
وتقدم بيان القراءة في الحمام والطريق وقراءة من فمه نجس *
(فرع) إذا مر القارئ على قوم سلم عليهم وعاد إلى القراءة فان أعاد التعوذ كان حسنا
ويستحب لمن مر على القارئ ان يسلم عليه (1) ويلزم القارئ رد السلام باللفظ وقال الواحدي
من أصحابنا لا يسلم المار فان سلم رد عليه القارئ بالإشارة وهذا ضعيف ولو عطس القارئ
في الصلاة أو خارجها فليحمد الله تعالى ولو عطس غيره شمته القارئ ولو سمع المؤذن أو المقيم
قطع القراءة وتابعه وقد ذكر المصنف المسألة في باب الأذان ولو طلبت منه حاجة وأمكنه الجواب
بإشارة مفهمة وعلم أنه لا يشق ذلك على الطالب اجابه إشارة *

(1) أما السلام عليه ففيه نظر واما وجوب الرد باللفظ فقريب لأنه يقطع القراءة لإجابة المؤذن فهنا أولى اه‍ أذرعي
167

(فرع) إذا قرأ (أليس الله بأحكم الحاكمين) (أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى) استحب
أن يقول بلى وانا على ذلك من الشاهدين وإذا قرأ (سبح اسم ربك الأعلى) قال سبحان ربي الأعلى
وإذا قرأ (وقل الحمد الله الذي لم يتخذ ولدا) قال الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا وقد بسطت ذلك في
التبيان وسأذكره في صفة الصلاة من هذا الكتاب مبسوطا إن شاء الله تعالى *
(فرع) جاء عن إبراهيم النخعي انه إذا قرأ (وقالت اليهود يد الله مغلولة) (وقالت اليهود عزير
ابن الله) ونحوهما خفض صوته قليلا وقال غيره إذا قرأ (ان الله وملائكته يصلون على النبي) الآية
استحب أن يقول صلى الله عليه وسلم تسليما *
(فرع) في الأوقات المختارة للقراءة أفضلها ما كان في الصلاة ومذهبنا ان تطويل القيام في
الصلاة أفضل من تطويل السجود وغيره وسنبسط المسألة بأدلتها ومذاهب العلماء فيها في صفة
الصلاة إن شاء الله تعالى وقد ذكرها المصنف في باب صلاة الخوف: وأفضل الأوقات الليل ونصفه
الآخر أفضل والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة وأفضل النهار بعد الصبح ولا كراهة في
شئ من الأوقات ونقل عن بعض السلف كراهة القراءة بعد العصر وليس بشئ ولا أصل له
ويختار من الأيام يوم عرفة ثم يوم الجمعة ثم الاثنين والخميس ومن الأعشار العشر الأواخر من
شهر رمضان والأول من ذي الحجة ومن الشهور رمضان *
(فرع) في آداب ختم القرآن يستحب كونه في أول الليل أو أول النهار وان قرأ وحده فالختم في
الصلاة أفضل واستحب السلف صيام يوم الختم وحضور مجلسه وقالوا يستجاب الدعاء عند الختم
وتنزل الرحمة وكان أنس بن مالك رضي الله عنه إذا أراد الختم جمع أهله وختم ودعا واستحبوا
الدعاء بعد الختم استحبابا متأكدا وجاء فيه آثار كثيرة ويلح في الدعاء ويدعو بالمهمات ويكثر
من ذلك في صلاح المسلمين وصلاح ولاة أمورهم ويختار الدعوات الجامعة وقد جمعت في التبيان
منها جملة واستحبوا إذا ختم ان يشرع في ختمة أخرى *
(فرع) في آداب حامل القرآن ليكن على أكمل الأحوال وأكرم الشمائل ويرفع نفسه عن
168

كل ما نهى القرآن عنه ويتصون عن دنئ الاكتساب وليكن شريف النفس عفيفا متواضعا
للصالحين وضعفة المسلمين متخشعا ذا سكينة ووقار: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ينبغي
لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون وبنهاره إذا الناس مفطرون وبحزنه إذا الناس
يفرحون وببكائه إذا الناس يضحكون وبصمته إذا الناس يخوضون وبخشوعه إذا الناس يختالون:
وقال الحسن البصري رحمه الله ان من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها
بالليل وينفذونها بالنهار وقال الفضيل رحمه الله حامل القرآن حامل راية الاسلام ينبغي أن لا يلهو
مع من يلهو ولا يسهو مع من يسهو ولا يلغو مع من يلغو تعظيما لحق القرآن وليحذر أن يتخذ
القرآن معيشة يكتسب بها: ولا بأس بالاستئجار لقراءة القرآن عندنا وسنبسط المسألة بأدلتها إن شاء الله
تعالى في كتاب الإجارة وليحافظ على تلاوته ويكثر منها بحسب حاله وقد بسطت الكلام
في بيان هذا وعادات السلف فيه في التبيان ويكون اعتناؤه بتلاوته في الليل أكثر لأنه أجمع للقلب
وأبعد من الشاغلات والملهيات والتصرف في الحاجات وأصون في تطرق الرياء وغيره من المحبطات
مع ما جاء في الشرع من بيان ما فيه الخيرات كالاسراء وحديث النزول وحديث في الليل ساعة
يستجاب فيها الدعاء وذلك كل ليلة وسنبسط الكلام والأحاديث في هذه المسألة حيث ذكرها
المصنف في باب صلاة التطوع إن شاء الله تعالى وليحذر كل الحذر من نسيانه أو نسيان شئ منه
أو تعريضه للنسيان ففي الصحيحين عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (تعاهدوا
القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها) وفى سنن أبي داود عن أنس
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (عرضت على ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن
أو آية أوتيها رجل ثم نسيها) وفيه عن سعد بن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم (من قرأ القرآن
ثم نسيه لقى الله عز وجل يوم القيامة أجذم) والله أعلم
169

(فرع) في آداب الناس كلهم مع القرآن قال الله تعالى (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى
القلوب) وفي صحيح مسلم عن تميم الداري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (الدين النصيحة قلنا لمن
يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) وهذا الحديث أصل من أصول الاسلام
وقد أوضحت شرحه في أول شرح صحيح مسلم وبينت الدلائل في أن مدار الاسلام عليه وأقوال
العلماء في شرحه: ومختصر ما يحتاج إليه هنا ان العلماء قالوا نصيحة كتاب الله تعالى هي الايمان
بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شئ من كلام الخلق ولا يقدر الخلق على مثل سورة منه
وتلاوته حق تلاوته وتحسينها وتدبرها والخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة والذب عنه لتأويل
المحرفين وتعرض الملحدين والتصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه وأمثاله والاعتبار
بمواعظه والتفكر في عجائبه والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه ومجمله ومبينه وغير
ذلك من أقسامه ونشر علومه والدعاء إليه والى جميع ما ذكرنا من نصيحته: وأجمعت الأمة على
وجوب تعظيم القرآن على الاطلاق وتنزيهه وصيانته: وأجمعوا على أن من جحد منه حرفا مجمعا عليه
أو زاد حرفا لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك فهو كافر: وأجمعوا على أن من استخف بالقرآن
أو بشئ منه أو بالمصحف أو ألقاه في قاذورة أو كذب بشئ مما جاء به من حكم أو خبر أو نفى
ما أثبته أو أثبت ما نفاه أو شك في شئ من ذلك وهو عالم به كفر: ويحرم تفسيره بغير علم والكلام
في معانيه لمن ليس من أهله وهذا مجمع عليه: وأما تفسير العلماء فحسن بالاجماع: ويحرم المراء فيه
والجدال بغير حق: ويكره أن يقول نسيت آية كذا بل يقول أنسيتها أو أسقطتها: ويجوز أن يقول
سورة البقرة وسورة النساء وسورة العنكبوت وغيرها ولا كراهة في شئ من هذا والأحاديث
الصحيحة في هذا كثيرة وكره بعض السلف هذا وقال إنما يقال السورة التي يذكر فيها البقرة
170

ونحوها والصواب أنه لا كراهة فقد تظاهرت فيه الأحاديث الصحيحة وأقاويل الصحابة فمن بعدهم
ولا يكره أن يقال قراءة أبي عمرو وابن كثير وغيرهما وكرهه بعض السلف والصواب أن لا كراهة
وعليه عمل السلف والخلف ولا يكره أن يقول الله تعالى يقول وكرهه مطرف بن عبد الله بن الشخير
التابعي وقال إنما يقال قال الله تعالى بصيغة الماضي والصواب الأول قال الله تعالى (والله يقول
الحق) والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة مشهورة وقد جمعت منها جملة في أول شرح صحيح
مسلم وفى أواخر كتاب الأذكار ولا يكره النفث مع القراءة للرقية وهو نفخ لطيف بلا ريق وكرهه
أبو جحيفة الصحابي والحسن البصري والنخعي رضي الله عنهم والصحيح أنه لا كراهة فقد ثبت
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله وقد أوضحت ذلك
في التبيان: ولو كتب القرآن في إناء ثم غسله وسقاه المريض فقال الحسن البصري ومجاهد وأبو قلابة
والأوزاعي لا بأس به وكرهه النخعي ومقتضى مذهبنا انه لا بأس به فقد قدمنا في مسائل مس المصحف
أنه لو كتب القرآن على حلوى أو غيرها من الطعام فلا بأس بأكله
(فرع) في الآيات والسور المستحبة في أوقات وأحوال مخصوصة: هذا الباب غير منحصر
لكثرة ما جاء فيه ومعظمه يأتي إن شاء الله تعالى في هذا الشرح في مواطنه كالسور المستحبة
في الصلوات الخاصة كالجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة وقاف واقتربت في العيد وسبح وهل أتاك
في الجمعة والعيد فكلاهما سنة في صحيح مسلم وغيره وآلم تنزيل وهل أتي في صبح الجمعة وغير
ذلك مما سنوضحه في مواضعه إن شاء الله تعالى ويحافظ على يس والواقعة وتبارك الملك وقل هو
الله أحد والمعوذتين وآية الكرسي كل وقت والكهف يوم الجمعة وليلتها ويقرأ آية الكرسي كل
ليلة إذا آوي إلى فراشه ويقرأ كل ليلة الآيتين من آخر البقرة (آمن الرسول) إلى آخرها
والمعوذتين عقيب كل صلاة ويقرأ إذا استيقظ من النوم ونظر في السماء آخر آل عمران (ان في
خلق السماوات والأرض) إلى آخرها ويقرأ عند المريض الفاتحة وقل هو الله أحد والمعوذتين مع النفخ
في اليدين ويمسحه بهما ثبت ذلك في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل ما ذكرته
في هذا الفصل فيه أحاديث صحاح مشهورة ويقرأ عند الميت يس لحديث فيه في سنن أبي داود
وغيره: واعلم أن آداب القراءة والقارئ وما يتعلق بهما لا تنحصر فنقتصر على هذه الأحرف منها
؟؟؟ نخرج عن حد الشرح الذي نحن فيه وبالله التوفيق
171

(فرع) قال امام الحرمين روى أن رجلا سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب صلى الله عليه
وسلم يده على حائط وتيمم ثم أجاب وقيل كان التيمم في الإقامة وموضع الماء ولكن أتي
به النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما للسلام وإن لم يفد التيمم إباحة محظور قال فلو تيمم المحدث وقرأ
عن ظهر القلب كان جائزا على مقتضى الحديث هذا كلام امام الحرمين وذكر الغزالي مثله ولا
نعرف أحد وافقهما وهذا الحديث في الصحيحين من رواية أبى الجهيم ابن الحرث الا انه ليس
فيه أنه تيمم في المدينة بل في الصحيحين أنه أقبل من نحو بئر جمل فتيمم وهذا ظاهر في أنه كان
خارج المدينة وعادما للماء وسنعيد الحديث والكلام عليه في باب التيمم إن شاء الله تعالى
وبالله التوفيق *
* (فصل في المساجد وأحكامها) *
[وما يتعلق بها وما يندب فيها وما تنزه منه ونحو ذلك]
وفيه مسائل: إحداها قد سبق انه يحرم على الجنب المكث في المسجد ولا يحرم العبور من غير
مكث ولا كراهة في العبور سواء كان لحاجة أم لغيرها لكن الأولى أن لا يعبر الا لحاجة ليخرج من
خلاف أبي حنيفة وغيره هذا مقتضى كلام الأصحاب تصريحا وإشارة وقال المتولي والرافعي ان
عبر لغير غرض كره وإن كان لغرض فلا: وحكي الرافعي وجها انه لا يجوز العبور الا لمن لم يجد
طريقا غيره وقطع الجرجاني في التحرير بأنه لا يجوز العبور الا لحاجة وهذان شاذان والصواب جوازه
لحاجة ولغيرها ولمن وجد طريقا ولغيره وبه قطع الأصحاب
(الثانية): لو احتلم في المسجد وجب عليه
الخروج منه الا ان يعجز عن الخروج لاغلاق المسجد ونحوه أو خاف على نفسه أو ماله فان عجز أو
خاف جاز ان يقيم للضرورة: قال المتولي والبغوي والرافعي وآخرون فان وجد ترابا غير تراب
المسجد تيمم ولا يتيمم بتراب المسجد كما لو لم يجد الا ترابا مملوكا فإنه لا يتيمم به فان خالف وتيمم
به صح ولو أجنب وهو خارج المسجد والماء في المسجد لم يجز ان يدخل ويغتسل في المسجد لأنه
172

يلبث لحظة مع الجنابة: قال البغوي فإن كان معه اناء تيمم ثم دخل وأخرج فيه الماء للغسل وإن لم
يكن اناء صلى بالتيمم ثم يعيد وهذا الذي قاله فيه نظر (1) وينبغي ان يجوز الغسل فيه إذا لم يجد غيره ولم يجد اناء
ولا يكفي التيمم حينئذ لأنا جوزنا المرور في المسجد الطويل لغير حاجة فكيف يمتنع مكث لحظة لطيفة
لضرورة لا مندوحة عنها: وإذا دخل للاستقاء لا يجوز ان يقف الا قدر حاجة الاستقاء *
(فرع) لو احتلم في مسجد له بابان أحدهما أقرب فالأول أن يخرج من الأقرب فان خرج
من الأبعد لغرض بأن كانت داره في تلك الجهة ونحو ذلك لم يكره والا ففي الكراهة وجهان (2)
حكاهما المتولي بناء على المسافر إذا كان له طريقان يقصر في أحدهما دون الآخر فسلك الا بعد لغير
غرض هل يقصر فيه قولان:
(المسألة الثالثة) يجوز للمحدث الجلوس في المسجد
باجماع المسلمين وسواء قعد لغرض شرعي كانتظار صلاة أو اعتكاف أو سماع قرآن أو علم
آخر أو وعظ أم لغير غرض ولا كراهة في ذلك: وقال المتولي إن كان لغير غرض كره ولا أعلم
أحدا وافقه على الكراهة ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم كرهوا ذلك
أو منعوا منه والأصل عدم الكراهة حتى يثبت نهي
(الرابعة) يجوز النوم في المسجد ولا كراهة فيه
عندنا نص عليه الشافعي رحمه الله في الأم واتفق عليه الأصحاب قال ابن المنذر في الاشراف
رخص في النوم في المسجد ابن المسيب وعطاء والحسن والشافعي وقال ابن عباس لا تتخذوه
مرقدا: وروى عنه ان كنت تنام للصلاة فلا بأس وقال الأوزاعي يكره النوم في المسجد وقال
مالك لا بأس بذلك للغرباء ولا أرى ذلك للحاضر وقال أحمد وإسحاق إن كان مسافرا أو شبهه
فلا بأس وان اتخذه مقيلا ومبيتا فلا: قال البيهقي في السنن الكبير: روينا عن ابن مسعود وابن
عباس ومجاهد وسعيد ابن جبير ما يدل على كراهتهم النوم في المسجد: قال فكأنهم استحبوا
لمن وجد مسكنا أن لا يقصد النوم في المسجد * واحتج الشافعي ثم أصحابنا لعدم الكراهة بما ثبت في
الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كنت أنام في المسجد وأنا شاب أعزب وثبت ان
أصحاب الصفة كانوا ينامون في المسجد وان العرنيين كانوا ينامون في المسجد وثبت في الصحيحين
أن عليا رضي الله عنه نام فيه وان صفوان بن أمية نام فيه وان المرأة صاحبة الوشاح كانت تنام
فيه وجماعات آخرين من الصحابة وان ثمامة بن أثال كان يبيت فيه قبل اسلامه وكل هذا في زمن

(1) هذا فيه نظر والمختار ما قاله البغوي رحمه الله فان الامتناع الشرعي كالحسي فيتيمم ويقضي اه‍ أذرعي
(2) قال في الروضة أصحهما لا يكره ومقتضي هذا البناء ترجيح الكراهة لان الأصح عدم القصر والمختار الأول والفرق ظاهر اه‍ أذرعي
173

رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الشافعي في الأم وإذا بات المشرك في المسجد فكذا المسلم
واحتج بنوم ابن عمر وأصحاب الصفة: وروى البيهقي عن ابن المسيب عن النوم في المسجد فقال
أين كان أصحاب الصفة ينامون يعني لا كراهة فإنهم كانوا ينامون فيه: قال الشافعي في المختصر
ولا بأس ان يبيت المشرك في كل مسجد الا المسجد الحرام: قال أصحابنا لا يمكن كافر من دخول
حرم مكة وأما غيره فيجوز أن يدخل كل مسجد ويبيت فيه باذن المسلمين ويمنع منه بغير إذن
ولو كان الكافر جنبا فهل يمكن من اللبث في المسجد: فيه وجهان مشهوران أصحهما يمكن وستأتي
المسألة مبسوطة حيث ذكرها المصنف في كتاب الجزية إن شاء الله تعالى
(الخامسة) يجوز الوضوء
في المسجد إذا لم يؤذ بمائه وممن صرح بجواز الوضوء في المسجد ويسقط الماء على ترابه صاحبا الشامل
والتتمة فقالا في باب الاعتكاف يجوز الوضوء في المسجد والأولى أن يكون في إناء وكذا صرح
به غيرهما قال البغوي في باب الاعتكاف ويجوز نضح المسجد بالماء المطلق ولا يجوز بالمستعمل
لان النفس تعافه وهذا الذي قاله ضعيف والمختار الجواز بالمستعمل أيضا وسنوضحه في باب الاعتكاف إن شاء الله
تعالى قال ابن المنذر أباح كل من يحفظ عنه العلم الوضوء في المسجد الا ان يبله ويتأذى به الناس فإنه يكره
هذا كلام ابن المنذر ونقل أبو الحسن بن بطال المالكي الترخيص في الوضوء في المسجد عن ابن عمر
وابن عباس وطاوس وعطاء والنخعي وابن القاسم المالكي وأكثر أهل العلم وعن ابن سيرين
ومالك وسحنون كراهته تنزيها للمسجد:
(السادسة) لا بأس بالأكل والشرب في المسجد ووضع
المائدة فيه وغسل اليد فيه وسيأتي بسط هذه المسائل بدلائلها وفروعها إن شاء الله تعالى حيث
ذكرها المصنف في كتاب الاعتكاف:
. (السابعة) يكره لمن أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو غيرها
مما له رائحة كريهة وبقيت رائحته أن يدخل المسجد من غير ضرورة للأحاديث الصحيحة في
في ذلك: منها حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أكل من هذه الشجرة) يعني
الثوم (فلا يقربن مسجدنا) رواه البخاري ومسلم وفى رواية مسلم (مساجدنا) وعن أنس قال
النبي صلى الله عليه وسلم (من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلين معنا) رواه البخاري
ومسلم وعن جابر قال النبي صلى الله عليه وسلم (من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو فليعتزل
مسجدنا (رواه البخاري ومسلم وفى رواية لمسلم (من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن
مسجدنا فان الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه
174

خطب يوم جمعة فقال في خطبته ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما الا خبيثتين البصل
والثوم لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به
فأخرج إلى البقيع فمن أكلهما فليمتهما طبخا)) رواه مسلم
(فرع) لا يحرم اخراج الريح من الدبر في المسجد لكن الأولى اجتنابه (1) لقوله صلى الله عليه
وسلم (فان الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنوا آدم) والله أعلم:
(الثامنة) ثبت في الصحيحين
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (البصاق في المسجد خطيئة
وكفارتها دفنها) وستأتي المسألة إن شاء الله تعالى بفروعها حيث ذكرها المصنف في آخر
باب ما يفسد الصلاة:
(التاسعة) يحرم البول والفصد والحجامة في المسجد في غير إناء
ويكره الفصد والحجامة فيه في إناء ولا يحرم وفى تحريم البول في إناء في المسجد وجهان أصحهما
يحرم وقد سبقت المسألة في باب الاستطابة: قال صاحب التتمة وغيره ويحرم ادخال النجاسة
إلى المسجد: فأما من على بدنه نجاسة أو به جرح فان خاف تلويث المسجد حرم عليه دخوله وان
أمن لم يحرم: قال المتولي هو كالمحدث ودليل هذه المسائل حديث أنس رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال (ان هذه المساجد لا تصلح لشئ من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله
وقراءة القرآن) أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم
(العاشرة) قال الصيمري
وصاحب البيان يكره غرس الشجر في المسجد ويكره حفر البئر فيه قالوا لأنه بناء في مال غيره
وللامام قلع ما غرس فيه
(الحادية عشرة) تكره الخصومة في المسجد ورفع الصوت فيه ونشد الضالة
وكذا البيع والشراء والإجارة ونحوها من العقود هذا هو الصحيح المشهور وللشافعي قول ضعيف
أنه لا يكره البيع والشراء وسأذكر المسألة مبسوطة في آخر كتاب الاعتكاف حيث ذكرها المصنف
والشافعي والأصحاب إن شاء الله تعالى ودليل هذه المسائل حديث أبي هريرة رضي الله عنه انه
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها

(1) ينبغي ان يكره ذلك إذا تعاطاه لا سيما إذا كان عن غير حاجة بل ينبغي ان يحرم والحديث نص في النهى والله أعلم اه‍ أذرعي
175

الله عليك فان المساجد لم تبن لهذا) رواه مسلم وفى رواية الترمذي (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع
في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك وإذا رأيتم من ينشد ضالة فقولوا لأرد الله عليك) قال
الترمذي حديث حسن وعن بريدة رضي الله عنه أن رجلا نشد في المسجد فقال من دعى إلى
الجمل الأحمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له) رواه
مسلم وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن الشراء
والبيع في المسجد وأن ينشد فيه ضالة وأن ينشد فيه شعر) رواه أبو داود والترمذي والنسائي
قال الترمذي حديث حسن وعن السائب بن يزيد قال (كنت في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا
عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال اذهب فأتني بهذين فجئته بهما فقال من أين أنتما فقالا من
أهل الطائف فقال لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى
عليه وسلم) رواه البخاري والله أعلم *
(فرع) لا بأس بأن يعطى السائل في المسجد شيئا لحديث عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق
رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا فقال
أبو بكر دخلت المسجد فإذا انا بسائل يسأل فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن فأخذتها
فدفعتها إليه) رواه أبو داود باسناد جيد:
(الثانية عشرة) قال المتولي وغيره يكره ادخال البهائم
والمجانين والصبيان الذين لا يميزون المسجد لأنه لا يؤمن تلويثهم إياه ولا يحرم لك لأنه ثبت في
الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى حاملا امامة بنت زينب رضي الله عنهما وطاف
على بعيره ولا ينفي هذا الكراهة لأنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان الجواز فيكون حينئذ أفضل
في حقه فان البيان واجب وقد سبق نظير هذا في الوضوء مرة مرة: (الثالثة عشرة) يكره أن
يجعل المسجد مقعدا لحرفة كالخياطة ونحوها لحديث أنس السابق في المسألة التاسعة: فأما ما ينسخ
فيه شيئا من العلم أو اتفق قعوده فيه فخاط ثويا ولم يجعله مقعدا للخياطة فلا بأس به: (الرابعة
عشرة) يجوز الاستلقاء في المسجد على القفا ووضع احدى الرجلين على الأخرى وتشبيك الأصابع
176

ونحو ذلك ثبت في صحيحي البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك كله:
(الخامسة
عشرة) يستحب عقد حلق العلم في المساجد وذكر المواعظ والرقائق ونحوها والأحاديث الصحيحة
في ذلك كثيرة مشهورة *
(فرع) يجوز التحدث بالحديث المباح في المسجد وبأمور الدنيا وغيرها من المباحات وان
حصل فيه ضحك ونحوه ما دام مباحا لحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال (كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مصلاه الذي صلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قام
قال وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم) رواه مسلم: (السادسة عشرة)
لا بأس بإنشاد الشعر في المسجد إذا كان مدحا للنبوة أو الاسلام أو كان حكمة أو في مكارم الأخلاق
أو الزهد ونحو ذلك من أنواع الخير: فأما ما فيه شئ مذموم كهجو مسلم أو صفة الخمر
أو ذكر النساء أو المرد أو مدح ظالم أو افتخار منهى عنه أو غير ذلك فحرام لحديث أنس
السابق في المسألة التاسعة: فمما يحتج به للنوع الأول حديث سعيد بن المسيب قال مر عمر بن الخطاب
في المسجد وحسان ينشد الشعر فلحظ إليه فقال إنشد فيه وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة
فقال أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (أجب عنى اللهم أيده بروح
القدس) قال نعم: رواه البخاري ومسلم ومما يحتج به للنوع الثاني حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
(ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تناشد الاشعار في المسجد) حديث حسن رواه النسائي باسناد
حسن: (السابعة عشرة) يسن كنس المسجد وتنظيفه وإزالة ما يرى فيه من نخامة أو بصاق أو نحو
ذلك ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي بصاقا في المسجد
فحكه بيده وفى الصحيح أحاديث كثيرة في هذا وهو مجمع عليه (الثامنة عشرة) من البدع المنكرة
ما يفعل في كثير من البلدان من ايقاد القناديل الكثيرة العظيمة السرف في ليال معروفة من السنة
كليلة نصف شعبان فيحصل بسبب ذلك مفاسد كثيرة منها مضاهات المجوس في الاعتناء بالنار
والاكثار منها ومنها إضاعة المال في غير وجهه ومنها ما يترب على ذلك في كثير من المساجد من اجتماع
177

الصبيان وأهل البطالة ولعبهم ورفع أصواتهم وامتهانهم المساجد وانتهاك حرمتها وحصول أوساخ
فيها وغير ذلك من المفاسد التي يجب صيانة المسجد من أفرادها
(التاسعة عشرة): السنة لمن دخل
المسجد ومعه سلاح ان يمسك على حده كنصل السهم وسنان الرمح ونحوه لحديث جابر رضي
الله عنه ان رجلا مر بسهام في المسجد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمسك بنصالها) رواه
البخاري ومسلم وعن أبي موسى رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم (من مر في شئ
من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك أو ليقبض على نصالها بكفه أو يصيب أحدا من
المسلمين منها بشئ) رواه البخاري ومسلم: (العشرون) السنة للقادم من سفر أن يبدأ بالمسجد
فيصلى فيه ركعتين لحديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين) رواه البخاري ومسلم: (الحادية والعشرون)
ينبغي للجالس في المسجد لانتظار صلاة أو اشتغال بعلم أو لشغل آخر أو لغير ذلك من طاعة
ومباح أن ينوى الاعتكاف فإنه يصح عندنا وان قل زمانه: (الثانية والشعرون) قال الصيمري
وغيره من أصحابنا لا بأس باغلاق المسجد في غير وقت الصلاة لصيانته أو لحفظ آلاته هكذا
قالوه وهذا إذا خيف امتهانها وضياع ما فيها ولم يدع إلى فتحها حاجة: فأما إذا لم يخف من فتحها
مفسدة ولا انتهاك حرمتها وكان في فتحها رفق بالناس فالسنة فتحها كما لم يغلق مسجد رسول الله
صلى الله عليه وسلم في زمنه ولا بعده: (الثالثة والعشرون) يكره لداخل المسجد أن يجلس فيه
حتى يصلى ركعتين وستأتي المسألة بفروعها في باب صلاة التطوع إن شاء الله تعالى: (الرابعة
والعشرون (ينبغي للقاضي أن لا يتخذ المسجد مجلسا للقضاء فان جلس فيه لصلاة أو غيرها فاتفقت
حكومة فلا بأس بالقضاء فيها فيه وستأتي المسألة مبسوطة في كتاب الأقضية إن شاء الله تعالى (الخامسة
والعشرون) يكره ان يتخذ على القبر مسجدا للأحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك (1) واما حفر القبر
في المسجد فحرام شديد التحريم وستأتي المسألة بفروعها الكثيرة إن شاء الله تعالى حيث ذكرها
المصنف في آخر الجنائز: (السادسة والعشرون) حائط المسجد من داخله وخارجه له حكم المسجد

(1) لو قيل بتحريم ايجاد المسجد على القبر لم يكن بعيدا وقوله أن حفر القبر حرام مع ما تقدم من أن غرس الشجرة وحفر البئر مكروهان لاحتاج إلى فرق بين حفر القبر فقط دون الدفن وبين حفر البئر وغرس الشجرة اه‍ أذرعي
178

في وجوب صيانته وتعظيم حرماته وكذا سطحه والبئر التي فيه وكذا رحبته وقد نص الشافعي
والأصحاب رحمهم الله على صحة الاعتكاف في رحبته وسطحه وصحة صلاة المأموم فيهما مقتديا بمن
في المسجد: (السابعة والعشرون) السنة لمن أراد دخول المسجد ان يتفقد نعليه ويمسح ما فيهما
من أذى قبل دخوله لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم (إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فان رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما)
حديث حسن رواه أبو داود باسناد صحيح: (الثامنة والعشرون) يكره الخروج من المسجد بعد
الأذان حتى يصلى الا لعذر لحديث أبي الشعثاء قال (كنا قعودا مع أبي هريرة رضي الله عنه في
المسجد فاذن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشي فاتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد فقال
أبو هريرة اما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم: (التاسعة والعشرون) يستحب
أن يقول عند دخوله المسجد أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم
باسم الله والحمد لله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد وسلم اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب
رحمتك وإذا خرج من المسجد قال مثله إلا أنه يقول وافتح لي أبواب فضلك: ويقدم رجله اليمنى في
الدخول واليسرى في الخروج: فاما تقديم اليمنى واليسرى فتقدم دليله في صفة الوضوء في فضل غسل
اليدين: واما هذه الأذكار فقد جاءت بها أحاديث متفرقة جمعتها في كتاب الأذكار بعضها في صحيح
مسلم ومعظمها في سنن أبي داود والنسائي وقد أوضحتها في الأذكار فان طال عليه هذا كله فليقتصر
على ما في مسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا دخل أحدكم المسجد فليقل اللهم افتح لي
أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك)
(الثلاثون) لا يجوز أخذ شئ من
أجزاء المسجد كحجر وحصاة وتراب وغيره وقد سبق في هذه المسائل تحريم التيمم بتراب المسجد
ومثله الزيت والشمع الذي يسرج فيه وفى سنن أبي داود باسناد صحيح عن أبي هريرة: قال بعض
الرواة: أراه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال (ان الحصاة لتناشد الذي يخرجها من المسجد)
(الحادية والثلاثون) يسن بناء المساجد وعمارتها وتعهدها واصلاح ما تشعث منها لحديث عثمان بن
179

عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من بنى لله تعالى مسجدا بنى
الله له مثله في الجنة) رواه البخاري ومسلم ويجوز بناء المسجد في موضع كان كنيسة وبيعة أو مقبرة
درست إذا أصلح ترابها فقد ثبت في الصحيحين عن أنس ان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان فيه قبور مشركين فنبشت وجاء في الكنيسة والبيعة أحاديث منها حديث عثمان بن أبي العاص
رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ان يجعل مسجد أهل الطائف حيث كانت
طواغيتهم) رواه أبو داود باسناد جيد
(فرع) يكره زخرفة المسجد ونقشه وتزيينه للأحاديث المشهورة (1) ولئلا تشغل قلب المصلى وفى
سنن البيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم (ابنوا المساجد واتخذوها جما) وعن ابن عمر
(نهانا أو نهينا ان نصلى في مسجد مشرف) قال أبو عبيد الجم التي لا شرف لها: (الثانية والثلاثون)
في فضل المساجد في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أحب البلاد
إلى الله تعالى مساجدها وأبغض البلاد إلى الله تعالى أسواقها) والأحاديث في فضلها كثيرة ولا بأس
أن يقال مسجد فلان ومسجد بني فلان على سبيل التعريف: (الثالثة والثلاثون) المصلى المتخذ للعيد
وغيره الذي ليس بمسجد لا يحرم المكث فيه على الجنب والحائض على المذهب وبه قطع الجمهور وذكر
الدارمي فيه وجهين وأجراهما في منع الكافر من دخوله بغير إذن: ذكره في باب صلاة العيد وقد يحتج
له بحديث أم عطية في الصحيحين (ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيض ان يحضرن يوم العيد ويعتزلن
المصلي ويجاب عنه بأنهن أمرن باعتزاله ليتسع على غيرهن وليتميزن والله أعلم * قال المصنف
رحمه الله *
* (باب صفة الغسل) *
[إذا أراد الرجل أن يغتسل من الجنابة فإنه يسمي الله تعالى وينوى الغسل من الجنابة أو
الغسل لاستباحة أمر لا يستباح الا بالغسل كقراءة القرآن والجلوس في المسجد ويغسل كفيه ثلاثا
قبل أن يدخلهما في الاناء ثم يغسل ما على فرجه من الأذى ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يدخل أصابعه
العشر في الماء فيغرف غرفة يخلل بها أصول شعره من رأسه ولحيته ثم يحثى على رأسه ثلاث حثيات

(1) ينبغي ان يحرم لما فيه من إضاعة المال لا سيما إن كان من مال المسجد اه‍ أذرعي
180

ثم يفيض الماء على سائر جسده ويمر يديه على ما قدر عليه من بدنه ثم يتحول من مكانه ثم يغسل
قدميه لان عائشة وميمونة رضي الله عنهما وصفتا غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ذلك
والواجب من ذلك ثلاثة أشياء النية وإزالة النجاسة إن كانت وإفاضة الماء على البشرة الظاهرة
وما عليها من الشعر حتى يصل الماء إلى ما تحته وما زاد على ذلك سنة لما روى جبير بن مطعم رضي الله عنه
قال تذاكرنا الغسل من الجنابة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (أما أنا فيكفيني
أن أصب على رأسي ثلاثا ثم أفيض بعد ذلك على سائر جسدي)
[الشرح] حديثا عائشة وميمونة صحيحان رواهما البخاري ومسلم في صحيحيهما مفرقين وفيهما
مخالفة يسيرة في بعض الألفاظ وحديث جبير بن مطعم صحيح رواه أحمد بن حنبل في مسنده
باسناده الصحيح كما ذكره المصنف ورواه البخاري ومسلم في صحيحيهما مختصرا ولفظه فيهما (أما
أنا فأفيض على رأسي ثلاث مرات) فعلى هذا لا دلالة فيه لمسألة الكتاب وعلى رواية احمد وجه
الدلالة ظاهر وقد جاء في الصحيحين في حديثي عائشة وميمونة الاقتصار على إفاضة الماء
وقوله يحثى ثلاث حثيات صحيح يقال حثيت وأحثى حثيا وحثيات وحثوت أحثو حثوا وحثوات
لغتان فصيحتان وسائر جسده أي باقيه وجبير بن مطعم بضم الميم وكسر العين وهذا لا خلاف فيه
وإنما نبهت على كسر العين مع أنه ظاهر لأني رأيت بعض من جمع في ألفاظ الفقه قال يقال بفتح
العين وهذا غلط لاشك فيه ولا خلاف * وكنية جبير أبو محمد أسلم سنة سبع وقيل ثمان وكان
من سادات قريش وحلمائهم توفى بالمدينة سنة أربع وخمسين رضي الله عنه * أما أحكام الفصل
فإذا أراد الرجل الغسل من الجنابة سمي الله تعالى وصفة التسمية كما تقدم في الوضوء بسم الله فإذا
زاد الرحمن الرحيم جاز ولا يقصد بها القرآن وهذا الذي ذكرناه من استحباب التسمية هو المذهب
الصحيح وبه قطع الجمهور وفيه وجه حكاه القاضي حسين والمتولي وغيرهما انه لا يستحب التسمية
للجنب وهذا ضعيف لان التسمية ذكر ولا يكون قرآنا الا بالقصد كما سبق في الباب الماضي ولم
181

يذكر الشافعي في المختصر والأم والبويطي التسمية وكذا لم يذكرها المصنف في التنبيه والغزالي في
كتبه فيحتمل انهم استغنوا بقولهم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة لان وضوء الصلاة يسمي في أوله: وينوى
الغسل من الجنابة أو الغسل لاستباحة مالا يستباح الا بالغسل كالصلاة والقراءة والمكث في المسجد
فان نوى لما يباح بلا غسل فإن كان مما لا يندب له الغسل كلبس ثوب ونحوه لم يصح غسله عن
الجنابة وإن كان مما يستحب له الغسل كالمرور في المسجد والوقوف بعرفة ونحوه ففيه الوجهان في
نظيره في الوضوء أصحهما لا يجزئه وقد تقدم في باب نية الوضوء بيان صفة النية ومحلها وهو القلب
ووقتها وهو أن واجبه عند أول إفاضة الماء على جزء من بدنه: ويستحب استدامتها إلى الفراغ ويستحب
أن يبتدئ بالنية مع التسمية فإن لم ينو الا عند إفاضة الماء أجزأه ولا يثاب على ما قبلها من التسمية وغيرها
على المذهب: وقال الماوردي في ثوابه وجهان وقد سبق مثله في الوضوء: ولو نوت المغتسلة من انقطاع
الحيض استباحة وطئ الزوج ففي صحة غسلها ثلاثة أوجه سبقت في باب نية الوضوء: وأما صفة
الغسل فهي كما ذكرها المصنف باتفاق الأصحاب ودليلها الحديث إلا أن أصحابنا الخراسانيين
نقلوا للشافعي قولين في هذا الوضوء: (أحدهما) أنه يكمله كله بغسل الرجلين وهذا هو الأصح
وبه قطع العراقيون: (والثاني) أنه يؤخر غسل الرجلين ونقله بعضهم عن نصه في البويطي وكذا
رأيته أنا في البويطي صريحا وهذان القولان إنما هما في الأفضل والا فكيف فعل حصل الوضوء
وقد ثبت الأمران في الصحيح من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي روايات عائشة انه صلى الله عليه
وسلم توضأ وضوءه للصلاة ثم أفاض الماء عليه وظاهر هذا انه أكمل الوضوء بغسل الرجلين
وفى أكثر روايات ميمونة أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثم أفاض الماء عليه ثم تنحى فغسل رجليه
وفى رواية لها للبخاري توضأ وضوءه للصلاة غير قدميه ثم أفاض عليه الماء ثم نحى قدميه فغسلهما
وهذه الرواية صريحة في تأخير القدمين فعلى القول الضعيف تتأول روايات عائشة وأكثر روايات
ميمونة على أن المراد بوضوء الصلاة أكثره وهو ما سوى الرجلين كما بينته ميمونة فهذه الرواية
صريحة والباقي محتمل للتأويل فيجمع بينهما بما ذكرناه وعلى القول الصحيح المشهور يجمع بينهما
182

بأن الغالب من أحواله والعادة المعروفة له صلى الله عليه وسلم اكمال الوضوء وبين الجواز في بعض
الأوقات بتأخير القدمين كما توضأ ثلاثا ثلاثا في معظم الأوقات وبين الجواز بمرة مرة في بعضها وعلى
هذا إنما غسل القدمين بعد الفراغ للتنظيف: قال أصحابنا وسواء قدم الوضوء كله أو بعضه أو اخره
أو فعله في أثناء الغسل فهو محصل سنة الغسل ولكن الأفضل تقديمه ولم يذكر الجمهور ماذا ينوى
بهذا الوضوء: قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله لم أجد في مختصر ولا مبسوط تعرضا لكيفية
نية هذا الوضوء الا لمحمد بن عقيل الشهرزوري فقال يتوضأ بنية الغسل قال إن كان جنبا من غير
حدث أصغر فهو كما قال وإن كان جنبا محدثا كما هو الغالب فينبغي أن ينوى بوضوئه هذا رفع
الحدث الأصغر لأنا ان أوجبنا الجمع بين الوضوء والغسل فظاهر لأنه لا يشرع وضوآن فيكون هذا
هو الواجب وان قلنا بالتداخل كان فيه خروج من الخلاف: وقال الرافعي رحمه الله في مسألة من
أحدث وأجنب ان قلنا يجب الوضوء وجب افراده بالنية لأنه عبادة مستقلة وان قلنا لا يجب لم يحتج
إلى افراده بالنية وذكر صاحب البيان هذا الذي ذكره الرافعي احتمالا ولا خلاف انه لا يشرع وضوآن
سواء كان جنبا محدثا أم جنبا فقط وسيأتي ايضاحه بدليله في مسألة من أحدث وأجنب إن شاء الله تعالى: وأما
قول المصنف يغسل ما على فرجه من الأذى فكذا قاله الشافعي والأصحاب ومرادهم ما على القبل
والدبر من نجاسة كاثر الاستنجاء وغيره وما على القبل من منى ورطوبة فرج وغير ذلك
فالقذر يتناول الطاهر والنجس: ونقل الرافعي عن ابن كج وغيره وجهين في أن المراد بالأذى
النجاسة أم المستقذر كالمني والصحيح إرادتهما جميعا وأما قول المصنف الواجب منه
ثلاثة أشياء أحدها إزالة النجاسة فكذا قاله شيخه القاضي أبو الطيب والماوردي في
الاقناع والمحاملي في المقنع وابن الصباغ والجرجاني في التحرير والشاشي والشيخ نصر وآخرون
183

ولم يعد الأكثرون إزالة النجاسة من واجبات الغسل وأنكر الرافعي وغيره جعلها من واجب
الغسل قالوا لان الوضوء والغسل سواء ولم يعد أحد إزالة النجاسة من أركان الوضوء: لكن يقال
إزالة النجاسة شرط لصحة الوضوء والغسل وشرط الشئ لا يعد منه كالطهارة وستر العورة
لا يعد ان من أركان الصلاة قلت وكلام المصنف وموافقيه صحيح ومرادهم لا يصح الغسل وتباح
الصلاة به الا بهذه الثالثة وهكذا يقال في الوضوء: وأما النية وإفاضة الماء على جميع البدن
شعره وبشره فواجبان بلا خلاف وسواء كن الشعر الذي على البشرة خفيفا أو كثيفا يجب
ايصال الماء إلى جميعه وجميع البشرة تحته بلا خلاف بخلاف الكثيف في الوضوء لان الوضوء
متكرر فيشق غسل بشرة الكثيف ولهذا وجب غسل جميع البدن في الجنابة دون الحدث الأصغر
ودليل وجوب ايصال الماء إلى الشعر والبشرة جميعا ما سبق من حديث جبير بن مطعم وغيره (1)
في صفة غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بيان للطهارة المأمور بها في قوله تعالى (وان
كنتم جنبنا فاطهروا) وأما حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (تحت كل شعرة جنابة
فاغسلوا الشعر وانقوا البشرة) فرواه أبو داود ولكنه ضعيف ضعفه الشافعي ويحيى بن معين
والبخاري وأبو داود وغيرهم ويروى عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ويروى موقوفا
على أبي هريرة وكذا المروى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (من ترك موضع
شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار) (2) قال على فمن ثم عاديت رأسي
وكان يجز شعره فهو ضعيف أيضا والله أعلم * وأما قوله وما زاد على ذلك سنة فصحيح وقد ترك من السنن
أشياء: منها استصحاب النية إلى آخر الغسل والابتداء بالأيامن فيغسل شقه الأيمن ثم الأيسر وهذا
متفق على استحبابه وكذا الابتداء بأعلى البدن وأن يقول بعد فراغه أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صرح به المحاملي في اللباب والجرجاني والروياني في
الحلية وآخرون واستقبال القبلة وتكرار الغسل ثلاثا ثلاثا وتقدم في الوضوء مستحبات كثيرة
أكثرها يدخل هنا كترك الاستعانة والتنشيف وغير ذلك: وأما موالاة الغسل فالمذهب أنها
سنة وقد تقدم بيانها في باب صفة الوضوء وأما تجديد الغسل ففيه وجهان الصحيح لا يستحب

(1) في الاستدلال بما سبق على وجوب غسل البشرة نظر اه‍ أذرعي
(2) حديث على هذا قد حسنه الشيخ فيما سبق وضعفه هنا فليحقق أمره ففيه دليل على وجوب غسل البشرة اه‍ أذرعي
184

والثاني يستحب وسبق بيانه واضحا في آخر صفة الوضوء *
(فرع) المذهب الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور أنه يستحب إفاضة الماء على جميع
البدن ثلاث مرات وممن صرح به المحاملي في المقنع واللباب وسليم الرازي في الكفاية والقاضي
حسين والفوراني وامام الحرمين والمصنف في التنبيه والغزالي في البسيط والوسيط والوجيز والمتولي
والشيخ نضر في كتبه الانتخاب والتهذيب والكافي والروياني في الحلية والشاشي في العمدة والرافعي
في كتابيه وآخرون يطول ذكرهم وقد سبق في باب صفة الوضوء في مسألة تكرار مسح الرأس ان الشيخ
أبا حامد نقل ان مذهب الشافعي ان تكرار الغسل مسنون: وقال امام الحرمين فحوى كلام الأصحاب
استحباب ايصال الماء إلى كل موضع ثلاثا فانا إذا رأينا ذلك في الوضوء ومبناه على التخفيف
فالغسل أولى: وكذا قال الغزالي في البسيط والمتولي وآخرون إذا استحب التكرار في الوضوء فالغسل
أولى: قال المتولي والرافعي وآخرون فإن كان ينغمس في نهر انغمس ثلاث مرات وشذ الماوردي
عن الأصحاب فقال في باب المياه لا يستحب تكرار الغسل ثلاثا وهذا الذي انفرد به ضعيف
متروك وإنما بسطت هذا الكلام لأني رأيت جماعة من أهل زماننا ينكرون على صاحبي التنبيه
والوسيط استحبابهما التكرار في الغسل ويعدونه شذوذا منهما وهذا من الغباوة الظاهرة ومكابرة
الحس والنقول المتظاهرة *
(فرع) مذهبنا ان ذلك الأعضاء في الغسل وفي الوضوء سنة ليس بواجب فلو أفاض الماء عليه
فوصل به ولم يمسه بيديه أو انغمس في ماء كثير أو وقف تحت ميزاب أو تحت المطر ناويا فوصل
شعره وبشره أجزأه وضوءه وغسله وبه قال العلماء كافة الا مالكا والمزني فإنهما شرطاه في صحة
الغسل والوضوء * واحتج لهما بان الغسل هو امرار اليد ولا يقال لواقف في المطر اغتسل قال المزني
ولان التيمم يشترط فيه امرار اليد فكذا هنا * واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه
(فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك) ولم يأمره بزيادة وهو حديث صحيح (1) سبق ذكره وسنوضحه
في موضعه في التيمم إن شاء الله تعالى وله نظائر كثيرة من الحديث ولأنه غسل فلا يجب امرار اليد فيه كغسل
الاناء من ولوغ الكلب وقولهم لا تسمى الإفاضة غسلا ممنوع وقول المزني ممنوع أيضا فان المذهب

(1) وهذا الحديث يحتج به لوجوب غسل البشرة وهي ظاهر الجلد اه‍ أذرعي
185

الصحيح ان امرار اليد لا يشترط في التيمم كما سنوضحه في موضعه إن شاء الله تعالى *
(فرع) الوضوء سنة في الغسل وليس بشرط ولا واجب هذا مذهبنا وبه قال العلماء كافة
إلا ما حكي عن أبي ثور وداود أنهما شرطاه كذا حكاه أصحابنا عنهما: ونقل ابن جرير الاجماع
على أنه لا يجب ودليله ان الله تعالى أمر بالغسل ولم يذكر وضوءا وقوله صلى الله عليه وسلم لام
سلمة (يكفيك أن تفيضي عليك الماء) وحديث جبير بن مطعم السابق في الكتاب وقوله صلى
الله عليه وسلم للذي تأخر عن الصلاة معه في السفر في قضية المزادتين واعتذر بأنه جنب فأعطاه
اناء وقال (اذهب فأفرغه عليك) وحديث أبي ذر (فإذا وجدت الماء فامسه جلدك) وكل هذه
الأحاديث صحيحة معروفة وغير ذلك من الأحاديث: وأما وضوء النبي صلى الله عليه وسلم في غسله
فمحمول على الاستحباب جمعا بين الأدلة والله أعلم: قال المصنف رحمه الله
[وإن كانت امرأة تغتسل من الجنابة كان غسلها كغسل الرجل]
[الشرح] هذا الذي قاله متفق عليه قال أصحابنا فإن كانت بكرا لم يلزمها ايصال الماء إلى
داخل فرجها وإن كانت ثيبا وجب ايصاله إلى ما يظهر في حال قعودها لقضاء الحاجة لأنه صار
في حكم الظاهر هكذا نص عليه الشافعي وجمهور الأصحاب وحكى القاضي حسين والبغوي وجها
ضعيفا أنه يجب على الثيب ايصاله إلى داخل فرجها بناء على نجاسته ووجها انه يجب في غسل الحيض
والنفاس لإزالة النجاسة ولا يجب في الجنابة وقطع امام الحرمين بأنه لا يجب على الثيب
إيصاله إلى ما وراء ملتقى الشفرين قال لأنا إذا لم نوجب ايصال الماء إلى داخل الفم فهذا أولى والصواب
ما سبق عن الشافعي والأصحاب وقد تقدمت المسألة في باب الاستطابة وهناك ذكرها الأكثرون *
والله أعلم: قال المصنف رحمه الله *
[فإن كان لها ضفائر فإن كان يصل الماء إليها من غير نقض لم يلزمها نقضها لان أم سلمة
رضي الله عنها (قالت يا رسول الله اني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للغسل من الجنابة فقال النبي
صلى الله عليه وسلم لا إنما يكفيك أن تحثى على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضي عليك
الماء فإذا أنت قد طهرت) وإن لم يصل الماء إليها إلا بنقضها لزمها نقضها لان ايصال الماء إلى
الشعر والبشرة واجب]
186

[الشرح] حديث أم سلمة رواه مسلم بهذا اللفظ وتقدم بيان اسمها وحالها في الباب
السابق وقولها أشد ضفر رأسي هو بفتح الضاد واسكان الفاء هكذا ضبطه الأئمة المحققون قال
الخطابي وصاحب المطالع معناه أشد فتل شعري وأدخل بعضه في بعض وأضمه ضما شديدا
يقال ضفرته إذا فعلت به ذلك: وذكر الإمام ابن برى في جزء له في لحن الفقهاء أن هذا الضبط
لحن وأن صوابه ضفر بضم الضاد والفاء جمع ضفيرة كسفينة وسفن وهذا الذي قاله خلاف
ما قاله المحققون والمتقدمون ورأيت لابن برى في هذا الجزء أشياء كثيرة يعدها من لحن الفقهاء
وتصحيفهم وليست كما قال وقد أوضحت كثيرا من ذلك في تهذيب الأسماء واللغات: قال الأزهري
الضفائر والضمائر والغدائر بالغين المعجمة هي الذوائب إذا ادخل بعضها في بعض نسجها واحدتها
ضفيرة وضميرة وغديرة فإذا لويت فهي عقايص واحدتها عقيصة: أما حكم المسألة فهذا الذي ذكره
المصنف من الفرق بين وصول الماء بغير نقض وعدم وصوله متفق عليه عندنا وبه قال جمهور العلماء
وحملوا حديث أم سملة على أنه كان يصل بغير نقض: ودليله ما ذكره المصنف ان الواجب ايصال
الماء فكان الاعتبار به وكذا المغتسلة من حيض ونفاس وللجمعة وغيرها من الأغسال المشروعة
: وحكي أصحابنا عن النخعي وجوب نقضها مطلقا وحكي ابن المنذر عن الحسن وطاوس انه لا
تنقضها في الجنابة وتنقض في الحيض وبه قال أحمد لكن اختلف أصحابه هل النقض واجب أم
مستحب دليلنا ما سبق: قال الشافعي واستحب ان تغلغل الماء في أصول الشعر وان تغمر ضفائرها
: قال أصحابنا ولو كان لرجل شعر مضفور فهو كالمرأة في هذا والله أعلم: قال المصنف رحمه الله
[وإن كانت تغتسل من الحيض فالمستحب لها أن تأخذ قرصة من المسك فتتبع بها أثر الدم
لما روت عائشة رضي الله عنها ان امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله عن
الغسل من الحيض فقال (خذي فرصة من مسك فتطهري بها فقالت كيف أتطهر بها فقال صلى الله عليه وسلم
(سبحان الله تطهري بها) قالت عائشة رضي الله عنها قلت تتبعي بها اثر الدم: فإن لم تجد مسكا
فطيبا غيره لان القصد تطييب الموضع فإن لم تجد فالماء كاف] *
[الشرح] حديث عائشة هذا رواه البخاري ومسلم وفى رواية لمسلم أن المرأة السائلة
أسماء بنت شكل بفتح الشين والكاف وقيل باسكان الكاف وذكر جماعة منهم الخطيب الحافظ
أبو بكر البغدادي في كتابه المبهمات أنها أسماء بنت يزيد بن السكن خطيبة النساء والفرصة بكسر
187

الفاء واسكان الراء وبالصاد المهملة وهي القطعة والمسك بكسر الميم وهو الطيب المعروف وقيل
بفتح الميم وهو الجلد أي قطعة من جلد والصواب الأول ويوضحه أنه ثبت في رواية في الصحيحين
فرصة ممسكة بفتح السين المشددة أي قطعة صوف أو قطن أو نحوهما مطيبة بالمسك وهذا التطييب
متفق على استحبابه قال البغوي وآخرون تأخذ مسكا في خرقة أو صوفة أو قطنة ونحوها وتدخلها
فرجها والنفساء كالحائض في هذا نص عليه الشافعي والأصحاب قال المحاملي في المقنع يستحب
للمغتسلة من حيض أو نفاس أن تطيب بالمسك أو غيره المواضع التي أصابها الدم من بدنها وتعميمه
البدن غريب قال أصحابنا فإن لم تجد مسكا فطيبا غيره فإن لم تجد شيئا من الطيب استحب طين
أو نحوه لقطع الرائحة الكريهة وممن ذكر الطين بعد فقد الطيب البندنيجي وابن الصباغ والمتولي والروياني
في الحلية والرافعي ثم الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور من أصحابنا وغيرهم من العلماء ان المقصود
بالمسك تطييب المحل ودفع الرائحة الكريهة وحكى صاحب الحاوي فيه وجهين أحدهما تطييب المحل
ليكمل استمتاع الزوج بإثارة الشهوة وكمال اللذة والثاني لكونه أسرع إلى علوق الولد: قال فان فقدت
المسك وقلنا بالأول أتت بما يقوم مقامه في دفع الرائحة وان قلنا بالثاني فيما يسرع إلى العلوق كالقسط
الأظفار ونحوهما قال واختلف الأصحاب في وقت استعماله فمن قال بالأول قال بعد الغسل ومن قال بالثاني
فقبله هذا كلام صاحب الحاوي وهذا الوجه الثاني ليس بشئ وما تفرع عليه أيضا ليس بشئ وهو
خلاف الصواب وما عليه الجمهور والصواب ان المقصود به تطييب المحل وانها تستعمله بعد الغسل
لحديث عائشة ان أسماء بنت شكل سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض (فقال تأخذ
إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر وتحسن الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه ثم تصب عليها الماء
ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها) رواه مسلم بهذا اللفظ وقد اتفقوا على استحبابه للمزوجة وغيرها
والبكر والثيب والله أعلم * واما قول المصنف فإن لم تجد فالماء كاف فكذا عبارة امام الحرمين وجماعة
وقد يقال الماء كاف وجدت الطيب أم لا وعبارة الشافعي في الأم والمختصر أحسن من هذه قال
فإن لم تفعل فالماء كاف وكذا قاله البندنيجي وغيره وعبارة المصنف وموافقيه أيضا صحيحة ومرادهم أن
هذه سنة متأكدة يكره تركها بلا عذر فإذا عدمث الطيب فهي معذورة في تركها ولا كراهة في حقها
188

ولا عتب: وهذا كما قال الأصحاب يعذر المريض شبهه في ترك الجماعة وان قلنا هي سنة لأنها سنة
متأكدة يكره تركها كما سنوضحه في بابه إن شاء الله تعالى: قال المصنف رحمه الله]
[ويستحب أن لا ينقص في الغسل من صاع ولا في الوضوء من مد لان النبي صلى الله عليه
وسلم كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد فان أسبغ بما دونه أجزأه لما روى أن النبي صلى الله عليه
وسلم توضأ بما لا يبل الثرى قال الشافعي رحمه الله: وقد يرفق بالقليل فيكفي ويخرق بالكثير
فلا يكفي]
[الشرح] الثرى مقصور وهو ما تحت وجه الأرض من التراب الندي والصاع أربعة أمداد
بلا خلاف والصحيح ان الصاع هنا خمسة أرطال وثلث بالبغدادي كما هو في زكاة الفطر خمسة
وثلث بالاتفاق وذكر الماوردي والقاضي حسين والروياني فيه وجهين: أحدهما هذا: والثاني
أنه ثمانية أرطال بالبغدادي: والمشهور الأول وقد سبق بيان رطل بغداد في مسألة القلتين وقوله
أسبغ أي عمم الأعضاء ومنه ثوب سابغ أي كامل: أما حكم المسألة فأجمعت الأمة على أن ماء
الوضوء والغسل لا يشترط فيه قدر معين بل إذا استوعب الأعضاء كفاه بأي قدر كان وممن نقل
الاجماع فيه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وقد سبق في باب صفة الوضوء ان شرط غسل العضو
جريان الماء عليه قال الشافعي والأصحاب ويستحب أن لا ينقص في الغسل من صاع ولا في الوضوء
من مد قال الرافعي والصاع والمد تقريب لا تحديد وفى صحيح مسلم عن سفينة رضي الله عنه (كان
النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد) وفى مسلم أيضا عن أنس بالصاع إلى خمسة
أمداد: وفى البخاري اغتساله صلى الله عليه وسلم بالصاع من رواية جابر وعائشة ويدل على جواز
النقصان عن صاع ومد مع الاجماع حديث عائشة (كنت اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم
في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد وقريبا من ذلك) رواه مسلم ويدل على أن ماء الطهارة غير مقدر بقدر
للوجوب حديث عائشة (كنت اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تختلف
أيدينا فيه من الجنابة): رواه البخاري ومسلم وعن أنس (كان النبي صلى الله عليه وسلم والمرأة من
نسائه يغتسلان من إناء واحد) وعن ابن عباس (ان النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان
189

من إناء واحد) رواهما البخاري: وفى صحيح مسلم نحوه عن أم سلمة وميمونة وفى سنن أبي داود
والنسائي باسناد حسن عن أم عمارة الأنصارية) أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ باناء فيه قدر
ثلثي مد): وأما الحديث الذي ذكره المصنف (توضأ بما لا يبل الثرى) فلا أعلم له أصلا والله أعلم
(فرع) اتفق أصحابنا وغيرهم على ذم الاسراف في الماء في الوضوء والغسل وقال البخاري
في صحيحه كره أهل العلم الاسراف فيه والمشهور أنه مكروه كراهة تنزيه وقال البغوي والمتولي
حرام ومما يدل على ذمه حديث عبد الله بن مغفل بالغين المعجمة رضي الله عنه قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول (إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء) رواه
أبو داود باسناد صحيح قال المصنف رحمه الله *
[ويجوز أن يتوضأ الرجل والمرأة من إناء واحد لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال كان
الرجال والنساء يتوضأون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ويجوز أن يتوضأ
أحدهما بفضل وضوء الآخر لما روت ميمونة رضي الله عنها قالت أجنبت فاغتسلت من جفنة
ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منه فقلت اني اغتسلت منه فقال صلى الله عليه وسلم
(الماء ليس عليه جنابة) واغتسل منه] *
[الشرح] حديث ابن عمر رواه البخاري قال كان الرجال والنساء يتوضأون في زمان
رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا وحديث ميمونة صحيح أيضا رواه الدارقطني بلفظه هنا
ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بمعناه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولم
يسموا ميمونة قال الترمذي حديث حسن صحيح والجفنة بفتح الجيم وهي القصعة بفتح القاف
وقوله ففضلت هو بفتح الضاد وكسرها لغتان مشهورتان أي بقيت واتفق العلماء على جواز
190

وضوء الرجل والمرأة واغتسالهما جميعا من إناء واحد لهذه الأحاديث السابقة واتفقوا على جواز
وضوء الرجل والمرأة بفضل الرجل: وأما فضل المرأة فيجوز عندنا الوضوء به أيضا للرجل سواء
خلت به أم لا قال البغوي وغيره ولا كراهة فيه للأحاديث الصحيحة فيه وبهذا قال مالك
وأبو حنيفة وجمهور العلماء وقال احمد وداود لا يجوز إذا خلت به وروى هذا عن عبد الله
ابن سرجس والحسن البصري وروى عن أحمد كمذهبنا وعن ابن المسيب والحسن كراهة فضلها
مطلقا * واحتج لهم بحديث الحكم بن عمرو رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي أن
يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وروى مثله عن عبد الله بن سرجس
قال الترمذي حديث الحكم حسن * واحتج أصحابنا بحديث ميمونة المذكور في الكتاب وهو
صحيح صريح في الدلالة على الطائفتين وقد سبق في الفصل الماضي أحاديث كثيرة صحيحة يستدل
بها للمسألة وإذا ثبت اغتسالهما معا فكل واحد مستعمل فضل الآخر ولا تأثير للخلوة: وأما حديث
الحكم بن عمرو فأجاب أصحابنا عنه بأجوبة أحدها جواب البيهقي وغيره انه ضعيف قال البيهقي
قال الترمذي سألت البخاري عنه فقال ليس هو بصحيح قال البخاري وحديث ابن سرجس
الصحيح أنه موقوف عليه ومن رفعه فقد أخطأ وكذا قال الدارقطني وقفه أولى بالصواب من
رفعه وروى حديث الحكم أيضا موقوفا عليه قال البيهقي في كتاب المعرفة الأحاديث السابقة
في الرخصة أصح فالمصير إليها أولي: (الجواب الثاني) جواب الخطابي وأصحابنا أن النهى عن
فضل أعضائها وهو ما سال عنها ويؤيد هذا ان رواية داود بن عبد الله الأودي عن حميد بن
عبد الرحمن الحميري عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم (انه
نهى أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة) رواه أبو داود والنسائي
والبيهقي باسناد صحيح وداود وثقه أحمد بن حنبل ويحيي بن معين في رواية وضعفه يحيى في رواية
191

قال البيهقي هذا الحديث رواته ثقات إلا أن حميدا لم يسم الصحابي فهو كالمرسل إلا أنه مرسل
جيد لولا مخالفته للأحاديث الثابتة الموصولة وداود لم يحتج به البخاري ومسلم قلت جهالة عين
الصحابي لا تضر لأنهم كلهم عدول وليس هو مخالفا للأحاديث الصحيحة بل يحمل على أن المراد
ما سقط من أعضائهما ويؤيده انا لا نعلم أحدا من العلماء منعها فضل الرجل فينبغي تأويله على ما ذكرته
إلا أن في رواية صحيحة لأبي داود والبيهقي وليغترفا جميعا وهذه الرواية تضعيف هذا التأويل
ويمكن تتميمه مع صحتها ويحملنا على ذلك أن الحديث لم يقل أحد بظاهره ومحال أن يصح وتعمل
الأمة كلها بخلاف المراد منه: (الجواب الثالث) ذكره الخطابي وأصحابنا أن النهي للتنزيه جمعا
بين الأحاديث والله أعلم *
(فرع) قال الغزالي في الوسيط وفضل ماء الجنب طاهر وهو الذي مسه الجنب والحائض
والمحدث خلافا لأحمد فأنكر عليه في هذا أربعة أشياء أحدها قوله خلافا لأحمد فمقتضاه ان احمد
يقول بنجاسته وهو عند احمد طاهر قطعا لكن إذا خلت به المرأة لا يجوز للرجل أن يتوضأ به
على رواية عنه (الثاني) انه فسر فضل الجنب بفضل الجنب والحائض والمحدث (الثالث) قوله فضل
الجنب طاهر فيه نقص والأجود مطهر (الرابع) قوله وهو الذي مسه فيه نقص وصوابه وهو الذي فضل
من طاهرته: أما ماسه في شربه أو ادخل يده فيه بلا نية فليس هو فضل جنب وما أفضله من طاهرته
وإن لم يمسه فهو فضل جنب فأوهم ادخال مالا يدخل واخراج ما هو داخل ويمكن أن يجاب عن
الأول بأنه أراد فضل الجنب مطهر مطلقا وخالفنا احمد في بعض الصور: وعن الثاني بجوابين أحدهما
192

أن المراد بالجنب الممنوع من الصلاة ثم فسره بالثلاثة: والثاني انه أراد فضل الجنب وغيره فحذف
قوله وغيره لدلالة التفسير عليه واقتصر على الجنب اقتداء بالشافعي والمزني والأصحاب فإنهم ترجموا
هذا بباب فضل الجنب ثم ذكروا فيه الجنب وغيره: ويجاب عن الثالث بأنه لم ينف كونه مطهرا
وقد علم أن الماء الطاهر مطهر إلا أن يتغير أو يستعمل وهذا لم يثبت فيه تغير ولا استعمال: وعن
الرابع أن المراد مسه (1) في الطهارة واكتفى بقرينة الحال والمراد مسه في استعماله والله أعلم قال
المصنف رحمه الله
[فان أحدث وأجنب ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) انه يجب الغسل ويدخل فيه الوضوء وهو
المنصوص في الأم لأنهما طهارتان فتداخلتا كغسل الجنابة وغسل الحيض (والثاني) انه يجب الوضوء
والغسل لأنهما حقان مختلفان يجبان بسببين مختلفين فلم يدخل أحدهما في الآخر كحد الزنا
والسرقة (والثالث) انه يجب ان يتوضأ مرتبا ويغسل سائر البدن لأنهما متفقان في الغسل ومختلفان
في الترتيب فما تفقأ فيه تداخلا وما اختلفا فيه لم يتداخلا وسمعت شيخنا أبا حاتم القزويني يحكي
فيه وجها رابعا انه يقتصر على الغسل الا انه يحتاج أن ينويهما ووجه لأنهما عبادتان متجانستان
صغرى وكبرى فدخلت الصغرى في الكبرى في الأفعال دون النية كالحج والعمرة]
[الشرح] للجنب ثلاثة أحوال حال يكون جنبا لم يحدث الحدث الأصغر: وحال يحدث ثم
يجنب: وحال يجنب ثم يحدث: فالحال الأول يجنب بلا حدث فيكفيه غسل البدن ولا يلزمه
الوضوء بلا خلاف عندنا كما سبق بيانه ودليله وله أن يصلى بذلك الغسل من غير وضوء
ويكون الوضوء سنة في الغسل كما سبق قال أصحابنا ويتصور أن يكون جنبا غير محدث في صور
أشهرها ان ينزل المتطهر المنى من غير مباشرة تنقض الوضوء بنظر أو استمناء أو مباشرة فوق حائل
أو في النوم قاعدا فهذا جنب بلا خلاف وليس محدثا على المذهب الصحيح المشهور الذي قطع

(1) الظاهر أنه ذكر المس اتباعا شيخه امام الحرمين فإنه قال والذي يتوهم فيه الخلاف ما مسه بدن الجنب والحائض على وجه لا يصير به مستعملا ولهذا استدل الشافعي في الباب باخبار تدل على طهارة أيديهما اه‍ أذرعي
193

به الجمهور وأطبقوا على تصوير انفراد الجنابة عن الحدث به وفيه وجه للقاضي أبي الطيب أنه
جنب محدث وقد سبقت المسألة في باب ما ينقض الوضوء: الصورة الثانية أن يلف على ذكره
خرقة ويولجه في امرأة فلا وضوء عليه ويجب الغسل على المذهب وفيه خلاف سبق في الباب قبله:
الصورة الثالثة ان يولج في فرج بهيمة أو دبر رجل فيكون جنبا ولا يكون محدثا لأنه لم يمس فرج آدمي
بباطن كفه وهذه الصورة ذكرها أبو الفرج الدارمي وامام الحرمين والرافعي وغيرهم وهي أوضح
من غيرها. هذه الصور الثلاث هي المشهورة قال الرافعي وألحق بها المسعودي الجماع مطلقا وقال إنه
يوجب الجنابة لا غير قال واللمس الذي يتقدمه يصير مغمورا به كما أن خروج الخارج بالانزال
ينغمر ولأنه لو جامع المحرم بالحج لزمه بدنة وإن كان يتضمن اللمس ومجرد اللمس يوجب شاة
قال الرافعي وعند الأكثرين يحصل بالجماع الحدثان ولا يندفع أثر اللمس بخلاف اندفاع أثر
خروج الخارج لان اللمس يسبق حقيقة الجماع فيجب ترتيب حكمه عليه فإذا تمت حقيقة الجماع
وجب أيضا حكمها وفى الانزال لا يسبق خروج الخارج الانزال بل إذا أنزل حصل خروج الخارج وخروج
المني معا وخروج المنى أعظم الحدثين فيدفع حلوله حلول الأصغر مقترنا به: وأما مسألة المحرم فمنوعة
على وجه وان سلمنا ففي الفدية معنى الزجر والمؤاخذة وسبيل الجنايات اندراج المقدمات في المقاصد
ولهذا لو انفردت مقدمات الزنا أوجبت تعزيرا فإذا انضمت إليه لم يجب التعزير مع الحد وأما
هنا فالحكم منوط بصورة اللمس ولهذا استوى عمده وسهوه والله أعلم * الحال الثاني أن يحدث
ثم يجنب كما هو الغالب ففيه الأوجه الأربعة التي ذكرها المصنف الصحيح عند الأصحاب وهو
المنصوص في الأم أنه يكفيه إفاضة الماء على البدن ويصلى به بلا وضوء: والثاني يجب الوضوء
مرتبا وغسل جميع البدن فتكون أعضاء الوضوء مغسولة مرتين وعلى هذا له أن يقدم الوضوء
وله أن يؤخره إلى بعد فراغه من الغسل وله أن يوسطه في أثناء الغسل والأفضل تقديمه: والثالث
يجب الوضوء مرتبا وغسل باقي البدن ولا يجب إعادة غسل أعضاء الوضوء وله تقديم الوضوء
وتأخيره كما ذكرناه: والرابع يكفيه غسل جميع البدن بلا وضوء بشرط أن ينوى الوضوء والغسل
194

فان اقتصر على نية الغسل لزمه الوضوء أيضا وقد ذكر المصنف أدلة الأوجه * الحال الثالث
أن يجنب من غير حدث ثم يحدث فهل يؤثر الحدث فيه وجهان أحدهما لا يؤثر فيكون جنبا غير محدث
حكاه الدارمي عن ابن القطان وحكاه الماوردي عن جمهور الأصحاب فعلى هذا يجزيه الغسل بلا
وضوء قطعا والثاني يؤثر فيكون جنبا محدثا وتجرى فيه الأوجه الأربعة وبه قطع القاضي أبو الطيب
والمحاملي وابن الصباغ والشيخ نصر في كتابيه الانتخاب والتهذيب والبغوي وآخرون وفيه وجه
ثالث حكاه القاضي حسين أنه لا يدخل هنا الوضوء في الغسل قطعا بل لابد منهما وفرق بينه
وبين ما إذا تقدم الحدث فان فيه الأوجه الأربعة بأن هناك وردت الجنابة على أضعف منها
فرفعته وهنا عكسه فأشبه الحج والعمرة يدخل الأقوى على الأضعف ولا ينعكس على المذهب
وهذا الوجه غلط وخيال عجيب: الأصح انه كتقدم الحدث فتجئ فيه الأوجه الأربعة وحيث
أوجبنا الوضوء فقد ذكرنا أن يجوز تقديمه وتأخيره والأفضل تقديمه: وإذا قدمه فهل يقدم غسل
الرجلين معه أم يؤخرهما فيه الخلاف السابق في أول الباب وكذا الكلام في نية هذا الوضوء
تقدم في أول الباب وعلى الأوجه كلها لا يشرع وضوآن في جميع الأحوال بلا خلاف وقد نقل
الرافعي وآخرون الاتفاق على أنه لا يشرع وضوآن ولعله مجمع عليه * ويحتج له بحديث عائشة
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة) رواه الترمذي والنسائي
وابن ماجة قال الترمذي حديث حسن صحيح * وأما قول المصنف لأنهما حقان مختلفان فاحتراز
من غسل الحيض والجنابة وقوله يجبان بسببين احتراز من الحج والعمرة وقوله مختلفين احتراز
ممن زني وهو بكر فلم يحد حتى زني وهو محصن فإنه يقتصر على رجمه على أحد القولين وكذا
المحرم إذا لبس ثم لبس في مجالس قبل أن يكفر عن الأول فإنه تجب كفارة واحدة في أحد القولين
وقوله في تعليل الوجه الرابع عبادتان احتراز عن حقين لآدمي وقوله متجانسان احتراز من كفارة
ظهار وكفارة يمين وقوله صغري وكبرى احتراز ممن دخل في الجمعة فخرج الوقت في أثائها
فإنه يتمها ظهرا على المذهب ولا يلزمه تجديد نية الظهر ويحتمل أنه احترز عن الصبح والظهر فان
إحداهما لا تدخل في الأخرى لا في الأفعال ولا في النية وقد يفرق بين مسألة الغسل ومسألة الحج
195

والعمرة بان الحج يشمل كل أفعال العمرة فدخلت فيه والغسل لا يشمل ترتيب الوضوء والله أعلم
قال المصنف رحمه
[فان توضأ من الحدث ثم ذكر أنه كان جنبا أو اغتسل من الحدث ثم ذكر أنه كان جنبا
أجزأه ما غسل من الحدث عن الجنابة لان فرض الغسل في أعضاء الوضوء من الجنابة
والحدث واحد]
[الشرح] هنا مسألتان إحداهما توضأ بنية الحدث ثم ذكر أنه كان جنبا فيجزيه المغسول
وهو وجهه ويداه ورجلاه ودليله ما ذكره المصنف: الثانية غسل جميع بدنه بنية رفع الحدث الأصغر
غالطا فقطع المصنف بارتفاع الحدث عن أعضاء الوضوء دون غيرها وظاهر كلامه ارتفاعه عن
جميع أعضاء الوضوء الرأس وغيره وكذا أطلقه جماعة وصرح جماعة بارتفاعه عن الرأس
وآخرون بأنه لا يرتفع عنه وهذا هو الأصح لان فرض الرأس في الوضوء المسح فالذي نواه إنما
هو المسح فلا يجزيه عن غسل الجنابة ولنا وجه انه لا يجزئه ما غسله بنية الحدث عن شئ من
الجنابة حكاه الرافعي وقد سبقت المسألة واضحة في باب نية والوضوء والله أعلم
(فرع) في مسائل تتعلق بالباب إحداها قال الشافعي رحمه الله في البويطي أكره للجنب أن يغتسل
في البئر معينة كانت أو دائمة وفى الماء الراكد الذي لا يجرى قال وسواء قليل الماء وكثيره أكره
الاغتسال فيه والبول فيه هذا نصه بحروفه: واتفق أصحابنا على كراهته كما ذكر قال في البيان والوضوء
فيه كالغسل * ويحتج للمسألة بحديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يغتسل أحدكم في الماء
الدائم وهو جنب) فقيل كيف يفعل يا أبا هريرة قال (يتناوله تناولا) رواه مسلم: الثانية يجوز الغسل من أنزال
المنى قبل البول وبعده والأولى أن يكون بعد البول خوفا من خروج مني بعد الغسل وحكي الدارمي عن قوم أنه
لا يجوز قبل البول (الثالثة) السنة إذا غسل ما على فرجه من أذى ان يدلك يده بالأرض ثم يغسلها ثبت ذلك في
الصحيحين عن ميمونة عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبق بيانه في باب الاستطابة: (الرابعة)
196

لا يجوز الغسل بحضرة الناس الا مستور العورة فإن كان خاليا جاز الغسل مكشوف العورة والستر
أفضل * واحتج البخاري والبيهقي لجواز الغسل عريانا في الخلوة بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم (ان موسى اغتسل عريانا فذهب الحجر بثوبه) وان أيوب كان يغتسل عريانا فخر
عليه جدار من ذهب) رواهما البخاري وروى مسلم أيضا قصة موسى صلى الله عليه وسلم والاحتجاج
به تفريع على الاحتجاج بشرع من قبلنا * واحتجوا الفضل الستر بحديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة:
عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال (احفظ عورتك الامن زوجتك أو ما
ملكت يمينك) قلت أرأيت إذا كان أحدنا خاليا قال (الله أحق ان يستحيي من الناس) رواه
أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة قال الترمذي حديث حسن: هذا مذهبنا ونقل القاضي عياض
جواز الاغتسال عريانا في الخلوة عن جماهير العلماء قال ونهى عنه ابن أبي ليلى لان للماء
ساكنا * واحتج فيه بحديث ضعفه العلماء * (الخامسة) الوضوء والمضمضة والاستنشاق سنن
في الغسل فان ترك الثلاثة صح غسله قال الشافعي في المختصر فان ترك الوضوء والمضمضة والاستنشاق
فقد أساء ويستأنف المضمضة والاستنشاق قال القاضي حسين وغيره سماه مسيئا لترك هذه السنن
فإنها مؤكدة فتاركها مسئ لا محالة قالوا وهذه إساءة بمعنى الكراهة لا بمعنى التحريم قال القاضي والمتولي
والروياني وآخرون وأمره باستئناف المضمضة والاستنشاق دون الوضوء لمعنيين: أحدهما ان الخلاف
في المضمضة والاستنشاق كان موجودا في زمانه فان أبا حنيفة وغيره ممن تقدم يوجبونهما فأحب
الخروج من الخلاف والوضوء لم يكن أوجبه أحد وإنما حدث خلاف أبي ثور وداود بعده: والثاني
ان الماء قد وصل إلى موضع الوضوء دون موضعهما فأمره بايصاله إليهما قال أصحابنا ويستحب
استئناف الوضوء لكن استحباب المضمضة والاستنشاق آكد وقد تقدمت مذاهب العلماء في
حكم المضمضة والاستنشاق في الغسل: والوضوء في باب صفة الوضوء بدلائلها * ومذهبنا ومذهب
الجمهور انهما سنتان في الوضوء والغسل: (السادسة) لا يجب الترتيب في أعضاء المغتسل لكن
197

تستحب البداءة بالرأس ثم بأعالي البدن وبالشق الأيمن: (السابعة) يجب ايصال الماء إلى غضون
البدن من الرجل والمرأة وداخل السرة وباطن الاذنين والإبطين وما بين الأليين وأصابع
الرجلين وغيرها مما له حكم الظاهر وحمرة الشفة وهذا كله متفق عليه: ولو التصقت الأصابع والتحمت
لم يجب شقها وقد سبق ايضاح هذا وبسطه في صفة الوضوء ومما قد يغفل عنه باطن الأليين والإبط
والعكن والسرة فليتعهد كل ذلك ويتعهد إزالة الوسخ الذي يكون في الصماخ: قال الشافعي في
الأم والأصحاب يجب غسل ما ظهر من صماخ الاذن دون ما بطن * ولو كان تحت أظفاره وسخ لا
يمنع وصول الماء إلى البشرة لم يضر وان منع ففي صحة غسله خلاف سبق بيانه في بابي السواك وصفة
الوضوء: (الثامنة) إذا كان على بعض أعضائه أو شعره حناء أو عجين أو طيب أو شمع أو نحوه فمنع
وصول الماء إلى البشرة أو إلى نفس الشعر لم يصح غسله وقد تقدم بيان هذا مع فروع حسنة تتعلق
به في آخر صفة الوضوء: ولو كان شعره متلبدا بحيث لا يصل الماء إلى باطن الشعر لم يصح غسله الا
بنفشه حتى يصل الماء إلى جميع أجزائه هكذا نص عليه الشافعي في الأم وقطع به الأصحاب: ولو
انعقدت في رأسه شعرة أو شعرات فهل يعفى عنها ويصح الغسل وهي معقودة وإن كان الماء لا يصل
باطن محل العقد: فيه وجهان حكاهما الروياني والرافعي وغيرهما: أحدهما يعفى عنه وهو قول الشيخ
أبي محمد الجويني وصححه الروياني والرافعي لأنها في معنى الإصبع الملتحمة ولأن الماء يبل محلها:
والثاني لا يعفي عنه كالملبد وقطع هذه الشعرات ممكن بلا ضرر بخلاف الإصبع الملتحمة: (التاسعة)
لو ترك من رأسه شعرة لم يصبها الماء لم يصح غسله: وعن أبي حنيفة انه يصح: فلو نتف تلك الشعرة
قال الماوردي إن كان الماء وصل أصلها أجزأه والا لزمه ايصاله أصلها قال وكذا لو أوصل الماء إلى
أصول شعره دون الشعر ثم حلقه أجزأه وذكر صاحب البيان فيه وجهين أحدهما هذا (1) والثاني
يلزمه غسل مقطع الشعرة والشعرات وبه قطع ابن الصباغ في الفتاوى المنقولة عنه (العاشرة) إذا
انشق جلده بجراحة وانفتح فمها وانقطع دمها وأمكن ايصال الماء إلى باطنها الذي يشاهد بلا ضرر

(2) صحح في الروضة الثاني وفيه نظر لان غسل البشرة وزوال الشعرة لا يؤتى فيه كمن ترك من الوضوء أو الغسل رجله ثم قطعت اه‍ أذرعي
198

وجب ايصاله في الغسل والوضوء قطع به الأصحاب وقد سبق بيانه في صفة الوضوء: قال الشيخ
أبو محمد الجويني والفرق بينه وبين الفم والأنف انهما باقيان على الاستبطان وإنما يفتح فمه لحاجة
ومحل الجراحة صار ظاهرا فأشبه مكان الافتضاض من المرأة الثيب وقد سبق نص الشافعي على أنه
يلزمها ايصال الماء إلى ما برز بالافتضاض: قال أبو محمد فأن كان للجراحة غور في اللحم لم يلزمه
مجاوزة ما ظهر منها كما لا يلزم المرأة مجاوزة ما ظهر بالافتضاض: ولو اندملت الجراحة والتأمت سقط
الفرض في ذلك الموضع كما لو عادت البكارة بعد الافتضاض فإنه يسقط غسل ما كان ظهر بالافتضاض
وكما لو التحمت أصابع رجليه فإنه لا يجوز له شقها بل يكفيه غسل ما ظهر وقد سبق هذا في صفة الوضوء
قال أبو محمد ولو كان في باطن الجراحة دم وتعذرت ازالته وخشي زيادة سرايتها إلى العضو
لم يلزمه ايصال الماء إلى باطنها ولزمه قضاء الصلوات عند الشافعي إذا اندملت: ولا يلزمه القضاء
عند المزني رضي الله عنهما: (الحادية عشرة) لو قطعت شفته أو انفه فهل يلزمه غسل ما ظهر بالقطع
في الوضوء والغسل: فيه وجهان سبق ايضاحهما في صفة الوضوء أصحهما يجب لأنه صار ظاهرا:
ولو كان غير مختون فهل يلزمه في غسل الجنابة غسل ما تحت الجلدة التي تقطع في الختان: فيه وجهان
حكاهما المتولي والروياني وآخرون أصحهما يجب صححه الروياني والرافعي لان تلك الجلدة مستحقة
الإزالة ولهذا لو أزالها انسان لم يضمن وإذا كانت مستحقة الإزالة فما تحتها كالظاهر * والثاني لا يجب
وبه جزم الشيخ أبو عاصم العبادي في الفتاوى لأنه يجب غسل تلك الجلدة ولا يكفي غسل ما تحتها فلو كانت
كالمعدومة لم يجب غسلها فبقي ما تحتها باطنا: (الثانية عشرة) لا يجب غسل داخل عينيه وحكم استحبابه
كما سبق في صفة الوضوء ولو نبت في عينه شعر لم يلزمه غسله: (الثالثة عشرة) لو كان على بعض
بدن الجنب نجاسة فغسل ذلك الموضع غسلة واحدة بنية الجنابة ارتفعت النجاسة وهل يجزئه
عن الجنابة فيه وجهان سبقا في مواضع بسطتها في باب نية الوضوء أصحهما يجزئه: ولو صب الجنب
199

على رأسه الماء وكان على ظهره نجاسة فنزل عليها فأزالها فان قلنا الماء المستعمل في الحدث يصلح
لإزالة النجاسة طهر المحل عن النجاسة وهل يطهر عن الجنابة: قال الروياني فيه الوجهان وان قلنا
المستعمل في الحدث لا يصلح للنجس قال الروياني ففي طهارته عن النجس هنا وجهان: أحدهما يطهر
لأن الماء قائم على المحل وإنما يصير مستعملا بالانفصال: والثاني لا يطهر لأنا لا نجعل الماء في حالة
تردده على العضو مستعلا للحاجة إلى ذلك في الطاهرة الواحدة وهذه طهارة أخرى فعلى هذا يجب
تطهير هذا المحل عن النجاسة وهل يكفيه الغسلة الواحدة فيه عن النجس والجنابة إذا نواها فيه
الوجهان (الرابعة عشرة) لو أحدث المغتسل في أثناء غسله لم يؤثر ذلك في غسله بل يتمه ويجزيه
فان أراد الصلاة لزمه الوضوء نص على هذا كله الشافعي في الأم والأصحاب ولا خلاف فيه عندنا وحكاه
ابن المنذر عن عطاء وعمرو بن دينار وسفيان الثوري واختاره ابن المنذر وعن الحسن البصري
انه يستأنف الغسل: دليلنا ان الحدث لا يبطل الغسل بعد فراغه فلا يبطله في أثنائه كالأكل
والشرب (الخامسة عشرة) هل يجب على السيد أن يشتري لمملوكه ماء الوضوء والغسل من
الحيض والجنابة: فيه وجهان حكاهما المتولي والروياني هنا وآخرون في النفقان أحدهما يجب كزكاة
فطره (والثاني) لا: لان للطهارة بدلا وهو التيمم فينتقل إليه كما لو أذن لعبده في الحج متمتعا فإنه
لا يلزم السيد الهدى بل ينتقل العبد إلى الصوم ويخالف الفطرة فلا بدل لها ولم يرجحا واحدا من
الوجهين والأول عندي أصح لأنه من مؤن العبد وهي على سيده وهل يلزم الزوج شراء ماء
الطهارة لزوجته فيه خلاف ذكره المصنف في باب ما يجب بمحظورات الاحرام وذكره المتولي
والروياني وآخرون هنا وذكره البغوي وآخرون في النفقات والأظهر تفصيل ذكره البغوي وتابعه
عليه الرافعي قال إن كان الغسل لاحتلامها لم يلزمه وإن كان لجماعه أو نفاس لزمه في أصح الوجهين
لأنه بسببه وإن كان حيض لم يلزمه في أصح الوجهين لأنه من مؤن التمكين وهو واجب عليها
قال الرافعي وينظر على هذا القياس في ماء الوضوء إلى أن السبب منه كاللمس أم لا: وفى أجرة
الحمام وجهان مشهوران في كتاب النفقات أحدهما لا يجب الا إذا عسر الغسل الا في الحمام لشدة
برد وغيره واختاره الغزالي وأصحهما وبه قطع المصنف والبغوي والروياني وآخرون في كتاب
200

النفقات الوجوب إلا أن يكون من قوم لا يعتادون دخوله فان أوجبناها قال الماوردي إنما تجب
في كل شهر مرة (السادسة عشرة) قال أبو الليث الحنفي في نوازله: لو كان في الانسان قرحة فبرأت
وارتفع قشرها وأطراف القرحة متصلة بالجلد الا الطرف الذي كان يخرج منه القيح فإنه مرتفع
ولا يصل الماء إلى ما تحت القشرة أجزأه وضوءه في معناه الغسل *
(فصل)
(في الأغسال المسنونة)
لم يذكر لها المصنف رحمه الله بابا مستقلا بل ذكرها مفرقة في أبوابها وقد ذكرها هو في
التنبيه والأصحاب مجموعة في باب اقتداء بالمزني رحمه الله فأحببت موافقة الجمهور في ذكرها مجموعة
في موضع فإنه أحسن وأحوط وأنفع وأضبط فأذكرها إن شاء الله تعالى في هذا الفصل في غاية
الاحتصار بالنسبة إلى عادة هذا الشرح لكوني ابسطها إن شاء الله تعالى بفروعها وأدلتها وما
يتعلق بها في مواضعها: فمنها غسل الجمعة وهو سنة عندنا وعند الجمهور وأوجبه بعض السلف وفيمن
يستحب له أربعة أوجه: الصحيح انه يستحب لكل من حضر الجمعة سواء الرجل والمرأة ومن
تجب عليه ومن لا تجب ولا يستحب لغيره (والثاني) يستحب لكل من تجب عليه سواء حضر
أم انقطع لعذر حكاه الماوردي والروياني ورجحه الروياني وادعي انه قول جمهور أصحابنا وليس كما قال:
(والثالث) يستحب لمن حضر ممن تلزمه الجمعة دون من لا تلزمه حكاه الشاشي وغيره وهذا ضعيف
أو غلط (والرابع) يستحب لكل أحد سواء حضر أو لم يحضر ومن تلزمه ومن لا تلزمه ومن
انقطع عنها لعذر أو لغيره كغسل العيد حكاه المتولي وغيره (1) قال الشافعي والأصحاب ويدخل وقت
غسل الجمعة بطلوع الفجر ويبقى إلى صلاة الجمعة والأفضل أن يكون عند الرواح إليها فلو اغتسل
قبل الفجر لم يحسب هكذا قطع به الأصحاب في جميع الطرق الا امام الحرمين فحكي وجها أنه

(1) ونقل رحمه الله في شرح مسلم وجها انه يستحب المذكور خاصة فهذا وجه خامس اه‍ أذرعي
201

يحسب وليس بشئ: ولو اغتسل بعد الفجر ثم أجنب لم يبطل غسل الجمعة عندنا قال الماوردي
وبه قال العلماء كافة الا الأوزاعي فإنه أبطله: دليلنا ان غسل الجمعة يراد للتنظيف فإذا تعقبه غسل
الجنابة لم يبطله بل هو أبلغ في النظافة: قال الروياني وغيره ويستحب أن يستأنف غسل الجمعة
ليخرج من الخلاف قال القفال وصاحبه الصيدلاني والأصحاب إن لم يجد الماء تيمم قالوا ويتصور
ذلك في قوم توضؤا وفرغ ماؤهم وفى الجريح في غير أعضاء الوضوء واستبعد الغزالي وغيره التيمم
لان المراد قطع الرائحة والصواب الأول لأنها طهارة شرعية فناب عنها التيمم كغيرها: ولغسل
الجمعة فروع وتتمات نبسطها في بابها إن شاء الله تعالى: ومن الغسل المسنون غسل العيدين وهو
سنة لكل أحد بالاتفاق سواء الرجال والنساء والصبيان لأنه يراد للزينة وكلهم من أهلها بخلاف
الجمعة فإنه لقطع الرائحة فاختص بحاضرها على الصحيح: ويجوز بعد الفجر وهل يجوز قبله قولان
(أحدهما) لا كالجمعة وأصحهما نعم لان العيد يفعل أول النهار فيبقى أثره ولان الحاجة تدعو إلى
تقديمه لان الناس يقصدونه من بعيد فعلى هذا فيه أوجه (أحدها) يجوز في جميع الليل (والثاني)
لا يجوز الا عند السحر وأصحها يجوز في النصف الثاني لا قبله هذا مختصر ما يتعلق بغسل العيد
وسيأتي ايضاحه مبسوطا بادلته حيث ذكره المصنف في صلاة العيد إن شاء الله تعالى: ومن المسنون
غسل الكسوفين وغسل الاستسقاء: ومنه غسل الكافر إذا أسلم ولم يكن أجنب وقد سبق
ايضاحه في باب ما يوجب الغسل: ومنه غسل المجنون والمغمى عليه إذا أفاق وقد سبق بيانهما في
باب ما ينقض الوضوء: ومنه أغسال الحج وهي الغسل للاحرام ولدخول مكة وللوقوف بعرفة
وللوقوف بالمشعر الحرام وثلاثة أغسال لرمي الجمار في أيام التشريق الثلاثة نص الشافعي على
هذه السبعة في الأم قال ولا يغتسل لجمرة العقبة قال أصحابنا إنما لم يغتسل لها لان وقتها يدخل
من نصف الليل ويبقي إلى آخر النهار فلا يجتمع لها الناس ولا اغتسل للوقوف بالمشعر الحرام
وهو يرمي جمرة العقبة بعده بساعة فأثر الغسل باق فلا حاجة إلى اعادته وأضاف الشافعي في القديم
202

إلى هذه السبعة الغسل لطوافي الزيارة والوداع قال القاضي أبو الطيب وللحلق: قال البغوي وغيره
ويسن للحائض والنفساء جميع أغسال الحج الا غسل الطواف لكونها لا تطوف (1) ومن المستحب
الغسل من غسل الميت وللشافعي قول انه يجب ان صح الحديث فيه ولم يصح فيه حديث
ولا فرق في هذا بين غسل الميت المسلم والكافر فيسن الغسل من غسلهما ويسن الوضوء
من مس الميت نص عليه الشافعي في مختصر المزني رحمهما الله وقاله الأصحاب ونقله امام الحرمين
عن أصحابنا المراوزة وسنبسط الكلام فيه في الجنائز إن شاء الله تعالى حيث ذكره
المصنف: ومن المستحب الغسل من الحجامة ودخول الحمام نص عليهما الشافعي في القديم
وحكاه عن القديم ابن القاص والقفال وقطعا به وكذا قطع به المحاملي في اللباب والغزالي في الخلاصة
والبغوي وآخرون ونقله الغزالي في الوسيط عن ابن القاص ثم قال وأنكر معظم الأصحاب
استحبابهما قال البغوي أما الحجامة فورد فيها أثر وأما الحمام فقيل أراد به إذا تنور يغتسل وإلا فلا
وقيل استحبه لاختلاف الأيدي في ماء الحمام قال وعندي ان معنى الغسل انه إذا دخله فعرق
استحب ألا يخرج حتى يغتسل: هذا كلام البغوي وروى البيهقي باسناد ضعفه عن عائشة عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال (الغسل من خمسة من الجنابة والحجامة وغسل يوم الجمعة والغسل من ماء
الحمام) وبإسناده عن ابن عمرو بن العاص قال (كنا نغتسل من خمس من الحجامة والحمام ونتف الإبط ومن
الجنابة ويوم الجمعة) والله أعلم * ومن المستحب الغسل لمن أراد حضور مجمع الناس صرح به أصحابنا ونقله
الروياني في البحر عن نص الشافعي ورأيت في الأم ما يدل عليه صريحا أو إشارة ظاهرة قال أبو عبد الله
الزبيري في الكافي يستحب في كل أمر اجتمع الناس له أن يغتسل المرء له ويقطع الرائحة المغيرة
من جسده ويمس من طيب أهله هذه هي السنة وقال البغوي يستحب لمن أراد الاجتماع بالناس
ان يغتسل ويتنظف ويتطيب قال المحاملي في اللباب يستحب الغسل عند كل حال تغير فيه البدن قال أصحابنا
وآكده هذه الأغسال غسل الجمعة والغسل من غسل الميت وأيهما آكد: فيه قولان مشهوران

(1) وينبغي ألا يسن أيضا إن لم يثبت فيه شئ إذ الاستحباب حكم شرعي يحتاج إلى دليل ثابت وكيف يقال يسن ما لم يرد فيه سنة ثابتة اه‍ أذرعي
203

وذكرهما المصنف في الجنائز أصحهما عند المصنف وسائر العراقيين الغسل من غسل الميت وهو
نصه في الجديد: والثاني غسل الجمعة وهو قوله القديم وصححه البغوي والروياني وغيرهما قال الرافعي
وصححه الأكثرون وهذا هو الصحيح أو الصواب لان أحاديث غسل الجمعة صحيحة وليس في
الغسل من غسل الميت شئ صحيح: وفائدة القولين فيما لو أوصى بماء لأولى الناس أو وكل من
يدفعه إلى أولاهم أو آكدهم حاجة فوجد رجلان أحدهما قد غسل ميتا والآخر يريد حضور
الجمعة فأيهما أولى به. فيه القولان وستأتي دلائل كل ما ذكرته في مواضعه إن شاء الله
تعالى وبالله التوفيق
(فصل)
[في دخول الحمام (1)]
روى عن عائشة رضي الله عنها قالت (نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دخول الحمامات ثم رخص
للرجال أن يدخلوها في الميازر) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم قال الترمذي ليس
اسناده بذاك القائم: وعن المليح بفتح الميم قال دخل نسوة من أهل الشام على عائشة فقالت
من أنتن فقلن من أهل الشام فقالت لعلكن من الكورة التي يدخل نساؤها الحمامات قلن نعم قالت
أما اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها الا هتكت
ما بينها وبين الله تعالى) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة: قال الترمذي حديث حسن * وعن
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (انها ستفتح عليكم
أرض العجم وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات فلا يدخلنها الرجال الا بالأزر وامنعوها
النساء الا مريضة أو نفساء) رواه أبو داود وابن ماجة: وفى اسناده من يضعف: وجاء في دخول
الحمام عن السلف آثار متعارضة في الإباحة والكراهة فعن أبي الدرداء رضي الله عنه نعم

(1) وروى الإمام أحمد رضي الله عنه عن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه (ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تدخل الحمام) ورواه الترمذي بمعناه من رواية جابر وقال حديث حسن غريب اه‍ أذرعي
204

البيت الحمام يذهب الدرن ويذكر النار * وعن علي وابن عمر رضي الله عنهم بئس البيت الحمام
يبدي العورة ويذهب الحياء: واما أصحابنا فكلامهم فيه قليل وممن تكلم فيه من أصحابنا
الامام الفقيه الحافظ أبو بكر السمعاني المروزي رحمه الله فقال جملة القول في دخول الحمام انه مباح
للرجال بشرط التستر وغض البصر ومكروه للنساء الا لعذر من نفاس أو مرض قال وإنما كره للنساء لان
أمرهن مبني على المبالغة في التستر ولما في وضع ثيابهن في غير بيوتهن من الهتك ولما في خروجهن
واجتماعهن من الفتنة والشر وأنشد
دهتك بعلة الحمام نعم * ومال بها الطريق إلى يزيد
قال وللداخل آداب منها ان يتذكر بحره حر النار ويستعيذ بالله تعالى من حرها ويسأله الجنة وأن يكون
قصده التنظف والتطهر دون التنعيم والترفه والا يدخله إذا رأى فيه عاريا بل يرجع والا يصلى
فيه ولا يقرأ القرآن ولا يسلم ويستغفر الله تعالى إذا خرج ويصلى ركعتين فقد كانوا يقولون يوم الحمام
يوم اثم وروى لكل أدب منها خبرا أو أثرا وذكر آدابا أخر:
وذكر الامام الغزالي رحمه الله
في الاحياء فيه كلاما حسنا طويلا مختصره انه لا بأس بدخول الحمام: دخل أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم حمامات الشام قال وعلى داخله واجبات وسنن فعليه واجبان في عورته صونها
عن نظر غيره ومسه فلا يتعاطى أمرها وإزالة وسخها الا بيده: وواجبان في عورة غيره ان يغض بصره
عنها وان ينهاه عن كشفها لان النهي عن المنكر واجب فعليه ذلك وليس عليه القبول قال ولا يسقط
الانكار الا لخوف ضرر أو شتم أو نحوه ولا يسقط عنه بظنه أنه لا يفيد قال ولهذا صار الحزم في
هذه الأزمان ترك دخول الحمام إذ لا يخلو عن عورات مكشوفة لا سيما ما فوق العانة وتحت السرة
ولهذا استحب اخلاء الحمام قال والسنن عشر النية بان لا يدخل عبثا ولا لغرض الدنيا بل يقصد
التنظف المحبوب وان يعطى الحمامي الأجرة قبل دخوله ويقدم رجله اليسرى في دخوله قائلا بسم
الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم وان يدخل
205

وقت الخلوة أو يتكلف اخلاء الحمام فإنه وإن لم يكن في الحمام الا أهل الدين والمحتاطون في العورات
فالنظر إلى الأبدان مكشوفة فيه شوب من قلة الحياء وهو مذكر للفكر في العورات ثم لا يخلو الناس
في الحركات عن انكشاف العورات فيقع عليها البصر وان لا يعجل بدخول البيت الحار حتى يعرق
في الأول والا يكثر صب الماء بل يقتصر على قدر الحاجة فهو المأذون فيه وان يذكر بحرارته
حرارة نار جهنم لشبهه بهار والا يكثر الكلام ويكره دخوله بين المغرب والعشاء وقريبا من الغروب
وان يشكر الله تعالى إذا فرغ على هذه النعمة وهي النظافة ويكره من جهة الطلب صب الماء البارد
على الرأس عند الخروج من الحمام وشربه ولا بأس بقوله لغيره عافاك الله ولا بالمصافحة ولا بان
يدلكه غيره يعني في غير العورة هذا كلام الغزالي ثم ذكر في النساء كلاما حذفته لكون كلام
السمعاني أصوب منه قال وإذا دخلت المرأة لضرورة فلا تدخل الا بمئزر سابغ قال ولا يقرأ
القرآن الا سرا ولا يسلم إذا دخل فقد اتفق هو والسمعاني على ترك القراءة والسلام فأما القراءة
فتقدم في آخر باب ما يوجب الغسل أنها لا تكره ولعل مرادهما الأولى تركها لا أنها مكروهة: وأما
ترك السلام فقد وافقهما عليه صاحب التتمة فقال لا يستحب السلام لداخله على من فيه لأنه بيت
الشيطان ولان الناس يكونون مشتغلين بالتنظيف وكذا قاله غيرهم: والحمام مذكر لا مؤنث كذا
نقه الأزهري في تهذيب اللغة عن العرب: ونقله غيره وجمعه حمامات مشتق من الحميم وهو الماء الحار
والله أعلم وبه التوفيق *
[باب التيمم]
قال أبو منصور الأزهري رحمه الله التيمم في كلام العرب القصد يقال تيممت فلانا ويممته وتأممته وأممته
أي قصدته والتيمم ثابت بالكتاب والسنة واجماع الأمة وهو رخصة وفضيلة اختصت بها هذه
الأمة زادها الله شرفا لم يشاركها فيها غيرها من الأمم كما صرحت به الأحاديث الصحيحة المشهورة
206

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجمعوا على أن التيمم مختص بالوجه واليدين سواء تيمم عن الحدث
الأصغر أو الأكبر سواء تيمم عن كل الأعضاء أو بعضها: قال المصنف رحمه الله *
[يجوز التيمم عن الحدث الأصغر لقوله تعالى وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم
من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) ويجوز عن الحدث الأكبر وهو
الجنابة والحيض لما روى عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال أجنبت فتمعكت في التراب فأخبرت
النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال صلى الله عليه وسلم (إنما كان يكفيك هكذا وضرب يديه
على الأرض ومسح وجهه وكفيه) ولأنه طهارة عن حدث فناب عنها التيمم كالوضوء ولا يجوز
ذلك عن إزالة النجاسة لأنها طهارة فلا يؤمر بها للنجاسة في غير محل النجاسة كالغسل] *
[الشرح] أما الآية الكريمة فتقدم تفسيرها في باب ما ينقض الوضوء وقوله تعالي (صعيدا طيبا)
قيل حلالا وقيل طاهرا وهو الأظهر الأشهر وهو مذهب أصحابنا: وأما حديث عمار فمتفق على
صحته رواه البخاري ومسلم وقوله تمعكت أي تدلكت وفى رواية في الصحيح تمرغت وهو بمعنى
تدلكت: وراوي الحديث عمار تقدم بيان حاله في آخر السواك وينكر على المصنف قوله روى
بصيغة التمريض الموضوعة للعبارة عن حديث ضعيف مع أن هذا الحديث متفق على صحته وقد
نبهت على مثله مرات وذكرته في مقدمة الكتاب: وقوله ولأنه طهارة عن حدث احتراز من طهارة
النجس: أما الأحكام فيجوز التيمم عن الحدث الأصغر بالكتاب والسنة والاجماع ويجوز عن
الحدث الأكبر وهو الجنابة والحيض والنفاس وكذا الولادة إذا قلنا توجب الغسل ولا خلاف
في هذا عندنا ولا يجوز في إزالة النجاسة ودليله ما ذكره المصنف: وأما قول المصنف هنا يجوز التيمم
وقوله في التنبيه يجب فكلاهما صحيح فهو واجب في حال جائز في حال فإذا لم يجد الماء وضاق
الوقت وجب وإذا وجد الماء بأكثر من ثمن المثل جاز التيمم ولا يجب بل لو اشتراه وتوضأ كان
أفضل وكذا إذا لم يجد الماء وأراد نافلة أو فريضة في أول الوقت جاز التيمم ولم يجب *
(فرع) قد ذكرنا أن التيمم عن الحدث الأكبر جائز هذا مذهبنا وبه قال العلماء كافة من
207

الصحابة والتابعين ومن بعدهم الا عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي التابعي
فإنهم منعوه قال ابن الصباغ وغيره وقيل إن عمر وعبد الله رجعا * واحتج لمن منعه بأن الآية فيها
اباحته للمحدث فقط واحتج أصحابنا والجمهور بقول الله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) إلى
قوله تعالى (وان كنتم جنبا فاطهروا) ثم قال تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وهو عائد إلى
المحدث والجنب جميعا وقد ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال قال عبد الله بن
مسعود لو أن جنبا لم يجد الماء شهرا لا يتيمم قال أبو موسى له كيف يصنع بهذه الآية (فلم تجدوا ماء
فتيمموا) فقال عبد الله لو رخص لهم لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا فهذا دليل على
أنهم كانوا متفقين على أن الآية تدل على جواز التيمم للجنب واحتجوا من السنة بحديث عمار
السابق وهو في الصحيحين وبحديث عمر ان بن الحصين (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى
ثم رأى رجلا معتزلا لم يصل مع القوم فقال يا فلان ما منعك أن تصلى مع القوم فقال يا رسول الله
أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفيك فلما حضر الماء أعطى النبي صلى الله عليه وسلم
هذا الرجل اناء من ماء فقال اغتسل به) رواه البخاري ومسلم: وعن أبي ذر رضي الله عنه
انه كان يعزب في الإبل وتصيبه الجنابة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له (الصعيد الطيب
وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته) رواه أبو داود والترمذي
والنسائي والحاكم وغيرهم قال الترمذي حديث حسن صحيح وقال الحاكم حديث صحيح: وفى المسألة
أحاديث كثيرة غير ما ذكرته: ومن القياس ما ذكره المصنف ولان ما كان طهورا في الحدث الأصغر
كان في الأكبر كالماء وأما الآية فليس فيها منع التيمم عن الجنابة بل فيها جوازه كما ذكرنا ولو لم
يكن فيها بيانه فقد بينته السنة *
(فرع) إذا تيمم الجنب والتي انقطع حيضها ونفاسها ثم قدر على استعمال الماء لزمه الغسل
هذا مذهبنا وبه قال العلماء كافة الا أبا سلمة بن عبد الرحمن التابعي فقال لا يلزمه ودليلنا حديث
عمران وحديث أبي ذر السابقان *
208

(فرع) قال الشافعي في الأم والأصحاب يجوز للمسافر والمعزب في الإبل أن يجامع زوجته وإن كان
عادما للماء ويغسل فرجه ويتيمم واتفق أصحابنا على جواز الجماع من غير كراهة قالوا فان قدر على غسل فرجه
فغسله وتيمم وصلي صحت صلاته ولا يلزمه اعادتها فإن لم يغسل فرجه لزمه إعادة الصلاة ان قلنا
رطوبة فرج المرأة نجسة وإلا فلا إعادة هذا بيان مذهبنا: وحكي ابن المنذر جواز الجماع عن ابن
عباس وجابر بن زيد والحسن البصري وقتادة والثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي واحمد وإسحاق
واختاره ابن المنذر وحكي عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عمر والزهري أنهم قالوا
ليس له ذلك وعن مالك قال لا أحب أن يصيب امرأته الا ومعه ماء وعن عطاء قال إن كان بينه
وبين الماء ثلاث ليال لم يصبها وإن كان أكثر جاز وعن أحمد في كراهته روايتان: دليلنا على
الجميع ما احتج به ابن المنذر أن الجماع مباح فلا نمنعه ولا نكرهه الا بدليل فهذا هو المعتمد في
الدلالة: وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رجل يا رسول الله الرجل يغيب
لا يقدر على الماء أيجامع أهله قال (نعم) رواه أحمد في مسنده فلا يحتج به لأنه ضعيف فإنه من
رواية الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف والله أعلم *
(فرع) قد ذكرنا أن مذهبنا ان التيمم عن النجاسة لا يجوز ومعناه إذا كان على بعض بدنه
نجاسة فتيمم في وجهه ويديه لا يصح وبه قال جمهور العلماء وجوزه احمد واختلف أصحابه في وجوب
إعادة هذه الصلاة قال ابن المنذر كان الثوري والأوزاعي وأبو ثور يقولون يمسح موضع النجاسة
بتراب ويصلى قال وحكى أبو ثور هذا عن الشافعي قال والمعروف من قول الشافعي بمصر ان
التيمم لا يجزئ عن نجاسة واحتج أصحابنا بما ذكره المصنف وقول المصنف فلا يؤمر بها للنجاسة
احتراز من الحدث فإنه يؤمر بطهارته في غير محله: وقوله كالغسل هو بفتح الغين معناه كما لو كان
على بدنه نجاسة فلا يؤمر بالغسل في غير محلها ولان التيمم رخصة فلا يجوز إلا فيما ورد الشرع
به وهو الحدث والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
209

[والتيمم مسح الوجه واليدين مع المرفقين بضربتين أو أكثر والدليل عليه ما روى أبو أمامة
وابن عمر رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة
لليدين إلى المرفقين) وحكي بعض أصحابنا عن الشافعي رحمه الله أنه قال في القديم التيمم ضربتان
ضربة للوجه وضربة للكفين ووجهه في حديث عمار: وأنكر الشيخ أبو حامد ذلك وقال المنصوص
في القديم والجديد هو الأول: ووجهه أنه عضو في التيمم فوجب استيعابه كالوجه وحديث عمار
ويتأل على أنه مسح كفيه إلى المرفقين بدليل حديث أبي أمامة وابن عمر] *
[الشرح] أما حديث ابن عمر فسيأتي بيانه إن شاء الله وأما حديث أبي أمامة فمنكر لا أصل
له واسم أبي أمامة صدى بضم الصاد وفتح الدال المهملة وتشديد الياء بن عجلان الباهلي من بنى
باهلة سكن حمص رضي الله عنه وابن عمر تقدم بيانه في الآنية والشيخ أبو حامد في مسح الخف
والعضو بكسر العين وضمها: وقوله ولأنه عضو في التيمم احترز بعضو عن مسح الخف وبالتيمم
عن مسح الرأس في الوضوء * وأما حكم المسألة فمذهبنا المشهور أن التيمم ضربتان ضربة للوجه
وضربة لليدين مع المرفقين فان حصل استيعاب الوجه واليدين بالضربتين والا وجبت الزيادة
حتى يحصل الاستيعاب وحكى أبو ثور وغيره قولا للشافعي في القديم أنه يكفي مسح الوجه والكفين
وأنكر أبو حامد والماوردي وغيرهما هذا القول وقالوا لم يذكره الشافعي في القديم وهذا الانكار
فاسد فان أبا ثور من خواص أصحاب الشافعي وثقاتهم وأئمتهم فنقله عنه مقبول وإذا لم يوجد في
القديم حمل على أنه سمعه منه مشافهة وهذا القول وإن كان قديما مرجوحا عند الأصحاب فهو القوى
في الدليل وهو الأقرب إلى ظاهر السنة الصحيحة وقال كثيرون من الخراسانيين لا يشترط ضربتان
بل الواجب ايصال التراب إلى الوجه واليدين سواء حصل بضربتين أو ضربة وسيأتي بيان هذا
في واجبات التيمم إن شاء الله تعالى هذا تلخيص مذهبنا: وحكي ابن المنذر وجوب الضربتين
عن علي بن أبي طالب وابن عمر والحسن البصري والشعبي وسالم بن عبد الله ومالك والليث
210

والثوري وأصحاب الرأي وعبد العزيز بن أبي سلمة قال أصحابنا وهو قول أكثر العلماء: وحكى
الماوردي وغيره عن ابن سيرين أنه لا يجزئه الا ثلاث ضربات ضربة لوجهه وضربة لكفيه
وضربة لذراعيه: وقال آخرون الواجب ضربة للوجه والكفين حكاه ابن المنذر عن عطاء ومكحول
والأوزاعي واحمد وإسحاق قال ابن المنذر وبه أقول وبه: قال داود وحكاه الخطابي عن عامة
أصحاب الحديث: وأما قدر الواجب من اليدين فالمشهور من مذهبنا انه إلى المرفقين كما سبق وبه قال
مالك وأبو حنيفة وأكثر العلماء وقال عطاء ومن بعده ممن ذكرناه إلى الكفين وحكي الماوردي
وغيره عن الزهري أنه يجب مسحهما إلى الإبطين وما أظن هذا يصح عنه وقد قال الخطابي لم
يختلف العلماء في أنه لا يجب مسح ما وراء المرفقين: واحتج من قال ضربة للوجه والكفين بحديث
عمار قال أجنبت فتمعكت في التراب وصليت فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما كان يكفيك
هكذا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض فنفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه)
رواه البخاري ومسلم: واحتج أصحابنا بأشياء كثيرة لا يظهر الاحتجاج بها فتركتها وأقربها ان
الله تعالى أمر بغسل اليد إلى المرفق في الوضوء وقال في آخر الآية (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا
بوجوهكم وأيديكم) وظاهره أن المراد الموصوفة أولا وهي المرفق وهذا المطلق محمول على ذلك
المقيد لا سيما وهي آية واحدة وذكر الشافعي رحمه الله هذا الدليل بعبارة أخرى فقال كلاما معناه
ان الله تعالى أوجب طهارة الأعضاء الأربعة في الوضوء في أول الآية ثم أسقط منها عضوين في
الآية في آخر الآية فبقي العضوان في التيمم على ما ذكرا في الوضوء إذ لو اختلفا بينهما وقد اجمع
المسلمون على أن الوجه يستوعب في التيمم (1) كالوضوء فكذا اليدان قال البيهقي في كتابه معرفة
السنن والآثار قال الشافعي رحمه الله إنما منعنا ان نأخذ برواية عمار في الوجه والكفين ثبوت
الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه مسح وجهه وذراعيه وان هذا أشبه بالقرآن والقياس

(1) نقله الاجماع على استيعاب الوجه في التيمم فيه نظر فقد نقل رحمه الله بعد هذا بنحو كراس عن أبي حنيفة أربع روايات وعن سليمان بن داود أنه جعله كمسح الرأس ولم يذكر مسح الرأس عند ابن داود ولكن كلامه يشعر أنه لا يوجب الاستيعاب في الموضعين اه‍ أذرعي
211

وفى ان البدل من الشئ يكون قال البيهقي حديث عمار ثبت من مسح الذراعين الا ان حديث
الذراعين جيد بشواهده ورواه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم (التيمم ضربة للوجه وضربة
لليدين إلى المرفقين) وعن أبي جهيم الأنصاري قال (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل
فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى اقبل إلى الجدار فمسح بوجهه ويديه
ثم رد عليه السلام) رواه البخاري هكذا مسندا وذكره مسلم تعليقا وهو مجمل فسره ابن عمر في روايته قال
مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكة من السكك وقد خرج من غائط أو بول فسلم عليه
فلم يرد عليه حتى كاد الرجل يتوارى في السكة ضرب بيديه على الجدار ومسح بهما وجهه ثم
ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه ثم رد على الرجل السلام وقال (اني لم يمنعني أن أرد عليك
السلام الا اني لم أكن على طهر) هكذا رواه أبو داود في سننه الا انه من رواية محمد بن ثابت
العبدي وليس هو بالقوى عند أكثر أهل الحديث وروي البيهقي في حديث أبي الجهيم فمسح
وجهه وذراعيه رواه من طرق يعضد بعضها بعضا قال وله شاهد من حديث ابن عمر فذكر حديثه
هذا قال البيهقي وهذا الحديث رواه عن العبدي جماعة من الأئمة وذكرهم قال وأنكر البخاري
على العبدي رفع هذا الحديث قال البيهقي ورفعه غير منكر فقد صح رفعه من جهة الضحاك
ابن عثمان ويزيد بن عبد الله بن أسامة وإنما انفرد العبدي فيه بذكر الذراعين قال البيهقي وقد صح
عن ابن عمر من قوله وفعله: التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين فقوله وفعله
يشهد لصحة رواية العبدي فإنه لا يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه قال الشافعي والبيهقي
أخذنا بحديث مسح الذراعين لأنه موافق لظاهر القرآن وللقياس وأحوط قال الخطابي الاقتصار
على الكفين أصح في الرواية ووجوب الذراعين أشبه بالأصول وأصح في القياس والله أعلم * قال
المصنف رحمه الله *
[ولا يجوز التيمم الا بالتراب لما روى حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
212

قال (فضلنا على الناس بثلاث جعلت لنا الأرض مسجد أو جعل ترابها لنا طهورا وجعلت صفوفنا كصفوف
الملائكة) فعلق الصلاة على الأرض ثم نزل في التيمم إلى التراب فلو جاز التيمم بجميع الأرض لما نزل عن
عن الأرض إلى التراب ولأنه طهارة عن حدث فاختص بجنس واحد كالوضوء] *
[الشرح] حديث حذيفة صحيح رواه مسلم وقال فيه جعلت لنا الأرض كلها مسجدا وتربتها طهورا
قال الخطابي معناه ان من كان قبلنا لم تبح لهم الصلاة الا في البيع والكنائس والتراب معروف وله
خمسة عشر اسما ذكرتها مفصلة في تهذيب الأسماء ثم الصحيح المشهور أنه اسم جنس لا يثنى ولا يجمع
الا إذا اختلفت أنواعه ونقل أبو عمر الزاهد عن المبرد أنه جمع واحده ترابة: وقوله لأنه طهارة عن
حدث احتراز من الدباغ * أما حكم المسألة فمذهبنا أنه لا يصح التيمم الا بتراب هذا هو المعروف في
المذهب وبه قطع الأصحاب وتظاهرت عليه نصوص الشافعي وحكي الرافعي عن أبي عبد الله
الحناطي بالحاء المهملة والنون أنه حكي في جواز التيمم بالذريرة والنورة والزرنيخ والأحجار المدقوقة
والقوارير المسحوقة وأشباهها قولين للشافعي وهذا نقل غريب ضعيف شاذ مردود إنما أذكره
للتنبيه عليه لئلا يغتر به والصحيح في المذهب أنه لا يجوز الا بتراب وبه قال أحمد وابن المنذر وداود
قال الأزهري والقاضي أبو الطيب هو قول أكثر الفقهاء وقال أبو حنيفة ومالك يجوز بكل أجزاء
الأرض حتى بصخرة مغسولة وقال بعص أصحاب مالك يجوز بكل ما اتصل بالأرض كالخشب والثلج
وغيرهما وفى الملح ثلاثة أقوال لأصحاب: مالك أحدها: يجوز: والثاني لا: والثالث وهو عندهم
أشهرها انه إن كان مصنوعا لم يجز التيمم به والا جاز وقال الأوزاعي والثوري يجوز بالثلج
وكل ما على الأرض * واحتجوا بقول الله تعالى (فتيمموا صعيدا) والصعيد ما على الأرض
وبقوله صلى الله عليه وسلم (جعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا) رواه البخاري ومسلم
وبحديث أبي الجهيم السابق في التيمم بالجدار وبحديث عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما كان
يكفيك هكذا ثم ضرب بيديه ثم نفضهما ثم مسح وجهه وكفيه) رواه البخاري ومسلم وفى رواية
213

لمسلم (إنما يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك) قالوا فهذا
يدل على أنه لا يختص بتراب ذي غبار يعلق بالعضو كما قلتم قالوا لأنه طهارة بجامد فلم يختص
بجنس (1) كالدباغ * واحتج أصحابنا بقول الله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) وهذا
يقتضى أن يمسح بماله غبار يعلق بعضه بالعضو وبحديث حذيفة وروى البيهقي عن ابن عباس قال
(الصعيد الحرث حرث الأرض) وبالقياس الذي ذكره المصنف: وأما قولهم الصعيد ما صعد
على وجه الأرض فلا نسلم اختصاصه به بل هو مشترك يطلق على وجه الأرض وعلى التراب وعلى
الطريق كذا نقله الأزهري عن العرب وإذا كان كذلك لم يخص بأحد الأنواع الا بدليل ومعنى
حديث حذيفة وتفسير ابن عباس ترجمان القرآن بتخصيص التراب: وأما حديث (جعلت لنا
الأرض مسجدا وطهورا فمختصر محمول على ما قيده في حديث حذيفة: وأما التيمم بالجدار
فمحمول على جدار عليه غبار لان جدرانهم من الطين فالظاهر حصول الغبار منها وحديث النفخ
في اليدين محمول على أنه علق باليد غبار كثير فخففه ونحن نقول باستحباب تخفيفه ورواية مسلم
ثم ينفخ محمولة على ما إذا علق بهما غبار كثير ولا يصح أن يعتقد أنه أمره بإزالة جميع الغبار والفرق
بين التيمم والدباغ أن المراد بالدباغ تنشيف فضول الجلد وذلك يحصل بأنواع فلم يختص والتيمم
طهارة تعبدية فاختصت بما جاءت به السنة كالوضوء والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[فأما الرمل فقد قال آخر في القديم والاملاء يجوز التيمم به وقال في الأم لا يجوز فمن أصحابنا
من قال لا يجوز قولا واحدا وما قاله في القديم والاملاء محمول على رمل يخالطه التراب ومنهم من
قال على قولين أحدهما يجوز لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه
وسلم (انا بأرض الرمل وفينا الجنب والحائض ونبقى أربعة أشهر لا نجد الماء فقال صلى الله عليه وسلم
(عليكم بالأرض) والثاني لا يجوز لأنه ليس بتراب فأشبه الجص] *

(1) قال ابن كج هو منتقض بالحديد وبرادة الحديد والفضة وتراب المعادن اه‍ أذرعي
214

[الشرح] حديث أبي هريرة هذا ضعيف رواه أحمد في مسنده ورواه البيهقي من طرق
ضعيفة وبين ضعفه وجاء في بعضها عليكم بالتراب وصورة مسألة الكتاب التي ذكر المصنف فيها
الطريقين في رمل خالص لا يخالطه تراب وهذان الطريقان مشهوران واتفق الأصحاب على أن
الصحيح طريقة التفصيل وهو انه خالطه تراب جاز وإلا فلا وحملوا القولين على هذين الحالين
وبهذا الطريق قطع جماعات من المصنفين ونقله الشيخ أبو حامد والمحاملي وامام الحرمين عن عامة
الأصحاب قالوا وغلط من قال فيه قولان (1) قال القاضي أبو الطيب طريقة القولين هي قول ابن القاص
وأما قول المصنف في التنبيه فان خالطه جص أو رمل لم يجز التيمم به فمحمول على رمل دقيق
يلصق بالعضو والذي ذكره الأصحاب هو في رمل خشن لا يلصق وبهذا يحصل الفرق بينه وبين
ما إذا خالطه دقيق ونحوه فإنه لا يجوز التيمم به لأنه يلصق بالعضو وقد سبق أن الجص بكسر الجيم
وفتحها وهو معرب والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وان أحرق الطين وتيمم بمدقوقه ففيه وجهان أحدهما لا يجوز التيمم به كما لا يجوز بالخزف
المدقوق: والثاني يجوز لان احراقه لم يزل اسم الطين والتراب عن مدقوقه بخلاف الخزف
ولا يجوز الا بتراب له غبار يعلق بالعضو فان تيمم بطين رطب أو تراب ند لا يعلق غباره
لم يجز لقوله تعالي (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) وهذا يقتضي أنه يمسح بجزء من الصعيد
ولأنه طهارة فوجب ايصال الطهور فيها إلى محل الطهارة كمسح الرأس ولا يجوز بتراب نجس لأنه
طهارة فلا تجرز بالنجس كالوضوء: ولا يجوز بما خالطه جص أو دقيق لأنه ربما حصل على العضو فمنع
وصول التراب إليه ولا يجوز بما استعمل في العضو فأما ما تناثر من أعضاء المتيمم ففيه وجهان أحدها
لا يجوز التيمم به كما لا يجوز الوضوء بما تساقط من أعضاء المتوضئ: والثاني يجوز لان المستعمل منه
ما بقي على العضو وما تناثر غير مستعمل فجاز التيمم به ويخالف الماء لأنه لا يدفع بعضه بعضا والتراب
يدفع بعضه بعضا فدفع ما أدى به الغرض في العضو ما تناثر منه] *
215

[الشرح] في هذه القطعة مسائل إحداها إذا أحرق الطين وتيمم بمدقوقه فوجهان مشهوران
أصحهما عند الجمهور لا يجوز وبه قطع الشيخ أبو حامد والبغوي والأصح عند امام الحرمين وصاحب
البحر والمحققين الجواز وهذا أظهر قال امام الحرمين القول بأنه لا يجوز غلط غير معدود من المذهب
وقد ذكر المصنف دليل الوجهين وقال القاضي أبو الطيب إن احترق ظاهره وباطنه لم يجز وإن
احترق ظاهره دون باطنه ففيه وفى الطين الخراساني إذا دق وجهان والأظهر الجواز مطلقا اما ذا
أصابته نار فاسود ولم يحترق فالمذهب القطع بجواز التيمم به وبه قطع البغوي وغيره وحكي الرافعي
فيه وجها وهو ضعيف لأنه تراب ولا يشبه الخزف بحال ولو احترق فصار رمادا لم يجز التيمم به بلا خلاف
كالخزف: نقله الرافعي وغيره وهو ظاهر والله أعلم * (الثانية) يشترط كون التراب له غبار يعلق
بالعضو وقد ذكر المصنف دليله وبه قال أبو يوسف وقال مالك وأبو حنيفة لا يشترط الغبار وقد
سبقت المسألة بدلائلها: وقوله تراب ندهو بتنوين الدال مثل شج: (الثالثة) لا يجوز التيمم بتراب
نجس بلا خلاف عندنا ونقله الشيخ أبو حامد عن العلماء كافة قال الأوزاعي فإنه جوزه بتراب المقابر
قال ولعله أراد إذا لم تكن منبوشة فيوافقنا * واحتج المحاملي وغيره بقوله تعالى (صعيدا طيبا) قالوا
والمراد طاهرا وهذا هو الراجح في معنى الطيب في الآية كما قدمناه: واحتجوا أيضا بما ذكره المصنف
وكان ينبغي للمصنف أن يقول لأنه طهارة عن حدث ليحترز عن الدباغ فإنه يجوز بالنجس على
أصح الوجهين كما سبق: قال أصحابنا وسواء كان التراب الذي خالطته النجاسة كثيرا أو قليلا لا
يجوز التيمم به بلا خلاف بخلاف الماء الكثير لان للماء قوة تدفع النجاسة وذكره أصحابنا هنا تراب
المقابر وحكمه انه إذا تيقن نبشها فترابها نجس وان تيقن عدم نبشها فترابها طاهر وان شك فطاهر
أيضا على الأصح فحيث قلنا طاهر جاز التيمم به وإلا فلا الا انها إذا لم تنبش تجوز الصلاة عليها
مع الكراهة لكونها مدفن النجاسة ولا يكره التيمم بترابها لأنه طاهر فهو كغيره صرح به الشيخ
نصر في الانتخاب وهو واضح حسن قال الشافعي رحمه الله في الأم ولو وقع المطر على المقبرة لم
216

يصح التيمم بها لان صديد الميت قائم فيها لا يذهبه المطر كما لا يذهب التراب قال وهكذا كل ما
اختلط من الأنجاس بالتراب مما يصير كالتراب وذكر الأصحاب هنا التيمم بالأرض التي أصابتها
نجاسة ذائبة فزال أثرها بالشمس والريح وفيها القولان المشهوران الجديد انها لا تطهر فلا يجوز
التيمم بها والقديم انها تطهر فيجوز التيمم بها عند الجمهور وقال القفال في شرح التلخيص إذا قلنا
بالقديم فهي طاهرة تجوز الصلاة عليها وفى جواز التيمم بترابها قولان قال وهكذا قال الشافعي
في القديم ان جلد الميتة يطهر بالدباغ وتجوز الصلاة عليه وفيه ولا يجوز بيعه فجعله طاهرا في حكم
دون حكم هذا كلام القفال وهو شاذ ومنع بيع المدبوغ ليس للنجاسة كما سبق في بابه والله أعلم:
(الرابعة) لا يصح التيمم بتراب خالطه جص أو دقيق أو زعفران أو غيره من الطاهرات التي تعلق
بالعضو وسواء كان الخليط قليلا أو كثيرا مستهلكا هذا هو الصحيح المشهور قال البندنيجي
وهو المنصوص وحكي الأصحاب عن أبي إسحاق المروزي وجها انه يجوز إذا كان الخليط مستهلكا
كما يجوز الوضوء بالماء الذي استهلك فيه مائع قال الشيخ أبو حامد والأصحاب هذا الوجه غلط
والفرق ان الماء يجرى بطبعه فإذا أصاب المائع موضع جرى الماء بعده وأما الخليط فربما علق بالعضو
فمنع التراب من العلوق ولان للماء قوة التطهير ولأنه لا تضره النجاسة إذا كان كثيرا بخلاف التراب
واما إذا اختلط بالتراب فتات الأوراق فقال امام الحرمين والغزالي في البسيط الظاهر أنه كالزعفران
يعني فيكون فيه التفصيل والخلاف وقيل يعفى عنه كما في الماء فان قيل ما الفرق بين مخالطة الدقيق
ونحوه ومخالطة الرمل حيث جاز في الرمل دون الدقيق قلنا الدقيق يعلق باليد كما يعلق التراب
فيمنع التراب والرمل لا يعلق اما إذا خالط التراب مائع طاهر من طيب أو خل أو لبن أو غيره
فقال الماوردي ان تغير به لم يجز التيمم به والا جاز وقال القاضي أبو الطيب وصاحب البحر
ان تغيرت رائحته بماء الورد ثم جف جاز التيمم به لان بالجفاف ذهب ماء الورد وبقيت
رائحته المجاورة *
217

(فرع) هذا الذي ذكره المصنف من أن الجص لا يجوز التيمم به هو المذهب الصحيح المقطوع
به في طرق الأصحاب وشذ وأغرب القاضي أبو بكر البيضاوي فحكى في كتابه شرح التبصرة له
في جواز التيمم بالجص ثلاثة أوجه أحدها يجوز والثاني لا يجوز والثالث إن كان محرقا لم يجز والا
جاز وبهذا الثلث قطع صاحب الحاوي والبحر وهو ضعيف جدا نبهت عليه لئلا يغتر به. (الخامسة)
التراب المستعمل فيه صور إحداها ان يلصق بالعضو ثم يؤخذ منه فالمشهور في المذهب انه لا يجوز
التيمم به وهو الصحيح الذي قطع به الجمهور كالماء المستعمل وذكر الشيخ أبو حامد والماوردي
وامام الحرمين والغزالي وغيرهم فيه وجهين أحدهما هذا والثاني يجوز لان التيمم لا يرفع الحدث
فلا يصير مستعملا بخلاف الماء واختاره الماوردي وذكر الغزالي في تدريسه (1) ان هذا الخلاف يلتفت
على أن سبب الاستعمال في الماء هو انتقال المنع أم تأدى العبادة (الثانية) ان يصيب العضو ثم يتناثر
منه فوجهان مشهوران ذكر المصنف دليلهما أصحهما عند الأصحاب لا يجوز التيمم صححه الشيخ أبو حامد
والمحاملي في المجموع والفوراني وامام الحرمين وابن الصباغ والبغوي وصاحب العمدة وآخرون وقطع به
المتولي وغيره ونقله البندنيجي وابن الصباغ عن نص الشافعي قال الشيخ أبو حامد والمحاملي وغيرهما
الوجه الآخر غلط (الثالثة) أن يتساقط عن العضو ولم يكن لصق به ولا مسه بل لاقى ما لصق بالعضو
فالمشهور أنه ليس بمستعمل كالباقي على الأرض قال الروياني وقيل فيه وجهان قال ولا معنى
لهذا والله أعلم
(فرع) في مسائل تتعلق بالفصل (إحداها) قال أصحابنا يجوز التيمم بجميع أنواع التراب من
الأحمر والأبيض والأسود والأعفر وغير ذلك قال أصحابنا وسواء في ذلك التراب المأكول وغيره
هذا هو المذهب الصحيح المشهور وفى البيان وجه انه لا يجوز بالتراب الأرمني ولا بالمأكول
وليس بشئ قال الشافعي رحمه الله في المختصر والصعيد التراب من كل أرض سبخها ومدرها
وبطحائها وغيرها وقال في الأم ولا يتيمم ببطحاء رقيقة كانت أو غليظة قال أصحابنا السبخة
التراب الذي فيه ملوحة ولا ينبت فالتيمم به جائز وبه قال جمهور العلماء وحكي الماوردي عن
ابن عباس وإسحاق بن راهويه أنهما منعاه لقول تعالى (صعيدا طيبا) ودليلنا أن النبي صلي الله

(1) قال الشيخ أبو عمرو وينبغي الا يصح التيمم به عليهما وهذا حسن لان المنع زال في بعض الصلوات اه‍ أذرعي
218

عليه وسلم تيمم بتراب المدينة وهي سبخة ولأنه جنس يتطهر به فاستوى ملحه وعذبه كالماء
وأما الطيب في الآية فمعناه الطاهر وقيل الحلال كما سبق وأما المدر فهو التراب الذي يصيبه
الماء فيجف ويصلب ويصح التيمم به إذا دق أو كان عليه غبار وأما البطحاء فهو بفتح الباء
وبالمد ويقال فيه الأبطح ذكره الأزهري وغيره واختلفوا في تفسيره فالصحيح الأوضح ما ذكره
الأزهري وامام الحرمين والغزالي وآخرون أنه التراب اللين في مسيل الماء وقال القاضي أبو الطيب
هو مجرى السيل إذا جف واستحجر وقال الشيخ أبو حامد والماوردي وآخرون فيه تأويلان
أحدهما القاع والثاني الأرض الصلبة وأما قول الشافعي في الأم لا يجوز بالبطحاء وقوله في المختصر
يجوز فقال الأصحاب ليست على قولين بل على حالين فقوله لا يجوز أراد إذا لم يكن فيها تراب
يعلق باليد وقال صاحبا الحاوي والبحر وغيرهما وأما الحمأة المتغيرة إذا جفت وسحقت فيجوز
التيمم بها لأنها طين خلق منتنا فهي كالماء الذي خلق منتنا قال أصحابنا ولا يجوز التيمم بمدقوق
الكذان وهو جر؟؟؟ رخو يصير بالدق كالتراب والله أعلم * (المسألة الثانية) قال أصحابنا يجوز
أن يتيمم الجماعة من موضع واحد كما يتوضؤن من إناء ويجوز أن يتيمم الواحد من تراب يسير
يستصحبه معه في خرقة ونحوها مرات كما يتوضأ من إناء مرات: (الثالثة) قال أصحابنا يجوز أن
يتيمم من غبار تراب على مخدة أو ثوب أو حصير أو جدار أو أداة ونحوها نص عليه في الأم
وقطع به الجمهور قال العبدري وغيره وكذا لو ضرب بيده على حنطة أو شعير فيه غبار وحكي
صاحب البحر وجها شاذا أنه لا يجوز وهو مذهب أبي يوسف لأنه لم يقصد الصعيد وهذا الوجه
ليس بشئ للحديث الصحيح الذي سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم (تيمم بالجدار) ولأنه
قصد الصعيد فلا فرق بين أن يكون على الأرض أو على غيرها: (الرابعة) الأرضة بفتح الهمزة
والراء وهي دويبة تأكل الخشب والكتب ونحوها إذا استخرجت ترابا قال القاضي حسين
ان استخرجته من مدر جاز التيمم به ولا يضر اختلاطه بلعابها فإنه طاهر فصار كتراب عجن
بخل أو ماء وزد وان استخرجت شيئا من الخشب لم يجز لعدم التراب: (الخامسة) لو تيمم
بتراب على ظهر حيوان إن كان كلبا أو خنزيرا نظر ان علم نجاسته بأن وقع عليه التراب في
219

حال رطوبته أو اصابه عرقه لم يجز التيمم به وان علم أنه طاهر لعلمه بانتفاء ذلك جاز التيمم به
وإن لم يعلم الحال فقال القاضي حسين وصاحبا التتمة والبحر والرافعي فيه القولان في تقابل الأصل
والظاهر قال صاحب البحر والأصح الجواز هذا الذي ذكروه مشكل وينبغي أن يجوز
التيمم به بلا خلاف للأصل وليس هنا ظاهر يعارضه وإن كان حيوانا آخر جاز بلا خلاف
إلا أن يكون امرأة ففيها تفصيل وخلاف يأتي قريبا إن شاء الله تعالى والله أعلم * قال
المصنف رحمه الله *
[ولا يصح التيمم الا بالنية لما ذكرناه في الوضوء وينوى بالتيمم استباحة الصلاة
فان نوى رفع الحدث ففيه وجهان أحدهما لا يصح لأنه لا يرفع الحدث والثاني يصح لان نية رفع
الحدث تتضمن استباحة الصلاة] *
[الشرح] النية في التيمم واجبة عندنا بلا خلاف وكذلك في الوضوء والغسل وقد تقدم
في باب نية الوضوء بيان مذاهب العلماء فيها بدلائلها وفروع كثيرة وأما صفة نية التيمم فان
نوى استباحة الصلاة أو استباحة مالا يباح الا بالطهارة صح تيممه بلا خلاف لأنه نوى مقتضاه
وان نوى رفع الحدث بنى على أن التيمم يرفع الحدث أم لا وفيه وجهان الصحيح منهما أنه
لا يرفع الحدث وبه قطع جمهور الأصحاب: والثاني وهو قول أبي العباس بن سريج (1) يرفع
في حق فريضة واحدة ودليل المذهب حديث عمران بن حصين الذي قدمناه في تيمم الجنب وأمر
النبي صلى الله عليه وسلم له بالاغتسال حين وجد الماء وحديث أبي ذر السابق أيضا (الصعيد الطيب
وضوء المسلم فان وجد الماء فليمسه بشرته) وحديث عمرو بن العاص حين تيمم فقال النبي صلى
صلى الله عليه وسلم (صليت بأصحابك وأنت جنب) وكلها أحاديث صحاح ظاهرة في أن الحدث
ما ارتفع إذ لو ارتفع لم يحتج إلى الاغتسال قال امام الحرمين هذا المنقول عن ابن سريج ضعيف
معدود من الغلطات فان ارتفاع الحدث لا يتبعض فإذا نوى المتيمم رفع الحدث ان قلنا بقول ابن
سريج صح وان قلنا بالمذهب فوجهان مشهوران ذكر المصنف دليلهما أصحهما باتفاق الأصحاب
لا يصح تيممه وبه قطع القاضي أبو الطيب وجماعات: والثاني يصح (2) ونقله بن خيران قولا

(1) حكاه ابن كج عن تخريج أبى علي بن خيران أعني انه إذا نوى رفع الحدث صح تيممه اه‍ أذرعي
(2) إنما خرجه ابن خيران كما نقله عنه أعلاه وقال ابن كج إذا نوى رفع الحدث فتيممه باطل وقيل فيه وجه آخر ضعيف انه يجزيه ولو كانت بحالها فنوى رفع الحدث واستباحة صلاة
فريضة فحكى أبو الحسين وجهين أحدهما تيممه باطل لنية رفع الحدث والثاني صحيح ويستبيح تلك الصلاة لأنه نواها وتلغوا نية رفع الحدث اه‍ أذرعي
220

وهو غريب ضعيف ولو تيمم الجنب بنية رفع الجنابة فكمحدث نوى رفع الحدث ولو نويا الطهارة
عن الحدث لم يصح كما لو نوى رفع الحدث ذكره القاضي أبو الطيب ومتابعوه ابن الصباغ والروياني
والشيخ نصر والله أعلم
(فرع) ذكرنا أن التيمم لا يرفع الحدث عندنا وبه قال جماهير العلماء وقال داود والكرخي
الحنفي وبعض المالكية يرفعه دليلنا ما سبق * قال المصنف رحمه الله
ولا يصح التيمم إلا بنية الفرض فان نوى بتيممه صلاة مطلقة أو صلاة نافلة لم يستبح الفريضة وحكي
شيخنا أبو حاتم القزويني أن أبا يعقوب الأبيوردي عن الاملاء قولا آخر انه يستبيح به الفرض
ووجهه أنه طهارة فلم يفتقر إلى نية الفرض كالوضوء والذي يعرفه البغداديون من أصحابنا كالشيخ أبي
حامد وشيخنا القاضي أبى الطيب أنه لا يستبيح الفرض لان التيمم لا يرفع الحدث وإنما يستباح
به الصلاة فلا يستبيح به الفرض حتى ينويه بخلاف الوضوء فإنه يرفع الحدث فاستباح به الجميع وهل
يفتقر إلى تعيين الفريضة فيه وجهان أحدهما يفتقر لان كل موضع افتقر إلى نية الفريضة افتقر إلى
تعيينها كأداء الصلاة: والثاني لا يحتاج إلى تعيينها ويدل عليه قوله في البويطي] *
[الشرح] ينبغي المتيمم لفريضة أن ينوى استباحة تلك الفريضة بعينها فان نوي استباحة
الفرض مطلقا ولم يعين فوجهان مشهوران في طريقة العراقيين أصحهما بجزئه ويستبيح أي فريضة
أراد اتفق الأصحاب على تصحيحه وبه قطع جمهور الخراسانيين ونقل امام الحرمين اتفاق طرق
المراوزة عليه قال والوجه الآخر حكاه العراقيون وهو مطرح لا التفات إليه وصرح القاضي أبو الطيب
وابن الصباغ والمتولي وآخرون من الطريقتين بان اشتراط تعيين الفريضة غلط والقائلون بالاشتراط
هم أبو إسحاق المروزي وأبو علي بن أبي هريرة وأبو القاسم الصيمري واختاره أبو علي السنجي
بالسين المهملة والنون والجيم حكاه عنهم الرافعي وأما قول المصنف وعليه يدل قوله في البويطي
فالمذكور في البويطي أنه إذا نوى فريضتين كان له أن يصلي إحداهما ووجه الدلالة منه انه خيره
بينهما فلو وجب التعيين لم يستبح واحدة منهما وللقائل الآخر أن يجيب عن هذا النص ويقول
إنما جوز له ان يصلى إحداهما لأنه نواها وعينها ونوى معها غيرها فلغى الزائد قال أصحابنا فإذا
221

قلنا بالمذهب ان التعيين ليس بشرط فنوى استباحة الظهر فله أن يصلى فريضة أخرى وإذا نوى
الحاضرة صلى الفائتة وكذا عكسه والله أعلم * أما إذا لم ينو الفريضة بل نوى استباحة النافلة أو
نوى استباحة الصلاة ولم يقصد فرضا ولا نفلا ففيه ثلاث طرق * الصحيح منها عند جمهور
الأصحاب أنه لا يستبيح الفرض في الصورتين (والثاني) في استباحته قولان واختار الروياني
في الحلية الاستباحة و (الثالث) ان نوى النفل ففي استباحة الفرض القولان وان نوى الصلاة فقط
استباح الفرض قولا واحدا وهذا الطريق اختيار امام الحرمين والغزالي قال الامام لان الصلاة
اسم جنس تتناول الفرض والنفل ويخالف ما لو نوى المصلى الصلاة فإنها لا تنعقد الا نفلا لان
الصلاة لا يمكن أن يجمع فيها بين فرض ونفل بنية واحدة فحمل على الأقل وهو النفل وأما التيمم
فيمكن الجمع في نيته بين فرض ونفل فحملت الصلاة في نيته على الجنس ثم إذا قلنا بالمذهب في
الصورتين وهو انه لا يستبيح الفرض استباح النفل على الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور
وفيه وجه ضعيف غريب في التتمة والتهذيب وغيرهما انه لا يستبيح النفل أيضا وعلى هذا الوجه
لا يستبيح النفل الا تابعا للفرض والله أعلم * هذا تفريع مذهبنا وجوز أبو حنيفة استباحة الفرض
بنية التيمم للنفل كالوضوء وقال مالك واحمد لا يستبيح الفرض بنية النفل ودليل الجميع قد أشار
إليه المصنف وأما أبو حاتم القزويني فتقدم بيانه في باب الآنية وأما أبو يعقوب الأبيوردي ففتح
الهمزة وكسر الباء الموحدة وفتح الواو واسكان الراء منسوب إلى أبيورد بلدة بخراسان قال
أبو سعد السمعاني وينسب إليها أيضا الباوردي قال والنسبة الأولى هي الصحيحة * قال المصنف
رحمه الله *
[فان تيمم للنفل كان له أن يصلى على الجنازة نص عليه في البويطي لان صلاة الجنازة كالنفل
وان تيمم لصلاة الفرض استباح النفل لان النفل تابع للفرض فإذا استباح المتبوع استباح التابع
كما إذا أعتق الأم عتق الحمل]
[الشرح] هنا مسألتان إحداهما نوى بتيممه استباحة نافلة معينة أو مطلقة فالصحيح الذي
تظاهرت عليه نصوص الشافعي وأطبق عليه الأصحاب وسائر العلماء ان تيممه صحيح وحكى
222

جماعات من الخراسانيين وجها انه لا يصح تيممه وحكاه صاحب التتمة قولا للشافعي فعلى هذا
لا يصح التيمم للنفل مفردا وإنما يصح تبعا للفرض قالوا لان التيمم إنما جوز للضرورة ولا ضرورة
إلى النفل (1) قال القاضي حسين وصاحبا التتمة والبحر نظير هذه المسألة المعضوب إذا استأجر
من يحج عنه فرضا جاز وفى النفل قولان قال القاضي وكذا المستحاضة لو توضأت للنفل ففي
صحته وجهان ووجه المنع أنه لا ضرورة بها إلى النفل وهذا الوجه غلط لاشك فيه ومخالف لما
تظاهرت عليه الأدلة وقد جوزت النافلة إلى غير القبلة للحاجة والتخفيف فالتيمم أولى فإنه بدل
ولا تفريع على هذا الوجه وإنما التفريع على المذهب فإذا نوى استباحة نافلة جاز أن يصلى من
حنس النوافل ما شاء إلى أن يحدث وله سجود التلاوة والشكر ومس المصحف وحمله وإن كان
جنبا أو من أنقطع حيضها استباحا القراءة واللبث في المسجد وحل وطؤها لان النافلة آكد من هذه
الأشياء فإنها تفتقر إلى الطهارة بالاجماع وهذه مختلف فيها وله أن يصلى على جائز سواء تعينت
عليه أم لا هذا هو المذهب وفيه وجه أنه لا يستبيحها لأنها فرض ووجه ثالث ان تعينت عليه لم
يستبحها بتيمم النافلة والا استباحها وسيأتي بيان هذه الأوجه بأدلتها حيث ذكرها المصنف في
أواخر هذا الباب اما إذا نوى استباحة مس المصحف أو نوى الجنب أو المنقطع حيضها قراءة
القرآن واللبث في المسجد أو نوت استباحة الوطئ فإنهم يستبيحون ما نووا على المذهب الصحيح
المشهور وبه قطع الأصحاب وحكي الرافعي فيه الوجه السابق في التيمم للنافلة المجردة والصواب ما
سبق وهل يستبيحون صلاة النفل فيه وجهان مشهوران حكاهما الماوردي وابن الصباغ والمتولي
والشاشي وآخرون أحدهما يجوز كعكسه وأصحهما لا لان النافلة آكد ولنا وجه شاذ مذكور
في التتمة والبحر وغيرهما انه لا يصح التيمم لمس المصحف الا إذا احتاج إليه بأن كان مسافرا وليس
معه من يحمله ووجه في التهذيب وغيره انه لا يصح تيمم منقطعة الحيض بنية استباحة الوطئ وقد
سبق مثله في الغسل ووجه أنه يصح إن كان لها زوج وإلا فلا حكاه المتولي في باب نية الوضوء
وهذه الأوجه ضعيفة فإذا قلنا في هذه المسائل يستبيح النافلة ففي استباحته الفرض الطريقان
السابقان المذهب انه لا يستبيحه ولو نوى استباحة الصلاة مطلقا وقلنا بالأصح أنه لا يستبيح

(1) هذا التعليل يقتضي انه لا يصح التيمم لنافلة ولا صلاتها بالتيمم الا تبعا ولا استقلالا فافهم اه‍ أذرعي
223

الفرض استباح النفل وهذه الأشياء على المذهب وفيه وجه في البحر تفريعا على أن النفل لا يصح
استباحته منفردا قال الماوردي ولا يستبيح في هذه الصورة الطواف وفى هذا نظر ولو تيمم للجنازة
استباحها وهل هو كالتيمم للنفل أم للفرض فيه وجهان في التهذيب وغيره أصحهما (1) كالنافلة
صححه الرافعي وغيره لأنها وان تعينت فهي كالنفل فإنها تسقط بفعل غيره بخلاف المكتوبة والله أعلم
(المسألة الثانية) إذا نوى استباحة فريضة مكتوبة استباحها ويستبيح النفل قبلها وبعدها في الوقت
وبعد هذا هو المذهب الصحيح المشهور: وحكى الخراسانيون وجها أنه لا يستبيح
في هذه الصورة النفل مطلقا ووجها أنه يستبيحه ما دام وقت الفريضة باقيا ولا يستبيحه بعده
ووافقهم على هذا الوجه من العراقيين المحاملي والشيخ نصر وقطع به الدارمي وحكاه أمام الحرمين
عن نقل العراقيين ولنا قول أنه لا يستبيح النفل قبل الفريضة ويستبيحه بعدها وقد ذكره المصنف
في أواخر الباب والصحيح ما سبق اما إذا نوى الفريضة والنافلة معا فستبيحهما جميعا بلا خلاف:
قال امام الحرمين اتفقت الطرق على هذا وحينئذ له التنفل قبل الفرض وبعده في الوقت وبعده ووافق
عليه المخالفون في التي قبلها وطرد الرافعي فيه الوجه بالمنع من النفل بعد خروج الوقت وليس بشئ
قال الشيخ أبو محمد في الفروق: لو تيمم للظهر في وقتها وصلاها ثم دخل وقت العصر لم يجز له فعل
سنة الظهر بذلك التيمم على أحد الوجهين ولو لم يصل الظهر في وقتها فقضاها في وقت العصر
وقضى سنة الظهر بذلك التيمم جاز بلا خلاف تبعا للفريضة: قال على هذا الأصل ينبغي أن
يقال من نسي العشاء فذكرها وقت الظهر قضاها وقضى الوتر قولا واحدا وإنما القولان في
قضاء الوتر إذا فعل العشاء في وقتها وهذا الذي قاله في الوتر فيه نظر ولا أعلم من وافقه عليه
والله أعلم *
(فرع) في مسائل تتعلق بنية التيمم إحداها في ضبط ما تقدم مختصرا فإذا نوي رفع الحدث
لم يصح تيممه على المذهب وفيه وجه وان نوى استباحة نافلة استباحها وما يتبعها من مس المصحف
وسجود تلاوة وغيره مما سبق دون الفرض هذا هو المذهب وفى وجه لا يصح تيممه وفى قول
يباح الفرض أيضا ولو نوى الفرض بلا تعيين فالمذهب أنه يباح أي فرض أراد وفى وجه لا يصح

(1) وهو ظاهر نصه في الأم قال الشافعي وان تيمم ينوى نافلة أو جنازة أو قراءة مصحف أو سجود قرآن أو سجود شكر لم يكن له ان يصلي به مكتوبة حتى ينوى بالتيمم المكتوبة اه‍ أذرعي
224

تيممه حتى يعين الفرض ولو نوى الصلاة فله النفل وحده على الأصح وقيل الفرض أيضا وقيل تيممه باطل
ولو نوى الفرض وحده استباحه والنفل قبله وبعده في الوقت وبعده وفى وجه لا يباح النفل وفى وجه
يباح في الوقت فقط وفى قول يباح بعد الفرض لا قبله ولو نواهما أبيحا كيف شاء وفى وجه لا يباح
النفل بعد الوقت (1) (الثانية) نوى استباحة فريضتين فوجهان مشهوران عند الخراسانيين وذكرهما من
العراقيين الدارمي أصحهما يصح تيممه وبه قطع جمهور العراقيين وهو نصه في البويطي كما سبق لأنه
نواها وغيرها فلغا الزائد: والثاني لا يصح لأنه نوى مالا يباح فلغت نيته فعلى الأول قال
الجمهور يصلي أيتهما شاء وهو نصه في البويطي وشذ الدارمي فقال يصلى الأولى فخصه بالأولى وليس
بشئ (2) (الثالثة) لو نوى فرض التيمم فوجهان مشهوران للخراسانيين أحدهما يصح كما لو نوى
المتوضئ فرض الوضوء قال الروياني فعلى هذا هو كالتيمم للنفل وأصحهما لا يصح قال امام
الحرمين والفرق أن الوضوء مقصود في نفسه ولهذا استحب تجديده بخلاف التيمم قال الرافعي
ولو نوى إقامة التيمم المفروض فهو كنية فرض التيمم فلا يصح في الأصح قال البغوي ولو نوى
فرض الطهارة ففيه الوجهان الأصح لا يصح وقال الماوردي لو نوى التيمم وحده أو الطهارة
وحدها لم يصح وقد سبق عن القاضي أبي الطيب أنه لو نوى الطهارة عن الحدث لم يصح والله
أعلم: (الرابعة) لو تيمم عن الحدث الأصغر غالطا ظانا أن حدثه الأصغر فكان جنبا أو عكسه صح
تيممه بلا خلاف عندنا وحكي القاضي أبو الطيب وغيره عن مالك وأحمد انه لا يصح واحتج
المزني والأصحاب بأن مقتضاهما واحد فلا أثر للغلط وأنكر الشيخ أبو محمد هذا في كتابه
الفروق وقال هذه العلة منتقضة بمن عليه فائتة ظنها الظهر فقضاها ثم بان أنها العصر فلا تجزئه
بالاتفاق وإن كان مقتضاهما واحدا قال والعلة الصحيحة أن الجنب ينوى بتيممه ما ينويه المحدث
وهو استباحة الصلاة فلا فرق * وأما الصلاة فيجب تعيينها فإذا نوى الظهر فقد نوى غير ما عليه

(1) هذا عجب لأنه لما حكي هذه المسألة في أعالي الصفحة قال في آخرها وطرد الرافعي فيه الوجه القائل بالمنع من النفل بعد خروج الوقت وليس بشئ ثم جزم هو بجريانه هنا في الصورة بعينها كما تراه اه‍ أذرعي
(2) قد يشهد لما قاله الدارمي نصه رضي الله عنه في الأم في باب النية في التيمم قال ولو تيمم فجمع بين صلوات فائتات أجزاه التيمم للأولى فيهن ولم يجره لغيرها اه‍ أذرعي
225

والمتيمم نوى ما عليه وذكر القاضي حسين عن الأصحاب انهم أنكروا على المزني هذه العلة وقالوا الصواب
التعليل بنحو ما ذكره الشيخ أبو محمد (1) وهذا الانكار على المزني فيه نظر والأظهر ان كلامه صحيح والفرق
بينه وبين الصلاة ظاهر هذا كله إذا كان غالطا فان تعمد فنوى الأكبر وعليه الأصغر أو عكسه
مع علمه ففي صحته وجهان حكاهما المتولي سبق مثلهما في باب نية الوضوء والأصح البطلان لتلاعبه
ولو أجنب في سفره ونسي جنابته وكان يتوضأ عند وجود الماء ويتيمم عند عدمه ثم ذكر جنابته
لزمه إعادة صلوات الوضوء، دون صلوات التيمم ذكره صاحب العدة وهو ظاهر على ما سبق
(الخامسة) تيمم لفائتة ظنها عليه فبان أن لا فائتة عليه لم يصح تيممه بخلاف ما لو توضأ لفائتة ظنها
فبان أن لا فائتة فإنه يصح وضوءه ولو تيمم لفائتة ظنها الظهر فبانت العصر لم يصح ولو توضأ لفائتة
ظنها الظهر فبانت العصر صح والفرق ما فرق به البغوي وغيره بأن التيمم يبيح ولا يرفع الحدث ونيته صادفت استباحة مالا يستباح والوضوء يرفع الحدث وإذا ارتفع استباح ما شاء قال البغوي
والمتولي والروياني لو ظن أن عليه فائتة ولم يتحققها فتيمم لها ثم تذكرها لم يجز أن يصليها بذلك
التيمم لان وقت الفائتة بالتذكر قال المتولي ولان المقصود من التيمم استباحة الصلاة وما لم يتحققها
لا يباح له فعلها وهذا التعليل فاسد فان فعلها مباح بل مستحب وقد أنكر عليهم الشاشي هذا
فحكاه ثم قال (2) وعندي في هذا نظر لأنه أمر بالتيمم لها لتوهم بقائها عليه فإذا تحقق بقاءها عليه
كان أولى بالاجزاء هذا كلامه وينبغي أن يكون في صحته وجهان كما سبق فيمن شك هل أحدث
فتوضأ محتاطا ثم بان أنه كان محدثا هل يصح وضوءه وقد يفرق بضعف التيمم والله أعلم * قال
المصنف رحمه الله *
[وإذا أراد التيمم فالمستحب أن يسمى الله عز وجل لأنه طهارة عن حدث فاستحب اسم
الله تعالى عليه كالوضوء ثم ينوى ويضرب بيديه على التراب ويفرق أصابعه فإن كان التراب ناعما
فترك الضرب ووضع اليدين جاز ويسمح بهما وجهه ويوصل التراب إلى جميع البشرة الظاهرة من

(1) نقل القاضي حسين عن الأصحاب الانكار على المزني العلة المذكورة صريح في عدم موافقته عليها وقد قال في أول المسألة واحتج المزني والأصحاب وذكر
العلة وحاصله ان قوله أولا والأصحاب ليس بجيد فكان يليق الاقتصار على نقلها عن المزني فقط أو ينبه على خلاف ما قاله القاضي اه‍ أذرعي
(2) هذا الذي قاله الشاشي قد وضعفه في الروضة الأرجح قول البغوي وقد سبق في مسألة الشاك في الحدث ما يؤيده وقد أشار هناك إلى ترجيحه اه‍ أذرعي
226

الوجه والى ما ظهر من الشعور ولا يجب إيصال التراب إلى ما تحت الحاجبين والشاربين والعذارين
والعنفقة ومن أصحابنا من قال يجب ذلك كما يجب ايصال الماء إليه في الوضوء والمذهب الأول
لان النبي صلى الله عليه وسلم وصف التيمم واقتصر على ضربتين ومسح وجهه بإحداهما ومسح
اليدين بالأخرى وبذلك لا يصل التراب إلى باطن هذه الشعور ويخالف الوضوء لأنه لا مشقة في
ايصال الماء إلى ما تحت هذه الشعور وعليه مشقة في ايصال التراب فسقط وجوبه ثم يضرب ضربة
أخري فيضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهور أصابع يده اليمني ويمرها على ظهر الكف فإذا
بلغ الكوع جعل أطراف أصابعه على حرف الذراع ثم يمر ذلك إلى المرفق ثم يدير بطن كفه إلى
بطن الذراع ويمره عليه ويرفع إبهامه فإذا بلغ الكوع أمر ابهام يده اليسرى على ابهام يده اليمني
ثم يمسح بكفه اليمني يده اليسرى مثل ذلك ثم يمسح احدى الراحتين بالأخرى ويخلل أصابعهما
لما روى أسلع رضي الله عنه قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أنا جنب فنزلت آية التيمم
فقال (يكفيك هكذا فضرب بكفيه الأرض ثم نفضهما ثم مسح بهما وجهه ثم أمرهما على لحيته ثم
أعادهما إلى الأرض فمسح بهما الأرض ثم ذلك إحداهما بالأخرى ثم مسح ذراعيه ظاهرهما وباطنهما)
والغرض مما ذكرناه النية ومسح الوجه ومسح اليدين بضربتين أو أكثر وتقديم الوجه
على اليد وسننه التسمية وتقديم اليمنى على اليسرى]
[الشرح] هذه القطعة يجمع شرحها مسائل (إحداها) حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم
وصف التيمم بضربتين صحيح تقدم بيانه وحديث أسلع غريب ضعيف رواه الدارقطني والبيهقي
باسناد ضعيف وفيه مخالفة لما في المهذب في اللفظ وبعض المعنى وهو أسلع بفتح الهمزة وبالسين
والعين المهملتين على وزن احمد وهو الأسلع بن شريك بن عوف التميمي خادم رسول الله صلى
الله عليه وسلم وصاحب راحلته والكف مؤنثة سميت بذلك لأنها تكف عن البدن أي تمنع
ما يقصده من ضربة ونحوها والكوع بضم الكاف وهو طرف العظم الذي يلي الابهام والرسغ هو
227

مفصل الكف وله طرفان وهما عظمان (الذي يلي الابهام كوع والذي يلي الخنصر كرسوع) ويقال
في الكوع كاع كبوع وباع والذراع تؤنث وتذكر والتأنيث أفصح والابهام مؤنثة وقد تذكر وسبق
بيانها في صفة الوضوء والراحة معروفة وجمعها راح (المسألة الثانية) يستحب التسمية في أول التيمم
لما ذكره المصنف وقوله لأنه طهارة عن حدث احتراز من الدباغ وغيره من ازالات النجاسات
وليس مراده بالقياس على الوضوء ان أحدا خالف في التيمم ووافق في الوضوء فألزمه ما يوافق
عليه بل مراده أن النص ورد في الوضوء فألحقنا التيمم به وتقدمت صفة التسمية وفروعها في باب
صفة الوضوء وظاهر اطلاق المصنف والأصحاب أنه يستحب التسمية لكل متيمم سواء كان حدثه
أصغر أم أكبر كما سبق في الغسل
(الثالثة) قوله ثم ينوى ويضرب يديه على التراب ويمسح وجهه
هكذا عبارة أكثر الأصحاب وقال الماوردي في الاقناع والغزالي في الخلاصة والشيخ نصر في الانتخاب
والشاشي في العمدة ينوى عند مسح وجهه واقتصروا على هذه العبارة وظاهرها أنه لا تجب النية
قبله كما في الوضوء وقال البغوي والرافعي يجب أن ينوي مع ضرب اليد على التراب ويستديم
النية إلى مسح جزء من الوجه قالا فلو ابتدأ النية بعد اخذ التراب أو نوى مع الضرب ثم عزبت
نيته قبل مسح شئ من الوجه لم يصح لان القصد إلى التراب وإن كان واجبا فليس بركن مقصود
وإنما المقصود منه نقل التراب فمسح الوجه هو المقصود فتجب النية عنده وحكي الرافعي فيما إذا
قارنت النية نقل التراب وعزبت قبل مسح شئ من الوجه وجها غريبا أنه يجزئه والله أعلم *
وأما قوله ويضرب يديه على التراب فإن كان ناعما فترك الضرب ووضع اليدين جاز فمتفق عليه
كذا صرح به أصحابنا ونص الشافعي على الضرب قال أصحابنا أراد إذا لم يعلق الغبار الا
بالضرب أو أراد التمثيل لا الاشتراط قال أصحابنا ولا يشترط اليد بل المطلوب نقل التراب سواء
حصل بيد أو خرقة أو خشبة أو نحوها ونص عليه الشافعي في الأم قال في الأم واستحب أن
يضرب بيديه جميعا والله أعلم * وأما قوله ويفرق أصابعه في ضربة مسح الوجه فكذا نص عليه
228

الشافعي في مختصر المزني وفى البويطي وكذا قاله جميع أصحابنا العراقيين وأطبقوا عليه في كتبهم
المشهورة وجعلوه مستحبا وكذا نقله عن جميع العراقيين جماعات منهم صاحب البيان وكذا
قاله جماعة من أصحابنا الخراسانيين قالوا وفائدة استحباب التفريق زيادة تأثير الضرب في إثارة الغبار
وليكون أسهل وأمكن في تعميم الوجه بضربة واحدة وقال أكثر الخراسانيين لا يفرق في ضربة
الوجه فان فرق ففي صحة تيممه وجهان وجه البطلان انه يصير ناقلا لتراب اليد قبل مسح الوجه
فان التراب الذي يحصل بين الأصابع لا يزول في مسح الوجه فيمنع انتقال تراب آخر وأحسن
البغوي من الخراسانيين في بيان المسألة فقال نص الشافعي أنه يفرق في الضربتين فقال بعض
أصحابنا لا يفرق في الأولى فان فرق فيها دون الثانية لم يصح مسح ما بين الأصابع لأنه مسح بتراب أخذ قبل
مسح الوجه وان فرق في الضربتين فوجهان (أحدهما) يجوز لأنه أخذ لليدين ترابا جديدا (والثاني) لا يجوز
لان بعض المأخوذ أولا بقي بين أصابعه فيصير كما لو كان على وجهه تراب فنقل إليه ترابا آخر من غير أن
ينفض الأول فإنه لا يجوز قال والمذهب عندي انه إذا فرق في الضربتين صح كما نص عليه ولا بأس بأخذ
تراب اليد قبل مسح الوجه حتى لو ضرب يديه على تراب فمسح بيمينه جميع وجهه وبيساره يمينه جاز
والترتيب واجب في المسح دون أخذ التراب هذا كلام البغوي والقائل بأنه لا يجوز التفريق في الأولى
مطلقا هو القفال واستبعد امام الحرمين والغزالي قوله وقالا هذا تضييق للرخصة قال الامام
هذا الذي قاله القفال غلو ومجاوزة حد وليس بالمرضى اتباع شعب الفكر ودقائق النظر في الرخص
وقد تحقق من فعل الشارع ما يشعر بالتسامح فيه قال ولم يوجب أحد من أئمتنا على من يريد
التيمم أن ينفض الغبار عن وجهه ويديه أولا ثم يبتدئ بنقل التراب إليهما مع العلم بأن المسافر
في تقلباته لا يخلو عن غبار يغشاه فليقتصر على أن ترك التفريق في الأولي ليس بشرط هذا كلام
الامام وقطع صاحب العدة بأنه لو فرق في الأولى دون الثانية جاز وقال الروياني قال القفال
نقل المزني تفريق الأصابع في الأولى قال القفال فصوبه جميع أصحابنا وعندي انه غلط في النقل ولم
229

يذكر الشافعي ذلك في الأولى إنما ذكره في الثانية قلت هذا اعتراف من القفال بمخالفته جميع
الأصحاب ودعواه غلط المزني باطلة من وجهين (أحدهما) أن التغليط لا يصار إليه وللكلام وجه
ممكن وهذا النقل له وجه كما سبق بيان فائدته (والثاني) أن المزني لم ينفرد بهذا بل قد وافقه في نقله
البويطي كما قدمته كذلك رأيته صريحا في كتاب البويطي رحمه الله وجمع الرافعي متفرق كلام
الأصحاب وأنا أنقله مختصرا قال روى المزني التفريق في الأولى فمن الأصحاب من غلطه منهم القفال
وصوبه الآخرون وهو الأصح ثم القائلون بالأول اختلفوا في أنه هل يجوز التفريق في الأولى
فجوزه الأكثرون قالوا وإن لم يفرق في الثانية أجزأه ذلك التراب الذي بين الأصابع لما بينها
وقال قائلون منهم القفال لا يصح تيممه ثم قال الرافعي بعد هذا: صحح الأصحاب رواية المزني
وهي المذهب هذا كلام الرافعي وإنما بسطت هذه المسألة وأطنبت فيها هذا الاطناب وإن كان
ما ذكرته مختصرا بالنسبة إليها لأني رأيت كثيرا من أكابر عصرنا ينتقصون صاحب المهذب
والتنبيه بقوله (يفرق في الضربة الأولى) وينسبونه إلى الشذوذ ومخالفة المذهب والأصحاب والدليل
وهذه أعجوبة من العجائب وحاصلها اعتراف صاحبها بعظيم من الجهالة ونهاية من عدم الاطلاع
وتسفيهه للأصحاب وكذبه عليهم بل على الشافعي فقد صح التفريق في الأولى عن الشافعي بنقل
امامين هما أجل أصحابه وأتقنهم باتفاق العلماء وهما البويطي والمزني وصح التفريق أيضا عن
جمهور الأصحاب والله يرحمنا أجمعين وأما قول المصنف (ويمسح بهما وجهه) فكذا عبارة الجمهور
وظاهرها أنه لا استحباب في البداءة بشئ من الوجه دون شئ وقد صرح جماعة من أصحابنا
باستحباب البداءة بأعلى الوجه منهم المحاملي في اللباب والرافعي وقال صاحب الحاوي مذهب
الشافعي أنه يبتدأ بأعلى وجهه كالوضوء قال ومن أصحابنا من قال يبدأ بأسفل وجهه ثم يستعلي
لأن الماء في الوضوء إذا استعلى به انحدر بطبعه فعم جميع الوجه والتراب لا يجري الا بامرار اليد
230

فيبدأ بأسفله ليقل ما يصير على أعلاه من الغبار ليكون أجمل لوجهه وأسلم لعينه والله أعلم * وأما
قوله (ويوصل التراب إلى جميع البشرة الظاهرة من الوجه والى ما ظهر من الشعر) فأراد بالبشرة
الظاهرة مالا شعر عليه واحترز به عن البشرة المستترة بالشعور وقوله والى ما ظهر من الشعر
يعني الشعر الذي يجب غسله في الوضوء كذا قال أصحابنا قالوا وفى ايصال التراب إلى ظاهر
ما خرج من اللحية عن الوجه القولان كالوضوء وأما قوله (لا يجب ايصال التراب إلى ما تحت
الحاجبين والشاربين والعذارين ومن أصحابنا من قال يجب والمذهب الأول) فكذا قاله أصحابنا
واتفقوا على أن الصحيح أنه لا يجب وقطع به القاضي حسين وامام الحرمين والغزالي والمتولي
والبغوي وآخرون وادعى امام الحرمين أنه لا خلاف فيه ودليل الوجهين مذكور في الكتاب
وقوله الحاجبين والشاربين والعذارين تمثيل والمراد الشعور التي يجب ايصال الماء إليها في الوضوء
وهي الثلاثة المذكورة والعنفقة ولحية المرأة والخنثى وأهداب العين وشعر الخدين سواء خفت
أم كثفت وكذا اللحية الخفيفة للرجل صرح به أصحابنا وحكم الشعر على الذراع حكم شعر الوجه
حكي الخلاف فيه في فتاوى القاضي حسين وجزم القاضي والبغوي بأنه لا يجب ايصال التراب
إلى ما تحته كما قالا في الوجه قال القاضي ولا يستحب ايصال التراب إلى البشرة التي تحت الشعر
الكثيف التي يستحب ايصال الماء إليها والله أعلم: وأما قوله ثم يضرب ضربة أخرى فيضع
بطون أصابع يده الخ فهذه الكيفية ذكرها الشافعي رحمه الله في مختصر المزني واتفق الأصحاب
على استحبابها وأشار الرافعي إلى حكاية وجه أنها لا تستحب بل هي وغيرها سواء وليس هذا
بشئ وإنما استحبها الشافعي والأصحاب لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد في مسح
اليدين على ضربة واحدة وثبت بالأدلة وجوب استيعاب اليدين فذكروا هذه الكيفية ليبينوا
صورة حصول الاستيعاب بضربة وذكر جماعات من الأصحاب أنهم أرادوا الجواب عن اعتراض
من قال الواجب مسح الكف فقط وأنه لا يتصور استيعاب الذراعين مع الكفين بضربة فبينوا
231

تصوره ولم يثبت في هذه الكيفية حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والحديث الذي ذكره
المصنف ليس فيه دلالة لها ولا هو ثابت كما سبق بيانه وذكر الغزالي أنها سنة ومراده أن السنة
لا يزيد على ضربتين ولا يتمكن من ذلك الا بهذه الكيفية فكانت سنة لكونها محصلة لسنة
الاقتصار على ضربة مع الاستيعاب قال الرافعي وزعم بعضهم أن هذه الكيفية منقولة عن فعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس هذا بشئ قال أصحابنا وكيف أوصل التراب إلى الوجه
واليدين بضربتين فأكثر بيده أو خرقة أو خشبة جاز ونص عليه في الأم كما سبق وأما قوله
(ثم يمسح احدى الراحتين بالأخرى ويخلل بين أصابعهما) فاتفق جمهور العراقيين على أنه سنة
ليس بواجب ونقله ابن الصباغ عن الأصحاب مطلقا هذا إذا كان فرق أصابعه في الضربتين أو في
الثانية اما إذا فرق في الأولى فقط وقلنا يجزيه فيجب التخليل وقال الخراسانيون والماوردي
في وجوب التخليل ومسح احدى الراحتين بالأخرى وجهان وقال البغوي ان قصد بامرار الراحتين
على الذراعين مسحهما حصل وإلا فلا والصحيح طريقة العراقيين قال العراقيون ويسقط فرض
الراحتين وما بين الأصابع حين يضرب اليدين على التراب قالوا فان قيل إذا سقط فرض الراحتين
صار التراب الذي عليهما مستعملا فكيف يجوز مسح الذراعين به ولا يجوز نقل الماء الذي
غسلت به احدى اليدين إلى الأخرى فالجواب من وجهين أحدهما أن اليدين كعضو
واحد ولهذا جاز تقديم اليسار على اليمين ولا يصير التراب مستعملا إلا بانفصاله والماء ينفصل عن
اليد المغسولة فيصير مستعملا: الثاني انه يحتاج إلى هذا هاهنا فإنه لا يمكنه ان يتم الذراع بكفها
بل يفتقر إلى الكف الأخرى فصار كنقل الماء من بعض العضو إلى بعضه وهذان الجوابان ذكرهما
ابن الصباغ وغيره وهما مشهوران في كتب العراقيين ونقل صاحب البيان وجها انه يجوز نقل الماء
من يد إلى أخرى لأنهما كيد فعلى هذا يسقط السؤال *
(فرع) إذا كان يجري احدى اليدين على الأخرى فرفعها قبل استيعاب العضو ثم أراد أن يعيدها
للاستيعاب فوجهان حكاهما امام الحرمين وغيره أحدهما لا يجوز لان الباقي على الماسحة صار بالفصل
232

مستعملا: والثاني يجوز قال وهو الأصح لان المستعمل هو الباقي على الممسوح وأما الباقي على الماسحة
فهو في حكم التراب الذي يضرب عليه اليد مرتين
(فرع) وأما قول المصنف والواجب من ذلك النية ومسح الوجه واليدين بضربتين فصاعدا
وترتيب اليد على الوجه وسننه التسمية وتقديم اليمنى على اليسرى ففيه نقص قال أصحابنا أركان التيمم
ستة متفق عليها وهي النية ومسح الوجه واليدين وتقديم الوجه على اليدين والقصد إلى الصعيد ونقله
وثلاثة مختلف فيها أحدها الموالاة وفيها ثلاث طرق: المذهب أنها سنة ليست بواجبة ونقدم
بيانها في صفة الوضوء والثاني الترتيب في نقل التراب للوجه واليدين وفيه وجهان حكاهما الرافعي
وغيره أصحهما لا يجب فله ان يأخذ التراب بيديه جميعا ويمسح بيمينه وجهه وبيساره يمينه وهذا هو
الذي اختاره البغوي كما سبق: والثاني يجب تقديم النقل للوجه قبل النقل لليد: والثالث استيفاء
ضربتين قطع المصنف وسائر العراقيين وجماعة من الخراسانيين بأنه واجب هذا هو المعروف من مذهب
الشافعي ولم يذكر أكثر الخراسانيين ذلك في الواجبات ولا تعرضوا له وقال الرافعي قد تكرر لفظ الضربتين
في الأحاديث فجرت طائفة من الأصحاب على الظاهر فقالوا لا يجوز ان ينقص منهما وقال آخرون الواجب
ايصال التراب إلى الوجه واليدين سواء كان بضربة أو أكثر قال وهذا أصح لكن يستحب أن لا يزيد
على ضربتين ولا ينقص وفيه وجه انه يستحب ضربة للوجه وضربة لليد اليمنى وثالثة لليسرى
والأول هو المشهور هذا كلام الرافعي في الشرح وقطع في كتابه المحرر بأن الضربتين سنة والمعروف
ما قدمته: فهذه الواجبات المتفق عليها والمختلف فيها وقد استوفى المصنف المتفق عليه فان قيل فلم
يذكر القصد إلى الصعيد وهو أحد الأركان الستة قلنا بلى ذكره في الفصل الذي بعد هذا ولم يستوعب
بهذه العبارة جميع الفروض بل قال الفرض مما ذكرناه والقصد ليس مما ذكره والله أعلم:
وأما
السنن فكثيرة إحداها التسمية (الثانية) تقديم اليد اليمنى على اليسرى: (الثالثة) الموالاة على المذهب
(الرابعة) أن يبدأ بأعلى وجهه على الأصح وقيل بأسفله كما سبق (الخامسة) أن يمسح احدى الراحتين
233

بالأخرى ويخلل الأصابع على الصحيح وقيل يجبان كما سبق (السادسة أن لا يزيد على ضربتين
قال المحاملي في اللباب والروياني الزيادة على مسحة للوجه ومسحة لليدين مكروهة وحكي
الرافعي وجها انه يستحب تكرار المسح كالوضوء وليس بشئ لان السنة فرقت بينهما ولان في تكرار
الغسل زيادة تنظيف بخلاف التيمم (السابعة) ان يخفف التراب المأخوذ وينفخه إذا كان كثيرا
بحيث يبقى قدر الحاجة وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة ان النبي صلى الله عليه وسلم نفخ في يديه
بعد أخذ التراب ونص عليه الشافعي والأصحاب وقال صاحب الحاوي نص في القديم انه يستحب
ولم يستحبه في الجديد فقال بعض أصحابنا فيه قولان: القديم يستحب والجديد لا يستحب وقال
آخرون على حالين إن كان كثيرا نفخ وإلا فلا (الثامنة) ان يديم يده على العضد لا يرفعها حتى
يفرغ من مسحه وفى هذا وجه انه واجب وقد سبق (التاسعة) ان يستقبل القبلة كالوضوء
(العاشرة) امرار التراب على العضد تطويلا للتحجيل كما سبق في الوضوء وليخرج من خلاف من
أوجبه وممن صرح باستحبابه المتولي والبغوي ونقله صاحب البحر عن الأصحاب وحكي الرافعي
وجها ضعيفا أنه لا يستحب (الحادية عشرة) ينبغي ان يستحب بعده النطق بالشهادتين كما
سبق في الوضوء والغسل وربما دخل في السنن بعض ما سأذكره إن شاء الله تعالى في فرع
المسائل الزائدة
(فرع) يجب الترتيب في تيمم الجنابة كما يجب في تيمم الحدث الأصغر فيمسح وجهه ثم يديه
وإن كان لا يجب الترتيب في غسل الجنابة: قال الشيخ أبو محمد والفرق ان الترتيب إنما يظهر في
المحلين المختلفين ولا يظهر في المحل الواحد فالبدن في الغسل شئ واحد فصار كعضو من أعضاء
الوضوء واما الوجه واليدان في التيمم فمحلان مختلفان والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[قال في الأم فان أمر غيره حتى يممه ونوى هو جاز كما يجوز في الوضوء وقال ابن القاص
لا يجوز قلته تخريجا: وقال في الأم وان سفت عليه الريح ترابا عمه فأمر يديه على وجهه لم يجزه لأنه
234

لم يقصد الصعيد وقال القاضي أبو حامد هذا محمول عليه إذا لم يقصد فأما إذا صمد للريح فسفت عليه
التراب أجزأه وهذا خلاف المنصوص]
[الشرح] في الفصل مسألتان إحداهما إذا يممه غيره باذنه ونوى الآمر إن كان معذورا
كأقطع ومريض وغيرهما جاز بلا خلاف وإن كان قادرا فوجهان الصحيح والمنصوص جوازه
كالوضوء وبهذا قال جمهور الأصحاب: والثاني لا يجوز وهو قول ابن القاص وقوله قلته تخريجا هو
من كلام ابن القاص وإنما قال هذا لان عادته في كتابه التلخيص ان يذكر المسائل التي نص
عليها الشافعي ويقول عقبه قاله نصا وإذا قال شيئا غير منصوص وقد خرجه هو قال قلته تخريجا
وهذه المسألة خرجها من التي بعدها وهي مسألة الريح: وابن القاص بتشديد الصاد المهملة هو
أبو العباس وقد ذكرت حاله في أبواب المياه: أما إذا يممه غيره بغير أمره وهو مختار ونوى فهو كما
لو صمد في الريح قاله امام الحرمين والغزالي وغيرهما وهو واضح: (المسألة الثانية) إذا ألقت عليه
الريح ترابا استوعب وجهه ثم يديه فإن لم يقصدها لم يجزه بلا خلاف وان قصدها وصمد لها ففيه خلاف
مشهور حكاه الأصحاب وجهين وحقيقته قولان أحدهما لا يصح وهو الصحيح نص عليه في الأم وهو
قول أكثر أصحابنا المتقدمين وقطع به جماعات من المتأخرين وصححه جمهور الباقين ونقله امام الحرمين
عن الأئمة مطلقا قال والوجه الآخر ليس معدودا من المذهب: والثاني يصح وهو قول القاضي
أبي حامد واختيار الشيخ أبي حامد الأسفرايني قال الروياني في كتابيه البحر والحلية واختاره الحليمي
والقاضي أبو الطيب وجماعة قال وهو الاختيار والأصح (1) وحكاه صاحب التتمة قولا قديما
والمذهب الأول وصورة المسألة إذا قصد ثم وقع عليه التراب فلو وقع عليه ثم قصد لم يجزه بلا خلاف
وهذا وإن كان ظاهرا يفهم من كلام المصنف فلا يضر ايضاحه وقوله (ترابا عمه) هو بالعين المهملة
أي استوعبه هذا هو المشهور المعروف وذكره أبو القاسم ابن البزدي وغيره بالغين المعجمة أي غطاه وهو
صحيح أيضا وبمعنى الأول لكن الأول أجود وقوله (صمد) هو بالصاد والميم على وزن قصد وبمعناه
والله أعلم *

(1) وهو الذي حكاه ابن كج عن النص مقتصرا عليه اه‍ أذرعي
235

(فرع) إذا كان على بعض أعضائه تراب فتيمم به نظر ان أخذه من غير أعضاء التيمم ومسحها
به جاز بلا خلاف نص عليه الشافعي والأصحاب كما لو أخذه من الأرض وإن كان على وجهه فردده
عليه ومسحه به لم يجزه بلا خلاف لعدم النقل وان أخذه من الوجه ومسح به يديه أو أخذه من اليد ومسح
به الوجه فوجهان أصحهما هو نصه في الأم جوازه لوجود النقل ولو أخذه من الوجه ففصله ثم رده إليه
أو أخذه من اليد ففصله ثم رده إليها فطريقان حكاهما صاحب التهذيب وغيره أصحهما على الوجهين
والثاني لا يجوز وجها واحدا (1) لأنه ليس بنقل حقيقي ولو تمعك في التراب فوصل وجهه ويديه
إن كان لعذر كالأقطع وغيره جاز بلا خلاف والا فوجهان الصحيح جوازه صححه الأصحاب ونقله
الروياني عن نصه في الأم قال امام الحرمين الوجه القطع بالجواز قال ولا أرى للخلاف وجها لان
الأصل قصد التراب وقد حصل ولو مد يده فصب غيره فيها ترابا أو ألقت الريح ترابا
على كمه فمسح به وجهه أو أخذه من الهواء فمسح به فوجهان الأصح جوازه صححه الروياني
والرافعي وغيرهما *
(فرع) في مسائل تتعلق بما سبق (إحداها) ينبغي أن يمسح وجهه بالتراب ولا يقتصر على وضعه
عليه فان ضرب يده على التراب ثم وضعها على وجهه ولم يمرها فقد قال البغوي والرافعي يجوز
على أصح الوجهين كما قلنا في مسح الرأس وقطع الشيخ أبو محمد في الفروق والمتولي بأنه لا يجزيه قال
المتولي بخلاف الوضوء فان الماء إذا وضع على العضو يحس به ويسيل والتراب لا يتعدى فيتحقق
وصول الماء جميع العضو ولا يتحقق في التراب الا بامرار اليد قال حتى لو لم يتحقق وصول الماء
وجب الامرار ولو تحقق وصول التراب بأن كان كثيرا صح تيممه: (2) (الثانية) قال
القاضي حسين والبغوي (3) إذا أحدث المتيمم بعد أخذه التراب: وعليه الاخذ وقبل المسح بطل ذلك
الاخذ بخلاف ما لو أحدث بعد أخذ الماء قبل غسل الوجه فإنه لا يضره لان المطلوب في الوضوء الغسل لا نقل
الماء وهنا المطلوب نقل التراب وأما إذا يممه غيره فقال القاضي يجب أن ينوى الآمر (4) عند ضرب

(1) وحكاه الامام عن والده وضعفه بأنه إذا عبق باليد فقد انقطع حكم الوجه عنه فهو الآن تراب على اليد اه‍ أذرعي
(2) هذا الفرق فيه نظر والحق ما قاله البغوي والرافعي فان مأخذ الخلاف أن الوضع من غير امرار هل يسمي مسحا اه‍ أذرعي
(3) هذا ما قاله القاضي حسين في تعليقه لكن قال في فتاويه ان الآمر ينوى عند المسح لا عند الضرب وكذا نقله العجل عن فتاويه أيضا مقتصرا اه‍ أذرعي
(4) قد تقدم في أول الفرع قبله انه لو كان على يده تراب فمسح به الوجه أو عكسه أجزأه على الأصح فإذا نوى النقل هنا أجزأه لأنه مثله اه‍ أذرعي
236

المأمور يده على الأرض فلو أحدث أحدهما بعد النية والضرب لم يضر بل يجوز أن يمسح بعد ذلك بخلاف
ما لو أخذ التراب بنفسه ثم أحدث فإنه يبطل الاخذ لان هناك وجد هيئة القصد الحقيقي فصار كما
لو استأجر رجلا ليحج عنه ثم جامع المستأجر في مدة احرام الأجير فإنه لا يفسد الحج قال الرافعي هذا الذي
قاله القاضي مشكل وينبغي أن يبطل بحدث الآمر (1) (الثالثة) إذا ضرب يده على تراب على بشرة امرأة
أجنبية فإن كان التراب كثيرا يمنع التقاء البشرتين صح تيممه وإلا فلا كذا قاله القاضي حسين
ونحوه في التهذيب وغيره لان الملامسة حدث قارن النقل وهو ركن فصار كمقارنته مسح الوجه
وقال المتولي أخذه لوجهه صحيح ولا يضر اللمس معه لان العبادة هي المسح لا الاخذ فان أخذ
بعد ذلك ليديه بطل مسح وجهه لأنه أحدث قال الرافعي قول القاضي هو الوجه (الرابعة) إذا كانت يده نجسة
فضربها على تراب طاهر ومسح بها وجهه جاز على أصح الوجهين وبه قطع البغوي والروياني وقد تقدمت
المسألة في باب الاستطابة ولا يصح مسح اليد النجسة بلا خلاف كما لا يصح غسلها في الوضوء مع بقائها نجسة
ولو تيمم ثم وقعت عليه نجاسة فقال امام الحرمين لا يبطل تيممه قطعا وقال المتولي فيه وجهان كما لو تيمم ثم ارتد
لأنها تمنع إباحة الصلاة والصواب قول الإمام: ولو تيمم قبل الاجتهاد في القبلة ففي صحته وجهان كما لو تيمم
وعليه نجاسة ذكره في البحر ولو تيمم مكشوف العورة صح بالاتفاق وقد ذكرناه في باب الاستطابة
(الخامسة) قال أصحابنا إذا قطعت يده من بعض الساعد وجب مسح ما بقي من محل الفرض فان قطع من فوق
المرفق فلا فرض عليه ويستحب أن يمس الموضع ترابا كما سبق في الوضوء حتى قال البندنيجي والمحاملي لو قطع
من المنكب استحب أن يمسح المنكب كما قلنا في الوضوء وبهذا اللفظ نص عليه الشافعي في الأم: قال العبدري
هذا الذي ذكرناه من استحباب غسل موضع القطع فوق المرفق في الوضوء ومسحه بالتراب في التيمم
هو مذهبنا ومذهب مالك وزفر واحمد وداود وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يجب غسله في
الوضوء ومسحه في التيمم: دليلنا أنه فات محل الوجوب قال أصحابنا وكل ما ذكرناه في الوضوء
من الفروع في قطع اليد وزيادة الكف والإصبع وتدلى الجلدة يجيئ مثله في التيمم قال الدارمي
لو انقطعت أصابعه وبقيت متعلقة باليد فهل ييممها فيه وجهان: (قلت) قياس المذهب القطع

(1) وهذا الذي قاله الرافعي هو الحق والفرق ضعيف فان الميمم يجب عليه النية عند اخذ ميممه التراب فإذا نوى فقد قصد العبادة ودخل فيها بأخذ ميممه التراب والمحجوج عنه ليس كذلك بوجه ما اه‍ أذرعي
237

بوجوب التيمم ولو لم يخلق له مرفق استظهر حتى يعلم: قال أصحابنا ولو كان في إصبعه خاتم فلينزعه
في ضربة اليدين ليدخل التراب تحته: قال صاحب العدة وغيره ولا يكفيه تحريكه بخلاف الوضوء لأن الماء
يدخل تحته بخلاف التراب: (السادسة) يتصور تجديد التيمم في حق المريض والجريح ونحوهما ممن
يتيمم مع وجود الماء إذا تيمم وصلى فرضا ثم أراد نافلة ويتصور في حق من لا يتيمم الا مع عدم الماء إذا
تيمم وصلى فرضا ولم يفارق موضعه وقلنا لا يجب الطلب ثانيا وهل يستحب التجديد في هذين الموضعين فيه
وجهان حكاهما الشاشي المشهور لا يستحب وبه قطع القفال والقاضي حسين وامام الحرمين والغزالي
والمتولي والبغوي والروياني وآخرون لأنه لم ينقل فيه سنة ولا فيه تنظيف واختار الشاشي استحبابه كالوضوء
(السابعة) اتفق أصحابنا على أن يشترط ايصال الغبار إلى جميع بسرة اليد من أولها إلى المرفق
فان بقي شئ من هذا لم يمسه غبار لم يصح تيممه وزاد الشافعي هذا بيانا فقال في الأم لو ترك من وجهه
أو يديه قدرا يدركه الطرف أولا يدركه لم يمر عليه التراب لم يصح تيممه وعليه إعادة كل صلاة
صلاها كذلك ونقل امام الحرمين هذا عن الأصحاب ثم قال وهذا مشكل فان الضربة الثانية
التي لليدين إذا ألصقت ترابا بالكفين فالظاهر أنه يصل ما لصق بالكف إلى مثل سعتها من
الساعدين ولست أظن ذلك الغبار ينبسط على الساعدين ظهرا وبطنا ثم على ظهور الكفين
وقد ورد الشرع بالاقتصار على ضربتين وهذا مشكل جدا فلا يتجه الا مسلكان (أحدهما) المصير
إلى القوم القديم وهو الاكتفاء بمسح الكفين: (والثاني) أن نوجب إثارة الغبار ثم نكتفي بايصال
جرم اليد مسحا إلى الساعدين من غير تكليف بسط التراب في عينه والذي ذكره الأصحاب أنه
يجب ايصال التراب إلى جميع محل التيمم يقينا فان شك وجب ايصال التراب إلى موضع الشك
حتى يتيقن انبساط التراب على جميع المحل ونحن نقطع بأن هذا ينافي الاقتصار على ضربة واحدة
لليدين فالذي يجب اعتقاده أن الواجب استيعاب المحل بالمسح باليد المغبرة من غير ربط الفكر
بانبساط الغبار وهذا شئ أظهرته ولم أر بدا منه وما عندي أن أحدا من الأصحاب يسمح بأن
238

لا يجب بسط التراب على الساعدين هذا كلام امام الحرمين وهذا الذي اختاره ظاهر
والله أعلم
(فرع) مذهبنا أنه يجب ايصال التراب إلى جميع البشرة الظاهرة من الوجه والشعر الظاهر
عليه قال العبدري وبه قال أكثر العلماء وعن أبي حنيفة روايات إحداها كمذهبنا وهي التي
ذكرها الكرخي في مختصره والثانية ان ترك قدر درهم منه لم يجزه ودونه يجزيه والثالثة ان ترك
دون ربع الوجه أجزأه وإلا فلا والرابعة ان مسح أكثره وترك الأقل منه أو من الذراع
أجزأه وإلا فلا حكاه الطحاوي عنه وعن أبي يوسف وزفر وحكى ابن المنذر عن سليمان بن داود
أنه جعله كمسح الرأس دليلنا بيان النبي صلى الله عليه وسلم وقد استوعب الوجه والقياس على الوضوء
والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[ولا يجوز التيمم للمكتوبة الا بعد دخول وقتها لأنه قبل دخول الوقت مستغن عن التيمم
كما لو تيمم مع وجود الماء فان تيمم قبل دخول الوقت لفائتة فلم يصلها حتى دخل الوقت ففيه
وجهان قال أبو بكر ابن الحداد يجوز أن يصلى به الحاضرة لأنه تيمم وهو غير مستغن عن التيمم
فأشبه إذا تيمم للحاضرة بعد دخول وقتها ومن أصحابنا من قال لا يجوز لأنها فريضة تقدم التيمم
على وقتها فأشبه إذا تيمم لها قبل دخول الوقت] *
[الشرح] شروط صحة التيمم أربعة (أحدها) كون المتيمم أهلا للطهارة وقد سبق بيانه في
باب نية الوضوء: (الثاني) كون التراب مطلقا وقد سبق بيانه: (الثالث) أن يكون المتيمم معذورا
بفقد الماء أو العجز عن استعماله وسيأتي بيانه في الفصول بعده (الرابع) أن يكون التيمم بعد دخول
الوقت واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أن التيمم للمكتوبة لا يصح الا بعد دخول
وقتها قال أصحابنا سواء كان التيمم للعجز عن استعمال الماء بسبب عدمه أو لمرض أو جراحة وغير
ذلك ولو أخذ التراب على يديه قبل الوقت (1) ومسح بهما وجهه في الوقت لم يصح بل يشترط الاخذ

(1) قد تقدم ان النقل من اليدين إلى الوجه وعكسه كاف على أصح الوجهين فقياسه هذا إذا أخذه قبل الوقت ثم دخل الوقت وقصد النقل من اليدين إلى الوجه أجزأه على الأصح كما تقدم ويكون قصد النقل من اليدين إلى الوجه استئناف للنقل وهذا واضح اه‍ أذرعي
239

في الوقت كما يشترط المسح فيه لأنه أحد أركان التيمم فأشبه المسح: صرح به البغوي وغيره قال
أصحابنا فلو خالف وتيمم لفريضة قبل وقتها لم يصح لها بلا خلاف ولا يصح أيضا للنافلة على الصحيح
المشهور المنصوص في البويطي وقال صاحب التتمة وغيره في صحة تيممه للنفل وجهان بناء
على القولين فيمن أحرم بالظهر قبل الزوال هل تنعقد صلاته نفلا ونقل الشاشي هذا الخلاف
عن بعض الأصحاب ثم قال هذا خلاف نصه في البويطي ويخالف الصلاة فإنه أحرم بها معتقدا
دخول وقتها فانعقدت نفلا وهنا تيمم عالما بعدم دخول الوقت فلم يصح * واعلم أن قولهم لا يصح التيمم
قبل الوقت معناه قبل الوقت الذي تصح فيه تلك الصلاة فلو جمع بين الظهر والعصر في وقت
الظهر وتيمم للعصر بعد سلامه من الظهر صح لان هذا وقت فعلها هذا إذا قلنا بالمذهب الصحيح
المشهور أنه يجوز الجمع بين الصلاتين للتيمم ولا يضر الفصل بالتيمم وفيه وجه لأبي إسحاق المروزي انه لا
يصح الجمع بسبب الفصل وليس بشئ ولو تيمم وصلى الظهر ثم تيمم ليضم إليها العصر فدخل وقت العصر
قبل أن يشرع فيها فقد حكى صاحب البحر عن والده أنه قال اجتهادا لنفسه يبطل الجمع ولا يصح
هذا التيمم للعصر لوقوعه قبل وقتها مع بطلان الجمع وقطع الرافعي بهذا وفيه احتمال ظاهر ويجوز
أن يخرج جواز فعلها بهذا التيمم على الوجهين في التيمم لفائتة قبل وقت الحاضرة هل تباح به
الحاضرة ويمكن الفرق بأنه في مسألة الفائتة صح تيممه لما نوى واستباحه فاستباح غيره بدلا وهنا
لم يستبح ما نوى على الصفة التي نوى فلم يستبح غيره أما إذا أراد الجمع في وقت العصر فتيمم
للظهر في وقت الظهر فإنه يصح لأنه وقتها ولو تيمم فيه للعصر لم يصح لأنه لم يدخل وقتها ذكره
الروياني وهو ظاهر قال أصحابنا والفائتة وقتها بتذكرها فلا يصح التيمم لها الا إذا تذكرها فلو
شك هل عليه فائتة فتيمم لها ثم بان أن عليه فائتة فقد سبق في آخر فصل نية التيمم أن المشهور
انه لا يصح تيممه والله أعلم * أما إذا تيمم لمكتوبة في أول وقتها وأخر الصلاة إلى أواخر الوقت
فصلاها بذلك التيمم فإنه يصح على المذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي وقطع
240

به جمهور الأصحاب في الطرق كلها قالوا وكذا يجوز ان يصليها بذلك التيمم بعد خروج الوقت
وهذا بشرط ألا يفارق موضعه ولا يتجدد ما يتوهم بسببه حصول ماء وحكي الماوردي
والروياني والشاشي فيه وجهين الأصح المنصوص هذا والثاني قول ابن سريج والاصطخري أنه
يلزمه تعجيل الصلاة عقب التيمم ولا يؤخر الا قدر الأذان والإقامة والتنفل بما هو من مسنونات
فرضه فان أخر عن هذا بطل تيممه لأنها طهارة ضرورة فلزم تعجيلها كطهارة المستحاضة والمذهب
الأول لان حدث المستحاضة يتجدد بعد الطهارة بخلاف المتيمم اما إذا تيمم شاكا في دخول
الوقت فبان انه كان قد دخل فلا يصح تيممه لعدم شرطه وهو العلم بالوقت حال التيمم صرح به
الماوردي وآخرون وقد سبقت هذه القاعدة وأمثلتها في باب مسح الخف اما إذا تيمم لفائتة فلم
يصلها حتى دخل وقت فريضة حاضرة فهل له ان يصلى بذلك التيمم تلك الحاضرة
فيه وجهان مشهوران في الطريقتين وقد ذكر المصنف دليلهما قال ابن الحدادي يجوز وهو الصحيح عند
الأصحاب والثاني لا يجوز قاله الشيخ أبو زيد المروزي وأبو عبد الله الخضري بكسر الحاء واسكان الضاد
المعجمتين ولو تيمم للظهر في وقتها ثم تذكر فائته فهل له أن يصلي به الفائتة فيه طريقان مشهوران (أحدهما) انه
على الوجهين (والثاني) القطع بالجواز والفرق ان الفائتة واجبة في نفس الامر حال التيمم بخلاف
الحاضرة في المسألة الأولى ووافق أبو زيد والخضري على الجواز هنا ونقل القاضي أبو الطيب في شرح الفروع
اتفاق الأصحاب على الجواز هنا ولو تيمم لفائتة ثم تذكر قبل قضائها فائتة أخري فقال القفال في
شرح التلخيص اتفق الأصحاب على أن له ان يصلي بهذا التيمم الفائتة التي تذكرها ونقل
البغوي فيه الخلاف فقال يجوز على ظاهر المذهب وعلى الوجه الآخر لا يجوز وهذا الذي نقله
البغوي متعين ولو تيمم لفريضة في وقتها ثم نذر صلاة فهل له أن يصلى بهذا التيمم المنذورة
بدل المكتوبة فيه الوجهان حكاهما الروياني وغيره هذا كله تفريع على المذهب وهو ان تعيين الفريضة
لا يشترط في صحة التيمم فان شرطناه لم يصح التيمم لغير ما عينه هذا كله في التيمم للمكتوبة * أما
النافلة فضربان مؤقتة وغيرها فغيرها يتيمم لها متى شاء الا في الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها
فإنه لا يتيمم فيها لنافلة لا سبب لها فان خالف وتيمم لها فقد نص الشافعي رحمه الله في البويطي انه
لا يصح تيممه ولا يستبيح به النافلة بعد خروج وقت النهى وبهذا قطع أكثر الأصحاب لأنه تيمم
241

قبل الوقت وقال القاضي حسين والمتولي في صحة تيممه وجهان بناء على انعقاد هذه الصلاة في
وقت النهي وحكي هذا الخلاف الروياني والشاشي وضعفاه ولو تيمم قبل وقت الكراهة ثم دخل
لم يبطل تيممه بلا خلاف فإذا زال وقت الكراهة صلى به وأما النافلة المؤقتة فعبارة المصنف هنا
وفى التنبيه تشعر بأنه لا يشترط في التيمم لها دخول الوقت وصرح جمهور الخراسانيين بأنه لا يصح
التيمم لها الا بعد دخول وقتها قال الرافعي وهذا هو المشهور في المذهب وحكي امام الحرمين
والغزالي وجهين أحدهما هذا والثاني يجوز قبل وقتها لان أمرها أوسع من الفرائض ولهذا أجيز
نوافل بتيمم واحد فإذا قلنا بالمشهور احتجنا إلى بيان أوقات النوافل فوقت سنن المكتوبات
والوتر والضحى والعيد معروف في مواضعها ووقت الكسوف بحصول الكسوف والاستسقاء
باجتماع الناس لها في الصحراء وتحية المسجد بدخوله والخلاف جار في جميع النوافل المؤقتة من
الرواتب وغيرها وفى عبارة الغزالي ايهام اختصاصه بالرواتب فلا يغتر به والله أعلم * وفى وقت
التيمم لصلاة الجنازة وجهان مشهوران أصحهما وأشهرهما أنه يدخل بغسل الميت لأنها ذلك الوقت
تباح وتجزئ وبهذا قطع امام الحرمين والغزالي في كتبه الثلاثة والبغوي وصاحب العدة والثاني
بالموت لأنه السبب وبهذا قطع الغزالي في الفتاوى وصححه الشاشي قال القاضي حسين والمستحب
أن يتيمم بعد التكفين لان الصلاة قبل التكفين تكره وإن كانت جائزة ولو لم يجد ماء يغسل
به الميت وقلنا بالأصح انه لا يصح التيمم لها الا بعد غسله وجب أن ييمم الميت أولا ثم يتيمم
هو للصلاة عليه وهذا مما يسأل عنه فيقال شخص لا يصح تيممه حتى ييمم غيره والله أعلم
(فرع) إذا تيمم لنافلة في وقتها استباحها وما شاء من النوافل ولا يستبيح به الفرض على المذهب
والمنصوص في الأم وفيه القول الضعيف الذي سبق أن الفرض يباح بنية النفل فعلى هذا الضعيف
يصلى به الفريضة ان تيمم في وقتها وإن كان قبله فعلى الوجهين فيمن تيمم لفائتة ثم دخل وقت حاضرة فأرادها
به هكذا نقله امام الحرمين عن حكاية الشيخ أبي على السنجي قال الامام وهذا بعيد جدا فان
تيممه للفائتة استعقب جواز فعل الفائتة به ثم دام امكان أداء فرض به حتى دخل وقت الفريضة
وهنا لم يستعقب تيممه إن كان أداء فرض اما إذا تيمم لنفل قبل الزوال وهو ذاكر فائتة فتيممه
يصلح للفائتة على القول الضعيف فلو زالت الشمس فأراد الظهر به بدلا عن الفائتة ففيه الوجهان
242

(فرع) هذا الذي ذكرناه من أن التيمم لمكتوبة لا يصح الا بعد دخول وقتها هو مذهبنا
ومذهب مالك وأحمد وداود وجمهور العلماء وقال أبو حنيفة يجوز قبل الوقت واحتجوا بالقياس
على الوضوء ومسح الخف وإزالة النجاسة ولأنه وقت يصلح للمبدل فصلح للبدل كما بعد دخول
الوقت واحتج أصحابنا بقول الله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا: إلى قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا)
فاقتضت الآية انه يتوضأ ويتيمم عند القيام خرج جواز تقديم الوضوء بفعل النبي صلى الله عليه
وسلم والاجماع بقي التيمم على مقتضاه ولأنه يتيمم وهو مستغن عن التيمم فلم يصح كما لو تيمم ومعه
ماء فان قالوا ينتقض بالتيمم في أول الوقت فإنه مستغن وإنما يحتاج في أواخر الوقت قلنا بل هو
محتاج إلى براءة ذمته من الصلاة واحراز فضيلة أول الوقت ولأنها طهارة ضرورة فلم تصح قبل الوقت
كطهارة المستحاضة فقد وافقوا عليها قال امام الحرمين في الأساليب ثبت جواز التيمم بعد الوقت
فمن جوزه قبله فقد حاول اثبات التيمم المستثنى عن القاعدة بالقياس وليس ما قبل الوقت في معنى ما بعده
والجواب عن قياسهم على الوضوء انه قربة مقصودة في نفسها ترفع الحدث بخلاف التيمم فإنه ضرورة
فاختص بحال الضرورة كأكل الميتة ولان التيمم لإباحة الصلاة ولا تباح الصلاة قبل الوقت والجواب
عن مسح الخف انه رخصة وتخفيف فلا يضيق باشتراط الوقت يدل على أنه رخصة للتخفيف جوازه
مع القدرة على غسل الرجل والتيمم ضرورة ولهذا لا يجوز مع القدرة على استعمال الماء والجواب عن
إزالة النجاسة انها طهارة رفاهية فالتحقت بالوضوء بخلاف التيمم وقولهم يصلح للمبدل فصلح للبدل
ينتقض بالليل فإنه يصلح لعتق الكفارة دون بدلها وهو الصوم وينتقض بيوم العيد فإنه يصلح
لنحر هدى التمتع دون بدله وهو الصوم قال الدارمي قال أبو سعيد الإصطخري لا نناظر الحنفية في
هذه المسألة لأنهم خرقوا الاجماع فيها والله أعلم *
(فرع) ذكر المصنف أبا بكر ابن الحداد وهذا أول موضع ذكره * وهو محمد بن أحمد القاضي
صاحب الفروع من نظار أصحابنا ومتقدميهم في العصر والمرتبة والتدقيق تفقه على أبي إسحاق
المروزي وكان عارفا بالعربية والمذهب وانتهت إليه امامة أهل مصر في زمنه توفى سنة خمس وأربعين
وثلاثمائة رحمه الله * قال المصنف رحمه الله *
[ولا يجوز التيمم بعد دخول الوقت الا لعادم الماء أو الخائف من استعماله فاما الواجد فلا يجوز
243

له التيمم لقوله صلى الله عليه وسلم (الصعيد الطيب وضوء المسلم ما لم يجد الماء) فان وجد الماء وهو
محتاج إليه للعطش فهو كالعادم لأنه ممنوع من استعماله فأشبه إذا وجد ماء وبينهما سبع] *
[الشرح] هذا الحديث صحيح سبق بيانه في أول الباب من رواية أبي ذر رضي الله عنه
ومذهبنا ومذهب مالك والجمهور انه لا يجوز التيمم مع وجود ماء يقدر على استعماله ولا يحتاج إليه
لعطش ونحوه سواء خاف خروج الوقت لو توضأ أم لا وسواء صلاة العيد والجنازة وغيرهما وحكي
البغوي وجها انه إذا كان معه ماء وخاف فوت وقت الصلاة لو اشتغل بالوضوء صلى بالتيمم لحرمة
الوقت ثم يتوضأ ويعيد الصلاة وهذا الوجه شاذ ليس بشئ وحكي العبدري مثله عن الأوزاعي
والثوري و رواية عن مالك وقال أبو حنيفة يجوز التيمم لصلاة العيد والجنازة مع وجود الماء إذا
خاف فوتهما وحكي هذا عن الزهري والأوزاعي والثوري وإسحاق ورواية عن أحمد واحتجوا
بان النبي صلى الله عليه وسلم اقبل من نحو بئر جمل فسلم عليه رجل فلم يرد عليه السلام حتى تيمم
بالجدار ثم رد عليه وهو صحيح سبق بيانه وروى البيهقي وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما انه
تيمم وصلى على جنازة وعن ابن عباس رضي الله عنهما في رجل تفجأه جنازة قال يتيمم ويصلي عليها
قالوا ولأنها يخاف فوتها فأشبه العادم واحتج أصحابنا بقول الله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا وبالحديث
المذكور في الكتاب وبأحاديث كثيرة مصرحة بان التيمم لا يجوز مع وجود الماء وبالقياس على غيرهما
من الصلوات وبالقياس على الجمعة إذا خاف فوتها وهذا قياس الشافعي فان قالوا الجمعة تنتقل إلى
بدل فلا تفوت من أصلها قلنا لا نسلم بل تفوت الجمعة بخروج وقتها وقد نقل الشيخ أبو حامد وغيره
الاجماع على أنها تفوت بخروجه والجنازة لا تفوت بل يصليها على القبر إلى ثلاثة أيام بالاجماع ويجوز
بعدها عندنا وبالقياس على من هو عار وفى بيته ثوب لو ذهب إليه فاتتا وبالقياس على إزالة النجاسة
والجواب عن الحديث من وجهين أحدهما انه يحتمل انه تيمم لعدم الماء والثاني جواب القاضي أبي الطيب
وصاحب الحاوي والشيخ نصر وغيرهم ان الطهارة للسلام ليست بشرط فخف أمرها بخلاف الصلاة
واما الأثران عن ابن عمر وابن عباس فضعيفان وقولهم يخاف فوتهما ينتقض بالجمعة والله أعلم * هذا
حكم واجد الماء الذي لا يخاف من استعماله ولا يحتاج إليه لعطش فأما الخائف فسيأتي حكمه إن شاء الله
تعالى واما من يحتاج إليه للعطش فهو كالعادم فيتيم مع وجوده وهذا لا خلاف فيه نقل ابن المنذر
244

وغيره الاجماع عليه واتفق أصحابنا على أنه إذا احتاج إليه لعطش نفسه أو رفيقه أو حيوان محترم
من مسلم أو أمي أو مستأمن أو بهيمة جاز التيمم بلا إعادة قال أصحابنا ويحرم عليه الوضوء في هذه الحالة
وقد نبه المصنف على هذا بقوله (لأنه ممنوع من استعماله) يعني انه ممنوع من استعماله شرعا منع تحريم ولا فرق
بين أن يدفعه إلى المحتاج هبة أو بعوض صرح به الغزالي في الخلاصة وصاحبا التتمة والتهذيب وآخرون
ولو كان محتاجا إليه لعطشه فآثر به محتاجا لعطشه وتيمم جاز ولا إعادة بخلاف ما لو آثره لوضوئه فإنه يعصي
ويعيد على تفصيل سنذكره إن شاء الله تعالى والفرق ان الحق في الطهارة متمحض لله تعالى فلا يجوز تفويته
وأما الشرب فمعظم المطلوب منه حق نفسه والايثار في حظوظ النفوس من عادة الصالحين وقد صرح
الأصحاب بالمسألة في كتاب الأطعمة وسنزيدها ايضاحا هناك إن شاء الله تعالى وممن ذكرها
هنا الشيخ أبو محمد والغزالي في البسيط أما إذا كان الحيوان غير محترم كالحربي والمرتد والخنزير والكلب
وسائر الفواسق الخمس المذكورة في الحديث وما في معناها فلا يجوز صرف الماء إلى سقيها
بالاتفاق بل يجب الوضوء به فان سقاها وتيمم اثم ولزمه الإعادة ان تيمم مع بقاء الماء وإن كان
بعد السقي فهو كإراقة الماء سفها وسيأتي حكمها حيث ذكره المصنف إن شاء الله تعالى
وأما العطش المبيح للتيمم فقال امام الحرمين والغزالي في البسيط القول فيه كالقول في
الخوف المعتبر في المرض وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى ثم اتفق أصحابنا على أنه لا فرق
بين عطشه في الحال وثاني الحال فله تزود الماء إذا احتاج إليه للعطش قدامه بلا خلاف
قال الجمهور وكذا لو خشي عطش رفيقه أو حيوان محترم فليتزود ويتيمم ولا إعادة
عليه وحكي امام الحرمين عن والده انه كأن يقول يتزود لعطش رفيقه كما ذكرنا قال الامام وفي
هذا نظر قال الرافعي الظاهر الذي اتفق عليه الجمهور انه يتزود لرفيقه كنفسه فلا فرق
بين الروحين قال المتولي لو كان يرجو وجود الماء في غده ولا يتحققه فهل له التزود فيه وجهان
قلت الأصح الجواز لحرمة الروح قال المتولي ولا نأمر العطشان أن يتوضأ بالماء ثم يجمعه ويشربه
لان النفس تعافه قال الرافعي كان والدي يقول ينبغي أن يلزمه ذلك إذا أمكن ولا يجوز التيمم
قال وما ذكره والدي يجئ وجها في المذهب لان أبا على الزجاجي والماوردي وآخرين ذكروا
في كتبهم أن من معه ماء طاهر وآخر نجس وهو عطشان يشرب النجس ويتوضأ بالطاهر فإذا
245

أمروا بشرب النجس ليتوضأ بالطاهر فأولى أن يؤمر بالوضوء ويشرب المستعمل قلت (1)
هذا الذي حكاه الرافعي عن هؤلاء مشكل وقد حكاه الشاشي في كتابيه عن الماوردي ثم ضعفه
واختار أنه يشرب الطاهر ويتيمم وهذا هو الصواب فيشرب الطاهر ويكون وجود النجس
كالعدم فإنه لا يحل شربه الا إذا عدم الطاهر وقولهم إنه بدخول الوقت صار مستحقا
للطهارة لا يسلم فإنما يستحق للطهارة إذا لم يحتج إليه وهذه المسألة مفروضه فيما إذا عطش بعد
دخول الوقت أما إذا عطش قبله فيشرب الطاهر ويحرم شرب النجس بلا خلاف صرح به
الماوردي وهو واضح
(فرع) قال أصحابنا لو كان معه ماء لا يحتاج إليه للعطش لكن يحتاج إلى ثمنه في نفقته
ومؤنة سفره جاز التيمم صرح به القاضي حسين والمحاملي في اللباب والمتولي والروياني
(فرع) إذا ازدحم جمع على بئر لا يمكن الاستقاء منها الا بالمناوبة لضيق الموقف أو لاتحاد
آلة الاستقاء ونحو ذلك فإن كان يتوقع وصول النوبة إليه قبل خروج الوقت لم يجز التيمم وان
علم أنها لا تصل إليه الا بعد خروج الوقت فقد حكي جمهور الخراسانيين عن الشافعي رحمه الله
أنه نص على أنه يصبر ليتوضأ بعد الوقت وانه نص فيما لو حضر جمع من العراة وليس معهم الا ثوب
يتناوبونه وعلم أن النوبة لا تصل إليه الا بعد الوقت أنه يصبر ولا يصلى عاريا ولو اجتمعوا في
سفينة أو بيت ضيق وهناك موضع يسع قائما فقط نص أنه يصلى في الحال قاعدا واختلفوا في هذه
النصوص على طريقين أظهرهما وهي التي قال بها الشيخ أبو زيد المروزي وقطع بها صاحب
الإبانة ونقلها عن الأصحاب مطلقا أن المسائل كلها على قولين أظهرهما يصلى في الوقت بالتيمم
وعاريا وقاعدا لأنه عاجز في الحال والقدرة بعد الوقت لا تؤثر كما لو كان مريضا عاجزا عن القيام
واستعمال الماء في الوقت ويغلب على ظنه القدرة بعده فإنه يصلى في الوقت قاعدا وبالتيمم فعلى هذا
القول لا إعادة عليه في المسائل كلها كالمريض وكر امام الحرمين احتمالا في وجوب الإعادة
على المصلى قاعدا لندوره وذكر البغوي في وجوب الإعادة عليهم كلهم قولين وقال أصحهما
تجب كالعاجز الذي معه ماء لا يجد من يوضئه فإنه يتيم ويصلى ويعيد والمذهب الصحيح
المشهور ما قدمته أنه لا إعادة عليهم لأنهم عاجزون في الحال وجنس عذرهم غير نادر بخلاف

(1) قلت قال المحاملي في كتابه اللباب في باب الأشربة وقال في حرملة إذا وجد ماء طاهرا ونجسا واحتاج إلى الطهارة توضأ بالطاهر وشرب النجس فهذا نص صاحب المذهب وهو يرتفع عن التصويب وقد نقله عن النص الشيخ أبو حامد في الرونق أيضا اه‍ أذرعي
246

ما قاس عليه البغوي والقول الثاني من أصل المسألة يصبر إلى ما بعد الوقت لأنه ليس عاجزا
مطلقا والطريق الثاني تقرير النصوص والفرق بان أمر القيام أسهل من الوضوء والستر ولهذا
جاز تركبه في النافلة مع القدرة ولم يجز فيها العرى والتيمم مع القدرة على الستر والماء وهذا الفرق
مشهور قاله القفال والأصحاب وضعفه امام الحرمين بأن القيام ركن في الفريضة فلا ينفع تخفيف
أمره في النفل قال الرافعي وللفارق أن يقول ما كان واجبا في الفرض والنفل أهم مما وجب في أحدهما
هذا هو المشهور في حكاية النصوص وقال جماعة كثيرة من الأصحاب لا نص للشافعي في مسألة
البئر ونص في الأخريين على ما سبق فمنهم من نقل وخرج قولين في المسألتين ومنهم من قرر
النصين وفرق بوجهين أحدهما ما سبق والثاني أن للقيام بدلا وهو القعود بخلاف الستر وبهذا
الطريق قطع المصنف في آخر باب ستر العورة والشيخ أبو حامد والشيخ أبو محمد في الفروق
والقاضي حسين والبغوي قال الرافعي وهؤلاء ألحقوا مسألة البئر بمسألة السفينة وقالوا يتيمم في الحال
واعلم أن امام الحرمين والغزالي رحمهما الله أجريا الخلاف الذي في هذه المسألة فيما إذا لاح للمسافر
الماء ولا عائق عنه لكن ضاق الوقت وعلم أنه لو اشتغل به لخرج الوقت والله أعلم ونقل القاضي
أبو الطيب اتفاق الأصحاب على أنه لو كان معه ثوب نجس ومعه ماء يغسله به ولكن لو اشتغل
بغسله لخرج الوقت لزمه غسله وان خرج الوقت ولا يصلى عاريا كما لو كان معه ماء يتوضأ به
أو يغترفه من بئر ولا مزاحم له لكن ضاق الوقت بحيث لو اشتغل بالوضوء خرج الوقت
وصارت صلاته قضاء فإنه لا يصلى بالتيمم بل يشتغل بالوضوء *
(فرع) قال الشافعي في الأم والأصحاب رحمهم الله لو كان في سفينة في البحر ولا يقدر على
الماء ولا على الاستقاء تيمم وصلى ولا إعادة عليه لأنه عادم *
(فرع) قال أصحابنا لو عدم الماء ووجد بئرا فيها ماء لا يمكنه النزول إليه الا بمشقة شديدة
وليس معه ما يدليه الا ثوبه أو عمامته لزمه ادلاؤه ثم يعصره إن لم تنقص قيمة الثوب أكثر من ثمن
الماء فان زاد النقص على ثمن الماء تيمم ولا إعادة وان قدر على استئجار من ينزل إليها بأجرة المثل
لزمه ولم يجز التيمم والا جاز بلا إعادة ولو كان معه ثوب ان شقه نصفين وصل الماء
والا لم يصل فإن كان نقصه بالشق لا يزيد على الأكثر من ثمن الماء وثمن آلة الاستقاء لزمه
247

شقه ولم يجز التيمم والا جاز بلا إعادة *
(فرع) قال الماوردي لو عدم الماء وعلم أنه لو حفر موضعه وصل الماء فإن كان يحصل
بحفر قريب لا مشقة فيه وجب الحفر ولم يجز التيمم والا جاز بلا إعادة *
(فرع) لو وجد المسافر خابية ماء مسبل على الطريق لم يجز أن يتوضأ منه بل يتيمم
ويصلى ولا إعادة لان المالك وضعه للشرب لا للوضوء ذكره أبو عاصم العبادي ثم صاحب
التتمة ونقله صاحب البحر عن الأصحاب قال أبو عاصم وغيره ويجوز الشرب منه للغنى
والفقير والله أعلم *
[فرع في مسائل ذكرها القاضي حسين هنا في تعليقه ولها تعلق بمسألة خوف العطش] قال:
إذا كان معه دابة من حمار وغيره لزمه أن يحصل لها الماء لعطشها وكذا إذا كان معه كلب
محترم ككلب صيد وغيره فان وجد من يبعه الماء له بثمن مثله لزمه شراؤه وإن لم يبيعه الا بأكثر
من ثمن مثله لزمه أيضا شراؤه وهل تلزمه الزيادة على ثمن المثل فيه وجهان أحدهما تلزمه لأنه عقد
صدر من أهله فهو كما لو باعه غير الماء بأضعاف ثمنه والثاني لا تلزمه لأنه كالمكره على هذه الزيادة
لوجوب الشراء عليه فإن لم يبعه صاحبه ولم يكن محتاجا إليه جاز لصاحب الكلب أن يكابره عليه ويأخذه منه
قهرا لكلبه ودابته كما يأخذه لنفسه فان كابره فاتى الدفع على نفس صاحب الماء كان دمه هدرا وان أتي على
صاحب الكلب كان مضمونا قال ولو احتاج كلبه إلى طعام ومع غيره شاة فهل له أن يكابره عليها لكلبه فيه
وجهان أحدهما نعم كالماء والثاني لا لان للشاة حرمة أيضا لأنها ذات روح ومتى كان صاحبه محتاجا إليه
لا يجوز مكابرته بحال فلو كان صاحبه يحتاج إليه في المنزل الثاني وهناك من يحتاج إليه في المنزل الأول
فوجهان أحدهما صاحبه أولى لأنه مالكه والثاني المحتاج أولى لتحقق حاجته في الحال ولو كان
معه ثوب لا يحتاج إليه وغيره محتاج فهو كالماء على ما سبق فإن كان الأجنبي يحتاج إليه لستر العورة
للصلاة لزمه شراؤه بثمن المثل ولا يلزمه بالزيادة وإن كان يحتاج إليه للبرد فباعه بأكثر من ثمن
المثل ففي لزوم الزيادة الوجهان وإن لم يبعه فحكم مكابرته حكم الماء هذا كلام القاضي * قال
المصنف رحمه الله *
[ولا يجوز لعادم الماء أن يتيمم الا بعد الطلب لقوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) ولا
248

يقال لم يجد الا بعد الطلب ولأنه بدل أجيز عند عدم المبدل فلا يجوز فعله الا بعد ثبوت العدم
كالصوم في الكفارة لا يفعله حتى يطلب الرقبة ولا يصح الطلب الا بعد دخول الوقت لأنه إنما يطلب
ليثبت شرط التيمم وهو عدم الماء فلم يجز في وقت لا يجوز فيه فعل التيمم والطلب أن ينظر عن يمينه
وشماله وأمامه ووراءه فإن كان بين يديه حائل من جبل أو غيره صعده ونظر حواليه وإن كان
معه رفيق سأله عن الماء] *
[الشرح] في الفصل مسائل إحداها لا يجوز لعادم الماء التيمم الا بعد طلبه هذا مذهبنا وبه
قال مالك وداود وهو رواية عن أحمد وقال أبو حنيفة ان ظن بقربه ماء لزمه طلبه وإلا فلا واحتج
له بأنه عادم للأصل فانتقل إلى بدله كما لو عدم الرقبة في الكفارة ينتقل إلى الصوم واحتج أصحابنا
بقوله تعالى (فلم تجدوا) قال الشافعي والأصحاب لا يقال لم يجد الا لمن طلب فلم يصب فأما من
لم يطلب فلا يقال لم يجد ونقلوا هذا عن أهل اللغة قالوا ولهذا لو قال لوكيله اشتر لي رطبا فإن لم
تجد فعنبا لا يجوز أن يشترى العنب قبل طلب الرطب وبالقياس على الرقبة في الكفارة والهدى
في التمتع فإنه لا ينتقل إلى بدلهما الا بعد طلبهما في مظانهما وبالقياس على الحاكم فإنه لا ينتقل إلى
القياس الا بعد طلب النص في مظانه ولأنه شرط من شروط الصلاة قد يصادف بالطلب فوجب
طلبه كالقبلة: وأما قياسهم على الرقبة فرده أصحابنا وقالوا لا ينتقل إلى الصوم الا بعد طلب الرقبة
في مظانها والله أعلم * (المسألة الثانية) هذا الذي أطلقه المصنف من القطع بوجوب الطلب بكل
حال هو الذي أطلقه العراقيون وبعض الخراسانيين وقال جماعات من الخراسانيين ان تحقق
عدم الماء حواليه لم يلزمه الطلب وبهذا قطع امام الحرمين والغزالي وغيرهما واختاره الروياني ومنهم
من ذكر فيه وجهين: قال الرافعي أصح الوجهين في هذه الصورة أنه لا يجب الطلب: قال امام الحرمين
إنما يجب الطلب إذا توقع وجود الماء توقعا قريبا أو مستبعدا فان قطع بان لا ماء هناك بأن يكون في بعض
رمال البوادي فيعلم بالضرورة استحالة وجود ماء لم نكلفه التردد لطلبه لان طلب ما يعلم استحالة وجوده
محال ثم هذا الذي ذكره هؤلاء هو فيما إذا تيقن أن لا ماء هناك فاما إذا ظن العدم ولم يتيقنه فيجب الطلب
بلا خلاف عند جميعهم وصرحوا كلهم به الأصحاب الا بانة فإنه حكي فيه وجهين وأنكرهما امام الحرمين
249

عليه وقال لست أثق بهذا النقل وأنما الوجهان في التيمم الثاني كما سنذكره إن شاء الله تعالى (الثالثة)
قال أصحابنا لا يصح الطلب الا بعد دخول الوقت ودليله ما ذكره المصنف فان طلب وهو شاك
في دخول الوقت ثم بان انه وافق الوقت لم يصح طلبه صرح به الماوردي وآخرون كما قلنا في
التيمم نفسه وكما لو صلى شاكا في الوقت أو إلى جهة بغير اجتهاد فوافق فإنه لا يصح وقد سبقت
هذه القاعدة في فرع في باب مسح الخف فان قيل إذا طلب قبل الوقت فدخل الوقت ولم يفارق
موضعه ولا تجدد ما يحتمل وجود ماء كان طلبه ثانيا عبثا فالجواب ما أجاب به صاحب الشامل
وغيره انه إنما يتحقق عدم وجود ماء إذا كان ناظرا إلى مواضع الطلب ولم يتجدد فيها شئ وهذا
يكفيه في الطلب بعد دخول الوقت * والله أعلم *
(فرع) لو طلب في أول الوقت وأخر التيمم فتيمم في آخر الوقت جاز ما لم يحدث ما يوجب
تجديد الطلب صرح به البغوي والروياني والشاشي وصاحب البيان وآخرون (الرابعة) في صفة
الطلب قال أصحابنا أول الطلب أن يفتش رحله ثم ينظر حواليه يمينا وشمالا وقداما وخلفا ولا يلزمه
المشي أصلا بل يكفيه نظره في هذه الجهات وهو في مكانه هذا إن كان الذي حواليه لا يستتر
عنه فإن كان بقربه جبل صغير ونحوه صعده ونظر حواليه إن لم يخف ضررا على نفسه أو ماله الذي
معه أو المخلف في رحله فان خاف لم يلزمه المشي إليه قال الشافعي في البويطي (وليس عليه أن يدور
في الطلب لان ذلك أكثر ضررا عليه من اتيان الماء في الموضع البعيد وليس ذلك عليه عند
أحد) هذا نصه بحروفه وهكذا ذكر الطلب الأصحاب في الطريقتين كما ذكرته وحكى امام الحرمين
هذا عن صاحب التقريب ثم حكى عن شيخه أنه يتردد قليلا قال الامام وليس بينهما اختلاف
عندي بل ذلك يختلف باختلاف الأرض فنضبطه ونقول لا يلزمه أن يبعد عن منزل الرفقة
نصف فرسخ ولا نقول لا يفارق الخيام بل يطلب من موضع لو انتهي إليه واستغاث بالرفقة
لم يبعد عنه غوثهم مع ما هم عليه من تشاغلهم بأقوالهم ويختلف باختلاف الأرض
واستوائها فان وصله نظره كفى والا تردد قليلا وتابع الغزالي وغيره الامام في هذا الضبط قال
الرافعي بعد حكايته كلام الامام هذا الضبط لا يوجد لغير الامام لكن الأئمة بعده تابعوه عليه
250

وليس في الطرق ما يخالفه (قلت) بل قد خالفه الأصحاب فان ضبطهم الذي حكيته أولا يخالف
ضبطه والله أعلم * هذا كله إذا لم يكن معه رفقه فإن كان وجب سؤالهم إلى أن يستوعبهم أو يضيق
الوقت فلا يبقى الا ما يسع تلك الصلاة هذا هو المذهب الصحيح المشهور وبه قطع البغوي وغيره
وفى وجه إلى أن يبقى من الوقت ما يسع ركعة حكاه صاحبا التتمة والبحر وفى وجه ثالث يستوعبهم
وان خرج الوقت حكاه الرافعي وهو والذي قبله ضعيفان قال أصحابنا وله أن يطلب بنفسه وله
أن يوكل ثقة عنده يطلب له سواء فيه الطلب بالنظر في الأرض والطلب من الرفقة قال أصحابنا
ولا يجب ان يطلب من كل واحد بعينه بل ينادى فيهم من معه ماء من يجود بالماء أو نحو هذه العبارة قال
البغوي وغيره لو قلت الرفقة لم يلزم الطلب من كل واحد بعينه قال أصحابنا ولو بعث النازلون
واحدا يطلب لهم أجزأ عنهم كلهم ولا فرق في جواز التوكيل في الطلب بين المعذور وغيره هذا
هو المذهب الصحيح المشهور وحكى الخراسانيون وجها أنه لا يجوز التوكيل في الطلب الا لمعذور
قال المتولي هذا الوجه مبنى على الوجه السابق أنه إذا يممه غيره بلا عذر لم يصح وهذا الوجه
شاذ ضعيف وكذا المبنى عليه ولو طلب له غيره بغير اذنه لم يجزه بلا خلاف قال صاحب الحاوي
والطلب من الرفقة معتبر بالمنزل الذي فيه رفقته وليس عليه طلبه في غير المنزل المنسوب إلى
منزله فيسأل من فيه من أهله وغير أهله بنفسه أو بمن يصدقه عن الماء معهم أو في منزلهم فمن أخبره
عن الماء بالمنزل لم يعتمده إلا أن يكون ثقة ومن أخبره أن لا ماء بيده عمل بقوله وإن كان فاسقا
لأنه إن لم يكن صادقا فهو مانع قال أصحابنا فإذا علم أن مع أحد الرفقة ماء وجب استيهابه فان وهب
له وجب قبوله هذا هو الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور ونقله المحاملي والبغوي وغيرهما
عن نص الشافعي وفيه وجه أنه لا يلزمه قبول الهبة حكاه المتولي وآخرون من الخراسانيين وصاحب
البيان وهو شاذ مردود إذ لا منة فيه ووجه ثالث أنه يجب قبول الهبة لكن لا يجب الاستيهاب
حكاه الشيخ أبو حامد والمحاملي وامام الحرمين والغزالي والمتولي والبغوي وغيرهم لصعوبة السؤال على أهل
المروءة كما لا يجب استيهاب ثمن الرقبة في الكفارة والمذهب الأول لأنه لا منة بالماء في العادة بخلاف الرقبة
ولهذا لو وهبت الرقبة ابتداء لم يجب قبولها بخلاف الماء هذا كله فيمن أراد التيمم ولم يسبق له طلب
251

فإن كان سبق له طلب وتيمم وأراد تيمما آخر لبطلان الأول بحدث أو غيره أو لفريضة أخرى أو
لغير ذلك فهل يحتاج إلى إعادة الطلب ينظر فان احتمل ولو على ندور حصول الماء بان انتقل
من موضع التيمم أو طلع ركب أو سحابة أو نحو ذلك وجب الطلب بلا خلاف على حسب ما تقدم
فكل موضع تيقن بالطلب الأول أن لا ماء فيه ولم يحتمل حدوث ماء فيه لهذا السبب لا يجب الطلب
منه على أصح الوجهين عند الخراسانيين والذي ظن أن لا ماء فيه يجب الطلب منه بلا خلاف الا
على الوجه الشاذ الذي قدمناه عن صاحب الإبانة: وأما إذا لم يحتمل حدوث ماء ولم يفارق
موضعه فإن كان تيقن بالطلب الأول أن لا ماء فحكمه ما سبق أنه لا يلزمه الطلب على الأصح عند
الخراسانيين وإن لم يتيقنه بل ظن العدم فإنه يكفي لك في الأول فهل يحتاج في الثاني إلى إعادة
الطلب: فيه وجهان مشهوران للخراسانيين أصحهما عند امام الحرمين وغيره يحتاج وبه قطع البغوي
وهو مقتضى اطلاق العراقيين بل صرح به جماعة منهم كالشيخ أبي حامد والماوردي لأنه قد يحصل
ماء من بئر خفيت أو بدلالة شخص فعلى هذا قال امام الحرمين والبغوي وغيرهما يكون الطلب
الثاني أخف من الأول ولا يجب أن يطلب ثانيا من رحله لأنه علم أن لا ماء فيه علم إحاطة قال
الشيخ أبو حامد وإذا طلب ثانيا وصلى ثم حضرت صلاة أخرى وجب الطلب لها ثالثا
وهكذا كلما حضرت صلاة قال ولو كان عليه فوائت تيمم للأولى ولا يجوز التيمم للثانية الا
بعد طلب ثان (1) وكذا يجب أن يطلب للثالثة وما بعدها قال وكذا إذا أراد الجمع بين الصلاتين
طلب للثانية وهذا الذي قاله فيه نظر
(فرع) يجوز الجمع بين الصلاتين للمتيمم وإذا أوجبنا الطلب ثانيا لا يضر التفريق به بين
الصلاتين لأنه خفيف وفيه وجه مشهور عن أبي إسحاق المروزي أنه لا يجوز الجمع للمتيمم لحصول
الفصل بالطلب وهو ضعيف في المذهب والدليل قال القاضي أبو الطيب وغيره لأنه إذا جاز
الفصل بينهما بالإقامة وليست بشرط فالتيمم الذي هو شرط أولى قالوا ولأنا لا نكلفه في الطلب
إلا أن يقف موضعه ويلتفت عن جوانبه وهذا لا يؤثر في الجمع * والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في طلب الماء * قد ذكرنا أن مذهبنا وجوب الطلب إذا عدم الماء

(1) وينبغي ان يحمل هذا الكلام إلى آخره على أنه في كل مرة لا يحصل له يقين العدم بل غلبة الظن فعلى هذا لا اشكال فيه الا ان يقال أنه قطع بالوجه القائل بالطلب تعبدا وان تيقن العدم وهذا بعيد اه‍ أذرعي
252

سواء رجاه أو توهمه وبه قال مالك وداود وهو رواية عن أحمد وقال أبو حنيفة أن ظن وجوده
بقربه لزمه وإلا فلا * قال المصنف رحمه الله *
[فان بذله له لزمه قبوله لأنه لا منة عليه في قبوله وان باعه منه بثمن المثل وهو واجد للثمن
غير محتاج إليه لزمه شراه كما يلزمه شراء الرقبة في الكفارة والطعام للمجاعة فإن لم يبذل له وهو
غير محتاج إليه لنفسه لم يجز أن يكابره على أخذه كما يكابره على طعام يحتاج إليه للمجاعة وصاحبه
غير محتاج إليه لان الطعام ليس له بدل وللماء بدل] *
[الشرح] قوله (باعه منه) صحيح وقد عده بعض الناس في لحن الفقهاء وقال لا يقال باع منه
إنما يقال باعه وليس كما قال بل هما جائزان وقد أوضحته في تهذيب الأسماء بدلائله وشواهده
والشرى والشراء لغتان مقصور بالياء وممدود بالألف والمجاعة بفتح الميم هي المخمصة وهي شدة
الجوع وهذه القطعة تشتمل على ثلاث مسائل (إحداها) إذا وهب له الماء لزمه قبوله هذا هو
الصحيح المنصوص وبه قطع الأصحاب في الطرق وحكي صاحب التتمة والبيان وغيرهما وجها انه
لا يلزمه كما لا يلزمه قبول الرقبة للكفارة وهذا ليس بشئ لأن الماء لا يمن به في العادة بخلاف
الرقبة ولو وهب له ثمن الماء لم يلزمه قبوله بالاتفاق ونقل امام الحرمين الاجماع فيه ثم الصحيح
المشهور انه لا فرق بين هبة الأجنبي والقريب وذكر الدارمي وجماعة ان هبة الأب لابنه ثمن الماء
وعكسه في وجوب قبولها وجهان كقبول المال ليحج به وأما هبة آلة الاستقاء فكهبة ثمن الماء
ذكره القاضي حسين وامام الحرمين والغزالي والمتولي والبغوي وآخرون وأما اعارتها فقطع
الجمهور بوجوب قبولها مطلقا وهو الصحيح فعلى هذا هل يلزمه طلب العارية فيه الوجهان السابقان
في استيهاب الماء ذكره الامام والغزالي وغيرهما أصحهما يجب وانفرد الماوردي فقال يلزمه الاستعارة
إن كان ثمن الآلة قدر ثمن الماء فإن كان أكثر فوجهان أحدهما لا يلزم لأنها قد تتلف فيضمنها
(والثاني) يلزم لأن الظاهر سلامتها والله أعلم * (المسألة الثانية) إذا وجد الماء يباع بثمن مثله وهو
واجد للثمن غير محتاج إليه لزمه شراؤه بلا خلاف ودليله ما ذكره المصنف وفى ثمن المثل ثلاثة أوجه
مشهورة عند الخراسانيين (أحدها) انه أجرة نقله إلى الموضع الذي هذا المشترى فيه ويختلف ذلك ببعد
253

المسافة وقربها وعلى هذا قال الرافعي يجوز أن يعتبر الوسط المقتصد ويجوز ان يعتبر الحد الذي يسعى إليه
المسافر عند تيقن الماء فان ذلك الحد لو لم يقدر على السعي إليه بنفسه وقدر على بذل أجرة لمن ينقل له الماء منه
لزمه (والوجه الثاني) يعتبر ثمن مثله في ذلك الموضع في غالب الأوقات فان الشربة الواحدة في وقت
عزة الماء يرغب فيها بدنانير فلو كلفناه شراه بقيمته في الحال لحقه المشقة والحرج وبهذا الوجه
قطع الشيخ أبو حامد والبندنيجي والماوردي والقاضي أبو الطيب والمحاملي وصاحب الشامل
وحكوه عن أبي إسحاق المروزي واختاره الروياني والوجه الثالث يعتبر ثمن مثله في ذلك الموضع
في تلك الحالة فان ثمن المثل يعتبر حالة التقويم وهذا الثالث هو الصحيح عند جمهور الأصحاب
وبه قطع الدارمي وجماعة من العراقيين ونقله صاحب البيان عن الشيخ أبي حامد ونقله امام
الحرمين عن الأكثرين قال والوجه الأول بناه قائلوه على أن الماء لا يملك وهو وجه سخيف
قال والوجه الثاني أيضا ليس بشئ قال وعلى طريقة الأكثرين الأقرب أن يقال لا يعتبر ثمن
الماء عند الحاجة إلى سد الرمق فان ذلك لا ينضبط وربما رغب في الشربة حينئذ بدنانير ويبعد
في الرخص والتخفيفات أن توجب ذلك على المسافر ولكن يعتبر الزمان والمكان من غير
انتهاء الأمر إلى سد الرمق وأما الغزالي رحمه الله فانفرد عن الأصحاب فاختار الوجه الأول قال
الرافعي ولم نر أحدا اختاره غيره وغير من تابعه * والله أعلم * أما إذا لم يبع الماء الا بأكثر من ثمن المثل
فلا يلزمه شراه بلا خلاف لكن الأفضل أن يشتريه صرح به جماعة منهم أبو عبد الله الزبيري في كتابه
الكافي قال أصحابنا وسواء كثرت الزيادة على ثمن المثل أو قلت لا يلزمه الشراء هذا هو
الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور في كل الطرق ونص عليه الشافعي رحمه الله في الأم وفيه وجه
أنه يجب شراه بزيادة يتغابن الناس بها وبه قطع البغوي وحكاه المتولي عن القاضي حسين
بعد حكايته عن الأصحاب أنه لا فرق والمذهب ما سبق عن الجمهور لان هذا القدر من
المال محترم ولهذا لو خاف تلف شئ يسير من ماله لو ذهب إلى الماء لم يلزمه الذهاب
254

وبهذا الذي ذكرناه عن جمهور أصحابنا قال جماهير علماء السلف والخلف وقال الثوري وأبو
حنيفة يلزمه شراؤه بالغبن اليسير وقال حسن البصري يلزمه شراه بكل ماله * والله أعلم * هذا
إذا وجد ثمن الماء وهو غير محتاج إليه فان وجده ولكنه يحتاج إليه لدين مستغرق أو نفقته أو نفقة من
تلزمه نفقته من عياله أو مملوكه أو حيوانه المحترم أو غير ذلك من مؤن السفر في ذهابه ورجوعه
من مأكوله ومشروبه وملبوسه ومركوبه لم يجب صرفه في الماء فان فضل عن هذه الحاجات لزمه
صرفه في الماء من أي نوع كان ماله ولو لم يكن معه ماء ولا ثمنه ووجد من يقرضه الماء وجب
قبوله على المذهب وفيه وجه أنه لا يجب حكاه البغوي ولو أقرضه ثمن الماء فإن لم يكن له مال
غائب لم يلزمه قبوله بلا خلاف وإن كان فوجهان مشهوران قطع امام الحرمين والغزالي بالوجوب
والأصح أنه لا يجب صححه الرافعي وغيره لأنه لا يؤمن أن يطالبه قبل وصوله إلى ماله ولو وجد من يبيعه
الماء بثمن مؤجل فإن لم يكن له مال غائب لم يلزمه شراؤه بلا خلاف وإن كان فوجهان الصحيح
يلزمه شراه وهو المنصوص في البويطي وبه قطع الجمهور ممن قطع به القاضي أبو الطيب والبندنيجي
والمحاملي في المجموع والفوراني وابن الصباغ والمتولي والشيخ نصر والبغوي وآخرون لان الأجل
لازم فلا مطالبة قبل حلوله بخلاف القرض وشذ الماوردي فقطع بأنه لا يلزمه الشراء بمؤجل
وإن كان مالكا للثمن في بلده لأنه يجوز أن يتلف ماله فيبقى الدين عليه وفى ذلك ضرر واختاره
الشاشي والمختار الأول وصورة المسألة أن يكون الأجل ممتدا إلى أن يصل بلد ماله ولا فرق بين
أن يزاد في الثمن بسبب الأجل ما يليق به أولا يزاد هذا هو الصحيح المشهور وفيه وجه أنه لا يلزمه
إذا زاد على ثمن النقد وبه قطع القاضي حسين وهو شاذ ضعيف فان قيل لم قطعتم هنا بأنه لا يلزمه الشراء
بمؤجل إذا لم يكن له مال غائب وقلتم فيمن لا يجد طول حرة ووجد حرة ترضى بمهر مؤجل
لا يباح له نكاح الأمة في وجه فالجواب ما أجاب به المتولي وغيره انه في النكاح تعلق به حق ثالث
255

وهو الولد فان ولد الأمة يكون رقيقا فراعينا حقه وهنا الحق لله تعالى وهو مبني على المسامحة مع أنه
أتي ببدل ولو وجد آلة الاستقاء بالثمن أو الأجرة لزمه تحصيلها بثمن المثل أو أجرة المثل فان
زاد لم يجب كذا قاله الأصحاب: قال الرافعي ولو قيل يجب ما لم تجاوز الزيادة ثمن مثل الماء لكان
حسنا وكذا العريان إذا وجد ثوبا يباع أو يؤجر يلزمه تحصيله بثمن المثل أو أجرة المثل إذا وجد
قال أصحابنا وإذا لم يفعل ما أوجبناه عليه في هذه الصور كلها وصلي بالتيمم اثم ولزمه الإعادة الا
إذا وهب له الماء فلم يقبله فإنه يأثم وفى الإعادة تفصيل فإن كان الماء حال التيمم باقيا في يد الواهب
وهو باق على هبته لم يصح تيممه وإن لم يكن الماء باقيا أو رجع عن هبته ففي الإعادة الوجهان
فيمن أراق الماء سفها وسيأتي ايضاحهما حيث ذكرهما المصنف إن شاء الله تعالى ولو وجد العريان
ماء وثوبا يباعان ومعه ثمن أحدهما فقط لزمه شراء الثوب لأنه لا بدل له قال البغوي ولهذا يلزمه أن
يشترى لعبده ساتر عورته ولا يلزمه شراء الماء لطهارته في السفر والله أعلم * (المسألة الثالثة) إذا
احتاج إلى ماء للطهارة دون العطش ووجد الماء مع من لا يحتاج إليه فطلبه منه بيعا أو هبة أو قرضا
فامتنع من ذلك لم يجز أن يقهره على أخذه بلا خلاف بخلاف ما لو احتياج إليه لشدة العطش وصاحبه
غير محتاج إليه فإنه يقهره على أخذه لان لماء الطهارة بدلا فيتيمم ويصلي ولا إعادة: قال أصحابنا ولا
يجب على صاحب الماء بذله لطهارة هذا المحتاج هذا هو الصحيح المشهور وحكي صاحب البيان عن
أبي عبيد بن حربويه من أصحابنا أنه قال يلزمه وحكي الدارمي عن أبي عبيد أنه حكاه عن بعض المتقدمين
والمذهب الأول ولا يجوز للعاري أن يقهر صاحب الثوب على أخذه لستر العورة للصلاة فان خاف
من حر أو برد له قهره إذا لم يضطر صاحبه إليه هكذا ذكره البغوي وغيره وهو كما ذكروه: قال أصحابنا وحيث
قلنا يجوز أن يقهره ويكابره فان قهره فأدى إلى هلاك المالك كان هدرا لأنه ظالم بمنعه وأن أدى
إلى هلاك المضطر كان مضمونا لأنه مظلوم قال أصحابنا ولو كان مع المحتاج إلى ماء الطهارة ماء مغصوب
256

أو مرهون أو وديعة تيمم وصلى ولا إعادة عليه ويحرم عليه أن يتوضأ به وهذا وإن كان ظاهرا
فذكرته لان بعض الناس قد يتساهل فيه فان خالف وتوضأ به صح وإن كان عاصيا وأجزأته صلاته
والله أعلم * وأما قول المصنف رحمه الله (لا يجوز أن يكابره على الماء للطهارة كما يكابره على طعام يحتاج
إليه للمجاعة لان الطعام لا بدل له وللماء بدل) فهذا التعليل ينتقض بالعاري فإنه لا يجوز أن يكابر
صاحب الثوب وإن كان لا بدل للثوب وإنما التعليل الصحيح أن المكابرة في الطعام جازت لحرمة الروح
ولهذا حلت الميتة للمضطر: وأما الطهارة بالماء فإنما تجب على من وجده وهذا لم يجده والله أعلم *
قال المصنف رحمه الله *
[وان دل على ماء ولم يخف فوت الوقت ولا انقطاعا عن رفقة ولا ضررا في نفسه وماله
لزمه طلبه] *
[الشرح] الرفقة بضم الراء وكسرها لغتان مشهورتان وقوله رفقة هو بالتنكير من غير تاء
بعد القاف وهو يتناول رفقة كان معهم ورفقة يصادفهم الآن وهذا الذي ذكره المصنف هو المذهب
الصحيح المشهور وبه قطع العراقيون وكثير من الخراسانيين أو أكثرهم وعبروا بعبارة المصنف
وسلك امام الحرمين والغزالي ومن تابعهما طريقة أخرى اختصرها الرافعي وهذبها فقال إذا تيقن
وجود الماء حوليه فله ثلاث مراتب: إحداها أن يكون على مسافة ينتشر إليها النازلون في الاحتطاب
والاحتشاش والبهائم في الرعي فيجب السعي إليه وهذا فوق حد الغوث الذي يسعى إليه عند
التوهم قال الإمام محمد بن يحيى ولعله يقرب من نصف فرسخ: المرتبة الثانية أن يكون بعيدا بحيث
لو سعي إليه لفاته وقت الصلاة فيتيمم ولا يسعى إليه لأنه فاقد في الحال ولو وجب انتظار الماء
بعد الوقت لما جاز التيمم أصلا بخلاف واجد الماء فإنه لا يتيمم وإن خرج الوقت قال الرافعي
والأشبه بكلام الأئمة ان الاعتبار من أول وقت الصلاة لو كان نازلا في ذلك المنزل ولا بأس باختلاف
المواقيت والمسافات وعلى هذا لو انتهى إلى المنزل في آخر الوقت والماء في حد القرب وجب السعي
إليه وان فات الوقت كما لو كان الماء في رحله والأشبه أن يجعل وقت الحاضرة معيارا للفوائت
والنوافل فإنها الأصل والمقصود بالتيمم غالبا: (قلت) هذا الذي نقله الرافعي عن الأشبه بكلام الأئمة
257

ليس بمقبول بل ظاهر عباراتهم أن الاعتبار بوقت طلب الماء هذا هو الموجود في كتبهم وهو ظاهر
نص الشافعي في الأم وغيره فان عبارة الشافعي وعبارة الأصحاب كلهم كعبارة المصنف وهي صريحة
فيما قلته والله أعلم * المرتبة الثالثة أن يكون بين المرتبتين فيزيد على ما يتردد إليه للحاجات ولا ينتهي
إلى حد خروج وقت الصلاة فنص الشافعي فيما إذا كان الماء عن يمين المنزل أو يساره انه يلزمه
تحصيله ولا يجوز التيمم ونص فيما إذا كان في صوب مقصده أنه لا يجب السعي إليه واختلف
الأصحاب فيه على طريقين أحدهما تقرير النصين والفرق بان المسافر قد يتيامن ويتياسر في حوائجه
ولا يمضي في صوب مقصده ثم يرجع قهقري وجوانب المنزل منسوبة إليه دون ما بين يديه والطريق
الثاني فيهما قولان بالنقل والتخريج وهو ظهر لان المسافر ما دام سائرا لا يعتاد المضي يمينا وشمالا
كما لا يرجع قهقري وإذا كان نازلا ينتشر من الجوانب كلها ويعود ودليل الجواز انه فاقد والمنع
أنه قادر على تحصيله قال الرافعي وما ذكرناه من الطريقين هو نقل امام الحرمين والغزالي في آخرين
وقال صاحب التهذيب إن كان الماء في طريقه وتيقن وصوله إليه قبل خروج الوقت وصلى في الوقت
بالتيمم جاز على المذهب وقال في الاملاء لا يجوز بل يؤخر حتى يصل إلى الماء وإن كان الماء على
يمينه أو يساره أو وراءه لم يلزمه اتيانه وان أمكن في الوقت لان في زيادة الطريق مشقة عليه كما
لو وجد الماء يباع بأكثر من ثمن المثل وقيل لا فرق بل متى أمكنه أن يأتي الماء في الوقت من غير
خوف فلا فرق بين أن يكون عن يمينه أو يساره أو أمامه ففي جواز التيمم قولان: قال الرافعي
وبين هذا المذكور في التهذيب وبين الأول بعض المخالفة توجيها وحكما: أما التوجيه فظاهر: وأما
الحكم فلان هذا الكلام إنما يستمر في حق السائر ومقتضاه نفى الفرق بين الجوانب في حق النازل
في المنزل لأنه يحتاج إلى الرجوع إلى المنزل من أي جانب مضى إليه وفى زيادة الطريق مشقة: وأما
الكلام الأول فمقتضاه الفرق بين الجوانب في حق النازل أيضا إلا أن ذلك الفرق ممنوع كما سبق
وأيضا فان مقتضى الأول أن السعي إلى ما عن اليمين واليسار أولى بالايجاب ومقتضى كلام التهذيب
أن الايجاب فيما على صوب المقصد أولى (1) قال الرافعي واعلم أن المذهب جواز التيمم وان علم وصوله
إلى الماء في آخر الوقت وإذا جاز التيمم لمن يعلم الوصول إلى الماء في صوب مقصده فأولى أن

(1) هذا الذي رجحه الرافعي قد جزم به في المحرر والذي رجحه الشيخ في أول الفصل هو الذي اختاره الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمهما الله وهو ان الاعتبار بالوقت شرط اه‍ أذرعي
258

يجوز للنازل في بعض المراحل إذا كان الماء عن يمينه أو يساره لزيادة مشقة السعي إليه وإذا جاز
للنازل فالسائر أولى بالجواز هذا كله في حق المسافر: وأما المقيم فذمته مشغولة بالقضاء لو صلى
بالتيمم فليس له أن يصلى بالتيمم وان خاف فوت الوقت لو سعى إلى الماء هذا آخر كلام الرافعي والله أعلم *
قال أصحابنا والاعتبار في الدلالة على الماء بدلالة ثقة وهو من يقبل خبره من رجل أو امرأة أو عبد أو أعمى
ولا أثر لقول فاسق ومغفل وغيرهما ممن لا يقبل خبره والله أعلم * وأما قول المصنف ولم يخف
ضررا في نفسه وماله فكذا قاله أصحابنا قالوا إذا كان بقربه ماء يخاف لو سعي إليه ضررا على
نفسه من سبع أو عدو أو غيرهما أو على ماله الذي معه أو الذي في منزله من غاصب أو سارق
أو غيرهما فله التيمم وهذا الماء كالمعدوم قال أصحابنا وهكذا لو كان في سفينة ولا ماء معه وخاف
الضرر لو استقى من البحر فله التيمم ولا إعادة عليه قال أصحابنا والخوف على بعض أعضائه كالخوف
على نفسه قالوا ولا فرق في المال الذي يخاف عليه بين الكثير والقيل إلا أن يكون قدرا يجب
احتماله في تحصيل الماء ثمنا أو أجرة واما إذا خاف الانقطاع عن رفقة فقد أطلق المصنف أنه لا يلزمه
الذهاب إلى الماء وهكذا أطلقه الجمهور وقال جماعة إن كان عليه ضرر في الانقطاع عن الرفقة
فله التيمم والا فوجهان أصحهما له التيمم أيضا وهما قريبان من الوجهين في نفقة الرجوع في الحج
لمن لا أهل له هل تشترط أم لا مأخذهما في الموضعين انه لا ضرر عليه لكنه تفوته الألفة والمؤانسة
والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[فان طلب فلم يجد فتيمم ثم طلع عليه ركب قبل أن يدخل في الصلاة لزمه أن يسألهم عن
الماء فإن لم يجد معهم الماء أعاد الطلب لأنه لما توجه عليه الطلب بطل التيمم] *
[الشرح] قال أهل اللغة الركب هم ركبان الإبل العشرة ونحوهم وهو مختص بركبان الإبل
هذا أصله ومراد أصحابنا بالركب جماعة يجوز أن يكون معهم ماء سواء كانوا على دواب أو رجالة
قال أصحابنا فإذا تيمم بعد الطلب ثم حدث ما يحتمل القدرة على الماء بسببه بطل تيممه وان بان انه لا قدرة
له على الماء وذلك بان رأى جماعة أقبلت أو سحابة أظلت بقربه أو سرابا ظنه ماء أو ماء توهمه ظاهرا
فكان نجسا أو بئرا توهم ان فيها ماء فلم يكن أو انه يمكن نزولها فلم يمكن وما أشبه هذا لان التيمم يراد لإباحة
259

الصلاة فإذا رأى هذه الأشياء توجه الطلب وإذا توجه بطل التيمم لأنه خرج عن الإباحة هذا
إذا لم يكن هناك مانع يمنع وجوب الوضوء على تقدير كونه ماء فإن كان لم يبطل تيممه لان التيمم
يجوز في هذه الحالة ابتداء قال امام الحرمين وغيره ضابط المذهب أن التمكن من استعمال الماء
أو توهم التمكن يبطل تيممه فلو رأى بئرا فيها ماء ولا يمكنه النزول فيها ولا دلو أو لا حبل معه
فان علم أول ما رآها أنه لا يقدر عليها لم يبطل تيممه والا بطل ولو طلع عليه جماعة عراة لم يبطل
تيممه ولو رأى ماء وسبعا أو عدوا يمنعه منه فان رأى الماء أولا ثم رأى المانع بطل تيممه وان
رأى المانع أولا أو رآهما معا يبطل قال أصحابنا ولو سمع بعد التيمم رجلا يقول معي ماء بطل
تيممه وان بان كاذبا ولو سمعه يقول أودعني فلان ماء أو غصبت من فلان ماء لم يبطل تيممه إن كان
فلان غائبا فإن كان حاضرا بطل لامكان طلبه منه ولو قال معي ماء أودعنيه فلان أو غصبته
من فلان بطل تيممه على المذهب وبه قطع الجمهور ونقله المتولي عن الأصحاب لأنه أطمعه في الماء
بتقديم ذكره وفيه احتمال للقاضي حسين أنه لا يبطل على قولنا لا يتبعض الاقرار وضعفه البغوي
والشاشي وغيرهما قال الشاشي في المعتمد لأنه لا فرق في الاقرار بين قوله له على الف من ثمن
خمر وقوله له على من ثمن خمر الف في أن الجميع على قولين لأنه وصل افراره بما يبطله سواء تقدم
ذكر الخمر أو تأخر وهنا المؤثر في التيمم توجه الطلب ثم إن جاز أن يخرج قولا إلى التيمم من
الاقرار لم لا يجوز أن يخرج في قوله عندي ماء أودعنيه فلان قولا أنه لا يبطل لأنه لما وصله
بآخر كلامه بان أنه لا يقدر عليه وقد وافق القاضي في بطلان تيممه في هذه الصورة والله أعلم *
وأما قول المصنف (فإن لم يجد معهم الماء أعاد الطلب) فقد سبق بيان الخلاف فيه وانه إذا قلنا بوجوب
الطلب كان أخف من الطلب الأول والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وان طلب ولم يجد جاز له التيمم لقوله تعلى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وهل الأفضل أن يقدم التيمم
أو الصلاة أم لا ينظر فإن كان على ثقة من وجود الماء في آخر الوقت فالأفضل ان يؤخر التيمم
فان الصلاة في أول الوقت فضيلة والطهارة بالماء فريضة فكان انتظار الفريضة أولي وإن كان على
إياس من وجوده فالأفضل أن يتيمم ويصلى لأن الظاهر أنه لا يجد الماء فلا يضيع فضيلة أول الوقت
260

لأمر لا يرجوه وإن كان يشك في وجوده ففيه قولان أحدهما ان تأخيرها أفضل لأن الطهارة بالماء
فريضة والصلاة في أول الوقت فضيلة فكان تقديم الفريضة أولى: والثاني ان تقديم الصلاة بالتيمم
أفضل وهو الأصح لان فعلها في أول الوقت فضيلة متيقنة والطهارة بالماء مشكوك فيها فكان
تقديم الفضيلة المتيقنة أولى]
[الشرح] إذا عدم الماء بعد طلبه المعتبر جاز له التيمم للآية والأحاديث الصحيحة والاجماع
ولا فرق في الجواز بين أن يتيقن وجود الماء في آخر الوقت أو لا يتيقنه هذا مذهبنا ومذهب العلماء
كافة ونقل المحاملي في المجموع الاجماع عليه وكذا نقل الشيخ أبو حامد وغيره انه لا خلاف فيه *
وحكي صاحبا التتمة والتهذيب قولا للشافعي نص عليه في الاملاء أنه لا يجوز التيمم إذا علم وصوله
إلى الماء قبل خروج الوقت وهو شاذ ضعيف لا تفريع عليه وإنما التفريع على المذهب وهو الجواز
ثم إن الجمهور أطلقوا الجواز وقال الماوردي هذا إذا تيقن وجود الماء في غير منزله اما إذا تيقن انه
يجده في آخر الوقت في منزله الذي هو فيه أول الوقت فيجب التأخير قال ولا وجه لقول من أطلق
من أصحابنا استحباب التأخير فإذا قلنا بالمذهب فللعادم ثلاثة أحوال (أحدها) ان يتيقن وجود الماء
في آخر الوقت بحيث يمكنه الطهارة والصلاة في الوقت فالأفضل ان يؤخر الصلاة ليأتي بها بالوضوء
لأنه الأصل والا كمل هذا هو المذهب الصحيح المقطوع به في جميع الطرق وانفرد صاحب التتمة
بحكاية وجه أن تقديم الصلاة في أول الوقت بالتيمم أفضل وحكاه الشيخ أبو محمد والصواب الأول
واحتج له الشيخ أبو حامد الأسفرائيني والمحاملي وغيرهما بأن الوضوء أكمل من التيمم فكان راجحا
على فضيلة أول الوقت ويؤيد هذا ان التيمم لا يجوز مع القدرة على الماء ويجوز تأخير الصلاة إلى
آخر الوقت مع القدرة على الصلاة في أوله ولان الوضوء هو الأصل ولهذا يصلى به صلوات واما
تعليل المصنف بأن الوضوء فريضة فمشكل لان التيمم إذا فعله وقع أيضا فريضة فالصحيح ما سبق
من التعليل ونضم إليه ان فيه خروجا من الخلاف فان نصه في الاملاء ان هذا التيمم باطل وهو أيضا مذهب
الزهري فإنه لا يجوز التيمم حتى يخاف فوت الوقت: (الحال الثاني) أن يكون على يأس من
وجود الماء في آخر الوقت فالأفضل تقديم التيمم والصلاة في أول الوقت بلا خلاف لحيازة فضيلة
261

أول الوقت وليس هنا ما يعارضها: (الحال الثالث) أن لا يتيقن وجود الماء ولا عدمه وله صورتان
إحداهما أن يكون راجيا ظانا الوجود ففيه قولان مشهوران في كتب الأصحاب ونص عليهما في
مختصر المزني أصحهما باتفاق الأصحاب ان تقديم الصلاة بالتيمم في أول الوقت أفضل وهو نصه
في الأم: والثاني التأخير أفضل وهو نصه في الاملاء وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وأكثر
العلماء ودليلهما يعرف مما سبق. الصورة الثانية أن يشك فلا يترجح الوجود على العدم ولا عكسه
فطريقان قطع جمهور العراقيين بأنه على القولين كما في الرجاء والظن ممن صرح بذلك المصنف هنا والشيخ
أبو حامد والقاضي أبو الطيب والماوردي والمحاملي وآخرون والطريق الثاني الجزم بأن التقديم أفضل
صرح به القاضي حسين وصاحب العدة وغيرهما من الخراسانيين وأشار إليه البغوي وغيره
وعبارة امام الحرمين والغزالي والمتولي وآخرين إن كان يطن وبعضهم يقول يرجو ففيه قولان
ولم يتعرضوا للشك وأما الرافعي فجزم في صورة الشك بالتقديم قولا واحد قال وإنما القولان إذا
كان يظن قال وربما وقع في كلام بعضهم ذكر القولين فيما إذا لم يظن الوجود ولا العدم ولا وثوق
به ولعل ذاك القائل أراد بالظن اليقين وهذا الذي أنكره الرافعي من نقل القولين في حال الشك
المستوي الطرفين مردود فقد صرح بالقولين في حالة الشك الشيخ أبو حامد والماوردي والمحاملي
في التجريد فقالوا لو كان لا يعلم وجود الماء في آخر الوقت ولا عدمه ولم يكن أحد الاحتمالين
في وجوده وعدمه أقوى من الآخر ففيه القولان هذا لفظ وهؤلاء الثلاثة هم شيوخ المذهب وصرح
به غيرهم وهو مقتضى عبارة المصنف وآخرين في قولهم وإن كان يشك ففيه قولان والله أعلم: قال
امام الحرمين وغيره هذا الخلاف فيمن أراد أن يقتصر على صلاة واحدة فأما من تيمم وصلى
في أول الوقت ثم صلى بالوضوء عند وجود الماء في آخره فهو النهاية في تحصيل الفضيلة والله أعلم *
(فرع) اختلف كلام الأصحاب في تأخير الصلاة عن أول الوقت إلى أثنائه لانتظار الجماعة
فقطع أبو القاسم الداركي وأبو علي الطبري وصاحب الحاوي وآخرون من كبار العراقيين باستحباب
التأخير وتفضيله على فضيلة أول الوقت وقطع أكثر الخراسانيين بان تقديم الصلاة منفردا أفضل
ونقل امام الحرمين والغزالي في البسيط انه لا خلاف فيه ونقل جماعات من الأصحاب انه ان رجا
الجماعة في آخر الوقت ولم يتحققها ففي استحباب التأخير وجهان بناء على القولين في التيمم وحكي
262

صاحبا الشامل والبيان هذا عن الأصحاب مطلقا ونقل الروياني عن القاضي أبى على البندنيجي
أنه قال قال الشافعي في الأم التقديم أول الوقت منفردا أفضل وقال في الاملاء التأخير للجماعة
أفضل وقال القاضي أبو الطيب حكم الجماعة حكم التيمم إن تيقن الجماعة آخر الوقت فالتأخير
أفضل وان تيقن عدمها فالتقديم أفضل وان رجا الامرين فعلى القولين وهذا الذي حكاه عن
القاضي أبي الطيب هو الذي ذكره أبو علي البندنيجي في جامعه كذا رأيته في نسخة معتمدة منه فهذا
كلام الأصحاب في المسألة وقد ثبت في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر انه سيجئ
أئمة يؤخرون الصلاة عن أول وقتها قال فصلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم نافلة
فالذي نختاره أنه يفعل ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم فيصلى مرتين مرة في أول الوقت منفردا
لتحصيل فضيلة أول الوقت ومرة في آخره مع الجماعة لتحصيل فضيلتها وقد صرح أصحابنا
باستحباب الصلاة مرتين على ما ذكرناه في باب صلاة الجماعة وسنبسطه هناك إن شاء الله تعالى
فان أراد الاقتصار على صلاة واحدة فان تيقن حصول الجماعة آخر الوقت فالتأخير أفضل لتحصيل
شعارها الظاهر ولأنها فرض كفاية على الصحيح في مذهبنا وفرض عين على وجه لنا وهو قول
ابن خزيمة من أصحابنا وهو مذهب احمد ابن حنبل وطائفة ففي تحصيلها خروج من الخلاف ولم يقل أحد
يأثم بتأخيرها ويحتمل أن يقال إن فحش التأخير فالتقديم أفضل وان خف فالانتظار أفضل
والله أعلم *
(فرع) قال صاحب البيان هذان القولان فيمن ظن وجود الماء في آخر الوقت يجريان
في المريض العاجز عن القيام إذا رجا القدرة على القيام في آخر الوقت وفى العاري إذا رجا السترة في آخر
الوقت والمنفرد إذا رجا الجماعة في آخر الوقت هل الأفضل لهم تقديم الصلاة في أول الوقت على
حالهم أم تأخيرها لما يرجونه قال ولا يترك الترخص بالقصر في السفر وان علم اقامته في آخر
الوقت بلا خلاف وقال قال صاحب الفروع ان خاف فوت الجماعة لو أسبغ الوضوء وأكمله فادراك
الجماعة أولى من الانحباس على اكمال الوضوء وفى هذا نظر *
(فرع) لو دخل المسجد والامام في الصلاة وعلم أنه ان مشي إلى الصف الأول فاتته ركعة وان
صلى في أواخر الصفوف لم تفته فهذا لم أر فيه لأصحابنا ولا لغيرهم شيئا والظاهر أنه ان خاف فوت الركعة
263

الأخيرة حافظ عليها وان خاف فوت غيرها مشى إلى الصف الأول للأحاديث الصحيحة في الامر
باتمام الصف الأول وفى فضله والازدحام عليه والاستهام وخير صفوف الرجال أولها والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
[فان تيمم وصلى ثم علم أنه كان في رحله ماء نسيه لم تصح صلاته وعليه الإعادة على المنصوص
لأنها طهارة واجبة فلا تسقط بالنسيان كما لو نسي عضوا من أعضائه فلم يغسله: وروى أبو ثور عن
الشافعي رحمهما الله أنه قال تصح صلاته ولا إعادة عليه لان النسيان عذر حال بينه وبين الماء فسقط
الفرض بالتيمم كما لو حال بينهما سبع وإن كان في رحله ماء وأخطأ رحله فطلبه فلم يجده فتيمم وصلى
ففيه وجهان قال أبو علي الطبري لا تلزمه الإعادة لأنه غير مفرط في الطلب ومن أصحابنا من قال تلزمه
لأنه فرط في حفظ الرحل] *
[الشرح] الرحل منزل الرجل من حجر أو مدر أو شعر أو وبر كذا نقله الأزهري وسائر
أهل اللغة قالوا ويقع أيضا اسم الرحل على متاعه وأثاثه ومنه البيت المشهور * القى الصحيفة كي يخفف
رحله * وكلام المصنف والفقهاء في هذا الباب يتناول الرحل بالمعنيين وقد غلط وجهل من أنكر
على الفقهاء اطلاقه بمعنى المتاع والله أعلم * ثم في الفصل خمس مسائل ذكر المصنف منها مسألتين إحداها
إذا تيمم بعد الطلب الواجب من رحله وغيره وصلى ثم علم أنه كان في رحله ماء يجب استعماله وكان
علمه قبل التيمم ثم نسيه فالمنصوص في مختصر المزني وجامعه الكبير والأم وجميع كتب الشافعي
انه يلزمه إعادة الصلاة وقال أبو ثور سألت أبا عبد الله فقال لا إعادة عليه هكذا حكاه الجمهور
عن أبي ثور وقال ابن المنذر في الاشراف والشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والماوردي والمصنف
وآخرون قال أبو ثور قال الشافعي لا إعادة واختلف الأصحاب في المسألة على طرق أصحها وأشهرها
ان فيها قولين أصحهما وجوب الإعادة وهو الجديد والثاني لا إعادة وهو القديم وقد ذكر المصنف
دليلهما وهذه طريقة أبي إسحاق المروزي وقد قدمنا في فصل ترتيب الوضوء فرعا في مسائل من
هذا القبيل في كل مسألة قولان: والطريق الثاني القطع بوجوب الإعادة كما نص عليه الشافعي في
كتبه وهؤلاء اختلفوا في الجواب عن رواية أبي ثور فقال كثيرون لعله أراد بأبي عبد الله مالكا
أو احمد وضعف المحققون هذا بأن أبا ثور لم يلق مالكا وليس معروفا بالرواية عن أحمد وإنما هو
صاحب الشافعي واحد رواة كتبه القديمة كما قدمناه في مقدمة الكتاب ولان مذهب
احمد وجوب الإعادة وتأول هؤلاء روايته على أن غيره ادرج الماء في رحله وهو لا يعلم فالصحيح
264

في هذه الصورة انه لا إعادة كما سنذكره إن شاء الله تعالى وممن قال بهذا التأويل أبو الفياض البصري
حكاه عنه الماوردي والطريق الثالث ان المسألة على حالين فنصه على وجوب الإعادة إذا كان
الرحل صغيرا يمكن الإحاطة به ورواية أبي ثور إذا كان كبيرا لا تمكن الإحاطة به حكاه الماوردي
عن أبي علي بن أبي هريرة وحكاه الشاشي عن أبي الفياض: (المسألة الثانية) إذا علم في موضع نزوله
بئرا ثم نسيها وتيمم وصلى ثم ذكرها فهو كنسيان الماء ففيه الطريقان الأولان فأما إذا لم يعلم البئر
أصلا ثم علمها بعد صلاته بالتيمم فقال صاحب الشامل والشيخ نصر وغيرهما قال الشافعي في الأم لا إعادة وقال في البويطي تجب الإعادة قالوا وأراد بالأول إذا كانت البئر خفية: وبالثاني إذا كانت
ظاهرة وذكر صاحب الحاوي فيها ثلاثة أوجه أحدها تجب الإعادة وهو قول ابن خيران: والثاني
لا تجب وهو قول ابن سريج: والثالث أن كانت ظاهرة الاعلام بينة الآثار وجبت الإعادة لتقصيره
وإن كانت خفية لم تجب لعدم تقصيره قال وبهذا قال الشيخ أبو حامد وأبو الفياض وجمهور
أصحابنا البغداديين والبصريين وهذا الثالث هو الصحيح ولو كان الماء يباع فنسي ان معه ثمنه
فصلى بالتيمم ثم ذكر فالمذهب الصحيح الذي قطع به الدارمي والشيخ نصر في كتابيه الانتخاب
والكافي أنه كنسيان الماء في رحله وفيه احتمال لابن كج حكاه الرافعي: (المسألة الثالثة) إذا ادرج
غيره الماء في رحله ولم يعلم صاحب الرحل الا بعد صلاته بالتيمم فطريقان مشهوران حكاهما
الصيدلاني وامام الحرمين والغزالي وصاحب العدة وآخرون أحدهما انه على القولين في نسيان
الماء في رحله لكن أصحهما هنا انه لا إعادة وهناك وجوب الإعادة والطريق الثاني القطع بعدم
الإعادة لعدم تقصيره وهذا الطريق صححه امام الحرمين والغزالي في البسيط ثم الجمهور أطلقوا المسألة
كما ذكرنا وقال البغوي ان طلب في رحله فلم يجد فذهب للطلب من موضع آخر فأدرج في غيبته فلا إعادة
وإن لم يطلب من رحله لعلمه أن لا ماء فيه وكان قد أدرج ولم يعلم فالأصح وجوب الإعادة لتقصيره
(الرابعة) لو كان في رحله ماء فطلب الماء في رحله فلم يجده فتيمم وصلى ثم وجده فإن لم يمعن
في الطلب وجبت الإعادة وان أمعن حتى ظن العدم فوجهان وقيل قولان وهما مخرجان من القولين
265

في الخطأ في القبلة أصحهما وجوب الإعادة وبه قطع الفوراني لندوره والثاني لا لعدم تقصيره:
(الخامسة) إذا كان في رحله ماء فأخطأ رحله بين الرحال لظلمة أو غيرها فطلبه فلم يجده فصلى بالتيمم
ثم وجده فإن لم يمعن في الطلب وجبت الإعادة وان أمعن فثلاثة طرق أصحها وأشهرها أن فيه
وجهين أصحهما لا إعادة: والثاني تجب وبهذا الطريق قطع المصنف وكثيرون ودليلهما في الكتاب
(والطريق الثاني) القطع بعدم الإعادة وبه قطع الماوردي والفوراني والبغوي: والثالث ان وجده
قريبا وجبت الإعادة وإن كان بعيدا فلا إعادة حكاه الرافعي عن الحليمي قال الرافعي والمذهب
انه لا إعادة مطلقا وقال الروياني في الحلية ان أضل رحله فلا إعادة وان أضله بين الرحال لزمه الإعادة
والمشهور انه لا فرق والله أعلم *
(فرع) لو غصب رحله الذي فيه الماء وحيل بينه وبينه تيمم ولا إعادة بلا خلاف كما لو حال
دونه سبع ولأنه غير مفرط بخلاف الناسي ولو ضل عن القافلة أو عن الماء صلى بالتيمم ولا إعادة
بالاتفاق وممن صرح به الروياني وصاحب العدة والشاشي وصاحب البيان وآخرون وهو واضح والله أعلم
(فرع) قال أبو العباس الجرجاني في كتابه المعاياة لو نسي الماء في رحله وصلى بالتيمم
لزمه الإعادة على الأصح ولو عجز عن استعمال الماء فتيمم وصلي لم تلزمه الإعادة ولو صلى بنجاسة
نسيها أو عجز عن ازالتها لزمه الإعادة فسوينا بين العجز والنسيان في النجاسة وفرقنا بينهما في التيمم
والفرق انه اتي في التيمم ببدل بخلاف النجاسة *
(فرع) قد ذكر المصنف هنا أبا ثور وأبا على الطبري وتقدم ذكر أبي على في باب الشك
في نجاسة الماء وهناك بينا اسمه وحاله وتقدم بيان حال أبي ثور في آخر الفصول التي في مقدمة
الكتاب واما قول الغزالي في الوسيط في نسيان الماء في رحله وفيه قول قديم كما في نسيان الفاتحة وترتيب
الوضوء ناسيا فكذا وقع في النسخ وصوابه حذف لفظة ناسيا *
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن نسي الماء في رحله وصلي بالتيمم ثم علمه الصحيح في مذهبنا
266

وجوب الإعادة وبه قال أبو يوسف واحمد ورواية عن مالك وقال أبو حنيفة وأبو ثور وداود
لا إعادة وهي رواية عن مالك وحكاه محمد بن جرير عن سفيان الثوري واحتجوا بحديث ابن
عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ان الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه) حديث حسن رواه ابن ماجة والبيهقي باسناد حسن ولأنه صلى على الوجه الذي يلزمه
ذلك الوقت فلم تلزمه إعادة ولان النسيان عذر حال بينه وبين الماء فأشبه السبع ولأنه صلى ولا
يعلم معه ماء فلم تلزمه إعادة كمن صلى ثم رأى بقربه بئرا واحتج أصحابنا بان التيمم لا يكفي
واجد الماء بالاتفاق إذا لم يكن مريضا ونحوه وهذا واجد والنسيان لا ينافي الوجود فهو واجد
غير ذاكر ولأنه شرط للصلاة فلم يسقط بالنسيان كستر العورة وغسل بعض الأعضاء وكمريض
صلى قاعدا متوهما عجزه عن القيام وكان قادرا وكحاكم نسي النص فحكم بالقياس وكمن نسي
الرقبة في الكفارة فصام وكمن كان الماء في إناء على كتفه فنسيه فتيمم وصلى فإنه يعيد بالاتفاق
ذكره القاضي أبو الطيب والجواب عن الحديث الذي احتجوا به ان أصحابنا وغيرهم من أهل
الأصول اختلفوا فيه هل هو مجمل أم عام فان قلنا مجمل توقف الاحتجاج به على بيان المراد فلا
حجة لهم فيه وان قلنا عام وهو الأصح فقد خص منه غرامات المتلفات ومن صلى محدثا ناسيا ومن
نسي بعض أعضاء طهارته ومن نسي ساتر العورة وغيره ذلك مما ذكرناه في دليلنا وغيره مما هو
معروف فكذا يخص منه نسيان الماء في رحله قياسا على نسيان بعض الأعضاء وغيره مما ذكرناه
فان التخصيص بالقياس جائز فهذا هو الجواب الذي نعتقده ونعتمده وأما أصحابنا في كتب المذهب
فيقولون المراد رفع الاثم بدليل وجوب غرامة الاتلاف ناسيا والقتل خطأ وهذا ضعيف لأنه إن كان
الحديث عاما فليس تخصيصه منحصرا في رفع الاثم فان أكل الناسي في الصوم وكلام
الناسي في الصلاة وغير ذلك لا يضر وإن كان مجملا فيتوقف فيه إلى البيان والجواب عن قولهم صلى
على الوجه الذي يلزمه انه ان أرادوا يلزمه في نفس الامر فلا نسلمه وان أرادوا في الظاهر وبالنسبة
إلى اعتقاده فينتقض بمن نسي بعض الأعضاء وعن القياس على السبع انه لا تقصير فيه بخلاف
267

مسألتنا ولهذا اتفقنا على أن السبع لو حال بينه وبين ساتر العورة صحت صلاته عاريا ولو تركها
ناسيا أعاد وأما قياسهم على البئر فإن كانت ظاهرة لزمه الإعادة كما سبق فلا نسلم حكمها وإن
كانت خفية فالفرق انه لا ينسب فيها إلى تفريط بخلاف النسيان والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وان وجد بعض ما يكفيه ففيه قولان قال في الأم يلزمه أن يستعمل ما معه ثم يتيمم لقوله تعالى (فلم
تجدوا ماء فتيمموا) وهذا واجد للماء فيجب ألا يتيمم وهو واجد له ولأنه مسح أبيح للضرورة فلا ينوب
الا في موضع الضرورة كالمسح على الجبيرة وقال في القديم والاملاء يقتصر على التيمم لأن عدم
بعض الأصل بمنزلة عدم الجميع في جواز الاقتصار عل البدل كما نقول فيمن وجد بعض الرقبة
في الكفارة]
[الشرح] قوله مسح أبيح للضرورة احتراز من مسح الخف وإذا وجد المحدث حدثا أصغر
أو أكبر بعض ما يكفيه من الماء لطهارته ففي وجوب استعماله القولان اللذان ذكرهما المصنف
بدليلهما واتفق الأصحاب على أن الأصح وجوب استعماله وهو احدى الروايتين عن أحمد وداود
وحكاه ابن الصباغ عن عطاء والحسن بن صالح ومعمر بن راشد والقول الآخر هو مذهب
مالك وأبي حنيفة وسفيان الثوري والأوزاعي والمزني وابن المنذر قال البغوي وهو قول أكثر
العلماء والمختار الوجوب ودليله مع ما ذكر المصنف حديث أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (وإذا أمرتكم بشئ فافعلوا منه ما استطعتم) رواه البخاري ومسلم والفرق بينه وبين بعض
الرقبة في الكفارة بالنص والمعنى أما النص فقوله تعالى فتحرير رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين معناه لم يجد رقبة
وهذا لم يجدها وقال تعالي في التيمم (فلم تجدوا ماء) وهذا واجد ماء وأما المعنى فلان ايجاب بعض الرقبة مع
الشهرين جمع بين البدل والمبدل وذلك غير لازم وفي مسألتنا التيمم يقع عن العضو الذي لم يغسله لا عن
المغسول ولان عتق بعضها لا يفيد شيئا لا يفيده الصوم وغسل بعض الأعضاء يفيد مالا يفيده التيمم
وهو رفع الحدث عن ذلك العضو قال الفوراني والمتولي والروياني وصاحبا العدة والبيان اختلف
أصحابنا في أصل هذين القولين فقيل مأخوذان من تفريق الوضوء ان جوزناه وجب استعماله وإلا فلا
قالوا والصحيح أنهما قولان مستقلان غير مأخوذين من شئ قال أصحابنا وإذا قلنا لا يجب
استعماله فهو مستحب قالوا وإذا أوجبناه وجب تقديمه على التيمم لان التيمم لعدم الماء لا يصح مع
268

وجوده بخلاف ما سنذكره في تيمم الجريح إن شاء الله تعالى * قالوا فيستعمله المحدث في وجهه
وما بعده على الترتيب ثم يتيمم لما بقي ويستعمله الجنب أولا في أي بدنه شاء: قال أصحابنا ويستحب
أن يبدأ بمواضع الوضوء ورأسه وأعالي بدنه وأيهما أولى فيه خلاف نقل صاحبا البحر والبيان عن
الأصحاب أنه يستحب أن يبدأ برأسه وأعاليه قال صاحب البيان ولو قيل يستحب أن يبدأ بأعضاء
الوضوء كان محتملا وقطع البغوي وغيره باستحباب تقديم أعضاء الوضوء والرأس والمختار تقديم
أعضاء الوضوء ثم الرأس ثم الشق الأيمن كما يفعل من يغسل جميع البدن هذا إذا كان جنبا غير محدث
فإن كان جنبا محدثا فان قلنا بالمذهب أن الحدث يندرج في الجنابة فالحكم كما لو كان جنبا فقط وان
قلنا لا يندرج وكان الماء يكفي للوضوء وحده لزمه أن يتوضأ عن الحدث ويتيمم عن الجنابة وهو مخير
في تقديم الوضوء على تيمم الجنابة وتأخيره إذ لا يجب الترتيب بين الطهارتين لكن يستحب تقديم
الوضوء هذا كله إذا وجد ترابا تيمم به فإن لم يجده فطريقان في التهذيب وغيره أحدهما ان استعمال هذا الماء
الناقص على القولين وأصحهما القطع بوجوب استعماله وبه قطع المتولي ونقله الروياني عن الأصحاب لأنه لا بدل
هنا فوجب استعماله بلا خلاف كبعض ما يستر العورة بخلاف بعض الرقبة في الكفارة فإنه لا يعتقه العاجز عن
الصوم لان الكفارة على التراخي والله أعلم
(فرع) لو لم يجد ماء ووجد ثلجا أو بردا لا يقدر على إذابته فإن كان جنبا أو حائضا فوجوده
كعدمه فيتيمم ويصلي ولا إعادة عليه على المذهب وبه قطع الجمهور وحكي الدارمي وجها أن الإعادة
تجب ذكره في أول باب المياه وقد ذكرته أنا هناك وإن كان محدثا ففي وجوب استعماله في الرأس طريقان
في التهذيب وغيره قالوا أصحهما لا يلزمه قولا واحدا لان الترتيب واجب فلا يمكن استعماله
في الرأس قبل التيمم عن الوجه واليدين ولا يمكن التيمم مع وجود ما يحكم بوجوب استعماله والطريق الثاني
انه على القولين وبه قطع الجرجاني في المعاياة قال الجرجاني والروياني والرافعي وآخرون فإذا قلنا يجب
استعماله تيمم على الوجه واليدين تيمما واحدا ثم مسح به الرأس ثم تيمم على الرجلين للترتيب ولا يؤثر
هذا الماء في صحة التيمم للوجه واليدين لأنه لا يجب استعماله فيها فوجوده بالنسبة إليهما كالعدم وهذا
الطريق أقوى في الدليل لأنه واجد والمحذور الذي قاله الأول يزول بما ذكرناه
(فرع) إذا لم يجد ماء ووجد ما يشتري به بعض ما يكفيه ففي وجب شراه القولان في وجوب
استعماله إذا كان معه *
269

(فرع) إذا لم يجد شيئا من الماء ووجد ترابا لا يكفيه للوجه واليدين بل لأحدهما فطريقان
حكاهما البغوي والشاشي وغيرهما أصحهما القطع بوجوب استعماله وبه قطع القاضي حسين وكما لو
وجد بعض ما يستر بعض العورة أو أحسن بعض الفاتحة: والثاني على القولين واختاره الشاشي
في المعتمد وضعف الطريق الأول وقال لو قيل لا يجب استعماله قولا واحدا لكان أولى ووجهه
بما ليس بتوجيه فالصواب القطع بوجوب استعماله *
(فرع) لو كان عليه نجاسات فوجد ما يغسل بعضها دون بعض فالمذهب الصحيح المشهور الذي
قطع به الجمهور القطع بوجوب غسل ما أمكن كبعض الفاتحة والسترة وحكي القاضي حسين في تعليقه وجها
أنه لا يجب لأنه لا يسقط فرض الصلاة بخلافهما *
(فرع) قال أصحابنا لو تيمم لعدم الماء ثم رأى ماء فان احتمل عنده انه يكفيه لطهارته
بطل تيممه وان علم بمجرد رؤيته انه لا يكفيه فهو على القولين في وجوب استعماله ابتداء ان أوجبناه
بطل تيممه وإلا فلا *
(فرع) لو منع المتطهر من الوضوء الا منكوسا فهل له التيمم أم يلزمه غسل الوجه لتمكنه
منه فيه القولان فيمن وجد بعض ما يكفيه حكاه صاحب البحر عن والده قال (ولا تلزمه إعادة الصلاة إذا
إذا أمتثل المأمور به على القولين) (قلت) في وجوب الإعادة احتمال إلا أن الأظهر انها لا تجب كما ذكره لأنه في
معنى من غصب ماؤه ولا إعادة عليه قطعا *
(فرع) قال صاحبا الحاوي والبحر لو مات رجل معه ماء لنفسه لا يكفيه لغسل جميع بدنه فان قلنا
يجب استعمال الناقص وجب على رفيقه غسله به وتيممه للباقي وان قلنا لا يجب اقتصر به على التيمم قالا فعلى
هذا لو غسله به ضمن قيمته لورثته لأنه أتلفه من غير حاجة وفيما قالاه نظر لان أصحابنا اتفقوا
على استحباب استعمال الناقص فينبغي أن لا يضمن ويمكن أن يقال استحبابه يتوقف على رضاء
المالك ولم يوجد
(فرع) لو كان محدثا أو جنبا أو حائضا وعلى بدنه نجاسة ومعه ماء لا يكفي إلا لأحدهما
تعين عليه غسل النجاسة به لأنه لا بدل لها بخلاف الحدث وهذا متفق عليه عند أصحابنا وحكاه
العبدري عن أبي حنيفة ومحمد واحمد وداود ورواية عن أبي يوسف وبه قال ابن المنذر وقال
حماد بن أبي سليمان وأبو يوسف في الرواية الأخرى عنه يتوضأ ولا يغسل النجاسة وهو الظاهر]
270

من مذهب مالك ودليلنا ما سبق قال أصحابنا وينبغي ان يستعمل هذا الماء أولا في إزالة النجاسة
ثم يتيمم للحدث فان خالف فتيمم ثم غسلها ففي صحة تيممه وجهان سبقا في باب الاستطابة وفى هذا
الباب أحدهما لا يصح لان التيمم يراد لإباحة الصلاة وهذا لا يبيحها لبقاء النجاسة عليه وأصحهم
يصح كما أن الجريح يجوز أن يتيمم ثم يغسل الصحيح وإن كان تيممه لا تباح الصلاة عقبه هكذا
أطلق الأصحاب المسألة وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه هذا الذي ذكرناه من وجوب
استعمال الماء في إزالة النجاسة دون الحدث هو فيما إذا كان مسافرا فإن كان حاضرا فغسل النجاسة
به أولي يعنى ولا يجب لأنه لا بد من إعادة الصلاة سواء غسل النجاسة أو توضأ *
(فرع) قال أصحابنا لو كان محرما وعلى بدنه طيب وهو محدث ومعه ما يكفي أحدهما فقط وجب
غسل الطيب ويتيمم للحدث إن لم يمكن الوضوء به وجمعه لغسل الطيب فان أمكن وجب فعله ولو كان عليه
نجاسة وطيب غسل النجاسة وقد ذكر المصنف هاتين المسألتين في الحج *
(فرع) لو عدم ماء الطهارة وسائر العورة ووجدهما يباعان ومعه ثمن أحدهما وجب
شرى السترة لأنه لا بدل لها ولان النفع بها يدوم ولأنها تجب للصلاة والصيانة عن العيون
والماء يخالفها في كل هذا
(فرع) قال أصحابنا العراقيون إذا أجنب فلم يجد الماء فتيمم وصلى فريضة ثم أحدث ووجد
ما يكفيه لأعضاء وضوئه فقط فان قلنا يجب استعماله للجنابة بطل تيممه ولزمه استعماله وان قلنا
لا يجب فقال ابن سريج رحمه الله ان توضأ به ارتفع حدثه وجاز أن يصلى به النفل دون الفرض
لان التيمم الذي ناب عن غسل الجنابة أباح فريضة وما شاء من النوافل فلما أحدث حرمت النوافل
فإذا توضأ ارتفع تحريم النوافل ولا يستبيح الفرض لان هذا الوضوء لم ينب عن الجنابة فإن لم
يتوضأ به وتيمم للفريضة جاز واستباح الفريضة والنافلة جميعا فان تيمم للنافلة وحدها فوجهان
أحدهما يستبيحها كما يستبيحها إذا نوى الفريضة تبعا وأصحهما لا يستبيحها وهو قول القاضي أبي الطيب
لأنه يقدر على الوضوء لها فلا يستبيحها بالتيمم بخلاف التيمم للفريضة فإنه ينوب عن غسل
الجنابة قالوا وهذه المسألة مما يمتحن به فيقال وضوء يستباح به النافلة دون الفريضة ولا نظير لها
ويقال وضوء يصح بنية استباحة النفل ولا يصح بنية استباحة الفرض ويقال محدث ممنوع من
الصلاة لحدثه فان تيمم للفرض استباحه واستباح النفل وان تيمم للنفل لم يصح له ولا لغيره وهذا
271

السؤال الثالث يجئ على الوجه الثاني وهذا كله تفريع على قولنا لا يجب استعمال الناقص هكذا
ذكر هذه المسألة العراقيون والمتولي وحكي امام الحرمين هذا عن العراقيين ثم قال وهذا فيه نظر
قال والوجه أن يقال الوضوء مع الجنابة لا أثر له ولا يتضمن رفع الحدث ووجوده بمثابة ما إذا
طرأ الحدث ثم وجد ماء قليلا فيخرج على وجوب استعماله وسواء قلنا يجب أو لا يجب فلا بد من
التيمم للنافلة قال وفى المسألة احتمال على الجملة هذا كلام الامام والمشهور ما سبق: أما إذا اغتسل
الجنب وبقي عضو من بدنه لم يجد له ماء فتيمم له ثم أحدث فتيمم ثانيا ثم وجد ماء يكفي ذاك
العضو دون وضوئه فقد قال القاضي حسين والمتولي والبغوي والروياني ان قلنا فيمن وجد بعض
ما يكفيه لا يلزمه استعماله وجب استعمال هذا الماء في ذلك العضو ولا يبطل تيممه لان التيمم
الثاني وقع عن الحدث ولم يقدر بعده على ما يزيل الحدث وان قلنا يجب استعماله فقد تعارض
فرضان أحدهما الباقي من الجنابة والثاني المقدور عليه من أعضاء الوضوء وليس أحدهما أولى من الآخر
هذا كلام هؤلاء ونقله امام الحرمين عن ابن سريج قال ونقله الصيدلاني عنه ولم يعترض عليه
قال الامام وفرقه بين قولنا يجب استعماله أو لا يجب غير صحيح وكذا أنكره الغزالي في البسيط
والشاشي قال الشاشي هذا بناء فاسد وتفريع باطل بل يلزمه استعماله في العضو الباقي من الجنابة
قولا واحدا ولا يبطل تيممه على القولين لأن الماء تعين استعماله عن الجنابة والتيمم وقع عن الحدث
فلم يؤثر فيه ما لا يجب استعماله فيه وهذا الذي قاله الشاشي هو الأظهر وقد قطع صاحب الحاوي
في باب صفة الغسل بأنه إذا أجنب فوجد ما يكفيه لبدنه الا موضعا يسيرا فاغتسل وبقي ذلك
الموضع فتيمم وصلي ثم أحدث ثم وجد ما يكفيه للباقي من الجنابة لزمه استعماله في هذا الباقي من
الجنابة ولا يستعمله في أعضاء الوضوء فإذا استعمله في الباقي تيمم وصلى فرضا ونفلا قال
وان تيمم قبل استعماله جاز لان التيمم للحدث الطارئ واستعمال الماء للجنابة فجاز
تقديم أحدهما على الآخر قال فلو أراق هذا الماء بعد التيمم لم يكن له أن يصلى بهذا التيمم
بل يجدد تيمما بعد الإراقة لان تيممه لم يقع عن العضو الباقي من الجنابة والله أعلم * قال المصنف
رحمه الله تعالى *
[وان اجتمع ميت وجنب أو ميت وحائض انقطع دمها وهناك ماء يكفي أحدهما فإن كان
لأحدهما كان صاحبه أحق به لأنه محتاج إليه لنفسه فلا يجوز له بذله لغيره فان بذله للآخر وتيمم لم
272

يصح تيممه وإن كان الماء لهم كانا فيه سواء وإن كان مباحا أو لغيرهما وأراد أن يجود به
على أحدهما فالميت أولى لأنه خاتمة طهارته والجنب والحائض يرجعان إلى الماء فيغتسلان وان
أجتمع ميت وحي على بدنه نجاسة والماء يكفي أحدهما ففيه وجهان أحدهما صاحب النجاسة
أولى لأنه ليس لطهارته بدل ولطهارة الميت بدل وهو التيمم والثاني الميت أولى وهو ظاهر
المذهب لأنه خاتمة طهارته وان اجتمع حائض وجنب والماء يكفي أحدهما ففيه وجهان قال أبو إسحاق
الجنب أولى لان غسله منصوص عليه في القرآن ومن أصحابنا من قال الحائض أولي لأنها تستبيح
بالغسل ما يستبيح الجنب وزيادة وهو الوطئ وان اجتمع جنب ومحدث وهناك ما يكفي المحدث
ولا يكفي الجنب فالمحدث أولى لان حدثه يرتفع به ولا يرتفع به حدث الجنب وإن كان يكفي الجنب ولا يفضل
عنه شئ ويكفى المحدث ويفضل عندما يغسل به الجنب بعض بدنه ففيه ثلاثة أوجه أحدها الجنب
أولى لأنه يستعمل جميع الماء بالاجماع وإذا دفعناه إلى المحدث بقي ماء مختلف في وجوب
استعماله في الجنابة والثاني المحدث أولى لان فيه تشريكا بينهم والثالث أنهما سواء فيدفع
إلى من شاء منهما لأنه يرفع حدث كل واحد منهم ويستعمله كل واحد منهما بالاجماع] *
[الشرح] في الفصل مسائل (إحداها) إذا اجتمع ميت وجنب وحائض ومحدث ومن على
بدنه نجاسة وهناك ما يكفي أحدهم فإن كان لأحدهم فهو أحق به ولا يجوز له ان يبذله لطهارة غيره
قال امام الحرمين وغيره لان الايثار إنما بشرع في حظوظ النفوس لا فيما يتعلق بالقرب والعبادات
قال أصحابنا ويستوون كلهم في تحريم البذل لما ذكرناه هذا هو المذهب الصحيح وبه قطع الجمهور
وحكي الدارمي وابن الصباغ وغيرهما عن أبي إسحاق المروزي أنه قال من أصحابنا من قال فيه قول
آخر انه إن كان الماء للجنب أو الحائض أو المحدث لزمه ان يقدم الميت به على نفسه ويأخذ ثمنه من
مال الميت قال ابن الصباغ وهذا لا يعرف للشافعي والصواب الأول وعليه التفريع فلو خالف صاحب
الماء وبذله لغيره قال المحاملي في المجموع والصيدلاني لا تصح هبته ولا يزول ملكه فيه وكأنه محجور
عليه فيه وذكر جماعات في صحة هبته وجهين وسنشرحهما مع ما يتعلق بهما في مسألة من أراق الماء
273

سفها حيث ذكرها المصنف بعد هذا إن شاء الله تعالى قال أصحابنا فإذا صلى بالتيمم فإن كان الماء
باقيا في يد الموهوب له لم يصح تيمم الباذل وعليه إعادة الصلاة وإن كان الماء قد تلف ففي وجوب
الإعادة الوجهان فيمن أراق الماء بعد دخول الوقت سفها أصحهما لا تجب وسنشرحهما في موضعهما
إن شاء الله تعالى مع فروعهما فهذا الذي ذكرته من التفصيل هو الذي قاله الأصحاب في الطريقتين
ولم يوضح المصنف المسألة بتفصيلها بل أطلق وجوب الإعادة وكلامه محمول على ما إذا تيمم والماء
باق في يد الموهوب وقد أنكر بعضهم عليه اطلاقه ولا يصح انكاره لان مراده ما ذكرته هذا كله
فيمن وهب بعد دخول الوقت اما من وهب قبل الوقت فلا تحرم هبته وتصح صلاته بالتيمم ولا
إعادة كما لو أراقه قبل الوقت وإذا أوجبنا الإعادة مع بقاء الماء أو مع عدمه على أحد الوجهين ففي قدر
ما تجب اعادته ثلاثة أوجه ستأتي هناك إن شاء الله تعالى ومعني قول الأصحاب في هذا صاحب الماء أحق
به أي لا حق لغيره فيه قال الأزهري أحق في كلام العرب له معنيان أحدهما استيعاب الحق كله
كقولك فلان أحق بماله أي لا حق لاحد فيه غيره والثاني على ترجيح الحق وإن كان للآخر فيه
نصيب كقولك فلان أحسن وجها من فلان لا تريد نفى الحسن عن الآخر بل تريد الترجيح قال وهذا
معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الأيم أحق بنفسها من وليها) أي لا يفتات عليها فيزوجها
بغير اذنها ولم ينف حق الولي فإنه هو الذي يعقد عليها وينظر لها والله أعلم: (المسألة الثانية) إذا كان
الماء لهم فهم فيه سواء ولا يجوز لأحدهم ان يبذل نصيبه لطهارة غيره إن كان نصيب الباذل يكفيه
وإن كان لا يكفيه وقلنا يجب استعماله لم يجز بذله والا فيجوز: (الثالثة) إذا كان الماء لأجنبي فأراد أن
يجود به على أحوجهم أو أوصى بماء لأحوج الناس في الموضع الفلاني أو وكل من يصرفه إلى
أحوجهم فأيهم أحق فيه التفصيل الذي ذكره المصنف وسنشرحه إن شاء الله تعالى هكذا صورها
امام الحرمين والغزالي ومن تابعهما وصورها المصنف وجمهور الأصحاب في الطريقتين فيما إذا وصل
هؤلاء المحتاجون إلى ماء مباح وذكروا فيها التفاصيل المذكورة وأنكر امام الحرمين هذا عليهم
وقال (هذا عندي غلط ظاهر فان الماء المباح إذا ازدحم عليه قوم وجب أن يستووا في تملكه
274

ولا يتوقف الملك على الحاجة بل يجب القطع باستوائهم ويقسم الماء بينهم بالسوية ولا ينظر إلى
احداثهم وأحوالهم) قال (ولاخفاء بما نبهنا عليه من هذا الزلل) قال الرافعي (لا منافاة بين كلام امام
الحرمين وكلام الأصحاب لأنهم أرادوا التقديم على سبيل الاستحباب وكأنهم يقولون مجرد الوصول
إلى الماء المباح لا يقتضي الملك وإنما يثبت الملك بالاستيلاء والاحراز فيستحب لغير الأحوج ترك
الاستيلاء والاحراز ايثارا للأحوج) قال (والأصحاب يسلمون انهم لو لم يفعلوا ذلك واستولوا
عليه وازدحموا كان الامر كما ذكره امام الحرمين لكن يمكن أن ينازعهم فيما ذكروه من الاستحباب
ويقول هو متمكن من الطهارة بالماء فلا يجوز العدول إلى التيمم كما لو ملك الماء) هذا كلام الرافعي
فإذا ثبت دفعه إلى الأحوج ففيه صور (إحداها) إذا حضر ميت مع جنب أو حائض أو محدث
فهو أحق منهم لعلتين إحداهما التي ذكرها الشافعي والمصنف والأصحاب انه خاتمة أمره فخص
بأكمل الطهارتين والاحياء سيجدون الماء والثانية ان القصد من غسل الميت تنظيفه ولا يحصل
بالتراب والقصد من طهارة الاحياء استباحة الصلاة وذلك يحصل بالتيمم وقال أبو يوسف الحي أحق
من الميت وهو رواية عن مالك واحمد قال أصحابنا ولا يفتقر استحقاق الميت وتخصيصه إلى
قبول وارث ونحوه كما لو تطوع انسان بتكفين ميت فإنه لا يفتقر إلى قبول وحكي الدارمي والرافعي وجها في
اشتراط قبول هبة الماء للميت وليس بشئ (الثانية) إذا حضر ميت ومن عليه نجاسة فإن كان على الميت
نجاسة فهو أحق بلا خلاف والا فوجهان مشهوران الصحيح منهما عند الأصحاب أن الميت أحق قال أصحابنا
هما مبنيان على العلتين في الميت إن قلنا بالأولى فهو أحق وان قلنا بالثانية فالنجس أحق لأنه لا يسقط فرضه
بالتيمم وتحصل طهارة الميت بالتيمم ولو حضر ميتان والماء يكفي أحدهما فإن كان الماء موجودا
قبل موتهما فالأول أحق وان وجد بعد موتهما أو ماتا معا فأفضلهما أحق به فان استويا أقرع
بينهما نقله الرافعي (1) (الثالثة) لو حضر من عليه نجاسة مع جنب وحائض ومحدث فهو أحق منهم
بلا خلاف لأنه لا بدل لطهارته: (الرابعة) حضر جنب وحائض فثلاثة أوجه مشهورة أصحها عند
الأصحاب الحائض أحق لغلظ حدثها وقول القائل الآخر ان غسل الجنب منصوص عليه في القرآن
275

لا حجة فيه فان غسلها ثابت بالأحاديث الصحيحة والاجماع: والوجه الثاني الجنب أحق لان
الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في صحة تيمم الجنب دون الحائض فقدم لتصح طهارتهما بالاجماع
هكذا احتج له القاضي حسين والصيدلاني قال امام الحرمين هذا ضعيف جدا ولم يصح عن الصحابة
في تيمم الحائض شئ: والثالث يستويان حكاه الدارمي عن ابن القطان فعلى هذا قال الأكثرون
يقرع بينهما وممن صرح بهذا القفال والقاضي حسين والمتولي والبغوي والروياني وآخرون وقال
امام الحرمين وغيره فيه تفصيل اختصره الرافعي فقال إن طلب أحدهما القرعة والآخر القسمة
فالقرعة أولى في أصح الوجهين والقسمة في الثاني هذا ان أوجبنا استعمال الماء الناقص عن الكفاية
والا تعينت القرعة وان اتفقا على القسمة جاز ان أوجبنا استعمال الناقص وإلا فلا لأنه تضييع:
(الخامسة) حضر جنب ومحدث فإن كان الماء يكفي الوضوء دون الغسل فالمحدث أحق إن لم نوجب
استعمال الناقص وان أوجبناه فثلاثة أوجه أصحها المحدث أحق لأنه يرتفع به حدثه بكماله والثاني
الجنب أحق لغلظ حدثه والثالث يستويان ويجئ فيه ما سبق من الاقراع والقسمة وقول المصنف
(فيدفع إلى من شاء منهما) المراد به إذا كان صاحب الماء يجود به على المحتاج واما الوكيل والوصي
والحاكم في المباح فيقرعون بينهما على الأصح ويقسمون على الوجه الآخر ولا تخيير وإن لم
يكن الماء كافيا لواحد منهما فالجنب أولى ان أوجبنا استعمال الناقص والا فكالمعدوم وإن كان كافيا لكل
واحد منهما نظر ان فضل عن الوضوء منه شئ ولم يفضل عن الغسل فالجنب أولى إن لم نوجب
استعمال الناقص لأنه إذا استعمله المحدث يضيع الباقي وان أوجبنا استعمال الناقص ففيه الأوجه
الثلاثة المذكورة في الكتاب أصحها الجنب أحق والثاني المحدث والثالث هما سواء وإن لم يفضل
من واحد منهما شئ أو فضل عن كل واحد منهما شئ فالجنب أحق وفى الحاوي وجه انه إذا
كان لا يفضل عن واحد منهما شئ فهما سواء والصحيح الأول وإن كان يكفي الغسل ولا يكفي الوضوء
ان تصور ذلك فالجنب أحق قال الرافعي (ويتصور ذلك بأن يكون المغتسل نضو الخلق فاقد
الأعضاء والمتوضئ ضخم الأعضاء) وإذا استعمل الماء في هذه المسائل غير من قلنا إنه أحق فقد
276

أساء وطهارته صحيحة والله أعلم *
(فرع) قال الشافعي في مختصر المزني رحمهما الله لو كان مع الميت ماء فخافت رفقته
العطش شربوه ويمموه وأدوا ثمنه في ميراثه واتفق أصحابنا على أنه يحل لهم شربه وعليهم ضمانه
بقيمته يوم الشرب في مكان الشرب كما قلنا في غيره من المتلفات قال القاضي أبو الطيب وغيره
وسمى الشافعي القيمة هنا ثمنا مجازا والا فحقيقة الثمن ما كان في عقد ولكن قد سمت العرب القيمة
ثمنا (قلت) (1) قد قال أهل اللغة مثل هذا فقال الأزهري في تهذيب اللغة قال الليث ثمن كل شئ قيمته
وقال الهروي في الغريبين الثمن قيمة الشئ قال أصحابنا وإنما أوجبنا القيمة ولم نوجب المثل وإن كان
الماء مثليا لان المسألة مفروضة فيما إذا كانوا في برية للماء فيها قيمة ثم رجعوا إلى بلدهم ولا
قيمة للماء فيه وأراد الوارث تغريمهم في البلد فلو ردوا الماء لكان اسقاطا للضمان هذا هو
المذهب الصحيح المقطوع به في طرق الأصحاب وحكي صاحب البحر والرافعي وجها ان مراد
الشافعي بالثمن المثل وانه يرد مثل الماء لا قيمته وهذا شاذ والصواب الأول وأما إذا غرموا في موضع
الشرب فإنهم يغرمون مثل الماء بلا خلاف قال صاحبا العدة والبحر وكذا لو غرموا في موضع
آخر للماء فيه قيمة فلهم أداء مثل الماء وإن كان أقل من قيمته يوم الاتلاف كمن أتلف حنطة غرم
مثلها وإن كانت قيمتها يوم الغرم أقل ولو غرموا القيمة ثم اجتمعوا هم والوارث في موضع
للماء فيه قيمة فهل له رد القيمة والمطالبة بمثل الماء وجهان كالوجهين فيمن أتلف مثليا فتعذر المثل
فغرم القيمة ثم وجد المثل هل للمالك أن يرد القيمة ويطالب بالمثل هكذا قاله القاضي حسين
والفوراني وصاحب العدة وآخرون وسنوضح المسألة في كتاب الغصب إن شاء الله تعالى هذا
كله إذا احتاج الاحياء إلى ماء الميت للعطش فاما إذا لم يحتاجوا إليه للعطش بل للطهارة فإنهم
يغسلونه منه بقدر حاجته وما بقي حفظوه للورثة ويحرم عليهم الوضوء به بل يتيممون فان توضؤا
به أثموا وضمنوه على ما سبق والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وإن لم يجد ماء ولا ترابا صلى على حسب حاله لأن الطهارة شرط من شروط الصلاة

(1) في الصحيح في حديث قطع سارق المجز في مجز قيمته ثلاثة دراهم وفي رواية ثمنه ثلاثة دراهم اه‍ أذرعي
277

فالعجز عنها لا يبيح ترك الصلاة كستر العورة وإزالة النجاسة واستقبال القبلة والقيام والقراءة]
[الشرح] قوله (على حسب حاله) هو بفتح السين أي قدر حاله ولو حذف لفظة حسب
صح الكلام أيضا وقوله (شرط من شروط الصلاة) احتراز من العقل فإنه شرط ولكن من شروط
التكليف وقوله (والقيام والقراءة)) مما ينكر عليه لأنه جعلهما من الشروط ومعلوم عنده وعند غيره
انهما ليسا من الشروط بل من الفرائض والأركان وكان ينبغي أن يحذفهما فقد حصل الغرض بما
قبلهما أو يقول لأن الطهارة لازم من لوازم الصلاة ليتناول كل المذكورات وكأنه أراد بالشرط
مالا تصح الصلاة الا بوجوده لا حقيقته وأما حكم المسألة فإذا لم يجد المكلف ماء ولا ترابا بأن
حبس في موضع نجس أو كان في أرض ذات وحل ولم يجد ماء يخففه به أو ما أشبه ذلك ففيه أربعة
أقوال حكاها أصحابنا الخراسانيون (أحدها) يجب عليه أن يصلى في الحال على حسب حاله ويجب
عليه الإعادة إذا وجد ماء أو ترابا في موضع يسقط الفرض بالتيمم وهذا القول هو الصحيح الذي
قطع به كثيرون من الأصحاب أو أكثرهم وصححه الباقون وهو المنصوص في الكتب الجديدة
(والثاني) لا تجب الصلاة بل تستحب ويجب القضاء سواء صلى أم لم يصل حكوه عن القديم وحكاه
الشيخ أبو حامد وغيره من العراقيين (والثالث) يحرم عليه الصلاة ويجب القضاء حكاه امام الحرمين
وجماعة من الخراسانيين عن القديم (والرابع) تجب الصلاة في الحال على حسب حاله ولا تجب
الإعادة حكوه عن القديم أيضا وستأتي أدلة هذه الأقوال في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى
قال امام الحرمين وإذا قلنا تجب الصلاة في القوت ويجب القضاء فالمذهب الظاهر أن ما يأتي به
في الوقت صلاة ولكن يجب تدارك النقص ولا يمكن الا بفعل صلاة كاملة قال ومن أصحابنا من قال
الذي يأتي به تشبه كالامساك في رمضان لمن أفطر عمدا قال الامام وهذا بعيد جدا قال أصحابنا
فإذا قلنا بالمذهب وهو وجوب الصلاة في الحال ووجوب القضاء صلى الفرض وحده ولا يجوز
النفل ولا مس المصحف وحمله فإن كان جنبا لم يجز له المكث في المسجد ولا قراءة القرآن في
غير الصلاة وإن كانت امرأة انقطع حيضها لم يجز وطؤها لأن هذه الأشياء إنما تباح بالطهارة ولم
278

تأت بها وإنما صلي الفريضة للضرورة محافظة على حرمتها وحكي الجرجاني في المعاياة وصاحب
البيان وجها انه يباح وطؤها وليس بشئ وإذا صلي الفرض وكان جنبا أو منقطعة الحيض لم يقرأ
في الصلاة ما زاد على الفاتحة بلا خلاف وفى الفاتحة وجهان سبق بيانهما وشرحهما في آخر باب
ما يوجب الغسل أصحهما تجب والثاني يحرم بل يأتي بالأذكار التي يأتي بها من لا يحسن الفاتحة
قال أصحابنا وإذا شرع في الصلاة على حسب حاله فرأى الماء أو التراب في أثنائها بطلت صلاته
هذا هو الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور وحكي القاضي حسين وجها انها لا تبطل كالوجه المحكى
في طريقة خراسان ان المتيمم في الحضر إذا رأى الماء في أثناء الصلاة لا تبطل وهذا الوجه
ليس بشئ قال أصحابنا ولو أحدث في هذه الصلاة أو تكلم بطلت بلا خلاف
(فرع) قال أبو العباس الجرجاني في المعاياة ليس أحد يصح احرامه بصلاة الفرض ولا
يصح بالنفل الا من عدم الماء والتراب أو السترة الطاهرة أو كان على بدنه نجاسة لا يقدر على
ازالتها والله أعلم *
(فرع) قال أصحابنا إذا عدم الماء والتراب فصلى على حسب حاله وأوجبنا الإعادة أعاد إذا
وجد الماء أو وجد التراب في موضع يسقط الفرض فيه بالتيمم أما إذا قدر على التيمم في حالة
لا يسقط الفرض فيها بالتيمم كالحضر فإنه لا يعيدها بالتيمم لأنه لا فائدة في الإعادة حينئذ وكيف
يصلى محدثا صلاة لا تنفعه من غير ضرورة ولا حرمة وقت وإنما جازت صلاة الوقت في هذا
الحال لحرمة الوقت وقد زال قال الروياني قال والدي إذا كان عليه صلاة فائتة بغير عذر وقلنا
يجب قضاؤها على الفور فعدم الماء والتراب فعندي انه لا يلزمه القضاء في هذه الحالة لأنا لو ألزمناه
ذلك احتاج إلى الإعادة ثانيا وثالثا وما لا يتناهى بخلاف المؤداة فإنه يجب فعلها لحرمة الوقت ولا
يؤدى إلى التسلسل قال وهل له أن يقضى في هذه الحالة فيه وجهان يعنى يقضى في الحال ثم يقضى
إذا وجد الطهور (قلت) والصواب منهما انه لا يجوز لما ذكرناه والله أعلم *
(فرع) إذا ربط على خشبة أو شد وثاقه أو منع الأسير أو غيره من الصلاة وجب عليهم ان
279

يصلوا على حسب حالهم بالايماء ويكون ايماؤه بالسجود أخفض من الركوع ويجب الإعادة أما
وجوب الصلاة فلحرمة الوقت وأما الإعادة فلانه عذر نادر غير متصل هذا هو المذهب الصحيح
المشهور وحكي القاضي أبو الطيب وصاحب الحاوي وجماعة من العراقيين والخراسانيين فيهم
قولا قديما انه لا إعادة عليهم كالمريض والفرق على المذهب ان المرض يعم وقال الصيدلاني في
هذا وفى الغريق يتعلق بعود ويصلى بالايماء ان استقبل القبلة فلا إعادة كالمريض يصلى بالايماء
والا وجبت الإعادة وقال البغوي في الغريق يصلى بالايماء لا يعيد ما صلى إلى القبلة ويعيد غيره
في أصح القولين وأما المريض إذا لم يجد من يحوله إلى القبلة فيجب أن يصلى على حسب حاله
وتجب الإعادة على الصحيح المشهور لندوره قال الروياني ومن أصحابنا من قال في الإعادة قولان
وهذا شاذ والله أعلم *
(فرع) إذا أوجبنا الإعادة في هذه المسائل السابقة ومسألة من لم يجد ماء ولا ترابا ومسألة
من صلى بنجاسة لا يقدر على ازالتها فأعاد ففي الفرض من صلاته أربعة أقوال مشهورة حكاها
الشيخ أبو حامد والأصحاب في الطريقتين وذكر صاحب الحاوي أن المزني وأبا علي بن أبي هريرة
نقلاها وقد ذكرها المصنف في مسألة النجاسة في باب طهارة البدن: قال امام الحرمين وغيره كل صلاة
صلاها في الوقت عالما باختلالها مع بذل الامكان ثم أمرناه بالقضاء فقضاها ففي الواجب من الصلاتين
أربعة أقوال أصحها عند الأصحاب أنها الثانية وهو نصه في الأم والثاني الأولى والثالث إحداهما
لا بعينها والرابع كلاهما واجب وهو نصه في الاملاء واختاره القفال والفوراني وابن الصباغ وهو
قوي لأنه مكلف بهما ويطهر فائدة الخلاف في مسائل منها إذا أراد أن يصلي الثانية بتيمم الأولى
وسيأتي تفصيله قريبا إن شاء الله تعالى وسيأتي في بيان هذه الأقوال وما يشبهها من الصلوات المفعولات
على نوع خلل زيادات في آخر الباب في فرع مستقل بذلك إن شاء الله تعالى
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن لم يجد ماء ولا ترابا قد قدمنا ان في مذهبنا أربعة أقوال
وقال بكل واحد منهما طائفة من العلماء فحكي ابن المنذر عن الأوزاعي وسفيان الثوري وأصحاب
الرأي انه لا يصلى في الحال بل يصبر حتى يجد الماء أو التراب وهو قول أبي يوسف ورواية عن أبي
ثور والرواية الأخرى عنه أنه لا يصلى ولا يعيد وحكاها أصحابنا عن داود وعن مالك رواية
انه يصلى ويعيد ورواية أنه يصلى ولا يعيد ورواية لا يصلي وفى الإعادة عندهم خلاف وقال احمد
يصلي وفى الإعادة روايتان وقال المزني يصلى ولا يعيد وكذا عنده كل صلاة صلاها على حسب حاله
280

لا تجب اعادتها صرح بذلك في مختصره ونقله عنه الأصحاب واحتج من منع الصلاة في الحال بقول
الله تعالى (ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا) وبحديث ابن عمر
رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) رواه مسلم وبحديث
علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مفتاح الصلاة الطهور) رواه أبو داود والترمذي
وقال حديث حسن وبالقياس على الحائض قبل انقطاع حيضها واحتج من لم يوجبها في الحال ولم
يوجب القضاء بأنه عاجز عن الطهارة كالحائض واحتج لمن قال يصلى ولا يعيد بحديث عائشة رضي الله عنه
ا انها استعارت قلادة من أسماء فهلكت فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من
أصحابه في طلبها فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك
إليه فنزلت آية التيمم رواه البخاري ومسلم ووجه الدلالة أنهم صلوا بغير طهارة ولم يأمرهم النبي
صلى الله عليه وسلم بإعادة قالوا ولان ايجاب الإعادة يؤدى إلى ايجاب ظهرين عن يوم وقياسا على
المستحاضة والعريان والمصلي بالايماء لشدة الخوف أو للمرض واحتج أصحابنا لوجوب الصلاة
في الحال بحديث عائشة المذكور فان هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم صلوا على حسب حالهم حين
عدموا المطهر معتقدين وجوب ذلك وأخبروا به النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم ولا قال
ليست الصلاة واجبة في هذا الحال ولو كانت غير واجبة لبين ذلك لهم كما قال لعلي رضي الله عنه
(إنما كان يكفيك كذا وكذا) وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم) رواه البخاري ومسلم وهو مأمور
بالصلاة بشروطها فإذا عجز عن بعضها أتي بالباقي كما لو عجز عن ستر العورة أو القبلة أو ركن
كالقيام واحتجوا لوجوب الإعادة بقوله صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولأنه
عذر نادر غير متصل فلم تسقط الإعادة كمن صلي محدثا ناسيا أو جاهلا حدثه وكمن صلى إلى القبلة
فحول انسان وجهه عنها مكرها أو منعه من اتمام الركوع فإنه يلزمه الإعادة بالاتفاق كذا نقل
281

الاتفاق فيه الشيح أبو محمد الجويني قال وهذا مما وافق عليه المزني: وأما الجواب عن احتجاج
الأولين بالآية فمن وجهين (أحدهما) أن المراد لا تقربوا موضع الصلاة وهو المسجد (والثاني) أنها
محمولة على واجد المطهر وهذا الثاني هو الجواب عن الحديث أيضا كما في قوله صلى الله عليه وسلم
(لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب) معناه إذا قدر عليها وهذا هو الجواب أيضا عن الحديث الآخر
والجواب عن قياسهم على الحائض ان الحائض مكلفة بترك الصلاة لا طريق لها إلى فعلها ولو وجدت
الطهور وهذا بخلافها والجواب عن حديث عائشة أن تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز والقضاء
على التراخي والجواب عن قولهم يؤدى إلى ايجاب ظهرين انه لا امتناع في ذلك إذا اقتضاه الدليل
كما إذا اشتبه عليه وقت الصلاة أو الصوم فصلى وصام بالاجتهاد ثم تحقق انه فعله فبل الوقت
وأدرك الوقت فإنه يلزمه الإعادة فقد أوجبنا عليه ظهرين والجواب عن المستحاضة ان عذرها إذا
وقع دام وعمن بعدما أن اعذارهم عامة فلو أوجبنا الإعادة شق وحصل الحرج بخلاف مسألتنا والله
أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وأما الخائف من استعمال الماء فهو أن يكون به مرض أو قروح يخاف معها من استعمال الماء
أو في برد شديد يخاف من استعمال الماء فينظر فيه فان خاف التلف من استعمال الماء جاز له التيمم
لقوله تعالي (وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا
ماء فتيمموا) قال ابن عباس رضي الله عنهما إذا كانت بالرجل جراحة في سبيل الله عز وجل أو قروح
أو جدري فيجنب فيخاف أن يغتسل فيموت فإنه يتيمم بالصعيد وروى عن عمرو بن العاص رضي
الله عنه قال (احتلمت في ليلة باردة في غزاة ذات السلاسل فأشفقت ان اغتسلت ان أهلك فتيممت
وصليت بأصحابي صلاة الصبح فذكر لك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو صليت بأصحابك
وأنت جنب فقال سمعت الله تعالى يقول (ولا تقتلوا أنفسكم أن الله كان بكم رحيما) ولم ينكر عليه) وان
خاف الزيادة في المرض وابطاء البرئ قال في الأم لا يتيمم وقال في القديم والبويطي والاملاء يتيمم
282

إذا خاف الزيادة فمن أصحابنا من قال هما قولان أحدهما يتيمم لأنه يخاف الضرر من استعمال الماء
فأشبه إذا خاف التلف والثاني لا يجوز لأنه واجد للماء لا يخاف التلف من استعماله فأشبه إذا خاف
أنه يجد البرد ومنهم من قال لا يجوز قولا واحدا وما قاله في القديم والبويط والاملاء محمول عليه
إذا خاف زيادة تخوفه وحكي أبو علي في الافصاح طريقا آخر انه يتيمم قولا واحدا وان خاف من
استعمال الماء شيئا فاحشا في جسمه فهو كما لو خاف الزيادة في المرض لأنه يتألم قلبه بالشين الفاحش
كما يتألم بزيادة المرض] *
[الشرح] أما قول ابن عباس رضي الله عنهم فرواه البيهقي موقوفا على ابن عباس ورواه
مرفوعا أيضا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: وأما حديث عمرو بن العاص فرواه أبو داود والحاكم
أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين والبيهقي ولكن رووه من طريقتين مختلتي الاسناد
والمتن متن إحداهما كما ذكره في المهذب ومتن الثانية أن عمرا احتلم فغسل مغابنه وتوضأ وضوءه
للصلاة ثم صلى بهم وذكر الثاقي؟؟ بمعنى ما سبق ولم يذكر التيمم قال الحاكم في الرواية الثانية هذا
حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم قال والذي عندي انهما عللاه بالرواية الأولى يعنى لاختلافهما
وهي قضية واحدة قال الحاكم ولا تعلل رواية التيمم رواية الوضوء فان أهل مصر أعرف بحديثهم
من أهل البصرة يعنى أن رواية الوضوء يرويها مصري عن مصري ورواية التيمم بصري عن
مصري قال البيهقي ويحتمل أن يكون فعل ما نقل في الروايتين جميعا فغسل ما أمكنه وتيمم للباقي
وهذا الذي قاله البيهقي متعين لأنه إذا أمكن الجمع بين الروايتين تعين وقوله مغابنه بفتح الميم
وبغين معجمة وبعد الألف باء موحدة مكسورة والمراد بها هذا القرح وما قاربه والقروح
الجروح ونحوها واحدها قرح بفتح القاف وضمها والجدري بضم الجيم وفتحها لغتان
فصيحتان والدال مفتوحة فيهما وأبطاء البرء هو بضم الباء واسكان الراء وبعدها همزة يقال برئ
من المرض برءا بضم الباء وبرأ برءا بفتحها وبرأ برأ ثلاث لغات أفصحهن الثانية وهو مهموز فيهن
283

ومنهم من ترك الهمز تخفيفا وقوله أشفقت أي خفت وقوله أهلك هو بكسر اللام هذه اللغة
الفصيحة وبها جاء القرآن وحكي أبو البقاء فتحها وانه قرئ به في الشواذ وهذا شاذ ان ثبت وذات
السلاسل بفتح السين الأولى وكسر الثانية وهي من غزوات الشام وكان في جمادى الآخرة
سنة ثمان من الهجرة وأميرها عمرو بن العاص قيل سميت بذلك باسم ماء بأرض جذام يقاله له
المسلسل كذا ذكره ابن هشام في كتابه سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره غيره وهذا
يؤيد ما ذكرناه انها بفتح السين الأولى وهذا هو المشهور وقد حكي فيها الضم وقد أوضحته في
تهذيب الأسماء واللغات وعمرو بن العاص يكني أبا عبد الله وقيل أبا محمد وأسلم قبل الفتح بأشهر
وقيل أسلم بين الحديبية وخيبر مات بمصر عاملا عليها سنة اثنتين وقيل ثلاث وأربعين وقيل احدى
وخمسين يوم الفطر وهو ابن سبعين سنة ويقال ابن العاصي والعاص باثبات الياء وحذفها واثباتها
هو الصحيح الفصيح وفى حديثه هذا فوائد إحداها جواز التيمم لخوف التلف مع وجود الماء الثانية
جواز التيمم للجنب الثالثة ان التيمم لشدة البرد في السفر يسقط الإعادة الرابعة التيمم لا يرفع
الحدث لان النبي صلى الله عليه وسلم سماه جنبا الخامسة جواز صلاة المتوضئ خلف المتيمم
السادسة استحباب الجماعة للمسافرين السابعة ان صاحب الولاية أحق بالإمامة في الصلاة وإن كان
غيره أكمل طهارة أو حالا منه الثامنة جواز قول الانسان سمعت الله يقول أو الله يقول كذا وقد
كره هذه الصيغة مطرف بن عبد الله بن الشخير التابعي وقال إنما يقال قال الله بصيغة الماضي
وهذا الذي قاله شاذ باطل ويرده الكتاب والسنة واستعمال الأمة وقد ذكرت دليله مبسوطا في
كتاب أدب القراء وكتاب الأذكار قال الله تعالى والله يقول الحق وفيه فضيلة لعمرو لحسن
استنباطه من القرآن وفيه غير ذلك من الفوائد والله أعلم * أما أحكام المسألة فالمرض ثلاث أضرب
أحدها مرض يسير لا يخاف من استعمال الماء معه تلفا ولا مرضا مخوفا ولا ابطاء برء ولا زيادة
ألم ولا شينا فاحشا وذلك كصداع ووجع ضرس وحمي وشبهها فهذا لا يجوز له التيمم بلا خلاف
284

عندنا وبه قال العلماء كافة الا ما حكاه أصحابنا عن أهل الظاهر وبعض أصحاب مالك أنهم جوزوه
للآية ودليلنا أن التيمم رخصة أبيحت للضرورة فلا يباح بلا ضرورة ولا ضرورة هنا ولأنه
واجد للماء لا يخاف ضررا فلا يباح التيمم كما لو خاف ألم البرد دون تعقب ضرر قال أصحابنا
ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال (الحمي من فيح جهنم فأبردوها بالماء) رواه البخاري ومسلم من
رواية ابن عمر وغيره فندب إلى الماء للحمي فلا تكون سببا لتركه والانتقال إلى التيمم والجواب
عن الآية من وجهين أحدهما أن ابن عباس رضي الله عنهما فسرها بالجراحة ونحوها كما سبق
وروى هذا التفسير مرفوعا كما سبق والجراحة ونحوها يخاف معها الضرر من الماء فلا يلحق بها
غيرها: والثاني انها لو كانت عامة خصصناها بما سبق (الضرب الثاني) مرض يخاف معه من استعمال
الماء تلف النفس أو عضو أو حدوث مرض يخاف منه تلف النفس أو عضو أو فوات منفعة عضو
فهذا يجوز له التيمم مع وجود الماء بلا خلاف بين أصحابنا الا صاحب الحاوي فإنه حكي في خوف
الشلل طريقين أحدهما فيه قولان كما في خوف زيادة المرض وأصحهما القطع بالجواز كما قاله الجمهور
والا ما حكاه امام الحرمين عن العراقيين انهم نقلوا في جواز التيمم لمن خاف مرضا مخوفا قولين
وهذا النقل عنهم مشكل فان الموجود في كتبهم كلهم القطع بجواز التيمم لخوف حدوث مرض
مخوف وقد أشار الرافعي أيضا إلى الانكار على امام الحرمين في هذا النقل هذا بيان مذهبنا
وحكي أصحابنا عن عطاء ابن أبي رباح والحسن البصري انهما قالا لا يجوز التيمم للمريض الا
عند عدم الماء لظاهر الآية دليلنا ما سبق من تفسير ابن عباس وحديث عمرو بن العاص وحديث
الرجل الذي اصابته الشجة وغيره من الأدلة الظاهرة: وأما الآية فحجة لنا وتقديرها والله
أعلم وان كنتم مرضى فعجزتم أو خفتم من استعمال الماء أو كنتم على سفر فلم تجدوا ماء فتيمموا
(الضرب الثالث) أن يخاف ابطاء البرئ أو زيادة المرض وهي كثرة الألم وإن لم تطل مدته أو شدة
الضنا وهو الداء الذي يخامر صاحبه وكلما ظن أنه برئ نكس وقيل هو النحافة والضعف أو
خاف حصول شين فاحش على عضو ظاهر وهو الذي يبدو في حال المهنة غالبا ففي هذه الصور
النصوص والخلاف الذي ذكره المصنف وحاصله ثلاث طرق الصحيح منها أن في المسألة قولين
أصحهما جواز التيمم ولا إعادة عليه وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وداود وأكثر العلماء
285

لظاهر الآية وعموم البلوى ولأنه لا يجب شراء الماء بزيادة يسيرة لدفع الضرر والضرر هنا أشد
ولأنه يجوز الفطر وترك القيام في الصلاة بهذا النوع ودونه فهنا أولى والقول الثاني لا يجوز التيمم
وبه قال عطاء والحسن وأحمد: والطريق الثاني القطع بالجواز. والثالث القطع بالمنع وحكي أصحابنا
عن أبي إسحاق المروزي انه لا يجوز التيمم للشين الفاحش قطعا وإنما الخلاف في زيادة المرض
وغيره مما سبق وحكي الماوردي عنه انه على الخلاف وهذا هو الصحيح ودليله ما ذكره المصنف
ثم الخلاف في شين فاحش على عضو ظاهر كما ذكرنا فاما شين يسير على عضو ظاهر كسواد
قليل وشين كثير على عضو غير ظاهر فلا يبيح التيمم لأنه ليس فيه ضرر كثير فأشبه الصداع
ونحوه والله أعلم *
(فرع) إذا كانت العلة المرخصة في التيمم مانعة من استعمال الماء في جميع أعضاء الطهارة
تيمم عن الجميع فان منعت بعضا دون بعض غسل الممكن وتيمم عن الباقي كما سنوضحه إن شاء الله
تعالى في فضل تيمم الجريح *
(فرع) قال أصحابنا يجوز أن يعتمد في كون المرض مرخصا في التيمم وانه على الصفة المعتبرة
على معرفة نفسه إن كان عارفا والا فله الاعتماد على قول طبيب واحد حاذق مسلم بالغ عدل فإن لم
يمكن بهذه الصفة لم يجز اعتماده وفيه وجه ضعيف انه يجوز اعتماد قول صبي مراهق وبالغ فاسق
لعدم التهمة حكاه صاحبا التتمة والتهذيب وغيرهما واتفقوا على أنه لا يعتمد الكافر ويقبل قول
المرأة وحدها والعبد وحده هذا هو الصحيح المشهور ورأيت في نسخة من تعليق القاضي حسين
فيهما وجهين ويقبل قول واحد على المذهب وبه قطع القاضي حسين والمتولي والبغوي وغيرهم
وحكي الرافعي عن أبي عاصم انه حكي في اشتراط العدد وجها والصحيح الأول لأنه من باب الاخبار
وإذا لم يجد طبيب بالصفة المشهورة فقد قال صاحب البحر قال أبو علي السنجي لا يتيمم ولم يزد على
هذا ولم أر لغيره موافقة له ولا مخالفة
286

(فرع) قال أصحابنا لا فرق في هذه المسائل في تيمم المريض بين المسافر والحاضر ولا بين
الحدث الأصغر والأكبر ولا إعادة في شئ من هذه الصور الجائزة بلا خلاف سواء فيه المسافر
والحاضر لعمومه *
(فرع) إذا تيمم للمرض ثم برأ في أثناء صلاته فهو كالمسافر يجد الماء في صلاته وسيأتي
بيانه إن شاء الله تعالى قاله الدارمي والمحاملي في اللباب وغيرهما وهو ظاهر *
(فرع) الأقطع والمريض الذي لا يخاف ضررا من استعمال الماء إذا وجد ماء ولم يقدر على
استعماله فقد قدمنا في باب صفة الوضوء أنه يلزمه تحصيل من يوضئه بأجرة أو غيرها فإن لم يجد
وقدر على التيمم وجب عليه أن يتيمم ويصلى ثم يعيد كذا نص عليه الشافعي ونقله الشيخ عن
نص الشافعي ولم يذكر غيره وكذا حكاه آخرون عن النص وصرح به أيضا جماعات من الأصحاب
وكذا قال صاحب التهذيب في الزمن عنده مالا يجد من يناوله يتيمم ويصلي ويعيد الصلاة وشذ
صاحب البيان عن الأصحاب فقال يصلى على حسب حاله ويعيد ولا يتيمم لأنه واجد للماء وهذا
الذي قاله غلط فاحش مخالف لنص الشافعي والأصحاب والدليل لأنه عاجز عن استعماله فهو
كما لو حال بينهما سبع وإنما وجبت الإعادة لندوره والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وإن كان في بعض بدنه قرح يمنع استعمال الماء غسل الصحيح وتيمم عن الجريح وقال
أبو إسحاق يحتمل قولا آخر أن يقتصر على التيمم كما لو عجز عن الماء في بعض بدنه للاعواز
والأول أصح لان العجز هناك ببعض الأصل وها هنا العجز ببعض البدن وحكم الامرين مختلف
ألا ترى أن الحر إذا عجز عن بعض الأصل في الكفارة جعل كالعاجز عن جميعه في جواز الاقتصار
على البدل ولو كان نصفه حرا ونصفه عبدا لم يمكن العجز بالرق في البعض كالعجز بالجميع بل إذا
ملك بنصفه الحر مالا لزمه ان يكفر بالمال] *
(الشرح) قال أصحابنا إذا كان في بعض أعضاء طهارة المحدث أو الجنب والحائض
والنفساء قرح ونحوه وخاف من استعمال الماء الخوف المجوز للتيمم لزمه غسل الصحيح والتيمم
287

عن الجريح هذا هو الصحيح الذي نص عليه الشافعي وقاله جمهور أصحابنا المتقدمين وقال أبو إسحاق
المروزي وأبو علي بن أبي هريرة والقاضي أبو حامد المرودودي فيه قولان كمن وجد بعض ما يكفيه
من الماء أحدهما يجب غسل الصحيح والتيمم والثاني يكفيه التيمم والمذهب الأول وأبطل
الأصحاب هذا التخريج بما ذكره المصنف قال أصحابنا فإن كان الجريح جنبا أو حائضا أو نفساء
فهو مخير ان شاء غسل الصحيح ثم تيمم عن الجريح وان شاء تيمم ثم غسل إذ لا ترتيب في طهارته
قال أصحابنا وهذا بخلاف المسافر إذا وجد بعض ما يكفيه وأوجبنا استعماله فإنه يجب استعماله
أولا ثم يتيمم لأنه هناك أبيح له التيمم لعدم الماء فلا يجوز مع وجوده وهنا أبيح للجراحة وهي
موجودة هذا هو الصحيح المشهور وحكي القاضي حسين وامام الحرمين والمتولي وغيرهم وجها
أنه يجب تقدم الغسل هنا وهو شاذ ضعيف قال أصحابنا فإن كانت الجراحة على وجهه فخاف
ان غسل رأسه نزول الماء إليها لم يسقط غسل الرأس بل يلزمه أن يستلقي على قفاه أو يخفض رأسه
فان خاف انتشار الماء وضع بقرب الجراحة خرقة مبلولة وتحامل عليها ليقطر منها ما يغسل الصحيح
الملاصق للجريح قال صاحبا التهذيب والبحر فإن لم يمكنه ذلك أمس ما حوالي الجريح الماء من
غير إفاضة وأجزأه وقد رأيت نص الشافعي رحمه الله في الأم نحو هذا فإنه قال أن خاف لو أفاض الماء
إصابة الجريح أمس الماء الصحيح امساسا لا يفيض وأجزأه ذلك إذا أمس الشعر والبشرة هذا
نصه بحروفه قال أصحابنا فإن كان الجرح في ظهره استعان بمن يغسله ويمنع وصول الماء إلى الجراحة
وكذا الأعمى يستعين فإن لم يجدا متبرعا لزمه تحصيله بأجرة المثل فإن لم يجد غسل ما يقدر عليه
وتيمم للباقي وأعاد لندوره نص عليه الشافعي واتفق الأصحاب عليه قال أصحابنا ولا يجب مسح
موضع الجراحة بالماء وإن كان لا يخاف منه ضررا ونقل امام الحرمين اتفاق الأصحاب على هذا
لان الواجب الغسل فإذا تعذر فلا فائدة في المسح بخلاف مسح الجبيرة فإنه مسح على حائل
كالخف قال أصحابنا ولا يلزمه أن يضع عليها عصابة لتمسح عليها هذا هو الصحيح المشهور وحكي
288

امام الحرمين عن والده أنه أوجب وضع شئ عليها إذا أمكنه ليمسح عليه قال الامام ولم أر هذا
لاحد من الأصحاب وفيه بعد من حيث أنه لا يوجد له نظير في الرخص وليس للقياس مجال
في الرخص ولو اتبع لكان أولي شئ وأقربه أن يمسح الجرح عند الامكان فإذا كان ذلك لا يجب
بالاتفاق فوضع العصابة أولى بأن لا يجب قال الامام ولو كان متطهرا فأرهقه حدث ووجد من
الماء ما يكفيه لوجهه ويديه ورأسه دون رجليه ولو لبس الخف أمكنه المسح عليه فهل يلزمه لبس
الخف ليمسح عليه بعد الحدث قياس ما ذكره شيخي ايجاب ذلك وهو بعيد عندي ولشيخي أن
يفرق بأن مسح الخف رخصة محضة فلا يليق بها ايجابها وما نحن فيه ضرورة فيجب فيه الممكن
هذا كلام الامام وحكى الغزالي في هاتين الصورتين ترددا ومراده به ما ذكره الإمام قال أصحابنا
فان احتاج إلى العصابة لامساك الدواء أو لخوف انبعاث الدم عصبها على طهر على موضع الجراحة
ومالا يمكن عصبها الا بعصبة من الصحيح فان خاف من نزعها لم يجب نزعها بل يجب المسح عليها بدلا
عما تحتها من الصحيح كالجبيرة لا عن موضع الجراحة قال أصحابنا فإن كانت الجراحة على موضع
التيمم وجب امرار التراب على موضعها لأنه لا ضرر ولا خوف عليه في ذلك بخلاف غسله بالماء
قال الشافعي والأصحاب حتى لو كان للجراحة أفواه مفتحة وأمكن امرار التراب عليها لزمه ذلك
لأنها صارت ظاهرة قال أصحابنا واستحب الشافعي رحمه الله هنا ان يقدم التيمم ثم يغسل صحيح
الوجه واليدين ليكون الغسل بعده مزيلا آثار الغبار عن الوجه واليدين هذا حكم الجنب
والحائض والنفساء أما المحدث إذا كانت جراحته في أعضاء الوضوء ففيه ثلاثة أوجه مشهورة
عند الخراسانيين أحدها انه كالجنب فيتخير بين تقديم التيمم على غسل الصحيح وتأخيره
وتوسيطه وهذا اختيار الشيخ أبي على السنجي بكسر السين المهملة وبالجيم وبه قطع صاحب
الحاوي قال والأفضل تقديم الغسل والثاني يجب تقديم غسل جميع الصحيح والثالث
يجب الترتيب فلا ينتقل من عضو حتى يكمل طهارته محافظة على الترتيب فإنه واجب
وهذا هو الأصح عند الأصحاب صححه المتولي والروياني وصاحب العدة وآخرون
289

من الخراسانيين وقطع به جمهور العراقيين منهم القاضي أبو الطيب والمحاملي في المجموع وابن الصباغ
والشيخ نصر في كتابيه والشاشي في المعتمد وآخرون ونقله الروياني عن جمهور الأصحاب فعلى هذا
قال أصحابنا إن كانت الجراحة في وجهه وجب تكميل طهارة الوجه أولا فإن شاء غسل صحيحه ثم
تيمم عن جريحه وان شاء تيمم ثم غسل والأولى تقديم التيمم قاله الشيخ نصر وذكر المتولي
وجها انه يجب تقديم الغسل وهو الشاذ الذي حكيناه في الجنب وليس بشئ ولا يخفى تفريعه فيما
بعد ولكن لا يفرع عليه فإذا فرغ من طهارة الوجه على ما ذكرنا غسل اليدين ثم مسح الرأس ثم
غسل الرجلين وإن كانت الجراحة في يديه أو إحداهما غسل وجهه ثم إن شاء غسل صحيح يديه
ثم تيمم عن جريحهما وان شاء تيمم ثم غسل ثم يمسح رأسه ثم يغسل رجليه وإن كانت الجراحة
في جميع رأسه غسل الوجه واليدين ثم تيمم عن الرأس ثم غسل الرجلين وإن كانت الجراحة
في الرجلين طهر الأعضاء قبلهما ثم تخير فيهما بين تقديم الغسل والتيمم قال صاحب البيان وإذا
كانت الجراحة في يديه استحب أن يجعل كل يد كعضو مستقل فيغسل وجهه ثم صحيح اليمنى ثم
يتيمم عن جريحهما أو يقدم التيمم على غسل صحيحها ثم يغسل صحيح اليسرى ثم يتيمم عن جريحها
أو بعكس قال وكذا الرجلان وهذا الذي قاله حسن فان الترتيب بين اليمين واليسار سنة فإذا
اقتصر على تيمم واحد فقد طهرهما في حالة واحدة هذا كله إذا كانت الجراحة في عضو فإن كانت
في عضوين وجب تيممان وأن كانت في ثلاثة وجب ثلاثة فإن كانت في الوجه واليدين غسل صحيح
الوجه ثم تيمم عن جريحه أو عكس ثم غسل صحيح اليدين ثم تيمم عن جريحهما أو عكس ثم مسح
الرأس ثم غسل الرجلين وإن كانت في اليدين والرجلين غسل الوجه ثم طهر اليدين غسلا وتيمما
ثم مسح الرأس ثم طهر الرجلين غسلا وتيمما (فان قيل) إذا كانت الجراحة في وجهه ويده فينبغي
أن يجزيه تيمم واحد فيغسل صحيح الوجه ثم يتيمم عن جريحه وجريح اليد ثم يغسل صحيح اليد
فإنه يجوز ان يوالي بين تيمميهما فيغسل صحيح الوجه ثم يتيمم عن جريحه ثم يتيمم عن جريح اليد
ثم يغسل صحيحهما وإذا جاز تيمماهما في وقت فينبغي أن يكفي تيمم واحد لهما كما لو تيمم للمرض
أو لعدم الماء فإنه يكفيه تيمم واحد لكل الأعضاء فالجواب ان التيمم هنا وقع عن بعض الأعضاء
290

في طهارة وجب فيها الترتيب فلو جوزنا تيمما واحدا لحصل تطهير الوجه واليد في وقت واحد
وهذا لا يجوز بخلاف التيمم عن الأعضاء كلها فإنه لا ترتيب هناك وإن كانت الجراحة في الوجه
واليد والرجل غسل صحيح الوجه وتيمم عن جريحه ثم اليدين كذلك ثم مسح رأسه ثم غسل
صحيح الرجلين وتيمم لجريحهما أما إذا عمت الجراحات الأعضاء الأربعة فقال القاضي أبو الطيب
وغيره يكفيه تيمم واحد لأنه سقط الترتيب لكونه لا يجب غسل شئ من الأعضاء قالوا ولو عمت
الرأس وكانت في بعض من كل واحد من الأعضاء الثلاثة وجب غسل صحيح الأعضاء الثلاثة
وأربعة تيممات على ما ذكرنا من الترتيب والفرق بين الصورتين ان في الأولى سقط حكم الوضوء
وبقي الحكم للتيمم وفي الثانية ترتيب الوضوء باق قال صاحب البحر فإذا تيمم في هذه الصورة أربعة
تيممات وصلى ثم حضرت فريضة أخرى أعاد التيممات الأربعة ولا يلزمه غسل صحيح الوجه ويعيد
ما بعده وهذا الذي قاله في إعادة غسل ما بعد الوجه هو اختياره وسيأتي فيه خلاف للأصحاب إن شاء الله تعالى
والله أعلم *
(فرع) المتيمم للجراحة لا يلزمه إعادة الصلاة بالاتفاق لأنه مما تعم به البلوى ويكثر
كالمرض * والله أعلم *
(فرع) إذا كان في بدنه حبات الجدري إن لم يلحقه ضرر من غسل ما بينها وجب
غسله وان لحقه ضرر لم يجب ذكره القاضي أبو الطيب وغيره ويكون كالجريح والله أعلم
(فرع) إذا غسل الصحيح وتيمم عن العليل بسبب مرض أو جراحة أو كسر أو نحوها
استباح بتيممه فريضة وما شاء من النوافل فإذا أراد فريضة أخرى قبل أن يحدث فإن كان جنبا
أعاد التيمم دون الغسل بالاتفاق كذا قاله الأصحاب في كل الطرق وقال الرافعي في إعادة الغسل
خلاف كما في المحدث وهذا ضعيف متروك وإن كان محدثا أعاد التيمم لا يجب على المذهب الصحيح
الذي قاله الأكثرون غسل صحيح الأعضاء وممن صرح بهذا وقطع به ابن الحداد وصاحب الحاوي
وإمام الحرمين والغزالي وصاحب العدة وآخرون قال امام الحرمين أجمع الأصحاب انه لا يجب إعادة
غسل صحيح الأعضاء قال وهذا وإن كان يتطرق إليه احتمال فهو متفق عليه وقال ابن الصباغ قول ابن
291

الحداد يحتاج إلى تفصيل فإن كانت الجراحة في الرجلين أجزأه التيمم وإن كانت في الوجه أو اليد
فينبغي أن يعيد التيمم وغسل ما بعد موضع الجراحة ليحصل الترتيب قال الشاشي قول ابن الحداد أصح
وبسط الاستدلال له في المعتمد فقال لان ما غسله من صحيح أعضائه ارتفع حدثه وناب التيمم عما سواه
وسقط فرضه فالامر بإعادة غسله من غير تجدد حدث غلط وليس الامر بالتيمم لكل فريضة لبطلان
الأول بل لأنه طهارة ضرورة فامر به لكل فرض لا لتغيير صفة الطهارة ولهذا أمرنا المستحاضة بالطهارة
الكل فرض وإن كان حالها بعد الفرض كحالها قبله وقد حصل الترتيب في الغسل وسقط الفرض
في الأعضاء مرتبا هذا كلام الشاشي وقال القاضي حسين وصاحبا التتمة والتهذيب إذا أوجبنا الترتيب
وجب إعادة غسل ما بعد العليل وفي غسل صحيح العليل وما قبله طريقان أصحهما لا يجب والثاني فيه
قولان قيل بناء على تفريق الوضوء وقيل على ماسح الخف إذا خلعه وقال الرافعي أصح الوجهين وجوب
إعادة غسل ما بعد العليل والصحيح المختار ما قدمته عن الجمهور والله أعلم
(فرع) قال البغوي وغيره إذا كان جنبا والجراحة في غير أعضاء الوضوء فغسل الصحيح
وتيمم للجريح ثم أحدث قبل أن يصلى فريضة لزمه الوضوء ولا يلزمه إعادة التيمم لان تيممه عن غير
أعضاء الوضوء فلا يؤثر فيه الحدث ولو صلى فريضة ثم أحدث توضأ للنافلة ولا يتيمم وكذا حكم
الفرائض * والله أعلم *
(فرع) إذا اندملت الجراحة وهو على طهارة فأراد الصلاة فإن كان محدثا فعليه غسل محل الجراحة
وما بعده بلا خلاف وفى ما قبله طريقان أصحهما وأشهرهما انه على القولين في نازع الخف أصحهما
لا يجب والطريق الثاني القطع بأنه لا يجب وإن كان جنبا لزمه غسل محل الجراحة وفى
الباقي الطريقان
(فرع) قال أصحابنا إذا غسل الصحيح وتيمم عن الجريح ثم توهم اندمال الجراحة فرآها
لم تندمل فوجهان أحدهما تبطل تيممه كتوهم وجود الماء بعد التيمم وأصحهما باتفاقهم لا تبطل لان
طلب الاندمال ليس بواجب فلم يبطل بالتوهم بخلاف الماء هكذا علله الأصحاب قال امام الحرمين
قولهم لا يجب البحث عن الاندمال عند امكانه وتعلق الظن به ليس نفيا عن الاحتمال. أما إذا
292

اندمل الجرح فصلى بعد اندماله صلوات وهو لا يعلم اندماله فإنه يلزمه إعادتهن بلا خلاف لتفريطه
كذا صرح بأنه لا خلاف فيه صاحب التتمة وغيره
(فرع) قد ذكرنا أن مذهبنا المشهور أن الجريح يلزمه غسل الصحيح والتيمم عن الجريح
وهو الصحيح في مذهب احمد وعن أبي حنيفة ومالك انه إن كان أكثر بدنه صحيحا اقتصر
على غسله ولا يلزمه تيمم وإن كان أكثر جريحا كفاه التيمم ولم يلزمه غسل شئ * والله أعلم *
قال المصنف رحمه الله *
[ولا يجوز أن يصلى بتيمم واحد أكثر من فريضة وقال المزني يجوز وهذا خطأ لما روى
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال من السنة ألا يصلى بالتيمم الا صلاة واحدة ثم يتيمم للصلاة الأخرى
وهذا يقتضى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنها طهارة ضرورة فلا يصلى بها فريضتين من فرائض
الأعيان كطهارة المستحاضة] *
[الشرح] مذهبنا انه لا يجوز الجمع بين فريضتين بتيمم سواء كانتا في وقت أو وقتين قضاء
أو أداء ولا بين طوافين مفروضين ولا طواف وصلاة مفروضين ويتصور هذا في الجريح والمريض
وسواء في هذا الصحيح والمريض والصبي والبالغ وهذا كله متفق عليه الا وجها حكاه الرافعي عن
حكاية الحناطي أنه يجوز الجمع بين فوائت بتيمم وبين فائتة ومؤداة والا وجها حكاه الدارمي أن
للمريض جمع فريضتين بتيمم والا وجها حكاه صاحب البحر والرافعي انه يصح جمع الصبي فريضتين
بتيمم وهذه الأوجه شاذة ضعيفة والمشهور ما سبق ولو جمع منذورتين أو منذورات بتيمم أو
منذورة ومكتوبة أو منذورات قال القاضي أبو الطيب والمحاملي وابن الصباغ وآخرون من
العراقيين لا يجوز قطعا لان المنذورة واجبة متعينة فأشبهت المكتوبة وقال الخراسانيون والماوردي
والدارمي من العراقيين في جوازه وجهان أصحهما عند الجميع لا يجوز وبعضهم يقول قولان قال
الخراسانيون هما مبنيان على أن النذر يسلك به مسلك أقل واجب الشرع أم أقل ما يتقرب به
وفيه قولان فان قلنا بالثاني جاز كالنافلة وإلا فلا كالمكتوبة واما ركعتا الطواف فان قلنا بالصحيح
انهما سنة فلهما حكم النوافل فيجوز الجمع بينهما وبين مكتوبة بتيمم وان قلنا إنهما واجبتان
293

لم يجز الجمع بينهما وبين فريضة أخرى وهل يجوز بينهما وبين الطواف فيه طريقان
أحدهما لا: لأنهما فرضان يفتقر كل واحد منهما إلى نية والطريق الثاني وبه قطع امام
الحرمين والبغوي والرافعي انهما على وجهين أصحهما لا يجوز والثاني يجوز وهو قول ابن سريج
وبه قطع صاحبا الحاوي والتتمة لأنها تابعة للطواف فهي كجزء منه وهذا ضعيف لأنها لو كانت
كالجزء لم يجز الفصل بينها وبين الطواف وقد اتفقوا على أنه لو أخر ركعتي الطواف عنه سنين
ثم صلاهما جاز والله أعلم * ولو صلي فريضة بتيمم ثم طاف به تطوعا جاز فلو أراد أن يصلى
به ركعتي هذا الطواف فهو على الطريقتين ان قلنا بالوجه الضعيف ان ركعتي طواف التطوع
واجبة لم يجز وان قلنا بالمذهب انهما سنة جاز قطعا قال البغوي وغيره وفى جواز الجمع بين
خطبة الجمعة وصلاتها وجهان كالطواف لأنها تابعة للصلاة هذا إذا شرطنا الطهارة في خطبة الجمعة
وهو الأصح والله أعلم
(فرع) في مذاهب العلماء فيما يباح بالتيمم الواحد من فرائض الأعيان: مذهبنا انه لا يباح
الا فريضة واحدة وبه قال أكثر العلماء وحكاه ابن المنذر عن علي ابن أبي طالب وابن العباس
وابن عمر والشعبي والنخعي وقتادة وربيعة ويحي الأنصاري ومالك والليث واحمد واسحق
وحكي عن ابن المسيب والحسن والزهري وأبي حنيفة ويزيد بن هارون أنه يصلى به فرائض ما لم
يحدث قال وروى هذا أيضا عن ابن عباس وأبى جعفر وقال أبو ثور يجوز أن يجمع فوائت بتيمم
ولا يصلى به بعد خروج الوقت فريضة أخرى هذا ما حكاه ابن المنذر وقال المزني وداود يجوز
فرائض بتيمم واحد كما قال أبو حنيفة وموافقوه قال الروياني في الحلية وهو الاختيار وهو الأشهر
من مذهب أحمد خلاف ما نقله عنه ابن المنذر واحتج لمن حوز فرائض بتيمم واحد بقوله صلى الله
عليه وسلم (الصعيد الطيب وضوء المسلم ما لم يجد الماء) وهو حديث صحيح سبق بيانه وبالقياس
على الوضوء وعلى الجمع بين نوافل بتيمم وعلى مسح الخف ولان الحدث الواحد لا يجب له طهران واحتج
أصحابنا بقوله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) إلى قوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا)
فاقتضى وجوب الطهارة عند كل صلاة فدلت السنة على جواز صلوات بوضوء فبقي التيمم على
294

مقتضاه واحتجوا بحديث ابن عباس المذكور في الكتاب ولكنه ضعيف رواه الدارقطني والبيهقي
وضعفاه فإنه من رواية الحسن بن عمارة وهو ضعيف واحتج البيهقي بما رواه عن ابن عمر رضي الله عنه
ما قال (يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث) قال البيهقي اسناده صحيح قال وروي عن علي وابن
عباس وعمرو بن العاص ولأنهما مكتوبتان فلا تباحان بطهارة ضرورة كصلاتي وقتين في حق
المستحاضة ولأنها طهارة ضرورة فلا يباح بها الا قدر الضرورة والجواب عن احتجاجهم بالحديث
ان معناه يستبيح بالتيمم صلاة بعد صلاة بتيممات وان استمر ذلك عشر سنين حتى يجد الماء
هذا معناه عند جميع العلماء وعن قياسهم على الوضوء انه طهارة رفاهية يرفع الحدث والتيمم طهارة
ضرورة فقصرت على الضرورة وعن النوافل أنها تكثر ويلحق المشقة الشديدة في إعادة التيمم لها فخفف
أمرها لذلك كما خفف بترك القيام فيها مع القدرة وبترك القبلة في السفر ولا مشقة في الفرائض
ولهذا المعنى فرق الشرع بين قضاء الصوم والصلاة في الحائض وعن مسح الخف بأنه طهارة
قوية يرفع الحدث عن معظم الأعضاء بالاتفاق وكذا عن الرجل على الأصح والتيمم بخلافه ولان
مسح الخف تخفيف ولهذا يجوز مع امكان غسل الرجل والتيمم ضرورة لا يباح الا عند العجز
فقصر على الضرورة وعن قولهم الحدث الواحد لا يوجب طهارتين ان الطهارة هنا ليست للحدث
بل لإباحة الصلاة فالتيمم الأول أباح الصلاة الأولى والثاني الثانية والله أعلم * قال المصنف
رحمه الله *
[ان نسي صلاة من صلوات اليوم والليلة ولا يعرف عينها قضى خمس صلوات وفى التيمم
وجهان أحدهما يكفيه تيمم واحد لان المنسية واحدة وما سواها ليس بفرض والثاني يجب لكل
واحدة تيمم لأنه صار كل واحدة منها فرضا وان نسي صلاتين من صلوات اليوم والليلة لزمه خمس
صلوات قال ابن القاص يجب أن يتيمم لكل واحدة منها لأنه أي صلاة بدأ بها يجوز أن تكون
هي المنسية فزال بفعلها حكم التيمم ويجوز أن تكون الفائتة هي التي تليها فلا يجوز أداؤها بتيمم
مشكوك فيه ومن أصحابنا من قال يجوز أن يصلى ثماني صلوات بتيممين فيزيد ثلاث صلوات
وينقص ثلاث تيممات فيتيمم ويصلي الصبح والظهر والعصر والمغرب ثم يتيمم ويصلى الظهر
295

والعصر والمغرب والعشاء فيكون قد صلي إحداهما بالتيمم الأول والثانية بالثاني وان نسي
صلاتين من يومين فإن كانتا مختلفتين فهما بمنزلة الصلاتين من يوم وليلة وإن كانتا متفقتين لزمه
أن يصلي عشر صلوات فيصلى خمس صلوات بتيمم ثم يتيمم ويصلي خمس صلوات وان شك هل
هما متفقتان أو مختلفتان لزمه أن يأخذ بالأشد وهو انهما متفقتان] *
[الشرح] إذا نسي صلاة من صلوات يوم وليلة لا يعرف عينها لزمه أن يصلى الخمس
فان أراد أن يصليها بالتيمم فوجهان مشهوران وقد ذكرهما المصنف بدليلهما أحدهما يجب لكل
واحدة تيمم وهو قول ابن سريج والخضري واختاره القفال فعلى هذا قال البندنيجي يجب
لكل واحدة طلب الماء ثم التيمم والثاني يكفيه تيمم واحد كلهن وهو الصحيح وبه قال ابن
القاص وابن الحداد وجمهور أصحابنا المتقدمين وصححه المصنفون ونقله الغزالي في البسيط عن عامة
أصحابنا ثم قال أبو الحسن بن المرزبان والشيخ أبو علي السنجي هذا الخلاف مفرع على المذهب
وهو أنه لا يشترط تعيين الفريضة في نية التيمم فان قلنا بالوجه الضعيف أنه يشترط تعيين الفريضة
وجب لكل صلاة تيمم بلا خلاف واختار الدارمي أن الخلاف جار هنا سواء شرطنا التعيين
أم لا وأشار الرافعي إلى ترجيح هذا وهو الأصح أما إذا نسي صلاتين من يوم وليلة فان قلنا في
الواحدة يلزمه خمس تيممات فهنا أولى وان قلنا بالمذهب أنه يكفيه تيمم فهو هنا مخير ان شاء
عمل بطريقة ابن القاص صاحب التلخيص وهي أن يتيمم لكل صلاة من الخمس وان شاء عمل
بطريقة ابن الحداد وهي أن يصلى ثماني صلوات بتيممين فيصلى بالأول الصبح والظهر والعصر
والمغرب وبالثاني الظهر والعصر والمغرب والعشاء فيخرج عما عليه بيقين لأنه صلى الظهر والعصر
والمغرب مرتين فإن كانت الفائتتان في هذه الثلاث فقد تأدت كل واحدة بتيمم وإن كانتا
الصبح والعشاء حصلت الصبح بالأول والعشاء بالثاني وإن كانت إحداهما في الثلاث والأخرى
صبحا أو عشاء فكذلك: هكذا صرح الأصحاب بأنه مخير بين طريقتي ابن القاص وابن الحداد
وحكي الرافعي وجها شاذا أنه يتيمم مرتين يصلى بكل تيمم الخمس وهذا ليس بشئ ثم المشهور
والمستحسن عند الأصحاب طريقة ابن الحداد وعليها يفرعون ولها ضابطان أحدهما وهو الذي
نقله صاحب البيان أن يضرب عدد المنسي في عدد المنسي منه ثم يزيد المنسي على ما حصل من
الضرب ويحفظ مبلغ المجتمع ثم يضرب المنسي في نفسه فما بلغ نزعته من الجملة المحفوظة فما بقي فهو
296

عدد ما يصلى وأما عدد التيمم فيقدر المنسي مثاله في مسألتنا تضرب اثنتين في خمسة ثم تزيد عدد
المنسية فيجتمع أثناء عشر ثم تضرب اثنتين في اثنتين فذلك أربعة فتنزعها من الاثني عشر
تبقي ثمانية وهو عدد ما يصلى ويكون بتيممين على عدد المنسيتين (الضابط الثاني) وهو الذي نقله
الرافعي تزيد عدد المنسي منه عددا لا ينقص عما بقي من المنسي منه بعد اسقاط المنسي وتقسم
المجموع صحيحا على المنسي مثاله في مسألتنا المنسي صلاتان والمنسي منه خمس تزيد عليه ثلاثة
لأنها لا تنقص عما بقي من الخمسة بعد اسقاط الاثنين والمجموع وهو ثمانية تنقسم على الاثنين
صحيحا وأما كيفية أداء الصلوات فيبتدئ من المنسي منه بأي صلاة شاء ويصلى بكل تيمم
ما تقتضيه القسمة لكن شرط براءة ذمته بالعدد المذكور أن يترك في المرة الثانية ما بدأ به في المرة
التي قبلها ويأتي بالعدد الذي تقتضيه القسمة مثاله ما سبق فإنه ترك في المرة الثانية الصبح التي بدأ
بها في الأولى ولو صلى بالتيمم الأول الظهر والعصر والمغرب والعشاء وبالثاني الصبح والظهر
والعصر والمغرب لم يجزه لاحتمال أن المنسيتين العشاء مع الظهر أو مع العصر أو مع المغرب فبالتيمم
الأول حصلت تلك ولم تحصل العشاء وبالتيمم الثاني لم يصل العشاء فان صلى العشاء بعد هذا
بالتيمم الثاني أو غيره أجزأه ولو بدأ فصلى بالتيمم الأول العشاء والمغرب والعصر والظهر
وبالثاني المغرب والعصر والظهر والصبح أجزأه لأنه وفى بالشرط ولو صلى بالأول المغرب
والعصر والظهر والصبح وبالثاني العشاء والمغرب والعصر والظهر لم يجزئه إلا أن يصلى الصبح
أيضا بالتيمم الثاني أو بغيره ولو خالف الترتيب ووفى بالشرط فصلى بالأول الصبح ثم المغرب
ثم العصر ثم الظهر وبالثاني العشاء ثم الظهر ثم المغرب ثم العصر أجزأه لحصول المقصود: هذا كله إذا كان
المنسي صلاتين أما إذا نسي ثلاث صلوات من يوم وليلة ولا يعرف عينهن فعلى طريقة ابن القص
يصلي خمس صلوات كل صلاة بتيمم وعلى الوجه الشاذ الذي حكاه الرافعي يتيمم ثلاث مرات
يصلي بكل تيمم الخمس وعلى طريقة ابن الحداد يقتصر على ثلاثة تيممات ويصلي تسع صلوات
فعلى عبارة البيان يضرب ثلاثة في خمسة فذلك خمسة عشر ثم يزيد عليه ثلاثة تكون ثمانية عشر
ثم تضرب ثلاثة في ثلاثة تكون تسعة فتنزعها من ثمانية عشر تبقى تسعة وهو عدد ما يصلي
بثلاثة تيممات فيصلي بالتيمم الأول الصبح والظهر والعصر وبالثاني الظهر والعصر والمغرب
وبالثالث العصر والمغرب والعشاء وعلى عبارة الرافعي يضم إلى الخمس أربعا لان الأربعة لا تنقص
297

عما بقي من الخمسة بعد اسقاط الثلاثة بل تزيد عليه وينقسم المجموع وهو تسعة صحيحا على الثلاثة
ولو ضممنا إلى الخمسة اثنين أو ثلاثة لم ينقسم فيصلي بكل تيمم ثلاثا على ما ذكرنا وله أن يرتبها
على غير الترتيب المذكور إذا وفى بالشرط السابق فان أخل به بأن صلي بالتيمم الأول العصر ثم
الظهر ثم الصبح وبالثاني المغرب ثم العصر ثم الظهر وبالثالث العشاء ثم المغرب ثم العصر لم يجزئه
لاحتمال ان التي عليه الصبح والعشاء وثالثتهما الظهر أو العصر فيحصل بالتيمم الأول الظهر أو العصر
وبالثالث العشاء ويبقى الصبح عليه فيحتاج إلى تيمم رابع يصليها به وأما إذا نسي أربع صلوات
فيضرب أربعة في خمسة ثم يزيد عليه أربعة تبلغ أربعة وعشرين ثم يضرب أربعة في أربعة تبلغ
ستة عشر ينزعها من أربعة وعشرين تبقى ثمانية وهو عدد ما يصلي بأربعة تيممات فيصلي بالتيمم
الأول الصبح والظهر وبالثاني الظهر والعصر وبالثالث العصر والمغرب وبالرابع المغرب والعشاء
ولا يخفى بعد ما سبق حكم تقديم بعض الصلوات على بعض وما يجوز منه وما لا يجوز وعلى هذه
التنزيلات ينزل ما زاد من عدد المنسي والمنسي منه هذا كله إذا كانت الصلاتان أو الصلوات
مختلفات سواء كانت من يوم أو يومين بأن قال نسيت صلاتين مختلفتين من يومين لا أدرى
صبح وظهر أم ظهر وعصر أم عصر وعشاء وشبه ذلك أما إذا نسي متفقتين بأن قال هما صبحان
أو ظهران أو عصران أو مغربان أو عشاءان فيلزمه عشر صلوات وهن صلوات يومين وفى التيمم
الوجهان في أصل المسألة قول ابن سريج والخضري يلزمه لكل صلاة تيمم وقول الجمهور يكفيه
تيممان يصلي بكل واحد الخمس ولا يكفيه ثمان صلوات بالاتفاق لاحتمال ان الذي عليه صبحان
أو عشاءان وما أتي بهما الا مرة أما إذا شك هل فائتتاه متفقتان أم مختلفتان فعليه الأغلظ
الأحوط وهو أنهما متفقتان
(فرع) لو تيقن أنه ترك أحد أمرين اما طواف فرض وإما صلاة فرض لزمه أن يأتي بالطواف
وبالصلوات الخمس فعلى قول الجمهور يكفيه تيمم واحد للجميع وعلى قول ابن سريج والخضري
يجب ستة تيممات
(فرع) إذا صلى فريضة منفردا بتيمم ثم أدرك جماعة يصلونها فأراد اعادتها بذلك التيمم
فيبني على أن الفرض منهما ماذا وفيه أربعة أوجه الأصح الفرض الأولي والثاني الثانية والثالث
كلاهما فرض والرابع إحداهما لا بعينها فان قلنا بالأولين جاز وان قلنا بالثالث لم يجز قاله القاضي
298

حسين وغيره وان قلنا بالرابع فهو على الوجهين في المنسية هكذا قاله الأصحاب قال امام الحرمين
والاكتفاء هنا بتيمم واحد أولى فإنه لا يجب الشروع في الثانية بخلاف المنسية
(فرع) إذا صلى الفرض بالتيمم على وجه يجب قضاؤه كالمربوط على خشبة والمحبوس في
موضع نجس ونحوه فأراد القضاء على وجه كامل بذلك التيمم فيبني على أن الفرض ماذا وفيه
أربعة أقوال تقدمت قريبا أصحها الفرض الثانية والثاني الأولى والثالث كلاهما والرابع إحداهما
لا بعينها فان قلنا الفرض الأولى جاز وان قلنا كلاهما فرض لم يجز وان قلنا إحداهما لا بعينها فعلى
الوجهين في المنسية وان قلنا الثانية فقال الرافعي وغيره لا يجوز وهذا ضعيف والمختار انه يجوز
كما سبق في مثله في الفرع قبله ولا فرق بين تقدم نقل على فرض وعكسه والله أعلم *
قال المصنف رحمه الله *
[ويجوز أن يصلي بتيمم واحد ما شاء من النوافل لأنها غير محصورة فخف أمرها ولهذا
أجيز ترك القيام فيها فان نوى بالتيمم الفريضة والنافلة جاز أن يصلي النافلة قبل الفريضة وبعدها
لأنه نواهما بالتيمم وان نوى بالتيمم الفريضة ولم ينو النافلة جاز أن يصلى النافلة بعدها وهل
يجوز أن يصليها قبلها فيه قولان قال في الأم له ذلك لان كل طهارة جاز أن يتنفل بها بعد الفريضة
جاز قبلها كالوضوء وقال في البويطي ليس له ذلك لأنه يصليها على وجه التبع للفريضة فلا يجوز
أن يتقدم على متبوعها ويجوز أن يصلى على جنائز بتيمم إذا لم يتعين لأنه يجوز تركها فهي كالنوافل
وان تعينت عليه ففيه وجهان أحدهما لا يجوز أن يصلى بتيمم أكثر من صلاة لأنها فريضة تعينت
عليه فهي كالمكتوبة والثاني يجوز وهو ظاهر المذهب لأنها ليست من جنس فرائض الأعيان]
[الشرح] هذا الفصل فيه ثلاث مسائل إحداها يجوز ان يصلى بالتيمم الواحد ما شاء من
النوافل سواء تيمم للنفل فقط أم له وللفرض أم للفرض واستباح النفل تبعا وهذا متفق عليه
الا إذا قلنا بوجه شاذ سبق في أوائل الباب أن النفل لا يباح بالتيمم (المسألة الثانية) إذا تيمم للفرض
والنفل أو للفرض وحده استباح الفرض واستباح النفل أيضا قبل الفريضة وبعدها في الوقت
وبعد خروج الوقت وفى قول لا يستبيح النفل قبل الفريضة إذا اقتصر على نية الفرض وفى وجه
لا يستبيح النفل بعد خروج الوقت وقد سبق بيان هذا كله مشروحا مع ما يتعلق به في فصل نية
التيمم (الثالثة) قال أصحابنا العراقيون إذا لم يتعين عليه صلاة الجنازة فلها في التيمم حكم النوافل
299

فيجمع بالتيمم الواحد بين صلوات جنائز كثيرة صلاة بعد صلاة وان شاء صلى عليهن دفعة
وله أن يجمع بين فريضة وجنائز وان تعينت عليه فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما
أصحهما باتفاقهم انها كالنوافل وهو المنصوص للشافعي في كتبه المشهورة والثاني كالفريضة فلا
تجمع بينها وبين مكتوبة ولا بين صلاتي جنازة وهو قول أبي على ابن أبي هريرة وأبي سعيد
الإصطخري وذكر الدارمي أن الكرانيسي نقله عن الشافعي فيكون قولا قديما ويصير في المسألة
قولان قال العراقيون ولا تصح صلاة الجنازة قاعدا مع القدرة على القيام سواء تعينت أم لا وقال
أصحابنا الخراسانيون نص الشافعي رحمه الله انه يجمع بين فريضة وجنائز بتيمم ونص انها لا تصح
على الراحلة ولا قاعدا واختلفوا على ثلاث طرق أحدها قولان أحدهما يلحق بالفرائض في التيمم
والقيام والثاني يلحق بالنوافل فيهما والطريق الثاني ان تعينت فكالفرائض في التيمم والقيام والا
فكالنوافل فيهما والثالث تقرير النصين فلها حكم النفل في التيمم وان تعينت ولا يجوز القعود
فيها وإن لم يتعين لأنه معظم أركانها وهذا الثالث هو الصحيح عندهم وهو نحو طريقة العراقيين
وجمع امام الحرمين وغيره هذا بعبارة مختصرة فقالوا فيها أوجه أحدها يجوز الجمع بتيمم والقعود
والثاني لا والثالث يجوز إن لم يتعين وان تعينت فلا والرابع وهو الأصح يجوز الجمع بتيمم مطلقا
ولا يجوز القعود مطلقا * ولو أراد أن يصلي على جنازتين أو جنائز صلاة واحدة بتيمم وقلنا لا يجوز
صلاتان فوجهان أشهرهما لا يجوز وبه قطع ابن الصباغ والمتولي والروياني والثاني يجوز واختاره
الشاشي قال صاحب البحر وغيره فعلى الأول لو تيمم بتيممين وصلي على الجنائز صلاتين أو صلاة
واحدة لم يجز لان التيمم على التيمم لا تأثير له بل هو في حكم تيمم واحد والله أعلم *
قال المصنف رحمه الله *
[إذا تيمم عن الحدث استباح ما يستباح بالوضوء فان أحدث بطل تيممه كما يبطل وضوءه
ويمنع مما كان يمنع منه قبل التيمم وان تيمم عن الجنابة استباح ما يستباح بالغسل من الصلاة
وقراءة القرآن فان أحدث منع من الصلاة ولم يمنع من قراءة القرآن لان تيممه قام مقام الغسل
ولو اغتسل ثم أحدث لم يمنع من القراءة فكذا إذا تيمم ثم أحدث وان تيمم ثم ارتد بطل تيممه
لان التيمم لا يرفع الحدث وإنما تستباح به الصلاة والمرتد ليس من أهل الاستباحة] *
[الشرح] في الفصل ثلاث مسائل (إحداها) إذا تيمم أو توضأ ثم ارتد والعياذ بالله فهل
300

يبطلان فيه ثلاثة أوجه سبق بيانها في أول باب ما ينقض الوضوء أصحها يبطل التيمم دون الوضوء
الثاني يبطلان والثالث لا يبطلان (الثانية) إذا تيمم عن الحدث الأصغر استباح ما يستبيح
بالوضوء من الصلاة وغيرها إلا الجمع بين فرضين ونحوه مما سبق فإذا أحدث بطل تيممه ومنع
ما كان يمنعه قبل التيمم كما لو توضأ ثم أحدث (الثالثة) إذا تيمم عن الحدث الأكبر كجنابة وحيض
استباح الصلاة والقراءة والمكث في المسجد وغيرها مما يباح بالغسل فإذا أحدث منع من الصلاة
والطواف ومس المصحف وحمله ولا يمنع من قراءة القرآن والمكث في المسجد ويستمر جواز القراءة
والمكث وان أراد تيمما جديدا وهذا كله باتفاق الأصحاب في كل الطرق الا ما انفرد به الدارمي
فقال إذا تيمم الجنب فصلى ثم أراد التيمم لحدث أو غيره هل يقرأ القرآن قبل تيممه فيه وجهان
قال أبو حامد لا يجوز وقال ابن المرزبان يجوز وهذا النقل شاذ متروك ثم إن الجمهور أطلقوا الجزم
باستباحته ولم يفرقوا بين الحاضر والمسافر وقال البغوي إذا تيمم الجنب في الحضر وصلى هل
له قراءة القرآن وهل له مس المصحف جنبا كان أو محدثا فيه وجهان الأصح الجواز والمشهور
ما سبق وهو ان الحاضر كالمسافر فيباح له كل ذلك أما إذا تيمم جنب ثم رأى الماء فيحرم عليه جميع ما
حرم عليه قبل التيمم حتى يغتسل ولو تيمم جنب ثم أحدث ثم وجد ماء لا يكفيه ويكفيه للوضوء قال البغوي
وغيره ان قلنا يجب استعمال الناقص بطل تيممه في كل شئ فيستعمله ثم يتيمم وان قلنا لا يجب
استعمال الناقص فتيممه باق على الصحة في جواز القراءة والاعتكاف وبطل في حق الصلاة فإذا
تيمم استباحها والله أعلم *
(فرع) لا يعرف جنب يباح له القراءة والمكث في المسجد دون الصلاة ومس المصحف
إلا من تيمم عن الجنابة ثم أحدث والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[ا التيمم لعدم الماء ثم رأى الماء فإن كان قبل الدخول في الصلاة بطل تيممه لأنه لم يحصل
في المقصود فصار كما لو رأى الماء في أثناء التيمم
[الشرح] إذا تيمم لحدث أصغر أو أكبر ثم رأى ماء يلزمه استعماله بطل تيممه بلا خلاف
عندنا سواء رآه في أثناء التيمم أو بعد الفراغ منه وقولنا تيمم لعدم الماء احتراز ممن تيمم لمرض
أو جراحة ونحوهما مما لا يشترط فيه عدم الماء فان هذا لا يؤثر فيه وجود الماء وقولنا ماء يلزمه استعماله
احترازا مما إذا رآه ولم يتمكن من استعماله بأن كان دونه حائل أو كان محتاجا إليه لعطش ونحوه
301

فإنه لا يبطل تيممه لان وجود هذا الماء كالعدم ولا فرق عندنا بين أن يجد الماء وقد ضاق وقت
الصلاة بحيث لو اشتغل بالوضوء خرج وقت الصلاة ولو صلى بالتيمم أدرك وبين الا يضيق هذا مذهبنا
ونقل ابن المنذر في كتابيه كتاب الاجماع والاشراف اجماع العلماء عليه ونقل أصحابنا عن أبي سلمة
ابن عبد الرحمن التابعي والشعبي انهما قالا إن رأى الماء بعد الفراغ من التيمم لا يبطل وان رآه
في أثنائه بطل ونقل القاضي أبو الطيب وغيره الاجماع على أن رؤيته في الثانية يبطل واحتج لأبي
سلمة بأن وجود المبدل بعد الفراغ من البدل لا يبطل البدل كما لو وجد المكفر الرقبة بعد فراغه
من الصوم وكما لو فرغت من العدة بالأشهر ثم حاضت واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم
(الصعيد الطيب وضوء المسلم فإذا وجد الماء فليمسه بشرته) وهو صحيح سبق بيانه وبالقياس على
رؤيته في أثناء التيمم وبأن التيمم لا يراد لنفسه بل للصلاة فإذا وجد الأصل قبل الشروع في
المقصود لزم الاخذ بالأصل كالحاكم إذا سمع شهود الفرع ثم حضر شهود الأصل قبل الحكم
والجواب عن الصوم والأشهر انهما مقصودان وذكر القاضي عبد الوهاب المالكي ان مذهبهم
انه يتوضأ إلا أن يخشى فوت الوقت ومذهبنا ومذهب الجمهور انه لا فرق لأنه واجد
للماء والله أعلم * قال أصحابنا ولو توهم القدرة على ما يجب استعماله بطل تيممه كما لو تيقنه وذلك
بأن يرى سرابا ونحوه أو جماعة يجوز ان معهم ماء وإنما يبطل في جميع هذه الصور إذا لم يقارن
ذلك ما يمنع وجوب استعماله بأن يحول دونه سبع ونحوه أو يحتاج إليه للعطش وقد سبقت المسألة
بنظائرها * والله أعلم *
(فرع) إذا ظن المتيمم العاري القدرة على الثوب فلم يكن لم يبطل تيممه بلا خلاف وعلله
الغزالي بأن طلبه ليس من شرط التيمم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وان رأى الماء بعد الفراغ من الصلاة نظر فإن كان في الحضر أعاد الصلاة لأن عدم الماء في الحضر عذر
نادر غير متصل فلم يسقط معه الفرض كما لو صلي بنجاسة نسيها وإن كان في سفر طويل لم يلزمه الإعادة
لأن عدم الماء في السفر عذر عام فسقط معه فرض الإعادة كالصلاة مع سلس البول وإن كان في
سفر قصير ففيه قولان أشهرهما انه لا يلزمه الإعادة لأنه موضع يعدم فيه الماء غالبا فأشبه السفر
302

الطويل وقال في البويطي لا يسقط الفرض لأنه لا يجوز له القصر فلا يسقط الفرض عنه بالتيمم
كما لو كان في الحضر وإن كان في سفر معصية ففيه وجهان أحدهما تجب الإعادة لان سقوط الفرض
بالتيمم رخصة تتعلق بالسفر والسفر معصية فلم تتعلق به رخصة والثاني لا تجب لأنا لما أوجبنا عليه
ذلك صار عزيمة فلم يلزمه الإعادة]
[الشرح] في هذه القطعة مسائل إحداها إذا عدم الحاضر الماء في الحضر فحاصل المنقول
فيه ثلاثة أقوال الصحيح المشهور المقطوع به في أكثر كتب الشافعي وطرق الأصحاب انه يتيمم
ويصلي الفريضة وتجب اعادتها إذا وجد الماء اما وجوب الصلاة بالتيمم فقياسا على المسافر والمريض
لاشتراكهما في العجز واما الإعادة فلانه عذر نادر غير متصل احترزنا بالنادر عن المسافر
والمريض وبغير المتصل عن الاستحاضة والقول الثاني تجب الصلاة بالتيمم ولا إعادة كالمسافر
والمريض حكاه الخراسانيون وهو مشهور عندهم الثالث لا تجب الصلاة في الحال بالتيمم بل يصبر
حتى يجد الماء حكاه صاحب البيان وجماعة من الخراسانيين وليس بشئ (المسألة الثانية) إذا صلي
بالتيمم في سفر طويل ثم وجد الماء بعد الفراغ لا يلزمه الإعادة لظواهر الأحاديث ولأن عدم الماء
في السفر عذر عام فسقط الفرض بالتيمم بسببه كالصلاة قاعدا لعذر المرض ولا فرق بين وجود
الماء في الوقت وبعده قال صاحب البحر قال أصحابنا ولا تستحب الإعادة في هذه المسألة ثم المذهب
الصحيح المشهور انه لا فرق بين أن يكون السفر مسافة القصر أو دونها وان قل وهذا هو المنصوص
في كتب الشافعي وقال الشافعي في البويطي وقد قيل لا يتيمم إلا في سفر يقصر فيه الصلاة فمن
أصحابنا من جعل هذا قولا للشافعي فقال في قصير السفر قولان وممن سلك هذه الطريقة المصنف
وقال الأكثر القصير كالطويل بلا خلاف وإنما حكي الشافعي مذهب غيره وهذا هو المذهب والدليل
عليه اطلاق السفر في القرآن قال الشافعي رحمه الله ولم تحده الصحابة رضي الله عنهم بشئ وحدوا
سفر القصر ولما روى الشافعي عن ابن عيينة عن ابن عجلان عن نافع ان ابن عمر رضي الله عنه
ما (اقبل من الجرف حتى كان بالمربد تيمم وصلي العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم
يعد الصلاة) هذا اسناد صحيح والجرف بضم الجيم والراء وبعدهما فاء موضع بينه وبين المدينة
303

ثلاثة أميال والمربد بكسر الميمم موضع بقرب المدينة (المسألة الثالثة) العاصي بسفره كالآبق وقاطع الطريق
وشبههما إذا عدم الماء في سفره ثلاثة أوجه الصحيح انه يلزمه ان يصلي بالتيمم ويلزمه الإعادة
والثاني يلزمه التيمم ولا تجب الإعادة والثالث لا يجوز التيمم وهذا الثالث غريب حكاه الحناطي
وصاحب البيان والرافعي فعلى هذا يقال له ما دمت على قصدك المعصية لا يحل لك التيمم فان تبت
استبحت التيمم وغيره كما أنه لا يحل له الميتة عند الضرورة بل يقال تب وكل الصواب الأول لأنه يلزمه
أمران التوبة والصلاة فإذا أخل بأحدهما لا يباح له الاخلال بالآخر وليس التيمم في هذا الحال
تخفيفا بل عزيمة فلا تكون المعصية سببا لاسقاطه فعلى هذا لو رأى الماء في صلاته بطلت ويلزمه
الخروج منها كما إذا رأى الماء في أثناء صلاة الحضر وبد بالتيمم وقد تقدم ذكر هذه الأوجه في باب المسح
على الخف وذكرنا هناك ضابطا فيما يستبيحه العاصي بسفره ومالا يستبيحه * وبالله التوفيق *
(فرع) إذا نوى المسافر إقامة أربعة أيام فأكثر في بلد وعدم الماء فيه وصلي بالتيمم فحكمه
حكم الحاضرة بلا خلاف فيلزمه اعاده ما صلي بالتيمم على المذهب ولو نوى هذه الإقامة في موضع
من البادية يعم فيه عدم الماء فلا إعادة فيه بلا خلاف هكذا صرح بالصورتين صاحب الحاوي
وإمام الحرمين ونقله الروياني عن القفال وقاله آخرون ولا نعلم فيه خلافا ولو دخل المسافر في طريقه
قرية فعدم الماء فيها وصلي بالتيمم فوجهان حكاهما المتولي والروياني وآخرون أحدهما لا اعاده لأنه
مسافر ولهذا يباح له القصر والفطر وأصحهما وجوب الإعادة صححه الروياني والرافعي وهو قول
القفال وقطع به البغوي وغيره لأن عدم الماء في القرية نادر فالضابط الأصلي ما قاله الرافعي وأشار
إليه امام الحرمين وصاحب الشامل وآخرون ان الإعادة تجب إذا تيمم في موضع يندر فيه عدم
الماء ولا يجب إذا كان العدم يغلب فيه بدليل ما ذكرنا من هاتين الصورتين قال الرافعي أعلم
ان وجوب الإعادة على المقيم ليس لعلة الإقامة بل لان فقد الماء في موضع الإقامة نادر وكذا عدم
الإعادة في السفر ليس لكونه مسافرا بل لان فقد الماء في السفر مما يعم حتى لو أقام في مفازه
304

أو موضع يعدم فيه الماء غالبا وطالت اقامته وصلي بالتيمم فلا إعادة وفى مثله قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لأبي ذر رضي الله عنه وكان يقيم بالربذة ويفقد الماء أياما (التراب كافيك ولو لم
تجد الماء عشر حجج) قال ولو دخل المسافر في طريقه قرية وعدم الماء تيمم وأعاد على الأصح وإن كان
حكم السفر باقيا عليه لندور العدم: وإذا عرفت هذا علمت أن قول الأصحاب ان المقيم يقضي
والمسافر لا يقضي جاز على الغالب في حال السفر والإقامة والا فالحقيقة ما بيناه هذا كلام الرافعي
وذكر معناه امام الحرمين وصاحب الشامل وآخرون * والله أعلم *
(فرع) قال صاحب البيان قال الشيخ أبو حامد إذا خرج الرجل إلى ضيعته وبستانه فعدم
الماء كان له أن يتيمم ويتنفل على الراحلة قال فمقتضى قوله إنه سفر قصير ففي إعادة ما صلي فيه بالتيمم
القولان المشهور ونص البويطي * والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن عدم الماء في الحضر: قد ذكرنا أن مذهبنا المشهور انه يصلي
بالتيمم وعليه الإعادة وبه قال جمهور العلماء وهو رواية عن أبي حنيفة وعنه رواية انه لا يصلي
بالتيمم وعن مالك والثوري والأوزاعي والمزني والطحاوي يصلي بالتيمم ولا يعيد وهو رواية
عن أحمد وقول لنا كما سبق واحتج لمن لم يوجب الصلاة بقوله تعالى (وإن كنتم مرضى أو على
سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا) فاباحه للمريض وللمسافر
فلم يجز لغيرهما وبأن اباحتها مع ايجاب الإعادة يؤدى إلى ايجاب ظهرين عن يوم ولان الصلاة تفعل
لتجزئ وهذه غير مجزئة واحتج لمن أوجب الصلاة بلا إعادة بالقياس على المسافر واحتج
أصحابنا لوجوب الصلاة بقوله تعالي (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) إلى قوله (فلم تجدوا ماء
فتيمموا) وهذا عام وفى الاستدلال بالآية نظر ولأنه مكلف عدم الماء فلزمه التيمم للفريضة
كالمسافر ولأنه عاجز عن استعمال الماء فلزمه التيمم كالمريض وقياسا على صلاة الجنازة وقد
وافقوا عليها وأجاب أصحابنا عن احتجاجهم بالآية بجوابين أحدهما ان السفر ذكر فيها لكونه
الغالب لا للاشتراط لقوله تعالى (ولا تقتلوا أولادكم من املاق) والثاني انها محمولة على تيمم
لا إعادة معه وعن قولهم يؤدى إلى ايجاب ظهرين ان المقصود الثانية وإنما وجبت الأولى لحرمة
305

الوقت كامساك يوم الشك إذا ثبت انه من رمضان وفى هذا جواب عن قولهم الصلاة تفعل
لتجزئ فيقال وقد تفعل حرمة للوقت كما ذكرنا واحتج أصحابنا للإعادة بأنه عذر نادر غير
متصل فأشبه من نسي بعض أعضاء الطهارة عن وفى هذا جواب عن احتجاجهم والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن صلي بالتيمم في السفر ثم وجد الماء بعد الفراغ من الصلاة
قد ذكرنا أن مذهبنا انه لا إعادة سواء وجد الماء في الوقت أو بعده حتى لو وجده عقب
السلام فلا إعادة وبه قال الشعبي والنخعي وأبو سلمة بن عبد الرحمن ومالك وأبو حنيفة والثوري
والأوزاعي واحمد وإسحاق والمزني وأبو المنذر وجمهور السلف والخلف وحكي ابن المنذر وغيره
عن طاووس وعطاء والقسم بن محمد ومكحول وابن سيرين والزهري وربيعة أنهم قالوا إذا وجد
الماء في الوقت لزمه الإعادة واستحبه الأوزاعي ولم يوجبه قال ابن المنذر وأجمعوا أنه إذا وجده
بعد الوقت لا إعادة واحتج لهؤلاء بأن الماء هو الأصل فوجوده بعد التيمم كوجود النص بعد الحكم
بالاجتهاد واحتج أصحابنا بحديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال (خرج
رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا وصليا ثم وجدا الماء في الوقت
فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك
له فقال للذي لم يعد أصبت السنة وأجزأتك صلاتك وقال للذي توضأ وأعاد لك الاجر مرتين)
رواه أبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم قال أبو داود ذكر أبي سعيد في هذا الحديث وهم وليس
بمحفوظ بل هو مرسل قلت ومثل هذا المرسل يحتج به الشافعي وغيره كما قدمنا بيانه في مقدمة
هذا الكتاب أن الشافعي يحتج بمرسل كبار التابعين إذا أسند من جهة أخرى أو يرسل من جهة
أخرى أو يقول به بعض الصحابة أو عوام العلماء وقد وجد في هذا الحديث شيئان من ذلك أحدهما
ما قدمناه قريبا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أقبل من الجرف حتى إذا كان بالمربد تيمم وصلي
العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد الصلاة وهذا صحيح عن ابن عمر كما سبق الثاني
روى البيهقي بإسناده عن أبي الزناد قال (كان من أدركت من فقهائنا الذين ينتهي إلى قولهم منهم سعيد بن
المسيب وذكر تمام فقهاء المدينة السبعة يقولون من تيمم وصلي ثم وجد الماء وهو في الوقت أو بعده لا إعادة
306

عليه) واحتج أصحابنا أيضا بالقياس على المريض يصلي بالتيمم أو قاعدا والجواب عن احتجاجهم
أن ما ذكروه ليس نظير مسألتنا بل نظيره من صلي بالتيمم ومعه ماء نسيه ونظير مسألتنا ما عمله
الصحابي باجتهاد ثم نزل النص باثبات الحكم بخلاف اجتهاده فإنه لا يبطل ما عمله والله أعلم * قال
المصنف رحمه الله *
[وإن كان معه في السفر ماء فدخل عليه وقت الصلاة فأراقه أو شربه من غير حاجة وتيمم
وصلى ففيه وجهان أحدهما يلزمه الإعادة لأنه مفرط في اتلافه والثاني لا يلزمه لأنه تيمم وهو
عادم للماء فصار كما لو أتلفه قبل دخول الوقت] *
[الشرح] قال أصحابنا إذا كان معه ماء صالح لطهارته فأخرجه عن كونه مطهرا بإراقته
أو شربه أو سقى دابة أو غيرها أو تنجيسه أو صب الزعفران ونحوه فيه أو غير ذلك ثم احتاج
إلى التيمم تيمم بلا خلاف لأنه فاقد للماء ثم ينظر فإن كان تفويت الماء قبل دخول الوقت فلا
إعادة عليه بلا خلاف وان فوته سفها لأنه لا فرض عليه قبل الوقت وقد أشار المصنف إلى هذا
بقوله (كما لو أتلفه قبل دخول الوقت) وان فوته في الوقت فإن كان لغرض كشربه لحاجة أو سقيه
دابة محترمة لحاجتها أو غسل ثوبه لنجاسة أو تنظفا فلا إعادة بلا خلاف لأنه معذور وكذا لو
اشتبه اناء ان فعجز عن معرفة الطاهر فأراقهما فلا إعادة قطعا لأنه معذور وإن كان التفويت في
الوقت لغير غرض فهو حرام بلا خلاف وفى وجوب الإعادة وجهان مشهوران وقد ذكر المصنف
دليلهما أصحهما عند الأصحاب لا إعادة قال صاحب الشامل وهذا كمن قطع رجله فإنه عاص وإذا
صلي جالسا أجزأه قال القاضي حسين والمتولي الوجهان هنا كالقولين فيمن فر فطلق امرأته بائنا
في مرض الموت هل ينقطع إرثها لان بدخول الوقت تعلق حق الطهارة بالماء كما أن بالمرض
تعلق حقها بالإرث أما إذا مر بماء في الوقت فلم يتوضأ فلما بعد منه تيمم وصلي ففي الإعادة طريقان
أصحهما وأشهرهما والذي قطع به الغزالي والبغوي والأكثرون القطع بأن لا إعادة لأنه تيمم وهو عادم
للماء ولم يفرط في اتلافه والثاني حكاه الرافعي عن الشيخ أبى محمد أنه على الوجهين لأنه يعد مقصرا والله أعلم *
307

(فرع) لو وهب الماء الصالح لطهارته في الوقت لغير محتاج إليه لعطش ونحوه أو باعه لغير
حاجته إلى ثمنه ففي صحة البيع والهبة وجهان مشهوران في الطريقتين حكاهما الدارمي وجماعات من
العراقيين وامام الحرمين وجماعة من الخراسانيين قال البغوي والرافعي وغيرهما أصحهما لا يصح
البيع ولا الهبة لان التسليم حرام فهو عاجز عن تسليمه شرعا فهو كالعاجز حسا وبهذا قطع المحاملي
والصيدلاني والثاني يصحان قال الامام وهو الأقيس لأنه ملكه والمنع لا يرجع إلى معنى في العقد
واختار الشاشي هذا وقال الأول ليس بشئ لان توجه الفرض لا يمنع صحة الهبة كما لو وجب عليه عتق
رقبة في كفارة فأعتقها لا عن الكفارة أو وهبها فإنه يصح وكما لو وجب عليه ديون فطولب بها
فوهب ماله وسلمه فإنه يصح والأظهر ما قدمنا تصحيحه قال امام الحرمين والغزالي في البسيط هذان
الوجهان يشبهان ما لو وهب رجل للوالي شيئا تطوعا على طريق الرشوة هل يملكه: منهم من منع
الملك للمعصية ومنهم من لم يمنع وقال هو أهل للتصرف فان قلنا يصح بيع الماء وهبته في مسألتنا
فحكم الإعادة ما سبق في الإراقة لغير غرض كذا قاله الجمهور وقطع البغوي بأنه لا إعادة والمذهب
الأول وان قلنا لا يصح البيع والهبة لم يصح تيممه ما دام الماء باقيا في يد الموهوب له والمشترى
وعليه استرجاعه ان قدر فإن لم يقدر تيمم وصلي وعليه الإعادة على الصحيح وبه قطع الأصحاب
ونقل امام الحرمين فيه اتفاق الأصحاب وشذ الدارمي فحكى في الإعادة الوجهين في الإراقة سفها
وليس بشئ لأن الماء باق على ملكه وليس كالمغصوب لان هذا مقصر بتسليمه فان تلف في يد المشترى
308

والموهوب له قبل التيمم ففي الإعادة الوجهان في الإراقة وإذا أوجبنا الإعادة في مسألة الإراقة وبيع
الماء وهبته ففي قدر ما يعيده ثلاثة أوجه الصحيح المشهور تجب إعادة الصلاة التي فوت الماء في
وقتها ولا يجب غيرها لان ما سواها فوت الماء قبل دخول وقتها فلم تجب اعادتها والثاني يجب
إعادة ما يؤديه غالبا بوضوئه قال امام الحرمين هذا الوجه عندي في حكم الغفلة والغلط والثالث
تجب إعادة كل ما صلاه بالتيمم إلى أن أحدث حكاه البغوي وغيره وهذا الوجه والذي قبله
ليسا بشئ فإنه يلزم قائلهما أن يقول من توضأ ثم أحدث من غير ضرورة وتيمم أعاد قال المتولي
وغيره وإذا أراد الإعادة لم يصح في الوقت بالتيمم بل يؤخر حتى يجد الماء أو يصبر إلى حالة يصح
فيها التيمم بلا إعادة *
(فرع) قال القاضي حسين ولو كان له ثوب فحرقه وصلى عريانا فحكمه ما ذكرناه في إراقة الماء
من أوله إلى آخره *
(فرع) قال أصحابنا إذا قلنا لا يصح هبة هذا الماء استرده الواهب فان تلف في يد الموهوب
له فلا ضمان عليه لان الهبة ليست من عقود الضمان ومالا ضمان في صحيحه لا ضمان في فاسده كذا
قطع به امام الحرمين وأصحاب البحر والعدة والبيان وغيرهم وانفرد القاضي حسين فقال إن أتفه
الموهوب له ضمنه وان تلف عنده فوجهان والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
309

وان رأى الماء في أثناء الصلاة نظرت فإن كان ذلك في الحضر بطل تيممه وصلاته لأنه يلزمه
الإعادة بوجود الماء وقد وجد الماء فوجب أن يشتغل بالإعادة وإن كان في السفر لم تبطل لأنه
وجد الأصل بعد الشروع في المقصود فلا يلزمه الانتقال إليه كما لو حكم بشهادة
شهود الفرع ثم وجد شهود الأصل وهل يجوز الخروج منها فيه وجهان أحدهما لا يجوز واليه
أشار في البويطي لان مالا يبطل الصلاة لم يبح الخروج منها كسائر الأشياء وقال أكثر أصحابنا
يستحب الخروج منها كما قال الشافعي رحمه الله فيمن دخل في صوم الكفارة ثم وجد الرقبة ان
الأفضل أن يعتق وان رأى الماء في الصلاة في السفر ثم نوى الإقامة بطل تيممه وصلاته لأنه
اجتمع الحضر والسفر في الصلاة فوجب ان يغلب حكم الحضر فيصير كأنه تيمم وصلي وهو
حاضر ثم وجد الماء وان رأى الماء في أثناء الصلاة في السفر فأتمها وقد فني الماء لم يجز أن ينتقل حتى يجدد
التيمم لان برؤية الماء حرم عليه افتتاح الصلاة وان رأى الماء في صلاة نافلة فإن كان قد نوى
عددا أتمها كالفريضة وإن لم ينو عددا سلم من ركعتين ولم يزد عليهما]
[الشرح] إذا تيمم لعدم الماء ثم رأى في أثناء صلاته ماء يلزم استعماله نظرت فإن كان
ممن يلزمه الإعادة بطل تيممه وصلاته على المذهب الصحيح وفيه وجه ضعيف عند الخراسانيين انها
لا تبطل بل يتمها محافظة على حرمتها ثم يعيدها والمشهور الأول لأنه لا بد من اعادتها فلا وجه
310

للبقاء فيها ويدخل في هذا القسم المصلي بالتيمم في الحضر أو موضع يندر فيه عدم الماء ومن صلي
بنجاسة عجز عن غسلها إذا قلنا بالمذهب ان عليهما الإعادة ويدخل فيه المسافر سفرا قصيرا إذا
قلنا بالقول الضعيف المنقول عن البويطي انه يعيد ويدخل فيه العاصي بسفره على أصح الوجهين
اما إذا رأى الماء في أثناء الصلاة بالتيمم من لا إعادة عليه كالمسافر سفرا طويلا أو قصيرا على
المذهب أو المقيم في موضع يعدم فيه الماء غالبا فالصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي رحمه
الله وقطع به العراقيون وبعض الخراسانيين انه لا تبطل صلاته وقال جمهور الخراسانيين نص
هنا انه لا تبطل صلاته ونص في المستحاضة إذا انقطع دمها في أثناء الصلاة انها تبطل فجعلهما ابن
سريج على قولين أحدهما يبطلان لزوال الضرورة والثاني لا يبطلان للتلبس بالمقصود قالوا
والمذهب تقرير النصين والفرق ان حدثها متجدد بعد الطهارة ولأنها مستصحبة للنجاسة وهو
بخلافها فيهما والتفريع بعد هذا على المذهب وهو انه لا تبطل صلاة المتيمم برؤية الماء في أثنائها ثم
الأصحاب أطلقوا في طريقتي العراق وخراسان ان رؤية الماء في أثنائها لا يبطلها وقال صاحب
البحر ان رآه بعد فراغه من تكبيرة الاحرام لم تبطل صلاته وان رآه بعد شروعه في التكبيرة
وقبل فراغ التكبيرة بطل تيممه وصلاته وهذا الذي قاله لم أجد لغيره تصريحا بموافقته ولا مخالفته
وهو حسن فإنه لا يصير في الصلاة الا بفراغه من التكبيرة لكن بعض التكبيرة جزء من الصلاة
311

ففيه احتمال لهذا المعنى ثم ذكر صاحب البحر ان والده قال إذا رأى الماء في أثناء الصلاة
فاستمر اقتصر على تسليمة واحدة لأنه عاد إلى حكم الحدث بالتسليمة الأولى ولو أحدث بعد
التسليمة الأولى لم يأت بالثانية فكذا هنا قال وليس على أصلنا مسألة يقتصر فيها على تسليمة
واحدة الا هذه قال ولو كان عليه سجود سهو فنسيه وسلم لا يسجد وان قرب الفصل قال
صاحب البحر وهذا الذي قاله والدي حسن عندي قال ولكن يمكن ان يقال لا بأس بان يسلم
الثانية لأنها من تتمة الصلاة وقطع في كتابه الحلية بما قاله والده وفيه نظر وينبغي ان يقطع بأنه
يسلم الثانية والله أعلم * إذا ثبت انه لا تبطل صلاته برؤية الماء في أثنائها فهل يباح الخروج منها أم يستحب
أم يحرم فيه أوجه الصحيح الأشهر وقول أكثر الأصحاب انه يستحب الخروج منها والوضوء
للخروج من خلاف العلماء في بطلانها وكما نص الشافعي على استحباب الخروج من صلاة من
أحرم بها منفردا للدخول في الجماعة وكما نص على استحباب الخروج من صوم الكفارة لمن وجد
الرقبة في أثنائه والوجه الثاني يجوز الخروج منها لكن الأفضل الاستمرار فيها لقول الله تعالى
(ولا تبطلوا أعمالكم) والثالث يحرم الخروج منها للآية وهذا ضعيف قال امام الحرمين لست
أراه من المذهب ثم إن الأصحاب أطلقوا الأوجه وقال امام الحرمين الذي أراه ان المتيمم إذا رأى الماء في
الصلاة في آخر الوقت وقد ضاق الوقت لا يجوز له الخروج أصلا وهذا الذي قاله الامام متعين ولا أعلم
أحدا يخالفه وقال القاضي حسين والشيخ أبو محمد الجويني الخلاف في هذه المسألة إنما هو في أن
الأفضل ان يقلب فرضه نفلا ويسلم من ركعتين أم الأفضل ان يتمها فريضة قالا فاما الخروج المطلق
فليس بأفضل بلا شك وزاد القاضي حسين فقال الخروج عندي مكروه وجها واحدا وهذا الذي ذكره
خلاف المذهب الصحيح المعروف في جميع الطرق قال الشاشي ولا معنى لقولهما يجعلها نافلة فان تأثير
رؤية الماء في النفل كتأثيرها في الفرض اما إذا رأى الماء في أثناء الصلاة في السفر ثم نوى الإقامة وهو في
312

الصلاة فإنه يبطل تيممه وصلاته على المذهب وبه قطع المصنف والعراقيون وفيه وجه للخراسانيين انها
لا تبطل وهو المذكور في رؤية الحاضر الماء في الصلاة والصحيح الأول ووجه ما ذكر؟؟؟؟
ولو شرع في صلاة مقصورة فوجد الماء فيها ثم نوى اتمامها بطلت صلاته في أصح الوجهين لان تيممه
صح لركعتين فريضة وقد التزم الآن ركعتين فريضة لم يتيمم لها هكذا ذكر جمهور الأصحاب
هاتين المسألتين وخالفهم الماوددي فقال إذا رأى الماء في أثنائها ثم نوى الإقامة أو الاتمام قال ابن
القاص تبطل صلاته وقال سائر أصحابنا لا تبطل بل يتمها واختار الدارمي أيضا انها لا تبطل
وأطلق امام الحرمين والغزالي وجهين ولو شرع في صلاة مقصورة ثم نوى الإقامة ولم ير ماء
أتمها وهل تجب الإعادة وجهان أحدهما تجب ونقله صاحب الشامل عن ابن القاص لأنه صار مقيما
والمقيم تلزمه الإعادة والثاني لا يجب وبه قطع الروياني وادعي انه لا خلاف فيه واختاره صاحب
الشامل بعد حكايته قول ابن القاص فان قلنا بالأول فرأى الماء فيها بعد نية الإقامة بطلت كصلاة الحاضر
ولو نوى الاتمام في أثناء المقصورة ثم وجد الماء نقل صاحب البحر الاتفاق على أنه يمضى فيها ولا تبطل
وهذا ظاهر قال البغوي ولو اتصلت السفينة التي يصلي فيها بدار الإقامة في أثناء صلاته بالتيمم لم تبطل
ولا تجب الإعادة في أصح الوجهين كما لو وجد الماء في الصلاة والله أعلم * اما إذا رأى الماء في أثنائها
في السفر ففرغ منها ثم أراد انشاء نافلة بذلك التيمم فإن كان الماء باقيا أو تلف ولم يعلم بتلفه قبل سلامه لم يجز بلا
خلاف وان علم تلفه قبل سلامه ففيه وجهان قطع المصنف وسائر العراقيين وجماعة من الخراسانيين
بأنه لا يجوز وقطع أكثر الخراسانيين بالجواز حتى قال صاحب العدة لو كانت الصلاة التي هو
فيها نافلة جاز له بعد السلام منها أن يصلي به فريضة إن كان نواها لأنه عند الفراغ من الصلاة
ليس بواجد للماء ولا متوهم واختار صاحب الشامل هذا الثاني فقال هذا الذي قاله الأصحاب
من بطلان التيمم فيه نظر لان هذا الماء لا يجب استعماله لهذه الصلاة ولا قدر على استعماله لغيرها
313

فينبغي الا يبطل تيممه قال ويلزم من قال لا يصلي النافلة أن يقول إذا مر به ركب وهو في
الصلاة ففرغ منها وقد ذهب الركب لا يجوز التنفل لان توجه الطلب يمنع ابتداء الصلاة بالتيمم
واختاره الروياني أيضا وأورد ايراد صاحب الشامل هذا قال فان منعه الأولون فهو بعيد (قلت)
الأصح ما قاله العراقيون لان التيمم ضعف برؤية الماء وكان مقتضي الدليل بطلان الصلاة التي هو
فيها في الحال خالفناه لحرمتها وهذا ليس بموجود في غيرها والله أعلم * اما إذا رأى الماء في أثناء نافلة
فستة أوجه مفرقة في كتب الأصحاب وحكاها مجموعة صاحب البيان وغيره أصحها وأشهرها
انه إن كان نوى عددا أتمه والا اقتصر على ركعتين ولم تجز الزيادة وبهذا قطع المصنف والأكثرون
ونص عليه الشافعي رحمه الله في الأم ونقله الشيخ أبو حامد عن أصحابنا مطلقا لأنه ان نوى عددا
فهو كالفريضة لدخوله في صريح نيته وإن لم ينو عددا فعرف الشرع في النافلة ركعتان فصار
كالمنوي والثاني لا يزيد على ركعتين وإن كان نواه وهو قول الشيخ أبى زيد وأبى على السنجي
لان السنة في النافلة ركعتان فالزائد كنافلة مستأنفة والثالث يقتصر على ما صلي منها مطلقا ولا
تجوز الزيادة وإن كان نواها حكوه عن ابن سريج لان مقتضى رؤية الماء بطلان الصلاة خالفنا
هذا في الفريضة لأنه لو اقتصر على بعضها بطلت والنافلة يجوز الاقتصار على بعضها والرابع يجوز
له أن يزيد بعد رؤية الماء ما شاء من الركعات وان زاد على ما نوى قاله القفال لأنه صح دخوله
314

فيها وهي صلاة واحدة فجاز الزيادة فيها كما لو طول الركعات والخامس وبه قطع البندنيجي إن نوى
عددا أتمه والا بنى على القولين فيمن نذر صلاة مطلقة ان قلنا يلزمه ركعتان صلى ركعتين وان
قلنا ركعة لم يزد عليها والسادس يبطل مطلقا لان مقتضى الدليل بطلان الصلاة بالتيمم مع وجود
الماء خالفناه في الفريضة للضرورة ولحرمتها ولهذا يحرم قطعها كما سنوضحه قريبا إن شاء الله تعالى
بخلاف النافلة ولو دخل في نافلة بنية مطلقة فصلى ركعتين ثم قام إلى ثالثة ثم رأي الماء قال
صاحب البحر قال القاضي أبو الطيب يتم هذه الركعة ويسلم لأنها لا تتبعض قال وهذا كما قال (قلت)
ولا يخفى ان هذا لا يجئ على كل الأوجه والله أعلم *
(فرع) إذا تيمم للمرض فبرأ في أثناء صلاته فهو كما لو تيمم لعدم الماء فوجده في أثنائها
(فرع) إذا دخل في صلاة مفروضة في أول وقتها حرم عليه قطعها من غير عذر وإن كان
الوقت واسعا هذا هو المذهب والمنصوص وبه قطع الأصحاب وقال امام الحرمين الذي أراه ان
هذا جائز قال وكذا المقضية التي على التراخي يجوز قطعها بغير عذر لان الوقت موسع قبل
الشروع فيها فكذا بعد الشروع كما لو أصبح المسافر صائما ثم أراد الفطر فإنه يجوز قال والذي
أراه أن من شرع في صلاة الجنازة فله قطعها إذا كانت لا تتعطل بقطعه قال ومصداق ما ذكرته
نص الشافعي رحمه الله ان من تحرم بالصلاة منفردا ثم وجد جماعة فله الخروج منها ليدرك الجماعة
315

قال وهذه فصول رأيتها فأبديتها وعندي ان الأصحاب لا يسمحون بها ولا يجوزون للشارع في
فائتة الخروج منها بغير عذر وإن كان القضاء على التراخي ولكن القياس ما ذكرته هذا كلام
امام الحرمين وجزم الغزالي في الوسيط بجواز قطع الفريضة في أول وقتها ولم يذكر فيها خلافا
ولا أن الأصحاب لا يسمحون به كما ذكره إمام الحرمين فأوهم الغزالي بعبارته ان هذا مذهب الشافعي
والأصحاب وليس كذلك وإنما هو احتمال لإمام الحرمين كما ذكرته ولم يتابع الغزالي في البسيط
الامام بل حكي كلام الامام ثم قال وليس في الأصحاب من يسمح بذلك في القضاء وصلاة الوقت
وإن كان في أول الوقت وهذا الذي ذكره في البسيط هو الصواب وليته قال في الوسيط مثله واعلم أن
الصواب انه لا يجوز قطع المكتوبة من غير عذر وإن كان الوقت واسعا ولا المقضية هذا نص الشافعي رحمه
الله وهو متفق عليه عند الأصحاب قال الشافعي رحمه الله في الأم في أول باب تفريق الصوم والصلاة وهو
آخر أبواب الصلاة (من دخل في صوم واجب عليه من شهر رمضان أو قضاء أو صوم نذر أو كفارة من وجه
من الوجوه أو صلى مكتوبة في وقتها أو قضاها أو صلاة نذر لم يكن له ان يخرج من صوم أو صلاة ما كان
316

مطيقا للصوم والصلاة على طهارة فان خرج من واحد منهما بلا عذر عامدا كان مفسدا آثما عندنا)
هذا نصه في الأم بحروفه ومن الأم نقلته وكذا نقله عن نصه في الأم جماعات واما اتفاق الأصحاب
على تحريم قطعها بلا عذر فقد اعترف به امام الحرمين كما سبق ونقله الغزالي في البسيط كما قدمته
وقال صاحب التتمة في باب التيمم وباب صلاة الجماعة من شرع في الصلاة منفردا ثم أراد قطعها
لا يجوز له ذلك بلا خلاف يعنى بلا عدر وكذا قاله جماعات غيره ومنهم المصنف هنا في المهذب
فقد صرح بذلك في قوله لان مالا يبطل الصلاة لا يبيح الخروج منها وكذا صرح به الباقون وهو
أشهر من أن أطنب في نقل كلامهم فيه وقد نقله من المتأخرين عن المذهب وعن الأصحاب الرافعي
وأبو عمرو بن الصلاح وأنكرا على امام الحرمين والغزالي انفرادهما عن الأصحاب بتجويز قطعها
ودليل تحريم القطع قول الله تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم) وهو على عمومه الا ما خرج بدليل واما
مسألتا الصوم والصلاة اللتان احتج بهما امام الحرمين فالجواب عنهما ان العذر فيهما موجود والله أعلم
* وقال الرافعي في أول باب صوم التطوع لو شرع في صوم قضاء رمضان فإن كان القضاء على الفور
لم يجز الخروج منه وإن كان على التراخي فوجهان أحدهما يجوز قاله القفال وقطع به الغزالي والبغوي
وطائفة وأصحهما لا يجوز وهو المنصوص في الأم وبه قطع الروياني في الحلية وهو مقتضى كلام الأكثرين
لأنه تلبس بالفرض ولا عذر في قطعه فلزمه اتمامه كما لو شرع في الصلاة في أول الوقت قال وأما
317

صوم الكفارة فما لزم بسبب محرم فهو كالقضاء الذي على الفور وما لزم بسبب غير محرم كقتل
الخطأ فكالقضاء الذي على التراخي وكذا النذر المطلق قال وهذا كله مبنى على المذهب وهو انقسام
القضاء إلى واجب على الفور وهو ما عصي بتأخيره والى واجب على التراخي وهو ما لم يعص بتأخيره
ولنا وجه ان القضاء على التراخي مطلقا هذا آخر كلام الرافعي
(فرع) قال أصحابنا قال الشافعي في الأم لو تيمم ودخل في مكتوبة ثم رعف انصرف فإن لم
تجد من الماء الا ما يغسل به الدم غسله واستأنف التيمم والصلاة لأنه لما لزمه طلب الماء بطل تيممه
قالوا وان وجد الماء لزمه الوضوء واستئناف الصلاة بلا خلاف ولا يجئ فيه القول القديم فيمن
سبقه الحدث أو رعف انه يبني لأنه لا تجوز صلاة واحدة بتيمم ووضوء كما لا تجوز عدة واحدة
باقراء وأشهر ولا كفارة بعضها عتق وبعضها صوم والله أعلم
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن وجد الماء في أثناء صلاة السفر: قد سبق ان مذهبنا المشهور
انه لا يبطل صلاته بل يتمها ولا إعادة عليه وبه قال مالك واسحق وأبو ثور وابن المنذر وداود
وهو رواية عن أحمد وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة والمزني تبطل وهو أصح الروايتين عن
318

احمد ونقله البغوي عن أكثر العلماء قال أبو حنيفة إلا أن يكون صلاة العيدين أو الجنازة أو كان
الذي رآه سؤر حمار فلا تبطل قال القاضي أبو الطيب والماوردي قال ابن سريج الذي اختاره هنا
قول المزني واحتج من قال يبطل بقوله تعالي (فلم تجدوا ماء) وبقوله صلى الله عليه وسلم (فإذا وجدت
الماء فأمسه جلدك) ولان ما أبطل الطهارة خارج الصلاة أبطلها فيها كالحدث ولأنها طهارة ضرورة
فبطلت بزوال الضرورة كطهارة المستحاضة ولان ما منع ابتداء الصلاة منع استدامتها كالحدث
ولأنه مسح أقيم مقام غيره فبطل بظهور أصله في الصلاة وغيرها كماسح الخف إذا ظهرت رجله
ولأنها صلاة جاز ترك الأصل فيها للعذر فإذا زال العذر فيها بالقدرة على الأصل وجب الرجوع
إلى الأصل كالمريض إذا صلي قاعدا فبرأ في الصلاة والأمي إذا تعلم الفاتحة في أثناء الصلاة
والعريان إذا وجد السترة ولان الصبية إذا شرعت في العدة بالأشهر فحاضت في أثنائها انتقلت إلى الأقراء
فكذا هنا واحتج أصحابنا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم (لا تنصرف حتى تسمع صوتا أو تجد ريحا)
وهو حديث صحيح كما سبق وهذا الحديث وان ورد على سبب فالتمسك بعموم اللفظ لا بخصوص
السبب على المختار عند أصحابنا وغيرهم من أهل الأصول ولان رؤية الماء ليس حدثا لكن وجوده
مانع من ابتداء التيمم وذكر أصحابنا أدلة كثيرة لا يظهر الاستدلال بأكثرها فحذفتها وأما الجواب
عن احتجاجهم بالآية الكريمة والحديث فهو انهما محمولان على واجد الماء قبل الدخول في الصلاة
والجواب عن القياس على الحدث انه مناف للصلاة بكل حال بخلاف التيمم وعن المستحاضة بان
حدثها متجدد ولأنها مستصحبة للنجاسة والمتيمم بخلافها وعن القياس الآخر على الحدث انه مناف
319

بكل حال ولأنه يحتمل في الدوام مالا يحتمل في الابتداء كطرءان العدة بالشبهة والاحرام على
النكاح وعن الخف انه ينسب إلى تفريط لعدم تعهده واصلاحه أو لمضايقته المدة فنظير الماسح
من نسي الماء في رحله وصلى بالتيمم فيعيد على الصحيح لتقصيره وعن القياس على المريض والأمي
والعريان ان هذه أحوال تغير صفة الصلاة ولا تبطلها وعن المعتدة انها رأت الأصل قبل الفراغ
من البدل والمتيمم رأى الماء بعد الفراغ من البدل وهو التيمم فليس نظيرها وإنما نظير المتيمم
من العدة ان تحيض بعد أن تنقضي الأشهر وتتزوج وحينئذ لا اثر للحيض وعدتها صحيحة ونظير
العدة من التيمم ان ترى الماء في أثناء التيمم: والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وان تيمم للمرض وصلى ثم برأ لم يلزمه الإعادة لان المرض من الاعذار العامة فهو كعدم
الماء في السفر] *
[الشرح] إذا تيمم للمرض حيث جوزناه وصلي ثم برأ لا يلزمه الإعادة بلا خلاف سواء
كان في سفر أو حضر لأنه عذر عام فلو وجبت الإعادة حصل الحرج وقد قال الله تعالى (وما جعل
عليكم في الدين من حرج) ويقال برأ وبرئ وبرؤ ثلاث لغات سبق بيانهن قريبا والله أعلم *
320

قال المصنف رحمه الله *
[وان تيمم لشدة البرد وصلى ثم زال البرد فإن كان في الحضر لزمه الإعادة لان ذلك من الاعذار
النادرة وإن كان في السفر ففيه قولان أحدهما لا يجب لان عمرو بن العاص رضي الله عنه تيمم
وصلى لشدة البرد وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمره بالإعادة والثاني يجب لان البرد
الذي يخاف منه الهلاك ولا يجد ما يدفع ضرره عذر نادر غير متصل فهو كعدم الماء في الحضر]
[الشرح] حديث عمرو وحاله تقدم بيانه في فصل تيمم المريض وقوله عذر نادر احتراز
من المرض وعدم الماء في السفر وقوله غير متصل احتراز من الاستحاضة اما حكم المسألة فقال
أصحابنا إذا وجد المحدث أو الجنب الماء وخاف من استعماله لشدة البرد لا لمرض ونحوه خوفا يجوز
للمريض التيمم فان قدر على أن يغسل عضوا فعضوا ويدثر أو قدر على تسخين الماء بأجرة مثله
أو على ماء مسخن بثمن مثله لزمه ذلك ولم يجز له التيمم لا في الحضر ولا في السفر لأنه واحد
للماء قادر على استعماله فان خالف وتيمم لم يصح تيممه ويلزمه إعادة ما صلى به وإن لم يقدر على
شئ من ذلك وقدر على غسل بعض الأعضاء الظاهرة من غير ضرر لزمه ذلك ثم يتيمم للباقي
وإن لم يقدر على شئ من ذلك تيمم وصلى لحديث عمرو بن العاص فإنه تيمم للبرد واستدل
بالآية وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك كله وهل تجب إعادة هذه الصلاة قال أصحابنا ان
321

كان التيمم في السفر ففيه قولان مشهوران نص عليهما في البويطي رجح الشافعي رحمه الله
منهما وجوب الإعادة وكذا رجحه جمهور الأصحاب وصحح المتولي والروياني في الحلية انه
لا إعادة لحديث عمرو وأجاب الجمهور عن حديث عمرو بأن الإعادة على التراخي وتأخير
البيان إلى وقت الحاجة جائز على المذهب الصحيح ويحتمل انه كان يعلم وجوب الإعادة أو
أنه كان قد قضي وإن كان في الحضر فطريقان قطع الجمهور في كل الطرق بوجوب الإعادة لندوره
وحكي الدارمي في الاستذكار وغيره من الأصحاب عن أبي الحسين ابن القطان من أصحابنا أنه قال إن
قلنا يعيد المسافر فالحاضر أولى والا فقولان ونقل العبدري في الكفاية عن أبي حاتم
القزويني أنه قال فيهما ثلاثة أقوال أحدها يعيد الحاضر والمسافر والثاني لا يعيدان والثالث يعيد
الحاضر دون المسافر والصحيح وجوب الإعادة عليهما هذا تفصيل مذهبنا وحكي ابن المنذر
وأصحابنا عن الحسن البصري وعطاء انه لا يجوز له التيمم بل يستعمل الماء وان مات وحكوا عن
مالك وأبي حنيفة والثوري انه يتيمم ويصلى ولا يعيد لا المسافر ولا الحاضر واختاره ابن المنذر
وقال احمد لا يعيد المسافر وفى الحاضر روايتان ودليل الجميع يعرف مما سبق ولو كان معه ثوب
نجس فخاف الهلاك من شدة حر أو برد لو نزعه صلى فيه وأعاد وقد ذكر المصنف المسألة في باب
طهارة البدن والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
322

[ومن صلى بغير طهارة لعدم الماء والتراب لزمه الإعادة لان ذلك عذر نادر غير متصل
فصار كما لو نسي الطهارة وصلى مع القدرة على الطهارة] *
[الشرح] قد سبق بيان حكم من لم يجد ماء ولا ترابا وان فيه أربعة أقوال أصحها تجب الصلاة
في الحال وتجب الإعادة وبسطنا أدلته وفروعه وقوله عذر نادر غير متصل سبق الاحتراز منها
قريبا وقاسه على ما لو نسي الطهارة لأنه مجمع عليه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[إذا كان على بعض أعضائه كسر يحتاج إلى وضع الجبائر ووضع الجبائر على طهر فان وضعها
على طهر ثم أحدث وخاف من نزعها أو وضعها على غير طهر وخاف من نزعها مسح على الجبائر
لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا رضي الله عنه أن يمسح على الجبائر ولأنه تلحقه المشقة في نزعه
فجاز المسح عليه كالخف وهل يلزمه مسح الجميع أم لا فيه وجهان أحدهما يلزمه مسح الجميع لأنه
مسح أجيز للضرورة فوجب فيه الاستيعاب كالمسح في التيمم والثاني يجزيه ما يقع عليه الاسم لأنه
مسح على حائل منفصل فهو كمسح الخف وهل يجب التيمم مع المسح قال في القديم لا يتيمم كما
لا يتيمم مع المسح على الخف وقال في الأم يتيمم لحديث جابر رضي الله عنه أن رجلا أصابه حجر
فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم قالوا ما نجد لك رخصة وأنت
تقدر على الماء فاغتسل فمات فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على
323

رأسه خرقة يمسح عليها ويغسل سائر جسده) ولأنه يشبه الجريح لأنه يترك غسل العضو لخوف الضرر
ويشبه لابس الخف لأنه لا يخاف الضرر من غسل العضو وإنما يخاف المشقة من نزع الحائل
كلابس الخف فلما أشبههما وجب عليه الجمع بين المسح والتيمم فان برأ وقدر على الغسل
فإن كان قد وضع الجبائر على غير طهر لزمه إعادة الصلاة وإن كان وضعها على طهر ففيه قولان
أحدهما لا يلزم الإعادة كما لا يلزم ماسح الخف والثاني يلزمه لأنه ترك غسل العضو لعذر نادر غير
متصل فصار كما لو ترك غسل العضو ناسيا] *
[الشرح] قال الأزهري وأصحابنا الجبائر هي الخشب التي تسوى فتوضع على موضع الكسر
وتشد عليه حتى ينجبر على استوائها واحدتها جباره بكسر الجيم وجبيرة بفتحها قال صاحب الحاوي
الجبيرة ما كان على كسر واللصوق بفتح اللام ما كان على قرح وقد أنكر جماعة ممن صنف في ألفاظ
المهذب على المصنف قوله وإن كان على عضوه كسر وقالوا هذا غلط وإنما يقال عضو مكسور ولا يقال
عليه كسر وهذا الانكار باطل بل يقال عضو مكسور وفيه كسر وعليه كسر كله بمعنى واحد
وأم حديث جابر فرواه أبو داود والبيهقي وضعفه البيهقي وأما حديث علي رضي الله عنه فضعيف
رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما واتفقوا على ضعفه لأنه من رواية عمرو بن خالد الواسطي واتفق
الحفاظ على ضعفه قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وآخرون هو كذاب قال البيهقي هو معروف
بوضع الحديث ونسبه إلى الوضع وكيع قال البيهقي ولا يثبت في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه
وسلم شئ قال وأقرب شئ فيه حديث جابر الذي سبق وليس بالقوى قال وإنما فيه قول الفقهاء
من التابعين فمن بعدهم مع ما رويناه عن ابن عمر فذكر باسناده أن ابن عمر رضي الله عنهما توضأ
324

وكفه معصوبة فمسح عليها وعلى العصابة وغسل ما سوي ذلك قال وهذا عن ابن عمر صحيح ثم
روى البيهقي جواز المسح على الجبائر وعصائب الجراحات بأسانيده عن أئمة التابعين وينكر على
المصنف قوله لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا فأتي بصيغة الجزم في حديث متفق على ضعفه
وتوهينه وقد سبق التنبيه على هذه العبارة والقاعدة في الفصول المذكورة في مقدمة الكتاب
وقوله لأنه مسح أجيز للضرورة احتراز من مسح الخف فإنه تخفيف ورخصة وقوله مسح على حائل
منفصل فيه احتراز من مسح اللحية في التيمم: أما حكم المسألة فقال أصحابنا إذا احتاج إلى وضع
الجبيرة وضعها فإن كان لا يخاف ضررا من نزعها وجب نزعها وغسل ما تحتها إن لم يخف ضررا
من غسله قال العبدري وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد وداود لا يلزمه نزعها وإن لم يخف ضررا
قال أصحابنا وان خاف الضرر من نزعها لم يجب نزعها والخوف المعتبر ما سبق في المرض المجوز
للتيمم على التفصيل السابق اتفاقا واختلافا هكذا قاله الأصحاب قال أصحابنا ولا يجوز أن يضع
325

الجبيرة على شئ من الصحيح الا القدر الذي لا يتمكن من ستر الكسر الا به قالوا ويجب أن
يضعها على طهر وحكي امام الحرمين وجها عن والده أنه لا يجب وضعها على طهر إذا لم نوجب
الإعادة على من وضعها على غير طهر وهذا شاذ والصحيح المشهور أنه يجب وضعها على طهر مطلقا
وبه قطع الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والروياني في الحلية وآخرون وهو مراد المصنف بقوله
وضع الجبائر على طهر اي يجب عليه الطهارة لوضع الجبيرة على عضوه وهو مراد الشافعي رحمه الله
بقوله في المختصر (ولا يضعها الا على وضوء) فان خالف ووضعها على غير طهر فإن لم يخف ضررا
من نزعها وجب نزعها ثم يلبسها على طهارة وان خاف لم يلزمه نزعها بل يصح مسحه ويكون آثما
هكذا صرح به المحاملي والأصحاب وإذا أراد لابس الجبيرة الطهارة فليفعل ثلاثة أمور غسل
الصحيح من باقي أعضائه والمسح على الجبيرة والتيمم أما غسل الصحيح فيجب غسل الأعضاء
الصحيحة وكل ما يقدر عليه من أطراف الجبيرة على التفصيل المتقدم في فصل الجريح هذا هو
الصواب المقطوع به في معظم طرق الأصحاب وحكي بعض الخراسانيين والرافعي طريقا آخر ان
في غسل الصحيح القولين فيمن وجد بعض ما يكفيه من الماء وقد سبق مثل هذا الطريق في الجريح وعلى
هذا الطريق يتعين التيمم والمذهب القطع بوجوب غسل الصحيح لان كسر العضو لا يزيد على
فقده ولو فقده وجب غسل الباقي قطعا وأما مسح الجبيرة بالماء فواجب باتفاق الأصحاب في كل
الطرق وممن نقل اتفاقهم عليه امام الحرمين الا قولا حكاه الرافعي عن حكاية الحناطي أنه يكفيه
التيمم ولا يمسح الجبيرة بالماء ونقله صاحب العدة أيضا واختاره القاضي أبو الطيب والمذهب الأول
وهل يجب استيعاب الجبيرة بالمسح كالوجه في التيمم أم يكفي مسح ما ينطلق عليه الاسم كالرأس
والخف فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما أصحهما عند الأصحاب يجب الاستيعاب
326

صححه الشيخ أبو محمد في الفروق والبغوي والروياني في الحلية والرافعي وغيرهم وهو مذهب أبي حنيفة
وأحمد وأما التيمم مع غسل الصحيح ومسح الجبيرة بالماء ففيه طريقان أصحهما وأشهرهما والتي
قطع الجمهور بها أن فيه قولين أصحهما عند الجمهور وجوبه هو نصه في الأم والبويطي والكبير
والثاني لا يجب وهو نصه في القديم وظاهر نصه في المختصر وصححه الشيخ أبو حامد والجرجاني
والروياني في الحلية قال العبدري وبهذا قال احمد وسائر الفقهاء والطريق الثاني حكاه الخراسانيون
وصححه المتولي منهم انه إن كان ما تحت الجبيرة عليلا لا يمكن غسله لو كان ظاهرا وجب التيمم
كالجريح وان أمكن غسله لو ظهر لم يجب التيمم كلابس الخف وقد ذكر المصنف دليل القولين
والمذهب الوجوب فإذا أوجبنا التيمم فلو كانت الجبيرة على موضع التيمم ففيه وجهان حكاهما
الشيخ أبو محمد وولده امام الحرمين والغزالي وآخرون أحدهما يجب مسحها بالتراب كما يجب مسحها
بالماء وأصحهما عند الأصحاب وبه قطع الماوردي والبغوي وآخرون لا يجب مسحها بالتراب
بل يمسح ما سواها لان التراب ضعيف فلا يؤثر فوق حائل بخلاف المسح بالماء فان تأثيره فوق
الحائل معهود في الخف فعلى هذا يستحب قاله الدارمي وغيره لان فيه خروجا من الخلاف وأما
وقت مسح الجبيرة بالماء فإن كان جنبا مسح متى شاء إذ لا ترتيب عليه وإن كان محدثا مسح إذا
وصل غسل عضوها وأما وقت التيمم فعلى ما سبق في تيمم الجريح سواء اتفاقا واختلافا وتفريعا
327

ومختصره انه إن كان جنبا فوجهان أحدهما يجب تقديم الغسل ثم يتيمم والصحيح المشهور ان شاء
قدم التيمم على الغسل وان شاء أخره وان شاء وسطه وإن كان محدثا فثلاثة أوجه مشهورة أحدها
يجب تقديم غسل جميع المقدور عليه والثاني يتخير كالجنب والثالث وهو الصحيح عند جمهور
الأصحاب لا ينتقل من عضو حتى يكمل طهارته هكذا صححه الأصحاب في طرقهم ونقل الرافعي
تصحيحه عنهم فعلى هذا يجئ التفصيل السابق في تيمم الجريح بين أن يكون عليه جبيرة في الوجه
أو اليد أو الرجل أو جبيرتان أو جبائر والحكم ما سبق هناك فعلى الثالث يتعدد التيمم بحسب
الجبائر كما سبق هناك وعلى الوجهين الأولين يكفي تيمم واحد عن الجبائر كلها وهل يجب على صاحب
الجبيرة إعادة الوضوء لكل فريضة وإن لم يحدث كما يجب إعادة التيمم أم يكفي غسل ما بعد الجبيرة
أم لا يجب غسل شئ ما لم يحدث فيه ثلاثة أوجه كما سبق في الجريح والصحيح أنه لا يجب غسل شئ
ونقل الاتفاق عليه هنا امام الحرمين وآخرون وصرح به الماوردي والغزالي وغيرهما وممن ذكر
الخلاف فيه القاضي حسين والبغوي وقطع الشيخ أبو حامد بوجوب إعادة الوضوء كالمستحاضة
والمذهب انه لا يجب ويفارق المستحاضة فان حدثها متجدد وحكم إعادة مسح الجبيرة حكم إعادة الغسل
وقطع الغزالي بأنه لا يجب وهو المذهب وإذا شفى صاحب الجبيرة لزمه غسل موضعها وحكم
وجوب استئناف الوضوء أو الغسل إن كان جنبا وعدم وجوبه على ما سبق في الجريح والله أعلم * هذا كله
إذا كان الكسر محوجا إلى الجبيرة فوضعها اما إذا لم يحتج إلى وضعها لكن خاف من ايصال الماء
إلى العضو فحكمه حكم الجريح فيجب غسل الصحيح بقدر الامكان على التفصيل السابق هناك
ويجب التيمم مع غسل الصحيح ولا يجب مسح موضع الكسر بالماء وإن لم يخف منه ضررا لان
المسح بالماء لا تأثير له من غير حائل كما قدمناه في الجريح بخلاف الجبيرة فإنه مسح على حائل
كالخف كذا قطع به الأصحاب في الطرق ونقله الرافعي عن الأئمة ثم قال وللشافعي سياق يقتضي
وجوب المسح ووجوب التيمم في هذه الصورة متفق عليه بلا خلاف لئلا يبقى موضع الكسر
بلا طهارة فإذا تيمم وكان الكسر في محل التيمم وجب مسحه بالتراب كما سبق في الجريح لأنه
لا ضرر فيه ولا حائل دونه والله أعلم * واما إعادة الصلاة التي يفعلها الكسير فأن لم يكن عليه ساتر
328

من جبيرة ولصوق فلا إعادة بالاتفاق لان التيمم إذا تجرد للمرض والجراحة ونحوهما لا يجب
معه إعادة فمع غسل بعض الأعضاء أولى أن لا يجب وإن كان عليه ساتر من جبيرة أو لصوق أو
نحوهما فإن كان وضعه على طهر ففي وجوب الإعادة قولان ذكرهما المصنف بدليلهما الصحيح
منهما عند جمهور الأصحاب لا يجب الإعادة وقطع به جماعات وهو مذهب مالك وأبي حنيفة
واحمد وانفرد البغوي بترجيح الوجوب وإن كان وضعه على غير طهر فطريقان أصحهما القطع بوجوب
الإعادة لندوره وتقصيره وبهذا الطريق قطع المصنف والجمهور في الطرق كلها وصححه الباقون
والثاني ان في الإعادة قولين حكاه القاضي أبو الطيب والبندنيجي والدارمي وصاحب الشامل
والمتولي والروياني وآخرون من العراقيين والخراسانيين قال المتولي في المسألة ثلاثة أقوال أصحها
ان وضع على طهر لم تجب الإعادة وان وضع على غير طهر وجبت والثاني يجب مطلقا والثالث
لا يجب مطلقا وقال القاضي حسين وامام الحرمين ان وضع على طهر لم يعد في القديم وفى الجديد
قولان وان وضع على غير طهر أعاد في الجديد وفى القديم قولان ثم المشهور انه لا فرق في الإعادة
بين ان نوجب التيمم ويفعله أو لا نوجبه وقال أبو حفص بن الوكيل من أصحابنا الخلاف إذا لم
نوجب التيمم اما إذا أوجبناه فتيمم فلا يعيد قولا واحدا والمذهب الأول وبه قطع الجمهور ثم
الجمهور أطلقوا الخلاف في الإعادة وقال القاضي أبو الطيب وأصحاب الشامل والتتمة والبحر
والرافعي هذا الخلاف إذا كانت الجبيرة أو اللصوق على غير محل التيمم فإن كان عليه وقلنا لا يجب
329

التيمم فكذلك وان قلنا يجب وجبت الإعادة قولا واحدا لنقصان البدل والمبدل ولم أر للجمهور
تصريحا بمخالفة هذه الجماعة ولا بموافقتها لكن اطلاقهم يقتضي أن لا فرق هذا تفصيل مذهبنا وحكي
ابن المنذر عن جمهور العلماء انه لا إعادة عليه وحكى العبدري عن أحمد بن حنبل وسائر الفقهاء
انه لا يجب التيمم على صاحب الجبيرة والله أعلم *
(فرع) قطع الشيخ أبو حامد والماوردي والدارمي وابن الصباغ وسائر العراقيين وصاحب
التتمة وغيره من الخراسانيين بان المسح على الجبيرة غير مؤقت بل يمسح من غير نزع وان تطاولت
الأزمان إلى أن يبرأ وذكر الفوراني وامام الحرمين والغزالي وآخرون من الخراسانيين وجها انه
مؤقت كالخف كذا أطلقوه قال الرافعي فعلى هذا الوجه يختلف بالحضر والسفر فينزع المقيم
الجبيرة بعد يوم وليلة والمسافر بعد ثلاث وأنكره عليه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح وقال الصواب
انه يختص بيوم وليلة حضرا وسفرا والأظهر ما ذكره الرافعي وهو مقتضى اطلاق من حكي هذا
الوجه وهذا الوجه في أصله ضعيف والصواب انه غير مؤقت لان الرخصة وردت غير مقيدة
بخلاف الخف ولان الحاجة تدعو إلى استدامة الجبيرة قال القاضي أبو الطيب ولان الخف ينزعه
330

للجنابة بخلاف الجبيرة قال امام الحرمين هذا الخلاف إنما يثبت إذا أمكن نزع الجبيرة ووضعها
بغير ضرر العضو فان اضربه لم يجب بلا خلاف قال وصورة الخلاف إذا لم يمكن النزع بغير خلل
يعود إلى العضو الا بعد يوم وليلة فان أمكن في كل وقت لم يجز المسح عليها وهذا الذي قاله
الامام حاصله رفع الخلاف من أصله فانا قدمنا اتفاق الأصحاب على أنه إذا لم يكن في النزع ضرر
لا يجوز المسح بلا خلاف * والله أعلم
(فرع) قال أصحابنا حكم اللصوق وغيره من الجرح حكم الجبيرة في جميع ما سبق فان قدر
على حل عصابته وغسله من غير ضرر لزمه والا فهو كالجبيرة على ما سبق قال القاضي حسين وغيره
وكذا لو وضع قشر الباقلا ونحوه على خدشه فهو كالجبيرة قال صاحب التهذيب وكذا لو طلي على
خدشه شيئا قال وكذا الشقوق على الرجل إذا احتاج فيها إلى تقطير شئ يجمد فيها
(فرع) قال أصحابنا إذا أجنب صاحب الجبيرة ونحوها لم يلزمه نزعها بل يغسل الصحيح ويمسح
عليها ويتيمم كالمحدث بخلاف لابس الخف يلزمه النزع للجنابة لعدم المشقة هناك
(فرع) لو كان على عضويه جبيرتان فرفع إحداهما لا يلزمه رفع الأخرى بخلاف الخفين لان
331

لبسهما جميعا شرط بخلاف الجبيرتين ولو سقطت جبيرته عن عضوه في الصلاة بطلت صلاته سواء
كان برأ أم لا كانخلاع الخف هذا مذهبنا وحكى صاحب العدة عن أبي حنيفة انه ان
سقطت قبل البرئ لم تبطل دليلنا القياس على الخف وعلى ما بعد البرء ولو اندمل ما تحت
الجبيرة وبرأ وهو لا يعلم فصلي بعده صلوات وجب قضاؤهن بلا خلاف كذا نقل الاتفاق
فيه صاحب التتمة وغيره ولو توهم اندماله بعد التيمم فبان انه لم يندمل ففي بطلان تيممه الوجهان
في تيمم الجريح أصحهما لا يبطل وقد سبقت المسألة هناك مستوفاة وبالله التوفيق
[فصل] في مسائل تتعلق بباب التيمم (إحداها) إذا تيمم وعليه خفان أو عمامة لبسهما على
طهر ثم خلع ذلك لم يبطل تيممه عندنا وبه قال مالك وأبو حنيفة والجمهور وحكى العبدري عن أحمد
انه يبطل (الثانية) قال الروياني قال والدي لو عدم الجنب الماء فتيمم لقراءة القرآن فشرع
فيها ثم رأى الماء فإن لم ينو عند الشروع في القراءة قراءة قدر معلوم لزمه قطع القراءة بمجرد
رؤية الماء وان نوى قدرا احتمل وجهين أحدهما له الاتمام كما لو نوى نافلة محصورة له اتمامها على
المذهب والثاني يلزمه القطع لان القراءة لا يرتبط بعضها ببعض قال الروياني وهذا الثاني أصح ولا
وجه للأول قال ولو كان في وسط الآية لزمه قطعها (الثالثة) قال الروياني قال والدي لو تيمم عادم
الماء قبل الاجتهاد في القبلة ففي صحة تيممه وجهان بناء على من تيمم وعليه نجاسة (الرابعة)
إذا تيمم وعليه عمامة أو خفان لبسهما على طهارة ثم نزعهما لم يبطل تيممه عندنا وعند مالك
332

وأبي حنيفة وداود والعلماء كافة الا رواية حكاها العبدري عن أحمد أنه يبطل
(فرع) قال المحاملي في اللباب التيمم يشتمل على فرض وسنة وأدب وكراهة وشرط فالفرض
سبعة طلب الماء والقصد إلى الصعيد والنية ومسح الوجه واليدين والترتيب والتتابع على قول
والسنة خمسة التسمية والاقتصار على ضربتين ونفض الغبار الكثير وتقديم اليمنى والأدب ثلاثة
استقبال القبلة والابتداء بأعلى الوجه وبالكفين في اليدين والكراهة استعمال التراب الكثير
والزيادة على الضربتين والشرط واحد وهو كون التراب مطلقا قال وينقض التيمم ما ينقض
الوضوء وخمسة أشياء أيضا وجود الماء أو ثمنه وتوهمه وارتفاع المرض والإقامة قال ويفارق التيمم
الوضوء في خمسة أشياء كون التيمم في عضوين ولا يجب ايصال التراب إلى أصول الشعر مطلقا
ولا يصلي فرضين بتيمم ولا يتيمم الا لعذر وبعد دخول الوقت هذا آخر كلام المحاملي وقد ترك
من الشروط العذر ودخول الوقت وقد شذ عن ضبطه مسائل وتفاصيل ووجوه سبقت في
مواضعها والله أعلم *
[فصل] في حكم الصلوات المأمور بهن في الوقت مع خلل للضرورة قال أصحابنا العذر ضربان
333

عام ونادر فالعام لا قضاء معه للمشقة ومن هذا الضرب المريض يصلي قاعدا أو موميا أو بالتيمم
خوفا من استعمال الماء ومنه المصلي بالايماء في شدة الخوف والمسافر يصلي بالتيمم لعجزه عما يجب
عليه ان يستعمله وأما النادر فقسمان قسم يدوم غالبا وقسم لا يدوم فالأول كالمستحاضة وسلس البول
والمذي ومن به جرح سائل أو رعاف دائم أو استرخت مقعدته فدام خروج الحدث منه
ومن أشبههم فكلهم يصلون مع الحدث والنجس ولا يعيدون للمشقة والضرورة وأما الذي
لا يدوم غالبا فنوعان نوع يأتي معه ببدل للخلل ونوع لا يأتي فمن الثاني من لم يجد ماء ولا ترابا
والمريض والزمن ونحوهما ممن لا يخاف من استعمال الماء لكن من يوضئه ومن لا يقدر على التحول
إلى القبلة والأعمى وغيره ممن لا يقدر على معرفة القبلة ولا يجد من يعرفه إياها ومن على بدنه
334

أو جرحه نجاسة لا يعفى عنها ولا يقدر على ازالتها والمربوط على خشبة ومن شد وثاقه والغريق ومن
حول عن القبلة أو أكره على الصلاة إلى غيرها أو على ترك القيام فكل هؤلاء يجب عليهم الصلاة
على حسب الحال وتجب الإعادة لندور هذه الاعذار وفى بعض هؤلاء خلاف ضعيف تقدم في هذا
الباب وأما المصلي عريانا لعدم السترة ففي كيفية صلاته قولان أصحهما وأشهرهما تجب الصلاة قائما
باتمام الركوع والسجود والثاني يصلي قاعدا فعلى هذا هل يتم الركوع والسجود أم يقتصر على
أدني الجبهة من الأرض فيه قولان وحكي امام الحرمين والغزالي وجها أنه يتخير بين القيام والقعود
ويجرى هذا الخلاف في المحبوس في موضع نجس بحيث لو سجد لسجد على النجاسة هل يتم السجود
أم يقتصر على الايماء أم يتخير ويجرى فيمن وجد ثوبا طاهرا لو فرشه بقي عريانا وان لبسه صلى
335

على النجاسة ويجرى في العاري إذا لم يجد الا ثوبا نجسا والأصح في هاتين الصورتين انه يصلي عاريا
فإذا قلنا في العريان لا يتم الركوع والسجود لزمه الإعادة على المذهب وفيه قول ضعيف لا يعيد
وقد سبق نظيره فيمن صلى بغير ماء ولا تراب ونظائره وان قلنا يتم الأركان فإن كان من قوم
عادتهم العرى لم تجب الإعادة بلا خلاف وإن كانوا لا يعتادونه فالمذهب الصحيح الذي قطع به
العراقيون وجماعة من الخراسانيين أنه لا إعادة أيضا وفيه وجه حكاه الخراسانيون أنها تجب وهو
شاذ ضعيف وقد قال الشيخ أبو حامد في تعليقه في باب ستر العورة لا يجب عليه الإعادة ولا أعلم
فيه خلافا يعني بين المسلمين فأشار إلى الاجماع عليه ثم لا فرق في سقوط الإعادة بين الحضر
والسفر لان الثوب يعز في الحضر ولا يبذل بخلاف الماء وأما الثاني وهو ما يأتي معه ببدل ففيه
336

صور منها من يتيمم في الحضر لعدم الماء أو لشدة البرد في الحضر أو السفر أو لنسيان الماء في رحله
ونحوه في السفر أو تيمم مع الجبيرة الموضوعة على غير طهر والصحيح عند الأصحاب أنه تجب
الإعادة على جميعهم وتقدمت تفاصيل الخلاف فيهم ومنها المتيمم مع الجبيرة الموضوعة على طهر
فلا إعادة عليه في أصح القولين ومن الأصحاب من جعل مسألة الجبيرة من العذر العام وهو حسن
والله أعلم * ونقل امام الحرمين الغزالي أن أبا حنيفة رحمه الله قال كل صلاة تفتقر إلى القضاء لا يجب
337

فعلها في الوقت وأن المزني رحمه الله قال كل صلاة وجبت في الوقت وإن كانت مع خلل لم يجب
قضاؤها قالا وهما قولان منقولان عن الشافعي رحمه الله وهذا الذي قاله المزني هو المختار لأنه أدى
وظيفة الوقت وإنما يجب القضاء بأمر جديد ولم يثبت فيه شئ بل ثبت خلافه والله أعلم * قال
امام الحرمين وغيره ثم ما حكمنا من الاعذار بأنه دائم وأسقطنا الفرض به فلو اتفق زواله بسرعة
338

فهو كالدائم المتمادي نظرا إلى جنسه وما حكمنا بأنه لا يدوم فاتفق دوامه لم يلحق بالدائم بل حكمه
حكم ما ينقطع على قرب الحاقا لما يشذ من الجنس بالجنس ثم كل صلاة أوجبناها في الحال مع خلل
وأوجبنا قضاءها فقضاها ففي الفرض من صلاتيه أربعة أقوال مشهورة في الطريقتين وقد سبق بيانها
أصحها عند الجمهور أن الفرض الثانية والثاني الأولى والثالث إحداهما لا بعينها والرابع كلاهما
فرض واختاره القفال والفوراني وصاحب الشامل وهو قوى فإنه مكلف بهما قال امام الحرمين
339

وإذا أوجبنا لصلاة في الوقت وأوجبنا القضاء فالمذهب ان ما يأتي به في الوقت صلاة ولكن يجب
قضاؤها للنقض قال ومن أصحابنا من قال ليست صلاة بل تشبه الصلاة كالامساك في رمضان
لمن أفطر عمدا قال وهذا بعيد قال فان قيل هلا قلتم الصلاة المفعولة في الوقت مع الخلل فاسدة
كالحجة الفاسدة التي يجب المضي فيها قلنا ايجاب الاقدام على الفاسد محال وأما التشبه فلا يبعد
ايجابه والله أعلم بالصواب وله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة * قال المصنف رحمه الله *
340

* (كتاب الحيض) *
قال الله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذي فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن
حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) قال أهل اللغة يقال
حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا فهي حائض بحذف الهاء لأنه صفة للمؤنث خاصة
فلا يحتاج إلى علامة تأنيث بخلاف قائمة ومسلمة هذه اللغة الفصيحة المشهورة وحكى الجوهري
عن الفراء أنه يقال أيضا حائضة وأنشد: كحائضة يزنى بها غير طاهر: قال الهروي يقال حاضت
وتحيضت ودرست بفتح الدال والراء والسين المهملة وعركت بفتح العين وكسر الراء وطمثت
بفتح الطاء وكسر الميم وزاد غيره ونفست وأعصرت وأكبرت وضحكت كله بمعنى حاضت
قال صاحب الحاوي للحيض ستة أسماء وردت اللغة بها أشهرها الحيض والثاني الطمث والمرأة
طامث قال الفراء الطمث الدم ولذلك قيل إذا افتض البكر طمثها أي أدماها قال الله تعالى:
(لم يطمثن انس قبلهم ولا جان): الثالث العراك والمرأة عارك والنساء عوارك: الرابع الضحك
341

والمرأة ضاحك قال الشاعر
وضحك الأرانب فوق الصفا * كمثل دم الحرق يوم اللقا
والخامس الاكبار والمرأة مكبر قال الشاعر:
يأتي النساء على أطهارهن ولا * يأتي النساء إذ أكبرن اكبارا
والسادس الاعصار والمرأة معصر قال الشاعر:
جارية قد أعصرت * أو قد دنا اعصارها
قال أهل اللغة وأصل الحيض السيلان يقال حاض الوادي أي أسال يسمى حيضا لسيلانه في أوقاته
قال الأزهري والحيض دم يرخيه رحم المرأة بعد بلوغها في أوقات معتادة والاستحاضة سيلان
الدم في غير أوقاته المعتادة ودم الحيض يخرج من قعر الرحم ويكون أسود محتدما أي حارا كأنه
محترق قال والاستحاضة دم يسيل من العاذل وهو عرق فمه الذي يسيل في أدني الرحم دون قعره
قال وذكر ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما هذا كلام الأزهري والعاذل بالعين المهملة وكسر الذال
342

المعجمة قال الهروي في الغريين وغيره من أهل اللغة الحيض دم يخرج في أوقاته بعد بلوغها
والاستحاضة دم يخرج في غير أوقاته قال صاحب الحاوي أما المحيض في قول الله تعالى (ويسألونك
عن المحيض) فهو دم الحيض باجماع العلماء وأما المحيض في قوله تعالى: (فاعتزلوا النساء في المحيض) فقيل
أنه دم الحيض وقيل زمانه وقيل مكانه وهو الفرج قال وهذا قول أزواج رسول الله صلى الله عليه
وسلم وجمهور المفسرين وقال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي وآخرون مذهبنا
ان المحيض هو الدم وهو الحيض وقال قوم هو الفرج وهو اسم للموضع كالميت والمقيل موضع
البيتوتة والقيلولة وقال قوم زمان الحيض قال وهما قولان ضعيفان قال صاحب الحاوي وسمى
الحيض أذي لقبح لونه ورائحته ونجاسته واضراره قال الجاحظ في كتاب الحيوان والذي يحيض
من الحيوان أربع المرأة والأرنب والضبع والخفاش وحيض الأرنب والضبع مشهور في أشعار العرب
(فرع) ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
في الحيض (هذا شئ كتبه الله علي بنات آدم) قال البخاري في صحيحه قال بعضهم أول ما أرسل
343

الحيض علي بني إسرائيل قال البخاري وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أكثر يعنى أنه عام
في جميع بنات آدم
(فرع) يجوز أن يقال حاضت المرأة وطمثت ونفثت بفتح النون وكسر الفاء وعركت
ولا كراهة في شئ من ذلك وروينا في حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني بإسناده عن محمد بن
سيرين أنه كره أن يقال طمثت دليلنا ان هذا شائع في اللغة والاستعمال فلا تثبت كراهته الا بدليل
صحيح واما ما رويناه في سنن البيهقي عن زيد بن باينوس قال قلت لعائشة رضي الله عنها (ما تقولين
في العراك قالت الحيض تعنون قلنا نعم قالت سموه كما سماه الله تعالى) فمعناه والله أعلم أنهم
قالوا العراك ولم يقولوا الحيض تأدبا واستحياء من مخاطبتها باسمه الصريح الشائع وهو مما يستحيي
النساء منه ومن ذكره فقالت لا تتكلفوا معي هذا وخاطبوني باسمه الذي سماه الله تعالى
والله أعلم
(فرع) اعلم أن باب الحيض من عويص الأبواب ومما غلط فيه كثيرون من الكبار لدقة مسائله
واعتنى به المحققون وأفردوه بالتصنيف في كتب مستقلة وأفرد أبو الفرج الدارمي من أئمة
العراقيين مسألة المتحيرة في مجلد ضخم ليس فيه الا مسألة المتحيرة وما يتعلق بها وأتي فيه بنفائس
لم يسبق إليها وحقق أشياء مهمة من أحكامها وقد اختصرت أنا مقاصده في كراريس وسأذكر
في هذا الشرح ما يليق به منها إن شاء الله تعالى: وجمع امام الحرمين في النهاية في باب الحيض
نحو نصف مجلد وقال بعد مسائل الصفرة والكدرة لا ينبغي للناظر في أحكام الاستحاضة أن يضجر
344

من تكرير الصور واعادتها في الأبواب وبسط أصحابنا رحمهم الله مسائل الحيض أبلغ بسط
وأوضحوه أكمل ايضاح واعتنوا بتفاريعه أشد اعتناء وبالغوا في تقريب مسائله بتكثير الأمثلة وتكرير
الأحكام وكنت جمعت في الحيض في شرح المهذب مجلدا كبيرا مشتملا على نفائس ثم رأيت الآن
اختصاره والاتيان بمقاصده ومقصودي بما نبهت عليه الا يضجر مطالعه بإطالته فاني أحرص
إن شاء الله تعالى على الا أطيله الا بمهمات وقواعد مطلوبات وما ينشرح به قلب من به طلب
مليح وقصد صحيح ولا التفات إلى كراهة ذوي المهانة والبطالة فان مسائل الحيض يكثر الاحتياج إليها
لعموم وقوعها وقد رأيت مالا يحصي من المرات من يسأل من الرجال والنساء عن مسائل دقيقة وقعت
فيه لا يهتدى إلى الجواب الصحيح فيها الا أفراد من الحذاق المعتنين بباب الحيض ومعلوم أن
الحيض من الأمور العامة المتكررة ويترتب عليه مالا يحصي من الأحكام كالطهارة والصلاة والقراءة
والصوم والاعتكاف والحج والبلوغ والوطئ والطلاق والخلع والايلاء وكفارة القتل وغيرها
والعدة والاستبراء وغير ذلك من الأحكام فيجب الاعتناء بما هذه حاله وقد قال الدارمي في كتاب
المتحيرة الحيض كتاب ضائع لم يصنف فيه تصنيف يقوم بحقه ويشفي القلب وانا أرجو من فضل الله تعالى
ان ما أجمعه في هذا الشرح يقوم بحقه أكمل قيام وانه لا تقع مسألة الا وتوجد فيه نصا أو استنباطا
لكن قد يخفى موضعها على من لا تكمل مطالعته وبالله التوفيق
345

(فرع) قال صاحب الحاوي النساء أربعة أضرب طاهر وحائض ومستحاضة وذات دم فاسد
فالطاهر ذات النقاء والحائض من ترى دم الحيض في زمنه بشرطه والمستحاضة من ترى الدم
على أثر الحيض على صفة لا يكون حيضا وذات الفساد من يبتديها دم لا يكون حيضا هذا كلام
صاحب الحاوي وقال أيضا قبله قال الشافعي لو رأت الدم قبل استكمال تسع سنين فهو دم فاسد
ولا يقال له استحاضة لان الاستحاضة لا تكون الا على أثر حيض ثم قال في فصل المميزة لو رأت خمسة
عشر يوما دما أسود ثم رأت أحمر فالأسود حيض وفى الأحمر وجهان قال أبو إسحاق هو استحاضة
وقال ابن سريج هو دم فساد لا استحاضة لان الاستحاضة ما دخل على أثر الحيض في زمانه ثم جاوز
خمسة عشر فهذا كلام صاحب الحاوي وحاصله ان الاستحاضة لا تطلق الا على دم متصل بالحيض
346

وليس بحيض واما مالا يتصل بحيض فدم فساد ولا يسمي استحاضة وقد وافقه عليه جماعة وقال
الأكثرون يسمى الجميع استحاضة فالواو الاستحاضة نوعان نوع يتصل بدم الحيض وقد سبق بيانه
ونوع لا يتصل به كصغيرة لم تبلغ تسع سنين رأت الدم وكبيرة رأته وانقطع لدون يوم وليلة فحكمه
حكم الحدث هكذا صرح بهذين النوعين أبو عبد الله الزبيري والقاضي حسين والمتولي والبغوي
والسرخسي في الأمالي وصاحب العدة وآخرون وهو الأصح الموافق لما سبق عن الأزهري وغيره
من أهل اللغة أن الاستحاضة دم يجرى في غير أوانه وقد استعمل المصنف هذا في المهذب فقال في فصل
النفاس وان رأت قبل الولادة خمسة أيام إلى قوله من أصحابنا من قال هو استحاضة واستعمله
في التنبيه في قوله وفى الدم الذي تراه الحامل قولان أصحهما انه حيض والثاني استحاضة واستعمله
أيضا الجرجاني وآخرون والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
347

[إذا حاضت المرأة حرم عليها الطهارة لان الحيض يوجب الطهارة وما أوجب الطهارة منع
صحتها كخروج البول]
[الشرح] هذه المسألة عدها جماعات من مشكلات المهذب لكونه صرح بنحر ثم الطهارة والطهارة
إفاضة الماء على الأعضاء وليس إفاضة الماء محرمة عليها مع أنها يستحب لها أنواع كثيرة من الطهارة
كغسل الاحرام وغيره وقد وافق الشاشي المصنف في العبارة فقال في المعتمد يحرم عليها لطهارة
والذي قاله جمهور الأصحاب لا تصح طهارتها وذكر صاحب البيان في كتابه مشكلات المهذب
لكلام المصنف تأويلين أحدهما قال وهو الأظهر ان معنى حرم عليها الطهارة أي لم تصح طهارتها
وتعليله يقتضيه والثاني مراده إذا قصدت الطهارة تعبدا مع علمها بأنها لا تصح فتأثم بهذا لأنها متلاعبة
بالعبادة فاما امرار الماء عليها بغير قصد العبادة فلا تأثم به بلا خلاف وهذا كما أن الحائض إذا
348

أمسكت عن الطعام بقصد الصوم أثمت وان أمسكت بلا قصد لم تأثم وهذا التأويل الثاني هو
الصحيح كما يحرم على المحدث فعل الصلاة وإن كانت لا تصح منه قال امام الحرمين وجماعة من
الخراسانيين لا يصح غسل الحائض الا على قول بعيد أن الحائض تقرأ القرآن فعلى هذا لو أجنبت
ثم حاضت لم يجز لها القراءة فلو اغتسلت صح غسلها وقرأت وقد سبق بيان هذا في باب
ما يوجب الغسل
(فرع) هذا الذي ذكرناه من أنه لا تصح طهارة حائض هو في طهارة لرفع حدث سواء كانت
وضوءا أو غسلا واما الطهارة المسنونة للنظافة كالغسل للاحرام والوقوف ورمى الجمرة فمسونة
للحائض بلا خلاف صرح بذلك أصحابنا وصرح به المصنف أيضا في أول باب الاحرام ويدل
349

عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين حاضت (اصنعي ما يصنع الحاج غير أن
لا تطوفي) رواه البخاري ومسلم
* قال المصنف رحمه الله * [ويحرم عليها الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا أقبلت الحيضة
فدعي الصلاة) ويسقط فرضها لما روت عائشة رضي الله عنها قالت (كنا نحيض عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم فلا نقضي ولا نؤمر بالقضاء: ولان الحيض يكثر فلو أوجبنا قضاء ما يفوتها
شق وضاق]
[الشرح] الحديثان المذكوران رواهما البخاري ومسلم من رواية عائشة رضي الله عنها فالأول
روياه بلفظه وسبق بيانه وشرح الحيضة في باب ما يوجب الغسل واما الثاني فروياه بمعناه ورواه أبو داود
350

وغيره بلفظه هنا * واما حكم المسألة فأجمعت الأمة على أنه يحرم عليها الصلاة فرضها ونفلها وأجمعوا
على أنه يسقط عنها فرض الصلاة فلا تقضى إذا طهرت قال أبو جعفر ابن جرير في كتابه اختلاف
الفقهاء اجمعوا على أن عليها اجتناب كل الصلوات فرضها ونفلها واجتناب جميع الصيام فرضه ونفله
واجتناب الطواف فرضه ونفله وانها ان صلت أو صامت أو طافت لم يجزها ذلك عن فرض كان
عليها ونقل الترمذي وابن المنذر وابن جرير وآخرون الاجماع انها لا تقتضي الصلاة وتقضى الصوم
وفرق أصحابنا وغيرهم بين قضاء الصوم والصلاة بما ذكره المصنف ان الصلاة تكثر فيشق قضاؤها
بخلاف الصوم وبهذا الفرق فرقوا في حق المغمى عليه فإنه يلزمه قضاء الصوم ولا يلزمه قضاء الصلاة
وأطبق الأصحاب على هذا الفرق في الحائض وقال امام الحرمين المتبع في الفرق الشرع وهو
حديث عائشة رضي الله عنها قالت (كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) وأراد امام
الحرمين أنه لا يمكن فرق من جهة المعنى وقد نقل البخاري في صحيحه في كتاب الصوم عن أبي الزناد
351

نحو قول امام الحرمين فقال قال أبو الزناد ان السنن ووجوه الحق لتأتي كثيرا على خلاف الرأي
فما يجد المسلمون بدا من اتباعها من ذلك الحائض تقضى الصوم دون الصلاة وهذا الذي قالاه اعتراف
بالعجز عن الفرق والذي ذكره أصحابنا فرق حسن فليعتمد * واستدل الشافعي رضي الله عنه على
سقوط فرض الصلاة بدليل آخر فقال وجدت كل مكلف مأمورا بفعل الصلاة على حسب حاله
في المرض والمسايفة وغير ذلك والحائض مكلفة وهي غير مأمورة بها على حسب حالها فعلمت أنها غير
352

واجبة عليها
(فرع) قال أصحابنا وفى معنى الصلاة سجود التلاوة والشكر فيحرمان على الحائض والنفساء
كما تحرم صلاة الجنازة لأن الطهارة شرط
(فرع) قال أبو العباس بن القاص في التلخيص والجرجاني في المعاياة كل صلاة تفوت في
زمن الحيض لا تقضى الا صلاة واحدة وهي ركعتا الطواف فإنها لا تتكرر وأنكر الشيخ أبو علي
السنجي هذا وقال هذا لا يسمي قضاء لان الوجوب لم يكن في زمن الحيض ولو جاز ان يسمي هذا قضاء
لجاز ان يسمى قضاء فائتة كانت قبل الحيض وهذا الذي قاله بو على هو الصواب لان ركعتي الطواف لا يدخل
وقتبا الا بالفراغ من الطواف فان قدر انها طافت ثم حاضت عقيب الفراغ من الطواف صح ما قاله أبو العباس
ان سلم لهما ثبوت ركعتي الطواف في هذه الصورة والله أعلم
(فرع) مذهبنا ومذهب جمهور العلماء من السلف والخلف أنه ليس على الحائض وضوء ولا تسبيح
ولا ذكر في أوقات الصلوات ولا في غيرها وممن قال بهذا الأوزاعي ومالك والثوري وأبو حنيفة
وأصحابه وأبو ثور حكاه عنهم ابن جرير وعن الحسن البصري قال تطهر وتسبح وعن أبي جعفر
353

قال لنا (مر نساء الحيض ان يتوضئن في وقت الصلاة ويجلسن ويذكرن الله عز وجل ويسبحن)
وهذا الذي قالاه محمول على الاستحباب عندهما فاما استحباب التسبيح فلا يأمر به وإن كان لا أصل
له على هذا الوجه المخصوص واما الوضوء فلا يصح عندنا وعند الجمهور بل تأثم به ان قصدت العبادة
كما سبق والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[ويحرم الصوم لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء
الصلاة فدل أنهن كن يفطرن ولا يسقط فرضه لحديث عائشة ولان الصوم في السنة مرة
فلا يشق قضاؤه] *
[الشرح] حديث عائشة رضي الله عنها رواه مسلم وغيره وفى رواية أبى داود والترمذي
والنسائي: كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمرنا بقضاء الصوم ولا يأمرنا بقضاء
الصلاة: فان قيل ليس في الحديث دليل على تحريم الصوم وإنما فيه جواز الفطر وقد يكون الصوم
جائزا لا واجبا كالمسافر قلنا قد ثبت شدة اجتهاد الصحابيات رضي الله عنهن في العبادات وحرصهن
على الممكن منها فلو جاز الصوم لفعله بعضهن كما في القصر وغيره ويدل أيضا على تحريم الصوم قوله
صلى الله عليه وسلم (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن) ثم قال (وتمكث الليالي
ما تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين) رواه البخاري ومسلم من رواية أبي سعيد الخدري
وفى رواية للبخاري أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم أما حكم المسألة فأجمعت الأمة على تحريم
الصوم على الحائض والنفساء وعلى أنه لا يصح صومها كما قدمنا نقله عن ابن جرير وكذا نقل الاجماع
غيره قال امام الحرمين وكون الصوم لا يصح منها لا يدرك معناه فان الطهارة ليست مشروطة فيها
354

وأجمعت الأمة أيضا على وجوب قضاء صوم رمضان عليها نقل الاجماع فيه الترمذي وابن المنذر
وابن جرير وأصحابنا وغيرهم والمذهب الصحيح الذي قطع به الجمهور أن القضاء يجب بأمر جديد
وليست مخاطبة بالصوم في حال حيضها لأنه يحرم عليها الصوم فكيف تؤمر به وهي ممنوعة منه
بسبب هي معذورة فيه ولا قدرة لها على ازالته وحكي القاضي حسين وامام الحرمين والغزالي في البسيط
والمتولي والروياني وغيرهم وجها انه يجب عليها الصوم في حال الحيض وتعذر في تأخيره لأنه لو لم
يجب في الحال لم يجب القضاء كالصلاة قال امام الحرمين المحققون يأبون هذا الوجه لان الوجوب
شرطه اقتران الامكان به قال ومن يطلب حقيقة الفقه لا يقيم لمثل هذا الخلاف وزنا قلت وهذا
الوجه يتخرج على قاعدة مذهبنا في الأصول والكلام ان تكليف مالا يطاق جائز قال الغزالي
في البسيط ليس لهذا الخلاف فائدة فقهية قلت تظهر فائدة هذا وشبهه في الايمان وتعليق الطلاق
والعتق ونحو ذلك بأن يقول متى وجب عليك صوم فأنت طالق والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
355

* [ويحرم الطواف لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا
تطوفي ولأنه يفتقر إلى الطهارة ولا تصح منها الطهارة] *
[الشرح] حديث عائشة رواه البخاري ومسلم من رواية عائشة وقد أجمع العلماء على تحريم
الطواف على الحائض والنفساء وأجمعوا أنه لا يصح منها طواف مفروض ولا تطوع وأجمعوا أن
الحائض والنفساء لا تمنع من شئ من مناسك الحج الا الطواف وركعتيه نقل الاجماع في هذا كله
ابن جرير وغيره والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[ويحرم قراءة القرآن لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقرأ الجنب ولا الحائض
شيئا من القرآن)] *
[الشرح] هذا الحديث رواه الترمذي والبيهقي من رواية ابن عمر رضي الله عنهما وضعفه
الترمذي والبيهقي وروى لا يقرأ بكسر الهمزة على النهى وبفتحها على الخبر الذي يراد به النهى
وقد سبق بيانه في آخر باب ما يوجب الغسل وهذا الذي ذكره من تحريم قراءة القرآن على الحائض
هو الصحيح المشهور وبه قطع العراقيون وجماعة من الخراسانيين وحكى الخراسانيون قولا قديما
للشافعي أنه يجوز لها قراءة القرآن وأصل هذا القول أن أبا ثور رحمه الله قال قال أبو عبد الله يجوز
للحائض قراءة القرآن فاختلفوا في أبي عبد الله فقال بعض الأصحاب أراد به مالكا وليس للشافعي
قول بالجواز واختاره امام الحرمين والغزالي في البسيط وقال جمهور الخراسانيين أراد به الشافعي
وجعلوه قولا قديما قال الشيخ أبو محمد وجدث أبا ثور جمعهما في موضع فقال قال أبو عبد الله ومالك
واحتج من أثبت قولا بالجواز اختلفوا في علته على وجهين أحدهما أنها تخاف النسيان لطول الزمان
بخلاف الجنب والثاني أنها قد تكون معلمة فيؤدى إلى انقطاع حرفتها فان قلنا بالأول جاز لها
قراءة ما شاءت إذ ليس لما يخاف نسيانه ضابط فعلى هذا هي كالطاهر في القراءة وان قلنا بالثاني
لم يحل الا ما يتعلق بحاجة التعليم في زمان الحيض هكذا ذكر الوجهين وتفريعهما امام الحرمين
356

وآخرون هذا حكم قراءتها باللسان فأما اجراء القراءة على القلب من غير تحريك اللسان والنظر
في المصحف وامرار ما فيه في القلب فجائز بلا خلاف وأجمع العلماء على جواز التسبيح والتهليل
وسائر الأذكار غير القرآن للحائض والنفساء وقد تقدم ايضاح هذا مع جمل من الفروع المتعلقة به في باب
ما يوجب الغسل والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في قراءة الحائض القرآن قد ذكرنا أن مذهبنا المشهور تحريمها
وهو مروي عن عمر وعلي وجابر رضي الله عنهم وبه قال الحسن البصري وقتادة وعطاء
وأبو العالية والنخعي وسعيد بن جبير والزهري واسحق وأبو ثور وعن مالك وأبى حنية وأحمد
روايتان إحداهما التحريم والثانية الجواز وبه قال داود واحتج لمن جوز بما روى عن عائشة رضي الله عنه
ا أنها كانت تقرأ القرآن وهي حائض: ولان زمنه يطول فيخاف نسيانها واحتج أصحابنا
والجمهور بحديث ابن عمر المذكور ولكنه ضعيف وبالقياس على الجنب فان من خالف فيها وافق
على الجنب الا داود والمختار عند الأصوليين أن داود لا يعتد به في الاجماع والخلاف وفعل عائشة
رضي الله عنها لا حجة فيه على تقدير صحته لان غيرها من الصحابة خالفها وإذا اختلفت الصحابة
رضي الله عنهم رجعنا إلى القياس وأما خوف النسيان فنادر فان مدة الحيض غالبا ستة أيام أو سبعة
ولا ينسى غالبا في هذا القدر ولان خوف النسيان ينتفى بامرار القرآن على القلب والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
[ويحرم حمل المصحف ومسه لقوله تعالى (لا يمسه الا المطهرون) ويحرم اللبث في المسجد
لقوله صلى الله عليه وسلم (لا أحل المسجد لجنب ولا لحائض) فأما العبور فإنها إذا استوثقت من
نفسها جاز لأنه حدث يمنع اللبث في المسجد فلا يمنع العبور كالجنابة] *
357

[الشرح] يحرم على الحائض والنفساء مس المصحف وحمله واللبث في المسجد وكل هذا
متفق عليه عندنا وتقدمت أدلته وفروعه الكثيرة مبسوطة في باب ما يوجب الغسل والحديث المذكور
رواه أبو داود والبيهقي وغيرهما من رواية عائشة رضي الله عنها واسناده غير قوى وسبق بيانه
هناك وأما عبورها بغير لبث فقال الشافعي رضي الله عنه في المختصر أكره ممر الحائض في المسجد
قال أصحابنا ان خافت تلويثه لعدم الاستيثاق بالشد أو لغلبة الدم حرم العبور بلا خلاف وان
أمنت ذلك فوجهان الصحيح منهما جوازه وهو قول ابن سريج وأبي إسحاق المروزي وبه قطع
المصنف والبندنيجي وكثيرون وصححه جمهور الباقين كالجنب وكمن على بدنه نجاسة لا يخاف
تلويثه وانفرد امام الحرمين فصحح تحريم العبور وان أمنت لغلظ حدثها بخلاف الجنب والمذهب
الأول هذا حكم عبورها قبل انقطاع الحيض فإذا انقطع ولم تغتسل فالمذهب القطع بجواز عبورها
في المسجد وطرد صاحب الحاوي وامام الحرمين فيه الوجهين والحائض الذمية كالمسلمة فتمنع
من المكث في المسجد بلا خلاف بخلاف الكافر الجنب فان في تمكينه من المكث فيه وجهين
مشهورين قال الشيخ أبو محمد الجويني في كتابه الفروق في مسائل شروط الصلاة والفرق أن المنع
لخوف التلويث والكافرة كالمسلمة في هذا قال أصحابنا والمستحاضة وسلس البول ومن به جرح
سائل ونحوهم ان خافوا التلويث حرم العبور وقد سبق هذا في آخر باب ما يوجب الغسل
والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[ويحرم الوطئ في الفرج لقوله تعالى (ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من
358

حيث أمركم الله) فان وطئها مع العلم بالتحريم ففيه قولان قال في القديم إن كان في أول الدم لزمه
أن يتصدق بدينار وإن كان في آخره لزمه أن يتصدق بنصف دينار لما روى ابن عباس رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو بنصف
دينار وقال في الجديد لا يجب لأنه وطئ محرم للأذى فلم تتعلق به الكفارة كالوطئ في الدبر] *
[الشرح] أجمع المسلمون على تحريم وطئ الحائض للآية الكريمة والأحاديث الصحيحة
قال المحاملي في المجموع قال الشافعي رحمه الله من فعل ذلك فقد اتي كبيرة قال أصحابنا وغيرهم
من استحل وطئ الحائض حكم بكفره قالوا ومن فعله جاهلا وجود الحيض أو تحريمه أو ناسيا
أو مكرها فلا اثم عليه ولا كفارة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (ان الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) حديث حسن رواه ابن ماجة
والبيهقي وغيرهما وحكي الرافعي عن بعض الأصحاب انه يجئ على القديم قول انه يجب على الناسي
كفارة كالعامد وهذا ليس بشئ واما إذا وطئها عالما بالحيض وتحريمه مختارا ففيه قولان الصحيح
الجديد لا يلزمه كفارة بل يعذر ويستغفر الله تعالى ويتوب ويستحب ان يكفر الكفارة التي
يوجبها القديم والثاني وهو القديم يلزمه الكفارة وذكر المصنف دليلهما والكفارة الواجبة في القديم
دينار إن كان الجماع في اقبال الدم ونصف دينار إن كان في ادباره والمراد باقبال الدم زمن قوته
واشتداده وبادباره ضعفه وقربه من الانقطاع هذا هو المشهور الذي قطع به الجمهور وحكي الفوراني
وامام الحرمين وجها عن الأستاذ أبي إسحاق الأسفرايني ان اقباله ما لم ينقطع وادباره ما بعد انقطاعه
وقبل اغتسالها وبهذا قطع القاضي أبو الطيب في تعليقه فعلى قول الجمهور لو وطئ بعد الانقطاع
وقبل الاغتسال لزمه نصف دينار قاله البغوي وغيره واستدلوا لهذا القول القديم بحديث ابن عباس
المذكور وحملوا قوله بدينار أو بنصف دينار على التقسيم وان الدينار في الاقبال والنصف في الادبار
359

وحكي المتولي والرافعي قولا قديما شاذا ان الكفارة الواجبة عتق رقبة بكل حال لأنه روي ذلك
من عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذا شاذ مردود وقال صاحب الحاوي قال الشافعي في القديم
ان صح حديث ابن عباس قلت به قال فكان أبو حامد الأسفرايني وجمهور البغداديين يجعلونه
قولا قديما وكان أبو حامد المروزي وجمهور البصريين لا يجعلونه قولا قديما ولا يحكونه مذهبا
للشافعي لأنه علق الحكم على صحة الحديث ولم يصح وكان ابن سريج يقول لو صح الحديث لكان
محمولا في القديم على الاستحباب لا على الايجاب هذا كلام صاحب الحاوي وقال امام الحرمين من
أصحابنا من أوجب الكفارة وهو بعيد غير معدود من المذهب بل هي مستحبة قلت واتفق
المحدثون على ضعف حديث ابن عباس هذا واضطرابه وروى موقوفا وروى مرسلا وألوانا كثيرة
وقد رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم ولا يجعله ذلك صحيحا وذكره الحاكم أبو عبد الله
في المستدرك على الصحيحين وقال هو حديث صحيح وهذا الذي قاله الحاكم خلاف قول أئمة الحديث
والحاكم معروف عندهم بالتساهل في التصحيح وقد قال الشافعي في أحكام القرآن هذا حديث
لا يثبت مثله وقد جمع البيهقي طرقه وبين ضعفها بيانا شافيا وهو امام حافظ متفق على إتقانه وتحقيقه
فالصواب انه لا يلزمه شئ والله أعلم * ومن أوجب دينارا أو نصفه فهو على الزوج خاصة وهو مثقال
الاسلام المعروف من الذهب الخالص ويصرف إلى الفقراء والمساكين قال الرافعي ويجوز صرفه
إلى فقير واحد والله أعلم * واما قول المصنف فان وطئها مع العلم بالتحريم فكان ينبغي ان يضم إليه
والعلم بالحيض والاختيار وقوله لأنه وطئ محرم للأذى احترازا من الوطئ في الاحرام ونهار رمضان
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن وطي في الحيض عامدا عالما - قد ذكرنا أن الصحيح المشهور
في مذهبنا انه لا كفارة عليه وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما واحمد في رواية وحكاه
360

أبو سليمان الخطابي عن أكثر العلماء وحكاه ابن المنذر عن عطاء وابن أبي مليكة والشعبي والنخعي ومكحول
والزهري وأيوب السختياني وأبى الزناد وربيعة وحماد بن أبي سليمان وسفيان الثوري والليث بن سعد
وقالت طائفة من العلماء يجب الدينار ونصفه على التفصيل المتقدم واختلاف منهم في اعتبار الحال حكاه ابن
المنذر عن ابن عباس وقتادة والأوزاعي واحمد واسحق وعن سعيد بن جبير ان عليه عتق رقبة وعن الحسن
البصري عليه ما على المجامع في نهار رمضان هذا هو المشهور عن الحسن وحكى ابن جرير عنه قال
يعتق رقبة أو يهدى بدنة أو يطعم عشرين صاعا ومعتمدهم حديث ابن عباس وهو ضعيف باتفاق
المحدثين فالصواب أن لا كفارة عليه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله تعالى *
[ويحرم الاستمتاع فيما بين السرة والركبة وقال أبو إسحاق لا يحرم غير الوطئ في الفرج
لقوله صلى الله عليه وسلم (اصنعوا كل شئ غير النكاح) ولأنه وطئ حرم للأذى فاختص به كالوطئ
في الدبر والمذهب الأول لما روى عمر رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض فقال (ما فوق الإزار)]
361

[الشرح] أما الحديث الأول فبعض حديث: روى أنس رضي الله عنه ان اليهود
كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيت فسأل
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل (ويسألونك عن
المحيض) الآية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اصنعوا كل شئ الا النكاح) رواه مسلم وأما
حديث عمر رضي الله عنه فرواه ابن ماجة والبيهقي بمعناه وفى الصحيحين عن عائشة رضي الله عنه
ا قالت (كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها
أمرها ان تتزر ثم يباشرها قالت وأيكم يملك إربه: كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك
إربه) وعن ميمونة رضي الله عنها نحوه رواه البخاري ومسلم وفى رواية (كان يباشر نساءه
فوق الإزار) يعني في الحيض والمراد بالمباشرة هنا التقاء البشرتين على أي وجه كان
(أما) حكم المسألة ففي مباشرة الحائض بين السرة والركبة ثلاثة أوجه أصحها عند جمهور
الأصحاب انها حرام وهو المنصوص للشافعي رحمه الله في الأم والبويطي وأحكام القرآن قال
صاحب الحاوي وهو قول أبي العباس وأبي علي بن أبي هريرة وقطع به جماعة من أصحاب المختصرات
362

واحتجوا له بقوله تعالى: (فاعتزلوا النساء في المحيض) وبالحديث المذكور ولان ذلك حريم
للفرج: ومن يرعى حول الحمي يوشك ان يخالط الحمى: وأجاب القائلون بهذا عن حديث أنس
المذكور بأنه محمول على القبلة ولمس الوجه واليد ونحو ذلك مما هو معتاد لغالب الناس فان غالبهم
إذا لم يستمتعوا بالجماع استمتعوا بما ذكرناه لا بما تحت الأوزار والوجه الثاني انه ليس بحرام وهو
قول أبي إسحاق المروزي وحكاه صاحب الحاوي عن أبي علي بن خيران ورأيته انا مقطوعا به
في كتاب اللطيف لأبي الحسن بن خيران من أصحابنا وهو غير أبي علي بن خيران واختاره
صاحب الحاوي في كتابه الاقناع والروياني في الحلية وهو الأقوى من حيث الدليل لحديث
أنس رضي الله عنه فإنه صريح في الإباحة واما مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم فوق الإزار
فمحمولة على الاستحباب جمعا بين قوله صلى الله عليه وسلم وفعله وتأول هؤلاء الإزار في حديث
عمر رضي الله عنه على أن المراد به الفرج بعينه ونقلوه عن اللغة وأنشدوا فيه شعرا وليست
مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم فوق الإزار تفسيرا للإزار في حديث عمر رضي الله عنه بل هي
محمولة على الاستحباب كما سبق والوجه الثالث ان وثق المباشر تحت الإزار بضبط نفسه عن
363

الفرج لضعف شهوة أو شدة ورع جاز وإلا فلا حكاه صاحب الحاوي ومتابعوه عن أبي الفياض
البصري وهو حسن ونقل أبو علي السنجي والقاضي حسين والمتولي في المسألة قولين بدل الوجهين
الأولين قال القاضي الجديد التحريم والقديم الجواز ثم على قول من لا يحرمه هو مكروه وصرح
به المتولي وغيره هذا حكم الاستمتاع بما بين السرة والركبة
أما ما سواه فمباشرتها فيه حلال باجماع المسلمين نقل الاجماع فيه الشيخ أبو حامد والمحاملي
في المجموع وابن الصباغ والعبد ري وآخرون وأما ما حكاه صاحب الحاوي عن عبيدة السلماني
الامام التابعي وهو بفتح العين وكسر الباء من أنه لا يباشر شئ من بدنه شيئا من بدنها فلا
أظنه يصح عنه ولو صح فهو شاذ مردود بالأحاديث الصحيحة المشهورة في مباشرته صلي الله
364

عليه وسلم فوق الإزار واذنه في ذلك في قوله صل الله عليه وسلم (اصنعوا كل شئ الا النكاح)
وبإجماع من قبله ومن بعده والله أعلم *
ثم لا فرق بين أن يكون على الموضع الذي يستمتع به فوق الإزار شئ من دم الحيض أولا
وحكي المحاملي في التجريد وجماعة من المتأخرين وجها انه إن كان عليه شئ من دم الحيض حرم
لأنه اذى وهذا الوجه شاذ وغلط والصواب الأول وبه قطع الأصحاب في جميع الطرق لعموم
الأحاديث ولان الأصل الإباحة حتى يثبت دليل ظاهر في التحريم وقياسا على ما لو كان عليها
نجاسة أخرى واما الاستمتاع بنفس السرة والركبة وما حاذاهما فلم أر فيه نصا لأصحابنا والمختار
الجزم بجوازه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (اصنعوا كل شئ الا النكاح) ويحتمل ان يخرج على
الخلاف في كونهما عورة ان قلنا عورة كانتا كما بينهما وان قلنا بالمذهب انهما ليستا عورة أبيحا
قطعا كما وراءهما والله أعلم *
[فرع] في مذاهب العلماء في المباشرة فيما بين السرة والركبة بغير وطئ: قد ذكرنا الخلاف
في مذهبنا ودلائله وممن قال بتحريمها أبو حنيفة ومالك وحكاه ابن المنذر عن سعيد بن المسيب
365

وطاووس وشريح وعطاء وسليمان بن يسار وقتادة وحكاه البغوي عن أكثر أهل العلم وممن قال
بالجواز عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والحكم والثوري والأوزاعي ومحمد بن الحسن وأحمد
واصبغ المالكي وأبو ثور وإسحاق بن راهويه وابن المنذر وداود ونقله عنهم العبدري وغيره
وتقدم دليل الجميع والله أعلم *
[فرع] إذا قلنا تحرم المباشرة بين السرة والركبة ففعله متعمدا مختارا عالما بالتحريم أثم ولا
كفارة عليه بلا خلاف صرح به الماوردي وغيره وهو ظاهر فان ايجاب الكفارة على القديم إنما
كان لذلك الحديث الضعيف وليس هنا حديث ولا هو في معناه فان الوطئ حرام بالاجماع
ويكفر مستحله وهذا بخلافه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وإذا طهرت من الحيض حل لها الصوم لان تحريمه بالحيض وقد زال ولا تحل الصلاة والطواف
وقراءة القرآن وحمل المصحف لان المنع منها للحدث والحدث باق ولا يحل الاستمتاع بها حتى تغتسل
لقوله تعالى (ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن) قال مجاهد حتى يغتسلن فإن لم تجد الماء فتيممت
حل ما يحل بالغسل لان التيمم قائم مقام الغسل فاستبيح به ما يستباح بالغسل فان تيممت وصلت فريضة
لم يحرم وطؤها ومن أصحابنا من قال يحرم وطؤها بفعل الفريضة كما يحرم فعل الفريضة بعدها والأول
أصح لان الوطئ ليس بفرض فلم يحرم فعل الفريضة كصلاة النفل]
366

[الشرح] قال أصحابنا يتعلق بالحيض أحكام (أحدها) يمنع صحة الطهارة الا أغسال الحج
ونحوها مما لا يفتقر إلى الطهارة (الثاني) تحرم الطهارة بنية العبادة الا ما استثنينا من أغسال
الحج ونحوها (الثالث) يمنع وجوب الصلاة (الرابع) يحرمها (الخامس) يمنع صحتها (السادس) يمنع
وجوب الصوم (السابع) يحرمه (الثامن) يمنع صحته (التاسع) يحرم مس المصحف وحمله وقراءة القرآن
والمكث في المسجد وكذا العبور على أحد الوجهين (العاشر) يحرم سجود التلاوة والشكر. ويمنع
صحته (الحادي عشر) يحرم الاعتكاف ويمنع صحته (الثالث عشر) يمنع وجوب طواف الوداع
(الرابع عشر) يحرم الوطئ وكذا المباشرة بين السرة والركبة على أحد الأوجه (الخامس عشر)
يحرم الطلاق (السادس عشر) تبلغ به الصبية (السابع عشر) تتعلق به العدة والاستبراء (الثامن عشر)
يوجب الغسل وهل يجب بخروجه أم بانقطاعه أم بهما فيه أوجه سبقت في باب ما يوجب الغسل
ومعظم هذه الأحكام مجمع عليه قال أصحابنا فإذا طهرت من الحيض ارتفع من هذه الأمور المحرمة
تحريم الصوم والطلاق والظهار وارتفع أيضا تحريم العبور في المسجد على الأصح إذا قلنا بتحريمه
في زمن الحيض وقد سبق حكاية وجه عن حكاية صاحب الحاوي وامام الحرمين ان العبور يبقى
367

تحريمه حتى تغتسل وليس بشئ ولا يرتفع ما حرم للحدث كالصلاة والطواف والسجود والقراءة
والاعتكاف ومس المصحف والمكث في المسجد ولا يرتفع أيضا تحريم الجماع والمباشرة بين السرة
والركبة فإن لم تجد الماء فتيممت استباحت جميع ذلك لان التيمم كالغسل قال أصحابنا وإذا تيممت
ثم أحدثت لم يحرم وطؤها بلا خلاف وممن نقل اتفاق الأصحاب على هذا القاضي أبو الطيب لأنها
استباحت الوطئ بالتيمم والحدث لا يحرم الوطئ كما لو اغتسلت ثم أحدثت قال القاضي ولا نالوا قلنا
يحرم الوطئ بعد الحدث لأدى إلى تحريمه ابتداء بعد التيمم لأنه ينتقض الوضوء بالتقاء البشرتين
قبل الوطئ اما إذا تيممت ثم رأت الماء فيحرم الوطئ على المذهب وبه قطع الأصحاب في الطريقتين
لان طهارتها بطلت برؤية الماء وعادت إلى حدث الحيض وحكي الدارمي وجها شاذا انه يحل الوطئ
بعد رؤية الماء والصواب الأول قال القاضي أبو الطيب فلو رأت الماء في خلال الجماع نزع في الحال
واغتسلت واما إذا تيممت وصلت فريضة فهل يصح الوطئ بعد الفريضة بذلك التيمم أم لا يحل الا
بتيمم جديد فيه الوجهان اللذان ذكرهما المصنف وقد ذكر دليلهما الصحيح جوازه ولو تيممت
فوطئها ثم أراد الوطئ ثانيا بذلك التيمم ففي جوازه وجهان حكاهما صاحب الحاوي وغيره الصحيح
368

جوازه لارتفاع حدث الحيض بالتيمم وبهذا قطع الجمهور والثاني لا يجوز الا بتيمم جديد كما لا يجمع
بين فريضتين بتيمم وهذا ليس بشئ ولو تيممت وصلت فريضة وقلنا يجوز الوطئ بعدها فلم يطأ
حتى خرج وقت تلك الفريضة فهل يحل الوطئ بذلك التيمم فيه وجهان حكاهما الشيخ أبو حامد
والمحاملي في كتابيه والفوراني وغيرهم في آخر باب التيمم وحكاهما أيضا صاحب الحاوي وآخرون
الصحيح جوازه لان خروج الوقت لا يزيد على الحدث والثاني لا يجوز الوطئ الا بتيمم جديد قال
صاحب الحاوي وبه قال ابن سريج واختاره الشيخ أبو حامد لان دخول الوقت رفع حكم التيمم
ولهذا تجب اعادته للصلاة الأخرى وهذا الاستدلال ضعيف أو باطل لان التيمم لا يبطل بخروج
الوقت ولهذا له أن يصلي به ما شاء من النوافل على المذهب كما سبق ولو عدمت الماء والتراب صلت
الفريضة لحرمة الوقت كما سبق ولا يجوز الوطئ حتى تجد أحد الطهورين هذا هو الصحيح المشهور
وبه قطع الجمهور وحكي الجرجاني في المعاياة وصاحب البيان والرافعي وجها شاذا أنه يجوز الوطئ
كالصلاة وهذا ليس بشئ قال أصحابنا والمقيمة في هذا كالمسافرة فإذا عدمت المقيمة الماء أو كانت
مريضة أو جريحة فتيممت حل الوطئ وإن كان صلاتها يجب قضاؤها لان طهارتها صحيحة والله أعلم *
369

(فرع) في مذاهب العلماء في وطئ الحائض إذا طهرت قبل الغسل: قد ذكرنا أن مذهبنا
تحريمه حتى تغتسل أو تتيمم حيث يصح التيمم وبه قال جمهور العلماء كذا حكاه الماوردي عن
الجمهور وحكاه ابن المنذر عن سالم ابن عبد الله وسليمان بن يسار والزهري وربيعة ومالك والثوري
والليث وأحمد واسحق وأبو ثور ثم قال ابن المنذر وروينا باسناد فيه مقال عن طاوس وعطاء
ومجاهد أنهم قالوا إن أدرك الزوج الشبق أمرها أن تتوضأ ثم أصابها ان شاء قال ابن المنذر
وأصح من هذا عن عطاء ومجاهد موافقة القول الأول قال ولا يثبت عن طاوس خلاف قول
سالم قال فإذا بطل أن يصح عن هؤلاء قول ثان كان القول الأول كالاجماع هذا كلام ابن المنذر
وقال أبو حنيفة ان انقطع دمها لأكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده حل الوطئ في الحال وان
انقطع لأقله لم يحل حتى تغتسل أو تتيمم فان تيممت ولم تصل لم يحل الوطئ حتى يمضى وقت
صلاة وقال داود الظاهري إذا غسلت فرجها حل الوطئ وحكى عن مالك تحريم الوطئ إذا تيممت
عند فقد الماء هكذا نقل أصحابنا وغيرهم هذا الخلاف مطلقا كما ذكرته وقال ابن جرير أجمعوا
على تحريم الوطئ حتى تغسل فرجها وإنما الخلاف بعد غسله واحتج لأبي حنيفة بأنه يجوز
الصوم والطلاق وكذا الوطئ ولان تحريم الوطئ هو للحيض وقد زال وصارت كالجنب واحتج أصحابنا
بقول الله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن) وقد روى حتى
يطهرن بالتخفيف والتشديد والقراءتان في السبع فقراءة التشديد صريحة في اشتراط الغسل وقراءة
370

التخفيف يستدل بها من وجهين (أحدهما) معناها أيضا يغتسلن وهذا شائع في اللغة فيصار إليه
جمعا بين القراءتين (والثاني) أن الإباحة معلقة بشرطين (أحدهما) انقطاع دمهن (والثاني)
تطهرهن وهو اغتسالهن وما علق بشرطين لا يباح بأحدهما كما قال الله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى
إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) فان قيل ليستا شرطين بل شرط
واحد ومعناه حتى ينقطع دمهن فإذا انقطع فاتوهن كما يقال لا تكلم زيدا حتى يدخل الدار فإذا دخل
فكلمه فالجواب من أوجه أحدها أن ابن عباس والمفسرين وأهل اللسان فسروه فقالوا معناه
فإذا اغتسلن فوجب المصير إليه والثاني أن ما قاله المعترض فاسد من جهة اللسان فإنه لو كان كما
قال لقيل فإذا تطهرن فأعيد الكلام كما يقال لا تكلم زيدا حتى يدخل فإذا دخل فكلمه
فلما أعيد بلفظ آخر دل على أنهما شرطان كما يقال لا تكلم زيدا حتى يدخل فإذا أكل فكلمه
الثالث أن فيما قلنا جمعا بين القراءتين فتعين واحتج أصحابنا بأقيسة كثيرة ومناسبات أحسنها
ما ذكره امام الحرمين في الأساليب فقال أولى متمسك من طريق المعني اعتبار صورة الاتفاق
فنقول اتفقنا على التحريم إذا طهرت لدون العشرة فاستمرار التحريم بعد انقطاع الدم ان علل
بوجوب غسل الحيض لزم التحريم إذا طهرت لأكثر الحيض وان علل بامكان عود الدم فهو
منتقض بما إذا اغتسلت أو تيممت أو خرج وقت الصلاة ثم ذكر معاني أخر ثم قال فالوجه اعتماد
ما ناقضوا فيه وكل ما ذكروه منتقض بما سلموه فان قيل تحريم الوطئ بالحيض غير معلل قلنا
وجوب الغسل بالانقطاع غير معلل ولا يمكن أن يقال عادت إلى ما كانت فان الغسل واجب
فوجب الرجوع إلى ظاهر القرآن لانسداد طريق النظر فظاهر القرآن تحريم الوطئ حتى تغتسل
وأما الجواب عن جواز الصوم أن الشرع ورد بتحريم الصوم على الحائض وهذه ليست بحائض
وهنا حرم الوطئ حتى تغتسل وعن الطلاق أن تحريمه لتطويل العدة وذلك يزول بمجرد الانقطاع
وعن قولهم التحريم للحيض من أوجه أحدها لا نسلم بل هو لحدث الحيض وهو باق الثاني أنه
ينتقض بالانقطاع لدون أكثر الحيض الثالث أن الجنابة لا تمنع الوطئ وكذا غسلها بخلاف
الحيض والله أعلم *
(فرع) قال أبو العباس الجرجاني في المعاياة ليست امرأة تمنع من الصلاة بحكم الحيض الا
ويحرم وطؤها الا واحدة وهي من أنقطع دمها وعدمت الماء فتيممت ثم أحدثت فإنها تمنع من
الصلاة دون الوطئ هذا كلامه وقد ينازع فيه ويقال المنع من الصلاة هنا للحدث قال وانقطاع
الدم إذا أباح الصلاة أباح الوطئ الا في حق من عدمت الماء والتراب فتصلي ولا يحل وطؤها
371

على الصحيح *
(فرع) لو أراد الزوج أو السيد الوطئ فقالت أنا حائض فإن لم يمكن صدقها لم يلتفت إليها
وجاز الوطئ وان أمكن صدقها ولم يتهمها بالكذب حرم الوطئ وان أمكن الصدق ولكن كذبها
فقال القاضي حسين في تعليقه وفتاويه وصاحب التتمة يحل الوطئ لأنها ربما عاندته ومنعت حقه
ولان الأصل عدم التحريم ولم يثبت سببه وقال الشاشي ينبغي أن يحرم وإن كانت فاسقة كما لو
علق طلاقها على حيضها فيقبل قولها والمذهب الأول وفرق القاضي بينه وبين تعليق الطلاق بأن
الزوج مقصر في تعليقه بما لا يعرف الا من جهتها قال القاضي وغيره ولو اتفقا على الحيض وادعي
انقطاعه وادعت بقاءه في مدة الامكان فالقول قولها بلا خلاف للأصل *
(فرع) لو طهرت زوجته أو أمته المجنونة من الحيض حرمت عليه حتى يغسلها فإذا ضب
الماء عليها ونوى غسلها عن الحيض حلت وإن لم ينو فوجهان سبقا في باب نية الوضوء
ولو شك هل حاضت المجنونة أو العاقلة أم لا لم يحرم لان الأصل عدم التحريم وعدم الحيض
(فرع) إذا ارتكبت المرأة من المحرمات المذكورة أثمت وتعذر وعليها التوبة ولا كفارة
عليها بالاتفاق صرح به الماوردي وغيره لان الأصل البراءة *
(فرع) يجوز عندنا وطئ المستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهر وإن كان الدم جاريا وهذا
لا خلاف فيه عندنا قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والعبد ري وهو قول أكثر العلماء
ونقله ابن المنذر في الاشراف عن ابن عباس وابن المسيب والحسن وعطاء وسعيد بن جبير وقتادة
وحماد بن أبي سليمان وبكر بن عبد الله المزني والأوزاعي ومالك والثوري واسحق وأبى ثور قال
ابن المنذر وبه أقول وحكى عن عائشة والنخعي والحكم وابن سيرين منع ذلك وذكر البيهقي وغيره ان
نقل المنع عن عائشة ليس بصحيح عنها بل هو قول الشعبي أدرجه بعض الرواة في حديثها وقال احمد
لا يجوز الوطئ إلا أن يخاف زوجها العنت واحتج للمانعين بأن دمها يجرى فأشبهت الحائض
واحتج أصحابنا بما احتج به الشافعي في الأم وهو قول الله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن
حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن) وهذه قد تطهرت من الحيض واحتجوا أيضا بما رواه عكرمة
عن حمنة بنت جحش رضي الله عنها أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها رواه أبو داود
وغيره بهذا اللفظ باسناد حسن وفى صحيح البخاري قال قال ابن عباس المستحاضة يأتيها زوجها
إذا صلت الصلاة أعظم ولان المستحاضة كالطاهر في الصلاة والصوم والاعتكاف والقراءة وغيرها
372

فكذا في الوطئ ولأنه دم عرق فلم يمنع الوطئ كالناسور ولان التحريم بالشرع ولم يرد بتحريم
بل ورد بإباحة الصلاة التي هي أعظم كما قال ابن عباس والجواب عن قياسهم على الحائض أنه
قياس يخالف ما سبق من دلالة الكتاب والسنة فلم يقبل ولان المستحاضة لها حكم الطاهرات
في غير محل النزاع فوجب الحاقه بنظائره لا بالحيض الذي لا يشاركه في شئ *
[وقال المصنف رحمه الله] (أقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين قال الشافعي رحمه الله
أعجل من سمعت من النساء تحتض نساء تهامة يحضن لتسع سنين فإذا رأت الدم لدون ذلك فهو
دم فساد ولا تتعلق به أحكام الحيض] *
[الشرح] تهامة بكسر التاء وهو اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز ومكة من
تهامة قال ابن فارس سميت تهامة من التهم يعنى بفتح التاء والهاء وهو شدة الحر وركود الريح وقال
صاحب المطالع سميت بذلك لتغير هوائها يقال تهم الدهن إذا تغير اما حكم المسألة ففي
أقل سن يمكن فيه الحيض ثلاثة أوجه الصحيح استكمال تسع سنين وبه قطع العراقيون وغيرهم
والثاني بالشروع في التاسعة والثالث بمضي نصف التاسعة والمراد بالسنين القمرية * والمذهب الذي
عليه التفريع استكمال تسع وهل هي تحديد أم تقريب وجهان حكاهما صاحب الحاوي
والدارمي في كتاب المتحيرة والمتولي والشاشي وغيرهم أحدهما تحديد فلو نقص عن التسع ما نقص
فليس بحيض وهذا مقتضي اطلاق كثيرين وأصحهما تقريب صححه الروياني والرافعي وغيرهما
فعلى هذا قال صاحب الحاوي لا يؤثر نقص اليوم واليومين قال الدارمي لا يؤثر الشهر والشهران
قال المتولي والرافعي إن كان بين رؤية الدم واستكمال التسع مالا يسع حيضا وطهرا كان ذلك
الدم حيضا وإلا فلا قال المتولي وإذا قلنا تحديد فرأته قبل التسع متصلا باستكمالها نظر ان رأت
قبل التسع أقل من يوم وليلة وبعد التسع يوما وليلة جعل الجميع حيضا وان رأت قبل التسع يوما
وليلة وبعدها دون يوم وليلة فليس لها حيض وإن كان الجميع يوما وليلة بعضه قبل التسع وبعضه
بعدها فهل يجعل حيضا فيه وجهان قال الدارمي بعد أن ذكر الاختلافات كل هذا عندي
373

خطأ لان المرجع في جميع ذلك إلى الوجود فأي قدر وجد في أي حال وسن كان وجب جعله
حيضا والله أعلم * ثم إن الجمهور لم يفرقوا في هذا بين البلاد الحارة والباردة وفيه وجه حكاه امام
الحرمين عن حكاية والده انه إذا وجد الدم لتسع سنين في البلاد الباردة التي لا يعهد في أمثالها
مثل ذلك فليس بحيض والمذهب الأول قال أصحابنا قال الشافعي رحمه الله رأيت جدة بنت
احدى وعشرين سنة وقيل إنه رآها بصنعاء اليمين قالوا هذا رآه واقعا ويتصور جدة بنت تسع
عشرة سنة ولحظة فتحمل لتسع وتضع لستة أشهر بنتا وتحمل تلك البنت لتسع سنين وتضع
لستة أشهر * هذا ما يتعلق بأقل سن الحيض وأما آخره فليس له حد بل هو ممكن حتى تموت كذا قاله
صاحب الحاوي وغيره وهو ظاهر قال أصحابنا فالمعتمد في هذا الوجود وقد وجد من تحيض
لتسع سنين فوجب المصير إليه كما يرجع إلى العادة في أقل مدة الحمل وأكثرها وفى القبض في المبيع
واحياء الموات والحرز في السرقة وغيرها اما إذا رأت الدم لدون أقل سن الحيض المذكور فليس
بحيض بل هو حدث ينقض الوضوء ولا يوجب الغسل ولا يمنع الصوم ولا يتعلق به شئ من
أحكام الحيض ويسمي دم فساد وهل يسمى استحاضة فيه خلاف قدمناه في أول الباب * وإذا
ادعت المرأة الحيض في سن الامكان قبل قولها بغير يمين كما يقبل قول الغلام في أنزال المنى لسن
الامكان والله أعلم
[فرع] قال أصحابنا أقل سن يجوز ان تنزل المرأة فيه المنى هو سن الحيض وفيه الأوجه الثلاثة
السابقة الصحيح استكمال تسع سنين قال إمام الحرمين وعلى الجملة هي أسرع بلوغا من الغلام وأما
الغلام فاختلفوا فيه وحاصل المنقول فيه ثلاثة أوجه أصحها عند العراقيين استكمال تسع سنين
وبهذا قطع جماعة منهم هنا في باب الحيض كالشيخ أبى حامد والبندنيجي والقاضي أبى الطيب
وابن الصباغ والثاني مضى تسع سنين ونصف وهو ظاهر نص الشافعي رحمه الله في كتاب اللعان
والثالث استكمال عشر سنين وسيأتي ايضاحه إن شاء الله تعالى في باب الحجر وما يلحق
من النسب والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
374

[وأقل الحيض يوم وليلة وقال في موضع يوم فمن أصحابنا من قال هما قولان ومنهم من قال
يوم وليلة قولا واحدا وقوله يوم أراد بليلته ومنهم من قال يوم قولا واحدا وإنما قال يوم وليله قبل
أن يثبت عنده اليوم فلما ثبت عنده رجع إليه - والدليل على ذلك أن المرجع في ذلك إلى الوجود
وقد ثبت الوجود في هذا القدر قال الشافعي رحمه الله رأيت امرأة أثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض
يوما لا تزيد عليه وقال الأوزاعي رحمه الله عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية وقال عطاء رحمه
الله رأيت من النساء من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر يوما وقال أبو عبد الله الزبيري رحمه الله
كان في نسائنا من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر يوما وأكثره خمسة عشر يوما لما رويناه عن
عطاء وأبى عبد الله الزبيري وغالبه ست أو سبع لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش
رضي الله عنها (تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام كما تحيض النساء ويطهرن ميقات حيضهن
وطهرهن) وأقل طهر فاصل بين الدمين خمسة عشر يوما لا أعرف فيه خلافا فان صح ما يروى عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (في النساء نقصان دينهن ان إحداهن تمكث شطر دهرها لا تصلي)
دل ذلك على أن أقل الطهر خمسة عشر يوما لكن لم أجده بهذا اللفظ الا في كتب الفقه]
[الشرح] في الفصل مسائل (إحداها) في أقل الحيض: نص الشافعي رحمه الله في العدد ان أقله
يوم ونص في باب الحيض من مختصر المزني وفى عامة كتبه أقله يوم وليلة واختلف الأصحاب
فيه على ثلاث طرق ذكرها المصنف بدليلها أحدها يوم بلا ليلة والثاني قولان أحدهما يوم بلا ليلة
والثاني يوم وليلة والطريق الثالث وهو أصحها باتفاق الأصحاب ان أقله يوم وليلة قولا واحدا
وهذا الطريق قول المزني وأبي العباس بن سريج وجماهير أصحابنا المتقدمين وقطع به كثيرون من
المتأخرين ونقله المحاملي وابن الصباغ عن الأكثرين قال الشيخ أبو حامد وآخرون ولا يصح قول
من قال فيه قولان لأن الاعتبار بالوجود فان صح الوجود في يوم تعين قالوا ولأنه إذا أمكن حمل
كلاميه على حالين كان أولى من الحمل على قولين وكذا كل مجتهد كما إذا أمكن حمل حديثي النبي
صلى الله عليه وسلم على حالين والجمع بينهما كان مقدما على النسخ والتعارض وضعف الشيخ أبو حامد
375

وامام الحرمين وغيرهما طريقة القطع بيوم لان الشافعي رحمه الله إنما قال يوم في مسائل العدد اختصارا
أو حين أراد تحديد أقل الحيض في بابه والرد على من قال أقله ثلاثة أيام قال الشافعي أقله يوم وليلة
فوجب اعتماد ما حققه في موضع التحديد هذا هو المشهور في مذهبنا والموجود في كتب أصحابنا
وقال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتابه اختلاف الفقهاء حدثني الربيع عن الشافعي
ان الحيض يكون يوما وأقل وأكثر قال وحدثني الربيع ان آخر قول الشافعي ان أقل الحيض
يوم وليلة وهذا النص الذي نقله ابن جرير عن الشافعي غريب جدا ولكن تأويله على ما سأذكره
في الفرع بعد هذا إن شاء الله تعالى والصواب عند الأصحاب ان أقل الحيض يوم وليلة وعليه
التفريع والعمل وما سواه متأول عليه. ودليله من نص الشافعي رحمه الله شيئان أحدهما انه ذكره
في معظم كتبه وفى مظنته والثاني انه آخر قوله كما نقله الثقة ابن جرير (المسألة الثانية) أكثر الحيض
خمسة عشر باتفاق أصحابنا وذكر المصنف دليله (الثالثة) غالب الحيض ست أو سبع بالاتفاق
(الرابعة) أقل طهر فاصل بين حيضتين خمسة عشر يوما باتفاق أصحابنا لأنه أقل ما ثبت وجوده
ولا حد لا كثره بالاجماع قال أصحابنا وقد تبقى المرأة جميع عمرها لا تحيض وحكى القاضي أبو الطيب
ان امرأة كانت في زمنه تحيض في كل سنة يوما وليلة وهي صحيحة تحبل وتلد وكان نفاسها أربعين
يوما واما غالب الطهر فقال أصحابنا هو ثلاثة وعشرون يوما أو أربعة وعشرون بناء على أن
غالب الحيض ماذا فالغالب ان في كل شهر حيضا وطهرا فغالب الحيض ستة أو سبعة وباقيه طهر هذا
ما يتعلق بايضاح أصل المذهب * واما قوله طهر فاصل بين الدمين خمسة عشر يوما فاحترز به عن
شيئين أحدهما الطهر الذي بين الحيض والنفاس إذا قلنا بالأصح ان الحامل تحيض فإنه يجوز أن يكون
دون خمسة عشر ولو يوما على المذهب الصحيح كما سيأتي إن شاء الله تعالى (الثاني) أيام النقاء
المتخللة بين أيام الحيض في حق ذات التلفيق إذا قلنا بالتلفيق وأراد المصنف بقوله بين الدمين
بين الحيضتين ولو قال بين الحيضتين كما قال في التنبيه لكان أحسن ليحترز عن الشيئين المذكورين
والله أعلم * واما قوله لا أعرف فيه خلافا فمحمول على نفى الخلاف في مذهبنا والا فالخلاف فيه للعلماء
376

مشهور سنذكره في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى * واما قول المحاملي في كتابيه أقل الطهر
خمسة عشر يوما بالاجماع ونحوه في التهذيب وقول القاضي أبى الطيب في مسألة التلفيق اجمع الناس
ان أقل الطهر خمسة عشر يوما فمردود غير مقبول فلا يحمل كلام المصنف عليه وإن كان لو حمل
عليه لم يكن غلطا في اللفظ فإنه قد قال لا أعرف فيه خلافا ولا يلزم من عدم معرفته عدم
الخلاف والله أعلم * واما حديث (تمكث شطر دهرها) فحديث باطل لا يعرف وإنما
ثبت في الصحيحين (تمكث الليالي ما تصلي) كما سبق بيانه في مسألة تحريم
الصوم واما حديث حمنة فصحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما من رواية حمنة قال الترمذي
هو حديث حسن قال وسألت البخاري عنه فقال هو حديث حسن قال وكذا قال أحمد بن حنبل
هو حديث حسن صحيح قال الخطابي وقد ترك بعض العلماء الاحتجاج بهذا الحديث لان
رواية عبد الله بن محمد بن عقيل ليس بذاك (قلت) هذا الذي قاله هذا القائل لا يقبل فان أئمة الحديث
صححوه كما سبق وهذا الراوي وإن كان مختلفا في توثيقه وجرحه فقد صحح الحفاظ حديثه هذا وهم
أهل هذا الفن وقد علم من قاعدتهم في حد الحديث الصحيح والحسن أنه إذا كان في الراوي
بعض الضعف أجيز حديثه بشواهد له أو متابعة وهذا من ذلك وقوله صلى الله عليه وسلم (تحيضي
في علم الله) أي التزمي الحيض وأحكامه فيما أعلمك الله من عادة النساء هكذا قاله أصحابنا في كتب
الفقه والعلم هنا بمعنى المعلوم وقال الخطابي معناه فيما علم الله من أمرك من ستة أو سبعة وقوله صلى
377

الله عليه وسلم (كما تحيض النساء) المراد غالب النساء لاستحالة إرادة كلهن لاختلافهن وقوله
صلى الله عليه وسلم (ميقات حيضهن) هو بنصب التاء على الظرف أي في وقت حيضهن واختلفوا
في حال حمنة فقيل كانت مبتدأة فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غالب عادة النساء وقيل
كانت معتادة ستة أو سبعة فردها إليها ذكر هذا الخلاف فيها الخطابي وجمهور أصحابنا في كتب
المذهب وذكرهما الشافعي رحمه الله في الأم احتمالين واختار المصنف بعد هذا أنها كانت مبتدأة
وكذا اختاره امام الحرمين وابن الصباغ والشاشي وآخرون ورجحه الخطابي قال ويدل عليه قوله
صلى الله عليه وسلم (كما تحيض النساء ويطهرن) واختار الشافعي رحمه الله في الأم أنها كانت
معتادة وأوضح دليله وقال هذا أشبه معانيه قال صاحب التتمة من قال كانت معتادة ذكروا في
ردها إلى الستة أو السبعة ثلاث تأويلات أحدها معناه ستة إن كانت عادتك ستة أو سبعة إن كان
عادتك سبعة الثاني لعلها شكت هل عادتها ستة أو سبعة فقال تحيضي ستة إن لم تذكري
عادتك أو سبعة ان ذكرت أنها عادتك الثالث لعل عادتها كانت تختلف ففي بعض الشهور ستة
وفى بعضها سبعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ستة في شهر الستة وسبعة في شهر السبعة فتكون
لفظة أو للتقسيم وبسطت الكلام في هذا الحديث لأنه من الأحاديث التي عليها مدار كتاب
الحيض ويدخل في كل مصنفات الحيض والله أعلم *
378

(فرع) ذكر المصنف في هذا الفصل حمنة بنت جحش وعطاء والأوزاعي وا؟؟ يرى فأما
حمنة فبحاء مهملة مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم نون ثم هاء وأبوها جحش بجيم مفتوحة ثم حاء مهملة ساكنة
ثم شين معجمة وهي أخت زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم واما عطاء فهو أبو محمد
عطاء ابن أبي رباح واسم أبى رباح أسلم وعطاء من كبار أئمة التابعين في الفقه والزهد والورع
وغير ذلك وهو أحد شيوخنا في سلسلة التفقه فهو شيخ ابن جريج الذي هو شيخ مسلم بن خالد
الزنجي شيخ الشافعي كما سبق بيانه في مقدمة الكتاب توفى عطاء رحمه الله سنة أربع عشرة ومائة
وقيل خمس عشرة وقيل سبع عشرة واما الأوزاعي فهو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو من كبار
تابعي التابعين وأئمتهم البارعين كان امام أهل الشام في زمنه أفتي في سبعين الف مسألة وقيل ثمانين
الف توفى في خلوته في حمام بيروت مستقبل القبلة متوسدا بيمينه سنة سبع وخمسين ومائة قيل هو
منسوب إلى الأوزاع قرية كانت بخارج باب الفراديس من دمشق وقيل قبيلة من اليمن وقيل غير ذلك
واما الزبيري فهو من أصحابنا أصحاب الوجوه منسوب إلى الزبير بن العوام أحد العشرة المشهود
لهم بالجنة رضي الله عنه وهو أبو عبد الله الزبير بن أحمد بن سليمان بن عبد الله بن عاصم بن المنذر بن الزبير
ابن العوام وللزبيري كتب نفيسة وأحوال شريفة فهذه أحرف في تعريف هذه الأسماء وقد بسطت أحوال
أصحابها ومناقبهم في تهذيب الأسماء وبالله التوفيق *
379

طهرا مستقلا كاملا قال فهذا الوجه هو المذهب المعتمد وعليه تفريع الباب واختار الشيخ أبو عمرو
ابن الصلاح قول الأستاذ أبي إسحاق فقال الصحيح اتباع ذلك فإنه نص الشافعي نقله عنه صاحب
التقريب فيه وناهيك اتقانا وتحقيقا واطلاعا وكأن الأصحاب لم يطلعوا على النص قال وفى المحيط
للشيخ اي محمد الجويني عن الأستاذ أبى اسحق قال كانت امرأة تستفتيني بإسفرايين وتقول ان عادتها
في الطهر مستمرة على أربعة عشر يوما على الدوام فجعلت ذلك طهرها على الدوام قلت وهذا النص
الذي نقله أبو عمرو واختاره موافق لما قدمته عن ابن جرير عن الربيع عن الشافعي فان ذلك
النص وإن كان مطلقا فهو محمول على هذه الصورة والله أعلم
(فرع) في مذاهب العلماء في أقل الحيض والطهر وأكثرهما: اجمع العلماء على أن أكثر الطهر لا حد له
قال ابن جرير وأجمعوا على أنها لو رأت الدم ساعة وانقطع لا يكون حيضا وهذا الاجماع الذي ادعاه
غير صحيح فان مذهب مالك ان أقل الحيض يكون دفعة فقط واختلفوا فيما سوى ذلك فمذهبنا
المشهور ان أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر قال ابن المنذر وبه قال عطاء واحمد وأبو ثور
وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد أكثر الحيض عشرة أيام وأقله ثلاثة أيام قال وبلغني
عن نساء الماجشون انهن كن يحضن سبع عشرة قال احمد أكثر ما سمعنا سبع عشرة قال ابن المنذر
وقال طائفة ليس لأقل الحيض ولا لأكثره حد بالأيام بل الحيض اقبال الدم المنفصل عن دم الاستحاضة
والطهر ادباره وقال الثوري أقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يوما قال أبو ثور وذلك مما لا
يختلفون فيه فيما نعلم وأنكر احمد واسحق التحديد في الطهر قال احمد الطهر ما بين الحيضتين على
ما يكون وقال اسحق توفيتهم الطهر بخمسة عشر باطل هذا نقل ابن المنذر وحكي أصحابنا عن أبي
يوسف أقل الحيض يومان وأكثر الثالث وعن مالك لا حد لأقله وقد يكون دفعة واحدة وحكى
الماوردي عن مالك ثلاث روايات في أكثر الحيض إحداها خمسة عشر والثانية سبعة عشر
والثالثة غير محدود وعن مكحول أكثره سبعة أيام قال العبدري واختلف أصحاب مالك في أقل
الطهر فروي ابن القاسم انه غير محدود وانه ما يكون مثله طهرا في العادة وروى عبد الملك بن الماجشون
380

(فرع) قد ذكرنا أن أكثر الحيض خمسة عشر يوما وكذا أقل الطهر والمراد خمسة عشر بلياليها
وهذا القيد لابد منه لتدخل الليلة الأولى
(فرع) لو وجدنا امرأة تحيض أقل من يوم وليلة أو أكثر من خمسة عشر أو تطهر أقل من خمسة عشر
واشتهرت عادتها كذلك متكررة ففيها ثلاثة أوجه حكاها امام الحرمين والغزالي وغيرهما أحدها
لا يعتبر حال هذه بل الحكم على ما تمهد لان بحث الأولين أوفى: والثاني يعتبر ليكون هذا حيضها
وطهرها لان الاعتماد على الوجود وقد حصل قال امام الحرمين هذا قول طوائف من المحققين منهم
الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني والقاضي حسين (قلت) واختاره الدارمي في الاستذكار وصاحب التتمة
والثالث إن كان قدرا يوافق مذهب السلف الذين يقولون باعتماد الوجود اعتمدناه وعملنا به وإن لم يوافق
مذهب أحد لم يعتمد قال امام الحرمين والذي اختاره ولا أرى العدول عنه الاكتفاء بما استقرت
عليه مذاهب الماضين من أئمتنا في الأقل والأكثر فانا لو فتحنا باب اتباع الوجود في كل ما يحدث
وأخذنا في تغيير ما يمهد تقليلا وتكثيرا لاختلطت الأبواب وظهر الاضطراب والوجه اتباع ما تقرر
للعلماء الباحثين قبلنا وذكر الرافعي نحو ما ذكره امام الحرمين ثم قال فالأظهر انه لا اعتبار بحال هذه
المرأة بل الاعتبار بما تقرر لان احتمال عروض دم الفساد لهذه المرأة أقرب من انخرام العادة المستمرة
قال ويدل عليه الاجماع على أنها لو كانت تحيض يوما وتطهر يوما على الاستمرار لا يجعل كل نقاء
381

انه خمسة أيام وقال سحنون؟ ثمانية أيام وقال غيره عشرة أيام وقال محمد بن مسلمة خمسة عشر وهو الذي
يعتمده أصحابه البغداديون وقال احمد في رواية الأثرم وأبى طالب أقل الطهر ثلاثة عشر يوما
وقال الماوردي قال أكثر العلماء أقل الطهر خمسة عشر وقال مالك أقله عشرة وحكى ابن الصباغ
عن يحيى بن أكثم بالثاء المثلثة ان أقل الطهر تسعة عشر يوما فاما أدلة هذه المذاهب فمنها مسألة
الاجماع ان أكثر الطهر لا حد له ودليلها في الاجماع ومن الاستقراء ان ذلك موجود مشاهد ومن اظرفه ما
نقله القاضي أبو الطيب في تعليقه قال أخبرتني امرأة عن أختها انها تحيض في كل سنة يوما وليلة وهي صحيحة
تحبل وتلد ونفاسها أربعون يوما واما أقل الحيض فاحتج لمن قال أقله ثلاثة أيام بحديث أم سلمة
رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم جاءته فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها فقالت انى
استحاض فقال (ليس ذلك الحيض إنما هو عرق لتقعد أيام أقرائها ثم لتغتسل ولتصلي) رواه أحمد بن حنبل
قالوا وأقل الأيام ثلاثة وبحديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أقل الحيض ثلاثة أيام
وأكثره عشرة أيام) رواه الدارقطني وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (لا يكون الحيض أكثر من عشرة أيام ولا أقل من ثلاثة أيام) م وعن انس رضي الله عنه قال
(الحيض ثلاث. أربع. خمس. ست. سبع. ثمان. تسع. عشر) قالوا وانس لا يقول هذا الا توقيفا
قالوا ولان هذا تقدير والتقدير لا يصح الا بتوقيف أو اتفاق وإنما حصل الاتفاق على ثلاث واحتج
أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها (دم الحيض اسود يعرف
فإذا كان ذاك فامسكي عن الصلاة) رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة قال أصحابنا وهذه
الصفة موجودة في اليوم والليلة ولان أقل الحيض غير محدود شرعا فوجب الرجوع فيه إلى الوجود
وقد ثبت الوجود في يوم وليلة كما ذكره المصنف عن عطاء والأوزاعي والشافعي والزبيري وروينا
بالاسناد الصحيح في سنن البيهقي عن الامام عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله قال كانت امرأة
يقال لها أم العلا قالت حيضتي منذ أيام الدهر يومان قال إسحاق بن راهويه وصح لنا عن غير
امرأة في زماننا انها قالت حيضتي يومان وعند يزيد بن هارون قال عندي امرأة تحيض يومين
382

وروى في هذا المعني غير ما ذكرنا قال أصحابنا ولا مجال للقياس في هذه واما الجواب عن حديث أيام
أقرائها لو ثبت فمن وجهين (أحدهما) ليس المرد بالأيام هنا الجمع بل الوقت (الثاني) انها مستحاضة معتادة ردها
إلى الأيام التي اعتادتها ولا يلزم من هذا ان كل حيض لا ينقص عن ثلاثة أيام واما حديث واثلة
وأبى امامة وانس فكلها ضعيفة متفق على ضعفها عند المحدثين وقد أوضح ضعفها الدارقطني ثم
البيهقي في كتاب الخلافيات ثم السنن الكبير وقولهم التقدير لا يصح الا بتوقيف جوابه ان التوقيف
ثبت فيما ذكرناه لان مداره على الوجود وقد ثبت ذلك على ما قدمناه واما من قال أقل الحيض
ساعة فاعتمدوا ظواهر النصوص المطلقة والقياس على النفاس واحتج أصحابنا بان الاعتماد على الوجود
ولم يثبت دون ما قلناه والجواب عن النصوص انها مطلقة فتحمل على الوجود
وعن النفاس انه وجد لحظة فعملنا بالوجود فيهما واما من قال أكثر الحيض عشرة فاحتجوا بحديث
واثلة وأبي امامة وانس وكلها ضعيفة واهية كما سبق وليس لهم حديث ولا اثر يجوز الاحتجاج به
واحتج أصحابنا بما ثبت مستفيضا عن السلف من التابعين فمن بعدهم ان أكثر الحيض خمسة عشر
وانهم وجدوه كذلك عيانا وقد جمع البيهقي أكثر ذلك في كتابه في الخلافيات وفى السنن الكبير
فممن رواه عنه عطاء والحسن وعبيد الله بن عمر ويحيى بن سعيد وربيعة وشريك والحسن بن صالح
وعبد الرحمن بن مهدي رحمهم الله واما قول يحيى بن أكثم أقل الطهر تسعة عشر فاستدل له
ابن الصباغ قال أكثر الحيض عنده عشرة والشهر يشتمل على حيض وطهر وقد يكون
الشهر تسعة وعشرين منها عشرة للحيض والباقي طهر ودليلنا بثبوت الوجود في خمسة عشر
واما قوله فبناه على أن أكثر الحيض عشر وقد بينا بطلانه فان قيل روى إسحاق بن راهويه عن
بعضهم ان امرأة من نساء الماجشون حاضت عشرين يوما وعن ميمون بن مهران ان بنت سعيد
بن جبير كانت تحته وكانت تحيض من السنة شهرين فجوابه بما أجاب به المصنف في كتابه النكت
ان هذين النقلين ضعيفان فالأول عن بعضهم وهو مجهول وقد أنكره بعضهم وقد أنكره الامام مالك
ابن انس وغيره من علماء المدينة والثاني رواه الوليد بن مسلم عن رجل عن ميمون والرجل مجهول والله أعلم
383

قال المصنف رحمه الله تعالى *
[وفى الدم الذي تراه الحامل قولان أحدهما أنه حيض لأنه دم لا يمنعه الرضاع فلا يمنعه الحمل
كالنفاس والثاني أنه دم فساد لأنه لو كان حيضا لحرم الطلاق وتعلق به انقضاء العدة]
[الشرح] يقال الرضاع والرضاع بفتح الراء وكسرها فيهما وامرأة حامل وحاملة والأول
أشهر وأفصح فان حملت على رأسها أو ظهرها فحاملة لا غير والدم مخفف الميم على اللغة المشهورة
وفيه لغية شاذة بتشديدها * أما حكم المسألة فإذا رأت الحامل دما يصلح أن يكون حيضا فقولان
مشهوران قال صاحب الحاوي والمتولي والبغوي وغيرهم الجديد أنه حيض والقديم ليس بحيض
واتفق الأصحاب على أن الصحيح أنه حيض فان قلنا ليس بحيض فهو دم فساد كما ذكر المصنف
وهل يسمي استحاضة فيه خلاف سبق وسواء قلنا استحاضة أو دم فساد هو حدث ينقض الوضوء
فإن لم يستمر فهو كالبول فلها أن تصلي بالوضوء الواحد صلوات وان استمر فلها حكم الاستحاضة
المستمرة وسيأتي بيانها في آخر الباب إن شاء الله تعالى: قال الدارمي في الاستذكار اختلف أصحابنا
في محل القولين فمنهم من قال هما إذا رأت الدم في أيام عادتها وعلى صفة دم الحيض فان رأته في غير
أيام الحيض أو رأت صفرة أو كدرة فليس بحيض قولا واحدا ومنهم من قال لا فرق بل الخلاف
جاز في كل ما يجوز أن يكون حيضا لغير الحامل وقال أبو علي بن أبي هريرة القولان ا ا قلنا
للحمل حكم فان قلنا لا حكم له فهو حيض قولا واحدا وقال أبو إسحاق القولان جاريان سواء
قلنا له حكم أم لا قال واختلفوا أيضا فمنهم من قال القولان إذا مضى للحمل أربعون يوما وما رأته
قبل ذلك حيض قولا واحدا ومنهم من قال القولان في الجميع هذا آخر كلام الدارمي وقال الشاشي
إذا قلنا الحامل لا تحيض فمن متى ينقطع حيضها وجهان الصحيح بنفس العلوق والثاني من وقت
حركة الحمل (قلت) الصحيح المشهور جريان القولين بنفس العلوق وفى جميع الأحوال
التي ذكرها الدارمي وأما قول المصنف أحدهما أنه حيض لأنه دم لا يمنعه الرضاع ولا يمنعه الحمل
كالنفاس فمعناه أن المرضع لا تحيض غالبا وكذا الحامل فلو اتفق رؤية الدم في حال الرضاع
384

كان حيضا بالاتفاق فكذا في حال الحمل فهما سواء في الندور فينبغي أن يكونا سواء في الحكم
بأنهما حيض وأما قوله كالنفاس فمراده إذا ولدت ولدين بينهما دون ستة أشهر ورأت الدم بينهما
وقلنا إنه نفاس فهذه حامل ومرضع ودمها نفاس ومعناه أن النفاس لا يمنعه الرضاع والحمل والحيض
لا يمنعه الرضاع فينبغي أن لا يمنعه الحمل كما قلنا في النفاس قال صاحب البيان في مشكلات المذهب
مراده الاستدلال على أبي حنيفة رحمه الله لأنه يقول دم الحامل ليس بحيض والدم بين الولدين
نفاس فقاس على ما وافق عليه قال القلعي وقوله لا يمنعه الرضاع ليس باحتراز بل للدلالة على الحكم
والتقريب من الأصل والله أعلم *
(فرع) إذا قلنا دم الحامل حيض فقد ذكر المصنف أنه لا تنقضي به العدة وكذا قاله أصحابنا
في هذا الباب ونقل الغزالي والمتولي وغيرهما الاتفاق على هذا ومرادهم أن الحامل إذا كان عليها
عدة واحدة وحملها لصاحب العدة وحاضت أدوارا فلا تنقضي بها العدة ولا يحسب شئ من
الأطهار المعجلة قرءا أما إذا كان الحمل بحيث لا تنقضي به العدة بأن لا يكون لصاحب العدة مثل
ان مات صبي عن زوجته أو فسخ نكاحه بعيبه أو غيره بعد دخوله وامرأته حامل من الزنا أو تزوج
الرجل حاملا من الزنا وطلقها بعد الدخول وهي ترى الدم على الأدوار فان قلنا الحامل تحيض
ففي انقضاء عدتها بهذه الأطهار المتخللة في مدة الحمل وجهان مشهوران سيأتي ايضاحهما في كتاب العدة
إن شاء الله تعالى * ولو كان عليها عدتان بأن طلقها وهي حامل ثم وطئها بشبهة فوجبت العدة
بالثانية فهل تتداخل العدتان فيه خلاف معروف فان قلنا لا تتداخل كانت معتدة عن الطلاق
فلو حاضت على الحمل فهل يحسب أطهارها في الحمل عن عدة الشبهة فيه وجهان أصحهما يحسب
385

فعلى هذا يكون حيض الحامل مؤثرا في انقضاء العدة ولا يحسن اطلاق القول بأنه لا تنقضي به
العدة الا ان يقيد بما قيدناه به أولا والله أعلم *
(فرع) إذا قلنا دم الحامل حيض فانقطع ثم ولدت بعد انقطاعه بخمسة عشر يوما فصاعدا
فلا شك في كونه حيضا وان ولدت قبل مضي خمسة عشر ففي كونه حيضا وجهان مشهوران وقد
ذكرهما المصنف في فصل النفاس أصحهما بالاتفاق أنه حيض لأنه دم بصفة الحيض وإنما يشترط
يكون بين الدمين خمسة عشر إذا كانا دمى حيض ولهذا قال المصنف والأصحاب أقل طهر فاصل
بين الحيضتين خمسة عشر قال المتولي وعلى هذا لو رأت النفاس ستين يوما ثم انقطع ثم عاد الدم فان
عاد بعد خمسة عشر فهو حيض وان عاد قبلها فهل يجعل الثاني حيضا فيه هذان الوجهان أحدهما
لا: لنقصان ما بينهما عن طهر كامل وأصحهما نعم لاختلافهما *
(فرع) إذا قيل إذا جعلتم دم الحامل حيضا لم يبق وثوق بانقضاء العدة والاستبراء بالحيض
لاحتمال الحيض على الحمل فالجواب أن الغالب انها لا تحيض فإذا حاضت حصل ظن براءة الرحم وذلك
كاف في العدة والاستبراء فان بان خلافه على الندور عملنا بما بان والله أعلم *
(فرع) في مذاهب السلف في حيض الحامل وقد ذكرنا أن الأصح عندنا ان الدم الذي تراه حيض
وبه قال قتادة ومالك والليث وقال ابن المسيب والحسن وعطاء ومحمد ابن المنكدر وعكرمة وجابر بن زيد
والشعبي ومكحول والزهري والحكم وحماد والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأبو يوسف واحمد
وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر ليس بحيض ودليل المذهبين في الكتاب ومما يستدل به للصحيح في
386

كونه حيضا أنه دم بصفات دم الحيض وفى زمن امكانه ولأنه متردد بين كونه فسادا لعلة أو حيضا
والأصل السلامة من العلة: وأما قول القائل الآخر لو كان حيضا لانقضت العدة به ففاسد لأن العدة
لطلب براءة الرحم ولا تحصل البراءة بالأقراء مع وجود الحمل ولأن العدة تنقضي به في بعض الصور
كما سبق بيانه وأما قوله لو كان حيضا لحرم الطلاق فجوابه أن تحريم طلاق الحائض إنما كان لتطويل العدة
ولا تطويل هنا لان عدتها بالحمل والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وان رأت يوما دما ويوما نقاء ولم يعبر الخمسة عشر ففيه قولان أحدهما لا يلفق بل يجعل الجميع
حيضا لأنه لو كان ما رأته من النقاء طهرا لانقضت العدة بثلاثة منها والثاني يلفق الطهر إلى الطهر والدم
إلى الدم فيكون أيام النقاء طهرا وأيام الدم حيضا لأنه لو جاز أن يجعل أيام النقاء حيضا لجاز
أن يجعل أيام الدم طهرا ولما لم يجز أن يجعل أيام الدم طهرا لم يجز أن يجعل أيام النقاء حيضا فوجب أن
يجرى كل واحد منهما على حكمه] *
[الشرح] النقاء بالمد وقوله يوما دما ويوما بقاء أحسن من قوله في التنبيه يوما طهرا ويوما دما
فكيف يسمى طهرا مع أنه حيض في أحد القولين بل هو الأصح وقوله يوما أراد بليلته ليكون أقل
الحيض تفريعا على المذهب كذا صرح به أصحابنا ولو رأت يوما بلا ليلة أو نصف يوم ففيه خلاف
مرتب يأتي بيانه في آخر الباب في فصل التلفيق إن شاء الله تعالى والأصح من هذين القولين عند
جمهور الأصحاب ان الجميع حيض وهو نص الشافعي رحمه الله في عامة كتبه وقد فرق المصنف مسألة
التلفيق هذه فذكرها هنا مختصرة وذكر فروعها في آخر الباب وكان ينبغي ان يؤخرها كلها أو يجمع كل
387

ما يتعلق بالتلفيق في موضع واحد كما فعله الأصحاب وقد رأيت أن أؤخر شرح هذه المسألة إلى هناك وبالله
التوفيق * قال المصنف رحمه الله *
[إذا رأت المرأة الدم ليس يجوز أن تحيض فيه أمسكت عما تمسك عنه الحائض فان انقطع لدون اليوم والليلة
كان ذلك دم فساد فتتوضأ وتصلي وان انقطع ليوم وليلة أو لخمسة عشر يوما أو لما بينهما فهو حيض فتغتسل عند
انقطاعه سواء كان الدم على صفة دم الحيض أو على غير صفته وسواء كان لها عادة فخالف عادتها أو لم يكن
وقال أبو سعيد الإصطخري ان رأت الصفرة أو الكدرة في غير وقت العادة لم يكن حيضا لما روى عن أم عطية
رضي الله عنها قالت (كنا لا نعتد بالصفرة والكدرة بعد الغسل شيئا) ولأنه ليس فيه امارة الحيض
فلم يكن حيضا والمذهب أنه حيض لأنه دم صادف زمان الامكان ولم يجاوزه فأشبه إذا
رأت الصفرة والكدرة في أيام عادتها وحديث أم عطيه يعارضه ما روي عن عائشة رضي الله عنه
ا أنها قالت (كنا نعد الصفرة والكدرة حيضا) وقوله إنه ليس فيه امارة غير مسلم بل
وجوده في أيام الحيض أمارة لأن الظاهر من حالها الصحة والسلامة وان ذلك دم الجبلة
دون العلة] *
[الشرح] حديث أم عطيه صحيح رواه البخاري والدارمي وأبو داود والنسائي وغيرهم
وهذا المذكور في المهذب هو لفظ رواية الدارمي وفى رواية البخاري (كنا لا نعد الصفرة والكدرة
شيئا) وفى رواية أبى داود (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا) واسنادها اسناد صحيح على
شرط البخاري ومما ينكر على المصنف قوله روى عن أم عطية بصيغة التمريض مع أنه حديث صحيح
وقد سبق التنبيه على أمثال هذا وروى البيهقي باسناد ضعفه عن عائشة رضي الله عنها قالت (ما كنا
نعد الصفرة والكدرة شيئا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأما حديث عائشة رضي الله
عنها المذكور في الكتاب فلا أعلم من رواه بهذا اللفظ لكن صح عن عائشة رضي الله عنها قريب
388

من معناه فروى مالك في الموطأ عن عقبة ابن أبي عقبة عن أمه مولاة عائشة قالت (كانت النساء
يبعثن إلى عائشة رضي الله عنها بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض فتقول لا تعجلن
حتى ترين القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيضة) هذا لفظه في الموطأ وذكره البخاري في صحيحه
تعليقا بصيغة جزم فصح هذا اللفظ عن عائشة رضي الله عنها والدرجة بضم الدال واسكان الراء
وبالجيم وروى بكسر الدال وفتح الراء وهي خرقة أو قطنة أو نحو ذلك تدخله المرأة فرجها ثم
تخرجه لتنظر هل بقي شئ من أثر الحيض أم لا وقولها القصة هي بفتح القاف وتشديد الصاد
المهملة وهي الجص شبهت الرطوبة النقية الصافية بالجص فهذا موقوف على عائشة وأما حديث
أم عطية فهل هو موقوف أم مرفوع فيه خلاف قدمناه في الفصول السابقة في مقدمة الكتاب فيما
إذا قال الصحابي كنا نفعل كذا وأوضحنا المذاهب فيه واسم أم عطية نسيبة بضم النون وفتح
السين واسكان الياء وقيل بفتح النون وكسر السين وهي نسيبة بنت كعب وقيل بنت الحارث
أنصارية بصرية كانت تغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت غاسلة للميتات وذكرت جملة
من أحوالها في تهذيب الأسماء وأما أبو سعيد الإصطخري فبكسر الهمزة وقيل يجوز بفتحها وهي همزة
قطع ويجوز تخفيفها كهمزة الأرض ونحوها منسوب إلى إصطخر المدينة المعروفة واسمه الحسن
ابن أحمد ولد سنة أربع وأربعين ومايتين وتوفى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وكان من كبار أصحابنا
وأئمتهم وعبادهم وأخيارهم وله أحوال جميلة وكتب نفيسة وذكرت جملة من أحواله في التهذيب
والطبقات وقوله دم الجبلة بكسر الجيم وتشديد اللام أي الخلقة ومعناه دم الحيض المعتاد الذي يكون
في حال السلامة وليس هو دم العلة الذي هو دم الاستحاضة واما الصفرة والكدرة فقال الشيخ
أبو حامد في تعليقه هما ماء اصفر وماء كدر وليسا بدم وقال امام الحرمين هما شئ كالصديد يعلوه
صفرة وكدرة ليسا على لون شئ من الدماء القوية ولا الضعيفة * اما الأحكام فقال أصحابنا رحمهم الله
389

إذا رأت المرأة الدم لزمان يصح أن يكون حيضا بأن يكون لها تسع سنين فأكثر ولم يكن عليها بقية
طهر ولا هي حامل أو حائل وقلنا بالصحيح انها تحيض أمسكت عن الصوم والصلاة والقرآن والمسجد
والوطئ وغير ذلك مما تمسك عنه الحائض لأن الظاهر أنه حيض وهذا الامساك واجب على الصحيح
المشهور وبه قطع الأصحاب في كل الطرق الا صاحبي الحاوي والتهذيب فحكيا وجها شاذا قال صاحب
الحاوي هو قول ابن سريج انه لا يجوز للمبتدأة ان تمسك بل يجب عليها ان تصلى مع رؤية الدم
فان انقطع لدون يوم وليلة كانت الصلاة واجبة عليها وأجزأها ما صلت وان استدام يوما وليلة تركت
الصلاة حينئذ لان الدم الذي رأته يجوز أن يكون حيضا ويجوز أن يكون دم فساد فلا يجوز ترك
الصلاة بالشك قال صاحب الحاوي وهذا الوجه فاسد من وجهين أحدهما ان المعتادة إذا فاتحها الدم تمسك
والثاني المعتادة إذا جاوز الدم عادتها تمسك وإن كان هذا الاحتمال موجودا وإنما أمرناها بالامساك
لأن الظاهر أنه حيض وهذا المعنى موجود في المبتدأة قال فبطل قول ابن سريج والتفريع بعد هذا على
المذهب وهو وجوب الامساك قال أصحابنا فإذا أمسكت فانقطع الدم لدون يوم وليلة تبينا انه دم فساد
390

فتقضى الصلاة بالوضوء ولا غسل فإن كانت صامت في ذلك اليوم فصومها صحيح وان انقطع ليوم
وليلة أو لخمسة عشر أو لما بينهما فهو حيض سواء كان اسود أو أحمر وسواء كانت مبتدأة أو معتادة
وافق عادتها أو خالفها بزيادة أو نقص أو تقدم أو تأخر وسواء كان الدم كله بلون واحد
أو بعضه اسود وبعضه احمر وسواء تقدم الأسود أو الأحمر ولا خلاف في شئ من هذا الا وجهين
شاذين ضعيفين (أحدهما) حكاه صاحب الحاوي انها إذا كانت مبتدأة ورأت دما احمر لا يكون حيضا
لضعفه بل هو دم فساد ووافق هذا القائل على أنها لو رأت الأحمر وهي معتادة كان حيضا والوجه
الآخر حكاه البغوي وغيره انها إذا رأت احمر واسود وتقدم الأحمر كان الحيض هو الأسود وحده
إن أمكن جعله حيضا قال هذا القائل ولو رأت خمسة حمرة ثم خمسة سوادا ثم خمسة حمرة كان الأحمر
الأول دم فساد والأحمر والأسود بعده حيض وسنوضح هذه المسألة في فصل المميزة إن شاء الله تعالى اما إذا
391

كان الذي رأته صفرة أو كدرة فقد قال الشافعي في مختصر المزني رحمه الله الصفرة والكدرة في أيام
الحيض حيض واختلف الأصحاب في ذلك على ستة أوجه الصحيح المشهور الذي قاله أبو العباس ابن سريج
وأبو إسحاق المروزي وجماهير أصحابنا المتقدمين والمتأخرين ان الصفرة والكدرة في زمن الامكان
وهو خمسة عشر يكونان حيضا سواء كانت مبتدأة أو معتادة خالف عادتها أو وافقها كما لو كان اسود
أو احمر وانقطع لخمسة عشر والوجه الثاني قول أبي سعيد الإصطخري وأبى العباس بن القاص ان
الصفرة والكدرة في أيام العادة حيض وليست في غير أيام العادة حيضا فان رأت الصفرة والكدرة مبتدأة
أو معتادة في غير أيام العادة فليست بحيض وان رأتها معتادة في أيام العادة فهي حيض
والوجه الثالث قول أبي على الطبري وغيره من أصحابنا انه ان تقدم الصفرة والكدرة
دم قوى أسود أو أحمر ولو بعض يوم كانت حيضا في الخمسة عشر وإن لم يتقدمها شئ لم
392

يكن حيضا على انفرادها وحكي صاحب الشامل وغيره هذا عن حكاية أبي على ابن أبي
هريرة عن بعض أصحابنا والرابع حكاه السرخسي في الأمالي والمتولي والبغوي وآخرون من
الخراسانيين انه ان تقدم على الصفرة دم قوي يوما وليلة كان حيضا تبعا للقوى وان تقدمها دون يوم
وليلة فليست حيضا (والخامس) حكاه ابن كج والسرخسي ان تقدمها دم قوى ولحقها دم قوى كانت
حيضا والا كانت كالنقاء (والسادس) حكاه السرخسي ان تقدمها دم قوى يوما وليلة ولحقها دم قوى
يوما وليلة كانت حيضا وإلا فلا وقد نقل الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي وامام الحرمين
والبغوي والرافعي وآخرون اتفاق الأصحاب على أن الصفرة والكدرة في أيام العادة تكون حيضا
وهذا الذي نقلوه مخالف لما قدمناه من الخلاف في اشتراط تقدم الأسود فإنه جار في أيام العادة
وقد صرح به صاحب التتمة وغيره: قال أصحابنا المصنفون ومأخذ الخلاف بين الإصطخري والجمهور
اختلافهم في مراد الشافعي بقوله الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض فالإصطخري يقول معناه
في أيام العادة والجمهور يقولون في أيام الامكان قال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وآخرون
قال أبو إسحاق المروزي كنت أقول مراد الشافعي في أيام العادة حتى رأيته قال في كتاب العدة
(والصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض والمبتدأة والمعتادة في ذلك سواء) فلما قال هما سواء
393

علمت أنه لم يعتبر أيام العادة ثم قال الجمهور من أصحابنا في الطرق كلها لا فرق في جريان الخلاف
المذكور بين المبتدأة والمعتادة وذكر امام الحرمين والغزالي وجهين أصحهما هذا والعبارة عنه أن حكم
مرد المبتدأة وهو يوم وليلة أو ست أو سبع حكم ما وراء العادة والوجه الثاني حكم مردها حكم
أيام العادة قال امام الحرمين هذا الوجه غير مرضي والله أعلم *
(فرع) اعلم أن مسائل الصفرة مما يعم وقوعه وتكثر الحاجة إليه ويعظم الانتفاع به فنوضح
أصلها بأمثلة مختصرة: قال أصحابنا رحمهم الله إذا رأت المبتدأة خمسة عشر يوما أو يوما وليلة
أو ما بينهما صفرة أو كدرة فعلى المذهب وقول الجمهور الجميع حيض وعلى الأوجه الخمسة الباقية
ليس بحيض فتتوضأ وتصلي ولها حكم الطاهرات * ولو رأت أياما سوادا ثم صفرة ولم يجاوز الخمسة عشر
فعلى المذهب الجميع حيض وعند الإصطخري الأسود حيض والباقي طهر ولا يخفى قياس الباقين *
ولو رأت نصف يوم سوادا ثم أياما صفرة فعلى المذهب الجميع حيض وعند الإصطخري كله دم
فساد * ولو رأت خمسة صفرة ثم خمسة سوادا ثم انقطع فعند الإصطخري حيضها السواد وعلى المذهب
حكمها حكم من رأت خمسة حمرة ثم خمسة سوادا وفيها ثلاثة أوجه يأتي بيانها إن شاء الله تعالى
أصحها الجميع حيض والثاني الأسود حيض والصفرة دم فساد * ولو رأت خمسة صفرة ثم خمسة عشر
سوادا فعند الإصطخري حيضها السواد وعلى المذهب فيه ثلاثة أوجه أحدها حيضها حيض المبتداة
من أول الأصفر يوم وليلة أو ست أو سبع والثاني حيضها السواد والثالث حيضها الصفرة لسبقها
وتعذر الجمع وهذا ضعيف وسيأتي ايضاح هذه الأوجه في فصل المميزة إن شاء الله تعالى * ولو
رأت خمسة صفرة ثم ستة عشر سوادا فعند الإصطخري حيضها حيض المبتدأة من أول الأسود
وعلى المذهب حيضها حيض المبتدأة من أول الصفرة الا على الوجه الثالث في المسألة قبلها فان
حيضها الصفرة * ولو رأت خمسة سوادا ثم خمسة حمرة ثم خمسة صفرة فعند الإصطخري حيضها
عشرة السواد والحمرة وعلى المذهب حيضها الخمسة عشر * ولو رأت خمسة حمرة ثم خمسة صفرة ثم
خمسة سوادا فعلى المذهب لها حكم من رأت عشرة حمرة ثم خمسة سوادا وفيها الأوجه الثلاثة
394

الأصح الجميع حيض والثاني الحيض الأسود والثالث فاقدة التمييز وعند الإصطخري الحمرة
والسواد حيض وفى الصفرة بينهما القولان في النقاء المتخلل بين الدمين هكذا ذكره البغوي
وغيره هذا كله في المبتدأة * أما المعتادة فإذا كانت عادتها خمسة أيام من كل شهر فرأت خمسة سوادا
ثم خمسة صفرة فعلى المذهب الجميع حيض وعند الإصطخري حيضها الأسود: ولو رأت خمسة سوادا
ثم طهرت خمسة عشر ثم رأت خمسة صفرة فعلى المذهب الصفرة حيض ثان وبينه وبين السواد
طهر كامل وعند الإصطخري الصفرة دم فساد لأنها ليست في أيام العادة ولو كان عادتها عشرة
من أول الشهر فرأت خمسة سوادا ثم عشرة صفرة وانقطع فعلى المذهب الجميع حيض لأنه في مدة
الامكان وعند الإصطخري قال صاحب الحاوي حيضها عشرة خمسة السواد مع خمسة من أول
الصفرة وهذا ظاهر: ولو كان عادتها خمسة فرأت خمسة سوادا ثم خمسة صفرة ثم خمسة حمرة
أو سوادا وانقطع فعند الإصطخري السواد والحمرة حيض وفى الصفرة بينهما القولان في النقاء
بين الدمين وأما على المذهب فاختلفوا فيه فقال الشيخ أبو حامد والمحاملي في المجموع والتجريد
قال ابن سريج السواد والحمرة حيض وفى الصفرة القولان في النقاء كما قال الإصطخري قالا قال
أبو العباس والفرق بين هذه المسألة وباقي المسائل حيث حكمنا بأن الصفرة في مدة الامكان حيض
إذا تأخرت عن السواد ان العادة في الحيض أن يكون في أوله قويا أسود ثخينا ثم يرق فيحمر ثم
يصفر ثم ينقطع فتكون الصفرة من بقايا الحيض فحكم بأنها حيض وأما هنا فهذه الصفرة يعقبها
حمرة فعلمنا انه ليست بقية حيض لأنه لا يضعف ثم يقوى وإنما اصفر لأنه انقطع فكان نقاء بين
حيضتين * هكذا نقل أبو حامد والمحاملي عن ابن سريج ولم يخالفاه بل قرراه وحكى صاحب
الشامل هذا عن أبي حامد وأنكره وقال هذا لا يجئ على مذهب الشافعي ولا مذهب ابن سريج
لان عندهما الصفرة في زمن الامكان حيض وإنما يجئ على قول الإصطخري وذكر صاحب
البحر نحو قول صاحب الشامل وقال صاحب الحاوي والقاضي أبو الطيب وصاحب التتمة المذهب
أن الجميع حيض وهذا هو الصواب والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في الصفرة والكدرة: قد ذكرنا أن الصحيح في مذهبنا انهما في
زمن الامكان حيض ولا تتقيد بالعادة ونقله صاحب الشامل عن ربيعة ومالك وسفيان
والأوزاعي وأبي حنيفة ومحمد وأحمد واسحق وقال أبو يوسف الصفرة حيض والكدرة ليست
395

بحيض إلا أن يتقدمها دم وقال أبو ثور إن تقدمها دم فهما حيض وإلا فلا قال واختاره ابن
المنذر وحكي العبدري عن أكثر الفقهاء أنهما حيض في مدة الامكان وخالفه البغوي فقال قال
ابن المسيب وعطاء والثوري والأوزاعي واحمد وأكثر الفقهاء لا تكون الصفرة والكدرة في
غير أيام الحيض حيضا ومدار أدلة الجميع على الحديثين المذكورين في الكتاب والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
[وان عبر الدم الخمسة عشر فقد اختلط حيضها بالاستحاضة فلا يخلو اما أن تكون مبتدأة
غير مميزة أو مبتدأة مميزة أو معتادة غير مميزة أو معتادة مميزة أو ناسية غير مميزة أو ناسية مميزة فإن كانت
مبتدأة غير مميزة وهي التي بدأ بها الدم وعبر الخمسة عشر والدم على صفة واحدة ففيها قولان أحدهما
تحيض أقل الحيض لأنه يقين وما زاد مشكوك فيه فلا يحكم بكونه حيضا والثاني ترد إلى غالب عادة النساء
وهو ست أو سبع وهو الأصح لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش: تحيضي في علم الله
ستة أيام أو سبعة أيام كما تحيض النساء ويطهرن ميقات حيضهن وطهرهن: ولأنه لو كان لها عادة
ردت إليها لان حيضها في هذا الشهر كحيضها فيما تقدم فإذا لم يكن لها عادة فالظاهر أن حيضها
كحيض نسائها ولداتها فردت إليها والى أي عادة ترد فيه وجهان أحدهما إلى غالب عادة النساء
لحديث حمنة والثاني إلى عادة نساء بلدها وقومها لأنها أقرب إليهن فان استمر بها الدم في الشهر
الثاني اغتسلت عند انقضاء اليوم والليلة في أحد القولين وعند انقضاء الست والسبع في الآخر
396

لأنا قد علمنا بالشهر الأول انها مستحاضة وأن حكمها ما ذكرناه فتصلي وتصوم ولا تقضى
الصلاة وأما الصوم فلا تقضى ما يأتي به بعد الخمسة عشر وفيما يأتي به قبل الخمسة عشر وجهان
أحدهما تقضيه لجواز أن يكون صادف زمان الحيض فلزمها قضاؤه كالناسية والثاني لا تقضى
وهو الأصح لأنها صامت في زمان حكمنا بالطهر فيه بخلاف الناسية فإنه لم يحكم لها بحيض ولا طهر]
[الشرح] حديث حمنة صحيح سبق بيانه مع بيان اسمها وبيان الاختلاف في أنها كانت
مبتدأة أو معتادة والمبتدأة بهمزة مفتوحة بعد الدال وهي التي ابتدأها الدم ولم تكن رأته والمميزة
بكسر الياء فاعلة من التمييز وقوله كحيض نسائها ولداتها هو بكسر اللام وتخفيف الدال المهملة
وبالتاء المثناة فوق ومعناه أقرانها * أما أحكام المسألة فلما فرغ المصنف من حكم الحائض إذا لم يجاوز
دمها أكثر الحيض انتقل إلى بيان حكم المستحاضات وهن من جاوز دمهن أكثر الحيض واختلط
الحيض والطهر وهن منقسمات إلى هذه الأقسام التي ذكرها (إحداهن) المبتدأة وهي التي ابتدأها
الدم لزمان الامكان وجاور خمسة عشر وهو على لون أو على لونين ولكن فقد شرط من شروط
التمييز التي يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى ففيها قولان مشهوران نص عليهما الشافعي رحمه الله
397

في الأم في باب المستحاضة أحدهما حيضها يوم وليلة من أول الدم والثاني ستة أو سبعة ودليلهما في
الكتاب واختلفوا في أصحهما فصحح المصنف والشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب في كتابه
المستخص وسليم الرازي في رؤس المسائل والروياني في الحلية والشاشي وصاحب البيان قول الست
أو السبع وصحح الجمهور في الطريقين قول اليوم والليلة وممن صححه القاضي أبو حامد في جامعه
والشيخ أبو محمد الجويني والغزالي في الخلاصة والشيخ نصر المقدسي والبغوي والرافعي وآخرون
وقطع به جماعات من أصحاب المختصرات منهم ابن القاص في المفتاح والتلخيص وأبو عبد الله
الزبيري في الكافي وباب الحيض في آخر كتابه وله اصطلاح غريب في ترتيب كتابه وأبو الحسن
ابن خيران في كتابه اللطيف وسليم الرازي في الكفاية والمحاملي في المقنع والشيخ نصر في الكافي
وآخرون وهو نص الشافعي في البويطي ومختصر المزني واختاره ابن سريج وعلى القولين ابتداء
حيضها من أول رؤية الدم قال أصحابنا فإذا قلنا حيضها ست أو سبع فباقي الشهر طهر وهو تمام الدور
وهو ثلاثون يوما وهكذا يكون دورها أبدا ثلاثين منها ستة أو سبعة حيض والباقي طهر وان قلنا
حيضها يوم وليلة ففي طهرها ثلاثة أوجه هكذا حكاها امام الحرمين والغزالي وجماعات من الخراسانيين
أوجها وحكاها الشيخ أبو محمد في الفروق أقوالا أصحها وأشهرها أنه تسعة وعشرون يوما تمام الشهر
وبه قطع الشيخ أبو حامد والعراقيون وجماعات من الخراسانيين وصححه شيخهم القفال لان
الغالب أن الدور ثلاثون فإذا ثبت للحيض يوم وليلة تعين الباقي للطهر ولان الرد إلى يوم وليلة
في الحيض إنما كان للاحتياط فالاحتياط في الطهر أن يكون باقي الشهر والوجه الثاني ان الطهر
خمسة عشر يوما فيكون دورها ستة عشر يوما أبدا منها يوم وليلة حيض وخمسة عشر طهر لأنها
398

ردت إلى أقل الحيض وترد إلى أقل الطهر وهذا الوجه مشهور عند الخراسانيين ونقله القاضي
حسين والمتولي والبغوي وآخرون عن نصه في البويطي وكذا رأيته أنا في البويطي نصا صريحا
لا يحتمل التأويل وهذا في غاية الضعف قال امام الحرمين هذا الوجه اتباع لفظ واعراض عن
المعنى لان الرد إلى أقل الحيض إنما كان لتكثر صلاتها فإذا ردت إلى أقل الطهر عاجلها
الحيض فقلت صلاتها والوجه الثالث ترد إلى غالب الطهر واختاره الشيخ أبو محمد الجويني وقال إنه
المشهور من نص الشافعي ودليله أن مقتضى الدليل الرد إلى الغالب خالفنا في الحيض للاحتياط
وليس في أقل الطهر احتياط فبقيناه على مقتضى الدليل فعلى هذا يرد إلى الغالب من غالب الطهر
وهو ثلاثة وعشرون أو أربعة وعشرون ولا يتعين أحدهما هكذا صرح به الشيخ أبو محمد في
كتابه الفروق وامام الحرمين والغزالي في البسيط والرافعي وآخرون وقال الغزالي في الوسيط على
هذا ترد إلى أربعة وعشرين لأنه أحوط ونقله امام الحرمين عن والده أبي محمد والأول أصح والله أعلم *
قال أصحابنا العراقيون والمتولي وإذا قلنا ترد إلى ست أو سبع فهل ذلك على سبيل التخيير فيه
وجهان مشهوران عندهم وحكاهما القاضي أبو الطيب والمحاملي والشيخ نصر في الانتخاب وغيرهم
عن ابن سريج أحدهما انه للتخيير بين الست والسبع فإن شاءت جعلت حيضها ستا وإن شاءت
سبعا لان كل واحد منهما عادة وبهذا قطع الجرجاني في البلغة واختاره ابن الصباغ ونقله القاضي
أبو الطيب وغيره عن أبي إسحاق المروزي قال الرافعي وزعم الخياطي انه الأصح لظاهر الحديث
والوجه الثاني أنه ليس للتخيير بل للتقسيم فإن كانت عادة النساء ستا فحيضها ست وإن كانت
سبعا فسبع وهذا هو الصحيح وبه قطع جمهور الخراسانيين وصححه العراقيون والمتولي قال امام
الحرمين تخيل التخيير محال فعلى هذا في النساء المعتبرات أربعة أوجه أحدها نساء زمانها في الدنيا
كلها لظاهر حديث حمنة حكاه المصنف وآخرون والثاني نساء بلدها وناحيتها والثالث نساء
عصبتها خاصة حكاه الروياني والرافعي كالمهر والرابع وهو الأصح باتفاق الأصحاب نساء قراباتها
من جهة الأب والأم جميعا هكذا صرح به الصيدلاني وامام الحرمين والبغوي وبهذا الوجه قطع
399

البغوي وجماعات ونقله امام الحرمين عن الأكثرين فعلى هذا إن لم يكن لها نساء عشيرة اعتبر
نساء بلدها لأنها أقرب إليهن كذا صرح به البغوي والمتولي ثم إن كان عادة النساء المعتبرات
ستا فحيض هذه ست وإن كانت سبعا فسبع وإن كانت دون ست أو فوق سبع فوجهان حكاهما
البغوي وغيره أصحهما ترد إلى الست أن كانت عادتهن دونها والى السبع إن كانت فوقها لأنه أقرب
إلى الحديث وبهذا قطع الفوراني وامام الحرمين والغزالي وغيرهم وادعي الغزالي في البسيط
اتفاق الأصحاب عليه والثاني ترد إلى عادتهن زادت أو نقصت قال البغوي وهذا أقيس لأن الاعتبار
بالنساء ولو كان بعضهن يحضن ستا وبعضهن يحضن سبعا فقال امام الحرمين وآخرون
ترد إلى الست وقال البغوي والرافعي ان استوى البعضان فإلى الست والا فالاعتبار بغالب
النسوة ولو حاض بعضهن فوق سبع وبعضهن دون ست فحيضها الست هذا بيان مرد المبتدأة ثم
ما حكم بأنه حيض من يوم وليلة أو ست أو سبع فلها فيه حكم الحائض في كل شئ وما فوق
الخمسة عشر لها فيه حكم الطاهرات في كل شئ وأما ما بين المرد والخمسة عشر ففيه قولان
مشهوران في جميع كتب الأصحاب من العراقيين والخراسانيين وحكاهما صاحب الحاوي عن
الأم ونقله المصنف وشيخه القاضي أبو الطيب وجهين وأنكر ذلك عليهما أصحهما باتفاق الأصحاب
أن لها فيه حكم الطاهرات في كل شئ فيصح صومها وصلاتها وطوافها وتحل لها القراءة ومس
المصحف والجماع ولا يلزمها قضاء الصوم والصلاة وغيرهما مما تفعله فيه ويصح قضاء ما تقضيه فيه
من صلاة وصوم وطواف وغيرها لأن هذه فائدة الحكم بأن اليوم والليلة أو الست أو السبع
حيض ليكون الباقي طهرا وقياسا على المميزة والمعتادة فان ما سوى أيام تمييزها وعادتها يكون
طهرا بلا خلاف فكذا المبتدأة والثاني أنها تؤمر في هذه المدة بالاحتياط الذي تؤمر به المتحيرة كما سيأتي
إن شاء الله تعالى فتغتسل لكل صلاة وتصلي وتصوم ولا تقرأ ولا توطأ ويلزمها قضاء الصوم
الذي أدته في هذه الأيام ولا تقضي الصلوات المؤديات فيها بلا خلاف كذا صرح به الأصحاب
ونقل الاتفاق عليه الرافعي وغيره قالوا ولا يجئ فيه الخلاف في قضاء صلاة المتحيرة ودليل هذا
400

القول أن هذا الزمان يحتمل أنه طهر وأنه حيض فأشبهت المتحيرة والمذهب الأول ثم ظاهر كلام
الجمهور أنها إذا ردت إلى ست أو سبع كان ذلك حيضا بيقين وفيما وراءه القولان وقال المتولي يوم
وليلة من أول الست والسبع حيض بيقين وفيما بعده إلى تمام ست أو سبع القولان أحدهما أنه حيض
بيقين والثاني أنه حيض مشكوك فيه فيحتاط فيه فتغتسل وتقضى صلواته والصواب الأول قال أصحابنا
فإذا رددنا المبتدأة إلى يوم وليلة فلها ثلاثة أحوال حال طهر بيقين وهو ما بعد الخمسة عشر إلى آخر
الشهر وحال حيض بيقين وهو اليوم والليلة وحال طهر مشكوك فيه وهو ما بعد يوم وليلة إلى آخر خمسة عشر
وإن رددناها إلى ست أو سبع فلها أربعة أحوال حال طهر بيقين وهو ما بعد الخمسة عشر إلى آخر الشهر
وحال حيض بيقين وهو اليوم والليلة وحال حيض مشكوك فيه وهو ما بعد يوم وليلة إلى آخر ست
أو سبع وحال طهر مشكوك فيه وهو ما بعد ست أو سبع إلى آخر الخمسة عشر والله أعلم
(فرع) قال أصحابنا رحمهم الله إذا رأت المبتدأة الدم في أول أمرها أمسكت عن الصوم والصلاة
وغيرهما مما تمسك عنه الحائض رجاء أن ينقطع على خمسة عشر يوما فما دونها فيكون كله حيضا
فإذا استمر وجاوز الخمسة عشر علمنا أنها مستحاضة وفى مردها القولان فإذا استمر بها الدم في
الشهر الثاني وجب عليها الغسل عند انقضاء المرد وهو يوم وليلة أو ست أو سبع ولا تمسك إلى
آخر الخمسة عشر لأنا علمنا بالشهر الأول أنها مستحاضة فالظاهر أن حالها في هذا الشهر كحالها
في الأول وهكذا حكم الشهر الثالث وما بعده ومتى انقطع الدم في بعض الشهور لخمسة عشر فما
دونها تبينا أن جميع الدم في ذلك الشهر حيض فيتدارك ما ينبغي تداركه من صوم وغيره مما فعلته
بعد المرد وتبينا أن غسلها بعد المرد لم يصح لوقوعه في الحيض ولا اثم عليها فيما فعلته بعد المرد من
صوم وصلاة وغيرهما لأنها معذورة قال أصحابنا وتثبت الاستحاضة بمرة واحدة بلا خلاف ولا يجئ
فيها الخلاف المعروف في ثبوت العادة في قدر الحيض بمرة واحدة ونقل امام الحرمين والغزالي
وغيرهما العادة في باب الحيض أربعة أقسام أحدها ما يثبت فيه بمرة واحدة بلا خلاف وهو الاستحاضة
لأنها علة مزمنة فإذا وقعت فالظاهر دوامها ويبعد زوالها وسواء في هذا المبتدأة والمعتادة والمميزة
401

(الثاني) ما تثبت فيه العادة بمرتين وفى ثبوته بمرة واحدة وجهان الأصح الثبوت وهو قدر الحيض (الثالث)
لا تثبت بمرة ولا مرات على الأصح وهو التوقف بسبب تقطع الدم إذا كانت ترى يوما دما ويوما نقاء
كما سيأتي ايضاحه في موضعه إن شاء الله (الرابع) لا تثبت العادة فيه بمرة ولا مرات متكررات
بلا خلاف وهي المستحاضة إذا انقطع دمها فرأت يوما دما ويوما نقاء واستمرت لها أدوار هكذا ثم أطبق
الدم على لون واحد فإنه لا يلتقط لها قدر أيام الدم بلا خلاف وان قلنا باللقط لو لم يطبق الدم قالوا
وكذا لو ولدت مرات ولم تر نفاسا أصلا ثم ولدت وأطبق الدم وجاوز ستين يوما لم يصر عدم النفاس
عادة بلا خلاف بل هذه مبتدأة في النفاس والله أعلم *
(فرع) إذا لم تعرف المبتدأة وقت ابتداء دمها فحكمها حكم المتحيرة ذكره الرافعي وهو ظاهر
(فرع) في مذاهب العلماء في المبتدأة: حكي العبدري عن زفر ترد إلى يوم وليلة وهي رواية
عن أحمد وقال عطاء والأوزاعي والثوري واسحق إلى ست أو سبع وهي رواية عن أحمد وعن
أبي حنيفة إلى أكثر الحيض عنده وهو عشرة أيام وعن أبي يوسف ترد في إعادة الصلاة إلى
ثلاثة أيام وهو أقل الحيض عنده وفى الوطئ إلى أكثره احتياطا للامرين وعن مالك رواية خمسة
عشر يوما ورواية كأقرانها وعن داود إلى خمسة عشر ودلائلها تعرف مما سبق والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
[وإن كانت مبتدأة مميزة هي والتي بدأ بها الأم وعبر الخمسة عشر ودمها في بعض الأيام
بصفة دم الحيض وهو المحتدم ألقاني الذي يضرب إلى السواد وفى بعضها أحمر مشرق أو أصفر
فان حيضها أيام السواد بشرطين (أحدهما) ألا ينقص الأسود عن يوم وليلة والثاني ألا يزيد
على أكثره والدليل عليه ما روى أن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها قالت لرسول الله
صلى الله عليه وسلم اني أستحاض أفأدع الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم (ان دم الحيض أسود
يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة وإذا كان الآخر فتوضئ وصلي فإنما هو عرق) ولأنه
خارج يوجب الغسل فجاز أن يرجع إلى صفته عند الاشكال كالمني وان رأت في الشهر الأول يوما
402

وليلة دما أسود ثم أحمر أو أصفر أمسكت عن الصوم والصلاة لجواز أن لا تجاوز الخمسة عشر
فيكون الجميع حيضا وفى الشهر الثاني يلزمها أن تغتسل عند تغير الدم وتصلى وتصوم لأنا علمنا
بالشهر الأول أنها مستحاضة فان رأت في الشهر الثالث السواد في ثلاثة أيام ثم أحمر أو أصفر وفى
الشهر الرابع رأت السواد في أربعة أيام ثم أحمر أو أصفر كان حيضها في كل شهر الأسود] *
[الشرح] حديث فاطمة رضي الله عنها صحيح رواه أحمد بن حنبل وأبو داود والنسائي
وغيرهم بلفظه هنا بأسانيد صحيحة من رواية فاطمة وأصله في البخاري ومسلم بغير هذا اللفظ من
رواية عائشة رضي الله عنها وقوله صلى الله عليه وسلم (إنما هو عرق) هو بكسر العين واسكان الراء أي دم عرق
وهذا العرق يسمى العاذل؟؟ كما سبق في أول الباب وقول امام الحرمين والغزالي عرق انقطع منكر
فلا يعرف لفظة انقطع في الحديث وقوله المحتدم هو بالحاء والدال المهملتين وهو اللذاع للبشرة بحدته مأخوذ
من احتدام النهار وهو اشتداد حره وهكذا فسره أصحابنا في كتب الفقه والمشهور في كتب اللغة أن
المحتدم الذي اشتدت حمرته حتى اسود والفعل منه احتدم واما القانئ فبالقاف وآخره همزة على ورن
القارئ قال أصحابنا وهو الذي اشتدت حمرته فصار يضرب إلى السواد وقال أهل اللغة هو الذي
اشتدت حمرته والفعل منه قنأ يقنأ كقرأ يقرأ والمصدر القنوء كالرجوع ولا خلاف بين أهل اللغة في أن
آخره مهموز ونبهت على هذا لأني رأيت من يغلط فيه قال امام الحرمين وغيره وليس المراد
بالأسود في الحديث وفى كلام أصحابنا الأسود الحالك بل المراد ما تعلوه حمرة مجسدة كأنها سواد
بسبب تراكم الحمرة وقد أشار المصنف في وصفه إلى هذا * امام أحكام الفصل فمذهبنا ان المبتدأة المميزة
ترد إلى التمييز بلا خلاف عندنا ودليله ما ذكره المصنف قال أصحابنا والمميزة هي التي ترى الدم على
نوعين أو أنواع بعضها قوى وبعضها ضعيف أو بعضها أقوى من بعض فالقوي أو الأقوى حيض والباقي
طهر وبماذا يعرف تغير القوة والضعف فيه وجهان أحدهما ان الاعتبار باللون وحده فالأسود قوى بالنسبة
إلى الأحمر والأحمر قوى بالنسبة إلى الأشقر والأشقر أقوى من الأصفر والأكدر إذا جعلناهما حيضا
وبهذا الوجه قطع امام الحرمين والغزالي وادعي الامام انه متفق عليه وقال لو رأت خمسة سوادا مع الرائحة
وخمسة سوادا بلا رائحة فهما دم واحد بالاتفاق والوجه الثاني ان القوة تحصل بثلاث خصال وهي
403

اللون والرائحة الكريهة والثخانة فاللون معتبر كما سبق وماله رائحة كريهة أقوى مما لا رائحة له والثخين
أقوى من الرقيق قال الرافعي هذا الوجه هو الذي قطع به العراقيون وغيرهم قال وهو الأصح الا ترى ان
الشافعي رحمه الله قال في صفة دم الحيض انه محتدم ثخين له رائحة وورد في الحديث التعرض لغير اللون كما ورد
التعرض للون فعلى هذا إن كان بعض دمها بإحدى الصفات الثلاث والبعض خاليا من جميعها
فالقوي هو الموصوف بها وإن كان للبعض صفة وللبعض صفتان فالقوي ماله صفتان وإن كان للبعض
صفتان وللبعض ثلاث فالقوي ماله ثلاث وإن كان للبعض صفة وللبعض صفة أخرى فالقوي السابق
هكذا ذكر هذا التفصيل صاحب التتمة قال الرافعي وهو موضع تأمل وهذه صفة التمييز قال أصحابنا وإنما
يحكم بالتمييز بثلاثة شروط الا ينقص القوى عن يوم وليلة ولا يزيد على خمسة عشر ولا ينقص الضعيف
عن خمسة عشر ليمكن جعل القوى حيضا والضعيف طهرا واخل المصنف وأكثر العراقيين بهذا
الشرط الثالث ولابد منه فلو رأت نصف يوم أسود ثم أطبقت الحمرة فات الشرط الأول ولو رأت ستة
عشر اسود ثم احمر فات الشرط الثاني ولو رأت يوما وليلة اسود ثم أربعة عشر أحمر ثم عاد الأسود فات
الشرط الثالث وتكون في هذه الصور الثلاث غير مميزة قال الرافعي وقول الأصحاب بشرط أن لا ينقص
الضعيف عن خمسة عشر أرادوا خمسة عشر متصلة والا فلو رأت يوما أسود ويومين أحمر وهكذا ابدا فجملة
الضعيف في الشهر لم ينقص عن خمسة عشر لكن لما لم تكن متصلة لم يكن ذلك تمييزا وهذا الذي ذكرناه
من أن شروط التمييز ثلاثة فقط هو الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور وذكر المتولي شرطا رابعا وهو
أن لا يزيد مجموع الدمين القوى والضعيف على ثلاثين يوما فان زاد سقط حكم التمييز لان الثلاثين لا تخلو
غالبا من حيض وطهر وذكر امام الحرمين وغيره وجها أن الضعيف إن كان مع القوي الذي قبله تسعين
يوما فما دونها عملنا بالتمييز وجعلنا الضعيف طهرا فان جاوز التسعين ابتدأت بعد التسعين حيضة
أخرى وجعلنا دورها أبدا تسعين يوما وهذا الذي ذكره الامام المتولي شاذان ضعيفان والمذهب
أنه لا فرق بين قصر الزمان وطوله قال الرافعي المذهب أنه لا فرق والله أعلم * قال أصحابنا فإذا رأت الأسود
يوما وليلة أو أكثر ثم اتصل به أحمر قبل الخمسة عشر وجب عليها أن تمسك في مدة الأحمر عما تمسك
عنه الحائض لاحتمال أن ينقطع الأحمر قبل مجاوزة المجموع خمسة عشر فيكون الجميع حيضا فان جاوز
404

خمسة عشر عرفنا حينئذ أنها مستحاضة مميزة فيكون حيضها الأسود ويكون الأحمر طهرا بالشروط
السابقة فعليها الغسل عقب الخمسة عشر وتصلي وتصوم وتقضي صلوات أيام الأحمر وقولهم الأسود
والأحمر تمثيل والا فالاعتبار بالقوى والضعيف كيف كان على ما سبق من صفاتهما هذا حكم الشهر الأول
فاما الشهر الثاني وما بعده فإذا انقلب الدم القوى إلى الضعيف لزمها أن تغتسل عند انقلابه وتصلي
وتصوم ويأتيها زوجها ولا ينتظر الخمسة عشر قال أصحابنا وهذا لا خلاف فيه قالوا ولا يخرج على
الخلاف في ثبوت العادة في قدر الحيض بمرة لان الاستحاضة علة مزمنة فالظاهر دوامها وقد سبق بيان
هذا في الفرع السابق فان انقطاع الضعيف في بعض الأدوار قبل مجاوزة الخمسة عشر يوما تبينا
أن الضعيف مع القوى في هذا الدور كان حيضا فيلزمها قضاء الصوم والطواف والاعتكاف الواجبات
المفعولات في أيام الضعيف وهذا لا خلاف فيه: ولو رأت في الشهر الثالث الدم القوى ثلاثة أيام ثم ضعف
وفى الشهر الرابع خمسة ثم ضعف وفى الخامس ستة ثم ضعف وكذا ما بعده فحيضها في كل شهر القوى
ويكون الضعيف طهرا بشروطها وتغتسل وتصلي وتصوم ابدا عند انقلاب الدم إلى الضعيف ويأتيها
زوجها ومتى انقطع الضعيف في شهر قبل مجاوزة خمسة عشر فالجميع حيض قال صاحب التتمة والأصحاب
وسواء في هذا كله كان القوى في الشهر الثاني وما بعده بقدر القوى في الشهر الأول أو دونه
أو أكثر منه في ذلك الزمان أو قبله أو بعده لان الحكم بكونه حيضا ليس بسبب العادة بل المعتمد
صفة الدم فمتى وجدت تعلق الحكم بها * قال المصنف رحمه الله تعالى *
[وان رأت خمسة أيام دما أحمر أو أصفر ثم رأت خمسة أيام دما أسود ثم أحمر إلى آخر الشهر فالحيض
هو الأسود وما قبل الأسود وبعده استحاضة وخرج أبو العباس وجهين ضعيفين أحدهما أنه لا تمييز
لها لان الخمسة الأولى دم بدأ في وقت يصلح أن يكون حيضا والخمسة الثانية أولى أن تكون حيضا
لأنها في وقت يصلح للحيض وقد انضم إليه علامة الحيض وما بعدهما بمنزلتهما فيصير كان الدم كله
مبهم فيكون على القولين في المبتدأة غير المميزة والوجه الثاني أن حيضها العشر الأول لان الخمسة الأولة
حيض بحكم البداية في وقت يصلح أن يكون حيضا والخمسة الثانية حيض باللون وان رأت خمسة
أيام دما أحمر ثم رأت دما اسود إلى آخر الشهر فهي غير مميزة لان السواد زاد على الخمسة عشر فبطل
دلالته فيكون على القولين في المبتدأة غير المميزة وخرج أبو العباس وجها أن ابتداء حيضها من
405

أول الأسود اما يوم وليلة واما ست أو سبع لأنه بصفة دم الحيض وهذا لا يصح لان هذا اللون لا
حكم له إذا عبر الخمسة عشر وان رأت خمسة عشر يوما دما أحمر وخمسة عشر يوما أسود وانقطع
فحيضها الأسود وان استمر الأسود ولم ينقطع لم تكن مميزة فيكون حيضها من ابتداء الدم يوما وليلة
في أحد القولين أو ستا أو سبعا في القول الآخر وعلى الوجه الذي خرجه أبو العباس يكون حيضا
من أول الأسود يوما وليلة أو ستا أو سبعا] *
[الشرح] قوله الأولة هذه لغة قليلة واللغة الفصيحة المشهورة الأولى وقوله كأن الدم كله
مبهم أي على لون واحد: وقوله بحكم البداية هكذا يوجد في المهذب وغيره من كتب الفقه وهو لحن
عند أهل العربية وصوابه البدأة والبدأة أو البداءة ثلاث لغات مشهورات حكاهن الجوهري
وغيره الأولى بفتح الباء واسكان الدال وبعدها همزة مفتوحة والثانية كذلك إلا أن الباء
مضمومة والثالثة بضم الباء وفتح الدال وزيادة الألف ممدودة ومعناهن الابتداء قبل غيره: وقوله
دلالته هي بكسر الدال وفتحها والفتح أجود وفيها لغة ثالثة حكاها الجوهري دلولة بضم الدال *
أما أحكام الفصل فإذا رأت المميزة دما قويا وضعيفا فلها ثلاثة أحوال حال يتقدم القوى وحال
يتقدم الضعيف وحال يتوسط الضعيف بين قويين (الحال الأول) أن يتقدم قوى ويستمر بعده
ضعيف واحد بأن رأت خمسة سوادا ثم أطبقت احمرة فالحيض هو السواد سواء انقطعت الحمرة
بعد مجاوزة الخمسة عشر بيوم أو شهر أو أكثر وان طال زمانها طولا كثيرا هذا هو المذهب
وفيه الوجهان السابقان عن المتولي وامام الحرمين في اشتراط انقطاع الأحمر قبل مجاوزة ثلاثين
أو تسعين وهما شاذان ضعيفان وظاهر نص الشافعي رحمه الله يبطلهما لاطلاقه أن الضعيف
طهر ولو تعقب القوى ضعيف ثم أضعف فان أمكن الجمع بين القوى والضعيف المتوسط بأن رأت
خمسة سوادا ثم خمسة حمرة ثم أطبقت الصفرة ففيه طريقان حكاهما امام الحرمين وجماعة أصحهما
الحاق الحمرة بالسواد فيكونا حيضا والصفرة طهرا لأنهما قويان بالنسبة إلى الصفرة وهما في زمن الامكان
وبهذا قطع أبو علي السنجي في شرح التلخيص والبغوي والثاني على وجهين أحدهما هذا والثاني
الحاق الحمرة بالصفرة للاحتياط فيكون حيضها الأسود فقط وأما إذا لم يمكن الجمع بينهما بأن رأت
خمسة سوادا ثم أحد عشر حمرة ثم أطبقت الصفرة فطريقان حكاهما امام الحرمين وغيره أصحهما
406

وأشهرهما القطع بأن السواد حيض وما بعده من الحمرة والصفرة كلاهما طهر لقوة السواد باللون
والأولية والثاني على وجهين أصحهما هذا والثاني أنها فاقدة للتمييز لان الحمرة كالسواد لقوتها
بالنسبة إلى ما بعدها فيصير كأن السواد استمر ستة عشر أما إذا تعقب القوي ضعيفان توسط
أضعفهما بأن رأت سوادا ثم صفرة ثم حمرة فهذه الصورة تبنى على التي قبلها وهي توسط الحمرة فان
ألحقنا هناك الحمرة المتوسطة بالصفرة بعدها فهنا أولى بأن نلحق الصفرة بالحمرة بعدها فيكون
حيضها الأسود والباقي طهر وان ألحقناها بالسواد قبلها فالحكم هنا كما إذا رأت سوادا ثم حمرة
ثم عاد السواد وسنذكره إن شاء الله تعالى (الحال الثاني) أن يتقدم الضعيف وهي مسائل الكتاب
ولها صور إحداها أن يتوسط قوى بين ضعيفين بأن ترى خمسة حمرة ثم خمسة سوادا ثم تطبق
الحمرة أو ترى خمسة حمرة ثم عشرة سوادا ثم تطبق الحمرة ففيها الأوجه الثلاثة التي حكاها
المصنف وهي مشهورة حكوها عن ابن سريج أصحها باتفاقهم أن حيضها السواد المتوسط ويكون
ما قبله وبعده طهرا للحديث (دم الحيض أسود) وهو حديث صحيح كما بيناه ولان اللون علامة
بنفسه فقدم ولهذا قدمنا التمييز على العادة على المذهب والثاني أنها فاقدة للتمييز لما ذكره المصنف
من التعليل ولان الجمع بين الدمين خلاف مقتضي العمل بالتمييز والعدول عن الأولية مع امكان
العمل بها بعيد فيكون على القولين في المبتدأة فتحيض من أول الحمرة يوما وليلة في قول وستا
وسبعا في قول والثالث يجمع بين الأولية واللون فيكون حيضها الحمرة الأولى مع السواد هذا
إذا أمكن الجمع بينهما فإن لم يمكن بأن رأت خمسة حمره ثم أحد عشر سوادا فان قلنا في المسألة
407

الأولى يقدم اللون أو قلنا فاقدة للتمييز فكذا هنا وان قلنا بالجمع فهو متعذر هنا فتكون فاقدة
للتمييز وفيه وجه مشهور أن حيضها الحمرة الأولى تغليبا للأولية لتعذر الجمع قال امام الحرمين هذا
الوجه هفوة لا أعده من المذهب هذا الذي ذكرناه من التفصيل والخلاف هو المشهور وبه قطع
الجمهور وقال صاحب الحاوي إن كانت مبتدأة فحيضها السواد بلا خلاف وإن كانت معتادة
فوجهان قال أبو العباس وأبو علي حيضها الحمرة وقال أبو إسحاق وجمهور المتأخرين حيضها السواد
وحده (الصورة الثانية) رأت خمسة حمرة ثم أطبق السواد فجاوز الخمسة عشر فثلاثة أوجه الصحيح
المشهور أنها فاقدة للتمييز فتحيض من أول الحمرة يوما وليلة في قول وستا أو سبعا في قول وبهذا
الوجه قطع البغوي وادعي الاتفاق عليه والثاني الحيض من أول السواد يوما وليلة في قول وستا
أو سبعا في قول وهذان الوجهان ذكرهما المصنف بدليلهما والثالث حكاه الخراسانيون حيضها
الحمرة لقوة الأولية وهو ضعيف جدا كما قدمناه الثالثة رأت خمسة عشر حمرة ثم خمسة عشر سوادا
وانقطع فالمذهب أن حيضها السواد وعلى تخريج ابن سريج هي فاقدة للتمييز ولم يذكر المصنف
تخريج ابن سريج هنا كما لم يذكره شيخه القاضي أبو الطيب ولا بد من ذكره هنا كما سبق فيما
إذا رأت خمسة حمرة ثم خمسة سوادا وقد ذكره هنا الشيخ أبو محمد والمحاملي والبغوي وآخرون
الرابعة رأت خمسة عشرة حمر ثم خمسة عشر سوادا ثم استمر السواد فهي فاقدة للتمييز فحيضها
يوما وليلة في قول وستا أو سبعا في قول ويكون ذلك من أول الأحمر على المذهب وعلى تخريج
ابن سريج من أول الأسود وعلى الوجه الشاذ الناظر إلى الأولية يكون حيضها الحمرة في الخمسة
408

عشر فعلى المذهب وهو أنها فاقدة للتمييز تؤمر بترك الصوم والصلاة وغيرهما مما تمسك عنه
الحائض أحدا وثلاثين يوما في قول وستة وثلاثين أو سبعة وثلاثين يوما في قول فإنها إذا رأت
الحمرة تؤمر بالامساك عن الصلاة وغيرها لاحتمال الانقطاع قبل تجاوز خمسة عشر فيكون هو الحيض
فإذا جاوز الأسود الخمسة عشر علمنا أنها فاقدة للتمييز فيكون حيضها يوما وليلة في قول وستا
أو سبعا في قول وقد انقضى الآن دورها فتبتدئ الآن حيضا ثانيا يوما وليلة أو ستا أو سبعا
فتمسك أيضا ذلك القدر فصار امساكها أحدا وثلاثين يوما في قول وستة وثلاثين أو سبعة
وثلاثين في قول قال أصحابنا ولا يعرف امرأة تؤمر بترك الصلاة أحدا وثلاثين يوما الا هذه وأما قول
الغزالي وجماعة لا يعرف من تترك الصلاة شهرا الا هذه ففيه نقص وتمامه ما ذكرناه (الحال الثالث) أن
يتوسط دم ضعيف بين قويين بان رأت سوادين بينهما حمرة أو صفرة ففيه أقسام كثيرة رتبها
صاحب الحاوي ترتيبا حسنا فجعله ثمانية أقسام وبعضها ليس من صور التمييز لكن اقتضاه التقسيم
أحدها أن يبلغ كل واحد من الدماء الثلاثة يوما وليلة ولا يجاوز الجميع خمسة عشر بان تري خمسة سوادا
ثم خمسة حمرة أو صفرة ثم خمسة سوادا فالمذهب ان الجميع حيض وبه قطع الجمهور وقال أبو إسحاق
الضعيف المتوسط كالنقاء المتخلل بين دمى الحيض ففيه القولان أحدهما انه حيض مع السوادين
والثاني طهر وقطع السرخسي في الأمالي بقول أبى اسحق القسم الثاني أن يجاوز المجموع خمسة عشر
بان رأت سبعة سوادا ثم سبعة حمرة ثم سبعة سوادا قال ابن سريج حيضها السواد الأول مع الحمر
وأما السواد الثاني فطهر وقال أبو إسحاق حيضها السوادان. وتكون الحمرة بينهما طهرا ولا يجئ قولا
التلفيق لمجاوزة خمسة عشر وهذا الذي حكاه عن أبي إسحاق ضعيف جدا بل غلط لان الدم جاوز
خمسة عشر ولو رأت ثمانية سوادا ثم ثمانية حمرة ثم ثمانية سوادا فحيضها السواد الأول بالاتفاق: الثالث
ان ينقص الجميع عن يوم وليلة بان ترى ساعة أسود ثم ساعة أحمر ثم ساعة اسود وينقطع فالجميع دم
فساد الرابع أن ينقص كل دم عن أقل الحيض ويبلغه المجموع بان ترى ثلث يوم وليلة سوادا ثم ثلثهما
409

حمرة ثم ثلثهما سوادا فعي قول ابن سريج وهو المذهب الجميع حيض وعلى قول أبى اسحق لا حيض
والجميع دم فساد لأنه يخرج الحمرة فلا يبقى يوم وليلة فلو رأت نصف يوم وليلة من كل واحد من الثلاثة
كان الجميع حيضا عند ابن سريج وعلى قول أبي الاسحق الأسودان حيض وفى الحمرة قولا التلفيق الخامس
أن يبلغ كل واحد من السوادين يوما وليلة وتنقص الحمرة فعند ابن سريج الجميع حيض عند أبي واسحق
حيضها السوادان وفى الحمرة قولا التلفيق ولو رأت ثمانية أيام سوادا ثم نصف يوم حمرة ثم سبعة سوادا فعلى
قول ابن سريج حيضها السواد الأول مع الحمرة وعلى قول أبي إسحاق حيضها الخمسة عشر السواد دون الحمرة
بينهما (قلت) هذا الذي نقله عن أبي إسحاق ضعيف أو غلط: السادس أن ينقص كل سواد عن يوم وليلة وتبلغ
الحمرة يوما وليلة بان ترى نصف يوم وليلة سوادا ثم خمسة حمرة ثم نصف يوم وليلة سوادا فعند ابن
سريج الجميع حيض وعند أبي إسحاق حيضها الأسودان وفيما بينهما قولا التلفيق: السابع أن يبلغ السواد
الأول أقل الحيض وكذا الأحمر وينقص السواد الأخير عن ذلك بان رأت خمسة سوادا
ثم خمسة حمرة ثم نصف يوم سوادا فالجميع حيض بالاتفاق الثامن أن ينقص الأولان دون الأخير
بان ترى نصف يوم سوادا ثم نصفه حمرة ثم خمسة سوادا فعلى قول ابن سريج الجميع حيض وعلى
قول أبي إسحاق حيضها السواد الثاني ولو رأت نصف يوم سوادا ثم نصفه حمرة ثم خمسة عشر
سوادا فالسواد الثاني هو الحيض بالاتفاق هذا آخر كلام صاحب الحاوي والله أعلم
410

(فرع) الصفرة والكدرة مع السواد كالحمرة مع السواد إذا قلنا بالمذهب أنهما في أيام الحيض
حيض ولا يخفى تفريع أبي سعيد الإصطخري فيهما وسبق في مسائل الصفرة تفريعات لها
تعلق بهذا الفصل *
(فرع) رأت خمسة عشر حمرة ثم نصف يوم سوادا فحيضها الحمرة وأما الأسود فطهر ولو رأت
يوما حمرة ثم ليلة سوادا فالجميع حيض على المذهب وفيه الوجه الذي سبق عن صاحب الحاوي
في المبتدأة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله تعالى *
[وان رأت ستة عشر يوما دما أحمر ثم رأت دما أسود وانفصل لم يكن لها تمييز فيكون
حيضها يوما وليلة في أول الدم الأحمر في أحد القولين وستا أو سبعا في الآخر وقال أبو العباس
يكون حيضها يوما وليلة من أول الأحمر وخمسة عشر طهرا وتبتدئ من أول الدم الأسود حيضا
آخر في أحد القولين يوما وليلة وفى القول الثاني يجعل حيضها ستا أو سبعا والباقي استحاضة
إلا أن يكون الأسود في الثالث والعشرين] *
[الشرح] هكذا توجد هذه المسألة في نسخ المهذب وحكى بعض المتأخرين أنه رأي أصل
المصنف وقد ضرب المصنف بخطه على قوله إلا أن يكون الأسود في الثالث والعشرين فهذه المسألة
معدودة من مشكلات المهذب ولا أراها من المشكلات فأما على المذهب وهو أنه لا تمييز لها
وان حيضها من أول الأحمر يوم وليلة أو ست أو سبع وباقي الشهر طهر فظاهر لا اشكال فيه وأما
على قول أبي العباس فيحتمل أمرين أظهرهما ان معناه أنا ان قلنا المبتداة ترد إلى يوم وليلة فحيض
هذه يوم وليلة من أول الأحمر وباقي الأحمر وهو خمسة عشر طهر ثم تبتدئ حيضا آخر من أول
الأسود يوما وليلة هذا كله إذا قلنا المبتدأة ترد إلى يوم وليلة فان قلنا ترد إلى ست أو سبع فحيضها
411

من أول الأحمر ست أو سبع وباقي الشهر طهر لان الباقي من الأحمر تسعة أيام أو عشرة فلا يمكن
أن يجعل طهرا فاصلا بين الحيضتين فتعين أن يكون ما بعد الست أو السبع إلى آخر الشهر طهرا
إلا أن تكون رأت اثنين وعشرين يوما دما أحمر واتصل الأسود من الثالث والعشرين فيكون
حيضها من أول الأحمر ستا أو سبعا والباقي من الأحمر وهو خمسة عشر أو ستة عشر طهر وتبتدئ
حيضا آخر من أول الثالث والعشرين ستا أو سبعا وتقدير كلام المصنف وقال أبو العباس يكون
حيضها يوما وليلة من أول الأحمر وخمسة عشر طهر: هذا أحد القولين والقول الثاني حيضها ست
أو سبع وباقي الشهر طهر إلا أن يكون الأحمر قد امتد وبدا السواد في الثالث والعشرين فيكون
باقي الأحمر طهرا وتبتدئ من الأسود حيضا آخر ستا أو سبعا هذا هو الاحتمال الظاهر المختار
لكلام أبي العباس والاحتمال الثاني وهو الذي ذكره صاحب البيان في مشكلات المهذب ونقله
صاحب البحر عن أبي العباس أنه أراد أنا نحيضها من أول الأحمر يوما وليلة قولا واحدا ولا يجئ
قول الست أو السبع ويكون باقي الأحمر طهرا ثم تبتدئ حيضا آخر من أول السواد وفى قدره
القولان في المبتدأة أحدهما يوم وليلة والثاني ست أو سبع إلا أن يكون الأحمر اثنين وعشرين
والأسود في الثالث والعشرين فان في القدر الذي ترد إليه من أول الأحمر القولين أحدهما يوم
وليلة والثاني ست أو سبع وباقي الأحمر طهر ثم تبتدئ من أول الأسود حيضا آخر وهذان
الاحتمالان ذكرهما صاحب البيان وجهين عن أبي العباس والأول منهما هو الصحيح والثاني ضعيف
لأنه مخالف للقواعد من وجهين أحدهما الجزم برد المبتدأة إلى يوم وليلة والقاعدة أنها على قولين
والثاني أنه جعل لها حيض من أول الأحمر وطهر بعده ثم جعلت في السواد مبتدأة وينبغي أن
تجعل معتادة إذا قلنا بالمذهب أن العادة تثبت بمرة فإنه سبق لها دور هو ستة عشر يوما منها يوم
وليلة حيض وخمسة عشر طهر وذكر القاضي أبو الطيب هذه المسألة في تعليقه فقال قال أبو العباس
ان قلنا ترد المبتدأة إلى يوم وليلة رددنا هذه إلى يوم وليلة من أول الأحمر ويكون بعده خمسة
412

عشر طهرا ثم تبتدئ حيضا آخر من أول الأسود وان قلنا ترد إلى ست أو سبع ردت هنا
إلى ذلك من أول الأسود لأنا لو جعلنا ذلك من أول الأحمر لم يبق بينه وبين الأسود طهر
صحيح إلا أن يكون استمر الأسود إلى آخر الثاني والعشرين فإنها ترد إلى أول الأحمر لأنه يجعل
بعده طهر صحيح هذا كلام القاضي ويمكن حمل حكاية المصنف عليه والله أعلم *
(فرع) رأت خمسة حمرة خمسة سوادا ثم خمسة حمرة وانقطع فالجميع حيض وليست مستحاضة هذا
هو المذهب وبه قطع الأصحاب وفيه وجه حكاه البغوي ان الحمرة السابقة طهر والباقي حيض
وقد سبقت المسألة ولو رأت خمسة حمرة ثم نصف يوم سوادا ثم أطبقت الحمرة فلا تمييز لها ولو رأت
نصف يوم سوادا ثم نصفه حمرة ثم اليوم الثاني والثالث والرابع والخامس كذلك ثم رأت السادس
سوادا كله ثم أطبقت حمرة وجاوز خمسة عشر فما بعد السادس طهر والسادس حيض وما قبله من
السواد حيض أيضا وفى الحمرة المتخللة طريقان حكاهما المحاملي في المجموع وصاحب البيان أحدهما
413

حيض وهو قول ابن سريج والثاني أنها على القولين في النقاء المتخلل بين الدماء ولو رأت يوما وليلة
سوادا ثم خمسة أو عشرة أو ثلاثة عشر حمرة ثم يوما سوادا ثم أطبقت الحمرة فحكمه ما ذكرناه
وهو ان السوادين حيض وفى الحمرة المتخللة الطريقان وما بعد السواد الثاني طهر
(فرع) قال امام الحرمين في آخر باب الحيض لو رأت دما قويا يوما وليلة فصاعدا ولم يتجاوز
خمسة عشر ثم اتصل به الضعيف وتمادى سنة مثلا ولم يعد الدم القوى أصلا فالذي يقتضيه
قياس التمييز أنها طاهر وان استمر الضعيف سنين قال وقد يختلج في النفس استبعاد الحكم
بطهارتها وهي ترى الدم دائما ولكن ليس لأكثر الطهر مرد يتعلق به فلم يبق ضبط الا
بالتمييز فظاهر القياس انها طاهر وان بلغ الدم الضعيف ما بلغ وهذا الذي قاله الامام متعين وهو
مقتضى كلام الأصحاب
(فرع) قال الرافعي المفهوم من كلام الأصحاب في انقلاب الدم القوى إلى الضعيف ان يتمحض
414

ضعيفا حتى لو بقيت خطوط من السواد وظهرت خطوط من الحمرة لا ينقطع حكم الحيض وإنما ينقطع
إذا لم يبق شئ من السواد أصلا وقد صرح بهذا المفهوم امام الحرمين رحمه الله *
* قال المصنف رحمه الله *
[وإن كانت معتادة غير مميزة وهي التي كانت تحيض من كل شهر أيام ثم عبر الدم عادتها
وعبر الخمسة عشر ولا تمييز لها فإنها لا تغتسل بمجاوزة الدم عادتها لجواز أن ينقطع الدم لخمسة عشر
فإذا عبر الخمسة عشر ردت إلى عادتها فتغتسل بعد الخمسة عشر وتقضي صلاة ما زاد على عادتها:
لما روي أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتت لها أم سلمة
رضي الله عنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن
يصيبها الذي أصابها فلتدع الصلاة قدر ذلك]
[الشرح] حديث أم سلمة صحيح رواه مالك في الموطأ والشافعي واحمد في مسندهما وأبو داود
والنسائي وابن ماجة في سننهم بأسانيد صحيحة على شرط البخاري ومسلم وقولها تهراق الدم بضم
التاء وفتح الهاء أي تصب الدم والدم منصوب على التشبيه بالمفعول به أو على التمييز على مذهب
الكوفيين: وقوله صلى الله عليه وسلم (فلتدع) يحوز في هذه اللام وشبهها من لامات الامر التي يتقدمها
فاء أو واو ثلاثة أوجه كسرها واسكانها وفتحها والفتح غريب * اما أحكام المسألة فإذا كان لها عادة
دون خمسة عشر فرأت الدم وجاوز عادتها وجب عليها الامساك كما تمسك عنه الحائض لاحتمال
415

الانقطاع قبل مجاوزة خمسة عشر فيكون الجميع حيضا ولا خلاف في وجوب هذا الامساك وقد سبق
في المبتدأة وجه شاذ أنه لا يجب الامساك واتفقوا أنه لا يجئ هنا لان الأصل استمرار الحيض هنا
ثم إن انقطع على خمسة عشر يوما فما دونها فالجميع حيض وان جاوز خمسة عشر علمنا أنها مستحاضة
فيجب عليها أن تغتسل ثم إن كانت غير مميزة ردت إلى عادتها فيكون حيضها أيام العادة في القدر
والوقت وما عدا ذلك فهو طهر تقضي صلاته قال أصحابنا وسواء كانت العادة أقل الحيض والطهر
أو غالبهما أو أقل الطهر وأكثر الحيض أو غير ذلك وسواء قصرت مدة الطهر أو طالت طولا
متباعدا فترد في ذلك إلى ما اعتادته من الحيض والطهر ويكون ذلك دورها أي قدر كان فإن كان
عادتها أن تحيض يوما وليلة وتطهر خمسة عشر ثم يعود الحيض في السابع عشر والطهر في الثامن
عشر وهكذا فدورها ستة عشر يوما وإن كانت تحيض خمسة وتطهر خمسة عشر فدورها عشرون
وإن كانت تحيض خمسة عشر وتطهر خمسة عشر فدورها ثلاثون وإن كانت تحيض يوما وتطهر تسعة
وثمانين فدورها تسعون يوما وإن كانت تحيض يوما أو خمسة أو خمسة عشر وتطهر تمام سنة فدورها
سنة وكذا إن كانت تطهر تمام سنتين فدورها سنتان وكذا إن كانت تطهر تمام خمس سنين فدورها
خمس سنين وكذا ان زاد وهذا الذي ذكرناه من أن الدور قد يكون سنة أو سنتين أو خمس
سنين أو أكثر وترد إليه هو الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور وممن صرح به الشيخ أبو حامد
في تعليقه والمحاملي في المجموع وصاحب التتمة وآخرون وقال القفال لا يجوز عندي أن يجعل الدور
سنة ونحوها إذ يبعد الحكم بالطهر سنة أو نحوها مع جريان الدم قال فالوجه أن يجعل غاية الدور
تسعين يوما الحيض منها ما يتفق والباقي طهر لان الشرع جعل عدة الآيسة ثلاثة أشهر: هذا قول
القفال وتابعه عليه امام الحرمين والغزالي وصاحب العدة وآخرون من متأخري الخراسانيين
فالمذهب ما قدمته عن الجمهور وقال الرافعي ظاهر المذهب أنه لا فرق بين أن تكون عادتها ان تحيض
416

أياما من كل شهر أو من كل سنة وأكثر قال وهو الموافق لاطلاق الأكثرين * قال المصنف رحمه الله *
[فان استمر بها الدم في الشهر الثاني وجاوز العادة اغتسلت عند مجاوزة العادة لأنا
علمنا بالشهر الأول أنها مستحاضة فتغتسل في كل شهر عند مجاوزة العادة بمرة وتصلي وتصوم]
[الشرح] هذا الذي ذكره متفق عليه ولم يذكروا فيه الخلاف في ثبوت العادة بمرة وقد
سبق في الفصل الماضي دليله وهو ان الاستحاضة علة مزمنة فالظاهر دوامها وقوله علما بالشهر
الأول انها مستحاضة يعنى والظاهر بقاء الاستحاضة وقوله وتصلي وتصوم يعنى تصير طاهرا في كل شئ
من الصوم والصلاة والوطئ والقراءة وغيرها وإنما اقتصر المصنف على ذكر الصوم والصلاة تنبيها بهما على
ما سواهما: وقوله تغتسل وتصلي وتصوم يعني يجب عليها ذلك وهكذا تفعل في كل شهر فان انقطع دمها في
بعض الشهور على خمسة عشر فما دونها علمنا أنها ليست مستحاضة في هذا الشهر وان جميع ما رأته فيه
حيض فتتدارك ما يجب تداركه من الصوم وغيره وكذا إن كانت قضت في هذه الأيام صلوات
أو طافت أو اعتكفت تبينا بطلان جميع ذلك لمصادفته الحيض: قال أصحابنا وإذا صامت بعد
أيام العادة في الشهر الثاني وما بعده وطافت وفعلت غير ذلك مما تفعله الطاهر المستحاضة صح
ذلك ولا قضاء عليها بلا خلاف قالوا ولا يجئ فيه القول الضعيف الذي سبق في المبتدأة
فإنها تؤمر بالاحتياط إلى خمسة عشر وفرقوا بأن العادة قوية والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
[وتثبت العادة بمرة واحدة فإذا حاضت في شهر خمسة أيام ثم استحيضت في شهر بعده
ردت إلى الخمسة ومن أصحابنا من قال لا تثبت الا بمرتين فإن لم تحض الخمس مرتين لم تكن
معتادة بل هي مبتدأة لان العادة لا تستعمل في مرة والمذهب الأول لحديث المرأة التي استفتت
لها أم سلمة رضي الله عنها فان النبي صلى الله عليه وسلم ردها إلى الشهر الذي يلي شهر الاستحاضة
ولان ذلك أقرب إليها فوجب ردها إليه] *
[الشرح] قد سبق في آخر فصل المبتدأة ان ما يثبت بالعادة ومالا يثبت وما ثبت وما يثبت
بالتكرار أربعة أقسام وأوضحناها هناك والمراد هنا بيان ما يثبت به العادة في قدر المحيض والطهر
وفيه أربعة أوجه أصحها باتفاق الأصحاب انها تثبت بمرة واحدة مطلقا قال صاحب الحاوي هذا
ظاهر مذهب الشافعي ونص عليه في الأم وقال صاحب الشامل والعدة هو نص الشافعي في
417

البويطي وكذا رأيته أنا في البويطي قال القاضي أبو الطيب والمحاملي هو قول ابن سريج وأبى
اسحق المروزي وعامة أصحابنا وبه قطع البغوي وغيره * والثاني لا تثبت الا بمرتين وهو مشهور
في الطرق كلها حكاه المتولي وغيره عن أبي على ابن خيران واتفقوا على تضعيفه: والثالث لا تثبت
الا بثلاث مرات حكاها الرافعي عن حكاية أبي الحسن العبادي وهو شاذ متروك وقد نقل القاضي
أبو الطيب والمحاملي والماوردي وامام الحرمين وابن الصباغ والمتولي والروياني وآخرون اتفاق الأصحاب
على ثبوتها بمرتين وانهم إنما اختلفوا في المرة وان اعتبار المرتين ضعيف: والرابع تثبت في حق المبتدأة بمرة ولا
تثبت في حق المعتادة الا بمرتين حكاه السرخسي في الأمالي عن ابن سريج ونقله المتولي وغيره وقال الماوردي
والدارمي في آخر كتاب المتحيرة اتفقوا على ثبوتها بمرة للمبتدأة واختلفوا في المعتادة لأنه ليس
للمبتدأة أصل ترد إليه فكان ما رأته أولى بالاعتبار من جعلها مبتدأة وان الظاهر أنها في الشهر
الثاني كالأول وأما الانتقال من عادة تقررت وتكررت مرات فلا تجعل بمرة وهذا الوجه وان
فخمه الماوردي والدارمي فهو غريب وقد صرح الجمهور بأن الخلاف جار في المبتدأة * فأما دليل الأوجه
فقد ذكرنا دليل الرابع واحتجوا للثاني والثالث بان العادة مشتقة من العود وذلك لا يستعمل
الا في متكرر وحجة الأول وهو المذهب ما احتج به المصنف والأصحاب من الحديث ولان
الظاهر أنها في هذا الشهر كالذي يليه فإنه أقرب إليها فهو أولى مما انقضى وأولي من رد المبتدأة إلى
418

أقل الحيض أو غالبه فإنها لم تعهده بل عهدت خلافه وأما احتجاج الآخرين بأن العادة من العود
فحجة باطلة لان لفظ العادة لم يرد به نص فيتعلق به بل ورد النص بخلافه في حديث أم سلمة هذا
تفصيل مذهبنا * وقال أبو حنيفة لا تثبت العادة الا بمرتين وعن أحمد رواية كذلك ورواية لا تثبت
الا بثلاث مرات وقال مالك في أشهر الروايتين عنه لا اعتبار بالعادة والله أعلم *
(فرع) رأت مبتدأة في أول الشهر عشرة أيام دما وباقيه طهرا وفى الشهر الثاني خمسة وفى
الثالث أربعة ثم استحيضت في الرابع قال أصحابنا ترد إلى الأربعة بلا خلاف لتكررها في العشرة
والخمسة ولو انعكس فرأت في الأولى أربعة وفى الثاني خمسة واستحيضت في الثالث فان أثبتنا
العادة بمرة ردت إلى الخمسة وإن لم نثبتها الا بمرتين ردت إلى الأربعة لتكررها هذا هو الأصح
وفيه وجه أنها ليست معتادة وصححه امام الحرمين * قال المصنف رحمه الله *
[وتثبت العادة بالتمييز كما تثبت بانقطاع الدم فإذا رأت المبتدأة خمسة أيام دما أسود ثم اصفر
واتصل ثم رأت في الشهر الثاني دما مبهما كان عادتها أيام السواد] *
[الشرح] هذا الذي ذكره من ثبوت العادة بالتمييز هو الصحيح المشهور وبه قطع الأصحاب
في الطريقتين وحكى امام الحرمين وجها أنه لا تثبت العادة بالتمييز بل متى انخرم التمييز وأطبق
الدم على لون واحد كانت كمبتدأة لم تميز قط وفيها القولان والصواب الأول: ثم الجمهور في الطرق
كلها أطلقوا القول بالرجوع إلى العادة التمييزية: وقال المتولي والسرخسي لا ترجع إليها الا إذا
كان الحيض والطهر فيها ثلاثين يوما فما دونها فان زاد لم يكن للتمييز حكم بناء على الوجه الضعيف
في اشتراط ذلك في العمل بالتمييز وهذا شاذ متروك والصواب أنه لا فرق قال القاضي أبو الطيب
والأصحاب وإذا رأت بعد شهر التمييز دما مبهما اغتسلت بعد مضى قدر أيام التمييز وصلت
وصامت وفعلت ما تفعله الطاهرة المستحاضة ولا تمسك إلى الخمسة عشر بخلاف الشهر الأول
419

لأنا قد علمنا استحاضتها وهكذا في كل شهر تغتسل بعد مضى قدر التمييز فان انقطع الدم في بعض
الشهور قبل مجاوزة خمسة عشر فجميع ما رأته في هذا الشهر حيض *
(فرع) لو كان عادتها خمسة سوادا وباقي الشهر حمرة وتكرر هذا مرات ثم رأت
في بعض الأدوار عشرة سوادا ثم باقيه حمرة ثم أطبق السواد في الدور الذي يليه قال امام
الحرمين والغزالي والرافعي اتفق الأصحاب على أنا نحيضها من كل شهر عشرة أيام ولو
رأت خمسة سوادا ثم باقي الشهر حمرة وتكرر هذا ثم رأت في شهر عشرة سوادا ثم باقيه حمرة
ثم أطبق دم مبهم في الذي يليه قالوا فحيضها أيضا في هذا الدور وما بعده العشرة: قال الرافعي
في الصورتين اشكالان أحدهما أنهم حكموا في الصورة الأولى بالرد إلى العشرة وهذا ظاهر ان
أثبتنا العادة بمرة والا فينبغي ألا يكتفى بسبق العشرة مرة قال الغزالي هذه عادة تمييزية فتسحبها
مرة وجها واحدا كغير المستحاضة إذا تغيرت عادتها القديمة مرة واحدة فانا نحكم بالحالة الناجزة
قال الرافعي هذا الجواب لا يشفى القلب * الاشكال الثاني إذا أفاد التمييز عادة المستحاضة ثم تغير
قدر القوى بعد انخرام التمييز أو قبله وجب ألا يخرم بالرد إليه بل يخرج على الخلاف في اجتماع
العادة والتمييز ولم يزد امام الحرمين في هذا على دعوى اختصاص الخلاف بالعادة الجارية من
غير استحاضة وهذا الذي نقله الامام والغزالي والرافعي من الاتفاق على ثبوت العادة التمييزية
بمرة غير مقبول بل الخلاف فيها مشهور وممن صرح بأنه على الخلاف القاضي أبو الطيب والمحاملي
والسرخسي في الأمالي والشيخ نصر المقدسي وصاحب البيان وآخرون قال هؤلاء إذا رأت المبتدأة
دما أحمر واستمر شهرا ثم رأت في الشهر الثاني خمسة سوادا ثم باقيه حمرة ثم رأت في الثالث دما
مبهما وأطبق ففي الشهر الأول هي مبتدأة إذ لا تمييز لها وفى مردها القولان وفى الشهر الثاني مميزة
420

ترد إلى التمييز وفى الثالث ان قلنا تثبت العادة بمرة فحيضها خمسة أيام وان قلنا لا تثبت بمرة كانت
كمبتدأة لا تمييز لها هكذا قطع به هؤلاء الا القاضي أبا الطيب فقال إن قلنا لا تثبت العادة بمرة
فان قلنا ترد في الشهر الأول إلى يوم وليلة ردت إليهما في الثالث لتكررهما في الشهرين وان قلنا
ترد إلى ست أو سبع ردت في الثالث إلى الخمسة لتكررهما في الشهرين قال ولو رأت المبتدأة
خمسة سوادا ثم باقي الشهر حمرة ثم أطبق الدم المبهم في الشهر الثاني فهل ترد إلى الخمسة وتحصل
العادة بمرة أم لا فيه الخلاف والأصح ردها إلى الخمسة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[ويثبت الطهر بالعادة كما يثبت الحيض فإذا حاضت خمسة أيام وطهرت خمسين يوما ثم رأت
الدم وعبر الخمسة عشر جعل حيضها في كل شهرين خمسة أيام والباقي طهر] *
[الشرح] اتفق أصحابنا على ثبوت الطهر بالعادة وسواء طالت مدة الطهر سنة أو سنتين
أو أكثر هذا هو الصحيح المشهور وقد تقدم قول القفال ومن تابعه أنه لا تثبت فيما إذا زاد
الحيض والطهر على تسعين يوما والأول هو المذهب وعليه التفريع فإذا رأت المبتدأة يوما وليلة
حيضا ثم طهرت خمسة عشر ثم حاضت يوما وليلة وطهرت خمسة عشر ثم أطبق دم مبهم كان دورها
ستة عشر يوما منها يوم وليلة حيض وخمسة عشر طهر وان رأت ذلك مرة واحدة ثم أطبق الدم
فان أثبتنا عادة التمييز بمرة فكذلك والا فليست معتادة: ولو رأت يوما وليلة دما وسنة طهرا مرة
أو مرتين ثم أطبق الدم كان دورها سنة ويوما منها يوم وليلة حيض وسنة طهر وكذلك حكم
ما زاد ونقص وظاهر عبارة المصنف أنه أثبت عادة التمييز بمرة فاما أن يكون فرعه على المذهب
وهو ثبوتها بمرة واما أن يكون اختياره القطع بثبوتها بمرة كما قاله امام الحرمين ومن
421

تابعه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[ويجوز أن تنتقل العادة فتقدم وتتأخر ويزيد وتنقص وترد إلى آخر ما رأت من ذلك
لان ذلك أقرب إلى شهر الاستحاضة فإن كان عادتها الخمسة الثانية من الشهر فرأت الدم من أول
الشهر واتصل فالحيض هو الخمسة المعتادة وقال أبو العباس فيه وجه آخر ان حيضها الخمسة الأولة
لأنه بدأ بها في وقت يصلح أن يكون حيضا والأول أصح لان العادة قد ثبتت في الخمسة الثانية
فوجب الرد إليها كما لو لم يتقدم دم وإن كان عادتها خمسة أيام من أول كل شهر ثم رأت في بعض
الشهور الخمسة المعتادة ثم طهرت خمسة عشر يوما ثم رأت الدم وعبر الخمسة عشر فإنها ترد إلى
عادتها وهي الخمسة الأولة وخرج أبو العباس وجها آخر ان الخمسة الأولة من الدم الثاني حيض
لأنها رأته في وقت يصلح أن يكون حيضا والأول هو المذهب لان العادة قد ثبتت في الحيض
من أول كل شهر فلا تتغير الا بحيض صحيح] *
422

[الشرح] هذا الفصل كثير المسائل ويقتضي أمثلة كثيرة وقد اختصره المصنف وأشار إلى مقصوده
ولابد في الشرح من بسطه وايضاح أقسامه وأمثلته: فالعمل بالعادة المنتقلة متفق عليه في الجملة ولكن
في بعض صورة تفصيل وخلاف فإذا كان عادتها الخمسة الثانية من الشهر فرأت في بعض الشهور الخمسة
الأولى دما وانقطع فقد تقدمت عادتها ولم يزد حيضها ولم ينقص ولكن نقص طهرها فصار عشرين بعد
إن كان خمسة وعشرين وان رأته في الخمسة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة أو السادسة فقد تأخرت عادتها
ولم زد حيضها ولم ينقص ولكن زاد طهرها وان رأته في الخمسة الثانية مع الثالثة فقد زاد حيضها وتأخرت
عادتها وان رأته في الخمسة الأولى والثانية فقد زاد حيضها وتقدمت عادتها وان رأته في الخمسة الأولي
والثانية والثالثة فقد زاد حيضها فصار خمسة عشر وتقدمت عادتها وتأخرت وان رأته في أربعة أيام أو ثلاثة
أو يومين أو يوم من الخمسة المعتادة فقد نقص حيضها ولم تنتقل عادتها وان رأته في يوم أو يومين أو ثلاثة
أو أربعة من الخمسة الأولى فقد نقص حيضها وتقدمت عادتها وأن رأت ذلك في الخمسة الثالثة
أو الرابعة أو ما بعد ذلك فقد نقص حيضها وتأخرت عادتها: قال القاضي أبو الطيب وغيره لا خلاف
في كل هذه الصور بين أصحابنا: وقال أبو حنيفة رحمه الله ان رأته قبل العادة فليس بحيض وان رأته بعدها
فحيض لان التأخر تابع: دليلنا انه دم صادف الامكان فكان حيضا قال أصحابنا ثم في كل هذه الصور
إذا استحيضت فأطبق دمها بعد عادة من هذه العادات ردت إليها إن كانت تكررت فإن لم تتكرر ردت
423

إليها أيضا على المذهب وفيها الخلاف السابق في ثبوت العادة بمرة أو مرتين فإن لم نثبتها بمرة ردت إلى
العادة القديمة اما إذا كان عادتها خمسة من أول الشهر فرأت في شهر ستة وطهرت باقية ثم رأت في الشهر
الذي يليه سبعة وطهرت ثم استحيضت في الثالث واستمر الدم المبهم فان أثبتنا العادة بمرة ردت
إلى السبعة فان قلنا لا تثبت الا بمرتين فوجهان أصحهما عند امام الحرمين ترد إلى الخمسة فإنها المتكررة
حقيقة على حيالها والثاني وهو الأشهر وصححه الرافعي وغيره ترد إلى الستة لأنها تكررت فوجدت
مرة منفردة ومرة مندرجة في جملة السبعة وان قلنا بالوجه الشاذ أنها لا تثبت الا بثلاث مرات ردت
إلى الخمسة قطعا أما بيان قدر الطهر إذا تغيرت العادة ففيه صور فإذا كان عادتها خمسه من أول الشهر
فرأت في شهر الخمسة الثانية فقد صار دورها المتقدم على هذه الخمسة خمسة وثلاثين منها خمسة حيض
وثلاثون طهر فان تكرر هذا بان رأت بعد هذه الخمسة ثلاثين طهرا ثم عاد الدم في الخمسة الثالثة
من الشهر الآخر وهكذا مرارا أو مرتين ثم استحيضت فأطبق الدم المبهم فإنها ترد إلى هذا أبدا
فيكون لها خمسة حيضا وثلاثون طهرا وهذا متفق عليه وإن لم يتكرر بأن استمر الدم من أول الخمسة
الثانية فهل نحيضها في هذا الشهر فيه وجهان أحدهما وهو قول أبى اسحق المروزي لا حيض لها في
هذا الشهر فإذا جاء الشهر الثاني ابتدأت من أوله حيضا خمسة أيام وباقية طهر وهكذا جميع الشهور
كما كانت عادتها والوجه الثاني وهو قول جمهور الأصحاب نحيضها في هذا الشهر خمسة من أول الدم المبتدئ
وهي الخمسة الثانية ثم إن أثبتنا العادة بمرة جعلنا دورها خمسة وثلاثين منها خمسة حيض والباقي
424

طهر وهكذا ابدا: وإن لم نثبتها بمرة فوجهان الصحيح منهما وهو الذي نقله امام الحرمين وغيره من المحققين
أن طهرها خمسة وعشرون بعد الخمسة لان ذلك هو المتكرر من طهرها: والثاني ان طهرها في هذا الدور
عشرون وهو الباقي في هذا الشهر ثم تحيض من أول الشهر الثاني خمسة وتطهر باقيه وهكذا أبدا
مراعاة لعادتها القديمة قدر أو وقتا فهذا الذي حكيناه عن جمهور الأصحاب هو الصواب المعتمد واما قول أبي إسحاق
فضعيف جدا: قال امام الحرمين إنما قال أبو إسحاق هذا لاعتقاده لزوم أول الأدوار ما أمكن: قال
الامام وهذا الوجه وان صح عن أبي إسحاق فهو متروك عليه معدود من هفواته قال وهو كثير الغلط في
الحيض ومعظم غلطه من افراطه في اعتبار أول الدور: ووجه غلطه أنها إذا رأت الخمسة الثانية ثم استمر
فأول دمها في زمن امكان الحيض وقد تقدم عليه طهر كامل فالمصير إلى تخلية هذا الشهر عن الحيض باطل
لا أصل له قال الامام ثم نقل النقلة عن أبي إسحاق غلطا فاحشا فقالوا عنده لو رأت في الخمسة الثانية دما ثم استمر
إلى آخر الشهر ثم رأت خمسة أيام نقاء من أول الشهر الثاني ثم استمر الدم إلى آخر الشهر ثم رأت النقاء خمسة ثم
استمر الدم إلى آخر الشهر ثم رأت النقاء خمسة وهكذا على هذا الترتيب سنين كثيرة فهذه امرأة لا حيض لها
وهذا في نهاية من السقوط والركاكة هذا آخر كلام الامام ثم إن امام الحرمين والغزالي والرافعي وآخرين
نقلوا مذهب أبي إسحاق كما قدمته وهو أنه لا حيض لها في الشهر الأول فإذا جاء الثاني فلها من أوله خمسة حيض
وباقيه طهر وكذا ما بعده من الشهور فيستمر دورها ثلاثين يوما ابدا وقال الشيخ أبو محمد الجويني في كتابه
الفروق على مذهب أبي إسحاق زاد طهرها وصار خمسة وخمسين يوما وصار دورها ستين يوما ابدا خمسة
حيض وخمسة وخمسون طهر تفريعا على المذهب ان العادة تثبت بمرة وهذا الذي نقله الشيخ أبو محمد
ظاهر لكن المشهور عنه ما قدمناه والله أعلم * اما إذا كان عادتها خمسة من أول الشهر فرأت الدم في الخمسة الثانية
وانقطع ثم عاد في أول الشهر الثاني فقد صار دورها خمسة وعشرين فان تكرر بأن رأت الدم في أول الشهر
الثاني خمسة ثم طهرت خمسة وعشرين ثم عاد الدم وهكذا مرارا أو مرتين ثم استحيضت ردت إلى ذلك
وجعل دورها خمسة وعشرين أبدا وإن لم يتكرر بان عاد في الخمسة الأولى واستمر فالخمسة الأولى حيض
بلا خلاف واما الطهر فان أثبتنا العادة بمرة فهو عشرون والا فخمسة وعشرون وأما إذا حاضت خمستها
المعهودة أول الشهر ثم طهرت عشرين ثم عاد الدم في الخمسة الأخيرة من هذا الشهر فقد تقدم حيضها
وصار دورها خمسة وعشرين فان تكرر ذلك بان رأت الخمسة الأخيرة دما وانقطع ثم طهرت عشرين
425

ثم رأت الدم خمسة ثم طهرت عشرين وهكذا مرات أو مرتين ثم استحيضت ردت إلى ذلك وجعل
دورها ابدا خمسة وعشرين وإن لم يتكرر بان استمر الدم الخمسة الأخيرة قال الرافعي فحاصل ما يخرج
من طرق الأصحاب في هذه المسألة ونظائرها أربعة أوجه أصحها تحيض خمسة من أول الدم وتطهر
عشرين وهكذا أبدا والثاني تحيض خمسة وتطهر خمسة وعشرين والثالث تحيض عشرة من هذا الدم
وتطهر خمسة وعشرين ثم تحافظ على دورها القديم والرابع ان الخمسة الأخيرة استحاضة وتحيض
من أول الشهر خمسة وتطهر خمسة وعشرين على عادتها القديمة وقد تقدم عن أبي إسحاق المحافظة على
أول الدور والحكم بالاستحاضة فيما قبله واختلفوا في قياسه فقيل قياسه الوجه الثالث وقيل بل الرابع اما
لو كانت المسألة بحالها فحاضت خمستها وطهرت أربعة عشر يوما ثم عاد الدم واستمر فالمتخلل بين
حيضتها والدم ناقص عن أقل الطهر ففيها أربعة أوجه أصحها أن يوما من أول الدم العائد استحاضة تكميلا
للطهر وخمسة بعده حيض وخمسة عشر طهر وصار دورها عشرين والثاني أن اليوم الأول من الدم
العائد استحاضة ثم العشرة الباقية من هذا الشهر مع خمسة من أول الذي يليه حيض ومجموعه خمسة
عشر ثم تطهر خمسة وعشرين تمام الشهر وتحافظ على دورها القديم والثالث أن اليوم الأول من الدم
426

العائد استحاضة وبعده خمسة حيض وخمسة وعشرون طهر وهكذا ابدا والرابع أن جميع الدم العائد
إلى آخر الشهر استحاضة وتفتتح دورها القديم من أول الشهر الثاني والله أعلم * اما إذا كانت عادتها الخمسة
الثانية فرأت الدم من أول الشهر واتصل ففيه الوجهان المشهوران في الكتاب الصحيح منهما عند المصنف
وشيخه أبي الطيب وصاحب البيان وغيرهم أن حيضها الخمسة المعتادة لان العادة تثبت فيها فلا تغير
الا بحيض صحيح فعلى هذا يبقى دورها كما كان والثاني وهو قول أبي العباس حيضها الخمسة الأولى
من الشهر فعلى هذا يكون قد نقص طهرها خمسة أيام وصار دورها خمسة وعشرين ولو كانت المسألة بحالها
فرأت الخمسة المعتادة وطهرت دون الخمسة عشر تم رأت الدم واتصل فإنها تبقى على عادتها بلا خلاف
ووافق عليه أبو العباس أما إذا كان عادتها الخمسة الأولى فرأتها ثم طهرت خمسة عشر ثم أطبق الدم
واستمر فوجهان المذهب عند المصنف وشيخه وغيرهما أنها على عادتها ويكون حيضها خمسة من أول
كل شهر وباقيه طهر فعلى هذا يكون باقي هذا الشهر طهرا ولا أثر للدم الموجود فيه والثاني أن الخمسة الأولي
من الدم الثاني حيض فعلى هذا يصير دورها عشرين خمسة حيض وخمسة عشر طهر ولو رأت الخمسة
المعتادة وطهرت عشرة ثم رأت دما متصلا ردت إلى الخمسة المعتادة من أول كل شهر بلا خلاف أما
إذا كان عادتها خمسة أول الشهر فرأت في أول الشهر خمسة حمرة ثم أطبق السواد إلى آخر الشهر فهو
مبني على ما سبق في فصل المميزة فان قلنا إن الأسود لا يرفع حكم الأحمر كان حيضها الخمسة الأولى وهي
أيام الأحمر وان قلنا بالمذهب أنه يرفعه فحيضها خمسة من أول الأسود وقد انتقلت عادتها ولو كانت
المسألة بحالها فرأت في أول الشهر خمسة حمرة ثم خمسة سوادا ثم أطبقت الحمرة ففيها الأوجه الثلاثة
السابقة في مثلها في المبتدأة فان قلنا هناك حيضها السواد فحيضها هنا الخمسة الثانية وقد انتقلت عادتها
وان قلنا هناك أنها غير مميزة فحيضها هنا الخمسة الأول وهي أيام عادتها وان قلنا هناك حيضها العشرة
الأولى فحيضها هنا العشرة أيضا وهي الحمرة والسواد وقد زادت عادتها هذا كله في العادة الواحدة
427

أما إذا كان لها عادات فقد تكون منتظمات وقد لا تكون فالأول مثل إن كانت تحيض من شهر ثلاثة
أيام ثم من الذي بعده خمسة ثم من الذي بعده سبعة ثم تعود في الشهر الرابع إلى الثلاثة وفى الخامس
إلى الخمسة وفى السادس إلى السبعة ثم تعود في السابع إلى الثلاثة وفى الثامن إلى الخمسة وهكذا فتكررت
لها هذا لعادة ثم استحيضت وأطبق الدم ففي ردها إلى هذه العادة وجهان مشهوران للخراسانيين
أصحهما ترد إليها وبه قطع العراقيون وجماعة من الخراسانيين منهم أبو محمد الجويني والمتولي لأنها عادة
فردت إليها كالوقت والقدر والثاني لا ترد وصححه البغوي لان كل واحد من هذه المقادير ينسخ ما قبله
ولا فرق على الوجهين بين انقطاع عادتها على الوجه المذكور أو غيره بأن كانت ترى خمسة ثم ثلاثة ثم
سبعة أو سبعة ثم خمسة ثم ثلاثة وينتظم كذلك ولا فرق أيضا بين أن ترى كل واحد من هذه المقادير مرة
أو مرات بأن كانت ترى في شهر ثلاثة وفى الثاني ثلاثة وفى الثالث ثلاثة وفى الرابع خمسة وكذا
في الخامس والسادس وفى السابع سبعة وفى الثامن والتاسع كذلك ثم تعود إلى الثلاثة متكررة ثم
الخمسة كذلك ثم السبعة كذلك قال أصحابنا ولو رأت الاعداد الثلاثة في ثلاثة أشهر فقط فرأت
في شهر ثلاثة ثم في شهر خمسة ثم في شهر سبعة واستحيضت في الرابع فلا خلاف أنها لا ترد إلى هذه
العادات كذا قاله امام الحرمين وغيره قالوا لأنا ان أثبتنا العادة بمرة فالقدر الأخير نسخ ما قبله
وإن لم نثبتها بمرة فظاهر قال الرافعي ولهذا قال الأئمة أقل ما تستقيم فيه العادة في المثال المذكور
أولا ستة أشهر فإن كانت ترى هذه المقادير مرتين مرتين فأقله سنة فحصل أن محل الوجهين إذا تكررت
العادة الدائرة ثم إن قلنا بالصحيح أنها ترد إلى هذه العادة فاستحيضت بعد شهر الثلاثة ردت
في أول شهر الاستحاضة إلى الخمسة وفى الثاني إلى السبعة وفى الثالث إلى الثلاثة وفى الرابع إلى
الخمسة وفى الخامس إلى السبعة وفى السادس إلى الثلاثة وفى السابع إلى الخمسة وهكذا أبدا وان
استحيضت بعد شهر الخمسة ردت إلى السبعة ثم إلى الثلاثة ثم إلى الخمسة ثم إلى السبعة وهكذا وان
استحيضت بعد شهر السبعة ردت إلى الثلاثة ثم الخمسة ثم السبعة ثم الثلاثة وهكذا أبدا ولا يخفى
428

بعد هذا ما إذا كانت ترى الثلاثة في شهرين ثم الخمسة كذلك ثم السبعة كذلك وان قلنا لا ترد
إلى هذه العادة فقد نقل الغزالي رحمه الله فيه ثلاثة أوجه أحدها ترد إلى القدر الأخير قبل الاستحاضة
أبدا بناء على ثبوت العادة وانتقالها بمرة واحدة والثاني ترد إلى القدر المشترك بين الحيضتين السابقتين
للاستحاضة أبدا فعلى هذا ان استحيضت بعد شهر الخمسة أو الثلاثة ردت إلى الثلاثة لأنها المشتركة
بين الشهرين السابقين وان استحيضت بعد السبعة ردت إلى الخمسة لأنها المشتركة والوجه الثالث
انها كالمبتدأة لان شيئا من هذه الاقدار لم يصر عادة لعدم تكرره على حاله ولا أثر لتكرره في
ضمن غيره فإنه حينئذ ليس بحيضة بل بعضها قال الرافعي وهذان الوجهان مفرعان على أن العادة
لا تثبت بمرة قال ولم أر بعد البحث نقل هذه الأوجه تفريعا على قولنا لا ترد إلى هذه العادة لغير
الغزالي ولم يذكرها شيخه امام الحرمين وإنما ذكرها شيخه فيما إذا لم تتكرر العادة الدائرة وقد سبق
أن محل الوجهين ما إذا تكررت فثبت انفراد الغزالي بنقل هذه الأوجه على هذا الوجه والذي
ذكره غيره تفريعا عليه الرد إلى القدر المتقدم على الاستحاضة لا غير ثم إذا رددناها إلى القدر
المتقدم على الاستحاضة هل يلزمها الاحتياط فيما بين أقل العادات وأكثرها فيه وجهان أصحهما
لا: كذات العادة الواحدة لا تحتاط بعد المرد والثاني يلزمها لاحتمال امتداد الحيض إليه فعلى هذا
يجتنبها الزوج إلى آخر السبعة في المثال المذكور ثم إن استحيضت بعد شهر الثلاثة تحيضت من كل
شهر ثلاثة ثم تغتسل وتصلى وتصوم عقب الثلاثة ثم تغتسل مرة أخرى عقب الخمسة ثم تغتسل
عقب السبعة وتقضى صوم السبعة أما الثلاثة فإنها لم تصمها وأما الباقي فلاحتمال الحيض ولا تقضى
الصلاة أصلا لان الثلاثة حيض وما بعدها صلت فيه وان استحيضت بعد شهر الخمسة تحيضت
من كل شهر خمسة ثم تغتسل وتصوم وتصلي عقب الخمسة ثم تغتسل عقب السبعة وتقضي صوم
الجميع وتقضي صلوات اليوم الرابع والخامس لاحتمال طهرهما فيهما ولم تصل فيهما وان استحيضت
429

بعد شهر السبعة تحيضت من كل شهر سبعة واغتسلت عقب السابع وقضت صوم السبعة وصلوات
ما بعد الثلاثة المتيقنة والله أعلم * هذا كله إذا ذكرت العادة المتقدمة على الاستحاضة فان نسيتها
فطريقان أحدهما حكاه الجرجاني في التحرير فيها قولان أحدهما أنها كالمبتدأة والثاني ترد إلى
الثلاث والطريق الثاني وهو المذهب وبه قطع الأصحاب في جميع الطرق أنها تحتاط فتحيض من
كل شهر ثلاثة أيام لأنها أقل الأقدار التي عهدتها وهي حيض بيقين ثم تغتسل في آخر الثلاث وتصوم
وتصلي ولا تمس مصحفا وتجتنب المسجد والقراءة والوطئ ثم تغتسل في آخر الخامس وفى آخر السابع وتتوضأ
فيما بين ذلك لكل مريضة كسائر المستحاضات وهي طاهر إلى آخر الشهر قال أصحابنا وهكذا حكمها
في كل شهر أبدا قال الرافعي وهل يختص ما ذكرناه بقولنا ترد إلى العادة الدائرة أم هو مستمر
على الوجهين مقتضى كلام الأكثرين انه مستمر على الوجهين وقال امام الحرمين يختص بقولنا
ترد إلى العادة الدائرة فأما ان قلنا ترد إلى القدر المقدم على الاستحاضة فوجهان أحدهما ترد إلى أقل
العادات والثاني أنها كالمبتدأة وقد سبق فيها قولان في أنها هل تحتاط إلى آخر الخمسة عشر
ويجريان هنا (الحال الثاني) إذا لم تكن العادات منتظمات بل كانت هذه العادات مختلفات تارة
تتقدم الثلاثة على الخمسة وتارة عكسه وتارة يتقدمان على السبعة وتارة عكسه وتارة تتوسط
السبعة وغير ذلك من الاختلاف قال الرافعي ذكر امام الحرمين والغزالي أن هذه الحالة تبنى على
حالة الانتظام ان قلنا هناك لا ترد إلى العادة الدائرة فهنا أولى فتر؟؟ إلى القدر المتقدم على الاستحاضة
وان قلنا هناك ترد إلى العادة الدائرة فعدم الانتظام كالنسيان فتحتاط كما سبق قال وذكر غيرهما
طرقا حاصلها ثلاثة أوجه أصحها الرد إلى القدر المتقدم على الاستحاضة بناء على ثبوت العادة
بمرة والثاني ان تكرر المتقدم عليها ردت إليه والا فإلى أقل عاداتها لأنه متكرر والثالث أنها
430

كالمبتدأة فان قلنا بالوجهين الأولين احتاطت إلى آخر أكثر العادات وان قلنا كالمبتدأة ففي
الاحتياط إلى آخر الخمسة عشر القولان هكذا نقله الرافعي عن الأصحاب وقال المتولي هل يلزمها
الاحتياط على هذه الأوجه الثلاثة فيه وجهان: هذا كله إذا عرفت القدر المتقدم على الاستحاضة
فان نسيته والعادات غير منتظمة فوجهان أصحهما وبه قال الأكثرون ترد إلى أقل العادات والثاني
أنها كالمبتدأة فعلى هذا في الاحتياط الخلاف الذي في المبتدأة وعلى هذا يجب الاحتياط إلى آخر
أكثر العادات على أصح الوجهين وقيل يستحب قال الرافعي الصحيح من الخلاف في الاحتياط
عند العلم في حال الانتظام أنها لا تحتاط والصحيح في النسيان وفى حال الانتظام أيضا تحتاط لكن
في آخر أكثر الأقدار لا إلى تمام الخمسة عشر قال البغوي ولو لم ينتظم أوائل العادات بأن كانت
تحيض في بعض الأشهر في أوله وفى بعضها في آخره وفى بعضها في وسطه ردت إلى ما قبل الاستحاضة
فان جهلته فهي كالناسية فمن أول الشهر إلى انقضاء أقل عاداتها تتوضأ لكل فريضة ثم تغتسل
بعد ذلك لكل فريضة إلى آخر الشهر والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وإن كانت معتادة مميزة وهي أن يكون عادتها أن تحيض في كل شهر خمسة أيام ثم رأت
في شهر عشرة أيام دما أسود ثم رأت دما أحمر أو أصفر واتصل ردت إلى التمييز وجعل حيضها
أيام السواد وهي العشرة وقال أبو علي بن خيران ترد إلى العادة وهي الخمسة والأول أصح لان
التمييز علامة قائمة في شهر الاستحاضة فكان اعتباره أولي من اعتبار عادة انقضت] *
[الشرح] إذا كان عادتها خمسة من أول الشهر ثم استحيضت وهي مميزة فان وافق التمييز العادة
بان رأت الخمسة الأولى سوادا وباقي الشهر حمرة فحيضها الخمسة بلا خلاف وإن لم يوافقها فثلاثة
أوجه الصحيح باتفاق المصنفين انها ترد إلى التمييز وهو قول ابن سريج وأبى اسحق قال البندنيجي
هو المنصوص وقال الماوردي هو مذهب الشافعي رحمه الله لقوله صلى الله عليه وسلم (دم الحيض
اسود) ولان التمييز علامة ظاهرة ولأنه علامة في موضع النزاع والعادة علامة في نظيره وسواء
على هذا زاد التمييز على العادة أو نقص والثاني ترد إلى العادة وهو قول ابن خيران والاصطخري
ومذهب أبي حنيفة واحمد لقوله صلى الله عليه وسلم (لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت
تحيضهن) ولم يفصل ولان العادة قد ثبتت واستقرت والتمييز معرض للزوال ولهذا لو زاد الدم
القوى على خمسة عشر بطلت دلالته فعلى هذا لو نسيت عادتها فحكمها حكم ناسية لا تمييز لها
وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وهذا الوجه وأن كان قد وجهناه توجيها حسنا فهو ضعيف عند
431

الأصحاب قال الشيخ أبو حامد قال أبو إسحاق المروزي إنكارا على أبي علي بن خيران وأبي سعيد
لم يأخذا بمذهب صاحبهما يعنى الشافعي ولا صارا إلى دليل وقال القاضي أبو الطيب قال أبو إسحاق
هذا الذي قالاه غلط لا يعذر قائله (قلت) وهذا افراط والوجه الثالث إن أمكن الجمع بين العادة
والتمييز حيضناها الجميع عملا بالدلالتين وإن لم يمكن سقط وكانت كمبتدأة لا تمييز لها وفيها القولان
وهذا الوجه مشهور عند الخراسانيين ولكنه أضعف من الذي قبله مثال ما ذكرناه كان عادتها
خمسة من أول الشهر فرأت خمسة سوادا ثم أطبقت الحمرة فحيضها خمسة السواد باتفاق الأوجه
الثلاثة ولو رأت عشرة سوادا ثم أطبقت الحمرة فعلى الوجه الأول والثالث حيضها العشرة وعلى
الثاني حيضها خمسة من أول السواد ولو رأت خمسة حمرة ثم خمسة سوادا ثم أطبقت الحمرة فعلى
الأول حيضها السواد وعلى الثاني خمسة الحمرة وعلى الثالث العشرة ولو رأت عشرة حمرة ثم خمسة
سوادا ثم أطبقت الحمرة فعلى الأول حيضها السواد وعلى الثاني خمسة من أول عشرة الحمرة وعلى
الثالث عشرة الحمرة مع خمسة السواد ولو رأت السواد يوما أو يومين أو ثلاثة أو أربعة أو ستة أو
سبعة أو ما زاد إلى خمسة عشر ثم أطبقت الحمرة فعلى الأول حيضها السواد مطلقا وعلى الثاني خمسة
من أول الشهر مطلقا وعلى الثالث الأكثر من التمييز والعادة ولو رأت خمسة حمرة ثم أحد عشر
سوادا فعلى الأول حيضها السواد وعلى الثاني الحمرة وعلى الثالث لا يمكن الجمع ويجئ على الأول
وجه ان حيضها الحمرة بناء على تقديم الأولية على اللون في حق المميزة وقد سبق بيانه وقد صرح
به هنا صاحب الحاوي فعلى هذا يتفق القول بالتمييز والقول بالعادة ان حيضها خمسة الحمرة وإنما
يختلفان في مأخذه هل هو التمييز أو العادة كما قالوا فيما لو رأت خمسة سوادا ثم أطبقت الحمرة أو
خمسة حمرة ثم أطبقت الصفرة فان حيضها الخمسة الأول على الأوجه كلها وإنما يختلفون
في مأخذه ولو رأت عشرين حمرة ثم خمسة سوادا ثم أطبقت الحمرة فقال الفوراني والبغوي وصاحب
العدة الخمسة الأولي من أول الأحمر على عادتها وأيام السواد حيض آخر وما بينهما طهر قالوا وهذا
متفق عليه وحكي الرافعي هذا ثم قال ومنهم من قال هذا صحيح على الوجه الثالث وأما على الأول
فحيضها السواد وطهرها المتقدم عليه خمسة وأربعون وصار دورها خمسين يوما وان قلنا بالثاني
فحيضها خمسة من أول الشهر وخمسة وعشرون بعدها طهر على عادتها والله أعلم
(فرع) قد ذكرنا أن مذهبنا أن العادة إذا انفردت عمل بها وإذا انفرد التمييز عمل به وإذا
اجتمعا قدم التمييز على الصحيح وقال احمد يعمل بكل منهما على انفراده وتقدم العادة إذا اجتمعا
432

وقال أبو حنيفة والثوري لا يعتبر التمييز مطلقا وتعتبر العادة ان وجدت والا فمبتدأة وقال مالك
لا يعمل بالعادة وإنما يعمل بالتمييز ان وجد * قال المصنف رحمه الله تعالى *
[وإن كانت ناسية مميزة وهي التي كانت لها عادة فنسيت عادتها ولكنها تميز الحيض من
الاستحاضة باللون فإنها تزد إلى التمييز فإنها لو ذكرت عادتها لردت إلى التمييز فإذا نسيت أولى وعلى
قول من قال تقدم العادة على التمييز حكمها حكم من لا تمييز لها]
[الشرح] هذا الفصل وحكمه كما ذكره المصنف كذا ذكره الجمهور وقال امام الحرمين اتفق
الأصحاب على أنها ترد هنا إلى التمييز للضرورة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وإن كانت ناسية للعادة غير مميزة لم يخل أما أن تكون ناسية للوقت والعدة أو ناسية للوقت
ذاكرة للعدة أو ناسية للعدة ذاكرة للوقت فإن كانت ناسية للوقت والعدة هي المتحيرة ففيها قولان
أحدهما أنها كالمبتدأة التي لا تمييز لها نص عليه في العدد فيكون حيضها من أول كل هلال يوما وليلة
في أحد القولين وستا أو سبعا في الآخر فان عرفت متى رأت الدم جعلنا ابتداء شهرها من ذلك
الوقت وعددنا لها ثلاثين يوما وحيضناها لأنه ليس بعض الأيام بان يجعل حيضها بأولى من بعض
فسقط حكم الجميع وصارت كمن لا عادة لها والثاني وهو المشهور والمنصوص في الحيض انه لا حيض
لها ولا طهر بيقين فتصلي وتغتسل لكل صلاة لجواز أن يكون ذلك وقت انقطاع الحيض ولا يطأها
الزوج وتصوم مع الناس شهر رمضان فيصح لها أربعة عشر يوما لجواز أن يكون اليوم الخامس
عشر بعضه من أول يوم من الشهر وبعضه من السادس عشر فيفسد عليها بذلك يومان ثم تصوم شهرا آخر
فيصح لها منه أربعة عشر يوما فإن كان الشهر الذي صامه الناس ناقصا وجب عليها قضاء يوم فتصوم
أربعة أيام من سبعة عشر يوما يومين في أولها ويومين في آخرها وإن كان الشهر تاما وجب عليها
قضاء يومين فتصوم ستة أيام من ثمانية عشر يوما ثلاثة في أولها وثلاثة في آخرها فيصح لها صوم
الشهر وان لزمها صوم ثلاثة أيام قضتها من تسعة عشر يوما أربعة في أولها وأربعة في آخرها وان لزمها
صوم أربعة أيام قضتها من عشرين خمسة في أولها وخمسة في آخرها وكلما زاد في هذه المدة يوم
433

زاد في الصوم يومان يوم في أوله ويوم في آخره وعلى هذا القياس يعمل في طوافها]
[الشرح] هذه المسألة وما بعدها من مسائل الناسية هو من عويص باب الحيض بل هي معظمة
وهي كثيرة الصور والفروع والقواعد والتمهيدات والمسائل المشكلات وقد غلط الأصحاب بعضهم
بعضهم بعضا في كثير منها واهتموا بها حتى صنف الدارمي فيها مجلدة ضخمة ليس فيها غير مسألة
المتحيرة وتقريرها وتحقيق أصولها واستدراكات كثيرة استدركها هو على كثير من الأصحاب
وستري ما انقل منها هنا من نفائس التحقيق إن شاء الله تعالى وقد كنت اختصرت مقاصد تلك
المجلدة في نحو خمس كراريس وقد رأيت الآن الاقتصار على نبذ يسيرة من ذلك وينبغي للناظر فيها
ان يعتنى بحفظ ضوابطها وأصولها فيسهل عليه بعده جميع ما يراه من صورها واتفق أصحابنا المتقدمون
والمتأخرون على أن ناسية الوقت والعدد تسمى متحيرة قال الدارمي والقاضي حسين وغيرهما وتسمى أيضا
محيرة بكسر الياء لأنها تحير الفقيه في أمرها ولا يطلق اسم المتحيرة الا على من نسيت عادتها قدرا ووقتا ولا
تمييز
لها وأما من نسيت عددا لا وقتا وعكسها فلا يسمها الأصحاب متحيرة وسماها الغزالي متحيرة والأول هو
المعروف ثم إن النسيان قد يحصل بغفلة أو إهمال أو علة متطاولة لمرض ونحوه أو لجنون وغير ذلك وإنما تكون
الناسية متحيرة إذا لم تكن مميزة فإن كانت مميزة فقد سبق قريبا ان المذهب انها ترد إلى التمييز واعلم أن حكم
المتحيرة لا يختص بالناسية بل المبتدأة إذا لم تعرف وقت ابتداء دمها كانت متحيرة وجرى عليها
أحكامها وقد ذكرنا هذا في فصل المبتدأة والله أعلم * اما حكم المتحيرة ففيها ثلاثة طرق أصحها
وأشهرها والذي قطع الجمهور به أن فيها قولين أصحهما عند الأصحاب انها تؤمر بالاحتياط كما سنبينه
إن شاء الله تعالى والثاني انها كالمبتدأة وهو نصه في باب العدد والطرق الثاني القطع بأنها كالمبتدأة
وبه قطع القاضي أبو حامد في جامعه والثالث تؤمر بالاحتياط قطعا وهو اختيار الدارمي وصاحب
الحاوي وغيرهما وتأول هؤلاء نصه في باب العدد على أنه أراد الناسية لقدر حيضها إذا ذكرت وقته
وقيل أراد أنها كالمبتدأة في حكم العدة أي يحصل لها من كل شهر قرء فان قلنا إنها كالمبتدأة فطريقان
أشهرهما أنها على قولين أحدهما ترد إلى يوم وليلة والثاني ست أو سبع كما في المبتدأة وبهذا الطريق
434

قطع المصنف والقفال والقاضيان أبو الطيب وحسين والفوراني وأبو علي السنجي في شرح
التلخيص وامام الحرمين وصاحب الأمالي والغزالي والمتولي والبغوي وصاحب العدة والشاشي
وخلائق والطريق الثاني ترد إلى يوم وليلة قولا واحدا وبه قطع الشيخ أبو حامد والمحاملي وسليم الرازي
وابن الصباغ والجرجاني في التحرير والشيخ نصر والصحيح طريقة المصنف وموافقيه في طرد القولين وبها
قال الجمهور وأما قول صاحب البيان في مشكلات المهذب ان أكثر الأصحاب قالوا ترد إلى يوم وليلة قولا
واحدا فغير مقبول والمشاهد خلافه كما ذكرناه ورأيناه قال أصحابنا وا أرددناها إلى مرد المبتدأة
اما يوم وليلة وأما ست أو سبع فابتداء دورها من أول كل هلال حتى لو أفاقت مجنونة متحيرة
في أثناء الشهر الهلال حكم بطهرها بقي الشهر وابتداء حيضها من أول الشهر المستقبل هكذا قاله
الجمهور وهو ظاهر نص الشافعي في كتاب العدد في مختصر المزني فإنه قال ولو ابتدأت مستحاضة
أو نسيت أيام حيضها تركت الصلاة يوما وليلة واستقبلها بها الحيض من أول هلال يأتي عليها
فإذا هل هلال الرابع انقضت عدتها واختلف أصحابنا في علة تخصيصه بأول الهلال مع أنه تحكم
لا يقتضيه طبع ولإعادة فقال جماعة منهم الغالب ان أول الحيض يبتدئ مع أول الهلال قال المتولي
لان أول الهلال تهيج الدماء وأنكر المحققون هذا وقالوا هذه مكابرة للحس واحتج له امام الحرمين
بان المواقيت الشرعية هي بالأهلة وهذا قريب وقال الغزالي لان الهلال مبادئ أحكام الشرع وهذا
غير مقبول وهو شبيه الأول في أنه انكار للحس فان الزكاة والعدد والديات والجزى والكفارات
وغيرها إنما تبتدئ من حين الشروع سواء وافق الهلال أو خالفه قال امام الحرمين وهذا القول
وهو رد المتحيرة إلى مرد المبتدأة من أول الهلال قول ضعيف مزيف لا أصل له: هذا قول الجمهور
تفريعا على هذا القول الضعيف وحكى المحاملي وابن الصباغ وآخرون عن ابن سريج وجها أنه
435

يقال لها متى كان يبتدئ دمك فان ذكرت وقتا فهو أوله والا قيل متى تذكرين انك كنت طاهرا
فان قالت يوم العيد أو عرفات أو نحوه فحيضها عقبه وقال القفال إذا أفاقت مجنونة متحيرة فابتداء
دورها من الإفاقة لأنه وقت التكليف وأنكر عليه الأصحاب وغلطوه بأنها قد تفيق في أثناء الحيض
ثم على قول القفال دورها ثلاثون يوما كسائر المستحاضات فلها في أول كل ثلاثين حيض وهو
يوم وليلة أو ست أو سبع ولا يعتبر الهلال كذا حكاه عنه المتولي وآخرون وقال جمهور أصحابنا
في الطريقتين شهرها بالهلال فلها في كل هلال حيض قال الرافعي متى أطلقنا الشهر في المستحاضات
أردنا به ثلاثين يوما سواء كان من أول الهلال أم لا ولا نعنى به الشهر الهلالي الا في هذا الموضع
على هذا القول قال أصحابنا فإذا رددناها إلى يوم وليلة أو ست أو سبع فذلك القدر حيض فإذا
مضى اغتسلت وصامت وصلت إلى آخر الشهر وما تأتي به من الصلاة لا قضاء فيه
وما تأتي به من الصوم لا تقضى ما زاد منه على خمسة عشر وفيما بين المرد إلى الخمسة
عشر القولان السابقان في المبتدأة ويباح الوطئ للزوج بعد المرد هذا تفريع قول الرد إلى مرد المبتدأة
وهو ضعيف باتفاق الأصحاب كما سبق ولا تفريع عليه ولا عمل وإنما التفريع والعمل على المذهب
وهو الامر بالاحتياط قال أصحابنا وإنما أمرت بالاحتياط لأنه اختلط حيضها بغيره وتعذر التمييز
بصفة أو عادة أو مرد كمرد المبتدأة ولا يمكن جعلها طاهرا ابدا في كل شئ ولا حائضا أبدا في كل
شئ فتعين الاحتياط ومن الاحتياط تحريم وطئها ابدا ووجوب العبادات كالصوم والصلاة
والطواف والغسل لكل فريضة وغير ذلك مما سنوضحه إن شاء الله: قال امام الحرمين وهذا الذي
نأمرها به من الاحتياط ليس هو للتشديد والتغليظ فإنها غير منسوبة إلى ما يقتضى التغليظ وإنما نأمرها
به للضرورة فانا لو جعلناها حائضا أبدا أسقطنا الصوم والصلاة وبقيت دهرها لا تصلى ولا تصوم
وهذا لا قائل به من الأمة وان بعضنا الأيام ونحن لا نعرف أول الحيض وآخره لم يكن إليه سبيل
436

قال وينضم إلى هذا ان الاستحاضة نادرة والمتحيرة أشد ندورا وقد ينقرض دهور ولا توجد متحيرة
هذا كلام الامام وقد أطلق الأصحاب انها مأمورة بالاحتياط وهو كلام صحيح سواء كان حقيقة
كما هو ظاهر كلامهم أم مجازا كما أشار إليه امام الحرمين قال أصحابنا هي مأمورة بالاحتياط في معظم
الأحكام ونحن نفصلها إن شاء الله تعالى في فصول متنوعة ليسهل الوقوف على المقصود من أحكامها
لكثرة انتشارها
[فصل] في وطئ المتحيرة: قال أصحابنا يحرم على زوجها وسيدها وطؤها في كل حال وكل
وقت لاحتمال الحيض في كل وقت والتفريع على قول الاحتياط وحكى صاحب الحاوي وغيره وجها
أنه يحل له لأنه يستحق الاستمتاع ولا نحرمه بالشك ولان في منعها دائما مشقة عظيمة والمذهب
التحريم وبه قطع الأصحاب في الطرق كلها ونقل المتولي وغيره اتفاقهم عليه فعلى هذا لو وطئ
عصي ولزمها غسل الجنابة ولا يلزمه التصدق بدينار على القول القديم لأنا لم نتيقن الوطئ في الحيض
وفى حل الاستمتاع بما بين السرة والركبة الخلاف السابق في الحيض ذكره جماعات منهم
الدارمي والرافعي
[فصل] في قراءتها القرآن ودخولها المسجد ومس المصحف وحمله وتطوعها بصوم وصلاة
وطواف: أما مس المصحف وحمله فحرام عليها واما دخول المسجد فحكمها فيه حكم الحائض فيحرم
عليها المكث فيه ويحرم العبور ان خافت تلويثه وأن أمنت فوجهان أصحهما الجواز هذا في غير
المسجد الحرام وكذا دخولها المسجد الحرام لغير الطواف وأما دخوله للطواف فيجوز للطواف
المفروض وفى المسنون وجهان سنوضحهما قريبا إن شاء الله تعالى وأما قراءة القرآن فحرام في غير
الصلاة الا على القول الضعيف الذي حكاه الخراسانيون عن القديم انها حلال للحائض هكذا
قاله الأصحاب واختار الدارمي في كتاب المتحيرة والشاشي جواز القراءة لها والمشهور التحريم
437

وأما في الصلاة فتقرأ الفاتحة وفيما زاد عليها وجهان قال الرافعي أصحهما الجواز وأما تطوعها بالصوم
والصلاة والطواف ففيه أوجه أحدها أنه يحرم جميع ذلك فان فعلته لم يصح لان حكمها حكم الحائض
وإنما جوز لها الفرض للضرورة ولا ضرورة هنا والثاني وهو الأصح عند الدارمي والشاشي والرافعي
وغيرهم من المحققين يجوز ذلك كما يجوز ذلك للمتيمم مع أنه محدث ولان النوافل من مهمات الدين
وفى منعها تضييق عليها ولان النوافل مبنية على التخفيف وبهذا قطع امام الحرمين ونقله عن
الأصحاب والوجه الثالث تجويز السنن الراتبة وطواف القدوم دون النفل المطلق حكاه صاحب الحاوي
لأنها تابعة للفرض فهي كجزء منه والله أعلم *
[فصل] في عدتها: قال أصحابنا لا تؤمر في العدة بالأحوط والقعود إلى تبين اليأس بل إذا
طلقت أو فسخ نكاحها اعتدت بثلاثة أشهر أولها من حين الفرقة فإذا مضت ثلاثة أشهر ولم
يكن حمل انقضت عدتها وحلت للأزواج لان الغالب أن المرأة تحيض وتطهر في كل شهر فحمل
أمرها على ذلك قال أصحابنا ولأنا لو أمرناها بالقعود إلى اليأس عظمت المشقة وطال الضرر لاحتمال
نادر مخالف للظن وغالب عادة النساء بخلاف الزامها وظائف العبادات فان الامر فيه سهل بالنسبة
إلى هذا ولان غيرها يشاركها فيه وحكى امام الحرمين هنا والغزالي في العدد وغيرهما عن صاحب
438

التقريب انه حكي وجها انه يلزمها القعود إلى اليأس ثم تعتد بثلاثة أشهر لأنه الأحوط قال الامام
وهذا الوجه بعيد في المذهب والذي عليه جماهير الأصحاب الاكتفاء بثلاثة أشهر وهذا هو الصحيح
وبه قطع الأصحاب في معظم الطرق وحكي الدارمي عن كثير من الأصحاب أنها تعتد بثلاثة أشهر
كما حكيناه عن الجمهور قال حتى رأيت للمحمودي من أصحابنا في كتاب الحيض أنها إذا طلقها
زوجها لم يراجعها بعد مضي اثنين وثلاثين يوما وساعتين ولا تتزوج الا بعد ثلاثة أشهر احتياطا
لامرين ثم أنكر الدارمي على الأصحاب قولهم تعتد بثلاثة أشهر وغلطهم في ذلك وبالغ في ابطال
قولهم وايضاح الصواب عنده وذكر فيه نحو كراسة مشتملة على نفائس وانا أشير إلى مقصوده مختصرا
قال الدارمي ينبغي ان نبين عدة غيرها لنبني عليها عدتها فعدة المطلقة الحائل ثلاثة أقراء كل قرء
طهر الا الأول فقد يكون بعد طهر وطلاقها في الحيض بدعة وفى الطهر سنة إلا أن يكون جامعها
فيه فبدعة أخف من الحيض وهل يحسب قرءا فيه وجهان فان طلقها في طهر لم يجامعها فيه حسبت
بقية قرءا واتت بطهرين بعده فإذا رأت الدم بعد ذلك خرجت من العدة وقيل يشترط مضى
يوم وليلة وقيل إن لم يكن لها عادة مستقيمة اشترط وإلا فلا وان طلقها في طهر جامعها فيه فان
حسبناه قرءا فكما لو لم يجامع فيه والا وجب ثلاثة أطهار بعده وان طلقها في حيض وجب ثلاثة
أطهار وهل يقع الطلاق مع آخر اللفظ أم عقبه فيه وجهان وهل تشرع في العدة مع وقت الحكم
بالطلاق أم عقيبه فيه وجهان وللناس خلاف في تجزى الجسم هل هو إلى غاية أم إلى غير غاية
وقد قال كثير من أصحابنا أقل زمان يمكن انقضاء العدة فيه اثنان وثلاثون يوما ولحظتان بان
يطلقها وقد بقي شئ من الطهر فتعتد به قرءا ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ثم تحيض
يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر وهو القرء الثالث ثم ترى الدم لحظة وينبغي ان تبني العدة على
ما سبق فإذا طلقها وكان جزء من آخر لفظه أو شئ منه على قول من لا يقول بالجزء في أول
الحيض وقع الطلاق في الحيض بلا خلاف وتعتد بالأطهار بعده وان طابق الطلاق آخر الطهر
439

اعتدت به قرءا على قول من أوقع الطلاق على آخر لفظه وحسب من العدة ولا يحسب على المذهب
الآخر ولو بقي بعد طلاقه شئ من آخر الطهر فعلى مذهب من لا يقول بالجزء تعتد به قرءا لأنه
ينقسم قسمين فيقع الطلاق في الأول منهما وتعتد بالثاني وهو أغلظ إذا قلنا بالطلاق عقيب لفظه
وبالعدة عقيب الطلاق وان قلنا غير ذلك فأولى وعلى مذهب من يقول بالجزء إن كان الثاني
جزءا واحدا فان قلنا الطلاق عقيب لفظه والعدة مطابقة للطلاق أو قلنا الطلاق بآخر لفظه والعدة
بعد حسب قرءا لان ذلك الجزء وقع فيه الطلاق وطابقته العدة أو صادفته العدة وتقدمه الطلاق
في آخر لفظه وان قلنا الطلاق بآخر لفظه والعدة تطابقه فأولى بذلك وان قلنا الطلاق عقب لفظه
والعدة عقيبه لم يحسب قرءا لان الطلاق يقع في هذا الجزء ولا يبقى بعده شئ من الطهر للعدة
وإن كان بقي جزء ان اعتدت به قرءا على جميع هذه المذاهب فقد تكون العدة على
بعض هذه المذاهب اثنين وثلاثين يوما وجزءا وهو أقل ما يمكن وذلك أن يطلقها
فيطابق آخر طلاقه آخر الطهر وقلنا وقع الطلاق باخر اللفظ وطابقه أول العدة فأقل العدة إذا
نوبتان وزيادة وأكثرها ثلاث نوب يوم وليلة وجزء وذلك أن يطلقها وقد بقي جزء من
الطهر على قول من قال به ولا يحسب قرءا عند من أوقع الطلاق عقيب لفظه وجعل أول العدة عقيب
الطلاق ثم تمضي نوبة حيض وطهر فيكون قرءا ثم ثانية يكون ثانيا ثم ثالثة قرءا ثالثا ثم يمضى يوم
وليلة على قول من شرط ذلك وان طلقها في طهر جامعها فيه فأطول العدة على أغلظ المذهب ثلاث
نوب ويوم وليلة وطهر الاجزاء وذلك بأن يكون جامعها عاصيا في آخر الحيض وطلقها فاتفق
آخر لفظه في أول جزء من الطهر وطابقه فنقول الطلاق بآخر لفظه وهو أول جزء من الطهر
وفيه جماع وقلنا لا تعتد به وذلك طهر الاجزاء ثم تمضي نوبة فتعتد بالطهر قرءا ثم نوبة
ثانية ثم ثالثة ثم يوم وليلة فهذا أكثر ما يمكن أن يكون عدة على أشد مذاهبنا ولا يخفى بما
ذكرناه تفريع ما في المذاهب وإنما قصدنا بيان أقصى الغايتين في الأقل والأكثر على أقصى المذاهب
440

فإذا تقرر هذا رجعنا إلى المتحيرة فنقول: حكم علتها متعلق بالنوبة وهذه المتحيرة لا تعلم شيئا من أمرها
إلا أنه مضى لها حيض وطهر ويدخل في شكلها انها هل هي مبتدأة أم ذات عادة وأنها إن كانت
معتادة فلا تعرف عادتها وحكم هذه حكم الأولي للاحتياط لأنها أشد تحيرا ثم النوبة مأخوذة من
الزمان الذي مضي بين ابتداء الدم إلى رؤية الدم المتصل وقد تعلم قدر نوبتها وان جهلت قدر
الحيض والطهر منها بان شكت في قدرها علمنا على أكثر ما يبلغ شكها إليه فان ذكرت حدا فقالت
أشك في نوبتي الا أني أقطع بأنها لا تجاوز شهرين أو سنة جعلنا ذلك نوبتها فان أطلقت الشك من
غير حد فأضعف أحوالها أن تكون نوبتها من بلوغها تسع سنين إلى رؤية الدم المتصل فيكون جميع
ذلك نوبة فان شكت في قدر ذلك جعلته أكثر ما يبلغ شكها وتحتاج أيضا إلى معرفة الزمن
الذي بين أول الدم المتصل والطلاق وهذان الوقتان قد تعلمهما وقد تجهلهما وقد تعلم أحدهما
وتجهل الآخر فان شكت هل هي مبتدأة أم معتادة قابلت بين الزمان الذي اعتبرنا به نوبتها وبين
ثلاثين يوما التي هي نوبة المبتدأة فإن كان ذلك الزمان أكثر جعلته نوبتها على أنها معتادة وإن كانت
الثلاثون أكثر جعلتها نوبتها على أنها مبتدأة وإن كان الزمان ثلاثين يوما استوى الأمران ومن
هذا يظهر اغفال من قال عدتها ثلاثة أشهر لأنه يجوز ان يعلم أن عدتها قل من ذلك أو لا يعلم
قدر النوبة إلا أن الزمان الذي من رؤيتها دم الابتداء إلى دم الاتصال دون ثلاثين وعلمت
أنها معتادة فإذا علم أثر النوبة عملنا على أنه مضى من الزمان بين رؤية الدم المتصل والطلاق
ما هو أغلظ في تطويل العدة على أغلظ المذاهب وذلك أن يكون آخر طلاقه قبل آخر الطهر بجزء على
قول من قال به فيقع الطلاق في ذلك الجزء على مذهب من قال يقع عقيب لفظه ولا وقت للقرء
من الطهر بعده على مذهب من قال أول العدة عقب وقوع الطلاق فيحتاج إلى ثلاثة أقراء يخرج
من ثلاث نوب وهي ثلاثة أمثال الزمان الأول الذي اعتبرناه في استخراج النوبة ثم يوم وليلة
بعد النوب على مذهب من قال يحتاج إلى اليوم والليلة فحصل ثلاث نوب ويوم وليلة وجزء ولو أنه
عصي بجماعها وطلقها ولم يعلم متي جامعها جعل جماعه كأنه وقع آخره في أول جزء من الطهر فلم يعتد
441

بذلك الطهر على مذهب من قال ذلك فتعتد بعده بثلاث نوب ويوم وليلة ومعرفة الطهر أن تنظر
الزمان الذي حكمت بأنه نوبتها فتسقط منه يوما وليلة للحيض ثم تعتد بالباقي منه الا جزءا ولا تعتد
بذلك قرءا ثم بثلاث نوب ثم يوم وليلة وإنما بينا الحكم على أصعب المذاهب ليخرج عدتها
أطول ما يمكن ومن أحب أن يبنى على قياس باقي وجوه أصحابنا فليفعل فقد تكون عدتها دون
ثلاثة أشهر بأن يعلم بأنها معتادة والزمان المعتبر به نوبتها دون ثلاثين يوما وقد يزيد على ذلك
إلى أن يبلغ إلى حد يعلم أن سنها لا تبلغه في العادة وان سن الحيض لا يبلغه فان بلغ الجزء الأول
فهي وإن لم تعش إليه فستبلغ سن اليأس فيكون لها حكم اليائسة وان انقطع دمها قبل سن اليأس
فلها حكم غيرها من المعتدات التي انقطع دمهن في العدة فهذا حكمها إذا جهلت نوبتها فعلمت أقصي
ما يمكن أن يكون نوبة وجهلت الزمان من الدم والطلاق فعملت على أغلظه فان علمت النوبة عملت
على قدرها وكذا ان علمت الزمان بين الدم والطلاق وإن لم تعلم لكن علمت أنه مماثل لنوبتها
فالحكم على ما مضى وان علمت أنه ينقص عن نوبتها اعتدت بقدر نقصانه قرءا ثم بيومين ثم بيوم
وليلة لان آخره طهر على هذا التنزيل وان شكت في قدر النقصان جعلته أكثر الاحتمال
لأنه يطول بها العدة هذا آخر كلام الدارمي مختصرا وفيه جمل من النفائس ومع هذا
فالعمل على ما قاله الجمهور من الاعتداد بثلاثة أشهر إلا أن يعلم من عادتها ما يقتضي زيادة
أو نقصانا والله أعلم *
[فصل] في طهارة المتحيرة: قال أصحابنا ان علمت وقت انقطاع الحيض بأن قالت اعلم: أن
حيضتي كانت تنقطع مع غروب الشمس لزمها الغسل كل يوم عقب غروب الشمس وليس عليها
في اليوم والليلة غسل سواه وتصلي بذلك الغسل المغرب وتتوضأ لما سواها من الصلوات لان
الانقطاع عند كل مغرب محتمل ولا يحتمل فيما سواها وإن لم يعلم وقت انقطاعه لزمها أن تغتسل
لكل فريضة لاحتمال الانقطاع قبلها: واعلم أن اطلاق كثيرين من الأصحاب بأن يلزمها الغسل
442

لكل فريضة محمول على ما إذا لم يعلم وقت انقطاعه كما صرح به الأصحاب وقد صرح به المصنف
في مواضع من الفصل بعد هذا قال أصحابنا ويشترط أن تغتسل في وقت الصلاة لأنها طهارة
ضرورة كالتيمم هذا هو الصحيح المشهور وحكى امام الحرمين وغيره وجها أنها إذا ابتدأت غسلها
قبل الوقت وفرغت منه مع أول الوقت جاز لان الغرض ألا تفصل بين الغسل والصلاة قال
امام الحرمين وهذا الوجه غلط ثم إذا اغتسلت هل تلزمها المبادرة بالصلاة عقب الغسل أم لها
تأخيرها عن الغسل فيه طريقان حكاهما امام الحرمين وغيره أحدهما أنه على الوجهين في المستحاضة
إذا توضأت هل عليها المبادرة أم لها التأخير فان قلنا يلزمها المبادرة فأخرت بطل غسلها ووجب
استئنافه والطريق الثاني القطع بأنه لا تجب المبادرة وقال الامام والغزالي وهو الأصح
قال الامام وقول الأول انها كالمستحاضة غلط لان ايجاب المبادرة على المستحاضة
على الأصح ليقل حدثها وهذا لا يتحقق في الغسل لان عين الدم ليست موجبة للغسل
وإنما الموجب الانقطاع ولا يتكرر الانقطاع بين الغسل والصلاة فان قيل إذا أخرت الصلاة
احتمل انقطاع حيضها بين الغسل والصلاة قلنا هذا المعنى لا يختلف تقديره بقصر الزمان وطوله
لأنه ممكن مع قصر الزمان وطوله وما لا حيلة في دفعه يقر على ما هو لكن ان أخرت الصلاة
عن الغسل لزمها الوضوء قبل الصلاة ان قلنا أنه يلزم المستحاضة هذا كلام الأصحاب وهو صريح
في صحة الغسل في أول الوقت وأثنائه وقطع صاحب الحاوي بأنه يجب الغسل لكل فريضة في
وقتها بحيث لا يمكنها بعد الغسل الا فعل الصلاة لجواز انقطاعه في آخر وقتها ولا يكفيها الغسل
والصلاة السابقان وهو غريب جدا فحصل أربعة أوجه في غسلها الصحيح المشهور أنه يشترط
وقوعه في وقت الصلاة متى كان والثاني يشترط ذلك مع المبادرة إلى الصلاة والثالث يكفي وقوع
آخره مع أول الوقت والرابع يشترط وقوعه قبل آخر الوقت بقدر الصلاة والله علم *
[فصل] في صلاتها المكتوبة: قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله يلزمها أن تصلي الصلوات
الخمس ابدا وهذا لا خلاف فيه لان كل وقت يحتمل طهرها فمقتضى الاحتياط وجوب الصلاة
443

ثم إن الشافعي والأصحاب في الطريقتين لم يشترطوا صلاتها في آخر الوقت بل أوجبوا الصلاة
في الوقت متى شاءت كغيرها وصرح أكثرهم بهذا وهو مقتضى اطلاق الباقين وقطع صاحب
الحاوي بأن عليها الصلاة في آخر الوقت ونقله بعد هذا بأسطر عن الأصحاب وهو موافق لما سبق
من قوله في الغسل وهو وإن كان له وجه فهو شاذ متروك لما فيه من الحرج ثم إذا صلت الخمس
في أوقاتها هل يجب قضاؤها ظاهر نص الشافعي أنه لا يجب لأنه نص على وجوب قضاء الصوم
ولم يذكر قضاء الصلاة وهو ظاهر كلام المصنف وقد صرح بأن لا قضاء الشيخ أبو حامد والقاضي
أبو الطيب وابن الصباغ وجمهور العراقيين والغزالي في الوجيز ونقله الدارمي وصاحب الحاوي
والشيخ نصر وآخرون عن جمهور أصحابنا لأنها إن كانت حائضا فلا صلاة عليها وإن كانت
طاهرا فقد صلت وقال الشيخ أبو زيد المروزي رحمه الله يجب قضاء الصلوات لجواز انقطاع
الحيض في أثناء الصلاة أو بعدها في الوقت ويحتمل انقطاعه قبل غروب الشمس فيلزمها الظهر
والعصر وقبل طلوع الفجر فيلزمها المغرب والعشاء وإذا كنا نفرع على قول الاحتياط وجب
مراعاته في كل شئ هذا قول أبي زيد قال الرافعي ويحكي أيضا عن ابن سريج قال وهو ظاهر
المذهب عند الجمهور وبه قطع المتولي والبغوي وغيرهما (قلت) وقطع به القاضي حسين أيضا ورجحه
امام الحرمين وجمهور الخراسانيين والدارمي وصاحب الحاوي والشيخ نصر المقدسي من العراقيين
قالوا لأنه مقتضى الاحتياط والشافعي كما لم يذكر القضاء لم ينفه ومقتضى مذهبه الوجوب وحجة
الأولين ما ذكره امام الحرمين انا لا نلزم المتحيرة كل ممكن لأنه يؤدى إلى حرج شديد والشريعة
تحط عن المكلف أمورا بدون هذا الضرر والدليل على أنه لا يلزمها كل ممكن أن عدتها تنقضي
بثلاثة أشهر ولا تقعد إلى اليأس واختار صاحب الحاوي طريقة أخرى فقال الصحيح عندي أنها
تنزل تنزيلين هما أغلظ أحوالها أحدهما تقرير دوام الطهر إلى وقت الصلاة وامكان أدائها ووجب
الحيض بعده فيلزمها الصلاة في أول الوقت بالوضوء دون الغسل والتنزيل الثاني دوام الحيض
إلى دخول وقت الصلاة ثم وجود الطهر بعده فيجب الغسل في آخر الوقت دون الوضوء
فحصل من التنزيلين أنه يلزمها أن تصلي الظهر في أول وقتها بالوضوء لاحتمال أن يكون آخر طهرها
ثم تصليها في آخر وقتها بالغسل لاحتمال أن يكون أول طهرها فإذا دخل وقت الصعر صلت
العصر في أول وقتها بالوضوء ثم صلتها بالغسل في آخر الوقت إذا بقي منه ما يسع ما يلزمها به صلاة العصر
ثم أعادت الظهر مرة ثالثة في آخر وقت العصر بالغسل لاحتمال ابتداء الطهر في آخر وقت العصر
444

فيلزمها الظهر والعصر فان قدمت العصر الثانية على الظهر الثالثة كان الغسل لها وتوضأت للظهر وان
قدمت الظهر على العصر كان الغسل لها وتوضأت للعصر فإذا غربت الشمس صلت المغرب بغسل صلاة
واحدة لأنه ليس لها الا وقت واحد فإذا دخل وقت العشاء صلتها في أول الوقت بالوضوء ثم أعادتها في آخره
وتعيد معها المغرب وتغتسل للأولى منهما وتتوضأ للأخرى فإذا طلع الفجر صلت الصبح في أول الوقت
بوضوء ثم اعادتها في آخره بغسل فتصير مصلية للظهر ثلاث مرات مرة في أول الوقت بالوضوء
ومرة ثانية في آخره بالغسل وثالثة في آخر وقت العصر بغسل لها وللعصر وتصير مصلية
للعصر مرتين مرة في أول وقتها بوضوء وثانية في آخره بغسل وتصير مصلية للمغرب مرتين مرة
في وقتها بالغسل ومرة في آخر وقت العشاء بالغسل لها وتصير مصلية للعشاء مرتين مرة بالوضوء
في أول وقتها ومرة في آخره بالغسل وكذا الصبح فتبرأ بيقين هذا كلام صاحب الحاوي: واما
طريقة جمهور العراقيين فظاهرة لا تحتاج إلى تفريع بل تصلي ابدا ولا قضاء واما طريقة أبي زيد
المروزي ومتابعيه فقال القاضي حسين والمتولي والبغوي وآخرون تصلى على هذه الطريقة الصلوات
الخمس مرتين بستة اغسل وأربع وضوءات فتصلي الظهر في وقتها بغسل ثم العصر كذلك ثم
المغرب كذلك ثم تتوضأ بعد المغرب وتقضي الظهر ثم تتوضأ وتقضى العصر ثم تصلى العشاء في
وقتها بغسل ثم الصبح في وقتها بغسل ثم تتوضأ وتقضى المغرب ثم تتوضأ وتقضي العشاء ثم تقضي
الصبح بعد طلوع الشمس بغسل هذا كلامهم وبسطه امام الحرمين وأوضحه بادلته وزاد
فيه وأتقنه ثم لخص طريقته واختصرها الرافعي فقال إذا قلنا بهذه الطريقة تغتسل في أول وقت
الصبح وتصليها ثم إذا طلعت الشمس اغتسلت مرة أخرى وصلتها لاحتمال أن الحيض صادف
المرة الأولى وانقطع بعدها فلزمتها وبالمرتين تبرأ من الصبح قطعا ولا يشترط المبادرة بالمرة الثانية
بعد طلوع الشمس بل متي صلتها قبل انقضاء خمسة عشر يوما من أول وقت الصبح أجزأها لان
الحيض ان انقطع في وقت الصبح لم يعد إلى الخمسة عشر قال امام الحرمين ولا يشترط تأخير جميع
الصلاة الثانية عن الوقت بل لو وقع بعضها في آخر الوقت جاز بشرط أن يكون دون تكبيرة
إذا قلنا تجب الصلاة بادراك تكبيرة أو دون ركعة لأنه ان انقطع قبل المرة الثانية أجزأها الثانية
وان انقطع في أثنائها فلا شئ عليها قال الرافعي انكارا على امام الحرمين ينبغي أن ينظر إلى أول
زمن الغسل مع الجزء الواقع من الصلاة في الوقت لاحتمال الانقطاع في أثناء الغسل ومعلوم أنه
لا يمكن أن يكون ذلك دون تكبيرة ويبعد أن يكون دون ركعة هذا حكم الصبح واما العصر
445

والعشاء فتصليهما مرتين كذلك واما الظهر فلا يكفي وقوعها في المرة الثانية في أول وقت العصر
ولا يكفي أيضا وقوع المغرب في أول وقت العشاء لاحتمال الانقطاع في أواخر وقتهما فيجب أن
تعيد الظهر في الوقت الذي تعيد العصر وهو بعد خروج وقت العصر وتعيد المغرب مع العشاء بعد
خروج وقت العشاء ثم إذا أعادت الظهر والعصر بعد المغرب نظر ان قدمتهما على أداء المغرب
وجب غسل للظهر ووضوء للعصر وغسل للمغرب وإنما كفاها غسل للظهر والعصر لأنه ان انقطع
حيضها قبل المغرب فقد اغتسلت له وان انقطع بعد المغرب فليس عليها ظهر ولا عصر وإنما وجب
غسل المغرب لاحتمال الانقطاع في خلال الظهر والصعر وعقبها وكذا الحكم إذا قضت المغرب
والعشاء بعد طلوع الفجر قبل أداء الصبح وحينئذ تكون مصلية الصلوات الخمس مرتين بوضوءين
وثمانية أغسال وان أخرت الظهر والعصر عن أداء المغرب اغتسلت للمغرب وكفاها ذلك للظهر
والعصر لأنه إن انقطع قبل الغروب فهي طاهر وإلا فلا ظهر ولا عصر عليها ويجب وضوء للظهر
ووضوء للعصر كسائر المستحاضات وكذا القول في المغرب والعشاء إذا أخرتهما عن أداء الصبح
وحينئذ تكون مصلية الصلوات الخمس بأربع وضوءات وستة أغسال وعلى الطريق الأول يكون
قد أخرت المغرب والصبح عن أول وقتهما لتقديمها القضاء عليهما فتبرأ عما سواهما واما هما فقال
امام الحرمين إذا أخرت الصلاة الأولى عن أول الوقت حتى مضى ما يسع الغسل وتلك الصلاة
لم يكف فعلها مرة أخرى في آخر الوقت أو بعده على التصوير السابق لاحتمال أنها طاهر في أول
الوقت ثم يطرأ الحيض فيلزمها الصلاة وتكون الصلاتان واقعتين في الحيض بل يحتاج إلى فعلهما
مرتين أخريين بغسلين ويشترط كون إحداهما بعد انقضاء وقت الرفاهية والضرورة وقبل تمام
خمسة عشر يوما من افتتاح الصلاة في المرة الأولي وأن تكون الثانية في أول السادس عشر من
آخر الصلاة في المرة الأولى وحينئذ تبرأ بيقين ومع هذا كله لو اقتصرت على أداء الصلوات في
أوائل أوقاتها ولم تقض شيئا حتى مضت خمسة عشر يوما أو مضى شهر لم يجب عليها لكل
خمسة عشر يوما إلا قضاء صلوات يوم وليلة فقط لان القضاء لاحتمال الانقطاع ولا يتصور
الانقطاع في خمسة عشر الا مرة واحدة ويجوز ان يجزيه قضاء صلاتي جمع وهما ظهر وعصر
أو مغرب وعشاء فإذا شككنا وجب قضاء صلوات يوم وليلة كمن نسي صلاتين من خمس ولو كانت
تصلي في أوساط الأوقات لزمها ان تقضى للخمسة عشر صلوات يومين وليلتين لاحتمال ان يطرأ
446

الحيض في وسط صلاة فتبطل وينقطع في وسط أخرى فتجب ويحتمل أن يكونا مثلين: ومن فاته
صلاتان متماثلتان لا يعرفهما لزمه صلوات يومين وليلتين بخلاف ما لو صلت في أول الأوقات فإنه
لو فرض ابتداء الحيض في أثناء الصلاة لم يجب لأنها لم تدرك من الوقت ما يسعها هذا آخر كلام الرافعي
المختصر من كلام امام الحرمين قال امام الحرمين فان قيل هذا الذي ذكرتموه الآن مخالف
ما سبق من قولكم يجب قضاء كل صلاة فإنكم الآن صرتم إلى أنه لا يجب في الخمسة عشر الا
قضاء خمس صلوات فالجواب ان هذا الذي ذكرناه من الاكتفاء بقضاء خمس صلوات في الخمسة
عشر امر أغفله الأصحاب وهو مقطوع به والذي ذكرناه أولا هو فيما إذا أرادت ان تبرأ في كل يوم
عما عليها وكانت تؤثر المبادرة وتخاف الموت في آخر كل ليلة فأما إذا أخرت القضاء فلا شك أنه
لا يجب في الخمسة عشر الا قضاء صلوات يوم وليلة فان نسبنا ناسب إلى مخالفة الأصحاب سفهنا
عقله فان القول في هذه المقاضاة يتعلق بمسالك الاحتمالات وقد مهد الأئمة القواعد كالتراجم
ووكلوا استقصاءها إلى أصحاب الفطن والقرائح ونحن نسلم لمن يبغي مزيدا ان يبدي شيئا
وراء ما ذكرنا مفيدا على شرط أن يكون مفيدا. وبالجملة النظر الذي يخفف في أمر المتحيرة بالغ
الموقع مستفاد: هذا آخر كلام امام الحرمين: وقد صرح البغوي وآخرون بما ذكره امام الحرمين
من أنها إذا لم تزد على الصلوات في أول أوقاتها لا يجب في الشهر الا قضاء صلوات يومين هذا بيان
صلوات الوقت فاما إذا أرادت صلاة مقضية أو منذورة ففيها كلام نذكره بعد صيامها إن شاء الله تعالى
(فصل في صيام المتحيرة)
اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يلزمها أن تصوم جميع شهر رمضان لاحتمال
الطهر في كل يوم فإذا صامته وكان تاما اختلفوا فيما يحسب لها منه فنقل امام الحرمين وجماعات
ان الشافعي رحمه الله نص انه يحسب لها منه خمسة عشر يوما وبهذا قطع جمهور أصحابنا المتقدمين
ممن قطع به أبو علي الطبري في الافصاح والشيخ أبو حامد والمحاملي وأبو علي السنجي في شرح
التلخيص وآخرون من المصنفين ونقله صاحب الحاوي عن أصحابنا كلهم ونقله الدارمي عن
جمهور أصحابنا قال ولم أر فيه خلافا الا ما سنذكره عن أبي زيد ونقله الشيخ أبو محمد الجويني في كتابه
المحيط عن عامة مشايخهم ثم قال واجمع الأصحاب عليه وقطع به من المتأخرين الغزالي في كتابه
الخلاصة والجرجاني في كتابيه التحرير والبلغة وقال الشيخ أبو زيد المروزي امام أصحابنا الخراسانيين
447

لا يحسب لها منه الا أربعة عشر يوما لاحتمال ابتداء الدم في بعض اليوم الأول وانقطاعه في بعض
السادس عشر فيفسد الستة عشر ويبقى أربعة عشر وأطبق المتأخرون من الخراسانيين على متابعة
أبي زيد ووافقه من العراقيين الدارمي وصاحب الحاوي والقاضي أبو الطيب والمصنف وصاحب
الشامل وآخرون من المتأخرين وأشار امام الحرمين وغيره إلى أن في المسألة طريقين أحدهما اثبات
خلاف في أنه يحصل أربعة عشر أو خمسة عشر والثاني القطع بأربعة عشر وتأولوا النص على أنها
حفظت ان دمها كان ينقطع في الليل واحتج القائلون بخمسة عشر بان أكثر مدة الحيض خمسة
عشر يوما فيبقي خمسة عشر هكذا أطلقوه قال الشيخ أبو محمد هذا الذي قاله أبو زيد يحتمل لكن
الذي اجمع عليه أصحابنا خمسة عشر وسلوك سبيل التخفيف عنها في بعض الأحوال هذا الذي
ذكرته من الاختلاف هو المشهور في طرق المذهب واختار امام الحرمين طريقة أخرى فحكى
نص الشافعي وقول أبى زيد واختلاف الأصحاب ثم قال والذي يجب استدراكه في هذا انا إذا
قلنا ترد المبتدأة إلى سبعة أيام ويحكم لها بالطهر ثلاثة وعشرين يوما فيتجه أن يقال حيض المتحيرة
سبعة أيام في كل ثلاثين يوما فإنه لا فرق بينها وبين المبتدأة الا في شئ واحد وهو انا نعلم ابتداء
دور المبتدأة دون المتحيرة فاما تنزيلها على غالب الحيض قياسا على المبتدأة فمتجه لا ينقدح غيره فليقدر
لها سبعة أيام في شهر رمضان ثم قد تفسد بالسبعة ثمانية فيحصل لها اثنان وعشرون يوما
قال فان قيل هذا عود إلى القول الضعيف أن المتحيرة ترد إلى مرد المبتدأة قلنا هي مقطعة
عنها في ابتداء الدور فأما ردها إلى الغالب فيما يتعلق بالعدد الذي انتهى التفريع إليه فلا يتجه
غيره وأقصى ما يتخيله الفارق ان المتحيرة كان لها عادات فلا نأمن إذا ردت إلى الغالب أن
تخالف تلك العادات والمبتدأة لم يسبق لها عادة فهذا الفرق ضعيف لان المبتدأة ربما كانت تحيض
عشرة لو لم تستحض هذا آخر كلام امام الحرمين فحصل في المسألة ثلاثة أوجه أو ثلاثة مذاهب
لأصحابنا وحكي القاضي أبو الطيب عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رحمهم الله أنه يبطل
عليها من رمضان صوم عشرة أيام وهي أكثر الحيض عنده وهذا موافق لنص الشافعي ومتقدمي
448

أصحابنا رحمهم الله أنه يبطل خمسة عشر وتحصل خمسة عشر والله أعلم * هذا كله إذا كان شهر
رمضان تاما أما إذا صامته وكان ناقصا وقلنا بطريقة المصنف والمتأخرين ان الكل يحصل منه أربعة
عشر فقد قطع الأصحاب في الطريقتين بأنها لا يحسب لها منه الا ثلاثة عشر يوما لأنه يفسد ستة
عشر لما ذكرناه من احتمال الطرو من نصف النهار وانقطاعه في نصف السادس عشر فيبقى ثلاثة
449

عشر هكذا صرح به الدارمي وصاحب الحاوي والشيخ نصر والمتولي والبغوي والرافعي وآخرون
من الطريقتين ولم أر فيه خلافا لاحد من أصحابنا وأما قول المصنف فتصوم رمضان وشهرا آخر
فإن كان الشهر الذي صامه الناس ناقصا وجب عليها قضاء يوم فقد حمله صاحب البيان على أن معناه
أنها صامت مع الناس رمضان الناقص فحصل لها منه أربعة عشر وصامت شهرا كاملا فحصل منه أربعة عشر
أيضا فبقي يوم قال لان الشهر الهلالي لا يخلو من طهر صحيح متفرقا أو متتابعا فإذا كان الشهر ناقصا فلابد فيه من
طهر كامل ويدخل النقص على أكثر الحيض قال ومن اعترض على صاحب المهذب في هذا فليس قوله
بصحيح لان لله تعالي أجرى العادة أن الشهر لا يخلو من طهر صحيح هذا كلام صاحب البيان فيه وفى مشكلات
المهذب وليس هو بصحيح بل مجرد دعوى لا يوافقه عليها أحد بل صرح الأصحاب بمخالفتها كما سبق
بل الصواب حمل كلام المصنف على ما إذا لم تصم مع الناس رمضان بل صامت شهرين كاملين
غير رمضان الذي صامه الناس ناقصا فبقي عليها يوم وهذا الذي حملناه عليه يتعين المصير إليه لأنه
موافق للأصحاب وللقاعدة مع سلامته من دعوى لا تقبل وكلام المصنف يدل عليه فإنه قال فإن كان
الشهر الذي صامه الناس ولم يقل الذي صامته وقد أنكر الرافعي وغيره على المصنف وغلطوه
وأبطلوا تأويل صاحب البيان ولا يصح الانكار على المصنف بل كلامه محمول على هذا الذي قلناه
450

من أنها إذا لم تصم رمضان الناقص وصامت شهرين كاملين غيره يبقي عليها يوم تفريع على المذهب
وهو أن من أفطر رمضان الناقص كفاه تسعة وعشرون يوما ولنا وجه أنه يلزمه ثلاثون يوما
حكاه الدارمي هنا وحكاه غيره وسيأتي ايضاحه في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى *
[فرع] في صيام المتحيرة يوما عن قضاء أو نذر أو كفارة أو فدية في الحج أو تطوعا أو
غيره فإذا أرادت تحصيل صوم يوم فهي مخيرة ان شاءت صامت أربعة أيام من سبعة عشر يومين
من أولها ويومين من آخرها وهذا الطريق هو الذي ذكره المصنف وصاحب الحاوي وآخرون
وقد يكون لها في هذا غرض بان تريد الا يتخلل فطر بين الصوم في واحد من الطرفين لأنه ان
بدأ الحيض في اليوم الأول سلم السابع عشر وان بدأ في الثاني سلم الأول وإن كان الثاني آخر حيضة
سلم السادس عشر وإن شاءت صامت ثلاثة أيام من سبعة عشر فتصوم الأول والثالث والسابع
عشر فيحصل يوم على كل تقدير لأنه ان بدأ الحيض في أثناء الأول حصل السابع عشر وان بدأ
في الثاني حصل الأول وإن كان الأول آخر حيضة حصل الثالث وإن كان الثالث آخر حيضة
حصل السابع عشر وهذا الذي ذكرناه من صوم الأول والثالث والسابع عشر تمثيل وليس بشرط
وإنما ضابط براءتها بثلاثة أن تصوم يوما متى شاءت وتفطر الذي يليه ثم تصوم يوما آخر اما
الثالث واما الخامس عشر واما ما بينهما وتفطر السادس عشر وتصوم السابع عشر فهذا اقصر
451

مدة يمكن فيها قضاء اليوم ولها ان تؤخر الصوم الثالث عن السابع عشر إلى آخر التاسع والعشرين
لكن شرطه أنه يكون المتروك بعد الخمسة عشر مثل ما بين صومها الأول والثاني وأقل فلو صامت
الأول والثالث والثامن عشر لم يجزئها لان المتروك بعد الخمسة عشر يومان وليس بين الصومين
الأولين الا يوم وإنما امتنع ذلك لاحتمال انقطاع الحيض في الثالث وابتداء حيض آخر في الثامن
ولو صامت الأول والرابع والثامن عشر جاز لحصول الشرط ولو صامت في هذه الصورة السابع
عشر بدل الثامن عشر جاز لان المتروك أقل ولو صامت الأول والخامس عشر فقد خللت بين
الصومين ثلاثة عشر فلها ان تصوم الثالث في التاسع والعشرين أو السابع عشر أو ما بينهما ولا
يجوز ان تصوم السادس عشر لان الشرط أن تترك شيئا بعد الخمسة عشر فإنها لو صامته احتمل
انقطاع الحيض في نصف اليوم الأول وابتداؤه في نصف السادس عشر فينقطع في التاسع والعشرين
فتفسد الثلاثة أما إذا صامت الثلاثة من ثلاثين يوما فصامت الأول والأخير مع يوم بينهما فلا
يجزيها لأنها ان صامت مع الطرفين الخامس عشر احتمل انقطاع الحيض في نصف الخامس عشر
فيفسد هو والأول ويفسد الأخير لطرآن الحيض في نصفه
وان صامت مع الطرفين السادس عشر احتمل انقطاع الحيض في النصف الأول وينقطع
في نصف السادس عشر وتبتدئ في النصف الأخير فيفسد الجميع وان صامت مع الطرفين السابع
عشر احتمل الانقطاع في نصف الثاني والابتداء في نصف السابع عشر فيفسد الجميع وهكذا
القول في تنزيل باقي الصور اما إذا صامت الثلاثة من أحد وثلاثين يوما أو اثنين وثلاثين أو
أكثر فصامت الطرفين ويوما بينهما فلا يجزيها أيضا وتنزيله ظاهر قال الدارمي بعد أن ذكر نحو
452

ما ذكرته فبان ان أقل ما يصح منه صوم يوم ثلاثة أيام وان أقل ما يصح منه صوم الثلاثة سبعة
عشر وأكثره تسعة وعشرون هذا الذي ذكرناه في طريق صوم اليوم هو الصحيح المشهور
في كتب متأخري الأصحاب من الطريقتين ونقل جماعة أن الشافعي نص أنه يكفيها صوم يومين
بينهما أربعة عشر وقال امام الحرمين نص الشافعي أنها تصوم يومين بينهما خمسة عشر قال الامام
واجمع أئمتنا على أنه حسب صوم الأول من الخمسة عشر فإنها لو صامت يوما وأفطرت
خمسة عشر ثم صامت يوما احتمل كون اليومين طرآ في حيضتين وإذا أفطرت بينهما أربعة عشر
فيحصل أحدهما قال الامام وهذا المنقول عن الشافعي لا يتجه الا مع انطباق الحيض على أول
اليوم وآخره ابتداء وانقطاعا وحاصل ما ذكره الامام موافقة غيره في نقل النص أنها تصوم يومين
453

بينهما أربعة عشر وبهذا قطع الشيخ أبو حامد والمحاملي وجماعات من كبار المتقدمين ونقله صاحب
الحاوي عن أصحابنا ثم أفسده وكذا نقله الدارمي وأفسده وكذا أفسده من حكاه من المتأخرين
وهذا الافساد بنوه على طريقتهم أن صوم رمضان خمسة عشر فليس هو بفاسد بل يكفيها يومان
بينهما أربعة عشر ولا تبالي باحتمال الطرآن نصف النهار هذا كله تفريع على المذهب المنصوص
الذي قطع به الأصحاب أنها على قول الاحتياط تبنى أمرها على تقدير أكثر الحيض أما على
اختيار امام الحرمين الذي قدمناه عنه انها ترد إلى سبعة فقال الامام يكفيها صوم يومين بينهما
سبعة أيام قال ولكن وإن كان هذا ظاهرا منقاسا فنحن نتبع الأئمة ونفرع على تقدير أكثر
الحيض فهذا الذي ذكرته في هذا الفرع وما قبله مختصر واضح جامع يسهل به معرفة ما سأذكره
ان شاء تعالى ويتضح به جمل من قواعد صومها وبالله التوفيق *
454

(فرع) في صيامها يومين واتفق جماهير من المتقدمين والمتأخرين في الطريقتين على أنها
إذا أرادت صوم يومين فأكثر ضعفت الذي عليها وضمت إليه يومين وقسمت الجميع نصفين
فصامت نصفه في أول الشهر ونصفه في أول النصف الآخر ونعني بالشهر ثلاثين يوما متى شاءت
ابتدأت ولم أر لاحد من الأصحاب خلاف هذا الا لصاحب الحاوي والدارمي فأنا أذكر إن شاء الله
تعالى طريقة الجمهور لوضوحها وشهرتها وخفة الكلام فيها ثم طريقة صاحب الحاوي ثم الدارمي
وأختصر كل ذلك مع الايضاح الذي يفهمه كل أحد أن شاء الله تعالى: قال الجمهور إذا أرادت
صوم يومين ضعفتهما وضمت إليهما يومين فتكون ستة أيام تصوم منها ثلاثة متى شاءت ثم تفطر
455

تمام خمسة عشر ثم تصوم السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر فيحصل يومان قطعا لأنه ان
بدأ الحيض في نصف اليوم الأول حصل السابع عشر والثامن عشر وان بدأ في نصف الثاني
حصل الأول والثامن عشر وان بدأ في نصف الثالث حصل الأولان وإن كان الأول آخر حيضة
حصل الثاني والثالث وإن كان الثاني آخر حيضة حصل الثالث والسادس عشر وان أرادت صوم
ثلاثة أيام ضعفتها وضمت إليها يومين فتكون ثمانية فتصوم أربعة وتفطر تمام خمسة عشر ثم تصوم
أربعة وإذا أرادت صوم أربعة صامت الخمسة الأولى والخمسة الرابعة وان أرادت صوم خمسة
صامت ستة أولا ثم ستة أولها السادس عشر *
456

وان أرادت صوم ستة صامت سبعة ثم سبعة أولها السادس عشر وان أرادت سبعة صامت ثمانية ثم ثمانية أولها
السادس عشر وهكذا نفعل فيما بعد ذلك إلى ثلاثة عشر فتصوم أربعة عشر ثم أربعة عشر أولها السادس عشر
وان أرادت أربعة عشر صامت ثلاثين متوالية وان أرادت خمسة عشر صامت ثلاثين متوالية يحصل
منها أربعة عشر ثم يبقى يوم وقد سبق بيان طريق اليوم وان أرادت ستة عشر أو سبعة عشر فأكثر
صامت ثلاثين متوالية يحصل منها أربعة عشر ثم يحصل الباقي بطريقة السابق وهذا كله واضح قال
المتولي والبغوي والرافعي وآخرون ولو صامت في جميع هذه الصور قبل خمسة عشر ما عليها
متواليا من غير زيادة وصامت مثله من أول السابع عشر وصامت بينهما يومين مجتمعين أو متفرقين
متصلين بالصوم الأول أو بالثاني أو غير متصلين أجزأها وبرئت ذمتها بيقين: هذه طريقة الجمهور: اما
457

صاحب الحاوي فحكى عن الأصحاب حكاية غريبة قال قال أصحابنا إذا أرادت صوم يومين صامت يومين
في أول الشهر ويومين في أول النصف الثاني وان أرادت ثلاثة صامت ثلاثة في الأول وثلاثة
في أول النصف الثاني وان أرادت أربعة أو أكثر فكذلك تصوم القدر الذي عليها ثم تفطر
تمام خمسة عشر ثم تصوم مثل الذي عليها قال وهذا الذي أطلقه الأصحاب ليس بصحيح وإنما
يصح في حق من علمت أن حيضها يبتدئ في الليل واما من لم تعلم فلا يجزيها في اليومين الا ستة
من ثمانية عشر ثم ذكر طريقة الجمهور التي ذكرناها وهذا الذي حكاه عن الأصحاب غريب جدا
ومع غرابته هو جار على قول المتقدمين أنها إذا صامت رمضان حصل لها خمسة عشر واما طريقة الدارمي فإنها
458

طريقة حسنة بديعة نفيسة بلغت في التحقيق والتنقيح والتدقيق مشتملة على جمل من النفائس الغريبات
والتنبيهات المهمات استدرك فيها على الأصحاب أمورا ضرورية لا بد من بيانها وبسطها أبلغ بسط
فذكر في صيامها يومين وثلاثة وما بعدها إلى أربعة عشر قريبا من ثلاثة أرباع مجلد ضخم وفيها
من المستفادات ما ينبغي أن لا يخلي هذا الكتاب من ذكر مقاصده ولا يليق بطالب تحقيق
باب الحيض بل الفقه مطلقا جهالته والاعراض عنه وقد أفردت مختصر ذلك في كراريس
واذكر هنا مقاصده مختصرة إن شاء الله تعالى * قال رحمه الله إذا أرادت صوم يومين فان ارادتهما
متتابعين فأقل ما يمكن ذلك تصوم ثمانية عشر متوالية فان ارادتهما متفرقين صامت ذلك بثلاثة
من سبعة عشر إلى تسعة وعشرين على التفصيل السابق وان ارادتهما مجتمعين فأقل ما يمكن
تحصيلهما به خمسة أيام كما أن أقل ما يحصل به اليوم ثلاثة أيام وهي ضعفه وواحد فكذا اليومان
ضعفهما وواحد وأقل ما يصح منه هذه الخمسة تسعة عشر فتصوم الأول والثالث والسابع عشر
459

والتاسع عشر ويخلى الرابع والسادس عشر يبقى بينهما أحد عشر يوما تصوم منها يوما أيها
شاءت فيحصل من ذلك أحد عشر قسما بعد أيام التخيير فهذا أقل ما يمكن ان تصوم منه الخمسة
ونحن نريد في ذلك يوما إلى الحد الذي هو أكثر الممكن ومتى قلنا بعد هذا تصوم من الطرفين
أو من أحد الطرفين كذا فمرادنا به في الطرف الأول الأول فما بعده مما يليه متواليا ومرادنا به في
الطرف الآخر الآخر وما قبله مما يليه فان أرادت تحصيل صوم يومين بخمسة من عشرين صامت من أحد
الطرفين الأول والثالث ومن الطرف الآخر الأول والرابع وأخلت يومين يليان الثلاثة ويوما يلي
الأربعة يبقى بين ذلك عشرة أيام تصوم منها يوما أيها شاءت فيحصل في ذلك عشرة أقسام بعد أيام
التخيير وإن شاءت عكست فنقلت الصوم وإلا خلا من طرف إلى طرف فيحصل عشرون قسما عشرة في
الأول وعشرة في عكسه وإن شاءت صامت من كل طرف اليوم الأول والرابع وأخلت يوما من
كل طرف بعد الرابع يبقى عشرة أيام تصوم منها يوما أيها شاءت وهذا القسم لا ينعكس فاضبط
هذا الموضع واعلم أن كل قسم يكون الصوم وإلا خلا في طرف كما في الطرف الآخر لا ينعكس
ومتى خالف طرفا طرفا في شئ من الصوم والا خلا أو الصوم خاصة انعكس بالبدل وهو ان تجعل
ما في كل طرف في الآخر فحصل في طريق صوم يومين بخمسة من عشرين ثلاثون قسما عشرة
انعكست وعشرة لم تنعكس اما إذا أرادت تحصيل يومين بخمسة من أحد وعشرين فتصوم من
طرف الأول والثالث ومن طرف الأول والخامس وتخلى ثلاثة تلي الثلاثة ويوما يلي الخمسة
يبقى بين ذلك تسعة أيام تصوم أيها شاءت ولها ان تبدل ما في أحد الطرفين بالآخر فيكون
ثمانية عشر قسما وإن شاءت صامت الأول والرابع من كل طرف وأخلت من كل طرف يومين
يليان الصوم تبقى تسعة تصوم منها يوما وهذه تسعة أقسام ولا تنعكس لتساوي الصوم وإلا خلا
460

في كل طرف وإن شاءت صامت من طرف الأول والرابع ومن طرف الأول والخامس وأخلت
يومين يليان الأربعة ويوما يلي الخمسة تبقى تسعة تصوم أيها شاءت وهذا القسم ينعكس
لاختلاف اليوم والاخلا وإن شاءت صامت من كل طرف الأول والخامس وأخلت يوما من
كل طرف وصامت من التسعة الباقية يوما وهذا القسم لا ينعكس فجملة أقسام الأحد
والعشرين أربعة وخمسون قسما * أما إذا أرادت تحصيل يومين بخمسة من اثنين وعشرين فتصوم
من طرف الأول والثالث ومن طرف الأول والسادس وتخلي أربعة تلي الثلاثة ويوما
يلي الستة تبقى ثمانية تصوم يوما منها ولها العكس وإن شاءت صامت من طرف الأول والرابع ومن
طرف الأول والخامس وأخلت ثلاثة تلي الأربعة ويومين يليان الخمسة يبقي ثمانية تصوم منها يوما
ولها العكس وإن شاءت صامت من طرف الأول والرابع ومن طرف الأول والسادس وأخلت
ثلاثة تلي الأربعة ويوما يلي الستة وصامت يوما من الثمانية الباقية ولها العكس للاختلاف وإن شاءت
صامت الأول والخامس من كل طرف وأخلت يومين ومن كل طرف ثم صامت يوما من الثمانية
الباقية وهذا لا ينعكس لعدم الاختلاف وإن شاءت صامت الأول والخامس من طرف والأول
والسادس من طرف وأخلت يومين يليان الخمسة ويوما يلي الستة وصامت يوما من الثمانية وهذا ينعكس
للاختلاف وإن شاءت صامت الأول والسادس من كل طرف وأخلت يوما من كل طرف وصامت يوما من
الثمانية وهذا لا ينعكس فجملة الأقسام ثمانون اما إذا أرادت تحصيل يومين بخمسة من ثلاثة وعشرين فتصوم
من طرف الأول والثالث ومن طرف الأول والسابع وتخلى خمسة تلي الثلاثة ويوما يلي السبعة يبقى
بينهما سبعة تصوم منها يوما وينقسم هذا اليوم بحسب ما سبق وجملة أقسامه مائة وخمسة أقسام
أوضحتها في المختصر من كتاب الدارمي مفصلة اما إذا أرادت يومين بخمسة من أربعة
وعشرين فتصوم الأول والثالث من طرف والأول والثامن من طرف وتخلي ستة تلي الثلاثة ويوما
يلي الثمانية ثم تصوم يوما من الستة الباقية وينقسم بحسب ما مضى فجملة أقسامه مائة
وستة وعشرون قسما أما إذا أرادت يومين بخمسة من خمسة وعشرين فتصوم
الأول والثالث من طرف والأول والتاسع من طرف وتخلي سبعة أيام تلي الثلاثة ويوما يلي السبعة
وتصوم يوما من الخمسة الباقية وينقسم كما سبق فجملة أقسامه مائة وأربعون أما إذا أرادت يومين
461

بخمسة من ستة وعشرين فتصوم الأول والثالث من طرف والأول والعاشر من طرف وتخلي
ثمانية تلي الثلاثة ويوما يلي العشرة وتصوم يوما من الأربعة الباقية وجملة أقسامه مائة وأربعة
وأربعون قسما أما إذا أرادت تحصيل يومين بخمسة من سبعة وعشرين فتصوم الأول والثالث
من طرف والأول والحادي عشر من طرف وتخلي تسعة تلي الثلاثة ويوما يلي الأحد عشر وتصوم
يوما من الثلاثة الباقية وجملة أقسامه مائة وخمسة وثلاثون أما إذا أرادت يومين بخمسة من ثمانية
وعشرين فتصوم الأول والثالث من طرف والأول والثاني عشر من طرف وتخلي عشرة تلي الثلاثة
ويومين تلي الاثني عشر وتصوم يوما من اليومين الباقيين فجملة أقسامه مائة وعشرة أقسام أما إذا
أرادت يومين بخمسة من تسعة وعشرين فتصوم الأول والثالث من طرف والأول والثالث عشر
من طرف وتخلى أحد عشر تلي الثلاثة ويوما يلي الثلاثة عشر وتصوم اليوم الباقي بينهما وهو
متعين في جميع أقسام التسعة والعشرين فلا يتصور فيه تخيير بخلاف ما قبل التسعة والعشرين فجملة
أقسامه ستة وستون قسما فجميع الأقسام في صوم يومين بخمسة من جملة تسعة عشر إلى تسعة وعشرين
ألف قسم وقسم أما إذا أرادت يومين بخمسة من أكثر من تسعة وعشرين فلا يصح هذا
ما يتعلق بصوم اليومين وبالله التوفيق *
(فرع) في صيامها ثلاثة أيام: قد سبق أن طريقة الجمهور في صوم الثلاثة أن تضعفها وتزيد
يومين فتصير ثمانية تصوم أربعة وتفطر تمام خمسة عشر ثم تصوم أربعة أولها السادس عشر وسبق
أن صاحب الحاوي نقل عن الأصحاب أنها تصوم ثلاثة في أول الشهر وثلاثة في أول النصف
الآخر وأما طريقة الدارمي فبسطها بسطا لم يبلغ أحد قريبا منه في مسألة فبلغ بها نحو ثمان كراريس
وليس فيها الا بيان صومها ثلاثة أيام وأتى فيها من العجائب والتدقيقات بما لا مزيد عليه وقد
أوضحتها في المختصر وأشير هنا إلى بعض من كل نوع وقد سبق طريق بسطه * قال الدارمي رحمه
الله * إذا أرادت صوم ثلاثة أيام متوالية صامت تسعة عشر متوالية فيحصل منها ثلاثة وان أرادت
ان تفرد كل يوم صامت تسعة أيام كل ثلاثة من سبعة عشر كما سبق في صوم اليوم وان أرادت أن
تصوم يومين على ما ذكرنا في اليوم ويوما على ما ذكرنا في اليوم جاز وحصل الثلاثة بثمانية
اليومان بخمسة واليوم بثلاثة وان أرادت الثلاثة بحكم مفرد كما صامت اليومين بحكم مفرد فأقل
462

ما تحصل به الثلاثة سبعة أيام وهو ضعفها وواحد كما قلنا في اليوم واليومين وأقل ما يحصل منه
هذه السبعة أحد وعشرون يوما فتصوم في كل طرف الأول والثالث والخامس
وتخلي مما يلي كل خمسة يوما وتصوم يوما من السبعة الباقية فالأقسام تسعة بعدد أيام
التخيير ولها أن تزيد في عدد الأيام التي تصوم السبعة منها كما كان لها ذلك في اليوم واليومين
فان أرادت ذلك من اثنين وعشرين يوما صامت الأول والثالث والخامس من طرف والأول والرابع
والسادس من طرف وأخلت يومين يليان الخمسة ويوما يلي الستة وصامت يوما من الثمانية الباقية وإن شاءت
صامت الأول والثالث والسادس من الطرفين أو الأول والثالث والسادس من طرف والأول
والرابع والسادس من طرف فجملة الأقسام في الاثنين والعشرين أربعون اما إذا أرادت تحصيل
سبعة من ثلاثة وعشرين فتصوم الأول والثالث والخامس من طرف والأول والخامس والسابع من طرف
وتخلي ثلاثة تلي الخمسة ويوما يلي السبعة وتصوم يوما من السبعة الباقية وإن شاءت صامت الأول والثالث
والسادس من طرف والأول والرابع والسابع من طرف وله أقسام كثيرة تبلغ مائة وخمسة أقسام
أوضحتها في المختصر اما إذا أرادت تحصيل ثلاثة بسبعة من أربعة وعشرين فتصوم الأول والثالث
والخامس من طرف والأول والسادس والثامن من طرف وتخلي أربعة تلي الخمسة ويوما يلي الثمانية
وتصوم يوما من الستة الباقية وإن شاءت صامت الأول والثالث والسادس من طرف والأول والخامس
والثامن من طرف وتبلغ أقسامه مائتين وعشرة أقسام أما إذا أرادت ثلاثة بسبعة من خمسة وعشرين
فتصوم الأول والثالث والخامس من طرف والأول والسابع والتاسع من طرف وتخلي خمسة تلي
الخمسة ويوما يلي التسعة وتصوم يوما من الخمسة الباقية وإن شاءت صامت الأول والثالث والسادس
من طرف والأول والسادس والتاسع من طرف وله أقسام كثيرة تبلغ ثلاثمائة وخمسين قسما أوضحتها
في المختصر اما إذا أرادت ثلاثة بسبعة من ستة وعشرين فتصوم الأول والثالث والخامس من طرف
والأول والثامن والعاشر من طرف وتخلى ستة تلي الخمسة ويوما يلي العشرة وتصوم يوما من الأربعة
الباقية وإن شاءت صامت الأول والثالث والسادس من طرف والأول والسابع والعاشر من طرف
وله أقسام كثيرة تبلغ خمسمائة قسم وأربعة أقسام أوضحتها في المختصر اما إذا أرادت ثلاثة بسبعة
من سبعة وعشرين فتصوم الأول والثالث والخامس من طرف والأول والتاسع والحادي عشر
463

من طرف وتخلي سبعة تلي الخمسة ويوما يلي الأحد عشر وتصوم ويوما من الثلاثة الباقية وإن شاءت
صامت الأول والثالث والسادس من طرف والأول والثامن والحادي عشر من طرف
وله أقسام تبلغ ستمائة قسم وثلاثين قسما اما إذا أرادت ثلاثة بسبعة من ثمانية وعشرين فتصوم
الأول والثالث والخامس من طرف والأول والعاشر والثاني عشر من طرف وتخلى ثمانية تلي الخمسة
ويوما يلي الاثني عشر وتصوم يوما من اليومين الباقيين وجملة أقسامه ستمائة وستون قسما اما إذا
أرادت ثلاثة بسبعة من تسعة وعشرين فتصوم الأول والثالث والخامس من طرف والأول
والحادي عشر والثالث عشر من طرف وتخلى تسعة تلي الخمسة ويوما يلي الثلاثة عشر وتصوم
اليوم الباقي بينهما وهو متعين وإن شاءت أبدلت الأقسام وجملة أقسامه أربعمائة وخمسة وتسعون
قسما فتصير جميع الأقسام في تحصيل ثلاثة أيام بسبعة من أحد وعشرين إلى تسعة
وعشرين ثلاثة آلاف وثلاثة أقسام اما إذا أرادت ثلاثة بسبعة من ثلاثين فأكثر فلا يصح
[فرع] في صيامها أربعة أيام فان أرادتها متوالية صامت عشرين يوما متوالية وان أرادتها
متفرقة يوما فعلت ما ذكرناه في صوم اليوم وان أرادت صيامها يومين يومين فعلت ما قدمناه
في اليومين وان أرادت ثلاثة متوالية ويوما فردا فعلت في الثلاثة ما سبق فيها وفى اليوم ما بيناه فيه
وكذلك كلما أرادت صيام أيام فلها تفريقها وصومها على ما ذكرناه في أقل منها ولها صومها على
ما نذكره فيها فان أرادت تحصيل الأربعة على قياس ما سبق فيما قبلها والتفريع على طريقة الدارمي
فأقل ما تحصل به صوم تسعة أيام وهو ضعفها وواحد كما سبق في اليوم واليومين والثلاثة وأقل
ما تحصل منه هذه التسعة ثلاثة وعشرون فتصوم الأول والثالث والخامس والسابع من الطرفين
وتخلي يوما يلي السبعة فيهما وتصوم يوما من السبعة الباقية فأقسامه سبعة أما إذا أرادت تحصيل
الأربعة بتسعة من أربعة وعشرين فتصوم الأول والثالث والخامس والسابع من طرف والأول
والرابع والسادس والثامن من طرف وتخلى يومين يليان السبعة ويوما يلي الثمانية وتصوم يوما
من الستة الباقية ولها الابدال وأقسامه اثنان وأربعون قسما أما إذا أرادت تحصيل أربعة بتسعة
من خمسة وعشرين فتصوم الأول والثالث والخامس والسابع من طرف والأول والخامس والسابع
464

والتاسع من طرف وتخلي ثلاثة تلي السبعة ويوما يلي التسعة وتصوم يوما من الخمسة الباقية ولها
الابدال وأقسامه مائة وأربعون أما إذا أرادت تحصل أربعة بتسعة من ستة وعشرين فتصوم
الأول والثالث والخامس والسابع من طرف والأول والسادس والثامن والعاشر من طرف وتخلى
أربعة تلي السبعة ويوما يلي العشرة وتصوم يوما من الأربعة الباقية ولها الابدال وأقسامه ثلاثمائة
وستة وثلاثون قسما أما إذا أرادت تحصيل أربعة بتسعة من سبعة وعشرين فتصوم الأول والثالث
والخامس والسابع من طرف والأول والسابع والتاسع والحادي عشر من طرف وتخلي خمسة تلي
السبعة ويوما يلي الأحد عشر وتصوم يوما من الثلاثة الباقية ولها الابدال وأقسامه ستمائة وثلاثون
قسما أما إذا أرادت أربعة بتسعة من ثمانية وعشرين فتصوم الأول والثالث والخامس والسابع
من طرف والأول والثامن والعاشر والثاني عشر من طرف وتخلي ستة تلي السبعة ويوما يلي الاثني
عشر وتصوم يوما من اليومين الباقيين ولها الابدال وأقسامه سبعمائة وثمانية وعشرون قسما اما إذا
أرادت تحصيل أربعة بتسعة من تسعة وعشرين فتصوم الأول والثالث والخامس والسابع من
طرف والأول والتاسع والحادي عشر والثالث عشر من طرف وتخلي سبعة تلي السبعة ويوما يلي
الثلاثة عشر وتصوم اليوم الباقي ولها الابدال وأقسامه تسعمائة وأربعة وعشرون قسما فجملة الأقسام
في تحصيل أربعة بتسعة من ثلاثة وعشرين إلى تسعة وعشرين ثلاثة آلاف وسبعة أقسام *
[فرع] في صيامها خمسة أيام أن أرادت خمسة متوالية صامت أحدا وعشرين يوما متوالية
وان أرادتها مفرقة صامتها على ما سبق فيما قبلها وان أرادت صومها على قياس ما مضي صامت
ضعفها وواحدا وذلك أحد عشر يوما وأقل ما تصح منه خمسة وعشرون يوما فتصوم الأول والثالث
والخامس والسابع والتاسع من الطرفين وتخلي يوما ويوما وتصوم يوما من الخمسة الباقية وان أرادت
الخمسة بأحد عشر من ستة وعشرين صامت الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع من طرف
والأول والرابع والسادس والثامن والعاشر من طرف وأخلت يومين ويوما وصامت يوما من
الأربعة الباقية ولها الابدال وأقسامه ستة وثلاثون أن أرادت الخمسة بأحد عشر من سبعة
465

وعشرين صامت الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع من طرف والأول والخامس والسابع
والتاسع والحادي عشر من طرف وأخلت ثلاثة ويوما وصامت يوما من الثلاثة الباقية ولها الابدال
وجملة أقسامه مائة وخمسة وثلاثون وأن أرادت الخمسة بأحد عشر من ثمانية وعشرين صامت
الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع من طرف والأول والسادس والثامن والعاشر والثاني
عشر وأخلت أربعة ويوما وصامت يوما من اليومين الباقيين وجملة أقسامه ثلاثمائة وأربعة وثلاثون
قسما وأن أرادت الخمسة بأحد عشر من تسعة وعشرين صامت الأول والثالث والخامس والسابع
والتاسع من طرف والأول والسابع والتاسع والحادي عشر والثالث عشر من طرف وأخلت خمسة
ويوما وصامت اليوم الباقي وأقسامه أربعمائة وسبعة وسبعون فجملة الأقسام في تحصيل خمسة
بأحد عشر من خمسة وعشرين إلى تسعة وعشرين تسعمائة وخمسة وثمانون قسما *
[فرع] في صيامها ستة أيام: ان أرادتها متوالية صامت اثنين وعشرين يوما متوالية وان
ارادتها متفرقة فقد سبق بيانها وأن أرادتها على قياس ما سبق صامت ضعفها وواحدا وذلك ثلاثة
عشر يوما وأقل ما تحصل منه الثلاثة عشر سبعة وعشرون فتصوم الأول والثالث والخامس والسابع
والتاسع والحادي عشر من الطرفين وتخلي يوما ويوما وتصوم يوما من الثلاثة الباقية وان أرادت
الستة بثلاثة عشر من ثمانية وعشرين صامت الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع والحادي
عشر من طرف والأول والرابع والسادس والثامن والعاشر والثاني عشر من طرف وأخلت يومين
ويوما وصامت يوما من اليومين الباقيين ولها الابدال وأقسامه اثنان وعشرون وأن أرادت
الستة بثلاثة عشر من تسعة وعشرين صامت الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع والحادي
عشر من طرف والأول والخامس والسابع والتاسع والحادي عشر والثالث عشر من طرف وأخلت
ثلاثة ويوما وصامت اليوم الباقي ولها الابدال وأقسامه ستة وستون فجملة الأقسام في تحصيل
ستة بثلاثة عشر من سبعة وعشرين إلى تسعة وعشرين أحد وتسعون قسما *
[فرع] في صيامها سبعة أيام: أن أرادتها متوالية صامت ثلاثة وعشرين متوالية وأن ارادتها
466

مفرقة فقد سبق بيانها وان ارادتها على قياس ما مضى صامت ضعفها وواحدا وذلك خمسة عشر
وتحصل من تسعة وعشرين فتصوم الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع والحادي عشر
والثالث عشر من الطرفين وأخلت يوما ويوما وصامت اليوم الباقي وهذا النوع قسم واحد فلا
تصح سبعة من خمسة عشر من أقل من تسعة وعشرين ولا أكثر منها *
[فرع] في صيامها ثمانية أيام: أقل ما يكفيها للثمانية ثمانية عشر وأقل ما يصح منه ذلك أربعة
وعشرون فتصوم ثمانية من كل طرف ويومين من الثمانية الباقية أيها شاءت وأقسامه ثمانية وعشرون
وان ارادتها بثمانية عشر من خمسة وعشرين صامت ثمانية من كل طرف ويومين من التسعة الباقية
وكذا ان ارادتها من ستة وعشرين إلى ثلاثين ولها الابدال *
[فرع] في صيامها تسعة: أقل ما تصح منه عشرون من خمسة وعشرين فتصوم تسعة من كل
طرف ويومين من السبعة الباقية وأقسامه أحد وعشرون وأن أرادت ذلك من ستة وعشرين إلى
ثلاثين فعلت ما سبق *
[فرع] في صيامها عشرة: أقل ما تصح منه اثنان وعشرون من ستة وعشرون فتصوم عشرة
في كل طرف ويومين في الستة الباقية وأقسامه خمسة عشر وأن أرادت ذلك من سبعة وعشرين
إلى ثلاثين فعلت ما سبق *
[فرع] في صومها أحد عشر: أقل ما نصح منه أربعة وعشرون من سبعة وعشرين فتصوم
أحد عشر من كل طرف ويومين من الخمسة الباقية وأقسامه عشرة وان ارادته من ثمانية وعشرين
إلى ثلاثين فعلت *
[فرع] في صومها اثني عشر: أقل ما تصح منه ستة وعشرون من ثمانية وعشرين فتصوم من
كل طرف اثنى عشر ويومين من الأربعة الباقية وأقسامه ستة وان ارادته من تسعة وعشرين
أو ثلاثين فعلت *
[فرع] في صومها ثلاثة عشر: تصومها بثمانية وعشرين من تسعة وعشرين فتصوم ثلاثة
467

عشر في كل طرف ويومين من الثلاثة الباقية وأقسامه ثلاثة وان ارادته من ثلاثين فعلت *
[فرع] في صومها أربعة عشر: لا يحصل الا بثلاثين متوالية فان زاد صومها على أربعة عشر
فعلت في أربعة عشر ما ذكرنا وفيما دونها ما سبق والله أعلم *
[فصل] في صوم المتحيرة صوما متتابعا لنذر أو كفارة قتل أو جماع في نهار رمضان أو
غير ذلك والتفريع على طريقة المتأخرين انه لا يحصل لها من الشهر الا أربعة عشر قال أصحابنا
إذا أرادت صوم شهرين متتابعين صامت مائة وأربعين يوما متوالية لأنه يحصل لها من مائة
وعشرين ستة وخمسون ومن عشرين الأربعة الباقية ولا ينقطع التتابع بالحيض المختلل وان
أرادت أربعة عشر صامت ثلاثين متوالية وان أرادت يومين صامت ثمانية عشر
وان أرادت ثلاثة صامت تسعة عشر وان أرادت أربعة فعشرين أو خمسة فأحدا وعشرين
وعلى هذا وان أرادت صوما متتابعا وأرادت تخليل فطر بينه صامت ذلك القدر متواليا ثم صامته
مرة أخرى قبل السابع عشر ثم مرة أخرى من السابع عشر فإذا أرادت يومين متتابعتين صامت
يومين متتابعين ثم تصوم السابع عشر والثامن عشر وتصوم بينهما يومين متتابعين هذه طريقة
الأصحاب وخالفهم الدارمي وبسط طريقته بسطا منتشرا فانا ألخص مقاصده إن شاء الله تعالى
قال إذا أرادت صوم يومين متتابعين بستة من ثمانية عشر صامت يومين في أول الثمانية عشر
ويومين في آخرها وأخلت من كل طرف يوما وصامت يومين متتابعين من الاثني عشر الباقية
وفى ذلك أحد عشر قسما أقل من عدد الأيام المخير فيها بيوم وهذا أصل لكل يومين متتابعين
تصومهما من جملة أيام التخيير لأنها تصوم من أيام التخيير الأول والثاني أو الثاني والثالث أو الثالث
والرابع وهكذا إلى آخرها فينقص من عدد الأيام واحد وان أرادت صيامهما بستة من تسعة عشر
صامت يومين من كل طرف وأخلت لكل طرف يومين يليانه وتصوم يومين متتابعين من الأحد
عشر الباقية فتكون أقسامه عشرة وان أرادتهما بستة من عشرين صامت يومين من كل طرف
وأخلت لكل طرف ثلاثة أيام وصامت يومين متتابعين من العشرة الباقية وأقسامه تسعة وان
468

أرادتهما من أحد وعشرين أخلت أربعة وأربعة وصامت يومين أيضا من التسعة الباقية وأقسامه
ثمانية وان أرادتهما من اثنين وعشرين أخلت خمسة وخمسة وصامت يومين من ثمانية وأقسامه
سبعة وان أرادتهما من ثلاثة وعشرين أخلت ستة وستة وصامت يومين من السبعة وأقسامه
ستة وان أرادتهما من أربعة وعشرين أخلت سبعة وسبعة وصامت يومين من الستة وأقسامه خمسة
وان أرادتهما من خمسة وعشرين أخلت ثمانية وثمانية وصامت يومين من الخمسة وأقسامه أربعة
وان أرادتهما من ستة وعشرين أخلت تسعة وتسعة وصامت يومين من الأربعة وأقسامه ثلاثة
وان أرادتهما من سبعة وعشرين أخلت عشرة وعشرة وصامت يومين من الثلاثة وله قسمان
وان أرادتهما من ثمانية وعشرين أخلت أحد عشر واحد عشر وصامت اليومين الباقيين
وله قسم واحد وان أرادتهما من تسعة وعشرين لم يكن الا بزيادة في الصوم لأنها تحتاج أن تخلى
اثنى عشر واثني عشر فلا يبقى بينهما يومان فأقل ما يمكن تصحيحه منه من تسعة وعشرين أن
469

تصوم من كل طرف يومين وتخلى في كل طرف احدى عشر وتصوم الثلاثة الباقية وان أرادتهما
من ثلاثين فعلت ما ذكرناه في تسعة وعشرين الا انها تصوم الأربعة الباقية أما إذا أرادت صوم
ثلاثة أيام متتابعة فأقل ما تصح منه تسعة عشر تصوم ثلاثة من كل طرف وتخلى يوما ويوما وتصوم
الثلاثة متتابعة من الأحد عشر الباقية وأقسامه تسعة أقل من أيام التخيير بيومين وإن أرادت
ثلاثة من عشرين صامت ثلاثة من كل طرف وأخلت يومين ويومين وصامت ثلاثة من العشرة
الباقية وأقسامه ثمانية والذي أراه اختصار العبارة فقد وضح الطريق وعلم أنها تصوم من كل طرف
الأيام التي تريدها وتصومها مرة ثالثة من الأيام الباقية بعد الأخلاء وعلم أيضا ان الأخلاء
يكون من كل طرف بقدر ما أخلي من الطرف الآخر وعلم أيضا ان الأقسام أقل
من الأيام بالقدر الذي نذكره في أول كل فصل فالأقسام في هذا الفصل أقل من الأيام الباقية بيومين
فنقتصر بعد هذا على ذكر الأخلاء من أحد الطرفين فإذا أرادت ثلاثة من أحد وعشرين أخلت
ثلاثة وأقسامه سبعة وإذا أرادتها من اثنين وعشرين أخلت ستة ومن ثلاثة وعشرين تخلي خمسة
وأقسامه خمسة ومن أربعة وعشرين تخلي ستة وأقسامه أربعة ومن خمسة وعشرين تخلي سبعة وأقسامه
470

ثلاثة ومن ستة وعشرين تخلي ثمانية وله قسمان ومن سبعة وعشرين تخلي تسعة وله قسم واحد ومن
ثمانية وعشرين لا يمكن الا بزيادة صوم فتصوم ثلاثة من كل طرف وتخلي تسعة وتسعة وتصوم
الأربعة الباقية ومن تسعة وعشرين تصوم الخمسة الباقية ومن ثلاثين الستة الباقية اما إذا أرادت
صوم أربعة متتابعة فتصح بصوم اثنى عشر وأقل ما تصح منه عشرون فتصوم في كل طرف
أربعة وتخلى يوما ويوما وتصوم أربعة من العشرة الباقية وأقسامه سبعة أقل من الأيام بثلاثة وان
ارادتها من أحد وعشرين أخلت يومين وأقسامه ستة ومن اثنين وعشرين تخلي ثلاثة
ومن ثلاثة وعشرين أربعة ومن أربعة وعشرين خمسة ومن خمسة وعشرين ستة ومن ستة وعشرين
سبعة ومن سبعة وعشرين لا يمكن الا بزيادة صوم فتخلي سبعة وتصوم الخمسة الباقية ومن ثمانية
وعشرين تصوم الستة الباقية ومن تسعة وعشرين السبعة الباقية ومن ثلاثين الثمانية الباقية اما إذا
أرادت خمسة متتابعة فتصح بصوم خمسة عشر وأقل ما تصح منه أحد وعشرون فتصوم خمسة
من كل طرف وتخلي يوما ويوما وتصوم خمسة من التسعة الباقية وأقسامه خمسة ومن اثنين
وعشرين تخلي يومين وأقسامه أربعة ومن ثلاثة وعشرين تخلي ثلاثة ومن أربعة وعشرين أربعة
ومن خمسة وعشرين خمسة وتصوم الخمسة الباقية ومن ستة وعشرين لا يمكن الا بزيادة صوم
فتصوم خمسة في كل طرف وتخلي خمسة في كل طرف وتصوم الستة الباقية ومن سبعة وعشرين
471

تصوم السبعة الباقية ومن ثمانية وعشرين الثمانية الباقية ومن تسعة وعشرين التسعة ومن ثلاثين
العشرة الباقية أما إذا أرادت ستة متتابعة فتصح بصوم ثمانية عشر وأقل ما تصح منه اثنان
وعشرون فتصوم ستة من كل طرف وتخلي يوما من كل طرف وتصوم ستة من الثمانية الباقية
وأقسامه ثلاثة ومن ثلاثة وعشرين تخلي يومين ومن أربعة وعشرين ثلاثة ومن خمسه وعشرين
لا يمكن الا بزيادة فتصوم ستة من كل طرف وتخلي ثلاثة وتصوم السبعة الباقية ومن ستة وعشرين
تصوم الثمانية الباقية ومن سبعة وعشرين التسعة الباقية ومن ثمانية وعشرين العشرة الباقية ومن
تسعة وعشرين الأحد عشر الباقية ومن ثلاثين الاثني عشر الباقية اما إذا أرادت سبعة
متتابعة فتصح بأحد وعشرين من ثلاثة وعشرين ولا يحصل بأقل من هذا فتصوم من كل طرف
سبعة ونخلي يوما ويوما وتصوم السبعة الباقية فان ارادتها من أربعة وعشرين صامت الثمانية الباقية
ومن خمسة وعشرين التسعة الباقية ومن ستة وعشرين العشرة الباقية ومن سبعة وعشرين
الأحد عشر ومن ثمانية وعشرين الاثني عشر ومن تسعة وعشرين الثلاثة عشر ومن ثلاثين
الأربعة عشر الباقية أما إذا أرادت ثمانية متتابعة فلا تصح الا من متتابع وكذا ما زاد فأقل
ما تصح منه ثمانية أربعة وعشرون وأقل ما تصح منه تسعة خمسة وعشرون والله أعلم *
[فصل] في تحصيل المتحيرة صلاة أو صلوات مقضيات أو منذورات وهذا الذي نذكره فيه
472

تفريع على طريقة المصنف والشيخ أبي زيد والمتأخرين في أنها إذا صامت رمضان حصل منه أربعة عشر وفسد
ستة عشر قال أصحابنا قضاء الصلاة يجرى على قياس قضاء الصوم فإذا أرادت صلاة واحدة مقضية أو منذورة
أو نحوها صلتها متى شاءت بغسل ثم أمهلت زمانا يسع الغسل وتلك الصلاة ثم تعيدها بغسل آخر
ولها تأخير الصلاة الثانية وغسلها إلى آخر الخامس عشر من حين بدأت بالأولى ثم تمهل من أول
السادس عشر قدر الامهال الأول ثم تعيدها بغسل آخر مرة ثالثة قبل تمام شهر من المرة الأولى
ويشترط الا تؤخر الثالثة عن أول ليلة السادس عشر أكثر من قدر الامهال بين آخر الأولي
وأول الثانية ولها ان تنقصه عن قدر الامهال إن كان امهالا طويلا بشرط الا ينقص عن قدر أقل
الامهال وهو ما يسع تلك الصلاة وغسلها فلو اغتسلت وصلت ثم أمهلت إلى أول اليوم الثاني
فاغتسلت وصلتها فلها ان تفعل الثالثة بغسلها بعد أن يمضي من أول السادس عشر قدر الصلاة
الأولي وغسلها ولها ذلك في أول السابع عشر وما بينهما ولا يجوز تأخيره عن أول السابع عشر
وان صلت الثانية في أول العاشر فلها فعل الثانية بعد مضى قدرها وغسلها من أول السادس عشر
إلى أول السادس والعشرين ولا يجوز بعده قال امام الحرمين وغيره ولا فرق بين الصلاة وصوم
يوم في هذا الا ان الصوم يستوعب يوما فيكون الامهال الأول يوما فأكثر والصلاة تحصل في
لحظة فكفى الامهال بقدرها وهذا الامهال شرط لابد منه فلو أخلت به في أحد الطرفين لم يجزها
473

الصلاة لأنها ان تركت الامهال الأول وصلت الصلاة الثانية متصلة بالأولى احتمل انقطاع الحيض
في أثناء الثانية وابتداؤه في الثالثة وأن تركت الامهال الثاني فصلت الثالثة متصلة بالخمسة عشر
احتمل انقطاع الحيض في الأولي وابتداؤه في الثالثة هذا حكم الصلاة الواحدة * فان أرادت صلوات
فهي مخيرة بين طريقين أحداهما وهي التي ذكرها المتولي والبغوي وآخرون ونقلها امام الحرمين
عن الأئمة انها كالصلاة الواحدة فتصلى تلك الصلوات ثلاث مرات كما ذكرنا في الصلاة الواحدة
وتفعلهن في كل مرة متواليات وتغتسل في كل مرة للصلاة الأولى وتتوضأ لكل واحدة من الباقيات
وسواء اتفقت الصلاة أم اختلفت ويشترط من الامهال ما سبق في الصلاة الواحدة *
ويكون مجموع الصلاة كالواحدة فتمهل بعد فعلهن زمانا يسعهن كلهن مع الغسل والوضوءات
والطريق الثاني ذكره امام الحرمين وغيره أخف من هذا وهو أنه إن كانت الصلوات متفقات كمائة صبح
ضعفتهن وزادت صلاتين ثم قسمت الجملة نصفين فصلت في أول شهر مائة صبح وصبحا متواليات
ثم صلت في أول السادس عشر مائة وصبحا ويجب لكل صلاة من الجميع غسل جديد بخلاف
الطريق الأول فإذا فعلت هذا حصل لها مائة صبح بيقين لأنه ان قدر ابتداء الحيض في نصف
الصبح الأولى فسد ما أتت به في النصف الأول من الشهر وانقطع في نصف الصبح الأولى من
أول السادس عشر فيبقى بعدها مائة وان بدا في الصلاة الموفية مائة من الأولى وانقطع في الموفية
مائة من السادس عشر وحصل تسع وتسعون في الأول مع الزائدة على المائة في السادس عشر وان
بدا في الموفية عشرين أو أربعين أو غيرها انقطع في مثلها في السادس عشر ويحصل تمام المائة مما
474

قبل ابتدائه وبعد انقطاعه قال امام الحرمين وغيره ويشترط أن يكون زمن جملة الأغسال
والصلوات في الأول مثل زمنها في السادس عشر ولا يشترط ضبط أزمنة أفراد الأغسال
والصلوات هذا إذا كانت الصلوات متفقات فإن كانت أجناسا بان أرادت عشرين صبحا وعشرين
ظهرا وعشرين عصرا وعشرين مغربا وعشرين عشاء فهذه الصور تخالف صورة المتفقات من حيث
أنه إذا قدر فساد صلاة بانقطاع الحيض احتمل ذلك كل صلاة من الأجناس الخمسة فكل جنس
يحتمل بطلان صلاتين منه فيجب لهذا الاحتمال ان تزيد على الضعف عشر صلوات من كل جنس
صلاتين فتصلي مائة صلاة من كل جنس عشرين وترتب الأجناس فتبدأ بالصبح مثلا ثم تصلى بعد
المائة وقبل انقضاء الخمسة عشر صلوات من كل جنس صلاتين ثم تمهل من أول السادس عشر
زمانا يسع صلاة ثم تعيد المائة من الأجناس على الترتيب السابق فتبرأ مما عليها بيقين لأنه ان بدأ
الحيض في الصلاة الأولي انقطع في ساعة الامهال في أول السادس عشر فتحصل المائة بعدها
وان انقطع الحيض في الصلاة الأول حصل بعدها تسع وتسعون وحصلت الموفية مائة من العشرة
المتوسطة وان انقطع في الصبح الثالثة في الأول عاد في الصبح الثانية من السادس عشر فحصل لها
من الأول مائة الا ثلاثة اصباح وحصل صبحان من العشرة المتوسطة وصبح من المفعولات
السادس عشر وإنما قلنا يعود في الصبح الثانية ولم نقل في الثالثة بسبب ساعة الامهال وعلى هذا
التنزيل تخريج باقي التقديرات وهذا الذي قلناه من ساعة الامهال في أول السادس عشر لابد منه
لأنها لو لم تمهل بل صلت في أول السادس عشر بقي عليها صلاة لاحتمال ابتداء الحيض في الصلاة
الأولي وانقطاعه في الأول وفى السادس عشر ويبقى ذلك مائة الا صلاة فلو فعلت هذا لزمها
إعادة صبح والله أعلم *
* (فصل في طواف المتحيرة) *
قال أصحابنا فعل الصلاة الواحدة وصوم اليوم الواحد وفعل الطواف سواء ففي الأنواع الثلاثة
إذا أرادت واحدا منها فطريقها ان تفعله ثلاث مرات بشرط الامهال الذي ذكرناه في الصوم
475

والصلاة وجميع ما سبق في الصلاة من التقديرات يجئ مثله في الطواف حرفا حرفا اتفق عليه
أصحابنا فإذا أرادت طوافا واحدا أو عددا اغتسلت وطافت ثلاث مرات وتصلي مع كل طواف ركعتيه
فكل طواف مع ركعتيه وغسله كصلاة مع غسلها فتغتسل وتطوف وتصلى الركعتين ثم تمهل قدرا
يسع مثل طوافها وغسله وركعتيه ثم تفعل ذلك ثانية ثم تمهل حتى يمضى تمام خمسة عشرة يوما من
أول اشتغالها بغسل الطواف الأول وتمهل بعد الخمسة عشر لحظة تسع الغسل والطواف
وركعتيه ويكون قدر الامهال الأول ثم تغتسل وتطوف وتصلى ركعتيه مرة ثالثة والغسل واجب
في كل مرة للطواف وأما الركعتان فان قلناهما سنة كفى لهما غسل الطواف وان قلنا واجبتان
فثلاثة أوجه الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور يجب للصلاة وضوء لا تجديد غسل والثاني لا يجب
تجديد غسل ولا وضوء لأنها تابعة للطواف كجزء منه وبهذا قطع المتولي والثالث يجب تجديد
الغسل حكاه أبو علي السنجي في شرح التلخيص والرافعي وهو شاذ ضعيف فان الغسل
للركعتين لا فائدة فيه لأنها إن كانت طاهرا حال الطواف ثم حاضت بعده فغسل الحائض باطل
وإن كانت حائضا حال الطواف ثم طهرت فالطواف باطل فلا تصح ركعتاه وقد صرح الجمهور بان
الغسل لا يجب تجديده للركعتين وإنما اشتهر الخلاف في الوضوء فهذا مختصر ما ذكره المحققون
المتأخرون في الطواف وقال ابن الحداد وأبو علي الطبري والمحاملي وآخرون من كبار المتقدمين
إذا أرادت طوافا أتت به مرتين بينهما خمسة عشر يوما ونقل الشيخ أبو حامد هذا عن أصحابنا
ثم قال وهذا غلط لاحتمال وقوعهما في حيضين وبينهما طهر قال ولكن تطوف ثم تمهل تمام خمسة
عشر يوما من حين شرعت في الطواف ثم تطوف ثانيا وهذا الذي اختاره الشيخ أبو حامد هو
الذي قطع به صاحب الحاوي والشيخ أبو علي السنجي وكل هذا ضعيف أو باطل والصواب
ما قدمناه عن حذاق المتأخرين أنها تطوف ثلاث مرات وقد أطبق عليه متأخرو الخراسانيين
ووافقهم من كبار العراقيين الدارمي والقاضي أبو الطيب بعد تخطئتهما الأصحاب في اقتصارهم على
طوافين وأما قول المصنف وعلى هذا القياس تعمل في طوافها فظاهره أنها إذا أرادت طوافا
واحدا طافته أربع مرات فتطوف مرتين ثم تمهل تمام خمسة عشر ثم تطوف مرتين كما ذكر هو
476

في صوم اليوم الواحد أنها تصومه من أربعة أيام وقد صرح بهذا في الطواف شيخه القاضي
أبو الطيب في كتابه شرح فروع ابن الحداد وهذا صحيح لكن ليس هو متعينا بل الاقتصار على
ثلاث جائز على ما بيناه والله أعلم
(فصل في مسائل ذكرها صاحب البحر تتعلق بالمتحيرة) *
(إحداها) لو صلت امرأة خلف المتحيرة لم يصح اقتداؤها لاحتمال مصادفة الحيض فأشبه
صلاة الرجل خلف خنثى وليس كمن صلى خلف من يشك في حدثه لأن الظاهر هناك الطهارة:
(الثانية) صلت متحيرة خلف متحيرة فيه وجهان الصحيح لا يصح اقتداؤها (الثالثة) وطئ
المتحيرة زوجها في نهار رمضان وهما صائمان وقلنا يلزم المرأة الكفارة للجماع لا يلزمها هنا على
الصحيح من الوجهين لاحتمال الحيض والأصل براءتها: (الرابعة) أفطرت متحيرة لارضاع ولدها
وقلنا يلزم المفطرة للارضاع فدية فلا يلزم المتحيرة على الصحيح لما ذكرناه في الجماع في الصوم
(الخامسة) إذا كان عليها قضاء صوم يوم فقد سبق انها تقضيه بثلاثة أيام فلو صامت يوما من الثلاثة
ثم شكت هل كانت نوت صومه أم لا فوجهان (أحدهما) يحسب لها اليوم ولا أثر للشك لأنه بعد
فراغ اليوم (والثاني) لا يحسب لان صيام الأيام الثلاثة كيوم واحد فأشبه الشك قبل فراغ اليوم
قال وأصل هذا ان من عليه صوم شهرين متتابعين فصام يوما ثم شك هل نوى أم لا: هل غير
النية أم لا هل يلزمه الاستئناف فيه وجهان قلت الأظهر أنه لا يؤثر هذا الشك في الصورتين لأنه
بعد الفراغ حقيقة ولأنه يشق الاحتراز منه (السادسة) لو أرادت المتحيرة الجمع بين الصلاتين في
السفر في وقت الأولى لم يصح لان شرطه ان تتقدم الأولى وهي صحيحة يقينا أو بناء على أصل
ولم يوجد هنا وليس كمن شك هل أحدث أم لا فصلي الظهر فان له ان يصلى بعدها العصر جمعا
لأنه يبنى على أصل الطهارة السابقة (السابعة) إذا قلنا تصح صلاة الطاهر خلف مستحاضة في زمن
محكوم بأنه طهر فصلت خلف مستحاضة لها حيض وطهر في الزمن المشكوك فيه فوجهان أحدهما
لا يصح مطلقا كما يحرم الوطئ مطلقا وأصحهما أن كان المشكوك عقيب الطهر جاز وإن كان عقيب الحيض
477

لم يجز بناءا على الأصل والله أعلم *
[فرع] يجب على الزوج نفقة زوجته المتحيرة: من نص عليه الغزالي في الخلاصة ولا خيار
له في فسخ نكاحها لان جماعها ليس مأيوسا منه بخلاف الرتقاء والله أعلم * (قال المصنف رحمه الله) *
[وإن كانت ناسية لوقت الحيض ذاكرة العدد فكل زمن تيقنا فيه الحيض ألزمناها اجتناب
ما تجتنبه الحائض وكل زمان تيقنا فيه طهرها أبحنا فيه ما يباح للطاهر وأوجبنا ما يجب على الطاهر
وكل زمان شككنا في طهرها حرمنا وطأها وأوجبنا ما يجب على الطاهر احتياطا وكل زمان
جوزنا فيه انقطاع الحيض أوجبنا عليها ان تغتسل فيه للصلاة ويعرف ذلك بتنزيل أحوالها ونذكر
من ذلك مسائل تدل على جميع أحكامها إن شاء الله تعالى وبه الثقة: فإذا قالت كان حيضي عشرة
أيام من الشهر لا أعرف وقتها لم يكن لها حيض ولا طهر بيقين لأنه يمكن في كل وقت أن تكون حائضا
ويمكن أن تكون طاهرا فيجعل زمانها في الصلاة والصوم زمان الطهر وتتوضأ في العشر الأول
لكل فريضة ولا تغتسل لأنه لا يمكن انقطاع الدم فيه فإذا مضى العشر أمرناها بالغسل لامكان
انقطاع الدم ثم نلزمها بعد ذلك أن تغتسل لكل صلاة إلى آخر الشهر لان كل وقت من ذلك
يمكن انقطاع الدم فيه فان عرفت وقتا من اليوم كان ينقطع دمها فيه ألزمناها ان تغتسل كل يوم
في ذلك الوقت ولا يلزمها أن تغتسل في غيره لأنا قد علمنا وقت انقطاع دمها من اليوم وان قالت
كنت أحيض احدى العشرات الثلاث من الشهر فليس لها حيض ولا طهر بيقين فنجعل زمانها
زمان الطهر فتصلي من أول الشهر وتتوضأ لكل فريضة وتغتسل في آخر كل عشر لامكان انقطاع
الدم فيه وأن قالت حيضي ثلاثة أيام في العشر الأول من الشهر فليس لها حيض ولا طهر بيقين
في هذه العشرة فتصلي من أول العشر ثلاثة أيام بالوضوء ثم تغتسل لكل صلاة الا ان تعرف
انقطاع الدم في وقت بعينه فتغتسل ذلك الوقت في كل يوم وتتوضأ في غيره وان قالت كان حيضي
أربعة أيام من العشر الأول صلت بالوضوء أربعة أيام ثم تغتسل لكل صلاة وعلى هذا
التنزيل في الخمس والست والسبع والثمان والتسع فان علمت يقين طهرها في وقت ان قالت
478

كان حيضي عشرة أيام في كل شهر واعلم أنى كنت في العشر الأخيرة طاهرا فإنها في العشر الأول
تتوضأ لكل صلاة لأنه لا يحتمل انقطاع الدم فيه فإذا مضت العشر اغتسلت لكل صلاة إلا أن
تعلم انقطاع الدم في وقت بعينه فتغتسل فيه دون غيره وفي العشر الثالثة طاهر بيقين فتتوضأ لكل
فريضة وان قالت كان حيضي خمسة أيام في العشر الأول وكنت في اليوم الأول من العشر الأول
طاهرا ففي اليوم الأول طهر بيقين فتتوضأ فيه لكل صلاة فريضة وفى اليوم الثاني والثالث والرابع
والخامس طهر مشكوك فيه فتتوضأ فيه لكل فريضة والسادس حيض بيقين فإنه على أي تنزيل
نزلنا لم يخرج اليوم السادس منه فتترك فيه ما تترك الحائض ثم تغتسل في آخره لامكان انقطاع
الدم فيه ثم تغتسل بعد ذلك لكل صلاة إلى آخر العاشر ثم تدخل في طهر بيقين فتتوضأ لكل
فريضة وان قالت كان حيضي ستة أيام في العشر الأول كان لها يومان حيض بيقين وهما الخامس
والسادس لأنه ان ابتدأ الحيض من أول العشر فآخره السادس وان ابتدأ من الخامس فآخره
العاشر والخامس والسادس داخلان فيه بكل حال وان قالت كان حيضي سبعة أيام من العشر
الأول حصل لها أربعة أيام حيض بيقين وهي من الرابع إلى السابع وان قالت ثمانية كان حيضها
بيقين ستة من الثالث إلى آخر الثامن فان قالت تسعة كان ثمانية من الثاني إلى آخر التاسع لما
بينا وان قالت كان حيضي في كل شهر عشرة أيام لا أعرفها وكنت في اليوم السادس طاهرا
فإنها من أول الشهر إلى آخر السادس في طهر بيقين ومن السابع إلى آخر الشهر في طهر مشكوك
فيه فتتوضأ لكل فريضة إلى أن يمضى عشرة أيام بعد السادس ثم تغتسل لامكان انقطاع الدم فيه
ثم تغتسل بعد ذلك لكل صلاة إلا أن تعرف الوقت الذي كان ينقطع فيه الدم فتغتسل كل يوم
فيه دون غيره وان قالت كان حيضي في كل شهر خمسة أيام لا أعرف موضعها واعلم أنى كنت
في الخمسة الأخيرة طاهرا واعلم أن لي طهرا صحيحا غيرها في كل شهر فإنه يحتمل أن يكون حيضها
في الخمسة الأولي والباقي طهر ويحتمل أن يكون حيضها في الخمسة الثانية والباقي طهر ولا يجوز أن
يكون في الخمسة الثالثة لان ما قبلها وما بعدها دون أقل الطهر ويحتمل أن يكون حيضها في الخمسة
479

الرابعة ويكون ما قبلها طهرا ويحتمل أن يكون حيضها في الخمسة الخامسة ويكون ما قبلها طهرا
فيلزمها أن تتوضأ لكل صلاة في الخمسة الأولي وتصلي لأنه طهر مشكوك فيه ثم تغتسل لكل فريضة
من أول السادس إلى آخر العاشر لأنه طهر مشكوك فيه ويحتمل انقطاع الدم في كل وقت منه
ومن أول الحادي عشر إلى آخر الخامس عشر تتوضأ لكل فريضة لأنه طهر بيقين ومن أول
السادس عشر تتوضأ لكل صلاة إلى اخر العشرين لأنه طهر مشكوك فيه لا يحتمل انقطاع الحيض
فيه ثم تغتسل لكل صلاة إلى آخر الخامس والعشرين لأنه طهر مشكوك فيه وتغتسل لكل
صلاة لأنه يحتمل انقطاع الحيض في كل وقت منها ومن أول السادس والعشرين إلى آخر الشهر
تتوضأ لكل فريضة لأنه طهر بيقين وان علمت يقين الحيض في بعض الأيام بأن قالت كان حيضي
في كل شهر عشرة أيام وكنت أكون في اليوم العاشر حائضا فإنه يحتمل أن يكون العاشر آخر
حيضها ويكون ابتداؤها من أول الشهر ويحتمل أن يكون العاشر أول حيضها فيكون آخره التاسع
عشر ويحتمل أن يكون ابتداؤها ما بين اليوم الأول من الشهر واليوم العاشر فهي من أول الشهر
إلى اليوم التاسع في طهر مشكوك فيه ولا يحتمل انقطاع الدم فيه فتتوضأ لكل صلاة وتصلي
واليوم العاشر يكون حيضا بيقين تترك فيه ما يجب على الحائض تركه وتغتسل في آخره ثم تغتسل
لكل صلاة إلى تمام التاسع عشر إلا أن تعلم انقطاع الدم في وقت بعينه فتغتسل فيه من الوقت
إلى الوقت ثم بعد ذلك في طهر بيقين إلى آخر الشهر فتتوضأ لكل صلاة فريضة فان قالت كان
حيضي في كل شهر عشرة أيام ولي في كل شهر طهر صحيح وكنت في اليوم الثاني عشر حائضا
فإنها في خمسة عشر يوما من آخر الشهر في طهر بيقين وفى اليوم الأول والثاني من أو الشهر في
طهر بيقين وفى الثالث والرابع والخامس في طهر مشكوك فيه تتوضأ فيه لكل فريضة وفى السادس
إلى تمام الثاني عشر في حيض بيقين ومن الثالث عشر إلى تمام الخامس عشر في طهر مشكوك
فيه ويحتمل انقطاع الحيض في كل وقت منها فتغتسل لكل صلاة وان قالت كان حيضي خمسة أيام
من العشر الأول وكنت في اليوم الثاني من الشهر طاهرا وفى اليوم الخامس حائضا فإنه يحتمل
أن يكون ابتداء حيضها من الثالث وآخره إلى تمام السابع ويحتمل أن يكون من الرابع وآخره
إلى تمام الثامن ويحتمل أن يكون ابتداؤه من الخامس وآخره تمام التاسع فاليوم الأول والثاني
480

طهر بيقين والثالث والرابع طهر مشكوك فيه والخامس والسادس والسابع حيض بيقين ثم تغتسل
في اخر السابع فيكون ما بعده إلى تمام التاسع طهرا مشكوكا فيه تغتسل فيه لكل صلاة وان قالت
كان لي في كل شهر حيضتان ولا أعلم موضعهما ولا عددهما فان الشيخ أبا حامد الأسفراييني
رحمه الله ذكر ان أقل ما يحتمل أن يكون حيضها يوما من أول الشهر ويوما من آخره ويكون
ما بينهما طهرا وأكثر ما يحتمل أن يكون حيضها أربعة عشر يوما من أول الشهر أو من آخره
ويوما وليلة من أول الشهر أو من آخره ويكون بينهما خمسة عشر يوما طهرا ويحتمل ما بين الأقل
والأكثر فيلزمها أن تتوضأ وتصلي في اليوم الأول من الشهر لأنه طهر مشكوك فيه ثم تغتسل لكل
صلاة إلى آخر الرابع عشر لاحتمال انقطاع الدم فيه ويكون الخامس عشر والسادس عشر طهرا
بيقين لأنه إن كان ابتداء الطهر في اليوم الثاني فاليوم السادس عشر آخره وإن كان من الخامس
عشر فالخامس عشر والسادس عشر داخل في الطهر ومن السابع عشر إلى آخر الشهر طهر
مشكوك فيه وقال شيخنا القاضي أبو الطيب الطبري رحمه الله هذا خطأ لأنا إذا نزلناها هذا
التنزيل لم يجز أن يكون هذا حالها في الشهر الذي بعده بل يجب أن تكون في سائر الشهور
كالمتحيرة الناسية لأيام حيضها ووقته فتغتسل لكل صلاة ولا يطؤها الزوج وتصوم رمضان
وتقضيه على ما بيناه] *
[الشرح] إذا كانت ناسية لوقت الحيض ذاكرة لعدده فالقاعدة فيه أن كل زمان تيقنا
فيه حيضها ثبت فيه جميع أحكام الحيض وكل زمان تيقنا فيه طهرها ثبت فيه جميع أحكام الطاهر
المستحاضة وكل زمان احتمل الحيض والطهر أوجبنا فيه الاحتياط فيجب عليها ما يجب على الطاهر
من العبادات وحكمها في الاستمتاع حكم الحائض ثم إن كان هذا الزمان المحتمل للطهر وللحيض
لا يحتمل انقطاع الحيض لزمها الوضوء لكل فريضة ولا يجب الغسل وإن كان يحتمل انقطاع
الحيض وجب الغسل لكل فريضة لاحتمال انقطاع الدم قبلها فان علمت أنه كان ينقطع في وقت
بعينه من ليل أو نهار اغتسلت كل يوم في ذلك الوقت ولا غسل عليها إلى مثل ذلك الوقت من
اليوم الثاني هذا أصل الفصل وتمهيد قاعدته وعليه يخرج كل ما سنذكره إن شاء الله تعالى
481

وهذا القدر كاف لمن يؤثر الاختصار ولكن عادة الأصحاب ايضاحه ويسطه بالأمثلة وانا أتابعهم
وأذكر إن شاء الله تعالى مسائل مستقصاة ملخصة واضحة في فروع متراسلة ليكون أنشط لمطالعيه
وأبعد من ملالة ناظريه وأيسر في تحصيل المرغوب منه فيه وأسهل في ادراك الطالب ما يبغيه والله
الكريم أستعينه وأستهديه *
[فرع] قال أصحابنا رحمهم الله الحافظة لقدر حيضها إنما ينفعها حفظها وتخرج عن التحير
المطلق إذا حفظت مع ذلك قدر الدور وابتداءه فان فقدت ذلك بان قالت كان حيضي خمسة
عشر أضللتها في دوري ولا أعرف سوى ذلك فلا فائدة فيما ذكرت لاحتمال الحيض والطهر
والانقطاع في كل وقت وكذا لو قالت حيضي خمسة عشر وابتداء دوري يوم كذا ولا اعرف
قدره فلا فائدة فيما حفظت للاحتمال المذكور ولها في هذين المثالين حكم المتحيرة في كل شئ
وهكذا لو قالت كان حيضي خمسة من كل ثلاثين ولا أعرف ابتداءها أو لا أدري أهي
في كل شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين ولا أدري في أي وقت من شهر هي فهذه لها حكم
المتحيرة التي لا تذكر شيئا أصلا وحكمها ما سبق الا في الصيام فإنها إذا قالت كان حيضي
خمسة أيام من ثلاثين وصامت رمضان حصل لها خمسة وعشرون يوما إن كان تاما وعلمت أن
حيضها كان يبتدئها في الليل فان علمت أنه كان يبتدئها في النهار أو شكت حصل لها أربعة وعشرون
يوما ثم إذا أرادت قضاء صوم هذه الخمسة صامت أحد عشر يوما فيحصل لها منها خمسة على كل
تقدير ولا يكفيها صوم عشرة لاحتمال الابتداء في أثناء يوم فيفسد ستة إلا أن تعلم أنه كان يبتدئها
في الليل فيكفيها العشرة ولو كان على هذه التي قالت كان حيضي خمسة من ثلاثين صوم يوم واحد
صامت يومين بينهما أربعة أيام ان علمت أن حيضها كان يبتدئ في الليل فيحصل لها يوم فإن لم
تعلم وقت ابتدائه صامت يومين بينهما خمسة أيام فيحصل أحدهما ولو كان عليها يومان صامتهما
مرتين بينهما ثلاثة أيام ان علمت الابتداء ليلا والا فأربعة وضابطه إذا لم تعلم وقت الابتداء أنها
تضيف إلى أيام الحيض وما لاحتمال الطرآن في أثناء النهار وتصوم ما عليها ثم تفطر بقدر الباقي
من أيام الحيض مع اليوم المضاف ثم تصوم اليوم الذي عليها مرة أخرى فإن كان عليها يومان
وحيضها خمسة من ثلاثين كما ذكرنا أضافت يوما فتصير ستة فتصوم يومين وتفطر أربعة ثم
482

تصوم يومين ولو كان عليها ثلاثة صامتها ثم أفطرت ثلاثة ثم صامت ثلاثة وهكذا ما أشبه
ذلك والله أعلم *
(فرع) إذا قالت حيضي خمسة أيام في كل ثلاثين يوما أو عشرة من عشرين من الشهر أو من
خمسة عشر وشبه ذلك فهذه قد يكون لها حيض بيقين وطهر بيقين ومشكوك فيه يحتمل انقطاع الحيض فيه
ومشكوك فيه لا يحتمله وقد لا يكون حيض ولا طهر بيقين وقد يكون طهر بيقين دون حيض
بيقين ولا يتصور عكسه وطريقة معرفة هذه الأقسام أن ننظر إلى المنسي فإن كان نصف المنسي
فيه أو أقل لم يكن لها حيض بيقين وإن كان أكثر من نصفه كان لها حيض بيقين وهو يقدر
على ما زاد على النصف مرتين ويكون من وسط المنسي فيه ويكون ما قبله مشكوكا فيه لا يحتمل
الانقطاع فتتوضأ لكل فريضة كسائر المستحاضات وما بعده تغتسل لكل فريضة وإن شئت
أسقطت المنسي من المنسي فيه ثم أسقطت بقية المنسي فيه من المنسي فما بقي فهو حيض بيقين وتلك
البقية هي القدر المشكوك فيه من الطرفين مثال ذلك وهو مثال يجمع الأقسام الأربعة: قالت كان
حيضي ستة أيام من العشرة الأولى من الشهر فيجعل شهرها أربعة أقسام الأربعة الأولى زمن
مشكوك فيه يحتمل الانقطاع فتتوضأ فيها لكل فريضة وتصلي والخامس والسادس حيض
بيقين لأنه ان بدأ الحيض في أول العشرة انتهى إلى آخر السادس وان انقطع على العاشر بدأ
من الخامس فالخامس والسادس حيض لدخولهما في التقديرين والسابع والثامن والتاسع والعاشر
مشكوك فيه يحتمل الانقطاع فتغتسل فيها لكل فريضة الا ان تعلم أن الدم كان ينقطع في وقت من اليوم فيكفيها كل يوم غسل واحد في ذلك وتتوضأ لباقي فرائض ذلك اليوم وما بعد العشرة
إلى آخر الشهر طهر بيقين ولو قالت حيضي سبعة أيام من العشرة الأولى فلها أربعة أيام حيض
بيقين وهي الرابع والخامس والسادس والسابع وتتوضأ للثلاثة الأولى وتغتسل للثلاثة الأخيرة
لكل فريضة إلا أن تعلم الانقطاع في وقت بعينه ولو قالت ثمانية من العشرة فحيضها ستة أولها
الثالث ولو قالت تسعة من العشرة فحيضها ثمانية أولها الثاني وتتوضأ في اليوم الأول وتغتسل لكل
فريضة في العاشر ولو قالت ستة من أحد عشر فالسادس حيض بيقين وتتوضأ لكل فريضة
483

في الخمسة الأولى وتغتسل في الخمسة الأخيرة ولو قالت خمسة من التسعة الأولي فالخامس حيض
بيقين وتتوضأ لما قبله وتغتسل لما بعده إلى آخر التاسع وما بعده إلى آخر الشهر طهر بيقين ولو
قالت حيضي عشرة من الشهر فليس لها حيض ولا طهر بيقين فتتوضأ لكل فريضة إلى قبيل
آخر العاشر ثم تغتسل من آخر العاشر إلى آخر الشهر لكل فريضة إلا أن تعلم الانقطاع في وقت
بعينه فيكفيها الغسل فيه كل يوم مرة ولو قالت عشرة من العشرين الأول توضأت إلى قبيل آخر
العاشر ثم اغتسلت إلى آخر العشرين ثم هي طاهرة بيقين في العشر الأخيرة: ولو قالت عشرة
من الخمسة عشر الأولى فالخمسة الأولي تتوضأ والخمسة الثانية حيض بيقين والثالثة تغتسل وباقي
الشهر طهر بيقين ولو قالت خمسة عشر في العشرين الأولى فالخمسة الأولي تتوضأ والثانية والثالثة
حيض بيقين والرابعة تغتسل والعشرة الأخيرة طهر بيقين ولو قالت عشرة في العشرين الأخيرة
فالعشرة الأولي طهر بيقين والثانية تتوضأ والثالثة تغتسل ولو قالت خمسة عشر من العشرين
الأخيرة فالعشرة الأولي طهر بيقين والخمسة الثالثة تتوضأ والرابعة والخامسة حيض بيقين والسادسة
تغتسل ولو قالت حيضي احدى العشرات فلا حيض ولا طهر بيقين فتتوضأ في جميع الشهر إلى
آخر العشرات فتغتسل في آخر كل عشرة ولو قالت حيضي يومان من العشرة الأولي أو قالت
ثلاثة أو قالت أربعة أو قالت خمسة فلا حيض ولا طهر فتتوضأ مدة أيامها ثم تغتسل لكل
فريضة إلى آخر العشرة ثم هي طاهر بيقين *
وأما قول المصنف رحمه الله وعلى هذا التنزيل في الخمس والست والسبع والثمان والتسع فهو
مما عدوه من مشكلات المهذب حتى أن بعضهم قال مراد المصنف أنها إذا قالت لي تسعة أيام
في العشرة الأولي فلا حيض لها بيقين ثم اعترض هذا الحامل وغلط المصنف ولقد أخطأ هذا
الحامل وظلم بوضعه الكلام في غير موضعه فان المصنف رحمه الله أجل قدرا وأعلى محلا من أن يخفى
عليه هذا الذي لا يشك فيه أقل مبتدئ شرح باب الحيض فكيف يظن بهذا الامام أنه يقول
إذا قالت حيضي تسعة أيام من العشرة الأولي فلا حيض لها وأي خفى في هذا ليغلط فيه وإنما
مراد المصنف عطف هذا الكلام على ما تقدم في أول الفصل وهو قوله فكل زمان تيقنا فيه الحيض
ألزمناها اجتناب ما تجتنبه الحائض إلى قوله ويعرف ذلك بتنزيل أحوالها ثم قال ونذكر من ذلك
مسائل تدل على أحكامها فذكر ما ذكر ثم قال وعلى هذا التنزيل في الخمس والست يعنى يعمل
484

ما ذكرناه وبه يعرف يقين الحيض والطهر والمشكوك فيه فيعمل في الست والسبع والثمان والتسع
على ما ذكرنا من التنزيل وهو ان ما احتمل الحيض والطهر فهو مشكوك فيه وما تعين لأحدهما
فهو له وحينئذ إذا قالت خمسة من العشرة فلا حيض بيقين وتتوضأ في خمسة ولو قالت ستة
من العشرة فالخامس والسادس حيض وان قالت سبعة فأربعة حيض أولها الرابع كما سبق ايضاحه
فهذا تأويل صحيح لكلام المصنف وذكر صاحب البيان في كتابه مشكلات المهذب لكلامه
تأويلين أحدهما وهو الذي اقتصر عليه في البيان ان معناه إذا قالت كان حيضي في الخمس
أو الست أو السبع أو الثمان أو التسع أياما لا يزيد على نصف المنسي فيه بأن قالت كان حيضي
في الخمس يومين أو في الست والسبع والثمان والتسع ثلاثة فاقتصر المصنف على ذكر الأيام المنسي
فيها ولم يذكر قدر المنسي وعطف ذلك على ما ذكره في قوله فان قالت كان حيضي في العشرة ثلاثة
أو أربعة لان الثلاثة والأربعة أقل من نصف العشرة (قلت) فعي هذا تكون الخمس والست والسبع
والثمان والتسع معطوفات على العشرة والتأويل الثاني أنه أراد إذا قالت حيضي خمس أو ست
أو سبع أو ثمان أو تسع من أيام لا تزيد هذه المذكورة على نصفها فذكر المنسي دون المنسي فيه
اكتفاء بما ذكره واعتمادا على فهم السامع بعد تقرير القاعدة فهذه ثلاثة أجوبة عن عبارة المصنف
على تقدير ثبوتها عنه وقد قال بعض كبار متأخري أصحابنا المذكورين طبقة أصحاب المصنف
أنه رأى جزءا فيه وصية الشيخ أبى اسحق المصنف رحمه الله إلى الفقهاء وفيه أنه أمرهم بالضرب
على قوله وعلى هذا التنزيل في الخمس والست والسبع والثمان والتسع والله أعلم *
[فرع] فيما إذا عرفت يقين طهرها في وقت من الشهر بان قالت كان حيضي عشرة
من الشهر لا أعلم عينها وأعلم أني كنت في العشرة الأخيرة طاهرا فالعشرة الأولى تتوضأ والثانية
تغتسل لكل فريضة الا ان تعلم الانقطاع في وقت فتقتصر على الغسل فيه كل يوم والعشرة
الأخيرة طهر بيقين وتوجيه هذا ظاهر وكذا ما أشبهه مما أحذف دليله فان ذكرت ما قد يخفى
دليله بينته إن شاء الله تعالى * فان قالت حيضي عشرة من الشهر وكنت في العشرة الأولى طاهرا
فالعشرة الأولى طهر بيقين والثانية تتوضأ والثالثة تغتسل لكل فريضة وان قالت حيضي خمسة
من العشرة الأولي وكنت أكون في اليوم الأول طاهرا فالأول طهر بيقين والثاني والثالث
485

والرابع والخامس تتوضأ لكل فريضة والسادس حيض بيقين والسابع إلى آخر العاشر تغتسل
لكل فريضة وما بعد العاشر إلى آخر الشهر طهر بيقين وان قالت حيضي خمسة من العشرة الأولي
وكنت طاهرا في الثاني فاليومان الأولان طهر بيقين والثالث والرابع والخامس تتوضأ والسادس
والسابع حيض بيقين والثامن والتاسع والعاشر تغتسل لكل فريضة وان قالت حيضي خمسة من
العشرة الأولي وكنت طاهرا في الثالث فالثلاثة الأولي طهر والرابع والخامس تتوضأ والسادس
والسابع والثامن حيض بيقين والتاسع والعاشر تغتسل لكل فريضة وان قالت حيضي عشرة من
الشهر وكنت طاهرا في السادس فالستة الأولي طهر بيقين ومن السابع إلى آخر السادس عشر
تتوضأ ثم بعده تغتسل إلى آخر الشهر لكل فريضة وكذا لو قالت حيضي عشرة من الشهر
وكنت طاهرا في السابع أو الثامن أو التاسع أو العاشر فاليوم الذي كانت فيه طاهرا وما قبله طهر
ثم بعده تتوضأ عشرة أيام ثم تغتسل إلى آخر الشهر وان قالت حيضي عشرة من الشهر وكنت
في الحادي عشر طاهرا فالعشرة الأولي تتوضأ وتغتسل في آخرها لاحتمال الانقطاع والحادي
عشر طهر بيقين وبعده تتوضأ إلى آخر الحادي والعشرين ثم تغتسل بعده إلى آخر الشهر لكل
فريضة وان قالت حيضي خمسة من الشهر وكنت في الخمسة الأخيرة طاهرا أولي طهر صحيح غيرها
فيحتمل أن حيضها الخمسة الأولي والباقي طهر ويحتمل أن تكون الخامسة الثانية والباقي طهر
ويحتمل أن تكون الرابعة ويحتمل أن تكون الخامسة ولا يجوز أن تكون الثالثة لأنه لا يبقى قبلها
ولا بعدها أقل الطهر سوى الخمسة الأخيرة فالخمسة الأولي تتوضأ والثانية تغتسل لاحتمال الانقطاع
والثالثة طهر بيقين والرابعة تتوضأ والخامسة تغتسل لاحتمال الانقطاع والسادسة طهر بيقين وان
قالت حيضي خمسة عشر من الشهر وكنت في الثاني عشر طاهرا فالثاني عشر وما قبله طهر بيقين
والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر تتوضأ والسادس عشر فما بعده إلى آخر السابع
والعشرين حيض بيقين والثلاثة الأخيرة تغتسل لكل فريضة ولو قالت حيضي خمسة من العشرة
الأولى وكنت في السادس طاهرا فحيضها الخمسة الأولي وان قالت كنت في الخامس طاهرا
فحيضها الخمسة الثانية وليست في هاتين ناسية وإن كان سؤالها كسؤال ناسية وان قالت وكنت في
السادس حائضا فالسادس حيض بيقين فتغتسل بعده إلى آخر العشرة وتتوضأ في الأربعة قبله
486

واليوم الأول طهر بيقين ولو قالت وكنت في الخامس حائضا فالخامس حيض وتتوضأ في الأربعة
قبله وتغتسل بعده إلى آخر التاسع ثم ما بعده طهر بيقين وان قالت حيضي خمسة من العشرة الأولى
وكنت في الثاني طاهرا وفى الخامس حائضا فالأول والثاني طهر بيقين وكذا العاشر وما بعده
والخامس والسادس والسابع حيض بيقين وتتوضأ في الثالث والرابع وتغتسل في الثامن والتاسع
ولو قالت لا أعلم قدر حيضي واعلم أني كنت طاهرا في طرفي الشهر فلحظة من أول الشهر ولحظة
من آخره طهر بيقين ثم بعد اللحظة الأولي تتوضأ يوما وليلة ثم تغتسل لكل فريضة إلى أن يبقى
لحظة من آخر الشهر ثم اللحظة مع اللحظة الأولي من الشهر الآتي طهر *
[فرع] فيما إذا عرفت يقين حيضها في وقت من الشهر فان قالت كان حيضي عشرة أيام
في كل شهر لا أعلمها وأعلم أني كنت أكون حائضا في العاشر فتتوضأ إلى آخر التاسع ويكون
العاشر حيضا وتغتسل بعده إلى آخر التاسع عشر ثم باقي الشهر طهر بيقين فان قالت حيضي عشرة
لا أعلمها وكنت حائضا في السادس فالخمسة الأولي تتوضأ والثانية حيض بيقين لدخولها في التقديرين
والثالثة تغتسل لكل فريضة وباقي الشهر طهر بيقين وان قالت حيضي عشرة من الشهر وكنت
حائضا في الثاني عشر فاليومان الأولان طهر بيقين وما بعدهما إلى آخر الحادي عشر تتوضأ
والثاني عشر حيض بيقين وتغتسل بعده إلى آخر الحادي والعشرين وما بعده طهر بيقين ولو
قالت حيضي خمسة عشر وكنت حائضا في الثاني عشر فالثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر
والخامس عشر حيض بيقين والأحد عشر قبلها تتوضأ ومن السادس عشر إلى آخر السادس
والعشرين تغتسل لكل فريضة والأربعة الباقية من الشهر طهر بيقين ولو قالت حيضي في كل شهر
487

عشرة ولي في كل شهر طهر صحيح وكنت في الثاني عشر حائضا فاليومان الأولان طهر بيقين والثالث
والرابع والخامس تتوضأ ومن أول السادس إلى آخر الثاني عشر حيض بيقين والثالث عشر
والرابع عشر والخامس عشر تغتسل لكل فريضة والخمسة عشر الباقية طهر بيقين ولو قالت حيضي
خمسة من العشرة الأولى وكنت في اليوم الأول حائضا فحيضها الخمسة الأولي وان قالت وكنت
في العاشر حائضا فحيضها الخمسة الثانية وليست في الصورتين ناسية وإن كان سؤالها كسؤال الناسية
[فرع] إذا قالت كان لي في كل شهر حيضتان لا أعلم موضعهما ولا قدرهما: قال المصنف
رحمه الله قال ذكر الشيخ أبو حامد أن أقل ما يحتمل أن يكون حيضا يوم من أول الشهر أو آخره
ويوم وليلة من أول الشهر أو آخره ويكون بينهما خمسة عشر يوما طهر أو يحتمل ما بين الأقل
والأكثر فيلزمها ان تتوضأ وتصلي في اليوم الأول من الشهر لأنه طهر مشكوك فيه ثم تغتسل لكل
صلاة إلى آخر الرابع عشر لاحتمال انقطاع الدم فيه ويكون الخامس عشر والسادس عشر طهرا
بيقين لأنه إن كانت ابتداء الطهر في اليوم الثاني فالسادس عشر إلى آخر الشهر طهر مشكوك فيه
وقال شيخنا القاضي أبو الطيب هذا خطأ لأنا إذا نزلنا هذا التنزيل لم يجز أن يكون ذلك حالها
في الشهر الذي بعده بل يجب أن تكون في سائر الشهور كالمتحيرة الناسية لأيام حيضها ووقته
فتغتسل لكل صلاة ولا يطؤها الزوج وتصوم رمضان وتقضيه على ما بيناه هذا كلام المصنف
488

وكذا نقله المتأخرون عن الشيخ أبي حامد وكذا قطع بما قاله أبو حامد وابن الصباغ
وآخرون ونقله صاحب البيان عن أكثر أصحابنا وحكاه القاضي أبو الطيب في تعليقه عن أبي حامد
ثم قال وهذا خطأ بيقين لأنه يحتمل أن يكون اليوم الأخير حيضا فيعقبه خمسة عشر طهرا من الشهر
الثاني فلا يبقى بعد ذلك من الشهر الثاني ما يسع حيضتين قال وكذا قوله إن الخامس عشر والسادس
عشر طهر بيقين ليس بصحيح فيما سوى الشهر الأول قال فالصواب في هذا ان يقال هذا الذي
قالته لا يتصور فكأنها لم تقل شيئا فهي متحيرة لا تحفظ شيئا قال وإنما يصح ما ذكره أبو حامد
فيما إذا قالت لي حيضتان في شهر بعينه فيكون حكمها في ذلك الشهر بعينه ما ذكره وتكون فيما سواه
متحيرة هذا كلام أبى الطيب: وهذا الانكار الذي أنكروه على أبي حامد متوجه على ما نقلوه من
عبارة أبى حامد أنها قالت لي في كل شهر حيضتان والذي رأيته أنا في تعليق أبي حامد إذا قالت
لي حيضتان من الشهر والباقي طهر وهذه العبارة لا تقتضي تكرر ذلك في كل شهر: واعلم أن الشيخ
أبا حامد ارفع محلا وأعظم مرتبة من أن يخفى عليه هذا الذي نقلوه عنه وهو خطأ ظاهر لا يخفى
على أقل متفقه شرح باب الحيض فيتعين حمل كلام الشيخ أبى حامد على ما نقلته عن تعليقه انها
قالت لي في الشهر الفلاني حيضتان فيكون حكمها ما ذكره وقد وافق عليه القاضي أبو الطيب كما
سبق ولا شك في صحة هذا وعبارته تقتضيه: وأما عبارة من يقول ذلك فيما إذا قالت لي في كل
شهر حيضتان فمحمولة على هذا ومعناها لي في كل شهرا حيضة حيضتان وكنت أحيض في صفر وجمادى
489

وشوال مثلا فحصل ان كلام أبي حامد صحيح وانه ينبغي الا يجعل بينه وبين أبى الطيب خلاف:
والله أعلم *
وأما قول المصنف يحتمل ما بين الأقل والأكثر فمعناه انه يحتمل ان حيضها ثلاثة أيام يومان
في آخر الشهر ويوم في أوله ويحتمل عكسه يحتمل انه أربعة بعضها في أوله وبعضها في آخره وكذا خمسة
وستة وسبعة وما بعدها إلى خمسة عشر بعضها في أوله وبعضها في آخره ويحتمل ان الحيض
الأول في اليوم الأول ويحتمل في الثاني أو الثالث أو الثالث عشر وما بينهما والمقصود حيضتان بينهما
خمسة عشر للطهر: وأما قوله فيلزمها ان تتوضأ وتصلى في اليوم الأول لأنه طهر مشكوك فيه فسببه انه
يحتمل ان الحيض الأول بعد اليوم الأول لقوله يحتمل ما بين الأقل والأكثر كما بيناه وأما قوله
ومن السابع عشر إلى آخر الشهر طهر مشكوك فيه فقد يتوهم من لا يفكر أن الطهر في هذه المدة
على صفة واحدة وليس كذلك بل تتوضأ في السابع عشر لأنه لا يحتمل الانقطاع بل تغتسل لكل
فريضة لاحتمال الانقطاع في كل وقت وهذا متفق عليه أطبق أصحابنا الذين ذكروا المسألة على
التصريح به وذكر الشيخ أبو حامد في تعليقه فرعا حسنا لهذه المسألة فقال لو قالت لي في الشهر
يعنى شهرا معينا حيضتان ولي فيه طهر واحد متصل فاليوم الأول حيض بيقين لأنا لو جعلناه
مشكوكا فيه لصار لها طهران وقد قالت طهر واحد ثم يحتمل ما احتملت المسألة الأولي أن تكون
490

أربعة عشر من الأول حيضا وخمسة عشر بعدها طهر واليوم الأخير الحيضة الأخرى وأن يكون
الأول حيضا وبعده خمسة عشر طهر والأربعة الباقية الحيضة الأخرى ويحتمل ما بين ذلك كما سبق
فاليوم الأول مع ليلته حيض بيقين وبعده تغتسل لكل فريضة إلى أخر الأربعة عشر والخامس
عشر والسادس عشر طهر بيقين ثم تتوضأ لكل فريضة من أول السابع إلى آخر التاسع والعشرين
واليوم الأخير حيض بيقين ولا يلزمها الاغتسال لكل فريضة بعد السابع عشر بخلاف المسألة
قبلها لأنه لا يتصور الانقطاع هنا قبل آخر الشهر لأنه لو انقطع لم يبقى بعده طهر كامل ولصار لها
في الشهر أكثر من طهر واحد متصل والله أعلم
قال المصنف رحمه الله [وإن كانت ذاكرة للوقت ناسية للعدد نظرت فإن كانت ذاكرة
لوقت ابتدائه بان قالت كان ابتداء حيضي من أول يوم من الشهر حيضناها يوما وليلة من أول
الشهر لأنه يقين ثم تغتسل بعده وتحصل في طهر مشكوك فيه إلى آخر الخامس عشر فتصلي
وتغتسل لكل صلاة لجواز انقطاع الدم وما بعده طهر بيقين إلى آخر الشهر فتتوضأ لكل
فريضة وإن كانت ذاكرة لوقت انقطاعه بان قالت كان حيضي ينقطع في آخر الشهر قبل غروب
الشمس حيضناها قبل ذلك يوما وليلة وكانت طاهرا من أول الشهر إلى آخر الخامس عشر
تتوضأ لكل فريضة ثم تحصل في طهر مشكوك فيه إلى آخر التاسع والعشرين فتتوضأ لكل
فريضة لأنه لا يحتمل انقطاع الحيض ولا يجب الغسل الا في آخر الشهر في الوقت الذي تيقنا
انقطاع الحيض فيه وان قالت كان حيضي في كل شهر خمسة عشر يوما وكنت
أخلط أحد النصفين بالآخر أربعة عشر في أحد النصفين ويوما في الآخر ولا أدرى
أن اليوم في النصف الأول أو الأربعة عشر فهذه يحتمل أن يكون اليوم في النصف
الثاني والأربعة عشر في النصف الأول فيكون ابتداء الحيض من اليوم الثاني من الشهر وآخره
تمام السادس عشر ويحتمل أن يكون اليوم في النصف الأول والأربعة عشر في النصف الثاني
491

فيكون ابتداء الحيض من أول الخامس عشر وآخره التاسع والعشرون فاليوم الأول والآخر
من الشهر طهر بيقين والخامس عشر والسادس عشر حيض بيقين ومن الثاني إلى الخامس عشر
طهر مشكوك فيه ومن أول السابع عشر إلى آخر التاسع والعشرين طهر مشكوك فيه فتغتسل في
آخر السادس عشر وفي آخر التاسع والعشرين لأنه يحتمل انقطاع الدم فيهما وعلى هذا التنزيل
والقياس فان قالت كان حيضي خمسة عشر يوما وكنت أخلط اليوم وأشك هل كنت أخلط بأكثر
من يوم فالحكم فيه كالحكم في المسألة قبلها الا في شئ واحد وهو أن ههنا يلزمها أن تغتسل
لكل صلاة بعد السادس عشر لجواز أن يكون الخلط بأكثر من يوم فيكون ذلك
الوقت وقت انقطاع الحيض إلا أن تعلم انقطاع الحيض في وقت بعينه من اليوم فتغسل
فيه في مثله] *
[الشرح] أما المسألتان الأوليان فيما إذا ذكرت الابتداء والانقطاع فظاهرتان وحكمهما ما ذكره
الا ان قوله في الثانية قالت كان حيضي ينقطع في آخر الشهر قبل غروب الشمس ينكر عليه
وصوابه حذف قوله قبل غروب الشمس ليصح ما ذكره بعده من الحكم فإنه لو انقطع قبل
آخر الشهر بلحظة لم ينته الطهر الا آخر الخامس عشر بل يجب ترك لحظة من آخره ويجب
الحكم بالحيض في لحظة من آخر التاسع والعشرين أما إذا قالت كان حيضي من كل شهر خمسة
عشر يوما وكنت أخلط أحد النصفين بالآخر أربعة عشر في أحد النصفين ويوما في النصف الآخر
ولا أدرى هل اليوم في النصف الأول والأربعة عشر في الآخر أو الأربعة عشر في الأول واليوم
في الآخر فاليوم الأول والآخر طهر بيقين والخامس عشر والسادس عشر حيض بيقين ومن
أول الثاني إلى اخر الرابع عشر مشكوك فيه لا يحتمل الانقطاع فتتوضأ فيه لكل فريضة
وتغتسل في أول ليلة السابع عشر لاحتمال الانقطاع في اخر السادس عشر ثم تتوضأ بعد ذلك
ولا تغتسل الا في آخر التاسع والعشرين فالحاصل أن لها يومين طهرا بيقين الأول والأخير ويومين
حيضا وهما الخامس عشر والسادس عشر وعليها غسلان ولها زمنان مشكوك فيهما تتوضأ فيهما
وهما ما بين الثاني والخامس عشر وما بين السادس عشر والأخير فان طافت أو قضت فائتة
في أحد الشكين لم يجزها فان طافت أو قضت في الشكين جميعا أجزأها قطعا لان أحدهما طهر
492

بيقين قال الدارمي في الاستذكار فان طلقها زوجها في أول يوم من شهر انقضت عدتها في الخامس
عشر من الشهر الثالث وان أرادت قضاء ما فاتها من رمضان وهو خمسة عشر صامت شهرا غير
يومي الحيض وأجزأها قطعا لأنه يحصل لها يوما الطهر مع أحد الشكين أما إذا قالت حيضي خمسة
عشرا خلط أحد النصفين بالآخر بيومين لا أعرف في أيهما اليومان واليومان الأولان واليومان الآخران
طهر بيقين والرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر حيض بيقين وتغتسل عقيب
التاسع عشر والثامن والعشرين وتتوضأ سوى ما ذكرنا ولو قالت حيضي خمسة عشرا خلط بثلاثة
فلها ثلاثة في أوله وثلاثة من آخره طهر بيقين وستة حيض أولها الثالث عشر وتغتسل عقيب
الثامن عشر والسابع والعشرين وهكذا كلما زاد الخلط يوما زاد اليقين بالحيض يومين في الوسط
وزاد يقين الطهر يوما في كل طرف ولو قالت حيضي أربعة عشر أخلط منها بيوم فالأولان
والآخران طهر بيقين والخامس عشر والسادس عشر حيض بيقين فتغتسل عقيب السادس عشر
والثامن والعشرين وتتوضأ لما سواه ولو قالت حيضي ثلاثة أيام من الشهر وكنت أخلط أحد النصفين
بالآخر بيوم فالثلاثة عشر الأولي والثلاثة عشر الأخيرة طهر بيقين والخامس عشر والسادس عشر حيض
والرابع عشر والسابع عشر مشكوك فيهما فتتوضأ فيهما وتغتسل عقيب السادس عشر
493

والسابع عشر لان الانقطاع في آخر أحدهما ولو قالت كنت أحيض خمسة عشر أخلط أحد
النصفين بالآخر بيوم ولا أدرى هل كنت أخلط بأكثر من يوم أم لا فحكمها حكم من قالت
أخلط بيوم فقط ولا يخالفها الا في شئ واحد وهو أن هذه يلزمها أن تغتسل بعد السادس عشر
لكل فريضة إلى آخر التاسع والعشرين لجواز أن يكون الخلط بأكثر من يوم الا ان تعلم انقطاع
الحيض في وقت بعينه فتغتسل كل يوم في ذلك الوقت فقط ولو قالت كنت أحيض خمسة عشر
يوما أخلط أحد النصفين بالآخر بجزء فقط فلها جزء من أول الليلة الأولى وجزء من آخر اليوم
الأخير طهر بيقين ولا تترك بسبب هذين الجزءين صلاة ويبطل صوم الخامس عشر لحصول الحيض
في آخره ولا يجب الغسل الا في موضعين أحدهما بعد جزء من أول ليلة السادس عشر والثاني
إذا بقي جزء من اليوم الأخير من الشهر وتتوضأ فيما سواهما ولو كانت المسألة بحالها وقالت لا أدرى
هل كنت أخلط بجزء أم بأكثر فحكمها حكم التي قبلها الا في الغسل فإنه يلزمها هنا أن تغتسل لكل
فريضة بعد مضى جزء من السادس عشر إلى أن يبقى جزء من آخر الشهر لاحتمال الخلط بأكثر
من جزء ولو قالت حيضي أربعة عشر يوما ونصف يوم والكسر في أول حيض وكنت أخلط
أحد النصفين بالآخر بيوم فالأول ونصف الثاني طهر ومن نصف الثاني إلى آخر السادس عشر
حيض وما بعده طهر ولا تغتسل الا في آخر السادس عشر وحكم الصوم والعدة في هذه المسائل
على ما سبق في أول هذا الفصل *
(فرع) قالت حيضي ثلاثة أيام من إحدى عشرات الشهر فليس لها حيض ولا طهر بيقين
فتصلي بالوضوء ثلاثا من أول كل عشرة وتغتسل بعد ذلك إلى آخر كل عشرة ويحرم وطؤها
ما دام هذا حالها فان أرادت طوافا طافت مرتين بينهما يومان فصاعدا أو طافت في يومين متلاصقين
494

* من طرفي عشرتين وان طلقت في أول شهر انقضت عدتها يوم الثامن والعشرين من الشهر الثالث
ولو كان حيضها أربعا أو خمسا أو ستا أو سبعا أو ثمانية أو تسعا من احدى عشرات الشهر فليس
لها حيض ولا طهر بيقين وتصلي بالوضوء من أول كل عشرة قدر أيام حيضها وتغتسل بعده لكل
فريضة إلى آخر كل عشرة *
(فرع) قالت كنت أحيض خمسة من الشهر ثلاثة منها من احدى خمسات الشهر ويومين
من الخمسة التي تليها ولا أعلم هل اليومان من الخمسة المتقدمة أم من المتأخرة فليس لها في الشهر
حيض متيقن زمانه واليومان الأولان والآخران من الشهر طهر بيقين وباقي الشهر مشكوك فيه
وتغتسل عشرة أغسال عقب السابع والثامن والثاني عشر والثالث عشر والسابع عشر والثامن
عشر والثاني والعشرين والثالث والعشرين والسابع والعشرين والثامن والعشرين وتتوضأ فيما
سوى هذه الأوقات لان الانقطاع لا يتصور في غيرها وهو محتمل فيها لأنه يحتمل أن الثلاثة من
الخمسة الأولي واليومين من الثانية فينقطع في آخر السابع ويحتمل عكسه فينقطع في آخر الثامن
ويحتمل أن الثلاثة من الثانية واليومين من الثالثة فينقطع في آخر الثاني عشر ويحتمل عكسه
فينقطع في آخر الثالث عشر وباقي التقديرات ظاهر وإن شئت قلت لا غسل عليها في الخمسة
الأولي وتغتسل عقب الثاني والثالث من كل خمسة *
495

(فرع) قالت كان حيضي يومين من العشرة الأولي من الشهر وكنت أخلط نهار احدى
الخمستين بالأخرى بلحظة فمن أول الشهر إلى مضى لحظة من أول النهار الرابع طهر بيقين وتتوضأ
بعده حتى يبقى لحظة من آخر الخامس وتلك اللحظة من ليلة السادس ولحظة من أول نهار السادس
حيض بيقين وتغتسل بعد هذه اللحظة لكل فريضة حتى يبقى لحظة من آخر السابع وتلك اللحظة
وما بعدها إلى آخر الشهر طهر بيقين وتغتسل في هذه اللحظة *
(فرع) قالت لا أعرف قدر حيضي ولكن أعلم أنى كنت أخلط شهرا بشهر فلحظة من أول
الشهر ولحظة من آخره حيض بيقين وتغتسل بعد اللحظة الأولي حتى تبقى لحظة من آخر الخامس
عشر وتلك اللحظة مع لحظة من أول ليلة السادس عشر طهر بيقين ثم تتوضأ حتى تبقى لحظة
من آخر الشهر *
(فرع) قالت حيضي عشرة وأخلط أحد نصفي الشهر بالآخر بيوم فستة أيام من أول الشهر
وستة من آخره طهر بيقين والخامس عشر والسادس عشر حيض بيقين وتغتسل عقب السادس
عشر والرابع والعشرين وتتوضأ لما سوى المذكور *
496

(فرع) قالت حيضي عشرة من الشهر وطهري عشرون متصلة فالعشرة المتوسطة طهر بيقين
والأولى والثالثة مشكوك فيهما وتغتسل في آخرهما
(فرع) قالت حيضي خمسة من الشهر منها السادس أو السادس والعشرون فالأول طهر بيقين
ومن الحادي عشر إلى آخر الحادي والعشرين طهر أيضا وتغتسل عقب السادس لكل فريضة
إلى آخر العاشر وعقب السادس والعشرين إلى آخر الشهر وتتوضأ فيما سوى ذلك *
(فرع) قالت كنت أخلط العشرة الأولى بالوسطى بيوم والوسطى بالأخيرة بيوم ولا أعلم
قدر حيضي فلها اثنى عشر يوما حيض وهي العاشر والحادي والعشرون وما بينهما ولها ستة
من أول الشهر وستة من آخره طهر بيقين وتغتسل عقب الحادي والعشرين لكل فريضة إلى
آخر الرابع والعشرين ولو قالت حيضي عشرة أخلط الخمسة الثانية من الشهر بالثالثة والثالثة
بالرابعة فلها سبعة حيض بيقين وهي العاشر إلى آخر السادس عشر ولها من الأول إلى آخر
السادس ومن أول العشرين إلى آخر الشهر طهر بيقين فتغتسل عقب السادس عشر لكل فريضة
إلى آخر التاسع عشر *
(فرع) قالت حيضي ثلاثة أيام لا أعلمها وكان حيضي من أول النهار وصامت رمضان كله
فعليها قضاء ثلاثة أيام فإن شاءت صامت ستة متوالية وأجزأها وان أرادت تقليل الصوم فأقل
497

ما يجزيها صيام أربعة أيام متفرقة بين كل يومين يومان فتصوم الأول والرابع والسابع والعاشر
فيحصل ثلاثة قطعا لأنه على كل تقدير لا يبطل الا يوم ولو قالت حيضي خمسة أيام من الشهر
ولا أعلم متى كان يبتدئ الدم وصامت رمضان فسد ستة أيام لاحتمال الطرآن له نصف النهار فتصوم له
بعده اثنى عشر متتابعة يحصل لها منها ستة على كل تقدير فان أرادت تفريق
القضاء وتقليل الصوم صامت يوما وأفطرت خمسة ثم صامت يوما وأفطرت خمسة وكذا مرة
ثالثة ورابعة وخامسة فتكون قد صامت من الشهر خمسة أيام يحصل لها منها أربعة
على كل تقدير يبقى يومان فتصومهما من ثلاثة عشر تصوم الأول والسابع والثالث عشر وأما
قول الغزالي في البسيط والوسيط في هذه المسألة تقضي خمسة أيام فمنكر ظاهر وكأنه تابع
الفوراني فيه فغلطا *
(فرع) قال القاضي أبو الطيب كل موضع قلنا عليها الوضوء لكل فريضة فلها صلاة النافلة
وكل موضع قلنا الغسل لكل فريضة لم يجز النافلة الا بالغسل أيضا هذا كلامه وفيه نظر ويحتمل
أن تستبيح النافلة بغسل الفريضة والله أعلم *
(فرع) هذا الذي ذكرناه في هذا الفصل من تنزيل المسائل وأحكامها هو المذهب المشهور
المعروف الذي تطابقت عليه فرق الأصحاب واتفقت عليه طرقهم وشذ عنهم صاحب الحاوي فذكر
طريقة عجيبة مخالفة للأصحاب والدليل فقال إذا قالت لي في كل شهر حيضة لا أعلم قدرها فلها
حكم المبتدءات في أن تحيض في أول كل شهر وفى قدره قولان أحدهما يوم وليلة والثاني ست
498

أو سبع ثم الزمن المردود إليه من يوم وليلة أو ست أو سبع حيض بيقين وما بعد الخمسة عشر طهر
بيقين وما بينهما مشكوك فيه ثم فرع على هذه الطريقة مسائل كثيرة وهذه طريقة شاذة مردودة
وإنما ذكرتها لأنبه على فسادها لئلا يغتر بها والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[هذا الذي ذكرناه في المستحاضة إذا عبر دمها الخمسة عشر ولم يتخللها طهر فاما إذا تخللها
طهر بأن رأت يوما وليلة دما ويوما وليلة نقاء وعبر الخمسة عشر فهي مستحاضة: وقال ابن بنت
الشافعي رحمه الله الطهر في اليوم السادس عشر يفصل بين الحيض وبين ما بعده فيكون الدم في
الخمسة عشر حيضا وفى النقاء الذي بينهما قولان في التلفيق لأنا حكمنا في اليوم السادس عشر
لما رأت النقاء بطهارتها وأمرناها بالصوم والصلاة وما بعده ليس بحيض بل هو طهر فكان بمنزلة
ما لو انقطع الدم بعد الخمسة عشر ولم يعد والمنصوص أنها مستحاضة اختلط حيضها بالاستحاضة
لأنه لو كان النقاء في اليوم السادس عشر يميز لوجب أن يميز في الخمسة عشر كالتمييز باللون فعلى
هذا ينظر فيها فإن كانت مميزة بأن ترى يوما وليلة دما أسود ثم ترى النقاء عشرة أيام ثم ترى
يوما وليلة دما أسود ثم أحمر فترد إلى التمييز فيكون الحيض أيام الأسود وما بينهما على القولين
وإن كان لها عادة في كل شهر خمسة أيام ردت إلى عادتها فان قلنا لا يلفق كانت الخمسة كلها
حيضا وان قلنا يلفق كانت أيام الدم حيضا وذلك ثلاثة أيام ونقص يومان من العادة ومن أصحابنا
من قال يلفق لها قدر العادة من الخمسة عشر يوما فيحصل لها خمسة أيام من تسعة أيام وإن كانت
عادتها ستة أيام فان قلنا لا يلفق كان حيضها خمسة أيام لان اليوم السادس من أيام العادة لا دم
فيه لان الدم في الافراد فلم يجز أن يجعل حيضا لان النقاء إنما يجعل حيضا على هذا القول إذا
كان واقعا بين الدمين فعلى هذا ينقص من عادتها يوم وإذا قلنا يلفق من أيام العادة كان حيضها
ثلاثة أيام وينقص يومان وإذا قلنا يلفق من خمسة عشر حصل لها ستة أيام من أحد عشر يوما
وإن كانت عادتها سبعة أيام فان قلنا أن الجميع حيض كان حيضها سبعة أيام لا ينقص منها شئ
لان اليوم السابع دم فيمكن استيفاء جميع أيام عادتها وان قلنا يلفق لها من أيام العادة كان حيضها
499

أربعة أيام وان قلنا يلفق من خمسة عشر كان لها سبعة أيام من ثلاثة عشر يوما وعلى هذا القياس
وإن كانت مبتدأة لا تمييز لها ولا عادة ففيها قولان أحدهما ترد إلى يوم وليلة فيكون حيضها من
أول ما رأت يوما وليلة والباقي طهر وان قلنا ترد إلى ست أو سبع فهي كمن عادتها ستة أيام
أو سبعة أيام وقد بيناه فأما إذا رأت نصف يوم دما ونصف يوم نقاء ولم تجاوز الخمسة عشر فهي
على القولين في التلفيق وقال بعض أصحابنا هذه مستحاضة هذه لا يثبت لها حكم الحيض حتى يتقدم
لها أقل الحيض ومنهم من قال لا يثبت لها حكم الحيض الا ان يتقدمه أقل الحيض متصلا ويتعقبه
أقل الحيض متصلا والصحيح هو الأول وانها على القولين في التلفيق فإذا قلنا لا يلفق حصل لها
أربعة عشر يوما ونصف يوم حيضا وإذا قلنا يلفق حصل لها سبعة أيام ونصف حيضا. وما بينهما
من النقاء طهر وان جاوز الخمسة عشر كانت مستحاضة فترد إلى التمييز إن كانت مميزة أو إلى العادة
إن كانت معتادة وإن كانت مبتدأة لا تمييز لها ولا عادة فان قلنا أنها ترد إلى ست أو سبع كان
ذلك كالعادة وان قلنا ترد إلى يوم وليلة فان قلنا لا يلفق فلا حيض لها لأنه لا يحصل لها يوم وليلة
من غير تلفيق وان قلنا يلفق من أيام العادة لم يكن لها حيض لان اليوم والليلة كأيام العادة
ولا يحصل لها من اليوم والليلة أقل الحيض وان قلنا يلفق من الخمسة عشر لفق لها مقدار يوم
وليلة من يومين وليلتين وان رأت ساعة دما وساعة نقاء ولم يجاوز الخمسة عشر فإن كان الدم
بمجموعه يبلغ أقل الحيض فقد قال أبو العباس وأبو إسحاق فيه قولان في التلفيق وإن كان لا يبلغ
بمجموعه أقل الحيض مثل أن ترى ساعة دما ثم ينقطع ثم ترى في آخر الخامس عشر ساعة دما
قال أبو العباس إذا قلنا يلفق فهو دم فساد لأنه لا يتلفق منه ما يكون حيضا وإذا قلنا لا يلفق
احتمل وجهين أحدهما يكون حيضا لان زمان النقاء على هذا القول حيض فلا ينقص الحيض
عن أقله بل الخمسة عشر حيض والثاني لا يكون حيضا لان النقاء إنما يكون حيضا على سبيل التبع
للدم والدم لم يبلغ بمجموعه أقل الحيض فلم يجعل النقاء تابعا له وان رأت ثلاثة أيام دما وانقطع
فالأول حيض لأنها رأته في زمان امكانه والثاني دم فساد ولا يجوز أن يجعل ابتداء الحيض لأنه
500

لم يتقدمه أقل الطهر ولا يمكن ضمه إلى ما رأته قبل الخمسة عشر لأنه خارج عن الخمسة عشر
وان رأت دون اليوم دما ثم انقطع إلى تمام الخمسة عشر يوما ثم رأت ثلاثة أيام دما فان الحيض
هو الثاني والأول ليس بحيض لأنه لا يمكن اضافته إلى ما بعد الخمسة عشر ولا يمكن أن يجعل
بانفراده حيضا لأنه دون أقل الحيض] *
[الشرح] ابن بنت الشافعي هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عثمان بن شافع
ابن السايب كنيته أبو محمد وقيل أبو عبد الرحمن وأمه زينب بنت الإمام الشافعي ويقع في اسمه
وكنيته تخبيط في كتب المذهب فاعتمد ما ذكرته لك محققا روى عن أبيه عن الشافعي وكان
اماما مبرزا لم يكن في آل شافع بعد الشافعي مثله وسرت إليه بركة جده وعلمه وقد بسطت حاله
في تهذيب الأسماء وفى الطبقات رحمه الله * واعلم أن هذا الفصل يقال له فصل التلفيق ويقال فصل
التقطع وقد قدم المصنف بعضه في أول الباب وأخرت أنا شرح تلك القطعة إلى هنا قال أصحابنا
إذا انقطع دمها فرأت يوما وليلة دما ويوما وليلة نقاء أو يومين ويومين فأكثر فلها حالان أحداهما
ينقطع دمها ولا يتجاوز خمسة عشر والثاني يجاوزها (الحال الأول) إذا لم يجاوز ففيه قولان مشهوران
أحدهما أن أيام الدم حيض وأيام النقاء طهر ويسمى قول التلفيق وقول اللقط والثاني أن أيام
الدم وأيام النقاء كلاهما حيض ويسمى قول السحب وقول ترك التلفيق واختلفوا في الأصح منهما
فصحح قول التلفيق الشيخ أبو حامد والبندنيجي والمحاملي وسليم الرازي والجرجاني والشيخ
نصر والروياني في الحلية وصاحب البيان وهو اختيار أبي إسحاق المروزي وصحح الأكثرون قول
السحب فممن صححه القضاة الثلاثة أبو حامد في جامعه وأبو الطيب وحسين في تعليقهما وأبو علي
السنجي في شرح التلخيص والسرخسي في الأمالي والغزالي في الخلاصة والمتولي والبغوي والروياني
في البحر والرافعي وآخرون وهو اختيار ابن سريج قال الرافعي هو الأصح عند معظم الأصحاب
وقال صاحب الحاوي الذي صرح به الشافعي في كل كتبه أن الجميع حيض وقال في مناظرة جرت
501

بينه وبين محمد بن الحسن ما يقتضى أن النقاء طهر فخرجها جمهور أصحابنا على قولين وذكر امام
الحرمين وابن الصباغ نحو كلام صاحب الحاوي قال ابن الصباغ ومن أصحابنا من قال الجميع
حيض قولا واحد واما ذكره مع محمد بن الحسن كان مناظرة وقد ينصر الانسان في المناظرة
غير مذهبه وقال الدارمي في مواضع من كتاب المتحيرة من قال فيه قولان فقد غلط بل الصواب
القطع بالتلفيق ولم يذكر لطريقته هذه الشاذة مستندا فحصل في المسألة ثلاث طرق *
أحدها القطع بالتلفيق والثاني القطع بالسحب وهو المشهور من نصوصه والثالث في المسألة
قولان وهو المشهور في المذهب * وبالتلفيق قال مالك واحمد وبالسحب أبو حنيفة وقد سبق دليل القولين
فالحاصل ان الراجح عندنا قول السحب قال أصحابنا وسواء كان التقطع يوما وليلة دما ويوما وليلة
نقاء أو يومين ويومين أو خمسة وخمسة أو ستة وستة أو سبعة وسبعة ويوما أو يوما وعشرة أو
خمسة أو يوما وليلة دما وثلاثة عشر نقاء ويوما وليلة دما أو غير ذلك فالحكم في الكل سواء وهو
انه إذا لم يجاوز خمسة عشر فأيام الدم حيض بلا خلاف وفى أيام النقاء المتخلل بين الدم القولان
ولو تخلل بين الدم الأسود صفرة أو كدرة وقلنا إنها ليست بحيض فهي كتخلل النقاء والا فالجميع
حيض ولو تخللت حمرة فالجميع حيض قطعا * واعلم أن القولين إنما هما في الصلاة والصوم والطواف
والقراءة والغسل والاعتكاف والوطئ ونحوها ولا خلاف ان النقاء ليس بطهر في انقضاء العدة
وكون الطلاق سنيا قال الغزالي في البسيط أجمعت الأمة على أنه لا يجعل كل يوم طهرا كاملا قال
المتولي وغيره إذا قلنا بالتلفيق فلا خلاف أنه لا يجعل كل دم حيضا مستقلا ولا كل نقاء طهرا
مستقلا بل الدماء كلها حيض واحد يعرف والنقاء مع ما بعده من الشهر طهر واحد: قال أصحابنا
وعلى القولين إذا رأت النقاء في اليوم الثاني عملت عمل الطاهرات بلا خلاف لأنا لا نعلم أنها ذات
تلفيق لاحتمال دوام الانقطاع قالوا فيجب عليها ان تغتسل وتصوم وتصلي ولها قراءة القرآن
502

ومس المصحف والطواف والاعتكاف وللزوج وطؤها ولا خلاف في شئ من هذا الا وجها
حكاه الرافعي انه يحرم وطؤها على قول السحب وهو غلط ولا تفريع عليه فإذا عاودها الدم في
اليوم الثالث تبينا انها ملفقة فان قلنا بالتلفيق تبينا صحة الصوم والصلاة والاعتكاف وإباحة
الوطئ وغيرها وان قلنا بالسحب تبينا بطلان العبادات التي فعلتها في اليوم الثاني فيحب عليها
قضاء الصوم والاعتكاف والطواف المفعولات عن واجب وكذا لو كانت صلت عن قضاء
أو نذر ولا يجب قضاء الصلاة المؤداة لأنه زمن الحيض ولا صلاة فيه *
وإن كانت صامت نفلا قال صاحب البيان تبينا انه لا ثواب فيه وفيما قاله نظر وينبغي ان يقال لها
ثواب على قصد الطاعة ولا ثواب على نفس الصوم إذا لم يصح ولعل هذا مراده قال أصحابنا ونتبين
ان وطئ الزوج لم يكن مباحا لكن لا اثم للجهل قال أصحابنا وكلما عاد النقاء في هذه الأيام إلى
الرابع عشر وجب الاغتسال والصلاة والصوم وحل الوطئ وغيره كما ذكرنا في اليوم الثاني فإذا لم
يعد الدم فكله ماض على الصحة وان عاد فحكمه ما ذكرناه في الثاني هكذا قطع به الأصحاب
في كل الطرق الا وجها شاذا حكاه امام الحرمين ومن تابعه ان النقاء الثاني وهو الحاصل في اليوم
الرابع يبني على أن العادة هل تثبت بمرة أم لا فان أثبتناها بمرة وقلنا أيام النقاء حيض أمسكت
عما تمسك عنه الحائض لانتظار عود الدم وان قلنا لا تثبت بمرة اغتسلت وفعلت العبادات وعلى
هذا الوجه تمسك في النقاء الثالث وهذا الوجه ليس بشئ وقد حكاه امام الحرمين عن والده ثم
ضعفه وقال هذا بعيد لم أره لغيره هذا حكم الشهر الأول: فإذا جاء الشهر الثاني فرأت اليوم الأول
وليلته دما والثاني وليلته نقاء ففيه طريقان حكاهما امام الحرمين وغيره أحدهما وبه قطع الشيخ
أبو حامد وابن الصباغ وغيرهما من العراقيين والشيخ أبو زيد وغيره من الخراسانيين ان حكم
الشهر الثاني والثالث والرابع وما بعدها ابدا كالشهر الأول فتغتسل عند كل نقاء وتفعل العبادات
ويطؤها الزوج: والطريق الثاني البناء على ثبوت العادة بمرة أو بمرتين فان أثبتناها بمرة فقد علمنا
503

التقطع بالشهر الأول فلا تغتسل ولا تصلي ولا تصوم إذا قلنا بالسحب وإن لم نثبتها بمرة اغتسلت
وفعلت العبادات كالشهر الأول فعلى هذا الطريق تثبت عادة التقطع في الشهر الثالث بالعادة
المتكررة في الشهرين السابقين وكذا حكم الرابع فما بعده فلا تغتسل في النقاء ولا تفعل العبادات
ولا توطأ إذا قلنا بالسحب وهذا الطريق هو الأصح عند الرافعي وبه قطع صاحب الحاوي
وأشار إمام الحرمين إلى ترجيح الطريق الأول ويؤيده ان الشافعي نص في الأم على وجوب الغسل
والصلاة كلما عاد النقاء قال امام الحرمين ولا خلاف بين فرق الأصحاب أنها لو تقطع دمها
مرارا في شهور ثم استحيضت وأطبق الدم بلا تقطع فلا يحكم على قول التلفيق بتقطع الحيض حتى
يلتقط لها حيضا من الخمسة عشر ويحكم بتخلل دم الاستحاضة في أثناء الحيض قال فإذا كل دور
في التقطع يقدر كأنه ابتداء التقطع لأنه إذا انقطع الدم حينا فبناء الامر على عوده بعيد هذا كله
إذا كان المنقطع في كل مرة يبلغ أقل الحيض وهو يوم وليلة أو يزيد ولم يجاوز الخمسة عشر كما
بيناه في أول المسألة: ولو رأت المبتدأة نصف يوم دما وانقطع وقلنا بالمذهب الصحيح الذي سيأتي
إن شاء الله تعالى ان من أنقطع دمها نصف يوم ونصف يوم نقاء تكون ذات تلفيق فإنه على
قول السحب لا غسل عليها عند الانقطاع الأول لأنه ان عاد الدم في الخمسة عشر فالنقاء كله
حيض وإن لم يعد فالدم الذي رأته دم فساد عليها ان تتوضأ وتصلي وباقي الانقطاعات إذا بلغ
مجموع الدماء أقل الحيض صار حكمه ما تقدم في الصورة الأولي وهي إذا رأت دما يوما وليلة ثم نقاء
كذلك هذا تفريع قول السحب وأما على قول التلفيق فلا يلزمها الغسل في الانقطاع الأول أيضا
على المذهب الصحيح لأنا لا ندري هل هو حيض أم لا *
وفيه وجه انه يجب الغسل وبه قطع صاحبا التتمة والعدة كما يجب الغسل على الناسية احتياطا وهذا
الوجه ليس بشئ وأما سائر الانقطاعات فإذا بلغ مجموع ما سبق من الدم أقل الحيض وجب
الغسل وقضاء الصوم والصلاة وحكم الدور الثاني والثالث على القولين حكم الحالة الأولي أما إذا
504

لم يبلغ واحد من الطرفين يوما وليلة بان رأت نصف يوم دما ونصفه نقاء وهكذا إلى آخر الخامس
عشر ففيه ثلاثة طرق الصحيح الأشهر منها طرد القولين في التلفيق كما إذا بلغ كل دم يوما وليلة
فعلى قول التلفيق حيضها انصاف الدم وهو سبعة أيام ونصف وعلى قول السحب حيضها أربعة
عشر يوما ونصف يوم لان النصف الأخير لم يتخلل بين دمى حيض ولا يحكم بان النقاء حيض
على قول السحب الا إذا تخلل بين دمى حيض والطريق الثاني لا حيض لها وكل ذلك دم فساد
والطريق الثالث ان توسط قدر أقل الحيض متصلا جرى القولان في التلفيق والا فالجميع دم فساد
أما إذا بلغ أحد الطرفين أقل الحيض دون الآخر فثلاثة طرق أيضا أصحها طرد القولين والثاني
ان الذي بلغه حيض وباقيه دم فساد والثالث ان بلغ الأول أقل الحيض فهو وما سواه حيض
وان بلغ الآخر الأقل فهو حيض دون ما سواه هذا كله إذا بلغ مجموع الدماء أقل الحيض فإن لم
يبلغه بان رأت ساعة دما وساعة نقاء ثم ساعة وساعة ولم يبلغ المجموع يوما وليلة فطريقان أصحهما أنه
على القولين أيضا ان قلنا بالتلفيق فلا حيض لها بل هو دم فساد وأن قلنا بالسحب فوجهان
أصحهما لا حيض لها أيضا لان الدم لم يبلغ ما يمكن أن يكون حيضا والثاني ان الدماء وما بينها
حيض والطريق الثاني القطع بأنه لا حيض: فحصل في القدر المعتبر من الدمين ليجعل ما بينهما
حيضا على قول السحب أوجه الصحيح المشهور أنه يشترط أن يبلغ مجموع الدماء قدر أقل الحيض
ولا يضر نقص كل دم عن أقل الحيض وهذا الوجه هو قول أبي العباس بن سريج وأبي إسحاق
المروزي وأبى بكر المحمودي وجماهير أصحابنا المتقدمين وصححه أصحابنا المتأخرون المصنفون ونقله
القاضي أبو الطيب والماوردي عن عامة الأصحاب والثاني يشترط أن يكون كل واحد من الدمين
بالغا أقل الحيض حتى لو رأت دما ناقصا عن أقل الحيض ودمين آخرين غير ناقصين فالأول
دم فساد والآخران وما بينهما من النقاء حيض والثالث وهو قول أبي القاسم الأنماطي لا يشترط
شئ من ذلك بل لو كان مجموع الدماء نصف يوم أو أقل فهي وما بينها من النقاء حيض على هذا
القول الذي يفرع عليه وهو قول السحب والرابع لا يشترط بلوغ كل واحد من الدمين أقل الحيض
لكن يشترط بلوغ أولهما الأقل والخامس يشترط بلوغ أحدهما الأقل أيهما كان والسادس يشترط
505

الأقل في الأول أو الآخر أو الوسط *
[فرع] قال أصحابنا القولان في التلفيق هما فيما إذا كان النقاء زائد على الفترات المعتادة
بين دفعات الحيض فاما الفترات فحيض بلا خلاف ثم الجمهور لم يضبطوا الفرق بين حقيقتي
الفترات والنقاء وهو من المهمات التي يتأكد الاعتناء بها ويكثر الاحتياج إليها وتقع في الفتاوى
كثيرا وقد رأيت ذلك وقد وجدت ضبطه في أتقن مظانه وأحسنها وأكملها وأصونها فنص
الشافعي رحمه الله في الأم في باب الرد على من قال لا يكون الحيض أقل من ثلاثة أيام والشيخ
أبو حامد الأسفراييني وصاحبه القاضي أبو الطيب الطبري وصاحبه الشيخ أبو إسحاق مصنف
الكتاب في تعاليقهم على أن الفترة هي الحالة التي ينقطع فيها جريان الدم ويبقى لوث وأثر بحيث
لو أدخلت في فرجها قطنة يخرج عليها أثر الدم من حمرة أو صفرة أو كدرة فهي في هذه الحالة
حائض قولا واحدا طال ذلك أم قصر والنقاء هو ان يصير فرجها بحيث لو جعلت القطنة فيه
لخرجت بيضاء فهذا ما ضبطه الإمام الشافعي والشيوخ الثلاثة ولا مزيد عليه في وضوحه وصحة
معناه والوثوق بقابليته وقد قال امام الحرمين أن الأصحاب لم يضبطوا ذلك وان منتهى المذكور
فيه أن ما يعتاد تخلله بين دفعات الدم فهو من الفترات وما زاد فهو على القولين في النقاء جميعه
من غير استثناء لقدر الفترة منه هذا كلام امام الحرمين والاعتماد على ما قدمناه والله أعلم *
الحال الثاني: إذا انقطع الدم وجاوز خمسة عشر فإذا رأت يوما وليلة دما ومثله نقاء وهكذا
حتى جاوز خمسة عشر متقطعا فلا خلاف انه لا يلتقط لها أيام الحيض من جميع الشهر وإن كان
مجموع الملتقط دون خمسة عشر ولكنها مستحاضة اختلط حيضها بالاستحاضة وهي ذات تقطع
هذا هو الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي في كتاب الحيض وقطع به جماهير الأصحاب
506

المتقدمين والمتأخرين وقال أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعي وأبو بكر المحمودي وغيرهما ليست
مستحاضة بل السادس عشر فما بعده طهر لها فيه حكم الطاهرات المستحاضات وأما الخمسة عشر
فهي على القولين في التلفيق أحدهما السحب فتكون كل الخمسة عشر حيضا والثاني التلفيق فتكون
أيام الدم حيضا والنقاء طهرا وهذا الذي ذكرناه من قول ابن بنت الشافعي ومتابعيه هو فيما إذا
انفصل دم الخمسة عشر عما بعدها فكانت ترى يوما وليلة دما ومثله نقاء فالسادس عشر يكون
نقاء فلو اتصل الدم بالدم بان رأت ستة أيام دما ثم ستة نقاء ثم ستة دما فالسادس عشر فيه دم
متصل بدم الخامس عشر فقد وافق ابن بنت الشافعي وغيره الأصحاب وقال هي في
الجميع مستحاضة واتفق الأصحاب على تغليط ابن بنت الشافعي ومتابعيه في هذا التفصيل وغلط فيه
ابن سريج فمن بعده قال امام الحرمين رأيت الحذاق لا يعدون قوله هذا من جملة المذهب
فالصواب ما قدمناه من نص الشافعي والأصحاب رحمهم الله أنها مستحاضة قال أصحابنا
لهذه المستحاضة أربعة أحوال أحدها أن تكون مميزة بان ترى يوما وليلة دما اسود ثم يوما
وليلة نقاء ثم يوما وليلة أسود ثم يوما وليلة نقاء وكذا مرة ثالثة ورابعة وخامسة ثم ترى
بعد هذه العشرة يوما وليلة دما أحمر ويوما وليلة نقاء ثم مرة ثانية وثالثة وتجاوز خمسة عشر متقطعا
كذلك أو متصلا دما أحمر فهذه المميزة ترد إلى التمييز فيكون العاشر فما بعده طهرا وفى التسعة
القولان ان قلنا بالتلفيق فحيضها خمسة السواد وان قلنا بالسحب فالتسعة كلها حيض وإنما لم يدخل
معها العاشر لما قدمنا بيانه أن النقاء إنما يكون حيضا على قول السحب إذا كان بين دمى حيض
ولو رأت يوما وليلة دما أسود ويوما وليلة دما أحمر وهكذا إلى أن رأت الخامس عشر أسود
والسادس عشر أحمر ثم اتصلت الحمرة وحدها أو مع تخلل النقاء بينها فهي أيضا مميزة وإن قلنا
بالتلفيق فحيضها أيام السواد وهي ثمانية وان قلنا بالسحب فالخمسة عشر كلها حيض والمقصود أن
507

الدم الضعيف المتخلل بين الدماء القوية كالنقاء بشرط أن يستمر الضعيف بعد الخمسة عشر وحده
وضابطه أن على قول السحب حيضها الدماء القوية في الخمسة عشر مع ما يتخللها من النقاء أو الدم
الضعيف وعلى قول التلفيق حيضها القوى دون المتخلل ثم هذا الذي ذكرناه من التمييز هو على
اطلاقه إذا كانت مبتدأة وكذا لو كانت معتادة وقلنا بالمذهب ان من اجتمع لها عادة وتمييز ترد
إلى التمييز فاما إذا قلنا بالوجه الضعيف أنها ترد إلى العادة فإنها تكون معتادة ويأتي حكمها في الحال
الثاني إن شاء الله تعالى * هذا كله إذا كان التمييز تمييزا معتبرا كما مثلناه فاما ان فقد شرط من شروط
التمييز فرأت يوما وليلة دما أسود ويوما وليلة أحمر واستمر هكذا يوما ويوما إلى آخر الشهر فهذه
وإن كانت صورة مميزة فلبست مميزة في الحكم لفقد أحد شروط التمييز وهو ألا يجاوز الدم
القوى خمسة عشر وقد نقل امام الحرمين وغيره اتفاق الأصحاب على أنها غير مميزة قال امام الحرمين
والأصحاب فإذا علم أنها غير مميزة نظر إن كانت معتادة ردت إلى العادة وصار كأن الدماء على
لون واحد وإن لم تكن معتادة فهي مبتدأة فترد إلى مرد المبتدأة من يوم وليلة أو ست أو سبع
ولا التفات إلى اختلاف ألوان الدماء (الحال الثاني) أن تكون ذات التقطع معتادة غير مميزة وهي
حافظة لعادتها وكانت عادتها أيامها متصلة لا تقطع فيها فترد إلى عادتها فعلى قول السحب كل دم
يقع في أيام العادة مع النقاء المتخلل بين الدمين يكون جميعه حيضا فإن كان آخر أيام العادة نقاء
لم يكن حيضا لكونه لم يقع بين دمي حيض وأما على قول التلفيق فأيام النقاء طهر ويلتقط لها قدر
عادتها وفيما يلتقط منه خلاف مشهور حكاه المصنف والجمهور وجهين وحكاه الشيخ أبو حامد
والماوردي والجرجاني قولين أصحهما يلتقط ذلك من مدة الامكان وهي خمسة عشر ولا يبالي
بمجاوزة الملقوط منه قدر العادة والثاني يلتقط ما أمكن من زمان عادتها ولا يتجاوز ذلك ولا يبالي
بنقص قدر الحيض عن العادة وهذه أمثلة ما ذكرناه: كان عادتها من أول كل شهر خمسة أيام فتقطع
دمها يوما ويوما وجاوز خمسة عشر فان قلنا بالسحب فحيضها الخمسة الأولي دما ونقاء وان قلنا بالتلفيق
508

فان قلنا يلقط من أيام العادة فحيضها اليوم الأول والثالث والخامس ونقص من عادتها يومان
وما سوى ذلك طهر وان قلنا يلقط من مدة الامكان فحيضها الأول والثالث والخامس والسابع
والتاسع وما سواها طهر ولو كانت عادتها ستة فان قلنا بالسحب فحيضها الخمسة الأولي ويكون
السادس وما بعد طهرا لأنه ليس بين دمى حيض ويكون قد نقص من عادتها يوم وان قلنا تلفق
من عادتها فحيضها الأول والثالث والخامس وان قلنا من مدة الامكان فحيضها هذه الثلاثة والسابع
والتاسع والحادي عشر وإن كانت عادتها سبعة فان سحبنا فحيضها السبعة الأولي وان لقطنا من
العادة فحيضها الأول والثالث والخامس والسابع وان لقطنا من الامكان فحيضها هذه الأربعة والتاسع
والحادي عشر والثالث عشر وإن كانت عادتها ثمانية فان سحبنا فحيضها السبعة الأولي وان
لقطنا من العادة فحيضها أفراد السبعة وان لقطنا من الامكان فحيضها الافراد الثمانية من الخمسة
عشر وإن كانت عادتها تسعة فان سحبنا فحيضها التسعة الأولي وان لقطنا من العادة فحيضها
أفراد التسعة وهي خمسة وان لقطنا من الامكان فحيضها أفراد الخمسة عشر وهي ثمانية ونقص
من العادة يوم لأنه لا يمكن التقاط السابع عشر لمجاوزته الخمسة عشر ولو كانت عادتها عشرة فان
سحبنا فحيضها التسعة الأولي وان لقطنا من العادة فحيضها أفراد التسعة وهي خمسة والا فالافراد
الثمانية وإن كانت عادتها أحد عشر فان سحبنا فهي حيضها وان لقطنا من العادة فافرادها
والا فافراد الخمسة عشر وإن كانت عادتها اثنى عشر فان سحبنا فأحد عشر وان لقطنا من العادة
فافرادها والا فأفراد الخمسة عشر وإن كانت عادتها ثلاثة عشر فان سحبنا فهي حيضها وان
لقطنا من العادة فافرادها والا فافراد الخمسة عشر وإن كانت عادتها أربعة عشر فان سحبنا فحيضها
الثلاثة عشر وان لقطنا من العادة فأفرادها والا فأفراد الخمسة عشر وإن كانت عادتها
خمسة عشر فان سحبنا فهي حيضها وان لقطنا من العادة أو الامكان فأفرادها الثمانية قال الغزالي
والأصحاب وعلى الوجهين جميعا نأمرها في الدور الأول ان تحيض أيام الدماء لاحتمال الانقطاع على
خمسة عشر فلا تكون مستحاضة والله أعلم *
509

(الحال الثالث): أن تكون مبتدأة لا تمييز لها وفيها القولان المعروفان أحدهما ترد إلى يوم
وليلة والثاني إلى ست أو سبع فان رددناها إلى ست أو سبع فحكمها حكم من عادتها ست أو سبع
وقد بيناها وان رددناها إلى يوم وليلة فحيضها يوم وليلة سواء سحبنا أو لقطنا من العادة أو من
الامكان ثم إن هذه المبتدأة إذا صلت وصامت في أيام النقاء حتى جاوز خمسة عشر وتركت الصوم
والصلاة في أيام الدم كما أمرناها فيجب عليها قضاء صيام أيام الدم وصلواتها بعد المرد بلا خلاف لأنا
تبينا أنهما واجبان وأما صلوات أيام النقاء وصيامها فلا تقضيهما على قول التلفيق وأما على قول
السحب فلا تقضى الصلاة لأنها إن كانت حائضا فلا صلاة عليها وإن كانت طاهرا فقد صلت
وفى وجوب قضاء الصوم قولان أصحهما لا يجب كالصلاة والثاني يجب لأنها صامت مترددة في
صحته فلا يجزئها بخلاف الصلاة فإنها إن لم تصح لم يجب قضاؤها * واعلم أن هذا الحكم مطرد في جميع
شهورها قال الرافعي بعد أن ذكر هذه الجملة فخرج مما ذكرناه انا ان حكمنا باللقط لم تقض من
الخمسة عشر الا صلوات سبعة أيام وصيامها ان رددنا المبتدأة إلى يوم وليلة وهي أيام الدم سوى
اليوم الأول وان رددناها إلى ست أو سبع فإن لم تجاوز باللقط أيام العادة وكان الرد إلى ست
قضتها من خمسة أيام وهي أيام الدم بعد المرد وان ردت إلى سبع فمن أربعة وهي أيام الدم بعد
المرد وان جاوزناها وردت إلى ست قضتها من يومين (7) [الحال الرابع]
الناسية وهي ضربان: أحدهما من نسيت قدر عادتها ووقتها وهي المتحيرة وفيها القولان أحدهما
أنها كالمبتدأة وقد سبق حكمها والصحيح أنه يلزمها الاحتياط فعلى هذا فان قلنا بالسحب احتاطت في
أزمنة الدم بالأمور السابقة في حال اطباق الدم بلا فرق لاحتمال الطهر والحيض والانقطاع ونحتاط
في أزمة النقاء أيضا إذ ما زمان الا ويحتمل أن يكون حيضا لكن لا يلزمها بغسل في وقت لان الغسل
إنما تؤمر به المتحيرة المطبقة لاحتمال انقطاع الدم وهذا غير محتمل هنا ولا يلزمها تجديد الوضوء
أيضا لكل فريضة لان ذلك إنما يجب لتجدد خروج الحدث ولا تجدد في النقاء فيكفيها لزمان

(7) وجدنا بهامش بعض النسخ دون بعض عبارة طويلة وفى آخرها لفظ صح وقد ضاع بعض سطورها ولما كانت هذه العبارة للرافعي في الشرح نقلناها بالهامش من نفس الشرح
قال رحمه الله بعد قوله من يومين (وان ردت إلى سبع فمن يوم واحد واما إذا حكمنا بالسحب فان رددناها إلى يوم واحد
قضت صلوات سبعة أيام وهي أيام الدم سوي اليوم الأول ولا تقضى غير ذلك وفى الصوم قولان أظهرهما لا تقضي الا صيام ثمانية أيام وهي أيام الدم كلها والثاني تقضي
صيام الخمسة عشر ولفظ الوسيط تعبيرا عن القول الأول أنه لا يلزمها الا قضاء
تسعة في رمضان لأنها صامت سبعة في أيام النقاء من الشطر الأول ولولا ذلك النقاء لما لزمها الا ستة عشر فإذا حسبنا سبعة بقي تسعة والصواب ما قلناه وهو
المذكور في التهذيب وغيره ولولا النقاء لما لزمها الا خمسة عشر وإنما تلزم الستة عشر إذا أمكن انبساط أكثر الحيض على الستة عشر وهو غير ممكن في المثال الذي
نتكلم فيه وان رددناها إلى ست أو سبع فان ردت إلى ست قضت صلوات خمسة أيام وهي أيام الدماء التي لم
تصل فيها بعد المرد لان جملتها ثمانية ويقع منها في المرد ثلاثة وان ردت إلى سبع قضت صلوات أربعة
أيام وأما الصوم فعلى أحد القولين تقضي صيام الخمسة عشر جميعا وعلى أطهرهما ان ردت إلى ست قضت صيام عشرة أيام ثمانية منها أيام الدم في الخمسة
عشر ويومان نقاء وقعا في المرد لتبين الحيض فيهما و ان ردت إلى سبع قضت صيام أحد عشر يوما) اه‍
510

النقاء الغسل عند انقضاء كل نوبة من نوب الدماء وأما إذا قلنا باللقط فعليها الاحتياط في جميع أزمنة الدم
وعند كل انقطاع وأما أزمنة النقاء فهي فيها طاهرة في الوطئ وجميع الأحكام: الضرب الثاني: من
نسيت قدر عادتها وذكرت وقتها أو نسيت الوقت وذكرت القدر فتحتاط أيضا على قول التلفيق
والسحب مع رعاية ما نذكره: مثاله قالت أضللت خمسة في العشرة الأولي وتقطع دمها يوما يوما وجاوز
الخمسة عشر فان قلنا بالسحب فاليوم العاشر طهر لأنه نقاء ليس بين دمى حيضي ولا غسل عليها
في الخمسة الأولى لتعذر الانقطاع وتغتسل عقب الخامس والسابع والتاسع لجواز الانقطاع في هذه
الأزمان وهل يلزمها الغسل في أثناء السابع والتاسع وجهان أحدهما نعم لاحتمال الانقطاع في الوسط
والثاني وهو الصحيح بل الصواب وقول جماهير الأصحاب لا يلزمها لان الانقطاع لو فرض في الوسط
هنا لزم منه الابتداء في أثناء الثاني أو الرابع وهي نقية وأما إذا قلنا باللقط فإن لم يجاوز أيام العادة
فالحكم كما ذكرنا على قول السحب الا انها طاهر في أيام النقاء في كل حكم وأنها تغتسل عقب
كل نوبة من نوب الدم في جميع المدة لان المنقطع حيض وان جاوزنا أيام العادة فحيضها خمسة أيام
وهي الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع على تقدير انطباق الحيض على الخمسة الأولي وعلى
تقدير تأخره إلى الخمسة الثانية ليس لها الا يومان دما وهما السابع والتاسع فتضم إليهما الحادي
عشر والخامس عشر فهي إذا حائض في السابع والتاسع بيقين لدخولهما في كل تقدير والله أعلم *
(فرع) هذا الذي قدمناه هو فيما إذا انقطع الدم يوما وليلة دما ومثله نقاء أما إذا انقطع نصف
يوم دما ونصفه نقاء وجاوز خمسة عشر فإن كانت مميزة ردت إلى التمييز فإن كانت ترى نصف
يوم دما أسود ونصفه نقاء ثم الثاني والثالث والرابع والخامس كذلك ثم ترى نصف السادس دما
أحمر ونصفه نقاء ثم كذلك السابع وما بعده وجاوز الخمسة عشر كانت أنصاف السواد حيضا
وفيما بينهما من النقاء القولان وما بعد ذلك من الحمرة والنقاء طهر وهذا تفريع على المذهب أنه
511

لا يشترط في الأول ولا في غيره أن يتصل الدم يوم وليلة وإن كانت معتادة غير مميزة ردت
إلى العادة فإن كانت عادتها خمسة أيام فرأت نصف يوم دما ونصفه نقاء ثم هكذا حتى جاوز
خمسة عشر فان سحبنا فحيضها أربعة أيام ونصف من الأول وان لقطنا من العادة فحيضها يومان
ونصف وهي أنصاف الدم في الخمسة وان لقطنا من الامكان فحيضها خمسة أيام من العشرة الأولي
وهي أنصاف الدم وإن كانت مبتدأة غير مميزة قال أصحابنا ان قلنا ترد إلى ست أو سبع فهي
كمن عادتها ست أو سبع وان قلنا ترد إلى يوم وليلة فان سحبنا أو لقطنا من العادة فلا حيض
لها لأنه لا يحصل لها أقل الحيض فان لقطنا من الامكان لقطنا لها يوما وليلة فإن كانت ترى نصف
يوم دما ونصفه الآخر مع الليلة نقاء لفقنا اليوم والليلة من أربعة أيام وإن كانت ترى نصف يوم
وليلة دما ونصفهما نقاء لفقنا من يومين: هكذا قطع به جماهير الأصحاب وحكى صاحب الحاوي على
قول السحب وجهين أحدهما لا حيض لها كما قاله الجمهور والثاني وهو قول أبي العباس بن سريج
نحيضها يوما وليلة وان تر الدم في جميعه وهذا غريب ضعيف والله أعلم *
(فرع) إذا رأت ثلاثة أيام دما ثم اثنى عشر نقاء ثم ثلاثة دما ثم انقطع فالثلاثة الأولي حيض
لأنه في زمان الامكان والثلاثة الأخيرة دم فساد ولا يجوز أن تجعل حيضا مع الثلاثة الأولي
وما بينهما لمجاوزته خمسة عشر يوما ولا يجوز أن تجعل حيضا ثانيا لأنه لم يتقدمه أقل طهر وهكذا
لو رأت يوما وليلة دما أو يومين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو غير ذلك ثم رأت النقاء
تمام خمسة عشر ثم رأت يوما وليلة فأكثر دما فالأول حيض والآخر دم فساد ولا خلاف في
شئ من هذا ولو رأت دما دون يوم وليلة ثم رأت النقاء تمام خمسة عشر ثم رأت الدم يوما وليلة
أو ثلاثة أيام أو خمسة أو نحو ذلك فالأول دم فساد والثاني حيض لوقوعه في زمن الامكان
ولا يصم الأول إليه لمجاوزة الخمسة عشر ولا يستقل بنفسه ولو رأت نصف يوم دما ثم تمام خمسة
عشر نقاء ثم نصف يوم دما فالدمان جميعا دم فساد ولا حيض لها بلا خلاف لان كل دم لا يستقل
ولا يمكن ضمه إلى الآخر لمجاوزة خمسة عشر ولو رأت المبتدأة يوما بلا ليلة دما ثم ثلاثة عشر
نقاء ثم ثلاثة أيام دما فقد رأت في الخمسة عشر يومين دما في أولها يوما وفى آخرها يوما فان قلنا
لا تلفق فحيضها الدم الثاني وأما الأول فدم فساد وان لفقنا من العادة فحيضها أيضا الثاني وأما
512

الأول فدم فساد لان المبتدأة ترد إلى يوم وليلة أو ست أو سبع وليس في هذا الزمان ما يمكن جعله
حيضا وان لفقنا في مدة الامكان وهي الخمسة عشر فان قلنا المبتدأة ترد إلى يوم وليلة حيضناها
اليوم الأول ومن الخامس عشر مقدار ليلة فيتم لها يوم وليلة وان قلنا ترد إلى ست أو سبع
فحيضها الأول من الخامس عشر بليلته لأنه الممكن ويكون الدم بعد الخمسة عشر دم فساد *
(فرع) إذا كانت عادتها أن تحيض في الشهر عشرة أيام من أوله فرأت في شهر يومين دما ثم
ستة نقاء ثم يومين دما وانقطع واستمر الطهر فان سحبنا فالعشرة حيض وان لفقنا فحيضها أربعة
أيام وهي أيام الدم ولو كان عادتها خمسة فرأت ثلاثة دما ثم أربعة نقاء ثم ثلاثة دما فان سحبنا
فالعشرة حيض وان لفقنا فحيضها ستة الدم ولو كان عادتها خمسة من أول الشهر فرأت في أوله
أربعة دما ثم خمسة نقاء ثم العاشر دما فان سحبنا فالعشرة حيض وان لفقنا فحيضها خمسة
الدم ولو رأت يوما وليلة دما وسبعة نقاء ويومين دما فان سحبنا فالعشرة حيض والا فثلاثة الدم
وسواء في هذا كله لفقنا من العادة أو من الامكان وإنما الخلاف فيما إذا جاوز التقطع الخمسة
عشر وهذا وإن كان ظاهرا فلا يضر التنبيه عليه لبعض المبتدئين والله أعلم *
(فرع) ذكر المحاملي وصاحب الشامل وآخرون ونقلوه عن ابن سريج قالوا لو كان عادتها خمسة
أيام من الشهر وباقيه طهر فرأت في شهر اليوم الأول نقاء والثاني دما والثالث نقاء والرابع دما
ثم لم تزل هكذا حتى رأت السادس عشر دما وانقطع فان قلنا لا تلفق فحيضها خمسة عشر أولها
الثاني وآخرها السادس عشر وان لفقنا فحيضها ثمانية الدم هذا إذا وقف على السادس عشر فان
جاوز فقد صارت مستحاضة على المذهب خلافا لابن بنت الشافعي رضي الله عنهم فان لفقنا من
العادة فحيضها يومان الثاني والرابع إذ ليس في أيام العادة دم سواهما وان لفقنا من مدة الامكان
فحيضها الثاني والرابع والسادس والثامن والعاشر وان سحبنا فهل الاعتبار بعدد العادة أم بزمنها
فيه وجهان ذكرهما ابن سريج والأصحاب: أحدهما الاعتبار بزمانها فيكون حيضها الثاني والثالث
513

والرابع ولا يمكن ضم الأول والخامس إليها لأنهما نقاء ليس بين دمى حيض: والثاني الاعتبار
بعددها ولا تبالي بمجاوزة الزمان فيكون حيضها خمسة وهي الثاني والثالث والرابع والخامس
والسادس فحصل في حيضها ثلاثة أوجه أحدها يومان والثاني ثلاثة والثالث خمسة وفى زمنه
أربعة أوجه: أحدها أنه الثاني والرابع: والوجه الثاني أنه الثاني والثالث والرابع: والوجه الثالث
أنه الثاني والرابع والسادس والثامن والعاشر: والوجه الرابع أنه الثاني والثالث والرابع الخامس
والسادس: قال ابن سريج فلو كانت المسألة بحالها فحاضت قبل عادتها بيوم ورأت النقاء في اليوم
الأول من الشهر والدم في اليوم الثاني والنقاء في الثالث والدم في الرابع وهكذا حتى جاوز خمسة عشر
فان لفقنا من العادة فحيضها اليوم الثاني والرابع فقط إذ ليس في زمن العادة دم سواهما وان لفقنا
من الامكان قال ابن سريج احتمل وجهين أحدهما أن يكون أول الحيض اليوم الذي سبق العادة
والوجه الثاني أن يكون أوله اليوم الثاني من الشهر *
قال والأول أظهر لأنه دم في زمن الامكان فعلى هذا يلفق لها خمسة وهي أيام الدماء آخرها
الثامن وان قلنا بالوجه الثاني لفقنا لها خمسة آخرها العاشر وان سحبنا بنى على الوجهين فان قلنا
الاعتبار بزمن العادة حيضناها ثلاثة أيام وهي الثاني والثالث والرابع وان قلنا الاعتبار بعدد أيام
العادة حيضها خمسة أولها الذي بدأ فيه الدم وآخرها الرابع فحصل في قدر حيضها ثلاثة أوجه
أحدها يومان والثاني ثلاثة والثالث خمسة وفى زمنه خمسة أوجه أحدها يومان الثاني والرابع
والوجه الثاني ثلاثة أيام الثاني والثالث والرابع والوجه الثالث خمسة أيام الدماء أولها الذي سبق
عادتها وآخرها الثامن والوجه الرابع خمسة أيام أولها الثاني وآخرها العاشر والوجه الخامس
خمسة أيام متوالية أولها الدم الذي تقدم له وآخرها الرابع وهذه المسألة في نهاية من الحسن
والله أعلم *
514

(فرع) إذا انتقلت عادتها بتقدم أو تأخر ثم استحيضت وتقطع دمها ففيها الخلاف السابق
بين أبى اسحق والأصحاب في مراعاة الأولية كما ذكرناه في حال اطباق الدم يعود الخلاف في
ثبوت العادة بمرة: مثال التقدم كان عادتها خمسة من ثلاثين فرأت في بعض الأدوار يوم الثلاثين
دما واليوم الذي بعده نقاء وتقطع دمها هكذا وجاوز خمسة عشر قال أبو إسحاق حيضها أيامها
القديمة وما قبلها استحاضة فان سحبنا فحيضها اليوم الثاني والثالث والرابع وان لفقنا فالثاني
والرابع وقال الجمهور وهو المذهب تنتقل العادة بمرة فان سحبنا فحيضها خمسة متوالية أولها يوم
الثلاثين وان لفقنا من العادة فحيضها يوم الثلاثين والثاني والرابع وان لفقنا من الخمسة عشر
ضممنا إليها السادس والثامن مثال التأخر أن ترى في بعض الأدوار اليوم الأول نقاء والثاني دما
والثالث نقاء والرابع دما واستمر هكذا متقطعا فعند أبي إسحاق الحكم كما سبق في صورة التقدم
وعلى المذهب ان سحبنا فحيضها خمسة متوالية أولها الثاني وان لفقنا من العادة فالثاني والرابع
والسادس لان السادس وان خرج عن العادة القديمة فبالتأخر انتقلت عادتها وصار الثاني أولها
والسادس آخرها وان لفقنا من الخمسة عشر ضممنا إليها الثامن والعاشر وقد صار طهرها السابق
515

على الاستحاضة في هذه الصورة ستة وعشرين وفى صورة التقدم أربعة وعشرين ولو لم يتقدم الدم
في المثال المذكور ولا تأخر لكن تقطع هو والنقاء يومين يومين لم يعد خلاف أبى اسحق بل
يبنى على القولين فان سحبنا فحيضها خمسة متوالية والسادس كالدماء بعده وان لفقنا من العادة
فحيضها الأول والثاني والخامس وان لفقنا من الخمسة عشر ضممنا إليها السادس والتاسع وحكي
الرافعي وجها شاذا أن الخامس لا يجعل حيضا إذا لفقنا من العادة ولا التاسع إذا لفقنا من
الخمسة عشر لأنهما ضعفا باتصالهما بدم الاستحاضة وطردوا الوجه في كل نوبة دم يخرج بعضها
عن العادة ان اقتصرنا عليها أو عن الخمسة عشر ان اعتبرناها: هذا بيان حيضها: أما قدر طهرها إلى
استئناف حيضة أخرى فينظر إن كان التقطع بحيث ينطبق الدم على أول الدور فهو ابتداء الحيضة
الأخرى وإن لم ينطبق فابتداؤها أقرب نوب الدماء إلى الدور تقدمت أو تأخرت فان استويا
في التقدم والتأخر فابتداء حيضها النوبة المتأخرة ثم قد يتفق التقدم والتأخر في بعض أدوار الاستحاضة
دون بعض وطريق معرفة ذلك أن تأخذ نوبة دم ونوبة نقاء وتطلب عددا صحيحا يحصل من مضروب
مجموع النوبتين فيه مقدار دورها فان وجدته فاعلم انطباق الدم على أول الدور والا فاضربه في
عدد يكون الحاصل منه أقرب إلى دورها زائدا كان أو ناقصا واجعل حيضها الثاني أقرب الدماء إلى
الدور فان استوى طرفا الزيادة والنقص فالاعتبار بالزائد مثاله عادتها خمسة من ثلاثين وتقطع يوما
ويوما وجاوز خمسة عشر فنوبة الدم يوم ونوبة النقاء مثله وتجد عددا إذا ضربت الاثنين فيه يبلغ
ثلاثين وهو خمسة عشر فتعلم انطباق الدم على أول دورها ابدا ما دام التقطع بهذه الصفة ولو كانت المسألة
بحالها وتقطع يومين يومين فلا تجد عددا يحصل من ضرب أربعة فيه ثلاثين فاطلب ما يقرب الحاصل
من الضرب فيه من ثلاثين وهنا عددان سبعة وثمانية أحدهما يحصل منه ثمانية وعشرون
والآخر اثنان وثلاثون فاستوى طرفا الزيادة والنقص فخذ بالزيادة واجعل أول الحيضة الثانية
الثالث والثلاثين وحينئذ يعود خلاف أبي إسحاق لتأخر الحيض عن أول الدور فحيضها عنده
516

في الدور الثاني هو اليوم الثالث والرابع فقط على قول السحب والتلفيق جميعا وأما على المذهب
فان سحبنا فحيضها خمسة متوالية أولها الثالث وان لفقنا من العادة فحيضها الثالث والرابع والسابع
وان لفقنا من الخمسة عشر فحيضها هذه الثلاثة مع الثامن والحادي عشر ثم في الدور الثالث ينطبق
الدم على أول الدور فلا يبقى خلاف أبى اسحق ويكون الحكم كما ذكرناه في الدور الأول ثم
في الدور الرابع يتأخر الدم ويعود الخلاف وعلى هذا أبدا: قال الرافعي ولم نر أحدا يقول إذا تأخر
الدم في الدور الثاني يومين فقد صار أول الأدوار المجاوزة اثنين وثلاثين فيجعل هذا القدر دورا
لهما تفريعا على ثبوت العادة بمرة وحينئذ ينطبق الدم على أول الدور أبدا لأنا نجد عددا يحصل
من ضرب الأربعة فيه هذا القدر وهو ثمانية قال ولو قال قائل بهذا لم يكن به بأس فان قيل هذا الدور
حدث في زمن الاستحاضة فلا عبرة به قلنا لا نسلم فقد أثبتنا عادة للمستحاضة مع دوام الاستحاضة
الا ترى أن المستحاضة المميزة يثبت لها بالتمييز عادة معمول بها ولو كانت المسألة بحالها ورأت
ثلاثة دما وأربعة نقاء فمجموع النوبتين سبعة ولا تجد عددا إذا ضربت السبعة فيه بلغ ثلاثين
فاضربها في أربعة لتبلغ ثمانية وعشرين واجعل أول الحيضة الثالثة التاسع والعشرين ولا تضربها في خمسة
فإنه يبلغ خمسة وثلاثين وهي أبعد من الدور ثم إذا صار أول الحيضة التاسع والعشرين فقد تقدم
الحيض على أول الدور فعلى قياس أبى اسحق ما قبل الدور استحاضة وحيضها اليوم الأول على قول
التلفيق والسحب وقياس المذهب لا يخفى: ولو كانت عادتها ستة من ثلاثين وتقطع دمها ستة ستة
وجاوز ففي الدور الأول حيضها الستة الأولي بلا خلاف واما الدور الثاني فإنها ترى ستة من أوله
نقاء وهي أيام عادتها فعند أبي إسحاق لا حيض لها في هذا الدور أصلا وعلى المذهب وجهان
حكاهما امام الحرمين وغيره أصحهما حيضها الستة الثانية على قولي السحب والتلفيق جميعا والثاني
حيضها الستة الأخيرة من الدور الأول لان الحيضة إذا فارقت محلها فقد يتقدم وقد يتأخر
والستة الأخيرة صادفت زمن الامكان لأنه مضى قبلها طهر كامل فوجب جعلها حيضا ويجئ هذا
الوجه حيث خلت جميع أيام العادة عن الدم: هذا كله إذا لم ينقص الدم الموجود في زمن العادة
عن أقل الحيض فلو نقص بأن كانت عادتها يوما وليلة فرأت في بعض الأدوار يوما دما وليلة نقاء
واستحيضت فثلاثة أوجه على قول السحب أصحها وبه قال أبو إسحاق المروزي لا حيض لها في هذه
517

الصورة والثاني تعود إلى قول التلفيق وبه قال أبو بكر المحمودي والثالث حيضها الأول والثاني
والليلة بينهما وبه قال الشيخ أبو محمد وأما على قول التلفيق فان لفقنا من الخمسة عشر حيضناها
الأول والثاني وجعلنا الليلة بينهما طهرا وان لفقنا من العادة فوجهان حكاهما الامام والغزالي في البسيط
الأصح قول أبى اسحق لا حيض لها وبه قطع الرافعي والثاني ترجع إلى الوجه الآخر وهو التلفيق
من الخمسة عشر وادعى الغزالي في الوسيط أنه لا طريق غيره وليس كما قال: هذا كله فيمي كان
لها قبل الاستحاضة عادة غير متقطعة أما من كانت لها عادة متقطعة ثم استحيضت مع التقطع فينظر
إن كان التقطع بعد الاستحاضة كالتقطع قبلها فمردها قدر حيضها على اختلاف القولين مثاله كانت
ترى ثلاثة دما وأربعة نقاء ثم ثلاثة دما وتطهر عشرين ثم استحيضت والتقطع على هذه الصفة فان سحبنا
كان حيضها قبل الاستحاضة عشرة وكذا بعدها وان لفقنا كان حيضها ستة يتوسط بين نصفيها
أربعة وكذا الآن وان اختلف التقطع بان تقطع في المثال المذكور يوما يوما ثم استحيضت فان
سحبنا فحيضها الآن تسعة أيام لأنها جملة الدماء الموجودة في زمن العادة مع النقاء المتخلل وان لفقنا
من العادة فحيضها الأول والثالث والتاسع إذ ليس لها في أيام حيضها القديم على هذا القول دم الا في
هذه الثلاثة وان لفقنا من الخمسة عشر ضممنا إلى هذه الثلاثة الخامس والسابع والحادي عشر تكميلا
لقدر حيضها والله أعلم *
(فرع) قوله في التنبيه وان رأت يوما طهرا ويوما دما ففيه قولان ينكر عليه في ثلاثة أشياء
أحدها تسميته طهرا مع أنه حيض في الأصح والثاني تقديم الطهر في اللفظ فان الابتداء إنما هو
من الدم بلا خلاف والثالث اهماله بيان صورة المسألة وهي مصورة فيمن تقطع دمها ولم يجاوز خمسة
عشر فان جاوز فهي مستحاضة كما سبق * [قال المصنف رحمه الله] *
[دم النفاس يحرم ما يحرمه الحيض ويسقط ما يسقطه الحيض لأنه حيض مجتمع احتبس
لأجل الحمل فكان حكمه حكم الحيض فان خرج قبل الولادة شئ لم يكن نفاسا وان خرج بعد
الولادة كان نفاسا وان خرج مع الولد ففيه وجهان أحدهما أنه ليس بنفاس لأنه ما لم ينفصل جميع
الولد فهي في حكم الحامل ولهذا يجوز للزوج رجعتها فصار كالدم الذي تراه في حال الحمل وقال
أبو إسحاق وأبو العباس بن أبي أحمد بن القاص هو نفاس لأنه دم انفصل بخروج الولد فصار
518

كالدم الخارج بعد الولادة وان رأت الدم قبل الولادة خمسة أيام ثم ولدت ورأت الدم فان الخارج
بعد الولادة نفاس وأما الخارج قبله ففيه وجهان من أصحابنا من قال هو استحاضة لأنه لا يجوز
أن يتوالى حيض ونفاس من غير طهر كما لا يجوز أن يتوالى حيضتان من غير طهر ومنهم من قال
إذا قلنا أن الحامل تحيض فهو حيض لان الولد يقوم مقام الطهر في الفصل] *
[الشرح] في هذه القطعة مسائل إحداها في ألفاظها: النفاس بكسر النون وهو عند الفقهاء
الدم الخارج بعد الولد وعلى قول من يجعل الخارج معه نفاسا يقول هو الخارج مع الولد أو بعده
وأما أهل اللغة فقالوا النفاس الولادة ويقال في فعله نفست المرأة بضم النون وفتحها والفاء مكسورة
فيهما وهاتان اللغتان مشهورتان حكاهما ابن الأنباري والجوهري والهروي في الغريبين وآخرون
أفصحهما الضم ولم يذكر صاحب العين والمجمل غيره واما إذا حاضت فيقال نفست بفتح
النون وكسر الفاء لا غير كذا قال ابن الأنباري والهروي وآخرون ويقال في الولادة امرأة
نفساء بضم النون وفتح الفاء وبالمد ونسوة نفاس بكسر النون قالوا وليس في كلام
العرب فعلاء يجمع على فعال الانفساء وعشراء للحامل جمعها عشار ويجمع النفساء أيضا نفساوات
بضم النون قال صاحب المطالع وبالفتح أيضا قال ويجمع على نفس أيضا بضم النون والفاء قال
ويقال في الواحدة نفسي مثل كبرى ونفسي بفتح النون ويقال امرأتان نفساوان والولد منفوس
وقوله لأجل الحيض هو بفتح الهمزة وحكي الجوهري وغيره كسرها أيضا والمشهور في اللغة
تعديته بمن فيقال من أجل الحيض ومن أجل كذا قال الله تعالى (من أجل ذلك كتبنا) وقوله
للزوج رجعتها هي بفتح الراء وكسرها لغتان مشهورتان وسبق في أول الباب بيان اللغتين في
الحامل والحاملة وسبق بيان حال أبى اسحق وأبى العباس في أبواب المياه وقوله أبو العباس بن أبي
أحمد ابن القاص كذا وقع هنا وهو صحيح وقوله ابن القاص يكتب بالألف وهو مرفوع هنا
صفة لأبي العباس ولا يجوز جره على أنه صفة لأبي احمد لأنه يفسد المعنى فان القاص هو أبو أحمد
وعادتهم ان يصفوا أبا العباس بأحد أوصاف ثلاثة فتارة يقال أبو العباس بن أبي احمد وتارة أبو
العباس صاحب التلخيص أو صاحب التلخيص بلا كنية كما يفعله الغزالي وغيره وتارة يجمعون
بين الوصفين الأولين كما فعله المصنف هنا والله أعلم: المسألة الثانية إذا نفست المرأة فلها حكم
519

الحائض في الأحكام كلها الا أربعة أشياء مختلفا في بعضها أحدها ان النفاس لا يكون بلوغا فان
البلوغ يحصل بالحمل قبله والحيض قد يكون بلوغا الثاني لا يكون النفاس استبراء الثالث لا يحسب
النفاس من عدة الايلاء على أحد الوجهين وإذا طرأ عليها قطعها بخلاف الحيض فإنه يحسب ولا
يقطع الرابع لا ينقطع تتابع صوم الكفارة بالحيض وفى انقطاعه بالنفاس وجهان وما سوى هذه
الأربعة يستوي فيه الحائض والنفساء فيحرم عليها ما حرم على الحائض كالصلاة والصوم والوطئ
وغيرهما مما سبق ويسقط عنها ما يسقط عن الحائض من الصلاة وتمكين الزوج وطواف الوداع
وغيرها مما سبق ويحرم على الزوج وطؤها وطلاقها ويكره عبورها في المسجد والاستمتاع بما بين
سرتها وركبتها إذا لم نحرمهما ويلزمها الغسل وقضاء الصوم ونمنع صحة الصلاة والصوم والطواف
والاعتكاف والغسل وأما قول المصنف النفاس يحرم ما يحرم الحيض ويسقط ما يسقطه الحيض
فكلام صحيح ولكنه ناقص لان باقي الأحكام التي ذكرتها لم يتعرض لها وكان ينبغي ان يعبر
بالعبارة التي ذكرتها أولا لسهولتها وكأنه اقتصر على ما ذكره تنبيها به على الباقي ولهذا قال فكان
حكمه حكم الحيض وهذا الذي ذكرناه من أن النفساء لها حكم الحائض لا خلاف فيه ونقل ابن
جريج اجماع المسلمين عليه ونقل المحاملي اتفاق أصحابنا على أن حكمها حكم الحائض في كل شئ
ولا بد من استثناء ما ذكرته أولا والله أعلم *
(فرع) ذكرنا أن النفساء يسقط عنها فرض الصلاة وهذا جار في كل نفساء وحكى البغوي
والمتولي وغيرهما وجها انها لو شربت دواء ليسقط الجنين ميتا فأسقطته ميتا وجب عليها قضاء
صلوات أيام النفاس لأنها عاصية والأصح الأشهر أنه لا يجب وسنوضح المسألة في أول كتاب
الصلاة إن شاء الله تعالى * المسألة الثالثة في حقيقة النفاس وحكم الدم قبل الولادة وبعدها ومعها
فأما الدم الخارج بعد الولادة فنفاس بلا خلاف وفي الخارج مع الولد ثلاثة أوجه الصحيح عند
جمهور المصنفين وبه قطع جمهور أصحابنا المتقدمين انه ليس بنفاس بل له حكم الدم الخارج قبل
الولادة وسنذكر حكمه إن شاء الله تعالى واحتج له الأصحاب بما ذكره المصنف قال الروياني ولأنه
لا خلاف ان ابتداء الستين يكون عقب انفصال الولد فلو جعلناه نفاسا لزادت مدة النفاس على
520

ستين يوما والوجه الثاني أنه نفاس وصححه ابن الصباغ والثالث له حكم الدم الخارج بين التوأمين
حكاه البغوي وهو شاذ ضعيف وإذا قلنا هو نفاس فله فوائد منها وجوب الغسل إذا لم تر دما
بعده وقلنا لا يجب الغسل بخروج الولد ومنها بطلان الصوم إذا لم تر دما بعده أصلا أو ولدت
مع آخر جزء من النهار وكان الدم المتعقب للولد بعد غروب الشمس ومنها منع وجوب الصلاة
إذا كانت الولادة مستوعبة لجميع الوقت أو كانت الحامل مجنونة وأفاقت في آخر الوقت واتصلت
الولادة بالجنون بحيث لو لم توجد الولادة لوجبت الصلاة والله أعلم: وأما الدم الخارج قبل الولادة
فقد أطلق المصنف وجمهور الأصحاب في الطرق كلها أنه ليس بنفاس بل له حكم دم الحامل وقال صاحب
الحاوي ان انفصل عما بعد الولادة فليس بنفاس بلا خلاف وان اتصل به فوجهان أحدهما انه
نفاس وهو قول أبي الطيب بن سلمة وقال وأول نفاسها من حين بدأ بها الدم المتصل بالولادة
والثاني ليس بنفاس ومراده بما قبل الولادة ما قاربها وقد أوضح الرافعي المسألة فقال لو رأت
الحامل الدم على عادتها واتصلت الولادة بآخره ولم يتخلل طهر أصلا فوجهان أصحهما انه حيض
والثاني أنه دم فساد قال ولا خلاف انه ليس بنفاس لان النفاس لا يسبق الولادة ولهذا قطع
الجمهور بأن ما يبدو عند الطلق ليس بنفاس وقالوا ابتداء النفاس من انفصال الولد وحكي صاحب
الافصاح وجها أن ما يبدو عند الطلق نفاس لأنه من آثار الولادة ثم عند الجمهور كما لا يجعل نفاسا
لا يجعل حيضا كذا حكاه القاضي أبو المكارم في العدة وكذا حكاه الحناطي وحكى معه وجها انه
حيض على قولنا الحامل تحيض وإذا كان الأصح في هذه الصورة انه ليس بحيض وجب أن تستثنى
هذه الصورة من قولنا الحامل تحيض على أصح القولين لأنها حامل بعد في هذه الصورة قال
الرافعي فحصل في وقت ابتداء النفاس أوجه أحدها بحسب من الدم البادئ عند الطلق والثاني
من الدم الخارج مع ظهور الولد والثالث وهو الأصح من وقت انفصال الولد وحكى امام الحرمين
وجها انها لو ولدت ولم تر دما أياما ثم رأت الدم فابتداء النفاس يحسب من خروج الولد لا من
521

رؤية الدم وهذا وجه رابع وموضعه إذا كانت الأيام المتخللة دون أقل الطهر والله أعلم * المسألة
الرابعة: إذا رأت الحامل دما يمكن أن يكون حيضا وانقطع ثم ولدت قبل مضى خمسة عشر
يوما من انقطاعه فوجهان أصحهما عند الأصحاب أنه حيض ان قلنا الحامل تحيض والا فهو دم فساد
والثاني أنه دم فساد سواء قلنا الحامل تحيض أم لا ودليلهما مذكور في الكتاب هكذا حكي
الأصحاب هذا الخلاف وجهين وهو في المعنى طريقان أحدهما أنه دم فساد والثاني على القولين في
دم الحامل ثم لا فرق في جريان هذا الخلاف بين أن ترى الدم في زمن عادتها أو غيره ولا فرق
بين أن تتصل بالولادة أم لا على الصحيح كما سبق في المسألة الثالثة وقد تقدم في هذه المسألة زيادة
في أول الباب وأما قول المصنف من أصحابنا من قال هو استحاضة فهو تصريح بأن دم الاستحاضة
يطلق على الجاري في غير أوانه وإن لم يتصل بحيض وقد أوضحت الخلاف فيه في أول الباب
والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وأكثر النفاس ستون يوما وقال المزني أربعون يوما والدليل على ما قلناه ما روى عن الأوزاعي
قال عندنا امرأة ترى النفاس شهرين وعن عطاء والشعبي وعبيد الله بن الحسن العنبري والحجاج
ابن أرطاة ابن النفاس ستون يوما وليس لأقله حد وقد تلد المرأة ولا ترى الدم وروى أن امرأة
ولدت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تر نفاسا فسميت ذات الجفوف] *
[الشرح] هذا الحديث غريب والجفوف بضم الجيم معناه الجفاف وهما مصدران لجف الشئ
يجف بكسر الجيم وبفتحها أيضا في لغية: اما حكمه فمذهبنا المشهور الذي تظاهرت عليه نصوص
الشافعي رحمه الله وقطع به الأصحاب ان أكثر النفاس ستون ولا حد لأقله ومعناه لا يتقيد
بساعة ولا بنصف ساعة مثلا ولا نحو ذلك بل قد يكون مجرد مجة أي دفعة كما قاله المصنف في
التنبيه والأصحاب وحكى أبو عيسى الترمذي في جامعه عن الشافعي أنه قال أكثره أربعون يوما
وهذا عجيب والمعروف في المذهب ما سبق واما اطلاق جماعة من أصحابنا ان أقل النفاس ساعة
522

فليس معناه الساعة التي هي جزء من اثنى عشر جزءا من النهار بل المراد مجة كما ذكره الجمهور
وانفرد صاحب الحاوي فقال ليس للشافعي رحمه الله في كتبه نص في أقل النفاس وروى أبو
ثور عنه ان أقله ساعة قال واختلف أصحابنا هل الساعة حد لأقله أم لا على وجهين أحدهما وهو
قول أبي العباس وجميع البغداديين انه محدود الأقل بساعة وبه قال محمد بن الحسن وأبو ثور
والثاني وهو قول البصريين أنه لا حد لأقله وإنما ذكر الساعة تقليلا لا تحديدا وأقله مجة دم وبه
قال مالك والأوزاعي واحمد واسحق هذا كلام صاحب الحاوي وقال صاحب الشامل وقع في
بعض نسخ المزني أقله ساعة وأشار ابن المنذر إلى أن للشافعي في ذلك قولين فإنه قال كان الشافعي
يقول إذا ولدت فهي نفساء فإذا أرادت الطهر وجب الغسل والصلاة قال وحكى أبو ثور عن الشافعي
ان أقل النفاس ساعة والصحيح المشهور ما قدمناه ان أقله مجة وبنى صاحب الحاوي على ما ذكره
من الخلاف في تحديده بساعة انها لو ولدت ولم تر دما أصلا وقلنا إن الولادة بلا دم توجب
الغسل فهل يصح غسلها عقب الولادة أم لا بد من تأخيره ساعة فيه وجهان ان قلنا محدود لم يصح
والا فيصح وهذا البناء ضعيف انبنى على ضعيف بل الصواب القطع بصحة غسلها وكيف تمنع
صحته بسبب النفاس ولا دم هنا والله أعلم قال الروياني في البحر ولا خلاف أن ابتداء الستين
يكون عقيب انفصال الولد سواء قلنا الدم الخارج مع الولد نفاس أم لا ولم يذكر المصنف
غالب النفاس وتركه عجب فقد ذكره هو في التنبيه والأصحاب ثم إنه قال بعد هذا ترد المبتدأة
إلى غالبه في أحد القولين وهذا يزيد التعجب من تركه وكأنه استغنى بشهرته وقد اتفق أصحابنا
على أن غالبه أربعون يوما ومأخذه العادة والوجود والله أعلم *
(فرع) ذكر المصنف في هذا الفصل أسماء جماعة منهم عطاء والأوزاعي وقد بينا حالهما في
523

أول الباب
وأما الشعبي فبفتح الشين وهو أبو عمرو عامر بن شراحيل بفتح الشين وقيل عامر بن
عبد الله بن شراحيل الكوفي التابعي الكبير المتفق على جلالته وإمامته وبراعته وشدة حفظه
روينا عنه قال أدركت خمسمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وروينا عنه قال ما كتبت
سوداء في بيضاء قط ولا حدثني رجل بحديث فأحببت أن يعيده على ولا حدثني رجل بحديث
الا حفظته وأحواله كثيرة ذكرت جملة منها في تهذيب الأسماء: ولد لست سنين خلت من خلافة
عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتوفى سنة أربع ومائة وقيل سنة ثلاث وقيل خمس وقيل ست
وأما العنبري فهو عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن مالك العنبري القاضي البصري ولي قضاء
البصرة بعد سوار بن عبد الله نسب إلى العنبر بن عمرو بن تميم جد من أجداده قال محمد بن سعد
كان محمودا ثقة عاقلا وهو من تابع التابعين وأما الحجاج بن أرطاة فبفتح الهمزة واسكان الراء
وبالطاء المهملة وهو أبو أرطاة النخعي الكوفي من تابع التابعين وهو أحد المفتين بالكوفة استفتي
وهو ابن ست عشرة سنة وولي قضاء البصرة رحمهم الله أجمعين *
(فرع) في مذاهب العلماء في أكثر النفاس وأقله: قد ذكرنا أن مذهبنا المشهور أن أكثره
ستون يوما وبه قال عطاء والشعبي والعنبري والحجاج بن أرطاة ومالك وأبو ثور وداود وقال
ابن المنذر وزعم ابن القاسم ان مالكا رجع عن التحديد بستين يوما وقال يسئل النساء عن ذلك
وذهب أكثر العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أن أكثره أربعون كذا حكاه عن
الأكثرين الترمذي والخطابي وغيرهما قال الخطابي قال أبو عبيد على هذا جماعة الناس وحكاه
ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابن عباس وأنس وعثمان بن أبي العاص وعائذ بن عمرو بالذال
المعجمة وأم سلمة والثوري وأبي حنيفة وأصحابه وابن المبارك واحمد واسحق وأبي عبيد رضي الله عنه
م وحكى الترمذي وابن المنذر وابن جرير وغيرهم عن الحسن البصري أنه خمسون وقال
القاضي أبو الطيب قال الطحاوي قال الليث قال بعض الناس أنه سبعون يوما قال ابن المنذر وذكر
524

الأوزاعي عن أهل دمشق أن أكثر النفاس من الغلام ثلاثون يوما ومن الجارية أربعون وعن
الضحاك أكثره أربعة عشر يوما واحتج للقائلين بأربعين بحديث أم سلمة رضي الله عنها: قالت
كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما: حديث حسن رواه
أبو داود والترمذي وغيرهما قال الخطابي أثنى البخاري على هذا الحديث واحتجوا بأحاديث
بمعنى هذا من رواية أبي الدرداء وأنس ومعاذ وعثمان بن أبي العاص وأبي هريرة رضي الله عنهم
قالوا ولان هذا تقدير فلا يقبل الا بتوقيف أو اتفاق وقد حصل الاتفاق على أربعين واحتج أصحابنا
بان الاعتماد في هذا الباب على الوجود وقد ثبت الوجود في الستين بما ذكره المصنف في الكتاب
عن هؤلاء الأئمة فتعين المصير إليه كما قلنا في أقل الحيض والحمل وأكثرهما قال أصحابنا ولان غالبه
أربعون فينبغي أن يكون أكثره زائدا كما في الحيض والحمل ونقل أصحابنا عن ربيعة شيخ مالك وهو
تابعي قال أدركت الناس يقولون أكثر النفاس ستون واما الجواب عن حديث أم سلمة فمن أوجه أحدها
انه محمول على الغالب والثاني حمله على نسوة مخصوصات ففي رواية لأبي داود كانت المرأة
من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقعد في النفاس أربعين ليلة (الثالث) أنه لا دلالة فيه لنفى الزيادة
وإنما فيه اثبات الأربعين واعتمد أكثر أصحابنا جوابا آخر وهو تضعيف الحديث وهذا الجواب
مردود بل الحديث جيد كما سبق وإنما ذكرت هذا لئلا يغتر به: وأما الأحاديث الاخر فكلها
ضعيفة ضعفها الحفاظ منهم البيهقي وبين أسباب ضعفها والله أعلم * وأما أقل النفاس فقد ذكرنا
أن أقله عندنا مجة قال القاضي أبو الطيب وبه قال جمهور العلماء وقد سبق أنه مذهب مالك
والأوزاعي وأحمد واسحق وعن أبي حنيفة ثلاث روايات أصحها مجة كمذهبنا والثانية أحد عشر
والثالثة خمسة وعشرون ولم يذكر ابن المنذر وابن جرير والخطابي عنه غيرها وحكي الماوردي عن
الثوري أقله ثلاثة أيام وقال المزني أقله أربعة أيام واحتج أصحابنا بأن الاعتماد على الوجود وقد
حصل الوجود في القليل والكثير حتى وجد من لم تر نفاسا أصلا قال صاحب الحاوي وسبب
525

اختلاف العلماء أن كلا منهم ذكر أقل ما بلغه فوجب الرجوع إلى أقل ما وجد واما قول المصنف
قال المزني أكثر النفاس أربعون فغريب عن المزني والمشهور عنه أنه قال أكثره ستون كما قاله
الشافعي وإنما خالفه في أقله كذا نقله الفوراني والغزالي وصاحب العدة وآخرون فان صح ما ذكره
المصنف وذكروه كان عن المزني روايتان والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وان ولدت توأمين بينهما زمان ففيه ثلاثة أوجه أحدها يعتبر النفاس من الولد الأول
لأنه دم يعقب الولادة فاعتبرت المدة منه كما لو كان وحده والثاني يعتبر من الثاني لأنه ما دام معهما
حمل فالدم ليس بنفاس كالدم الذي تراه قبل الولادة والثالث يعتبر ابتداء المدة من الأول ثم
تستأنف المدة من الثاني لان كل واحد منهما سبب للمدة فإذا وجدا اعتبر الابتداء من كل واحد
منهما كما لو وطأ امرأة بشبهة فدخلت في العدة ثم وطئها فإنها تستأنف العدة] *
[الشرح] يقال زمان وزمن لغتان وقوله ولدت توأمين هو بفتح التاء واسكان الواو وبعدها
همزة مفتوحة ومعناه ولدان هما حمل واحد وشرط كونهما توأمين أن يكون بينهما دون ستة أشهر
فإن كان ستة أشهر فهما حملان ونفاسان بلا خلاف وسواء كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر
ما لم يبلغ ستة أشهر فهما توأمان وهذه الأوجه الثلاثة التي ذكرها المصنف مشهورة لمتقدمي أصحابنا
وحكى ابن القاص في التلخيص ان بعض أصحابنا حكاها أقوالا والمشهور انها أوجه أصحها عند
الشيخ أبى حامد وأصحابنا العراقيين والبغوي والروياني وصاحب العدة وغيرهم من الخراسانيين
ان النفاس معتبر من الولد الثاني وهو مذهب محمد وزفر ورواية عن أحمد وداود وصحح ابن القاص
وامام الحرمين والغزالي كونه من الأول وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأبى يوسف وأصح الروايتين
عن أحمد ورواية عن داود وتوجيه الجميع مذكور في الكتاب فان قلنا يعتبر من الثاني ففي حكم
الدم الذي بينهما ثلاثة طرق أصحها وبه قطع القاضي حسين فيه القولان في دم الحامل أصحهما
526

أنه حيض والثاني دم فساد والطريق الثاني القطع بأنه دم فساد كالذي تراه في مبادئ خروج الولد
وبهذا قطع الشيخ أبو حامد والثالث القطع بأنه حيض لأنه بخروج الأول انفتح باب الرحم فخرج
الحيض بخلاف ما قبله فإنه منسد وقال الرافعي قال الأكثرون ان قلنا دم الحامل حيض فهذا أولي والا
فقولان وأما إذا قلنا بالوجه الثالث أن المدة تعتبر من الولد الأول ثم تستأنف فمعناه أنهما نفاسان
يعتبر كل واحد منهما على حدته ولا يبالي بزيادة مجموعهما على ستين حتى لو رأت بعد الأول ستين
يوما دما وبعد الثاني ستين كانا نفاسين كاملين قال امام الحرمين حتى لو ولدت أولادا في بطن
ورأت على أثر كل واحد ستين فالجميع نفاس ولكل واحد حكم نفاس مستقل لا يتعلق حكم
بعضها ببعض واما إذا قلنا إن الاعتبار بالأول فمعناه انهما نفاس واحد ابتداؤه من خروج الولد
الأول فان زاد مجموعهما على ستين يوما فهي مستحاضة وسيأتي حكمها إن شاء الله تعالى وان وضعت
الثاني بعد مضي ستين يوما من حين وضعت الأول قال جماعة كان ما رأته بعد الثاني دم فساد
وليس بنفاس وقال امام الحرمين قال الصيدلاني اتفق أئمتنا في هذه الصورة ان الولد الثاني ينقطع
عن الأول وتستأنف نفاسا فان الذي تقدمه نفاس كامل ويستحيل ان تلد الثاني وترى الدم عقيبه
ولا يكون نفاسا قال الامام وسمعت شيخي يقول الدم بعد الثاني دم فساد في هذه الصورة وهذا
ولد تقدمه النفاس قال الامام ويلزم على قياس هذا أن يقال إذا ولدت ورأت ستين يوما دما ثم
تمادى اجتنان الولد الثاني أشهرا ثم ولدته ورأت دما انه دم فساد وهذا بعيد جدا وبهذا يتبين ان
كل ولد يستعقب نفاسا هذا آخر كلام الامام *
(فرع) إذا أسقطت عضوا من الجنين وبقي الباقي مجتنا ورأت بعد العضو دما قال المتولي هل يكون
نفاسا فيه الوجهان في الدم بين التوأمين والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وان رأت دم النفاس ساعة ثم طهرت خمسة عشر يوما ثم رأت الدم يوما وليلة فيه وجهان
أحدهما ان الأول نفاس والثاني حيض وما بينهما طهر والوجه الثاني ان الجميع نفاس لان الجميع وجد
527

في مدة النفاس وفيما بينهما القولان في التلفيق] *
[الشرح] قال أصحابنا إذا انقطع دم النفساء فتارة يتجاوز التقطع ستين يوما وتارة
لا يتجاوزها فإن لم يتجاوزها نظر فإن لم يبلغ مدة النقاء بين الدمين أقل الطهر وهو خمسة عشر
وما فأوقات الدم نفاس وفى النقاء المتخلل قولا التلفيق أصحهما أنه نفاس والثاني أنه دم
فساد مثال هذا أن ترى ساعة دما وساعة نقاء أو يوما أو يومين أو خمسة أو عشرة أو أربعة عشر
وأربعة ونحوهما من التقديرات أما إذا بلغت مدة النقاء أقل الطهر بأن رأت الدم ساعة أو يوما
أو أياما عقب الولادة ثم رأت النقاء خمسة عشر يوما فصاعدا ثم رأت الدم يوما وليلة فصاعدا
ففي الدم العائد الوجهان اللذان ذكرهما المصنف وهما مشهوران: قال الشيخ أبو حامد
والأصحاب أصحهما ان الأول نفاس والعائد حيض وما بينهما طهر لأنهما دمان تخللهما طهر
كامل فلا يضم أحدهما إلى الآخر كدمي الحيض وهذا الوجه قول أبى اسحق المروزي
وهو مذهب أبي يوسف ومحمد وأبى ثور والثاني وهو قول أبي العباس بن سريج ان الدمين
نفاس لوقوعه في زمن الامكان كما لو تخلل بينهما دون خمسة عشر وفى النقاء المتخلل القولان أحدهما انه
طهر والثاني انه نفاس هذا هو المشهور وبه قطع الجمهور وحكي امام الحرمين والغزالي
وجها أن النقاء المتخلل طهر على القولين وان هذه الصورة تستثنى على قول السحب إذ يبعد أن تجعل
المدة الكاملة في الطهر نفاسا بخلاف ما إذا كانت المدة ناقصة فإنها لا تصلح طهرا وحدها فتبعت الدم
اما إذا كان الدم العائد بعد خمسة عشر النقاء دون يوم وليلة فان قلنا في الصورة الأولي أنه نفاس
فهنا أولي وان قلنا هناك أنه حيض فهنا وجهان أصحهما أنه دم فساد لان الطهر الكامل قطع حكم النفاس
وبهذا قطع الجرجاني وهو مذهب زفر ومحمد والثاني أنه نفاس لأنه تعذر جعله حيضا وأمكن جعله نفاسا
وهذا مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف أما إذا كان الدم العائد أكثر من خمسة عشر فان قلنا في الصورة
الأولي أن العائد نفاس فكذا هنا وان قلنا أنه حيض فهي مستحاضة في الحيض قد اختلط حيضها
528

بالاستحاضة فينظر أمبتدأة هي أم معتادة أم مميزة وقد سبق بيانها أما إذا ولدت ولم ترد دما أصلا
حتى مضى خمسة عشر يوما فصاعدا ثم رأت الدم فهل هو حيض أم نفاس فيه الوجهان أصحهما أنه حيض
ذكره امام الحرمين والغزالي وغيرهما فان قلنا أنه حيض فلا نفاس لهذه المرأة أصلا اما إذا ولدت ولم
تر دما أصلا ثم رأته قبل خمسة عشر يوما من الولادة فهل يكون ابتداء النفاس من رؤية الدم أم من
وقت الولادة فيه وجهان حكاهما امام الحرمين أصحهما من رؤية الدم وقد سبق بيان هذا في أول فصل
النفاس والله أعلم:
هذا كله إذا تقطع دمها ولم يجاوز ستين يوما فان جاوزها نظر ان بلغ زمن النقاء في
الستين خمسة عشر يوما ثم جاوز العائد فالعائد حيض بلا خلاف والنقاء قبله طهر وإن لم يبلغ النقاء
خمسة عشر فهي مستحاضة فإن كانت مميزة ردت إلى التمييز وإن كانت مبتدأة فهل ترد إلى أقل
النفاس أم غالبه فيه خلاف وإن كانت معتادة ردت إلى العادة وفى الأحوال كلها يراعي التلفيق
فان سحبنا فالدماء في أيام المرد مع النقاء المتخلل نفاس وإن لفقنا فلا يخفى حكما وهل يلفق من العادة
أم من مدة الامكان وهي الستين فيه الوجهان السابقان في فصل التلفيق *
(فرع) قال المحاملي وغيره ان أبا العباس بن سريج فرع على هذه المسألة فقال إذا قال لامرأته الحامل
إذا وضعت فأنت طالق طلقت بالوضع وكم القدر لذي يقبل قولها فيه إذا ادعت انقضاء العدة يبني على الوجهين
السابقين في الدم العائد بعد الطهر الكامل في الستين فان جعلناه حيضا فأقل ما يمكن انقضاء العدة
فيه سبعة وأربعون يوما ولحظتان لأنه يمكن ان تضع قبل المغرب بلحظة وترى الدم في اللحظة ثم تطهر
خمسة عشر ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ثم ترى
الدم لحظة وقد انقضت عدتها قال المحاملي وغيره وبني ابن سريج هذا على ما إذا رأت النفاس فإن لم
تره أصلا انقضت عدتها بسبعة وأربعين يوما ولحظة واحدة هذا إذا قلنا الدم العائد حيض فان قلنا هو
نفاس فأقل مدة تنقضي فيها عدتها اثنان وتسعون يوما ولحظة لان الستين لا يحصل فيها دم يحسب حيضا
فلا يتصور فيها الا طهر واحد ثم تحيض بعد الستين يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ثم تحيض يوما وليلة
ثم تطهر خمسة عشر ثم ترى الدم لحظة والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله * [وان نفست المرأة وعبر الدم الستين فحكمها حكم الحيض إذا عبر
الخمسة عشر في الرد إلى التمييز والعادة والأقل والغالب لأنه بمنزلة الحيض في أحكامه فكذلك
في الرد عند الاشكال] *
529

[الشرح] إذا عبر دم النفساء الستين ففيه طريقان أصحهما أنه كالحيض إذا عبر الخمسة عشر في الرد
إلى التمييز إن كانت مميزة أو العادة إن كانت معتادة غير مميزة أو الأقل أو الغالب إن كانت مبتدأة غير مميزة
ووجهه ما ذكره المصنف وبهذا الطريق قطع المصنف وشيخه القاضي أبو الطيب وامام الحرمين والغزالي
والأكثرون والطريق الثاني حكاه المحاملي وبن الصباغ والمتولي والبغوي والشيخ نصر وآخرون من العراقيين
والخراسانيين ان في المسألة ثلاثة أوجه أصحها باتفاقهم انه كالطريق الأول والثاني ان الستين كلها نفاس
وما زاد عليه استحاضة وبه قطع ابن القاص في المفتاح واختاره المزني حكاه أصحابنا عنه قال الماوردي
قاله المزني في جامعه الكبير وفرقوا بينه وبين الحيض بان الحيض محكوم به من حيث الظاهر وليس مقطوعا به
فجاز ان ينتقل عنه إلى ظاهر آخر والنفاس مقطوع به فلا ينتقل عنه إلى غيره الا بيقين وهو مجاوزة
الأكثر قال الرافعي وهذا القائل يجعل الزائد استحاضة إلى تمام طهرها المعتاد إن كانت معتادة أو المردود
إليه إن كانت مبتدأة ثم ما بعده والوجه الثالث ان الستين نفاس والذي بعده حيض على الاتصال
به لأنهما دمان مختلفان فجاز ان يتصل أحدهما بالآخر وبهذا الوجه قال أبو الحسن بن المرزباني قال صاحبا التتمة
والعدة وغيرهما فعلى هذا ان زاد الدم بعد الستين حكمنا بأنها مستحاضة في الحيض قال أصحابنا
وهذا الوجه ضعيف جدا وهو أضعف من الذي قبله قال أصحابنا واصل هذين الوجهين انه هل
يصح ان يتصل دم الحيض بدم النفاس أم لا بد من طهر فاصل بينهما وفيه وجهان مشهوران قال صاحب
الحاوي وغيره حكاهما أبو إسحاق المروزي في كتابه المصنف في الحيض قال صاحب الشامل وغيره
وهما مبنيان على الوجهين فيما لو رأت الحامل خمسة أيام دما ثم ولدت قبل مجاوزة خمسة عشر وقلنا
الحامل تحيض فهل تكون الخمسة عشر حيضا أم لا وقد سبق بيانه فأحد الوجهين في المسألتين من يقول لا يتصل
الحيض بالنفاس كما لا يتصل حيض بحيض والثاني يتصل لاختلافهما ثم إن هؤلاء الجماعة الذين حكوا الأوجه
الثلاثة أطلقوها وخصص الشيخ أبو حامد وآخرون الأوجه بغير المميزة وقطعوا بان المميزة ترد إلى التمييز
اما إذا قلنا بالمذهب وهو انها كالحائض إذا عبر دمها خمسة عشر فقال أصحابنا إن كانت معتادة
غير مميزة وذكرت عادتها فقالت كنت أنفس أربعين يوما مثلا ردت إلى عادتها وكان نفاسها
أربعين وهل يشترط تكرر العادة فيه الخلاف السابق في الحيض والأصح انه لا يشترط بل تصير معتادة
بمرة واحدة فإذا ردت إلى العادة في النفاس فلها في الحيض حالتان إحداهما أن تكون معتادة في
الحيض أيضا فيحكم لها بالطهر بعد الأربعين عل قدر عادتها في الطهر ثم تحيض على قدر عادتها
530

في الحيض ثم تستمر كذلك (الحالة الثانية) أن تكون مبتدأة في الحيض فيجعل لها بعد الأربعين
دور المبتدأة في الطهر والحيض وقد سبق بيان الخلاف في قدر دور المبتدأة ويكون الطهر متصلا
بالأربعين والحيض بعده فلو كانت قد ولدت مرارا وهي ذات جفاف ثم ولدت مرة ونفست
وجاوز دمها الستين قال أصحابنا لا نقول عدم النفاس عادة لها بل هي مبتدأة في النفاس كالتي لم تلد
قط أما المبتدأة في النفاس غير المميزة إذا جاوز دمها الستين وهي غير مميزة ففيها القولان السابقان
في الحيض أصحهما الرد إلى أقل النفاس وهو لحظة لطيفة نحو مجة والثاني الرد إلى غالبه وهو
أربعون يوما هكذا قاله الجمهور وزاد صاحب العدة قولا ثالثا وهو انها ترد إلى أكثر النفاس
وهو ستون يوما وهذا غريب عن الشافعي وإنما نقله الأصحاب عن المزني مذهبنا للمزني وحكاه
الشيخ أبو حامد وغيره وجها لبعض أصحابنا وحكى المحاملي في المجموع وغيره من أصحابنا طريقا
آخر عن ابن سريج وأبي إسحاق وهي الرد إلى الأقل قولا واحدا فحصل ثلاثة طرق والصحيح
المشهور ما سبق من القولين فإذا علم حالها في مردها في النفاس فلها في الحيض حالتان إحداهما أن تكون
معتادة فيجعل لها بعد مرد النفاس قدر عادتها في الطهر طهرا ثم بعده قدر عادتها في الحيض حيضا ثم تستمر كذلك
(الحالة الثالثة) أن تكون مبتدأة في الحيض أيضا فقدر مردها في الطهر والحيض كالمعتادة اما المبتدأة المميزة
فترد إلى التمييز بشرط الا يزيد القوى على أكثر النفاس واما المعتادة المميزة فهل يقدم تمييزها
أم العادة فيه الخلاف السابق في مثله في الحيض والأصح تقديم التمييز واما المعتادة الناسية لعادتها
في النفاس ففيها الخلاف في المتحيرة في الحيض ففي قول هي كالمبتدأة فترد إلى لحظة في قول والي
أربعين يوما في قول وعلى المذهب تؤمر بالاحتياط ورجح امام الحرمين هنا الرد إلى مرد المبتدأة
لان أول النفاس معلوم وتعيين أول الهلال للحيض تحكم لا أصل له قال الرافعي فإذا قلنا بالاحتياط
فإن كانت مبتدأة في الحيض وجب الاحتياط أبدا لان أول حيضها مجهول وقد سبق ان المبتدأة
إذا جهلت ابتداء دمها كانت كالمتحيرة وإن كانت معتادة في الحيض ناسية لعادتها استمرت أيضا
على الاحتياط ابدا وإن كانت ذاكرة لعادة الحيض فقد التبس عليها الدور لالتباس آخر النفاس
فهي كمن نسيت وقت الحيض دون قدره وقد سبق بيانها والله أعلم *
(فرع) قال الفوراني والبغوي وصاحب العدة وغيرهم الصفرة والكدرة في زمن النفاس
531

حكمهما حكمهما في زمن الحيض فإذا اتصلت صفرة أو كدرة بالولادة ولم تجاوز الستين فان وافق
عادتها فنفاس والا ففيه الخلاف كما في الحيض والأصح انه نفاس وقال صاحب الحاوي هو نفاس
بلا خلاف لان الولادة شاهدة للنفاس فلم يشترط شاهد في الدم بخلاف الحيض قال وسواء المبتدأة
وغيرها والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وإن كانت عادتها ان تحيض خمسة أيام وتطهر خمسة عشر فان شهرها عشرون يوما فان
ولدت في وقت حيضها ورأت عشرين يوما الدم ثم طهرت خمسة عشر يوما ثم رأت الدم بعد ذلك
واتصل وعبر الخمسة عشر كان حيضها وطهرها على عادتها فتكون نفساء في مدة العشرين وطاهرا
في مدة الخمسة عشر وحائضا في خمسة أيام بعدها وإن كانت عادتها ان تحيض عشرة أيام وتطهر
عشرين فان شهرها ثلاثون يوما فان ولدت في وقت حيضها ورأت عشرين يوما دما وانقطع
وطهرت شهرين ثم رأت الدم بعد ذلك وعبر الخمسة عشر فان حيضها لم يتغير بل هي في الحيض
على عادتها ولكن زاد طهرها فصار شهرين بعد ما كان عشرين يوما فتكون نفساء في العشرين
الأولة وطاهرا في الشهرين بعدها وحائضا في العشرة التي بعدها] *
[الشرح] هاتان المسألتان مشهورتان في كتب العراقيين ونقلوهما عن أبي إسحاق كما ذكرهما
المصنف بحروفهما قال وهما مفرعتان على ثبوت العادة بمرة وهو المذهب *
(فرع) قال أصحابنا لا يشترط في ثبوت حكم النفاس أن يكون الولد كامل الخلقة ولا حيا
بل لو وضعت ميتا أو لحما تصور فيه صورة آدمي أو لم يتصور وقال القوابل انه لحم آدمي ثبت
حكم النفاس هكذا صرح به المتولي وآخرون وقال الماوردي ضابطه ان تضع ما تنقضي به العدة
وتصير به أم ولد
(فرع) إذا انقطع دم النفساء واغتسلت جاز وطؤها كما تجوز الصلاة وغيرها ولا كراهة
في وطئها هذا مذهبنا وبه قال الجمهور قال العبدري هو قول أكثر الفقهاء قال وقال أحمد يكره
وطؤها في ذلك الطهر ولا يحرم وحكى صاحب البيان عن علي بن أبي طالب وابن عباس واحمد
رضي الله عنهم انه يكره وطؤها إذا انقطع دمها لدون أربعين: دليلنا أن لها حكم الطاهرات في
كل شئ فكذا في الوطئ وليس لهم دليل يعتمد: وإنما احتج لهم بحديث ضعيف غريب وليس
532

فيه دلالة لو صح ثم لا فرق عندنا بين ان ينقطع الدم عقب الولادة أو بعد أيام فللزوج الوطئ: قال
صاحب الشامل والبحر إذا انقطع عقيب الولادة فعليها ان تغتسل ويباح الوطئ عقيب الغسل
قال فان خافت عود الدم استحب التوقف عن الوطئ احتياطا والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى * [يجب على المستحاضة ان تغتسل الدم وتعصب الفرج وتستوثق
بالشد وبالتلجم لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحمنة بنت جحش رضي الله عنها (انعت
لك الكرسف فقالت إنه أكثر من ذلك فقال تلجمي) فان استوثقت ثم خرج الدم من غير
تفريط في الشد لم تبطل صلاتها لما روت عائشة رضي الله عنها: ان فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنه
ا استحيضت فقال النبي صلى الله عليه وسلم (تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ
لكل صلاة وتصلى حتى يجئ ذلك الوقت وان قطر الدم على الحصير)] *
[الشرح] حديث حمنة صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بهذا اللفظ الا قوله تلجمي
فإنه في الترمذي خاصة وفى رواية أبى داود بدله فاتخذي ثوبا وهو بمعنى تلجمي ثم هذا بعض
حديث طويل مشهور قال الترمذي هو حديث حسن صحيح قال وسألت محمدا يعنى البخاري
عنه فقال حديث حسن قال وكذا قال أحمد بن حنبل هو حديث حسن صحيح والكرسف
بضم الكاف والسين القطن وانعت أصف واما حديث بنت أبي حبيش فرواه أبو داود والدارقطني
والبيهقي وليس في روايتهم حتى يجئ ذلك الوقت ولا في رواية أبى داود (ان قطر الدم على الحصير) وهو
حديث ضعيف باتفاق الحفاظ ضعفه أبو داود في سننه وبين ضعفه وبين البيهقي ضعفه ونقل تضعيفه عن سفيان
الثوري ويحيى بن سعيد القطان وعلي بن المديني ويحيى بن معين وهؤلاء حفاظ المسلمين ورواه
أبو داود والبيهقي من طرق أخرى كلها ضعيفة وإذا ثبت ضعف الحديث تعين الاحتجاج بما سأذكره
إن شاء الله تعالى وقد سبق في أول الباب بيان حمنة بنت أبي حبيش: اما حكم المسألة فقال أصحابنا
إذا أرادت المستحاضة الصلاة ونعني بالمستحاضة التي يجرى دمها مستمرا في غير أوانه لزمها الاحتياط
في طهارتي الحدث والنجس فتغسل فرجها قبل الوضوء أو التيمم إن كانت تتيمم وتحشوه بقطنة
وخرقة دفعا للنجاسة وتقليلا لها فإن كان دمها قليلا يندفع بذلك وحده فلا شئ عليها غيره وان
533

لم يندفع بذلك وحده شدت مع ذلك على فرجها وتلجمت وهو أن تشد على وسطها خرقة أو خيطا
أو نحو ذلك على صورة التكة وتأخذ خرقة أخرى مشقوقة الطرفين فتدخلها بين فخذيها وأليتها
وتشد الطرفين في الخرقة التي في وسطها أحدهما قدامها عند سرتها والآخر خلفها وتحكم ذلك الشد
وتلصق هذه الخرقة المشدودة بين الفخذين بالقطنة التي على الفرج الصاقا جيدا وهذا الفعل يسمى
تلجما واستثفارا لمشابهته لجام الدابة وثفرها بفتح الثاء المثلثة والفاء وسماه الشافعي رحمه الله التعصيب
قال أصحابنا وهذا الذي ذكرناه من الحشو والشد والتلجم واجب قال الرافعي الا في موضعين أحدهما
ان تتأذى بالشد ويحرقها اجتماع الدم فلا يلزمها لما فيه من الضرر الثاني أن تكون صائمة فترك
الحشو نهار أو تقتصر على الشد والتلجم قالوا ويجب تقديم الشد والتلجم على الوضوء وتتوضأ
عقب الشد من غير امهال فان شدت وتلجمت وأخرت الوضوء وطال الزمان ثم توضأت ففي
صحة وضوئها وجهان حكاهما صاحب الحاوي قال وهما الوجهان فيمن تيمم وعلى بدنه نجاسة
قال أصحابنا فإذا استوثقت بالشد على الصفة المذكورة ثم خرج دمها بلا تفريط لم تبطل طهارتها
ولا صلاتها ولها أن تصلي بعد فرضها ما شاءت من النوفل لعدم تفريطها ولتعذر الاحتراز عن ذلك
وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة (إذا أقبلت الحيضة
فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي) فهذا مع حديث حمنة دليل لجميع ما ذكرناه
وينضم إليه المعني الذي قدمناه واما إذا خرج الدم لتقصيرها في الشد أو زالت العصابة عن موضعها
لضعف الشد فزاد خروج الدم بسببه فإنه يبطل طهرها وإن كان ذلك في أثناء الصلاة بطلت
وإن كان بعد فريضة لم تستبح نافلة لتقصيرها والله أعلم * واما تجديد غسل الفرج وحشوه وشده لكل
فريضة فينظر ان زالت العصابة عن موضعها زوالا له تأثير أو ظهر الدم على جوانب العصابة وجب
التجديد بلا خلاف نقل الاتفاق عليه امام الحرمين وغيره لأن النجاسة كثرت وأمكن تقليلها
والاحتراز عنها فوجب التجديد كنجاسة النجو إذا خرجت عن الأليين فإنه يتعين الماء وإن لم تزل
العصابة عن موضعها ولا ظهر الدم فوجهان حكاهما الخراسانيون أصحهما عندهم وجوب التجديد كما
يجب تجديد الوضوء والثاني لا يجب إذ لا معنى للامر بإزالة النجاسة مع استمرارها بخلاف الامر
534

بتجديد طهارة الحدث مع استمراره فإنه معهود في التيمم قال امام الحرمين وهذا الوجه غير سديد
لأنه لا خلاف في الامر به وإذا زالت العصابة فلا أثر للزوال وإنما الأثر لتجدد النجاسة قال الرافعي
ونقل المسعودي هذا الخلاف قولين قال البغوي والرافعي وهذا الخلاف جار فيما إذا انتقض وضوءها
قبل الصلاة واحتاجت إلى وضوء آخر بان خرج منها ريح فيلزمها تجديد الوضوء وفى تجديد الاحتياط
بالشد الخلاف ولو انتقض وضوءها بالبول وجب تجديد العصابة بلا خلاف لظهور النجاسة والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله * [ولا تصلى بطهارة أكثر من فريضة لحديث فاطمة بنت أبي حبيش
ويجوز أن تصلي ما شاءت من النوافل لان النوافل تكثر فلو ألزمناها أن تتوضأ لكل نافلة شق عليها]
[الشرح] مذهبنا أنها لا تصلي بطهارة واحدة أكثر من فريضة مؤداة كانت أو مقضية واما
المنذورة ففيها الخلاف السابق في باب التيمم واحتج المصنف والأصحاب بحديث فاطمة المذكور
وهو ضعيف باتفاق الحفاظ كما ذكرناه قالوا ولا يصح ذكر الوضوء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم
وإنما هو من كلام عروة ابن الزبير وإذا بطل الاحتجاج به تعين الاحتجاج بغيره فيقال مقتضى
الدليل وجوب الطهارة من كل خارج من الفرج خالفنا ذلك في الفريضة الواحدة للضرورة وبقي
ما عداها على مقتضاه وتستبيح ما شاءت من النوافل بطهارة مفردة وتستبيح ما شاءت منها بطهارة
الفريضة قبل الفريضة وبعدها لما ذكره المصنف وقد حكي القاضي حسين وغيره في استباحتها
النافلة وجهين بناء على القولين في صحة استباحة المعضوب والميت في حج القطوع وحكوا مثلهما
وجهين في استباحة النافلة بالتيمم والمذهب الجواز في كل ذلك وقد سبق بيان ذلك كله في باب
التيمم هذا بيان مذهبنا وممن قال إنه لا يصح بوضوئها أكثر من فريضة عروة ابن الزبير وسفيان
الثوري وأبو ثور وقال أبو حنيفة طهارتها مقدرة بالوقت فتصلى ما شاءت من الفرائض الفائتة في الوقت
فإذا خرج بطلت طهارتها وقال ربيعة ومالك وداود دم الاستحاضة ليس بحدث فإذا تطهرت صلت
ما شاءت من الفرائض والنوافل إلى أن تحدث بغير الاستحاضة واحتج من جوز فرائض بحديث
رواه (المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة) وهذا حديث باطل لا يصرف والله أعلم *
(فرع) مذهبنا ان طهارة المستحاضة الوضوء ولا يجب عليها الغسل لشئ من الصلوات الا مرة
535

واحدة في وقت انقطاع حيضها وبهذا قال جمهور السلف والخلف وهو مروي عن علي وابن مسعود
وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وبه قال عروة ابن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو حنيفة
ومالك واحمد وروى عن ابن عمر وابن الزبير وعطاء بن أبي رباح رضي الله عنهم انهم قالوا يجب
عليها الغسل لكل صلاة وروى هذا أيضا عن علي وابن عباس وروى عن عائشة انها قالت تغتسل
كل يوم غسلا واحدا وعن ابن المسيب والحسن أنهما قالا تغتسل
من صلاة الظهر إلى الظهر دائما ودليلنا ان الأصل عدم الوجوب فلا يجب الا ما ورد الشرع به
ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرها بالغسل الا مرة واحدة عند انقطاع الحيض وهو
قوله صلى الله عليه وسلم (إذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي) أوليس في
هذا ما يقتضي تكرار الغسل واما الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما ان
النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل لكل صلاة فليس فيها شئ ثابت وقد بين البيهقي ومن قبله
ضعفها وإنما صح في هذا ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما أن أم حبيبة بنت جحش
رضي الله عنها استحاضت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم (إنما ذلك عرق فاغتسلي ثم صلى)
فكانت تغتسل عند كل صلاة قال الشافعي رضي الله عنه إنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن تغتسل وتصلي وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة قال ولا أشك ان غسلها كان تطوعا
غير ما أمرت به وذلك واسع لها هذا لفظ الشافعي رحمه الله وكذا قاله شيخه سفيان بن عيينة والليث
ابن سعد وغيرهما والله أعلم *
(فرع) قال صاحب الحاوي والبندنيجي وغيرهما إذا توضأت المستحاضة ارتفع حدثها
السابق ولم يرتفع المستقبل ولا المقارن ولكن تصح صلاتها وطوافها ونحوهما مع قيام الحدث
للضرورة كالمتيمم ونقل المحاملي هذا عن ابن سريج ونقله صاحب البيان عن أصحابنا العراقيين
وقد سبق في باب مسح الخف ان القفال وغيره من الخراسانيين قالوا في ارتفاع حدثها بالوضوء
قولان وان امام الحرمين والشاشي قالا هذا غلط بل الصواب انه لا يرتفع قالا ويستحيل ارتفاع
حدثها مع مقارنته للطهارة وقال امام الحرمين هنا قال الأصحاب لا يرتفع حدثها المستقبل وفى ارتفاع
الماضي وجهان والمقارن ليس بحدث فحصل في المسألة ثلاثة طرق أشهرها يرتفع حدثها الماضي دون
المقارن والمستقبل والثاني في الجميع قولان والثالث وهو الصحيح دليلا لا يرتفع شئ من حدثها
لكن تستبيح الصلاة وغيرها مع الحدث للضرورة وفى كيفية نيتها في الوضوء أوجه سبقت في باب
536

نية الوضوء أصحها تجب نية استباحة الصلاة ولا تجب نية رفع الحدث ولا تجزئ والثاني يكفيها
نية رفع الحدث أو الاستباحة والثالث يجب الجمع بينهما والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله * [ولا يجوز ان تتوضأ قبل دخول الوقت لأنها طهارة ضرورة فلا تجوز
قبل الضرورة فان توضأت في أول الوقت وأخرت الصلاة فإن كان بسبب يعود إلى مصلحة
الصلاة كانتظار الجماعة وستر العورة والإقامة صحت صلاتها وإن كان لغير ذلك ففيه وجهان أحدهما
ان صلاتها باطلة لأنها تصلي مع نجاسة يمكن حفظ الصلاة منها والثاني يصح لأنه وسع في الوقت
فلا يضيق عليها وان اخرتها حتى خرج الوقت لم يجزها ان تصلي به لأنه لا عذر لها في ذلك ومن
أصحابنا من قال يجوز ان تصلى بعد خروج الوقت لأنا لو منعنا من ذلك صارت طهارتها مقدرة بالوقت
وذلك لا يجوز عندنا] *
[الشرح] مذهبنا انه لا يصح وضوء المستحاضة لفريضة قبل وقتها ووقت المؤداة معروف
ووقت المقضية بتذكرها وقد سبقت المسألة بفروعها في باب التيمم فتجئ تلك الفروع كلها هنا
وقد سبق في النافلة المؤقتة وجهان أصحهما لا يصح التيمم لها الا بعد دخول وقتها والثاني يجوز وهما
جاريان في وضوء المستحاضة وحكي امام الحرمين وجها انها لو شرعت في الوضوء قبل الوقت
بحيث أطبق آخره على أول الوقت صح وضوءها وصلت به فريضة الوقت وهذا ليس بشئ ودليل
المذهب انها طهارة ضرورة فلا يجوز شئ منها قبل الوقت لعدم الضرورة وقال أبو حنيفة رحمه
الله يجوز وضوءها قبل الوقت ودليلنا ما ذكرناه والله أعلم: قال أصحابنا وينبغي ان تبادر
بالصلاة عقيب طهارتها فان أخرت ففيها أربعة أوجه الصحيح منها أنها ان أخرت لاشتغالها بسبب
من أسباب الصلاة كستر العورة والأذان والإقامة والاجتهاد في القبلة والذهاب إلى المسجد
الأعظم والسعي في تحصيل سترة تصلى إليها وانتظار الجماعة ونحو ذلك جاز وان أخرت بلا عذر
بطلت طهارتها لتفريطها والثاني تبطل طهارتها سواء أخرت بسبب الصلاة أو لغيره حكاه صاحب
الحاوي وهو غريب ضعيف والثالث يجوز التأخير وان خرج الوقت ولا تبطل طهارتها قال صاحب
الإبانة ما لم تصل الفريضة يعني بعد الوقت قال وهذا قول القفال وشيخه الخضري قياسا على التيمم
ولان الوقت موسع فلا نضيقه عليها وخروج الوقت لا يوجب نقض الطهارة ولان المبادرة لو
وجبت خوفا من كثرة الحدث والنجس لوجب الاقتصار على أركان الصلاة والرابع لها التأخير
537

ما لم يخرج وقت الصلاة وليس لها الصلاة بعد الوقت بتلك الطهارة لان جميع الوقت في حق الصلاة
كالشئ الواحد فضبطت الطهارة به قال امام الحرمين وهذا الوجه بعيد عن قياس الشافعي مشابه
لمذهب أبي حنيفة رحمه الله قال الامام فان قلنا تجب المبادرة فقد ذهب ذاهبون من أئمتنا إلى
المبالغة في الامر بالبدار وقال آخرون ولو تخلل فصل يسير لم يضر قال وضبطه على التقريب عندي
أن يكون على قدر الزمن المتخلل بين صلاتي الجمع في السفر وقد سبق في باب التيمم أن المذهب
المشهور أنه لا يلزم المتيمم المبادرة وانها تلزم المستحاضة وان بعض الأصحاب خرج من كل واحدة
إلى الأخرى وجعل فيهما خلافا وان المذهب الفرق وسبق بيان الفرق والله أعلم: وإذا توضأت
المستحاضة للفريضة فقد سبق أنها تستبيح ما شاءت من النوافل وتبقى هذه الاستباحة ما دام وقت
الفريضة باقيا فإذا خرج الوقت فوجهان حكاهما الشيخ أبو حامد وصاحب الحاوي وآخرون قال
أبو حامد الصحيح أنها لا تستبيح النفل بعد الوقت بذلك الوضوء وقطع البغوي بالاستباحة وقد
سبق في باب التيمم أن من تيمم لفريضة فله التنفل بعد الوقت على أصح الوجهين والأصح هنا
انه لا يجوز لها والفرق أن حدثها متجدد ونجاستها متزايدة بخلاف المتيمم والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
[وان دخلت في الصلاة ثم انقطع دمها ففيه وجهان أحدهما لا تبطل صلاتها كالمتيمم إذا رأى
الماء في الصلاة والثاني تبطل لان عليها طهارة حدث وطهارة نجس ولم تأت عن طهارة النجس
بشئ وقد قدرت عليها فلزمها الاتيان بها وان انقطع دمها قبل الدخول في الصلاة لزمها غسل
الدم وإعادة الوضوء فإن لم تفعل حتى عاد الدم فإن كان عود الدم بعد الفراغ من الصلاة لم تصح
صلاتها لأنه اتسع الوقت للوضوء والصلاة من غير حدث ولا نجس وإن كان عوده قبل الفراغ من
الصلاة ففيه وجهان أحدهما تصح لأنا تيقنا بعود الدم ان الانقطاع لم يكن له حكم لأنه
لا يصلح للطهارة والصلاة والثاني وهو الأصح أن صلاتها باطلة لأنها استفتحت الصلاة وهي ممنوعة
منها فلم تصح بالتبيين كما لو استفتح لابس الخف الصلاة وهو شاك في انقضاء مدة المسخ ثم تبين
ان المدة لم تنقض] *
[الشرح] قال أصحابنا رحمهم الله إذا توضأت المستحاضة فانقطع دمها انقطاعا محققا حصل
معه برؤها وشفاؤها من علتها وزالت استحاضتها نظر ان حصل هذا خارج الصلاة فإن كان بعد
صلاتها فقد مضت صلاتها صحيحة وبطلت طهارتها فلا تستبيح بها بعد ذلك نافلة وإن كان قبل
538

الصلاة بطلت طهارتها ولم تستبح تلك الصلاة ولا غيرها هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وحكى
امام الحرمين وجها انه إذا اتصل الشفاء بآخر الوضوء لم تبطل قال الامام وهذا لا يعد من المذهب
وحكى صاحب الحاوي وجها انها إذا شفيت وقد ضاق وقت الصلاة عن الطهارة ولم يبق الا ما يسع الصلاة
وحدها ولم تكن صلتها فلها أن تصليها بهذه الطهارة قال وهذا ضعيف لان التيمم يبطل برؤية الماء قبل الصلاة
وان ضاق وقتها وهذان الوجهان شاذان مردودان: واعلم أن قول الأصحاب إذا شفيت يلزمها استئناف
الوضوء المراد به إذا خرج منها دم في أثناء الوضوء أو بعده وإلا فلا يلزمها الوضوء بل تصلى بوضوئها
الأول بلا خلاف وصرح به الغزالي في البسيط وغيره اما إذا حصل الانقطاع في نفس الصلاة
ففيه الوجهان المذكوران في الكتاب الصحيح منهما باتفاق الأصحاب بطلان صلاتها وطهارتها
والثاني لا تبطل كالمتيمم والصواب الأول وقد سبق في باب التيمم ان الشافعي رحمه الله نص على
بطلان صلاة المستحاضة دون المتيمم وان من الأصحاب من نقل وخرج فجعل في كل مسألة قولين
وقرر الجمهور النصين وفرقوا بوجهين أحدهما ان حدثها ازداد بعد الطهارة والثاني انها مستصحبة
للنجاسة وهو يخالفها فيها وحكي الشيخ أبو محمد عن أبي بكر الفارسي أنه حكى قولا عن الربيع عن الشافعي
انها تخرج من الصلاة وتتوضأ وتزيل النجاسة وتبني على صلاتها وهذا يكون بناء على القول القديم
في سبق الحدث والله أعلم: هذا حكم انقطاع الشفاء أما إذا توضأت ثم انقطع دمها وهي تعتاد
الانقطاع والعود أو لا تعتاد لكن أخبرها بذلك من يعتمد من أهل المعرفة فينظر إن كانت مدة
الانقطاع يسيرة لاتسع الطهارة والصلاة التي تطهرت لها فلها الشروع في الصلاة في حال الانقطاع
ولا تأثير لهذا الانقطاع لأن الظاهر عود الدم على قرب فلا يمكنها اكمال الطهارة والصلاة بلا
حدث فلو امتد الانقطاع على خلاف عادتها أو خلاف ما أخبرت به تبينا بطلان طهارتها ووجب
قضاء الصلاة أما إذا كانت مدة الانقطاع تسع الطهارة والصلاة فيلزمها إعادة الوضوء بعد
الانقطاع لتمكنها منه في حال الكمال فلو عاد الدم على خلاف العادة قبل التمكن ففي وجوب
إعادة الوضوء وجهان أصحهما لا يجب فلو شرعت في الصلاة بعد هذا الانقطاع من غير إعادة
الوضوء ثم عاد الدم قبل الفراغ وجب قضاء الصلاة في أصح الوجهين لأنها حال الشروع كانت
شاكة في بقاء الطهارة وصحة الصلاة: هذا كله إذا عرفت عود الدم اما إذا انقطع وهي لا تدرى
أيعود أم لا وأخبرها به من تثق بمرفته فتؤمر بإعادة الوضوء في الحال ولا يجوز ان تصلي
بالوضوء السابق لأنه يحتمل ان هذا الانقطاع شفاء والأصل دوام هذا الانقطاع فان عاد الدم قبل
539

امكان فعل الطهارة والصلاة فوجهان أصحهما ان الوضوء صحيح بحاله لأنه لم يوجد انقطاع يغني
عن الصلاة مع الحدث: والثاني يجب الوضوء نظرا إلى أول الانقطاع ولو خالفت أمرنا أولا وشرعت
في الصلاة من غير إعادة الوضوء فإن لم يعد الدم لم تصح صلاتها لظهور الشفاء وكذا ان عاد بعد
امكان الوضوء والصلاة لتفريطها فان عاد قبل الامكان ففي وجوب إعادة الصلاة لوجهان كما في الوضوء
لكن الأصح هنا وجوب الإعادة لأنها شرعت مترددة وعلى هذا لو توضأت بعد الانقطاع
وشرعت في الصلاة ثم عاد الدم فهو حدث جديد فيلزمها أن تتوضأ وتستأنف الصلاة والله أعلم:
فهذا المجموع الذي ذكرناه هو المعروف في طرق الأصحاب وذكره الرافعي ثم قال هذا هو
الذي ذكره معظم أصحابنا العراقيين وغيرهم قال وبينه وبين كلام الغزالي بعض الاختلاف فإنه جعل
الانقطاع قسمين أحدهما ألا يبعد من عادتها عود الدم والثاني ان يبعد وذكر التفصيل والخلاف
وهذان القسمان يفرضان في التي لها عادة بالعود قال وما حكيناه عن الأصحاب يقتضي جواز الشروع
في الصلاة متى كان العود معتادا بعد أو قرب وإنما يمتنع الشروع من غير استئناف الوضوء إذا لم
يكن العود معتادا أصلا قال فيجوز ان يؤول كلامه على ما ذكره المعظم ولا يبعد أن يلحق
ندرة العود وبعده في عادتها بعدم اعتياد العود والله أعلم *
(فرع) قال المتولي لو كان دمها ينقطع في حال ويسيل في حال لزمها الوضوء والصلاة في وقت
انقطاعه الا ان تخاف فوت الوقت فتتوضأ وتصلي في حال سيلانه فإن كانت ترجو الانقطاع في
آخر الوقت ولا تتحققه فهل الأفضل تعجيل الصلاة في أول الوقت أم تأخيرها إلى آخره فيه وجهان
بناء على القولين في مثله في التيمم *
(فرع) توضأت ثم انقطع دمها انقطاعا يوجب بطلان الطهارة فتوضأت بعد ذلك ودخلت
في الصلاة فعاد الدم بطل وضوءها ولزمها استئنافه وهل يجب استئناف الصلاة أم يجوز البناء فيه
القولان فيمن سبقه الحدث الصحيح وجوب الاستئناف قال البغوي ولو كان به جرح غير سائل
540

فانفجر في خلال الصلاة أو ابتدأت الاستحاضة في خلال الصلاة وجب الانصراف من الصلاة
لغسل النجاسة وتتوضأ المستحاضة وتستأنف الصلاة ويجئ قول في البناء كما سبق في الحدث والله
أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وسلس البول وسلس المذي حكمهما حكم المستحاضة فيما ذكرناه ومن به ناصور أو جرح
يجرى منه الدم حكمه حكم المستحاضة في غسل النجاسة عند كل فريضة لأنها نجاسة متصل لعلة
فهي كالاستحاضة] *
[الشرح] سلس البول هنا بكسر اللام وهي صفة للرجل الذي به هذا المرض واما سلس
بفتح اللام فاسم لنفس الخارج فالسلس بالكسر كالمستحاضة وبالفتح كالاستحاضة وأما الناصور
فكذا وقع هنا بالنون والصاد وهو صحيح وفيه ثلاث لغات إحداها هذه والثانية ناسور بالسين
والثالثة باسور بالباء والسين وقد سبق ايضاحه في باب الاستطابة: قال أصحابنا حكم سلس البول
وسلس المذي حكم المستحاضة في وجوب غسل النجاسة وحشو رأس الذكر والشد بخرقة والوضوء
لكل فريضة والمبادرة بالفريضة بعد الوضوء وحكم الانقطاع وغير ذلك مما سبق: واما
صاحب الناصور والجرح السائل فهما كالمستحاضة في وجوب غسل الدم لكل فريضة والشد على
محله ولا يجب الوضوء في مسألة الجرح ولا في مسألة الناسور إلا أن يكون في داخل مقعدته بحيث
ينقض الوضوء ثم هذا الذي ذكرناه إنما هو في السلس الذي هو عادة ومرض أما من خرج منه
مذي بسبب حادث كنظر إلى امرأة وقبلتها فله حكم سائر الاحداث فيجب غسله والوضوء منه
عند خروجه للفرض والنفل لأنه لا حرج فيه اما من استطلق سبيله فدام خروج البول والغائط
والريح منه فحكمه حكم المستحاضة في كل ما ذكرناه اتفق عليه أصحابنا اما من دام خروج
المنى منه فقال صاحب الحاوي والبحر عليه الاغتسال لكل فريضة قالا قال الشافعي وقل من
يدوم به خروج المنى لان معه تلف النفس اما ذات دم الفساد وهي التي استمر بها دم غير متصل
541

بالحيض في وقت لا يصلح للحيض كدم تراه من لها دون تسع سنين أو رأته حامل وقلنا ليس
هو بحيض أو رأته غيرهما في وقت لا يصلح للحيض بان رأته قبل مضى خمسة عشر للطهر ففيها
وجهان حكاهما صاحب الحاوي والبحر أحدهما انها كالمستحاضة في جميع الأحكام السابقة قال
وهذا قول أبي إسحاق المروزي لان دم الفساد ليس بأندر من المذي وقد جعلناه كالاستحاضة
والثاني وهو قول ابن سريج انه حدث كسائر الاحداث فإذا خرج هذا الدم بعد صلاتها فريضة
لم تصح النافلة بعدها لان دم الفساد لا يدوم بخلاف الاستحاضة وإذا دام خرج عن كونه فاسدا
وصار حيضا واستحاضة هذا كلام صاحب الحاوي والبحر والمشهور انها كالمستحاضة والله أعلم *
(فرع) قال أصحابنا إذا تطهرت المستحاضة طهارتي الحدث والنجس على الوجه المشروط
وصلت فلا إعادة عليها وكذا كل من ألحقناه بها من سلس البول والمذي ومن به حدث دائم
وجرح سائل ونحوهم لا إعادة عليهم وقد سبقت هذه المسألة في آخر باب التيمم مع نظائرها *
(فرع) قال البغوي لو كان سلس البول بحيث لو صلي قائما سال بوله ولو صلي قاعدا استمسك
فكيف يصلى فيه وجهان أصحهما قاعدا حفظا للطهارة ولا إعادة عليه على الوجهين وهذان الوجهان
في فتاوى القاضي حسين قال القفال يصلى قائما وقال القاضي حسين يصلي قاعدا *
(فرع) يجوز وطئ المستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهر ولا كراهة في ذلك وإن كان الدم
هذا مذهبنا ومذهب جمهور العلماء وقد سيقت المسألة بدلائلها في أول الباب ولها قراءة القرآن وإذا
توضأت استباحت مس المصحف وحمله وسجود التلاوة والشكر وعليها الصلاة والصوم وغيرهما
من العبادات التي على الطاهر ولا خلاف في شئ من هذا عندنا قال أصحابنا وجامع القول في
المستحاضة انه لا يثبت لها شئ من أحكام الحيض بلا خلاف ونقل ابن جرير الاجماع على أنها
تقرأ القرآن وان عليها جميع الفرائض التي على الطاهر وروى عن إبراهيم النخعي انها لا تمس مصحفا
542

ودليلنا القياس على الصلاة والقراءة والله أعلم *
(فرع) في مسائل تتعلق بباب الحيض (إحداها) لا تكره مؤاكلة الحائض ومعاشرتها وقبلتها والاستمتاع
بها فوق السرة وتحت الركبة ولا تمتنع من فعل شئ من الصنائع ولا من الطبخ والعجن والخبز وادخال يدها
في المائعات ولا يجتنب الزوج مضاجعتها إذا سترت ما بين السرة والركبة وسؤرها وعرقها طاهران
وهذا كله متفق عليه وقد نقل ابن جرير اجماع المسلمين على هذا ودلائله في الأحاديث الصحيحة
ظاهرة مشهورة وقد سبقت هذه المسألة في آخر باب ما يوجب الغسل: وأما قول الله عز وجل
(فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) فالمراد به اعتزال وطئهن ومنع قربان
وطئهن لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (اصنعوا كل شئ الا النكاح) وقد تظاهرت الأحاديث
الصحيحة بمعناه مع الاجماع والله أعلم (الثانية) قال ابن جرير أجمع العلماء على أن للحائض أن تخضب يدها
بخضاب يبقى أثره في يدها بعد غسله وقد سبق ايضاح هذه المسألة مع أشياء كثيرة لها في آخر
صفة الوضوء (الثالثة) الحرة والأمة في الحيض والنفاس سواء بخلاف العدة (الرابعة) علامة انقطاع
الحيض ووجود الطهر ان ينقطع خروج الدم وخروج الصفرة والكدرة فإذا انقطع ظهرت سواء
خرجت بعده رطوبة بيضاء أم لا قال صاحب الشامل الترية رطوبة خفية لا صفرة فيها ولا كدرة
تكون في القطنة أثر لا لون قال وهذا يكون بعد انقطاع الحيض وكذا قال البيهقي في السنن الترية
هي الشئ الخفي اليسير (قلت) هي التربة بفتح التاء المثناة فوق وكسر الراء ثم ياء مثناة من تحت
مشددة وقد سبق في أوائل الباب قول عائشة رضي الله عنها للنساء (لا تعجلن حتى ترين القضة
البيضاء) تريد بذلك الطهر وقدمنا معناه قال أصحابنا وإذا مضى زمن حيضها لزمها أن تغتسل
في الحال لأول صلاة تدركا ولا يجوز لها بعد ذلك أن تترك صوما ولا صلاة ولا تمتنع من الوطئ
ولا غير ذلك مما يثبت في حق الطاهر ولا تستطهر بشئ أصلا: وقال مالك رحمه الله تستطهر بثلاثة
أيام * دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم (إذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي
543

وصلي) والله أعلم *
(فصل) في أشياء أنكرت على الغزالي رحمه الله في باب الحيض من الوسيط: منها قوله أما
حكم الحيض فهو المنع من أربعة أمور الأول كل ما يفتقر إلى الطهارة الثاني الاعتكاف الثالث الصوم
الرابع الجماع وهذه العبارة يطلقها للحصر وليس حكم الحيض منحصرا في هذه الأربعة بل له أحكام
أخر منها بطلان الطهارة وامتناع صحتها ووجوب الغسل عند انقطاعه اما بالانقطاع واما بخروجه
على الخلاف السابق في باب ما يوجب الغسل ومنها حصول الاستبراء والبلوغ به وتحريم الطلاق
وسقوط فرض الصلاة وعدم انقطاع التتابع في صوم الكفارة والنذر ومنع وجوب طواف الوداع
ومنها تحريم قراءة القرآن ومن ذلك قوله في حديث عائشة رضي الله عنها في أول الكتاب (ونال
منى ما ينال الرجل من امرأته الا ما تحت الإزار) هذه الزيادة غير معروفة في كتب الحديث المعتمدة
وهي موضع الاستدلال وفى الصحيحين أحاديث تغنى عنه ومن ذلك قوله في آخر الباب الثاني
فرعان الأول المبتدأة إذا رأت خمسة سوادا ثم أطبق الدم على لون واحد ففي الشهر الثاني تحيضها
خمسة لان التمييز أثبت لها عادة هذه العبارة توهم خلاف الصواب فمراده انها رأت خمسة
سوادا ثم أطبقت الحمرة إلى آخر الشهر ثم رأت الشهر الثاني سوادا مستمرا فترد في الشهر
الثاني إلى الخمسة وتثبت العادة في التمييز بمرة على اختياره وقد سبقت المسألة موضحة في فصل
المميزة اما إذا رأت خمسة سوادا ثم أطبقت الحمرة فان حيضها خمسة السواد ويكون ما بعده من
الحمرة طهرا وان استمرت سنة وأكثر كما سبق ومن ذلك قوله حمنة بنت جحش (كنا لا نعتد
بالصفرة) المعروف في صحيح البخاري وغيره ان هذا من كلام أم عطية ومن لك قوله في المتحيرة
ترد إلى أول الأهلة فإنها مبادئ أحكام الشرع هذا مما أنكروه عليه فان أحكام الشرع ليست
مختصة بأوائل الأهلة ومن ذلك قوله إنها مأمورة بالاحتياط والاخذ بأسوأ الاحتمالات في أمور
الثالث الاعتداد بثلاثة أشهر هذا ما أنكروه عليه فان الاعتداد بثلاثة أشهر ليس من أسوأ الاحتمالات
544

بل الأسوأ صبرها إلى سن اليأس وهو وجه حكاه هو في كتاب العدة كما بيناه ومن ذلك قوله لان
الانقطاع في صلاة لا تفسد ما مضى كان ينبغي أن يقول لان الطرآن ويمكن تكلف وجه لما ذكره
ومن ذلك قوله في أول الباب الرابع في الصورة الثالثة ثم بعده إلى آخر التاسع والعشرين يحتمل
الحيض هكذا وقع في البسيط والوسيط وهو غلط وصوابه إلى قبيل آخر جزء من الثلاثين ومن
ذلك قوله إذا قالت أضلت خمسة في شهر فإذا جاء شهر رمضان تصومه كله ثم تقضى خمسة هكذا
قال وكذا قاله الفوراني وكأن الغزالي أخذه من كتاب الفوراني على عادته وهو غلط وصوابه
تقضى ستة لاحتمال الطرآن في وسط النهار بناء على طريقته وطريقة جمهور المتأخرين أنه يفسد على
المتحيرة من رمضان ستة عشر يوما ومن ذلك قوله في باب التلفيق لو حاضت عشر أو طهرت خمس
سنين فدورها تسعون يوما لأنه اكتفى به في عدة الآيسة فلو تصور أن يزيد الدور عليه لما اكتفى
به هذا مما أنكروه عليه وكيف يقال لا تتصور الزيادة عليه وهو متصور يدرك بالعقل والنقل وإنما
اكتفى به لأنه الغالب ونحن لا نكتفي في المتحيرة بالغالب ومن ذلك قوله في المستحاضة الثانية
المبتدأة إذا رأت يوما دما ويوما نقاء وصامت إلى خمسة عشر وجاوز دمها وفى مردها قولان فان
ردت إلى يوم وليلة فحيضها يوم وليلة ثم لا يلزمها الا قضاء تسعة أيام لأنها صامت سبعة في أيام
النقاء ولولا ذلك النقاء لما لزمها الا ستة عشر فإذا احتسبنا سبعة منها بقي تسعة هذا مما أنكروا عليه
فيه أشياء قوله تسعة في الموضعين وصوابه ثمانية وقوله ستة عشر وصوابه خمسة عشر فإنها صامت
سبعة فالذي بقي ثمانية فان الطرآن وسط النهار لا يتصور هنا وقد ذكر المسألة على الصواب صاحب
التهذيب وغيره ومن ذلك قوله في المستحاضة الرابعة الناسية في المتحيرة التي تقطع دمها يوما ويوما
انها على قول السحب إذا أمرناها بالاحتياط حكمها حكم من أطبق الدم عليها وإنما تفارقها في أنا
لا نأمرها بتجديد الوضوء في وقت النقاء ولا بتجديد الغسل هذا مما أنكروه عليه فإنه يوهم ان المتحيرة
عند اطباق الدم مأمورة بتجديد الوضوء فان هذه تفارقها في ذلك وليست المتحيرة مأمورة بتجديد
545

الوضوء وإنما تؤمر بتجديد الغسل فكان ينبغي أن يقول تفارقها في الامر بتجديد الغسل وكذلك لا تؤمر
بتجديد الوضوء ومن ذلك قوله في آخر باب النفاس إذا انقطع دم النفساء فرأت دما ثم انقطع خمسة عشر
ثم عاد فالعائد حيض أم نفاس فيه وجهان فإذا قلنا نفاس ورأينا ترك التلفيق فالأشهر أن مدة النقاء
حيض وصوابه نفاس وقد سبق إيضاح كذا قال هنا وفى البسيط وكذا قال شيخه في النهاية
الأشهر أن مدة النقاء حيض وصوابه نفاس وقد سبق ايضاح هذه المسألة وغيرها مما ذكرناه في
مواضعها والله أعلم بالصواب وله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة *
باب إزالة النجاسة
* قال المصنف رحمه الله * [والنجاسة هي البول والقئ والمذي والودي ومنى غير الآدمي والدم
والقيح وماء القروح والعلقة والخمر والنبيذ والكلب والخنزير وما ولد منهما وما تولد من أحدهما
ولبن ما لا يؤكل غير الآدمي ورطوبة فرج المرأة وما تنجس بذلك] *
[الشرح] في هذه القطعة مسألتان (إحداهما) في لغات النجاسة وحدها: قال أهل اللغة النجس
هو القذر قالوا ويقال شئ نجس ونجس بكسر الجيم وفتحها والنجاسة الشئ المستقذر ونجس
الشئ ينجس كعلم يعلم قال صاحب المحكم النجس والنجس والنجس القذر من كل شئ يعنى بكسر النون
وفتحها مع اسكان الجيم فيهما وبفتحهما جميعا قالوا ورجل نجس ونجس يعنى بفتح الجيم وكسرها
مع فتح النون فيهما الجمع أنجاس قال وقيل النجس يكون للواحد والاثنين والجمع والمؤنث بلفظ
واحد فإذا كسروا النون ثنوا وجمعوا وهي النجاسة وقد أنجسه ونجسه وأما حد النجاسة
في اصطلاح الفقهاء فقال المتولي حدها كل عين حرم تناولها على الاطلاق مع امكان التناول
لا لحرمتها قال وقولنا على الاطلاق احتراز من السموم التي هي نبات فإنها لا يحرم تناولها على
الاطلاق بل يباح القليل منها وإنما يحرم الكثير الذي فيه ضرر قال وقولنا مع امكان التناول
احتراز من الأشياء الصلبة لأنه لا يمكن تناولها وقولنا لا لحرمته احتراز من الآدمي وهذا الذي
546

حدد به المتولي ليس محققا فإنه يدخل فيه التراب والحشيش المسكر والمخاط والمني وكلها طاهرة مع
أنها محرمة وفى المنى وجه انه يحل أكله فينبغي أن يضم إليها لا لحرمتها أو استقذارها أو ضررها
في بدن أو عقل والله أعلم: الثانية هذه العبارة التي ذكرها إنما يطلقها الفقهاء للحصر وهي موضوعة
للحصر عند الجمهور من أصحابنا وغيرهم من أهل الأصول والكلام وإذا
علم أنها للحصر فكأنه قال لا نجاسة الا هذه المذكورات وهذا الحصر صحيح فان قيل يرد عليه
أشياء من النجاسة مختلف فيها منها شعر مالا يؤكل إذا انفصل في حياته فإنه نجس على المذهب
كما سبق في باب الآتية ومنها الجدي إذا ارتضع كلبة أو خنزيرة فنبت لحمه على لبنها ففي نجاسته
وجهان حكاهما صاحب المستظهري وغيره أظهرهما أنه طاهر ومنها الماء الذي ينزل من فم الانسان
في حال النوم فيه خلاف وتفصيل سنذكره في مسائل الفرع إن شاء الله تعالى: فالجواب عن الأول
أن شعر مالا يؤكل إذا انفصل في حياته يكون ميتة فهو داخل في قوله والميتة فقد علم أن ما انفصل
من حي فهو ميت ولا يحتاج أن يتكلف فيقول إنما لم يذكر الشعر هنا لأنه ذكره في باب الآتية
بل الاعتماد على ما ذكرته والجواب عن الجدي والماء أنه اختار طهارتهما وأما المني والمذي والودي
فسبق بيان صفاتها ولغاتها في باب ما وجب الغسل وسبق الغائط في الاستطابة والخمر مؤنثة
ويقال فيها خمرة بالهاء في لغة قليلة وقد غلط من أنكرها على الغزالي رحمه الله وقد بينت ذلك في
تهذيب الأسماء واللغات واختلف أهل العربية في نون خنزير هل هي أصل أم زائدة والأظهر
انها أصلية كعرنيب وأما قوله ورطوبة فرج المرأة كان الأولي ان يحذف المرأة ويقول ورطوبة
الفرج فان الحكم في رطوبة فرج المرأة وسائر الحيوانات الطهارة سواء كما سنوضحه في موضعه
إن شاء الله تعالى *
قال المصنف رحمه الله
[فأما البول فهو نجس لقوله صلى الله عليه وسلم (تنزهوا من البول
فان عامة عذاب القبر منه)] *
547

[الشرح] هذا الحديث رواه عبد بن حميد شيخ البخاري ومسلم في مسنده من رواية
ابن عباس رضي الله عنهما باسناد كلهم عدول ضابطون بشرط الصحيحين الا رجلا واحدا وهو
أبو يحيى القتات فاختلفوا فيه فجرحه الأكثرون ووثقه يحيى بن معين في رواية عنه وقد روى
له مسلم في صحيحه وله متابع على حديثه وشواهد يقتضي مجموعها حسنه وجواز الاحتجاج به ورواه
الدارقطني من رواية أنس قال فيها المحفوظ أنه مرسل وفى المسألة أحاديث صحيحة منها حديث
ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم (مر بقبرين فقال إنهما يعذبان وما يعذبان
في كبير أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) وروى (يستنزه
من البول) وروى (يستتر) حديث صحيح رواه البخاري ومسلم بهذه الألفاظ وعن أنس رضي الله عنه
أن أعرابيا بال في ناحية المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه
رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة مثله رواه البخاري وقوله تنزهوا معناه تباعدوا وتحفظوا
أما حكم المسألة في الأبوال فهي أربعة أنواع بول الآدمي الكبير وبول الصبي الذي لم يطعم وبول
الحيوانات المأكولة وبول غير المأكول وكلها نجسة عندنا وعند جمهور العلماء ولكن نذكرها
مفصلة لبيان مذاهب العلماء ودلائلها فأما بول الآدمي الكبير فنجس باجماع المسلمين نقل الاجماع
فيه ابن المنذر وأصحابنا وغيرهم ودليله الأحاديث السابقة مع الاجماع وأما بول الصبي الذي لم يطعم
فنجس عندنا وعند العلماء كافة وحكى العبدري وصاحب البيان عن داود أنه قال هو طاهر دليلنا
عموم الأحاديث والقياس على الكبير وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نضح ثوبة من بول الصبي
وأمر بالنضح منه فلو لم يكن نجسا لم ينضح وأما بول باقي الحيوانات التي لا يؤكل لحمها فنجس عندنا
وعند مالك وأبي حنيفة واحمد والعلماء كافة وحكى الشاشي وغيره عن النخعي طهارته وما أظنه
يصح عنه فان صح فمردود بما ذكرنا وحكي ابن حزم في كتابه المحلي عن داود أنه قال الأبوال
والأرواث طاهرة من كل حيوان الا الآدمي وهذا في نهاية من الفساد واما بول الحيوانات
548

لمأكولة وروثها فنجسان عندنا وعند أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما وقال عطاء والنخعي والزهري
ومالك وسفيان الثوري وزفر واحمد بوله وروثه طاهران وحكاه صاحب البيان وجها لأصحابنا
وحكاه الرافعي عن أبي سعيد الإصطخري واختاره الروياني وسبقهم باختياره امام الأئمة أبو بكر
محمد بن إسحاق بن خزيمة من أصحابنا واختاره في صحيحه واستدل له والمشهور من مذهبنا الجزم
بنجاستهما وعن الليث بن سعد ومحمد بن الحسن ان بول المأكول طاهر دون روثه وقال أبو حنيفة
ذرق الحمام طاهر واحتج لمن قال بالطهارة بحديث انس رضي الله عنه قال (قدم ناس من عكل
أو عرينة فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ان يشربوا من أبوال إبل الصدقة وألبانها)
رواه البخاري ومسلم وعكل وعرينة بضم العين فيهما وهما قبيلتان وقوله اجتووا بالجيم أي استوخموا
واحتج لهم بحديث يروى عن البراء مرفوعا (ما اكل لحمه فلا بأس ببوله) وعن جابر مرفوعا مثله
واحتج أصحابنا بقول الله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) والعرب تستخبث هذا وباطلاق الأحاديث
السابقة وبالقياس على ما يؤكل وعلى دم المأكول والجواب عن حديث انس انه كان للتداوي
وهو جائز بجميع النجاسات سوى الخمر كما سنقرره بدلائله في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى
وعن حديثي البراء وجابر انهما ضعيفان واهيان ذكرهما الدارقطني وضعفهما وبين ضعفهما وروى
ولا بأس بسؤره وكلاهما ضعيف والله أعلم *
قال المصنف رحمه الله * [واما الغائط فهو نجس لقوله صلى الله عليه وسلم لعمار رضي الله عنه
(إنما تغسل ثوبك من الغائط والبول والمني والدم والقيح)] *
[الشرح] حديث عمار هذا رواه أبو يعلي الموصلي في مسنده والدارقطني والبيهقي قال
البيهقي هو حديث باطل لا أصل له وبين ضعفه الدارقطني والبيهقي ويغني عنه الاجماع على نجاسة
الغائط ولا فرق بين غائط الصغير والكبير بالاجماع وينكر على المصنف قوله لقوله صلى الله عليه
وسلم فأتي بصيغة الجزم في حديث باطل وقد سبق نظائر هذا الانكار وسبق في باب الآنية خلاف
549

لأصحابنا في أن هذه الفضلات من رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كانت نجسة وسبق بيان حال عمار
في باب السواك والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله * [وأما سرجين البهائم وذرق الطيور فهو كالغائط في النجاسة لما روى
ابن مسعود رضي الله عنه قال (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة فأخذ الحجرين
وألقى الروثة وقال إنها ركس) فعلل نجاسته بأنه ركس والركس الرجيع وهذا رجيع فكان نجسا
ولأنها خارج من الدبر أحالته الطبيعة فكان نجسا كالغائط] *
[الشرح] حديث ابن مسعود رواه البخاري بلفظه وقد سبق ان مذهبنا أن جميع الأرواث
والدرق والبول نجسة من كل الحيوان سواء المأكول وغيره والطير وكذا روث السمك والجراد
وما ليس له نفس سائلة كالذباب فروثها وبولها نجسان على المذهب وبه قطع العراقيون وجماعات من
الخراسانيين وحكي الخراسانيون وجها ضعيفا في طهارة روث السمك والجراد وما لا نفس له سائل
وقد قدمنا وجها عن حكاية صاحب البيان والرافعي ان بول ما يؤكل وروثه طاهران وهو غريب
وهذا المذكور من نجاسة ذرق الطيور كلها هو مذهبنا وقال أبو حنيفة كلها طاهرة الا ذرق الدجاج
لأنه لأنتن الا في ذرق الدجاج ولأنه عام في المساجد ولم يغسله المسلمون كما غسلوا بول الآدمي
واحتج أصحابنا بما ذكره المصنف وأجابوا عن عدم النتن بأنه منتقض ببعر الغزلان وعن المساجد
بأنه ترك للمشقة في ازالته مع تجدده في كل وقت وعندي انه إذا عمت به البلوى وتعذر الاحتراز
عنه يعفى عنه وتصح الصلاة كما يعفى عن طين الشوارع وغبار السرجين وأما قول المصنف الركس
الرجيع فكذا قاله ومن أهل اللغة من يقول الركس القذر وأما قوله فعلل نجاسته بأنه ركس
فكلام عجيب وصوابه فعلل تركه فان قيل ليس في الحديث دليل للنجاسة وإنما فيه ترك الاستنجاء
بالروث ولا يلزم من ذلك النجاسة كما لم يلزم من تركه بالعظم والمحترمات فالجواب ان الاعتماد
في الاستدلال على قوله صلى الله عليه وسلم (أنها ركس) ولا يجوز ان يحمل على أنه مجرد اخبار بأنهما
550

ركس ورجيع فان ذلك اخبار بالمعلوم فيؤدى الحمل عليه إلى خلو الكلام عن الفائدة فوجب حمله
على ما ذكرناه ثم التعليل بأنها ركس يشمل روث المأكول وغيره وقوله لأنه خارج من الدبر
احتراز من المنى وقوله احالته الطبيعة احتراز من الدود والحصى وقاسه على الغائط لأنه مجمع عليه
وقد سبق في أول الكتاب ان السرجين لفظة عجمية ويقال بفتح السين وكسرها ويقال سرقين
والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وأما القئ فهو نجس لحديث عمار ولأنه طعام استحال في الجوف إلى النتن والفساد فكان
نجسا كالغائط] *
[الشرح] قد سبق قريبا أن حديث عمار باطل لا يحتج به وقوله استحال في الجوف احتراز
من البيضة إذا صارت دما فإنها لا تنجس على أحد الوجهين وقوله استحال إلى النتن والفساد احتراز
من المنى وهذا الذي ذكره من نجاسة القئ متفق عليه وسواء فيه قئ الآدمي وغيره من الحيوانات
صرح به البغوي وغيره وسواء خرج القئ متغيرا أو غير متغير وقال صاحب التتمة ان خرج
غير متغير فهو طاهر وهذا الذي جزم به المتولي هو مذهب مالك نقله البراذعي منهم في التهذيب
والصحيح الأول وبه قطع الجماهير والله أعلم *
(فرع) قال أصحابنا الرطوبة التي تخرج من المعدة نجسة وحكي الشاشي عن أبي حنيفة ومحمد
طهارتها: دليلنا انها خارجة من محل النجاسة وسمى جماعة من أصحابنا هذه الرطوبة بالبلغم وليس
بصحيح فليس البلغم من المعدة والمذهب طهارته وإنما قال بنجاسته المزني وأما النخاعة الخارجة
من الصدر فطاهرة كالمخاط *
(فرع) الماء الذي يسيل من فم الانسان حال النوم قال المتولي ان انفصل متغيرا فنجس
والا فطاهر وقال الشيخ أبو محمد الجويني في كتاب التبصرة في الوسوسة منه ما يسيل من اللهوات
فهو طاهر ومنه ما يسيل من المعدة فهو نجس بالاجماع وطريق التمييز منها ان يراعي عادته فإن كان
551

يسيل من فمه في أوائل نومه بلل وينقطع حتى إذا طال زمان النوم انقطع ذلك البلل وجفت شفته
ونشفت الوسادة فالظاهر أنه من الفم لا من المعدة وان طال زمان النوم وأحس مع ذلك بالبلل
فالظاهر أنه من المعدة وإذا أشكل فلم يعرفه فالاحتياط غسله هذا كلام الشيخ أبي محمد وسألت
انا عدولا من الأطباء فأنكروا كونه من المعدة وأنكروا على من أوجب غسله والمختار لا يجب غسله
الا إذا عرف أنه من المعدة ومتى شك فلا يجب غسله لكن يستحب احتياطا وحيث حكمنا
بنجاسته وعمت بلوى انسان به وكثر في حقه فالظاهر أنه يعفى عنه في حقه ويلتحق بدم البراغيث
وسلس البول والاستحاضة ونحوها مما عفى عنه للمشقة والله أعلم *
(فرع) قال أصحابنا المرة نجسة قال الشيخ أبو محمد في كتابه الفروق في مسائل المياه المرارة
بما فيها من المرة نجسة *
(فرع) الجرة بكسر الجيم وتشديد الراء وهي ما يخرجه البعير من جوفه إلى فمه للاجترار
قال أصحابنا هي نجسة صرح به البغوي وآخرون ونقل القاضي أبو الطيب اتفاق الأصحاب
على نجاستها * قال المصنف رحمه الله *
[وأما المذي فهو نجس لما روى عن علي رضي الله عنه قال كنت رجلا مذاء فذكرت ذلك
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (إذا رأت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة)
ولأنه خارج من سبيل الحدث لا يخلق منه طاهر فهو كالبول وأما الودي فنجس لما ذكرنا من العلة
ولأنه يخرج مع البول فكان حكمه حكمه] *
[الشرح] أجمعت الأمة على نجاسة المذي والودي ثم مذهبنا ومذهب الجمهور أنه يجب
غسل المذي ولا يكفي نضحه بغير غسل وقال أحمد بن حنبل رحمه الله أرجو ان يجزيه النضح
552

واحتج له برواية في صحيح مسلم في حديث على (توضأ وانضح فرجك) ودليلنا رواية اغسل
وهي أكثر والقياس على سائر النجاسات وأما رواية النضح فمحمولة على الغسل وحديث علي رضي الله عنه
صحيح رواه هكذا أبو داود والنسائي وغيرهما بأسانيد صحيحة ورواه البخاري
ومسلم عن علي أنه أمر المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم وقد سبق ايضاحه والجمع بين
الروايات وبين فوائد هذا الحديث في باب ما يوجب الغسل وقول المصنف روى عن علي مما ينكر لأنه
صيغة تمريض والحديث صحيح متفق على صحته وقوله خارج من سبيل الحدث احتراز من المخاط
والعرق ونحوهما من الطاهرات وقوله لا يخلق منه طاهر احتراز من المني وقوله في الودي يخرج
مع البول الأجود أن يقال عقبه والله أعلم *
قال المصنف رحمه الله * [وأما مني الآدمي فطاهر لما روى عن عائشة رضي الله عنها أنها
كانت تحت المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى ولو كان نجسا لما انعقدت معه
الصلاة ولأنه مبتدأ خلق بشر فكان طاهرا كالطين] *
[الشرح] حديث عائشة صحيح رواه مسلم لكن لفظه (لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول
الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه) هذا لفظه في صحيح مسلم وسنن أبي داود وغيره من كتب
السنن وأما اللفظ الذي ذكره المصنف فغريب وقوله تحت المنى أي تفركه وتحته وقوله ولأنه مبتدأ
خلق بشر احتراز من منى الكلب: وأما حكم المسألة فمني الآدمي طاهر عندنا هذا هو الصواب
المنصوص للشافعي رحمه الله في كتبه وبه قطع جماهير الأصحاب وحكى صاحب البيان وبعض
الخراسانيين في نجاسته قولين ومنهم من قال القولان في منى المرأة فقط والصواب الجزم بطهارة
منيه ومنيها وسواء المسلم والكافر لكن ان قلنا رطوبة فرج المرأة نجسة تنجس منيها بملاقاتها
كما لو بال الرجل ولم يغسل ذكره بالماء ثم أمنى فان منيه ينجس بملاقاة المحل النجس وإذا حكمنا
بطهارة المنى استحب غسله من البدن والثوب للأحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم عن عائشة
553

رضي الله عنها: انها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولان فيه خروجا
من خلاف العلماء في نجاسته *
(فرع) قد ذكرنا أن المنى طاهر عندنا وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وإسحاق بن راهويه
وأبو ثور وداود وابن المنذر وهو أصح الروايتين عن أحمد وحكاه العبدري وغيره عن سعد بن أبي
وقاص وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم وقال الثوري والأوزاعي ومالك وأبو حنيفة وأصحابه
نجس لكن عند أبي حنيفة يجزى فركه يابسا وأوجب الأوزاعي ومالك غسله يابسا ورطبا
واحتج لمن قال بنجاسته بحديث عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يغسل
المنى) رواه مسلم وفى رواية (كنت اغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه البخاري
ومسلم وفى رواية لمسلم أنها قالت لرجل أصاب ثوب منى فغسله كله (إنما كان يجزيك أن رأيته ان تغسل
مكانه فإن لم تره نضحت حوله لقدر رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي
فيه) وذكروا أحاديث كثيرة ضعيفة منها حديث عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يأمر
بحت المنى) قالوا وقياسا على البول والحيض ولأنه يخرج من مخرج البول ولان المذي جزء من المنى
لان الشهوة تحلل كل واحد منهما فاشتركا في النجاسة واحتج أصحابنا بحديث فركه ولو كان نجسا
لم يكف فركه كالدم والمذي وغيرهما وهذا القدر كاف وهو الذي اعتمدته أنا في طهارته وقد أكثر
أصحابنا من الاستدلال بأحاديث ضعيفة ولا حاجة إليها وعلى هذا إنما فركه تنزها واستحبابا وكذا
غسله كان للتنزه والاستحباب وهذا الذي ذكرناه متعين أو كالمتعين للجمع بين الأحاديث وأما
قول عائشة (إنما كان يجزيك) فهو وإن كان ظاهره الوجوب فجوابه من وجهين أحدهما حمله على الاستحباب
لأنها احتجت بالفرك فلو وجب الغسل لكان كلامها حجة عليها لا لها وإنما أرادت الانكار
عليه في غسل كل الثوب فقالت غسل كل الثوب بدعة منكرة وإنما يجزيك في تحصيل الأفضل
والأكمل كذا وكذا وذكر أصحابنا أقيسة ومناسبات كثيرة غير طائلة ولا نرتضيها ولا نستحل
554

الاستدلال بها ولا نسمح بتضييع الوقت في كتابتها وفيما ذكرناه كفاية وأجاب أصحابنا عن القياس
على البول والدم بأن المنى أصل الآدمي المكرم فهو بالطين أشبه بخلافهما وعن قولهم يخرج من
من مخرج البول بالمنع قالوا بل ممرهما مختلف قال القاضي أبو الطيب وقد شق ذكر الرجل بالروم
فوجد كذلك فلا ننجسه بالشك قال الشيخ أبو حامد ولو ثبت أنه يخرج من مخرج البول لم يلزم
منه النجاسة لان ملاقاة النجاسة في الباطن لا تؤثر وإنما تؤثر ملاقاتها في الظاهر وعن قولهم المذي
جزء من المنى بالمنع أيضا قالوا بل هو مخالف له في الاسم والخلقة وكيفية الخروج لان النفس والذكر
يفتران بخروج المنى وأما المذي فعكسه ولهذا من به سلس المذي لا يخرج معه شئ من المنى
والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله * [وأما منى غير الآدمي ففيه ثلاثة أوجه أحدها الجميع طاهر
الا منى الكلب والخنزير لأنه خارج من حيوان طاهر يخلق منه مثل أصله فكان طاهرا كالبيض
ومني الآدمي والثاني الجميع نجس لأنه من فضول الطعام المستحيل وإنما حكم بطهارته من الآدمي
لحرمته وكرامته وهذا لا يوجد في غيره والثالث ما أكل لحمه فمنيه طاهر كلبنه وما لا يؤكل لحمه
فمنيه نجس كلبنه] *
[الشرح] هذه الأوجه مشهورة ودلائلها ظاهرة والأصح طهارة الجميع غير الكلب والخنزير
وفرع أحدهما وممن صرح بتصحيحه الشيخ أبو حامد والبندنيجي وابن الصباغ والشاشي وغيرهم
وأشار المصنف في التنبيه إلى ترجيحه وصحح الرافعي النجاسة مطلقا والمذهب الأول اما منى
الكلب والخنزير وما تولد من أحدهما فإنه نجس بلا خلاف كما صرح به المصنف *
(فرع) البيض من مأكول اللحم طاهر بالاجماع ومن غيره فيه وجهان كمنيه الأصح الطهارة
وقد أشار المصنف في تعليله الوجه الأول إلى القطع بهذا قال أصحابنا ويجرى الوجهان في بزر
القز لأنه أصل الدود كالبيض وأما دود القز فطاهر بلا خلاف وثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد
555

الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (المسك أطيب الطيب) وفى الصحيحين
أن وبيض الطيب كان يرى من مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى فارة المسك المنفصلة
في حال حياة الظبية وجهان أصحهما الطهارة كالجنين والثاني النجاسة كسائر الفضلات والاجزاء
المنفصلة في الحياة فان انفصلت بعد موتها فنجسة على المذهب كاللبن وقيل طاهرة كالبيض
المتصلب حكاه الرافعي *
(فرع) البيضة الطاهرة إذا استحالت دما ففي نجاستها وجهان الأصح النجاسة كسائر الدماء
والثاني الطهارة كاللحم وغيره من الأطعمة إذا تغيرت ولو صارت مدرة وهي التي اختلط بياضها
بصفرتها فطاهر بلا خلاف صرح به صاحب التتمة وغيره وكذا اللحم إذا خنز وأنتن فطاهر
على المذهب وفيه وجه أنه نجس حكاه الشاشي وصاحب البيان في باب الأطعمة وهو شاذ
ضعيف جدا *
(فرع) هل يحل اكل المنى الطاهر فيه وجهان الصحيح المشهور أنه لا يحل لأنه مستخبث
قال الله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) والثاني يجوز وهو قول الشيخ أبي زيد المروزي لأنه طاهر
لا ضرر فيه وسنبسط الكلام فيه وفى المخاط وأشباهه في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى وإذا
قلنا بطهارة بيض مالا يؤكل لحمه جاز أكله بلا خلاف لأنه غير مستقذر وهل يجب غسل ظاهر
البيض إذا وقع على موضع طاهر: فيه وجهان حكاهما البغوي وصاحب البيان وغيرهما بناء على
أن رطوبة الفرج طاهرة أم نجسة وقطع ابن الصباغ في فتاويه بأنه لا يجب غسله وقال الولد إذا خرج
طاهر لا يجب غسله باجماع المسلمين وكذا البيض والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وأما الدم فنجس لحديث عمار رضي الله عنه وفى دم السمك وجهان أحدهما نجس كغيره
والثاني طاهر لأنه ليس بأكثر من الميتة وميتة السمك طاهرة فكذا دمه]
[الشرح] أما حديث عمار فضعيف سبق بيان ضعفه ويغنى عنه حديث عائشة رضي الله
556

عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة (إذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت
فاغسلي عنك الدم وصلي) رواه البخاري ومسلم وعن أسماء رضي الله عنها قالت (جاءت امرأة إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيض كيف تصنع به قال (تحته
ثم تقرضه بالماء ثم تنضحه ثم تصلى فيه) رواه البخاري ومسلم والدلائل على نجاسة الدم متظاهرة
ولا أعلم فيه خلافا عن أحد من المسلمين الا ما حكاه صاحب الحاوي عن بعض المتكلمين أنه قال
هو طاهر ولكن المتكلمين لا يعتد بهم في الاجماع والخلاف على المذهب الصحيح الذي عليه
جمهور أهل الأصول من أصحابنا وغيرهم لا سيما في المسائل الفقهيات وأما الوجهان في دم السمك
فمشهوران ونقلهما الأصحاب أيضا في دم الجراد ونقلهما الرافعي أيضا في الدم المتحلب من الكبد
والطحال والأصح في الجميع النجاسة وممن قال بنجاسة دم السمك مالك واحمد وداود وقال أبو
حنيفة طاهر وأما دم القمل والبراغيت والقراد والبق ونحوها مما ليس له نفس سائلة فنجسة عندنا
كغيرها من الدماء لكن يعفى عنها في الثوب والبدن للحاجة كما سنوضحه إن شاء الله تعالى وممن
قال بنجاسة هذه الدماء مالك وقال أبو حنيفة هي طاهرة وهي أصح الروايتين عن أحمد وأما قول
المصنف لأنه ليس بأكثر من الميتة فكلام ناقص لأنه ينتقض بدم الآدمي فإنه نجس مع أن ميتته
طاهرة على المذهب فينبغي ان يزاد فيقال ميتته طاهرة مأكولة *
(فرع) مما تعم به البلوى الدم الباقي على اللحم وعظامه وقل من تعرض له من أصحابنا فقد
ذكره أبو إسحاق الثعلبي المفسر من أصحابنا ونقل عن جماعة كثيرة من التابعين انه لا بأس به
ودليله المشقة في الاحتراز منه وصرح احمد وأصحابه بان ما يبقى من الدم في اللحم معفو عنه ولو
غلبت حمرة الدم في القدر لعسر الاحتراز منه وحكوه عن عائشة وعكرمة والثوري وابن عيينة
557

وأبى يوسف واحمد واسحق وغيرهم واحتجت عائشة والمذكورون بقوله تعالي (إلا أن يكون
ميتة أو دما مسفوحا) قالوا فلم ينه عن كل دم بل عن المسفوح خاصة وهو السائل
* قال المصنف رحمه الله * [واما القيح فهو نجس لأنه دم استحال إلى نتن فإذا كان الدم نجسا
فالقيح أولي واما ماء القروح فإن كان له رائحة فهو نجس كالقيح وإن لم يكن له رائحة فهو طاهر
كرطوبة البدن ومن أصحابنا من قال فيه قولان أحدهما طاهر كالعرق والثاني نجس لأنه تحلل
بعلة فهو كالقيح] *
[الشرح] القيح نجس بلا خلاف وكذا ماء القروح المتغير نجس بالاتفاق وأما غير المتغير
فطاهر على المذهب وبه قطع القاضي أبو الطيب والشيخ أبو حامد وآخرون ونقله أبو حامد عن نصه
في الاملاء وقيل في نجاسته قولان وقد ذكر المصنف دليل الجميع وقوله تحلل بعلة احتراز من الدمع
والعرق وأما قوله كرطوبات البدن فمعناه أنها طاهرة بالاتفاق وهو كما قال وقد ضبط الغزالي وتابعه
الرافعي وغيره هذا بعبارة وجيزة فقال ما ينفصل من باطن الحيوان قسمان أحدهما ما ليس له اجتماع
واستحالة في الباطن وإنما يرشح رشحا والثاني ما يستحيل ويجتمع في الباطن ثم يخرج فالأول كالدمع
واللعاب والعرق والمخاط وحكمه حكم الحيوان المنفصل منه إن كان نجسا وهو الكلب والخنزير
وفرع أحدهما فهو نجس أيضا وإن كان طاهرا وهو سائر الحيوانات فهو طاهر بلا خلاف وأما الثاني
558

فكالدم والبول والعذرة والروث والقئ والقيح وكله نجس ويستثنى اللبن والمني والعلقة على تفصيل
في ذلك * واعلم أنه لا فرق في العرق واللعاب والمخاط والدمع بين الجنب والحائض والطاهر والمسلم
والكافر والبغل والحمار والفرس والفار وجميع السباع والحشرات بل هي طاهرة من جميعها ومن كل
حيوان طاهر وهو ما سوى الكلب والخنزير وفرع أحدهما ولا كراهة في شئ من ذلك عندنا
وكذا لا كراهة في سؤر شئ منها وهو بقية ما شربت منه والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله * [واما العلقة ففيها وجهان قال أبو إسحاق هي نجسة لأنه دم خارج
من الرحم فهو كالحيض وقال أبو بكر الصيرفي هي طاهرة لأنه دم غير مسفوح فهو كالكبد والطحال]
[الشرح] العلقة هي المنى إذا استحال في الرحم فصار دما عبيطا فإذا استحال بعده فصار قطعة
لحم فهو مضغة وهذان الوجهان في العلقة مشهوران ودليلهما ما ذكره المصنف أصحهما الطهارة ونقله
الشيخ أبو حامد عن الصيرفي وعامة الأصحاب وصرح بتصحيحه الشيخ أبو حامد والمحاملي والرافعي
في المحرر وآخرون وأما المضغة فالمذهب القطع بطهارتها كالولد وبهذا قطع الأكثرون ونقل القاضي
حسين وصاحب العدة والبيان فيها وجهين وكذا وقع في كثير من نسخ الوسيط وأنكروه عليه
ولا يصح انكار من أنكر ذلك ونسبته إلى الانفراد بنقل وجه في نجاسة المضغة فان الوجه نقله غيره
ممن ذكرناه وقوله مسفوح أي سائل وقوله كالكبد هي بفتح الكاف وكسر الباء ويجوز اسكان
559

الباء مع فتح الكاف وكسرها كما سبق في نظائرها والطحال بكسر الطاء وإنما قاس على الكبد
والطحال لأنهما طاهران بالاجماع والأحاديث الصحيحة مشهورة في أن النبي صلى الله عليه وسلم
أكل الكبد وللحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال (أحلت لنا ميتتان ودمان فالميتتان
السمك والجراد والدمان الكبد والطحال) قال البيهقي روى هكذا عن ابن عمر وروى عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال ولكن الرواية الأولي هي الصحيحة وهي في معنى المرفوع قلت ويحصل
الاستدلال بها لأنها مرفوعة أيضا فإنها كقول الصحابي أمرنا بكذا ونهينا عن كذا وهذا عند
أصحابنا المحدثين وجمهور الأصوليين والفقهاء في حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صريحا
كما سبق بيانه في مقدمة الكتاب: وأما أبو بكر الصيرفي فهذا أول موضع جرى فيه ذكره في الكتاب
وهو أبو بكر محمد بن عبد الله كان اماما بارعا متقنا صاحب مصنفات كثيرة في الأصول وغيره قال
الخطيب البغدادي توفي لثمان بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاثين وثلاثمائة رحمه الله * قال المصنف رحمه الله *
[وأما الميتة غير السمك والجراد والآدمي فهي نجسة لأنه محرم الأكل من غير ضرر فكان نجسا
كالدم وأما السمك والجراد فهما طاهران لأنه يحل أكلهما ولو كانا نجسين لم يحل وأما الآدمي ففيه
قولان أحدهما انه نجس لأنه ميت لا يحل أكله فكان نجسا كسائر الميتات والثاني أنه طاهر لقوله صلى الله عليه
وسلم (ولا تنجسوا موتاكم فان المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا) ولأنه لو كان نجسا لما غسل كسائر الميتات]
[الشرح] اما الحديث فرواه الحاكم أبو عبد الله وصاحبه البيهقي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه
وسلم: قال الحاكم في آخر كتاب المستدرك على الصحيحين هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم قال
البيهقي وروى موقوفا على ابن عباس من قوله وكذا ذكره البخاري في صحيحه في كتاب الجنائز تعليقا
عن ابن عباس (المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا) ورواية المرفوع مقدمة لان فيها زيادة علم كما سبق تقريره
في مقدمة الكتاب وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
560

(ان المؤمن لا ينجس) وهذا عام يتناول الحياة والموت: اما حكم المسألة فالسمك والجراد إذا ماتا
طاهران بالنصوص والاجماع قال الله تعالى (أحل لكم صيد البحر وطعامه) وقال تعالي (وهو
الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في
البحر (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) وقد سبق بيانه وفوائده في أول الكتاب وعن عبد الله بن أبي
أوفى رضي الله عنه قال (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل معه الجراد)
رواه البخاري ومسلم وسواء عندنا الذي مات بالاصطياد أو حتف نفسه والطافي من السمك وغير
الطافي وسواء قطع رأس الجرادة أم لا وكذا باقي ميتات البحر إذا قلنا بالأصح ان الجميع حلال
فميتتها طاهرة وسيأتي تفصيلها في بابها إن شاء الله تعالى: وأما الآدمي هل ينجس بالموت أم لا فيه
هذان القولان الصحيح منهما انه لا ينجس اتفق الأصحاب على تصحيحه ودليله الأحاديث السابقة
561

والمعنى الذي ذكره: وعجب إرسال المصنف القولين من غير بيان الراجح منهما في مثل هذه
المسألة التي تدعو الحاجة إليها وقد ذكر البندنيجي في كتاب الجنائز وصاحب الشامل في باب الآنية
ان القول بالطهارة هو نصفه في الأم وبالنجاسة هو نصه في البويطي وسواء في جريان القولين
المسلم والكافر وأما قوله تعالي (إنما المشركون نجس) فليس المراد نجاسة الأعيان والأبدان بل
نجاسة المعني والاعتقاد ولهذا ربط النبي صلى الله عليه وسلم الأسير الكافر في المسجد وقد أباح
الله تعالى طعام أهل الكتاب والله أعلم: وأما باقي الميتات فنجسة ودليلها الاجماع واستثنى صاحب
الحاوي وغيره فقالوا الميتات نجسة الا خمسة أنواع السمك والجراد والآدمي والصيد إذا قتله
سهم أو كلب معلم أرسله أهل للذكاة والجنين إذا خرج ميتا بعد ذكاة أمه وزاد القفال فحكم بطهارة
ما ليس له نفس سائلة في قول كما حكيناه عنه في باب المياه وحكي صاحب الحاوي والشاشي عنه
وجهين في نجاسة الضفدع بالموت ولا يرد شئ من هذا على المصنف أما الصيد والجنين فليسا منه
بل جعل الشرع هذا ذكاتهما ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (ذكاة
الجنين ذكاة أمه) فصرح بأنه مذكى شرعا وإن لم تنله السكين مباشرة وأما ما زاده القفال وصاحب
الحاوي فضعيف انفردا به عن الجمهور والصحيح النجاسة كما أوضحناه هناك وبالله التوفيق: واما
قول المصنف يحرم الأكل من غير ضرر وكان نجسا فينتقض بالمخاط والمني وجلد الميتة إذا دبغ فإنها
محرمة الأكل على الأصح من غير ضرر وليست نجسة فكان ينبغي أن يقول من غير ضرر ولا
استقذار وقوله في السمك والجراد يحل أكلها يعنى من غير ضرورة ولا حاجة والا فالميتة
يحل أكلها في المخمصة ويحل اكل الدواء النجس للحاجة وإن لم يكن ضرورة والله أعلم *
(فرع) العضو المنفصل من حيوان حي كألية الشاة وسنام البعير وذنب البقرة والاذن واليد
وغير ذلك نجس بالاجماع ومما يستدل به من السنة حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال:
562

قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يحبون أسنمة الإبل ويقطعون أليات الغنم فقال (ما تقطع
من البهيمة وهي حية فهو ميتة) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وهذا لفظ الترمذي قال الترمذي
حديث حسن قال والعمل على هذا عند أهل العلم وأما العضو المبان من السمك والجراد والآدمي
كيده ورجله وظفره ومشيمة الآدمي ففيها كلها وجهان أصحهما طهارتها وهو الذي صححه
الخراسانيون كميتاتها والثاني نجاستها وإنما يحكم بطهارة الجملة لحرمتها وبهذا قطع العراقيون أو جمهورهم
في يد الآدمي وسائر أعضائه وتكرر نقل القاضي أبى الطيب الاتفاق على نجاسة يد السارق وغيره
إذا قطعت أو سقطت ونقل القاضي أيضا الاتفاق على نجاسة مشيمة الآدمي والصحيح
الطهارة كما ذكرناه وأما مشيمة غير الآدمي فنجسة بلا خلاف كما في سائر أجزائه المنفصلة
في حياته والله أعلم *
(فرع) عصب الميتة غير الآدمي نجس بلا خلاف ولا يخرج على الخلاف في الشعر والعظم
لأنه يحس ويألم بخلافهما ذكره المتولي وغيره والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في نجاسة الآدمي بالموت: قد ذكرنا أن الأصح عندنا أنه لا ينجس
وبه قال مالك واحمد وداود وغيرهم وقال أبو حنيفة ينجس وروى عنه أنه يطهر بالغسل وعن مالك
وأحمد رواية بنجاسته *
قال المصنف رحمه الله * [واما الخمر فهي نجسة لقوله عز وجل (إنما الخمر والميسر والأنصاب
والأزلام رجس من عمل الشيطان) ولأنه يحرم تناوله من غير ضرر فكان نجسا كالدم واما النبيذ
فهو نجس لأنه شراب فيه شدة مطربة فكان نجسا كالخمر] *
[الشرح] الخمر نجسة عندنا وعند مالك وأبي حنيفة وأحمد وسائر العلماء الا ما حكاه
القاضي أبو الطيب وغيره عن ربيعة شيخ مالك وداود انهما قالا هي طاهرة وإن كانت محرمة
كالسم الذي هو نبات وكالحشيش المسكر ونقل الشيخ أبو حامد الاجماع على نجاستها واحتج
563

أصحابنا بالآية الكريمة قالوا ولا يضر قرن الميسر والأنصاب والأزلام بها مع أن هذه الأشياء
طاهرة لأن هذه الثلاثة خرجت بالاجماع فبقيت الخمر على مقتضي الكلام ولا يظهر من الآية
دلالة ظاهرة لان الرجس عند أهل اللغة القذر ولا يلزم من ذلك النجاسة وكذا الامر بالاجتناب
لا يلزم منه النجاسة وقول المصنف ولأنه يحرم تناوله من غير ضرر فكان نجسا كالدم لا دلالة
فيه لوجهين أحدهما أنه منتقض بالمنى والمخاط وغيرهما كما ذكرنا قريبا والثاني أن العلة في منع تناولهما
مختلفة فلا يصح القياس لان المنع من الدم لكونه مستخبثا والمنع من الخمر لكونها سببا للعداوة
والبغضاء وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة كما صرحت به الآية الكريمة وأقرب ما يقال ما ذكره
الغزالي انه يحكم بنجاستها تغليظا وزجرا عنها قياسا على الكلب وما ولغ فيه والله أعلم واعلم أنه
لا فرق في نجاسة الخمر بين الخمر المحترمة وغيرها وكذا لو استحال باطن حبات العنب خمرا فإنه
نجس وحكى امام الحرمين والغزالي وغيرهما وجها ضعيفا أن الخمر المحترمة طاهرة ووجها أن باطن
حبات العنب المستحيل طاهر وهما شاذان والصواب النجاسة وأما النبيذ فقسمان مسكر وغيره
فالمسكر نجس عندنا وعند جمهور العلماء وشربه حرام وله حكم الخمر في التنجيس والتحريم ووجوب
الحد وقال أبو حنيفة وطائفة قليلة هو طاهر ويحل شربه وفى رواية عنه يجوز الوضوء به في السفر
وقد سبق في باب المياه بيان مذهبنا ومذهبه والدلائل من الطرفين مستقصاة وقد ثبتت الأحاديث
الصحيحة الذي يقتضي مجموعها الاستفاضة أو التواتر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كل
مسكر خمر وكل مسكر حرام) وهذه الألفاظ مروية في الصحيحين من طرق كثيرة وحكى صاحب
البيان وجها أن النبيذ المسكر طاهر لاختلاف العلماء في اباحته وهذا الوجه شاذ في المذهب وليس
هو بشئ وأما القسم الثاني من النبيذ فهو ما لم يشتد: ولم يصر مسكرا وذلك كالماء الذي وضع
فيه حبات تمر أو زبيب أو مشمش أو عسل أو نحوها فصار حلوا وهذا القسم طاهر بالاجماع
يجوز شربه وبيعه وسائر التصرفات فيه وقد تظاهرت الأحاديث في الصحيحين من طرق متكاثرة
564

على طهارته وجواز شربه ثم إن مذهبنا ومذهب الجمهور جواز شربه ما لم يصر مسكرا وان جاوز
ثلاثة أيام وقال أحمد رحمه الله لا يجوز بعد ثلاثة أيام واحتج له بحديث ابن عباس رضي الله عنهما
قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبذ له من أول الليل فيشربه إذا أصبح يومه ذاك والليلة
التي تجئ والغد والليلة الأخرى والغد إلى العصر فان بقي شئ سقى الخادم أو أمر به
فصب) رواه مسلم وفى رواية لمسلم وغيره كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (ينقع له الزبيب
فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة ثم يأمر به فيسقى أو يهراق) وفى رواية لمسلم
(ينبذ له الزبيب في السقاء فيشربه يومه والغد وبعد الغد فإذا كان مساء الثالثة شربه وسقاه فان
فضل شئ إهراقه) ودليلنا حديث بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(كنت نهيتكم عن الانتباذ الا في سقاء فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرا) رواه مسلم
فهذا عام يتناول ما فوق ثلاثة أيام ولم يثبت نهي في الزيادة فوجب القول بإباحة ما لم يصر مسكرا
وان زاد على الثلاثة والجواب عن الروايات التي احتج بها لأحمد أنه ليس فيها دليل على تحريم
بعد الثلاثة بل فيها دليل على أنه ليس بحرام بعد الثلاثة لأنه صلى الله عليه وسلم (كان يسقيه الخادم)
ولو كان حراما لم يسقه وإنما معنى الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يشربه ما لم يصر مسكرا فإذا
مضت ثلاثة أيام أو نحوها امتنع من شربه ثم إن كان بعد ذلك قد صار مسكرا أمر بإراقته لأنه
صار نجسا محرما ولا يسقيه الخادم لأنه حرام على الخادم كما هو حرام على غيره وإن كان لم يصر
مسكرا سقاه الخادم ولا بريقه لأنه حلال ومال من الأموال المحترمة ولا يجوز اضاعتها وإنما ترك صلى الله عليه
وسلم شربه والحالة هذه تنزها واحتياطا كما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل الضب
وأكلوه بحضرته وقيل له (أحرام هو) قال (لا ولكن لم يكن بأرض قومي فاجدنى أعافه) وقد حصل
مما ذكرناه ان لفظة أو في قوله سقاه الخادم أو أمر به فصب ليست للشك ولا للتخيير بل للتقسيم
واختلاف الحال وقد أوضحت هذا الحديث وما يتعلق بالمسألة في شرح صحيح مسلم رحمه الله
565

وبالله التوفيق *
(فرع) مذهبنا ومذهب الجمهور أنه يجوز الانتباذ في جميع الأوعية من الخزف والخشب
والجلود والدباء وهي القرع والمزفت والنحاس وغيرها ويجوز شربه منها ما لم يصر مسكرا كما سبق
وأما الأحاديث المشهورة في الصحيحين عن ابن عباس وغيره رضي الله عنهم أن النبي صلى الله
عليه وسلم (نهي عن الانتباذ في الدباء والحنتم) وهي جرار خضر وقيل كل الجرار والنقير وهي الخشبة
المنقورة من النخل والمزفت والمقير وهو المطلي بالزفت والقار فهي منسوخة بحديث يريده
الذي قدمناه قريبا وقد بسطت ذلك بدلائله في أول شرح صحيح البخاري ثم في شرح مسلم
وبالله التوفيق *
(فرع) شرب الخليطين والمنصف إذا لم يصر مسكرا ليس بحرام لكن يكره فالخليطان
ما نقع من بسر أو رطب أو تمر أو زبيب والمنصف ما نقع من تمر ورطب وسبب الكراهة ان
الاسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يتغير طعمه فيظن الشارب انه ليس مسكرا وهو مسكر
ودليل الكراهة حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن يخلط الزبيب والتمر
والبسر والتمر) وفى رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعا ونهى
أن ينبذ الرطب والبسر جميعا) وفى رواية (لا تجمعوا بين الرطب والبسر وبين الزبيب والتمر
نبيذا) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من شرب
النبيذ منكم فليشربه زبيبا فردا أو تمرا فردا أو بسرا فردا) وعن قتادة رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تنبذوا الزهو والرطب جميعا ولا تنبذوا الزبيب والتمر جميعا
وانتبذوا كل واحد منهما على حدته) وعن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم
عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وروي هذه الروايات كلها مسلم وروى البخاري وغيره بعضها
أيضا والله أعلم *
566

قال المصنف رحمه الله * [وأما الكلب فهو نجس لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (دعى
إلى دار فأجاب ودعى إلى دار فلم يجب فقيل له في ذلك فقال إن في دار فلان كلبا فقيل له وفى دار
فلان هرة فقال الهرة ليست بنجسة) فدل على أن الكلب نجس] *
[الشرح] مذهبنا ان الكلاب كلها نجسة المعلم وغيره الصغير والكبير وبه قال الأوزاعي
وأبو حنيفة واحمد واسحق وأبو ثور وأبو عبيد وقال الزهري ومالك وداود هو طاهر وإنما يجب
غسل الإناء من ولوغه تعبدا وحكى هذا عن الحسن البصري وعروة بن الزبير واحتج لهم بقول
الله تعالى (فكلوا مما أمكن عليكم) ولم يذكر غسل موضع امساكها وبحديث ابن عمر رضي
الله عنهما قال (كانت الكلاب تقبل وتدبر في المسجد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم
يكونوا يرشون شيئا من ذلك) ذكره البخاري في صحيحه فقال وقال أحمد بن شبيب حدثنا أبي
إلى آخر الاسناد والمتن وأحمد هذا شيخه ومثل هذه العبارة محمول على الاتصال وان البخاري
رواه عنه كما هو معروف عند أهل هذا الفن وذلك واضح في علوم الحديث وروى البيهقي وغيره
هذا الحديث متصلا وقال فيه (وكان الكلاب تقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئا
من ذلك) واحتج أصحابنا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات) رواه مسلم وعن أبي هريرة أيضا
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (طهور اناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع
مرات أولاهن بالتراب) رواه مسلم وفى رواية له (طهر إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسل سبع
مرات) والدلالة من الحديث الأول ظاهرة لأنه لو لم يكن نجسا لما أمر بإراقته لأنه يكون حينئذ
اتلاف مال وقد نهينا عن إضاعة المال والدلالة من الحديث الثاني ظاهرة أيضا فان الطهارة تكون
من حدث أو نجس وقد تعذر الحمل هنا على طهارة الحدث فتعينت طهارة النجس وأجاب أصحابنا
عن احتجاجهم بالآية بان لنا خلافا معروفا في أنه يجب غسل ما اصابه الكلب أم لا فإن لم نوجبه فهو
567

معفو للحاجة والمشقة في غسله بخلاف الاناء واما الجواب عن حديث ابن عمر فقال البيهقي مجيبا
عنه اجمع المسلمون على نجاسة بول الكلب ووجوب الرش على بول الصبي فالكلب أولي قال
فكان حديث ابن عمر قبل الامر بالغسل من ولوغ الكلب أو ان بولها خفى مكانه فمن تيقنه
لزمه غسله والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وأما الخنزير فنجس لأنه أسوأ حالا من الكلب لأنه مندوب إلى قتله من غير ضرر فيه
ومنصوص على تحريمه فإذا كان الكلب نجسا فالخنزير أولي واما ما تولد منهما أو من أحدهما
فنجس لأنه مخلوق من نجس فكان مثله] *
[الشرح] نقل ابن المنذر في كتاب الاجماع اجماع العلماء على نجاسة الخنزير وهو أولي ما يحتج
به لو ثبت الاجماع ولكن مذهب مالك طهارة الخنزير ما دام حيا وأما ما احتج به المصنف فكذا
احتج به غيره ولا دلالة فيه وليس لنا دليل واضح على نجاسة الخنزير في حياته وقوله مندوب إلى قتله
من غير ضرر فيه احتراز من الحية والعقرب والحدأة وسائر الفواسق الخمس وما في معناها فإنها
طاهرة وإن كان مندوبا إلى قتلها لكن لضررها وأما قوله إن المتولد منهما أو من أحدهما وحيوان
طاهر نجس فهو متفق عليه عندنا: ولو ارتضع جدي من كلبة ونبت لحمه على لبنها ففي نجاسته وجهان
أصحهما ليس بنجس وقد سبقا في أول الباب وقوله لأنه مخلوق من نجس فكان مثله ينقض
بالدود المتولد من الميتة ومن السرجين فإنه طاهر على المذهب وبه قطع الجمهور كما سنوضحه قريبا
إن شاء الله تعالى وكان ينبغي أن يقول لأنه مخلوق من حيوان نجس ليحترز عما ذكرناه فان الميتة
لا تسمى حيوانا وقد يمنع من هذا الاعتراض ويقال الدود لا يخلق من نفس الميتة ونفس السرجين
وإنما يتولد فيها كدود الخل لا يخلق من نفس الخل بل يتولد فيه وقد أجاب القاضي أبو الطيب
بهذا الجواب عن نحو هذا الاعتراض في مسألة طهارة المنى والله أعلم: واما باقي الحيوانات غير
الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما فهي طاهرة كلها وسيأتي بيانه قريبا إن شاء الله تعالى في
568

مسائل الفرع * قاله المصنف رحمه الله *
[وأما لبن مالا يؤكل لحمه غير الآدمي ففيه وجهان قال أبو سعيد الإصطخري هو طاهر لأنه
حيوان طاهر فكان لبنه طاهرا كالشاة والمنصوص انه نجس لان اللبن كلحم المذكى بدليل انه
يتناول من الحيوان ويؤكل كما يتناول اللحم المذكى ولحم مالا يؤكل نجس فكذا لبنه] *
[الشرح] الألبان أربعة أقسام: أحدها لبن مأكول اللحم كالإبل والبقر والغنم والخيل
والظباء وغيرها من الصيود وغيرها وهذا طاهر بنص القرآن والأحاديث الصحيحة والاجماع *
(والثاني) لبن الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما وهو نجس بالاتفاق (الثالث) لبن الآدمي وهو
طاهر على المذهب وهو المنصوص وبه قطع الأصحاب الا صاحب الحاوي فإنه حكى عن الأنماطي
من أصحابنا انه نجس وإنما يحل شربه للطفل للضرورة ذكره في كتاب البيوع وحكاه الدارمي
في أواخر كتاب السلم وحكاه هناك الشاشي والروياني وهذا ليس بشئ بل هو خطأ ظاهر وإنما
حكي مثله للتحذير من الاغترار به وقد نقل الشيخ أبو حامد في تعليقه عقب كتاب السلم اجماع
المسلمين على طهارته قال الروياني في آخر باب بيع الغرر إذا قلنا بالمذهب ان الآدمية لا تنجس
بالموت فماتت وفى ثديها لبن فهو طاهر يجوز شربه وبيعه (الرابع) لبن سائر الحيوانات الطاهرة غير
ما ذكرنا والصحيح المنصوص نجاستها وقال الإصطخري طاهرة وقد ذكر المصنف دليل الوجهين
وممن قال بطهارته أبو حنيفة وبنجاسته مالك وأحمد وداود فان قلنا بالطهارة فهل يحل شربه: فيه
وجهان حكاهما المتولي وغيره أصحهما جواز شربه لأنه طاهر والثاني تحريمه وبه قطع الغزالي في
البسيط لأنه يقال إنه يؤذى ولأنه مستقذر فأشبه المخاط: وجمع جماعة هذا الخلاف وحكى الدارمي
في آخر كتاب السلم في لبن الأتان ونحوها ثلاثة أوجه الصحيح أنه نجس لا يجوز بيعه والثاني انه
طاهر ويجوز بيعه وشربه والثالث طاهر لا يجوز بيعه ولا شربه: وقول المصنف لبن مالا يؤكل
569

غير الآدمي فيه وجهان: اطلاقه يقتضى دخول الكلب والخنزير وكان ينبغي أن يقول من الحيوان
الطاهر وكأنه ترك بيانه لظهوره والله أعلم *
(فرع) الإنفحة ان أخذت من السخلة بعد موتها أو بعد ذبحها وقد أكلت غير اللبن فهي
نجسة بلا خلاف وان أخذت من سخلة بحت قبل أن تأكل غير اللبن فوجهان الصحيح الذي
قطع به كثيرون طهارتها لان السلف لم يزالوا يجبنون بها ولا يمتنعون من اكل الجبن المعمول بها *
وحكي العبدري عن مالك واحمد في أصح الروايتين عنه نجاسة الإنفحة الميتة كمذهبنا: وعن أبي حنيفة
واحمد في الرواية الأخرى أنها طاهرة كالبيض * دليلنا انها جزء من السخلة فأشبهت اليد بخلاف
البيضة فإنها ليست جزءا: ولنا في البيضة في جوف الدجاجة الميتة ثلاثة أوجه سبقت في باب الآنية
أحدها أنها طاهرة والثاني نجسة وأصحها إن كانت تصلبت فطاهرة والا فنجسة وأما اللبن في
ضرع شاة ميتة فنجس عندنا بلا خلاف وسبق بيانه في باب الآنية والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
[وأما رطوبة فرج المرأة فالمنصوص أنها نجسة لأنها رطوبة متولدة في محل النجاسة فكانت
نجسة ومن أصحابنا من قال هي طاهرة كسائر رطوبات البدن] *
[الشرح] رطوبة الفرج ماء أبيض متردد بين المذي والعرق فلهذا اختلف فيها ثم إن
المصنف رحمه الله رجح هنا وفى التنبيه النجاسة ورجحه أيضا البندنيجي: وقال البغوي والرافعي
وغيرهما الأصح الطهارة وقال صاحب الحاوي في باب ما يوجب الغسل نص الشافعي رحمه الله في بعض
كتبه على طهارة رطوبة الفرج وحكي التنجيس عن ابن سريج فحصل في المسألة قولان منصوصان
للشافعي أحدهما ما نقله المصنف والآخر نقله صاحب الحاوي والأصح طهارتها ويستدل للنجاسة
570

أيضا بحديث زيد بن خالد رضي الله عنه أنه سال عثمان بن عفان رضي الله عنه قال (أرأيت إذا
جامع الرجل امرأته ولم يمن قال عثمان يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره قال عثمان سمعته من
رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه البخاري ومسلم زاد البخاري فسأل علي بن أبي طالب والزبير
ابن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب فأمروه بذلك: وعن أبي بن كعب رضي الله عنه:
أنه قال (يا رسول الله إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل قال يغسل ما مس المرأة منه ثم يتوضأ ويصلى) رواه
البخاري ومسلم وهذان الحديثان في جواز الصلاة بالوضوء بلا غسل منسوخان كما سبق في باب
ما يوجب الغسل وأما الامر بغسل الذكر وما اصابه منها فثابت غير منسوخ وهو ظاهر في الحكم
بنجاسة رطوبة الفرج والقائل الآخر يحمله على الاستحباب لكن مطلق الامر للوجوب عند
جمهور الفقهاء والله أعلم: وقول المصنف رطوبة فرج المرأة فيه نقص والأحسن رطوبة الفرج فإنه
لا فرق بين رطوبة فرج المرأة وغيرها من الحيوان الطاهر كما سبق والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله * [واما ما تنجس بذلك فهو الأعيان الطاهرة إذا لاقاها شئ من هذه
النجاسات وأحدهما رطب فينجس بملاقاتها] *
[الشرح] هذا الذي قاله واضح لاخفاء به لكن يستثنى من هذا الاطلاق أشياء أحدها
الميتة التي لا نفس لها سائله فإنها نجسة على المذهب ولا تنجس ما ماتت فيه على الصحيح (الثاني) النجاسة
التي لا يدركها الطرف لا تنجس الماء والثوب على الأصح كما سبق (الثالث) الهرة إذا أكلت نجاسة ثم ولغت
في ماء قليل أو مائع قبل أن تغيب لا ننجسه على أحد الأوجه (الرابع) إذا لاقت النجاسة قلتين فصاعدا من الماء
571

فلم تغيره لا تنجسه *
(فرع) في مسائل تتعلق بالنجاسات (أحدها) شعر الميتة نجس على المذهب الا من الآدمي
فطاهر على المذهب سواء انفصل في حياته أو بعد موته وقد سبق تفصيل الشعور في باب الآنية
وسبق فيه أن المذهب نجاسة عظم الميتة وسبق فيه أن مالا يؤكل لحمه إذا ذبح كان نجسا (الثانية)
قال أصحابنا الأعيان جماد وحيوان وماله تعلق بالحيوان فالجماد كله طاهر الا الخمر وكل نبيذ مسكر
وحكى وجه ان النبيذ طاهر ووجه ان الخمرة المحترمة طاهرة وان باطن العنقود إذا استحال خمرا طاهر
وهذه الأوجه سبق بيانها وهي شاذة ضعيفة والمراد بالجماد ما ليس بحيوان ولا كان حيوانا ولا جزءا
من حيوان ولا خرج من حيوان وقولنا ولا كان حيوانا احتراز من الميتة وقولنا ولا جزءا من
حيوان احتراز من العضو المبان من الشاة ونحوها في الحياة وقولنا ولا خرج من حيوان احتراز
من البول والروث وغيرهما من النجاسات المنفصلة عن باطن الحيوان * واما الحيوان فكله طاهر الا
الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما وحكى صاحب البيان وجهان عن الصيدلاني ان الدود المتولد
من الميتة نجس وهذا شاذ مردود والصواب الجزم بطهارته كسائر الحيوان واما ماله تعلق بالحيوان
كالميتة والفضلات فقد سبق تفصيله وبيان الطاهر منه من النجس والله أعلم (الثالثة) النجاسة المستقرة
في الباطن لا حكم لها ما لم يتصل بها شئ من الظاهر مع بقاء حكم الظاهر عليه كما إذا ابتلع بعض خيط
فحصل بعضه في المعدة وبعضه خارج في الفم أو ادخل في دبره إصبعه أو عودا وبقي بعضه خارجا
فوجهان سبقا في أول باب ما ينقض الوضوء أصحهما وبه قطع الأكثرون يثبت لها حكم النجاسة
فلا تصح صلاته ولا طوافه في هذه الحال لأنه مستصحب بمتصل بالنجاسة والثاني لا يثبت حكم
النجاسة وقد سبق هناك توجيههما وبيان قائلهما وما يتفرع عليهما من المسائل والله أعلم (الرابعة)
في الفتاوى المنقولة عن صاحب الشامل ان الولد إذا خرج من الجوف طاهر لا يحتاج إلى غسله
باجماع المسلمين قال ويجب أن يكون البيض كذلك فلا يجب غسل ظاهره والنجاسة الباطنة لا حكم
لها ولهذا اللبن يخرج بين فرث ودم وهو طاهر حلال وهذا الذي قاله ان النجاسة الباطنة لا حكم
572

لها وفى البيض هو اختياره وقد قدمنا الخلاف فيهما (الخامسة) قال صاحب التتمة الوسخ المنفصل
من بدن الآدمي في الحمام وغيره حكمه حكم ميتة الآدمي لأنه متولد من البشرة قال وكذا الوسخ
المنفصل عن سائر الحيوان حكمه حكم ميتته وهذا الذي قاله في وسخ الآدمي ضعيف لم أره لغيره
والمختار القطع بطهارته لأنه عرق جامد (السادسة) قال أصحابنا رحمهم الله إذا أكلت البهيمة حبا وخرج
من بطنها صحيحا فإن كانت صلابته باقية بحيث لو زرع نبت فعينه طاهرة لكن يجب غسل
ظاهره لملاقاة النجاسة لأنه وان صار غذاءا لها فمما تغير إلى الفساد فصار كما لو ابتلع نواة وخرجت
فان باطنها طاهر ويطهر قشرها بالغسل وإن كانت صلابته قد زالت بحيث لو زرع لم ينبت فهو نجس
ذكر هذا التفصيل هكذا القاضي حسين والمتولي والبغوي وغيرهم (السابعة) الزرع النابت على السرجين
قال الأصحاب ليس هو نجس العين لكن ينجس بملاقاة النجاسة نجاسة مجاورة وإذا غسل طهر وإذا
سنبل فحباته الخارجة طاهرة قطعا ولا حاجة إلى غسلها وهكذا القثاء والخيار وشبههما يكون طاهرا
ولا حاجة إلى غسله قال المتولي وكذا الشجرة إذا سقيت ماء نجسا فأغصانها وأوراقها وثمارها طاهرة
كلها لان الجميع فرع الشجرة ونماؤها قال البغوي وإذا خرج من فرجه دود فهو طاهر العين ولكن ظاهره
نجس فإذا غسل طهر *
(فرع) المسك طاهر بالاجماع ويجوز بيعه بالاجماع وقد حكي الماوردي في كتاب البيوع عن الشيعة
انهم قالوا هو نجس لا يجوز بيعه وهو غلط فاحش مخالف للأحاديث الصحيحة وللإجماع وسنوضح
المسألة بأدلتها إن شاء الله تعالى في باب ما نهى عنه من بيع الغرر حيث ذكره المصنف والأصحاب *
(فرع) قال الماوردي والروياني في آخر باب بيع الغرر اما الزباد فهو لبن سنور في البحر رائحته
كرائحة المسك قالا فإذا قلنا بنجاسة لبن مالا يؤكل لحمه ففي هذا وجهان أحدهما أنه نجس
لا يجوز بيعه اعتبارا بجنسه والثاني طاهر كالمسك هذا كلام الماوردي والروياني والصواب طهارته
وصحة بيعه لأن الصحيح ان جميع حيوان البحر طاهر يحل لحمه ولبنه كما سنوضحه في بابه إن شاء الله تعالى
: هذا على تقدير تسليم ما ذكره الماوردي انه لبن هذا السنور البحري وقد سمعت جماعة من
573

أهل الخبرة بهذا من الثقاة يقولون بان الزباد إنما هو عرق سنور برى فعلى هذا هو طاهر بلا خلاف
لكن قالوا إنه يغلب فيه اختلاطه بما يتساقط من شعره فينبغي ان يحترس عما فيه شئ من
شعره لان الأصح عندنا نجاسة شعر مالا يؤكل لحمه إذا انفصل في حياته غير الآدمي والأصح ان
سنور البر لا يؤكل والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[ولا يطهر من النجاسات بالاستحالة الا شيئان أحدهما جلد الميتة وقد دللنا عليه في موضعه
والثاني الخمرة إذا استحالت بنفسها خلا فتطهر بذلك لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه خطب
فقال (لا يحل خل من خمر قد أفسدت حتى يبدأ الله افسادها فعند ذلك يطيب الخل ولا بأس أن
يشتروا من أهل الذمة خلا ما لم يتعمدوا إلى افساده) ولأنه إنما حكم بنجاستها للشدة المطربة الداعية
إلى الفساد وقد زال ذلك من غير نجاسة خلفتها فوجب أن يحكم بطهارته] *
[الشرح] أما قوله لا يطهر بالاستحالة الا شيئان فقد يورد عليه ثلاثة أشياء وهي العلقة
والمضغة إذا نجسناهما فإنهما يطهران بمصيرهما حيوانا والثالث البيضة في جوف الدجاجة الميتة
إذا حكمنا بنجاستها فإنها تطهر بمصيرها فرخا بلا خلاف كما سبق في باب الآنية ويجاب عن البيضة
بأنها ليست نجسة العين وإنما تنجست بالمجاورة وأما العلقة والمضغة ففرعهما على الأصح وهو طهارتهما
وقد سبق بيانهما قريبا فاكتفى به وأما قول عمر رضي الله عنه فآخره قوله يتعمدوا إلى فساده وقد
رواه البيهقي دون قوله ولا بأس ان يشتروا إلى آخره: قوله أفسدت هو بضم الهمزة ومعناه خللت
وقوله حتى يبدأ الله افسادها هو بفتح الياء من يبدأ وبهمزة آخره ومعنى هذا الكلام أن الخمر
إذا خللت فصارت خلا لم يحل ذلك الخل ولكن لو قلب الله الخمر خلا بغير علاج آدمي حل ذلك
الخل وهذا معنى قوله يبدأ الله افسادها يعني بافسادها جعلها خلا وهو افساد للخمر وإن كان
صلاحا لهذا المائع من حيث إنه صار حلالا ومالا: وأما قوله ولا بأس أن يشتروا من أهل الذمة
574

خلا فمعناه أنه يباح ذلك ولا يمتنع لكونهم كفارا لا يوثق بأقوالهم بل يباح كما تباح ذبائحهم
وغيرها من أطعمتهم وقد قال الله تعالى (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) وهذا يتناول
الخل وغيره ولا يقبل دعوى أكثر المفسرين ومن تابعهم في تخصيصهم ذلك بالذبائح وممن تابعهم
المصنف في أول باب الربا والصواب ما ذكرنا وقوله من غير نجاسة خلفتها هو بتخفيف اللام أي
جاءت بعدها * أما حكم المسألة فإذا استحالت الخمر خلا بنفسها طهرت وسأذكر فرعا مشتملا على
نفائس من أحكام التخلل والتخليل إن شاء الله تعالى *
* قال المصنف رحمه الله * [وان خللت بخل أو ملح لم تطهر لما روى أن أبا طلحة رضي الله عنه
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا فقال (أهرقها فقال أفلا أخللها قال
لا) فنهاه من التخليل فدل على أنه لا يجوز ولأنه لو جاز لندبه إليه لما فيه من اصلاح مال اليتيم ولأنه
إذا طرح فيها الخل نجس الخل فإذا زالت بقيت نجاسة الخل النجس فلم يطهر وان نقلها من شمس
إلى ظل أو من ظل إلى شمس حتى تخللت ففيه وجهان أحدهما تطهر لان الشدة قد زالت من غير
نجاسة خلفتها والثاني لا تطهر لأنه فعل محظور يوصل به إلى استعجال ما يحل في الثاني فلم يحل به
كما لو قتل مورثه أو نفر صيدا حتى خرج من الحرم إلى الحل] *
575

[الشرح] أما حديث أبي طلحة فصحيح رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة عن أنس
رضي الله عنه ان أبا طلحة سال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره بلفظه في المهذب وروى
مسلم في صحيحه والترمذي عن أنس قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم أنتخذ الخمر خلا قال لا
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وقول المصنف روى أن أبا طلحة مما ينكر عليه حيث
ذكره بصيغة تمريض وهو حديث صحيح وأبو طلحة اسمه زيد بن سهل سبق بيانه في باب ما يوجب
الغسل * أما حكم المسألة فالتخليل عندنا وعند الأكثرين حرام فلو فعله فصار خلا لم يطهر قال
البغوي ولا يمكن تطهيره بعد هذا بطريق كالخل إذا وقعت فيه نجاسة * وقال أبو حنيفة تطهر
بالتخليل دليلنا هذان الحديثان الصحيحان واما مسألة النقل من ظل إلى شمس وعكسه فالأصح
فيها الطهارة والوجهان جاريان فيما لو فتح رأسها ليصيبها الهواء استعجالا للحموضة نقله الرافعي *
(فرع) الخمر نوعان محترمة وغيرها فالمحترمة هي التي اتخذ عصيرها ليصير خلا وغيرها ما اتخذ
عصيرها للخمرية وفى النوعين مسائل (إحداها) تخليلها بطرح عصير أو خل أو خبز حار أو ملح
أو غيرها فيها حرام بلا خلاف عند أصحابنا فإذا خللت فهذا الخل نجس لعلتين ذكرهما المصنف
والأصحاب إحداهما تحريم التخليل والثانية نجاسة المطروح بالملاقاة فتستمر نجاستها إذ لا مزيل لها
576

ولا ضرورة إلى الحكم بانقلابها به طاهرا بخلاف اجزاء الدن قال أصحابنا وسواء في هذا المحترمة
وغيرها والمطروح قصدا والواقع فيها اتفاقا بالقاء الربح وغيرها وفى وجه ضعيف يجوز تخليل
المحترمة وتطهر به وفى وجه تطهر المحترمة وغيرها إذا طرح بلا قصد حكاهما الرافعي والصحيح
المشهور انه لا فرق كما سبق (الثانية) لو طرح في العصير بصلا أو ملحا واستعجل به الحموضة قبل
الاشتداد فصار خمرا ثم انقلبت بنفسها خلا والبصل فيها فوجهان حكاهما الرافعي (أحدهما) يطهر
لأنه لاقاه في حال طهارته كاجزاء الدن وأصحهما لا يطهر لان المطروح ينجس بالتخمر فتستمر
نجاسته بخلاف اجزاء الدن للضرورة ولو طرح العصير على خل وكان العصير غالبا بحيث يغمر الخل
عند الاشتداد ففي طهارته إذا انقلبت خلا هذان الوجهان ولو كان الخل غالبا يمنع العصير من
الاشتداد فلا بأس بل يطهر قطعا (الثالثة) إمساك الخمر المحترمة لتصير خلا جائز هذا هو الصواب
الذي قطع به الأصحاب وحكى امام الحرمين عن بعض الخلافيين وجها انه لا يجوز وهذا غلط
مردود وأما غير المحترمة فيجب اراقتها فلو لم يرقها فتخللت طهرت لأن النجاسة للشدة وقد زالت
وحكى الرافعي وجها انها لا تطهر لأنه عاص بامساكها فصار كالتخليل والمذهب الأول (الرابعة)
متى عادت الطهارة بالتخلل طهرت اجزاء الظرف للضرورة وفيه وجه قال الدارمي إن لم تتشرب
شيئا من الخمر كالقوارير طهرت وان تشربت لم تطهر والصواب الذي قطع به الجماهير الطهارة
مطلقا للضرورة ثم كما يطهر ما يلاقي الخل بعد التخلل يطهر ما فوقه مما اصابه الخمر في حال الغليان
قاله القاضي حسين وأبو الربيع الإيلاقي وحكاه الرافعي عنهما ولم يذكر خلافه وهذا الإيلاقي
بكسر الهمزة وبعدها ياء مثناة من تحت وآخره قاف واسمه طاهر بن عبد الله منسوب إلى إيلاق
وهي بلاد الشاش المتصلة بالترك قاله السمعاني وهي أحسن بلاد الاسلام وانزهها قال وكان أبو
الربيع هذا بارعا في الفقه تفقه بمرو على القفال المروزي وبنيسابور على أبي طاهر الزيادي وببخارى
على أبي عبد الله الحليمي وأخذ الأصول عن أبي إسحاق الأسفرايني وعليه تفقه أهل الشاش وقد
577

لسطت؟؟ أحواله في تهذيب الأسماء *
(فرع) لا يصح بيع الخمر المحترمة على المذهب وحكى الشيخ أبو علي السنجي: بكسر السين
المهملة وبالجيم: وجها ضعيفا انه يصح بناء على الوجه الشاذ في طهارتها ولو استحالت أجواف حبات
العناقيد خمرا ففي صحة بيعها اعتمادا على طهارة ظاهرها وتوقع طهارة باطنها وجهان وطردهما في
البيضة المستحيل باطنها دما والصحيح البطلان في الجميع *
(فرع) مذهبنا انه يجوز إمساك ظروف الخمر والانتفاع بها واستعمالها في كل شئ إذا غسلت
وغسلها ممكن وبه قال جمهور العلماء وعن أحمد رحمه الله انه يجب كسر دنانها وشق زقوقها دليلنا
انها مال وقد نهينا عن اضاعته ولان الأصل أن لا وجوب ولا يثبت شئ يدل على الوجوب وأما
حديث أنس رضي الله عنه قال (كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبي بن كعب شرابا من فضيخ
وخمر فأتاهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة يا أنس قم إلى هذه الجرة فاكسرها
فقمت وكسرتها) رواه البخاري ومسلم فليس فيه دليل على وجوب الكسر فان النبي صلى الله عليه
وسلم لم يأمر بذلك بل في حديث أبي طلحة الذي ذكره المصنف دليل على عدم الوجوب فان
النبي صلى الله عليه وسلم قال (اهرقها) ولم يذكر اتلاف ظرفها وممن ذكر هذه المسألة من أصحابنا
صاحب المستظهري *
(فرع) قال المتولي في كتاب البيع التصرف في الخمر حرام على أهل الذمة عندنا وقال أبو
حنيفة لا يحرم قال والمسألة مبنية على خطاب الكفار بالفروع ومذهبنا انهم مخاطبون وسأوضح
المسألة في أول كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى وبه التوفيق *
(فرع) في مذاهب العلماء في تخلل الخمر وتخليلها: أما إذا انقلبت بنفسها خلا فتطهر عند
جمهور العلماء ونقل القاضي عبد الوهاب المالكي فيه الاجماع وحكى غيره عن سحنون المالكي
انها لا تطهر وأما إذا خللت بوضع شئ فيها فمذهبنا انها لا تطهر وبه قال أحمد والأكثرون وقال
578

أبو حنيفة والأوزاعي والليث تطهر وعن مالك ثلاث روايات أصحها عنه ان التخليل حرام فلو
خللها طهرت والثانية حرام ولا تطهر والثالثة حلال وتطهر دليلنا ما سبق * قال المصنف رحمه الله *
[وان احرق السرجين أو العذرة فصار رمادا لم يطهر لان نجاستها لعينها ويخالف الخمر فان نجاستها
لمعنى معقول وقد زال] *
[الشرح] مذهبنا انه لا يطهر السرجين والعذرة وعظام الميتة وسائر الأعيان النجسة
بالاحراق بالنار وكذا لو وقعت هذه الأشياء في مملحة أو وقع كلب ونحوه وانقلبت ملحا ولا يطهر
شئ من ذلك عندنا وبه قال مالك وأحمد واسحق وداود وحكي أصحابنا عن أبي حنيفة طهارة
هذا كله وحكاه صاحب العدة والبيان وجها لأصحابنا وقال امام الحرمين قال أبو زيد والخضري
من أصحابنا كل عين نجسة رمادها طاهر تفريعا على القديم إذ الشمس والريح والنار تطهر الأرض
النجسة وهذا ليس بشئ وقد فرق المصنف بينها وبين الخمر إذا تخللت والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله * [وأما دخان النجاسة إذا أحرقت ففيه وجهان أحدهما انه نجس
لأنها اجزاء متحللة من النجاسة فهو كالرماد والثاني ليس بنجس لأنه بخار نجاسة فهو كالبخار
الذي يخرج من الجوف] *
[الشرح] الوجهان في نجاسة دخان النجاسة مشهوران ودليلهما مذكور في الكتاب أصحهما
عند الأصحاب النجاسة وجمع الدخان دواخن ويقال في الدخان دخن أيضا بالفتح ودخ بضم
الدال وتشديد الخاء حكاهما الجوهري والبخار بضم الباء وهو هذا المرتفع كالدخان وسواء دخان
الأعيان النجسة كالسرجين ودخان الزيت المتنجس ففي الجميع الوجهان ذكره البغوي *
(فرع) قال صاحب الحاوي إذا قلنا دخان النجاسة نجس فهل يعفى عنه فيه وجهان فان قلنا
لا يعفى فحصل في التنور فان مسحه بخرقة يابسة طهر وان مسحه برطبة لم يطهر الا بالغسل بالماء
وقال صاحب البيان قال أصحابنا إذا قلنا بالنجاسة فعلق بالثوب فإن كان قليلا عفى عنه وإن كان
579

كثيرا لم يطهر الا بالغسل وان سود التنور فألصق عليه الخبز قبل مسحه فظاهر أسفل
الرغيف نجس هكذا ذكره الشيخ أبو حامد * قال المصنف رحمه الله *
[وإذا ولغ الكلب في إناء أو ادخل عضوا منه فيه وهو رطب لم يطهر الاناء حتى يغسل سبع
مرات إحداهن بالتراب لما روى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (طهور اناء أحدكم
إذا ولغ فيه الكلب ان يغسل سبعا إحداهن بالتراب) فعلق طهارته بسبع مرات فدل أنه
لا يحصل بما دونه] *
[الشرح] حديث أبي هريرة هذا صحيح رواه مسلم وقد ذكرناه قبل هذا لكن في رواية مسلم
(أولاهن بالتراب) وأما رواية المصنف (إحداهن) فغريبة لم يذكرها البخاري ومسلم وأصحاب الكتب
المعتمدة الا الدارقطني فذكرها من رواية علي رضي الله عنه وقد اختلف العلماء في ولوغ الكلب
فمذهبنا انه ينجس ما ولغ فيه ويجب غسل إنائه سبع مرات إحداهن بالتراب وبهذا قال أكثر
العلماء حكى ابن المنذر وجوب الغسل سبعا عن أبي هريرة وابن عباس وعروة بن الزبير وطاووس
وعمرو بن دينار ومالك والأوزاعي واحمد واسحق وأبى عبيد وأبي ثور قال ابن المنذر وبه أقول
وقال الزهري يكفيه غسله ثلاث مرات وقال أبو حنيفة يجب غسله حتى يغلب على الظن طهارته
فلو حصل ذلك بمرة أجزأه وكذا عنده سائر النجاسات العينية قال ويجب غسل النجاسة الحكمية
ثلاثا وعن أحمد رواية انه يجب غسله ثماني مرات إحداهن بالتراب وهي رواية عن داود أيضا
وقال مالك والأوزاعي لا ينجس الطعام الذي ولغ فيه بل يحل أكله وشربه والوضوء به قالا
ويجب غسل الإناء تعبدا قال مالك وان ولغ في ماء جاز أن يتوضأ به لأنه طاهر وفى جواز غسل
هذا الاناء بهذا الماء روايتان عنه واحتج لأبي حنيفة بحديث يرويه عبد الوهاب بن الضحاك
عن إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
580

عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكلب يلغ في الاناء قال (يغسله ثلاثا أو خمسا أو سبعا) وبالقياس
على سائر النجاسات واحتج لأحمد رحمه الله بحديث عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا ولغ الكلب في الاناء فاغسلوه سبع مرار وعفروه الثامنة في
التراب) رواه مسلم واحتج لمالك والأوزاعي في عدم نجاسته وجواز الانتفاع بالطعام بأن الامر
بغسل الإناء كان تعبدا ولا يلزم منه نجاسة الطعام واتلافه واحتج أصحابنا والجمهور على وجوب
الغسل سبعا بحديث أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (طهور اناء أحدكم إذا ولغ فيه
الكلب ان يغسل سبعا أولاهن بالتراب) رواه مسلم وفى رواية عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا) رواه البخاري ومسلم وروى هذا المتن في
الصحيح جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وذكر أصحابنا أقيسة كثيرة ومناسبات لا قوة فيها
ولا حاجة إليها مع ما ذكرناه من السنن الصحيحة المتظاهرة: واما الدليل على الأوزاعي ومالك
فحديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه
ثم ليغسله سبع مرار) رواه مسلم وهذا نص في وجوب اراقته واتلافه وذلك ظاهر في نجاسته فلولا
النجاسة لم تجز اراقته وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم (طهور اناء أحدكم) ظاهر في نجاسته كما
أوضحناه في مسألة نجاسة الكلب واما الجواب عما احتج به لأبي حنيفة فهو انه حديث ضعيف
باتفاق الحفاظ لان راويه عبد الوهاب مجمع على ضعفه وتركه قال الامام العقيلي والدارقطني هو
متروك الحديث وهذا العبارة هي أشد العبارات توهينا وجرحا باجماع أهل الجرح والتعديل وقال
البخاري في تاريخه عنده عجائب وهذه أيضا من أوهن العبارات وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم امام
هذا الفن قال أبى كان عبد الوهاب يكذب قال وحدث بأحاديث كثيرة موضوعة فخرجت إليه
فقلت له الا تخاف الله عز وجل فضمن لي أن لا يحدث فحدث بها بعد ذلك وأقوال أئمة هذا الفن
فيه بنحو ما ذكرته مشهورة وإنما بسطت الكلام في هذا الرجل لان مدار الحديث عليه ومدار
581

مذهبهم عليه فأردت ايضاح الحديث وراويه فقد يقال لا يقبل الجرح الا مفسرا ففسرته واما إسماعيل
بن عياش فمتفق على ضعفه وفى روايته عن الحجازيين واختلف في قبول روايته عن الشاميين وقد
روى هذا الحديث عن هشام بن عروة ومعلوم انه حجازي فلا يحتج به لو لم يكن في الحديث
سبب آخر يضعفه وكيف وفيه عبد الوهاب الذي حاله ما وصفناه واما قياسهم على سائر النجاسات
فلا يلتفت إليه مع هذه السنن الصحيحة المتظاهرة على مخالفته فان قال قائل منهم حديثكم رواه أبو
هريرة وقد أفتى بغسله ثلاثا فالجواب من وجهين أحسنهما ان هذا ليس بثابت عنه فلا يقبل دعوى
من نسبة إليه بل قد نقل بن المنذر عنه وجوب الغسل سبعا كما قدمناه وقد علم كل منصف ممن
له أدنى عناية ان ابن المنذر امام هذا الفن أعني نقل مذاهب العلماء من الصحابة والتابعين فمن
بعدهم ان معول الطوائف في نقل المذاهب عليه الجواب الثاني ان عمل الراوي وفتواه بخلاف
حديث رواه ليس بقادح في صحته ولا مانع من الاحتجاج به عند الجمهور من الفقهاء والمحدثين
والأصوليين وإنما يرجع إلى قول الراوي عند الشافعي وغيره من المحققين إذا كان قوله تفسيرا
للحديث ليس مخالفا لظاهره ومعلوم ان هذا لا يجئ في مسألتنا فكيف نجعل السبع ثلاثا
واما الجواب عن ما احتج به احمد وهو ان المراد اغسلوه سبع مرار إحداهن بماء وتراب فيكون
التراب مع الماء بمنزلة الغسلتين وهذا التأويل محتمل فيقال به للجمع بين الروايات فان الروايات المشهورة سبع
مرات فإذا أمكن حمل هذه الرواية على موافقتها سرنا إليه واما الجواب عما احتج به الأوزاعي
ومالك فهو ان النبي صلى الله عليه وسلم نص على الامر بإراقته واتلافه فوجب العمل به والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله * [والأفضل ان يجعل التراب في غير السابعة ليرد عليه ما ينظفه وفى أيها
جعل جاز لعموم الخبر] *
[الشرح] هذا الذي قاله متفق عليه عندنا ونقل القاضي أبو الطيب أن الشافعي نص في حرملة
أنه يستحب جعل التراب في الأولي وكذا قاله أصحابنا وهو موافق لرواية مسلم التي قدمناها فالحاصل
582

أنه يستحب جعل التراب في الأولي فإن لم يفعل ففي غير السابعة أولى فان جعله في السابعة جاز
وقد جاء في روايات في الصحيح سبع مرات وفى رواية سبع مرات أولاهن بالتراب وفي رواية
أخراهن بدل أولاهن وفي رواية سبع مرات السابعة بتراب وفي رواية سبع مرات وعفروه الثامنة
في التراب وقد روي البيهقي وغيره هذه الروايات كلها وفيه دليل على أن التقييد بالأولى وغيرها
ليس للاشتراط بل المراد إحداهن وهو القدر المتيقن من كل الروايات والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وان جعل بدل التراب الجص أو الأشنان وما أشبهما ففيه قولان أحدهما لا يجزئه
لأنه تطهير نص فيه على التراب فاختص به كالتيمم والثاني يجزئه لأنه تطهير نجاسة نص فيه على جامد
فلم يختص به كالاستنجاء والدباغ وفى موضع القولين وجهان (أحدهما) أنهما في حال عدم التراب
فاما مع وجود التراب فلا يجوز بغيره قولا واحدا والثاني انهما في الأحوال كلها] *
[الشرح] قوله بدل التراب منصوب على الظرف والجص بكسر الجيم وفتحها وهو معروف
وقد سبق بيانه في باب المياه والأشنان بضم الهمزة وكسرها لغتان حكاهما أبو عبيدة والجواليقي
وغيرهما وهو معرب وهو بالعربية حرض وقد أوضحته في تهذيب الأسماء واللغات: أما حكم المسألة
فحاصل المنقول فيها أربعة أقوال رابعها مخرج أظهرها عند الرافعي وغيره من المحققين لا يقوم غير
التراب مقامه والثاني يقوم وصححه المصنف في التنبيه والشاشي والثالث يقوم عند عدم التراب دون
وجوده والرابع يقوم فيما يفسده التراب كالثياب دون الأواني ونحوها ودلائل الأقوال ظاهرة
مما ذكره المصنف والاحترازات أيضا ظاهرة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وان غسل بالماء وحده ففيه وجهان (أحدهما) يجزئه لأن الماء أبلغ من التراب فهو
بالجواز أولي والثاني لا يجزئه لأنه أمر بالتراب ليكون معونة للماء لتغليظ النجاسة وهذا لا يحصل
بالماء وحده] *
[الشرح] صورة المسألة أن يغسل بالماء وحده ثمان مرات فهل يجزئه وتقوم الثامنة مقام
583

التراب فيه هذان الوجهان وهما مشهوران الصحيح لا يقوم وقد ذكر دليلهما ولكن دليل الأول
فاسد جدا وفيه وجه ثالث أنه يقوم عند عدم التراب دون وجوده وطردوا الخلاف فيما لو غمس
الاناء أو الثوب في ماء كثير والأصح انه لا يكفي بل لا بد من التراب والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
[وان ولغ كلبان فوجهان (أحدهما) يجب لكل كلب سبع مرات كما امر في بول رجل
بذنوب ثم يجب في بول رجلين ذنوبان والثاني يجزئه في الجميع سبع مرات وهو المنصوص في حرملة
لأن النجاسة لا تتضاعف بعدد الكلاب بخلاف البول] *
[الشرح] إذا تكرر الولوغ من كلب أو كلاب فثلاثة أوجه الصحيح المنصوص انه يكفي
للجميع سبع لأن النجاسة على النجاسة من جنسها لا أثر لها كما سنذكره إن شاء الله تعالى فيما إذا
ولغ كلب في إناء ثم وقع فيه نجاسة وقولنا من جنسها احتراز مما إذا وقع فيه نجاسة ثم ولغ فيه
كلب فإنها تؤثر فيجب غسله سبعا بعد إن كان مرة والثاني يجب لكل ولغة سبع إحداهن بالتراب
لأنه يصدق عليه انه ولغ فيه كلب فصار كما لو غسله ثم ولغ فيه والثالث انه إن مكان تعدد الولوغ من
كلب كفى سبع لجميع ولغاته وان تعددت الكلاب وجب لكل كلب سبع حكاه صاحب الحاوي
وغيره وقوله كما أمر في بول رجل بذنوب ثم يجب في بول رجلين ذنوبان كلام عجيب لأنه جعله
عمدة الدليل ولم ينكر عليه المصنف عند احتجاجه للوجه الثاني بل سلمه وقرره وذكر الفرق مع أنه
ذكر بعد أسطر أن التقدير في بول الرجلين بذنوبين ضعيف وسنوضح المسألة هناك إن شاء الله تعالى
والذنوب بفتح الذال المعجمة هي الدلو الممتلئة ماء هذا قول الأكثرين وقال ابن السكيت هي التي
فيها قريب من المد وفيها لغتان التأنيث والتذكير والتأنيث أفصح وجمعها في القلة أذنبة وفى الكثرة
ذنايب كقلوص وقلايص والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وان ولغ في إناء وقعت فيه نجاسة أخرى أجزأ سبع مرات للجميع لان النجاسات تتداخل
584

ولهذا لو وقع فيه بول ودم أجزأه لهما غسل مرة] *
[الشرح] هذا الذي قاله متفق عليه ونص عليه في حرملة قال ولو غسله مرة ثم وقعت فيه
نجاسة غسل ستا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وان أصاب الثوب من ماء الغسلات ففيه وجهان أحدهما يغسل من كل غسلة مرة لان كل
غسل يزيل سبع النجاسة والثاني حكمه حكم الاناء الذي انفصل عنه لان المنفصل كالبلل الباقي في
الاناء وذلك لا يطهر الا بما بقي من العدد فكذلك المنفصل وان جمع ماء الغسلات ففيه وجهان
أحدهما الجميع طاهر لأنه ماء انفصل من الاناء وهو طاهر والثاني أنه نجس وهو الصحيح لان السابعة
طاهرة والباقي نجس فإذا اختلط ولم يبلغ قلتين وجب أن يكون نجسا] *
[الشرح] قد سبق بيان حكم غسالة نجاسة الكلب وغيره في باب ما يفسد الماء من الاستعمال
ونعيد منه هنا ما يتعلق بما ذكره المصنف مختصرا فإذا انفصلت غسالة ولوغ الكلب متغيرة
بالنجاسة فهي نجسة قطعا وان انفصلت غير متغيرة فثلاثة أوجه أو أقوال كما سبق أحدها أنها
طاهرة والثاني نجسة والثالث وهو الأصح إن كانت غير الأخيرة فنجسة وإن كانت الأخيرة فطاهرة
تبعا للمحل المنفصل عنه فان قلنا بهذا فجمعت السابعة إلى الست ولم تبلغ قلتين فوجهان أحدهما
الجميع طاهر لان الاناء محكوم بطهارته الآن والثاني وهو الصحيح أن الجميع نجس لما ذكره المصنف
ولو أصاب شئ من ماء غسله ثوبا فان قلنا إنها طاهرة فالثوب طاهر ولا يشترط أما ان قلنا نجسة تنجس
الثوب وفيما يكفي في غسل ذلك الثوب أوجه أصحها له حكم ذلك المحل بعد هذه الغسل فيجب
له حكمه قبل هذه الغسلة فيجب بعدد غسله فيجب غسله بعدد ما بقي ويجب التتريب إن كان إن كان
لم يترب والثاني له حكمه قبل هذه الغسلة فيجب بعدد ما كان قبلها والتتريب إن كان لم يتقدمها
والثالث يكفيه غسلة واحدة وقد ذكر المصنف دليله * قال المصنف رحمه الله *
[فان ولغ الخنزير فقد قال ابن القاص قال في القديم يغسل مرة وقال سائر أصحابنا يحتاج
585

إلى سبع مرات وقوله في القديم مطلق لأنه قال يغسل وأراد به سبع مرات والدليل عليه أن الخنزير
أسوأ حالا من الكلب فهو باعتبار العدد أولى] *
[الشرح] حاصل ما ذكره أن في ولوغ الخنزير طريقين أحدهما فيه قولان وهي طريقة ابن
القاص أحدهما يكفي مرة بلا تراب كسائر النجاسات والثاني يجب سبع مع التراب والطريق الثاني
يجب سبع قطعا وبه قال الجمهور وتأولوا نصه في القديم كما أشار إليه المصنف واعلم أن الراجح من
حيث الدليل أنه يكفي غسلة واحدة بلا تراب وبه قال أكثر العلماء الذين قالوا بنجاسة الخنزير
وهذا هو المختار لان الأصل عدم الوجوب حتى يرد الشرع لا سيما في هذه المسألة المبنية على التعبد
وممن قال يجب غسله سبعا أحمد ومالك وفى رواية عنه قال صاحب العدة ويجرى هذا الخلاف
الذي في الخنزير فيما أحد أبويه كلب أو خنزير وذكر صاحب التلخيص في المتولد بين الكلب والخنزير
قولين وهذا صحيح لان الشرع إنما ورد في الكلب وهذا المتولد لا يسمي كلبا *
(فرع) في مسائل مهمة تتعلق بالولوغ مختصرة جدا (إحداها) قال أصحابنا لا فرق بين ولوغ
الكلب وغيره من اجزائه فإذا أصاب بوله أو روثه أو دمه أو عرقه أو شعره أو لعابه أو عضو منه
شيثا طاهرا مع رطوبة أحدهما وجب غسله سبعا إحداهن بالتراب وقد ذكر المصنف هذا في
أوائل مسائل الولوغ وقيل يكفي غسله في غير الولوغ مرة كسائر النجاسات حكاه المتولي والرافعي
وغيرهما وهذا الوجه متجه وقوى من حيث الدليل لان الامر بالغسل سبعا من الولوغ إنما كان
لينفرهم عن مواكلة الكلب وهذا مفقود في غير الولوغ والمشهور في المذهب أنه يجب سبعا مع
التراب وبه قطع الجمهور لأنه أبلغ في التنفير من مقاربتها واقتنائها والله أعلم (الثانية) لا يكفي التراب
النجس على أصح الوجهين لأنه ليس بطهور والثاني يكفي لان الغرض الاستطهار به (الثالثة) لو
تنجست أرض ترابية بنجاسة الكلب كفى الماء وحده سبع مرات من غير تراب أجنبي على أصح
الوجهين إذ لا معنى لتتريب التراب (الرابعة) قال أصحابنا لا يكفي في استعمال التراب دره على المحل
586

بل لا بد من ماء يمزجه به ليصل التراب بواسطته إلى جميع أجزاء المحل ويتكرر به وسواء طرح الماء
على التراب أو التراب على الماء أو أخذ الماء الكدر من موضع وغسل به ولا يجب ادخال اليد في
الاناء بل يكفي أن يلقيه في الاناء ويحركه وحكي صاحب الحاوي في قدر التراب الواجب
وجهين أحدهما ما يقع عليه الاسم والثاني ما يستوعب محل الولوغ قال صاحب البحر هذا هو المشهور
(الخامسة) لو غسله ستا بالماء ثم مزج بالتراب بماء ورد أو خل ونحوه من المائعات وغسله بها السابعة
لم يكفه على الصحيح وفيه وجه مشهور عند الخراسانيين أنه يكفي وهو خطأ ظاهر كما لو غسل السبع
بخل وتراب فإنه لا يجزى بالاتفاق (السادسة) لو ولغ الكلب في إناء فيه طعام جامد القى ما أصابه
وما حوله وبقي الباقي على طهارته السابقة وينتفع به كما كان كما في الفارة تموت في السمن ونحوه قاله
أصحابنا وممن صرح به صاحب الشامل والبيان وآخرون: قال أصحابنا ضابط الجامد انه إذا اخذ منه
قطعة لايتراد من الباقي ما يملا موضع القطعة على القرب فان تراد فهو مائع (السابعة) لو ولغ في
ماء قليل أو مائع فأصاب ذلك الماء أو المائع ثوبا أو بدنا أو اناء آخر وجب غسله سبع مرات إحداهن
بتراب (الثامنة) قال أصحابنا لو ولغ في ماء كثير بحيث لم ينقص بولوغه عن قلتين لم ينجسه ولا
ينجس الاناء إن لم يكن اصابه جرمه الذي لم يصله المائع مع رطوبة أحدهما (التاسعة) قال أصحابنا لو
وقع الاناء الذي ولغ فيه في ماء قليل نجسه ولم يطهر الاناء وان وقع في ماء كثير لم ينجس الماء
وهل يطهر الاناء فيه خمسة أوجه حكاها الأصحاب مفرقة وجمعها صاحب البيان وغيره أحدها يطهر
لأنه لو كان كذلك ابتداء لم ينجس والثاني يحسب ذلك غسلة فيجب بعده ست مرات مع التراب
لان الاناء ما لم ينفصل عن الماء فهو في حكم غسلة واحدة والثالث يحسب ستا ويجب سابعة بتراب
والرابع إن كان الكلب أصاب نفس الاناء حسب ذلك غسلة وإن كان أصاب الماء الذي في الاناء
587

وتنجس الاناء تبعا حسب سبعا لأنه تنجس تبعا للماء الذي وقع الآن فيه والخامس إن كان الاناء
ضيق الرأس حسب مرة وإن كان واسعا طهر ولا حاجة إلى ماء آخر ولا تراب لأن الماء يجول فيه
مرارا ولم يصح شئ من الأوجه والأظهر انه يحسب مرة (العاشرة) لو كانت نجاسة الكلب عينية
كدمه وروثه فلم تزل الا بست غسلات مثلا فهل يحسب ذلك ستا أم واحدة أم لا يحسب شيئا
فيه ثلاثة أوجه ولم أر من صرح بأصحها ولعل أصحها أنه يحسب مرة كما قال الأصحاب يستحب غسل
النجاسة في غير الكلب ثلاث مرات فإن لم تزل عينها الا بغسلات استحب بعد زوال العين غسلة
ثانية وثالثة فجعل ما زالت به العين غسلة واحدة (الحادية عشرة) إذا لم يرد استعمال الاناء الذي ولغ فيه الكلب
فهل يجب عليه اراقته أم يستحب ولا يجب فيه وجهان حكاهما صاحبا الحاوي والبحر وغيرهما قال صاحبا
الحاوي والبحر الأصح الذي قاله الجمهور مستحب ولا يجب قياسا على باقي المياه النجسة بخلاف الخمر فإنه يجب
اراقتها لان النفوس تطلبها فيخاف الوقع في شربها والثاني يجب ويحرم الانتفاع به لقوله صلى الله
عليه وسلم (وليرقه) حديث صحيح رواه مسلم كما سبق بيانه والامر للوجوب عند جمهور الفقهاء
ويفرق بينه وبين سائر النجاسات بل المراد هنا الزجر والتنفير من الكلاب والمبالغة في التغليظ
في ذلك ولهذا غلظ بالعدد والتراب (الثانية عشرة) لو كان الماء أكثر من قلتين وتغير بالنجاسة
ثم ولغ فيه كلب ثم أصاب ذلك الماء ثوبا قال صاحب البحر قال القاضي حسين يجب غسل الثوب
سبعا إحداهن بالتراب لأن الماء المتغير بالنجاسة كالخل الذي وقعت فيه نجاسة وكذا رأيته في
فتاوى القاضي حسين (الثالثة عشرة) لو أدخل الكلب رأسه في إناء فيه ماء أو مائع وأخرجه
ولا يعلم هل ولغ فيه أم لا فإن لم يكن على فمه رطوبة فالمائع طاهر وإن كانت عليه رطوبة فطاهر
أيضا على أصح الوجهين وقد سبقت المسألة في باب المياه (الرابعة عشرة) قال أهل اللغة يقال ولغ
الكلب يلغ بفتح اللام فيهما وحكي أبو عمر الزاهد عن ثعلب عن ابن الأعرابي أن من
العرب من يقول ولغ بكسرها والمصدر منهما ولغا وولوغا ويقال أولغه صاحبه قال الولوغ في
الكلب والسباع كلها أن يدخل لسانه في المائع فيحركه ولا يقال ولغ بشئ من جوارحه غير
اللسان ولا يكون الولوغ لشئ من الطير الا الذباب قال ويقال لحس الكلب الاناء وقفنه ولجنه
ولجده بالجيم فيهما كله بمعنى إذا كان فارغا فإن كان فيه شئ قيل ولغ وقال صاحب المطالع الشرب أعم
من الولوغ فكل ولوغ شرب ولا عكس قال الجوهري قال أبو زيد يقال ولغ الكلب بشرابنا وفى شرابنا
588

ومن شرابنا والله أعلم *
(فرع) سؤر الهرة والبغل والحمار والسباع والفار وسائر الحيوانات غير الكلب والخنزير
وما تولد من أحدهما طاهر لا كراهة فيه عندنا فإذا ولغ في طعام جاز اكله بلا كراهة وإذا شرب
من ماء جاز الوضوء به وقد سبقت المسألة في باب الشك في نجاسة الماء وسبق هناك الأوجه في
الهرة إذا أكلت نجاسة ثم ولغت في ماء أو مائع والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله * [ويجزئ في بول الصبي الذي لم يطعم الطعام النضح وهو أن يبله
بالماء وإن لم ينزل عنه ولا يجزى في بول الصبية الا الغسل لما روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال في بول الرضيع (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام)] *
[الشرح] في بول الصبي والصبية اللذين لم يأكلا غير اللبن من الطعام للتغذي ثلاثة أوجه
الصحيح أنه يجب غسل بول الجارية ويجزئ النضح في بول الصبي والثاني يكفي النضح فيهما
حكاه الخراسانيون والثالث يجب الغسل فيهما حكاه المتولي وهذان الوجهان ضعيفان والمذهب
الأول وبه قطع المصنف والجمهور قال البغوي وبول الخنثى كبول الأنثى من أي فرجيه خرج
ويشترط في النضح إصابة الماء جميع موضع البول وان يغمره ولا يشترط ان ينزل عنه والغسل
أن يغمره وينزل عنه هذه عبارة الشيخ أبى حامد والجمهور وشرحها امام الحرمين فقال النضح أن
يغمره ويكاثره بالماء مكاثرة لا يبلغ جريانه وتردده وتقطره بخلاف الغسل فإنه يشترط فيه جريان
بعض الماء وتقاطره وإن لم يشترط عصره قال الرافعي وغيره لا يراد الماء ثلاث درجات الأولي
النضح المجرد الثانية مع الغلبة والمكاثرة والثالثة أن يضم إلى ذلك السيلان فلا تجب الثالثة قطعا
وتجب الثانية على أصح الوجهين والثاني يكفي الأول وأما حديث علي رضي الله عنه فحديث حسن
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم أبو عبد الله في المستدرك قال الترمذي حديث حسن
ذكره في كتاب الصلاة وقال الحاكم حديث صحيح قال وله شاهدان صحيحان فرواه بلفظه أو بمعناه
من رواية لبابة بنت الحارث زوجة العباس ومن رواية أبي السمح مولي رسول الله صلى الله عليه
وسلم وخادمه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواهما أيضا أبو داود وغيره قال البخاري حديث
أبي السمح هذا حديث حسن وثبت في صحيحي البخاري ومسلم عن أم قيس بنت محسن رضي الله عنه
ا أنها (جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها صغير لم يأكل الطعام فأجلسه رسول الله
589

صلى الله عليه وسلم في حجره فبال عليه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه عليه ولم
يغسله) وفى صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يؤتي بالصبيان
فيبرك عليهم ويحنكهم فأتي بصبي فبال عليه فدعا بماء فاتبعه بوله ولم يغسله) وذكر أصحابنا في الفرق
بين بول الصبي والصبية من حيث المعني فرقين أحدهما أن بولها أثخن والصق بالمحل والثاني ان
الاعتناء بالصبي أكثر فإنه يحمله الرجال والنساء في العادة والصبية لا يحملها إلا النساء غالبا
فالابتلاء بالصبي أكثر وأعم والله أعلم: هذا كلام الأصحاب في المسألة *
واما الشافعي فقال في مختصر المزني يجزئ في بول الغلام الرش واستدل بالسنة ثم قال ولا يبين
لي فرق بينه وبين الصبية ونقل صاحب جمع الجوامع في نصوص الشافعي أن الشافعي نص على جواز
الرش على بول الصبي ما لم يأكل واحتج بالحديث ثم قال ولا يبين لي في بول الصبي والجارية فرق من
السنة الثابتة ولو غسل بول الجارية كان أحب إلى احتياطا وان رش عليه ما لم تأكل الطعام أجزأ إن شاء الله تعالى
ولم يذكر عن الشافعي غير هذا قال البيهقي كأن أحاديث الفرق بين بول الصبي
والصبية لم تثبت عند الشافعي قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح انكارا على الغزالي رحمهما الله في قوله
(ومنهم من قاس الصبية على الصبي وهو غلط لمخالفته النص) قال قوله هذا غير مرضى من وجهين أحدهما
كونه جعله وجها لبعض الأصحاب مع أنه القول المنصوص للشافعي كما ذكرناه والثاني جعله إياه غلطا
وهو يرتفع عن ذلك ارتفاعا ظاهرا فإنه المنصوص ثم ذكر النص الذي قدمناه ثم قال الفرق بينهما
حينئذ كأنه قول مخرج لا منصوص ومع هذا لا يذكر كثير من المصنفين غيره قال ولا يقوى ما يذكر
من الفرق من جهة المعنى قال وذكر القاضي حسين نص الشافعي انه لا يبين لي فرق بينهما ثم قال
وأصحابنا يجعلون في بول الصبية قولين أقيسهما أنه كبول الصبي والثاني يجب غسله قال أبو عمرو ومع
ما ذكرناه من رجحان التسوية من حيث نص الشافعي فالصحيح الفرق لورود الحديث من وجوه
تعاضدت بحيث قامت الحجة به *
(فرع) في مذاهب العلماء في ذلك: مذهبنا المشهور أنه يجب غسل بول الجارية ويكفى نضح
بول الغلام وبه قال علي بن أبي طالب وأم سلمة والأوزاعي واحمد واسحق وأبو عبيد وداود وقال
مالك وأبو حنيفة والثوري يشترط غسل بول الغلام والجارية وقال النخعي يكفي نضحهما جميعا وهو
رواية عن الأوزاعي * قال المصنف رحمه الله *
590

[وما سوى ذلك من النجاسات ينظر فيه فإن كانت جامدة كالعذرة أزيلت ثم غسل موضعها على
ما نبينه إن شاء الله تعالى وإن كانت ذائبة كالبول والدم والخمر فإنه يستحب منه ثلاثا لما روى أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا
فإنه لا يدرى أين بانت يده) فندب صلى الله عليه وسلم إلى الثالث للشك في النجاسة فدل على أن ذلك
يستحب إذا تيقن ويجوز الاقتصار على مرة لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال (كانت الصلاة خمسين
والغسل من النجاسة سبع مرات وغسل الثوب من البول سبع مرات فلم يزل رسول الله صلى الله عليه
وسلم يسأل حتى جعل الصلاة خمسا والغسل من الجنابة مرة وغسل الثوب من البول مرة) والغسل الواجب
من ذلك أن تكاثر النجاسة بالماء حتى تستهلك فيه فإن كانت النجاسة على الأرض أجزأته المكاثرة
لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر في بول الأعرابي بذنوب) وإنما أمر بالذنوب لان ذلك يغمر
النجاسة وتستهلك فيه وقال أبو سعيد الإصطخري وأبو القاسم الأنماطي الذنوب تقدير فيجب في بول
واحد ذنوب وفى بول اثنين ذنوبان والمذهب أن ذلك ليس بتقدير لان ذلك يؤدى إلى أن يطهر
البول الكثير من رجل بذنوب وما دون ذلك من رجلين لا يطهر الا بذنوبين وإن كانت النجاسة
على الثوب ففيه وجهان أحدهما يجزئه المكاثرة كالأرض والثاني لا يجزئه حتى يعصر لأنه يمكن عصره
بخلاف الأرض والأول أصح وإن كانت النجاسة في إناء فيه شئ فوجهان أحدهما يجزئ فيه المكاثرة
كالأرض والثاني لا يجزئ حتى يراق ما فيه ثم يغسل لقوله صلى الله عليه وسلم: في الكلب يلغ في الاناء (فليهرقه
ثم ليغسله سبع مرات)] *
[الشرح] هذه القطعة فيها أحاديث ومسائل: أما الأحاديث فالأول حيث (إذا استيقظ
أحدكم) رواه مسلم بلفظه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأصله في الصحيحين وقد سبق بيانه
وما يتعلق به من الفوائد في أول صفة الوضوء وينكر على المصنف قوله فيه روى بصيغة تمريض
وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فرواه أبو داود ولم يضعفه لكن في اسناده أيوب بن جابر وقد
اختلفوا في تضعيفه واما حديث (أمر النبي صلى الله عليه أن يصبوا على بول الأعرابي ذنوبا) فرواه
البخاري ومسلم من طرق من رواية أنس رضي الله عنه ورواه البخاري أيضا بمعناه من رواية
أبي هريرة واما حديث (فليهرقه ثم ليغسله سبع مرات) فصحيح رواه مسلم وقد قدمناه
591

في مواضع من هذا الباب وقوله يلغ هو بفتح اللام كما سبق بيانه: أما المسائل فاحداها الأعيان
النجسة كالميتة والروث وغيرهما لا يطهر بالغسل بل إذا وقعت على طاهر ونجسته لا يمكن تطهيره
حتى تزول عين النجاسة وهكذا إذا اختلطت هذه النجاسات بتراب وغيره فصب عليه الماء لم
يطهر قال أصحابنا ولا طريق إلى طهارة هذه الأرض الا بان يحفر ترابها ويرمى فلو ألقى عليها ترابا
طاهرا أو طينها صحت الصلاة عليها: الثانية إذا كانت النجاسة ذائبة كأثر البول والدم والخمر
وغيرها استحب غسلها ثلاث مرات والواجب مرة واحدة ودليلهما ما ذكره المصنف وعن أحمد
ابن حنبل رواية انه يجب غسل النجاسة كلها سبع مرات كالكلب ودليلنا حديث ابن عمرو هو
صريح في المرة واطلاق الأحاديث الصحيحة المشهورة كحديث غسل دم الحيض (وصبوا عليه
ذنوبا من ماء) وغير ذلك وبمذهبنا قال الجمهور قال أصحابنا فإن لم يزل عين الدم أو طعمه أو طعم
سائر النجاسات الا بغسلات كفاه زوال العين ويستحب بعد ذلك غسلة ثانية وثالثة لحديث (إذا
استيقظ أحدكم): الثالثة الواجب في إزالة النجاسة الذائبة من الأرض المكاثرة بالماء بحيث يستهلك
فيه وتطهر الأرض بمجرد ذلك وإن لم ينصب الماء سواء كانت الأرض صلبة أم رخوة هذا هو
الصحيح وفيه وجه أنها لا تطهر حتى ينصب حكاه الخراسانيون بناء على اشتراط العصر في الثوب ووجه
حكاه الخراسانيون وجماعة من العراقين انه يشترط كون الماء المصبوب سبعة أمثال البول ووجه
أنه يشترط في بول كل رجل ذنوب من ماء فلو كان مائة وجب مائة ذنوب وهذا الوجه هو الذي
حكاه المصنف عن الأنماطي والاصطخري وهذه الأوجه كلها ضعيفة والمذهب الأول وأما نص
الشافعي رحمه الله أنه يصب على البول سبعة أضعافه وقوله وان بال اثنان لم يطهر الا بذنوبين
محمول على ما إذا لم تحصل المكاثرة الا بذلك أو على الاستحباب والاحتياط ولا يشترط جفاف
الأرض بلا خلاف كما لا يشترط جفاف الثوب بلا خلاف وان شرطنا العصر قال أصحابنا ولو
وقع على الأرض والثوب وغيرهما ماء المطر حصلت الطهارة بلا خلاف قال أصحابنا ثم الخمر
والبول والدم وسائر النجاسات الذائبة حكمها ما ذكرنا هذا مذهبنا وبه قال مالك وأحمد وداود
والجمهور وقال أبو حنيفة رحمه الله إن كانت الأرض رخوة ينزل الماء فيها أجزأه صبه عليها وإن كان
ت صلبة لم يجزئه الا حفرها ونقل ترابها دليلنا حديث بول الأعرابي في المسجد وصب الذنوب
عليه وأما الحديث الوارد في الامر بحفره فضعيف * الرابعة إذا كانت النجاسة على ثوب ونحوه
592

فالواجب المكاثرة بالماء وفيه وجه سبعة الأمثال الذي سبق وليس بشئ وفى اشتراط العصر
وجهان أصحهما لا يشترط بل يطهر في الحال وهما مبنيان على الخلاف في طهارة غسالة
النجاسة والأصح طهارتها إذا انفصلت غير متغيرة وقد طهر المحل ولهذا كان الأصح
أنه لا يشترط العصر فان شرطناه لم يحكم بطهارة الثوب ما دام الماء فيه فان عصره طهر
حينئذ وإن لم يعصره حتى جف فهل يطهر وجهان حكاهما الخراسانيون الصحيح يطهر لأنه أبلغ في زوال الماء
والثاني لا يطهر لأن الماء الذي وجبت ازالته باق ولان وجوب العصر مفرع على نجاسة الغسالة وهي
باقية في الثوب حكما وهذا ضعيف والمعتمد بالجزم بالطهارة ولو عصره وبقيت رطوبة فهو طاهر بلا
خلاف (الخامسة) إذا كانت النجاسة مائعا في إناء فصب عليه ماء غمره ولم يرقه فهل يطهر الاناء
وما فيه: فيه وجهان ذكرهما المصنف بدليلهما وهما مشهوران الصحيح منهما لا يطهر ولو غمس الثوب
النجس في إناء دون قلتين من الماء فوجهان الصحيح وبه قطع الجمهور ينجس الماء ولا يطهر الثوب
وقال ابن سريج يطهر الثوب ولا ينجس الماء ولو ألقت الريح الثوب في الماء وهو دون القلتين نجس
الماء ولم يطهر الثوب بلا خلاف ووافق ابن سريج على النجاسة هنا واستدلوا بهذا على اشتراطه
النية في إزالة النجاسة وأنكر امام الحرمين والغزالي وغيرهما هذا الاستدلال (السادسة) إذا كان داخل
الاناء متنجسا فصب فيه ماء غمر النجاسة فهل يطهر في الحال قبل إراقة الغسالة: وجهان بناء على اشتراط
العصر أصحهما الطهارة كالأرض والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وإن كانت النجاسة خمرا فغسلها وبقيت الرائحة ففيه قولان أحدهما لا يطهر كما لو بقي اللون
والثاني يطهر لان الخمر لها رائحة شديدة فيجوز أن تكون لقوة رائحتها تبقى الرائحة من غير جزء
من النجاسة وإن كانت النجاسة دما فغسله ولم يذهب الأثر أجزأه لما روى أن خولة بنت يسار قالت
(يا رسول الله أرأيت لو بقي أثر) فقال صلى الله عليه وسلم (الماء يكفيك ولا يضرك أثره)] *
[الشرح] حديث خولة هذا رواه البيهقي في السنن الكبيرة من رواية أبي هريرة باسناد
ضعيف وضعفه ثم روى عن إبراهيم المزني الإمام قال لم نسمع بخولة بنت يسار الا في هذا الحديث
قال أصحابنا يجب محاولة إزالة طعم النجاسة ولونها وريحها فان حاوله فبقي طعم النجاسة لم يطهر بلا
خلاف لأنه يدل على بقاء جزء منها وان بقي اللون وحده وهو سهل الإزالة لم يطهر وإن كان غيرها كدم
593

الحيض يصيب ثوبا ولا يزول بالمبالغة في الحت والقرص طهر على المذهب وحكى الرافعي وجها انه لا يطهر
وهو شاذ قال الرافعي والصحيح الذي قطع به الجمهور أن الحث والقرص مستحبان وليسا بشرط وفى وجه
شاذهما شرط وان بقيت الرائحة وحدها وهي عسرة الإزالة كرائحة الخمر وبول المبرسم وبعض
أنواع العذرة فقولان وقيل وجهان أصحهما يطهر وممن حكاه وجهين القاضي أبو الطيب قال الشيخ أبو حامد هما
قولان منصوصان وقد ذكر المصنف دليلهما وان بقي اللون والرائحة لم يطهر على الصحيح وحكى
الرافعي فيه وجها قال صاحب التتمة وإذا لم تزل النجاسة بالماء وحده وأمكن ازالتها بأشنان ونحوه
وجب ثم ما حكمنا بطهارته في هذه الصور مع بقاء لون أو رائحة فهو طاهر حقيقة هذا هو الصحيح
الذي قطع به الجمهور وفى التتمة وجه أنه يكون نجسا معفوا عنه وليس بشئ هذا تلخيص حكم
المسألة وما ذكره الأصحاب وأما قول المصنف أحدهما لا يطهر كما لو بقي اللون فمراده لون يسهل
ازالته كما ذكرناه وهكذا من أطلق من العراقيين أنه لا يطهر مع بقاء اللون مرادهم ما ذكرنا وقد
نقل الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب الاتفاق على أنه إذا بقي اللون لا يطهر ومرادهما ما ذكرنا
وقد أنكر بعض الناس على المصنف قوله كاللون وزعم أن صوابه كالطعم قال لان اللون لا يضر
بقاؤه قطعا وهذا الانكار خطأ من قائله فإنه بجهالته فهم خلاف الصواب ثم اعترض والصواب
صحة ما قاله المصنف وحمله على ما ذكرناه فقد صرح غيره بما تأولناه وأما قول صاحب البيان القولان
في بقاء رائحة الخمر فان بقي رائحة غيرها فقال عامة أصحابنا لا يطهر وقال صاحب التلخيص والفروع
فيه القولان كالخمر فليس كما قال بل الصواب الذي عليه الأكثرون طرد القولين في الجميع على
ما سبق وكان صاحب البيان قلد في هذه الدعوى صاحب العدة على عادته في النقل عنه وممن
صرح بطردهما في غير الخمر الشيخ أبو حامد والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
[وإن كان ثوب نجس فغمسه في إناء فيه دون القلتين من الماء نجس الماء ولم يطهر الثوب
ومن أصحابنا من قال إن قصد إزالة النجاسة لم ينجسه وليس بشئ لان القصد لا يعتبر في إزالة
النجاسة ولهذا يطهر بماء المطر وبغسل المجنون قال أبو العباس بن القاص إذا كان ثوب كله نجس
فغسل بعضه في جفنة ثم عاد فغسل ما بقي لم يطهر حتى يغسل الثوب كله دفعة واحدة لأنه إذا صب
على بعضه ماء ورد جزء من البعض الآخر على الماء فنجسه وإذا نجس الماء نجس الثواب] *
594

[الشرح] أما المسألة الأولى فسبق بيانها قريبا في المسألة الخامسة من المسائل السابقة وقوله
(ومن أصحابنا من قال) هو ابن سريج وقوله (ولهذا يطهر بماء المطر وبغسل المجنون) ظاهره ان ابن
سريج يوافق على هذا ولا يبعد أنه يخالف فيه فقد نقل عنه اشتراط النية في إزالة النجاسة كما
سبق في باب نية الوضوء: وأما المسألة الثانية وهي مسألة ابن القاص فهي مشهورة عنه لكن قال
المحاملي في التجريد في باب المياه هذا غلط من ابن القاص قال وقال عامة أصحابنا يطهر الثوب وقال
صاحب البيان حكي صاحب الافصاح والشيخ أبو حامد والمحاملي أن ابن القاص قال إذا كان
الثوب كله نجسا فغسل نصفه ثم عاد إلى ما بقي فغسله لم يطهر حتى يغسله كله قال لأنه إذا غسل نصفه
فالجزء الرطب الذي يلاصق الجزء اليابس النجس ينجس به لأنه ملاصق لما هو نجس ثم الجزء
الذي بعده ينجس بملاصقته الجزء الأول ثم الذي بعده ينجس بملاصقته حتى ينجس جميع الأجزاء
إلى آخر الثوب قال الشيخ أبو حامد غلط ابن القاص بل بطهر الثوب لان الجزء الذي يلاصق
الجزء النجس ينجس به لأنه لاقى عين النجاسة فأما الجزء الذي يلاصق ذلك الجزء فلا ينجس به
لأنه لاقى ما هو نجس حكما لا عينا ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في الفأرة
تموت في السمن الجامد (ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم) فحكم صلى الله عليه وسلم بنجاسة ما لاقى
عين النجاسة دون الجزء المتصل بذلك المتنجس ولو كان كما قال ابن القاص لنجس السمن كله
واما ابن الصباغ فحكى أن ابن القاص قال إذا غسل نصفه في جفنة ثم عاد فغسل النصف الآخر
لم يطهر حتى بغسله كله وحكى عنه العلة التي ذكرها عنه الشيخ أبو حامد قال ابن الصباغ والحكم
كما قاله ابن القاص لكن أخطأ في الدليل بل الدليل لما قاله أن الثوب إذا وضع نصفه في الجفنة
وصب عليه ماء يغمره لاقى هذا الماء جزءا مما لم يغسله وذلك الجزء نجس وهو وارد على دون
القلتين فنجسه وإذا نجس الماء نجس الثوب قال صاحب البيان وعندي انهما مسألتان فان غسل
نصفه في جفنة فالحكم ما قاله ابن القاص وان غسل نصفه بصب الماء عليه بغير جفنة فالحكم ما قاله
الشيخ أبو حامد هذا آخر كلام صاحب البيان وقد رأيت أنا المسألة في التلخيص لابن القاص كما
نقلها المصنف وابن الصباغ فإنه قال لو أن ثوبا نجسا كله غسل بعضه في جفنة ثم عاد إلى ما بقي
فغسله لم يجز حتى يغسل الثوب دفعة واحدة هذا كلامه بحروفه قال القفال في شرحه في هذه
المسألة وجهان الصحيح ما قاله ابن القاص هو أن جميع الثوب نجس قال وقال صاحب الافصاح
595

يطهر واستدل بحديث فأرة السمن قال القفال والصواب قول ابن القاص واستدل له بنحو ما ذكره
ابن الصباغ وفرق بينه وبين السمن بأنه جامد لا يتراد قال ونظير مسألتنا السمن الذائب فحصل
أن الصحيح ما قاله ابن القاص ووافقه عليه القفال والمصنف وابن الصباغ وصاحب البيان ويحمل
كلام الآخرين على ما حمله صاحب البيان وعليه يحمل ما نقله الرافعي عن الأصحاب انهم قالوا
لو غسل أحد نصفي ثوب ثم نصفه الآخر فوجهان أحدهما لا يطهر حتى يغسل كله دفعة واحدة
وأصحهما انه ان غسل مع النصف الثاني ما يجاوره من النصف الأول طهر الثوب كله وان
اقتصر على النصفين فقط طهر الطرفان وبقي المنتصف نجسا فيغسله وحده والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
[إذا أصاب الأرض نجاسة ذائبة في موضع ضاح فطلعت عليه الشمس وهبت عليه الريح
فذهب أثرها ففيه قولان قال في القديم والاملاء يطهر لأنه لم يبق شئ من النجاسة فهو كما لو غسل
بالماء وقال في الأم لا يطهر وهو الأصح لأنه محل نجس فلا يطهر بالشمس كالثوب النجس] *
[الشرح] هذان القولان مشهوران وأصحهما عند الأصحاب لا يطهر كما صححه المصنف ونقله
البندنيجي عن نص الشافعي في عامة كتبه وحكى في المسألة طريقين أحدهما فيه القولان والثاني
القطع بأنها لا تطهر وتأويل نصفه على أرض مضت عليه سنون وأصابها المطر ثم القولان فيما إذا لم يبق
من النجاسة طعم ولا لون ولا رائحة ومن قال بأنها لا تطهر مالك واحمد وزفر وداود وممن قال
بالطهارة أبو حنيفة وصاحباه ثم قال العراقيون هما إذا زالت النجاسة بالشمس أو الريح فلو ذهب
أثرها بالظل لم تطهر عندهم قطعا وقال الخراسانيون فيه خلاف مرتب وأما الثوب النجس ببول
ونحوه إذا زال أثر النجاسة منه بالشمس فالمذهب القطع بأنه لا يطهر وبه قطع العرقيون ونقل امام
الحرمين عن الأصحاب أنهم طردوا فيه القولين كالأرض قال وذكر بعض المصنفين يعنى الفوراني
انا إذا قلنا يطهر الثوب بالشمس فهل يطهر بالجفاف في الظل فيه وجهان وهذا ضعيف قال الامام
ولا شك أن الجفاف لا يكفي في هذه الصورة فان الأرض تجف بالشمس على قرب ولم ينقلع
بعد آثار النجاسة فالمعتبر انقلاع الآثار على طول الزمان بلا خلاف وكذا القول في الثياب
وقول المصنف (موضع ضاح) هو بالضاد المعجمة قال أهل اللغة هو البارز والله أعلم *
596

* قال المصنف رحمه الله *
[وان طبخ اللبن الذي خلط بطينة السرجين لا يطهر لان النار لا تطهر النجاسة وقال أبو الحسن
ابن المرزبان إذا غسل طهر ظاهره فتجوز الصلاة عليه ولا تجوز الصلاة فيه لان ما فيه من
السرجين كالزئبر فيحترق بالنار ولهذا ينتقب موضعه فإذا غسل طهر فجازت الصلاة عليه والمذهب
الأول] *
[الشرح] قال أصحابنا اللبن النجس ضربان مختلط بنجاسة جامدة كالروث والعذرة وعظام
الميتة وغير مختلط بها فالمختلط نجس لا طريق إلى تطهيره لان الأعيان النجسة لا تطهر بالغسل وهذا
فيه عين نجسة فان طبخ أي أحرق فالمذهب أنه لا يطهر وبه قطع الجمهور وخرج أبو زيد والخضري
وآخرون قولان أن النار تؤثر فيطهر خرجوه من القول القديم أن الأرض تطهر بالشمس قالوا فالنار
أبلغ فعلى قول الجمهور لو غسل لم يطهر على الصحيح المنصوص وقال ابن المرزبان والقفال يطهر
ظاهره واختاره ابن الصباغ قال صاحب البيان فإذا قلنا إنه لا يطهر بالاحراق فكسر منه موضع
فما ظهر بالكسر نجس لا يطهر بالغسل وتصح الصلاة على ما لم يكسر منه ولكنها مكروهة كما لو
صلي في مقبرة غير منبوشة لكونها مدفن النجاسة قال الشافعي والأصحاب ويكره ان يبني به
مسجدا قال القاضي أبو الطيب لا يجوز ان يبنى به مسجدا ولا يفرش به فان فرش به وصلي عليه
لم تصح صلاته فان بسط عليه شيئا صحت مع الكراهة ولو حمله مصل ففي صحة صلاته الوجهان
فيمن حمل قارورة فيها نجاسة وسد رأسها بنحاس الصحيح انه لا تصح صلاته: والضرب الثاني غير
المختلط بنجاسة جامدة كالمعجون ببول أو بماء نجس أو خمر فيطهر ظاهره بإفاضة الماء عليه ويطهر
باطنه بان ينقع في الماء حتى يصل إلى جميع اجزائه كما لو عجن عجين بماء نجس فلو طبخ هذا اللبن
طهر على تخريج أبى زيد ظاهره وكذا باطنه على الأصح وأما على المذهب وقول الجمهور فهو باق
على نجاسته ويطهر بالغسل ظاهره دون باطنه وإنما يطهر باطنه بان يدق حتى يصير ترابا ثم يفاض
الماء عليه فلو كان بعد الطبخ رخوا لا يمنع نفوذ الماء فهو كما قبل الطبخ وقول المصنف كالزئبر هو
بزاي مكسورة ثم همزة ثم باء موحدة مكسورة على المشهور عند أهل اللغة قال الجوهري ويقال
بضم الباء وهو ما يعلو الثوب الجديد كالزغب وقوله قال ابن المرزبان هو بميم مفتوحة ثم راء
597

ساكنة ثم زاي مضمومة ثم باء موحدة والمرزبان بالفارسية وهو معرب وهو زعيم فلاحي العجم
وجمعه مرازبة ذكر هذا كله الجوهري في صحاحه وابن المرزبان هذا هو أبو الحسن عل بن أحمد
المرزبان البغدادي صاحب ابن القطان تفقه عليه الشيخ أبو حامد كان اماما في المذهب ورعا
قال ما اعلم أن لاحد على مظلمة وهو يعلم أن الغيبة مظلمة توفى في رجب سنة ست وستين وثلاثمائة ذكرت
أحواله في الطبقات والتهذيب * قال المصنف رحمه الله *
[فان أصاب أسفل الخف نجاسة فدلكه على الأرض نظرت فإن كانت نجاسة رطبة لم يجزه وإن كان
ت يابسة فقولان قال في الجديد لا يجوز حتى يغسله لأنه ملبوس نجس فلا يجزئ فيه المسح كالثوب
وقال في الأمالي القديمة يجوز لما روي أبو سعيد الخدري رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال (إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر نعليه فإن كان بهما خبث فليمسحه على الأرض
ثم ليصل فيهما) ولأنه تتكرر فيه النجاسة فأجزأ فيه المسح كموضع الاستنجاء] *
[الشرح] إذا أصابت أسفل الخف أو النعل نجاسة رطبة فدلكه بالأرض فأزال عينها وبقي
أثرها نظر أن دلكها وهي رطبة لم يجزئه ذلك ولا يجوز الصلاة فيه بلا خلاف لأنها تنتشر
من محلها إلى غيره من أجزاء الخف الظاهرة وان جفت على الخف فدلكها وهي جافة بحيث لم
تنتشر إلى غير موضعها منه فالخف نجس بلا خلاف ولكن هل يعفى عن هذه النجاسة فتصح الصلاة
فيه قولان ودليلهما ما ذكره المصنف أصحهما عند الأصحاب الجدبد وهو أنه لا تصح الصلاة وبه
قال احمد في أصح الروايات عنه والقديم الصحة وبه قال أبو حنيفة واتفقوا على أنه لو وقع هذا الخف
في مائع أو في ما دون قلتين من الماء نجسه كما لو وقع فيه مستنج بالأحجار قال الرافعي إذا قلنا
بالقديم وهو العفو فله شروط أحدها أن يكون للنجاسة جرم يلتصق بالخف اما البول ونحوه فلا
يكفي دلكه بحال الثاني أن يدلكه في حال الجفاف واما ما دام رطبا فلا يكفي دلكه قطعا
الثالث أن يكون حصول النجاسة بالمشي من غير تعمد فلو تعمد تلطيخ الخف بها وجب الغسل قطعا
والقولان جاريان فيما لو أصاب أسفل الخف وأطرافه من طين الشوارع المتيقن نجاسته الكثير الذي
لا يعفى عنه وسائر النجاسات الغالبة في الطرق كالروث وغيره: واعلم أن الغزالي وصاحبه محمسد بن
تحيى جزما بالعفو عن النجاسة الباقية على أسفل الخف وهذا شاذ مردود والله أعلم: واما حديث أبي
سعيد المذكور في الكتاب فحديث حسن رواه أبو داود باسناد صحيح ولفظه (إذا جاء أحدكم
598

إلى المسجد فلينظر فان رأى في نعليه قذرا أو اذى فليمسحه وليصل فيهما) وروى أبو داود بأسانيد
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا وطئ أحدكم بنعليه الأذى فان التراب له طهور)
رواه من طرق كلها ضعيفة والاعتماد على حديث أبي سعيد وأجاب في الجديد عن الحديث بان المراد
بالقذر والأذى ما يستقذر ولا يلزم منه النجاسة وذلك كمخاط ونخامة وشبههما مما هو طاهر أو مشكوك
فيه وهذا الحديث وجوابه تقدما في أول الكتاب في مسألة اشتراط الماء لإزالة النجاسة واما قول
المصنف لأنه ملبوس نجس فلا يجوز فيه المسح فاحترز بملبوس عن محل الاستنجاء وبقوله نجس
عن خف المحرم إذ علق به طيب فإنه يجزيه ازالته بالمسح والله أعلم *
(فرع) في مسائل تتعلق بالباب مختصرة جدا خشية الإطالة وفرارا من السائمة والملالة
(إحداها) ان إزالة النجاسة التي لم يعص بالتلطخ بها في بدنه ليس على الفور وإنما تجب عند إرادة
الصلاة ونحوها لكن يستحب تعجيل ازالتها (الثانية) إذا نجس الزيت والمسن والشيرج وسائر
الادهان فهل يمكن تطهيره فيه وجهان مشهوران وقد ذكرهما المصنف في باب ما يجوز بيعه أصحهما عند
الأكثرين لا يطهر بالغسل ولا بغيره لقوله صلى الله عليه وسلم في الفأرة تقطع في السمن (إن كان
مائعا فلا تقربوه) ولم يقل اغسلوه ولو جاز الغسل لبينه لهم وقياسا على الدبس والخل وغيرهما من
المائعات إذا تنجست فإنه لا طريق إلى تطهيرها بلا خلاف والثاني يطهر بالغسل بان يجعل في إناء
ويصب عليه الماء ويكاثر به ويحرك بخشبة ونحوها تحريكا يغلب على الظن أنه وصل إلى أجزائه ثم يترك
حتى يعلو الدهن ثم يفتح أسفل الاناء فيخرج الماء ويطهر الدهن وهذا الوجه قول ابن سريج ورجحه
صاحب العدة وقال البغوي وغيره ليس هو بصحيح وقال صحاب العدة لا يطهر السمن بالغسل
قطعا وفى غيره الوجهان والمشهور أنه لا فرق: أما الزئبق فقال المحاملي في اللباب وصاحب
التهذيب وغيرهما أن اصابته نجاسة ولم ينقطع بعد اصابتها طهر بصب الماء عليه وان انقطع فهو كالدهن
ولا يمكن تطهيره على الأصح (الثالثة) إذا أصابت النجاسة شيئا صقيلا كالسيف والسكين والمرآة ونحوها
لم تطهر بالمسح ولا تطهر الا بالغسل كغيرها وبه قال احمد وداود وقال مالك وأبو حنيفة تطهر بالمسح
(الرابعة) إذا سقيت السكين ماء نجسا ثم غسلها طهر ظاهرها وهل يطهر باطنها بمجرد الغسل أم لا يطهر
حتى يسقيه مرة ثانية بماء طهور يورده عليها فيه وجهان حكاهما صاحب البيان وآخرون ولو طبخ لحم
599

بماء نجس صار باطنه وظاهره نجسا وفى كيفية طهارته وجهان أحدهما يغسل ثم يعصر كالبساط والثاني
يشترط أن يغلي مرة أخرى بماء طهور وقطع القاضي حسين في مسألتي السكين واللحم بأنه يجب سقيها
واغلاؤها واختار الشاشي أن الغسل كاف فيهما وهو المنصوص قال الشافعي رحمه الله في الأم في
كتاب صلاة الخوف لو أحمى حديد ثم صب عليها سما أو غسلها فيه فشربته ثم غسلت بالماء طهرت لان
الطهارات كلها إنما جعلت على ما يظهر فيه ليس على الأجواف: هذا نصه بحروفه قال المتولي وإذا
غسل السكين طهر ظاهره دون باطنه ويجوز استعماله في الأشياء الرطبة كما يجوز في اليابسة لكن لا تصح
الصلاة وهو حامله وإنما جاز استعماله في الرطب مع قولنا بنجاسة باطنه لان الرطوبة لا تصل باطنه إذ
لو وصلت لطهرت بالماء (الخامسة) قال صاحب التتمة وغيره للماء قوة عند الورود على النجاسة
فلا ينجس بملاقاتها بل يبقى مطهرا فلو صبه على موضع النجاسة من الثوب فانتشرت الرطوبة
في الثوب لا يحكم بنجاسة موضع الرطوبة ولو صب الماء في إناء نجس ولم يتغير بالنجاسة فهو طهور فإذا
اداره على جوانبه طهرت الجوانب كلها هذا كله قبل الانفصال قال فلو انفصل الماء متغيرا وقد زالت
النجاسة عن المحل فالماء نجس وفى المحل وجهان أحدهما أنه طاهر لانتقال النجاسة إلى الماء والثاني
وهو الصحيح أن المحل نجس أيضا لأن الماء المنفصل نجس وقد بقيت منه أجزاء في المحل قال ولو
وقع بول على ثوب فغسل بماء موزون فانفصل زائد الوزن فالزيادة بول والماء نجس كما لو تغير وفى
طهارة المحل الوجهان الصحيح لا يطهر قلت وقد سبق في المياه وجه شاذ أن هذا الماء طاهر مع زيادة
الوزن وليس بشئ فالمذهب نجاسته (السادسة) قال أصحابنا إذا اختلطت العذرة أو الروث وغيرهما
من الأعيان النجسة بتراب نجس ولم يتميز لم يطهر بصب الماء عليها لأن العين النجسة لا تطهر
بالغسل وطريقه أن يزال التراب الذي وصلته أو يطرح عليه تراب طاهر يغطيه والأول أولى قال
صاحب الشامل وغيره لو طين على النجاسة أو طرح عليها ترابا طاهرا وصلي عليه جاز لكن تكره
600

الصلاة لأنه مدفن النجاسة وكذا لو دفن ميتة وسوى فوقها الطاهر تصح الصلاة عليه وتكره
(السابعة) ذكرها صاحب التتمة بعد أن ذكر الوجهين في مسألة ابن القاص السابقة وهي إذا غسل
نصف الثوب ثم عاد فغسل نصفه قال لو غسل الثوب عن النجاسة ثم وقعت عليه نجاسة عقب فراغه
من غسله هل يجب عليه غسل جميع الثوب أم يكفي غسل موضع النجاسة فيه هذان الوجهان قلت
والصحيح أنه يكفي غسل موضعها وهو الموافق للدليل ولما ذكره الأصحاب هناك: قال ولو خرز
الخف بشعر خنزير رطب صار نجسا فإذا غسله هل يطهر ظاهره فيه هذان الوجهان أحدهما لا يطهر
لان الذي يتخلل نقب الخف من الخيط نجس لملاصقته الشعر مع الرطوبة فإذا غسل ظاهره اتصلت
الرطوبة بالموضع النجس ولا ينفذ الماء فيه ليطهر الجميع فيعود المغسول نجسا والثاني يطهر فيجوز أن
يصلى عليه لا فيه ولو عرقت رجله فيه أو أدخلها فيه رطبة لم ينجس ولا تتعدى النجاسة من الخرز
الذي في ثقب الخف إلى المغسول وكان القاضي حسين يختار هذا الوجه (الثامنة) صب الماء على
ثوب نجس وعصره في إناء وهو متغير ثم صب عليه ماء آخر وعصره فخرج غير متغير ثم جمع
الماءين فزال التغير ولم يبلغ قلتين فهو نجس: هذا هو الصواب وبه قطع الجمهور وحكي صاحب
المستظهري وجها أنه طاهر وليس بشئ (التاسعة) قال الشيخ أبو محمد الجويني في كتاب التبصرة
في الوسوسة إذا غسل فمه النجس فليبالغ في الغرغرة ليغسل كل ما هو في حد الظاهر ولا يبتلع
طعاما ولا شرابا قبل غسله لئلا يكون أكل نجاسة (العاشرة) إذا كانت أعضاؤه رطبة فهبت
601

الريح فأصابه غبار الطريق أو غبار السرجين لم يضره وقد ذكر المصنف المسألة في باب المياه
(الحادية عشر) لو صبغ يده بصبغ نجس أو خضب يده أو شعره بحناء نجس بان خلط ببول أو خمر
أو دم وغسله فزالت العين وبقي اللون فهو طاهر هذا هو الصحيح وبه قطع الأكثرون منهم البغوي
ونقله المتولي عن عامة الأصحاب قال وقال الأستاذ أبو إسحاق لا يطهر مع بقاء اللون وقال صاحب
الحاوي ان بقي لون النجاسة فنجس وان بقي لون الخضاب فوجهان ونقل صاحب المستظهري هذا
عن الحاوي ثم ضعفه وقال هذا عجيب واعتبار زوال اللون لا معنى له قال وقد نص الشافعي رحمه الله
في موضع آخر أنه يطهر بالغسل مع بقاء اللون والمذهب ما سبق وهو الجزم بالطهارة قال صاحب
الحاوي فان قلنا لا يطهر فإن كان الخضاب على شعر كاللحية لم يلزمه حلقه بل يصلى فيه ويتركه حتى
ينصل لأنه ينصل عن قرب فإذا نصل أعاد الصلوات وإن كان على بدن وهو مما ينصل كالحناء
انتظر نصوله ثم يعيد ما صلى معه فإن كان مما لا ينصل كالوشم فان أمن التلف في إزالته لزمه كشطه
لأنه ليس له أمد ينتظر بخلاف الحناء وان خاف التلف فإن كان غيره أكرهه تركه بحاله وإن كان
هو الذي فعله فوجهان كما لو صلي بعظم نجس والله أعلم *
(فرع) في استعمال النجاسات في البدن وغيره خلاف وتفصيل نوضحه إن شاء الله تعالى
في باب ما يكره لبسه (الثانية عشر) إذا توضأ انسان في طست ثم صب ذلك الماء في بئر فيها ماء
كثير لم يفسد الماء ولم يجب نزح شئ منه عندنا وعند جماهير العلماء وقال أبو يوسف يجب نزح
جميعها وقال محمد ينزح منه عشرون دلوا (الثالثة عشرة) لا يشترط في غسل النجاسة فعل مكلف
ولا غيره بل يكفي ورود الماء عليها وإزالة العين سواء حصل ذلك بغسل مكلف أو مجنون أو صبي
أو لقاء الريح أو نحوها أو بنزول المطر عليه أو مرور السيل أو غيره نص عليه الشافعي في الأم
واتفق عليه لكن يجئ فيه الوجه السابق في اشتراط النية في إزالة النجاسة لكنه وجه باطل
602

مخالف للاجماع كما سبق قال الشافعي والأصحاب فلو وقع البول ونحوه على أرض فقلع التراب الذي
أصابه فان استظهر حتى علم أنه لم ينزل البول عن ذلك كان الموضع طاهرا وإلا فلا والله أعلم *
قال مصححه عفا الله عنه
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على ختام النبيين سيدنا محمد النبي الأمي وعلى
آله وصحابته ومن تبعهم إلى يوم الدين ورضى الله عن علماء الاسلام العاملين - وقد
انتهى بعون الله تعالى وتسهيله طبع (الجزء الثاني) من كتابي المجموع للامام أبي زكريا
محيي الدين النووي رضي الله عنه ونور ضريحه: والشرح الكبير للامام المحقق الرافعي
مع تخريج أحاديثه المسمي تلخيص الحبير لثلاث بقين من شهر جمادى الأولي سنة أربع
وأربعين وثلاثمائة وألف
603