الكتاب: مغني المحتاج
المؤلف: محمد بن أحمد الشربيني
الجزء: ٣
الوفاة: ٩٧٧
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٧٧ - ١٩٥٨ م
المطبعة:
الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: شرح الشيخ محمد الشربيني الخطيب من أعيان علماء الشافعية في القرن العاشر الهجري على متن المنهاج لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي من أعلام علماء الشافعية في القرن السابع الهجري / ملتزم الطبع والنشر : شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر

مغني المحتاج
إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج
شرح
الشيخ محمد الشربيني الخطيب
عين أعيان علماء الشافعية في القرن العاشر الهجري
على متن المنهاج
لأبى زكريا يحيى بن شرف النووي
من أعلام علماء الشافعية في القرن السابع الهجري
رحمهما الله، ونفع بعلومهما آمين
الجزء الثالث
(تمتاز هذه الطبعة بوضع متن المنهاج بأعلى الصحائف مضبوطا بالشكل الكامل)
1377 ه‍ = 1958 م
1

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الفرائض
كتاب الفرائض
أي مسائل قسمة المواريث، جمع فريضة بمعنى مفروضة: أي مقدرة لما فيها من السهام المقدرة فغلبت على غيرها،
وإنما اقتصر المصنف في الترجمة على الفرائض لأنه أراد بها مسائل قسمة المواريث كما قدرته الصادقة بالفرض والتعصيب
إرادة للتغليب. والفرض لغة التقدير، قال تعالى: * (فنصف ما فرضتم) * أي قدرتم، وأتى بمعنى القطع، قال تعالى: * (نصيبا
مفروضا) * أي مقطوعا محدودا. وبمعنى الانزال، قال تعالى: * (إن الذي فرض عليك القرآن) * أي أنزله. وبمعنى التبيين،
قال تعالى: * (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) * أي بين. وبمعنى الاحلال، قال تعالى: * (ما كان على النبي من حرج فيما فرض
الله له) * أي أحل. وبمعنى العطاء، تقول العرب: لا أصبت منه فرضا ولا قرضا. ولما كان علم الفرائض مشتملا على
هذه المعاني الستة لما فيه من السهام المقدرة والمقادير المقتطعة والعطاء المجرد وتبيين الله تعالى لكل وارث نصيبه وإحلاله
وإنزاله سمي بذلك. وشرعا هنا: نصيب مقدر شرعا للوارث. والأصل في الفرائض آيات المواريث والأخبار الآتية كخبر
الصحيحين: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولي رجل ذكر. فإن قيل: ما فائدة ذكر ذكر بعد رجل؟ أجيب بأنه للتأكيد
لئلا يتوهم أنه مقابل للصبي، بل المراد أنه مقابل الأنثى. فإن قيل: لو اقتصر على ذكر رجل كفى فما فائدة ذكر رجل معه؟
أجيب بأنه لا يتوهم أنه عام مخصوص. وكان في الجاهلية مواريث كانوا يورثون الرجال دون النساء والكبار دون الصغار،
وكانوا يجعلون حظ الزوجة أن ينفق عليها من مال الزوج سنة ويورثون الأخ زوجة أخيه. وكان في ابتداء الاسلام بالحلف
والنصرة فيقول ذمتي ذمتك ترثني وأرثك، ثم نسخ فتوارثوا بالاسلام والهجرة، ثم نسخ وكانت الوصية واجبة للوالدين
والأقربين، ثم نسخ بآيتي المواريث آية الشتاء التي في أول النساء وآية الصيف التي في آخرها، فلما نزلت قال (ص): إن الله أعطى
كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث واشتهرت الاخبار بالحث على تعليمها وتعلمها منها: تعلموا الفرائض وعلموه
أي علم الفرائض، وروي: وعلموها: أي الفرائض الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف
اثنان في الفريضة فلا يجدان من يقضي بينهما رواه الحاكم وصحح إسناده. ومنها: تعلموا الفرائض فإنه من دينكم وإنه
نصف العلم وإنه أول علم ينزع من أمتي رواه ابن ماجة والحاكم والبيهقي وقال: تفرد به حفص بن عمر وليس بالقوي. قال
الماوردي: وإنما حثهم على تعلمه لقرب عهدهم بغير هذا التوارث، أي وهو التوارث المتقدم، واختلف العلماء في تأويل قوله عليه
الصلاة والسلام: فإنه نصف العلم على أقوال، أحسنها أنه باعتبار الحال، فإن حال الناس اثنان حياة ووفاة، فالفرائض تتعلق
2

بحال الوفاة، وسائر العلوم تتعلق بحال الحياة، وقيل النصف بمعنى الصنف، قال الشاعر:
إذا مت كان الناس نصفان شامت وآخر مثن بالذي كنت أصنع
وقيل إن العلم يستفاد بالنص تارة وبالقياس أخرى، وعلم الفرائض مستفاد من النص، وقيل غير ذلك. وقال عمر
رضي الله تعالى عنه: إذا تحدثتم فتحدثوا في الفرائض وإذا لهوتم فالهوا في الرمي، واشتهر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم
بعلم الفرائض أربعة: علي وابن عباس وزيد وابن مسعود، ولم يتفق هؤلاء في مسألة إلا وافقتهم الأمة وما اختلفوا إلا
وقعوا فرادى ثلاثة في جانب وواحد في جانب، واختار الشافعي رضي الله تعالى عنه مذهب زيد، لأنه أقرب إلى القياس،
ولقوله (ص): أفرضكم زيد. وعن القفال أن زيدا لم يهجر له قول بل جميع أقواله معمول بها بخلاف غيره. ومعنى اختياره
لمذهبه أنه نظر في أدلته فوجدها مستقيمة فعمل بها لا أنه قلده كما قاله ابن الرفعة في مطلبه، لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا. وذكرت
في شرح التنبيه أنه اجتمع في اسم زيد أصول الفرائض وغالب قواعدها. وعرف بعضهم علم الفرائض بأنه الفقه المتعلق
بالإرث ومعرفة الحساب الموصل إلى معرفة ذلك ومعرفة قدر الواجب من التركة لكل ذي حق. فخرج بالإرث العلم
المتعلق بالصلاة مثلا فلا يسمى علم الفرائض. وعلم الفرائض يحتاج كما نقله القاضي عن الأصحاب إلى ثلاثة علوم: علم
الفتوى بأن يعلم نصيب كل وارث من التركة وعلم النسب بأن يعلم الوارث من الميت بالنسب وكيفية انتسابه للميت،
وعلم الحساب بأن يعلم من أي حساب تخرج المسألة، وحقيقة مطلق الحساب أنه علم بكيفية التصرف في عدد
لاستخراج
مجهول من معلوم. (يبدأ) وجوبا (من تركة الميت) وهي ما يخلفه، فتصدق بما تركه من خمر صار خلا بعد موته ومن شبكة
نصبها فوقع فيها بعد موته صيد فيورث ذلك عنه، وكذلك الدية المأخوذة في قتله بناء على الأصح من دخولها في ملكه قبيل
موته كما قاله الزركشي. ونظر بعضهم في الصورة الثانية، فالتعبير بالتركة أولى من التعبير بالمال المتخلف. وعلق بيبدأ
قوله: (بمؤنة تجهيزه) بالمعروف بحسب يساره وإعساره، ولا عبرة بما كان عليه في حياته من إسرافه وتقتيره، وهي ما يحتاج
إليه الميت من كفن وحنوط وأجرة تغسيل وحفر وغير ذلك لقوله (ص) في الذي وقصته ناقته: كفنوه في ثوبيه ولم يسأل
هل عليه دين أو لا، لاحتياجه إلى ذلك كما تقدم حاجته من ملبس وقوت يوم القسمة على حقوق الغرماء. وإنما يدفع للوارث
ما يستغني عنه المورث، ولأنه إذا كان يترك للحي عند فلسه دست ثوب يليق به فالميت أولى أن يستر ويوارى، لأن الحي
يعالج ويسعى لنفسه، والميت قد انقطع علاجه وسعيه بموته. ويبدأ أيضا بمؤنة تجهيز من على الميت مؤنته إن كان مات
في حياته كما في الروضة في الفلس عن نص الشافعي واتفاق الأصحاب. ويستثنى من إطلاق المصنف المرأة المزوجة وخادمها
فتجهيزهما على زوج غني عليه نفقتهما كما مر في الجنائز، وكالزوجة البائن الحامل. (ثم تقضي) منها (ديونه) المتعلقة بذمته
من رأس المال، سواء أذن الميت في ذلك أم لا لزمته لله تعالى أم لآدمي، لأنها حقوق واجبة عليه. ويقدم دين الله تعالى
كالزكاة والكفارة والحج على دين الآدمي في الأصح. أما المتعلقة بعين التركة فستأتي (ثم) تنفذ (وصاياه) وما ألحق بها من
عتق علق بالموت وتبرع نجز في مرض الموت أو ألحق به، لقوله تعالى: * (من بعد وصية يوصي بها أو دين) *. (من ثلث الباقي)
بعد إخراج دينه كما نبه عليه المصنف بثم، وحكى القرطبي في تفسيره الاجماع عليه. فإن قيل: ما الحكمة في تقديم الوصية
في الآية على الدين مع أنه مقدم؟ أجيب بأن الوصية لما أشبهت الميراث في كونها بلا عوض كان في إخراجها مشقة على
الوارث فقدمت حثا على إخراجها، ولان الوصية غالبا تكون لضعاف فقوى جانبها بالتقديم في الذكر لئلا يطمع فيها
ويتساهل بخلاف الدين، فإن فيه من القوة ما يغنيه عن التقوية بذلك.
تنبيه: قول المصنف: من ثلث الباقي قد يوهم أنه لو استغرق الدين التركة، لم تنفذ الوصية ولم يحكم بانعقادها، حتى
لو تبرع متبرع بقضاء الدين أو أبرأه المستحق منه لا تنفذ الوصية حينئذ، وليس مرادا بل يحكم بانعقادها وتنفذ حينئذ كما
ذكره الرافعي في باب الوصية. فإن قيل: الوصية في الآية مطلقة فلماذا اعتبرت من الثلث؟ أجيب بأنها قيدت
بالسنة في قوله
3

(ص): الثلث والثلث كثير (ثم يقسم الباقي) من التركة (بين الورثة) على ما يأتي بيانه.
تنبيه: قد يوهم كلامه أن الملك لا ينتقل للوارث إلا بعد وفاء الدين والوصية، وليس مرادا، بل الملك في الجميع
ينتقل للوارث بمجرد الموت على الأصح لأن الأصح أن تعلق الدين بالتركة لا يمنع الإرث، وإنما يمنع التصرف فتكون
التركة بكمالها كالمرهونة بالدين وإن قل. وكما نورث الأموال تورث الحقوق، وضبطه المتولي بكل حق لازم تعلق
بالمال كحق الخيار والشفعة بخلاف حق الرجوع في الهبة، واعترضه المصنف في المجموع بأنه غير جامع لخروج أشياء منه
كحد القذف والقصاص والنجاسات المنتفع بها: كالكلب والسرجين وجلد الميتة. (قلت) كالرافعي في الشرح: (فإن تعلق
بعين التركة حق كالزكاة) أي كالمال الذي وجبت فيه لأنه كالمرهون بها، (والجاني) لتعلق أرش الجناية برقبته، (والمرهون)
لتعلق حق المرتهن به، (والمبيع) بثمن في الذمة، (إذا مات المشتري مفلسا) بثمنه ولم يتعلق بالمبيع حق لازم ككتابة، سواء أحجر
على المشتري قبل موته أم لا لتعلق حق فسخ البائع به، (قدم) ذلك الحق (على مؤنة تجهيزه) وتجهيز ممونه، (والله أعلم) تقديما
لحق صاحب التعلق على حقه كما في حال الحياة، وليست صور التعلق منحصرة في المذكورات كما أشار إليه بالكاف في
أولها، والحاصر لها التعلق بالعين، فمنها ما إذا مات رب المال قبل قسمة مال القراض فإن حق العامل يقدم على مؤنة
التجهيز لتصريحهم هناك بأن حقه يتعلق بالعين، فإذا أتلفه المالك إلا قدر حصة العامل ومات ولم يترك غيره تعين للعامل.
ومنها المكاتب إذا أدى نجوم الكتابة ومات سيده قبل الايتاء والمال أو بعضه باق كما سيأتي في بابه. ومنها المعتدة عن
الوفاة بالحمل سكناها مقدم على التجهيز. وذكرت صورا أخرى مع نظم فيها مع إشكال للسبكي في صورتي الزكاة ومبيع
المفلس والجواب عنه في شرح التنبيه. واعلم أن الإرث يتوقف على ثلاثة أمور: وجود أسبابه وشروطه وانتفاء موانعه.
وقد شرع المصنف في بيان الأمر الأول فقال: (وأسباب الإرث) باستقراء أدلة الشرع (أربعة) فلا إرث بغيرها من مؤاخاة
وغيرها مما مر. أولها: (قرابة) وهي الرحم فيرث بها بعض الأقارب من بعض في فرض وتعصيب على ما يأتي تفصيله. (و)
ثانيها: (نكاح) صحيح ولو بلا وطئ فيرث به كل من الزوجين الآخر في فرض فقط: (و) ثالثها: (ولاء) وهي عصوبة سببها
نعمة المعتق مباشرة أو سراية أو شرعا كعتق أصله وفرعه كما سيأتي في محله، فيرث به المعتق في تعصيب فقط. أما القرابة
والنكاح فللآية. وأما الولاء فلقوله (ص): الولاء لحمة كلحمة النسب صححه ابن حبان والحاكم، شبه الولاء بالنسب،
والنسب يورث به فكذا الولاء. (فيرث المعتق العتيق) للخبر السابق (ولا عكس) أي لا يرث العتيق المعتق حيث تمحض
كونه عتيقا، وإلا فقد يتصور الإرث بالولاء من الطرفين في مسألتين: إحداهما إذا أعتق ذمي ذميا ثم استلحق السيد بدار
الحرب فاسترقه عتيقه ثم أعتقه ثم أسلما فكل منهما عتيق الآخر ومعتقه فيثبت لكل منهما الولاء على الآخر مباشرة
فيتوارثان. الثانية: أعتق شخص عبدا فاشترى العتيق أبا معتقه فأعتقه، ثبت لكل منهما الولاء على الآخر السيد بالمباشرة
والعتيق بالسراية، وهذا مما يلغز به فيقال: لنا شخصان لكل منهما الولاء على الآخر. وقد يختص التوارث بأحد الجانبين
في القرابة أيضا كابن الأخ يرث عمته ولا عكس. ولما كانت الأسباب الثلاثة خاصة لم يفرد كلا منها بالذكر، ولما كان
الرابع عاما أفرده، فقال: (والرابع الاسلام) أي جهته فإنها الوارثة كالنسب لا المسلمون بدليل ما لو أوصى بثلث ماله
للمسلمين ولا وارث له فإنها تصح، ولو كان الورثة هم المسلمون لم تصح، فلما صحت دلت على أن الوارث الجهة. (
فتصرف التركة) أي تركة المسلم أو باقيها كما سيأتي، (لبيت المال) لا مصلحة كما قيل بل (إرثا) للمسلمين عصوبة (إذا لم
يكن وارث بالأسباب الثلاثة) المتقدمة، أو كان ولم يستغرق، لقوله (ص): أنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه رواه
4

أبو داود وغيره، وهو (ص) لا يرث لنفسه شيئا، وإنما يصرف ذلك في مصالح المسلمين لأنهم يعقلون عن الميت كالعصبة
من القرابة فيضع الإمام تركته أو باقيها في بيت المال أو يخص منها من يشاء.
تنبيه: أفهم كلام المصنف كغيره استواء جميع المسلمين في استحقاق هذا الإرث أهل البلد وغيرهم ومن كان
موجودا عند الموت أو حدث بعده أو أسلم بعده أو عتق بعده، وهو كذلك وإن خصه ابن الرفعة ببلد الميت، ولكن
لا يعطي مكاتبا ولا قاتلا ولا من فيه رق لا كافرا لأنهم ليسوا وارثين. ولو أوصى لرجل بشئ من التركة أعطيه وجاز
أن يعطى منها أيضا بالإرث فيجمع بين الإرث والوصية، بخلاف الوارث المعين لا يعطى من الوصية شيئا بلا إجازة. أما
الذمي إذا مات لا عن وارث أو وارث غير مستغرق فإن تركته أو باقيها تنتقل لبيت المال فيئا.
فائدة: قال بعضهم: يمكن اجتماع الأسباب الأربعة في الإمام، كأن يملك بنت عمه ثم يعتقها ثم يتزوج بها ثم تموت ولا
وارث لها غيره فهو زوجها وابن عمها ومعتقها وإمام المسلمين. فإن قيل: لا مدخل للولاء وبيت المال مع وجود العاصب
من النسب أجيب بأنها تصورت فيه ولو لم يرث بها كلها. فإن قيل: الإمام ليس بيت المال. أجيب بأنه قد تقدم أن الوارث
جهة الاسلام وهي حاصلة فيه. وأما شروط الإرث فهي أربعة أيضا: أولها تحقق موت المورث أو إلحاقه بالموتى تقديرا،
كجنين انفصل ميتا في حياة أمه أو بعد موتها بجناية على أمه موجبة للغرة فتقدر أن الجنين عرض له الموت لتورث عنه
الغرة، أو إلحاق المورث بالموتى حكما كما في حكم القاضي بموت المفقود اجتهادا. وثانيها: تحقق حياة الوارث بعد موت مورثه
ولو بلحظة. وثالثها: معرفة إدلائه للميت بقرابة أو نكاح أو ولاء. ورابعها: الجهة المقتضية للإرث تفصيلا، وهذا يختص
بالقاضي فلا تقبل شهادة الإرث مطلقة كقول الشاهد للقاضي هذا وارث هذا بل لا بد في شهادته من بيان الجهة التي
اقتضت إرثه منه، ولا يكفي أيضا قول الشاهد: هذا ابن عمه بل لا بد من العلم بالقرب والدرجة التي اجتمعا فيها. وأما موانع
الإرث فستأتي في كلامه. (والمجمع على إرثهم من الرجال) أي الذكور، ولو عبر بهم كان أولى لكن المراد الجنس، وكذا
في النساء فيشمل غير البالغين من الذكور والإناث (عشرة) بالاختصار وخمسة عشرة بالبسط، وهم: (الابن وابنه) وهذا
يغني عنه قوله: (وإن سفل) إلا أن يكون قصده التنبيه على إخراج ابن البنت. (والأب وأبوه وإن علا والأخ) لأبوين
ولأب ولأم، (وابنه) أي الأخ. وقوله: (إلا من الأم) استثناء من ابنه فقط: أي ابن الأخ لأبوين أو لأب. أما ابنه لأم
فمن ذوي الأرحام كما سيأتي. (والعم) لأبوين أو لأب، ويدخل في ذلك عم الأب وعم الجد وإن علا، ويدخل في ابنه الآتي
ابناهما. (إلا) العم (للأم) فمن ذوي الأرحام. (وكذا ابنه) أي العم لأبوين ولأب، (والزوج المعتق) والمراد به من صدر
منه الاعتاق أو ورث به فلا يرد على الحصر في العشرة عصبة المعتق ومعتق المعتق. (و) المجمع على إرثهن (من النساء سبع)
بالاختصار وعشرة بالبسط. وهن: (البنت وبنت الابن وإن سفل) أي الابن، ووقع في بعض نسخ المحرر: وإن سفلت،
وليس بجيد لدخول بنت بنت الابن وليست بوارثة، لكن يلزم على عبارة المصنف عود الضمير على المضاف إليه
والمتعارف عوده للمضاف. (والأم والجدة) من قبل الأم والأب وإن علت، (والأخت) من جهاتها الثلاث، (والزوجة
والمعتقة) وهي من صدر منها العتق أو ورثت به كما مر.
تنبيه: الأفصح أن يقال في المرأة زوج والزوجة لغة مرجوحة. قال المصنف: واستعمالها في باب الفرائض متعين
ليحصل الفرق بين الزوجين اه‍. والشافعي رضي الله تعالى عنه يستعمل في عبارته المرأة، وهو حسن. (فلو اجتمع كل
الرجال) فقط ولا يكون إلا والميت أنثى، (ورث) منهم ثلاثة (الأب والابن والزوج فقط) لأنهم لا يحجبون ومن بقي
محجوب بالاجماع، فابن الابن بالابن والجد بالأب والباقي محجوب بكل منهما أو بالابن، وتصح مسألتهم من اثني عشر
لأن فيها ربعا وسدسا: للزوج الربع، وللأب السدس، وللابن الباقي.
5

فائدة: شبه الفرضيون عمود النسب بالشئ المدلى من علو، فأصل كل إنسان أعلى منه وفرعه أسفل منه، وكان
مقتضى تشبيهه بالشجرة أن يكون أصله أسفل منه وفرعه أعلى كما في الشجرة، فيقال في أصله: وإن سفل، وفي فرعه:
وإن علا. (أو) اجتمع (كل النساء) فقط، ولا يكون إلا والميت ذكر، (ف‍) - الوارث منهن خمسة، وهن: (البنت وبنت الابن
والأم والأخت للأبوين والزوجة) والباقي من النساء محجوب: الجدة بالام والأخت للأم بالبنت، وكل من الأخت
للأب، والمعتقة بالشقيقة لكونها مع البنت، وبنت الابن عصبة تأخذ الفاضل عن الفروض، وتصح مسألتهن من أربعة
وعشرين لأن فيها سدسا وثمنا: للأم السدس، وللزوجة الثمن، وللبنت النصف، ولبنت الابن السدس، وللأخت الباقي،
وهو سهم.
تنبيه: يجوز في النساء الجر بتقدير كل كما قدرته، والرفع إن لم يقدرها. (أو) اجتمع (الذين يمكن اجتماعهم من الصنفين)
الرجال والنساء، بأن اجتمع كل الرجال والنساء إلا الزوجة فإنها الميتة، أو كل النساء والرجال إلا الزوج فإنه الميت
ورث كل منهم في المسألتين خمسة، بينها المصنف بقوله: (فالأبوان والابن والبنت وأحد الزوجين) وهو الزوج حيث الميت
الزوجة، وهي حيث الميت الزوج، لحجبهم من عداهم، فالأولى من اثني عشر: للأبوين السدسان أربعة وللزوج الربع
ثلاثة، والباقي وهو خمسة بين الابن والبنت أثلاثا، ولا ثلث له صحيح، فتضرب ثلاثة في اثني عشر تبلغ ستة وثلاثين،
ومنها تصح. والثانية أصلها أربعة وعشرون: للزوجة الثمن، وللأبوين السدسان، والباقي وهو ثلاثة عشر بين الابن والبنت
أثلاثا، ولا ثلث له صحيح، فتضرب ثلاثة في أربعة وعشرين تبلغ اثنين وسبعين ومنها تصح.
تنبيه: أفهم قول المصنف: أو الذين يمكن اجتماعهم من الصنفين استحالة اجتماع الزوج والزوجة على ميت واحد.
قال الزركشي: ويمكن أن يتصور، وذلك فيما إذا أقام رجل بينة على ميت مكفن أنه امرأته وهؤلاء أولاده منها،
وأقامت امرأة بينة على أنه زوجها وهؤلاء أولادها منه، فكشف عنه فإذا هو خنثى له آلة الرجال وآلة النساء. وقد
ذكرت تصحيح هذه المسألة وتفاريعها في شرح التنبيه.
ضابط: كل من انفرد من الذكور حاز جميع التركة إلا الزوج والأخ للأم، ومن قال بالرد لا يستثني إلا الزوج،
وكل من انفرد من الإناث لا يحوز جميع المال إلا المعتقة، ومن قال بالرد لا يستثنى من حوز جميع المال إلا الزوجة.
(ولو فقدوا) أي الورثة من الرجال والنساء، (كلهم) أو فضل عمن وجد منهم شئ، (فأصل) المنقول في (المذهب أنه لا يورث
ذوو الأرحام) أصلا، وسيأتي بيانهم، لقوله (ص): إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث،
ووجه الدلالة منه
عدم ذكرهم في القرآن. قال سليم في التقريب: وفي الحديث: أنه (ص) ركب إلى قبا يستخير الله تعالى في العمة والخالة،
فأنزل الله تعالى: * (لا ميراث لهما) * رواه أبو داود في مراسيله، ومقابل المذهب قول المزني وابن سريج أنهم يرثون كمذهب
أبي حنيفة وأحمد. (و) أصل المذهب أيضا فيما إذا لم يفقدوا كلهم، بأن وجد بعضهم ولم يستغرق التركة أنه (لا يرد) ما بقي
(على أهل الفرض) فيما إذا فضل عنهم شئ. وهذا لولا ما قدرته لكان لا تعلق له بما قبله، إذ صورة المتن فقد الكل فيكون
استئنافا لفقد البعض، فإذا وجد ذو فرض كالبنتين والأختين أخذتا فرضيهما ولا يرد عليهما الباقي لقوله تعالى: * (فلهما الثلثان
مما ترك) * والرد يقتضي أخذهما الكل. (بل المال) كله في فقدهم كلهم أو الباقي في فقد بعضهم بعد الفروض (لبيت المال) سواء انتظم
أمره بإمام عادل يصرفه في جهته أم لا، لأن الإرث للمسلمين والإمام ناظر ومستوف لهم والمسلمون لم يعدموا، وإنما عدم المستوفي
لهم فلم يوجب ذلك سقوط حقهم، هذا هو منقول المذهب في الأصل، وقد يطرأ على الأصل ما يقتضي مخالفته كما قال: (وأفتى
6

المتأخرون) من الأصحاب: يعني جمهورهم، (إذا لم ينتظم أمر بيت المال) لكون الإمام غير عادل، (بالرد) أي بأن
يرد (على أهل الفرض) لأن المال مصروف إليهم أو إلى بيت المال بالاتفاق، فإذا تعذرت إحدى الجهتين
تعينت الأخرى. وليس في كلام المصنف تصريح باختيار هذا، لكن قال في زيادة الروضة إنه الأصح أو الصحيح عند
محققي أصحابنا، منهم ابن سراقة من كبار أصحابنا ومتقدميهم، أي لأنه كان موجودا قبل الأربعمائة، وقال: إنه قول
عامة مشايخنا، وجرى على ذلك أيضا القاضي الحسين والمتولي والجوجري وصاحب الحاوي وآخرون، فتخصيص المصنف
له بفتوى المتأخرين ليس بواضح. وكلامه قد يوهم إنه إذا قلنا بعدم الرد أنه يصرف لبيت المال وإن لم ينتظم، وليس
مرادا قطعا، بل إن كان في يد أمين نظر إن كان في البلد قاض مأذون له في التصرف في مال المصالح دفع إليه وإن لم يكن
قاض بشرطه صرف الأمين بنفسه إلى المصالح. فإن قيل: يجوز دفع الزكاة إلى الجائر، فهلا كان هنا كذلك أجيب
بأن للمتصدق غرضا صحيحا في براءة ذمته بيقين بخلاف الميراث. وقوله: (غير الزوجين) يجر غير على الصفة أو نصبها
على الاستثناء من زيادته، لأن علة الرد القرابة، وهي مفقودة فيهما، ونقل ابن سريج فيه الاجماع. هذا إن لم يكونا من
ذوي الأرحام. فلو كان مع الزوجية رحم: كبنت الخالة وبنت العم، وجب عند القائلين بالرد الرد عليهما لكن الصرف
إليهما من جهة الرحم لا من جهة الزوجية. وإنما يرد (ما فضل عن فروضهم بالنسبة) لسهام من يرد عليه
طلبا للعدل
فيهم. فإن كان صنفا واحدا كالبنت والأخت أخذ الفرض والباقي بالرد، أو جماعة من صنف كالبنات فالباقي لهم
بالسوية، أو صنفين فأكثر رد الباقي عليهم بقدر سهامهم. ففي بنت وأم يبقى بعد إخراج فرضيهما سهمان من ستة:
للأم ربعهما نصف سهم، وللبنت ثلاثة أرباعهما، فتصح المسألة من اثني عشر إن اعتبرت مخرج النصف، ومن
أربعة وعشرين إن اعتبرت مخرج الربع، وهو الموافق للقاعدة. وترجع بالاختصار على التقديرين إلى أربعة: للنبت
ثلاثة، وللأم واحد. وفي بنت وأم وزوج يبقى بعد إخراج فروضهم سهم من اثني عشر: ثلاثة أرباعه للبنت وربعه
للأم، فتصح المسألة من ثمانية وأربعين، وترجع بالاختصار إلى ستة عشر: للزوج أربعة، وللبنت تسعة، وللأم
ثلاثة. وفي بنت وأم وزوجة يبقى بعد إخراج فروضهن خمسة من أربعة وعشرين: للأم ربعها سهم وربع، فتصح
المسألة من ستة وتسعين وترجع بالاختصار إلى اثنين وثلاثين: للزوجة أربعة، وللبنت أحد وعشرون، وللأم سبعة.
قال الشارح: ويقال على وفق الاختصار ابتداء في المسألة الأولى سهامها من الستة المسألة: أي فيجعلها من أربعة.
وفي اللتين بعدها الباقي من مخرج الربع، والثمن للزوجين بعد نصيبهما لا ينقسم على أربعة سهام الأم والبنت من
مسألتهما، فتضرب في كل من المخرجين: أي فتضرب في المسألة الثانية أربعة في أربعة بستة عشر، وفي الثالثة أربعة
في ثمانية باثنين وثلاثين. وهذه الطريقة لم أرها لغيره. وهي مختصرة مفيدة. والرد ضد العول الآتي، لأنه زيادة
في قدر السهام ونقص في عددها، والعول نقص في قدرها وزيادة في عددها. (فإن لم يكونوا) أي أصحاب الفروض بأن
لم يوجد أحد منهم، (صرف) المال (إلى ذوي الأرحام) لحديث: الخال وارث من لا وارث له رواه أبو داود،
وصححه ابن حبان والحاكم. وإنما قدم الرد عليهم لأن القرابة المفيدة لاستحقاق الفرض أقوى. وإذا صرف إليهم
فالأصح تعميمهم، وقيل: يخص به الفقراء منهم.
تنبيه: قوله: صرف لا يعلم منه أنه على جهة الإرث أو المصلحة، وفي المسألة وجهان صحح المصنف الأول والرافعي
الثاني. وفي كيفية توريثهم مذهبان: مذهب أهل التنزيل، وهو أن ينزل كل فرع منزلة أصله الذي يدلى به إلى الميت،
ومذهب أهل القرابة وهو توريث الأقرب فالأقرب كالعصبات، والأول هو الأصح. والمذهبان متفقان على أن من انفرد
منهم حاز جميع المال ذكرا كان أو أنثى، وإنما يظهر الاختلاف عند اجتماعهم، ويقدم منهم الأسبق إلى الوارث لا إلى
الميت، لأنه بدل عن الوارث باعتبار القرب إليه أولى، فإن استووا في السبق إليه قدر كان الميت خلف من يدلون به
7

من الورثة واحدا كان أو جماعة، ثم يجعل نصيب كل واحد منهم للمدلين به الذين نزلوا منزلته على حسب ميراثهم منه
لو كان هو الميت، فإن كانوا يرثون بالعصوبة اقتسموا نصيبه للذكر مثل حظ الأنثيين، أو بالفرض اقتسموا نصيبه
على حسب فروضهم، ويستثنى من ذلك أولاد الأخ من الأم والأخوال والخالات منها فلا يقتسمون ذلك للذكر مثل
حظ الأنثيين بل يقتسمونه بالسوية. وقضية كلامهم أن إرث ذوي الأرحام كإرث من يدلون به في أنه إما بالفرض أو
بالتعصيب وهو ظاهر، وقول القاضي توريثهم توريث بالعصوبة لأنه يراعى فيه القرب ويفضل الذكر ويجوز المنفرد
الجميع تفريع على مذهب أهل القرابة. ولنذكر أمثلة يتضح بها الفرق بين المذهبين تتميما للفائدة: بنت بنت وبنت بنت
ابن فعلى الأول يجعلان بمنزلة بنت وبنت ابن فيجوزان المال بالفرض والرد أرباعا بنسبة إرثهما، وعلى الثاني المال
لبنت البنت لقربها إلى الميت بنت ابن بنت وبنت بنت ابن المال للثانية بالاتفاق، أما على الأول فلأنها أسبق إلى الوارث،
وأما على الثاني فلانه المعتبر عند استواء الدرجة بنت بنت وابن وبنت من بنت أخرى للبنت النصف والنصف الآخر
بين الابن وأخته أثلاثا بأن يجعل المال بين بنتي الصلب بالفرض والرد ثم يجعل نصف البنت الأولى لبنتها ونصف
الأخرى لو لديها أثلاثا، والتنزيل إنما هو بالنسبة للإرث لا بالنسبة للحجب كما أفاد فيه شيخي رحمه الله فاستفده فإني لم أر
من ذكره فلو مات شخص عن زوجة وبنت بنت لا تحجبها إلى الثمن، وكذا البقية ثلاث بنات إخوة متفرقين، السدس
لبنت الأخ للأم والباقي لبنت الأخ من الأبوين اعتبارا بالآباء، وبنت الأخ من الأب محجوبة لحجب أبيها بالشقيق،
وتصح من ستة ثلاثة بني أخوات متفرقات المال بينهم على خمسة كما هو بين أمهاتهم بالفرض والرد. (وهم) لغة: كل
قريب، وشرعا: (من سوى المذكورين) بالإرث (من الأقارب) هو بيان لمن. (وهم عشرة أصناف) جمع صنف
بمعنى النوع وفتح صاده لغة: (أبو الأم وكل جد وجدة ساقطين) كأبي أبي الأم وأم أبي الأم، وهذان صنف واحد
ومن جعلهما صنفين عد ذوي لأرحام أحد عشر. (وأولاد البنات) للصلب كبنت بنت، أو للابن كبنت بنت ابن،
ذكورا كانوا أو إناثا كما يشير إليه تعبيره بأولاد وإنما لم يذكروا أولاد بنات الابن لأن لفظ البنات شامل لهم كما
أدخلتهم في كلام المصنف. (وبنات الاخوة) لأبوين أو لأب أو لأم، (وأولاد الأخوات) كذلك، وبنو الاخوة للأم
وكذا بناتهم كما فهم بالأولى.
تنبيه: لما كان فرع الأخوات لا يرث مطلقا ذكرا كان أو أنثى، عبر بالأولاد الشامل للصنفين كما مر، وقيد
فرع الاخوة بالبنات ليخرج ذكورهم. وإنما عبر ببني الاخوة للأم لأن بناتهم دخلوا في عموم قوله أولا بنات الاخوة
ولفهمهن بالأولى من ذكر البنين كما مر. (والعم) بالرفع، (للأم) وهو أخو الأب لامه، (وبنات الأعمام) الأبوين
أو لأب أو لأم، وكذا بنو الأعمام للأم، (والعمات) بالرفع، (والأخوال والخالات) كل منهم من جهاته الثلاث، (
والمدلون بهم) أي العشرة ما عدا الساقط من الجد والجدة إذ لم يبق في ذلك الساقط من يدلي به، وهذا معطوف على
عشرة فيكون زائدا عليهم.
فروع: الأول: لو خلف ثلاث خالات وثلاث عمات متفرقات كان للخالات الثلث لأنه نصيب الأم لو كانت
حية مع الأب، وللعمات الثلثان لأنه نصيب الأب لو كان حيا مع الأم الثاني: أولاد الأخوال والخالات والعمات والأعمام
من الأم كآبائهم وأمهاتهم انفرادا واجتماعا يسقط الأقرب الابعد منهم إلى الوارث كما سبق، فإن كان في درجتهم بنت
عم فأكثر لغير أم أخذت المال لسبقها إلى الوارث الثالث أخوال الأم وخالاتها بمنزلة أم الأم فيرثون ما ترثه ويقتسمون
بينهم كما لو ماتت عنهم، وأعمامها وعماتها بمنزلة أبي الأم فيرثون ما يرثه، وعماته بمنزلة أبي الأب فيرثن ما يرثه، وهكذا
8

كل خال وخالة بمنزلة الجدة التي هي أختها، وكل عم وعمة بمنزلة الجد الذي هو أخوها.
فصل: في بيان الفروض وأصحابها، وهم كل من له سهم مقدر شرعا لا يزيد ولا ينقص وقدر ما يستحقه كل
منهم: (الفروض) جمع فرض بمعنى نصيب، أي الأنصباء، (المقدرة) أي المحصورة للورثة بأن لا يزاد عليها ولا ينقص
منها إلا لعارض كعول فينقص أو رد فيزاد. (في كتاب الله تعالى) للورثة، وخبر الفروض قوله: (ستة) بعول وبدونه،
ويجمعها: هباديز، ويعبر عنها بعبارات أخصرها الربع والثلث وضعف كل ونصفه، وإن شئت قلت: النصف ونصفه ونصف
نصفه والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما، وإن شئت قلت: النصف ونصفه وربعه والثلثان ونصفهما وربعهما، ويخرج
بقوله: في كتاب الله تعالى السدس الذي للجدة ولبنت الابن، إلا أن يقال السدس مذكور في كتاب الله تعالى لا مع كون
من يستحقه أما أو جدة أو بنت ابن والسبع والتسع في مسائل العول، إلا أن يقال الأول سدس عائل والثاني ثمن عائل
وثلث ما يبقى في الغراوين كزوج وأبوين، أو زوجة وأبوين، وفي مسائل الجد حيث معه ذو فرض كأم وجد وخمسة إخوة
فإنه من قبيل الاجتهاد. فأحد الفروض (النصف) بدأ المصنف به كغيره لكونه أكبر كسر مفرد، قال السبكي: وكنت
أود أن لو بدؤوا بالثلثين، لأن الله تعالى بدأ بهما، حتى رأيت أبا النجا والحسين بن عبد الواحد الوفي بدءا بهما فأعجبني
ذلك. وهو (فرض خمسة): فرض (زوج لم تخلف زوجته ولدا ولا ولد ابن) وارثا بالقرابة الخاصة وإن سفل ذكرا
كان أو أنثى مفردا أو جمعا، لقوله تعالى: * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد) *، وولد الابن كالابن إجماعا،
ولفظ الولد يشملهما إعمالا له في حقيقته ومجازه. وإنما بدأ المصنف رضي الله عنه تبعا للشافعي والأصحاب بالزوج وإن كان
الله تعالى قد بدأ بالأولاد، لأن مقصود الفرضيين التعليم والتقريب من الافهام، والابتداء بما يقل فيه الكلام أسهل
وأقرب إلى الفهم فيتدرب المتعلم. والكلام على الزوجين أقل منه على غيرهما، والله تعالى بدأ بما هو الأولى عند الآدمي
وهو الولد. وخرج بالوارث ولد قام به مانع من نحو رق ككفر، وبالقرابة الخاصة الوارث بعمومها كولد البنت فلا اعتبار به
وإن ورثنا ذوي الأرحام كما مرت الإشارة إليه. (و) فرض (بنت أو بنت ابن) وإن سفل، لقوله تعالى في البنت: * (وإن
كانت واحدة فلها النصف) *. وبنت الابن كالبنت لما مر في ولد الابن. (أو أخت لأبوين أو لأب) لقوله تعالى: * (وله أخت
فلها نصف ما ترك) *، والمراد غير الأخت للأم لما سيأتي أن لها السدس. وقوله: (منفردات) راجع إلى الأربع، وأخرج
به ما لو اجتمعن مع إخوتهن أو أخواتهن أو اجتمع بعضهن مع بعض كما سيأتي بيانه. وليس المراد الانفراد مطلقا فإنه
لو كان مع كل من الأربع زوج فلها النصف أيضا. (و) ثانيها (الربع) وهو (فرض) اثنين، فرض (زوج لزوجته
ولد أو ولد ابن) منه أو من غيره وارث بالقرابة الخاصة، لقوله تعالى: * (فإن كان لهن ولد فلكم الربع) * وولد الابن كالابن
كما مر، وخرج به ولد البنت. () فرض (زوجة ليس لزوجها واحد) وارث (منهما) لقوله تعالى: * (ولهن الربع مما تركتم
إن لم يكن لكم ولد) * وولد الابن كالولد كما مر.
تنبيه: قد ترث الأم الربع فرضا في حال يأتي فيكون الربع لثلاثة. (و) ثالثها (الثمن) ويقال فيه ثمين أيضا، وهو
(فرضها) أي الزوجة (مع أحدهما) أي الولد وولد الابن الوارث وإن سفل، سواء أكان منها أم لا، لقوله تعالى: * (فإن كان
لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم) *، وولد الابن كالابن كما مر.
تنبيه: المراد بالزوجة الجنس الصادق بالواحدة والأكثر، فالزوجتان أو الثلاث أو الأربع يشتركان أو يشتركن
في كل من الربع والثمن. وإنما جعل للزوج في حالتيه ضعف ما للزوجة في حالتيها لأن فيه ذكورة، وهي تقتضي
التضعيف، فكان معها كالابن مع البنت. (و) رابعها (الثلثان) وهو (فرض) أربعة: فرض (بنتين فصاعدا) بالنصب على
الحال وناصبه واجب الاضمار: أي ذاهبا من فرض عدد الابنتين إلى حالة الصعود عن الابنتين، ولا يجوز فيه غير النصب،
9

وإنما يستعمل بالفاء وثم لا بالواو كما في المحكم: (و) فرض (بنتين ابن فأكثر) منهما، سواء أكن من أب أم
آباء. (و) فرض
(أختين فأكثر) منهما (لأبوين أو لأب) وضابط من يرث الثلثين من تعدد من الإناث ممن فرضه النصف عند انفرادهن عمن
يعصبهن أو يحجبهن، وذلك لقوله تعالى في البنات: * (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) *، وفي الأخوات: * (فإن كانتا
اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) * نزلت في سبع أخوات لجابر بن عبد الله لما مرض وسأل عن إرثهن منه كما في الصحيحين، فدل
على أن المراد منها الأختان فأكثر. وقيس بالأختين البنتان وبنتا الابن والأخوات أو البنات بنات الابن، بل هن داخلات
في لفظ البنات على القول بإعمال اللفظ في حقيقته ومجازه. على أنه قيل: إن فوق صلة كما في قوله تعالى: * (فاضربوا فوق
الأعناق) *، وعليه فالآية تدل على البنتين. ويقاس بهما بنتا الابن أو هما داخلتان كما مر، وبالأخوات البنات وبنات الابن.
ومما احتج به أيضا أن الله تعالى قال: * (للذكر مثل حظ الأنثيين) * وهو لو كان مع واحدة كان حظها الثلث. فأولى
وأحرى أن يجب لها ذلك مع أختها. (و) خامسها (الثلث) وهو فرض اثنين: (فرض أم ليس لميتها ولد) وارث (ولا
ولد ابن) وارث (ولا اثنان من الاخوة والأخوات) للميت، سواء أكانوا أشقاء أم لا ذكورا أم لا محجوبين بغيرهما
كأخوين لأم مع جد أم لا، لقوله تعالى: * (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس) *
وولد الابن ملحق بالولد كما مر. والمراد بالاخوة اثنان فأكثر إجماعا قبل إظهار ابن عباس الخلاف. ويشترط أيضا
أن لا يكون مع الأم أب وأحد الزوجين فقط، فإن كان معها ذلك ففرضها ثلث الباقي كما سيأتي. (وفرض اثنين فأكثر
من ولد الأم) يستوي فيه الذكر وغيره، لقوله تعالى: * (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت) * الآية،
والمراد أولاد الأم بدليل قراءة ابن مسعود وغيره: وله أخ أو أخت من أم وهي وإن لم تتواتر لكنها كالخبر في العمل
بها على الصحيح، لأن مثل ذلك إنما يكون توقيفا. وإنما سوى بين الذكر والأنثى لأنه لا تعصيب فيمن أدلوا به
بخلاف الأشقاء ولأب، فإن فيهم تعصيبا، فكان للذكر مثل حظ الأنثيين كالبنتين والبنات، ذكره ابن أبي هريرة
في تعليقه. (وقد يفرض) الثلث (للجد مع الاخوة) فيما إذا نقص عنه بالمقاسمة، كما لو كان معه ثلاثة إخوة فأكثر كما
سيأتي، وبهذا يكون فرض الثلث لثلاثة، وإن لم يكن الثالث في كتاب الله كما مر. (و) سادسها (السدس) وهو (فرض
سبعة): فرض (أب وجد) وارث (لميتهما ولد أو ولد ابن) ذكرا كان أو أنثى لقوله تعالى: * (ولأبويه لكل واحد منهما
السدس) * الآية، وولد الابن كالولد كما مر والجد كالأب. (و) فرض (أم لميتها ولد أو ولد ابن) وارث (أو اثنين) فأكثر
(من الاخوة والأخوات) لما مر في الآيتين.
تنبيه: قوله: اثنين قد يشمل ما لو ولدت امرأة ولدين ملزقين لهما رأسان وأربع أرجل وأربع أيد وفرجان ولها
ابن آخر، ثم مات هذا الابن وترك أمه وهذين فيصرف لها السدس، وهو كذلك، لأن حكمهما حكم الاثنين في سائر الأحكام
من قصاص ودية وغيرهما. وتعطى أيضا السدس مع الشك في وجود أخوين كأن وطئ اثنان امرأة بشبهة
وأتت بولد واشتبه الحال ثم مات الولد قبل لحوقه بأحدهما ولأحدهما دون الآخر ولدان، فللام من مال الولد السدس
في الأصح أو الصحيح كما في زيادة الروضة في العدد. وإذا اجتمع مع الأم الولد أو ولد الابن واثنان من الاخوة، فالذي
ردها من الثلث إلى السدس الولد لقوته كما بحثه ابن الرفعة. (و) فرض (جدة) وارثة لأب أو لأم، لخبر أبي داود
وغيره: أنه (ص) أعطى الجدة السدس والمراد بها الجنس: لأن الجدتين فأكثر الوارثات يشتركان
أو يشتركن في السدس كما سيأتي. وروى الحاكم بسند صحيح أنه (ص) قضى به للجدتين.
10

(و) يفرض أيضا (لبنت ابن) فأكثر (مع بنت صلب) أو مع بنت ابن أقرب منها تكملة الثلثين، لقضائه (ص)
بذلك في بنت الابن مع البنت، رواه البخاري عن ابن مسعود، وقيس عليه الباقي، ولان البنات ليس لهن أكثر من الثلثين،
والبنت وبنات الابن أولى بذلك. (و) يفرض أيضا (لأخت) لأب (أو أخوات لأب مع أخت لأبوين) كما في البنت وبنات
الابن، (ولو أحد من ولد الأم) ذكرا كان أو أنثى أو خنثى، لقوله تعالى: * (وله أخ أو أخت) * الآية.
تتمة: أصحاب الفروض ثلاثة عشر: أربعة من الذكور الزوج والأخ للأم والأب والجد، وقد يرث الأب والجد
بالتعصيب فقط، وقد يجمعان بينهما، وسيأتي بيانه. وتسعة من الإناث الأم والجدتان والزوجة والأخت للأم وذوات
النصف الأربع. ولما فرغ المصنف من بيان الوارث وأصحاب الفروض شرع فيمن يحجب ومن لا يحجب، فقال:
فصل: في الحجب: وهو لغة المنع، وشرعا منع من قام به سبب الإرث بالكلية أو من أوفر حظيه. ويسمى الأول
حجب حرمان، والثاني حجب نقصان، فالثاني كحجب الولد الزوج من النصف إلى الربع وقد مر، ويمكن دخوله على
جميع الورثة. والأول قسمان: حجب بالوصف، ويسمى منعا كالقتل والرق، ويمكن دخوله على جميع الورثة أيضا
وسيأتي، وحجب بالشخص أو الاستغراق، وهو المراد بهذا الفصل كما يؤخذ من قوله: (الأب والابن والزوج لا يحجبهم
أحد) من الإرث إجماعا، ولان كلا منهما يدلي إلى الميت بنفسه بنسب أو نكاح وليس فرعا لغيره، والأصل مقدم
على الفرع. (وابن الابن) وإن سفل (لا يحجبه) من العصبة (إلا الابن) أباه كان أو عمه، لادلائه به أو لأنه عصبة أقرب منه،
وهذا مجمع عليه. (أو ابن ابن أقرب منه) كأبن ابن وابن ابن ابن، ومن هذا يعلم أن قوله أولا: ابن الابن مراده: وإن سفل، كما
قدرته حتى ينتظم مع هذا. فإن قيل: يرد على الحصر أنه يحجبه أيضا أبوان وابنتان. أجيب بأنه سيذكره آخر الفصل في
قوله: وكل عصبة يحجبه أصحاب فروض مستغرقة. (والجد) أبو الأب وإن علا (لا يحجبه إلا) ذكر (متوسط بينه وبين
الميت) بالاجماع، لأن من أدلى بشخص لا يرث مع وجوده إلا أولاد الأم.
تنبيه: لم يقيد المصنف المتوسط بالذكر كما قدرته إيضاحا، لأن من بينه وبين الميت أنثى لا يرث أصلا فلا يسمى
حجبا، وإنما عبر بمتوسط ليتناول حجب الجد لأبيه وما فوقه من الصور. (والأخ لأبوين يحجبه) ثلاثة: (الأب والابن
وابن الابن) وإن سفل بالاجماع. (و) الأخ (لأب يحجبه) أربعة: (هؤلاء) الثلاثة لأنهم إذا حجبوا الشقيق فهو أولى،
(وأخ لأبوين) لقوته بزيادة القرب. فإن قيل: يرد على الحصر أنه يحجب أيضا ببنت وأخت شقيقة، ولا يصح أن
يجاب عنه بما مر لأنه في هذه الصورة لم يحجبه أصحاب فروض مستغرقة، لأن الأخت مع البنت عصبة. أجيب
بأن كلامه فيمن يحجب بمفرده، وكل من البنت والأخت لا تحجب الأخ بمفردها، بل مع غيرها (و) الأخ (لأم
يحجبه) أربعة: (أب وجد وولد) ذكرا كان أو أنثى، (وولد ابن) ولو أنثى بالاجماع، ولآيتي الكلالة المفسرة بمن لا ولد
له ولا والد. أما الأم فلا تحجبهم وإن أدلوا بها كما مرت الإشارة إليه، لأن شرط حجب المدلي بالمدلى به: إما اتحاد
جهتهما كالجد مع الأب والجدة مع الأم، أو استحقاق المدلى به كل التركة لو انفرد كالأخ مع الأب، والأم مع ولدها
ليست كذلك لأنها تأخذ بالأمومة وهو بالاخوة، ولا تستحق جميع التركة إذا انفردت (وابن الأخ لأبوين يحجبه ستة:
أب) لأنه يحجب أباه فهو أولى (وجد) لأنه في درجة أبيه فحجبه كأبيه، (وابن ابنه) لأنهما يحجبان أباه فهو أولى، (وأخ
11

لأبوين) لأنه إن كان أباه فهو يدلي به وإن كان عمه فهو أقرب منه، (و) أخ (لأب) لأنه أقرب منه.
تنبيه: إنما ضبط المصنف هذا بالعدد دون غيره دفعا للالباس في قوله بعد: ولأب، لئلا يتوهم التكرار وإرادة للتنبيه
على أن قوله: ولأب الثاني معطوف على ابن الأخ لأبوين لا على ما يليه. (و) ابن الأخ (لأب يحجبه) سبعة: (هؤلاء) الستة لما
سبق، (وابن الأخ لأبوين) لقوته.
فرع: لو تعارض قرب جهة كابن ابن أخ شقيق وابن أخ لأب قدم ابن الأخ لأب، لأن بنوة الأخ جهة واحدة
يقدم فيها الأقرب. (والعم لأبوين يحجبه) ثمانية: (هؤلاء) السبعة لما سبق، (وابن أخ لأب) لقرب درجته، (و) العم (لأب يحجبه
تسعة: هؤلاء) الثمانية لما مر، (وعم لأبوين) لقوته. فإن قيل: يرد على المصنف أن العم يطلق على عم الميت وعم أبيه وعم
جده، وابن عم الميت يقدم على عم أبيه، وابن عم أبيه يقدم على عم جده لقوة جهته كما يقدم ابن الأب وهو الأخ
على
ابن الجد وهو العم. أجيب بأن مراده عم الميت لا عم أبيه ولا عم جده. (وابن عم لأبوين يحجبه) عشرة: (هؤلاء) التسعة
لما مر، (وعم لأب) لأنه في درجة أبيه فقدم عليه لزيادة قربه. (و) ابن عم (لأب يحجبه) أحد عشر: (هؤلاء) العشرة لما سلف،
(وابن عم لأبوين) لقوته. (والمعتق يحجبه عصبة النسب) بالاجماع، لأن النسب أقوى من الولاء. إذ تتعلق به أحكام
لا تتعلق بالولاء كالمحرمية ووجوب النفقة وسقوط القصاص وعدم صحة الشهادة ونحوها. ولما فرغ من حجب الذكور
شرع في حجب الإناث فقال: (والبنت والأم والزوجة لا يحجبن) عن إرثهن بالاجماع لما مر في الأب والابن والزوج.
فائدة: ضابط من لا يدخل عليه الحجب بالشخص كل من أدلى إلى الميت بنفسه إلا المعتق والمعتقة. (وبنت الابن
يحجبها ابن) لأنه أبوها أو عمها وهو بمنزلة أبيها، (أو بنتان) لأن الثلثين فرض البنات ولم يبق منه شئ، (إذا لم يكن معها) أي
بنت الابن (من يعصبها) سواء أكان في درجاتها كأخيها أم أسفل منها كابن ابن عمها كما سيأتي. وهذا قيد في الأخير فقط.
فإن كان معها من يعصبها اشتركت معه فيما بقي بعد ثلثي البنتين للذكر مثل حظ الأنثيين. (والجدة للأم لا يحجبها إلا الأم)
إذ ليس بينها وبين الميت غيرها فلا تحجب بالأب ولا بالجد.
فائدة: قد ترث الجدة مع بنتها إن كانت بنتها جدة أيضا فيكون السدس بينهما نصفين، وذلك في جدة الميت
من جهة أبيه وأمه، وصورتها: لزينب مثلا بنتان حفصة وعمرة ولحفصة ابن ولعمرة بنت بنت فنكح ابن حفصة بنت
بنت خالته عمرة فأتت بولد فلا تسقط عمرة التي هي أم أم أم الولد أمها زينب، لأنها أم أم أبي الولد. وأخصر من ذلك
أن يقال: مات زيد عن فاطمة أم أبيه وعن أمها زينب وهي أم أم أمه فيشتركان في السدس، ذكره القاضي وغيره
وقالوا: ليس لنا جدة ترث مع بنتها الوارثة إلا هذه. (و) الجدة (للأب يحجبها الأب) لأنها تدلي به. نعم لو مات زيد
المذكور آنفا عن أبيه وجدته زينب ورثت مع وجود الأب، أي من جهة الأم. قال الخفاف: وليس لنا جدة ترث وابنها
حي من ابن ابنها إلا هذه. (أو الأم) أي تحجب الجدة للأب أيضا بالاجماع، فإنها تستحق بالأمومة والأم أقرب منها. (والقربى
من كل جهة تحجب البعدى منها) سواء أدلت بها كأم أب وأم أم أب وأم أم وأم أم أم أم لم تدل بها كأم أب وأم أبي
أب فلا ترث البعدى مع وجود القربى، نعم لو كانت البعدى جدة من جهة أخرى لم تحجب القربى البعدى كما مر قريبا في
12

مثال زينب. (والقربى من جهة الأم كأم أم تحجب البعدى من جهة الأب كأم أم أب) فتنفرد الأولى بالسدس، لأن لها
قوتين: قربها بدرجة، وكون الأم هي الأصل والجدات كالفرع لها. (و) الجدة (القربى من جهة الأب) كأم أب (لا تحجب
البعدى من جهة الأم) كأم أم أم (في الأظهر) بل يكون السدس بينهما نصفين، لأن الأب لا يحجبها فالجدة التي تدلي به
أولى أن لا تحجبها. والثاني: يحجبها للقرب كما لو كانت القربى من جهة الأم. وفرق الأول بقوة قرابة الأم، ولذلك
تحجب الأم جميع الجدات من الجهتين بخلاف الأب وعلى هذا القياس، وسيأتي ضابط من يرث من الجدات ومن
لا يرث (والأخت من الجهات) كلها في حجبها بغيرها (كالأخ) فيما يحجب به فتحجب الأخت لأبوين بالأب والابن
وابن الابن، وتحجب الأخت لأب بهؤلاء وأخ لأبوين والأخت لأم بأب وجد وولد وفرع ابن وارث. فإن قيل: قد
توهم هذه العبارة أن الأخت الشقيقة تحجب الأخت للأب كما أن الأخ الشقيق يحجب الأخ للأب أجيب بأن هذا
مندفع بما قاله سابقا من أن لها مع الشقيقة السدس، ويستثنى من إلحاقها بأخيها أن الشقيقة أو التي لأب لا تحجب بفروض
مستغرقة حيث يفرض لها بخلاف الأخ. (والأخوات الخلص لأب يحجبهن أيضا أختان لأبوين) كما في بنات الابن مع
البنات. وخرج بالخلص ما إذا كان معهن أخ فإنه يعصبهن ولا يحجبن كما سيأتي. (والمعتقة) في حجبها بغيرها (كالمعتق)
في حجبه فيحجبها عصبة النسب. (وكل عصبة) يمكن حجبه، ولم ينتقل عن التعصيب للفرض، (يحجبه أصحاب فروض
مستغرقة) للتركة كزوج وأم وأخ لأم وعم، فلا شئ للعم لحجبه باستغراق الفروض. وذكر الشارح بدل الأخ للأم
الجد ونسب لسبق القلم، لأن الجد إذا لم يكن معه ولد ولا ولد ولد إنما يرث بالتعصيب لا بالفرض حتى يكون للجد
السدس في المسألة المذكورة، وهذا ممنوع فقد صرح ابن الهائم بأن الجد يأخذ بالفرض إذا
لم يبق إلا السدس أو دونه أو لم يبق شئ. وخرج بيمكن الولد لأنه عصبة لا يمكن حجبه، وقد علم من قول المصنف أول الفصل: لا يحجبه أحد. وبلم
ينتقل الخ العصبة الشقيق في الشركة، والعصبة الشقيقة في الأكدرية، فإن العصبة فيهما لم يحجب باستغراق الفروض،
لأن كلا منهما انتقل إلى الفرض، ولو عبر المصنف بذلك لكان حسنا.
تنبيه: من لا يرث لمانع من رق أو نحوه لا يحجب غيره حرمانا ولا نقصانا، وكل من حجب شخصا عادت فائدته
إليه إلا في صور: منها مسألة أبوين وأخوين فترد الأم إلى السدس لا بواسطة الأب بل بواسطة الآخرين ولا تعود
فائدة حجبها إليهما. والتحقيق كما قاله بعض المتأخرين أن لا استثناء فإن الأم وإن حجبت بالأخوين لكنهما حجبا
بالأب فعادت فائدة الحجب إليه فإنه يأخذ ما فضل عن السدس بالتعصيب.
فصل: في بيان إرث الأولاد وأولادهم انفرادا واجتماعا: (الابن) المنفرد (يستغرق المال وكذا) الابنان (والبنون)
إجماعا في الجميع.
تنبيه: لو عبر بالتركة هنا وفيما سيأتي ليشمل غير المال كان أولى. وإرث الابن بالعصوبة، وقيل: لا يسمى عصبة
لأن العصبة من قد يحجب، وهو لا يحجب. قال في البسيط: والخلاف لفظي. (وللبنت) الواحدة (النصف وللبنتين
فصاعدا الثلثان) وهذا قد سبق في فصل أصحاب الفروض، وذكر هنا تتميما للأقسام وتوطئة لقوله: (ولو اجتمع
بنون وبنات فالمال لهم للذكر مثل حظ) أي نصيب (الأنثيين) لقوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر) * الآية،
وإنما فضل الذكر على الأنثى لاختصاصه بلزوم ما لا يلزم الأنثى من الجهاد، وتحمل العاقلة وغيرهما، وله حاجتان حاجة
13

لنفسه وحاجة لزوجته، وللأنثى حاجة واحدة لنفسها، بل هي غالبا مستغنية بالتزويج عن الانفاق من مالها، ولكن
لما علم الله سبحانه وتعالى احتياجها إلى النفقة وأن الرغبة تقل فيها إذا لم يكن لها مال جعل لها حظا من الإرث وأبطل حرمان
الجاهلية لها. وإنما جعل لها نصف ما للذكر، لأنها كذلك في الشهادة. وخولف هذا القياس في إخوة الأم، فسوى بين
ذكرهم وأنثاهم لادلائهم بالام، وبين الأب والأم فيما إذا كان هناك ابن مثلا فجعل لكل منهما السدس لتعبها في تربية
الولد غالبا. (وأولاد الابن) وإن نزل (إذا انفردوا كأولاد الصلب) فيما ذكر بالاجماع، لتنزيلهم منزلتهم. (فلو اجتمع
الصنفان) أي أولاد الصلب وأولاد الابن، (فإن كان من ولد الصلب ذكر) منفردا أو مع غيره، (حجب أولاد الابن)
بالاجماع، (وإلا) بأن لم يكن ذكر، (فإن كان للصلب بنت فلها النصف والباقي لولد الابن الذكور) فقط بالسوية بينهم (أو)
الباقي لولد الابن (الذكور والإناث) للذكر مثل حظ الأنثيين، قياسا على أولاد الصلب (فإن لم يكن) من أولاد الابن (إلا
أنثى أو إناث فلها أو لهن السدس) تكملة الثلثين. أما الواحدة، فلانه (ص) قضى لها به، رواه مسلم عن ابن مسعود. وأما
في الزائد على الواحدة فلان البنات ليس لهن أكثر من الثلثين، فالبنت وبنات الابن أولى بذلك، وترجحت بنت الصلب
على بنات الابن بقربها فيشتركن في السدس كالجدات الوارثات. (وإن كان للصلب بنتان فصاعدا أخذتا) أو أخذن (الثلثين)
كما مر (والباقي لولد الابن الذكور) بالسوية، (أو الذكور والإناث) للذكر مثل حظ الأنثيين. (ولا شئ للإناث الخلص)
من ولد الابن مع بنتي الصلب بالاجماع كما قاله ابن المنذر. (إلا أن يكون أسفل منهن ذكر فيعصبهن) في الباقي للذكر مثل
حظ الأنثيين، إذ لا يمكن إسقاطه لأنه عصبة ذكر، ولا إسقاط من فوقه وإفراده بالميراث مع بعده، لأنه لو كان
في درجتهن لم يفرد مع قربه، وأفهم تعصيبه لهن إذا كان في درجتهن من باب أولى، وهذا يسمى الأخ المبارك. أما
الاعلى فيسقطن به. (وأولاد ابن الابن مع أولاد الابن كأولاد الابن مع أولاد الصلب) في جميع ما مر، (وكذا سائر) أي باقي
(المنازل) من كل درجة نازلة مع درجة عالية كأولاد ابن الابن مع أولاد ابن الابن. (وإنما يعصب الذكر النازل) من أولاد
الابن عن إناثهم (من في درجته) كأخته وبنت عمه فيعصبها مطلقا سواء أفضل لها من الثلثين شئ أم لا كما يعصب الابن
البنات. وخرج بقوله: (من في درجته) من هي أسفل منه فإنه يسقطها كما مر. (ويعصب من فوقه) كبنت عم أبيه (إن لم
يكن لها شئ من الثلثين) كبنتي صلب وبنت ابن وابن ابن ابن، فإن كان لها شئ منهما لم يعصبها كبنت وبنت
ابن وابن ابن ابن، لأن لها فرضا استغنت به عن تعصيبه. ولا يقال تأخذ السدس ويعصبها في الباقي، لأن الجمع بين فرض
وتعصيب بجهة واحدة من خصائص الأب والجد.
تنبيه: قال الفرضيون: ليس في الفرائض من يعصب أخته وعمته وعمة أبيه وجده وبنات أعمامه وبنات أعمام أبيه
وجده إلا المستنزل من أولاد الابن.
فصل: في بيان إرث الأب والجد وإرث الأم: في حالة (الأب يرث بفرض) فقط السدس كما مر، (إذا كان
14

معه ابن أو ابن ابن) وارث وإن سفل والباقي لمن معه. (و) يرث (بتعصيب) فقط (إذا لم يكن) معه (ولد ولا ولد ابن)
سواء أكان وحده أم معه صاحب فرض كزوجة فله الباقي بعد الفرض بالعصوبة وإلا أخذ الجميع، والأخ الشقيق
يشارك الأب في هاتين الحالتين فيرث بالفرض كما سيأتي في المشركة وبالتعصيب في غيرها. (و) يرث (بهما) أي الفرض
والتعصيب من جهة واحدة (إذا كان) معه (بنت) مفردة أو كان معها بنت أخرى فأكثر، (أو بنت ابن) وإن سفل مفردة
أو معها بنت ابن أخرى وبنتا ابن فأكثر، (له السدس فرضا) لأن لفظ الولد في الآية يشمل الذكر والأنثى. ولو عطف
بالواو لصح، فإنه لو كان معه بنت وبنت ابن أو بنتا ابن كان الحكم كذلك. (والباقي بعد فرضهما) أي
الأب والبنت أو الأب وبنت الابن، وكذا غيرهما ممن ذكر، وهو الثلث أو السدس له يأخذه (بالعصوبة) لقوله (ص):
ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لاولى رجل ذكر، وأولى بمعنى أقرب، ولا يصح أن يكون بمعنى أحق لما يلزم عليه
من الابهام والجهالة فلا يبقى للكلام معنى.
تنبيه: قد يوهم كلامه أن الجد ليس كالأب في الأحوال الثلاثة، وهو وجه، والأصح خلافه، وهو موافق لقوله
بعد: والجد كالأب. وقد يجمع الزوج بين الفرض والتعصيب كزوج هو معتق أو ابن عم، لكن هذا خرج بقولنا فيما
مر من جهة واحدة، فإن هذا بجهتين بخلاف الأب والجد فإنه بجهة واحدة. (وللأم الثلث أو السدس في الحالين السابقين
في) فصل (الفروض) المقدرة، وأعاده هنا توطئة لقوله: (ولها في مسألتي زوج أو زوجة وأبوين ثلث ما بقي بعد) فرض
(الزوج أو) فرض (الزوجة) لا ثلث جميع المال، لاجماع الصحابة قبل إظهار ابن عباس الخلاف قائلا بأن
لها الثلث كاملا
في الحالين، لظاهر الآية ولان كل ذكر وأنثى لو انفردا اقتسما المال أثلاثا، فإذا اجتمعا مع الزوج أو الزوجة اقتسما الفاضل
كذلك كالأخ والأخت، فللزوج في المسألة الأولى وهي من اثنين النصف والباقي ثلثه للأم وثلثاه للأب، وأقل عدد له
نصف صحيح، وثلث ما يبقى ستة فتكون من ستة، فهي تأصيل لا تصحيح كما سيأتي في الأصلين الزائدين. وللزوجة في
الثانية وهي من أربعة أسهم وللأم ثلث الباقي وهو سهم وللأب الباقي. قالوا: وإنما عبروا عن حصتها فيهما بثلث الباقي
مع أنها أخذت في الأولى السدس وفي الثانية الربع تأدبا مع لفظ القرآن في قوله تعالى: * (وورثه أبواه فلأمه الثلث) * ويلقبان
بالغراوين لشهرتهما تشبيها لهما بالكوكب الأغر، وبالعمريتين لقضاء عمر رضي الله تعالى عنه فيهما بما ذكر، وبالغريبتين
لغرابتهما. (والجد) أبو الأب في الميراث (كالأب) عند عدمه في جميع ما مر من الجمع بين الفرض والتعصيب وغيره، (إلا
أن الأب) يفارقه في أنه (يسقط الاخوة والأخوات) للميت كما مر، (والجد) لا يسقطهم بل (يقاسمهم إن كانوا لأبوين أو
لأب) كما سيأتي (والأب) يفارق الجد أيضا في أنه (يسقط أم نفسه) لأنها تدلي به، (ولا يسقطها) أي أم نفس الأب (الجد)
لأنها زوجته، والشخص لا يسقط زوجة نفسه، فالأب والجد سيان في أن كلا منهما يسقط أم نفسه. (والأب) يفارق
الجد فيما سبق (في) مسألتي (زوج أو زوجة وأبوين) فإن الأب فيهما (يرد الأم من الثلث إلى ثلث الباقي ولا يردها
الجد) بل تأخذ معه الثلث كاملا، لأن الجد لا يساويها في الدرجة فلا يلزم تفضيله عليها بخلاف الأب.
تنبيه: لا ينحصر الاستثناء فيما ذكره بل يفارقه أيضا في أن الأب لا يرث معه إلا جدة واحدة، والجد يرث
معه جدتان، ومع أبي الجد ثلاث، ومع جد الجد أربع، وهكذا كلما علا الجد درجة زاد فيمن يرث معه جدة.
15

(وللجدة السدس) كما مر. وذكر توطئة لقوله: (وكذا الجدات) يعني الجدتين فأكثر، لما روى الحاكم وقال صحيح على
شرط الشيخين: أنه (ص) قضى للجدتين من الميراث بالسدس. وسواء استوين في الادلاء أم زادت إحداهما بجهة.
مثاله في ذات جهتين: تزوج ابن ابن هند ببنت بنتها فأتى منها بولد فهند أم أم أم الولد وأم أبي أبيه، فهي جدة من جهتين،
فهي ذات جهتين، فإذا مات هذا الولد عنها وعن أم أم أبيه وهي ذات جهة واحدة فلا تفضل هند عليها، بل السدس بينهما
بالسوية على الصحيح باعتبار الأبدان. وفي مراسيل أبي داود أنه عليه الصلاة والسلام أعطى السدس لثلاث جدات،
وحكى الإمام فيه إجماع الصحابة. (وترث منهن) جزما (أم الأم وأمهاتها المدليات بإناث خلص) كأم أم الأم وإن علت،
(وأم الأب وأمهاتها كذلك) أي المدليات بإناث خلص كأم أم الأب، (وكذا أم أبي الأب وأم الأجداد فوقه
وأمهاتهن
على المشهور) لأنهن جدات يدلين بوارث فيرثن كأم الأب. والثاني: لا يرثن لادلائهن بجد فأشبهن أم أبي الأم. (وضابطه)
أي إرث الجدات الوارثات هو (كل جدة أدلت) أي وصلت (بمحض إناث) كأم أم الأم، (أو ذكور) كأم أبي الأب،
(أو إناث إلى ذكور) كأم أم الأب، (ترث، ومن أدلت بذكر بين أنثيين) كأم أبي الأم (فلا) ترث كما لا يرث ذلك الذكر،
وحكى ابن المنذر فيه الاجماع.
تنبيه: في معرفة بيان إرث الجدات الوارثات إذا تعددن: اعلم أنه إذا اجتمع جدات فالوارث منهن من قبل الأم
واحدة أبدا، وإنما يقع التعدد في التي من قبل الأب، ويتعدد ذلك بتعدد الدرجة. وإيضاح ذلك أن الواقع في الدرجة الأولى
منك أبوك وأمك ثم لكل منهما أب وأم، فالأربعة الذين هم في الدرجة الثانية هم الدرجة الأولى من درجات الجدودة،
ثم أصولك في الدرجة الثالثة ثمانية، وفي الرابعة ستة عشر، وفي الخامسة اثنان وثلاثون وهكذا، فإذا وصلت إلى العاشرة
كان فيها ألف وأربعة وعشرون جدة، والنصف من الأصول في كل درجة ذكور والنصف إناث وهن الجدات،
فإذا كان في الدرجة الثانية من الأصول جدتان، وفي الثالثة أربع، وفي الرابعة ثمان، وفي الخامسة ستة عشر، وفي
العاشرة خمسمائة واثنا عشر جدة، ثم منهن وارثات وغير وارثات، فإذا سئلت عن عدد من الجدات الوارثات على أقرب
ما يمكن من المنازل فاجعل درجتهن بعدد السؤال عنه ومحض نسبة الأولى إلى الميت أمهات، ثم أبدل من آخر بنسبة الثانية
أما بأب وفي آخر نسبة الثالثة أمين بأبوين، وهكذا تنقص من الأمهات وتزيد في الآباء حتى يتمحض نسبة الأخير فأبا،
مثاله: إذا سئلت عن عشر جدات وارثات فاجعل درجتهن عشرة: الأولى مدلية بالأمومة وهي: أم أم أم أم أم أم أم أم
أم أم. الثانية: أم أم أم أم أم أم أم أم أم أب. الثالثة: أم أم أم أم أم أم أم أم أبي أب. الرابعة: أم أم أم أم أم أم أم أبي
أبي أب. الخامسة: أم أم أم أم أم أم أبي أبي أبي أب. السادسة: أم أم أم أم أم أبي أبي أبي أبي أب. السابعة: أم أم أم أم أبي أبي
أبي أبي أبي أب. الثامنة: أم أم أم أبي أبي أبي أبي أبي أبي أبي أب. التاسعة: أم أم أبي أبي أبي أبي أبي أبي أبي أب. العاشرة: أم أبي أبي
أبي أبي أبي أبي أبي أبي أب. وأنا أرسم لك جدولا لتتدرب به على ذلك وهو هذا:
16

ثم الوارثات في كل درجة من درجات الأصول بعدد تلك الدرجة، ففي الدرجة الثانية اثنتان، وفي الثالثة ثلاث، وفي
الرابعة أربع، وفي الخامسة خمس، وهكذا في كل درجة لا تزيد إلا وارثة واحدة وإن تضاعف عددهن في كل درجة،
وسببه أن الجدات ما بلغن نصفهن من قبل الأم ونصفهن من قبل الأب، فإذا صعدت درجة تبدلت كل واحدة منهن
بأمها وزادت أم الجد الذي صعدت إليه، وهذا الجدول تصوير الجدات الواقعات في الدرجة الخامسة وارثات
وغير وارثات
ليقاس عليها ما يزاد من الجدات مع الأصول الذكور الوارثين وغيرهم من الأجداد.
فصل: في إرث الحواشي: (الاخوة والأخوات لأبوين إن انفردوا) عن الاخوة والأخوات للأب، (ورثوا
كأولاد الصلب) فللذكر الواحد فأكثر كل المال وللأنثى النصف وللثنتين فصاعدا الثلثان، وعند اجتماع الصنفين
للذكر مثل حظ الأنثيين. (وكذا إن كانوا) أي الاخوة والأخوات (لأب) وانفردوا عن الاخوة والأخوات للأبوين
ورثوا كأولاد الصلب. (إلا) أي لكن (في المشركة) بفتح الراء المشددة بخطه: أي المشرك فيها بين الشقيق وولدي
الأم، وقيل: بكسرها، بمعنى فاعلة التشريك. (وهو زوج وأم) أو جدة (وولد أم) فصاعدا، (وأخ لأبوين)
17

فأكثر. (فيشارك الأخ) الشقيق ولو كان معه من يساويه من الاخوة والأخوات، (ولدي الأم في الثلث) بإخوة الأم لاشتراكهم
في القرابة التي ورثوا بها الفرض، فأشبه ما لو كان أولاد الأم بعضهم ابن عم فإنه يشارك بقرابة الأم وإن سقطت عصوبته.
وتسمى هذه أيضا بالحمارية، لأنها وقعت في زمن سيدنا عمر رضي الله عنه فحرم الأشقاء فقالوا: هب أن أبانا كان حمارا
ألسنا من أم واحدة؟ فشرك بينهم. وفي مستدرك الحاكم أن زيدا هو القائل: هب أن أباهم كان حمارا ما زادهم الأب
إلا قربا. وروي أن عمر رضي الله تعالى عنه هو القائل ذلك. وروي أنه قضى بها مرة فلم يشرك، ثم قضى في العام الثاني
فشرك فقيل: إنك أسقطته في العام الماضي فقال: ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضي. وتسمى المنبرية لأنه سئل عنها
وهو على المنبر. وروي: هب أن أبانا كان حجرا ملقى في اليم، فعلى هذا تسمى الحجرية واليمية. وأصل المسألة ستة،
وتصح من ثمانية عشر إذا لم يكن مع الأخ من يساويه، فإن كان معه أخت صحت من اثني عشر، ولا تفاضل بينه
وبينها. (ولو كان بدل الأخ) لأبوين (أخ لأب سقط) بالاجماع لأنه ليس له قرابة أم يشارك بها، ولو كان بدله أخت لأب
فرض لها النصف وعالت، ولو كانتا اثنتين فأكثر فرض لهما أو لهن الثلثان وأعيلت، ولو كان معهن أخ لأب سقط
وأسقطهن. ولذلك سمي هذا الأخ الميشوم. ولو كان بدل الشقيق أخت شقيقة فرض لها النصف، أو ثنتان فأكثر فرض
لهما أولهن الثلثان، أو خنثى شقيق فبتقدير ذكورته هي المشركة وتصح من ثمانية عشر كما مر، وبتقدير أنوثته تعول إلى
تسعة وبينهما تداخل، فيصحان من ثمانية عشر، وإلا ضر في حقه ذكورته وفي حق الزوج والأم أنوثته، ويستوي في
حق ولدى الأم الأمران، فإذا قسمت يفضل أربعة موقوفة بينه وبين الزوج والأم، فإن كان أنثى أخذها أو ذكرا أخذ
الزوج ثلاثة والأم واحدا. (ولو اجتمع الصنفان) من الاخوة لأبوين والاخوة لأب، (فكاجتماع أولاد الصلب
وأولاد
ابنه) فإن كان من أولاد الأبوين ذكر ولو مع أنثى حجب أولاد الأب، أو أنثى فلها النصف والباقي لأولاد الأب الذكور
فقط أو الذكور والإناث للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن لم يكن من ولد الأب إلا أنثى أو إناث فلها أولهن السدس تكملة
الثلثين، وإن كان ولد الأبوين اثنتين فأكثر فلهما أو لهن الثلثان والباقي لولد الأب الذكور فقط أو الذكور والإناث،
ولا شئ للإناث الخلص منهما مع الأختين لأبوين فأكثر. (إلا أن بنات الابن يعصبهن من في درجتهن أو أسفل) منهن كما
مر، (والأخت لا يعصبها إلا أخوها) لا ابن الأخ ولا ابن العم، فلو خلف شخص أختين لأبوين وأختا لأب وابن أخ لأب،
فللأختين الثلثان والباقي لابن الأخ، ولا يعصب الأخت لأنه لا يعصب أخته فلا يعصب عمته، وأيضا ابن الابن يسمى
ابنا حقيقة أو مجازا وابن الأخ لا يسمى أخا. وسكت المصنف عما لو اجتمع أخ لأبوين ولأب ولأم، وحكمهم أن
للأخ للأم السدس والباقي للشقيق ولا شئ للأخ للأب، فإن كان الجميع إناثا كان للشقيقة النصف وللتي للأب السدس
تكملة الثلثين وللتي للأم السدس. (وللواحد من الاخوة أو الأخوات لأم السدس، ولاثنين) منهم (فصاعدا الثلث سواء
ذكورهم وإناثهم) بالاجماع، ولأنهم يشتركون بالرحم فاستووا كالأبوين مع الولد فإنهما يشتركان في الثلث، وبهذا
فارقوا الاخوة والأخوات الأشقاء أو لأب، فإن للذكر مثل حظ الأنثيين لأنهم يرثون بالعصوبة.
تنبيه: قال الفرضيون: أولاد الأم يخالفون بقية الورثة في خمسة أشياء: أحدها ذكرهم يدلي بأنثى ويرث.
ثانيها: يحجبون من يدلون به حجب نقصان. ثالثها: يرثون مع من يدلون به. رابعها: تقاسمهم بالسوية. خامسها: ذكرهم
المنفرد كأنثاهم المنفردة. ولما سبقت الإشارة إلى العصبة بغيره في اجتماع البنات مع البنين أشار هنا إلى العصبة مع غيره
وهو اجتماع الأخوات مع البنات فقال: (والأخوات لأبوين أو لأب مع البنات وبنات الابن عصبة كالاخوة) لما روي
18

البخاري أن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه سئل عن بنت وبنت ابن وأخت، فقال: لأقضين فيها بما قضى رسول الله
(ص): للابنة النصف ولابنة الابن السدس وما بقي فللأخت. قال الإمام: ولأنه إذا كان في المسألة بنتان
أو بنات ابن وأخوات أخذ البنات أو بنات الابن الثلثين، فلو فرضنا للأخوات وأعلنا المسألة نقص نصيب البنات أو بنات
الابن، فاستبعدوا أن تزاحم الأخوات الأولاد أو أولاد الابن ولم يمكن إسقاطهن فجعلن عصبات ليدخل النقص عليهن
خاصة. ثم بين فائدتها كونها عصبة بقوله: (فتسقط أخت لأبوين) اجتمعت (مع البنت) أو بنت الابن أو معهما الاخوة
و (الأخوات لأب) كما يسقطهم الأخ الشقيق.
تنبيه: لو قال بدل الأخوات لأب أولاد الأب لكان أولى ليشمل ما قدرته. ولو كان مع الأخت الشقيقة أخ
شقيق عصبها وكان الباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، لئلا يلزم مخالفة أصل أن للذكر ضعف ما للأنثى، ولان تعصيبها
إنما هو للضرورة كما مر. (وبنو الاخوة لأبوين أو لأب كل منهم) حكمه في الإرث (كأبيه اجتماعا وانفرادا) فيستغرق
الواحد أو الجمع منهم المال عند الانفراد ويأخذ ما فضل عن الفروض، وعند اجتماعهم يسقط ابن الشقيق ابن الأخ للأب.
(لكن يخالفونهم) أي آباءهم (في أنهم لا يردون الأم) من الثلث (إلى السدس) بخلاف آبائهم، لأن الله تعالى
أعطاها الثلث حيث لا إخوة، وهذا الاسم لا يصدق على بنيهم كما مر (ولا يرثون مع الجد) بل يسقطون به، وآباؤهم
يرثون معه لأن الجد كالأخ بدليل تقاسمهما إذا اجتمعا، وإذا كان كالأخ فلا يرث ابن الأخ معه لأنه أقرب منه (ولا
يعصبون أخواتهم) لأنهم من ذوي الأرحام، (ويسقطون في المشركة) بخلاف آبائهم الأشقاء، لأن مأخذ التشريك
قرابة الأم، وهي مفقودة في ابن الأخ. وهذه المخالفة مختصة ببني الإخوة للأبوين كما قررته تبعا للمحرر لأن الاخوة
لأب وبنيهم سيان في ذلك كما مر.
تنبيه: قد اقتصر المصنف تبعا للرافعي على استثناء هذه الصور الأربع، وزاد في الروضة ثلاث صور أخر:
الأولى: الاخوة لأبوين يحجبون الاخوة لأب وأولادهم لا يحجبونهم. الثانية: الأخ للأب يحجب ابن الأخ الشقيق وابنه
لا يحجبه. الثالثة: بنو الاخوة لا يرثون مع الأخوات إذا كن عصبات مع البنات.
فائدة: الاخوة والاخوان: جمع أخ، سواء في ذلك أخو النسب وأخو الصداقة. وقال أهل البصرة: الاخوة
في النسب والاخوان في الأصدقاء. قال أبو حاتم: وهذا غلط، بل كل يستعمل فيهما. (والعم لأبوين ولأب) حكمه
في الإرث (كالأخ من الجهتين اجتماعا وانفرادا) منصوبان بنزع الخافض: أي في الاجتماع والانفراد أو على التمييز،
أي من جهة الاجتماع والانفراد، فمن انفرد منهما استغرق المال وإلا أخذ الباقي بعد الفرض. وإذا اجتمعا سقط العم
لأب بالعم لأبوين كأخ من أب مع أخ لأبوين، هذا عند عدم بني الاخوة، لأنهم يحجبونهم لتأخر رتبتهم عنهم.
(وكذا قياس بني العم) من الأبوين أو من الأب عند عدم العم كبني الاخوة، (و) كذا قياس (سائر) أي باقي
(عصبة النسب) كبني بني العم وبني بني الاخوة وهلم جرا. فإن قيل: يرد على المصنف بنو الأخوات اللواتي هن عصبة
مع البنات مع أن بنيهن ليسوا مثلهن وهن من عصبة النسب. أجيب بأن الكلام في العصبة بنفسه. (والعصبة)
ويسمى به الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، قاله المطرزي وتبعهم المصنف، وأنكر ابن الصلاح إطلاقه على الواحد لأنه
جمع عاصب، ومعنى العصبة لغة قرابة الرجل لأبيه وشرعا كما قال المصنف: (من ليس له) حال التعصيب بجهة التعصيب
(سهم مقدر من) الورثة (المجمع على توريثهم) من ذوي الأرحام. وإنما قيدت المقدر بجهة التعصيب لئلا
19

يرد ابن عم هو زوج أو أخ لأم، لأن ما يأخذه فرضا ليس من جهة التعصيب بل من جهة الزوجية، أو إخوة
الأم ويدخل
في ذلك الأب والجد والأخوات مع البنات. وأدخلت في كلامه ذوي الأرحام، إذ الصحيح في توريثهم مذهب أهل
التنزيل كما مر فإنهم ينزلون كلا منهم منزلة من يدلي به، وهم ينقسمون إلى ذوي فرض وعصبات.
تنبيه: كل من ذكره من الرجال عصبة إلا الزوج والأخ للأم، وكل من ذكره من النساء ذات فرض إلا
المعتقة. ثم ذكر المصنف بعد تعريف العصبة حكمه بقوله: (فيرث المال) وما ألحق به إذا انفرد، وذلك في بعض أحواله
حيث لم يكن معه ذو فرض. ولم ينتظم في صورة ذوي الأرحام بيت المال، (أو ما فضل بعد الفروض) أو الفرض
إن كان معه ذو فرض أو ذو فروض، أي سهم مقدر، ولم ينتظم في تلك الصورة بيت المال وكان ذو الفرض فيها أحد
الزوجين. وتقدم بيان من له فرض. ومن حكم العاصب أيضا أنه يسقط عند استغراق الفروض كما سبق إلا إذا انقلب
إلى فرض كالشقيق في المشركة، ومن حكمه أيضا أن قريب الجهة فيه مقدم على القريب للميت، فلو مات عن ابن ابن
أخ وابن عم، فالأول أولى كما قاله القاضي حسين.
تنبيه: قوله: فيرث المال صادق بالعصبة بنفسه - وهو ما تقدم - وبنفسه وغيره معا، والعصبة بغيره هن البنات
والأخوات غير ولد الأم مع أخيهن. وقوله: أو ما فضل الخ صادق بذلك، وبالعصبة مع غيره، وهن الأخوات مع
البنات وبنات الابن، فليس لهن حال يستغرقن فيها المال. والفرق بين العصبة بغيره والعصبة مع غيره أن في الأول لحمة
عصبة بخلاف الثاني.
فصل: في الإرث بالولاء: (من) مات و (لا عصبة له بنسب وله معتق فما له) وما ألحق به كله لمعتقه، (أو الفاضل)
منه (عن) الفرض، أو (الفروض له رجلا كان) المعتق (أو امرأة) لاطلاق قوله (ص): إنما الولاء لمن أعتق، ولان
الانعام بالاعتاق موجود من الرجل والمرأة فاستويا في الإرث، وحكى ابن المنذر فيه الاجماع. وإنما قدم النسب عليه لقوته،
ويرشد إليه حديث: الولاء لحمة كلحمة النسب شبه به، والمشبه دون المشبه به. (فإن لم يكن) أي يوجد معتق (فلعصبته)
أي المعتق، (بنسب المتعصبين بأنفسهم) كابنه وأخيه، (لا لبنته وأخته) ولو مع أخويهما المعصبين لهما، لأنهما من أصحاب
الفروض، ولا للعصبة مع غيره. والمعنى فيه كما قاله ابن سريج أن الولاء أضعف من النسب المتراخي، وإذا تراخى النسب
ورث الذكور دون الإناث كبني الأخ وبني العم دون أخواتهن، فإذا لم ترث بنت الأخ وبنت العم فبنت المعتق أولي
أن لا ترث لأنهما أبعد منهما. والمعتبر أقرب عصباته يوم موت العتيق، فلو مات المعتق وخلف ابنين ثم مات أحدهما
وخلف ابنا ثم مات العتيق فولاؤه لابن المعتق دون ابن ابنه.
تنبيه: كلام المصنف كالصريح في أن الولاء لا يثبت للعصبة في حياة المعتق بل إنما يثبت بعده. قال البلقيني:
وليس كذلك، بل الولاء ثابت لهم في حياة المعتق على المذهب المنصوص في الأم، إذ لو لم يثبت لهم الولاء إلا بعد
موته لم يرثوا. وقال السبكي: يتلخص للأصحاب فيه وجهان: أصحهما أنه لهم معه، لكن هو المقدم فيما يمكن جعله
له كإرث المال ونحوه. والثاني: لا يكون إلا بعد موته لا بطريق الانتقال الذي هو الإرث. (وترتيبهم) أي عصبات
المعتق (كترتيبهم في النسب) فيقدم ابن المعتق ثم ابنه وإن سفل ثم أبوه ثم جده وإن علا، وهكذا. (لكن الأظهر
أن أخا المعتق) لأبوين أو لأب (وابن أخيه) لهما (يقدمان على جده) جريا على القياس في أن البنوة أقوى
من الأبوة. وإنما خولف في النسب لاجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم على أن الأخ لا يسقط الجد، ولا إجماع
20

في الولاء فصرنا إلى القياس. والثاني: أنهما يستويان كالنسب. ويجري فيه القولان في العم وأبي الجد في كل عم اجتمع
مع جد إذا أدلى العم بأب دون ذلك الجد، قال البلقيني وغيره: وكذا في ابن العم مع أبي الجد. ويفارق العتق أيضا
النسب فيما لو كان للمعتق ابنا عم أحدهما أخ لأم، فإنه يقدم هنا بخلاف النسب فإنهما سواء بعد إخراج الفرض، والفرق
أن الأخ للأم في النسب يرث فأعطي فرضه واستويا في الباقي بالعصوبة، وفي الولاء لا يرث بالفرض، فرجح من يدلي
بقرابة الأم لتمحضها للترجيح. (فإن لم يكن له) أي المعتق (عصبة) من النسب، (فلمعتق المعتق، ثم عصبته) أي عصبة
معتق المعتق (كذلك) أي على الترتيب المذكور في عصبة المعتق، ثم لمعتق معتق المعتق ثم لعصبته، وعلى هذا القياس،
ثم بيت المال. (ولا ترث امرأة بولاء إلا معتقها) بفتح التاء بخطه وهو من أعتقته، لاطلاق الحديث المار: إنما
الولاء لمن أعتق.
تنبيه: قد يشعر قوله: معتقها إخراج من عتق عليها من أصولها أو فروعها بالملك، وليس مرادا بل
لها ولاؤه اتفاقا. (أو منتميا إليه) أي معتقها (بنسب) كابنه وإن سفل، (أو ولاء) كمعتقه بفتح المثناة ويشركها الرجل
في ذلك مع زيادة، وهو كونه عصبة معتق من النسب.
تنبيه: استثنى في التنبيه صورة ثالثة، وهي جر الولاء إليها، وصورتها أن يتزوج عبدها بمعتقة لرجل فيأتي بولد
فولاء الولد لموالي الأم، فإذا أعتقت المرأة عبدها وهو أبو الولد جر الأب ولاء الولد إلى المرأة، ولو اشترت بنت أباها
فعتق عليها ثم اشترى الأب عبدا وأعتقه ثم مات الأب عنها وعن ابن له ثم عتيقه عنهما فميراثه للابن دون البنت
لأنه عصبة معتق من النسب والبنت معتقة المعتق، والأول أقوى، وتسمى هذه مسألة القضاة لما قيل إنه أخطأ فيها
أربعمائة قاض غير المتفقهة حيث جعلوا الميراث للبنت، وغفلوا عن كون عصبة المعتق من النسب مقدما على معتق المعتق،
ولا ميراث لمعتق عصبات المعتق إلا لمعتق أبيه أو جده.
فصل: في ميراث الجد مع الاخوة والأخوات بالتفصيل المذكور في قوله: (إذا اجتمع جد) أو أبوه (وإخوة)
بكسر الهمزة وضمها، (وأخوات) فإن كانوا لأم سقطوا كما مر في فصل الحجب، وإن كانوا (لأبوين أو لأب) لم
يسقطوا به على الصحيح. ثم اعلم أن القول في ميراث الجد مع الاخوة خطير في الفرائض، ومسائله كثيرة الاختلاف
فيما بين الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم وكانوا يحذرون من الخوض فيها، وورد في حديث: أجرأكم على
قسم الجد أجرأكم على النار. قال الدارقطني كما نقله عنه القاضي أبو الطيب: لا يصح رفعه، وإنما هو عن عمر
أو علي رضي الله عنهما. وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: من سره أن يقتحم جراثيم جهنم فليقض في الجدة
والاخوة. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: سلوني عما شئتم من عصباتكم، ولا تسألوني عن الجد والاخوة لا حياه
الله ولا بياه قال الماوردي: وأول من ورث الجد مع الاخوة في الاسلام عمر رضي الله عنه. ثم بعد اختلافهم
أجمعوا على أن الاخوة لا تسقط الجد، قال ابن عبد البر: لم يخالف إلا فرقة من المعتزلة، واختلفوا بعد ذلك على
مذهبين: أحدهما أن الجد بمنزلة الأب فيحجب الاخوة والأخوات وهو قول أبي بكر وابن عباس وعائشة وجماعة
من الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم، وهو مذهب أبي حنيفة، لأنه يسمى أبا، ولأنه يأخذ السدس مع الابن
وابن الابن كالأب فأسقط الاخوة. والمذهب الثاني: أنه يشارك الاخوة، وهو قول عمر وعثمان وزيد بن ثابت وجماعة
من الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وبه قال الأئمة الثلاثة، ولذلك قال المصنف: (فإن لم يكن
معهم ذو) أي صاحب (فرض فله الأكثر من ثلث) جميع (المال، و) من (مقاسمتهم كأخ) أما أخذ الثلث
21

فلان له مع الأم مثلي ما لها، والاخوة لا ينقصونها عن السدس فلا ينقصونه عن مثليه، ولان الاخوة لا ينقصون
أولاد الأم عن الثلث فبالأولى الجد لأنه يحجبهم. وأما المقاسمة فلانه كالأخ في إدلائه بالأب، وإنما أخذ الأكثر
لأنه قد اجتمع فيه جهتا الفرض والتعصيب فأخذ بأكثرهما، فإن استوى له الأمران، فالفرضيون يعبرون فيه
بالثلث لأنه أسهل. ومقتضى التشبيه أن له مع الأخوات مثل حظ الأنثيين، وهو كذلك. والمقاسمة خير له من
ثلث المال فيما إذا كانوا دون مثليه، وذلك في خمس صور: أن يكون مع الجد أخ أو أخت أو أختان أو ثلاث
أخوات أو أخ وأخت والثلث خير له من المقاسمة فيما إذا زادوا على مثليه. ولا تنحصر صوره في عدد، فيصدق ذلك
بخمس أخوات وأخوين وأخت أو ثلاث أخوات وأخ ونحو ذلك مما لا ينحصر. ويستوي له الثلث والمقاسمة في ثلاث
صور: أن يكون معه أخوان أو أربع أخوات أو أخ وأختان (فإن أخذ) الجد (الثلث فالباقي لهم) للذكر مثل
حظ الأنثيين كما لو لم يكن معهم جد، (وإن كان) معهم ذو فرض يتصور إرثه معهم وهو البنات وبنات الابن والأم
والجدات والزوجان، (فله الأكثر من سدس التركة، و) من (ثلث الباقي) بعد الفرض (و) من (المقاسمة
)
بعد الفرض. أما السدس فلانه لا ينقص عنه مع الأولاد فمع الاخوة أولى، وأما ثلث الباقي فلانه لو لم يكن معه
صاحب فرض لاخذ جميع ثلث المال، فإذا خرج قدر الفرض مستحقا أخذ ثلث الباقي وكأن الفرض تلف من المال،
أما المقاسمة فلما سبق من تنزيله منزلة أخ. وضابط معرفة الأكثر من الثلاثة أنه إن كان الفرض نصفا فما دونه
فالقسمة أغبط إن كان لاخوة دون مثلية، وإن زادوا على مثليه فثلث الباقي أغبط، وإن كانوا مثليه استويا، وقد
تستوي الثلاثة. وإن كان الفرض ثلثين فالقسمة أغبط إن كان معه أخت وإلا فله السدس، وإن كان الفرض بين
النصف والثلثين كنصف وثمن فالقسمة أغبط مع أخت أو أخ أو أختين، فإن زادوا فله السدس. (وقد لا يبقى)
بعد الفرض (شئ) للجد (كبنتين وأم وزوج) مع جد وإخوة، فالمسألة من اثني عشر. وتعول بسهم بقية
فرض من نقص فرضه، وحينئذ (فيفرض له سدس) اثنان (ويزاد في العول) إلى خمسة عشر، (وقد يبقى)
للجد بعد الفرض (دون سدس: كبنتين وزوج) مع جد وإخوة، هي من اثني عشر: للبنتين الثلثان ثمانية،
وللزوج الربع ثلاثة، يبقى للجد سهم، (فيفرض له) سدس. (وتعال) المسألة بواحد على اثني عشر. (وقد يبقى)
للجد (سدس: كبنتين وأم) مع جد وإخوة، هي من ستة: للبنتين أربعة، وللأم واحد، ويبقى واحد
(فيفوز به الجد وتسقط الاخوة) والأخوات (في هذه الأحوال) الثلاثة لأنهم عصبة، وقد استغرق المال أهل
الفرض. (ولو كان مع الجد إخوة وأخوات لأبوين) بالواو بلا ألف قبلها، بخلاف ما سبق أول الفصل فإنه
معطوف ب‍ أو، لأن الكلام هناك فيما إذا كان معه أحدهما، والكلام هنا في اجتماعهما. وحينئذ (فحكم الجد
ما سبق) من خير الامرين إن لم يكن معه ذو فرض، وخير الأمور الثلاثة إن كان معه، (و) لكن في صورة
اجتماعها (يعد) أي يحسب (أولاد الأبوين) بالرفع بخطه فاعل يعد، (عليه) أي الجد (أولاد الأب)
بالنصب بخطه مفعول يعد، (في القسمة) أي يدخلونهم في العدد على الجد إذا كانت المقاسمة خيرا له. (فإذا أخذ) الجد
(حصته) وهي الأكثر مما سبق، (فإن كان في أولاد الأبوين ذكر) واحد فأكثر، (فالباقي
لهم) للذكر مثل حظ الأنثيين. (وسقط أولاد الأب) لأن أولاد الأبوين يقولون للجد: كلانا إليك سواء فنزاحمك
22

بإخوتنا ونأخذ حصتهم. كما أن الاخوة يردون الأم من الثلث إلى السدس والأب يحجبهم ويأخذ ما نقصوا من الأم.
فإن قيل: قياس ذلك أن الأخ من الأم مع الجد والأخ الشقيق أن يقول الجد: أنا الذي أحجبه فأزحمك به وآخذ حصته.
أجيب بأن الاخوة جهة واحدة فجاز أن ينوب أخ عن أخ، والاخوة والجدودة جهتان مختلفان فلا يجوز أن يستحق
الجد نصيب الآخر، وبأن ولد الأب المعدود على الجد ليس بمحروم أبدا بل يأخذ قسطا مما قسم له في بعض الصور كما
سيأتي. ولو عد الجد الأخ من الأم على الأخ من الأبوين كان محروما أبدا، فلا يلزم من تلك المعادة هذه المعادة، ففي جد
وشقيق وأخ لأب هي من ثلاثة: للجد سهم والباقي للشقيق، ويسقط الأخ للأب. وفي جد وشقيقتين وأخ لأب هي
من ستة: للجد اثنان والباقي وهو الثلثان للشقيقتين وترجع لثلاثة، والأولى أن تجعل ابتداء من ثلاثة للجد واحد وللشقيقتين
اثنان ويسقط الأخ للأب على كلا التقديرين. وفي جد وشقيق وشقيقة وأخت لأب هي من ستة عدد رؤوسهم، وتصح
من ثمانية عشر: للجد ستة، وللشقيق ثمانية، وللشقيقة أربعة، والأولى أن تجعل من ثلاثة: للجد واحد، يفضل اثنان للشقيق
والشقيقة، فنضرب ثلاثة في ثلاثة بتسعة: للجد ثلاثة وللشقيق أربعة وللشقيقة اثنان، وتسقط الأخت للأب على كلا التقديرين.
وهذه المسائل وأشباهها تسمى بالعادة. (وإلا) أي وإن لم يكن في أولاد الأبوين ذكر بل إناث، (فتأخذ الواحدة) منهن مع
ما خصها مع الجد بالقسمة (إلى) تكملة (النصف إن وجدته) ففي جد وشقيقة وأخ لأب هي من خمسة، وتصح من عشرة
للجد أربعة وللشقيقة خمسة يفضل واحد للأخ من الأب، وتسمى هذه المسألة بعشرية زيد. فإن لم تجده كجد وأم وزوجة
وشقيقة وأخ لأب فتقتصر الشقيقة على ما فضل لها ولا تزاد عليه. (و) تأخذ (الثلثان فصاعدا) مع ما خصهما مع الجد بالقسمة
(إلى) تكملة (الثلثين) إن وجدتا ذلك. ففي جد وشقيقتين وأخ لأب هي من ستة: للجد سهمان والباقي للشقيقتين ولا شئ
للأخ للأب، فإن لم تجد الثلثين بل الناقص عنهما اقتصرنا على الناقص كجد وشقيقتين وأخت لأب، هي من خمسة:
للجد سهمان والباقي للشقيقتين، وهو دون الثلثين فلا يزاد عليه. وهذا يدل على أن ذلك بالتعصيب وإلا لزيدتا وأعيلت.
(ولا يفضل عن الثلثين شئ) لأن للجد الثلث كما مر، فإذا مات عن شقيقتين وأخ لأب وجد فللجد الثلث والباقي وهو
الثلثان للشقيقتين وهو تمام فرضهما. (وقد يفضل عن النصف) شئ (فيكون) الفاضل (لأولاد الأب) كما مر في عشرية
زيد. (والجد) حكمه (مع أخوات كأخ فلا يفرض لهن معه) كما لا يفرض لهن مع الاخوة. ولا تعال المسألة بسببهن، ولكن
قد يفرض للجد معهن، وتعال المسألة بسببه كما مر في قوله: فيفرض له سدس ويزاد في العول لأنه صاحب فرض بالجدودة
فيرجع إليه للضرورة. ثم استثنى من قوله: فلا يفرض لهن قوله: (إلا في الأكدرية) سميت بذلك لنسبتها إلى أكدر وهو
اسم السائل عنها أو المسؤول أو الزوج، أو بلد الميتة، أو لأنها كدرت على زيد مذهبه، لأنه لا يفرض للأخت مع
الجد ولا يعيل مسائل الجد وهنا فرض وأعال، وعلى هذا فينبغي تسميتها مكدرة لا أكدرية. وقيل: لأن زيدا كدر
على الأخت ميراثها لأنه أعطاها النصف ثم استرجعه منها، وقيل غير ذلك. (وهي زوج وأم وجد وأخت لأبوين
أو لأب) هي من ستة: (فللزوج) منها (نصف) وهو ثلاثة، (وللأم) منها (ثلث) وهو اثنان لعدم من
يحجبها عنه، (وللجد) منها (سدس) وهو واحد لعدم من يحجبه، (وللأخت نصف) وهو ثلاثة لعدم من يسقطها
منه ومن يعصبها، فإن الجد لو عصبها نقص حقه وهو السدس فتعين الفرض لها. (فتعول) بنصيب الأخت وهو
ثلاثة إلى تسعة. (ثم) بعد ذلك (يقتسم الجد والأخت نصيبهما) وهما الأربعة من التسعة (أثلاثا، له الثلثان) ولها
23

الثلث فانكسرت على مخرج الثلث، فاضرب ثلاثة في تسعة تبلغ سبعة وعشرين للزوج تسعة وللأم ستة وللجد ثمانية وللأخت
أربعة. وإنما قسم الثلث بينهما لأنه لا سبيل إلى تفضيلها على الجد كما في سائر صور الجد والاخوة ففرض لها بالرحم،
وقسم بينهما بالتعصيب رعاية للجانبين. فإن قيل: قياس كونها عصبة بالجد أن تسقط وإن رجع الجد إلى الفرض، ألا
ترى أنهم قالوا في بنتين وأم وجد وأخت للبنتين الثلثان وللأم السدس وللجد السدس وتسقط الأخت لأنها عصبة مع
البنات، ومعلوم أن البنات لا يأخذن إلا الفرض؟ أجيب بأن ذلك عصوبة من وجه وفريضة من وجه، فالتقدير باعتبار
الفرضية، والقسمة باعتبار العصوبة. وأيضا إنما يصح هذا أن لو كانت الأخت عصبة مع الجد والجد صاحب فرض،
كما أن الأخت عصبة مع البنت والبنت صاحبة فرض، وليس كذلك بل الأخت عصبة بالجد وهو عصبة أصالة،
وإنما يحجب إلى الفرض بالولد وولد الابن. ولو كان بدل الأخت أخ سقط، أو أختان فللأم السدس ولهما السدس
الباقي ولا عول ولم تكن أكدرية. ولو سقط من هذه المسألة الزوج كان للأم الثلث فرضا وقاسم الجد الأخت
في الثلثين، فتكون المسألة من ثلاثة للأم واحد والباقي لا ثلث له فاضرب ثلاثة في الثلاثة أصل المسألة تبلغ تسعة: للأم ثلاثة
أتساع، وللجد أربعة أتساع، وللأخت تسعان. ولو كان بدل الأخت مشكل فالأسوأ في حق الزوج والأم أنوثته، وفي
حق المشكل والجد ذكورته، وتصح من أربعة وخمسين. وهذه المسألة يعايا بها من وجهين: أحدهما أن يقال: لنا أربعة
من الورثة أخذ أحدهم ثلث المال، وآخر ثلث الباقي، وآخر ثلث باقي الباقي، وآخر الباقي. الثاني: أن يقال: لنا أربعة
من الورثة أخذ أحدهم جزءا من المال، وآخر نصف ذلك الجزء، وآخر نصف الجزءين، وآخر نصف الاجزاء. فإن
قيل: يرد على حصر المصنف الاستثناء في هذه الصورة أن الأخت يفرض لها النصف والثلثان للثنتين في المعادة. أجيب
بأن الفرض هناك إنما هو اعتبار وجود الأخ لا بالجد، وهذه المسألة من الملقبات. ومنها المشركة وقد تقدمت، ومنها
الخرقاء بالمد، وهي أم وأخت لغير أم وجد: للأم الثلث والباقي بين الجد والأخت أثلاثا، فتصح المسألة من تسعة،
وسميت بذلك لتخرق أقوال الصحابة فيها، وتلقب أيضا بغير ذلك، فإن من الملقبات ما له لقب واحد، ومنها ما له أكثر
وغايته عشرة. وقد أكثر الفرضيون من التلقيبات ولا نهاية لها ولا حسم لأبوابها، وقد ذكرت منها جملا كثيرة في شرح
التنبيه. ولهم مسائل أخر تسمى بالمعاياة، قال الجوهري: المعاياة هي أن تهتدي لشئ لا يهتدى له، منها ما لو قالت امرأة:
إن ولدت ذكرا ورث وورثت، أو: أنثى لم ترث ولم أرث، فهي بنت ابن الميت وزوجة ابن ابنه الآخر وهناك
بنتا صلب،
فالباقي بعد الثلثين بين القائلة وابنها أثلاثا، وإن ولدت أنثى فلا شئ لها لاستغراق الثلثين مع عدم المعصب. ومنها
رجلان كل منهما عم الآخر، هما رجلان نكح كل منهما أم الآخر فولد لكل منهما ابن، فكل ابن هو عم الآخر لامه.
ومنها رجلان كل منهما خال الآخر، هما رجلان نكح كل منهما بنت الآخر فولد لهما ابنان فكل ابن هو خال الآخر،
وقد ذكرت منها أيضا جملا كثيرة في الشرح المذكور فلا نطيل بذكرها. ثم شرع المصنف رحمه الله تعالى
في ذكر الموانع، وهي خمسة، مترجما لها ولما يذكر معها بفصل، فقال:
(فصل: لا يتوارث مسلم وكافر) هذا أحدها، وهو اختلاف الدين، لخبر الصحيحين: لا يرث المسلم الكافر ولا
الكافر المسلم، ولانقطاع الموالاة بينهما. وانعقد الاجماع على أن الكافر لا يرث المسلم. واختلفوا في توريث المسلم منه،
فالجمهور على المنع، وقيل: نرثهم كما ننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا. وفرق الأول بأن التوارث مبني على الموالاة
والمناصرة ولا موالاة بين المسلم والكافر بحال، وأما النكاح فمن نوع الاستخدام. ولا فرق بين الولاء والنسب على
المنصوص في الأم والمختصر وغيرهما. وأجمع عليه أصحاب الشافعي رضي الله تعالى عنه وعنهم.
تنبيه: عبارة المحرر: لا يرث المسلم الكافر وبالعكس. وهي أوضح من عبارة المصنف لأنه نفي التوارث بينهما
من الجانبين، بخلاف تعبير المصنف فإنه نفى التوارث بينهما، وهو صادق بانتفاء أحدهما، وهو حاصل بالاجماع في أن
24

الكافر لا يرث المسلم، فليس فيه تنصيص على أن المسلم لا يرث الكافر، وهي مسألة خلاف بين العلماء. فإن قيل: يرد
على المصنف ما لو مات كافر عن زوجة حامل ووقفنا الميراث فأسلمت ثم ولدت، فإن الولد يرث منه مع حكمنا بإسلامه
تبعا لامه. أجيب بأنه كان محكوما بكفره يوم موت أبيه، وقد ورث مذ كان حملا، ولهذا نقل السبكي عمن هو منسوب
إلى التحقيق في الفقه موثوق به من معاصريه: أن لنا جمادا يملك وهو النطفة، واستحسنه السبكي. قال الدميري:
وفيه نظر إذا الجماد ما ليس بحيوان ولا كان حيوانا. (و) ثانيها: الردة، كما قال: و (لا يرث مرتد) بحال، إذ لا سبيل إلى
توريثه من مثله، لأن ما خلفه فئ، ولا من كافر أصلي للمنافاة بينهما لأنه لا يقر على دينه وذاك يقر، ولا من مسلم، للخبر
المار، وإن عاد إلى الاسلام بعد موت مورثه. وما ادعاه ابن الرفعة من أنه إذا أسلم بعد موت مورثه أنه يرثه رده السبكي
وقال: إنه مصادم للحديث وخرق للاجماع، قال: وممن نقل الاجماع على أن المرتد لا يرث من المسلم شيئا وإن أسلم بعد
ذلك الأستاذ أبو منصور البغدادي. (ولا يورث) بحال، بل ماله يكون فيئا لبيت المال سواء اكتسبه في الاسلام
أم
في الردة، لكن لو قطع شخص طرف مسلم مع المكافأة فارتد المقطوع ومات سراية وجب قود الطرف ويستوفيه من
كان وارثه لولا الردة، ومثله حد القذف. والزنديق كالمرتد فلا يرث ولا يورث، وهو من لم يتدين بدين، وكذا نصراني
تهود أو نحوه. (ويرث الكافر الكافر) على حكم الاسلام (وإن اختلفت ملتهما) كيهودي من نصراني، ونصراني
من مجوسي، ومجوسي من وثني وبالعكوس، لأن جميع ملل الكفر في البطلان كالملة الواحدة، قال تعالى: * (فماذا بعد
الحق إلا الضلال) * فإن قيل: كيف يتصور إرث اليهودي من النصراني وعكسه، فإن الأصح أن من انتقل من ملة
إلى ملة لا يقر أجيب بتصور ذلك في الولاء والنكاح وفي النسب أيضا فيما إذا كان أحد أبويه يهوديا والآخر نصرانيا
إما بنكاح أو وطئ شبهة، فإنه يخير بينهما بعد البلوغ كما قاله الرافعي قبيل نكاح المشرك، حتى لو كان له ولدان واختار
أحدهما اليهودية والآخر النصرانية جعل التوارث بينهما بالأبوة والأمومة والاخوة مع اختلاف الدين. (لكن المشهور)
وعبر في الروضة بالمذهب وبه قطع الأكثرون، (أنه لا توارث بين حربي وذمي) لانقطاع الموالاة بينهما. والمعاهد والمستأمن
كالذمي، فالتوارث بينهما وبينه وبين كل منهما لعصمته. ولو عبر بالمعاهد كان أولى، لأنه إذا كان لا توارث بين الحربي
وبينه فلا توارث بينه وبين الذمي بالأولى. والثاني: يتوارثان لشمول الكفر لهما. (و) ثالثها: الرق، وهو لغة: العبودية
والشئ الرقيق، وشرعا: عجز حكمي يقوم بالانسان بسبب الكفر. فعليه (لا يرث من فيه رق) من قن ومدبر ومكاتب
وأم ولد ومبعض، لأنه لو ورث لكان الملك للسيد وهو أجنبي من الميت. واحتج السهيلي لذلك بقوله تعالى: * (يوصيكم
الله في أولادكم) * الآية، فإن اللام فيه للملك والرقيق لا يملك. وفي المبعض وجه أنه يرث بقدر ما فيه من الحرية، وهو
مخالف لنقل الشافعي في اختلاف الحديث الاجماع على عدم توريثه لأنه ناقص بالرق في النكاح والطلاق والولاية، فلم
يرث كالقن. ولا يورث أيضا الرقيق كله كما صرح به في المحرر، واستغنى المصنف عنه بقوله: (والجديد أن من بعضه
حر) إذا مات عن مال ملكه ببعضه الحر، (يورث) عنه ذلك المال، لأنه تام الملك عليه كالحر فيرثه عنه قريبه
الحر أو معتق بعضه وزوجته، ولا شئ لسيده لاستيفاء حقه مما اكتسبه بالرقية. والقديم أنه لا يورث ويكون ما ملكه
لمالك الباقي.
تنبيه: استثني من كون الرقيق لا يورث كافر له أمان وجبت له جناية حال حريته وأمانة ثم نقض الأمان فسبي
واسترق وحصلت السراية بالموت في حال رقه، فإن قدر الأرش من القيمة لورثته على الأصح. قال الزركشي: وليس
لنا رقيق كله يورث إلا هذا. (و) رابعها: القتل، فعليه (لا) يرث (قاتل) من مقتوله مطلقا، لخبر الترمذي وغيره. وليس
للقاتل شئ أي من الميراث، ولأنه لو ورث لم يؤمن أن يستعجل الإرث بالقتل فاقتضت المصلحة حرمانه، ولان القتل قطع
الموالاة وهي سبب الإرث. وسواء أكان القتل عمدا أم غيره، مضمونا أم لا، بمباشرة أم لا، قصد مصلحته كضرب الأب
25

والزوج والمعلم أم لا، مكرها أم لا. (وقيل: إن لم يضمن) بضم أوله، أي القتل، كأن وقع قصاصا أو حدا، (ورث) القاتل
لأنه قتل بحق، ويحمل الخبر على غير ذلك المعنى.
تنبيه: قد يفهم كلام المصنف أن غير المضمون يمنع الإرث ولو بسبب، وليس مرادا، فإن المرأة لو ماتت من
الولادة لم يضمنها مع أنه يرثها. وقد يفهم أن المقتول يرث من قاتله، ولا خلاف فيه كما قاله الدارمي وغيره، وصورته بأن
يخرج مورثه ثم يموت الجارح ثم يموت المجروح من تلك الجراحة. (و) خامسها: إبهام وقت الموت، فعليه (لو مات متوارثان
بغرق) أو حرق (أو هدم أو في) بلاد (غربة معا أو جهل أسبقهما) علم سبق أو جهل، (لم يتوارثا) أي لم يرث أحدهما
من الآخر، لأن من شرط الإرث تحقق حياة الوارث بعد موت المورث كما مر وهو هنا منتف، والجهل بالسبق صادق بأن
يعلم أصل السبق ولا يعلم عين السابق وبأن لا يعلم سبق أصلا وصور المسألة خمس: العلم بالمعية، العلم بالسبق وعين السابق،
الجهل بالمعية والسبق، الجهل بعين السابق مع العلم بالسبق، التباس السابق بعد معرفة عينه. ففي الصورة الأخيرة يوقف
الميراث إلى البيان أو الصلح، وفي الصورة الثانية تقسم التركة، (و) في الثلاثة الباقية (مال) أي تركة (كل) من
الميتين بغرق ونحوه (لباقي ورثته) لأن الله تعالى إنما يورث الاحياء من الأموات، وهنا لا تعلم حياته عند موت
صاحبه فلا يرث كالجنين إذا خرج ميتا، ولأنا إن ورثنا أحدهما فقط فهو تحكم وإن ورثنا كلا من صاحبه تيقنا الخطأ
لأنهما إن ماتا معا ففيه توريث ميت من ميت، أو متعاقبين ففيه توريث من تقدم ممن تأخر، وحينئذ فيقدر في حق كل
ميت أنه لم يخلف الآخر.
تنبيه: كان الأولى التعبير بقوله: لم يرث أحدهما من الآخر كعبارة التنبيه. فإن استبهام تاريخ الموت مانع من
الحكم بالإرث لا من نفس الإرث. وقوله: لم يتوارثا ليس بخاص، فإنه لو كان أحدهما يرث من الآخر دون عكسه كالعمة
وابن أخيها كان الحكم كذلك. وحاصل ما ذكر المصنف من الموانع خمسة كما تقرر، وأهمل الدور الحكمي، وهو أن
يلزم من توريثه عدم توريثه كما لو أقر الأخ بابن أخيه الميت فإنه يثبت نسبه ولا يرث، وقد ذكره في الاقرار.
وقال
ابن الهائم في شرح كافيته: الموانع الحقيقية أربعة: القتل والرق واختلاف الدين والدور، وما زاد عليها فتسميته مانعا
مجاز، وقال في غيره إنها ستة: الأربعة المذكورة والردة واختلاف العهد، وأن ما زاد عليها مجاز. وانتفاء الإرث معه
لا لأنه مانع، بل الانتفاء الشرط كما في جهل التاريخ أو السبب كما في انتفاء النسب، وهذا أوجه. وعد بعضهم من الموانع
النبوة لخبر الصحيحين: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة. والحكمة فيه أن لا يتمنى أحد من الورثة موتهم
لذلك فيهلك. وأن لا يظن بهم الرغبة في الدنيا، وأن يكون ما لهم صدقة بعد وفاتهم توفيرا لأجورهم. وتوهم بعضهم
من كونها مانعة أن الأنبياء لا يرثون كما لا يورثون، وليس كذلك، فإن الناس في الإرث على أربعة أقسام: منهم من
يرث ويورث وعكسه فيهما، ومنهم من يورث ولا يرث وعكسه. فالأول كزوجين وأخوين. والثاني كرقيق ومرتد.
والثالث كمبعض وجنين في غرته فقط فإنها تورث عنه لا غيرها. والرابع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإنهم يرثون ولا
يورثون كما تقرر. ولما فرغ من موانع الميراث شرع في موجبات التوقف عن الصرف في الحال، وهي أربعة: أحدها:
الشك في النسب، ولم يذكره المصنف، كأن يدعي اثنان ولدا مجهولا نسبه صغيرا كان أو مجنونا ويموت الولد قبل إلحاقه
بأحدهما، فيوقف ميراث كل منهما منه ويصرف للأم نصيبها إن كانت حرة، وإن مات أحد المدعيين وقف ميراث الولد
ويعمل في حق قريبه بالأسوأ. الثاني والثالث والرابع: الشك في الوجود والحمل والذكورة. وبدأ بالأول من هذه الثلاثة
فقال: (ومن أسر) أي أسره كفار أو غيرهم، (أو فقد وانقطع خبره) وله مال وأريد الإرث منه، (ترك) أي وقف
(ماله) ولا يقسم (حتى تقوم بينة بموته أو) ما يقوم مقام البينة بأن (تمضي مدة) يعلم أو (يغلب على الظن أنه)
26

أي المفقود (لا يعيش فوقها) فلا يشترط القطع بأنه لا يعيش أكثر منها وإذا مضت المدة المذكورة، (فيجتهد القاضي) حينئذ
(ويحكم بموته) لأن الأصل بقاء الحياة فلا يورث إلا بيقين. أما عند البينة فظاهر، وأما عند مضي المدة مع الحكم
فلتنزيله منزلة قيام البينة.
تنبيه: أفهم كلامه أن هذه المدة لا تتقدر وهو الصحيح. وقيل: مقدرة بسبعين سنة، وقيل: بثمانين، وقيل: بتسعين، وقيل: بمائة،
وقيل: بمائة وعشرين، لأنها العمر الطبيعي عند الأطباء، وأنه لا بد من اعتبار حكم الحاكم فلا يكفي مضي
المدة من غير حكم بموته، لكن بحث الرافعي أن القسمة حيث وقعت بالحاكم تضمنت الحكم بموته، ومقتضاه أن
تصرف الحاكم حكم حتى لا يجوز نقضه، وفي هذه المسألة اضطراب. وقال السبكي في باب إحياء الموات:
الصحيح
عندي وفاقا للقاضي أبي الطيب أنه ليس بحكم للشك. ثم أشار لفائدة الحكم بقوله: (ثم يعطي ماله من يرثه وقت) إقامة البينة
أو (الحكم) بموته فإنه فائدة الحكم، فمن مات قبل ذلك ولو بلحظة لم يرث منه شيئا لجواز موته فيها. وقوله: وقت كذا
جزما به، وفي البسيط: قبيل الحكم. قال السبكي: ويشبه أن لا يكون خلافا محققا فإن الحكم إظهار فيقدر موته قبيله بأدنى
زمان، وقولهم من مات قبل الحكم بلحظة لم يرثه لا ينافي ما قلناه، فإنه وإن لم يفصل بينهما زمان فكموتهما معا. قال:
وهذا إذا أطلق الحكم. فإن أسنده إلى ما قبله لكون المدة زادت على ما يغلب على الظن أنه لا يعيش فوقه وحكم بموته من
تلك المدة السابقة فينبغي أن يعطي من كان وارثا له ذلك الوقت وإن كان سابقا على الحكم. قال: ولعله مرادهم وإن
لم يصرحوا به اه‍. ومثل الحكم في ذلك البينة بل أولى. ولا يدفع الحاكم منه إلا لوارث ذي فرض لا يسقط بيقين، وهو
الأبوان والزوج أو الزوجة.
تنبيه: أراد المصنف بغلبة الظن نفس الظن كما قاله الأبوان والزوج أو الزوجة بعض المحققين، قال: وإنما عبروا بهذه العبارة للتنبيه على أن
الغلبة أي الرجحان مأخوذ في ماهية الظن. ولما فرغ من حكم لإرث من المفقود شرح في حكم إرثه من غيره فقال: (ولو
مات من يرثه المفقود) قيل إقامة البينة أو الحكم بموته، (وقفنا) كل التركة إن لم يكن له وارث غير المفقود، وإلا وقفنا
(حصته) فقط حتى يتبين أنه كان عند الموت حيا أو ميتا.
تنبيه: كان الأولى للمصنف أن يقول: من يرث منه ليناسب قوله: حصته كما علم من التقدير، أو يقال: إن حصته
الكل أو البعض، ولكن ينافيه قوله: (وعملنا في الحاضرين بالأسوأ) فمن يسقط بالمفقود لا يعطى شيئا حتى يتبين حاله، ومن
ينقص منهم حقه بحياته أو موته قدر فيه موته، ومن لا يختلف نصيبه بهما أعطيه، فهذه ثلاثة أحوال: فالأول
كزوج مفقود وأختين لأب وعم حاضرين إن كان الزوج حيا للأختين أربعة من سبعة وسقط العم، أو ميتا فلهما سهمان
من ثلاثة والباقي للعم فيقدر في حقهم حياته. والثاني: كجد وأخ لأبوين وأخ لأب مفقود، فيقدر في حق الجد حياته فيأخذ
الثلث، وفي حق الأخ للأبوين موته فيأخذ النصف، ويبقى السدس، إن تبين موته فللجد، أو حياته فللأخ. والثالث:
كابن مفقود وبنت وزوج حاضرين للزوج والربع بكل حال.
تنبيه: لو تلف الموقوف للغائب ثم حضر أخذ ما دفع للحاضرين وقسم ما بين الكل على حسب إرثهم كما صرحوا
به في نظير المسألة، وهو نظير مسألتي الحمل والخنثى إذا بانت حياة الحمل وذكورة الخنثى. ثم شرع في السبب الثاني
من أسباب التوقف، وهو الشك في الحمل، فقال: (ولو خلف حملا يرث) بكل تقدير بعد انفصاله بأن مات عن
زوجة حامل منه، (أو قد يرث) على تقدير دون تقدير. أما على تقدير الذكورة فكمن مات عن حمل زوجة أخيه
لأبيه أو عمه أو معتقه فإن الحمل إن كان ذكرا في الصور الثلاث ورث وإلا فلا. وأما على تقدير الأنوثة فكمن مات
عن زوج وأخت شقيقة وحمل من الأب فإنه إن كان الحمل ذكرا لا يرث شيئا لاستغراق أهل الفرض المال، وإن كان
27

أنثى فلها السدس. (عمل بالأحوط في حقه) أي الحمل، (وحق غيره) قبل انفصاله على ما سيأتي. والحمل بفتح المهملة: اسم
لما في البطن، وبكسرها: اسم لما يحمل على رأس أو ظهر، وحكى ابن دريد في حمل الشجرة وجهين. ومر أن الحمل يرث
قبل ولادته، ولكن شرط استقرار ملكه للإرث ولادته حيا كما قال: (فإن انفصل) كله (حيا لوقت يعلم وجوده عند
الموت) أي موت مورثه بأن انفصل لدون ستة أشهر إذا كانت فراشا أو أقل من أكثر مدة الحمل إذا كانت خلية، (ورث)
لثبوت نسبه. فلو انفصل بعضه حيا ثم مات فكانفصاله ميتا في الإرث وسائر الأحكام، إلا في مسألتين كما قاله الأسنوي:
إحداهما في الصلاة عليه إذا صاح أو استهل ثم مات قبل أن ينفصل، الثانية: إذا حز إنسان رقبته أي وفيه حياة مستقرة كما
قاله الأذرعي قبل أن ينفصل، فيجب القصاص بشرطه أو الدية كما يعلم من بابها. وتعلم الحياة مستقرة باستهلاله صارخا،
أو بعطاسه، أو التثاؤب، أو التقام الثدي، أو نحو ذلك. (وإلا) بأن انفصل ميتا بنفسه أو بجناية جان، أو حيا حياة غير
مستقرة، أو حياة مستقرة لوقت لا يعلم وجوده عند الموت، (فلا) يرث، لأنه في الصورة الأولى معدوم، وفي الثانية كالمعدوم،
وفي الثالثة منتف نسبه عن الميت. (بيانه) أن يقال: (إن لم يكن) في المسألة (وارث سوى الحمل، أو كان) ثم (من) أي وارث
(قد يحجبه) الحمل، (وقف) في الصورتين (المال) وما ألحق به إلى انفصاله احتياطا. (وإن كان) في المسألة (من) أي وارث
(لا يحجبه) أي الحمل، (وله) سهم (مقدر أعطية) حالة كونه (عائلا إن أمكن) في المسألة (عول، كزوجة حامل وأبوين.
لها ثمن ولهما سدسان عائلات) بمثناة فوقه آخره: أي الثمن والسدسان، لاحتمال أن الحمل بنتان. فأصل هذه المسألة من
أربعة وعشرين، وتعول لسبعة وعشرين، فيدفع للزوجة منها ثلاثة وللأبوين ثمانية ويوقف الباقي. فإن كان بنتين كان لهما،
أو ذكرا فأكثر أو ذكرا وأنثى فأكثر كمل للزوجة الثمن بغير عول وللأبوين السدسان كذلك والباقي للأولاد، وتسمى
هذه المسألة بالمنبرية، لأن عليا رضي الله تعالى عنه كان يخطب على المنبر وكان أول خطبته: الحمد لله الذي
يحكم بالحق
قطعا، ويجزي كل نفس بما تسعى، وإليه المآب والرجعي، فسئل حينئذ عن هذه المسألة، فقال ارتجالا: صار ثمن المرأة
تسعا ومضى في خطبته، يعني أن هذه المرأة كانت تستحق الثمن فصارت تستحق التسع. (وإن لم يكن له) أي من لا يحجبه
الحمل سهم (مقدر كأولاد، لم يعطوا) في الحال شيئا بناء على أن الحمل لا يتقدر بعدد، وهو الصحيح لعدم انضباطه،
لأنه وجد خمس في بطن كما حكاه الشافعي رضي الله تعالى عنه أن شيخا باليمن أخبره أنه ولد له خمسة بطون في كل بطن
خمسة واثني عشر في بطن، قاله الشيخان. وحكي الماوردي أنه وجد سبعة في بطن وأن من أخبره ذكر أنه صارع أحدهم
فصرعه، وكان يعير به ويقال صرعك سبع رجل. وحكي في المطلب عن القاضي الحسين عن محمد عن الهيثم: أن بعض
سلاطين بغداد أتت زوجته بأربعين ولدا في بطن، كل واحد منهم مثل الإصبع، وأنهم عاشوا وركبوا الخيل مع أبيهم في
بغداد. قال الأذرعي: وفي هذا بعد اه‍. ولا بعد فيه ولا في أكثر منه، فإن قدرة الله تعالى لا يعجزها شئ. (وقيل
أكثر الحمل أربعة) بحسب الوجود عند قائله، لأنه يتبع في مثله الوجود كما في الحيض. وهذا أكثر ما وجد عند هذا
القائل. وحينئذ (فيعطون) أي الأولاد (اليقين) أي فيوقف ميراث أربعة ويقسم الباقي وتقدر الأربعة ذكورا، مثاله:
خلف ابنا وزوجة حاملا فلها الثمن ولا يدفع للابن شئ على الأول، ويدفع إليه خمس الباقي على الثاني، وعليه يتمكن
الذين صرف إليهم حصتهم من التصرف فيها على أصح الوجهين وإلا لم تدفع إليهم. ثم شرع في السبب الثالث من
أسباب التوقف. وهو الشك في الذكورة. فقال: (والخنثى المشكل) أي الملتبس أمره، وهو بضم أوله وكسر ثالثه، مأخوذ
28

من قولهم: تخنث الطعام إذا اشتبه أمره فلم يخلص طعمه المقصود وشارك طعم غيره، سمي الخنثى بذلك لاشتراك الشبهين
فيه، وهو على ضربين: أحدهما أن لا يكون له فرج رجل ولا فرج امرأة بل يكون له ثقبة يخرج منها البول ولا يشبه
فرج واحد منهما. الثاني وهو أشهرهما: ما له آلة الرجال والنساء. (إن لم يختلف إرثه) بذكورته وأنوثته، (كولد أم
ومعتق فذاك) ظاهر فيدفع إليه نصيبه. (وإلا) بأن اختلف إرثه بهما، (فيعمل باليقين في حقه) أي الخنثى، (و)
في (حق غيره، ويوقف المشكوك فيه حتى يتبين) حاله ولو بإخباره. ولا دلالة على اتضاحه بمعنى الضرب الأول للبول
فيه، بل يوقف أمره حتى يصير مكلفا فيختبر بمثله، قاله البغوي ونقله عند المصنف في مجموعه. قال الأسنوي: ولا ينحصر
ذلك في الميل بل يعرف أيضا بالحيض والمني المتصف بصفة أحد النوعين. وأما بمعنى الضرب الثاني فيتضح بالبول من
فرج، فإن بال من فرج الرجال فرجل أو من فرج النساء فامرأة أو منهما فالسبق لأحدهما. فإن اتفقا ابتداء اتضح
بالتأخر لا الكثرة وتزريق وترشيش، فإن اتفقا ابتداء وانقطاعا وزاد أحدهما أو زرق أو رشش فلا اتضاح. ويتضح
أيضا بحيض وإمناء إن لاق بواحد من الفرجين، وسواء أخرج منه أم منهما بشرط التكرر. ولو بال أو أمني بذكره
وحاض بفرجه أو بال بأحدهما وأمنى بالآخر فمشكل، ولا أثر للحية ولا لنهود ثدي ولا لتفاوت أضلع. فإن عدم الدال
السابق اختبر بعد بلوغ وعقل، فإن مال بإخباره إلى النساء فرجل أو إلى الرجال فامرأة. ولا يكفي إخباره قبل بلوغه
وعقله ولا بعدهما مع وجود شئ، من العلامات السابقة، لأنها محسوسة معلومة الوجود، وقيام الميل غير معلوم فإنه ربما
يكذب في إخباره. والذي يتصور أن يكون خنثى من الورثة ثمانية: الولد وولده، الابن والأخ وولده، والعم وولده، والمعتق
وعصباته. قال الصيمري: ومن ألقى عليك أبا خنثى أو أم خنثى فقد ألقى محالا. قال ابن المنذر: وقد أجمع كل من
يحفظ عنه العلم أن الخنثى يرث من حيث يبول، وروي مرفوعا عن النبي (ص) لكنه ضعيف. فإن
ورث على أحد التقديرين دون الآخر لم يدفع إليه شئ ووقف ما يرثه على ذلك التقدير، ففي زوج وأب وولد خنثى
للزوج الربع وللأب سدس، وللخنثى النصف، ويوقف الباقي بينه وبين الأب. وفي ولد خنثى وأخ يصرف إلى الولد
النصف ويوقف الباقي. وفي ولد خنثى وبنت وعم يعطى الخنثى والبنت الثلثين بالسوية ويوقف الباقي الخنثى والعم،
فإن مات مشكلا تعين الاصطلاح. ولو اتفق الذين وجد المال بينهم على تساو أو تفاوت جاز، أي إذا لم يكن فيهم
محجور عليه، وإلا فلا يجوز للولي أن يصالح عنه بأنقص مما يستحقه. قال الإمام: ولا بد أن يجري بينهم تواهب
وإلا لبقي المال على صورة التوقف، وهذا التواهب لا يكون إلا عن جهالة، لكنها تحتمل للضرورة. ولو أخرج بعضهم
نفسه من البين ووهبه لهم على جهل بالحال جاز أيضا كما قالاه. (ومن اجتمع فيه جهتا فرض وتعصيب كزوج وهو معتق
أو) زوج هو (ابن عم ورث بهما) فيأخذ النصف بالزوجية والآخر بالولاء أو بنوة العم، لأنه وارث بسببين مختلفين،
فأشبه ما لو كانت القرابتان في شخصين. واحترز بقوله: جهتا فرض عن الأب حيث يرث بالفرض والتعصيب، فإنه بجهة
واحدة وهي الأبوة: (قلت) أخذا من الرافعي في الشرح: (فلو وجد في نكاح المجوس أو الشبهة بنت هي أخت)
لأب، بأن وطئ بنته فأولدها بنتا ثم ماتت العليا فقد خلفت أختا من أب وهي بنتها، (ورثت بالبنوة) فقط. (
وقيل: بهما)
أي البنوة والاخوة، (والله أعلم) فتستغرق المال إذا انفردت. ورد بأنهما قرابتان يورث بكل منهما منفردين فيورث
بأقواهما مجتمعين، لأنهما كالأخت لأبوين لا ترث النصف بأخوة الأب والسدس بإخوة الأم. وهذا استدراك على قول
المحرر في جهتي الفرض والتعصيب ورث بهما، ولذلك استغنى أن يقول في الأخت لأب. وهذا الاستدراك مستدرك إذ
ليس مع الأخت في هذه الصورة بنت حتى تكون الأخت مع البنت عصبة، وإنما الأخت نفسها هي البنت فكيف
تعصب نفسها
29

تنبيه: لو ذكر المصنف عبارة المحرر لم يحتج لهذه الزيادة. لأنه قال: وإذا اجتمعت قرابتان لا يجتمعان في
الاسلام قصدا لم يرث بهما، وذلك يشمل الفرضين والفرض والتعصيب وإن كان مثاله يخص الثاني. واحترز بقوله: قصدا
عن وطئ الشبهة فإنهما يجتمعان. (ولو اشترك اثنان في جهة عصوبة وزاد أحدهما) على الآخر (بقرابة أخرى
كابني عم أحدهما أخ لأم، فله السدس) فرضا (والباقي بينهما) سواء بالعصوبة. وصورة هذه المسألة: أن يتعاقب
أخوان على امرأة وتلد لكل واحد منهما ابنا ولأحدهما ابن من غيرها، فابناه ابنا عم الآخر وأحدهما أخوه لامه.
(فلو كان معهما) أي ابني العم المذكورين، (بنت فلها نصف والباقي بينهما سواء) لأن إخوة الأم تسقط بالبنت. (وقيل:
يختص به) أي الباقي، (الأخ) كما قال ابن الحداد، لأن البنت منعت من الاخذ بقرابة الأم، وإذا لم تأخذ بها ترجحت عصوبته
كأخ لأبوين مع أخ لأب. (ومن اجتمع فيه جهتا فرض ورث بأقواهما فقط) لا بهما لما سبق، والقوة بأن تحجب إحداهما
الأخرى (حجب حرمان) أو نقصان (أو) بأن (لا تحجب) إحداهما أصلا بالبناء للمفعول بخطه، والأخرى قد تحجب. (أو)
بأن تحجب ولكن (تكون) إحداهما (أقل حجبا) فهنا ثلاثة أمور: (ف‍). الامر (الأول) وهو حجب الحرمان (كبنت هي
أخت لأم، بأن يطأ مجوسي) أمه أو مسلم بشبهة أمه (فتلد بنتا) فترث هذه البنت من أبيها بالبنتية لا بالأختية لأن أخوة الأم
ساقطة بالبنتية ولا تكون هذه الصورة إلا والميت رجل. ومن صور حجب النقصان: أن ينكح المجوسي بنته فتلد بنتا
ويموت، فقد خلف بنتين إحداهما زوجة فلهما ثلثا ما ترك، ولا عبرة بالزوجية لأن البنت تحجب الزوجة من الربع إلى
الثمن. (و) الامر (الثاني) وهو أن لا تحجب إحداهما أصلا (كأم هي أخت لأب، بأن يطأ) من ذكر (بنته فتلد بنتا) ثم تموت،
فترث والدتها منها بالأمومة لا بالأختية للأب، لأن الأم لا تحجب حرمانا أصلا والأخت تحجب. (و) الامر (الثالث) وهو
أن تكون إحداهما أقل حجبا، (كأم أم هي أخت) لأب، (بأن يطأ) من ذكر (هذه البنت الثانية فتلد ولدا، فالأولى) أي
البنت الأولى نسبتها لهذا الولد (أم أمه وأخته) لأبيه، فإذا مات الولد ورثت منه البنت الأولى بالجدودة دون الأختية،
لأن الجدة للأم أقل حجبا من الأخت، لأن الجدة لا يحجبها إلا الأم وأما الأخت فيحجبها جماعة كما مر. ولا
يورثوهن بالزوجية قطعا لبطلانها كما قاله الشيخان هنا، لكنهما ما حكيا عن البغوي في كتاب النكاح أن منهم من بنى
التوارث على الخلاف في صحة أنكحتهم.
تنبيه: سكت المصنف عن اجتماع عصوبتين في شخص كأخ هو معتق لقلة فائدته، لأن إحدى الجهتين تغني عن
الأخرى.
فصل: في أصول المسائل وما يعول منها وقسمة التركة: (إن كانت الورثة عصبات قسم المال) وما ألحق به
من الاختصاصات بينهم (بالسوية إن تمحضوا ذكورا) كبنتين أو إخوة أو أعمام لغير أم أو بينهم، سواء النسب
والولاء (أو) تمحضوا (إناثا) كثلاث معتقات أعتقن عبدا بينهن بالسوية، وهذا لا يتصور إلا في الولاء، فإن
30

تفاوت الملك تفاوت الإرث بحسبه، وقد يتصور أيضا في النسب في مسائل الرد. (وإن اجتمع) من النسب (الصنفان) من
ذكور وإناث كابنين وبنتين، (قدر كل ذكر) منهم (أنثيين) ولا يقال يقدر للأنثى نصف نصيب لئلا ينطق بالكسر،
لأنهم اتفقوا على عدم النطق به. وقوله: (وعدد رؤوس المقسوم عليهم) خبر مقدم لمبتدأ مؤخر، وهو (أصل المسألة)
أي أصلها هو العدد الذي يخرج منه سهامها، فهي من عدد رؤوس العصبة الذكور والإناث في الولاء على ما مر. وإن
كانوا ذكورا وإناثا في النسب كابنين وبنتين فأضف عدد الذكور وأضف إليه عدد الإناث تكن المسألة من ستة، وقس
على هذا. وهذا في غير الولاء، أما الولاء فإن لم يحصل فيه تفاوت في الملك فعدد رؤوس المعتقين أصل المسألة سواء
أكانوا ذكورا أم إناثا أم مجتمعين، وإن تفاوتوا فأصل مسألتهم من مخرج المقادير كالفروض كما قاله الزركشي. (و) الورثة
(إن كان فيهم) مع العصبات (ذو) أي صاحب (فرض) واحد كبنت وعم، (أو ذوا) بالتثنية (فرضين) مثلا (متماثلين) في الفرض والمخرج: كأم وأخ لأم وأخ لأب، أو في المخرج فقط: كشقيقتين وأختين لأم وعم، (فالمسألة) التي فيها ذلك
الكسر، أي أصلها يكون (من مخرج ذلك الكسر) لأن الفروض الستة كسور مضافة لمعدود وهو التركة، فإن لم يكن
في المسألة عصبة فالمسألة أيضا من مخرج ذلك الكسر، ففي زوج وأخت شقيقة أو لأب هي أيضا من اثنين، وتسمى هاتان
المسألتان بالنصفيتين، إذ ليس في الفرائض شخصان يرثان المال مناصفة فرضا غيرهما، وباليتيمتين، إذ ليس في الفرائض
نظيرهما، ولو كان في المسألة فروض كان الحكم كذلك. ثم أعلم أن المخرج هو أقل عدد يصح منه ذلك الكسر، وهو
مفعل بمعنى المكان فكأنه موضع تخرج منه سهام المسألة صحيحة الذي هو أصلها. والكسر أصله مصدر وأطلق
هنا على الكسر المراد به الجزء، وهو ما دون الواحد. (فمخرج النصف اثنان، والثلث ثلاثة، والربع أربعة
، والسدس ستة،
والثمن ثمانية) لأن أقل عدد له نصف صحيح اثنان، وكذا الباقي. وكلها مشتقة من أسماء العدد لفظا ومعنى إلا النصف فلم
يشتق من اسم العدد، ولو اشتق منه لقيل له ثني بضم أوله كما قيل في غيره من ثلث وربع إلى عشر، وإنما اشتق من
التناصف، فكأن المقتسمين تناصفا واقتسما بالسوية.
تنبيه: سكوته عن الثلثين يفهم أنه ليس جزءا برأسه وهو كذلك، وإنما هو تضعيف الثلث. (وإن كان) في المسألة
(فرضان مختلفا المخرج) بقلة أو كثرة، (فإن تداخل مخرجاهما فأصل المسألة) حينئذ (أكثرهما كسدس وثلث) كما في مسألة أم
وأخ لأم وعم هي من ستة، لأن أكثر الفرضين فيها عددا هو السدس، والثلث داخل فيه، والمتداخلان عددان مختلفان أقلهما
جزء من الأكثر لا يزيد على نصفه كثلاثة من تسعة أو ستة. (وإن) كان في المسألة فرضان، و (توافقا) بجزء من الاجزاء، (ضرب
وفق أحدهما في الآخر، والحاصل) من الضرب هو (أصل المسألة: كسدس وثمن) كما في مسألة أم وزوجة وابن، (فالأصل)
أي أصل كل مسألة اجتمع فيها ما ذكر (أربعة وعشرون) حاصل ضرب وفق أحد المخرجين في الآخر، وهو نصف الستة أو
الثمانية، في كامل الآخر. والوفق مأخوذ من الموافقة. (وإن) كان في المسألة فرضان و (تباينا) مخرجا، (ضرب كل)
منهما (في كل) منهما (والحاصل) من الضرب (الأصل) للمسألة (كثلث وربع) كما في مسألة أم وزوجة وأخ لأبوين، فثلث الأم وربع الزوجة
31

متباينان. (فالأصل) أي أصل كل مسألة اجتمع فيها ما ذكر (اثنا عشر) حاصل ضرب أحد المخرجين، وهو الثلث أو
الربع في الآخر، والمتباينان: هما العددان اللذان ليس بينهما موافقة بجزء من الاجزاء. (فالأصول) أي مخارج الفروض
مفردة ومركبة عند المتقدمين، (سبعة: اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية واثنا عشر وأربعة وعشرون) لأن الفروض المذكورة
في القرآن لا يخرج حسابها إلا من هذه السبعة. وإنما انحصرت المخارج في سبعة والفروض ستة لأن الفروض لها حالتان: حالة انفراد، وحالة تركيب، ففي
حالة الانفراد يحتاج إلى خمسة مخارج، وهي النصف والثلث والربع والسدس والثمن،
ويسقط الثلثان لأن مخرجهما الثلث، وهو واحد من ثلاثة، وفي حال التركيب يحتاج إلى مخرجين لأن التركيب لا يخرج
عن أربعة أحوال: التماثل، والتداخل، والتوافق، والتباين، فإن كان مع التماثل كسدس وسدس، أو التداخل كسدس
وثلث لم يحتج مجموعهما إلى مخرج لأن أحد العددين أو أكثرهما أصل المسألة، وإن كان مع التوافق أو التباين احتاج إلى
مخرج لجميع الفروض بضرب وفق أحدهما أو جملته في كامل الآخر، فاحتجنا إلى مخرجين آخرين: أحدهما إثنا عشر،
وهو مع التوافق تركيب الربع والسدس، ومع التباين تركيب الربع والثلث أو الثلثين لأنه أقل عدد له ربع وسدس أو
ربع وثلث أو ربع وثلثان. والثاني: أربعة وعشرون، وهو مع التوافق تركيب الثمن والسدس، ومع التباين تركيب الثمن
والثلثين لأنه أقل عدد له ثمن وسدس وثلثان، ولا يتصور اجتماع الثمن والثلث فظهر انحصار المخارج في السبعة المذكورة.
وزاد بعض المتأخرين عليها أصلين آخرين في مسائل الجد والاخوة: ثمانية عشر وستة وثلاثين، فأولهما: كأم وجد وخمسة
إخوة لغير أم، وإنما كانت من ثمانية عشر لأن أقل عدد له سدس صحيح وثلث ما يبقى هو هذا العدد. والثاني: كزوجة
وأم وجد وسبعة إخوة لغير أم، وإنما كانت من ستة وثلاثين لأن أقل عدد له ربع وسدس صحيحان وثلث ما يبقى هو
هذا العدد. والمتقدمون يجعلون ذلك تصحيحا، واستصوب الإمام وغيره طريق المتأخرين، وقال في الروضة: هو المختار
الأصح الجاري على القواعد لأنه أخصر. واحتج له المتولي بأنهم اتفقوا في زوج وأبوين أن تكون المسألة من ستة، ولولا
إقامة الفريضة من النصف وثلث ما يبقى لقالوا هي من اثنين للزوج واحد، يبقى واحد، وليس له ثلث، صحيح فيضرب
مخرج الثلث في اثنين فتصير ستة، وأقره المصنف على هذا الاحتجاج، لكن قال في المطلب: إنه غير سالم من النزاع، فإن
جماعة من الفرضيين ذكروا أن أصلها من اثنين اه‍. وعلى تسليم ذلك يفرق بأن ثلث ما يبقى في هذه المسألة فرض أصلي
ولا كذلك في حق الجد. واعتذر الإمام عن القدماء بأنهم إنما لم يعدوهما مع ما سبق لأن الأصول موضوعة على المقدرات
المنصوصة، وهي المجمع عليها، وثلث ما يبقى من المسألتين ليس منصوصا ولا متفقا عليه، قال: والامر فيه قريب. وقال
بعضهم: طريقة القدماء أصل وطريقة المتأخرين استحسان.
تنبيه: لما كان الاثنا عشر والأربعة والعشرون زائدين على الأصول الخمسة السابقة حسن الاتيان بالفاء في قوله:
فالأصول. ثم شرع في بيان ما يعول من هذه الأصول، فقال: (والذي يعول منها) ثلاثة: (الستة) وضعفها
وضعف ضعفها، فالستة تعول أربع مرات أوتارا وأشفاعا (إلى سبعة، كزوج وأختين) لغير أم: للزوج ثلاثة،
ولكل أخت اثنان فعالت بسدسها، ونقص لكل واحد سبع ما نطق له به. قيل: وهي أول فريضة عالت في الاسلام
في زمن عمر رضي الله تعالى عنه، فجمع الصحابة وقال لهم: فرض الله تعالى للزوج النصف وللأختين الثلث، فإن
بدأت بالزوج لم يبق للأختين حقهما، وإن بدأت بالأختين لم يبق للزوج حقه، فأشيروا علي فأشار عليه العباس
رضي الله تعالى عنه بالعول، وقال: أرأيت لو مات رجل وترك ستة دراهم ولرجل عليه ثلاثة ولآخر أربعة، أليس
تجعل المال سبعة أجزاء؟ فقال: نعم، فقال العباس: هو ذاك فأجمع الصحابة عليه. (و) تعول الستة أيضا (إلى ثمانية
كهم) أي كزوج وأختين (وأم) فيزاد عليها سهم واحد للأم فتعول بمثل ثلثها. وإدخال الكاف على الضمير
32

المنفصل لغة قليلة، وعبارة المحرر: كهؤلاء، وهو صحيح. ومن صور العول للثمانية زوج وأم وأخت لأبوين أو لأب،
وتسمى هذه المسألة بالمباهلة من البهل، وهو اللعن، وقيل: إنها أول فريضة أعيلت في زمن عمر، وكان ابن عباس صغيرا
فلما كبر أظهر الخلاف بعد موت عمر، وجعل للزوج النصف، وللأم الثلث، وللأخت ما بقي، ولا عول حينئذ،
فقيل له: لم لم تقل هذا لعمر؟ فقال: كان رجلا مهابا فهبته ثم قال: إن الذي أحصى رمل عالج عددا لم يجعل في المال
نصفا ونصفا وثلثا، ذهب النصفان بالمال فأين موضع الثلث؟ ثم قال له علي: هذا لا يغني عنك شيئا لو مت أو مت لقسم
ميراثنا على ما عليه الناس من خلاف رأيك قال: فإن شاءوا فلندع أبناءنا وأبنائهم ونساءنا ونساءهم وأنفسنا وأنفسهم
ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين، فسميت المباهلة بذلك. (و) تعول الستة أيضا (إلى تسعة كهم) أي زوج
وأختين وأم (وأخ لأم) فعالت بمثل نصفها. (وإلى عشرة كهم) أي المذكورين في التسعة، (وآخر لأم) فتعول
بمثل ثلثيها، وتسمى هذه بأم الفروخ بالخاء لكثرة سهامها العائلة، والشريحية لأن شريحا قضى فيها بذلك. ومتى عالت
إلى أكثر من سبعة لا يكون الميت إلا امرأة، لأنها لا تعول إلى ذلك إلا بزوج. ولما فرغ من عول الستة إلى أربع
مرات شرع في عول ضعفها، فقال: (والاثنا عشر) تعول ثلاث مرات أوتارا. المرة الأولى: بنصف سدسها (إلى
ثلاثة عشر كزوجة وأم وأختين) لغير أم. (و) المرة الثانية: بربعها (إلى خمسة عشر كهم) أي المذكورين، (وأخ
لأم، و) المرة الثالثة: بربعها وسدسها إلى (سبعة عشر كهم) أي المذكورين في خمسة عشر (و) أخ (آخر لأم).
ومن صورها أم الأرامل، وهي ثلاث زوجات وجدتان وأربع أخوات لأم وثمان أخوات لأب فهؤلاء سبعة عشر أنثى
متساويات، سميت بذلك لكثرة ما فيها من الأرامل، وتسمى أيضا الدينارية الصغرى لأن الميت خلف فيها سبعة عشر
دينارا حصل لكل واحدة منهن دينار. وإنما أعلت هذه بالأوتار فقط لأنه لا بد فيها من ربع وهو ثلاثة، والذي
ينضم إليه الثلثان وهما ثمانية، أو ثلث وهو أربعة، أو نصف وهو ستة، فإذا انضم الفرد للزوج كان وترا لا شفعا،
بخلاف الستة فإنها تعول شفعا ووترا كما مر لأن الوتر يشفع فيها بوتر آخر فتصير شفعا. ولما فرغ من عول الضعف إلى
ثلاث مرات - ولا يتصور إلا والميت رجل كما أفهمه تمثيل المصنف، قال السهيلي: وليس في العدد الأصم ما
يكون أصلا
للمسألة إلى الثلاثة عشر والسبعة عشر لأنهما أصل من مسائل العول - شرع في عول ضعف ضعفها، فقال: (والأربعة
والعشرون) تعول عولة واحدة وترا فقط بثمنها (إلى سبعة وعشرين كبنتين وأبوين وزوجة) ومر في مسألة الحمل تسمية
هذه بالمنبرية، وغير هذه الثلاثة لا عول فيه لأن الأصول قسمان: تام وناقص، فالتام هو الذي يعول وهو الذي إذا
اجتمعت أجزاؤه الصحيحة كانت مثله أو أزيد، فالستة تامة لأن لها سدسا وثلثا ونصفا تساوت لأن المجموع ستة،
والاثنا عشر والأربعة والعشرون زائدان لأن الأول له سدس وربع وثلث ونصف، فالمجموع خمسة عشر. والثاني له
ثمن وسدس وربع وثلث ونصف، فالمجموع ثلاثة وثلاثون، والناقص هو الذي إذا اجتمعت أجزاؤها كانت أقل منه،
وهو ما عدا هذه الثلاثة. والعول زيادة في مسألة أصحاب فروض لا يمكن إسقاط بعضهم وتضييق الفرض عليهم
فتعال ليدخل النقص جملة واحدة على الجميع، ولا يتصور في مسائل العول وجود عاصب. ثم شرع في بيان النسبة بين
العددين، فقال: (وإذا تماثل العددان) كثلاثة وثلاثة مخرجي الثلث والثلثين كما في مسألة ولدي أم وأختين لغير أم،
(فذاك) ظاهر أن يقال فيهما متماثلان، ويكتفي بأحدهما ويجعل أصل المسألة وحقيقة المتماثلين أنهما إذا سلط أحدهما
على الآخر أفناه مرة واحدة. (وإن اختلفا وفني الأكثر بالأقل) عند إسقاطه من الأكثر (مرتين فأكثر
33

فمتداخلان كثلاثة مع ستة أو تسعة) أو خمسة عشر، فإن الستة تفنى بإسقاط الثلاثة مرتين، والتسعة بإسقاطها ثلاث مرات،
والخمسة عشر بإسقاطها خمس مرات لأنها خمسها. وسميا بذلك لدخول الأقل في الأكثر، فيكون الأكثر مدخولا
فيه وإن اقتضى اللفظ دخول كل منهما في الآخر إذ ليس ذلك بمراد، وحكم المتداخل أنه يكتفي بالأكبر ويجعل أصل
المسألة. (وإن) أي وإن اختلفا و (لم يفنهما إلا عدد ثالث فمتوافقان بجزئه) أي الثالث، (كأربعة وستة) بينهما موافقة،
(بالنصف) لأنك إذا سلطت الأربعة على الستة يبقى منها اثنان سلطهما على الأربعة مرتين تفنى بينهما فقد حصل الأفناء
باثنين، وهو عدد غير الأربعة والستة، فهما متوافقان بجزء الاثنين وهو النصف. وإن فني بثلاثة فالموافقة بالثلث،
وهكذا إلى العشرة فبالعشر، لأن العبرة بنسبة الواحد إلى العدد الذي وقع به الأفناء، فما كانت نسبته إليه كانت الموافقة
بتلك النسبة ونسبة الواحد إلى الاثنين النصف وإلى الثلاثة الثلث، وإن كان للعدد المفني أكثر من عشرة فالتوافق
حينئذ بالاجزاء كجزء من أحد عشر جزءا أو نحو ذلك إلى ما لا نهاية له. فإن أفنى عددين أكثر من عدد واحد،
فهما متوافقان بأجزاء ما في ذلك العدد من الآحاد كالاثني عشر والثمانية عشر تفنيهما الستة والثلاثة والاثنان، فهما
متوافقان بالأسداس والأثلاث والأنصاف. والعمل والاعتبار في ذلك بالجزء الأقل، فيعتبر في هذا المثال السدس
وفي
المتوافقان بالأخماس والأعشار العشر، وعلى هذا القياس. وحكم المتوافقين أن تضرب وفق أحدهما في كامل الآخر،
والحاصل أصل المسألة. (وإن) أي وإن اختلفا ولم يفن أكثرهما بأقلهما ولا بعدد ثالث، بأن (لم يفنهما إلا واحد)
وليس بعدد بل هو مبدؤه، (تباينا كثلاثة وأربعة) لأنك إذا أسقطت الثلاثة من الأربعة يبقى واحد، فإذا سلطته على
الثلاثة فنيت به وسميا متباينين لأن فنائهما بمباينهما وهو الواحد، لأنهما عددان والواحد ليس بعدد كما مر. وحكم
المتباينين أنك تضرب أحد العددين في الآخر فانحصر حينئذ نسبة كل عددين أحدهما إلى الآخر في هذه الأربعة التماثل
والتداخل والتوافق والتباين. (و) العددان (المتداخلان متوافقان) كثلاثة مع ستة أو تسعة، فالثلاثة داخلة في كل من
الستة والتسعة موافقة لهما بالثلث. (ولا) عكس، أي ليس كل متوافقين متداخلين، فقد يكونان متوافقين ولا يدخل
أحدهما في الآخر كستة مع ثمانية، لأن شرط التداخل أن لا يزيد على نصف ما دخل فيه. وإنما عرف المصنف في هذه
الأحوال الأربعة توطئة لبيان التصحيح المترجم له بقوله:
فرع: أي في تصحيح المسائل، فإن تصحيحها موقوف على معرفة النسب الأربع. وإنما ترجم بالفرع لأنه مرتب
على ما قبله، والمراد بتصحيحها بيان كيفية العمل في القسمة بين المستحقين من أقل عدد بحيث يسلم الحاصل لكل منهم
من الكسر ولذلك سمي بالتصحيح. (إذا عرفت) أيها الطالب لتصحيح المسألة (أصلها وانقسمت السهام) في تلك
المسألة (عليهم) أي الورثة، (فذاك) ظاهر لا يحتاج لضرب: كزوج وثلاثة بنين هي من أربعة لكل منهم واحد، وكزوجة
وثلاثة بنين وبنت هي من ثمانية للزوجة واحد وللبنت واحد ولكل ابن اثنان (وإن انكسرت) تلك السهام (على
صنف) منهم سهامه، (قوبلت) سهامه (بعدده) أي رؤوس ذلك الصنف الذي انكسر عليه. (فإن تباينا) أي السهام
والرؤوس، (ضرب عدده في المسألة) إن لم تعل وفيها (بعولها إن عالت) فما اجتمع صحت منه المسألة، مثاله بلا عول:
زوجة وأخوان، هي من أربعة للزوجة أربعة أسهم وللأخوين ثلاثة أسهم منكسرة عليهما، فاضرب عددهما في المسألة
وهو أربعة تبلغ ثمانية ومنها تصح، ومثالها بالعول: زوج وخمس أخوات لغير أم أصلها من ستة وتعول إلى سبعة للزوج
ثلاثة وللأخوات أربعة وهي لا تصح عليهن ولا توافق، فاضرب عددهن وهو خمسة في المسألة بعولها وهو سبعة تبلغ
34

خمسة وثلاثين، ومنها تصح. واعلم أن الضرب عند أهل الحساب تضعيف أحد العددين بقدر ما في الآخر من الآحاد. (وإن
توافقا) أي سهام الصنف مع عدد رؤوسه، (ضرب وفق عدده) أي الصنف (فيها) أي في أصل المسألة إن
تعل وفيها بعولها
إن عالت (فما بلغ صحت منه) مثالها بلا عول: أم وأربعة أعمام، وهي من ثلاثة للأم سهم وسهمان للأعمام لا تصح
عليهم، ولكن توافق بالنصف، فاضرب اثنين في ثلاثة بستة ومنها تصح. ومثالها بالعول: زوج وأبوان وست بنات، هي
من اثني عشر وتعول إلى خمسة عشر، ونصيب البنات لا يصح عليهن ولكن يوافق بالنصف، فاضرب وفقهن وهو ثلاثة
في خمسة عشر تبلغ خمسة وأربعين ومنها تصح. (وإن انكسرت) تلك السهام (على صنفين، قوبلت سهام كل صنف بعدده)
أي الصنف المنكسر عليهم. (فإن توافقا) أي السهام والعدد في الصنفين أو أحدهما، (رد الصنف) الموافق (إلى وفقه، وإلا)
بأن تباين السهام والعدد في الصنفين أو أحدهما (ترك) الصنف المباين بحاله، (ثم) بعد ذلك (إن تماثل عدد الرؤوس) في
الصنفين برد كل منهما إلى وفقه، أو ببقائه على حاله، أو برد أحدهما وبقاء الآخر، (ضرب أحدهما) أي العددين المتماثلين
(في أصل المسألة) إن لم تعل، و (بعولها إن عالت. وإن تداخلا) أي العددان، (ضرب أكثرهما) فيما ذكر، (وإن توافقا ضرب
وفق أحدهما في الآخر ثم الحاصل في المسألة) إن لم تعل وبعولها إن عالت. (وإن تباينا ضرب أحدهما في الآخر ثم الحاصل)
من الضرب (في) أصل (المسألة) إن لم تعل وبعولها إن عالت. (فما بلغ) الضرب في كل مما ذكر (صحت منه) المسألة.
وحاصل ذلك أن بين سهام الصنفين وعددهما توافقا وتباينا، وتوافقا في أحدهما وتباينا في الآخر، فهذه ثلاثة أحوال،
وإن بين عددهما تماثلا وتداخلا وتوافقا وتباينا، فهذه أربعة أحوال. والحاصل من ضرب ثلاثة في أربعة إثنا عشر، فكل
حالة من الثلاثة لها أربع مسائل، وأنا أسرد لك أمثلتها لتتدرب على هذا الفن كما فعله الشارح: أمثلة الحالة الأولى:
وهي فيما إذا كان بين الصنفين وعددهما توافق أم وستة إخوة لأم وثنتا عشرة أختا لأب، هي من ستة وتعول إلى سبعة:
للاخوة سهمان يوافقان عددهم بالنصف فيرد إلى ثلاثة، وللأخوات أربعة أسهم توافق عددهن بالربع فيرد إلى ثلاثة،
وتضرب إحدى الثلاثتين في سبعة تبلغ إحدى وعشرين، ومنه تصح. أم وثمانية إخوة لأم وثمان أخوات لأب، ترد عدد
الاخوة إلى أربعة والأخوات إلى اثنتين وهما متداخلان، فتضرب الأربعة في سبعة تبلغ ثمانية وعشرين، ومنه تصح. أم
واثنا عشر أخا لأم وست عشرة أختا لغير أم، ترد عدد الاخوة إلى ستة والأخوات إلى أربعة وتضرب نصف أحدهما في الآخر
يبلغ اثني عشر تضرب في سبعة تبلغ أربعة وثمانين، ومنه تصح. أم وستة إخوة لأم وثمان أخوات لأب، ترد عدد
الاخوة إلى ثلاثة والأخوات إلى اثنتين وهما متباينان فتضرب أحدهما في الآخر تبلغ ستة تضرب في سبعة تبلغ اثنين
وأربعين، ومنه تصح. أمثلة الحالة الثانية: وهي فيما إذا كان بين سهام الصنفين وعددهما تباين: ثلاث بنات
وثلاثة إخوة لأب هي من ثلاثة والعددان متماثلان يضرب أحدهما في ثلاثة تبلغ تسعة، ومنه تصح. ثلاث بنات وستة إخوة
لغير أم العددان متداخلان تضرب أكثرهما وهو ستة في ثلاثة تبلغ ثمانية عشر، ومنه تصح. تسع بنات وستة إخوة لغير أم
العددان متوافقان بالثلث يضرب ثلث أحدهما في الآخر تبلغ ثمانية عشر تضرب في ثلاثة تبلغ أربعة وخمسين، ومنه
تصح. ثلاث بنات وأخوان لغير أم العددان متباينان تضرب أحدهما في الآخر تبلغ ستة تضرب في ثلاثة تبلغ ثمانية
عشر، ومنه تصح. أمثلة الحالة الثالثة: وهي فيما إذا كان بين سهام الصنفين وعددهما توافق في أحدهما وتباين في الآخر:
ست بنات وثلاثة إخوة لغير أم، ترد عدد البنات إلى ثلاثة وتضرب إحدى الثلاثتين في ثلاثة تبلغ تسعة، ومنه تصح.
35

أربع بنات وأربعة إخوة لغير أم، ترد عدد البنات إلى اثنين وهما داخلان في الأربعة فتضربهما في ثلاثة تبلغ اثني عشر، ومنه
تصح. ثمان بنات وستة أخوة لغير أم، ترد عدد البنات إلى أربعة وهي توافق الستة بالنصف فتضرب نصف أحدهما في الآخر
تبلغ اثني عشر تضرب في ثلاثة تبلغ ستة وثلاثين، ومنه تصح. أربع بنات وثلاثة إخوة لأب، ترد عدد البنات إلى اثنين،
وهما مع الثلاثة متباينان، تضرب أحدهما في الآخر تبلغ ستة تضرب في ثلاثة تبلغ ثمانية عشر، ومنه تصح. (ويقاس على)
جميع (هذا) المذكور في انكسار السهام على صنفين (الانكسار) فيها (على ثلاثة أصناف) كجدتين وثلاثة إخوة لأم وعمين،
أصلها من ستة وتصح من ستة وثلاثين (و) الانكسار فيها على أصناف (أربعة) كزوجتين وأربع جدات وثلاثة إخوة لأم
وعمين، أصلها من اثني عشر وتصح من اثنين وسبعين. (ولا يزيد الانكسار) في غير الولاء والوصية (على ذلك) أي أربعة
أصناف بدليل الاستقراء، لأن الورثة في الفريضة الواحدة لا يزيدون على خمسة أصناف عند اجتماع كل الورثة كما علم مما مر
في اجتماع من يرث من الرجال والنساء، ومن الخمسة الزوج والأب والأم ولا تعدد في كل منهم، وحينئذ فنصيبه صحيح
عليه جزما. أما الولاء والوصية فيزيد الكسر فيهما على أربعة أصناف. (فإذا أردت) بعد تصحيح المسألة (معرفة نصيب
كل صنف) من الورثة (من مبلغ) سهام (المسألة، فاضرب نصيبه) أي الصنف (من أصل المسألة) بعولها إن عالت (فيما
ضربته فيها، فما بلغ) الضرب (فهو نصيبه) أي الصنف، (ثم تقسمه) أي ما بلغ بالضرب (على عدد الصنف) ومثل لذلك
في المحرر بجدتين وثلاث أخوات لغير أم وعم لغير أم هي من ستة، وتصح بضرب ستة فيها تبلغ ستة وثلاثين للجدتين
واحد في ستة بستة لكل واحدة ثلاثة وللأخوات أربعة في ستة بأربعة وعشرين لكل أخت ثمانية وللعم واحد في ستة بستة.
وإذا أردت معرفة نصيب كل صنف من الورثة قبل عمل المسألة، فاضرب نصيب ذلك الوارث في أعداد غيره من بقية
الورثة فما بلغ فهو نصيب كل وارث، ففي المثال المذكور تضرب نصيب الجدتين وهو واحد في أعداد الأخوات وهو
ثلاثة بثلاثة، ثم في العم وهو واحد بثلاثة وهو ما لكل جدة وهكذا، وهذا الطريق خاص بمباينة السهام
للرؤوس وكل من الرؤوس للآخر. ولما فرغ من تصحيح المسائل بالنسبة لميت واحد شرع في تصحيحها بالنسبة لأكثر منه، وترجم لذلك
بقوله:
فرع: في المناسخات: فهي نوع من تصحيح المسائل. والنسخ لغة: إبطال الشئ وإزالته، يقال: نسخت
الشمس الظل إذا أذهبته وحلت محله. واصطلاحا: أن يموت أحد الورثة قبل قسمة التركة. وسمي هذا مناسخة لانتقال
المال فيه من واحد إلى آخر، وهو من عويص الفرائض. فإذا (مات) شخص (عن ورثة فمات أحدهم قبل القسمة)
لتركته نظرت، (فإن لم يرث) الميت (الثاني غير) كل (الباقين) من ورثة الميت الأول (وكان إرثهم) أي الباقين
(منه) أي الميت الثاني (كإرثهم من) الميت (الأول، جعل) حالهم بالنظر إلى الحساب والاختصار فيه لا لكونه واجبا
شرعا، (كأن) الميت (الثاني لم يكن) من ورثة الأول، (وقسم) المتروك (بين الباقين) من الورثة (كإخوة وأخوات)
لغير أم، (أو بنين وبنات مات بعضهم عن الباقين) لأن المال صار إليهم بطريق واحد، فكأن الذين ماتوا بعد الأول
36

لم يكونوا نواة فلو مات عن أربعة بنين وأربع بنات ثم مات منهم ابن، فالمسألة الأولى من اثني عشر لكل ابن سهمان
ولكل بنت سهم، فإن مات ابن منهم صارت المسألة على عشرة. فإن ماتت بنت عمن بقي صارت على تسعة، فإن مات
ابن عمن بقي صارت على سبعة، فإن ماتت بنت عمن بقي صارت على ستة، فإن مات ابن عمن بقي صارت على أربعة،
فإن ماتت بنت عمن بقي صارت على ثلاثة، وكأن الميت لم يخلف غير ابن وبنت فله سهمان ولها سهم واحد.
تنبيه: إنما قدم المصنف الاخوة على البنين لأن العمل فيهم باق ابتداء ودواما، فإذا خلف إخوة وأخوات ثم
مات أحدهم فالورثة في المسألتين بالاخوة بخلاف البنين، فإنه إذا مات عن ابنين وبنات ثم مات بعضهم فالإرث
في الأولى بالبنوة وفي الثانية بالاخوة. وأفهم تصويره المسألة بالعصبة أنه لا يأتي في غيرهم، وليس مرادا بل يأتي في غير
العصبة أيضا كما سيأتي، تمثيله بجدتين وثلاث أخوات متفرقات، وفي الفرض والتعصيب كأم وإخوة لأم ومعتق ثم مات
أحد الاخوة عن الباقين. وإن لم ينحصر إرثه أي الميت الثاني (في الباقين) إما لأن الوارث غيرهم أو لأن
غيرهم
يشركهم فيه، (أو انحصر) فيهم (واختلف قدر الاستحقاق) لهم من الميت الأول والثاني، (فصحح مسألة الأول ثم)
صحح (مسألة الثاني، ثم) بعد تصحيحهما ينظر (إن انقسم نصيب الثاني من مسألة الأول على مسألته فذاك) ظاهر،
كزوج وأختين لغير أم ماتت إحداهما عن الأخرى وعن بنت المسألة الأولى من ستة وتعول إلى سبعة والثانية من اثنين
ونصيب ميتهما من الأولى اثنان ينقسم عليهما. (وإلا) أي وإن لم ينقسم نصيب الثاني من الأولى على مسألته نظرت،
(فإن كان بينهما) أي مسألة الثاني ونصيبه (موافقة ضرب وفق مسألته) أي الثاني (في مسألة الأول) كجدتين
وثلاث أخوات متفرقات ثم ماتت الأخت للأم عن أخت لأم هي الشقيقة في الأولى وعن أختين لأبوين وعن أم أم هي
إحدى الجدتين في الأولى، أصل المسألة الأولى من ستة وتصح من اثني عشر، والثانية من ستة، ونصيب ميتها من الأولى
اثنان وافقان مسئلتها بالنصف فتضرب نصف مسئلتها وهم ثلاثة في الأولي تبلغ ستة وثلاثين لكل جدة من الأولى
سهم في ثلاثة بثلاثة وللوارثة في الثانية سهم منها في واحد بواحد وللأخت للأبوين في الأبوين في الأولى ستة منها في ثلاثة بثمانية عشر
ولها من الثانية سهم في واحد بواحد، وللأخت للأب في الأولى سهمان في ثلاثة بستة وللأختين للأبوين في الثانية
أربعة منها في واحد بأربعة. فإن قيل: لم لا ورثت الأختان في الأولى أيضا؟ أجيب بأن ذاك كان لمانع وجد لهما
عند الأولى كرق وكان زائلا عند الثانية (وإلا) أي وإن لم يكن بينهما موافقة بل مباينة فقط وإن أوهم دخول التماثل
والتداخل أيضا تحت قوله، وإلا ضربت (كلها) أي الثانية، (فيها) أي الأولى، (فما بلغ) الضرب (صحتا) أي
المسألتان (منه، ثم) تقول (من له شئ من) المسألة (الأولى أخذه مضروبا فيما ضرب فيها) من وفق المسألة الثانية
أو كلها، (ومن له شئ من) المسألة (الثانية أخذه مضروبا في نصيب الثاني من الأولى، أو) أخذه مضروبا (في وفقه
إن كان بين مسألته ونصيبه وفق) كزوجة وثلاثة بنين وبنت ماتت البنت عن أم وثلاثة إخوة وهم الباقون من الأولى،
المسألة الأولى من ثمانية، والثانية تصح من ثمانية عشر، ونصيب ميتها من الأولى سهم لا يوافق مسألته فتضرب في الأولى
تبلغ مائة وأربعة وأربعين للزوجة من الأولى سهم في ثمانية عشر بثمانية عشر، ومن الثانية ثلاثة في واحد بثلاثة
ولكل ابن من الأولى سهمان في ثمانية عشر بستة وثلاثين، ومن الثانية خمسة في واحد بخمسة، وما صحت منه المسألتان
صار كمسألة أولى، فإذا مات ثالث عمل في مسألته ما عمل في الثاني وهكذا، فإذا صحت الأولى ثم الثانية
وجعلتهما كمسألة
37

واحدة كما تقدم بيانه فصحح الثالثة وانظر بينها وبين سهام الميت الثالث وهو ما خصه من التصحيح، فإن صحت عليها
فذاك، وإن لم تصح فإن كان بينهما موافقة رددت الثالثة إلى وفقها والسهام إلى وفقها وضربت وفق الثالثة التي صارت
ثانية في كل التصحيح فما بلغ صحت منه. وإن كان بينهما مباينة فاضرب كل الثالثة في كل التصحيح فما بلغ صحت منه.
ثم من له شئ من التصحيح يأخذه مضروبا في وفق الثالثة في صورة الموافقة أو في كلها في صورة المباينة وقد صارت
الثلاث واحدة، فإن فرض هناك ميت رابع صحح مسألته وأعملها على هذا القياس. فلو ماتت امرأة عن زوج وأم
وثلاث بنات ثم مات الزوج عن ابنين ثم ماتت الأم عن أخ وأخت لأب فتعول الأولى من اثني عشر وتعول إلى ثلاثة
عشر، وتصح من تسعة وثلاثين للزوج تسعة وللأم ستة وللبنات أربعة وعشرون لكل واحدة ثمانية والثانية من اثنين
ونصيب الميت الثاني من الأولى تسعة لا يصح على مسألته ولا يوافق، فاضرب الثانية وهي اثنان في الأولى يحصل ثمانية
وسبعون ومنها تصح المسألتان. ثم من له شئ من الأولى أخذه مضروبا فيما ضرب فيها وهو اثنان ومن له شئ في
الثانية أخذه مضروبا في نصيب مورثه من المسألة الأولى، فتقول كان للأم من الأولى ستة في اثنين بإثني عشر وكان
لكل ميت من الثلاثة من الأولى ثمانية في اثنين بستة عشر، وكان لكل ابن من الثانية سهم في تسعة بتسعة، والمسألة
الثالثة من ثلاثة ونصيب الميت مما صحت منه الأولتان إثنا عشر تنقسم على مسألتها للأخ ثمانية وللأخت أربعة فقد
صحت المسائل الثلاث مما صحت منه الأولتان. ولك أن تصحح كل مسألة برأسها وتقابل نصيب كل ميت بمسألته،
فمن انقسم نصيبه على مسألته فلا اعتداد بمسألته، ومن لم ينقسم حفظت مسألته بتمامها إن لم توافق نصيبه أو وفقها إن
توافقا وفعلت بها كما يفعل بأعداد الأصناف المنكسرة عليهم سهامهم من المسألة الواحدة، فما حصل ضربته في المسألة
الأولى، فما حصل قسمته فتضرب ما لكل واحد من الأولى في العدد المضروب فيها، فما خرج فهو له إن كان حيا
ولورثته إن كان ميتا.
خاتمة: قد يذكر في المناسخات ما يستحيل وجوده فليتفطن له، كما لو قيل: زوج وأربع بنات وعم، ثم لم تقسم
التركة حتى ماتت إحدى البنات وخلفت أما ومن في المسألة وهذا مستحيل، لأن أم البنت هي الميتة الأولى فيستحيل
كونها موجودة بعد ذلك. وكذا إذا قيل أبوان وابنتان لم تقسم التركة حتى ماتت إحدى البنتين وخلفت من في المسألة،
فيقال الميت الأول ذكر أم أنثى، ويقال إن المأمون لما أراد أن يولي يحيى بن أكثم القضاء سأله عن هذه المسألة، فقال
له: يا أمير المؤمنين الأول كان ذكرا أم أنثى؟ فولاه القضاء وقال: إذا عرفت الفرق عرفت الجواب. وذلك لأنه
إن كان رجلا فالأب وارث في المسألة الثانية لأنه أبو الأب وإلا فغير وارث لأنه أبو الأم، فإذا كان الميت الأول رجلا
صحت من أربعة وخمسين. بيان ذلك أن مسألة الميت الأول من ستة للأبوين السدسان وللبنتين الثلثان لكل واحدة
سهمان، ومسألة الميت الثاني وهي إحدى البنتين من ستة أيضا للجدة سهم يفضل خمسة بين الجد للأب وبين الأخت
أثلاثا وهي لا ثلث لها صحيح فتضرب ثلاثة في ستة بثمانية عشر، ومنها تصح، وبينها وبين سهام الميتة وهما اثنان موافقة
بالنصف فتردها إلى نصفها تسعة وتضربها في ستة تبلغ أربعة وخمسين فتعمل فيها مما عرفت. وإن كان أنثى صحت من
ثمانية عشر، بيانه أن مسألة الميت الأول من ستة كما مر، ومسألة الميت الثاني من ستة أيضا، والجد أبو الأم لا يرث،
فتأخذ الجدة سهما والأخت ثلاثة والباقي لبيت المال بشرطه، وإلا فيرد عليهما بالنسبة، وبين مسألة الميت الثاني وسهامه
موافقة بالنصف فتردها إلى ثلاثة وتضربها في ستة تبلغ ثمانية عشر فتعمل فيها بما مر. ولما شاركت الوصايا الفرائض
في التعليق بما بعد الموت ذكرها عقبها فقال:
كتاب الوصايا
ولكن تقديمها أنسب، لأن الانسان يوصي ثم يموت فتقسم تركته. وهي جمع وصية كهدايا وهدية، قال الشارح:
38

بمعنى الايصاء: أي لا تشمل الوصاية فإن الباب معقود لهما، والايصاء يعم الوصية والوصايا لغة، والتفرقة بينهما من
اصطلاح الفقهاء، وهي تخصيص الوصية بالتبرع المضاف لما بعد الموت، والوصاية بالعهد إلى من يقوم على من بعده. والوصية
لغة: الايصال، من وصى الشئ بكذا وصله به، لأن الموصي وصل خير دنياه بخير عقباه. وشرعا: تبرع بحق مضاف ولو
تقديرا لما بعد الموت، وليس التبرع بتدبير ولا تعليق عتق وإن التحقا بها حكما كالتبرع المنجز في مرض الموت أو الملحق
به. والأصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى في أربعة مواضع من المواريث: * (من بعد وصية يوصى بها) * وأخبار كخبر الصحيحين:
ما حق امرئ مسلم له شئ يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده أي ما الحزم أو ما المعروف من الأخلاق إلا
هذا، فقد يفجؤه الموت. ولخبر ابن ماجة: المحروم من حرم الوصية، من مات على وصية مات على سبيل وسنة وتقى وشهادة
ومات مغفورا له وكانت أول الاسلام واجبة بكل المال للوالدين والأقربين بقوله تعالى: * (كتب عليكم إذا حضر أحدكم
الموت إن ترك خيرا) * أي مالا * (الوصية) * الآية، ثم نسخ وجوبها بآيات المواريث، وبقي استحبابها في
الثلث فأقل لغير الوارث
وإن قل المال وكثر العيال. والأفضل تقديم القريب غير الوارث وتقديم المحرم منهم ثم ذي رضاع ثم صهر ثم ذي ولاء
ثم جوار كما في صدقة التطوع المنجزة، وأهل الخير والمحتاجون ممن ذكر أولى من غيرهم. أما الوارث فلا يستحب الوصية
له، وهي واجبة على من عليه حق الله تعالى: كزكاة وحج، أو حق لآدميين: كوديعة ومغصوب إذا لم يعلم بذلك من يثبت
بقوله، بخلاف ما إذا كان به من يثبت بقوله، فلا تجب الوصية به. قال الأذرعي: إذا لم يخش منهم كتمانه كالورثة الموصى
له اه‍. وهو حسن، وينبغي كما قال الأسنوي أنه يكتفي بالشاهد الواحد. وصدقة الشخص صحيحا ثم حيا أفضل من صدقته
مريضا وبعد الموت، لخبر الصحيحين: أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى ونخشى الفقر ولا تمهل
حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا. وأركان الوصية أربعة: موص، وموص له، وموصى به، وصيغة
وذكرها المصنف على هذا الترتيب، وبدأ بالأول فقال: (تصح وصية كل مكلف حر) مختار بالاجماع، لأنها تبرع، (وإن
كان كافرا) ولو حربيا كما قاله الماوردي، وإن استرق بعدها، وماله عندنا بأمان كما بحثه الزركشي.
تنبيه: شمل إطلاقه المرتد فتصح وصيته. نعم إن مات أو قتل كافرا بطلت وصيته لأن ملكه موقوف على الأصح،
ومن عليه دين مستغرق فتصح وصيته كما يؤخذ من كلام القاضي. (وكذا محجور عليه بسفه) تصح وصيته (على المذهب)
لصحة عبارته، ونقل فيه ابن عبد البر والأستاذ أبو منصور وغيرهما الاجماع. وإنما أفرده المصنف مع دخوله في المكلف
الحر بالذكر للخلاف فيه. والطريق الثاني قولان: أحدهما لا تصح للحجر عليه، فالسفيه بلا حجر تصح وصيته جزما،
وخرج بالسفيه حجر الفلس فتصح الوصية معه جزما كما قاله القاضي حسين. ثم شرع في محترز قوله: مكلف، فقال:
(لا مجنون) ومعتوه ومبرسم (ومغمى عليه وصي) فلا تصح وصية كل منهم، إذ لا عبارة لهم. وأما السكران المتعدى
بسكره فإنه في رأي المصنف غير مكلف وتصح وصيته. واستثنى الزركشي من المغمى عليه ما لو كان سببه سكرا عصى
به وكلامه منتظم، فتصح وصيته. (وفي قول تصح) الوصية (من صبي مميز) كما نص عليه في الاملاء، ورجحه جمع من
الأصحاب، ولأنها لا تزيل ملكه في الحال، وتفيد الثواب بعد الموت. وأفهم كلامه أن غير المميز لا تصح وصيته جزما.
وبه صرح المتولي والدارمي. ثم شرع في محترز قوله: حر فقال: (ولا رقيق) فلا تصح وصيته. سواء أكان قنا أم مدبرا
أم مكاتبا لم يأذن له سيده، أم أم ولد، لأن الله تعالى جعل الوصية حيث التوارث، والرقيق لا يورث، فلا يدخل في الامر
بالوصية. (وقيل إن) أوصى في حال رقه ثم (عتق ثم مات صحت) لأن عبارته صحيحة، وقد أمكن العمل بها، والصحيح
المنع لعدم أهليته حينئذ. أما إذا أذن للمكاتب سيده فتصح وصيته لصحة تبرعه بالاذن، وبه صرح الصيمري.
39

تنبيه: قضية إطلاقهم بطلان وصية المبعض، قال الأذرعي: ولم أر فيه نصا، وقياس التوريث عنه الصحة اه‍. فتصح
فيما يستحقه ببعضه الحر لأنه يورث عنه. قال شيخنا: وظاهر أن محله في غير العتق لأن العتق يستعقب الولاء، والمبعض
ليس من أهله اه‍. والذي يظهر كما قال شيخي الصحة، لأن الرق ينقطع بالموت، والعتق لا يكون إلا بعده. ثم شرع
في الركن الثاني، وهو الموصى له، فقال: (وإذا أوصى لجهة عامة، فالشرط) في الصحة (أن لا تكون) الجهة (معصية كعمارة
كنيسة) للتعبد فيها ولو ترميما، وكتابة التوراة والإنجيل وقراءتهما، وكتابة كتب الفلسفة والنجوم وسائر العلوم المحرمة،
ومن ذلك الوصية لدهن سراج الكنيسة تعظيما لها، أما إذا قصد انتفاع المقيمين والمجاورين بضوئها، فالوصية جائزة وإن
خالف في ذلك الأذرعي. سواء أوصى بما ذكر مسلم أم كافر، بل قيل: إن الوصية ببناء الكنيسة من المسلم ردة. ولا
تصح أيضا الوصية ببناء موضع لبعض المعاصي كالخمارة. وإذا انتفت المعصية فلا فرق بين أن يكون قربة كالفقراء
أو بناء المساجد وعمارة قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وألحق الشيخ أبو محمد بها قبور العلماء والصالحين لما فيه من
إحياء الزيارة والتبرك بها. أو مباحة لا تظهر فيها القربة كالوصية للأغنياء وفك أسارى الكفار من المسلمين، لأن القصد
من الوصية تدارك ما فات في حال الحياة من الاحسان، فلا يجوز أن تكون معصية.
تنبيه: أطلق المصنف منع الوصية بعمارة الكنيسة، ومحله في كنيسة للتعبد كما قيدت به كلامه، أما كنيسة تنزلها
المارة أو موقوفة على قوم ليسكنوا بها أو تحمل أجرتها للنصارى فيجوز، نص عليه في كتاب الجزية. وحكى الماوردي وجها:
أنه إن خص نزولها بأهل الذمة حرم، واختاره السبكي. ولو أوصى ببنائها لنزول المارة والتعبد لم يصح في أحد وجهين
يظهر ترجيحه تغليبا للحرمة. (أو) أوصى (لشخص) أي معين، ولو عبر به بدلا عن الشخص كما فعل في الوقف لكان أولى،
ليدخل ما إذا تعدد إفراده: كزيد وعمرو وبكر. (فالشرط) عدم المعصية كما يؤخذ من التعليل السابق. وخرج بالمعين
الوصية لاحد الرجلين فلا تصح نعم إن كان بلفظ العطية، كأعطوا العبد لاحد الرجلين صح كما حكاه الرافعي عن المهذب
والتهذيب وغيرهما، تشبيها بما إذا قال لوكيله: بعه لاحد الرجلين و (أن يتصور له الملك) عند موت الموصي ولو بمعاقدة
وليه. وقضية هذا إنها لا تصح لميت، لكن ذكر الرافعي في باب التيمم: أنه لو أوصى بماء لأولى الناس به
وهناك ميت قدم
على المتنجس أو المحدث الحي على الأصح، وهذه في الحقيقة ليست وصية لميت بل لوارثه لأنه هو الذي يتولى أمره.
تنبيه: مقتضى هذا التقسيم أنه لا بد من ذكر الموصى له معينا أو عاما، لكن كلام الرافعي في باب الوقف يقتضي الاتفاق
على أنه لا يشترط. وقال في زوائد الروضة هنا: لو قال: أوصيت بثلث مالي لله تعالى صرف في وجوه البر، ذكره صاحب
العدة وقال: هو قياس قول الشافعي. ويؤخذ من اعتبار تصور الملك اشتراط كون الموصى به مملوكا للموصى فتمتنع الوصية
بمال الغير، وهو قضية كلام الرافعي في الكتابة، لكنه هنا حكي وجهين. قال المصنف: وقياس الباب الصحة، أي يصير موصى
به إذا ملكه قبل موته، وهو المعتمد وإن نوزع في ذلك. ولو أرسل الوصية ولا شئ له صح كما قاله الرافعي في الركن الخامس
من الطلاق، كالنذر، وكذا لو علق بملكه له، كأن قال: أوصيت به لفلان إن ملكته فصير موصى به إذا ملكه، فإن كان يملك بعضه
صحت قطعا. قال القاضي أبو الطيب: ويؤخذ منه أيضا أن الوصية لا تصح لجني، وبه صرح ابن قدامة الحنبلي لأنه لا يملك
بالتمليك، وهو موافق لمن منع نكاح الجنية، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى في كتاب النكاح. ثم فرع المصنف على تصور الملك قوله:
(فتصح) الوصية (لحمل) موجود ولو نطفة كما يرث بل أولى لصحة الوصية لمن يرث كالمكاتب. أما لو قال لحملها الذي سيحدث
فالأصح البطلان. (وتنفذ) بمعجمة، (إن انفصل) الحمل (حيا) حياة مستقرة، فلو انفصل ميتا ولو بجناية فلا شئ له كما لا يرث (وعلم
40

وجوده عندها) أي الوصية، (بأن انفصل لدون ستة أشهر) منها، لأنها أقل مدة الحمل، فإذا خرج قبلها علم أنه كان
موجودا عند الوصية، وسواء أكان لها زوج أم سيد أم لا. (فإن انفصل لستة أشهر فأكثر) منها (والمرأة فراش
زوج أو سيد لم يستحق) الموصى به لاحتمال حدوثه بعد الوصية، والأصل عدمه عندها فلا يستحق بالشك. (فإن لم
تكن) أي المرأة الآن (فراشا) لزوج أو سيد (وانفصل) الحمل (لأكثر من أربع سنين فكذلك) أي لم يستحق
الحمل الموصى له لعدم وجوده عند الوصية. (أو لدونه) أي دون الأكثر، وهو الأربع فأقل، استحق في الأظهر
كما يثبت النسب ولان الظاهر وجوده عند الوصية. والثاني: لا يستحق لاحتمال العلوق بعد الوصية من وطئ شبهة أو زنا.
ورد بأن الأصل عدم ذلك، ووطئ الشبهة نادر، وفي تقدير الزنا إساءة ظن. نعم لو لم تكن فراشا قط لم تستحق شيئا،
قاله السبكي تفقها، ونقله غيره عن الأستاذ أبي منصور، وهو كما قال الزركشي ظاهر في الفاسقة ونحوها دون غيرها.
تنبيه: ما ذكره المصنف من إلحاق الستة أشهر بما فوقها والأربع سنين بما دونها هو ما ذكره في أصل الروضة
وغيره، وهو المعتمد وإن صوب الأسنوي وغيره إلحاق الستة بما دونها معللا ذلك بأنه لا بد من تقدير زمن يسع لحظتي
الوطئ والوضع كما ذكروه في العدد. وقد رد ما صوبه بأن لحظة الوطئ إنما اعتبرت جريا على الغالب من أن العلوق
لا يقارن أول المدة وإلا فالعبرة بالمقارنة، فالسنة على هذا ملحقة بما فوقها كما جرى عليه المصنف هنا، وعلى الأول بما
دونها كما قالوه في المحل الآخر. وبذلك علم أن كلا صحيح وأن التصويب سهو، وإن جرى ابن المقري على أن الأربعة
ملحقة بما فوقها فقدر عليه أيضا بأنا أثبتنا النسب فيها كما مر فلا تبعض الأحكام. ولو انفصل توأم لدون ستة أشهر
من الوصية ثم آخر لدونها من الولادة استحقا، وإن زاد ما بين الوصية وبين الثاني على ستة أشهر، والمرأة فراش
لأنهما حمل واحد، ولو قال: أوصيت لحمل هند من زيد اعتبر مع ما مر ثبوت نسبه بالشرع من زيد، حتى لو ثبت منه
ثم نفاه باللعان لم يستحق لعدم ثبوت النسب، بخلاف ما لو اقتصر على الوصية لحمل فلانة. ويقبل الوصية للحمل وليه
ولو وصيا بعد الانفصال حيا، فلو قبل قبله لم يكف كما جرى عليه ابن المقري، وقيل: يكفي، كمن باع مال أبيه يظن حياته
فبان ميتا، وصححه الخوارزمي. (وإن أوصى) لحر فرق لم تكن الوصية لسيده مطلقا بل متى عتق فهي له، وإن مات
رقيقا كانت الوصية فيئا في الأظهر على قياس ما ذكروه في مال من استرق بعد نقض أمانة، قاله الزركشي. والثاني: لورثة
الموصي. وأن أوصى (لعبد) لغيره وليس بمكاتب ولا مبعض، (فاستمر رقه) إلى موت الموصي، (فالوصية لسيده)
عند موت الموصي والقبول، أي تحمل على ذلك لتصح لكن بشرط قبول العبد لها وإن نهاه سيده عن القبول، ولا
يكفي قبول سيده لأن الخطاب لم يكن معبل مع العبد، هذا إذا كان العبد أهلا للقبول وإلا قبل السيد كولي الحر
بل أولى لا الملك له على كل حال، وقيل: يوقف الحال إلى تأهله للقبول.
تنبيه: محل صحة الوصية للعبد إذا لم يقصد الموصي تمليكه، فإن قصده قال في المطلب: لم تصح كنظيره في
الوقف، وفرق السبكي بأن الاستحقاق هنا منتظر فقد يعتق العبد قبل موت الموصي فتكون له أولا فلمالكه بخلافه
ثم فإنه ناجز، وليس العبد أهلا لملك. وقضية هذا الفرق أنه لو قال: وقفت هذا على زيد ثم على عبد فلان وقصد
تمليكه صح له لأن استحقاقه منتظر. ويقيد كلامهم بالوقف على الطبقة الأولى، وهو كما قال شيخنا متجه لأنه يغتفر
في التابع ما لا يغتفر في المتبوع. (وإن عتق) كله (قبل موت الموصي) أو باعه كله كذلك، (فله) في الأولى، لأن
الوصية تمليك بعد الموت، وهو حر حينئذ، وللمشتري في الثانية لأنه سيده وقت الموت والقبول. فإن عتق بعده أو باع
بعضه، فقياس ما قالوا فيما إذا أوصى لمبعض ولا مهايأة بينه وبين سيده أن الموصى به بينهما أنه هنا بينهما
أيضا في الأولى
وبين السيدين في الثانية، وإن كان بين المبعض وسيده مهايأة أو بين السيدين وأوصى أو وهب له فلصاحب النوبة
41

يوم الموت في الوصية ويوم القبض في الهبة، ولو خصص بها نصفه الحر أو الرقيق أو أحد السيدين تخصص. (وإن عتق)
أو بيع بعد موت الموصي والقبول فالملك للمعتق أو البائع. وإن عتق أو بيع (بعد موته) أي الموصي، (ثم قبل) الوصية
(بني) الكلام في هذه المسألة (على أن الوصية بم تملك) إن قلنا بالموت بشرط القبول وهو الأظهر، أو بالموت فقط
فهي للمعتق أو البائع، وإن قلنا بالقبول فقط فللعتيق في الأولى والمشتري في الثانية. ولو عتق مع الموت فالملك للعتيق
لأنه حر وقت الملك. أما إذا أوصى لعبد نفسه، فإن أوصى له برقبته صح، وإن أوصى له بثلث ماله نفذت الوصية
في ثلث رقبته لأنه من ماله وعتق ذلك الثلث وباقي الثلث من سائر أمواله وصية لمن بعضه ملك للوارث وبعضه حر.
وإن أوصى له بمال ثم أعتقه فهو له أو باعه للمشتري وإلا بأن مات وهو في ملكه فوصية لوارث، وسيأتي حكمها.
ولو أوصى له بثلث ماله وشرط تقديم عتقه فأزمع عتقه بباقي الثلث. وتصح الوصية لأم ولده لأنها تعتق بموته ومكاتبه
لأنه مستقل بالملك ومدبره كالقن، فإن عتق المكاتب فهي له وإلا فوصية لوارث لأنه المالك له وقت الملك أو عتق
المدبر. وخرج عتقه مع وصيته من الثلث استحقها، وإن لم يخرج منه إلا أحدهما قدم العتق فعتق كله، ولا شئ له
بالوصية. وإن لم يف الثلث بالمدبر عتق منه بقدر الثلث وصارت الوصية لمن بعضه للوارث. (وإن أوصى لدابة) لغيره
(وقصد تمليكها أو أطلق فباطلة) هذه الوصية جزما، لأن مطلق اللفظ للتمليك، والدابة لا تملك، بخلاف الاطلاق للعبد
فإنه ينتظم معه الخطاب ويأتي معه القبول، وربما عتق قبل موت الموصى فيثبت له الملك بخلاف الدابة.
تنبيه: قد جزموا هنا بالبطلان، وذكروا في إطلاق الوقف عليها وجهين، قال الرافعي: فيشبه مجيئهما هنا. وقد
يفرق بأن الوصية تمليك محض فينبغي إضافته إلى من يملك بخلاف الوقف. قال المصنف: والفرق أصح. قال الزركشي:
وقياس ما مر في صحة الوقف على الخيل المسبلة صحة الوصية لها، أي عند الاطلاق بل أولى. (وإن قال ليصرف في علفها)
بسكون اللام وفتحها بخطه، الأول مصدر والثانية للمأكول. (فالمنقول) وعبر في الروضة بالظاهر المنقول (صحتها)
لأن علفها على مالكها فهو المقصود بها، كالوصية لعمارة داره فإنها له لأن عمارتها عليه فهو المقصود بها، هذا
ما نقله الرافعي عن البغوي والغزالي وغيرهما. ومقابل المنقول احتمال للرافعي فإنه قال: وقد تقدم في نظيره من الوقف
وجهان، فيشبه أن هذا مثله، وعبارة المحرر: فالظاهر الصحة. قال في الدقائق: ومراده بالظاهر ما ذكرناه من أنه المنقول
لا أنه ناقل الخلاف في صحتها اه‍. وعلى المنقول يشترط قبول مالك الدابة والدار أيضا كسائر الوصايا. ثم يتعين صرفه
في الأولى لعلفها وفي الثانية لعمارتها كما بحثه شيخنا دعاية لغرض الموصي، ويتولى الانفاق عليها الوصي أو نائبه من مالك
أو غيره ثم القاضي أو نائبه كذلك، فلو باعها مالكها انتقلت الوصية للمشتري، قال المصنف: كما في العبد، وقال الرافعي:
هي للبائع، قال السبكي: وهو الحق إن انتقلت بعد الموت وإلا فالحق أنه للمشتري، وهو قياس العبد في التقديرين.
وقضيته أنه فهم أن المصنف قائل بأنها للمشتري مطلقا، وليس مرادا، بل قوله كما في العبد يقتضي أنه قائل بالتفصيل، وعليه
لو قبل البائع ثم باع الدابة فظاهر أنه يلزمه صرف ذلك لفعلها وإن صارت ملك غيره. (وتصح) الوصية من كل مسلم
أو كافر (لعمارة) أو مصالح (مسجد) إنشاء وترميما، لأنه قربة وفي معنى المسجد المدرسة والرباط المسبل والخانقاه،
وقيد في الكافي وغيره المسجد بالموجود، فإن أوصى لمسجد سيبني لم تصح جزما، وهو نظير ما جزم به الرافعي فيما إذا وقف
على مسجد سيبني. (وكذا إن أطلق) الوصية للمسجد ونحوه، كأوصيت له بكذا يصح (في الأصح وتحمل على عمارته
ومصالحه) لأن العرف يحمله على ذلك ويصرفه قيمه في أهمها باجتهاد. والثاني: يبطل، لأنه لا يملك كالدابة. ورده الإمام
بأن الوصية للدابة نادر مستنكر في العرف فتعين اعتبار اللفظ.
42

تنبيه: سكت المصنف عما إذا قال أردت تمليك المسجد. ونقل الرافعي عن بعضهم أن الوصية باطلة. ثم قال: ولك
أن تقول سبق أن للمسجد ملكا وعليه وقفا، وذلك يقتضي صحة الوصية. قال المصنف: وهو الأفقه والأرجح. وقال
ابن الرفعة: في كلام الرافعي في اللقطة ما يفهم جواز الهبة للمسجد. قال ابن الملقن: وبه صرح القاضي في تعليقه، والكعبة
في ذلك كالمسجد كما صرح به في البيان نقلا عن الشيخ أبي علي، قال: ويصرف في عمارتها، وقيل: إلى ساكن مكة.
وينبغي كما قال ابن شهبة إلحاق الكسوة بالعمارة فإنها من جملة المصالح، وكذا ما أوصى به للضريح النبوي على ساكنه
أفضل الصلاة والسلام يحمل على ما يختص به دون الأشياء الخارجة عنه كما ذكره السبكي في حرمه فإنها قد تدخل في
الوصية للحرم. (و) تصح الوصية (لذمي) بما يصح تملكه له كما يجوز التصدق عليه، ففي الحديث الصحيح. في كل
كبد حراء أجر وعن البيهقي: أن صفية رضي الله تعالى عنها أوصت لأخيها بألف دينار وكان يهوديا، أما ما لا يصح تملكه
له كالمصحف والعبد المسلم فلا تصح الوصية له به. وفي معنى الذمي المعاهد والمستأمن كما قاله في التتمة. (وكذا حربي) معين
سواء أكان بدارنا أم لا بما له تملكه لا كسيف ورمح. (و) كذا (مرتد) معين لم يمت مرتدا تصح الوصية لكل
منهما، (في الأصح) كالهبة والصدقة. والثاني: المنع للامر بقتلهما، فلا معنى للوصية لهما كالوقف عليهما. وفرق الأول
بأن الوقف يراد للدوام وهما مقتولان بكفرهما بخلاف الوصية، فإن مات مرتدا تبين بطلان الوصية.
تنبيه: مسألة المرتد مزيدة على المحرر من غير تمييز، وقضية كلام الإمام أنه لو لحق بدار الحرب وامتنع منا
لا تصح الوصية له قطعا، وهو كما قال الزركشي متجه وعلم مما تقرر أنه لا يشترط في الوصية للذمي التعيين بخلاف الحربي
والمرتد فتصح لأهل الذمة دون أهل الحرب والردة فلا تصح لهما كما صرح به ابن سراقة، ولو أوصى لمن يرتد بطلت
أو لمسلم فارتد لم تبطل، قاله الماوردي. وقياسه البطلان فيمن لو أوصى لمن يحارب. (و) كذا (قاتل) ولو تعديا تصح
الوصية له، (في الأظهر) لأنها تمليك بعقد فأشبهت الهبة وخالفت الإرث. والثاني: المنع، لأنه مال يستحق بالموت فأشبه
الإرث. وصورته أن يوصى لجارحه ثم يموت أو لانسان فيقتله، ومن ذلك قتل سيد الموصى له الموصي، لأن الوصية لعبد وصية
لسيده كما مر، فلو أوصى لمن يقتله أو يقتل غيره تعديا فباطلة كما في الكفاية في الأولى ومثلها الثانية، أو بحق فيظهر فيها الصحة
كما بحثه الزركشي في الثانية ومثلها الأولى. (و) تصح الوصية وإن لم تخرج من الثلث (لوارث) خاص غير حائز بغير
قدر إرثه (في الأظهر إن أجاز باقي الورثة) المطلقين التصرف وقلنا بالأصح إن إجازتهم تنفيذ لقوله (ص): لا وصية
لوارث إلا أن تجيز الورثة رواه البيهقي بإسناد قال الذهبي: صالح، وقياسا على الوصية لأجنبي بالزائد على الثلث.
والقول الثاني: باطلة وإن أجازوها، لاطلاق قوله (ص): لا وصية لوارث رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي. وخرج
بخاص الوارث العام، كما لو أوصى لانسان بشئ ثم انتقل إرثه لبيت المال، فإن ذلك يصرف إليه، والوصية صحيحة ولا
تحتاج إلى إجازة الإمام قطعا. وبغير حائز ما لو أوصى لحائز بماله كله فإنها باطلة على الأصح في التتمة، وبغير قدر إرثه ما لو
أوصى لوارث بقدر إرثه، فإن فيه تفصيلا يأتي بين المشاع. والمعين، وبالمطلقين التصرف ما لو كان فيهم صغير أو مجنون
أو محجور عليه بسفه فلا تصح منه الإجازة ولا من وليه كما قاله الماوردي، قال: ولا ضمان عليه إن أجاز ما لم تقبض الوصية
فإن قبضت صار ضامنا لقدر ما أجازه من الزيادة.
تنبيه: في معنى الوصية للوارث الوقف عليه وإبراؤه من دين عليه أو هبته شيئا، فإنه يتوقف على إجازة بقية
الورثة. نعم يستثنى من الوقف صورة واحدة، وهي ما لو وقف ما يخرج من الثلث على قدر نصيبهم كمن له ابن وبنت وله
دار تخرج من ثلثه فوقف ثلثيهما على الابن وثلثها على البنت فإنه ينفذ ولا يحتاج إلى إجازة في الأصح، فليس للوارث
إبطاله ولا إبطال شئ منه، لأن تصرفه في ثلث ماله نافذ فإذا تمكن من قطع حق الوارث عن الثلث بالكلية فتمكنه
من وقفه عليه أولى.
فائدة: من الحيل في الوصية للوارث أن يقول: أوصيت لزيد بألف إن تبرع لولدي بخمسمائة مثلا. فإن قيل
43

لزمه دفعها إليه. (و) بقية الورثة (لا عبرة بردهم وإجازتهم) الوصية (في حياة الموصي) فلمن رد الوصية في حياته
الإجازة بعد موته وعكسه، إذ لا استحقاق لهم ولا للموصى له قبل موته، وقد يبرأ وقد يموت الموصى له قبله ولا أثر للإجازة
أيضا بعد الموت مع جهل قدر المال الموصى به كالابراء عن مجهول. نعم إن كانت الوصية بمعين كعبد وقالوا بعد إجازتهم
ظننا كثرة المال وأن العبد خارج من ثلثه فبان قليلا، أو تلف بعضه، أو دين على الميت، صحت إجازتهم فيه ولا يقبل
قولهم لأن العبد معلوم والجهالة في غيره، فإن كانت الوصية بغير معين وادعى المجيز الجهل بقدر التركة كأن قال: كنت
اعتقدت قلة المال وقد بان خلافه صدق بيمينه في دعوى الجهل إن لم تقم بينة بعلمه بقدر المال عند الإجازة وتنفذ
الوصية فيما ظنه، فإن أقيمت لم يصدق ونفذت الوصية في الجميع. (والعبرة في كونه) أي الموصى له (وارثا) أو غير
وارث، (بيوم) أي وقت (الموت) فلو أوصى لأخيه فحدث له ابن قبل موته صحت. أو أوصى لأخيه وله ابن فمات قبل
موت الموصي فهي وصية لوارث. (والوصية لكل وارث بقدر حصته) شائعا من نصف أو غيره، كأن أوصى لكل من
بنيه الثلاثة بثلث ماله، (لغو) لأنه يستحقه بغير وصية. وخرج بقوله: لكل وارث ما لو أوصى لبعضهم بقدر حصته
كأن أوصى لاحد بنيه الثلاثة بثلث ماله فإنه يصح ويتوقف على الإجازة، فإن أجيز أخذه وقسم الباقي بينهم بالسوية.
(و) الوصية لكل وارث (بعين هي قدر حصته) كأن أوصى لاحد ابنيه بعبد قيمته ألف وللآخر بدار قيمتها ألف
وهما ما يملكه، (صحيحة) كما لو أوصى ببيع عين من ماله لزيد، (و) لكن (تفتقر إلى الإجازة في الأصح) لاختلاف
الأغراض بالأعيان ومنافعها. والثاني: لا يفتقر إليها، لأن حقوقهم في قيمة التركة لا في عينها، إذ لو باعها المريض بثمن مثلها
صح وإن لم يرضوا بذلك. والدين كالعين فيما ذكر كما بحثه بعض المتأخرين. ثم شرع في الركن الثالث وهو الموصى
به، ويشترط كونه مقصودا يحل الانتفاع به ويقبل النقل، فلا تصح بما لا يقصد كدم،
ولا بما لا يحل الانتفاع به كمزمار، ولا بما لا يقبل النقل كقصاص وحق شفعة إذا لم يبطل بالتأخير لعذر كتأجيل الثمن وحد قذف وإن قبلت الانتقال
بالإرث لأنها لا تقبل النقل. نعم تصح الوصية بالقصاص لمن هو عليه والعفو عنه في المرض كما حكاه البلقيني عن تعليق
الشيخ أبي حامد، ومثله حد القذف وحق الشفعة فقال: (وتصح) الوصية (ب‍) بالمجهول ك‍ (الحمل) الموجود في البطن
منفردا عن أمه أو معها وعبد من عبيده وبما لا يقدر على تسليمه كالطير الطائر والعبد الآبق، لأن الموصى له يخلف
الميت في ثلثه كما يخلفه الوارث في ثلثيه، فلما جاز أن يخلف الوارث الميت في هذه الأشياء جاز أن يخلفه الموصى له.
قال في المجموع: اتفق أصحابنا على جواز الوصية باللبن في الضرع والصوف على ظهر الغنم، صرح به البغوي، وقال:
يجز الصوف على العادة، وما كان موجودا حال الوصية للموصى له، وما حدث للوارث، فلو اختلفا في قدره فالقول قول
الوارث بيمينه. (ويشترط) في صحة الوصية بالحمل (انفصاله حيا لوقت يعلم وجوده عندها) أي الوصية كما سبق
في الوصية له، ويرجع في حمل البهيمة إلى أهل الخبرة. أما إذا انفصل ميتا فإن كان حمل أمة وانفصل بجناية مضمونة ولم
تبطل الوصية وتنفذ من الضمان لأنه انفصل متقوما فتنفذ في بدله، بخلاف ما لو أوصى بحمل فانفصل ميتا بجناية فإنها
تبطل، لأنه ليس أهلا لذلك. وإن كان حمل بهيمة فانفصل بجناية أو بغيرها أو حمل أمة وانفصل بلا جناية مضمونة لم
يستحق الموصى له شيئا، وإنما استحق في حمل الأمة دون حمل البهيمة فيما إذا انفصلا بجناية، لأن ما وجب في جنين
الأمة بدله فيكون للموصى له، وما وجب في جنين البهيمة بدل ما نقص منها فيكون للوارث، وإذا كان في المفهوم
تفصيل لم يرد. ويصح القبول هنا وفيما مر قبل الوضع بناء على أن الحمل يعلم، وهو الراجح. قال الماوردي: ولو قال: إن
ولدت أمتي ذكرا فهو وصية لزيد أو أنثى فوصية لعمرو جاز وكان على ما قال، سواء ولدتهما معا أو مرتبا، وإن ولدت
44

خنثى، فقيل: لا حق فيه لواحد منهما، وقيل: إنه موقوف بينهما حتى يصطلحا، أي وهذا أوجه كما قاله الأذرعي. (و) تصح
الوصية (بالمنافع) المباحة وحدها مؤقتة ومؤبدة ومطلقة، والاطلاق يقتضي التأبيد، لأنها أموال مقابلة بالاعواض
كالأعيان. وتصح بالعين دون المنفعة، وبالعين لواحد والمنفعة لآخر. وإنما صحت في العين وحدها لشخص مع عدم
المنفعة فيها لامكان صيرورة المنفعة له بإجازة أو إباحة أو نحو ذلك، قال الزركشي: ولا يصح استثناء منفعة العين إلا في
الوصية، ولو قبل الموصى له بالعين ورد الموصى له بالمنفعة عادت إلى الورثة لا إلى الموصى له بالعين كما قاله ابن الرفعة،
ولم يتعرض الشيخان لهذه المسألة (وكذا) تصح (بثمرة أو حمل سيحدثان في الأصح) لأن الوصية احتمل فيها وجوه من
الغرر رفقا بالناس وتوسعة، فتصح بالمعدوم كما تصح بالمجهول، ولان المعدوم يصح تملكه بعقد السلم
والمساقاة والإجارة
فكذا بالوصية. والثاني: لا يصح، لأن التصرف يستدعي متصرفا فيه ولم يوجد. وعلى الأول إذا أوصى مما يحدث هذا
العام أو كل عام عمل به. وإن أطلق فقال: أوصيت بما يحدث فهل يعم كل سنة أو يختص بالسنة الأولى؟ قال ابن الرفعة:
الظاهر العموم، وسكت عليه السبكي، وهو ظاهر. وإذا قلنا بالصحة في الحمل فولدته لدون ستة أشهر لم يكن موصى به،
لأنه كان موجودا، وإنما أوصى بما سيحدث أو لأكثر من أربع سنين كان موصى به، أو بينهما وهي ذات زوج صحت
وإلا فلا، قاله الماوردي.
تنبيه: تثنية الضمير بعد العطف ب‍ أو مذهب كوفي، أما البصري فيفرده، فكان الأحسن للمصنف أن يقول: سيحدث.
(و) تصح (ب‍) - المبهم ك‍ (- أحد عبديه) لأن الوصية تحتمل الجهالة فلا يؤثر الابهام وتعين الوارث. فإن قيل: لم صحت
هنا ولم تصح في أوصيت لاحد الرجلين كما مر؟ أجيب بأنه يحتمل في الموصى به ما لا يحتمل في الموصى له، ولهذا صحت
بحمل سيحدث لا لحمل سيحدث ولو قال: أوصيت لفلان وهناك من يشاركه في الاسم التحق بأحد الرجلين. قال
القاضي: ولو أوصى بأحد شيئين يملك أحدهما انصرف إليه. (و) تصح بنجوم الكتابة
وإن لم تكن مستقرة، وبالمكاتب وإن لم يقل عجز نفسه، وبعبد غيره وإن لم يقل أن ملكته كما مرت الإشارة إليه وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين.
و (بنجاسة يحل الانتفاع بها ككلب معلم) لثبوت الاختصاص فيها وانتقالها بالإرث ونحوه، ومثل الكلب المعلم الكلب
القابل للتعليم ولو جروا، والفهد ونحوه، والكلب المتخذ لحراسة الدور ونحوها لجواز اقتناء ذلك. وخرج ما لا يحل
الانتفاع به كخنزير وكلب عقور.
تنبيه: إن كان الموصى له بالكلب المنتفع به في صيد أو حراسة زرع أو نعم صاحب صيد أو زرع أو نعم فظاهر،
وإلا فقضية ما صححه المصنف في مجموعه من أنه يمتنع عليه اقتناؤه عدم الصحة، قال الأذرعي: وهو الأقرب، وقضية
إطلاق المصنف هنا الصحة، وهو كما قال شيخي الأقرب، وينقله إلى من ينتفع به. (و) تصح بنحو (زبل) مما ينتفع به كسماد
وجلد ميتة قابل للدباغ وزيت نجس وميتة لطعم الجوارح كما نقله القاضي أبو الطيب عن الأصحاب. وظاهر كلامه أنه
لا فرق بين زيل الكلب والخنزير وغيرهما، وهو كذلك، وإن قال الزركشي ينبغي استثناء زبل الأولين. قال في المجموع:
ويكره اقتناء السرجين لتربية الزرع (و) تصح بنحو (خمر محترمة) كنبيذ، وهي ما عصرت بقصد الخلية أو لا بقصد الخمرية
على الخلاف في تفسيرها. وظاهر كلام المصنف أنه لا فرق بين المستحكمة وغيرها، وهو كذلك، وإن قال ابن الرفعة في
المستحكمة بالبطلان. أما غير المحترمة فلا تصح الوصية بها لوجوب إراقتها. (ولو أوصى بكلب من كلابه) التي يحل أن
ينتفع بها أو من ماله وله عند موته كلاب يحل أن ينتفع بها، (أعطي) الموصى له (أحدها) والخيرة للوارث وإن لم
يكن الكلب مالا في الثانية، لأن المنتفع به من الكلاب مقتنى وتعتوره الأيدي كالأموال، فقد يستعار له اسم المال،
ولا يلزم الوارث أن يعطى الموصى له من الكلاب ما يناسبه وإن جزم الدارمي بأنه يعطيه ما يليق به (فإن لم يكن له
كلب) يحل الانتفاع به عند موته، (لغت) وصيته لتعذر شراء كلب، لأنه ليس بمال ولا يلزم الوارث اتهابه. قال الرافعي:
45

ويمكن أن يقال: لو تبرع به متبرع وأراد تنفيذ الوصية جاز كما لو تبرع بقضاء دينه انتهى. ولبعد هذا لم ينظروا إليه. فإن
كان له كلب عند الوصية وفقد ثم تجدد له كلب فعلى الخلاف في أن العبرة، بوقت الوصية أو الموت، والأقرب كما قال
الأذرعي الصحة نظرا إلى حالة الموت. (ولو كان له مال وكلاب ووصى بها) كلها (أو ببعضها فالأصح نفوذها) أي
الوصية، (وإن كثرت) تلك الكلاب (وقل المال) ولو دانقا، إذ المعتبر أن يبقى للورثة ضعف الموصى به، وقليل من المال خير
من الكلاب إذ لا قيمة لها. والثاني: بقدر أن لا مال له وتنفذ في ثلث الكلاب. وعلى الأول لو لم يكن له مال وله كلاب
وأوصى بها كلها نفذ في ثلثها فقط عددا لا قيمة، إذ لا قيمة لها، أو كلب فقط وأوصى به نفذ في ثلثه، ولو أوصى بكلبين
من أربعة نفذ في واحد وثلث. ولو أوصى بثلث ماله لزيد وبالكلاب لعمرو لم يعطى عمرو إلا ثلثها لأن ما يأخذ الورثة
من الثلثين هو حظهم بسبب الثلث الذي نفذت فيه الوصية، فلا يجوز أن يحسب عليهم من أخرى في وصية غير المتمول.
تنبيه: غير الكلاب من النجاسة التي يحل الانتفاع بها كالكلاب في نفوذ الوصية وإن كثر وقل المال كما صرح به
ابن المقري. ولو كان له أجناس من كلاب وخمر محترمة وشحم ميتة ووصى بواحد منها اعتبر الثلث بفرض القيمة لا بالعدد
ولا بالمنفعة، لأنه لا تناسب بين الرؤوس ولا المنفعة. (ولو أوصى بطبل وله طبل لهو) كالكوبة ضيق الوسط واسع الطرفين،
(وطبل يحل الانتفاع به كطبل حرب) وهو ما يضرب به للتهويل، (و) طبل حجيج وهو ما يضرب للاعلام بنزول وارتحال،
وطبل باز، (حملت) أي الوصية (على) الطبل (الثاني) ليصح، إذ الظاهر أنه يقصد الثواب وهو فيما تصح الوصية به.
فإن قيل: لو أوصى بعود وله عود لهو لا يصح لمباح وعود مباح فإن الوصية تبطل ولم تحمل على المباح، فهلا كان هنا كذلك
أجيب بأن مطلق العود ينصرف في الاستعمال لعود اللهو، والطبل يقع على الجميع، فإن لم يكن له إلا طبول لا تصح الوصية
بها لغت (ولو أوصى بطبل اللهو لغت) لأنه معصية، (إلا أن صلح لحرب أو حجيج) ونحوهما كطبل البازي أو منفعة
أخرى مباحة لامكان تصحيح الوصية فيما يتناوله لفظها، وسواء أصلح على هيئته أم بعد تغير يبقى معه اسم الطبل فإن لم
يصلح إلا بزوال اسم الطبل لغت.
تنبيه: ما ذكره من الاستثناء محله عند الاطلاق، فإن قال الموصي: أردت به الانتفاع على الوجه الذي عمل له لم يصح
كما جزم به في الوافي واستظهره الزركشي. ولو أوصى بقوس حمل على القوس الذي لرمي الأسهم من نبل وهي
السهام الصغار، ونشاب وهي السهام الفارسية، وحسبان وهي سهام صغار ترمى بمجرى في القوس دون قوس البندق
والندف. ولو قال من قسي ولم يكن له قوس سهام بل قوس بندق أو ندف حمل عليه، فإن كانا له حمل على قوس
البندق لأنه أقرب إلى الفهم، فإن عين قوسا تعين، ولو قال: أعطوه ما يسمى قوسا تخير الوارث بين الجميع كما صوبه
المصنف، ولا يتناول القوس الوتر لأنها تسمى قوسا بدونه، بخلاف السهم فإنه يتناول الريش والنصل لثبوتهما
فيه.
فصل: في الوصية بزائد على الثلث وفي حكم إجماع تبرعات مخصوصة: (ينبغي) أي يطلب منه على سبيل الندب
(أن لا يوصي بأكثر من ثلث ماله) لخبر الصحيحين: أن سعد بن أبي وقاص قال: جاءني رسول الله
(ص) يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول الله قد بلغ بي من المرض ما ترى وأنا ذو مال ولا
يرثني إلا ابنة أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قلت: فالشطر؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير - أو كبير
46

فالوصية بالزائد مكروهة كما قاله المتولي وغيره وإن قال القاضي وغيره بحرمتها.
تنبيه: عبارة المصنف أولى من قول المحرر لا ينبغي أن يوصي بأكثر من ثلث ماله، لأن معناها لا يطلب، وهو
إما على سبيل الوجوب أو الندب فيصدق بالمباح والحرام والمكروه، بخلاف عبارة الكتاب فإنها لا تصدق بالمباح لأنه
ينبغي إما أن تكون بمعنى يندب كما حليته عليه أو يجب، ولم يقل أحد بالإباحة فيما علمت، ولا فرق بين أن يقصد
بذلك حرمان الورثة أم لا، وإن قال بعض المتأخرين أنه يجزم بحرمتها حينئذ، لأن تنفيذه متوقف على إجازتهم. وسن
أن ينقص عن الثلث شيئا خروجا من خلاف من أوجب ذلك، ولاستكثار الثلث في الخبر، وسواء أكانت الورثة أغنياء
أم لا، وإن قال المصنف في شرح مسلم: إنهم إذا كانوا أغنياء لا يستحب النقص وإلا استحب. (فإن زاد) في الوصية على
الثلث (ورد). (الوارث) الخاص المطلق التصرف، (بطلت في الزائد) على الثلث بالاجماع لأنه حقه أما إذا لم يكن له
وارث خاص فالوصية بالزائد لغو لأنه حق المسلمين فلا مجيز، أو كان هو محجور عليه بسفه أو صغر أو جنون فلا عبرة
بقوله. ومقتضى إطلاقهم أن الامر يوقف إلى تأهل الوارث وهو كذلك إن توقعت أهليته، وإن خالف في ذلك بعض
المتأخرين، قال شيخي رحمه الله: لأن يد الوارث عليه فلا ضرر عليه في ذلك. (وإن أجاز) المطلق التصرف (فإجازته
تنفيذ) أي إمضاء لتصرف الموصي بالزائد، وتصرفه موقوف على الإجازة، لأنه تصرف مضاف لملك. وحق الوارث إنما
يثبت في ثاني الحال فأشبه بيع الشقص المشفوع. (وفي قول عطية) أي هبة (مبتدأة) من الوارث، فيعتبر فيها شروطها. قال
الزركشي: وهذا الخلاف لا يختص بالوارث كما يقتضيه إطلاقهم بل أصحاب الديون المستغرقة كذلك، حتى لو أجازوا
ورد الوارث لم يلتفت إليه لأن الحق إنما هو للغرماء، ولا ينتقل للوارث إلا بسقوط الدين أصلا، والإجازة لا تسقط الدين
بدليل أنه لو ظهر له دفين ونحوه وفوا منه، وإذا قلنا تنفيذ فالظاهر أنه لا يحسب من ثلث من يجيز في مرضه للموصى له،
ولا يتوقف على إجازة ورثة من يجيز في مرضه لوارثه اه‍. وقوله: (والوصية بالزيادة لغو) لا فائدة له بعد الحكم بكون
الزيادة عطية من الوارث، ولو كان الوارث محجورا عليه بفلس. فإن قلنا الإجازة ابتداء عطية فليس له ذلك، وإن
قلنا تنفيذ قال الأذرعي: فالقياس صحته، وفيه وقفة، والأشبه المنع لأنه ملكه الآن، ولم يحضرني فيه نقل اه‍. ويؤيد القياس
كلام الزركشي السابق. (ويعتبر المال) الموصى بثلثه (يوم الموت) لأن الوصية تمليك بعد الموت، فلو أوصى بعبد ولا
عبد له ثم ملك عند الموت عبدا تعلقت الوصية به ولو زاد ماله تعلقت الوصية به. (وقيل) يعتبر (يوم الوصية) وعليه
تنعكس الأحكام السابقة، كما لو نذر التصدق بثلث ماله فإنه يعتبر يوم النذر. وأجاب الأول بأن ذلك وقت اللزوم فهو
نظير الموت في الوصية.
تنبيه: لا يخفى أن الثلث الذي تنفذ فيه الوصية هو الثلث الفاضل بعد الدين، فلو كان عليه دين مستغرق لم تنفذ
الوصية في شئ لكنها تنعقد حتى ننفذها لو أبرأ الغريم أو قضى عنه كما جزم به الرافعي وغيره. (ويعتبر من الثلث) الذي
يوصي به (أيضا عتق علق بالموت) سواء أعلق في الصحة أم في المرض.
تنبيه: هذه المسألة معطوفة على قوله: ينبغي الخ كما يدل عليه قوله: أيضا فإنه مصدر آض: أي رجع. (و) يعتبر
أيضا (تبرع نجز في مرضه) الذي مات فيه، (كوقف وهبة وعتق وإبراء) لخبر: إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم
بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم رواه ابن ماجة، وفي إسناده مقال. ولو وهب في الصحة وأقبض في المرض
اعتبر من الثلث أيضا، إذ لا أثر لتقدم الهبة. وخرج بتبرع ما لو استولد في مرض موته فإنه ليس تبرعا بل
إتلاف واستمتاع فهو من رأس المال وبمرضه تبرع نجز في صحته فيحسب من رأس المال. لكن يستثنى من
العتق في مرض الموت عتق أم الولد إذا أعتقها في مرض موته فإنه ينفذ من رأس المال كما سيأتي في محله مع أنه تبرع
47

نجز في المرض. واعلم أن قيمة ما يفوت على الورثة يعتبر بوقت التفويت في المنجز وبوقت الموت في المضاف إليه، فقد
صرحوا في باب العتق أنه يعتبر لمعرفة الثلث فيمن أعتقه منجزا في المرض قيمة يوم الاعتاق، وفيمن أوصى بعتقه قيمة يوم
الموت لأنه وقت الاستحقاق، وفيما بقي للورثة بأقل قيمة من يوم الموت إلى يوم القبض، لأنه إن كان يوم الموت أقل
فالزيادة حصلت في ملك الوارث أو يوم القبض أقل، فما نقص قبله لم يدخل في يده فلا يحسب عليه، ومثل ذلك جار
في غير العتق. ولو أوصى بتأجيل الحال اعتبر من الثلث، وللروياني احتمال أنه لا يعتبر إلا التفاوت، قال الزركشي:
وهو قوي. (وإذا اجتمع) في وصية (تبرعات متعلقة بالموت) وإن كانت مرتبة، (وعجز الثلث) عنها: أي لم يوف
بها، (فإن تمحض العتق) كأن قال: إذا مت فأنتم أحرار أو غانم وسالم وبكر أحرار، (أقرع) بينهم، فمن قرع عتق
منه ما يكفي الثلث، وسيأتي كيفية القرعة في بابي القسمة والعتق إن شاء الله تعالى. ولا يعتق من كل بعضه، لأن
المقصود من العتق تخليص الشخص من الرق ولا يحصل مع التشقيص، وإنما لم يعتبر ترتبها مع إضافتها للموت
لاشتراكها في وقت نفاذها، وهو وقت الموت، بل لا يقدم العتق المعلق بالموت على الموصى باعتاقه وإن كان الثاني
يحتاج إلى إنشاء عتقه بعد الموت، بخلاف الأول لأن وقت استحقاقهما واحد. نعم إن اعتبر الموصى وقوعها مرتبة،
كأن قال: إعتقوا سالما بعد موتى ثم غانما ثم بكرا قدم ما قدمه جزما. فإن قيل لو قال: إذا مت فسالم حر ثم غانم ثم
نافع لم يقدم الأول، بل هم سواء كما أفهمه كلام المصنف. أجيب بأن التبرعات فيما مثلوا به اعتبر الموصي وقوعها
مرتبة من غيره، فلا بد أن يقع على وفق اعتباره بخلاف هذا، ولو دبر عبدا عند موته وأوصى بإعتاق آخر لم يقدم
أحدهما. (أو) تمحض تبرعات (غيره قسط الثلث) على الجميع باعتبار القيمة أو المقدار كما تقسم التركة بين أرباب
الديون، فلو أوصى لزيد بمائة ولبكر بخمسين ولعمر بخمسين وثلث ماله مائة أعطي الأول خمسين وكل من الآخرين
خمسة وعشرين، ولا يقدم بعضها على بعض بالسبق لأن الوصايا إنما تملك بالموت، فاستوى فيها حكم المتقدم والمتأخر،
وقاسه الشافعي رضي الله تعالى عنه على العول في الفرائض. هذا عند الاطلاق، فلو رتب كأن قال: أعطوا
زيدا مائة ثم
عمرا مائة جرى عليه حكم ترتيبه. (أو هو) أي اجتمع عتق (وغيره) كأن أوصى بعتق سالم ولزيد بمائة، (قسط)
الثلث عليهما (بالقيمة) للعتيق لاتحاد وقت الاستحقاق، فإذا كانت قيمته مائة والثلث مائة عتق نصفه ولزيد خمسون.
(وفي قول يقدم العتق) لقوته لتعلق حق الله تعالى وحق الآدمي.
تنبيه: يستثنى من كلامه مسألة، وهي ما لو دبر عبده وقيمته مائة وأوصى له بمائة وثلث ماله مائة فإنه يعتق كله
ولا شئ للوصية على الأصح. وقيل: يقسط، وصححه البغوي فإن اعتبر الموصى وقوع التبرعات مرتبة بعد الموت، كأن
قال: أعتقوا بكرا ثم أعطوا زيدا مائة قدم الأول فالأول كما مرت الإشارة إليه، ولو قال لعبده: أنت حر قبل موتي
بشهر مثلا ثم مرض شهرا فأكثر ومات، فحكمه كما لو علقه في الصحة، فوجدت الصفة في المرض كما قالاه هنا. (أو)
اجتمع تبرعات (منجزة) كأن أعتق ووقف وتصدق، (قدم الأول) منها (فالأول حتى يتم الثلث) لقوته ونفوذه،
لأنه لا يفتقر إلى إجازة، وسواء كان فيها عتق أم لا اتحد جنسها أم لا يتوقف ما بقي منها على إجازة الوارث. (فإن
وجدت) هذه التبرعات (دفعة) بضم الدال: إما منه، أو بوكالة، (واتحد الجنس) فيها (كعتق عبيد أو إبراء
جمع) كقوله: أعتقكتم أو أبرأتكم، (أقرع في العتق) خاصة، حذرا من التشقيص في الجميع، لخبر مسلم: إن رجلا
أعتق ستة مملوكين له عند موته ولم يكن له مال غيرهم، فدعاهم رسول الله (ص) فجزأهم أثلاثا وأقرع بينهم
فأعتق اثنين وأرق أربعة. قال الإمام: ولولا الحديث لكان القياس أن يعتق من كل عبد مقدار ما يخصه من
الثلث. ولكن الشافعي تركه للحديث، لأن القصد من الاعتاق تخليص الرقبة ولا يحصل هذا الغرض مع بقاء رق بعضه.
48

(وقسط) بالقيمة (في غيره) كما مر.
تنبيه: ذكر المصنف حكم عتق العبيد مرتبا ودفعة، وسكت عما إذا أشكل الامر بأن علم الترتيب ولم يعلم الأول
أو علم ثم نسي. وحكمه على الأصح في باب الدعاوى من الروضة أنه لا يقرع بل يعتق من كل بعضه. (وإن اختلف) جنس
التبرعات (وتصرف) فيما دفعه (وكلاء) الموصي، (فإن لم يكن فيها عتق) بأن تمحض غيره كأن وكل وكيلا في هبة وآخر
في بيع بمحاباة وآخر في صدقة وتصرفوا دفعة واحدة، (قسط) الثلث على الكل باعتبار القيمة كما يفعل في الديون. (وإن
كان) في تصرف الوكلاء عتق (قسط) الثلث عليها أيضا، (وفي قول يقدم العتق) هما القولان السابقان بتوجيههما.
تنبيه: قد يوهم تصوير المصنف حصر وقوع التصرفات دفعة بتصرف وكلاء أنه لا يمكن بغيره، مع أنه يمكن
تصويرها بغيره كأن يقال له: أعتقت وأبرأت ووقفت؟ فيقول: نعم. وبقي قسم من أقسام المسألة أهمله المصنف، وهي
تبرعات منجرة وتبرعات متعلقة بالموت، فيقدم المنجز منها لأنها لازمة لا يتمكن المريض من الرجوع عنها،
وقوله في البيوع
المنجزة سالم حر وغانم حران. (ولو كان له عبدان فقط سالم وغانم، فقال إن أعتقت غانما فسالم
حر، ثم أعتق غانما في) مرض (موته عتق) غانم فقط لسبقه، (ولا إقراع) لاحتمال أن تخرج القرعة بالحرية لسالم فيلزم إرقاق
غانم فيفوت شرط عتق سالم. وهذه الصورة مستثناة من الاقراع، ولهذا ذكرها المصنف تلوها. ونظير ذلك ما لو قال:
إن أعتقت غانما فسالم حر في حال إعتاق غانم ثم أعتق غانما في مرضه، وقيل: يقرع، كما لو قال أعتقتكما. واستثنى
صورة أخرى ذكرها في باب العتق، وهي إذا قال: ثلث كل واحد حر بعد موتي فيعتق من كل واحد ثلثه عند الامكان،
ولا قرعة في الأصح.
تنبيه: قوله فقط من زيادته على المحرر، وفيه نظر لأنه إما أن يريد لا مال له سواهما أو لا عبيد، إن أراد الأول لم يستقم
قوله آخر أعتق فإنه لا يعتق حينئذ، وإنما يعتق من غانم ثلثاه إن تساوت قيمتهما، وإن تفاوتتا فبقدره. وإن أراد الثاني
وهو ظاهر الشرح والروضة وحمله عليه الشارح، فينبغي حمله على ما إذا كان الثلث لا يخرج منه إلا أحدهما، أما إذا لم
يخرج منه أحدهما بكماله فإنه يعتق منه بقسطه أو يخرج معه سالم أو بعضه فإنهما يعتقان في الأولى وغانم وبعض سالم في
الثانية. (ولو أوصى) لشخص (بعين حاضرة هي ثلث ماله وباقيه غائب لم تدفع) أي العين (كلها إليه في الحال) لاحتمال
تلف الغائب فلا يحصل للورثة مثلا ما حصل للموصى له. (والأصح أنه لا يتسلط على التصرف في الثلث) من تلك العين (
أيضا) لأن تسلطه متوقف على تسلط الوارث على مثلي ما يتسلط هو عليه، والوارث لا يتسلط على ثلثي الحاضر لاحتمال
سلامة الغائب فيحصل للموصى له الجميع. وعلى هذا لو أذنوا له في التصرف في الثلث صح كما قاله في الانتصار وإن
نظر فيه الزركشي. والثاني: يتسلط لأن استحقاقه لهذا القدر متعين.
تنبيه: ينبغي كما قال الزركشي تخصيص منع الوارث من التصرف في ثلثي الحاضر بالتصرف الناقل للملك
كالبيع، فإن كان التصرف باستخدام وإيجار ونحو ذلك فلا منع منه كما يؤخذ من كلام الماوردي، وإذا تصرف
الوارث فيهما وبان تلف الغائب ففي زوائد الروضة ينبغي تخريجه على القولين فيمن باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا،
أي فيصح، فإن عاد إليهم تبين بطلان التصرف، قاله السرخسي. ولو أوصى بثلث ماله لزيد وله عين ودين
أعطى ثلث العين، وكلما نض من الدين شئ أعطي ثلثه، أو قال: أعطوه كل يوم مدا من طعام أعطي اليوم ويوقف باقي
49

الثلث فيعطى متفرقا لاحتمال أن يستحقه الوارث.
فصل: في بيان المرض المخوف والملحق به المقتضيين للحجز في التبرعات الزائدة على الثلث. وقد شرع في القسم الأول
فقال: (إذا ظننا المرض مخوفا) أي يخاف منه الموت لا نادرا وإن لم يكن غالبا كما نقلاه عن الإمام وأقراه
وإن نازع فيه
ابن الرفعة، (لم ينفذ) بفتح الياء وسكون النون وضم الفاء، ويجوز ضم الياء وفتح النون وتشديد الفاء، (تبرع زاد على الثلث)
بل هو موقوف لأنه محجور عليه في الزيادة.
تنبيه: استشكل إطلاق المصنف عدم النفوذ بأنه إن كان بالنظر لباطن الامر فلا فرق بأن يظنه مخوفا أو لا، إذ
المناط حينئذ لمرض المخوف لا ظنا. وإن كان بالنظر لظاهر الامر فهو مخالف لقول الأكثرين حيث قالوا: لو أعتق
أمة في مرض موته جاز لوليها أن يزوجها لأنها حرة في الظاهر، ولا اعتبار باحتمال ظهور دين، فإن تحققنا نفوذ العتق
استمرت الصحة، وإلا فإن أجاز الوارث وقلنا هي تنفيذ، فكما لو خرجت من الثلث أو رد وأجاز وقلنا هي عطية
مبتدأة بان فساد. وقال ابن الحداد: ليس لوليها أن يزوجها فكلامهم هذا إنما يأتي على مقالة ابن الحداد قال الزركشي:
وينبغي حمل الوقف في كلامهم على وقف الاستمرار واللزوم لينتظم الكلامان اه‍. وهو حمل صحيح. (فإن برأ) بفتح
الراء وكسرها: أي خلص من المرض. (نفذ) بفتح النون، التبرع المذكور: أي استمر نفوذه لتبين عدم الحجر. فإن مات
به قال المصنف تبعا للبغوي أو بهدم أو غرق أو قتل أو ترد: لم ينفذ الزائد على الثلث، هذا كله إذا لم ينته إلى حالة يقطع
فيها بموته، فإن انتهى إلى ذلك بأن شخص بصره - بفتح الشين والخاء: أي فتح عينيه بغير تحريك جفن - وبلغت روحه
الحلقوم في النزع. أو ذبح أو شق بطنه وخرجت أمعاؤه أو غرق فغمره الماء وهو لا يحسن السباحة فلا عبرة بكلامه في وصية
ولا في غيرها، فهو كالميت على تفصيل يأتي في الجنايات. / (وإن ظنناه) أي المرض (غير مخوف فمات) منه، (فإن حمل) الموت
من هذا المرض (على) موت (الفجأة) بضم الفاء وفتح الجيم ممدودا وبفتح الفاء وسكون الجيم مقصورا، كأن مات وبه
وجع ضرس وعين، (نفذ) التبرع (وإلا) أي وإن لم يحمل على الفجأة كإسهال يوم أو يومين، (فمخوف) أي تبينا باتصاله
بالموت كان مخوفا، لا أن إسهال يوم أو يومين مخوف، فلا يتنافى ما يأتي. فإن قيل: المرض إن اتصل بالموت كان مخوفا
وإلا فلا فائدة لنا في معرفته. أجيب بأنه لو قتل أو غرق مثلا في هذا المرض إن حكمنا بأنه مخوف لم ينفذ كما مر وإلا نفذ.
(ولو شككنا في كونه) أي المرض (مخوفا لم يثبت إلا ب‍) - قول (طبيبين) عالمين بالطب (حرين عدلين) أي مقبولي الشهادة،
لأنه تعلق به حق آدمي من الموصى له والوارث فاشترط فيه شروط الشهادة كغيرها. وقد علم من قوله: طبيبين كونهما
عالمين بالطب، ومن قوله: عدلين كونهما مسلمين مكلفين، فإنهما من شروط العدالة، فلا يثبت بنسوة ولا برجل وامرأتين،
لأنها شهادة على غير المال وإن كان المقصود المال. نعم إن كان المرض علة باطنة بامرأة لا يطلع عليها الرجال غالبا ثبت
بمن ذكر.
تنبيه: أشعر كلام المصنف بقبول شهادتهما في كون المرض غير مخوف، وهو كذلك كما صرح به الرافعي خلافا
للمتولي، وإن علل ذلك بأنها شهادة نفي، لأنه نفي محصور. ولو قال الطبيبان: هذا المرض سبب ظاهر يتولد منه
مخوف فمخوف، أو يفضى إلى مخوف نادرا فلا، ولو اختلف الوارث والمتبرع عليه في كون المرض مخوفا بعد موت
المتبرع فالقول قول المتبرع عليه، لأن الأصل عدم الخوف وعلى الوارث البينة. ولم يعرف المصنف المرض المخوف
استغناء بذكر أمثلة منه ذكرها بقوله: (ومن المخوف قولنج) بضم القاف وفتح اللام وكسرها، قال الرافعي: وهو أن ينعقد
الطعام في بعض الأمعاء فلا ينزل ويصعد بسببه البخار إلى الدماغ فيؤدي إلى الهلاك ويقال فيه قولون، وينفعه أمور
50

منها التين والزبيب والمبادرة إلى التنقية بالاسهال والقئ، ويضره أمور: منها حبس الريح واستعمال الماء البارد. قال
الأذرعي: ينبغي أن يقال هذا إن أصاب من لم يعتده. فإن كان ممن يصيبه كثيرا ويعافى منه كما هو مشاهد فلا، انتهى.
وقد يقال إن هذا غير القسم الأول، لأنه عند الأطباء أقسام. (و) منه (ذات جنب) وسماها الشافعي رضي الله تعالى عنه
ذات خاصرة، وهي قروح تحدث في داخل الجنب بوجع شديد ثم تتفتح في الجنب ويسكن الوجع، وذلك وقت الهلاك.
وإنما كانت مخوفة لقربها من القلب والكبد، ومن علاماتها ضيق النفس والسعال والحمى الملازمة والوجع الفاحش تحت
الأضلاع، أجارنا الله تعالى من ذلك. (و) منه (رعاف) بتثليث الراء، (دائم) أو كثير لأنه ينزف الدم ويسقط القوة، بخلاف
غير الدائم القليل، فإنه من مصالح البدن (و) منه (إسهال متواتر) أي متتابع، لأنه ينشف رطوبة البدن ويسقط القوة،
بخلاف غير المتتابع كإسهال يوم أو يومين، فليس مخرفا إلا أن يخرج معه دم من عضو شريف كما يقتضيه كلامهم،
أو انضم إليه انخراق بطن بحيث لا يمسك الطعام ويخرج غير مستحيل (و) منه (دق) بكسر الدال، وهو داء يصيب القلب
ولا تمتد معه الحياة غالبا. (و) منه (ابتداء فالج) وهو استرخاء أحد شقي البدن طولا، ويطلق أيضا على استرخاء أي عضو
كان، وسببه غلبة الرطوبة والبلغم. وإنما كان ابتداؤه مخوفا لأنه إذا هاج ربما أطفأ الحرارة الغريزية. وإذا استمر لم
يخف منه الموت عاجلا فلا يكون مخوفا. (و) منه (خروج الطعام) مع الاسهال كما في الشرحين والروضة، فلو ذكره
عقب متواتر كان أولى، فإنه من تتمته، وكذا صنع في المحرر حيث قال: والاسهال إن كان متواترا، وكذا إذا خرج
الطعام (غير مستحيل) وغير منصوب على الحال، ويمتنع الجر على الصفة لكونه نكرة وما قبله معرفة إلا أن يجعل
التعريف فيه للجنس. (أو كان يخرج) مع الاسهال أيضا (بشدة ووجع) ويسمى الزحير، أو بعجلة ويمنعه من النوم، (أو) لا بشدة
ووجع (و) لكن (معه دم) من عضو شريف ككبد، بخلاف نحو دم البواسير. قال الشارح: وذكر كان مع المضارع لإفادة
التكرار. (و) منه (حمى مطبقة) بكسر الباء وفتحها بخطه: أي لازمة، واقتصر الجوهري على الفتح وتبعه المصنف في تحريره
وهو أشهر. (أو) حمى (غيرها) أي غير المطبقة وهي خمسة أنواع: حمى الورد،
وهي التي تأتي كل يوم. وحمى الغب، وهي التي تأتي يوما وتقلع يوما. وحمى الثلث، وهي التي تأتي يومين وتقلع يوما. وحمى الأخوين، وهي التي تأتي
يومين وتقلع يومين (إلا الربع) فليست مخوفة وهي التي تأتي يوما وتقلع يومين، لأنه يقوى في يومي الاقلاع وتسميها
العامة المثلثة. وقد يتخيل أنه أصوب من تسمية الفقهاء لها بالربع لما مر من المدة، لكن فسرها الثعالبي في فقه اللغة بما قاله
الفقهاء وإلحاقها بربع الإبل في ورود الماء وهو في اليوم الثالث. ويستثنى أيضا حمى يوم أو يومين إلا إن اتصل بها قبل
العرق موت فقد بانت مخوفة، بخلاف ما إذا اتصل بها بعد العرق، لأن أثرها زال بالعرق والموت بسبب آخر. والحمى
اليسيرة ليست مخوفة بحال. والربع والورد والغب والثلث بكسر أولها.
تنبيه: قد علم من قول المصنف: ومن المخوف عدم انحصاره فيما ذكره، وهو كذلك فإنها كثيرة، فمنه هيجان
المرة الصفراء والبلغم والدم بأن يتورم وينصب إلى عضو كيد ورجل فيحمر وينتفخ. ومنه الطاعون وهو هيجان الدم
في جميع البدن وانتفاخه وإن لم يصب المتبرع إذا كان مما يحصل لأمثاله كما قاله الأذرعي. ومنه القئ الدائم أو المصحوب
بخلط من الاخلاط كالبلغم أو دم. ومنه الجراحة إذا كانت نافذة إلى الجوف، أو كانت على مقتل، أو في موضع كثير
اللحم، أو حصل معها ضربان شديد، أو تأكل أو تورم. ومنه البرسام بكسر الموحدة وهو ورم في حجاب
القلب أو الكبد يصعد أثره إلى الدماغ. (والمذهب أنه يلحق بالمخوف) من الأمراض السابقة، (أسر كفار اعتادوا قتل
الاسرى) ولو اعتاد البغاة أو القطاع قتل من أسروه كان الحكم كذلك كما بحثه الزركشي. أما من لم يعتد قتل
51

الاسرى كالروم فلا خوف في أسرهم. (والتحام) أي اختلاط (قتال بين) فريقين (متكافئين) أو قريبين من التكافؤ، سواء
أكانا مسلمين أم كافرين، أم كافر ومسلم، ولفظة متكافئين مزيدة على المحرر، ولا خوف إذا لم يلتحم القتال ولو كانا
يتراميان بالنشاب ولا في الفريق الغالب. (وتقديم لقصاص) بخلاف الحبس له كما هو ظاهر كلامهم، ذكره البلقيني،
ثم حكى عن بعض المالكية أنه حكاه عن الشافعي. فإن قيل: مقتضى ما يأتي في الوديعة من أنه إذا مرض مرضا مخوفا أو
حبس ليقتل لزمه الوصية بها، لأن الحبس للقتل كالتقديم له. أجيب بأن التقديم للقصاص وقت دهشة. فلو قيل: إنه
لا يوصي إلا ذلك الوقت، فإما أن تضمنه لو ترك أولا، إن ضمناه أضررناه وإن لم نضمنه أضررنا بالمالك، فاقتضت
المصلحة بأن يلحق الحبس للقتل بالمخوف هناك بخلافه هنا (أو رجم) في الزنا، أو قتل في قطع طريق، (واضطراب ريح)
هو مغن عن قوله: (وهيجان موج) لتلازمهما، (في) حق (راكب سفينة) في بحر أو نهر عظيم كالنيل والفرات وإن كان
يحسن السباحة. نعم إن كان ممن يحسنها وهو قريب من الساحل لا يكون مخوفا كما قاله الزركشي، ولا خوف إذا كان
البحر ساكنا (وطلق حامل) بسبب ولادة، بخلاف إسقاط علقة أو مضغة كما في زيادة الروضة لخطر الولادة دونها. وخرج
بطلق حامل الحمل نفسه فليس بمخوف.
فائدة: روى الثعلبي في تفسير آخر سورة الأحقاف عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: إذا عسر على
المرأة ولادتها فيكتب في صحفة ثم يغسل ويسقي: بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب
السماوات ورب العرش العظيم، كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها، كأنهم يوم يرون ما يوعدون
لم يلبثوا إلا ساعة من نهار، بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون. (وبعد الوضع ما لم تنفصل المشيمة) وهي التي تسميها النساء
الخلاص، فإن انفصلت المشيمة فلا خوف إن لم يحصل بالولادة جرح أو ضربان شديد أو ورم.
تنبيه: لا يلحق بالأمراض السابقة وجع العين ولا الضرس ولا الصداع ولا الهرم ولا الجرب ونحو ذلك. ثم شرع
في الركن الرابع وهو الصيغة فقال: (وصيغتها) أي الوصية (أوصيت له بكذا، أو ادفعوا إليه) بعد موتي كذا. (أو أعطوه)
بهمزة قطع، قاله المصنف. قال: ووصلها غلط. (بعد موتي) كذا، (أو جعلته) له بعد موتي، (أو هو له بعد موتي) وهذه
كلها صرائح كما هو ظاهر إطلاق الروضة، ويرشد له قول المصنف بعد: وينعقد بالكناية. ومن صرائحها أيضا: ملكته
له، أو وهبته له، أو حبوته به بعد موتي.
تنبيه: قوله: بعد موتي في الموضعين قيد في المذكورين قبله، فلو ذكر هذا القيد عقب كل صيغة أو اقتصر على
ذكره بعد الكل ليعود إليها على قاعدة الشافعي لكان أحسن، على أن عوده لغير الأخيرة نظرا لأن ذاك إنما هو
في حروف العطف الجامعة بخلاف ما هو لاحد الشيئين مثل أو كما ذكره الفراقي وغيره. قال الولي العراقي: فيتعين
حينئذ ذكره عقب كل صيغة انتهى. قال ابن شهبة: ويؤيد تعين ذكره عقب كل صيغة أنه لو ذكره بعد الكل وقلنا
يعود للجميع لزم كونه قيدا في أوصيت له وليس كذلك. (فلو اقتصر على) قوله (هو له فإقرار) لأنه من
صرائحه ووجد
نفاذا في موضوعه فلا يكون كناية في الوصية، (إلا أن يقول: هو له من مالي فيكون وصية) لأن الاقرار لا يصح بذلك
فيحتمل حينئذ الوصية فتقبل إرادتها.
تنبيه: ظاهر كلامه صراحته حينئذ لذكره له مع الصرائح. والذي في المحرر والشرحين والروضة أنه كناية، وهو
المعتمد وإن رجح السبكي أنه صريح، فلو قال: هو له بعد موتي من مالي كان وصية قطعا، ولو اقتصر على وهبته له ونوى
52

الوصية لم يصح لأنه من صرائح الهبة ووجد نفاذا في موضوعه فلا يكون كناية في الوصية. (وتنعقد) الوصية (بكناية)
بنون مع النية كعبدي هذا لزيد لأنه يحتمل التعيين لها والتعيين للإعارة، أو عينت هذا له كالبيع وأولى لأنها لا تفتقر إلى
القبول في الحال، فأشبهت ما يستقل به الانسان من التصرفات، وإنما كان ذلك كناية للتملك بالوصية (والكتابة) بالتاء،
(كناية) بنون، فينعقد بها مع النية كما في البيع وأولى، فإذا كتب لزيد كذا ونوى به الوصية له وأعرب بالنية نطقا
أو ورثته بعد موته صحت، ولو كتب أوصيت لفلان بكذا وهو ناطق، وأشهد جماعة أن الكتاب خطه وما فيه
وصيته ولم يطلعهم على ما فيه لم تنعقد وصيته، كما لو قيل له: أوصيت لفلان بكذا؟ فأشار أن نعم، فإن اعتقل لسانه فوصيته
صحيحة بكتابة أو إشارة كالبيع.
فرع: لو قال: كل من ادعى بعد موتي شيئا أدوه له ولا تطالبوه بحجة فادعى اثنان بعد موته بحقين مختلفي القدر
ولا حجة كان كالوصية يعتبر من الثلث، فإن ضاق عن الوفاء قسم بينهما على قدر حقهما، قاله الروياني. ولو قال المريض:
ما يدعيه فلان فصدقوه فمات، فهو إقرار بمجهول وتعيينه للورثة. (وإن أوصى لغير معين) بأن أوصى لجهة عامة
(كالفقراء) أو لمعين غير محصور كالهاشمية والمطلبية، (لزمت بالموت بلا) اشتراط (قبول) لتعذره، ويجوز الاقتصار
على ثلاثة منهم ولا تجب التسوية بينهم.
تنبيه: أشعر كلامه أنه لو أوصى لفقراء بلدة وكانوا محصورين أنه يشترط قبولهم كالمعين، وهو كذلك. (أو) أوصى
(لمعين) محصور كزيد (اشترط القبول) كالهبة، فلو قبل بعض الموصى به ففيه احتمالان للغزالي، ونظيره الهبة، وقدمت
في بابها أنه يصح كما رجحه بعض اليمانيين، فكذا هنا خلافا لبعض المتأخرين، والفرق بينهما وبين البيع فيما إذا قبل
بعضه حيث لم يصح أن البيع فيه المعاوضة فلم يغتفر فيه ما اغتفر فيهما.
تنبيه: دخل في المعين المتعدد المحصور كبني زيد فيتعين قبولهم، ويجب استيعابهم والتسوية بينهم. ولو كانت
الوصية لمحجور عليه قبل له وليه، والظاهر أنه أراد بالمعين الآدمي، أما لو كانت لمعين غير آدمي كمسجد فهل نقول ناظر
الوقف كالولي أن يكون كالوصية لجهة عامة؟ قال الأذرعي: لم يحضرني فيه نص والثاني أقرب. وكذا لو أوصى للخيل
المسبلة بالثغور ونحو ذلك. وقال ابن الرفعة: لا بد من قبول قيم المسجد فيما نظنه اه‍. وهذا كما قال شيخي أوجه. وظاهر
كلامهم أن المراد القبول اللفظي، وهو كذلك، وإن بحث الزركشي الاكتفاء بالفعل وهو الاخذ كالهدية، قال: وفحل اشتراط
القبول من المعين في غير العتق، فلو قال: أعتقوا عبدي بعد موتي لم يفتقر إلى قبول العبد لأن فيه حقا لله تعالى فكان
كالجهة العامة، ومثله التدبير. وإذا قلنا إنه وصية: أي على رأي، فإنه يتنجز بالموت من غير توقف على قبول كما قاله الرافعي
في الكلام على رهن المدبر. نعم، لو قال: أوصيت له برقبته ففي افتقار القبول وجهان، أصحهما نعم لاقتضاء الصيغة القبول،
ذكره الرافعي قبيل المسائل الحسابية. (ولا يصح قبول ولا رد في حياة الموصي) إذ لا حق له قبل الموت فأشبه إسقاط
الشفعة قبل البيع، فلمن قبل في الحياة الرد بعد الموت وبالعكس. ويصح الرد بين الموت والقبول لا بعدهما وبعد القبض،
وأما بعد القبول وقبل القبض فالأوجه عدم الصحة كما صححه في الروضة كأصلها، وقال الأسنوي: إنه المفتى به، وجرى
عليه ابن المقري في روضه، وإن صحح المصنف في تصحيحه الصحة وقال الأذرعي: إنه الصحيح المنصوص عليه
في الأم، وجرى عليه العراقيون، وعلله بأن ملكه قبل القبض لم يتم، قال: ولعل الرافعي تبع البغوي في الترجيح. (ولا
يشترط بعد موته) أي الموصي (الفور) في القبول، لأن الفور إنما يشترط في العقود الناجزة التي يعتبر فيها ارتباط الايجاب
بالقبول، إذ لو اعتبر لاعتبر عقب الايجاب وللوارث مطالبة الموصى له بالقبول أو الرد، فإن امتنع حكم عليه بالرد. هذا إذا
كان الموصى له مطلق التصرف، فإن كان محجورا عليه وامتنع الولي من القبول وكان الحظ له فيه، فالمتجه أن الحاكم
53

يقبل، ولا يحكم بالرد كما قاله الزركشي في السفيه ومثله بقية المحاجير. (فإن مات الموصى له قبله) أي الموصي، (بطلت)
أي الوصية، لأنها قبل الموت غير لازمة فبطلت بالموت كما لو مات أحد المتبايعين قبل القبول. (أو) مات (بعده) قبل
قبوله ورده، (فيقبل وارثه) الوصية أو يرد لأنه فرعه فقام مقامه في ذلك، ولو قال: قام وارثه مقامه، لدخلت صورة الرد.
فائدة: ليس لنا عقد لا يفوت بموت القابل إلا الوصية، ومن ذلك ما لو أوصى لرقيق شخص ثم مات الرقيق بعد
موت الموصي وقبل القبول، فإن سيده يقوم مقامه في القبول كما هو ظاهر وإن لم أر من ذكره.
تنبيه: شمل إطلاقه الوارث الخاص والوارث العام، حتى لو مات من غير وارث خاص قام الإمام مقامه،
فإذا قبل كان الموصى به للمسلمين، وبه صرح الديبلي. وإذا قبل وارثه هل يقضى منه دين؟ فيه وجهان: أصحهما نعم
كديته فإنه يقضي منها ديونه وإن قلنا إنها تثبت للورثة ابتداء ولا يخالف قبول الموصى له قبول وارثه إلا في شئ واحد
كما في الشامل عن الأصحاب، وهو ما إذا أوصى لرجل بولده، فإنه إذا قبل عتق عليه وورثه، وإذا قبل وارثه عتق ولم يرث
إذ لو ورث لاعتبر قبوله وهو ممتنع لأنا لم نحكم بحريته قبل القبول بل هو على الرق، وإذا لم يصح قبوله فلا يرث. أما إذا
مات الموصى له بعد قبوله فقد ملكها وانتقلت إلى وارثه سواء أقبضها أم لا، أو بعد الرد بطلت برده. (وهل يملك الموصى
له) الوصية (بموت الموصي) كالإرث والتدبير، ولكن إنما تستقر بالقبول كما قاله الشيخ أبو حامد والعراقيون، (أم
بقبوله) أي الموصى له لأنه تمليك بعقد فيتوقف على القبول كالبيع، (أم) ملك للوصية (موقوف) وبينه المصنف بقوله:
(فإن قبل) الموصى له (بان أنه ملك) الوصية (بالموت. وإلا) بأن لم يقبلها (بان) أنها (للوارث، أقوال أظهرها الثالث)
منها، لأنه لا يمكن جعله للميت فإنه لا يملك، ولا للوارث فإنه لا يملك أن يتصرف فيه إلا بعد الوصية والدين، ولا للموصى له وإلا
لما صح رده كالإرث فتعين وقفه، فلو أوصى له بمن يعتق عليه لم يجب عليه القبول بل له الرد، ولا يعتق عليه حتى يقبل
الوصية. فإن قيل: يعترض على المصنف بأنه كان ينبغي له أن يقول أو بقبوله لأن صناعة العربية تقتضي أنه إذا سئل ب‍ هل
أن يؤتى ب‍ أو، لا ب‍ أم، أجيب أن المصنف تسمح كالفقهاء بوضع هل موضع الهمزة في محل يكون فيه السؤال عن التعيين
كما هنا، بخلاف هل، فإن السؤال بها في الأصل عن وجود أحد الأشياء. (وعليها) أي الأقوال الثلاثة (تبنى الثمرة وكسب
عبد) مثلا (حصلا بين الموت والقبول ونفقته) وكسوته ونحوهما، (وفطرته) بينهما. فعلى الأول والثالث للموصى له
الفوائد وعليه المؤنة، وعلى الثاني لا ولا، ولو رد فعلى الأول له وعليه ما ذكر، وعلى الثاني والثالث لا ولا، وعلى النفي
في الموضعين يتعلق ما ذكر بالوارث. وهذا كله في وصية التمليك، أما لو أوصى بإعتاق عبد معين بعد موته فالملك فيه للوارث
إلى عتقه قطعا كذلك قالاه فتكون الأكساب له والنفقة عليه، لكن قال الروياني: قيل إنها على الخلاف في الموصى له،
والأصح القطع بأنها للعبد لتقرر استحقاقه العتق بخلاف الموصى له فإنه مخير. وبما قاله جزم الجرجاني، وجرى عليه
في الروضة في كتاب العتق فهو المعتمد. ولو أوصى بوقف شئ فتأخر وقفه بعد موته فلمن يكون ريعه؟ قيل: للموقوف
عليه، وقيل: للوارث، لأنه إنما جعل للموقوف عليه على تقدير حصول حصول الوقف، قال الأذرعي: وهو الأشبه. وقال ابن
شهبة: وهذا قريب من كسب العبد الموصى بعتقه قبل العتق اه‍. وهذا ظاهر إذا كان الوقف على جهة عامة أو
معين
غير محصور كبني هاشم فإنه لا يحتاج فيها لقبول، أما إذا كان على معين محصور، فكلام الأذرعي أظهر لأنه مخير بين
القبول والرد، ولو أوصى بأمته لزوجها فقبل الوصية تبين انفساخ النكاح من وقت الموت وإن رد استمر النكاح،
وإن أوصى بها لأجنبي والزوج وارث الموصي وقبل الأجنبي الوصية لم ينفسخ النكاح وإن رد انفسخ. هذا إن خرجت
من الثلث، فإن لم تخرج منه أو أوصى بها لوارث وأجاز الزوج الوصية فيهما لم ينفسخ، وإلا انفسخ. فإن قيل:
54

يعترض على المصنف بتعريف الثمرة وتنكير كسب وجمعهما في ضمير حصلا مع أن الأول يطلبه حالا والثاني يطلبه صفة.
أجيب بأن التعريف في الثمرة للجنس والمعرف بأل الجنسية في المعنى كالنكرة، فليس طلب الثمرة وكسب حينئذ من جهتين
بل من جهة واحدة. (ونطالب) بالنون أوله بخطه، على كل قول من الثلاثة (الموصى له) بالعبد: أي يطالبه الوارث كما
في الروضة كأصلها، أي أو القائم مقامه من ولي ووصي، (بالنفقة) وسائر المؤن، (إن توقف في قبوله ورده) كما لو امتنع
مطلق إحدى زوجتيه من التعيين، فإن لم يقبل أو يرد خيره الحاكم بين القبول والرد، فإن لم يفعل حكم بالبطلان كالمتحجر
إذا امتنع من الاحياء.
تنبيه: استشكل مطالبة الموصى له على القول الثاني، فإنه قد مر أن الملك قبل القبول للوارث، وقيل: للميت، فكيف
يكلف بالنفقة على ملك غيره؟ وقال ابن الرفعة: إن المطالبة مفرعة على أنه ملكه بموت الموصي، صرح به الإمام.
وبحث ابن الرفعة على قول الوقف إن النفقة عليهما في زمن الوقف، أي بالنسبة للمطالبة حالا، أما بالنسبة لما يستقر عليه
الامر فهي على الموصى له إن قبل، وعلى الوارث إن رد.
فصل: في أحكام الوصية الصحيحة. وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: لفظية، ومعنوية، وحسابيه. والمصنف أسقط
القسم الأخير من هذا الكتاب اختصارا. وقد شرع في القسم الأول، فقال: (إذا أوصى بشاة) وأطلق (تناول) اسم الشاة
(صغير الجثة) أي الجسم، (وكبيرتها سليمة ومعيبة ضأنا) بالهمزة وقد يخفف، (ومعزا) بفتح العين وتسكن، جمع ماعزة،
لصدق الاسم. فإن قيل: تجويز المعيبة مخالف لقولهم في البيع والزكاة والكفارة إن الاطلاق يقتضي السلامة. أجيب بأن
ذلك لأمر زائد على مقتضى اللفظ، وهنا لا يزاد عليه لعدم الدليل عليه. نعم لو قال: اشتروا له شاة لا تشترى له معيبة كما
نقله في الروضة وأصلها عن البغوي وأنه أبدى فيه احتمالا هو قضية إطلاق المصنف. وأفهم قوله: ضأنا ومعزا أنه لا يتناول
غيرهما، فلو أراد الوارث إعطاءه أرنبا أو ظبيا لم يكن له ذلك ولا للموصى له قبوله وإن وقع عليه اسم شاة كما
ذكره
ابن عصفور، فإنه قال: إن الشاة تقع على الذكر والأنثى من الضأن والمعز والظباء والبقر والنعم وحمر الوحش، وسببه
تخصيص العرف بالضأن والمعز. نعم لو قال: شاة من شياهي وليس له إلا الظباء أعطي منها كما بحثه في الروضة، وجزم
به صاحب البيان، ونقله في محل آخر عن الأصحاب، وإن خالف في ذلك ابن الرفعة تبعا لغيره. (وكذا ذكر) بتناوله أيضا
اسم الشاة إن لم تقع قرينة على المراد، (في الأصح) لأنه اسم جنس كالانسان، وليست التاء فيه للتأنيث بل للوحدة كحمام
وحمامة، ويدل له قولهم: لفظ الشاة يذكر ويؤنث، ولهذا حمل قوله (ص): في أربعين شاة شاة على الذكور والإناث.
والثاني: لا يتناوله للعرف، والخنثى كالذكر. أما إذا قامت قرينة: كأعطوه شاة ينزها على غنمه أو تيسا أو كبشا تعين الذكر،
أو شاة يحلبها أو ينتفع بدرها ونسلها أو نعجة تعينت الأنثى، أو شاة ينتفع بصوفها تعين الضأن، أو بشعرها تعين المعز. وخرج
بصغيرة الجثة صغيرة السن التي ذكرها بقوله: (لا سخلة) وهي ولد الضأن والمعز ذكرا كان أو أنثى ما لم يبلغ سنة. (و) لا
(عناق) وهي الأنثى من ولد المعز كذلك. وكالعناق الجدي كما شملته السخلة، ولو اقتصر على ذكرها كفى عن ذكر العناق،
ودخل الجدي فلا يتناولها اسم الشاة (في الأصح) لأن كلاهما لا يسمى شاة لصغر سنها كما نقله الرافعي عن الصيدلاني،
وصححه البغوي. والثاني: يتناولهما، لصدق الاسم، ونقله الروياني عن سائر الأصحاب والغزالي عنهم خلا الصيدلاني، ومع
هذا فالمعتمد ما في المتن. (ولو قال أعطوه شاة) أو رأسا (من غنمي) أو من شياهي بعد موتي وله غنم عند موته أعطي شاة منها.
وإن قال ذلك (ولا غنم له) عند الموت (لغت) وصيته هذه لعدم ما يتعلق به الوصية. أما إذا لم يكن له غنم عند الوصية وله غنم
55

عند الموت، فإن وصيته تصح، ففي الروضة وأصلها: لو قال: أعطوه رأسا من رقيقي ولم يكن له أرقاء عند الوصية ثم
ملكه بعد، أن فيه الخلاف في أن الاعتبار بيوم الوصية أو الموت، وعلى هذا فيجب أن يعطى شاة من غنمه كما لو كانت
موجودة عند الوصية والموت، ولا يجوز أن يعطى واحدة من غير غنمه في الصورتين وإن تراضيا لأنه صلح على مجهول.
تنبيه: قد يفهم كلام المصنف أنه لو كان له واحدة من الغنم فقط أن الوصية تلغى. قال ابن شهبة: والأصح
أنها تدفع إليه، أي إذا خرجت من الثلث. وقد يفهم أيضا أنه إذا كان له ظباء لا يحمل عليها، وهو يخالف ما مر عن
تصحيحه. قال ابن شهبة: وقد يفرق بأن الظباء قد يقال لها شياه البر ولم يقل لها غنم البر كما قاله في الروضة فلهذا
لغت هنا. (وإن قال) أعطوه شاة (من مالي) ولا غنم له كما في المحرر عند موته، (اشتريت له) شاة بأي
صفة كانت مما مر.
فالضمير في اشتريت للشاة، وهي للوحدة، فلا فرق بين أن يقول اشتري أو اشتريت، وإن قال بعض الشارحين إن اشتري
أولى، فإن كان له غنم فللوارث أن يعطيه منها، وأن يعطيه من غيرها شاة على غير صفة غنمه لشمول الوصية لذلك.
وإن قال: اشتروا له شاة تعينت سليمة كما مر، لأن إطلاق الامر بالشراء يقتضيها كما في التوكيل بالشراء. ويقاس بما ذكر:
أعطوه رأسا من رقيقي أو رأسا من مالي أو اشتروا له ذلك، فلو قال: أعطوه رقيقا واقتصر على ذلك فكما لو قال: من
مالي، ويقاس عليه ما لو قال: أعطوه شاة ولم يقل: من مالي ولا من غنمي. (والجمل والناقة يتناولان البخاتي) بتشديد
الياء وتخفيفها، واحدها بختي وبختية، وهي جمال طوال الأعناق. (و) يتناولان (العراب) والسليم والمعيب وصغير
الجثة وكبيرها لصدق الاسم على ذلك كالشاة. و (لا) يتناول (أحدهما الآخر) فلا يتناول الجمل الناقة ولا عكسه، لأن
الجمل للذكر والناقة للأنثى. (والأصح) المنصوص (تناول بعير) مع تناوله ما يتناوله الجمل (ناقة) لأنه لغة اسم جنس
كالانسان، وقد سمع من العرب: حلب فلان بعيره وصرعتني بعيري. والثاني: المنع، ورجحه كثيرون، وقال الماوردي
والغزالي: إنه المذهب.
تنبيه: سكت المصنف عن عكسه. قال الزركشي: والظاهر الجزم بعدم التناول، وفي المحكم: الناقة الأنثى من
الإبل. (لا بقرة) سميت بذلك لأنها تبقر الأرض، أي تشقها. أم لا تتناول (ثورا) بالمثلثة على الأصح لأن اللفظ
موضوع للأنثى، سمي بذلك لأنه يثير الأرض. والثاني: يتناول، والهاء للوحدة. ولا يخالف الأول قول المصنف
في تحريره: إن البقرة تقع على الذكر والأنثى باتفاق أهل اللغة، لأن وقوعها عليه لم يشتهر عرفا. والبغل والكلب والحمار
للذكر، فلا يتناول الأنثى كما قاله الغزالي في الأخيرين وصوبه المصنف في زيادة الروضة. ومثلهما الأول، واختار الرافعي
بحثا شمولهما للذكر والأنثى لأن المراد الجنس، فإن أتى بالهاء كحمارة وكلبة وبغلة لم يحز الذكر. وفي الروضة آخر
النذر عن الإمام وأقره: أن البعير لا يتناول الفصيل والبقرة لا تتناول العجل، وهو قياس ما مر من أن الشاة لا تتناول
السخلة. وتدخل الجواميس في اسم البقر خلافا لما في الكفاية من عدم الدخول، كما يكمل بها نصابها. قال الصيمري:
ولا يدخل فيه الوحشي، قال الزركشي: إلا أن لا يكون له غيرها، فالأشبه الصحة كما مر في الشاة. فإن قيل:
ما قاله الصيمري قد يشكل بحنث من حلف لا يأكل لحم بقر فأكل لحم بقر وحش. أجيب بأن ما هنا مبني على
العرف
وما هناك إنما يبنى عليه إذا لم يضطرب وهو في ذلك مضطرب. (والثور) يصرف إذا أوصى به (للذكر) فقط فلا
يتناول البقرة. واسم عشر بقرات وعشر أينق للإناث وعشر من الإبل والبقر والغنم شامل للذكر والأنثى. (والمذهب)
المنصوص (حمل الدابة) عرفا إذا أوصى بها (على) ما يمكن ركوبه كما في التتمة من (فرس وبغل وحمار) ولو
ذكر أو معيبا وصغيرا في جميع البلاد لشهرة استعمالها في هذه الثلاثة، وإن كانت لغة لكل ما يدب على الأرض، ولان
الثلاثة أغلب ما يركب، قال تعالى: * (والخيل والبغال والحمير لتركبوها) *. وقيل: هذا على عرف أهل مصر، وإذا كان
عرف أهل غيرها كالعراق الفرس حمل عليه، وللاختلاف في فهم المراد بالنص صح التعبير بالمذهب. والمراد بالحمار الحمار
56

الأهلي، فلو لم يكن له إلا حمر وحشية، قال ابن الرفعة: فالأشبه الصحة حذرا من إلغائها اه‍. وهو نظير ما مر في الشاة
إذا لم يكن له إلا ظباء. هذا إن أطلق، فإن قال: أعطوه دابة ليقاتل أو يكر أو يفر عليها
ففرس، أو لينتفع بظهرها ونسلها ففرس أنثى أو ناقة أو حمارة، أو ليحمل عليها خرج منها الفرس، فإن اعتادوا الحمل على البراذين دخلت، بل قال
المتولي وقواه المصنف: إذا قال: أعطوه دابة للحمل عليها دخل فيها الجمال والبقر إن اعتادوا الحمل عليها، فلو قال: أعطوه
دابة من دوابي ومعه دابة من جنس من الأجناس الثلاثة تعينت، أو دابتان من جنسين منهما تخير الوارث بينهما، فإن
لم يكن له شئ منها عند موته بطلت وصيته لأن العبرة بيوم الموت لا بيوم الوصية كما مر. نعم إن كان له شئ من النعم
أو نحوها فالقياس كما قاله صاحب البيان الصحة، ويعطى منها لصدق اسم الدابة عليها حينئذ، وهو نظير ما مر في الشاة.
(ويتناول الرقيق) إذا أوصى به أو بإعتاقه (صغيرا وأنثى ومعيبا وكافرا وعكوسها) وهي كبير وذكر وسليم ومسلم
وخنثى كما في الروضة وأصلها، لصدق الاسم على الجميع (وقيل: إن أوصى بإعتاق عبد وجب المجزئ كفارة) لأنه المعروف
في الاعتاق، بخلاف أعطوه عبدا فإنه لا عرف فيه. والخلاف في عتق التطوع، فلو قال: عن كفارة تعين المجزئ فيها،
أو نذر فسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى. هذا عند الاطلاق، فلو قال: أعطوه رقيقا ليقاتل أو ليخدمه في السفر أعطي
ذكرا. قال الأذرعي في الأولى: وحينئذ يجب أن يكون مكلفا سليما من الزمانة والعمى ونحوهما، وقال في الثانية: والظاهر
أنه يعتبر أن يكون سليما مما يمتنع معه الخدمة. ولو قال: أعطوه رقيقا للخدمة فهو كما لو أطلق، أي بالنسبة للذكورة
والأنوثة كما قاله الأذرعي لا مطلقا، إذ الظاهر أنه لا يكفي من لا يصلح للخدمة، وإن قال: ليحضن ولده أو
ليتمتع به
فأنثى لأنها التي تصلح لذلك.
تنبيه: قوله: كفارة بالنصب بخطه، وهو كما قاله السبكي: إما حال لأنه نفسه كفارة، أو تمييز. وإن استعمل
كفارة بمعنى تكفير صح أن يكون مفعولا من أجله، ولا يجوز أن يكون مفعولا به لأنه ليس المعنى عليه، ولا على نزع
الخافض لقلته. (ولو أوصى بأحد رقيقه) مبهما: أي بأحد أرقائه، (فماتوا أو قتلوا) كلهم ولو كان القتل مضمونا،
أو خرجوا عن ملكه بإعتاق أو نحو بيع (قبل موته) أي الموصي، (بطلت) هذه الوصية لأنه لا رقيق له عند موته
(وإن بقي واحد تعين) للوصية لأنه الموجود فليس للوارث إمساكه وإعطاؤه قيمة مقتول، ومثله لو خرجوا عن
ملكه بما مر إلا واحدا. هذا إذا أوصى بأحد الموجودين، فإن أوصى بأحد أرقائه فمات الذين في ملكه أو خرجوا
عن ملكه وتجدد له غيرهم لم تبطل الوصية على الأصح كما مرت الإشارة إليه، وإذا بقي واحد من الموجودين لا يتعين
بل للوارث أن يعطيه من الحادث كما ذكره البلقيني، وخرج بقوله: قبل موته ما بعده، فإن كان القتل أو الموت بعد
القبول أو قبله وقبل انتقل حقه إلى قيمة أحدهم في صورة القتل بخيرة الوارث ولا شئ له في صورة الموت ولزمه تجهيزه
في الحالين. (أو) أوصى (بإعتاق رقاب فثلاث) لأنه أقل الجمع على الراجح، ومن قال أقله اثنان جوز الاقتصار
عليهما، ولو قال: اشتروا بثلث مالي رقابا وأعتقوهم اشتروا ثلاثا لما مر فأكثر. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: والاستكثار
من الاسترخاص أولى من الاستقلال مع الاستغلاء. ومعناه أن إعتاق خمس رقاب قليلة القيمة أفضل من إعتاق أربع
كثيرة القيمة. ولا يجوز صرف ما وصى به إلى رقبتين مع إمكان ثلاث، فلو صرفه ضمن الوصي الثالثة، وهل يضمن
ثلث ما نفذت الوصية أو أقل ما يجد به رقبة؟ فيه خلاف، والراجح الثاني. (فإن عجز ثلثه عنهن) أي عن ثلاث رقاب،
(فالمذهب) وفي الروضة وأصلها: الأصح، (أنه لا يشترى) مع رقبتين (شقص) من رقبة، ولو كان باقيها حرا،
خلافا للزركشي لما سيأتي من التعليل. (بل) يشترى (نفيستان به) أي بما أوصى به (فإن فضل) من الموصى
57

به (عن أنفس رقبتين شئ فللورثة) لأن الشقص ليس رقبة، ألا ترى أنه لو أوصى بأن يشترى بثلثه رقبة
فلم يوجد إلا شقص لم يشتر قطعا؟ والثاني: يشترى شقص، لأنه أقرب لغرض الموصي من صرف الفاضل للورثة،
واختاره السبكي.
تنبيه: لو فضل مما أوصى به في الثانية عن ثلاث نفيسات شئ لم يتعرض له المصنف. قال الولي العراقي:
ويظهر أنها أولى بأن لا يشترى به الشقص من مسألة الكتاب لحصول اسم الجمع هنا. ولو أوصى بشراء شقص اشتري،
فإن لم يوجد إما لعدمه أو لقلة الباقي بطلت الوصية وردت للورثة. (ولو قال ثلثي للعتق اشترى شقص) لأن المأمور به
صرف الثلث إلى العتق. وقضية كلامه كأصله أنه يشترى الشقص وإن قدر على التكميل، ولهذا قال السبكي: يشترى
شقص، لكن التكميل أولى إذا أمكن. والذي صرح به الطاوسي والبارزي أنه إنما يشترى ذلك عند العجز عن
التكميل، وهذا كما قال البلقيني أقرب وإن قال بعض المتأخرين إن الأقرب الأول. (ولو وصى لحملها) بشئ (فأتت
بولدين) حيين ذكرين أو أنثيين أو مختلفين ولدتهما معا أو مرتبا وبينهما أقل من ستة أشهر كما قاله الزركشي،
(فلهما) بالسوية لأنه مفرد مضاف فيعم، ولا يفضل ذكر عن أنثى كما لو وهب لرجل وامرأة شيئا. (أو) أتت (
بحي وميت فكله) أي الموصى به (للحي في الأصح) لأن الميت كالمعدوم بدليل البطلان بانفصالهما ميتين.
والثاني: له النصف، والباقي لورثة الموصي كما لو أوصى لحي وميت. (ولو قال: إن كان حملك ذكرا، أو قال) إن كان
حملك (أنثى فله كذا فولدتهما) أي ذكرا وأنثى، (لغت) وصيته لأن حملها جميعه ليس ذكرا ولا أنثى. ولو ولدت في
الأولى ذكرين قسم الموصى بينهما كما اختاره في الروضة وجرى عليه ابن المقري في روضه، وقياسه أنها لو ولدت في الثانية
أنثيين أن الحكم كذلك، وهذا بخلاف ما لو قال: إن كان حملك ابنا فله كذا، أو بنتا فلها كذا، فولدت ابنين أنثيين
فإنه لا شئ لهما. والفرق أن الذكر والأنثى للجنس فيقع على الواحد والعدد بخلاف الابن والبنت. قال الرافعي: وليس
هذا الفرق بواضح، والقياس التسوية، وتبعه السبكي، وقال المصنف: بل الفرق واضح، وهو المختار. ويمكن حمل كلام
الرافعي أنه ليس بواضح من جهة اللغة، وكلام المصنف أنه واضح من جهة العرف، وإلا ففي وضوح الفرق كما قال
شيخنا نظر. (ولو قال: إن كان ببطنها ذكر) فله كذا، (فولدتهما) أي ذكرا وأنثى، (استحق الذكر) فقط لأنه
وحد ببطنها، وزيادة الأنثى لا تضر. (أو) ولدت (ذكرين فالأصح) وفي الوجيز: الأظهر، (صحتها) أي الوصية، لأنه
لم يحصر الحمل في واحد بل حصر الوصية فيه. والثاني: المنع، لاقتضاء التنكير التوحيد (و) على الأول (يعطيه) أي
الموصى به، (الوارث من شاء منهما) كما لو وقع الابهام في الموصى به، لأنه يرجع إلى بيان الوارث، لأنه خليفته في
حقوقه. وقيل يوزع عليهما، وقيل: يوقف إلى أن يتأهلا للقبول فيصطلحا. ولو قال: إن ولدت غلاما، أو إن كان في
بطنك غلام، أو إن كنت حاملا بغلام فله كذا، أو أنثى فكذا فولدتهما أعطي كل منهما ما أوصى له به، ولو ولدت
ذكرين ولو مع أنثيين أعطي الوارث من شاء منهما كما مر، وإن ولدت خنثى أعطي الأقل كما في الروضة وأصلها لأنه
المتيقن وإن جزم صاحب الذخائر بأنه يوقف له تمام ما جعل للآخر حتى يظهر الحال، وصححه ابن المسلم،
وقال الزركشي:
إنه القياس. (ولو وصى) بشئ (لجيرانه) بكسر الجيم وفتحها لحن، وفي المحكم أن جمع الجار جيرة وجيران ولا
نظير له إلا قاع وقيعة وقيعان. (فلاربعين دارا من كل جانب) من جوانب داره الأربعة كما نص عليه الشافعي
رضي الله تعالى عنه في الأم، وهو إمام عارف باللغة وكلامه فيها حجة، ويدل له خبر: حق الجوار أربعون دارا هكذا
58

وهكذا وهكذا وهكذا وأشار قداما وخلفا ويمينا وشمالا، رواه أبو داود وغيره مرسلا وله طرق تقويه. وقيل: الجار
من لاصق داره، وقيل: أهل المحلة التي هو فيها، وقيل: الملاصق والمقابل، وقيل: أهل الزقاق غير النافذ، وقيل: من ليس
بينه وبينه درب يغلق، وقيل: من يصلي معه في المسجد، وقيل: قبيلته، وقيل: جميع أهل البلد لقوله تعالى: * (ثم لا يجاورونك
فيها إلا قليلا) *. وعلى الأول يصرف ذلك الشئ للمسلم والغني وضدهما على عدد الدور لا على عدد السكان، والعبرة
بالساكن لا بالملك، وتقسم حصة كل دار على عدد سكانها كما بحثه السبكي، ولو رد بعض الجيران فالظاهر كما قال الدميري
أنه يرد على الباقين.
تنبيه: قضية كلام الأصحاب وجوب استيعاب الدور من الجوانب الأربعة، وهو كذلك وإن قال الأذرعي:
المتجه حمل كلامهم على أن غاية الجوار ذلك لا أنه يجب، فجملة الدور حينئذ مائة وستون كما صرح به القاضي أبو الطيب
وغيره، ولم يصرح أحد بأن المجموع أربعون، فيكون معنى قوله في الحديث: هكذا وهكذا أن الأربعين تعد هكذا
وهكذا حتى تتم واعترض هذا العدد بأن دار الموصي قد تكون كبيرة في التربيع فيسامتها من كل جهة أكثر
من أربعين دارا فيزيد العدد، وهذا مثاله:
وقد تسامت دار الموصي داران يخرج من كل منهما شئ عنها فيزيد العدد أيضا، وهذا مثاله:
وربما يقال: التعبير بذلك جرى على الغالب من أن كل جانب لا يزيد على ذلك، فإن وجدت زيادة على ذلك اختار الوارث
من كل جانب القدر المعتبر. فإن وجد في أحد الجانبين زيادة وفي آخر نقص ينبغي أن يكمل الناقص من الزائد ويقسم
عليهما، وينبغي أن يكون الربع كالدار المشتملة على بيوت، ولو كان للموصي داران صرف إلى جيران أكثرهما
سكنى، فإن استويا فإلى جيرانهما، نقله الأذرعي عن القاضي أبي الطيب والزركشي عن بعضهم. ثم قال الأول:
وينبغي أن يصرف إلى جيران من كان فيها حالتي الموت والوصية، واقتصر الثاني على حالة الموت. ويظهر قول الأول
إن كان في واحدة حالتي الموت والوصية وإن كان في واحدة حالة الوصية وفي أخرى حالة الموت، فالعبرة بحالة
الموت، وإن لم يكن في واحدة منهما فإلى جيرانهما، والوجه كما قال شيخنا أن جيران المسجد كجيران الدار فيما أوصى
لجيرانه. وقيل: جاره من يسمع النداء، لخبر: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد (1) وجاره من يسمع النداء. وأجيب بأن
ما في الخبر خاص بحكم الصلاة بقرينة السياق.
فائدة: روى الحافظ أبو عمر في ترجمة أبي سعيد الأنصاري: أنه روي عن النبي (ص) أنه قال: البر والصلة
وحسن الجوار عمارة للديار وزيادة في الاعمار (2). (والعلماء) في الوصية لهم (أصحاب علوم الشرع)، قال الدميري:
وما سواها في الدين حطام فإن، وبينها المصنف بقوله: (من) علم (تفسير) وهو لغة: بيان معنى اللفظ الغريب، شرعا:
معرفة معاني الكتاب العزيز وما أريد به. وهذا بحر لا ساحل له، وكل عالم يأخذ منه على قدره، وهو قسمان: ما لا يعرف
إلا بتوقيف، وما يدرك من دلالة الألفاظ بواسطة علوم أخر كاللغة والمعاني والبيان. وهو شرعي أيضا لتوقفه على اللفظ
59

المستفاد من الشرع وراء هذين القسمين فهم يؤتيه الله للعبد وهو شرعي أيضا. قال العراقي: ومن عرف التفسير دون
أحكامه لا يصرف له شئ، لأنه كناقل الحديث: (و) من علم (حديث) والمراد به هنا معرفة معانيه ورجاله وطرقه
وصحيحه وسقيمه وعليله وما يحتاج إليه. وهو من أجل العلوم بعد القرآن، فالعالم به من أجل العلماء، وليس من علمائه
من اقتصر على السماع المجرد. (و) من علم (فقه) المراد به هنا معرفة الأحكام الشرعية نصا واستنباطا، أي عرف
من كل نوع منها شيئا، قاله ابن الرفعة. والمراد من كل باب من أبواب الفقه دون من عرف طرفا منه كمن عرف
أحكام الحيض أو الفرائض وإن سماها الشارع نصف العلم. وخرج بالاستنباط الظاهرية كما قاله ابن سريج وأفتى به القاضي
الحسين وغيره. قال الماوردي: لو أوصى لاعلم الناس صرف للفقهاء لتعلق الفقه بأكثر العلوم. وقال شارح التعجيز:
أولى الناس بالفقه في الدين نور يقذف هيبته في القلب، أي من قذف في قلبه ذلك. وهذا القدر قد يحصل لبعض
أهل العنايات موهبة من الله تعالى، وهو المقصود الأعظم بخلاف ما يفهمه أكثر أهل الزمان. فذلك صناعة. ووصف
الفقهاء والمتفقهة والصوفية سبق بيانه في الوقف. سئل الحسن البصري عن مسألة فأجاب، فقيل: إن فقهاءنا لا يقولون
ذلك، فقال: وهل رأيتم فقيها قط؟ الفقيه هو القائم ليله الصائم نهاره الزاهد في الدنيا الذي لا يداري ولا يماري،
ينشر حكمة الله، فإن قبلت منه حمد الله تعالى، وفقه عن الله أمره ونهيه وعلم ما يحبه وما يكرهه، فذاك هو العالم
الذي قيل فيه: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين فإذا لم يكن بهذه الصفة فهو من المغرورين. ولو أوصى لمفسر
ومحدث وفقيه فاجتمعت في شخص أعطي بأحدها كنظيره الآتي في قسم الصدقات. واحترز المصنف بعلوم
الشرع عن
علوم العقل كالطب والحساب والمنطق، وممن صرح بعدم دخول المنطق الطاوسي في التعليقة، لكن نقل عن الغزالي
أنه جعله من علم الكلام فليكن على الخلاف الآتي.
تنبيه: قضية كلامه الحصر في هذه الثلاثة، وليس مرادا، بل العلم بأصول الفقه مثلها كما قاله الصيمري
وصاحب البيان لابتناء الفقه عليه، وعد الغزالي في مقدمة المستصفى من العلم الديني علم الباطن يعني علم القلب وتطهيره
عن الأخلاق الذميمة. واختلف في الراسخ في العلم فقيل: هو من برت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه. وقيل: هو
من جمع أربع خصال: التقوى فيما بينه وبين الله، والتواضع فيما بينه وبين الناس، والزهد فيما بينه وبين الدنيا،
والمجاهدة فيما بينه وبين نفسه. والأصح أنه العالم بتصاريف الكلام وموارد الأحكام ومواقع المواعظ، لأن الرسوخ
الثبوت في الشئ. وعطف على أصحاب المرفوع قوله: (لا مقرئ وأديب ومعبر وطبيب) ومنجم وحاسب ومهندس،
فليسوا من علماء الشرع، لأن أهل العرف لا يعدونهم منهم، وكذا العالم باللغة والصرف والمعاني والبيان والبديع
والعروض والقوافي والموسيقى ونحوها، قاله في المطالب تبعا لابن يونس. والمراد بالمقرئ التالي، أما العالم بالروايات
ورجالها فكالعالم بطرق الحديث، واختاره السبكي بعد أن رده من حيث المذهب بأن علم القراءات يتعلق بالألفاظ
دون المعاني، فالعارف به لا يدخل في اسم العلماء، وبأن التالي قارئ لا مقرئ. قال الماوردي: والمراد بالأدباء النحاة
واللغويون. وقد عد الزمخشري الأدب اثني عشر علما. والمراد بالمعبر مفسر المنام، والأفصح عابر لأنه يقال عبرت
بالتخفيف كما قال تعالى: * (للرؤيا تعبرون) *، ومنهم من أنكر التشديد، وفي الحديث: الرؤيا لأول عابر. والطبيب من
يحسن علم الطب. (وكذا متكلم) ليس منهم (عند الأكثرين) لما ذكر، ونقله العبادي في زيادته عن النص.
وقيل: يدخل، وبه قال المتولي ومال إليه الرافعي. واقتضى كلامه أن الدليل يقتضي التسوية بينه وبين المحدث والمقرئ،
فإما أن يتساووا في الدخول كلهم أو في الخروج. ولأجل هذا التوقف عدل المصنف عن الأصح إلى قوله عند الأكثرين،
وقال السبكي: إن أريد بعلم الكلام العلم بالله تعالى وصفاته وما يستحيل عليه ليرد على المبتدعة وليميز بين الاعتقاد
الصحيح والفاسد، فذاك من أجل العلوم الشرعية، والعالم به من أفضلهم، وقد جعلوه في كتاب السير من فروض
الكفايات، وإن أريد به التوغل في شبهة والخوض فيه على طريق الفلسفة وتضييع الزمان فيه والزيادة على ذلك
60

أن يكون مبتدعا وداعيا إلى ضلالة، فذاك باسم الجهل أحق، وأما الكلام في الإلهيات على طريقة الحكماء فذاك ليس من
أصول الدين بل أكثره ضلال وفلسفة والله يعصمنا بمنه وكرمه آمين اه‍. وهذا هو القسم الذي أنكره الشافعي
رضي الله
تعالى عنه، وقال: لأن يلقى العبد ربه بكل ذنب ما عدا الشرك خير له من أن يلقاه بعلم الكلام قال السبكي: وكذا
الصوفية ينقسمون إلى هذين القسمين، وأطال في ذلك، ثم قال في آخر كلامه: ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين
كابن عربي وابن سبعين والقطب القونوي والعفيف التلمساني، فهؤلاء ضلال جهال خارجون عن طريق الاسلام فضلا
عن العلماء. وقال ابن المقري في روضه: إن الشك في كفر طائفة ابن عربي كفر. قال شيخنا: وهم الذين ظاهر كلامهم عند
غيرهم الاتحاد، قال: والحق أنهم مسلمون أخيار وكلامهم جار على اصطلاحهم كسائر الصوفية، وهو حقيقة عندهم في
مرادهم وإن افتقر عند غيرهم ممن لو اعتقد ظاهره عنده كفر إلى تأويل، إذ اللفظ المصطلح عليه حقيقة في معناه الاصطلاحي
مجاز في غيره فالمعتقد منهم لمعناه معتقد لمعنى صحيح. وقد نص على ولاية ابن عربي جماعة علماء عارفون بالله تعالى منهم
الشيخ تاج الدين بن عطاء الله والشيخ عبد الله اليافي، ولا يقدح فيه وفي طائفته ظاهر كلامهم المذكور عند غير الصوفية
لما قلناه، ولأنه قد يصدر عن عارف بالله تعالى إذا استغرق في بحر التوحيد والعرفان بحيث تضمحل ذاته في ذاته وصفاته
في صفاته، ويغيب عن كل ما سواه عبارات تشعر بالحلول والاتحاد لقصور العبارات عن بيان حاله الذي ترقى إليه، وليست
في شئ منهما كما قاله العلامة السعد التفتازاني وغيره. ولو أوصى للقراء صرف لحفاظ كل القرآن في الأصح لا لمن لا يحفظ
ويقرأ من المصحف، أو للرقاب صرف إلى المكاتبين كتابة صحيحة، لأنه المفهوم من عرف الشرع فحمل عليه، وأقل
ما يجزئ أن يدفع إلى ثلاثة. ولو لم يكن في الدنيا مكاتب وقف الثلث لجواز أن يكاتب رقيق، فإن رق المكاتب بعد أخذه
من الوصية استرد منه المال إن كان باقيا في يده أو يد سيده، أو لسبيل الله صرف إلى الغزاة من أهل الصدقات لأنه المفهوم
شرعا. وأقل من يصرف إليه ثلاثة، وقد تقدم آل النبي (ص) في كتاب الزكاة، فلو أوصى لآل غير النبي (ص) صحت
وصيته. وهل تحمل على القرابة أو على اجتهاد الحاكم؟ وجهان: أوجههما كما قال شيخي الأول، وأخل البيت كالآل
لكن تدخل الزوجة فيهم أيضا. ولو أوصى لأهله من غير ذكر البيت دخل كل من تلزمه نفقته، أو لآبائه دخل أجداده من الطرفين، أو لأمهاته دخلت جداته
من الطرفين أيضا، ولا تدخل الأخوات في الاخوة كعكسه، والأحماء آباء الزوجة،
وكذا أبو زوجة كل محرم حم، والمحارم يدخل فيهم كل محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة. والوصية للموالي كما في الوقف
عليهم، ولا يدخل فيهم المدبر ولا أم الولد. ولو أوصى لليتامى أو الأرامل أو الأيامى والعميان أو الحجاج أو
الزمني
أو أهل السجون أو الغارمين أو لتكفين الموتى أو لحفر قبورهم اشترط فقرهم وإن استبعده الأذرعي في الحجاج لأن
الفقراء منهم هم المقصودون بالوصية، ثم إن انحصروا وجب تعميمهم وإلا جاز الاقتصار على ثلاثة. واليتيم من مات
أبوه قبل بلوغه، قال ابن السكيت: اليتيم في الناس من قبل الأب، وفي البهائم من قبل الأم، قال ابن خالويه: ومن الطير
من قبلهما لأنهما يحضنانه ويزقانه. والأيم والأرملة من لا زوج لها، إلا أن الأرملة من بانت من زوجها بموت أو بينونة،
والأيم لا يشترط فيها تقدم زوج، ويشتركان في اشتراط الخلو عن الزوج حالا. ولو أوصى للأرامل أو الابكار أو الثيب
لم يدخل فيهن الرجال وإن لم يكن لهم زوجات، لأن هذا الاسم في العرف للنساء. أو للعزاب صرف للرجل الذي لا زوجة
له. ولا تدخل المرأة التي لا زوج لها على أحد رأيين يظهر ترجيحه. والقانع السائل. والمعتر من يتعرض للسؤال ولا
يسأل، وسيأتي زيادة على ذلك في كتاب الأضحية.
فائدة: الناس غلمان وصبيان وأطفال وذراري إلى البلوغ. ثم هم بعد البلوغ شبان وفتيان إلى الثلاثين.
ثم هم بعدها كهول إلى الأربعين. ثم هم بعدها شيوخ. (ويدخل في وصية الفقراء المساكين وعكسه) فما وصى به
لأحدهما يجوز دفعه للآخر لوقوع اسم كل منهما على الآخر عند الانفراد في العرف. ولا يدخل الفقير المكفي بنفقة
61

قريب أو زوج، ولا فقير غير المسلمين كالزكاة، ولكن يجوز نقلها. والفرق بينها وبين الزكاة أن الأطماع لا تمتد إليها
امتدادها في الزكاة، إذ الزكاة مطمع نظر الفقراء من حيث إنها مواظبة دائرة بخلاف الوصية، ولهذا يجوز تقييدها بفقراء
سائر البلاد. (ولو جمعهما) أي الفقراء والمساكين في الوصية، (شرك) بضم أوله الموصى به بينهما (نصفين) فيجعل نصفه
للفقراء ونصفه للمساكين، فلا يقسم ذلك على عدد رؤوسهم، ولا يجب استيعابهم، بل يستحب عند الامكان، (أقل)
ما يكفي من (كل صنف) من العلماء والفقراء والمساكين (ثلاثة) لأنها أقل الجمع، بخلاف بني زيد وبني عمرو فإنه
يشترط استيعابهم بأن يقسم على عدد رؤوسهم كما أفاده كلام الروضة، فلو دفع لاثنين من العلماء أو الفقراء أو المساكين
غرم للثالث أقل متمول، وقيل: الثلث، ولا يصرفه له بل يسلمه للقاضي، ويصرفه له بنفسه أو يرده إليه ليدفعه هو.
قال الزركشي: وقد ذكروا فرعا، وهو أنه إذا أوصى لأقاربه وله قريب واحد هل يكون له الكل أو النصف أو الثلث؟
خلاف فليكن هنا نظيره اه‍. وهو ظاهر، والأصح ترجيح الأول كما سيأتي. ويشترط في الفقراء والمساكين الموصى لهم
أن يكونوا أحرارا فلا مدخل للمماليك في ذلك كما نص عليه. (وله) أي الموصي والحاكم عند فقده، (التفضيل) بين آحاد كل
صنف بحسب الحاجة. ولا تجب التسوية بل يتأكد تفضيل الأشد حاجة وعيالا، والأولى تقديم أقارب الموصي الذين
لا يرثون ثم جيرانهم ثم معارفه، هذا إذا لم يكونوا محصورين فإن أوصى لفقراء بلد وهم محصورون وجب استيعابهم
والتسوية بينهم كتعيينهم، ويشترط قبولهم بخلاف الوصية المطلقة للفقراء. ولو عين فقراء بلد ولا فقير بها لم تصح الوصية.
(أو) وصى (لزيد والفقراء، فالمذهب أنه) أي زيد (كأحدهم في جواز إعطائه أقل متمول) لأنه ألحقه بهم في إضافته،
وذلك يقتضي التسوية. فإن قيل: قد يكون زيد فقيرا فيتناوله لفظ الفقراء فلا فائدة لذكره. أجيب بأن له فائدتين: منع
الاخلال به، وعدم اعتبار فقره كما يشير إليه قوله: (لكن) زيد (لا يحرم) بضم أوله وإن كان غنيا كما يحرم أحدهم، لعدم
وجوب استيعابهم كما مر لنصه عليه.
تنبيه: اعترض تعبيره بالمذهب، فإن المسألة فيها سبعة أوجه: أصحها ما جرى عليه المصنف، وبقية الأوجه مذكورة
في المبسوطات، وقد ذكرت أكثرها في شرح التنبيه فلا نطيل بذكرها. هذا إذا أطلق زيد، فإن وصفه بوصفهم، كأن
قال: لزيد الفقير والفقراء وكان غنيا أخذ نصيبه الفقراء لا وارث الموصي وإن كان فقيرا، وإن وصفه بغير وصفهم كأن
قال: لزيد الكاتب والفقراء استحق زيد النصف، أو وصى لزيد وجماعة محصورين أعطي زيد النصف واستوعب بالنصف
الآخر جماعته، أو وصى لزيد بدينار وللفقراء بثلث ماله لم يعط أكثر من الدينار وإن كان فقيرا لأنه قطع اجتهاد الموصي
بالتقدير. أو وصى لزيد وجبريل أو له والحائط أو الريح أو نحوها مما لا يوصف بالملك كالشيطان أعطي زيد النصف وبطلت
الوصية في الباقي كما لو أوصى لابن زيد وابن عمرو وليس لعمرو ابن، ولو أضاف الحائط كأن قال: وعمارة حائط المسجد
أو حائط دار زيد صحت الوصية وصرف النصف في عمارته. أو وصى لزيد والملائكة أو الرياح أو الحيطان أو نحوها أعطي
أقل متمول كما لو أوصى لزيد والفقراء، وبطلت الوصية فيما زاد عليه. أو أوصى لزيد ولله فلزيد النصف والباقي يصرف
في وجوه القرب لأنها مصرف لحقوق الله تعالى. ولو أوصى بثلث ماله لله تعالى صرف في وجوه البر على ما ذكر. وإن لم
يقل لله تعالى صرف للمساكين. ولو أوصى لأمهات أولاده وهن ثلاث وللفقراء والمساكين جعل الموصى به بينهم
أثلاثا. (أو) وصى (لجمع معين غير منحصر كالعلوية) والهاشمية وبني تميم، (صحت) هذه الوصية (في الأظهر) كالوصية
للفقراء. والثاني: البطلان، لأن التعميم يقتضي الاستيعاب وهو ممتنع، بخلاف الفقراء فإن عرف الشرع خصصه بثلاثة
فاتبع. (و) على الأول (له الاقتصار على ثلاثة) كما في الفقراء.
فائدة: من خصائصه (ص): أن أولاد بناته ينسبون إليه، وهم الاشراف الموجودون ومنهم
62

الهاشميون. ونقل شيخنا الشهاب ابن حجر العسقلاني في كتابه أنباء العمران: في سنة ثلاث وسبعين وستمائة أمر
السلطان شعبان الاشراف أن يمتازوا عن الناس بعصائب خضر على العمائم، ففعل ذلك بمصر والشام وغيرهما، وفي ذلك
يقول أبو عبد الله بن جابر الأندلسي رحمه الله تعالى:
جعلوا لأبناء الرسول علامة إن العلامة شأن من لم يشهر
نور النبوة في كريم وجوههم يغني الشريف عن الطراز الأخضر
(أو) وصى بشئ (لأقارب زيد) مثلا أو رحمة، (دخل كل قرابة) له (وإن بعد) مسلما كان أو كافرا غنيا أو فقيرا
حرا أو رقيقا، ويكون نصيبه لسيده وإن لم أر من صرح به كما يؤخذ من إطلاقهم، وربما أخذ من النص المتقدم في
الفقراء عدم دخولهم ثم رأيت الناشري بحث في ذلك فقال: هل يدخل العبيد في الأقارب ويصرف إلى ساداتهم؟ ينبغي
أن يدخلوا إذا لم تكن السادة داخلين لا إن دخلوا لئلا يتكرر الصرف للسادة بأسمائهم وأسماء عبيدهم. ثم تعقبه الكمال
ابن أبي شريف فقال: وقد يتوقف في دخولهم فيقال: ينبغي دخولهم إن لم يكن له أقارب أحرار، فإن كان له أقارب
أحرار لم تدخل العبيد معهم، إذ لا يقصدون بالوصية عادة اه‍. والأوجه ما جرى عليه الناشري لقولهم إنه لا فرق بين
الوارث وغيره لأن هذا اللفظ يذكر لإرادة جهة القرابة، والاسم شامل للكل.
تنبيه: أفهم قوله: كل قرابة أنه يجب استيعابهم، وهذا إذا انحصروا، فإن لم ينحصروا فكالوصية للعلوية، ولا يختص
هذا بالجمع حتى لو لم يكن له سوى قريبين أو قريب واحد أخذ الكل لا القسط على الأصح. فإن قيل: كيف يدخل
البعيد مع أن أقارب جمع أقرب وهو أفعل تفضيل؟ أجيب بأن التسوية ثابتة بالعرف، وقد قال تعالى: * (وأنذر عشيرتك
الأقربين) * فدخل كل قريب وبعضهم أقرب من بعض، والظاهر قوله تعالى: (للوالدين والأقربين) والعطف يقتضى التغاير
لكن قيل إن المراد بالأقربين الأولاد، ولما نزل قوله تعالى * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * كانت فاطمة رضي الله تعالى عنها من
جملة من دعي للانذار. (إلا أصلا) أي الأب والأم فقط، (و) إلا (فرعا) أي أولاد الصلب فقط فلا يدخلان في الأقارب
(في الأصح) إذ لا يسمون أقارب عرفا، أما الأجداد والأحفاد فيدخلون لشمول الاسم لهم. والثاني يدخلان، لأنهما
يدخلان في الوصية لأقرب الأقارب فكيف لا يكونون من الأقارب قال السبكي: وهذا أظهر بحثا ونقلا. وقيل:
لا يدخل
أحد من الأصول والفروع. (ولا تدخل قرابة أم) في الوصية للأقارب (في وصية العرب في الأصح) إذا كان الموصي
عربيا، فإنهم لا يفتخرون بها ولا يعدونها قرابة. والثاني: لا يدخل في وصية العرب كالعجم، وقواه في الشرحين، وصححه
في الروضة، وجرى عليه ابن المقري، فهو المعتمد كما قاله الزركشي وغيره وما وجه به الأول ضعيف، فإنه لا خلاف
أن قرابة الأم تدخل في لفظ الرحم عند العرب والعجم جميعا كما صرح به الرافعي، قال السبكي: ولا شك أن الرحم
هي قرابة، فقد قال (ص) في القبط: إن لهم ذمة ورحما لأن أم إسماعيل (ص) منهم. وقد
افتخر (ص) بخالة سعد فقال: سعد خالي فليرني امرؤ خاله حسنه الترمذي وصححه الحاكم. (والعبرة) فيما ذكر (بأقرب
جد ينسب إليه زيد، وتعد أولاده) أي ذلك الجد (قبيلة) فيرتقي في بني الأعمام إليه ولا يعتبر من في درجته أو من
فوقه، فالوصية لأقارب حسني لأولاد الحسن دون أولاد من فوقه وأولاد الحسين، والوصية لأقارب الشافعي في زمانه
لأولاد شافع، فتقييد الروضة بزمنه ليس بقيد بل يوهم خلاف المراد لأنه أقرب جد يعرف به الشافعي، ولا يصرف لمن
ينسب إلى جد بعد شافع كأولاد علي والعباس أخوي شافع، لأنهم إنما ينسبون إلى المطلب، ولو أوصى لأقارب بعض
أولاد الشافعي في هذا الوقت دخل فيه أولاد الشافعي دون غيرهم من أولاد شافع، ولولا ذلك لأدى ذلك إلى دخول
جميع الناس فإن آدم يجمعهم. وخرج بقوله: ينسب إليه جد الأم فإنه لا ينسب إليه. (ويدخل في أقرب أقاربه) أي
63

الموصي، (الأصل) من أب وأم (والفرع) من ابن وبنت، كما يدخل غيرهم عند عدمهم، لأن أقربهم هو المنفرد بزيادة
القرابة، وهم كذلك وإن لم يطلق عليهم أقارب عرفا. والمراد دخولهم في الجملة، وأما الاستواء والتقديم فقد نبه عليه
بقوله: (والأصح تقديم ابن) وإن سفل (على أب) لأنه أقوى إرثا وتعصيبا، ولو عبر كالحاوي الصغير بالفرع لتدخل البنت
لكان أولى، والمعنى فيه أن الفرع جزء الموصي وجزء الشئ أقرب إليه من أصله فتقدم الأولاد ثم أولادهم وإن نزلوا.
ويستوي أولاد البنين وأولاد البنات ثم الأبوان من فوقهما، (وأخ) من الجهات الثلاث (على جد) من الجهتين لقوة
البنوة على جهة الأبوة. وليس لنا موضع يقدم فيه الأخ مطلقا على الجد للأب إلا هنا وفي الولاء لغير الأخ للأم، لكن
قضية التعليل إخراج الأخ للأم، وليس مرادا والثاني: يسوى بينهما فيهما لاستواء الأولين في الرتبة والأخيرين في الدرجة
لادلائهما بالأب. والخلاف في الثانية قولان كما ذكر الرافعي، فلو عبر بالأظهر كما في الروضة لكان أولى،
بل المرجح
في الشرح الصغير أن الخلاف في الأولى أيضا قولان. والأعمام والعمات والأخوال والخالات بعد الجدودة سواء، ثم
أولادهم، قال ابن الرفعة: ويقدم العم والعمة على أبي الجد، والخال والخالة على جد الأم وجدتها. (ولا يرجع بذكورة
ووراثة بل يستوي الأب والأم والابن والبنت) والأخ والأخت كما يستوي المسلم والكافر والأخ من الأب والأخ من
الأم سواء. نعم يقدم ولد الأبوين من الاخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم على ولد
أحدهما. ويقدم أخ لأب على ابن أخ لأبوين، ثم هكذا يقدم الأقرب فالأقرب درجة في الجهة كيف كان عند اتحاد الجهة،
وإلا فالبعيد من الجهة القريبة يقدم على القريب من الجهة البعيدة كابن ابن الأخ وإن سفل يقدم على العم. (ويقدم ابن
البنت على ابن ابن الابن) لأنه أقرب منه في الدرجة. وتقدم الجدة من الجهتين على الجدة من جهة كما جزم به البغوي
والخوارزمي في الوقف وإن استويا في الإرث، لأن المأخذ ثم اسم الجدة وهنا معنى الأقربية، ومقتضى كلام أصل الروضة
التسوية بين البابين. (ولو أوصى لأقارب نفسه لم تدخل ورثته في الأصح) اعتبارا بعرف الشرع لا بعموم اللفظ، ولان
الوارث لا يوصى له غالبا فيختص بالباقين. والثاني وهو الأقوى في الشرح الصغير: يدخلون، لأن اللفظ يتناولهم ثم يبطل
نصيبهم، ويصح الباقي لغير الورثة. وإذا أوصى لأقرب أقاربه فالترتيب كما مر، لكن لو كان الأقرب وارثا صرف
الموصى به للأقرب من غير الوارثين إذا لم يجز الوارثون الوصية، بناء على أنه إذا أوصى لأقارب نفسه لم تدخل ورثته.
فصل: في الأحكام المعنوية. وهو القسم الثاني، وذكر معه بيان ما يفعل عن الميت وما ينفعه مبتدئا ذلك
بالقسم الثاني، فقال (تصح) الوصية (بمنافع عبد) ونحوه من الدواب، (ودار) ونحوها من العقارات، (و) نحو (غلة حانوت)
كثمرة بستان مؤقتة ومؤبدة، والاطلاق يقتضي التأبيد لأنها أموال مقابلة بالاعواض فكانت كالأعيان. وضبط
الإمام المنافع بما يملك بالإجارة وغلة عطف على منافع وهو مشعر بمغايرتها لها. قال السبكي: والمنافع والغلة متقاربان،
وكل عين فيها منفعة فقد يحصل منها شئ غير تلك المنفعة: إما بفعله كالاستغلال أو بعوض عن فعل غيره أو من
عند الله تعالى، وذلك الشئ يسمى غلة، فالموصى له به يملكه غير ملك العين، ولان المنفعة كأجرة العبد والدار
والحانوت وكسب العبد، وما ينبت في الأرض كله غلة تصح الوصية به كما تصح بالمنفعة.
تنبيه: قد ذكر المصنف في أول الباب الوصية بالمنافع، وإنما أعادها ليرتب عليها قوله: (ويملك الموصى له منفعة
العبد) الموصى بها وليست مجرد إباحة، خلافا الابي حنيفة. لنا أن الوصية بذلك تلزم بالقبول بخلاف العارية، فله أن
64

يؤجر ويعير ويورث عنه ويوصي بها، ولهذا عبر المصنف بالمنفعة دون أن ينتفع، فإنه لو قال: أوصيت لك بأن تنتفع به
حياتك أو بأن تسكن هذه الدار أو بأن يخدمك هذا العبد إباحة لا تمليك فليس له الإجارة ولا الإعارة في أصح الوجهين،
ويفارق ما مر بأنه هنا عبر بالفعل وأسنده إلى المخاطب فاقتضى قصوره على مباشرته بخلافه ثم.
تنبيه: إطلاقه المنفعة يقتضي عدم الفرق بين المؤبدة والمقيدة، وهو كذلك كما قطعا به في باب الإجارة، خلافا لما
مشينا عليه هنا من أن الوصية المؤقتة إباحة فلا يؤجر. (و) يملك أيضا (أكسابه المعتادة) كاحتطاب واصطياد وأجرة
حرفة ونحوها لأنها أبدال المنافع الموصى بها بخلاف النادرة كالهبة واللقطة لأنها لا تقصد بالوصية. وعن ابن عبد السلام
أنه قال: ما زلت أستشكل ملك الرقبة دون المنفعة وأقول هذا إنما ينتفع ويملك المنافع، فما الذي بقي لمالك الرقبة؟
حتى رأيت في المنام قائلا يقول: لو ظهر في الأرض معدن ملكه مالك الرقبة دون المنفعة اه‍. وله أيضا عتقه وبيعه من
الموصى له. (وكذا مهرها) أي الأمة الموصى بمنفعتها لشخص إن زوجت أو وطئت بشبهة مثلا يملكه الموصى له،
(في الأصح) لأنه من فوائد الرقبة كالكسب، وهذا ما في الروضة وأصلها عن العراقيين والبغوي، وجزم به الأكثرون.
والثاني، وهو الأشبه في الروضة وأصلها: أن مهرها لوارث الموصي. أما أرش البكارة إذا لم نقل بالاندراج فهو للوارث
لأنه بدل جزء من البدن. ويحرم على الوارث وطئ الأمة الموصى بمنفعتها إن كانت ممن يحبل، لما فيه من خوف الهلاك
بالطلق والنقصان والضعف بالولادة والحمل، بخلاف ما إذا كانت ممن لا يحبل، وقيل: يحرم مطلقا كما في المرهونة. وفرق
الأول بأن الراهن هو الذي حجر على نفسه وبأنه متمكن من رفع العلقة بأداء الدين بخلاف الوارث فيهما، ولا بد
على الأول أن لا يعطل زمن الوطئ ما يستحقه الموصى له من المنفعة كما قاله الأذرعي، فإن وطئ فأولدها فالولد حر نسيب
ولا حد عليه للشبهة. وعليه قيمته، ويشترى بها مثله لتكون رقبته للوارث ومنفعته للموصى له كما لو ولدته رقيقا وتصير
أمه أم ولد للوارث تعتق بموته مسلوبة المنفعة، ويلزمه المهر للموصى له. وكذا يحرم وطؤها على الموصى له بمنفعتها،
فلو وطئها فالولد حر نسيب، ولا حد كما جزم به في أصل الروضة هنا، وقال ابن الرفعة: إنه الصحيح، والأسنوي: إنه
أوجه مما جزم به في الوقف أنه يحد كما يحد الموقوف عليه. والفرق أن ملك الموصى له بالمنفعة أتم من ملك الموقوف
عليه، بدليل أنها يورث عنه كما مر ولا كذلك الموقوف عليه. قال الأذرعي: وهذا كله فيما لو أوصى له بمنفعتها أبدا،
أما لو أوصى له بهامدة فالوجه وجوب الحد عليه كالمستأجر اه‍. والمعتمد كما قال شيخي أنه لا حد مطلقا.
ولو أحبلها
الموصى له لم يثبت استيلادها لأنه لا يملكها وعليه قيمة الولد بناء على الأصح الآتي من أن الولد المملوك ليس كالكسب
ويشترى بها رقيق، ويكون مثل الأمة رقبته للوارث ومنفعته للموصى له، وقيل: القيمة للوارث. ويجوز تزويج الموصى
بمنفعته ومن يزوجه. قال في الوسيط: أما العبد فيظهر استقلال الموصى له به، لأن منع العقد للتضرر بتعلق الحقوق
بالأكساب وهو المتضرر. وأما الأمة فيزوجها الوارث على الأصح لملكه الرقبة لكن لا بد من رضا الموصى له لما فيه
من تضرره اه‍. وهذا الذي قاله في الأمة يأتي في العبد أيضا، فالوجه أنه لا بد من رضا الموصى له والوارث في الحالين كما
قاله شيخي. (ولا ولدها) من نكاح أو زنا، فلا يملكه الموصى له بمنفعة أمه (في الأصح، بل هو كالأم منفعته له ورقبته
للوارث) لأنه جزء من الأم فيجري مجراها. والثاني: يملكه الموصى له كالموقوفة. وفرق الأول بأن الملك في الموقوفة
أقوى بدليل أنه يملك الرقبة على قول فقوي الاستتباع بخلافه هنا، كذا قيل. وهو كما قال شيخنا مردود بأن الموصى
له بالمنفعة أبدا قيل فيه إنه يملك الرقبة أيضا، حكاه الماوردي وغيره. فالأولى أن يفرق بأن الواقف أخرج العين
عن ملكه بالوقف على الأصح والموصي لم يخرجها، وإنما أخرج المنفعة، لكن المنفعة استتبعت العين في القول المذكور. (وله) أي الوارث (إعتاقه) أي العبد الموصى بمنفعته
ولو مؤبدا، لأنه مالك لرقبته، وتبقى الوصية بحالها، ولا يرجع
العتيق عليه بقيمة المنفعة لأنه ملك الرقبة مسلوبة المنفعة، ولا يصح أن يكاتبه ولا أن يعتقه عن كفارته لعجزه عن
65

الكسب. قال الزركشي: وينبغي أن يكون إجراؤه عن النذر على الخلاف في أنه يسلك به مسلك الواجب أو الجائز اه‍.
ويؤخذ من ترجيح المصنف في باب النذر أن المعيب يجزئ أن هذا يجزئ أيضا. ولو ملك هذا العتيق رقيقا بالإرث أو
الهبة أو بغير ذلك فاز بكسبه. وله أن يستعير نفسه من سيده قياسا على ما لو أجر الحر نفسه وسلمها ثم استعارها. (وعليه)
أي الوارث (نفقته) وكسوته وفطرته (إن أوصى بمنفعته مدة) لأنه ملكه كما إذا أجره، (وكذا) إن أوصى بها (أبدا
في الأصح) بأن يقول أبدا أو مدة حياة العبد أو يطلق لما مر، وهو متمكن من دفع الضرر عنه بإعتاقه. والثاني: أنها على
الموصى له لأنه مستوفي المنفعة فهو كالزوج، وعلف الدابة كنفقة الرقيق. وأما سقي البستان الموصى بثمره، فإن تراضيا
عليه أو تبرع به أحدهما فظاهر وليس للآخر منعه، وإن تنازعا لم يجبر واحد منهما، بخلاف النفقة لحرمة الروح. (و) للوارث
(بيعه) أي الموصى بمنفعته للموصى له قطعا ولغيره على الراجح، (إن لم يؤبد) الموصى بمنفعته، (كالمستأجر) والجامع استحقاق
المنفعة مدة مؤقتة. ويؤخذ من ذلك أن المدة لا بد أن تكون معينة، أما إذا كانت مجهولة كحياة زيد فيتعين القطع بالبطلان
كما في المطلب. (وإن أبد) الموصي المنفعة أو كانت مجهولة، (فالأصح أنه يصح بيعه للموصى له) لاجتماع الرقبة والمنفعة له،
(دون غيره) إذ لا فائدة لغيره فيه، أي فائدة ظاهرة تقصد بالبيع، ولا عبرة باحتمال أنه قد يجد كنزا أو نحوه. والثاني:
يصح مطلقا لكمال الرقبة فيه. والثالث: لا يصح مطلقا لاستغراق المنفعة بحق الغير، أي في الأولى ولجهل المدة في الثانية.
وعلى الأول لو اجتمعا على بيعه فالقياس كما قال الزركشي الصحة، ولو أراد صاحب المنفعة بيعها قال الزركشي: فقياس
ما سبق الصحة من الوارث دون غيره، وجزم به الدارمي، والظاهر كما قال شيخي الصحة مطلقا، لأن علة المنع المتقدمة
لا تأتي هنا، وسيأتي تصوير بيع المنفعة. ولو قتل الموصى بمنفعته قتلا يوجب القصاص فاقتص الوارث من قاتله انتهت
الوصية، كما لو مات أو انهدمت الدار وبطلت منفعتها. فإن وجب مال يعفو على القصاص أو بجناية توجبه اشتري به مثل
الموصى بمنفعته، ولو كانت الجناية من الوارث أو الموصى له. ولو قطع طرفه فالأرش للوارث لأن الموصى به باق
منتفع به، ومقادير المنفعة لا تنضبط، ولان الأرش بدل بعض العين. وإن جنى عمدا اقتص منه أو خطأ أو شبه عمد أو
عفا على مال تعلق برقبته وبيع في الجناية إن لم يفدياه. فإن زاد الثمن على الأرش اشتري بالزائد مثله. وإن فدياه أو أحدهما
أو غيرهما عاد كما كان. وإن فدى أحدهما نصيبه فقط بيع في الجناية نصيب الآخر. فإن قيل: إذا فديت الرقبة كيف تباع
المنافع وحدها؟ أجيب بأن بيعها وحدها معقول، فقد قالوا به في بيع حق البناء على السطح ونحوه بأنها تباع وحدها بالإجارة.
(و) الأصح أيضا (أنه تعتبر قيمة العبد كلها) رقبته ومنفعته (من الثلث إن وصى بمنفعته أبدا) ولو بحياة الموصى له لتفويت
اليد، كما لو باع بثمن مؤجل، ولان المنفعة المؤبدة لا يمكن تقويمها، ولان مدة عمره غير معلومة فتعين تقويم الرقبة بمنافعها،
ويؤخذ من ذلك أن المدة المجهولة كذلك. والثاني وخرجه ابن سريج: أنه يعتبر ما نقص من قيمته، إذ لا بد أن يبقى له قيمة
طمعا في إعتاقه، مثاله: أوصى بمنفعة عبد قيمته بمنافعه مائة وبدونها عشرة، فالمعتبر من الثلث على الأول المائة لا التسعون،
فيعتبر في نفوذ الوصية أن يكون له مائتان، والمعتبر على الثاني تسعون فقط، فيشترط أن يبقى للورثة ضعف التسعين.
وعلى الأول لو أوصى برقبته دون منفعته لم يحسب العبد من الثلث لجعلنا الرقبة الخالية عن المنفعة كالتالفة. (وإن أوصى
بها) أي منفعة العبد (مدة) معلومة (قوم بمنفعته ثم) قوم (مسلوبها تلك المدة، ويحسب الناقص من الثلث)
لأن الحيلولة
معرضة للزوال، فلو قوم بمنفعته بمائة وبدونها تلك المدة بثمانين فالوصية بعشرين. ولو أوصى ببعض المنفعة، قال
ابن الصلاح: ينبغي أن يقوم الموصى به دون العين لأنه لم يوص له بجميع منافعها. ولو أوصى لزيد بمنفعة عبد ولآخر
66

برقبته فرد الموصى له بالمنفعة الوصية عادت إلى الوارث كما اختاره السبكي.
تنبيه: ذكر المصنف العبد مثال، فإن منفعة الدار وثمرة البستان كذلك. ولو انهدمت الدار الموصى بمنافعها فأعادها
الوارث بآلتها عاد حق الموصى له كما صححه المصنف. ولو غصب الموصى بمنافعه فأجرته عن مدة الغصب للموصى له
لا للوارث، بخلاف نظيره في المؤجر لأنها هنا بدل حقه بخلافها ثم، فإن الإجارة تنفسخ في تلك المدة فتعوذ المنافع إلى
مالك الرقبة. (وتصح) الوصية (بحج) وعمرة (تطوع في الأظهر) بناء على الأظهر من جواز النيابة فيه لأنها عبادة تدخل
النيابة في فرضها فتدخل في نفلها كأداء الزكاة. فإن قيل: قد نقض هذا في المجموع بالصوم فإنه لا نيابة في نقله قطعا. أجيب
بأن النيابة تصح في فرض الزكاة وفرض الحج في الحياة بشرطه وبعد الممات، وهو المراد، فصحت النيابة في نفلهما. وأما
فرض الصوم فلم تصح النيابة فيه في الحياة بحال فلم تقع المشابهة بينه وبينهما فلا ينقض به ذلك. فإن قيل: ذكروا هنا في الصوم
عن المريض المأيوس وجهين من غير ترجيح، قال الرافعي: تشبيها بالحج، وقضيته الجواز فلا يصح الجواب المذكور.
أجيب بأنهم صرحوا في باب الصوم بأنه لا يصح الصوم عن حي بلا خلاف معذورا كان أو غيره، ولا يلزم من التشبيه
الاتحاد في الترجيح. قال الزركشي: ويجئ الخلاف في حج الوارث أو الأجنبي عمن مات ولم يجب عليه الحج لفقد الاستطاعة،
ومنهم من قطع بالصحة لأنه يقع عن الواجب فيها، ولهذا لو تكلف في الحياة وقع عن فرضه اه‍. والقطع أظهر والثاني: المنع،
لأن الضرورة في الفرض منتفية في التطوع. وعلى الأول تحسب من الثلث فتبطل إن عجز الثلث أو ما يخص الحج منه عن
أجرة الحج، ويرجع للوارث كما قاله القاضي حسين في باب الحج، وفرق بينه وبين ما لو أوصى بالعتق ولم يف ثلثه بجميع
ثمن الرقبة حيث يعتق بقدره على وجه بأن عتق البعض قربة كالكل والحج لا يتبعض. ثم شرع فيما يفعل عن الميت فقال:
(ويحج) بضم أوله، (من بلده أو الميقات كما قيد) عملا بوصيته، هذا إن وسعه الثلث وإلا فمن حيث أمكن، نص عليه في
عيون المسائل. (وإن) لم يقيد بل (أطلق) الحج (فمن الميقات) يحج عنه (في الأصح) حملا على أقل الدرجات. والثاني: من
بلده، لأن الغالب التجهيز للحج منه. وأجاب الأول بأن هذا ليس بغالب.
تنبيه: هذا إذا قال: حجوا عني من ثلثي، فإن قال: حجوا عني بثلثي فعل ما يمكن به ذلك من حجتين فأكثر،
فإن فضل ما لا يمكن أن يحج به كان للوارث كما مر. (وحجة الاسلام) وإن لم يوص بها تحسب على المشهور (من رأس المال)
كسائر الديون وأولى، وكذا كل واجب بأصل الشرع كالعمرة والزكاة والكفارة سواء أوصى به في الصحة أم في المرض.
وحجة النذر كحجة الاسلام على الأصح، كذا قالاه، قال ابن الرفعة: ومحله إذا التزمه في الصحة، فإن التزمه في
المرض فمن الثلث قطعا، قاله الفوراني ونقله البلقيني عن الإمام وقال: ينبغي الفتوى به. (فإن أوصى بها من رأس المال
أو) من (الثلث عمل به) وهو في الأولى تأكيد لأنه المعتبر بدونها، وفي الثانية قصد الرفق بالورثة لتوفير الثلثين فتزاحم
الوصايا، بخلاف ما لو أوصى بعتق أم الولد من الثلث فإنها تعتق من رأس المال، لأن الاستيلاد إتلاف فلم تؤثر فيه الوصية،
فإن لم يف الثلث بما ذكر لم يقدم الحج بل يوزع عليها وعلى الحج بالحصة ويكمل الواجب من رأس المال، كما لو قال
اقضوا ديني من ثلثي فلم يف الثلث به، وحينئذ تدور المسألة لتوقف معرفة ما تتم به على معرفة ثلث الباقي. وطريق
استخراجه فيما لو أوصى بحجة الاسلام من الثلث والأجرة لها مائة وأوصى لزيد بمائة والتركة ثلاثمائة أن يفرض ما يتم
به الحج شيئا يبقى ثلاثمائة إلا شيئا انزع منها ثلثها وهو مائة إلا ثلث شئ اقسمه بين الحج وزيد نصفين، فنصيب الحج
خمسون إلا سدس شئ، فيضم إلى ذلك الشئ مبلغ خمسين وخمسة أسداس تعدل مائة وذلك تمام الأجرة، فأسقط خمسين
بخمسين يبقى خمسة أسداس شئ في مقابلة خمسين، وإذا كان خمسة أسداس الشئ خمسين كان الشئ ستين، فانزع
الستين من رأس المال، ثم خذ ثلث الباقي وهو ثمانون اقسمه بين الوصيين يحصل لصاحب الوصية أربعون وللحج
67

أربعون فهي مع الستين اللاتي نزعتها من رأس المال تمام أجرة الحج. (وإن أطلق الوصية بها) أي بحجة الاسلام بأن لم يقيدها
برأس مال ولا ثلث، (فمن رأس المال) كما لو لم يوص وتحمل الوصية على التأكيد والتذكار بها. (وقيل من الثلث)
لأنه مصرف الوصايا فيحمل ذكر الوصية عليه. وقوله: (ويحج) عنه (من الميقات) لبلده مفرع على القولين لكن على
الأول جزما وعلى الثاني على الأصح، لأنه لو كان حيا لم يلزمه سواه. ولا يخرج من ماله إلا ما كان مستحقا عليه، فإن
أوصى أن يحج عنه من دويرة أهله امتثل، نعم إن أوصى بذلك من الثلث وعجز عنه فمن حيث أمكن، ولو قال: أحجوا
عني زيدا بخمسين دينارا مثلا لم يجز أن ينقص منها شئ مع خروجها من الثلث وإن وجد من يحج بدونها، فإن لم تخرج
من الثلث فمقدار أجرة حجه من الميقات من رأس المال والزائد معتبر من الثلث كسائر التبرعات، قال ابن شهبة: وينبغي
أن يتفطن لذلك فإنه يقع كثيرا. وإن لم يعين أحدا فوجد من يحج بأقل من ذلك صرف إليه ذلك القدر إذا خرج من الثلث
وكان الباقي للورثة كما أفتى به ابن عبد السلام، وقيل: يجب صرف الجميع ورجحه الأذرعي. ولو قال: أحجوا عني
زيدا بكذا ولم يعين سنة، فامتنع زيد من حج عام الوصية، هل يؤخر الحج لأجله أو يستأجر غيره في عام الوصية والحج
حجة الاسلام؟ لا نقل في ذلك، قال الأذرعي: ويظهر أنه إن كان قد تمكن من الحج في حياته وأخر تهاونا حتى مات
لا تؤخر عن عامها، لأنه مات عاصيا بالتأخير على الأصح، فيجب أن يكون الاحجاج عنه على الفور قطعا وإن لم يكن
استقر عليه في حياته ولا تمكن أخره المعين إلى اليأس من حجه عنه، لأنها كالتطوع قال: وفيه احتمال لما في التأخير من
التغرير اه‍. وهذا أظهر. ولو امتنع المعين من الحج عنه أحج غيره بأجرة المثل أو أقل إن كان الموصى به حجة الاسلام،
وإن كان تطوعا فهل تبطل الوصية؟ فيه وجهان: أصحهما لا تبطل. (وللأجنبي أن يحج) حجة الاسلام وكذا عمرته
وحجة النذر وعمرته (عن الميت) من مال نفسه وإن لم تجب عليه حجة الاسلام وعمرته قبل موته لعدم استطاعته، (بغير
إذنه في الأصح) كقضاء الدين. والثاني: لا بد من إذنه للافتقار إلى النية، وصححه المصنف في نظيره من الصوم في كتاب
الصيام. وفرق الأول بأن للصوم بدلا وهو الامداد.
تنبيه: قوله: بغير إذنه ظاهره إذن الميت قبل وفاته، وهو ظاهر إذا كان إذنه في حال جواز الاستنابة. وقال ابن الملقن
بعد قول المصنف بغير إذنه: أو بغير إذن الوارث، كذا صوراها في الروضة وأصلها. وهو صحيح أيضا فإنه إذا أذن الوارث
صح قطعا. قال الأذرعي: وحينئذ فينبغي أن يقال بغير إذن ليشمل إذنه وإذن الوارث والحاكم حيث لا وارث أو كان
الوارث الخاص طفلا ونحوه اه‍. وإذا عين الميت شخصا تعين وارثا كان أو غيره. وقوله: للأجنبي قد يفهم أن للقريب أن
يحج عنه جزما وإن لم يكن وارثا، ويؤيده ما سبق في الصوم عنه، لكن قيده في الشرح والروضة بالوارث وهو المعتمد، وفي
معنى الوارث الوصي كما قاله الدارمي والسيد. فلو كان على العبد حجة نذر ومات ولم يوص بها فوجهان، فإن جوزنا فحج
السيد عنه أو غيره بإذن السيد صح، أو بغير إذنه فوجهان حكاهما الروياني عن والده وقال إنهما مبنيان على الوجهين هنا. أما
حج التطوع فقال العراقيون: إن لم يوص به لم يصح عنه، ونقل المصنف في المجموع في كتاب الحج الاتفاق عليه مع حكايته
هنا تبعا للرافعي عن السرخسي أن للوارث الاستنابة، وأن الأجنبي لا يستقل به على الأصح. وما ذكر في كتاب الحج هو المعتمد،
وجرى عليه ابن المقري في روضه هنا، وعبارته مع الشرح: ولو حج عنه الوارث أو الأجنبي تطوعا بلا وصية لم يصح لعدم
وجوبه على الميت، وفي كلام الشارح ما يوهم اعتماد الثاني. ويجوز أن يكون أجير المتطوع عبدا أو صبيا بخلاف حجة الاسلام،
وفي النذر خلاف مبني على ما إذا يسلك به، وقد مر الكلام على ذلك في كتاب الحج. ويجوز للأجنبي أن يؤدي عن الميت زكاة
الفطر وزكاة المال على الأصح المنصوص كما قالاه في الروضة وأصلها. وهل يثاب الميت عليه؟ قال القاضي أبو الطيب: إن كان قد
امتنع بلا عذر له في التأخير لم يثب وإلا أثيب. (ويؤدي الوارث عنه) أي الميت من التركة، (الواجب المالي) كعتق وإطعام وكسوة، (
68

في كفارة مرتبة) وهي كفارة وقاع رمضان والظهار والقتل ويكون الولاء للميت في العتق. وخرج بالمال البدني كالصوم
وقد مر الكلام عليه في بابه (ويطعم ويكسو) الوارث أيضا من التركة (في) الكفارة (المخيرة) وهي كفارة اليمين ونذر اللجاج
وتحريم عين الأمة أو الزوجة والواو في ويكسو بمعنى أو. (والأصح أنه) أي الوارث (يعتق أيضا) في المخيرة كالمرتبة، لأنه
نائبه شرعا فإعتاقه كإعتاقه. والثاني: قال: لا ضرورة هنا إلى العتق.
تنبيه: أطلق المصنف التخيير هنا بين الثلاث، والواجب عليه كما قال الرافعي في كتاب الايمان أقلها قيمة. (و)
الأصح (أن له) أي الوارث (الأداء من ماله إذا لم تكن تركة) سواء العتق وغيره كقضاء الدين. والثاني: لا، لبعد العبادة
عن النيابة. والثالث: يمنع الاعتاق فقط لتعذر إثبات الولاء للميت.
تنبيه: قوله: إذا لم تكن تركة قد يفهم منه منعه عند وجود التركة، وفي كلام الرافعي ما يوافقه بحثا، فإنه قال: يشبه
أنه قال كالأجنبي، ونازعه السبكي فيه وقال: الذي يظهر جواز الأداء من ماله مع وجود تركته، قال: ثم رأيت في
البيان ما يوافقه. وقال البلقيني: ما اقتضاه مفهوم كلام الكتاب وغيره من المنع عند وجود تركة بعيد من النظر، لأن
للوارث إمساك التركة وقضاء حق الآدمي المبني على المضايقة من غيرها فحق الله تعالى أولى اه‍. وهو ظاهر. ولعل تقييد
المصنف لاثبات الخلاف لا للمنع. (و) الأصح (أنه) أي كلا من الاطعام والكسوة (يقع عنه) أي الميت، (ولو تبرع أجنبي)
هو غير الوارث عنه (بطعام أو كسوة) كقضاء دينه. والثاني: لا، لبعد العبادة عن النيابة. (لا إعتاق) تبرع به أجنبي عن الميت
فلا يقع عنه (في الأصح) لاجتماع بعد العبادة على النيابة وبعد الولاء للميت. والثاني: يقع عنه كغيره. وهذا التصحيح في
المخيرة والمرتبة أخذا من الاطلاق، ولا ينافي ذلك كما قال الشارح ما في الروضة كأصلها في كتاب الايمان
من تصحيح
الوقوع في المرتبة بناء على تعليل المنع في المخيرة بسهولة التكفير بغير إعتاق، لأنه مبني على مرجوح، فالمعتمد ما هنا وإن خالف
في ذلك الأسنوي وغيره. ولو مات وعليه دين ولا تركة فأداه الوارث من ماله وجب على المستحق القبول، بخلاف
ما إذا تبرع به أجنبي، لأن الوارث قائم مقام مورثه. ثم شرع فيما ينفع الميت فقال: (وتنفع الميت صدقة) عنه، ووقف،
وبناء مسجد، وحفر بئر ونحو ذلك، (ودعاء) له (من وارث وأجنبي) كما ينفعه ما فعله من ذلك في حياته، وللاجماع والأخبار الصحيحة
في بعضها كخبر: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح
يدعو له، وخبر سعد بن عبادة قال: يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، قال: أي الصدقة أفضل؟
قال: سقي الماء رواهما مسلم وغيره. وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي (ص)
قال: إن الله يرفع الدرجة للعبد في الجنة، فيقول يا رب أنى لي هذا؟ فيقال بإسقاء ولدك لك. وقال تعالى: * (والذين جاءوا
من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان) * أثنى عليهم بالدعاء للسابقين. وأما قوله تعالى: * (وأن
ليس للانسان إلا ما سعى) * فعام مخصوص بذلك. وقيل: منسوخ به. وكما ينتفع الميت بذلك ينتفع به المتصدق ولا ينقص
من أجر المتصدق شئ، ولهذا يستحب له أن ينوي بصدقته عن أبويه.
تنبيه: كلام المصنف قد يفهم أنه لا ينفعه ثواب غير ذلك كالصلاة عنه قضاء أو غيرها وقراءة القرآن، وهو المشهور
عندنا، ونقله المصنف في شرح مسلم والفتاوى عن الشافعي رضي الله عنه والأكثرين. واستثنى صاحب التلخيص من
الصلاة ركعتي الطواف، وقال: يأتي بهما الأجير عن المحجوج عنه تبعا للطواف، وصححاه. وقال ابن عبد السلام في بعض
فتاويه: لا يجوز أن يجعل ثواب القراءة للميت لأنه تصرف في الثواب من غير إذن الشارع. وحكى القرطبي في التذكرة
أنه رؤي في المنام بعد وفاته فسئل عن ذلك، فقال: كنت أقول ذلك في الدنيا، والآن بان لي أن ثواب القراءة يصل إلى
69

الميت. وحكى المصنف في شرح مسلم والأذكار وجها أن ثواب القراءة يصل إلى الميت كمذهب الأئمة الثلاثة، واختاره
جماعة من الأصحاب، منهم ابن الصلاح والمحب الطبري وابن أبي الدم وصاحب الذخائر وابن أبي عصرون، وعليه
عمل الناس، وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن. وقال السبكي: والذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن
إذا قصد به نفع الميت وتخفيف ما هو فيه نفعه، إذ ثبت أن الفاتحة لما قصد بها القارئ نفع الملدوغ نفعته، وأقره
النبي (ص) بقوله: وما يدريك أنها رقية؟ وإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى اه‍. وقد جوز
القاضي حسين الاستئجار على قراءة القرآن عند الميت، وقال ابن الصلاح: وينبغي أن يقول اللهم أوصل ثواب ما قرأنا
لفلان فيجعله دعاءه، ولا يختلف في ذلك القريب والبعيد. وينبغي الجزم بنفع هذا لأنه إذا نفع الدعاء وجاز بما ليس
للداعي فلان يجوز بماله أولى، وهذا لا يختص بالقراءة بل يجري في سائر الأعمال. وكان الشيخ برهان الدين
الفزاري ينكر قولهم: اللهم أوصل ثواب ما تلوته إلى فلان خاصة وإلى المسلمين عامة. لأن ما اختص بشخص لا يتصور
التعميم فيه، كما لو قال: خصصتك بهذه الدراهم لا يصح أن يقول: وهي عامة للمسلمين قال الزركشي: والظاهر خلاف ما قاله،
فإن الثواب قد يتفاوت، فأعلاه ما خص زيدا وأدناه ما كان عاما، والله تعالى يتصرف فيما يعطيه من الثواب بما يشاء. وقد
أشار الروياني في أول الحلية إلى هذا، فقال: صلاة الله تعالى على نبينا محمد (ص) خاصة وعلى النبيين
عامة اه‍. وأما ثواب القراءة إلى سيدنا رسول الله (ص) فمنع الشيخ تاج الدين الفزاري منه وعلله بأنه
لا يتجرأ على الجناب الرفيع إلا بما أذن فيه ولم يؤذن إلا في الصلاة عليه (ص) وسؤال الوسيلة، قال
الزركشي: ولهذا اختلفوا في جواز الدعاء له بالرحمة وإن كانت بمعنى الصلاة لما في الصلاة من معنى التعظيم بخلاف الرحمة
المجردة. وجوزه بعضهم، واختاره السبكي واحتج بأن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يعتمر عن النبي (ص)
عمرا بعد موته من غير وصية. وحكى الغزالي في الاحياء عن علي بن الموفق - وكان من طبقة الجنيد - أنه حج عن النبي
(ص) حججا، وعدها الفقاعي ستين حجة. وعن محمد بن إسحاق السراج النيسابوري أنه ختم عن النبي
(ص) أكثر من عشرة آلاف ختمة وضحى عنه مثل ذلك اه‍. ولكن هؤلاء أئمة مجتهدون، فإن مذهب الشافعي أن التضحية
عن الغير بغير إذنه لا تجوز كما صرح به المصنف في باب الأضحية، وعبارته هناك: ولا تضحية عن الغير بغير إذنه، ولا
عن الميت إذا لم يوص بها. واعلم أنه قد تقدم أن المصنف أسقط القسم الثالث من أقسام الوصية وهو ما يتعلق بالحساب،
ولا بأس بذكر طرق منه، فنقول: لو أوصى لزيد بمثل نصيب ابنه الحائز وأجاز الوصية أعطي النصف لاقتضائها أن
يكون لكل منهما نصيب، وأن يكون النصيبان مثلين، وإن ردت الوصية ردت إلى الثلث. وإن أوصى له بنصيب كنصيب
أحد أبنائه وله ابنان، فهو كابن آخر معهم، فلو كانوا ثلاثة كانت الوصية بالربع، وهكذا. وضابطه أن تصحح الفريضة
بدون الوصية. وتزيد فيها مثل نصيب الموصي بمثل نصيبه، فإن كان له بنت وأوصى بمثل نصيبها فالوصية بالثلث،
فإن الفريضة من اثنين لو لم تكن وصية، فيزاد عليهما سهم للموصى له. أو كان له بنتان فأوصى بمثل نصيب إحداهما
فالوصية بالربع، لأن الفريضة كانت من ثلاثة لولا الوصية لكل واحدة منهما سهم فتزيد للموصى له سهما تبلغ
أربعة.
وإن أوصى بمثل نصيب بنت وله ثلاث بنات، فالوصية بسهمين من أحد عشر لأنها من تسعة لولا الوصية فتزيدهما على
التسعة تبلغ أحد عشر. ولو أوصى بمثل نصيب ابنه ولا ابن له وارث بطلت وصيته إذ لا نصيب للابن، بخلاف ما لو أوصى
بمثل نصيب ابن ولا ابن له تصح الوصية كما في الكافي، وكأنه قال بمثل نصيب ابن لي لو كان. ولو أوصى وله
ثلاثة بنين بمثل نصيب بنت لو كانت فالوصية بالثمن لأنها من سبعة، لولا الوصية، ونصيب البنت منها سهم فتزيد
على السبعة واحدا تبلغ ثمانية. وإن أوصى لزيد بمثل نصيب أحد أولاده أو ورثته أعطي كأقلهم نصيبا لأنه المتيقن،
فزد على مسألتهم لولا الوصية مثل سهم أقلهم، فلو كان له ابن وبنت فالوصية بالربع فيقسم المال كما يقسم بين ابن
وبنتين. ولو أوصى بنصيب من ماله أو بجزء أو حظ أو قسط أو بشئ قليل أو كثير أو عظيم أو سهم أو نحو ذلك رجع
إلى الوارث في تفسيره، ويقبل تفسيره بأقل متمول كما في الاقرار، فإن ادعى الموصى له زيادة حلف الوارث أنه لا يعلم
إرادتها. ولو أوصى بالثلث إلا شيئا قبل تفسيره بأقل متمول وحمل الشئ المستثنى على الأكثر ليقع التفسير بالأقل. وإن قال:
70

أعطوه من واحد إلى عشرة أو واحدا في عشرة فكما في الاقرار، أو: أعطوه أكثر مالي أو معظمه أو عاملته فالوصية بما
فوق النصف لأن اللفظ ظاهر فيه. وإن قال: أعطوه زهاء ألف بضم الزاي والمد فيما فوق نصفه، فإن قيل: معنى زهاء
ألف لغة قدره فينبغي أن يلزمه ألف، أجيب بأن معناه قدره تقريبا لا تحديدا، من زهوته بكذا أي حرزته، حكاه الصغاني،
قلبت الواو همزة لتطرفها إثر ألف زائدة كما في كساء. أو: أعطوه دراهم أو دنانير حمل على ثلاثة، لأنها أقل الجمع من غالب
البلد، فإن لم يكن غالب نقد فسره الوارث. وفي هذا الدر كفاية لأولي الألباب، فإن الحساب فن طويل ولذا جعلوه
علما برأسه وأفردوه بالتصنيف فالحوالة على مصنفاته.
فصل: في الرجوع عن الوصية: (له) أي الموصي (الرجوع عن الوصية) أي عن التبرع المتعلق بالموت بالاجماع كما
حكاه الأستاذ أبو منصور، ولأنه عطية لم يزل عنها ملك معطيها فأشبعت الهبة قبل القبض. (وعن بعضها) كمن أوصى بشئ
ثم رجع عن بعضه، لما روى البيهقي عن عمر رضي الله تعالى عنه. يغير الرجل من وصيته ما شاء أما المنجز في المرض فلا يجوز
الرجوع عنه وإن كان يعتبر من الثلث إلا فيما لفرعه كالهبة. ويحصل الرجوع بالقول بأمور، منها ما أشار إليه المصنف
(بقوله) أي الموصي: (نقصت الوصية أو أبطلتها) أو رفعتها أو رددتها (أو رجعت فيها أو فسختها) أو
أزلتها، ونحو ذلك
من الصرائح، وكذا لو قال: هو حرام على الموصى له على المذهب. (أو هذا لوارثي) بعد موتي، مشيرا إلى الموصى به، أو: هو
ميراث عني، لأنه لا يكون لوارثه إلا إذا انقطع تعلق الموصى له عنه. فإن قيل: يجوز أن يقال ببطلان نصف الوصية
حملا على التشريك بين الوارث والموصى له كما سيأتي فيما لو أوصى بشئ لزيد ثم أوصى به لعمرو أن الوصية الثانية
تشريك. أجيب بأنها إنما كانت تشريكا ثم لمشاركتها الأولى في التبرع بخلاف ما هنا المعتضد بقوة الإرث الثابت قهرا، وبان
قوله: هذا لوارثي مفهوم صفة أي لا لغيره، وأما قوله: هو لعمرو بعد قوله: هو لزيد فمفهوم لقب، والصحيح أنه
ليس بحجة، فلذلك قيل فيه بالتشريك دون تلك. ولو قال: هو تركتي لم يكن رجوعا لأن الوصية من التركة. ولو سئل
عن الوصية فأنكرها، قال الرافعي: فهو على ما مر في جحد الوكالة، أي فيفرق فيه بين أن يكون لغرض فلا يكون رجوعا،
أو لا لغرض فيكون رجوعا، وهذا هو المعتمد ووقع في أصل الروضة هنا أنه رجوع، وفي التدبير أنه ليس برجوع،
ويمكن حمل ذلك على ما مر. (و) يحصل الرجوع أيضا عن الوصية لا بصيغة رجوع بل يتصرف الموصي فيها (ببيع) وإن
حصل بعده فسخ ولو بخيار المجلس، (و) نحو (إعتاق إصداق) من التصرفات الناجزة اللازمة في الحياة بالاجماع كما نقله
ابن المنذر، لأنه يدل على الاعراض عن الوصية وتنفذ هذه التصرفات ولا تعود الوصية لو عاد الملك. قال الزركشي: ولا
يجئ فيه الخلاف في نظيره من الفلس والهبة للولد، لأن للبائع والوالد حقا ليس للمشتري والوالد إبطاله، وأما الموصي فله
إبطال الوصية. (وكذا هبة أو رهن مع قبض) في كل منهما رجوع جزما لزوال الملك في الأولى وتعريضه للبيع في الثانية،
ولكن في الرهن وجه أنه ليس برجوع لأنه لا يزيل الملك. (وكذا دونه) أي يكون ذلك رجوعا من غير قبض فيهما (في
الأصح) لأنه عرضة لزوال الملك، وذلك يدل على الاعراض عن الوصية. والثاني: لا، لبقاء ملكه.
تنبيه: ما ذكر في الهبة محله في الصحيحة، وأما الفاسدة فحكى الماوردي فيها ثلاثة أوجه، ثالثها: إن اتصل
بها القبض كانت رجوعا وإلا فلا. قال في الكفاية: وكلامه يفهم طردهما في الرهن الفاسد. والأوجه كما قال شيخنا
أنه رجوع فيهما مطلقا كالعرض على ما يأتي بل أولى. (و) يحصل الرجوع أيضا (بوصية بهذه التصرفات) فيما أوصى
به: كبيع وهبة وما عطف عليهما لاشعاره بالرجوع. (وكذا توكيله في بيعه) أي الموصى به، (وعرضه عليه) أو على
الرهن أو الهبة يكون رجوعا (في الأصح) لأنه توسل إلى أمر يحصل به الرجوع. والثاني: يكون رجوعا في النصف فقط كما
71

صرح به في الروضة بالنسبة للوصية والتوكيل لا مطلقا كما يوهمه. إطلاق المتن في الجميع والروضة في العرض. ولو أجر الموصى
به أو أعاره أو استخدمه أو ركب المركوب أو لبس الثوب أو أذن للرقيق في التجارة أو كانت جارية فزوجها أو وطئها
وإن أنزل أو علمها صنعة أو عبدا فزوجه أو علمه صنعة أو سئل عن الوصية فقال لا أدري، لم يمكن رجوعا، لأن هذا لا ينافي
الوصية بل هي إما انتفاع وله المنفعة والرقبة قبل موته، وإما استصلاح قصد به إفادة الموصى له.
تنبيه: هذا كله في وصية بمعين، فإن أوصى بثلث ماله ثم هلك أو تصرف في جميعه ببيع أو غيره لم يمكن رجوعا،
لأن الثلث مطلق لا يختص بما ملكه وقت الوصية، بل العبرة بما ملكه عند الموت زاد أو نقص أو تبدل كما جزم به في
الروضة وأصلها وغيرهما. (وخلط حنطة معينة) وصى بها بحنطة أخرى (رجوع) سواء أخلطها بمثلها أم بغيره لتعذر التسليم
بما أحدثه في العين.
تنبيه: المراد بالخلط ما لا يمكن تمييزه، فإن أمكن فلا رجوع كما صرح به في الكفاية وتعليلهم. مصرح به، وكان
الأولى أن يقول كالروضة: وخلطه: أي الموصي، لأنها لو اختلطت بنفسها أو خلطها غيره بغير إذنه لم يؤثر، ولو كان الموصى
به صاعا مثلا من الحنطة بغير تعيين فحكمه مذكور في قوله: (ولو وصى بصاع من صبرة) معينة (فخلطها) الموصي (بأجود
منها فرجوع) لأنه أحدث بالخلط زيادة لم يرض بتسليمها ولا يمكن بدونها. واحترز بخلطها عما لو اختلطت بنفسها أو
خلطها أجنبي بغير إذنه فإنه لا يؤثر (أو بمثلها فلا) لأنه لم يحدث تغييرا (وكذا) لو خلطها (لأردأ) منها (في الأصح) لأنه
كالتعييب. والثاني: رجوع، لأنه غيره فأشبه الخلط بالأجود. فإن أوصى بصاع من حنطة ولم يصفها ولم يعين الصاع فلا
أثر للخلط ويعطيه الوارث ما شاء من حنطة التركة. فإن قال: من مالي حصله الوارث فإن وصفها وقال: من حنطتي
الفلانية فالوصف مرعي، فإن بطل بخلطه بطلت الوصية. (وطحن حنطة وصى بها وبذرها) بمعجمة بخطه، أي حنطة
وصى بها، وكذا يقدر في بقية المعطوفات. (وعجن دقيق) وخبز عجين وذبح شاة وإحضان بيض لنحو دجاج لينفرخ، ودبغ
جلد وطبخ لحم، (وغزل قطن ونسج غزل وقطع ثوب قميصا) وصبغه أو قصارته وجعل الخشب بابا، (وبناء وغراس في
عرصة رجوع) عن الوصية لمعنيين: أحدهما زوال الاسم قبل استحقاق الموصى له فكان كالتلف. والثاني: الاشعار
بالاعراض عن الوصية. ويعزى الأول منهما إلى النص، والثاني إلى أبي إسحاق، وعليهما ينبني ما لو حصل ذلك بغير إذنه،
فقياس الأول أنه رجوع وقياس الثاني المنع. هذا والأوجه كما قال شيخنا أن كلا منهما تعليل مستقل، فإن
الأصحاب
يعللون بكل منهما، فلو طبخ الوصي اللحم أو شواه أو جعله وهو لا يفسد قديدا أو جعل الخبز فتيتا أو حشا القطن فراشا
أو جبة كان رجوعا لاشعار ذلك بالصرف عن الوصية، ولان القديد لا يسمى لحما على الاطلاق وإنما يسمى لحم
قديد، بخلاف ما لو جفف رطبا أو قدد لحما قد يفسد فإنه ليس برجوع، لأن ذلك صون للرطب واللحم عن الفساد فلا
يشعر بتغير القصد. فإن قيل: خبز العجين للصون عن الفساد أيضا مع أنه رجوع أجيب بأن فيه مع صونه تهيئته للاكل
بخلاف ما هنا. وقيل إن ذلك رجوع لزوال الاسم. وبخلاف ما لو خاط الثوب وهو مقطوع حين الوصية أو غسله أو
نقل الموصى به إلى مكان آخر ولو بعيدا عن محل الوصية، فلا يكون ذلك رجوعا، إذ لا إشعار لكل منها بالرجوع. وخرج
ببناء وغراس الزرع في العرصة فلا يكون رجوعا كلبس الثوب. نعم إن كان المزروع مما تبقى أصوله فالأقرب
كما قال الأذرعي إلى كلامهم في بيع الأصول والثمار أنه كالغراس لأنه يراد للدوام. ولو عمر بستانا أو أوصى به لم يكن
رجوعا إلا إن غير اسمه كأن جعله خانا، أو لم يغيره لكن أحدث فيه بابا من عنده فيكون رجوعا. وهدم الدار المبطل
لاسمها رجوع في النقض من طوب وخشب، وفي العرصة أيضا، لظهور ذلك في الصرف عن جهة الوصية. وانهدامها ولو
بهدم غير يبطلها في النقض لبطلان الاسم لا في العرصة والآس إن بقي لبقائهما بحالهما، هذا إن بطل الاسم وإلا بطل
72

في نقض المنهدم منها فقط كما نقله ابن الرفعة عن النص وقطع به الجمهور، ولا أثر لانهدامها بعد الموت وقبل القبول وإن زال
اسمها بذلك لاستقرار الوصية بموت وبقاء اسم الدار يومئذ.
فروع: لو أوصى بمنفعة رقيق مثلا سنة ثم أجره سنة ومات عقب الإجارة بطلت وصيته، لأن المستحق للموصى له
السنة الأولى، فإذا انصرفت إلى جهة أخرى بطلت الوصية، أو مات بعد ستة أشهر بطلت في النص الأول. ولو حبس
الرقيق الوارث السنة بلا عذر غرم للموصى له الأجرة، ولا أثر لانقضاء مدة الإجارة قبل موته. ولو أوصى بخدمة عبد
لشخص سنة غير معينة صح ذلك ويعين الوارث ذلك. قال الأذرعي: ويشبه أن يقال يحمل الاطلاق على سنة متصلة
بموته لا سيما إذا كان الموصى له مضطرا إلى من يخدمه لمرض أو زمانة وعلم الموصي حاله وقصد إعانته، وأما إحالة الامر
على تعيين الوارث فليس بالواضح، قال: لكن يشهد له قول القاضي: لو أوصى بثمرة هذا البستان سنة ولم يعينها فتعيينها
إلى الوارث اه‍. وقد يدل للبحث المسألة الأولى، فإن الوصية حملت فيها على السنة الأولى، وقد يفرق بأن
الوصية بالمنافع
تقتضي تمليكه بجميع منافعه فكان المناسب لذلك الحمل على السنة الأولى، وهناك خصه بنوع منها وهو الخدمة، فجعلت
الخيرة في زمنه للوارث، ولو أوصى لزيد بمائة معينة ثم بمائة أخرى معينة استحقهما، وإن أطلقهما أو إحداهما فمائة
لأنها المتيقنة المنفعة. ولو أوصى له بمائة ثم بخمسين فخمسون فقط، لأنه ربما قصد تقليل حقه فيؤخذ باليقين. وإن
أوصى له بخمسين ثم بمائة فمائة لأنها المتيقنة، فلو وجدنا الوصيتين ولم نعلم المتأخرة منهما أعطي المتيقن وهو خمسون
لاحتمال تأخر الوصية بها. ولو أوصى لزيد بمائة ولعمرو بمائة ثم قال لآخر: أشركتك معهما أعطي نصف ما بيدهما، ولو أوصى
بعين لزيد ثم أوصى بها لعمرو لم يكن رجوعا عن وصيته، لاحتمال إرادة التشريك فيشرك بينهما، كما لو قال دفعة واحدة: أوصيت
بها لكما. لكن لو رد أحدهما الوصية في الأولى كان الكل للآخذ، بخلافه في الثانية فإنه يكون له النصف فقط لأنه
الذي أوجبه الموصي صريحا بخلافه في الأولى. ولو أوصى بعين لزيد ثم بنصفها لعمرو وقبلا اقتسماها أثلاثا ثلثاها
للأول وثلثها للثاني، فإن رد الأول فنصفها للثاني، أو الثاني فكلها للأول، كذا قالاه. قال في المهمات: وهو غلط، بل
الصواب أن يقال للأول ثلاثة أرباعه وللثاني الربع إذ النصف للأول، وقد شركه مع الثاني في النصف الآخر. واعترضه
البلقيني بأن الطريقة التي أشار إليها طريقة ضعيفة والصواب المعتمد المنقول في المذهب ما ذكراه عملا بطريقة العول التي
نص عليها الشافعي في الأم واختارها ابن الحداد، وتقريرها أن يقال: معنا مال ونصف مال فنضيف النصف على الكل
فتكون الجملة ثلاثة تقسم على النسبة فيكون لصاحب المال ثلثاه ولصاحب النصف الثلث. وإن أوصى بعبد لزيد ثم أوصى
بعتقه أو أوصى بعتقه ثم أوصى به لزيد كان رجوعا عن الوصية الأولى في أحد وجهين مقتضى كلام أصل الروضة ترجيحه،
لأن الثانية ليست من جنس الأولى، وبهذا فارق ما لو أوصى بعين لزيد ثم أوصى بها لعمرو. ولو قال: أوصيت لزيد بثلث
مالي مثلا إلا ثلث مالي كان استثناء مستغرقا، وهل يلغو الاستثناء كما في الطلاق والاقرار ونحوهما أو يكون رجوعا عن
الوصية كما يؤخذ من قول ابن الرفعة في الاستثناء المستغرق في الاقرار: أن قوله له علي عشرة إلا عشرة بمنزلة قوله له علي
عشرة ماله علي شئ اه‍. فكأنه قال في الوصية: أوصيت له بكذا ما أوصيت له بشئ وهذا رجوع، وظاهر كلام الشيخين
كأكثر الأصحاب الأول، وصرح المارديني بتصحيح الثاني وبرهن عليه بأشياء كثيرة في كشف الغوامض وشرحه،
وهذا هو الذي يظهر.
فصل: في الوصاية كما عبر بها في المحرر والروضة، وعدل المصنف عنها إلى التعبير بالايصاء، لأن المبتدئ قد
لا يفهم الفرق بين الوصية والوصاية الذي اصطلح عليه الفقهاء من تخصيصهم الوصية بكذا والوصاية بكذا كما قدمته أول
الباب، فقال: (يسن الايصاء بقضاء) الحقوق من (الدين) ورد الودائع والعواري وغيرها، (و) في (تنفيذ الوصايا)
إن كانت، (و) في (النظر في أمر الأطفال) ونحوهم كالمجانين ومن بلغ سفيها بالاجماع واتباعا للسلف وإن كان القياس
منعه لانقطاع سلطنة الموصي وولايته بالموت، لكن قام الدليل على جوازه، فروى سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة
73

قال: أوصى إلى الزبير سبعة من الصحابة منهم عثمان والمقداد وعبد الرحمن بن عوف، فكان يحفظ أموالهم وينفق
عليهم من ماله، ولم يعرف لهم مخالف. وروى البيهقي بإسناد حسن أن ابن مسعود قد أوصى فكتب: وصيتي إلى الله
تعالى وإلى الزبير وابنه عبد الله، بل قال الأذرعي: يظهر أنه يجب على الآباء الوصية في أمر الأطفال إذا لم يكن لهم جد
أهل للولاية إلى ثقة كاف وجيه إذا وجده وغلب على ظنه أنه إن ترك الوصية استولى على ماله خائن من قاض أو غيره
من الظلمة، إذ قد يجب عليه حفظ مال ولده عن الضياع. قال: ويصح الايصاء على الحمل كما اقتضاه كلام الروياني
وغيره. والمراد كما قال شيخنا الحمل الموجود حالة الايصاء. ويجب الايصاء في رد مظالم وقضاء حقوق عجز عنها في
الحال ولم يكن بها شهود كما مر مع زيادة أول هذا الكتاب مسارعة لبراءة ذمته، فإن لم يوص أحدا بها فأمرها إلى القاضي
ينصب من يقوم بها. وقد تقدم الكلام في الجنائز على ما إذا أوصى لشخص أن يصلي عليه أو أن يقرأ على قبره كذا هل
يصح أو لا؟ وأركان الوصاية أربعة: وصي، وموصى، وموصى فيه، وصيغة. وقد شرع في بيان شرط الأول فقال:
(وشرط الوصي) أي الموصى إليه (تكليف) أي بلوغ وعقل، لأن غيره مولى عليه فكيف يلي أمر غيره والوصي كما
في الصحاح من أسماء الأضداد يطلق على الذي يوصي، وعلى من يوصى إليه وهو المراد هنا كما مر. (وحرية) لأن الرقيق
لا يتصرف في مال أبيه، فلا يصلح وصيا لغيره وإن أذن له سيده كالمجنون، ولان ذلك يستدعي فراغا وهو مشغول بخدمة
سيده، وشمل ذلك القن والمبعض والمكاتب والمدبر. قال ابن الرفعة: ومن هذه المسألة يفهم منع الايصاء لمن أجر نفسه
في عمل مدة لا يمكنه فيها التصرف بالوصاية، وفي مدبره وأم ولده خلاف مبني على أن صفات الوصي متى تعتبر، والأصح
عند الموت كما سيأتي فتصح إليهما. (وعدالة) فلا تجوز إلى فاسق بالاجماع لأنها ولاية وائتمان، وتكفي العدالة الظاهرة
كما قال الهروي في أدب القضاء. (وهداية إلى التصرف في الموصى به) فلا يصح إلى من لا يهتدي إليه لسفه أو مرض أو هرم
أو تغفل، إذ لا مصلحة في تولية من هذا حاله. (وإسلام) فلا يصح الايصاء من مسلم إلى ذمي إذ لا ولاية لكافر على مسلم،
ولتهمته، قال تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * وقال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم) *
الآية. (لكن الأصح جواز وصية ذمي إلى ذمي) فيما يتعلق بأولاد الكفار بشرط كونه عدلا في دينه كما يجوز أن يكون وليا
لهم. والثاني: المنع كشهادته.
تنبيه: تصح وصاية الذمي إلى المسلم اتفاقا كما تصح شهادته عليه وقد ثبتت له الولاية عليه، فإن الإمام يلي تزويج
الذميات. ويشترط في الوصي الاختيار وعدم الجهالة والعداوة البينة للمولى عليه، واستنبط الأسنوي من ذلك كون الوصي
الذمي من ملة الموصى عليه حتى لا تصح وصية النصراني إلى اليهودي أو المجوسي وبالعكس للعداوة، ورده الأذرعي بأنه
لو صح ذلك لما جازت وصية ذمي إلى مسلم، وقد يرد كما قال شيخنا كل منهما بأن المعتبر العداوة الدنيوية لا الدينية، قال
الأسنوي: ولو أوصى ذمي إلى مسلم وجعل له أن يوصي فالمتجه جواز إيصائه إلى ذمي، واستعبده الأذرعي، واعترضه ابن
العماد بأن الوصي يلزمه النظر بالمصلحة الراجحة والتفويض إلى المسلم أرجح في نظر الشرع من الذمي اه‍. وهذا هو الظاهر.
قال بعض المتأخرين: وظاهر أنه لو كان لمسلم ولد بالغ سفيه ذمي فله أن يوصي عليه ذميا، وهذا بحث مردود كما يعلم مما مر،
وكالذمي فيما ذكر المعاهد والمستأمن.
مسألة: سئل عنها ابن الصلاح، وهي أموال أيتام أهل الذمة إذا كانت بأيديهم هل على الحاكم الكشف
عليهم؟ فأجاب بالمنع ما لم يترافعوا إلينا ولم يتعلق بها حق مسلم، وبه جزم الماوردي والروياني. وتعتبر هذه الشروط
عند الموت لا عند الايصاء ولا بينهما، لأنه وقت التسلط على القبول، حتى لو أوصى إلى من خلا عن الشروط أو بعضها
كصبي ورقيق ثم استكملها عند الموت صح. (ولا يضر) في الوصي (العمى في الأصح) لأنه متمكن من التوكيل فيما
لا يتمكن من مباشرته. والثاني: يضر، لأنه ممتنع من المباشرة بنفسه، وهما كالوجهين في ولاية النكاح. قال الأذرعي:
74

والأقرب أنه لا تجوز الوصية لأخرس وإن فهمت إشارته. قال ابن شهبة: وفيه نظر. وهذا النظر هو الظاهر. (ولا تشترط
الذكورة) بالاجماع كما حكاه ابن المنذر. وقد أوصى سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه إلى ابنته حفصة رضي الله تعالى عنها،
رواه أبو داود. (وأم الأطفال أولى من غيرها) من النساء عند اجتماع الشروط السابقة، لوفور شفقتها، وخروجا من خلاف
الإصطخري فإنه يرى أنها تلي بعد الأب والجد. وكذا أولى من الرجال أيضا لما ذكر إذا كان فيها ما فيهم من الكفاية
والاسترباح ونحوهما وإلا فلا. قال الأذرعي: وكم من محب مشفق لا يقدر على تحصيل الأرباح والمصالح التامة لمن يلي
أمره. وللقاضي أن يفوض أمر الأطفال إذا لم يكن وصي إلى امرأة فتكون قيمة، فإن كانت أم الأطفال فذاك أولى، قاله
الغزالي في البسيط. (وينعزل الوصي) وقيم القاضي والأب والجد بعد الولاية (بالفسق) بتعد في المال أو بسبب آخر، لزوال
الشرط فلا يحتاج لعزل حاكم.
تنبيه: أفهم كلامه أن الوصي لا ينعزل باختلال كفايته، وهو كذلك، لكن يضم القاضي إليه معينا، بل أفتى السبكي
بأنه يجوز للقاضي أن يضم إلى الوصي غيره بمجرد الريبة من غير ثبوت خلل، قال: ولم أره منقولا. وكلام الأصحاب
يقتضي المنع، وفساد الزمان يقتضي الجواز * (والله يعلم المفسد من المصلح) * اه‍. والأوجه ما بحثه الأذرعي من أنه إن قويت
الريبة بقرائن ظاهرة ضم، وإلا فلا. وإن ضعف منصوب القاضي عزله، (وكذا) ينعزل (القاضي) بالفسق (في الأصح)
لزوال الأهلية. والثاني: كالإمام. وهذه المسألة ذكرها المصنف في القضاء وفرضها في عدم نفوذ حكمه لا في انعزاله،
وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى مستوفى في كتاب القضاء (لا الإمام الأعظم) فلا ينعزل بالفسق لتعلق المصالح الكلية
بولايته. وحكى القاضي عياض فيه الاجماع. ولحديث: صلوا خلف كل بر وفاجر. وقيل: ينعزل، وصوبه في المطلب،
واقتضى كلامه تفرد الرافعي بترجيح عدم الانعزال.
تنبيه: بالتوبة من الفسق تعود ولاية الأب والجد لا ولاية غيرهما، لأن ولايتهما شرعية وولاية غيرهما مستفادة من
التفويض، فإذا ارتفعت لم تعد إلا بولاية جديدة. والجنون والاغماء كالفسق في الانعزال به، فلو أفاق غير الأصيل والإمام
الأعظم لم تعد ولايته، لأنه يلي بالتفويض كالوكيل، بخلاف الأصيل تعود ولايته وإن انعزل لأنه بلا تفويض،
وبخلاف الإمام الأعظم كذلك للمصلحة الكلية. فإن أفاق الإمام وقد ولي آخر بدله نفذت توليته إن لم يخف فتنة وإلا
فلا فيولى الأول، قال الإمام: ولا شك أنه ينعزل بالردة ولا تعود إمامته. ثم شرع في بيان الركن الثاني وهو الموصى فقال:
(ويصح الايصاء في قضاء الدين. وتنفذ الوصية من كل حر مكلف) مختار. قال ابن الرفعة: كذا في أكثر النسخ تنفيذ
بتحتانية بين الفاء والذال كما في المحرر والروضة وأصلها، وفي خط المصنف تنفذ بلا تحتانية مضموم الفاء والذال بعد دائرة،
أي وهو معطوف على يصح، ويتعلق بهما قوله: من إلخ، فصار كلامه حينئذ مشتملا على مسألتين: إحداهما صحة الوصية
بقضاء الدين، والأخرى: نفوذ الوصية من الحر المكلف. ويلزم على هذا كما قاله ابن شهبة محذورات، إحداها: التكرار، فإن
الوصية بقضاء الدين تقدم أول الفصل أنها سنة فلا فائدة للحكم ثانيا بصحتها. ثانيها: صيرورة الكلام في الثانية غير مرتبط،
فإنه لم يذكر في أي شئ تنفذ. ثالثها: مخالفة أصله، أي من غير فائدة.
تنبيه: كان ينبغي للمصنف استثناء السكران من التكليف على رأيه، فإنه غير مكلف عنده، ويصح إيصاؤه.
وكلامه تبعا للرافعي يفهم أن السفيه إذا صححنا وصيته بالمال وهو الأصح أن له تعيين شخص لتنفيذها. قال السبكي:
ولم أر فيه إلا ما اقتضاه هذا الكلام وهو محتمل، ومنعه أيضا محتمل فيليه الحاكم أو وليه اه‍. ويقوي الاحتمال
الثاني قول ابن الرفعة: ينبغي إضافة الرشد إلى الشرطين المذكورين، وقول الأذرعي الظاهر أنه لا يصح أيضا
75

الفاسق فيما تركه لولده من المال فإنه مسلوب الولاية على المذهب. (ويشترط) في الموصى (في أمر الأطفال) والمجانين، وكذا
السفهاء الذين بلغوا كذلك (مع هذا) السابق من حرية وتكليف (أن يكون له) أي الموصى (ولاية) مبتدأة من الشرع (عليهم)
أي من ذكر لا بتقويض، فتثبت الوصاية للأب والجد وإن علا، ويخرج الأخ والعم والوصي والقيم، وكذا الأب والجد
إذا نصبهما الحاكم في مال من طرأ سفهه، لأن وليه الحاكم دونهما في الأصح، وتخرج الأم أيضا على المذهب. (وليس
لوصي) في وصية مطلقة بأن لم يؤذن فيها للوصي أن يوصي (إيصاء) إلى غيره، إذ الولي لم يرض بتصرف الثاني، وقياسا
على الوكيل. (فإن أذن له) بالبناء للمفعول بخطه، (فيه) أي الايصاء عن نفسه، أو عن الموصى، أو مطلقا، (جاز في الأظهر)
لكنه في الثالثة إنما يوصي عن الموصي كما اقتضاه كلام القاضي أبي الطيب وابن الصباغ وغيرهما، فإذا قال له: أوص بتركتي
فلانا أو من شئت فأوصى بها صح، لأن للأب أن يوصي له فله أن يستنيب في الوصايا كما في الوكالة. ولو لم يضف التركة
إلى نفسه بأن قال: أوص من شئت فأوصى شخصا لم يصح الايصاء، ومقابل الأظهر لا يجوز له أن يوصي ببطلان إذنه
بالموت.
تنبيه: لو قال لوصيه: أوصيت إلى من أوصيت إليه إن مت أنت أو إذا مت أنت فوصيك وصي لم يصح، لأن
الموصى إليه مجهول، وإذا عين له الوصي ومات من غير إيصاء كان للحاكم أن ينصب غيره في أحد وجهين رجحه بعض
المتأخرين. (ولو قال: أوصيت إليك إلى بلوغ ابني) فلان (أو) إلى (قدوم زيد) مثلا، (فإذا بلغ) ابني (أو قدم) زيد (فهو
الوصي جاز) هذا الايصاء، واغتفر فيه التأقيت في قوله: إلى بلوغ ابني أو قدوم زيد، والتعليق في قوله: فإذا بلغ أو
قدم فهو الوصي. ولو أخرج هذه المسألة وذكرها بعد قوله: ويجوز فيه التوقيت والتعليق كان أنسب فإنها مثال
لهما. قال
الأذرعي: فلو قدم زيد وهو غير أهل فهل تبقى ولاية الوصي ويكون المراد إن قدم أهلا لذلك أو لا وتكون ولايته
مغياة بذلك فتنتقل إلى الحاكم؟ لم أر فيه شيئا، ويحتمل أن يفرق بين الجاهل بالوصية إلى غير المتأهل لها وغيره اه‍. والظاهر
كما قال شيخنا أنها مغياة بذلك. وللأب الوصية إلى غير الجد في حياته، وهو بصفة الولاية، ويكون أولى من الجد إلا
في أمر الأطفال ونحوهم كما قال: (ولا يجوز) للأب على الصحيح (نصب وصي) على الأطفال ونحوهم (والجدحي)
حاضر (بصفة الولاية) عليهم، لأن ولايته ثابتة شرعا فليس له نقل الولاية عنه كولاية التزويج. أما إذا كان الجد غائبا
فقال الزركشي: ولو أراد الأب الايصاء بالتصرف عليهم إلى حضوره، فقياس ما قالوه في تعليق الوصية على البلوغ الجواز،
ويحتمل المنع لأن الغيبة لا تمنع حق الولاية اه‍. وهذا كما قال شيخي هو الظاهر. قال البلقيني: ولو أوصى إلى أجنبي مع
وجود الجد بصفة الولاية ثم مات الجد أو فسق أو جن عند الموت صح. قال الزركشي: ولو أوصى إلى غير الجد لكونه
ليس بصفة الولاية ثم تأهل عند موت ولده، فالظاهر انعزال الوصي اه‍. وما قالاه ظاهر لأن الاعتبار بوجود ذلك عند
الموت كما مر. قال القاضي أبو الفرج: لو استلحق الخنثى غيره ولم يصرح ببنوة الظهر ولا البطن لحقه. فإذا حدث للولد
أولاد فأوصى عليهم أجنبيا مع وجود والده المستلحق صحت وصيته وجها واحدا اه‍. أي لأنه لم يتحقق أنه أبوه.
تنبيه: إذا لم يوص الأب أحد فالجد أولى من الحاكم بقضاء الديون وأمر الأولاد ونحوهما، إلا في تنفيذ الوصايا
فالحاكم أولى كما قاله البغوي، وجرى عليه ابن المقري. ثم شرع في الركن الثالث وهو الموصى فيه، فقال: (ولا) يجوز
(الايصاء بتزويج طفل وبنت) مع وجود الجد وعدمه وعدم الأولياء، واحتج البيهقي له بحديث: السلطان ولي
من لا ولي له ولان الوصي لا يتغير بدخول الدني في نسبهم، ولان البالغين لا وصاية في حقهم. والصغير والصغيرة
76

لا يزوجهما غير الأب والجد. نعم إن بلغ الصبي واستمر نظر الوصي لسفه اعتبر إذنه في نكاحه كما سيأتي، قال
الزركشي: ولا يبعد صحة الايصاء به في هذه الحالة. ولا يجوز في معصية كبناء كنيسة التعبد لعدم الإباحة، فعلم بذلك
أنه يشترط في الموصى فيه: أن يكون تصرفا ماليا مباحا. ثم شرع في الركن الرابع وهو الصيغة، فقال: (ولفظه) أي
الايجاب في الايصاء من ناطق: (أوصيت إليك أو فوضت) إليك (ونحوهما) كأقمتك مقامي في أمر أولادي بعد موتي
أو جعلتك وصيا، وهل تنعقد الوصاية بلفظ الولاية كوليتك بعد موتي كما تنعقد بأوصيت إليك؟ وجهان في الشرح
والروضة بلا ترجيح، رجح الأذرعي منهما الانعقاد، والظاهر كما قال شيخنا أنه كناية لأنه صريح في بابه ولم يجد نفاذا
في موضوعه. أما الأخرس فتكفي إشارته المفهمة وكتابته، والناطق إذا اعتقل لسانه وأشار بالوصية برأسه أو بقوله نعم
لقراءة كتاب الوصية عليه لأنه عاجز كالأخرس. (ويجوز فيه) أي الايصاء (التوقيت) كأوصيت إليك سنة أو إلى بلوغ
ابني كما مر، (والتعليق) كإذا مت فقد أوصيت إليك، لأن الوصاية تحتمل الجهالات والاخطار فكذا التوقيت والتعليق،
ولان الايصاء كالامارة. وقد أمر النبي (ص) زيدا على سرية، وقال: إن أصيب زيد فجعفر، وإن أصيب جعفر فعبد الله
بن رواحة رواه البخاري. (ويشترط بيان ما يوصي فيه) كقوله: فلان وصي في قضاء ديني وتنفيذ وصيتي والتصرف في
مال أطفالي. ومتى خصص وصايته بحفظ ونحوه أو عمم اتبع، ولو اقتصر على قوله: أوصيت إليك أو أقمتك مقامي
في أمر أطفالي ولم يذكر التصرف كان له التصرف في المال وحفظه اعتمادا على العرف. (فإن اقتصر على أوصيت إليك لغا)
هذا الايصاء، كما لو قال: وكلتك ولم يبين ما وكل فيه، ولأنه لا عرف يحمل عليه (و) يشترط في الايصاء (القبول) لأنه عقد
تصرف فأشبه الوكالة، والقبول على التراخي على الأصح، قال الماوردي: ما لم يتعين تنفيذ الوصايا، وكذا إذا عرضها
الحاكم عليه عند ثبوتها عنده كما مر في نظيره من الوكالة.
تنبيه: قضية كلامه اشتراط القبول لفظا، لكن مقتضى ما في الروضة وأصلها أنه يكفي فيه التصرف. وهو المعتمد
كما يؤخذ من التشبيه بالوكالة، وتبطل بالرد كأن يقول لا أقبل. ويسن لمن علم من نفسه الأمانة القبول، فإن لم يعلم من
نفسه ذلك فالأولى له أن لا يقبل. ونقل الربيع عن الشافعي أنه قال: لا يدخل في الوصية إلا أحمق أو لص، فإن علم من
نفسه الضعف فالظاهر أنه يحرم القبول، لما روى مسلم عن أبي ذر أن النبي (ص) قال له: إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك
ما أحب لنفسي، لا تتأمرن على اثنتين، ولا تلين على مال يتيم. (ولا يصح) قبول الايصاء ولا رده (في حياته) أي الموصي،
(في الأصح) لأنه لم يدخل وقت التصرف كالوصية له بالمال، فلو قبل في حياته ثم رد
بعد وفاته لغا، أو رد في حياته ثم قبل بعد وفاته صح. والثاني: يصح القبول، والرد كالوكالة. (ولو وصى اثنين) ولم يجعل لكل منهما الانفراد بالتصرف بل
شرط اجتماعهما فيه أو أطلق كأن قال: أوصيت إلى زيد وعمرو أو إليكما، (لم ينفرد أحدهما) بالتصرف عملا بالشرط في
الأول، واحتياطا في الثاني، بل لا بد من اجتماعهما فيه. (إلا إن صرح به) أي الانفراد كأن يقول: أوصيت إلى كل منكما
أو كل واحد منكما وصيي أو أنتما وصياي، فلكل منهما الانفراد بالتصرف. قال الأذرعي: وفي الأخيرة نظر.
ورد
بأن التثنية في حكم تكرير المفرد، فكأنه قال: كل منكما وصيي، فإذا ضعف أحدهما عن التصرف انفرد الآخر كما لو مات
أو جن وللإمام نصب من يعين الآخر. وليس المراد بعدم الانفراد بالتصرف تلفظهما بالعقد معا، بل المعتبر أن يصدر
عن رأيهما وإن باشره أحدهما أو غيرهما بأمرهما.
تنبيه: محل وجوب الاجتماع عند عدم التصريح بالانفراد في أمر الأطفال وأموالهم وتفرقة الوصايا غير المعينة
وقضاء دين ليس في التركة جنسه، وأما رد الأعيان المستحقة كالمغصوب والودائع والأعيان الموصى بها وقضاء دين
77

في التركة جنسه فلاحدهما الاستقلال به، لأن لصاحب الحق أن يستقل بأخذ ذلك فلا يضر استقلال أحدهما به. وقضيته
أنه يباح له ذلك، وأن المدفوع يقع موقعه، وهو كذلك وإن توقف الشيخان في جواز الاقدام. ويرد على إطلاق المصنف
ما لو اختلفا في حفظ المال المنقسم فإنه يقسم بينهما نصفين، فإن تنازعا في تعيين النصف المحفوظ أقرع بينهما على الأصح
في الروضة. وإذا تعين اجتماعهما على التصرف واستقل أحدهما به لم يصح تصرفه وضمن ما أنفق على الأولاد أو غيرهم،
وعلى الحاكم نصب آخر إن مات أحدهما أو جن أو فسق أو غاب أو لم يقبل الوصاية ليتصرف مع الموجود، وليس له
جعل الآخر مستقلا في التصرف، لأن الموصي لم يرض برأيه وحده. ولو ماتا مثلا جميعا لزم الحاكم نصب اثنين مكانهما.
ولو جعل الموصي على الوصيين مشرفا لم يتصرفا إلا بمراجعته، قال الأذرعي: ومحله فيما يحتاج إلى نظر، لا كشراء الخبز
والبقل. قال في الكفاية: وليس للمشرف التصرف، ذكره في البحر. (و) عقد الايصاء جائز من الطرفين، وحينئذ (للموصي
والوصي العزل متى شاء) كالوكالة، هذا إن لم تتعين عليه الوصية ولم يغلب على ظنه تلف المال باستيلاء ظالم من قاض
وغيره، وإلا فليس له ذلك، ولا ينفذ عزله كما بحثه ابن عبد السلام. قال الأسنوي: وعلى هذا لو لم يقبل هل يلزمه
القبول؟ فيه نظر يحتمل اللزوم لقدرته على دفع الظالم بذلك، ويحتمل خلافه اه‍. والأوجه كما قال شيخنا الأول إن
تعين طريقا في الدفع. قال الأذرعي: ولو غلب على ظن الموصي أن عزله لوصيه مضيع لما عليه من الحقوق أو لأموال
أولاده باستيلاء ظالم أو لخلو الناحية عن قاض أمين فيظهر أنه لا يجوز له عزله اه‍. وهو حسن.
تنبيه: تسمح المصنف في إطلاق العزل بالنسبة للموصي، فإن العزل فرع الولاية، ولا ولاية قبل موت الموصي،
فالأولى التعبير بالرجوع كما في الروضة وأصلها. (وإذا بلغ الطفل) رشيدا وكمل غيره، (ونازعه) أي الموصي أو نحوه كالأب
(في الانفاق عليه) أو على ممونه، (صدق الوصي) ونحوه بيمينه في اللائق بالحال لأنه أمين، وقد تشق
عليه إقامة البينة، فإن
ادعى زيادة على النفقة اللائقة صدق الولد قطعا. (أو) نازعه (في دفع) المال (إليه بعد البلوغ) والرشد للطفل والكمال لغيره
أو في تاريخ موت الأب، (صدق الولد) بيمينه على الصحيح المنصوص، لمفهوم قوله تعالى: * (فأشهدوا عليهم) * ولأنه لا يعسر
إقامة البينة عليه. فإن قيل: هذه المسألة تقدمت في الوكالة فهي مكررة. أجيب بأن تلك في القيم المنصوب من جهة القاضي،
فإن عبارته هناك: وقيم اليتيم الخ، وهذه في الوصي لا في قيم اليتيم، لكن تخصيصه الوصي بالذكر يوهم أن الأب والجد
ليسا كذلك، وليس مرادا، بل هما كالوصي كما تقرر.
خاتمة: للوصي أن يوكل فيما لم تجر العادة بمباشرته لمثله كالوكيل، وقيل: يجوز مطلقا، وجرى عليه بعض المتأخرين
كالأذرعي، ولا يخالط الطفل بالمال إلا في المأكول كالدقيق واللحم للطبخ ونحوه مما لا بد منه للارفاق، وعليه حمل
قوله تعالى: * (وإن تخالطوهم) * الآية، ولا يستقل بقسمة مشترك بينه وبينه، لأن القسمة إن كانت بيعا فليس له تولي الطرفين،
أو إقرارا فليس له أن يقبض من نفسه لنفسه. ولو باع له شيئا حالا لم يلزمه الاشهاد فيه بخلاف المؤجل. ولو فسق الولي
قبل انقضاء الخيار لم يبطل البيع في أحد وجهين رجحه الأذرعي. ولو قال: أوصيت إلى الله وإلى زيد حمل ذكر اسم
الله تعالى على التبرك. وإن خاف الوصي على المال من استيلاء ظالم فله تخليصه بشئ منه، * (والله يعلم المفسد من المصلح) *،
قال الأذرعي: ومن هذا ما لو علم أنه لو لم يبذل شيئا لقاضي سوء لا تنزع منه المال وسلمه لبعض خونته وأدى ذلك إلى
استئصاله، ويجب أن يتحرى في أقل ما يمكن أن يرضى به الظالم، والظاهر تصديقه إذا نازعه المحجور عليه بعد رشده
في بذل ذلك وإن لم تدل القرائن عليه. قال: ويقرب من هذا قول ابن عبد السلام: يجوز تعييب مال
اليتيم أو السفيه أو المجنون لحفظه إذا خيف عليه الغصب كما في قصة الخضر عليه السلام. وإذا كان
الناظر في أمر الطفل أجنبيا فله أن يأخذ من مال الطفل قدر أجرة عمله، فإن كانت لا تكفيه أخذ
78

قدر كفايته بشرط الضمان، وإن كان أبا أو جدا أو أما بحكم الوصية لها وكان فقيرا فنفقته على الطفل، وله أن ينفق على
نفسه بالمعروف ولا يحتاج إلى إذن حاكم كما قاله ابن الصلاح.
كتاب الوديعة
هي فعيلة، من ودع إذا ترك، ومنه قوله (ص): لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات والجماعات رواه
مسلم: وفي النسائي دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم وجمعها ودائع، قال الشاعر:
إذا أنت لا تبرح تؤدي أمانة وتحمل أخرى أثقلتك الودائع
وهي لغة: الشئ الموضوع عند غير صاحبه للحفظ، وشرعا: تقال على الايداع وعلى العين المودعة، من ودع
الشئ يدع إذا سكن لأنها ساكنة عند المودع، وقيل: من قولهم: فلان في دعة، أي راحة، لأنها في راحة
المودع ومراعاته
وحفظه، قال الشاعر:
استودع العلم قرطاسا فضيعه وبئس مستودع العلم القراطيس
والأصح أنها عقد، فحقيقتها شرعا: توكيل في حفظ مملوك أو محترم مختص على وجه مخصوص، فدخل في ذلك
صحة إيداع الخمر المحترمة، وجلد ميتة يطهر بالدباغ وزبل وكلب معلم. وخرج بمختص: ما لا اختصاص فيه
كالكلب الذي لا يقتنى، وبتوكيل العين في يد ملتقط، وثوب طيرته ريح ونحوه، لأنه مال ضائع مغاير لحكم الوديعة.
والأصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) *، فهي وإن نزلت في رد مفتاح الكعبة
إلى عثمان بن طلحة فهي عامة في جميع الأمانات. قال الواحدي: أجمعوا على أن الآية نزلت بسبب مفتاح الكعبة ولم
ينزل في جوف الكعبة آية سواها، وقوله تعالى: * (فليؤد الذي ائتمن أمانته) *، وخبر: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من
خانك رواه الحاكم، وقال: على شرط مسلم. وروى البيهقي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال وهو يخطب للناس:
لا يعجبنكم من الرجل طنطنته، ولكن من أدى الأمانة وكف عن أعراض الناس فهو الرجل. ولان بالناس حاجة
بل ضرورة إليها، ولكن (من عجز عن حفظها حرم عليه قبولها) لأنه يعرضها للتلف، قال ابن الرفعة: ومحله إذا لم يعلم
المالك بحاله وإلا فلا تحريم. وقال الزركشي: في ذلك نظر، والوجه تحريمه عليهما. أما على المالك فلاضاعته ماله، وأما
على المودع فلإعانته على ذلك ممنوع، لأن الشخص إذا علم أن غيره يأخذ ماله لينفقه أو يعطيه لغيره لا يحرم عليه ولا على
الآخذ إذا علم رضاه بذلك. والايداع صحيح مع الحرمة وأثر التحريم مقصور على الآثم، لكن لو كان المودع وكيلا
أو ولي يتيم حيث يجوز له الايداع فهي مضمونة بمجرد الاخذ قطعا. (ومن قدر) على حفظها وهو في الحال أمين، (و)
لكن (لم يثق بأمانته) بل خاف الخيانة من نفسه في المستقبل، (كره) له قبولها، وهو المعتمد، خشية الخيانة فيها. قال ابن الرفعة.
ويظهر أن هذا إذا لم يعلم المالك الحال، وإلا فلا تحريم ولا كراهة، وفيه ما مر.
تنبيه: جزمه بالكراهة لا يطابق كلام المحرر، فإنه قال: لا ينبغي أن يقبل، ومخالف لما في الروضة وأصلها
من حكاية وجهين بالحرمة والكراهة بلا ترجيح. قال الأذرعي: وبالتحريم أجاب الماوردي وصاحب المهذب
والروياني وغيرهم، وهو المختار. قال: ولكن محل الوجهين فيما إذا أودع مطلق التصرف مال نفسه وإلا فيحرم قبولها
منه جزما. (فإن) قدر على حفظها، و (وثق) بأمانة نفسه فيها (استحب) له قبولها لأنه من التعاون المأمور به. هذا إذا لم يتعين
عليه، فإن لم يكن ثم غيره وجب عليه كأداء الشهادة لكن بالأجرة، قال الرافعي: وهو محمول على أصل القبول
كما بينه السرخسي دون إتلاف منفعته ومنفعة حرزه في الحفظ بلا عوض، وقضيته أن له أن يأخذ أجرة الحفظ
كما يأخذ
79

أجرة الحرز. ومنعه الفاروقي وابن أبي عصرون، لأنه صار واجبا عليه فأشبه سائر الواجبات، والمعتمد الأول كما هو ظاهر
كلام الأصحاب. وقد تؤخذ الأجرة على الواجب كما في سقي اللبأ. وأركان الوديعة بمعنى الايداع أربعة: وديعة بمعنى العين
المودعة، ومودع ووديع، وصيغة، وقد تقدم الكلام على شرط الركن الأول وهو الوديعة. ثم شرع في شرط الركن الثاني والثالث
وهما العاقدان، فقال: (وشرطهما شرط موكل ووكيل) لأنها استنابة في الحفظ، فمن صحت وكالته صح إيداعه، ومن صح
توكيله صح دفع الوديعة إليه، فخرج استيداع محرم صيدا أو كافر مصفحا ونحوه. ثم شرع في بيان الركن الرابع وهو الصيغة،
فقال: (ويشترط صيغة المودع) الناطق باللفظ، وهي إما صريح (كاستودعتك هذا) أو أودعتك أو هو وديعة عندك (أو
استحفظتك أو أنبتك في حفظه) أو احفظه. وإما كناية تنعقد بها مع النية كخذه، أو مع القرينة كخذه. أما الأخرس
فتكفي إشارته المفهمة. ولو علقها كأن قال: إذا جاء رأس الشهر فقد أودعتك هذا لم يصح كالوكالة كما بحثه في أصل الروضة،
وجرى عليه ابن المقري، وقطع الروياني بالصحة. وعلى الأول يصح الحفظ بعد وجود الشرط كما يصح التصرف
في الوكالة حينئذ، ففائدة البطلان سقوط المسمى إن كان، والرجوع إلى أجرة المثل.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف وغيره أنه لو دخل شخص الحمام ولم يستحفظ الحمامي لم يجب عليه الحفظ، وهو كذلك،
فلو ضاعت لم يضمنها وإن نام أو قام من مكانه ولا نائب له، فإن استحفظه وقيل منه لزمه حفظها. وعن القاضي
حسين: أنه يجب عليه حفظها مطلقا للعادة. (والأصح أنه لا يشترط) في الوديع (القبول) للوديعة (لفظا ويكفي القبض) لها،
كما في الوكالة بل أولى عقارا كانت أو منقولا، فإذا قبضها تمت الوديعة. وظاهر كلام المصنف أنه لا بد في المنقول
من النقل، ولكن الذي قاله البغوي: أنه لو قال: هذا وديعتي عندك أو احفظه، فقال: قبلت أو ضعه موضعه كان إيداعا
كما لو قبضه بيده، وصححه الرافعي في الشرح الصغير، ونقل الأذرعي عن فتاوى القفال ما يوافقه، وهذا هو الظاهر،
وإن قال المتولي: لا، حتى يقبضه. والثاني: يشترط القبول لفظا. والثالث: يفرق بين صيغة الامر كما في الوكالة، وعلى عدم
اشتراط القبول يشترط عدم الرد كما قاله البغوي. قال الماوردي وغيره: ولا تفتقر الوديعة إلى علم الوديع بما فيها، بخلاف
اللقطة لما يلزمه من تعريفها. فإن لم يوجب المالك له بل وضع ماله بين يديه سواء أقال له قبل ذلك أريد أن أودعك أم لا
أو أوجب له ووضعه بين يديه ورد لم يصح، فإن ذهب وتركها لم يضمن وإن أثم به بأن كان ذهابه بعد غيبة
المالك،
وإن قبضها صار ضامنا إلا إن كانت معرضة للضياع فقبضها حسبة صونا لها عن الضياع فلا يضمن. وذهاب الوديع
مع ترك الوديعة والمالك حاضر كردها.
تنبيه: قضية كلام الشيخين أنه لا بد من لفظ ائتمان من المودع الناطق. قال الأذرعي: ولم يبعد أن يقال الشرط وجود
اللفظ من أحد الجانبين والفعل من الآخر للعلم بحصول المقصود بذلك، فلو قال الوديع: أودعنيه مثلا، فدفعه له ساكتا كفى
كالعارية، وعليه فالشرط اللفظ من أحدهما، وهو حسن، ولو قال له: خذ هذا يوما وديعة ويوما غير وديعة فوديعة
أبدا، أو: خذه يوما وديعة ويوما عارية فوديعة في اليوم الأول وعارية في اليوم الثاني، ولم يعد بعد يوم العارية وديعة ولا
عارية بل تصير يده يد ضمان. قال الزركشي: فلو عكس الأولى فقال: خذه يوما غير وديعة ويوما وديعة، فالقياس
أنها أمانة، لأنه أخذها بإذن المالك وليست عقد وديعة، وإن عكس الثانية فالقياس أنها في اليوم الأول عارية وفي الثاني
أمانة. (ولو أودعه صبي أو مجنون مالا لم يقبله) لأن إيداعه كالعدم لعدم أهليته. (فإن قبل) المال وقبضه (ضمن) لعدم
الإذن المعتبر كالغاصب، ولهذا التعليل لا يقال الوديعة لا ضمان فيه فكذا فاسدها. قال السبكي: ولا يحتاج أن
يقال هو باطل، ويفرق بين الفاسد والباطل ولا يبرأ إلا بالرد إلى وليه.
80

تنبيه: استثنى من تضمنه ما لو خيف هلاكه فأخذه حسبة صونا له فإنه لا يضمنه، وما لو أتلف الصبي وديعة
نفسه بلا تسليط من الوديع فإنه يبرأ كما صرح به الرافعي في الجراح قبيل الفصل الثاني في المماثلة، ولو أودعه عبد بغير
إذن سيده لم يبرأ إلا بالرد إلى سيده. (ولو أودع صبيا) أو مجنونا (مالا فتلف عنده) ولو بتفريط، (لم يضمن) كل منهما
ما تلف عنده، إذ ليس عليه حفظه فهو كما لو تركه عند بالغ من غير استحفاظ. (وإن أتلفه ضمن) ما أتلفه (في الأصح)
لعدم تسليطه عليه. والثاني: لا، كما لو باعه شيئا وسلمه إليه. وأجاب الأول بأن البائع أذن في الاستهلاك بخلاف الايداع.
تنبيه: المرجح في الروضة كأصلها أن الخلاف قولان. (والمحجور عليه بسفه) في إيداعه والايداع عنده والاخذ
منه وعدم تضمينه بالتلف عنده وتضمينه بإتلافه (كصبي) فيما ذكر.
تنبيه: قضية تقييده بالحجر أن السفيه إذا لم يحجر عليه بخلافه، قال الزركشي: ويشبه أن يكون على الخلاف
في سائر تصرفاته، ولو أودع عند رقيق بغير إذن سيده فتلف عنده ما أودعه لم يضمنه، كذا أطلقاه، وقيده الجرجاني
بعدم التفريط. قال: ولا يفارق الرقيق الصبي إلا في هذه الحالة فإن الصبي لا يضمن ولو فرط. وأورد على حصره أن
الصبي لا يودع عنده أصلا ويودع عند الرقيق بإذن سيده، وكلاهما محمول على ما قيد به. وولد الوديعة وديعة كأمه
بناء على أنها عقد، وقيل إنها أمانة شرعية. فإن قيل: لا فائدة لهذا الخلاف. أجيب بأن له فائدة، وهي أن العين على
الأول إنما يجب ردها بعد الطلب، ويجب ردها على الثاني حالا.
تنبيه: أحكام الوديعة ثلاثة: الأول: الجواز، والثاني: الأمانة، والثالث: الرد. وقد شرع في الحكم الأول. فقال:
(وترتفع) الوديعة، أي ينتهي حكمها (بموت المودع) بكسر الدال، (أو المودع) بفتحها، وحجر سفه عليه (وجنونه
وإغمائه) وبعزل الوديع نفسه، وبالجحود المضمن، وبالاقرار بها لآخر، وبنقل المالك الملك فيها ببيع ونحوه ونحو ذلك
كالوكالة. ويجب على الوديع الرد إلى الولي في مسألة الجنون وإلى الوارث في مسألة الموت وإلا فيضمن لزوال الائتمان.
ولو وكل المالك الوديع في إجارتها فأجرها وانقضت مدة الإجارة عادت وديعة عند عامة الأصحاب، (ولهما الاسترداد والرد)
أي للمودع بكسر الدال الاسترداد، وللمودع بفتحها الرد، (كل وقت) لأن لكل منهما الامرين كما توهمه
وعبارة والمحرر. وللمودع أن يسترد متى شاء، وللمودع الرد كذلك، فهي أوضح من عبارة المصنف. أما المودع
فلانه المالك، وأما المودع فلانه متبرع بالحفظ. قال ابن النقيب: وينبغي أن يقيد جواز الرد للمودع بحالة لا يلزمه فيها
القبول، وإلا حرم الرد، فإن كان بحالة يندب فيها القبول فالرد خلاف الأولى إن لم يرض به المالك.
تنبيه: أفرد المصنف الضمير أولا لأن العطف ب‍ أو ثم ثناء ثانيا. قال الزركشي: ولا وجه لذلك. ثم شرع في
الحكم الثاني وهو الأمانة، فقال: (وأصلها الأمانة) أي موضوعها على ذلك، يعني أن الأمانة ليست فيها تبعا كالرهن بل
هي مقصودة فيها سواء أكانت تجعل أم لا كالوكالة، ولان المودع يحفظها لمالك فيده كيده، ولو ضمن لرغب الناس
عن قبول الودائع، فلو أودعه بشرط أن تكون مضمونة عليه أو أنه إذا تعدى فيها لا ضمان عليه لم يصح فيهما.
تنبيه: قضية إطلاقهم أنه لا فرق في عدم الضمان بين الصحيحة والفاسدة، وهو كذلك كما هو مقتضى القاعدة،
قال في الكالي: ولو أودعه بهيمة وأذن له في ركوبها أو ثوبا وأذن له في لبسه فهو إيداع فاسد لأنه شرط فيه ما ينافي
مقتضاه، فلو ركب أو لبس صارت عارية فاسدة، فإذا تلف قبل الركوب والاستعمال لم يضمن كما في صحيح الايداع
أو بعده ضمن كما في صحيح العارية. (وقد تصير) الوديعة (مضمونة) على الوديع بالتقصير فيها، وله أسباب عبر عنها
المصنف (بعوارض: منها أن يودع غيره) ولو ولده أو زوجته أو عبده أو قاضيا (بلا إذن) من المودع (ولا عذر) له،
81

(فيضمن) لأن المودع لم يرض بأمانة غيره ولا يده. نعم استثنى السبكي ما لو طالت غيبة المالك، أي وتضجر من
الحفظ كما في التتمة، فأودعها الوديع القاضي.
تنبيه: قول المصنف: فيضمن، أي صار طريقا في الضمان، لأن للمالك أن يضمن من شاء من الأول أو الثاني،
فإن ضمن الثاني وهو جاهل بالحال رجع على الأول، بخلاف العالم لأنه غاصب لا مودع، أما إذا أودعها لعذر كمرض
أو سفر فإنه لا يضمن، ولا فرق بين سفر الضرورة وغيره على الصحيح. نعم قال الأذرعي ينبغي أن يكون مباحا. (وقيل
إن أودع القاضي) الأمين (لم يضمن) لأن أمانة القاضي أظهر من أمانته، (وإذا لم يزل) بضم أوله وكسر ثانيه،
(يده) ولا نظره (عنها جازت الاستعانة بمن يحملها) معه ولو أجنبيا، (إلى الحرز أو يضعها في خزانة) بكسر الخاء
بخطه: موضع يخزن فيه، (مشتركة) بينه وبين الغير كالعارية، لجريان العادة بذلك، كما لو استعان في سقي البهيمة وعلفها،
فإن كانت بمخزنه فخرج لحاجته واستحفظ عليها ثقة يختص به وهو يلاحظها في عوداته لم يضمن، وإذا قطع نظره عنها
ولم يلاحظها فكذلك كما صرح به الفوراني وقال إنه الذي أشعر به فحوى كلام الأئمة. قال السبكي: والمتبع في ذلك
العرف، فالملوك والامراء أموالهم في خزائنهم بأيدي خزان لهم، والعرف قاض بأنها في أيديهم. وإن كانت في غير مسكنه
ولم يلاحظها ضمن لتقصيره، أما إذا استحفظ غير ثقة أو من لا يختص به فعليه الضمان. (وإذا أراد) الوديع (سفرا)
ولو قصيرا وقد أخذ الوديعة حضرا، (فليرد) ما (إلى المالك أو وكيله) مطلقا، أو وكيله في استرداد هذه خاصة ليخرج
من العهدة، فإن دفع لغيره ضمن في الأجنبي قطعا وفي القاضي على الأصح لأنه لا ولاية للحاكم عليه.
تنبيه: لا يخفى أن له دفعها إلى ولي المحجور عليه لجنون أو سفه طرأ لأنه قائم مقامه. (فإن فقدهما) أي المالك
ووكيله لغيبة، أي لمسافة قصر كما بحثه ابن الرفعة أخذا من كلامهم في عدل الراهن، (فالقاضي) أي يردها إليه، أي
إذا كان أمينا كما نقله الأذرعي عن تصريح الأصحاب. ويلزمه القبول في الأصح وإن كان سفره لا لحاجة لأنه نائب
الغائبين، وكذا الاشهاد على نفسه بقبضها كما قاله الماوردي. قال الشيخ أبو حامد: وإنما يحملها إلى الحاكم بعد أن
يعرفه الحال ويأذن له، فلو حملها ابتداء قبل أن يعرفه ضمن. ولا شك أنه لو أمره القاضي بدفعها إلى أمين كفى
كما قاله الزركشي، ولا يتعين عليه أن يتسلمها بنفسه. ولو كان المالك محبوسا بالبلد وتعذر الوصول إليه فكالغائب كما قاله
القاضي أبو الطيب، ويقاس بالحبس التواري ونحوه، وبالمالك عند فقده وكيله، ولا يلزم القاضي قبول الدين ممن هو
عليه ولا المغصوب من غاصبه للغائب فيهما، لأن بقاء كل منهما أحفظ لمالكه، لأنه يبقى مضمونا له، ولان الدين
في الذمة لا يتعرض للتلف، وإذا تعين تعرض له، ولان من في يده العين يثقل عليه حفظها. (فإن فقده) أي القاضي، أو كان
غير أمين، (فأمين) يردها إليه يأتمنه المودع وغيره لئلا يتضرر بتأخير السفر. ويجب عليه الاشهاد في أحد وجهين رجحه
ابن الملقن، فإن الأمين قد ينكر، فإن ترك هذا الترتيب ضمن لعدوله عن الواجب عليه.
تنبيه: قضية كلام المصنف أنه لا رتبة في الاشخاص بعد الأمين، وهو كذلك. وأغرب في الكافي، فقال:
فإن لم يجده وسلمها إلى فاسق لا يصير ضامنا في الأصح. (فإن دفنها بموضع) ولو حرزا (وسافر ضمنها) لأنه عرضها
للاخذ. هذا إذا لم يعلم بها من ذكره في قوله: (فإن أعلم بها أمينا) يجوز الايداع عنده كما في الروضة، (يسكن الموضع)
الذي دفنت فيه، وهو حرز مثلها، (لم يضمن في الأصح) لأن ما في الموضع في يد ساكنة فكأنه أودعه إياها فشرطه
فقد القاضي الأمين. وقد علم من ذلك أن المراد الدفع إلى القاضي أو إعلامه به، أو الدفع إلى الأمين أو إعلامه به.
والثاني: يضمن، لأن هذا إعلام لا إيداع لعدم التسليم. فإن أعلم أمينا لا يجوز الايداع عنده ضمن كما في الروضة، وهذا
82

الاعلام ليس بإشهاد على الأصح، بل ائتمان حتى تكفي فيه امرأة.
تنبيه: قوله. أعلم بها يشعر أنه لا يشترط رؤية الأمين لها، وبه صرح الماوردي. وقوله: يسكن ليس بقيد، فإن مراقبة
الحارس لها كالسكنى. وخرج بقولي: وهو حرز مثلها ما لم يكن كذلك، فإنه يضمنها جزما وإن أعلم بها غيره كما قاله
الماوردي. ومن عوارض الضمان السفر كما قال: (ولو سافر بها) من حضر (ضمن) وإن كان الطريق آمنا وتلفت بسبب
آخر كتقصيره بالسفر الذي حرزه دون حرز الحضر. أما لو أودعها المالك مسافرا فسافر بها أو منتجعا فانتجع بها فلا
ضمان لرضا المالك به. وله إذا قدم من سفره أن يسافر بها ثانيا لرضا المالك به ابتداء إلا إذا دلت قرينة على أن المراد
إحرازها بالبلد فيمتنع ذلك كما ذكره القاضي وغيره. ثم استثنى من الضمان بالسفر قوله: (إلا إذا) أراد سفرا، و (وقع
حريق) أو نهب (أو غارة وعجز) عند ذلك (عمن يدفعها إليه، كما) أي بالترتيب الذي (سبق) فلا يضمن لقيام العذر،
بل يلزم السفر بها في حالة الخوف عليها، فإن لم يسافر بها كان مضيعا لها. قال الشيخان: ويجوز أن يقال إن كان احتمال
الهلاك في الحضر أقرب منه في السفر فله السفر بها، ونقل الأذرعي عن الدارمي ما يؤيده، وهو حسن.
تنبيه: مقتضى كلام المصنف أنه لا بد في نفي الضمان من اجتماع الامرين: العذر المذكور، والعجز عمن يدفعها
إليه، وليس مرادا بل العجز كاف، فلو سافر بها عند العجز من غير عذر من حريق ونحوه لم يضمن على الأصح لئلا
ينقطع عن مصالحه وتنفر الناس عن قبول الودائع، فإن حدث له في الطريق خوف أقام بها، فإن هجم عليه قطاع الطريق
فطرحها بمضيعة ليحفظها فضاعت ضمن، وكذا لو دفنها خوفا منهم عند إقبالهم ثم أضل موضعها كما قاله
القاضي
وغيره إذ كان من حقه أن يصبر حتى تؤخذ منه فتصير مضمونة على آخذها. (والحريق والغارة في البقعة وإشراف الحرز
على الخراب) ولم يجد حرزا هناك ينقلها إليه، ونحو ذلك من سائر الاعذار (أعذار كالسفر) في جواز الابداع عند غيره
من غير ضمان عليه.
تنبيه: الغارة لغة قليلة والأفصح الإغارة. ومن عوارض الضمان ترك الايصاء كما يعلم من قوله: (وإذا مرض مرضا
مخوفا فليردها إلى المالك أو وكيله) المطلق أو في قبضها. قال الأذرعي: والظاهر أن كل حالة تعتبر فيها الوصية من الثلث
كما سبق كالمرض المخوف فيما ههنا اه‍. وفي الشرح والروضة: وفي معنى المرض هنا الحبس ليقتل. وقد مر في الوصية
أن الحبس للقتل ليس بمخوف، وتقدم الفرق هناك بين البابين فليراجع. (وإلا) بأن يمكنه ردها إلى أحدهما، (فالحاكم)
الأمين يردها إليه إن وجده، أو يوصي بها إليه، (أو) يردها إن لم يجد الحاكم إلى (أمين أو يوصي بها) إليه كما لو أراد سفرا.
تنبيه: قضية كلامه لولا ما قدرته التخيير بين الأمور الثلاثة، وليس مرادا، وحاصل ذلك أنه مخير عند القدرة على
الحاكم بين الدفع إليه والوصية له، وعند العجز بين الدفع لأمين والوصية له، ولعله إنما أطلق استغناء بما قدمه في أنه
لا يودعها عند أمين إلا عند فقد القاضي. والمراد بالوصية الاعلام بها ووصفها بما يميزها أو يشير لعينها من غير أن يخرجها
من يده، ويأمر بالرد إن مات ولا بد مع ذلك من الاشهاد كما في الرافعي عن الغزالي وأسقطه من الروضة وجزم به في الكفاية،
فإن اقتصر على عندي وديعة فكما لو لم يوص، فإن ذكر الجنس فقال: عندي ثوب لفلان ضمن إن وجد في تركته
أثواب لتقصيره في البيان، وإن وجد ثوب واحد ضمن أيضا في الأصح، ولا يدفع إليه الثوب الموجود، وقيل: يتعين الثوب
الموجود. (فإن لم يفعل) شيئا مما ذكر في محله، (ضمن) لتقصيره، فإنه عرضها للفوات، لأن الوارث يعتمد يده ويدعيها
لنفسه. وكذا لو أوصى إلى فاسق أو أودعه.
تنبيه: محل الضمان بغير إيصاء وإيداع إذا تلفت الوديعة بعد الموت لا قبله على ما صرح به الإمام ومال إليه
83

السبكي، لأن الموت كالسفر فلا يتحقق الضمان إلا به، وهذا هو المعتمد. وقال الأسنوي: إنه بمجرد المرض يصير ضامنا
لها حتى لو تلفت بآفة في مرضه أو بعد صحته ضمنها كسائر أسباب التقصيرات. ومحله أيضا في غير القاضي، أما القاضي
إذا مات ولم يوجد مال اليتيم في تركته فلا يضمنه وإن لم يوص به لأنه أمين الشرع بخلاف سائر الامناء ولعموم ولايته،
قاله ابن الصلاح، قال: وإنما يضمن إذا فرط. قال السبكي: وهذا تصريح منه بأن عدم إيصائه ليس تفريطا
وإن مات
عن مرض، وهو الوجه. وظاهر أن الكلام في القاضي الأمين، ونقل التصريح به عن الماوردي، أما غيره فيضمن
قطعا. والضمان فيما ذكر ضمان التعدي بترك المأمور لا ضمان العقد كما اقتضاه كلام الرافعي. (إلا إذا لم يتمكن بأن)
أي كأن (مات فجأة) أو قتل غيلة فلا يضمن لعدم تقصيره.
تنبيه: هذا الاستثناء منقطع فإنه لم يدخل في قوله: وإذا مرض مرضا مخوفا ولو لم يوص فادعى صاحبها أنه قصر وقال
الوارث لعلها تلفت قبل أن ينسب إلى تقصير، فالظاهر كما قال الإمام وأقراه براءة ذمته. قال الأسنوي: وهذا إنما
قاله الإمام عند جزم الوارث بالتلف، فأما عند ذكره له احتمالا فإنه صحح الضمان اه‍. لكن شيخنا جعل هذا من الجزم،
وصور عدم الجزم بقوله: بأن قال عرفت الايداع لكن لم أدر كيف كان الامر وأنا أجوز أنها تلفت على حكم الأمانة،
فلم يوص بها لذلك فيضمنها لأنه لم يدع مسقطا. وصحح السبكي أنه لا يقبل قولهم في دعوى التلف والرد إلا ببينة، وسائر
الامناء كالمودع في هذا الحكم، وقد أفتى ابن الصلاح بأن العامل إذا مات ولم يوجد مال الفراض بعينه في يده ضمن وهو
أولى بالتضمين من المودع، لأن الوديعة ليس له التصرف فيها بخلاف القراض. (ومنها) أي عوارض الضمان، (إذا نقلها
من محلة) إلى محلة أخرى، (أو) من (دار) إلى دار أخرى (دونها في الحرز) ولو كان حرز مثلها (ضمن) لأنه عرضها للتلف
سواء أنهاه عن النقل أم عين له تلك المحلة أم أطلق، بعيدتين كانتا أم قريبتين لا سفر بينهما ولا خوف كما يؤخذ ذلك من
إطلاق المصنف، لكن يستثنى من إطلاقه ما لو نقلها بظن الملك فلا يضمن كما قاله في الكفاية، بخلاف ما لو انتفع بها ظانا
أنها ملكه فتلفت، فإنه يضمن كما نقلاه في أول باب الغصب عن الإمام وأقراه. (وإلا) بأن تساويا في الحرز أو كان المنقول
إليه أحرز، (فلا) يضمن لعدم تفريطه. وخرج بدار ما لو نقلها من بيت إلى آخر في دار واحدة أو خان واحد فلا ضمان،
وإن كان الأول أحرز كما قاله البغوي، ونقلها من كيس أو صندوق إلى آخر إن كان ذلك للمودع فحكمه كالبيت في النقل،
وإن كان للمالك فتصرفه فيها بالنقل المجرد ليس بمضمن، إلا إن فض الختم أو فتح القفل فيضمن في الأصح.
تنبيه: يستثنى من عدم الضمان مسائل: منها ما لو نقلها والطريق مخوف. ومنها ما لو نهاه المالك عن النقل ونقل بلا
ضرورة. ومنها ما لو تلفت بسبب النقل كانهدام الدار المنقول إليها، قال الرافعي: والسرقة من المنقول إليه كالانهدام،
قاله البغوي والمتولي، ومنها ما لو كان الحرز المنقول منه لمالك الوديعة ملكا أو إجارة أو إعارة وإن كان المنقول إليه
أحرز إذا لم يخفف الهلاك، فإنه يضمن في هذه المسائل كلها. (ومنها) أي عوارض الضمان (أن لا يدفع متلفاتها) لوجوب الدفع
عليه مع القدرة، لأنه من حفظها.
تنبيه: يستثنى من ذلك ما لو وقع في خزانة الوديع حريق فبادر لنقل أمتعته فاحترقت الوديعة لم يضمن، كما لو لم
يكن فيها إلا ودائع فبادر لنقل بعضها فاحترق ما تأخر نقله كما نقله في الروضة كأصلها آخر الباب عن فتاوي القفال.
(فلو أودعه دابة فترك علفها) بإسكان اللام على المصدر، أو سقيها مدة يموت مثلها فيها بترك ذلك، (ضمنها) وإن لم تمت
كما صرح به في الروضة كأصلها، ونقله المصنف في نكتة عن البغوي، سواء أمره المالك بعلفها وسقيها أم سكت لتعديه
فإنه يلزمه ذلك لحق الله تعالى، وبه يحصل الحفظ الذي التزمه بقبولها. وتختلف المدة باختلاف الحيوانات والمرجع
إلى أهل الخبرة بها، فإن ماتت دون المدة لم يضمنها إلا إذا كان بها جوع أو عطش سابق وعلمه فيضمنها كما هو قضية
84

كلام الروضة وأصلها، وقيل: يضمن القسط. ورجحه ابن المقري، لأنها تلفت بالامرين. ويؤيد الأول ما لو جوع إنسانا
وبه جوع سابق ومنعه الطعام أو الشراب مع علمه بالحال فإنه يضمن الجميع. (فإن نهاه عنه) أي عن الطعام أو الشراب
فمات بسبب ترك ذلك، (فلا) يضمن (على الصحيح) للاذن في إتلافه، فهو كما لو قال: اقتل دابتي، فقتلها. والثاني:
يضمن، إذ لا حكم لنهيه عما أوجبه الشرع.
تنبيه: لو كانت الدابة ملكا لغيره كأن أودع الولي حيوان محجور، قال الزركشي: فيشبه أن نهيه كالعدم،
وسبقه إليه الأذرعي وقيده بعلم الوديع بالحال، أي لقرار الضمان، وإلا فيضمن مطلقا، وهذا ظاهر. والخلاف المذكور
في المتن في التضمين وعدمه كما ذكر، أما التأثيم فلا خلاف فيه لحرمة الروح، فعليه أن يأتي الحاكم ليجبر المالك
على علفها وسقيها إن كان حاضرا أو يأذن له في النفقة ليرجع عليه إن كان غائبا. هذا إذا نهاه لا لعلة، فإن كان
كقولنج أو تخمة لزمه امتثال نهيه، فلو خالف وفعل قبل زوال العلة ضمن، كذا أطلقاه. قال ابن شهبة: وينبغي أن
يقيد الضمان بما إذا علم بعلتها. (وإن أعطاه المالك علفا) بفتح اللام اسم للمأكول، ولم ينهه (علفها) في الأصح،
ويجوز علفها (منه، وإلا فيراجعه أو وكيله) ليستردها أو يعطي علفها أو يعلفها. (فإن فقدا) بالتثنية بخطه، أي المالك
أو وكيله، (فالحاكم) يراجعه ليقترض على المالك أو يؤجرها، ويصرف الأجرة في مؤنتها أو يبيع جزءا منها أو جميعها إن
رآه. قال الإمام: والقدر الذي يعلفها على المالك هو الذي يصونها عن التلف والتعييب لا ما يحصل به السمن فإن
فقد الحاكم تعاطى ذلك بنفسه وأشهد ليرجع، فإن لم يشهد لم يرجع في أحد وجهين هو المعتمد كما في هرب
الجمال.
نعم لو كانت راعية، قال الزركشي: فالظاهر وجوب تسريحها مع ثقة، فلو اتفق عليها لم يرجع، أي إذا لم يتعذر عليه
من يسرحها معه وإلا فيرجع. (ولو بعثها) أي الدابة، (مع من) أي أمين، (يسقيها) أو يعلفها حيث يجوز إخراجها
لذلك، (لم يضمن في الأصح) لجريان العادة بذلك. والثاني: يضمن، لاخراجها من حرزها على يد من لم يأتمنه المالك.
تنبيه: محل الخلاف إذا كان المبعوث معه أمينا كما مر ولا خوف، والوديع لا يخرج دوابه للسقي، أو كونه
لا يسقي وعادته سقي دوابه، فمع غير الأمين والخوف يضمن قطعا، ومع إخراج دوابه للسقي أو كونه لا يسقي دوابه بنفسه لا يضمن
قطعا. وقول المصنف، دابة قد يفهم أنه لو أودعه نخلا ولم يأمره بسقيه فتركه لا يضمن، وهو أحد الوجهين في الروضة
وأصلها بلا ترجيح صححه الأذرعي، وفرق بحرمة الروح، قال: والظاهر أن محل الوجهين فيما لا يشرب بعروقه وفيما لم
ينهه عن سقيه. وإن أودعه حنطة أو أرزا أو نحو ذلك فوقع فيه السوس لزمه الدفع، فإن تعذر باعه الحاكم، فإن لم
يجد تولاه بنفسه وأشهد كما قاله في الأنوار. ولو ترك شخص عند صاحب الخان مثلا حمارا وقال له: احفظه كيلا يخرج
فلاحظه فخرج في بعض غفلاته لم يضمنه لأنه لم يقصر في الحفظ المعتاد. (وعلى المودع) بفتح الدال، (تعريض ثياب
الصوف) ونحوه، كشعر ووبر وخز مركب من حرير وصوف ولبد، وكذا بسط وأكسية وإن لم تسم ثيابا عرفا،
(للريح كيلا يفسدها الدود، وكذا) عليه أيضا (لبسها) بنفسه إن لاق به (عند حاجتها) لتعبق بها رائحة
الآدمي فتدفع الدود، فإن لم يفعل ففسدت ضمن سواء أمره المالك أم سكت، فإن نهاه المالك عن ذلك أو لم يعلم بها
الوديع كأن كانت في صندوق مقفل فلا ضمان. أما ما لا يليق به لبسه لضيقه أو صغره أو نحو ذلك، فالظاهر كما قاله
الأذرعي أنه يلبسه من يليق به لبسه بهذا القصد قدر الحاجة ويلاحظه. ولو كان لا يجوز له لبسه، كأن كان خزا
مركبا من صوف وحرير والأكثر حرير ولم يجد من يلبسه ممن يجوز له لبسه أو وجد ولم يرض إلا أجرة هل يجوز له
لبسه؟ لم أر من ذكره، والظاهر الجواز. ولو كانت ثياب الصوف كثيرة يحتاج لبسها إلى طول زمن يقابل بأجرة هل
85

له أن يرفع الامر إلى الحاكم ليجعل له أجرة في مقابل لبسها؟ لم أر من ذكره أيضا، والظاهر أن له ذلك، إذ لا يلزمه أن
يبذل منفعته مجانا كالحرز. قال الأذرعي: وكنشر الصوف تمشية الدابة وتسييرها المعتاد عند الخوف عليها من الزمانة
لطول وقوفها. وجعل الزركشي هذا مثلا، وجعل الضابط خوف الفساد. (ومنها) أي عوارض الضمان، (أن يعدل)
في الوديعة (عن الحفظ المأمور) به فيها (وتلفت بسبب العدول) عنه إلى الوجه المعدول إليه، (فيضمن) لأن التلف
حصل من جهة المخالفة. (فلو) عدل: كأن (قال) له (لا ترقد) أي لا تنم (على الصندوق) الذي فيه الوديعة، (فرقد
وانكسر بثقله وتلف ما فيه) بانكساره، (ضمن) لمخالفته المؤدية إلى التلف. (وإن تلف بغيره) أي بسبب غير الانكسار
كسرقة، (فلا) يضمن (على الصحيح) لأنه زاد خيرا ولم يأت التلف مما جاء به والثاني: يضمن، لأن رقوده عليه
يوهم السارق نفاسة ما فيه فيقصده.
تنبيه: صورة المسألة إذا كان في بيت محرز وأخذه السارق، أما لو سرق ما فيه من الصحراء من جانب كأن يرقد فيه إن لم
يرقد عليه فإنه يضمن، لأنه رقد عليه فقد أخلى جانب الصندوق وربما لا يتمكن السارق من الاخذ
إذا كان بجانبه، بخلاف ما لو سرق من غير الجانب المذكور. (وكذا) لا يضمن (لو قال) له (لا تفعل) بمثناة مضمومة
وفاء مكسورة، (عليه) أي الصندوق أصلا فأقفل عليه، أو أقفل عليه قفلا فقط فأقفل عليه
(قفلين) أو لا تفعل عليه قفلين أو لا تغلق باب البيت، (فأقفلهما) أو أغلق الباب، لم يضمن في هذه الصور على الأصح لأنه زاد احتياطا، والثاني:
يضمن، لأنه أغرى السارق به.
تنبيه: محل الخلاف في بلد لم تجر عادتهم بذلك كما قاله صاحب المعين، وإلا فلا ضمان جزما. (ولو قال له اربط
الدراهم) بكسر الموحدة في المشهور وحكي ضمها، (في كمك) أي شدها فيه، وجمعه أكمام، (فأمسكها في يده فتلفت
فالمذهب أنها إن ضاعت بنوم ونسيان) أي أو نسيان كما في المحرر، (ضمن) لحصول التلف من جهة المخالفة، لأنها لو
كانت مربوطة لم تضع بهذا السبب. (أو) تلف (بأخذ غاصب) لها من يده (فلا) يضمن، لأن اليد أمنع للغصب
حينئذ. والطريق الثاني: إطلاق قولين. والطريق الثالث: إن اقتصر على الامساك ضمن، وإن أمسك بعد الربط لم
يضمن. وعلى الأول إذا امتثل أمره وربطها في الكم لم يكلف معه إمساكها باليد، بل إن كان الربط من خارج
الكم فأخذها القاطع ضمن لأن فيه إظهارها وتنبيه القاطع وإغراءه عليها لسهولة قطعه أو حله عليه حينئذ، لا إن
استرسلت بانحلال العقد وضاعت وقد احتاط في الربط، فلا ضمان، لأنها إذا انحلت بقيت الوديعة في الكم. أو كان الربط من داخله فبالعكس، فيضمنها إن استرسلت لتناثرها بانحلال لا إن أخذها القاطع لعدم تنبيهه. فإن قيل: المأمور به مطلق
الربط وقد أتى به فلا ينظر إلى جهة التلف، بخلاف ما إذا عدل عن المأمور به إلى غيره فحصل به التلف. أجيب بأن
الربط ليس كافيا على أي وجه فرض، بل لا بد من تضمنه الحفظ، ولهذا لو ربط غير محكم ضمن، وإن كان
لفظ الربط يشمل المحكم وغيره. فإن قيل: لو قال: احفظ الوديعة في هذا البيت فوضعها في زاوية منه فانهدمت عليه
لا يضمن، ولا يقال لو كانت في زاوية أخرى لسلمت. أجيب بأن لفظ البيت متناول لكل من زواياه، والعرف
لا يخصص موضعا منه. ولو كان عليه قميصان فربط في التحتاني منهما لم يضمن سواء أربطها داخل الكم أم خارجه كما
بحثه الزركشي، لانتفاء المعنى المذكور. (ولو جعلها في جيبه) الذي في جنب قميصه أو لبته أو غير ذلك، (بدلا عن
الربط في الكم لم يضمن) على الأصح، لأنه أحرز، إلا إذا كان واسعا غير مزرور فيضمن لسهولة تناولها باليد منه،
86

وقيل: يضمن لمطلق المخالفة. (وبالعكس) أي أمره بوضعها في الجيب فربطها في الكم، (يضمن) قطعا، لأن الجيب أحرز منه
لأنه قد يرسل الكم فتسقط. (ولو أعطاه دراهم بالسوق ولم يبين كيفية الحفظ) فيها (فربطها في كمه) نحو، كعلى تكته
كما قاله القاضي حسين، أو على طرف ثوبه، (وأمسكها بيده، أو) لم يربطها بل (جعلها في جيبه) الضيق أو الواسع المزرور،
(لم يضمن) لأنه احتاط في الحفظ. أما إذا كان الجيب واسعا غير مزرور فإنه يضمن كما مر لسهولة أخذها منه باليد.
قال الماوردي: وكذا لو كان الجيب مثقوبا ولم يعلم به فسقطت أو حصلت بين ثوبيه ولم يشعر بها فسقطت ضمنها، وفي
الكافي في باب الغصب: إذا كان الثقب موجودا عند جعلها فيه ضمن، وإن حدث بعده فلا.
تنبيه: أفهم كلامه أنه لو اقتصر على الربط من غير إمساك أنه يضمن، قال في الروضة كأصلها: وقياس ما سبق النظر
لكيفية الربط وجهة التلف. ولو وضعها في كمه ولم يربطها فسقطت، فإن كانت خفيفة لا يشعر بها ضمن لتفريطه في الاحراز،
وإن كانت ثقيلة يشعر بها لم يضمن، قاله الماوردي. هذا إذا لم يكن بفعله، فلو نفض كمه فسقطت ضمن وإن كان سهوا،
قاله القاضي. ولو وضعها في كور عمامته ولم يشدها ضمن. وخرج بالسوق ما لو أعطاه دراهم في البيت وقال احفظها فيه
فإنه يلزمه الحفظ فيه فورا، فإن أخر بلا مانع ضمن، وإن لم يحفظها فيه وربطها في كمه أو شدها في عضده لا مما يلي أضلاعه
وخرج بها أو لم يخرج وأمكن إحرازها في البيت ضمن، لأن البيت أحرز من ذلك، بخلاف ما إذا شدها في عضده مما يلي
أضلاعه، لأنه أحرز من البيت. قال الأذرعي: ويجب تقييده بما إذا حصل التلف في زمن الخروج لا من جهة المخالفة،
وإلا فيضمن. قال الرافعي: وفي تقييدهم الصورة بما إذا قال احفظها في البيت إشعار بأنه لو لم يقل ذلك جاز له أن يخرج
بها مربوطة، ويشبه أن يكون المرجع فيه إلى العادة اه‍. وهذا هو الظاهر. (وإن أمسكها بيده لم يضمن إن أخذها غاصب
ويضمن إن تلفت بغفلة أو نوم) لتقصيره. (وإن) دفع إليه دراهم بالسوق، و (قال احفظها في البيت فليمض إليه) فورا
(ويحرزها فيه) عقب وصوله: (فإن أخر بلا عذر ضمن) لتفريطه. قال السبكي: وينبغي أن يرجع فيه إلى العرف، وهو
يختلف باختلاف نفاسة الوديعة وطول التأخير وضدهما. وقال الفارقي: إن كان ممن عادته القعود بالسوق إلى وقت معلوم
لاشتغاله بتجارة وغيرها فأخرها إلى ذلك الوقت لم يضمن، فإن لم تجر عادته بالقعود ولا له وقت معلوم في المضي إلى
البيت فأخرها ضمن، هذا عند الاطلاق، فأما إذا قال أحرزها الآن في البيت فقبل وأخرها ضمن مطلقا اه‍. قال
الأذرعي: وهذا متجه من جهة العرف، لكن المنقول في الشامل وحلية الروياني وغيرهما عن النص من غير مخالفة يرده، فإنهم قالوا: لو قال له وهو في حانوته احملها إلى بيتك لزمه أن يقوم في الحال ويحملها إليه، فلو تركها في
حانوته ولم يحملها إلى البيت مع الامكان ضمن اه‍. وهذا هو المعتمد، ولا نظر إلى عادته لأنه هو الذي ألزم نفسه
ذلك، ولذلك قال بعضهم: ثلاثة أحرف شنيعة: ضاد الضمان، وطاء الطلاق، وواو الوديعة، ولو قال:
احفظ هذا في يمينك فجعله في يساره ضمن، وبالعكس لا يضمن، لأن اليمين أحرز، لأنها تستعمل أكثر غالبا.
قال الأذرعي: لكن لو هلك للمخالفة ضمن. وقضية التعليل أنه لو كان أعسر انعكس الحكم، وأنه لو كان
يعمل بهما على السواء كانا سواء. (ومنها) أي عوارض الضمان، (أن يضيعها بأن يضعها) بغير إذن مالكها (في غير
حرز مثلها) ولو قصد بذلك إخفاءها، لأن الودائع مأمور بحفظها في حرز مثلها. (أو يدل) بضم الدال، (عليها سارقا)
بأن يعين له مكانها وتضيع بالسرقة كما في الروضة وأصلها. (أو) يدل عليها (من يصادر المالك) فيها، بأن عين له
87

موضعها فضاعت بذلك لمنافاة ذلك للحفظ، بخلاف ما إذا أعلمه بها غيره لأنه لم يلتزم حفظها، وبخلاف ما إذا ضاعت
بغير ذلك أو به ولم يعين موضعها. ولو أعلمه بها هو وغيره لا شئ على غيره وعليه هو الضمان لما مر.
تنبيه: قضية كلام المصنف أنه يضمن ولو أعلم المصادر بها مكرها، وهو كذلك. قال السبكي: وهذا يجب
القطع به. وفرق بينه وبين المحرم إذا دل على صيد حيث لم يضمنه، بأن الوديع التزم الحفظ بخلاف المحرم. وحمل
الزركشي نقل الماوردي عن مذهب الشافعي أنه لا يضمن على قرار الضمان لا أنه لا يكون ضامنا. وقضية كلامه أيضا
حصر التضييع فيما ذكره، وليس مرادا، بل منه الضياع بالنسيان. ومنه دفنها في حرز ثم ينساه. ومنه ما لو قعد في
الطريق ثم قام ونسي الوديعة. ولو عين المالك للوديعة ظرفا من ظروفه فنقلها الوديع منه إلى غيره منها وهو مساو له
أو أعلى منه فلا يضمن لأن الظرف والمظروف وديعتان وليس فيه إلا حفظ أحدهما في حرز والآخر في آخر، وإن كان
الثاني دون المعين ضمن، وإن كانت الظروف للوديع فكالبيوت فيما مر فيها. ولو نهاه عن دخول أحد عليها، أو عن
الاستعانة على حفظها بحارث، أو عن الاخبار بها فخالفه فيه، ضمن إن كان أخذها الداخل عليها أو الحارس لها أو تلفت
بسبب الاخبار وإن لم يعين موضعها. وإن أخذها غير من ذكر أو تلفت لا بسبب الاخبار فلا ضمان، فقول العبادي:
ولو سأله رجل هل عندك لفلان وديعة وأخبره ضمن لأن كتمانها من حفظها، محمول على الضمان بالأخذ لا بسبب آخر.
(فلو أكرهه) أي الوديع، (ظالم) على تسليم الوديعة (حتى سلمها إليه فللمالك تضمينه) أي الوديع (في
الأصح) لتسليمه، والضمان يستوي فيه الاختيار والاضطرار. (ثم يرجع) الوديع (على الظالم) لاستيلائه عليها.
والثاني: ليس له تضمينه للاكراه ويطالب الظالم، وعلى الأول مطالبة الظالم أيضا. وخرج بقوله: سلمها إليه ما لو أخذها
الظالم بنفسه قهرا من غير دلالة فالضمان عليه فقط جزما. فإن قيل: رجح المصنف فيما لو أكره الصائم حتى أكل عدم
الفطر مع موافقته على ترجيح التضمين هنا فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن هنا استيلاء على ملك الغير فضمناه،
وفي الصوم فعله كلا فعل، لأن الحق فيه لله تعالى. ويجب على الوديع إنكار الوديعة عن الظالم والامتناع من إعلامه
بها جهده، فإن ترك ذلك مع القدرة عليه ضمن، وله أن يحلف على ذلك لمصلحة حفظها، قال الأذرعي: ويتجه
وجوب الحلف إذا كانت الوديعة رقيقا والظالم يريد قتله أو الفجور به. ويجب أن يوري في يمينه إذا حلف وأمكنته
التورية وكأن يعرفها لئلا يحلف كاذبا، فإن لم يور كفر عن يمينه لأنه كاذب فيها، فإن حلف بالطلاق أو العتق مكرها
عليه أو على اعترافه فحلف حنث لأنه فدى الوديعة بزوجته أو رقيقه، وإن اعترف بها وسلمها ضمنها لأنه فدى زوجته
أو رقيقه بها، ولو أعلم اللصوص بمكانها فضاعت بذلك ضمن لمنافاة ذلك للحفظ لا إن أعلمهم بأنها عنده من غير تعيين
مكانها فلا يضمن بذلك. (ومنها) أي عوارض الضمان، (أن ينتفع بها بأن يلبس) الثوب مثلا (أو يركب) الدابة
(خيانة) بخاء معجمة، أي لا لعذر فيضمن لتعديه. قال المتولي: ومنه القراءة في الكتاب. وخرج بقوله: خيانة ركوب
الجموح للسقي، أو خوف الزمانة عليها، ولبس الصوف ونحوه لدفع الدود ونحوه، وما لو أودعه خاتمه وأمره بلبسه
في خنصره فجعله في بنصره فإنه لا يضمن لأنه أحرز لكونه أغلظ، إلا إن جعله في أعلاه أو في وسطه أو انكسر لغظ
البنصر فيضمن لأن أسفل الخنصر. البنصر فيضمن لأن أسفل الخنصر أحفظ من أعلى البنصر ووسطه في غير الأخيرة وللمخالفة في الأخيرة. وإن قال له:
اجعله في البنصر فجعله في الخنصر، فإن كان لا ينتهي إلى أصل البنصر فالذي فعله أحرز فلا ضمان، وإلا ضمن. ولو لم يأمره
بشئ فوضعه في الخنصر لا غيرها ضمن لأنه استعمله بلا ضرورة، بخلاف ما لو وضعه في غيرها لأن ذلك لا يعد استعمالا،
نعم إن قصد بلبسه فيها الحفظ لم يضمن. وغير الخنصر للمرأة في حفظها للخاتم كالخنصر، لأنها قد تتختم في غيره.
قال الأسنوي: والخنثى يحتمل إلحاقه بالرجل إذا لبس الخاتم في غير خنصره، لأن الأصل عدم الضمان،
ويحتمل مراعاة
الأغلظ هنا وهو التحاقه بالمرأة كما غلظنا في إيجاب الزكاة فألحقناه بالرجل اه‍. وهذا الثاني هو المتجه.
88

تنبيه: يستثنى من مفهوم قول المصنف خيانة ما لو استعمل الوديعة ظانا أنها ملكه فيضمن مع أنه لا خيانة كما في
الروضة وأصلها في باب الغصب عن جزم الإمام. (أو يأخذ الثوب) من محله (ليلبسه أو الدراهم) من محلها (لينفقها) غير
ظان أنها ملكه، (فيضمن) بما ذكروا إن لم يلبس ولم ينفق لاقتران الفعل بنية التعدي فإن تلف المأخوذ في يده ضمنه،
فإن مضت في يده مدة بعد التعدي وجب عليه أجرة مثل تلك المدة. فيحمل قول المصنف: فيضمن على أن ذلك صار
مضمونا عليه كالمغصوب حتى يتناول ضمان العين في صورة التلف والأجرة عند مضي المدة، وعلى ذلك حمل المصنف
في نكته كلام
التنبيه. أما إذا أخذها ظانا أنها ملكه فإنه لا يضمنها إلا إن انتفع بها كما مر.
تنبيه: احترز بقوله: الدراهم عما لو أخذ بعضها، كأن أخذ منها درهما لينتفع به، فإن رد بدله إليها لم يملكه
المالك إلا بالدفع إليه ولم يبرأ عن ضمانه، ثم إن لم يتميز عنها ضمن الجميع لخلط الوديعة بمال نفسه، وإن تميز عنها فالباقي
غير مضمون عليه، وإن تميز عن بعضها لمخالفته له بصفة كسواد وبياض وسكة ضمن ما لا يتميز خاصة، وإن رده بعينه
إليها لم يضمن غيره من بقية الدراهم وإن تلفت كلها أو لم يتميز هو عنها لاختلاطه بها، لأن هذا الخلط كان حاصلا
قبل الاخذ، وإن تلف نصفها ضمن نصف الدراهم فقط هذا كله إذا لم يفتح قفلا عن صندوق، أو ختما عن كيس
فيه الدراهم، فإن فتحه أو أودعه دراهم مثلا مدفونة فنبشها ضمن الجميع وإن لم يأخذ شيئا لأنه هتك الحرز. وفي
ضمان الصندوق والكيس وجهان: أوجههما كما قاله شيخنا الضمان لأنهما من الوديعة. ولو فتح الربط الذي يشد به
رأس الكيس لم يضمن، لأن القصد منه منع الانتشار، إلا أن يكون مكتوما عنه فيضمن. ولو خرق الكيس من فوق
الختم لم يضمن إلا نقصان الخرق، نعم إن خرقه معتمدا ضمن جميع الكيس. ولو عد الدراهم المودوعة أو وزنها
أو ذرع الثوب كذلك ليعرف قدر ذلك، لم يضمنه كما جزم به صاحب الأنوار، لأن الشرع ورد بذلك في اللقطة، وهي
أمانة شرعية، فهذه أولى. ولو نوى الاخذ للوديعة جنانة، أو نوى تعييبها، (ولم يأخذ) ولم يعيب، لم (يضمن على
الصحيح) المنصوص، لأنه لم يحدث فعلا. والثاني: يضمن، كما لو نواه ابتداء. وأجاب الأول بأن النية في الابتداء
اقترنت بالفعل فأثرت ولا كذلك هنا.
تنبيه: محل الخلاف في التضمين، أما التأثيم فلا خلاف أنه يأثم بنية الاخذ. وأفهم كلامه أنه إذا أخذها
يضمن من وقت نية الاخذ، حتى لو نوى يوم الخميس وأخذ يوم الجمعة يضمن من يوم الخميس. والمراد بالنية
كما قال الإمام
تجريد القصد لاخذها، فأما ما يخطر بالبال وداعية الدين تمنعه فلا حكم له. وإن تردد الرأي ولم يجز قصدا، فالظاهر
عندنا أنه لا حكم له حتى يجرد قصد العدوان. (ولو خلطها) أي الوديعة (بماله) وإن قل كما قاله الإمام، (ولم تتميز ضمن)
لأن المودع لم يرض بذلك. فإن تميزت بسكة أو عتق أو حداثة أو كانت دراهم فخلطها بدنانير، لم يضمن. نعم إن
حدث بالخلط نقص ضمنه. قال الزركشي: وليس الضابط التمييز بل سهولته، حتى لو خلط حنطة بشعير مثلا كان مضمنا
فيما يظهر اه‍. وهذا ظاهر إذا عسر التمييز.
تنبيه: قوله: ضمن أي الوديعة بالمثل إن كانت مثلية، وبأقصى القيم إن كانت متقومة كالمغصوب. ويملك
الوديعة كما صرحا به في باب الغصب فيما إذا خلط الحنطة والزيت ونحوهما بمثلهما له، إذ الذي لا يتميز هالك حتى ينتقل
ذلك إليه ويترتب في ذمته الغرم. (ولو خلط دراهم كيسين) مثلا غير مختومين، (للمودع) ولم تتميز بسهولة: (ضمن
في الأصح) لتعديه. والثاني: لا، لأن كلا لمالك واحد. أما إذا كانا مختومين أو أحدهما فإنه يضمن بالفض وإن لم
يخلط كما مر، وإن كانت لمودعين فأولى بالضمان. ولو قطع الوديع يد الدابة المودعة أو أحرق بعض الثوب المودع عنده
خطأ ضمن المتلف فقط دون الباقي لعدم تعديه فيه، أو شبه عمد أو عمدا ضمنهما جميعا لتعديه. فإن قيل: هذا يخالف
تسويتهم الخطأ بالعمد في الضمان. أجيب بأن التسوية في ضمان الاتلاف كما في بعض المتلف في مسألتنا لا في
89

ضمان التعدي كما في الباقي فيها إذ لا تعدي فيه. (ومتى صارت) أي الوديعة (مضمونة بانتفاع وغيره) مما مر، (ثم ترك الخيانة
لم يبرأ) من الضمان، ولا يجوز له بعد التعدي حفظها كما في فتاوي البغوي، بل عليه ردها، بخلاف المرهون في يد
المرتهن والمال في يد الوكيل بعد تعديهما. (فإن أحدث له المالك استئمانا) كقوله: استأمنتك عليها أو أبرأتك من ضمانها،
أو أمره بردها إلى الحرز، (برئ في الأصح) لأنه أسقط حقه. والثاني: لا يبرأ حتى يردها إليه أو إلى وكيله، لخبر: على
اليد ما أخذت حتى تؤديه.
تنبيه: احترز بقوله: أحدث عما لو قال له في الابتداء أودعتك، فإن خنت ثم تركت الخيانة عدت أمينا فخان ثم
ترك الخيانة فلا يعود أمينا قطعا كما نقلاه عن المتولي وأقراه، لأنه إسقاط ما لم يجب وتعليق للوديعة. قال الأذرعي: ولا خفاه أن هذا الاستئمان إنما هو للمالك خاصة لا للولي والوكيل ونحوهما بل لا يجوز لهم ذلك، ولو فعلوه لم يعد أمينا
قطعا. ولو أتلف الوديع الوديعة ثم أحدث له المالك استئمانا في البدل لم يبرأ بلا خلاف، لأن الواجب عليه أن يرد البدل
إلى المالك. ثم شرع في الحكم الثالث، وهو ردها عند بقائها على مالكها إذا طلبها، فقال: (ومتى طلبها) أي الوديعة
(المالك) أو وارثه بعد موته وهو أهل للقبض، (لزمه) أي الوديع (الرد) لقوله تعالى: * (إن الله يأمركم ان تؤدوا
الأمانات إلى أهلها) *. أما إذا لم يكن أهلا للقبض كمحجور عليه فلا يلزمه الرد إليه، بل يحرم، فإن رد عليه ضمن.
ولو رد على المالك في حال سكره، قال القفال في فتاويه: يحتمل أن يقال لا ضمان، لأن السكران مخاطب بخلاف
الصبي اه‍. وهذا ظاهر. وليس المراد برد الوديعة حملها إلى مالكها، بل يحصل (بأن يخلي بينه وبينها) فقط، وليس له
أن يلزم المالك الاشهاد، وإن كان أشهد عليه عند الدفع فإنه يصدق في الدفع، بخلاف ما لو طلبها وكيل المودع، لأنه
لا يقبل قوله في دفعها إليه. ولو كان الذي أودعه حاكما ثم طلبه فعليه أن يشهد له بالبراءة، لأنه لو عزل لم يقبل قوله،
قاله الإصطخري في أدب القضاء. قال الزركشي: ويجئ مثله إذا كان المودع ينوب عن غيره بولاية أو وصية. ولو
أودع شخص يعرف باللصوصية وديعة عند آخر وغلب على ظن الوديع أنها لغيره ثم طالبه بالرد هل يلزمه أو يتوقف
فيه ويطلب صاحبها فإذا لم يظهر مع امتداد الزمان رده؟ احتمالان في البحر، والذي يظهر أنه ليس له امتناع لظاهر
اليد. ولو بعث شخص رسولا لقضاء حاجة وأعطاه خاتمه أمارة لمن يقضي له الحاجة وقال: رده علي بعد قضائها فوضعه
بعد قضائها في حرز مثله، لم يضمن إذ لا يجب عليه إلا التخلية لا النقل. ولو قال من عنده وديعة لمالكها: خذ وديعتك
لزمه أخذها كما في البيان، وعلى المالك مؤنة الرد.
تنبيه: ما ذكره المصنف حيث لا شريك للمودع، فلو أودعه اثنان وجاء أحدهما يسترد نصيبه لم يدفعه إليه
كما جزم به الرافعي، لأنهما أنفقا في الايداع فكذا في الاسترداد، بل يرفع الامر إلى الحاكم ليقسمه ويدفع إليه نصيبه.
واحترز بتفسير الرد بالتخلية عن رد الأمانات الشرعية، كثوب طيرته الريح في داره، فإن ردها بالأعلام بحصولها
في يده. (فإن أخر) رد الوديعة بالمعنى المذكور (بلا عذر ضمن) لتعديه، فإن تأخر لعذر كصلاة وطهارة وملازمة
غريم وأكل لم يضمن. هذا إن كان العذر لا يطول زمنه، فإن كان يطول كنذر اعتكاف شهر مثلا أو إحرام يطول
زمنه، قال الأذرعي: فينبغي أن يقال إن تمكن من توكيل أمين متبرع يخلي بينها وبين ربها لزمه ذلك، فإن أخر
ضمن، فإن لم يمكن ذلك فليرفع المالك الامر إلى الحاكم ليبعث إليه بعد ثبوت الايداع عنده أن يبعث معه من يخلي
بينه وبينها، فإن أبى بعث معه الحاكم أمينا يسلمها إليه كما لو كان الوديع غائبا اه‍. ولو قال له المالك: أعط وكيلي فلانا
وتمكن ضمن بالتأخير ولو لم يطالبه الوكيل، وكذا من يعرف مالك الضالة وما طيرته الريح. وإن أخر عن وكيل حتى
يشهد عليه لم يضمن، لما مر أنه لا يقبل قوله في الرد إليه، أو ليعطي آخر وقد قال له: أعطها أحد وكلائي ضمن، فإن
قال مع ذلك: ولا تؤخر فأخر عصى أيضا، فإن قال: أعط من شئت منهم لم يعص بالتأخير ولم يضمن في أحد وجهين
90

رجحه الأذرعي. (إن ادعى تلفها ولم يذكر) له (سببا أو ذكر) له سببا (خفيا كسرقة، صدق) في ذلك (بيمينه) بالاجماع
كما قاله ابن المنذر، لأنه ائتمنه فليصدقه ولا يلزمه بيان السبب في الأولى، نعم يلزمه أن يحلف له أنها تلفت بغير تفريط.
وإذا نكل عن اليمين عند ذكر السبب الخفي حلف، أي المالك على نفي العلم، وقيل: على البت والغصب كالسرقة كما قاله
البغوي وقال الرافعي: إنه الأقرب، وقيل: كالموت، ورجحه المتولي. وقال الأذرعي: إن ادعى وقوعه في مجمع طولب ببينة
وإلا فلا اه‍. وينبغي حمل الكلامين على ذلك.
تنبيه: شمل إطلاق دعوى السرقة ما لو طلبها المالك، فقال أردها، ولم يخبره بالسرقة ثم طالبه فأخبره. وقال العبادي:
إن كان يرجو وجودها فلا ضمان، وإن أيس منها ضمن، نقله عنه الزركشي وأقره، والاطلاق أظهر. (وإن ذكر) سببا (ظاهرا
كحريق، فإن عرف الحريق وعمومه) ولم يحتمل سلامة الوديعة كما قاله ابن المقري (صدق بلا يمين) لأن ظاهر الحال
يغنيه عن اليمين. أما إذا احتمل سلامتها بأن عم ظاهرا لا يقينا فيحلف لاحتمال سلامتها كما قاله البلقيني. (وإن عرف)
الحريق (دون عمومه صدق بيمينه) لاحتمال ما ادعاه من السبب الظاهر، (طولب ببينة) عليه (ثم يحلف
على التلف به) لاحتمال أنها لم تتلف به، ولا يكلف البينة على التلف به لأنه مما يخفى فإن لم تقم بينة أو نكل عن اليمين حلف
المالك على نفي العلم بالتلف واستحق. (وإن ادعى) وهو مستمر على أمانته (ردها على من ائتمنه) من مالك وحاكم وولي
ووصي وقيم، (صدق بيمينه) وإن أشهد عليه بها عند دفعها لأنه ائتمنه، أما لو ضمنها بتفريط أو عدوان فإنه لا يقبل دعواه
ردها.
تنبيه: ما ذكره المصنف يجري في كل أمين كوكيل وشريك وعامل قراض وجاب في رد ما جباه على الذي استأجره
للجباية كما قاله ابن الصلاح، وأمين ادعى الرد على الوديع إذا أودعه عند سفره، لأنه ائتمنه بناء على أن للوديع الاسترداد
إذا عاد من سفره، وهو المعتمد، بخلاف ما إذا ادعى الرد على المالك فإنه لا يصدق كما سيأتي لأنه لم يأتمنه، ولا يصدق ملتقط الشئ
ولا من ألقت عليه الريح ثوبا في الرد إلى المالك لأنه لم يأتمنهما. وضابط الذي يصدق بيمينه في الرد هو كل أمين ادعى الرد
على من ائتمنه إلا المرتهن والمستأجر فإنهما يصدقان في التلف لا في الرد، لأنهما أخذا العين لغرض أنفسهما. وقال ابن القاص
وغيره: كل مال تلف في يد أمين من غير تعد لا ضمان عليه إلا فيما إذا استسلف السلطان لحاجة المساكين زكاة قبل حلولها
فتلفت في يد فيضمنها لهم، أي في بعض صورها المقررة في محلها، وقول الزركشي: ويلحق بها ما لو اشترى عينا وحبسها البائع
على الثمن ثم أودعها عند المشتري فتلفت فإنها من ضمانه ويتقرر عليه الثمن ممنوع، بل الراجح أنه لا يتقرر عليه، فهو كما لو
تلف في يد البائع كما هو مذكور في باب المبيع قبل قبضه. (أو) ادعى الرد (على غيره) أي غير من ائتمنه، (كوارثه) أي المالك
(أو ادعى وارث المودع) بفتح الدال، (الرد) للوديعة منه لا من مورثه (على المالك، أو أودع عند سفره أمينا فادعى الأمين
الرد على المالك، طولب) كل ممن ذكر (ببينة) بالرد على من ذكر، إذ الأصل عدم الرد ولم يأتمنه. أما إذا ادعى الوارث
الرد من مورثه فإنه يصدق بيمينه لدخول ذلك في الضابط المتقدم، وصرح به اللغوي، وقال الرافعي وهو الوجه، لأن
الأصل عدم حصولها في يده، وقال ابن أبي الدم: إنه الأصح، وخالف في ذلك المتولي وقال: يطالب بالبينة. (وجحودها)
91

بلا عذر (بعد طلب المالك) لها (مضمن) كخيانته. أما لو جحدها بعذر كأن طالب المالك بها ظالم فطلب المالك
الوديع بها فجحدها دفعا للظالم أو جحدها بلا طلب من مالكها، وإن كان الجحد بحضرته كقوله ابتداء: لا وديعة عندي
لاحد فإنه لا يضمن لأن إخفاءها أبلغ في حفظها ولو لم يطلبها المالك، ولكن قال: لي عندك وديعة فأنكر لم يضمن أيضا
على الأصح لأنه قد يكون في الاخفاء غرض صحيح، ولو جحدها بعد الطلب ثم قال: كنت غلطت أو نسيت لم يبرأ إلا
أن يصدقه المالك.
فائدة: سئل الشيخ عز الدين عن رجل تحت يده وديعة مضت عليها مدة طويلة ولم يعرف صاحبها وأيس من معرفته
بعد البحث التام، فقال: يصرفها في أهم مصالح المسلمين، ويقدم أهل الضرورة ومسيس الحاجة، ولا يبني بها مسجدا،
ولا يصرفها إلا فيما يجب على الإمام العادل صرفها فيه، وإن جهله فليسأل أورع العلماء بالمصالح الواجبة التقديم.
خاتمة: لو تنازعا الوديعة اثنان بأن ادعى كل منهما أنها ملكه فصدق الوديع أحدهما بعينه فللآخر تحليفه، فإن حلف
سقطت دعوى الآخر، وإن نكل حلف الآخر وغرم له الوديع القيمة، وإن صدقهما فاليد لهما والخصومة بينهما، وإن
قال: هي لاحدكما ونسيته وكذباه في النسيان ضمن كالغاصب، والغاصب إذا قال: المغصوب لاحدكما وأنسيته فحلف
لأحدهما على البت أنه لم يغصبه تعين المغصوب للآخر بلا يمين. ولو ادعى الوارث علم الوديع بموت المالك وطلب منه
الوديعة فله تحليفه على نفي العلم بذلك، فإن نكل حلف الوارث وأخذها، وإن قال الوديع: حبستها عندي لأنظر هل أوصى
بها مالكها أم لا فهو متعد ضامن، ولو أودعه ورقة مكتوبا فيها الحق المقر به وتلفت بتقصير ضمن قيمتها مكتوبة وأجرة
الكتابة، كذا قالاه. فإن قيل، هذا الأوجه له فإن الورقة المكتوبة متقومة فإذا تلفت لزمه قيمتها ولا نظر لأجرة الكتابة،
ولو صح هذا للزم أنه لو أتلف على غيره ثوبا مطرزا غرم قيمته وأجرة التطريز، وهذا لا يقوله أحد، والغاصب إنما
يغرم القيمة فقط كما أجاب به الماوردي وغيره، فالصواب لزومها فقط. أجيب بأن التطريز يزيد قيمة الثوب غالبا،
ولا كذلك الكتابة فإنها قد تنقصها، وعلى هذا لا فرق بين الكتاب الكامل وغيره.
كتاب قسم الفئ والغنيمة
هذا شطر بيت موزون، والقسم بفتح القاف مصدر قسمت الشئ، والفئ مصدر فاء يفئ إذا رجع، ثم استعمل
في المال الراجع من الكفار إلينا من استعمال المصدر في اسم الفاعل لأنه راجع، والمفعول لأنه مردود. وقال القفال
في المحاسن: سمي الفئ بذلك لأن الله تعالى خلق الدنيا وما فيها للاستعانة على طاعته، فمن خالفه فقد عصاه وسبيله الرد
إلى من يطيعه، وهذا المعنى يشمل الغنيمة أيضا، لذلك قيل اسم الفئ يشملها دون العكس، ومن ذلك قولهم يسن
وسم نعم الفئ. وقيل: يقع اسم كان منهما على الآخر، فإن جمع بينهما افترقا كالفقير والمسكين، والمشهور تغايرهما
كما ذكره المصنف. والغنيمة فعيلة بمعنى مفعولة من الغنم وهو الربح، استعملت شرعا في ربح من الكفار خاص،
وسميت بذلك لأنها فضل وفائدة محضة. والأصل في الباب قوله تعالى: * (ما أفاء الله على رسوله) * وقوله تعالى: * (واعلموا
أنما غنمتم من شئ) * الآيتين، وفي حديث. وفد عبد القيس وقد فسر لهم رسول الله (ص) الايمان وأن
تعطوا من المغنم الخمس، متفق عليه. ولم تحل الغنائم لاحد قبل الاسلام، بل كانت الأنبياء إذا غنموا مالا جمعوه فتأتي
نار من السماء تأخذه، ثم أحلت للنبي (ص) فكانت في صدر الاسلام له خاصة لأنه كالمقاتلين كلهم نصرة
وشجاعة بل أعظم يصنع فيها ما يشاء، وعليه يحمل إعطاؤه (ص) من لم يشهد بدرا، ثم نسخ ذلك واستقر
الامر على ما يأتي. وذكر صاحب التنبيه وغيره هذا الكتاب بعد كتاب الجهاد، وهو أنسب، وذكره المصنف هنا
اقتداء بالمزني وغيره، فقال: (الفئ: مال) أو نحوه ككلب ينتفع به، (حصل) لنا (من كفار) مما هو لهم (بلا قتال
92

و) لا (إيجاف) أي إسراع (خيل و) لا سير (ركاب) أي إبل ونحوها كبغال وحمير وسفن ورجاله. وخرج بزيادة لنا
ما حصله أهل الذمة من أهل الحرب فإنه لا ينزع منهم، وبزيادة مما هو لهم ما أخذوه من مسلم أو ذمي أو نحوه بغير حق، فإنا
لم نملكه بل يرد على مالكه إن عرف وإلا فيحفظ.
تنبيه: اعتبر المصنف في حصول الفئ انتفاء القتال وإيجاف الخيل والركاب، وهذا يصدق بانتفاء المجموع وبانتفاء
كل واحد على انفراده، والمراد هو الثاني، فإن واحدا من الثلاثة كاف في حصول اسم الغنيمة فلا يكون فيئا حتى تنتفي
الثلاثة، فكان ينبغي أن يقول: ولا إيجاف خيل ولا ركاب، كما قدرته في كلامه. وأجاب بعض المتأخرين عنه بأن الواو
في كلامه بمعنى أو: أي الفئ ما حصل عند انتفاء أحد هذه الثلاثة، وهو أعم من كل واحد منها، والأعم إذا انتفى ينتفي
الأخص لانتفاء الانسان بانتفاء الحيوان. وقال بعضهم: إنما يظهر كون الواو بمعنى أو في جانب الاثبات في حد الغنيمة،
وأما في جانب النفي في حد الفئ فالواو على بابها، والمراد انتفاء كل واحد على انفراده كما مر، وهذا أظهر. ثم ذكر
أنواعا ستة من الفئ أشار لها بقوله: (كجزية وعشر تجارة) من كفار شرطت عليهم إذا دخلوا دارنا، وخراج ضرب
عليهم على اسم جزية. (وما جلوا) أي تفرقوا (عنه خوفا) من المسلمين أو غيرهم، (ومال مرتد قتل أو مات) على الردة،
(وذمي) أو نحوه (مات بلا وارث) أو ترك وارثا غير حائز.
تنبيه: هذا التعريف ليس بجامع، فإن المال يخرج الاختصاصات مع أنها فئ كما مر، فلو قال: ما حصل، كان أولى،
وليس بمانع لدخول ما حصل من سرقة أو هبة ونحو ذلك كلقطة فإنه غنيمة لا فئ. وما أهدوه لنا في غير الحرب فإنه ليس
بفئ كما أنه ليس بغنيمة بل هو لمن أهدي له، وأما ما أهدوه لنا والحرب قائمة فهو غنيمة كما سيأتي. ولو حذف المصنف
لفظ الخوف لكان أولى ليدخل المال الذي جلوا عنه لضر أصابهم أو صولحوا عليه بلا قتال فإنه فئ وإن لم يكن خوف.
ثم أشار لحكم الفئ بقوله: (فيخمس) جميعه خمسة أخماس متساوية كالغنيمة، خلافا للأئمة الثلاثة حيث قالوا لا يخمس بل
جميعه لمصالح المسلمين. لنا قوله تعالى: * (ما أفاء الله على رسوله) * الآية، فأطلق ههنا، وقيد في الغنيمة فحمل المطلق على
المقيد جمعا بينهما لاتحاد الحكم، فإن الحكم واحد وهو رجوع المال من المشركين للمسلمين وإن اختلف السبب بالقتال
وعدمه كما حملنا الرقبة في الظهار على المؤمنة في كفارة القتل. وكان (ص) يقسم له أربعة أخماسه وخمس خمسه، ولكل من
الأربعة المذكورين معه في الآية خمس خمس. وأما بعده (ص) فيصرف ما كان له من خمس الخمس لمصالحنا، ومن الأخماس
الأربعة للمرتزقة كما تضمن ذلك قول المصنف: (وخمسه) أي الفئ (لخمسة) فالقسمة من خمسة وعشرين، (أحدهما: مصالح
المسلمين) فلا يصرف منه شئ لكافر. ثم مثل المصنف للمصالح بقوله: (كالثغور) جمع ثغر، أي سدها وشحنها بالعدد والمقاتلة،
وهي مواضع الخوف من أطراف بلاد الاسلام التي تليها بلاد المشركين فيخاف أهلها منهم. وكعمارة المساجد والقناطر
والحصون، (و) أرزاق (القضاة) والأئمة (والعلماء) بعلوم تتعلق بمصالح المسلمين، كتفسير وحديث وفقه، وطلبة هذه العلوم.
تنبيه: نبه المصنف رحمه الله تعالى بالعلماء على كل ما فيه مصلحة عامة للمسلمين، كالأئمة ومعلمي القرآن والمؤذنين،
لأن بالثغور حفظ المسلمين ولئلا يتعطل من ذكر بالاكتساب عن الاشتغال بهذه العلوم وعن تنفيذ الأحكام وعن التعليم
والتعلم فيرزقون ما يكفيهم ليتفرغوا لذلك. قال الزركشي نقلا عن الغزالي: تعطى العلماء والقضاة مع الغنى وقدر المعطى
إلى رأي السلطان بالمصلحة، ويختلف بضيق المال وسعته. قال الغزالي: ويعطى أيضا من ذلك العاجز عن الكسب لا مع
الغنى. والمراد بالقضاة غير قضاة العسكر، أما قضاتهم الذين يحكمون لأهل الفئ في مغزاهم فيرزقون من الأخماس الأربعة لا من
خمس الخمس كما قاله الماوردي، قال: وكذا أئمتهم ومؤذنوهم وعمالهم. (يقدم الأهم) فالأهم منها وجوبا، وأهمها كما
في التنبيه سد الثغور لأن فيه حفظ المسلمين.
93

تنبيه: قال في الاحياء: لو لم يدفع السلطان إلى المستحقين حقوقهم من بيت المال، فهل يجوز لأحدهم أخذ
شئ من بيت المال؟ فيه أربعة مذاهب: أحدها لا يجوز أخذ شئ أصلا لأنه مشترك ولا يدرى قدر حصته منه، قال:
وهذا غلو. والثاني: يأخذ كل يوم قوت يوم. والثالث: يأخذ كفاية سنة. والرابع: يأخذ ما يعطى وهو حصته، قال:
وهذا هو القياس، لأن المال ليس مشتركا بين المسلمين كالغنيمة بين الغانمين والميراث بين الورثة لأن ذلك لهم،
حتى لو ماتوا قسم بين ورثتهم، وهنا لو مات لم يستحق وارثه شيئا اه‍. وأقره في المجموع على هذا الرابع، وهو ظاهر.
وفي فتاوى المصنف: لو غصب من جماعة من كل واحد شيئا معينا وخلط الجميع ثم فرق عليهم جميع المختلط على قدر
حقوقهم فإنه يحل لكل واحد وجد قدر حصته، فإن فرق على بعضهم فللمدفوع إليه أن يقسم القدر الذي أخذه
عليه، وعلى الباقين بالنسبة إلى قدر أموالهم اه‍. وقد مرت الإشارة إلى ذلك في باب الغصب. (والثاني: بنو هاشم و)
بنو (المطلب) ومنهم إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه، وهم آل النبي (ص)، وهم المراد بذي القربى في الآية
دون بني عبد شمس وبني نوفل وإن كان الأربعة أولاد عبد مناف، لاقتصاره (ص) في القسم على بني الأولين مع
سؤال بني الآخرين له، رواه البخاري. ولأنهم لم يفارقوه في جاهلية ولا إسلام، حتى إنه لما بعث (ص) بالرسالة نصروه
وذبوا عنه، وبخلاف بني الآخرين بل كانوا يؤذونه. والثلاثة الأول أشقاء، ونوفل أخوهم لأبيهم، وعبد شمس هو
جد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه. والعبرة بالانتساب إلى الآباء، أما من انتسب منهم إلى الأمهات فلا، كذا
قالاه. واستثنى السبكي أولاد بناته (ص) كأمامة بنت أبي العاص من بنته زينب وعبد الله بن عثمان من بنته
رقية،
فإنهم من ذوي القربى بلا شك، قال: ولم أرهم تعرضوا لذلك، فينبغي الضبط بقرابة هاشم والمطلب لا بينهما اه‍.
وحينئذ فيستثنى أولاد بناته (ص) من قولهم: إنه لا عبرة بالانتساب إلى الأمهات، ويؤيده ما صححوه: أن من
خصائصه (ص) انتساب أولاد بناته إليه بخلاف غيره، قاله ابن شهبة. وأجاب شيخنا بأن المذكورين توفيا صغيرين
ولم يكن لهما نسل فلا فائدة لذكرهما اه‍. فلا يحتاج إلى استثناء السبكي مع أنه دخل في عبارته غير المراد، فإن قرابة
هاشم والمطلب أعم من فروعهما على الوجه المذكور. (يشترك) في خمس الخمس (الغني والفقير) لاطلاق الآية،
وأعطى النبي (ص) العباس منه، وكان من أغنياء قريش. (والنساء) لأن الزبير رضي الله تعالى عنه كان يأخذ
سهم أمه صفية عمة النبي (ص)، وكان الصديق رضي الله تعالى عنه يدفع للسيدة فاطمة رضي الله تعالى عنها منه، ولولا هذه
الأدلة لم يدفع للنساء شئ لأن الآية إنما تدل على الصرف للذكور، فإن ذو اسم مذكر وجعله للشخص الذي يشمل
الذكر والأنثى يحتاج إلى دليل، قاله السبكي. (و) لكن (يفضل الذكر) ولو صغيرا على الأنثى، فله سهمان ولها سهم
فإنه عطية من الله تعالى يستحق بقرابة الأب. قال الأذرعي: والظاهر أن الخنثى كالأنثى، ولا يوقف له شئ اه‍.
بل الظاهر أنه يوقف له تمام نصيب الذكر كما يؤخذ من قول المصنف: (كالإرث) وحكي الإمام في أن الذكر يفضل
على الأنثى إجماع الصحابة، ونقل عن المزني وأبي ثور وابن جرير التسوية.
تنبيه: علم من قوله: كالإرث أنهم لو أعرضوا عن سهمهم لم يسقط، وهو الأصح. وقد ذكره المصنف في السير.
ومن إطلاق الآية أنه يجب تعميمهم، وأنه يسوي بين مدل بجهتين ومدل بجهة وإن خالف في ذلك القاضي حسين،
وأنه لا يفضل كبير على صغير ولا قريب على بعيد ولا حاضر بموضع الفئ على غائب عنه. (والثالث: اليتامى) للآية
جمع يتيم، (وهو صغير) ذكر أو خنثى أو أنثى لم يبلغ الحلم (لا أب له) أما كونه صغيرا فلخبر: لا يتم بعد احتلام
رواه أبو داود وحسنه المصنف وإن ضعفه المنذري وغيره. وأما كونه لا أب له فللوضع والعرف، سواء أكان من
أولاد المرتزقة أم لا، قتل أبوه في الجهاد أم لا، له جد أم لا. ووقع في الروضة في باب النكاح أن اليتيمة هي التي
لا جد لها، والمذكور هنا هو الصواب. ويمكن أن يقال إن المراد باليتيمة في باب النكاح هي التي لا تزوج إلا
94

في صغرها فإن الجد يزوجها، فلا ينافي ما هنا، ولعل هذا مراده بلا شك.
تنبيه: كان الأولى للمصنف أن يقيد اليتيم بالمسلم، لأن أيتام الكفار لا يعطون من سهم اليتامى شيئا، قاله الإمام
والماوردي والصيمري وغيرهم، لأنه مال أخذ من الكفار فلا يرجع إليهم، وكذلك يشترط الاسلام في ذوي
القربى
والمساكين وابن السبيل لذلك. ويندرج في تفسيرهم اليتيم ولد الزنا واللقيط والمنفي باللعان، ولا يسمون أيتاما لأن ولد
الزنا لا أب له شرعا فلا يوصف باليتيم، واللقيط قد يظهر أبوه، والمنفي بلعان قد يستخلفه نافيه، ولكن القياس أنهم
يعطون من سهم اليتامى.
فائدة: يقال لمن فقد أمه دون أبيه منقطع، واليتيم في البهائم من فقد أمه، وفي الطير من فقد أمه وأباه. (ويشترط)
في إعطاء اليتيم لا في تسميته يتيما (فقره) الآتي تعريفه في الكتاب الآتي، الشامل لمسكنته (على المشهور) لاشعار لفظ
اليتم به، ولان اغتناءه بمال أبيه إذا منع استحقاقه فاغتناؤه بماله أولى بمنعه. والثاني: لا يشترط، وقال القاضي: إنه مذهب
أصحابنا، وإلا لما كان في ذكره فائدة لدخوله في الفقراء، ورد بأن الفائدة عدم حرمانه. (والرابع والخامس: المساكين)
الشاملون للفقراء (وابن السبيل) وسيأتي بيانهما في الكتاب الذي بعد هذا. ويشترط في ابن السبيل الفقر كما
صرح به الفوراني وغيره، وإن كان ظاهر إطلاق المصنف عدم الاشتراط. قال الماوردي: ويجوز للإمام أن يجمع للمساكين
بين سهمهم من الزكاة وسهمهم من الخمس وحقهم من الكفارات فيصير لهم ثلاثة أموال، قال: وإذا اجتمع في واحد يتم
ومسكنة أعطى باليتم دون المسكنة، لأن اليتم وصف لازم والمسكنة زائلة، واعترض بأن اليتم لا بد فيه من فقر ومسكنة.
وقضية كلام الماوردي أنه إذا كان الغازي من ذوي القربى لا يأخذ بالغزو بل بالقرابة فقط، لكن ذكر الرافعي في قسم
الصدقات أنه يأخذ بهما، واقتضى كلامه أنه لا خلاف فيه وهو ظاهر، والفرق بين الغزو والمسكنة أن الاخذ بالغزو لحاجتنا
وبالمسكنة لحاجة صاحبها. (ويعم) الإمام ولو بنائبه (الأصناف الأربعة المتأخرة) بالعطاء وجوبا غائبهم عن موضع الفئ
وحاضرهم. نعم يجعل ما في كل إقليم لساكنيه، فإن عدمه بعض الأقاليم بأن لم يكن في بعضها شئ أو لم يستوعبهم السهم
بأن لم يف بمن فيه إذا وزع عليهم نقل إليهم بقدر ما يحتاج إليه الإمام في التسوية بين المنقول إليهم وغيرهم، ولا يجوز
الاقتصار على ثلاثة من كل صنف كما في الزكاة كما جزما به. ويجوز أن يفاضل بين اليتامى وبين المساكين وبين أبناء
السبيل لأنهم يستحقون بالحاجة فتراعى حاجتهم بخلاف ذوي القربى فإنهم يستحقون بالقرابة كما مر، فإن كان الحاصل
يسيرا لا يسد مسدا بالتوزيع قدم الأحوج فالأحوج ولا يستوعب للضرورة، وتصير الحاجة مرجحة وإن لم تكن معتبرة
في الاستحقاق. ومن فقد من الأصناف أعطي الباقون نصيبه كما في الزكاة إلا سهم رسول الله (ص) فإنه للمصالح كما مر.
ويصدق مدعي المسكنة والفقر بلا بينة وإن اتهم، ولا يصدق مدعي اليتم ولا مدعي القرابة إلا ببينة. (وقيل يخص بالحاصل)
من مال الفئ (في كل ناحية من فيها منهم) كالزكاة ولمشقة النقل. ورد بأنه يؤدي إلى حرمان بعضهم وهو مخالف
للآية (وأما الأخماس الأربعة) التي كانت لرسول الله (ص) مضمونة إلى خمس الخمس، (فالأظهر أنها للمرتزقة) لعمل
الأولين به لأنها كانت لرسول الله (ص) لحصول النصرة به كما مر، والمقاتلون بعده هم المرصدون لها كما قال: (وهم
الأجناد المرصدون للجهاد) بتعيين الإمام لهم، سموا مرتزقة لأنهم أرصدوا أنفسهم للذب عن الدين وطلبوا الرزق من
مال الله. وخرج بهم المتطوعة وهم الذين يغزون إذا نشطوا، فإنما يعطون من الزكاة لا من الفئ عكس المرتزقة والثاني:
أنها للمصالح كخمس الخمس وأهمها المرتزقة وعلى الأول لو لم يف المال بحاجة المرتزقة وهم فقراء صرف الإمام لهم
من سهم سبيل الله، وإذا علم أن الأخماس الأربعة للمرتزقة (فيضع الإمام) لهم (ديوانا) ندبا كما صرح به الإمام، وهو
ظاهر كلام أبي الطيب، وإن أفهم كلام الروضة الوجوب. وأول من وضعه في الاسلام سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه
95

وهو بكسر الدال أشهر من فتحها: الدفتر الذي يكتب فيه أسماؤهم وقدر أرزاقهم، ويطلق الديوان على الموضع الذي يجلس
فيه للكتابة. وهو فارسي معرب، وقيل أول من سماه بذلك كسرى، لأنه أطلع يوما على ديوانه وهم يحسبون مع أنفسهم،
فقال: ديوانه، أي مجانين، ثم حذفت الهاء لكثرة استعمالهم تخفيفا. فإن قيل: هذا لم يكن في زمن النبي (ص)
ولا زمن أبي بكر رضي الله عنه فهو بدعة وضلالة. أجيب بأن هذا أمر دعت الحاجة إليه واستحسن بين المسلمين، وقال
(ص) ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن. (وينصب) ندبا كما في الروضة، (لكل قبيلة) من المرتزقة (أو جماعة)
منهم (عريفا) ليجمعهم عند الحاجة إليهم. ويسهل عليه ما يريده منهم ويعرفه بأحوالهم. ويرجع إليه الإمام في ذلك، لأنه
(ص) قال في غزوة هوازن: ارجعوا حتى أسأل عرفاءكم، وكان قد عرف على كل عشرة عريفا. وزاد الإمام
على ذلك فقال: وينصب الإمام صاحب جيش وهو ينصب النقباء وكل نقيب ينصب العرفاء، وكل عريف يحيط بأسماء
المخصوصين به، فيدعو الإمام صاحب الجيش، وهو يدعو النقباء، وكل نقيب
يدعو العرفاء الذين تحت رايته، وكل عريف يدعو من تحت رايته. والعريف فعيل بمعنى فاعل، وهو الذي يعرف مناقب القوم.
فائدة: قال عطاء بن يسار: حملة القرآن عرفاء الجنة. قال الدميري: ومعناه أنهم رؤوس أهلها. (ويبحث) الإمام
وجوبا (عن حال كل واحد) من المرتزقة، (و) عن (عياله) وهم من تلزمه نفقتهم من أولاد وزوجات ورقيق لحاجة غزو
أو لخدمة إن اعتادها لا رقيق زينة وتجارة (وما يكفيهم فيعطيه) كفايته، و (كفايتهم) من نفقة وكسوة وسائر المؤن بقدر
الحاجة ليتفرغ للجهاد، ويراعى في الحاجة حاله في مروءته وضدها والمكان والزمان والرخص والغلاء وعادة البلد في المطاعم
والملابس، ويزاد إن زادت حاجته بزيادة ولد وحدوث زوجة فأكثر. وما لا رقيق له يعطى من الرقيق ما يحتاجه للقتال
معه أو لخدمته إذا كان ممن يخدم ويعطى مؤنته، ومن يقاتل فارسا ولا فرس له يعطى من الخيل ما يحتاجه للقتال ويعطى
مؤنته، بخلاف الزوجات يعطى لهن مطلقا لانحصارهن في أربع. ثم ما يدفعه إليه لزوجته وولده الملك فيه لهما حاصل من
الفئ، وقيل: يملكه هو ويصير إليهما من جهته. ولا يزاد أحد منهم لنسب عريق وسبق في الاسلام والهجرة وسائر الخصال
المرضية وإن اتسع المال، بل يستوون كالإرث والغنيمة لأنهم يعطون بسبب ترصدهم للجهاد وكلهم مترصدون له. (ويقدم)
ندبا (في إثبات الاسم) في الديوان (و) في (الاعطاء) أيضا (قريشا) على غيرهم، لخبر: قدموا قريشا ولشرفهم بالنبي (ص).
(وهم ولد النضر بن كنانة) أحد أجداده (ص)، سموا بذلك لتقرشهم وهو تجمعهم، وقيل: لشدتهم.
(ويقدم منهم) أي قريش (بني هاشم) وهو جده (ص) الثاني، سمي بذلك لأنه كان يهشم الثريد لقومه. (و)
يقدم منهم أيضا بني (المطلب) شقيق هاشم.
تنبيه: عبر المصنف رحمه الله تعالى في بني المطلب بالواو إشارة إلى أنه لا ترتيب بينهم وبين بني هاشم لأنه
(ص) من بني هاشم، وقد سوى بينهم وبين بني المطلب بقوله: أما بنو هاشم وبني المطلب فشئ واحد وشبك
بين أصابعه، رواه البخاري. (ثم) بني (عبد شمس) لأنه أخو هاشم لأبويه، (ثم) بني (نوفل) لأنه أخو هاشم لأبيه عبد
مناف، (ثم) بني (عبد العزي) لمكان خديجة رضي الله تعالى عنها من النبي (ص)، فإنهم أصهاره (ص)،
وهي بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي. (ثم سائر البطون) أي باقيها من قريش، (الأقرب فالأقرب إلى
رسول الله (ص)) فيقدم منهم بعد بني عبد العزي بني عبد الدار بن قصي، ثم بني زهرة بن كلاب لأنهم أخواله
96

(ص)، ثم بني تيم لمكان عائشة وأبيها أبي بكر رضي الله تعالى عنهما منه (ص). ثم يقدم بني
مخزوم. ثم بني عدي لمكان عمر رضي الله تعالى عنه، ثم بني جمح وبني سهم فهما في مرتبة كما جرى عليه ابن المقري.
ثم بني عامر، ثم بني الحارث (ثم) بعد قريش يقدم (الأنصار) لآثارهم الحميدة في الاسلام، وينبغي كما قال شيخنا
تقديم الأوس منهم لأنهم أخوال النبي (ص)، والأنصار كلهم من الأوس والخزرج، وهم أبناء حارثة بن
ثعلبة بن عمرو بن عامر، قاله الزركشي (ثم) بعد الأنصار يقدم (سائر) أي باقي (العرب) ومنهم المهاجرون الذين
لا قرابة لهم.
تنبيه: قضية كلامه كغيره التسوية بين سائر العرب، وصرح الماوردي بخلافه، فقال: بعد الأنصار مضر، ثم
ربيعة، ثم ولد عدنان، ثم ولد قحطان، فيرتبهم على السابقة كقريش، فإن استوى اثنان في القرب إليه (ص) قدم بالسبق
إلى الاسلام، ثم بالدين، ثم بالسن، ثم بالهجرة، ثم بالشجاعة، ثم برأي ولي الأمر فيتخير بين أن يقرع وأن يقدم برأيه
واجتهاده. (ثم) يقدم بعد العرب (العجم) وقدمت العرب عليهم لأنهم أقرب إلى رسول الله (ص) منهم
وأشرف. والتقديم فيهم إن لم يجتمعوا على نسب بالأجناس كالترك والهند وبالبلدان، ثم إن كان لهم سابقة في الاسلام
ترتبوا عليها وإلا فبالقرب إلى ولي الأمر ثم بالسبق إلى طاعته، فإن اجتمعوا على نسب اعتبر فيهم قربه وبعده كالعرب.
وينبغي كما قال شيخنا اعتبار السن ثم الهجرة ثم الشجاعة ثم رأى ولي الأمر كما في العرب. والترتيب المذكور
مستحب لا مستحق كما نقلاه عن الأئمة وإن نظر فيه في المطلب. والذي يثبت في الديوان من المرتزقة هو الرجل المسلم
المكلف الحر البصير القادر على القتال العارف به. (و) حينئذ (لا يثبت في الديوان) شخصا (أعمى ولا زمنا) ولا امرأة
ولا صبيا ولا مجنونا ولا كافرا. وقوله: (ولا من لا يصلح للغزو) كأقطع من عفو العام على الخاص، ولو اقتصر عليه
كفى. ويجوز إثبات الأخرس والأصم، وكذا الأعرج إن كان فارسا وإلا فلا. ويميز المجهول بصفة فيذكر نسبه وسنه
ولونه، ويحكى وجهه بحيث يتميز عن غيره. (ولو مرض بعضهم أو جن ورجي زواله) أي كل من المرض والجنون وإن
طال زمنه كما قاله ابن الرفعة، (أعطي) جزما كصحيح ويبقى اسمه في الديوان، لأن الانسان لا يخلو من عارض فربما
يرغب الناس عن الجهاد ويقبلوا على الكسب لهذه العوارض. (فإن لم يرج) زواله (فالأظهر أنه يعطى) أيضا لما
ذكر، ولأنه إذا بقي على الذرية فعلى نفسه أولى، ولكن يمحى اسمه من الديوان كما جزم به في الروضة وأصلها
إذ لا فائدة في إبقائه.
تنبيه: قضية كلامه أنه يعطى ذلك القدر الذي كان يأخذه لأجل فرسه وقتاله وما أشبه ذلك، وليس مرادا
بل يعطى كفايته وكفاية عياله اللائقة به في الساعة الراهنة كما قاله السبكي. والثاني: لا يعطى لعدم رجاء نفعه، أي لا
يعطى من أربعة أخماس الفئ المعدة للمقاتلة، ولكن يعطى من غيرها إن كان محتاجا. ومحل الخلاف في إعطائه
في المستقبل، أما الماضي فيعطاه جزما (وكذا) تعطى (زوجته وأولاده) الذين تلزمه مؤنتهم في حياته (إذا مات) بعد أخذ
نصيبه في الأظهر، لئلا يشغل الناس بالكسب عن الجهاد إذا علموا ضياع عيالهم بعدهم.
تنبيه: إفراده الزوجة وجمعه الأولاد يوهم اعتبار الوحدة في الزوجة، وليس مرادا، بل تعطى الزوجات وإن
كن أربعا. واقتصاره على الأولاد يوهم عدم الدفع إلى غيرهم ممن تجب نفقتهم كالوالدين، وليس مرادا، فقد
نقل
الأذرعي عن قضية كلام البغوي الاعطاء، وهو المعتمد. قال الأذرعي: ولو كان المنفق عليهم من الأصول والفروع،
أي والزوجة، كفارا هل يعطون؟ لم أر فيه نقلا، والظاهر أنهم لا يعطون اه‍. لكن قضية إطلاقهم إعطاؤهم وهو
الظاهر، إذ لم يشترطوا فيهم الاسلام، ولم يبين المصنف قدر ما يعطون، والمراد ما يليق بهم لا ما كان للمرتزق أخذه.
97

والثاني: لا يعطون لزوال تبعيتهم له، وإذا قلنا بالأظهر (فتعطى الزوجة حتى تنكح) وكذا الزوجات كما مر لاستغنائها
بالزوج، فإن كان زوجها الثاني من المرتزقة قرر لها كفايتها تبعا له، ولو استغنت الزوجة بكسب أو إرث أو نحوه
كوصية، لم تعط، وبه صرح في البيان بالنسبة إلى الكسب، وصرح الزركشي بالباقي. والظاهر كما قال الزركشي أن
أم الولد كالزوجة.
تنبيه: قوله: حتى تنكح يقتضي أن الزوجة لو كانت ممن لا يرغب في نكاحها: أي ولم تستغن بما ذكر،
أنها تعطى إلى الموت، وهو ظاهر. ويقتضي أيضا أنها لو امتنعت من التزويج مع رغبة الأكفاء فيها أنه تعطى،
وهو ظاهر أيضا وإن نظر فيه. (و) يعطى (الأولاد حتى يستقلوا) بكسب أو نحوه كوصية أو يقدر الذكور على
الغزو، فمن أحب إثبات اسمه في الديوان أثبت وإلا قطع، فإذا بلغ عاجزا لعمى أو زمانة أو نحو ذلك فكمن لم يبلغ
أو تزوج الإناث.
تنبيه: استنبط السبكي رحمه الله تعالى من هذه المسألة أن الفقيه أو المعيد أو المدرس إذا مات تعطى زوجته
وأولاده مما كان يأخذ ما يقوم بهم ترغيبا في العلم كالترغيب هنا وفي الجهاد، فإن فضل المال عن كفايتهم صرف إلى
من يقوم بالوظيفة. قال: فإن قيل: هذا تعطيل لشرط الواقف إذا اشترطه مدرسا بصفة فإنها غير موجودة في زوجته
وأولاده. قلنا: قد حصلت الصفة مدة من أبيهم والصرف لهم بطريق التبعية، ومدتهم مغتفرة في جنب ما مضى كزمن
البطالة. ولا يقدح تقرير من لا يصلح للتدريس ونحوه لأنه تبع لولاية صحيحة، وإنما الممتنع تقرير من لا يصلح ابتداء
كما يمتنع إثبات اسم من ليس أهلا للجهاد في الديوان ابتداء. قال ابن النقيب: ويفرق بينهما بأن العلم محبوب للنفوس
لا يصد الناس عنه شئ فيوكل الناس فيه إلى ميلهم إليه، والجهاد مكروه للنفوس فيحتاج الناس في إرصاد أنفسهم
إليه إلى التآلف، وإلا فمحبة الزوجة والولد قد تصد عنه. قال الولي العراقي: وفرق آخر، وهو أن الاعطاء من
الأموال العامة وهي أموال المصالح أقوى من الخاصة كالأوقاف، فلا يلزم من التوسع في تلك التوسع في هذه لأنه
مال معين أخرجه شخص لتحصيل مصلحة نشر العلم في هذا المحل المخصوص، فكيف يصرف مع انتفاء
الشرط
ومقتضى هذا الفرق الصرف لأولاد العالم. من المصالح كفايتهم كما كان يصرف لأبيهم، ومقتضى الفرق الأول عدمه
اه‍. والفرق الثاني أظهر. وليكن وقت العطاء معلوما لا يختلف مسانهة أو مشاهرة أو نحو ذلك من أول السنة أو غيره
أول كل شهر أو غيره بحسب ما يراه الإمام، والغالب أن الاعطاء يكون في كل سنة مرة لئلا يشغلهم الاعطاء كل
أسبوع أو كل شهر عن الجهاد، ولان الجزية وهي معظم الفئ لا تؤخذ في السنة إلا مرة. ومن مات منهم بعد
جمع المال وبعد تمام الحول فنصيبه لوارثه كالأجرة في الإجارة، أو بعد تمام الحول وقبل جمع المال فلا شئ لوارثه،
إذ الحق إنما يثبت بجمع المال، وذكر الحول مثال فمثله الشهر ونحوه. وعلى الأظهر السابق من اختصاص الأخماس
الأربعة بالمرتزقة. (فإن فضلت) بتشديد الضاد، أي زادت (الأخماس الأربعة عن حاجة المرتزقة وزع) الفاضل (عليهم
على قدر مؤنتهم) لأنه حقهم. مثال ذلك: كفاية واحد ألف، وكفاية الثاني ألفان، وكفاية الثالث ثلاثة آلاف، وكفاية
الرابع أربعة آلاف، فمجموع كفايتهم عشرة آلاف، فيفرض الحاصل على ذلك عشرة أجزاء، فيعطى الأول عشرها،
والثاني خمسها، والثالث ثلاثة أعشارها، والرابع خمساها، وكذا يفعل إن زاد.
تنبيه: كلامه كغيره أن صرف الزائد لا يختص بالرجال المقاتلة، وهو مخالف لكلام الإمام فإنه قال: الذي
فهمته عن كلام الأصحاب أنه يختص برجالهم حتى لا يصرف منه للذراري، أي الذين لا رجل لهم. قال الرافعي: ولا خلاف
في جواز صرفه إلى المرتزقة عن كفاية السنة (والأصح) على الأظهر السابق أيضا (أنه يجوز أن يصرف بعضه)
أي الفاضل القابلة عن حاجات المرتزقة (في إصلاح الثغور والسلاح والكراع) وهو الخيل، لأن ذلك معونة لهم. والثاني: المنع،
98

بل يوزع عليهم لاستحقاقهم له كالغنيمة، وصححه ابن الرفعة.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف بل صريحه أن الإمام لا يبقي في بيت المال شيئا من الفئ ما وجد له مصرفا، فيصرف مال
كل سنة إلى مصارفه ولا يدخر شيئا خوفا لنازلة تأسيا بأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، فإنهما ما كانا يدخران شيئا،
ثم إن نزل بالمسلمين نازلة فعلى المسلمين القيام بأمرها، وإن غشيهم العدو على جميعهم أن ينفروا. فإن لم يجد مصرفا
ابتدأ رباطات ومساجد على حسب رأيه. وهذا ما جزم به في الروضة كأصلها. قال الإمام: والذي ذهب إليه المحققون
أن له أن يدخر في بيت المال لأجل الحوادث اه‍. فإن ضاق الفئ عن كفايتهم قسم بينهم على قدر أرزاقهم، قاله الماوردي.
(هذا) السابق كله (حكم منقول) مال (الفئ. فأما عقاره) من أرض أو بناء، (فالمذهب أنه) أي جميعه (يجعل وقفا) أي
ينشئ الإمام وقفه، (وتقسم غلته) كل سنة (كذلك) أي مثل قسمة المنقول، لأنه أنفع لهم، فتصرف أربعة أخماس الغلة
للمرتزقة وخمسها للمصالح وذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
تنبيه: يفهم من كلام المصنف أشياء: أحدها أنه لا يصير وقفا بنفس الحصول، بل لا بد من إنشاء وقف كما مر،
وقيل: يصير وقفا بنفس الحصول كرق النساء بنفس الأسر، وهو مقابل المذهب ثانيها: تحتم الوقف، وليس مرادا، بل
الذي في الشرح والروضة أن الإمام لو رأى قسمته أو بيعه وقسمة ثمنه جاز له ذلك، لكن لا يقسم سهم المصالح، بل
يوقف وتصرف غلته في المصالح أو تباع ويصرف ثمنه إليها، ولكن الوقف أولى. ثالثها: أن المراد بالوقف الوقف
الشرعي، وهو الأصح، وقيل: المراد الوقف عن التصرف بالقسمة لا الوقف الشرعي.
فصل: في الغنيمة وما يتبعها: (الغنيمة) لغة: الربح، كما سبق أول الباب. وشرعا (مال) وما التحق به كخمرة محترمة،
(حصل) لنا (من كفار) أصليين حربيين مما هو لهم (بقتال) منا (وإيجاف) بخيل أو ركاب أو نحوهما مما مر ولو بعد انهزامهم
في القتال، أو قبل شهر السلاح حين التقى الصفان. ومن الغنيمة ما أخذ من دراهم سرقة أو اختلاسا أو لقطة أو ما أهدوه
لنا أو صالحونا عليه والحرب قائمة. وأما المرهون الذي للحربي عند مسلم أو ذمي والمؤجر الذي له عند أحدهما إذا انفك
الرهن وانقضت مدة الإجارة فهل هو فئ أو غنيمة؟ وجهان، أشبههما ما قال الزركشي. الثاني: ويرد على طرد هذا الحد
المتروك بسبب حصولنا في دراهم وضرب معسكرنا فيهم فإنه ليس غنيمة في أصح الوجهين عند الإمام مع وجود الايجاف،
وعلى عكسه ما أخذ على وجه السرقة أو نحوها فإنه غنيمة كما مر. وخرج بما ذكر ما حصله أهل الذمة من أهل الحرب بقتال،
فالنص أنه ليس بغنيمة فلا ينزع منهم، وما أخذ من تركة المرتد فإنه فئ لا غنيمة كما مر، وما أخذ من ذمي كجزية فإنه فئ
كما مر أيضا. ولو أخذنا منهم ما أخذوه من مسلم أو ذمي أو نحوه بغير حق لم نملكه. ولو غنم ذمي ومسلم فهل يخمس الجميع
أو يصيب المسلم؟ وجهان، أظهرهما الثاني كما رجحه بعض المتأخرين، وصرح الماوردي في قسم الصدقات بأنه لا يغنم مال
من لم تبلغه الدعوة، وهو محمول على من تمسك بدين حق ولم تبلغه دعوة النبي (ص) أو لم تبلغه دعوة أصلا،
أما لو كان متمسكا بدين باطل فلا، بل هو كغيره من الكفار.
تنبيه: قوله: وإيجاف بالواو هنا بمعنى أو لئلا يرد المأخوذ بقتال الرجالة وبالسفن فإنه غنيمة كما تقرر ولا إيجاف
فيه. وإذا تقرر ذلك (فيقدم منه) أي أصل مال الغنيمة (السلب) بالتحريك، (للقاتل) المسلم، سواء أكان حرا أم لا، ذكرا أم
لا، بالغا أم لا، شرطه له الإمام أم لا، فارسا أم لا، وذلك لخبر الشيخين: من قتل قتيلا فله سلبه. وروى أبو داود، أن أبا
طلحة رضي الله تعالى عنه قتل يوم خيبر عشرين قتيلا وأخذ أسلابهم.
تنبيه: يستثنى من إطلاقه الذمي فإنه لا يستحق لسلب سواء أحضر بإذن الإمام أم لا، والمخذل والمرجف والخائن
ونحوهم ممن لا سهم له ولا رضخ. قال الأذرعي: وأطلقوا استحقاق العبد المسلم السلب، ويجب تقييده بكونه لمسلم على
99

المذهب. ويشترط في القتيل أن لا يكون منهيا عن قتله، فلو قتل صبيا أو امرأة لم يقاتلا فلا سلب له، فإن قاتلا استحقه
في الأصح، ولو أعرض مستحق السلب عنه لم يسقط حقه منه على الأصح لأنه متعين له. (وهو) أي السلب (ثياب القتيل)
التي عليه، (والخف والران) وهو بمهملة وألف ونون: خف لا قدم له أطول من الخف يلبس للساق، قاله في المجموع
في الحج. (وآلات الحرب كدرع) وهو بدال مهملة: الزردية، (وسلاح) لثبوت يده على ذلك.
تنبيه: قضية عطفه السلاح على الدرع أن الدرع ليس بسلاح وهو المشهور، وإن كان في شرح مسلم للمصنف
ما يقتضي أنه منه، وعطفه أيضا ما بعد الثياب عليها يشعر بمغايرته لها. وهو عكس ما قالوه فيمن أوصى بثيابه أنه يدخل
كل ما على بدنه، ومنه الخف والران والطيلسان. ولو كان غلامه حاملا لسلاحه يعطيه متى شاء، قال الإمام: فيجوز أن
يكون السلاح كالفرس المجنوب مع الغلام، ويحتمل خلافه اه‍. والأول أظهر. ولو زاد سلاحه على العادة فقياس ما يأتي
في الجنيبة أنه لا يعطى إلا واحدة أنه هنا لا يعطى إلا سلاحا واحدا وقال الإمام: إذا زاد على العادة فهو محمول لا سلاح،
اه‍ والأول أظهر. (ومركوب) للقتيل قاتل عليه أو أمسكه بعنانه وهو يقاتل راجلا. (و) آلته نحو (سرج ولجام) ومهماز
معقود لثبوت يده على ذلك حسا (وكذا) لباس زينته، وهو (سوار) وطوق (ومنطقة) وهو ما يشد بها الوسط (وخاتم،
و) كذا (نفقة معه) مع هميانها لا المخلفة في رحله. (وجنيبة تقاد معه في الأظهر) سواء أكانت أمامه أم خلفه أم بجنبه، لأنها إنما
تقاد معه ليركبها عند الحاجة سواء أكان يقودها بنفسه أم لا، لأن هذه الأشياء متصلة به وتحت يده، والجنيبة قد يحتاج
إليها فهي كمركوبه الذي أمسك بعنانه، وهو يقاتل راجلا، بخلاف الذي يحمل عليها أثقاله، وبخلاف المهر التابع له فإنه
ينفصل عنه كما ذكره ابن القطان في فروعه. والثاني: لا يستحقها، لأنه ليس مقاتلا بها، فأشبهت ما في خيمته. ولو تعددت
الجنائب اختار القاتل منها واحدة كما صوبه المصنف، وقال الرافعي: إنه يرجع إلى تعيين الإمام واحدة منها أو يقرع
(تنبيه) قضية كلام المصنف أنه لا يشترط كونه قائدها بنفسه، وإلا لقال: يقودها. وهو كذلك كما مر. وقول الزركشي:
إنه لا بد من التقييد بكونه يقودها بنفسه، وإلا فليست سلبا كسائر ماله الذي معه مردود بقولهم: لو كان معه جنائب استحق
واحدة، إذ المعلوم أن الجنائب لا بد لها من عدد يقودونها. (لا حقيبة) بفتح المهملة وكسر القاف: وعاء يجمع فيه المتاع
ويجعل على حقو البعير. (مشدودة على الفرس) فلا يأخذها ولا ما فيها من الدراهم والأمتعة، (على المذهب) لأنها ليست من
لباسه ولا من حليته ولا من حلية فرسه. والطريق الثاني: طرد القولين كالجنيبة. واختار السبكي أنه يأخذها بما فيها لأنه حملها
على فرسه لتوقع الاحتياج إليها. (وإنما يستحق) القاتل السلب (بركوب غرر يكفي به) أي بركوب الغرر، (شر كافر) أصلي
مشتغل بالقتال، (في حال الحرب) هذه قيود ثلاثة فرع عليها قوله: (فلو رمى من حصن أو) رمى (من الصف) الذي
للمسلمين، (أو قتل) كافرا (نائما) أو مشتغلا بأكل ونحوه (أو أسيرا، أو قلته) أي الكافر الحربي (وقد انهزم
الكفار) المحاربون غير متحيزين لقتال أو إلى فئة، (فلا سلب) له، لأنه في مقابلة الخطر والتغرير بالنفس وهو منتف
هاهنا، ولأنه (ص) لم يعط ابن مسعود سلب أبي جهل لأنه قد كان أثخنه فتيان من الأنصار، رواه
الشيخان قال القاضي: ولو أغرى به كلبا عقورا فقتله استحق سلبه لأنه خاطر بروحه حيث صبر في مقاتلته حتى
عقره الكلب اه‍. وقول الزركشي: وقياسه أن الحكم كذلك لو أغرى به مجنونا أو عبدا أعجميا ممنوع، لأن المقيس عليه
لا يملك والمقيس يملك السلب فهو للمجنون ولمالك الرقيق لا لآمرهما، فإن أغرى الكلب بلا مقاتلة كرامي السهم فلا
100

يستحق السلب، أما إذا تحيزوا لقتال أو فئة فحكم القتال باق في حقهم كما قاله الإمام.
تنبيه: قوله: من الصف، عبارة المحرر: من وراء الصف، وكذا كتبها المصنف بخطه في المنهاج، ثم ضرب على
لفظة وراء، والصورتان في الشرحين والروضة، فأتى المنهاج بما ليس في أصله لكونه يفهم منه ما في أصله بطريق الأولى.
قال السبكي: وهو حسن لمن لا يلتزم في الاختصار الاتيان بمعنى الأصل من غير تغيير، وإلا لم يجز. وقوله: انهزم الكفار
يفهم أن انهزام الكافر الواحد لا يعتبر، حتى لو هرب فقتله في إدباره والحرب قائمة استحق سلبه، وهو كذلك. (وكفاية شره
أن يزيل امتناعه بأن يفقأ عينيه أو يقطع يديه ورجليه) فإنه (ص) أعطى سلب أبي جهل لمثخنه كما مر
دون قاتله، فدل على أن المناط كفاية شره.
تنبيه: عبارة المحرر: أن يقتله أو يزيل امتناعه، فاقتصر المصنف على الثاني لفهم الأول من باب أولى. وعبارة
الروضة: بأن يعميه، وهي صادقة بأن يضرب رأسه فيذهب ضوء عينيه، وبمن له عين واحدة فيقلعها، فهي أحسن
لشمولها ما ذكر. (وكذا لو أسره أو قطع يديه أو رجليه في الأظهر) وإن من عليه الإمام أو فداه أو أرقه. أما
في الأسر
فلانه أبلغ من القطع، وأما في القطع فكما لو فقأ عينيه. والثاني: لا، واختاره السبكي وقال: إنه لا يستحق السلب إلا
بالقتل لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: من قتل قتيلا فله سلبه ولان ذلك لا يزيل الامتناع فربما أعمى شر من البصير
ومقطوع اليدين والرجلين يحتال على الاخذ بثأر نفسه. ويجري الخلاف فيما لو قطع يدا ورجلا لضعف حركته، بخلاف
ما لو قطع طرفا وفقأ عينا فإنه لا يستحق. ولو مسكه شخص بحيث منعه الهرب ولم يضبطه فقتله آخر أو اشترك اثنان
في قتله أو إثخانه اشتركا في سلبه لاندفاع شره بهما، وهذا بخلاف القصاص فإنه منوط بالقتل. نعم إن كان أحدهما
لا يستحق السلب كمخذل رد نصيبه إلى الغنيمة، قاله الدارمي. أما إذا ضبطه فهو أسير، وقتل الأسير لا يستحق به السلب
كما مر. والجارح إن أثخن جريحه فالسلب له، فإن لم يثخنه فدفعه آخر فالسلب له لأنه الذي ركب الغرر في دفع شره
ولا حق للآسر في رقبة أسيره ولا فدائه، فلو أرقه الإمام أو فداه فالرقبة والفداء للمسلمين لا حق فيهما لآسره لأن
اسم السلب لا يقع عليهما. (ولا يخمس السلب على المشهور) لخبر أبي داود وغيره أنه (ص) قضى به للقاتل ولم يخمسه.
والثاني: يخمس لاطلاق الآية، فيدفع خمسه لأهل الفئ والباقي للقاتل. (وبعد السلب تخرج) بمثناة فوقية أوله بخطه،
(مؤنة الحفظ والنقل وغيرهما) من المؤن اللازمة، كأجرة حمال وراع إن لم يوجد متطوع بذلك للحاجة إليها. قال الماوردي:
ولا يزيد على أجرة المثل لأنه في المسلمين كالولي في مال اليتيم. (ثم يخمس الباقي) بعد السلب والمؤن خمسة أخماس متساوية،
ويؤخذ خمس رقاع ويكتب على واحدة: لله تعالى أو للمصالح وعلى أربع: للغانمين، ثم تدرج في بنادق متساوية ويخرج
لكل خمس رقعة. فما خرج لله تعالى أو للمصالح جعل بين أهل الخمس على خمسة كما قال: (فخمسه) أي المال الباقي (لأهل
خمس الفئ يقسم) بينهم (كما سبق) في قسم الفئ.
تنبيه: يقسم ما للغانمين قبل قسمة هذا الخمس لأنهم حاضرون ومحصورون لكن بعد إفرازه بقرعة، خلافا لما
يوهمه كلام المصنف من أن أهل الخمس يفوزون بسهامهم قبل قسمة الأخماس الأربعة، ولا فرق في ذلك بين العقار
والمنقول لعموم الآية. ويستحب أن تكون هذه القسمة في دار الحرب كما فعل النبي (ص)، وتأخيرها بلا عذر إلى
العود إلى دار الاسلام مكروه، وذكر الماوردي والبغوي أنه يجب التعجيل، ولا يجوز التأخير من غير عذر لما فيه من
الاضرار بالغانمين، وقال الأذرعي: إنه ظاهر لا شك فيه إذا طلبها الغانمون بلسان القال أو الحال. ولو شرط الإمام للجيش
أن لا يخمس عليهم لم يصح شروطه ووجب تخميس ما غنموه سواه أشرط ذلك للضرورة أم لا، وقيل: إن شرطه لضرورة
101

لم يخمس. قال في زيادة الروضة آخر الباب: وهو شاذ باطل. (والأصح أن النفل) بنون مفتوحة ففاء خفيفة مفتوحة
وتسكن أيضا، (يكون من خمس الخمس المرصد للمصالح) لرواية الشافعي عن مالك عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن
المسيب يقول: كان الناس يعطون النفل من الخمس، قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: يريد من خمس النبي (ص)،
والثاني: من أصل الغنيمة كالسلب. والثالث: من أربعة أخماسها كالمصحح في الرضخ، وهذا الخلاف محله (إن نفل مما
سيغنم في هذا القتال) وفاء بالشرط أو الوعد، ويغتفر الجهل به للحاجة فيشترط الربع أو الثلث أو غيرهما.
تنبيه: قوله: نفل، قال السبكي: يجوز فيه التشديد إذا عديته إلى اثنين والتخفيف إذا عديته إلى واحد، وقد
كتب المصنف عليه بخطه خف لأن معناه جعل النفل. (ويجوز) جزما (أن ينفل من مال المصالح الحاصل عنده) في
بيت المال، لأن ذلك من جملة المصالح ولا تغتفر الجهالة حينئذ، بل لا بد أن يكون معلوما لأنه جعالة ولا ضرورة
إلى احتمال الجهل في الجعل.
تنبيه: لا يختص ذلك بالحاصل عنده كما يفهمه كلامه، بل يجوز أن يعطى مما يتجدد فيه، وقضية كلامه
التخيير بين خمس الخمس والمصالح قال الرافعي: والأشبه أن يجتهد ويراعي المصلحة. (والنفل) لغة الزيادة، وشرعا
(زيادة) على سهم الغنيمة، (يشترطها الإمام أو الأمير لمن يفعل ما فيه نكاية للكفار) زائدة على ما يفعله بقية الجيش
كالتقدم على طليعة والتهجم على قلعة والدلالة عليها وحفظ مكمن. ويجوز إفراد المشروط له وتعدده وتعيينه وعدم تعينه
كمن فعل كذا فله كذا. هذا أحد قسمي النفل، وشرطه أن تدعو الحاجة إليه لكثرة العدو وقلة المسلمين، واقتضى
الحال بعث السرايا وحفظ المكامن، وكذا فعل رسول الله (ص) في بعض غزواته دون بعض. والقسم
الثاني: أن ينفل من صدر منه أثر محمود كمبارزة وحسن إقدام، وهذا يسمى إنعاما وجزاء على فعل ماض شكرا، والأول
جعالة، ولكن يتعين كون هذا بما عنده من سهم المصالح أو من تلك الغنيمة.
تنبيه: قد يفهم كلامه أن التنفيل إنما يكون قبل إصابة المغنم، وهو ما قال الإمام إنه ظاهر كلام الأصحاب، أما
بعد إصابته فيمتنع أن يخص بعضهم ببعض ما أصابوه. (ويجتهد) الشارط (في قدره) بحسب قلة العمل وكثرته. وقد
صح في الترمذي وغيره أنه (ص) كان ينفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث، والبدأة بفتح الباء الموحدة
وإسكان الدال المهملة وبعدها همزة: السرية التي يبعثها الإمام قبل دخول دار الحرب مقدمة له، والرجعة، وهي بفتح الراء:
السرية التي يأمرها بالرجوع بعد توجه الجيش لدارنا. وإنما نقص في البدأة لأنهم مستريحون إذ لم يطل بهم السفر،
ولان الكفار في غفلة، ولان الإمام من ورائهم يستظهرون به، والرجعة بخلافها في كل ذلك. وقيل: البدأة
السرية الأولى
والرجعة الثانية، ويقال للرجعة القفول بضم القاف. وتجوز الزيادة على الثلث والنقص عن الربع بحسب الاجتهاد. (
والأخماس الأربعة عقارها ومنقولها) أي الباقي منها بعد تقديم ما يجب تقديمه من المؤن كما سبق، (للغانمين) لاطلاق
الآية الكريمة وعملا بفعله (ص) في أرض خيبر. (وهم) أي الغانمون (من حضر الوقعة) ولو في أثنائها
قبل الانقضاء ولو عند الاشراف على الفتح. وعلق بحضر قوله: (بنية القتال وإن لم يقاتل) مع الجيش لقول أبي بكر
وعمر رضي الله تعالى عنهما: إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة، رواه الشافعي رحمه الله تعالى، قال الماوردي: ولا مخالف
لهما من الصحابة. ولان المقصود تهيؤه للجهاد وحصوله هناك فإن تلك الحالة باعثة على القتال، ولا يتأخر عنه في الغالب
إلا لعدم الحاجة إليه مع تكثيره سواد المسلمين، وكذا من حضر لا بنية القتال وقاتل في الأظهر.
102

تنبيه: هذا الضابط يشمل من يرضخ له كالصبي والكافر. فلو قال: ممن يسهم له كما فعل في الروضة لخرج.
قال السبكي: ويحتمل إبقاء الكلام على عمومه ومن يرضخ لهم من جملة الغانمين فلا حاجة إلى إخراجهم، وهو كما قال
ابن النقيب صحيح بناء على أن الرضخ من الأخماس الأربعة. وورد على منطوق المتن صورتان، الأولى: المخذل والمرجف
والخائن إذا حضروا الواقعة لا يستحقون سهما ولا رضخا وإن حضروا بنية القتال وقاتلوا، بل يمنعون من حضور الصف،
ولا يمنع الفاسق من الصف وإن لم يؤمن تخذيله. والمخذل من يثبط القوم كأن يقول العدو كثير ولا نقدر عليهم، والمرجف
من يخوف القوم كأن يقول جاء العدو مدد، والخائن من يطلع الكفار على عورات المسلمين. الثانية: المنهزم غير
متحرف لقتال، أو متحيز إلى فئة ولم يعد فإنه لا يستحق شيئا مع حضوره، فإن عاد قبل انقضاء الوقعة استحق من
المحوز بعده فقط، وكذا من حضر في الأثناء لا يستحق من المحوز قبله. قال المصنف رحمه الله تعالى: وكلام من أطلق
محمول عليه بخلاف المتحيز إلى فئة قريبة فإنه يعطى لبقائه في الحرب معنى بخلاف المتحيز إلى بعيدة. وإن ادعى التحيز
إلى فئة قريبة أو التحرف لقتال صدقناه بيمينه إن أدرك الحرب، وإن حلف استحق من الجميع، وإن نكل لم يستحق
إلا من المحوز بعد عوده بخلاف ما إذا لم يدرك الحرب لا يصدق في ذلك، لأن الظاهر خلافه. وعلى مفهومه ثلاث صور،
الأولى: ما لو بعث الإمام جاسوسا فغنم الجيش قبل رجوعه فإنه يشاركهم في الأصح. الثانية: لو طلب الإمام بعض العسكر
ليحرس من هجوم عدو، أو أفرد من الجيش كمينا، فإنه يسهم لهم وإن لم يحضروا الوقعة، لأنهم في حكمهم، ذكره
الماوردي وغيره. الثالثة: لو دخل الإمام أو نائبه دار الحرب بجيش فبعث سرية في ناحية فغنمت شاركها جيش
الإمام
وبالعكس لاستظهار كل منهما بالآخر، ولو بعث سريتين إلى جهة اشترك الجميع فيما تغنم كل واحدة منهما. وكذا لو
بعثهما إلى جهتين وإن تباعدتا على الأصح، ولا يشارك السرايا الإمام ولا جيشه إن كانوا في دار الاسلام، وإن قصد
لحوقهم. (ولا شئ لمن حضر بعد انقضاء القتال) ولو قبل حيازة المال، أو خيف رجوع الكفار لعدم شهود الوقعة
(وفيما) بعد الانقضاء (قبل حيازة المال وجه) أنه يعطى، لأنه الحق قبل تمام الاستيلاء.
تنبيه: تردد الرافعي في حكاية هذا وجها أو قولا، ورجح المصنف في الروضة أنه قول. وصور هذه المسألة
أربع: حاضر قبل انقضاء الحرب والحيازة فيستحق جزما، أو بعدهما فلا جزما، أو بعد الانقضاء وقبل الحيازة فلا على الصحيح،
أو عكسه فيستحق كما يفهمه كلام المصنف خلافا للرافعي. (ولو مات بعضهم) أي الغانمين، أو خرج عن أن يكون من
أهل القتال بمرض أو نحوه، (بعد انقضائه) أي القتال (و) بعد (الحيازة، فحقه) من المال إن قلنا أن الغنيمة تملك
بالانقضاء والحيازة، أو حق تملكه إن قلنا إنها إنما تملك باختيار التملك أو القسمة وهو الصحيح، (لوارثه) كسائر
الحقوق، وعبارة المصنف تصدق بما قلناه. (وكذا) لو مات (بعد الانقضاء وقبل الحيازة في الأصح) بناء على أن الغنيمة
تملك بالانقضاء. والثاني: لا، بناء على أنها تملك بالانقضاء مع الحيازة. وهل المملوك عليهما نفس الأعيان أو حق تملكها؟
وجهان: وكلاهما يورث كما مر، وتقدم أنها إنما تملك باختيار التملك أو القسمة على الصحيح. (ولو مات في) أثناء
(القتال فالمذهب أنه لا شئ له) وهذا هو المنصوص فلا يخلفه وارثه فيه. ونص في موت الفرس حينئذ أنه يستحق
سهمها، والأصح تقرير النصين، لأن الفارس متبوع، فإذا مات فات الأصل والفرس تابع، فإذا مات جاز أن يبقى
سهمه للمتبوع. وقيل قولان فيهما وجه الاستحقاق شهود بعض الوقعة. ووجه المنع اعتبار آخر القتال فإنه وقت الظفر.
تنبيه: قوله: مات في القتال. ظاهره أنه لا فرق بين أن يكون بعد حيازة المال أو لا، وهو كذلك، وقول الأذرعي:
إن القياس يستحق نصيبه إذا مات بعد حيازة المال ممنوع، لأنا لم نأمن شرهم ما دامت الحرب باقية، وهو مقتضى
إطلاق كلام الأصحاب. ولو مرض في أثناء الحرب مرضا يمنع القتال وهو يرجى زواله استحق، وكذا إن لم يرج
كالفالج والزمانة على الأظهر في الروضة لأنه ينتفع برأيه ودعائه بخلاف الميت. والجنون كالموت وأولى بالاستحقاق
103

والجراحة في الحرب كالمرض، وأولى بالاستحقاق من المغمى عليه، وجهان: أوجههما أنه يسهم له، لأنه نوع من المرض.
(والأظهر أن الأجير) الذي وردت الإجارة على عينه مدة معينة لا لجهاد، بل (لسياسة الدواب وحفظ الأمتعة) ونحوها.
(والتاجر المحترف) كالخياط والبقال (يسهم لهم إذا قاتلوا) لشهودهم الوقعة وقتالهم. والثاني: لا، لأنهم لم يقصدوا
الجهاد. أما من وردت الإجارة على ذمته أو بغير مدة كخياطة ثوب فيعطى وإن لم يقاتل. وأما الأجير للجهاد، فإن كان
مسلما فلا أجرة له لبطلان إجازته، لأنه بحضور الصف تعين عليه ولم يستحق السهم في أحد وجهين قطع به البغوي
واقتضى كلام الرافعي ترجيحه، لا إعراضه عنه بالإجارة ولم يحضر مجاهدا، ويأتي الكلام على إجارة الذمي. ولو أفلت أسير
من يد الكفار أو أسلم كافر أسهم له إن حضر الصف وإن لم يقاتل لشهوده الوقعة ولقصد من أسلم إعلاء كلمة الله تعالى
بالاسلام فيقبح حرمانه. وإنما يسهم لكل منهما مما خير بعد حضوره، فإن كان هذا الأسير من جيش آخر أسهم له
إن قاتل، لأنه قد بان بقتاله قصده للجهاد، وإن لم يقاتل فكذا في أحد وجهين صححه في الشرح الصغير لشهوده
الوقعة. (وللراجل سهم والفارس ثلاثة) له سهم وللفرس سهمان للاتباع فيهما، رواه الشيخان. ومن حضر بفرس
يركبه يسهم له وإن لم يقاتل عليه إذا كان يمكنه ركوبه، لا إن حضر معه ولم يعلم به فلا يسهم له. ولو استعار فرسا أو استأجره
أو غصبه ولم يحضر المالك الوقعة أو حضر وله فرس غيره أسهم له لا للمالك، لأنه الذي أحضره وشهد به الوقعة. أما
إذا كان المالك حاضرا ولا فرس له وعلم بفرسه، أو ضاع فرسه الذي يريد القتال عليه فإنه يستحق سهمه كما علم مما
مر. وإن كان معه فرس فلا يستحق سهم المغصوب ولا الضائع لما سيأتي أنه لا يعطى إلا لفرس واحد. ولو ركب
شخصان فرسا وشهدا الوقعة وقويت على الكر والفر بهما أعطيا أربعة أسهم، سهمان لهما وسهمان للفرس، وإن
لم تقو على ذلك فلهما سهمان. ولو قاتلوا في ماء أو حصن وقد أحضر الفارس فرسه أعطي الأسهم الثلاثة، لأنه قد
يحتاج إلى الركوب، نص عليه. وحمله ابن كج على من بقرب الساحل واحتمل أن يخرج ويركب وإلا فلا معنى لاعطائه
سهم الفرس، وأقراه.
تنبيه: هذا كله في غنيمة الكاملين، فلو انفرد أهل الرضخ بغنيمة خمست وقسم الباقي بينهم بقدر نفقتهم،
ويتبعهم صغار السبي في الاسلام، فإن حضر معهم كامل فالغنيمة له ويرضخ لهم. (ولا يعطى) الفارس (إلا لفرس
واحد) وإن كان معه أكثر، لما روى الشافعي وغيره أنه (ص) لم يعط الزبير إلا لفرس وكان معه يوم حنين أفراس.
(عربيا كان) الفرس (أو غيره) كالبرذون: وهو ما أبواه أعجميان، والهجين: وهو ما أبوه عربي دون أمه،
والمقرف بضم الميم وسكون القاف وكسر الراء: عكسه، لأن الكر والفر يحصل من كل منهما ولا يضر
تفاوتهما كالرجال.
(لا لبعير وغيره) كالبغل والحمار والفيل، لأنها لا تصلح للحرب صلاحية الخيل له بالكر والفر. واستأنسوا له بقوله
تعالى: * (ومن رباط الخيل) * فخصها بالذكر. وصوب الشامل عن الحسن البصري أنه يسهم للإبل لقوله تعالى: * (فما
أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) * لكن السنة بينت أنه إنما يسهم للخيل، وأما غيرها ما فيرضخ له. ويفضل الفيل
على البغل، والبغل على الحمار. واختلف في تفضيل البعير على البغل وعكسه، فقيل: يفضل البعير لما نقل عن الحسن
البصري، وقيل: يفضل البغل، وجرى عليه في الأنوار، والأول استظهره شيخنا. وحمل بعضهم كلام من فضل البعير
على البغل على الهجين وكلام من عكس على غيره، وهذا أظهر. والحيوان المتولد بين
ما يرضخ له وما يسهم له حكم ما يرضخ له. ولا يدخل الإمام دار الحرب إلا فرسا شديدا، (و) حينئذ (لا يعطى) السهم (لفرس أعجف) أي مهزول
بين الهزال (وما لا غناء) بفتح المعجمة وبالمد، أي لا نفع (فيه) كالهرم والكبير لعدم فائدته، بل هو على صاحبه.
104

(وفي قول يعطى إن لم يعلم نهي الأمير عن إحضاره) بأن لم ينهه الأمير أو لم يبلغه النهي كما يعطى الشيخ الكبير إذا حضر،
وأجاب الأول بأن الشيخ ينتفع برأيه ودعائه، نعم يرضخ له.
تنبيه: محل الخلاف إذا تأتى ركوبه وإلا لم يعط قطعا، قاله الإمام. وأفهم إنه إذا علم بنهي الأمير عن إحضاره
لا يسهم له قطعا، وهو كذلك. ولو أحضره صحيحا ثم طرأ عجفه فكطرو موته، ولو أحضره أعجف فصح نظر، إن كان
حال حضور الوقعة صحيحا أسهم له، وإلا فلا كما بحثه بعض المتأخرين. قال الأذرعي: وينبغي أن يلحق بالأعجف
الحرون الجموح وإن كان شديدا قويا، لأنه لا يكر ولا يفر عند الحاجة، بل قد يهلك راكبه اه‍. وهو حسن. ولم يتعرض
المصنف لسن الفرس، وذكره الرافعي في المسابقة فقال: والذي تجوز المسابقة عليه من الخيل ما يسهم له، وهو الجذع والثني،
وقيل: وإن كان صغيرا. (والعبد والصبي) والمجنون (والمرأة) والخنثى (والذمي) والذمية (إذا حضروا) الوقعة مع
غيرهم كما يعلم مما مر وأذن الإمام للذمي والذميمة ولم يستأجرا كما سيأتي وفيهم نفع، (فلهم الرضخ) للاتباع، رواه في
العبد الترمذي وصححه، وفي النساء والصبيان البيهقي مرسلا، وفي قوم من اليهود أبو داود بلفظ أسهم وحمل على الرضخ.
والرضخ مستحق، وقيل: مستحب. وسواء أذن السيد والولي والزوج في الحضور أم لا، والرضخ لسيد
العبد، وإن لم يأذن.
تنبيه: محل ما ذكره المصنف إذا كان فيهم نفع كما قدرته في كلامه تبعا لنص البويطي. وتعبيره بالذمي يقتضي أن
غيره من الكفار لا يرضخ له قال الأذرعي: والظاهر إلحاق المستأمن والمعاهد والحربي بالذمي إذا حضروا
بإذن الإمام
بحيث يجوز له الاستعانة بهم، ويدل تعبير التنبيه وغيره بالكافر، قال: وأما المبعض فالظاهر أنه كالعبد، ويحتمل أن
يقال إن كان هناك مهايأة وحضر في نوبته أسهم له وإلا رضخ اه‍. والأوجه كما قال شيخي الأول، وإن قال بعض
المتأخرين الأوجه الثاني لأن الرقيق ليس من أهل فرض الجهاد والمبعض كذلك. ويرضخ أيضا للأعمى إن حضر
والزمن وفاقد أطراف، وكذا تاجر ومحترف حضرا ولم يقاتلا. (وهو) أي الرضخ لغة: العطاء القليل، وشرعا: شئ
(دون سهم) لراجل (يجتهد الإمام في قدره) لأنه لم يرد فيه تحديد فرجع إلى رأيه. ويفاوت على قدر نفع المرضخ له فيرجح
المقاتل ومن قتاله أكثر على غيره، والفارس على الراجل، والمرأة التي تداوي الجرحى وتسقي العطشى على التي تحفظ
الرجال، بخلاف سهم الغنيمة، فإنه يستوي فيه المقاتل وغيره لأنه منصوص عليه، والرضخ بالاجتهاد لكن لا يبلغ به
سهم راجل ولو كان الرضخ لفارس كما جرى عليه ابن المقري، لأنه تبع للسهام، فنقص به عن قدرها كالحكومة
مع الأروش المقدرة.
تنبيه: ظاهر كلامهم أن المسلم يستحق الرضخ وإن استحق السلب، وهو كذلك خلافا لابن الرفعة لاختلاف السبب.
(ومحله) أي الرضخ (الأخماس الأربعة في الأظهر) لأنه سهم من الغنيمة يستحق بحضور الوقعة إلا أنه ناقص. والثاني:
أنه من أصل الغنيمة كالمؤن. والثالث: أنه من خمس الخمس سهم المصالح. (قلت: إنما يرضخ لذمي) وما ألحق به من
الكفار (حضر بلا أجرة، و) كان حضوره (بإذن الإمام) أو الأمير بلا إكراه منه (على الصحيح والله أعلم) ولا أثر
لاذن الآحاد. والثاني: فيما إذا أذن الإمام لا يرضخ له. والثالث: إن قاتل استحق وإلا فلا، فإن حضر بأجرة فله
الأجرة ولا شئ له سواها جزما، لأنه أخذ عن حضوره بدلا فلا يقابل ببدل آخر، ويجوز أن يبلغ بالأجرة
سهم راجل.
تنبيه: إنما قال: بأجرة ولم يقل: بإجارة ليشمل الإجارة والجعالة فإنهما سواء، فإن حضر بلا إذن الإمام أو الأمير
فلا رضخ له بل يوزره الإمام إن رآه وإن أكرهه الإمام على الخروج استحق أجرة مثله من غير سهم ورضخ لاستهلاك
105

عمله عليه كما قاله الماوردي.
خاتمة: لو زال نقص أهل الرضخ قبل أن ينقضي الحرب بإسلام أو بلوغ أو إفاقة أو عتق أو وضوح ذكورة مشكل
أسهم لهم، أو بعد انقضائها فليس لهم إلا الرضخ كما قاله الماوردي. ولو غزت طائفة وليس فيهم أمير من جهة الإمام
فحكموا واحدا في القسمة صحت إن كان أهلا وإلا فلا، حكاه المصنف عن الشيخ أبي محمد.
كتاب قسم الصدقات
أي الزكوات على مستحقيها. وأما صدقة التطوع فقد أفردها المصنف بفضل آخر في هذا الكتاب وجمعها لاختلاف
أنواعها من نقد وحب وغيرهما، وسميت بذلك لاشعارها بصدق باذلها. وذكر هذا الكتاب المزني رحمه الله تعالى
والأكثرون في هذا الموضع، وتبعهم المصنف في كتابه هذا، لأن كلا من الفئ والغنيمة والزكاة يتولى الإمام جمعه.
وذكره الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه في الأم في آخر الزكاة وتابعه عليه جماعة منهم المصنف في الروضة، وهو أنسب.
وافتتحه المحرر بقوله تعالى: * (إنما الصدقات) * الآية، فعلم من الحصر بإنما أنها لا تصرف لغيرهم، وهو مجمع عليه وإنما وقع
الخلاف في استيعابهم. وأضاف في الآية الكريمة الصدقات إلى الأصناف الأربعة الأولى بلام الملك والأربعة الأخيرة ب‍ في
الظرفية للاشعار بإطلاق الملك في الأربعة الأولى وتقييده في الأربعة الأخيرة، حتى إذا لم يحصل الصرف في مصارفها استرجع
بخلافه في الأولى على ما يأتي. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى الأصناف الثمانية على ترتيب الآية الكريمة، فقال مبتدئا
بأولها: (الفقير) مشتق من كسر الفقار التي في الظهر، وهو هنا (من لا مال له ولا كسب) يقع جميعهما أو مجموعهما (موقعا
من حاجته) لقوله (ص): لاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب. ولو ذكر المصنف الآية ثم ذكر ما اقتضت
الآية استحقاقهم لارتبط كلامه بعضه ببعض كما فعل في المحرر. والمراد بحاجته ما يكفيه مطعما وملبسا ومسكنا وغيرها مما
لا بد له منه على ما يليق بحاله وحال من في نفقته من غير إسراف ولا تقتير. والذي لا يقع موقعا من حاجته أن يحتاج إلى
عشرة ويجد منهما درهمين، قال المحاملي: أو ثلاثة، وقال القاضي: أو أربعة، واعترض بأن ذلك يقع موقعا،
والظاهر ما قاله القاضي. ولا فرق بين أن يملك نصابا من المال أو لا، فقد لا يقع النصاب موقعا من كفايته. ولو
كان له كسب يمنعه منه مرض أو لم يجد من يشغله أو وجد من يشغله في كسب لا يليق به أو لم يجد كسبا حلالا كما سيأتي بعد ذلك ففقير
. تنبيه: قد يفهم كلام المصنف أنه لو كان له مال وعليه دين بقدره أو أكثر منه أو أقل بقدر لا يخرجه عن الفقر أنه
لا يعطى، وبه صرح البغوي في فتاويه فقال: لا يعطى من سهم الفقراء حتى يصرف ما عنده للدين اه‍. وما ذكره المصنف
تفسير لفقير الزكاة كما علم من التقدير في كلامه. أما فقير العرايا، فسبق فيها أنه من لا نقد بيده. وأما فقير العاقلة فسيأتي
في بابها أنه من لا يملك ما يفضل عن كفايته على الدوام. (ولا يمنع الفقر مسكنه) المملوك له، (و) لا (ثيابه) اللائقان به، ولا يضر
مع الحاجة إلى الثياب تعددها ولا كونها للتجمل.
تنبيه: اقتصار المصنف على المسكن والثياب يوهم عدم اعتبار غيرهما، وليس مرادا، فإن رقيقه المحتاج إليه
وكتبه المحتاج إليها إذا كانت تتعلق بعلم شرعي أو آلة له كذلك بخلاف كتب يتفرج فيها، ولو اعتاد السكنى بالأجرة أو
في المدرسة ومعه ثمن مسكن أو له مسكن خرج عن اسم الفقر بما معه كما بحثه السبكي. (و) لا يمنع الفقر أيضا (ماله
الغائب في) مسافة (مرحلتين) بل له الاخذ حتى يصل إليه لأنه الآن معسر، قياسا على فسخ المرأة النكاح بغيبة
106

مال الزوج على مرحلتين. قال السبكي: ويحتاج القول بالأخذ مع ماله الغائب إلى دليل اه‍. دليله القياس المتقدم، قاله
الرافعي: وقد يتردد الناظر في اشتراط مسافة القصر، بل ينبغي الجواز فيما دونها لأجل الحاجة الناجزة اه‍. ويرد بأن
ما دونها في الحاضر فلم ينظروا إليه (و) لا يمنع الاخذ أيضا من الزكاة دينه (المؤجل) الذي لا يملك غيره، فيأخذ منها حتى
يحل الاجل كما لو كان ماله غائبا.
تنبيه: قضية إطلاق المصنف أنه لا فرق بين أن يحل قبل مضي زمن مسافة القصر أم لا. قال الرافعي: وقد يتردد
الناظر فيه اه‍. وهذا إنما يأتي على المنقول، وأما على بحثه المتقدم فلا. ويجاب من جهة المنقول بأن الدين لما كان معدوما لم
يعتبروا له زمنا، بل يعطى حتى يحل ويقدر على خلاصه بخلاف المال الغائب، ففرق فيه بين قرب المسافة وبعدها. (و) لا يمنع
الاخذ منها أيضا (كسب) حرام أو (لا يليق به) أي بحاله ومروءته، لأنه يخل بمروءته فكان كالعدم. وإطلاق الكسب
في الحديث المار محمول على الكسب الحلال اللائق. وأفتى الغزالي بأن أرباب البيوت الذين لم تجر عادتهم بالكسب لهم أخذ
الزكاة اه‍. وجرى عليه في الأنوار فقال: فلو كان من أهل بيت لم تجر عادتهم بالتكسب بالبدن وهو قوي قادر حلت له
الزكاة. قال الدميري: وينبغي حمله على ما إذا لم يعتادوا ذلك للاستغناء عنه بالغنى، فأما عند الحاجة إليه والقدرة عليه
فتركه ضرب من الحماقة ورعونات النفس فلا وجه للترفع عنه وأخذ أوساخ الناس، بل أخذها أذهب للمروءة من التكسب
بالنسخ والخياطة ونحوهما في منزله، وقد أجر سيدنا علي رضي الله تعالى عنه نفسه، أي ليهودي يستقي له كل دلو بتمرة
كما مر في الإجارة اه‍. والأول أظهر. (ولو اشتغل بعلم) شرعي كما في الروضة يتأتى منه تحصيله كما قاله الدارمي وأقراه، (والكسب
يمنعه) من اشتغاله بذلك، (ففقير) فيشتغل به ويأخذ من الزكاة لأن تحصيله فرض كفاية. أما من لا يتأتى منه التحصيل فلا
يعطى إن قدر على الكسب. وخرج بقوله: والكسب يمنعه ما لو كان لا يمنعه، فلا يعطى إذا كان يليق به مثله. ومثله
في البسيط بالتكسب بالوراقة، يعني النسخ.
تنبيه: يؤخذ من التعليل المذكور أن من اشتغل بتعلم القرآن أو بما كان آلة للعلم الشرعي والكسب يمنعه ويتأتى منه
تحصيله أن له الاخذ، وهو كذلك، وقد صرح به في الأنوار فقال: ولو قدر على الكسب بالوراقة أو غيرها وهو
مشتغل بتعلم القرآن أو العلم الذي هو فرض كفاية أو تعليمه والاشتغال بالكسب يقطعه عن التعلم والتعليم حلت له الزكاة.
(ولو اشتغل بالنوافل) للعبادات وملازمة الخلوات في المدارس ونحوهما، (فلا) يكون فقيرا، وادعى في المجموع الاتفاق عليه،
لأن الكسب وقطع الطمع عما في أيدي الناس أولى من الاقبال على النوافل مع الطمع. والفرق بين
المشتغل بهذا وبين المشتغل بعلم أو قرآن بأن ذلك مشتغل بما هو فرض كفاية بخلاف هذا، ولان نفع هذا قاصر عليه بخلاف ذاك. وفي
فتاوي أن البرزي: أنه لو نذر صوم الدهر وكان لا يمكنه أن يكتسب مع الصوم كفايته أن له أخذ الزكاة، وأنه لو كان
يكتسب كفايته من مطعم وملبس ولكنه محتاج إلى النكاح فله أخذها لينكح لأنه من تمام كفايته اه‍. وهو ظاهر. وفي فتاوي
القفال: أن مستغرق الوقت بالعبادة والصلاة آناء الليل والنهار يحل له أخذ الزكاة كالمشتغل بالفقه وإن كان قويا، أما غيره
فلا وإن كان صوفيا اه‍. وفي قياسه على الفقه نظر لما تقدم من الفرق. (ولا يشترط فيه) أي فقير الزكاة الآخذ منها (الزمانة)
وهي بفتح الزاي: العاهة، (ولا التعفف عن المسألة على الجديد) فيهما، لقوله تعالى: * (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) * أي
غير السائل، ولأنه (ص) أعطى من لم يسأل ومن سأل ومن لم يكن زمنا. والقديم يشترطان. ورجح
في الروضة القطع بالأول، ونسبه في المجموع للجمهور. (والمكفي بنفقة قريب أو) نفقة (زوج ليس فقيرا) ولا مسكينا أيضا،
فلا يعطى من سهمهما (في الأصح) لأنه غير محتاج كالمكتسب كل يوم قدر كفايته. والثاني: نعم، لاحتياجهما إلى غيرهما.
107

تنبيه: محل الخلاف إذا كان يمكن الاخذ من القريب والزوج ولو في عدة الطلاق الرجعي أو البائن وهي
حامل كما قاله الماوردي، وإلا فيجوز الاخذ بلا خلاف. وخرج بذلك المكفي بنفقة متبرع فيجوز له الاخذ، قال
ابن قاضي عجلون في تصحيحه قول المنهاج في المكفي بنفقة قريب بأنه ليس فقيرا: يخالف تعبير المحرر والشرحين
والروضة بأنه لا يعطى من سهم الفقراء، ورجح السبكي هذا الثاني اه‍. وجه ذلك كما قال شيخي: أن الفقير هو الذي
لا مال له ولا كسب الخ، وهو شامل لهذا فلا يصح نفيه، لكنا أنزلناه منزلة لغي لكونه مكفيا فلا يعطى من سهم
الفقراء، فالتعبير ب‍ لا يعطى أولى. ويعطي الزوج زوجته من سهم المكاتب والغارم والمؤلفة ومن سهم ابن السبيل،
لا إن سافرت معه بإذن أو دونه أو وحدها بلا إذن فلا يعطيها منه لأنها في الأولى وإن انتفى الاذن مكفية بالنفقة لأنها في
قبضته، وفي الثانية عاصية، وله أن يعطيها في الرجوع إليه لرجوعها عن المعصية. وإن سافرت وحدها بإذنه
، فإن وجبت
نفقتها كأن سافرت لحاجته أعطيت من سهم ابن السبيل باقي كفايتها لحاجة السفر، وإن لم تجب نفقتها كأن سافرت
لحاجتها أعطيت كفايتها منه. وإن سافرت وحدها بلا إذن أعطيت هي والعاصي بالسفر من سهم الفقراء، بخلاف
الناشزة المقيمة فإنها قادرة على الغنى بالطاعة فأشبهت القادر على الكسب، والمسافرة لا تقدر على العود في الحال.
وللزوجة إعطاء زوجها الحر من سهم الفقراء والمساكين إذا كان كذلك، بل يسن كما قاله الماوردي. وأما المكاتب
فاقتضى كلام الروضة وأصلها هنا أنه مكفي بنفقة قريبه، لكن صحح في زيادة الروضة: أن نفقته لا تجب على قريبه
لأنه رقيق. ثم شرع في الصنف الثاني. فقال: (والمسكين من قدر على مال أو كسب) لائق به حلال (يقع موقعا
من كفايته) لمطعمه ومشربه وملبسه وغيرها مما يحتاج إليه لنفسه ولمن تلزمه نفقته كما مر في الفقير. (ولا يكفيه)
ذلك المال أو الكسب كمن يحتاج إلى عشرة ولا يجد إلا سبعة أو ثمانية، وسواء أكان ما يملكه نصابا أم لا كما مر
في الفقير. قال الغزالي في الاحياء: المسكين هو الذي لا يفي دخله بخرجه، فقد يملك ألف دينار وهو مسكين، وقد لا يملك
إلا فأسا وحبلا وهو غني، والمعتبر في ذلك ما يليق بالحال بلا إسراف ولا تقتير.
تنبيه: قد علم من ذلك أن المسكين أحسن حالا من الفقير خلافا لمن عكس، واحتجوا له بقوله تعالى: * (أما
السفينة إ فكانت لمساكين) * حيث سمي مالكيها مساكين، فدل على أن المسكين من يملك شيئا يقع موقعا من
كفايته، وبما روي من قوله (ص): اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا مع أنه كان يتعوذ من الفقر. والعبرة
عند الجمهور كفاية العمر الغالب بناء على أنه يعطى كفاية ذلك، وهو المعتمد، وقيل:
كفاية سنة، بناء على أنه إنما يعطى كفاية سنة. وخرج بلائق به وحلال غير اللائق به والحرام فهو كمن لا كسب له. ولا يخرجه عن المسكنة أثاث يحتاجه
في سنته، ولا ملكه ثياب شتاء يحتاجها في صيف ولا عكسه، ولا ملك كتب وهو فقيه يحتاجها للتكسب كالمؤدب والمدرس
بأجرة أو للقيام بفرض، لأن كلا منهما حاجة مهمة، وإن كان احتياجه لها في السنة مرة فتبقى له النسخة الصحيحة
من النسخة المتكررة عنده فلا يبقيان معا لاغتنائه بالصحيحة، وإن كانت إحداهما أصح والأخرى أحسن يبقى
الأصح، وإن كان له كتابان من علم واحد وكان أحدهما مبسوطا والآخر وجيزا بقي المبسوط إن كان غير مدرس
بأن كان قصده الاستفادة، وإن كان مدرسا بقيا لأنه يحتاج لكل منهما في التدريس، ويبقى له كتب طب يكتب
بها أو يعالج بها نفسه أو غيره، والمعالج معدوم في البلد، وكتب وعظ وإن كان ثم واعظ، إذ ليس كل أحد ينتفع بالوعظ
كانتفاعه في خلوته، وعلى حسب إرادته، ولا يبقى له كتاب يتفرج فيه. والحاصل أن الكتاب يطلب للتعليم وللاستفادة
فلا يمنع المسكنة كما تقرر. ويطلب للتفرج فيه بالمطالعة ككتب التواريخ والشعر فيمنع. ومن له عقار مثلا ينقص دخله
عن كفايته فهو إما فقير أو مسكين. ثم شرع في الصنف الثالث، فقال: (والعامل) على الزكاة (ساع) وهو
الذي يجبي
الزكاة. (وكاتب) يكتب ما أعطاه أرباب الصدقة من المال ويكتب لهم براءة بالأداء وما يدفع للمستحقين. (وقاسم) وحاسب
وعريف، وهو كنقيب القبيلة. وجندي وهو المشد على الزكاة إن احتيج إليه. (وحاشر) وهو اثنان: أحدهما من
108

(يجمع ذوي الأموال) والثاني: من يجمع ذوي السهمان، لصدق اسم العامل على الجميع، لكن أشهرهم هو الذي يرسل
إلى البلاد والباقون أعوان.
تنبيه: يؤخذ من اسم العامل أنه لا بد من العمل، فلو فرق المالك أو حملها إلى الإمام سقط. (لا) الإمام
و (القاضي والوالي) للإقليم إذا قاموا بذلك فلا حق لهم في الزكاة، بل رزقهم إذا لم تطوعوا بالعمل في خمس الخمس
المرصد للمصالح العامة فإن عملهم عام، ولان عمر رضي الله تعالى عنه شرب لبنا فأعجبه فأخبر أنه من نعم الصدقة فأدخل
أصبعه واستقاءه، رواه البيهقي بإسناد صحيح.
تنبيه: قضية كلام المصنف أن للقاضي قبض الزكوات وصرفها، وهذا في أموال أيتام تحت نظره، فإن لم
يقم الإمام لها ناظرا ففي دخولها في عموم ولايته وجهان: أصحهما الدخول كما جزم به المصنف، وأطلق الرافعي في كتاب
الأقضية الدخول، وهو محمول على هذا، ويزاد في العمال بقدر الحاجة، والوزان والكيال والعداد عمال إن ميزوا بين
أنصباء الأصناف، وأجرتهم من سهم العامل، إذ لو ألزمناها للمالك لزدنا في قدر الواجب. وأما مميزو الزكاة من المال
وجامعوه فإن أجرتهم على المالك لأنها لتوفية الواجب، كأجر كيل المبيع فإنها على البائع، وأجرة الراعي والحافظ بعد
قبضها والمخزن والناقل في جملة السهمين لا في سهم العامل. ثم شرع في الصنف الرابع، فقال: (والمؤلفة) جمع مؤلف
من التألف، وهو جمع القلوب، وهو: (من أسلم ونيته ضعيفة) فيتألف ليقوى إيمانه ويألف المسلمين، ويقبل قوله
في ضعف النية بلا يمين. (أو) من أسلم ونيته في الاسلام قوية، ولكن (له شرف) في قومه (يتوقع بإعطائه إسلام
غيره) من نظائره، ولا يصدق في شرفه إلا ببينة. (والمذهب أنهم يعطون من الزكاة) لقوله تعالى: * (والمؤلفة قلوبهم) *
إذ لو لم نعط هذين الصنفين من الزكاة لم نجد للآية محملا. والقول الثاني: لا يعطون، لأن الله تعالى قد أعز الاسلام
وأغنى عن التأليف بالمال. والثالث: يعطون من خمس الخمس، لأنه مرصد للمصالح، وهذا منها. وكان ينبغي للمصنف
أن يعبر بالأظهر لأن الخلاف أقوال. وخرج بقوله: من أسلم مؤلفة الكفار. وهم من يرجى إسلامهم ومن يخشى
شرهم فلا يعطون من الزكاة قطعا للاجماع، ولا من غيرها على الأظهر، لأن الله تعالى أعز الاسلام وأهله وأغنى عن
التأليف، ولخبر الصحيحين: أنه (ص) قال لمعاذ: أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد
على فقرائهم.
تنبيه: حصر المصنف المؤلفة في هذين الصنفين، وليس مرادا بل هم أربعة أصناف: المذكوران، والثالث:
من يقاتل من يليه من الكفار، والرابع: من يقاتل من يليه من مانعي الزكاة، فيعطون إذا كان إعطاؤهما أهون علينا
من جيش يبعث لبعد المشقة أو كثرة المؤنة أو غير ذلك. قال الماوردي وغيره: ويعتبر في إعطاء المؤلفة احتياجنا إليهم،
ونقله في الكفاية عن المختصر، وهو ظاهر في غير الصنفين الأولين، أما هما فلا يشترط فيهما ذلك كما هو ظاهر كلامهم.
وهل تكون المرأة من المؤلفة؟ وجهان الصحيح نعم. ثم شرع في الصنف الخامس فقال: (والرقاب) وهم
(المكاتبون) كتابة صحيحة، فيدفع إليهم لا من زكاة سيدهم ولو بغير إذنه ما يؤدون من النجوم في الكتابة بأن عجزوا
عن الوفاء ولو لم يحل النجم، لأن التعجيل متيسر في الحال: وربما يتعذر عليه الاعطاء عند المحل، بخلاف غير العاجزين
لعدم حاجتهم وإنما لم يشترط الحلول كما اشترط في الغارم لأن الحاجة إلى الخلاص من الرق أهم، والغارم ينتظر له
اليسار فإن لم يوسر فلا حبس ولا ملازمة. وإنما لم يشترط بما يخصهم رقاب للعتق كما قيل به لأن قوله تعالى: * (وفي
الرقاب) * كقوله تعالى: * (وفي سبيل الله) * وهناك يعطى المال للمجاهدين فيعطى للرقاب هنا. أما المكاتب كتابة
فاسدة فلا يعطى لأنها غير لازمة من جهة السيد، وكذا لا يعطى من كوتب بعضه كما ذكره في الروضة في باب الكتابة
لئلا يأخذ ببعضه الرقيق من سهم المكاتبين. واستحسن الرافعي وجها ثالثا، وهو أنه إذا كان بينهما مهايأة صرف
109

إليه في نوبته وإلا فلا، وإنما لم يعط المكاتب من زكاة سيده لعود الفائدة إليه. فإن قيل: لرب الدين أن يعطى غريمه
من زكاته فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن المكاتب ملك لسيده فكأنه أعطى مملوكه، بخلاف الغارم. ويعطى
المكاتب مع قدرته على كسب ما يؤدي به النجوم. فإن قيل: قد مر أن الفقير والمسكين لا يعطيان حينئذ كما مر، فهلا
كان هنا كذلك أجيب بأن حاجتهما تتحقق يوما بيوم، والكسوب يحصل كل يوم كفايته، ولا يمكن تحصيل
كفاية الدين إلا بالتدريج، ولا يزادون على ما يؤدون لعدم الحاجة إليه. ولو استدان المكاتب شيئا فك به رقبته أعطي
من سهم الغارمين لا المكاتبين كما نقلاه عن فتاوى البغوي. ولو عجز المكاتب استرد منه ما أخذه إن كان باقيا. وتعلق بدله
بذمته إن كان تالفا لحصول المال عنده برضا مستحقه. فلو قبضه السيد رده إن كان باقيا، وغرم بدله إن كان تالفا.
ولو ملكه السيد شخصا لم يسترده منه بل يغرمه السيد. ثم شرع في الصنف السادس، وهو من لزمه دين، وهو
على ثلاث أضرب: دين لزمه لمصلحة نفسه، ودين لزمه لتسكين فتنة وهو إصلاح ذات البين، ودين لزمه لا لتسكينها،
والمصنف أسقط هذا الضرب. ولكنه يؤخذ من مفهوم قوله: استدان لنفسه. وقد بدأ بالضرب الأول من ذلك،
فقال:
(والغارم إن استدان لنفسه) شيئا يصرفه في غرضها (في غير معصية) من طاعة أو مباح، كحج وجهاد وتزوج
وأكل ولبس، (أعطي) ومثله من لزمه الدين بغير اختياره، كما لو وقع على شئ فأتلفه، بخلاف المستدين في معصية،
ومثل الرافعي الاستدانة للمعصية بثمن الخمر والاسراف في النفقة. فإن قيل: قد سبق في الحجر عدم تحريم الاسراف في
المطاعم ونحوها على الأصح. أجيب بأن المراد هنا إسراف في نفقة بقرض لا يرجو له وفاء بخلافه هناك، ومثله من
لزمه الدين بإتلاف مال الغير عدوانا فلا يعطى: (قلت: الأصح يعطى) مع الفقر (إذا تاب) عنها، (والله أعلم) لأن
التوبة قطعت حكم ما قبلها فصار النظر إلى حال وجودها كالمسافر لمعصية إذا تاب فإنه يعطى من سهم ابن السبيل. قال
الرافعي: ولم يتعرضوا هنا لمدة الاستبراء ليظهر حاله، إلا أن الروياني قال: يعطى إذا غلب على الظن صدقه في توبته
فيمكن حملا على إطلاقهم عليه، قال في المجموع: والظاهر ما قاله الروياني وإن قصرت المدة. والثاني: لا يعطى لأنه ربما اتخذ
ذلك ذريعة ثم يعود قال الإمام: ولو استدان لمعصية ثم صرفه في مباح أعطي، وفي عكسه يعطى أيضا إن عرف قصد
الإباحة أو لا، ولكنه لا يصدق فيه، والأولى واردة على المصنف واستدراكه لما يفهمه عموم مفهوم الشرط من قوله:
إن استدان في غير معصية فإنه يفهم أن المستدين لمعصية لا يعطى مطلقا، ولهذا نقل في الروضة عن المحرر الجزم بأنه
لا يعطى، ومراده ما اقتضاه عموم المفهوم. (والأظهر اشتراط حاجته) أي المستدين بأن لا يقدر على وفاء ما استدانه،
لأنه إنما يأخذ لحاجته كالمكاتب، فلو وجد ما يقضي به دينه لم يعط. قال الرافعي: ومن المهم البحث عن معنى الحاجة،
وعبارة أكثرهم تقتضي كونه فقيرا لا يملك شيئا وربما صرحوا به. ثم قال: والأقرب قول بعض المتأخرين: لا يعتبر
الفقر والمسكنة، بل لو ملك قدر كفايته، ولو قضى دينه مما معه تمسكن فيترك له مما معه ما يكفيه ويعطى ما يقضي به
باقي دينه، ووافقه في الروضة والمجموع.
تنبيه: قد يفهم كلام المصنف أمرين: أحدهما أنه لو قدر على قضاء دينه بالاكتساب أنه لا يعطى، والأصح
كما في الروضة أنه يعطى لأنه لا يقدر على قضائه إلا بعد زمن وحاجته حاصلة في الحال لثبوت الدين في ذمته، وقد يقال
هو حينئذ محتاج. ثانيهما: عود الخلاف إلى التائب تفريعا على إعطائه، وليس مرادا، بل اشتراط الحاجة مجزوم به في
هذه الصورة، والخلاف عائد للاستدانة في غير معصية (دون حلول الدين) فلا يشترط في الأظهر كما يشعر به كلامه،
لكن قوله: (قلت: الأصح اشتراط حلوله، والله أعلم) يقتضي أن الخلاف وجهان، وهو ما في الشرحين والروضة:
وإنما لم يعط قبل الحلول لعدم حاجته إليه الآن، وقد تقدم الفرق بينه وبين المكاتب. ثم شرع في الضرب الثاني،
فقال: (أو) أي أو استدان (لاصلاح ذات البين) أي الحال بين القوم، كأن يخاف فتنه بين شخصين أو قبيلتين
110

وقع النزاع بينهما في قتيل لم يظهر قاتله فيستدين ما يسكن به الفتنة وما دون النفس من الأطراف وغيرها. وإتلاف المال في
ذلك كالنفس كما شمل ذلك عبارة المصنف: (أعطي) إن كان الدين باقيا (مع الغنى) بالعقار قطعا وبالعرض على
المذهب وبالنقد على الأصح (وقيل: إن كان غنيا بنقد فلا) يعطى حينئذ، لأن إخراجه في الغرم ليس فيه مشقة غيره.
وأجاب الأول بعموم الآية، ولأنه لو شرط الفقر فيه لقلت الرغبة في هذه المكرمة. أما إذا لم يكن الدين باقيا كأن أداه
من ماله فإنه لا يعطى. الضرب الثالث الذي أسقطه المصنف: من لزمه دين بطريق الضمان عن معين لا في تسكين فتنة، فيعطى
إن أعسر مع الأصل، وإن لم يكن متبرعا بالضمان أو أعسر وحده وكان متبرعا بالضمان لأنه إذا غرم لا يرجع عليه،
بخلاف ما إذا ضمن بالاذن، وصرفه إلى الأصيل المعسر أولى لأن الضامن فرعه، وإن أعسر الأصيل وحده أعطي دون
الضامن، بخلاف الأصيل أو الضامن الموسر إذ لا حق له في الزكاة. وإذا أعطي الضامن وقضى به الدين لم يرجع على
الأصيل وإن ضمن بإذنه، وإنما يرجع إذا غرم من عنده بشرطه، وإن كانا موسرين لم يعط واحد منهما. ولو استدان
لمصلحة عامة كقرى ضيف وعمارة مسجد وبناء قنطرة وفك أسير فهو كمن استدان لمصلحة نفسه كما قاله السرخسي،
وجرى عليه أبو عبد الله الحجازي في مختصر الروضة، وجزم به في الأنوار، وقال الأذرعي: هو الذي يقتضيه كلام
الأكثرين، واعتمده شيخي، وقيل: يعطى عند العجز عن النقد لا عن غيره كالعقار، وجرى عليه الروياني والماوردي
وجزم به ابن المقري في روضه، وحكى في الروضة المقالتين من غير الترجيح.
تنبيه: اشتراط المصنف حلول الدين في الضرب الأول يقتضي أنه لا يشترط في الضرب الثاني، ووجه بأنه كما
يجوز الاعطاء فيه مع الغني يجوز مع التأجيل، وظاهر كلامهم أنه لا فرق، إذ لا طلب للمدين الآن، والتسليم لما يستحقه
المكاتب أو الغارم إلى السيد أو الغريم بإذن المكاتب أو الغارم أحوط وأفضل إلا أن يكون ما يستحقه أقل مما عليه
وأراد أن يتجر فيه فلا يستحب تسليمه إلى من ذكر. وتسليمه إليه بغير إذن المكاتب أو الغارم لا يقع زكاة لأنهما
المستحقان، ولكن يسقط عنهما بقدر المصروف لأن من أدي عنه دينه بغير إذنه تبرأ ذمته، ولو أعتق المكاتب أو
أبرئ الغارم أو استغنيا وبقي مال الزكاة في أيديهما استرد منهما بزيادته المتصلة، ولو أتلفاه قبل الاعتاق والبراءة لم يغرما
لتلفه على ملكهما مع حصول المقصود أو بعده غرماه لعدم حصول المقصود به. وللمكاتب والغارم أن يتجرا في المأخوذ
ليربحا فيه. ولو أراد أحدهما أن ينفق ما أخذه ويؤدي من كسبه منع المكاتب لا الغارم. ولو أدى الغارم الدين من
قرض فلم يسترد منه ما أخذه حتى لزمه دين صار به غارما استرد منه لأنه صار كالمستسلف له قبل غرمه في أحد وجهين
رجحه بعض المتأخرين، وقيل: لا، لأنه يجوز دفعه إليه الآن. ولو بان القابض للزكاة من المالك غير مستحق لها كغني
لم يحزه، وإن أعطاها له ببينة شهدت له بالوصف الذي أعطاه به، لانتفاء شرطه. ثم شرع في الصنف السابع، فقال:
(وسبيل الله تعالى غزاة) ذكور لا فئ لهم، أي لا اسم لهم في ديوان المرتزقة بل يتطوعون بالغزو حيث نشطوا
له وهم مشتغلون بالحرف والصنائع. (فيعطون) من الزكاة (مع الغنى) لعموم الآية وإعانة لهم على الغزو، بخلاف
من لهم الفئ، وهم المرتزقة الثابت أسماؤهم في الديوان، فلا يعطون من الزكاة ولو عدم الفئ في الأظهر بل يجب على
أغنياء المسلمين إعانتهم. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كان أهل الفئ على عهد رسول الله (ص)
بمعزل عن أهل الصدقات، وأهل الصدقات بمعزل عن أهل الفئ ولأنهم أخذوا بدل جهادهم من الفئ، فلو أخذوا
من الزكاة أخذوا بدلين عن بدل واحد، وذلك ممتنع، ولكل ضرب منهما أن ينتفل إلى الضرب الآخر. وإنما فسر
سبيل الله بالغزاة لأن استعماله في الجهاد أغلب عرفا وشرعا بدليل قوله تعالى في غير موضع: * (يقاتلون في سبيل الله) *
فحمل الاطلاق عليه وإن كان سبيل الله بالوضع هو الطريق الموصلة إليه وهو أعم. ولعل اختصاصه بالجهاد، لأنه
طريق إلى الشهادة الموصلة إلى الله تعالى فهو أحق بإطلاق سبيل الله عليه. ثم شرع في الصنف الثامن فقال:
111

(وابن السبيل) أي الطريق، (منشئ سفر) مباح من محل الزكاة، سواء أكان بلده أو مقيما فيه، (أو مجتاز) به في سفره، واحدا
كان أو أكثر ذكرا أو غيره، سمي بذلك لملازمته السبيل وهي الطريق. وإنما أفرده المصنف مع أنه يصدق على ما ذكر
تأسيا بالكتاب العزيز فإنه لم يرد فيه إلا منفردا، وهو حقيقة في المجتاز مجاز في المنشئ. وإعطاء الثاني بالاجماع، والأول بالقياس
عليه، ولان مريد السفر محتاج إلى أسبابه. وخالف في ذلك أبو حنيفة ومالك رضي الله تعالى عنهما. (وشرطه) في الاعطاء لا في
التسمية (الحاجة) بأن لا يجد ما يكفيه غير الصدقة وإن كان له مال في مكان آخر أو كان كسوبا أو كان سفره لنزهة،
(وعدم المعصية) بسفره، سواء أكان طاعة كسفر حج وزيارة أو مباحا كسفر تجارة أو مكروها كسفر منفرد، لعموم الآية،
بخلاف سفر المعصية لا يعطى فيه قبل التوبة. وألحق به الإمام السفر لا لقصد صحيح كسفر البهائم. ولو كان له مال غائب
ووجد من يقرضه نقفي المجموع عن ابن كج أنه يعطى، وأقره، وهو المعتمد، وقيل: لم يعطى كما نص عليه
في البويطي،
ورد بأن النص ليس في الزكاة وإنما هو في الفئ. (وشرط آخذ الزكاة) أي من يدفع إليه منها (من هذه الأصناف الثمانية
الاسلام) فلا تدفع لكافر بالاجماع فيما عدا زكاة الفطر، وباتفاق أكثر الأئمة فيها، ولعموم قوله (ص):
تؤخذ الصدقة من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم رواه الشيخان. نعم الكيال والوزان والحافظ والحمال ويجوز كونهم كفارا
مستأجرين من سهم العامل، لأن ذلك أجرة لا زكاة. ولا يجوز أن يكون الكافر عاملا في الزكاة لأنا إن قلنا صدقة
فلا حق له في الصدقة المفروضة، وإن قلنا أجرة فلا ينصب فيها لعدم أمانته كما يجوز أن يستعمل على مال يتيم أو
وقف. (و) شرط آخذ الزكاة أيضا (أن لا يكون هاشميا ولا مطلبيا) ولو انقطع عنهم خمس الخمس، لخلو بيت المال
من الفئ والغنيمة، أو لاستيلاء الظلمة عليهما. وكذا يحرم عليهما الاخذ من المال المنذور صدقة كما اعتمده شيخي
لعموم قوله (ص): إن هذه الصدقات لا تحل لمحمد ولا لآل محمد رواه مسلم، وقال: لا أحل لكم أهل البيت من
الصدقات شيئا ولا غسالة الأيدي، إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم أي بل يغنيكم، رواه الطبراني.
نعم لو استعملهم الإمام في الحفظ أو النقل فله أجرته كما في المجموع عن صاحب البيان وجزم به ابن الصباغ وغيره. فإن
قيل: هذا إما ضعيف أو مبني على أن يعطاه العامل أجرة لا زكاة، والصحيح كما قال ابن الرفعة أنه زكاة. أجيب بأن
محل ذلك إذا استؤجروا للنقل ونحوه كما في العبد والكافر يعملان فيهما بالأجرة. (وكذا مولاهم) أي عتقاء بني هاشم
وبني المطلب لا يحل لهم أخذ الزكاة (في الأصح) لخبر: مولى القوم منهم رواه الترمذي وغيره وصححوه. والثاني:
يحل لهم أخذها، لأن المنع للشرف في ذوي القربى وهو مفقود في مولاهم. وجرى على هذا في التنبيه وقال: إن الأول
ليس بشئ، وهو قوي بدليل عدم كفاءتهم لمولاهم في النكاح وعدم استحقاقهم خمس الخمس. وادعى القاضي حسين
أن المذهب أن مولاهم لا يلحق بهم، ومع هذا فالمشهور في المذهب هو الأول.
تنبيه: كلام المصنف يوهم حصر الشروط فيما ذكره وليس مرادا، فمنها الحرية فيما عدا المكاتب فلا يجوز دفع
الزكاة إلى مبعض ولو في نوبة نفسه خلافا لابن القطان. ومنها أن يكون من بلد الزكاة على ما سيأتي على نقل الزكاة
ومنها أن لا يكون ممن تلزمه نفقته، نعم تستثنى الزوجة إن كانت غارمة كما ذكره صاحب الخصال. ولو كان لشخص
أب قوي صحيح فقير لا يجب عليه نفقته هل يجوز أن يدفع إليه من زكاته من سهم الفقراء أو لا؟ أفتى ابن يونس
عماد الدين بالثاني وأخوه كمال الدين بالأول. قال ابن شهبة: وهو ظاهر، إذ لا وجه للمنع. وأفتى المصنف فيمن بلغ تارك
الصلاة كسلا واستمر على ذلك أنه لا يجوز دفع الزكاة له بل يقبضها له وليه لسفهه، وإن بلغ مصليا رشيدا ثم طرأ ترك
الصلاة ولم يحجر عليه جاز دفعها له وصح قبضه بنفسه. وأفتى ابن البرزي بجواز دفعها إلى فاسق إلا أن يكون المدفوع
إليه يعنيه على المعصية فيحرم إعطاؤه. وقال المروزي: لا يجوز قبض الزكاة من أعمى ولا دفعها له بل يوكل فيها، لأن
التمليك شرط فيه. قال ابن الصلاح. وفساد هذا ظاهر وعمل الناس على خلافه، وهو كما قال. ويؤيد الجواز ما
112

صححه في الروضة من السقوط فيما إذا دفع زكاته لمسكين وهو غير المدفوع جنسا وقدرا بأن كانت في كاغد ونحوه.
فصل: في بيان ما يقتضي صرف الزكاة لمستحقها وما يأخذه منها: كل (من طلب زكاة وعلم الإمام) أو منصوبه
لتفرقتها (استحقاقه) لها (أو عدمه، عمل بعلمه) في ذلك، فيعطي من علم استحقاقه لها، ويمنع من علم عدم استحقاقه،
بل يحرم عليه حينئذ الصرف له ويجب عليه منعه. قال الرافعي: ولم يخرجوه على القضاء بالعلم، أي لم يجروا
فيه الخلاف المذكور فيه، بل جزموا به، وفرق في المجموع بأن الزكاة مبنية على الرفق والمساهلة، وليس فيها إضرار
بالغير بخلاف القضاء بالعلم.
تنبيه: قوله: من طلب ليس بقيد، بل لو أراد الإمام تفرقتها بلا طلب كان الحكم كذلك، وكذا قوله: وعلم الإمام
فلو فرقها المالك بنفسه أو بوكيله كان الحكم كذلك. (وإلا) أي وإن لم يعلم الدافع استحقاق المريد الدفع إليه ولا عدمه،
(فإن ادعى) مريد الاخذ (فقرا أو مسكنة لم يكلف بينة) يقيمها على ذلك لعسرها، ولم يحلف في الأصح إن اتهم،
فإن لم يتهم لم يحلف جزما، لأنه (ص) أعطى اللذين سألاه الصدقة بعد أن أعلمهما أنه لاحظ فيها لغني
ولم يطالبهما بيمين. وإن ادعى عدم الكسب وحاله يشهد بصدقه كأن كان زمنا أو شيخا كبيرا فإنه يصدق بلا بينة
ولا يمين، وكذا يصدق إن كان قويا جلدا في الأصح. (فإن عرف له) أي من طلب زكاة، (مال) يمنع من صرف
الزكاة إليه، (وادعى تلفه كلف) بينة على تلفه، وهي رجلان أو رجل وامرأتان، لسهولتها، ولان الأصل بقاؤه.
قال الرافعي: ولم يفرقوا بين أن يدعي تلفه بسبب ظاهر أو خفي كالوديع. قال المحب الطبري: والظاهر التفرقة
كالوديعة اه‍. وهذا هو المعتمد وإن فرق ابن الرفعة بينهما بأن الأصل هناك عدم الضمان وهنا عدم الاستحقاق، فإن
هذا يؤدي إلى عدم أخذ من ادعى ذلك بالكلية فإنه لا يصدق ولا يمكنه إقامة البينة، وفي هذا حرج عظيم، وقد قال
تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) *.
تنبيه: أطلق في زيادة الروضة في قسم الفئ أن من ادعى أنه مسكين أو ابن سبيل قبل بلا بينة، وهو محمول
على هذا التفصيل المذكور. (وكذا إن ادعى) من طلب زكاة (عيالا) له لا يفي كسبه بكفايتهم كلف البينة على
العيال،
(في الأصح) لأن الأصل عدمهم ولسهولة إقامة البينة على ذلك، والمراد بهم من تلزمه نفقتهم. قال شيخنا: وقول
السبكي نفقتها، وكذا من لم تلزمه ممن تقضي المروءة بقيامه بنفقتهم ممن يمكن صرف الزكاة إليه من قريب وغيره بعيد.
(ويعطى غاز) جاء وقت خروجه كما في الروضة وأصلها، (وابن السبيل) كذلك قياسا عليه، (بقولهما) بلا بينة ولا
يمين على الأصح لأنه لأمر مستقبل. (فإن لم يخرجا) مع الرفقة وإن تأهبا للغزو والسفر، (استرد) منهما ما أخذاه، لأن
صفة الاستحقاق لم تحصل. ولم يتعرض الجمهور للقدر الذي يحتمل تأخيره، وقدره السرخسي بثلاثة أيام. قال
الرافعي: ويشبه أنها تقريب، أي فيحتمل تأخير الخروج لانتظار الرفقة وتحصيل الأهبة ونحوهما. قال الرافعي: ولو
مات الغازي في الطريق أو امتنع من الغزو استرد منه ما بقي، وهو يدل على أنه لا يسترد جميع ما أخذه، وهذا كما
قال ابن الرفعة ظاهر في حالة موته دون امتناعه.
تنبيه: مقتضى عبارة المصنف أن الغازي وابن السبيل إذا خرجا ورجعا وفضل شئ لم يسترد منهما، وليس على
إطلاقه، بل يسترد من ابن السبيل مطلقا. وأما الغازي فإن غزا ورجع وبقي معه شئ صالح ولم يقتر والباقي على نفسه استرد
منه ذلك فقط، لأنا تبينا أن المعطي فرق حاجته فإن قتر على نفسه أو لم يقتر والباقي لم يسترد منه شئ. ولا يختص
الاسترداد بهما، بل إذا أعطي المكاتب ثم استغنى عما أعطيناه بتبرع السيد بإعتاقه أو إبرائه عن النجوم استرد ما قبضه على
113

الأصح لأن المقصود حصول العتق بالمال المدفوع إليه ولم يحصل. قال في البيان: ولو سلم بعض المال لسيده فأعتقه
فمقتضى المذهب أنه لا يسترد منه لاحتمال أنه إنما أعتقه بالمقبوض. قال في المجموع: وما قاله متعين. قال الرافعي: ويجري
الخلاف في الغارم إذا استغنى عما أخذه بإبراء أو نحوه. (ويطالب عامل ومكاتب وغارم ببينة) بالعمل والكتابة والغرم
لسهولتها، ولا بد أيضا أن يقيم المكاتب بينة بما بقي عليه من النجوم كما قاله الماوردي. قال السبكي: العامل ومطالبة
بالبينة محلها إذا أتى لرب المال وطالب وجهل حاله، أما الإمام فإنه يعلم حاله فإنه الذي يبعثه فلا نتأتى البينة فيه. قال
الأذرعي: وقد يتصور فيما إذا فوض إليه الإمام التفرقة ثم جاء وادعى القبض والتفرقة وطلب أجرته من المصالح.
واستثنى ابن الرفعة تبعا لجماعة من الغرم ما إذا غرمه لاصلاح ذات البين لشهرة أمره. وقال صاحب البيان: إنه لا بد
من البينة، وهو قضية كلام الاحياء. قال الأذرعي: ولعل هذا فيمن لم يستفض غرمه لذلك، ويرجع الكلام إلى
أنه إن اشتهر لم يحتج إلى البينة وإلا احتاج كالغارم لمصلحته، وهذا جمع بين الكلامين وهو حسن. (وهي) أي البينة
هنا وفيما مر، (إخبار عدلين) بصفة الشهود، ولا يعتبر لفظ الشهادة كما استحسنه الرافعي في الشرح الصغير.
تنبيه: أشعر تعبير المصنف ب‍ إخبار أنه لا يحتاج لدعوى عند قاض وإنكار واستشهاد، وهو كذلك بناء على قبول
الاستفاضة المذكورة في قوله: (ويغني عنها) البينة في كل مطالبة بها من الأصناف كما قاله الرافعي، (الاستفاضة)
بين الناس لحصول غلبة الظن بها، وسيأتي في الشهادات إن شاء الله تعالى إن شرطها التسامح من جمع يؤمن تواطؤهم على
الكذب (وكذا تصديق رب الدين) في الغارم، (و) تصديق (السيد) في المكاتب يعنى عن البينة في كل منهما،
(في الأصح) لظهور الحق بالاقرار والتصديق. والثاني: لا، لاحتمال التواطؤ. ورد بأنه يراعى المكاتب فإن عتق
وإلا استرجع منه، والغارم فإن وفى وإلا استرجع منه.
تنبيه: سكت المصنف رحمه الله تعالى عن المؤلفة وحكمهم أن من قال: نيتي في الاسلام ضعيفة أنه يصدق بلا يمين
لأن كلامه يصدقه، وأن من ادعى الشرف بأن قال: أنا شريف مطاع في قومي، أو الكفاية بأن قال: أنا أكفيكم شر
من يليني من الكفار أو مانعي الزكاة أنه لا بد من إقامة البينة على ذلك.
واعلم أن الكلام من أول الفصل إلى هنا في الصفات المقتضية للاستحقاق من الأصناف الثمانية، ومن هنا إلى
آخره في كيفية الصرف وقدره، وقد شرع في ذلك فقال: (ويعطى الفقير والمسكين) أي كل منهما إن لم يحسن كسبا
بحرفة ولا تجارة، (كفاية سنة) لأن الزكاة تتكرر كل سنة فتحصل بها الكفاية سنة، وأيد بما في الصحيح أنه صلى
الله عليه وسلم كان يدخر لأهله كفاية سنة (قلت: الأصح المنصوص) في الأم (و) هو (قول الجمهور) أيضا: يعطى
كل منهما (كفاية العمر الغالب) لأن به تحصل الكفاية على الدوام. وفسر الكفاية بقوله: (فيشتري به عقارا يستغله)
ويستغني به عن الزكاة، فليس المراد أن يدفع له كفاية عمره دفعة، (والله أعلم) فإن وصل إلى العمر الغالب ماذا يدفع
له؟ لم أر من ذكره، وقد سألت شيخي عن ذلك فقال: يعطى كفاية سنة، وهو ظاهر.
تنبيه: لم يعلم من كلام المصنف من يشتري العقار، قال الزركشي: وينبغي أن يكون الإمام، ثم قال: ويشبه أن
يكون كالغازي إن شاء اشتري له وإن شاء دفع له وأذن له في الشراء اه‍. وهذا هو الظاهر. أما من يحسن الكسب
بحرفة فيعطى ما يشتري به آلتها قلت قيمتها أو كثرت. قال الزركشي تفقها: ولو اجتمع في واحد حرف أعطي بأقلها،
فإن لم تف بحاله تمم له ما يكفيه اه‍. والأوجه كما قال شيخنا أنه يعطى بالحرفة التي تكفيه، أو بتجارة فيعطى ما يشترى
به ما يحسن التجارة فيه ما يفي ربحه بكفايته غالبا. قال الرافعي: وأوضحوه بالمثال، فقالوا: البقلي يكفيه خمسة دراهم.
والباقلاني عشرة، والفاكهاني عشرون، والخباز خمسون، والبقال مائة، والعطار ألف، والبزاز ألفان، والصيرفي
114

خمسة آلاف، والجوهري عشرة آلاف. وظاهر كما قال شيخنا أن ذلك على التقريب، فلو زاد على كفايتهم أو نقص
عنها نقص أو زيد ما يليق بالحال.
تنبيه: البقلي بموحدة هو من يبيع البقول، والباقلاني من يبيع الباقلاء، والبقال بموحدة الفامي، وهو من يبيع الحبوب،
قيل: والزيت. قال الزركشي: ومن جعله بالنون فقد صحفه، فإن ذلك يسمى النقلي لا النقال اه‍. وسكت المصنف وغيره
عن أقل ما يدفع من الزكاة وفي الودائع، ولابن سريج أقله أي من جهة الأولوية للمالك إذا لم ينحصر المستحقون أو انحصروا
ولم يف بهم المال نصف درهم وأكثره ما يخرجه من حال الفقر إلى الغنى. (و) يعطى (المكاتب) كتابة صحيحة (والغارم)
أي كل منهما (قدر دينه) فقط، وإن كان معهما البعض أعطيا التتمة فقط، لأن كان الدفع لهما للحاجة. نعم الغارم لذات
البين يعطى قدر دينه مطلقا كما علم مما مر.
تنبيه: كان الأولى للمصنف تثنية الضمير كما في المحرر أو يعطف الغارم ب‍ أو (و) يعطى (ابن السبيل ما) أي شيئا إذا
حان وقت خروجه يكفيه لنفقته وكسوته بحسب الحال صيفا وشتاء، بحيث (يوصله) ذلك (مقصده) بكسر الصاد، إن لم يكن
له في طريقه إليه. مال. (أو) يعطى ما يوصله (موضع ماله) إن كان له مال في طريقه، فإن كان معه بعض ما يكفيه كمل له كفايته
ذهابا وكذا رجوعا إن كان عازما على الرجوع وليس له في مقصده ولا طريقه ما يكفيه، ولا يعطى لمدة الإقامة إلا إقامة
مدة المسافرين كما في الروضة، وهذا شامل لما إذا قام لحاجة يتوقعها كل وقت فيعطى لثمانية عشر يوما، وهو المعتمد وإن
خالف في ذلك بعض المتأخرين. (و) يعطى (الغازي) إذا حان وقت خروجه (قدر حاجته) في غزوه، (نفقة وكسوة) لنفسه،
وكذا لعياله كما صرح به الفارقي وابن أبي عصرون في النفقة، وقال الرافعي: ليس ببعيد، وقياسا في الكسوة (ذاهبا وراجعا
ومقيما هناك) في موضع الغزو إلى الفتح وإن طالت الإقامة، لأن اسمه لا يزول بذلك بخلاف ابن السبيل.
تنبيه: سكتوا عن قدر المعطى لاقامته مع أنه لا يعرف في الابتداء مدة مقامه. قال الأذرعي: ويحتمل إعطاؤه لأقل
مدة يظن إقامته هناك، وإن زادت المدة زيد بحسبها، لكن قد يجره ذلك إلى نقل الزكاة إلى دار الحرب وصرفها هناك،
وقد يغتفر هذا للحاجة اه‍. وهذا هو الظاهر. (و) يعطى (فرسا) أي قيمتها إن كان يقاتل فارسا، (وسلاحا) أي قيمته للحاجة
إليه، (ويصير ذلك) أي الفرس والسلاح (ملكا له) فلا يسترد منه إذا رجع كما صرح به الفارقي.
تنبيه: قد علم مما تقرر أنه ليس للمالك أن يعطيه الفرس والسلاح لامتناع الابدال في الزكاة، وأما الإمام فله أن
يشتري له ذلك ويعطيه له، وله أن يشتري من هذا السهم خيلا وسلاحا ويوقفها في سبيل الله تعالى، وله أن يستأجر له
وأن يعيره مما اشتراه ووقفه. ويتعين أحدهما إن قل المال، وإذا انقضت المدة استرد منه الموقوف والمستأجر والمعار.
(ويهيأ له) أي للغازي (ولابن السبيل) أي لكل منهما، (مركوب) غير الذي يقاتل عليه الغازي بإجارة أو إعارة لا تمليك
بقرينة ما يأتي. هذا (إن كان السفر طويلا أو كان) السفر قصيرا أو كان كل منهما (ضعيفا لا يطيق المشي) دفعا لضرورته،
فإن كان قصيرا وهو قوي فلا.
تنبيه: قضية كلامه كالمحرر أن المركوب غير الفرس الذي يقاتل عليه كما قررته. قال الأذرعي: ولم يذكروا في
الشرح والروضة في الغازي غير الفرس، وذكرا تهيئة المركوب لابن السبيل فقط، ولم يحضرني في ذلك تصريح للأصحاب
بل قضية كلام كثير منهم أن مركوبه هو الفرس الذي يعطاه، قال: وقد يوجه ما في الكتاب بتوفير الخيل إلى وقت
الحرب إذ لو ركبوها من دارنا إلى دار الحرب ربما كلت وعجزت عن الكر والفر حال المطاردة والقتال، لا سيما إذا بعد
115

المغزى اه‍. وما وجه به هو المراد وهو ظاهر. (و) يهيأ لهما (ما) أي مركوب (ينقل عليه) كل منهما (الزاد ومتاعه) لحاجته
إليه، (إلا أن يكون) متاعه (قدرا يعتاد مثله حمله بنفسه) فلا، لانتفاء الحاجة.
تنبيه: أفهم سياق كلام المصنف استرداد المركوب وما ينقل عليه الزاد والمتاع إذا رجعا، وهو كذلك. وقضية إطلاقه
التهيئة لابن السبيل ولو كان سفره للنزهة، قال الزركشي: وهو بعيد، والمتجه منع صرف الزكاة فيما لا ضرورة إليه اه‍.
وينبغي حمل هذا على ما إذا كانت النزهة هي الحاملة له على السفر. وسكت المصنف عن إعطاء المؤلفة والعامل، أما
المؤلفة فيعطيهم الإمام بحسب ما يراه أو المالك إن فرق على قولنا إنه يعطي المؤلفة وهو الراجح، وأما العامل فيستحق من
الزكاة أجرة مثل ما عمله، فإن شاء بعثه الإمام بلا شرط ثم أعطاه إياه، وإن شاء سماها له إجارة أو جعالة ثم أداه من الزكاة،
فإن أداها المالك قبل قدوم العامل أو حملها إلى الإمام أو نائبه فلا شئ له. وليس للإمام أن يستأجره بأكثر من أجرة
مثله، فإن زاد عليها بطلت الإجارة لتصرفه بغير المصلحة والزائد من سهم العامل على أجرته يرجع للأصناف، وإن نقص
سهمه عنها كمل قدرها من الزكاة ثم قسم الباقي، وإن رأى الإمام أن يجعل أجرة العامل من بيت المال إجارة أو جعالة
جاز وبطل سهمه، فتقسم الزكاة على بقية الأصناف كما لو لم يكن عامل.
فرع: قال الدارمي: إنما يجوز أن يعطى العامل إذا لم يوجد متطوع، نقله الأذرعي عنه وأقره، وهو يقتضي أن من عمل
متبرعا لا يستحق شيئا على القاعدة، وهو ما جزم به ابن الرفعة ورده السبكي بأن هذا فرضه الله تعالى لمن عمل كالغنيمة
يستحقها المجاهد وإن لم يقصد إلا إعلاء كلمة الله تعالى، فإذا عمل على أن لا يأخذ شيئا استحق وإسقاطه بعد العمل لما
ملكه به لا يصح إلا بما ينقل الملك من هبة أو نحوها، وليس كمن عمل لغيره عملا بقصد التبرع حتى يقال إن القاعدة أنه
لا يستحق لأن ذلك فيما يحتاج إلى شرط من المخلوق، وهذا من الله تعالى كالميراث والغنيمة والفئ. (ومن فيه صفتا استحقاق)
الزكاة كالفقر والغرم ولو كان عاملا فقيرا، (يعطى بإحداهما فقط في الأظهر) لأن العطف في الآية يقتضي التغاير. والثاني:
يعطى بها لاتصافه بهما.
تنبيه: محل الخلاف إذا كان من زكاة واحدة، أما إذا كان أخذ من زكاة بصفة ومن أخرى بصفة أخرى
فهو جائز. ولو أخذ فقير غارم مع الغارمين نصيبه من سهمهم فأعطاه غريمه أعطي مع الفقراء نصيبه من سهمهم
لأنه الآن محتاج كما نقله في الروضة عن الشيخ نصر وأقره. قال الزركشي: فالمراد امتناع أخذه بهما دفعه، أي أو
مرتبا، ولم يتصرف فيما أخذه أولا كما قاله شيخنا. أما من فيه صفتا استحقاق للفئ، أي وإحداهما الغزو كغاز هاشمي،
فيعطى بهما.
فصل: في حكم استيعاب الأصناف والتسوية بينهم وما يتبعها: (يجب استيعاب) أي تعميم (الأصناف)
الثمانية بالزكاة حتى زكاة الفطر (إن) أمكن، بأن (قسم الإمام) أو نائبه (وهناك عامل) مع بقية الأصناف، ولم
يجعل له الإمام شيئا من بيت المال، ولو قسم العامل كان الحكم كذلك فيعزل حقه ثم يفرق الباقي على سبعة. وإنما
وجب التعميم لظاهر الآية. ولقوله (ص) لسائلة الزكاة: إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات
حتى حكم هو فيها فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك رواه أبو داود. فإن شقت
القسمة في زكاة الفطر جمع جماعة فطرتهم ثم قسموها على سبعة. واختار جماعة من أصحابنا منهم الإصطخري
جواز صرفها إلى ثلاثة من المستحقين، واختاره السبكي. وحكى الرافعي عن اختيار صاحب التنبيه جواز صرفها إلى واحد،
قال في البحر: وأنا أفتي به. قال الأذرعي: وعليه العمل في الأعصار والأمصار، وهو المختار، والأحوط دفعها إلى ثلاثة.
116

قال: والقول بوجوب استيعاب الأصناف وإن كان ظاهر المذهب بعيد، لأن الجماعة لا يلزمهم خلط فطرتهم، والصاع
لا يمكن تفرقته على ثلاثة من كل صنف في العادة. (وإلا) بأن قسم المالك أو الإمام ولا عامل بأن حمل كل من أصحاب
الأموال زكاته إلى الإمام أو استأجر الإمام عاملا من بيت المال، (فالقسمة) حينئذ (على سبعة) لسقوط سهم العامل، فيدفع
لكل صنف منهم سبع الزكاة قل عده أو كثر. (فإن فقد بعضهم) من البلد وغيره، (فعلى الموجودين) منهم،
إذ المعدوم
لا سهم له. قال ابن الصلاح: والموجود الآن أربعة: فقير، ومسكين، وغارم، وابن سبيل. وقال ابن
كج: سمعت القاضي أبا حامد يقول: أنا أفرق زكاة مالي على الفقراء والمساكين لأني لا أجد غيرهم. ولعل هذا كان
في زمنهم، وأما في زماننا فلم نفقد إلا المكاتبين، لكن جاء في الخبر: أن في آخر الزمان يطوف الرجل بصدقته فلا يجد
من يقبلها.
تنبيه: شمل إطلاق المصنف فقد البعض صورتين: إحداهما فقد صنف بكماله كالمكاتبين، والثانية: فقد بعض صنف
بأن لا يجد منه إلا واحدا أو اثنين، وفي زيادة الروضة: أنه يصرف باقي السهم إليه إن كان مستحقا، ولا ينقل لبلد آخر،
فإن لم يوجد أحد منهم في بلد الزكاة ولا غيرها حفظت الزكاة حتى يوجدوا أو بعضهم، فإن وجدوا وامتنعوا من أخذها
قاتلهم الإمام على ذلك كما قاله سليم في المجرد لأن أخذها فرض كفاية، ولا يصح إبراء المستحقين المحصورين المالك من
الزكاة، وإن وجدوا في غير بلد الزكاة فسيأتي حكمه في نقل الزكاة. (وإذا قسم الإمام) أو نائبه المفروض إليه الصرف،
(استوعب) وجوبا (من الزكوات الحاصلة عنده آحاد كل صنف) لأنه لا يتعذر عليه الاستيعاب، ولا يجب عليه أن يستوعب
في زكاة كل شخص جميع الأصناف بل له أن يعطى زكاة شخص بكمالها لواحد، وأن يخص واحدا بنوع وآخر بغيره،
لأن الزكوات كلها في يده كالزكاة الواحدة.
تنبيه: محل وجوب الاستيعاب كما قال الزركشي إذا لم يقل المال فإن قل بأن كان قدرا لو وزعه عليهم لم يسد لم
يلزمه الاستيعاب للضرورة، بل يقدم الأحوج فالأحوج أخذا من نظيره في الفئ. (وكذا يستوعب) وجوبا المالك آحاد
كل صنف (إن انحصر المستحقون في البلد) بأن سهل عادة ضبطهم ومعرفة عددهم، وسيأتي بيان ضابط العدد المحصور
في باب ما يحرم من النكاح إن شاء الله تعالى. (ووفى بهم) أي بحاجتهم (المال) ويجب التسوية بينهم حينئذ، فإن أخل أحدهما
بصنف ضمن ما كان يعطيه له ابتداء لكن الإمام إنما يضمن من مال الصدقات لا من ماله بخلاف المالك، قاله الماوردي.
(وإلا) أي وإن لم ينحصروا أو انحصروا ولم يف المال بحاجتهم، (فيجب) في غير العامل (إعطاء ثلاثة) فأكثر من كل صنف،
لأن الله تعالى أضاف إليهم الزكوات بلفظ الجمع، وأقله ثلاثة، فلو دفع لاثنين غرم للثالث أقل متمول على الأصح في
المجموع لأنه لو أعطاه ابتداء خرج عن العهدة، فهو القدر الذي فرط فيه، وقيل: يغرم له الثلث. أما العامل فيجوز أن
يكون واحدا إن حصلت به الكفاية. (وتجب التسوية بين الأصناف) سواء أقسم الإمام أو المالك وإن كانت حاجة بعضهم
أشد لانحصارهم، ولان الله تعالى جمع بينهم بواو التشريك، فاقتضى أن يكونوا سواء.
تنبيه: يستثنى من ذلك صورتان: الأولى العامل فإنه لا يزاد على أجرته كما مر. الثانية: الفاضل نصيبه عن
كفايته، فإنه يعطى قدر كفايته فقط. و (لا) يجب على المالك التسوية (بين آحاد الصنف) لأن الحاجات متفاوتة
غير منضبطة فاكتفي بصدق الاسم، بل يستحب عند تساوي حاجاتهم. فإن تفاوتت استحب التفاوت بقدرها، بخلاف
الوصية لفقراء بلد فإنه يجب التسوية بينهم لأن الحق فيها لهم على التعيين، حتى لو لم يكن ثم فقير بطلت الوصية. وهذا
لم يثبت الحق لهم على التعيين وإنما تعينوا لفقد غيرهم، ولهذا لو لم يكن في البلد مستحق لا تسقط الزكاة بل ينقل
117

إلى بلد آخر. (إلا أن يقسم الإمام فيحرم عليه التفضيل مع تساوي الحاجات) لأن عليه التعميم فكذا التسوية ولأنه نائبهم
فلا يفاوت بينهم عند تساوي حاجاتهم بخلاف المالك فيهما، وهذا ما جرى عليه الرافعي في شرحية عن التتمة، لكنه
قال في الروضة: قلت: ما في التتمة وإن كان قويا في الدليل فهو خلاف مقتضى إطلاق الجمهور استحباب التسوية.
وعليه جرى ابن المقري في روضه، والمعتمد ما في الكتاب. وخرج بقوله: مع تساوي الحاجات ما لو اختلفت فيراعيها.
وإذا لم يجب الاستيعاب يجوز الدفع للمستوطنين والغرباء، ولكن المستوطنون أولى، لأنهم جيرانه. (والأظهر منع نقل
الزكاة) من بلد الوجوب الذي فيه المستحقون إلى بلد آخر فيه مستحقوها فتصرف إليهم، قالوا: لخبر الصحيحين: صدقة
تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، ولامتداد أطماع أصناف كل بلدة إلى زكاة ما فيها من المال والنقل يوحشهم.
والثاني: الجواز لاطلاق الآية، وليس في الحديث دلالة على عدم النقل، وإنما يدل على أنها لا تعطى لكافر كما مر،
وقياسا على نقل الوصية والكفارات والنذر. وأجاب الأول عن القياس بأن الأطماع لا تمتد إلى ذلك امتدادها إلى
الزكاة.
تنبيه: كلامه يفهم أن القولين في التحريم، لكن الأصح أنهما في الاجزاء وأما التحريم فلا خلاف فيه.
وإطلاقه يقتضي أمورا: أحدها جريان الخلاف في مسافة القصر وما دونها، وهو كذلك، ولو كان النقل إلى قرية
بقرب البلد. الثاني: جريانه، سواء أكان أهل السهام محصورين أم لا، وهو قضية كلام الماوردي والإمام وغيرهما،
وخصه في الشافعي بعدم انحصارهم فلو انحصروا حولا تملكوها وتعين صرفها إليهم وتنتقل إلى ورثتهم ولو كانوا أغنياء،
ومن دخل قبل القسمة لا شئ له، وهذا ظاهر كما سيأتي. الثالث: أنه لا فرق بين الإمام وغيره، وليس مرادا، بل
إنما هو في المالك كما قاله الرافعي، أما الإمام والساعي، فقال في المجموع: الأصح الذي تقتضيه الأحاديث جواز النقل
للإمام والساعي، وقال الأذرعي: إنه الصواب الذي دلت عليه الأخبار وسيرة الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى
عنهم اه‍.
والعبرة في نقل الزكاة المالية ببلد المال حال الوجوب وفي زكاة الفطر ببلد المؤدى عنه اعتبارا بسبب الوجوب فيهما،
ولان نظر المستحقين يمتد إلى ذلك فيصرف العشر إلى مستحقي بلد الأرض التي حصل فيها العشر، وزكاة النقدين
والمواشي والتجارة إلى مستحقي البلد الذي تم فيه حولها. ويستثنى من ذلك مسائل: منها ما لو كان للمالك بكل بلد
عشرون شاة، فله إخراج شاة في أحد البلدين حذرا من التشقيص، بخلاف ما لو وجب عليه في غنم كل بلد شاة فإنه لا يجوز
النقل لانتفاء التشقيص. ومنها ما لو وجبت عليه زكاة ماله والمال ببادية ولا مستحق فيها فله نقله إلى مستحق أقرب
بلد إليه. ومنها أهل الخيام غير المستقرين بموضع، بأن كانوا ينتقلون من موضع إلى آخر دائما، فلهم إن لم يكن فيهم
مستحق نقل واجبهم إلى أقرب بلد إليهم وإن استقروا بموضع، لكن قد يظعنون عنه ويعودون إليه ولم يتميز بعضهم
عن بعض في الحلل وفي المرعى وفي الماء، صرف إلى من هو فيما دون مسافة القصر من موضع الوجوب لكونه في حكم
الحاضر، ولهذا عد مثله في المسجد الحرام من حاضريه، والصرف إلى الظاعنين معهم أولى لشدة جوارحهم، فإن تميز
بعضهم عن بعض بما ذكر فالحلة كالقرية في حكم النقل مع وجود المستحق فيها فيحرم النقل عنها. (ولو عدم الأصناف
في البلد) الذي وجبت الزكاة فيها وفضل عنهم شئ، (وجب النقل) لها إلى أقرب البلاد لبلد الوجوب، فإن نقل لا بعد
منها فعلى الخلاف السابق في نقل الزكاة. (أو) عدم (بعضهم) أي الأصناف غير العامل أو فضل شئ عن بعض وجد
منهم (وجوزنا النقل) مع وجودهم، (وجب) نقل نصيب الصنف المعدوم إلى ذلك الصنف بأقرب بلد. أما العامل
فنصيبه يرد على الباقين كما علم مما مر، (وإلا) بأن لم نجوز النقل (فيرد) نصيب البعض أو ما فصل عنه (على الباقين)
حتما إن نقص نصيبهم عن كفايتهم، فلا ينقل إلى غيرهم لانحصار الاستحقاق فيهم. (وقيل: ينقل) حتما إلى أقرب بلد، لأن
استحقاق الأصناف منصوص عليه فيقدم على رعاية المكان الثابت بالاجتهاد. وأجاب الأول بأن عدم الشئ في موضعه
118

كالعدم المطلق، فإن نقل ضمن.
تنبيه: حيث جاز النقل أو وجب فمؤنته على المالك. نعم إن قبضه الساعي من المالك فمؤنة النقل من مال الزكاة، قاله
الأذرعي. (وشرط الساعي) وهو العامل، (كونه حرا) ذكرا مكلفا (عدلا) في الشهادات كلها، فلا بد أن يكون سميعا
بصيرا لأنه نوع ولاية، فكان ذلك من شرطها كغيرها من الولايات.
تنبيه: استغنى بذكر العدالة عن اشتراط الاسلام. (ففيها بأبواب الزكاة) فيما تضمنته ولايته كما قيده الماوردي ليعلم من
يأخذ وما يؤخذ. هذا إذا كان التفويض عاما. (فإن عين له أخذ ودفع) فقط (لم يشترط الفقه) المذكور لأنه قطع اجتهاده
بالتعيين. وأما بقية الشروط فيعتبر منها التكليف والعدالة، وكذا الاسلام كما اختاره في المجموع دون الحرية والذكورة.
ومثل الساعي أعوان العامل من كتابه وحسابه وجباته ومستوفيه، نبه عليه الماوردي في حاويه. ويقسم الزكاة ساع قلد
القسمة أو أطلق تقييده، بخلاف ما لو قلد الاخذ وحده ليس له أن يقسم. فإن كان الساعي جائرا في أخذ الزكاة عادلا في
قسمها جاز كتمها عنه ودفعها إليه. أو كان جائرا في القسمة عادلا في الاخذ وجب كتمها عنه، فلو أعطيها طوعا أو كرها
أجزأت وإن لم يوصلها إلى المستحقين لأنه نائبهم كالإمام. (وليعلم) الإمام ولو بنائبه (شهرا لاخذها) ليتهيأ أرباب الأموال
لدفعها والمستحقون لاخذها. ويسن كما نص عليه الشافعي والأصحاب كون ذلك الشهر المحرم لأنه أول العام، وهذا
فيما يعتبر فيه العام، فإن لم يكن كالزرع والثمار فيبعث وقت وجوبها وهو في الزرع عند الاشتداد وفي الثمار عند بدو
الصلاح، قاله الجرجاني وغيره. والأشبه كما قال الأذرعي أن لا يبعث في زكاة الحبوب إلا عند تصفيتها بخلاف الثمار فإنها
تخرص حينئذ، فإن بعث خارصا لم يبعث الساعي إلا عند جفافها.
تنبيه: كلام المصنف قد يفهم أن هذا الاعلام واجب، والصحيح ندبه. ويجب على الإمام بعث السعاة لاخذ
الزكاة كما في الروضة وأصلها.
تتمة: يسن للإمام أو نائبه تفريق الزكاة: أن يكون عارفا عدد المستحقين وقدر حاجاتهم، وأن يبدأ بإعطاء
العاملين فإن تلف المال تحت أيديهم بلا تقصير فأجرتهم من بيت المال. ويحرم على الإمام أو نائبه بيع شئ من
الزكاة، ولا يصح بيعها إلا عند وقوعها في خطر كأن أشرفت على هلاك أو حاجة مؤنة أو رد حيران، فإن باع
بلا عذر ضمن، فإن كان المستحقون جماعة والزكاة شاة مثلا أخذوها، ولا تباع عليهم ليقسم ثمنها. ويستحق العامل
الزكاة بالعمل والأصناف بالقسمة. نعم إن انحصر المستحقون في ثلاثة فأقل، وكذا لو كانوا أكثر ووفى بهم المال
استحقوها من وقت الوجوب، فلا يضرهم حدوث غنى أو غيبة. ولو مات أحد منهم دفع نصيبه لوارثه حتى لو كان المزكي
وارثه أخذ من نصيبه وسقطت عنه النية لسقوط الدفع لأنه لا يدفع عن نفسه بنفسه، ولا يشاركهم قادم ولا غائب عنهم وقت
الوجوب. ويضمن الإمام إن أخر التفريق بلا عذر بخلاف الوكيل بتفريقها، إذ لا يجب عليه التفريق بخلاف الإمام. ولا
يشترط معرفة المستحق قدر ما أخذه فلو دفع إليه صرة ولم يعلم قدرها أجزأه زكاة وإن تلفت في يده. وإن اتهم رب المال
فيما يمنع وجوب الزكاة كأن قال: لم يحل علي الحول لم يجز تحليفه، وإن خالف الظاهر بما يدعيه كأن قال:
أخرجت زكاته
أو نعته. ويسن للمالك إظهار إخراج الزكاة لئلا يساء الظن به، ولو ظن آخر الزكاة أنه أعطى ما يستحقه غيره من
الأصناف حرم عليه الاخذ، وإذا أراد الاخذ منها لزمه البحث عن قدرها فيأخذ بعض الثمن بحيث يبقى ما يدفعه إلى اثنين
من صنفه ولا أثر لما دون غلبة الظن. ولو أخر تفريق الزكاة إلى العام الثاني، فمن كان فقيرا أو مسكينا أو غارما أو
مكاتبا من عامه إلى العام الثاني خصوا بزكاة الماضي وشاركوا غيرهم في العام الثاني فيعطون من زكاة العامين، ومن كان
غارما أو ابن سبيل أو مؤلفا لم يخصوا بشئ. ووجهه أن هؤلاء لما يستقبل بخلاف هؤلاء. (ويسن وسم نعم
الصدقة والفئ) والجزية لتتميز عن غيرها ويردها واجدها لو شردت أو ضلت، وليعرفها المتصدق فلا يتملكها بعد لأنه
119

يكره له كما سيأتي، والأصل في ذلك الاتباع في نعم الصدقة والقياس في غيرها. أما نعم غير الزكاة والفئ فوسمه مباح
لا مندوب ولا مكروه، قاله في المجموع. وكالنعم الخيل والبغال والحمير والفيلة. والوسم بالمهملة: التأثير بالكي وغيره،
وجوز بعضهم الاعجام، حكاه المصنف في شرح مسلم، وبعضهم فرق فجعل المهملة للوجه والمعجمة لسائر الجسد. ويكتب
على نعم الزكاة ما يميزها عن غيرها، فيكتب عليها: زكاة أو صدقة أو طهرة أو لله، وهو أبرك وأولى اقتداء بالسلف، ولأنه
أقل حروفا، فهو أقل ضررا، قاله الماوردي والروياني، وحكى ذلك في المجموع عن ابن الصباغ وأقره. وعلى نعم الجزية،
جزية أو صغار بفتح الصاد: أي ذل، وهذا أولى لقوله تعالى: * (وهم صاغرون) *. فإن قيل: لم جاز الوسم بالله مع أنها
قد تتمرغ على النجاسات؟ أجيب بأن الغرض التمييز لا الذكر. قال الأذرعي: والحرف الكبير ككاف الزكاة أو صاد
الصدقة، أو جيم الجزية، أو فاء الفئ كاف، ويكتب ذلك (في موضع) ظاهر صلب (لا يكثر شعره) والأولى في الغنم
آذانها وفي غيرها أفخاذها. ويكون وسم الغنم ألطف من البقر، والبقر ألطف من الإبل، والإبل ألطف من الفيلة. (ويكره)
الوسم (في الوجه) للنهي عنه (قلت: الأصح يحرم، وبه جزم) الإمام محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود (البغوي) في
تهذيبه (وفي صحيح مسلم) بن الحجاج بن مسلم القشيري نسبا النيسابوري وطنا، مات سنة إحدى وستين ومائتين عن خمس
وخمسين سنة. (لعن فاعله، والله أعلم) أشار إلى حديث جابر رضي الله تعالى عنه: أنه (ص) مر بحمار وسم
في وجهه فقال: لعن الله الذي وسمه. قال الأسنوي: وقد نص عليه أيضا في الأم قال: والخبر عندنا يقتضي التحريم فينبغي
رفع الخلاف وحمل الكراهة على التحريم، أو أن قائله لم يبلغه الحديث. قال في المجموع: وهذا في غير
الآدمي، أما الآدمي
فوسمه حرام إجماعا. وقال فيه أيضا: يجوز الكي إذا دعت الحاجة إليه بقول أهل الخبرة وإلا فلا، سواء نفسه أو غيره
من آدمي أو غيره، ويجوز خصاء ما يؤكل في صغره لأنه يطيب اللحم ويحرم في الكبير، وكذا خصاء ما لا يؤكل، ويحرم
التهريش بين البهائم، ويكره إنزاء الحمر على الخيل، قاله الدميري، وعكسه قال الأذرعي: والظاهر تحريم إنزاء الخيل
على البقر لضعفها وتضررها بكبر آلة الخيل.
فصل: في صدقة التطوع، وهي المرادة عن الاطلاق غالبا: (صدقة التطوع سنة) للكتاب والسنة، فمن الكتاب قوله
تعالى: * (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) * ومن السنة قوله (ص): من أطعم جائعا أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى
مؤمنا على ظمأ سقاه الله عز وجل يوم القيامة من الرحيق المختوم، ومن كسا مؤمنا عاريا كساه الله من خضر الجنة
رواه أبو داود والترمذي بإسناد جيد، وخضر الجنة بإسكان الضاد المعجمة: ثيابها الخضر. وقوله (صلى الله عليه
وسلم): ما تصدق أحد من كسب طيب إلا أخذها الله بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون أعظم من
الجبل العظيم. وقد يعرض لها ما يحرمها كأن يعلم من آخذها أنه يصرفها في معصية. وقد تجب في الجملة كأن وجد
مضطرا ومعه ما يطعمه فاضلا عن حاجته، وذلك معلوم في محله. (وتحل لغني) ولو من ذوي القربى على المشهور، لقول
جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقيل له: أتشرب من الصدقة؟ فقال: إنما حرم الله
علينا الصدقة المفروضة. رواه الشافعي والبيهقي. ومثلهم مولاهم بل أولى، لا للنبي (ص) على الأظهر
تشريفا له، ففي الصحيحين: تصدق الليلة على غني، وفيه: لعله أن يعتبر فينفق مما آتاه الله. قال في الروضة: ويستحب
للغني التنزه عنها، ويكره له التعرض لاخذها. قال الأسنوي: ويكره له أخذها وإن لم يتعرض لها. ويحرم عليه أخذها
إن أظهر الفاقة، وعليه حملوا خبر الذي مات من أهل الصفة وترك دينارين فقال (ص): كيتان من نار. والمراد بالغني
هو الذي يحرم عليه أخذ الزكاة. فإن قيل: قد تقدم في الحديث أن الميت خلف دينارين، وهذا ليس غني الزكاة.
120

أجيب باحتمال أنه كان وصل العمر الغالب، أو كان غناه بنفقة قريب أو كسب أو نحو ذلك، فقد تطرق إليه الاحتمال فسقط
به الاستدلال كما هو من قواعد إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه. ويعتبر في حلها له أن لا يظن الدافع فقره، فإن
أعطاه ظانا حاجته، ففي الاحياء إن علم الآخذ ذلك لم يحل له ذلك، وكذا إذا دفع إليه لعلمه أو صلاحه أو نسبه لم يحل
له إلا أن يكون بالوصف المظنون (و) تحل لشخص (كافر) ففي الصحيحين: في كل كبد رطبة أجر، وأما حديث:
لا يأكل طعامك إلا تقي أريد به بالأولى.
تنبيه: قضية إطلاقه الكافر أنه لا فرق بين الحربي وغيره، وهو ما في البيان عن الصيمري، والأوجه ما قاله
الأذرعي من أن هذا فيمن له عهد أو ذمة أو قرابة، أو يرجى إسلامه، أو كان بأيدينا بأسر ونحوه، فإن كان حربيا
ليس فيه شئ مما ذكر فلا. وشمل إطلاقه للصدقة عليه من أضحية تطوع، والأوجه المنع كما نص عليه في البويطي.
(ودفعها سرا) أفضل من دفعها جهرا، الآية: * (إن تبدوا الصدقات فنعما هي) *، ولما في الصحيحين في خبر السبعة الذين
يظلهم الله تحت ظل عرشه من قوله (ص): ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تدري شماله ما أنفقت يمينه. نعم إن
كان ممن يقتدى به وأظهرها ليقتدي به من غير رياء ولا سمعة فهو أفضل. (و) دفعها (في رمضان) أفضل من
دفعها في غيره، لما رواه الترمذي عن أنس رضي الله تعالى عنه: سئل رسول الله (ص) أي الصدقة أفضل؟ قال:
صدقة في رمضان، ولان الفقراء فيه يضعفون ويعجزون عن الكسب بسبب الصوم. وتتأكد في الأيام الفاضلة
كعشر ذي الحجة وأيام العيد، وكذا في الأماكن الشريفة كمكة والمدينة، وفي الغزو والحج، وعند الأمور المهمة
كالكسوف والمرض والسفر. قال الأذرعي: ولا يفهم من هذا أن من أراد التطوع بصدقة أو بر في رجب أو شعبان
مثلا أن الأفضل له أن يؤخره إلى رمضان أو غيره من الأوقات الفاضلة، بل المسارعة إلى الصدقة أفضل بلا شك، وإنما
المراد أن التصدق في رمضان وغيره من الأوقات الشريفة أعظم أجرا مما يقع في غيرها. (و) دفعها (لقريب)
أقرب فأقرب رحما ولو كان ممن تجب نفقته أفضل من دفعها لغير القريب وللقريب غير الأقرب، لقوله (ص):
الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة رواه الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه،
وحكى في المجموع فيه الاجماع. وفي الأشد من الأقارب عداوة أفضل منها في غيره، ليتألف قلبه، ولما فيه من مجانبة
الرياء وكسر النفس.
فائدة: سئل الحناطي: هل الأفضل وضع الرجل صدقته في رحمه من قبل أبيه أو من قبل أمه؟ فأجاب أنهما
سواء، وألحق بالأقارب الزوج من الذكور والإناث لخبر الصحيحين: أن امرأتين أتيتا رسول الله (ص) فقالتا لبلال:
سل لنا رسول الله (ص) هل يجزئ أن نتصدق على أزواجنا ويتامى في حجورنا؟ فقال: نعم لهما أجران: أجر القرابة
وأجر الصدقة. ويقال بالزوج الزوجة ثم هي بعد للأقرب فالأقرب من ذي الرحم المحرم من ألحق به في الأقرب،
فالأقرب من ذي الرحم غير المحرم كأولاد العم والخال، ثم في الأقرب فالأقرب من المحرم رضاعا ثم مصاهرة
، ثم في الأقرب
فالأقرب ولاء من الأعلى والأسفل. (و) دفعها ل‍ (جار) أقرب فأقرب (أفضل) من دفعها لغير الجار غير من تقدم،
لخبر البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها: إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ فقال: إلى أقربهما منك بابا وقدم
الجار الأجنبي على قريب بعيد من دار المتصدق بل أو قريب منها بحيث لا تنقل إليه الزكاة فيهما، ولو كان القريب
ببادية فإن كانت تنقل إليه بأن كان في محلها قدم على الجار الأجنبي وإن بعدت داره، وأهل الخير والمحتاجون أولى
من غيرهم. ويسن أن تكون الصدقة مما يحب لقوله تعالى: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * وأن يدفعها
ببشاشة وطيب نفس لما فيه من تكثير الاجر وجبر القلب. وتكره الصدقة بالردئ لقوله تعالى: * (ولا تيمموا الخبيث
منه تنفقون) *، فإن لم يجد غيره فلا كراهة، وبما فيه شبهة لخبر مسلم السابق أول الباب. ولا يأنف من التصدق بالقليل
فإن قليل الخير كثير عند الله، قال تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) *، وقال (ص): اتقوا النار ولو بشق تمرة.
121

ولو بعث بشئ مع غيره إلى فقير فلم يجده استحب للباعث أن لا يعود فيه بل يتصدق به على غيره. وتسن الصدقة
بالماء، لخبر: أي الصدقة أفضل؟ قال: الماء، أي في الأماكن المحتاج إليه فيها أكثر من غيره. ويكره للانسان أن
يتملك صدقته أو زكاته أو كفارته أو نحوها من الذي أخذها، لخبر: العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه، ولأنه قد يستحي
منه فيحابيه، ولا يكره أن يتملكها من غير من ملكها له، ولا بالإرث ممن ملكها له. (ومن عليه دين أو) لم يكن عليه
(و) لكن (له من تلزمه نفقته يستحب) له (أن لا يتصدق حتى يؤدي ما عليه) فالتصدق بدونه خلاف المستحب.
تنبيه: عبارة المصنف لا تطابق ما في المحرر وغيره من كتب الشيخين، فإنهما قالا: لا يستحب له أن يتصدق.
قال الولي العراقي: وبين العبارتين تفاوت ظاهر، وبيانه أن عبارة المصنف أفادت أن عدم التصدق مستحب فيكون
التصدق خلاف الأولى، وعبارة المحرر وغيره أن التصدق غير مستحب فتصدق بأن يكون واجبا أو حراما أو مكروها، فإن ذلك
كله غير مستحب. (قلت: الأصح تحريم صدقته بما يحتاج إليه لنفقة من تلزمه نفقته) أو يحتاج إليه لنفقة نفسه ولم يصبر على
الإضافة، (أو لدين لا يرجو له وفاء) لو تصدق به: (والله أعلم) أما تقديم ما يحتاجه للنفقة فلخبر: كفى بالمرء إثما أن
يضيع من يقوت، وابدأ بمن تعول رواه أبو داود بإسناد صحيح ورواه مسلم بمعناه. ولان كفايتهم فرض وهو مقدم
على النفل، والضيافة كالصدقة. كما قاله المصنف في شرح مسلم، قال: وأما خبر الأنصاري الذي نزل به الضيف فأطعمه
قوته وقوت صبيانه، فمحمول على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين حينئذ إلى الاكل وأما الرجل والمرأة فتبرعا بحقهما
وكانا صابرين، وإنما قال فيه لامهم: نوميهم، خوفا من أن يطلبوا الاكل على عادة الصبيان في الطلب من غير حاجة. وما
ذكر من أنه يحرم عليه التصدق بما يحتاج إليه لنفسه صححه في المجموع ونقله في الروضة عن كثيرين، لكنه صحح
فيها عدم التحريم. قال شيخنا: وهو محمول على من صبر كما أفاده كلامه في المجموع. وعلى الأول يحمل ما قالوه في التيمم
من حرمة إيثار عطشان عطشان آخر بالماء، وعلى الثاني يحمل ما في الأطعمة من أن للمضطر أن يؤثر على نفسه مضطرا
آخر مسلما. وأما تقديم الدين فلان أداءه واجب فيتقدم على المسنون، فإن رجاله وفاء من جهة أخر ظاهرة فلا بأس
بالتصدق به إلا إن حصل بذلك تأخير، وقد وجب وفاء الدين على الفور بمطالبة أو غيرها، فالوجه وجوب المبادرة إلى
إيفائه وتحريم الصدقة بما يتوجه إليه دفعه في دينه كما قاله الأذرعي. (وفي استحباب الصدقة بما) أي بكل ما (فضل عن
حاجته) أي كفايته وكفاية من تلزمه كفايته يومه وليلته كسوة فصله، لا ما يكفيه في الحال فقط، لا ما يكفيه في سنته كما هو
قضية كلام الاحياء، ولوفاء دينه. (أوجه، أصحها إن لم يشق عليه الصبر) على الإضافة (استحب) له (وإلا فلا) يستحب، بل
يكره كما في التنبيه. وعلى هذا التفصيل تحمل الأحاديث المختلفة الظاهر كخبر: إن أبا بكر تصدق بجميع ماله رواه الترمذي
وصححه، وخبر: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى أي غنى النفس وصبرها على الفقر. رواه أبو داود وصححه الحاكم.
والوجه الثاني: يستحب مطلقا، والثالث: لا يستحب مطلقا. أما الصدقة ببعض ما فضل عما ذكر فمستحب مطلقا إلا أن يكون قدرا
يقارب الجميع، فينبغي جريان التفصيل السابق فيه. والمن بالصدقة حرام مبطل محبط للاجر، لقوله تعالى: * (يا أيها الذين امنوا لا تبطلوا
صدقاتكم بالمن والأذى) *، ولخبر مسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله تعالى يوم القيامة لا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب
أليم، قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب.
خاتمة: يكره للانسان أن يسأل بوجه الله غير الجنة، وأن يمنع من يسأل بالله وتشفع به لخبر: لا يسأل بوجه الله إلا
الجنة وخبر: من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع لكم معروفا فكافئوه،
122

فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه رواه أبو داود. وتسن التسمية عند الدفع إلى المتصدق
عليه لأنها عبادة. قال العلماء: ولا يطمع المتصدق في الدعاء من المتصدق عليه لئلا ينقص أجر الصدقة، فإن دعا له
استحب أن يرد عليه مثلها لتسلم له صدقته. ويسن التصدق عقب كل معصية، قاله الجرجاني، ومنه التصدق بدينار أو
نصفه في وطئ الحائض. ويسن لمن لبس ثوبا جديدا أن يتصدق بالقديم، ففي الحديث: من لبس ثوبا جديدا ثم عمد
إلى ثوبه الذي كان عليه فتصدق به لم يزل في حفظ الله حيا وميتا، وليس هذا من التصدق بالردئ بل مما يحب،
وهذا كما جرت به العادة من التصدق بالفلوس دون الذهب والفضة، وهل قبول الزكاة للمحتاج أفضل من قبول صدقة
التطوع أو لا؟ وجهان، رجح الأول جماعة منهم ابن المقري لأنه أعانه على واجب ولان الزكاة لا منة فيها، ورجح الثاني
آخرون منهم الجنيد والخواص لئلا يضيق على الأصناف ولئلا يخل بشرط من شروط الاخذ، ولم يرجح في الروضة
واحدا منهما. ثم قال عقب ذلك: قال الغزالي: والصواب أنه يختلف بالاشخاص، فإن عرض له شبهة في استحقاقه لم
يأخذ الزكاة وإن قطع به، فإن كان المتصدق إن لم يأخذ هذا منه لا يتصدق فليأخذها، فإن أخراج الزكاة لا بد منه،
وإن كان لا بد من إخراجها ولم يضيق بالزكاة تخير، وأخذها أشد في كسر النفس اه‍. أي فهو حينئذ أفضل، وهذا هو
الظاهر. وأخذ الصدقة في الملا وتركه في الخلوة أفضل لما في ذلك من كسر النفس. ويسن للراغب في الخير أن لا يخلو
يوما من الأيام من الصدقة بشئ وإن قل لخبر البخاري: ما من يوم يصبح العباد إلا وملكان يقول أحدهما: اللهم
أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا ولخبر الحاكم في صحيحه: كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل
بين الناس، أو قال: حتى يحكم بين الناس.
كتاب النكاح
هو لغة: الضم والجمع، ومنه تناكحت الأشجار: إذا تمايلت وانضم بعضها إلى بعض. وشرعا: عقد يتضمن إباحة وطئ
بلفظ إنكاح أو تزويج أو ترجمة. والعرب تستعمله بمعنى العقد والوطئ جميعا، لكنهم إذا قالوا: نكح
فلان فلانة أو بنت فلان أو أخته أرادوا تزوجها وعقد عليها، وإذا قالوا: نكح زوجته أو امرأته لم يريدوا إلا المجامعة. قال الثعلبي: وقال
ابن القطان: له ألف اسم، وقال علي بن جعفر اللغوي: له ألف وأربعون اسما. وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى،
وسيأتي ما يدل لذلك. ولأصحابنا في موضوعه الشرعي ثلاثة أوجه: أصحها أنه حقيقة في العقد مجاز في الوطئ كما جاء به
في القرآن والاخبار، ولا يرد على ذلك قوله تعالى: * (حتى تنكح زوجا غيره) * لأن المراد العقد، والوطئ مستفاد من
خبر الصحيحين: حتى تذوقي عسيلته. والثاني: أنه حقيقة في الوطئ مجاز في العقد، وبه قال أبو حنيفة وهو أقرب إلى اللغة،
والأول أقرب إلى الشرع. قال الزمخشري، وهو من علماء الحنفية: لم يرد النكاح في القرآن إلا بمعنى العقد لأن
كونه بمعنى الوطئ من باب التصريح، ومن أراد به الكناية عنه أتى بلفظ الملامسة أو المماسة. وأورد عليه قوله تعالى: * (الزاني لا
ينكح إلا زانية) * فالمراد به الوطئ كما قاله في الكفاية في باب الرجعة. وقال الراغب: يستحيل أن يكون النكاح حقيقة
في الجماع ويكنى به عن العقد، لأن الجماع يستقبح من ذكره كما يستقبح من فعله، والعقد لا يستقبح أي فلا يكنى
بالأقبح عن غيرة، ولأنه يصح نفيه عن الوطئ إذ يقال في الزنا سفاح لا نكاح. ويقال في السرية ليست مزوجة ولا
منكوحة. وصحة النفي دليل المجاز والثالث حقيقة فيهما بالاشتراك كالعين، وحمل على هذا النهي في قوله تعالى: * (ولا
تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * عن العقد وعن الوطئ بملك اليمين معا على استعمال المشترك في معنييه. وفائدة
الخلاف بيننا وبين الحنفية تظهر فيمن زنى بامرأة، فإنها تحرم على والده وولده عندهم لا عندنا، قاله الماوردي والروياني.
وفيما لو علق الطلاق على النكاح فإنه يحمل على العقد عندنا لا الوطئ إلا إن نوى، حكاه الرافعي في آخر الطلاق عن
123

البوشنجي. وعقد النكاح لازم من جهة الزوجة، وكذا من جهة الزوج على الأصح. وهل هو ملك أو إباحة؟ وجهان،
ويظهر أثر الخلاف فيمن حلف لا يملك شيئا وهو متزوج، وفيما لو وطئت الزوجة بشبهة إن قلنا ملك فالمهر له وإلا فلها.
واختار المصنف عدم الحنث في الأولى إذا لم يكن له نية إذ لا يفهم منه الزوجية، وأما في الثانية فالمهر لها، فظهر أن
الراجح هو الثاني. وهل كل من الزوجين معقود عليه أو المرأة فقط؟ وجهان، أوجههما الثاني. والأصل في حله الكتاب
والسنة وإجماع الأمة، فمن الكتاب قوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * وقوله تعالى: * (وأنكحوا الأيامى
منكم) *. ومن السنة قوله (ص): من أحب فطرتي فليستن بسنتي، ومن سنتي النكاح، وقوله (صلى الله عليه
وسلم): تناكحوا تكثروا رواهما الشافعي بلاغا، وقوله (ص): الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة
رواه مسلم، وقوله (ص): من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه أي لأن الفرج واللسان لما استوى
في إفساد الدين جعل كل واحد شطرا. قال الأطباء: ومقاصد النكاح ثلاثة: حفظ النسل، وإخراج الماء الذي يضر احتباسه،
ونيل اللذة، وهذه الثالثة هي التي في الجنة إذ لا تناسل هناك ولا احتباس. قال البلقيني: والنكاح شرع من عهد
آدم (ص) واستمرت مشروعيته، بل هو مستمر في الجنة ولا نظير له فيما يتعبد به من العقود بعد الايمان قال: قلت:
ذلك بفتح الكريم المنان اه‍. وقد جرت عادة أصحابنا بتخصيص هذا الكتاب بذكر الخصائص الشريفة أوله لأنها
في النكاح أكثر منها في غيره، وقد ذكرت منها أشياء كثيرة ينشرح الصدر بها في شرح التنبيه فلا أطيل بذكره
هاهنا، ولكن أذكر منها طرفا يسيرا تبركا ببركة صاحبها عليه أفضل الصلاة والسلام، فإن ذكرها مستحب. قال
في الروضة: ولا يبعد القول بوجوبها لئلا يرى الجاهل بعض الخصائص في الخبر الصحيح، فيعمل به أخذا بأصل التأسي
فوجب بيانها لتعرف، وهي أربعة أنواع: أحدها: الواجبات، وهي أشياء كثيرة، منها الضحى، والوتر، والأضحية،
والسواك، والمشاورة. والنوع الثاني: المحرمات، وهي أيضا كثيرة، منها الزكاة، والصدقة، ومعرفة الخط والشعر،
وخائنة الأعين، وهي الايماء بما يظهر خلافه دون الخديعة في الحرب، ونكاح الأمة ولو مسلمة النوع الثالث:
التخفيفات والمباحات، وهي كثيرة أيضا، منها تزويج من شاء من النساء لمن شاء ولو لنفسه بغير إذن من المرأة ووليها
متوليا الطرفين، وزوجه الله تعالى وأبيح له الوصال وصفي المغنم ويحكم ويشهد لولده ولنفسه، وأبيح له نكاح تسع،
وقد تزوج (ص) بضع عشرة، ومات عن تسع. قال الأئمة: وكثرة الزوجات في حقه (ص) للتوسعة في تبليغ
الأحكام عنه الواقعة سرا مما لا يطلع عليه الرجال ونقل محاسنه الباطنة فإنه (ص) تكمل له الظاهر والباطن.
النوع الرابع: الفضائل والاكرام، وهي كثيرة جدا، منها تحريم منكوحاته على غيره، سواء أكن موطوءات أم لا، مطلقات
أم لا، باختيارهن أم لا، وتحريم سراريه وهن إماؤه الموطوءات بخلاف غير الموطوءات، وتفضيل زوجاته على سائر
النساء على ما يأتي، وثوابهن وعقابهن مضاعف وهن أمهات المؤمنين، فلا يقال لهن أمهات المؤمنات، بخلافه (صلى
الله عليه وسلم) فإنه أب للرجال والنساء، وأما قوله تعالى: * (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) * فمعناه ليس أحد من رجالكم
ولد صلبه، ويحرم سؤالهن إلا من وراء حجاب، وأفضلهن خديجة ثم عائشة، وأفضل نساء العالمين مريم بنت عمران
إذ قيل بنبوتها، ثم فاطمة بنت رسول الله (ص) ثم خديجة ثم عائشة ثم آسية امرأة فرعون، وأما خبر الطبراني: خير نساء
العالمين مريم بنت عمران، ثم خديجة بنت خويلد، ثم فاطمة بنت محمد (ص) ثم آسية امرأة فرعون
فأجاب عنه ابن العماد بأن خديجة إنما فضلت فاطمة باعتبار الأمومة لا باعتبار السيادة، وهو (ص) خاتم
النبيين وأفضل الخلق على الاطلاق، وخص بأنه أول النبيين خلقا وبتقديم نبوته، فكان نبيا وآدم منجدل في طينته وبتقدم
أخذ الميثاق عليه، وبأنه أول من قال: بلى وقت * (ألست بربكم) * وبخلق آدم وجميع المخلوقات لأجله، وبكتابة اسمه
الشريف على العرش والسماوات والجنان وسائر ما في الملكوت، وبشق صدره الشريف في أحد القولين، وبجعل
خاتم النبوة بظهره بإزاء قلبه، وبحراسة السماء من استراق السمع والرمي بالشهب، وبإحياء أبويه حتى آمنا به، وأكرم
(صلى الله عليه وسلم) بالشفاعات الخمس يوم القيامة، أولها العظمى في الفصل بين أهل الموقف حين يفزعون
إليه بعد
الأنبياء، الثانية: في إدخال خلق الجنة بغير حساب، الثالثة: في ناس استحقوا دخول النار فلا يدخلونها، الرابعة: في ناس دخلوا
124

النار فيخرجون، الخامسة، في رفع درجات ناس في الجنة، وكلها ثبتت في الاخبار، وخص منها بالعظمى، ودخول
خلق من أمته الجنة بغير حساب، وهي الثانية، قال في الروضة: ويجوز أن يكون خص بالثالثة والخامسة أيضا. وهو
أول من يقرع باب الجنة، وأول شافع، وأول مشفع، أي من يجاب شفاعته، فنسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يشفعه
فينا، ويدخلنا معه الجنة، ويفعل ذلك بأهلينا ومشايخنا وإخواننا ومحبينا وسائر المسلمين. ولما كان النكاح من
سننه (ص) قال المصنف رحمه الله تعالى: (هو مستحب لمحتاج إليه) بأن تتوق نفسه إلى الوطئ، ولو خصيا
كما اقتضاه كلام الاحياء. (يجد أهبته) وهي مؤنة من مهر وكسوة فصل التمكين، ونفقة يومه وإن كان متعبدا، تحصينا
لدينه ولما فيه من بقاء النسل وحفظ النسب وللاستعانة على المصالح، ولخبر الصحيحين: يا معشر الشباب من استطاع
منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء بالمد: أي قاطع،
والباءة بالمد لغة الجماع، والمراد به هنا ذلك، وقيل: مؤن النكاح، والقائل بالأول رده إلى معنى الثاني، إذ التقدير
عنده من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع لعجزه عنها فعليه بالصوم، وإنما
قدره بذلك لأن من لم يستطع الجماع لعدم شهوته لا يحتاج إلى الصوم لدفعها. وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة وابن
عبد البر عن عكاف بن وداعة: أنه أتى النبي (ص) فقال له: ألك زوجة يا عكاف؟ قال: لا، قال: ولا
جارية قال: لا، قال: وأنت صحيح موسر؟ قال: نعم والحمد لله، فقال: فأنت إذا من إخوان الشياطين، إن كنت من
رهبان النصارى فالحق بهم، وإن كنت منا فاصنع كما نصنع، فإن من سنتنا النكاح، شراركم عزابكم، وإن أرذل موتاكم
عزابكم وإنما لم يجب لقوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) *، إذ الواجب لا يتعلق بالاستطابة، ولقوله
تعالى: * (مثنى وثلاث ورباع) * ولا يجب العدد بالاجماع، ولقوله: * (أو ما ملكت أيمانكم) *. ورد السبكي الأول بأنه ليس
المراد بالآية المستطاب، وإنما المراد الحلال لأن في النساء محرمات، وهن في قوله تعالى: * (حرمت عليكم أمهاتكم) * الآية.
وقيل: هو فرض كفاية على الأمة لا يسوغ لجماعتهم الاعراض عنه لبقاء النسل، وقيل: يجب إذا خاف الزنا. قال المصنف:
وهذا الوجه لا يتجه بل يخير بينه وبين التسري. ورد بأن قائله لحظ الكمال بالاحصان الذي يمتنع به من الوقوع في الزنا
خوف الرجم وهو مفقود في التسري. وقيل: يجب إذا نذره حيث كان مستحبا، ورد بأن النذر إنما يصح فيما يستقل
به المكلف، والنكاح لا يستقل به لتوقفه على رضا الولي إذا كانت مجبرة، وعلى رضا الولي والمرأة إذا كانت غير مجبرة،
وهو في حال النذر غير قادر على إنشاء النكاح، وبأن النكاح عقد، والعقود لا تثبت في الذمة، وما لا يثبت في الذمة
لا يتصور التزامه بالنذر وقد ذكروا في كتاب النكاح أنه لا يتصور ثبوته في الذمة، وذلك فيما إذا قال: أعتقتك على
أن تنكحيني فقبلت فإنه لا يلزمها أن تتزوج به لأن النكاح لا يثبت في الذمة. وقيل: يجب فيما إذا كان تحته امرأتان
فظلم واحدة بترك القسم ثم طلقها قبل أن يوفيها حقها من نوبة الضرة ليوفيها حقها من نوبة المظلومة بسببها، ورد
بأن هذه دعوى تحتاج إلى دليل، فإن هذا الطلاق أحد أنواع البدعي، وقالوا في الطلاق البدعي: إنه يستحب فيه
الرجعة. ويستثنى من إطلاق المصنف ما لو كان في دار الحرب، فإنه لا يستحب له النكاح وإن اجتمعت فيه الشروط كما
نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه، وعلله بالخوف على ولده من الكفر والاسترقاق.
تنبيه: إطلاق المصنف لا يشمل المرأة بدليل قوله: يجد أهبته، وصرح في التنبيه بإلحاقها بالرجل في حال الحاجة
وعدمها، فقال: فإن كانت لا تحتاج إلى النكاح، أي وهي تتعبد، كره لها أن تتزوج، أي لأنها تتقيد بالزوج وتشتغل
عن العبادة، وإن كانت محتاجة إليه، أي لتوقانها إلى النكاح أو إلى النفقة أو خائفة من اقتحام الفجرة أو لم تكن
متعبدة استحب لها أن تتزوج، أي لما في ذلك من تحصين الدين وصيانة الفرج والترفه بالنفقة وغيرها. وبذلك
علم أن ما قيل إنه يستحب لها النكاح مطلقا مردود. والضمائر في قول المصنف: هو وإليه وأهبته إن أراد بها العقد أو
الوطئ أو ب‍ إليه العقد لم يصح، وإن أراد ب‍ هو وأهبته العقد وب‍ إليه الوطئ صح، لكن فيه تعسف والشارح فسر النكاح
125

بالتزوج الذي هو القبول لأن التفاصيل المذكورة من كراهة وغيرها إنما هي فيه لا في العقد المركب الذي هو النكاح.
(فإن فقدها) بفتح القاف: أي عدم الأهبة، (استحب) له (تركه) لقوله تعالى: * (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا
حتى يغنيهم الله من فضله) *، ولمفهوم قوله (ص): من استطاع منكم الباءة فليتزوج، والذي في الروضة وأصلها، الأولى أن
لا ينكح وهي دون عبارة الكتاب في الطلب كما قال ابن النقيب ونظر فيه، وأشد منها في الطلب قوله في شرح مسلم
بكراهة النكاح. ولو قال المصنف: لم يستحب كان أخصر وأظهر في المراد، (ويكسر) إرشادا (شهوته بالصوم) للخبر
السابق. قالوا: والصوم يثير الحركة أولا، فإذا دام سكنت، وإن لم تنكسر شهوته تزوج، قال عمر رضي الله عنه:
ما رأيت مثل من ترك النكاح بعد قوله تعالى: * (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) *. وروى الترمذي:
ثلاث حق
على الله أن يعينهم منهم الناكح يريد أن يستعفف. وفي مراسيل أبي داود أنه (ص) قال: من ترك التزوج مخافة العيلة
فليس منا. وأجيب عن قوله تعالى: * (وليستعفف) * بحملها على من لم يجد من يتزوجه ولا يكسرها بكافور ونحوه، لأنه
نوع من الخصاء وقال البغوي: يكره أن يحتال لقطع شهوته، ونقله في المطلب عن الأصحاب وقيل: يحرم،
وجزم به في الأنوار. والأولى حمل الأول على ما إذا لم يغلب على ظنه قطع الشهوة بالكلية بل تغيرها في الحال، ولو
أراد إعادتها باستعمال ضد تلك الأدوية لامكنه ذلك. والثاني: على القطع لها مطلقا. (فإن لم يحتج) للنكاح بأن لم تتق نفسه
له من أصل الخلقة أو لعارض كمرض أو عجز، (كره) له (إن فقد الأهبة) لما فيه من التزام ما لا يقدر على القيام به
من غير حاجة. وحكم الاحتياج للتزويج لغرض صحيح غير النكاح كخدمة وتأنس كالاحتياج للنكاح كما بحثه الأذرعي،
وفي الاحياء ما يدل عليه.
تنبيه: محل الكراهة فيمن يصح نكاحه مع عدم الحاجة، أما من لا يصح مع عدم الحاجة كالسفيه فإنه يحرم عليه
النكاح حينئذ، قاله البلقيني. (وإلا) بأن وجد الأهبة مع عدم حاجته للنكاح ولا علة به، (فلا) يكره له لقدرته عليه،
ومقاصد النكاح لا تنحصر في الجماع، (لكن العبادة) أي التخلي لها في هذه الحالة (أفضل) له من النكاح إذا كان يقطعه
عنها اهتماما بها. وفي معنى التخلي للعبادة التخلي للاشتغال بالعلم كما قاله الماوردي، بل هو داخل فيها.
تنبيه: قضية كلامه أن النكاح ليس بعبادة بل هو مباح بدليل صحته من الكافر، ولو كان عبادة لما صح
منه. ورد بأنه إنما صح من الكافر وإن كان عبادة لما فيه من عمارة الدنيا كعمارة المساجد والجوامع والعتق، فإن
هذه تصح من المسلم وهي منه عبادة، ومن الكافر وليست منه عبادة، ويدل لكونه عبادة أمر النبي صلى الله عليه
وسلم. والعبادة تتلقى من الشرع، وفي فتاوى المصنف: إن قصد به طاعة من ولد صالح أو إعفاف فهو من عمل الآخرة
ويثاب عليه، وإلا فهو مباح اه‍. وينزل الكلامان على هذا. واستثني من ذلك نكاح النبي (ص) فإنه عبادة مطلقا، وفائدته
نقل الشريعة التي لا يطلع عليها إلا النساء. (قلت) كما قاله الرافعي في الشرح: (فإن لم يتعبد) فاقد الحاجة للنكاح
واجد الأهبة الذي لا علة به، (فالنكاح) له (أفضل) من تركه (في الأصح) كيلا تفضي به البطالة والفراغ إلى
الفواحش. والثاني: تركه أفضل منه للخطر في القيام بواجبه. وفي الصحيح: اتقوا الله واتقوا النساء، فإن أول فتنة
بني إسرائيل كانت من النساء. (فإن وجد الأهبة و) لكن (به علة كهرم) وهو كبر السن، (أو مرض دائم أو
تعنين) دائم أو كان ممسوحا، (كره) له (والله أعلم) لعدم الحاجة إليه مع منع المرأة من التحصين، أما من يعن
في وقت دون وقت فلا يكره له وإن أفهم عدم تقييد المصنف له خلافة: والتعنين مصدر عن: أي تعرض،
فكأنه
يتعرض للنكاح ولا يقدر عليه. ثم شرع في الصفات المطلوبة في المنكوحة، فقال: (ويستحب دينة) لخبر الصحيحين:
تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها. أي وهو زيادة النسب، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك
126

أي استغنت إن فعلت أو افتقرت إن خالفت، والمراد بالدين الطاعات والأعمال الصالحات والعفة عن المحرمات (بكر)
لحديث جابر: هلا أخذت بكرا تلاعبها وتلاعبك متفق عليه. وروى ابن ماجة: عليكم بالابكار فإنهن أعذب أفواها أي
ألين كلمة وأنتق أرحاما أي أكثر أولادا وأرضى باليسير. وروى أبو نعيم عن شجاع بن الوليد قال: كان فيمن كان
قبلكم رجل حلف لا يتزوج حتى يستشير مائة نفس، وإنه استشار تسعة وتسعين رجلا واختلفوا عليه، فقال: بقي واحد
وهو أول من يطلع من هذا الفج فآخذ بقوله ولا أعدوه، فبينما هو كذلك إذ طلع عليه رجل راكب قصبة فأخبره بقصته،
فقال له: النساء ثلاثة: واحدة لك، وواحدة عليك، وواحدة لا لك ولا عليك، فالبكر لك، وذات الولد من غيرك
عليك، والثيب لا لك ولا عليك. ثم قال: أطلق الجواد فقال له: أخبرني بقصتك فقال: أنا رجل من علماء بني إسرائيل
مات قاضينا، فركبت هذه القصبة وتباهلت لأخلص من القضاء. قال في الاحياء: وكما يستحب نكاح البنت يسن أن
لا يزوج ابنته إلا من بكر لم يتزوج قط، لأن النفوس جبلت على الايناس بأول مألوف، ولهذا قال (ص) في خديجة: إنها
أول نسائي. نسيبة: أي طيبة الأصل، لما في خبر الصحيحين: ولحسبها. وأما خبر: تخيروا لنطفكم ولا تضعوها إلا في
الأكفاء فقال أبو حاتم الرازي: ليس له أصل، وقال ابن الصلاح: له أسانيد فيها مقال، ولكن صححه الحاكم. (ليست
قرابة قريبة) هذا من نفي الموصوف المقيد بصفة فيصدق بالأجنبية والقرابة البعيدة. وهي أولى منها، واستدل الرافعي
لذلك تبعا للوسيط بقوله (ص): لا تنكحوا القرابة القريبة، فإن الولد يخلق ضاويا أي نحيفا، وذلك لضعف الشهوة غير
أنه يجئ كريما على طبع قومه. قال ابن الصلاح: ولم أجد لهذا الحديث أصلا معتمدا، قال السبكي: فينبغي أن لا يثبت هذا
الحكم لعدم الدليل. وقد زوج النبي (ص) عليا بفاطمة رضي الله تعالى عنهما وهي قرابة قريبة اه‍. وما
ذكر من أن غير القريبة أولى وهو ما صرح به في زيادة الروضة، لكن ذكر صاحب البحر والبيان أن الشافعي نص على أنه
يستحب له أنه لا يتزوج من عشيرته، وعلله الزنجاني بأن من مقاصد النكاح اتصال القبائل لأجل التعاضد والمعاونة واجتماع
الكلمة اه‍. والأولى حمل كلام الشافعي رضي الله تعالى عنه على عشيرته الأقربين، ولا يشكل ذلك بتزوج
النبي (صلى الله
عليه وسلم) زينب مع أنها بنت عمته لأنه تزوجها بيانا للجواز، ولا بتزوج علي فاطمة رضي الله تعالى عنها لأنها بعيدة في
الجملة، إذ هي بنت ابن عمه، وأيضا بيانا للجواز.
تنبيه: لو أبدل المصنف ليست بقوله غير كان مناسبا للصفات المتقدمة. وبقي عليه من صفات المنكوحة أمور
ذكرت منها كثيرا في شرح التنبيه، منها أن تكون ولودا، لخبر: تزوجوا الولود الودود فاني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة
رواه أبو داود والحاكم وصحح إسناده، ويعرف البكر ولودا بأقاربها. وأن تكون جميلة لخبر الحاكم؟ خير النساء
من تسر إذا نظرت، وتطيع إذا أمرت، ولا تخالف في نفسها ومالها. قال الماوردي: لكنهم كرهوا ذات الجمال
البارع فإنها تزهو بجمالها، وإن الإمام أحمد قال لبعض أصحابه: ولا تغال في المليحة، فإنها قل أن تسلم لك،
وأن تكون عاقلة. قال الأسنوي: ويتجه أن يراد بالعقل هنا العقل العرفي، وهو زيادة على مناط التكليف اه‍. والمتجه
كما قال شيخنا أن يراد أعم من ذلك، وأن لا يكون لها مطلق يرغب في نكاحها، وأن لا تكون شقراء، فقد أمر
الشافعي الربيع أن يرد الغلام الأشقر الذي اشتراه له وقال: ما لقيت من أشقر خير قط، وقصته مع الأشقر الذي أضافه
في عوده من اليمن مشهورة. وأن تكون ذات خلق حسن، وأن تكون خفيفة المهر، لما روى الحاكم عن عائشة
رضي الله تعالى عنها أن النبي (ص) قال: أعظم الناس بركة أيسرهن صداقا وقال عروة: أول شؤم المرأة
أن يكثر صداقها. وهذه الصفات كلها قل أن يجدها الشخص في نساء الدنيا، وإنما توجد في نساء الجنان، فنسأل الله تعالى
أن لا يحرمنا منهن. ويسن أن لا يزيد على امرأة واحدة من غير حاجة ظاهرة. قال ابن العماد: ويقاس بالزوجة
في هذا السرية، لكن منع القفال والجويني التسري في زماننا لعدم التخميس. نعم مسبي الكفار بعضهم من بعض يجوز
127

للمسلم شراؤها ووطؤها إذ لا خمس على الكافر. قال الغزي: ولو اشترى جارية ثم اشترى من وكيل بيت المال ما يخصه من
الخمس اتجه الحل. قال الأذرعي: ولو أعفته واحدة لكنها عقيم استحب له نكاح ولود، ويسن أن يتزوج في شوال، وأن
يدخل فيه، وأن يعقد في المسجد، وأن يكون مع جمع، وأن يكون أول النهار لخبر: اللهم بارك لامتي في بكورها. (وإذا
قصد نكاحها) ورجا رجاء ظاهرا أنه يجاب إلى خطبته كما قاله ابن عبد السلام، (سن نظره إليها) لقوله (ص)
للمغيرة بن شعبة وقد خطب امرأة: انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما المودة والألفة رواه الترمذي وحسنه والحاكم
وصححه. ومعنى يؤدم: أي يدوم، فقدم الواو على الدال، وقيل من الادم مأخوذ من إدام الطعام لأنه يطيب به، حكي
الماوردي الأول عن المحدثين والثاني عن أهل اللغة ووقته. (قبل الخطبة) وبعد العزم على النكاح، لأنه قبل العزم لا حاجة
إليه وبعد الخطبة قد يفضي الحال إلى الترك فيشق عليها. ومراده بخطب في الخبر عزم على خطبتها، لخبر
أبي داود وغيره: إذا
ألقى الله في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها. (وإن لم تأذن) هي ولا وليها اكتفاء بإذن الشارع، ولئلا تتزين
فيفوت غرضه، ولكن الأولى أن يكون بإذنها خروجا من خلاف الإمام مالك فإنه يقول بحرمته بغير إذنها، فإن لم تعجبه
سكت، ولا يقول لا أريدها لأنه إيذاء. (وله تكرير نظره) إن احتاج إليه ليتبين هيئتها فلا يندم بعد النكاح، إذ لا يحصل
الغرض غالبا بأول نظرة. قال الزركشي: ولم يتعرضوا لضبط التكرار، ويحتمل تقديره بثلاث لحصول المعرفة بها غالبا،
وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: أريتك في ثلاث ليال اه‍. والأولى أن يضبط بالحاجة، وسواء أكان بشهوة أم
غيرها كما قاله الإمام والروياني، وإن قال الأذرعي في نظره بالشهوة نظر. (ولا ينظر) من الحرة (غير الوجه والكفين) ظهرا
وبطنا، لأنها مواضع ما يظهر من الزينة المشار إليها في قوله تعالى: * (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) *. والحكمة في الاقتصار
على ذلك أن في الوجه ما يستدل به على الجمال، وفي اليدين ما يستدل به على خصب البدن. أما الأمة ولو مبعضة فينظر منها
ما عدا ما بين السرة والركبة كما صرح به ابن الرفعة وقال إنه مفهوم كلامهم، قال الزركشي: وبه صرح في البحر. وإن
لم يتيسر نظره إليها بعث امرأة أو نحوها تتأملها وتصفها له، لأنه (ص) بعث أم سليم إلى امرأة وقال: انظري
عرقوبها وشمي عوارضها رواه الحاكم وصححه. ويؤخذ من الخبر أن للمبعوث أن يصف للباعث زائدا على ما ينظره
فيستفيد بالبعث ما يستفيده بنظره. وتقييد البعث بعدم التيسر ذكره القاضي وأطلقه غيره، وهو أوجه. ويسن للمرأة
أيضا أن تنظر من الرجل غير عورته إذا أرادت تزويجه، فإنه يعجبها منه ما يعجبه منها وتستوصف كما مر في الرجل.
تنبيه: قد علم مما تقرر أن كلا من الزوجين ينظر من الآخر ما عدا عورة الصلاة، وخرج بالنظر المس فلا يجوز
إذ لا حاجة إليه.
فائدة: أفتى بعض المتأخرين بأنه إذا تعذر نظر المخطوبة ولها أخ أو ابن أمرد يحرم نظره وكان يشبهها أنه يجوز
نظر الخاطب إليه اه‍. ويتعين أن يكون محل ذلك عند أمن الفتنة. وأن لا يكون بشهوة، ولا يقال إن ذلك منزل منزلة
النظر إليها، لأن المخطوبة محل التمتع في الجملة. (ويحرم نظر فحل بالغ) عاقل مختار، ولو شيخا وعاجزا عن الوطئ
ومخنثا، وهو المتشبه بالنساء، (إلى عورة حرة كبيرة) وهي من بلغت حدا تشتهى فيه، لا البالغة، (أجنبية) للناظر بلا
خلاف، لقوله تعالى: * (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) * والمراد بالعورة ما سبق في الصلاة، وهي ما عدا الوجه والكفين.
وخرج بالفحل الممسوح وسيأتي، لكن يرد عليه المجبوب وهو مقطوع الذكر فقط، والخصي وهو من بقي ذكره
دون أنثييه، والخنثى المشكل، فإن حكمهم كالفحل. وبالبالغ الصبي. وسيأتي حكم المراهق. وبالحرة الأمة وستأتي.
وبالأجنبية المحرم وسيأتي. وكان ينبغي أن يزيد عاقلا مختارا كما قدرته ليخرج المجنون والمكره. (وكذا وجهها
وكفيها) من كل يد، فيحرم نظر رؤوس أصابع كفيها إلى المعصم ظهرا وبطنا، (عند خوف فتنة) تدعو إلى
128

الاختلاء بها لجماع أو مقدماته بالاجماع كما قال الإمام. ولو نظر إليهما بشهوة وهي قصد التلذذ بالنظر المجرد وأمن الفتنة
حرم قطعا. (وكذا) يحرم النظر إليهما (عند الامن) من الفتنة فيما يظهر له من نفسه من غير شهوة، (على الصحيح)
ووجهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات الوجوه. وبأن النظر مظنة الفتنة ومحرك للشهوة
وقد قال تعالى: * (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) * واللائق بمحاسن الشريعة سد الباب والاعراض عن تفاصيل
الأحوال كالخلوة بالأجنبية. والثاني: لا يحرم، ونسبه الإمام للجمهور، والشيخان للأكثرين، وقال في المهمات إنه
الصواب لكون الأكثرين عليه. وقال البلقيني: الترجيح بقوة المدرك والفتوى على ما في المنهاج اه‍. ولو عبر بالفاء
كان أنسب. وما نقله الإمام من الاتفاق على منع النساء: أي منع الولاة لهن، معارض بما حكاه القاضي عياض عن
العلماء أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها في طريقها، وإنما ذلك سنة. وعلى الرجال غض البصر عنهن للآية، وحكاه
المصنف عنه في شرح مسلم وأقره عليه. وقال بعض المتأخرين: إنه لا تعارض في ذلك، بل منعهن من ذلك، لا لأن
الستر واجب عليهن في ذاته، بل لأن فيه مصلحة عامة، وفي تركه إخلال بالمروءة اه‍. وظاهر كلام الشيخين أن الستر
واجب لذاته فلا يتأتى هذا الجمع، وكلام القاضي ضعيف. وحيث قيل بالجواز كره، وقيل خلاف الأولى، وحيث قيل
بالتحريم. وهو الراجح هل يحرم النظر إلى المتنقبة التي لا يتبين منها غير عينيها ومحاجرها أو لا؟ قال الأذرعي: لم أر فيه
نصا، والظاهر أنه لا فرق لا سيما إذا كانت جميلة، فكم في المحاجر من خناجر اه‍. وهو ظاهر.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن وجهها وكفيها غير عورة وإنما ألحقا بها في تحريم النظر، وبه صرح الماوردي
في كتاب الصلاة فقال: عورتها مع غير الزوج كبرى وصغرى، فالكبرى ما عدا الوجه والكفين، والصغرى ما بين السرة
والركبة، فيجب ستر الكبرى في الصلاة وكذا عن الرجال الأجانب والخناثى، والصغرى عن النساء وإن قربن وكذا
عن رجال المحارم والصبيان. وقال السبكي إن الأقرب إلى صنع الأصحاب أن وجهها وكفيها عورة في النظر لا في الصلاة.
وإطلاقه الكبيرة يشمل العجوز التي لا تشتهى، وهو الأرجح في الشرح الصغير، وهو المعتمد، لأن لكل
ساقطة لاقطة.
وقال الروياني: يجوز النظر إلى وجهها وكفيها لقوله تعالى: * (والقواعد من النساء) * واختاره الأذرعي. قال ابن شهبة:
وقد استدل بذهاب أنس مع النبي (ص) إلى أم أيمن، وبعده انطلق إليها أبو بكر رضي الله تعالى عنه، وكان سفيان
يدخل على رابعة اه‍. وهذا لا دليل فيه، إذ لا يلزم من ذلك النظر. وصوت المرأة ليس بعورة، ويجوز الاصغاء
إليه عند أمن الفتنة، وندب تشويهه إذا قرع بابها فلا تجيب بصوت رخيم، بل تغلظ صوتها بظهر كفها على الفم. (ولا
ينظر) الفحل (من محرمه) الأنثى من نسب أو رضاع أو مصاهرة ما (بين سرة وركبة) منها، أي يحرم نظر ذلك
إجماعا. (ويحل) بغير شهوة نظر (ما سواه) أي المذكور، وهو ما عدا ما بين السرة والركبة، لأن المحرمية معنى يوجب
حرمة المناكحة فكانا كالرجلين والمرأتين، فيجوز النظر إلى السرة والركبة، لأنهما ليسا بعورة بالنسبة لنظر المحرم.
فهذه العبارة أولى من عبارة ابن المقري تبعا لغيره: بما فوق السرة وتحت الركبة. (وقيل) إنما يحل نظر
(ما يبدو) منها (في المهنة فقط) لأن غيره لا ضرورة إلى النظر إليه، والمراد بما يبدو في المهنة الوجه والرأس والعنق
واليد إلى المرفق والرجل إلى الركبة. والمهنة بفتح الميم وكسرها: الخدمة، وأنكر بعضهم كسرها.
تنبيه: قد علم من كلامه أن نظره إلى ما يبدو في حال المهنة جائز قطعا وإلى ما بين السرة والركبة حرام قطعا، والخلاف
فيما بين ذلك. ولا فرق في المحرم بين الكافر وغيره، نعم إن كان الكافر من قوم يعتقدون حل المحارم كالمجوس امتنع نظرها
له ونظره إليها، نبه عليه الزركشي. (والأصح حل النظر بلا شهوة) وإن كان مكرها (إلى الأمة) وإن كانت أم ولد، (إلا
ما بين سرة وركبة) فلا يحل لأن ذلك عورتها في الصلاة فأشبهت الرجل. والثاني: يحرم إلا ما يبدو في المهنة، إذ لا حاجة إليه.
والثالث: يحرم نظرها كلها كالحرة، وسيأتي ترجيحه. وشمل إطلاقه بلا شهوة الحل وإن خاف الفتنة، وليس مرادا بل
129

الوجه ما قاله الأذرعي أنه يحرم النظر قطعا حينئذ، أما النظر بشهوة فحرام قطعا لكل منظور إليه من محرم وغيره غير
زوجته وأمته، قال الشارح: والتعرض له هنا في بعض المسائل ليس للاختصاص بل لحكمة تظهر بالتأمل اه‍. ونقل عنه
أنه قال: ما هو مظنة الشهوة غالبا قيد بالعدم وما لا فلا، وقيل: إنما قيد بذلك في الأمة لأنها لنقصها عن الحرة قد يتساهل في
النظر إليها فدفع ذلك بالتقييد المذكور. (و) الأصح حل النظر (إلى صغيرة) لا تشتهى لأنها ليست في مظنة الشهوة. والثاني:
يحرم، لأنها من جنس الإناث. قال ابن الصلاح: حكاية الخلاف في وجه الصغيرة التي لا تشتهى يكاد أن يكون خرقا للاجماع.
(إلا الفرج) فلا يحل نظره. قال الرافعي كصاحب العدة: اتفاقا. ورده في الروضة بأن القاضي جوز جزما فليس ذلك اتفاقا
بل فيه خلاف، لا أنه رد الحكم كما فهمه ابن المقري فصرح بالجواز. وأما فرج الصغير فكفرج الصغيرة على المعتمد،
وإن قال المتولي بجواز النظر إليه إلى التمييز وتبعه السبكي على ذلك. واستثنى ابن القطان الأم زمن الرضاع والتربية لمكان
الضرورة وهو ظاهر، وينبغي أن تكون المرضعة غير الأم كالا. (و) الأصح (أن نظر العبد) الفحل العفيف كما قاله البغوي
وغيره غير المبعض والمشترك والمكاتب، (إلى سيدته) العفيفة كما قاله الواحدي وغيره، (و) أن (نظر ممسوح) إلى أجنبية
سواء أكان حرا أم لا، وهو ذاهب الذكر والأنثيين، (كالنظر إلى محرم) فيحل نظرهما بلا شهوة نظر المحرم، أما الأولى
فلقوله تعالى: * (أو ما ملكت أيمانهن) *، ولقوله (ص) لفاطمة رضي الله تعالى عنها وقد أتاها ومعه عبد قد وهبه لها
وعليها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رآها النبي (ص)
وما تلقى قال: إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك رواه أبو داود، وأما في الثانية فلقوله تعالى: * (أو التابعين غير
أولي الأربة) * أي الحاجة إلى النكاح. والثاني: يحرم نظرهما كغيرهما، والمراد بالأربة الإماء والمغفلون الذين لا يشتهون النساء،
فخرج بذلك الفاسق وإن كان فسقه بغير الزنا، خلافا لابن العماد، والمبعض. قال الماوردي: لا يختلف أصحابنا أنه مع سيدته
كالأجنبي والمكاتب كما نقله في الروضة عن القاضي وأقره. ولا فرق بين أن يكون معه وفاء النجوم أو لا خلافا للقاضي
في الشق الثاني، وقيل: إنه كالقن، ونقل عن نص الشافعي، وقال الزركشي: فتجب الفتوى به. فإن قيل: يشكل على الأول
جواز نظر السيد إلى مكاتبته. أجيب بأن المالكية أقوى من المملوكية. وينبغي كما قال الزركشي تقييد الجواز في الممسوح
بأن يكون مسلما في حق المسلمة فإن كان كافرا منع على الأصح لأن أقل أحواله أن يكون كالمرأة الكافرة. (و) الأصح (أن
المراهق) وهو بكسر الهاء: من قارب الحلم، حكمه في نظره للأجنبية (كالبالغ) فيلزم الولي منعه منه ويلزمها الاحتجاب منه
كالمجنون في ذلك لظهوره على العورات، وقد قال تعالى: * (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) *. والثاني: له النظر
كالمحرم. أما الدخول على النساء الأجانب بغير استئذان فإنه جائز إلا في دخوله عليهن في الأوقات الثلاثة التي يضعن فيها
ثيابهن فلا بد من استئذانه في دخوله فيها عليهن، الآية: * (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم) *، وأما غير
المراهق فقال الإمام: إن لم يبلغ حدا يحكي ما يراه فكالعدم، أو بلغه من غير شهوة فكالمحرم، أو بشهوة فكالبائع.
تنبيه: نقل الماوردي الاتفاق على أنه لا يلزم العبد الاستئذان، أي على سيدته، إلا في الأوقات الثلاثة، وسببه
كثرة الحاجة إلى الدخول والخروج والمخالطة. (ويحل) بلا شهوة عند أمن الفتنة (نظر رجل إلى رجل) اتفاقا، (إلا
ما بين سرة وركبة) فيحرم ولو من ابن وسيد لأنه عورة، ولا فرق بين أن يكون في حمام أو غيره. ونقل القاضي حسين
عن علي رضي الله تعالى عنه أن الفخذ في الحمام ليس بعورة. (ويحرم نظر أمرد) وهو الشاب الذي لم تنبت لحيته، ولا
يقال لمن أسن ولا شعر بوجهه أمرد، بل يقال له ثط بالثاء المثلثة (بشهوة) بالاجماع. ولا يختص هذا بالأمرد كما مر،
بل النظر إلى الملتحي وإلى النساء المحارم بالشهوة حرام قطعا، وإنما ذكره توطئة لما بعده، وضابط الشهوة فيه كما قاله
في الاحياء أن كل من تأثر بجمال صورة الأمرد بحيث يظهر من نفسه الفرق بينه وبين الملتحي، فهذا لا يحل له النظر
130

وقال السبكي: المراد بالشهوة أن يكون النظر لقصد قضاء وطر بمعنى أن الشخص يحب النظر إلى الوجه الجميل ويلتذ
به. قال فإذا نظر ليلتذ بذلك الجمال فهو النظر بشهوة وهو حرام. قال: وليس المراد أن يشتهي زيادة على ذلك من الوقاع
ومقدماته، فإن ذلك ليس بشرط بل زيادة في الفسق. قال: وكثير من الناس لا يقدمون على فاحشة ويقتصرون على
مجرد النظر والمحبة ويعتقدون أنهم سالمون من الاثم وليسوا بسالمين. ولو انتفت الشهوة وخيف الفتنة حرم النظر أيضا
كما حكياه عن الأكثرين، قال ابن الصلاح: وليس المعنى بخوف الفتنة غلبة الظن بوقوعها. بل يكفي أن لا يكون ذلك
نادرا. (قلت: وكذا بغيرها) وإن أمن الفتنة (في الأصح المنصوص) لأنه مظنة الفتنة، فهو كالمرأة، إذ الكلام في
الجميل الوجه النقي البدن كما قيد به في المصنف في التبيان ورياض الصالحين وغيرهما، بل هو أعظم إثما من الأجنبية
لأنه لا يحل بحال. وقد ذكر عن أبي عبد الله الجلاء، قال: كنت أمشي مع أستاذي يوما فرأيت حدثا جميلا فقلت:
يا أستاذي ترى أيعذب الله هذه الصورة؟ فقال: ونظرت؟ سترى غبه قال: فنسيت القرآن بعد ذلك بعشرين سنة.
وسمى السلف الصالح المرد الأنتان لأنهم مستقذرون شرعا. والثاني: لا يحرم، وإلا لأمر المرد بالاحتجاب كالنساء. وأجيب
بأنهم لم يؤمروا بالاحتجاب للمشقة عليهم فيه، وفي ترك الأسباب اللازمة له، وعلى غيرهم غض البصر عند توقع الفتنة،
قال السبكي: وهو ظاهر، وإنما الصعب إيجاب الغض مطلقا كما يقوله المصنف، ويرده أحوال الناس ومخالطتهم الصبيان
من عصر الصحابة إلى الآن مع العلم بأنهم لم يؤمروا بغض البصر عنهم في كل حال كالنساء، بل عند توقع الفتنة.
ونازع في المهمات في العزو للنص، وقال الصادر من الشافعي على ما بينه في الروضة: إنما هو إطلاق يصح حمله على حالة
الشهوة اه‍. وقال الشيخ أبو حامد: لا أعرف هذا النص للشافعي كما نبه عليه ابن الرفعة، ولم يذكره البيهقي في معرفته
ولا سننه ولا مبسوطه، وتبعه المحاملي على عدم معرفة النص. وقال البلقيني: ما صححه المصنف لم يصرح به أحد وليس
وجها ثانيا، فإن الموجود في كتب الأصحاب أنه إن لم يخف فتنة لا يحرم قطعا، فإن خاف فوجهان، وما ذكره عن النص
مطعون فيه، ولعله وقع للشافعي ذلك عند شهوة أو خوف فتنة، وأما عند عدم الشهوة وعدم خوف الفتنة
فإنه لا يحرم النظر بلا خلاف، وهذا إجماع من المسلمين، ولا يجوز أن ينسب إلى الشافعي ما يخرق الاجماع اه‍. وقال
الشارح: لم يصرح هو - أعني المصنف - ولا غيره بحكايتها في المذهب اه‍. فعلم من هذا كله أن ما قاله المصنف من اختياراته
لا أنه المذهب. ومحل الخلاف إذا لم يكن محرما للناظر ولا مملوكا له فإنه لا يحرم نظره إليهما عند الامن وعدم الشهوة
بلا خلاف. وحيث قيل بحرمة النظر إليه حرمت الخلوة به، قال في المجموع في صلاة الجماعة: هذا قياس المذهب فإنها
أفحش وأقرب إلى المفسدة. (والأصح عند المحققين) الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب والمحاملي والجرجاني والعمراني،
قال في الروضة: وهو مقتضى إطلاق الأكثرين، وهو أرجح دليلا، (أن الأمة) في حرمة النظر إليها (كالحرة) في
حرمة نظرها مطلقا (والله أعلم) لاشتراكهما في الأنوثة إ وخوف الفتنة. ففي الإماء التركيات ونحوهن من خوف الفتنة
أشد من كثير من الحرائر. قال البلقيني في تصحيحه: وما ادعاه المصنف أنه الأصح عند المحققين لا يعرف. وهو شاذ
مخالف لاطلاق نص الشافعي في عورة الأمة ومخالف لما عليه جمهور أصحابه اه. وهذا ما عليه عمل الناس، ولكن
الأول أحوط لما مر. وما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه من أنه رأى أمة متنقبة فقال: أتتشبهين بالحرائر يالكاع
فمحمول على الإماء المبتذلات البعيدات عن الشهوة، أو أنه رضي الله تعالى عنه قصد نفي الأذى عن الحرائر. لأن
الإماء كن يقصدن للزنا، قال تعالى: * (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) *، وكانت الحرائر تعرف بالستر فخشي أنه إذا
استترت الإماء حصل الأذى للحرائر، فأمر الإماء بالتكشف ويحترزن في الصيانة من أهل الفجور. (والمرأة) البالغة
حكمها (مع المرأة) مثلها في النظر، (كرجل) أي كنظر رجل (ورجل) فيما سبق، فيجوز مع الامن ما عدا ما بين
السرة والركبة، ويحرم مع الشهوة وخوف الفتنة. (والأصح تحريم نظر) كافرة (ذمية) أو غيرها (إلى مسلمة)
131

فتحتجب المسلمة عنها لقوله تعالى: * (أو نسائهن) * فلو جاز لها النظر لم يبق للتخصيص فائدة، وصح عن عمر رضي
الله تعالى عنه أنه منع الكتابيات دخول الحمام مع المسلمات ربما تحكيها للكافر. والثاني: لا يحرم، نظرا إلى
اتحاد الجنس كالرجال فإنهم لم يفرقوا فيهم بين نظر الكافر إلى المسلم والمسلم إلى المسلم. نعم على الأول يجوز أن ترى منها
ما يبدو عند المهنة على الأشبه في الروضة، كأصلها وهو المعتمد، وقيل: الوجه والكفين فقط، ورجح البلقيني أنها معها
كالأجنبي، وصرح به القاضي وغيره.
تنبيه: محل ذلك في كافرة غير محرم للمسلمة وغير مملوكة لها، أما هما فيجوز لهما النظر إليها كما أفتى به المصنف في
المملوكة وبحثه الزركشي في المحرم، وهو ظاهر. وظاهر إيراد المصنف يقتضي أن التحريم على الذمية، وهو صحيح
إن قلنا إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وهو الأصح، وإذا كان حراما على الكافرة حرم على المسلمة التمكين منه.
وأما نظر المسلمة إليها فمقتضى كلامهم جوازه، وهو المعتمد لفقد العلة المذكورة في الكافرة وإن توقف في ذلك الزركشي،
وقول ابن عبد السلام: والفاسقة مع العفيفة كالكافرة مع المسلمة رده البلقيني، والرد ظاهر وإن جزم به الزركشي. (و)
الأصح (جواز نظر المرأة) البالغة الأجنبية (إلى بدن) رجل (أجنبي سوى ما بين سرته وركبته إن لم تخف فتنة) ولا
نظرت بشهوة، لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها نظرت إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، ولان ما
سوى ما بينهما ليس بعورة منه في الصلاة. (قلت: الأصح التحريم) أي تحريم نظرها تبعا لجماعة من الأصحاب وقطع
به في المذهب وغيره، (كهو) أي كنظر الأجنبي (إليها، والله أعلم) لقوله تعالى: * (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) *.
وهو روي عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: كنت عند ميمونة عند رسول الله (ص)، إذ أقبل ابن أم مكتوم،
فقال النبي (ص) احتجبا منه فقلت: يا سول الله أليس هو أعمى لا يبصر؟ فقال: أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه؟.
رواه الترمذي وقال حديث صحيح.
تنبيه: قضية كلامه أنه يحرم على المرأة أن تنظر إلى وجه الرجل وكفيه عند الامن على الأصح. قال الجلال
البلقيني: وهذا لم يقل به أحد من الأصحاب، واتفقت الأوجه على جواز نظرها إلى وجه الرجل وكفيه عند الامن من الفتنة
اه‍. ويدل له حديث عائشة المار، لكن المصنف أجاب عنه في شرح مسلم بأنه ليس فيه أنها نظرت إلى وجوههم
وأبدانهم وإنما نظرت للعبهم وحرابتهم، ولا يلزمه منه تعمد النظر إلى البدن وإن وقع بلا قصد صرفته في الحال. وأجاب
عنه غيره بأن ذلك لعله كان قبل نزول الحجاب، أو كانت عائشة رضي الله تعالى عنها لم تبلغ مبلغ النساء إذ
ذاك، وفي
وجه ثالث أنها تنظر منه ما يبدو في المهنة فقط إذ لا حاجة إلى غيره، وقواه بعضهم لعموم البلوى في نظرهن في الطرقات
إلى الرجال، ويستثنى على ما صححه المصنف ما إذا قصدت نكاحه فلها النظر إليه قطعا، بل يندب كما مر، وقول
المصنف: كهو إليها قد يقتضيه. (ونظرها إلى محرمها) حكمه (كعكسه) وهو نظر الرجل إلى محرمه، فتنظر منه بلا شهوة
ما عدا ما بين السرة والركبة، وقيل: ما يبدو منه في المهنة فقط.
تنبيه: عبارة الروضة: لا يحرم إلا ما بين السرة والركبة على المذهب، وبه قطع المحققون، وقيل: كنظره إليها،
وهذا الذي ضعفه هو الذي جزم به هنا. وأما الخنثى المشكل فيعامل بالأشد فيجعل مع النساء رجلا ومع الرجال امرأة
إذا كان في سن يحرم فيه نظر الواضح كما جزم به المصنف في باب الاحداث من المجموع، ولا يجوز أن يخلو به أجنبي
ولا أجنبية. ولو كان مملوكا لامرأة فهو معها كعبدها، وقيل: يستصحب فيه حكم الصغر، ويؤيده تصحيح المجموع
أنه يغسله بعد موته الرجال والنساء، وأجاب الأول بضعف الشهوة بعد الموت بخلافها قبله. ثم شرع المصنف رحمه الله
تعالى في ضابط ما يحرم منه فقال: (ومتى حرم النظر حرم المس) لأنه أبلغ منه في اللذة وإثارة الشهوة، بدليل أنه
لو مس فأنزل أفطر، ولو نظر فأنزل لم يفطر، فيحرم مس الأمرد كما يحرم نظره وأولى، ودلك الرجل فخذ الرجل بلا حائل،
132

ويجوز من فوق إزار إن لم يخف فتنة ولم تكن شهوة. وأورد على هذا الضابط صورا طردا وعكسا، فمن الأول ما أبين
من أجنبية فإنه يحرم نظره لا مسه. ومنه حلقة دبر زوجته وأمته فيحرم نظره عند الدارمي لا مسه، وهذا ضعيف. ومنه
ما لو أمكن الطبيب معرفة العلة بالمس دون النظر فإنه يباح المس لا النظر. ومن الثاني المحرم، فإنه يحرم مس بطن أمه
وظهرها وغمز ساقها ورجلها كما في الروضة، لكنه مخالف لما في شرح مسلم للمصنف من الاجماع على جواز مس
المحارم، وجمع بينهما بحمل الأول على مس الشهوة، والثاني على مس الحاجة والشفقة، وهو جمع حسن، لكن يبقى
ما إذا لم تكن شهوة، ولا حاجة ولا شفقة، قال السبكي: وبينهما مراتب متفاوتة، فما قرب إلى الأول ظهر تحريمه، وما
قرب إلى الثاني ظهر جوازه اه‍. والذي ينبغي عدم الحرمة عند عدم القصد، فقد قبل (ص) فاطمة
وقبل الصديق الصديقة. فإن قيل: إن ذلك كان للشفقة. أجيب بأن الثابت إنما هو انتفاء الشهوة، وما عدا ذلك
يصدق بما ذكرناه.
تنبيه: عبارة الشرح والروضة والمحرر: وحيث حرم النظر حرم المس، قال السبكي: وهي أحسن من عبارة
الكتاب، لأن حيث اسم مكان، والمقصود هنا أن المكان الذي يحرم نظره يحرم مسه، ومتى اسم زمان فهو ليس
مقصودا هنا. قال ابن النقيب: وقد يقال إن الزمان أيضا مقصود، فإن الأجنبية يحرم نظرها، فإذا عقد عليها جاز،
فإذا طلقها حرم، وكذلك الطفلة على العكس، وكذلك يستثنى زمان المداواة والمعاملة ونحوهما. (و) اعلم أن ما تقدم من
حرمة النظر والمس هو حيث لا حاجة إليهما، وأما عند الحاجة فالنظر والمس (مباحان لفصد وحجامة وعلاج) ولو
في فرج للحاجة الملجئة إلى ذلك، لأن في التحريم حينئذ حرجا، فللرجل مداواة المرأة وعكسه، وليكن ذلك بحضرة محرم
أو زوج أو امرأة ثقة إن جوزنا خلوة أجنبي بامرأتين وهو الراجح كما سيأتي في العدد إن شاء الله تعالى. ويشترط
عدم امرأة يمكنها تعاطي ذلك من امرأة وعكسه كما صححه في زيادة الروضة، وأن لا يكون ذميا مع وجود مسلم،
وقياسه كما قال الأذرعي: أن لا تكون كافرة أجنبية مع وجود مسلمة على الأصح، صرح به في الكفاية. ولو لم نجد لعلاج
المرأة إلا كافرة ومسلما، فالظاهر كما قال الأذرعي أن الكافرة تقدم لأن نظرها ومسها أخف من الرجل بل الأشبه
عند الشيخين كما مر أنها تنظر منها ما يبدو عند المهنة بخلاف الرجل.
تنبيه: رتب البلقيني ذلك فقال: فإن كانت امرأة فيعتبر وجود امرأة مسلمة، فإن تعذرت فصبي مسلم
غير مراهق، فإن تعذر فصبي غير مراهق كافر، فإن تعذر فامرأة كافرة، فإن تعذرت فمحرمها المسلم، فإن تعذر
فمحرمها الكافر، فإن تعذر فأجنبي مسلم، فإن تعذر فأجنبي كافر اه‍. والمتجه تأخير المرأة الكافرة عن المحرم
بقسميه، وقيد في الكافي الطبيب بالأمين فلا يعدل إلى غيره مع وجوده كما قاله الزركشي، وشرط الماوردي أن يأمن
الافتتان، ولا يكشف إلا قدر الحاجة كما قاله القفال في فتاويه. وفي معنى الفصد والحجامة نظر الخائن إلى فرج من
يختنه، ونظر القابلة إلى فرج التي تولدها. ويعتبر في النظر إلى الوجه والكفين مطلق الحاجة، وفي غيرهما ما عدا
السوأتين تأكدها بأن يكون مما يبيح التيمم كشدة الضنى كما نقلاه عن الإمام، وقضية هذا كما قال الزركشي أنه
لو خاف شيئا فاحشا في عضو باطن امتنع النظر، وفيه نظر. وفي السوأتين مزيد تأكدها بأن لا يعد التكشف بسببها
هتكا للمروءة كما نقلاه عن الغزالي وأقراه. (قلت: ويباح النظر) من الأجنبي للأمرد وغيره، (لمعاملة) من بيع وغيره
(وشهادة) تحملا وأداء، حتى يجوز النظر إلى الفرج للشهادة على الزنا والولادة وإلى الثدي للشهادة على الرضاع. هذا إن
قصد به الشهادة، فإن قال: تعمدت النظر لغير الشهادة فسق وردت شهادته، إن قال: حانت مني التفاتة بتعمد فرأيته قبل.
وإذا نظر إليها وتحمل الشهادة عليها كلفت الكشف عن وجهها عند الأداء إن لم يعرفها في نقابها، فإن عرفها لم يفتقر
إلى الكشف، قاله الماوردي. قال الزركشي: وقضيته تحريم النظر حينئذ اه‍. وهو ظاهر. ويجوز النظر إلى
عانة ولد
الكافر لينظر هل أنبت أم لا؟ ويجوز للنسوة أن ينظرن إلى ذكر الرجل إذا ادعت المرأة عبالته وامتنعت
133

من التمكين.
تنبيه: هذا كله إذا لم يخف فتنة، فإن خافها لم ينظر إلا إن تعين عليه فينظر ويضبط نفسه، وسيأتي إن شاء
الله تعالى ذلك في كتاب الشهادات. وقوله: (وتعليم) مزيد على الروضة وأصلها بل على غالب كتب المذهب. قال
السبكي: كشفت عن هذه المسألة كتب المذهب، وعد منها اثني عشر مصنفا فلم أجدها. وإنما يظهر فيما يجب تعلمه
وتعليمه كالفاتحة وما يتعين تعليمه من الصنائع المحتاج إليها بشرط التعذر من وراء حجاب، وأما غير ذلك فكلامهم
يقتضي المنع، ومنهم المصنف حيث قال في الصداق: ولو أصدقها تعليم قرآن وطلق قبله فالأصح تعذر تعليمه اه‍. وقال
الشارح: وهو، أي التعليم للأمرد خاصة لما سيأتي اه‍. ويشير بذلك إلى مسألة الصداق. والمعتمد أنه يجوز النظر للتعليم
للأمرد وغيره، واجبا كان أو مندوبا، وإنما منع من تعليم الزوجة لأن كلا من الزوجين تعلقت آماله
بالآخر، فصار لكل منهما طمعة في الآخر، فمنع عن ذلك. (ونحوها) أي المذكورات، كجارية يريد الرجل شراءها
أو عبد تريد المرأة شراءه، وكالحاكم يحلف المرأة ويحكم عليها كما قاله الجرجاني. قال الأذرعي: وقياسه جوازه
عند الحكم لها اه‍. وهو ظاهر، وإنما ينظر في جميع ما تقدم (بقدر الحاجة، والله أعلم) لأن ما جاز للضرورة يقدر
بقدرها، فينظر في المعاملة إلى الوجه فقط كما جزم به الماوردي وغيره، وفيما إذا اشترى جارية أو اشترت عبدا ما عدا
ما بين السرة والركبة. قال الماوردي: ولا يزاد على النظرة الواحدة إلا إن يحتاج إلى ثانية للتحقق فيجوز. وقضية
هذا أنه إذا عرفها بالنظر إلى بعض وجهها لم يكن له أن يستوعب جميع وجهها، وهو ما قاله الماوردي وغيره، وإن
قال في البحر أنه يستوعبه.
تنبيه: كل ما حرم نظره متصلا حرم نظره منفصلا. كشعر عانة ولو من رجل، وقلامة ظفر حرة ولو من
يديها. وتجب مواراته على ما اقتضاه كلام القاضي لئلا ينظر إليه أحد، واستبعد الأذرعي الوجوب، قال: والاجماع
الفعلي في الحمامات على طرح ما تناثر من امتشاط شعور النساء، وحلق عانات الرجال اه‍، وليس في كلام الشيخين
ما يدل على الوجوب، فالأوجه ما قاله الأذرعي. وأما إذا أبين شعر من رأس أمة أو شئ من ظفرها فهو مبني على حل
نظره قبل انفصاله، وقد تقدم الخلاف في ذلك. (وللزوج النظر إلى كل بدنها) أي زوجته في حال حياتها كعكسه،
ولو إلى الفرج ظاهرا وباطنا لأنه محل تمتعه، ولكن يكره لكل منهما نظر الفرج من الآخر، ومن نفسه بلا حاجة،
وإلى باطنه أشد كراهة. قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: ما رأيت منه ولا أرى مني، أي الفرج. وأما خبر: النظر
إلى الفرج يورث الطمس أي العمى كما ورد كذلك، فرواه ابن حبان وغيره في الضعفاء، بل ذكره ابن الجوزي
في الموضوعات، وخالفه ابن الصلاح وحسن إسناده وقال: أخطأ من ذكره في الموضوعات. ومع ذلك هو محمول على
الكراهة كما قاله الرافعي. وخص الفارقي الخلاف بغير حالة الجماع، وجرى عليه الزركشي والدميري، وهو ممنوع، فإن
الحديث المذكور مصرح بحالة الجماع واختلفوا في قوله: يورث العمى، فقيل: في الناظر، وقيل: في الولد، وقيل
في القلب. وشمل كلامهم الدبر، وقول الإمام، والتلذذ بالدبر بلا إيلاج جائز صريح فيه، وهو المعتمد كما مرت الإشارة
إليه وإن خالف في ذلك الدارمي وقال بحرمة النظر إليه. ويستثنى زوجته المعتدة عن وطئ الغير بشبهة، فإنه يحرم عليه
نظر ما بين السرة والركبة ويحل ما سواه على الصحيح. قال السبكي: والخلاف الذي في النظر إلى الفرج لا يجري
في مسه لانتفاء العلة، هذا هو الظاهر وإن لم يصرحوا به. وقال: سأل أبو يوسف أبا حنيفة عن مس الرجل فرج زوجته
وعكسه، فقال: لا بأس به، وأرجو أن يعظم أجرهما. قال الزركشي: ولا يجوز للمرأة أن تنظر إلى عورة زوجها إذا
منعها منه، بخلاف العكس لأنه يملك التمتع بها بخلاف العكس اه‍. وهذا ظاهر وإن توقف فيه بعض المتأخرين. أما
نظر كل منهما إلى الآخر بعد الموت فهو كالمحرم كما في المجموع، وقد مرت الإشارة إليه في كتاب الجنائز. والأمة
كالزوجة في النظر، فلكل منهما ومن سيدها أن ينظر إلى الآخر ولو إلى الفرج مع الكراهة لا المحرمة عليه بكتابة وتزويج
134

وشركة وكفر كتوثن وردة وعدة من غيره ونسب ورضاع ومصاهرة ونحو ذلك، فيحرم عليه نظره منها إلى ما بين سرة
وركبة دون ما زاد. قال البلقيني: وما ذكره الشيخان في المشتركة ممنوع، والصواب فيها وفي المبعضة والمبعض بالنسبة
إلى سيدته أنهم كالأجانب، ومع ذلك فالمعتمد ما ذكره الشيخان. أما المحرمة بعارض قريب الزوال كحيض ورهن فلا
يحرم نظره إليها.
تتمة: يحرم اضطجاع رجلين أو امرأتين في ثوب واحد إذا كانا عاريين، وإن كان كل منهما في جانب من الفراش،
لخبر مسلم: لا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد، ولا المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد ويجب التفريق بين ابن عشر
سنين وإخوته وأخواته في المضجع، واحتج له الرافعي بخبر: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم
أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع ولا دلالة فيه كما قاله السبكي وغيره على التفريق بينهم وبين آبائهم.
ومحل الوجوب عند
العري كما قاله شيخي، وهو واضح لأن ذلك معتبر في الأجانب. فما بالك بالمحارم خصوصا الآباء والأمهات.
فائدة: أفاد السبكي عن أبي عبد الله بن الحاج، وكان رجلا صالحا عالما، أنه كان يذكر أنه يكره النوم في الثياب، وأن
السنة العري عند النوم، أي ويتغطى بثيابه أو بغيرها. وتسن مصافحة الرجلين والمرأتين لخبر: ما من مسلمين يلتقيان
يتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا رواه أبو داود وغيره. نعم على ما تقدم من حرمة نظر الأمرد الجميل تحرم مصافحته
لما مر أن المس أبلغ من النظر. قال العبادي: وتكره مصافحة من به عاهة كجذام أو برص، وتكره المعانقة والتقبيل في
الرأس ولو كان المقبل أو المقبل صالحا للنهي عن ذلك، رواه الترمذي، إلا لقادم من سفر أو تباعد لقاء عرفا فسنة للاتباع،
رواه الترمذي أيضا. ويأتي في تقبيل الأمرد ما مر. ويسن تقبيل الطفل ولو ولد غيره شفقة للاتباع، رواه البخاري وغيره. ولا
بأس بتقبيل وجه الميت الصالح لما مر في الجنائز ويسن تقبيل يد الحي الصالح ونحوه من الأمور الدينية كعلم وشرف وزهد،
ويكره ذلك لغناه أو نحوه من الأمور الدنيوية، كشوكته ووجاهته. ويكره حني الظهر مطلقا لكل أحد من الناس، أما
السجود له فحرام، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في باب تارك الصلاة ويسن القيام لأهل الفضل من علم أو صلاح أو
شرف أو نحو ذلك إكراما لا رياء وتفخيما، قال في الروضة: وقد ثبت فيه أحاديث صحيحة.
فصل: في الخطبة، وهي بكسر الخاء: التماس الخاطب النكاح من جهة المخطوبة: (تحل خطبة خلية عن نكاح، و) عن
(عدة) وكل مانع من موانع النكاح، وأن لا يسبقه غيره بالخطبة، ويجاب تعريضا وتصريحا، كما تحرم خطبة منكوحة كذلك
إجماعا فيهما. ويستثنى من مفهوم كلامه المعتدة عن وطئ الشبهة، فإن الأصح القطع بجواز خطبتها ممن له العدة مع عدم خلوها
عن العدة. ومن منطوقه المطلقة ثلاثا، فلا يجوز لمطلقها أن يخطبها بعد انقضاء عدتها حتى تنكح زوجا غيره وتعتد منه
ولا بد أن يحل له نكاح المخطوبة، فلو كان تحته أربع حرم أن يخطب خامسة وأن يخطب، قاله الماوردي قال ابن النقيب: وقياسه
تحريم خطبة من يحرم الجمع بينها وبين زوجته، وكذا ثانية السفيه وثالثة العبد. وأما المحرم ففي زوائد الروضة من الحج:
يستحب له ترك الخطبة.
تنبيه: تعبيره بالحل يفهم أنها غير مستحبة، وهو ما نقلاه عن الأصحاب. وقال الغزالي: هي مستحبة، وقيل: هي كالنكاح،
إذ الوسائل كالمقاصد. وقد توهم عبارة المصنف جواز خطبة السرية وأم الولد المستفرشة وإن لم يعرض السيد عنهما، والأوجه
ما قاله الزركشي أنهما في حكم المنكوحة، ولما فيه من إيذاء السيد. نعم إن وجب الاستبراء ولم يقصد
السيد التسري جاز التعرض كالبائن إلا إن خيف فسادها على مالكها. (ولا) يحل (تصريح لمعتدة)
بائنا كانت أو رجعية بطلاق أو فسخ أو انفساخ أو موت أو معتدة عن شبهة، لمفهوم قوله تعالى: * (ولا جناح
عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) * الآية. وحكى ابن عطية الاجماع على ذلك. والتصريح ما يقطع بالرغبة
135

في النكاح، كأريد أن أنكحك وإذا انقضت عدتك نكحتك. وذلك لأنه إذا صرح تحققت رغبته فيها فربما تكذب في انقضاء
العدة. (ولا) يحل (تعريض لرجعية) لأنها زوجة أو في معنى الزوجة، ولأنها مجفوة بالطلاق فقد تكذب انتقاما. والتعريض
ما يحتمل الرغبة في النكاح وعدمها، كقوله: أنت جميلة، ورب راغب فيك، ومن يجد مثلك، ولست بمرغوب عنك.
والتعريض مأخوذ من عرض الشئ، وهو جانبه، لأنه يظهر بعض ما يريده، وفهم منه منع التصريح بطريق الأولى.
(ويحل تعريض في عدة وفاة) ولو حاملا للآية السابقة، والمواعدة فيها سرا كالخطبة على الصحيح. وقال الشافعي: ولم
يرد بالسر ضد الجهر، وإنما أراد الجماع، وكذا قال ابن عباس. وأنشدوا:
ألا زعمت بساسة اليوم أنني * كبرت وأن لا يشهد السر أمثالي
(وكذا) يحل تعريض (لبائن) بفسخ أو ردة أو طلاق، (في الأظهر) لعموم الآية ولانقطاع سلطنة الزوج عنها. والثاني:
المنع، لأن لصاحب العدة أن ينكحها فأشبهت الرجعية.
تنبيه: هذا كله في غير صاحب العدة الذي يحل له نكاحها فيها، أما هو فيحل له التعريض والتصريح. وأما من لا يحل
له نكاحه فيها كما لو طلقها بائنا أو رجعيا فوطئها أجنبي بشبهة في العدة فحملت منه فإن عدة الحمل تقدم، فلا يحل لصاحب
عدة الشبهة أن يخطبها لأنه لا يجوز له العقد عليها حينئذ كما سيأتي إيضاح ذلك في العدد إن شاء الله تعالى. وحكم جواب المرأة
في الصور المذكورة تصريحا وتعريضا حكم للخطبة فيما تقدم. وهل خطبة من يمتنع نكاحها في الحال كالثيب الصغيرة العاقلة
والبكر فاقدة المجبر جائزة أو لا؟ بحث الزركشي الأول وبحث غيره المنع من التصريح، والأوجه أن يقال إن هذه الخطبة
غير معتد بها لعدم المجيب. ويكره التعريض بالجماع لمخطوبته لقبحه، وقد يحرم بأن يتضمن التصريح بذكر الجماع، كقوله:
أنا قادر على جماعك أو لعل الله يرزقك من يجامعك. ولا يكره التصريح به لزوجته وأمته لأنهما محل تمتعه. (وتحرم خطبة
على خطبة من صرح بإجابته) ولو بنائبه، (إلا بإذنه) مع ظهور الرضا بالترك لا لرغبة حياة ونحوه، لخبر: لا يخطب الرجل
على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب رواه الشيخان، واللفظ للبخاري. والمعنى فيه ما فيه من
الايذاء والتقاطع، سواء أكان الأول مسلما أم لا، محرما أو لا. وذكر الأخ في الخبر جرى على الغالب،
ولأنه أسرع
امتثالا، نعم يشترط في الكافر أن يكون محترما. وإعراض المجيب كإعراض الخاطب، وكذا لو طال الزمان بعد إجابته
بحيث يعد معرضا كما نقله الإمام عن الأصحاب، أو نكح من يحرم الجمع بينها وبين المخطوبة، وسكوت البكر غير المجبرة
ملحق بالصريح كما نص عليه في الأم، والمعتبر في التحريم أن تكون الإجابة من المرأة إن كانت معتبرة الاذن، ومن وليها
إن كانت غير معتبرته، ومنها مع الولي إن كان الخاطب غير كفء، ومن السلطان إن كانت مجنونة بالغة فاقدة الأب
والجد، ومن السيد إن كانت أمة غير مكاتبة كتابة صحيحة، ومن السيد مع المكاتبة المذكورة، ومن المبعضة مع سيدها إن
كانت غير مجبرة، ومن السيد مع وليها إن كانت مجبرة، وشرط التحريم عليه أن يكون عالما بالخطبة والإجابة وحرمة
الخطبة على خطبة من ذكر، وأن تكون الخطبة الأولى جائزة فلو رد الخاطب الأول أو أجيب بالتعريض كلا رغبة عنك
أو بالتصريح ولو لم يعلم الثاني بها أو بالحرمة أو علم بها ولم يعلم كونها بالصريح أو علم كونها به وحصل إعراض ممن ذكر
أو كانت الخطبة الأولى محرمة كأن خطب في عدة غيره لم تحرم خطبته. ولو خطب رجل خمسا ولو بالترتيب وصرح له
بالإجابة حرمت خطبة كل منهن حتى يعقد على أربع منهن أو يتركهن أو بعضهن، لأنه قد يرغب في الخامسة. قال الأسنوي:
ولو أذنت لوليها أن يزوجها بمن شاء صح، وحل لكل أحد خطبتها على خطبة غيره، نص عليه كما حكاه في البحر. قال
شيخي: وهو الذي قاله الأسنوي بحسب ما فهمه، والذي في البحر أنه يحل لكل أحد أن يخطبها قبل أن يخطبها أحد اه‍.
وعلى هذا لا خصوصية لهذه. (فإن لم يجب ولم يرد) بأن سكت عن التصريح للخاطب بإجابة أورد والساكت غير بكر يكفي
136

سكوتها أو ذكر ما يشعر بالرضا، نحو. لا رغبة عنك، (لم تحرم في الأظهر) لأن فاطمة بنت قيس قالت للنبي صلى الله غليه
وسلم: إن معاوية وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله (ص) أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه،
وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد وجه الدلالة أن أبا جهم ومعاوية خطباها، وخطبها النبي صلى
الله عليه وسلم لأسامة بعد خطبتهما لأنها لم تكن أجابت واحدا منهما. والثاني: تحرم لاطلاق الخبر. وقطع بالأول
في السكوت لأنها لا تبطل شيئا.
تنبيه: قد نصوا على استحباب خطبة أهل الفضل من الرجال، فإذا وقع ذلك وأجاب الأول الرجل وكانت
المجابة يكمل بها العدد الشرعي، أو كان لا يريد أن يتزوج إلا واحدة، امتنع أن تخطبه امرأة بعد ذلك، ولا يخفى ما يصح
إثباته هنا من تلك الأحكام. فإن انتفى ما مر جاز إذ جمعه بين أربع لا مانع منه. (ومن استشير في خاطب)
أو مخطوبة أو
غيرهما ممن أراد الاجتماع عليه لنحو معاملة أو مجاورة كالرواية عنه أو القراءة عليه، (ذكر) المستشار جوازا كما في الروضة
وأصلها، ووجوبا كما صرح به المصنف في شرح مسلم والأذكار والرياض بالنسبة للمستشار، بل أوجبوا في البيع على
الأجنبي إذا علم بالمبيع عيبا أن يخبر به المشتري وغيره، ومثله البقية، وهذا هو المعتمد. ولا ينافي ذلك التعبير بالجواز،
لأنه لا ينافي الوجوب. ومفعول ذكر قوله: (مساويه) وهي بفتح الميم: عيوبه، (بصدق) ليحذر، بدلا للنصيحة لا للايذاء
لحديث فاطمة بنت قيس المار.
تنبيه: قضية كلامه أنه لا يذكرها إلا بعد الاستشارة، وقضية كلام ابن الصلاح أنه يجب ذكرها ابتداء من غير
استشارة، وهو قياس المذكور في البيع. قال الأذرعي: وما يتوهم من الفرق بين البابين خيال، بل النصيحة هنا آكد
وأحب اه‍. وفيه تلميح بالرد على من فرق بأن الاعراض أشد حرمة من الأموال، ومحل ذكر المساوي عند الاحتياج
إليه، فإن اندفع بدونه بأن لم يحتج إلى ذكرها كقوله: لا تصلح لك مصاهرته ونحوه ك‍ لا تصلح لك معاملته وجب الاقتصار
عليه ولم يجز ذكر عيوبه، قاله في الأذكار تبعا للاحياء، وهو المعتمد وإن نظر فيه الأذرعي. وقياسه أنه إذا اندفع بذكر
بعضها حرم عليه ذكر شئ من البعض الآخر كما قاله ابن النقيب، وإن اقتضى كلام المصنف خلافه. قال في زيادة الروضة:
والغيبة تباح لستة أسباب، ذكرها وجمعها غيره في هذا البيت حيث قال:
لقب ومستفت وفسق ظاهر والظلم تحذير مزيل المنكر
أي فيجوز أن يذكره بذلك فقط إلا أن يوجد لجواز ذكر غيره سبب آخر. قال الغزالي في الاحياء: إلا أن يكون
المظاهر بالمعصية عالما يقتدى به فتمتنع غيبته، لأن الناس إذا طلعوا على زلته تساهلوا في ارتكاب الذنب. وغيبة
الكافر محرمة إن كان ذميا، لأن فيها تنفيرا لهم عن قبول الجزية. وتركا لوفاء الذمة، ولقوله (ص):
من سمع ذميا وجبت له النار رواه ابن حبان في صحيحه. ومباحة إن كان حربيا، لأنه (ص) كان يأمر حسان
أن يهجو المشركين. والحاصل أن الغيبة، وهي ذكر الانسان بما فيه مما يكره ولو في ماله أو ولده أو زوجته أو
نحو ذلك، محرمة سواء أذكره بلفظ أم كتابة أم إشارة بيد أو رأس أو جفن أو نحو ذلك محرمة، لكنها تباح للأسباب
المذكورة، بل قد تجب بذلا للنصيحة كما مر. قال البارزي: ولو استشير في أمر نفسه في النكاح فإن كان فيه ما يثبت
الخيار وجب ذكره للزوجة، وإن كان فيه ما يقلل الرغبة عنه ولا يثبت الخيار كسوء الخلق والشح استحب، وإن كان
فيه شئ من المعاصي وجب عليه التوبة في الحال وستر نفسه اه‍. ووجوب هذا التفعيل بعيد، والأوجه كما قيل شيخنا
أنه يكفيه قوله أنا لا أصلح لكم. وسميت عيوب الانسان مساوي لأنه يسوؤه ذكرها. والمصنف سهل همزة
مساوي
بابدالها ياء، وفيه تلميح بالرد على من قال إن ترك الهمزة لحن. ومساوي بوزن مفاعل: جمع مفعل كمساكن جمع
مسكن. (ويستحب) للخاطب أو نائبه (تقديم خطبة) بضم الخاء، وهي الكلام المفتتح بحمد الله والصلاة على رسول الله صلى
الله عليه وسلم المختتم بالوصية والدعاء، لخبر: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر فيحمد الله الخاطب
137

أو نائبه ويصلي على النبي (ص) ويوصي بتقوى الله، (قبل الخطبة) بكسر الخاء، وهي التماس التزويج
كما مر، فيقول عقب الخطبة: جئت خاطبا كريمتكم فلانه يخطب الولي كذلك، ثم يقول: لست بمرغوب عنك
أو نحو ذلك.
تنبيه: قال الجلال البلقيني: ومحل استحباب تقديم الخطبة في الخطبة الجائز فيها التصريح، أما الخطبة التي
لا يجوز فيها إلا التعريض، فلا يستحب فيها الخطبة قبل الخطبة اه. وهو كما قال ابن شهبة ظاهر. (و) يستحب تقديم
خطبة أخرى (قبل العقد) وهي آكد من الأولى، وتبرك الأئمة رضي الله تعالى عنهم بما روي عن ابن مسعود
رضي الله تعالى عنه موقوفا ومرفوعا قال: إذا أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من نكاح أو غيره فليقل إن الحمد لله، نحمده
ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه * (يا أيها الذين
آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * * (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم) * إلى قوله: * (رقيبا) * *
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) * إلى قوله: * (عظيما) * وتسمى هذه الخطبة خطبة الحاجة، وكان
القفال يقول بعدها: أما بعد، فإن الأمور كلها بيد الله يقضي فيها ما يشاء ويحكم ما يريد، لا مؤخر لما قدم، ولا مقدم لما
أخر، ولا يجتمع اثنان ولا يفترقان إلا بقضاء وقدر وكتاب سبق، فإن مما قضى الله وقدر أن يخطب فلان ابن فلان
فلانة بنت فلان على صداق كذا، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم أجمعين. (ولو خطب الولي) وأوجب كأن
قال: الحمد لله، والصلاة على رسول الله (ص) زوجتك الخ (فقال الزوج) قبل القبول (الحمد لله والصلاة
على رسول الله (ص) قبلت) نكاحها الخ، (صح النكاح) مع تخلل الخطبة بين لفظيهما (على الصحيح) لأن
المتخلل من مصالح العقد فلا يقطع الموالاة كالإقامة بين صلاتي الجمع، قال في الروضة: وبه قطع الجمهور. والثاني: لا يصح،
لأن الفاصل ليس من العقد، وصححه الماوردي، وقال السبكي: إنه أقوى.
تنبيه: ما ذكره من حذف الوصية بالتقوى من هذه الخطبة موافق لتصوير الروضة كأصلها المسألة بذلك،
لكنهما بعد هذا ذكر استحبابها عن الجمهور، واستبعده الزركشي. وإنما حذف المصنف مدخول قبلت اعتمادا على
ما يذكره بعد ذلك من أنه شرط في القبول ولو ذكره كما قدرته كان أولى. (بل يستحب ذلك) الذكر بينهما
للخبر
المار. (قلت: الصحيح) وصححه في الأذكار أيضا، (لا يستحب) ذلك (والله أعلم) لأنه لم يرد فيه توقيف، بل
يستحب تركه كما صرح به ابن يونس خروجا من خلاف من أبطل به. وتابع في الروضة الرافعي في أنه يستحب، وجعلا
في النكاح أربع خطب: خطبة من الخاطب، وأخرى من المجيب للخطبة، وخطبتين للعقد واحدة قبل الايجاب وأخرى
قبل القبول، فما صححه هنا مخالف للشرحين والروضة، فإن حاصل ما فيهما وجهان: أحدهما البطلان لأنه غير مشروع
فأشبه الكلام الأجنبي، والثاني، ونقلاه عن الجمهور: استحبابه، فالقول بأنه لا يستحب ولا يبطل خارج عنهما. قال
الأذرعي: ولم أر من قال لا يستحب ولا يبطل فضلا عن ضعف الخلاف، ومتى قيل لا يستحب اتجه البطلان، لأنه غير
مشروع فأشبه الكلام الأجنبي. وذكر البلقيني نحوه، وفي كلام السبكي إشارة إليه. والأولى أن يحمل البطلان على
ما إذا طال كما قال: (فإن طال) عرفا (الذكر الفاصل) بين الايجاب والقبول بحيث يشعر بالاعراض عن القبول،
(لم يصح) النكاح جزما، لأنه يشعر بالاعراض، لكن لو عبر بالمعتمد بدل الصحيح كان أولى. قال الرافعي: وكان يجوز
أن يقال إن كان الذكر مقدمة القبول وجب أن لا تضر إطالته فإنه لا يشعر بالاعراض. وأجاب عنه السبكي بأن مقدمة
138

القبول التي قام الدليل هي الحمد لله والصلاة لا ما زاد، وضبط القفال الطول المانع من صحة العقد بقدر لو كانا ساكتين
فيه لخرج الجواب عن أن يكون جوابا اه‍. والأولى أن يضبط بالعرف كما مر.
تنبيه: أفهم قوله: الذكر أن غيره من كلام أجنبي يبطل ولو يسيرا، وهو الأصح هنا بخلافه في الخلع فإنهم
اغتفروا فيه اليسير كما في الروضة كأصلها في باب الخلع، لأنه يفضي إلى حل العصمة، ويغتفر فيه ما لا يغتفر في عقدها.
قيل: ومحل المنع إذا صدر الكلام من القائل الذي يطلب منه الجواب، فإن كان من المتكلم ففيه وجهان حكاهما
الرافعي في الجامع، واقتضى إيراده أن المشهور أنه لا يضر، وقد تقدم الكلام على ذلك في كتاب البيع، والمراد
بالكلام هنا ما يشمل الكلم والكلمة، لا المصطلح عليه عند النحاة.
تتمة: يسن للولي عرض موليته على ذوي الصلاح كما فعل شعيب بموسى عليهما الصلاة والسلام وعمر بعثمان
ثم بأبي بكر رضي الله تعالى عنهم. ويسن أن ينوي بالنكاح السنة والصيانة لدينه كما مرت الإشارة إليه. وأن يدعى
للزوجين بالبركة بعد العقد وبالجمع بخير، فيقال: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير، ويكره أن يقول بالرفاه
والبنين، وهو بكسر الراء والمد: الالتئام والاتفاق، من قولهم رفأت الثوب، لورود المنهي عنه، وأن يقدم الولي على العقد:
أزوجك هذه أو زوجتكما على ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ولو شرطه في نفس العقد
لم
يبطل، لأن المقصود به الموعظة ولأنه شرط، يوافق مقتضى العقد والشرع. ويسن للزوج أول ما يلقى زوجته أن يأخذ
بناصيتها ويقول: بارك الله لكل منا في صاحبه، وأن يقول عند الجماع: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان
ما رزقتنا. وفي الاحياء: يكره الجماع في الليلة الأولى من الشهر والأخيرة منه وليلة النصف منه، فيقال إن الشيطان
يحضر الجماع في هذه الليالي، ويقال إنه يجامع. قال: وإذا قضي وطره فليمهل عليها حتى تقضي وطرها. قال: وفي
الوطئ ليلة الجمعة أجران. ويسن أن لا يترك الجماع عند قدومه من سفره، ولا يحرم وطئ الحامل والمرضع.
فصل: في أركان النكاح وغيرها: وأركانه خمسة: صيغة، وزوجة، وشاهدان، وزوج، وولي وهما العاقدان. وقد
بدأ بالأول فقال: (إنما يصح النكاح بإيجاب، وهو) قول الولي: (زوجتك أو أنكحتك) ابنتي مثلا الخ، (وقبول)
وهو (بأن يقول الزوج: تزوجتها) (أو نكحتها) الخ. وحذف المصنف، مفعول هذين الفعلين مع أنه لا بد منه في صحة
النكاح لما يشير إليه قوله: (أو قبلت نكاحها) وهو مصدر بمعنى الانكاح، أي قبلت إنكاحها كما صرح به جمع من
اللغويين، وصح حينئذ كونه قبولا لقول الولي أنكحتك. (أو) قبلت (تزويجها) أو هذا النكاح أو التزويج. أما
اعتبار أصل الايجاب والقبول فبالاتفاق كسائر العقود، وأما هذا اللفظ فلما سيأتي. ورضيت نكاحها كقبلت نكاحها
كما حكاه ابن هبيرة الوزير عن إجماع الأئمة الأربعة وإن توقف فيه السبكي، ومثله أردت أو أحببت كما قاله بعض
المتأخرين. وقد يدل لقول ابن هبيرة وبعض المتأخرين قول البويطي: ومتى تزوج بغير اسم التزويج أو الانكاح
لا يجوز، فإذا قال الولي: زوجتك فقال: قد قبلت أو رضيت أو ما شبه هذا لم يكن شيئا حتى يقول: قبلت النكاح أو
التزويج قال الغزالي في فتاويه: وكزوجتك زوجت لك أو إليك فيصح لأن الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى ينبغي
أن يكون كالخطأ في الاعراب اه‍. ومثل ذلك جوزتك ونحوه. أو إبدال الكاف همزة كما أفتى به بعض المتأخرين.
ولو قال: قبلت النكاح أو التزويج أو قبلتها فعن نص الأم الصحة في قبلت النكاح أو التزويج، والبطلان في قبلتها،
وجرى عليه الشيخ أبو حامد وغيره.
تنبيه: لا يشترط توافق الولي والزوج في اللفظ، فلو قال الولي: زوجتك فقال الزوج: قبلت نكاحها صح، وبهذا
يتم صحة كون أو في كلام المصنف للتخيير مطلقا. وقول الزوج: تزوجت أو نكحت ليس قبولا حقيقة، وإنما هو قائم
مقامه إذا ضم إلى ذلك الضمير كما قدرته في كلامه. أما إذا اقتصر على تزوجت أو نكحت فإنه لا يكفي وإن أفهم كلامه
139

خلافه وتقدم الاعتذار عنه، فكان الأولى تقديم القبول الحقيقي، وهو: قبلت نكاحها أو تزويجها. وكلامه يفهم اشتراط
التخاطب، لكن قالا: لو قال المتوسط للولي زوجت ابنتك فلانا فقال: زوجتها لفلان ثم قال للزوج:
قبلت نكاحها فقال قبلت نكاحها انعقد النكاح لوجود الايجاب والقبول مرتبطين، بخلاف ما لو قالا أو أحدهما نعم، ولا بد أن يقول الولي:
زوجتها لفلان، فلو اقتصر على زوجتها لم يصح كما يؤخذ من مسألة الوكيل، نبه على ذلك شيخي. وهذا اللفظ بالنسبة
إلى صحة النكاح فقط، وأما المسمى فلا يلزم إلا إذا صرح الزوج به في لفظه فيقول: قبلت نكاحها على هذا الصداق
ونحوه، فإن لم يقل ذلك وجب مهر المثل، صرح به الماوردي والروياني، وهذا حيلة فيمن لم يزوجها وليها إلا بأكثر
من مهر مثلها. وهذا بخلاف البيع، فإن القبول فيه منزل على الايجاب، فإن الثمن ركن فيه، بخلاف النكاح فإنه يصح قبوله
بلا صداق، بل مع نفيه. ولا يصح النكاح بلفظ الجزء من المنكوحة كزوجتك نصف ابنتي، قاله الإمام في كتاب
الطلاق. ولو قال: زوجك الله بنتي لم يصح كما نقله المصنف عن الغزالي وأقره، وهو بناء على أن هذه الصيغة كناية، وهو
كذلك وإن نقل الرافعي عن العبادي ما يقتضي صراحتها. ويشترط في الصيغة أيضا إصرار العاقد وبقاؤه بصفة الكمال
حتى يوجد القبول، فإن أوجب الولي ثم رجع أو جن أو أغمي أو رجعت الآذنة عن إذنها أو أغمي عليها
أو جنت أو ارتدت امتنع القبول، وكون القبول بعد الفراغ من لفظ الايجاب، أي وما يذكر معه، مما يتعلق بالمهر كما
في فتاوي القفال. قال المتولي: ويشترط علم الزوج بحل المنكوحة، لكن في البحر: لو تزوج امرأة وهما يعتقدان أن
بينهما أخوة من رضاع ثم تبين خطؤه صح النكاح على الصحيح من المذهب اه‍. والأول أوجه. (ويصح تقدم لفظ الزوج
على لفظ الولي) لحصول المقصود تقدم أو تأخر، فيقول الزوج: زوجني ابنتك أو تزوجت ابنتك أو أنكحتها، فيقول
الولي: زوجتك أو نحو ذلك.
تنبيه: شمل إطلاق المصنف تقدم قبلت نكاحها وهو كذلك كما صرح به الخوارزمي. وفي الشرحين والروضة
في التوكيل في النكاح لو قال وكيل الزوج أولا: قبلت نكاح فلانة لفلان، فقال وكيل الولي: زوجتها فلانا جاز، وخالف
في ذلك السبكي وجماعة من المتأخرين، وتقدم التنبيه على ذلك في كتاب البيع. (ولا يصح) عقد النكاح (إلا بلفظ) ما اشتق من
لفظ (التزويج أو الانكاح) دون لفظ الهبة والتمليك ونحوهما كالاحلال والإباحة، لخبر مسلم: اتقوا الله في النساء فإنكم
أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله. قالوا: وكلمة الله هي التزويج أو الانكاح، فإنه لم يذكر في القرآن سواهما
فوجب الوقوف معهما تعبدا واحتياطا، لأن النكاح ينزع إلى العبادات لورود الندب فيه، والأذكار في العبادات تتلقى من
الشرع، والشرع إنما ورد بلفظي التزويج والانكاح. وما في البخاري من أنه (ص) زوج امرأة فقال:
ملكتكها بما معك من القرآن فقيل: وهم من الراوي، أو أن الراوي رواه بالمعنى ظنا منه ترادفهما، وبتقدير صحته
معارض برواية الجمهور: زوجتكها. قال البيهقي: والجماعة أولى بالحفظ من الواحد، ويحتمل أنه (ص)
جمع بين اللفظين. ومما احتج به الأصحاب قوله تعالى: * (خالصة لك) * جعل النكاح بلفظ الهبة من خصائصه صلى الله
عليه وسلم.
تنبيه: قوله: ولا يصح إلا بلفظ الخ ليس تكرارا مع قوله: إنما يصح عقد النكاح بإيجاب الخ لأن الكلام هناك في
اشتراط الصيغة، وهنا في تعيينها. (ويصح) عقد النكاح (بالعجمية في الأصح) وهي ما عدا العربية من سائر اللغات كما
عبر به في المحرر وإن أحسن قائلها العربية اعتبارا بالمعنى، لأنه لفظ لا يتعلق به إعجاز فاكتفي بترجمته. والثاني: لا يصح
اعتبارا باللفظ الوارد. والثالث: إن عجز عن العربية صح وإلا فلا.
تنبيه: محل الخلاف إذا فهم كل من العاقدين كلام نفسه وكلام الآخر، سواء اتفقت اللغات أم اختلفت، وإلا فلا
يصح قطعا، فإن فهمها ثقة دونهما فأخبرهما بمعناها فوجهان رجح البلقيني مبهما المنع، كما في العجمي الذي ذكر
140

لفظ الطلاق وأراد معناه وهو لا يعرفه. قال: وصورته أن لا يعرفها إلا بعد إتيانه بها، فلو أخبره بمعناه قبل صح إن لم
يطل الفصل. (لا بكناية) كأحللتك ابنتي لا يصح بها النكاح، إذ لا اطلاع للشهود على النية. وقوله: (قطعا) من
زيادته على المحرر، قال السبكي: وهي زيادة صحيحة. فاعترضه الزركشي بأن في المطلب حكاية خلاف فيه، والمراد
الكناية بالصيغة، أما في المعقود عليه فيصح، فإنه لو قال: زوجتك ابنتي فقبل ونويا معينة صح النكاح كما مر مع أن
الشهود لا اطلاع لهم على النية، فالكناية معتبرة في ذلك. ولا ينعقد بكتابة في غيبة أو حضور لأنها كناية، فلو قال
لغائب: زوجتك ابنتي، أو قال: زوجتها من فلان ثم كتب فبلغه الكتاب، أي الخبر، فقال: قبلت لم يصح وينعقد بإشارة
الأخرس التي لا يختص بها فطنون، أما ما يختص بها الفطنون فإنه لا ينعقد بها لأنها كناية، وفي المجموع في كتاب
البيع أنه ينعقد نكاح الأخرس بالكتابة بلا خلاف. فإن قيل الكتابة كناية هنا كما مر، وفي الطلاق على الصحيح
عند المصنف، فكيف ينعقد نكاحه عنده بلا خلاف؟ أجيب بأنه إنما اعتبر الكتابة في صحة ولايته لا في تزويجه، ولا
ريب أنه إذا كان كاتبا تكون الولاية له، فيوكل من يزوجه أو يزوج موليته، والسائل نظر إلى من يزوجه لا إلى
ولايته، ولا ريب أنه لا يزوج بها. (ولو قال) الولي: (زوجتك) الخ (فقال) الزوج (قبلت) واقتصر عليه، (لم
ينعقد) هذا النكاح (على المذهب) لأنه لم يوجد منه التصريح بواحد من لفظي النكاح والتزويج ونيته لا تفيد.
وفي قول ينعقد بذلك لأنه ينصرف إلى ما أوجبه الولي فإنه كالمعاد لفظا كما هو الأصح في نظيره من البيع، وفرق الأول
بأن القبول وإن انصرف إلى ما أوجل البائع إلا أنه من قبيل الكنايات، والنكاح لا ينعقد بها بخلاف البيع. وقيل
بالمنع قطعا، وقيل بالصحة قطعا. (ولو قال) الخاطب للولي: (زوجني) بنتك الخ، (فقال) الولي له: (زوجتك) الخ
(أو قال الولي) للخاطب: (تزوجها) أي بنتي الخ، (فقال) الخاطب: (تزوجت) الخ: (صح) النكاح في المسألتين
وإن لم يقبل الزوج بعد ذلك لوجود الاستدعاء الجازم، ولما في الصحيحين: أن الاعرابي الذي خطب الواهبة نفسها
للنبي (ص)، قال له: زوجنيها فقال: زوجتكها بما معك من القرآن. ولم ينقل أنه قال بعد ذلك: قبلت
نكاحها. وخرج بذلك ما لو قال الخاطب: زوجني ابنتك أو تزوجنيها أو قال الولي: أتتزوج ابنتي فإنه لا يصح لأنه استفهام،
وتقدم نظيره في البيع.
فرع: لو قال الخاطب للولي: زوجت نفسي ابنتك وقبل الولي، ففي انعقاده بهذا خلاف مبني على أن كل واحد من
الزوجين معقود عليه لأن بقاءهما شرط لبقاء العقد كالعوضين في البيع أو المعقود عليه المرأة فقط، لأن العوض من
جهة الزوج المهر لا نفسه. ولأنه لا حجر عليه في نكاح غيرها معها. والصحيح أن الزوج ليس معقودا عليه كما نقله
الرافعي عن الأكثرين في باب الطلاق في الكلام على قوله أنا منك طالق، وقد مرت الإشارة إلى ذلك في أول كتاب
النكاح، فعليه لا ينعقد النكاح بذلك لأنه جعل نفسه معقودا عليه، ولان زوجت إنما يليق بالولي لا بالزوج. (و) يشترط
كون النكاح منجزا، وحينئذ (لا يصح تعليقه) ك‍ إذا طلعت الشمس فقد زوجتك بنتي كما في البيع ونحوه من باقي
المعاوضات، بل أولى لمزيد اختصاصه بالاحتياط. ولو قال: زوجتك إن شاء الله وقصد التعليق أو أطلق لم يصح، وإن
قصد التبرك أو أن كل شئ بمشيئة الله تعالى صح كما مر نظير ذلك في الوضوء. (ولو بشر) شخص (بولد فقال)
لآخر: (إن كانت أنثى فقد زوجتكها) الخ، فقبل، (أو قال) له: (إن كانت بنتي طلقت) أو مات زوجها، وزاد على
المحرر قوله: (واعتدت فقد زوجتكها) وكانت أذنت لأبيها في تزويجها، أو قال: إن ورثت هذه الجارية فقد زوجتكها،
(فالمذهب بطلانه) أي النكاح في الصور المذكورة، ولو كان الواقع في نفس الامر كذلك، لوجود صورة التعليق
141

وفساد الصيغة. فإن قيل: يتصور الاذن من الزوجة المدخول بها، ولا يمكن تصوره في البكر لأجل قوله: واعتدت.
أجيب بتصوره فيما إذا وطئت في الدبر أو استدخلت ماءه، وفي المجنونة أو في العاقلة إذا أذنت له إن طلقت واعتدت أن
يزوجها، كما أشار إلى صحة هذا الاذن البغوي في فتاويه كما نقله الشيخان عنه وأقراه، وكلام الروضة هنا يفهمه، فيما لو
قال الولي للوكيل: أذنت لك في تزويجها إذا انقضت عدتها. لكن الراجح في كتاب الوكالة خلافة، وهو الأوجه.
تنبيه: لو حذف المصنف لفظة: واعتدت كما في المحرر لصح تصوير المسألة في بكر. واحترز بقوله: بشر
بولد، فقال إن كان أنثى الخ عما لو أخبر بحدوث بنت له أو بموت إحدى نساء زيد مثلا فصدق المخبر ثم قال لزيد في
الثانية ولغيره في الأولى: إن صدق المخبر فقد زوجتكها، فإنه يصح، وليس بتعليق، بل هو تحقيق كقوله: إن كنت
زوجتي فأنت طالق، وتكون إن بمعنى إذا، كقوله تعالى: * (وخافون إن كنتم مؤمنين) * كذا نقله الشيخان،
ثم قالا: ويجب فرضه فيما إذا تيقن صدق المخبر وإلا فلفظ إن للتعليق، وتوقف في ذلك السبكي. قال البلقيني ومحل
كون التعليق مانعا إذا كان ليس مقتضى الاطلاق وإلا فينعقد، فلو قال الولي: زوجتك بنتي إن كانت حية، والصورة
أنها كانت غائبة وتحدث بمرضها أو ذكر موتها أو قتلها ولم يثبت ذلك، فإن هذا التعليق يصح معه العقد، وبسط ذلك.
والظاهر أن هذا داخل في كلام الأصحاب، فإنه لم يخرج عن كونه تعليقا. (و) يشترط كون النكاح مطلقا، وحينئذ
(لا) يصح (توقيته) بمدة معلومة كشهر، أو مجهولة كقدوم زيد، وهو نكاح المتعة المنهي عنه، وكان جائزا في
أول الاسلام رخصة للمضطر كأكل الميتة، ثم حرم عام خبير ثم رخص فيه عام الفتح، وقيل: عام حجة الوداع، ثم
حرم أبدا. وإليه يشير قول الشافعي رضي الله تعالى عنه: لا أعلم شيئا حرم ثم أبيح ثم حرم إلا المتعة. وأما قول
الحافظ المنذري: إن القبلة نسخت مرتين أيضا، ولحوم الحمر الأهلية أيضا حرمت مرتين، فلعله لم يثبت عند الشافعي.
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يذهب إلى جوازها، وروى البيهقي أنه رجع عنها. ويرد تجويزها ما في الصحيحين أن النبي
(ص) قال: كنت قد أذنت في الاستمتاع بهذه النسوة، ألا وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم
القيامة، فمن كان عنده منهن شئ فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا.
تنبيه: استثنى البلقيني من بطلان النكاح ما إذا نكحها مدة عمره أو مدة عمرها، قال: فإن النكاح المطلق لا يزيد
على ذلك والتصريح بمقتضى الاطلاق لا يضر، فينبغي أن يصح النكاح في هاتين الصورتين، قال: وفي نص الأم ما يشهد
له وتبعه على ذلك بعض المتأخرين، وهذا ممنوع، فقد صرح الأصحاب في البيع بأنه لو قال: بعتك هذا حياتك لم يصح
البيع فالنكاح أولى، وكذا لا يصح إذا أقته بمدة لا تبقى إليها الدنيا غالبا كما قاله شيخي. وهذا مبني على أن الاعتبار
بصيغ العقود لا بمعانيها. (ولا) يصح (نكاح الشغار) للنهي عنه في خبر الصحيحين من حديث نافع عن ابن عمر
رضي الله عنهم، (وهو) بكسر الشين وبالمعجمتين، نحو قول الولي للخاطب: (زوجتكها) أي بنتي مثلا (على أن
تزوجني بنتك، ويضع كل واحدة) منهما (صداق الأخرى فيقبل) ذلك، كقوله: تزوجت بنتك وزوجتك بنتي على
ما ذكرت. وتفسيره بذلك مأخوذ من آخر الخبر المحتمل لأن يكون من تفسير النبي (ص)، وأن يكون من
تفسير ابن عمر الراوي، أو من تفسير الراوي عنه فيرجع إليه، وقد صرح البخاري بأنه من قول نافع. والمعنى في البطلان
التشريك في البضع حيث جعل مورد النكاح امرأة وصداقا لاخرى فأشبه تزويج واحدة من اثنين. وقيل: التعليق،
وقيل: الخلو من المهر. وعول الإمام على الخبر، وضعف المعاني كلها، وهو أسلم. وسمي شغارا إما من قولهم: شغر البلد
عن السلطان إذا خلا عنه لخلوه عن المهر، وقيل: لخلوه عن بعض الشرائط. وإما من قولهم: شغر الكلب إذا رفع رجله
ليبول، إذ أصل الشغار في اللغة الرفع، لأن كلا منهما يقول للآخر لا ترفع رجل ابنتي حتى أرفع رجل ابنتك.
تنبيه: كلامهم يقتضي أن قوله: على أن تزوجني ابنتك استيجاب قائم مقام قوله: وزوجني ابنتك وإلا لوجب
142

القبول بعد. (فإن لم يجعل البضع صداقا) بأن سكت عنه كقوله: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك فقبل، (فالأصح)
في العقدين (الصحة) لعدم التشريك في البضع، وليس فيه إلا شرط عقد في عقد وذلك لا يفسد النكاح ولكن
يفسد المسمى، ويجب لكل واحدة مهر المثل، فعلى هذا لو قال: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك وبضع ابنتك
صداق لابنتي صح الأول وبطل الثاني، لجعل بضع بنت الثاني صداقا فالبنت الأول بخلاف الأول. ولو قال: بضع ابنتي صداقا
لابنتك بطل الأول وصح الثاني لما عرف، والثاني: لا يصح لوجود التعليق، قال الأذرعي: وهو المذهب، وقال البلقيني:
ما صححه المصنف مخالف للأحاديث الصحيحة ونصوص الشافعي. (ولو سميا مالا مع جعل البضع صداقا) كقوله: وبضع
كل منهما وألف صداق الأخرى، (بطل) عقد كل منهما (في الأصح) لوجود التشريك الموجود. والثاني: يصح،
لأنه ليس على تفسير صورة الشغار، ولأنه لم يخل عن المهر.
تنبيه: قوله: سميا ليس بقيد بل لو سمى أحدهما كان الحكم كذلك. ومن صور الشغار كما في شرح المختصر
لابن داود أن يقول: زوجتك ابنتي على أن تزوج ابني ابنتك وبضع كل واحدة صداق الأخرى، ومن صوره أيضا
ما لو قال: زوجني ابنتك على أن أزوجك أمتي وبضع كل واحدة صداق الأخرى. ولو قال: زوجتك بنتي على أن بضعك
صداق لها صح النكاح في أحد وجهين يظهر ترجيحه تبعا لشيخنا لعدم التشريك، لكن يفسد الصداق فيجب
مهر المثل، كما لو سمى خمرا، ويفسد المسمى دون النكاح أيضا فيما لو قال: زوجتك بنتي بمنفعة أمتك بالجهل بالمسمى.
فروع: لو قال لمن يحل له نكاح الأمة: زوجتك جاريتي على أن تزوجني ابنتك بصداق لها هو رقبة الجارية
فزوجه على ذلك صح النكاحان، لأنه لا تشريك فيما ورد عليه عقد النكاح بمهر المثل لكل منهما لعدم التسمية
والتعويض في الأولى وفساد المسمى في الثانية، إذ لو صح المسمى فيها لزم صحة نكاح الأمة جارية بنته، وهو ممتنع.
ولو طلق امرأته على أن يزوجه زيد مثلا ابنته وصداق البنت بضع المطلقة فزوجه على ذلك صح التزويج بمهر المثل
لفساد المسمى، ووقع الطلاق على المطلقة. ولو طلق امرأته على أن يعتق زيد عبده ويكون طلاقها عوضا من عتقه
فأعتقه على ذلك طلقت ونفذ العتق في أحد وجهين نقله في أصل الروضة عن ابن كج، وهو الظاهر، ورجع الزوج
على السيد بمهر المثل والسيد على الزوج بقيمة العبد. والركن الثاني: الزوجة، ويشترط فيها خلوها من الموانع الآتي
بيانها في باب محرمات النكاح إن شاء الله تعالى. ويشترط تعيين كل من الزوجين فزوجتك إحدى بناتي أو زوجت
بنتي مثلا أحدكما باطل ولو مع الإشارة كالبيع، ولا يشترط الرؤية. وإن قال: زوجتك بنتي أو بعتك داري، وكان رأى
داره قبل ذلك وليس له غيرها أو أشار إليها، صح كل من التزويج والبيع ولو سمى البنت المذكورة بغير اسمها
أو غلطا في حدود الدار المذكورة، أو قال: زوجتك هذا الغلام وأشار إلى البنت التي يريد
تزويجها صح كل من التزويج والبيع، أما فيما لا إشارة فيه فلان كل من البنتية والدارية صفة لازمة مميزة، فاعتبرت ولغا الاسم، كما لو أشار
إليها وسماها بغير اسمها، وأما فيما فيه إشارة فتعويلا عليها. ولو كان اسم بنته الواحدة فاطمة، فقال: زوجتك فاطمة،
ولم يقل بنتي لم يصح النكاح لكثرة الفواطم، لكن لو نواها صح عملا بما نواه كما قاله البغوي. فإن قيل: يشترط في
صحة العقد الاشهاد والشهود لا اطلاع لهم على النية؟ أجيب بأن الكناية مغتفرة في ذلك كما مر على أن الخوارزمي
اعتبر في مثل ذلك أيضا علم الشهود بالمنوية، وعليه لا سؤال ولو قال وله ابنتان كبرى وصغرى: زوجتك بنتي الكبرى
وسماها باسم الصغرى صح في الكبرى اعتمادا على الوصف ولو ذكر الولي للزوج اسم واحدة من بنتيه أو قصدهما
الأخرى صح فيما قصداها ولغت التسمية، وفيه السؤال والجواب المتقدمان، فإن اختلف قصدهما لم يصح لأن الزوج
قبل غير ما أوجبه الولي. ولو قال: زوجتك بنتي الصغيرة الطويلة وكانت الطويلة الكبيرة فالتزويج باطل، لأن كلا
الوصفين لازم، وليس اعتبار أحدهما في تمييز المنكوحة أولى من اعتبار الآخر فصارت مبهمة، قاله في البحر. ولو خطب
كل من رجلين امرأة وعقد منهما على مخطوبة الآخر ولو غلطا صح النكاحان لقبول كل منهما ما أوجبه الولي.
143

ثم شرع في الركن الثالث، فقال: (ولا يصح) النكاح (إلا بحضرة شاهدين) لخبر ابن حبان في صحيحه عن عائشة
رضي الله تعالى عنها لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل، فإن تشاحوا
فالسلطان ولي من لا ولي له. قال: ولا يصح في ذكر الشاهدين غيره. والمعنى في اعتبارهما الاحتياط للابضاع وصيانة
الأنكحة عن الجحود.
تنبيه: إنما عبر بالحضور ليفهم عدم الفرق بين حضورهما قصدا أو اتفاقا، أو حضرا وسمعا العقد صح وإن لم
يسمعا الصداق. ويسن إحضار جمع زيادة على الشاهدين من أهل الخير والدين. قال الرافعي: ذكر في الوسيط أن
حضور الشهود شرط، لكن تساهل في تسميته ركنا. وبالجملة حضورهم معتبر في الأنكحة، ولذا عبر المصنف بحضور.
(وشرطهما حرية) فلا ينعقد بمن فيه رق لأن من فيه رق ليس أهلا للشهادة. ولو عقد بحضرة من أعتقه شخص
في مرض موته وعليه دين مستغرق هل يصح أو لا؟ قال الزركشي: في صحة العقد، وإن قلنا بصحة العتق نظر لأن
العتق غير مستقر اه‍. والأوجه ما قاله غيره، وهو الصحة إن لم يبطل، وعدمها إن بطل. ويؤيد ذلك ما سيأتي
إن كان الشاهد خنثى ثم تبين كونه ذكرا أنه يكفي (وذكورة) فلا ينعقد بالنساء ولا برجل وامرأتين، لأنه لا
يثبت بقولهن.
تنبيه: أفهم كلامه أنه لا ينعقد بخنثيين ولو بانا رجلين، لكنه صحح في زيادة الروضة الصحة. فإن قيل: لو
عقد على مشكل أوله ثم تبين كونه أنثى في الأول أو ذكرا في الثاني أن النكاح لا يصح؟ أجيب بأن الشهادة في
النكاح من الشروط كما مر عن البسيط، والشرط يعتبر وجوده عند العقد لا تحققه، بخلاف المعقود عليه فإنه ركن،
والركن يعتبر تحققه عند العقد، ويؤيد ذلك ما سيأتي من أن الاشهاد على رضا المرأة حيث يعتبر رضاها لا يشترط.
وعللوه بأن رضاها ليس من نفس العقد وإنما شرط فيه، وإذا وجد من غير إشهاد كفى. وأيضا الخنثى أهل للشهادة
في الجملة. فإذا بان رجلا اكتفينا بذلك في النكاح، بخلاف العقد على الخنثى فإنه ليس أهلا لعقد النكاح عليه في حالة
من الأحوال. واستغنى المصنف عن ذكر الاسلام والتكليف في الشاهد بقوله: (وعدالة) ولو ظاهرة، وسيأتي بيانها
إن شاء الله تعالى في كتاب الشهادات، فلا ينعقد بفاسقين لأنه لا يثبت بهما. (وسمع) ولو برفع الصوت، إذ المشهود
عليه قول فلا بد من سماعه، فلا ينعقد بأصم، وفيه وجه. (وبصر) لأن الأقوال لا تثبت إلا بالمعاينة والسماع. (وفي
الأعمى وجه) بانعقاد النكاح بحضرته، وحكاه في البحر عن النص، لأنه أهل للشهادة في الجملة.
تنبيه: كان ينبغي للمصنف حيث كان ذلك منسوبا إلى النص أن يعبر بقوله: بقي عليه شروط أخر، وهي
كونه ناطقا رشيدا ضابطا، ولو مع النسيان عن قرب غير متعين للولاية، كأب وأخ منفرد وكل وحضر مع آخر.
وتقدم أنه لا بد من معرفة لغة المتعاقدين، وإنما تركها المصنف لأنه سيذكرها في كتاب الشهادات. ولو عبر بشاهدين
مقبولي شهادة نكاح كان أخصر وأعم. (والأصح انعقاده) أي النكاح (بابني الزوجين) أي ابني كل منهما أو ابن
أحدهما وابن الآخر، (وعدويهما) أي وعدوي كل منهما أو عدو أحدهما وعدو الآخر لأنهما من أهل الشهادة،
وينعقد بهما النكاح في الجملة. والثاني: لا، لتعذر ثبوت هذا النكاح بهما في المسألتين. وقطع بعضهم بالانعقاد في العداوة
لامكان زوالها. قال في زيادة الروضة: وينعقد بحضور ابنيه مع ابنيها وعدويه مع عدويها بلا خلاف. والجد إن لم يكن
وليا كالابن.
تنبيه: قد يكون الأب شاهدا لاختلاف دين أو رق، كأن تكون بنته رقيقة فيزوجها سيدها وحضر، وهو
بصفة الشهود، أو كافرة فزوجها أخوها مثلا الكافر وحضره الأب. وينعقد بالحواشي كالاخوة والأعمام إذا كان الولي
غيرهم، فلو شهد اثنان من ثلاثة إخوة مثلا والعاقد غيرهما من بقية الأولياء لا إن عقد بوكالة منهما أو من أحدهما
144

له جاز، بخلاف ما إذا عقد غيرهما بوكالة ممن ذكر لما مر. والواو في قوله: وعدويهما بمعنى أو، ولهذا حكي الرافعي
الخلاف في العدوين، ثم قال: ويجري في الابنين ولو كان الكل انعقد قطعا، على قياس ما مر في زيادة الروضة. (وينعقد
بمستوري العدالة) وهما المعروفان بها ظاهرا لا باطنا بأن عرفت بالمخالطة دون التزكية عند الحاكم، (على الصحيح)
لأن الظاهر من المسلمين العدالة ولان النكاح يجري بين أوساط الناس والعوام، فلو اعتبر فيه العدالة الباطنة لاحتاجوا
إلى معرفتها ليحضروا من هو متصف بها فيطول الامر عليهم ويشق.
تنبيه: ظاهر إطلاق المصنف في انعقاد النكاح بالمستورين أنه لا فرق بين أن يعقد بهما الحاكم أو غيره، وهو
ما صححه المتولي، فإنه صحح أن الحاكم كغيره فيما طريقه المعاملة، ألا ترى أن الحاكم إذا رأى مالا في يد إنسان
يتصرف فيه بلا منازع له أن يشتريه منه اعتمادا على ظاهر اليد كما يجوز لغيره أن يعتمد ظاهر اليد، ولا يقال الحاكم
لا يشق عليه طلب الحجة وسماع البينة، وهذا هو الظاهر وإن جزم ابن الصلاح في فتاويه والمصنف في نكته بعدم
الصحة، واختاره السبكي وغيره. والوجه الثاني: لا ينعقد بالمستورين بل لا بد من معرفة العدالة الباطنة. ويعلم من
حكم المصنف فيما بعد بالبطلان فيما إذا بان فسقهما عند العقد أن الصحة في المستور إنما هي في الظاهر دون الباطن، فلا
ينعقد في الباطن على الصحيح إلا بعدلين باطنا. ويبطل الستر بتفسيق عدل في الرواية، فلو أخبر بفسق المستور عدل
لم يصح به النكاح كما رجحه ابن المقري تبعا للإمام. وقول صاحب الذخائر: الأشبه الصحة فإن الجرح لا يثبت إلا بشاهدين
ولم يوجدا مردود بأنه ليس الغرض إثبات الجرح بل زوال ظن العدالة، وهو حاصل بخبر العدل. ولو تحاكم الزوجان
وقد أقرا بنكاح عقد بمستورين في نفقة ونحوها في حقوق الزوجية وعلم الحاكم بفسق شهود العقد لم يحكم بينهما،
كذا قالاه. وقضيته أنه لا يفرق بينهما، والظاهر كما قاله الزركشي وغيره أنه يفرق بينهما بناء على أن القاضي يقضي
بعلمه سواء أترافعا إليه أم لا، وإن علم بكونهما مستورين حكم بينهما، سواء أقلنا يعقد بهما أم لا، لأن الحكم
بهما
هنا تابع لصحة النكاح، كما يثبت هلال شوال بعد ثلاثين يوما تبعا لثبوت رمضان برؤية عدل، ولا يقبل المستورين في
إثبات النكاح ولا فساده بل يتوقف حتى يعلم باطنهما. ويمكن حمل كلام ابن الصلاح والمصنف في نكته على هذا،
وكلام المتولي وإطلاق المتن على مجرد العقد من غير حكم، فلم يتواردا على محل واحد، وهذا أولى. (لا مستور
الاسلام والحرية) بأن لم يعرف إسلامه ولا حريته، بأن يكون في موضع يختلط فيه المسلمون بالكفار والأحرار بالأرقاء
ولا غالب، أو يكون ظاهره الاسلام والحرية بالدار فلا ينعقد النكاح به، بل لا بد من معرفة حاله بهما باطنا لسهولة
الوقوف على ذلك بخلاف العدالة والفسق.
تنبيه: قضية إطلاق المصنف أنه لا فرق في عدم الانعقاد بين أن يتبين وجود الأهلية حالة العقد أم لا، وليس
مرادا فإنه صحح في الخنثى أنه إذا ثبتت ذكورته الصحة كما مر، وهذا أولى، لأن الخنوثة لا تخفى غالبا، وكمستور
الاسلام والحرية مستور البلوغ كما قاله الجويني، إذ الأصل الصبا، فإن تبين أنه كان بالغا عند العقد صح على قياس
ما مر. (ولو بان فسق الشاهد عند العقد فباطل) أي تبين بطلانه، (على المذهب) لفوات العدالة كما لو بانا كافرين،
ولا فرق بين كون العاقد إذ ذاك حاكما أو لا. وسيعيد المصنف هذه المسألة في كتاب الشهادات حيث يقول فيه:
ومتى حكم بشاهدين فبانا كافرين إلى أن قال: وكذا فاسقان في الأظهر. والطريق الثاني فيه قولان: أحدهما هذا،
والثاني: الاكتفاء بالستر يومئذ.
تنبيه: احترز بقوله: عند العقد عما لو تبين الفسق في الحال ولم يعلم قدمه ولا حدوثه فإنه لا يحكم ببطلانه
لجواز حدوثه، وبه صرح الماوردي، قال: لكن لا يحكم بثبوت هذا النكاح إلا بشهادة غيرهما، قال: وكذا فيما لو
تبين فسقهما بعد العقد، وعما إذا تبين قبله فإنه لا يضر. وينبغي كما قال الزركشي تقييد بزمن يتأتى فيه الاستبراء
145

المعتبر. (وإنما يبين) فسق الشاهد (ببينة) تقوم به حسبة أو غيرها على أنه كان فاسقا عند العقد وعلم القاضي
بفسقه كالبينة كما في البيان والتجريد، لكنهما صوراه بالترافع قال الأذرعي وتبعه الزركشي: ويشبه أنه لا فرق،
ثم قال: فإن قيل هذا نكاح مختلف في صحته فلا يتعرض له ما لم يترافعا إليه فيه كسائر الخلافيات، قلت: يحتمل هذا
ويحتمل أن يقال يفرق بينهما وأن لم يترافعا اه‍. والاحتمال الأول أظهر الموافق لما قيد به الأولان. (أو اتفاق الزوجين)
على فسقه سواء أقالا لم نعلمه إلا بعد العقد أو علمناه ثم نسيناه عند العقد أو علمناه عند العقد. ولو أقر الزوجان عند
الحاكم أن النكاح. عقد بعدلين وحكم عليهما بالصحة بإقرارهما ثم ادعيا أنه عقد بفاسقين قال الماوردي: لم يلتفت
إلى قولهما ثانيا، وهو كما قال ابن شهبة ظاهر بالنسبة إلى حقوق الزوجية لا بالنسبة إلى تقرير النكاح.
تنبيه: محل تبين البطلان باعتراف الزوجين في حقهما، أما حق الله تعالى بأن طلقها ثلاثا ثم توافقا على فساد
العقد بهذا السبب أو بغيره، فلا يجوز أن يوقعاه بلا محلل كما في الكافي للخوارزمي، للتهمة، ولأنه حق الله تعالى فلا
يسقط بقولهما. قال: ولو أقاما بينة على ذلك لم يسمع قولهما ولا بينتهما، وبذلك أفتى القاضي. وذكر البغوي في تعليقه
أن بينة الحسبة تقبل، لكنهم ذكروا في باب الشهادات: أن محل قبول بينة الحسبة عند الحاجة إليها، كأن طلق
شخص زوجته وهو يعاشرها أو أعتق رقيقه وهو ينكر ذلك، أما إذا لم تدع إليها حاجة فلا تسمع، وهنا كذلك، نبه
على ذلك شيخي، وهو حسن. قال السبكي: ومحل عدم قبول البينة إذا أراد نكاحا جديدا، فلو أراد الزوج
التخلص من المهر كأن كان الطلاق قبل الدخول أو أرادت الزوجة بعد الدخول مهر المثل، أي وكان أكثر من
المسمى، فينبغي قبولها. قال شيخنا: وهذا داخل في قولهم: يقبل اعترافهما في حقهما اه‍. وإذا سمعت البينة حينئذ
تبين بها بطلان النكاح ويكون ذلك حيلة في دفع المحلل. (ولا أثر) بالنسبة للتفريق بين الزوجين، (لقول الشاهدين:
كنا) عند العقد (فاسقين) لأن الحق ليس لهما فلا يقبل قولهما على الزوجين. أما بالنسبة لغير تفريق الزوجين
فقد يظهر أثره فيما لو حضرا عقد أختها ونحوها ثم قالا ذلك وماتت وهما وارثاها، فإن قولهما يؤثر في سقوط المهر
قبل الدخول وفي فساد المسمى بعده، نبه على ذلك الأذرعي وغيره. (ولو اعترف به) أي بفسق الشاهدين (الزوج
وأنكرت) ذلك الزوجة، (فرق بينهما) مؤاخذة له بقوله، وهي فرقة فسخ على الصحيح فلا تنقص عدد الطلاق
كإقراره بالرضاع لأنه لم ينشئ طلاقا ولم يقر به. وقيل: هي طلقة بائنة تنقصه، كما لو نكح أمة وقال: نكحتها وأنا واجد
طول حرة فإنها تبين منه بطلقة، نص عليه. واستشكل السبكي كلا من الوجهين بأن كلا من الفسخ والطلاق
يقتضي وقوع عقد صحيح، وهو ينكره، قال: فالوجه تأويل قولهم الفسخ على الحكم بالبطلان وتأويل الحكم
بالطلاق على أنه في الظاهر دون الباطن (وعليه) إذا اعترف بالفسق (نصف) ما سماه من (المهر إن لم يدخل بها،
وإلا) بأن دخل بها (فكله) لأن حكم اعترافه مقصور عليه جريا على القاعدة. ولا يرثها وترثه بعد حلفها أنه
عقد بعدلين.
تنبيه: احترز بالزوج عما لو اعترفت الزوجة بالفسق وأنكر الزوج، فإنه لا يفرق بينهما بل يقبل قوله عليها بيمينه،
لأن العصمة بيده وهي تريد رفعها والأصل بقاءها. وتؤاخذ بإقرارها بالنسبة لما يضرها، فلو مات لم ترثه وإن ماتت
أو طلقها قبل وطئ سقط المهر أو بعده فلها أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل، قال ابن الرفعة: إلا إذا كانت محجورة
بسفه فإن ذلك لم يسقط لفساد إقرارها في المال والأمة كذلك. قال في المهمات: وسقوط المهر قبل الدخول ينبغي تقييده
بما إذا لم تقبضه، فإن قبضته فليس له استرداده اه‍. أي لأنها تقر له به وهو ينكره فيبقى في يدها. ولو قالت: نكحتني
بغير ولي وشهود فقال: بل بهما نقل ابن الرفعة عن الذخائر أن القول قولها، لأن ذلك إنكار لأصل العقد. قال الزركشي
وهو ما نص عليه في الأم اه‍. وهذا أحد قولين للإمام الشافعي رضي الله عنه، والقول الثاني: القول قوله بيمينه، وهو
146

المعتمد، نبه على ذلك شيخي تغمده الله برحمته. (ويستحب الاشهاد على رضا المرأة) بالنكاح بقولها، كأن قالت:
رضيت أو أذنت فيه (حيث يعتبر رضاها) بأن كانت غير مجبرة احتياطا ليؤمن إنكارها. (ولا يشترط) الاشهاد
في صحة النكاح، لأنه ليس من نفس العقد وإنما هو شرط فيه، ورضاها الكافي في العقد يحصل بإذنها وببينة، وكذا
بإخبار وليها مع تصديق الزوج.
تنبيه: قضية التعبير بمن يعتبر رضاها أنه لا يستحب الاشهاد المذكور حيث لا يعتبر رضاها، كتزويج الأب البكر
البالغة، لكن قال الأذرعي: ينبغي استحبابه صيانة للعقد من أن ترفعه إلى من يعتبر إذنها من الحكام فيبطله إذا جحدته
اه‍. وهو بحث حسن. وشمل إطلاق المصنف وغيره ما لو كان المزوج هو الحاكم، وهو كذلك، وبه أفتى القاضي والبغوي
وإن أفتى ابن عبد السلام والبلقيني بخلافه، وهو أن الحاكم لا يزوجها حتى يثبت عنده إذنها. ثم شرع في الركن الرابع
والخامس، وهما الزوج والولي أو النائب عن كل منهما، مترجما لذلك بفصل فقال:
(فصل: لا تزوج امرأة نفسها) أي لا تملك مباشرة ذلك بحال، لا (بإذن) ولا بغيره، سواء الايجاب والقبول، إذ
لا يليق بمحاسن العادات دخولها فيه لما قصد منها من الحياء وعدم ذكره أصلا، وقد قال تعالى: * (الرجال قوامون على
النساء) *. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: وقوله تعالى: * (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) * أصرح دليل على اعتبار
الولي وإلا لما كان لعضله معنى، ولخبر: لا نكاح إلا بولي. وروى ابن ماجة خبر: لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة
نفسها وأخرجه الدارقطني بإسناد على شرط الشيخين. نعم لو عدم الولي والحاكم فولت مع خاطبها أمرها رجلا
مجتهدا ليزوجها منه صح لأنه محكم والمحكم كالحاكم، وكذا لو ولت معه عدلا صح المختار وإن لم يكن مجتهدا لشدة
الحاجة إلى ذلك. وهذا ما جرى عليه ابن المقري تبعا لاصله، قال في المهمات: ولا يختص ذلك بفقد الحاكم، بل
يجوز مع وجوده سفرا وحضرا بناء على الصحيح في جواز التحكيم كما هو مذكور في كتاب الفضاء. قال الولي العراقي:
ومراد المهمات ما إذا كان المحكم صالحا للقضاء. وأما الذي اختاره النووي أنه يكفي العدالة ولا يشترط أن يكون صالحا
للقضاء، فشرطه السفر وفقد القاضي. وقال الأذرعي: جواز ذلك مع وجود القاضي بعيد من المذهب والدليل لأن
الحاكم ولي حاضر، ويظهر الجزم بمنع الصحة إذا أمكن التزويج من جهته، وكلام الشافعي مؤذن بأن موضع الجواز
عند الضرورة، ولا ضرورة مع إمكان التزويج من حاكم أهل حاضر بالبلد، وبسط ذلك. وهذا يؤيد ما جرى، عليه الولي
العراقي، وهو المعتمد. ويستثنى من إطلاقه ما لو زوجت امرأة نفسها في الكفر فإنه يقر على ذلك بعد الاسلام. (ولا)
تزوج امرأة (غيرها بوكالة) عن الولي ولا بولاية. ولو وكل ابنته مثلا أن توكل رجلا في نكاحها لا عنها بل عنه
أو أطلق صح، لأنها سفيرة بين الولي والوكيل، بخلاف ما لو وكلت عنها.
تنبيه: يستثنى من إطلاقه ما لو ابتلينا بإمامة امرأة فإن أحكامها تنفذ للضرورة كما قاله ابن عبد السلام وغيره،
وقياسه تصحيح تزوجها. ولا يعتبر إذن المرأة في نكاح غيرها لا في ملكها. أو في سفيه، أو مجنون هي وصية عليه
(ولا تقبل نكاحا لاحد) بولاية ولا وكالة، إذ لا يصح لها فلا تتعاطاه للغير.
تنبيه: الخنثى في ذلك كالمرأة كما جزم به ابن مسلم في كتاب الخناثى، وقاله في المجموع بحثا في نواقض الوضوء
وقال: لم أر فيه نقلا اه‍. نعم لو زوج الخنثى أخته ثم بان ذكرا فقياس ما سبق في الشاهد الصحة. قال الزركشي: وبه
جزم السبكي في كتاب الخناثى. (والوطئ) ولو في الدبر (في نكاح) بشهود (بلا ولي) كتزويجها نفسها، أو بولي
بلا شهود ولم يحكم حاكم بصحته ولا ببطلانه لا يوجب المسمى، بل (يوجب مهر المثل) لفساد النكاح ولخبر: أيما
147

امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل - ثلاثا - فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن تشاجروا
فالسلطان ولي من لا ولي له رواه الترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم وصححاه. ويستثنى من إيجاب المهر ما إذا كان
الناكح محجورا عليه بسفه كما سيأتي.
تنبيه: اقتصاره على المهر يفهم أنه لا يلزمه معه أرش بكارة لو كانت بكرا، وهو من صرح به في المجموع في الكلام
على البيع الفاسد فإنه نقل ذلك عن الشافعي والأصحاب، وفرق بينه وبين البيع الفاسد بأن إتلاف البكارة مأذون فيه
في النكاح الفاسد كما في النكاح الصحيح، بخلاف البيع الفاسد فإنه لا يلزم منه الوطئ. و (لا) يوجب الوطئ في النكاح
المذكور (الحد) سواء أصدر ممن يعتقد تحريمه أم لا، لشبهة اختلاف العلماء في صحة النكاح، لكن يعذر معتقد تحريمه
لارتكابه محرما لا حد فيه ولا كفارة ولو لم يطأ الزوج في هذا النكاح المذكور فزوجها وليها قبل التفريق بينهما صح.
ولو طلقها ثلاثا لم يفتقر في صحة نكاحه لها إلى محلل لعدم وقوع الطلاق، لأنه إنما يقع في نكاح صحيح. ولو حكم
بصحته أو ببطلانه حاكم يراه لم ينقض حكمه، فلو وطئها بعد الحكم ببطلانه حد كما قاله الماوردي وامتنع على
الحاكم
المخالف بعد ذلك الحكم بصحته. أما الوطئ في نكاح بلا ولي ولا شهود فإنه يوجب الحد جزما لانتفاء شبهة العلماء.
ثم أشار المصنف رحمه الله إلى قاعدة، وهي أن من ملك الانشاء. ملك الاقرار غالبا ومن لا فلا، بقوله: (ويقبل إقرار الولي)
على موليته (بالنكاح) بعد لين وإن لم توافقه البالغة العاقلة عليه، (إن استقل بالانشاء) وقت الاقرار بأن كان مجبرا والزوج
كفؤا، لأن من ملك الانشاء ملك الاقرار غالبا كما مر. (وإلا) بأن لم يكن مستقلا بإنشاء النكاح وقت الاقرار لكونه
غير مجبر، (فلا) يقبل إقراره عليها لعجزه عن الانشاء إلا بإذنها.
تنبيه: يدخل في عبارة المصنف لولا الذي قدرته ما إذا استقل بالانشاء وكان عند الاقرار غير مستقل، كما
لو كانت ثيبا وادعى أنه زوجها حين كانت بكرا فإنه لا يقبل قوله وإن كان استقل بالانشاء، وعبارة المحرر: يقبل إقرار
الولي بالنكاح إذا كان مستقلا بالانشاء. قال السبكي: وهو أحسن من تعبير المنهاج، لأن معناه وصفه بذلك حين
الاقرار. ثم استثنى من عكس القاعدة المذكورة ما تضمنه قوله: (ويقبل إقرار البالغة العاقلة) الحرة ولو سفيهة فاسقة
بكرا كانت أو ثيبا، (بالنكاح) من زوج صدقها على ذلك ولو غير كفء، (على الجديد) وإن كذبها الولي والشاهدان
إن عينتهما، أو قال الولي: ما رضيت إذا كان الزوج غير كفء، لأن النكاح حق الزوجين فثبت بتصادقهما كغيره
من العقود، ولاحتمال نسيان الولي والشاهدين وكذبهم. ولا بد من تفصيلها الاقرار فتقول: زوجني منه ولي بحضرة
عدلين ورضائي إن كانت ممن يعتبر رضاها. فإن قيل: سيأتي في الدعاوي أنه يكفي إقرارها المطلق فيكون هنا كذلك
أجيب بأن ذاك محله في إقرارها الواقع في جواب الدعوى، وما هنا في إقرارها المبتدأ. ولو كان أحد الزوجين رقيقا اشترط
مع ذلك تصديق سيده كما بحثه الزركشي في الأمة، ومثلها العبد، فإن لم يصدقها الزوج لم يحل لها أن تنكح غيره
في الحال كما قاله القفال اعتبارا بقولها في حق نفسها، وطريق حلها أن يطلقها كما في نظيره من الوكيل وغيره، والقديم:
إن كانا غريبين يثبت النكاح وإلا طولب بالبينة لسهولتها. وعن القديم عدم القبول مطلقا، وهو قضية كلام المصنف،
ومنهم من نفاه عن القديم وحمله على الحكاية عن الغير. وإن أقرت لزوج والمجبر لآخر فهل يقبل إقراره أو إقرارها
أو السابق أو يبطلان جميعا؟ احتمالات للإمام، قال الزركشي: والصواب تقديم السابق فإن أقرا معا فالأرجح تقديم
إقرار المرأة لتعلق ذلك ببدنها وحقها، ولو جهل فهل يتوقف أو يبطلان؟ فيه احتمالان لصاحب المطلب اه‍. وينبغي أن
يعمل بإقرارها، لأنا تحققنا وشككنا في المفسد والأصل عدمه، ونقل في الأنوار عن التلخيص ترجيح السقوط
مطلقا.
ولو ادعى نكاح امرأة وذكر شرائط العقد وصدقته المرأة ففي فتاوي القاضي أنه لا يجب عليه صداقها، لأن هذا إقرار
باستدامة النكاح واستدامته تنفك عن الصداق.
148

فرع: لو قالت امرأة مشيرة إلى شخص. هذا زوجي فسكت فماتت ورثها، ولو مات هو لم ترثه. وإن قال هو:
هذه زوجتي فسكتت فمات ورثته، وإن ماتت لم يرثها على النص. واعلم أن أسباب الولاية أربعة. السبب الأول: الأبوة،
وقد شرع فيه فقال: (وللأب) ولاية الاجبار، وهي (تزويج) ابنته (البكر صغيرة أو كبيرة) عاقلة أو مجنونة إن لم
يكن بينه وبينها عداوة ظاهرة، (بغير إذنها) لخبر الدارقطني: الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يزوجها أبوها،
ورواية مسلم: والبكر يستأمرها أبوها حملت على الندب، ولأنها لم تمارس الرجال بالوطئ فهي شديدة الحياء. أما إذا
كان بينه وبينها عداوة ظاهرة فليس له تزويجها إلا بإذنها بخلاف غير الظاهرة، لأن الولي يحتاط لموليته لخوف العار وغيره،
وعليه يحمل إطلاق الماوردي والروياني الجواز.
تنبيه: لتزويج الأب بغير إذنها شروط: الأول: أن لا يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة كما مر، والثاني: أن
يزوجها من كفء. الثالث: أن يزوجها بمهر مثلها. الرابع: أن يكون من نقد البلد، الخامس: أن لا يكون الزوج معسرا
بالمهر، السادس: أن لا يزوجها بمن تتضرر بمعاشرته كأعمى وشيخ هرم. السابع: أن لا يكون قد وجب عليها الحج، فإن
الزوج قد يمنعها لكون الحج على التراخي ولها غرض في تعجيل براءة ذمتها، قاله ابن العماد. وهل هذه الشروط
المذكورة شروط لصحة النكاح بغير الاذن أو لجواز الاقدام فقط؟ فيه ما هو معتبر لهذا وما هو معتبر لذاك، فالمعتبر للصحة
بغير الاذن أن لا يكون بينها وبين وليها عداوة ظاهرة وأن يكون الزوج كفؤا وأن يكون موسرا بحال الصداق، وليس
هذا مفرعا على اعتبار كون اليسار معتبرا في الكفاءة كما هو رأي مرجوح كما قاله الزركشي، بل لأنه بخسها حقها، وما عدا
ذلك شروط لجواز الاقدام قال الولي العراقي: وينبغي أن يعتبر في الاجبار أيضا انتفاء العداوة بينها وبين الزوج اه‍.
وإنما لم يعتبر ظهور العداوة هنا كما اعتبر ثم لظهور الفرق بين الزوج والولي المجبر، بل قد يقال كما قال شيخنا إنه
لا حاجة إلى ما قاله، لأن انتفاء العداوة بينها وبين الولي يقتضي أن لا يزوجها إلا ممن يحصل لها منه حظ ومصلحة لشفقته
عليها، أما مجرد كراهتها له من غير ضرر فلا تؤثر، لكن يكره لوليها أن يزوجها منه كما نص عليه في الأم. (ويستحب
استئذانها) أي البكر إذا كانت مكلفة، لحديث مسلم السابق وتطييبا لخاطرها، أما غير المكلفة فلا إذن لها،
ويسن
استفهام المراهقة وأن لا يزوج الصغيرة حتى تبلغ. والمستحب في الاستئذان أن يرسل إليها نسوة ثقات ينظرن ما في نفسها،
والأم بذلك أولى لأنها تطلع على ما لا يطلع عليه غيرها. (وليس له تزويج ثيب) بالغة وإن عادت بكارتها كما صرح به
أبو خلف الطبري في شرح المفتاح، (إلا بإذنها) لخبر الدارقطني السابق، وخبر: لا تنكحوا الأيامى حتى تستأمروهن
رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، ولأنها عرفت مقصود النكاح فلا تجبر بخلاف البكر. (فإن كانت) تلك الثيب
(صغيرة) غير مجنونة وغير أمة (لم تزوج) سواء احتملت الوطئ أم لا، (حتى تبلغ) لأن إذن الصغيرة غير معتبر
فامتنع تزويجها إلى البلوغ، أما المجنونة فيزوجها الأب والجد عند عدمه قبل بلوغها للمصلحة كما سيأتي، واما الأمة
فليسدها أن يزوجها وكذا لولى السيد عند المصلحة (والجد) أبو الأب وإن علا (كلاب عند عدمه) أو عدم
أهليته فيما ذكر، لأن له ولاية وعصوبة كالأب ويزيد الجد عليه في صورة واحدة وهي تولي طرفي العقد كما سيأتي، بخلاف
الأب ووكيل الأب والجد كالأب والجد، لكن وكيل الجد يتولى الطرفين كما سيأتي. (وسواء) في حصول الثيوبة
واعتبار إذنها (زالت البكارة بوطئ) في قبلها (حلال) كالنكاح (أو حرام) كالزنا أو بوطئ لا يوصف بهما كشبهة
كما شمله عبارة المحرر بقوله: بالوطئ الحلال أو غيره، لأن وطئ الشبهة لا يوصف بحل ولا بحرمة، ولا فرق في ذلك بين أن
يكون في نوم أو يقظة. (ولا أثر لزوالها بلا وطئ) في القبل (كسقطة) وحدة طمث وطول تعنيس وهو الكبر
149

أو بأصبع ونحوه، (في الأصح) وعبر في الروضة بالصحيح، بل حكمها حكم الابكار لأنها لم تمارس الرجال فهي على
غباوتها وحيائها. والثاني: أنها كالثيب فيما ذكر، وصححه المصنف في شرح مسلم لزوال العذرة. وخرج بقيد الوطئ في القبل
الوطئ في الدبر فإنه لا أثر على الصحيح لأنها لم تمارس الرجال بالوطئ في محل البكارة.
تنبيه: قضية كلام المصنف كغيره أن البكر لو وطئت في قبلها ولم تزل بكارتها بأن كانت غوراء كسائر الابكار
وهو كذلك كنظيره الآتي في التحليل على ما يأتي فيه، وإن كان قضية تعليلهم بممارسة الرجال خلافه، كما أن قضيته كذلك
إذا زالت بذكر حيوان غير آدمي كقرد مع أن الأوجه أنها كالثيب. ولو خلقت بلا بكارة فحكمها حكم الابكار كما حكاه
في زيادة الروضة عن الصيمري وأقره. وتصدق المكلفة في دعوى البكارة وإن كانت فاسقة، قال ابن المقري: بلا يمين،
وكذا في دعوى الثيوبة قبل العقد وإن لم تتزوج ولا تسئل عن الوطئ، فإن ادعت الثيوبة بعد العقد وقد زوجها الولي
بغير إذنها نطفا فهو المصدق بيمينه لما في تصديقها من إبطال النكاح، بل لو شهدت أربع نسوة عند العقد لم يبطل لجواز
إزالتها بأصبع أو نحوه، أو أنها خلقت بدونها كما ذكره الماوردي والروياني، وإن أفتى القاضي بخلافه. (ومن على
حاشية النسب كأخ وعم) لأبوين أو لأب وابن كل منهما، (لا يزوج صغيرة بحال) بكرا كانت أو ثيبا، عاقلة أو مجنونة،
لأنها إنما تزوج بالاذن وإذنها غير معتبر (وتزوج الثيب) العاقلة (البالغة بصريح الاذن) للأب أو غيره، ولا يكفي
سكوتها الحديث، ليس للولي مع الثيب أمر رواه أبو داود وغيره. وقال البيهقي: رواته ثقات. ولو أذنت بلفظ التوكيل
جاز على النص كما نقله في زيادة الروضة عن حكاية صاحب البيان، لأن المعنى فيهما واحد، وإن قال الرافعي: الذين لقيناهم من
الأئمة لا يعدونه إذنا لأن توكيل المرأة في النكاح باطل ورجوعها عن الاذن كرجوع الموكل عن الوكالة، فإن زوجها الولي
بعد رجوعها وقبل علمه لم يصح وإذن الخرساء بالإشارة المفهمة، قال الأذرعي: والظاهر الاكتفاء بكتبها، قال: فلو لم
يكن لها إشارة مفهمة ولا كتابة هل تكون في معنى المجنونة حتى يزوجها الأب والجد ثم الحاكم دون غيرهم أو لا لأنها
عاقلة؟ لم أر فيها شيئا، ولعل الأول أوجه، وما قاله من الاكتفاء بكتب من لها إشارة مفهمة ظاهر إن نوت به الاذن كما قالوا
كتابة الأخرس بالطلاق كناية على الأصح. (ويكفي في البكر) البالغة العاقلة إذا استؤذنت في تزويجها من كفء
أو غيره، (سكوتها في الأصح) وإن بكت ولم تعلم أن ذلك إذن، لخبر مسلم: الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر
وإذنها سكوتها فإن بكت بصياح أو ضرب خد لم يكف لأن ذلك يشعر بعدم الرضا. والثاني: لا بد من النطق كما في الثيب.
تنبيه: محل الخلاف في غير المجبر، أما هو فالسكوت كاف قطعا كما هو ظاهر إيراد المصنف، وصرح به الروياني
وغيره. وخرج باستؤذنت ما لو زوجت بحضرتها مع سكوتها فإنه لا يكفي بل لا بد معه من استئذانها وبمن كفء أو غيره
ما لو استؤذنت في التزويج بدون المهر أصلا أو بأقل من مهر المثل أو بغير نقد البلد فسكتت فإنه لا يكفي سكوتها لتعلقه
بالمال كبيع ما لها. ولو استؤذنت في التزويج برجل غير معين فسكتت كفى فيه سكوتها بناء على أنه لا يشترط تعيين الزوج
في الاذن، وهو الأصح، ولو قال لها: أيجوز أن أزوجك أو تأذنين، فقالت: لا يجوز أو لم لا آذن كفى لأنه يشعر برضاها.
فإن قيل: لو قال الخاطب: أتزوجني لم يكن استيجابا، فكان ينبغي أن يكون هنا كذلك. أجيب بأن العقد يعتبر فيه اللفظ
فاعتبر فيه الجزم وإذن البكر يكفي فيه السكوت فكفى فيه ما ذكر مع جوابها. ولو قالت: رضيت بمن رضيت به أمي
أو بمن اختارته أو بما يفعله أبي وهم في ذكر النكاح كفى، لا إن قالت: رضيت إن رضيت أمي أو رضيت بما
تفعله أمي
فلا يكفي لأن الأم لا تعقد ولان الصيغة الأولى صيغة تعليق، وكذا لا يكفي: رضيت إن رضي أبي إلا أن تريد رضيت بما
يفعله فيكفي ولو أذنت بكر في تزويجها بألف ثم استؤذنت كذلك بخمسمائة فسكتت كان إذنا إن كان مهر مثلها كما علم
مما مر، وصرح به البلقيني وتبعه ابن المقري. ثم شرع في السبب الثاني وهو العتق، فقال: (والمعتق) وأريد به هنا من
له الولاء فيشمل عصبته وهو السبب الثالث لا من باشر العتق فقط، والسبب الرابع السلطان وأريد به هنا ما يشمل القاضي
150

والمعتق وعصبته (والسلطان كالأخ) فيما ذكر قبله. (وأحق الأولياء) بالتزويج (أب) لأن سائر الأولياء يدلون به
كما قاله الرافعي، ومراده الأغلب وإلا فالسلطان والمعتق وعصبته لا يدلون به. (ثم جد) أبو أب (ثم أبوه) وإن علا،
لاختصاص كل منهم عن سائر العصبات بالولادة مع مشاركته في العصوبة. (ثم أخ لأبوين أو لأب) لأن الأخ يدلي بالأب
فهو أقرب من ابنه. (ثم ابنه) أي ابن كل منهما (وإن سفل) لأنه أقرب من العم. (ثم عم) لأبوين أو لأب ثم ابن كل
منهما وإن سفل (ثم سائر العصبة) من القرابة أي باقيهم، (كالإرث) لأن المأخذ فيهما واحد.
تنبيه: قوله: كالإرث متعلق بسائر لأن الابن يقدم في الميراث ولا ولاية له هنا، والجد في الإرث يشارك الأخ
وهنا يقدم عليه، والشقيق في الإرث يقدم قطعا على الأخ للأب، وهنا فيه خلاف كما يشير إليه قوله: (ويقدم أخ
لأبوين على أخ لأب) وابن أخ لأبوين على ابن أخ لأب، وعم لأبوين على عم لأب، وابن عم لأبوين على ابن عم لأب،
(في الأظهر) الجديد لزيادة القرب والشفقة كالإرث. وعلى هذا لو غاب الشقيق لم يزوج الذي لأب بل السلطان،
وعلى القديم هما وليان لأن قرابة الأم لا مدخل لها في النكاح فلا يرجح بها، بخلاف الإرث كما لو كان لها عمان
أحدهما خال. وأجاب الأول بأنه ليس كل ما لا يفيد لا يرجح، بدليل أن العم لأبوين يقدم على العم للأب في الإرث والعم
للأم لا يرث.
تنبيه: لو قال: يقدم مدل بأبوين على مدل بأب لشمل ما أدخلته في كلامه. نعم لو كانا ابنا عم أحدهما لأبوين
والآخر لأب لكنه أخوها لامها، فالثاني هو الولي لأنه يدلي بالجد والأم. والأول يدلي بالجد والجدة، ولو كان ابنا ابن
عم، أحدهما ابنها والآخر أخوها من الأم، فالابن هو المقدم لأنه أقرب. ولو كان ابنا عم، أحدهما معتق، قدم
المعتق، ومنه يؤخذ أنه لو كان المعتق ابن عم لأب والآخر شقيقا قدم الشقيق، وبه صرح البلقيني، أو ابنا عم أحدهما
خال فهما سواء بلا خلاف، قاله في زيادة الروضة وظاهر كلامه تسمية كل من غير الأب والجد من الأخ والعم وليا،
وهو كذلك وإن توقف فيه الإمام وجعل الولاية حقيقة للأب والجد فقط. (ولا يزوج ابن) أمه وإن علت (ببنوة
)
محضة، خلافا للأئمة الثلاثة والمزني، لأنه لا مشاركة بينه وبينها في النسب، انتسابها إلى أبيها وانتساب الابن إلى أبيه،
فلا يعتنى بدفع العار عن النسب. فإن قيل: يدل للصحة قوله (ص) لما أراد أن يتزوج أم سلمة، قال لابنها
عمر: قم فزوج رسول الله (ص). أجيب بأجوبة، أحدها: أن نكاحه (ص) لا يحتاج إلى ولي،
وإنما قال له (ص) ذلك استطابة لخاطره. ثانيها: أن عمر بن أبي سلمة ولد في أرض الحبشة في السنة الثانية
من الهجرة وزواجه (ص) بأم سلمة كان في السنة الرابعة، وقيل كان سن عمر يوم توفي رسول الله صلى الله
عليه وسلم تسع سنين، قاله ابن سعد وغيره، وكان حينئذ طفلا فكيف يزوج. ثالثها: بتقدير صحة أنه زوج وهو بالغ
فيكون ببنوة العم، فإنه كان من بني أعمامها ولم يكن لها ولي أقرب منه. (فإن كان ابن ابن عم) لها أو ذا قرابة أخرى
من وطئ شبهة أو نكاح مجوس كما إذا كان أخاها أو ابن أخيها أو ابن عمها، (أو معتقا) لها، أو غاصب معتق لها، (أو قاضيا)
أو محكما أو وكيلا عن وليها كما قاله الماوردي، (زوج به) أي بما ذكر فلا تضره البنوة لأنها غير مقتضية لا مانعة، فإذا
وجد معها سبب آخر يقتضي الولاية لم تمنعه.
تنبيه: قوله: ابن ابن عم يفهم أنه لا يتصور أن يكون ابن عمها ابنها، وليس مرادا بل يتصور بوطئ الشبهة
وبنكاح المجوس، ويتصور أيضا أن يكون مالكا لها بأن يكون مكاتبا ويأذن له سيده فيزوجها بالملك. (فإن لم يوجد)
من الأولياء رجل (نسيب، زوج المعتق) الرجل (ثم عصبته) بحق الولاء سواء أكان المعتق رجلا أم امرأة
151

والترتيب هذا (كالإرث) في ترتيبه ومر بيانه في بابه، فيقدم بعد عصبة المعتق معتق المعتق ثم عصبته وهكذا، لحديث:
الولاء لحمة كلحمة النسب ولان المعتق أخرجها من الرق إلى الحرية فأشبه الأب في إخراجه لها إلى الوجود، ويستثنى
من هذا التشبيه مسائل الأولى: أن أخا المعتق أولى من جده، وفي النسب يقدم الجد. الثانية: أن ابن المعتق يزوج ويقدم
على أبي المعتق لأن التعصيب له، وفي النسب لا يزوجها ابنها بالبنوة. الثالثة: أن ابن الأخ يقدم على الجد بناء على تقديم
والده الرابعة: العم يقدم على أبي الجد كما نص عليه في البويطي بخلاف النسب.
تنبيه: قوله: المعتق قد يفهم أن هذا فيمن باشر العتق، فلو تزوج عتيق بحرة الأصل وأتت بابنة لا يزوجها موالي
الأب، وكلام الكفاية يقتضي أنه المذهب وهو الظاهر، وإن قال صاحب الاشراف: التزويج لموالي الأب. ثم أشار لما
ذكروه من ضابط من يزوج عتيقة المرأة بقوله: (ويزوج عتيقة المرأة) إذا فقد ولي العتيقة من النسب كل (من يزوج
المعتقة ما دامت حية) بالولاية عليها تبعا للولاية على المعتقة، فيزوجها الأب ثم الجد ثم بقية الأولياء على ما مر في ترتيبهم
برضا العتيقة، ويكفي سكوت البكر كما قاله الزركشي في تكملته وإن خالف في ديباجه.
تنبيه: كلام المصنف قد يوهم أنه لو كانت العتيقة كافرة والمعتقة مسلمة ووليها كافر أنه لا يزوجها، وليس
مرادا،
ويقتضي أيضا أنه لو كانت المعتقة ووليها كافرين والعتيقة مسلمة أنه يزوجها، وليس مرادا. قال الزركشي: فلو قال:
يزوج عتيقة المرأة من له الولاء كما عبر به في حال موتها لاستقام، ولكن هذا معلوم من اختلاف الدين الآتي في الفصل
بعده. (ولا يعتبر إذن المعتقة في الأصح) لأنه لا ولاية لها ولا إجبار فلا فائدة له. والثاني: يعتبر، لأن الولاء لها والعصبة إنما
يزوجون بإدلائهم بها فلا أقل من مراجعتها.
تنبيه: حكم أمة المرأة حكم عتيقتها فيزوجها من يزوج سيدتها على ما تقرر، لكن إذا كانت السيدة كاملة اشترط
إذنها ولو كانت بكرا إذ لا تستحي، فإن كانت صغيرة ثيبا امتنع على الأب تزويج أمتها إلا إذا كانت مجنونة وليس للأب
إجبار أمة البكر البالغ. ولو أعتق شخص جارية ثم أعتقت هذه العتيقة جارية وللمعتقة ابن فولاء الثانية لمعتق الأولى
لأنه ولي الولي، حكاه الرافعي عن البغوي قبيل الصداق. (فإذا ماتت) أي المعتقة (زوج) العتيقة (من له الولاء)
على المعتقة من عصباتها، فيزوجها ابنها ثم ابنه ثم أبوها على ترتيب عصبة الولاء، إذ تبعية الولاء انقطعت بالموت. وإن
أعتقها اثنان اعتبر رضاهما فيوكلان، أو يوكل أحدهما الآخر، أو يباشران معا ويزوجها من أحدهما الآخر مع السلطان.
وإن ماتا اشترط في تزويجها اثنان من عصبتهما، واحد من عصبة أحدهما، وآخر من عصبة الآخر. وإن مات أحدهما
كفى موافقة أحد عصبته للآخر. ولو مات أحدهما وورثة الآخر استقل بتزويجها. ولو اجتمع عدد من عصبات المعتق
في درجة كبنين وإخوة كانوا كالاخوة في النسب، فإذا زوجها أحدهم برضاها صح، ولا يشترط رضا الآخرين.
تنبيه: لو كان المعتق خنثى مشكلا زوج عتيقته أبوه أو غيره من أوليائه بترتيبهم لكن بإذنه لاحتمال ذكورته،
فيكون قد زوجها وكيله بتقدير ذكورته ووليها بتقدير أنوثته، وقضية كلام الحاوي والبهجة وغيرهما وجوب إذنه،
وقال البغوي في فتاويه: فلو كان الأقرب خنثى مشكلا زوج الابعد، والخنثى كالمفقود، وظاهره أنه لا يحتاج لاذنه.
وعبارة الرافعي: فينبغي أن يزوجها أبوه بإذنه. والأول أوجه وأحوط. قال الأذرعي: فلو امتنع من الاذن فينبغي أن
يزوج السلطان، ولو عقد الخنثى فبان ذكرا صح كما مر. وأما الأمة المبعضة فيزوجها المالك مع وليها القريب، ثم
مع معتق البعض، ثم مع عصبته ثم مع السلطان. وأما أمة السيدة المبعضة فيزوجها ولي المبعضة بتقدير كونها حرة
بإذنها. (فإن فقد المعتق وعصبته زوج السلطان) المرأة التي في محل ولايته، لخبر: السلطان ولي من لا ولي له
فإن لم يكن فيه فليس له تزويجها وإن رضيت كما ذكره الرافعي في آخر القضاء على الغائب وقال شريح في
أدب القضاء:
ولا يجوز أن يكتب بتزويج امرأة في غير عمله. وقال الغزي: والأصح في الرافعي أنه يجوز للقاضي أن يكتب بما حكم به
152

في غير محل ولايته، فقياسه ترجيح الجواز اه‍. وفرق غيره بينهما بأن الولاية عليها لا تتعلق بالخاطب فلم يكن حضوره
مؤثرا في جواز الحكم، بخلاف ما لو حكم لحاضر على غائب، لأن المدعي حاضر والحكم يتعلق به. (وكذا يزوج) السلطان
(إذا عضل) النسيب (القريب) ولو مجبرا، أي امتنع من تزويجها هو (والمعتق) وعصبته، لأنه حق عليهم، فإذا امتنعوا من
وفائه وفاه الحاكم، ولا تنتقل الولاية للأبعد جزما، وهذا محله إذا كان العضل دون ثلاث مرات، فإن كان ثلاث مرات
زوج الابعد بناء على منع ولاية الفاسق كما قال الشيخان، وهذا فيمن لم تغلب طاعاته على معاصيه كما ذكروه في الشهادات
وإلا فلا يفسق بذلك. وهل المراد ما قالاه هنا بالمرات الثلاث الأنكحة، أو بالنسبة إلى غرض الحاكم ولو في نكاح واحد
قال في المهمات: فيه نظر اه‍ والأوجه الثاني، ووقع في فتاوى المصنف أن العضل كبيرة بإجماع المسلمين، واعترض بأن
الذي اختاره الإمام في النهاية أنه لا يحرم إلا إذا لم يكن في الخطة حاكم. قيل: وينبغي أنه لا يحرم مطلقا إذا جوزنا التحكيم.
ولو قال المصنف: إذا عضل الولي لكان أخصر وأحسن لشموله لعصبة المعتق كما زدته. وهل السلطان يزوج بالولاية
العامة أو النيابة الشرعية؟ وجهان حكاهما الإمام. ومن فوائد الخلاف أنه لو أراد القاضي نكاح من غاب عنها وليها إن
قلنا بالولاية زوجها أحد نوابه أو قاض آخر أو بالنيابة لم يجز ذلك، وأنه لو كان لها وليان والأقرب غائب إن قلنا بالولاية
قدم عليه الحاضر أو بالنيابة فلا، وأفتى البغوي بالأول وكلام القاضي وغيره يقتضيه، وصحح الإمام في باب القضاء
فيما إذا زوج للغيبة أنه يزوج بنيابة اقتضتها الولاية. وهذا أوجه.
تنبيه: اقتصر المصنف هنا في تزويج الحاكم على صورتين، وذكر بعد أنه يزوج عند غيبة الولي مسافة القصر وإحرامه
وإرادته تزويج موليته ولا مساو له في الدرجة والمجنونة والبالغة عند فقد المجبر، وقد جمع بعضهم المواضع التي يزوج
فيها الحاكم في أبيات فقال:
وتزوج الحكام في صور أتت * منظومة تحكي عقود جواهر
عدم الولي وفقده ونكاحه * وكذاك غيبته مسافة قاصر
وكذاك إغماء وحبس مانع * أمة لمحجور توارى القادر
إحرامه وتعزز مع عضلة * إسلام أم الفرع وهي لكافر
فأهمل الناظم تزويج المجنونة البالغة وذكر أنه يزوج عند إغماء الولي، وسيأتي ما فيه. (وإنما يحصل العضل) من الولي
(إذا دعت بالغة عاقلة) رشيدة كانت أو سفيهة (إلى كفء وامتنع) الولي من تزويجه، لأنه إنما يجب عليه تزويجها من
كفء، فإن دعته إلى غيره كان له الامتناع لأن له حقا في الكفاءة. ويؤخذ من التعليل أنها لو دعت إلى عنين أو مجبوب
بالباء لزمه إجابتها، فإن امتنع كان عاضلا، إذ لا حق له في التمتع، بخلاف ما إذا دعته إلى أجذم أو أبرص أو مجنون لأنه
يعير بذلك. وليس له الامتناع لنقصان المهر أو لكونه من غير نقد البلد إذا رضيت بذلك، لأن المهر محض حقها. ولو
امتنع من نكاحها في تزويج التحليل، فعن بعض المتأخرين أنه إن امتنع للخروج من الخلاف أو لقوة دليل التحريم عنده
فلا إثم عليه، بل يثاب على قصده. قال ابن شهبة: وفي تزويج الحاكم حينئذ نظر لأنه بامتناعه لا يعد عاضلا اه‍. وهذا
ظاهر. وفي زوائد الروضة: لو طلبت التزويج برجل وادعت كفاءته وأنكر الولي رفع للقاضي، فإن ثبتت كفاءته ألزمه
تزويجها، فإن امتنع زوجها به، وإن لم تثبت فلا. ولا بد من ثبوت العضل عند الحاكم ليزوج بأن يحضر الولي والخاطب
والمرأة، فيأمر الحاكم الولي بالتزويج فيمتنع منه أو يسكت أو تقام البينة عليه لتوار أو تعزز أو غيبة لا يزوج فيها القاضي.
تنبيه: إذا ظهرت حاجة المجنونة إلى النكاح وامتنع الولي من تزويجها كان عاضلا، فترد على حصر المصنف
153

العضل فيما ذكره. (فلو عينت) مجبرة (كفؤا وأراد الأب) أو الجد المجبر كفؤا (غيره فله ذلك في الأصح) لأنه أكمل نظرا
منها. والثاني: يلزمه إجابتها إعفافا لها، واختاره السبكي. والمعتبر في غيره المجبر من عينته جزما كما اقتضاه كلام الشيخين،
لأن أصل تزويجها يتوقف على إذنها.
تنبيه: قضية إطلاقه أنها لو عينت كفؤا بأكثر من مهر المثل فزوجها من كفء آخر بمهر المثل أنه يصح، وبه صرح
الإمام في كتاب الطلاق، وحكاه عنه في الكفاية.
فصل: في موانع ولاية النكاح: (ولا ولاية لرقيق) قن أو مدبر مكاتب أو مبعض لنقصه. فأمة المبعض، قال البغوي في
فتاويه: لا تزوج أصلا، لأن تزويجها بلا إذن مالك بعضه لا يجوز، وباب التزويج مفسد عليه لرقه، ولو جاز التزويج
بإذنه لكونها لمن يملك بعضه لجاز له أن يزوجها، وأقره الأسنوي وغيره. وقال البلقيني: هذا مفرع على أن السيد
يزوج بالولاية، فإن قلنا بالأصح أنه يزوج بالملك زوجها به اه‍. وهذا هو الظاهر لأن ملكه تام، ولهذا تجب عليه الزكاة.
تنبيه: أفهم نفيه الولاية جواز كون الرقيق وكيلا، وهو صحيح في القبول دون الايجاب كما مر في الوكالة. (و) لا
(صبي) لسلب ولايته، (و) لا (مجنون) في حالة جنونه المطبق، وكذا إن تقطع جنونه كما صححه في الروضة، وإن صحح
الرافعي في الشرح الصغير أنه لا يزيل الولاية لعدم تمييزه، وتغليبا لزمن الجنون في المتقطع، فيزوج الابعد في زمن جنون
الأقرب دون إفاقته. ولو أفاق المجنون وبقي آثار الخبل كحدة خلق لم تعد ولايته في أحد وجهين قال المصنف لعله
الأصح، وجزم به في الأنوار. ولو قصر زمن الإفاقة جدا فهي كالعدم كما قاله الإمام، أو قصر زمن الجنون كيوم في سنة
لم تنقل الولاية، بل ينتظر إفاقته كالاغماء (و) لا (مختل النظر بهرم) وهو كبر السن (أو خبل) بتحريك الموحدة وإسكانها
وهو فساد في العقل، وقيل إنه بالاسكان مصدر. ولا فرق في الخبل بين الأصلي والعارض لعجزه عن اختيار الأكفاء،
وفى ومعناه: من شغلته الأسقام والآلام عن ذلك. فإن قيل: سكون الألم ليس بأبعد من إفاقة المغمى عليه، فإذا انتظرت
الإفاقة في الاغماء وجب أن ينتظر السكون هنا، وبتقديم عدم الانتظار يجوز أن يقال يزوجها السلطان لا الابعد كما في صورة
الغيبة، لأن الأهلية باقية وشدة الألم المانعة من النظر كالغيبة. أجيب بأن الاغماء له أمد يعرفه أهل الخبرة فجعل مرادا، بخلاف
سكون الألم وإن احتمل زواله، والقياس على صورة الغيبة ممنوع، لأن الغائب يقدر على التزويج معها، ولا كذلك مع دوام الألم
المذكور. (وكذا محجور عليه بسفه) بأن بلغ غير رشيد أو بذر في ماله بعد رشده ثم حجر عليه، لا ولاية له (على المذهب) لأنه
لا يلي أمر نفسه فغيره أولى. والطريق الثاني وجهان: أحدهما هذا، والثاني: يلي، لأنه كامل النظر في أمر النكاح. وإنما حجر عليه
لحفظ ماله، فإن لم يحجر عليه، قال الرفعي: فما ينبغي أن تزول ولايته، وهو مقتضى كلام المصنف هنا كالروضة، وهو
المعتمد، وإن جزم ابن أبي هريرة بالزوال، واختاره السبكي. وتوكيل المحجور عليه بسفه في النكاح كتوكيل الرقيق
فيصح في القبول دون الايجاب. وخرج بالسفه المحجور عليه بفلس أو مرض فإنه يلي لكمال نظره، والحجر عليه لحق
الغير لا لنقص فيه. (ومتى كان الأقرب ببعض هذه الصفات) المانعة للولاية، (فالولاية للأبعد) لخروج الأقرب عن أن يكون
وليا فأشبه المعدوم، وظاهر كلامه أنه لا فرق في ذلك بين النسب والولاء، حتى لو أعتق شخص أمة ومات عن ابن صغير
وأخ كانت الولاية للأخ، وهو كذلك خلافا لمن قال إنها في الولاء للحاكم، فقد نقله القمولي عن العراقيين، وصوبه
البلقيني، فإن زال المانع عادت الولاية كما يشير إليه لفظة متى، وكان ينبغي تأخير هذا عن ذكره الفسق، واختلاف الدين
ليعود إليهما أيضا، فإن الولاية تنتقل فيهما إلى الابعد. ولو زوج الابعد فادعى الأقرب أنه زوج بعد تأهله، قال الماوردي:
154

فلا اعتبار بهما، والرجوع فيه إلى قول الزوجين لأن العقد لهما فلا يقبل فيه قول غيرهما. وجزم فيما لو
زوجها بعد
تأهل الأقرب أنه لا يصح سواء أعلم بذلك أم لم يعلمه. (والاغماء إن كان لا يدوم غالبا) كالحاصل بهيجان المرة
الصفراء، (انتظر إفاقته) قطعا كالنائم، (وإن كان يدوم) يوما أو يومين أو (أياما انتظر) أيضا على الأصح، لأنه
قريب الزوال كالنوم (وقيل) لا تنتظر إفاقته بل تنتقل الولاية (للأبعد) كالجنون والسكر بلا تعد في معنى الاغماء،
فإن دعت حاجتها إلى النكاح في زمن الاغماء أو السكر فظاهر كلام الشيخين أن الحاكم لا يزوجها، وهو كذلك،
وإن قال المتولي يزوجها. (ولا يقدح العمى) في ولاية التزويج (في الأصح) لحصول المقصود بالبحث والسماع.
والثاني: يقدح، لأنه نقص يؤثر في الشهادة فأشبه الصغر. وفرق الأول بأن شهادته إنما ردت لتعذر التحمل، ألا ترى
أنها تقبل فيما تحمله قبل العمى إذا لم يحتج إلى إشارة كما سيأتي إن شاء الله تعالى في بابها؟ ويجئ خلاف الأعمى
في الأخرس المفهم لغيره مراده بالإشارة التي لا يختص بفهمها الفطنون. ولا ريب أنه إن كان كاتبا تكون الولاية له
فيوكل بها من يزوج موليته أو يزوجه، وهذا مراد الروضة بأنه سوى بين الإشارة المفهمة والكتابة، وأسقطها ابن
المقري نظرا إلى تزويجه لا إلى ولايته، ولا ريب أنه لا يزوج بها لأنها كناية كما مرت الإشارة إلى ذلك. (ولا ولاية
لفاسق) غير الإمام الأعظم مجبرا كان أو لا، فسق بشرب الخمر أو لا، أعلن بفسقه أو لا، (على المذهب) بل تنتقل
الولاية للأبعد لحديث: لا نكاح إلا بولي مرشد رواه الشافعي في مسنده بسند صحيح، وفال الإمام أحمد: إنه
أصح شئ في الباب. ونقل ابن داود عن الشافعي في البويطي أنه قال: المراد بالمرشد في الحديث العدل، ولأنه نقص
يقدح في الشهادة فيمنع الولاية كالرق، ولا يرد سيد الأمة لأنه يزوج بالملك لا بالولاية كما مر، وفي المسألة طرق جمعها
بعضهم ثلاث عشرة طريقة، أشهرها على ما قاله الشيخان طريقة القولين، أصحهما عند الأكثرين ما قاله المصنف،
فكان ينبغي أن يعبر بالأظهر. والقول الثاني: أنه يلي، وبه قال مالك وأبو حنيفة وجماعات، لأن الفسقة لم يمنعوا من
التزويج في عصر الأولين. وصححه الشيخ عز الدين، وعلله بأن الوازع الطبعي أقوى من الوازع الشرعي. وأفتى
الغزالي بأنه إن كان لو سلب الولاية لانتقلت إلى حاكم فاسق ولي وإلا فلا، قال: ولا سبيل إلى الفتوى بغيره،
إذ الفسق قد عم البلاد والعباد. قال المصنف: وهذا الذي قاله حسن، وينبغي العمل به، واختاره ابن الصلاح في فتاويه.
وقال الأذرعي: ليس هذا مخالفا للمشهور عن العراقيين والنص والحديث، بل ذلك عند وجود الحاكم المرضي العالم
الأهل، وأما غيره من الجهلة والفساق فكالعدم كما صرح به الأئمة في الوديعة وفي غيرها اه‍. والأوجه إطلاق المتن
لأن الحاكم يزوج للضرورة، وقضاؤه نافذ. أما الإمام الأعظم فلا يقدح فسقه لأنه لا ينعزل به، فيزوج بناته وبنات
غيره بالولاية العامة تفخيما لشأنه، فعليه إنما يزوج بناته إذا لم يكن لهن ولي غيره كبنات غيره، ويزوج الفاسق نفسه
لأن غايته أن يضر بها، ويحتمل في حق نفسه ما لا يحتمل في حق غيره، ولهذا يقبل إقراره على نفسه، ولا تقبل
شهادته على غيره، والفسق يتحقق بارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة، ولم تغلب طاعاته على معاصيه. ولا يلزم من
أن الفاسق لا يلي اشتراط أن يكون الولي عدلا لأن بينهما واسطة، فإن العدالة ملكة تحمل على ملازمة التقوى،
والصبي إذا بلغ ولم يصدر منه كبيرة ولم تحصل له تلك الملكة لا عدل ولا فاسق وقد نقل الإمام والغزالي الاتفاق على
أن المستور يلي، وأثبت غيرهما فيه خلافا. وأصحاب الحرف الدنيئة يلون كما رجح في الروضة انقطع به بعد حكاية
وجهين. وحيث منعنا ولاية الفاسق، فقال البغوي: إذا تاب زوج في الحال، وكذا ذكره الخوارزمي، وذكر المتولي
وغيره نحوه في العضل. ووجه بأن الشرط في ولي النكاح عدم الفسق لا قبول الشهادة المعتبر فيها العدالة المتقدم تعريفها
والاستبراء إنما يعتبر لقبول الشهادة، وهذا هو المعتمد لأنه بالتزويج في العضل زال ما لأجله عصى وفسق قطعا، وبتوبته
عن فسق آخر صار مستور العدالة، وتقدم أنه يزوج. وقال ابن المقري: لا يزوج في الحال بل لا بد من الاستبراء
155

قياسا على الشهادة. (ويلي) على الأصح المنصوص (الكافر) الأصلي (الكافرة) الأصلية ولو كانت عتيقة مسلم
واختلف اعتقادهما، فيزوج اليهودي نصرانية، والنصراني يهودية كالإرث، لقوله تعالى: * (والذين كفروا بعضهم أولياء
بعض) *. وقضية التشبيه بالإرث أنه لا ولاية لحربي على ذمية وبالعكس، وأن المستأمن كالذمي، وهو كما قال شيخنا
ظاهر، وصححه البلقيني. ومرتكب المحرم المفسق في دينه من أولياء الكافرة كالفاسق عندنا فلا يزوج موليته بخلاف
ما إذا لم يرتكب ذلك، وإن كان مستورا فيزوجها كما تقرر. وفرق بين ولايته وشهادته حيث لا تقبل وإن لم يرتكب
ذلك بأن الشهادة محض ولاية على الغير، فلا يؤهل لها الكافر. والولي في التزويج كما يراعي حظ موليته يراعي حظ نفسه
أيضا في تحصينها ودفع العار عن النسب. وصورة ولاية النصراني على اليهودية: أن يتزوج نصراني يهودية فيجئ له
منها بنت، فإذا بلغت خيرت بين دين أبيها وبين دين أمها فتختار دين أمها.
تنبيه: ظاهر كلامه أنه لا فرق بين أن يكون زوج الكافرة كافرا أو مسلما، وهو كذلك، لكن لا يزوج المسلم
قاضيهم، بخلاف الزوج الكافر لأن نكاح الكفار صحيح وإن صدر من قاضيهم. أما المرتد فلا يلي مطلقا لا على
مسلمة ولا مرتدة ولا غيرهما لانقطاع الموالاة بينه وبين غيره، ولا يزوج أمته بملك كما لا يتزوج. وأفهم كلام المصنف أن الكافر لا يلي
مسلمة ولو كانت عتيقة كافر، ولا مسلم كافرة، وهو كذلك لعدم الموالاة بينهما. نعم لولي السيد تزويج
أمته الكافرة كالسيد الآتي بيان حكمه، وللقاضي تزويج الكافرة عند تعذر الولي الخاص، وللمسلم توكيل نصراني
ومجوسي في قبول نصرانية لأنهما يقبلان نكاحها لأنفسهما لا في نكاح مسلمة، إذ لا يجوز لهما نكاحها بحال بخلاف
توكيلهما في طلاقها لأنه يجوز لهما طلاقها، ويتصور بأن أسلمت كافرة بعد الدخول فطلقها زوجها ثم أسلم في العدة، أما
إذا لم يسلم في العدة فإنه يتبين أنها بانت منه بإسلامها ولا طلاق. وللنصراني ونحوه توكيل مسلم في نكاح كتابية لا في نكاح
مجوسية ونحوها، لأن المسلم لا يجوز له نكاحها بحال. وللمعسر توكيل الموسر في نكاح الأمة لأن الموسر من أهل نكاحها
في الجملة وإن لم يمكنه في الحال لمعنى فيه، فهو كمن له أربع زوجات وكله رجل ليقبل له نكاح امرأة. وهذه المسائل قد
مر أكثرها في كتاب الوكالة. (وإحرام أحد العاقدين) من ولي ولو حاكما أو زوج أو وكيل عن أحدهما، (أو الزوجة)
بنسك ولو فاسدا، (يمنع صحة النكاح) لحديث: المحرم لا ينكح ولا ينكح رواه مسلم، والكاف مكسورة فيهما والياء
مفتوحة في الأول مضمومة في الثاني. (ولا ينقل) الاحرام (الولاية للأبعد) لأنه لا يسلب الولاية لبقاء الرشد والنظر،
وإنما يمنع النكاح كما يمنعه إحرام الزوج أو الزوجة. وقوله: (في الأصح) يرجع لنقل الولاية فقط، وإذا لم ينقلها
(فيزوج السلطان عند إحرام الولي لا الابعد) لأن تأثير الاحرام يمنع الانعقاد مع بقاء الولاية لبقاء الرشد والنظر. والثاني:
ينقل للأبعد كالجنون، ورجحه في المطلب.
تنبيه: ظاهر كلامه أنه لا فرق في مدة الاحرام بين طولها وقصرها، وهو كذلك وإن قال الإمام والمتولي وغيرهما
أن ذلك محله في طويلها كما في الغيبة. وكما لا يصح نكاح المحرم لا يصح إذنه لعبده الحلال في النكاح ولا إذن المحرمة
لعبدها فيه على الأصح في المجموع. وشمل إطلاق المصنف كل محرم حتى الإمام والقاضي كما قدرته في كلامه، وفيهما
وجه أنه يصح لقوة ولايتهما. ويجوز أن تزف إلى المحرم زوجته التي عقد عليها قبل إحرامه، وأن تزف المحرمة إلى زوجها
الحلال والمحرم. وينعقد النكاح بشهادة المحرم، لأنه ليس بعاقد ولا معقود عليه، لكن الأولى أن لا يحضر، وتصح
رجعته لأنها استدامة كالامساك في دوام النكاح. وقول المصنف: أو الزوجة، قال الأذرعي: كان ينبغي أن يقول: أو أحد
الزوجين. فإن الظاهر أنه لو أحرم الصبي بإذن وليه الحلال، أو العبد بإذن سيده الحلال فعقد على ابنه أو عبده، جبرا
حيث نواه، أو بإذن سابق لم يصح كما ذكره في الروضة. (قلت) أخذا من الرافعي في الشرح: (ولو أحرم الولي
156

أو الزوج) بعد توكيله التزويج، (فعقد وكيله الحلال لم يصح) لعقد (والله أعلم) لأن الموكل لا يملكه ففرعه أولى. وأيضا
الوكيل في النكاح سفير محض، فكأن العاقد هو الموكل، ولا ينعزل الوكيل بإحرام موكله فيعقد بعد التحلل. ولو عقد
الوكيل واختلف الزوجان هل وقع قبل الاحرام أو بعده صدق مدعي الصحة بيمينه لأن الظاهر في العقود الصحة.
ولو وكل محرم حلالا في تزويجه، أو أذنت محرمة لوليها أن يزوجها صح، سواء أقال كل لتزويج بعد التحلل أم طلق أم طلق،
لأن الاحرام إنما يمنع الانعقاد دون الاذن، وإن شرط صدور العقد في الاحرام لم يصح التوكيل ولا الاذن. ولو وكل
حلال محرما ليوكل حلالا في التزويج صح لأنه سفير محض. قال الزركشي: هذا إذا لم يقل له وكل عن نفسك فإن قال
له ذلك ينبغي أنه لا يصح كما ذكروا مثله فيما إذا وكل المولى المرأة لتوكل عن نفسها من يزوجها. قال شيخنا: والأوجه
الصحة. ويفرق بأن المرأة ليست أهلا للتزويج أصلا، بخلاف المحرم فإنه في ذاته أهل لذلك وإنما عرض له مانع يزول عن
قرب اه‍. لكن كلام الزركشي مطلق، فإن حمل على أنه لم يقيد التزويج بحال الاحرام فما قاله شيخنا في الرد عليه
صحيح، وإن حمل على التقيد بحال الاحرام فما قاله الزركشي صحيح، كما لو قال المحرم للحلال: زوجني حال إحرامي،
فلم يتحرر بينهما محل النزاع.
فائدة: لو تزوج ناسيا للصلاة صحت صلاته ونكاحه، بخلاف المحرم لو تزوج ناسيا للاحرام لم يصح نكاحه،
لأن عبارة المحرم غير صحيحة وعبارة المصلي صحيحة. (ولو غاب) الولي (الأقرب) نسبا أو ولاء (إلى مرحلتين) ولا
وكيل له حاضر بالبلد، أو دون مسافة القصر، (زوج السلطان) أي سلطان بلدها أو نائبه لا سلطان غير بلدها ولا الابعد
على الأصح، لأن الغائب ولي والتزويج حق له، فإذا تعذر استيفاؤه منه ناب عنه الحاكم، وقيل: يزوج الابعد كالجنون.
قال الشيخان: والأولى للقاضي أن يأذن للأبعد أن يزوج أو يستأذنه فيزوج القاضي للخروج من الخلاف. (ودونهما)
أي المرحلتين (لا يزوج إلا بإذنه في الأصح) لقصر المسافة، فيراجع فيحضر أو يوكل كما لو كان مقيما. والثاني: يزوج، لئلا
تتضرر بفوات الكفء. الراغب كالمسافة الطويلة. وعلى الأول لو تعذر الوصول إليه لفتنة أو خوف جاز للسلطان أن
يزوج بغير إذنه، قاله الروياني. قال الأذرعي: والظاهر أنه لو كان في البلد في سجن السلطان وتعذر
الوصول إليه أن
القاضي يزوج، ويزوج القاضي أيضا عن المفقود الذي لا يعرف مكانه ولا موته ولا حياته، لتعذر نكاحها من جهته
فأشبه ما إذا عضل، هذا إذا لم يحكم بموته وإلا زوجها الابعد، وللقاضي التعويل على دعواها غيبة وليها، وأنها خلية عن
النكاح والعدة، لأن العقود يرجع فيها إلى قول أربابها لكن يستحب إقامة البينة بذلك ولا يقبل فيها إلا شهادة مطلع على
باطن أحوالها. قال الرافعي بعد ذكره استحباب إقامة البينة: فعلى هذا لو ألحت في المطالبة ورأي القاضي التأخير فهل له
ذلك؟ وجهان، أظهرهما له ذلك احتياطا للأنكحة، وله تحليفها أنها لم تأذن للغائب إن كان ممن لا يزوج إلا بإذن، وعلى أنه لم
يزوجها في الغيبة، ومثل هذه اليمين التي لا تتعلق بدعوى هل هي واجبة أو مندوبة؟ وجهان، ويظهر الأول احتياطا للأبضاع.
ولو زوجها الحاكم لغيبة وليها ثم قدم وقال: كنت زوجتها في الغيبة قدم نكاح الحاكم، ويفارق ما لو باع عبد الغائب لدين عليه
فقدم وادعى بينة حيث يقدم بيع المالك بإذن الحاكم في النكاح كولي آخر. ولو كان لها وليان فزوج أحدهما في غيبة الآخر ثم
قدم وادعى سبقه كلف البينة. ولو باع الوكيل ثم ادعى الموكل سبقه فكذلك على الأظهر في النهاية فإن أقام الولي بينة بسبقه
قدم نكاحه. وسيأتي بقية التفصيل في الوليين فيأتي مثله هنا. (وللمجبر) لموليته (التوكيل في التزويج) منها (بغير إذنها) كما
يزوجها بغير إذنها، لكن يسن له استئذانها ويكفي سكوتها. (ولا يشترط) في جواز توكيل المجبر (تعيين الزوج) للوكيل (في
الأظهر) لأنه يملك التعيين في التوكيل فيملك الاطلاق به كما في البيع وسائر التصرفات. والثاني: يشترط ذلك
157

لاختلاف الأغراض باختلاف الأزواج، وليس للوكيل شفقة تدعوه إلى حسن الاختيار. وأجاب الأول بأن شفقة الولي
تدعوه إلى أنه لا يوكل إلا من يثق بنظره واختياره. (ويحتاط) حتما (الوكيل) عند الاطلاق، (فلا يزوج غير كفء) لأن
الاطلاق مقيد بالكفء، ولا كفء مع طلب أكفأ منه، فإن زوج به لم يصح. (وغير المجبر) لكونه غير أب أو جد أو
لكونها ثيبا (إن قالت له: وكل، وكل) يتناول كلامه ثلاث صور: الأولى: قالت له: زوج ووكل فله الأمران جزما.
الثانية: قالت: وكل وسكتت عن التزويج إلى التوكيل جزما، وظاهره أنه لا يزوج بنفسه وليس مرادا، بل له ذلك.
الثالثة: أذنت له في التوكيل ونهته عن التزويج بنفسه، ظاهره صحة الاذن، وليس مرادا بل الاذن باطل، لأنها منعت
الولي وردت التزويج إلى التوكيل الأجنبي فأشبه التفويض إليه ابتداء. (وإن) أذنت له في التزويج (ونهته) عن التوكيل (فلا)
يوكل، ونفى الإمام والبغوي الخلاف فيه عملا بإذنها لأنها إنما تزوج بالاذن ولم تأذن في تزويج الوكيل بل نهت
عنه. (وإن
قالت) له (زوجني) ساكتة عن التوكيل والنهي عنه، (فله التوكيل في الأصح) لأنه بالاذن متصرف بالولاية فأشبه الوصي
والقيم وهما يتمكنان من التوكيل بغير إذن، بل هو أولى منهما لأنهما نائبان وهو ولايته أصلية بالشرع، وإذنها في التزويج
شرط في صحة تصرفه وقد حصل والثاني: لا، لأنه يتصرف بالاذن فلا يوكل إلا بإذن كالوكيل. وعلى الأول لا يشترط
تعيين الزوج للوكيل، فإن عينت في أذنها للولي شخصا وجب تعيينه للوكيل في التوكيل وإلا لم يصح النكاح وإن زوجها
الوكيل من المعين اتفاقا، لأن التفويض المطلق مع أن المطلوب معين فاسد، وهذا كما لو قال ولي الطفل للوكيل: بع ماله
بدون ثمن المثل فباعه الوكيل بثمن المثل فإنه لا يصح لفساد صيغة التفويض. (ولو وكل) غير المجبر (قبل استئذانها في النكاح
لم يصح) التوكيل (على الصحيح) المنصوص، لأنه لا يملك التزويج بنفسه حينئذ فكيف يوكل غيره. والثاني: يصح، لأنه يلي
تزويجها بشرط الاذن، فله تفويض ما له لغيره.
تنبيه: كان الأولى أن يقول: قبل إذنها، لأن استئذانها بغير إذنها لا عبرة به، وقد يفهم كلامه أنها لو أذنت له ولم
يعلم فوكل أنه لا يصح، وينبغي كما قال الزركشي الصحة، كما لو تصرف الفضولي وكان وكيلا في نفس الامر، ولو لم
يكن لها ولي سوى الحاكم وأمر رجلا بتزويجها قبل أن تأذن له في تزويجها فزوجها بإذنها صح، بناء على أن استنابة الحاكم
في شغل معين كتحليف وسماع شهادة تجري مجرى الاستخلاف، ولو قالت للقاضي: أذنت لأخي أن يزوجني، فإن عضل
فزوجني هل يصح الاذن أو لا؟ الظاهر كما قاله الزركشي البطلان، ولو وكل المجبر رجلا ثم زالت البكارة بوطئ قبل
التزويج هل تبطل الوكالة أو لا لكن لا يزوج إلا بإذن؟ الأوجه الأول. ولو قال لوكيله في النكاح: تزوج لي فلانة
من فلان وكان فلان وليها لفسق أبيها ثم انتقلت الولاية للأب، أو قال له: زوجنيها من أبيها فمات الأب وانتقلت الولاية
للأخ مثلا، هل للوكيل تزويجها ممن صار وليا؟ الظاهر كما قال الزركشي المنع. (وليقل وكيل الولي) للزوج: (زوجتك بنت
فلان) أي زيد مثلا، فيقبل.
تنبيه: قضية قوله: بنت فلأن جواز الاقتصار على اسم الأب، ومحله إن كانت مميزة بذكر الأب وإلا فلا بد أن
يذكر صفتها ويرفع نسبها إلى أن ينتفي الاشتراك كما يؤخذ من كلام الجرجاني. (وليقل الولي لوكيل الزوج: زوجت بنتي
فلانا) أي موكله، (فيقول وكيله: قبلت نكاحها له) فإن ترك لفظة له لم يصح العقد كما لو قال الزوج قبلت ولم يقل
نكاحها أو تزويجها، ومع ذلك فمحل الاكتفاء بما ذكر في الأولى إذا علم الشهود والزوج الوكالة، وفي الثانية
إذا
158

علمها الشهود والولي، وإلا فيحتاج الوكيل إلى التصريح فيهما.
تنبيه: قد يفهم قول المصنف: فيقول أنه لا يجوز تقديم القبول على الايجاب، كقول وكيل الزوج: قبلت نكاح
فلانة منك لفلان فيقول الولي: زوجتها له؟ وليس مرادا، فإن الذي جزم به في الروضة الجواز وسيأتي ما يدل عليه.
فروع: لو قال الولي لوكيل الزوج: زوجتك بنتي فقال: قبلت نكاحها لموكلي لم يصح العقد لعدم التوافق، فإن
قال: قبلت نكاحها وسكت انعقد له. ولا يقع العقد للموكل بالنية بخلاف البيع، لأن الزوجين هنا بمثابة الثمن والمثمن في البيع،
فلا بد من ذكرهما، ولان البيع يرد على المال وهو يقبل النقل من شخص إلى آخر فيجوز أن يقع للوكيل ثم ينتقل للموكل
والنكاح يرد على البضع وهو لا يقبل النقل. وإنكار الموكل في نكاحه للوكالة يبطل النكاح بالكلية بخلاف البيع لوقوعه
للوكيل كما مر في كتاب الوكالة. وليقل وكيل الولي لوكيل الزوج: زوجت فلانة فلانا فيقول وكيل الزوج: قبلت نكاحها له،
ولو قال وكيل الزوج: قبلت نكاح فلانة منك لفلان، فقال وكيل الولي: زوجتها فلانا صح، لأن تقديم القبول على الايجاب
جائز كما مر، فإن اقتصر وكيل الولي على قوله: زوجتها لم يصح كما لو تقدم على القبول، ولو أراد الأب أن يقبل النكاح
لابنه بالولاية فليقل له الولي: زوجت فلانة بابنك، فيقول الأب: قبلت نكاحها لابني. ولا يشترط في التوكيل بقبول
النكاح أو إيجابه ذكر المهر، فإن لم يذكره الزوج فيعقد له وكيله على من يكافئه بمهر المثل فما دونه، فإن عقد بما فوقه
صح بمهر المثل قياسا على نظيره في الخلع خلافا لما في الأنوار من جزمه بعدم الصحة. وإن عقل وكيل الولي بدون
ما قدر له الولي صح بمهر المثل، خلافا لما جرى عليه ابن المقري من عدم الصحة. وإن عقد وكيل الزوج بأكثر مما
أذن له فيه الزوج صح بمهر المثل على المذهب المنصوص كما قاله الزركشي، خلافا لما في الأنوار من الجزم بعدم الصحة.
ولو قال الولي للوكيل: زوجها بشرط رهن أو ضمين بالمهر فلم يمتثل لم ينعقد تزويجه، بخلاف ما لو قال: زوجها بكذا وخذ به
رهنا أو كفيلا فزوجها ولم يمتثل فإن العقد يصح كما في البيع فيهما. ولو وكله أو يزوجه امرأة ولم يعين المرأة لم يصح
التوكيل كما في الوكالة بشراء عبد لم يصفه بل أولى، بخلاف ما لو قال: زوجني من شئت فيصح لأنه عام. وما ذكر مطلق
ودلالة العام على إفراده ظاهرة، بخلاف المطلق لا دلالة له على فرد، وبخلاف ما لو وكلت المرأة أو الولي فإنه لا يشترط تعيين الزوج
كما مر في إلزام الزوج من الحقوق ولا كذلك هي. ولو قال شخص لآخر: زوجني فلانة بعبدك هذا مثلا ففعل صلح
وملكته المرأة في أحد وجهين رجحه الأذرعي، وهو قرض في أحد وجهين رجحه الأذرعي أيضا. (ويلزم
المجبر)
وهو الأب أو الجد، بنصب المجبر مفعولا مقدما، (تزويج) بالرفع على أنه فاعل مؤخر، (مجنونة) أطبق جنونها (بالغة)
محتاجة ولو ثيبا، لاكتسابها المهر والنفقة، وربما كان جنونها لشدة الشبق. (ومجنون) بالغ أطبق جنونه و (ظهرت
حاجته) للنكاح بظهور رغبته فيه، إما بدورانه حول النساء وتعلقه بهن أو بتوقع شفائه بالوطئ بقول عدلين من الأطباء
لظهور المصلحة المترتبة على ذلك، فإن تقطع جنونهما لم يزوجها حتى يفيقا ويأذنا، ومعلوم أن ذلك في غير البكر،
ويشترط وقوع العقد في حال الإفاقة.
تنبيه: لو قال المصنف: يزوجان بكبر لحاجة لكان أولى، إذ لا فرق بينهما. وقول الشارح: والحكمة في المخالفة
بينهما، أن تزويجها يفيدها المهر والنفقة وتزويجه يغرمه إياهما بحسب ما فهمه، إذ وجود الحاجة كاف فيهما، ولذا عبر شيخنا
في منهجه بما قلته واعتذر عن المصنف بأن البلوغ مظنة الاحتياج إلى النكاح، ولهذا لم يقيد المجنون بالبلوغ لدلالة الحاجة
عليه. وقيل: إن ذلك مشتمل على النوع المسمى في البديع بالاحتباك، وهو أن يحذف من أول الكلام ما أثبت آخره
وعكسه، فحذف ظهور الحاجة في المجنونة وأثبت البلوغ فيها وحذف البلوغ في المجنون وذكر الحاجة فيه، فهو نظير قوله
تعالى: * (فئة تقاتل في سبيل الله) *، أي مؤمنة، * (وأخرى كافرة) * أي تقاتل في سبيل الشيطان. ولا يخالف هذا قول المصنف
الآتي: ويزوج المجنونة أب وجد إن ظهرت مصلحة، ولا تشترط الحاجة لأن ذلك في جواز التزويج له وهذا في لزومه
ولو احتاج مجنون لمن يخدمه وليس في محارمه من يقوم بخدمة ومؤن النكاح أخف من شراء أمة ومؤنتها فإنه يزوج،
159

نص عليه. فإن قيل: الزوجة لا يلزمها خدمة زوجها وإن وعدت ربما لا تفي. أجيب بأن طبعها يدعوها إلى خدمته،
والوازع الطبعي أقوى من الشرعي فقدم عليه. (ولا) يلزم المجبر تزويج (صغيرة و) لا (صغير) سواء أكانا عاقلين أم
مجنونين لعدم الحاجة في الحال، وسيأتي الكلام على الجواز. والمراد بالصغيرة والصغير البكر فإن الصغيرة الثيب العاقلة
لا تزوج بحال كما مر. (ويلزم المجبر) بالنصب، وهو الأب والجد (وغيره إن تعين) كأخ واحد أو عم، (إجابة) بالرفع،
(ملتمسة التزويج) البالغة إن دعت إلى كفء تحصينا لها، فإن امتنع أثم، كالقاضي أو الشاهد إذا تعين عليه القضاء
أو الشهادة وامتنع. وقيل: لا يلزمه الإجابة ولا يأثم، لأن الغرض يحصل بتزويج الحاكم. (فإن لم يتعين) غير المجبر
(كإخوة) أشقاء أو لأب، (فسألت بعضهم) التزويج، (لزمه الإجابة) إليه (في الأصح) لئلا يؤدي إلى
التواكل
فلا يعفوها. والثاني: المنع، لامكانه بغيره، وهما كالوجهين في الشهود إذا طلب من بعضهم أداء الشهادة. وقضية الأول
أنه يصير بالامتناع عاضلا فيزوج السلطان. قال الزركشي: وهو مشكل، إذ كيف يزوج مع وجود ولي آخر في درجة
الممتنع والأقرب أنه يزوج هنا بإذنهم، وينبغي ضبط مدة المراجعة بمسافة القصر اه‍. وما قاله مخالف للروضة وأصلها
من أن السلطان إنما يزوج عند امتناع الجميع، وتقدم كيفية العضل فلا يتقيد بمدة. (وإذا اجتمع أولياء) من النسب (في درجة)
ورتبة كإخوة أشقاء أو لأب أو أعمام كذلك وأذنت لكل منهم بانفراده أو قالت: أذنت في فلان فمن شاء منكم فليزوجني
منه، (استحب أن يزوجها أفقههم) بباب النكاح، لأنه أعلم بشرائطه، وبعده أورعهم كما في الروضة لأنه أشفق وأحرص على
طلب الحظ. (و) بعده (أسنهم) لزيادة تجربته، (برضاهم) أي رضا الباقين، لأنه أحوج للمصلحة لتجتمع الآراء ولا
يتشوش بعضهم باستيثار بعض. فإن زوجها المفضول برضاهما بكفء صح ولا اعتراض للباقين، أو بغير كفء لم يصح
حتى يجتمعوا، ولو عينت بعد إطلاق الاذن واحدا لم ينعزل الباقون، ولو أذنت لأحدهم لم يزوج غيره. ولو قالت: زوجوني
اشترط اجتماعهم في الأصح، أما أولياء العتق فيجب اجتماعهم في العقد ولو بوكالة، نعم عصبة المعتق كالأقارب. (فإن
تشاحوا) بأن قال كل منهم: أنا أزوج ولم يرضوا بواحد منهم وقد أذنت لكل منهم واتحد الخاطب، (أقرع) بينهم وجوبا قطعا
للنزاع. فمن خرجت قرعته زوج ولا تنتقل الولاية للسلطان أما إذا تعدد الخاطب، فإنه يعتبر رضاها، وإن رضيت بالجميع
أمر القاضي بتزويجها من الأصلح لها منهم، أي بعد تعيينه. ولو أذنت لجماعة من القضاة على أن يستقل كل منهم بتزويجها
فتنازعوا فيمن يزوج - قال الزركشي: والظاهر أنه لا يقرع لأن كلا منهم مأذون له في الانفراد ولاحظ له فيه - فليبادر
إلى التصرف إن شاء بخلاف الولي. وأطلق ابن كج أن الذي يقرع بين الأولياء هو السلطان. وقال ابن داود: يندب أن يقرع
السلطان، فإن أقرع غيره جاز، وهذا أوجه. (فلو زوج‍) ها بعد القرعة (غير من خرجت قرعته وقد أذنت لكل منهم) أن
يزوجها، (صح) تزويجه (في الأصح) للاذن فيه. والثاني: لا يصح، ليكون للقرعة فائدة. وأجاب الأول بأن فائدتها قطع
النزاع بينهم لا سلب الولاية عمن لم تخرج له. وخرج بقيد خروج القرعة لأحدهم ما لو بادر أحدهم وزوج مع التنازع
قبل القرعة فإنه يصح قطعا بلا كراهة، لأنه لم يوجد ما يميز حق الولاية بغيره. وبقوله: وقد أذنت لكل منهم ما لو أذنت
لأحدهم فزوج الآخر، فإنه لا يصلح قطعا كما مر. (ولو) أذنت لهم في التزويج و (زوجها أحدهم) أي الأولياء المستورين في
الدرجة، (زيدا) وهو كفء، (وآخر عمرا) كذلك، أو أذنت لأحدهم أن يزوجها من زيد والآخر أن يزوجها من عمرو فزوجاها،
أو وكل المجبر رجلا فزوجها الولي بزيد والوكيل عمرا، أو وكل رجلين فزوجاها من كفؤين، فلهذه المسألة خمسة أحوال، شرع
160

المصنف في أولها بقوله: (فإن عرف السابق) منهما ببينة أو تصادق معتبر، (فهو الصحيح) وإن دخل بها المسبوق،
والآخر باطل، ثم شرع في ثانيها بقوله: (وإن وقعا) أي التزويجات (معا) وتعدد الخاطب. ثم شرع في ثالثها بقوله:
(أو جهل السبق والمعية) فيهما، (فباطلان) أما في الأولى فلان الجمع ممتنع وليس أحدهما أولى من الآخر، فتعين
بطلانهما. وأما في الثانية فلأنهما إن وقعا معا تدافعا، أو مرتبا فلا اطلاع على السابق منهما، وإذا تعذر إمضاء
العقد لغا، إذ الأصل في الايضاع الحرمة حتى يتحقق السبب المبيح. فإن اتحد الخاطب في الصورة الأولى بأن أوجب
كل من الوليين له معا صح ويقبل كل من الايجابين. ويستحب في الصورة الثانية أن يقول القاضي: فسخت السابق
منهما أو يأمرهما أو أحدهما بالتطليق ليكون نكاحها بعد على يقين الصحة، ويثبت للقاضي هذه الولاية في هذه
الحالة للضرورة، قاله المتولي وغيره. ثم شرع في رابعها بقوله: (وكذا لو عرف سبق أحدهما) أي الزوجين، (ولم
يتعين) بأن أيس من تعيينه ولم ترج معرفته، فباطلان أيضا (على المذهب) أما الثاني منهما فظاهر، وأما الأول
فلتعذر إمضائه لعدم تعيينه. والطريق الثاني: قولان، أحدهما هذا. والثاني: مخرج من نظير المسألة في الجمعتين أنه
يوقف الامر حتى يتعين، فإن رجي معرفته وجب التوقف كما في الذخائر.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن النكاحين يبطلان ظاهرا وباطنا فيما إذا علم السبق دون السابق وعند جهل السبق
والمعية، قال الأذرعي: وهو الذي اقتضاه كلام الشيخ أبي حامد وغيره. والذي في الروضة: ينبغي أن يقال الأصح إن جرى فسخ
من الحاكم فسخ باطنا وإلا فلا، لأن المرأة لما لم يحصل لها العوض عاد إليها المعوض، كالبائع إذا أفلس المشتري بثمن سلعته
عادت إليه بفسخ الحاكم ملكا ظاهرا وباطنا. ثم شرع في خامسها بقوله: (ولو سبق معين ثم اشتبه) بالآخر، (وجب
التوقف حتى يتبين) السابق لجواز التذكر، لأنا تحققنا صحة العقد فلا يرتفع إلا بيقين فيمتنعان منها، فلا يحل لواحد
منهما الاستمتاع بها. ولا تنكح غيرهما إلا ببينونتها منهما بأن يطلقاها أو يموتا أو يطلقها أحدهما ويموت الآخر،
وتنقضي عدتها من موت آخرهما ولا يبالي بطول ضررها كزوجة المفقود. والذي انقطع دمها بمرض ونحوه فإنها
تصير إلى سن اليأس مع الضرر، ولها طلب فسخ نكاحها في هذه الحالة لتضررها بسبب التوقف للاشكال كالعيب
كما قاله الشيخان في موانع النكاح.
تنبيه: هذا كله إذا كانا كفؤين كما تقرر، فإن كانا غير كفؤين فنكاحهما باطل، أو أحدهما كفء فنكاحه
هو الصحيح وإن تأخر، وهو محمول على إذا لم يرضوا بكل منهما. وحيث قلنا بالتوقف فمات في مدته أحدهما وقف
من تركته ميراث زوجة إن لم يكن له غيرها وإلا فحصتها من الربع أو الثمن، أو ماتت هي وقف ميراث زوج إلى تبين
الحال أو الاصطلاح، ولا يطالب أحدهما بالمهر للاشكال، ولا سبيل إلى إلزام مهرين ولا إلى قسمة مهر عليهما. وفي
مطالبتها بالنفقة وجهان: أصحهما عند الإمام والغزالي لا، لعدم التمكين، والأصل البراءة وحبسها ليس من جهتهما،
وعند ابن كج وغيره نعم لصورة العقد وعدم النشوز مع حبسها، وكلام الرافعي في الشرح الصغير يقتضي ترجيحه،
وهو المعتمد، وليس في الروضة كأصلها تصريح بترجيح. وعلى الوجوب يوزع عليهما، فإن تعين السابق منهما
وقد اتفقا لم يرجع الآخر عليه بما أنفق إلا إذا أنفق بإذن الحاكم كما صوبه الأسنوي وغيره، وقال أبو عاصم العبادي:
يحتمل أن يقال إنما يرجع إذا أنفق بغير إذن الحاكم، وبهذا قطع ابن كج، كذا في الروضة وأصلها. وجرى على
هذا ابن المقري، ووجهه شيخي بأن الاذن هنا بمعنى الالزام، واللازم للشخص لا يرجع به، ومع هذا فالأوجه الأول.
وما تقدم كله عند اعتراف الزوجين بالاشكال. (فإن ادعى كل زوج) منهما عليها أو أحدهما فقط، وكل كفء كما مر
أو عند إسقاط الكفاءة، (علمها بسبقه) أي سبق نكاحه معينا، ولو عبر به كان أولى، (سمعت دعواهما بناء على
161

الجديد، وهو قبول إقرارها بالنكاح) لئلا يتعطل حقاهما، فإن لم يقبل إقرارها لم تسمع إذ لا فائدة فيه. وخرج بقوله:
بسبقه أي سبق نكاحه ما إذا ادعيا عليها أنها تعلم سبق أحد النكاحين، فإنها لا تسمع أيضا كما جزم به في الروضة كأصلها،
للجهل بالمدعى. وقال السبكي: نص الأم يقتضي أنها تسمع للحاجة.
تنبيه: قوله: فإن ادعى كل زوج: أي عليها كما قدرته، وصرح به في المحرر، ويفهمه قول المصنف علمها.
وخرج به دعوى كل من الزوجين على الآخر فلا تسمع، لأن الحرة لا تدخل تحت اليد، فليس في يد واحد منهما ما يدعيه
الآخر. وذكر الحرة جرى على الغالب وإلا فالزوجة لا تدخل تحت اليد من حيث الزوجية مطلقا. وخرج به أيضا
الدعوى على الولي، وحكمه إن كان مجبرا سمعت، ويحلف وإن كانت كبيرة على الأصح، وإلا فلا لأن إقراره لا يقبل.
ثم إن حلف فللمدعي منهما تحليف الثيب أيضا بعد الدعوى عليها، فإن نكلت حلف المدعي اليمين المردودة وثبت نكاحه،
وكذا إن أقرت له، ولا يقدح فيه حلف الولي. (فإن أنكرت) علمها به (حلفت) بضم أوله بخطه، على نفي العلم، لأن اليمين
توجهت عليها بسبب فعل غيرها. ويستثنى من تحليفها ما لو كانت خرساء أو معتوهة أو صبية أو خرست بعد التزويج
فليس عليها يمين وينفسخ النكاح كما نقله الجوزي عن النص. وأما إقرار
تنبيه: قضية كلامه الاكتفاء بيمين واحدة، وهو أحد وجهين قال الخرساء فسيأتي به القفال. والوجه الثاني: يجب لكل منهما
يمين وإن رضيا بيمين واحدة، وبه قال البغوي، وهو الأوجه كما رجحه السبكي. ولو حلفها الحاضر فهل للغائب
تحليفها لتمييز حق كل منهما عن الآخر أو لا لأن الواقعة واحدة؟ وجهان، والأوجه الأول كما يؤخذ من ترجيح ما مر.
ومحل الخلاف إذا حفلت أنها لا تعلم سبقه ولا تاريخ العقدين، فإن اقتصرت على أنها لا تعلم سبقه تعين الحلف للثاني، وأجري
هذا الخلاف في كل خصمين يدعيان شيئا واحدا. وإذا حلفت لهما بقي الاشكال. وفي بقاء التداعي والتحالف بينهما
وجهان: أحدهما لا، وهو ما نص عليه الشافعي والعراقيون وغيرهم كما حكاه جماعة منهم: ابن الرفعة، وصرح كغيره
تفريعا عليه ببطلان النكاحين. وثانيهما: نعم، وهو ما نقله الرافعي عن الإمام والغزالي، لأنها إنما حلفت على نفي العلم بالسبق،
وهو لا ينافي جريان أحد العقدين على الصحة، والممتنع إنما هو ابتداء التداعي والتحالف بينهما من غير ربط الدعوى
بها. والأول كما قال شيخي أوجه. فإن ردت عليهما اليمين فحلفا أو نكلا بقي الاشكال. وقياس ما مر عن ابن الرفعة
أن يقال: فإن حلفا أو نكلا بطل نكاحهما كما لو اعترفا بالاشكال، وبه صرح الجرجاني، واقتضاه كلام غيره، وجرى
عليه شيخنا في شرحه على البهجة. وإن حلف أحدهما اليمين المردودة ثبت نكاحه، ويحلفان على البت لأنهما يحلفان على
فعل أنفسهما بخلاف المرأة كما مر. (و) على الجديد أيضا (إن أقرت) بالسبق (لأحدهما ثبت نكاحه) منها بإقرارها، ويصح
إقرار الخرساء وشبهها بالإشارة المفهمة بسبق نكاح أحدهما، وإلا فلا يصح ذلك، ولا يمين عليها. والحال حال الاشكال
(و) أما (سماع دعوى) الزوج (الآخر) عليها (وتحليفها له) فإنه (ينبني على القولين) السابقين في كتاب الاقرار، (فيمن) أي
في مسألة من (قال) في إقراره (هذا) المال (لزيد) لا (بل) هو (لعمرو. هل يغرم لعمرو) وهو من وضع المظهر موضع
المضمر. (إن قلنا نعم) أي يغرم، وهو أظهر القولين هناك، (فنعم) أي فتسمع الدعوى وله التحليف رجاء أن تقر فيغرمها
مهر المثل وإن لم تحصل له الزوجية، فإن نكلت وحلف غرمت له مهر مثلها وإن لم يدخل بها، فإن لم يحلف فلا غرم له
عليها، وإن أقرت لهما معا فهو لغو.
فرعان: أحدهما: قولها لأحدهما: لم يسبق نكاحك إقرار منها للآخر إن اعترفت قبله بسبق أحدهما، وإلا
فيجوز أن يقعا معا، فلا تكون مقرة بسبق العقد الآخر. ثانيهما: إذا لم يتعرض للسبق ولا لعلمها به وادعيا عليها
162

الزوجية وفصلا القدر المحتاج إليه لزمها الحلف الجازم لكل منهما بأن تحلف أنها ليست زوجته، ولا يكفيها الحلف على
نفي العلم السابق، ويجوز لها ذلك إن لم تعلم سبقه، وعدم العلم يجوز لها الحلف الجازم. ثم شرع في تولي طرفي عقد النكاح
الذي ينفرد به الجد عن الأب، فقال: (ولو تولى) جد (طرفي عقد في تزويج بنت ابنه بابن ابنه الآخر صح في الأصح) لقوة
ولايته كالبيع. والثاني: لا يصح، لأن خطاب الانسان مع نفسه لا ينتظم، ولخبر: كل نكاح لا يحضره أربعة فهو سفاح رواه
البيهقي والدارقطني.
تنبيه: للمسألة كما قال المصنف في نكت التنبيه شروط: الأول: أن لا يكون أبو الولد من أهل الولاية وأن يكون
ابن الابن محجورا عليه، وأن تكون بنت الابن بكرا أو مجنونة، فاستفيد من الشرط الثالث أن يكون الجد مجبرا،
وبه صرح الماوردي وغيره من العراقيين، فلا يجوز في بنت ابنه الثيب البالغة العاقلة، وهو وارد على إطلاق المصنف.
ولا بد من إيجاب وقبول كالبيع وأولى، وقيل: يكفي الايجاب، وشرط صاحب الاستقصاء وابن معين في التنقيب أن
يقول: وقبلت بالواو نكاحها. فلو تركها لم يصح. قال الزركشي: وينبغي طرده في البيع ونحوه اه‍. وهذا كما قال
شيخي رأي مرجوح.
فروع: من لا ولي لها إلا الحاكم إذا زوجها لمجنون ونصب من يقبل ويزوجها منه وبالعكس فإنه يصح، نبه على
ذلك الزركشي. وفي البحر: لو أراد الحاكم تزويج مجنونة بمجنون لا نص فيه والقياس أنه لا يتولى الطرفين ولا يحتمل
على المذهب غيره، وللعم تزويج بنت أخيه بابنه البالغ، ولابن العم تزويج بنت عمه بابنه البالغ على المذهب فيهما لأنه
لم يوجد تولي الطرفين، فإن زوجها أحدهما بأبيه الطفل لم يصح لأنه نكاح لم يحضره أربعة، وليس له قوة الجدودة،
وعليه قال البلقيني: الأقرب أنه لا يتعين الصبر إلى بلوغ الصبي فيقبل، بل يقبل له أبوه والحاكم بزوجها منه، كالولي إذا أراد أن
يتزوج موليته. ولو تولى الطرفين في تزويج عبده بأمته إن قيل له إجباره صح وإلا فلا، والأصح ليس له ذلك. (ولا يزوج
ابن العم) ونحوه كمعتق وعصبته (نفسه) وحينئذ فلا يتولى طرفي العقد، (بل يزوجه ابن عم) له شقيق أو لأب (في درجته)
بأن كان مساويا له فيها، فإذا كان ابن العم شقيقا وله ابنا عم أحدهما شقيق والآخر لأب زوجها منه الأول. هذا إن
وجد، (فإن فقد) من في درجته حسا أو حكما كأن كان ابن عم شقيقا ومعه آخر لأب، (فالقاضي) أي قاضي بلدها لا قاضي
بلده، يزوجه في الأصح بالولاية العامة، ولا تنتقل الولاية للأبعد، ولو قالت لابن عمها أو لمعتقها: زوجني من نفسك
زوجه القاضي بهذا الاذن كما صوبه في الروضة، خلافا لما صوبه البلقيني، لا إن قالت: زوجني من شئت أو زوجني. (فلو
أراد القاضي نكاح من لا ولي لها) مختص بها لنفسه أو لموليه بقبوله له، (زوجه من فوقه) كالسلطان أو من هو مثله (من
الولاة) في بلده أو غيرها إن كانت الزوجة في عمل ذلك القاضي، (أو خليفته) لأن حكمه نافذ عليه. وفيه وجه نقل عن
ابن يحيى البلخي القاضي أنه يتولاه بنفسه، وفعله حين كان قاضيا بدمشق، قال السبكي: وهو من غرائبه. ويجري
الخلاف في تزويج القاضي الإمام الأعظم ومحجوره، فيزوجها منه القاضي بالولاية كما يزوج خليفة القاضي من القاضي:
(وكما لا يجوز لواحد) غير الجد (تولي الطرفين، لا يجوز أن يوكل وكيلا في أحدهما) ويتولى الطرف الآخر، (أو وكيلين فيهما)
أي واحد في الايجاب وآخر في القبول فيتولاه، لم يجز (في الأصح) لأن فعل وكيله كفعله، بخلاف تزويج خليفة القاضي
له لأن تصرفه بالولاية. والثاني: يجوز، لانعقاده بأربعة.
163

تنبيه: مقتضى تعليلهم أن الجد لو وكل وكيلا في تولي الطرفين يجوز لأن له تعاطيه، وقضية كلام ابن الرفعة
المنع، وهو المعتمد كما قاله شيخي، إذ لا يلزم من جواز فعل الشخص لشئ جواز توكيله فيه نعم لو وكل وكيلين
في ذلك صح.
فصل: في الكفاءة المعتبرة في النكاح دفعا للعار: وليست شرطا في صحة النكاح، بل هي حق للمرأة والولي فلهما
إسقاطها، وحينئذ فإذا (زوجها الولي) المنفرد كأب أو عم (غير كفء برضاها، أو) زوجها بعض (الأولياء المستوين)
كإخوة وأعمام (برضاها ورضا الباقين) ممن في درجته غير كفء، (صح) التزويج لأن الكفاءة حقها وحق الأولياء كما
مر، فإن رضوا بإسقاطها فلا اعتراض عليهم. واحتج له من الأم بأن النبي (ص) زوج بناته من غيره ولا
أحد يكافئه. قال السبكي: إلا أن يقال إن ذلك جاز للضرورة لأجل نسلهن وما حصل من الذرية الطاهرة، كما جاز لآدم
(ص) تزويج بناته من بنيه اه‍. وأمر النبي (ص) فاطمة بنت قيس وهي قرشية بنكاح أسامة وهو مولى للنبي
(ص)، متفق عليه. وفي الدارقطني أن أخت عبد الرحمن بن عوف، وهي هالة، كانت تحت بلال. وهو
مولى للصديق رضي الله تعالى عنه. وفي الصحيحين: أن المقداد رضي الله تعالى عنه تزوج ضباعة بنت الزبير بن عبد
المطلب وكانت قرشية، والمقداد ليس بقرشي، وفيهما أيضا: أن أبا حذيفة زوج سالما مولاه لابنة أخيه الوليد بن عتبة.
فإن قيل: موالي قريش أكفاء لهم. أجيب بأن الجمهور على المنع كما نقله في زيادة الروضة.
تنبيه: شمل قوله: برضاها ما إذا كانت مجبرة واستؤذنت من غير كفء فسكتت، وهو المذهب، وسواء في ذلك
الرشيدة والسفيهة كما صرح به في الوسيط، فإذا رضيت السفيهة بغير كفء صح وإن كانت محجورا عليها، لأن الحجر
إنما هو في المال خاصة فلا يظهر لسفهها أثر هنا. واستثنى شارح التعجيز كفاءة الاسلام فلا تسقط بالرضا، لقوله تعالى:
* (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) *. ويكره التزويج من غير كفء برضاها كما قاله المتولي وإن نظر فيه الأذرعي، ومن
الفاسق برضاها كما قاله الشيخ عز الدين إلا أن يكون يخاف من فاحشة أو ريبة، وقوله: المستوين زيادة بيان لأن كلام
الأصحاب يقتضي أن الابعد لا يكون وليا مع الأقرب، ويدل لذلك قول المصنف رحمه الله تعالى: * (ولو زوجها الأقرب) *
غير كفء (برضاها فليس للأبعد اعتراض) إذ لا حق له الآن في التزويج، لكن لو قال السبكي لو قيل لونه إنه قريب
إلا أن الأقرب يقدم عليه في الاستحقاق لم يبعد، وحينئذ لا بد من قيد المستورين ليخرج الابعد فإن قيل: الابعد وإن لم
يكن له ولاية لكنه يلحقه عار لنسبه فلم لا يشترط رضاه؟ أجيب بأن القرابة تنتشر كثيرا فيشق اعتبار رضاهم، ولا
ضابط يوقف عنده، فالوجه قصره على الأقربين. (ولو زوجها أحدهم) أي المستوين (به) أي غير الكفء، (برضاها
دون رضاهم) أي باقي المستوين، (لم يصح) التزويج به، لأن لهم حقا في الكفاءة فاعتبر رضاهم كرضا المرأة.
تنبيه: يستثنى من إطلاقه ما لو زوجها بمن به جب أو عنة برضاها فإنه يصح، ولا يعتبر رضا الباقين بذلك. وما لو رضوا
بتزويجها بغير كفء ثم خالفها الزوج ثم زوجها أحدهم به برضاها دون رضا الباقين، فإنه يصح كما هو قضية كلام الروضة،
وجزم به ابن المقري، لرضاهم به أولا، وإن خالف في ذلك صاحب الأنوار. وفي معنى المختلع الفاسخ والمطلق رجعيا إذا أعاد
زوجته بعد البينونة والمطلق قبل الدخول. (وفي قول) نص عليه في الاملاء: (يصح ولهم الفسخ) لأن
النقصان يقتضي الخيار لا البطلان كما لو اشترى معيبا. (ويجري القولان في تزويج الأب) أو الجد (بكرا
صغيرة أو بالغة غير كفء). وقوله: (بغير رضاها) قيد في البالغة، (ففي الأظهر) التزويج المذكور (باطل)
164

لأنه على خلاف الغبطة، لأن ولي المال لا يصح تصرفه بغير الغبطة فولي البضع أولى. (وفي الآخر يصح. وللبالغة الخيار)
في الحال، (وللصغيرة) أيضا (إذا بلغت) لما مر. ويجري الخلاف الذي ذكره المصنف في تزويج غير المجبر إذا أذنت
في التزويج مطلقا. (ولو طلبت من لا ولي لها) خاصا (أن يزوجها السلطان) أو نائبه (بغير كفء ففعل لم يصح)
وتزويجه به (في الأصح) لأنه نائب المسلمين ولهم حظ في الكفاءة. والثاني: يصح كالولي الخاص،
وصححه البلقيني
وقال: إن ما صححه المصنف ليس بمعتمد وليس للشافعي نص شاهد له ولا وجه له. فإن قيل: يدل لذلك خبر فاطمة بنت
قيس السابق. أجيب بأنه ليس فيه أنه (ص) زوجها أسامة بل أشار عليها به ولا يدرى من زوجها فيجوز
أن يكون زوجها ولي خاص برضاها، ولو كان لها ولي ولكن زوجها السلطان لغيبته أو عضله أو إحرامه فلا تزوج إلا من
كفء قطعا لأنه نائب عنه في التصرف فلا يصح ذلك مع عدم إذنه، ولو كان الولي حاضرا وفيه مانع من فسق ونحوه
وليس بعده إلا السلطان فزوج السلطان من غير كفء برضاها فظاهر إطلاقهم طرد الوجهين. لما اعتبر الكفاءة في
النكاح، وهي بالفتح والمد والهمزة لغة: التساوي والتعادل، وشرعا: أمر يوجب عدمه عارا، شرع في بيانها فقال: (وخصال
الكفاءة) أي الصفات المعتبرة فيها ليعتبر مثلها في الزوج خمسة: أولها: (سلامة من العيوب المثبتة للخيار) في النكاح،
وسيأتي في بابه، فمن به بعضها كجنون أو جذام أو برص ليس كفؤا للسليمة عنها، لأن النفس تعاف صحبة من به بعضها
ويختل بها مقصود النكاح، ولو كان بها عيب أيضا فلا كفاءة اختلف العيبان كرتقاء ومجبوب أو اتفقا كأبرص وبرصاء
وإن كان ما بها أكثر وأفحش لأن الانسان يعاف من غيره ما لا يعافه من نفسه.
تنبيه: استثنى البغوي والخوارزمي العنة لعدم تحققها فلا نظر إليها في الكفاءة، وجرى على ذلك الأسنوي وابن
المقري. قال الشيخان: وفي تعليق الشيخ أبي حامد وغيره التسوية بينها وبين غيرها، وإطلاق الجمهور يوافقه اه‍.
وهذا هو المعتمد. ووجه بأن الأحكام تبنى على الظاهر ولا تتوقف على التحقق. وما أطلقه المصنف من اشتراط السلامة
من هذه العيوب هو على عمومه بالنسبة إلى المرأة، أما بالنسبة إلى الولي فيعتبر في حقه الجنون والجذام والبرص لا الجب
والعنة وألحق الروياني بالعيوب الخمسة العيوب المنفردة كالعمى والقطع وتشوه الصورة، وقال: هي تمنع الكفاءة عندي،
وبه قال بعض الأصحاب، واختاره الصيمري، وهذا خلاف المذهب. قال الزركشي: والتنقي من العيوب إنما يعتبر في
الزوجين خاصة دون آبائهما فابن الأبرص كفء لمن أبوها سليم، ذكره الهروي في الاشراف. والأوجه أنه ليس كفؤا
لها لأنها تعير به. (و) ثانيها: (حرية، فالرقيق) كلا أو بعضا أو مكاتبا (ليس كفؤا لحرة) ولو عتيقة، لأنها تعير به
وتتضرر بسبب النفقة. ولهذا خيرت بريرة لما عتقت تحت زوجها وكان عبدا كما سيأتي، وليس الرقيق كفؤا لمبعضة
كما في الكفاية عن الذخائر. وهل المبعض كفء لها؟ قال في البحر: إن استويا أو زادت حريته كان كفؤا لها وإلا
فلا. (والعتيق) كفء لعتيقة و (ليس كفؤا لحرة أصلية) لنقصه عنها، وليس من مس الرق أحد آبائه أو أبا
أقرب
كفؤا لخلافه. والرق في الأمهات لا يؤثر كما في زوائد الروضة أنه المفهوم من كلامهم، وصرح به في البيان خلافا لما بحثه
الرافعي في التأثير ووافقه ابن الرفعة. قال السبكي: وما جزم به المصنف من كون العتيق ليس كفؤا لحرة أصلية لا يساعده
عليه عرف ولا دليل فيبقى التوقف فيه، وقد رأينا كثيرا من ذلك في هذا الزمان أن يكون من مسه الرق أو مس أحد
آبائه أميرا كبيرا أو ملكا كبيرا والمرأة دونه بكثير بحيث تفتخر به وهي حرة الأصل، وذكر نحوه البلقيني. (و) ثالثها:
(نسب) بأن تنسب المرأة إلى من تشرف به بالنظر إلى من ينسب الزوج إليه، لأن العرب تفتخر بأنسابها أتم الافتخار
والاعتبار في النسب بالآباء، (فالعجمي) أبا وإن كانت أمه عربية (ليس كفء عربية) أبا وإن كانت أمها أعجمية،
165

لأن الله اصطفى العرب على غيرهم. (ولا) أي وليس (غير قرشي) من العرب مكافئا (قرشية) لخبر: قدموا قريشا
ولا تقدموها رواه الشافعي بلاغا. (ولا) أي وليس (غير هاشمي ومطلبي) كفؤا (لهما) كبني عبد شمس ونوفل
وإن كانا أخوين لهاشم، لخبر مسلم: إن الله اصطفى من العرب كنانة، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى
من قريش بني هاشم.
تنبيه: اقتضى كلامه أمرين، أحدهما: أن المطلبي كفء للهاشمية وعكسه، وهو كذلك لخبر البخاري:
نحن وبنو المطلب شئ واحد. ومحله إذا لم تكن شريفه، أما الشريفة فلا يكافئها إلا شريف. والشرف مختص
بأولاد الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما وعن أبويهما، نبه على ذلك ابن ظهيرة. ومحله أيضا في في الحرة، فلو نكح
هاشمي أو مطلبي أمة فأتت منه ببنت فهي مملوكة لمالك أمها فله تزويجها من رقيق ودنئ النسب كما سيأتي. والامر
الثاني: أن غير قريش من العرب بعضهم أكفاء بعض، ونقله الرافعي عن جماعة، وقال في زيادة الروضة: إنه مقتضى
كلام الأكثرين. قال الرافعي: ومقتضى اعتبار النسب في العجم اعتباره في غير قريش من العرب. وقال الماوردي
في الحاوي: واختلف أصحابنا في غير قريش، فالبصريون يقولون بأنهم أكفاء، والبغداديون يقولون بالتفاضل فتفضل
مضر على ربيعة، وعدنان على قحطان، اعتبارا بالقرب منه (ص). وهذا كما قال شيخنا هو الأوجه، إذ أقل مراتب
غير قريش من العرب أو يكونوا كما قال في المهمات كالعجم. قال الفارقي: والمراد بالعرب من ينسب إلى بعض
القبائل، وأما أهل الحضر فمن ضبط نفسه منهم فكالعرب وإلا فكالعجم. (والأصح اعتبار) الشرف (النسب في
العجم كالعرب) قياسا عليهم، فالفرس أفضل من القبط لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: لو كان الدين معلقا بالثريا
لتناوله رجال من فارس. وبنو إسرائيل أفضل من القبط لسلفهم وكثرة الأنبياء فيهم. قال الماوردي: والثاني: لا يعتبر فيهم،
لأنهم لا يعتنون بحفظ الأنساب ولا يدونونها بخلاف العرب، وقال الأذرعي: إنه الصواب نقلا ومعنى وبسط ذلك.
والاعتبار بالأب كما مرت الإشارة إليه في غير أولاد بنات النبي (ص) فلا أثر للأم وإن كانت رقيقة. ولا يكافئ من
أسلم أو أسلم أحد أجداده الأقربين أقدم منه في الاسلام، فمن أسلم بنفسه ليس كفؤا لمن لها أب أو أكثر في الاسلام، ومن
له أبوان في الاسلام ليس كفؤا لمن لها ثلاثة آباء فيه. فإن قيل: قضية هذا أن من أسلم بنفسه من الصحابة رضي الله
تعالى عنهم لا يكون كفؤا لبنات التابعين، وهذا زلل، وكيف لا يكون كفؤا لهن وهم أفضل الأمة أجيب بأنه لا مانع
من ذلك، لأن النظر في الآباء لا يمنع أن يكون ابن غير الشريف أفضل من ابن الشريف وليس كفؤا له. (و) رابعها:
(عفة) وهي الدين والصلاح والكف عما لا يحل، (فليس فاسق كفء عفيفة) لقيام الدليل على عدم المساواة،
قال تعالى: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) *، وقال تعالى: * (الزاني لا ينكح إلا زانية) * الآية،
هكذا استدل بهاتين الآيتين، وفيه نظر لأن الأولى في حق الكافر والمؤمن، والثانية منسوخة. والمبتدع مع السنية
كالفاسق مع العفيفة كما نقلاه عن الروياني وأقراه.
تنبيه: أفهم كلام المصنف أمورا: أحدها: أنه لا فرق في اعتبار هذا الوصف بين المسلمين والكفار حتى لا يكون
الكافر الفاسق في دينه كفؤا للعفيفة في دينها، وبه صرح ابن الرفعة. ثانيها: أن الفاسق كفء للفاسقة مطلقا، وهو كذلك
وإن قال في المهمات: الذي يتجه عند زيادة الفسق واختلاف نوعه عدم الاكتفاء كما في العيوب، قال: ولا شك أن الفسق
بالقتل والسكر ليس في تعدي المفسدة والنفرة كالعقوق وترك الصلاة ونحوها. ثالثها: أن غير الفاسق كفء لها سواء فيه
العدل والمستور، وبه صرح الإمام وابن الصلاح. رابعها: أن الفسق والعفاف يعتبر في الزوجين لا في آبائهما، وسيأتي الكلام
على ذلك. (و) خامسها: (حرفة) وهي كما قال الزمخشري في فائقه: بكسر الحاء: صناعة يرتزق منها. سميت بذلك لأنه
ينحرف إليها. (فصاحب حرفة دنيئة) بالهمزة من الدناءة، وضبطها الإمام بما دلت ملابستها على انحطاط المروءة وسقوط
166

النفس كملابسة القاذورات، (ليس كفء أرفع منه) واستدل لذلك بقوله تعالى: * (والله فضل بعضكم على بعض
في الرزق) * أي في سببه فبعضهم يصل إليه بعز وراحة، وبعضهم بذل ومشقة، وبقوله تعالى: * (قالوا أنؤمن لك
واتبعك الأرذلون) * قال المفسرون: كانوا حاكة ولم ينكر عليهم هذه التسمية. (فكناس وحجام وحارس وراع
وقيم
الحمام) ونحوهم كحائك، (ليس كفؤ بنت خياط) والظاهر أن هؤلاء أكفاء لبعضهم بعضا، ولم أر من تعرض لذلك. (ولا
خياط بنت تاجر أو) بنت (بزاز) والظاهر أن كلا منهما كفء للآخر، ولم أر أيضا من ذكره: (ولا هما) أي التاجر والبزاز (
بنت عالم و) بنت (قاض) نظرا للعرف في ذلك، وصرح به ابن أبي هريرة بأن من أبوها بزاز أو عطار لا يكافئها من أبوه
حجام أو بيطار أو دباغ قال الأذرعي: وإذا نظرت إلى حرفة الأب فقياسه النظر إلى حرفة الأم أيضا، فإن ابن المغنية أو الحمامية
ونحوها ينبغي أن لا يكون كفؤا لمن ليست أمها كذلك لأنه نقص في العرف وعار اه‍. والأوجه عدم النظر إلى الأم. قال في
الروضة: وذكر في الحلية أنه تراعى العادة في الحرف والصنائع، فإن الزراعة في بعض البلاد أولى من التجارة، وفي
بعضها بالعكس اه‍. وذكر في البحر نحوه أيضا، وجزم به الماوردي، وينبغي كما قال الأذرعي الاخذ به. قال الأذرعي:
وعلى اعتبار ما ذكره في الكتاب ينبغي أن تكون العبرة بالعالم الصالح أو المستور دون الفاسق، وأما القاضي فإن كان
أهلا فعالم وزيادة، وإن كان غير أهل كما هو كثير وغالب في القضاة في زماننا نجد الواحد منهم كقريب العهد بالاسلام
ففي النظر إليه نظر اه‍. بل ينبغي أن لا يتوقف في مثل ذلك. قال في الأنوار: وإذا شك في الشرف والدناءة أو في
الشريف والأشرف أو الدنئ والأدنأ، فالمرجع عادة البلد، والحرفة الدنيئة والفسق في الآباء، قال الشيخان: يشبه
أن يكون حال من كان أبوه صاحب حرفة دنيئة أو مشهورا بالفسق مع من أبوها عدل كما ذكرنا فيمن أسلم بنفسه مع
من أبوها مسلم. قال الرافعي: والحق أن يجعل النظر في حق الآباء دينا وسيرة وحرفة من حيز النسب، فإن تفاخر الآباء
هي التي يدور عليها أمر النسب. ونقل الأسنوي عن الهروي في إشرافه أنه لا أثر لما ذكر كولد الأبرص، وبه صرح
جماعة منهم القاضي أبو الطيب والماوردي والروياني، والأوجه اعتباره كما تقدم في ولد الأبرص أيضا. فإن قيل: كيف
يعد الرعي من الحرف الدنيئة مع أنها سنة الأنبياء في ابتداء أمرهم؟ أجيب بأنه لا يلزم من ذلك كونه صفة مدح لغيرهم،
ألا ترى أن فقد الكتابة في حقه عليه الصلاة والسلام معجزة فتكون صفة مدح في حقه، وفي حق غيره ليست كذلك؟
وما تقدم في المتن معتبر في الكفاءة جزما. وأشار لما فيه الخلاف منها بقوله: (والأصح أن اليسار لا يعتبر) في خصال
الكفاءة، لأن المال ظل زائل وحال حائل ومال مائل ولا يفتخر به أهل المروءات والبصائر. والثاني: يعتبر، لأنه إذا كان
معسرا لم ينفق على الولد وتتضرر هي بنفقته عليها نفقة المعسرين، استدل له بقوله (ص): أما معاوية
فصعلوك لا مال له. وقال الأذرعي: إنه المذهب المنصوص الأرجح دليلا ونقلا، وبسط ذلك. نعم على الأول لو زوج الولي
بالاجبار معسرا بمهر المثل لم يصح التزويج كما مرت الإشارة إليه، وليس هذا مبنيا على اعتبار اليسار كما قاله الزركشي
بل لأنه بخسها حقها فهو كتزويجها بغير كفء. ولا يعتبر أيضا الجمال والبلد ولا السلامة من عيب آخر منفر كالعمى
والقطع وتشوه الصورة، وإن اعتبرها الروياني. وصحح في زيادة الروضة كون الجاهل كفؤا للعالمة، ورجح الروياني
أنه غير كفء لها، واختاره السبكي ورد على تصحيح الروضة بأن المصنف يرى اعتبار العلم في الأب فاعتباره في نفس
المرأة أولى اه‍. وهذا متعين، ولذلك أسقط ابن المقري ما في الروضة من روضه. قال في زيادة الروضة: وليس البخل
والكرم والطول والقصر معتبرا. قال الأذرعي: وفيما إذا أفرط القصر في الرجل نظر. وينبغي أن لا يجوز للأب تزويج
ابنته بمن هو كذلك، فإنه ممر تعير به المرأة اه‍.
فائدة: قال الإمام الغزالي: شرف النسب من ثلاث جهات: إحداها الانتهاء إلى شجرة رسول الله (ص)
فلا يعادله شئ. الثانية: الانتماء إلى العلماء فإنهم ورثة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وبهم ربط
167

الله تعالى حفظ الملة المحمدية. والثالثة: الانتماء إلى أهل الصلاح المشهور والتقوى، قال الله تعالى: * (وكان أبوهما صالحا) *. قالا:
ولا عبرة بالانتساب إلى عظماء الدنيا والظلمة المستولين على الرقاب، وإن تفاخر الناس بهم. قال الرافعي: وكلام النقلة
لا يساعدهما عليه في عظماء الدنيا. قال في المهمات: وكيف لا يعتبر الانتساب إليهم وأقل مراتب الامرة أي ونحوها
أن تكون كالحرفة، وذو الحرفة الدنيئة لا يكافئ النفيسة.
فرع: المحجور عليه بسفه هل هو كفء للرشيدة أو لا، لأنها تتضرر غالبا بالحجر على الزوج؟ فيه نظر، قاله الزركشي.
والأوجه كما قال شيخنا الثاني. وقد جمع بعضهم خصال الكفاءة في بيت فقال:
نسب ودين صنعة حرية فقد العيوب وفي اليسار تردد
(و) الأصح (أن بعض الخصال) المعتبرة في الكفاءة (لا يقابل ببعض) أي لا تجبر نقيصة بفضيلة، فلا تزوج حرة عجمية
برقيق عربي، ولا سليمة من العيوب دنيئة بمعيب نسيب، ولا حرة فاسقة بعبد عفيف، (وليس له) أي الأب (تزويج
ابنه الصغير أمة) لانتفاء خوف العنت المعتبر في نكاحها، بخلاف المجنون يجوز تزويجه بها بشرطه (وكذا معيبة) بعيب يثبت
الخيار كالبرصاء لا يزوجه بها (على المذهب) لأنه خلاف الغبطة. وفي قول: يصح ويثبت له الخيار إذا بلغ. وقطع بعضهم
بالبطلان في تزويجه الرتقاء والقرناء، لأنه بذل مال في بضع لا ينتفع به، بخلاف تزويج الصغيرة مجبوبا. وإن زوج المجنون
أو الصغير عجوزا، أو عمياء، أو قطعاء أو الصغيرة بهرم، أو أعمى أو أقطع فوجهان صحح منهما البلقيني وغيره
عدم الصحة في صورة المجنون والصغير ونقلوه عن نص الأم، لأنه إنما يزوجهما بالمصلحة ولا مصلحة لهما في ذلك بل
فيه ضرر عليهما. وقضية كلام الجمهور في الكلام على الكفاءة تصحيح الصحة في صورة الصغيرة، لأن وليها إنما يزوجها
بالاجبار من الكفء وكل من هؤلاء كفء، فالمأخذ في هذه وما قبلها مختلف، وهذا هو الظاهر كما مرت الإشارة إلى بعضه،
لكن ينبغي أن يحرم عليه ذلك كما يؤخذ مما مر في شروط الاجبار. (ويجوز) للأب أن يزوج الصغير (من لا تكافئه بباقي
الخصال) المعتبرة في الكفاءة كنسب وحرفة، لأن الرجل لا يعير بافتراش من لا تكافئه. نعم يثبت الخيار إذا بلغ كما
اقتضاه كلام الشرح والروضة هنا، وإن نازع في ذلك الأذرعي، فقد صرحا به أول الخيار حيث قالا: ولو زوج الصغير
من لا تكافئه وصححناه فله الخيار إذا بلغ. والثاني: لا يصح ذلك، لأنه قد لا يكون فيه غبطة.
فصل: في تزويج المحجور عليه: (لا يزوج) على المذهب المنصوص وقول الجمهور (مجنون) ولا مختل وهو من
في عقله خلل. قال في البحر: ولا مبرسم، (صغير) لأنه لا يحتاج إليه في الحال وبعد البلوغ لا يدرى كيف الامر بخلاف
الصغير العاقل كما سيأتي، فإن الظاهر حاجته إليه بعد البلوغ. (وكذا) لا يزوج مجنون ومختل ومبرسم (كبير) أطبق
جنونه، ثم استثنى منه قوله: (إلا لحاجة) للنكاح حاصلة حالا، كأن تظهر رغبته في النساء بدورانه حولهن وتعلقه بهن، أو
مآلا كتوقع شفائه باستفراغ مائة بعد شهادة عدلين من الأطباء بذلك، أو بأن يحتاج إلى من يخدمه ويتعهد ولا يجد في محارمه
من يحصل به ذلك. وتكون مؤنة النكاح أخف من ثمن جارية، وتقدم استشكال الرافعي والجواب عنه. (فواحدة)
بالنصب: أي يزوجه الأب، ثم الجد، ثم السلطان دون سائر العصبات كولاية المال واحدة، ويجوز الرفع أي
فواحدة يتزوجها.
تنبيه: ظاهر كلام الروضة أن الوصي لا يزوجه. قال البلقيني: ويعضده نص الأم، لكن في الشامل في الوصايا
ما يقتضي أن يزوجه والسفيه عند حاجتهما، قال: وهو الأقرب في الفقه، لأنه ولي المال، والأوجه الأول. وإنما
وجب الاقتصار على واحدة لاندفاع الحاجة بها. فإن لم تعفه المرأة الواحدة زيد ما يحصل به الاعفاف، كما قاله الأسنوي، وأشار
168

إليه الرافعي في الكلام على السفيه، وقد لا تكفي الواحدة أيضا للخدمة فيزاد بحسب الحاجة. هذا إن
بلغ مجنونا، فإن بلغ رشيدا ثم جن بني على عود الولاية إلى الأب إن قلنا تعود وهو الأصح زوجة الأب ثم الجد وإلا فالحاكم، فإن كان
جنونه متقطعا لم يزوج حتى يفيق ويأذن، ويشترط وقوع العقد في حال إفاقته، فلو جن قبله بطل إذنه. وهل
يشترط
مراجعة الأقرب في تزويج السلطان؟ فيه الخلاف الآتي في المجنونة، وتقدم أنه يلزم المجبر تزويج مجنون ظهرت حاجته مع
مزيد بيان. (وله) أي الولي من أب وجد لوفور شفقتهما وإن لم يتقدم لهما ذكر، وقد صرح به في المحرر، لا وصي
وقاض، (تزويج صغير عاقل) غير ممسوح (أكثر من واحدة) ولو أربعا إن رآه الولي مصلحة، لأن تزويجه بالمصلحة
وقد تقتضي ذلك. أما الصغير الممسوح ففي تزويجه الخلاف في الصغير المجنون، قاله الجويني. (ويزوج المجنونة أب أو جد) لأنه
لا يرجى لها حالة تستأذن فيها ولهما ولاية الاجبار في الجملة، (إن ظهرت مصلحة) في تزويجها. (ولا تشترط الحاجة) قطعا
لإفادتها المهر والنفقة، بخلاف المجنون. (وسواء) في جواز التزويج (صغيرة وكبيرة ثيب وبكر) جنت قبل البلوغ أو بعده
لما مر، ويقدم أنه يلزم المجبر تزويج مجنونة بالغة محتاجة. (فإن لم يكن) للمجنونة (أب أو جد لم تزوج في صغرها)
إذ لا إجبار لغيرهما ولا حاجة لهما في الحال، (فإن بلغت زوجها السلطان في الأصح) المنصوص كما يلي ما لها، لكن بمراجعة
أقاربها ندبا تطييبا لقلوبهم ولأنهم أعرف بمصلحتها، ومن هذا قال المتولي: يراجع الجميع حتى الأخ والعم للأم والخال، وقيل:
تجب المراجعة، قال: وعليه يراجع الأقرب فالأقرب من الأولياء لو لم يكن جنون. والثاني: يزوجها القريب بإذن السلطان
لقيامه مقام إذنها. وتزوج (للحاجة) للنكاح بظهور علامة شهوتها أو توقع شفائها بقول عدلين من الأطباء، لأن تزويجها
يقع إجبارا، وغير الأب والجد لا يملك الاجبار، وإنما يصار إليه للحاجة النازلة منزلة الضرورة. (لا لمصلحة) كتوفر
المؤن فلا يزوجها لذلك (في الأصح) لما مر. والثاني: نعم، كالأب والجد، قال ابن الرفعة: وهو الأصح. وإذا أفاقت
المجنونة بعد تزويجها لا خيار لها، لأن التزويج لها كالحكم لها وعليها. (ومن حجر عليه) حسا (بسفه) بأن بذر
في ماله، أو حكما كمن بلغ سفيها ولم يحجر عليه، وهو السفيه المهمل، (لا يستقل بنكاح) لئلا يفنى ماله في مؤن النكاح،
فلا بد له من مراجعة الولي كما قال: (بل ينكح بإذن وليه) لأنه مكلف صحيح العبارة، وإنما حجر عليه حفظا لما له
وقد زال المانع بالاذن. فإن قيل: بيعه بالاذن غير صحيح فهلا كان نكاحه كذلك أجيب بأن المقصود من الحجر
حفظ ماله دون نكاحه، ولهذا لا يصح منه إزالة ملكه في الأموال بإذن ولا بغير إذنه بالهبة والعتق، ويصح منه إزالة
النكاح بالطلاق. أما من بذر بعد رشده ولم يتصل به حجر حاكم فتصرفه نافذ في الأصح، ويسمى أيضا سفيها مهملا،
والمعتبر في المحجور عليه ظهور الامارة لا قوله أنا محتاج. (أو يقبل له الولي) بإذنه كما سيأتي لأنه حر
مكلف صحيح
العبارة والاذن. ولا يزاد على واحدة، لأنه إنما يزوج لحاجة النكاح وهي تندفع بواحدة، فإن لم تعفه زيد ما يحصل به
الاعفاف كما مر في المجنون. والمراد بالولي هنا الأب ثم الجدان بلغ سفيها، والقاضي أو منصوبه إن بلغ رشيدا ثم طرأ
السفه كما صححه في زيادة الروضة. وظاهر أن الوصي لا يلي التزويج، وبه أفتى ابن الصلاح، لكن صرح الرافعي
في باب الوصايا بأنه يلي التزويج بعد الجد قبل الحاكم، وحذفه من الروضة ثم، وصحح من زيادته هنا أنه لا يزوجه. قال
الصيدلاني وغيره: وقد نص الشافعي رضي الله تعالى عنه على كل من المقالتين، وليس باختلاف نص بل نصه على أنه
يزوجه محمول على وصي فوض إليه التزويج. (فإن أذن) له الولي (وعين امرأة) بشخصها أو نوعها كتزويج فلانة
أو من بني فلان، (لم ينكح غيرها) لأن الاذن مقصور عليها فلا ينكح غيرها وإن ساوتها في المهر أو نقصت عنها.
169

قال ابن أبي الدم: وينبغي حمله على ما إذا لحقه مغارم فيها. أما لو كانت خيرا من المعينة نسبا وجمالا ودينا ودونها مهرا
ونفقة، فينبغي الصحة قطعا، كما لو عين مهرا فنكح بدونه اه‍. وهذا ظاهر. (و) ل‍ (- ينكحها) أي المعينة (بمهر المثل)
أي بقدره، لأنه المأذون فيه شرعا. (أو أقل) لأنه حصل لنفسه خيرا. (فإن زاد) على مهر المثل (فالمشهور صحة للنكاح)
لأن خلل الصداق لا يفسد النكاح. والثاني، وهو مخرج: أنه باطل للمخالفة، وعلى الأول يكون (بمهر المثل) أي بقدره
(من المسمى) المعين مما عينه الولي بأن قال له: أمهر من هذا فأمهر منه زائدا على مهر المثل، ويلغو الزائد لأنه تبرع من سفيه.
وقال ابن الصباغ: القياس بطلان المسمى ووجوب مهر المثل، أي في الذمة اه‍. والمشهور الأول، ولا ينافيه ما سيأتي
من أنه لو نكح الطفل بفوق مهر المثل، أو أنكح بنتا لا رشيدة أو رشيدة بكرا بلا إذن بدونه فسد المسمى وصح
النكاح بمهر المثل، لأن السفيه تصرف في ماله فقصر الالغاء على الزائد بخلاف الولي. (ولو قال) له الولي (أنكح
بألف) فقط (ولم يعين امرأة) ولا قبيلة، (نكح بالأقل من ألف ومهر مثلها) لأن الزيادة على إذن الولي أو مهر
المنكوحة ممنوعة. فإذا نكح امرأة بألف وهو أكثر من مهر مثلها صح النكاح بمهر المثل ولغا الزائد، لأنه تبرع
وتبرعه لا يصح. فإن كان الألف مهر مثلها أو أقل منه صح النكاح بالمسمى، قال الأذرعي: وهو ظاهر في رشيدة
رضيت بالمسمى دون غيرها. وإن نكح بأكثر من ألف بطل إن كان الألف أقل من مهر مثلها إذ لا إذن في الزائد والرد
للقدر يضر بها، والأصح بمهر المثل. وإن نكح بأقل من ألف نظرت إن كان الألف مهر مثلها أو أقل صح بالمسمى،
أو أكثر فبمهر المثل إن نكح بأكثر منه وإلا فبالمسمى. (ولو أطلق الاذن) بأن قال: أنكح ولم يعين امرأة ولا قدرا،
(فالأصح) المنصوص في الأم (صحته) كما لو أذن السيد لعبده في النكاح يكفي الاطلاق. والثاني: لا يصح، بل لا بد
من تعيين المهر والمرأة والقبيلة، وإلا لم يؤمن أن ينكح شريفه فيستغرق مهر مثلها ما له. ودفع هذا بقوله:
(وينكح بمهر المثل) فأقل لأنه المأذون فيه (من تليق به) فلو نكح شريفة يستغرق مهر مثلها ما له لم يصح كما اختاره
الإمام وجزم به الغزالي، ولا ترجيح في الروضة وأصلها. وهل للولي تزويج صغير أو مجنون وامرأة شريفة
يستغرق مهرها ماله؟ لم يتعرضوا له، قال في المهمات في أوائل الصداق: والقياس أن يأتي فيه هذا الخلاف اه‍. وما
ذكره من القياس متجه كما قال ابن شهبة في المجنون لاستوائه مع السفيه، لأن كلا منهما يزوج للحاجة، والحاجة تندفع
بدون الشريفة. وأما الصغير العاقل فغير متجه فيه، فإنه يزوج بالمصلحة ولهذا يزوج ثلاث وأربع، ولا يجوز ذلك
في السفيه والمجنون، فحيث رأى الولي المصلحة في تزويجه الشريفة فينبغي جوازه لحصول المصلحة بذلك له.
تنبيه: قد ذكر المصنف للمسألة ثلاث حالات: وهي ما إذا عين امرأة فقط، أو مهرا فقط، أو أطلق، وأهمل
رابعا، وهو ما إذا عين المرأة وقدر المهر بأن قال: أنكح فلانة بألف، والحكم فيه أنه إن كان مهر مثلها أقل منه بطل
الاذن فلا يصح النكاح، وإن قال الزركشي تبعا للأذرعي: القياس صحته بمهر المثل كما لو قبل له الولي بزيادة عليه،
وإن كان مثله أو أكثر منه صح الاذن، وحينئذ فإن نكح بأكثر من ألف ومهر مثلها أكثر منه أيضا بطل النكاح
أو نكح بالألف صح به أو بأكثر منه ومهر مثلها ألف صح بالألف وسقطت الزيادة. أو بما دونه صح النكاح به.
وإن قال له: أنكح من شئت بما شئت لم يصح الاذن لأنه رفع للحجر بالكلية. وإن أذن للسفيه في النكاح لم يفده
ذلك جواز التوكيل لأنه لم يرفع الحجر إلا عن مباشرته، وإقراره بالنكاح إذا لم يأذن فيه وليه باطل، لأنه لا يستقل
بالانشاء، ويفارق صحة إقرار المرأة بأن إقراره يفوت مالا، وإقرارها يحصله. وإذا كان كثير الطلاق شرى جارية لأنه
أصلح له، إذ لا ينفذ إعتاقه، فإن تبرم بها أبدلت، وإكثار الطلاق بأن يزوجه على التدريج ثلاثا فطلقهن على ما قاله
170

القاضي، أو ثنتين فيطلقهما على ما قاله البندنيجي. وفهم الروياني أن تعدد الزوجة ليس مرادا، فعبر عن ذلك بقوله:
فيه وجهان أحدهما: يطلق ثلاث مرات، والثاني: مرتين، وما قاله ظاهر، والأوجه من وجهيه الأول فيكتفي بثلاث مرات
ولو من زوجة واحدة. وظاهر كلامهم أنه لا يسري ابتداء، وينبغي كما في المهمات جواز الامرين كما في الاعفاف ويتعين
ما فيه المصلحة. (فإن قيل له) أي للسفيه (وليه) أي النكاح (اشترط إذنه) أي السفيه (في الأصح) لأنه حر مكلف، فلا
بد من إذنه. والثاني: لا يشترط لأن النكاح من مصلحته، وعلى الولي رعايتها، فإذا عرف حاجته زوجه كما
يكسوه ويطعمه.
(و) إنما (يقبل) له الولي نكاح امرأة تليق به (بمهر المثل فأقل، فإن زاد) عليه (صح النكاح بمهر المثل) وتسقط
الزيادة لتبرعه بها. (وفي قول يبطل) كما لو اشترى له بأكثر من ثمن المثل. (ولو نكح السفيه) المحجور عليه (بلا إذن)
من وليه أو الحاكم عند امتناع الولي لغير مصلحة، (فباطل) كما لو عضله الولي وتعذرت مراجعة السلطان كما في البيع
ونحوه، ويفرق بينهما. ومحله كما قال ابن الرفعة إذا لم ينته إلى خوف العنت وإلا فيصح نكاحه، وهو أولى من المرأة
في المفازة لا تجد وليا (فإن) قلنا ببطلانه، و (وطئ) فيه رشيدة (لم يلزمه شئ) أما الحد فبلا خلاف للشبهة، وإن
أتت بولد لحقه، وأما المهر فعلى الصحيح وإن انفك عنه الحجر، لأنها سلطته على بضعها فصار كما لو اشترى شيئا
وأتلفه لا ضمان عليه، ولا يضر جهلها بحالة لتمكينها نفسها مع تقدم إذنها لتفريطها بترك البحث عنه. وهذا في الظاهر،
أما في الباطن فلها عليه مهر المثل كما نص عليه في الأم.
تنبيه: محل عدم لزوم المهر إذا وطئها مختارة كما اقتضاه التعليق السابق، فلو وطئها نائمة أو مكرهة فالأوجه كما
قال شيخنا وجوبه، وقد صرح به الماوردي في المكرهة. وخرج برشيدة التي قدرتها في كلامه المحجور عليها بسفه
أو صبا أو جنون، فلها عليه مهر المثل، إذ لا أثر لتمكينها، كما لو ابتاع شيئا من مثله وأتلفه كما قاله المصنف في فتاويه،
في المحجور عليها بسفه، ومثلها الصغيرة والمجنونة. فإن قيل: لو قال سفيه لآخر اقطع يدي فقطعها لم يلزمه شئ، فكان
القياس أنه لا يجب له شئ كسائر الاتلافات البدنية، ولهذا قال الأذرعي: إني لم أر هذا التقييد لغير المصنف، وأحسبه
من تصرفه. أجيب بأن البضع محل تصرف الولي، فكان إذنها في إتلافه غير معتبر بخلاف قطع اليد ونحوها. وقول
الأسنوي: ينبغي أن تكون المزوجة بالاجبار كالسفيهة فإنه لا تقصير من قبلها فإنها لم تأذن والتمكين واجب عليها
ممنوع، إذ لا يجب عليها التمكين حينئذ. (وقيل) يلزمه (مهر مثل) لئلا يخلو الوطئ عن عقر أو عقوبة (وقيل
أقل متمول) لأن به يندفع الخلو المذكور. (ومن حجر عليه بفلس يصح نكاحه) لصحة عبارته وذمته. وهذا
وإن قدمه المصنف في كتاب الفلس، لكنه قصد هنا بيان مؤنة فقال: (ومؤن النكاح) المتجدد على الحجر
من مهر ونفقة وغيرهما (في كسبه) بعد الحجر وبعد النكاح، (لا فيما معه) لتعلق حق الغرماء بما في يده، فإن لم يكن
له كسب ففي ذمته إلى فك الحجر، أما النكاح السابق على الحجر فمؤنة فيما معه إلا أن يستغني بالكسب. ولو اشترى
أمة في ذمته بعد الحجر واستولدها فهي كالزوجة الحادثة بعد الحجر كما بحثه بعض المتأخرين (ونكاح عبد بلا إذن
سيده) ولو امرأة أو كافرا (باطل) لا فرق في ذلك بين المبعض والمكاتب ومعلق العتق بصفة وغيرهم، لعموم قوله
(ص): أي مملوك تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه. قال في الأم:
ولا أعلم من أحد لقيته ولا حكي لي عنه من أهل العلم اختلافا في أنه لا يجوز نكاح العبد إلا بإذن مالكه اه‍. ولا ينافي
قوله: لا أعلم ما حكاه الرافعي عن أبي حنيفة من أن نكاحه موقوف على إجازة السيد، وعن مالك أنه يصح وللسيد فسخه،
لأنه لم يبلغه ذلك.
171

تنبيه: قول المصنف: باطل يقتضي أنه إذا وطئ لا يلزمه شئ كالسفيه، وليس مرادا كما توهمه بعض الشارحين
بل يلزمه مهر المثل في ذمته كما صرح به المصنف في نكاح العبد، وسيأتي إيضاح ذلك. واستثنى الأذرعي من
إطلاق المصنف ما لو استأذن سيده فمنعه فرفعه إلى حاكم يرى إجبار السيد فأمره به فامتنع فأذن له الحاكم أو زوجه
فإنه يصح، كما لو عضل الولي. (وبإذنه) أي السيد إن كان معتبر الاذن وهو غير محرم، (صحيح) وإن كان سيده
امرأة أو كافرا كما مر لعموم الحديث المتقدم. (وله) أي السيد (إطلاق الاذن) لعبده في النكاح جزما، وينكح
الحرة والأمة ولو من غير بلد العبد ولكن له منعه من الخروج إليها. (وله تقييده بامرأة) معينة (أو قبيلة أو بلد)
لأن ما يصح مطلقا يصح مقيدا (ولا يعدل عما أذن) له (فيه) مراعاة له، فإن عدل لم يصح النكاح. وإن قدر
له السيد مهرا فزاد عليه أو زاد على مهر المثل عند الاطلاق عن تعيين المهر، فالزائد في ذمته يتبع به إذا عتق، فإن
صرح له بأن لا ينكح بأزيد مما عينه قال الإمام: فالرأي عدم صحة النكاح كما في السفيه، وإن نقص عما عينه
له سيده أو عن مهر المثل عند الاطلاق جاز. ولو نكح صحيحا ثم طلق لم ينكح ثانيا إلا بإذن جديد، بخلاف ما لو نكح
فاسدا فإنه لا يحتاج إلى تجديد الاذن. ولو نكح بالمسمى من مهرها دونه صح به، ورجوع السيد في الاذن كرجوع
الموكل. (والأظهر أنه ليس للسيد إجبار عبدها) غير المكاتب والمبعض ولو صغيرا، وخالفه في الدين، (على النكاح)
لأنه لا يملك رفع النكاح بالطلاق فكيف يجبر على ما لا يملك رفعه، ولان النكاح يلزم ذمة العبد مالا فلا يجبر عليه
كالكتابة. والثاني: له إجباره كالأمة. وقيل: يجبر الصغير قطعا، وهو موافق لظاهر النص ولما عليه أكثر العراقيين
ولاقتضاء كلام الرافعي في باب التحليل والرضاع أنه المذهب، ولما سيأتي للمصنف في كتاب الرضاع حيث قال فيه:
ولو زوج أم ولده سيد عبده الصغير الخ. وأما المكاتب والمبعض فلا يجبرهما قطعا (ولا عكسه) بالجر والرفع: أي ليس للعبد
البالغ إجبار سيده على النكاح إذا طلبه، ولا يلزمه إجابته ولو كان مبعضا أو مكاتبا أو معلقا عتقه بصفة، لأنه يشوش عليه
مقاصد الملك وفوائده كتزويج الأمة. والثاني: يجبر عليه أو على البيع، لأن المنع من ذلك يوقعه في الفجور. وقضية
التعليل تخصيص الخلاف بمن يخشى العنت وأن غيره لا يجبر قطعا. والعبد المشترك هل لسيده إجباره وعليهما إجابته؟
فيه الخلاف المذكور في الطرفين، ولو أجابه أحدهما إلى النكاح وامتنع الآخر امتنع عليه النكاح، أما الصغيرة
فلا إجابة له. (وله إجبار أمته) غير المبعضة والمكاتبة على النكاح، لأن النكاح يرد على منافع البضع وهي مملوكة له،
وبهذا فارقت العبد فيزوجها برقيق ودنئ النسب، وإن كان أبوها قرشيا كما مر لأنها لا نسب لها لا بمعيب كأجذم
وأبرص ومجنون، فلا يجوز بغير رضاها وإن كان يجوز بيعها منه وإن كرهت كما نص عليه في الحكمين جميعا.
والفرق أنه لا يقصد من البيع الاستمتاع غالبا، بخلاف النكاح، ويلزمها التمكين في صورة البيع كما صححه المتولي، ولو
أجبرها السيد والحالة هذه على النكاح لم يصح. وقوله: (بأي صفة كانت) تعميم في صفة الأمة من بكارة وثيوبة
وصغر وكبر وعقل وجنون وتدبير واستيلاد، وأما المبعضة والمكاتبة فلا يجبرهما ولا أمة كل منهما على النكاح، وليس
له تزويج المرهونة بعد لزوم الرهن بغير إذن المرتهن، ويلحق بها المتعلق برقبتها مال بلا إذن المستحق إن كان معسرا
فإن كان موسرا جاز على الأصح في زيادة الروضة وكان اختيارا للفداء، وليس للسيد تزويج أمه القراض كما مر في بابه،
وله تزويج أمة عبده المأذون له في التجارة إن لم يكن عليه دين وإلا فيزوجها بإذن العبد والغرماء، فإن زوجها بغير
إذنهما أو إذن أحدهما لم يصح لتضررهما به، فلو وطئ الأمة بغير إذن الغرماء لزمه المهر، لأنه مما يتعلق به حقهم،
بخلاف وطئ المرهونة. فإن قيل: قالوا في معاملة العبيد: إن دين الغرماء لا يتعلق بمهر وطئ الشبهة. أجيب بأن ذلك
في الأمة المأذونة، وهذا في أمتها والولد حر إن أحبلها، وتصير أم ولد إن كان موسرا، ولا تصير أم ولد إن كان معسرا
بل تباع في الدين، وتصير أم ولد إذا ملكها، وكذا حكم الأمة الجانية والموروثة عن مديون، وإن لم يثبت الاستيلاد
172

في الحال وجب قيمة ولد أمة العبد المأذون دون قيمة ولد الأمة المرهونة والجانية والموروثة، لأن حق المرتهن والمجني
عليه ورب الدين المتعلق بالتركة لا يتعلق بالولد. ووقع في أصل الروضة أنه جعل الأمة الموروثة كأمة المأذون، وإنما
يأتي ذلك على القول بأن الدين يتعلق بزوائد التركة، والمذهب المنع، نبه على ذلك الأسنوي. وإعتاق أمة المديون والموروثة
كإعتاق الجاني. (فإن طلبت) من السيد التزويج، (لم يلزمه تزويجها) وإن حرمت عليه، لما فيه من تنقيص القيمة وتفويت
الاستمتاع بها عليه. (وقيل: إن حرمت عليه) تحريما مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة، أو كانت بالغة كما
قاله ابن
يونس تائقة خائفة الزنا كما قاله الأذرعي، (لزمه) إذ لا يتوقع منه قضاء شهوة، ولا بد من إعفافها. أما إذا كان
التحريم لعارض كأن ملك أختين فوطئ إحداهما ثم طلبت الأخرى تزويجها، أو لم يكن كما ذكر، فإنه لا يلزمه إجابتها
قطعا. وإذا كانت الأمة لامرأة قال صاحب البيان: ينبغي أن يكون في إجبارها الخلاف فيما إذا كانت لرجل وهو
لا يملك الاستمتاع بها. (وإذا زوجها) أي السيد أمته، (فالأصح أنه بالملك لا بالولاية) لأنه يملك التمتع بها في الجملة والتصرف
فيما يملك استيفاءه، ونقله إلى الغير يكون بحكم الملك كاستيفاء سائر المنافع ونقلها بالإجارة. والثاني: بالولاية، لأن عليه
مراعاة الحظ، ولهذا لا يزوجها من معيب كما مر.
تنبيه: قضية كلامه أن الخلاف لا يتأتى في تزويج العبد، وهو كذلك. قال الرافعي: إلا إذا قلنا للسيد إجباره.
قال السبكي: وهو صحيح: وعلى الأول (فيزوج مسلم أمته الكافرة) بخلاف الكافر فليس له أن يزوج أمته المسلمة،
إذ لا يملك التمتع بها أصلا. بل ولا سائر التصرفات فيما سوى إزالة الملك عنها وكتابتها، بخلاف المسلم في الكافرة، ولان
حق المسلم في الولاية آكد، ولهذا تثبت له الولاية على الكافرات بالجهة العامة. وعبر في المحرر بالكتابية، فعدل
المصنف إلى الكافرة فشمل المرتدة ولا تزوج بحال والوثنية والمجوسية، وفيهما وجهان: أحدهما لا يجوز جزم به البغوي
لأنه لا يملك التمتع بها. والثاني: يجوز وهو المعتمد كما هو ظاهر نص الشافعي، وصححه الشيخ أبو علي، وجزم به شراح الحاوي
الصغير، لأن له بيعها وإجارتها. وعدم جواز التمتع بها الذي علل به البغوي جزمه بالمنع في غير الكتابية لا يمنع ذلك كما
في أمته المحرم كأخته. (و) يزوج على الأول أيضا (فاسق) أمته (ومكاتب) كتابة صحيحة يزوج أمته بالملك. وقضيته
أنه يستقل به ولا يحتاج إلى إذن السيد، وليس مرادا لضعف ملكه، فلا بد من إذن سيده. وعلى الثاني لا يزوج واحد من
الثلاثة من ذكرت، لأن المسلم لا يلي الكافرة، والفسق يسلب الولاية، والرق يمنعها كما مر. وإذا ملك المبعض ببعضه الحر أمة،
قال البغوي في فتاويه ألا يزوجها ولا تزوج بإذنه. وهذا فرعه على أن السيد يزوج بالولاية، والأصح كما في تهذيبه
أنه بالملك كما مرت الإشارة إليه، وعليه فيصح تزويج المبعض كالمكاتب بل أولى لأن ملكه تام، ولهذا
تجب عليه الزكاة. (ولا يزوج ولي عبد) محجور عليه من (صبي) وصبية وسفيه ومجنون لما فيه من انقطاع أكسابه
وفوائده عنهم.
تنبيه: قال في الدقائق: وهذه العبارة أصوب من قول المحرر، ولا يجبره لأنه لا يلزم مع عدم إجباره منع تزويجه
برضاه والصحيح منعه اه‍. ومع هذا لو عبر بالمحجور عليه كما قدرته لكان أولى. (ويزوج) ولي الصبي من
أب وجد
(أمته في الأصح) إذا ظهرت الغبطة كما قيداه في الروضة وأصلها اكتسابا للمهر والنفقة. والثاني: لا يزوجها لأنه قد تنقص
قيمتها، وقد تحبل فتهلك. وأمة غير الصبي ممن ذكر معه كأمته، لكن لا تزوج أمة السفيه
إلا بإذنه كما أنه لا يزوج إلا بإذنه. وقول الأذرعي: ينبغي أن يعتبر مع ذلك حاجته إلى النكاح، فلو كان غير محتاج إليه فالولي لا يملك تزويجه
حينئذ فكذلك لا يزوج أمته ممنوع، ويكفي في ذلك أنه يملك تزويجه في الجملة. والسلطان كالأب والجد في أمة من به
سفه أو جنون لأنه يلي مال مالكه، ونكاحه، بخلاف أمة الصغير والصغيرة لا يزوجها وإن ولي مالهما. لأنه لا يلي
نكاحهما ولو كان الصغير كافرا وأمته مسلمة لم يجز لوليه تزويجها، ويزوج الأب وإن علا أمة الثيب المجنونة، لأنه يلي
173

مال مالكها ونكاحها، بخلاف أمة الثيب العاقلة الصغيرة، لأنه لا يلي نكاح مالكها، وقد علم مما تقرره أنه يشترط
فيمن يلي النكاح أن يكون ولي المال والنكاح.
خاتمة: أمة غير المحجور عليها يزوجها ولي السيدة تبعا لولايته على سيدتها بإذن السيدة وجوبا،
لأنها المالكة لها نطقا وإن كانت بكرا لأنها لا تستحي في تزويج أمتها. ولو أعتق المريض أمة وهو لا يملك غيرها فزوجها وليها قبل
موته وبرئه من مرضه صح للحكم بحريتها ظاهرا فلا يمنع العقد بالاحتمال، ولهذا لو مات وخرجت من الثلث يحكم بعتقها
ويجوز تزويجها، وإن احتمل ظهور دين عليه يمنع خروجها من الثلث، لكن إذا مات وعجز الثلث عنها ورق بعضها
بأن لم تجز الورثة بأن فساد النكاح. وإن زوجها السيد بمن يحل له نكاح الأمة بإذن الولي أو كان هو الولي صح وإن
لم يمت ولم تخرج بعد موته من الثلث، لأنه بتقدير عدم خروجها في الأولى مالك ما لم يعتق ونائب ولي ما عتق، وفي الثانية
مالك ذاك وولي هذا.
باب ما يحرم من النكاح
التحريم يطلق في العقد بمعنى التأثيم وعدم الصحة، وهو المراد بالتبويب، ويطلق بمعنى التأثيم مع الصحة كما
في نكاح المخطوبة على خطبة الغير، ومراده بهذه الترجمة ذكر موانع النكاح كما عبر بها في الروضة، وهي قسمان:
مؤبد وغير مؤبد، ومن الأول وإن لم يذكره الشيخان اختلاف الجنس، فلا يجوز للآدمي نكاح جنية كما قاله
العماد بن يونس، وأفتى به ابن عبد السلام خلافا للقمولي، قال تعالى: * (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل
منها زوجها) *، وقال تعالى: * (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) *. وروى ابن
أبي الدنيا مرفوعا: نهى عن نكاح الجن. والمؤبد غير اختلاف الجنس له أسباب ثلاثة: قرابة، ورضاع، ومصاهرة،
ولضابط المحرمات بالنسب والرضاع ضابطان: الأول: تحرم نساء القرابة إلا من دخلت تحت ولد العمومة أو
ولد الخؤولة.
والثاني: يحرم على الرجل أصوله وفصول أول أصوله، وأول فصل من كل أصل بعد الأصل الأول، فالأصول:
الأمهات، والفصول: البنات، وفصول أول الأصول: الأخوات وبنات الأخ وبنات الأخت، وأول فصل من كل أصل
بعد الأصل الأول: العمات والخالات. والضابط الثاني للأستاذ أبي إسحاق الأسفراييني. والأول لتلميذه الأستاذ
أبي منصور البغدادي. قال الرافعي: وهو أرجح لايجازه ونصه على الإناث، بخلاف الثاني، ولمجيئه على نمط قوله تعالى:
* (إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك
وبنات خالك وبنات خالاتك) * فدل على أن ما عداهن من الأقارب ممنوع. وقد بدأ بالسبب الأول، وهو القرابة،
ويحرم بها سبع. وقد شرع في الأول منها، فقال: (تحرم الأمهات) بضم الهمزة وكسرها مع فتح الميم وكسرها: جمع
أم، وأصلها أمهة: قاله الجوهري. قال شيخنا: ومن نقل عنه أنه قال جمع أمهة أصل أم فقد تسمح. ويشير بذلك إلى
الرد على الشارح. ويحتمل أن الجوهري وقع له عبارتان. وقال بعضهم: الأمهات للناس، والأمات للبهائم. وقال
آخرون: يقال فيهما أمهات وأمات، لكن الأول أكثر في الناس والثاني أكثر في غيرهم، ويمكن رد الأول إلى
هذا، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحرير ذلك آخر الكتاب. والمراد تحريم العقد عليهن، وكذا يقدر في الباقي. (و)
ضابط الأم هو (كل من ولدتك) فهي أمك حقيقة، (أو ولدت من ولدك) ذكرا كان أو أنثى، كأم الأب وإن
علت وأم الأم كذلك (فهي أمك) مجازا. وإن شئت قلت كل أنثى ينتهي إليها نسبك بواسطة أو بغيرها، وهذا تفسير
الأمهات بالنسب وإلا فقد يحرم النكاح بالأمومة لا من هذه الجهة، وذلك في زوجات النبي (ص) أمهات
174

المؤمنين. ودليل التحريم في الأمهات وفي بقية السبع الآتية قوله تعالى: * (حرمت عليكم أمهاتكم) * الآية. (و)
الثاني: (البنات) جمع بنت. (و) ضابطها هو (كل من ولدتها) فبنتك حقيقة، (أو ولدت من ولدها) ذكرا
كان أو أنثى كبنت ابن وإن نزل، وبنت بنت وإن نزلت، (فبنتك) مجازا. وإن شئت قلت كل أنثى ينتهي إليك نسبها
بالولادة بواسطة أو بغيرها. ولما كانت المخلوقة من ماء الزنا قد يتوهم أنها بنت الزاني فتحرم عليه دفع هذا التوهم بقوله:
(قلت: والمخلوقة من) ماء (زناه) سواء أكانت المزني بها مطاوعة أم لا، سواء تحقق أنها من مائه أم لا، (تحل له)
لأنها أجنبية عنه، إذ لا حرمة لماء الزنا بدليل انتفاء سائر أحكام النسب من إرث وغيره عنها. فلا تتبعض الأحكام كما
يقول به الخصم، فإن منع الإرث بإجماع كما قاله الرافعي. وقيل: تحرم عليه مطلقا، وقيل: تحرم عليه إن تحقق أنها من
مائه بأن أخبره بذلك نبي، كأن يكون في زمن عيسى عليه السلام. وعلى الأول يكره نكاحها. واختلف في المعنى
المقتضي للكراهة، فقيل: للخروج من الخلاف، قال السبكي: وهو الصحيح. وقيل: لاحتمال كونها منه، فإن تيقن أنها
منه حرمت، وهو اختيار جماعة منهم الروياني. ولو أرضعت المرأة بلبن الزاني صغيرة فكبنته، قاله المتولي.
(ويحرم على المرأة) وعلى سائر محارمها (ولدها من زنا، والله أعلم) بالاجماع، كما أجمعوا على أنه يرثها، والفرق أن الابن
كالعضو منها وانفصل منها إنسانا ولا كذلك النطفة التي خلقت منها البنت بالنسبة للأب.
تنبيه: سكت المصنف رحمه الله تعالى عن المنفية باللعان، وحكمها أنها تحرم على نافيها ولو لم يدخل بأمها، لأنها
لا تنتفي عنه قطعا بدليل لحوقها به لو أكذب نفسه، ولأنها ربيبة في المدخول بها، وتتعدى حرمتها إلى سائر محارمه. وفي
وجوب القصاص عليه بقتله لها، والحد بقذفه لها، والقطع بسرقة مالها، وقبول شهادته لها وجهان، أوجههما كما قال
شيخي لا كما يقتضي كلام الروضة تصحيحه، وإن قيل: إن ذلك إنما وقع في نسخ الروضة السقيمة. قال البلقيني: وهل
يأتي الوجهان في انتقاض الوضوء بمسها وجواز النظر إليها والخلوة بها أو لا، إذ لا يلزم من ثبوت الحرمة المحرمية كما في
الملاعنة وأم الموطوءة بشبهة وبنتها؟ والأقرب عندي ثبوت المحرمية اه‍. والأوجه حرمة النظر والخلوة بها احتياطا،
وعدم نقض الوضوء بمسها للشك كما يؤخذ مما قدمته في باب أسباب الحدث. ولو تزوج ولد إنسان بلقيطة أو مجهولة
نسب فادعى أبوه بنوة تلك الزوجة بالشروط المذكورة في الاقرار، فإن صدقة الولد والزوجة ثبت النسب وانفسخ النكاح،
ثم إن كان ذلك قبل الدخول فلا شئ لها أو بعده فلها مهر المثل، وإن كذباه ولا بينة للأب ثبت نسبها ولا ينفسخ.
قال المازني: وفيه وحشة. قال القاضي في فتاويه: وليس لنا من يطأ أخته في الاسلام إلا هذا. وقيس به ما لو تزوجت
بمجهول النسب فاستلحقه أبوها ثبت نسبه، ولا ينفسخ النكاح إن لم تصدقه الزوجة، وإن أقام الأب بينة في الصورة
الأولى ثبت النسب وانفسخ النكاح وحكم المهر كما تقدم، وإن لم يكن بينة وصدقته الزوجة فقط لم ينفسخ النكاح لحق
الزوج، لكن لو أبانها لم يجز له بعد ذلك تجديد نكاحها لأن إذنها شرط وقد اعترفت بالتحريم. وأما المهر فيلزم الزوج
لأنه يدعي ثبوته عليه لكنها تنكره، فإن كان قبل الدخول فنصف المسمى أو بعده فكله، وحكمها في قبضه كمن أقر
لشخص بشئ وهو ينكره، وتقدم حكمه في باب الاقرار. فلو وقع الاستلحاق قبل التزويج لم يجز للابن نكاحها. (و)
الثالث: (الأخوات) جمع أخت. وضابطها كل من ولدها أبواك أو أحدهما فأختك. (و) الرابع والخامس: (بنات الاخوة
و) بنات (الأخوات) من جميع الجهات وبنات أولادهم وإن سفلن.
تنبيه: كان ينبغي تأخير بنات الاخوة والأخوات عن العمات والخالات تأسيا بالقرآن. (و) السادس: (العمات)
من كل جهة. سواء كن لأب وأم أم لا. (و) السابع: (الخالات) كذلك (و) أشار لضابط العمة بقوله: (كل
175

من هي أخت ذكر ولدك) بلا واسطة فعمتك حقيقة، أو بواسطة كعمة أبيك (فعمتك) مجازا، وقد تكون العمة من جهة
الأم كأخت أبي الأم. وأشار لضابط الخالة بقوله: (أو) أي وكل من هي (أخت أنثى ولدتك) بلا واسطة فخالتك حقيقة،
أو بواسطة فخالة أمك (فخالتك) مجازا. وقد تكون الخالة من جهة الأب كأخت أم الأب. ثم شرع في السبب الثاني،
وهو الرضاع، فقال: (ويحرم هؤلاء السبع بالرضاع أيضا) للآية، ولخبر الصحيحين يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة
وفي رواية: من النسب وفي أخرى: حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب. (و) ضابط أمك من الرضاع هو (كل من
أرضعتك أو أرضعت من أرضعتك) أو صاحب اللبن، (أو) أرضعت (من ولدك)
بواسطة أو غيرها، (أو ولدت مرضعتك) بواسطة أو غيرها، (أو) ولدت (ذا) أي صاحب (لبنها) وهو الفحل بواسطة أو غيرها. (فأم رضاع) في الصور المذكورة.
(وقس) على ذلك (الباقي) من السبع المحرمة بالرضاع مما ذكر. فضابط بنت الرضاع: هو كل امرأة ارتضعت بلبنك أو لبن
من ولدته بواسطة أو غيرها، أو أرضعتها امرأة ولدتها بواسطة أو وغيرها، وكذا بناتها من نسب أو رضاع وإن سفلن.
وضابط أخت الرضاع: هو كل من أرضعتها أمك أو أرضعت بلبن أبيك أو ولدتها مرضعتك أو ولدها الفحل. وضابط
عمة الرضاع: هو كل أخت للفحل أو أخت ذكر ولد الفحل بواسطة أو غيرها من نسب أو رضاع. وضابط خالة الرضاع:
هو كل أخت للمرضعة أو أخت أنثى ولدت المرضعة بواسطة أو غيرها من نسب أو رضاع. وضابط بنات الاخوة وبنات
الأخوات من الرضاع: هو كل أنثى من بنات أولاد المرضعة والفحل من الرضاع والنسب، وكذا كل أنثى أرضعتها
أختك أو أرضعت بلبن أخيك وبناتها وبنات أولادها من نسب أو رضاع. (ولا يحرم عليك من أرضعت أخاك) أو أختك،
ولو كانت من النسب حرمت، لأنها إما أم أو موطوءة أب. (و) لا من أرضعت (نافلتك) وهو ولد ولدك، ولو كانت
أم نسب حرمت عليك لأنها بنتك أو موطوءة ابنك. (ولا أم مرضعة ولدك و) لا (بنتها) أي بنت المرضعة، ولو كانت
المرضعة أم نسب كانت موطوءتك فتحرم أمها عليك وبنتها. فهذه الأربعة يحرمن في النسب ولا يحرمن في الرضاع،
فاستثناها بعضهم من قاعدة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. قال في زيادة الروضة: قال المحققون: لا حاجة إلى
استثنائها لأنها ليست داخلة في الضابط، ولهذا لم يستثنها الشافعي والجمهور ولا استثنيت في الحديث، لأن أم الأخ لم تحرم
لكونها أم أخ، وإنما حرمت لكونها أما أو حليلة أب، ولم يوجد ذلك في الصورة الأولى، وكذا القول في باقيهن اه‍.
وذكر الرافعي نحوه في كتاب الرضاع. وقال الإمام: قوله (ص): يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
من جوامع الكلم، فإنه شامل لقواعد حرمة الرضاع، لا يغادر منها شيئا، ولا يتطرق إليه تأويل، ولا حاجة فيه إلى تتمة
بتصرف قائس، قال: وهذا مستمر لا قصور فيه ولو استثناء منه. وقد نظم بعضهم هذه الصور التي ذكرها المصنف،
فقال:
أربع هن في الرضاع حلال وإذا ما نسبتهن حرام
جدة ابن وأخته ثم أم لأخيه وحافد والسلام
وزاد الجرجاني على هذه الأربعة ثلاث صور: أم العم والعمة، وأم الخال والخالة، وأخو الابن، فإنهن يحرمن في النسب
لا في الرضاع. وصورة الأخيرة في امرأة لها ابن ثم ابنها ارتضع من امرأة أجنبية لها ابن، فذلك الابن أخو ابن
المرأة المذكورة، ولا يحرم عليها أن تتزوج بهذا الذي هو أخ لابنها. (ولا) يحرم عليك (أخت أخيك) وقوله:
176

(من نسب ولا رضاع) متعلق بأخت لا بأخ. (وهي) في النسب (أخت أخيك لأبيك لامه) أي الأخ، وصورته: أن يكون
لك أخ لأب وأخت لأم، فله أن ينكح أختك من الأم. وصورته في الرضاع: أن ترضعك امرأة وترضع صغيرة أجنبية
منك فلأخيك نكاحها. (وعكسه) في النسب أخت أخيك لامك لأبيه، بأن كان لأبي أخيك بنت من غير أمك فيجوز لك
نكاحها، وفي الرضاع أن ترضع امرأة أخاك وترضع معه صغيرة أجنبية منك فيجوز لك نكاحها.
تنبيه: صورة العكس مزيدة على المحرر والروضة كأصلها. ثم شرع في السبب الثالث، وهو المصاهرة، فقال:
(وتحرم) عليك (زوجة من ولدت) بواسطة أو غيرها وإن لم يدخل ولدك بها، لاطلاق قوله تعالى: * (وحلائل أبنائكم الذين
من أصلابكم) *. (أو) زوجة من (ولدك) بواسطة أو غيرها أبا أو جدا من قبل الأب أو الأم وإن لم يدخل والدك بها، لاطلاق
قوله: * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) *، قال في الأم: يعني في الجاهلية قبل علمكم بتحريمه. (من نسب
أو رضاع) هو راجع لهما معا، أما النسب فللآية، وأما الرضاع فللحديث المتقدم. فإن قيل: إنما قال الله تعالى: * (وحلائل
أبنائكم الذين من أصلابكم) * فكيف حرمت حليلة الابن من الرضاعة؟ أجيب بأن المفهوم إنما يكون حجة إذا لم يعارضه
منطوق، وقد عارضه هنا منطوق قوله (ص): يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. فإن قيل: ما فائدة التقييد في الآية حينئذ؟
أجيب بأن فائدة ذلك إخراج حليلة المتبنى فلا يحرم على المرء زوجة من تبناه لأنه ليس بابن له حقيقة. (وأمهات زوجتك)
بواسطة أو بغيرها (منهما) أي من نسب أو رضاع، سواء أدخل بها أم لا، لاطلاق قوله تعالى: * (أمهات نسائكم) *. (وكذا
بناتها) بواسطة أو غيرها، (إن دخلت بها) في عقد صحيح أو فاسد، لاطلاق قوله تعالى: * (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم
اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) *، وذكر الحجور خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، فإن قيل:
لم أعيد الوصف إلى الجملة الثانية ولم يعد إلى الجملة الأولى وهي * (وأمهات نسائكم) * مع أن الصفات عقب الجمل تعود
إلى الجميع؟ أجيب بأن نسائكم الثاني مجرور بحرف الجر، ونسائكم الأول مجرور بالمضاف، وإذا اختلف العامل لم يجز
الاتباع وتعين القطع. واعترض بأن المعمول الجر وهو واحد.
تنبيه: قضية كلام الشيخ أبي حامد وغيره أنه يعتبر في الدخول أن يقع في حياة الأم، فلو ماتت قبل الدخول
ووطئها بعد موتها لم تحرم بنتها، لأن ذلك لا يسمى دخولا، وإن تردد فيه الروياني. فإن قيل: لم لم يعتبروا الدخول في
تحريم أصول البنت واعتبروا في تحريمها الدخول؟ أجيب بأن الرجل يبتلى عادة بمكالمة أمها عقب العقد لترتيب أموره،
فحرمت بالعقد ليسهل ذلك بخلاف بنتها. وتقييد التحريم بالدخول يفهم تحريم الثلاث الأول بمجرد العقد، وهو كذلك
كما مر، بشرط صحة العقد فلا يتعلق بالعقد الفاسد حرمة المصاهرة كما لا يتعلق به حل المنكوحة. والحاصل أن من حرم
بالوطئ لا يعتبر فيه صحة العقد كالربيبة. ومن حرم بالعقد وهي الثلاث الأول فلا بد فيه من صحة العقد، نعم لو
وطئ في العقد الفاسد في الثلاث الأول حرم بالوطئ فيه لا بالعقد. وظاهر كلام المصنف أن الربيبة لا تحرم باستدخال أمها
ماء الزوج، وليس مرادا، إذ في الروضة وأصلها الجزم بأن استدخال الماء يثبت المصاهرة إذا كان محترما بأن كان ماء زوجها،
ومقتضاه تحريم الربيبة، وإن خالف في ذلك البلقيني. وظاهر كلامه أيضا حل البنت المنفية باللعان إذا لم يدخل
بالملاعنة لأنها بنت زوجة لم يدخل بها ولم يثبت كونها بنتا له، وليس مرادا، بل الأصح تحريمها لأنها لا تنتفي عنه قطعا
كما مرت الإشارة إليه. وعلم من كلامه عدم تحريم بنت زوج الأم أو البنت أو أمه وعدم تحريم أم زوجة الأب أو
الابن أو بنتها أو زوجة الربيب أو الراب لخروجهن عن المذكورات. (و) كل (من وطئ) في الحياة وهو واضح،
(امرأة بملك) سواء أكانت محرمة عليه على التأبيد أم لا، (حرم عليه أمهاتها وبناتها وحرمت) هي (على آبائه وأبنائه)
177

تحريما مؤبدا بالاجماع، ولان الوطئ بملك اليمين نازل منزلة عقد النكاح. (وكذا الموطوءة) الحية (بشبهة في حقه) كأن ظنها
زوجته أو أمته أو وطئ بفاسد شراء أو نكاح تحرم عليه أمهاتها وبناتها. وتحرم على آبائه وأبنائه، كما يثبت في هذا الوطئ
النسب ويوجب العدة، وسواء كانت كما ظن أم لا. (قيل: أو حقها) بأن ظنته كما ظن مع علمه بالحال. وحاصل هذا الوجه
أنه يكتفي بقيام الشبهة من أحد الجانبين. أما الميتة فلا تثبت حرمة المصاهرة بوطئها كما جزم به الرافعي في الرضاع، وأما
الخنثى فلا تثبت حرمة المصاهرة بوطئه لاحتمال كون العضو زائدا، قاله أبو الفتوح.
تنبيه: قد يشعر تشبيه وطئ الشبهة بملك اليمين أن وطئ الشبهة يوجب التحريم والمحرمية، وليس مرادا، بل التحريم
فقط فلا يحل للواطئ بشبهة النظر إلى أم الموطوءة وبنتها ولا الخلوة والمسافرة بهما ولا مسهما كالموطوءة بل أولى، فلو
تزوجها بعد ذلك ودخل بها ثبتت المحرمية أيضا كما يقتضيه كلامهم، وما صححه من عدم تأثيره في حقها هو بالنسبة
للتحريم لا المهر. وتحقيق أحكام هذه المسألة أن شبهة الواطئ فقط تثبت حرمة المصاهرة والنسب والعدة لا المهر، وشبهة
الموطوءة فقط توجب المهر فقط لا المصاهرة والعدة والنسب. ودخل تحت قوله: في حقه صورتان: الشبهة في حق الزوجة
والزوج معا، وفي حق الزوج فقط، وخرج عنه صورتان: شبهتها فقط وعدم شبهته. (لا المزني بها) فلا يثبت بزناها حرمة
المصاهرة، فللزاني أم من زنى بها وبنتها ولابنة وأبيه نكاحها هي، لأن الله تعالى أمتن على عباده بالنسب والصهر
فلا يثبت بالزنا كالنسب.
تنبيه: استثني زنا المجنون فإنه يثبت به المصاهرة، ولا حاجة إليه كما قال ابن شهبة، فإن الصادر من المجنون صورة زنا
لا زنا حقيقة، لأنه ليس عليه إثم ولا حد. ولو لاط شخص بغلام لم يحرم على الفاعل أم الغلام وبنته. (وليست مباشرة)
كلمس وقبلة (بشهوة) في زوجة وأمة أو أجنبية، لكن بشبهة كما لو مس امرأة على فراشه ظنها زوجته. (كوطئ في
الأظهر) لأنها لا توجب العدة فكذا لا توجب الحرمة. والثاني: أنها كالوطئ، بجامع التلذذ بالمرأة، ولأنه استمتاع يوجب
الفدية على المحرم فكان كالوطئ، وبهذا قال جمهور العلماء.
تنبيه: تقييد الشهوة من زيادته على المحرر، قال في الدقائق: ولا بد منه، أما اللمس بغيرها فلا أثر له في التحريم
عند المعظم. قال الزركشي: ويرد على المصنف لمس الأب جارية ابنه فإنها تحرم لما له من الشبهة في ملكه، أي فيجري
فيها الخلاف، بخلاف لمس الزوجة، ذكره الإمام. وتثبت العدة والمصاهرة والنسب فقط باستدخال ماء زوج، وكذا
أجنبي أو سيد بشبهة دون الاحصان والتحليل وتقرير المهر ووجوبه للمفوضة والغسل والمهر في صورة الشبهة. واختلف
في ثبوت الرجعة بذلك، والذي جزم به ابن المقري هنا تبعا لاصله عدم ثبوتها، وهو مخالف لجزمهما بثبوتها في الكلام
على التحليل وعلى الفسخ بالعنة، وعليه اقتصر في الشرح الصغير، وهو الأصح كما في المهمات، قال: ونقل الماوردي
عن بعض الأصحاب أنه يشترط في التحريم باستدخال ماء الزوج وجود الزوجية حال الانزال والاستدخال. ومقتضاه
أنه يشترط في ماء الأجنبي قيام الشبهة في الحالين، والمراد من ذلك أن يكون الماء محترما فيهما، ولا يثبت ذلك ولا
غيره باستدخال ما زنا الزوج أو السيد. وعند البغوي يثبت جميع ذلك كما لو وطئ زوجته يظن أنه يزني بها. وأجيب
بأن الوطئ في زوجته بظنه المذكور ليس زنا في نفس الامر بخلافه في مسألتنا. (ولو اختلطت) امرأة (محرم) لشخص
من نسب أو رضاع أو مصاهرة أو محرمة عليه بلعان أو نفي أو توثن أو غيرها كما صرح به الجرجاني، (بنسوة قرية كبيرة)
غير محصورات، (نكح منهن) جوازا باجتهاد وغيره، لأنا لو منعناه لتضرر بالسفر، وربما انحسم عليه باب النكاح، فإنه
وإن سافر إلى بلدة أخرى لم يؤمن مسافرتها إليها، وهذا كما لو اختلط صيد مملوك بصيود مباحة غير محصورة لا يحرم الاصطياد.
تنبيه: قضية قوله: نكح منهن أنه لا ينكح الجميع، وبه جزم الجرجاني. وهل ينكح إلى أن تبقى واحدة أو
إلى أن يبقى عدد محصور؟ حكى الروياني عن والده فيه احتمالين، وقال: الأقيس عندي الثاني اه‍. وهذا هو الأوجه. وفرق
178

بين هذا وبين ما صححه المصنف في نظيره من الأواني من ترجيح الأول بأن ذلك يكفي فيه الظن بدليل صحة الطهر والصلاة
بمظنون الطهارة وحل تناوله مع القدرة على متيقنها أي في محصور وغيره بخلاف النكاح. وقوله: محرم الدائر على الألسنة
أنه بفتح الميم، وينبغي ضبطه بالضم مع تشديد الراء فإن الحكم لا يختص بالأول كما مرت الإشارة إليه، فإن من حرمت
بالجمع أو بالعدة كذلك. (لا بمحصورات) فإنه لا ينكح منهن احتياطا للابضاع مع انتفاء المشقة باجتنابهن، بخلاف الصورة
الأولى، فلو خالف وفعل لم يصح في الأصح لمنعنا له من ذلك، إذ من الشروط كما سبق أن يعلم أنها حلال ويشكل عليه كما
قال ابن شهبة أنه لو زوج أمة مورثة ظانا حياته فبان ميتا صح، ولو تزوج امرأة المفقود بعد التربص فبان ميتا صح على
الجديد، وقد يجاب عن الصورة الأولى بأن الشك في الزوج هل هو مالك أو لا؟ وهو لا يضر إذا تبين أنه مالك، كما لو
زوج أخ خنثى أخته وتبينت ذكورته فإنه لا يضر كما مر. وعن الثانية بأن بعض الأئمة يرى ذلك، فإذا تبين أنه كان في
نفس الامر كذلك صح. وهذا التفصيل يأتي فيما لو أراد الوطئ بملك اليمين أيضا. قال الإمام: والمحصور ما سهل على
الآحاد عده دون الولاة. وقال الغزالي: غير المحصور كل عدد لو اجتمع في صعيد واحد لعسر على الناظر عده بمجرد النظر
كألف، وما سهل كالعشرين فمحصور، قال: وما بينهما يلحق بأحدهما بالظن وما شك فيه استفتي فيه القلب. وقال الأذرعي
وغيره: ينبغي التحريم عند الشك عملا بالأصل. وخرج بمحرم ما لو اختلطت زوجته بأجنبيات فلا يجوز له وطئ واحدة
منهن مطلقا ولو باجتهاد، إذ لا مدخل للاجتهاد في ذلك ولان الوطئ إنما يباح بالعقد لا بالاجتهاد. (ولو طرأ مؤبد تحريم على
نكاح قطعه) أي منع دوامه، (كوطئ) الواضح (زوجة ابنه) بنون أو بمثناة تحتية بخطه حيث كتب كلمة معا على ابنه أو
أم زوجة نفسه أو بنتها، (بشبهة) فينفسخ به نكاحها كما يمنع انعقاده ابتداء، سواء كانت الموطوءة محرما للواطئ قبل العقد
عليها كبنت أخيه أم لا. قال شيخنا: ولا يعتبر بما نقل من بعضهم من تقييد ذلك بالشق الثاني.
تنبيه: احترز بطروه على النكاح عما إذا طرأ على ملك اليمين كوطئ الأب جارية ابنه فإنها تحرم على الابن أبدا،
ولا ينقطع على الابن ملكه إذا لم يوجد من الأب إحبال ولا شئ عليه بمجرد تحريمها، لأن مجرد الحل في ملك اليمين
ليس بمتقوم، وإنما القصد الأعظم منه المالية وهي باقية، أما الخنثى فلا ينفسخ بوطئه النكاح.
فرع: لو عقد شخص على امرأة وابنه على بنتها وزفتا إليهما بأن زفت كل منهما إلى غير زوجها فوطئ
كل منهما الأخرى غلطا انفسخ النكاحان، لأن زوجة الأب موطوءة ابنه وأم موطوءته بالشبهة وزوجة الابن موطوءة
أبيه وبنت موطوءته، ولزم كلا منهما لموطوءته مهر المثل، وعلى السابق منهما بالوطئ لزوجته نصف المسمى، لأنه
الذي رفع نكاحها فهو كما طلقها قبل الدخول. وهل يلزم الثاني نصف المسمى لزوجته أو لا؟ أوجه أحدها لا، إذ
لا صنع له، وثانيها: نعم، إذ لا صنع لها. وثالثها، وهو كما قال شيخنا الأوجه: يجب لصغيرة لا تعقل ومكرهة ونائمة، لأن الانفساخ
حينئذ غير منسوب إليها، فكان كما لو أرضعت زوجته الكبيرة الصغيرة ينفسخ نكاحهما، وللصغيرة نصف المسمى على
الزوج ويرجع على السابق بنصف مهر المثل، لأنه فوت عليه نكاحها لا بمهر المثل ولا بما غرم كما في الرضاع. ولا يجب
لعاقلة مطاوعة في الوطئ ولو غلطا، كما لو اشترت حرة زوجها قبل الدخول، فإن وطئا معا فعلى كل منهما لزوجته نصف
المسمى ويرجع كل منهما على الآخر في أحد وجهين يظهر كما قال شيخي ترجيحه بنصف ما كان يرجع به لو انفرد،
ويهدر نصفه لأنها حرمت بفعلهما كنظيره في الاصطدام. ولو أشكل الحال ولم يعلم سبق ولا معية وجب للموطوءة مهر
المثل وانفسخ النكاحان، ولا رجوع لأحدهما على الآخر، ولزوجة كل منهما نصف المسمى، ولا يسقط بالشك كما
قاله ابن الصباغ، ولو نكح الشخص جاهلا امرأة وبنتها مرتبا فالنكاح الثاني باطل، وإن وطئ الثانية فقط عالما بالتحريم
فنكاح الأولى بحاله، لأن وطئ الزنا لا أثر له، أو جاهلا به بطل نكاح الأولى، لأنها أم الموطوءة بشبهة أو بنتها، ولزمه
للأولى نصف المسمى، وحرمت عليه أبدا لما مر، وللموطوءة مهر مثل، وحرمت عليه أبدا إن كانت هي الأم لأنها
179

أم زوجته، وإن كانت البنت فلا تحرم أبدا، لأنها ربيبة امرأة لم يدخل بها إلا إن كان قد وطئ الأم، لأنها
حينئذ بنت موطوءته. ثم شرع في القسم الثاني، وهو ما لا يتأبد تحريمه، وهي ثلاثة أنواع، وقد بدأ بالأول منها. فقال:
(ويحرم) ابتداء دواما (جمع) امرأتين بينهما قرابة أو رضاع، لو فرضت إحداهما ذكرا حرم تناكحهما، كجمع
(المرأة وأختها أو عمتها أو خالتها من رضاع أو نسب) ولو بواسطة، لقوله تعالى: * (وأن تجمعوا بين الأختين) *، ولخبر:
لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها ولا المرأة على خالتها ولا الخالة على بنت أختها لا الكبرى
على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى رواه الترمذي وغيره وصححوه، ولما فيه من قطعية الرحم. وإن رضيت بذلك فإن الطبع
يتغير، وإليه أشار (ص) في خبر النهي عن ذلك بقوله: إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامهن كما رواه ابن حبان
وغيره. (فإن) خالف (جمع) بين من يحرم الجمع بينهما كأختين (بعقد بطل) نكاحهما إذ لا أولوية لإحداهما
عن الأخرى، (أو مرتبا ف‍) - الأول صحيح، (والثاني) باطل، لأن الجمع حصل به، هذا إذا علم عين السابق، فإن
لم يعلم بطلا، وإن علم ثم اشتبه وجب التوقف كما في نكاح الوليين من اثنين، فإن وطئ الثانية جاهلا بالحكم استحب
أن لا يطأ الأولى حتى تنقضي عدة الموطوءة، وخرج بالرضاع والنسب الجمع بالمصاهرة، فجمع المرأة وأم زوجها أو بنته من
أخرى لا يحرم، لأن حرمة الجمع بينهما وإن حصلت بفرض أم الزوج ذكرا في الأولى وبفرض بنته ذكرا في الثانية
لكن ليس بينهما قرابة ولا رضاع بل مصاهرة، وليس فيها رحم يحذر قطعها. قال الرافعي: وقد يستغنى عن قيد
القرابة والرضاع بأن يقال: يحرم الجمع بين كل امرأتين أيتهما قدرت ذكرا حرمت عليه الأخرى، فإن أم الزوج
وإن حرمت عليها زوجة الابن لو قدرت ذكرا لكن زوجة الابن لو قدرت ذكرا لم تحرم عليه الأخرى بل تكون
أجنبية عنه اه‍. فإن قيل: يرد على هذا السيدة وأمتها لصدق الضابط بهما مع جواز الجمع بينهما لعبد، وكذا الحر إذا تزوج
أمة بشروطه ثم نكح حرة عليها. أجيب بأن المتبادر بقرينة المقام من التحريم المؤبد المقتضي لمنع النكاح فتخرج
هذه، لأن التحريم فيها قد يزول. وبأن السيدة لو فرضت ذكرا حل له وطئ أمته بالملك، وإن لم يحل له نكاحها. ويجوز الجمع
بين بنت الرجل وربيبته وبين المرأة وربيبة زوجها من امرأة أخرى وبين أخت الرجل من أمه وأخته من أبيه إذ لا تحرم
المناكحة بتقدير ذكورة إحداهما، ولو اشترى زوجته الأمة جاز له أن يتزوج أختها وأربعا سواها، لأن ذلك الفراش
قد انقطع. (ومن حرم جمعهما بنكاح، حرم) جمعهما أيضا (في الوطئ بملك) أو ملك ونكاح وإن لم يعلم من كلامه،
لأنه إذا حرم العقد فلان يحرم الوطئ أولى لأنه أقوى (لا ملكهما) أي الجمع بينهما في الملك كشراء أختين وامرأة
وخالتها فإنه جائز بالاجماع، ولأنه لا يتعين للوطئ، ولهذا يجوز أن يشتري أخته ونحوها بخلاف النكاح. (فإن وطئ)
طائعا أو مكرها (واحدة) منهما ولو في الدبر أو مكرهة أو جاهلة، (حرمت الأخرى حتى يحرم الأولى) بمحرم، (كبيع)
وعتق لكلها أو بعضها، (أو نكاح) أي تزويجها، (أو كتابة) صحيحة، لئلا يحصل الجمع المنهي عنه، فإن وطئ الثانية
قبل تحريم الأولى أثم ولم تحرم الأولى إذ الحرام لا يحرم الحلال، لكن يستحب أن لا يطأ الأولى حتى يستبرئ الثانية لئلا
يجمع الماء في رحم أختين (لا حيض وإحرام) وردة، فإنها لا تزيل الملك ولا الاستحقاق. (وكذا رهن) مقبوض
(في الأصح) لأنه يملك الوطئ بإذن المرتهن. والثاني: يكفي الرهن كالتزويج. فإن لم يكن قبض لم تحل الثانية
جزما. فلو عاد الحل برد المبيعة وطلاق المنكوحة وعجز المكاتبة فإن لم يطأ الثانية بعد فله الآن وطئ من شاء منهما. وإن كان
قد وطئها لم يطأ العائد حتى تحرم الأخرى، لأن الثانية في هذه الحالة كالأولى.
تنبيه: يشترط أن تكون كل منهما مباحة على انفرادها، فلو كانت إحداهما مجوسية أو نحوها كمحرم فوطئها
جاز له وطئ الأخرى. نعم لو ملك أما وبنتها فوطئ إحداهما حرمت الأخرى مؤبدا كما علم مما مر. ولو باع الموطوءة بشرط
180

الخيار قال الشيخان: فحيث يجوز له وطؤها لا تحل له الأخرى، وحيث لا فوجهان، وقال الإمام: الوجه عندي القطع
بالحل اه‍. وهو ظاهر. ولو ملك شخص أمة وخنثى أخوين فوطئه جاز له عقبه وطئ الأمة، ولو اشترى جاريتين فادعيا
أن بينهما أخوة بالرضاع، ففي فتاوى البغوي: للسيد أن يعتمدهما، والاختيار أن لا يجمع بينهما، ولو أقرت الأمة أن
سيدها أخوها من الرضاع لم يقبل بعد التمكين. وفيما قبله وجهان ذكرهما الرافعي في الرضاع، وقياس الزوجة في دعواها
ذلك أنها تقبل. ولو (ملكها) أي الأمة وطئها أم لا، (ثم نكح) من يحرم الجمع بينها وبينها، كأن نكح (أختها)
الحرة أو عمتها أو خالتها، (أو عكس) أي نكح امرأة ثم ملك من يحرم الجمع بينها وبينها، كأن ملك أختها، (حلت
المنكوحة) في المسألتين (دونها) أي المملوكة، ولا كانت موطوءة لأن فراش النكاح أقوى إذ يتعلق به الطلاق
والظهار والايلاء وغيرها بخلاف الملك. ولا يجامع النكاح حلها لغيره إجماعا، بخلاف الملك، فلا يندفع الأقوى بالأضعف
بل يدفعه. (و) يحل (للعبد امرأتان) فقط، لأن الحكم بن عيينة نقل إجماع الصحابة فيه، رواه البيهقي، ولأنه على
النصف من الحر، ولان النكاح من باب الفضائل فلم يلحق العبد فيه بالحر كما لم يلحق الحر بمنصب البنوة في الزيادة
على أربع. والمبعض كالقن كما صرح به أبو حامد والماوردي وغيرهما (و) يحل (للحر أربع فقط) لقوله تعالى: * (
فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) *، ولقوله (ص) لغيلان وقد أسلم وتحته عشر نسوة:
أمسك أربعا وفارق سائرهن رواه ابن حبان والحاكم وغيرهما وصححوه. وإذا امتنع في الدوام ففي الابتداء أولى.
فائدة: ذكر ابن عبد السلام أنه كان في شريعة موسى عليه السلام الجواز من غير حصر تغليبا لمصلحة الرجال،
وفي شريعة عيسى عليه السلام لا يجوز غير واحدة تغليبا لمصلحة النساء، وراعت شريعة نبينا محمد (ص) وعلى سائر
الأنبياء مصلحة النوعين. وقد تتعين الواحدة للحر، وذلك في كل نكاح توقف على الحاجة كالسفيه والمجنون والحر
الناكح الأمة. وقال بعض الخوارج: الآية تدل على جواز تسع: مثنى باثنين وثلاث بثلاث ورباع بأربع، ومجموع
ذلك تسع، وبعض منهم: تدل على ثمانية عشر: مثنى اثنين اثنين وثلاث ثلاثة ثلاثة ورباع أربعة أربعة، ومجموع ذلك
ما ذكره وهذا خرق للاجماع. (فإن نكح) الحر (خمسا) مثلا (معا) أي بعقد - وهو منصوب على الحال - أو العبد
ثلاثا كذلك، (بطلن) إذ ليس إبطال نكاح واحدة بأولى من الأخرى، فبطل الجميع كما لو جمع بين الأختين. ويستثنى
ما لو كان فيهن أو في ست للحر وأربع للرفيق أختان مثلا فإنه يبطل فيهما، ويصح في الباقي عملا بتفريق الصفقة،
وإنما بطل فيهما معا لأنه لا يمكن الجمع بينهما. ولا أولوية لإحداهما على الأخرى، فإن
كانتا في أكثر من ذلك كأن كانتا في سبع للحر أو خمس للعبد بطل الجميع، وفي معنى الأختين ما لو كان فيهن من لا تحل له كمحرمة وملاعنة ووثنية
ومجوسية (أو) نكحهن (مرتبا، فالخامسة) للحر، والثالثة للعبد، بطل نكاحها، لأن الزيادة على العدد الشرعي
حصل بها.
فرع: لو عقد على ست على ثلاث معا واثنتين معا وواحدة وجهل السابق من العقود، فنكاح الواحدة صحيح
بكل تقدير لأنها لا تقع إلا أولى أو ثالثة أو رابعة، فإنها لو تأخرت عن العقدين كان ثانيهما باطلا فيصح نكاحها قال
ابن الحداد: ونكاح الباقيات باطل لأن كلا من عقدي الفريقين يحتمل كونه متأخرا عن الآخر فيبطل، والأصل
عدم الصحة، وغلطه الشيخ أبو علي، فقال: أحد العقدين صحيح، وهو السابق منهما ولا تعرف عينه، فيوقف
نكاح الخمس ويؤاخذ الزوج بنفقتهن مدة التوقف لأنهن محبوسات لأجله ويسئل عن البيان. وقول ابن الحداد كما
قال ابن المقري: هو قياس ما سبق من أنه إذا وقع على امرأة عقدان وجهل السابق منهما بطل العقدان، وهنا قد
أشكل السابق منهما، وإلى هذا أشار الأسنوي في المهمات، وهذا هو المعتمد وإن فرق بعضهم بأن المعقود عليه ثم
واحدة والزوج متعدد ولم يعهد جوازه أصلا بلا ممنوع منه، وهنا بالعكس وقد عهد جوازه. فاغتفر فيه ما لم
يغتفر في
181

ذلك. (وتحل الأخت) ونحوها كالعمة، (و) الزائدة (الخامسة) أو غيرها (في عدة بائن) لأنها أجنبية منه
(لا رجعية) لأنها في حكم الزوجة، فلا تحل له حتى تنقضي عدتها، وفي معناها المتخلفة عن الاسلام والمرتدة بعد
الدخول بهما ما بقيت العدة. ولو ادعى أنها أخبرته بانقضاء عدتها وأنكرت وأمكن انقضاؤها فله نكاح أختها وأربع
سواها لزعمه انقضاءها، ولا يقبل في إسقاط نفقتها. ولو وطئها حد لما ذكر، أو طلقها لم يقع لذلك. (وإذا طلق الحر ثلاثا)
سواء أوقعهن معا أم لا، معلقا كان ذلك أم لا، قبل الدخول أم لا، (أو العبد) أو المبعض (طلقتين) كذلك، (لم
تحل له حتى تنكح) زوجا غيره ولو عبدا أو مجنونا (وتغيب بقبلها) لا في غيره كدبرها كما لا يحصل به التحصين، (حشفته)
ولو كان عليها حائل كأن لف عليها خرقة فإنه يكفي تغييبها كما يكفي في تحصينها. (أو قدرها) من فاقدها. سواء أولج هو
أم نزلت عليه في يقظة أو نوم أو أولج فيها وهي نائمة. ومعلوم أنه لا بد أن يطلقها وتنقضي عدتها كما صرح به في المحرر،
وأسقطه المصنف لوضوحه، والتقييد بالقبل من زيادته. قال الإمام: والمعتبر الحشفة التي كانت لهذا العضو المخصوص.
(بشرط الانتشار) للآلة وإن ضعف الانتشار واستعان بأصبعه أو أصبعها ليحصل ذوق العسيلة الآتي في الخبر، بخلاف
ما لم ينتشر لشلل أو عنة أو غيرهما، فالمعتبر الانتشار بالفعل لا بالقوة على الأصح كما أفهمه كلام الأكثرين، وصرح
به الشيخ أبو حامد وصاحبا المهذب والبيان وغيرهم، حتى لو أدخل السليم ذكره بأصبعه بلا انتشار لم يحل كالطفل،
فما قيل إن الانتشار بالفعل لم يقل به أحد ممنوع كما قاله شيخنا. (و) لا بد أيضا من (صحة النكاح) فلا يحلل الوطئ في النكاح
الفاسد ولا ملك اليمين ولا وطئ الشبهة، لأنه تعالى علق الحل بالنكاح، وهو إنما يتناول النكاح الصحيح، بدليل ما لو حلف
لا ينكح لا يحنث بما ذكر (وكونه) أي الزوج (ممن يمكن جماعه، لا طفلا) لا يتأتى منه ذلك أو يتأتى منه وهو رقيق، لأن
نكاحه إنما يتأتى بالاجبار، وقد مر أنه ممتنع. (على المذهب فيهن) وفي وجه قول قطع الجمهور بخلافه أنه يحصل التحليل
بلا انتشار لشلل أو غيره لحصول صورة الوطئ وأحكامه، وأنكره بعضهم. ويكفي الوطئ في النكاح الفاسد لأن اسم النكاح
يتناوله، وفي وجه نقل الإمام اتفاق الأصحاب على خلافه أن الطفل الذي لا يتأتى منه الجماع يحلل، وإنما حرمت عليه
إلى أن تتحلل تنفيرا من الطلاق الثلاث، ولقوله تعالى: * (فإن طلقها) * أي الثالثة * (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) *
مع خبر الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي (ص)، فقالت:
كنت
عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإن ما معه مثل هدبة الثوب فقال: أتريدين أن ترجعي
إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك والمراد بها عند اللغويين: اللذة الحاصلة بالوطئ، وعند الشافعي
وجمهور الفقهاء الوطئ نفسه، سمي بذلك تشبيها له بالعسل بجامع اللذة. وقيس بالحر غيره بجامع استيفاء ما يملكه من
الطلاق.
تنبيه: قوله: لا طفلا قد يفهم أنه لا يشترط في الزوجة ذلك، بل وطؤها محلل وإن كانت طفلة لا يمكن جماعها،
وبه صرح في أصل الروضة، وجزم في الذخائر بالمنع كالطفل، ونقله الأذرعي عن نص الشافعي وصوبه، والمعنى
يدفعه، لأن القصد بذلك التنفير كما مر، وهو حاصل بذلك، بخلاف غيبوبة حشفة الطفل. ويكفي وطئ محرم بنسك وخصي
ولو كان صائما أو كانت حائضا أو صائمة أو مظاهرا منها أو معتدة من شبهة وقعت في نكاح المحلل أو محرمة بنسك، لأنه
وطئ زوج في نكاح صحيح، ولا يكفي جماع رجعية وإن راجعها، ولا معتدة لردة منه أو منها وإن أسلم المرتد في العدة،
وتتصور العدة بلا وطئ بأن استدخلت ماءه ثم طلقها أو استدخلته ثم ارتدت ثم وطئها، فهذا الوطئ لا يحل لوجوده في
182

حال ضعف النكاح. ويشترط في تحليل البكر الافتضاض كما نقلاه وأقراه، وحكي عن النص وإن أوله بعضهم. وتحل
كتابية لمسلم بوطئ مجوسي ووثني في نكاح نقرهم عليه عند ترافعهم إلينا. (ولو نكح) الزوج الثاني، (بشرط) أنه (إذا وطئ
طلقها)، قبل الوطئ أو بعده، (أو بانت) منه (أو فلا نكاح) بينهما وشرط ذلك في صلب العقد، (بطل) أي لم يصح النكاح
لأنه شرط يمنع دوام النكاح فأشبه التأقيت، فإن تواطأ العاقدان على شئ من ذلك قبل العقد ثم عقدا بعد ذلك القصد بلا
شرط كره خروجا من خلاف من أبطله، ولان كل ما لو صرح به أبطل إذا أضمر كره، ومثله لو تزوجها بلا شرط
وفي عزمه أن يطلقها إذا وطئها. ولو تزوجها على أن يحللها للأول صح كما جزم به الماوردي لأنه لم يشرط الفرقة بل
شرط مقتضى العقد. فإن نكحها بشرط أن يطأها أو لا يطأها إلا نهارا أو إلا مرة مثلا بطل النكاح، أي لم يصح إن كان
الشرط من جهتها لمنافاته مقصود العقد، فإن وقع الشرط منه لم يضر لأن الوطئ حق له فله تركه، والتمكن حق عليها
فليس لها تركة. وللرافعي هنا إشكال ذكرته مع جوابه في شرح التنبيه. (وفي التطليق قول) أن شرطه لا يبطل، ولكن
يبطل الشرط والمسمى، ويجب مهر المثل، ولو تزوجها على أن لا تحل له لم يصح لاخلاله بمقصود العقد
وللتناقض، أو
على أنه لا يملك البضع وأراد الاستمتاع فكشرط أن لا يطأها وإن أراد ملك العين لم يضر لأنه تصريح بمقتضى العقد.
تتمة: يقبل قول المطلقة ثلاثا في التحليل بيمينها عند الامكان وإن أكذبها الثاني في وطئه لها، لأنها مؤتمنة على فرجها،
والوطئ مما يعسر إقامة البينة عليه. نعم إن حلف الثاني أنه لم يطأ لم يلزمه إلا نصف المهر فقط، ويقبل قولها أيضا بيمينها
عند الامكان في انقضاء عدتها، وللأول تزويجها وإن ظن كذبها، لكن يكره، فإن قال: هي كاذبة منع من تزويجها إلا
إن قال بعده: تبين لي صدقها، ولو حرمت عليه زوجته الأمة بإزالة ما يملكه عليها من الطلاق ثم اشتراها قبل التحليل لم
يحل له وطؤها لظاهر القرآن.
فصل: فيما يمنع النكاح من الرق: (لا ينكح) الرجل (من يملكها) كلها (أو بعضها) ولو مستولدة ومكاتبة لتناقض
أحكام الملك والنكاح، إذ الملك لا يوجب القسم ولا يقتضي الطلاق ونحوه بخلاف النكاح، وعند التناقض يثبت الأقوى
ويسقط الأضعف. وملك اليمين أقوى، (و) على هذا (لو ملك زوجته أو بعضها) ملكا تاما (بطل نكاحه) أي انفسخ لما مر
من أن ملك اليمين أقوى من ملك النكاح، لأنه يملك به الرقبة والمنفعة والنكاح لا يملك به إلا ضرب من المنفعة. وهذا
بخلاف ما لو استأجر عينا ثم ملكها فإن الإجارة لا تنفسخ على الأصح، لأنه لا مناقضة بين ملك العين والمنفعة. (ولا تنكح
المرأة من تملكه) كله (أو بعضه) لتضاد الأحكام أيضا، وعلى هذا لو ملكت زوجها أو بعضه ملكا تاما انفسخ النكاح
لأنها تطالبه بالسفر إلى الشرق لأنه عبدها وهو يطالبها بالسفر معه إلى الغرب لأنها زوجته، وإذا دعاها إلى الفراش بحق
النكاح بعثته في أشغالها بحق الملك، وإذا تعذر الجمع رفع الأقوى الأضعف كما تقدم. أما إذا لم يكن الملك تاما، بأن ابتاعها
بشرط الخيار ثم فسخ، لم ينفسخ نكاحه كما نقله في المجموع عن قول الروياني أنه ظاهر المذهب، ومثله ما لو ابتاعته كذلك.
فكان ينبغي للمصنف أن يقيد بالتام كما قدرته لتخرج هذه الصورة. (ولا) ينكح (الحر أمة غيره إلا بشروط) أربعة:
ثلاثة في الناكح، وواحد في الأمة. وهو يعم الحر وغيره، ويختص بالمسلم. أحد الثلاثة: (أن لا يكون تحته حرة) ولو كانت
كتابية. والتقييد بالمؤمنة في الآية خرج مخرج الغالب. ثم وصف الحرة بكونها (تصلح للاستمتاع) بها، لأنه حينئذ لم يخش
العنت ولان وجودها أعظم من استطاعة طولها. واستطاعة الطول وعدم خشية العنت مانعان من نكاح الأمة. فهذا
الشرط مع شرط خوف الزنا متحدان لأن من كان تحته حرة تصلح للاستمتاع أمن من العنت، ولأنه إذا كان
الامن من
العنت بلا وجود حرة مانعا فلان يكون مع وجودها أولى، فلا حاجة إلى هذا الشرط، ولعله إنما ذكره لأجل قوله: (قيل:
183

ولا غير صالحة) للاستمتاع بها، كأن تكون صغيرة لا تحتمل الوطئ أو قرناه أو رتقاء، لاطلاق النهي في خبر: نهى رسول
الله (ص) أن تنكح الأمة على الحرة رواه البيهقي عن الحسن مرسلا. والأول يحمله على حرة تصلح
للاستمتاع.
تنبيه: جعل في المحرر الوجه الثاني أحوط، ففهم المصنف منه أن مقابله أصح، ولم يصرحا في الشرحين والروضة
بترجيح، لكن من نقل عنه الجواز أكثر. قال في المهمات: فتصحيح الكتاب الجواز من غير تمييز عجيب. وقال
الغزي: الظاهر أن المحرر إنما أشار بقوله: الأحوط إلى ترجيحه، وكيف يقتصر في كتاب التزم فيه التنصيص على
ما صححه المعظم على ضعيف من غير ذكر مقابله اه‍. والأوجه ما فهمه المصنف. والتعبير بالحرة أيضا جرى على الغالب،
فإنه لو كان تحته أمة تصلح للاستمتاع كان الحكم كذلك. فإن الحرة والرقيقة في ذلك سواء، فلو عبر المصنف بالمنكوحة
لشملها، وقد علم من ذلك أن الحر لا ينكح أمتين. ودخل في قوله: أمة غيره أمة ولده ومكاتبه، وليس مرادا، فليس له
نكاح أمة ولده بناء على وجوب الاعفاف إلا أن يكون ولده معسرا. وأما أمة مكاتبه فيمتنع عليه نكاحها مطلقا، وكذا
الأمة الموقوفة عليه أو الموصى له بخدمتها. وخرج بالحر: العبد ولو مبعضا، فيجوز له نكاح الأمة مطلقا كما سيأتي. (و)
ثاني الشروط: (أن يعجز عن حرة) ولو كتابية (تصلح) للاستمتاع لفقدها أو فقد صداقها، أو لم ترض إلا بزيادة على مهر
مثلها، أو لم ترض بنكاحه لقصور نسبه ونحوه.
تنبيه: جعل العجز عن الحرة دون صداقها ليشمل ما لو وجده ولم يجد خلية من زوج، فإنه لا يجوز له نكاح الأمة.
ويستثنى من جواز تزويج الأمة إذا لم ترض الحرة إلا بزيادة على مهر مثلها ما لو وجد أمة وحرة وكان صداق الأمة التي
لا يرضى سيدها إلا به أكثر من مهر مثل الحرة الموجودة ولم ترض الحرة أيضا إلا بما طلب سيد الأمة، فمقتضى نص
الشافعي رضي الله عنه: أنه لا يجوز له نكاح الأمة في هذه الحالة لقدرته على أن ينكح بصداقها حرة وإن كان أكثر من
مهر الحرة، وجملة لا تصلح صفة حرة، أي تصلح تلك الحرة للاستمتاع بها في الأصح. (قيل: أو لا تصلح) له كصغيرة،
وأحال في المحرر الخلاف هنا على الخلاف السابق، وقد علمت ما فيه، لكن صححا في الروضة والشرح الصغيرة هنا
اشتراط صلاحيتها. (فلو قدر على) حرة (غائبة) عن بلده (حلت له أمة إن لحقه مشقة ظاهرة في قصدها)
وضبط الإمام
المشقة بأن ينسب متحملها في طلب الزوجة إلى الاسراف ومجاوزة الحد. (أو خاف زنا مدته) أي قصد الحرة، وكذا لو
كان له زوجة غائبة ووجد شئ مما ذكر كما أفاده شيخي، فإن لم يخف شيئا من ذلك لم تحل له الأمة، ويجب السفر للحرة،
ومحله كما قال الزركشي: إذا أمكن انتقالها معه إلى وطنه وإلا فهي كالمعدومة لما في تكليفه المقام معها هناك من التغرب،
والرخص لا تحتمل هذا التضييق، ولو قدر على حرة ببيع مسكنه أو خادمه حلت الأمة في الأصح في زيادة الروضة. ثم قال
بعد ذلك: ولو كان في ملكه أمة غير مباحة، فإن وقت قيمتها بمهر حرة أو ثمن أمة يتسرى بها لم ينكح الأمة وإلا فينكحها،
وحمل على هذا ما إذا كان لا يحتاج إليها للخدمة كما قال القاضي حسين، ولا يمنع ماله الغائب نكاحه الأمة كما لا يمنع ابن
السبيل الزكاة. (ولو وجد حرة) ترضى (بمؤجل) ولم يجد المهر وهو يتوقع القدرة عليه عند المحل، (أو بدون مهر المثل) وهو
واجده، (فالأصح حل أمة) واحدة (في) الصورة (الأولى) لأن ذمته تصير مشغولة في الحال وقد لا يصدق رجاؤه عند
توجه الطلب عليه. والثاني: لا، للقدرة على نكاح حرة. ويجريان فيما لو وجد من يبيعه شيئا بنسيئة وهو قدر مهرها،
أو من يستأجرها بأجرة معجلة وهو ممن يليق به ذلك، أو وجد من يقرضه أو من يهب له مالا أو أمة. فإن قيل: قد صحح
المصنف في التيمم وجوب شراء الماء بمؤجل بأجل يمتد إلى وصوله بلد ماله، ورضاها بالمؤجل أولى من رضا رب الماء بتأجيل ثمنه
184

لأن الزوجة تمهر غالبا بالمهر الحال بخلاف رب الدين. أجيب بأن في الزوجة كلفة أخرى، وهي النفقة والكسوة فإنهما
يجبان بمجرد عرضها عليه، والفرض أنه معسر في الحال بخلاف ثمن الماء. (دون) الصورة (الثانية) لقدرته على نكاح
حرة. والثاني: لا، لما فيه من المنة. وأجاب الأول بأن المنة فيه قليلة لجريان العادة بالمسامحة في المهور. ولو رضيت حرة
بلا مهر حلت له الأمة أيضا في الأصح لوجوب مهرها بالوطئ، ولان لها أن تطالبه بالفرض في الحال فتشتغل ذمته ولا
قدرة له، ولو كان له ولد موسر لم تحل له الأمة، لأنه مستغن بمال ولده لوجوب إعفافه عليه. (و) ثالث الشروط:
(أن يخاف زنا) بأن تغلب شهوته وتضعف من تقواه وإن لم يغلب على ظنه وقوع الزنا أو قويت شهوته لا على ندور، فمن
ضعفت شهوته وله تقوى أو مروءة أو حياء يستقبح معه الزنا أو قويت شهوته وتقواه لم تحل له الأمة لأنه لا يخاف الزنا
فلا يجوز أن يرق ولده لقضاء وطر أو كسر شهوة. وأصل العنت المشقة، سمي به الزنا لأنه سببها بالحد في الدنيا والعقوبة
في الأخرى، والأصل فيما ذكر قوله تعالى: * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات) * إلى قوله: * (ذلك
لمن خشي العنت منكم) * والطول السعة، والمراد بالمحصنات الحرائر، قال الروياني: وبالعنت عمومه لا خصوصه، حتى
لو خاف العنت من أمة بعينها لقوة ميله إليها وحبه لها فليس له أن يتزوجها إذا كان واجدا للطول، لأن العشق لا معنى
لاعتباره هنا، لأن هذا تهييج من البطالة وإطالة الفكر، وكم من إنسان ابتلي به وسلاه.
تنبيه: لو حذف الروياني واجدا للطول كان أولى، لأنه يقتضي جواز نكاحها عند فقد الطول فيفوت اعتبار
عموم العنت مع أن وجود الطول كاف في المنع من نكاحها. وهذا الشرط يقتضي أن المجبوب ذكره لا يحل له نكاح
الأمة مطلقا، وهو كذلك إذ لا يتصور منه الزنا وإن قال الروياني: له وللخصي ذلك عند خوف الوقوع في المؤثم، وقال
ابن عبد السلام: ينبغي جوازه للممسوح مطلقا، لانتفاء محذور رق الولد. ولو وجدت الأمة زوجها مجبوبا وأرادت
الفسخ وادعى الزوج حدوث الجب بعد النكاح وأمكن حكم بصحة نكاحه وإن كذبته، لأن مقتضى قولها بطلان
النكاح من أصله وإن لم يكن حدوثه، وإن كان الموضع مندملا وقد عقد النكاح أمس حكم ببطلان النكاح. (فلو أمكنه)
أي من خاف زنا (تسر) بأمة صالحة للاستمتاع بأن كانت في ملكه، أو أمكنه شراؤها بثمن مثلها وكان ما معه من
المال لا يكفي للتزوج بل للتسري، (فلا خوف) حينئذ من الزنا قطعا، فلا ينكح الأمة (في الأصح) لأمنه العنت مع وجودها
فلا ضرورة به إلى إرقاق ولده. والثاني: تحل له لأنها دون الحرة. ولو قال المصنف كالمحرر لم ينكح الأمة كما
قدرته في كلامه كان أولى، فإن الخلاف في ذلك لا في الخوف للقطع بانتفائه. (و) رابع الشروط: (إسلامها) أي الأمة
التي ينكحها الحر، فلا يحل لمسلم نكاح الأمة الكتابية وإن كانت لمسلم، لقوله تعالى: * (من فتياتكم المؤمنات) *، ولأنه اجتمع
فيها نقصان لكل منهما أثر في منع النكاح وهما الكفر والرق، كما أنه لا يجوز له نكاح الحرة المجوسية لاجتماع نقصي
الكفر وعدم الكتاب.
تنبيه: سكوته عن اعتبار إسلام سيدها يفهم أنه ليس بشرط وهو الأصح لحصول الاسلام في المنكوحة. والثاني:
المنع، لما فيه من إرقاق الولد المسلم لكافر. (وتحل لحر وعبد كتابيين أمة كتابية على الصحيح) لاستوائهما في الدين. والثاني:
المنع كما مر لا ينكحها الحر المسلم.
تنبيه: لم يصرح الشيخان في الحر الكتابي باشتراط خوف العنت وفقد طول الحرة، والذي فهمه السبكي
وغيره اشتراطهما كالمسلم، لأنهم جعلوه مثله إلا في نكاح الأمة الكتابية، وهذا هو الظاهر وإن قال البلقيني: والذي
أعتقده أن الشروط إنما تعتبر في حق المؤمنين الأحرار. قال في الروضة: ونكاح الحر المجوسي أو الوثني
الأمة المجوسية
أو الوثنية كنكاح الكتابي الكتابية، وصورة المسألة إذا طلبوا من قاضينا ذلك وإلا فنكاح الكفار صحيح، قاله شارح
التعجيز. (لا) أمة كتابية (لعبد مسلم) فلا تحل له (في المشهور) لأن المانع من نكاحها كفرها فساوى الحر، كالمرتدة
185

والمجوسية. والثاني: له نكاحها، لتساويهما في الرق. وتقدم أنه يشترط في نكاح الأمة أن لا تكون موقوفة على الناكح
ولا موصى له بخدمتها. (ومن بعضها رقيق) وباقيها حر حكمه (كرقيقة) كلها، فلا ينكحها الحر إلا بالشروط السابقة
لأن إرقاق بعض الولد محذور.
تنبيه: إطلاقه يفهم أنه لو قدر على مبعضة حلت له الأمة، وفيه تردد للإمام لأن إرقاق بعض الولد أهون من
إرقاق كله. وعلى تعليل المنع اقتصر في أصل الروضة، وهو الراجح كما قاله الزركشي، لأن تخفيف الرق مطلوب، والشارع
متشوف للحرية. وهذا مبني على أن ولد المبعضة ينعقد مبعضا، وهو الراجح أيضا، أما إذا قلنا ينعقد حرا كما رجحه
الرافعي في بعض المواضع امتنع نكاح الأمة قطعا، ويؤخذ من هذا أنه لو أوصى بأولاد أمته لآخر ثم مات وأعتقها الوارث
أنها كالأمة فلا بد فيها من الشروط لرق أولادها، نعم الممسوح له أن يتزوج بها، نبه على ذلك شيخي. وكذا من
أوصى له بأولادها فإنهم يعتقون عليه، ومن بعضه رقيق كالرقيق فينكح الأمة مع القدرة على الحرة كما أن المبعضة
كالأمة كما نقل الإمام الاتفاق عليه. ثم أشار المصنف رحمه الله تعالى إلى فرع من قاعدة: يغتفر في الدوام ما لا يغتفر
في الابتداء، فقال: (ولو نكح حر أمة بشرطه) أي شروط نكاح الأمة، (ثم أيسر) ولم ينكح (أو نكح حرة) بعد
يساره (لم تنفسخ الأمة) أي نكاحها، لقوة الدوام ولهذا الاحرام والعدة والردة تمنع ابتداء النكاح دون دوامه. (ولو
جمع من) أي شخص (لا تحل له الأمة) بأن لم توجد فيه شروط نكاحها السابقة، (حرة وأمة بعقد) كأن يقول لمن
قال له زوجتك بنتي وأمتي: قبلت نكاحها، (بطلت الأمة) أي نكاحها قطعا، لأن شرط نكاحها فقد
الحرة، (لا الحرة في الأظهر) من قول تفريق الصفقة. وخرج بقوله: بعقد ما لو قال: زوجتك بنتي بألف وزوجتك أمتي بمائة، فقبل
البنت ثم الأمة أو قبل البنت فقط صحت البنت جزما في الصورتين. ولو قدمت الأمة في تفصيلهما إيجابا وقبولا صح نكاح
البنت، وكذا الأمة فيمن يحل له نكاحها إن قبل الحرة بعد صحة نكاح الأمة. ولو فصل الولي الايجاب وجمع الزوج
القبول أو عكسه فكتفصيلهما في الأصح. أما لو جمعهما من يحل له نكاح الأمة بعقد كأن رضيت الحرة بتأجيل المهر
فإنه يبطل في الأمة قطعا أيضا، لأنها لا تقارن الحرة كما لا تدخل عليها ولاستغنائه عنها. وأما الحرة ففيها
طريقان:
أرجحهما في الشرح الصغير أنه على قولين، والثاني: القطع بالبطلان، لأنه جمع امرأتين يجوز إفراد كل منهما
ولا يجوز الجمع بينهما فكانتا كالأختين. وفرق الأول بأن نكاح الحرة أقوى من نكاح الأمة، والأختان ليس فيهما
أقوى. وقد علم بما تقرر أن الخلاف فيمن تحل له وغيره فيمن لا تحل له، فقيده المصنف بمن لا تحل له لذلك. وأيضا
من تحل له إن كان غير حر صح نكاحهما وإلا فكالحرة، والمفهوم إذا كان فيه تفصيل لا يرد. ويؤخذ من الفرق
المذكور أنه لو جمع من لا تحل له الأمة في عقد بين أختين إحداهما حرة والأخرى أمة أنه يصح في الحرة دون الأمة، وهو
كما قال بعض شراح الكتاب ظاهر. ولو جمع بين مسلمة ومجوسية أو نحوها صح في المسلمة بمهر المثل، وكذا لو جمع بين
أجنبية ومحرم أو خلية ومعتدة أو مزوجة، قال في الروضة: ولو نكح أمتين في عقد بطل نكاحهما قطعا كالأختين.
تتمة: ولد الأمة المنكوحة رقيق لمالكها تبعا لها وإن كان زوجها الحر عربيا، وكذا لو كان من شبهة لا تقتضي
حرية الولد أو من زنا. ولو تزوج بأم ولد الغير فولده منها كالأم. ولو ظن أن ولد المستولدة يكون حرا فيكون حرا كما
في الأنوار، وتلزمه القيمة للسيد.
فصل: في نكاح من تحل ومن لا تحل من الكافرات وما يذكر معه: وهن ثلاث فرق: الأولى: من لا كتاب
لها ولا شبهة كتاب كعابدة شمس أو صورة كصنم، وكذا المعتقدة لمذهب الإباحة كما في الروضة وكل مذهب يكفر
معتقده. الثانية: من لها شبهة كتاب كمجوسية. الثالثة: من لها كتاب محقق كيهودية ونصرانية. وقد شرع المصنف
186

في الفرقة الأولى فقال: (يحرم) على المسلم (نكاح من لا كتاب لها) أصلا، (كوثنية) وهي عابدة الوثن، ويدخل تحته
عابدة الصنم إذا قلنا بترادفهما، وقيل: الصنم ما كان مصورا، والوثن ما كان غير مصور، أو يطلق على
المصور وغير المصور. فعلى هذا كل صنم وثن ولا عكس وهذا بالنسبة إلى اللغة. أما الحكم فلا يختلف. ثم شرع في الفرقة الثانية فقال:
(ومجوسية) وهي عابدة النار، إذ لا كتاب بأيدي قومها الآن ولم تتيقنه من قبل فتحتاط. وقول المتن: ومجوسية معطوف
على قوله: من لا كتاب لها لا أنه معطوف على وثنية حتى يقتضي أنه لا كتاب لها أصلا فإنه خلاف المشهور. ثم شرع في الفرقة
الثالثة فقال: (وتحل كتابية) أي نكاحها، لقوله تعالى: * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) * أي حل لكم، وقال
تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * نعم يستثنى نكاح النبي (ص) فإنه لا يحل له نكاح الكتابية على الأصح
في الروضة وأصلها، وقطع به العراقيون، لأنها يكره صحبته، ولأنه أشرف من أن يضع ماءه في رحم كافرة، ولقوله تعالى:
* (وأزواجه أمهاتهم) * ولا يجوز أن تكون المشركة أم المؤمنين. وقضية التعليل بأنه أشرف من أن يضع ماءه في رحم
كافرة أنه يحرم عليه (ص) التسري بالأمة الكتابية مع أن الأصح في الروضة وأصلها حل التسري له بالأمة
الكتابية، واستدل لذلك بأنه (ص) كان يطأ صفية قبل أن تسلم، وقال الماوردي: تسرى بريحانة وكانت
يهودية من سبي قريظة. وأجيب عن ذلك بأن القصد بالنكاح أصالة التوالد، فاحتيط له، وبأنه يلزم فيه أن تكون الزوجة
أم المؤمنين كما مر بخلاف الملك فيهما. وفي تحريم الوثنية على الكتابي وجهان. وظاهر كلام الشيخين التحريم وهل
تحرم الوثنية على الوثني؟ قال السبكي: ينبغي إن قلنا إنهم مخاطبون بالفروع حرمت وإلا فلا حل ولا حرمة. ولا فرق
في حل الكتابية للمسلم بين الحربية والذمية، (لكن تكره حربية) ليست بدار الاسلام لما في الإقامة في دار الحرب من
تكثير سوادهم ولأنها ليست تحت قهرنا، وقد تسترق وهي حامل منه فلا تصدق في أنها حامل من مسلم ولما في الميل
إليها من خوف الفتنة. (وكذا) تكره (ذمية على الصحيح) لما مر من خوف الفتنة، لكن الحربية أشد كراهة منها.
والثاني: لا تكره، لأن الاستفراش إهانة والكافرة جديرة بذلك. هذا إذا وجد مسلمة وإلا فلا كراهة كما قاله الزركشي،
قال: وقد يقال باستحباب نكاحها إذا رجي إسلامها، وقد روي أن عثمان رضي الله تعالى عنه تزوج نصرانية فأسلمت
وحسن إسلامها. وقد ذكر القفال أن الحكمة في إباحة الكتابية ما يرجى من ميلها إلى دين زوجها، فإن الغالب على
النساء الميل إلى أزواجهن وإيثارهن على الآباء والأمهات، ولهذا حرمت المسلمة على المشرك. وصرح الماوردي
بأنه يكره نكاح المسلمة بدار الحرب والتسري هناك لما في ذلك من تكثير سوادهم. (والكتابية: يهودية أو نصرانية)
لقوله تعالى: * (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) *. والأولى اشتق اسمها من يهود بن يعقوب، والثانية
من ناصرة قرية بالشام كان مبدأ دين النصارى منها. (لا مستمسكة بالزبور) بفتح أوله وضمه، وهو كتاب داود عليه
الصلاة والسلام، (وغيره) كصحف شيث وإدريس وإبراهيم صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم أجمعين، فلا تحل
لمسلم وإن أقرت بالجزية. واختلف في سبب ذلك. فقيل: لأنها لم تنزل بنظم يدرس ويتلى وإنما أوحي إليهم معانيها،
وقيل: لأنها حكم ومواعظ لا أحكام وشرائع. وفرق القفال بين الكتابية وغيرها بأن فيها نقصا واحدا وهو كفرها
وغيرها فيها نقصان الكفر وفساد الدين. (فإن لم تكن الكتابية إسرائيلية) بأن لم تكن من بني إسرائيل وهو يعقوب عليه
الصلاة والسلام بل كانت من الروم ونحوه -
فائدة: إسرا بالعبرانية عبد، وإيل اسم الله - (فالأظهر حلها) للمسلم (إن علم دخول قومها) أي آبائها، أي
أولهم، أي أول من تدين منهم، (في ذلك الدين) أي دين موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام، (قبل نسخه وتحريفه)
187

لتمسكهم بذلك الدين حين كان حقا، ومنهم من قطع بهذا كما يقرون بالجزية قطعا. والثاني: المنع لفقد النسب. (وقيل:
يكفي) دخول قومها في ذلك الدين (قبل نسخه) ولو بعد تحريفه، لأن الصحابة رضي الله عنهم تزوجوا منهم
ولم يبحثوا عن ذلك والأصح المنع إن دخلوا فيه بعد التحريف، فإن تمسكوا بغير المحرف فكما قبل التحريف
فتحل في الأظهر.
تنبيه: قضية كلامه التحريم إذا شك هل دخلوا قبل التحريف أو بعده وهو كذلك، وكذا تحرم ذبائحهم
ولكن يقرون بالجزية تغليبا لحقن الدم. أما من دخل أول آبائها في ذلك الدين بعد نسخه كمن تهود أو تنصر بعد بعثة
نبينا (ص) فلا تحل، وكذا من تهود بعد بعثة عيسى عليه الصلاة والسلام. واحترز المصنف بقوله: فإن لم
تكن الكتابية إسرائيلية عما إذا كانت إسرائيلية، نسبة إلى إسرائيل، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة
والسلام، فالشرط فيها أن لا يعلم دخول أول آبائها في ذلك الدين بعد بعثة تنسخه كما سيأتي، وذلك بأن علم دخول أول آبائها
في ذلك الدين قبل البعثة أوشك، وإن علم دخوله فيه بعد تحريفه أو بعد بعثة لا تنسخه كبعثة من بين موسى وعيسى فإنه
يحل نكاحها لشرف نسبها. قال السبكي: وهل يرجع إلى اليهود وإلى النصارى في دعواهم أنهم من بني إسرائيل وأن
آبائهم دخلوا في ذلك الدين قبل نسخه وتبديله أو بعد التبديل وقبل النسخ أي واجتنبوا المبدل؟ قال الأصحاب في كتاب
الجزية: أنهم يقرون بدعواهم ذلك لأنه لا يعلم ذلك إلا من جهتهم، وقضية ذلك القبول، قال: وقد يفرق بين البابين
بالتشوف إلى حقن الدماء بخلاف الابضاع، فإنه يحتاط لها، قال: وعلى هذا يتعذر أو يتعسر نكاح الكتابية اليوم اه‍.
واعتمد الفرق الأذرعي، ثم قال: وحينئذ فنكاح الذميات في وقتنا ممتنع إلا أن يسلم منهم اثنان ويشهدان بصحة ما يوافق
دعواهم، أما بعد النسخ ببعثة نبينا (ص) فلا تفارق فيه الإسرائيلية غيرها كما قاله شيخنا لسقوط فضيلة النسب
بالنسخ، وأما من تهود بعد بعثة عيسى عليه السلام فكذا في الأصح، وقيل: لا، وهما مبنيان على أن شريعة عيسى صلى
الله عليه السلام، هل نسخت شريعة موسى أو خصصتها، والناسخ شريعتنا؟ وفيه خلاف، قيل: خصصتها لأن عيسى
مقرر شريعة التوراة لأنه من أنبياء بني إسرائيل، وعن نص الشافعي رضي الله تعالى عنه أن كل شريعة نسخت التي
قبلها كشريعة عيسى نسخت شريعة موسى، وشريعتنا نسخت سائر الشرائع اه‍. وحكم الوطئ بملك اليمين فيمن ذكر
حكم النكاح، قال الزركشي: هذا مذهبنا وفي النفس منه شئ يعرف بتأمل الآثار والأخبار الواردة في وطئ السبايا،
والجواب عنها عسر فيما يظهر. (والكتابية المنكوحة كمسلمة في نفقة وقسم وطلاق) وغيرها لاشتراكهما في الزوجية
بخلاف التوارث كما مر، وبخلاف القذف، فإن في قذفها التعذير كما سيأتي، وله دفعها باللعان، وفي أنه يكره
نكاحها.
(وتجبر) الزوجة الممتنعة مسلمة كانت أو كتابية وكذا الأمة (على غسل حيض ونفاس) أي للحليل إجبارها على
ذلك إذا طهرت لتوقف حل الوطئ عليه، وقضية هذا أن الحنفي لا يجبرها على ذلك لاعتقاده الحل عند الانقطاع،
لكن قال القاضي أبو الطيب: لا أعرف أحدا من أصحابنا فرق بين الشافعي والحنفي، قال البلقيني. ووجهه أن هذا
يتوقف عليه كمال الاستمتاع لا أصله على عقيدته فهو من الخلاف. ويستبيح بهذا الغسل الوطئ وإن لم تتوضأ للضرورة
كما في المسلمة المجنونة، وقد مرت الإشارة إلى ذلك في كتاب الطهارة. (وكذا جنابة) أي تجبر الكتابية على غسلها من
الجنابة (و) على (ترك أكل) لحم (خنزير) ونحوهما مما يتوقف كمال التمتع على زواله، (في الأظهر) كما تجبر على إزالة
النجاسة. والثاني: لا إجبار، لأنه لا يمتنع الاستمتاع.
تنبيه: ظاهر تخصيص المصنف الخلاف بالذمية أن المسلمة تجبر على غسل الجنابة قطعا، وهو ما جرى عليه الرافعي،
وقيده في زيادة الروضة بما إذا حضر وقت الصلاة في بالغة، قال: فإن لم تحضر صلاة ففي إجبارها القولان والأظهر
الوجوب. وقد يقال إن حق الزوج إنما هو في الاستمتاع لا فيما يتعلق بحق الله تعالى من الصلاة، وحينئذ فكلام
188

الرافعي أوجه، ومحل الخلاف في إجبار الكتابية على منع أكل لحم الخنزير إذا كانت تعتقد حله كالنصرانية، فإن كانت
تعتقد تحريمه كاليهودية منعها منه قطعا (و) الكتابية (تجبر هي ومسلمة على غسل ما نجس من أعضائها) ليتمكن من
الاستمتاع بها كما علله الرافعي وعلله الماوردي، لما يلحقه من المشقة بالتنجيس. وقضية ذلك أنه لا يجوز الاستمتاع بعضو
نجس، والظاهر أن محله إذا كان يتولد منه تنجيس وإلا فلا كما بحثه الأذرعي، وفي قدر ما يجبرها على الغسل من أكل
لحم الخنزير وجهان في الحاوي، أحدهما: سبعا كولوغه، والثاني: مرة واحدة لأنه لحق نفسه اه‍. والأول أوجه.
تنبيه: تخصيص المصنف بالأعضاء قد يخرج الثوب، وليس مرادا، فقد قال الماوردي: له منعها من لبس ما كان
نجسا قطعا، وفي الروضة: له منعها من لبس جلد الميتة قبل دباغه وليس ما له رائحة كريهة، وله إجبارها أيضا على
التنظيف بالاستحداد وقلم الأظافر وإزالة شعر الإبط والأوساخ إذا تفاحش شئ في ذلك، وكذا إن لم يتفاحش. وله منعها
من أكل ما يتأذى من رائحته كبصل وثوم، ومن أكل ما يخاف منه حدوث المرض. وله منع الكتابية من شرب
ما يسكر، وكذا من البيع والكنائس كما يمنع المسلمة من شرب النبيذ إذا كانت تعتقد إباحته من القدر الذي
يأسكر، وكذا من غيره ومن المساجد والجماعات. وكالزوج فيما ذكر السيد كما فهم بالأولى. وليس له إجبار أمته المجوسية أو
والوثنية على الاسلام لأن الرق أفادها الأمان من القتل. (وتحرم متولدة من وثني) أو مجوسي (وكتابية) جزما، لأن
الانتساب إلى الأب وهو لا تحل مناكحته. (وكذا عكسه) أي متولدة من كتابي ووثنية أو مجوسية، (في الأظهر) تغليبا
للتحريم. والثاني: تحل لأنها تنسب للأب. وهذا في صغيرة أو مجنونة، فإن بلغت عاقلة ثم تبعت دين الكتابي منهما
لحقت به فيحل نكاحها، قاله الشافعي رضي الله عنه، لأن فيها شعبة من كل منهما لكنا غلبنا التحريم ما دامت تابعة
لاحد الأبوين، فإذا بلغت واستقلت واختارت دين الكتابي قويت تلك الشعبة. وقيل: لا تلحق به، فلا يحل نكاحها
كالمتولدة بين مجوسيين. وتأول قائله النص على ما إذا كان أحد أبويها يهوديا والآخر نصرانيا فبلغت واختارت دين
أحدهما، وصححه الرافعي في أول كتاب الصيد والذبائح. قال الأذرعي: وتأويل النص بما ذكر عجيب، فقد صورها
في الأم بأن أحد أبويها نصراني والآخر مجوسي اه‍. فالأولى أن يقال النص هنا غير معمول به لما عرف من ذلك في محل
آخر اطلع عليه الأصحاب ورجحوه. (وإن خالفت السامرة) وهي طائفة تعد من اليهود، وسميت بذلك لنسبتها
إلى أصلها السامري عابد العجل، (اليهود، والصابئون) وهي طائفة من النصارى سميت بذلك، قيل: لنسبتها إلى صابئ
عم نوح عليه الصلاة والسلام. وقيل: لخروجها من دين إلى دين، وكان الكفار يسمون الصحابة صابئة لخروجهم
عن دينهم إلى الاسلام. (النصارى في أصل) أي أصول (دينهم حرمن) لكفرهم بكتابهم وإن وافقوهم في الفروع،
(وإلا) أي وإن لم يخالفوهم في ذلك بأن علمنا به، وإن خالفوهم في الفروع، (فلا) يحرمن لأنهم مبتدعة كما في أهل
القبلة الصنفين، فإطلاق الصابئة على من ذكر هو المراد، ويطلق أيضا على قوم أقدم من النصارى كانوا في زمن
إبراهيم عليه السلام، قيل إنهم كانوا يقولون إن الفلك حي ناطق، ويقولون بأن الكواكب السبعة هي المدبرة،
فيضيفون الآثار إليها وينفون الصانع المختار، ووجدوا في زمن الإصطخري والمحاملي وأفتيا بقتلهم لما استفتى القاهر
الفقهاء فيهم فبذلوا له أموالا كثيرة فتركهم، فالبلاء قديم. وظاهر أن هؤلاء لا تحل مناكحتهم ولا ذبيحتهم ولا
يقرون بالجزية.
تنبيه: ليس في كلام المصنف ما إذا شككنا أن يخالفونهم في الأصول أم الفروع؟ والمجزوم به في الروضة أنهم
لا يناكحون. (ولو تهود نصراني أو عكسه) أي تنصر يهودي، (لم يقر) بالجزية (في الأظهر) لقوله تعالى: * (ومن يبتغ
189

غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) * وقد أحدث دينا باطلا بعد اعترافه ببطلانه فلا يقر عليه كما لو ارتد المسلم. والثاني:
يقر لتساويهما في التقرير بالجزية. وكل منهما خلاف الحق، وليس كالمسلم يرتد لأنه ترك الدين الحق، وصرح بترجيح
هذا في الشرح الصغير. ثم فرع على الأول قوله: (فإن كانت امرأة) نصرانية تهودت أو عكسه، (لم تحل لمسلم) بناء على أنها
لا تقر كالمسلمة، (فإن كانت منكوحته) أي المسلم (فكردة) أي فتهودها أو تنصرها كردة (مسلمة تحته) وسيأتي
حكم ردتها قريبا، (ولا يقبل منه إلا الاسلام) للآية المتقدمة ولما مر، (وفي قول) يقبل منه الاسلام (أو دينه الأول)
لأنه كان مقرا عليه. وليس معنى هذا القول أنا نأمره بأحدهما إذ الباطل لا يؤمر ولا يخير بينه وبين الحق، بل معناه
أنا لا نأمره إلا بالاسلام عينا، فإن لم يسلم وعاد إلى دينه الأول ترك، فإن أبى الاسلام على الأول أو أحد الامرين على
الثاني ألحق بمأمنه إن كان له مأمن كمن نبذ العهد، ثم بعد ذلك هو حربي إن ظفرنا به قتلناه. فإن قيل: من فعل ما ينتقض
به عهده من قتال ونحوه لم يبلغ المأمن بل يقتل فهلاكا وهذا كذلك أجيب بتعدي ضرر من نبذ العهد بما ذكر
إلينا بخلاف المنتقل ضرره على نفسه.
تنبيه: محل عدم قبول غير الاسلام فيما بعد عقد الجزية كما بحثه الزركشي، أما لو تهود نصراني بدار الحرب
ثم جاءنا وقبل الجزية فإنه يقر لمصلحة قبولها. (ولو توثن) يهودي أو نصراني أو مجوسي (لم يقر) بالجزية قطعا لما مر.
(وفيما يقبل) منه (القولان) السابقان، أظهرهما الاسلام فقط، والثاني: هو أو دينه الأول. فإن كانت امرأة تحت مسلم
فكردة مسلمة فيما يأتي (ولو تهود وثني أو تنصر لم يقر) بالجزية (ويتعين الاسلام)
في حقه (كمسلم ارتد) فإنه يتعين في حقه الاسلام، فإن أبى قتل في الحال كما هو قضية كلام المصنف كالشرح والروضة خلافا لما بحثه الأذرعي من
أنه يكون حاله كما كان قبل الانتقال، حتى لو كان له أمان لم يتغير حكمه بذلك. (ولا تحل مرتدة لاحد) لا لمسلم لأنها
كافرة لا تقر، ولا لكافر أصلي لبقاء علقة الاسلام، ولا لمرتد لأن القصد من النكاح الدوام والمرتد لا دوام له. (ولو ارتد
زوجان) معا (أو أحدهما قبل دخول) حيث لا عدة باستدخال مني الزوج المحترم، (تنجزت الفرقة) بينهما لعدم
تأكده بالدخول أو ما في معناه، وحكى الماوردي فيه الاجماع. (أو بعده) أي الدخول أو ما في معناه (وقفت) تلك
الفرقة، وحينئذ (فإن جمعهما الاسلام في العدة دام النكاح) بينهما لتأكده بما ذكر، (وإلا) بأن لم يجمعهما (فالفرقة)
بينهما تتبين (من) حين (الردة) منهما أو من أحدهما لأنه اختلاف دين بعد المسيس، فلا يوجب الفسخ في الحال
كإسلام أحد الزوجين الكافرين الأصليين. (ويحرم الوطئ في) مدة (التوقف) لاحتمال انقضاء العدة قبل
اجتماعهما في الاسلام، فيتبين انفساخ النكاح من وقت الردة وحصول الوطئ في البينونة. (و) لكن لو وطئ
(لا حد) عليه للشبهة وهي بقاء أحكام النكاح وتجب العدة منه، وهما عدتان من شخص واحد كما لو طلق زوجته
رجعيا ووطئها في العدة ولها مهر مثل، فإن جمعهما الاسلام في العدة فالنص هنا السقوط، وفي الرجعية إذا
وطئها ثم
راجعها لم تسقط، والفرق أن شعث الردة زال بالاسلام ورجع النكاح إلى ما كان عليه، بخلاف الرجعة لنقصان
عدد الطلاق.
تتمة: إذا طلقها في زمن التوقف أو ظاهر منها أو آلى، فإن جمعهما الاسلام قبل انقضائها تبينا صحتها وإلا فلا،
وليس للزوج أن ينكح أختها ولا أربعا سواها في زمن التوقف ولا أن ينكح أمة لاحتمال إسلامها. ولو طلقها ثلاثا في
190

مدة التوقف أو خالعها جاز ذلك، لأنها إن لم تعد إلى الاسلام فقد بانت بالردة، وإلا فبالطلاق أو الخلع.
خاتمة: في الشرح والروضة قبيل الصداق عن فتاوى البغوي: أنه إذا كان تحته مسلمة وذمية لم يدخل بهما
فقال للمسلمة: ارتددت وقال للذمية: أسلمت فأنكرتا، ارتفع نكاحهما بزعمه، لأنه زعم أن المسلمة ارتدت وحرمت، وأن
الذمية أسلمت وأنكرت فصارت مرتدة بإنكارها وحرمت. أما بعد الدخول فيوقف النكاح إلى انقضاء العدة.
باب نكاح المشرك
: وهو الكافر على أي ملة كان، كتابيا كان أو غيره. وقد يطلق على ما يقابل الكتابي كما في قوله تعالى: * (لم يكن
الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين) * ولذا قال البلقيني: إن المشرك والكتابي كما يقول أصحابنا في الفقير والمسكين
أن الجمع بينهما في اللفظ اختلف مدلولهما، وإن اقتصر على أحدهما تناول الآخر اه‍. فإن قيل: كيف يطلق على الكتابي
مشرك وهو يعبد الله تعالى ولكن لا يؤمن بنبينا (ص)؟ أجيب بأنه لما كان لا يؤمن بالنبي (ص)
فكأنه يعبد من لم يبعثه فهو مشرك بهذا الاعتبار. ومن الاطلاق الأول قوله: (أسلم) كافر (كتابي أو غيره)
كمجوسي ووثني (وتحته كتابية) حرة أو اثنتان في عبد أو أربع في حر يحل له ابتداء العقد على كل من ذلك، (دام
نكاحه) بالاجماع لجواز نكاح المسلم لمن ذكر. (أو) أسلم وتحته (وثنية أو مجوسية) أو كتابية لا يحل ابتداء العقد
عليها أو غيرها من الكافرات التي لا يحل لمسلم نكاحها، (فتخلفت قبل دخول) بها واستدخال مني محترم (تنجزت
الفرقة) بينهما، لأن النكاح غير متأكد بدليل أنها تبين بالطلقة الواحدة (أو بعده) أي دخول بها، وما في معناه
مما مر، (وأسلمت في العدة) ولو تبعا (دام نكاحه) لما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن امرأة
أسلمت على عهد رسول الله (ص) فتزوجت فجاء زوجها، فقال: يا رسول الله إني كنت أسلمت وعلمت
بإسلامي فانتزعها رسول الله (ص) من زوجها وردها إلى زوجها الأول (وإلا) بأن أصرت إلى انقضائها،
(فالفرقة) بينهما حاصلة (من) حين (إسلامه) أما الأمة فسيأتي حكمها. (ولو أسلمت) زوجته (وأصر) الزوج
على كفره، (فكعكسه) هو ما لو أسلم وأصرت هي وقد علم حكمه، لما روى الشافعي رضي الله تعالى عنه: أن صفوان
ابن أمية وعكرمة بن أبي جهل وحكيم بن حزام أسلمت زوجة كل منهم قبله، ثم أسلم بعدها بنحو شهر، واستقروا على
النكاح، قال: وهذا معروف عند أهل العلم بالمغازي.
تنبيه: لا فرق هنا بين الكتابي وغيره، ولهذا لم يقيده، بخلاف الزوجة. (ولو أسلما معا) على أي كفر كان قبل
الدخول أو بعده، (دام النكاح) بالاجتماع كما نقله ابن المنذور وابن عبد البر، ولان الفرقة تقع باختلاف الدين ولم يختلف دينهما
في الكفر ولا في الاسلام. (والمعية) في الاسلام (بآخر اللفظ) الذي يصير به مسلما، بأن يقترن آخر كلمة
من إسلامه بآخر كلمة من إسلامها سواء أوقع أول حرف من لفظيهما معا أم لا، وإسلام أبوي الزوجين الصغيرين أو المجنونين أو أحدهما كإسلام
الزوجين أو أحدهما. وإن أسلمت الزوجة البالغة وأبو زوجها الصغير أو المجنون معا ولم يدخل بها بطل نكاحه كما قاله
البغوي لترتب إسلامه على إسلام أبيه فقد سبقته بالاسلام. وإن أسلمت عقب إسلام الأب ولم يدخل الصغير أو المجنون بها
بطل النكاح كما قاله البغوي أيضا، لأن إسلام الصغير أو المجنون يحصل حكما، وإسلامها يحصل بالقول، والحكمي
يكون سابقا للقولي فلا يتحقق إسلامهما معا. قال الأذرعي: وما قاله البغوي قاله المتولي والقاضي والخوارزمي،
191

وقال البلقيني: ما قاله البغوي في ذلك هو الفقه. (وحيث أدمنا) أي حكمنا بدوام النكاح بينهما، (لا تضر مقارنة
العقد) أي عقد النكاح الواقع في الكفر (لمفسد هو زائل عند الاسلام) واعتقدوا صحته، (وكانت) تلك الزوجة
(بحيث تحل له الآن) لو ابتدأ نكاحها، لأن الشروط لا تعتبر حال نكاح الكافر فلتعتبر حال الالتزام بالاسلام، لئلا
يخلو العقد عن شروطه في الحالين معا، ويكفي الحل في بعض المذاهب كما ذكره الجرجاني. فإن اعتقدوا فساده وانقطاعه
فلا تقرير بل يرتفع النكاح، وإنما حكمنا بالاستمرار مع اقتران المفسد بالعقد تخفيفا بسبب الاسلام (وإن بقي
المفسد) المذكور عند الاسلام بحيث تكون محرمة عليه الآن بنسب أو رضاع أو بينونة ثلاثا أو نحو ذلك أو زال
عنده واعتقدوا فساده كما مر، (فلا نكاح) يدوم بينهما. وأفهم كلامه أن المفسد الطارئ بعد العقد لا يضر،
وهو كذلك إلا في رضاع أو جماع رافعين للنكاح. ثم فرع المصنف على المفسد الزائل عند الاسلام بقوله: (فيقر)
تخفيفا (في نكاح بلا ولي و) لا (شهود) وبلا إذن ثيب أو بكر. والولي غير أب أو جد، إذ لا مفسد عند
الاسلام، ونكاحها الآن جائز. (و) يقر أيضا في نكاح وقع (في عدة) للغير ولو بشبهة، و (هي منقضية عند
الاسلام) لأنها حينئذ يجوز ابتداء نكاحها. وخرج بالمنقضية ما إذا كانت باقية فإنه لا يقر لبقاء المفسد، وصرح
به في المحرر. ولو راجعها في القرء الرابع واعتقدوه صحيحا أقر لانتفاء المفسد عند الاسلام. (و) على نكاح (مؤقت
إن اعتقدوه مؤبدا) ويكون ذكر الوقت لغوا، وهذا كاعتقادنا مؤقت الطلاق مؤبدا. أما إذا اعتقدوه مؤقتا فلا
كما صرح به في المحرر فإنه عندنا باطل، وإنما يحتمل مثله حملا على اعتقادهم وهم لا يعتقدون تأبيده، وسواء أسلما
قبل تمام المدة أم بعدها لأن قبل المدة يعتقدونه مؤقتا ومثله لا يجوز ابتداؤه، وبعدها لا نكاح في اعتقادهم، ولو
غصب كافر غير ذمي امرأة كافرة غير ذمية وهم يعتقدون غصبها نكاحا أقر إقامة الفعل مقام القول، وإن غصب
ذمي ذمية واتخذها زوجة فإنهم لا يقرون وإن اعتقدوه نكاحا، لأن على الإمام دفع بعضهم عن بعض، وهذا مقيد
كما قاله ابن أبي هريرة بما إذا لم يتوطن الذمي دار الحرب وإلا فهو كالحربي، إذ لا يجب الدفع عنه حينئذ ويؤخذ
من التعليل أنه لو غصب الحربي ذمية أو الذمي حربية واعتقدوه نكاحا أنه يقر في الثانية، وبه صرح في شرح
الارشاد دون الأولى، وبه صرح البلقيني، لأن على الإمام أن يدفع أهل الحرب عن أهل الذمة ولا عكس. وكالغصب
فيما ذكر المطاوعة كما صرح به في التنبيه. (وكذا لو قارن الاسلام عدة شبهة) بعد العقد بأن وقعت في دوام النكاح،
كأن أسلم رجل فوطئت زوجته بشبهة ثم أسلمت، أو أسلمت فوطئت بشبهة زمن التوقف ثم أسلم في العدة، فلا يؤثر ذلك
في النكاح (على المذهب) المنصوص، وإن كان لا يجوز ابتداء نكاح المعتدة، لأن عدة الشبهة لا تقطع نكاح المسلم،
فهذا أولى لأنه يحتمل في أنكحة الكفار ما لا يحتمل في أنكحة المسلمين، وفي وجه من الطريق الثاني: لا يقر عليه
كما لا يجوز نكاح المعتدة. أما الشبهة المقارنة للعقد كأن نكح معتدة عن شبهة ثم أسلم في أثناء عدتها فلا يقر النكاح
معها، لأن المفسد قائم عند الاسلام. ونقل الشيخان عن الرقم أنه يقر، لأن الاسلام لا يمنع الدوام مع عدة الشبهة،
بخلاف عدة النكاح. قالا: ولم يتعرض الجمهور لهذا الفرق، وأطلقوا اعتبار التقرير بالابتداء اه‍. أي فلا فرق بين عدة
الشبهة والنكاح، وهو المعتمد. فإن قلت: كيف تتصور الشبهة بين الاسلاميين، فإن أحد الزوجين إذا أسلم شرعت
الزوجة في عدة النكاح، وهي مقدمة على عدة الشبهة إذا لم يكن في عدة الشبهة حمل كما سيأتي في العدد. فإسلام
الآخر يكون في عدة النكاح لا في عدة الشبهة؟ أجيب بأنا لا تقطع بكونها عدة نكاح، لجواز أن يسلم المتخلف فيتبين
أن الماضي منها ليس عدة نكاح بل عدة شبهة.
192

تنبيه: محل ما ذكره المصنف إذا كان وطئ الشبهة لا يحرمها عليه، فإن حرمها عليه كأبيه أو ابنه فالظاهر كما قال
الأذرعي أنه يقطع النكاح فلا يقر عليه، (لا نكاح محرم) بنسب أو رضاع أو مصاهرة، فلا يقر عليه لأنه لا يجوز ابتداؤه،
وحكى ابن المنذر فيه الاجماع. (ولو أسلم) الزوج (ثم أحرم ثم أسلمت) في العدة (وهو محرم) أو أسلمت ثم أحرمت ثم
أسلم في العدة وهي محرمة، (أقر) النكاح في هذا التصوير (على المذهب) لأن طرق الاحرام لا يؤثر في نكاح المسلم فهذا أولى،
وفي قول قطع به بعضهم: لا يقر عليه كما لا يجوز نكاح المحرم. وخرج بهذا التصوير ما لو أسلما معا ثم أحرم فإنه
يقر جزما. ولو قارن إحرامه إسلامها هل يقر جزما أو على الخلاف؟ قال السبكي: لم أر فيه نقلا، والأقرب الثاني.
(ولو نكح حرة) صالحة للاستمتاع كما أشار إليه الرافعي، (وأمة) معا أو مرتبا، (وأسلموا) أي الزوج والحرة والأمة معا،
(تعينت الحرة) للنكاح (واندفعت الأمة على المذهب) لأنه لا يجوز له نكاح أمة مع وجود حرة تحته، وفي قول من الطريق
الثاني: لا تندفع الأمة نظرا إلى أن الامساك كاستدامة النكاح لا كابتدائه، أما إذا لم تكن الحرة صالحة للاستمتاع فكالعدم
ولو أسلمت الحرة فقط مع الزوج تعينت أيضا واندفعت الأمة. (ونكاح الكفار صحيح على الصحيح) لقوله تعالى: * (وقالت
امرأة فرعون) *، * (وامرأته حمالة الحطب) *، ولحديث غيلان وغيره ممن أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة فأمره (ص)
بالامساك ولم يسأل عن شرائط النكاح، فلا يجب البحث عن شرائط أنكحتهم فإنه (ص) أقرهم
عليها، وهو (ص) لا يقر أحدا على باطل، ولأنهم لو ترافعوا إلينا لم نبطله قطعا، ولو أسلموا أقررناه.
(وقيل: فاسد) لعدم مراعاتهم الشروط، لكن لا يفرق بينهم لو ترافعوا إلينا رعاية العهد والذمة، ونقرهم بعهد الاسلام
رخصة وخشية من التنقير. (وقيل) موقوف (إن أسلم وقرر نبينا صحته، وإلا فلا) أي وإن لم يقرر تبينا فساده. واعترض
على المصنف في تعبيره على القول الأول بالصحة، وعبارة الروضة وأصلها محكوم بصحته. قال السبكي: ونعما هي،
والمختار عندي فيها أنها إن وقعت على حكم الشرع فصحيحة وإلا فمحكوم لها بالصحة إن اتصلت بالاسلام رخصة
وعفوا من الله تعالى، وما كان مستجمعا لشروط الاسلام فهو صحيح ولا أرى إن فيه خلافا، بل يقطع بصحته لوجود
شروطه الشرعية، وحكم الله واحد اه‍. والصواب في زيادة الروضة تخصيص الخلاف بالعقود التي يحكم بفساد مثلها في
الاسلام لا في عقودهم فلو عقدوا على وفق الشرع صح بلا خلاف. ثم فرع المصنف رحمه الله على هذا الخلاف
قوله: (فعلى الصحيح) منه، وهو صحة أنكحتهم، (لو طلق) الكافر زوجته (ثلاثا) في الكفر (ثم أسلما) من غير محلل (لم
تحل له) الآن (إلا بمحلل) سواء اعتقدوا وقوع الطلاق أم لا، لأنا إنما نعتبر حكم الاسلام، أما إذا تحللت في الكفر فيكفي
في الحل. ولو طلقها في الشرك ثلاثا ثلاثا ثم نكحها في الشرك من غير محلل ثم أسلما فرق بينهما، نص عليه في الأم.
تنبيه: أفهم كلام المصنف أنه لا يقع على قول الفساد والوقف، وهو ظاهر على القول بالفساد وأما على قول
الوقف فقد أطال ابن الرفعة الكلام فيه. قال الأذرعي: والظاهر أنه يقع في كل عقد يقر عليه في الاسلام وذلك
موجود في كلام الأصحاب. ولو طلق الكافر أختين أو حرة وأمة ثلاثا ثلاثا ثم أسلموا لم ينكح واحدة منهن إلا بمحلل،
وإن أسلموا معا أو سبق إسلامه أو إسلامها بعد الدخول ثم طلق ثلاثا ثلاثا لم ينكح مختارة الأختين ولا الحرة إلا
بمحلل. (ومن قررت) على النكاح (فلها المسمى الصحيح) هذا كلام مستأنف لا تعلق له بالتفريع السابق،
193

ووجهه أنه كما تثبت الصحة للنكاح تثبت للمسمى، وهو ظاهر على قول الصحة، وأما على قول الفساد فظاهر
كلامهم أنه كذلك. وبحث السبكي أنه لا يجب المسمى بل مهر المثل. (وأما) المسمى (الفاسد كخمر) معينة أو في
الذمة، (فإن قبضته) أو قبضه وليها وهي محجور عليها (قبل الاسلام) ولو بإجبار قاضيهم كما بحثه الزركشي، (فلا شئ
لها) لخبر: الاسلام يجب ما قبله ولانفصال الامر بينهما وانقطاع المطالبة قبل الاسلام.
تنبيه: ظاهر كلامه جريان هذا في كل فاسد، وليس مرادا، فإنه لو أصدقها حرا مسلما أسروه واسترقوه ثم
أسلما لم يقر في يده ويجب لها مهر المثل، قال صاحب الكافي: لأن الفساد فيه لحق المسلم، وفي نحو الخمر لحق الله
تعالى، وأيضا لأنا نقرهم حال الكفر على نحو الخمر دون أسر المسلم. وألحق بالمسلم في ذلك عبده ومكاتبه وأم ولده كما
في نص الأم، بل يلحق به سائر ما يختص بالمسلم والكافر المعصوم وهل إذا باع الكافر الخمر يملك ثمنه حتى إذا كان
المسلم عليه دين ودفع له ثمن ذلك يجب عليه قبوله أم لا؟ أجاب بالأول القفال في فتاويه، وصحح الرافعي في باب الجزية
الثاني، وهو المعتمد، بل يجوز له قبوله. (وإلا) أي وإن لم تقبضه قبل الاسلام بأن لم تقبضه أصلا أو قبضته بعد
الاسلام سواء أكان بعد إسلامهما أم إسلام أحدهما كما نص عليه في الأم، (فمهر مثل) لها، لأنها لم ترض إلا بالمهر
والمطالبة بالخمر في الاسلام ممتنعة فرجع إلى مهر المثل كما لو نكح المسلم على خمر. (وإن قبضت) قبل الاسلام (بعضه)
أي المسمى الفاسد من خمر ونحوه ثم أسلما، (فلها قسط ما بقي من مهر مثل) لا ما بقي من المسمى لتعذره بالاسلام إلحاقا
للجزء بالكل في القبض وعدمه.
تنبيه: لم يبين المصنف كيفية التقسيط، وقد بينه ابن المقري في روضه تبعا لاصله، فقال: والمعتبر في تقسيط
الخمر ونحوها مما هو مثلي لو فرض مالا الكيل ولو تعدد الزق، فلو أصدقها زقي خمر فقبضت أحدهما اعتبر في التقسيط
الكيل لا الوزن ولا العدد ولا القيمة، نعم إن زاد أحدهما على الآخر قيمة لزيادة وصف فيه اعتبرت القيمة. والمعتبر
في الكلاب ونحوها القيمة بتقدير المالية عند من يجعل لها قيمة لا العدد. فإن قيل: قد مر في الوصية أنه لو أوصى
بكلب من كلابه ولم يكن له إلا كلب أنه يعتبر العدد لا القيمة، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الوصية محض
تبرع، فاغتفر فيها ما لا يغتفر في المعاوضات. ولو أصدقها جنسين فأكثر كزقي خمر وكلبين وسلم لها البعض في الكفر
فالمعتبر هنا القيمة بتقدير المالية عند من ذكر في الجميع كتقدير الحر عبدا في الحكومة، لكن لو تعدد الجنس وكان
مثليا كزق خمر وزق بول وقبضت بعض كل منهما على السواء، فالظاهر اعتبار الكيل كما بحثه شيخنا. ولو نكح
الكافر على صورة التفويض واعتقدوا أن لا مهر لمفوضته بحال ثم دخل بها بعد الاسلام فلا شئ لها عليه، لأنه
استحق وطأها بلا مهر. فإن قيل: قد قالوا في باب الصداق: إنه لو نكح ذمي ذمية تفويضا وترافعا إلينا حكمنا
لها
بالمهر فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن ما هنا في الحربيين وفيما إذا اعتقدوا أن لا مهر بحال بخلافه ثم فيهما. (ومن
اندفعت بإسلام) منها أو من زوجها، (بعد دخول) بها بأن أسلم أحدهما ولم يسلم الآخر في العدة، (فلها المسمى
الصحيح إن صح نكاحهم) لاستقراره بالدخول. قال الجلال البلقيني: ويستثنى من إطلاق المصنف ما لو نكح
أما وبنتها ثم دخل بالام فقط فإن البنت تحرم أبدا، وكذا الأم على المذهب. قالوا: وللأم مهر المثل، فهذه اندفعت
بإسلام بعد دخول ولا تستحق المسمى اه‍. وستأتي هذه المسألة، وإن ذلك محمول على ما إذا كان المسمى فاسدا، فإذا
لا استثناء، (وإلا) أي وإن لم يصححه أو كان زوجها قد سمى لها فاسدا، (فمهر مثل) لها في مقابلة الوطئ على
الأصل السابق (أو) لم تندفع بعد دخول بل اندفعت بإسلام (قبله) أي الدخول، (وصحح) أي وفرعنا على صحة
أنكحتهم (فإن كان الاندفاع بإسلامها فلا شئ لها) على المشهور لأن الفرقة قد حصلت من جهتها. وقيل قولان،
194

ثانيهما لها نصف المهر لأنها أحسنت بالاسلام والتخلف منه.
تنبيه: تقييده بالصحة يفهم أنه إذا قيل بفساد أنكحتهم لا مهر لها بطريق الأولى، إذ المهر لا يجب في النكاح الفاسد
إلا بالدخول. قال الزركشي: وهذا أولى من جعله قيدا في عدم الوجوب، وأن الأولى طرحه ليفهم تعميم الحكم،
وينتفي إيهام أنه قيد في الوجوب فإنه لا شئ لها على كل قول، ولكن يحتاج إلى ذكره في قوله: (أو) أي اندفع (بإسلامه)
أي وصحح نكاحهم، (فنصف مسمى) يجب لها (إن كان صحيحا) لأن الفرقة جاءت من قبله، (وإلا) بأن لم يكن صحيحا
كخمر (فنصف مهر مثل) عملا بالقاعدة في التسمية الفاسدة، فإن لم يسم لها مهرا وجبت متعة، أما إذا لم يصح نكاحهم
فلا شئ لها لما مر. قال ابن شهبة: والظاهر أن المصنف أراد التقييد بالصحة هنا فسبق قلمه إلى ما قبله.
تنبيه: ظاهر كلامه أن المحرم في ذلك كغيرها وكلام الروضة يميل إليه ونقله عن القفال، وهو المعتمد كما رجحه ابن
المقري فيمن أسلم وتحته أم وبنتها ولم يدخل بواحدة منهما، ورجحه البلقيني أيضا، وسيأتي التنبيه على ذلك، ونقل عن
الإمام القطع بأنه لا شئ لها، لأن العقد لم ينعقد. ويؤيد ذلك ما قالوه في المجوسي إذا مات وتحته محرم لم نورثها. وجرى
على الثاني الشيخ أبو حامد وأتباعه وغيرهم كما قاله الأذرعي. قال: والظاهر أنه المذهب اه‍. قيل: وهذا موافق لنص
الشافعي من أن ما زاد على أربع لا مهر لهن إذا اندفع نكاحهن باختيار أربع قبل الدخول. قال شيخي: وهذا أحد النصوص،
والمعتمد أن ما زاد على أربع يستحق المهر. (ولو ترافع إلينا) في نكاح أو غيره (ذمي) أو معاهد أو
مستأمن (ومسلم، وجب
الحكم) بينهما أي المسلم ومن ذكر بشرعنا قطعا طالبا كان المسلم أو مطلوبا، لأنه يجب رفع الظلم عن المسلم، والمسلم
لا يمكن رفعه إلى حاكم أهل الذمة ولا تركهما متنازعين فرددنا من مع المسلم إلى حاكم المسلمين، لأن الاسلام يعلو ولا
يعلى عليه.
تنبيه: قد يفهم تعبيره بالترافع اعتبار رضا الخصمين وهو قضية كلام الغزالي، ولكن عامة كلام الأصحاب على
اعتبار رضا واحد إذا استعدى على خصمه. (أو) ترافع إلينا (ذميان) واتفقت ملتهما كنصرانيين ولم نشترط في عقد الذمة
لهما التزام أحكامنا، (وجب) علينا الحكم بينهما (في الأظهر) لقوله تعالى: * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) *، ولأنه يجب على
الإمام منع الظلم عن أهل الذمة فوجب الحكم بينهم كالمسلمين. والثاني وعليه جمع: لا يجب بل يتخير لقوله تعالى: * (فإن
جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) *. وأجاب الأول بأنه صح عن ابن عباس أن هذه الآية منسوخة بالأولى، رواه الطبراني.
ومنهم من حمل الآية الأولى على الذميين والثانية على المعاهدين فلا يجب الحكم بينهما على المذهب. وهذا أولى من النسخ،
ولهذا قيد المصنف بالذميين. والفرق أن المعاهدين لم يلتزموا أحكامنا ولم نلتزم دفع بعضهم عن بعض بخلاف الذميين
والذمي والمعاهد كالذميين. وقد يفهم كلامه أنه إذا ثبت على أحدهما شئ استوفيناه، وبه صرح البغوي، فلو أقره ذمي
بزنا أو سرقة مال ولو لذمي حددناه، أما إذا اختلفت ملتهما كيهودي ونصراني أو شرط في عقد الذمة لهما التزام أحكامنا
فإن الحكم يجب بينهما جزما، أما في الأولى فلان كلا منهما لا يرضى ملة الآخر، وأما في الثانية فعملا بالشرط. وإن
أوجبنا الحكم وجب الأعداء وللحضور وإلا فلا يجبان.
تنبيه: يستثنى من إطلاقه ما لو ترافع إلينا أهل الذمة في شرب الخمر فإنهم لا يحدون وإن رضوا بحكمنا، لأنهم
لا يعتقدون تحريمه، قاله الرافعي في باب حد الزنا وأسقطه من الروضة. ويفهم مما تقرر أنه لا يلزمنا الحكم بين حربيين
ولا بين حربي ومعاهد، والظاهر كما قال الأذرعي لو عقدت الذمة لأهل بلدة في دار الحرب أنهم كالمعاهدين فإنه لا يلزمنا
الدفع عنهم فكذا الحكم بينهم. ثم أشار المصنف إلى ضابط تقدم أكثر صوره بقوله: (ونقرهم) في كل ما ترافعوا فيه
إلينا، (على ما نقر) هم عليه (لو أسلموا، ونبطل ما لا نقر) ونوجب النفقة في نكاح من قررناه، فلو نكح بلا ولي
195

ولا شهود وترافعوا إلينا قررنا النكاح وحكمنا بالنفقة، وإن نكح المجوسي محرما له ولم يترافعا إلينا لم نعترض عليهما،
لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم عرفوا من حال المجوس أنهم ينكحون المحارم ولم يعترضوهم. فإن ترافعا إلينا في النفقة
أبطلنا نكاحهما ولا نفقة، لأنهما بالترافع أظهر ما يخالف الاسلام، فأشبه ما لو أظهر الذمي الخمر. ولو ترافع إلينا كافر
تحته أختان وطلبوا فرض النفقة أعرضنا عنهم ما لم يرضوا بحكمنا ولا نفرق بينهم، فإن رضوا به فرقنا بينهم بأن نأمره
باختيار إحداهما. فإن قيل: قد مر في نكاح المحرم أنا نفرق بينهم وإن لم يرضوا بحكمنا فهلا كان هنا في الأختين كذلك
أجيب بأن المحرم أشد حرمة، لأن منع نكاحها لذاتها، وإنما منع في الأختين للهيئة الاجتماعية. ويزوج حاكم المسلمين
بشهود منهم ذميا بكتابية لا ولي لها خاص بالتماسهم ذلك.
فصل: في حكم زوجات الكافر بعد إسلامه الزائدات على العدد الشرعي: لو (أسلم) الكافر الحر المكلف (وتحته
أكثر من أربع) من الزوجات الحرائر، (وأسلمن معه) على أي دين يكن قبل دخول أو بعده، (أو) تخلفن وهن مدخول بهن
وكن غير كتابيات وأسلمن بعده (في العدة) وهي من حين إسلامه، ومثله لو أسلمن أولا ثم أسلم هو في العدة، (أو) لم
يسلمن أصلا بل (كن كتابيات) يحل له ابتداء نكاحهن، (لزمه) حال كونه أهلا للاختيار ولو سكران (اختيار أربع) منهن
ولو بعد موتهن، ولا نظر إلى تهمة الإرث، ويرث من الميتات المختارات غير الكتابيات. (ويندفع) بعد اختيار الأربع
نكاح (من زاد) لأن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي (ص) أمسك أربعا وفارق سائرهن رواه الترمذي وابن
حبان وصححه ابن حبان والحاكم. وسواء نكحهن معا أم مرتبا، اختار الأوائل أو الأواخر، ووجه ذلك كما قال
الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه أن ترك الاستفصال في حكاية الأحوال مع قيام الاحتمال منزل منزلة العموم في المقال،
فإنه (ص) لم يستفصل عن ذلك، ولولا أن الحكم يعم الحالين لما أطلق ذلك. وحمل الخصم له على الأوائل
بعيد يرده ما رواه الشافعي والبيهقي عن نوفل بن معاوية قال: أسلمت وتحتي خمس نسوة فسألت النبي (ص)
فقال: فارق واحدة وأمسك أربعا فعمدت إلى أقدمهن عندي عاقر منذ ستين سنة ففارقتها. وحمله أيضا على تجديد العقد
أبعد لمخالفته ظاهر اللفظ، فإن الامساك صريح في الاستمرار.
فائدة: قال ابن الجوزي: أسلم ستة من ثقيف كل على عشر نسوة مسعود بن معتب ومسعود بن عامر ومسعود بن
عمرو وعروة بن مسعود وسفيان بن عبد الله وغيلان بن سلمة.
تنبيه: تعبير المصنف بلزوم اختيار أربع يوهم إيجاب العدد، وليس مرادا، بل المراد أن أصل الاختيار واجب
لئلا يستديم ما حظره الشرع. وأما إمساك أربع فجائز لا أنه يلزمه ذلك كما قاله جمع من شراح الكتاب منهم ابن شهبة
وابن قاسم والدمياطي، وقد سلم في المحرر والشرح والروضة من ذلك حيث قالا: اختار أربعا، لكن ظاهر الحديث
اللزوم والقائل بعدم اللزوم يحمل الامر في الحديث على الإباحة كما سيأتي عن السبكي والأذرعي. وكلام المصنف يوهم
أن دفع المفارقات من حين الاختيار، لكن الصحيح من حين الاسلام، وكذا العدة وهو اندفاع بينونة كما صرح به ابن
الرفعة. أما العبد فإنه يختار ثنتين كيف شاء حرتين أو لا. وأما غير المكلف كصبي ومجنون عقد له وليه النكاح على أكثر
من أربع ثم أسلم تبعا لأبويه فلا اختيار له لعدم أهليته، ولا للولي لأنه اختيار شهوة فينتظر كماله ليختار، ونفقتهن من مال
الصبي أو المجنون لحبسهن لأجله. ولو نكحت في الكفر زوجين وأسلموا فإن نكحتهما معا أبطلنا النكاح، وإن اعتقدوا
جوازه أو مرتبا فهي للأول، فإن مات ثم أسلمت مع الثاني وهم يعتقدون التزويج بزوجين قررناه وإلا فلا، ولو أسلما
دونها أو الأول وحده فهي للأول إن كانت كتابية. (وإن أسلم) منهن (معه قبل دخول أو) بعده (في العدة أربع فقط)
أو أقل، (تعين) للنكاح واندفع نكاح من زاد لتأخر إسلامهن عن إسلامه قبل الدخول، وعن العدة بعده. ولو
أسلم أربع ثم أسلم الزوج قبل انقضاء عدتهن ثم أسلم الباقيات قبل انقضاء عدتهن من وقت إسلام الزوج اختار أربعا
196

من الأوليات أو الأخيرات كيف شاء، فإن مات الأوليات أو بعضهن جاز له اختيار الميتات ويرث منهن. ولو أسلم
أربع من ثمان بعد دخول وانقضت عدتهن، أو متن في الاسلام ثم أسلم الزوج وأسلمت الباقيات في عدتهن تعينت الأخيرات.
(ولو أسلم وتحته أم وبنتها) نكحهما معا أم لا وهما (كتابيتان أو) غير كتابيتين و (أسلمتا) مع الزوج كان للمسلمة ستة
أحوال: الأول: ما ذكره بقوله: (فإن دخل بهما حرمتا أبدا) سواء أقلنا بصحة أنكحتهم أم لا، لأن وطئ كل واحدة
منهما بشبهة يحرم الأخرى فبنكاح أولى، ولكل واحدة، مسماها إن كان صحيحا وإلا فمهر المثل. الحال الثاني: ما ذكره
بقوله: (أو لا) أي ولم يدخل (بواحدة) منهما، (تعينت البنت) واندفعت الأم بناء على صحة أنكحتهم لأن العقد على
البنت يحرم الأم ولا ينعكس، واستحقت الأم نصف المسمى إن كان صحيحا وإلا فنصف مهر المثل لاندفاع نكاحها
بالاسلام قبل الدخول، وهذا ما رجحه ابن المقري، وبه صرح البلقيني وغيره. وقيل: لا شئ لها بناء على فساد أنكحتهم.
(وفي قول يتخير) بينهما بناء على فساد أنكحتهم، فإنه يصير كأنه لم يعقد على واحدة منهما كما لو أسلم وتحته أختان. الحال
الثالث: ما ذكره بقوله: (أو) دخل (بالبنت) فقط (تعينت) وحرمت الأم أبد، ولها نصف مهر المثل كما صرح به في
أصل الروضة. ومحله كما علم مما مر إن كان المسمى فاسدا وإلا فلها نصف المسمى. الحال الرابع: ما ذكره بقوله: (أو)
دخل (بالام) فقط (حرمتا أبدا) أما البنت فللدخول بالام، وأما الأم فللعقد على البنت، وهذا بناء على صحة أنكحتهم.
وللأم مهر المثل بالدخول، نقله الرافعي عن البغوي، وجزم به في الروضة. وهذا ظاهر إذا كان
المسمى فاسدا وإلا فيجب المسمى. واعتذر في المهمات عن الشيخين بأن كلا منهما محمول على ما إذا نكح الأم والبنت بمهر واحد وإلا فيجب للأم
مهر المثل كما لو نكح نسوة بمهر واحد. (وفي قول تبقى الأم) وتندفع البنت بوطئ الأم بناء على فساد أنكحتهم. الحال
الخامس: لو شك هل دخل بواحدة منهما أو لا؟ فهو كما لو لم يدخل بواحدة منهما، لكن الورع تحريمهما. الحال السادس:
لو شك في غير المدخول بها بطل نكاحهما ليتيقن تحريم إحداهما، قاله الماوردي، لأن الاسلام كابتداء النكاح، ولا بد عند
ابتدائه من تيقن حل المنكوحة كما مر في كتاب النكاح. ولو أسلم على أكثر من أخت اختار واحدة. ثم شرع في حكم
ما إذا أسلم وتحته أمة أو أكثر، فقال: (أو) أسلم (وتحته أمة أسلمت معه) قبل دخول أو بعده (أو) أسلمت بعد إسلامه
(في العدة) أو أسلم بعد إسلامها في العدة، (أقر) النكاح (إن حلت له الأمة) حينئذ بأن يكون غير حر أو حرا معسرا خائفا
العنت، لأنه إذا حل له نكاح الأمة أقر على نكاحها (وإن تخلفت) عن إسلامه أو هو عن إسلامها (قبل دخول) أو بعد
دخول ولم يجمعهما إسلام في العدة أو لم تحل له عند اجتماع الاسلاميين، (تنجزت الفرقة) كتابية كانت أو لا. (أو) أسلم وتحته (
إماء وأسلمن) معا (معه) قبل دخول أو بعده أو أسلم هو بعد إسلامهن، (أو) هن بعد إسلامه (في العدة، اختار) الحر منهن
(أمة) واحدة فقط (إن حلت له عند اجتماع إسلامه وإسلامهن) لأنه يجوز له حينئذ ابتداء نكاح الأمة فجاز له اختيارها.
(وإلا) بأن لم يحل له نكاح الأمة عند اجتماع إسلامه وإسلامهن (اندفعن) جميعا، لأنه لا يجوز له ابتداء نكاح واحدة منهن،
فلا يجوز له اختيارها كذوات المحارم.
فائدة: المفسد للنكاح عند الاسلام إن كان موجودا عند العقد واستمر كالعدة كفى في بطلان النكاح اقترانه
بإسلام أحدهما، وإن كان طارئا كاليسار وأمن العنت في الأمة فلا بد من اقترانه بإسلامهما، فعلى هذا لو أسلم على
ثلاث إماء فأسلمت واحدة وهو معسر خائف العنت، ثم الثانية في عدتها وهو موسر، ثم الثالثة كذلك وهو معسر خائف
197

العنت اندفعت الوسطى. ويخير في الأخيرتين لما هي أن الفساد إنما يؤثر في اندفاع النكاح إذا اقترن بإسلامهما جميعا بخلاف
ما لو نكحها في عدة غيره ثم أسلم أحدهما ثم انقضت العدة ثم أسلم الآخر لم يدم النكاح لما مر. ولو أسلم من تحله الأمة على
أمة فطلقها طلاقا رجعيا ثم أيسر قبل انقضاء عدتها فله أن يراجعها اتفاقا، لأن الرجعية زوجة، قاله الماوردي. (أو) أسلم حر
وتحته (حرة) تصلح للاستمتاع ويقر على نكاحها، (وإماء وأسلمن) أي الحرة والإماء (معه) قبل الدخول أو بعده، (أو)
كن مدخولا بهن وأسلمن بعد إسلامه (في العدة، تعينت) أي الحرة للنكاح وإن تأخر إسلامها عن إسلامه وإسلام الإماء،
(واندفعن) لأنه لا يجوز له أن يبتدئ أمة مع وجود حرة فلا يجوز له أن يختارها. أما إذا كانت الحرة لا تصلح للاستمتاع،
فالظاهر كما قال الأذرعي: أن له اختيار واحدة منهن. (وإن أصرت) تلك الحرة على الكفر ولم تكن كتابية يحل ابتداء
نكاحها، (فانقضت عدتها اختار أمة) إن كان ممن يحل له نكاح الأمة كما لو لم تكن حرة لتبين أنها بانت بإسلامه.
تنبيه: أفهم كلامه أنه ليس له اختيار أمة في تخلف الحرة، وهو كذا، فإن اختار أمة وأصرت الحرة حتى انقضت
عدتها أو ماتت وجب تجديد الاختيار إن حلت له الأمة. (ولو أسلمت) أي الحرة معه أو في العدة (وعتقن) أي الإماء قبل
اجتماع إسلامه وإسلامهن، (ثم أسلمن في العدة فكحرائر) أصليات حكمهن، وحينئذ (فيختار أربعا) منهن ولو دون الحرة
لالتحاقهن بالحرائر الأصليات.
تنبيه: لا يختص الحكم بما ذكره المصنف من هذه الصورة، بل الضابط الشامل لها ولغيرها إن يطرأ العتق قبل
اجتماع إسلامهن وإسلام الزوج كما مر فيصدق ذلك بصورة المتن، وبما إذا أسلمن ثم عتقن ثم
أسلم أو عتقن ثم أسلمن ثم أسلم أو عتقن ثم أسلم ثم أسلمن. أما إذا تأخر عتقهن عن إسلامهن بأن أسلم ثم أسلمن أو عكسه ثم عتقن استمر حكم الإماء
عليهن فتتعين الحرة إن كانت وإلا اختار أمة من الإماء بشرطه.
فرع: لو أسلم من إماء معه أو في العدة واحدة ثم عتق ثم عتقت الباقيات ثم أسلمن اختار أربعا منهن لتقدم عتقهن على
إسلامهن، وليس له اختيار الأولى لرقها عند اجتماع إسلامهما، فتندفع بالمعتقات عند اجتماع الاسلاميين، ومقارنة العتق
لاسلامهن كتقدمه عليه كما بحثه بعض المتأخرين. ولو أسلم على أربع إماء وأسلم معه ثنتان فعتقت إحداهما ثم أسلمت
الاخريان، اندفعتا دون الرقيقة المتقدمة فيختارها أو صاحبتها كما جزم به في أصل الروضة تبعا للغزالي، والذي به في
الفوراني والإمام وابن الصلاح والمصنف في تنقيحه وصوبه البلقيني: تخييره بين الجميع. قال ابن الصلاح: وما قاله الغزالي
سهو. وقال السبكي: الأرجح ما قاله الغزالي من امتناع المتخلفتين لاقتران حرية إحدى المتقدمتين بإسلامهما، وهي مانعة
من ابتداء نكاح الأمة فيمتنع التقرير عليهما، ولا نقول باندفاعهما بمجرد عتق تلك لاحتمال أن يعتقا ثم يسلما، وإنما تندفعان
إذا أسلمتا على الرق، وأطال في بيان ذلك، وهذا هو الظاهر، وجرى عليه ابن المقري في روضه. أما غير الحر فله اختيار
ثنتين فقط، إذ الأمة في حقه كالحرة، والزيادة على الثنتين في حقه كالزيادة على الأربع في حق الحر، فإن عتق قبل إسلامه،
سواء كان قبل إسلامهن أم لا أو بعده وقبل إسلامهن فله حكم الأحرار، ولو أسلم عبد فليس لزوجته الكافرة
خيار لأنها
رضيت برقه أولا ولم يحدث فيها عتق حرة كانت أو أمة. قال في أصل الروضة: سواء أسلمت أو لم تسلم إذا كانت كتابية.
قال في المهمات: تسويته بين أن تسلم وأن لا تسلم غلط لاقتضاء جواز نكاح الأمة الكتابية، وهو ممتنع. قال الأذرعي: وقد يقال
بمنع القياس، إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء اه‍. والمعتمد أنه لا يقر على نكاح الأمة الكتابية. ولما قدم المصنف وجوب
الاختيار وكان لا يحصل بفعل كوطئ شرع في ألفاظه الدالة عليه، فقال: (والاختيار اخترتك أو قررت نكاحك أو أمسكتك
198

أو ثبتك) أو نحو ذلك: كحبستك أو نكاحك أو عقدك أو حبستك على النكاح لمجئ لفظ الاختيار والامساك في الحديث
والباقي في معناهما. قال في أصل الروضة: وكلام الأئمة يقتضي أن جميع ذلك صريح، لكن الأقرب أن يجعل قوله:
اخترتك وأمسكتك من غير تعرض للنكاح كناية اه‍. قال شيخنا: ومثلها ثبتك، ومقتضى هذا صحة الاختيار
بالكناية، وهو كذلك وإن منعه الماوردي والروياني، وقال: إنه كابتداء النكاح. قال ابن الرفعة: وينبغي إذا جعل
كاستدامته أن يكون على الخلاف في حصول الرجعة بالكناية. ولو أسلم معه أو في العدة ثمان ففسخ نكاح أربع
منهن كقوله: فسخت نكاحهن، ولم يرد بالفسخ الطلاق استقر نكاح الباقيات. وسكت المصنف عن ألفاظ الفسخ.
قال الماوردي: ويصح بالصريح، ك‍ فسخت نكاحها أو رفعته أو أزلته، وبالكناية: كصرفتها. وإن أراد بالفسخ
الطلاق فحكمه ما ذكره في قوله: (والطلاق اختيار) للنكاح لأنه إنما يخاطب به المنكوحة، وسواء المعلق والمنجز
فإن طلق أربعا حرم الجميع، أما المطلقات فلما مر، وأما الباقيات فلاندفاعهن بالشرع. ولا فرق في الطلاق بين
الصريح والكناية، نعم لفظ الفراق من صريح الطلاق، وهو هنا فسخ، قال الروياني: لأنه قد يقع على غير الزوجة
بخلاف لفظ الطلاق. قال الزركشي: وقضية هذا أن لفظ الفراق صريح في الفسخ أيضا فيكون حقيقة فيه وفي الطلاق
ويتعين في كل منهما بالقرينة. ولو قال لأربع: أريدكن حصل التعيين به وإن لم يقل معه للباقيات لا أريدكن. (لا الظهار
والايلاء) فليس كل منهما باختيار للنكاح (في الأصح) لأن الظهار وصف بالتحريم، والايلاء حلف على الامتناع
من الوطئ، وهما بالأجنبية أليق. والثاني: هما تعيين للنكاح كالطلاق. وعلى الأول لو اختار من ظاهر منها أو آلى
للنكاح صح الظهار والايلاء، وتكون مدة الايلاء من الاختيار ويصير في الظهار عائدا إن لم يفارقها في الحال.
تنبيه: قال الأذرعي في القوت: الظاهر أن قول المصنف الأصح راجع إلى الظهار والايلاء فقط، وجعله في
الغنية راجعا إليهما وإلى الطلاق. والأول أوجه، والوطئ ليس باختيار، لأن الاختيار إما كابتداء النكاح أو كاستدامته
وكل منهما لا يحصل إلا بالقول كالرجعة، وللموطوءة المسمى الصحيح أو مهر المثل إن لم يكن صحيحا إن اختار غيرها.
(ولا يصح تعليق اختيار) استقلالي (ولا) تعليق (فسخ) لم ينو به الطلاق كقوله: إن دخلت الدار فقد اخترت
نكاحك أو فسخته، لأنهما تعيين، ولا تعيين مع التعليق. وخرج باستقلالي تعليق الاختيار الضمني كمن دخلت الدار
فهي طالق، فلو دخلت واحدة طلقت على الأصح وحصل الاختيار لها ضمنا، فإن نوى بالفسخ الطلاق يصح تعليقه،
لأنه حينئذ طلاق والطلاق يصح تعليقه ويحصل الاختيار به ضمنا وإن كان معلقا، إذ يغتفر في الضمني ما لا يغتفر في
المستقل. (ولو حصر الاختيار في خمس) أو أكثر من نسوة أسلم عنهن صح و (اندفع من زاد) على ذلك وإن لم يكن تعيينا
تاما، (وعليه التعيين) التام بعد ذلك لما في دون الخمس، لحبسه أكثر من العدد الشرعي ولدفع الضرر عنهن فإن كلا منهن
لا يعلم أنها منكوحة أو مفارقة.
تنبيه: قوله: وعليه التعيين يحتمل أن يكون كلاما مستأنفا فلا يختص بالمسألة قبله، بل يعمها وغيرها، ويحتمل
أن يختص بها، لكن يرجح الأول أن المصنف عمل بخطه فاصلة قبله. وفي قوله: (و) عليه (نفقتهن) أن الخمس
هذان الاحتمالان أيضا. والثاني هنا أظهر كما قاله ابن قاسم، لأن النفقة لم يتقدم لها ذكر. ويستمر وجوب نفقتهن
(حتى يختار) من الخمس أربعا. وقال ابن قاسم: فأقل، أي لأنهن محبوسات بحكم النكاح. (فإن ترك الاختيار حبس)
لأنه امتنع من واجب لا يقوم غيره مقامه فيه. فإن سأل الانتظار في الاختيار ليتفكر في الاحظ، قال الروياني: أمهله
الحاكم ثلاثة أيام ولا يزيد. وقال صاحب الذخائر: ينبغي القطع بإمهاله ثلاثا، لأنها مدة التروي شرعا، أما النفقة فلا
يمهل بها لتضررهن بتركها. وإن أصر على الحبس ولم يفده عزر بما يراه الحاكم من ضرب وغيره، وهكذا كل من أقر
بحق وقدر على أدائه وامتنع وأصر ولم ينجح فيه الحبس ورأي الحاكم أن يضم إلى الحبس التعزير بالضرب وغيره
199

فله ذلك، ويعزر ثانيا وثالثا وهكذا حتى يختار بشرط تخلل مدة يبرأ فيها عن ألم الأول حتى يفضي ذلك إلى هلاكه.
ولو اختار أربعا منهن ثم قال: رجعت عما اخترت لم يقبل رجوعه، نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه، ولا يختار
الحاكم عن الممتنع. فإن قيل: إذا امتنع المولى من الفيئة والطلاق طلق القاضي عليه فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن هذا
اختيار شهوة ولا يدري القاضي إلى أيتهن أميل، ولذلك لا يجوز التوكيل فيه.
تنبيه: ما ذكره المصنف من لزوم الاختيار، قال ابن شهبة: الأصحاب كالمجمعين عليه لحديث غيلان حاملين
الامر فيه على الوجوب. قال السبكي: والذي أفهمه منه أن أمسك للإباحة وفارق للوجوب لحقهن في رفع الحبس عنهن
الرفع الجمع بين العشرة، فإن الحرام الواجب ضده، والسكوت مع الكف عن الكل لا محذور فيه إلا إذا طلبن إزالة
الحبس فيجب كسائر الديون وإلا لم يجب، فينبغي حمل كلامهم عليه. قال الأذرعي: وقوله أمسك أربعا للإباحة
لا ينازع فيه أحد وإن أوهم كلام الكتاب وغيره الوجوب. وقوله: إن السكوت مع الكف لا محذور فيه موضع توقف،
لأن السكوت مع الكف يلزم منه إمساك أكثر من أربع في الاسلام وذلك محذور اه‍. وهو كلام حسن. (فإن مات قبله) أي
الاختيار، (اعتدت حامل به) أي بوضع الحمل ولو كانت ذات أقراء، لأن بوضعه تنقضي عدة الوفاة والفراق. (و) اعتدت
(ذات أشهر وغير مدخول بها بأربعة أشهر وعشر) احتياطا لاحتمال الزوجية في كل منهن، (وذات أقراء بالأكثر من) الذي
بقي من (الأقراء و) من (أربعة) من (أشهر وعشر) لأن كل واحدة تحتمل أن تكون زوجة فعليها عدة الوفاة أو مفارقة
في الحياة فعليها أن تعتد بالأقراء، فوجب الاحتياط لتحل للأزواج بيقين، ففي ذات الأقراء الثلاثة الثلاثة
قبل تمام أربعة أشهر وعشر أكملتها وابتداؤها من الموت، وإن مضت الأربعة والعشر قبل تمام الأقراء أتمت الأقراء،
وابتداؤها من حين إسلامهما إن أسلما معا وإلا فمن حين إسلام السابق منهما.
تنبيه: قال البلقيني: ولا بد من التنبيه على أمر، وهو أنه إذا حسبت الأقراء من حين الاسلام فلا ينبغي أن يفهم
لزوم الأكثر من الأقراء. والأشهر على معنى مقابلة المجموع بالمجموع، إذ يلزم على ذلك أنه لو كانت ممن يتباعد حيضها
حتى مضى بين الاسلام والموت قرءان في أربعة أشهر ومضى حق القرء الآخر في شهرين مثلا فلا نقول تنقضي عدتها
حينئذ وإن الأكثر الأقراء بالنسبة إلى المجموع، وإنما المراد الأكثر من أربعة أشهر وعشر وما بقي من الأقراء، صرح
بذلك البغوي وهو ظاهر اه‍. ولذلك قدرته في كلام المصنف. (ويوقف نصيب زوجات) مسلمات من ربع أو ثمن عائل أو
غيره، ولا يوزع عليهن، لأنا نعلم أن فيهن زوجات وقد جهلنا عينهن، لأن الاسلام يقر نكاح أربع زوجات ويزيل
نكاح البواقي فوجب التوقف. (حتى يصطلحن) فيقسم الموقوف على ما يقع عليه الاتفاق بينهن من تفاضل أو تساو، لأن
الحق لهن. نعم لو كان فيهن غير مكلفة لم يكن لوليها أن يصالح عنها على أقل ما تقتضيه القسمة كالثمن إذا كن ثمانية، أو
السدس إذا كن ستة، لأنه خلاف الحظ، وقبل الاصطلاح يعطين اليقين، ففي ثمان طلب أربع منهن لم يعطين، فإن
طلب خمس دفع لهن ربع الموقوف، أو ست فنصفه، أو سبع فثلاثة أرباعه، ولهن قسمة ما أخذنه والتصرف فيه. ولا
ينقطع بما أخذنه تمام حقهن بناء على أنه لا يشترط في الدفع إليهن أن يبرئن عن الباقي، وهو ما صححه الشيخان، لأنا تيقنا
أن فيهن من تستحق المدفوع فكيف يكلفن بدفع الحق إليهن إسقاط حق آخر إن كان. أما الزوجات الكافرات فلا يوقف
لهن شئ، وكذا إذا لم يتحقق إرث المسلمات، كما إذا أسلم على أكثر من أربع كتابيات وأسلم منهن
أربع، أو كان تحته أربع كتابيات وأربع وثنيات وأسلم معه الوثنيات ومات قبل الاختيار فلا يوقف للزوجات شئ
، بل تقسم كل التركة بين
باقي الورثة، لأن استحقاق الزوجات الإرث غير معلوم لاحتمال أنهن الكتابيات، وكذا لو كان تحته مسلمة وكتابية فقال:
إحداكما طالق ومات ولم يبين.
200

فصل: في حكم مؤن الزوجة إذا أسلمت، أو ارتدت مع زوجها، أو تخلف أحدهما عن الآخر: إذا (أسلما)
أي الزوجان (معا) قبل دخول أو بعده، (استمرت النفقة) وغيرها من بقية المؤن لدوام النكاح والتمكين. (ولو أسلم)
هو (وأصرت) وهي غير كتابية كما في المحرر والروضة كأصلها، (حتى انقضت العدة فلا) نفقة لها ولا شئ من بقية
المؤن لاساءتها بتخلفها عن الاسلام، فهي كناشزة. وقيل: تجب، لأن المنع من جهته فهو كما لو حج، ورد بأن الاسلام
فرض مضيق عليه بخلاف الحج. أما الكتابية فلها النفقة قطعا إذا كان يحل له ابتداء نكاحها وإلا فهي كغيرها من
الكافرات. (وإن أسلمت فيها) أي العدة (لم تستحق لمدة التخلف) شيئا (في الجديد) لما مر، والقديم الوجوب،
لأنه تبين بالآخر أنها كانت زوجة وهي لم تحدث شيئا والزوج هو الذي بدل الدين. قال الزركشي: ولم يفصلوا بين
أن يكون التخلف لعذر أم لا، وينبغي إذا تخلفت لصغر أو جنون أو إغماء ثم أسلمت عقب زوال المانع أن تستحق،
وتعليلهم يرشد إليه اه‍. ورد هذا البحث وإن كان للتعليل يرشد إليه بأنها تسقط بعدم التمكين وإن لم يكن نشوز ولا تقصير
من الزوجة كما تسقط بحبسها ظلما.
تنبيه: لو اختلفا في سبق الاسلام فقال الزوج: أسلمت أولا فلا نفقة لك وقالت: بل أسلمت أولا فلي النفقة صدقت
بيمينها، لأن النفقة كانت واجبة فهو يدعي مسقطا، فأشبه ما إذا ادعى عليها النشوز وهي تنكره. (ولو أسلمت) هي
(أولا فأسلم) هو (في العدة) فلها نفقة مدة تخلفه، (أو أصر) إلى انقضاء العدة (فلها نفقة العدة على الصحيح)
أما في الأولى فلأنها أدت فرضا مضيقا عليها فلا يمنع النفقة كصوم رمضان، وأما في الثانية فلأنها أحسنت وهو قادر
على تقرير النكاح بأن يسلم فجعلت كالرجعية. وقضية هذا عدم استمرار وجوب النفقة فيما لو تخلف إسلامه لعذر من
صغر أو جنون أو إغماء ودام به المانع حتى انقضت العدة، وهو البحث المتقدم، وبحثه الزركشي أيضا، وليس مرادا، بل
تعليلهم بذلك جرى على الغالب. والثاني: لا تستحق فيهما. أما في الأولى فلانه استمر على دينه، وهي التي أحدثت
المانع من الاستمتاع وإن أطاعت به كالحج، ورد بأن الحج موسع والاسلام مضيق. وأما في الثانية فلأنها بائن حائل
ولهذا لو طلقها لم يقع الطلاق. وفرق المتولي بين هذه وبين ما إذا سبقت إلى الاسلام قبل الدخول حيث يسقط مهرها
مع إحسانها بأن المهر عوض العقد فسقط بتفويت العاقد معوضه وإن كان معذورا كأكل البائع المبيع مضطرا والنفقة
للتمكين، وإنما تسقط للتعدي ولا تعدي هنا. (وإن ارتدت) زوجة وحدها، (فلا نفقة) لها زمن الردة (وإن أسلمت
في العدة) لأنها كالناشزة بالردة بل أولى، وتستحق من وقت الاسلام في العدة (وإن ارتد) الزوج وحده (فلها) عليه (
نفقة العدة) لأن المانع من جهته. ولو ارتدا معا فلا نفقة لها لما مر، وبحث الرافعي أنه يجئ فيه الخلاف في تشطير
المهر بردتهما قبل الدخول وأقره المصنف، ولكن لا يلزم من جريان الخلاف الاتحاد في الترجيح. ولو ارتدت فغاب
ثم أسلمت وهو غائب استحقت النفقة من حين إسلامها. فإن قيل: الردة أولى من النشوز كما مر، وهي لو نشزت
فغاب ثم عادت إلى الطاعة وهو غائب لم تستحق النفقة حتى يصل الخبر إليه ويمضي زمان لو سافر إليها لامكنه الوصول،
فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن سقوط النفقة بالردة زال بالاسلام وسقوطها بالنشوز للمنع من الاستمتاع والخروج
من قبضته، وذلك لا يزول مع الغيبة كما ذكره البغوي في تهذيبه.
خاتمة: لو اختلفا في السابق بالاسلام قبل الدخول فادعت سبق الزوج به ليثبت لها نصف المهر وعكس هو
فالقول قولها بيمينها لأن الأصل بقاء نصف المهر، فإن ادعى الزوج سبقها فقالت: لا أعرف السابق منا لم تطالبه بشئ من
المهر، فإن ادعت بعد قولها ذلك علمها بسبق إسلامه صدقت بيمينها وأخذت النصف، وإن جعل السبق والمعية باعترافهما
فالنكاح باق لأن الأصل بقاؤه. وإن جهل السابق منهما فلا نكاح بينهما لاتفاقهما على تعاقب الاسلام قبل الدخول
201

ولا يطالب بنصف المهر إن لم تكن قبضت المهر لاحتمال سبقها، ولا يسترده هو منها إن كانت قبضته لاحتمال سبقه فيقر
النصف في يدها حتى يتبين الحال. وأقام الزوج شاهدين أنهما أسلما حين طلعت الشمس أو غربت يوم كذا قبلت
شهادتهما واستمر النكاح، أو أنهما أسلما مع طلوع الشمس أو غروبها يوم كذا لم تقبل، لأن وقت الطلوع أو الغروب
يتناول حال تمامه وهي واحدة، والمعية للطلوع أو الغروب تتناول أوله وآخره، فيجوز أن يكون إسلام أحدهما مقارنا لطلوع أول القرص أو غروبه، وإسلام الآخر
مقارنا لطلوع آخره أو غروبه.
باب الخيار:
في النكاح (والاعفاف ونكاح العبد) وما يذكر معها: وأسباب الخيار المتفق عليه ثلاثة، وعدها في الروضة
أربعة، فجعل العنة سببا مستقلا، والأوجه دخولها في العيوب. وأما المختلف فيها فكالاعسار بالمهر أو النفقة، وكأن يجد أحدهما
الآخر رقيقا أو يجد الزوج المرأة لا تحتمل الوطئ إلا بالافضاء، وسيأتي الكلام على ذلك في محله. الأول من الثلاثة العيوب،
وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم مشترك بين الزوجين، وقسم مختص بالزوجة، وقسم مختص بالزوج، وقد بدأ المصنف بالقسم
الأول من العيوب، فقال: إذا (وجد أحد الزوجين بالآخر جنونا) وإن انقطع أو كان قابلا للعلاج ثبت له الخيار
كما سيأتي، الجنون
زوال الشعور من القلب مع بقاء الحركة والقوة في الأعضاء، واستثنى المتولي من المنقطع الخفيف الذي يطرأ في بعض الزمان.
أما الاغماء بالمرض فلا يثبت به خيار كسائر الأمراض، ومحله كما قال الزركشي فيما تحصل منه الإفاقة كما هو الغالب. أما
المأيوس من زواله فكالجنون كما ذكره المتولي، وكذا إن بقي الاغماء بعد المرض فيثبت به الخيار كالجنون. وألحق
الشافعي رضي الله تعالى عنه الخبل بالجنون، والاصراع نوع من الجنون كما قاله بعض العلماء. (أو) وجد أحد الزوجين
بالآخر (جذاما) وهو علة يحمر منها العضو ثم ينقطع ثم يسود ثم ينقطع ويتناثر، ويتصور ذلك في كل عضو لكنه في الوجه
أغلب. (أو برصا) وهو بياض شديد يبقع الجلد ويذهب دمويته، ثبت له الخيار كما مر. هذا إذا كانا مستحكمين،
بخلاف غيرهما من أوائل الجذام والبرص لا يثبت به الخيار كما صرح به الجويني قال: والاستحكام في الجذام يكون بالتقطع
وتردد الإمام فيه وجوز الاكتفاء باسوداده. وحكم أهل المعرفة باستحكام العلة ولم يشترطوا في الجنون الاستحكام، قال
الزركشي: ولعل الفرق أن الجنون يفضي إلى الجناية على الزوج. فإن قيل: كيف يتصور فسخ المرأة بالعيب لأنها إن
علمت به فلا خيار لها، وإن لم تعلم به فالتنقي من العيوب شرط في الكفاءة فلا يصح النكاح إذا عدم التكافؤ؟ أجيب
بأن هذا غفلة عن قسم آخر، وهو ما إذا أذنت في التزويج من معين ولو من غير كفء وزوجها الولي منه بناء على أنه
سليم فإذا هو معيب، فالمذهب صحة النكاح كما صرح به الإمام في باب التولية والمرابحة، ويثبت الخيار بذلك. ثم شرع
فيما هو مختص بالزوجة، فقال: (أو وجدها) الزوج (رتقاء أو قرناء) بأن انسد محل الجماع منها في الأول بلحم
وبالثاني بعظم في الأصح، وقيل: بلحم، وعليه فالرتق والقرن واحد، ثبت له الخيار كما سيأتي، وليس للزوج إجبار الرتقاء
على شق الموضع، وإن شقته وأمكن الوطئ فلا خيار، ولا تمكن الأمة من الشق قطعا إلا بإذن السيد. ثم شرع فيما هو
مختص بالزوج، فقال: (أو وجدته عنينا) وهو العاجز عن الوطئ في القبل خاصة، قيل سمي عنينا للين ذكره وانعطافه
مأخوذ من عنان الدابة للينه. (أو مجبوبا) وهو مقطوع جميع الذكر أو لم يبق منه قدر الحشفة، أما إذا بقي منه ما يولج
قدرها فلا خيار لها. وجواب إذا المقدرة في كلام المتن قوله: (ثبت) لواجد العيب من الزوجين (الخيار في فسخ
النكاح) كما تقرر لكن بعد ثبوت العيب عند القاضي كما سيأتي. وثبوت الخيار بهذه العيوب قال به جمهور العلماء
202

وجاءت به الآثار، وصح ذلك من عمر رضي الله عنه في الثلاثة الأول وهي المشتركة بين الزوجين، رواه عنه الشافعي
وعول عليه، لأن مثله لا يكون إلا عن توقيف، وفي الصحيح: فر من المجذوم فرارك من الأسد. قال الشافعي في الأم:
وأما الجذام والبرص فإنه، أي كلا منهما يعدي الزوج ويعدي الولد، وقال في موضع آخر: الجذام والبرص مما يزعم أهل
العلم بالطب والتجارب أنه يعدي كثيرا، وهو مانع للجماع لا تكاد نفس أحد أن تطيب أن يجامع من هو به، والولد
قل ما يسلم منه، فإن سلم أدرك نسله. فإن قيل: كيف قال الشافعي إنه يعدي وقد صح في الحديث: لا عدوى؟ أجيب
بأن مراده أنه يعدي بفعل الله لا بنفسه. والحديث ورد ردا لما يعتقده أهل الجاهلية من نسبة الفعل لغير الله تعالى وأن
مخالطة الصحيح لمن به شئ من هذه الادواء سبب لحدوث ذلك الداء، ولان معظم النكاح هو الوطئ والقرن والرتق
مانعان منه فيتعذر مقصوده. وحكى الماوردي إجماع الصحابة على ثبوت الخيار بالجب والعنة.
تنبيه: شمل إطلاق المصنف ما لو زال العيب قبل الفسخ وما لو علم به بعد الموت، والأصح لا خيار فيهما. وقضية
قوله: وجد أنه لو علم أحدهما بعيب صاحبه قبل العقد لا خيار له وليس على إطلاقه، بل لو علمت بعنته قبل العقد فلها الخيار
بعده على المذهب، لأن العنة تحصل في حق امرأة دون أخرى وفي نكاح دون نكاح، ويثبت الخيار للزوجة بالعنة وإن
كان قادرا على جماع غيرها. ولا فرق في ثبوت الخيار فيما ذكر بين أن يجد أحد الزوجين بالآخر مثل ما به من العيب
أو لا. (وقيل إن وجد به مثل عيبه) من الجذام أو البرص قدرا وفحشا (فلا) خيار لتساويهما. وأجاب الأول بأن
الانسان يعاف من غيره ما لا يعاف من نفسه. أما المجنونان جنونا مطبقا فيتعذر الخيار لهما لانتفاء الخيار. وقول المصنف:
مثل عيبه احترز به عما إذا كان في أحدهما أكثر أو أفحش أو اختلف الجنس فإنه يثبت الخيار قطعا نعم إن كان مجبوبا،
بالموحدة - وهي رتقاء فطريقان: قيل كالجنس، وقيل: لا خيار قطعا. ولو اختلفا في شئ هل هو عيب كبياض هل
هو برص أو لا؟ صدق المنكر وعلى المدعي البينة.
تنبيه: قد علم مما تقرر أن جملة العيوب سبعة، وأنه يمكن في حق كل من الزوجين خمسة. واقتصار المصنف
على ما ذكر من العيوب يقتضي أنه لا خيار فيما عداها، قال في الروضة: وهو الصحيح الذي قطع به الجمهور، فلا خيار
بالبخر والصنان والاستحاضة والقروح السيالة والعمى والزمانة والبله والخصاء والافضاء ولا بكونه يتغوط
عند الجماع، لأن هذه الأمور لا تفوت مقصود النكاح بخلاف نظيره في البيع لفوات المالية. (ولو وجده خنثى واضحا)
بأن زال إشكاله قبل عقد النكاح بذكورة أو أنوثة، (فلا) خيار له (في الأظهر) سواء أوضح بعلامة قطعية أم
ظنية
أو بإخباره، لأن ما به من ثقبة أو سلعة زائدة لا يفوت مقصود النكاح. والثاني: له الخيار بذلك لنقرة الطبع عنه، أما
الخنثى المشكل فنكاحه باطل. ولو وجدها مستأجرة العين، نقل الشيخان عن المتولي أنه ليس له منعها عن العمل ولا
نفقة عليه، وظاهره أنه لا خيار له وهو المعتمد، ونقلا عن الماوردي أن له الخيار إن جهل. ولا يسقط برضا المستأجر
بالاستمتاع نهارا. ويلحق بالمرأة الرتقاء ضيقة المنفذ إن كان يحصل إفضاؤها بالوطء من كل واطئ كما أشار إليه الرافعي
في الديات، وعلى هذا يقاس بالعنين كبير الآلة بحيث لا تسع حشفته امرأة، وبه صرح الغزالي في الديات، وأغرب
الخفاف فعد في عيوب الرجل كونه مشعر الإحليل، قال الزركشي: وينبغي على قياسه كون المرأة خشنة المدخل بحيث
يتأذى المدخل. (ولو حدث به) أي الزوج بعد العقد (عيب) كأن جب ذكره، (تخيرت) قبل الدخول جزما وبعده على
الأصح لحصول الضرر به كالمقارن، مع أنه لا خلاص لها إلا بالفسخ بخلاف الرجل.
تنبيه: شمل إطلاق المصنف ما لو جبت ذكر زوجها، وهو الأصح. فإن قيل: إذا عيب المشتري المبيع لم يثبت له خيار، فهلا
كان هنا كذلك أجيب بأنها بالجب لا تصير قابضة لحقها، فهي كالمستأجر إذا عيب العين المستأجرة والمشتري
بالتعييب قابض لحقه. (إلا عنة) حدثت (بعد دخول) لحصول مقصود النكاح من المهر وثبوت الحضانة وقد عرفت
203

قدرته على الوطئ ووصلت إلى حقها منه. فإن قيل: الجب كذلك. أجيب بأن الجب حصل به اليأس بخلاف العنة. فإن
قيل: الوطئ حق للزوج بدليل أنه لو امتنع منه دائما لا خيار لها ولا يأثم بتركه ولا يدخل في القسم بين الزوجات فله أن
يطأ بعضهن ويترك بعضهن، فقولهم إنها استوفت حقها منه يدل على أن لها حقا في ذلك. أجيب بأن محله ما دامت مترجية
للوطئ فإن داعية الزوج كافية في ذلك، فإذا أيست منه أثبتوا لها الخيار لتضررها. (أو) حدث (بها) عيب (تخير)
الزوج قبل الدخول وبعده (في الجديد) كما لو حدث به، والقديم: لا، لتمكنه من الخلاص بالطلاق بخلافها، ورد بتضرره
بنصف الصداق أو كله. قال ابن الرفعة: ولا يبعد على الجديد أن يكون حديث الرتق والقرن بعد الوطئ لحدوث
الجب في الخلاف اه‍. وهو ظاهر. قال ابن شهبة: وصرح به القاضي حسين في النفقات.
فرع: لو حدث به وجب فرضيت ثم حدث بها رتق أو قرن فهل يثبت له الخيار أم لا لقيام المانع به؟ قال
الزركشي: فيه نظر اه‍. والأوجه ثبوته. (ولا خيار لولي) بنسب أو غيره كسيد، (بحادث) من العيب بالزوج، إذ
لا عار عليه في العرف بخلافه في الابتداء، ولهذا لو عتقت تحت عبد ورضيت به ليس له الفسخ وإن كان له المنع
ابتداء من نكاح الرقيق. (وكذا بمقارن جب وعنة) للعقد لاختصاصها بالضرر ولا عار عليه. فإن قيل: العنة
لا تثبت
إلا بعد العقد فكيف صورتها؟ أجيب بتصويره بما إذا تزوجها وعرف الولي عنته ثم طلقها وأراد تجديد نكاحها.
فإن قيل: هذا معترض بأنه قد يعن في نكاح دون نكاح كما هو الأصح. أجيب بأن الأصل الاستمرار. (ويتخير)
الولي (بمقارن جنون) للزوج وإن رضيت به الزوجة لتعيره بذلك، (وكذا جذام وبرص) مقارنان يتخير الولي
بكل منهما (في الأصح) للعار وخوف العدوي للنسل، والثاني: المنع، لاختصاص الضرر بالمرأة، فإذا فسخ من ثبت
له الخيار بعيب ظنه ثم تبين أنه ليس بعيب بطل الفسخ. (والخيار) في الفسخ بهذه العيوب إذا ثبت يكون (على
الفور) لأنه خيار عيب فكان على الفور كما في البيع. والمعنى بكونه على الفور أن المطالبة والرفع إلى الحاكم يكونان
على الفور، ولا ينافي ذلك ضرب المدة في العنة فإنها حينئذ تتحقق، وإنما يؤمر بالمبادرة إلى الفسخ بعد تحقق العيب،
ولو ادعى جهل الفور فقياس ما تقدم في الرد بالعيب أنه يقبل لخفائه على كثير من الناس. ولو قال أحدهما: علمت بعيب
صاحبي وجهلت الخيار قبل قوله بيمينه إن أمكن وإلا فلا. (والفسخ) منه أو منها بعيب فيها أو فيه مقارن للعقد أو
حادث (قبل دخول يسقط المهر) ولا متعة لها أيضا، لأنه إن كان العيب به فهي الناسخة فلا شئ لها، وإن كان
بها فسبب الفسخ معنى وجد فيها فكأنها هي الفاسخة. (و) الفسخ (بعده) أي الدخول بأن لم يعلم به إلا بعده
(الأصح) وفي الروضة الصحيح المنصوص، (أنه يجب مهر مثل إن فسخ) النكاح (بمقارن) للعقد (أو) فسخ (
بحادث بين العقد والوطئ جهله الواطئ) إن كان بالموطوءة وجهلته هي إن كان بالواطئ لأنه قد استمتع بمعيبة، وهو
إنما بذل المسمى على ظن السلامة ولم تحصل، فكان العقد جرى في الأول بلا تسمية، ويجعل اقترانه بالوطئ المقارن
للمهر في الثاني كالاقتران بالعقد فكأنه أيضا جرى بلا تسمية، ولان قضية الفسخ رجوع كل منهما إلى عين حقه أو
إلى بدله إن تلف فيرجع الزوج إلى عين حقه وهو المسمى والزوجة إلى بدل حقها وهو مهر المثل لفوات حقها بالدخول.
وبما تقرر من أن ما ذكر صير التسمية كالعدم سقط ما قيل: الفسخ إن رفع العقد من أصله فالواجب مهر المثل مطلقا
أو من حينه فالمسمى كذلك، وأجاب السبكي عما قيل بأن الذي يختاره هنا وفي الإجارة أنه يرفعه من حين حدوث
سببه لا من أصل العقد ولا من حين الفسخ، وعليه يستقيم هذا التفصيل والنكاح والإجارة من واد واحد. لأن
المعقود عليه فيهما المنافع، وهي لا تقبض حقيقة إلا بالاستيفاء بخلاف البيع، فإن القبض فيه مقرر، وأما الفسخ
204

في النكاح بالردة والرضاع والاعسار فمن حينه قطعا وكذا الخلع اه‍. والفرق دقيق، والأول أولى. (و) الأصح أنه يجب
(المسمى إن حدث) العيب (بعد وطئ) لأنه استقر بالوطئ قبل وجود سبب الخيار فلا يغير. والثاني وهو
قول مخرج:
يجب المسمى مطلقا لتقرره بالدخول. والثالث: مهر المثل مطلقا، وقيل في المقارن: إن فسخ بعيبها فمهر المثل وإن فسخت
بعيبه فالمسمى. والحاصل أن الوطئ مضمون بلا خلاف، لأن الوطئ في النكاح لا يخلو عن مقابل، وإنما الخلاف هل
يجب المسمى أو مهر المثل؟ فإن قيل في رد الجارية المبيعة بعيب: وطؤها غير مضمون وقد اشتركا في الفسخ بالعيب.
أجيب بأن الوطئ مقصود في النكاح فوجب بذله بكل حال، والوطئ في المبيع ليس مقصودا في البيع، وإنما العقد على
الرقبة، والوطئ منفعة ملكه فلم يقابله عوض.
فرع: لو فسخ بمقارن للوطئ كان كالفسخ بحادث قبله كما بحثه بعض المتأخرين فيجب مهر المثل لا المسمى.
فرع: لا نفقة للمفسوخ نكاحها بعد الدخول في العدة إن كانت حائلا أو حاملا لانقطاع أثر النكاح بالفسخ، ولها
السكنى لأنها معتدة عن نكاح صحيح تحصينا للماء. (ولو انفسخ) النكاح (بردة) منه أو منها (بعد وطئ) بأن لم يجمعهما
الاسلام في العدة، (فالمسمى) هو الواجب، لأن الوطئ قرر المسمى قبل وجودها، والردة لا تستند إلى ما تقدم. (ولا يرجع
الزوج) الفاسخ (بعد الفسخ بالمهر) الذي غرمه (على من غره) من ولي أو زوجة بالعيب المقارن، (في الجديد) لاستيفائه
منفعة البضع لمتقوم عليه بالعقد، والقديم: يرجع به للتدليس بإخفاء العيب المقارن للعقد، ورد بأنه يلزم منه أن يجمع
بين العوض والمعوض، وهو ممنوع. أما العيب الحادث بعد العقد إذا فسخ به فلا يرجع بالمهر جزما لانتفاء التدليس.
وصور في التتمة التغرير منها بأن تسكت عن عيبها وتظهر للولي معرفة الخاطب به، وصوره أبو الفرج الرزاز بأن تعقد بنفسها
ويحكم حاكم بصحته، وكل صحيح. ولو أجاز الزوج فعليه المسمى ولا يرجع به على الغار جزما. (ويشترط في) الفسخ
بعيب (العنة رفع إلى حاكم) جزما ليفعل ما سيأتي بعد ثبوتها، (وكذا سائر) أي باقي (العيوب) السابقة يشترط في الفسخ بكل
منها الرفع إلى الحاكم (في الأصح) لأنه مجتهد فيه، فأشبه الفسخ بالاعسار. والثاني: لا، بل لكل منهما الانفراد بالفسخ
كالرد بالعيب.
تنبيه: قضية كلامه أنهما لو تراضيا بالفسخ مما يجوز الفسخ به لم يصح، وبه صرح في المحرر. (وتثبت العنة بإقراره)
أي الزوج بها عند الحاكم كغيرها من الحقوق، أو (بينة) تقام عند الحاكم (على إقراره) ولا يتصور ثبوتها بالبينة لأنه لا مطلع
للشهود عليها. ويؤخذ من هذا إن دعوى امرأة الصبي والمجنون العنة عليهما لا تسمع لسقوط قولهما. (وكذا) تثبت العنة
(بيمينها) المردودة (بعد) إنكاره العنة، و (نكوله) عن اليمين (في الأصح) وإنما جاز لها الحلف لأنها تعرف ذلك بالقرائن
والممارسة، كما يجوز لها أن تحلف أنه نوى الطلاق بالكتابة إذا دلت قرينة على ذلك بخلاف الشهادة بها، إذ لا يعرف
الشهود من ذلك ما تعرفه هي. والثاني: لا يرد اليمين عليها ويقضي بنكوله.
تنبيه: كان الأولى التعبير بالتعنين كما في الروضة، لأن العنة في اللغة هي الحظيرة المعدة للإبل والبقر والغنم كما
قاله المصنف في تحريره. قال: وما يقع في كتب الأصحاب من قولهم: العنة، ويريدون به التعنين فليس بمعروف
في اللغة اه‍. واعترض بأن ابن مالك قال في مثلته: العنة بالضم: العجز عن الجماع، وقال أبو عبيدة: يقال للمرأة
التي لا تريد الرجال عنينة. (وإذا ثبتت) عنة الزوج (ضرب القاضي له سنة) كما فعله عمر رضي الله تعالى عنه، رواه
205

الشافعي رضي الله عنه والبيهقي وغيرهما، وقال في النهاية: أجمع المسلمون على اتباع قضاء عمر رضي الله عنه في قاعدة
الباب. والمعنى فيه مضي الفصول الأربعة، لأن تعذر الجماع قد يكون لعارض حرارة فتزول في الشتاء، أو برودة
فتزول في الصيف، أو يبوسة فتزول في الربيع، أو رطوبة فتزول في الخريف، فإذا مضت السنة ولا إصابة علمنا أنه
عجز خلقي.
تنبيه: ابتداء المدة من ضرب القاضي لا من وقت ثبوت العنة لأنها مجتهد فيها، بخلاف مدة الايلاء فإنها من
وقت الحلف للنص. وتعتبر السنة بالأهلة، فإن كان ابتداؤها في أثناء شهر كمل من الشهر الثالث عشر ثلاثين. وظاهر
كلام المصنف كغيره في ضرب السنة أنه لا فرق فيه بين الحر والعبد ولا بين المسلم وغيره، ولا بين أن يقول: مارست
نفسي وأنا عنين فلا تضربوا لي مدة أم لا، وهو كذلك لأن ذلك شرع لأمر جبلي، فأشبه الحيض والرضاع، فلا
يختلفون في كون المدة سنة. وإنما تضرب المدة (بطلبها) أي الزوجة لأن الحق لها. ويكفي قولها: أنا طالبة حقي
بموجب الشرع وإن جهلت بتفصيل الحكم، فإن سكت لم تضرب. نعم إن علم القاضي أن سكوتها لجهل أو دهشة أو
غفلة فلا بأس بتنبيهها.
تنبيه: أفهم قوله: بطلبها أن الولي لا ينوب عنها في ذلك عاقلة أو كانت مجنونة، وهو كذلك، وليس للرتقاء
والقرناء دعوى العنة كما قاله صاحب الخصال ولا للأمة لأنه يلزم منه بطلان نكاحها كما قاله الجرجاني لأن العنين لا يخاف
العنت وهو ظاهر إن ادعت عنه مقارنة للعقد، وإلا فتسمع لانتفاء ما ذكر. (فإذا تمت) تلك السنة المضروبة للزوج ولم
يطأ على ما يأتي ولم تعتزله فيها، (رفعته) ثانيا (إليه) أي القاضي، فلا تنفسخ بلا رفع، إذ مدار الباب على الدعوى والاقرار
والانكار واليمين فيحتاج إلى نظر القاضي واجتهاده.
تنبيه: قضية كلامهم بل صريحه: أن الرفع ثانيا بعد السنة يكون على الفور، وهو كما قال شيخنا المعتمد، وإن
خالف في ذلك الماوردي والروياني. (فإن قال: وطئت حلف) بعد طلبها أنه وطئ كما ذكر، وإنما صدق بيمينه في ذلك
مع أن الأصل عدم الوطئ لعسر إقامة بينة الجماع والأصل السلامة ودوام النكاح. هذا في الثيب، أما البكر إذا شهد
أربع نسوة ببكارتها فالقول قولها للظاهر، وهل تحلف أو لا؟ فيه وجهان رجح في الشرح الصغير الأول، وهو الراجح
كما قاله الأسنوي وغيره، ونقله الأذرعي وغيره عن نص الأم، وعليه قال ابن الرفعة: ظاهر النص أنها لا تحلف إلا أن
يطلب الزوج يمينها، ورجح ابن المقري الثاني: فإن ادعى الزوج عود البكارة بأن قال بعد شهادتهن: أصبتها ولم أبالغ
فعادت بكارتها وطلب يمينها حلفت أنه لم يصبها.
تنبيه: ما ذكره المصنف من كون القول قول الزوج في الوطئ هو أحد ثلاثة مواضع مستثناة مما إذا اختلف
الزوجان في الإصابة فإن القول قول النافي أخذا بالأصل. الموضع الثاني: المولي، وهو كالعنين في أكثر ما ذكر، وإذا طلق
عنين أو مول قبل الوطئ زوجته بعد أن حلفا على الوطئ فليس لهما رجعة لأنها المصدقة بيمينها في إنكارها الوطئ لدفع رجعتها
وإن صدق الأول لدفع العنة، والثاني لدفع المطالبة عنه، إذ لا يلزم من تصديق الشخص للدفع عن نفسه تصديقه لاثبات حق
له على غيره، إذ اليمين حجة ضعيفة. ونظروا ذلك بمسألتين: الأولى: إذا صدقنا الوديع في تلف الوديعة ثم ظهرت مستحقة
وغرمه مستحقها بدلها لم يرجع به على المودع أنها لم تتلف، فيمين الوديع دافعة عنه الغرم غير مثبتة له
الرجوع الثانية: دار في يد اثنين ادعى أحدهما جميعها وقال الآخر: بل هي بيننا نصفين صدق الآخر بيمينه. فإذا باع
مدعي الكل نصيبه من ثالث ليس للآخر الاخذ بالشفعة، لأن يمينه رفعت الاخذ فلا تكون مثبتة له حقا. الموضع الثالث:
مطلقة ادعت الوطئ قبل الطلاق لتستوفي المهر وأنكره فأتت بولد لزمان يلحقه ظاهرا، فالقول قولها بيمينها إن لم ينفه لترجيح
جانبها بالولد، وكذا نقلاه في الشرح والروضة عن الأئمة وأقراه. وأورد على حصرهما مسائل: الأولى: إذا ادعت البكارة
المشروطة وأنها زالت بوطئه فتصدق بيمينها لدفع الفسخ. الثانية: إذا ادعت المطلقة ثلاثا أن المحلل وطئها وفارقها
206

فانقضت عدتها فأنكر المحلل الوطئ فتصدق بيمينها لحلها للأول لا لغريم مهرها لأنها مؤتمنة في انقضاء المدة وبينة
الوطئ متعذرة. الثالثة: إذ قال لها وهي طاهر: أنت طالق للسنة ثم ادعى وطأها في هذا الطهر ليدفع وقوع الطلاق في
الحال وأنكرته فيصدق بيمينه لأن الأصل بقاء النكاح. الرابعة: إذا علق طلاقها بعدم الوطئ ثم اختلفا كذلك فهو
المصدق لما ذكر، وبه أجاب القاضي في فتاويه فيما لو علقه بعدم الانفاق عليها ثم ادعى الانفاق فإنه المصدق بيمينه لعدم
وقوع الطلاق لا لسقوط النفقة وإن قال ابن الصلاح في فتاويه: الظاهر الوقوع. (فإن نكل) عن اليمين (
حلفت)
هي أنه لم يطأ، (فإن حلفت) على ذلك (أو أقر) هو بذلك (استقلت) هي (بالفسخ) كما يستقل بالفسخ من
وجد بالبيع عيبا، لكن إنما تفسخ بعد قول القاضي لها ثبتت العنة أو ثبت حق الفسخ فاختاري على الأصح في
أصل الروضة. نعم قوله: فاختاري قال الأذرعي وغيره: إنه ليس شرطا بل المراد به إعلامها بدخول وقت الفسخ حتى
لو بادرت وفسخت قبله نفذ فسخها، ويؤيده حذف الرافعي له من الشرح الصغير. (وقيل: يحتاج إلى إذن القاضي)
لها بالفسخ (أو) إلى (فسخه) لأنه محل نظر واجتهاد فيتعاطاه بنفسه أو يأذن فيه. فإن قيل: قد صححا هذا
في الاعسار بالنفقة، فهلا كان كذلك أجيب بأن خيار العنة خصلة واحدة وخيارها على الفور. وضرب
القاضي المدة والثبوت بعدها إنما شرعا لتحقق السبب المقتضي للفسخ على الفور، فإن تحقق السبب استقلت بالفسخ
لئلا يخرج عن الفورية، بخلاف النفقة فإن خيارها على التراخي، ولهذا لو رضيت المرأة بإعساره كان لها الفسخ بعد
ذلك. (ولو اعتزلته) كأن استحيضت (أو مرضت أو حبست في المدة) كلها (لم تحسب) هذه السنة المشتملة على
ما ذكر، لأن عدم الوطئ حينئذ يضاف إليها وتستأنف سنة أخرى. ولو وقع لها مثله في بعض السنة، قال الشيخان:
فالقياس استئناف سنة أخرى، أو تنتظر مضي مثل ذلك الفصل من السنة الأخرى. فإن قيل: يلزم من ذلك الاستئناف
أيضا، لأن ذلك الفصل إنما يأتي في سنة أخرى. أجيب بأن المراد أنه لا يمتنع انعزالها عنه في غير ذلك الفصل من
قابل بخلاف الاستئناف، ولا يمنع حسبان المدة حيضها إذ لا تخلو السنة عنه غالبا.
تنبيه: قضية اقتصارها على ذكر ذلك من جانبها أن حبسه ومرضه لا يمنع حسبان المدة، وهو كذلك كما في الشرح
الكبير عن ابن القطان وأسقطه من الروضة. وسفرها كحبسها ونفاسها كحيضها كما بحثه بعض المتأخرين، وسفره كحبسه.
ولو ادعى امتناعها صدق بيمينه، ثم يضرب القاضي مدة أخرى ويسكنها بين قوم ثقات ويعتمد قولهم. (ولو رضيت
بعدها) أي انقضاء جميع المدة (به) أي بالمقام مع الزوج، (بطل حقها) من الفسخ كما في سائر العيوب. فإن قيل:
الايلاء والاعسار بالنفقة والإجارة إذا تهدمت الدار لها الفسخ في ذلك وإن رضيت، فهلا كان هنا كذلك أجيب
بأن ضرر هذه الأمور يتجدد، والعنة عيب واحد إذا تحقق لا تتوقع إزالته.
تنبيه: قوله: بعدها من زيادته، خرج بها ما إذا رضيت في أثناء المدة أو قبل ضربها فإن حقها لا يبطل، ولها
الفسخ بعد المدة، لأنها رضيت بإسقاط حقها قبل ثبوته فلم يسقط كالعفو عن الشفعة قبل البيع. ولو طلقها رجعيا بعد
أن رضيت به ويتصور باستدخالها ماءه وبوطئها في الدبر ثم راجعها لم يعد حق الفسخ لأنه نكاح واحد، بخلاف ما إذا
بانت وجدد نكاحها فإن طلبها لم يسقط، لأنه نكاح غير ذلك النكاح. (وكذا) يبطل حقها (لو أجلته) بعد المدة
المضروبة مدة أخرى كشهر (على الصحيح) لأنه على الفور، والتأجيل مفوت له. والثاني لا يبطل لاحسانها
بالتأجيل،
ولا يلزمها فلها الفسخ متى شاء. ثم شرع في السبب الثاني وهو قسمان: خلف شرط، وخلف ظن، وبدأ بالأول فقال:
(ولو نكح) امرأة (وشرط) بالبناء للمفعول، (فيها) في العقد، (إسلام أو) شرط (في أحدهما) أي الزوج أو
الزوجة، (نسب أو حرية أو غيرهما) مما لا يمنع عدمه صحة النكاح من صفات الكمال كبكارة وشباب، أو النقص كضد
207

ذلك، أو لا ولا كطول وبياض وسمرة، (فأخلف) بالبناء للمفعول المشروط، (فالأظهر صحة النكاح) لأن الخلف في
الشرط لا يوجب فساد البيع مع تأثره بالشروط الفاسدة، فالنكاح أولى. والثاني: يبطل، لأن النكاح يعتمد الصفات
فتبدلها كتبدل العين.
تنبيه: معلوم أن محل الخلاف فيما إذا شرطت حريته فبان عبدا أن يكون السيد أذن له في النكاح وإلا لم
يصح قطعا لعدم الإذن، وفيما إذا شرط حريتها فبانت أمة إذا نكحت بإذن السيد وكان الزوج ممن يحل له نكاح
الأمة وإلا لم يصح جزما، وفيما إذا شرط فيها إسلام فأخلف أن يظهر كونها كتابية يحل له نكاحها وإلا لم يصح جزما،
فلو عبر بقوله فالأظهر صحة النكاح إن وجدت شرائط الصحة لفهم ذلك. وقضية كلامه أن اشتراط الاسلام فيه لا يتصور
وليس مرادا، بل يتصور في الكتابية. (ثم) على الصحة أما إذا تقدم الشرط على العقد فإنه لا اعتبار به في الخيار (إن بان)
الموصوف بالشرط (خيرا مما شرط) فيه كشرط كونها كتابية أو أمة أو ثيبا فبانت مسلمة في الأولى. أو حرة في الثانية،
أو بكرا في الثالثة، أو في الزوج أنه عبد فبان حرا، (فلا خيار) في ذلك لأنه أفضل مما شرط (وإن بان دونه) أي المشروط
كأن شرط فيها أنها حرة فبانت أمة وهو بمن يحل له لنكاحها وقد أذن السيد في نكاحها، أو فيه أنه حر فبان عبدا والزوجة
حرة وقد أذن له السيد في النكاح، (فلها الخيار) للخلف، فإن رضيت فلأوليائها الخيار إن كان الخلف في النسب لفوات
الكفاءة.
تنبيه: قضية إطلاقه ثبوت الخيار لها في النسب مطلقا، وهو ما جرى عليه السبكي وقال البلقيني: أن الشافعي
رجحه في خلف شرط نسب الزوج. ومثله خلف شرط نسب الزوجة، ولكن الأظهر في أصل الروضة والشرح الصغير
وقضية ما في الكبير وهو المعتمد أنه إذا ساواها في النسب أو زاد عليها أنه لا خيار لها وإن كان دون المشروط، وجرى
عليه في الأنوار، وجعل العفة كالنسب، أي والحرية كذلك. (وكذا له) الخيار (في الأصح) أي إذا لم يزد نسبها على
نسبه ولم يساوه على الخلاف في جانبه للغرر، فلكل منهما الفسخ ولو بغير قاض كما قاله البغوي، وإن بحث الرافعي أنه يكون
كعيب النكاح. والثاني: لا خيار له، لتمكنه من الفسخ بالطلاق.
تنبيه: قضية كلامه أنه لو كان الزوج في المسألة الأولى عبدا أن له الخيار، والذي صححه البغوي وجرى عليه
ابن المقري وهو المعتمد أنه لا خيار له لتكافئهما. وقضية كلامه أيضا أنه لو كانت الزوجة في الثانية أمة ثبوت الخيار،
وهو ما جرى عليه ابن المقري أيضا وهو المعتمد للتغرير، وجزم في الأنوار بأنه لا خيار كنظيره في شرط حريتها.
وقال الزركشي: إنه المرجح. وعلى الأول ثبوت الخيار لسيدها دونها بخلاف سائر العيوب لأن له إجبارها على نكاح
عبد لا معيب. ثم شرع في القسم الثاني وهو خلف الظن الذي لا خيار فيه إلا فيما يستثنى فقال: (ولو ظنها) بلا شرط (مسلمة
أو حرة فبانت كتابية) في الأولى بشرطه فتزوجها على ظن ذلك، (أو أمة) في الثانية (وهي تحل له، فلا خيار) له فيهما
(في الأظهر) لأن الظن لا يثبت الخيار لتقصيره بترك البحث أو الشرط، كما لو ظن العبد المبيع كاتبا فلم يكن. والثاني: له
الخيار، لأن ظاهر الدار الاسلام والحرية، فإذا خالف ذلك ثبت الخيار. ولو ظن حريتها فخرجت مبعضة فهو كما لو
وجدها أمة كما قاله الزركشي، (ولو أذنت) لوليها (في تزويجها بمن ظنته كفؤا) لها (فبان فسقه، أو دناءة نسبه وحرفته فلا
خيار لها) ولا لوليها لأن التقصير منها ومنه حيث لم يبحثا ولم يشرطا. (قلت: ولو بان) الزوج (معيبا أو) بان (عبدا)
وهي حرة وأذن له سيده في النكاح، (فلها الخيار) في المسألتين (والله أعلم) لموافقة ما ظنته من الحرية والسلامة
208

من العيب للغالب في الناس.
تنبيه: كان الأولى للمصنف كما قال ابن شهبة ترك هذه الزيادة، فإن الأولى مستغنى عنها بما مر في العيوب، وما
جزم به في الثانية هو ما نقله في الروضة عن فتاوى ابن الصباغ وغيره، لكنه مخالف لنص الأم والبويطي، فإنه قال
فيهما: وإذا تزوج العبد المرأة ولم يذكر لها الحرية ولا غيرها. فقالت: ظننتك حرا فلا خيار لها، وقيل: لها الخيار،
ونقل البلقيني النص وقال: إنه الصواب المعتمد لأنها قصرت بترك البحث اه‍. وهذا هو الظاهر كما جزم به في الأنوار
كالغزالي. (ومتى فسخ) النكاح (بخلف) الشرط، (فحكم المهر والرجوع به على الغار ما سبق في العيب) أي الفسخ
به. فإن كان قبل الدخول فلا مهر ولا متعة أو بعده فمهر المثل على الأصح، وكذا لو كان الفسخ مع الدخول كما بحثه
بعض المتأخرين، ولا يرجع الزوج بما غرمه على الغار في الأظهر.
تنبيه: اقتصاره على ما ذكره يوهم أن النفقة والكسوة والسكنى في العدة لا تكون كذلك، وليس مرادا،
بل هي كذلك. (و) التغرير (المؤثر) في الفسخ بخلف الشرط (تغرير قارن العقد) بوقوعه في صلبه على سبيل الاشتراط،
كقوله: زوجتك هذه البكر أو هذه المسلمة أو الحرة، لأن الشرط إنما يؤثر في العقد إذا ذكر فيه، بخلاف ما
إذا قارنه
لا على سبيل الشرط أو سبق العقد. أما المؤثر في الرجوع بقيمة الولد فيكفي فيه تقدمه على العقد مطلقا أخذا من كلام
الغزالي في الرجوع بالمهر على قول مرجوح، أو متصلا به قصد الترغيب في النكاح أخذا من كلام الإمام. قال في
أصل الروضة بعد ذكره ذلك: ويشبه أن لا يعتبر الاتصال بالعقد على ما أطلقه الغزالي لأن تعلق الضمان أوسع بابا.
قال شيخنا: وتوهم بعضهم اتحاد التغريرين، فجعل المتصل بالعقد قبله كالمذكور فيه أنه يؤثر في الفسخ فاحذره
وكأنه يشير بذلك إلى الجلال المحلي مع أنه شيخه لأن القصد بذلك إظهار الحق. (ولو غر) حر أو عبد (بحرية أمة)
نكحها وشرط له في العقد حريتها (وصححناه) أي نكاح المغرور، وهو القول الأظهر، وحصل منه ولد (فالولد)
الحاصل (قبل العلم) بأنها أمة (حر) أي ينعقد حرا سواء فسخ العقد أم أجازه حيث ثبت الخيار له لاعتقاده أنها حرة،
وولد الحرة لا ينعقد إلا حرا، فاعتبر ظنه، كما لو وطئ أمة الغير على ظن أنها زوجته الحرة. (وعلى المغرور قيمته) يوم
الولادة لأنه أول أوقات تقويمه، وهي في ذمة الحر، وكذا العبد في الأصح يتبع بها إذا عتق، وقيل: في كسبه، وقيل:
في رقبته (لسيدها) لأنه فوت عليه رقه التابع لرقها بظنه حريتها. نعم إن كان الزوج عبدا لسيدها لم يغرم شيئا، لأن
السيد لا يثبت له على رقيقه دين (ويرجع) المغرور (بها) أي قيمة الولد على الغار له، لأنه الموقع له في غرامتها وهو
لم يدخل في العقد على أن يغرمها بخلاف المهر، ولكن إنما يرجع إذا غرم كالضامن.
تنبيه: قوله: وصححناه لا مفهوم له فكان الأولى تركه، فإن الحكم كما ذكر إن أبطلناه لشبهة الخلاف وكذا
إذا بطل لكون الزوج لا يحل له نكاح الأمة لشبهة التغرير. وخرج بقبل العلم الحادث بعده فهو رقيق. ولو كان المغرور
عربيا فهو رقيق. وسكوت المصنف عن المهر يفهم أنه لا يرجع به المغرور على من غره، وهو كذلك في الأظهر لأنه
استوفى ما يقابله، والمهر الواجب على العبد المغرور بوطئه إن كان مهر مثل تعلق بذمته أو المسمى فبكسبه. (والتغرير
بالحرية لا يتصور من سيدها) لأنه إذا قال: زوجتك هذه الحرة أو على أنها حرة أو نحو ذلك عتقت، (بل) يتصور (من
وكيله) في تزويجها كأن يقول وكيله: زوجتك هذه الحرة أو على أنها حرة، أو من ولي السيد إذا كان السيد محجورا عليه،
والفوات في ذلك بحلف الشرط تارة والظن أخرى. (أو منها) والفوات فيه بخلف الظن فقط.
تنبيه: ما ادعاه المصنف من منع التصوير من سيدها استثنوا منه صورا: منها ما لو زوجها سيدها المعسر بإذن
المرتهن أو المجني عليه ومنها ما لو زوج السفيه أو المفلس أو المكاتب أمته بإذن الولي في الأولى أو الغرماء في الثانية
209

أو السيد في الثالثة. ومنها ما لو كان اسمها حرة. (فإن كان) التغرير (منها) فقط (تعلق الغرم بذمتها)
فتطالب به
إذا عتقت ولا يتعلق برقبتها ولا بكسبها. نعم إن كانت مكاتبة فله مطالبتها في الحال، قال الزركشي: وقد استثناها الشافعي
في الأم والمختصر لأنه كجنايتها. وإن كان من الوكيل فقط تعلق بذمته أيضا ويطالب به حال، وإن كان منها ومن
الوكيل بأن ذكراه معا كما قاله الشيخان، فعلى كل منهما نصف الغرم، فإن غرت الوكيل بالحرية فذكرها للزوج رجع
على الوكيل ثم الوكيل عليها، وإن ذكرته للوكيل ثم ذكرته للزوج رجع الزوج عليها ولا رجوع على الوكيل وإن
ذكره الوكيل للزوج أيضا لأنها لما شافهت الزوج وخرج الوكيل من الوسط، وإن كان من السيد فلا شئ له، ولا عبرة
بتغرير من ليس بعاقد ولا معقود عليه. هذا كله إذا انفصل الولد في صورة التغرير حيا، (و) أما (لو انفصل الولد ميتا بلا
جناية فلا شئ فيه) لأن حياته غير متيقنة، بخلاف ما إذا انفصل بجناية ففيه لانعقاده حرا غرة لوارثه على عاقلة الجاني
أجنبيا كان أو سيد الأمة أو المغرور، فإن كان عبدا تعلقت الغرة برقبته، ويضمنه المغرور لسيد الأمة لتفويته رقه
بعشر قيمتها لأنه الذي يضمن به الجنين الرقيق، وليس للسيد إلا ما يضمن به الرقيق. ولا يتصور أن يرث من الغرة
في مسألتنا مع الأب الحر غير الجاني إلا أم الأم الحرة، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحرير الكلام في الغرة في آخر باب
موجبات الدية. ثم شرع في السبب الثالث للخيار وهو العتق، فقال: (ومن عتقت) كلها ولو كافرة مكاتبة (تحت
رقيق أو) تحت (من فيه رق) قبل دخول أو بعده، (تخيرت في فسخ النكاح) وعدمه لأنها تعير بمن فيه رق،
والأصل في ذلك عتق بريرة تحت زوجها مغيث، وكان عبدا فخيرها رسول الله (ص) بين المفارقة والمقام معه
فاختارت نفسها، متفق عليه وألحق بالعبد المبعض لبقاء علقة الرق عليه. وخرج بقوله: تحت رقيق ما إذا عتقت تحت
حر فإنه لا خيار لها خلافا لأبي حنيفة، وما إذا عتقا معا فإنه لا خيار لها، وسيأتي باقي المحترزات.
تنبيه: قد يوهم كلام المصنف أنه لو عتق الزوج بعدها أو مات قبل اختيارها الفسخ أن لها الخيار، وليس
مرادا بل سقط خيارها لزوال الضرر. ولو فسخت بناء على بقاء رقه فبان خلافه تبين بطلان الفسخ على قياس ما مر
في الفسخ بالعيب. ويستثنى من كلامه ما لو عتقت قبل الدخول في مرض موت السيد، وكانت لا تخرج من الثلث إلا
بمهرها فلا خيار لها، لأنها لو فسخت لسقط المهر فيضيق الثلث عن الوفاء بعتقها فلا تعتق كلها فلا يثبت الخيار، ولا يحتاج
في هذا الفسخ لحاكم لأنه ثابت بالنص. ولو ادعت أن سيدها أعتقها فأنكر، فإن لم يصدقها الزوج لم يثبت لها خيار،
وإن صدقها ثبت كما نقل عن الشيخ أبي علي. (والأظهر أنه) أي خيار العتق (على الفور) كما في خيار
العيب في رد
المبيع. والثاني: يمتد ثلاثة أيام من حين علمها بالعتق لأنها مدة قريبة فتتروى فيها، وقيل: تبقى ما لم يمسها مختارة أو تصرح
بإسقاطه، واختار هذا ابن عبد السلام والسبكي.
تنبيه: محل الخلاف في المكلفة، أما غيرها فإنه يؤخر إلى تكليفها جزما ولا يختار الولي شيئا، وفي غير المطلقة
رجعيا، أما لو طلقها رجعيا ثم عتقت في العدة فإن لها الفسخ في الحال ولها التأخير، ولا يبطل خيارها فقد لا يراجعها
فتبين بالطلاق. (فإن قالت: جهلت العتق) بعد تأخيرها الفسخ وهي مريدة له، (صدقت بيمينها إن أمكن) دعوى
جهلها ذلك (بأن كان المعتق غائبا) وقت العتق أو كانت في محلة أخرى عن البلد، إذ الأصل عدم علمها وظاهر الحال
يصدقها، فإن كذبها ظاهر الحال كأن كانت معه في بيته فالمصدق الزوج.
تنبيه: عبارة المحرر كالروضة: صدقت بيمينها إن لم يكذبها ظاهر الحال وهي أولى من عبارة المصنف، لأن الامكان
موجود في الحالين. وذكر حكم الطرفين حيث قال: وإلا فالمصدق الزوج، وذكر المصنف أحدهما واكتفى
بمفهومه عن الآخر، وذلك لا يكفي في الاختصار. (وكذا) تصدق بيمينها (إن قالت جهلت الخيار به) أي العتق،
210

(في الأظهر) لأنه مما يخفى على غالب الناس. والثاني: يمنع ذلك ويبطل خيارها.
تنبيه: محل الخلاف كما قاله الماوردي فيمن يحتمل صدقها وكذبها، أما من علم صدقها كالعجمية فقولها مقبول
قطعا، أو علم كذبها بأن كانت تخالط الفقهاء وتعرف منهم ذلك فقولها غير مقبول قطعا. ولو علمت أصل الخيار وادعت
الجهل بفوريته هل يقبل قولها أو لا؟ قال الرافعي: لم أر من تعرض لهذه الصورة في كتب الأصحاب، والوجه القول
بعدم تصديقها سواء أكانت قديمة العهد بالاسلام أم لا، لأن الغالب أن من عرف الخيار علم فوريته، والذي رجحه
ابن المقري وهو المعتمد قبولها في ذلك كنظيره من العيب والاخذ بالشفعة ونفي الولد وغيرها. قال الزركشي: ولا وجه
لكون الخيار على الفور لأنه مما أشكل على العلماء، فعلى هذه المرأة أولى. (فإن فسخت) من عتقت تحت رقيق النكاح،
(قبل وطئ فلا مهر) ولا متعة وإن كان حقا للسيد لأن الفسخ من جهتها، وليس لسيدها منعها من الفسخ لخروجها
عن ملكه ولما يلحقها من الضرر مع البقاء. أو فسخت (بعده بعتق بعده) أي الوطئ السابق عتقها، (وجب المسمى) لاستقرارها
بالوطئ. (أو) بعتق (قبله) بأن لم تعلم بعتقها إلا بعد التمكين من وطئها، (فمهر المثل) لاستناد الفسخ إلى وقت وجوب
سببه وهو العتق السابق للوطئ فصار كالوطئ في نكاح فاسد (وقيل) يجب (المسمى) لتقرره بالوطئ قبل العلم، فإن
عتقت مع الوطئ أو فسخت معه بعتق قبله فالظاهر وجوب مهر المثل.
تنبيه: مهرها لسيدها سواء أكان المسمى أم مهر المثل، فسخت أو اختارت المقام معه. وجرى في العقد تسمية
صحيحة أو فاسدة، لأنه وجب بالعقد. فإن كانت مفوضة بأن زوجها سيدها كذلك نظرت. فإن وطئها الزوج أو فرض
لها بعد العتق فيهما فالمهر لها، لأن مهر المفوضة يجب بالدخول أو بالفرض لا بالعقد. وإن وطئها أو فرض لها قبل العتق
فهو للسيد، لأنه ملكه بالوطئ أو الفرض قبل عتقها، وموت أحدهما كالوطئ والفرض. ثم شرع في باقي المحترزات، فقال:
(ولو عتق بعضها أو كوتبت) أو علق عتقها بصفة أو دبرت فلا خيار لها، أما في الأولى فلبقاء أحكام الرق، وأما
في الباقي فلكمال الرق وصورة عتق البعض أن يعتق حصة في أمة وهو معسر، وإلا عتق جميعها. (أو عتق عبد تحته أمة
فلا خيار) له على الصحيح أو المشهور كما في الروضة، لأنه لا يتغير باستفراش الناقصة، ويمكنه الخلاص بالطلاق
بخلاف العكس. وللزوج وطئ العتيقة ما لم يفسخ، وكذا زوج الصغيرة والمجنونة العتيقتين ما لم يفسخا بعد البلوغ والإقامة
كما في زيادة الروضة.
فصل: في الاعفاف، ومن يجب له وعليه: (يلزم الولد) ذكرا كان أو أنثى أو خنثى إذا كان حرا موسرا
ولو كافرا (إعفاف الأب) الحر المعسر ولو كافرا معصوما، (و) إعفاف (الأجداد) من الجهتين إذا كانوا بالصفة
المذكورة (على المشهور) لأنه من وجوه حاجاتهم المهمة كالنفقة والكسوة، ولئلا يعرضهم للزنا المفضي إلى الهلاك،
وذلك لا يليق بحرمة الأبوة وليس من المصاحبة بالمعروف المأمور بها، ولأنه إذا احتمل لابقاء الأصل فوات نفس الفرع
كما في القعود، ففوات ماله أولى. والثاني: لا يلزمه وهو مخرج كما لا يلزم الأصل إعفاف الفرع. وخرج بما ذكر أنه
لا يلزم معسرا إعفاف الأب، ولا موسرا إعفاف غير أصل، ولا أصل غير ذكر، والفرق بين الأصل الذكر والأنثى أن
الغرم في إعفاف الذكر عليه فيحمله الفرع، والحق في تزويج الأنثى لها لا عليها ولا غير حر ولا غير معصوم ولا موسرا
بما يعف به نفسه. ولو اجتمع جدان لزمه إعفافهما إن اتسع مال الفرع وإلا فأب الأب أولى وإن بعد للعصوبة كأبي
أبي أب مع أبي أم، وإن لم يكن لأحدهما عصوبة قدم الأقرب، فإن استويا كأبي أم الأب وأبي أبي أم أقرع بينها
على الأصح ولو بدون رفع إلى الحاكم، ولو تعدد الفرع وكان ذكورا فقط أو إناثا فقط كان الاعفاف عليهما أو عليهم
أو عليهن بالسوية، أو ذكورا أو إناثا كان عليه بحسب الإرث كما في النفقة على المعتمد. والاعفاف (بأن يعطيه) أي
211

الأصل، (مهر حرة) تعفه ولو كتابية، (أو يقول) له (انكح و) أنا (أعطيك المهر) أي مهر مثل فلا يلزمه
أزيد منه، فإن نكح الأب بأزيد منه كان الزائد في ذمة الأب. (أو ينكح له بإذنه) حرة (ويمهر) ها، (أو
يملكه
أمة) تحل له، (أو ثمنها) لأن غرض الاعفاف يحصل بكل من هذه الطرق، وللابن أن لا يسلمه المهر أو الثمن إلا بعد
عقد النكاح أو الشراء. وبما تقرر علم أنه لا يزوجه ولا يملكه عجوزا شوهاء أو معيبة، لأنها لا تعفه، كما أنه ليس له أن
يطعمه طعاما فاسدا لا ينساغ، وليس له أن يزوجه بأمة، لأنه مستغن بمال فرعه، نعم إن لم يقدر الفرع إلا على مهر
أمة ينبغي أن يزوجها له.
تنبيه: محل التخيير بين الخمسة المذكورة في الفرع المطلق التصرف، أما غيره فعلى وليه أن لا يبذل إلا أقل ما تندفع
به الحاجة إلا أن يلزمه حاكم يراه بغيره، ولو أيسر، الأصل بعد أن ملكه فرعه الجارية أو ثمنها أو المهر لم يسترد الفرع
ذلك، لأنه ملكه ذلك وقت الحاجة إليها، كنفقة دفعها إليه لم يأكلها حتى أيسر، ولا ينافي ذلك قولهم: إن نفقة القريب
امتناع لا تمليك لأن ذلك محله إذا لم يملكها له من لزمته. (ثم عليه) أي الولد (مؤنتهما) بضمير التثنية بخطه، أي
الأب، ومن أعفه بها من حرة أو أمة، وفي بعض النسخ: مؤنتها: أي مؤنة التي أعفه بها، وهو موافق لما
في المحرر، وهو كما قال السبكي أحسن، لأن مؤنة الأب تؤخذ من بابها، أي وأما مؤنتها فلأنها من تمام الاعفاف،
قال في التوشيح: بل هو متعين إذ لا يلزم من إعفاف الأب وجوب نفقته لامكان قدرته على النفقة دون النكاح،
ولان مؤنة الأصل لازمة للفرع وإن لم يعفه أه‍. يجوز رجوعه للحرة والأمة، وإن كان الأحسن في ذلك إفراد الضمير
لكن وقع له في غير هذا الموضع تثنيته. والمراد بالمؤنة النفقة والكسوة، واستثنى البغوي أدمها ونفقة الخادم قال: لأن
فقدهما لا يثبت الخيار. قال الرافعي: وقياس قولنا إنه يتحمل بما لزم الأب وجوبهما لأنهما يلزمان الأب مع إعساره
اه‍. وهذا أوجه.
تنبيه: لو كان تحت الأصل من لا تعفه كعجوز وصغيرة لزم الفرع إعفافه، فلو أعفه حينئذ لم يلزمه إلا نفقة واحدة
لا نفقتان، قد قالوا في باب النفقة: لو كان له زوجتان لم يلزم الولد إلا نفقة واحدة ويوزعها الأب عليهما. وهو متناول لهذه
المسألة، لكن قال ابن الرفعة هنا يظهر أنها تتعين للجديدة لئلا تنفسخ بنقص ما يخصها عن المد اه‍. وهذا أوجه. (وليس
للأب تعيين النكاح دون التسري) ولا عكسه، لأن المطلوب دفع الحاجة. وهي تندفع بكل منهما. (ولا) تعيين
نكاح (رفيعة) بجمال أو نحوه كشرف للنكاح أو الشراء، بل التعيين في ذلك للولد، لأن ذلك قد يجحف بالولد
والغرض يحصل بدون ذلك، ولهذا لا يلزم الولد أن يطعمه الأطعمة الفاخرة. (ولو اتفقا) أي الأب والولد (على مهر)
أو ثمن أمة، (فتعيينها للأب) لأنه أقرب إلى إعفافه ولا ضرر فيه على الولد. (ويحب التجديد) للاعفاف (إذا
ماتت) أي الزوجة أو الأمة، (أو انفسخ) النكاح (بردة) أي منها كما صرح به الزركشي، لأنه معذور كالموت،
أما الفسخ بردته فهو كطلاقه بغير عذر، وكردته ردتهما معا كما هو ظاهر. (أو فسخه) أي الزوج النكاح (بعيب)
في الزوجة لما مر، ويفهم من ذلك فسخها بعيبه بطريق الأولى، وحينئذ فلا حاجة لقول بعض الشراح إنه كان الأولى
أن يقول أو فسخ بالبناء للمفعول ليعلم فسخ كل منهما. وكالردة الفسخ برضاع كما لو كان تحته صغيرة وأرضعتها زوجته التي
أعف بها لأنها صارت أم زوجته. (وكذا إن طلق) أو أعتق (بعذر) كشقاق أو ريبة، يجب التجديد له (في الأصح)
كما في الموت. والثاني: المنع، فإن الأب قصد قطع النكاح. أما إذا طلق أو أعتق بغير عذر فلا يجب التجديد فإنه المفوت
لنفسه. فإن قيل: كيف يعتق للعذر فإنه يمكنه بيعها واستبدالها بغيرها. أجيب بأن ذلك متصور بأم الولد، أما غيرها
فلانه لا يعذر في إعتاقها، وإن كان ظاهر كلامهم الاطلاق، وحيث وجب التجديد فمحله في غير الطلاق الرجعي، أما هو
212

فلا يجب فيه التجديد إلا بعد البينونة.
تنبيه: محل الخلاف حيث لم يكن الأب مطلقا، فإن كان مطلقا لم يجب له التجديد باتفاق الأصحاب كما لو تكرر
منه إتلاف النفقة، وتقدم في نكاح السفيه تعريفه، بل يسريه جارية، ويسأل القاضي الحجر عليه في الاعتاق، قاله
القمولي. (وإنما يجب) على الولد (إعفاف) الأصل بشرطين، الأول: ما ذكره بقوله: (فاقد مهر) أو ثمن أمة،
لأن القادر على ذلك مستغن عن الولد، ولو كان قادرا على ذلك بالكسب لم يلزم الولد إعفافه كما قاله الشيخ أبو علي
وجزم به في الشرح الصغير، وإن قال في الكبير ينبغي أن يكون فيه الخلاف في النفقة، أي فلا يكلف الكسب كما
في الصحيح فيها. والفرق بين النفقة وما هنا أن النفقة تتكرر فيشق على الأصل الكسب لها بخلاف المهر أو ثمن الأمة،
ولان البينة لا تقوم بدون النفقة. ولو قدر على حرة بدون مهر مثلها أو على شراء أمة بدون ثمن مثلها لم يجب إعفافه.
ولو نكح في يساره بمهر في ذمته ثم أعسر قبل الدخول وامتنعت الزوجة حتى تقبضه، قال البلقيني: يجب على الولد
دفعه لحصول الاعفاف بذلك، والصرف للموجودة أولى من السعي في أخرى، قال: وعليه لو نكح في إعساره ولم يطالب
ولده بالاعفاف ثم طالبه به ينبغي أن يلزم ولده القيام به لا سيما إذا جهلت الاعسار وأرادت الفسخ اه‍. وظاهر كما قال
شيخنا أنه إنما يلزمه جميع ذلك إذا كان قدر مهر مثل من يليق به الشرط الثاني: ما ذكره بقوله: (محتاج إلى نكاح)
بأن تتوق نفسه الوطئ وإن إلى من لم يخف زنا أو كان تحته من لا تعفه كصغيرة وعجوز شوهاء. ويحرم طلب
من لم تصدق
شهوته بأن لم يضر به التعزب ولم يشق عليه الصبر، نعم قال ابن الرفعة: ولو احتاج للنكاح لا للتمتع بل للخدمة لنحو
مرض وجب إعفافه، وهو كما قال السبكي صحيح إذا تعينت الحاجة إليه، لكن لا يسمى إعفافا. ولو كان يحتاج إلى
الاستمتاع يغير إلى الوطئ لنحو عنة كجب له يلزم الولد ذلك، كما هو ظاهر كلامهم ورجحه الزركشي. (ويصدق) الأصل
(إذا ظهرت) منه (الحاجة) للنكاح (بلا يمين) لأن تحليفه في هذا المقام لا يليق بحرمته إلا إذا كان ظاهر حاله
يكذبه كذي فالج شديد أو استرخاء، فيحتمل حينئذ كما قاله الأذرعي أن لا يجاب أو يحلف. (ويحرم عليه) أي الأب
وإن علا (وطئ أمة ولده) إجماعا، لقوله تعالى: * (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) * وليست بواحدة منهما.
تنبيه: قوله: ولده أولى من قول المحرر: ابنه إذ لا فرق بين الذكر وغيره. (والمذهب وجوب مهر) أي مهر مثل
للولد عليه بهذا الوطئ سواء كانت الأمة موطوءة للابن أم لا، مستولدة للابن أم لا ولو بطوعها، للشبهتين الآتيتين، لأنه
وطئ شبهة فيجب به المهر كوطئ أمة الأجنبي بشبهة، فإن كان الأب موسرا أخذ منه في الحال وإلا بقي في ذمته إلى
يساره. ويجب أيضا أرش بكارتها كما قاله الماوردي، (لا) وجوب (حد) لما في مال ولده من شبهة الملك، ففي
خبر ابن حبان في صحيحه: أنت ومالك لأبيك ولهذا لا يقطع لسرقة ماله، ولا يقتل به، ولشبهة الاعفاف الذي هو
من جنس ما فعله.
تنبيه: اقتصاره على نفي الحد قد يفهم وجوب التعزير، وهو الأصح، كما في ارتكاب سائر المحرمات التي لا حد
فيها ولا كفارة، وهو لحق الله تعالى لا لحق الولد كما ذكره الرافعي، وفي قول من الطريق الثاني: يجب عليه الحد إن لم
يخف عليه التحريم، وإن خفي فلا حد قطعا كما قاله الأذرعي وغيره. ثم إن لم تكن الأمة موطوءة للابن فإنها تحرم
عليه أبدا، لأنها صارت موطوءة أبيه، وإن كانت موطوءة للابن حرمت عليهما أبدا لأنها موطوءة كل منهما،
ويستمر ملك الابن عليها ما لم يوجد من الأب إحبال، ولا يغرم الأب له بتحريمه لها عليه بوطئه قيمتها وإن كان كافرا.
فإن قيل: إذا وطئ الشخص زوجة أبيه أو ابنه بشبهة يلزمه مهرها لفوات الاستمتاع بها، فهلا كان هنا كذلك
أجيب بأن المالية التي هي المقصود الأعظم في الأمة باقية والفائت على الولد إنما هو مجرد الحل وهو غير متقوم، بدليل
إنه لو اشترى أمة فخرجت أخته لم يتمكن من الرد. والحل الفائت في الزوجية هو المقصود فيقوم، ولذلك يجوز أن يشتري
213

أخته ولا يجوز أن ينكحها، وعلى ما ذكر لو تزوج رجل أمة أخيه فوطئها أبوهما لزمه مهران: مهر لمالكها،
ومهر لزوجها.
(فإن أحبل) الأب الحر الكل بوطئه أمة ولده (فالولد حر نسيب) للشبهة، كما لو وطئ أمة غيره بشبهة وإن كان
الأب رقيقا أو مبعضا، ولو كان كل منهما مكاتبا فكذلك كما شمله إطلاق المصنف وصرح به ابن المقري لما مر، وإن قال
القاضي في تعليقه: الصحيح من المذهب أن ولد المبعض رقيق، وقال البلقيني: إنه الراجح. وقيمة الولد على القول بحريته
في ذمة من ذكر، إذ لا اختيار له في انعقاده حرا، ويطالب المبعض بقدر ما فيه من الحرية في الحال وبالبعض الآخر
بعد عتقه بخلاف الرقيق لا يطالب إلا بعد عتقه لأنه لا يملك. وأما المكاتب فالمتجه أنه يطالب بالقيمة في الحال فإنه يملك،
وأما المهر فإن أكرهها الرقيق على الوطئ ففي رقبته كسائر الجنايات وإن طاوعته فكذلك في أحد قولين يظهر ترجيحه
كما جزم به في الأنوار. (فإن كانت) أي أمة الابن (مستولدة للابن لم تصر مستولدة للأب) لأنها لا تقبل النقل،
فإن كانت مكاتبة للابن فهل ينفذ استيلاد الأب لأن الكتابة تقبل الفسخ بخلاف الاستيلاد أو لا لأن الكتابة لا تقبل
النقل؟ وجهان أوجههما الأول كما جزم به القفال في فتاويه، ورجحه الخوارزمي، وقطع الهروي بالثاني: (وإلا) بأن
لم تكن مستولدة للابن، (فالأظهر أنها تصير) مستولدة للأب الحر الكل ولو معسرا لشبهة الاعفاف، ولا فرق بين
أن تكون موطوءة للابن، أو مدبرة، أو معلقا عتقها بصفة، أو موصى بمنفعتها أو لا، ولا بين كون الولد محجورا عليه
بسفه أو صغر أو جنون، أو موافقا للأب في دينه أو لا. وإذا أولد أمة ولده المزوجة نفذ إيلاده كإيلاد السيدة لها
وحرمت على الزوج مدة الحمل، أما إذا لم يكن الأب حر الكل فإنه لا ينفذ استيلاده، لأن الرقيق لا يملك، والمكاتب
إذا أحبل أمته لا تصير أم ولد فأمة ولده أولى وأما المبعض إذا أحبل أمته قال شيخنا: فكذلك، ولكن الراجح أنها
تصير أم ولد كما سيأتي إن شاء الله تعالى آخر الكتاب، والفرق أنه لا شبهة له في أمة ولده إذ لا يلزمه إعفافه، وأما أمته
فملكه نام عليها. (و) إذا صارت أمة الولد مستولدة للأب، فالأظهر (أن عليه) أي الأب (قيمتها) للابن (مع
مهر) لأنهما وجبا بسببين مختلفين، فالمهر للايلاج، والقيمة للاستيلاد.
تنبيه: قيمتها لازمة له سواء أنزل قبل تغييب الحشفة أم بعده لما ذكر. وأما المهر فمحل وجوبه كما قال الإمام
وأقراه إذا تأخر الانزال عن تغييب الحشفة، فإن حصل مع تغييبها فقد اقترن موجب المهر بالعلوق فينزل المهر منزلة
قيمة الولد. وقيمة الولد لا تلزم الأب كما قال: (لا قيمة ولد) فليست على الأب (في الأصح) إن انفصل الولد حيا،
لأنه التزم قيمتها والولد جزء منها وقد انتقل الملك فيها قبيل العلوق فلم تعلق به إلا وهي في ملكه والثاني: تجب كوطئ
الشبهة، وهو مبني على أن الملك ينتقل بعد العلوق. أما إذا انفصل الولد ميتا فلا تجب قيمته جزما، نعم إن انفصل
بجناية فينبغي كما قاله الزركشي أن يجئ فيه ما سبق في المغرور.
تنبيه: وطئ الابن جارية الأب كالأجنبي، فإن كان بشبهة كأن ظنها أمته أو زوجته الحرة فالولد حر وعليه
قيمة للأب، أو زوجته الرقيقة انعقد الولد رقيقا. وإن كان عالما بالتحريم حد لانتفاء شبهتي الاعفاف والملك، وليس
كالسرقة حيث لا يقطع بها لشبهة النفقة، وعليه المهر إن أكرهت وإلا فلا لقوله (ص): لا مهر لبغي.
ويؤخذ من هذا أن السيد لو أكره أمته على الزنا استحق المهر لمفهوم الحديث. وإن أتت بولد رقيق نسيب عتق على
الجد لدخوله في ملكه، ولا يلزم الابن قيمته لانعقاده رقيقا. (ويحرم) على الأب الحر الكل (نكاحها) أي أمة ولده
من النسب، لأنها كأمته لماله في مال ولده من شبهة الاعفاف والنفقة. أما غير الحر الكل له نكاحها، إذ ليس عليه
إعفافه وكذا إذا كان الولد من الرضاع لما ذكر، ويجوز للولد الحر الكل نكاح جارية أبيه وأمه جزما إذا وجد
فيه شروط نكاح الأمة لعدم وجوب الاعفاف (فلو ملك) الولد زوجة (والده) الموصوف بأنه (الذي لا تحل له
214

الأمة) التي اشتراها الابن بعد نكاح أبيه لها بشرطه حين الملك كأن أيسر بنفسه أو بيسرة ولده، (لم ينفسخ النكاح
في الأصح) لأن الأصل في النكاح الثابت الدوام، وللدوام من القوة ما ليس للابتداء كما مر أن اليسار الطارئ
على نكاح الأمة لا يرفعه والثاني: ينفسخ كما لو ملك زوجة نفسه. وأجاب الأول بأنه لا صنع للأب في ذلك، بخلاف
ملك زوجة نفسه.
تنبيه: لو أحبل الأب الأمة بعد ملك ولده لها هل تصير أم ولد كما مر أو لا تصير لأن مستند الوطئ النكاح؟
المعتمد الثاني. وخرج بقوله: الذي لا تحل له الأمة من يحل له نكاح أمة ولده لكون الوالد رقيقا، ولكون الولد معسرا
لا يلزمه إعفافه، فطريان ملك الولد لا ينفسخ به النكاح قطعا إذ لم يطرأ ما ينافي النكاح على هذا التقدير، وبهذا يندفع
ما قاله الأسنوي من أن هذا التقييد لا فائدة فيه. (وليس له) أي يحرم على السيد قطعا (نكاح أمة مكاتبه) بهاء الضمير
كتابة صحيحة بما له في رقبته وما له من شبهة الملك بتعجيزه نفسه، ولهذا تصير أم ولد بإيلاده. (فإن ملك مكاتب
زوجة سيده انفسخ النكاح في الأصح) كما لو ملكها سيده لما مر. والثاني: يلحقه بملك الولد زوجة أبيه. وأجاب
الأول بأن تعلق السيد بمال المكاتب أشد من تعلق الأب بمال الولد، لأن ما في يد المكاتب ملك السيد على رأي. فإن
قيل: لو ملك مكاتب أصل سيده أو فرعه لم يعتق عليه ولم ينزلوه منزلة ملكه. أجيب بأن الملك قد يجتمع مع القرابة،
والملك والنكاح لا يجتمعان.
فصل: في نكاح الرقيق من عبد أو أمة: (السيد بإذنه في نكاح عبده لا يضمن) له (مهرا و) لا (نفقة في الجديد)
لأنه لم يلتزمهما وإن أذن له فيه على أن يضمن ذلك لا يلزمه، لأنه ضمان ما لم يجب. ولو ضمن بعد العقد صح في
المهر معلوم، ولا يصح في النفقة، والقديم يضمن لأن الاذن يقتضي الالتزام.
فرع: لو زوج عبده بأمته أنفق عليهما بحكم الملك، وإن أتى العبد منها بأولاد فإن أعتقها السيد وأولادها فنفقتها
في كسب العبد ونفقة أولادها عليها، فإن أعسرت ففي بيت المال، وإن أعتق العبد دونها فنفقتها على العبد كحر تزوج أمة،
ونفقة الأولاد على السيد لأنهم ملكه.
تنبيه: قال السبكي: ولو قال المصنف لا يضمن بإذنه في نكاح عبده لكان أحسن ليتسلط النفي على الضمان بالاذن،
فهو نفي لكون الاذن سببا للضمان وهو المقصود، وعبارة المصنف محتملة لهذا، ومحتملة أيضا لكون الاذن سببا لنفي
الضمان كقوله تعالى: * (بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين) *، وليس بمقصود. (وهما) أي المهر والنفقة (في كسبه) لأن
الامر بشئ أمر بلوازمه، وكسب العبد أقرب شئ يصرف إليهما. وإنما يلزمه ذلك (بعد النكاح) وبعد وجوب دفعهما،
وهو في مهر المفوضة بوطئ أو قرض صحيح وفي مهر غيرها المؤجل بالحلول، والحال بالنكاح وفي غير المهر من نفقة
وكسوة وغيرهما من مؤن النكاح بالتمكين. ولا فرق بالكسب بين (المعتاد) كاحتطاب واصطياد وما حصل بحرفة،
(والنادر) كالحاصل بلقطة أو هبة، أما الكسب قبل وجوب الدفع فيختص به السيد لعدم الموجب مع أن الاذن لم يتناوله.
فإن قيل: قد اعتبروا في الضمان الكسب الحاصل بعد الاذن فيه وإن لم يوجد المأذون فيه وهو الضمان، فهلا كان هنا
كذلك أجيب بأن الضمان ثم ثابت حالة الاذن بخلافه هنا.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن المهر والنفقة لا يتعلقان مع الكسب بذمة العبد، وهو وجه، والأصح التعلق.
وظاهره أيضا التسوية بين المهر والنفقة، وليس مرادا، بل يصرف كسبه كل يوم للنفقة،
215

فإن فضل شئ فللمهر، فإن فضل شئ فللسيد، ولا يدخر شئ للنفقة في المستقبل. (فإن كان) العبد (مأذونا له في تجارة ففيما بيده) أيضا (من
ربح) لأنه نماء كسبه، وسوء الحاصل قبل النكاح وبعده على الأصح بخلاف الكسب، والفرق بينهما أن الربح يده
مستمرة عليه تبعا لرأس المال فكان كرأس المال، وسيأتي على الأثر، ولا كذلك الكسب الحاصل قبل النكاح. (وكذا
رأس مال) بيده يجبان فيه أيضا (في الأصح) لأنه دين لزمه بعقد مأذون فيه، فكان كدين التجارة. والثاني: المنع كسائر
أموال السيد.
تنبيه: لو كان المأذون له مكتسبا فظاهر إطلاق المصنف كالمحرر أنهما يتعلقان بكسبه أيضا، وهو كما قال السبكي
ظاهر لأنه قد يحتاج إليه بأن لا يفي مال التجارة وربحه بهما فيكمل من كسبه، ولم يتعرضا لذلك في الشرحين والروضة. هذا
كله إذا اقتصر العبد على ما أذن له سيده فيه. فإن زاد على ذلك فالزيادة في ذمته فقط. (وإن لم يكن) أي العبد (مكتسبا)
إما لعدم قدرته على ذلك أو لكونه محترفا محروما، (ولا) كان (مأذونا له) في التجارة، (ففي) أي فالمهر والنفقة يجبان في
(ذمته) فقط، يطالب بهما بعد عتقه إن رضيت بالمقام معه لأنه دين لزم برضا مستحقه فتعلق بذمته كبدل القرض، فلا
يتعلق برقبته، إذ لا جناية منه ولا بذمة سيدة لما مر أول الفصل. (وفي قول) هما (على السيد) لأن الاذن لمن هذا حاله
التزام للمؤن، وفي قول يتعلقان برقبته إلحاقا لهما بأرش الجناية.
تنبيه: شمل إطلاقه ما لو كان مكتسبا حال العقد ثم طرأ ما يمنعه، وصرح الإمام بطرد القولين فيه. (وله) أي السيد
(المسافرة به) أي عبده المأذون له في النكاح وإن لم يتكفل بالمهر والنفقة، وحينئذ يلزمه الأقل من أجرة مثل مدة السفر
ونفقتها مع المهر. (ويفوت) عليه (الاستمتاع) ليلا ونهارا لأنه مالك الرقبة، فقدم حقه، كما له المسافرة بأمته.
تنبيه: قد يفهم تعبيره بيفوت أن العبد لا يستصحب زوجته معه، وليس مرادا بل له ذلك، ولهذا كانت
عبارة المحرر وهي إن فات الاستمتاع أولى من تعبير المصنف بيفوت إذ لا يلزم من سفره مع السيد تفويت
الاستمتاع لما مر أن للعبد صحبة زوجته سفرا، وحينئذ يكون الكراء في كسبه. قال الماوردي: وعليه تخليته
حينئذ للاستمتاع كالحضر. قال الزركشي: وليس الليل بمتعين. بل المراد أوقات الاستراحة ليلا ونهارا على
ما يقتضيه حال السفر، فإن لم تخرج معه أو كانت أمة فمنعها السيد سقطت نفقتها وإن لم يطالبها الزوج بالخروج النفقة
بحالها. (وإذا لم يسافر) السيد بعبده (لزمه تخليته ليلا للاستمتاع) بزوجته، لأنه وقت الاستراحة، إذ لا يجوز استخدامه في
جميع الأوقات. وقيد الشيخ أبو حامد وأتباعه لزوم ذلك بما إذا لم تكن الزوجة بمنزل سيده، فإن كانت فيه لم يلزمه
تخليته بالليل لأنه متمكن من الاستمتاع بها في منزله، وهذا ظاهر كما قال الأذرعي إذا كان يخدم سيدة نهارا في منزله
بحيث يلج كل وقت على زوجته، أما لو كان يستخدمه في زرعه أو سوقه أو رعيه أو نحو ذلك فلا فرق بين كونها في منزل
السيد أو غيره.
تنبيه: قد يفهم من كلام المصنف أن جميع الليل محل التخلية حتى يجب من الغروب، وليس مرادا، بل بعد
الفراغ من الخدمة أول الليل على العادة كما يأتي في الأمة. (ويستخدمه) السيد (نهارا إن تكفل) وهو موسر (المهر والنفقة)
أي التزمهما لا حقيقة ضمان الدين، (وإلا فيخليه لكسبهما) لأنه أحال حقوق النكاح على كسبه، فإذا فوته طولب بها من
سائر أمواله.
تنبيه: خص الماوردي ذلك بما إذا كان استخدام السيد نهارا، فإن كان بالليل كالحارس استخدم العبد
ليلا وسلمه للاستمتاع نهارا، وهو نظير ما قالوه في القسم. أما تكفل المعسر فالمتجه كما قال الأذرعي أن التزامه لا يفيد
216

لتفويته حقها. (وإن استخدمه) السيد نهارا، أو حبسه كما قال الماوردي (بلا تكفل) للمهر والنفقة، (لزمه الأقل من
أجرة مثل) لتلك المدة، (و) من (كل المهر والنفقة) لتلك المدة كما في فداء الجاني بأقل الامرين من قيمته وأرش
الجناية، ولان أجرته إن زادت كان له أخذ الزيادة، وإن نقصت لم يلزمه إتمام النفقة. فإن قيل: إذا استخدمه أجنبي
أو حبسه إنما يلزمه أجرة المثل فقط، فهلا كان السيد كذلك أجيب بأن الأجنبي لم يوجد منه إلا تفويت منفعة
والسيد سبق منه الاذن المقتضي لالتزام ما وجب في الكسب. وخرج بنهارا المقيد به كلام المصنف ما لو استخدمه ليلا
فقط، فإنه لا يلزمه شئ لأن حقه في استمتاعه ليلا لا بدل له، فلو استخدمه ليلا ونهارا ضمن زمن نهاره دون ليله كما قاله
الماوردي (وفي قول يلزمه) أي السيد (المهر والنفقة) وإن زادت على أجرة المثل، لأنه ربما كسب في ذلك اليوم
ما يفي بالجميع.
تنبيه: قال بعضهم: جميع ما سبق في عبد كسوب، أما العاجز عن الكسب جملة فالظاهر أن للسيد السفر به
واستخدامه حضرا من غير التزام شئ اه‍. وهذا بحث مردود لأن استخدامه يقابل بأجرة، فهو داخل في قول
الأصحاب: يلزمه الأقل من أجرة مثل الخ. (ولو نكح) العبد (فاسدا) لعدم إذن سيده أو لمخالفته فيما أذن له فيه،
(ووطئ) في هذا النكاح زوجته، (فمهر مثل) يجب عليه (في ذمته) فقط للزومه برضا مستحقه كالقرض الذي أتلفه.
نعم إن أذن له السيد في نكاح فاسد أو فسد المهر دون النكاح تعلق بكسبه ومال تجارته لوجود إذن سيده قال
ابن الرفعة: نعم إن عين له المهر فينبغي أن يكون المتعلق بالكسب أقل الأمرين من مهر المثل ومن المعين، وهذا
بخلاف ما لو أذن له في النكاح وأطلق فنكح فاسدا، فإن المهر يكون في ذمته على الأصح، لأن الاذن إنما يتناول
الصحيح فقط. (وفي قول قديم) أو مخرج: تجب (في رقبته) كغير الوطئ من الاتلاف، ولا حد إن وطئ قبل أن يفرق
بينه وبين المرأة للشبهة.
تنبيه: محل الخلاف في كبيرة عاقلة حرة مكنته برضاها، أما لو كانت حرة طفلة أو مجنونة أو وطئت مكرهة أو
نائمة فالوجه كما قال الأذرعي التعلق برقبته لأنه جناية محضة، ولهذا وجب المهر على السفيه. وإن كانت رقيقة وسلمها
سيدها تعلق بذمته أو بغير إذن سيدها ووطئ فهل يتعلق المهر برقبته كما لو أكره أمة أو حرة على الزنا أو بذمته؟ وجهان،
أوجههما الأول كما رجحه ابن المقري تبعا للإمام، وجزم به في الأنوار، ورجح البلقيني الثاني.
فروع: لو أنكر السيد الاذن للعبد في النكاح فادعت الزوجة على السيد أن كسب العبد مستحق لي بمهري
ونفقتي سمعت دعواها، وللعبد أن يدعي على سيده كما قاله ابن الرفعة أنه يلزمه تخليته ليكتسب المهر والنفقة. ولو
اشترى العبد زوجته لسيده أو أجنبي ولو بإذنه لم ينفسخ نكاحه كما يجوز أن يزوج عبده بأمته، ولو اشترت
المبعضة
أو المبعض زوجه بخالص ملكه أو المشترك بينه وبين سيده ولو بلا إذن سيده انفسخ نكاحه لأنه ملكه في الأولى وجزء
منه في غيرها وامتنع عليه الوطئ حينئذ ولو بإذن سيده لأنه لا يجوز وطؤه بملك اليمين. (وإذا زوج) السيد (أمته)
غير المكاتبة والمبعضة (استخدمها نهارا) أي له ذلك بنفسه أو بغيره، (وسلمها للزوج ليلا) لأنه وقت الاستمتاع،
والسيد يملك من أمته منفعتين: منفعة الاستمتاع، ومنفعة الاستخدام، وقد نقل الأولى للزوج فتبقى له الأخرى
يستوفيها فيما عدا ما ذكر. ولا يشكل ذلك بتحريم خلوته بها لأنه لا يستلزمها ولا بتحريم نظره إليها، لأن محله فيما
بين السرة والركبة كما مر في النكاح. ولو كانت محترفة وقال الزوج: تحترف للسيد عندي لم يلزمه إجابته لأنه قد يبدو
له الاعراض عن الحرفة واستخدامها، أما المكاتبة فليس له أن يستخدمها لأنها مالكة أمرها. وأما المبعضة فالقياس
كما قال الأذرعي أنه إن كان ثم مهايأة فهي في نوبتها كالحرة، وفي نوبة سيدها كالقنة، وإلا فكالقنة. وما ذكره
217

المصنف عكس الأمة المستأجرة للخدمة فإنه يلزم سيدها تسليمها للمستأجر نهارا أو ليلا إلى وقت الفراغ من الخدمة عادة
ليستوفي منفعتها الأخرى، والمستأجرة للارضاع يلزمه تسليمها ليلا ونهارا.
تنبيه: اقتضى كلام المصنف أمرين: أحدهما: أنه لو أراد السيد تسليمها نهارا بدلا عن الليل لم يكن له رد. وبه
صرح في الروضة كأصلها، وظاهره أنه لا فرق في ذلك بين أن تكون حرفة الزوج نهارا أو ليلا. قال الأذرعي: وقد
يقال يلزمه الإجابة في الشق الثاني لأن نهاره كليل غيره، فامتناعه عناد. الأمر الثاني: أن يسلمها من الغروب، ونقل
ابن الرفعة عن نص البويطي: أنه بعد الثلث الأول، وقال القاضي في كتاب النفقات وابن الصباغ هنا: يسلمها إذا فرغت
من الخدمة بحكم العادة، وهو كما قال السبكي حسن ينبغي أن يحمل عليه كلام من أطلق. (ولا نفقة على الزوج حينئذ)
أي وقت تسليمها ليلا فقط، (في الأصح) لعدم التمكين التام. والثاني: تجب لوجوب التسليم الواجب. والثالث: يجب
شطرها توزيعا لها على الزمان.
تنبيه: أفهم كلام المصنف أمرين: أحدهما: أنه لو سامح وسلمها إليه ليلا ونهارا أنه يجب جميع النفقة وهو
كذلك. الأمر الثاني: أنه يجب على الزوج تسليم المهر بتسليمها ليلا فقط، وهو الأصح في زيادة الروضة، لأن التسليم
الذي يتمكن معه في الوطئ قد حصل. (ولو أخلى) سيدها (في داره بيتا) لها (وقال للزوج تخلو بها فيه) ولا أخرجها
من داري، (يلزمه إجابته) (في الأصح) لأن الحياء والمروءة يمنعانه من دخولها، ولو فعل ذلك لم تلزمه نفقة بلا
خلاف. والثاني: يجاب السيد جمعا بين الحقين من إدامة يد السيد وتمكين الزوج. (وللسيد السفر بها) حيث لا يخلو بها
وإن منع الزوج من التمتع بها لأنه مالك الرقبة والمنفعة فيقدم حقه. نعم إن كانت الأمة مكتراة أو مرهونة أو مكاتبة
كتابة صحيحة لم يجز لسيدها أن يسافر بها إلا برضا المكتري والمرتهن، والمكاتبة والجانية المتعلق برقبتها مال كالمرهونة
كما قاله الأذرعي إلا أن يلتزم السيد الفداء.
تنبيه: أفهم كلامه أنه ليس للزوج أن يسافر بها منفردا إلا بإذن السيد، وهو كذلك لما فيه من الحيلولة
القوية بينها وبين سيدها. (وللزوج صحبتها) ليستمتع بها في وقت الاستمتاع، وليس للسيد منعه من السفر صحبتها ولا
إلزامه به، فإن لم يصحبها لم يلزمه نفقتها جزما. وأما المهر فإن كان بعد الدخول استقر وعليه تسليمه وإلا لم يلزمه، وله
استرداده إن كان قد سلمه، ومحل ذلك كما قاله بعض المتأخرين إذا سلمه ظانا وجوب التسليم عليه، فإن تبرع به لم
يسترد كما في نظائره. (والمذهب أن السيد لو قتلها) أي أمته ولو خطأ، أو زوجها لولده ثم قتلها قبل الدخول كما قاله
البغوي، (أو قتلت نفسها) هو مزيد على المحرر، أو ارتدت أو قتلت زوجها (قبل دخول سقط مهرها) الواجب لها
على النص، لتفويته محله قبل تسليمه وتفويتها كتفويته. (و) المذهب المنصوص (أن الحرة لو قتلت نفسها) أو
ماتت قبل دخول لا يسقط مهرها، (أو قتل الأمة أجنبي أو ماتت) قبل دخول (فلا) يسقط مهرها. وقاس المصنف
ما ذكره بقوله: (كما لو هلكتا) أي الحرة والأمة، (بعد دخول) فإن المهر لا يسقط جزما كما في المحرر، واستغنى
المصنف عن التصريح به لأن المقيس عليه لا يكون إلا مجزوما به في الغالب. وما ذكره في قتل الحرة هو المنصوص
فيها عكس المنصوص السابق في قتل السيد أمته، وفرق بأن الحرة كالمسلمة إلى الزوج بالعقد، إذ له منعها من السفر
بخلاف الأمة. وأيضا الحرة إذا قتلت نفسها غنم زوجها من ميراثها، فجاز أن يغرم مهرها بخلاف الأمة. وأيضا
الغرض من نكاح الحرة الألفة والمواصلة دون الوطئ وقد وجدا بالعقد. والغرض من نكاح الأمة الوطئ، ولهذا يشترط
فيه خوف العنت، وذلك غير حاصل قبل الدخول. وللأصحاب في المسألة طريقان: أشهرهما: في كل قولان بالنقل
والتخريج، أرجحهما المنصوص فيهما. والطريق الثاني: القطع بالمنصوص فيهما. وفي وجه: أن قتل الأمة نفسها
218

لا يسقط المهر لأنها ليست المستحقة له، وفي وجه: أن قتل الأجنبي أو موتها يسقط المهر كفوات مبيع قبل القبض بناء
على أن السيد يزوج بالملك، ولو قتل الحرة الزوج أو أجنبي لم يسقط قطعا.
فرع: لو قتلت الحرة زوجها قبل الدخول هل يستقر مهرها أو يسقط؟ نقل عن بعض شراح مختصر المزني السقوط،
وجزم به في الأنوار، واعتمده شيخي. وتوجيهه ربما يؤخذ من تعليل قتل الأمة ومن فسخ الحرة بعيب زوجها قبل الدخول
أو بعقد صحيح، وعلى هذا يكون مستثنى من قول المصنف في الباب الآتي: إن موت أحد الزوجين يقرر المهر كما استثنى منه قتل
الأمة. (ولو باع) السيد أمة له (مزوجة) قبل دخول أو بعده، (فالمهر) المسمى أو بدله إن كان فاسدا بعد الوطئ
(للبائع) لوجوبه بالعقد الواقع في ملكه. أما إذا وجب في ملك المشتري فهو له بأن كان النكاح تفويضا أو فاسدا ووقع
الوطئ فيهما، أو الفرض أو الموت في الأولى بعد البيع والمنفعة الواجبة بالفراق للمشتري لوجوبها في ملكه. (فإن طلقت) غير
المفوضة بعد بيعها (قبل دخول) بها، (فنصفه له) أي البائع لما مر، وهذه المسألة مستفادة مما قبلها، (ولو زوج) سيد
(أمته بعبده) ولم يكن مكاتبا ولا مبعضا، (لم يجب مهر) ولا نصفه كما قاله الماوردي، لأن السيد لا يثبت له على
عبده دين، بدليل ما لو أتلف ماله فإنه لا ضمان عليه في الحال ولا بعد العتق. وهل وجب المهر ثم سقط أو لم يجب أصلا؟
ظاهر كلام المصنف الثاني، وجرى عليه في المطلب. وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا زوجه بها وفوض بضعها ثم وطئها بعد
ما أعتقه، فإن قلنا بعدم الوجوب فلا شئ للسيد عليه، وإن قلنا بالوجوب وجب للسيد عليه مهر المثل لأنه وجب بالوطئ
وهو حر، ولو زوج أمته بعبد غيره ثم اشتراه قبل أن يقبض مهرها منه، قال الماوردي: فإن كان بيد العبد من كسبه
بعد النكاح شئ فهو للمشتري يأخذه من المهر وليس للبائع فيه حق، وإن لم يكن فلا يطالبه بشئ لأنه صار عبده.
وهل هذا الشراء أسقط المهر أو منع من المطالبة مع بقاء المهر فيه؟ وجهان، أوجههما الثاني، وتظهر فائدتهما فيما لو أعتق
العبد أو باعه هل يطالب أولا؟ أما المكاتب فكالأجنبي، وأما المبعض فالظاهر كما قاله الزركشي تبعا للأذرعي أنه يجب
عليه بقسط ما فيه من الحرية.
تنبيه: قول المصنف: بعبده لغة تميم، واللغة الفصحى: زوج أمته عبده بغير باء، نبه عليه المصنف في تحرير التنبيه.
خاتمة: قد يخلو النكاح عن المهر أيضا في صور: منها السفيه إذا نكح فاسدا ووطئ. ومنها إذا وطئت
المفوضة في الكفر واعتقدوا أن لا مهر ثم أسلموا. ومنها إذا وطئ العبد سيدته أو أمة سيده بشبهة. ومنها إذا وطئ
المرتهن الأمة المرهونة بإذن الراهن مع الجهل بالتحريم وطاوعته، وقياسه يأتي في عامل الفرائض والمستأجر ونحوهما.
ومنها إذا وطئت حرية بشبهة فإنه لا يضمن بضعها كما لا يضمن ما لها، ومنها إذا وطئ مرتدة بشبهة وماتت على الردة.
ومنها إذا وطئ السيد أمته غير المكاتبة أو الزوج زوجته بعد الوطأة الأولى، إذ هي المقابلة بالمهر على الأصح
. ومنها إذا
وطئ ميتة بشبهة. ومنها إذا استرق الكافر حرا مسلما وجعله صداقا لامرأته وأقبضها إياه ثم أسلما على ما مر فيه. ومنها
ما لو أعتق المريض أمة هي ثلث ماله ثم نكحها بمسمى، فينعقد النكاح بلا مهر إن لم يجر دخول لأن وجوبه يثبت على
الميت دينا يرق به بعضها لعدم خروجها من الثلث فيبطل النكاح والمهر، فإثباته يؤدي إلى إسقاطه فيسقط، أما إذا دخل
بها فينظر، فإن عفت عن المهر سقط وإن لم تعف عنه بطل العتق في البعض وتبين بطلان النكاح واستحقت من المهر
بقسط ما عتق منها، ويستخرج ذلك بطريق الجبر والمقابلة، فيقال: فيما لو كانت قيمتها مائة ومهرها خمسين عتق منها شئ
وبالمهر لها نصف شئ لأن نصف قيمتها يبقى للورثة ثلاثمائة إلا شيئا ونصف شئ يعدلان شيئين، وهما مثلا ما فات بالعتق،
فبعد الجبر ثلاثمائة تعدل ثلاثة أشياء ونصف شئ فإنه يعدل شيئا وسدس شئ تبسطها أسداسا وتقلب الاسم، فالشئ
ستة والمائة سبعة، فالشئ ستة أسباع الأمة، ذكره في أصل الروضة في باب الوصية.
219

كتاب الصداق
هو بفتح الصاد وكسرها: ما وجب بنكاح أو وطئ أو تفويت بضع قهرا كرضاع ورجوع شهود، سمي بذلك لاشعاره
بصدق رغبة باذله في النكاح الذي هو الأصل في إيجاب المهر. ويجمع جمع قلة على أصدقة، وجمع كثرة على صدق،
وله ثمانية أسماء مجموعة في قول الشاعر:
صداق ومهر نحلة وفريضة * حباء وأجر ثم عقر علائق
وزاد بعضهم الطول في بيت فقال:
مهر صداق نحلة وفريضة * طول حباء عقر أجر علائق
لقوله تعالى: * (ومن لم يستطع منكم طولا) * وزاد بعضهم عاشرا وهو النكاح، لقوله تعالى: * (وليستعفف الذين لا يجدون
نكاحا) *. وقيل: الصداق ما وجب بتسمية في العقد، والمهر ما وجب بغير ذلك. والأصل في الباب قبل الاجماع قوله تعالى:
* (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * أي عطية من الله مبتدأة، والمخاطب بذلك الأزواج عند الأكثرين، وقيل: الأولياء، لأنهم
كانوا في الجاهلية يأخذونه ويسمونه نحلة، لأن المرأة تستمتع بالزوج كاستمتاعه بها أو أكثر فكأنها تأخذ الصداق من
غير مقابل. وقوله تعالى: * (وآتوهن أجورهن) *. وقوله (ص) لمريد التزويج. التمس ولو خاتما من حديد رواه
الشيخان. (نسن تسميته في العقد) لأنه (ص) لم يخل نكاحا عنه، ولأنه أدفع للخصومة، ولئلا يشبه نكاح
الواهبة نفسها له (ص). ويؤخذ من هنا أن السيد إذا زوج عبده أمته أنه يستحب ذكر المهر، وهو ما في الروضة
تبعا لبعض نسخ الشرح الكبير إذ لا ضرر في ذلك، وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين. ويسن أن لا ينقص
المهر عن عشرة
دراهم خروجا من خلاف أبي حنيفة، وأن لا يزيد على خمسمائة درهم كأصدقة بناته (ص) وزوجاته، وأما
إصداق أم حبيبة أربعمائة دينار فكان من النجاشي إكراما له (ص). ويسن أن لا يدخل بها حتى يدفع
إليها شيئا من الصداق خروجا من خلاف من أوجبه. (ويجوز إخلاؤه منه) بالاجماع لكن مع الكراهة كما صرح به الماوردي
والمتولي وغيرهما.
تنبيه: كان الأولى أن يقول: ويجوز إخلاؤه منها. أي التسمية، فإن النكاح لا يخلو من المهر إلا في مسائل
مستثناة قد مر الكلام عليها، وإنما تخلو منه التسمية، ولهذا عبر في الروضة بقوله: ويجوز إخلاؤه عن تسمية لمهر.
وقد تجب التسمية لعارض في صور: الأولى: إذا كانت الزوجة غير جائزة التصرف أو مملوكة لغير جائز التصرف. الثانية:
إذا كانت جائزة التصرف وأذنت لوليها أن يزوجها ولم تفوض فزوجها هو أو وكيله. الثالثة: إذا كان الزوج غير جائز
التصرف وحصل الاتفاق في هذه الصورة على أقل من مهر الزوجة وفيما عداها على أكثر منه، فيتعين تسميته بما
وقع الاتفاق عليه. ولا يجوز إخلاؤه منه. (و) لا تتقدر صحة الصداق بشئ، لقوله تعالى: * (أن تبتغوا بأموالكم) * فلم
يقدره، وقوله (ص): التمس ولو خاتما من حديد. بل ضابطه كل (ما صح) كونه (مبيعا) عوضا أو معوضا
عينا أو دينا أو منفعة كثيرا أو قليلا ما لم ينته في القلة إلى حد لا يتمول (صح) كونه (صداقا ومالا)، فلا. فإن عقد بما
لا يتمول ولا يقابل بمتمول فسدت التسمية ورجع لمهر المثل، ومثل له الصيمري بالنواة والحصاة وقشر البصلة وقمع الباذنجانة
فإن قيل: يستثنى من الضابط ما لو جعل رقبة العبد صداقا لزوجته الحرة، وما لو
جعل أم الولد صداقا عن الولد، وما لو جعل أحد أبوي الصغيرة صداقا لها، فإنه يصح ببيع هذه المذكورات ولا يصح جعلها صداقا، بل يبطل النكاح في الصورة
الأولى لأنه قارنه ما يضاده، وفي الباقي يصح بمهر المثل. أجيب بصحة ما جعلها صداقا في الجملة، والغرض بيان ما يصح
220

إصداقه، وإنما امتنع فيها لعارض. واستثنى أيضا ما لو أصدقها دينا له على غيرها، فإنه لا يصح على النص مع صحة بيعه ممن
هو عليه. وهذا إنما يأتي على ما جرى عليه المصنف في هذا الكتاب أن بيعه لغير من هو عليه باطل، أما ما جرى
عليه في زيادة الروضة من صحته لغير من هو عليه فيصح كونه صداقا. واستثنى أيضا ما لو جعل ثوبا لا يملك غيره صداقا
لتعلق حق الله تعالى به من وجوب ستر العورة به، وهذا مردود، فإنه إن تعين الستر به لم يصح بيعه ولا جعله صداقا
والأصح كل منهما. واستثنى أيضا الجواهر والقسي، فإن الشيخ أبا حامد قال: لا يجوز السلم فيها كما لا يجوز جعلها صداقا،
وهذا مردود أيضا فإنه لا يصح بيعها في الذمة ولا إصداقها، ويصح بيعها وإصداقها إن كانت معينة، والضابط
منطبق
عليه. واستثنى من عكس الضابط ما لو أصدقها ما عليها أو على عبدها من قصاص فإنه يصح، ولا يصح بيعه. (وإذا
أصدقها عينا) يمكن تقويمها كعبد موصوف، (فتلفت) تلك العين (في يده) قبل القبض، (ضمنها) وإن عرضها
عليها وامتنعت من قبضها، (ضمان عقد) لأنها مملوكة بعقد معاوضة فأشبهت المبيع في يد البائع. (وفي قول ضمان يد)
كالمعار والمستام لعدم انفساخ النكاح بالتلف. أما إذا لم يمكن تقويم عين الصداق فهو مضمون ضمان عقد قطعا كما في
الروضة وأصلها في الكلام على الصداق الفاسد أن الفاسد فيما لو أصدقها عبدا أو ثوبا غير موصوف قالا: فالتسمية
فاسدة، وعليه مهر المثل قطعا.
تنبيه: إنما فرض المصنف كالروضة وأصلها الخلاف في العين مع أنه لا يختص بها. لأنه أكثر ما يظهر أثر
الخلاف المتقدم فيها. والفرق بين ضماني العقد واليد في الصداق أنه على الأول يضمن بمهر المثل وعلى الثاني بالبدل
الشرعي وهو المثل إن كان مثليا والقيمة إن كان متقوما. ثم فرع المصنف على القولين مسائل، فقال: (فعلى الأول
ليس لها بيعه) أي المذكور من العين ولا غير البيع من سائر التصرفات الممتنعة، ثم (قبل قبضه) كالمبيع. وعلى
الثاني يجوز. ومما يتفرع على القولين الإقالة، فيصح على الأول دون الثاني، وهي مسألة نفيسة ذكرها القاضي الحسين.
تنبيه: لو عبر المصنف بالتصرف في العين لشمل ما قدرته، ومع هذا يرد عليه ما لو كان دينا فإنه لا يجوز
الاعتياض عنه على الأصح. (ولو تلف في يده) بآفة سماوية (وجب مهر مثل) على القولين الأول، لانفساخ عقد
الصداق، حتى لو كان رقيقا لزمه تجهيزه، بخلافه على الثاني لا ينفسخ فيتلف على ملكها فيلزمها تجهيزه، وعليه بدله من
مثل أو قيمة. ويعتبر أقصى القيم من الاصداق إلى التلف لاستحقاق التسليم في كل وقت من ذلك.
تنبيه: لو طالبته بالتسليم فامتنع لم ينتقل إلى ضمان اليد كما صححاه، وقيل: ينتقل، ونسبه الزركشي إلى نص
البويطي. (وإن أتلفته) أي الزوجة، (فقابضه) لحقها على القولين إذا كانت أهلا لأنها أتلفت حقها، وإن كانت غير
رشيدة فلا، لأن قبضها غير معتد به. وتقدم في البيع أنه لو كان المبيع عبدا فقتله المشتري لصياله عليه فلم يكن قبضا
فليكن هنا كذلك. (وإن أتلفه أجنبي) يضمن الاتلاف، (تخيرت) أي الزوجة، (على المذهب) بين فسخ الصداق
وإبقائه كما مر نظيره في البيع. (فإن فسخت الصداق أخذت من الزوج مهر مثل) على القول الأول ويدل
الصداق من مثل أو قيمة على الثاني، ويأخذ الزوج الغرم من المتلف. (وإلا) بأن لم تفسخه، (غرمت المتلف) بكسر
اللام، المثل أو القيمة، وليس لها مطالبة الزوج على القول الأول ولها تغريمه على الثاني وهو يرجع على المتلف. ومقابل
المذهب أنها لا تتخير ويكون الحكم كما لو تلف بآفة سماوية. ونوزع المصنف في حكاية الخلاف طريقين، والمنقول
أنه قولان، أما إذا لم يضمن الأجنبي بالاتلاف كحربي أو مستحق قصاص على الرقيق الذي جعل صداقا أو نحو ذلك
كإتلاف الإمام له لحرابة فكالآفة المساوية (وإن أتلفه الزوج فكتلفه) بآفة سماوية، (وقيل: كأجنبي) أي كإتلافه
221

وقد مر حكمهما. (ولو أصدق‍) - ها (عبدين فتلف أحدهما) بآفة سماوية أو بإتلاف الزوج (قبل قبضه انفسخ) عقد
الصداق (فيه) على القول الأول، (لا في الباقي على المذهب) من خلاف تفريق الصفقة المتقدم قبيل باب الخيار،
(ولها الخيار) فيه لعدم سلامة المعقود عليه. (فإن فسخت) عقد الصداق (فمهر مثل) لها، (وإلا) بأن أجازت
(فحصة التالف منه) أي من مهر المثل مع الباقي، وعلى الثاني لا ينفسخ عقد الصداق ولها الخيار، فإن فسخت
رجعت لقيمة العبدين، وإن أجازت في الباقي رجعت لقيمة التالف. أما إذا أتلفته الزوجة فقابضة لقسطه أو أجنبي
فتتخير، فإن فسخت طالبت الزوج بمهر المثل، وإن أجازت طالبت الأجنبي بالبدل كما علم ذلك مما مر. (ولو تعيب)
الصداق المعين في يد الزوج بآفة سماوية كعمي العبد أو بجناية غير الزوجة كقطع يده (قبل قبضه، تخيرت) أي
الزوجة، (على المذهب) بين فسخ الصداق وإبقائه.
تنبيه: قضية كلامه أن ذلك مفرع على ضمان العقد، ولا خلاف في ثبوت الخيار حينئذ فكيف يقول على المذهب،
ولا يصح أن يقال إنه فرعه على القولين كما صرح به الإمام وغيره، لأن قوله: (فإن فسخت فمهر المثل وإلا) بأن
أجازت، (فلا شئ لها) غير المعيب كالمشتري يرضى بالعيب مختص بضمان العقد، وعلى مقابلة لها إن فسخت بذل الصداق،
وإن أجازت فلها أرش العيب. نعم على الأول لها الأرش أيضا فيما إذا عيبه أجنبي وليس
لها مطالبة الزوج وعلى مقابله لها مطالبته. (والمنافع الفائتة في يد الزوج لا يضمنها. وإن طلبت) منه الزوجة (التسليم) للصداق (فامتنع) منه (ضمن) على
قول (ضمان العقد) كما لو أنفق ذلك من البائع، فقول الزركشي: والصواب عند الامتناع من التسليم التضمين،
وأما على ضمان اليد فيضمنها من وقت الامتناع بأجرة المثل، فحيث لا امتناع لا ضمان على القولين. (وكذا) المنافع (التي
استوفاها) الزوج (بركوب) الدابة أصدقها (ونحوه) كلبس ثوب أو استخدام رقيق أصدقه لا يضمنها (على المذهب)
بناء على أن جنايته كالآفة وهو الأصح كما مر. ومقابل المذهب يضمنها بأجرة المثل بناء على أن جنايته كجناية الأجنبي
أو بناء على ضمان اليد. وإن زاد الصداق زيادة متصلة أو منفصلة فهي ملك للزوجة. (ولها حبس نفسها)
ولو بلا عذر،
(لتقبض المهر المعين والحال) كله أو بعضه في العقد أو الفرض الصحيح كما سيأتي دفعا لضرر فوات البضع فيجب عليه
تأديته، قال (ص): أول ما يسئل عنه المؤمن من ديونه صداق زوجته، وقال: من ظلم زوجته في صداقها لقي الله تعالى يوم
القيامة وهو زان.
تنبيه: قد يفهم كلامه أن المفوضة ليس لها ذلك قبل الفرض والمسيس، وليس مرادا لما سيأتي، وفرض المصنف
ذلك المالكة لأمرها. وأما غيرها لصغر أو جنون أو سفه فحبسها لوليها، فإن رأى المصلحة في الترك فعله. وأما
الأمة فحبسها لسيده أو وليه، هذا في غير المكاتبة كتابة صحيحة، وأما هي فقال الأذرعي: يشبه أن يجري في منع
سيدها خلاف من الخلاف في تبرعاتها، ويحتمل أن يكون لها ذلك وإن أبى السيد قطعا اه‍. والأوجه أنه ليس له
المنع. ويستثنى صور لا حبس فيها: الأولى: إذا عتق السيد الأمة وأوصى لها بصداقها فليس لها حبس نفسها لأن
الاستحقاق هنا بالوصية لا بالنكاح. الثانية: أم الولد إذا زوجها السيد ثم مات وعتقت وصار الصداق للوارث فليس له
حبسها، إذ لا ملك له فيها ولا لها لأن الصداق ليس لها. الثالثة: الأمة المزوجة إذا باعها السيد أو أعتقها بعد استحقاقه
لصداقها فالمهر له ولا حبس لخروجها عن ملكه: (لا المؤجل) فلا تحبس نفسها بسببه لرضاها بالتأجيل. (فلو حل)
222

الاجل (قبل التسلم) لنفسها للزوج، (فلا حبس في الأصح) لوجوب تسليمها نفسها قبل الحلول، فلا يرتفع لحلول
الحق، وهذا ما حكاه في الشرح الكبير عن أكثر الأئمة، وهو المعتمد. والثاني: لها الحبس كما لو كان حالا ابتداء،
ورجحه القاضي أبو الطيب وقال: إن الأول غلط. وصوبه في المهمات هنا، وفي البيع اعتمادا على نص نقله عن
المزني. قال الأذرعي: وقد راجعت كلام المزني فوجدته من تفقهه، ولم ينقله عن الشافعي. (ولو) تنازع الزوجان في
البداءة بالتسليم، كأن (قال كل) منهما للآخر: (لا أسلم حتى تسلم) أي قال الزوج: لا أسلم المهر حتى تسلمي نفسك،
وقالت هي: لا أسلمها حتى تسلم إلي المهر، (ففي قول يجبر هو) على تسليم الصداق أولا، لأن استرداده ممكن بخلاف البضع.
(تنبيه: محل هذا إذا كانت مهيأة للاستمتاع كما في الروضة وأصلها لا كمريضة ومحرمة. قال الأذرعي: ولا
يختص هذا بهذا القول، بل هو معتبر على كل قول، حتى لو بذلت نفسها وبها مانع من إحرام أو غيره لم يجبر، صرح
به العراقي شارح المهذب. (وفي قول: لا إجبار) على كل منهما لاستوائهما في ثبوت الحق لكل منهما على الآخر، وحينئذ
(فمن) بادر و (سلم) منهما (أجبر صاحبه) على التسليم، (والأظهر يجبران، فيؤمر) الزوج (بوضعه)
أي المهر، (عند عدل
وتؤمر) الزوجة (بالتمكين، فإذا سلمت) نفسها (أعطاها العدل المهر) لما فيه من فصل الخصومة، قال الإمام: فلو هم
بالوطئ بعد أن تسلمت المهر فامتنعت، فالوجه استرداده.
تنبيه: أشعر اقتصاره على الأقوال الثلاثة أنه لا يجئ قول بإجبار الزوجة، وهو كذلك كما صرح به الإمام
لفوات البضع عليها بالتسليم. واستشكل ابن الرفعة القول الأول المرجح بالوضع عند عدل بأنه إن كان نائبا عن الزوجة
فالمجبر الزوج وهو القول الأول، وإن لم يكن نائبها فقد أجبرت أولا، ولا قائل به كما مر. وأجاب بأنه نائب عنها كما
قال الأصحاب، لكنه ممنوع من تسليم المهر إليها وهي ممنوعة من التصرف فيه قبل التمكين، بخلافه على القول الأول
فإنها تتصرف فيه بمجرد قبضه. وأجاب آخر بأنه نائبهما، واستشهد له بمقتضى كلام الأصحاب المذكور. وأجاب آخر
بأنه نائبهما، ولا محظور في إجباره لزوال العلة المقتضية لعدم إجبارها. وأجاب آخر بأنه نائب الشرع لقطع الخصومة
بينهما، وهذا أولى.
فرع: يجب عليه نفقتها بقولها إذا سلم المهر ومكنت، لأنها حينئذ ممكنة. (ولو بادرت)
أي الزوجة، (فمكنت) أي الزوج، (طالبته) بالمهر على كل قول لأنها بذلت ما في وسعها، ولها حينئذ أن تستقل بقبض الصداق بغير إذن الزوج
كنظيره في البيع. (فإن لم يطأ امتنعت) أي جاز لها الامتناع من تمكينه، (حتى يسلم) المهر لأن القبض في النكاح بالوطئ
دون التسليم، (وإن وطئ‍) - ها بتمكينها منه مختارة مكلفة ولو في الدبر، (فلا) كما لو تبرع البائع بتسليم المبيع ليس له استرداد
ليحبسه. أما إذا وطئت مكرهة أو غير مكلفة لصغر أو جنون فلها الامتناع لعدم الاعتداد بتسليمها. نعم لو سلم الولي
المجنونة أو الصغيرة لمصلحة فينبغي كما في الكفاية أنه لا رجوع لها وإن كملت كما لو ترك الولي الشفعة لمصلحة ليس
للمحجور عليه الاخذ بها بعد زوال الحجر على الأصح، بخلاف ما لو سلمها لغير مصلحة، بل المحجور عليها لسفه لو
سلمت نفسها ورأي الولي خلافه فينبغي كما قال شيخنا أن يكون له الرجوع وإن وطئت (ولو بادر) الزوج (فسلم) المهر
(فلتمكن) زوجها وجوبا إذا طلبه لأنه فعل ما عليه. (فإن امتنعت) أي الزوجة من تمكين زوجها (بلا عذر) منها، (استرد)
المهر منها (إن قلنا) بالمرجوح (أنه يجبر) على التسليم أولا لأنه لم يتبرع. أما إذا قلنا بالراجح وهو أنه لا يجبر أولا لم يسترد
لأنه تبرع بالمبادرة، فكان كتعجيل الدين المؤجل.
223

تنبيه: أهمل المصنف محل التسليم وهو منزل الزوج وقت العقد كما ذكره في التنبيه، فإن انتقل عن بلد العقد فزائد
المؤنة عليه، فلو تزوج رجل بغزة امرأة بالشام سلمت نفسها بغزة اعتبارا بمحل العقد، فإن طلبها إلى مصر
فنفقتها من
الشام إلى غزة عليها، ثم من غزة إلى مصر عليه. وهل تلزمه مؤنة الطريق من الشام إلى غزة أم لا؟ قال الحناطي في
فتاويه: نعم. وحكى الروياني فيه وجهين: أحدهما نعم لأنها خرجت بأمره، والثاني: لا، لأن تمكينها إنما يحصل بغزة،
قال: وهذا أقيس. وأما من غزة إلى مصر فعليه. ولو طلب الزوج تسليمها فادعى الولي موتها وأنكر
الزوج صدق الزوج بيمينه حتى لا يسلمه المهر، ويكلف الولي إقامة البينة بموتها، ويلزم الزوج مؤنة تجهيزها لأن الأصل بقاء
الحياة. (ولو استمهلت) هي أو وليها (لتنظف ونحوه) كإزالة وسخ وشعر عانة وشعر إبط، (أمهلت) وجوبا على الأظهر
ولو قبضت المهر، وقيل: قطعا، (ما يراه قاض) كيوم أو يومين سواء أكانت طاهرا أم حائضا أم نفساء. (ولا يجاوز
ثلاثة أيام) بلياليها، لأن الغرض من ذلك يحصل فيها، ولأنها أقل الكثير وأكثر القليل. (لا لينقطع حيض) أو نفاس، فلا
تمهل لذلك بل تسلم للزوج حائضا ونفساء لأنها محل للاستمتاع في الجملة، وإنما تعذر نوع منه كالقرناء والرتقاء،
قال الغزالي: إلا إذا علمت من عادته أنه يغشاها في الحيض فلها الامتناع من مضاجعته، ولو كانت مدة الحيض لا تزيد
على مدة الامهال للتنظيف ونحوه أمهلت كما قاله في التتمة. (ولا تسلم صغيرة) لا تحتمل الوطئ (ولا مريضة) ولا من بها
هزال تتضرر بالوطئ معه (حتى يزول مانع وطئ) لأنه يحمله فرط الشهوة على الجماع فتتضرر به.
تنبيه: شمل إطلاقه ما لو قال الزوج: سلموها لي ولا أطؤها حتى تحتمله وهو الأصح المنصوص كما قاله الأذرعي
وغيره وجزم به الإمام والمتولي، وإن كان ثقة إذ لا يؤمن من هيجان الشهوة. وقال البغوي: يجاب الثقة في المريضة
دون الصغيرة، وجرى عليه ابن المقري. والمراد كراهة التسليم كما صرح به في الروضة كأصلها في الصغيرة ومثلها المريضة.
ويحرم وطئ من لا تحتمل الوطئ لصغر أو جنون أو مرض أو هزال أو نحو ذلك لتضررها به، وتمهل حتى تطيق، فلو سلمت
له صغيرة لا توطأ لم يلزمه تسلمها، لأنه نكح للاستمتاع لا للحضانة، وإذا تسلمها لم يلزمه تسليم المهر كالنفقة. وإن سلمه
عالما بحالها أو جاهلا ففي استرداده وجهان أوجههما عدم الاسترداد كما يؤخذ من كلام الشيخين. ولو سلمت إليه المريضة
أو النحيفة لم يجز له الامتناع، كما ليس له أن يخرجها من داره إذا مرضت ويجب عليه نفقتها، فإن خافت النحيفة
الافضاء لو وطئت لعيالة الزوج لم يلزمها التمكين من الوطئ فيتمتع بغيره أو يطلق ولا فسخ له بذلك، بخلاف الرتق أو القرن
فإنه يمنع الوطئ، مطلقا، والنحافة لا تمنع وطئ نحيف مثلها، وليست بعيب أيضا، نعم إن أفضاها كل أحد فله الفسخ
لأنه حينئذ كالرتق. ومن أفضى امرأة بوطئ امتنع عليه العود حتى تبرأ، فإن ادعى الزوج البرء وأنكرت أو قال ولي
الصغيرة لا تحتمل الوطئ وأنكر الزوج عرضت على أربع نسوة ثقات فيهما. أو رجلين محرمين للصغيرة، أو ممسوحين.
ولو ادعت النحيفة بقاء ألم بعد الاندمال وأنكر الزوج صدقت بيمينها، لأنه لا يعرف إلا منها. (ويستقر المهر) على
الزوج (بوطئ) ولو في الدبر بتغييب حشفة أو قدرها من مقطوعها سواء أوجب بنكاح أو فرض كما في المفوضة، (وإن
حرم) الوطئ (كحائض) لاستيفاء مقابله. والقول قول الزوج في الوطئ بيمينه. فإن قيل: لا بد في الاستقرار مع
الوطئ من قبض العين، لأن المشهور أن الصداق قبل القبض مضمون ضمان عقد كالمبيع، فكما قالوا: إن المبيع قبل
القبض غير مستقر وإن كان الثمن قد قبض، فكذلك الصداق. أجيب بأن المراد بالاستقرار هنا الامن من سقوط كل
المهر أو بعضه بالتشطير، وفي البيع الامن من الانفساخ، والمبيع إذا تلف قبل القبض انفسخ البيع، والصداق المعين
إذا تلف قبل القبض لم يسقط المهر، بل يجب بدل البضع، وهو مهر المثل على ضمان العقد وبدل العين على ضمان اليد،
فافترق البابان وشمل المهر المسمى ومهر المثل، لكن يشترط لتقرير المسمى بالوطئ أن لا يحصل انفساخ النكاح بسبب
سابق على الوطئ، فلو فسخ بعيب سابق على الوطئ سقط ووجب مهر المثل.
224

فرع: قد يسقط المهر بعد استقراره، كما لو اشترت الحرة زوجها بعد الدخول والصداق باق فإنه يسقط في أحد
وجهين، لأنه لا يجب للسيد على عبده مال والصحيح أنه يبقى في ذمته وإن لم يثبت للسيد على عبده دين ابتداء، لأن
الدوام أقوى منه. (و) يستقر المهر أيضا (بموت أحدهما) قبل الوطئ في النكاح الصحيح لاجماع الصحابة رضي الله عنهم،
ولأنه لا يبطل به النكاح بدليل التوارث وإنما هو نهاية له، ونهاية العقد كاستيفاء المعقود عليه بدليل الإجارة.
تنبيه: دخل في كلامه ما لو قتل أحدهما الآخر، ولكن تقدم أن الأمة لو قتلت نفسها أو قتلها سيدها، أو
قتلت الأمة أو الحرة زوجها قبل الدخول لم يستقر المهر، فهي مستثناة. وخرج بالوطئ والموت غيرهما فلا يستقر
بمباشرة فيما دون الفرج، ولا باستدخال مني، ولا بإزالة بكارة بغير آلة الجماع، و (لا بخلوة في الجديد) لقوله تعالى:
* (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) * الآية، والمراد بالمس الجماع، وكما لا يلتحق ذلك بالوطئ في سائر الأحكام من
حد وغسل ونحوهما. والقديم: يستقر بالخلوة في النكاح الصحيح حيث لم يكن مانع حسي كرتق، ولا شرعي كحيض،
لأنها حينئذ مظنة الوطئ. فإن قيل: يدل لهذا ما رواه الإمام أحمد عن زرارة بن أبي أوفى أنه قال: قضى الخلفاء
الراشدون المهديون أن من أغلق بابا وأرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة. أجيب بأن هذا منقطع، لأن
زرارة
لم يدرك الخلفاء رضي الله تعالى عنهم. أما النكاح الفاسد فلا يستقر بها قطعا.
فرع: لو أعتق مريض أمته التي لا يملك غيرها وتزوجها وأجازت الورثة العتق استمر النكاح ولا مهر، قاله في
البيان، وبينت وجهه في شرح التنبيه.
فصل: في الصداق الفاسد وما يذكر معه: لو (نكحها بخمر أو حر أو مغصوب) سواء أشار إليه ولم يصفه
كأصدقتك هذا أو لم يشر ووصفه بما ذكر أو بغيره كعصير أو رقيق أو مملوك له، (وجب مهر المثل) في الأظهر لصحة
النكاح وفساد التسمية بانتفاء كونه ما لا في الأول والثاني وملكا للزوج في الثالث، (وفي قول قيمته) أي قيمة ما ذكر بأن
يقدر الخمر عصير، ولكن يجب مثله، والحر رقيقا، والمغصوب مملوكا، لكن المغصوب المثلي يجب مثله، فلو عبر
بالبدل كان أولى، لكنه تبع المحرر في ذلك مع أن الرافعي أنكر على الغزالي التعبير بالقيمة ثم وقع فيه في المحرر. أما إذا
أشار إليه مع الوصف كأصدقتك هذا الحر وجب مهر المثل قطعا كما قاله الأكثرون.
تنبيه: هذا في أنكحتنا، أما أنكحة الكفار فكل ما اعتقدوا صحة إصداقه يجري عليه حكم الصحيح كما مر
وتصويرهم المسألة بالخمر، والحر يقتضي أن محل ذلك فيما يقصد، أما إذا لم يقصد كالدم والحشرات لم يأت ذلك فيه،
بل تكون كالمفوضة، وهو قياس ما ذكروه في الخلع أنه إذا خالعها على ذلك يقع رجعيا، لأنه لا يقصد بحال،
فكأنه لم يطمع في شئ، لكن صرحوا هنا بأنه لا فرق. وفرق بين البابين بأن مقصود النكاح الوطئ وهو موجب
للمهر، بخلاف الخلع فإن مقصوده الفرقة، وهي تحصل غالبا بدون عوض. (أو) نكحها (بمملوك ومغصوب) مثلا، (
بطل فيه، وصح في المملوك في الأظهر) هما قولا تفريق الصفقة في الابتداء، وسبق في البيع الكلام عليهما. (وتتخير)
الزوجة إذا كانت جاهلة بين فسخ الصداق وإجازته، لأن المسمى بتمامه لم يسلم لها. (فإن فسخت فمهر مثل) يجب
لها، (وفي قول قيمتهما) هما القولان الماران، وكان الأولى أن يقول بدلهما لما مر. (وإن أجازت فلها مع المملوك
حصة المغصوب من مهر مثل) لها (يحسب قيمتهما) عملا بالتوزيع، فلو كانت مثلا مائة بالسوية بينهما أخذت
225

نصف مهر مثل عن قيمة المغصوب (وفي قول تقنع به) أي المملوك ولا شئ لها معه بناء على أن المشتري يجيز بكل الثمن
فيما إذا خرج بعض المبيع مستحقا. (ولو قال) شخص: (زوجتك بنتي) فلانة (وبعتك ثوبها) هذا مثلا، وهو ولي مالها، أو
أذنت له (بهذا العبد صح النكاح) جزما، وفيه وجه شاذ بعدم الصحة. (وكذا المهر والبيع في الأظهر) هما القولان في الجمع
بين عقدين مختلفي الحكم في صفقة واحدة، لأن بعض العبد ثمن وبعضه صداق. فإن قيل: هذه المسألة مرت في آخر
باب المناهي فهي مكررة. أجيب بأنها ذكرت هنا بزيادة على ما تقدم، وهي إفادة تصوير جمع الصفقة بيعا ونكاحا
(ويوزع العبد) المذكور، أي قيمته (على) قيمة (الثوب ومهر مثل) فإن كان المهر مائة مثلا وقيمة الثوب كذلك فنصف
العبد صداق ونصفه ثمن الثوب، فإن طلقها قبل الدخول رجع إليه نصف الصداق، وهو ربع العبد، وتقدم في تفريق
الصفقة أنه يشترط في التوزيع كون حصة النكاح مهر مثل، فإن كانت أقل وجب مهر المثل جزما، ومقابل الأظهر
بطلانهما ووجوب مهر المثل.
تنبيه: أشار بقوله: ثوبها إلى اشتراط كون ملك الصداق وما معه لشخص واحد. فإن قال: زوجتك بنتي وبعتك
ثوبي هذا بهذا العبد لم يصح البيع ولا الصداق كبيع عبيد جمع بثمن واحد، ويصح النكاح بمهر المثل.
فرع: قال في الأم: لو قال زوجتك بنتي وملكتك هذه المائة من مالها بهاتين المائتين اللتين لك، فالبيع والصداق
باطلان، لأنه من قاعدة مد عجوة، وإن كان أحد العوضين دنانير صحا، إذ غايته أنه جمع بين صداق وصرفه وهو
لا يمنع الصحة. (ولو نكح) امرأة (بألف على أن لأبيها) ألفا (أو أن يعطيه ألفا، فالمذهب فساد الصداق) في الصورتين، لأنه
جعل بعض ما التزمه في مقابلة البضع لغير الزوجة، (ووجوب مهر المثل) فيهما لفساد المسمى والطريق الثاني: فساده في
الأولى دون الثانية، لأن لفظ الاعطاء لا يقتضي أن يكون المعطى للأب.
تنبيه: هذا إذا قرئ يعطيه بالمثناة من تحت، أي يعطي الزوج أباها ألفا، فإن قرئ بالمثناة من فوق أي تعطي المرأة
أباها ألفا فهو وعد هبة منها لأبيها. (ولو شرط) أحد الزوجين (خيارا في النكاح بطل النكاح) لأن النكاح مبناه على اللزوم
فشرط ما يخالف قضيته يمنع الصحة. فإن شرط ذلك على تقدير عيب مثبت للخيار، قال الزركشي: ينبغي أن يصح لأنه
تصريح بمقتضى العقد اه‍. وهو مخالف لاطلاق كلام الأصحاب. (أو) شرط أحد الزوجين خيارا (في المهر فالأظهر صحة
النكاح) لأن فساد الصداق لا يؤثر في النكاح، (لا المهر) فلا يصح في الأظهر بل يفسد ويجب مهر المثل، لأن الصداق لا يتمحض
عوضا، بل فيه معنى النحلة فلا يليق به الخيار، والمرأة لم ترض بالمسمى إلا بالخيار. والثاني: يصح المهر أيضا، لأن المقصود منه
المال كالبيع فيثبت لها الخيار. والثالث: يفسد النكاح لفساد المهر أيضا (وسائر) أي باقي (الشروط) الواقعة في النكاح (إن
وافق) الشرط فيها (مقتضى) عقد (النكاح) كشرط النفقة والقسم، (أو) لم يوافق مقتضى النكاح ولكنه (لم يتعلق به
غرض) كشرط أن لا تأكل إلا كذا، (لغا) هذا الشرط، أي لا تأثير له في الصورتين لانتفاء فائدته، (وصح النكاح والمهر)
كما في نظيره من البيع. (وإن خالف) الشرط مقتضى عقد النكاح (ولم يخل بمقصوده الأصلي) وهو الوطئ، (كشرط أن
لا يتزوج عليها أو) أن (لا نفقة لها صح النكاح) لعدم الاخلال بمقصوده وهو الوطئ، (وفسد الشرط) سواء أكان لها
226

كالمثال الأول، أو عليها كالمثال الثاني، لقوله (ص): كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل (و) فسد
(المهر) أيضا، لأن الشرط إن كان لها فلم ترض بالمسمى وحده، وإن كان عليها فلم يرض الزوج ببلد المسمى إلا عند
سلامة ما شرطه وليس له قيمة ما يرجع إليها فوجب الرجوع إلى مهر المثل. (وإن أخل) الشرط بمقصود النكاح الأصلي،
(كأن) شرط أن (لا يطأ) هذا الزوج أصلا، وأن لا يطأها إلا مرة واحدة مثلا في السنة، أو أن لا يطأها إلا ليلا فقط
أو إلا نهارا فقط، (أو) أن (يطلق‍) - ها ولو بعد الوطئ، (بطل النكاح) لأنه ينافي مقصود العقد فأبطله. ومسألة ما إذا شرط
أن يطلق مكررة فقد ذكرها في الكلام على التحليل، ولو شرط هو أنها لا ترثه أو أنه لا يرثها أو أنهما لا يتوارثان أو أن
النفقة على غير الزوج بطل أيضا كما قاله في أصل الروضة عن الحناطي، وجرى عليه ابن المقري، وصحح البلقيني
الصحة وبطلان الشرط.
تنبيه: ما جرى عليه المصنف من البطلان فيما إذا شرط عدم الوطئ هو ما صححه في المحرر، وفي الشرح الصغير
أنه الأشبه، والذي صححه في الروضة وأصلها وتصحيح التنبيه فيما إذا شرطه الصحة لأنه حقه فله تركه
والتمكين عليها، وهذا هو الذي عليه الجمهور كما قاله الأذرعي وغيره، وقال في البحر: إنه مذهب الشافعي. فإن قيل:
إن شرط أحدهما شرطا، فإن لم يساعده صاحبه لم يتم العقد، وإن ساعده فالزوج بالمساعدة تارك لحقه، فهلا كانت مساعدته كشرطه وهي بالمساعدة مانعة حقه فهلا كانت
مساعدتها كشرطها أجيب بأنا إذا جعلناه كالابتداء من كل
منهما فقد وجد ما يقتضي الصحة وما يقتضي البطلان، ورجح جانب المبتدئ لقوة الابتداء وبناء الجواب عليه، وأحيل
عليه الحكم فقط دفعا للتعارض. ويستثنى من البطلان بترك الوطئ المأنوس من احتمالها الجماع، فإنه لو شرط في العقد أن
لا يطأها لم يبطل العقد لأنه من قضيته، وكذا لو لم تحتمله في الحال فشرط أن لا يطأها إلى الاحتمال، قاله البغوي
في فتاويه. والظاهر كما قاله الأذرعي: أنه لو علم أنها رتقاء أو قرناء وشرطت عليه ذلك أنه لا يضر قطعا. قال الأذرعي:
ولينظر فيما إذا كانت متحيرة وحرمنا وطأها وشرطت تركه فيحتمل أن يقال بفساد النكاح لأن الشفاء متوقع، ويحتمل
خلافه، لأن الظاهر أن العلة المزمنة إذا طالت دامت اه‍. وهذا أظهر. (ولو نكح) شخص (نسوة) أو امرأتين معا
(بمهر) كأن زوجه بهن جدهن أو معتقهن أو وكيل أوليائهن أو اختلعن على عوض واحد، (فالأظهر فساد المهر)
والعوض للجهل بما يخص كل واحدة في الحال، (ولكل مهر مثل) لما مر. والثاني: يصح ويوزع على مهور أمثالهن،
أما النكاح والبينونة فيصحان بلا خلاف.
تنبيه: يؤخذ من قوله: ولكل مهر مثل أنه لو زوج أمتيه من عبد بمهر واحد أنه يصح، وهو كذلك، لأن المهر
في نكاح أمتين للسيد وهو متحد. (ولو نكح) الولي (لطفل) أو مجنون (بفوق مهر مثل) من مال الطفل أو المجنون،
(أو أنكح بنتا) بموحدة أوله فنون ساكنة فمثناة فوقية بخطه، (لا) بنتا (رشيدة) كالمجنونة والصغيرة والسفيهة، (أو
رشيدة بكرا بلا إذن) في النقص عن مهر (بدونه) أي بدون مهر المثل. وليس المراد بلا إذن منها لوليها في تزويجها،
لأن الكلام في البكر التي لا يحتاج في إنكاحها إلى إذن، وسيأتي الكلام فيمن يحتاج إلى إذنها في النكاح. (فسد) كل
(المسمى) لأن الولي مأمور بالحفظ وهو منتف، إذ الزيادة في الأولى والنقص في الثانية خلاف المصلحة؟ (والأظهر صحة
النكاح بمهر مثل) كما في سائر الأسباب المفسدة للصداق. والثاني: لا يصح، لفساد المهر بما ذكر. ومحل تصحيح الأول
إذا كان مهر مثلها يليق به، فلو نكح شريفة يستغرق مهر مثلها ماله فقياس ما صححوه في السفيه أنه لا يصح هنا أيضا
لأنه على خلاف المصلحة، نبه عليه الزركشي.
تنبيه: ما جزما به هنا من فساد المسمى جميعه لا ينافي ما رجحاه في نكاح السفيه من فساد الزائد منه دون
227

جميعه لأن السفيه متصرف لنفسه فقصر الفساد على الزائد، والولي متصرف على غيره ففسد جميعه. أما إذا عقد
الولي لموليه بأكثر من مهر مثل من مال نفسه فإنه يصح بالمسمى عينا كان أو دينا، لأن المجعول صداقا لم يكن ملكا
للابن حتى يفوت عليه، والتبرع به إنما حصل في ضمن تبرع الأب، فلو ألغى فات على الابن ولزمه مهر مثل في ماله،
وهذا ما قطع به الغزالي وغيره، وهو أوجه مما رجحه المتولي وغيره من فساده، لأنه يتضمن دخوله في ملك الابن ثم
يكون متبرعا بالزائد لما يترتب على ذلك من المحذور السابق، ولا يصير الأب بالعقد لموليه ضامنا للمهر والنفقة. فإن قيل:
تركيب عبارة المصنف غير مستقيم، فإن من قواعد العربية أن لا إذا دخلت على مفرد وهو صفة السابق وجب تكرارها،
كقوله تعالى: * (إنها بقرة لا فارض ولا بكر) * وقوله تعالى: * (زيتونة لا شرقية ولا غربية) *. أجيب بأن لا هنا اسم بمعنى غير
ظهر إعرابها فيما بعدها لكونها على صورة الحرف، وسبق الكلام على ذلك في كتاب الطهارة. (ولو توافقوا) أي الولي
والزوج والزوجة إذا كانت بالغة، وقد لا يحتاج إلى موافقتها، أو تكون غير مكلفة فيكون المراد الولي والزوج، (على
مهر) كمائة (كان سرا) وهو لغة ما اطلع عليه شخص واحد، (وأعلنوا زيادة) كمائتين، (فالمذهب وجوب ما عقد به)
اعتبارا بالعقد، لأن الصداق يجب به سواء كان العقد بالأقل أم بالأكثر، وعلى هاتين الحالتين حملوا نص الشافعي
في موضع على أن المهر مهر السر، وفي آخر على أنه مهر العلانية، والطريقة الثانية تحكي قولين في الحالة الثانية، ومنهم
من أثبتهما في الحالة الأولى أيضا، قال ابن القاسم: وهذه المسألة تنبني على ثلاث قواعد في كل منها خلاف، الأولى:
الاصطلاح الخاص هل يرفع الاصطلاح العام؟ والثانية: أن الابهام في الشروط هل يؤثر فيها؟ والثالثة: أن الشرط
قبل العقد هل يلحقه؟ ولو اتفقوا على تسمية الألف بألفين، فإن عبروا بهما عنها وعقدوا بهما لزاما لجريان اللفظ الصريح
بهما أو عقدوا بهما على أن لا يلزم إلا ألف صح النكاح بمهر المثل لفساد الشرط. (ولو قالت) رشيدة (لوليها) غير
المجبر لأنه الذي يحتاج إلى إذن: (زوجني بألف، فنقص عنه بطل النكاح) للمخالفة، وفي قول من الطريق الثاني: يصح
بمهر المثل، وأفهم البطلان بطريق الأولى فيما إذا زوجها بلا مهر أو مطلقا أو سكت عن المهر سواء أزوجها بنفسه
أم بوكيله. (فلو أطلقت) بأن سكتت عن المهر، (فنقص عن مهر مثل بطل) النكاح، لأن المطلق محمول على مهر المثل
وقد نقص عنه (وفي قول: يصح بمهر مثل) إذ ليست المخالفة صريحة (قلت: الأظهر صحة النكاح في الصورتين)
المذكورتين (بمهر المثل، والله أعلم) كسائر الأسباب المفسدة للصداق، ولو كانت سفيهة وسمى دون تسميتها
ولكنه كان زائدا على مهر مثلها، قال البلقيني في التدريب: فينبغي أن لا يضيع الزائد عليها ولم يذكروه، ولو طرد في
الرشيدة لم يبعد اه‍. لكنهم لم ينظروا إلى ذلك مع وجود الرجوع إلى مهر المثل لأنه المراد.
تنبيه: جرت عادة الأولياء بتزويج الصغار بمهر مؤجل. وينبغي كما قال الزركشي الصحة عند المصلحة
لتحصيل كفء، ولكن لا يسلمها حتى يأخذ على الصداق رهنا كيلا تفوت منفعة البضع بلا مقابل في الحال. ولو
زوجها بعرض أو بغير نقد البلد، قال في البيان: الذي يقتضيه القياس إن كان الولي مجبرا وهي غير مكلفة صح إن كان
ذلك مهر مثلها، فإن كان غير مجبر وغير حاكم أو وهي مكلفة لم يصح ذلك المهر إلا أن يكون بإذنها، فإن كان الحاكم
وهي مجنونة ورأي أن يزوجها بشئ من العرض وقيمته قدر مهر مثلها صح ذلك.
فصل: في التفويض مع ما يذكر معه: وهو جعل الامر إلى غيره، ويقال الاهمال، ومنه لا يصلح الناس
فوضى. وهو قسمان: تفويض مهر، كقولها للولي: زوجني بما شئت أو شاء فلان، وتفويض بضع وهو المراد
228

هنا. وسميت المرأة مفوضة - بكسر الواو - لتفويضها أمرها إلى الزوج أو الولي بلا مهر، أو لأنها أهملت المهر، ومفوضة -
بفتحها - لأن الولي فوض أمرها إلى الزوج. قال في البحر: والفتح أفصح. إذا (قالت رشيدة) بكر أو ثيب لوليها: (زوجني
بلا مهر فزوج‍) - ها الولي (ونفي المهر أو سكت) عنه (فهو تفويض صحيح) لأن حقيقة التفويض شرعا: إخلاء النكاح عن
المهر، وقد وجد، وسيأتي حكمه. وظاهر كلامه أنها لو قالت: زوجني وسكتت عن المهر أنه ليس بتفويض،
وهو كذلك
كما رجحه في الشرح الصغير، ونقل الإمام الاتفاق عليه، لأن النكاح يعقد بالمهر غالبا فيحمل مطلق الاذن عليه. وقال
في المهمات: إنه تفويض وإن الشافعي نص عليه نصا قاطعا اه‍. وليس كما ادعى، والنص الذي ذكره ليس قاطعا، بل
محتمل جدا كما نبه عليه الأذرعي.
تنبيه: قضية إطلاقه نفي المهر أنها لو قالت: زوجني بلا مهر في الحال ولا عند الدخول ولا غيره، يكون تفويضا
صحيحا، وهو أحد وجهين. قال الأذرعي: إنه الذي يقتضيه إيراد جمهور العراقيين كما قاله بعض الأئمة
فهو المذهب اه‍. ولو عبر المصنف بمطلقة التصرف لكان أولى. إذ الأصح أنها لو سفهت ولم يحجر عليها كانت
كرشيدة في التصرف.
فرع: لو زوجها بمهر المثل من نقد البلد وقد أذنت أن يزوجها بلا مهر صح المسمى، أو زوجها بدونه أو بغير
نقد البلد فهو تفويض كما في الحاوي، ورجحه الشيخان تبعا للبغوي، وإن قال الزركشي: إنه عجيب كما قاله ابن الرفعة.
ولو نكحها على أن لا مهر ولا نفقة لها أو على أن لا مهر لها ويعطي زوجها ألفا وقد أذنت بذلك فمفوضة فلا يلزم شئ
بالعقد وإن نازع الزركشي الشيخين في ذلك، وقال: ينبغي أن يجب مهر المثل بالعقد. (وكذا لو قال سيد أمة) غير
مكاتبة: (زوجتكها بلا مهر) فهو تفويض صحيح لأنه المستحق للمهر فأشبه الرشيدة.
تنبيه: ظاهر كلامه أن السيد لو سكت عن ذكر المهر لا يكون تفويضا، وليس مرادا، فقد نص في الأم على أنه
تفويض، وحكاه الرافعي عن الأصحاب، لأن سكوته عنه في العقد يشعر برضاه بدونه، بخلاف إذن المرأة للولي فإنه
محمول على ما يقتضيه العرف والشرع من التصرف لها بالمصلحة. أما المكاتبة كتابة صحيحة فحكمها مع السيد في
التفويض كالحرة كما قاله بعض المتأخرين. (ولا يصح تفويض غير رشيدة) لأن التفويض تبرع وليست من أهله، نعم
يستفيد به الولي من السفيهة الاذن في تزويجها. (وإذا جرى تفويض صحيح) وتقدم تعريفه، (فالأظهر أنه لا يجب) على
الزوج للمفوضة (شئ) أي مهر (بنفس العقد) إذ لو وجب به لتشطر بالطلاق قبل الدخول كالمسمى الصحيح. وقد
دل القرآن على أنه لا يجب إلا المتعة. والثاني: يجب به مهر المثل، إذ لو لم يجب به ما استقر بالموت.
تنبيه: لو عبر بمهر كما قدرته بدل شئ كان أولى، إذ العقد أوجب شيئا وهو ملكها المطالبة بأن يفرض لها كما
سيأتي، أما التفويض الفاسد ففيه مهر مثل بنفس العقد. وعلى الأظهر (فإن وطئ) المفوضة (فمهر مثل)
يجب لها وإن أذنت له في وطئها بشرط أن لا مهر، لأن الوطئ لا يباح بالإباحة لما فيه من حق الله تعالى. ويستثنى من
ذلك صورتان: الأولى: إذا زوج أمته بعبده ثم أعتقهما أو باعهما قبل الدخول ثم وطئها الزوج فلا مهر لها، قاله الرافعي
قبيل الصداق، لأنه استحق وطأ بلا مهر. الثانية: لو نكح في الكفر مفوضة ثم أسلما ولو قبل الوطئ واعتقادهم
أن
لا مهر لمفوضة بحال فلا تستحق مهرا بوطئها، لأنه قد سبق استحقاق وطئ بلا مهر كما ذكراه في الروضة وأصلها
في نكاح المشرك. فإن قيل: يخالف هذا ما ذكره الرافعي عن التتمة أنه لو نكح ذمي ذمية على أن لا مهر لها وترافعا إلينا
حكمنا بحكمنا في المسلمين، وجزم به في الروضة. فإذا أوجبناه فيما إذا لم يسلما مع اعتقادهما عدمه، فكيف لا نوجبه
229

إذا أسلما؟ أجيب بأن ما في نكاح المشرك في الحربيين وما هنا في الذميين كما صرح به في التصوير المذكور، لالتزام
الذمي أحكام الاسلام بخلاف الحربي. (ويعتبر) مهر المثل في المفوضة (بحال العقد في الأصح) لأنه المقتضي للوجوب
بالوطئ. والثاني: بحال الوطئ، لأنه وقت الوجوب. والأول رجحه في المحرر والشرح الصغير، ونقله الرافعي في سراية العتق
عن اعتبار الأكثرين، لكن الذي صححه في أصل الروضة، ونقله الرافعي عن المعتبرين، وجرى عليه ابن المقري،
وهو المعتمد: أن المعتبر أكثر مهر مثل من العقد إلى الوطئ لأن البضع دخل بالعقد في ضمانه واقترن به الاتلاف فوجب
الأكثر كالمقبوض بشراء فاسد. فإن قيل: في كلام الرافعي تناقض في النقل. أجيب بأن المعتبرين هنا غير الأكثرين
هناك. (ولها) على الأظهر السابق (قبل الوطئ مطالبة الزوج بأن يفرض) لها (مهرا) لتكون على بصيرة من
تسليم نفسها. واستشكل ذلك الإمام بأنا إذا قلنا يجب المثل بالعقد فما معنى التفويض، وإن قلنا لا يجب بالعقد
شئ فكيف تطلب ما لا يجب لها؟ ومن طمع أن يلحق ما وضع على الاشكال بما هو بين طلب مستحيلا، والمطلع
على الحقائق هو الله تعالى اه‍. وأجيب بأن الصحيح أنها ملكت أن تطالب بمهر المثل كما مرت الإشارة إليه (و)
لها أيضا (حبس نفسها) عن الزوج (ليفرض) لها مهرا لما مر، (وكذا) لها حبس نفسها (لتسليم
المفروض) الحال (في الأصح) كالمسمى في العقد. والثاني: لا، لأنها سامحت بالمهر فكيف تضايق بتقديمه؟ أما المؤجل
فليس لها حبس نفسها له كالمسمى في العقد. (ويشترط رضاها بما يفرضه الزوج) لأن الحق لها، فإن لم ترض به فكأنه
لم يفرض، وهذا كما قال الأذرعي إذا فرض دون مهر المثل، أما إذا فرض لها مهر مثلها حالا من نقد البلد وبذله
لها وصدقته على أنه مهر مثلها فلا يعتبر رضاها لأنه عبث وتعنت. ويحمل كلام الأصحاب في مواضع على غير ذلك
حتى لو طلقها قبل الدخول استحقت شطره. و (لا) يشترط (علمهما) أي الزوجان حيث تراضيا على مهر (بقدر
مهر المثل في الأظهر) لأنه ليس بدلا عنه بل الواجب أحدهما. والثاني: يشترط علمهما بقدره بناء على أنه الواجب
ابتداء وما يفرض بدل عنه.
تنبيه: محل الخلاف فيما قبل الدخول، أما بعده فلا يصح تقديره إلا بعد علمهما بقدره قولا واحدا لأنه قيمة
مستهلك، قاله الماوردي. (ويجوز فرض مؤجل) بالتراضي (في الأصح) كما يجوز تأجيل المسمى ابتداء والثاني: لا، بناء
على وجوب مهر المثل ابتداء ولا مدخل للتأجيل فيه فكذا بدله. (و) يجوز بالتراضي فرض مهر (فوق مهر مثل)
سواء أكان من جنسه أم لا لأنه ليس ببدل. (وقيل: لا) يجوز (إن كان من جنسه) أي المهر بناء على أنه بدل
عنه، فإن كان من غير جنسه كعرض تزيد قيمته على مهر المثل فيجوز قطعا، لأن القيمة ترتفع وتنخفض فلا
تتحقق الزيادة.
تنبيه: قد يفهم تعبيره بفوق أنه لا يجوز النقص عن مهر المثل، وليس مرادا، بل يجوز بلا خلاف كما قاله
الإمام. (ولو امتنع) الزوج (من الفرض) لها (أو تنازعا فيه) أي قدر المفروض، أي كم يفرض، (فرض القاضي)
لأن منصبه فصل الخصومات (نقد البلد حالا) كما في قيم المتلفات لا مؤجلا، ولا بغير نقد البلد وإن رضيت بذلك، لأن
منصبه الالزام بمال حال من نقد البلد، ولها إذا فرضه حالا تأخير قبضه لأن الحق لها. ولو جرت عادة نسائها أن ينكحن
بمؤجل أو بصداق بعضه مؤجل وبعضه حال لم يؤجله الحاكم بل يفرض حالا وينقص للتأجيل بقدر ما يليق
بالأجل. وعن الصيمري: لو جرت عادة في ناحية بفرض الثياب وغيرها فرض لها ذلك اه‍. وقياس ما مر أنه يفرض
230

نقدا وينقص لذلك بقدر ما يليق بالعرض. (قلت: ويفرض مهر مثل) بلا زيادة ولا نقص لأنه قيمة البضع ودفعا للضرر
من الجانبين، نعم تغتفر الزيادة أو النقص اليسير الواقع في محل الاجتهاد الذي يحتمل مثله في قدر مهر المثل.
تنبيه: قضية كلام الشيخين منع الزيادة والنقص وإن رضي الزوجان، وهو كذلك لأن منصبه يقتضي ذلك ثم إن
شاءا بعد ذلك فعلا ما شاءا، واختار الأذرعي الجواز. (ويشترط علمه) أي القاضي (به) أي مهر المثل، (والله أعلم)
حتى لا يزيد عليه ولا ينقص عنه إلا بالتفاوت اليسير، ولا يتوقف ما يفرضه على رضاهما لأنه حكم منه. (ولا يصح
فرض أجنبي من ماله في الأصح) لأنه خلاف ما يقتضيه العقد. والثاني: يصح كما يؤدي الصداق عن الزوج بغير إذنه.
تنبيه: محل الخلاف إذا لم يأذن الزوج للأجنبي وإلا فيجوز قطعا كما صرح به في الذخائر.
فروع: لا يصح إبراء المفوضة عن مهرها ولا إسقاط فرضها قبل الفرض والوطئ فيهما. أما الأول فلانه إبراء
عما لم يجب، وأما الثاني فكإسقاط زوجة المولي حقها من مطالبة زوجها. ولا يصح الابراء عن المتعة ولو بعد الطلاق،
لأنه قبل الطلاق إبراء عما لم يجب وبعده إبراء عن مجهول. ولو فسد المسمى وأبرأت عن مهر المثل وهي تعرفه صح
وإلا فلا. ولو علمت أنه لا يزيد على ألفين وتيقنت أنه لا ينقص عن ألف فأبرأت زوجها من ألفين نفذ، وهذه حيلة
في الابراء من المجهول، وهي أن يبرئ من له عليه دين لا يعلم قدره من قدر يعلم أنه أكثر مما عليه. (
والفرض) أي
المفروض (الصحيح كمسمى) في العقد، (فيتشطر بطلاق) بعد عقد و (قبل وطئ) سواء أكان الفرض من الزوجين أو
من الحاكم، لعموم قوله تعالى: * (وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) *، أما المفروض الفاسد كخمر فلا يتشطر به مهر
المثل، ولا عبرة به بعد إخلاء العقد عن الفرض بالكلية بخلاف فاسد المسمى في العقد لعدم إخلاء العقد من العوض.
(ولو طلق) الزوج (قبل فرض وطئ فلا شطر) لمفهوم الآية، والمراد أنه لا يجب لها شئ من المهر ولها المتعة كما سيأتي
آخر الباب (وإن مات أحدهما) أي الزوجين (قبلهما) أي الفرض والوطئ، (لم يجب مهر مثل في
الأظهر) كالطلاق. (قلت: الأظهر وجوبه، والله أعلم) لأنه كالوطئ في تقريره المسمى، فكذا في إيجاب مهر المثل في التفويض، ولان بروع
بنت واشق نكحت بلا مهر فمات زوجها قبل أن يفرض لها، فقضى لها رسول الله (ص) بمهر نسائها
وبالميراث، رواه أبو داود وغيره، وقال الترمذي: حسن صحيح، وعلق في الأم القول به على صحة الحديث،
ونقل الحاكم في المستدرك عن شيخه محمد بن يعقوب الحافظ أنه قال: لو حضرت الشافعي لقمت على رؤوس
أصحابه وقلت: قد صح الحديث فقل به اه‍. وقد قال به رضي الله تعالى عنه في البويطي، وإنما توقف في غيره
لعدم صحة الحديث عنده إذ ذاك.
تنبيه: قد مر أنه يعتبر مهر المثل في المفوضة فيما إذا وطئت بأكثر مهر مثل من العقد إلى الوطئ، فهل هنا كذلك
أو يعتبر بحال العقد أو الموت؟ أوجه في الروضة وأصلها بلا ترجيح، أوجهها أولها لأن البضع دخل في ضمانه بالعقد
وتقرر عليه بالموت كالوطئ، وقال بعض المتأخرين: ينبغي اعتبار الثاني. ولما قدم المصنف رحمه الله تعالى وجوب
مهر المثل في الصداق الفاسد وفي التفويض احتاج إلى بيانه بما يضبطه فترجم له بفصل، فقال:
فصل: أي في ضابط ذلك: (مهر المثل ما يرغب به في مثلها) عادة، (وركنه) أي مهر المثل (الأعظم نسب) في النسيبة
لوقوع التفاخر به كالكفاءة في النكاح.
231

تنبيه: ظاهر كلام الأكثرين كالمصنف اعتبار ذلك في العجم كالعرب، وهو كذلك لأن الرغبات تختلف بالنسب
مطلقا، ومنع القفال والعبادي اعتبار النسب في العجم. (فيراعى) في تلك المرأة المطلوب مهر مثلها، (أقرب من تنسب)
من نساء العصبة (إلى من تنسب) هذه المرأة المذكورة (إليه) كالأخت وبنت الأخ والعمة وبنت العم لا الجدة والخالة. أما
غير النسيبة فيعتبر مهرها بالأوصاف الآتية كما قاله الإمام.
تنبيه: ضمير إليه يرجع إلى من الثانية. ويراعى في نساء العصبات قرب الدرجة، وكونهن على صفتها، (وأقربهن
أخت لأبوين ثم لأب ثم بنات أخ) لأبوين ثم لأب، (ثم عمات كذلك) أي لأبوين ثم لأب، لأن المدلي بجهتين مقدم
على المدلي بجهة.
تنبيه: لم يذكر المصنف بنات العم لأبوين ثم لأب، ولا بد منه، وكذا بنات أولاد العم. وقضية كلامه إن العمة تقدم
على بنت الأخ وليس مرادا، بل المراد ترتيب جهة العمومة على جهة الاخوة كما صرح به الماوردي. ولو كان
نساء العصبة ببلدين هي في أحدهما اعتبر نساء بلدها، فإن كن ببلد غير بلدها فالاعتبار بهن أولى من الأجنبيات في البلد
كما جزما به في الروضة وأصلها وإن نوزعا فيه. (فإن فقد نساء العصبة) من الأصل، أما لو متن اعتبرن كالحياة، (أو لم ينكحن)
أصلا، (أو) نكحن لكن (جهل مهرهن فأرحام) لها يعتبر مهرها بهن تقدم القربى فالقربى من الجهات، وكذا من الجهة
الواحدة، (كجدات وخالات) لأنهن أولى من الأجانب.
تنبيه: ظاهر كلامه أن الام لا تعتبر وليس مرادا، فقد قال الماوردي: يقدم من نساء الأرحام الام ثم الجدات ثم
الخالات، ثم بنات الأخوات، ثم بنات الأخوال، وعلى هذا قال: لو اجتمعت أم أب وأم أم فأوجه. ثالثها، وهو
الأوجه: التسوية، فإن لم يكن في عصباتها من هي في صفتها كما سيأتي كن كالعدم كما صرح به العمراني وغيره، وقال
الأذرعي: في نصوص الشافعي إشارة إليه، قال ابن قاسم: فينتقل إلى من بعدهن. فإن فقد نساء الأرحام أو لم ينكحن
أصلا أو جهل مهرهن اعتبرت بمثلها من الأجنبيات. لكن تقدم أجنبيات بلدها، ثم أقرب بلد إليها، وتعتبر العربية
بعربية مثلها، والبلدية ببلدية مثلها، والقروية بقروية مثلها، والأمة بأمة مثلها في خسة السيد وشرفه، والعتيقة
بعتقية مثلها.
تنبيه: المراد بالأرحام هنا قرابات الام لا ذوو الأرحام المذكورون في الفرائض، لأن أمهات الام لسن من
المذكورين في الفرائض قطعا. (ويعتبر) مع ما تقدم (سن) وعفة (وعقل) وجمال (ويسار) وفصاحة (وبكارة وثيوبة)
وهي مصدر ليست من كلام العرب، (وما اختلف به غرض) كالعلم والشرف، لأن المهور تختلف باختلاف هذه
الصفات. وإنما لم يعتبر الجمال وكذا المال في الكفاءة لأن مدارها على دفع العار، ومدار المهر على الرغبات.
وهذا من عطف العام على الخاص، فيعتبر مهر نسوة شاركتهن المطلوب مهرها في شئ مما ذكر. قال الفارقي
بعد ذكر ما يعتبر فيها أنه يعتبر حال الزوج أيضا من يسار وعلم وعفة ونحوها، قال: فلو وجد في نساء العصبة بصفتها
وزوجها مثل زوجها فيما ذكر من الصفات اعتبر بها وإلا فلا. (فإن اختصت) أي انفردت واحدة منهن (بفضل)
أي صفة كمال مما ذكر، (أو نقص) عنه، (زيد) في مهرها في صورة الفضل، (أو نقص) منه في صورة النقص
(لائق بالحال) أي حال المرأة المطلوب مهرها بحسب ما يراه الحاكم، فالرأي في ذلك منوط به فيقدره باجتهاده صعودا
وهبوطا، وهذا كما قال بعض المتأخرين إذا لم يحصل الاتفاق عليه وحصل تنازع. (ولو سامحت واحدة) منهن
232

(لم تجب) على الباقيات (مواقيتها) اعتبارا بالغالب. نعم إن كانت المسامحة لنقص نسب يفتر الرغبة اعتبرت المسامحة فيه كما
في الروضة كأصلها، قال ابن شهبة: وهذا قد يعلم من الذي قبله. (ولو خفضن) بأن جرت عادتهن بالتخفيف في المهر،
(للعشيرة) أي الأقارب (فقط) أو الشريف أو العالم أو الشاب كما قاله الماوردي، (اعتبر) ذلك في المطلوب مهرها بالنسبة
لمن ذكر دون غيرهم.
تنبيه: لو قال المصنف: وعكسه لشمل مسامحة غير العشيرة كما قاله الماوردي، قال: ويكون ذلك
في القبيلة الدنيئة. ولو كانت النساء المعتبرات ينكحن بمؤجل أو بصداق بعضه مؤجل وبعضه حال لم يؤجله الحاكم كما
مرت الإشارة إليه، ولكن ينقص ما يليق بالأجل. (و) يجب (في وطئ نكاح) أو شراء (فاسد مهر مثل) لاستيفائه
منفعة البضع كوطئ الشبهة، (يوم) أي وقت (الوطئ) لأنه وقت الاتلاف، ولا اعتبار بالعقد إذ لا حرمة له لفساده. (فإن
تكرر) وطئ فيما ذكر (فمهر) واحد كما في النكاح الصحيح، إذ فاسد كل كصحيحه والشبهة شاملة للكل
فأشبهت النكاح، ولكن يعتبر (في أعلى الأحوال) التي للموطوءة حال وطئها كأن يطأها سمينة وهزيلة فيجب
مهر تلك الحالة العليا، لأنه لو لم يوجد إلا الوطأة الواقعة في تلك الحالة لوجب ذلك المهر، فالوطئات الباقية إذا لم توجب
زيادة لا توجب نقصا.
تنبيه: المراد بالتكرار كما قاله الدميري أن يحصل بكل وطأة قضاء الوطر مع تعدد الأزمنة، فلو كان ينزع ويعود
والافعال متواصلة ولم يقض الوطر إلا آخرا فهو وقاع واحد بلا خلاف. أما إذا لم تتواصل الافعال فتعدد الوطئات
وإن لم يقض وطره، (قلت) كما قاله الرافعي في الشرح: (ولو تكرر وطئ بشبهة واحدة) كأن ظن الموطوءة زوجته أو أمته،
(فمهر) واحد في أعلى الأحوال لشمول الشبهة.
تنبيه: لو قال: وكذا لو تكرر الخ لاستغنى عن تقييد كلامه بأعلى الأحوال. وخص الماوردي الاتحاد بما إذا لم
يغرم المهر. فإن غرم ثم وطئ لزمه مهر آخر. (فإن تعدد جنسها) أي الشبهة كأن وطئها بنكاح فاسد ثم فرق بينهما ثم
وطئها يظنها أمته، (تعدد المهر) لتعدد الوطئات، لأن تعدد الشبهة كالأنكحة.
تنبيه: لو تعددت الشبهة واتحد الجنس كأن ظنها زوجته فوطئها فبان الحال ثم ظنها كذلك فوطئها تعدد أيضا مع أن
الجنس واحد، فلو عبر بتعدد الشبهة دون الجنس ليشمل هذه الصورة كان أولى. (و) لو فقدت الشبهة كما (لو كرر
وطئ مغصوبة أو) وطئ (مكرهة على زنا تكرر المهر) فيجب لكل وطئ مهر لانتفاء الشبهة الملحقة بالنكاح والوجوب
هنا بإتلاف وقد تعدد.
تنبيه: لا بد من تقييد المغصوبة بكونها مكرهة على الوطئ، لأن المطاوعة لا مهر لها لأنها بغي، وحينئذ لا يظهر
وجه عطف المكرهة عليها. نعم إن طاوعته، ولكن اختصت الشبهة بها دونه، فهنا يظهر التعدد في حقه كما قاله
الزركشي، لأنه إتلاف محض من جهته بلا شبهة منه. ولو تكرر وطئ المغصوبة مع الجهل لم يتكرر المهر، فإن وطئ
مرة عالما ومرة جاهلا فمهران. (ولو تكرر وطئ الأب) جارية ولده ولم يحصل بالأول كما قال الرافعي إحبال، أي ولم
تكن مستولدة للابن، أو تكرر، (و) طء (الشريك) الأمة المشتركة أو تكرر، (و) طء (سيد مكاتبة) له ولم يحبلها، (فمهر)
واحد في الصور المذكورة بالشرط السابق عن الماوردي، وعليه نص الشافعي في المكاتبة، لأن شبهتي الاعفاف
والملك يعمان لوطئات. (وقيل) يجب في الصور المذكورة (مهور) بعدد الوطئات (وقيل) وهو رأي القاضي الحسين
233

والبغوي ومال إليه السبكي: (إن اتحد المجلس فمهر) فقط (وإلا) بأن لم يتحد (فمهور، والله أعلم) لانقطاع كل مجلس عن
الآخر. أما إذا أحبل الأب جارية ولده بالوطئ الأول ولم تكن مستولدة للابن فلا يتعدد المهر بلا خلاف، لأنه إذا
أحبلها تصير مستولدة له فتكرر الوطئ إنما وقع في ملكه، بل إذا أنزل قبل دخول الحشفة في الوطئ الأول لا مهر عليه
أصلا، لأنه إنما وطئها وهي في ملكه، وإن أحبل السيد المكاتبة تخيرت بين المهر والتعجيز، وتصير حينئذ أم ولد،
فإن اختارت المهر فوطئها مرة ثانية خيرت، فإن اختارت المهر وجب مهر آخر، وكذا سائر الوطئات، نص عليه
الشافعي، حكاه في المهمات وقال هي فائدة مهمة.
تنبيه: حيث اتحد المهر عند تعدد الوطئات روعي أعلى أحوالها.
فصل: فيما يسقط المهر، وما يشطره وما يذكر معهما. (الفرقة) في الحياة (قبل وطئ منها) هو متعلق بالفرقة أي
الفرقة الحاصلة من جهة الزوجة قبل الدخول بها، كإسلامها بنفسها، أو بالتبعية كإسلام أحد أبويها كما جزم به الرافعي
في باب المتعة، أو فسخها بعيبه، أو بعتقها تحت رقيق، أو ردتها، أو رضاعها زوجة له صغيرة، (أو) لا من جهتها بل
(بسببها كفسخه بعيبها تسقط المهر) المسمى ابتداء. والمفروض الصحيح ومهر المثل في كل ما ذكر، لأنها إن كانت هي
الفاسخة، فهي المختارة للفرقة فكأنها أتلفت المعوض قبل التسليم فسقط العوض. كما لو أتلفت المبيع قبل التسليم، وإن كان
هو الفاسخ بعينها فكأنها هي الفاسخة. فإن قيل: ينبغي إذا كان إسلامها تبعا لاسلام أحد أبويها أن المهر يجب عليه عليه
لافساده نكاح غيره، كما يجب على المرضعة إذا أفسدت برضاعها النكاح. أجيب بأنه لو وجب عليه الغرم لنفر عن
الاسلام بخلاف المرضعة، وأيضا المرضعة قد تأخذ أجرة رضاعها فينجبر ما تغرمه بخلاف المسلم.
تنبيه: قضية إطلاق الشيخين وغيرهما فسخه بعيبها أنه لا فرق بين المقارن للعقد والحادث، وهو كذلك، وإن
قيده
الماوردي بالمقارن وجعل الحادث كالطلاق. (وما لا) أي والتي لا يكون منها ولا بسببها، (كطلاق) وخلع ولو باختيارها
كأن فوض الطلاق إليها فطلقت نفسها أو علقه بفعلها ففعلت، (وإسلامه) ولو تبعا، (وردته ولعانه وإرضاع أمه) لها، (أو)
إرضاع (أمها) له، وهو صغير، (يشطره) أي بنصف المهر، أما في الطلاق فلآية: * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) *.
وأما الباقي فبالقياس عليه.
تنبيهات: الأول قوله: كطلاق، قال الأذرعي: يدخل فيه البائن والرجعي اه‍. واعترض قوله: الرجعي
بأن الكلام فيما قبل الدخول، وأجيب بتصور الرجعة باستدخالها المني. الثاني: في تعبيره بالارضاع دون الرضاع إشارة
إلى اعتبار الفعل، فلو دبت زوجته الصغيرة وارتضعت أمه لم تستحق الشطر لانفساخه بفعلها. الثالث: ذكره الإمام
مثال لا قيد، فلو أرضعت ابنته زوجة له صغيرة أو أرضعت بنت زوجة زوجا صغيرا لها كان الحكم كذلك. الرابع:
سكت عما لو ارتدا معا هل هو كردتها فلا يشطره أو كردته فيشطره؟ وجهان، صحح الأول الروياني والنسائي
والأذرعي وغيرهم، وصحح الثاني المتولي والفارقي وابن أبي عصرون وغيرهم، وهو أوجه، وعبارة الرافعي في المتعة:
ولو ارتدا معا ففي وجوبها وجهان كالوجهين في التشطير، والأصح المنع. وفهم الزركشي أن التصحيح راجع للمسألتين،
قال شيخنا: والظاهر رجوعه للمتعة فقط، ولهذا عبر القمولي بقوله: والأصح أنها لا تجب. فإن قيل: لم جعلتم عيبها
كفسخها لكونه سبب الفسخ ولم تجعلوا عيبه كفسخه؟ أجيب بأن الزوج بذل العوض في مقابلة منافعها. فإن كانت
معيبة فالفسخ من مقتضى العقد إذ لم يسلم له حقه والزوجة لم تبذل شيئا في مقابلة منافع الزوج والعوض الذي ملكته
سليم، فكان مقتضاه أن لا فسخ لها، إلا أن الشارع أثبت لها الفسخ دفعا للضرر عنها، فإذا اختارته لزمها رد البدل كما
لو ارتدت وشراؤها زوجها يسقط جميع المهر، قال الكمال بن أبي شريف: لأنه دين لم يقبضه والسيد لا يثبت له
234

على رقيقه مال. أما إذا كان عينا أو دينا وقبضته وأداه العبد من كسبه أو أداه عنه السيد من ماله فإنه يرجع إلى سيده،
ولو اشتراها تشطر، ولو طلقها على أن لا تشطير لغا الشرط كما لو أعتق ونفى الولاء. وخرج بقيد الحياة الفرقة بالموت
لما مر من أن الموت مقرر للمهر، ومن صور الموت ما لو مسخ أحدهما حجرا، فإن مسخ أحدهما حيوانا فإن كان
الزوج وكان قبل الدخول، ففي التدريب أنه يحصل الفرقة ولا يسقط شئ من المهر إذ لا يتصور عوده للزوج
لانتفاء أهلية تملكه للورثة لأنه حي فيبقى للزوجة، قال: ويحتمل تنزيل مسخه حيوانا بمنزلة الموت اه‍. الأول
أوجه، ولكن قوله: فيبقى للزوجة، الأوجه أن يكون نصفه تحت يد الحاكم حتى يموت الزوج فيعطى لوارثه أو
يرده الله كما كان فيعطى له. قال: وإن مسخت الزوجة حيوانا حصلت الفرقة من جهتها وعاد كل المهر للزواج
اه‍.
وهذا ظاهر. ويستثنى من إطلاقه ما لو زوج أمته بعبده ثم أعتقها أو أحدهما ثم طلق قبل الدخول فلا تشطير
إذ لا مهر، ولا يرد قتل الزوجة الحرة نفسها أو الزوج نفسه، لأن المراد هنا ارتفاع النكاح مع بقائهما. نعم يرد عليه إذا
كانت الفرقة من مالكها إذا كانت أمة فإنه يسقط المهر، وليس ذلك منهما ولا بسببها، كما إذا كانت الأمة زوجة أصل
أو فرع فوطئها مالكها أو أرضعت المالكة أمتها المزوجة الرقيق. (ثم قيل: معنى التشطير أن له) أي الزوج، (خيار
الرجوع) في النصف إن شاء رجع فيه وتملكه، وإن شاء تركه كالشفيع لأنه لا يدخل في الملك بغير اختيار سوى
الإرث، وهذا الخيار كما يقتضيه كلام الرافعي حيث جعله كخيار الواهب. (والصحيح عوده) أي نصف
الصداق المعين إلى الزوج، (بنفس الطلاق) لظاهر الآية السابقة. هذا إن دفعه الزوج أو وليه من أب أو جد عنه
وهو صغير أو مجنون أو سفيه وإلا فيعود إلى المؤدى وإن كان ظاهر المتن أنه يعود للزوج مطلقا. وقال الأذرعي: إنه
الذي أورده أكثر العراقيين. وغير الطلاق من الصور السابقة كالطلاق. ويستثنى من إطلاق المصنف ما إذا سلم
العبد الصداق من كسبه أو أداء السيد من ماله ثم طلق قبل الدخول، فإن النصف يعود إلى السيد. ولو باعه أو أعتقه
ثم طلق فالعائد للمشتري في الأولى، وللعتيق في الثانية. أما إذا كان الصداق دينا فعلى الصحيح يسقط نصفه بالطلاق،
وعلى مقابله بالاختيار. ولو أدى الدين والمؤدى باق تعين حقه في نصفه. هذا كله إذا لم يحصل في الصداق نقص ولا
زيادة، (فلو زاد بعده) أي الطلاق أو ما ذكره معه، (فله) أي الزوج كل الزيادة إذا عاد إليه كل الصداق أو نصفها
إذا عاد إليه النصف لحدوثها في ملكه. سواء أكانت متصلة أو منفصلة، فإن نقص بعد الفراق ولو بلا عدوان وكان
بعد قبضه فله كل الأرش أو نصفه، فإن ادعت حدوث النقص قبل الطلاق صدقت بيمينها. ثم ما ذكره المصنف فيما
إذا تغير الصداق بعد الطلاق، وأشار إلى تغييره قبله بقوله: (وإن) فارق لا بسببها، كأن (طلق والمهر تالف) بعد قبضه،
(فنصف بدله) له (من مثل) في المثلي، (أو قيمة) في المتقوم، لأنه لو كان باقيا لاخذ نصفه، فإن مات رجع بنصف
بدله كما في الرد بالعيب.
تنبيه: التعبير بنصف القيمة، قال الإمام: فيه تساهل، وإنما هو قيمة النصف، وهي أقل من ذلك،
ومال إليه ابن الرفعة والسبكي وغيرهما. وقد نبه الأذرعي على أن الشافعي والجمهور قد عبروا بكل من العبارتين،
وهذا منهم يدل على أن مؤداهما عندهم واحد بأن يراد بنصف القيمة نصف قيمة كل من النصفين منفردا لا منضما
إلى الآخر، فيرجع بقيمة النصف، أو بأن يراد بقيمة النصف قيمته منضما لا منفردا فيرجع بنصف القيمة، وهو
ما صوبه في الروضة هنا رعاية للزوج كما روعيت الزوجة في ثبوت الخيار لها فيما يأتي. وإن كان المهر
باقيا بحاله فليس لها
إبداله وإن أداه عما في ذمته إلا برضاه. (وإن تعيب في يدها) قبل الفراق، (فإن قنع) الزوج (به) أي النصف
معيبا، فلا أرش له كما لو تعيب المبيع في يد البائع، (وإلا) بأن لم يقنع به، فإن كان متقوما (فنصف قيمته سليما)
235

وإن كان مثليا فمثل نصفه، لأنه لا يلزمه الرضا بالمعيب فله العدول إلى بدله. (وإن تعيب) بآفة سماوية (قبل قبضها) له
وقنعت به، (فله نصفه ناقصا بلا) أرش ولا (خيار) لأنه حالة نقصه كان من ضمانه. (فإن عاب) بأن صار ذا
عيب (بجناية) من أجنبي، تضمن جنايته (وأخذت أرشها) أو عفت عن أخذه قياسا على ما قالوه في هبة الصداق،
(فالأصح أنه له نصف الأرش) مع نصف العين لأنه بدل الفائت. والثاني: لا شئ له من الأرش كالزيادة المنفصلة.
فإن كانت الجناية من الزوج أو منها أو من أجنبي لا يضمن، فلا يخفى حكمه مما سبق أول كتاب الصداق في
إتلاف جميعه.
تنبيه: لو تلف البعض في يدها كأحد الثوبين أخذت نصف الموجود ونصف بدل المفقود. (ولها زيادة
منفصلة) حدثت بعد الاصداق كثمرة وولد وأجرة لأنها حدثت في ملكها، والطلاق إنما يقطع ملكها من حين
وجوده لا من أصله، وسواء أحدثت في يده أم يدها، ويختص الرجوع بنصف الأصل. نعم إن كانت الزيادة ولد أمة لم
يميز فليس له ذلك وإن رضيت الزوجة، بل يرجع بقيمة نصف الأمة لحرمة التفريق، فإن كان مميزا أخذ نصفها، فإن
نقصت قيمتها بالولادة في يدها فله الخيار، أو في يده أخذ نصفها ناقصا، فإن كان الولد حملا عند الاصداق رجع في نصفه
إن رضيت مع نصف الام، وإلا فقيمة نصف يوم الانفصال مع قيمة نصفها. (ولها خيار في) زيادة (متصلة)
كسمن وتعلم حرفة، وليس خيارها فورا، بل إن طلبه الزوج كلفت فورا اختيار أحد الامرين، وهو ما ذكره
بقوله: (فإن شحت) فيها (فنصف قيمة) المهر بأن يقوم بغير زيادة، ويعطى الزوج نصفه (بلا زيادة) عليه،
لأن الزيادة غير مفروضة، ولا يمكن الرد دونها، فجعل المفروض كالهالك. (وإن سمحت) بها (لزمه القبول)
للزيادة، وليس له طلب بدل النصف، لأن حقه مع زيادة لا تتميز ولا تفرد بالتصرف، بل هي تابعة. فلا تعظم
فيها المنة.
تنبيه: الزيادة المتصلة لا أثر لها في سائر الأبواب إلا هنا، وفرقوا بفروق، منها أن الزوج متهم بالطلاق بخلاف
غيره. ومنها، وهو الذي عول عليه الأكثرون: أن هذا العود ابتداء تملك لا فسخ، بخلاف العود في غير
الصداق فإنه فسخ، وهو يرفع العقد من أصله أو حينه، فإن رفع من أصله فكأن لا عقد، أو من حينه فالفسخ
شبيه بالعقد، والزيادة تتبع الأصل في العقد، فكذا في الفسخ، ولكون العود هنا ابتداء تمليك لا فسخا لو أمهر
العبد من كسبه ثم عتق ثم طلق عاد الشطر إليه، لا إلى السيد، ولو كان على سبيل الفسخ لعاد إلى الذي خرج عن
ملكه، وقضية هذا الفرق أنهما لو تقابلا في الصداق أو رد بعيب أنه يرجع إلى الزوجة بزيادته، وإطلاقهم ينافيه
.
(وإن زاد) المهر (ونقص) إما بسبب واحد (ككبر عبد) بحيث تنقص قيمته، (وطول نخلة) بحيث يؤدي
إلى هرمها وقلة ثمرها، فالنقص في العبد من حيث القيمة، لأن الصغير يدخل على النساء ولا يعرف الغوائل، ويقبل
التأديب والرياضة والزيادة فيه بأنه أقوى على الشدائد والاسفار وأحفظ لما يستحفظ. والنقص في النخلة من حيث
إن ثمرتها تقل، فإن لم تقل فطولها زيادة محضة، والزيادة فيها بكثرة الحطب. (و) إما بسببين، نحو (تعلم صنعة)
مقصودة في العبد (مع) عيب، نحو (برص) وعور، (فإن اتفقا) أي الزوجان على الرجوع (بنصف العين)
فذاك لأن الحق لا يعدوهما، (وإلا فنصف قيمة) العين خالية عن الزيادة والنقص لأنه العدل، ولا تجبر هي على دفع
نصف العين للزيادة ولا هو على قبوله للنقص. (وزراعة الأرض نقص) محض لأنها تستوفي قوة الأرض غالبا، فإن
236

اتفقا على رد نصف العين وترك الزرع إلى الحصاد فذاك، قاله الإمام، وعليه إبقاؤه بلا أجرة، لأنها زرعت ملكها
الخالص. وإن لم يتفقا رجع بنصف قيمة الأرض بلا زراعة. (وحرثها) إذا كانت معدة للزراعة كما صرح به في المحرر
(زيادة) لأنه هيأها للزرع المعدة له، أما المعدة للبناء فحرثها نقص لأنه يشعثها، فإن رضي الزوج بالناقصة أجبرت
على تسليمها له لأنها دون حقه. فإن قيل: لم أطلق المصنف ذلك مع أن التقييد في المحرر؟ أجيب بأنه إنما أطلق لقرينة تقدم
الزرع فأشعر بأن الكلام في أرض للزراعة. (وحمل أمة وبهيمة زيادة) لتوقع الولد (ونقص) للضعف حالا وخوف الموت
ما لا ولرداءة لحم البهيمة المأكولة، ولهذا رجح المصنف أنها لا تجزئ في أضحية. (وقيل: البهيمة) أي حملها، (زيادة)
محضة لانتفاء خطر الولادة فيها غالبا بخلاف الإماء.
تنبيه: لو أصدقها حائلا فحملت في يده وولدت في يدها ونقصت قيمتها بالولادة، فهل النقص من ضمانة ولها
الخيار لأن السبب وجد في يده، أو من ضمانها وله الخيار لأن النقص حصل عندها؟ وجهان، قال الرافعي: لا يخفى
نظائرها، أي كقتل المبيع بردة سابقة على قبضه، وقضيته أنه من ضمانه. (وإطلاع نخل) أي لم يؤبر بعد الاصداق، (زيادة
متصلة) أي كالمتصلة، فتمنع الزوج من الرجوع القهري لحدوثه في ملكها، فإن رضيت الزوجة بأخذ الزوج نصف النخل
مع الطلع أجبر عليه كالسمن في البهيمة بخلاف الثمرة المؤبرة كما سيأتي. (وإن طلق وعليه) أي النخل المصدق (تمر) حدث
طلعه بعد الاصداق، (مؤبرة) بأن تشقق طلعه، (لم يلزمها قطفه) أي قطعه ليرجع الزوج في نصف النخل لأنه حدث في ملكها
فتستحق إبقاءه إلى الجداد. ولو طلق بعد وقت جداد الثمرة لزمها قطعه ليأخذ نصف النخل الشجر، وكذا لو
جرت العادة
بقطعه أخضر كالحصرم كما يفهمه إطلاقهم، قال الأذرعي: وفيه احتمال ظاهر. (فإن قطفت) أو قالت له: ارجع وأنا
أقطعه عن النخل، (تعين نصف النخل) إن لم يحصل نقص بقطعه ككسر غصن ولم يمتد زمن قطعه لزوال المانع. (ولو
رضي) الزوج (بنصف النخل وتبقية الثمر إلى جداده أجبرت في الأصح، ويصير النخل) بعد إجبارها (في يدهما) كسائر
الاملاك المشتركة، إذ لا ضرر عليها في ذلك والثاني: لا تجبر، ورجحه جمع، وقال الأذرعي: إنه الأصح أو الصحيح،
لأنه قد يمنعها السقي إن أرادته لتنمية الثمرة عند إضراره بالشجر.
تنبيه: مراد المصنف ما إذا قبض النصف شائعا بحيث برئت من ضمانه، فلو قال: أنا أرضى بنصف النخل وأؤخر
الرجوع إلى بعد الجداد فلها الامتناع وإن أبرأها عن الضمان بأن قال: ارجع ويكون نصيبي وديعة عندك وقد أبرأتك
من ضمانه، لأن نصيبه يكون مضمونا عليها ولا عبرة بالابراء المذكور، لأن الابراء من ضمان العين مع بقائها باطل.
(ولو رضيت به) أي بما ذكر من أخذ الزوج نصف النخل وتبقية الثمر إلى جداده، (فله الامتناع) منه ولا يجبر عليه، (و)
له (القيمة) أي طلبها لأن حقه يثبت معجلا فلا يؤخر إلا برضاه، والتأخير بالتراضي جائز لأن الحق لهما ولا يلزم، فلو
بدا لأحدهما الرجوع عما رضي به جاز، لأن ذلك وعد لا يلزم. ولو وهبته نصف الثمار ليشتركا في الشجر والثمر هل يجبر
على القبول أو لا؟ وجهان، قال في أصل الروضة: أصحهما الأول.
فرع: لو أصدقها نخلة مع ثمرتها ثم طلقها قبل الدخول ولم يرد الصداق رجع في نصف الجميع وإن قطعت
الثمرة لأن الجميع صداق، ويرجع أيضا في نصف الكل من أصدق نخلة مطلعة وطلق وهي مطلعة، فإن أبرت ثم
طلق رجع في نصف الشجرة وكذا في نصف الثمرة إن رضيت لأنها قد زادت، وإلا أحد نصف الشجرة مع نصف
قيمة الطلع.
237

تنبيه: تناثر نور الشجر وظهور ما يبرز بلا نور كالتأبير. (ومتى ثبت خيار له) بسبب نقص الصداق، (أو لها) بسبب
زيادته، أولهما باجتماع الامرين، (لم يملك نصفه حتى يختار ذو) أي صاحب (الاختيار) إن كان لأحدهما، وإن كان لهما
اعتبر توافقهما.
تنبيه: قد سبق أن هذا الاختيار ليس على الفور، لكن إذا طلبه الزوج كلفت الزوجة اختيار أحدهما. ولا يعين
الزوج في طلبه عينا ولا قيمة، لأن التعيين يناقض تفويض الامر إليها، بل يطالبها بحقه عندها. فإن امتنعت من الاختيار
لم تحبس ونزعت منها العين، فإن أصرت بيع منها بقدر الواجب، فإن تعذر بيع الجميع وتعطى الزائد. وإن استوى نصف
العين ونصف القيمة أعطي نصف العين، ومتى استحق الرجوع في العين استقل به. (ومتى رجع بقيمة) المهر في المتقوم
لهلاك الصداق أو غيره، (اعتبر الأقل من) قيمة المهر (يومي الاصداق والقبض) لأن قيمته يوم الاصداق إن كانت أقل
فالزيادة بعد ذلك حدثت في ملكها لا تعلق للزوج بها فلا تضمنها، وإن كانت قيمة يوم القبض أقل فما نقص قبل ذلك
فهو من ضمانه فلا رجوع به عليها.
تنبيه: قضية كلام المتن كالروضة عدم اعتبار الحالة المتوسطة. وقياس ما مر من البيع والثمن اعتبار الأقل بين اليومين
أيضا، وهو المعتمد كما يؤخذ من التعليل ومن تعبير التنبيه وغيره بالأقل من يوم العقد إلى يوم القبض، ونقل عن النص أن
الواجب قيمة يوم القبض، وزعم الأسنوي أنه المفتى به، وأجاب غيره بأن النص مفروض في الزيادة والنقص الحاصلين
بين القبض والتلف، والكلام هنا مفروض في الحاصل من ذلك بين الاصداق والقبض. ويستثنى من إطلاق المصنف
ما لو تلف الصداق بعد الطلاق في يدها فإنها تضمنه بقيمة يوم التلف، لأن ملكه تلف تحت يد ضامنه كالمبيع التالف
تحت يد المشتري بعد الفسخ.
فروع: لو أصدقها حليا فكسرته أو انكسر وأعادته كما كان ثم فارق قبل الدخول لم يرجع فيه إلا برضاها
لزيادته بالصنعة عندها، وكذا لو أصدقها نحو جارية هزلت ثم سمنت عندها كعبد نسي صنعة ثم تعلمها عندها، بخلاف
ما لو أصدقها عبدا فعمي عندها ثم أبصر فإنه يرجع بغير رضاها كما لو تغيب بغير ذلك في يدها ثم زال العيب ثم فارقها.
فإن لم ترض الزوجة برجوع الزوج في الحلي المعاد رجع بنصف وزنه تبرا ونصف قيمة صنعته، وهي أجرة مثلها من نقد
البلد وإن كان من جنسه كما في الغصب فيما لو أتلف حليا، وهذا ما جرى عليه ابن المقري وهو المعتمد، وإن فرق
بعض المتأخرين بين هذا الباب وبين باب الغصب بأنه هناك أتلف ملك غيره فكلفناه رد مثله مع الأجرة، والمرأة إنما
كسرت ملك نفسها فتدفع نصف قيمة الحلي بهيئته التي كانت من نقد البلد وإن كان من جنسه. ولو أصدقها إناء ذهب
أو فضة فكسرته وأعادته أو لم تعده لم يرجع مع نصفه بالأجرة، إذ لا أجرة لصنعته. ولو نسيت المغصوبة الغناء
عند الغاصب لم يضمنه لأنه محرم وإن صح شراؤها بزيادة للغناء على قيمتها بلا غناء وهو محمول على غناء يخاف منه
الفتنة. (و) اعلم أن كل عمل يستأجر عليه كتعليم قرآن وخياطة وخدمة وبناء يجوز جعله صداقا كما يجوز جعله ثمنا، فعلى
هذا (لو أصدق‍) - ها (تعليم قرآن) لها بنفسه وفي تعليمه كلفة لا كثم نظر، أو تعليم حديث أو خط أو شعر أو نحوه مما يصح
الاستئجار على تعليمه، (وطلق) أو فارق بغير طلاق كردته وحده (قبله) أي التعليم بعد دخول أو قبله، (فالأصح
تعذر تعليمه) لأنها صارت محرمة عليه، ولا يجوز اختلاؤه بها. والثاني: لا يتعذر بل يعلمها من وراء حجاب في
غير خلوة إن أمكن. وأجاب الأول بأنا لا نأمن الوقوع في التهمة والخلوة المحرمة لو جوزنا ذلك، قال الرافعي: وليس
سماع الحديث كذلك، فإنا لو لم نجوزه لضاع وللتعليم بدل يرجع إليه اه‍. فإن قيل: الأجنبية يباح النظر إليها للتعليم وهذه
صارت أجنبية فهلا جاز تعليمها أجيب بأن كلا من الزوجين قد تعلقت آماله بالآخرة وحصل بينهما نوع ود فقويت
التهمة فامتنع التعليم لقرب الفتنة، بخلاف الأجنبي فإن قوة الوحشة بينهما اقتضت جواز التعليم. وقيل: المراد بالتعليم
238

الذي يجوز النظر له هو التعليم الواجب كقراءة الفاتحة، فما هنا محله في غير الواجب، ورجح هذا السبكي وقيل: التعليم
الذي يجوز النظر له خاص بالأمرد بخلاف الأجنبية، ورجحه الشارح، والمعتمد الأول.
تنبيه: أفهم تعليلهم السابق أنها لو لم تحرم الخلوة بها كأن كانت صغيرة لا تشتهى أو صارت محرما له برضاع
أو نكحها ثانيا لم يتعذر التعليم، وهو كذلك كما جزم به البلقيني. وبما تقرر علم أن المراد بالتعذر ما يشمل التعسر وإلا
فالتعليم من وراء حجاب بحضرة من تزول معه الخلوة ممكن، وعلى هذا لو تيسر في هذه الحالة التعليم في مجلس كسورة
قصيرة، فالظاهر أنه لا تعذر كما في النهاية وصوبه السبكي، وإن كان ظاهر كلام الجمهور بقاء التعذر، أما ما لا كلفة فيه
كتعليم لحظة أو كلمة كثم نظر فإنه لا يصح كما في نظيره في الإجارة. وخرج بتعليمها بنفسه ما لو أصدقها التعليم في ذمته
وفارق قبله فلا يتعذر التعليم بل يستأجر محرما أو امرأة أو نحوهما يعلمها الكل إن فارق بعد الوطئ، والنصف إن فارق
قبله. ولو لم يحسن الزوج التعليم لما شرط تعليمه لم يصح إصداقه إلا في الذمة، فإن شرط أن يتعلم ثم يعلمها لم يصح
لأن العمل متعلق بعينه والأعيان لا تؤجل. ولو أرادت تعليم غيرها لم يلزم الزوج الإجابة لاختلاف الناس في
الحفظ والفهم.
فروع: لو أصدق زوجته الكتابية تعليم قرآن صح إن توقع إسلامها، وإلا فلا كتعليم التوراة والإنجيل لها أو
لمسلمة فإنه لا يصح، إذ لا يجوز الاشتغال بهما لتبديلهما. ولو أصدقها التوراة والإنجيل وهما كافران فأسلما أو ترافعا
إلينا بعد التعليم فلا شئ لها سواء، أو قبله وجب لها مهر مثل. ولو أصدق زوجته تعليم فقه أو شعر أو نحوه مما ليس
بمحرم أو أصدقها رد عبدها من موضع معلوم صح. ولو أصدقها تعليم عبدها أو ولدها أو ختانه صح إن وجب عليها
لوجوب ذلك عليها وإلا فلا، ولو أصدقها تعليم الفاتحة صح وإن تعين عليه التعليم. ولو أصدق الكتابية تعليم الشهادتين
أو هي أو غيرها أداء شهادة لم يصح، فإن كان في تعليمها كلفة أو محل القاضي المؤدى عنده الشهادة بعيدا
يحتاج فيه
إلى ركوب، فالظاهر الصحة كما قاله الأذرعي. (ويجب) على الأصح عند تعذر التعليم (مهر مثل) على الزوج إن طلق
(بغد وطئ ونصفه) إن طلق (قبله) أي الوطئ جريا على القاعدة. ولو علمها ثم طلقها، فإن كان بعد الدخول فقد
استوفت حقها ولا رجوع، وإن كان قبل الدخول رجع إلى نصف أجرة مثل التعليم.
تنبيه: لو أصدقها تعليم سورة من القرآن أو جزء منه اشترط تعيين المصدق وعلم الزوج والولي بالمشروط تعليمه
فإن لم يعلما أو أحدهما وكلا أو أحدهما من يعلمه، ولا يكفي التقدير بالإشارة إلى المكتوب في أوراق المصحف. ولا يشترط
تعيين الحرف الذي يعلمه لها كقراءة نافع فبعلمها ما شاء كما في الإجارة، ونقل عن البصريين أنه يعلمها ما غلب قراءة
أهل البلد وهو كما قال الأذرعي حسن، وإن لم يكن فيها أغلب علمها ما شاء، فإن عين الزوج والولي حرفا تعين فإن
خالف وعلمها حرفا غيره فمتطوع به فيلزمه تعليم الحرف المعين عملا بالشرط. ولو أصدقها تعليم قرآن أو غيره شهرا
صح لا تعليم سورة في شهر كما في الإجارة. (ولو أطلق) قبل وطئ وبعد قبض الصداق، (وقد زال ملكها عنه) ببيع أو
غيره كهبة مقبوضة، (فنصف بدله) من مثل أو قيمة فإن قيل: هلا كان له نقض تصرفها كالشفيع أجيب بأن حق
الشفيع كان موجودا حين تصرف المشتري، فلذلك تسلط على نقضه والزوج لا حق له عند التصرف، وإنما حدث
حقه بالطلاق، بل حقه ضعف من حق الولد في الرجوع، لأن استحقاق الوالد الرجوع موجود عند تصرف الولد،
فإذا امتنع الرجوع بعد زوال ملك الولد فتعذره بزوال ملك الزوجة أولى.
تنبيه: أفهم كلامه أنه لم يزل ملكها عنه أن الحكم بخلافه، وهو كذلك إن لم يحصل فيه زيادة ونحوها مما
يمنع الرجوع قهرا ولم يتعلق به حق لازم للغير كرهن مقبوض فيمنع الرجوع فيه. والبيع بشرط الخيار إن كان للمشتري
وحده رجع الزوج إلى نصف البدل لانتقال الملك بذلك وإلا فله نصف العين، وأما الإجارة أو التزويج منها للصداق فعيب
ينقص القيمة بذلك، فيتخير الزوج بين رجوعه بنصف القيمة ورجوعه بنصف الصداق مسلوب المنفعة مدة الإجارة،
239

فإن صبر الزوج في صورة الرهن والإجارة والتزويج بأن قال مع اختيار رجوعه بإذن المرتهن في صورته: أنا أصير إلى
انفكاك الرهن وانقضاء مدة الإجارة وزوال الزوجية فلها الامتناع لما عليها من خطر الضمان حتى يقبض هو المرهون
والمستأجر والمزوج وتسلم العين المصدقة للمستحق لها لتبرأ الزوجة من الضمان، فليس لها حينئذ الامتناع لانتفاء العلة. ولو
وصت بعتق العبد المصدق رجع الزوج فيه، لأن الوصية ليست بحق لازم. ولو دبرته أو علقت عتقه بصفة
رجع إن
كانت معسرة لما ذكر ويبقى النصف الآخر مدبرا أو معلقا عتقه بصفة، لا إن كانت موسرة. لأنه قد ثبت له مع قدرة
الزوجة على الوفاء حق الحرية، والرجوع يفوته بالكلية وعدم الرجوع فيه لا يفوت حق الزوج بالكلية. فإن قيل: التدبير
لا يمنع فسخ البائع، ولا رجوع الأصل الواهب في هبته لفرعه، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الثمن عوض محض
ومنع الرجوع في الواهب يفوت الحق بالكلية بخلاف الصداق فيهما.
فرع: لو طلقها قبل الدخول وهو محرم والصداق صيد عاد إليه نصفه، لأن الطلاق لا ينشأ لاجتلاب الملك فأشبه
الإرث وامتنع عليه إرساله للشركة، بخلاف ما لو ارتدت قبل الدخول فإن الصيد يرجع إلى ملكه ويلزمه إرساله، لأن
المحرم ممنوع من إمساك الصيد. (فإن كان) المهر (زال) عن ملكها (وعاد) إلى ملكها ثم طلقها قبل الدخول، (تعلق)
حق الزوج (بالعين) العائدة (في الأصح) لأنه لا بد له من بدل فعين ماله أولى. والثاني: لا، لأن الملك في العين مستفاد من
جهة غير الصداق. وهذا الخلاف من فروع قاعدة الزائل العائد هل هو كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد؟ وله نظائر
كثيرة مختلفة الترجيح، منها لو زال ملك الولد عما وهبه له أصله ثم عاد لم يرجع الأصل في الأصح، وفرق بأن حق
الأصل انقطع بزوال ملك الولد فلم يعد وحق الزوج لم ينقطع بدليل رجوعه في البدل فعاد بالرجوع. (ولو وهبته له)
بلفظ الهبة بعد قبضها له والمهر عين، (ثم طلق) أو فارق بغير طلاق كردة قبل الدخول، (فالأظهر أن له نصف بدله) من
مثل أو قيمة، لأنه ملك المهر قبل الطلاق من غير جهة الطلاق. والثاني: لا شئ له، لأنها عجلت له ما يستحق بالطلاق
فأشبه تعجيل الدين قبل الدخول، ومنع الأول كونه تعجيلا لحقه، فإنها لو صرحت بالتعجيل لم يصح. وخرج بما ذكر
ما لو لم تهبه بلفظ الهبة بل باعته له محاباة فإنه يرجع بنصفه قطعا وإن كانت المحاباة في معنى الهبة، وما لو وهبه له
قبل قبضه فإن الهبة باطلة على المذهب وإن كان في كلام الشارح ما يوهم خلافه، وسيأتي هبة الدين.
تنبيه: لو قال بدل نصفه كما عبر به بعد كان أولى. (وعلى هذا) الأظهر (لو وهبته النصف) من المهر (فله
نصف الباقي) وهو الربع، (وربع بدل كله) لأن الهبة وردت على مطلق النصف فيشيع لراجع فيما أخرجته وما أبقته
بالنصف استحق النصف بالطلاق وقد وجده فيأخذه وتنحصر هبتها في نصيبها، وهذا يسمى قول الحصر، فرجوع الزوج
بالنصف لا خلاف فيه، بل الخلاف في كيفية الرجوع به. (وفي قول يتخير بين
بدل نصف كله أو نصف الباقي وربع بدل كله) لأن في الرجوع بنصف الباقي وبدل نصف الآخر تبعيضا
للتشطير على الزوج فخير.
تنبيه: كان الأولى أن يقول كالمحرر والروضة نصف بدل كله، وكان الأولى أيضا إسقاط ألف أو، لأن بين إنما
تكون بين شيئين، ولكن إثباتها يقع كما قال بعضهم في كلام الفقهاء لا عن قصد. (ولو كان) المهر (دينا) لها
على زوجها (فأبرأته) منه ثم طلقها قبل الدخول، (لم يرجع عليها) بشئ (على المذهب) لأنها لم تأخذ منه مالا
ولم تتحصل منه على شئ بخلافها في هبة العين، والطريق الثاني: طرد قولي الهبة. ولو قبضت الدين ثم وهبته له فالمذهب
أنه كهبة العين. (وليس لولي عفو عن صداق) لموليته (على الجديد) كسائر ديونها، والقديم له ذلك بناء على أنه
240

الذي بيده عقدة النكاح. وحمله الجديد على الزوج لتمكنه من رفعه بالفرقة فيعفو عن حقه ليسلم لها كل المهر إذ لم يبق
للولي بعد العقد عقدة.
تنبيه: للقديم شروط: وهي أن يكون الولي أبا أو جدا لمكان شفقتهما، وأن يكون قبل الدخول، وأن تكون
بكرا صغيرة عاقلة، وأن يكون بعد الطلاق، وأن يكون الصداق دينا في ذمة الزوج لم يقبض.
تتمة: لو خالعها قبل الدخول على غير الصداق استحقه وله نصف الصداق. وإن خالعها على الصداق كله صح
في نصيبها دون نصيبه، ويثبت له الخيار إن جهل التشطير. فإذا فسخ عوض الخلع رجع عليها بمهر المثل وإلا فنصف
الصداق. وإن خالعها على النصف الباقي لها بعد الفرقة صار كل الصداق له نصفه بعوض الخلع ونصفه بالتشطير. وإن
أطلق النصف بأن لم يقيده بالباقي ولا بغيره وقع العوض مشتركا بينهما، فلها عليه ربع المسمى، وله عليها ثلاثة أرباعه
بحكم التشطير وعوض الخلع ونصف مهر المثل بحكم ما فسد من الخلع. وإن خالعها على أن لا تبعة له عليها في المهر صح
وجعلناه على ما يبقى لها منه.
فصل: في أحكام المتعة: وهي بضم الميم وحكي كسرها مشتقة من المتاع، وهو ما يستمتع به، والمراد بها مال يجب
على الزوج دفعه لامرأته المفارقة في الحياة بطلاق وما في معناه بشروط تأتي. ويستوي فيها الحر وغيره، والمسلم والذمي
والحرة وغيرها، والمسلمة والذمية، كما شمل ذلك قوله: يجب (لمطلقة قبل وطئ متعة) على الجديد، (إن لم يجب) لها (شطر
مهر) بأن كانت مفوضة ولم يفرض لها شئ، وادعى الإمام فيه الاجماع لقوله تعالى: * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء
ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن) * الآية، ولان المفوضة لم يحصل لها شئ فتجب لها متعة للايحاش، بخلاف
من وجب لها الشطر. أما إذا فرض لها في التفويض شئ فلا متعة لها، لأنه لم يستوف منفعة بضعها فيكفي شطر مهرها
لما لحقها من الاستيحاش والابتذال. وعن القديم أنها مستحبة لقوله تعالى: * (حقا على المحسنين) *، ولو كانت واجبة لم
يختص بها المحسنون دون غيرهم.
تنبيه: كان الأولى أن يقول: لمطلقة ونحوها ليشمل الملاعنة. ويستثنى من كلامه ما لو زوج أمته بعبده فلا شطر
ولا متعة. (وكذا) يجب (لموطوءة) متعة (في الأظهر) الجديد، سواء أفوض طلاقها إليها فطلقت أو علقه بفعلها ففعلت،
لعموم قوله تعالى: * (وللمطلقات متاع بالمعروف) *، وخصوص قوله تعالى: * (فتعالين أمتعكن) *، وفي هذه الآية تقديم
وتأخير، أي: فتعالين أسرحكن وأمتعكن، وكلهن مدخولات بهن، أو يقال: إن الواو لا تقتضي الترتيب. والثاني، وهو
القديم: لا متعة لها لاستحقاقها المهر وفيه غنية عن المتعة، ولأنها إذا لم تستحقها مع الشطر فمع الكل أولى. وأجاب الأول
بأن جميع المهر وجب في مقابلة استيفاء منفعة البضع فخلا الطلاق عن الجبر، بخلاف من وجب لها النصف فإن بضعها
سلم لها فكان الشطر جابرا للايحاش.
فائدة: في فتاوى المصنف أن وجوب المتعة مما يغفل النساء عن العلم بها فينبغي تعريفهن وإشاعة حكمها ليعرفن
ذلك. (وفرقة لا بسببها) بأن كانت من الزوج كردته ولعانه وإسلامه، أو من أجنبي كإرضاع أم الزوج أو بنت
زوجته ووطئ أبيه أو ابنه لها بشبهة، حكمها (كطلاق) في إيجاب المتعة وعدمه، أي إذا لم يسقط بها الشطر كما اقتضاه
كلام المصنف، وقال الزركشي: إنه لا بد منه. فإن قيل: كيف يتصور وجوب المتعة للزوجة الصغيرة في مسألة الارضاع
وقد تقرر أن المتعة مختصة بالتفويض أو الدخول وكلاهما مستحيل فيمن هو في سن الارضاع؟ أما الدخول فواضح
وأما التفويض فإنها لو زوجت بالتفويض وجب لها مهر المثل أجيب بتصور ذلك في أمة صغيرة زوجها سيدها بالتفويض
لعبد فإن الحر لا ينكح أمة صغيرة، وفيما إذا زوج الكافر ابنته الصغيرة كافرا مفوضة وكان عندهم أن لا مهر للمفوضة وأرضعتها
أمه أو ابنته ثم ترافعا إلينا فإنا نقضي بصحة النكاح ولزوم المتعة. أما إذا كانت الفرقة منها أو بسببها كردتها وإسلامها
ولو تبعا أو فسخه بعيبها فلا متعة لها، سواء كانت قبل الدخول أم بعده، لأن المهر يسقط بذلك ووجوبه آكد من
241

وجوب المتعة، بدليل أنهما لو ارتدا معا لا متعة ويجب الشطر، والفرق أن ملكها للصداق سابق على الردة بخلاف
المتعة، ومثل ذلك ما لو سبيا معا. ولو اشتراها الزوج لم تستحق متعة وإن استدعى الزوج شراءها لأنها تجب بالفرقة
فتكون للمشتري، فلو أوجبناها لأوجبناها له على نفسه فلم تجب، بخلاف المهر فإنه يجب بالعقد فوجب للبائع. وتجب
المتعة لسيد الأمة وفي كسب العبد كالمهر. (ويستحب أن لا تنقص) المتعة (عن ثلاثين درهما) أو ما قيمته ذلك، قال في البويطي: وهذا
أدنى المستحب، وأعلاه خادم، وأوسطه ثوب اه‍. ويسن أن لا تبلغ نصف مهر المثل كما قاله ابن المقري، فإن بلغته
أو جاوزته جاز لاطلاق الآية. قال البلقيني وغيره: ولا يزيد وجوبا على مهر المثل، ولم يذكروه اه‍. ومحل
ذلك ما إذا
فرضه الحاكم، ويشهد له من كلام الأصحاب نظائر: منها أن الحاكم لا يبلغ بحكومة عضو مقدره، ومنها أن لا يبلغ بالتعزير
الحد وغير ذلك. أما إذا اتفق عليها الزوجان فلا يشترط ذلك، ويحمل على هذا كلام من اعترض على البلقيني، وقال:
الأوجه خلاف كلامه، بل مقتضى النظائر أن لا يصل إلى مهر المثل إذا فرضها القاضي، وهو ظاهر. ثم إن تراضيا على
شئ فذاك، (فإن تنازعا) في قدرها (قدرها القاضي بنظره) أي اجتهاده بحسب ما يليق بالحال، (معتبرا حالهما) من يسار الزوج
وإعساره ونسبها وصفاتها، لقوله تعالى: * (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) * * (وللمطلقات متاع بالمعروف) *. (وقيل) يعتبر
(حاله) فقط، لظاهر الآية وكالنفقة. (وقيل: حالها) فقط لأنها كالبدل عن المهر وهو معتبر. (وقيل) لا يقدرها بشئ،
بل الواجب (أقل مال) متمول كما يجوز جعله صداقا. وفرق بأن المهر بالتراضي، وعلى تقديره يجب ما يقرره.
فصل: في التحالف عند التنازع في المهر المسمى: إذا (اختلفا) أي الزوجان قبل وطئ أو بعده مع بقاء الزوجية
أو زوالها، (في قدر مهر) مسمى وكان ما يدعيه الزوج أقل كقوله: عقد بألف، فقالت: بل بألفين، (أو) في (صفته) الشاملة
لجنسه والحلول والتأجيل وقدر الاجل، كأن قالت: بألف دينار، فقال: بل بألف درهم، أو قالت: بألف صحيحة، فقال:
بل مكسرة، أو بحال فقالت: بل بمؤجل أو بمؤجل إلى سنة، فقال: بل إلى سنتين، ولا بينة لأحدهما أو تعارضت بينتاهما، (تحالفا)
قياسا على البيع، لأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه. وكيفية اليمين ومن يبدأ به على ما مر في البيع، لكن يبدأ هنا
بالزوج لقوة جانبه بعد التحالف ببقاء البضع له.
تنبيه: لو وجب مهر مثل لفساد التسمية ونحوه فاختلفا في مقداره فلا تحالف، ويصدق الزوج بيمينه لأنه غارم
والأصل براءة ذمته عما زاد. (ويتحالف) عند الاختلاف السابق أيضا (وارثاهما أو وارث واحد) منهما (والآخر) لقيامه
مقام مورثه.
تنبيه: قضيته أنه كتحالف الزوجين، وليس مرادا، فإن الزوجين يحلفان على البت في النفي والاثبات،
والوارث يحلف على البت في الاثبات، ونفي العلم في النفي على القاعدة في الحلف على فعل الغير، فيقول وارث الزوج:
والله لا أعلم أن مورثي نكحها بألف وإنما نكحها بخمسمائة، ويقول وارث الزوجة: والله لا أعلم أنه نكح مورثتي
بخمسمائة وإنما نكحها بألف. (ثم) بعد التحالف المذكور (يفسخ المهر) المسمى لمصيره بالتحالف مجهولا، ولا
ينفسخ بنفس التحالف كالبيع. وأشار إلى فائدة التحالف بقوله: (ويجب مهر مثل) وإن زاد على ما ادعته، لأنهما
لما تحالفا وجب رد البضع وهو لا يمكن فيجب بدله كالمبيع التالف. والكلام فيمن يفسخه على الخلاف فيمن يفسخ
البيع بعد التحالف، وفي أنه هل يفسخ ظاهرا وباطنا أو ظاهرا فقط الخلاف في البيع. أما إذا كان مدعى الزوج الأكثر
242

فلا تحالف لأنه معترف لها بما يدعيه وزيادة ويبقى الزائد في يده. (ولو ادعت تسمية) لقدر أكثر من مهر مثلها
(فأنكر) ذكر (ها) لها بأن قال: لم تقع تسمية ولم يدع تفويضا يفسد النكاح، (تحالفا في الأصح) لأن
حاصله الاختلاف في قدر المهر، لأنه يقول الواجب مهر المثل وهي تدعي زيادة عليه والثاني: يصدق الزوج بيمينه لموافقته
للأصل ويجب مهر المثل. ولو ادعى تسمية لقدر أقل من مهر المثل فأنكرت ذكرها تحالفا أيضا على الأصح. فإن
كان قدر مهر المثل أو أكثر منه أو كان من غير نقد البلد تحالفا أيضا كما ذكره ابن الرفعة. أما إذا ادعى التفويض
فالأصل عدم التسمية من جانب وعدم التفويض من جانب، فيحلف كل منهما على نفي مدعى الآخر تمسكا بالأصل. وإن
ادعى أحدهما التفويض والآخر السكوت عن المهر صدق الآخر بيمينه لأن الأصل عدم التفويض فيجب مهر المثل،
فإن كان ترك التسمية يفسد النكاح لوقوعه من غير جائزة التصرف فلا تحالف (ولو ادعت نكاحا ومهر مثل)
لعدم تسمية صحيحة، (فأقر بالنكاح وأنكر المهر) بأن نفاه في العقد، (أو سكت) عنه ولم يدع تفويضا، (فالأصح)
عدم سماع ذلك منه. و (تكليفه البيان) لمهر المثل لأن النكاح يقتضي المهر. (فإن ذكر قدرا وزادت) عليه (تحالفا)
وهو في الحقيقة تحالف في قدر مهر المثل. (وإن أصر) الزوج (منكرا حلفت) أي الزوجة اليمين المردودة أنها تستحق
عليه مهر مثلها (وقضي لها) به والثاني: لا يكلف بيان مهر، والقول قوله بيمينه أنها لا تستحق عليه مهرا لأن الأصل
براءة ذمته. والثالث: القول قولها بيمينها لأن الظاهر معها. قال الزركشي: وهذه المسألة قريبة في المعنى من التي قبلها
وإنما الاختلاف بينهما في التصوير. وفرق غيره بينهما بأن تلك في إنكار التسمية المقتضية لمهر المثل بأن ادعت زائدا
على مهر المثل أو شيئا من غير جنسه فيتحالفان. وأما هذه فالزوج فيها منكر المهر أصلا، ولا سبيل إلى إنكاره
مع اعترافه بالنكاح، فلذلك كلف البيان لمهر مثل، فإن ذكر قدرا أنقص مما ذكرت تحالفا، وإن أصر على الانكار
حلفت وقضي لها. (ولو اختلف في قدره زوج وولي صغيرة أو مجنونة تحالفا في الأصح) لأن الولي هو العاقد وله
ولاية قبض المهر، فكان اختلافه مع الزوج كاختلاف البالغة معه، ولأنه يقبل إقراره في النكاح والمهر فلا يبعد تحليفه.
وفائدة التحالف أنه ربما ينكل الزوج فيحلف الولي فيثبت مدعاه. ولك أن تقول كما قال شيخنا: إن هذه الفائدة
تحصل بتحليف الزوج من غير تحالف. والثاني: لا تحالف، لأنا لو حلفنا الولي لأثبتنا بيمينه حق غيره، وذلك محذور.
ويؤيده ما في الدعاوى من أنه لو ادعى دينا لموليته فأنكر المدعى عليه ونكل لا يحلف. وإن ادعى مباشرة سببه
وأجاب الأول بأن حلفه هناك مطلقا على استحقاق موليه فهو حلف للغير فلا يقبل النيابة، وهنا على أن العقد وقع
هكذا فهو حلف على فعل نفسه، والمهر يثبت ضمنا، ويغتفر في الضمن ما لا يغتفر في غيره، وإنما يتحالفان إذا ادعى
ولي الصغيرة أو المجنونة الزيادة على مهر المثل واعترف الزوج بمهر المثل، فإن ادعى الزوج دون مهر المثل فلا تحالف
لأنه يجب مهر المثل بدونه وإن نقص الولي، وإنما لم يتحالفا كما لو ادعى الزوج مهر المثل ابتداء لأنه يدعي تسمية
فاسدة، فلا عبرة بدعواه، ولو اعترف الزوج بقدر يزيد على مهر المثل وادعى الولي أكثر فلا تحالف لئلا يرجع
الواجب إلى مهر المثل، فيرجع فيه إلى قول الزوج، ولكن لا بد من تحليفه على نفي الزيادة كما قاله البلقيني رجاء أن
ينكل فيحلف الولي ويثبت مدعاه، ولو ادعى الولي مهر المثل أو أكثر وذكر الزوج أكثر من ذلك لم يتحالفا بل
يؤخذ بما قاله الزوج، ولو نكل الولي انتظر بلوغ الصبية كما رجحه الإمام وغيره فلعلها تحلف، وتحلف صغيرة بلغت
عاقلة قبل التحالف لأنها من أهل اليمين فلا يحلف الولي، ويجري هذا الحكم في اختلاف المرأة مع ولي الصغير وفي
اختلاف ولي الزوجين الصغيرين. ولا يحلف مجبر البالغة العاقلة بل هي التي تحلف لأنها من أهل اليمين، بخلاف الوكيلين
في العقد المالي كالبيع فيحلفان لأنهما العاقدان بخلاف الموكلين، وأما الوكيل في عقد النكاح فكالولي فيما ذكره.
243

ولا يحلف ولي الصغيرة فيما لم ينشئه، فلو ادعى على رجل أنه أتلف مالها وأنكر المدعي عليه ونكل لم يحلف هو يمين
الرد لأنه لا يتعلق بإنشائه بل يحلف المدعى عليه. فإن نكل لم يقض بنكوله بل يتوقف حتى يبلغ الصبي أو الصبية
ويحلف، وكالصغير والصغيرة فيما ذكر المجنون والمجنونة. (ولو قالت) في دعواها على زيد مثلا (نكحني يوم كذا) كالسبت
(بألف ويوم كذا) كالخميس (بألف، وثبت العقدان بإقراره أو ببينة) أو بيمينها بعد نكوله، (لزمه ألفان) لامكان صحة
العقدين بأن يتخللهما خلع، ولا حاجة إلى التعرض له ولا للوطئ في الدعوى. أما عدم التعرض لتخلل الفرقة فلان
العقد الثاني لا يكون إلا بعد ارتفاع الأول، وأما عدم التعرض للوطئ فلان المسمى في كل عقد يجب بالعقد، والأصل
بقاؤه حتى يثبت إسقاطه. (فإن قال) الزوج: (لم أطأ فيهما) أي العقدين، (أو في أحدهما، صدق بيمينه) لأن الأصل عدم
الوطئ، (وسقط الشطر) من الألفين أو أحدهما لأنه فائدة تصديقه.
تنبيه: صورة المسألة إذا ادعى عدم الوطئ في الثاني أن يدعي الطلاق، وإلا فمجرد دعوى عدم الوطئ لا يسقط الشطر
في الثاني وإنما يسقطه في الأول. (وإن قال: كان الثاني تجديد لفظ) للعقد الأول (لا عقدا) ثانيا، (لم يقبل) قوله لمخالفته
الظاهر، وله تحليفها على نفي ما ادعاه لامكانه.
فروع: لو أعطاها مالا فقالت: أعطيته هدية وقال: بل صداقا، فالقول قوله بيمينه وإن لم يكن المعطى من جنس
الصداق لأنه أعرف بكيفية إزالة ملكه. ولو أعطى من لا دين له عليه شيئا، وقال: أعطيتك إياه بعوض وأنكر صدق
المنكر بيمينه. فإن قيل: لم لم يقل إنه أعرف بكيفية إزالة ملكه كما مر؟ أجيب بأن الزوج مستقل بأداء الدين وبقصده
وبأنه يريد إبراء الذمة، بخلاف من لا دين عليه فيهما. وتسمع دعوى تسليم الصداق إلى ولي صغيرة ومجنونة وسفيهة
لا ولي رشيدة ولو بكرا، فلا تسمع دعواه عليه إلا إذا ادعى إذنها نطقا فتسمع عليه للاذن الصريح له في القبض. ولو اختلفا
في عين المنكوحة صدق كل منهما فيما نفاه بيمينه لأنه اختلاف في عقدين. وإن قال لامرأتين: تزوجتكما بألف، فقالت
إحداهما: بل أنا فقط بألف تحالفا لأنه اختلاف في قدر مهر المتفق على نكاحها، وأما الأخرى فالقول قولها في نفي النكاح.
ولو قالت حرة لمن يملك أبويها ونكحها بأحدهما معينا: أصدقتني أمي فقال: بل أباك تحالفا وفسخ عقد الصداق ووجب لها
عليه مهر المثل، إلا إن نكلا أو نكلت وحلف فلا يجب لها مهر، لأن من ادعى شيئا ونكل عن اليمين بعد الرد كان
كمن لم يدع شيئا. وعتق الأب دون الام في الصور كلها بإقراره الزوج بدخوله في ملك من يعتق عليه ووقف ولاؤه لأنه
يقول هو لها وهي منكرة، ولا تعتق الام إلا إن نكل وحلفت. ولو أصدقها جارية ثم وطئها عالما بالحال قبل الدخول
لم يحد لشبهة اختلاف العلماء في أنها هل تملك قبل الدخول جميع الصداق أو نصفه فقط أو بعده حد، ولا تقبل دعوى
جهل ملك الجارية بالدخول إلا من قريب عهد بالاسلام أو ممن نشأ ببادية عن العلماء.
فصل: في الوليمة: واشتقاقها كما قال الأزهري من الولم وهو الاجتماع لأن الزوجين يجتمعان، ومنه:
أو لم الرجل إذا اجتمع عقله وخلقه. وهي تقع على كل طعام يتخذ لسرور حادث من عرس وأملاك وغيرهما،
لكن استعمالها مطلقة في العرس أشهر، وفي غيره بقيد. ويقال وليمة ختان أو غيره، وهي لدعوة الاملاك، وهو العقد:
وليمة ملاك وشندخي. وللختان إعدار بكسر الهمزة وإعجام الذال. وللولادة عقيقة. وللسلامة من الطلق خرس بضم
الخاء المعجمة وسين مهملة وتقال بصاد، وللقدوم من السفر نقيعة من النقع، وهو الغبار، وهي طعام يصنع له، سواء
أصنعه القادم أم صنعه غيره له كما أفاده كلام المجموع في آخر صلاة المسافر. وللبناء وكيرة: من الوكر، وهو المأوى.
وللمصيبة وضيمة بكسر الضاد المعجمة، وقيل: هذه ليست من الولائم نظرا لاعتبار السرور، لكن ظاهر كلامهم أنه
244

منها، ويوجه كلامهم بأن اعتبار السرور إنما هو في الغالب. ولحفظ القرآن حذاق بكسر الحاء المهملة وبذال
معجمة.
وبلا سبب مأدبة بضم الدال وفتحها. والكل مستحب، قال الأذرعي: والظاهر أن استحباب وليمة الختان محله في
ختان الذكور دون الإناث فإنه يخفى ويستحيا من إظهاره، ويحتمل استحبابه للنساء فيما بينهن خاصة، أي وهذا أوجه
قال: وأطلقوا استحباب الوليمة للقدوم من السفر، والظاهر أن محله في السفر الطويل لقضاء العرف به. أما من غاب يوما
أو أياما يسيرة إلى بعض النواحي القريبة فكالحاضر. وآكدها (وليمة العرس) بضم العين مع ضم الراء وإسكانها، فإنها (سنة)
مؤكدة لثبوتها عنه (ص) قولا وفعلا، وفي البخاري: أنه (ص) أولم على بعض نسائه بمدين من
شعير، وأنه أولم على صفية بتمر وسمن وأقط، وأنه قال لعبد الرحمن بن عوف وقد تزوج: أولم ولو بشاة. وأقلها للتمكن
شاة ولغيره ما قدر عليه. قال النسائي: والمراد أقل الكمال شاة لقول التنبيه: وبأي شئ أولم من الطعام جاز. وهو يشمل
المأكول والمشروب الذي يعمل في حال العقد من سكر وغيره. وقد جمع بعضهم أسماء الولائم في أبيات فقال:
وللضيافة أسماء ثمانية * وليمة العرس ثم الخرس للولد
كذا العقيقة للمولود سابعة * ثم الوكيرة للبنيان إن تجد
ثم النقيعة عند العود من سفر * وفي الختان هو الاعدار فاجتهد
وضيمة لمصاب ثم مأدبة * من غير ما سبب جاءتك بالعدد
والشندخي لاملاك فقد كملت * تسعا وقل للذي يدريه فاعتمد
وقوله: قل للذي يدريه: أي الشندخي. وأهمل الناظم عاشرا وهو الحذاق. ولم يتعرضوا لاستحباب الوليمة للتسري،
وقد صح. أنه (ص) لما أولم على صفية قالوا: إن لم يحجبها فهي أم ولد وإن حجبها فهي امرأته، وفيه دليل
على عدم اختصاص الوليمة بالزوجة وندبها للتسري، إذ لو اختصت بالزوجة لم يترددوا في كونها زوجة أو سرية.
تنبيه: لم يتعرضوا لوقت الوليمة، واستنبط السبكي من كلام البغوي أن وقتها موسع من حين العقد فيدخل وقتها به.
والأفضل فعلها بعد الدخول، لأنه (ص) لم يؤلم على نسائه إلا بعد الدخول، فتجب الإجابة إليها من حين
العقد وإن خالف الأفضل، خلافا لما بحثه ابن السبكي في التوشيح. (وفي قول) كما حكاه في المهذب، (أو وجه) كما في غيره،
(واجبة) عينا لظاهر الامر في خبر عبد الرحمن السابق. والأول حمله على الندب قياسا على الأضحية وسائر الولائم،
ولأنه أمر فيه بالشاة، ولو كان الامر للوجوب لوجبت، وهي لا تجب إجماعا لا عينا ولا كفاية.
تنبيه: لو نكح أربعا هل يستحب لكل واحدة وليمة واحدة عن الجميع أو يكفيه، أو يفصل بين العقد الواحد
والعقود؟ قال الزركشي: فيه نظر اه‍. والأوجه الأول كما قاله غيره. (والإجابة إليها) أي وليمة العرس على القول بأنها
سنة، (فرض عين) لخبر الصحيحين: إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها، وخبر مسلم: شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها
الأغنياء وتترك الفقراء، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله. قالوا: والمراد وليمة العرس لأنها
المعهودة
عندهم. ويؤيده ما في الصحيحين مرفوعا: إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب وحكى ابن عبد البر وغيره الاجماع
على ذلك. (وقيل) الإجابة إليها فرض (كفاية) لأن المقصود النكاح والتمييز عن السفاح، وهو حاصل بحصول
البعض. (وقيل: سنة) لأنه تمليك مال فلم يجب كغيره، والخبر محمول على تأكد الاستحباب. أما على القول بأنها واجبة
فإن الإجابة تجب قطعا، قاله المتولي وتابعاه.
تنبيه: قضية قوله: إليها عدم الإجابة إلى غيرها من الولائم وهو الصحيح، بل هي سنة لما في مسند أحمد عن
الحسن قال: دعي عثمان بن أبي العاصي إلى ختان فلم يجب وقال: لم يكن يدعي له على عهد رسول الله (ص).
وقيل: يطرد الخلاف السابق، واختاره السبكي وغيره، ففي مسلم: من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب،
وفي سنن أبي داود: إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو غيره وقضيتهما وجوب الإجابة في سائر الولائم، وبه أجاب
245

جمهور العراقيين كما قاله الزركشي. (وإنما تجب) الإجابة، (أو تسن) كما مر (بشرط) أي بشروط، منها: (أن لا يخص)
بالدعوة (الأغنياء) لغناهم، لخبر: شر الطعام بل يعم عشيرته أو جيرانه أو أهل حرفته وإن كانوا كلهم أغنياء.
وليس المراد أن يعم جميع الناس لتعذره، بل لو كثرت عشيرته أو نحوها. أو خرجت الضبط، أو كان فقيرا لا يمكنه
استيعابها، فالوجه كما قال الأذرعي عدم اشتراط عموم الدعوة، بل الشرط أن لا يظهر منه قصد التخصيص، قال
بعض المتأخرين: ولو لغير الأغنياء، وليس بظاهر، بل لو خص بذلك الفقراء كان أولى. ومنها أن يكون الداعي مسلما،
فلو كان كافرا لم تجب إجابته لانتفاء طلب المودة معه، ولأنه يستقذر طعامه لاحتمال نجاسته وفساد تصرفه، ولهذا لا يستحب
إجابة الذمي كاستحباب إجابة المسلم فيما يستحب فيه إجابته، ويؤخذ من هذا أنه يستحب إجابة الذمي وإن كرهت
مخالطته. ومنها أن يكون المدعو مسلما أيضا، فلو دعا مسلم كافرا لم تجب إجابته كما قاله الماوردي والروماني. (و) منها (أن
يدعوه في اليوم الأول، فإن أولم ثلاثة) من الأيام أو أكثر، (لم تجب) إجابته (في) اليوم (الثاني) قطعا بل تسن فيه، (وتكره
في الثالث) وفيما بعده، ففي سنن أبي داود وغيره أنه (ص) قال: الوليمة في اليوم الأول حق، وفي الثاني معروف،
وفي الثالث، أي وفيما بعده رياء وسمعة. نعم لو لم يمكنه استيعاب الناس في اليوم الأول لكثرتهم أو صغر منزله أو
غيرهما وجبت الإجابة، لأن ذلك في الحقيقة كما قال الأذرعي كوليمة واحدة دعي الناس إليها أفواجا في يوم واحد،
ولو أولم في يوم واحد مرتين لغير عذر مما مر فالظاهر كما قال الزركشي أن الثانية كاليوم الثاني فلا تجب الإجابة. ومنها
أن يكون الداعي مطلق التصرف، فلا تطلب إجابة المحجور عليه لصبا أو جنون أو سفه وإن أذن وليه، لأنه مأمور
بحفظ ماله لا بإتلافه. نعم إن اتخذها الولي من ماله وهو أب أو جد فالظاهر كما قال الأذرعي وجوب الحضور. (و) منها
(أن لا يحضره) أي يدعوه (لخوف) منه لو لم يحضره، (أو طمع في جاهه) أو إعانته على باطل، بل للتودد والتقرب، وكذا
لا يقصد شئ كما اقتضاه كلامه ومنها أن يعين المدعو بنفسه أو نائبه، لا أن نادى في الناس، كأن قال لغيره: ادع من
شئت، أو فتح الباب وقال: ليحضر من أراد، لأن الامتناع حينئذ لا يورث وحشة. ومنها أن لا يعتذر المدعو إلى الداعي
ويرضى بتخلفه وإلا زال الوجوب. ومنها أن لا يسبق الداعي غيره، فلو دعاه اثنان أجاب السابق، فإن جاءا معا أجاب
أقربهما رحما ثم داره. ومنها أن لا يدعوه من أكثر ماله حرام، فمن كان كذلك كرهت إجابته، فإن علم أن عين الطعام
حرام حرمت إجابته وإلا فلا وتباح الإجابة، ولا تجب إذا كان في ماله شبهة، ولهذا قال الزركشي: لا تجب الإجابة في
زماننا اه‍. ولكن لا بد أن يغلب على الظن أن في مال الداعي شبهة. ومنها أن لا يكون الداعي امرأة أجنبية وليس في موضع
الدعوة محرم لها ولا للمدعو وإن لم يحل بها. ومنها أن يكون المدعو حرا، فلو دعا عبدا لزمه إن أذن له سيده، وكذا
المكاتب إن لم يضر حضوره بكسبه، فإن ضر وأذن له سيده فوجهان، والأوجه عدم الوجوب، والمحجور في إجابة
الدعوة كالرشيد. ومنها أن يدعوه في وقت الوليمة، وقد تقدم. ومنها أن لا يكون المدعو قاضيا، فإن كان لم تجب الإجابة
كما بحثه بعض المتأخرين، وكذا كل ذي ولاية عامة. ومنها أن لا يكون معذورا بمرخص في ترك الجماعة كما قاله الروياني
والماوردي. ومنها أن لا يكون الداعي ظالما أو فاسقا أو شريرا أو متكلفا طلبا للمباهاة والفخر، قاله في الاحياء. ومنها
أن لا يتعين على المدعو حق كأداء شهادة وصلاة جنازة. (و) منها (أن لا يكون ثم) أي في موضع الدعوة (من يتأذى) المدعو (به.
أو لا يليق به مجالسته) كالأراذل، فإن كان فهو معذور في التخلف لما فيه من التأذي في الأول والغضاضة في الثاني، ولا أثر
لعداوة بينه وبين الداعي، وأن لا يكون في الوليمة عدو له لا يتأذى به كما قاله الماوردي، وبحث الزركشي أن العداوة الظاهرة عذر.
(و) منها أن (لا) يوجد ثم (منكر) كخمر، أو ملاه محرمة، لحديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار
246

عليها الخمر رواه الترمذي وقال: حسن غريب، وصححه الحاكم وقال: إنه على شرط مسلم.
تنبيه: يشمل إطلاقه ما لو كان هناك داعية إلى بدعة ولا يقدر المدعو على رده، وما إذا كان هناك من يضحك
بالفحش والكذب وبه صرح في الاحياء، وما إذا كان هناك آنية نقد وبه صرح في شرح مسلم. (فإن كان)
المنكر (يزول بحضوره فليحضر) حتما إجابة للدعوة وإزالة للمنكر، فإن لم يزل بحضوره حرم الحضور لأنه كالرضا
بالمنكر، فإن لم يعلم به حتى حضر نهاهم، فإن لم ينتهوا وجب الخروج إلا إن خاف منه كأن كان في ليل وخاف وقعد
كارها بقلبه ولا يسمع لما يحرم استماعه، وإن اشتغل بالحديث والاكل جاز له ذلك، كما لو كان ذلك في جوار بيته لا يلزمه
التحول وإن بلغه الصوت. ولو كان المنكر مختلفا فيه كشرب النبيذ والجلوس على الحرير حرم الحضور على معتقد تحريمه،
قاله الشارح ناقلا له نقل المذهب. وهذه المسألة مما يغفل عنها كثير من طلبه العلم. وقد قلتها في مجلس فيه جماعة
من علمائنا فأنكرها بعضهم، فقلت له: هذه المسألة قالها الجلال المحلي، فسكت. ويؤيد هذه المسألة قول المصنف:
(ومن المنكر فراش) أي فرش (حرير) للنهي عن افتراشه كما مر في بابه. فإن قيل: هذا يخالف قولهم في كتاب
السير: لا ينكر إلا المجمع على تحريمه أجيب بأن الخلاف إنما يراعى إذا لم يخالف سنة صحيحة. والسنة قد صحت
بالنهي عن الافتراش، فلا عبرة بخلاف يصادم النص، ولهذا حد الشافعي رضي الله تعالى عنه شارب النبيذ المختلف
فيه. ومن ذلك يؤخذ ما أفنى به ابن الرفعة من أن الفرجة على الزينة حرام، أي لما فيها من المنكرات.
تنبيه: محل ما ذكره المصنف في دعوة اتخذت للرجال، فأما دعوة النساء خاصة فينبني على افتراشهن للحرير،
فإن منعناه لهن فلا فرق وإن جوزناه وهو الأصح كما مر في بابه فليس بمنكر. والتقييد بالافتراش يخرج ستر الجدار
به مع أنه حرام على الرجال والنساء. ولو حذف الحرير وقال ك الغزالي: وفرش غير حلال كان أولى، ليشمل فرش
المغصوب والمسروق وفرش جلود النمور فإنها حرام كما قاله الحليمي وابن المنذر وغيرهما، ولينبه على أن المحرم المصدر
أعني الفرش لا الفراش، لأنه قد يكون مطويا ولا حرمة فيه. (و) من المنكر أن في موضع الدعوة (صورة
حيوان) آدميا كان أو غيره، كبيرا أو صغيرا، على صورة حيوان معهود كفرس أم لا كآدمي بجناحين، مرفوعة كأن
كانت (على سقف أو جدار أو وسادة) منصوبة، كما في المحرر والروضة وأصلها، (أو ستر) بكسر المهملة بخطه معلق
لزينة أو منفعة، (أو) على (ثوب ملبوس) لأنه (ص) امتنع من الدخول على عائشة رضي الله تعالى عنها من
أجل النمرقة التي عليها التصاوير، فقالت: أتوب إلى الله ورسوله مما أذنبت، فقال: ما بال هذه النمرقة؟ فقالت: اشتريتها
لك لتقعد عليها وتتوسدها، فقال (ص): إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون فيقال لهم أحيوا
ما خلقتم، وإن البيت الذي فيه هذه الصور لا تدخله الملائكة متفق عليه، وقال: أشد الناس عذابا يوم القيامة
المصورون ولأنها شبيهة بالأصنام.
تنبيه: قضية كلام المصنف تحريم دخول البيت المشتمل على هذه الصور، وكلام أصل الروضة يقتضي ترجيح
عدم تحريمه حيث قال: وهل دخول البيت الذي فيه الصور المصنوعة حرام أو مكروه؟ وجهان، وبالتحريم قال الشيخ
أبو محمد، وبالكراهة قال صاحب التقريب والصيدلاني ورجحه الإمام والغزالي في الوسيط اه‍. وفي الشرح الصغير
عن الأكثرين أنهم مالوا إلى الكراهة وصوبه الأسنوي، وهذا هو الراجح كما جزم به صاحب الأنوار، ولكن حكى
في البيان عن عامة الأصحاب التحريم، وبذلك علم أن مسألة الدخول غير مسألة الحضور خلافا لما فهمه الأسنوي.
وكصور الحيوان في ذلك فرش الحرير كما يومئ إليه كلام الروضة. وخرج بكون الصورة في موضع الدعوة إذا كانت
في الممر، فلا بأس بدخول الحمام الذي على بابه صور كما في الشرح والروضة، وبالوسادة المنصوبة وغير المنصوبة،
وسيأتي في كلامه التجويز في المخدة، والوسادة والمخدة لفظان مترادفان، وجمع بين كلاميه بأن مراده بالجواز في المخدة
247

الصغيرة التي يتكأ عليها، وبالمنع في الوسادة الكبيرة المنصوبة كما عبر به في الروضة، وتعبير الكتاب لا يدل عليه
وإنما يحمل عليه عناية به. وقول المصنف: وثوب ملبوس يقتضي أنه إنما يكون منكرا في حال كونه ملبوسا، قال
الأذرعي: ويجوز أن يكون المراد ما يراد للبس، سواء كان ملبوسا في تلك الساعة أم معلقا أم موضوعا على الأرض اه‍.
والأوجه ما في الكتاب.
فائدة: يستثنى من صورة الحيوان لعب البنات، فلا تحرم كما في شرح مسلم للمنصف تبعا للقاضي عياض في نقله
ذلك عن العلماء، ولان عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تلعب بها عند رسول الله (ص)، رواه مسلم.
وحكمته تدريبهن أمر التربية، وقد علم مما تقرر أن ما تركه المصنف من الشروط أكثر مما ذكره، والمرأة إن دعت
نساء فكما في الرجال. (ويجوز ما) أي صورة حيوان كائنة (على أرض وبساط) يوطأ (ومخدة) يتكأ عليها
وآنية تمتهن الصور باستعمالها كطبق وخوان وقصعة، والضابط في ذلك إن كانت الصورة على شئ مما يهان جاز
وإلا فلا، لما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي (ص) قدم من سفر وقد سترت على صفة
لها سترا فيه الخيل ذوات الأجنحة فأمر بنزعها وفي رواية: قطعنا منها وسادة أو وسادتين، وكان رسول الله (ص)
يرتفق بهما وكذا استدلوا به. قال السبكي: وفيه نظر، إذ يحتمل كون القطع في موضع الصورة فزالت
وجعلت وسادة اه‍. وقد يجاب بأن الأصل عدم ذلك ولان ما يوطأ ويطرح مهان مبتذل، وأما الصورة المنقوشة على
دينار أو درهم فالقياس كما قال الزركشي إلحاقها بالثوب، أي غير الملبوس، لامتهانه بالاستعمال.
تنبيه: أشعر كلامه وجوب الإجابة مع وجود هذه الأشياء وتجويز استعمالها، وهو كذلك في الأول دون الثاني،
فإن الصحيح تحريم التصوير على الأرض وغيرها كما سيأتي وتعبيره أولا بالوسادة وثانيا بالمخدة يقتضي
المغايرة بينهما،
وقد تقدم ما فيه. (و) يجوز مرتفع (مقطوع الرأس وصورة شجر) ونحوه مما لا روح فيه كشمس وقمر، لما روى
البخاري عن ابن عباس لما قال له المصور: لا أعرف صنعة غيرها، قال: إن لم يكن فصور من الأشجار وما لا نفس له.
(ويحرم تصوير حيوان) للحديث المار، ولما فيه من مضاهاة خلق الله تعالى. قال المتولي: وسواء أعمل لها رأسا أم لا
خلافا لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه. وقال الأذرعي: إن المشهور عندنا جواز التصوير إذا لم يكن له رأس لما أشار إليه
الحديث من قطع رؤوسها اه‍. وهذا هو الظاهر.
تنبيه: قضية إطلاق المصنف أنه لا فرق في تصويره على الحيطان أو الأرض أو نسج الثياب، وهو الصحيح
في زيادة الروضة. (ولا تسقط إجابة بصوم) لخبر مسلم: إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان مفطرا فليطعم، وإن كان صائما
فليصل، والمراد بالصلاة الدعاء، بدليل رواية ابن السني: فإن كان صائما دعا له بالبركة ولا يلزمه الاكل إذا كان مفطرا
لخبر مسلم إن النبي (ص) قال: إذا دعي أحدكم إلى طعام (فليجب)، فإن شاء طعم وإن شاء ترك. وقيل: يلزمه، لما
في رواية لمسلم: وإن كان مفطرا فليطعم وجرى عليه في التنبيه، وصححه المصنف في شرح مسلم، واختاره في تصحيح التنبيه.
وعلى الأول يسن له الاكل كما صرح به في الروضة، وأقله على الوجوب والندب لقمة. (فإن شق على الداعي صوم
نفل) من المدعو (فالفطر) له (أفضل) من إتمام الصوم ولو آخر النهار لجبر خاطر الداعي لأنه (ص)
لما أمسك من حضر معه وقال إني صائم، قال له: يتكلف لك أخوك المسلم، وتقول إني صائم أفطر، ثم اقض يوما
مكانه رواه البيهقي وغيره، فإن لم يشق عليه ذلك فالامساك أفضل، ولا يكره أن يقول إني صائم، حكاه القاضي
أبو الطيب عن الأصحاب. أما صوم الفرض فلا يجوز الخروج منه ولو موسعا كنذر مطلق. (ويأكل الضيف مما قدم
له بلا لفظ) من مالك الطعام، اكتفاء بالقرينة العرفية كما في الشرب من السقايات في الطرق. قال المصنف: وما ورد
في الأحاديث الصحيحة من لفظ الاذن في ذلك محمول على الاستحباب، نعم إن كان ينتظر حضور غيره فلا يأكل إلا بإذن
248

لفظا أو بحضور الغير لاقتضاء القرينة عدم الاكل بدون ذلك.
تنبيه: أفهم قوله: مما قدم له أنه ليس للأراذل أن يأكلوا مما بين أيدي الأماثل من الأطعمة النفيسة المخصوصة
بهم، وبه صرح الشيخ عز الدين، قال: إذ لا دلالة على ذلك بلفظ ولا عرف بل العرف زاجر عنه. وأن الضيف لا يأكل
جميع ما قدم له، وبه صرح ابن الصباغ، قال ابن شهبة: وفيه نظر إذا كان قليلا يقتضي العرف أكل جميعه اه‍. وهذا
ظاهر إذا علم رضا مالكه بذلك. وصرح الماوردي بتحريم الزيادة على الشبع أي إذا لم يعلم رضا مالكه، وأنه
لو زاد
لم يضمن، قال الأذرعي: وفيه وقفة اه‍. وحد الشبع أن لا يعد جائعا، وأما الزيادة على الشبع من مال نفسه الحلال
فمكروه، وكذا من مال غيره إذا علم رضا مالكه. قال ابن عبد السلام: ولو كان الضيف يأكل كعشرة مثلا ومضيفه
جاهلا بحاله لم يجز له أن يأكل فوق ما يقتضيه العرف في المقدار. قال: ولو كان الطعام قليلا فأكل لقما كبارا مسرعا
حتى يأكل أكثر الطعام ويحرم أصحابه لم يجز له ذلك. ويحرم التطفل، وهو حضور الوليمة من غير دعوة، إلا إذا علم
رضا المالك به لما بينهما من الانس والانبساط، وقيد ذلك الإمام بالدعوة الخاصة، أما العامة كأن فتح الباب ليدخل
من شاء فلا تطفل. والتطفيل مأخوذ من التطفل، وهو منسوب إلى طفيل رجل من أهل الكوفة كان يأتي الولائم
بلا دعوة فكان يقال له طفيل الاعراس. (ولا يتصرف فيه) ببيع ولا غيره (إلا بالاكل) لأنه المأذون فيه عرفا
فلا يطعم سائلا ولا هرة إلا إن علم رضا مالكه به. وللضيف تلقيم صاحبه إلا أن يفاضل المضيف طعامهما، فليس لمن
خص بنوع أن يطعم غيره منه، وظاهره المنع، سواء أخص بالنوع العالي أم بالسافل وهو محتمل، ويحتمل تخصيصه
بمن خص بالعالي، ونقل الأذرعي هذا عن مقتضى كلام الأصحاب، قال: وهو ظاهر. ويكره لصاحب الطعام أن يفاضل
بين الضيفين في الطعام لما في ذلك من كسر الخاطر.
تنبيه: يملك المضيف ما التقمه بوضعه في فمه على ما اقتضى كلام الشرح الصغير ترجيحه وجزم به ابن المقري
وصرح بترجيحه القاضي والأسنوي، وإن كان قضية كلام المتولي أنه يتبين بالازدراد أنه ملكه قبله، وقيل: يملكه
بالوضع بين يديه. وحيث قلنا يملك بالأخذ أو بالوضع في الفم، فهل له أن يبيحه لغيره أو يتصرف فيه بغير الاكل؟
وجهان، الصحيح قول الجمهور لا يجوز كما لا يعير المستعير، فالمراد أنه يملك أن ينتفع بنفسه كالعارية لا أنه ملك العين كما تو
همه بعضهم، وفرع عليه جواز تصرفه فيه بالبيع وغيره، نعم النازل بأهل الذمة إذا شرط الإمام عليهم ضيافة من
يمر بهم من المسلمين، فإنهم إذا قدموا للضيف شيئا يملكه بلا خلاف وكان له أن يرتحل به كما ذكره الرافعي في كتاب
الجزية. (وله) أي الضيف، (أخذ ما يعلم رضاه) أي المضيف (به) والمراد بالعلم ما يشمل الظن، لأن مدار الضيافة
على طيب النفس، فإذا تحقق ولو بالقرينة رتب عليه مقتضاه. ويختلف ذلك باختلاف الأحوال وبمقدار المأخوذ
وبحال المضيف وبالدعوة، فإن شك في وقوعه في محل المسامحة، فالصحيح في أصل الروضة التحريم، قال في الاحياء:
وإذا علم رضاه ينبغي له مراعاة النصفة مع الرفقة، فلا ينبغي أن يأخذ إلا ما يخصه أو يرضون به عن طوع لا عن حياء.
(ويحل نثر سكر) وهو رميه مفرقا، (وغيره) كدنانير ودراهم وجوز ولوز (في الاملاك) على المرأة للنكاح، وفي
الختان، وكذا في سائر الولائم كما بحثه بعض المتأخرين عملا بالعرف. (ولا يكره) النثر (في الأصح) ولكن تركه
أولى لأنه سبب إلى ما يشبه النهبة، وقد ورد في الصحيح النهي عنها، وقيل: يستحب لما فيه من البر، وقيل: يكره
للدناءة في التقاطه بالانتهاب. (ويحل التقاطه) لأن مالكه إنما طرحه لمن يأخذه، (و) لكن (تركه أولى) كالنثر،
هذا ما في الروضة، ولا يخالفه نص الشافعي. والجمهور على كراهة النثر والالتقاط إن حملت الكراهة على خلاف الأولى،
نعم إن علم أن الناثر لا يؤثر بعضهم على بعض ولم يقدح الالتقاط في مروءة الملتقط لم يكن الترك أولى. ويكره أخذه من
الهواء بإزار أو غيره، فإن أخذه منه أو التقطه أو بسط حجره له فوقع فيه ملكه، وإن لم يبسط حجره له لم يملكه لأنه لم
249

يوجد منه قصد تملك ولا فعل، لكن هو أولى به من غيره. فلو أخذه غيره، قال في أصل الروضة: ففي ملكه وجهان
جاريان فيما لو عشش طائر في ملكه فأخذ فرخه غيره، وفيما إذا دخل السمك مع الماء حوضه، وفيما إذا وقع الثلج
في ملكه فأخذه غيره، وفيما إذا أحيا ما تحجره غيره، لكن الأصح أن المحيي يملك، وفي هذه الصور ميلهم إلى المنع أكثر
لأن المتحجر غير مالك، فليس الاحياء تصرفا في ملك غيره، بخلاف هذه الصور اه‍. والمعتمد في مسألة النثار أن من
أخذه لا يملكه كما رجحه الشارح، بخلافه في غيرها كما هو مصرح به في أبوابها. والفرق أن الاستيلاء في هذه المسألة أقوى،
لأنه وقع فيما هو ملابس له بخلاف غيرها، والصبي يملك ما التقطه والسيد يملك ما التقطه رقيقه.
خاتمة: في آداب الاكل: تسن التسمية قبل الأكل والشرب ولو من جنب وحائض للامر بها في الاكل،
ويقاس به الشرب. ولو سمى مع كل لقمة فهو حسن، وأقلها بسم الله، وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم، وهي سنة
كفاية للجماعة، ومع ذلك تسن لكل منهم، فإن تركها أوله أتى بها في أثنائه، فإن تركها في أثنائه أتى بها في آخره
فإن الشيطان يتقايأ ما أكله أو شربه. ويسن الحمد بعد الفراغ من ذلك ويجهر بهما ليقتدى به فيهما. ويسن غسل
اليد قبله وبعده، لكن المالك يبتدئ به فيما قبله ويتأخر به فيما بعده ليدعو الناس إلى كرمه. ويسن أن يأكل
بثلاث أصابع للاتباع. وتسن الجماعة والحديث غير المحرم كحكاية الصالحين على الطعام، وتقليل الكلام أولى. ويسن
لعق الاناء والأصابع وأكل ساقط لم يتنجس أو تنجس ولم يتعذر تطهيره وطهره. ويسن مواكلة عبيده وصغاره
وزوجاته، وأن لا يخص نفسه بطعام إلا لعذر كدواء بل يؤثرهم على نفسه، ولا يقوم المالك عن الطعام وغيره يأكل
ما دام يظن به حاجة إلى الاكل ومثله من يقتدي به، وأن يرحب بضيفه ويكرمه، وأن يحمد الله على حصوله
ضيفا عنده. ويكره الاكل متكئا وهو الجالس معتمدا على وطاء تحته، كقعود من يريد الاكثار من الطعام، قاله
الخطابي، وأشار غيره إلى أنه المائل إلى جنبه، ومثله المضطجع كما فهم بالأولى. ويكره الاكل مما يلي غيره ومن الأعلى
والوسط، ونص الشافعي على تحريمه محمول على المشتمل على الايذاء، ويستثنى من ذلك نحو الفاكهة
مما يتنقل به فيأخذ من أي جانب شاء. ويكره تقريب فمه من الطعام بحيث يقع من فمه إليه شئ وذمه، لا قوله
لا أشتهيه أو ما اعتدت أكله. ويكره نفض يده في القصعة والشرب من فم القربة والاكل بالشمال
والتنفس والنفخ في الاناء والبزاق والمخاط حال أكلهم، وقرن تمرتين ونحوهما كعنبتين بغير إذن الشركاء.
ويسن للضيف وإن لم يأكل أن يدعو للمضيف كأن يقول: أكل طعامكم الأبرار وأفطر عندكم الصائمون وصلت
عليكم الملائكة وذكركم الله فيمن عنده ويسن قراءة سورة الاخلاص وقريش، ذكره الغزالي وغيره. ويندب
أن يشرب بثلاثة أنفاس بالتسمية في أوائلها وبالحمد في أواخرها، ويقول في آخر الأول: الحمد لله، ويزيد في الثاني:
رب العالمين، وفي الثالث: الرحمن الرحيم، وأن ينظر في الكوز قبل الشرب، ولا يتجشأ فيه بل ينحيه عن فمه
بالحمد ويرده بالتسمية، والشرب قائما خلاف الأولى. ومن آداب الاكل: أن يلتقط فتات الطعام، وأن يقول المالك
لضيفه ولغيره كزوجته وولده إذا رفع يده من الطعام: كل ويكرره عليه ما لم يتحقق أنه اكتفى منه، ولا يزيد على
ثلاث مرات. وأن يتخلل، ولا يبتلع ما يخرج من أسنانه بالخلال بل يرميه، ويتمضمض بخلاف ما يجمعه بلسانه
من بينها فإنه يبلعه. وأن يأكل قبل أكله اللحم لقمة أو لقمتين أو ثلاثة من الخبز حتى يسد الخلل. وأن لا يشم
الطعام، ولا يأكله حارا حتى يبرد. ومن آداب الضيف: أن لا يخرج إلا بإذن صاحب المنزل، وأن لا يجلس في مقابلة
حجرة النساء وسترتهن، وأن لا يكثر النظر إلى الموضع الذي يخرج منه الطعام. ومن آداب المضيف: أن يشيع الضيف
عند خروجه إلى باب الدار. وينبغي للآكل أن يقدم الفاكهة ثم اللحم ثم الحلاوة، وإنما قدمت الفاكهة لأنها أسرع
استحالة، فينبغي أن تقع أسفل المعدة. ويندب أن يكون على المائدة بقل، وسيأتي إن شاء الله تعالى زيادة على
ذلك في باب الأطعمة.
250

كتاب القسم
بفتح القاف وسكون السين مصدر قسمت الشئ، وأما بالكسر فالنصيب. والقسم بفتح القاف والسين: اليمين.
(والنشوز) هو الخروج عن الطاعة. وكان ينبغي للمصنف أن يزيد في الترجمة: وعشرة النساء، إذ هو مقصود الباب.
(يختص القسم) أي وجوبه (بزوجات) أي بثنتين منهن فأكثر ولو كن غير حرائر، لقوله تعالى: * (فإن خفتم ألا تعدلوا) *
أي في القسم الواجب، * (فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) * فأشعر أنه لا يجب في ملك اليمين، فلا دخل للاماء غير الزوجات
فيه وإن كن مستولدات أو مع زوجات لأنه لا حق لهن في الاستمتاع. والمراد بالاختصاص الوجوب كما مر فإنه مستحب
في الإماء كيلا يحقد بعض الإماء على بعض ويسن أيضا عدم تعطيلهن.
تنبيه: إدخال الباء على المقصور عليه خلاف الكثير من دخولها على المقصور، فلا حاجة حينئذ لدعوى بعضهم
القلب في كلام المتن الذي هو خلاف مقتضى الظاهر، ولا يرد عليه الموطوءة بشبهة ولا الرجعية وإن كانت في
حكم
الزوجات لتعارض المانع والمقتضي. (و) المراد من القسم للزوجات، والأصل فيه الليل كما سيأتي أن يبيت عندهن ولا
يلزمه ذلك ابتداء لأنه حقه فله تركه، بل (من بات عند بعض نسوته) بقرعة أو غيرها، (لزمه) ولو عنينا ومجبوبا ومريضا
المبيت (عند من بقي) منهن لقوله (ص): إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه
مائل أو ساقط رواه أصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم. وكان (ص) يقسم بين نسائه
ويطاف به عليهن في مرضه حتى رضين بتمريضه في بيت عائشة رضي الله تعالى عنها، وفيه دليل على أن العذر
والمرض لا يسقط القسم. وظاهر هذا أن القسم كان واجبا عليه (ص) وهو المشهور في المذهب، وقول
العراقيين خلافا للاصطخري في عدم وجوبه لقوله تعالى: * (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء) * ولكنه (ص)
كان يقسم تكرما.
تنبيه: عبارته توهم أنه إنما يجب القسم إذا بات عند واحدة، وليس مرادا بل يجب عند إرادته ذلك، ويحرم
الابتداء بواحدة بلا قرعة على الأصح كما سنذكره. وقوله: بات يقتضي أنه لو كان يقيم عند إحداهن نهارا يجوز على
الدوام من غير قضاء لعدم البيتوتة، لأن بات في اللغة يكون بالليل غالبا، وهو بعيد، والأولى أن يجعل بات في كلامه بمعنى
صار فلا يختص بوقت، ومنه قوله تعالى: * (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) *. ولا تجب التسوية بينهن في الجماع، فإنه
يتعلق بالنشاط والشهوة وهي لا تتأتى في كل وقت ولا في سائر الاستمتاعات. ولا يؤاخذ بميل القلب إلى بعضهن، لأنه
(ص) كان يقسم بين نسائه ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك رواه أبو داود
وغيره، وصحح الحاكم إسناده. ويجوز أن يؤثر بعض نسائه بالتبرع دون بعض وإن استوحش بذلك والأولى
التسوية في ذلك وفي سائر الاستمتاعات. (ولو أعرض عنهن) ابتداء أو بعد استكمال توبة أو أكثر، (أو عن الواحدة)
التي ليس تحته غيرها فلم يبت عندهن ولا عندها، (لم يأثم) لأنه حقه كما مر فجاز له تركه كسكنى الدار المستأجرة، ولان
في داعية الطبع ما يغني عن إيجابه.
تنبيه: عبارة المحرر: لم يكن لهن الطلب، وهي أولى من تعبير المصنف، إذ لا يلزم من نفي الاثم عدم الطلب
بدليل المديون قبل الطلب لا يأثم بترك الدفع. (ويستحب أن لا يعطلهن) من المبيت ولا الواحدة، بأن يبيت عندهن
أو عندها ويحصنها ويحصنهن، لأنه من المعاشرة بالمعروف ولان تركه قد يؤدي إلى الفجور. وأولى درجات الواحدة أن
251

لا يخليها كل أربع ليال عن ليلة اعتبارا بمن له أربع زوجات. قال القمولي في الجواهر: والأولى أن يناما في فراش
واحد إذا لم يكن لأحدهما عذر في الانفراد، سيما إذا عرف حرصها على ذلك. ثم شرع فيمن يستحق القسم ومن
لا يستحقه، فقال: (وتستحق القسم مريضة) وقرناء (ورتقاء وحائض ونفساء) ومن آلى منها أو ظاهر
ومحرمة
ومجنونة لا يخاف منها. قال الغزالي: وكذا كل من بها عذر شرعي أو طبيعي، لأن المقصود منه الانس لا الاستمتاع.
أما المجنونة التي يخاف منها ولم يظهر منها نشوز وهي مسلمة له فلا يجب لها قسم كما بحثه الزركشي وإن استحقت النفقة،
فهي مستثناة من قولنا، وضابط من يستحق القسم كل من وجبت نفقتها ولم تكن مطلقة لتخرج الرجعية. ويستثنى
من استحقاق المريضة القسم ما لو سافر بنسائه فتخلفت واحدة لمرض فلا قسم لها وإن كانت تستحق النفقة كما نقله
البلقيني عن تصريح الماوردي وأقره. وضابط من لا يستحقه: كل امرأة لا نفقة لها، فلا تستحقه أمة لم تسلم للزوج
ليلا ونهارا ولا الصغيرة التي لا تطيق الوطئ ولا المحبوسة ولا المغصوبة، و (لا ناشزة) بخروجها عن طاعة زوجها كأن
خرجت من مسكنه بغير إذنه، أو لم تفتح له الباب ليدخل، أو لم تمكنه من نفسها بلا عذر لها كمرض وإلا فهي على
حقها كما قاله الماوردي، أو دعاها فاشتغلت بحاجتها أو ادعت الطلاق، وفي معنى الناشز المعتدة عن شبهة لتحريم
الخلوة بها، ونشوز المجنونة كالعاقلة لكنها لا تأثم. وضابط من يجب عليه القسم: كل زوج عاقل ولو سكران أو سفيها
أو مراهقا، فإن جار المراهق فالاثم على وليه، أي إذا قصر، وإن جار السفيه فعلى نفسه لأنه مكلف. وأما المجنون
إذا أطبق جنونه أو تقطع ولم ينضبط فلا يلزم الولي الطواف به عليهن، سواء أمن منه الضرر أم لا، إلا إن طولب بقضاء
قسم وقع منه، أو كان الجماع ينفعه بقول أهل الخبرة، أو مال إليه بميله إلى النساء، فيلزمه أن يطوف به عليهن أو
يدعوهن إلى منزله أو يطوف به على بعضهن ويدعو بعضهن إذا كان ثم عذر بحسب ما يرى. وإذا قسم لواحدة
في الجنون وأفاق في نوبة الأخرى انتظرت إفاقة الأخرى وقضى فيها إقامته عند تلك في الجنون، فإن ضره الجماع بقولهم
وجب على وليه منعه منه، فإن تقطع الجنون وانضبط كيوم ويوم قسم بنفسه أيام الإفاقة ويلغو أيام الجنون كأيام الغيبة،
قاله البغوي وغيره، وقال المتولي: يراعى القسم في أيام الإفاقة ويراعيه الولي في أيام الجنون ويكون لكل واحدة نوبة
من هذه ونوبة من هذه، وهذا حسن. وأطلق المحاملي عن الام أن على المحبوس القسم، وأن من امتنعت من
إتيانه سقط حقها منه. وقال العمراني: إن أمكن أن يأوين معه فهن على حقهن، وذلك بأن يصلح للسكنى.
قال الماوردي: وإن لم يمكنهن لكثرة من معه من الرجال هناك أو منع من النساء سقط القسم، والأول محمول على
ذلك. ولو حبسته إحدى زوجتيه على حقها فليس للأخرى أن تبيت معه كما أفتى به ابن الصباغ لئلا يتخذ الحبس
مسكنا. (فإن لم ينفرد) الزوج عن نسائه (بمسكن) له (دار) وجوبا (عليهن في بيوتهن) توفية لحق القسم. (وإن انفرد)
بمسكن (فالأفضل المضي إليهن) اقتداء به (ص) وصيانة لهن عن الخروج. (وله دعاؤهن) إلى
مسكنه وعليهن الإجابة لأن ذلك حق له، ومن امتنعت منهن فهي ناشزة، أي حيث لا عذر فإن كان لعذر كمرض
ونحوه عذرت وبقيت على حقها، قاله الماوردي. وقال ابن كج: إن منعها مرض عليه أن يبعث إليها من يحملها إليه.
وجمع بينهما بحمل الأول على المرض المعجوز معه عن الركوب، والثاني على غيره. واستثنى الماوردي ما إذا كانت ذات
قدر وخفر ولم تعتد البروز فلا تلزمها إجابته، وعليه أن يقسم لها في بيتها، قال الأذرعي وهو حسن وإن استغربه
الروياني. وأما المطر والوحل الشديدان ونحوهما، فإن بعث لها مركوبا ووقاية من المطر فلا عذر، وإلا فينبغي أن
يكون عذرا، ويختلف هذا باختلاف الناس. (والأصح تحريم ذهابه إلى بعض) من نسائه (ودعاء بعض) منهن
لمسكنه لما فيه من الوحشة، ولما في تفضيل بعضهن على بعض من ترك العدل. والثاني: لا، كما له المسافرة ببعض دون
بعض، وهذا ما نص عليه في الاملاء، وقطع به العراقيون وغيرهم. وأجاب من قال بالأول - قال الأذرعي: وهم
252

الأقلون - عن القياس على المسافرة بأنها تكون بالقرعة، وهي تدفع الوحشة. وإن أقرع هنا، قال الرافعي: وجب أن
يجوز، وعبر في الروضة بقوله: ينبغي القطع بالجواز، أو يحمل النص على ما إذا كان ثم عذر كما نبه على ذلك بقوله: (إلا
لغرض كقرب مسكن من مضى إليها) دون الأخرى، (أو خوف عليها) لكونها جميلة مثلا دون غيرها لكونها ذميمة، أو
حصل تراض أو قرعة كما مر فلا يحرم عليه ما ذكر، ويلزم من دعاها الإجابة، فإن أبت بطل حقها. (ويحرم أن
يقيم بمسكن واحدة) منهن (ويدعوهن) أي من بقي منهن (إليه) لأن إتيان بيت الضرة شاق على النفس، ولا
يلزمهن الإجابة، فإن أجبن فلصاحبة البيت المنع وإن كان البيت ملك الزوج، لأن حق السكنى فيه لها كما قاله
ابن داود.
تنبيه: التعبير بالإقامة يقتضي الدوام، وبحث الزركشي أن الحكم كذلك ولو مكث أياما على نية الإقامة، وهو
ظاهر. ولو رضين كلهن بذلك جاز، ولو قال إلا برضاهن كالتي بعدها لكان أولى. (و) يحرم (أن يجمع) ولو ليلة
واحدة (بين ضرتين) فأكثر (في مسكن) أي بيت واحد لما بينهما من التباغض، (إلا برضاهما) فيجوز الجمع بينهما لأن
الحق لهما، ولو رجعا بعد الرضا كان لهما ذلك.
تنبيه: التعبير بالمسكن يقتضي أنه لا يلزمه في السفر إفراد كل واحدة بخيمة ومرافق، وهو ظاهر لما في إيجاب ذلك
من الضرر بالزوج، وضرر الزوجات لا يتأبد فيحتمل. وإذا رضيتا بالبيت الواحد، قال الشيخان: كره أن يطأ إحداهما
بحضرة الأخرى لأنه بعيد عن المروءة، وظاهره كراهة التنزيه، وبه صرح المصنف في تعليقه على التنبيه، وقضية كلام
جماعة تحريم ذلك، وصرح به القاضي أبو الطيب، وصوبه الأذرعي وقال: إنه مقتضى نصه في الام، لما
في ذلك من
سوء العشرة وطرح الحياء اه‍. ويمكن الجمع بينهما بأن يكون محل التحريم إذا كانت إحداهما ترى عورة الأخرى.
ولو طلب الزوج ذلك وامتنعت لم يلزمها الإجابة، ولا تصير ناشزة بالامتناع، قاله الشيخان مع قولهما بكراهة الوطئ
في هذه الحالة. وقول المصنف: ضرتين يقتضي جواز الجمع بين الزوجة والسرية، لأن الجوهري فسر الضرة
بالزوجة، لكن صرح الماوردي والروياني بأنهما كالزوجتين، والمعتمد أنه يعتبر رضا الزوجة فقط، لأن السرية
لا يشترط رضاها لأن له جمع إمائه بمسكن وهي أمة. ولو اشتملت دار على حجرات مفردة المرافق جاز إسكان الضرات
فيها من غير رضاهن، والعلو والسفل إن تميزت المرافق مسكنان. ثم شرع في بيان زمان القسم وقدره، فقال: (وله)
أي للزوج المقيم (أن يرتب القسم على ليلة ويوم قبلها أو بعدها) وهو أولى، وعليه التواريخ الشرعية، فإن أول
الأشهر الليالي. وقضية كلامه اعتبار الليل بغروب الشمس إلى طلوع الفجر، قال ابن الرفعة: والوجه الرجوع في
ذلك إلى العرف الغالب اه‍. وهذا هو الظاهر، فإن بعض الناس يبقى في حانوته إلى هدوة من الليل. (والأصل)
في القسم من مقيم معيشته نهارا (الليل) لأنه وقت السكون، (والنهار تبع) له لأنه وقت الانتشار في طلب المعاش، قال تعالى:
* (وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا) *، وقال تعالى: * (هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا) *. (فإن
عمل ليلا وسكن نهارا كحارس) ووقاد حمام، (فعكسه) فيكون النهار في حقه أصلا والليل تبع له لسكونه بالنهار ومعاشه
بالليل، فلو كان يعمل تارة بالنهار وتارة بالليل لم يجز أن يقسم لواحدة ليلة تابعة ونهارا متبوعا لاخرى، عكسه على
الأصح في زيادة الروضة لتفاوت الغرض. أما المسافر فعماده وقت نزوله من ليل أو نهار قل أو كثر، لأن الخلوة
والسكون حينئذ. ويؤخذ من العلة ما قاله الأذرعي أنه لو لم يحصل الخلوة إلا حالة السير كأن كان بمحفة وحالة النزول
يكون مع الجماعة في نحو خيمة كان عماد قسمه حالة سيره دون حالة نزوله حتى يلزمه التسوية في ذلك. (وليس للأول) أي
253

من ليله أصل (دخول) ولو لحاجة على الصحيح، كعيادة (في نوبة على) زوجة (أخرى ليلا) لما فيه من إبطال حق ذات
النوبة. واحترز بالأول عمن عماده النهار فإن له الدخول ليلا لوضع متاع كما يفعله الأول نهارا، ولو قال وما جعلناه
أصلا لا يجوز الدخول فيه على غير صاحبة النوبة لكان أشمل. (إلا لضرورة كمرضها المخوف) وشدة الطلق، وخوف
النهب والحرق، وقد يخرج ما لو احتمل ذلك وأراد الدخول ليتبين حال المرض، والأصح الجواز كما نقلاه عن الغزالي.
(وحينئذ) أي حين الدخول لضرورة، (إن طال مكثه) عرفا (قضى) من نوبة الدخول عليها مثل مكثه، لأن حق الآدمي
لا يسقط بالعذر. ومثلا في الروضة وأصلها طول المكث بساعة طويلة، ونقلا عن القاضي حسين تقديره بثلث الليل،
ثم قالا: والصحيح أنه لا تقدير، أي فالمعتبر العرف كما مر. (وإلا) أي وإن لم يطل مكثه، (فلا) يقضي لقلته، قال الزركشي:
ويأثم إنتهى. ولا وجه لتأثيمه، لأنه دخل لضرورة، وإنما يأثم إذا تعدى بالدخول وإن لم يطل المكث كما ذكره في
الروضة وأصلها.
تنبيه: قول المصنف: وحينئذ يفهم منه أنه يقضي إذا دخل بلا ضرورة وطال مكثه بطريق الأولى، ولو تعدى
بالدخول قضى إن طال مكثه وإلا فلا، لكن يعصي. ولو جامع من دخل عليها في ليلة غيرها عصى، وإن قصر الزمن
وكان لضرورة. قال الإمام: واللائق بالتحقيق القطع بأن الجماع لا يوصف بالتحريم، ويصرف التحريم إلى إيقاع المعصية
لا إلى ما وقعت به المعصية. وحاصله أن تحريم الجماع لا لعينه، بل لأمر خارج، ويقضي المدة دون الجماع لا إن قصرت،
ومحل وجوب القضاء ما إذا بقيت المظلومة في نكاحه، فلو ماتت المظلومة بسببها فلا قضاء لخلوص الحق للباقيات، فلو
فارق المظلومة تعذر القضاء، ثم إن عادت بعد فراق من ظلم بها تعذر القضاء لخلوص الحق لها. ولو أخرج في الليل
ظلما كرها فهل يجب عليه القضاء؟ فيه وجهان في الحاوي، قال في المطلب: والمشهور في الكتب وجوبه، وهو المنصوص،
وله قضاء الفائت في أي جزء شاء من الليل. ولكن الأولى أن يكون في مثل تلك الساعة، وقيل: يجب ويعصي بطلاق
من لم تستوف حقها بعد حضور وقته لتفويته حقها بعد ثبوته، وهذا سبب آخر لكون الطلاق بدعيا كما صرح به
في أصل الروضة. قال ابن الرفعة: ويتجه أن يكون العصيان فيهما إذا طلقها بغير سؤالها وإلا فلا، فإن أعادها ولو بعقد
جديد والمستوفية معه ولو بعقد بعد طلاق قضى المعادة حقها وإلا فلا، ولا يحسب مبيته مع المظلومة عن القضاء قبل
عود المستوفية لذلك. (وله الدخول نهارا لوضع) أو أخذ (متاع ونحوه) كتسليم نفقة وتعريف خبر، لحديث عائشة رضي
الله تعالى عنها: كان رسول الله (ص) يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى
التي هو يومها فيبيت عندها رواه أبو داود وقال الحاكم صحيح الاسناد. وفهم من كلامه جواز الدخول للضرورة
من باب أولى. (وينبغي) إذا دخل نهارا لما ذكر، (أن لا يطول مكثه) أي يجوز له تطويل المكث، لكنه خلاف الأولى،
فإن طال وجب القضاء كما في المهذب وغيره تبعا للنص. قال الشارح: ولم يذكره الشيخان مع أن المصنف قال:
(والصحيح أنه لا يقضي إذا دخل لحاجة) أي وإن طال الزمن، لأن النهار تابع مع وجود الحاجة، فيحمل كلام المهذب وغيره
كما قال شيخي على ما إذا طال الزمان فوق الحاجة، وكلام المتن على ما إذا طال الزمان بالحاجة. ورأيت بعض الشراح ضعف ما في المهذب، وبعضهم
ضعف ما في المتن، وحيث أمكن الجمع فهو أولى، ومقابل الصحيح يقضي إذا طال كما
في الليل. واحترز بقوله: لحاجة عما إذا دخل بلا سبب، وسيأتي: (و) الصحيح، وعبر في الروضة بالأصح (أن له
ما سوى وطئ من استمتاع) للحديث السابق، ولان النهار تابع. والثاني: لا يجوز. أما الوطئ فقضية كلامه أنه يحرم قطعا
حيث أخرجه من محل الخلاف، وليس مرادا بل فيه وجه، وتقدم الكلام على ما يتعلق بتحريم الوطئ، وأن من
عماد القسم في حقه النهار أن نهاره كليل غيره في جميع ما مر (و) الصحيح المنصوص (أنه يقضي إن دخل) نهارا
254

(بلا سبب) أي يقضي زمن الإقامة لتعديه، لا أنه يقضي الاستمتاع كما يقتضيه كلامه. والثاني: لا يقضي، لأن النهار تبع.
ومحل الخلاف إذا طال الزمن أخذا مما مر، وإن كان ظاهر كلامه الاطلاق. (ولا تجب تسوية في) قدر (الإقامة نهارا)
لتبعيته لليل، ولأنه وقت الانتشار والتردد، وقد يكثر في يوم ويقل في آخر، والضبط فيه عسر بخلاف الليل، ومن
عماد قسمته النهار فبالعكس من ذلك.
فرع: لو كان تحته مريضتان ولا متعهد لهما يقسم الليالي عليهما، والتسوية بينهما في التمريض لا بالقرعة، وقضى
للباقيات إن برئنا. فإن ماتت المريضة تعذر القضاء، لأنه إنما يحسب من نوبتها. أما إذا كان لها متعهد فلا يبيت عندها
إلى في نوبتها. (وأقل نوب القسم) لمقيم عمله نهارا (ليلة) ليلة، ولا يجوز تبعيضها لما فيه من تشويش العيش وعسر ضبط
أجزاء الليل، ولا بليلة وبعض أخرى، وأما طوافه (ص) على نسائه في ليلة واحدة فمحمول على رضاهن،
أما المسافر فقد مر حكمه. وأما من عماد قسمه النهار كالحارس فظاهر كلامهم أنه لا يجوز له تبعيضه كتبعيض الليلة ممن
يقسم ليلا وهو الظاهر، ويحتمل أنه يجوز لسهولة الضبط.
تنبيه: لو قال: نوبة بالافراد استغنى عن تكرير ليلة المصرح به في المحرر، ولفظة أقل مزيدة عليه. (وهو أفضل) من
الزيادة عليها اقتداء به (ص) وليقرب عهده بهن. (ويجوز) ليلتين و (ثلاثا) بغير رضاهن. وقيل: لا تجوز
الزيادة على ليلة إلا برضاهن، واختاره ابن المنذر. (لا زيادة) على الثلاث بغير رضاهن (على المذهب) وقول الجمهور،
وإن تفرقن في البلاد لئلا يؤدي إلى المهاجرة والايحاش الباقيات بطول المقام عند الضرة، وقد يموت في المدة الطويلة
فيقوت حقهن، وقيل: في قول أو وجه يزاد على الثلاث إلى سبع، وقيل: ما لم يبلغ أربعة أشهر مدة تربص المولي.
تنبيه: قضية كلام المصنف تحريم الزيادة وهو الذي عليه الجمهور، خلافا لما جزم به الدارمي والروياني من الكراهة.
أما إذا رضين فتجوز الزيادة قطعا. (والصحيح وجوب قرعة) على الزوج بين الزوجات (للابتداء) بواحدة منهن عند عدم
رضاهن تحرزا عن الترجيح مع استوائهن في الحق، فيبدأ بمن خرجت قرعتها، فإذا مضت نوبتها أقرع بين الباقيات،
ثم بين الأخريين، فإذا تمت النوبة راعى الترتيب، ولا حاجة إلى إعادة القرعة بخلاف ما لو بدأ بلا قرعة فإنه يقرع بين
الباقيات، فإذا تمت النوبة أقرع للابتداء. وقد شمل ذلك عبارة المصنف، لأنه الآن كأنه ابتدأ القسم. أما إذا رضين
بتقديم واحدة لم يمتنع ذلك، (وقيل: يتخير) بينهن في ذلك فيبدأ بمن شاء منهن بغير قرعة. (ولا يفضل) بعض نسائه (في قدر
نوبة) أي يحرم عليه ذلك، وإن اختصت بفضيلة كشرف وإسلام، لأن القسم شرع للعدل واجتناب التفضيل المفضي
للوحشة. ثم استثنى المصنف من عدم التفضيل مسألتين، أشار لإحداهما بقوله: (لكن لحرة مثلا أمة) لحديث فيه مرسل
رواه الحسن البصري، وعضده الماوردي بأنه روي عن علي كما رواه الدارقطني ولا يعرف له مخالف فكان إجماعا
ولان القسم استمتاع، والاستمتاع بها غالبا على النصف إذ لا تسلم له إلا ليلا. وخالف حق الزفاف، إذ الغرض فيه
زوال الحياة والحشمة وهما فيه سواء، وسواء المدبرة والمكاتبة والمبعضة وأم الولد كما قاله الماوردي وغيره. ويتصور
اجتماع الأمة مع الحرة في صور: منها أن يسبق نكاح الأمة بشروطه على نكاح الحرة. ومنها أن يكون تحته حرة لا تصلح
للاستمتاع. ومنها أن يكون الزوج رقيقا أو مبعضا، وقول الشيخين: ولا يتصور كون الأمة جديدة إلا في حق العبد
جرى على الغالب، وإنما تستحق الأمة القسم إذا استحقت النفقة بأن تكون مسلمة للزوج ليلا ونهارا كالحرة كما مرت
الإشارة إليه، وحق القسم لها لا لسيدها فهي التي تملك إسقاطه لأن معظم الحظ في القسم لها كما أن خيار العيب لها لا له.
255

تنبيه: كلام المصنف قد يوهم جواز ليلتين لها إذا كان للحرة أربعة، وليس مرادا بل الشرط ليلة لها
وليلتين للحرة، ولا تجوز الزيادة على ذلك ولا النقص عنه لئلا يزاد القسم على ثلاث أو ينقص عن ليلة وهما ممتنعان
كما مر. وهذا كله إذا لم يطرأ العتق، فلو عتقت الأمة في الليلة الأولى من ليلتي الحرة وكانت البداءة بالحرة فالثانية
من ليلتها للعتيقة ثم يسوي بينهما إن أراد الاقتصار لها على ليلة، وإلا فله توفية الحرة ليلتين وثلاثا وإقامة مثل
ذلك عند العتيقة، وإن عتقت في الثانية منهما فله إتمامها ويبيت مع العتيقة ليلتين. وإن خرج حين العتق إلى
مسجد أو بيت صديق أو نحو ذلك أو إلى العتيقة لم يقض ما مضى من الليلة. فإن قيل: إن كان النصف الأول من
الليلة حقا للحرة فيجب إذا كمل الليلة أن لا يقضي جميعها، وإن لم يكن حقا لها فيجب أن يقضيه إذا خرج فورا. أجيب
عن الشق الأول بأن نصفي الليلة كالثلاثة أيام والسبعة في حق الزفاف للثيب، فالثلاث حق لها، وإذا أقام عندها سبعا
قضى الجميع كما سيأتي، فكذا إذا أقام النصف الثاني قضاه مع النصف الأول، ولكن مقتضى هذا أن محله إذا طلبت
منه تمام الليلة، كما إذا طلبت الثيب السبعة، وإلا فيقضي الزائد فقط. وعن الشق الثاني بأن العتيقة قبل العتق لا يثبت
لها استحقاق نظير النصف المقسوم، كما لو كان عبد بين اثنين لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه، فالمهايأة بينهما تكون
يومين ويوما، فإذا اشترى صاحب الثلث السدس من الآخر في أثناء اليوم لم يرجع عليه بأجرة ما مضى. وإن عتقت
في ليلتها قبل تمامها زادها ليلة لالتحاقها بالحرة قبل الوفاء، أو بعد تمامها اقتصر عليها ثم سوى بينهما، ولا أثر لعتقها
في يومها لأنه تابع، وإن كانت البداءة بالأمة وعتقت في ليلتها فكالحرة فيتمها ثم يسوي بينهما، أو عتقت بعد
تمامها أو في الحرة ليلتين ثم سوى بينهما، لأن الأمة قد استوفت ليلتها قبل عتقها فتستوفي الحرة بإزائها ليلتين.
ولو لم تعلم الأمة بعتقها حتى مر عليها أدوار وهو يقسم لها قسم الإماء قضى الزوج لها ما مضى إن علم بذلك وإلا فلا،
وعلى هذا يحمل كلام من أطلق عدم القضاء وكلام من أطلق القضاء. ثم أشار إلى المسألة الثانية بقوله: (وتختص)
وجوبا زوجة (بكر جديدة) أي جددها على من في عصمته زوجة يبيت عندها ولو أمة أو كافرة، (عند زفاف) وهو
حمل العروس لزوجها، (بسبع) ولاء (بلا قضاء) للباقيات، (و) تختص وجوبا زوجة (ثيب) وهي التي إذنها النطق،
(بثلاث) ولاء بلا قضاء، لخبر ابن حبان في صحيحه: سبع للبكر وثلاث للثيب والمعنى في ذلك زوال الحشمة بينهما
ولهذا سوى بين الحرة والأمة، لأن ما يتعلق بالطبع لا يختلف بالرق والحرية كمدة العنة والايلاء، وزيد للبكر، لأن
حياءها أكثر. والحكمة في الثلاث والسبع أن الثلاث مغتفرة في الشرع، والسبع عدد أيام الدنيا، وما زاد عليها
تكرار، فإن فرق لم تحسب، لأن الحشمة لا تزول بالمفرق واستأنس وقضى المفرق للأخريات. وخرج ب‍ جديدة من طلقها
رجعيا بعد توفية حق الزفاف، فإنه إذا راجعها لا زفاف لها، بخلاف البائن وبخلاف مستفرشة أعتقها سيدها ثم تزوجها فإنه
يجب لها حق الزفاف، ولو لم يكن عنده غيرها أو كانت ولم يبت عندها لم يثبت للجديدة حق الزفاف. ولا ينافي هذا قول
أصل الروضة: لو نكح جديدتين لم يكن في نكاحه غيرهما وجب لهما حق الزفاف لأنه محمول على من أراد القسم، وإن
قال المصنف في شرح مسلم: الأقوى المختار وجوبه مطلقا لخبر أنس، فقد رده البلقيني بأن في مسلم طرقا فيها الصراحة
بما إذا كانت عنده زوجة أو أكثر غير التي زفت إليه، فتكون هذه الرواية المطلقة مقيدة بتلك الروايات. ودخل
في
الثيب المذكورة من كانت ثيوبتها بوطئ حلال أو حرام أو وطئ شبهة، وخرج بها من حصلت ثيوبتها بمرض أو وثبة
أو نحو ذلك. (ويسن تخييرها) أي الثيب (بين ثلاث بلا قضاء) للباقيات، (و) بين (سبع بقضاء) أي مع قضاء
لهن، كما فعل (ص) بأم سلمة رضي الله تعالى عنها حيث قال لها: إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن
وإن شئت ثلثت عندك ودرت أي بالقسم الأول بلا قضاء، وإلا لقال: وثلثت عندهن، كما قال: وسبعت عندهن رواه
مالك، وكذا مسلم بمعناه. أما إذا لم تختر السبع بأن لم تختر شيئا أو اختارت دون سبع، لم يقض إلا ما فوق الثلاث لأنها
256

لم تطمع في الحق المشروع لغيرها، كما أن البكر إذا طلبت عشرا وبات عندها مع أنه يمتنع عليه ذلك لم يقبض إلا ما زاد
لما ذكر، بخلاف الثيب إذا اختارت السبع فإنها طمعت في الحق المشروع لغيرها فبطل حقها. ولو زفت له زوجتان
معا وهو مكره أقرع بينهما للابتداء لحق الزفاف. فمن خرجت قرعتها قدمها بجميع السبع أو الثلاث. فإن زفتا مرتبا أدى
حق الأولى أولا. ولو زفت جديدة وله زوجتان قد وفاهما حقهما وفى الجديدة حقها واستأنف بعد ذلك القسم بين
الجميع بالقرعة. وإن بقيت ليلة لإحداهما بدأ بالجديدة ثم وفى القديمة ليلتها ثم يبيت عند الجديدة نصف ليلة لأنها تستحق
ثلث القسم، لأن الليلة التي باتها عند القديمة كأنها بين القديمتين، فيخص كل واحدة من القديمتين نصف ليلة فيكون
للجديدة ما ذكر، ويخرج إلى المسجد أو نحوه ثم يستأنف القسم بين الثلاث بالسوية. ولو كان يقسم ليلتين فتزوج جديدة
في أثناء ليلة إحداهما فهل يقطع الليلة كلها ويقسم للجديدة أو يكمل الليلة؟ وجهان في حلية الشاشي،
أوجههما الأول.
تنبيه: لا يتخلف بسبب الزفاف عن الخروج للجماعات وسائر أعمال البر كعيادة المرضى وتشييع الجنائز مدة
الزفاف إلا ليلا فيتخلف وجوبا تقديما للواجب، وهذا ما جرى عليه الشيخان وإن خالف فيه بعض المتأخرين. وأما
ليالي القسم فتجب التسوية بينهن في الخروج لذلك وعدمه، فإما أن لا يخرج في ليلة الجميع أو يخرج أصلا، فإن خص
ليلة بعضهن بالخروج أثم. (ومن سافرت) منهن (وحدها بغير إذنه) لحاجتها أو حاجته، (فناشزة) فلا قسم. ويستثنى من ذلك
صورتان: الأولى: إذا خربت البلد وارتحل أهلها والزوج غائب ولم يمكنها الإقامة فلا تكون كما قال السبكي ناشزة كخروجها
من البيت إذا أشرف على السقوط. الثانية: إذا سافر السيد بالأمة بعد أن بات الزوج عند الحرة ليلتين لم يسقط حقها
من القسم، وعلى الزوج قضاء ما فات عند التمكن، لأن الفوات حصل بغير اختيارها، قاله المتولي وأقراه. أما إذا
سافرت معه بغير إذنه فإنها تستحق كما تستحق النفقة لكنها تعصي. نعم إن منعها من الخروج فخرجت ولم يقدر
على
ردها سقط حقها، قال البلقيني: بالنسبة للنفقة ومثلها القسم. (و) من سافرت (بإذنه لغرضه) كأن أرسلها في حاجته، (يقضي
لها) ما فاتها للاذن وعرضه، فهي كمن عنده وفي قبضته وهو المانع نفسه عنها بإرسالها. (و) بإذنه (لغرضها) كحج وعمرة
وتجارة، (لا) يقضي لها (في الجديد) لأنها ليست في قبضته، وفائدة الاذن رفع الاثم، والقديم: يقضي، لوجود الاذن. ولو
سافرت لحاجة ثالث، قال الزركشي: فيظهر أنها كحاجة نفسها اه‍. وهو كما قال غيره ظاهر إذا لم يكن خروجها بسؤال
الزوج لها فيه، وإلا فيلحق بخروجها لحاجته بإذنه. أو سافرت وحدها بإذنه لحاجتهما معا لم يسقط حقها كما قاله الزركشي
وغيره بالنسبة للنفقة ومثلها القسم، خلافا لما بحثه ابن العماد من السقوط. وامتناعها من السفر مع الزوج نشوز، قال
الماوردي: إلا أن تكون معذورة بمرض أو نحوه. (ومن سافر لنقلة) ولو سفرا قصيرا، (حرم) عليه (أن يستصحب
بعضهن) دون بعض ولو بقرعة بل ينقلهن أو يطلقهن. وإن سافر ببعض ولو بقرعة قضى للمتخلفات. ولو نقل بعضهن
بنفسه وبعضهن بوكيله قضى لمن معهن الوكيل في الأصح في زيادة الروضة إن أقرع، وإلا وجب قطعا.
تنبيه: قد يقتضي كلامه أنه لو ترك الكل جاز، وليس مرادا وإن صرح به المتولي، بل ينقلهن أو يطلقهن،
لما في ذلك من قطع أطماعهن من الوقاع فأشبه الايلاء، بخلاف ما لو امتنع عن الدخول إليهن وهو حاضر لأنه لا ينقطع
رجاؤهن. (وفي سائر) أي باقي (الاسفار الطويلة) المبيحة للقصر، (وكذا القصيرة) المباحة (في الأصح يستصحب
بعضهن) أي زوجاته (بقرعة) عند تنازعهن، لما روى الشيخان. أنه (ص) كان إذا أراد سفرا أقرع
257

بين نسائه أيتهن خرج سهمها خرج بها معه سواء أكان ذلك في يومها أو يوم غيرها. نص عليه في الاملاء. قال البلقيني:
وإذا خرجت القرعة لصاحبة النوبة لا تدخل نوبتها في مدة السفر، بل إذا رجع وفى لها نوبتها، قال: وفي نص الام ما يشهد
له. وإذا خرجت القرعة لواحدة فليس له الخروج بغيرها وله تركها. والثاني: لا يستصحب بعضهن بقرعة في التقصير،
فإن فعل قضى، لأنه كالإقامة، وليس للمقيم تخصيص بعضهن بالقرعة. وعلى الأول لو سافر بواحدة أو أكثر من غير
قرعة عصى وقضى، فإن رضين بواحدة جاز بلا قرعة وسقط، ولهن الرجوع قبل سفرها. قال الماوردي: وكذا بعده
ما لم يجاوز مسافة القصر، أي يصل إليها.
تنبيه: شمل إطلاقه البعض الواحدة فأكثر، وبه صرح ابن أبي هريرة. ويستثنى من إطلاقه ما إذا زنى وغربه الإمام
فإنه يمنع من استصحاب زوجته معه كما نقله الرافعي هناك عن البغوي. (و) إذا سافر بالقرعة (لا يقضي) للزوجات المتخلفات
(مدة سفره) لأنه لم يتعد. والمعنى فيه أن المستصحبة وإن فازت بصحبته فقد لحقها من تعب السفر ومشقته ما يقابل ذلك،
والمتخلفة وإن فاتها حظها من الزوج فقد ترفهت بالدعة والإقامة، فتقابل الأمران فاستويا. وخرج بالسفر المباح غيره،
فليس له أن يستصحب فيه بعضهن بقرعة ولا بغيرها، فإن فعل عصى ولزمه القضاء للمتخلفات. وبالزوجات الإماء فله
أن يستصحب بعضهن بغير قرعة. (فإن وصل المقصد) بكسر الصاد، (وصار مقيما) بأن نوى إقامة مؤثرة أول سفره، أو
عند وصوله مقصده، أو قبل وصوله، (قضى مدة الإقامة) لخروجه عن حكم السفر. هذا إذا ساكن المصحوبة، أما إذا
اعتزلها مدة الإقامة فلا يقضي كما جزم به في الحاوي، (لا) مدة (الرجوع) بعد صيرورته مقيما فلا يقضيها (في الأصح) كما
لا يقضي مدة الذهاب. والثاني: يقضي، لأنه سفر جديد بلا قرعة. أما إذا رجع من المقصد قبل مدة الإقامة فلا يقضي
جزما لاستصحاب حكم السفر عليه.
تنبيه: المراد بالإقامة ما مر في باب القصر، فلو أقام في مقصده أو غيره بلا نية وزاد على مدة المسافرين قضى
الزائد، فلو أقام لحاجة يتوقعها كل وقت فلا يقضي إلى أن تمضي ثانية عشر يوما كما جزم به في الأنوار. ولو استصحب
واحدة بقرعة ثم نوى الإقامة وكتب للباقيات يستحضرهن قضى المدة من حين كتابته في أحد وجهين صوبه البلقيني،
فإن استصحبها بلا قرعة قضى للمتخلفات جميع المدة ولو لم يبت معها ما لم يخلفها في بلد أو نحوها، فإن خلفها لم يقض
لهن كما في فتاوى البغوي. (ومن وهبت) منهن (حقها) من القسم لغيرها، (لم يلزم الزوج الرضا) بذلك، لأنها لا تملك إسقاط
حقه من الاستمتاع فله أن يبيت عندها في ليلتها. (فإن رضي) بالهبة (ووهبت لمعينة) منهن، (بات عندها ليلتيهما) كل ليلة
في وقتها متصلتين كانتا أو منفصلتين وإن كرهت، كما فعل (ص) لما وهبت سودة نوبتها ل عائشة رضي الله
تعالى عنهما كما في الصحيحين. وهذه الهبة ليست على قواعد الهبات. ولهذا لا يشترط رضا الموهوب لها بل يكفي رضا
الزوج لأن الحق مشترك بينه وبين الواهبة، إذ ليس لنا هبة يقبل فيها غير الموهوب له مع تأهله للقبول إلا هذه.
تنبيه: أفهم قوله: ليلتيهما أن يقسم كل ليلة في وقتها متصلتين كانتا أو منفصلتين. (وقيل) في المنفصلتين
(يواليهما) بأن يقدم ليلة الواهبة على وقتها ويصلها بليلة الموهوبة أو يقدم ليلة الموهوبة على وقتها ويصلها بليلة الواهبة،
لأنه أسهل عليه، والمقدار لا يختلف. وعورض ذلك بأن فيه تأخير حق من بين الليلتين وبأن الواهبة قد ترجع
بينهما في الشق الأول، والموالاة تفوت حق الرجوع عليها. وقيده ابن الرفعة أخذا من التعليل بما إذا تأخرت ليلة
الواهبة، فإن تقدمت وأراد تأخيرها جاز، قال ابن النقيب: وكذا لو تأخرت فأخر ليلة الموهوبة إليها برضاها
تمسكا بهذا التعليل اه‍. وهذا ظاهر. ومحل بياته عند الموهوبة ليلتين ما دامت الواهبة تستحق القسم، فإن
خرجت
عن ذلك لم يبت عند الموهوبة إلا ليلتها. (أو) وهبت (لهن) كلهن أو أسقطت حقها من القسم مطلقا، (سوى)
258

بينهن فيه جزما، فتجعل الواهبة أو المسقطة كالمعدومة ويقسم للباقيات. (أو) وهبت (له) فقط (فله التخصيص)
لواحدة فأكثر بنوبة الواهبة، لأنها جعلت الحق له فيضعه حيث شاء. ويأتي في الاتصال والانفصال ما سبق. (وقيل:
يسوي) بينهن ولا يخصص لأن التخصيص يورث الوحشة والحقد فتجعل الواهبة كالمعدومة. ولو وهبت له ولبعض
الزوجات أو له وللجميع، لم أر من تعرض لهذه المسألة، وقد سألت شيخي عنها فأجاب بأن حقها يقسم على الرؤوس
كما لو وهب شخص عينا لجماعة والتقدم بالقرعة.
تنبيه: لا يجوز للواهبة أن تأخذ على المسامحة بحقها عوضا لا من الزوج ولا من الضرائر، فإن أخذت لزمها
رده واستحقت القضاء لأن العوض لم يسلم لها. وإنما لم يجز أخذ العوض عن هذا الحق لأنه ليس بعين ولا منفعة
لأن مقامه عندها ليس بمنفعة ملكتها عليه. وقد استنبط السبكي من هذه المسألة ومن خلع الأجنبي جواز النزول عن
الوظائف، والذي استقر عليه رأيه أن أخذ العوض فيه جائز وأخذه حلال لاسقاط الحق لا لتعلق حق المنزول له، بل
يبقى الامر في ذلك إلى ناظر الوظيفة يفعل ما تقتضيه المصلحة شرعا، وبسط ذلك. وللواهبة الرجوع متى شاءت، فإذا
رجعت خرج فورا، ولا يرجع في الماضي قبل العلم بالرجوع، فإن بات الزوج في نوبة واحدة عند غيرها ثم ادعى
أنها وهبت حقها وأنكرت لم يقبل قوله إلا بشهادة رجلين.
فصل: في حكم الشقاق بالتعدي بين الزوجين، وهو إما أن يكون منها أو منه أو منهما. وقد بدأ بما إذا
كان التعدي منها بقوله: فلو (ظهرت أمارات نشوزها) فعلا كأن يجد منها إعراضا وعبوسا بعد لطف وطلاقة
وجه، أو قولا كأن تجيبه بكلام خشن بعد أن كان بلين، (وعظها) ندبا، لقوله تعالى: * (واللاتي تخافون نشوزهن
فعظوهن) * كأن يقول لها: اتق الله في الحق الواجب لي عليك واحذري العقوبة. (بلا هجر) ولا ضرب، ويبين
لها أن النشوز يسقط النفقة والقسم، فلعلها تبدي عذرا أو تتوب عما وقع منها بغير عذر، وحسن أن يذكر لها ما في
الصحيحين من قوله (ص): إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح. وفي
الترمذي عن أم سلمة: قال رسول الله (ص): أيما امرأة باتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة
ويستحب أن يبرها ويستميل قلبها بشئ، وفي الصحيحين: المرأة ضلع أعوج، إن أقمتها كسرتها، وإن تركتها
استمتعت بها على عوج فيها.
تنبيه: ظاهر كلامه كغيره تحريم الهجر في المضجع في هذه الحالة، قال ابن النقيب تبعا للسبكي: وهو ظاهر
إذا فوت حقا لها من قسم أو غيره وإلا فيظهر عدم التحريم لأن الاضطجاع معها حقه فله تركه. (فإن تحقق نشوز)
منها (ولم يتكرر) ذلك منها (وعظ) - ها (وهجر) ها (في المضجع) بكسر الجيم: أي يجوز له ذلك لظاهر الآية،
ولان في الهجر أثرا ظاهرا في تأديب النساء. والمراد أن يهجر فراشها فلا يضاجعها فيه، وقيل: هو ترك الوطئ، وقيل:
هو أن يقول لها هجرا، أي إغلاظا في القول. وقيل: هو أن يربطها بالهجار، وهو حبل يربط فيه البعير الشارد.
واحترز المصنف بالهجر في المضجع عن الهجران في الكلام فلا يجوز الهجر به لا للزوجة ولا لغيرها فوق ثلاثة أيام،
ويجوز فيها للحديث الصحيح: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام. وفي سنن أبي داود: فمن هجره فوق
ثلاثة فمات دخل النار وحمل الأذرعي تبعا لغيره التحريم على ما إذا قصد بهجرها
ردها لحظ نفسه، فإن قصد به ردها عن المعصية وإصلاح دينها فلا تحريم، قال: ولعل هذا مرادهم، إذ النشوز حينئذ عذر شرعي اه‍. وهذا
مأخوذ من قولهم: يجوز هجر المبتدع والفاسق ونحوهما، ومن رجا بهجره صلاح دين الهاجر أو المهجور، وعليه
يحمل هجره (ص) كعب بن مالك وصاحبيه، وأول أسمائهم هم حروف مكة، ونهيه (ص) الصحابة عن كلامهم،
259

وكذا هجران السلف بعضهم بعضا. (ولا يضرب في الأظهر) فإن الجناية لم تتأكد بالتكرر، وهذا ما رجحه جمهور
العراقيين وغيرهم، وحكاه الماوردي عن الجديد. (قلت: الأظهر يضرب) أي يجوز له ذلك (والله أعلم) كما
لو أصرت عليه لظاهر الآية، فتقديره: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن، فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع
واضربوهن. والخوف هنا بمعنى العلم كما في قوله تعالى: * (فمن خاف من موص جنفا أو إثما) * والأولى
بقاؤه على ظاهره. وقال: والمراد واهجروهن إن نشزن، واضربوهن إن أصررن على النشوز، وهذا ما ذكره بقوله:
(فإن تكرر ضرب) ولو قدمه على الزيادة وقيد الضرب فيها بعدم التكرار كان أولى.
تنبيه: إنما يجوز الضرب إن أفاد ضربها في ظنه وإلا فلا يضربها كما يصرح به الإمام وغيره، ولا يأتي بضرب مبرح،
ولا على الوجه والمهالك، وعبر في الأنوار بالوجوب في ذلك، وهو ظاهر، وعليه يحمل تعبير الشيخين بينبغي وهو ضرب
التعزير، وسيأتي فيه مزيد بيان. والأولى له العفو عن الضرب، وخبر النهي عن ضرب النساء محمول على ذلك، أو على
الضرب بغير سبب يقتضيه لا على النسخ، إذ لا يصار إليه إلا إن تعذر الجمع وعلمنا التاريخ. وهذا بخلاف الصبي،
فالأولى له عدم العفو، لأن ضربه للتأديب مصلحة له وضرب الزوج زوجته مصلحة لنفسه. والنشوز هو الخروج من المنزل
بغير إذن الزوج لا إلى القاضي لطلب الحق منه، ولا إلى اكتسابها النفقة إذا أعسر بها الزوج، ولا إلى استفتاء إذا لم يكن
زوجها فقيها ولم يستفت لها وكمنعها الزوج من الاستمتاع ولو غير الجماع لا منعها له منه تدللا، ولا الشتم له ولا الايذاء
له باللسان أو غيره، بل تأثم به وتستحق التأديب عليه ويتولى تأديبها بنفسه على ذلك، ولا يرفعها إلى قاض ليؤدبها لأن فيه
مشقة وعارا وتنكيدا للاستمتاع فيما بعد وتوحيشا للقلوب، بخلاف ما لو شتمت أجنبيا، وينبغي كما قال الزركشي
تخصيص ذلك بما إذا لم يكن بينهما عداوة وإلا فيتعين الرفع إلى القاضي، ولو ضربها وادعى أنه بسبب نشوز وادعت
عدمه ففيه احتمالان في المطلب، قال: والذي يقوى في ظني أن القول قوله لأن الشرع جعله وليا في ذلك، والولي يرجع
إليه في مثل ذلك.
فائدة: ليس لنا موضع يضرب المستحق من منعه حقه غير هذا. والرقيق يمتنع من حق سيده، وللزوج منع
زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها، والأولى خلافه. ثم شرع فيما إذا كان التعدي منه بقوله:
(فلو منعها حقا) لها (كقسم ونفقة ألزمه القاضي توفيته) إذا طلبته لعجزها عنه، بخلاف نشوزها فإن له إجبارها على
إيفاء حقه لقدرته، فإن لم يكن الزوج مكلفا أو كان محجورا عليه ألزم وليه توفيته بشرط. (فإن أساء خلقه وآذاها)
بضرب أو غيره (بلا سبب نهاه) عن ذلك ولا يعزره، (فإن عاد) إليه وطلبت تعزيره من القاضي (عزره) بما
يليق به لتعديه عليها.
فائدة: الخلق بضم اللام وإسكانها: السجية والطبع، ولهما أوصاف حسنة وأوصاف قبيحة، وقد روي أكمل
المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وقال القائل:
بمكارم الأخلاق كن متخلقا ليفوح مسك ثنائك العطر الشذي
وانفع صديقك إن أردت صداقة وادفع عدوك بالتي فإذا الذي
أي بقية الآية وإنما لم يعززه في المرة الأولى وإن كان القياس جوازه إذا طلبته. قال السبكي: ولعل ذلك لأن
إساءة الخلق تكثر بين الزوجين والتعزيز عليها يورث وحشة بينهما فيقتصر أولا على النهي لعل الحال يلتئم بينهما،
فإن عاد عزره وأسكنه يجنب ثقة يمنع الزوج من التعدي عليها. وهل يحال بين الزوجين؟ قال الغزالي: يحال بينهما حتى
يعود إلى العدل، ولا يعتمد قوله في العدل وإنما يعتمد قولها وشهادة القرائن اه‍. وفصل الإمام، فقال: إن ظن
الحاكم تعديه ولم يثبت عنده لم يحل بينهما، وإن تحققه أو ثبت عنده وخاف أن يضربها ضربا مبرحا لكونه جسورا
260

حال بينهما حتى يظن أنه عدل، إذ لو لم يحل بينهما واقتصر على التعزير لربما بلغ منها مبلغا لا يستدرك اه‍. وهذا ظاهر.
فمن لم يذكر الحيلولة أراد الحال الأول، ومن ذكرها كالغزالي والحاوي الصغير والمصنف في تنقيحه أراد الثاني،
والظاهر كما قال شيخنا أن الحيلولة بعد التعزيز، والاسكان وإن كان لا يتعدى عليها لكنه يكره صحبتها لكبر أو مرض
أو نحوه ويعرض عنها فلا شئ عليه. ويسن لها أن تستعطفه بما يجب كأن تسترضيه بترك بعض حقها كما تركت سودة
نوبتها ل عائشة، فكان (ص) يقسم لها يومها ويوم سودة، كما أنه يسن له إذا كرهت صحبته لما ذكر أن
يستعطفها بما تحب من زيادة نفقة ونحوها. ثم شرع فيما إذا كان التعدي منهما بقوله: (وإن قال كل) من الزوجين (إن
صاحبه متعد) عليه، وأشكل الامر بينهما، (تعرف القاضي الحال) الواقع بينهما (بثقة) واحد (يخبرهما) بفتح المثناة
التحتية أوله وضم الباء الموحدة بعد الخاء المعجمة، ويكون الثقة جارا لهما، فإن لم يتيسر أسكنهما في جنب ثقة يتعرف
حالهما ثم ينهى إليه ما يعرفه. واكتفى هنا بثقة واحد تنزيلا لذلك منزلة الرواية لما في إقامة البينة عليه من العسر، وظاهر
هذا أنه لا يشترط في الثقة أن يكون عدل شهادة بل يكفي عدل الرواية، ولهذا قال الزركشي: والظاهر من كلامهم
اعتبار من تسكن النفس بخبره، لأنه من باب الخبر لا الشهادة. (و) إذا تبين له حالهما (منع الظالم) من عوده
لظلمه، وطريقه في الزوج ما سلف، وفي الزوجة بالزجر والتأديب كغيرها. (فإن اشتد الشقاق) بكسر الشين: أي
الخلاف والعداوة بينهما، مأخوذ من الشق، وهو الناحية، إذ كل واحد صار في ناحية، وذلك بأن دام بينهما التساب
والتضارب وفحش ذلك. (بعث) القاضي (حكما من أهله وحكما من أهلها) لنظر في أمرهما بعد اختلاء حكمه به
وحكمها بها ومعرفة ما عندهما في ذلك، ولا يخفى حكم عن حكم شيئا إذا اجتمعا ويصلحا بينهما أو يفرقا بطلقة إن عسر
الاصلاح على ما يأتي، الآية: * (وإن خفتم شقاق بينهما) * والخطاب فيها للحكام، وقيل: للأولياء. والبعث واجب كما
صححه في زيادة الروضة وجزم به الماوردي، وإن صحح في المهمات والاستحباب لنقل البحر له عن نص الشافعي،
وقال الأذرعي: بل ظاهر نص الام الوجوب. وأما كونهما من أهلهما فمستحب غير مستحق إجماعا كما في النهاية، لأن
القرابة لا تشترط في الحاكم ولا في الوكيل.
تنبيه: اقتضى كلام المصنف عدم الاكتفاء بحكم واحد، وهو الأصح لظاهر الآية، ولان كلا من الزوجين
يتهمه ولا يفشي إليه سره. (وهما وكيلان) في الأظهر (لهما) أي عنهما. (وفي قول) هما حاكمان (موليان من
الحاكم) واختاره جمع، لأن الله تعالى سماهما حكمين، والوكيل مأذون ليس بحكم. ووجه الأول أن الحال قد يؤدي
إلى الفراق، والبضع حق الزوج، والمال حق الزوجة، وهما رشيدان، فلا يولى عليهما، ولان الطلاق لا يدخل
تحت الولاية إلا في المولى، وهو خارج عن القياس. (فعلى الأول يشترط رضاهما) يبعث الحكمين. ويشترط
في الحكمين: التكليف، والاسلام، والحرية، والعدالة، والاهتداء إلى المقصود بما بعثا له، ولا يشترط فيهما الذكورة
وإنما اشترط فيهما ذلك مع أنهما وكيلان لتعلق وكالتهما بنظر الحاكم كما في أمينه. (فيوكل) الزوج إن شاء
(حكمه بطلاق وقبول عوض خلع، وتوكل) الزوجة إن شاءت (حكمها ببذل عوض) للخلع (وقبول
طلاق به) أي العوض كسائر الوكلاء. ويفرق الحكمان بينهما إن رأياه صوابا، وإن اختلف رأيهما بعث القاضي اثنين
غيرهما حتى يجتمعا على شئ. فإن أغمي على أحد الزوجين أو جن ولو بعد استعلام الحكمين رأيه لم ينفذ أمرهما لأن
الوكيل ينعزل بالاغماء والجنون، وإن أغمي على أحدهما أو جن قبل البعث لم يجز بعث الحكمين، وإن غاب أحدهما
بعد بعث الحكمين نفذ أمرهما كما في سائر الوكلاء، فإن لم يرض الزوجان ببعث الحكمين ولم يتفقا على شئ أدب
القاضي الظالم منهما واستوفى المظلوم حقه ويعمل بشهادة الحكمين. وعلى القول الثاني يشترط في الحكمين الذكورة
261

زيادة على ما مر لا الاجتهاد، ولا يشترط رضا الزوجين ببعثهما ويحكمان بما يرياه مصلحة من الجمع والتفريق.
خاتمة: يعتبر رشد الزوجة ليتأتى بذلها العوض لا رشد الزوج لأنه يجوز خلع السفيه فيجوز توكيله فيه. ولو
قال الزوج لوكيله: خذ مالي منها ثم طلقها أو طلقها على أن تأخذ مالي منها اشترط تقديم أخذ المال على الطلاق، وكذا
لو قال: خذ مالي منها وطلقها، كما نقله في الروضة عن تصحيح البغوي وأقره، لأن الوكيل يلزمه الاحتياط فيلزمه ذلك وإن
لم تكن الواو للترتيب، فإن قال: طلقها ثم خذ مالي منها جاز تقديم أخذ المال على ما ذكر لأنه زيادة خير، قال
الأذرعي: وكالتوكيل من جانب الزوج فيما ذكر التوكيل من جانب الزوجة، كأن قالت: خذ مالي منه ثم اختلعني.
كتاب الخلع
بضم الخاء من الخلع بفتحها، وهو النزع، لأن كلا من الزوجين لباس الآخر، قال تعالى: * (هن
لباس لكم وأنتم لباس لهن) * فكأنه بمفارقة الآخر نزع لباسه. و (وهو) في الشرع (فرقة) بين الزوجين (بعوض) مقصود راجع
لجهة الزوج، (بلفظ طلاق أو خلع) كقوله: طلقتك أو خالعتك على كذا فتقبل، وسيأتي صحته بكنايات الطلاق. فالمراد
بقوله: بلفظ طلاق لفظ من ألفاظه صريحا كان أو كناية ولفظ الخلع من ذلك كما سيأتي، وصرح به لأنه الأصل في الباب.
وخرج بمقصود الخلع بدم ونحوه فإنه رجعي ولا مال. ودخل براجع لجهة الزوج وقوع العوض للزوج ولسيده، وما لو خالعت
بما ثبت لها من قود أو غيره، وخرج به ما لو علق الطلاق بالبراءة من مالها على غيره فيصح رجعيا. والأصل في الباب
قبل الاجماع قوله تعالى: * (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه) * والامر به في خبر البخاري في امرأة ثابت
بن قيس بقوله له: أقبل الحديقة وطلقها تطليقة وهو أول خلع وقع في الاسلام. والمعنى فيه أنه لما جاز أن يملك الزوج
الانتفاع بالبضع بعوض جاز أن يزيل ذلك الملك بعوض كالشراء والبيع، فالنكاح كالشراء والخلع كالبيع. وأيضا فيه
دفع الضرر عن المرأة غالبا، ولكنه مكروه لما فيه من قطع النكاح الذي هو مطلوب الشرع، لقوله (ص)
أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق قال في التنبيه إلا في حالتين: إحداهما أن يخافا أو أحدهما أن لا يقيما حدود الله،
أي ما افترضه في النكاح، لقوله تعالى: * (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا) * الآية، وذكر الخوف في الآية
جرى على الغالب، لأن الغالب وقوع الخلع في حالة التشاجر، ولأنه جاز حالة الخوف وهي مضطرة إلى بذل المال
ففي حالة الرضا أولى، وبالقياس على الإقالة في البيع. الحالة الثانية: أن يحلف بالطلاق الثلاث على فعل شئ لا بدله منه
أي كالأكل والشرب وقضاء الحاجة، فيخلعها ثم يفعل الامر المحلوف عليه ثم يتزوجها، فلا يحنث لانحلال اليمين بالفعلة
الأولى، إذ لا يتناول إلا الفعلة الأولى وقد حصلت. فإن خالعها ولم يفعل المحلوف عليه فيه قولان، أصحهما أنه
يتخلص من الحنث، فإذا فعل المحلوف عليه بعد النكاح لم يحنث لأنه تعليق سبق هذا النكاح فلم يؤثر فيه كما إذا علق
الطلاق قبل النكاح فوجدت الصفة بعد النكاح.
تنبيه: ظاهر كلامهم حصول الخلاص بالخلع ولو كان المحلوف على فعله مقيدا بمدة وهو كذلك، وخالف
في ذلك بعض المتأخرين، قال السبكي: دخلت على ابن الرفعة فقال لي: استفنيت عمن حلف بالطلاق الثلاث لا بد أن
يفعل كذا في هذا الشهر فخالع في الشهر فأفتيت بتخلصه من الحنث ثم ظهر لي أنه خطأ ووافقني البكري على التخلص
فبينت له أنه خطأ. قال السبكي: ثم سألت الباجي ولم أذكر له كلام ابن الرفعة فوافقه. قال: ثم رأيت في الرافعي في آخر
الطلاق: إنه لو قال إن لم تخرجي في هذه الليلة من هذه الدار فأنت طالق ثلاثا فخالع مع أجنبي من الليل وجدد النكاح
ولم تخرج لم يقع الطلاق لأن الليل كله محل اليمين ولم يمض الليل وهي زوجة له حتى يقع الطلاق، وأنه لو كان بين يديه
262

تفاحتان فقال لزوجته: إن لم تأكلي هذه التفاحة اليوم فأنت طالق ثلاثا، ولامته: إن لم تأكلي هذه الأخرى اليوم فأنت
حرة فاشتبهت تفاحة الطلاق وتفاحة العتق، فذكر طريقين عن بعض الأصحاب في الخلاص. ثم قال: فلو خالع زوجته
ذلك اليوم وباع الأمة ثم جدد النكاح واشترى الأمة خلص، وظاهر هذين الفرعين لمخالف لما قاله ابن الرفعة والباجي اه‍.
وهو كما قال، فالمعتمد إطلاق كلام الأصحاب. وذكرت في شرح التنبيه صور أخرى، ولا يكره الخلع فيها فليراجعه من
أراد. وأركان الخلع خمسة: ملتزم لعوض وبضع وعوض وصيغة وزوج، وبدأ به فقال: (شرطه) أي ركنه (زوج يصح) أي ينفذ (طلاقه) يعني أن يكون الزوج
يصح طلاقه بأن يكون بالغا عاقلا مختارا كما سيأتي في بابه، وذلك لأن
الخلع طلاق فالزوج ركن لا شرط، وكونه يصح طلاقه شرط في الزوج، فلا يصح من صبي ومجنون ومكره
كطلاقهم.
(فلو خالع عبد) ولو مدبرا، (أو محجورا عليه بسفه صح) بإذن ودونه بمهر المثل أو أقل، إذ لكل منهما أن يطلق
مجانا فبعوض أولي. (ووجب دفع العوض) عينا كان أو دينا (إلى مولاه) أي العبد ويملكه مولاه قهرا، وإن لم
يأذن كسائر أكسابه. ويستثنى من إطلاقه المكاتب فإنه يجب التسليم إليه لاستقلاله. والمبعض إن خالع وبينه وبين
سيده مهايأة وقبض في نوبته صح، وأما في نوبة سيده فلا يقبض شيئا، وإن لم يكن مهايأة قبض ما يخص حريته
والعبد المأذون على أحد وجهين في الحاوي بلا ترجيح يقبض أيضا ما خالع به. (ووليه) أي المحجور عليه بسفه
كسائر أمواله، فإن سلمت العوض إلى السفيه بغير إذن الولي وهو دين لم تبرأ ويسترده منه، نعم إن بادر الولي فأخذه
منه برئت كما في الشامل والبحر، فإن تلف في يده فلا ضمان في الحال ولا بعد رشده. وهل يبرأ فيما بينه وبين الله
تعالى؟ وجهان في الحاوي، أوجههما لا، أو وهو عين وعلم الولي أخذها منه. فإن تركها حتى تلفت فهل يضمن أو لا؟
وجهان، أوجههما الأول كما قاله بعض المتأخرين. وإن لم يعلم الولي فتلفت فهي مفرطة فتضمن مهر المثل لا قيمة
العين، والتسليم إلى العبد كالسفيه، لكن المختلع له مطالبته بعد العتق بما تلف تحت يده بخلاف السفيه لا يطالب أصلا
كما مر. أما قبضها بإذن فيصح ولو علق بالدفع إليه كأن قال: إن دفعت إلي كذا فأنت طالق كان لها أن تدفعه إليه
لا إلى وليه، لأنه فيما مر ملكه قبل الدفع، وفي هذه إنما يملكه إليه وعلى وليه المبادرة إلى أخذه منه، فإن لم
يأخذه منه حتى تلف فلا غرم فيه على الزوجة كما نقله الأذرعي عن الماوردي، ولو دفعته إلى وليه لم تطلق لعدم
وجود المعلق عليه.
تنبيه: أسقط المصنف من المحرر خلع المفلس لتقدمه في بابه. ثم شرع في الركن الثاني وهو الملتزم، فقال: (وشرط
قابله) أي الخلع أو ملتمسه ليصح خلعه من زوجة أو أجنبي، (إطلاق تصرفه في المال) بكونه مكلفا غير محجور عليه،
أي بالنسبة لثبوت المال، أما الطلاق فلا يعتبر في قابله ذلك بل صحة عبارته فقط. وللحجر أسباب خمسة، ذكر المصنف
منها ثلاثة: الرق والسفه والمرض، وأسقط الصبا والجنون لأن الخلع معهما لغو، ولو كانت المختلعة مميزة كما جرى عليه
ابن المقري، لانتفاء أهلية القبول فلا عبرة بعبارة الصغيرة والمجنونة، بخلاف السفيهة، وجعل البلقيني المميزة كالسفيهة. ثم شرع
في السبب الأول، فقال: (فإن اختلعت أمة بلا إذن سيد) لها مطلق التصرف (بدين) في ذمتها، (أو عين ماله) أي السيد
أو عين مال أجنبي أو عين غير مملوكة كخمر، (بانت) في الجميع لوقوعه بعوض فاسد.
تنبيه: محل ذلك إذا نجز الطلاق، فإن قيده بتمليك تلك العين لم تطلق كما قاله الماوردي. (وللزوج
في ذمتها) إذا بانت (مهر مثل في صورة العين) لأنه المراد حينئذ، (وفي قول: قيمتها) إن كانت متقومة، وإلا فمثلها.
ولو عبر بالبدل كما عبر به الرافعي لكان أعم. (وفي صورة الدين المسمى) كما في الروضة وأصلها كما يصح التزام الرقيق
263

بطريق الضمان ويتبع به بعد العتق. (وفي قول: مهر مثل) ورجحه في المحرر والشرح الصغير، كما لو تزوج العبد بغير
إذن سيده ووطئ.
تنبيه: أشار بقوله: في ذمتها إلى أنه يتبعها بعد العتق ولا مطالبة له الآن قطعا، وتأخير المطالبة إلى العتق واليسار
ثبت بالشرع فلا تضر جهالة وقته. ولو خالعت الأمة بمال وشرطته بعد عتقها فسد ورجع بمهر المثل بعد العتق، قال
السبكي: وهذا عجيب لأنه شرط يوافق مقتضى العقد ويفسده. (وإن أذن) السيد لها في الاختلاع ولو كانت سفيهة كما
هو مقتضى نص الام، (وعين) لها من ماله (عينا له) لها تختلع بها، (أو قدر) لها (دينا) في ذمتها كالدينار، (فامتثلت تعلق)
الزوج (بالعين) في صورتها (وبكسبها في) صورة (الدين) وبما في يدها من مال التجارة إن كانت مأذونة كمهر العبد
في النكاح المأذون فيه وإن لم تكن مكتسبة ولا مأذونة، ففي ذمتها تتبع به بعد عتقها ويسارها ولا يكون السيد بإذنه
في الخلع بالدين ضامنا له كمهر النكاح في العبد المأذون فيه. (وإن أطلق) السيد (الاذن) لامته فلم يذكر عينا ولا دينا،
(اقتضى مهر المثل من كسبها) ومما بيدها من مال التجارة إن كانت مأذونة كما لو أذن لعبده في النكاح. واحترز
بقوله: فامتثلت عما إذا زادت على المأذون فيه أو على مهر المثل عند الاطلاق، فالزيادة تطالب بها بعد العتق. ويستثنى
من التعليق بالعين ما لو أذن لها أن تخلع وهي تحت حر أو مكاتب برقبتها فإنه لا يصح، إذ لو صح لقارنت الفرقة ملك
الرقبة لأن العوضين يتساويان، وملك المنكوحة يمنع وقوع الطلاق، كما لو علق طلاق زوجته وهي أمة غير مدبرة مملوكة
لأبيه بموته فمات لم تطلق لأن ملك الزوج لها حالة موت أبيه يمنع وقوع الطلاق، فلو كانت مدبرة طلقت لعتقها بموت
الأب. هذا كله في القنة، أما المبعضة فإن خالعت على ما ملكته فهي كالحرة، أو على ما يملكه السيد لم يصح
وكانت كالأمة، وإن خالعت على الامرين صارت الصفقة جامعة لامرين حكمهما على ما يوجب تفريق الصفقة. وأما
المكاتبة فالأصح أنها كالقنة في جميع ما مر كما صححه المصنف كالرافعي في باب الكتابة تبعا للجمهور،
واقتضاه كلام الرافعي هنا. وما وقع في أصل الروضة هنا من أن المذهب والمنصوص أن خلعها بإذن كهو بلا إذن
لا يطابق ما في الرافعي، بل قال في المهمات إنه غلط. ثم شرع في السبب الثاني، فقال: (وإن خالع) بعد
الدخول (سفيهة) أي محجورا عليها بسفه بلفظ الخلع، كأن قال: خالعتك على ألف، (أو قال: طلقتك على
ألف، فقبلت
طلقت رجعيا) ولغا ذكر المال لأنها ليست من أهل التزامه وإن أذن لها الولي، وليس لوليها صرف مالها في مثل ذلك.
وخرج ببعد الدخول ما إذا كان قبله فإنه يقع بائنا ولا مال، قال المصنف في نكته: وهو واضح. وبمحجور عليها
ما إذا سفهت بعد رشدها ولم يحجر عليها فإنه يصح تصرفها على الأصح.
تنبيه: محل وقوع الطلاق إذا لم يعلق الطلاق على شئ، أما لو قال لها: إن أبرأتني فأنت طالق، فقالت
في الحال: أبرأتك لم يقع الطلاق، صرح به الخوارزمي في الكافي كما نقله البلقيني عنه واعتمده، وإن أفتى السبكي بوقوع
الطلاق، إذ لا وجه له، لأن الصفة المعلق عليها وهي الابراء لم توجد فلا يقع الطلاق. وللبلقيني في صورة التعليق
بالاعطاء احتمالان، أرجحهما عنده أنها لا تطلق بالاعطاء، وهو كذلك فإنه لا يحصل به الملك. والثاني: أنه لو سلخ
الاعطاء عن معناه الذي هو التمليك إلى معنى الاقباض فتطلق رجعيا. (فإن لم تقبل لم تطلق) هو تصريح بمفهوم ما قبله،
لأن الصفة تقتضي القبول فأشبهت الطلاق المعلق على صفة ولا بد من حصولها. ولو قال لرشيدة ومحجور عليها
بسفه: خالعتكما بألف فقبلت إحداهما فقط لم يقع طلاق على واحدة منهما، لأن الخطاب معهما يقتضي القبول منهما
فإن قبلتا بانت الرشيدة لصحة التزامها بمهر المثل للجهل بما يلزمها من المسمى وطلقت السفيهة رجعيا لما مر. ثم
شرع في السبب الثالث، فقال: (ويصح اختلاع المريضة) أي التي مرضت (مرض الموت) لأن لها صرف مالها
264

في أغراضها وملاذها بخلاف السفيهة كما للمريض أن ينكح أبكارا بمهور أمثالهن من غير حاجة. (ولا يحسب من الثلث
إلا) قدر (زائد على مهر مثل) بخلاف مهر المثل وأقل منه فمن رأس المال، لأن التبرع إنما هو بالزائد فهو كالوصية
للأجنبي، ولا يكون كالوصية للوارث لخروجه بالخلع عن الإرث إلا أن يكون وارثا بجهة أخرى غير الزوجية كابن عم أو معتق.
فإن قيل: قد جعلوا خلع المكاتب تبرعا وإن كان بمهر المثل أو أقل فهلا كان المريض كذلك أجيب بأن تصرف المريض أتم
ولهذا وجب عليه نفقة الموسرين بخلاف المكاتب. ويصح خلع المريض مرض الموت بدون مهر المثل لأن البضع لا يبقى للوارث
لو لم يخالع. ثم شرع في الركن الثالث، وهو البضع وشرطه أن يملكه الزوج، فقال: (و) يصح اختلاع (رجعية في الأظهر) لأنها في
حكم الزوجات في كثير من الأحكام. والثاني: لا، لعدم الحاجة إلى الافتداء لجريانها إلى البينونة. ويستثنى كما قال الزركشي ما
لو عاشر الرجعية معاشرة الأزواج بلا وطئ وانقضت الأقراء أو الأشهر وقلنا يلحقها الطلاق ولا يراجعها، وهو الأصح كما
سيأتي، فينبغي أن لا يصح خلعها لأنها بائن إلا في الطلاق. (لا بائن) بخلع أو غيره، فلا يصح خلعها إذ لا يملك بضعها
حتى يزيله، وحكى الماوردي فيه إجماع الصحابة، قال: ولو قالت: طلقني واحدة بألف فقال: أنت طالق واحدة وطالق
ثانية وطالق ثالثها، فإن أراد بالعوهما الأولى وقعت دون الأخيرتين، أو الثانية وقعت الأوليان دون الثالثة، أو الثالثة
وقعت الثلاث. والخلع في الردة من الزوجين أو أحدهما، وفي إسلام أحد الزوجين الوثنيين بعد الدخول موقوف. ثم
شرع في الركن الرابع، وهو العوض، فقال: (ويصح عوضه) أي الخلع (قليلا وكثيرا دينا وعينا ومنفعة) لعموم
قوله تعالى: * (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) *، ولأنه عقد على منفعة البضع، فجاز بما ذكر كالصداق. ويستثنى
من إطلاقه المنفعة صورتان: إحداهما الخلع على أنه برئ من سكناها، ففي البحر يقع الطلاق ولا يجوز البدل، لأن
إخراجها من المسكن حرام، فلها السكنى وعليها مهر المثل. ثانيتهما: الخلع على تعليم شئ من القرآن، فقضية قولهم في
الصداق حيث قالوا بالتعذر أنه لا يصح. (و) يشترط في العوض شروط الثمن من كونه متمولا معلوما مقدورا على تسليمه،
فعلى هذا (لو خلع بمجهول) كأحد العبدين (أو خمر) معلومة أو نحوها مما لا يتملك، (بانت بمهر مثل) لأنه المراد عند
فساد العوض، (وفي قول: ببدل الخمر) وهو قدرها من العصير كالقولين في إصداقها.
تنبيه: أشار بالتمثيل بالخمر إلى النجس المقصود فخرج ما لا يقصد كالدم فإنه يقع رجعيا، لأنه لم يطمع في شئ،
قال الرافعي. وقد يتوقف في هذا، فإن الدم قد يقصد لأغراض. ورده ابن الرفعة بأغراض تافهة كالعدم.
ولا يخفى أن خلع الكفار بعوض غير مال صحيح كما أنكحتهم، فإن وقع إسلام بعد قبضه كله فلا شئ له عليها،
أو قيل قبض شئ منه فله مهر المثل، أو بعد قبض بعضه فالقسط. ولو خلعها على عين فتلفت قبل القبض أو خرجت
مستحقة أو معيبة فردها أو فاتت منها صفة مشروطة فردها، رجع عليها بمهر المثل، والعوض في يدها كالمهر في يده
في أنه مضمون ضمان عقد، وقيل: ضمان يد. ومحل البينونة بالمجهول إذا لم يكن فيه تعليق، أو علق
بإعطاء مجهول يمكن إعطاؤه مع الجهالة. أما إذا قال: إن أبرأتني من صداقك أو من دينك فأنت طالق فأبرأته وهي جاهلة به لم تطلق،
لأن الابراء لم يصح فلم يوجد ما علق عليه الطلاق، قاله السبكي، وهو المعتمد وكلام الماوردي يوافقه، وفي كلام القفال
ما يدل عليه، وفي كلام ابن الصلاح ما يخالفه، وجرى عليه في الأنور فقال: لو قال: إن أبرأت فأنت طالق، فأبرأته
جاهلة به لم تطلق، بخلاف إن أبرأتني. ومحل وقوع الطلاق عند التعليق بالبراءة من الصداق، أو الدين إذا كان معلوما،
أما إذا لم يتعلق بذلك الدين زكاة، فإن تعلقت به الزكاة وأبرأته لم يقع الطلاق، لأن الطلاق معلق على البراءة
من جميع
الدين، والدين قد استحق بعضه الفقراء فلا تصح البراءة من ذلك البعض فلم توجد الصفة، كما لو باع المال الذي تعلقت
به الزكاة بعد الحول فإنه يبطل في قدرها، نبه عليه ابن العماد، وهو حسن وإن نظر فيه بعضهم.
فائدة: الابراء من جهة المبرئ تمليك ومن وجهة المبرئ إسقاطه فيشترط على الأول دون الثاني، هذا إذا لم يؤل
265

الامر فيه إلى معارضة كما هنا وإلا فيشترط علمهما. قال الزركشي في قواعده: أما في الخلع فلا بد من علم الزوج بمقدار
ما أبرأته منه قطعا لأنه يؤول إلى المعارضة، قال: وقد غلط في هذه المسألة جماعة وأخذوا بظاهر كلام الأصحاب أنه
لا يشترط علم المبرأ على إطلاقه. ويستثنى من البينونة بالخمر ما لو خالع مع غير الزوجة من أب أو أجنبي على هذا الخمر،
أو المغصوب، أو عبدها هذا، أو على صداقها ولم يصرح بنيابة ولا استقلال بل أطلق، فيقع رجعيا، وليس لنا صورة
تقع بسبب ذلك رجعيا ولا مهر سواها.
فرع: لو خالعها بما في كفها ولم يكن فيه شئ، ففي الرافعي عن الوسيط وقوع الطلاق رجعيا، وعن غيره وقوعه
بائنا، ثم قال: ويشبه أن يكون الأول فيما إذا كان عالما بالحال، والثاني فيما إذا ظن أن في كفها شيئا. وقال المصنف:
المعروف الذي أطلقه الجمهور وقوعه بائنا بمهر المثل، وصوبه في فتاويه، وهذا موافق لما نقلاه في فتاوى البغوي وأقراه
من ترجيح أنها تبين بمهر المثل فيما لو خالعها ببقية مهرها ولم يكن بقي منه شئ، ووجه ما جرى عليه المصنف الجوجري
بأن ما في بما في كفها نكرة أو موصولة وكلاهما بمعنى شئ، وإسناده إلى كفها يشبه إسناد الاقرار بشئ يرفعه فيلغو. فإن
قيل: هذا يشكل بوقوعه رجعيا في خلع بدم. أجيب بأن الدم لا يقصد كما مر فذكره صارف للفظ عن العوض، بخلاف
خلعها على ما في كفها ولو مع علمه بأنه لا شئ فيه، إذ غايته إنه كالسكوت عن ذكر العوض وهو لا يمنع البينونة ووجوب
مهر المثل. ولو خالعها بمعلوم ومجهول فسد المسمى ووجب مهر المثل، بخلاف الخلع على صحيح وفاسد معلوم نشأ
فاسده من غير الجهالة فيصح في الصحيح، ويجب في الفاسد ما يقابله من مهر المثل. (و) يجوز (لهما) أي الزوجين (التوكيل)
في الخلع لأنه عقد معاوضة كالبيع، وهذا واضح، وإنما ذكر توطئة لبيان مخالفة الوكيل. (فلو قال) الزوج (لوكيله
خالعها بمائة) من دراهم مثلا معلومة، (لم ينقص) وكيله (منها) لأنه مأذون فيه. وأفهم جواز الزيادة عليها، وهو كذلك
إن كانت من جنسها قطعا كمائة وعشرة، وكذا من غيره على الأصح كمائة ثوب. فإن قيل: ينبغي أن لا يصلح فيما إذا
زاد، كما لو قال: بعه من زيد بكذا فباعه بأكثر، لأنه قد يقصد محاباته. أجيب بأن الخلع إنما يقع غالبا عند
الشقاق
ومع ذلك يبعد قصد المحاباة. (وإن أطلق) الاذن لوكيله كخلعها بمال أو سكت عنه، (لم ينقص عن مهر المثل) لأنه المرد،
وله أن يزيد عليه من جنسه وغيره كما مر. (فإن نقص فيهما) بأن خالع بدون المائة في الأولى وبدون مهر المثل في الثانية
نقصا فاحشا وهو ما لا يحتمل غالبا، (لم تطلق) للمخالفة كما لا ينفذ بيعه في مثل هذا. (وفي قول يقع) الطلاق (بمهر مثل)
لفساد المسمى بنقصه عن المأذون فيه والمراد، ورجحه في أصل الروضة وتصحيح التنبيه في الثانية، ونقله الرافعي عن
الأكثرين، بخلاف الأولى للمخالفة فيها لصريح الاذن، وهذا هو المعتمد كما قال الأسنوي إن الفتوى عليه.
تنبيه: يلتحق بنقصانه عن المسمى أو مهر المثل ما لو خالع بمؤجل أو بغير نقد البلد. (ولو قالت لوكيلها اختلع بألف)
من الدراهم مثلا، (فامتثل نفذ) لوقوعه كما أمرته، وكذا إن اختلع بأقل من ألف كما في المحرر، وحذفه المصنف لأنه يفهم
من باب أولى. وفي تسليم الوكيل الألف بغير إذن جديد وجهان، أوجبهما كما قاله بعض المتأخرين المنع. (وإن زاد)
وكيلها على ما سمعته له (فقال اختلعها بألفين) مثلا (من مالها بوكالتها بانت) على النص، (ويلزمها مهر مثل) لفساد المسمى
بزيادته على المأذون فيه سواء أكان زائدا على ما سمعت للوكيل أم ناقصا. (وفي قول) يلزمها (الأكثر منه) أي مهر المثل،
(ومما سمته) للوكيل، لأن مهر المثل إن كان أكثر فهو المرجوع إليه عند فساد المسمى، فإن كان الذي سمته أكثر فقد
رضيت به.
تنبيه: ما ذكره المصنف في حكاية هذا القول تبع فيه المحرر، والصواب فيه ما جوازه في الشرح والروضة أنه
266

الأكثر مما سمته هي، ومن أقل الأمرين من مهر المثل ومما سماه الوكيل. ولو قال المصنف: ما لم يزد مهر المثل على مسمى
الوكيل فإن زاد وجب ما سماه لاستقام، فلو كان مهر المثل ألفين وسمعت ألفا فسمى الوكيل ألفا وخمسمائة لزمها على
قضية ما في الكتاب وعلى القول الثاني ألفان، وعلى ما في الشرح والروضة ألف وخمسمائة، ولا يطالب وكيلها بما لزمها
إلا إن ضمن كأن يقول: على أني ضامن، فيطالب بما سمي وإن زاد على مهر (وإن) لم يقل الوكيل في الصورة
المتقدمة بوكالتها بل (أضاف الوكيل المثل الخلع إلى نفسه فخلع أجنبي) وهو صحيح كما سيأتي. (والمال عليه) ولا شئ عليها
منه، لأن إضافته إلى نفسه إعراض عن التوكيل واستبداد بالخلع مع الزوج. (وإن أطلق) الوكيل الخلع بأن لم يضفه إليه
ولا إليها وقد نواها، (فالأظهر أن عليها ما سمت) لالتزامها إياه، (وعليه الزيادة) لأنها لم ترض بأكثر مما سمته، فعلى كل منها
في الصورة المذكورة ألف. لكن يطالب بما سماه، لأنه التزمه بعقده ثم يرجع بما سمته إذا غرمه، وللزوج مطالبتها بما
لزمها. والثاني: عليها أكثر الامرين مما سمته ومنه مهر المثل ما لم يزد على مسمى الوكيل كما مر، وعليه التكملة إن نقص عنه.
ولو أضاف الوكيل ما سمته إليها والزيادة إلى نفسه ثبت المال كذلك. ولو أطلقت التوكيل بالاختلاع فكأنها قدرت مهر
المثل فلا يزيد الوكيل عليه، فإن زاد عليه وجب مهر مثل وعليه ما زاد، كما لو زاد على المقدر. واو خالع وكيلها
الزوج بنحو خمر كخنزير ولو بإذنها فيه نفذ، لأنه وقع بعوض مقصود، لزمها مهر المثل لفساد العوض. وإن خالع وكيل
الزوج بنحو خمر كان قد وكله بذلك نفذ أيضا بمهر المثل لما مر، نعم إن خالف وكيله فأبدل خمرا وكله بالخلع بها
بخنزير لغا، لأنه غير مأذون فيه. (ويجوز توكيله) أي الزوج في الخلع ولو من مسلمة (ذميا) أو غيره، ولو عبر بالكافر
كان أولى، لأنه قد يخالع المسلمة أو يطلقها ولو كان وثنيا، ألا ترى أنها لو أسلمت وتخلف وخالعها في العدة أو طلقها
ثم أسلم حكم بصحة الخلع والطلاق؟ (و) يجوز توكيله (عبدا) وإن لم يأذن السيد، (ومحجورا عليه بسفه) وإن لم يأذن الولي،
إذ لا يتعلق بالوكيل هنا عهدة. (ولا يجوز) بمعنى لا يصح (توكيل محجور عليه) بسفه (في قبض العوض) لأنه ليس أهلا له،
فإن وكله وقبض كان الزوج مضيعا لما له، ويبرأ المخالع بالدفع، قاله في التتمة وأقراه، وحمله السبكي وغيره على عوض
معين أو غير معين وعلق الطلاق بدفعه. فإن كان في الذمة لم يصح القبض، لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح،
فإذا تلف كان على الملتزم وبقي حق الزوج في ذمته.
تنبيه: كلام المصنف يفهم امتناع توكيل الزوجة لهؤلاء، وليس على إطلاقه بل يجوز توكيلها الكافر والعبد وإن لم
يأذن له السيد، فإن أضاف المال إليها فهي المطالبة به، وإن أطلق ولم يأذن السيد في الوكالة طولب بالمال بعد العتق، وإذا
غرمه رجع به على الزوجة إذا قصد الرجوع، وإن أذن السيد في الوكالة تعلق المال بكسب العبد ونحوه، فإذا أدى من
ذلك رجع به عليها. وأما المحجور عليه بسفه فلا يصح أن يكون وكيلا عنها وإن أذن له الولي، إلا إذا أضاف المال إليها
فتبين ويلزمها، إذ لا ضرر عليه في ذلك، فإن أطلق وقع الطلاق رجعيا كاختلاع السفيهة. (والأصح) المنصوص (صحة
توكيله) أي الزوج (امرأة بخلع) أي في خلع (زوجته أو طلاقها) لأنه يصح أن تطلق المرأة نفسها فيما إذا فوض طلاق نفسها
إليها، وهو توكيل أو تمليك كما سيأتي، فإن كان توكيلا فهو ما نحن فيه، وإن كان تمليكا فمن صح أن يملك شيئا صح
توكيله فيه. والثاني: لا يصح، لأنها لا تستقل بالطلاق.
تنبيه: أفهم كلامه أن توكيل الزوجة امرأة في خلعها صحيح قطعا، وهو كذلك. ويستثنى من إطلاقه ما لو أسلم
على أكثر من أربع ثم وكل امرأة في طلاق بعضهن فإنه لا يصح لتضمنه الاختيار للنكاح، ولا يصح توكيلها للاختيار
في النكاح، فكذا اختيار الفراق. (ولو وكلا) أي الزوجان معا (رجلا) في الخلع (تولى طرقا) منه، أي أيهما شاء
267

والطرف الآخر يتولاه أحد الزوجين أو وكيله، ولا يتولى الطرفين كما في البيع وغيره. (وقيل) يتولى (الطرفين) لأن
الخلع يكفي فيه اللفظ من أحد الجانبين، كما لو قال: إن أعطيتني ألفا فأنت طالق، فأعطته ذلك يقع الطلاق خلعا. ثم
شرع في الركن الخامس، وهو الصيغة وتنقسم إلى صريح وكناية معبرا عنه بفصل فقال:
فصل: (الفرقة بلفظ الخلع طلاق) ينقص العدد كلفظ الطلاق، لأن الله تعالى ذكره بين طلاقين في قوله: * (الطلاق
مرتان) * الآية، فدل على أنه ملحق بهما، ولأنه لو كان فسخا لما جاز على غير الصداق إذ الفسخ يوجب استرجاع البدل
كما أن الإقالة لا تجوز بغير الثمن. (وفي قول: فسخ لا ينقص عددا) ويجوز تجديد النكاح بعد تكرره من غير حصر، لأنها
فرقة حصلت بمعاوضة فتكون فسخا كشراء زوجته، وهذا القول منسوب إلى القديم، وفي قول نص عليه في الام أنه
لا يحصل به شئ لا فرقة طلاق ولا فسخ. وخرج بلفظ الخلع الفرقة بلفظ الطلاق إذا كان بعوض فإنه يكون طلاقا
قاطعا، وكذا إن قصد بلفظ الخلع الطلاق، أو اقترن بلفظ الخلع طلاقا كخالعتك على طلقة بألف. قال الفوراني: وإذا
نوى بالخلع عددا إن جعلناه طلاقا وقع ما نواه، أو فسخا فلا لأنه لا يتعدد. (فعلى الأول) وهو أن الخلع طلاق، (لفظ
الفسخ) كفسخت نكاحك بكذا فقبلت (كناية) فيه، لأنه لم يرد في القرآن ولم يستعمل عرفا فيه فلا يكون صريحا فلا
يقع الطلاق فيه بلا نية.
تنبيه: ليس المراد أن لفظ الفسخ كناية في لفظ الخلع، إذ اللفظ لا يكنى به عن لفظ آخر، بل المراد أنه كناية
في الفرقة بعوض التي يعبر عنها بلفظ الخلع ويحكم عليها بأنها طلاق. (والمفاداة) كفاديتك بكذا حكمها (كخلع) في صراحته
الآتية (في الأصح) لورود لفظة المفاداة في القرآن. قال تعالي (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) والثاني أنه كناية، لأنه لم
يتكرر في القرآن ولم يشتهر على لسان حملة الشريعة. (ولفظ الخلع صريح) في الطلاق فلا يحتاج معه لنية لأنه تكرر على لسان
حملة الشرع لإرادة الفراق فكان كالتكرر في القرآن، وهذا ما صرح به البغوي والنسائي وصاحب الأنوار والأسنوي
والبلقيني، وظاهره أنه لا فرق بين أن يذكر معه مال أم لا. (وفي قول) هو (كناية) فيه يحتاج لنية
الطلاق حظا له عن لفظ الطلاق المتكرر في القرآن ولسان حملة الشريعة، ولان صرائح الطلاق منحصرة في
ألفاظ ليس هذا منها. وهذا ما نص
عليه في مواضع من الام، وقال القاضي الحسين وغيره: إنه ظاهر المذهب، وظاهره أنه لا فرق بين أن يذكر معه مال
أم لا، والأصح كما في الروضة أن الخلع والمفاداة أن ذكر معهما المال فهما صريحان في الطلاق، لأن ذكره يشعر بالبينونة
وإلا فكنايتان (فعلى الأول) وهو صراحة الخلع، (لو جرى بغير ذكر ماله) مع زوجته بنية التماس قبولها ولم ينف العوض
كأن قال: خالعتك أو فاديتك ونوى التماس قبولها فقبلت بانت، و (وجب مهر مثل في الأصح) لاطراد العرف بجريان
ذلك بعوض، فيرجع عند الاطلاق إلى مهر المثل لأنه المرد كالخلع بمجهول، فإن جرى مع أجنبي طلقت مجانا كما لو كان
معه العوض فاسد، ولو نفى العوض فقال: خالعتك بلا عوض وقع رجعيا وإن قبلت ونوى التماس قبولها، فإن لم تقبل لم
تطلق، وإن قبلت ولم يضمر التماس جوابها ونوى الطلاق وقع رجعيا ولا مال.
تنبيه: قضية كلام المصنف وقوع الطلاق جزما، وهو مخالف لما مر عن الروضة من كونه كناية على الأصح،
كذا نبه عليه ابن النقيب وغيره. قال الجلال البلقيني: والحق أنه منافاة بينهما، فإنه ليس في المنهاج صريح مع
عدم ذكر المال، فلعل مراده أنه جرى بغير ذكر مال مع وجود مصحح له وهو اقتران النية اه‍. وهو جمع حسن
268

لأن الجمع إذا أمكن كان أولى من تضعيف أحد الجانبين مع أن ظاهر إطلاق الكتاب ليس مرادا قطعا، إذ لا بد من
هذه القيود المذكورة التي قيدت بها كلامه. (ويصح) الخلع على قول الطلاق والفسخ (بكنايات الطلاق) أي بكل
منها، وسيأتي معظمها في بابه، (مع النية) للطلاق من الزوجين معا، فإن لم ينويا أو أحدهما لم يصح. (و) يصح
الخلع أيضا بالترجمة عنه (بالعجمية) وغيرها من اللغات نظرا للمعنى. (ولو قال) الزوج لزوجته: (بعتك نفسك بكذا)
كألف، (فقالت) فورا: (اشتريت) أو نحوه كقبلت، (فكناية خلع) سواء جعلناه خلعا أم فسخا بخلاف ما لم يذكر
كذا أو لم يكن القبول على الفور. قال الزركشي والدميري: وهو مستثنى من قاعدة ما كان صريحا في بابه ووجد نفاذا
في موضوعه لا يكون كناية في غيره اه‍. وهذا ممنوع، بل هو من جزئيات القاعدة فإنه لم يوجد نفاذه في
موضوعه، إذ موضوعه المحل المخاطب. ولو قال: بعتك طلاقك بكذا أو قالت: بعتك ثوبي مثلا بطلاق كناية أيضا. ثم شرع فيما
اشتمل عليه الخلع من شوائب العقود بقوله: (وإذا بدأ) الزوج، بالهمز: بمعنى ابتدأ، (بصيغة معاوضة كطلقتك أو خالعتك
بكذا) كألف فقبلت، (وقلنا الخلع) في الصورة الثانية (طلاق) وهو الراجح كما مر، (فهو معاوضة) لاخذه
عوضا في مقابلة ما يخرجه عن ملكه، (فيها شوب تعليق) لتوقف وقوع الطلاق فيه على قبول المال، أما إذا
قلنا
الخلع فسخ فهو معاوضة محضة من الجانبين، إذ لا مدخل للتعليق فيها بل هو كابتداء البيع. (و) على المعاوضة (له
الرجوع قبل قبولها) لأن هذا شأن المعاوضات، (يشترط قبولها) أي المختلعة الناطقة (بلفظ غير منفصل) بكلام
أجنبي أو زمن طويل كما في سائر العقود، فتقول قبلت أو اختلعت أو نحوه، فلا يصح القبول بالفعل بأن تعطيه القدر.
أما الخرساء فتكفي إشارتها المفهمة. ويشترط كون القبول على وفق الايجاب، (فلو اختلف إيجاب وقبول كطلقتك
بألف فقبلت بألفين وعكسه) كطلقتك بألفين فقبلت بألف، (أو طلقتك ثلاثا بألف فقبلت واحدة بثلث ألف فلغو)
في المسائل الثلاث للمخالفة كما في البيع، ويفارق ما لو قال: إن أعطيتني ألفا فأنت طالق، فأعطته ألفين حيث يقع الطلاق
بأن القبول جواب الايجاب، فإذا خالفه في المعنى لم يكن جوابا، والاعطاء ليس جوابا وإنما هو فعل، فإذا أتت بألفين
فقد أتت بألف ولا اعتبار بالزيادة، قاله الإمام. (ولو قال طلقتك ثلاثا بألف، فقبلت واحدة فالأصح وقوع الثلاث
و) الأصح أيضا (وجوب ألف) لأن الزوج مستقل بالطلاق والزوجة إنما يعتبر قبولها بسبب المال، فإذا قبلت
المال اعتبر في الطلاق جانب الزوج. وهذا بخلاف ما لو باع عبدين بألف فقبل أحدهما بألف فإنه لا يصح، لأن
مقصود المشتري الملك ولم يحصل، والطلاق لا يدخل في ملك المرأة. والثاني: يقع واحدة بألف نظرا إلى قبولها
والثالث: لا يقع شئ لاختلاف الايجاب والقبول. (وإن بدأ) الزوج (بصيغة تعليق) في الاثبات (كمتى أو متى ما)
بزيادة ما للتأكيد أو أي حين أو زمان أو وقت (أعطيتني) كذا فأنت طالق، (فتعليق) محض من جانبه، ولا نظر فيه
إلى شبهة المعاوضة لأنه من صرائح ألفاظ التعليق فيقع الطلاق عند تحقق الصفة كسائر التعليقات، وحينئذ (فلا رجوع
له) قبل الاعطاء كالتعليق الخالي عن العوض في نحو: إن دخلت الدار فأنت طالق. (ولا يشترط) فيه (القبول
لفظا) لأن الصيغة لا تقتضيه، (ولا الاعطاء) فورا (في المجلس) أي مجلس التواجب، وهو كما في المحرر وأهمله
269

المصنف ما يرتبط به الايجاب بالقبول دون مكان العقد، فمتى وجد الاعطاء طلقت، وإن زادت على ما ذكره لدلالة اللفظ
على الزمان وعمومه في سائر الأوقات، ولو قيد في هذه بزمان أو مكان تعين: وخرج بالاثبات ما إذا بدأ بصيغة تعليق
بمتى ونحوها في النفي، كقوله: متى لم تعطني كذا فأنت طالق فهو للفور، لأن متى ونحوها في النفي تقتضي الفور، وبالزوج
المرأة، فإنها لو قالت: متى طلقتني فلك علي ألف اختص الجواب بمجلس التواجب. وفرق الغزالي بينهما بأن الغالب على
جانبه التعليق وعلى جانبها المعاوضة. (وإن قال: إن) بكسر الهمزة، (أو إذا أعطيتني) كذا فأنت طالق، (فكذلك) أي
فتعليق لا رجوع له فيه قبل الاعطاء، ولا يشترط القبول لفظا ولا الاعطاء في المجلس لأنهما من حروف التعليق كمتى.
وخرج ب‍ إن المكسورة المفتوحة، فإن بها يقع الطلاق في الحال بائنا لأنها للتعليل، قاله الماوردي، قال: وكذلك الحكم
في إذ لأنها لماضي الزمان، ولكن قياس ما رجحه المصنف في تعليق الطلاق الفرق بين النحوي وغيره كما سيأتي تحريره.
(لكن يشترط) في التعليق المذكور (إعطاء على الفور) في مجلس التواجب لأنه قضية العوض في المعاوضات، وإنما
تركت هذه القضية في متى ونحوها لأنها صريحة في جواز التأخير مع كون المغلب في ذلك من جهة الزوج معنى التعليق
بخلاف جانب الزوجة كما مر.
تنبيه: محل الفور في الحرة، أما إذا كانت الزوجة أمة والمشروط غير خمر، كأن قال: إن أعطيتني ألفا فأنت
طالق، فلا يشترط الاعطاء فورا لأنها لا تقدر على الاعطاء إلا من كسبها وهو متعذر في المجلس غالبا، فإن أعطته ألفا
ولو من غير كسبها ومال السيد طلقت بائنا لوجود الصفة ورد الزوج الألف لمالكها، وتعلق مهر المثل بذمتها تطالب به
إذا عتقت. فإن قيل: نقل الرافعي عن البغوي أنه لو قال لزوجته الأمة: إن أعطيتيني ثوبا فأنت طالق لم تطلق إذا أعطته
ثوبا لأنها لا تملكه، فكان ينبغي أن يكون هنا كذلك. أجيب بأن الثوب مبهم لا يمكن تمليكه بخلاف الألف درهم
مثلا فإنه يمكن تمليكها في الجملة لغيرها فقوي الابهام في الأول، وهذا أولى من تضعيف أحد الجانبين. وقضية
التعليل إلحاق المبعضة والمكاتبة بالحرة وهو ظاهر، فإن كان المشروط خمرا اشترط الاعطاء فورا وإن لم تملك الخمر
لأن يدها ويد الحرة عليه سواء، وقد تشتمل يدها عليه. (وإن بدأت) أي الزوجة (بطلب طلاق) سواء
أكان على جهة التعليق نحو إن أو متى أو لم يكن على جهته ك‍ طلقني على كذا، (فأجاب) الزوج قولها فورا،
(فمعاوضة) من جانبها لأنها تملك البضع بما تبذله من العوض، (فيها شوب جعالة) لأنها تبذل المال في مقابلة
ما يستقل به الزوج وهو الطلاق، فإذا أتى به وقع الموقع وحصل غرضها كالعامل في الجعالة، (فلها الرجوع
قبل جوابه) لأن هذا حكم المعاوضات والجعالات جميعا. (ويشترط فور لجوابه) في محل التواجب في
الصيغ السابقة المقتضية فورا وغيرها كالتعليق بمتى تغليبا للمعاوضة من جانبها بخلاف جانب الزوج، وقد تقدم
الفرق بينهما، فإن طلق متراخيا كان مبتدئا لا يستحق عوضا ويقع الطلاق حينئذ رجعيا. نعم لو صرحت بالتراخي لم
يشترط الفور كما قاله الزركشي، قال: ولم يذكروه، ونقل عن البيان أنها لو قالت: خالعتك بكذا، فقال: قبلت لم تطلق
لأن الايقاع إليه.
تنبيه: سكوت المصنف عن تطابق الايجاب والقبول هنا يدل على أنه لا يشترط، وهو كذلك، فلو قالت:
طلقني بألف فطلقها بخمسمائة وقع بها على الصحيح لأنه سامح ببعض ما طلبت أن يطلقها عليه. (ولو طلبت) من الزوج
(ثلاثا) يملكها عليها (بألف فطلق طلقة بثلثه فواحدة) تقع (بثلثه) تغليبا لشوب الجعالة، كما لو قال: إن رددت
عبيدي الثلاث فلك ألف فرد واحدا استحق ثلث الألف، ولو طلق طلقتين استحق ثلثي الألف، ولو طلقها طلقة
270

ونصفا استحق نصف الألف كما في زيادة الروضة. قال الأذرعي: ولو قال: أنت طالق ولم يذكر عددا ولا نواه فالظاهر
أنه يحمل على الواحدة ولو لم يملك عليها إلا طلقة استحق الألف لأنه أفادها البينونة الكبرى.
تنبيه: لو حذف المصنف بثلثه كان أولى، فإنه لو اقتصر على قوله: طلقتك واحدة استحق الثلث وكان يعلم حكم
التقييد من باب أولى، وأيضا فيه إبهام أنه إذا لم يعد ذكر المال يقع رجعيا، وهو وجه ضعيف. (وإذا خالع أو طلق)
زوجته (بعوض) صحيح أو فاسد، سواء جعلنا الخلع طلاقا أم فسخا، (فلا رجعة) له عليها لأنها بذلت المال لتملك بعضها
فلا يملك الزوج ولاية بالرجوع إليه. (فإن شرطها عليها) كخالعتك أو طلقتك بدينار على أن لي عليك الرجعة، (فرجعي)
يقع في المسألتين، لأن شرط الرجعة والمال متنافيان فيسقطان ويبقى مجرد الطلاق، وقضيته ثبوت الرجعة، ولا حاجة
بعد رجعي، لقوله: (ولا مال) ولو عبر بالمذهب لكان أولى لنقله في الروضة القطع به عن الجمهور. (وفي قول) يقع الطلاق
(بائن بمهر مثل) لأن الخلع لا يفسد بفساد العوض كالنكاح. وكلامه يشعر بأن هذا القول منصوص، وقال الشيخ
أبو حامد وغيره: إنه مخرج.
تنبيه: قد يدخل في كلامه ما لو خالعها بعوض على أنه متى شاء رده وكان له الرجعة، وقد نص الشافعي فيه على
البينونة بمهر المثل لأنه رضي بسقوط الرجعة هنا، ومتى سقطت لا تعود. (ولو قالت) له (طلقني بكذا وارتدت) عقب
هذا القول، (فأجاب) قولها فورا، نظرت (إن كان) الارتداد (قبل دخول أو بعده وأصرت) على الردة (حتى انقضت العدة
بانت بالردة ولا مال) ولا طلاق لانقطاع النكاح بالردة في الحالتين، (وإن أسلمت فيها) أي العدة بان صحة الخلع
(وطلقت بالمال) المسمى وقت جوابه لبيان صحة الخلع، وتحسب العدة من وقت الطلاق، فلو تراخت الردة أو الجواب
اختلفت الصيغة.
تنبيه: لو وقعت الردة مع الجواب، قال السبكي: الذي يظهر على بينونتها بالردة، ولم أر للأصحاب كلاما في ذلك.
وقال شيخنا في منهجه: إذا أجاب قبل الردة أو معها طلقت ووجب المال، وهذا أوجه. ولو ارتد الزوج بعد سؤالها
فحكمه كردتها بعد سؤالها. (ولا يضر) في الخلع (تخلل كلام يسير) عرفا (بين إيجاب وقبول) فيه، قال الشارح: كما في مسألة
الارتداد اه‍. وهذا بخلاف البيع، وتقدم الفرق بينهما أنه هناك بخلاف الكثير فيضر لاشعاره بالاعراض.
تنبيه: محل كون الكثير مضر إذا صدر من المخاطب المطلوب منه الجواب، فإن صدر من المتكلم ففيه وجهان
كالايجاب والقبول في النكاح اقتضى إيراد الرافعي أن المشهور أنه لا يضر، ثم حكى عن البغوي التسوية بينهما،
واعتمد هذا شيخي، واستدل له بتمثيل الشارح لليسير بالارتداد فإنه من جانب المتكلم، فمفهومه أنه لو كان كثيرا أضر.
فصل: في الألفاظ الملزمة للعوض: إذا (قال) لزوجته أنت (طالق) أو طلقتك (وعليك) كذا (أو ولي عليك كذا)
كألف، (ولم يسبق طلبها) للطلاق (بمال، وقع) عليه الطلاق (رجعيا قبلت أم لا ولا مال) عليها للزوج، لأنه أوقع الطلاق
مجانا، لأنه لم يذكر عوضا ولا شرطا بل ذكر جملة معطوفة على الطلاق فلا يتأثر بها وتلغو في نفسها، وهذا بخلاف
قولها: طلقني وعلي أو لك علي ألف فأجابها فإنه يقع بائنا بألف لأن الزوجة يتعلق بها التزام المال فيحمل اللفظ منها على
الالتزام والزوج ينفرد بالطلاق.
271

تنبيه: محل ما ذكره إذا لم يشع في العرف استعمال هذا اللفظ في طلب العوض وإلزامه، فإن شاع فهو كقوله: طلقتك
على كذا، حكاه الشيخان عن المتولي وأقراه. فإن قيل: نقل الرافعي في تعليق الطلاق عن المتولي والأكثرين أنه إذا تعارض
مدلولان لغوي وعرفي قدم اللغوي، وقضية ذلك عدم اللزوم هنا. أجيب بأن الكلام هنا فيما إذا اشتهر في العرف
استعمال لفظ في إرادة شئ ولم يعارضه مدلول لغوي، والكلام هناك فيما إذا تعارض مدلولان: لغوي وعرفي. وخرج
بقوله: ولم يسبق طلبها بمال ما إذا سبق، فإن الصيغة تكون مقتضية للالتزام، سواء أكان ما طلبته معينا أم لا، كقولها:
طلقني بمال وسيأتي. ثم استثنى من وقوع ما ذكره رجعيا ما تضمنه قوله: (فإن قال أردت) به ما يراد بطلقتك بكذا
وصدقته الزوجة، (فكهو) أي فكقوله طلقتك الخ، (في الأصح) فتبين منه بذلك المسمى إن قبلت لأنه يصلح أن يكون
كناية في اقتضاء العوض، فإن لم تقبل لم يقع. والثاني: المنع، إذ لا أثر للتوافق في ذلك لأن اللفظ لا يصلح للالزام، فكأن
لا إرادة. وعلى الأول فإن لم تصدقه لم يلزمها المال قطعا إن حلفت أنها لا تعلم أنه أراد ذلك إن كانت قبلت، فإن نكلت
وحلفت بانت بالمسمى، فإن لم تقبل ولا حلفت فكأنه لا إرادة وحيث انتفت الإرادة يقع الطلاق ظاهرا، أما فيما بينه وبين
الله تعالى، فقال السبكي: يقطع بعدم الوقوع، وعلى الوجه الثاني لا حلف لأنها وإن صدقته لم يؤثر.
تنبيه: قول المصنف: فكهو فيه جر الضمير بالكاف، وهو شاذ. (وإن سبق) طلبها بمال معين، كطلقني
بألف، فقال: أنت طالق وعليك أولى أو ولي عليك ألف، (بانت بالمذكور) لتوافقهما عليه، قوله: وعليك ألف إن
لم يكن مؤكدا لا يكون مانعا. أما إذا سبق طلبها بمال مبهم، كطلقني بمال، فإن عينه في جوابه كأن قال طلقتك على
ألف فهو كما لو ابتدأ. فإن قبلت بانت بالألف وإلا فلا طلاق وإن أبهم الجواب فقال:
طلقتك بمال أو اقتصر على طلقتك بانت بمهر المثل.
تنبيه: محل البينونة فيما إذا سبق طلبها إذا قصد جوابها، فإن قال: قصدت ابتداء الطلاق وقع رجعيا كما قاله الإمام
وأقراه، قال: والقول قوله في ذلك بيمينه، ولو سكت التفسير فالظاهر أنه يجعل جوابا. (وإن) شرط شرطا إلزاميا
كأن (قال أنت طالق) أو طلقتك (على أن لي عليك كذا) كألف، (فالمذهب) المنصوص، وعبر في الروضة بالصواب المعتمد، (أنه كطلقتك بكذا، فإذا قبلت) فورا كما نص عليه في الام بأن تقول: قبلت، وكذا ضمنت كما اقتضاه كلام
الماوردي (بانت ووجب المال) لأن على للشرط، فجعل كونه عليها شرطا، فإذا ضمنته طلقت، هذا هو المنصوص في
الام، وقطع به العراقيون وغيرهم، ومقابله قول الغزالي: يقع الطلاق رجعيا ولا مال، لأن الصيغة شرط، والشرط
في الطلاق يلغوا إذا لم يكن من قضاياه كما لو قال أنت طالق على أن لك علي كذا، فإذا تعبير المصنف بالمذهب ليس بظاهر
لأن المسألة ليس فيها خلاف محقق لأن الغزالي ليس من أصحاب الوجوه. قال الأذرعي: فكأنه غره قول المحرر:
والظاهر ولم يرد نقل خلاف بل إرادته المنقول كما دل عليه كلامه في مواضع اه‍. أما الشرط التعليقي كقوله: أنت طالق إن
أعطيتني ألفا فلا خلاف في توقفه على الاعطاء. (وإن قال: إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق) أو: أنت طالق إن ضمنت لي ألفا،
(فضمنت) له التزمت له الألف (في الفور بانت ولزمها الألف) لوجود الشرط في العقد المقتضى للالزام إيجابا وقبولا.
والمراد بالفور هنا وفيما مر مجلس التواجب كما عبر به في المحرر، بخلاف ما لو أعطته الألف أو قالت: رضيت أو شئت
أو قبلت بدل ضمنت لأن المعلق عليه الضمان لا غيره. وليس المراد بالضمان هنا وفيما يأتي في الباب الضمان المحتاج إلى أصل
فذاك عقد مستقل مذكور في بابه، ولا الالتزام المبتدأ لأن ذاك لا يصح إلا بالنذر، بل المراد التزام بقبول على سبيل
العوض فلذلك لزم لأنه في ضمن عقد.
272

تنبيه: هل يكفي مرادف الضمان كالالتزام أو لا؟ المتجه الأول. قال شيخنا: وفي كلامهم ما يدل له، ولو كان
القدر المعلق على ضمانه للزوج على غيره وقالت ضمنت لك وقع رجعيا كما بحثه بعض المتأخرين. (وإن قال: متى ضمنت)
لي ألفا فأنت طالق، فلا يشترط فور، (فمتى ضمنت) أي وقت (طلقت) لأن متى للتراخي كما سبق، وتقدم الفرق
بين إن ومتى.
تنبيه: أفهم كلامه أنه ليس للزوج الرجوع قبل الضمان، وهو كذلك. (وإن ضمنت دون الألف لم تطلق)
لعدم وجود الصفة المعلق عليها. (ولضمنت ألفين) مثلا (طلقت) لوجود المعلق عليه مع زيادة، وهذا بخلاف
ما مر في طلقتك بألف فقبلت بألفين لاشتراط التوافق في صيغة المعاوضة، ثم المزيد يلغو ضمانه، وإذا قبض الزائد فهو
أمانة عنده.
تنبيه: لو نقصت أو زادت في التعليق بالاعطاء كان الحكم كما ذكر هنا. (ولو قال طلقي نفسك إن ضمنت لي
ألفا فقالت) فورا كما يشعر به التعبير بالتعبير بالفاء: (طلقت وضمنت، أو) قالت (عكسه) أي ضمنت وطلقت، (بانت في)
الصورتين (بألف) وإن تأخر تسليم المال عن المجلس لأن أحدهما شرط في الآخر يعتبر اتصاله به فهما قبول واحد،
فاستوى تقديم أحدهما وتأخيره. (فإن اقتصرت على أحدهما) بأن ضمنت ولم تطلق أو عكسه (فلا) تبين فيهما ولا مال، لأنه
فوض إليها التطليق وجعل له شرطا فلا بد من التطليق والشرط. (وإذا علق) الطلاق (بإعطاء مال فوضعته) فورا (بين
يديه) بنية الدفع عن جهة التعليق، (طلقت) بفتح اللام أفصح من ضمها لأنه إعطاء عرفا، ولهذا يقال أعطيت فلم يأخذ،
لكن لا بد من تمكنه من أخذه وإن لم يأخذه لأن تمكينها إياه من الاخذ إعطاء منها، وهو بالامتناع مفوت لحقه.
فإن قالت: لم أقصد الدفع من جهة التعليق أو تعذر عليه الاخذ بحبس أو جنون أو نحوه لم تطلق
كما قاله السبكي، وينبغي كما قال الأذرعي وغيره أن يعتبر علمه بوضعه بين يديه. (والأصح دخوله) أي المعطي (في ملكه) قهرا وإن لم
يأخذه، لأن التعليق يقتضي وقوع الطلاق عند الاعطاء، ولا يمكن إيقاعه مجانا مع قصد العوض وقد ملكت زوجته
بعضها فيملك الآخر العوض عنه ويقع بإعطاء وكيلها إن أمرته بالاعطاء وأعطى بحضورها ويملكه تنزيلا لحضورها مع
إعطاء وكيلها منزلة إعطائها، بخلاف ما إذا أعطاه له في غيبتها لأنه لم تعطه حقيقة ولا تنزيلا، وبخلاف ما إذا أعطته عن
المعلق عليه عوضا أو كان عليه مثلا فتقاصا لعدم وجود المعلق عليه. والثاني: لا يدخل في ملكه فيرده ويرجع لمهر المثل،
وكالاعطاء الايتاء والمجئ. (وإن قال إن أقبضتني) كذا فأنت طالق، (فقيل) حكمه (كالاعطاء) في اشتراط الفورية
وملك المقبوض. (والأصح) أنه (كسائر) صور (التعليق) التي لا معاوضة فيها لأن الاقباض لا يقتضي التمليك
فيكون صفة محضة، بخلاف الاعطاء، لأنه إذا قيل أعطاه عطية فهم منه التمليك وإذا قيل أقبضه لم يفهم منه ذلك. وحينئذ (فلا
يملكه) أي المقبوض، وخصه المتولي بما إذا لم تسبق قرينة تدل على التمليك. فأن سبق منه ما يدل على ذلك
كقوله: إن أقبضتني كذا لاقضي به ديني أو لاصرفه في حوائجي فتمليك كالاعطاء، قال في زيادة الروضة: وهو متعين.
(ولا يشترط للاقباض) في صورة التعليق به (مجلس) أي إقباض في مجلس التواجب كسائر التعليقات. (قلت: ويقع)
الطلاق (رجعيا) في الصورة المذكورة لأن الاقباض لا يقتضي التمليك. (ويشترط لتحقق الصفة) وهي الاقباض
(أخذ بيده منها) فلا يكفي الوضع بين يديه لأنه لا يسمى قبضا، وهذا الشرط ذكراه في الشرح والروضة في صيغة:
273

فإن قبضت منك لا في إن أقبضتني، وكذا قوله: (ولو مكرهة، والله أعلم) إنما ذكراه في الشرح والروضة
في صيغة إن
قبضت منك فذكره في إن أقبضتني قال السبكي: سهو، لأن الاقباض بالاكراه الملغى شرعا لا اعتبار به، وقال الأذرعي:
الأصح أن الاكراه يرفع حكم الحنث، قال ابن شهبة: وحينئذ فما وقع في المنهاج سهو حصل من انتقاله من قوله إن
قبضت إلى قوله إن أقبضتني اه‍. وجرى على ذلك شيخنا في منهجه، وقال في شرحه: فذكر الأصل له في مسألة الاقباض
سبق قلم اه‍. وبالجملة فما في الروضة وأصلها أوجه مما في الكتاب وإن قال الشارح إن القبض متضمن للاقباض. (ولو
علق) طلاقها (بإعطاء) نحو (عبد) كثوب (ووصفه بصفة سلم) وهي التي يصح بها ثبوته في الذمة أو وصفه بصفة
دون صفة السلم بأن لم يستوفها، (فأعطته) عبدا (لا بالصفة) التي وصفها، (لم تطلق) لعدم وجود الصفة. (أو) أعطته
عبدا (بها) طلقت به في الأولى ومهر مثل في الثانية لفساد العوض فيها بعدم استيفاء صفة السلم. وإن أعطته عبدا في
الأولى (معيبا فله رده) لأن الاطلاق يقتضي السلامة، فإذا اطلع فيه على عيب تخير، فإن شاء أمسكه ولا شئ له،
وإن شار رده (و) له (مهر مثل) لفساد العوض، (وفي قول قيمته سليما) الخلاف مبني على أن بدل الخلع في يد الزوجة
مضمون ضمان عقد أو ضمان يد، ومر أن الراجح الأول. وليس له أن يطالب بعبد بتلك الصفة سليم لوقوع الطلاق
بالمعطى بخلاف غير التعليق كما لو قال: طلقتك على عبد صفته كذا فقبلت وأعطته عبدا بتلك الصفة معيبا له رده والمطالبة
بعبد سليم لأن الطلاق وقع قبل الاعطاء بالقبول على عبد في الذمة.
تنبيه: لو كان قيمة العبد مع العيب أكثر من مهر المثل وكان الزوج محجورا عليه بسفه أو فلس فلا رد لأنه
يفوت القدر الزائد على السفيه وعلى الغرماء. ولو كان الزوج عبدا فالرد للسيد، أي المطلق التصرف كما قاله الزركشي،
وإلا فوليه. (ولو قال) في تعليقه بالاعطاء إن أعطيتني (عبدا) ولم يصفه، (طلقت بعبد) أي بكل عبد على أي صفة
صغيرا كان أو كبيرا سليما أو معيبا ولو مدبرا أو معلقا عتقه بصفة. وأفهم كلامه أنها لا تطلق بإعطاء خنثى وأمة
وهو كذلك لعدم وجود الصفة، وإن قال ابن حزم إن العبد يطلق على الأمة لأنه غير مشهور. وكان الأولى للمصنف أن
يقول: طلقت بكل عبد كما قدرته في كلامه ليصح قوله: (إلا مغصوبا في الأصح) فإن الاستثناء لا يكون إلا من عام،
ولو قال: إلا عبدا لا يصح بيعه ليشمل المكاتب والمشترك والمرهون ونحو ذلك لكان أولى، لأن الاعطاء يقتضي التمليك
كما مر، ولا يمكن تمليك ما لا يصح بيعه. والثاني: تطلق بمن ذكر كالمملوك، لأن الزوج لا يملك المعطى ولو كان مملوكا
لها كما مر.
تنبيه: دخل في المغصوب ما لو كان عبدا لها وهو مغصوب فأعطته للزوج فإنها لا تطلق به كما قاله الشيخ
أبو حامد وإن بحث الماوردي الوقوع، نعم لو خرج بالدفع عن المغصوب فلا شك في الطلاق كما قاله الأذرعي. (وله)
في غير المغصوب ونحوه (مهر مثل) بدل المعطى لتعذر ملكه له، لأنه مجهول عند التعليق، والمجهول لا يصح عوضا.
فإن قيل: تصوير مسألة المتن مشكل لأن التعليق بإعطاء العبد فيها محتمل للتمليك والاقباض، فإن أريد التمليك فينبغي
أن لا يقع، وإن أريد الاقباض فيقع رجعيا والعبد في يد الزوج أمانة، وهو وجه. أجيب بأن المراد الأول لكنه
لما تعذر ملكه لجهله رجع فيه إلى بدله وحيثما ثبت البدل ثبت الطلاق بائنا. ثم شرع في سؤال المرأة الطلاق، فقال:
(ولو ملك طلقة فقط فقالت طلقني ثلاثا بألف فطلق الطلقة) التي يملكها (فله ألف) على الأصح المنصوص علمت
الحال أم لا، لأنه حصل بها مقصود الثلاث وهو البينونة الكبرى. (وقيل) له (ثلثه) أي الألف توزيعا للمسمى على
العدد، وهذا من تخريج المزني. (وقيل: إن علمت الحال) وهو ملكه لطلقة واحدة فقط، (فألف) لأن المراد والحالة
274

هذه كمل لي الثلاث (وإلا) بأن جهلت الحال (فثلثه) وهذا توسط لابن سريج وأبي إسحاق حملا للأول على حالة
العلم، والثاني على حالة الجهل. وعلى الأول لو طلقها ثلاثا ولو مع قوله إحداهن بألف ونوى به الطلقة الأولى أي
الباقية لزمها الألف لأن مقصودها من البينونة الكبرى حصل بذلك، وكذا لو لم ينو شيئا لمطابقة الجواب السؤال، وإن
نوى به غيرها، أي غير ما يملكها، وقعت الأولى، أي التي يملكها مجانا. فإن قالت له: طلقني ثلاثا بألف واحدة منهن
تكملة الثلاث وثنتان يقعان علي إذا تزوجتني بعد زوج أو يكونان في ذمتك تنجزهما حينئذ فطلقها ثلاثا أو ثنتين أو
واحدة وقعت الواحدة فقط ولغا كلامها في الأخريين لأن تعليق الطلاق بالنكاح وإثباته في الذمة باطلان، ولها الخيار
في العوض لتبعيض الصفة، فإن أجازت فبثلث الألف عملا بالتقسيط كما في البيع، وإن فسخت فبمهر المثل. قال الزركشي:
وليس لنا صورة تفيد البينونة الكبرى ولا تستحق المسمى غير هذه.
فروع: لو قالت طلقني نصف طلقة بألف أو طلق بعضي كيدي بألف ففعل وقعت طلقة تكميلا للبعض بمهر
المثل لفساد صيغة المعارضة، ويقع أيضا طلقة بمهر المثل إذا ابتدأها بقوله: أنت
طالق نصف طلقة أو نصفك مثلا طالق بألف فقبلت، أو قالت: طلقني بألف فطلق يدها مثلا، لفساد الصيغة في الأولى وعدم إمكان التقسيط في الثانية.
وإن طلق فيها نصفها وجب نصف المسمى لامكان التقسيط، كما لو قالت: طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة ونصفا،
ولو طلبت عشرا بألف وهو لا يملك عليها إلا طلقة استحقه بواحدة، أو ببعضها تكمل الثلاث، وإن كان لا يملك عليها
الاثنتين استحق بواحدة عشرة وبالثنتين الجميع، أو الثلاث استحق بواحدة عشرة، وبثنتين خمسة، وبثلاثة
جميعه، وبواحدة ونصف عشر ونصف عشر وإن وقع بذلك طلقتان، لأن العبرة بما أوقع لا بما وقع. فإن قيل: قد
مر أنه لو طلقها نصف طلقة وهو لا يملك غيرها أنه يستحق الجميع فقد اعتبرتم ما وقع. أجيب بأنه هناك أفادها البينونة
الكبرى. ولو قالت له وهو يملك عليها الثلاث: طلقني ثلاثا بألف وثنتين مجانا لم تقع الواحدة لعدم التوافق ووقع الثنتان
مجانا لاستقلاله بالطلاق مجانا، وإن طلق واحدة بثلث الألف وثنتين مجانا وقعت الأولى فقط بثلثه لموافقته ما اقتضاه طلبها
من التوزيع دون ما عداها لبينونتها، وإن طلقها ثنتين مجانا وواحدة بثلث الألف وقع الثلاث إن كان مدخولا بها وإلا
فالثنتان دون الثالثة للبينونة. (ولو طلبت طلقة بألف فطلق) طلقة (بمائة وقع بمائة) لأنه قادر على الطلاق بغير عوض
فكذا على بعضه. (وقيل: بألف) لأنها بانت بقوله: طلقتك فاستحق الألف ولغا قوله بمائة. (وقيل: لا تقع) بمثناة فوقية
أوله بخطه، للمخالفة، لأنه لم يطابق السؤال كما لو خالفته في قبولها.
تنبيه: أهمل المصنف من المحرر مسألة، وهي ما لو قالت: طلقني واحدة بألف فقال: أنت طالق ثلاثا فيقع الثلاث
بالألف، ولو أعاد ذكر الألف فقال: أنت طالق ثلاثا بألف فكذا على الأظهر. قال ابن شهبة: وكأن ذلك سقط من
نسخة المصنف بالمحرر، وهو ثابت في النسخ الصحيحة وحكي عن نسخة المصنف. (ولو قالت: طلقني غدا بألف) أو
ولك علي ألف كما في المحرر، أو: إن طلقتني غدا فلك علي، أو: أخذ هذا الألف على أن تطلقني غدا كما في الروضة وأصلها،
(فطلق غدا أو قبله) فسد الخلع (بانت) لأنه إن طلق في الغد فقد حصل مقصودها، وإن طلق قبله فقد حصله مع
زيادة، ولكن (بمهر مثل) لا بالمسمى، سواء أعلم فساد الخلع أم لا، لأن هذا الخلع دخله شرط تأخير الطلاق وهو
فاسد لا يعتد به فيسقط من العوض ما يقابله وهو مجهول فيكون الباقي مجهولا، والمجهول يتعين الرجوع فيه إلى مهر
المثل. (وقيل في قول) من طريق حاكيه لقولين بانت (بالمسمى) واعترض بأن هذا القول مبني على فساد الخلع
ولزوم المسمى مبني على صحته. وأجيب بأن المراد بانت بمثل المسمى كما قاله العراقيون، ولو عبر به كان أولى. ولو قصد
بطلاقه في الغد ابتداء الطلاق وقع رجعيا، فإن اتهمته حلف كما قاله ابن الرفعة، ولو طلقها بعد الغد وقع رجعيا، لأنه
خالف قولها فكان مبتدئا، فإن ذكر مالا فلا بد من القبول. (وإن) قالت: طلقني شهرا بألف، ففعل وقع مؤبدا،
275

لأن الطلاق لا يؤقت بمهر المثل لفساد الصيغة بالتأقيت. أو علق الزوج الطلاق بصفة كأن (قال: إذا دخلت
الدار) مثلا
(فأنت طالق بألف فقبلت) فورا (ودخلت) بعد قبولها ولو بعد زمن، (طلقت على الصحيح) لوجود المعلق عليه
مع القبول. والثاني: لا تطلق، لأن المعارضة لا تقبل التعليق فيمتنع معه ثبوت المال فينتفي الطلاق المربوط به ويقع
الطلاق (بالمسمى) كما في الطلاق المنجز، ولا يتوقف وجوبه على الطلاق، بل يجب تسليمه في الحال كما في أصل
الروضة وإن كان ظاهر عبارة المصنف أنه لا يجب إلا عند وجود المعلق عليه، لأن الأعواض المطلقة يلزمها تسليمها في
الحال والمعوض تأخر بالتراضي لوقوعه في التعليق، بخلاف من خلع وغيره يجب فيه تقارن العوضين في الملك.
(و) طلقت (في وجه أو قول بمهر المثل) لأن المعاوضة لا تقبل التعليق فيؤثر فساد العوض دون الطلاق لقبوله التعليق،
وإذا فسد العوض وجب مهر المثل.
تنبيه: تبع المحرر في التردد في أن الخلاف وجهان أو قولان، والذي اقتضاه كلام الروضة وأصلها ترجيح أنه
وجه حيث قالا: وجهان، ويقال: قولان. ويستثنى من صحة تعليق الخلع بالمسمى ما لو قال: إن كنت حاملا فأنت طالق على
مائة وهي حامل في غالب الظن، فتطلق إذا أعطته وله عليها مهر مثل كما حكاه الرافعي عن نص الاملاء. ثم شرع في خلع
الأجنبي سواء أكان وليا لها أم غيره فقال: (ويصح اختلاع أجنبي) مطلق التصرف بلفظ خلع أو طلاق، (وإن
كرهت الزوجة) ذلك، لأن الطلاق مما يستقل به الزوج والأجنبي مستقل بالالتزام، وله بذل المال والتزامه فداء، لأن
الله تعالى سمى الخلع فداء فجاز كفداء الأسير، وكما يبذل المال في عتق عبد لسيده تخليصا له من الرق. وقد يكون
للأجنبي فيه غرض ديني بأن يراهما لا يقيمان حدود الله أو يجتمعان على محرم والتفريق بينهما ينقذهما من ذلك
فيفعل طلبا للثواب، أو دنيوي لغرض مباح. (وهو) أي اختلاع الأجنبي مع الزوج (كاختلاعها) أي الزوجة،
(لفظا) أي في ألفاظ الالتزام، (وحكما) في جميع ما مر، فهو من جانب الزوج ابتداء معاوضة فيها شوب تعليق، ومن
جانب الأجنبي ابتداء معاوضة فيها شوب جعالة، فإذا قال الزوج للأجنبي: طلقت امرأتي على ألف في ذمتك فقبل، أو قال
الأجنبي للزوج: طلق امرأتك على ألف في ذمتك فأجابه بانت بالمسمى، وللزوج أن يرجع قبل قبول الأجنبي نظرا للمعاوضة.
ووقع للشارح أنه قال: نظرا لشوب التعليق وهو سبق قلم. وللأجنبي أن يرجع قبل إجابة الزوج نظرا لشوب الجعالة
إلى غير ذلك من الأحكام.
تنبيه: يستثنى من قوله: وحكما صور: إحداها ما لو كان له امرأتان فخالع الأجنبي عنهما بألف مثلا من ماله صح
بألف قطعا وإن لم يفصل حصة كل منهما، لأن الألف تجب للزوج على الأجنبي وحده بخلاف الزوجتين إذا
اختلفتا
فإنه يجب أن يفصل ما يلتزمه كل منهما، قاله الماوردي. والثانية: لو اختلعت المريضة بما يزيد على مهر المثل فالزيادة من
الثلث والمهر من رأس المال وفي الأجنبي الجميع من الثلث. والثالثة: لو قال الأجنبي: طلقها على هذا المغصوب. أو على
هذا الخمر أو نحو ذلك وطلق وقع رجعيا، بخلاف ما إذا التمست المرأة ذلك فإنه يقع بائنا، لأن البضع يقع للمرأة فيلزمها
بدله، بخلاف الأجنبي. الرابعة: لو سألت الخلع بمال في الحيض فلا يحرم بخلاف الأجنبي.
فائدة: أخذ السبكي من صحة خلع الأجنبي جواز بذل مال لمن بيده وظيفة يستنزله عنها لنفسه أو غيره، ويحل
له حينئذ أخذ العوض. ويسقط حقه منها، ويبقى الامر بعد ذلك لناظر الوظيفة يفعل ما تقتضيه المصلحة شرعا، وقد
مرت الإشارة إلى ذلك، وإنما كررته لأن الناس كثر منهم الوقوع في ذلك. (ولوكيلها) في الاختلاع (أن يختلع
له) أي لنفسه بالتصريح أو بالنية، فيكون خلع أجنبي والمال عليه، كما لو لم توكله. وإن صرح بالوكالة أو نواها فلها،
وإن أطلق وقع لها كما قاله الغزالي، وفي كلام الشافعي والأصحاب ما يدل له وإن بحث الرافعي وقوع الخلع له لعود المنفعة
276

إليها. (وللأجنبي توكيلها) في الاختلاع عنه، (فتتخير هي) بين اختلاعها لنفسها وبين اختلاعها له بأن تصرح أو تنوي كما
مر، فإن أطلقت وقع لها على قياس ما مر عن الغزالي.
تنبيه: حيث صرح الأجنبي أو الزوجة بالوكالة فالمطالب بالعوض الموكل وإلا فالمطالب المباشر، ثم يرجع إذا غرم
على الموكل حيث نوى الخلع له، أو أطلق في الأولى كما اقتضاه كلام الروض. (ولو اختلع رجل) أجنبي مثلا (وصرح
بوكالتها) أي الزوجة حالة كونه (كاذبا) فيها، (لم تطلق) لارتباط الطلاق بلزوم المال عليها وهي لم تلتزمه. وهذا حيث
لم يعترف الزوج بالوكالة، فإن اعترف بها أو ادعاها بانت بمقتضى قوله ولا شئ له (وأبوها كأجنبي) فيما ذكر، (فيختلع)
لها (بماله) أي يجوز له ذلك صغيرة كانت أو كبيرة. (فإن اختلع بمالها وصرح بوكالة) كاذبا (أو ولاية لم تطلق) لأنه ليس
بوكيل ولا ولي في ذلك، إذ الولاية لا تثبت له التبرع في مالها. واستثنى الزركشي مالها العام كالوقف على من يختلع،
لأنها لم تملكه قبل الخلع اه‍. وهذا الاستثناء ممنوع، لأنه قبل الخلع ليس بمالها كما يؤخذ من تعليله. (أو) صرح (باستقلال)
كاختلعت لنفسي أو عن نفسي، (فخلع بمغصوب) لأنه حينئذ غاصب لما لها فيقع بمهر المثل في الأظهر لفساد العوض،
فإن لم يصرح بشئ مما ذكر كأن قال: طلقها على عبدها، أو على هذا المغصوب، أو الخمر، مقتصرا على ذلك وقع الطلاق
رجعيا للحجر عليه في مالها بما ذكر كما في خلع السفيه. فلو أشار الأب أو الأجنبي إلى عبدها وقال: طلقها
بهذا العبد ولم
يذكر أنه من مالها ولا أنه مغصوب وقع الطلاق بائنا بمهر المثل ولو علم الزوج أنه عبدها.
تنبيه: محل ما ذكره المصنف في غير الصداق، أما لو اختلع الأب بصداقها كأن قال: طلقها وأنت برئ من صداقها
ففعل وقع رجعيا، ولا يبرأ من صداقها، ولا شئ على الأب إذ ليس له الابراء ولم يلتزم في نفسه شيئا، فلو التزم مع ذلك
درك براءة الزوج كأن قال: وضمنت براءتك من الصداق، أو قال هو أو أجنبي: طلقها على عبدها هذا وعلي ضمانه بانت
ولزمه مهر المثل، لأنه التزام المال في نفسه فكان كخلعها بمغصوب. فإن كان جواب الزوج بعد ضمان الدرك إن برئت
من صداقها فهي طالق لم تطلق، لأن الصفة المعلق عليها لم توجد. ولو اختلعت المرأة بمال في ذمتها ولها على الزوج
صداق لم يسقط بالخلع، وقد يقع التقاص إذا اتفقا جنسا وقدرا وصفة.
فصل: في الاختلاف في الخلع أو عوضه: إذا (ادعت) أي الزوجة (خلعا فأنكره) الزوج ولا بينة، (صدق بيمينه)
إذ الأصل بقاء النكاح وعدم الخلع، فإن أقامت بذلك بينة فلا بد من رجلين، وإذا ثبت فلا مطالبة له بالمال لأنه
ينكره، إلا أن يعود ويعترف بالخلع فيستحقه، قاله الماوردي وغيره. (وإن قال طلقتك بكذا) كألف (فقالت) بل طلقتني
(مجانا) أو لم تطلقني، (بانت) بقوله (ولا عوض) عليها للزوج إن حلفت على نفيه. أما البينونة فلاقراره، وأما عدم العوض
فلان الأصل براءة ذمتها، فإن أقام بالعوض بينة، أو رجلا وامرأتين، أو حلف معه، أو عادت واعترفت بعد يمينها
بما ادعاه لزمها العوض.
تنبيه: قوله: بانت يقتضي أنه لا نفقة ولا كسوة لها في العدة، وليس مرادا، بل عليه ذلك إلى انقضاء العدة ولا
يرثها، ولو مات هو في عدتها ورثت هي منه كما قاله الأذرعي. وصورة المسألة أن يقر بأن المال مما يتم الخلع بدون
قبضه، فإن أقر بأنه خالعها على تعجيل شئ لا يتم الخلع إلا بقبضه لم يلزمه شئ إلا بعد قبضه، نص عليه في البويطي،
وهو ظاهر. ولو قال: سألت الطلاق بألف فأنكرت السؤال أو ادعت طول الفصل بين الايجاب والقبول صدقت بيمينها
في نفي العوض، لأن الأصل براءة ذمتها وعدم الطلاق في الوقت الذي يدعيه. (وإن اختلفا في جنس عوضه) أدراهم
277

أو دنانير، أو صفته كصحاح أو مكسرة، (أو) في (قدره) كألف فقالت: بل بخمسمائة، أو في عدد الطلاق الذي وقع به
الخلع كقولها: سألتك ثلاث طلقات بألف، فقال: بل واحدة بألف، (ولا بينة) لواحد منهما، (تحالفا) كما في البيع (ووجب)
لبينونتها بفسخ العوض منهما أو من أحدهما أو الحاكم (مهر مثل) لأنه المرد وكيفية اليمين ومن يبدأ به على ما تقدم في البيع،
فإن كان لأحدهما بينة عمل بها أو لكل منهما بينة واستويا تاريخا سقطتا، فإن اختلف تاريخهما قدمت السابقة. (
ولو خالع
بألف) مثلا وفي البلد نوعان مثلا من الدراهم لا غالب فيهما، (ونويا نوعا) منهما (لزم) المنوي إلحاقا له بالملفوظ، بخلاف
البيع لأنه يحتمل في الخلع ما لا يحتمل في البيع، ولهذا يملك العوض فيه بالاعطاء بخلاف البيع. (وقيل) يفسد المنوي ويلزم
(مهر مثل) بالجهالة في اللفظ، ولا عبرة بالنية.
تنبيه: أفهم كلامه أنهما لو لم ينويا شيئا فسدت التسمية ولزم مهر المثل، وهو كذلك. (ولو) اختلفت نيتاهما بأن
أراد كل منهما جنسا وتصادقا على ذلك فلا فرقة لعدم صحة العقد، وإن تكاذبا كأن (قال أردنا) بالألف التي أطلقناها
(دنانير فقالت بل) أردنا (دراهم) فضة (أو فلوسا تحالفا على الأول) وهو لزوم المنوي كالملفوظ، لأنه يرجع إلى
الاختلاف في جنس العوض وبانت بمهر مثل بعد الفسخ. (ووجب مهر مثل بلا تحالف في الثاني) وهو لزوم مهر مثل
لما مر فيه.
خاتمة: لو قالت له: طلقني وأنت برئ من صداقي أو ولك علي ألف فطلقها بانت به لأنها صيغة التزام، أو: إن طلقتني
فأنت برئ أو فقد أبرأتك من صداقي فطلقها لم يبرأ منه ووقع الطلاق رجعيا، لأن الابراء لا يعلق، وطلاق الزوج طمعا
في البراءة من غير لفظ صحيح في الالتزام لا يوجب عوضا. قال في الروضة: ولا يبعد أن يقال طلق طمعا في شئ
ورغبت هي في الطلاق بالبراءة فيكون فاسدا كالخمر، أي فيقع بائنا بمهر المثل، إذ لا فرق بين ذلك وبين قولها: إن
طلقتني فلك ألف، فإن كان ذاك تعليقا للابراء فهذا تعليق للتمليك، وجزم بهذا ابن المقري في روضه تبعا لاصله في
أواخر الباب. وقال الزركشي تبعا للبلقيني التحقيق المعتمد أنه إن علم الزوج عدم صحة تعليق الابراء وقع الطلاق رجعيا
أو ظن صحته وقع بائنا بمهر المثل اه‍. وهو جمع حسن. واعتمد السبكي الثاني، وقال ابن الرفعة: إنه الحق. وفي فتاوى
القفال: لو قال لزوجته: إن أبرأتني فأنت طالق، فقالت: قد أبرأتك لم يكن شيئا لأنه لم يقل إن أبرأتني من مهرك أو دينك.
وإن أراد الابراء من المهر صح إن كانت عالمة بمقداره بخلاف ما إذا كانت جاهلة لأنه إبراء عن مجهول، وإذا كانت
عالمة به هل يقع الطلاق رجعيا كما قال به القفال أو بائنا كما هو أحد جوابي القاضي؟ وجهان، أصحهما الثاني كما صرح
به جماعة. ولو طلب منها البراءة على الطلاق، فقالت: أبرأك الله تعني بذلك أبرأتك، فقال لها: أنت طالق، ثم قال: أردت
الايقاع بشرط صحة البراءة قبل منه ظاهرا، فلو تبين جهلها بما أبرأت لم يقع الطلاق كما قاله بعض المتأخرين.
فائدة: ضابط مسائل الخلع أن منها ما يقع فيه الطلاق بالمسمى، ومنها ما يقع فيه بمهر المثل، ومنها ما يقع
رجعيا،
ومنها ما لا يقع أصلا، فالذي يقع فيه الطلاق بالمسمى أن تكون الصيغة صحيحة والعوض صحيحا، والذي يقع فيه
بمهر المثل هو الذي تكون الصيغة فيه صحيحة والفساد في العوض، والذي يقع فيه رجعيا هو الذي يكون الفساد فيه من
جهة الصيغة ويكون الطلاق فيه من جهة الزوج منجزا غير معلق، والذي لا يقع أصلا هو الذي يكون الطلاق فيه معلقا
ولم يوجد شرطه، (والله أعلم).
278

كتاب الطلاق
هو لغة حل القيد والاطلاق، ومنه ناقة طالق: أي مرسلة بلا قيد. وشرعا: حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه،
وعرفه المصنف في تهذيبه بأنه: تصرف مملوك للزوج يحدثه بلا سبب فيقطع النكاح. والأصل فيه قبل الاجماع الكتاب
كقوله تعالى: * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * وقوله تعالى: * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء
فطلقوهن لعدتهن) *، والسنة كقوله (ص): ليس شئ من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق رواه
أبو داود بإسناد صحيح والحاكم وصححه، وقوله (ص): أتاني جبريل فقال لي راجع حفصة فإنها صوامة
قوامة وإنها زوجتك في الجنة رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن. وأركانه خمسة: مطلق وصيغة ومحل وولاية وقصد،
وقد شرع في شرط الركن الأول وهو المطلق، فقال: (يشترط لنفوذه) أي الطلاق من المطلق منجزا كان أو معلقا،
(التكليف) أي أن يكون مكلفا، فيصح من السفيه والمريض، أي ولو كان هازلا، ولا يصح من غير مكلف كصبي
ومجنون ومغمى عليه ونائم ولا تنجيزا ولا تعليقا وإن وجدت الصفة بعد الأهلية في المعلق لفساد عبارته، ولخبر: رفع
القلم عن ثلاث نعم لو تولد جنون من سكر تعدى فيه نفذ طلاقه في جنونه، وقد يتصور طلاق المجنون بغير سكر تعدى
فيه والمغمى عليه والنائم بما إذا علق الطلاق في حال التكليف على صفة فوجدت وهو غير مكلف. فإن قيل: أهمل
المصنف شرطين آخرين: أحدهما كونه من زوج أو وكيله فلا يقع طلاق غيره إلا فيما سيأتي في المولى يطلق عليه
الحاكم ثانيهما: الاختيار ليخرج المكره بغير حق. أجيب عن إهماله الأول بأنه أحاله على ما صرح به في الخلع وعلى
ما سيذكره من أنه لا يصح تعليقه قبل ملك النكاح، وعن الثاني بأنه أهمله لذكره حكم المكره بعد ذلك قال المصنف
زيادة على الرافعي وغيره: (إلا السكران) المتعدي بسكره كأن شرب خمرا أو دواء مجننا بلا حاجة فيصح منه، ولو كان
السكر طافحا عليه بحيث يسقط كالمغمى عليه مع أنه غير مكلف كما نقله في الروضة عن أصحابنا وغيرهم في كتب الأصول
تغليظا عليه لعصيانه بإزالة عقله فجعل كأنه لم يزل. قال: ولكن مراد أهل الأصول أنه غير مخاطب حال السكر، ومرادنا
هنا أنه مكلف بقضاء العبادات بأمر جديد. قال الغزالي في المستصفى: ولان صحته من قبيل ربط الأحكام بالأسباب،
وأجاب عن قوله تعالى: * (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * الذي استند إليه الجويني وغيره في تكليف السكران
بأن المراد به من هو في أوائل السكر وهو المنتشي لبقاء عقله، ولذا يصح منه سائر أفعاله وأقواله مما له معا وعليه كالبيع
والإجارة أو منفردين كالاسلام والطلاق، ويصح طلاقه بالكناية خلافا لابن الرفعة. وشمل ذلك الكافر وإن لم يعتقد
حرمة شرب الخمر لأنه مخاطب بفروع الشريعة. وخرج بالمتعدي غيره كمن أكره على شرب مسكر أو لم يعلم أنه مسكر
أو شرب دواء مجننا لحاجة فلا يقع طلاقه لعدم تعديه. والرجوع في معرفة السكران إلى العرف، وقيل: أدنى السكر أن
يختل كلامه المنظوم وينكشف سره المكتوم كما عبر به الشافعي رضي الله تعالى عنه وإن لم يجعله أدنى، قال ابن
المقري: ولا يحتاج على الوجه الصحيح إلى معرفة السكر لأنه إما صاح وإما سكران زائل العقل، وحكمه حكم الصاحي
سواء، بل يحتاج إلى معرفة السكر في غير المتعدى به، وفيما إذا قال إن سكرت فأنت طالق اه‍. أي فيحد حينئذ بما
ذكر، وهو حسن. ولو قال السكران بعدما طلق: إنما شربت الخمر مكرها وتم قرينة، أو: لم أعلم أن ما شربته مسكر صدق
بيمينه، نعم من يعرف حكم الاكراه فإنه يستفسر كما قاله بعض المتأخرين: أما إذا شرب أو أكل ما يزيل العقل
لحاجة كالتداوي فإنه كالمجنون كما صرح به في المهذب والوجيز وأصل الروضة. ثم شرع في الركن الثاني وهو الصيغة،
فقال: (ويقع) الطلاق من مسلم أو كافر (بصريحه) وهو ما يحتمل ظاهره غير الطلاق، (بلا نية) لايقاع الطلاق،
279

ولو قال: لم أنو به الطلاق لم يقبل، وحكى الخطابي فيه الاجماع. (و) يقع أيضا (بكناية) وهي ما يحتمل الطلاق وغيره،
لكن (بنية) لايقاعه. فإن قيل: سيأتي أنه يشترط قصد لفظ الطلاق لمعناه، ولا يكفي قصد حروف الطلاق من غير
قصده معناه، فكيف يقال إن الصريح لا يحتاج إلى نية بخلاف الكناية أجيب بأن كلا منهما يشترط فيه قصد اللفظ
لمعناه حتى يخرج العجمي إذا لقن كلمة الطلاق وهو لا يعرف معناها فلا يقع طلاقه. والمراد بالنية في الكناية أن يقصد
الايقاع، وليس بشرط لمن عرف معناه، وحينئذ فقول المصنف: بلا نية، أي بلا نية الايقاع، أما قصد التلفظ به فيشترط.
نعم المكره إن نوى مع الصريح الوقوع وقع وإلا فلا.
تنبيه: أفهم كلامه أنه لا يقع طلاق بنية من غير لفظ، وهو كذلك، ولا بتحريك لسانه بكلمة الطلاق إذا لم يرفع
صوته بقدر ما يسمع نفسه مع اعتدال سمعه وعدم المانع لأن هذا ليس بكلام.
تنبيه: لو أتى بكناية من كناية الطلاق وضم إليها من الألفاظ ما يدل على المراد ك‍ أنت بائن بينونة محرمة لا تحلي لي
أبدا لم تخرج عن كونها كناية. واستشكل بما ذكروه في الوقف من أنه لو قال: تصدقت بكذا كان كناية، فلو أضاف
إليه: لا يباع ولا يوهب، فالأصح صراحته. (فصريحه) جزما (الطلاق) أي ما اشتق منه كما سيأتي لاشتهاره فيه لغة
وعرفا، (وكذا الفراق والسراح) بفتح السين، أي ما أشتق منهما، (على المشهور) فيهما لورودهما في القرآن بمعناه، والثاني:
أنهما كنايتان لأنهما لم يشتهرا اشتهار الطلاق ويستعملان فيه وفي غيره.
تنبيه: جملة قوله: وكذا الخ معطوف على الطلاق لا على صريحه، وإلا يلزم حصر الصريح في الطلاق مع أن من
صريحة ما مر في باب الخلع من أن الخلع صريح في الأصح إن ذكر المال وكذا المفاداة. وظاهر كلامهم أنه لا فرق
في ذلك بين المسلم والكافر، والظاهر ما قاله الماوردي في نكاح المشرك أن كل ما كان عند المشركين صريحا في
الطلاق أجري عليه حكم الصريح وإن كان كناية عندنا، وكل ما كان عندهم كناية أجري عليه حكم الكناية وإن
كان صريحا عندنا، لأنا نعتبر عقودهم في شراكتهم، فكذا طلاقهم. وأمثلة المشتق من الطلاق (كطلقتك، وأنت طالق،
ومطلقة) بالتشديد، ويا مطلقة، (ويا طالق) إن كان لم يكن اسمها ذلك وإلا فكناية كما جزم به المصنف وغيره، ولو حذف
المفعول كأن قال: طلقت أو المبتدأ وحرف النداء كأن قال: طالق لم يقع الطلاق كما هو ظاهر كلامهم، وصرح به القفال
في الأولى، (لا أنت طلاق) فليسا بصريحين (في الأصح) بل كنايتان لأن المصادر إنما تستعمل في الأعيان
توسعا. والثاني: أنهما صريحان كقوله: يا طالق. ويقاس بما ذكر فارقتك وسرحتك فهما صريحان، وكذا أنت مفارقة
ومسرحة ويا مفارقة ويا مسرحة وأنت فراق والفراق وسراح والسراح كنايات. ولو قال: أردت بالطلاق إطلاقها من وثاق
أو بالفراق: مفارقة المنزل أو فراقا بالقلب أو بالسراح: تسريحها إلى منزل أهلها أو أردت غير هذه الألفاظ فسبق لساني إليها
ولم يكن قرينة تدل على ذلك لم يقبل في الظاهر، لأنه خلاف ما يقتضيه اللفظ عرفا، ودين فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه
يحتمل ما ادعاه. فإن كانت قرينة، كما لو قال ذلك وهو يحلها من وثاق قبل ظاهرا لوجود القرينة الدالة على ذلك. فإن
صرح بما ذكر كأن قال: أنت طالق من وثاق أو من العمل أو سرحتك إلى كذا كان كناية إن قصد أن يأتي بهذه
الزيادة قبل فراغه من الحلف وإلا فصريح، ويجري ذلك فيمن يحلف بالطلاق من ذراعه أو فرسه أو رأسه أو نحو ذلك.
ولو أتى بالتاء المثناة من فوق بدل الطاء كأن يقول: أنت تألق كانت كناية كما أفاده شيخي، قال: سواء كانت لغته
كذلك أم لا، ولو قال: نساء المسلمين طوالق لم تطلق زوجته إن لم ينو طلاقها بناء على الأصح من أن المتكلم
لا يدخل
في عموم كلامه، وليس قوله: بانت مني امرأتي أو حرمت علي إقرار بالطلاق لأنه كناية فيتوقف على النية. (وترجمة)
لفظ (الطلاق بالعجمية صريح على المذهب) لشهرة استعمالها في معناها عند أهلها شهرة استعمال العربية عند أهلها،
ويفرق بينها وبين عدم صراحة نحو: حلال الله علي حرام عند المصنف كما سيأتي بأنها موضوعة للطلاق بخصوصه
280

بخلاف ذلك وإن اشتهر فيه. والطريق الثاني وجهان: أحدهما: أنه كناية اقتصارا في الصريح على العربي لوروده في القرآن
وتكرره على لسان حملة الشرع.
تنبيه: اقتصار المصنف على الطلاق قد يفهم أن ترجمة الفراق والسراح كناية، وهو كذلك كما صححه في أصل
الروضة وجزء به ابن المقري في روضه، للاختلاف في صراحتهما بالعربية فضعفا بالترجمة فإن قيل: تخصيص المصنف
الترجمة بالعجمية قاصر فإن غير العجمية من اللغات كذلك، ولهذا عبر في المحرر بسائر اللغات. أجيب بأن مراده
بالعجمية ما عدا العربية من سائر اللغات. (و) كل من (أطلقتك وأنت مطلقة) بسكون الطاء، (كناية) لعدم اشتهاره في معنى
الطلاق.
تنبيه: قول المصنف: كناية أولى من قول المحرر ليس بصريح، إذ لا يلزم من نفي صراحته إثبات كنايته. (ولو اشتهر)
عرفا (لفظ للطلاق كالحلال) - بضم اللام - علي حرام، (أو حلال الله علي حرام) أو: أنت علي حرام، وكذا الحرام يلزمني أو
علي الحرام كما بحثه الزركشي، (فصريح في الأصح) عند من اشتهر عندهم، كما قاله الرافعي تبعا للمراوزة، لغلبة الاستعمال
وحصول التفاهم عندهم. (قلت: الأصح) المنصوص وعليه الأكثرون (أنه كناية) مطلقا (والله أعلم) لأن الصريح إنما
يؤخذ من ورود القرآن به وتكرره على لسان حملة الشرع، وليس المذكور كذلك، أما من لم يشتهر عندهم فكناية
في حقهم جزما.
تنبيه: قول الزوج لزوجته: ألقيت عليك طلقة صريح وفى قوله لها وضعت عليك طلقة أو لك طلقة وجهان أوجههما
أنه صريح في الأولى قياسا على ألقيت عليك طلقة كناية في الثانية كما قاله شيخنا، وإن كان كلام الرافعي يميل إلى الصراحة.
وقوله لها: لم يبق بيني وبينك شئ وبيعه لها بصيغة البيع بلا عوض أو به، أو: أبرأتك أو عفوت عنك أو برئت من
نكاحك أو برئت إليك من طلاقك كناية، ومعناه في الأخيرة: برئت منك بواسطة إيقاع الطلاق عليك، وهذا بخلاف
قوله لها: برئت من طلاقك فليس بكناية فلا يقع به طلاق وإن نواه، وإن قال الأذرعي لا يبعد إيقاعه به. وقوله: الطلاق
لازم لي أو واجب علي صريح، بخلاف قوله: فرض علي للعرف في ذلك. قال في البحر عن المزني: ولو قال: علي الطلاق
فهو كناية، وقال الصيمري: إنه صريح، وهو كما قال شيخنا أوجه، بل قال الزركشي وغيره: إنه الحق في هذا الزمن
لاشتهاره في معنى التطليق. فقول ابن الصلاح في فتاويه: أنه لا يقع به شئ، محمول على أنه لم يشتهر في زمنه ولم ينو به
الطلاق. وقوله لها: طلقك الله، ولغريمه: أبرأك الله، وقوله لامته: أعتقك الله صريح في الطلاق والابراء والعتق، إذ
لا يطلق الله ولا يبرئ، ولا يعتق إلا والزوجة طالق، والغريم برئ، والأمة معتقة. فإن قيل: قد تقدم في البيع أن باعك
الله وأقالك الله كناية، فهلا كان ما ذكر كذلك أجيب بأن الصيغ هنا قوية لاستقلالها بالمقصود، بخلاف صيغتي البيع
والإقالة. وقوله لها: طلاقك علي أو لست زوجتي كناية، وفارق الأول منهما على الطلاق على قول الصيمري باحتماله
طلاقك فرض علي مع عدم اشتهاره بخلاف علي الطلاق. (وكنايته) أي الطلاق، (كأنت خلية) أي خالية مني، وكذا
يقدر الجار والمجرور فيما بعده، (برية) بهمز وتركه بخطه، وحيث قلت: بخطه المراد المصنف - أي منفصلة، (بتة) بمثناة
قبل آخره، أي مقطوعة الوصلة، مأخوذة من البت، وهو القطع.
تنبيه: تنكير البتة جوزه الفراء، والأصح وهو مذهب سيبويه أنه لا يستعمل إلا معرفا باللام. (بتلة) أي متروكة
النكاح، ومنه: نهى عن التبتل. (بائن) من البين وهو الفراق.
تنبيه: قوله: بائن هو اللغة الفصحى، والقليل بائنة. (اعتدي استبرئي رحمك) أي لأني طلقتك، وسواء في
ذلك المدخول بها وغيرها (إلحقي بأهلك) بكسر الهمزة وفتح الحاء، وقيل: بالعكس، وجعله المطرزي خطأ أي لأني
281

طلقتك، سواء أكان لها أهل أم لا. (حبلك على غاربك) أي خليت سبيلك كما يخلى البعير في الصحراء وزمامه على غاربه،
وهو ما تقدم من الظهر وارتفع من العتق، ليرعى كيف شاء. (لا أنده سربك) من النده، وهو الزجر، أي لا أهتم بشأنك
لأني طلقتك، والسرب بفتح السين وسكون الراء المهملتين: الإبل وما يرعى من المال، أما بكسر السين فالجماعة من
الظباء والبقر، ويجوز كسر السين هنا. (اعزبي) بمهملة ثم زاي، أي تباعدي عني (اغربي) بمعجمة ثم راء، أي صيري غريبة
بلا زوج. (دعيني) أي اتركيني لأني طلقتك. (ودعيني) بتشديد الدال المكسورة من الوداع، فواوه أصلية لا عاطفة، أي لأني
طلقتك. (ونحوها) كقوله: لا حاجة لي فيك أي لأني طلقتك، أي مرارة الفراق. وتزودي، أي استعدي للحوق بأهلك.
وتقنعي واستتري، أي لأني طلقتك فأنت محرمة علي فلا تحل لي رؤيتك. وتجرعي، أي كأس الفراق. وابعدي لأنك
أجنبية مني. واذهبي، أي إلى أهلك لأني طلقتك لا اذهبي إلى بيت أبوي إن نوى الطلاق بمجموعه، لأن قوله إلى بيت
أبوي لا يحتمل الطلاق، فإن نواه بقوله: اذهبي وقع، إذ ضابط الكناية كل لفظ له إشعار قريب بالفراق ولم يشع
استعماله فيه شرعا ولا عرفا، كسافري واخرجي ويا بنتي إن أمكن كونها بنته، وإن كانت معلومة النسب من غيره كما
إذا قاله لامته، وإنما لم يكن صريحا، لأنه إنما يستعمل في العادة للملاطفة وحسن المعاشرة. وتزوجي وانكحي، أي لأني
طلقتك. وأحللتك، أي للأزواج لأني طلقتك: وفتحت عليك الطلاق، أي أوقعته. ولعل الله يسوق إليك الخير، أي
بالطلاق. وبارك الله لك، أي في الفراق لا إن قال بارك الله فيك فليس بكناية، لأن معناه بارك الله لي فيك، وهو يشعر
برغبته فيها. ووهبتك لأهلك أو للناس أو للأزواج أو للأجانب. ولا حاجة لي فيك، أنت وشأنك وسلام عليك، قاله
ابن الصلاح، لأنه يقال عند الفراق. قال في المحرر: ولا تكاد تنحصر. (والاعتاق) صريحه وكنايته (كناية طلاق) لاشتراكهما
في إزالة الملك، فقوله لزوجته: أعتقتك أو لا ملك لي عليك إن نوى به الطلاق طلقت وإلا فلا. (وعكسه) أي صريح الطلاق،
وكنايته كناية إعتاق لما مر. فقوله لرقيقه: طلقتك أو أنت خلي أو نحو ذلك إن نوى به العتق عتق وإلا فلا. نعم قوله
لعبده: اعتد أو استبرئ رحمك لغو لا يعتق به وإن نواه لاستحالة ذلك في حقه، ومثله كما بحثه شيخنا الخنثى وكناية في
الأمة. وقوله لعبده أو أمته: أنا منك حر أو أعتقت نفسي لغو لا يعتق به وإن نواه، بخلاف الزوجة، لأن الزوجية تشمل
الجانبين، بخلاف الرق فإنه يختص بالمملوك. (وليس الطلاق كناية ظهار وعكسه) وإن اشتركا في إفادة التحريم، لأن تنفيذ
كل منهما في موضوعه ممكن، فهذه المسألة من فروع قاعدة ما كان صريحا في بابه ووجد نفاذا في موضوعه لا يكون كناية
في غيره، فلو قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي ونوى الطلاق، أو: أنت طالق ونوى الظهار، لم يقع ما نواه بل يقع مقتضى
الصريح. واستثنى من هذه القاعدة مسائل: منها ما لو قال المستحق عليه للمستحق: أردت بقولي أحلتك الوكالة وقال
المستحق: بل أردت الحوالة وصدق المستحق عليه بيمينه، ومنها ما لو قال: تصدقت فإنه صريح في بابه وكناية في الوقف.
ومنها ما لو قال لزوجته: فسخت نكاحك وهو متمكن من الفسخ بعيبها ونوى الطلاق فهو طلاق مع أن الفسخ
صريح في رفع نكاح المعيبة بحيث تبين به من غير طلاق، فقد وجد نفاذا في موضوعه حينئذ، وهو كناية في الطلاق.
ومنها ما لو أسلم على أكثر من أربع، فقال لإحداهن: فارقتك فإنه فسخ وإن كان لفظه صريحا في الطلاق. ومنها
ما لو قال لزوجته: أنت علي حرام كظهر أمي فالمجموع كناية في الطلاق مع أنه إذا أطلق كان ظهارا. (ولو
قال) لزوجته:
رأسك أو فرجك أو (أنت علي حرام أو حرمتك ونوى) بذلك (طلاقا) رجعيا أو بائنا وإن تعدد، (أو) نوى به
(ظهارا) أي أنها عليه كظهر أمه، (حصل) ما نواه لأن كلا منهما يقتضي التحريم، فجاز أن يكنى عنه بالحرام. (أو
نواهما) أي الطلاق والظهار معا، وكذا متعاقبين كما قاله الشيخ أبو علي، أي قبل الفراغ من اللفظ، كأن أراد
282

أحدهما في أوله والآخر في آخره، (تخير وثبت ما اختاره) منهما ولا يثبتان جميعا لأن الطلاق يزيل النكاح والظهار
يستدعي بقاءه. (وقيل) الواقع (طلاق) لأنه أقوى لازالته الملك. (وقيل: ظهار) لأن الأصل بقاء النكاح.
تنبيه: هذان الوجهان مزيدان على المحرر. (أو) نوى بذلك (تحريم عينها) أو فرجها أو وطئها، قال
الماوردي: أو رأسها، (لم تحرم) عليه وإن كره له ذلك لما روى النسائي: أن رجلا سأل ابن عباس رضي الله عنهما،
قال: إني جعلت امرأتي علي حراما، فقال: كذبت ليست عليك بحرام، ثم قرأ قوله تعالى: * (يا أيها النبي لم تحرم
ما أحل الله لك) * الآية. (و) لكن (عليه كفارة يمين) أي مثلها، لأن ذلك ليس بيمين، لأن اليمين إنما تنعقد
باسم من أسمائه تعالى أو صفة من صفاته. ولا يتوقف وجوبها على الوطئ، كما لو قال ذلك لامته، أخذا من قصة مارية
لما قال لها رسول الله (ص) هي علي حرام نزل قوله تعالى: * (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) * إلى
قوله: * (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) * أي أوجب عليكم كفارة ككفارة أيمانكم (وكذا) لا تحرم عليه
وإن كره له ذلك وعليه كفارة يمين في الحال، أي مثلها كما مر. (إن لم تكن) له (نية) في قوله: أنت علي حرام
(في الأظهر) لعموم ما مر. (والثاني) أن هذا القول (لغو) فلا كفارة عليه فيه. وعلى الأول لو قال: أردت به
اليمين على ترك الوطئ لم تسقط عنه الكفارة، إذ لا يقبل قوله، لما مر أن اليمين إنما تنعقد باسم من أسمائه تعالى أو
صفة من صفاته. (وإن قاله) أي أنت علي حرام أو نحوه مما مر (لامته ونوى عتقا ثبت) لأنه كناية فيه، أو
طلاقا أو ظهارا لغا، إذ لا مجال له في الأمة. (أو تحريم عينها) أو نحوها مما مر، وهي حلال له. (أو لا نية) له
(فكالزوجة) فيما مر، فلا تحرم عليه بذلك. ويلزمه كفارة يمين قطعا في الأولى، وعلى الأظهر في الثانية. أما
إذا كانت الأمة غير حلال له، فإن كانت محرمة بنسب أو رضاع أو مصاهرة فلا كفارة عليه لصدقه في وصفها
بتحريمها عليه، وفي وجوب الكفارة بقوله ذلك لامته المزوجة والمعتدة والمجوسية ونحوها، كالمرتدة والوثنية
والمستبرأة، وجهان يجريان في زوجة أحرمت أو اعتدت بشبهة، أوجههما لا كما جزم به الروياني في أمته المعتدة
والمجوسية والقاضي في المعتدة عن شبهة والمجوسية والمرتدة، ولا كفارة بذلك في رجعية لصدقه في وصفها،
وتجب في حائض ونفساء وصائمة ونحوها كمصلية، لأنها عوارض سريعة الزوال. (ولو) حرم الشخص غير الابضاع،
كأن (قال: هذا الثوب أو الطعام أو العبد حرام علي، فلغو) لا كفارة فيه، بخلاف الابضاع لاختصاصها بالاحتياط ولشدة
قبولها التحريم بدليل تأثير الظهار فيها دون الأموال، وكالأموال قول الشخص لآخر ليس بزوجة ولا أمة له: أنت
علي حرام كما بحثه شيخنا رحمه الله.
تنبيهات: لو حرم كل ما يملك وله نساء وإماء لزمته الكفارة كما علم مما مر، ويكفيه كفارة واحدة لو حلف
لا يكلم جماعة وكلمهم، ومثله ما لو قال لأربع زوجات: أنتن علي حرام كما صرح به في الروضة هنا، وما نقله في الظهار
عن الإمام من تعددها ضعيف. ولو حرم زوجته مرات في مجلس أو مجالس ونوى التأكيد، وكذا إن طلق سواء
أكان في مجلس أو مجالس كما في الروضة في الأولى، وبحثه شيخنا في الثانية، كفاه كفارة واحدة. وإن نوى الاستئناف
تعددت بعدد المرات كما الروضة في الثانية، وبحثه الزركشي في الأولى وإن أفهم كلامها خلافه. فإن قيل: لو نوى
الاستئناف في نظيره من الايمان لا تتعدد الكفارة فكان القياس أن يكون هنا كذلك. أجيب بأن الحرام لما كان
يصلح للطلاق نزل منزلته، والطلاق إذا نوى به الاستئناف يتعدد، لأنه محصور في عدد، فقصد الاستئناف يقتضي استيفاءه
بخلاف الكفارة، ولان الكفارة تشبه الحدود المتحدة الجنس فتتداخل بخلاف الطلاق. ولو قال: أنت علي كالميتة
283

أو الخمر، أو الخنزير، أو الدم فكقوله: أنت حرام علي فيما مر. نعم إن قصد به الاستقذار فلا شئ عليه ولا تلحق
الكناية بالصريح مواطأة، كالتواطؤ على جعل قوله: أنت علي حرام كطلقتك، كما تكون كما لو ابتدأ به، ولا سؤال
المرأة الطلاق، ولا قرينة من غضب ونحوه. (وشرط نية الكناية اقترانها بكل اللفظ) كما في المحرر وجرى عليه البلقيني،
فلو قارنت أوله وعزبت قبل آخره لم يقع طلاق. (وقيل: يكفي) اقترانها (بأوله) فقط وينسحب ما بعده عليه، ورجحه
الرافعي في الشرح الصغير، ونقل في الكبير ترجيحه عن الإمام وغيره وصوبه الزركشي. والذي رجحه ابن المقري
وهو المعتمد أنه يكفي اقترانها ببعض اللفظ سواء أكان من أوله أو وسطه أو آخره، لأن اليمين إنما تعتبر بتمامها.
تنبيه: اللفظ الذي يعتبر قرن النية به هو لفظ الكناية كما صرح به الماوردي والروياني والبندنيجي، ومثل له
الرافعي تبعا لجماعة بقرنها بأنت من أنت بائن مثلا، وصوب في المهمات الأول، لأن الكلام في الكناية. والأوجه كما
قال شيخنا الاكتفاء بما قاله الرافعي، لأن أنت وإن لم يكن جزءا من الكناية فهو كالجزء منها، لأن معناها المقصود
لا يتأدى بدونه. (وإشارة ناطق) وإن فهمها كل أحد، (بطلاق) كأن قالت له زوجته: طلقني فأشار بيده أن اذهبي، (لغو)
لا يقع بها شئ، لأن عدوله عن العبارة إلى الإشارة يفهم أنه غير قاصد الطلاق، وإن قصده بها فهي لا تقصد للأفهام
إلا نادرا. (وقيل) هي (كناية) لحصول الافهام بها في الجملة.
تنبيه: خرج بإشارة الناطق بالطلاق إشارة لمحل الطلاق، كقول من له زوجتان: امرأتي طالق مشيرا لإحداهما وقال:
أردت الأخرى فإنه يقبل كما رجحه في زيادة الروضة آخر المسائل المنثورة قبيل الباب السادس في تعليق الطلاق وإشارته
بأمان ونحوه مما يلتحق بعبارته فليست لغوا، ومما لم يلحقوه بالعبارة إشارته في الصلاة وإشارته إلى من حلف لا يكلمه
فأشار إليه فإن صلاته لا تبطل ولا يحنث. (ويعتد بإشارة أخرس) ولو قدر على الكناية كما صرح به الإمام، (في العقود)
كالبيع والنكاح، وفي الأقارير والدعاوى، (و) في (الحلول) كالطلاق والعتق. واستثنى في الدقائق شهادته وإشارته
في الصلاة فلا يعتد بها ولا يحنث بها في الحلف على عدم الكلام. (فإن فهم طلاقه) مثلا (بها) أي الإشارة، (كل أحد)
من فطن وغيره (فصريحة) إشارته لا تحتاج لنية، كأن قيل له: كم طلقت زوجتك؟ فأشار بأصابعه الثلاث. (وإن
اختص بفهمه) أي بفهم طلاقه بإشارته، (فطنون) بكسر الطاء بخطه، ويجوز ضمها: أي أهل الفطنة والذكاء،
ضد الغبي، (فكناية) يحتاج للنية.
تنبيه: تفسير الأخرس صريح إشارته في الطلاق بغير طلاق كتفسير اللفظ الشائع في الطلاق بغيره، فلا يقبل منه
ظاهرا إلا بقرينة. (لو كتب ناطق) على ما يثبت عليه الخط كرق وثوب وحجر وخشب لا على نحو ماء كهواء (طلاقا)
أو نحوه مما لا يغتفر إلى قبول كالاعتاق والابراء والعفو عن القصاص، كأن كتب زوجتي أو كل زوجة لي طالق
أو عبدي حر، (ولم ينوه) أي الطلاق أو نحوه، (فلغو) لا يعتد به على الصحيح. (وإن نواه) ولم يتلفظ به (فالأظهر
وقوعه) لأن الكناية طريق في إفهام المراد وقد اقترنت بالنية، ولأنها أحد الخطابين فجاز أن يقع بها الطلاق كاللفظ.
والثاني: لا، لأنه فعل من قادر على القول فلم يقع به الطلاق كالإشارة من الناطق. فإن قرأ ما كتبه حال الكتابة أو
بعدها فصريح، فإن قال: قرأته حاكيا ما كتبته بلا نية طلاق صدق بيمينه، وفائدة قوله هذا إذا لم تقارن الكتب النية
وإلا فلا معنى لقوله. ولو كتب الأخرس أن زوجته طالق كان كناية على الصحيح فيقع إن نوى وإن لم يشر معها،
أما إذا رسم صورة على ماء أو في هواء فليس بكناية في المذهب. وفرع المصنف على وقوع الطلاق بالكناية
ما تضمنه قوله: (فإن كتب) شخص في كتاب طلاق زوجته صريحا أو كناية كما في الروضة وأصلها ونوى وعلق
284

الطلاق ببلوغ الكتاب، كقوله: (إذا بلغك كتابي) أو وصل إليك أو أتاك (فأنت طالق، فإنما تطلق ببلوغه) لها مكتوبا كله
مراعاة للشرط، فإن انمحى كله قبل وصوله لم تطلق كما لو ضاع، ولو بقي أثره بعد المحو وأمكن قراءته
طلقت. ولو
ذهب سوابقه ولواحقه كالبسملة والحمدلة وبقيت مقاصده وقع، بخلاف ما لو ذهب موضع الطلاق أو انمحق، لأنه لم
يبلغها جميع الكتاب ولا ما هو المقصود الأصلي منه.
تنبيه: احترز بقوله: كتب عما لو أمر أجنبيا فكتب لم تطلق، وإن نوى الزوج، كما لو أمر أجنبيا أن يقول لزوجته:
أنت بائن ونوى الزوج كما جزما به، خلافا للصيمري في قوله إنه لا فرق بين أن يكتب بيده وبين أن يملي على غيره. وبقوله:
طالق عما لو كتب كناية من كنايات الطلاق، كما لو كتب: زوجتي بائن، ونوى الطلاق، فإنه لا يقع كما اقتضاه كلام المهذب،
لأن الكناية كناية، فلا تصح بكناية، إذ لا يكون للكناية كناية كما قاله بعض الشراح، وهو مردود بما تقدم عن
الروضة وأصلها.
فرع: لو كتب: إذا بلغك نصف كتابي هذا فأنت طالق فبلغها كله طلقت كما قاله المصنف، فإن ادعت وصول كتابه
بالطلاق فأنكر صدق بيمينه، فإن أقامت بينة بأنه خطه لم تسمع إلا برؤية الشاهد بكتابه وحفظه عنده لوقت الشهادة.
(وإن كتب إذا قرأت كتابي) فأنت طالق (وهي قارئة فقرأته، طلقت) لوجود المعلق عليه.
تنبيه: عبارته تقتضي أمرين: أحدهما اشتراط اللفظ به إذ القراءة تعطي ذلك، لكن نقل الإمام الاتفاق على أنها لو
طالعته وفهمت ما فيه طلقت وإن لم تتلفظ بشئ. الثاني: اشتراط قراءة جميعه. والظاهر الاكتفاء بقراءة المقاصد كما
بحثه الأذرعي، فحكم قراءة بعض الكتاب كوصول بعضه كما مر حكمه. (وإن قرئ عليها فلا) تطلق (في الأصح) لعدم
قراءتها مع الامكان. والثاني: تطلق، لأن المقصود إطلاعها على ما في الكتاب وقد وجد فإن قيل: يشكل على الأول
ما إذا كتب للقاضي من ولاه: إذا قرأت كتابي فأنت معزول وهو قارئ فقرئ عليه فإنه ينعزل، فهلا سوى بينهما كما
صوبه الأسنوي أجيب بأن عادة الحكام قراءة الكتب عليهم، والمقصود إعلامه بالحال، وليس المراد تعليق العزل،
لأن العزل لا يجوز تعليقه فلم يبق إلا مجرد العلم بالعزل وهو حاصل بقراءة غيره عليه وأما الطلاق فيقبل التعليق وإنما
يتحقق وقوعه بوجود الصفة. (وإن لم تكن قارئة) أي والزوج يعلم ذلك (فقرئ عليها طلقت) لأن القراءة في حق الأمي
محمولة على الاطلاع على ما في الكتاب وقد وجد بخلاف القارئة، أما إذا لم يعلم الزوج حالها فإنها لا تطلق على الأقرب
في الروضة وأصلها فترد هذه الصورة على إطلاق المتن. ولو علق بوصول الكتاب ثم علق بوصول الطلاق ووصل
إليها طلقت طلقتين.
فصل: في جواز تفويض الطلاق للزوجة. وهو جائز بالاجماع، واحتجوا له أيضا بأنه (ص) خير
نساءه بين المقام معه وبين مفارقته لما نزل قوله تعالى: * (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها) * الخ
فلو لم يكن لاختيارهن الفرقة أثر لم يكن لتخييرهن معنى. فإن قيل: لا دليل في ذلك لما صححوه من أنه لا يقع الطلاق
باختيارهن الدنيا، بل لا بد من إيقاعه بدليل. * (فتعالين أمتعكن وأسرحكن) * (2). أجيب بأنه لما فوض إليهن سبب
الفراق وهو اختيار الدنيا جاز أن يفوض إليهن المسبب الذي هو الفراق. (له) أي الزوج، (تفويض طلاقها) المنجز
صريحا كان أو كناية، كطلقي أو أبيني نفسك (إليها) أي زوجته البالغة العاقلة فلا يصح تعليقه كقوله: إذا جاء الغد أو
زيد فطلقي نفسك، ولا التفويض لصغيرة، أو حكم مجنونة كسائر التمليكات في جميع ذلك. (وهو) أي تفويض
الطلاق (تمليك) للطلاق أي يعطى حكم التمليك، (في الجديد) لأنه يتعلق بغرضها كغيره من التمليكات، فنزلت منزلة قوله: ملكتك
طلاقك (فيشترط) عليه (لوقوعه) تكليفه وتكليفها و (تطليقها على الفور) لأن التطليق هنا جواب للتمليك فكان
285

كقبوله، وقبوله فور، فإن أخرت بقدر ما ينقطع به القبول عن الايجاب أو تخلل كلام أجنبي كثير بين تفويضه وتطليقها
ثم طلقت نفسها لم تطلق. فلو قالت: كيف أطلق نفسي ثم طلقت وقع، والفصل بذلك لا يؤثر لقصره، ولا يصح من غير
مكلف، ولا يقع على غير مكلفة كما علم مما مر لفساد العبارة. نعم لو قال: وكلتك في طلاق نفسك لم يشترط الفور،
وكذا إن قال: طلقي نفسك متى - أو متى ما - شئت لم يشترط الفور وإن اقتضى التمليك اشتراطه، قال ابن الرفعة: لأن الطلاق
لما قبل التعليق سومح في تمليكه، وهذا ما جزم به صاحب التنبيه ووجهه ابن الرفعة بما ذكره، وجرى عليه ابن المقري في
روضه، وقيل: لا يصح إلا على القول بأنه توكيل، والمعتمد الأول ووجهه ما مر. (وإن قال لها طلقي) نفسك (بألف
فطلقت) فورا وهي جائزة التصرف بانت (ولزمها ألف) ويكون تمليكها بعوض كالبيع، فإن لم يذكر عوض فهو كالهبة
(وفي قول) نسب للقديم أن التفويض (توكيل) كما لو فوض طلاقها لأجنبي وأجاب الأول بأن لها فيه غرضا وله بها
اتصالا. وإذا قلنا بأنه توكيل (فلا يشترط) في تطليقها (فور في الأصح) كما في توكيل الأجنبي. والثاني: يشترط لما فيه
من شائبة التمليك (و) على قول التوكيل (في اشتراط قبولها) لفظا (خلاف الوكيل) الذي سبق في بابه، والمرجح منه عدم
اشتراط القبول لفظا.
تنبيه: لو قال كالمحرر: ففي اشتراط لأفهم التفريع على ما قبله. (وعلى القولين) لتمليك والتوكيل (له الرجوع) عن
التفويض (قبل تطليقها) لأن التمليك والتوكيل يجوز الرجوع فيهما قبل القبول، فإذا رجع ثم طلقت لم يقع علمت برجوعه
أم لا (ولو) علق التفويض كأن قال لها: (إذا جاء رمضان) مثلا فطلقي نفسك، (لغا على) قول (التمليك) لأن التعليق لا يصح
تعليقه. ولو قال: ملكتك هذا العبد إذا جاء رأس الشهر، قال في الروضة: وجاز على قول التوكيل كما في توكيل
الأجنبي اه‍. فإن قيل: تقدم في الوكالة أنه لا يصح تعليقها بشرط في الأصح، ولذا قال الشارح فليتأمل الجمع بين ما هنا
وما هناك أجيب بأن أصل هذا مبني على صحة تصرف الوكيل بالوكالة الفاسدة مستندا إلى الاذن فيها فلا يشكل بما مر
في الوكالة. واعلم أن ما تقدم من صور التفويض بالصريح، (و) أما بالكناية فهو كما (لو قال) لها (أبيني نفسك فقالت أبنت
ونويا) أي الزوج تفويض الطلاق إليها بأبيني ونوت هي تطليق نفسها بأبنت، (وقع) الطلاق، لأن الكناية مع النية كالصريح.
(وإلا) بأن لم ينويا أو أحدهما، (فلا) يقع لأنه إن لم ينو هو فلا تفويض وإن لم تنو هي فلا تطليق إذ الطلاق لا يقع بهذا
اللفظ وحده. (ولو) صرح فكنت أو عكسه كأن (قال) لها: (طلقي) نفسك، (فقالت أبنت ونوت، أو) قال (أبيني) نفسك
(ونوى، فقالت: طلقت، وقع) الطلاق، لأنها أمرت بالطلاق وقد فعلته في الحالين، ولا يضر اختلاف لفظهما. وأفهم كلام
المصنف أن التخالف في الكناية أو الصريح كاختاري نفسك، فقالت: ابنتها، أو طلقي نفسك، فقالت: سرحتها لا يضر
من باب أولى، نعم إن قال لها: طلقي نفسك بصريح الطلاق أو بكنايته أو بالتسريح أو نحو ذلك فعدلت عن المأذون فيه
إلى غيره لم تطلق لمخالفتها صريح كلامه.
تنبيه: عبر في الروضة والشرح بطلقي نفسك، وفي الثانية بأبيني نفسك، وذلك يشعر باعتبار قوله نفسك،
وحذف المصنف لفظة نفسك منهما وزدتها في الشرح، فأفهم أنه لا يشترط، وفيه وجهان: أحدهما لا يقع وإن
نوت نفسها، إذ ليس في كلام أحدهما ما يشعر بالفراق، وبه قال القاضي والبغوي في تهذيبه. وثانيهما: يقع إذا نوت
نفسها، وبه قال البوشنجي والبغوي في تعليقه، وهذا كما قال الأذرعي هو المذهب الصحيح، وهي قضية كلام جماعة من
286

العراقيين وغيرهم، وجرى عليه شيخنا في شرح البهجة. (ولو قال) لها (طلقي) نفسك (ونوى ثلاثا فقالت طلقت
ونوتهن) وقد علمت نيته، أو وقع ذلك اتفاقا كما يؤخذ من قول أصل الروضة، (فثلاث) لأن اللفظ يحتمل العدد،
وقد نوياه، (وإلا فواحدة في الأصح) لأن صريح الطلاق كناية في العدد. والثاني: ثلاث، حملا على منويه.
تنبيه: قوله: وإلا صادق بما إذا نوى هو ثلاثا ولم تنو هي عددا، وبما إذا لم ينويا أو نوى أحدهما فقط.
وظاهر كلامه أن الخلاف جار في البيع، لكن الثانية والثالثة تقع فيهما واحدة بلا خلاف. (ولو قال) طلقي نفسك
(ثلاثا فوحدت) أي قالت: طلقت نفسي واحدة، (أو عكسه) كقوله: طلقي نفسك واحدة، فثلثت أي قالت: طلقت نفسي
ثلاثا: (فواحدة) تقع في الصورتين، أما في الأولى فلان ما أوقعته داخل في المفوض إليها، وأما في الثانية فلان
المفوض إليها واحدة الزائد غير مأذون فيه فيقع ما تملكه.
تنبيهات: لها في الأولى بعد أن وحدت وراجعها الزوج أو لم يراجعها أن تزيد الثنتين الباقيتين على الواحدة
التي أوقعتها فورا، إذ لا فرق بين أن تطلق الثلاث دفعة وبين قولها طلقت واحدة وواحدة، ولا يقدح تخلل
الرجعة من الزوج. ولو قال لها: طلقي نفسك ثلاثا فقالت بلا نية: طلقت وقع الثلاث، لأن قولها جواب لكلامه فهو
كالمعاد في الجواب، بخلاف ما إذا لم يتلفظ هو بالثلاث ونواها، لأن المنوي لا يمكن تقدير عوده في الجواب، إذ التخاطب
باللفظ لا بالنية. ولو طلقت نفسها عبثا ونوت فصادفت التفويض لها ولم يطل الفصل بينهما طلقت، كما لو باع مال أبيه
ظانا حياته فبان ميتا. ولو فوض طلاق زوجته إلى اثنين وطلق أحدهما طلقة، والآخر ثلاثا وقعت واحدة فقط كما
قال البندنيجي إنه مقتضى المذهب، لاتفاقهما عليها. وإن جعل طلاقها بيد الله ويد زيد لغا إن قصد الشركة فليس
لزيد أن يطلقها، فإن قصد التبرك أو أن الأمور كلها بيد الله فلا. قال الأذرعي: وكذا إن أطلق فيما يظهر، والأوجه
كما قال شيخنا أنه كما لو قصد الشركة، لأنه الظاهر من العطف. ولو قال: جعلت كل أمر لي عليك بيدك كان كناية
في التفويض إليها، وليس لها أن تطلق نفسها ثلاثا ما لم ينوها. ولو قال: طلقي نفسك ثلاثا إن شئت فطلقت واحدة،
أو طلقي نفسك واحدة إن شئت فطلقت ثلاثا طلقت واحدة كما لو لم يذكر المشيئة، وإن قدم المشيئة على العدد فقال:
طلقي نفسك إن شئت واحدة فطلقت ثلاثا أو عكسه لغا لصيرورة المشيئة شرطا في أصل الطلاق، والمعنى: طلقي إن
اخترت الثلاث، فإذا اختارت غيرهن لم يوجد الشرط، بخلاف ما إذا أخرها فإنها ترجع إلى تفويض المعنى، والمعنى:
فوضت إليك أن تطلقي نفسك ثلاثا فإن شئت فافعلي ما فوضت إليك، وذلك لا يمنع نفوذ ذلك المعين ولا نفوذ ما يدخل
فيه. والظاهر كما قال شيخنا: أنه لو قدمها على الطلاق أيضا فقال: إن شئت طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة كان
كما لو أخرها عن العدد.
فصل: في اشتراط القصد في الطلاق، وهذا شروع منه في الركن الثالث وهو القصد. إذا (مر بلسان نائم)
أو من زال عقله بسبب لم يعص به، (طلاق لغا) وإن قال بعد استيقاظه أو إفاقته: أجزته أو أوقعته، لحديث رفع القلم
عن ثلاث وذكر منها النائم حتى يستيقظ، ولانتفاء القصد.
تنبيه: كان المصنف مستغنيا عن هذا باشتراط التكلف أول الباب. ولو تلفظ بالطلاق، ثم قال: كنت حينئذ
صبيا أو نائما وأمكن ذلك صدق بيمينه: كما قاله الروياني، وإن قال في الروضة: في تصديق النائم نظر فإنه لا
إمارة عليه
بخلاف الصبي. (ولو سبق لسانه بطلاق بلا قصد) لحروف الطلاق لمعناه، (لغا) ما سبق لسانه إليه لما مر، وكذا إذا
تلفظ بالطلاق حاكيا كلام غيره، وكذلك الفقيه إذا تكرر لفظ الطلاق في درسه وتصويره.
تنبيه: لا حاجة لقوله: بلا قصد مع قوله: سبق، ولو قال: لا بقصد، كان أعم. (ولا يصدق ظاهرا) في دعواه سبق
287

لسانه بالطلاق لتعلق حق الغير به، ولان الظاهر الغالب أن البالغ العاقل لا يتكلم بكلام إلا ويقصده. (إلا بقرينة)
كأن دعاها بعد طهرها من الحيض إلى فراشه وأراد أن يقول: أنت الآن ظاهرة، فسبق لسانه فقال: أنت اليوم طالقة.
تنبيه: لو ظنت صدقه في دعواه السبق فلها قبول قوله، وكذا للشهود أن لا يشهدوا عليه بالطلاق كما ذكره
في أصل الروضة هنا، وذكر أواخر الطلاق أنه لو سمع لفظ رجل بالطلاق وتحقق أنه سبق لسانه إليه لم يكن له أن
يشهد عليه بمطلق الطلاق، وكان ما هنا فيما إذا ظنوا وما هناك فيما إذا تحققوا كما يفهمه كلامه. قال شيخنا: ومع ذلك فيما
هنا نظر اه‍. والأولى إلحاق ما هنا بما هناك كما قاله بعض المتأخرين. (ولو كان اسمها طالقا فقال) لها (يا طالق)
بضم القاف بخطه، (وقصد النداء لم تطلق) جزما لأنه صرفه عن معناه، وكونها اسمها كذلك قرينة تسوغ تصديقه.
تنبيه: المراد قصد ندائها باسمها وإلا فنداؤها مقصود، وإن أراد الطلاق، (وكذا إن أطلق) بأن لم يقصد شيئا وكان
اسمها ذلك عند النداء لم تطلق أيضا (في الأصح) حملا على النداء، ولأنه لم يقصد الطلاق واللفظ هنا مشترك والأصل
دوام النكاح. أما إذا كان اسمها ذلك ثم غير إلى غيره ثم خطابها به بعد التغيير طلقت عند الاطلاق كما ذكره الرافعي
في نظير المسألة من العتق في نداء عبده المسمى بحر يا حر. (وإن كان اسمها طارقا أو طالبا) أو طالعا أو نحوها من الأسماء التي
تقارب حروف طالق، (فقال) لها: يا طالق، وقال: أردت (النداء) لها باسمها (فالتف) بلساني (الحرف، صدق) ظاهرا لظهور
القرينة. (ولو خاطبها بطلاق) لها (هازلا) وهو قصد اللفظ دون معناه، (أو لاعبا) بأن لم يقصد شيئا لقولها له في معرض
دلال أو ملاعبة أو استهزاء: طلقني فيقول لها لاعبا أو مستهزئا: طلقتك. (أو) خاطبها بطلاق (وهو يظنها أجنبية) ويصدق
ذلك بصور: إما (بأن كانت في ظلمة) أو من وراء حجاب، (أو) بأن (نكحها) له (وليه أو وكيله ولم يعلم) بالنكاح أو
نسيه أو نحو ذلك، (وقع الطلاق). أما في الأوليين فلانه أتى باللفظ عن قصد واختيار وعدم رضاه بوقوعه لظنه أنه لا يقع
لا أثر له لخطأ ظنه، وفي حديث حسنه الترمذي وقال الحاكم: صحيح الاسناد: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد:
الطلاق، والنكاح، والرجعة. قال البغوي: وخص في الحديث الثلاث لتأكد أمر الفرج وإن كان البيع وسائر
التصرفات تنعقد بالهزل على الأصح اه‍. وأما فيما بعدهما فلانه أوقع الطلاق في محله وظن غير الواقع لا يدفعه.
تنبيه: عطف المصنف اللعب على الهزل يقتضي تغايرهما، وكلام أهل اللغة يقتضي ترادفهما، قال الزمخشري
في الفائق: الهزل واللعب من وادي الاضطراب. وعبارة المحرر: على سبيل اللعب والهزل، وهي تقتضي اتحادهما،
والذي يشهد له الاستعمال أن الهزل يختص بالكلام واللعب أعم، وظاهر إطلاق المصنف الوقوع أنه يقع ظاهرا
وباطنا، لكن قضية كلام الروضة أنه لا يقع في مسألة الظن باطنا، وهو الظاهر وإن قال الأذرعي قضية كلام الروياني
أن المذهب الوقوع باطنا. ولو نسي أن له زوجة فقال: زوجتي طالق طلقت كما نقلاه عن النص وأقراه. وما جزم به المصنف
من وقوع الطلاق فيما إذا ظنها أجنبية يتشكل عليه مسألة ذكرها الخوارزمي في الكافي، فقال: رجل تزوج امرأة
في الرستاق فذهبت إلى البلد وهو لا يعلم، فقيل له: ألك زوجة في البلد؟ وهو لا يعلم، فقال: إن كان لي زوجة في البلد
فهي طالق وكانت هي في البلد، فعلى قول حنث الناسي. قال البلقيني: وأكثر ما يلمح في الفرق بينهما صورة التعليق.
ولو كان واعظا مثلا وطلب من الحاضرين شيئا فلم يعطوه، فقال متضجرا منهم: طلقتكم وفيهم امرأته ولم يعلم بها لم
تطلق كما بحثه في أصل الروضة بعد نقله عن الإمام أنه أفتى بخلافه، قال المصنف: لأنه لم يقصد معنى الطلاق، ولأن النساء
لا يدخلن في خطاب الرجال إلا بدليل، واعترض عليه بمنع أنه لم يقصد معنى الطلاق، إذ معناه الفرقة وقد
288

نواها، بأن دليل الدخول هنا موجود وهو مشافهة الحاضرين وعدم علمه بأن زوجته فيهم لا يمنع الايقاع كمن خاطبها
يظنها غيرها. وأجيب عن الأول بأن معنى الطلاق شرعا: قطع عصمة النكاح، ولم يقصده الواعظ، بخلاف من خاطب
زوجته يظنها غيرها، وعن الثاني بأن ذلك إنما يكون بحسب القصد للتغليب ولا قصد. (ولو لفظ أعجمي) أو غيره
(به) أي الطلاق (بالعربية) أو غيرها مما لا يعرفه، (ولم يعرف معناه) سواء ألقنه أم لا، (لم يقع) لانتفاء قصده،
وقيده المتولي بمن لم يكن مخالطا لأهل اللسان وإلا لم يقبل ظاهرا، ويصدق في أنه لا يعرف معناه، لأنه الظاهر
من حاله، قاله في الاستقصاء. (وقيل: إن نوى) العجمي به (معناها) أي العربية عند أهلها، (وقع) لأنه قصد لفظ
الطلاق لمعناه. وأجاب الأول بأنه إذا لم يعرف معناه لا يصح قصده، ولو لم يعرف معناه وقصد به قطع النكاح لم تطلق
كما لو أراد الطلاق بكلمة لا معنى لها. (ولا يقع طلاق مكره) بغير حق، خلافا لأبي حنيفة، كما لا يصح إسلامه، لقوله (ص)
: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ولخبر: لا طلاق في إغلاق أي إكراه، رواه أبو داود
والحاكم وصحح إسناده على شرط مسلم، ولأنه قول لو صدر منه باختياره طلقت زوجته وصح إسلامه، فإن
أكره
عليه بباطل لغا كالردة. نعم تقدم في شروط الصلاة أنه لو تكلم فيها مكرها بطلت صلاته لندرة الاكراه فيها، فإن كان
الاكراه بحق وقع الطلاق وصح الاسلام، وصور الطلاق بحق جمع بإكراه القاضي المولى بعد مدة الايلاء على طلقة
واحدة، فإن أكره على الثلاث فتلفظ بها لغا الطلاق لأنه يفسق بذلك وينعزل به. فإن قيل: المولى لا يؤمر بالطلاق
عينا بل به أو بالفيئة، ومثل هذا ليس بإكراه يمنع الوقوع، كما لو أكره على أن يطلق زوجته أو يعتق عبده فأتى
بأحدهما فإنه ينفذ. أجيب بأن الطلاق قد يتعين في بعض صور المولى كما لو آلى وهو غائب فمضت المدة فوكلت بالمطالبة
فرفعه وكيلها إلى قاضي البلد الذي فيه الزوج وطالبه فإن القاضي يأمره بالفيئة باللسان في الحال وبالمسير
إليها أو بحملها إليه أو الطلاق، فإن لم يفعل ذلك حتى مضى مدة إمكانه ذلك ثم قال أسير إليها الآن لم يمكن بل يجبر على الطلاق عينا،
هكذا أجاب به ابن الرفعة. وهو إنما يأتي تفريعا على مرجوح، وهو أن القاضي يكره المولى على الفيئة أو الطلاق،
والأصح أن الحاكم هو الذي يطلق على المولى الممتنع كما سيأتي في بابه، وحينئذ فلا إكراه أصلا حتى يحترز عنه بغير
حق. ويستثنى من إطلاق المكره ما لو أكره شخصا على طلاق زوجة نفسه فإنه يقع لأنه إذن وزيادة، ولا يستثنى
ما إذا أكره على الطلاق فنوى لأن هذا ليس مكرها. ولو أكره غير الزوج الوكيل في الطلاق عليه لغا أو الزوج وقع
لأنه أبلغ في الاذن كما مر. وأما الاكراه على الاسلام بحق فإكراه المرتد والحربي عليه بخلاف الذمي فإنه مقر على
كفره بالجزية، والمعاهد كالذمي كما بحثه ابن الرفعة. (فإن ظهرت) من مكره، بفتح الراء، (قرينة اختيار) منه للطلاق،
(بأن) أي كأن (أكره) بضم الهمزة، (على ثلاث فوحد) أي طلق واحدة، (أو) على طلاق (صريح أو)
على (تعليق) له، (فكنى) ونوى، (أو نجز، أو على) أن يقول: (طلقت) زوجتي (فسرح) بتشديد الراء،
أي قال سرحتها، (أو) وقع الاكراه (بالعكوس) لهذه الصور، بأن أكره على واحدة فثلث أو كناية فصرح
أو تنجيز فعلق، أو على أن يقول: سرحت، فقال: طلقت، (وقع) الطلاق في الجميع لأن مخالفته تشعر باختياره فيما
أتى به. (وشرط) حصول (الاكراه قدرة المكره) بكسر الراء، (على تحقيق ما هدد به) المكره بفتحها، تهديدا
عاجلا ظلما (بولاية أو تغلب وعجز المكره) بفتح الراء، (عن دفعه) أي المكره بكسرها، (بهرب وغيره)
كاستغاثة بغيره، (وظنه أنه إن امتنع) من فعل ما أكره عليه (حققه) أي فعل ما خوفه به لأنه لا يتحقق العجز
289

إلا بهذه الأمور الثلاثة.
تنبيه: تعبيره بالظن يقتضي أنه لا يشترط تحققه، وهو الأصح. وخرج بعاجلا ما لو قال: لأقتلنك غدا فليس
بإكراه، وبظلما ما لو قال ولي القصاص للجاني: طلقها وإلا اقتصصت منك لم يكن إكراها. (ويحصل) الاكراه
(بتخويف بضرب شديد أو) ب‍ (حبس) طويل كما نقله الشامل عن النص، (أو إتلاف مال). وقوله: (ونحوها) من
زيادته، أي مما يؤثر العاقل لأجله الاقدام على ما أكره عليه. ويختلف الاكراه باختلاف الاشخاص والأسباب
المكره عليها، فقد يكون الشئ إكراها في شخص دون آخر، وفي سبب دون آخر، فالاكراه بإتلاف مال يضيق على
المكره - بفتح الراء - كخمسة دراهم في حق الموسر ليس بإكراه على الطلاق، لأن الانسان يتحمله، ولا يطلق بخلاف المال
الذي يضيق عليه. والحبس في الوجيه إكراه وإن قل كما قاله الأذرعي. والضرب اليسير في أهل المروءات إكراه.
والتهديد بقتل أصله وإن علا أو فرعه وإن سفل إكراه، بخلاف ابن العم ونحوه، بل يختلف ذلك باختلاف الناس كما مر. (
وقيل: يشترط) في الاكراه (قتل) لنفسه لأن ما دونه يدوم معه النظر والاختيار. (وقيل: يشترط) فيه (قتل)
لنفسه (أو قطع) لطرفه (أو ضرب مخوف) لافضائه إلى القتل ولا يحصل الاكراه بطلق زوجتك وإلا قتلت نفسي
أو كفرت أو أبطلت صومي أو صلاتي. قال الأذرعي: في وإلا قتلت نفسي كذا أطلقوه، ويظهر عدم الوقوع إذا قاله
من لو هدد بقتله كان مكرها كالولد اه‍. وهو حسن. (ولا تشترط) في عدم وقوع طلاق المكره (التورية) وهي
من ورى، أي جعل البيان وراءه. (بأن) أي كأن (ينوي) بقوله: طلقت زينب مثلا (غيرها) أي زوجته. أو
ينوي بالطلاق حل الوثاق، أو يقول عقيب اللفظ إن شاء سرا كما قاله في المحرر. وعبارة الروضة وأصلها: أو قال
في نفسه إن شاء الله. فإن قيل: لا أثر للتعليق بمشيئة الله تعالى بمجرد النية لا ظاهرا ولا باطنا، بل لا بد من التلفظ به.
أجيب بأن المراد بقوله في نفسه تلفظه بمشيئة الله تعالى سرا بحيث لم يسمعه المكره لا أنه نواه، وأن ما ذكره من
اشتراط التلفظ بالتعليق بمشيئة الله تعالى محله في غير المكره، أما هو فيكتفي بقلبه كما نقله الأذرعي عن القاضي الحسين
عن الأصحاب. وهي فائدة حسنة. وضابط التورية أن ينوي ما لو صرح به لقبل ولم يقع الطلاق، وهذا لو عبر
المصنف بقوله: كأن بالكاف كما حولت به عبارته لكان أولى، وهذا يقع في كلام الشيخين كثيرا، وفيه تساهل.
(وقيل: إن تركها) أي التورية (بلا عذر) له (وقع) لاشعاره بالاختيار، فإن تركها لعذر كدهشة لم يقع قطعا كما
قاله في المحرر.
فرع: لو قال له اللصوص: لا نخليك حتى تحلف بالطلاق أنك لا تخبر بنا فحلف بذلك فهو إكراه منهم له على
الحلف، فإذا أخبر بهم لم يقع عليه طلاق. ولو أكره ظالم شخصا أن يدله على زيد مثلا أو ماله وقد أنكر معرفة محله
فلم يخله حتى يحلف له بالطلاق فحلف به كاذبا أنه لا يعلمه طلقت، لأنه في الحقيقة لم يكره على الطلاق بين خير وبينه وبين
الدلالة. ولو قال: طلقت مكرها فأنكرت زوجته وهناك قرينة كالحبس فالقول قوله بيمينه وإلا فلا. ولو ادعى الصبا
بعد طلاقه وأمكن صدقه صدق بيمينه. فإن قيل: قد جزموا في الايمان بعدم تصديق مدعي عدم قصد الطلاق والعتاق
ظاهرا لتعلق حق الغير بهما، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن ما ذكر هناك لا يشبه هذا، فإن الزوج تلفظ تم بصريح
الطلاق ثم ادعى صرفه بعدم القصد، والمدعى هنا طلاق مقيد (ومن أثم بمزيل عقله بحاله لا يصح فيها الطلاق فقبل قوله لعدم مخالفته
الظاهر من شراب) خمر أو غيره، (أو دواء) بنبيذ أو غيره، (نفذ طلاقه وتصرفه له) قولا
وفعلا، (و) نفذ أيضا تصرفه (عليه قولا وفعلا) كإسلام وردة وقطع وقتل، (على المذهب) المنصوص. أما السكران
290

فاحتج له الشافعي رضي الله عنه بحديث: رفع القلم عن ثلاث قال: والسكران ليس في معنى واحد من هؤلاء، فإنه يجب
عليه قضاء الصلاة والصوم وغيرهما، فالقلم غير مرفوع عنه بخلاف المجنون. قال الشافعي: رضي الله عنه: وهو قول
أكثر من لقيته من المفتين. وأما المتداوي فإنه في معناه. (وفي قول لا) ينفذ شئ من تصرفه لأنه ليس له فهم صحيح.
(وقيل) ينفذ تصرفه (عليه) كالطلاق والاقرار تغليظا عليه، واحترز بقوله: أثم عما إذا لم يأثم، كما إذا أوجز خمرا أو أكره
على شربها أو شرب دواء يزيل العقل بقصد التداوي، فإنه لا يقع طلاقه ولا يصح تصرفه.
تنبيه: مقتضى إطلاق المصنف أنه لو تعدى بسكره، ثم نشأ عن سكره جنونه أن حكمه كالسكران، وهو كذلك
كما صرح به في البحر. وفيه أيضا لو أوقع السكران الطلاق ثم ادعى الاكراه على الشرب أو الجهل بإسكار ما شربه
ورام عدم الوقوع صدق بيمينه، قال الأذرعي: وينبغي استفساره، فإن ذكر إكراها معتبرا فذاك، فإن أكثر الناس
يظن ما ليس بإكراه إكراها اه‍. وهذا ظاهر إذا كان ممن يخفى عليه ذلك. ثم في شرع في الركن الرابع وهو المحل، أي المرأة،
فقال: (ولو قال) شخص لزوجته: أنت طالق أو طلقتك فذاك واضح، وكذا لو قال: جسمك أو جسدك أو روحك أو
شخصك أو جثتك أو ذاتك طالق. وإن طلق جزءا منها، كقوله: يدك أو رجلك أو نحو ذلك من أعضائها المتصلة بها، أو
(ربعك أو بعضك أو جزؤك) سواء أكان معلوما كالمثال الأول أو مبهما كالمثال الثاني والثالث، أصليا كان أو زائدا، ظاهرا
كما مر أو باطنا، ومثل له بقوله: (أو كبدك) أو كان الجزء مما ينفصل منها في الحياة ومثل له بقوله: (أو شعرك أو ظفرك
طالق، وقع) الطلاق جزما، واحتجوا له بالاجماع، ولأنه طلاق صدر من أهله، فلا ينبغي أن يلغى، وتبعيضه متعذر، لأن المرأة
لا تتبعض في حكم النكاح فوجب تعميمه، وبالقياس على العتق بجامع أن كلا منهما إزالة ملك يحصل بالصريح
والكناية. ونظر في القياس بأن العتق محبوب والطلاق مبغوض، وبأن العتق يقبل التجزئة فصحت إضافته
للبعض بخلاف
الطلاق. (وكذا دمك) طالق يقع به الطلاق (على المذهب) لأن به قوام البدن كالروح، وفي وجه لا يقع لأنه كفضلة، وقطع
بعضهم بالأول (لا فضلة كريق وعرق) وبول لا يقع بها طلاق، لأنها غير متصلة اتصال خلقة، بخلاف ما قبلها. (وكذا مني
ولبن) لا يقع بهما (في الأصح) لأنهما وإن كان أصلهما دما فقد تهيأ للخروج بالاستحالة كالبول. والثاني: الوقوع كالدم،
لأنه أصل كل واحد منهما، وكالفضلات الاخلاط كالبلغم. ولا بالجنين لأنه شخص مستقل بنفسه، وليس محلا للطلاق.
ولا بالعضو الملتحم بالمرأة بعد الفصل منها، لأنه كالمنفصل بدليل وجوب قطعة وعدم تعلق القصاص به، قال الزركشي:
ويؤخذ من عدم الوقوع عدم نقص الوضوء به. ولا بالمعاني القائمة بالذات كالسمع والبصر والحركة وسائر الصفات
المعنوية كالحسن والقبح والملاحة، لأنها ليست أجزاء من بدنها، والشحم والسمن جزءان من البدن، فيقع بالإضافة
إلى كل منهما الطلاق وإن توزع الأول. ولو قال: اسمك طالق لم تطلق إن لم يرد به الذات، فإن أرادها به طلقت.
وإن قال: نفسك - بإسكان الفاء - طالق طلقت لأنها أصل الآدمي، أما بفتح الفاء فلا لأنه أجزاء من الهواء يدخل الرئة ويخرج
منها لا جزء من المرأة ولا صفة لها. ولو قال: حياتك طالق طلقت إن أراد بها الروح، وإن أراد المعنى فلا كسائر المعاني،
وإن أطلق فهو كالأول كما بحثه بعض المتأخرين.
تنبيه: الطلاق فيما مر يقع على الجزء ثم يسري إلى باقي البدن كما في العتق، فلو قال: إن دخلت الدار
فيمينك طالق فقطعت ثم دخلت لم تطلق، كمن خاطبها بذلك ولا يمين لها، كما قال: (ولو قال لمقطوعة يمين) مثلا (يمينك)
وذكره على إرادة العضو، ولو أنث قال يمناك، (طالق، لم يقع على المذهب) المنصوص لفقدان الذي يسري منه
الطلاق إلى الباقي كما في العتق، وكما لو قال لها: لحيتك أو ذكرك طالق. والطريق الثاني: تخريجه على الخلاف، فإن جعلناه
291

من باب التعبير بالبعض عن الكل وقع، أو من باب السراية فلا. وصور الروياني المسألة بما إذا فقدت يمينها من الكتف
وهو يقتضي أنها تطلق في المقطوعة من الكف أو من المرفق وهو كذلك، لأن اليد حقيقة إلى المنكب كما مر في باب
الوضوء. قال في البحر: ولو قال: حفصة طالق، ورأس عمرة برفع رأس طلقتا، أو بجره لم تطلق عمرة اه‍. وهذا ظاهر
فيمن يعرف العربية، أما غيره فتطلق عمرة مطلقا. ولو قال لامته: يدك أم ولد أو للملتقط: يدك ابني لم يثبت به استيلاد
ولا نسب لعدم السراية فيهما. (ولو قال: أنا منك طالق ونوى تطليقها) أي إيقاع الطلاق عليها، (طلقت) لأن عليه حجرا
من جهتها، حيث لا ينكح معها أختها ولا أربعا، ويلزمه صونها ومؤنتها فيصح إضافة الطلاق إليه لحل السبب المقتضي
لهذا الحجر، ولأن المرأة مقيدة والزوج كالقيد عليها والحل يضاف إلى القيد كما يضاف إلى المقيد، فيقال حل فلان
المقيد وحل القيد عنه. (وإن لم ينو طلاقا فلا) تطلق، لأن اللفظ خرج عن الصراحة بإضافته إلى غير محله فشرط فيه ما شرط
في الكناية من قصد الايقاع (وكذا) لا تطلق (إن لم ينو) مع نية الطلاق (إضافته إليها في الأصح) لأن محل الطلاق المرأة
لا الرجل واللفظ مضاف إليه، فلا بد من نية صارفة تجعل الإضافة إليه إضافة إليها. والثاني: تطلق لوجود نية الطلاق،
ولا حاجة للتنصيص على المحل نطقا أو نية.
تنبيه: عبارته تصدق بصورتين: الأولى: أن لا ينوي إيقاعه عليها ولا عليه. والثانية: أن ينوي تطليق نفسه، لكن
عبر في الروضة في الأولى بالصحيح، وفي الثانية القطع بعدم الوقوع، وقيل: بجريان الخلاف. والتقييد بقول المصنف
منك وقع أيضا في الروضة وأصلها وهو يوهم أنه لو أسقطها لم يقع، وكلام القاضي يقتضي عدم اعتبارها وهو الظاهر
لانتظام هذا العمل بدونها وجرى عليه في المهمات، ولهذا حذفها الدارمي في الاستذكار، قال: وحينئذ فإن كانت له
زوجة واحدة وقصد طلاقها فواضح، وإن كان له زوجات وقصد طلاق واحدة منهن وقع على واحدة ويعين. (ولو
قال: أنا منك بائن) أو نحوه من الكنايات، (اشترط نية) أصل (الطلاق) قطعا كسائر الكنايات (وفي) نية (الإضافة) إليها
(الوجهان) في قوله: أنا منك طالق أصحهما اشتراطها، فإن نوى الطلاق مضافا إليها وقع وإلا فلا لما مر.
تنبيه: لا حاجة إلى هذه المسألة بعد ذكر المسألة قبلها، لأن النية إذا شرطت في الصريح وهو: أنا منك طالق ففي
الكناية وهو: أنا منك بائن أولى، اللهم إلا أن يقال: إنما ذكرها تمييزا بين الكناية القريبة والبعيدة، وهي استبراء رحمه
الذي تضمنه قوله: (ولو قال: استبرئي رحمي منك) أو: أنا معتد منك، أو نحو ذلك كاستبرئي الرحم التي كانت لي، (فلغو)
وإن نوى به الطلاق، لأن اللفظ غير منتظم في نفسه، والكناية شرطها احتمال اللفظ المراد. (وقيل: إن) نوى بهذا اللفظ
(طلاقها وقع) ويكون المعنى عليه: استبرئي الرحم التي كانت لي وبه صور المسألة في الشرح الصغير.
تنبيه: قوله: منك ليس بقيد، فلو لم يذكره كان الحكم كذلك. ولو قال شخص لآخر: طلق امرأتي، فقال
له: طلقتك ونوى وقوعه عليه لم تطلق كما قاله في التتمة، لأن النكاح لا تعلق له بالأجنبي بخلاف المرأة مع الزوج.
فصل: في بيان الولاية على محل الطلاق وهو الزوجة، وهذا هو الركن الخامس، فخرجت الأجنبية كما قال:
(خطاب الأجنبية بطلاق) كأنت طالق، (وتعليقه) أي الطلاق (بنكاح) كإن تزوجتها فهي طالق، (وغيره) أي النكاح
كأن دخلت الدار فأنت طالق، (لغو) أي فلا تطلق على زوجها، أما المنجز فبالاجماع، وأما المعلق فلانتفاء
الولاية من القائل على المحل، وقد قال (ص): لا طلاق إلا بعد نكاح رواه الترمذي وصححه. ولو قال:
292

كل امرأة تزوجها فهي طالق فرفع إلى قاض شافعي ففسخه، قال العبادي: انفسخت اليمين، وقال الهروي: ليس ذلك
بفسخ بل هو حكم بإبطال اليمين، فإن اليمين الصحيحة لا تنفسخ.
تنبيه: تعليق العتق بالملك كتعليق الطلاق بالنكاح. (والأصح صحة تعليق العبد) طلقة (ثالثة كقوله:
إن عتقت أو إن دخلت) الدار مثلا (فأنت طالق ثلاثا فيقعن إذا عتق) العبد، (أو دخلت) زوجته الدار (بعد
عتقه) وإن لم يكن مالكا للثالثة وقت التعليق لأنه يملك أصل النكاح، وهو يفيد الطلقات الثلاث بشرط الحرية،
وقد وجدت. والثاني: لا يصح لأنه لا يملك تنجيزها فلا يملك تعليقها، وعلى هذا فيقع عليه طلقتان. قال الرافعي:
ويجري الوجهان في قوله لامته الحائل: إن ولدت فولدك حر. (ويلحق) الطلاق (رجعية) لأنها في حكم الزوجات
لبقاء الولاية عليها بملك الرجعة. قال الشافعي رضي الله عنه: الرجعية زوجة في خمس آيات من كتاب الله تعالى، يريد
بذلك لحوق الطلاق وصحة الظهار واللعان والايلاء والميراث. (لا مختلعة) فلا يلحقها طلاق وإن كانت في العدة لانتفاء
الولاية عليها. وما روي من أن المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة، قال ابن الجوزي: هو حديث موضوع.
(ولو علقه) أي الطلاق (بدخول) الدار مثلا أو غيره مما يمكن حصوله في البينونة، (فبانت) بطلاق أو فسخ
قبل الدخول بها أو بعده، إما بعوض أو بالثلاث، (ثم نكحها) أي جدد نكاحها، (ثم دخلت لم يقع) بذلك طلاق
(إن) كانت (دخلت في) حال (البينونة) جزما لانحلال اليمين بالدخول فيها. (وكذا) لا يقع (إن لم تدخل)
في البينونة بل دخلت في النكاح (في الأظهر) لارتفاع النكاح الذي علق فيه. والثاني: يقع لقيام النكاح في حالتي
التعليق والصفة، وتخلل البينونة لا يؤثر لأنه ليس وقت الايقاع ولا وقت الوقوع. (وفي) قول (ثالث يقع إن بانت
بدون ثلاث) لأن العائد في النكاح الثاني ما بقي من الطلقات من الأول فتعود بصفتها، وهي التعليق بالفعل المعلق
عليه، بخلاف ما لو بانت بالثلاث لأنه استوفى ما علق من الطلاق، والعائد طلقات جديدة. أما إذا لم يكن حصول
الصفة في البينونة كأن قال: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا فأبانها ثم نكحها لم يقع طلاق قطعا كما هو قضية كلام
الروضة وأصلها.
تنبيه: ما ذكر هنا إذا كان التعليق بالدخول المطلق، أما لو حلف بالطلاق الثلاث أنها تدخل الدار في هذا
الشهر ثم أبانها قبل انقضاء الشهر وبعد تمكنها من الدخول ثم تزوجها ومضى ولم تدخل فنقل السبكي عن ابن الرفعة
أنه أفتى بالتخلص وأنها لا تطلق ثم تبين له أنه خطأ. قال السبكي: فبحثت معه في ذلك وأنا أجنح إلى التخلص وهو
لا يلوي عن كونه خطأ، وذكر كلاما طويلا تعرضت له في شرح التنبيه. وقال البلقيني: الصواب ما أفتى به ابن الرفعة
أولا وهو التخلص اه‍. وهذا هو المعتمد لأنه ظاهر إطلاق كلام الأصحاب، وقد مرت الإشارة إلى بعض ذلك
في كتاب الخلع. (ولو طلق) الزوج الحر (دون ثلاث وراجع) من طلقها، (أو جدد) نكاحها (ولو بعد زوج)
وإصابة كما في بعض نسخ المحرر، (عادت ببقية الثلاث) أما إذا لم يكن بعد زوج فبالاجماع، وأما بعد الزوج فخالف
في ذلك أبو حنيفة وقال: تعود بالثلاث لأن الزوج يهدم الثلاث فما دونها. واحتج أصحابنا بأنها إصابة ليست بشرط
في الإباحة فلم تؤثر كوطئ السيد أمته المطلقة، وبهذا قال أكابر الصحابة كما قاله ابن المنذر، منهم عمر رضي الله عنه، ولم
يظهر لهم مخالف (وإن ثلث) الطلاق بأن طلقها ثلاثا وجدد نكاحها بعد زوج دخل بها وفارقها وانقضت عدتها
منه، (وعادت بثلاث) بالاجماع، لأن دخول الثاني أفاد حل النكاح للأول، ولا يمكن بناؤه على العقد الأول، فثبت
293

نكاح مستفتح بأحكامه. (وللعبد طلقتان فقط) وإن كانت الزوجة حرة لما روى الدارقطني مرفوعا: طلاق العبد
اثنتان وروي عن عثمان وزيد بن ثابت، ولا مخالف لهما من الصحابة، رواه الشافعي. والمكاتب والمبعض والمدبر
كالقن، وإنما لم تعتبر حرية الزوجة لأن الاعتبار في الطلاق بالزوج لما روى البيهقي أن النبي (ص) قال:
الطلاق بالرجال والعدة بالنساء. وقد يملك العبد ثالثة كذمي طلق زوجته طلقتين ثم التحق بدار الحرب واسترق ثم
أراد نكاحها فإنها تحل له على الأصح ويملك عليها الثالثة لأنها لم تحرم عليه بالطلقتين. وطريان الرق لا يمنع الحل السابق،
بخلاف ما لو طلقها طلقة ثم استرق فإنها تعود له بطلقة فقط لأنه رق قبل استيفاء عدد العبيد. ومن عتق بعد طلقة بقي
له طلقتان، لأنه عتق قبل استيفاء عدد العبيد، أو بعد طلقتين لم يبق له شئ لاستيفائه عدد العبيد في الرد. ولو أشكل
على الزوجين هل وقع الطلقتان قبل العتق أو بعده لم يبق له شئ لأن الرق ووقوع الطلاق معلومان، والأصل بقاء
الرق حين أوقعهما، فإن ادعى تقدم العتق عليهما وأنكرت صدق بيمينه، سواء اتفقا على يوم العتق أو لم يتفقا على
وقت لأنه أعرف بوقت الطلاق. فإن اتفقا على يوم الطلاق كيوم الجمعة وادعى العتق قبله صدقت بيمينها لأن الأصل
دوام الرق قبل يوم الجمعة. (وللحر ثلاث) وإن كانت زوجته أمة، لأنه (ص) سئل عن قوله تعالى:
* (الطلاق مرتان) * فأين الثالثة؟ فقال: أو تسريح بإحسان رواه أبو داود وصححه ابن القطان. وإنما لم يعتبر رق
الزوجة لما مر. واعتبره أبو حنيفة بالنساء كالعدة. (ويقع) الطلاق بائنا أو رجعيا (في مرض موته) أي المطلق كما
يقع في صحته، (ويتوارثان) أي الزوج المريض وزوجته (في عدة) طلاق (رجعي) بالاجماع، لبقاء آثار الزوجية في
الرجعية بلحوق الطلاق لها والايلاء منها وغير ذلك كما مر. (لا) في عدة طلاق (بائن) لانقطاع آثار
الزوجية. (وفي
القديم) ونص عليه أيضا في الاملاء فيكون جديدا، (ترثه) وبه قال الأئمة الثلاثة، لأن تطليقها بغير اختيارها يدل على
قصده حرمانها من الإرث فيعاقب بنقيض قصده.
تنبيه: للقديم شروط: أحدها كون الزوجة وارثة، فلو أسلمت بعد الطلاق فلا. ثانيها: عدم اختيارها، فلو
اختلعت أو سألت فلا. ثالثها: كون البينونة في مرض مخوف ونحوه ومات بسببه، فإن برئ منه فلا. رابعها: كونها
بطلاق لا بلعان وفسخ. خامسها: كونه منشأ ليخرج ما إذا أقر به. سادسها: كونه منجزا. وإذا قلنا بالجديد فلها حكم
بقية البوائن، إلا إن قصد بطلاقها فراره من الإرث فيجري في تحريمه خلاف تحريم بيع النصاب قبل الحول فرارا من
الزكاة، وعبر بقوله: ترثه دون يتوارثان تنبيها على أنها لو ماتت لا يرثها، وهو كذلك.
فصل: في تعدد الطلاق بنية العدد فيه وغير ذلك: لو (قال) شخص لزوجته ولو نائمة أو مجنونة: (طلقتك
أو أنت طالق) أو نحو ذلك من الصريح وإن لم يخاطبها، كقوله: هذه طالق، (ونوى عددا وقع) سواء المدخول بها
وغيرها، لأن اللفظ يحتمل العدد بدليل جواز تفسيره به. وما احتمل إذا نواه وقع كالطلاق بالكناية فيأتي فيه ما مر
في أن النية لا بد من مقارنتها لجميع اللفظ أو تكفي مقارنته لبعضه كما قاله المتولي وغيره. (وكذا الكناية) كأنت بائن
إذا نوى فيها عددا وقع ما نواه لاحتمال اللفظ له، فإن نوى واحدة أو لم ينو شيئا وقعت واحدة لأنه المتيقن. (ولو قال:
أنت طالق واحدة) بالنصب بخطه، (ونوى عددا فواحدة) لأن الملفوظ يناقض المنوي واللفظ أقوى فالعمل به أولى.
وهذا ما صححه الغزالي، وفي المحرر أنه الذي رجح. والرفع والجر والسكون كالنصب في هذا وفيما سيأتي، وتقدير الرفع
على أنه خبر، والنصب على أنه صفة لمفعول محذوف، والجر على أنت ذات واحدة، فحذف الجار وأبقى المجرور بحاله،
294

كما قيل لبعضهم: كيف أصبحت؟ قال: خير، أي بخير. أو يكون المتكلم لحن واللحن لا يغير الحكم عندنا. والسكون
على الوقف. (وقيل) يقع (المنوي) لا الملفوظ عملا بالنية. ومعنى: أنت واحدة: أي أنك تتوحدين مني بالعدد الذي أوقعته،
وهذا ما صححه في أصل الروضة تبعا للبغوي وغيره، وهو المعتمد. ولو قال: أنت واحدة بالنصف وحذف طالق،
قال الزركشي وغيره: ظاهر كلام المصنف وقوع واحدة أيضا اه‍. ويؤيده عدم الفرق بين قوله: أنت طالق واحدة بالرفع وبين: أنت واحدة
بالرفع وحذف طالق كما سيأتي. (قلت: ولو قال أنت واحدة) بالرفع (ونوى عددا فالمنوي)
حملا للتوحد على التفرد عن الزوج بالعدد المنوي لقربه من اللفظ. (وقيل) يقع (واحدة، والله أعلم) لأن لفظ الوحدة
نص لا يحتمل ما زاد عليها. ويجري الخلاف فيما لو قال: أنت طالق واحدة بالرفع.
تنبيه: حاصل ما ذكر أن المعتمد اعتبار المنوي في جميع الحالات، ولو قال: أنت طالق اثنتين ونوى به الثلاث،
قال في التوشيح: ويظهر مجئ الخلاف فيه أنه هل يقع ما نوى أو لا يقع الاثنتان؟ والراجح وقوع الثلاث، ووجهه أنه لما
نوى الثلاث بأنت طالق ثم قال ثنتين فكأنه يريد رفع ما وقع. ولو قال: أنت بائن ثلاثا ونوى واحدة فهل ينظر إلى اللفظ
أو إلى النية؟ وجهان، قضية كلام المتولي الجزم بالثلاث. وحاصل ذلك أن النية إذا اختلفت مع اللفظ فالعبرة بالأكثر
منهما. (ولو أراد أن يقول أنت طالق ثلاثا فماتت) أو أسلمت أو ارتدت قبل دخول بها أو أخذ شخص على فيه (قبل تمام
طالق لم يقع) طلاق لخروجها عن محل الطلاق قبل تمامه (أو بعده قبل) شروعه في قوله: (ثلاثا فثلاث) لأنه كان قاصدا
للثلاث حين قال: أنت طالق وقد تم معه لفظ الطلاق في حياتها أو قبل إسلامها أو قبل ردتها أو قبل إمساك فيه. (وقيل)
يقع (واحدة) ويلغى قوله ثلاثا لوقوعه بعد موتها. (وقيل: لا شئ) يقع من ثلاث أو واحدة، لأن الكلام بآخره وقد ماتت
قبل تمامه. وترجيح الأول نقلا تصحيحه في الروضة وأصلها عن البغوي، ثم قالا: وقال إسماعيل البوشنجي: الذي
تقتضيه الفتوى أنه إن نوى الثلاث بقوله: أنت طالق وقصد أن يحققه باللفظ فثلاث وإلا فواحدة اه‍. وصحح هذا
في الأنوار، وقال الزركشي: إنه الصواب المنقول عن الماوردي والقفال وغيرهما اه‍. وهذا هو الظاهر وإن نازع في ذلك
الأذرعي.
تنبيه: قد علم مما تقرر أن ذكر الموت من كلام المصنف مثال. واحترز بقوله: ولو أراد أن يقول أنت طالق
ثلاثا عما لو قال: أنت طالق على عزم الاقتصار عليه فماتت فقال ثلاثا. قال الإمام: لا شك أن الثلاث لا تقع بل يقع
واحدة. واختلفوا في قوله: أنت طالق ثلاثا كيف سبيله، فقيل: قوله: ثلاث منصوب بالتفسير والتمييز، قال الإمام:
وهذا جهل بالعربية، وإنما هو صفة لمصدر محذوف، أي طالق طلاقا ثلاثا، كقوله: ضربت زيدا شديدا، يعني
ضربا شديدا.
فروع: لو قال: أنت طالق أو إن لم، وقال: قصدت الشرط، لم يقبل ظاهرا إلا إن منع الاتمام كأن وضع
غيره يده على فمه وحلف فيقبل ظاهرا للقرينة. ولو قال: أنت طالق طلقة واحدة ألف مرة أو كألف أو أنت طالق
بوزن ألف درهم ولم ينو عددا في الثلاث فطلقة واحدة فقط، لأن ذكر الواحدة في الأولين يمنع لحوق العدد، وذكر
الوزن في الثالثة ملغى لأن الطلاق لا يوزن. ولو قال: أنت كمائة طالق وقعت واحدة لأنها المتيقنة في أحد وجهين اختاره
البندنيجي وغيره. ولو قال: أنت طالق حتى يتم الثلاث أو أكملها ولم ينو الثلاث فواحدة، وقيل: ثلاث. ولو قال: أنت
طالق ألوانا من الطلاق فواحدة إن لم ينو عددا، بخلاف قوله: أنواعا من الطلاق أو أجناسا منه أو أصنافا فإن الظاهر
كما قال شيخنا وقوع الثلاث، ولو قالت لزوجها: طلقني ثلاث، فقال: أنت طالق ولم ينو عددا فواحدة. فإن قيل: الجواب
295

منزل على السؤال فينبغي وقوع الثلاث كما قالوا فيما لو قال: طلقي نفسك ثلاثا، فقالت بلا نية طلقت فإنها تطلق ثلاثا.
أجيب بأن السائل في تلك مالك للطلاق، بخلافه في هذه. أو طلقها طلقة رجعية. ثم قال: جعلتها ثلاثا لم يقع به شئ.
ولو قال: أنت طالق ملء الدنيا أو مثل الجبل أو أعظم الطلاق أو أكبره بالباء الموحدة، أو أطوله أو أعرضه أو أشده أو
نحوها وقعت واحدة فقط، وكذا لو قال: بعدد التراب بناء على قول الجمهور أن التراب اسم جنس لا جمع، أو: بعدد شعر
إبليس لأنه نجز الطلاق وربط عدده بشئ شككنا فيه فنوقع أصل الطلاق ونلغي العدد. ولو قال: أنت طالق بعدد أنواع
التراب أو أكثر الطلاق بالمثلثة أو كله أو: يا مائة طالق أو أنت مائة طالق وقع الثلاث لظهور ذلك فيها. ولو قال: أنت
طالق أقل من طلقتين وأكثر من طلقة وقع طلقتان كما نقله الأسنوي عن أبي المعالي وصوبه. ثم شرع في تكرير الطلاق،
فقال: (وإن) أتى بثلاث جمل تكرر فيها لفظ المبتدأ أو الخبر، كأن (قال) لمدخول بها: (أنت طالق أنت طالق أنت طالق
وتخلل فصل فثلاث) سواء أقصد التأكيد أم لا، لأنه خلاف الظاهر، لكن إذا قال: قصدت التأكيد فإنه يدين فإن
تكرر لفظ الخبر فقط كأنت طالق طالق طالق فكذا عند الجمهور، خلافا للقاضي في قوله يقع واحدة، ولو لم يرفع
المكرر بل نصبه كأنت طالق طالقا لم يقع شئ في الحال كما قاله العبادي: لكن إذا طلقها وقع طلقتان والتقدير: إذا
صرت مطلقة فأنت طالق.
تنبيه: المراد بالفصل أن يسكت فوق سكتة التنفس، قال الإمام: وهو كالاستثناء في الاتصال لا كالايجاب
والقبول فإنه كلام شخص واحد. وهذا في الطلاق المنجز، أما المعلق كإن دخلت الدار فأنت
طالق إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق فإن الطلاق لا يتعدد إلا إن نوى
الاستئناف، فإن نواه تعدد، بخلاف ما لو نوى الاستئناف في نظيره من الايمان لا تتعدد الكفارة، لأن الطلاق محصور، فقصد الاستئناف يقتضي استيفاءه، بخلاف
الكفارة، ولان الكفارة تشبه الحدود المتحدة الجنس فتتداخل بخلاف الطلاق، وقد مرت الإشارة إلى ذلك. (وإلا) أي
وإن لم يتخلل فصل، (فإن قصد تأكيدا) أي قصد تأكيد الأولى بالأخيرتين، (فواحدة) أي تقع لأن التأكيد في كلامهم
معهود في جميع اللغات وقد ورد به الشرع.
تنبيه: بحث بعضهم اشتراط نية التأكيد من أول التأسيس أو في أثنائه على الخلاف الآتي في نية الاستثناء
وهو حسن. (أو) قصد (استئنافا فثلاث) تقع لأن اللفظ ظاهر فيه وتأكد بالنية. (وكذا إن طلق) بأن لم يقصد تأكيدا
ولا استئنافا يقع ثلاث (في الأظهر) عملا بظاهر اللفظ، ولان حمله على فائدة جديدة أولى منه على التأكيد، والثاني: لا يقع إلا
واحدة، لأن التأكيد محتمل فيؤخذ باليقين.
تنبيه: هذا التفصيل يأتي في تكرير الكنايات كقوله: اعتدي اعتدي اعتدي كما حكاه الرافعي في الفروع المنثورة
في الصريح والكناية. ولو كانت الألفاظ مختلفة ونوى بها الطلاق وقع بكل لفظة طلقة كما في الروضة وأصلها. ولو
اختلف ألفاظ الصريح كأنت مطلقة أنت مسرحة، فهو كقوله: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق على الأصح،
وقيل: يقع في هذه الثلاث قطعا، حكاه الحناطي. قال الزركشي: وينبغي أن يلحق بالاطلاق ما لو تعذرت مراجعته
بموت أو جنون أو نحوه، قال: ولم يتعرضوا له اه‍. وهو ظاهر وتصوير المصنف وغيره التأكيد بثلاث قد يقتضي أنه
لا يصح منه إرادة التأكيد بالرابعة. وقال في التوشيح: إنه الذي يتجه. وقال ابن عبد السلام: إن العرب لا تؤكد أكثر
من ثلاث مرات. وقال البلقيني: الحكم عندي في ذلك كالحكم في صورة تكريره ثلاثا، ولا ينبغي أن يتخيل أن
الرابعة تقع بها طلقة لفراغ العدد، لأنه إذا صح التأكيد بما يقع لولا قصد التأكيد فلان يؤكد بما لا يقع عند قصد
التأكيد أولى اه‍. والمتجه كما قال الأسنوي في التمهيد أنه يقبل التأكيد مطلقا كما أطلقه الأصحاب في الاقرار وغيره.
(وإن قصد بالثانية تأكيدا) للأولى، (وبالثالثة استثناء أو عكس) بأن قصد بالثانية استئنافا وبالثالثة تأكيدا للثانية،
296

(فثنتان) يقعان عملا بقصده. وليس هذا عكس صورة المتن، لأنها مذكورة في قوله: (أو) قصد (بالثالثة تأكيد
الأولى) وبالثانية الاستئناف، (فثلاث في الأصح) لتخلل الفاصل بين المؤكد والمؤكد. والثاني: طلقتان، ويغتفر
الفصل اليسير.
تنبيه: بقي ما لو قصد بالثانية الاستئناف ولم يقصد بالثالثة شيئا، أو بالثالثة الاستئناف ولم يقصد بالثانية شيئا،
والأظهر وقوع ثلاث فيهما. (وإن) كرر الخبر بعطف كأن (قال: أنت طالق وطالق وطالق) بالواو كما مثل أو الفاء أو
ثم، (صح قصد تأكيد الثاني بالثالث) لتساويهما في الصيغة، (لا) تأكيد (الأول بالثاني) لاختصاص الثاني بحرف العطف
وموجبه التغاير، وهذا في الظاهر، أما فيما بينه وبين الله تعالى فيصح كما صرح به الماوردي، وقال ابن الرفعة: إنه الذي
يقتضيه نص الشافعي رضي الله عنه.
تنبيه: سكت المصنف عن حالة الاطلاق وفيها قولان كما سبق. (وهذه الصورة) السابقة كلها (في) زوجة (موطوءة)
غير مخالعة، (فلو قالهن لغيرها فطلقة بكل حال) لأنها تبين بالأولى فلا يقع ما بعدها. (ولو قال لهذه) أي غير المدخول بها:
(إن دخلت الدار) مثلا (فأنت طالق وطالق) أو أنت طالق وطالق إن دخلت الدار، (فدخلت‍) - ها (فثنتان) يقعان (في الأصح)
لأنهما متعلقان بالدخول ولا ترتيب بينهما، وإنما يقعان معا. والثاني: لا يقع إلا واحدة كالمنجز.
تنبيه: لو عطف بثم أو نحوها مما يقتضي الترتيب لم يقع بالدخول إلا واحدة لأن ذلك يقتضي الترتيب، وسواء
أقدم الشرط أم أخره كما نقلاه عن المتولي وأقراه. ولو قال لغير المدخول بها: أنت طالق أحد عشر طلقة طلقت
ثلاثا، بخلاف: أنت طالق إحدى وعشرين طلقة لا يقع إلا واحدة فقط، لأنه معطوف فكأنه قال واحدة وعشرين، بخلاف
أحد عشر فإنه مركب. ولو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق طلقة، وإن دخلت الدار فأنت طالق طلقتين، فدخلت
طلقت ثلاثا وإن كانت غير مدخول بها. ولو قال لزوجته: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث طلقت ثلاثا إدخالا للطرفين
لأنه وجد منه التلفظ بالثلاث فلا سبيل إلى إلغائها. فإن قيل: في الاقرار لا يدخل الطرف الأخير، فقوله: له علي من
درهم إلى ثلاثة يلزمه درهمان، فهلا كان هنا كذلك كما جرى عليه في التنبيه أجيب بأن الطلاق له عدد محصور
فأدخلنا الطرفين، لأن الظاهر استيفاؤه بخلاف الدراهم المقر بها. ولو قال: أنت طالق ما بين واحدة إلى ثلاث
طلقت ثلاثا أيضا، لأن ما بين بمعنى من بقرينة إلى كما نقله القمولي وغيره عن الروياني وجزم به ابن المقري في روضه.
ولو قال: أنت طالق ما بين الواحدة والثلاث وقعت طلقة لأنها الصادقة بالبينة بجعل الثلاث بمعنى الثلاثة. (ولو قال
لموطوءة أنت طالق طلقة مع) طلقة (أو معها طلقة) أخرى، (فثنتان) يقعان لقبول المحل، وظاهره أنهما يقعان معا وهو
الأصح، وقيل: على الترتيب. وينبني عليهما قوله: (وكذا غير موطوءة) يقع عليها ثنتان (في الأصح) على قول
المعية، وعلى الترتيب واحدة تبين بها. (ولو قال) أنت طالق (طلقة قبل طلقة أو) طلقة (بعدها طلقة فثنتان) يقعان
(في موطوءة) إذ مقتضاه إيقاع طلقتين إحداهما في الحال وتعقيبها الأخرى فيقعان كذلك. (وطلقة) فقط (في غيرها)
لأنها تبين بالأولى فلا تصادف الثانية نكاحا. (ولو قال) أنت طالق (طلقة بعد طلقة أو) طلقة (قبلها طلقة) أو تحت
طلقة، أو تحتها طلقة، أو فوق طلقة أو فوقها طلقة، (فكذا) يقع ثنتان في موطوءة وواحدة فقط في غيرها
297

(في الأصح) فيهما، وعبر في الروضة بالصحيح الذي قطع به الجمهور فيقع به أولا المضمنة ثم المنجزة في قوله: أنت طالق
طلقة قبلها طلقة، أو بعد طلقة، أو فوق طلقة، أو تحتها طلقة وبالعكس في قوله: أنت طالق طلقة بعدها طلقة
أو قبل طلقة أو فوقها طلقة أو تحت طلقة، ومقابل الأصح لا تقع إلا واحدة لجواز أن يكون المعنى قبلها طلقة مملوكة
أو ثابتة.
تنبيه: هذا إن أطلق، فإن قال: أردت ذلك صدق بيمينه لا محالة، كذا نقلاه عن ابن كج وأقراه، فليقيد به إطلاق المصنف.
ووقع في تحت وفوق خلاف هل هما كمع كما نقله في الروضة عن الإمام والغزالي، وعليه مشى شراح الحاوي الصغير،
أو هما كبقية الألفاظ المتقدمة كما نقله في الروضة عن مقتضى كلام المتولي؟ وهو مفهوم كلام ابن المقري، وهو الأوجه
كما يعلم مما مر. ولو قال لها: أنت طالق طلقة قبلها وبعدها طلقة طلقت ثلاثا، لأن الطلقة توزع قبل وبعد ثم يكمل
النصفان. ولو قال لغير المدخول بها: أنت طالق طلقة رجعية لم تطلق، كذا حكاه البغوي عن فتاوى القاضي، وحكاه
في التهذيب عن المهذب، وفيه نظر. (ولو قال: طلقة في طلقة وأراد) بفي طلقة معنى (مع) طلقة (فطلقتان) لأن في تستعمل
بمعنى مع كما في قوله تعالى: * (قال ادخلوا في أمم) * (أو) أراد (الظرف أو الحساب أو) لم يرد شيئا منهما بأن (أطلق فطلقة)
في الجميع، إذ مقتضى الظرف والحساب ذلك، وهو المحقق في الاطلاق. (ولو قال) أنت طالق (نصف طلقة في نصف طلقة)
ولم يرد كل نصف من طلقة، (فطلقة بكل حال) مما ذكر من إرادة المعية أو الظرف أو الحساب أو عدم إرادة شئ،
لأن الطلاق لا يتجزأ.
تنبيه: لفظة نصف الثانية مكتوبة في هامش نسخة المصنف بغير خطه، وهو صواب كما ذكرت في المحرر والشرح
إذ لا يستقيم قوله: بكل حال بدونها، لأنه يقع عند قصد المعية طلقتان، وعلى إثباتها لو أراد نصفا من كل طلقة فطلقتان كما
في الاستقصاء، ولو قال: طلقة في نصف طلقة فطلقة إلا أن يريد المعية فثنتان. (ولو قال) أنت طالق (طلقة في طلقتين
وقصد) بفي طلقتين (معية فثلاث) لما مر في قوله طلقة في طلقة، (أو ظرفا فواحدة) لأن مقتضاه وقوع المظروف دون
الظرف، ومسألة قصد الظرف مزيدة على الروضة والشرحين مع ذكر الوجيز لها. (أو) قصد (حسابا وعرفة فثنتان)
لأنهما موجبة عند أهل الحساب. (وإن جعله) أي الحساب (وقصد معناه) عند أهله، (فطلقة) تقع في الأصح لأن ما لا يعلم
لا تصح إرادته. (وقيل) الواقع (ثنتان) لأنه موجبه عند أهل الحساب كما مر وقد قصده، وأجاب الأول بما مر. (وإن)
أطلق بأن (لم ينو شيئا فطلقة). في الأظهر سواء أعلم الحساب أم جهله، لأنه يحتمل الحساب والظرف فلا يزاد على المتيقن
وهو طلقة، وما زاد مشكوك فيه (وفي قول) الواقع (ثنتان إن عرف حسابا) حملا عليه. (ولو قال) أنت طالق
(بعض طلقة) أو عين البعض كربع طلقة، (فطلقة) تقع لأن الطلاق لا يتبعض، فإيقاع بعضه كإيقاع كله لقوته،
وقد حكى فيه ابن المنذر الاجماع. وهل وقوع الطلاق هنا من باب التعبير بالبعض عن الكل كما قاله الإمام، أو من
باب السراية كما قاله الرافعي؟ وتظهر فائدة ذلك في صورتين: إحداهما: لو قال: أنت طالق ثلاثا إلا نصف طلقة،
فإن جعلناه من باب السراية أوقعنا ثلاثا، وهو الأصح لأن السراية في الايقاع لا في الرفع. الثانية: إذا قالت: طلقني
ثلاثا بألف فطلقها طلقة ونصفا، فقيل: يستحق ثلثي الألف لأنه أوقع طلقتين بناء على أنه من باب التعبير بالبعض عن
الكل، وقيل: نصف الألف وهو الأصح كما مر في بابه، لأنه أوقع نصف الثلاث، وهذا صريح في أن الراجح السراية.
(أو) قال: أنت طالق (نصفي طلقة فطلقة) لأن ذلك طلقة، وكذا كل تجزئة لا تزيد أجزاؤها على طلقة. (إلا أن يريد
298

كل نصف من طلقة) فيقع طلقتان عملا بقصده. (والأصح أن قوله أنت طالق نصف طلقتين) يقع به (طلقة)
لأن ذلك نصفهما، فحمل اللفظ عليه صحيح فلا نوقع ما زاد بالشك والثاني: يقع طلقتان نظرا إلى نصف كل طلقة.
ومحل الخلاف إذا لم يرد كل نصف من طلقة، وإلا وقع عليه طلقتان قطعا (و) الأصح أن قوله أنت طالق (ثلاثة أنصاف
طلقة أو نصف طلقة وثلث طلقة) يقع به (طلقتان) في الصورتين على الأصح، أما في الأولى فلزيادة النصف الثالث
على الطلقة فتحسب من أخرى، وأما في الثانية فلتكرير لفظة طلقة مع العطف. وقيل: لا يقع فيهما إلا طلقة إلغاء للزيادة
في الأولى، ونظرا في الثانية إلى أن المضافين من أجزاء الطلقة. وهذا إذا لم يزد المكرر على أجزاء طلقتين كخمسة أثلاث
أو سبعة أرباع طلقة، فإن زاد كسبعة أثلاث أو تسعة أرباع طلقة، فإن زاد كسبعة أثلاث أو تسعة أرباع طلقة كان على الخلاف في وقوع طلقة أو ثلاث كما في زيادة
الروضة. (ولو قال) أنت طالق (نصف وثلث طلقة فطلقة) تقع في الأصح لانتفاء تكرر لفظة طلقة ولم يزد مجموع النصف
والثلث على طلقة، ولو قال: أنت طالق نصف طلقة ثلث طلقة لم يقع إلا واحدة لانتفاء العطف.
تنبيه: حاصل ما ذكر في أجزاء الطلقة أنه إن كرر لفظ طلقة مع العاطف ولم تزد الاجزاء على طلقة كانت طالق
نصف طلقة، وثلث طلقة كان كل جزء طلقة، وإن أسقط لفظ طلقة كانت طالق ربع وسدس طلقة، أو أسقط العاطف
كانت طالق ثلث طلقة، وربع طلقة كان الكل طلقة، فإن زادت الاجزاء كنصف وثلث وربع طلقة كمل الزائد من طلقة
أخرى ووقع به طلقة، ولو قال: نصف طلقة ونصفها ونصفها فثلاث إلا إن أراد بالنصف الثالث تأكيد الثاني فطلقتان.
(ولو قال لأربع أوقعت عليكن أو بينكن طلقة أو طلقتين أو ثلاثا أو أربعا على كل) منهن في كل من هذه الصور
(طلقة) لأن ذلك إذا وزع عليهن أصاب كل واحدة منهن طلقة أو بعض طلقة فتكمل، (فإذا قصد توزيع كل طلقة
عليهن وقع) على كل منهن (في ثنتين ثنتان، وفي ثلاث وأربع ثلاث) عملا بقصده، بخلاف ما إذا أطلق لبعده عن
الفهم ولو قال خمسا أو ستا أو سبعا أو ثمانيا فطلقتان إلا أن يريد التوزيع، ولو قال تسعا فثلاث مطلقا. (فإن قال: أردت
ببينكن بعضهن) مبهما كان ذلك البعض أو معينا كفلانة وفلانة، (لم يقبل ظاهرا في الأصح) لأن ظاهر اللفظ
يقتضي شركتهن ولكن يدين. والثاني: يقبل لاحتمال بينكن لما أراده، بخلاف عليكن، فلا يقبل أن يريد به
بعضهن جزما.
تنبيه: كلام المصنف قد يقتضي أنه لو فضل بعضهن على بعض كما لو أوقع بينهن ثلاثا ثم قال: أردت إيقاع طلقتين
على هذه وقسمة الأخرى على الباقيات أنه لا يقبل، وهو وجه، وحكاه الأذرعي عن نص الام، لكن الأصح المنصوص
في زيادة الروضة القبول، وعلى هذا لو أوقع بين أربع أربعا وقال: أردت على ثنتين طلقتين طلقتين دون الأخريين
لحق الأولين طلقتان طلقتان عملا بإقراره ولحق الأخريين طلقة طلقة لئلا يتعطل الطلاق في بعضهن. ولو قال: أوقعت
بينكن سدس طلقة وربع طلقة وثلث طلقة طلقن ثلاثا ثلاثا، لأن تغاير الاجزاء وعطفها يشعر بقسمة كل جزء
بينهن. وكذا لو قال: أوقعت بينكن طلقة وطلقة وطلقة، في أحد وجهين هو الظاهر كما رجحه شيخنا، لأن
التفصيل يشعر بقسمة كل طلقة عليهن. (ولو طلقها) أي إحدى زوجاته (ثم قال للأخرى أشركتك معها) أو جعلتك
شريكتها (أو أنت) مثلها، أو (كهي، فإن نوى) بذلك طلاقها المنجز (طلقت وإلا فلا) تطلق لاحتمال
اللفظ لغير الطلاق. أما لو علق امرأته بدخول الدار مثلا، ثم قال لاخرى: أشركتك معها روجع، فإن قال:
قصدت أن الأولى لا تطلق حتى تدخل الأخرى لم يقبل منه، لأنه رجوع عن التعليق الأول، وإن قال: أردت
299

إذا دخلت الأولى طلقت الثانية قبل وطلقتا بدخولها، أو: أردت تعليق طلاق الثانية بدخولها نفسها كما في
الأولى قبل وتعلق طلاق كل منهما بدخول نفسها، وإن أطلق فالظاهر حمله على هذا الأخير. (وكذا لو) طلق
رجل زوجته، و (قال) رجل (آخر ذلك لامرأته) كقوله: أشركتك مع مطلقة هذا الرجل أو جعلتك شريكتها،
فإن نوى طلاقها طلقت وإلا فلا لأنه كناية كما مر. وإن أشركها مع ثلاث طلقهن هو أو غيره ونوى وأراد أنها شريكة
كل منهن طلقت ثلاثا، أو أنها مثل إحداهن طلقت واحدة، وكذا إن أطلق نية الطلاق ولم ينو واحدة ولا عددا لأن
جعلها كإحداهن أسبق إلى الفهم وأظهر من تقدير توزيع كل طلقة. وإن أشركها مع امرأة طلقها هو أو غيره ثلاثا
ونوى الشركة في عدد الطلاق طلقت طلقتين لأنه أشركها معها في ثلاث فيخصها طلقة ونصف وتكمل، وقيل: واحدة،
لأنها المتيقنة، وقيل: ثلاث، لأنه أشركها معها في كل طلقة. أما إذا لم ينو ذلك فيقع واحدة كما جزم به صاحب الأنوار.
ولو أوقع بين ثلاث طلقة ثم أشرك الرابعة معهن وقع على الثلاث طلقة طلقة، وعلى الرابعة طلقتان، إذ يخصها بالشركة
طلقة ونصف. ولو طلق إحدى نسائه الثلاث ثلاثا، ثم قال للثانية: أشركتك معها ثم للثالثة: أشركتك مع الثانية طلقت الثانية
طلقتين لأن حصتها من الأولى طلقة ونصف، والثالثة طلقة لأن حصتها من الثانية طلقة.
تنبيه: ما ذكره المصنف فيما إذا علم طلاق التي شوركت، فإن لم يعلم كما لو قال: طلقت امرأتي مثل ما طلق زيد
وهو لا يدري كم طلق زيد ونوى عدد طلاق زيد، فمقتضى كلام الرافعي أنه لا يقع، قاله الزركشي. ومراده العدد
لا أصل الطلاق، وهو ظاهر.
فصل: في الاستثناء: (يصح الاستثناء) لوقوعه في القرآن والسنة وكلام العرب، وهو الاخراج بإلا أو إحدى
أخواتها تحقيقا أو تقديرا، والأول: المتصل كقام القوم إلا زيدا، والثاني: المنقطع كعندي ثوب إلا درهما، وليس مرادا
هنا وإطلاق الاستثناء عليه مجاز. ثم الاستثناء على ضربين: ضرب يرفع العدد لا أصل الطلاق كالاستثناء ب‍ إلا
أو إحدى أخواتها، وضرب يرفع أصل الطلاق كالتعليق بالمشيئة، وهذا يسمى استثناء شرعيا لاشتهاره في عرف الشرع.
قال بعض المحققين: وسميت كلمة المشيئة استثناء لصرفها الكلام عن الجزاء والثبوت حالا من حيث التعليق بما لا يعلمه
إلا الله. ثم شرع في الضرب الأول مبتدئا بشروطه، فقال: (بشرط اتصاله) أي لفظ المستثنى بالمستثنى منه عرفا بحيث
يعد كلاما واحدا (ولا يضر) في الاتصال (سكتة تنفس وعي) أو تذكر أو انقطاع صوت، لأن ذلك لا يعد فاصلا،
بخلاف الكلام الأجنبي ولو يسيرا، والاتصال هنا أبلغ من الاتصال بين الايجاب والقبول في البيع ونحوه، إذ يحتمل بين كلام اثنين ما لا يحتمل
بين كلام واحد. (قلت: ويشترط أن ينوي الاستثناء) فلا يكفي التلفظ به من غير نية،
ولا بد أن ينوي (قبل فراغ اليمين) لأن اليمين إنما تعتبر بتمامها، وهذا صادق بأن ينويه أولها أو آخرها أو ما بينهما
(في الأصح، والله أعلم) فلا يشترط من أوله ولا يكفي بعد الفراغ. والثاني: يكفي بعده ورد بأنه لو كفى لزم عليه
رفع الطلاق بعد وقوعه. ويشترط أيضا في التلفظ بالاستثناء إسماع نفسه عند اعتدال سمعه، فلا يكفي أن ينويه بقلبه
ولا أن يتلفظ به من غير أن يسمع نفسه فإن ذلك لا يؤثر ظاهرا قطعا ولا يدين على المشهور. (ويشترط) أيضا (عدم
استغراقه) المستثنى منه، فالمستغرق باطل بالاجماع كما قاله الإمام والآمدي، فلو قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا لم يصح
الاستثناء وطلقت ثلاثا.
تنبيه: أشعر كلامه بصحة استثناء الأكثر، كقوله: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين، وهو كذلك، ولا يرد على
بطلان المستغرق صحة لو أنت طالق إن شاء الله حيث رفعت المشيئة جميع ما أوقعه الحالف، وهو في معنى المستغرق،
لأن هذا خرج بالنص فيبقى غيره على الأصل. ويصح تقديم المستثنى على المستثنى منه كانت إلا واحدة طالق ثلاثا،
300

ولا يجمع المعطوف والمعطوف عليه في المستثنى منه لاسقاط الاستغراق، ولا في المستثنى لاثباته ولا فيهما كذلك. (و)
على هذا (لو قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثنتين وواحدة فواحدة) تقع ويلغو ما حصل به الاستغراق، وهو واحدة المعطوفة
على ثنتين لحصول الاستغراق بها بناء على عدم جمع العدد المعطوف بعضه على بعض. (وقيل) يقع (ثلاث) بناء
على جمع المستثنى فيكون مستغرقا فيبطل الاستثناء. (أو) أنت طالق (اثنتين وواحدة إلا واحدة فثلاث) تقع ويلغو
استثناء الواحدة من الواحدة لاستغراقه. (وقيل: ثنتان) بناء على جمع المستثنى منه، فتكون الواحدة مستثنى
من الثلاث.
تنبيه: تعرض المصنف بالمثال الأول لعدم العطف في المستثنى، وبالمثال الثاني لعدم العطف في المستثنى منه،
وسكت عن عدم العطف في المستثنى والمستثنى منه معا كأنت طالق طلقة وطلقة إلا طلقة وطلقة فيقع ثنتان على الأصح،
فلو قال: وما فرق لا يجمع، كان أعم لشموله ذلك. ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وواحدة طلقت واحدة لجواز الجمع
هنا إذ لا استغراق. هذا إن اتفقت حروف العطف، فإن اختلفت كأنت طالق واحدة ثم واحدة بل واحدة لا واحدة
وقع ثلاث جزما لأنه استثنى واحدة من واحدة، وهو مستغرق فلا يجمع، وإن قيل بالجمع في غير هذه لتغاير الألفاظ
كما لو قال: أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة وواحدة وواحدة، لأنه على الوجه المرجوح استثنى ثلاثة من
ثلاثة. ولو قال: أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة وقع ثلاث للاستغراق باستثناء الواحدة مما قبلها. (وهو)
أي الاستثناء (من نفي إثبات وعكسه) أي من إثبات نفي، (فلو قال) أنت طالق (ثلاثا إلا ثنتين إلا طلقة فثنتان)
لأن المستثنى الثاني مستثنى من الأول فيكون المستثنى في الحقيقة واحدة، (أو ثلاثا إلا ثلاثا إلا اثنتين فثنتان) لما ذكر (
وقيل: ثلاث) لأن الاستثناء الأول مستغرق فيلغو والثاني: مرتب عليه فيلغو أيضا. (وقيل: طلقة) لأن الاستثناء الثاني
صحيح فيعود إلى أول الكلام. ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة وقع طلقة لأنه بتعقيب الاستثناء الثاني للأول
أخرجه عن الاستغراق فكأنه استثنى طلقتين من ثلاث لأنه استثنى منها ثلاثا إلا واحدة وثلاث إلا واحدة ثنتان. ولو
قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثنتين إلا ثنتين وقع طلقة إلغاء للاستثناء الثاني فقط لحصول الاستغراق به. ولو قال: أنت طالق
ثنتين إلا واحدة إلا واحدة وقع واحدة لما من إلغاء الاستثناء الثاني، وقيل: ثنتان لما مر أيضا من أن الاستثناء
من الاثبات نفي وبالعكس. ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا ثنتين إلا واحدة وقع واحدة، إذ المعنى إلا ثلاثا لا تقع
إلا ثنتين تقعان إلا واحدة لا تقع فيبقى واحدة واقعة. واعلم أن الاستثناء يعتبر من الملفوظ على الأصح، وقيل من
المملوك، وفرع المصنف عليه قوله: (أو) أنت طالق (خمسا إلا ثلاثا فثنتان) يقعان بناء على الأصح من أن الاستثناء
ينصرف إلى الملفوظ به لأنه لفظ فيتبع فيه موجب اللفظ. (وقيل: ثلاث) بناء على مقابل الأصح من أن الاستثناء ينصرف
إلى المملوك لأن الزيادة عليه لغو فلا عبرة بها. واعلم أن ما تقدم كان في استثناء طلقة فأكثر، ثم أشار إلى استثناء بعضها
بقوله: (أو) أنت طالق (ثلاثا إلا نصف طلقة فثلاث) تقع (على الصحيح) لأنه إذا استثنى بعض طلقة بقي بعضها،
ومتى بقي كملت. والثاني: يقع ثنتان ويجعل استثناء النصف كاستثناء الكل. ورد بأن التكميل إنما يكون في
طرف
الايقاع تغليبا للتحريم.
تنبيه: صور المصنف الاستثناء بنصف طلقة ليخرج ما لو قال: أنت طالق ثلاثا إلا نصفا فإنه يرجع كما في الروضة
عن البوشنجي، فإن قال: أردت نصفها فثنتان أو: نصف طلقة فثلاث على الأصح، وإن أطلق حمل على نصف الجميع.
301

قال الزركشي: ولو قال: أنت طالق طلقة ونصفا إلا طلقة ونصفا. قال بعض فقهاء العصر: القياس وقوع طلقة اه‍.
وكأن وجهه أنه وقع عليه بقوله طلقة ونصفا طلقتان، واستثنى من ذلك طلقة ونصفا فبقي نصف طلقة فتكمل وهذا
مردود لأن الاستثناء مما أوقع لا مما وقع، وأيضا لا يجمع بين المتعاطفات كما مر، فقوله: طلقة ونصفا إلا طلقة ونصفا
يرجع الاستثناء للأخير، وهو النصف فهو مستغرق فيلغو ويقع طلقتان.
فروع: لو قال: أنت بائن إلا بائنا أو: إلا طالقا ونوى بأنت بائن الثلاث وقع طلقتان اعتبارا بنيته، فهو كما لو تلفظ
بالثلاث واستثنى واحدة. قال الرافعي: وفي معناه ما لو قال: أنت طالق إلا طالقا ونوى بأنت
طالق الثلاث. ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا أقله ولا نية له وقع ثلاث، قاله في الاستقصاء، لأن أقل الطلاق بعض طلقة فتبقى طلقتان والبعض الباقي
فيكمل، لكن السابق إلى الفهم أن أقله طلقة فتطلق طلقتين، وهذا أوجه. ولو قال: أنت طالق أو لا أو أنت طالق
واحدة أو لا بإسكان الواو فيهما، لم يقع به شئ لأنه استفهام لا إيقاع، فكان كقوله: هل أنت طالق؟ إلا أن يريد بقوله
أنت طالق إنشاء الطلاق فتطلق، ولا يؤثر قوله بعده: أو لا، فإن شدد الواو وهو يعرف العربية لأن معناه أنت
طالق في أول الطلاق. ولو قال: أنت طالق طلقة لا تقع عليك أو: أنت طالق لا طلقت طلقة لأنه أوقع الطلاق وأراد رفعه
بالكلية، والطلاق لا يرتفع بعد وقوعه. وقولنا بالكلية احتراز من قوله: أنت طالق إن دخلت الدار فإنه رفعه
في الحال لا بالكلية ولو قال لزوجاته الأربع: أربعكن طوالق إلا فلانة أو إلا واحدة طلقن جميعا، ولم يصح الاستثناء، لأن
الأربع ليست صيغة عموم، وإنما هي اسم خاص، فقوله إلا فلانة رفع للطلاق عنها بعد التنصيص عليها، فهو كقوله:
أنت طالق طلاقا لا يقع عليك. فإن قيل: قضية هذا التعليل أنه لا يصح الاستثناء من الاعداد في الاقرار، وليس
كذلك، بل يصح منها وإن صرح باسم العدد كقوله: هذه الأربعة لك إلا واحدا منها كما صرح به صاحب التنبيه
وغيره في باب الاقرار. أجيب بأن الانشاء أقوى من الاخبار، وهذا بخلاف أربعتكن إلا فلانة طوالق فيصح الاستثناء،
لأن الاخراج في هذه وقع قبل الحكم فلا تناقض بخلاف الأولى، وهذا ما جرى عليه ابن المقرى، وهو المعتمد،
وإن نظر فيه الأسنوي أنه لا فرق بين تقدم المستثنى وتأخره. ثم شرع في الضرب الثاني من الاستثناء، وهو التعليق
بالمشيئة، فقال: (ولو قال: أنت طالق إن شاء الله) طلاقك، (أو) أنت طالق (إن لم يشأ الله) طلاقك، (وقصد
التعليق) بالمشيئة في الأول وبعدمها في الثاني قبل فراغ الطلاق، (لم يقع) أي الطلاق، لأن المعلق عليه من مشيئة الله أو
عدمها غير معلوم، ولان الوقوع بخلاف مشيئة الله تعالى محال. فإن لم يقصد بالمشيئة التعليق بأن سبقت إلى لسانه لتعوده بها
كما هو الأدب أو قصدها بعد الفراغ من الطلاق أو قصد بها التبرك أو إن كل شئ بمشيئة الله تعالى أو لم يعلم قصد
التعليق أو لا وقع، وكذا لو أطلق كما هو مقتضى كلامهم، وليس هذا كالاستثناء المستغرق لأن ذلك كلام متناقض
غير منتظم، والتعليق بالمشيئة منتظم وأنه يمنع معه الطلاق وقد لا يقع كما تقرر. وكالتعليق بالمشيئة سائر التعليقات في
اعتبار اللفظ واقتران القصد. (وكذا يمنع) التعليق بالمشيئة انعقاد نية وضوء وصلاة وصوم وغيرها عند قصد التعليق،
و (انعقاد تعليق) كأنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله لأن التعليق بالمشيئة يمنع الطلاق المنجز فالمعلق أولى. (و)
انعقاد (عتق) منجز أو معلق كأنت حر إن شاء الله أو: أنت حر إن دخلت الدار إن شاء الله. (و) انعقاد (يمين)
كقوله: والله لأفعلن كذا إن شاء الله. (و) انعقاد (نذر) كلله علي أن أتصدق بكذا إن شاء الله (و) انعقاد (كل تصرف)
غير ما ذكر مما حقه الجزم كبيع وإقرار وإجارة.
تنبيه: تقديم التعليق على المعلق به كتأخيره عنها، كقوله: إن شاء الله أنت طالق، ولو فتح همزة أن أو
أيد لها ب‍ إذ، أو ما، كقوله: أنت طالق أن شاء الله بفتح الهمزة، أو إذ شاء الله أو ما شاء الله طلقت في الحال طلقة واحدة
لأن الأولين للتعليل، والواحدة هي اليقين في الثالث، وسواء في الأول النحوي وغيره كما صرح في الروضة بتصحيحه
302

هنا. (ولو قال: يا طالق إن شاء الله) أو: أنت طالق ثلاثا يا طالق إن شاء الله، (وقع) طلقة (في الأصح) نظرا لصورة النداء
المشعر بحصول الطلاق حالته، والحاصل لا يعلق، بخلاف: أنت طالق فإنه كما قال الرافعي قد يستعمل عند القرب منه
وتوقع الحصول كما يقال للقريب من الوصول: أنت واصل، وللمريض المتوقع شفاؤه قريبا: أنت صحيح، فينتظم الاستثناء
في مثله، ومثل ذلك ما لو قال: أنت طالق ثلاثا يا زانية إن شاء الله فإنها لا تطلق لرجوع الاستثناء إلى الطلاق خاصة، ويحد
بقوله: يا زانية، ولا يضر تخلل يا طالق في الأول ولا يا زانية في الثاني لأنه ليس أجنبيا عن المخاطبة، فأشبه قوله: أنت طالق
ثلاثا يا حفصة إن شاء الله. ولو قال: أنت طالق أنت طالق إن شاء الله قاصدا التوكيد لم تطلق، كما لو قال: أنت طالق إن
شاء الله (أو قال: أنت طالق إلا أن يشاء الله تعالى) طلاقك، (فلا) يقع (في الأصح) لأن معناه: إلا أن يشاء الله عدم تطليقك،
فلا يقع شئ لأن المشيئة لا اطلاع لنا عليها. والثاني: يقع، لأنه أوقعه وجعل المخلص عنه المشيئة، وهي
غير معلومة فلا
يحصل الخلاص.
تتمة: لو قال: أنت طالق واحدة وثلاثا أو ثنتين إن شاء الله طلقت واحدة لاختصاص التعليق بالمشيئة بالأخير كما في
الاستثناء المستغرق كما مر، وقوله: أنت طالق ثلاثا وواحدة إن شاء الله يقع ثلاثا كذلك. ولو قال: أنت طالق واحدة ثلاثا
أو ثلاثا ثلاثا إن شاء الله لم تطلق لعود المشيئة إلى الجميع لحذف العاطف. ولو قال: حفصة طالق وعمرة طالق إن شاء الله
ولم ينو عود الاستثناء إلى كل من المتعاطفين طلقت حفصة دون عمرة لما مر، بخلاف قوله: حفصة وعمرة طالقتان إن شاء
الله لا تطلق واحدة منهما. ولو قال: أنت طالق إن شاء زيد فمات زيد أو جن قبل المشيئة لم تطلق لعدم المشيئة، وإن خرس
فأشار طلقت لأنه عند بيان المشيئة من أهل الإشارة والاعتبار بحال البيان، ولهذا لو كان عند التعليق أخرس ثم نطق
كانت مشيئته بالنطق. ولو علق بمشيئة الملائكة لم تطلق، إذ لهم مشيئة ولم يعلم حصولها، وكذا إن علق بمشيئة بهيمة
لأنه تعليق بمستحيل. ولو قال: أنت طالق إن لم يشأ زيد ولم توجد المشيئة في الحياة طلقت قبيل الموت، أو قبيل جنون اتصل
بالموت لتحقق عدم المشيئة حينئذ، وإن مات زيد وشك في مشيئته لم تطلق للشك في الصفة الموجبة للطلاق. ولو قال:
أنت طالق إن لم يشأ زيد اليوم ولم يشأ فيه طلقت قبيل الغروب، لأن اليوم هنا كالعمر فيما مر.
فصل: في الشك في الطلاق. وهو كما سيأتي على ثلاثة أقسام: شك في أصله، وشك في عدده، وشك في محله.
وهذا كمن طلق معينة ثم نسيها، إذا (شك) أي تردد برجحان أو غيره (في) وقوع (طلاق) منه أو في وجود الصفة
المعلق بها. كقوله: إن كان هذا الطائر غرابا فأنت طالق وشك هل كان غرابا أو لا، (فلا) نحكم بوقوعه، قال المحاملي:
بالاجماع، لأن الأصل عدم الطلاق وبقاء النكاح. (أو) لم يشك في طلاق بل تحقق وقوعه، ولكن شك (في
عدد) منه هل طلق طلقة أو أكثر، (فالأقل) يأخذ به، (ولا يخفي الورع) في الصورتين وهو الاخذ بالأسوأ، لخبر:
دع ما يريبك إلى ما لا يريبك رواه الترمذي وصححه. ففي الأولى يراجع إن كان له الرجعة، وإلا فيجدد نكاحها
إن كان له فيها رغبة. وإلا فلينجز طلاقها لتحل لغيره يقينا. وفي الثانية إن شك في أنه طلق ثلاثا أم ثنتين لم ينكحها
حتى تنكح زوجا غيره، ولو شك. هل طلق ثلاثا أو لم يطلق شيئا طلقها ثلاثا، قال الرافعي: لتحل لغيره يقينا اه‍. وهذا
ليس بظاهر فإنها تحل لغيره يقينا في الصورة الثانية بأي شئ أوقعه ولو طلقة. نعم فائدة إيقاع الثلاث أنه لو تزوجها
بعد دخول الثاني بها وتطليقه إياها ملك عليها الثلاث بيقين. (ولو) علق اثنان بنقيضين، كأن (قال: إن كان ذا
الطائر غرابا) مثلا (فأنت طالق. وقال آخر: إن لم يكنه فامرأتي طالق، وجهل) الحال في الطائر، (ولم يحكم بطلاق أحد)
303

لأنه لو انفرد أحدهما بما قال لم يحكم بوقوع طلاقه لجواز أنه غير غراب، والأصل بقاء النكاح فتعليق الآخر
لا يغير حكمه.
تنبيه: مشى المصنف في نكته على اختيار شيخه ابن مالك في اتصال الضمير الواقع خبر كان، ولكن جمهور
النحاة على الانفصال. (فإن قالهما رجل لزوجتيه طلقت إحداهما) لا بعينها لوجود إحدى الصفتين، لأنه لا بد فيه من أحد
الوصفين، إذ ليس بين النفي والاثبات واسطة. (ولزمه) مع الاعتزال عنهما إلى تبين الحال لاشتباه المباحة بغيرها، (البحث)
عن الطائر (والبيان) لزوجته إن أمكن واتضح له حال الطائر ليعلم المطلقة دون غيرها. فإن طار ولم يعلم حاله لم يلزمه
بحث ولا بيان.
تنبيه: هذا في الطلاق البائن، وفي الرجعية إذا انقضت عدتها لما سيأتي من عدم وجوب البيان فيما لو طلق
إحدى زوجتيه طلاقا رجعيا، لأن الرجعية زوجة. (ولو طلق إحداهما بعينها) كأن خاطبها بطلاق وحدها، أو نواها
بقوله: إحداكما طالق، (ثم جهلها) بعد ذلك بنسيان ونحوه، (وقف) وجوبا أمره عنهما من قربان وغيره، (حتى
يذكر) بتشديد الذال المعجمة كما ضبطه بعضهم، أي يتذكر المطلقة بأن يعرفها، والجهل المقارن للطلاق كما لو
طلق في ظلمة كذلك.
تنبيه: لو عبر بدل ثم بالواو كان أعم. (ولا يطالب) الزوج (ببيان) للمطلقة (إن صدقتاه) أي الزوجتان (في
الجهل) بها، لأن الحق لهما، فإن كذبتاه وبادرت واحدة وقالت: أنا المطلقة لم يقنع منه بقوله: نسيت أو لا أدري وإن
كان قوله محتملا بل يطالب بيمين جازمة أنه لم يطلقها، فإن نكل حلفت وقضى بطلاقها. قال الأذرعي: ولو ادعت
كل منهما أو إحداهما أنه يعلم التي عناها بالطلاق، وسألت تحليفه أنه لا يعلم ذلك ولم تقل في الدعوى أنه يعلم المطلقة،
فالوجه قبول هذه الدعوى وتحليفه على ذلك. (ولو قال لها) أي لزوجته (ولأجنبية: إحداكما طالق، وقال: قصدت) بالطلاق
(الأجنبية، قبل) قوله بيمينه (في الأصح) وعبر في الروضة بالصحيح المنصوص، لأن الكلمة مترددة بينهما محتملة لهذه
ولهذه، فإذا قال: عينتها صار كما لو قال للأجنبية: أنت طالق. والثاني: لا يقبل، وتطلق زوجته لأنها محل الطلاق فلا ينصرف
عنها إلى الأجنبية بالقصد.
تنبيه: أفهم قوله: قصدت الأجنبية أنه إذا لم يكن له قصد تطلق زوجته، وهو ما في الروضة وأصلها عن فتاوى
البغوي وأقراه. قال في المهمات: ويتجه أن محل ما قاله البغوي فيما إذا لم يصدر عن الأجنبية طلاق منه أو من غيره،
فإن كان قد وقع عليها ذلك لم يحكم بطلاق زوجته بما وقع منه، لأن الكلام الذي صدر منه صادق عليهما صدقا
واحدا
والأصل بقاء الزوجية. ويؤيده ما ذكره الرافعي في باب العتق أنه إذا أعتق عبدا ثم قال له ولعبد آخر: أحدكما حر،
لم يقتض ذلك عتق الآخر اه‍. واحترز بقوله: ولأجنبية عما لو قال لزوجته ولرجل أو دابة وقال: أردت الرجل أو الدابة
فإنه لا يقبل. لأن ذلك ليس محلا للطلاق. وأمته مع زوجته وفاسدة النكاح مع صحيحته كالأجنبية مع الزوجة.
فروع: لو قال: إن فعلت كذا فإحداكما طالق، ثم فعله بعد موت إحداهما وقع الطلاق على الباقية لتعين المحل
لها. ولو قال لعبديه: أحدكما حر فمات أحدهما تعين العتق في الحي، لأن العتق ثبت في الذمة بخلاف الطلاق. ولو قال لام
زوجته: ابنتك طالق لم تطلق زوجته إن لم ينو طلاقها بناء على الأصح من أن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه كما عليه
أكثر المتقدمين، خلافا لما في المهمات. (ولو) كان اسم زوجته زينب و (قال: زينب طالق) ولم يرفع في نسبها
304

ما تتميز به (وقال) لم أقصد زوجتي بل (قصدت أجنبية) اسمها زينب، (فلا) يقبل ظاهرا (على الصحيح)
لأنه خلاف الظاهر، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى. كما لو كان له زوجة قبلها واسمها زينب وطلقها أو ماتت قال
أردتها. والثاني: يقبل بيمينه لاحتمال اللفظ لذلك كما في الصورة التي قبلها. وفرق الأول بينهما بأن قوله: أحدا كما يتناولهما
تناولا واحدا ولم يوجد منه تصريح باسم زوجته ولا وصف لها ولا إشارة بالطلاق، وهنا صرح باسمها، والظاهر أنه
أرادها فلذلك لم يقبل قوله، فلو نكح امرأة نكاحا صحيحا وأخرى نكاحا فاسدا وكل منهما اسمها زينب وقال: زينب
طالق، وقال: أردت فاسدة النكاح، قبل كما هو ظاهر كلام ابن المقري، لكن ينبغي أن يكون محله إذا لم يعلم فساد
نكاحها وإلا فهي أجنبية فلا يقبل منه ظاهر أو يدين. (ولو قال لزوجتيه: إحداكما طالق، وقصد معينة) منهما (طلقت)
لأن اللفظ صالح لكل منهما، فإذا صرفه بالنية إلى واحدة انصرف وصار اللفظ كالنص في التعيين، (وإلا) بأن لم
يقصد معينة بل أطلق أو قصد واحدة لا بعينها أو قصدهما كما قاله الإمام، (فإحداهما) أي زوجتيه تطلق، ولا يدري
الآن من هي، (ويلزمه) بعد طلب الزوجتين كما قاله ابن الرفعة أو إحداهما كما قاله غيره، (البيان) للمطلقة (في
الحالة الأولى) وهي قصد واحدة معينة، (والتعيين) فورا (في) الحالة (الثانية) وهي قصد واحدة مبهمة لتعلم
المطلقة منهما فيترتب عليها أحكام الفراق. (وتعزلان) بمثناة فوقية بخطه، فالضمير لزوجتيه، ويستمر انعزالهما (عنه
إلى البيان) في الحالة الأولى، (أو التعيين) في الحالة الثانية، لاختلاط المحظور بالمباح. (وعليه البدار بهما) أي
البيان والتعيين لرفعه حبسه عمن زال ملكه عنها، فلو أخر بلا عذر عصى وعزر. قال الأسنوي: وقضية ذلك
أنه
لو استمهل لم يمهل، وقال ابن الرفعة: يمهل، ويمكن حمل الأول على ما إذا عين ولم يدع نسيانا، إذ لا وجه للامهال
حينئذ، والثاني على ما إذا أبهم أو عين وادعى أنه نسي.
تنبيه: محل هذا في الطلاق البائن، أما الرجعي فلا يلزمه فيه بيان ولا تعيين في الحال على الأصح في أصل الروضة
والشرح الصغير لأنها زوجة. ويؤخذ من هذا أنها لو انقضت عدتها لزمه في الحال لحصول البينونة وانتفاء الزوجية
كما قاله الأسنوي، أما إذا لم تطلب الزوجتان ولا إحداهما فلا وجه لايجابه قبل الطلب لأنه محض حق الزوجين، وحق الله
تعالى فيه الانعزال وقد أوجبناه. (و) عليه أيضا (نفقتهما في الحال) إلى البيان أو التعيين لحبسهما عنده حبس
الزوجات، وسواء أقصر في تأخير ذلك أم لا كأن كان جاهلا أو ناسيا، لأنه ورط نفسه، ولا يرد المصروف إلى المطلقة إذا
بين أو عين قال الإمام: وهو من النوادر فإنها نفقة لبائن.
تنبيه: قوله: في الحال تبع فيه المحرر ولم تذكره الروضة وأصلها، قال ابن النقيب: ولم أفهم ما أراد به، وقال
غيره: أشار به إلى أن النفقة لا تؤخر إلى البيان أو التعيين. (ويقع الطلاق) في المعينة المبينة (باللفظ) جزما، وفي المبهمة
على الأصح، لأنه جزم به ونجزه فلا يجوز تأخيره، إلا أن محله غير مبين، أو غير معين فيؤمر بالتبيين أو التعيين، لكن
عدة المعين من اللفظ، والمتهم من التعيين لتعيين المحل في الأولى دون الثانية. ويجوز أن تتأخر العدة عن وقت الحكم
بالطلاق كما يجب في النكاح الفاسد بالوطئ. وتحسب من التفريق. (وقيل: إن لم يعين) المبهمة المطلقة ثم عينها، (فعند التعيين)
يقع الطلاق، لأنه لو وقع قبله لوقع لا في محل، والطلاق شئ معين فلا يقع إلا في محل معين. ورد هذا بأنه ممنوع منهما إلى
التعيين كما مر، فلولا وقوع الطلاق قبله لم يمنع منهما، (والوطئ) لإحداهما (ليس بيانا) في الحالة الأولى أن المطلقة الأخرى،
(ولا تعيينا) في الحالة الثانية لغير الموطوءة لاحتمال أن يطأ المطلقة، ولان ملك النكاح لا يحصل بالفعل ابتداء فلا يتدارك به
305

ولذلك لا تحصل الرجعة بالوطئ. (وقيل) الوطئ (تعيين) للطلاق في غير الموطوءة، وعلله الأكثرون، وقال في التنبيه: إنه ظاهر
المذهب فلا يمنع من وطئ أيتهما شاء. والمعتمد الأول، وعليه فيطالب بالبيان والتعيين، فإن بين الطلاق في الموطوءة وكان
الطلاق بائنا لزمه الحد لاعترافه بوطئ أجنبية بلا شبهة، ولها المهر لجهلها بأنها المطلقة، بخلاف الرجعية لا حد بوطئه لها،
وإن بين في غير الموطوءة قبل، فإن ادعت الموطوءة أنه نواها ونكل حلفت وطلقتا ولزمه لهما المهر، ولا حد للشبهة
لأن الطلاق ثبت بظاهر اليمين، وله أن يعين للطلاق غير الموطوءة، وعليه مهرما لما مر. وقضية كلام
الروض وأصله
أنه لا حد عليه وإن كان الطلاق بائنا، وهو المعتمد وإن جزم في الأنوار بأنه يحد كما في الأولى للاختلاف في وقت الطلاق،
وله أن يعينه للموطوءة. (ولو قال) فيما إذا طلب منه بيان مطلقة معينة نواها، (مشيرا إلى واحدة) منهما: (هذه المطلقة، فبيان)
لها، لأنه إخبار عن الإرادة السابقة المعلقة بمحل معين، أو: هذه الزوجة، أو: لم أطلق هذه، فبيان أن غيرها المطلقة.
(أو) قال مشيرا لكل منهما: (أردت هذه وهذه) أو هذه هذه، أو هذه مع هذه، (أو هذه بل هذه، حكم بطلاقهما) ظاهرا
لاقراره به بما قاله، لأنه أقر بطلاق الأولى ثم رجع وأقر بطلاق الثانية فلم يقبل رجوعه عنه وقيل إقراره بطلاق الثانية،
لأنه أقر بحق غيره عليه. أما في الباطن فالمطلقة من نواها فقط كما قاله الإمام، قال: فإن نواهما جميعا فالوجه أنهما
لا يطلقان، إذ لا وجه لحمل إحداهما عليهما جميعا.
تنبيه: تمثيل المصنف العطف بالواو وبل تنبيها على أنه لا فرق بين كون العاطف للجميع أو للاضراب، ولا يسمع منه
الاضراب عن الأولى، فإن أتى بثم أو الفاء كهذه ثم هذه أو هذه فهذه حكم بطلاق الأولى فقط لفصل الثانية بالترتيب فلم
يبق لها شئ، ولو قال: هذه أو هذه استمر الاشكال، أو قال: هذه بعدها هذه، أو هذه قبل هذه، فالمشار إليها أولا،
أو: هذه بعد هذه، فالمشار إليها ثانيا هي المطلقة.
تنبيه: قول المصنف حكم بطلاقهما أشار به إلى أن هذا في ظاهر الحكم، أما في الباطن فتطلق المنوية كما مرت
الإشارة إليه، وهذا في الطلاق المعين كما مرت الإشارة إليه أيضا، ويدل عليه قوله: فبيان. أما الطلاق المبهم فالمطلقة
هي الأولى سواء أعطف بالواو أم بغيرها، لأنه إنشاء اختيار وليس بإخبار، وليس له إلا اختيار واحدة فيلغو ذكر
اختيار غيرها. (ولو ماتتا) أي الزوجتان، (أو إحداهما قبل بيان) للمعينة (وتعيين) للمبهمة والطلاق بائن، (بقيت مطالبته)
أي المطلق بالبيان جزما، والتعيين على المذهب، (لبيان) حال (الإرث) لأنه قد ثبت إرثه في إحداهما بيقين فيوقف
من مال كل منهما، أو الميتة نصيب زوج حيث لا مانع من الإرث، فإذا بين أو عين لم يرث من المطلقة ويرث من
الأخرى. ثم إن نوى معينة فبين في واحدة فلورثة الأخرى تحليفه أنه لم يردها بالطلاق، فإن نكل حلفوا ولم يرث منها
كما لا يرث من الأولى أيضا إذا كانت ميتة، لأن اليمين المردودة كالاقرار. وإن حلف طالبوه بمهر المثل إن دخل بها وإلا
طالبوه بنصفه في أحد وجهين يظهر ترجيحه، لأنهم بزعمهم المذكور ينكرون استحقاق النصف، والوجه الآخر يطالبونه
بكله لاعترافه أنها زوجته. وإن عين في المبهم فلا اعتراض لورثة الأخرى، وإن كذبه ورثة المطلقة فلهم
تحليفه وقد
أقروا له بإرث لا يدعيه وادعوا عليه مهرا استقر بالموت إن لم يدخل بها. (ولو مات) المطلق قبل البيان أو التعيين، (فالأظهر
قبول بيان وارثه، لا) قبول (تعيينه) لأن البيان إخبار وقد يقف على مراد مورثه منه أو من غيره، والتعيين اختيار شهوة
فلم يخلفه فيه، كما لو أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات قبل الاختيار. والثاني: يقوم مقامه فيهما كما يخلفه في حقوق
كالرد بالعيب واستلحاق النسب. والثالث: المنع فيهما، لأن حقوق النكاح لا تورث.
تنبيه: شمل كلامه ما لو ماتتا قبله أو بعده، أو إحداهما قبله والأخرى بعده، أو لم تمت واحدة منهما، أو ماتت
إحداهما دون الأخرى. ولو شهد اثنان من ورثة الزوج أن المطلقة فلانة قبلت شهادتهما إن مات قبل الزوجتين لعدم
306

التهمة، بخلاف ما لو ماتتا قبله. ولو مات بعدهما فبين الوارث واحدة فلورثة الأخرى تحليفه أنه لا يعلم أن الزوج طلق
مورثتهم. ثم شرع في الابهام بين الطلاق والعتق بقوله: (ولو قال: إن كان) هذا الطائر (غرابا فامرأتي طالق وإلا)
بأن لم يكنه (فعبدي حر، وجهل) حال الطائر وصدقاه أو كذباه وحلف، (منع منهما) أي من الاستمتاع بالزوجة
والاستخدام بالعبد والتصرف فيه لزوال ملكه عن أحدهما، فأشبه طلاق إحدى زوجتيه، (إلى البيان) لتوقعه
وعليه نفقة الزوجة، وكذا العبد حيث لا كسب له. ولو اعترف بطلاق الزوجة فإن صدقه العبد فذاك ولا يمين عليه،
وإن كذبه وادعى العتق صدق السيد بيمينه، فإن نكل حلف العبد وحكم بعتقه والطلاق. وإن اعترف بالعتق فإن
صدقته المرأة فلا يمين، وإن كذبته حلف، فإن نكل حلفت وحكم بطلاقها والعتق. (فإن مات) قبل بيانه (لم يقبل
بيان الوارث على المذهب) للتهمة في أخباره بالحنث في الطلاق ليرق العبد ويسقط إرث الزوجة. والطريق الثاني فيه
قولا الطلاق المبهم بين الزوجين.
تنبيه: قال السرخسي: محل الخلاف ما إذا قال الوارث حنث في الزوجة: فإن عكس قبل قطعا لاضراره بنفسه.
قال الرافعي: وهو حسن. زاد في الروضة: قد قال به غير السرخسي وهو متعين. قال البلقيني: ليس ما قاله السرخسي
متعينا فإن القرعة داخلة وللعبد بها حق في العتق وللميت حق في رقه إذا كان عليه دين فيوفي منه، فلا يقبل قول الوارث.
والحال ما ذكر، فإن لم يكن هناك ما يمنع من ذلك تعين ما قاله السرخسي وغيره. ثم قرع المصنف على المذهب قوله:
(بل يقرع بين العبد والمرأة) فلعل القرعة تخرج على العبد فإنها مؤثرة في العتق دون الطلاق، (فإن قرع) العبد بأن خرجت
القرعة له (عتق) من رأس المال إن كان التعليق في الصحة، وإلا فمن الثلث إذ هو فائدة القرعة، وترث المرأة إلا إذا
ادعت الحنث فيها والطلاق بائن. (أو قرعت) أي المرأة بأن خرجت القرعة لها، (لم تطلق) إذ لا مدخل لها
في الطلاق، بدليل
ما لو طلق إحدى امرأتيه لا تدخل القرعة، بخلاف العتق فإن النص ورد بها فيه، ولكن الورع أن يترك الميراث للورثة.
(والأصح أنه) أي العبد (لا يرق) بفتح أوله وكسر ثانية بخطه، وصحح عليه، بل يبقى على إبهامه لأن القرعة لم تؤثر فيما
خرجت عليه ففي غيره أولى. والثاني: يرق، لأن القرعة تعمل في العتق والرق، فكما يعتق إذا
خرجت عليه يرق إذا خرجت على عديله. وأجاب الأول بأنها لم تؤثر في عديله فلا تؤثر فيه.
فصل: في الطلاق السني وغيره: وفيه اصطلاحان، أحدهما وهو أضبط: ينقسم إلى سني وبدعي، وجرى عليه
المصنف حيث قال: (الطلاق سني وبدعي) وثانيهما، وهو أشهر: ينقسم إلى سني وبدعي، ولا ولا، فإن طلاق الصغيرة
والآيسة والمختلعة والتي استبان حملها منه وغير المدخول بها لا سنة فيه ولا بدعة.
تنبيه: قسم جمع الطلاق إلى واجب كطلاق المولي وطلاق الحكمين في الشقاق إذا رأياه، ومندوب كطلاق
زوجة حالها غير مستقيم كسيئة الخلق أو كانت غير عفيفة. ومكروه كمستقيمة الحال. وأشار الإمام إلى المباح بطلاق
من لا يهواها ولا تسمح نفسه، بمؤونتها من غير استمتاع بها. وحرام كطلاق البدعي كما قال: (ويحرم البدعي)
لحصول الضرر به كما سيأتي. (وهو ضربان) أحدهما: (طلاق) من شخص (في حيض ممسوسة) أي موطوءة
ولو في الدبر، ومثلها من استدخلت ماءه المحترم بالاجماع كما نقله الماوردي، قال شيخنا: ولو في عدة طلاق
رجعي، وهي تعتد بالأقراء. وهذه الغاية إنما تأتي على رأي مرجوح، وهو أن الرجعية تستأنف، أما على
المعتمد فلا، لأنه لا تطويل عليها، نبه على ذلك البكري في حاشيته. وحرمة هذا لمخالفته لقوله تعالى: * (فطلقوهن
307

لعدتهن) * أي في الوقت الذي يشرعن فيه في العدة، وزمن الحيض لا يحسب من العدة، والمعنى فيه تضررها بطول العدة
فإن بقية الحيض لا تحسب منها. والنفاس كالحيض لشمول المعنى المحرم له كما في الروضة وأصلها هنا وإن خالفا
ذلك في باب الحيض.
تنبيه: شمل إطلاقه ما لو ابتدأ طلاقها في حال حيضها ولم يكمله حتى طهرت فيكون بدعيا، وبه صرح
الصيمري، والأوجه أنه ليس ببدعي لما سيأتي من أنه لو قال: أنت طالق مع أو في آخر حيضك فسني في الأصح
لاستعقابه الشروع في العدة. ويستثنى من الطلاق في الحيض صور: منها الحامل إذا حاضت فلا يحرم طلاقها كما يأتي
لأن عدتها بالوضع. ومنها ما لو كانت الزوجة أمة وقال سيدها: إن طلقك الزوج اليوم فأنت حرة فسألت الزوج
الطلاق لأجل العتق فطلقها لم يحرم، فإن دوام الرق أضر بها من تطويل العدة، وقد لا يسمح به السيد بعد ذلك أو
يموت فيدوم أسرها بالرق، قاله الأذرعي بحثا، وهو حسن. ومنها طلاق المتحيرة فليس بسني ولا بدعي. ومنها طلاق
الحكمين في صورة الشقاق، ومنها طلاق المولى إذا طولب، وإن توقف فيه الرافعي. ومنها ما لو طلقها في
الطهر طلقة ثم
طلقها في الحيض ثانية، والمراد من الطلاق في الحيض المنجز، فلو علقه بدخول دار مثلا فليس ببدعي، لكن ينظر
إلى وقت الدخول، فإن وجد في حال الطهر فسني وإلا فبدعي، لكن لا إثم فيه، قال الرافعي: ويمكن أن يقال إن
وجدت الصفة باختياره أثم بإيقاعه في الحيض كإنشائه الطلاق فيه، قال الأذرعي: وهو ظاهر لا شك فيه، وليس
في كلامهم ما يخالفه. (وقيل: إن سألته) زوجته طلاقها في حيضها، (لم يحرم) لرضاها بتطويل العدة، والأصح التحريم
لاطلاق قوله تعالى: * (فطلقوهن لعدتهن) * (1) ولأنه (ص) لما أنكر الطلاق في الحيض لم يستفصل. ولو
علق الطلاق باختيارها فأتت به في حال الحيض مختارة، قال الأذرعي: فيمكن أن يقال هو كما لو طلقها بسؤالها، أي
فيحرم، وهو ظاهر. (ويجوز خلعها فيه) أي الحيض أو النفاس، لاطلاق قوله تعالى: * (فلا جناح عليهما فيما افتدت
به) * ولحاجتها إلى الخلاص بالمفارقة حيث افتدت بالمال، وليس هذا بسني ولا بدعي كما مر. (لا أجنبي) فلا
يجوز خلعه في الحيض أو النفاس، (في الأصح) لأنه لم يعلم فيه وجدان حاجتها إلى الخلاص بالمفارقة. ومقابل الأصح
احتمال للإمام لا وجه محقق، إلا أن يثبت عمن تقدم الإمام أنه يجوز، لأن الظاهر أن الأجنبي إنما بذل لحاجتها
إلى الخلاص.
تنبيه: لو أذنت للأجنبي أن يختلعها يظهر أن يقال إن كان بمالها فكاختلاعها وإلا فهو كاختلاعه. (ولو قال:
أنت طالق مع) أو في (آخر حيضك، فسني في الأصح) لاستعقابه الشروع في العدة، والثاني: بدعي، لمصادفته الحيض
(أو) أنت طالق (مع) أو في (آخر طهر) عينه (لم يطأها فيه فبدعي على المذهب) المنصوص كما في الروضة،
والمراد به الراجح لأنه لا يستعقب العدة. والثاني: سني لمصادفته الطهر. (و) الضرب الثاني للبدعي: (طلاق في طهر وطئ
فيه) في قبل وكذا في دبر على الأصح، وفي الروضة: أن استدخالها ماءه: أي المحترم، كالوطئ. ونائب فاعل وطئ
قوله: (من قد تحبل) لعدم صغرها ويأسها. (و) الحال أنه (لم يظهر حمل) منها لأنه قد يندم لو ظهر حمل، فإن
الانسان قد يطلق الحائل دون الحامل، وعند الندم قد لا يمكنه التدارك فيتضرر الولد، وخرج بمن قد تحبل الصغيرة
والآيسة فإنه لا سنة ولا بدعة في طلاقهما كما مر، وبلم يظهر حمل ما لو ظهر وسيذكره، واستدخالها ماءه مع علمه به
كما قاله الأذرعي كالوطئ لاحتمال حدوث الحمل منه وكذا الوطئ في الدبر على الأصح.
تنبيه: سكت المصنف عن ضرب ثالث للبدعي مذكور في الروضة، وهو في حق من له زوجتان وقسم لإحداهما
ثم طلق الأخرى قبل المبيت عندها. ولو نكح حاملا من زنا ثم دخل بها ثم طلقها نظر إن لم تحض فبدعي لأنها
308

لا تشرع في العدة إلا بعد الوضع والنفاس، وإلا فإن طلقها في الطهر فسني أو في الحيض فبدعي كما يؤخذ من كلامهم.
وأما الموطوءة بشبهة إذا حبلت منه ثم طلقها طاهرا فإنه بدعي. (فلو وطئ حائضا وطهرت فطلقها فبدعي) أيضا (في الأصح)
لاحتمال علوقها بذلك. والثاني: ليس ببدعي لأن بقية الحيض تشعر بالبراءة. ودفع باحتمال أن تكون البقية مما دفعته
الطبيعة أولا وهيأته للخروج.
تنبيه: صورة المسألة أن يطلقها قبل أن يمسها في الطهر، وأشار المصنف إلى هذا بفاء التعقيب. (و) الموطوءة
في الطهر (يحل خلعها) كالحائض على الصحيح، فيستثنى حينئذ من تحريم الطلاق في طهر جامع فيه. (و) يحل (طلاق من
ظهر حملها) وإن كانت تحيض، لأن بأخذ العوض وظهور الحمل ينعدم احتمال الندم.
تنبيه: قد علم طلاق البدعي وطلاق غير البدعي والسني وأما الطلاق السني فهو طلاق مدخول بها في طهر لم
يجامعها فيه ولا في حيض قبله، وليست بحامل ولا صغيرة ولا آيسة، وهي تعتد بالأقراء، وذلك لاستعقابها الشروع
في العدة. (ومن طلق) طلاقا (بدعيا) ولم يستوف عدد الطلاق، (سن له الرجعة) ما لم يدخل الطهر الثاني إن طلقها في طهر
جامعها فيه. أما إذا طلقها في الحيض فإلى آخر الحيضة التي طلقها فيها كما قاله ابن قاضي عجلون في تصحيحه على المنهاج.
(ثم) بعد الرجعة (إن شاء طلق بعد) تمام (طهر) لخبر الصحيحين: أن ابن عمر رضي عنهما طلق زوجته وهي حائض،
فذكر ذلك عمر للنبي (ص) فقال: مره فليراجعها ثم يطلقها طاهرا أي قبل أن يمسها إن أراد كما صرح بذلك
في بعض رواياتهما.
تنبيه: إنما لم يقل بوجوب الرجعة كمذهب مالك لأن النبي (ص) لم يأمره، وإنما أمر أباه أن يأمره، والامر بالامر
بالشئ ليس أمرا بذلك الشئ لقوله (ص) مروهم بالصلاة لسبع سنين كذا قالوه. فإن قيل: قوله:
فليراجعها أمر منه (ص). أجيب بأن المراد: فليراجعها لأجل أمرك، فيكون الوجوب لأجل الوالد. وظاهر
كلام المصنف أن ترك الرجعة ليس بمكروه، وبه صرح الإمام، قال في الروضة: وفيه نظر، وينبغي كراهته لصحة
الخبر فيها ولدفع الايذاء اه‍. ورد الاستناد إلى الخبر لأنه لا نهي فيه. وإذا راجع فهل يرتفع الاثم؟ حكى المصنف عن
جماعة أن الاثم يرتفع واستظهره. وإذا راجع والبدعة لحيض فالسنة أن لا يطلقها في الطهر منه لئلا يكون المقصود
من الرجعة مجرد الطلاق، وإن كانت البدعة لطهر جامعها فيه أو في حيض قبله ولم يبن حملها ووطئ بعد الرجعة فيه
فلا بأس بطلاقها في الثاني، وإن لم يراجعها إلا بعد الطهر أو راجعها فيه ولم يطأها سن له أن يطلقها في الطهر الثاني
لئلا تكون الرجعة للطلاق، وهذا فيمن طلق غير من لم تستوف دورها من القسم، بخلاف من طلق هذه للزوم
الرجعة
له ليوفيها حقها، كذا قيل، وظاهر كلامهم أنه يستحب لأن الرجعة في معنى النكاح وهو لا يجب. (ولو قال لحائض)
ممسوسة أو نفساء: (أنت طالق للبدعة، وقع) الطلاق (في الحال) وإن كانت في ابتداء الحيض لاتصاف طلاقها به. (أو)
قال لحائض لم يطأها في ذلك الحيض: أنت طالق (للسنة، فحين) أي فيقع الطلاق حين (تطهر) من الحيض أو النفاس بأن
تشرع في الطهر، ولا يتوقف على الاغتسال لوجود الصفة قبله.
تنبيه: لا بد من الانقطاع من شروعها في عدة المطلق، فلو وطئها في آخر الحيض واستدام إلى انقطاعه فإنها
لا تطلق لاقتران الطهر بالجماع، وكذا لو لم يستدم كما يؤخذ من قوله: فلو وطئ حائضا وطهرت فطلقها فبدعي
في الأصح وكذا لو وطئت بشبهة في دوام زوجتيه، وحينئذ لا يقع طلاق فيه لأنه بدعي بل يتأخر وقوعه إلى طهر تشرع
فيه في عدته. (أو) قال: (لمن في طهر لم تمس فيه) بوطئ منه وهي مدخول بها: (أنت طالق للسنة وقع في الحال) لوجود
309

الصفة. (وإن مست) بوطئ منه (فيه) ولم يظهر حملها فحين تطهر (بعد حيض) يقع الطلاق لشروعها حينئذ في حال السنة،
(أو) قال لمن في طهر: أنت طالق (للبدعة، ففي الحال) يقع الطلاق (إن مست فيه) أو في حيض قبله ولم يظهر حملها
لوجود الصفة، (وإلا) بأن لم تمس في هذا الطهر ولو في حيض قبله وهي مدخول بها، (فحين تحيض) يقع الطلاق.
تنبيه: قضية كلامه وقوع الطلاق بظهور أول الدم، وبه صرح المتولي، فإن انقطع لدون يوم وليلة ولم يعد تبين
أن طلاقها لم يقع، وبما تقرر أنه لو وطئها بعد التعليق في ذلك الطهر أنه يقع الطلاق لصدق الصفة، ومعلوم أن هذا
فيمن لها حالتا سنة وبدعة، فلو قال لصغيرة ممسوسة أو كبيرة غير ممسوسة وقع في الحال على الأصح ولغا الوصف.
واللام هنا للتعليل لا للتأقيت لعدم تعاقب الحالين فيكون كقوله: لرضا زيد. (ولو) وصف الطلاق بصفة مدح، كأن
(قال) لزوجته: (أنت طالق طلقة حسنة أو أحسن الطلاق) أو أفضله أو أعدله أو أكمله (أو أجمله) أو نحو ذلك، (فكالسنة) أي
فكقوله: أنت طالق للسنة، فإن كانت في حيض لم يقع حتى تطهر، أو في طهر لم تمس فيه وقع في الحال، أو مست فيه وقع
حين تطهر بعد حيض.
تنبيه: لو نوى بذلك طلاق البدعة لأنه في حقها أحسن لسوء خلقها، فإن كان في زمن البدعة قبل، لأنه غلظ
على نفسه، أو السنة لم يقبل ظاهرا ويدين. (أو) وصف الطلاق بصفة ذم كأنت طالق (طلقة قبيحة أو أقبح الطلاق) أو
أسمجه أو أفضحه أو أفظعه أو أشره (أو أفحشه) أو نحو ذلك، (فكالبدعة) أو فكقوله: أنت طالق للبدعة. فإن كانت في
حيض أو في طهر مست فيه وقع في الحال وإلا فحين تحيض. ولو نوى بذلك طلاق السنة لقبحه في حقها لحسن خلقها
وكانت في زمن البدعة دين ولم يقبل ظاهرا، ولا يخالف هذا ما لو قال لذات سنة وبدعة في حال البدعة: أنت طالق
طلاقا سنيا الآن، أو في حال السنة: أنت طالق طلاقا بدعيا وقال: أردت الوقوع في الحال، فإنه لم يقع في الحال لأن النية إنما
تعمل فيما يحتمل اللفظ صريحا، وإذا تنافيا لغت النية وعمل باللفظ، لأنه أقوى. ولو خاطب بقوله: للسنة وما ألحق به،
أو للبدعة وما ألحق به من ليس طلاقها سنيا ولا بدعيا كالحامل والآيسة وقع في الحال ويلغو ذكر السنة والبدعة.
تنبيه: اللام فيما يعهد انتظاره وتكرره للتوقيت كأنت طالق للسنة أو للبدعة ممن لها سنة وبدعة، وفيما لا يعهد انتظاره
وتكرره للتعليل كطلقتك لرضا زيد أو لقدومه أو للبدعة، وهي صغيرة أو حامل أو نحوها ممن لا سنة لها ولا بدعة، طلقت
في الحال وإن لم يرض زيدا أو لم يقدم. وإن نوى بها التعليق لم يقبل ظاهرا ويدين. ولو قال في الصغيرة أو نحوها: أنت
طالق لوقت البدعة أو لوقت السنة ونوى التعليق قبل لتصريحه بالوقت، وإن لم ينوه وقع الطلاق في الحال كما مر.
فروع: لو قال: أنت طالق برضا زيد أو بقدومه تعليق، كقوله: إن رضي أو قدم. ولو قال لمن لها سنة وبدعة: أنت
طالق لا لسنة كقوله: أنت طالق للبدعة، وقوله: أنت طالق لا للبدعة كقوله: أنت طالق للسنة، وقوله: سنة الطلاق
أو طلقة سنة كقوله: للسنة، وقوله: بدعة الطلاق أو طلقة بدعية كقوله: للبدعة. ولو قال لمن طلاقها بدعي: إن كنت
في حال سنة فأنت طالق فلا طلاق ولا تعليق، ولو قال لها في حال البدعة: أنت طالق طلاقا سنيا الآن، أو في حال السنة:
أنت طالق طلاقا بدعيا الآن وقع في الحال للإشارة إلى الوقت ويلغو اللفظ. ولو قال: أنت طالق للسنة إن قدم فلان وأنت
طاهر، فإن قدم وهي طاهر طلقت للسنة وإلا فلا تطلق إلا في الحال ولا إذا طهرت. (أو) جمع في الطلاق بين صفتي
مدح وذم ولم ينو شيئا، كأن قال: أنت طالق طلقة (سنة بدعية أو) طلقة (حسنة قبيحة) وهي ذات أقراء، أو: أنت
طالق لا للسنة ولا للبدعة، (وقع) الطلاق (في الحال) ويلغو ذكر الصفتين لتضادهما، فإن فسر كل صفة بمعنى
في قول سنة بدعية أو حسنة قبيحة فقال: أردت حسنة من حيث الوقت وقبيحة من حيث العدد حتى يقع الطلاق الثلاث
310

قبل وإن تأخر الوقوع، لأن ضرر وقوع العدد أكثر من فائدة تأخر الوقوع.
فروع: لو قال لزوجته: أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة، فإن كانت ممن لا سنة لها ولا بدعة
كالصغيرة طلقت في الحال ثلاثا كما لو وصفها كلها بالسنة أو البدعة، وإن كانت ذات أقراء طلقت طلقتين في الحال وطلقة
ثالثة في الحال الثاني، لأن التبعيض يقتضي التشطير، ثم يسري. فإن قال: أردت إيقاع طلقة في الحال
وطلقتين في
الحال الثاني صدق بيمينه، ولو أراد إيقاع بعض كل طلقة في الحال وقع الثلاث في الحال بطريق التكميل. ولو قال: أنت
طالق ثلاثا بعضهن للسنة وسكت وهي في حال السنة أو البدعة وقع في الحال واحدة فقط، لأن البعض ليس عبارة
عن النصف، وإنما حمل فيما مر على التشطير لإضافة البعضين إلى الحالين فيسوى بينهما. ولو قال: أنت طالق خمسا بعضهن
للسنة وبعضهن للبدعة طلقت ثلاثا في الحال أخذا بالتشطير والتكميل. ولو قال: أنت طالق طلقتين طلقة للسنة وطلقة
للبدعة وقع طلقة في الحال وفي المستقبل طلقة. وإن قال: أنت طالق طلقتين للسنة والبدعة وقع الطلقتان في الحال، لأن
قوله: للسنة والبدعة وصف للطلقتين في الظاهر فيلغو للتنافي ويبقى الطلقتان. وقوله لها: طلقتك طلاقا كالثلج أو كالنار يقع
في الحال ويلغو التشبيه المذكور، خلافا لمن قال إن قصد التشبيه بالثلج في البياض وبالنار في الإضاءة طلقت في زمن السنة،
أو التشبيه بالثلج في البرودة وبالنار في الحرارة والاحراق طلقت في زمن البدعة. (ولا يحرم جمع الطلقات) لأن عويمر
العجلاني لما لاعن امرأته عند رسول الله (ص) طلقها ثلاثا قبل أن يخبره (ص) أنها تبين باللعان،
متفق عليه، فلو كان إيقاع الثلاث حراما لنهاه عن ذلك ليعلمه هو ومن حضره، ولان فاطمة بنت قيس شكت للنبي
(ص) أن زوجها طلقها البتة. قال الشافعي رضي الله عنه: يعني والله أعلم ثلاثا، ولم نعلم أن النبي (ص)
نهى عن ذلك وقد فعله جمع من الصحابة وأفتى به آخرون اه‍. وكما لا يحرم جمعها لا يكره، ولكن يسن
الاقتصار على طلقتين في القرء لذات الأقراء وفي شهر لذات الأشهر ليتمكن من الرجعة أو التجديد إن ندم، فإن لم يقتصر
على ذلك فليفرق الطلقات على الأيام ويفرق على الحامل طلقة في الحال ويراجع، وأخرى بعد النفاس، والثالثة بعد
الطهر من الحيض، وقيل: يطلقها في كل شهر طلقة.
تنبيه: أفهم كلام المصنف وقوع الثلاث عند جمعهن، وعليه اقتصر الأئمة، وحكي عن الحجاج بن أرطأة وطائفة
من الشيعة والظاهرية أنه لا يقع منها إلا واحدة، واختاره من المتأخرين من لا يعبأ به فأفتى به واقتدى به من أضله الله
تعالى، واحتجوا بما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر
وسنتين من خلافة عمر واحدة، ثم قال عمر: إن الناس قد استعجلوا ما كانوا فيه على أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم.
وعلى تقدير صحة هذا الحديث أجيب عنه بجوابين: أحدهما وهو محكي عن أبي ذرعة الرازي أن معناه أن الطلاق
المعتاد في الزمن الأول كان طلقة واحدة وصار الناس في زمن عمر رضي الله عنه يوقعون الثلاث دفعة واحدة فنفذه عليهم،
فيكون إخبارا عن اختلاف عادة الناس لا عن تغير حكم في مسألة واحدة، ومعناه: كان الطلاق الثلاث الذي يوقعونه
الآن دفعة إنما كان في الزمن الأول يوقعونه واحدة فقط، واعتمد هذا الشيخ علاء الدين النجاري الحنفي، وقال: إن
النص مشير إلى هذا من لفظ الاستعجال، يعني أنه كان للناس أناة، أي مهلة في الطلاق، فلا يوقعون إلا واحدة واحدة
فاستعجل الناس وصاروا يوقعون الثلاث دفعة واحدة، وإلا إذا كان معنى الحديث أن إيقاع الثلاث دفعة واحدة،
كان في الزمن الأول إنما يقع واحدة واحدة، وهكذا في الزمن الثاني قبل التنفيذ فما الذي استعجلوه. الجواب الثاني:
أنه محمول على من فرق اللفظ فقال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، فكانوا أولا يصدقون في إرادة التأكيد
لقلة الخيانة فيهم، فلما كان زمن عمر رضي الله عنه ورأي تغير الأحوال لم يقبل إرادة التأكيد وأمضاه على الاستئناف.
قال المصنف في شرح مسلم: وهذا أصح الأجوبة، وقال السبكي إنه أحسن محامل الحديث اه‍. ولا فرق في وقوع
الثلاث بين أن يكون ذلك منجزا أو معلقا، وقد وجدت صفته حلفا كان أو غير حلف قال السبكي: وابتدع بعض
311

الناس في زماننا، فقال إن كان التعليق على وجه اليمين لا يقع به الطلاق وتجب به كفارة يمين، وهذه بدعة في الاسلام
لم يقلها أحد منذ بعث النبي (ص) إلى زماننا هذا. قال الزركشي: واللام في الطلقات للعهد الشرعي،
وهي الثلاث، فلو طلق أربعا، قال الروياني: عزر، وظاهر كلام ابن الرفعة أنه يأثم اه‍. وهذا ليس بظاهر، لأن
الزيادة ملغاة فلا يترتب عليه بالتلفظ بها شئ. (ولو قال) لزوجته: (أنت طالق ثلاثا) واقتصر عليه، (أو ثلاثا للسنة
وفسر) الثلاث في الصورتين (بتفريقها على أقراء لم يقبل) ظاهرا على الصحيح المنصوص، لأن دعواه تقتضي تأخير
الطلاق، ويقتضي لفظة تنجيزه في الأولى مطلقا، وفي الثانية إن كانت المرأة طاهرة، وحين تطهر إن كانت حائضا،
ولا سنة في التفريق. (إلا ممن يعتقد تحريم الجمع) للثلاث دفعة كالمالكي فيقبل ظاهرا، لأن الظاهر من حاله أن لا يقصد
ارتكاب محظور في معتقده.
تنبيه: قضية كلام المصنف عود الاستثناء إلى الصورتين وهو كذلك، وإن كان ما ذكره المتولي وتبعه المحرر
إنما هو في الثانية فقط. (والأصح) على عدم القبول (أنه يدين) فيما نواه، لأنه لو وصل اللفظ بما يدعيه لانتظم
فيعمل به في الباطن إن كان صادقا بأن يراجعها، وحينئذ يجوز له وطؤها، ولها تمكينه إن ظنت صدقه، فإن ظنت كذبه
لم تمكنه. وفي ذلك قال الشافعي رضي الله عنه: له الطلب وعليها الهرب، وإن استوى عندها الطرفان فإن كره لها تمكينه
وإذا صدقته ورآهما الحاكم مجتمعين فرق بينهما في أحد وجهين رجحه في الكفاية. والتدين لغة أن يكله إلى دينه،
وقال الأصحاب: هو أن لا تطلق فيما بينه وبين الله إن كان صادقا إلا على الوجه الذي نواه غير أنا لا نصدقه
في الظاهر.
والوجه الثاني: لا يدين، لأن اللفظ بمجرده لا يحتمل المراد، والنية إنما تعمل فيما يحتمله اللفظ. (ويدين) أيضا على
الأصح (من قال) لزوجته (أنت طالق، وقال أردت إن دخلت) الدار (أو إن شاء زيد) طلاقك، لأنه
لو صرح به لانتظم.
تنبيه: قد يوهم كلامه أن قوله: أردت إن شاء الله أنه كذلك، والصحيح أنه لا يدين. قال الرافعي:
وفرقوا بينه وبين غيره من التعليقات أن التعليق بمشيئة الله تعالى يرفع حكم اليمين جملة فلا بد فيه من اللفظ بخلاف
التعليق بالدخول وبمشيئة زيد فإنه لا يرفعه بل يخصصه بحال دون حال فأثرت فيه النية، وشبهوه بالفسخ لما كان رافعا
للحكم لم يجز إلا باللفظ، والتخصيص يجوز بالقياس كما يجوز باللفظ.
تنبيه: إنما ينفعه قصد هذا الاستثناء باطنا إذا عزم عليه قبل التلفظ بالطلاق، فإن حدثت له النية بعد الفراغ
من الكلمة فلا حكم لها، فإن أحدثها في أثناء الكلمة فوجهان كما في نية الكناية وحدها، نقلاه في الباب الأول عن
المتولي وأقراه، ومر في الكناية أنه يكفي. (ولو) أتى الزوج بلفظ عام وأراد بعض أفراده، كأن (قال: نسائي طوالق، أو)
قال: (كل امرأة لي طالق، وقال: أردت بعضهن) بالنية كفلانة وفلانة دون فلانة، (فالصحيح) وعبر في الروضة
بالأصح، (أنه لا يقبل) منه ذلك (ظاهرا) لأن اللفظ عام متناول لجميعهن، فلا يمكن من صرف مقتضاه بالنية، (إلا
لقرينة) تشعر بإرادة الاستثناء، (بأن) أي كأن (خاصمته) زوجته (وقالت) له (تزوجت) علي (فقال)
لها منكرا لذلك: (كل امرأة لي طالق) أو نسائي طوالق، (وقال: أردت غير المخاصمة) لي، فيقبل في ذلك للقرينة
الدالة على صدقه. والثاني: يقبل مطلقا، لأن استعمال العام في بعض أفراده شائع. والثالث: لا يقبل مطلقا، ونقلاه عن
الأكثرين، وحينئذ فما رجحاه هنا مخالف لما التزمه الرافعي من تصحيح ما عليه الأكثر، ولا يحسن تعبيره بالصحيح
312

وهذا التفصيل يجري في كل موضع قلنا إنه يدين فيه كما صرحوا به فيما إذا قال: طالقا من وثاقي، إن كان حلها منه قبل
وإلا فلا، وفي الصور المذكورة آنفا.
تنبيه: أشعر قوله: بعضهن بفرض المسألة فيمن له غير المخاصمة، فلو لم يكن له غيرها طلقت كما بحثه بعضهم
قياسا على ما لو قال: كل امرأة لي طالق إلا عمرة ولا امرأة له غيرها، فإنها تطلق كما في الروضة وأصلها عن فتاوى القفال
وأقراه، بخلاف قوله: النساء طوالق إلا عمرة ولا امرأة له غيرها، والفرق أنه في هذه الصور لم يضف النساء لنفسه.
فصل: في تعليق الطلاق بالأوقات وما يذكر معه: (قال أنت طالق في شهر كذا أو في غرته) أو رأسه (أو أوله)
أو دخوله أو مجيئه أو ابتدائه أو استقباله أو أول آخر أوله، (وقع) الطلاق (بأول جزء) من الليلة الأولى (
منه) أي
معه، لتحقق الاسم بأول جزء منه. ووجهه في شهر كذا أن المعنى إذا جاء شهر كذا ومجيئه يتحقق بمجئ أول جزء منه،
والاعتبار في دخوله ببلد التعليق فلو علق ببلده وانتقل إلى أخرى ورأي فيها الهلال وتبين أنه لم ير في تلك لم يقع الطلاق
بذلك، قاله الزركشي، وظاهره كما قال شيخنا أن محله إذا اختلفت المطالع.
تنبيه: لو رأى الهلال قبل غروب الشمس لم تطلق إلا بعد غروبها لأنه لليلة المستقبلة. (أو) أنت طالق (في نهاره)
أي شهر كذا، (أو أول يوم منه) أي شهر كذا، (فبفجر أول يوم) منه تطلق إذ الفجر أول النهار وأول اليوم كما حكي
عن أئمة اللغة، فإن أراد وسط الشهر أو آخره وقد قال: أنت طالق في شهر كذا، أو أراد من الأيام أحد الثلاثة
الأول منه وقد قال: أنت طالق غرته دين لاحتمال ما قاله فيهما، ولان الثلاثة الأول غرر في الثانية ولا يقبل ظاهرا.
فإن قال: أردت بغرته أو برأسه النصف مثلا لم يدين، لأن غرة الشهر لا تطلق على غير الثلاثة الأول، ورأسه لا تطلق
على غير أول ليلة منه. وإن قال: أنت طالق في رمضان مثلا وهو فيه طلقت في الحال، وإن قال: وهو فيه إذا جاء رمضان
فتطلق في أول رمضان القابل، إذ التعليق إنما يكون على مستقبل. (أو) أنت طالق في (آخره) أي شهر كذا أو سلخه،
(فبآخر جزء من الشهر) تطلق في الأصح. (وقيل) تطلق (بأول النصف الآخر) منه إذ كله آخر الشهر فيقع بأوله.
ورد بسبق الأول إلى الفهم.
فروع: لو علق بآخر أول آخره طلقت أيضا بآخر جزء منه، لأن آخره اليوم الأخير وأوله طلوع الفجر، فآخر
أوله الغروب وهو الجزء الأخير، هذا ما قاله الشيخان وهو المعتمد، إن قال شيخنا: الأوجه أنها تطلق قبل زوال اليوم
الأخير لأنه آخر أوله ووقت الغروب إنما هو آخر اليوم لا آخر أوله. وإن علق بأول آخره طلقت بأول اليوم الأخير
منه لأنه أول آخره. ولو علق بآخر أوله طلقت بآخر اليوم الأول منه لأنه آخر أوله، وقيل: تطلق بآخر الليلة الأولى منه
لأنها أوله بالحقيقة. ولو علق بانتصاف الشهر طلقت بغروب شمس الخامس عشر، وإن نقص الشهر، لأنه المفهوم من
ذلك. ولو علق بنصف نصفه الأول طلقت بطلوع فجر الثامن، لأن نصف نصفه سبع ليال ونصف وسبعة أيام ونصف
والليل سابق النهار، فيقابل نصف ليلة بنصف يوم وتجعل ثمان ليال وسبعة أيام نصفا وسبع ليال وثمانية أيام نصفا. ولو
علق بنصف يوم كذا طلقت عند زواله لأنه المفهوم منه وإن كان اليوم يحسب من طلوع الفجر شرعا ونصفه الأول
أطول. ولو علق بما بين الليل والنهار طلقت بالغروب إن علق نهارا وإلا فبالفجر، إذ كل منهما عبارة عن مجموع جزء
من الليل وجزء من النهار، إذ لا فاصل بين الزمانين، وإن قال البلقيني: الأقيس أن يقع الطلاق في الحال كما لو قال أنت
طالق لا في زمن. (ولو قال ليلا) أي فيه (إذا مضى يوم) بالتنكير فأنت طالق، (فبغروب شمس غده) تطلق
إذ يتحقق به مضي اليوم، (أو) قاله (نهارا) أي فيه، (ففي مثل وقته من غده) تطلق لأن اليوم حقيقة في جميعه
متواصلا كان أو متفرقا، فإن فرض انطباق التعليق على أول النهار وقع بغروب شمسه، وهذا كما قال الأذرعي إذا تم
313

التعليق واستعقبه أول النهار، أما لو ابتدأه أول النهار فقد مضى جزء قبل تمامه فلا يقع بغروب شمسه. (أو) قال: إذا
مضى (اليوم) بالتعريف، فأنت طالق، (فإن قالها نهارا فبغروب شمسه) تطلق وإن قل زمن الباقي منه لأنه عرفه بلام
العهد فانصرف إلى اليوم الحاضر. (وإلا) بأن قاله ليلا (لغا) أي لا يقع به شئ، إذ لا نهار حتى يحمل على المعهود،
قال المتولي: ولا يمكن الحمل على الجنس إذ لا يتصور بقاء الزوجين حتى تنقضي أيام الدنيا فكانت صفة مستحيلة.
تنبيه: قد علم مما تقرر أن صورة مسألة الكتاب أن يقول: إذا مضى اليوم فأنت طالق برفع اليوم، أما إذا قال:
أنت طالق اليوم بالنصب أو بغيره أو النهار أو الشهر أو السنة فإنها تطلق في الحال ليلا كان أو نهارا لأنه أوقعه وسمى
الزمان بغير اسمه فلغت التسمية. (وبه) أي اليوم (يقاس شهر وسنة) والشهر والسنة، فإذا قال ليلا أو نهارا في غير
الأخير من الشهر إذا مضى شهر فأنت طالق طلقت بمضي ثلاثين يوما ومن ليلة الحادي والثلاثين أو يومه بقدر ما سبق
التعليق من ليلته أو يومه، فإن علق في اليوم الأخير أو الليلة الأخيرة من الشهر كفى بعده شهر هلالي كما تقدم في السلم،
وإذا قال في أثناء الشهر إذا مضت سنة فأنت طالق طلقت بمضي أحد عشر شهرا بالأهلة مع إكمال الأول من الثالث عشر
ثلاثين يوما، فإذا أراد بقية الشهر أو السنة فقد غلظ على نفسه. وإن قال: إذا مضى الشهر أو قال: السنة فأنت طالق
طلقت بمضي بقية ذلك الشهر أو تلك السنة والمعتبر السنة العربية. فإن قال: أردت غيرها أو أردت بالسنة معرفة سنة
كاملة لم يقبل منه ظاهرا لتهمة التأخير ويدين لاحتمال ما قاله الأذرعي. نعم لو كان ببلاد الروم أو الفرس فينبغي قبول
قوله، قال: ولو علق بمضي شهور أو الشهور فبمضي ما بقي من السنة على الأصح عند القاضي وبمضي اثني عشر شهرا
عند الجيلي، ثم نقل عن الجيلي أنه لو علق بمضي ساعات طلقت بمضي ثلاث ساعات أو الساعات فبمضي أربعة
وعشرين ساعة لأنها جملة ساعات اليوم والليلة اه‍. وكلام الجيلي أوجه.
تنبيه: لو شك بعد مضي مدة من التعليق هل تم العدد أو لا، عمل باليقين وحل له الوطئ حال التردد، لأن
الأصل عدم مضي العدد، والطلاق لا يقع بالشك. ولو علق الطلاق بمستحيل عرفا كصعود السماء والطيران وإحياء
الموتى إذا أراد به المعنى المراد في قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام: * (وأحي الموتى بإذن الله) * أو عقلا كإحياء
الموتى على غير ما تقدم والجمع بين الضدين، أو شرعا كنسخ رمضان، لم تطلق لأنه لم ينجز الطلاق، وإنما علقه على
صفة ولم توجد، واليمين فيما ذكر منعقدة حتى يحنث بها المعلق على الحلف. ولا يخالف هذا ما قالوه في الايمان من أنه
لو حلف بالله لا يصعد السماء لم ينعقد يمينه، لأن عدم انعقادها - ثم ليس لتعلقها بالمستحيل، بل لأن امتناع الحنث لا يخل
بتعظيم اسم الله تعالى، ولهذا ينعقد فيما لو حلف ليقتلن فلانا وهو ميت مع تعلقها بمستحيل، بل لأن امتناع البر يهتك حرمة
الاسم فيحوج إلى التكفير. (أو) قال: (أنت طالق أمس) أو الشهر الماضي أو السنة الماضية، (وقصد أن يقع في
الحال مستندا إليه وقع في الحال) على الصحيح، ولغا قصد الاستناد إلى أمس لاستحالته. ومثله ما لو قصد إيقاعه
أمس، أو قال: لم أرد شيئا، أو تعذر الرجوع إليه بموت أو جنون أو خرس ولا إشارة له مفهمة، لكن في صورة قصد إيقاعه
أمس يقع في الحال على المذهب المنصوص. (وقيل لغو) لا يقع به شئ لأنه إنما أوقع طلاقا مستندا، فإذا لم يكن
استناده وجب أن لا يقع. (أو) أي ولو لم يقصد الزوج إنشاء طلاق لا حالا ولا ماضيا، بل (قصد) الاخبار بالطلاق، وهو
(أنه طلق أمس) في هذا النكاح (وهي الآن معتدة) من طلاق بائن أو رجعي، (صدق بيمينه) في ذلك لقرينة
الإضافة إلى أمس، وتحسب عدتها من الوقت الذي ذكره إن صدقته، وإلا بأن كذبته أو قالت: لا علم لي كما في الكافي
حين الاقرار، (أو) قصد بما (قال طلقت) هذه (في نكاح آخر) غير نكاحي هذا وبانت مني ثم جددت
نكاحها، أو طلقها زوج آخر في نكاح سابق، (فإن عرف) نكاح سابق وطلاق فيه ببينة أو غيرها، (صدق بيمينه)
314

في إرادة ذلك للقرينة. نعم إن صدقته فلا يمين، (وإلا) أي وإن لم يعرف له ما ذكر (فلا) يصدق ويقع في الحال كما
في المحرر والشرح الصغير لبعد دعواه.
تنبيه: نقل في الشرح الصغير عن الإمام: ينبغي أن يقبل فيما قاله باحتماله، واقتصر في الكبير على بحث الإمام
من غير عزو إليه وتبعه في الروضة. والصواب ما في الكتاب، وهو ما حكاه الإمام عن الأصحاب. ثم قال: وفي القلب منه
شئ، فذكر هذا البحث. وممن صرح مما في الكتاب القاضي الحسين والبغوي والمتولي والروياني، وقد وقع في بعض
نسخ الشرح الكبير على الصواب كما ذكره الأذرعي.
فروع: لو قال: أنت طالق قبل أن تخلقي، قال الصيمري: طلقت إذا لم يكن له إرادة. ولو قال نهارا: أنت
طالق
غد أمس أو أمس غد بالإضافة، وقع الطلاق في الحال، لأن غد أمس وأمس غد هو اليوم، فإن قاله ليلا وقع غدا
في الأولى وحالا في الثانية. ولو قال: أنت طالق غدا أو غدا أمس بغير إضافة لغا ذكر أمس ووقع الطلاق في الغد
لأنه علقه بالغد وبأمس، ولا يمكن الوقوع فيهما ولا الوقوع في أمس فيتعين الوقوع في الغد لامكانه. ولو قال: أنت
طالق اليوم غدا وقع طلقة فقط في الحال ولا يقع شئ في الغد، لأن المطلقة اليوم طالق غدا، ويحتمل أنه لم يرد إلا ذلك.
ولو أراد بذلك نصفها اليوم ونصفها الآخر غدا وقع أيضا طلقة فقط في الحال لأن ما أخره تعجل، فإن أراد نصف طلقة
اليوم ونصف طلقة غدا وقع طلقتان إلا أن تبين بالأولى. ولو قال: أنت طالق غدا اليوم طلقت طلقة غدا فقط ولا تطلق
في اليوم، لأن الطلاق تعلق بالغد وذكره اليوم بعده لتعديل الطلاق بالمعلق وهو لا يتعجل. ولو قال: أنت طالق في اليوم
وفي غد أو في الليل وفي النهار وقع في كل طلقتان في الأولى في اليومين وطلقتان في الثانية واحدة بالليل وأخرى بالنهار،
قال المتولي: لأن المظروف يتعدد بتعدد الظرف. قال الرافعي: وليس الدليل بواضح فقد يتحد المظروف ويختلف
الظرف اه‍. والأولى كما قال شيخنا تعليل ذلك بإعادة العامل، بخلاف ما لو قال: أنت طالق اليوم وغدا أو بالليل والنهار
فإنه يقع في كل طلقة فقط لعدم إعادة العامل. ولو قال: أنت طالق اليوم أو غدا طلقت في الغد فقط لأنه اليقين، أو: أنت
طالق غدا أو بعد غد، أو أنت طالق إذا جاء الغد أو بعد غد طلقت فيما ذكر بعد الغد لا في الغد لما ذكر، أو قال: أنت
طالق يوما ويوما لا ولم ينو شيئا طلقت واحدة فقط، فإن نوى طلقة تقع في يوم لا في تاليه، وهكذا ثلاث مرات وقع ثلاث
في ثلاثة أيام متفاصلة، وقال: أنت طالق اليوم إذا جاء الغد أو أنت طالق الساعة إن دخلت الدار لم تطلق وإن وجدت
الصفة، لأنه علة بوجودها فلا يقع قبله، وإذا وجدت فقد مضى الوقت الذي جعله محلا للايقاع. ولو قال: أنت طالق
قبل موتي أو في حياتي طلقت في الحال، قال في الروضة: فإن ضم القاف فتح الباء من قبل، أو قال: قبيل بالتصغير طلقت
قبل الموت. قال الأسنوي: وما ذكره من فتح باء قبل غلط لم يذكره أحد، وإنما فيه ضم الباء وإسكانها. ورد عليه ابن
العماد بما فيه نظر. ولو قال: أنت طالق بعد قبل موتي طلقت في الحال، لأنه بعد قبل موته، أو: أنت طالق قبل ما بعده رمضان
وأراد بما بعده الشهر طلقت آخر جزء من رجب، وإن أراد به اليوم فقبيل فجر يوم الثلاثين من شعبان إن كان تاما، وإن
أراد به اليوم بليلته فقبيل ليلة الثلاثين منه إن كان تاما. أو: أنت طالق بعد ما قبله رمضان وأراد بما قبله الشهر طلقت
بمستهل ذي القعدة، وإن أراد به اليوم بالليلة بعده ففي أول اليوم الثاني من شوال، فإن لم يرد الليلة فالقياس أنها تطلق
بغروب شمس أول شوال. ولو علق بالطلاق أفضل الأوقات طلقت ليلة القدر، وقضية ما مر في الصوم أنها تطلق أول
آخر ليلة من العشر الأخير، أو بأفضل الأيام طلقت يوم
عرفة، أو بأفضل أيام الأسبوع طلقت يوم الجمعة إن لم يكن فيه يوم عرفة، أو بأفضل الشهور طلقت في شهر رمضان لقوله (ص): سيد الشهور رمضان. ثم شرع المصنف في ذكر
أدوات التعليق وبيان حكمها إثباتا ونفيا، فقال: (وأدوات التعليق) وذكر منها سبعة، وهي: (من) بفتح الميم، (كمن دخلت)
من نسائي الدار فهي طالق. (وإن) وهي أم الباب، وكان ينبغي تقديمها، نحو: إن دخلت الدار فأنت طالق. (وإذا ومتى
315

ومتى ما) بزيادة ما. (وكلما) دخلت الدار واحدة من نسائي فهي طالق. (وأي، كأي وقت دخلت) الدار فأنت
طالق. ويضاف لهذه السبعة عشر أدوات أخرى، وهي: إذ ما على رأي سيبويه. ومهما وهي بمعنى ما: وما الشرطية. وإذا ما.
وأياما كلمة. وأيان. وهي، كمتى في تعميم الأزمان، وأين وحيثما لتعميم الأمكنة، وكيفما للتعليق على الأحوال.
تنبيه: في فتاوى الغزالي أن التعليق يكون ب‍ لا في بلد عم العرف فيها، كقول أهل بغداد: أنت طالق لا دخلت الدار،
ويكون التعليق أيضا ب‍ لو، كأنت طالق لو دخلت الدار كما قاله الماوردي. (و) هذه الأدوات (لا يقتضين) بالوضع (فورا)
في المعلق عليه، ولا تراخيا (إن علق بإثبات) أي بمثبت كالدخول فيما ذكر، (في غير خلع) أما فيه فإنها تفيد الفورية في بعض
صيغة كإن وإذا كإن ضمنت، أو إذا ضمنت لي مالا فأنت طالق، كما تقدم في الخلع، بخلاف متى ومتى ما وأي فلا
يقتضين فورا. وليس اقتضاء الفورية فيه من وضع الصيغة بل إن المعاوضة تقتضي ذلك، لأن القبول لا بد أن يكون
غير متراخ عن الايجاب. ثم استثنى من اقتضاء الأدوات الفورية ما تضمنه قوله: (إلا) في التعليق بالمشيئة نحو: (أنت طالق
إن) أو إذا (شئت) فإنه يعتبر الفور في المشيئة لأنه تمليك على الصحيح، بخلاف متى شئت. واحترز بقوله: علق بإثبات
عما إذا علق بنفي، وسيذكره. (و) الأدوات المذكورة (لا) تقتضي أيضا بالوضع (تكرارا) في المعلق عليه، بل إذا وجد مرة
واحدة في غير نسيان ولا إكراه انحلت اليمين ولم تؤثر وجودها ثانيا، لأن إن تدل على مجرد الفعل الذي بعدها وكذا
أسماء الشروط.
تنبيه: شمل إطلاق المصنف ما لو قيد بالأبد كقوله: إذا خرجت أبد الآبدين فأنت طالق، وبه صرح الرافعي في
كتاب
الايمان وقال: لم يلزمه التكرار أيضا، بل معناه في أي وقت. (إلا) في (كلما) فإن التعليق بها يقتضي التكرار في المعلق عليه
بالوضع والاستعمال، وسيأتي التعليق بالنفي. ثم أشار المصنف إلى قاعدة أن تعليق الطلاق مع وجود الصفة تطليق جزما
كالتنجيز وإيقاع في الأصح، (و) ذلك كما (لو قال) لمدخول بها يملك عليها أكثر من طلقة كما يشير إليه قوله بعد فثلاث
في ممسوسة، ولو ذكر التقييد هنا ليفهم منه التقييد في الآتي لكان أولى. (إذا طلقتك) أو أوقعت عليك طلاقي، أو وقع
من باب أولى (فأنت طالق. ثم) بعد هذا التعليق (طلق) أي نجز طلاقها بنفسه كما جزم به الماوردي مجانا بصريح أو كناية
مع نية، (أو علق) طلاقها (بصفة) كإن دخلت الدار فأنت طالق، (فوجدت فطلقتان) واحدة بتطليقها منجزا أو التعليق
بصفة وجدت، وأخرى بالتعليق به. فإن قال: أردت أنها تصير مطلقة بتلك الطلقة لم يقبل ظاهرا ويدين لاحتمال ما قاله.
فإن وكل في طلاقها فطلق وكيله لم تطلق إلا بطلقة الوكيل، لأنه لم يطلقها هو. وإن خالعها أو كانت غير مدخول بها
لم تقع الثانية، لأنها قد بانت بالأولى وتنحل اليمين. ولو قال لها: ملكتك طلاقك فطلقت نفسها فهل هو كطلاق الوكيل
فلا يقع إلا طلقتها لأنه لم يطلقها بنفسه، أو كطلاق نفسه فيقع الطلقة المعلقة أيضا؟ رجح الماوردي الثاني، واستشكل
بالتعليل المتقدم. وأجيب بأن الوكيل يشترط فيه أهليته لما وكل فيه فكان مستقلا، والمرأة لا أهلية فيها فكان المفوض
هو المطلق.
تنبيه: أفهم قوله: ثم طلق أو علق اشتراط تأخير التعليق، فلو علق طلاقها أولا بصفة ثم قال: إذا طلقتك فأنت
طالق، فوجدت الصفة فقط لم يقع الطلاق المعلق، لأنه لم يحدث بعد تعليق طلاقها شيئا، لأن وجود الصفة وقوع لا تطليق
ولا إيقاع، والتعليق مع وجود الصفة تطليق وإيقاع، أما مجرد التعليق فليس بتطليق ولا إيقاع ولا وقوع. ثم أشار
المصنف إلى التعليق بالوقوع لوجود الصفة فقط، فإنه وقوع لا إيقاع كما مر، بقوله: (أو كلما وقع) عليك (طلاق) فأنت
طالق، (فطلق) بعد هذا التعليق طلقة، (فثلاث) تقع (في ممسوسة) ومستدخلة ماءه المحترم حين وجود الصفة، لاقتضاء
كلما التكرار واحدة بالتنجيز، وثنتان بالتعليق بكلما واحدة بوقوع المنجز وأخرى بوقوع هذه الواحدة. (وفي غيرها)
316

أي غير الممسوسة، (طلقة) لأنها تبين بالمنجزة فلا يقع المعلق بعدها.
تنبيه: خرج بقوله: كلما وقع ما لو قال: كلما طلقتك فأنت طالق ثم طلق فثنتان فقط: المنجزة، وأخرى بحصول التعليق
المعلق. والفرق بين الايقاع والوقوع أن الأول يرجع للزوج والثاني للشرع، لأن الزوج لو أراد تعجيل المعلق
بصفة
لم يملك ذلك، لأنه يغير حكما ثابتا بالشرع. (ولو) علق ب‍ إن أو غيرها مما لا يقتضي التكرار، كأن (قال) من له عبيد
(وتحته) نسوة (أربع: إن) أو متى أو مهما أو إذا (طلقت واحدة) منهن (فعبد) منهم (حر، وإن) طلقت
(ثنتين) منهن (فعبدان) منهم حران، (وإن) طلقت (ثلاثا) منهن (فثلاثة) منهم أحرار، (وإن) طلقت (أربعا)
منهن (فأربعة) منهم أحرار، (فطلق أربعا معا أو مرتبا عتق عشرة) منهم مبهمة وعليه تعيينهم، لأنه بطلاق الأولى يعتق
واحد، واثنان بطلاق الثانية، وثلاثة بطلاق الثالثة، وأربعة بطلاق الرابعة، ومجموع ذلك عشرة.
تنبيه: أشعر تقريره المسألة بالعطف بالواو أنه قيد، وهو كذلك، فلو عطف الزوج بثم لم يضم الأول للثاني للفصل
بثم فلا يعتق بطلاق الثانية والرابعة شئ، لأنه لم يطلق بعد الأولى ثنتين ولا بعد الثالثة أربعا، ويعتق بطلاق الثالثة اثنان،
فمجموع العتقاء ثلاثة، ذكر ذلك الأسنوي، ثم قال: ويتجه أن تكون الفاء كثم. وظاهر كما قال شيخنا أن ما قاله
فيهما إنما يأتي في طلاقهن مرتبا، فلو طلقهن معا عتق عبد واحد. (ولو علق بكلما) كقول من له عبيد وتحته نسوة:
كلما طلقت واحدة من نسائي الأربع فعبد من عبيدي حر، وهكذا إلى آخر التعليقات الأربعة، ثم طلق النسوة الأربع
معا أو مرتبا، (فخمسة عشر) عبدا يعتقون عليه (على الصحيح) لأنها تقتضي التكرار كما مر، والقاعدة في ذلك أن
ما عد مرة باعتبار لا يعتق أخرى بذلك الاعتبار، فما عد
في يمين الثانية ثانية لا يعد بعدها أخرى ثانية، وما عد في يمين الثالثة ثالثة لا يعد بعدها ثالثة، فيعد واحد بطلاق الأولى وثلاثة بطلاق الثانية، لأنه صدق عليه طلاق واحدة
وطلاق ثنتين، وأربعة بطلاق الثالثة، لأنه صدق عليه طلاق واحدة، وطلاق ثلاث وسبعة بطلاق الرابعة، لأنه صدق
عليه طلاق واحدة وطلاق اثنتين غير الأوليين وطلاق أربع، فالمجموع خمسة عشر. وإن شئت قلت إنما عتق خمسة عشر،
لأن فيها أربعة آحاد واثنتين مرتين وثلاثة وأربعة والثاني: يعتق سبعة عشر، لأن في طلاق الثالثة وراء الصفتين
المذكورتين صفة أخرى وهي طلاق اثنتين بعد الأولى فيعتق عبدان آخران. والثالث: يعتق عشرون، سبعة عشر لما
ذكر وثلاثة لأن في طلاق الرابعة صفة أخرى وراء الصفات الثلاث وهي طلاق ثلاث بعد الأولى. والرابع: يعتق
ثلاثة عشر. وسواء أتى بكلما في التعليقات كلها، أم في الثلاثة الأول، أم في الأوليين، إذ لا تكرار في الأخيرين،
وإنما صورها الأصحاب بالاتيان بها في الكل ليتأتى مجئ الأوجه كلها التي منها أنه يعتق عشرون، لكن يكفي في ذلك
الاتيان بها في الثلاثة الأول كما قاله ابن النقيب، ولو أتى بها في الأول وحده أو مع الأخيرين عتق ثلاثة عشر،
أو في الثاني
وحده أو مع الأخيرين فاثنا عشر.
تنبيه: تعيين العبيد المحكوم بعتقهم إليه، قال الزركشي: أطلقوا ذلك ويجب أن يعين ما يعتق بالواحدة
وبالثنتين وبالثلاث وبالأربع، فإن فائدة ذلك تظهر في الأكساب إذا طلق مرتبا لا سيما مع التباعد، وكأنهم سكتوا عن
ذلك لوضوحه.
فرع: لو قال: كلما صليت ركعة فعبد من عبيدي حر، وهكذا إلى العشرة، فصلى عشرا عتق سبعة وثمانون
عبدا، وإن علق ب‍ إن ونحوها فخمسة وخمسون، وجميع أدوات التعلق بالنفي مقتضية للفور إلا في كلمة إن فللتراخي كما يشير
إليه قوله: (ولو علق) الطلاق (بنفي فعل) كدخول، أو نفي تطليق، أو ضرب أو غير ذلك، (فالمذهب أنه إن علق
317

بأن كإن لم تدخلي) الدار فأنت طالق، (وقع) الطلاق (عند اليأس من الدخول) للدار، وذلك بأن يموت أحدهما،
أو يجن الزوج جنونا متصلا بموته فيقع قبيل الموت أو الجنون بحيث لا يبقى زمن يمكنه أن يطلقها فيه لانتفاء التكليف
بكل منهما، وإنما لم يحصل اليأس بمجرد جنونه لاحتمال الإفاقة والتطليق بعدها، وكالجنون والاغماء والخرس الذي
لا كناية لصاحبه ولا إشارة مفهمة. قال الأسنوي: والتعبير بقبيل غير محرر، والصواب وقوعه إذا بقي ما لا يسع
التطليق، نبه عليه الماوردي والروياني. فإن فسخ النكاح أو انفسخ أو طلقها وكيله ومات أحد الزوجين قبل تجديد
النكاح أو الرجعة أو بعده ولم يطلق تبين وقوعه قبيل الانفساخ إن كان الطلاق المعلق رجعيا، إذ لا يمكن وقوعه
قبيل الموت لفوات المحل بالانفساخ إن لم يجدد وعدم عود الحنث إن جدد ولم يطلق فتعين وقوعه قبل الانفساخ.
فإن كان الطلاق بائنا لم يقع قبيل الانفساخ، لأن البينونة تمنع الانفساخ فيقع الدور، إذ لو وقع الطلاق لم يقع
الانفساخ فلم يحصل اليأس فلم يقع الطلاق. فإن طلقها بعد تجديد النكاح، أو علق بنفي فعل غير التطليق
كالضرب فضربها وهو مجنون أو وهي مطلقة انحلت اليمين. أما في الأولى فلان البر لا يختص بحال النكاح، ولهذا
تنحل اليمين بوجود الصفة حال البينونة. وأما الثاني، فلان ضرب المجنون في تحقق الصفة ونحوها كضرب العاقل،
والضرب حال البينونة ممكن بخلاف الطلاق. ومقتضى كلام الشيخين حينئذ عدم الوقوع وإن صرح في الوسيط بأنه
يقع قبيل البينونة. (أو) علق الطلاق (بغيرها) أي إن ك‍ إذا (فعند مضي زمن يمكن فيه ذلك للفعل) المعلق عليه
من وقت التعليق ولم يفعل وقع الطلاق، هذا هو المنصوص في صورتي إن وإذا، والفرق أن إن حرف شرط
لا إشعار لها بالزمان، وإذا ظرف زمان كمتى في التناول للأوقات، بدليل أنه إذا قيل: متى ألقاك صح أن يقول: إذا أو متى
شئت أو نحوهما، ولا يصح إن شئت، فقوله: إن لم أطلقك معناه، إن فاتني تطليقك، وفواته باليأس، وقوله: إذا لم
أطلقك معناه: أي وقت فاتني فيه التطليق، وفواته بمضي زمن يتأتى فيه التطليق ولم يطلق. والطريق الثاني في
كل من
الصورتين قولان بتخريج قول كل منهما إلى الأخرى. أما غير إن وإذا من الأدوات كمتى ومتى ما فللفور قطعا
كما يفهمه إطلاق المصنف، فإن قال: أردت بإذا معنى إن قبل باطنا وكذا ظاهرا، لأن كلا منهما قد يقوم مقام الآخر،
وإن أراد بأن معنى إذا قبل ظاهرا لأنه غلظ على نفسه، وإن أراد بغير إن وقتا معينا قريبا أو بعيدا دين لاحتمال ما أراد.
فإن قيل: قد قلتم إنه إذا أراد ب‍ إذا معنى إن أنه يقبل ظاهرا، وهنا ليس كذلك. أجيب بأنه ثم أراد بلفظ معنى لفظ آخر
بينهما اجتماع في الشرطية بخلافه هنا.
فرع: لو قال: إن لم أطلقك اليوم فأنت طالق فمضى اليوم ولم يطلقها طلقت قبيل الغروب لحصول اليأس حينئذ،
ولو قال: إن تركت طلاقك أو إن سكت عنه فأنت طالق اشترط الفور، فإن لم يطلقها في الحال طلقت لوجود الصفة،
بخلاف ما إذا نفاهما فقال: إن لم أترك طلاقك أو إن لم أسكت عنه فأنت طالق فلا يقتضي الفور كما علم مما مر، فإن
طلق فورا واحدة ثم سكت انحلت يمين الترك فلا يقع أخرى لأنه لم يترك طلاقها، ولا تنحل يمين السكوت فتقع أخرى
ولسكوته وانحلت يمينه. والفرق أنه علق في الأولى على الترك ولم يوجد، وفي الثانية على السكوت وقد وجد، إذ يصدق
عليه أن يقال سكت عن طلاقها وإن لم يسكت أولا، ولا يصح أن يقال ترك طلاقها إذا لم يتركه أولا. ولو كان التعليق
المذكور بصيغة كلما فمضى قدر ما يسع ثلاث تطليقات متفرقات بلا تطليق طلقت ثلاثا إن لم تبن بالأولى، وإلا فتطلق
واحدة فقط. وحين أو حيث مهما أو كلما لم أطلقك كقوله: إذا لم أطلقك فيما مر. (ولو قال: أنت طالق ان دخلت)
الدار، (أو أن لم تدخلي) بفتح همزة (أن، وقع في الحال) دخلت أم لا، لأن أن المفتوحة للتعليل، لأن التقدير: لأن
دخلت، وحذف اللام مع أن كثير، قال تعالى: * (أن كان ذا مال وبنين) *. قال الزركشي: ومحل كونها للتعليل
في غير التوقيت، فإن كان فيه فلا، كما لو قال: أنت طالق أن دخلت السنة أو للبدعة لأن ذلك بمنزلة: لأن جاءت،
318

واللام في مثله للتوقيت، كقوله: أنت طالق للسنة أو البدعة، وهذا متعين وإن سكتوا عنه اه‍. وما قاله في لأن جاءت
ممنوع، قال شيخنا: ولئن سلم فلهم أن يمنعوا ذلك في أن جاءت، فإن المقدر ليس في قوة الملفوظ مطلقا. (قلت: إلا
في غير نحوي فتعليق في الأصح، والله أعلم) فلا تطلق حتى توجد الصفة لأن الظاهر قصده له، وهو لا يميز بين الأدوات.
والثاني: يقع حالا لأن هذا مقتضى اللفظ فلا يغير بلا قصد.
تنبيه: لو قال: أنت طالق إذ دخلت الدار طلقت في الحال لأن إذ للتعليل أيضا، فإن كان القائل لا يميز بين إذ
وإذا فيمكن أن يكون الحكم كما لو يميز بين إن وأن، وهذا ما نقله صاحب الذخائر عن الشيخ أبي حامد الشيرازي،
وهو ظاهر. ولو قال: أنت طالق أن شاء الله بالفتح أو إذ شاء الله أو ما شاء الله وقع في الحال طلقة واحدة، لأن
الأولين للتعليل، والواحدة هي اليقين في الثالث، وظاهره أنه لا فرق بين النحوي وغيره كما صرح في الروضة بتصحيحه
هنا، وجرى على ذلك ابن المقرى. فإن قيل: كان ينبغي التسوية بين إن دخلت الدار وبين أن شاء الله بفتح همزة
أن فيهما كما قيل به. أجيب بأن حمل إن شاء الله على التعليق يؤدي إلى رفع الطلاق أصلا، بخلاف أن دخلت الدار،
وأيضا المشيئة لا يغلب فيها التعليق فعند الفتح تنصرف للتعليل مطلقا، بخلاف الأول فإنه يغلب فيه التعليق فعند الفتح
يفرق بين العالم بالعربية وغيره. ولو قال نحوي: أنت طالق أن طلقتك بالفتح، طلقت في الحال طلقتين، إحداهما بإقراره
والأخرى بإيقاعه في الحال، لأن المعنى أنت طالق لأني طلقتك. ولو قال: أنت طالق طالقا لم يقع عليه شئ حتى يطلقها
فتطلق حينئذ طلقتين، والتقدير: إذا صرت مطلقة فأنت طالق. هذا إن لم تبن بالطلقة المنجزة وإلا فلا يقع غيرها.
والأصح في الروضة كأصلها هنا في اعتراض الشرط على الشرط كإن أكلت إن شربت فأنت طالق تأخر المتقدم منهما
فلا تطلق في هذا المثال حتى يتقدم شربها على أكلها لأن الثاني قيد في الأول، والمراد بتقدمه عدم تأخيره، ومقابل
الأصح رجحه في الروضة كأصلها في باب التدبير.
فصل: في تعليق الطلاق بالحمل والحيض وغيرهما: إذا (علق) الطلاق (بحمل) كقوله: إن كنت حاملا
فأنت طالق، (فإن كان) بها (حمل ظاهر وقع) الطلاق في الحال لوجود الشرط.
تنبيه: المراد بظهور الحمل أن تدعيه الزوجة ويصدقها الزوج على ذلك، أو يشهد به رجلان بناء على أن الحمل
يعلم لا بقول أربع نسوة، لأن الطلاق لا يقع بذلك، كما لو شهدن بولادة امرأة فإنه يثبت النسب، ولا يقع الطلاق المعلق
على الولادة بقولهن، نبه على ذلك الولي العراقي. (وإلا) أي وإن لم يكن لها حمل ظاهر لم يقع حالا وينظر حينئذ.
(فإن ولدت) ولدا كاملا (لدون ستة أشهر من) حين (التعليق بأن وقوعه) حينئذ لوجود الحمل حين التعليق،
إذ لا يمكن أن يمكن أن يأتي به كاملا لأقل من ذلك. أما إذا ألقت لدونها علقة أو مضغة يمكن حدوثها بعد التعليق فلا يقع
عليه شئ. (أو) ولدت (لأكثر من أربع سنين) من التعليق، (أو بينهما) أي الستة أشهر والأربع سنين،
(ووطئت) بعد التعليق (وأمكن حدوثه) أي الحمل (به) أي الوطئ بأن كان بين الوطئ والوضع ستة أشهر فأكثر،
(فلا) يقع بالتعليق طلاق للعلم بعلوم وجوده عند التعليق في الصورة الأولى، لأن الحمل لا يكون أكثر من أربع سنين،
ولجواز حدوثه في الصورة الثانية من الوطئ استصحاب أصل دوام النكاح. ولا فرق في الصورة الأولى بين أن يطأ
أم لا. والتمتع بالوطئ وغيره فيهما جائز لأن الأصل عدم الحمل وبقاء النكاح، لكن يسن له اجتنابها حتى يستبرئها
احتياطا، فلو وطئها قبل الاستبراء أو بعده وبانت حاملا كان شبهة، والاستبراء هنا كما في الأمة، فيكون بحيضة أو
بشهر، وقيل: التعليق كاف لأن المقصود معرفة حالها في الحمل. (وإلا) بأن لم توطأ أصلا بعد التعليق، أو وطئت بعده
من زوج أو شبهة أو زنا ولم يمكن حدوث حمل من ذلك الوطئ بأن كان بينه وبين الوضع دون ستة أشهر، (فالأصح
319

وقوعه) لتبين الحمل ظاهرا، ولهذا حكم بثبوت النسب. والثاني: لا يقع لاحتمال حدوث الحمل بعد التعليق باستدخالها
منيه، والأصل بقاء النكاح.
تنبيه: لو لم يظهر حمل ولكن ادعته المرأة وصدقها الزوج، ففي فتاوى القفال يقع في الحال. ولو قال: إن
كنت حائلا أو إن لم تكوني حاملا فأنت طالق وهي ممن تحبل حرم وطؤها قبل الاستبراء، لأن الأصل والغالب في النساء
الحيال، والفراغ من الاستبراء موجب للحكم بالطلاق لظاهر الحال، فتحسب الحيضة أو الشهر من العدة التي وجبت
بالطلاق فتتمها، ولا يحسب منها الاستبراء قبل التعليق لتقدمه على موجبها، فإن ولدت ولو بعد الاستبراء لم تطلق إن
ولدت لدون ستة أشهر أو لدون أربع سنين ولم توطأ لتبين أنها كانت حاملا عند التعليق، لا إن وطئت وطئا يمكن كونه
منه لأن الظاهر حيالها حينئذ وحدوث الولد من هذا الوطئ، ولا إن ولدت لأربع سنين فأكثر من التعليق لتحقق
الحيال عنده، فإن وطئها قبل الاستبراء أو بعده وبانت المطلقة منه لزمه المهر لا الحد للشبهة. أما إذا لم تكن ممن تحبل،
كأن كانت صغيرة وآيسة، فتطلق في الحال. ولو قال: إن أحبلتك فأنت طالق فالتعليق بما يحدث من الحمل، فلو كانت
حاملا لم تطلق بل يتوقف طلاقها على حمل حادث، فإن وضعت أو كانت حائلا لم يمنع من الوطئ، وكلما وطئ وجب
استبراؤها. فإن قيل: تقدم قريبا أنه لا يجب استبراؤها بل يسن. أجيب بأن ما تقدم فيما إذا كان قبل الوطئ، وهذا
فيما بعده. (وإن قال: إن كنت حاملا بذكر) أو إن كان في بطنك ذكر، (فطلقة) بالنصب، أي فأنت طالق طلقة، (أو أنثى
فطلقتين، فولدتهما) معا أو مرتبا وكان بينهما دون ستة أشهر، (وقع ثلاث) لتحقق الصفتين، وإن ولدت أحدهما وقع المعلق
به، وإن ولدت خنثى وقع طلقة في الحال، لأنها محققة، وتوقف الثانية إلى بيان حاله وتنقضي العدة في جميع هذه الصور
بالولادة ويكون الوقوع من اللفظ. وإن ولدت أنثى وخنثى فطلقتان، وتوقف الثالثة حتى يتبين حال الخنثى وتنقضي العدة
بالولادة لوقوع الطلاق من حين اللفظ كما مر.
تنبيه: ما ذكر من التعليق يقتضي أنها إذا ولدت لدون ستة أشهر وكان الحمل حين الحلف علقة أو مضغة أنه يقع
الطلاق مع كون الحمل إذ ذاك لا يوصف بكونه ذكرا ولا أنثى. قال في المطلب: فإن تخيل في الجواب عنه أن الله تعالى
أجرى عليه حكم الذكر والأنثى في قوله: * (يوصيكم الله في أولادكم) * فاليمين لا ينزل على ذلك كما ذكروه في الايمان. وقال
الزركشي: قد يقال إنه ذكرا أو أنثى من حين وقوع النطفة في الرحم وبالتخطيط ظهر ذلك اه‍. وأو في كلام المصنف
هنا وفيما بعد بمعنى الواو، ولو عبر بها كان أولى لأن الكلام في الجمع بين تعليقين. (أو) قال: (إن كان حملك) أو ما في
بطنك (ذكرا فطلقة) أي فأنت طالق طلقة، (أو أنثى فطلقتين فولدتهما لم يقع شئ) لأن قضية اللفظ كون جميع الحمل
ذكرا أو أنثى ولم يوجد، فلو ولدت ذكرين أو أنثيين فكذكر أو أنثى ليقع بالذكر طلقة بالأنثى طلقتان، لأن معنى
ذلك إن كان حملك أو ما في بطنك من هذا الجنس. وإن ولدت خنثى وذكرا وقف الحكم، فإن بان الخنثى ذكرا
فواحدة أو أنثى لم يقع شئ. وإن ولدت خنثى وأنثى وقف الحق كما مر، فإن بان الخنثى أنثى فطلقتان أو ذكرا لم
يقع شئ. (أو) قال: (إن ولدت فأنت طالق) طلقت بانفصال ما تم تصويره ولو ميتا وسقطا، بخلاف ما لم يتم، فإن مات
أحد الزوجين قبل خروجه ولو بعد خروج بعضه لم يطلق لأن الولادة لم توجد حال الزوجية، وإذا كان التعليق بالولادة
(فولدت اثنين مرتبا طلقت بالأول) منهما لوجود الصفة (وانقضت عدتها بالثاني) إن لحق الزوج، ولا يقع به طلاق
سواء أكان من حمل الأول بأن كان بين وضعهما دون ستة أشهر أم من حمل آخر بأن وطئها بعد ولادة الأول وأتت
بالثاني لأربع سنين فأقل. وخرج بمرتبا ما لو ولدتهما معا فإنها وإن طلقت واحدة لا تنقضي العدة بهما ولا بواحد منهما
بل تشرع في العدة من وضعهما.
320

فرع: لو قال: إن ولدت ذكرا فطلقة أو أنثى فثنتان فولدتهما معا فثلاث، وإن ولدت ذكرين فواحدة، أو
قال: إن ولدت فطلقة وإن ولدت ذكرا فطلقتين فولدت ذكرا فثلاث أو خنثى فواحدة، فإن اتضح حكم بمقتضاه. (وإن
قال: كلما ولدت) ولدا فأنت طالق، (فولدت ثلاثة من حمل) مرتبا. (وقع بالأولين طلقتان) لاقتضاء كلما التكرار،
(وانقضت) عدتها (بالثالث) لتبين براءة الرحم. (ولا يقع به ثالثة على الصحيح) المنصوص، إذ به يتم انفصال
الحمل الذي تنقضي به العدة فلا يقارنه طلاق، ولهذا لو قال: أنت طالق مع موتي لم يقع إذا مات لأنه وقت انتهاء النكاح،
أو قال لغيره موطوءة: إذا طلقتك فأنت طالق فطلق لم يقع أخرى لمصادفتها البينونة. والثاني: يقع به طلقة ثالثة وتعتد
بعده بالأقراء. أما إذا ولدتهم معا فإنها تطلق ثلاثا إن نوى ولدا وإلا فواحدة كما قاله شيخنا في شرح منهجه،
وتعتد
بالأقراء. فإن ولدت أربعا مرتبا وقع ثلاثا بولادة ثلاث وتنقضي عدتها بالرابع، أو ولدت اثنين وقع طلقة وتنقضي
عدتها بالثاني ولا يقع به ثانية لما مر. (ولو قال لأربع) حوامل منه: (كلما ولدت واحدة) منكن أو أيتكن ولدت
(فصواحبها طوالق، فولدن معا طلقن) أي وقع الطلاق على كل واحدة واحدة (ثلاثا ثلاثا) لأن لكل واحدة منهن
ثلاث صواحب فيقع بولادتها على كل من الثلاث طلقة، ولا يقع بها على نفسها شئ وعدتهن جميعا بالأقراء أو الأشهر.
وصواحب جمع صاحبة كضوارب جمع ضاربة.
تنبيه: تصويره بكلما تبع فيه المحرر والروضة. وهو يوهم اشتراط أداة التكرار. قال ابن النقيب: وليس
كذلك فإن التعليق ب‍ إن كذلك، فلو مثل بها كان أحسن. وقوله ثلاثا الثاني دافع لاحتمال إرادة طلاق المجموع
ثلاثا. (أو) ولدن (مرتبا) بحيث لا تنقضي عدة واحدة بأقرائها قبل ولادة الأخرى، (طلقت الرابعة ثلاثا) بولادة
كل من صواحبها الثلاث طلقة إن بقيت عدتها وانقضت بولادتها. (وكذا الأولى) تطلق أيضا ثلاثا بولادة كل من
صواحبها الثلاث طلقة، (إن بقيت عدتها) لا عند ولادة الرابعة وتعتد بالأقراء أو الأشهر ولا تستأنف عدة الطلقة الثانية
والثالثة، بل تبني على ما مضى من عدتها. (و) طلقت (الثانية طلقة) بولادة الأولى، (و) طلقت (الثالثة طلقتين)
بولادة الأولى والثانية، (وانقضت عدتهما بولادتهما) فلا يقع عليهما طلاق بولادة من بعدهما.
تنبيه: محل ذلك ما إذا لم يتأخر وضع ثاني توأميهما إلى ولادة الرابعة ولا طلقت كل واحدة منهما ثلاثا ثلاثا.
(وقيل: لا تطلق الأولى) أصلا (وتطلق الباقيات طلقة طلقة) بولادة الأولى، لأنهن صواحبها عند ولادتها، لاشتراك
الجميع في الزوجة حينئذ، وبطلاقهن انقضت الصحبة بين الجميع، فلا تؤثر ولادتهن في حق الأولى ولا ولادة بعضهن في
حق بعض. وأجاب الأول بأن الطلاق الرجعي لا ينفي الصحبة والزوجية، فإنه لو حلف بطلاق نسائه دخلت الرجعية
فيه. (وإن ولدت ثنتان معا ثم) ولدت (ثنتان معا طلقت الأوليان) بضم الهمزة، أي كل منهما، (ثلاثا ثلاثا) طلقة
بولادة من ولدت معها وطلقتين بولادة الأخريين وعدتهما بالأقراء. (وقيل) طلقت كل منهما (طلقة) فقط بولادة
رفيقتها وانتفت الصحبة من حينئذ. (والاخريان) بضم الهمزة: أي كل منهما، (طلقتين طلقتين) بولادة كل من
الأولين طلقة ولا يقع عليهما بولادة الأخرى شئ وتنقضي عدتهما بولادتهما. ولو ولدت ثلاثا معا ثم الرابعة طلقت كل
منهن ثلاثا ثلاثا، وإن ولدت واحدة ثم ثلاثا معا طلقت الأولى ثلاثا وكل من الباقيات طلقة فقط، وإن ولدت ثنتان مرتبا
ثم ثنتان معا طلقت الأولى ثلاثا والثانية طلقة والاخريان طلقتين طلقتين، وإن ولدت ثنتان معا ثم ثنتان مرتبا طلق كل
321

من الأولين والرابعة ثلاثا والثالثة طلقتين، وإن ولدت واحدة ثم ثنتان معا ثم واحدة طلق كل من الأولى والرابعة
ثلاثا
وكل من الثانية والثالثة طلقة وتبين كل منهما بولادتها.
تنبيه: محصل ما ذكر في المتن والشرح ثمان صور، وضابطها أن إيقاع الثلاث على كل واحدة هو القاعدة
إلا من وضعت عقب واحدة فقط فتطلق طلقة فقط أو عقب ثنتين فقط فتطلق طلقتين فقط. ثم شرع في التعليق بالحيض
فقال: (و) لو قال لزوجته: إن حضت فأنت طالق طلقت بأول حيض مقبل، فلو علق في حال حيضها لم تطلق حتى
تطهر ثم تشرع في الحيض، فإن انقطع الدم قبل يوم وليلة تبين أن الطلاق لم يقع أو قال: إن حضت حيضة فأنت
طالق، فبتمام حيضة مقبلة لأنه قضية اللفظ. و (تصدق بيمينها في حيضها) سواء وافق عادتها أم لا، (إذا علقه) أي طلاقها
(به) أي الحيض وقالت: حضت وكذبها الزوج لأنها أعرف منه، وكذا الحكم فيما لا يعرف إلا منها كالحب والبغض
والنية. وإنما حلفت للتهمة لأنها تتخلص به من النكاح، أما إذا صدقها الزوج فلا تحليف، (لا في ولادتها) إن علق الطلاق
بها كإن ولدت فأنت طالق، فقالت ولدت وكذبها الزوج وقال هذا الولد مستعار مثلا، فالقول قوله: (في
الأصح) لامكان إقامة البينة عليها، بخلاف الحيض فإنه يتعذر، أي يتعسر إقامة البينة عليه وإن شوهد الدم لجواز أن
يكون دم استحاضة، كذا قاله الرافعي هنا، لكن المنقول في الشهادات في الشرح والروضة الجزم بقبول الشهادة
بالحيض، وذكر المصنف في فتاويه أنه لا خلاف فيه. وقد يقال أخذا مما يأتي أنه لا تعارض لأن ما هنا ثبوت حيض
يترتب عليه طلاق، وذلك لا يثبت بشهادة النسوة بالحيض، وما هناك ثبوت حيض بشهادة النسوة فلا تعارض. والثاني
وعليه جمع: تصدق بيمينها لأنها مؤتمنة في رحمها حيضا وطهرا أو وضع حمل في العدة، وقد قال تعالى: * (ولا يحل لهن أن
يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) *.
تنبيه: محل الخلاف بالنسبة إلى الطلاق المعلق به، أما في لحوق الولد به فلا تصدق قطعا كما نقله القاضي أبو
الطيب في شرح الفروع عن الأصحاب، بل يعتبر تصديقه أو شهادة أربع نسوة ثقات. (ولا تصدق فيه) أي الحيض
(في تعليق) طلاق (غيرها) على حيضها ك‍ إن حضت فضرتك طالق، فقالت: حضت وكذبها الزوج، فالقول قوله
بيمينه لأنه لا سبيل إلى تصديقها بغير يمين، وإذا حلفت لزم الحكم للانسان بيمين غيره وهو ممتنع.
تنبيه: اعترض على هذا ابن الرفعة بأن الانسان يقبل قوله فيما لا يعلم إلا من جهته بلا يمين ويقضي بذلك
على غيره، كما لو قال: أنت طالق إن شاء زيد، فقال: شئت، فإنه يصدق في ذلك بغير يمين ويقع الطلاق اه‍. وفرق
بعضهم بإمكان إقامة البينة على الحيض بخلاف المشيئة، وهذا الفرق إنما يأتي على القول بقبول الشهادة بالحيض،
وقد مر الكلام فيه. وأيضا إقامة البينة على المشيئة ممكن، فإن المشيئة يشترط فيها اللفظ كما سيأتي، فهذا الفرق
ممنوع، والاشكال أيضا ممنوع فإنه لا بد من تصديق الزوج له أو إقامة البينة، فقوله: قد وقعت مني المشيئة، فإن لم
يصدقه الزوج ولم تقم بينة بذلك لم يقع به طلاق. (ولو) علق طلاق كل من زوجتيه بحيضها معا، كأن (قال)
لهما: (إن حضتما فأنتما طالقتان فزعمتاه) أي الحيض وصدقهما الزوج فيه طلقتا لوجود الصفة المعلق عليها باعترافه.
(و) إن (كذبهما) فيما زعمتاه (صدق بيمينه ولم يقع) طلاق واحدة منهما، لأن الأصل عدم الحيض وبقاء
النكاح. نعم إن أقامت كل واحدة منهما بينة بحيضها وقع، صرح به في الشامل، وتوقف فيه ابن الرفعة لأن
الطلاق لا يثبت بشهادتهن. ويشهد له قول الرافعي أنه لو علق طلاقها بولادتها فشهد بها النسوة لا يقع، وقول
الأذرعي: إن ما قاله ابن الرفعة ضعيف لأن الثابت بشهادتهن الحيض، وإذا ثبت ترتب عليه وقوع الطلاق ممنوع،
إذ لو صح ما ذكره وقع الطلاق المعلق على الولادة إذا ثبت بشهادتهن ولم يقع. (وإن كذب واحدة) منهما فقط،
(طلقت) أي المكذبة (فقط) إن حلفت أنها حاضت لثبوت حيضها بيمينها وحيض ضرتها بتصديق الزوج، ولا
322

تطلق المصدقة إذ لم يثبت حيض ضرتها إلا بيمينها، واليمين لا تؤثر في حق غير الحالف كما مر. وتطلق المكذبة فقط
بلا يمين في قوله لهما: من حاضت منكما فصاحبتها طالق وادعياه وصدق إحداهما وكذب الأخرى، لثبوت حيض المصدقة
بتصديق الزوج.
تنبيه: عطفه: زعمتاه بالفاء يشعر بأنهما لو قالتا فورا حضنا يقبلان، وليس مرادا، بل لا بد من حيض
مستأنف، وهو يستدعي زمنا، ويشعر أيضا باستعمال الزعم في القول الصحيح، والأكثر استعماله فيما إذا لم يقم دليل
على صحته وأقيم على خلافه، كقوله تعالى: * (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا) *.
فروع: لو قال لزوجتيه: إن حضتما حيضة فأنتما طالقتان، فقيل: لم يتعلق بهما طلاق لاستحالة أن يحيضا حيضة
واحدة، والأصح أنهما إذا حاضتا طلقتا بحيضهما لأن الاستحالة نشأت من قوله: حيضة فتلغى ويبقى التعليق بمجرد
حيضهما فتطلقان برؤية الدم كما مر. ولو قال: إن ولدتما ولدا فأنتما طالقتان ففيه هذا الخلاف، أما إذا قال: ولدا واحدا
أو حيضة واحدة فهو محال فلا يقع به طلاق لأن الواحد نص في الوحدة بخلاف الحيضة والولد فإنه يحتمل الجنس.
ولو قال لأربع نسوة: أيتكن حاضت فصواحبها طوالق فقلن: حضنا، فإن صدقهن طلقت كل واحدة منهن ثلاثا لأنه
جعل حيض كل منهن صفة لطلاق البواقي ولكل واحدة ثلاث صواحب وقد حضن، وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن
لأن كلا منهن لا تصدق في حق غيرها، وإن صدق واحدة طلقت المكذبات طلقة طلقة لأن لكل منهن صاحبة ثبت
حيضها، إن صدق اثنتين طلقت كل واحدة من المكذبتين طلقتين لأن لكل منهما صاحبتين ثبت حيضهما، وطلقت
كل واحدة من المصدقتين طلقة لأن لكل واحدة صاحبة وواحدة ثبت حيضها. وإن كذب واحدة فقط طلقت المكذبة
ثلاثا لأن لها ثلاث صواحب ثبت حيضهن، وطلقت كل واحدة من المصدقات طلقتين لأن لكل واحدة منهن صاحبتين
ثبت حيضهما. ولو قال لأربع: إن حضتن فأنتن طوالق فقلن: حضنا فإن صدقهن طلقهن واحدة واحدة، وإن
كذبهن لم يطلقهن، وإن كذب واحدة وحلفت طلقت طلقة دون الباقيات، وإن كذب أكثر من واحدة لم تطلق
واحدة منهن. ثم أشار إلى المسألة المشهورة بالسريجية، وهي الدورية المنسوبة لابن سريج المذكورة في قوله: (ولو
قال: إن أو إذا أو متى) أو نحوه (طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا فطلقها) طلقة أو أكثر كما قاله صاحب التعجيز، (وقع
المنجز فقط) ولا يقع معه المعلق، لأنه لو وقع لم يقع المنجز لزيادته المملوك وإذا لم يقع المنجز لم يقع المعلق لأنه
مشروط به، فوقوعه محال بخلاف وقوع المنجز، إذ قد يتخلف الجزاء عن الشرط بأسباب كما لو علق عتق سالم
بعتق غانم في مرض موته ولا يفي ثلث ماله إلا بأحدهما لا يقرع بينهما بل يتعين عتق غانم. وشبه هذا بما لو أقر
أخ بابن الميت ثبت النسب دون الإرث، ولان الجمع بين المعلق والمنجز ممتنع، ووقوع أحدهما غير ممتنع، والمنجز أولى
بأن يقع لأنه أقوى، من حيث أن المعلق يفتقر إلى المنجز ولا ينعكس. وهذا الوجه قال في المحرر: إنه أولى، وفي
الشرحين والروضة فيشبه أن يكون الفتوى به أولى، وصححه المصنف في التنبيه، وإليه ذهب الماوردي، ونقله عن
ابن سريج وقال: من نقل عنه غيره فقد وهم، ونقله ابن يونس عن أكثر النقلة (وقيل) وقع (ثلاث) واختاره
الإمام ورجحه ابن أبي عصرون وصاحب الاستقصاء. واختلفوا في كيفية وقوع الثلاث على وجهين، أصحهما وهو
المذكور في المحرر أنه تقع الطلقة المنجزة وطلقتان من الثلاث المعلقة، لأنه إذا وقعت المنجزة حصل شرط وقوع الثلاث
لأن الطلاق لا يزيد على ثلاث فيقع من المعلق تمام الثلاث، وعلى هذا يشترط أن يكون مدخولا بها لأن وقوع طلقتين
بعد طلقة لا يتصور إلا في المدخول بها. والثاني: يقع الثلاث المعلقة ويجعل كأنه قال متى تلفظت بأنك طالق فأنت طالق
قبله ثلاثا. وزيفه الإمام، وعلى هذا سواء المدخول بها وغيرها. (وقيل لا شئ) يقع، لا المنجز ولا المعلق، لأنه لو وقع
المنجز لوقع المعلق قبله بحكم التعليق، ولو وقع المعلق لم يقع المنجز، وإذا لم يقع المنجز لم يقع المعلق، وهذا ما صححه
323

الأكثرون على ما اقتضاه إيراد الشرح والروضة، ونقلاه عن رواية صاحب الافصاح عن النص، ونسبه في البحر
إلى جمهور الخراسانيين، وحكاه الإمام عن المعظم، وهو المشهور عن ابن سريج كما نقله الأكثرون عن كتاب الغنية
له، وبه اشتهرت المسألة، قال الأذرعي: ورأيته صرح به في كتاب الودائع، لكن في كتاب الزيادات له أنه يقع
المنجز، وهذان النقلان سبب اضطرابهم في النقل عنه. وممن قال بعدم وقوع شئ المزني وابن الحداد والقفال وغيرهم،
ونقل في البحر عن القاضي أبي الطيب: أن الشافعي رضي الله عنه نص عليه في المسائل المنثورة، ونصره السبكي
أولا، وصنف فيه تصنيفين ثم رجع عنه ونصر القائل بإيقاع الثلاث. وقال الأسنوي في التنقيح: إذا كان صاحب
المذهب قد نص عليه وقال به أكثر الأصحاب خصوصا الشيخ أبا حامد شيخ العراقيين والقفال شيخ المراوزة،
كان هو الصحيح. وقال في المهمات: فكيف يسوغ الفتوى بما يخالف نص الشافعي وكلام الأكثرين اه‍. ولما
اختار الروياني هذا الوجه قال: لا وجه لتعليم العوام هذه المسألة في هذا الزمان. وعن الشيخ عز الدين: أنه لا يجوز
التقليد في عدم الوقوع. وهو الظاهر، وإن نقل عن البلقيني والزركشي الجواز. وقال ابن الصباغ: وددت لو محيت
هذه المسألة، وابن سريج برئ مما نسب إليه فيها.
تنبيه: إذا قلنا بانحسام الطلاق وأراد أن يطلق فله طرق: منها أنه يوكل في طلاقها لأنه لم يطلقها. ومنها
أن يضيف الطلاق لبعضها لأنه لم يطلقها وإنما طلق بعضها، ومحل هاتين الصورتين كما قال الزركشي فيما إذا كان
التعليق بالتطليق، فإن كان بالوقوع كأن قال: ومتى وقع عليك طلاقي لم يقع في الصورتين، وطريقه حينئذ المفارقة
بالفسخ إن وجد سببه. (ولو قال: إن ظاهرت منك أو آليت أو لاعنت أو فسخت) نكاحي (بعيبك) مثلا (فأنت
طالق قبله) أي قبل كل ما ذكر (ثلاثا، ثم وجد المعلق به) من الظهار أو غيره، (ففي صحته) أي المعلق به، وهو
الظهار وما بعده (الخلاف) فعلى الأول الراجح يصح ويلغو تعليق الطلاق لاستحالة وقوعه، وعلى الثالث يلغوان
جميعا، ولا يأتي الثاني هنا. (ولو قال: إن وطئتك) وطئا (مباحا فأنت طالق قبله) واحدة أو أكثر، (ثم وطئ لم
يقع) طلاق (قطعا) إذ لو طلقت لم يكن الوطئ مباحا، وإنما لم يأت الخلاف هنا لأن موضعه إذا انسد بتصحيح
الدور يأتي الطلاق أو غيره من التصرفات الشرعية، وهنا لم ينسد لأن التعليق هنا وقع بغير الطلاق فلم ينسد عليه
باب الطلاق.
تنبيه: لو قال: إن راجعتك فأنت طالق قبله ثلاثا ثم راجعها نفذت الرجعة ولم يقع المعلق للدور. ولو قال
لامرأته: إن بدأتك بالكلام فأنت طالق فقالت له: وإن بدأتك بالكلام فعبدي حر فكلمها لم تطلق المرأة، لأنه
خرج عن كونه مبتدئا بقولها: وإن بدأتك ولم يعتق العبد إذا كلمته بعد ذلك لخروجها عن كونها مبتدئة بكلامه، فلو كلمته
أولا عتق العبد لأنها ابتدأت كلامه. وكذا لا تطلق المرأة ولا يعتق العبد لو قال كل منهما: إن بدأتك بالسلام إلى آخر
ما مر، فسلما معا، لعدم ابتداء كل منهما. ولو قال لزوجته: متى دخلت الدار وأنت زوجتي فعبدي حر قبله ومتى دخلها
وهو عبدي فأنت طالق قبله ثلاثا فدخلا معا لم يعتق العبد ولم تطلق الزوجة للزوم الدور، لأنهما لو حصلا لحصلا معا قبل
دخولهما، ولو كان كذلك لم يكن العبد عبده وقت الدخول ولا المرأة زوجته حينئذ فلا تكون الصفة المعلق عليها حاصلة،
ولا يأتي في هذه القول ببطلان الدور إذ ليس فيها سد باب التصرف، ولو دخلا مرتبا وقع المعلق على المسبوق دون
السابق، فلو دخلت المرأة أولا ثم العبد عتق ولم تطلق هي، لأنه حين دخل لم يكن عبدا فلم تحصل صفة طلاقها،
وإن دخل العبد أولا ثم المرأة ثم طلقت ولم يعتق العبد، وإن لم يذكر في تعليقه المذكور لفظة قبله في الطرفين، ودخلا معا
عتق وطلقت، لأن كلا منهما عند الدخول بالصفة المشروطة، وإن دخلا مرتبا فكما سبق في نظيرتها. (ولو علقه) أي
324

الزوج الطلاق (بمشيئتها خطابا) أي وهو مخاطب لها، كقوله: أنت طالق إن أو إذا شئت، أو إن أو إذا شئت فأنت
طالق، (اشترطت) مشيئتها لفظا (على فور) لتضمن ذلك لتمليكها الطلاق كطلقي نفسك كما مر ولأنها استبانة لرغبتها،
فكان جوابها على الفور كالقبول في العقود والمراد بالفور مجلس التواجب كما قالاه هنا وفي الخلع، وقيل: إذا شاءت
في المجلس طلقت، لأن حريم العقد يقوم مقامه كما في القبض في التصرف والسلم، وقيل: أي وقت شاءت طلقت، ولا
يتقيد ذلك بوقت، كما لو قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق.
تنبيه: هذا في التعليق بغير نحو متى كأي وقت، أما فيه فلا يشترط الفور. (أو) علق الطلاق بمشيئتها (غيبة)
كزوجتي طالق إن شاءت ولو حضرت وسمعته، (أو) علقه (بمشيئة أجنبي) خطابا، كقوله لأجنبي: إن شئت فزوجتي طالق،
(فلا) يشترط فور (في الأصح) لبعد التمليك في الأولى ولانتفائه في الثانية. والثاني: يشترط الفور، نظرا إلى تضمن
التمليك في الأولى وإلى الخطاب في الثانية. أما إذا علقه بمشيئة أجنبي غيبة ك‍ إن شاء زيد لم يشترط الفور جزما، ولو علقه
بمشيئتها خطابا وبمشيئة زيد كذلك اشترط الفور في مشيئتها فقط دون زيد إعطاء لكل منهما حكمه لو انفرد. (ولو قال
المعلق بمشيئته) من زوجة أو أجنبي (شئت كارها بقلبه، وقع) الطلاق ظاهرا وباطنا لوجود المعلق عليه وهو لفظ المشيئة،
وهذا ما في المحرر ونقلاه في الروضة وأصلها عن البغوي وهو المعتمد (وقيل: لا يقع باطنا) لانتفاء المشيئة في الباطن،
وهذا ما نقلاه في الروضة وأصلها عن القاضي الحسين ونقلا في أوائل الاقرار ما يوهم ترجيحه وهو قضية كلام القاضي
أبي الطيب أيضا. وأجاب الأول بأن ما في الباطن لخفائه لا يقصد التعليق به، وإنما يقصد باللفظ الدال عليه وقد وجد.
ولو قال المعلق على مشيئته من زوجة أو غيرها: شئت إن شئت لم تطلق وإن شاء الزوج، لأن التعليق على مشيئة من ذكر
ولم توجد وإنما وجد تعليقها، والمشيئة خبر عما في النفس من الإرادة، وذلك لا يتعلق بالشرط. ثم أشار إلى اعتبار
كون المخاطب أهلا للمشيئة بقوله: (ولا يقع طلاق) علق (بمشيئة) كل من (صبية وصبي) وإن كان مميزين، لأنه
لا اعتبار بمشيئتهما في التصرفات، ولأنه لو قال لصغيرة: طلقي نفسك فطلقت لم يقع، فكذا إن علق بمشيئتها. (وقيل:
يقع) الطلاق المعلق (ب‍) مشيئة (مميز) لأن مشيئته معتبرة في اختيار أحد أبويه. وتقييده بمميز من زوائده على
المحرر، وقضيته أنه لا يقع بمشيئة غيره جزما، وبه صرح في الروضة وأصلها. وكذا لا يقع بمشيئة مجنون علق على
مشيئة ولو بالغا جزما، لأنا وإن اعتبرنا اللفظ فلا بد من صدوره ممن يتصور أن يكون لفظه معربا عن مشيئته. نعم إن
قال له أو لصغير: إن قلت شئت فزوجتي طالق فقال: شئت طلقت لوجود المعلق عليه.
تنبيه: لو علق بمشيئة أخرس فأشار إشارة مفهمة وقع، أو ناطق فخرس فكذا على الأصح، ولو شاء المعلق
بمشيئة حال سكره الذي أثم به كان على الخلاف في تصرفه. ولو علق بمشيئة ناقص بصبا أو جنون فشاء فورا بعد كماله لم
يقع كما هو ظاهر كلامهم. ولو علق بمشيئة الملائكة لم تطلق إذ لهم مشيئة ولم تعلم حصولها. والتعليق بمشيئة بهيمة
تعليق بمستحيل كما قال الماوردي، وقد مر أنه لا يقع به. (ولا رجوع له) أي شخص علق الطلاق بمشيئة غيره
(قبل المشيئة) من ذلك الغير وإن قلنا إنه تمليك، لأنه وإن كان تمليكا ففيه شائبة تعليق الطلاق على صفة فامتنع
الرجوع كسائر التعليقات. (ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا أن يشاء زيد) مثلا (طلقة، فشاء) زيد (طلقة) أو أكثر،
(لم تطلق) شيئا نظرا إلى أن المعنى: إلا أن يشاءها فلا تطلقين أصلا، كما لو قال: إلا أن يدخل زيد الدار فدخل.
(وقيل: تقع طلقة) نظرا إلى أن المعنى: إلا أن يشاء طلقة، فلا يزاد عليها. وقيل: يقع طلقتان، والتقدير: إلا أن يشاء
325

عدم واحد فيقع الباقي. وهذا كله عند الاطلاق، فإن قال: أردت الثاني أو الثالث قبل، لأن فيه تغليظا عليه، فإن
لم يشأ شيئا وقع الثلاث. ولو قال: أنت طالق واحدة إلا أن يشاء فلان ثلاثا فشاءها لم تطلق، وإن لم يشأ أو شاء واحدة
أو ثنتين وقع واحدة. ولو مات زيد وقد علق الطلاق بمشيئته أو جن لم تطلق. (ولو علق) زوج طلاقا (بفعله)
كدخوله الدار، (ففعل) المعلق به (ناسيا للتعليق أو) ذاكرا له (مكرها) على الفعل أو طائعا جاهلا، (لم تطلق
في الأظهر) لخبر ابن ماجة وغيره: إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه أي لا يؤاخذهم
بذلك، ومقتضاه رفع الحكم فيعم كل حكم إلا ما قام الدليل على استثنائه كقيم المتلفات، ولان المكره على الطلاق
لا يقع طلاقه، فكذا المكره على الصفة، ولا فرق بين الحلف بالله تعالى وبالطلاق وإن قال القاضي حسين يقع في الحلف
بالطلاق في النسيان. والثاني: تطلق لوجود المعلق به، وليس النسيان ونحوه دافعا للوقوع.
تنبيه: لو حلف لا يفعل كذا عمدا ولا سهوا حنث بفعله سهوا كما في زوائد الروضة، وجزم به الرافعي في
الايمان،
وقال ابن المنذر: إنه المشهور من مذهب الشافعي، لأنه فعله وقد ضيق على نفسه، بخلاف ما لو حلف لا ينسى فنسي فإنه لم
ينس بل نسي. (أو) علق الطلاق (بفعل غيره) وقد قصد بذلك منعه أو حثه، وهو (ممن يبالي بتعليقه) أي يشق
عليه حنثه، فلا يخالفه لنحو صداقة أو قرابة أو زوجية فيحرص على إبرار قسمه ولو حياء لمكارم الأخلاق، وليس
المراد خشية العقوبة من مخالفته. (وعلم) غيره (به) أي بتعليقه، (فكذلك) لا يقع الطلاق في الأظهر إذا فعله ناسيا
أو مكرها أو جاهلا (وإلا) بأن لم يقصد الزوج منعه أو حثه، أو لم يكن يبالي بتعليقه كالسلطان والحجيج، أو كان يبالي
به ولم يعلم به، (فيقع) الطلاق بفعله (قطعا) وإن اتفق في بعض الصور نسيان ونحوه، لأن الغرض حينئذ مجرد
تعليق الفعل من غير قصد منع أو حث، هذا تقرير المتن، لكن يستثنى منه الصورة الأخيرة وهي فيما إذا قصد فيمن
يبالي به إعلامه ولم يعلم به فلا تطلق كما أفهمه كلام أصل الروضة وعزاه السبكي للجمهور.
تنبيه: هذا كله إذا حلف على فعل مستقبل، أما إذا حلف على نفي شئ وقع جاهلا به أو ناسيا له، كما لو حلف
أن زيدا ليس في الدار وكان فيها ولم يعلم به، أو علم ونسي، فإن حلف أن الامر كذلك في ظنه أو فيما انتهى إليه علمه،
أي لم يعلم خلافه ولم يقصد أن الامر كذلك في الحقيقة، لم يحنث، لأنه إنما حلف على معتقده، وإن قصد أن الامر كذلك
في نفس الامر أو أطلق ففي الحنث قولان، رجح منهما ابن الصلاح وغيره الحنث، وصوبه الزركشي، لأنه غير معذور،
إذ لا حنث ولا منع بل تحقيق، فكان عليه أن يثبت قبل الحلف بخلافه في التعليق بالمستقبل. ورجح الأسنوي وغيره
أخذا من كلام أصل الروضة عدم الحنث، ورجح بعض المتأخرين أنه يحنث فيما إذا قصد أن الامر كذلك في نفس
الامر وعدم الحنث عند الاطلاق، وهذا أوجه.
تتمة: لو علق الطلاق بدخول بهيمة أو نحوها كطفل فدخلت مختارة وقع الطلاق، بخلاف ما إذا دخلت مكرهة
لم يقع. فإن قيل: هذا يشكل بما مر من وقوع الطلاق فيما إذا لم يعلم المعلق بفعله التعليق وكان ممن لا يبالي بتعليقه أو ممن
يبالي به ولم يقصد الزوج إعلامه ودخل مكرها. أجيب بأن الآدمي فعله منسوب إليه وإن أتى به مكرها، ولهذا يضمن
به، بخلاف فعل البهيمة فإنها حين الاكراه لم تفعل شيئا. وحكم اليمين فيما ذكر كالطلاق، ولا ينحل بفعل الجاهل
والناسي والمكره.
فصل: في الإشارة للطلاق بالأصابع وفي غيرها: إذا (قال) لزوجته (أنت طالق، وأشار بأصبعين أو بثلاث)
ولم يقل هكذا، (لم يقع عدد إلا بنية) له عند قوله طالق، لأن الطلاق لا يتعدد إلا بلفظ أو نية ولم يوجد واحد
منهما
ولا اعتبار بالإشارة هنا.
326

تنبيه: أفهم قوله: لم يقع عدد وقوع واحدة، وهو كذلك، لأن الواحد ليس بعدد. (فإن قال مع ذلك) القول
أو الإشارة (هكذا طلقت في) إشارة أصبع طلقة، وفي إشارة (إصبعين طلقتين، وفي) إشارة (ثلاث) من الأصابع
(ثلاثا) وإن لم ينو، لأن الإشارة بالأصابع في العدد بمنزلة النية، وفي الحديث: الشهر هكذا وهكذا وأشار بأصابعه
الكريمة وخنس إبهامه في الثالثة وأراد تسعة وعشرين. فدل على أن اللفظ مع الإشارة يقوم مقام اللفظ بالعدد.
تنبيه: لا بد أن تكون الإشارة مفهمة للطلقتين أو الثلاث كالنظر للأصابع أو تحريكها أو ترديدها، وإلا فقد
يعتاد الانسان الإشارة بأصابعه الثلاث في الكلام فلا يظهر الحكم بوقوع العدد إلا بقرينة، قاله الإمام وأقراه. ولو
قال بعد ذلك: أردت واحدة لم يقبل. وخرج بقوله: مع ذلك ما لو قال: أنت هكذا وأشار بأصابعه الثلاث ولم يقل:
طالق فإنها لا تطلق وإن نوى الطلاق كما في زيادة الروضة، لأن اللفظ لا يشعر بطلاق. (فإن قال: أردت بالإشارة) بالثلاث
الإصبعين (المقبوضتين، صدق بيمينه) ولم يقع أكثر من طلقتين لاحتمال الإشارة بهما، فإن قال: أردت إحداهما لم
يصدق لأن الإشارة صريحة في العدد كما مر فلا يقبل خلافها. ولو عكس فأشار بأصبعين، وقال: أردت بالإشارة الثلاث
المقبوضة صدق بطريق الأولى لأنه غلظ على نفسه. ولو كانت الإشارة بيد مجموعة ولم ينو عددا وقع واحدة كما بحثه
الزركشي. ولو قال: أنت الثلاث ونوى الطلاق لم يكن شيئا، ذكره الماوردي وغيره. ولو قال: أنت طالق أشار
بأصبعه، ثم قال: أردت بها الإصبع دون الزوجة لم يقبل ظاهرا قطعا ولم يدين على الأصح. ثم أشار بفروع من فروع
ابن الحداد، (و) هو ما (لو قال عبد) لزوجته: (إذا مات سيدي فأنت طالق طلقتين، وقال) له (سيده: إذا مت)
أنا (فأنت حر، فعتق) كله (به) أي بموت سيده، (فالأصح أنها لا تحرم) عليه الحرمة الكبرى، (بل له الرجعة)
في عدتها (وتجديد) النكاح بعد انقضائها (قبل زوج) آخر، لأن وقوع الطلقتين وعتق العبد معلقان معا بالموت
فوقعا معا، والعتق كما لا يتقدم الطلاق لم يتأخر. فإذا وقعا معا غلب جانب الحرية لتشوف الشارح إليها فكان العتق
مقدما. والثاني: تحرم فلا تحل له إلا بمحلل، لأن العتق لم يتقدم وقوع الطلاق. وخرج بعتق جميعه ما لو عتق بعضه بأن
لم يخرج من الثلث ولم يجز الوارث فإنها تبين بالطلقتين لأن المبعض كالقن في عدد الطلقات.
تنبيه: لا تختص المسألة بموت السيد بل يجري الخلاف في كل صورة تعلق عتق العبد به. ووقوع طلقتين على
زوجته بصفة واحدة، كما لو قال العبد: إذا جاء الغد فأنت طالق طلقتين، وقال السيد: إذا
جاء الغد فأنت حر فإذا جاء الغد عتق وطلقت طلقتين ولا تحرم عليه قطعا، لأن العتق سبق وقوع الطلاق. ولو علق السيد عتقه بموته وعلق العبد
الطلقتين بآخر جزء من حياة سيده ثم مات سيده انقطعت الرجعة، واشترط المحلل قطعا لتقدم الطلاق على العتق.
ولو علق زوج الأمة طلاقها وهي غير مدبرة بموت سيدها وهو وارثه فمات السيد انفسخ النكاح ولم تطلق، وإن
كانت مكاتبة أو كان على السيد دين، لأنها بموته تنتقل إليه كلها أو بعضها فينفسخ النكاح فلا يصادف الطلاق محلا، أما
المدبرة فتطلق إن عتقت بموت سيدها ولو بإجارة الوارث العتق. (ولو نادى إحدى زوجتيه) مثلا كحفصة (فأجابته
الأخرى) كعمرة (فقال) لها (أنت طالق وهو يظنها المناداة لم تطلق المناداة) جزما لأنها لم تخاطب بالطلاق وظن
خطابها به لا يقتضي وقوعه عليها. (وتطلق المجيبة في الأصح) لخطابها بالطلاق. والثاني: لا، لانتفاء قصدها وخرج
بيظنها ما لو علم أن المجيبة غير المناداة، فإن قصد طلاقها طلقت فقط أو المناداة وحدها حكم بطلاقها، أما المناداة فظاهرا
وباطنا وأما المخاطبة فظاهرا ويدين. (ولو علق) طلاقها بغير كلما (بأكل رمانة) ك‍ إن أكلت رمانة فأنت طالق، (وعلق)
327

ثانيا (بنصف) من رمانة، ك‍ إن أكلت نصفها فأنت طالق، (فأكلت رمانة فطلقتان) لوجود الصفتين، لأنه يصدق
أنها أكلت نصف رمانة وأكلت رمانة، لكنه يشكل على قاعدة أن النكرة المعادة غير الأولى، فإن كان التعليق بكلما
طلقت ثلاثا لأنها أكلت رمانة مرة ونصف رمانة مرتين، ولو علق بأكل رمانة فأكلت نصفي رمانتين لم يحنث،
وكذا لو أكلت ألف حبة مثلا من ألف رمانة وإن زاد ذلك على عدد رمانة لأن ما ذكر ليس رمانة.
فروع: لو قال: أنت طالق إن أكلت هذا الرغيف، وأنت طالق إن أكلت نصفه، وأنت طالق إن أكلت
ربعه فأكلت الرغيف طلقت ثلاثا. ولو قال: إن كلمت رجلا فأنت طالق، وإن كلمت زيدا فأنت طالق، وإن كلمت فقيها
فأنت طالق فكلمت زيدا وكان فقيها طلقت ثلاثا. ولو قال: إن لم أصل ركعتين قبل زوال شمس اليوم فأنت طالق
فصلاهما قبل الزوال وقبل أن يتشهد زالت الشمس وقع الطلاق. (والحلف) بفتح المهملة وكسر اللام بخطه، ويجوز
سكونها، لغة: القسم، وهو (بالطلاق) أو غيره (ما تعلق به حث) على فعل (أو منع) منه لنفسه أو غيره، (أو تحقيق
خبر) ذكره الحالف أو غيره ليصدق الحالف فيه. (فإذا قال) لزوجته: (إن) أو إذا (حلفت بطلاق) منك
(فأنت طالق) هذا مثال للتعليق على الحلف، (ثم قال) بعد هذا: (إن لم تخرجي) فأنت طالق، وهذا مثال لحثها
على الفعل وهو مزيد على المحرر، (أو إن خرجت) فأنت طالق، وهذا مثال لمنعها من الفعل، (أو إن لم يكن
الامر كما قلت فأنت طالق) وهذا مثال لتحقيق الخبر، (وقع) الطلاق (المعلق بالحلف) في هذه الأمثلة حالا، لأن
ما قاله حلف بأقسامه السابقة كما تقرر. (ويقع الآخر) مآلا (إن وجدت صفته) وبقيتكم العدة كما قاله في المحرر.
ولا يخفى أن ذلك في المدخول بها، فإن غير المدخول بها تبين بوقوع المعلق بالحلف. (ولو قال) بعد التعليق
بالحلف:
(إذا طلعت الشمس أو جاء الحجاج) أو نحوه كإن جاء رأس الشهر (فأنت طالق، لم يقع المعلق بالحلف) إذ لا حث
فيه ولا منع ولا تحقيق خبر، بل هو محض تعليق على صفة، فإذا وجدت وقع الطلاق المعلق عليها.
تنبيه: تعبيره بالحجاج مشعر بأنه لو مات واحد منهم أو انقطع لعذر لم يوجد المعلق عليه، واستبعده بعضهم،
وقال: الظاهر: أن المراد الجنس، وهل ينظر في ذلك للأكثر أو لما يطلق عليه اسم الجمع أو إلى جميع من بقي فروع: لو قال: إن أو منهم ممن
يريد الرجوع؟ احتمالان اه‍. وأظهرهما الثاني.
(فروع) لو قال إن أو إذا قدم زيد فأنت طالق وقصد منعه وهو ممن يبالي بحلفه فحلف، وإن قصد التعليق
أو أطلق أو كان التعليق بفعل من لا يبالي بحلفه كالسلطان فتعليق. ولو تنازعا في طلوع الشمس فأنكره وادعته فقال:
إن طلعت فأنت طالق فحلف، ولو قال الزوج: طلعت الشمس فقالت: لم تطلع فقال: إن لم تطلع فأنت طالق طلقت
في الحال لأن غرضه التحقيق فهو حلف. ولو قال للمدخول بها: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم أعاده أربعا وقع
بالثانية طلقة لأنه قد حلف وتنحل اليمين الأولى، وبالثانية طلقة بحكم اليمين الثانية وتنحل اليمين الثانية، وبالرابعة
طلقة بحكم الثالث وتنحل الثانية. (ولو قيل له استخبارا: أطلقتها) أي زوجتك، (فقال: نعم) أو نحوها مما يرادفها
كأجل وجير، (فإقرار) صريح (به) أي الطلاق، لأن التقدير: نعم طلقتها، فإن كان كاذبا فهي زوجته باطنا. (فإن
قال: أردت) طلاقا (ماضيا وراجعت) بعده، (صدق بيمينه) في ذلك لاحتماله. واحترز بقوله: وراجعت عما إذا قال:
أبنتها وجددت النكاح فإن حكمه كما مر فيما لو قال: أنت طالق أمس وفسر بذلك (وإن قيل) له (ذلك)
328

القول المتقدم وهو: أطلقت زوجتك (التماسا لانشاء فقال: نعم) أو نحوها مما يرادفها، (فصريح) في الايقاع حالا، لأن نعم
ونحوه قائم مقام طلقتها المراد لذكره في السؤال (وقيل) هو (كناية) يحتاج لنية، لأن نعم ليست معدودة من صرائح
الطلاق. فإن قيل: الأول مشكل لحصرهم صرائح الطلاق في ثلاثة، وبقولهم إن الكناية لا تصير صريحا بالتماس طلاق.
أجيب بأن السؤال معاد في الجواب فكأنه قال نعم طلقتها، ولهذا كان صريحا في الاقرار. هذا إذا اقتصر على نعم، فإن قال:
نعم طلقت فهو صريح قطعا، وإن اقتصر على طلقت فقيل هو كناية، لأن نعم تتعين للجواب، وقوله طلقت مستقل
بنفسه، فكأنه قال ابتداء طلقت، واقتصر عليه وهو لو قال ذلك ابتداء لم يقع عليه شئ، وقيل كنعم، والأول أوجه
كما قاله شيخنا.
تنبيه: لو جهل حال السؤال فالظاهر أنه استخبار كما قاله الزركشي.
فروع: لو قال شخص لآخر: فعلت كذا فأنكر، فقال: إن كنت فعلت كذا فامرأتك طالق، فقال: نعم وكان قد
فعله لم يقع الطلاق كما في فتاوى القاضي، وجعله البغوي استدعاء طلاق فيكون كما لو قيل له طلقت امرأتك مستدعيا
منه طلاقها فقال نعم، والأول أوجه. ولو قيل له: إن جاء زيد فامرأتك طالق، فقال: نعم لم يكن تعليقا. ولو قيل له:
ألك زوجة؟ فقال: لا، لم تطلق وإن نوى لأنه كذب محض: وهذا ما نقله في أصل الروضة عن نص الاملاء، وقطع به كثير
من الأصحاب. ثم ذكر تفقها ما حاصله أنه كناية على الأصح، وبه صرح المصنف في تصحيحه، وأن لها تحليفه أنه لم
يرد طلاقها، وعليه جرى الأصفوني والحجازي في اختصارهما كلام الروضة، والأول أوجه كما جرى عليه ابن المقري
في روضه. ولو قيل له: أطلقت ثلاثا؟ فقال: قد كان بعض ذلك، فليس إقرارا بالطلاق لاحتمال جريان تعليق أو وعد
أو مخاصمة تؤول إليه، فلو فسر بشئ من ذلك قبل. ولو قال لزوجته: ما أنت لي بشئ كان لغوا لا يقع به طلاق وإن
نوى. ولو قال: امرأتي طلقها زوجها ولم تتزوج غيره طلقت.
فصل: في أنواع من التعليق: إذا (علق) طلاق زوجته (بأكل رغيف أو رمانة) عين كلا منهما أم لا، ك‍ إن أكلت
هذا الرغيف أو هذه الرمانة أو رغيفا أو رمانة فأنت طالق (فبقي) من ذلك بعد أكلها له (لبابة) من الرغيف تقع موقعا
كما قاله الإمام، (أو حبة) من الرمانة، (لم يقع) طلاق، لأنه يصدق أنها لم تأكل الرغيف أو الرمانة وإن تسامح أهل العرف
في إطلاق أكل الرغيف أو الرمانة في ذلك. أما اللبابة التي لا تقع موقعا كفتات الخبز الذي يدق مدركه لا يظهر له أثر في
بر ولا حنث، ولهذا عبر في المحرر بكسرة، ومثل ذلك يأتي في الرمانة فيما إذ بقي بعض حبة وفي التمرة المعلق بأكلها إذا
بقي قمعها أو شئ مما جرت العادة بتركه.
فروع: لو قال لها: إن أكلت أكثر من رغيف فأنت طالق حنث بأكلها رغيفا وأدما، أو قال: إن أكلت اليوم
إلا رغيفا فأنت طالق فأكلت رغيفا وفاكهة حنث. ولو قال لها: إن لبست قميصين فأنت طالق طلقت بلبسهما ولو
متواليين. ولو قال لها نصف الليل مثلا: إن بت عندك فأنت طالق فبات عندها بقية الليل حنث للقرينة، وإن اقتضى
المبيت أكثر الليل، ولو قال لها: إن نمت على ثوب لك فأنت طالق فتوسد مخدتها مثلا لم يحنث كما لو وضع عليها يديه
أو رجليه. ولو قال لها: إن قتلت زيدا غدا فأنت طالق فضربه اليوم ومات عنه غدا لم يحنث، لأن القتل هو الفعل المفوت
للروح ولم يوجد. ولو قال لها: إن كان عندك نار فأنت طالق حنث بوجود السراج عندها. ولو قال لها: إن جعت
يوما في بيتي فأنت طالق فجاعت يوما بصوم لم تطلق، بخلاف ما لو جاعت يوما بلا صوم فإنها تطلق. ولو قال لها:
إن لم يكن وجهك أحسن من القمر فأنت طالق لم تطلق وإن كانت زنجية، لقوله تعالى: * (لقد خلقنا الانسان
في أحسن
تقويم) *، نعم إن أراد بالحسن الجمال وكانت قبيحة الشكل حنث كما قاله الأذرعي. ولو قال لها: إن قصدتك
بالجماع فأنت طالق فقصدته هي فجامعها لم يحنث، فإن قال لها: إن قصدت جماعك فأنت طالق فقصدته فجامعها حنث.
329

(ولو أكلا) أي الزوجان (تمرا) مثلا (وخلطا نواهما فقال) الزوج لها فورا أم لا: (إن لم تميزي نواك) أي نوى ما أكلته
عن نوى ما أكلته (فأنت طالق، فجعلت كل نواة وحدها) بحيث لا تجتمع مع أخرى، (لم يقع) طلاق، لأن ذلك
يتميز نوى أحدهما. (إلا أن يقصد تعيينا) لنواها عن نواه فلا يتخلص من اليمين بما فعلت بل يقع عليه الطلاق حينئذ
كما صرح به ابن الملقن، وقال الأذرعي: ويحتمل أن يكون من التعليق بالمستحيل عادة لتعذره. وفي الكافي:
لو قال: إن لم تخبريني بنواي أو إن لم تشيري إلى نواي فأنت طالق، فالطريق في الخلاص أن تعد النوى عليه واحدة
واحدة وتقول في كل واحدة هذه نواتك. (ولو كان بفمها تمرة) مثلا (فعلق) طلاقها (ببلعها ثم برميها ثم بإمساكها)
كقوله: إن بلعتها فأنت طالق، وإن رمينها فأنت طالق، وإن أمسكتها فأنت طالق (فبادرت مع) أي عقب
(فراغه) من التعليق (بأكل بعض) منها (ورمي بعض) منها، (لم يقع) طلاق لأن أكل البعض ورمي البعض مغاير
لهذه الثلاثة.
تنبيه: أشعر كلامه باشتراط الامرين، وليس مرادا بل الشرط المبادرة بأحدهما وأشار بثم إلى اشتراط تأخير
يمين الامساك فإن تقدم أو توسط في الصورة المذكورة حنث، ولا حاجة لثم في يمين الرمي فإنه يجوز تقديمها على يمين
الابتلاع، وإنما المحتاج إليه في التخلص من الحنث المبادرة المذكورة لأنها لو لم تبادر كانت ممسكة فيحصل الحنث.
وأفهم كلامه الحنث بأكل جميعها، وهو يقتضي أن الابتلاع أكل، قال ابن النقيب: وهو واضح، لكن لم
أر من ذكره. وقد ينازع فيه إذا ذكر التمرة في يمينه، فإن الاكل فيه مضغ يزيل اسم التمرة فلم تبلع تمرة. وأما
عكسه، وهو قوله: إن أكلت فابتلعت، فالذي جرى عليه ابن المقري تبعا لاصله في هذا الباب أنه لو علق طلاقها
بالاكل فابتلعت لم يحنث لأنه يقال ابتلع ولم يأكل، ووقع له كأصله في كتاب الايمان عكس هذا. واختلف المتأخرون
فمنهم من ضعف أحد الموضعين، ومنهم من جمع، وفرق بأن الطلاق مبني على اللغة، والبلع لا يسمى أكلا، والايمان
مبناها على العرف، والبلع فيه يسمى أكلا، وهذا أولى من تضعيف أحد الموضعين. (ولو) علق طلاقها وهي على سلم
بالصعود وبالنزول ثم بالمكث فوثبت أو انتقلت إلى سلم آخر، أو اضطجع السلم وهي عليه على الأرض وتقوم من
موضعها، أو حملت وصعد بها الحامل أو أنزل بغير أمرها فورا في الجميع لم تطلق، أما لو حملت بأمرها فيحنث. نعم
إن حملها بلا صعود ونزول بأن يكون واقفا على الأرض أو نحوها فلا أثر لأمرها. وإن (أتهمها) أي زوجته
(بسرقة، فقال) لها (إن لم تصدقيني) في أمر هذه السرقة (فأنت طالق، فقالت) له قولين، أحدهما: (سرقت) والآخر:
(ما سرقت، لم تطلق) لأنها صادقة في أحد القولين. (ولو قال) لها: (إن لم تخبريني) صادقة (بعدد حب هذه الرمانة
قبل كسرها) فأنت طالق. (فالخلاص) من اليمين (أن تذكر) له (عددا يعلم أنها) أي الرمانة (لا تنقص عنه) كمائة،
(ثم تزيد واحدا واحدا) فتقول: مائة وواحد واثنان، وهكذا (حتى تبلغ ما) أي عددا للرمانة (يعلم أنها لا تزيد عليه)
أي ما انتهت إليه من عدد حبها فتكون مخبرة بعددها. (والصورتان) هذه والتي قبلها (فيمن لم يقصد تعريفا) فإن
قصده لم تخلص من اليمين بما ذكرته. فإن قيل: الشق الأول يشكل بما قالوا من أن الخبر يعم الصدق والكذب
330

والسار وغيره، فقد قالوا: لو قال لنسائه: من أخبرتني منكن بقدوم زيد فهي طالق فأخبرته امرأته بذلك وهي كاذبة
أو بعد علمه به من غيرهن طلقت. أجيب بأن للرمانة ونحوها عددا خاصا وقد علق به، فإذا أخبرته بعدد حبها كاذبة
لم تخبر به بخلاف قدوم زيد فيصدق بالخبر الكاذب. وأما البشارة فإنها تختص بالخبر الأول السار الصدق قبل الشعور،
فإذا قال لنسائه: من بشرتني منكن بكذا فهي طالق فأخبرته امرأته بذلك ثانيا بعد إخبار غيرها، أو كان غير سار
بأن كان بسوء أو وهي كاذبة أو بعد علمه به من غيرهن، لم تطلق لعدم وجود الصفة. نعم محل اعتبار كونه سارا إذا
أطلق، كقوله: من بشرتني بخير أو أمر عن زيد، فإن قيد كقوله: من بشرتني بقدوم زيد فهي طالق اكتفي
بصدق الخبر وإن كان كارها كما قاله الماوردي. ولو قال لزوجته: إن لم تعدى جوز هذه الشجرة اليوم فأنت طالق
فقيل: يتخلص من الحنث بأن تفعل ما ذكر آنفا، وقيل: يجب أن تبتدئ من الواحد وتزيد حتى تنتهي إلى العلم بما
ذكر، وهذا هو الظاهر لأنها إذا لم تبدأ بالواحد لم تعد جوزها.
فروع: لو سقط حجر من علو، فقال لزوجته: إن لم تخبريني الساعة من رماه فأنت طالق ولم يرد تعيينا، فقالت:
مخلوق لا آدمي لم يحنث لأنها صادقة بالاخبار، ولم يتخلص من الحنث بقولها: رماه آدمي لجواز أن يكون رماه كلب أو
ريح أو نحو ذلك، لأن سبب الحنث وجد وشككنا في المانع، وشبه بما لو قال: أنت طالق إلا أن يشاء زيد اليوم،
فمضى اليوم ولم تعرف مشيئته. ولو قال لها: إن لم أقل كما تقولين فأنت طالق، فقالت له: أنت طالق ثلاثا، فخلاصه من
الحنث أن يقول: أنت طالق ثلاثا إن شاء الله أو أنت طالق ثلاثا من وثاق أو أنت قلت أنت طالق ثلاثا، ولو علق
طلاقها وهي في ماء جار بالخروج منه وباللبث بأن قال لها: إن خرجت منه فأنت طالق وإن لبثت فيه فأنت طالق لم
تطلق خرجت أو لبثت لأنه بجريانه يفارقها، فإن قال لها ذلك وهي في ماء راكد، فخلاصه من الحنث أن تحمل منه
فورا. ولو قال لها: إن أرقت ماء هذا الكوز فأنت طالق وإن شربته أنت أو غيرك فأنت طالق ثم إن تركته فأنت
طالق فبلت به خرقة وضعتها فيه أو بلتها ببعضه أو شربت هي أو غيرها بعضه لم تطلق. ولو قال لها: إن خالفت أمري
فأنت طالق فخالفت نهيه كأن قال لها: لا تقومي فقامت لم تطلق كما جزم به ابن المقري في روضه، لأنها خالفت نهيه دون
أمره، قال في أصل الروضة: وفيه نظر بسبب العرف. ولو قال لها: إن خالفت نهيي فأنت طالق فخالفت أمره، كأن
قال: قومي فرقدت، طلقت كما جزم به ابن المقري في روضه أيضا، لأن الامر بالشئ نهي عن ضده. قال في أصل الروضة:
وهذا فاسد، إذا ليس الامر بالشئ نهيا عن ضده فيما يختاره، وإن كان أي نهيا عن ضده فاليمين لا تبنى عليه، بل
على اللغة والعرف. ولو قال لها: زنيت فأنكرت، فقال: إن كنت زنيت فأنت طالق طلقت حالا بإقراره السابق. ولو
قيل لزان: زنيت، فقال من زنى فزوجته طالق لم تطلق زوجته إن قصد ذم الزاني لا إيقاع الطلاق (ولو قال لثلاث)
من زوجاته (من لم تخبرني) منكن (بعدد ركعات فرائض اليوم والليلة) فهي طالق، (فقالت واحدة) منهن
عدد ركعات فرائضها (سبع عشرة) ركعة بناء على الغالب، (و) قالت (أخرى) أي ثانية منهن: (خمس عشرة،
أي يوم جمعة، و) قالت (ثالثة) منهن: (إحدى عشرة، أي لمسافر، لم يقع) على واحدة منهن طلاق لصدق
الكل، نعم إن أراد أحد هذه الأيام عينا فالحلف على ما أراده.
فروع: لو قال لزوجته: إن خرجت إلا بإذني فأنت طالق فأذن لها وهي لا تعلم أو كانت مجنونة أو صغيرة فخرجت
لم تطلق، لأن إن لا تقتضي التكرار، فصار كما لو قال: إن خرجت مرة بغير إذني فأنت طالق، وهذا بخلاف. ما لو قال:
إن خرجت لابسة ثوب حرير فأنت طالق فخرجت من غير ثوب حرير ثم خرجت لابسة ثوب حرير فإنها تطلق. والفرق
أن خروجها بلا ثوب حرير لم تنحل به اليمين لعدم الصفة فحنث في الثاني بخلاف هذه. ولو أذن ثم رجع فخرجت بعد
المنع لم يحنث لحصول الاذن، وإن قال الشيخ أبو نصر فيه نظر. ولو قال: كلما خرجت إلا بإذني فأنت طالق فأي مرة
331

خرجت بغير الاذن طلقت، لأن كلما تقتضي التكرار كما مر، وخلاصه من ذلك أن يقول لها: أذنت لك أن تخرجي
متى شئت أو كلما شئت. ولو قال لها: إن خرجت لغير الحمام فأنت طالق فخرجت إليه ثم عدلت لغيره لم تطلق لأنها لم
تخرج إلى غيره، بخلاف ما لو خرجت لغيره ثم عدلت إليه. ولو خرجت لهما فوجهان، أحدهما وصححه في الروضة
هنا: أنها تطلق لأنها خرجت لغير الحمام، كما لو قال لها: إن كلمت زيدا وعمرا والثاني: أنها لا تطلق كما في المهمات،
وهو المعروف المنصوص، وقد قال في الروضة في الايمان: الصواب الجزم به، وعلله الرافعي بأن المفهوم من اللفظ
المذكور الخروج لمقصود أجنبي عن الحمام، وهذا الحمام مقصود بالخروج. وقد حاول شيخنا بين ما هنا وما في الايمان
بأن ما هناك محمول على ما إذا قصد بحلفه لهما خروج لغير الحمام فقط، وما هنا على ما إذا لم يقصد بحلفه شيئا فيصدق
حينئذ على الخروج لهما أنه خروج لغير الحمام لأن الخروج لهما خروج لغير الحمام، وهذا أولى من التناقض. ولو
حلف لا يخرج من البلد إلا مع امرأته فخرجا لكنه تقدم عليها بخطوات، أو حلف لا يضر بها إلا بموجب فشتمته فضربها
بسوط مثلا لم تطلق للعرف في الأولى ولضربه لها بموجب في الثانية، إذ المراد فيها بالموجب ما تستحق الضرب عليه
تأديبا. ولو حلف لا يأكل من مال زيد فأضافه أو نثر مأكولا فالتقطه أو خلط زاد بهما لم يحنث لأن الضيف يملك
الطعام قبيل الازدراد، والملتقط يملك الملقوط بالأخذ، فالخلط في معنى المعاوضة. ولو حلف لا يدخل دار زيد ما دام فيها
فانتقل منها وعاد إليها ثم دخل الحالف وهو فيها لم يحنث لانقطاع الديمومة بالانتقال منها، نعم إن أراد كونه فيها فينبغي
أن يحنث، قاله الأذرعي. ولو قال لها: إن لم تخرجي الليلة من داري فأنت طالق ثلاثا فخالعها بنفسها أو أجنبي في الليل
وإن تمكنت قبله من الخروج ثم جدد نكاحها أو لم يجدده وإن لم تخرج لم تطلق، قال الرافعي: لأن الليل كله محل
اليمين ولم يمض الليل كله وهي زوجة له. وقد تقدم أن ابن الرفعة أفتى بأنه لا يتخلص بذلك فيما لو حلف لأفعلن كذا
في مدة كذا بعد أن أفتى بخلافه وقال: تبين لي أنه خطأ، ورد عليه البلقيني. وقال: إن الصواب ما أفتى به أولا. وهو
ظاهر كلام الأصحاب فليكن هو المفتى به. (ولو قال) لها: (أنت طالق إلى حين أو) إلى (زمان) أي بعد كل منهما،
فإلى في كلامه بمعنى بعد، (أو بعد حين) أو زمان، (طلقت بمضي لحظة) لأن ذلك يقع على المدة الطويلة والقصيرة،
قال تعالى: * (حين تمسون وحين تصبحون) *، وقال تعالى: * (هل أتى على الانسان حين من الدهر) * قيل: أراد
تسعة أشهر، وقيل: أربعين سنة، وقيل: مائة وعشرين سنة، وقيل: ستمائة سنة، وهي التي بين عيسى وبين نبينا (ص).
فإن قيل: لو قال: والله لأقضينك حقك إلى حين لم يحنث بمضي لحظة، فهلا كان هنا كذلك
أجيب بأن الطلاق إنشاء ولأقضين وعد فيرجع فيه إليه.
تنبيه: العصر والدهر هو الزمن كما قاله الجوهري، والوقت والآن والحقب بفتح القاف كالزمان والحين
فيما مر كما قاله الأصحاب وإن استبعده الإمام والغزالي، أما الحقب بضم القاف فهو ثمانون سنة.
فروع: لو حلف لا صمت زمانا حنث بالشروع في الصوم كما لو حلف لا صمت. ولو حلف ليصومن أزمنة كفاه
صوم يوم لاشتماله على أزمنة. ولو حلف ليصومن الأيام كفاه ثلاثة منها. ولو قال لزوجته: إن كان الله يعذب الموحدين
فأنت طالق لم تطلق إلا أن يريد إن كان يعذب أحدا منهم. ولو اتهمته زوجته باللواط فحلف لا يأتي حراما حنث بكل
محرم. ولو قال: إن خرجت من الدار فأنت طالق ثم قال: ولا تخرجين من الصفة أيضا لغا الأخير، لأنه كلام مبتدأ ليس
فيه صيغة تعليق ولا عطف. ولو قال لها: أنت طالق في البحر. أو في مكة، أو في الظل، أو نحو ذلك مما لا ينتظر
طلقت في الحال إن لم يقصد التعليق. (ولو علق) الطلاق (برؤية زيد) مثلا، ك‍ إن رأيته فأنت طالق، (أو لمسه وقذفه) ك‍ إن
لمسته أو قذفته فأنت طالق، (تناوله) التعليق (حيا وميتا) فيحنث برؤية الميت ومس بشرته لصدق الاسم في الميت كما
في الحي، ولهذا يحد قاذفه، وينتقض وضوء ماسه. وخرج بالبشرة مسه بحائل، ومس شعره وظفره وسنه، ويكفي
332

في الرؤية رؤية شئ من بدنه ولو غير وجهه، ولو رأته وهي سكرى أو وهو سكران ولو كان المرئي في ماء صاف وزجاج
وشفاف لا خيال فيهما طلقت لوجود الوصف، بخلاف ما لو رأته وهي نائمة، أو وهو متزر بثوب، أو ماء كدر، أو زجاج
كثيف أو نحوه، أو برؤيتها خياله في المرآة. نعم لو علق برؤيتها وجهها فرأته في المرآة طلقت إذ لا يمكنها رؤيته إلا كذلك،
صرح به القاضي في فتاويه فيما لو علق برؤيته وجهه. ويعتبر مع ما ذكر صدق رؤية كله عرفا، فقد قال المتولي بعد
ذكره ما مر: أما لو أخرج يده أو رجله من كوة فرأت ذلك العضو منه لم تطلق لأن الاسم لا يصدق عليه، فإن كانت
عمياء وأيس من برئها عادة كمن تراكم على عينيها البياض، أو عاريا، أو ولدت عمياء، فتعليق بمستحيل. ولو علق
برؤيتها الهلاك حمل على العلم به، ولو برؤية غيرها له، أو بتمام العدد فتطلق بذلك، لأن العرف يحمل ذلك على العلم،
وعليه حمل خبر: صوموا لرؤيته بخلاف رؤية زيد مثلا، فقد يكون الغرض زجرها عن رؤيته. وعلى اعتبار العلم
يشترط الثبوت عند الحاكم كما في الخبر السابق، أو تصديق الزوج كما قاله ابن الصباغ وغيره. ولو أخبره به صبي أو عبد
أو امرأة أو فاسق وصدقه فالظاهر كما قال الأذرعي مؤاخذته. ولو قال: أردت بالرؤية المعاينة صدق بيمينه. نعم إن كان
التعليق برؤية عمياء فلا يصدق، لأنه خلاف الظاهر لكن يدين، فإذا قبلنا التفسير بالمعاينة ومضى ثلاث ليال ولم تر فيها
الهلال من أول شهر تستقبله انحلت يمينه، لأنه لا يسمى بعدها هلالا. (بخلاف ضربه) إذا علق الطلاق به، ك‍ إن
ضربت زيدا فأنت طالق فضربته وهو ميت لانتفاء الألم، أو وهو حي طلقت بضربه بسوط أو وكز أو نحو ذلك
إن
آلم المضروب كما في الروضة ولو مع حائل. بخلاف ما إذا لم يؤلمه، أو عضه أو قطع شعره أو نحو ذلك، فإنه لا يسمى
ضربا. فإن قيل: قد صرحوا في الايمان بعدم اشتراط الايلام فكان ينبغي أن يكون هنا كذلك. أجيب بأن الايمان
مبناها على العرف، ويقال في العرف ضربه فلم يؤلمه.
فروع: لو علق بتكليمها زيدا فكلمته وهو مجنون أو سكران سكرا يسمع معه ويتكلم، وكذا إن كلمته وهي
سكرى لا السكر الطافح طلقت لوجود الصفة ممن يكلم غيره ويكلم هو عادة، فإن كلمته في نوم أو إغماء منه أو منها، أو كلمته
وهي مجنونة، أو كلمته بهمس وهو خفض الصوت بالكلام حيث لا يسمعه المخاطب، أو نادته من مكان لا يسمع منه،
فإن فهمه بقرينة، أو حملته ريح إليه وسمع لم تطلق، لأن ذلك لا يسمى كلاما عادة. وإن كلمته بحيث يسمع لكنه
لا يسمع لذهول منه، أو لشغل، أو لغط، ولو كان لا يفيد معه الاصغاء طلقت لأنها كلمته وعدم السماع لعارض، وإن
كان أصم فكلمته فلم يسمع لصمم بحيث لو لم يكن أصم لسمع فقيل يقع، لأنها كلمته بحيث يسمع وإن تعذر السماع
لأمر به فأشبه شغل قلبه، وصحح هذا الرافعي في الشرح الصغير وجزم به في أصل الروضة في كتاب الجمعة ونقله المتولي
ثم عن النص، وقال الزركشي: تتعين الفتوى به، وقيل: لا تطلق لأنها لم تكلمه عادة فهو في حقه كالهمس، وبهذا
صرح المصنف في تصحيحه وجرى عليه ابن المقري في روضه. هذا والأوجه كما قال شيخنا حمل الأول على من يسمع
مع رفع الصوت، والثاني على من لم يسمع مع رفعه، وهذا أولى من تضعيف أحد الوجهين. ولو قال: إن كلمت نائما
أو غائبا عن البلد مثلا فأنت طالق، لم تطلق لأنه تعليق بمستحيل، كما لو قال: إن كلمت ميتا أو حمارا. ولو قال: إن كلمت
زيدا فأنت طالق فكلمت حائطا مثلا وهو يسمع فوجهان، أصحهما أنها لا تطلق لأنها لم تكلمه. والثاني: تطلق لأنه
المقصود بالكلام دون الحائط، ولو قال: إن كلمت رجلا فأنت طالق فكلمت أباها أو غيره من محارمها أو زوجها طلقت
لوجود الصفة، فإن قال: قصدت منعها من مكالمة الرجال الأجانب قبل منه لأنه الظاهر. ولو قال: إن كلمت زيدا أو عمرا
فأنت طالق طلقت بتكليم أحدهما وانحلت اليمين فلا يقع بتكليم الآخر شئ، أو: إن كلمت زيدا وعمرا فأنت طالق لم
تطلق إلا بكلامهما معا أو مرتبا، أو: إن كلمت زيدا ثم عمرا أو زيدا فعمرا اشترط تكليم زيد أولا وتكليم عمرو بعده
متراخيا في الأولى وعقب كلام زيد في الثانية.
تنبيه: الأصحاب إلا الإمام والغزالي يميلون في التعليق إلى تقديم الوضع اللغوي على العرف الغالب، لأن العرف
333

لا يكاد ينضبط كما مر في إن لم تميزي نواي من نواك، فإن معناه الوضعي التفريق، ومعناه العرفي التعيين. هذا إن
اضطرب العرف فإن اطرد عمل به لقوة دلالته حينئذ، وعلى الناظر التأمل والاجتهاد فيما يستفتى فيه، نقله الرافعي
عن الغزالي وأقره. ولا يختص بقول الغزالي بل يأتي على قول غيره. ومنه ما يأتي في الخسيس على قول المصنف:
ويشبه الخ. ثم شرع في بيان أوصاف تجري في مخاصمة الزوجين ويعلق عليها الطلاق، فقال: (ولو خاطبته) زوجته
(بمكروه) من القول، (كيا سفيه يا خسيس، فقال) لها: (إن كنت كذاك) أي سفيها أو خسيسا (فأنت طالق، إن
أراد) بذلك (مكافأتها بإسماع ما تكره) أي إغاظتها بالطلاق كما أغاظته بالشتم المكروه، والمعنى: إن كنت كذلك في
زعمك فأنت طالق، (طلقت) حالا (وإن لم يكن سفه) أو خسة، (أو) أراد (التعليق اعتبرت الصفة) كما هو سبيل
التعليقات، فإن لم تكن موجودة لم تطلق. (وكذا) تعتبر الصفة (إن) أطلق بأن (لم يقصد) شيئا (في الأصح)
نظرا لوضع اللفظ فلا تطلق عند عدمها. والثاني: لا تعتبر الصفة حملا على المكافأة اعتبارا بالعرف. وهذا هو الخلاف
في أنه يراعى الوضع أو العرف. (والسفه) المعلق به كما هو في المحرر (منافي إطلاق التصرف) فهو صفة لا يكون الشخص
معها مطلق التصرف، وقد مر ذلك في بابه. قال الأذرعي: والعرف في زمننا جار بأنه ذو اللسان الفاحش المواجه
بما يستحيي منه غالب الناس، فالوجه الحمل عليه لا سيما في العامي الذي لا يعرف السفه من غيره، وقد تدل قرينة على
إرادة ذلك بأن خاطبها بما فيه فحش من القول فخاطبته بذلك مشيرة إلى ما صدر منه اه‍. والمتجه أن السفيه يرجع
فيه إلى ما قاله المصنف لا إلى ما قاله الأذرعي إلا إن ادعاه وكان هناك قرينة، وأما العاصي فيرجع فيه إلى ما قاله وإن
لم توجد قرينة. (والخسيس، قيل) أي قال العبادي: معناه أنه (من باع دينه بدنياه) أي ترك دينه لاشتغاله
بدنياه. قال: وأخس الأخساء من باع آخرته بدنيا غيره. وقال الرافعي تفقها من نفسه نظرا للعرف. (ويشبه أن يقال)
في معنى الخسيس: (هو من يتعاطى غير لائق به بخلا) بما يليق به، بخلاف من يتعاطاه تواضعا. والقواد من يجمع
بين الرجال والنساء جمعا حراما إن كن غير أهله، قال ابن الرفعة: وكذا من يجمع بينهم وبين المرد. والقرطبان من
يسكت على الزاني بامرأته، وفي معناه محارمه ونحوهن، والديوث بالمثلثة: من لا يمنع الداخل على زوجته من الدخول،
قال الأذرعي: ويشبه أن محارمه وإماءه كزوجته للعرف. وقليل الحمية من لا يغار على أهله ومحارمه ونحوهن. والقلاش
الذواق للطعام كمن يريد أن يشتري ولا يريد الشراء. والبخيل مانع الزكاة ومن لا يقري الضيف، فكل منهما بخيل.
ومن قيل له: يا زوج القحبة فقال: إن كانت زوجتي كذا فهي طالق طلقت إن قصد التخلص من عارها، كما لو قصد
المكافأة، وإلا اعتبرت الصفة. والقحبة هي البغي. والجهود وري من قام به الذلة والخساسة، وقيل: من قام به صفرة الوجه،
فعلى الأول إذا علق الطلاق به المسلم لم تطلق، لأنه لا يوصف بها، فإن قصد المكافأة بها طلقت في الحال. والكوسج
من قل شعر وجهه وعدم شعر عارضيه. والأحمق من يفعل الشئ في غير موضعه مع علمه بقبحه، وقيل: من لا ينتفع
بعقله، وقيل: من يعمل ما يضره مع علمه بقبحه. والغوغاء من يخالط الأراذل ويخاصم الناس بلا حاجة. والسفلة من
يعتاد دنئ الافعال لا نادرا. فإذا وصفت زوجها بشئ من ذلك فقال لها: إن كنت كذلك فأنت طالق، فإن قصد
مكافأتها طلقت في الحال وإلا اعتبر موجود الصفة. ولو قالت له: كم تحرك لحيتك فقد رأيت مثلها كثيرا، فقال لها: إن
كنت رأيت مثلها كثيرا فأنت طالق، فهذه اللفظة في مثل هذا المقام كناية عن الرجولية والفتوة ونحوها، وإن حمل
اللفظ على المكافأة طلقت وإلا اعتبرت وجود الصفة. ولو قالت له: أنا أستنكف منك، فقال: كل امرأة تستنكف مني
334

فهي طالق فظاهره المكافأة فتطلق حالا إن لم يقصد التعليق.
فروع: لو قالت لزوجها المسلم: أنت من أهل النار فقال لها: إن كنت من النار فأنت طالق لم تطلق لأنه من أهل
الجنة ظاهرا، فإن ارتد ومات مرتدا بأن وقوع الطلاق. فإن قالت ذلك لزوجها الكافر فقال لها ذلك، طلقت لأنه من
أهل النار ظاهرا فإن أسلم بأن عدم الطلاق، فإن قصد الزوج في الصورتين المكافأة طلقت في الحال. ولو قال المسلم: إن
لم أكن من أهل الجنة فأنت طالق لم تطلق إن مات مسلما وإن أذنب وإلا تبين وقوعه. ولو حلف شافعي وحنفي
كل منهما أن إمامه أفضل من الآخر لم يحنث تشبيها بمسألة الغراب، ولان كلا من الإمامين قد يعلم ما لا يعلمه الآخر.
ولو حلف سني إن أبا بكر أفضل من علي وعكس الرافضي حنث لقيام الأدلة على أفضلية أبي بكر. ولو حلف السني
أن الخير والشر من الله تعالى، وحلف المعتزلي أنهما من العبد حنث لقيام الأدلة أنهما من الله. وسئل بعضهم عن
الحنبلي يقول: إن لم يكن الله على العرش فامرأتي طالق، وعكس الأشعري فقال: أراد الحنبلي المعني الذي ورد به
القرآن لم تطلق امرأته.
خاتمة: لو قال لزوجته: إن أبرأتني من دينك فأنت طالق فابرأت براءة صحيحة وقع الطلاق بائنا، بخلاف ما لو قال
لغيرها: إن أبرأتني من دينك فزوجتي طالق فابرأته براءة صحيحة وفع الطلاق رجعيا لأنه تعليق محض، ولو
قال لزوجته:
إن فعلت معصية فأنت طالق لم تطلق بترك الطاعة كالصوم والصلاة لأنه ترك وليس بفعل. ولو وطئ زوجته ظانا
أنها أمته، فقال: إن لم تكوني أحلى من زوجتي فأنت طالق طلقت في أحد وجهين يظهر ترجيحه تبعا لميل الأسنوي له
لوجود الصفة لأنها هي الزوجة فلا تكون أحلى من نفسها، والوجه الثاني أنها لا تطلق لظنه أنه يخاطب غيرها. ولو قال:
إن وطئت أمتي بغير إذن زوجتي فهي طالق فاستأذنها فقالت له: طأها في عينها لم يكن إذنا، قال الأذرعي: إلا إن دل
الحال على الاذن في الوطئ كان إذنا وقولها عينها يكون توسعا له في الاذن لا تخصيصا. ولو قال لزوجته: إن دخلت
البيت ووجدت فيه شئ من متاعك ولم أكسره على رأسك فأنت طالق فوجد في البيت هاونا لم تطلق كما جزم به
الخوارزمي ورجحه الزركشي للاستحالة، وقيل: تطلق قبل موته أو موتها لليأس. ولو قال لها: إن غسلت ثوبي فأنت
طالق فغسله غيرها ثم غمسته هي في الماء تنظيفا له لم تطلق، لأن الغرض في مثل ذلك الغسل بالصابون ونحوه كالأشنان
وإزالة الوسخ. ولو قال لها: إن قبلت ضرتك فأنت طالق فقبلها ميتة لم تطلق، بخلاف تعليقه بتقبيل أمه فإنها تطلق
بتقبيلها ميتة إذ قبلة الزوجة قبلة شهوة ولا شهوة بعد الموت، والام لا فرق فيها بين الموت والحياة لأن قبلتها قبلة شفقة
وكرامة. أكرمنا الله سبحانه وتعالى وجميع أهلنا ومشايخنا وأصحابنا بالنظر إلى وجهه الكريم.
كتاب الرجعة
بفتح الراء أفصح من كسرها عند الجوهري والكسر أكثر عند الأزهري. وهي لغة: المرة من الرجوع، وشرعا: رد
المرأة إلى النكاح من طلاق غير بائن في العدة على وجه مخصوص كما يؤخذ مما سيأتي. والأصل فيها قبل الاجماع قوله
تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) * أي في العدة * (إن أرادوا إصلاحا) * أي رجعة، كما قاله الشافعي رضي الله
تعالى عنه، وقوله تعالى: * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * والرد والامساك مفسرا بأنه الرجعة،
وقوله (ص): أتاني جبريل فقال راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة رواه أبو داود
وغيره بإسناد حسن، وقوله (ص) لعمر: مره فليراجعها كما مر. وأركانها ثلاثة: مرتجع وصيغة
وزوجة، فأما الطلاق فهو سبب لا ركن من أركانها. وقد شرع في بيان الركن الأول فقال: و (شرط المرتجع أهلية
335

النكاح بنفسه) بأن يكون بالغا عاقلا مختارا غير مرتد، لأن الرجعة كإنشاء النكاح فلا تصح الرجعة في الردة والصبا
والجنون ولا من مكره كما لا يصح النكاح فيها.
تنبيه: الاحتراز عن الصبي فيه تجوز فإنه لا يتصور وقوع طلاقه حتى يقال لا تصح رجعته، وتصح من السكران
المتعدي بسكره. فإن قيل: يرد على هذا المحرم فإنه تصح رجعته ولا يصح نكاحه. أجيب بأن فيه الأهلية، وإنما الاحرام
مانع، ولهذا لو طلق من تحته حرة وأمة الأمة صحت رجعته لها مع أنه ليس أهلا لنكاحها لأنه أهل للنكاح في الجملة
وتصح مراجعة العبد والسفيه بلا إذن وإن احتاجا في النكاح إليه، إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء. قال الزركشي:
ولو عتقت الرجعية تحت عبد كان له الرجعة قبل اختيارها. (ولو طلق فجن فللولي الرجعة على الصحيح حيث له ابتداء
النكاح) بناء على جواز التوكيل في الرجعة، وهو الصحيح. فإن قيل: مقتضى تعبيره أن في المسألة وجهين للأصحاب مع
أن ما صححه المصنف منهما ليس بوجه بل هو بحث للرافعي جزم به الجيلي. أجيب باحتمال وقوف المصنف على نقل
الوجهين. ثم شرع في الركن الثاني وهو الصيغة وفي انقسامها إلى صريح وكناية، فقال: (وتحصل) الرجعة من ناطق
(براجعتك ورجعتك وارتجعتك) وهذه الثلاثة صريحة لشيوعها وورود الاخبار بها. ويلحق بها كما في التتمة ما اشتق من
لفظها، كقوله: أنت مراجعة أو مرتجعة أو مسترجعة أو نحو ذلك. وتحصل الرجعة بمعنى هذه الألفاظ وما بعدها من
سائر اللغات، سواء أعرف العربية أم لا، وسواء أضاف إليه أو إلى نكاحه، كقوله: إلى أو إلى نكاحي أم لا،
لكنه يستحب.
تنبيه: لا يكفي مجرد راجعت أو ارتجعت أو نحو ذلك، بل لا بد من إضافة ذلك إلى مظهر كراجعت فلانة، أو مضمر
كراجعتك، أو مشار إليه كراجعت هذه. (والأصح أن الرد والامساك) كرددتك أو أمسكتك، وفي لغة قليلة مسكتك،
(صريحان) في الرجعة أيضا لورودهما في القرآن، قال تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) * أي في العدة * (إن أرادوا
إصلاحا) * (1) أي رجعة، كما قاله الشافعي رضي الله تعالى عنه. وقال تعالى: * (فأمسكوهن بمعروف) *. والثاني: أنهما كنايتان
لعدم اشتهارهما في الرجعة. (و) الأصح (أن التزويج والنكاح) في قول المرتجع تزوجتك أو نكحتك، (كنايتان) وإن جوز
العقد على صورة الايجاب والقبول كما صرح به في البيان وغيره لعدم اشتهارهما في الرجعة، ولان ما كان صريحا في بابه
لا يكون صريحا في غيره كالطلاق والظهار. والثاني: هما صريحان لأنهما صالحان للابتداء فلان يصلحا للتدارك أولى.
(وليقل) أي المرتجع: (رددتها إلي أو إلى نكاحي) حتى يكون صريحا. وظاهر كلامه أن هذا شرط وهو كذلك كما في
الروضة كأصلها، وجرى عليه ابن المقري خلافا لابن الرفعة في عدم اشتراطه، لأن المتبادر منه إلى الفهم ضد القبول. وقد
يفهم منه الرد إلى الأبوين بسبب الفراق فلزم تقييده بذلك بخلاف البقية. (والجديد) وعبر في الروضة بالأظهر، (أنه لا يشترط)
في الرجعة (الاشهاد) بها لأنها في حكم استدامة النكاح السابق، ولذلك لا يحتاج إلى الولي ورضا المرأة والقديم المنصوص
عليه في الجديد أنه يشترط لا لكونها بمنزلة ابتداء النكاح، بل لظاهر قوله تعالى: * (فأمسكوهن
بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم) * أي على الامساك الذي هو بمعنى الرجعة. وأجاب الأول يحمل ذلك على الاستحباب،
كما في قوله تعالى: * (وأشهدوا إذا تبايعتم) * للأمن من الجحود. وإنما وجب الاشهاد على النكاح لاثبات الفراش وهو ثابت
هنا، فإن لم يشهد استحب الاشهاد عند إقرارها بالرجعة خوف جحودها فإن إقراره بها في العدة مقبول لقدرته على
الانشاء. وعلى الجديد (فتصح) الرجعة (بكناية) ولهذا أتى بقاء التفريع لأنه مستقل بها كالطلاق. وعلى مقابله لا، بناء
على أنها في حكم الابتداء.
336

تنبيه: هل الكتابة بالتاء الفوقية كالكناية أو لا؟ مقتضى كلام الشيخين الأول، وهو المعتمد، والذي جرى
عليه الجمهور أنها لا تصح إلا باللفظ من القادر، نبه على ذلك الزركشي. ولعل ذلك جرى على الغالب فإن قولهم يصح
بالصريح وبالكناية صريح في الأول، أما الأخرس فتصح منه بالإشارة المفهمة، فإن فهمها كل أحد فصريحة أو
فطنون فقط فكناية، وبالكتابة بالفوقية لعجزه فلا يتأتى فيه الخلاف المتقدم. ولا يشترط رضا الزوجة ولا رضا وليها
ولا سيدها إذا كانت أمة، ويسن إعلام سيدها. (و) لا تسقط الرجعة بالاسقاط، و (لا تقبل تعليقا) ولا تأقيتا كالنكاح،
فلو قال: راجعتك إن شئت لم يصح بخلاف نظيره في البيع، لأن ذلك مقتضاه بخلافه هنا، ولا يضر راجعتك إن شئت
أو أن شئت بفتح الهمزة لأن ذلك تعليل لا تعليق فينبغي كما قاله الأذرعي أن يفرق بين النحوي وغيره ويستفسر الجاهل
بالعربية، وإن قال: راجعتك شهرا أو زمنا لم يصح لما مر.
تنبيه: لو قال لرجعية: متى راجعتك فأنت طالق أو قال لمن في نكاحه: متى طلقتك وراجعتك فأنت طالق وراجعها
صح الارتجاع وطلقت، ولو قال: راجعتك للضرب أو للاكرام أو نحو ذلك لم يضر في صحة الرجعة إن قصدهما أو أطلق،
لا إن قصد ذلك دون الرجعة فيضر فيسئل احتياطا لأنه قد يتبين ما لا تحصل به الرجعة، فإن مات قبل السؤال حصلت
الرجعة لأن اللفظ صريح. (ولا تحصل) الرجعة بإنكار الزوج طلاقها لعدم دلالته عليها، ولا (بفعل كوطئ) ومقدماته،
وإن نوى بذلك الرجعة لتقدم دلالته عليها كما لا يحصل به النكاح، ولان الوطئ يوجب العدة فكيف يقطعها نعم وطئ
الكافر ومقدماته إذا كان ذلك عندهم رجعة وأسلموا وترافعوا إلينا فنقرهم كما نقرهم على الأنكحة الفاسدة بل أولى،
وقد يرد على المصنف الكتابة فإنها من جملة الكنايات كما مر وهي فعل. ثم شرع في الركن الثالث وهي الزوجة، فقال:
(وتختص الرجعة بموطوءة) لأنه لا عدة على غيرها والرجعة إنما تثبت في العدة، قال تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن
في ذلك) * أي في التربص المفهوم من قوله: * (يتربصن) * (1).
تنبيه: شمل إطلاقه الوطئ في القبل وكذا في الدبر بناء على أنه يوجب العدة، وهو الأصح، لكن يخرج منه من
استدخلت ماء الزوج المحترم مع أن الأصح أنه يوجب العدة وتثبت به الرجعة كما جزم به في الروضة في باب مثبتات
الخيار في الكلام على العنة، وإن صحح فيها في باب موانع النكاح عدم ثبوتها، وقال الأذرعي: إنه الصحيح. وتخرج
الخلوة أيضا، وهو كذلك، بناء على المذهب من أنه لا عدة بها. (طلقت) فالمفسوخ نكاحها لا رجعة فيها لأن الله تعالى
أناطها بالطلاق فاختصت به. ولا بد أن يكون (بلا عوض) لأن المطلقة به قد ملكت نفسها، (لم يستوف عدد طلاقها)
بخلاف ما إذا استوفى فإنه لا سلطنة له عليها، (باقية في العدة) لقوله تعالى: * (فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن
أزواجهن) * ولو كان حق الرجعة باقيا لما كان يباح لهن النكاح.
تنبيه: يدخل في كلامه ما إذا خالط الرجعية مخالطة الأزواج بلا وطئ فإن العدة لا تنقضي ولا رجعة له بعد
الأقراء أو الأشهر، وأما إذا وطئها الزوج في العدة فإنها تستأنف ويدخل فيها البقية ولا يراجع إلا في البقية كما سيأتي.
ويخرج منه ما إذا وطئت بشبهة فحملت ثم طلقها فإن له الرجعة في عدة الحمل على الأصح مع أنها ليست في عدته، وسيأتي
في هذه خلاف في العدد. ولو قال بدل قوله: باقية لم تنقض عدتها لشمل هذه الصور، اللهم إلا أن يحمل البقاء في كلامه
على بقاء أصل العدة. (محل لحل) أي قابلة للحل للمراجع، فلو أسلمت الكافرة واستمر زوجها وراجعها في كفره
لم يصح. (لا مرتدة) فلا تصح رجعتها لأن مقصود الرجعة الحل والرد ينافيه، وكذا لو ارتد الزوج أو ارتدا معا،
وضابط ذلك انتقال أحد الزوجين إلى دين يمنع دوام النكاح.
تنبيه: لا يرد على المصنف رجعة المحرمة فإنها صحيحة مع عدم إفادة رجعتها حل الوطئ، لأن المراد قبول نوع
من الحل، وقد أفادت حل الخلوة. وبقي من شروط المرتجعة كونها معينة، فلو طلق إحدى زوجتيه وأبهم ثم راجع
337

أو طلقهما جميعا ثم راجع إحداهما لم تصح الرجعة، إذ ليست الرجعة في احتمال الابهام كالطلاق لشبهها بالنكاح وهو
لا يصح مع الابهام، ولو تعينت ونسيت لم تصح. ولو علق طلاقها على شئ وشك في حصوله فراجع ثم علم أنه كان حاصلا
ففي صحة الرجعة وجهان أصحهما كما قاله شيخ المصنف الكمال سلار في مختصر البحر أنها تصح رجعتها أيضا في الأصح.
(وإذا ادعت) المعتدة البالغة العاقلة (انقضاء عدة أشهر) كأن تكون آيسة (وأنكر) زوجها ذلك، (صدق بيمينه)
لرجوع ذلك إلى الاختلاف في وقت طلاقه، والقول قوله فيه، فكذا في وقته لأن القاعدة أن من
قبل قوله في شئ قبل قوله في صفته. ولو انعكست الصورة بأن ادعى الانقضاء وأنكرت صدقت بيمينها كما في الروضة وأصلها لأنها
غلظت على نفسها، كذا قالاه، قال الأسنوي: وهذا بالنسبة لتطويل العدة خاصة، وأما النفقة في المدة الزائدة على
ما يقوله الزوج فلا تستحقها كما قاله صاحب الشامل والكافي وحكاه في البحر عن نص الاملاء، أما الصغيرة والمجنونة
فلا يقع الاختلاف معهما لأنه لا حكم لقولهما. (أو) لم تدع انقضاء أشهر بل ادعت (وضع حمل) حي أو ميت كامل أو
ناقص ولو مضغة، (لمدة إمكان) وسيأتي بيانها قريبا. (وهي ممن يحيض لا آيسة فالأصح تصديقها بيمين) منها في وضع
الحمل المذكور فيما يرجع لانقضاء العدة فقط، لأن النساء مؤتمنات على ما في أرحامهن، ولان البينة على الولادة قد تتعسر
أو تتعذر. والثاني: لا، وتطالب بالبينة لأنها مدعية، والغالب أن القوابل يشهدن بالولادة، أما النسب والاستيلاد كما في الأمة
تدعي وضع الولد من سيدها فلا يثبت الوضع بالنسبة لذلك إلا ببينة كما قاله الرافعي وغيره، وفرق بأن المرأة غير مؤتمنة
في النسب، وبأن الأمة تدعي بالولادة زوال ملك متيقن، ولا بد من انفصال كل الحمل حتى لو خرج بعضه فراجعهما صحت
الرجعة. ولو ولدت ثم راجعها ثم ولدت آخر لدون ستة أشهر صحت الرجعة وإلا فلا. واحترز بقوله: مدة إمكان عما إذا لم
يمكن كما سيأتي، وبقوله: وهي ممن تحيض عن الآيسة والصغيرة كما صرح بها المصنف فلا يصدقان في دعوى الوضع، كما
صرح بها في المحرر، وأسقطها المصنف، لأنه لا يقع الاختلاف معها كما مر، كذا قال الرافعي. ومن لم تحض، لأن من
لا تحيض لا تحبل، كذا قاله هنا، لكنه ذكر في العدد ما يفهم إمكان الحبل فيها وهو المعتمد، فيحمل كلامه هنا على الغالب.
وأما مدة الامكان فبينها بقوله: (وإن ادعت ولادة تام فإمكانه) أي أقل مدة تمكن فيها ولادته، (ستة أشهر ولحظتان
من وقت) إمكان اجتماع الزوجين بعد (النكاح) كما قاله في الروضة، لأن النسب يثب بالامكان. واعتبرت الستة
لأنها أقل مدة الحمل كما استنبطه الإمام علي رضي الله تعالى عنه من قوله تعالى: * (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) * وقال: * (
وفصاله في عامين) * واللحظتان: لحظة للوطئ، ولحظة للولادة. (أو) ولادة (سقط مصور فمائة) أي فأقل إمكانه
مائة (وعشرين يوما ولحظتان) من وقت إمكان اجتماع الزوجين بعد العقد (أو) لم تدع المعتدة وضع حمل بل
ادعت إلقاء (مضغة بلا صورة) وشهد القوابل بأنها أصل آدمي، (فثمانون) أي فأقل إمكانه ثمانون (يوما
ولحظتان)
من وقت إمكان الاجتماع. ودليل هذين القسمين خبر الصحيحين: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما
ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه
وأجله وشقي أو سعيد واستشكل هذا الحديث بخبر انفرد به مسلم، وهو: إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة
بعث الله إليها ملكا فصورها الحديث، وأجيب بأجوبة، منها إن الخبر الأول أصح، ومنها أن هذا من الترتيب
الاخباري وهو أن يخبر بالمتوسط أو المؤخر أولى، فلا يشترط فيه الترتيب، فكأنه قال أخبركم بكذا ثم
أخبركم بكذا. ومنها أن يحمل
التصوير في الثاني على غير التام، وفي الأول على التام. ومنها أن يحمل الثاني على التصوير بعد المدة المعتادة من الأول، ولا يمنع منه فاء فصورها إذ التقدير فمضت مدة فصورها، كما في قوله
تعالى: * (فجعله غثاء أحوى) * فإن ادعت الوضع أي في أي قسم لأقل مما ذكر فيه لم تصدق وكان للزوج رجعتها.
338

فائدة: لا ولد في الجنة، أما ما رواه الترمذي من أن المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان وضعه وحمله في ساعة
كما يشتهي، فمحمول على أنه لو اشتهاه لكان، لكنه لم يشتهه. (أو) ادعت المعتدة (انقضاء) مدة (أقراء) نظر فيها، (فإن كانت
حرة وطلقت في طهر) وهي معتادة، (فأقل الامكان) لانقضاء أقرائها (اثنان وثلاثون يوما ولحظتان) وذلك بأن تطلق وقد
بقي لحظة من الطهر وهي قرء ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر يوما وذلك قرءان ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر
خمسة عشر وذلك قرء ثالث، ثم تطعن في الحيضة، وهذه الحيضة ليست من العدة بل لاستيقان انقضائها فلا تصلح لرجعة
ولا لغيرها من أثر النكاح المطلق كإرث، وإن أوهم كلام المصنف خلافه. أما المبتدأة فأقل الامكان فيها ثمانية وأربعون
يوما ولحظة للطعن، فإن الطهر الذي طلقت فيه ليس بقرء، لأنه ليس بمحتوش بدمين، ولا تعتبر لحظة أخرى لاحتمال
طلاقها في آخر جزء من ذلك الطهر. (أو) طلقت حرة (في حيض) وهي معتادة أو مبتدأة، (فسبعة) أي فأقل إمكان انقضاء
أقرائها سبعة (وأربعون) يوما (ولحظة) وذلك كأن يعلق طلاقها بآخر جزء من حيضها ثم تطهر خمسة عشر يوما ثم تحيض
يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر يوما ثم تطعن في الحيض، وفي لحظة الطعن ما ذكرناه
في المطلقة في الطهر، ولا يحتاج هنا إلى تقدير لحظة في الأول لأن اللحظة هناك تحسب قرءا. (أو) كانت (أمة) ولو مبعضة،
(وطلقت في طهر) وهي معتادة (فسنة) أي فأقل إمكان انقضاء أقرائها سنة (عشر يوما ولحظتان) وذلك بأن تطلق وقد بقي
لحظة من الطهر فتحسب قرءا ثم تحيض بعدها يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر يوما ثم تطعن في الدم لحظة يتبين بها تمام الطهر،
أما المبتدأة فأقل الامكان فيها اثنان وثلاثون يوما ولحظة بناء على اشتراط الاحتواش وهو الراجح. (أو) طلقت أمة ولو
مبعضة في (حيض) وهي معتادة أو مبتدأة، (فأحد) أي فأقل إمكان انقضاء أقرائها أحد (وثلاثون) يوما (ولحظة) وذلك
كأن يعلق طلاقها بآخر جزء من حيضها ثم تطهر خمسة عشر يوما ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر يوما ثم تشرع
في الحيض. والطلاق في النفاس كالطلاق في الحيض.
تنبيه: هذا كله في الذاكرة، فلو لم تذكر هل كان طلاقها في حيض أو طهر؟ قال الماوردي: أخذت
بالأقل وهو أنه طلقها في الطهر، وقال شيخه الصيمري: أخذت بالأكثر لأنها لا تخرج من عدتها إلا بيقين، وهذا كما قال
الأذرعي والزركشي هو الاحتياط والصواب. (وتصدق) المرأة حرة كانت أو غيرها في دعوى انقضاء عدتها بأقل
مدة الامكان، (إن لم تخالف) فيما ادعته (عادة) لها (دائرة) بأن لم يكن لها عادة مستقيمة في طهر وحيض أو كانت
مستقيمة فيهما أو لم يكن لها عادة أصلا، وذلك لقوله تعالى: * (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) *
ولأنه لا يعرف إلا من جهتها فصدقت عند الامكان. فإن كذبها الزوج حلفت، فإن نكلت حلف وثبت له الرجعة،
(وكذا إن خالفت) بأن كانت عادتها الدائرة أكثر من ذلك فادعت مخالفتها لما دونها مع الامكان، فتصدق (في الأصح)
لأن العادة قد تتغير، فإن كذبها الزوج حلفت، ويأتي فيه ما مر. والثاني: لا تصدق للتهمة، وقال الروياني أنه المختار
في هذا الزمان ولو مضى زمن العادة فادعت زائدا عليها، فنقلا في أواخر العدة عن الإمام أن الذي يدل عليه كلام
الأصحاب تصديقها وجها واحدا وعلى الزوج السكنى، ثم أبديا فيه احتمالا، لأنا لو صدقناها لربما تمادى في
دعواها إلى سن اليأس، وفيه إجحاف الزوج. (ولو وطئ) الزوج (رجعيته) بهاء الضمير بخطه، بشبهة أو غيرها،
(واستأنفت الأقراء) أو الأشهر (من وقت) فراغه من (الوطئ) كما نقلاه في باب تداخل العدتين عن المتولي وأقراه وإن
339

اقتضى كلام المصنف أنه من ابتداء الوطئ فإذا فرغ منه (راجع فيما كان بقي) من عدة الطلاق، فإن وقع الوطئ بعد
قرءين ثبتت الرجعة في قرء واحد، وإن كان بعد قرء فله الرجعة في قرءين، لأن الرجعة تختص بعدة الطلاق فلا يراجع فيما
زاد عليها بالوطئ، ولو قال: واستأنفت العدة لكان أعم يشمل ما قدرته في كلامه.
تنبيه: لو أحبلها بالوطئ راجعها ما لم تلد لوقوع عدة الوطئ عن الجهتين كالباقي من الأقراء، إلا أن ذلك يتبعض
وعدة الحمل لا تتبعض، وإن ولدت فلا رجعة لانقضاء العدة واعلم أن للرجعية حكم الزوجات
في أشياء وتخالفهن في أشياء وقد شرع في القسم الثاني، فقال: (ويحرم الاستمتاع بها) بوطئ وغيره حتى بالنظر ولو بلا شهوة كما يقتضيه
كلام الروضة، لأنها مفارقة كالبائن، وإن اقتضى كلام الرافعي خلافه، ولان النكاح يبيح الاستمتاع فيحرمه الطلاق
لأنه ضده. واحتجاج الحنفية على جواز الاستمتاع بها بتسميته بعلا، وأنه يطلق منقوض بالمظاهر وزوج
الحائض. (فإن
وطئ) الرجعية (فلا حد) عليه وإن كان عالما بالتحريم لاختلاف العلماء في إباحته، (ولا يعزر إلا معتقد تحريمه) إذا كان
عالما بالتحريم لاقدامه على معصية عنده بخلاف معتقد حله والجاهل بتحريمه لعذره، ومثله في ذلك المرأة، وكالوطئ
في التعزير سائر التمتعات. (ويجب) بوطئ الرجعية (مهر مثل) جزما (إن لم يراجع) لأنها في تحريم الوطئ كالمتخلفة في الكفر
فكذا في المهر.
تنبيه: ظاهر كلامهم وجوب مهر واحد ولو تكرر، قال البلقيني: لم نر من تعرض له. والقياس على ما ذكروه
في الوطئ في النكاح الفاسد ووطئ الأب والشرك والمكاتب أنه لا يجب إلا مهر واحد. (وكذا) يجب المهر (إن راجع) بعده
(على المذهب) المنصوص. واستشكل إيجاب المهر بالوطئ بأنه يؤدي إلى إيجاب مهرين في عقد واحد. وأجيب بأن المهر
الثاني بوطئ الشبهة لا بالعقد. والطريق الثاني: لا يجب في قول مخرج من نفيه فيما إذا ارتدت بعد الدخول فوطئها الزوج ثم
أسلمت في العدة أنه لا يجب مهر، وخرج قول وجوبه من النص في وطئ الرجعية، والراجح تقرير النصين. والفرق
أن أثر الردة يرتفع بالاسلام، وأثر الطلاق لا يرتفع بالرجعة، والحل بعدها كالمستفاد بعقد آخر. ثم شرع في القسم الأول،
فقال: (ويصح) من الرجعية (إيلاء فظهار) إن حصلت الرجعة بعدهما كما سيأتي في بابهما، (وطلاق) ولو بخلع معين أو مرسل
كزوجاتي طوالق فتدخل الرجعية فيهن على الأصح. (ولعان) لبقاء الولاية عليها بملك الرجعية. (و) الزوج والرجعية (يتوارثان)
فيرث منهما الآخر. وتقدم مسألتنا التوارث والطلاق في الطلاق في فصل الأجنبية به، وذكرها المصنف هنا
تتميما لأحكام الرجعية وإشارة إلى قول الشافعي رضي الله عنه: الرجعية زوجة في خمس آيات من كتاب الله تعالى،
أي آيات المسائل الخمس المذكورة. وسكت هنا عن وجوب نفقتها لذكره له في كتاب النفقات.
تنبيه: الرجعية على المختار في أصل الروضة مترددة بين الزوجة والأجنبية، والترجيح بحسب ظهور دليل لأحدهما
تارة وللآخر أخرى. قال في الروضة: ونظيره القولان في أن النذر يملك به مسلك واجب الشرع أو جائزه في أن
الابراء إسقاط أو تمليك. ثم شرع في بيان الاختلاف في الرجعة فقال: (وإذا ادعى) على رجعية (والعدة منقضية) هي
جملة حالية، (رجعة فيها) أي العدة ولم تنكح غيره، (فأنكرت) نظرت، (فإن اتفقا على وقت الانقضاء) لعدتها كيوم الجمعة،
(وقال) هو: (راجعت يوم الخميس، فقالت) هي: (بل السبت) راجعتني فيه، (صدقت) على الصحيح (بيمينها) أنها لا تعلمه
راجع يوم الخميس، لأن الأصل عدم الرجعة إلى يوم السبت.
340

تنبيه: مراد المصنف أنهما اتفقا على عدة ينقضي مثلها بأشهر أو أقراء أو حمل، ولم يرد الاتفاق في حقيقة
الانقضاء،
لأن دعوى الزوج الرجعة يوم الخميس مانع من إرادة حقيقة الاتفاق. (أو) لم يتفقا على وقت الانقضاء، بل (على
وقت الرجعة كيوم الجمعة، وقالت) هي: (انقضت الخميس، وقال) هو: بل انقضت (السبت، صدق) في الأصح
(بيمينه) أنها ما انقضت الخميس لأن الأصل عدم انقضائها قبله، وقيل: هي المصدقة، وقيل: المصدق السابق بالدعوى.
فإن تداعيا معا سقط هذا الوجه. (وإن تنازعا في السبق بلا اتفاق) وعلى وقت رجعة أو انقضاء عدة، (فالأصح ترجيح
سبق الدعوى) لاستقرار الحكم بقول السابق. ثم بين السبق بقوله: (فإن ادعت) أي سبقت وادعت (الانقضاء)
لعدتها (ثم ادعى رجعة) لها (قبله) أي الانقضاء، (صدقت بيمينها) أن عدتها انقضت قبل الرجعة وسقط دعوى
الزوج لأنهما اتفقا على الانقضاء واختلفا في الرجعة، والأصل عدمها، واعتضد دعواها بالأصل. (أو ادعاها) أي سبق
وادعى رجعتها (قبل انقضاء) لعدتها، (فقالت) بل راجعتني (بعده) أي انقضاء العدة، (صدق) بيمينه أنه راجعها
قبل انقضائها، لأنهما اتفقا على الرجعة واختلفا في الانقضاء واعتضد دعواه بالاتفاق، والأصل عدم الانقضاء.
تنبيه: ما ذكر من إطلاق تصديق الزوج جرى عليه في الروضة كالشرح الصغير، وقيده الرافعي في الشرح
الكبير عن جمع بما إذا تراخى كلامها عنه، فإن اتصل به فهي المصدقة، وما نقله البلقيني عن النص واعتمده من
أن القول قولها فيما إذا سبقها الزوج محمول على ما إذا لم يتراخ كلامها عن كلامه، فلا ينافي ما مر. فإن قيل: قد
ذكرا في الروضة وأصلها في العدد ما يخالف ما ذكر في المتن، وهو فيما إذا ولدت وطلقها واختلفا في المتقدم منهما فقال:
ولدت قبل الطلاق فلي الرجعة، وقالت: بعده نظر، إن اتفقا على وقت الولادة صدق الزوج بيمينه، وإن اتفقا على وقت
الطلاق صدقت بيمينها، وإن لم يتفقا على شئ بل قال: كانت الولادة قبل الطلاق وادعت العكس صدق بيمينه مع أن
مدرك البابين واحد، وهو التمسك بالأصل. أجيب عن الشق الأول بأنه لا مخالفة فيه بل عمل بالأصل في الموضعين
وإن كان المصدق في أحدهما غيره في الآخر، وعن الثاني بأنهما هنا اتفقا على انحلال العصمة قبل انقضاء العدة، وثم
لم يتفقا عليه قبل الولادة فتقوى فيه جانب الزوج. وهل المراد سبق الدعوى عند حاكم أو لا؟ قال ابن عجيل: نعم،
وقال إسماعيل الحضرمي: يظهر من كلامهم أنهم لا يريدونه، وهذا هو الظاهر كما قاله الزركشي. (قلت) كالرافعي
في الشرح. (فإن ادعيا معا) كأن قال: راجعتك، فقالت في زمن هذا القول: انقضت عدتي، (صدقت) بيمينها، (والله
أعلم) لأن الانقضاء غالبا لا يعلم إلا منها. فإن اعترفا بترتيبهما وأشكل السابق صدق الزوج بيمينه، لأن الأصل بقاء
العدة وولاية الرجعة والورع تركها. أما إذا نكحت غيره وادعى مطلقها تقدم الرجعة على انقضاء العدة فله الدعوى
بها عليها. وهل له الدعوى على الزوج لأنها في حياله وفراشه أولا لما مر فيما إذا زوجها وليان من اثنين، فادعى أحد
الزوجين على الآخر سبق نكاحه، فإن دعواه لا تسمع عليه؟ الأوجه الأول كما جرى عليه ابن المقري، وأجيب عن
القياس بأنهما هنا متفقان على أنها كانت زوجة للأول بخلافهما ثم، وعلى هذا تارة يبدأ بالدعوى عليها وتارة عليه،
فإن أقام بينة بمدعاه انتزعها، سواء بدأ بها أم به، وإن لم يكن معه بينة وبدأ بها في الدعوى فأنكرت فله تحليفها، فإن
حلفت سقطت دعواه، وإن أقرت له لم يقبل إقرارها على الثاني ما دامت في عصمته لتعلق حقه بها، فإن زال حقه
بنحو موت سلمت للأول، وقبل زوال حق الثاني يجب عليها للأول مهر مثلها للحيلولة، بخلاف ما لو كانت في حيال
رجل فادعى زوجيتها آخر فأقرت له به وقالت: كنت طلقتني فإنه يقبل إقرارها له وتنزع له إن حلف أنه لم يطلقها.
والفرق اتفاق الزوجين في الأولى على الطلاق، والأصل عدم الرجعة بخلاف الثانية. نعم إن أقرت أولا بالنكاح للثاني
341

أو أذنت فيه لم تنزع منه، كما لو نكحت رجلا بإذنها ثم أقرت برضاع محرم بينهما لا يقبل إقرارها. وإن بدأ بالزوج في
الدعوى فأنكر صدق بيمينه لأن العدة قد انقضت والنكاح وقع صحيحا في الظاهر، والأصل عدم الرجعة. وإن أقر
له أو نكل عن اليمين وحلف الأول اليمين المردودة بطل نكاح الثاني، ولا يستحقها الأول حينئذ إلا بإقرارها له أو
حلفه بعد نكولها، ولها على الثاني بالوطئ مهر المثل إن استحقها الأول، وإلا فالمسمى إن كان بعد الدخول ونصفه
إن كان قبله. (ومتى ادعاها) أي الرجعة (والعدة باقية) باتفاقهما وأنكرت، (صدق) بيمينه لقدرته على إنشائها،
وهل دعواه إنشاء للرجعة أو إقرار بها؟ وجهان، رجح ابن المقري الأول تبعا للأسنوي، ورجح الأذرعي الثاني، وقال
الإمام: لا وجه لكونه إنشاء، وهذا هو الظاهر. (ومتى أنكرتها) أي الرجعة، (وصدقت) كما تقدم، (ثم اعترفت)
بها (قبل اعترافها) لأنها جحدت حقا ثم اعترفت به، لأن الرجعة حق الزوج. فإن قيل: إنها لو أقرت بنسب أو رضاع
محرم بينها وبين آخر ثم رجعت وكذبت نفسها لا يقبل رجوعها، فكان ينبغي أن يكون هنا كذلك. أجيب بأن
هذا رجوع عن إثبات، والاثبات لا يكون إلا عن علم ففي الرجوع عنه تناقض، بخلاف الرجعة فإنه رجوع عن نفي
والنفي لا يلزم أن يكون عن علم. نعم لو قال: ما أتلف فلان مالي ثم رجع وادعى أنه أتلفه لم تسمع دعواه،
لأن قوله
ما أتلفه يتضمن الاقرار على نفسه ببراءة المدعي عليه. فإن قيل: يرد على هذا الجواب ما لو أنكرت غير المجبرة الاذن
في النكاح وكان إنكارها قبل الدخول بها أو بعده بغير رضاها ثم اعترفت بأنها كانت أذنت لم يقبل منها مع أنه نفي.
أجيب بأن النفي إذا تعلق بها كان كالاثبات، بدليل أن الانسان يحلف على نفي فعله على البت كالاثبات وجدد النكاح
بينهما فلا تحل له بدون تجديد. (وإذا طلق) الزوج (دون ثلاث وقال وطئت) زوجتي قبل الطلاق (فلي) عليها (رجعة،
وأنكرت) وطأه قبل الطلاق، (صدقت بيمين) أنه ما وطئها لأن الأصل عدم الوطئ. فإن قيل: إذا ادعى العنين أو المولى
الوطئ، فإن القول قوله بيمينه مع أن الأصل عدم الوطئ. أجيب بأن المرأة في ذلك تدعي ما يثبت لها حق الفسخ،
والأصل صحة النكاح وسلامته، وهنا الطلاق قد وقع والزوج يدعي ما يثبت له الرجعة، والأصل عدمه، فإن حلفت
لا عدة عليها وتتزوج حالا، ويحرم عليه أختها وأربع سواها إلى أن تنقضي عدتها. (وهو) بدعواه وطأها (مقر لها
بالمهر) وهي لا تدعي إلا نصفه، (فإن) كانت (قبضته فلا رجوع له) عليها بشئ منه عملا بإقراره، (وإلا فلا تطالبه
إلا بنصف) فقط عملا بإنكارها، وإذا كانت أخذت النصف ثم اعترفت بوطئه هل تأخذ النصف الآخر أو لا بد من
إقرار جديد من الزوج؟ فيه وجهان، أوجههما كما هو مقتضى كلامهم في الاقرار الثاني.
تنبيه: ترك المصنف ذكر اليمين في بعض صور التصديق للعلم بوجوبه من البعض الآخر.
خاتمة: لو كانت الزوجة المطلقة رجعيا أمة واختلف في الرجعة كان القول قولها بيمينها حيث صدقت الحرة
بيمينها، لا قول سيدها على المذهب المنصوص عليه في الام والبويطي وغيرهما. ولو قال: أخبرتني مطلقتي بانقضاء عدتها
فراجعتها مكذبا لها أو لا مصدقا ولا مكذبا لها ثم اعترفت بالكذب بأن قالت: ما كانت انقضت، فالرجعة صحيحة لأنه لم
يقر بانقضاء العدة، وإنما أخبر عنها. ولو سأل الرجعية الزوج ولو بنائبه عن انقضاء العدة لزمها إخباره، قاله في الاستقصاء.
وفي سؤال الأجنبي قولان. والظاهر عدم اللزوم.
342

كتاب الايلاء
هو لغة: الحلف. قال الشاعر:
وأكذب ما يكون أبو المثنى إذا آلى يمينا بالطلاق
وكان طلاقا في الجاهلية فغير الشرع حكمه مع عدم استعماله أول الاسلام، وخصه بالحلف على الامتناع من وطئ الزوجة
مطلقا أو أكثر من أربعة أشهر كما سيأتي. والأصل فيه قوله تعالى: * (للذين يؤلون من نسائهم) * الآية. وإنما عدي فيها بمن،
وهو إنما يعدى ب‍ على، لأنه ضمن معنى البعد، كأنه قال: يؤلون مبعدين أنفسهم من نسائهم. وهو حرام للايذاء
، وليس
منه إيلاؤه (ص) في السنة التاسعة من نسائه شهرا. وأركانه كما قال الشيخان أربعة: حالف ومدة ومحلوف
به ومحلوف عليه، زاد في الأنوار: وصيغة وزوجة. وقد شرع المصنف في الركن الأول فقال: (هو حلف زوج) خرج
بذلك السيد والأجنبي كما سيأتي. ويصح من عجمي بالعربية، ومن عربي بالعجمية إن عرف المعنى كما في الطلاق وغيره.
وقوله: (يصح طلاقه) خرج به الصبي والمجنون والمكره، ودخل فيه العبد والحر والمسلم والكافر والخصي والسكران
المتعدي بسكره. والمراد أنه يصح طلاقه في الجملة ليدخل ما لو قال: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا، وفرعنا
على انسداد باب الطلاق فإنه زوج لا يصح طلاقه في هذه الصورة ومع ذلك يصح إيلاؤه. وقوله: (ليمتنعن من وطئها)
أي وأطلق، فلو حلف على الامتناع من وطئها في الدبر أو الحيض أو النفاس أو فيما دون الفرج لم يكن موليا، بل هو
محسن لا تتضرر بذلك ولا تطمع في الوطئ فيما ذكر، ولأنه ممنوع من الوطئ في غير الأخيرة شرعا فأكدا الممنوع منه
بالحلف. فإن قال: والله لا أجامعك إلا في الدبر فمول، أو: إلا في الحيض أو في النفاس، أو في نهار رمضان، أو في
المسجد وجهان: أحدهما وهو الأوجه أنه مول، قال الأسنوي: وهو ما جزم به في الذخائر ولا يتجه غيره، وقال
الزركشي: أنه الراجح، فقد جزم به في الذخائر، وقال في المطلب: إنه الأشبه. وبه أفتى البغوي في غير صورة النفاس،
لأن الوطئ حرام في هذه الأحوال، فهو ممنوع من وطئها. ويجب عليها الامتناع وتضرب المدة ثم تطالب بعدها بالفيئة
أو الطلاق، فإن فاء إليها في هذه الأحوال سقطت المطالبة في الحال لزوال المضارة به وتضرب المدة ثانيا لبقاء اليمين، كما
لو طلق المولى بعد المدة ثم راجع تضرب المدة ثانيا لبقاء اليمين. والوجه الثاني: لا يكون موليا، وبه جزم السرخسي في
صورتي الحيض والنفاس، لأنه لو جامع فيها حصلت الفيئة فاستثناؤه يمنع انعقاد الايلاء. وقوله: (مطلقا) نعت لمصدر
محذوف، أي امتناعا مطلقا غير مقيد بمدة، وفي معناه ما إذا أكد بقوله أبدا. وقوله: (أو فوق أربعة أشهر) هو الركن
الثاني، وهو المدة، خرج به الأربعة فما دونها، روي عن عمر رضي الله عنه أنه سأل: كم تصبر المرأة؟ فقيل: شهرين،
وفي الثالث يقل الصبر وفي الرابع ينفذ الصبر. أي إذا نفذ صبرها طالبت، فلا بد من الزيادة على ذلك. وظاهره أنه
يكفي زيادة لحظة لا تسع المطالبة. وهو ما نقله في أصل الروضة عن الإمام وجرى عليه ابن المقري في روضه، وفي كلام
الروياني ما يوافقه. قال البلقيني: وهو عجيب لا يوافق عليه، والذي يقتضيه نص الشافعي في الام والمختصر
أنه لا يكون
موليا إلا بالحلف على فوق أربعة أشهر بزمان يتأتى فيه المطالبة. وصرح به الماوردي، وسبقه إلى نحو ذلك ابن الرفعة.
والأولى أن يقال: إن كلام الإمام محمول على إثم الايذاء، وكلام الماوردي على إثم الايلاء، ألا ترى أنه لو قال: والله
لا أطؤك أربعة أشهر، فإذا مضت فوالله لا أطؤك أربعة أشهر فإنه ليس بمول كما سيأتي مع أنه يأثم بذلك إثم الايلاء على
الراجح في الروضة؟
تنبيه: ليس هذا الحد مجامع لعدم شموله ما لو قال: ولله لا أطؤك حتى أموت أو تموتي فإنه يكون موليا
343

لحصول اليأس أنه لم يطلق ولم يذكر فوق أربعة أشهر، ولا مانع أيضا لشموله العاجز عن الوطئ بنحو جب فإنه يصح
طلاقه ولا يصح طلاقه ولا يصح إيلاؤه كما سيأتي، لأنه لا يتحقق منه قصد الايذاء بالامتناع، فلو قال: يصح طلاقه مع إمكان وطئه، لكان
أولى. ثم شرع في الركن الثالث، وهو المحلوف به، فقال: (والجديد) ووصفه في الروضة بالأظهر، (أنه) أي الايلاء (لا يختص
بالحلف بالله تعالى وصفاته) تعالى، (بل لو علق به) أي الوطئ (طلاقا أو عتقا) ك‍ إن وطئتك فأنت أو ضرتك طالق،
أو فعبدي حر (أو) نحو ذلك مما لا ينحل اليمين منه إلا بعد أربعة أشهر، كأن (قال: إن وطئتك فالله علي صلاة أو صوم أو
حج أو عتق، كان موليا) لأن ما بلزمه في ذلك بالوطئ يمنعه منه فيتحقق في الاقرار، ولان ذلك يسمى حلفا فتناولته
الآية، لأن الايلاء هو الحلف، ويشمل الحلف بالله تعالى وغيره، وفي الحديث: لا تحلفوا بآبائكم.
تنبيه: أشار المصنف بما ذكره إلى أنه لا فرق بين كون المعلق غير قربة كما سبق في تعليق الايلاء بالطلاق أو
قربة كهذه الأمثلة. وكلامه هنا وفيما سبق مشعر بأن الايلاء لا يكون بغير الحلف، لكن سيأتي في الظهار أنه لو قال:
أنت علي كظهر أمي سنة مثلا، أنه إيلاء مع انتفاء الحلف في هذه الصورة، والقديم أنه يختص بالحلف بالله تعالى أو صفة
من صفاته لأنه المعهود لأهل الجاهلية الحاكمين بأن الايلاء طلاق، وقد أبطل الله الحكم دون الصفة بقوله: * (الذين
يؤلون من نسائهم) * الآية، واليمين المذكورة يمين لجاج. واليمين بصوم شهر الوطئ إيلاء، ك‍ إن وطئتك فالله علي صوم
الشهر الذي أطأ فيه، فإذا وطئ في أثناء الشهر لزمه مقتضى اليمين ويجزيه صوم بقيته ويقضي يوم الوطئ، وليس اليمين
بصوم هذا الشهر إيلاء، ولا يصوم هذه السنة إلا إن بقي منها أكثر من أربعة أشهر. ثم شرع في محترز قوله حلف زوج
بقوله: (ولو حلف أجنبي عليه) أي ترك الوطئ، كقوله لأجنبية: والله لا أطؤك (فيمين محضة) أي خالصة من شائبة حكم
الايلاء، (فإن نكحها) أي الأجنبية بعد الحلف (فلا إيلاء) بحلفة المذكور فلا تضرب له مدة، فإن وطئها قبل مدة الايلاء
أو بعدها لزمه كفارة يمين في الحلف بالله تعالى، وحكم السيد كما تقدم كالأجنبي، فلو قال كالمحرر: ولو حلف غير الزوج،
لشمل ذلك. ثم شرع في شرط الزوجة بقوله: (ولو آلى من رتقاء أو قرناء) وتقدم معناهما في خيار النكاح، لم يصح
الايلاء على المذهب، لأنه لا يتحقق منه قصد الايذاء والاضرار لامتناع الامر في نفسه.
تنبيه: أفهم تمثيله بالمانع الحسي صحة الايلاء من الصغير والمضناة، وهو صحيح، ولكن لا نضرب المدة إلا بعد
احتمالها الوطئ. ثم شرع في محترز كون الزوج يمكن وطؤه بقوله: (أو آلى مجبوب) أي مقطوع الذكر كله، وكذا إن
بقي منه دون الحشفة، (لم يصح) إيلاؤه (على المذهب) لما مر، وقيل: يصح فيهما لعموم الآية، ومجموع ما في المسألة
طرق أصحهما قولان. والثانية: القطع بالبطلان. والثالثة: القطع بالصحة. وأما من جب ذكره وبقي منه قدر الحشفة فيصح
إيلاؤه لامكان وطئه. والأشل كالمجبوب، أما العاجز عن الوطئ لمرض، قال في التتمة: ومنه العنين، فيصح أيلاؤه،
لأن وطأه مرجؤ.
تنبيه: صورة مسألة الكتاب فيما إذا كان المانع من الوطئ موجودا عند الايلاء، فلو طرأ بعده لم يبطل على
المذهب، لأن العجز عارض وكان قد قصد الايلاء. (ولو قال: والله لا وطئتك أربعة أشهر فإذا مضت فوالله
لا وطئتك أربعة أشهر، و) سواء اقتصر على هذا أم قال (هكذا مرارا فليس بمول في الأصح) لانتفاء فائدة الايلاء من
المطالبة بموجبه في ذلك، إذ بعد مدة أربعة أشهر لا تمكن المطالبة بموجب اليمين الأولى لانحلالها، ولا بموجب الثانية
لأنه لم تمض مدة المهلة من وقت انعقادها، وبعد مضي الأربعة الثانية يقال فيه كذلك وهكذا لآخر حلفه. والثاني: هو
344

مول لتحقق الضرر، وعلى الأول يأثم كما في زيادة الروضة، لكن إثم الايذاء لا إثم الايلاء، قال في المطلب: فكأنه
دون إثم المولى، ويجوز أن يكون فوقه، لأن ذاك يقدر فيه على دفع الضرر بخلاف هذا فإنه لا دفع له إلا من جهة
الزوج بالوطئ.
تنبيه: أفهم قوله: فإذا مضت فوالله أن محل الوجهين إذا أعاد حرف القسم، فإذا قال: والله لا أطؤك أربعة
أشهر فإذا مضت فلا أطؤك أربعة أشهر كان موليا قطعا، وهو كذلك كما قاله في المطلب، لأنها يمين واحدة اشتملت على
أكثر من أربعة أشهر. وأفهم كلامه أيضا أن محل الخلاف إذا وصل اليمين باليمين، فإن قال ذلك مرة ثم لما مضت تلك
المدة أعاد اليمين وهكذا مرارا فلا يكون موليا قطعا. وقوله: وهكذا مرارا ليس بقيد لاجراء الخلاف كما يفهم مما قدرته،
فإن الخلاف جار وإن لم يقل مرارا، ولو قال: وإن قاله مرارا، كان أولى ليكون نص على الصورتين. (ولو قال: والله
لا وطئتك خمسة أشهر، فإذا مضت فوالله لا وطئتك سنة) بالنون، (فإيلاءان لكل) منهما (حكمه) فلها
المطالبة في الشهر
الخامس بموجب الايلاء الأول من الفيئة أو الطلاق، فإن فاء انحلت، فإن أخرت حتى مضى الخامس دخل مدة الايلاء
الثاني فلها المطالبة بعد أربعة أشهر منها بموجبه كما مر، فإن لم تطالب في الايلاء الأول حتى مضى الشهر الخامس منه فلا
مطالبة به سواء أتركت حقها أم لم تعلم به لانحلاله، كما لو أخرت المطالبة في الثاني حتى مضت سنة.
تنبيه: قوله: سنة موافق للشرح والروضة، وفي المحرر: ستة أشهر، وكل صحيح، ولكن كان الأولى موافقة أصله.
ويصح أن يقرأ المتن بالمثناة من فوق فيوافق أصله، لكن نسخة المصنف بالنون. ولو أتى باليمينين ولم يقل فإن مضت
تداخلتا وانحلتا بوطئ واحد. (ولو قيد) الامتناع من الوطئ (بمستبعد الحصول) في الاعتقادات (في الأربعة) أشهر،
(تزول عيسى عليه السلام) وخروج الدجال وطلوع الشمس من مغربها، (فمول) لأن الظاهر تأخير ذلك عن
الأربعة الأشهر.
تنبيه: فهم من كلامه بطريق الأولى أنه لو علق بمحقق المنع كصعود السماء كان موليا، وهو ما قطع به الرافعي وغيره.
ومحل التعليق بنزول عيسى عليه السلام إذا كان قبل خروج الدجال، فإن كان بعد خروجه فإن كان في اليوم
الأول من أيامه وكان بقي أكثر من أربعة أشهر باعتبار الأيام المعهودة فمول والا فلا، لأن بين خروجه ونزول عيسى
عليه السلام أربعين يوما، وأخبر عليه السلام بأن اليوم الأول من أيامه كسنة والثاني كشهر والثالث
كجمعة والباقي كالأيام المعهودة، فسئل عن ذلك اليوم الذي كسنة يكفينا فيه صلاة يوم؟ فقال: لا، اقدروا له قدره
والحديث رواه مسلم، وتقدم الكلام عليه في المواقيت. (وإن ظن حصوله) أي المقيد به (قبلها) أي مضى الأربعة الأشهر،
كقوله في وقت غلبة الأمطار. والله لا أطؤك حتى ينزل المطر (فلا) يكون موليا وإنما هو عقد يمين.
تنبيه: أفهم كلامه أن محقق الحصول كذبول النقل وجفاف الثوب أولى بعدم الايلاء، وبه صرح في المحرر.
(وكذا لو شك في الأصح) في حصول المستبعد قبل أو بعد مضي الأربعة أشهر فلا يكون موليا في الحال، فلو مضت
الأربعة ولم يوجد المعلق به فوجهان أصحهما في الروضة وأصلها لا يكون موليا أيضا: لأنه لم يحقق قصد المضارة أولا،
وأحكام الايلاء منوطة به لا بمجرد الضرر ولهذا لو امتنع بلا يمين لم يكن موليا ولو قيد بموت أحدهما كان موليا كما مر،
وكذا بموت أجنبي خلافا لصاحب التنبيه. ولو قيد بقدوم زيد والمسافة بعيدة وقال: ظننت قربها صدق بيمينه، وكذا لو
قال: لا أجامعك وقال: أردت شهرا أو نحوه كما في الروضة وأصلها، خلافا للبلقيني. ثم شرع في الركن الرابع المحلوف عليه وهو ترك
الجماع لا غير، فقال: (ولفظه) أي الدال عليه قسمان: (صريح وكناية، فمن صريحه) مهجو ال ن ي ك و (تغييب) أي إدخال
345

(ذكر) أو حشفته (بفرج) أي فيه، (ووطئ وجماع) وإصابة، (وافتضاض بكر) وهي إزالة قصتها بكسر
القاف أي
بكارتها، كقوله: والله لا أغيب ولا أدخل أو لا أولج ذكري أو حشفتي في فرجك أو لا أطؤك أو لا أجامعك أو لا أصبتك
أو لا أفتضك بالقاف أو بالفاء وهي بكر، وبحث ابن الرفعة تقييد هذه بمن لم تكن غوراء بغين معجمة، فإن كانت - وهي
التي بكارتها في صدر فرجها - وعلم حالها فإنه لا يكون موليا لامكان تغييب الحشفة بغير افتضاض وحقها إنما هو في ذلك،
قال: إلا أن يقال الفينة في حق البكر تخالفها في حق الثيب كما يفهمه إيراد القاضي والنص، وهذا هو الراجح كما سيأتي، ويدين
في الأربعة الأخيرة إن ذكر محتملا ولم يقل بذكري أو بحشفتي كأن يريد بالوطئ الوطئ بالقدم، وبالجماع الاجتماع،
وبالأخيرين الإصابة والافتضاض بغير الذكر.
تنبيه: كان الأولى التعبير بتغييب الحشفة، لأنه لو حلف على تغييب الذكر وغيبها فقط لم يحنث مع تحصيل المقصود،
ولهذا لو حلف لا يغيب كل الذكر أو لا يستوفي الايلاج لم يكن موليا بخلاف لا أغيب كل الحشفة. (والجديد أن ملامسته
ومباضعة ومباشرة وإتيانا وغشيانا وقربانا) بكسر القاف ويجوز ضمها، (ونحوها) كإفضاض ومس ودخول كوالله لا أفضي
إليك أو لا أمسك أو لا أدخل بك، (كنايات) تفتقر لنية الوطئ لأن لها حقائق غير الوطئ ولم تشتهر فيه اشتهار الألفاظ
السابقة، والقديم أنها صرائح لكثرة استعمالها فيه.
فروع: لو قال: والله لا أجامع إلا جماع سوء، وأراد الجماع في الدبر أو فيما دون الفرج أو بدون الحشفة كان
موليا، وإن أراد الجماع الضعيف أو لم يرد شيئا لم يكن موليا لأن ضعيف الجماع كقوله في الحكم، والأصل فيما إذا لم يرد
شيئا عدم الحلف على الحال الذي يكون فيه موليا. ولو قال: والله لا أغتسل عنك وأراد ترك الغسل دون الجماع أو ذكر
أمرا محتملا كأن لا يمكث بعد الوطئ حتى ينزل واعتقد أن الوطئ بلا إنزال لا يوجب الغسل، أو أراد أني أجامعها بعد
جماع غيرها ليكون الغسل عن الأولى لحصول الجنابة بها، قبل منه ولم يكن موليا. ولو قال: والله لا أجامع فرجك أو لا أجامع
نصفك الأسفل كان موليا، بخلاف باقي الأعضاء ك‍ لا أجامع يدك أو رجلك أو نصفك الاعلى أو بعضك أو نصفك
لم يكن موليا إلا أن يريد بالبعض الفرج وبالنصف النصف الأسفل. ولو قال: والله لأبعدن أو لأغيبن عنك أو لأغيظنك
أو لأسوأنك كان كناية في الجماع والمدة لاحتمال اللفظ لهما ولغيرهما. ولو قال: والله لأطلبن تركي لجماعك أو لأسوأنك
فيه كان صريحا في الجماع كناية في المدة. ولو قال: والله لا تجتمع رأسانا على وسادة أو تحت سقف كان كناية، إذ ليس
من ضرورة الجماع اجتماع رأسيهما على وسادة أو تحت سقف. (ولو قال) على الجديد كما في المحرر وأغفله المصنف
لوضوحه من أن الحلف لا يختص بالله تعالى وصفاته: (إن وطئتك فعبدي حر، فزال ملكه عنه) بموت أو عتق أو بيع ونحو
ذلك، (زال الايلاء) لعدم ترتب شئ على وطئه حينئذ.
تنبيه: ظاهر كلامه أنه لا يعود الايلاء إذا عاد إلى ملكه، وهو قضية قولهما فيه قولا عود الحنث، ولو دبره
أو كاتبه أو قال: فأمتي حرة ثم استولدها لم يزل الايلاء. (ولو قال) على الجديد: إن وطئتك (فعبدي حر عن
ظهاري، وكان) قد (ظاهر) وعاد قبل ذلك، (فمول) لأنه وإن لزمته كفارة الظهار فعتق ذلك العبد بعينه وتعجيل العتق
زيادة التزمها بالوطئ وذلك مشتق فصار كالتزام أصل العتق. ثم إذا وطئ في مدة الايلاء أو بعدها عتق العبد عن
ظهاره، (وإلا) بأن لم يكن ظاهر قبل ذلك (فلا ظهار ولا إيلاء باطنا) أي فيما بينه وبين الله تعالى، أما عدم الظهار
فلكذبه في كونه مظاهرا، وأما عدم الايلاء فلانه علق على الوطئ عتقا عن الظهار والفرض أنه لا ظهار فلا عتق إذا لم
توجد الصفة المعلق عليها العتق. (و) لكن (يحكم بهما ظاهرا) لاقراره بالظهار، فإذا وطئ عتق العبد عن الظهار.
346

(ولو قال) على الجديد أيضا: إن وطئتك فعبدي حر (عن ظهاري إن ظاهرت، فليس بمول) في الحال، بل (حتى
يظاهر) فإذا ظاهر صار موليا، لأن العبد لا يعتق لو وطئها قبل الظهار لتعلق العتق بالظهار مع الوطئ فلا يناله محذور،
فإذا ظاهر صار موليا لأن العتق يحصل حينئذ لو وطئ، فإن وطئ في مدة الايلاء أو بعدها عتق لوجود المعلق عليه
ولا يقع العتق عن الظهار لتقدم تعليق العتق عليه والعتق إنما يقع عن الظهار بلفظ يوجد بعده.
تنبيه: قال الرافعي وقد تقدم في الطلاق: إنه إذا علق بشرطين بغير عطف، فإن قدم الجزاء عليهما أو أخره
عنهما اعتبر في حصول المعلق وجود الشرط الثاني قبل الأول، وإن توسط بينهما كما صوروا هنا فينبغي أن يراجع
كما مر، فإن أراد إنه إذا حصل الثاني تعلق بالأول فلا يعتق العبد إذا تقدم الوطئ أو أنه إذا حصل الأول
تعلق بالثاني عتق اه‍. فإن تعذرت مراجعته أو قال: ما أردت شيئا فالظاهر كما قال شيخنا أنه لا إيلاء مطلقا. وكتقدم
الثاني على الأول فيما قاله الرافعي مقارنته له كما نبه عليه السبكي. (أو) قال على الجديد: (إن وطئتك فضرتك
طالق، فمول) من المخاطبة، لأنه يلحقه ضرر من طلاق الضرة عند الوطئ. نعم لو عبر بصيغة التزام كقوله: إن
وطئتك فعلي طلاق ضرتك أو طلاقك لا يكون موليا، قاله الرافعي آخر الكلام على انعقاد الايلاء بغير الحلف
بالله، وهو جار على ظاهر المذهب في أنه لا يلزمه في مثل هذه الصيغة شئ. (فإن وطئ) المخاطبة قبل مضي مدة
الايلاء أو بعدها، (فطلقت الضرة) لوجود المعلق عليه طلاقها، (وزال) أي انحل (الايلاء) إذ لا يترتب عليه شئ
بوطئها بعد ذلك.
فروع: لو قال: إن وطئتك فأنت طالق فله وطؤها وعليه النزع بتغييب الحشفة في الفرج لوقوع الطلاق حينئذ، ولا
يمنع من الوطئ بتعليق الطلاق لأنه يقع في النكاح والنزع بعد الطلاق ترك للوطئ وهو غير محرم لكونه واجبا. وظاهر
كلام الأصحاب وجوب النزع عينا، وهو ظاهر إذا كان بائنا، فإن كان رجعيا فالواجب النزع أو الرجعة كما
في الأنوار. ولو استدام الوطئ ولو عالم بالتحريم فلا حد عليه لإباحة الوطئ ابتداء ولا مهر عليه أيضا، لأن وطأه وقع
في النكاح. وإن نزع ثم أولج فإن كان تعليق الوطئ بطلاق بائن نظر، فإن جهل التحريم فوطئ شبهة كما لو كانت رجعية
فلها المهر ولا حد عليهما، وإن علماه فزنا، وإن أكرهها على الوطئ أو علم التحريم دونها فعليه الحد والمهر ولا حد عليها
أو هي دونه وقدرت على الدفع فعليها الحد ولا مهر لها. (والأظهر) وعبر في الروضة بالمذهب، (أنه لو قال لأربع:
والله لا أجامعكن فليس بمول في الحال) لأن الكفارة لا تجب إلا بوطئ الجميع، كما لو حلف لا يكلم جماعة فهو متمكن
من وطئ ثلاث بلا شئ يلحقه. (فإن جامع ثلاثا) منهن ولو في الدبر أو بعد البينونة، (فمول من الرابعة) لتعلق الحنث
بوطئها. (فلو مات بعضهن قبل وطئ زال) أي أنحل (الايلاء) لتعذر الحنث بوطئ من بقي، ولا نظر إلى تصور الايلاج
بعد الموت لأن اسم الوطئ يقع مطلقه على ما في الحياة. وخرج بقوله: قبل وطئ ما لو ماتت بعد وطئها وقبل وطئ
الاخريات فلا يزول الايلاء. ومقابل الأظهر أنه مول من الأربع في الحال لأنه بوطئ واحدة بقرب من الحنث المحذور
والقريب من المحذور محذور. (ولو قال) لأربع: والله (لا أجامع كل واحدة منكن فمول) حالا (من كل واحدة)
منهن بمفردها كما لو أفردها بالايلاء، فإذا مضت المدة فلكل مطالبته.
تنبيه: ظاهر كلامه أنه لو وطئ واحدة لا يرتفع الايلاء في حق الباقيات، وهو وجه رجحه الإمام، والأصح
عند الأكثرين كما ذكره الشيخان انحلال اليمين وزوال الايلاء لأنه حلف أن لا يطأ واحدة وقد وطئ. وبحث فيه بأنه
347

إن أراد تخصيص كل منهن بالايلاء فالوجه عدم الانحلال وإلا فليكن كقوله: لا أجامعكن، فلا يحنث إلا بوطئ الجميع.
وأجيب عنه بأن الحلف الواحد على متعدد يوجب تعلق الحنث بأي واحد كما وقع لا تعدد الكفارة باليمين الواحدة، ولا
يتبعض فيها الحنث، ومتى حصل فيها حصل حنث الانحلال. وبقي من صور المسألة: لا أجامع واحدة منكن، فإن أراد
الامتناع عن كل واحدة فمول منهن، أو من واحدة منهن معينة فمول منها فقط، ويؤمر بالبيان كما في الطلاق ويصدق بيمينه
في إرادتها. وإن أراد واحدة مبهمة كان موليا من إحداهن ويؤمر بالتعيين. فإن عين كان ابتداء المدة من وقت اليمين
على الأصح، وإن أطلق اللفظ ولم ينو تعميما ولا تخصيصا على التعميم على الأصح. (ولو قال) والله لا (أجامعك)
سنة أو (إلى سنة إلا مرة) أو يوما أو نحو ذلك، (فليس بمول في الحال في الأظهر) الجديد، لأنه لا يلزمه الوطئ بما ذكر
شئ لاستثنائه. (فإن وطئ و) قد (بقي منها) أي السنة (أكثر من أربعة أشهر فمول) من حينئذ لحصول الحنث بالوطئ
بعد ذلك، فإن بقي أربعة أشهر فما دونها فليس بمول بل حالف فقط. والثاني: هو مول في الحال، لأنه بالوطئ مرة
بقرب من الحنث، وعلى هذا يطالب بعد مضي المدة، فإن وطئ فلا شئ عليه، لأن الوطأة الواحدة مستثناة،
وتضرب المدة ثانيا إن بقي من السنة مدة الايلاء.
تنبيه: أفهم كلامه أنه لو مضت سنة ولم يطأ انحلال الايلاء، وهو كذلك، وهل يلزمه كفارة، لأن اللفظ يقتضي
أن يفعل مرة أو لا، لأن المقصود منع الزيادة؟ وجهان، أصحهما كما في زوائد الروضة الثاني. ولو قال السنة بالتعريف
اقتضى الحاصرة، فإن بقي منها فوق أربعة أشهر بعد وطئه العدد الذي استثناه كان موليا وإلا فلا.
فروع: لو قال: والله لا أصبتك إن شئت وأراد إن شئت الجماع أو الايلاء، فقالت في الحال: شئت صار موليا لوجود
الشرط، وإن أخرت فلا، لأن هذا الخطاب يستدعي جوابها فورا، بخلاف ما لو قال: متى شئت أو نحوها فإنه يقتضي الفور
وإن أراد: إن شئت أن لا أجامعك، فلا إيلاء إذ معناه: لا أجامعك إلا برضاك، وهي إذا رضيت فوطئها لم يلزمه شئ،
وكذا لو أطلق المشيئة حملا على مشيئة عدم لأنه السابق إلى الفهم. ولو قال: والله لأصبتك إلا أن
تشائي أو ما لم تشائي وأراد التعليق للايلاء أو الاستثناء عنه فمول، لأنه حلف وعلق رفع اليمين بالمشيئة، فإن شاءت الإصابة فورا انحل
الايلاء، وإلا فلا ينحل كنظيره في الطلاق. ولو قال: والله لا أصبتك حتى يشاء فلان، فإن شاءت الإصابة ولو متراخيا
انحلت اليمين، وإن لم يشأ صار موليا بموته قبل المشيئة لليأس منها لا بمضي مدة الايلاء لعدم اليأس من المشيئة ولو
قال: إن وطئتك فعبدي حر قبله لشهر ومضى شهر صار موليا، إذ لو جامعها قبل مضيه لم يحصل العتق لتعذر تقدمه
على اللفظ وينحل الايلاء بذلك الوطئ، فإن وطئ بعد مضي شهر في مدة الايلاء أو بعدها وقد باع العبد قبله بشهر انحل
الايلاء لعدم لزوم شئ بالوطئ حينئذ لتقدم البيع على وقت العتق أو مقارنته له، وإن باعه قبل أن يجامع بدون شهر
من البيع تبين عتقه قبل الوطئ بشهر فيتبين بطلان بيعه، وفي معنى بيعه كل ما يزيل الملك من موت وهبة وغيرهما.
فصل: في أحكام الايلاء من ضرب مدة وغيره: (يمهل) المولي وجوبا (أربعة أشهر) سواء الحر والرقيق في الزوج
والزوجة كما صرح به في المحرر، لأن المدة شرعت لأمر جبلي وهو قلة الصبر عن الزوج، وما يتعلق بالجبلة والطبع
لا يختلف بالرق والحرية كما في مدة العنة، قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه: وهذه المدة حق الزوج كالأجل
في الدين المؤجل حق المدين. وابتداؤها (من) حين (الايلاء) في غيرها ما يأتي لا من وقت الرفع إلى القاضي لأنه مول من
وقت الحلف، و (بلا قاض) لثبوته بالآية السابقة، بخلاف مدة العنين لأنها مجتهد فيها.
تنبيه: يستثنى من كلامه ما لو قال: إن وطئتك فعبدي حر قبل وطئ بشهر فإن المدة لا تحسب من الايلاء بل
إن مضى شهر ولم يطأ ضربت وطولب في الشهر السادس من اليمين على الأصح، وإنما كان كذلك لأنه لو وطئ قبل
348

مضي شهر لم يعتق. (و) ابتداؤها (في رجعية) آلى منها (من) حين (الرجعة) لا من حين الايلاء، لأن المدة شرعت للمهملة
في وقت يحل له الوطئ، وفي العدة لا يحل له الوطئ، وكذا الحكم لو آلى من زوجته ثم طلقها رجعيا فإن المدة تنقطع لجريانها
إلى البينونة، فإذا راجعها في العدة حسبت المدة من الرجعة، لأن الاضرار إنما يحصل بالامتناع المتوالي في نكاح سليم،
ولا تنحل اليمين بالطلاق الرجعي. (ولو ارتد) الزوجان أو (أحدهما بعد دخول) وبعد المدة لغت، أو (في المدة) أي الأشهر
الأربعة، (انقطعت) فلا يحسب زمن الردة منها لاختلال النكاح بها. (فإذا أسلم) المرتد في الصورتين (استؤنفت) أي
المدة لوجوب الموالاة فيها، لأن وطأها منوط بتوالي الضرر أربعة أشهر ولم توجد.
تنبيه: محل الاستئناف إذا كانت اليمين على الامتناع من الوطئ مطلقا، أو كان قد بقي من مدة اليمين ما يزيد على
أربعة أشهر، فإن كان أقل من ذلك فلا معنى للاستئناف. واحترز بقوله: بعد دخول، أي أو استدخال مني الزوج
المحترم عما قبل ذلك، فإن النكاح ينقطع لا محالة. وألحق البغوي العدة بوطئ الشبهة بالطلاق الرجعي، وبالردة في منع
الاحتساب ووجوب الاستئناف عند انقضائها. (و) كل (ما يمنع الوطئ ولم يخل بنكاح إن وجد فيه) أي الزوج، (لم يمنع
المدة) أي لا يقطع مدة الايلاء (كصوم وإحرام) واعتكاف فرضا أو نفلا، (ومرض وجنون) وحبس ونحوه، فيحسب
زمن كل منها من المدة سواء قارنها أم حدث فيها كما صرح به في المحرر، لأنها ممكنة والمانع منه، ولهذا استحقت النفقة
وهو المقصود بالايلاء وقصده المضارة.
تنبيه: أشار بالأمثلة المذكورة إلى أنه لا فرق فيه بين المانع الشرعي والحسي، واحترز بقوله: ولم يخل بمقصوده عن
الردة والطلاق الرجعي، وقد سبقا. (أو) أي وإن وجد مانع الوطئ (فيها) أي الزوجة، (وهو حسي كصغر ومرض) يمنع كل
منهما الوطئ، (منع) ابتداء المدة، فإذا زال استؤنفت. (وإن حدث) مانع لوطئ (في) أثناء (المدة) كنشوزها فيه،
(قطعها) لامتناع الوطئ معه، (فإذا زال) الحادث (استؤنفت) المدة، إذ المطالبة مشروطة بالاضرار أربعة
أشهر متوالية
ولم توجد. (وقيل تبنى) بضم أوله على مضي، ورجحه الإمام والغزالي. (أو) وجد مانع الوطئ في الزوجة، وهو (شرعي
كحيض وصوم نفل فلا) يمنع الحيض جزما ولا صوم النفل على الصحيح ولا يقطعها ذلك لو حدث فيها، لأن
الحيض لا يخلو عنه الشهر غالبا، فلو منع لامتنع ضرب المدة غالبا. وأما صوم النفل فهو متمكن من وطئها وتحليلها منه.
تنبيه: قد يفهم اقتصاره على الحيض أن النفاس يمنع، وهو ما رجحه الشيخ في التنبيه والماوردي والروياني وغيرهم،
ولكن الذي صححه المصنف في تصحيح التنبيه وأصل الروضة، وصححه الرافعي في الشرح الصغير، ونقل تصحيحه
في الكبير عن البغوي أنه كالحيض، وهذا هو المعتمد لمشاركته للحيض في أكثر الأحكام، وإن كان الأول له وجه. (ويمنع
فرض في الأصح) أي صومه بنذر أو غيره كرمضان وقضائه لعدم تمكنه فيه من الوطئ. والثاني: لا، لتمكنه ليلا.
تنبيه: ظاهر كلامه أنه لا فرق في فرض الصوم بين أن يكون فوريا أو لا، وهو كذلك وإن قال الزركشي الظاهر
أن المتراخي كصوم النفل والاعتكاف الواجب والاحرام ولو بنفل كصوم الفرض كما نقله في الكفاية عن الأصحاب
خلافا لتخصيص الجرجاني الاحرام بالفرض. (فإن وطئ) المولي (في المدة) انحل الايلاء ولزمه كفارة يمين في الحلف
بالله تعالى، ولا يطالب بعد ذلك بشئ. (وإلا) بأن لم يطأ فيها (فلها مطالبته) بعدها (بأن يفئ) برجوعه للوطئ الذي
امتنع منه بالايلاء. (أو يطلق) إن لم يفئ لظاهر الآية. وسمي الوطئ فيئة من فاء إذا رجع. لأنه امتنع ثم رجع.
349

تنبيه: قضية كلامه أنها تردد الطلب بين الفيئة والطلاق، وهو الذي في الروضة وأصلها في موضع، وصوب الزركشي
وغيره ما ذكره الرافعي تبعا لظاهر النص أنها تطالبه بالفيئة، فإن لم يفئ طالبته بالطلاق، وهذا أوجه وجرى عليه شيخنا
في منهجه. (ولو تركت حقها) بسكوتها عن مطالبة الزوج أو بإسقاط المطالبة عنه، (فلها المطالبة) ما لم تنته مدة اليمين (بعده)
أي الترك لتجدد الضرر كالرضا بإعساره بالنفقة، بخلاف الرضا بالعنة أو العيب، فإن ضررهما في حكم خصلة واحدة
كالرضا بالاعسار بالمهر.
تنبيه: مقتضى كلامه اختصاص المطالبة بعد المدة بالزوجة، وهو كذلك فليس لسيد الأمة مطالبة الزوج بذلك
لأن التمتع حقها. وينتظر بلوغ المراهقة وإفاقة المجنونة، ولا يطالب وليها بذلك بل يندب تخويف الزوج من الله تعالى.
(وتحصل الفيئة) وهي الرجوع للوطئ، (بتغييب حشفة) فقط أو قدرها من مقطوعها، وقوله: (بقبل) مزيد على المحرر،
فلا يكفي تغييب ما دونها به ولا تغييبها بدبر، لأن ذلك مع حرمة الثاني لا يحصل الغرض. نعم إن لم يصرح
في إيلائه بالقبل
ولا نواه بل أطلق انحل بالوطئ في الدبر، لا بد في البكر من زوال بكارتها كما نص عليه الشافعي رضي الله عنه وبعض
الأصحاب، أي وإن كانت غوراء.
فرع: لو استدخلت الحشفة أو أدخلها هو ناسيا أو مكرها أو مجنونا لم يحنث ولم تجب كفارة ولم تنحل اليمين
وإن حصلت الفيئة وارتفع الايلاء، أما عدم الحنث وعدم انحلال اليمين فلعدم فعله في مسألة الاستدخال واختلاله فيما
عداها، وأما عدم وجوب الكفارة فلعدم الحنث، وأما ارتفاع الايلاء فلوصولها إلى حقها واندفاع ضررها كما لو رد
المجنون الوديعة إلى صاحبها، ولان وطئ المجنون كالعاقل في تقرير المهر والتحليل وتحريم الريبة وسائر الأحكام. ويفارق
ارتفاع الايلاء عدم الحنث والكفارة بأن رعاية القصد الصحيح في حقوق الله تعالى أشد منه في حقوق الآدمي بدليل صحة
غسل الذمية عن الحيض المسلم دون العبادة، إذ ليس لها نية صحيحة وتضرب له المدة ثانيا لبقاء اليمين، كما لو طلق
المولي بعد المدة ثم راجع تضرب المدة ثانيا، فلو وطئها في المدة بعد ذلك عالما عامدا عاقلا مختارا حنث ولزمته الكفارة
وانحلت اليمين. (ولا مطالبة) للزوج بالفيئة لا قولا ولا فعلا، (إن كان بها) أي الزوجة (مانع وطئ) وهو شرعي
أو حسي، (كحيض) ونفاس وإحرام (ومرض) لا يمكن معه الوطئ، لأن الوطئ متعذر من جهتها، فكيف تطلبه
أو تطلب ما يقوم مقامه وهو الطلاق ولان المطالبة تكون بالمستحق، وهي لا تستحق الوطئ حينئذ قال في البسيط:
والعجيب أن الحيض يمنع المطالبة ولا يمنع المدة. فإن قيل: قولهم طلاق المولي في الحيض ليس ببدعي يشكل على قولهم
هنا: يمنع المطالبة. أجيب بحمل المذكور هنا على ما إذا تقدمت المطالبة زمن البقاء من الحيض ولم يفي مع تمكنه
حتى طرأ الحيض فإنه لا تبعد مطالبته بالطلاق حينئذ. (وإن كان فيه) أي الزوج (مانع) من الوطئ وهو (طبيعي
كمرض) يمنع الوطئ أو يخاف منه زيادة العلة، أو بطء البرء، (طولب) الزوج بالفيئة باللسان أو بالطلاق إن لم يفئ،
(بأن يقول إذا قدرت فئت) أو طلقت، لأن به يندفع الأذى الذي حصل باللسان. قال الإمام: ولو كان لا يرجى زوال
عذره كجب طولب بأن يقول: لو قدرت فئت، ولا يأتي بإذا، وزاد المحاملي على ذلك: وندمت على ما كان مني.
قال الزركشي: والظاهر أن المراد به التأكيد والاستحباب كما صرح به القاضي أبو الطيب، ولهذا اقتصر الشافعي على
الوعد. (أو) كان في الزوج مانع (شرعي كإحرام) وظهار، قيل: التكفير وصوم واجب، (فالمذهب أنه يطالب بطلاق)
لأنه هو الذي يمكنه، ولا يطالب بالفيئة لحرمة الوطئ، ويحرم عليها تمكينه. والطريق الثاني: أنه لا يطالب بالطلاق
بخصوصه، ولكن يقال: إن فئت عصيت وأفسدت عبادتك، وإن طلقت ذهبت زوجتك، وإن لم تطلق طلقنا عليك،
كمن غصب دجاجة ولؤلؤة فابتلعتها، يقال له: إن ذبحتها غرمتها وإلا غرمت اللؤلؤة، وعلى المذهب لو زال الضرر بعد
350

فيئة اللسان طولب بالوطئ.
تنبيه: محل الخلاف إذا امتنع امتناعا كليا، فإن استمهل في الصوم إلى الليل، أو كان يتحلل من إحرامه عن
قرب أمهلناه كما ذكره الرافعي بعد ذلك. ولو قال في صورة الظهار: أمهلوني حتى أكفر لم يمهل إن كان يكفر بالصوم
لطول مدته، وإن كان يكفر بالعتق أو الاطعام أمهل ثلاثة أيام كما قاله أبو إسحاق، وقيل: يمهل يوما ونصف يوم كما
في التهذيب. (فإن عصى بوطئ) في القبل وكذا في الدبر إذا لم يقيد إيلاءه به ولا بالقبل، (سقطت المطالبة) لحصول
مقصودها وانحلت اليمين.
تنبيه: فهم من تصريحه بالعصيان امتناع الزوجة من تمكينه، وهو كذلك، وحينئذ يؤمر بالطلاق ليس إلا كما
صححه المصنف. (وإن أبى الفيئة والطلاق، فالأظهر) الجديد (أن القاضي) إذا رفعته إليه (يطلق عليه طلقة) نيابة
عنه، لأنه لا سبيل إلى دوام إضرارها ولا إجباره على الفيئة لأنها لا تدخل تحت الاجبار، والطلاق بقبل النيابة فناب الحاكم
عنه عند الامتناع كما يزوج عن العاضل ويستوفي الحق من المماطل، فيقول: أوقعت على فلانة عن فلان طلقة كما حكي
عن الاملاء، أو: حكمت عليه في زوجته بطلقة. فإن قال: أنت طالق ولم يقل: عن فلان لم يقع، قاله الدارمي في الاستذكار،
ولم يتعرض له الشيخان.
تنبيه: أفهم قوله: طلقة أنه لو زاد عليها لم تقع الزيادة، وهو كذلك، لأن ذلك هو الواجب عليه، وإنما لم
يقيدها بالرجعة ليشمل ما لو لم يمكنه ذلك كما لو كانت قبل الدخول أو مستكملة لعدد الطلاق. ولو آلى من إحداهما
وأبى الفيئة والطلاق طلق القاضي مبهما ثم يبين الزوج أن عين، ويعين إن أبهم. والثاني القديم: لا يطلق عليه، لأن
الطلاق في الآية يضاف إليه بل يفرده بحبس أو غيره ليفئ أو يطلق لحديث: الطلاق لمن أخذ بالساق ويشترط
حضوره ليثبت امتناعه كالعضل إلا أن يعذر ولا يشترط للطلاق عليه حضوره عنده. ولا ينفذ طلاق القاضي في مدة
إمهاله الآتي بيانها، ولا بعد وطئه أو طلاقه، وإن طلقا معا وقع الطلاقان، وإن طلق القاضي وقع مع الفيئة لم يقع الطلاق
كما جرى عليه بعض المتأخرين لأنها المقصود. وإن طلق الزوج بعد طلاق القاضي وقع الطلاق إن كان طلاق القاضي
رجعيا، وصورة الدعوى: أن يدعي عليه بالايلاء وأن مدته قد انقضت من غير وطئ ويطلب منه دفع الضرر بالفيئة
أو الطلاق على ما مر. (و) الأظهر (إنه) إذا لم يكن عذر، (لا يمهل) أياما (ثلاثة) ليفئ أو يطلق فيها، لأنه زيادة على
ما أمهله الله، والحق إذا حل لا يؤجل ثانيا. والثاني: يمهل ثلاثة أيام لقربها وقد ينشط فيها للوطئ.
تنبيه: أفهم كلامه أنه لا يزاد على ثلاثة قطعا، وهو كذلك، وجواز إمهاله دون ثلاث. وليس على إطلاقه،
بل إذا استمهل لشغل أمهل بقدر ما يتهيأ لذلك الشغل، فإن كان صائما أمهل حتى يفطر أو جائعا فحتى يشبع أو ثقيلا
من الشبع فحتى يخف أو عليه النعاس فحتى يزول. قالا: والاستعداد في مثل هذه الأحوال بقدر يوم فما دونه. ولو راجع
المولى بعد تطليق القاضي وقد بقي مدة الايلاء ضربت مدة أخرى. ولو بانت فتزوجها لم يعد الايلاء فلا تطالب. (و)
الأظهر، وعبر في الروضة بالمذهب، (أنه إذا وطئ) في مدة الايلاء (بعد مطالبة) له بالفيئة، (لزمه كفارة يمين) إن
كانت يمينه بالله تعالى أو صفة من صفاته لحنثه. والثاني: لا يلزمه، لقوله تعالى: * (فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم) * أي يغفر
الحنث بأن لا يؤاخذ بكفارته لدفعه ضرر الزوجة. وأجاب الأول بأن المغفرة والرحمة إنما ينصرفان إلى ما يعصي به،
والفيئة الموجبة للكفارة مندوب إليها، وإذا لزمته الكفارة بالوطئ بعد المطالبة فبالوطئ قبلها أولى أما إذا كان حلفه
بغير الله تعالى وصفاته نظر إن حلف بالتزام ما يلزم، فإن كان بقربة لزمه ما التزم. أو كفارة يمين كما سيأتي في باب
النذر، أو بتعليق طلاق أو عتق وقع بوجود الصفة.
خاتمة: لو اختلف الزوجان في الايلاء أو في انقضاء مدته بأن ادعته عليه فأنكر صدق بيمينه، لأن الأصل
351

عدمه. ولو اعترفت بالوطئ بعد المدة وأنكره سقط حقها من الطلب عملا باعترافها، ولم يقبل رجوعها عنه لاعترافها
بوصول حقها إليها. ولو كرر يمين الايلاء مرتين فأكثر وأراد بغير الأولى التأكيد لها ولو تعدد المجلس وطال الفصل
صدق بيمينه كنظيره في تعليق الطلاق. وفرق بينهما وبين تنجيز الطلاق بأن التنجيز إنشاء وإيقاع، والايلاء والتعليق
متعلقان بأمر مستقبل، فالتأكيد بهما أليق، أو أراد الاستئناف تعددت الايمان. وإن أطلق بأن لم يرد تأكيدا ولا
استئنافا فواحدة إن اتحد المجلس حملا على التأكيد وإلا تعددت لبعد التأكيد مع اختلاف المجلس، ونظيرهما جار
في تعليق الطلاق، وكذا الحكم لو حلف يكفيه يمينا سنة ويمينا سنتين مثلا، وعند الحكم بتعدد اليمين يكفيه لانحلالها وطئ
واحد ويتخلص بالطلاق عن الايمان كلها، ويكفيه كفارة واحدة كما علم مما مر.
كتاب الظهار
هو لغة مأخوذ من الظهر، لأن صورته الأصلية أن يقول لزوجته: أنت علي كظهر أمي. وخصوا الظهر دون
البطن والفخذ وغيرهما لأنه موضع الركوب، والمرأة مركوب الزوج، وقيل من العلو، قال تعالى: * (فما اسطاعوا أن
يظهروه) * أي يعلوه، وكان طلاقا في الجاهلية، وقيل: في أول الاسلام، ويقال: كانوا في الجاهلية إذا كره أحدهم امرأته
ولم يرد أن تتزوج بغيره آلى منها أو ظاهر فتبقى لا ذات زوج ولا خلية تنكح غيره، فغير الشارع حكمه إلى تحريمها
بعد العود ولزوم الكفارة كما سيأتي. وحقيقته الشرعية: تشبيه الزوجة غير البائن بأنثى لم تكن حلا على ما يأتي بيانه،
وسمي هذا المعنى ظهارا لتشبيه الزوجة بظهر الام، وهو من الكبائر، قال تعالى: * (وإنهم ليقولون منكرا من القول
وزورا) *. والأصل في الباب قبل الاجماع قوله تعالى: * (والذين يظاهرون من نسائهم) * الآية، نزلت في أوس بن
الصامت لما ظاهر من زوجته فاشتكت إلى رسول الله (ص)، فقال: حرمت عليه، فقالت: انظر في
أمري فإني لا أصبر عنه، فقال (ص): حرمت عليه وكررت وهو يقول: حرمت عليه، فلما أيست
اشتكت إلى الله تعالى، فأنزل الله تعالى: * (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) * الآيات. رواه أبو داود وابن ماجة
وابن حبان. وروي أنه (ص) قال: مريه أن يعتق رقبة، فقالت: أي رقبة؟ والله لا يجد رقبة وما له خادم
غيري فقال: مريه فليصم شهرين متتابعين، فقالت: ما يقدر على ذلك إنه يشرب في اليوم كذا كذا مرة، فقال: مريه
فليطعم ستين مسكينا، فقالت: أنى له ذلك
فائدة: سورة المجادلة في كل آية منها اسم الله تعالى مرة أو مرتين أو ثلاثا، وليس في القرآن سورة تشابهها في
ذلك، وهي نصف القرآن عددا، وعشرة باعتبار الاجزاء. وله أركان أربعة: مظاهر، ومظاهر منها، وصيغة،
ومشبه به، وقد أخذ في بيانها مبتدءا بأولها، فقال: (يصح) الظهار (من كل زوج) فلا تصح مظاهرة السيد من أمته
ولو كانت أم ولد، لأن الله تعالى أناط حكمه بالنساء، ومطلقه ينصرف إلى الزوجات. (مكلف) بأن يكون بالغا
عاقلا، فلا يصح من صبي ومجنون ومغمى عليه لما مر في الطلاق. نعم لو علق المكلف الظهار على صفة هو مجنون
أو مغمى عليه حصل الظهار قطعا، قاله ابن كج. ولا بد أن يكون مختارا، فلا يصح ظهار المكره، وسيأتي ظهار
السكران. فلو قال: شرطه زوج يصح طلاقه، كما قال في الايلاء كان أخصر وأعم لدخول ظهار السكران. (ولو) هو
(ذمي) لعموم الآية، وإنما صرح به مع دخوله فيما سبق لخلاف أبي حنيفة ومالك فيه من جهة أن الله شرط فيه
الكفارة، وليس هو من أهلها. لنا أنه لفظ يقتضي تحريم الزوجة فيصح منه كالطلاق والكفارة فيه شائبة الغرامة،
ويتصور منه الاعتاق عن الكفارة كأن يرث عبدا مسلما أو يسلم عبده أو يقول المسلم أعتق عبدك المسلم عن كفارتي.
352

والحربي كالذمي كما صرح به الروياني وغيره، فلو عبر المصنف بالكافر لشمله.
تنبيه: كثيرا ما يرفع المصنف ما بعد لو كما سبق له قوله: ولو طين وماء كدر على أنه خبر مبتدأ محذوف كما
قدرته، ولكن الكثير نصبه على حذف كان واسمها، كقوله (ص) ولو خاتما. (و) لو هو (خصي) ومجبوب وممسوح
وعنين كالطلاق، زاد في المحرر: وعبد، لأجل خلاف مالك فيه، إذ لا يتصور منه الاعتاق، ونحن نقول هو
عاجز
فيعدل عنه إلى الصوم. (وظهار سكران كطلاقه) وتقدم في كتاب الطلاق صحة طلاقه فظهاره كذلك. والركن الثاني: المظاهر
منها، وهي زوجة يصح طلاقها فيدخل في ذلك والمريضة والرتقاء والقرناء والكافرة والرجعية وتخرج الأجنبية
ولو مختلعة والأمة كما مر، فلو قال لأجنبية: إذا نكحتك فأنت علي كظهر أمي أو قال السيد لامته: أنت علي كظهر أمي
لم يصح. ثم شرع في الركن الثالث، وهو الصيغة، فقال: (وصريحه) أي الظهار (أن يقول) الزوج (لزوجته) المذكورة:
(أنت على أو مني أو معي أو عندي) أو لدي أو نحو ذلك، (كظهر أمي) في تحريم ركوب ظهرها، وأصله: إتيانك علي
كركوب ظهر أمي، بحذف المضاف، وهو إتيان، فانقلب الضمير المتصل المجرور ضميرا مرفوعا منفصلا (وكذا) قوله:
(أنت كظهر أمي) بحذف الصلة، (صريح على الصحيح) ولا يضر حذفها، كما أن قوله: أنت طالق صريح وإن لم يقل مني.
والثاني: أنه كناية، لاحتمال أن يريد: أنت على غيري كظهر أمه، بخلاف الطلاق. وعلى الأول لو قال: أردت به غيري لم
يقبل كما صححه في الروضة وأصلها، وجزم به الإمام والغزالي، وبحث بعضهم قبول هذه الإرادة باطنا.
تنبيه: المراد بالام: أم المحرمية، فلو شبه زوجته بواحدة من زوجات النبي (ص) فإنهن أمهات
المؤمنين كان لغوا. (وقوله) لها: (جسمك أو بدنك) أو جملتك (أو نفسك) أو ذاتك (كبدن أمي أو جسمها أو جملتها)
أو ذاتها، (صريح) لتضمنه الظهر، وظاهر كلامه الجزم بذلك وإن لم يذكر الصلة، وهو مخالف للمحرر والروضة
كأصلها من التصريح بالصلة. أما إذا لم يذكرها فيجري فيه الخلاف المتقدم. ولو قال قوله الخ كالتشبيه بالظهر لسلم
من ذلك. (والأظهر) الجديد (أن قوله) لها: أنت علي (كبدها أو بطنها أو صدرها) ونحوها من الأعضاء التي لا تذكر
في معرض الكرامة والاعزاز مما سوى الظهر، (ظهار) لأنه عضو يحرم التلذذ به فكان كالظهر. والثاني: أنه ليس بظهار
لأنه ليس على صورة الظهار المعهودة في الجاهلية: (وكذا) قوله: أنت علي (كعينها) أو رأسها أو نحو ذلك مما يحتمل الكرامة،
كقوله: أنت كأمي أو روحها أو وجهها ظهار، (إن قصد ظهارا) أي نوى أنها كظهر أمه في التحريم، (وإن قصد كرامة
فلا) يكون ظهارا، لأن هذه الألفاظ تستعمل في الكرامة والاعزاز. (وكذا) لا يكون ظهارا (إن طلق في الأصح) وعبر
في المحرر بالأشبه، وفي الروضة بالأرجح حملا على الكرامة لاحتمالها. والثاني: يحمل على الظهار، واختاره الإمام الغزالي،
لأن اللفظ صريح في التشبيه ببعض أجزاء الأمي (وقوله) لها: (رأسك أو ظهرك أو يدك) أو رجلك أو بدنك أو جلدك أو
شعرك أو نحو ذلك (علي كظهر أمي ظهار في الأظهر) لما مر في قوله: كيدها أو بطنها، وكان ينبغي أيضا
أن يمثل بالجزء
الشائع، كالصنف والربع. والثاني: ليس بظهار، لأنه ليس على صورة الظهار المعهودة في الجاهلية، ونقله الغزالي قولا
قديما، وعليه ينبغي التعبير بالجديد، لا بالأظهر، وإن اشتمل تعبيره على النوع المسمى في البديع بالجناس اللفظي.
353

تنبيه: تخصيص المصنف الأمثلة بالأعضاء الظاهرة من الام قد يفهم إخراج الأعضاء الباطنة كالكبد والقلب،
وبه صرح صاحب الرونق واللباب. والأوجه كما اعتمده بعض المتأخرين أنها مثل الظاهرة كما اقتضاه اطلاقهم البعض.
(والتشبيه بالجدة) من الجهتين وإن بعدت، كقوله: أنت على كظهر جدتي، (ظهار) لأنها تسمى أما ولها ولادة، وتشارك
الام في العتق وسقوط القود ووجوب النفقة. (والمذهب طرده) أي التشبيه المقتضي للظهار (في كل محرم) نسب أو رضاع
أو مصاهرة وقع التشبيه بها، و (لم يطرأ تحريمها) على المظاهر بأن لم تزل محرمة عليه، كبنته وأخته من النسب ومرضعة
أمه أو أبيه لمساواتهن الام في التحريم المؤبد. والثاني: المنع، لورود النص في الام.
تنبيه: ظاهر كلامه جريان الطرق في كل المحارم وليس مرادا، بل الخلاف في محرم النسب قولان، وفي محرم
الرضاع والمصاهرة طرق. (لا مرضعة) للمظاهر (وزوجة ابن) له، لأنهما كانتا حلالا له في وقت فيحتمل إرادته. وأما
بنت مرضعته، فإن ولدت بعد ارتضاعه فهي لم تحل له في حالة من الحالات بخلاف المولودة قبله، وكالمولودة بعده
المولودة معه كما بحثه بعض المتأخرين.
تنبيه: لو حذف التاء من مرضعة كما مر له في الصوم حيث قال: وأما الحامل والمرضع الخ كان أولى. (ولو شبه)
زوجته (بأجنبية ومطلقة وأخت زوجة وأب) للمظاهر (وملاعنة) له، (فلغو) هذا التشبيه، لأن الثلاثة الأول يشبهن الام
في التحريم المؤبد، والأب أو غيره من الرجال كالابن والغلام ليس محلا للاستمتاع، والخنثى هنا كالذكر لما ذكر، والملاعنة
وإن كان تحريمها مؤبدا ليس للمحرمية والوصلة، وكذا لو شبهها بمجوسية أو مرتدة.
تنبيه: تعدية المصنف شبه بالباء جائز كما في المحكم وغيره، ومنعه ابن عصفور وجعله لحنا، وقال: المسموع تعديه
بنفسه، ورد عليه ابن مالك بقول عائشة رضي الله تعالى عنها: شبهتمونا بالحمر. واعلم أن ما سبق حكم تنجيز الظهار،
وأما حكم تعليقه فذكره بقوله: (ويصح تعليقه) لأنه يتعلق به التحريم كالطلاق والكفارة وكل منهما يجوز تعليقه وتعليق
الظهار، (كقوله) إذا جاء زيد أو إذا طلعت الشمس فأنت علي كظهر أمي، فإذا وجد الشرط صار مظاهر الوجود المعلق
عليه. وكذا لو قال: (إن ظاهرت من زوجتي الأخرى فأنت علي كظهر أمي) وهما في عصمته، (فظاهر) من الأخرى (صار
مظاهرا منهما) عملا بموجب التنجيز والتعليق. ولو علق الظهار بدخولها الدار فدخلت وهو مجنون أو ناس فمظاهر منها
كنظيره في الطلاق المعلق بدخولها. وإنما يؤثر الجنون والنسيان في فعل المحلوف على فعله ولا عود منه حتى يفيق
من جنونه أو يتذكر بعد نسيانه ثم يمسك المظاهر منها زمنا يمكن فيه الطلاق ولم يطلق. (ولو قال: إن ظاهرت من
فلانة) فأنت علي كظهر أمي. وقوله: (وفلانة أجنبية) ليس من بقية كلام المظاهر على جهة الشرط بل إخبار عن
الواقع، (فخاطبها) أي الأجنبية (بظهار لم يظهر مظاهرا من زوجته) لانتفاء المعلق عليه شرعا، (إلا أن يريد اللفظ)
أي إن تلفظت بالظهار منها فيصير مظاهرا من زوجته لوجود المعلق عليه. (فلو نكحها) أي الأجنبية (وظاهر منها)
بعد نكاحها (صار مظاهرا) من زوجته الأولى لوجود المعلق عليه. (ولو قال) إن ظاهرت (من فلانة الأجنبية)
فزوجتي علي كظهر أمي، (فكذلك) أي فإن خاطبها بظهار قبل نكاحها لم يصر مظاهرا من زوجته إلا أن يريد اللفظ
أو بعد نكاحها صار مظاهرا. (وقيل: لا يصير مظاهرا) منها (وإن نكحها وظاهر) منها بعد نكاحها لأنها ليست
بأجنبية حين الظهار فلم يوجد المعلق عليه. ورد هذا بأن ذكر الأجنبية في المعلق عليه للتعريف لا للاشتراط قال
354

الزركشي: ويشهد له قول النحاة إن الصفة في المعرفة للتوضيح نحو زيد العالم، وفي النكرة للتخصيص نحو مررت
برجل فاضل. (ولو قال: إن ظاهرت منها وهي أجنبية) فأنت علي كظهر أمي، (فلغو) أي لا يكون مظاهرا من زوجته، لأن
قوله: وهي أجنبية من بقية كلام المظاهر على جهة الشرط، وهو تعليق بمستحيل، فأشبه قوله: إن بعت الخمر فأنت طالق،
وأتى بلفظ البيع فإنه لا يقع الطلاق، ومثل قوله: وهي أجنبية ما لو قال: إن ظاهرت من فلانة أجنبية لاستحالة اجتماع
ما علق به ظهارها من ظهار فلانة حالة كونها أجنبية. فلو أراد اللفظ بظهارها في الصورتين كان مظاهرا كما صرح به
ابن المقري. (ولو قال أنت طالق كظهر أمي ولم ينو) بمجموع كلامه هذا شيئا، (أو نوى) به (الطلاق) فقط، (أو الظهار) فقط،
(أو) نوى به (هما) معا، (أو) نوى (الظهار بأنت طالق، والطلاق بكظهر أمي طلقت) في هذه الحالات الخمس، (ولا
ظهار) أما وقوع الطلاق فلاتيانه بصريح لفظه، وأما انتفاء الظهار في الأوليين فلعدم استقلال لفظه مع عدم نيته، وأما
في الباقي فلانه لم ينوه، ولفظ الطلاق لا ينصرف إلى الظهار وعكسه كما مر في الطلاق. وأشار إلى حالة أخرى لهذه
المسألة بقوله: (أو) نوى (الطلاق بأنت طالق و) نوى (الظهار بالباقي) وهو كظهر أمي، (طلقت) قطعا، (وحصل الظهار
إن كان طلاق رجعة) لأن الظهار يصح من الرجعية وقد أتى به مع النية. وهو إما على حذف المبتدأ: أي
أنت طالق كظهر أمي كما قدره القاضي أبو الطيب، أو على تعدد الخبر: أي يجعل طالق وظهر أمي خبرين عن أنت. واحترز
بقوله: طلاق رجعة عن البائن فإنه لا ظهار فيها لأنها أجنبية. ولو قال: أنت كظهر أمي طالق عكس ما في المتن، وأراد
الظهار بأنت علي كظهر أمي، والطلاق بأنت طالق حصلا، ولا عود لأنه عقب الظهار بالطلاق، فإن راجع كان عائدا
كما سيأتي. وإن أطلق فمظاهر، ولا طلاق على قياس ما مر في عكسه، فإن أرادهما بجميع اللفظين وقع الظهار فقط،
وكذا إن أراد به أحدهما، أو أراد الطلاق بأنت كظهر أمي، والظهار بطالق.
تتمة: لو قال: أنت علي حرام كظهر أمي ونوى بمجموعه الظهار فمظاهر، لأن لفظ الحرام إظهار مع النية، فمع
اللفظ والنية أولى. وإن نوى به الطلاق فطلاق، لأن لفظة الحرام مع نية الطلاق كصريحه. ولو أرادهما بمجموعه أو
بقوله: أنت علي حرام اختار أحدهما فيثبت ما اختاره منهما، وإنما لم يقعا جمعا لتعذر جعله لهما لاختلاف موجبهما.
وإن أراد بالأول الطلاق وبالآخر الظهار والطلاق رجعي حصلا لما مر في نظيره. وإن أراد بالأول الظهار وبالآخر
الطلاق وقع الظهار فقط، إذ الآخر لا يصلح أن يكون كناية في الطلاق لصراحته في الظهار، وإن أطلق وقع الظهار فقط
لأن لفظ الحرام ظهار مع النية، فمع اللفظ أولى، وأما عدم وقوع الطلاق فلعدم صريح لفظه ونيته. وإن أراد بالتحريم
تحريم عينها لزمه كفارة يمين لأنها مقتضاه، ولا ظهار إلا إن نواه بكظهر أمي. ولو أخر لفظ التحريم عن لفظ الظهار.
فقال: أنت علي كظهر أمي حرام فمظاهر لصريح لفظ الظهار، ويكون قوله: حرام تأكيدا، سواء أنوى تحريم عينها
فيدخل مقتضى التحريم وهو الكفارة الصغرى في مقتضى الظهار وهو الكفارة العظمى، أم أطلق، فإن نوى بلفظ
التحريم الطلاق وقعا ولا عود لتعقيبه الظهار بالطلاق. ولو قال: أنت مثل أمي أو كروحها أو عينها ونوى الطلاق
كان طلاقا لما مر أن ذلك ليس صريح ظهار.
فصل: في أحكام الظهار من وجوب كفارة وتحريم تمتع وما يذكر معهما: تجب (على المظاهر كفارة إذا
عاد) في ظهاره، لقوله تعالى: * (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا) * الآية، وسيأتي تفسير العود. وهل
355

وجبت الكفارة بالظهار والعود. أو بالظهار والعود شرط، أو بالعود فقط لأنه الجزء الأخير؟ أوجه ذكرها
في أصل الروضة بلا ترجيح، والأول هو ظاهر الآية الموافق لترجيحهم، أن كفارة اليمين تجب باليمين والحنث جميعا.
تنبيه: تعبير المصنف قد يقتضي أن الكفارة على التراخي، وهو قضية كلام الرافعي في باب الكفارة، لكنه جزم
في باب الصوم بأنها على الفور، وحكاه في الحج عن القفال، وعبارة القفال: كل كفارة سببها معصية على
الفور، وهذا
هو الظاهر، قال السبكي: وقد يدفع هذا بأن السبب هو العود أو مجموعهما على الخلاف، والعود ليس بحرام، حكاه في
التوشيح. وهو ظاهر فيما إذا قلنا السبب العود العود فقط، وليس بظاهر فيما إذا قلناهما لأن الظهار حرام، والعود ليس
بحرام، وقد اجتمع حرام وحلال فيغلب الحرام. وقال في المطلب: ظاهر نص الشافعي أنها على التراخي ما لم يطأ،
أما بعد الوطئ فهل هي على الفور أو التراخي؟ فيه الخلاف في قضاء الفائتة بغير عذر اه‍. وقضيته ترجيح الفور. (وهو) أي
العود في الظهار، (أن يمسكها) المظاهر (بعد ظهاره زمن إمكان فرقة) لأن تشبيهها بالام يقتضي أن لا يمسكها زوجة، فإذا
أمسكها زوجة فقد عاد فيما قال لأن العود للقول مخالفته، يقال: قال فلان قولا ثم عاد له وعاد فيه، أي خالفه ونقضه،
وهو قريب من قولهم: عاد في هبته.
تنبيه: هذا في الظهار المؤبد أو المطلق وفي غير الرجعية لأن الظهار المؤقت إنما يصير عائدا بالوطئ في المدة لا
بالامساك كما سيأتي، والعود في الرجعية إنما هو بالرجعة. واستثنى من كلامه ما إذا كرر لفظ الظهار وقصد به التأكيد،
فإنه ليس بعود على الأصح مع تمكنه بالاتيان بلفظ الطلاق بدل التأكيد، وكذا لو قال عقب الظهار: أنت طالق على
ألف مثلا فلم تقبل، فقال عقبه: أنت طالق بلا عوض فليس بعائد، وكذا لو قال: يا زانية أنت طالق كقوله: يا زينب أنت
طالق وما تقدم من حصول العود بما ذكر محله إذا لم يتصل بالظهار فرقة بسبب من أسبابها. (فلو اتصلت به) أي الظهار
(فرقة بموت) منهما أو من أحدهما، (أو فسخ) للنكاح بسببه أو بسببها، أو بانفساخ كردة قبل الدخول وملكها له، (أو)
فرقة بسبب (طلاق بائن أو رجعي ولم يراجع أو جن) الزوج عقب ظهاره، (فلا عود) ولا كفارة في جميع ذلك، لتعذر
الفراق في الأخيرتين وفوات الامساك في الأولى وانتفائه في غيرها. (وكذا لو) ظاهر من زوجته الرقيقة ثم (ملكها)
بشراء ونحوه، (أو لاعنها) متصلا ذلك بالظهار، فإنه لا يكون عائدا (في الأصح) أما في الأولى فلانه لم يمسكها في النكاح
ووجه مقابلة أنه لم يحرمها على نفسه، وإنما أبدل حلا بحل أقوى منه. وأما في الثانية فوجه الأصح اشتغاله بما يوجب
الفراق. ولا فرق في الكلمات الموجبة للفراق بين الطويلة والقصيرة، ولهذا لو قال عقب الظهار: أنت يا فلانة بنت
فلان الفلاني طالق، وأطال في ذكر التسمية والنسب فإنه لا يكون عائدا، ووجه مقابله تخلل كلمات اللعان، ولو اشتغل قبل
الشراء بأسبابه كالسوم وتقدير الثمن كان عائدا في الأصح.
تنبيه: إنما قيدت كلام المصنف بالشراء ونحوه للاحتراز عما لو ملكها عقب ظهاره بإرث فإنه لا يكون عائدا
قطعا لعدم تمكنه من الطلاق. ولو أوصى له بها فقبلها متصلا بالظهار لم يكن عائدا، وإلا فيصير عائدا إن قلنا إن
الوصية تملك بالقبول كما بحثه الأذرعي، قال: ولو وهبت له متصلا فعائد جزما فيما يظهر إذ لا تملك إلا بالقبض وإنما لم
يصر عائدا في اللعان على الأصح. (بشرط سبق القذف) والمرافعة للقاضي، (ظهاره في الأصح) لما في تأخير ذلك
الظهار من زيادة التطويل. والثاني: لا يشترط تقدم ما ذكر لاشتغاله بأسباب الفراق.
تنبيه: الأصح في مسألة اللعان منصوص عليه، فلو قال المصنف: ملكها في الأصح أولا عنها على النص
كان موافقا لاصطلاحه. (ولو راجع) من طلقها عقب ظهاره هذا تصريح بمفهوم قوله سابقا لم يراجع. وقوله: (أو ارتد)
356

بعد دخول (متصلا) هو حال من فاعل ارتد لا من فاعل راجع. (ثم أسلم) بعد ردته في العدة، (فالمذهب) بعد الجزم
بعود الظهار وحكمه (أنه عائد بالرجعة) وإن لم يمسكها عقب الرجعة بل طلقها (لا بالاسلام، بل) هو عائد (بعده)
إن مضى بعد الاسلام زمن يسع الفرقة، هذا ما نص عليه الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه في المسألتين، فقيل فيهما
قولان بالنقل والتخريج، والصحيح تقرير النصين، والفرق أن مقصود الرجعة الاستباحة ومقصود الاسلام الرجوع
إلى الدين الحق فلا يحصل به إمساك وإنما يحصل بعده. (ولا تسقط الكفارة بعد العود بفرقة) لمن ظاهر منها بطلاق
أو غيره لاستقرارها بالامساك، كالدين لا يسقط بعد ثبوته. (ويحرم) في الظهار المطلق (قبل التكفير) بعتق أو غيره،
(وطئ) لقوله تعالى في العتق: * (فتحرير من قبل أن يتماسا) * وفي الصوم: * (فصيام شهرين متتابعين من قبل
أن يتماسا) * ويقدر من قبل أن يتماسا في الاطعام حملا للمطلق على المقيد لاتحاد الواقعة، ولقوله (ص)
لمن ظاهر: لا تقربها حتى تكفر كما رواه الترمذي وحسنه. وأيضا فإنه قد منع من الوطئ حتى يكفر بالصوم مع
طول زمنه، فمنعه حتى يكفر بالاطعام أولى لقصر زمنه. (وكذا) يحرم عليه (المس ونحوه) كالقبلة (بشهوة في الأظهر)
لأن ذلك قد يدعو إلى الوطئ ويفضي إليه، وحملا للمس في الآية على التقاء البشرتين، وهو يشمل الجماع وغيره (قلت،
الأظهر الجواز، والله أعلم) وهذا ما نقل الرافعي في الشرحين ترجيحه عن الأكثرين لبقاء الزوجية، لأنه وطئ محرم
لا يخل بالنكاح فأشبه الحيض، وحملا للمس في الآية على الجماع كما في قوله تعالى: * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) *.
تنبيه: كلام المصنف يشمل الاستمتاع بما بين السرة والركبة، وفيه الخلاف في الحيض، والأصح منه التحريم،
وجزم به القاضي هنا، ونقل الرافعي ترجيحه في الشرح الكبير عن الإمام ورجحه في الصغير. وقضية كلام
المصنف
جواز النظر بشهوة قطعا، وتخصيص الخلاف بمباشرة البشرة، وهو قضية كلام الجمهور. وأما الظهار المؤقت فقد شرع
في صحته وفيما يتعلق به بقوله: (ويصح الظهار المؤقت) كأنت علي كظهر أمي شهرا ظهارا (مؤقتا) في الأظهر عملا
بالتأقيت، لأنه منكر من القول وزور فصح كالظهار المعلق. (وفي قول) يصح ظهارا (مؤبدا) ويلغو تأقيته تغليبا
لشبهه بالطلاق (وفي قول) المؤقت (لغو) لأنه لم يؤيد التحريم، فأشبه ما إذا شبهها بامرأة لا تحرم على التأبيد.
تنبيه: ظاهر كلامه على هذا القول أنه لا إثم ولا كفارة، وهو ظاهر في نفي الكفارة دون الاثم بل يأثم بلا خلاف
(فعلى الأول) وهو صحته مؤقتا، (الأصح) بالرفع، (أن عوده) فيه (لا يحصل بإمساك) لزوجة ظاهر منها مؤقتا،
(بل) يحصل (بوطئ في المدة) لأن الحل منتظر بعد المدة، فالامساك يحتمل أن يكون لانتظار الحل أو للوطئ في
المدة، والأصل براءته من الكفارة، فإذا وطئ فقد تحقق الامساك لأجل الوطئ. والثاني: أن العود فيه كالعود في الظهار
المطلق، إلحاقا لاحد نوعي الظهار بالآخر.
تنبيه: أفهم كلامه أن الوطئ نفسه عود وهو الأصح، وقيل: يتبين به العود بالامساك عقب الظهار (و) على
الأصح على الأول لا يحرم الوطئ، لأن العود الموجب للكفارة لا يحصل إلا به، بل (يجب النزع بمغيب الحشفة) لحرمة
الوطئ قبل التكفير أو انقضاء المدة، واستمرار الوطئ وطئ.
تنبيه: أفهم قوله: في المدة أنه لو لم يطأ فيها ووطئ بعدها لا شئ عليه، وبه صرح في المحرر لارتفاع الظهار،
وأنه لو وطئ في المدة ولم يكفر حتى انقضت حل له الوطئ لارتفاع الظهار وبقيت الكفارة في ذمته، وبه صرح في الروضة
وأصلها، وقد علم مما تقرر أن الظهار المؤقت يخالف المطلق في ثلاث صور: إحداها أن العود فيه بالوطئ. ثانيها: أن
357

الوطئ الأول حلال. ثالثها: أن التحريم بعد الوطأة الأولى يمتد إلى التكفير أو انقضاء المدة ونازع في ذلك البلقيني
وقال: إنه بعيد من ظاهر القرآن، فإنه حرم المسيس قبل التكفير، فمن قال أو انقضت المدة فقد زاد شرطا
ليس في القرآن.
فروع: لو كان الظهار المؤقت بأكثر من أربعة أشهر صار مظاهرا موليا لامتناعه من الوطئ فوق أربعة أشهر،
وإذا وطئ في المدة لم يلزمه كفارة يمين الايلاء كما صححه في الروضة كأصلها إذ لا يمين، وقيل: تلزمه مع كفارة الظهار كما
جزم به صاحبا التعليقة والأنوار، ولعل وجهه أن ذلك منزل منزلة اليمين كما في قوله: والله لا أطؤك خمسة أشهر. ولو
قيد الظهار بمكان، قال البلقيني: فالقياس أنه كالظهار المؤقت بزمان ولم أر من تعرض له، وإذا قلنا يتقيد بذلك المكان
لم يكن عائدا في ذلك الظهار إلا بالوطئ في ذلك المكان، ومتى وطئها فيه حرم وطؤها مطلقا حتى يكفر اه‍. قال بعض
المتأخرين: وما قال إنه القياس مفرع على ما حكاه الرافعي عن البوشنجي أنه إذا قال أنت طالق في الدار لم يقع عند
الاطلاق إلا بدخولها الدار، أما إذا فرعنا على ما حكاه الرافعي عن البويطي من أنه يقع الطلاق في الحال، أي وهو
الأصح، فهو كالظهار المطلق اه‍. وهذا هو الظاهر. ولو وقت تحريم عينها كأنت حرام علي شهرا ونوى تحريم عينها
أو أطلق صح ولزمه كفارة يمين. (ولو قال لأربع) جمعهن في ظهار واحد: (أنتن علي كظهر أمي فمظاهر منهن)
لوجود لفظة الصريح، (فإن أمسكهن) زمنا يسع طلاقهن فعائد منهن، وحينئذ (فأربع كفارات) تجب عليه في
الجديد لوجود الظهار والعود في حق كل واحدة منهن، فإن امتنع العود في بعضهن بموت أو طلاق أو غيره وجبت
الكفارة بعدد من عاد فيه منهن (وفي القديم) عليه (كفارة) واحدة سواء أمسكهن أو بعضهن لاتحاد الكلمة.
أما إذا ظاهر من كل واحدة بلفظ مفرد فعليه أربع كفارات قطعا لتعدد الكلمة. (ولو ظاهر منهن) أي الأربع، (بأربع
كلمات متوالية) أو غير متوالية كما فهم بالأولى، (فعائد) من كل واحدة (من الثلاث الأول) أما في غير المتوالية
فظاهر، وأما في المتوالية فلعوده في الأولى بظهار الثانية، وفي الثانية بظهار الثالثة، وفي الثالثة بظهار الرابعة، فإن
فارق الرابعة عقب ظهارها فعليه ثلاث كفارات وإلا فأربع. (ولو كرر) لفظ الظهار (في امرأة) واحدة تكريرا
(متصلا وقصد) به (تأكيدا فظهار واحد) لأن التأكيد شائع في اللغة فقبل قوله كالطلاق فيلزمه كفارة إن أمسكها
عقب المرات، وإن فارقها عقبها فلا شئ عليه. وخرج بمتصلا ما لو فصل وقصد تأكيدا فإنه لا يقبل في الأصح تغليبا
للطلاق، وقيل: يقبل تغليبا لشبهة اليمين. والخلاف فيما إذا لم يكفر عن الأول، فإن كفر فالثاني ظهار جديد قطعا لانقضاء
حكم الأول بالتكفير عنه (أو) قصد بتكرير الظهار في امرأة (استئنافا، فالأظهر) الجديد وقطع به بعضهم (التعدد)
للظهار بعدد المستأنف كالطلاق. والثاني: لا يتعدد كتكرر اليمين على شئ مرات (و) الأظهر على التعدد (أنه بالمرة
الثانية عائد في) الظهار (الأول) للامساك زمنها. والثاني: لا، لأن الظهار بها من جنس واحد، فما لم يفرغ من الجنس
لا يجعل عائدا.
تنبيه: سكت المصنف عما إذا أطلق بأن لم ينو تأكيدا ولا استئنافا، والأظهر فيه الاتحاد بخلاف نظيره من
الطلاق، والفرق أن الطلاق محصور والزوج يملكه فإذا كرر فالظاهر استيفاء المملوك بخلاف الظهار. ولو قصد بالبعض تأكيدا
وبالبعض استئنافا أعطي كل منهما حكمه. ولو قال: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي، وكرر
هذا اللفظ بنية التأكيد لم يتعدد وإن فرقه في مجالس، وإن كرره بنية الاستئناف تعددت الكفارات سواء فرقه أم لا،
ووجبت الكفارات كلها بعود واحد بعد الدخول، فإن طلقها عقب الدخول لم يجب شئ، وإن أطلق لم يتعدد في أحد
وجهين يظهر ترجيحه كما جزم به صاحب الأنوار. واستشكل البلقيني التعدد في الاستئناف بمن لو حلف على فعل
358

واحدا مرارا بقصد الاستئناف، فإن الأصح في المهذب وفتاوى المصنف أنه يلزمه كفارة واحدة، وفي القرن بينهما
غموض اه‍. وفرق بينهما بأن المرجح في الظهار شبه الطلاق.
خاتمة: لو قال: إن لم أتزوج عليك فأنت علي كظهر أمي وتمكن من التزوج توقف الظهار على موت أحدهما قبل
التزوج ليحصل اليأس منه، لكن لا عود لوقوع الظهار قبيل الموت فلم يحصل إمساك. فإن قال: إذا لم أتزوج عليك
فأنت علي كظهر أمي فإنه يصير مظاهرا بإمكان التزوج عقب التعليق فلا يتوقف على موت أحدهما. والفرق بين إن وإذا
مر بيانه في الطلاق. ولو قال: إن دخلت الدار فوالله لا وطئتك وكفر قبل الدخول لم يجزه لتقدمه على السببين جميعا
كتقديم الزكاة على الحول والنصاب. ولو علق الظهار بصفة وكفر قبل وجودها، أو علق عتق كفارته بوجود الصفة
لم يجزه لما مر. وإن ملك من ظاهر منها وأعتقها عن ظهاره صح. ولو ظاهر أو آلى من امرأته الأمة فقال لسيدها ولو
قبل العود: أعتقها عن ظهاري أو إيلائي ففعل عتقت عنه وانفسخ النكاح، لأن إعتاقها عنه يتضمن تمليكها له.
كتاب الكفارة
أي جنسها لا كفارة الظهار فقط. وهي مأخوذ من الكفرة، وهو الستر لسترها الذنب تخفيفا من الله تعالى،
وسمي الزارع كافرا لأنه يستر البذر. وهل الكفارات بسبب حرام زواجر كالحدود والتعازير للخلل الواقع؟
وجهان: أوجههما الثاني كما رجحه ابن عبد السلام، لأنها عبادات، ولهذا لا تصح إلا بالنية. وافتتح في المحرر هنا
الكتاب بقوله تعالى: * (فتحرير رقبة مؤمنة) * وبقوله تعالى: * (إطعام عشرة مساكين) *، وصدره المصنف بما يعتبر في أنواع الكفارات،
ثم ذكره عقب كفارة الظهار فقط مبتدئا باشتراط النية فيها فقال: (يشترط نيتها) بأن ينوي العتق أو الصوم أو
الاطعام عن الكفارة لأنها حق مالي يجب تطهيرا كالزكاة، والأعمال بالنيات، فلا يكفي الاعتاق أو الصوم أو الكسوة
أو الاطعام الواجب عليه لأنه قد يجب بالنذر. نعم لو نوى الواجب بالظهار أو القتل كفى، فلو كان عليه رقبة ولم يدر
أنها عن ظهار أو نذر أو قتل أجزأه نية العتق الواجب عليه.
تنبيه: أفهم كلامه أنه لا يشترط التعرض للفرضية، وهو كذلك لأنها لا تكون إلا فرضا، ولا يشترط اقتران النية
بالاعتاق أو الاطعام بل يجوز تقديمها كما نقله في المجموع في باب قسم الصدقات عن الأصحاب وصححه بل صوبه،
وقال: إنه ظاهر النص، وإن صحح هنا تبعا للرافعي أنه يجب اقترانها بذلك. وإذا قدمها فينبغي كما قال الزركشي وجوب
قرنها بعزل المال كما في الزكاة، وسيأتي أواخر هذا الكتاب أن التكفير بالصوم يشترط فيه التبيين. (لا تعيينها) بأن تقيد بظهار
أو غيره، فلا يشترط كما لا يشترط في زكاة المال تعيين المال المزكى بجامع أن كلا منها عبادة مالية بل تكفي نية أصلها،
فلو أعتق رقبتين بنية الكفارة وكان عليها كفارة قتل وظهار أجزأه عنهما، وإن أعتق واحدة وقعت عن إحداهما. وإنما
لم يشترط تعينها في النية كالصلاة لأنها في معظم خصالها نازعة إلى الغرامات فاكتفى فيها بأصل النية، نعم لو نوى غير
ما عليه ولو خطأ لم يجزه كما لو أخطأ في تعيين الإمام في الصلاة، وهذا بخلاف ما لو أخطأ في الحدث حيث يصح،
والفرق أن بارتفاعه يرتفع غيره، وهنا لم يكفر عما عليه.
تنبيه: الذمي المظاهر كالمسلم يكفر بعد عوده بالعتق والطعام، ويتصور إعتاقه عن كفارته بأن يسلم عبده
الكافر أو يرث عبدا مسلما أو يقول لمسلم: أعتق عبدك المسلم عن كفارتي فيجيبه أو نحو ذلك، والصوم منه لا يصح، ولا
يطعم وهو قادر على الصوم، فيترك الوطئ أو يسلم ويصوم ثم يطأ، ويلزمه نية الكفارة عما يكفر به للتمييز لا للتقرب
359

كقضاء الدين في ذلك، كذا قاله الرافعي. قال بعض المتأخرين: ويؤخذ منه اشتراط النية في قضاء الدين، فلو دفع مالا لمن
له عليه دين لا بنية الوفاء كان هبة، قال: وفيه وقفة. وكالذمي فيما ذكر مرتد بعد وجوب الكفارة، وتجزئة الكفارة
بالاعتاق والاطعام فيطأ بعد الاسلام وإن كفر في الردة. وتنقسم الكفارة إلى نوعين: مخيرة في أولها، ومرتبة في آخرها
وسيأتي في باب الايمان، ومرتبة وهي كفارة القتل والجماع في نهار رمضان والظهار. وقد شرع في خصاله فقال. (وخصال
كفارة الظهار) ثلاثة، ولو صرح بهذا لسلم من إبهام تفسير الخصال بالعتق الموصوف فإنه لم يقل بعد ذلك: الخصلة الثانية ولا
الثالثة، وإنما ذكر العتق وأحكامه، ثم قال: فإن عجز عن العتق صام، وذكر حكم الصوم، ثم قال: فإن عجز
عن الصوم كفر بالاطعام وقال: خصالها مرتبة، أحدها (عتق رقبة) لكان أحسن. وللرقبة المجزئة في الكفارة أربعة
شروط: أولها ما ذكره بقوله: (مؤمنة) ولو بإسلام أحد الأبوين أو للسابي فلا يجزئ كافر، قال تعالى في كفارة القتل:
* (فتحرير رقبة مؤمنة) * وألحق بها غيرها قياسا عليها، أو حملا لمطلق آية الظهار على المقيد في آية القتل كحمل المطلق في
قوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) * على المقيد في قوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *، ولان الزكاة
لا يجوز صرفها لكافر فكذا الكفارة به، ويشترط الايمان في باقي الكفارات أيضا. الشرط الثاني: أن تكون سالمة (بلا
عيب) فيها (يخل) بأن يضر (بالعمل والكسب) إضرارا بينا، لأن المقصود تكميل حاله ليتفرع لوظائف الأحرار، وإنما
يحصل ذلك إذا استقل بكفاية نفسه وإلا فيصير كلا على نفسه وعلى غيره.
تنبيه: إنما جمع المصنف بين العمل والكسب ولم يقتصر على الثاني، لأن الزمن يمكنه الاكتساب مع أنه لا يجزئ،
لكنه لو اقتصر على العمل كان أخصر، أن يجعل الكسب من عطف أعم على أخص. قال الأصحاب: وملاحظة
الشافعي في العيب هنا بما يضر بالعمل نظير ملاحظته في عيب الأضحية ما ينقص اللحم لأنه المقصود فيها، وفي عيب
النكاح ما يخل بمقصود الجماع، وفي عيب المبيع ما يخل بالمالية، فاعتبر في كل باب ما يليق به. ثم فرع المصنف على
ما اعتبره في وصف الرقبة من أجزاء ومع الثاني مذكور في قوله بعد: لا زمن، والأول في قوله: (فيجزئ صغير)
ولو ابن يوم حكم بإسلامه ولو تبعا للسابي لاطلاق الآية، ولأنه يرجى كبره فهو كالمريض يرجى برؤه، وفارق في الغرة
حيث لا يجزئ فيها الصغير لأنها حق آدمي، ولان غرة الشئ خياره، ويسن أن يكون من يكفر به مكلفا للخروج من
خلاف العلماء، قاله الروياني.
تنبيه: أفهم كلام المصنف أن الجنين ولو انفصل لدون ستة أشهر لا يجزئ وهو كذلك، وكذا لو خرج بعضه كما
قاله القفال. (و) يجزئ (أقرع) وهو من لا نبات برأسه، (أعرج) بحذف العاطف (يمكنه تباع مشي) بأن يكون عرجه غير
شديد. ولو عرف المصنف المشي كما في المحرر كان أولى. (و) يجزئ (أعور) لم يضعف عوره بصر عينه السليمة كما
في زيادة الروضة، فإن أضعفها وأضر العمل إضرارا بينا لم يجز.
تنبيه: أفهم كلامه عدم الاكتفاء بالأعمى، وهو كذلك وإن أبصر لتحقق اليأس في العمى، وعروض
البصر نعمة جديدة بخلاف المرض كما سيأتي. فإن قيل: هذا يشكل بقولهم لو ذهب بصره بجناية فأخذ ديته ثم عاد
استردت لأن العمى المحقق لا يزول. أجيب بأن الأول في العمى الأصلي والثاني في الطارئ. (و) يجزئ (أصم)
وهو فاقد السمع، (و) يجزئ (أخرس) قال في التنبيه: إذا فهمت إشارته، في الروضة: يفهم الإشارة، وينبغي
اعتبارهما. قال في التنبيه: فإن جمع بين الصمم والخرس لم يجزه، لأن اجتماع ذلك يورث زيادة الضرر. وظاهر
كلامه في الروضة تبعا للرافعي ترجيح الاجزاء، وهو الظاهر. (و) يجزئ (أخشم) بخاء وشين معجمتين: فاقد الشم.
(وفاقد أنفه، و) فاقد (أذنيه، و) فاقد (أصابع رجليه) كلها، لأن فقد ذلك لا يخل بالعمل والكسب بخلاف فاقد
360

أصابع يديه فلا يجزئ. ويجزئ فاقد الأسنان والمجبوب والعنين والأمة الرتقاء والقرناء والأبرص والمجذوم وضعيف
البطش ومن لا يحسن صنعه والأحمق، وهو من يضع الشئ في غير موضعه مع علمه بقبحه، وولد الزنا والفاسق.
(لا زمن) ونحيف لا عمل فيه، (و) لا (فاقد رجل أو خنصر وبنصر) بكسر أولهما وفتح ثانيهما وكسره، (من يد) وأفهم
أن فقد أحدهما أو فقدهما من يدين لا يضر، وهو كذلك. (أو) فاقد (أنملتين من غيرهما) كإبهام وسبابة ووسطى لأن فقدهما
مضر.
تنبيه: كلامه يوهم أن فقد أنملتين من خنصر وبنصر من يد لا يضر، وإنما يضر فقدهما جملة، وليس مرادا،
وعبارة المحرر: وفقد أنملتين من أصبع كفقد تلك الإصبع (قلت: أو) فاقد (أنملة إبهام) فيضر (والله أعلم) لتعطل منفعتها،
إذا فأشبه قطعها.
تنبيه: علم مما ذكر أنه لا يجزئ فاقد يد، وأشلها مثله ولا فاقد أصابعها ولا فاقد أصبع من إبهام أو سبابة أو وسطى،
وأنه يجزئ فاقد خنصر من يد وبنصر من الأخرى وفاقد أنملة من غير الابهام، فلو فقدت أنامله العليا من الأصابع
الأربع أجزأ، وفيه تردد للإمام. (ولا) يجزئ (هرم عاجز) عن العمل والكسب لأنه يخل بالمقصود، (و) لا (من أكثر
وقته مجنون) لعدم حصول المقصود منه، بخلاف ما هو في أكثرها عاقل فيجزئ تغليبا للأكثر في الشقين، ومن
استوى زمن جنونه وزمن إفاقته يجزئ نعم إن كان في زمن الإفاقة الكثيرة ضعف بمنع العمل زمنا يؤثر بأن يكون
مع زمن الجنون أكثر من زمن الإفاقة ضر.
تنبيه: في عبارته إسناد الجنون إلى الزمن، والأصل: ولا من هو في أكثر أوقاته مجنون، فيكون من المجاز العقلي
كنهاره صائم. (و) لا (مريض لا يرجى) برء علته، كصاحب السل فإنه كالزمن بخلاف من يرجى برؤه فإنه يجزئ. وإن
مات بعد إعتاقه لوجود الرجاء عند الاعتاق، وموته يحتمل أن يكون لمرض آخر، (فإن برأ) بفتح الراء من لا يرجى برؤه
بعد إعتاقه، (بأن الاجزاء في الأصح) لخطأ الظن. والثاني لا، لاختلال النية وقت العتق، كما لو حج من غير المعضوب ثم
بان أنه معضوب فإنه لا يجزئ على الأصح. الشرط الثالث: إكمال الرق في الاعتاق عن الكفارة كما أشار إلى ذلك بقوله:
(ولا يجزئ شراء قريب) يعتق بمجرد الشراء بأن كان أصلا أو فرعا، (بنية) عتقه عن (كفارة) لأن عتقه مستحق بجهة
القرابة فلا ينصرف عنها إلى الكفارة.
تنبيه: لو قال: تملك قريب لكان أشمل، فإن هبته وإرثه وقبول الوصية به كذلك. (ولا) عتق (أم ولد) لاستحقاقها
العتق بجهة الاستيلاد، (و) لا عتق (ذي كتابة صحيحة) لأن عتقه يقع بسبب الكتابة بدليل استتباع الكسب فيمنع صرفه
إلى غيرها. نعم إن وجد التعجيز جاز على النص. وخرج بالصحيحة الفاسدة فإنه يجزئ على المذهب في
الروضة،
وإن خالف في التنقيح هذا التفصيل ونقل عن الشافعي والجمهور المنع مطلقا، فقد اعترض بأن الرافعي حكى في باب
الكتابة الاجزاء في الفاسدة عن رواية أبي علي عن النص.
تنبيه: جر المصنف أم الولد وما بعده على إضافة عتق المقدر كما قدرته فيهما، ويجوز رفعهما فاعلين ل‍ يجزئ
بلا تقدير مضاف، ولا يجوز عطفهما على شراء لعدم صحة شرائهما لاستحقاقهما العتق بالاستيلاد والكتابة كما مر.
(ويجزئ مدبر) وهو المعلق عتقه بموت سيده، كقوله: إن مت فأنت حر (ومعلق) عتقه (بصفة) غير التدبير، لأن
ملكه عليهما تام بدليل صحة جميع تصرفاته، هذا إذا نجز عتقه عن الكفارة أو علقه بما يوجد قبل الصفة الأولى
وإلا لم يجزه، وهذا معنى قوله: (فإن أراد جعل العتق المعلق) بها (كفارة) عند حصولها، (لم يجز) بفتح أوله بخطه،
361

وذلك كأن يقول أولا لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر، ثم يقول له ثانيا: إن دخلتها فأنت حر عن كفارتي فيعتق المعلق
بالصفة عند دخولها، ولا يجزئ عن كفارته لأنه مستحق العتق بالتعليق الأول. ولا يشترط في العتق عن الكفارة
التنجيز. (و) حينئذ (له تعليق عتق الكفارة بصفة) على الأصح، كقوله لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر عن كفارتي
فدخلها عتق عن الكفارة لأن المأمور به تحرير رقبة وهو حاصل بالتعليق السابق. ويشترط في المعلق عتقه عنها
أن يكون بصفة الاجزاء حال التعليق، فلو قال لمكاتبه كتابة صحيحة. إذا عجزت عن النجوم فأنت حر عن كفارتي
أو لعبده الكافر إذا أسلمت فأنت حر عن كفارتي، أو قال: إن خرج الجنين سليما فهو حر عن كفارتي ثم وجدت الصفة
عتق ولم يجز عن الكفارة. ولو علق عتق عبده المجزئ عن الكفارة بصفة ثم كاتبه فوجدت الصفة أجزأه إن وجدت
الصفة بغير اختيار المعلق كما يؤخذ من كلام الرافعي. ويجزئ مرهون وجان إن نفذنا عتقهما بأن كان المعتق موسرا.
ويجزئ آبق ومغصوب ولو لم يقدر على انتزاعه من غصب لقدرته على منافع نفسه، هذا إن علم حياتهما ولو بعد الاعتاق
لكمال رقمهما سواء أعلما عتق أنفسهما أم لا، لأن علمهما ليس بشرط في نفوذ العتق فكذا في الاجزاء، فإن لم يعلم
حياتهما لم يجز إعتاقهما، وبه علم أن من انقطع خبره لا يجزئ لأن الوجوب متيقن والمسقط مشكوك فيه، بخلاف الفطرة
تجب للاحتياط. وتجزئ حامل وإن استثنى حملها ويتبعها في العتق ويبطل الاستثناء في صورته. وإذا لم يمنع الاستثناء
نفوذ العتق لم يمنع سقوط الفرض. ولا يجزئ موصى بمنفعته ولا مستأجر لعجزهما عن الكسب لنفسهما وللحيلولة
بينهما وبين منافعها، وبهذا فارق المريض الذي يرجى برؤه والصغير. ويجزئ من تحتم قتله بخلاف من قدم للقتل،
والفرق أن من قدم للقتل يقتل غالبا، فإن لم يقتل كان كمريض لا يرجى برؤه، والمتحتم قتله قد يتأخر للقتل عنه
. وقد ترجع
البينة ولا يضر في العتق التشقيص، (و) حينئذ يجزئ (إعتاق عبديه عن كفارتيه) أنفق جنسهما أو اختلف، (عن كل)
منهما (نصف ذا) العبد (ونصف ذا) العبد لتخليص الرقبتين من الرق. وهل يقع العتق مبعضا على ما نواه ثم يسري أو
يقع كل عبد عن كفارة؟ وجهان في الروضة كأصلها بلا ترجيح، وظاهر كلام المتن الأول ونسبه في الشامل للجمهور.
وتظهر فائدة الخلاف فيما لو ظهر أحدهما معيبا أو مستحقا مثلا فعلى التبعيض لم يجز واحد منهما عن كفارته، وعلى الثاني
يبرأ من كفارة واحدة ويبقى عليه أخرى.
تنبيه: لو سكت المكفر عن التشقيص بأن أعتق عبديه عن كفارتيه ولم يزد على ذلك صح كما جزم به الإمام،
وتقع كل رقبة عن كفارة في أحد وجهين يظهر ترجيحه. (ولو أعتق معسر نصفين) له من عبدين (عن كفارة) عليه،
(فالأصح الاجزاء إن كان باقيهما حرا) لحصول المقصود وهو إفادة الاستقلال. والثاني: المنع مطلقا، كما لا يجزئ شقصان
في الأضحية. والثالث: الاجزاء مطلقا، تنزيلا للاشقاص منزلة الاشخاص. وخرج بالمعسر الموسر فيجزيه ذلك بلا قيد
لسريانه إلى باقيهما.
تنبيه: أفهم كلامه أنه لو كان باقي أحدهما فقط حرا لم يجزه، قال الزركشي: وليس كذلك بل الظاهر الاجزاء
لخلوص رقبة كاملة اه‍. وهذا ظاهر. ولو أعتق موسر نصف عبده مشترك بينه وبين آخر عن كفارته، فإن نوى مع عتق نصيبه صرف
عتق نصيب شريك أيضا إليها أجزأه، وإلا فينصرف نصيبه فقط إليها فيكمل ما يوفي رقبة.
الشرط الرابع: خلو الرقبة عن شوب العوض كما نبه على ذلك بقوله: (ولو أعتق) عبده عن كفارته (بعوض) يأخذه (لم
يجز) ذلك الاعتاق (عن كفارة) لعدم تجرده لها.
تنبيه: أفهم إطلاقه العوض أنه لا فرق بين جعل العوض على العبد كأعتقتك عن كفارتي على أن ترد علي
ألفا أو على أجنبي كأعتقت عبدي هذا عن كفارتي بألف عليك فقبل. أو يقول له الأجنبي: أعتق عبدك عن كفارتك
وعلي كذا فيعتقه فورا، وهو كذلك. وإذا لم يجز استحق العوض على الملتمس في أصح الوجهين، ويقع الولاء للمعتق
362

لأنه لم يعتقه عن الباذل ولا هو استدعاه لنفسه. ولما ذكر العتق عن الكفارة بعوض بين حكم ذلك في غير الكفارة
استطرادا، فقال: (والاعتاق بمال كطلاق به) فيكون من المالك به معاوضة فيها شوب تعليق، ومن المستدعي
معاوضة فيها شوب جعالة كما مر في الخلع، والجواب عن الاستدعاء على الفور، فلو تأخر عتق عن المالك.
تنبيه: قد عقد في المحرر لهذا فصلا وقال: إنه دخيل في الباب، ولهذا قلت تبعا للشارح، ذكره المصنف
استطرادا. (فلو قال) شخص لسيد مستولدة: (أعتق أم ولدك على ألف) مثلا، (فأعتق) فورا، (نفذ) إعتاقه
(ولزمه) أي الملتمس (العوض) المذكور لاستلزامه إياه، ويكون ذلك افتداء من المستدعي نازلا منزلة اختلاع الأجنبي.
تنبيه: أشار بقوله: فأعتق إلى أن عتقها متصل، فإن أعتقها بعد فصل طويل وقع العتق عن المالك ولا شئ على
المستدعي، وكذا لو قال: أعتق مستولدتك عني على ألف فقال: أعتقتها عنك فإنها تعتق عن المالك ويلغو قوله: عنك،
لأن المستولدة لا تقبل النقل، بخلاف ما لو قال: طلق زوجتك عني على كذا فطلق حيث يلزمه العوض، لأنه لا يتخيل في
الطلاق انتقال شئ إليه بخلاف المستولدة فقد يتخيل جواز انتقالها إليه. (وكذا لو قال) شخص لسيد عبد: (أعتق
عبدك على كذا) كألف ولم يقل عنك ولا عني بل أطلق، (فأعتق) فورا نفذ قطعا ولزمه العوض (في الأصح)
لالتزامه إياه فيكون افتداء كأم الولد. والثاني: لا يستحق، إذ لا افتداء في ذلك لامكان نقل الملك في العبد بخلاف أم الولد.
تنبيه: أشعر قوله: على كذا أنه لا يشترط كون العوض مالا، فلو قال: على خمر أو على مغصوب مثلا نفذ ولزم
قيمة العبد في الأصح. ولو ظهر بالعبد عيب بعد عتقه لم يبطل عتقه بل يرجع المستدعي العتق بأرش العيب، ثم إن كان
عيبا يمنع الاجزاء في الكفارة لم تسقط به. (وإن قال: أعتقه عني على كذا) كألف أو زق خمر، (ففعل) فورا ولم
يكن ممن يعتق على الطالب، (عتق عن الطالب) لأنه إذا عتق عن الغير بغير رضا المالك في السراية فلان يقع عنه
برضا المالك وإعتاقه من باب أولى.
تنبيه: شمل كلامه ما إذا كان على الطالب كفارة ونواها فإنه يجزئه كما نص عليه الشافعي. (وعليه العوض)
المسمى إن كان مالا عملا بالتزامه وقيمة العبد إن كان غير مال كالخلع كما جزم به الرافعي ومرت الإشارة إليه. فإن قال:
مجانا فلا شئ عليه، وإن لم يشرط عوضا ولا نفاه بأن قال: أعتقه عن كفارتي وسكت عن العوض لزمه قيمة العبد كما
لو قال له: اقض ديني، وإن قال: أعتقه عني ولا عتق عليه فالذي يقتضيه نص الشافعي في الام وإيراد الجمهور هنا أنه
لا يلزمه قيمة العبد وأن ذلك هبة مقبوضة.
تنبيه: أشار المصنف بالفاء في قوله: ففعل إلى اشتراط اتصال الجواب، فإن طال الفصل عتق عن المالك ولا شئ
على الطالب، فإن كان الطالب ممن يعتق عليه العبد لم يعتق عليه لأنه لو كان أجنبيا لملكناه إياه وجعلنا المسؤول نائبا
في الاعتاق، والملك في مسألتنا يوجب العتق والتوكيل بعده بالاعتاق لا يصح ويصير دورا، قاله القاضي الحسين في فتاويه.
(والأصح أنه) أي الطالب، (يملكه) أي المطلوب إعتاقه، (عقب لفظ الاعتاق) الواقع بعد الاستدعاء لأنه المالك للملك.
(ثم يعتق عليه) لتأخر العتق عن الملك فيقعان في زمنين لطيفين متصلين. وهذا بناء على أن الشرط يترتب على
المشروط. والثاني: يحصل الملك والعتق معا بعد تمام اللفظ، بناء على أن الشرط مع المشروط يقعان معا، وصححه في الروضة
في التعليق بالتعليق. ولو قال: إذا جاء الغد فأعتق عبدك عني بألف فأعتقه عنه صح ولزم المسمى لتضمن ذلك
البيع لتوقف
العتق على الملك، فكأنه قال: بعنيه وأعتقه عني وقد أجابه. وإن أعتقه عنه مجانا أو بغير الألف وقع عن المعتق دون المستدعي.
تنبيه: العتق ينفذ بالعوض وإن كان الرقيق مستأجرا أو مغصوبا لا يقدر على انتزاعه، لأن البيع في
363

ذلك ضمني فيغتفر فيه ما لا يغتفر في المستقبل، ولو قال لغيره: أطعم ستين مسكينا كل مسكين مدا من حنطة عن
كفارتي ونواها بقلبه ففعل أجزأه في الأصح، ولا يختص بالمجلس والكسوة مثل الاطعام كما قاله الخوارزمي.
(و) أشار لضابط المعتق في الكفارة بأنه كل (من ملك عبدا) لا يحتاج إليه، والمراد به الجنس الشامل للأمة.
(أو) ملك (ثمنه) من نقد أو عوض حال كون كل منهما (فاضلا عن كفاية نفسه وعياله) الذين تلزمه مؤنتهم
شرعا، (نفقة وكسوة وسكنى وأثاثا) وإخداما، (لا بد منه لزمه العتق) وهذا جواب الشرط، أي بخلاف من لم يملك
ما ذكر، قال تعالى: * (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا فمن لم يجد) * الآية. أما من ملك عبدا هو محتاج إلى خدمته
لمرض، أو كبر، أو ضخامة مانعة من خدمته نفسه، أو منصب يأبى أن يخدم نفسه، فهو في حقه كالمعدم، بخلاف من
هو من أوساط الناس فيلزمه الاعتاق، لأنه لا يلحقه بصرف العبد إلى الكفارة ضرر شديد، وإنما يفوته نوع رفاهية.
واستثنى في المهمات من التكفير بالمال السفيه ولو كان موسرا وإن كان إطلاقهم هنا يشمله، فإن الرافعي ذكر في الحجر
أنه كالمعسر حتى إذا حلف وحنث كفر بالصوم، وأطلق المصنف النفقة والكسوة. قال الرافعي: وسكتوا عن تقدير مدة
النفقة وبقية المؤن، فيجوز أن يقدر ذلك بالعمر الغالب وأن يقدر سنة. وصوب في الروضة منهما الثاني، وقضية ذلك
أنه لا نقل فيها مع أن منقول الجمهور الأول، وهو المعتمد كما مر في قسم الصدقات، وجزم البغوي في فتاويه بالثاني على قياس
ما صنع في الزكاة. واعلم أن ما ذكر في الحج وفي قسم الصدقات من أن كتب الفقيه لا تباع في الحج ولا تمنع أخذ الزكاة
وفي الفلس من أن خيل الجندي المرتزق تبقى له يقال بمثله هنا بل أولى كما ذكره الأذرعي وغيره. (ولا يجب) على
المكفر (بيع ضيعة) وهي بفتح الضاد المعجمة: العقار، قاله الجوهري. (و) لا بيع (رأس مال) للتجارة بحيث
(لا يفضل دخلهما) من غلة الضيعة وربح مال التجارة (عن كفايته) لمعونة لتحيل عبد يعتقه، بل يعدل المكفر
في الصورتين للصوم، فإن فضل دخلهما عن كفايته باعهما قطعا. (ولا) بيع مسكن وعبد نفيسين ألفهما (في
الأصح) لعسر مفارقة المألوف، ونفاستهما بأن يجد بثمن المسكن مسكنا يكفيه وعبدا يعتقه وبثمن العبد عبدا يخدمه
وآخر يعتقه. والثاني: يجب بيعهما لتحصيل عبد يعتقه، ولا التفات إلى مفارقة المألوف في ذلك. واحترز بقوله: ألفهما عما
لو لم يألفهما فيجب البيع والاعتاق قطعا.
تنبيه: كان ينبغي التعبير بالخادم بدل العبد فإن الأمة كذلك لا سيما إن احتاج إليها للوطئ. وفي الاستذكار:
لو كان له أمة للوطئ وخادم إن أمكن أن تخدمه الأمة أعتق وإلا فلا، وقدمنا أن المراد بالعبد الجنس فيكون المراد هنا
كذلك ويجب بيع فاضل داره الواسعة إن أمكن بيعه مع سكنى الباقي، إذ لا ضرر ولا عسر، وسواء في ذلك المألوفة
وغيرها كما يقتضيه كلام كثيرين لأنه لا يفارقها. وبيع ثوب نفيس لا يليق بالمكفر إذا حصل به غرض اللبس وغرض
التكفير، إلا إذا كان مألوفا كما مر في العبد فلا يلزمه بيع بعضه لعسر مفارقة المألوف فيجزئه الصوم، وفي الحج يلزمه
بيع المألوف. قال الرافعي: وكأن الفرق أن الحج لا بدل له وللاعتاق بدل. والفرق بين ما هنا وما مر في الفلس من
أنه لا يبقى للمفلس خادم ولا مسكن أن للكفارة بدلا كما مر وأن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة، بخلاف حقوق
الآدمي. ومن له أجرة تزيد على قدر كفايته لا يلزمه التأخير لجمع الزيادة لتحصل العتق فله الصوم ولو تيسر جمع
الزيادة لثلاثة أيام أو ما قاربها، فإن اجتمعت الزيادة قبل صيامه وجب العتق اعتبارا بوقت الأداء كما سيأتي. (ولا)
يجب (شراء بغبن) وإن قل كماء الطهارة، كأن وجد عبدا لا يبيعه مالكه إلا بأكثر من المثل، ولا يعدل إلى
الصوم، بل عليه الصبر إلى أن يجد بثمن المثل من يعتقه. وكذا لو غاب ماله يصبر إلى حضوره ولو كان فوق مسافة
القصر وكان التكفير عن ظهار، لأنه لو مات لاخذت الرقبة من تركته بخلاف مثله في التيمم، لأن الصلاة لا تقضى
364

عن الميت. ولا يجب قبول هبة الرقبة لما في ذلك من المنة، بل يسن. (وأظهر الأقوال اعتبار اليسار) الذي يلزم به
الاعتاق (بوقت الأداء) لأنها عبادة لها بدل من غير جنسها، فاعتبر حال أدائها كالصوم والتيمم والقيام والقعود
في الصلاة. والثاني: بوقت الوجوب لها، وجرى على هذا صاحب التنبيه، ونبهت على ضعفه في شرحه. والثالث: بأي
وقت كان من وقتي الوجوب والأداء.
تنبيه: ما تقدم في الحر، أما العبد المظاهر فلا يتأتى تكفيره بعتق ولا إطعام بل يصوم وللسيد تحليله إن لم يأذن
له فيه. ثم شرع في الخصلة الثانية من خصال الكفارة فقال: (فإن عجز) المظاهر حسا أو شرعا (عن عتق صام شهرين
متتابعين) للآية، فلو تكلف الاعتاق بالاستقراض أو غيره أجزأه على الأصح لأنه ترقى إلى الرتبة العليا.
تنبيه: ولو ملك رقبة فقتلها هل له الصوم؟ إن قلنا إن الاعتبار بحالة الأداء صام كما رجحه الروياني وإلا فلا،
ولو شرع المعسر في الصوم ثم أيسر لم يلزمه إعتاق. ويعتبر الشهران (بالهلال) ولو نقصا، ويكون صومهما (بنية
كفارة) من الليل لكل يوم منهما كما هو معلوم في صوم الفرض، ولا يشترط تعيين جهة الكفارة من ظهار أو قتل
مثلا كما سبق أول الباب، فلو كان عليه كفارتان وصام أربعة أشهر عما عليه من الكفارة أجزأ. واستثنى في المطلب
ما لو صام شهرا عن كفارة. ثم آخر عن أخرى، ثم آخر عن الأولى، ثم آخر عن الأخرى، فلا يجزئه عن واحدة منهما،
بخلاف نظيره من العبدين، لأن التتابع شرط. (ولا يشترط نية التتابع في الأصح) اكتفاء بالتتابع الفعلي، ولان التتابع
شرط في العبادة فلا تجب نيته كستر العورة في الصلاة. والثاني: يشترط كل ليلة ليكون متعرضا لخاصة هذا الصوم.
تنبيه: لا يصح من المكفر الصوم إلا بتحقق جوازه بتعذر العتق عليه، فلو نوى من الليل الصوم قبل طلب
الرقبة ثم طلبها فلم يجدها لم تصح النية. (فإن بدأ) بهمزة من الابتداء، بالصوم (في أثناء شهر) كعشرين يوما من
المحرم، (حسب الشهر بعده) وهو صفر، (بالهلال وأتم) الشهر (الأول) وهو المحرم (من الثالث ثلاثين) يوما
بعشرة من ربيع لتعذر الرجوع فيه إلى الهلال فاعتبر بالعدة (ويفوت التتابع بفوات يوم بلا عذر) ولو كان اليوم
الأخير، كما إذا فسد صومه أو نسي النية في بعض الليالي، والنسيان لا يجعل عذرا في ترك المأمورات. وهل يبطل
ما مضى أو ينقلب نفلا؟ فيه قولان، رجح في الأنوار أولهما وابن المقري ثانيهما. وينبغي حمل الأول على الافساد
بلا عذر، والثاني على الافساد بعذر. ولو شك في نية صوم يوم بعد الفراغ من الصوم ولو من صوم اليوم الذي شك
في نيته لم يضر إذ لا أثر للشك بعد الفراغ من اليوم، ويفارق نظيره في الصلاة بأنها أضيق من الصوم.
تنبيه: يستثنى من مفهوم عبارة المصنف ما لو أفطر لسفر، أو أفطرت الحامل، أو المرضع لأجل الولد، أو أفطر
لفرط الجوع، فإن التتابع يفوت وإن وجد عذر. (وكذا) يفوت التتابع لعذر (بمرض) مسوغ للفطر (في الجديد)
لأن المرض لا ينافي الصوم وقد أفطر باختياره، فأشبه ما لو أجهده الصوم فأفطر. والقديم: لا يقطع التتابع، لأن التتابع
لا يزيد على أصل وجوب رمضان، وهو يسقط بالمرض، وعلم منه أن خوف المرض قاطع من باب أولى. و (لا) يزول
التابع في الصوم (بحيض) لأنه ينافي الصوم ولا تخلو عنه ذات الأقراء في الشهر غالبا، والتأخير إلى سن اليأس فيه
خطر. وهذا إذا لم تعتد الانقطاع شهرين فأكثر، فإن اعتادت ذلك فشرعت في الصوم في وقت يتخلله الحيض انقطع
كما نقله في زيادة الروضة عن المتولي وأقره، وكذا لو ابتدأ المكفر الصوم في وقت يعلم دخول ما يقطعه عن إتيانه كشهر
رمضان أو يوم النحر كما صرح به في المحرر وأهمله المصنف.
تنبيه: النفاس كالحيض لا يقطع التتابع على الصحيح، وقيل: يقطعه لندرته، وهو ظاهر نصوص الشافعي رضي الله
عنه. وطرو الحيض والنفاس إنما يتصور في كفارة قتل لا ظهار، إذ لا يجب على النساء، ومن ثم اعترض على المصنف
365

ذكره الحيض هنا وكلامه في كفارة الظهار، وأجيب عنه بأن كلامه في مطلق الكفارة، وأيضا قد يتصور من
المرأة
بأن تصوم عن قريبها الميت العاجز في كفارة الظهار بناء على القديم المختار. (وكذا جنون) لا يزول به التتابع (على
المذهب) لمنافاته للصوم كالحيض، ويأتي في الجنون المتقطع ما سبق عن المتولي كما صرح به في الذخائر، والاغماء المستغرق
كالجنون كما في الروضة وهو المعتمد، وقيل: كالمرض، وكلام التنقيح يشعر بترجيحه، وقال الأذرعي: إنه المذهب
والمنصوص في الام. ولو صام رمضان بنية الكفارة أو بنيتهما بطل صومه ويأثم بقطع صوم الشهرين ليستأنف، إذ هما
كصوم يوم. ولو وطئ المظاهر فيهما ليلا عصى ولم يستأنف. ثم شرع في الخصلة الثالثة من خصال الكفارة فقال: (فإن
عجز) المظاهر (عن صوم) أو ولاء (بهرم أو مرض قال الأكثرون) من الأصحاب: (لا يرجى زواله) وقال
الأقلون كالإمام والغزالي: لا بد من تقييد المرض بكونه يدوم شهرين إما بظن عادة مطردة في مثله أو بقول الأطباء.
وصحح هذا في زوائد الروضة، ولو اقتصر المصنف على هذا لفهم منه الأول. وأطلق جمع من الأصحاب المرض من غير
تفرقة بين رجاء زواله وعدمه.
تنبيه: عطف المرض على الهرم من عطف عام على خاص، فإن المرض عرض، والهرم مرض طبيعي. (أو)
لم يعجز ولكن (لحقه بالصوم مشقة شديدة) وضبطها بعضهم بما يبيح التيمم. ودخل في المشقة شدة الشبق على
ما رجحه الأكثرون وصرح به المصنف في كفارة الوقاع، وهو شدة الغلمة: أي شهوة الوطئ. وإنما لم يجز ترك صوم
رمضان بشدة الشبق، لأنه لا بدل له، ولأنه يمكنه الوطئ فيه ليلا بخلافه في كفارة الظهار لاستمرار حرمته إلى الفراغ
منها كما مرت الإشارة إليه. (أو خاف) من الصوم (زيادة مرض كفر بإطعام ستين مسكينا) للآية السابقة، (أو
فقيرا) لأنه أشد حالا منه، ويكفي البعض مساكين والبعض فقراء.
تنبيه: قوله: كفر بإطعام تبع فيه لفظ القرآن، والمراد تمليكهم، فقد جاء: أطعم النبي (ص) الجدة السدس
أي ملكها فلا يكفي التغدية ولا التعشية. وهل يشترط اللفظ أو يكفي الدفع؟ عبارة الروضة تقتضي اللفظ لأنه عبر بالتمليك،
قال الأذرعي: وهو بعيد، أي فلا يشترط لفظ. وهذا هو الظاهر كدفع الزكاة. وإنما لم ينتظر زوال المرض المرجو
زواله للصوم كما ينتظر المال الغائب للعتق، لأنه لا يقال لمن غاب ماله لا يجد رقبة، ويقال للعاجز بالمرض لا يستطيع
الصوم، ولان حصول المال متعلق باختياره بخلاف زوال المرض. ويشترط في المسكين والفقير أن يكونا من أهل
الزكاة، وحينئذ (لا) يكفي تمليكه (كافرا) ولو ذميا، (ولا هاشميا، و) لا (مطلبيا) ومن تلزمه نفقته كزوجته
وقريبه، ولا إلى مكفي بنفقة قريب أو زوج، ولا إلى عبد ومكاتب، لأنها حق لله تعالى فاعتبر فيها صفات الزكاة. نعم
لو دفعها إلى العبد بإذن سيده والسيد بصفة الاستحقاق جاز لأنه صرف لسيده. ويصرف للستين المذكورين (ستين
مدا) لكل واحد مد كأن يضعها بين أيديهم، ويملكها لهم بالسوية أو يطلق، فإذا قبلوا ذلك أجزأ على الصحيح،
فلو فاوت بينهم بتمليك واحد مدين وآخر مدا أو نصف مد لم يجز وإن أوهم كلام المصنف خلافه، فلو قال: ستين مدا
مدا بتكرير المد كان أولى، ولو قال: خذوه ونوى فأخذوه بالسوية أجزأ، فإن تفاوتوا لم يجزئ إلا مد واحد ما لم يتبين
معه من أخذ مدا آخر وهكذا. وإن صرف ستين مدا إلى مائة وعشرين بالسوية احتسب له بثلاثين مدا، فيصرف
ثلاثين أخرى إلى ستين منهم ويسترد من الباقين إن كان ذكر لهم أنها كفارة. وإن صرف ستين إلى ثلاثين بحيث
لا ينقص كل منهم عن مد لزمه صرف ثلاثين مدا إلى ثلاثين غيرهم ويسترد كما سبق، ولو صرف لمسكين واحد مدين
من كفارتين جاز. وإن أعطى رجلا مدا واشتراه منه مثلا ودفعه لآخر وهكذا إلى ستين أجزأه وكره. ولو دفع الطعام
366

إلى الإمام فتلف في يده قبل التفرقة لم يجزه بخلاف الزكاة. وبين المصنف جنس الامداد بقوله: (مما) أي من جنس الحب
الذي (يكون فطرة) فتخرج من غالب قوت بلد المكفر فلا يجزئ، نحو الدقيق والسويق والخبز.
تنبيه: أفهم كلامه جواز إخراج الاقط واللبن لتجويزه إخراجهما في صدقة الفطر، وهو ظاهر في الاقط، وأما
اللبن فقد صحح في تصحيح التنبيه منع إجزائه.
خاتمة: إذا عجز من لزمته الكفارة عن جميع الخصال بقيت الكفارة في ذمته إلى أن يقدر على شئ منها، فلا يطؤها
المظاهر حتى يكفر. ولا تجزئ كفارة ملفقة من خصلتين: كأن يعتق نصف رقبة ويصوم شهرا أو يصوم شهرا ويطعم
ثلاثين، فإن وجد بعض الرقبة صام لأنه عادم لها، بخلاف ما إذا وجد بعض الطعام فإنه يخرجه ولو بعض مد لأنه
لا بدل له. والميسور لا يسقط بالمعسور ويبقى الباقي في ذمته في أحد وجهين يظهر ترجيحه، لأن الغرض أن العجز عن
جميع الخصال لا يسقط الكفارة، ولا نظر إلى توهم كونه فعل شيئا. وإذا اجتمع عليه كفارتان ولم يقدر إلا على رقبة
أعتقها عن إحداهما وصام عن الآخر إن قدر، وإلا أطعم.
كتاب اللعان
هو لغة: المباعدة، ومنه: لعنة الله، أي أبعده وطرده. وسمي بذلك لبعد الزوجين من الرحمة، أو لبعد كل منهما
عن الآخر، فلا يجتمعان أبدا. وشرعا: كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به
أو إلى نفي ولد كما سيأتي. وسميت هذه الكلمات لعانا لقول الرجل: عليه لعنة الله إن كان من الكاذبين، وإطلاقه في
جانب المرأة من مجاز التغليب. واختير لفظه دون لفظ الغضب وإن كانا موجودين في اللعان لكون اللعنة متعدية
في الآية
الكريمة والواقع، ولان لعانه قد ينفك عن لعانها ولا ينعكس. والأصل قوله تعالى: * (والذين يرمون أزواجهم) * الآيات،
وسبب نزولها ما في البخاري: أن هلال بن أمية قذف زوجته عند النبي (ص) بشريك بن سمحاء، فقال له (ص)
: البينة أو حد في ظهرك فقال: يا نبي الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي
(ص) يكرر ذلك، فقال هلال: والذي بعثك بالحق نبيا إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد
فنزلت الآيات. ولا بد أن يسبق اللعان قذف كما قال: (يسبقه قذف) وهو بالمعجمة لغة: الرمي، وشرعا: الرمي بالزنا على
جهة التعبير أو نفي ولد، لأن الله ذكر اللعان بعد القذف، ولأنه حجة ضرورية لدفع الحد أو نفي الولد، ولا ضرورة
قبل ذلك.
تنبيه: لو قال: قذف أو نفي ولد كان أولى وأشمل ليشمل ما لو شهد بزناها أربع فإنه يلاعن لنفي الحمل. ويستثنى
ما لو وطئها بشبهة أو بنكاح فاسد فإنه يترك القذف بالزنا ويقول ليس هذا الولد مني كما قاله الرافعي. وألفاظ القذف
ثلاثة: صريح، وكناية، وتعريض. وبدأ بالأول، فقال: (وصريحه) أي القذف مطلقا، (الزنا كقوله لرجل أو امرأة:
زنيت أو زنيت) بفتح التاء وكسرها، (أو يا زاني أو يا زانية) لتكرر ذلك وشهرته كسائر الصرائح، ولو كسر التاء في
خطاب الرجل أو فتحها في خطاب المرأة. ولا يضر اللحن بالتذكير للمؤنث وعكسه كما صرح به في المحرر، كقوله
للرجل: يا زانية، وللمرأة: يا زاني.
تنبيه: قوله: لرجل أو امرأة قد يخرج الخنثى. وقد ذكر الرافعي في حد القذف أنه إذا خاطب خنثى بزانية
أو زان يجب الحد، لكنه يكون صريحا إن أضاف الزنا إلى فرجيه، فإن أضافه إلى أحدهما كان كناية. هذا إذا قال
367

لمن يمكن وطؤه في معرض التعبير، فلو قال لابنة سنة مثلا: زنيت فإنه ليس بقذف كما قاله الماوردي، لأن القذف
ما احتمل الصدق أو الكذب، وهذا مقطوع بكذبه، ولهذا يعزر للايذاء. ولو شهد عليه بالزنا مع تمام النصاب لم يكن قذفا،
وكذا لو شهد عليه شاهد بحق فقال: خصمي يعلم زنا شاهده فحلفه أنه لا يعلمه، ومثله: أخبرني بأنه زان أو شهد يجرحه
فاستفسره الحاكم فأخبره بزناه كما قاله الشيخ أبو حامد وغيره، أو قال له: اقذفني فقذفه على الصحيح، وكذا لو كان اسمها
زانية فناداها به. وهذه الصور كلها تخرج بقولنا على جهة التعبير، ولا فرق في المرأة بين أن يعلمها أو يظنها زوجته أم لا.
(والرمي) لشخص (بإيلاج) ذكره أو (حشفة) منه (في فرج مع وصفه) أي الايلاء (بتحريم) مطلقا، (أو) الرمي بإيلاج
ذكر أو حشفة في (دبر صريحان) وهذا خبر المبتدأ، والمعطوف عليه المقدر ب‍ أو التقسيمية كما تقرر. ولو
قال: صريح
كان أولى، لأن العطب ب‍ أو. ومن الصريح اللفظ المركب من النون والياء والكاف الموصوف بالحرمة لأنه صريح
لا يقبل التأويل، وكذا كل صريح في الايلاج وصف بالتحريم فإنه صريح. وإنما اشترط الوصف بالتحريم في القبل دون
الدبر لأن الايلاج في الدبر لا يكون إلا حراما، فإن لم يصف الأول بالتحريم فليس بصريح لصدقه بالحلال بخلاف
الثاني: فإن قيل: الوطئ في القبل قد يكون محرما وليس بزنا كوطئ حائض ومحرمة بنسب أو رضاع، فالوجه أن يضيف
إلى وصفه بالتحريم ما يقتضي الزنا. أجيب بأن المتبادر عند الاطلاق الحرام لذاته فهو صريح، فإن ادعى شيئا مما ذكر
واحتمل الحال قبل منه كما في الطلاق في دعوى إرادة حل الوثاق، وسواء خوطب بهما ذكر أم أنثى، كقوله للذكر:
أولجت في فرج محرم أو دبر أو أولج في دبرك، ولها: أولج في فرجك المحرم أو دبرك. وقوله: زنيت في قبلك صريح في
المرأة دون الرجل، لأن الرجل يزني به لا فيه. ولو قال: وطئك في القبل أو الدبر اثنان معا لم يكن قذفا لاستحالته، فهو
كذب محض فيعزر للايذاء. فإن أطلق بأن لم يقيد بقبل ولا دبر قال الأسنوي: فيحد لامكان ذلك بوطئ واحد في القبل
والآخر في الدبر اه‍. وفي هذا نظر لا يخفى على من يعرف النساء. (وزنأت) بالهمز (في الجبل) أو السلم أو نحوه، (كناية) لأن
الزنا في الجبل ونحوه هو الصعود فيه. واحترز بالتقيد بالجبل عما لو قال: زنأت - بالهمزة - في البيت فإنه صريح، لأنه
لا يستعمل بمعنى الصعود في البيت ونحوه، فإن كان فيه درج يصعد إليه فيها فوجهان، أوجههما كما قال شيخنا أنه كناية.
(وكذا زنأت فقط) أي بالهمز وحذف الجبل كناية (في الأصح) لأن ظاهره يقتضي الصعود. والثاني: أنه صريح، والياء
قد تبدل همزة. والثالث: إن أحسن العربية فكناية، وإلا فصريح. (وزنيت) بالياء (في الجبل صريح في الأصح) للظهور
فيه كما لو قال في الدار. وذكر الجبل يصلح فيه إرادة محله، فلا ينصرف الصريح عن موضوعه، فلو قال: أردت
الصعود صدق بيمينه لاحتمال إرادته. والثاني: أنه كناية، لأن الياء قد تقام مقام الهمزة، ونقله الأذرعي عن نص الام.
والثالث: إن أحسن العربية فصريح منه وإلا فكناية. ولو قال: يا زانية في الجبل بالياء كان كناية كما قالاه. فإن قيل: هلا
كان كقوله زنيت في الجبل كما مر أجيب بأنه لما قرن قوله في الجبل الذي هو محل الصعود بالاسم المنادى الذي لم يوضع
لانشاء العقود خرج عن الصراحة بخلاف الفعل. (وقوله) لرجل: (يا فاجر يا فاسق) يا خبيث، (ولها) أي لامرأة: يا فاجرة يا فاسقة
(يا خبيثة وأنت تحبين الخلوة) أي الظلمة أو لا تردين يد لامس، (ولقرشي: يا نبطي) نسبة للانباط، وهم قوم ينزلون
البطائح بين العراقين، أي أهل الزراعة، سموا بذلك لاستنباطهم الماء، أي إخراجه من الأرض. (ولزوجته: لم أجدك
عذراء) أو بكرا أو وجدت معك رجلا، (كناية) في القذف هو راجح للمسائل كلها لاحتمالها القذف وغيره، والقذف
في يا نبطي لام المخاطب. ولو عبر بالعربي بدل القرشي لكان أعم.
368

تنبيه: قوله: لزوجته قد يوهم أنه لا يكون كناية في الأجنبية، وليس مرادا، فلا فائدة للتقييد بالزوجة
وقوله: لم أجدك عذراء، ينبغي كما قال الزركشي تصويره فيمن لم يعلم لها تقدم افتضاض مباح، فإن علم فليس
بشئ قطعا.
تنبيه: اختلف في قول الشخص لغيره: يا لوطي، فقيل: هو كناية، قال المصنف في الروضة: وهو المعروف في
المذهب، وصوبه في تصحيحه، لاحتمال أنه يريد أنه على دين قوم لوط، لكنه قال في الروضة ما مر: قد غلب
استعماله في العرف بإرادة الوطئ في الدبر، بل لا يفهم منه إلا هذا، فينبغي أن يقطع بأنه صريح، وإلا فيخرج على
الخلاف فيما إذا شاع لفظ في العرف، كقوله: الحلال علي حرام. وأما احتمال كونه أراد أنه على دين قوم لوط فلا يفهمه
العوام، فالصواب الجزم بأنه صريح، وبه جزم صاحب التنبيه اه‍. قال الأذرعي: والصواب أنه كناية كما قاله
الأئمة اه‍. وهذا هو المعتمد. وقال ابن الرفعة: إن نسخ التنبيه مختلفة، ففي بعضها: يا لائط، قال: والظاهر أن لائط
هي الصحيحة. قال ابن القطان: ولو قال له: يا بغي، أو لها: يا قحبة فهو كناية. قال شيخنا: ومقتضى ما مر أواخر
الطلاق أن قوله: يا قحبة صريح اه‍. وهذا أظهر، وبه أفتى ابن عبد السلام، وأفتى أيضا بصراحة: يا مخنث، للعرف،
والظاهر أن هذا كناية. (فإن أنكر) شخص في الكناية (إرادة قذف) بها، (صدق بيمينه) لأنه أعرف بمراده
فيحلف أنه ما أراد قذفه، قاله الماوردي. ثم عليه التعزير للايذاء، نص عليه الشافعي، وجرى عليه الجمهور، وقيده
الماوردي بما إذا خرج لفظه مخرج السب والذم وإلا فلا تعزير، وهو ظاهر. وإذا عرضت عليه اليمين فليس له الحلف
كاذبا دفعا للحد وتحرزا من إتمام الايذاء، بل يلزمه الاعتراف بالقذف ليحد أو يعفى عنه كالقاتل لغيره خفية، لأن
الخروج من مظالم العباد واجب. قال الأذرعي: لكن لو كان صادقا في قذفه يعلم زناه يقينا فهل يكون عذرا في التورية
عند تحليف الحاكم له ليدرأ الحد عن نفسه وتجوز التورية أو لا؟ الأقرب عندي جوازه، ولما فيه من دفع المعرة عن
المقول له، بل يقرب إيجاب ذلك إذا علم أنه يحد بذلك، وتبطل عدالته وروايته وما تحمله من الشهادات ونحو ذلك اه‍.
وهذا ظاهر. وصيغة الحلف أن يحلف أنه ما أراد قذفه كما صرح به الماوردي، قال: ولا يحلف أنه ما قذفه. وهل
وجب الحد بمجرد اللفظ مع النية أو لا يجب حتى يعترف أنه أراد بالكناية بالقذف؟ تردد فيه الإمام، والظاهر كما قاله بعض
المتأخرين الأول. (وقوله) لغيره في خصومة أو غيرها، (يا ابن الحلال، وأما أنا فلست بزان ونحوه) كليست أمي بزانية
ولست ابن خباز أو إسكافي، وما أحسن اسمك في الجيران، (تعريض) بغيره، و (ليس بقذف) له صريح ولا كناية،
(وإن طواه) في الأصح، لأن النية إنما تؤثر إذا احتمل اللفظ المنوي، وههنا ليس في اللفظ إشعار به، وإنما يفهم
بقرائن الأحوال، فلا تؤثر فيه، كمن حلف لا يشرب ماء من عطش ونوى أن لا يتقلد منه فإنه إن شربه من غير
عطش لم يحنث. فاللفظ الذي يقصد به القذف إن لم يحتمل غيره فصريح، وإلا فإن فهم منه القذف بوضعه فكناية
وإلا فتعريض. وليس الرمي بإتيان البهائم قذفا والنسبة إلى غير الزنا من الكبائر وغيرها مما فيه إيذاء، كقوله لها:
زنيت بفلانة أو أصابتك فلانة يقتضي التعزير للايذاء لا الحد لعدم ثبوته. (وقوله) لامرأة أجنبية: علوت
رجلا حتى دخل ذكره في فرجك صريح. وقوله لغيره: (زنيت بك) بفتح الكاف أو كسرها، (إقرار بزنا) على
نفسه (وقذف) للمخاطب أما كونه إقرارا فلقوله: زنيت، وأما كونه قذفا فلقوله: بك رأى الإمام أنه ليس
بصريح في القذف لاحتمال كون المخاطب مكرها أو نائما. قال الرافعي: ويؤيده أنه لو قال: زنيت مع فلان
كان قذفا لها دونه. قال الزركشي: ولا يظهر بينهما فرق اه‍. وفرق في الوسيط بأن إطلاق هذا اللفظ يحصل
به الايذاء التام لتبادر الفهم منه إلى صدوره عن طواعية وإن احتمل غيره، ولهذا يحد بالنسبة إلى الزنا مع احتمال
إرادة زنا العين والرجل. (ولو قال لزوجته: يا زانية) بنت الزانية، وجب حدان لها ولامها. فإن طلبتا الحد بدئ
369

بحد الام لوجوبه بالاجماع، وحد الزوجة مختلف فيه، والزوج ممكن من إسقاطه باللعان، بخلاف حد الام، ويمهل
للثاني إلى البرء. ولو قال لها: يا زانية، (فقالت) له جوابا: (زنيت بك أو أنت أزنى مني فقاذف) لها فيحد لاتيانه بلفظ
القذف الصريح. (وكانية) في قذفه فتصدق في إرادة عدم قذفه بيمينها، لأن قولها الأول يحتمل نفي الزنا، أي لم
أفعل كما لم تفعل، وهذا مستعمل عرفا كقولك لمن قال تغديت تغديت معك، وقولها الثاني يحتمل إرادة ما وطئني
غيرك، فإن كنت زانية فأنت أزنى مني، لأني ممكنة وأنت فاعل.
تنبيه: قضية كلامه أنها ليست مقرة بالزنا لأنه لم يتعرض لذلك إلا في الصورة الآتية، قال البلقيني: وهو
المنصوص في الام والمختصر واتفق عليه الأصحاب اه‍. وهذا ظاهر في قولها الثاني، وأما الأول فهي مقرة بالزنا كما صرح
به بعض المتأخرين، وهو ظاهر، لأن قولها إقرار صريح بالزنا. وكانية اسم فاعل من كنيت ويجوز كانونة من كنوت
عن كذا إذا لم تصرح به. (فلو قالت) في جواب الزوج في المثال المتقدم: (زنيت وأنت أزنى مني، فمقرة) على نفسها
بالزنا بقولها زنيت، (وقاذفة) لزوجها باللفظ الآخر صريحا فتحد للقذف والزنا. ويبدأ بحد القذف لأنه حق آدمي،
فإن رجعت سقط حد الزنا لما سيأتي في بابه دون حد القذف لأنه حق آدمي. ولو قالت لزوجها ابتداء: أنت أزنى من
فلان كان كناية، إلا أن يكون قد ثبت زناه وعلمت بثبوته فيكون صريحا فتكون قاذفة، لا إن جهلت فيكون كناية
فتصدق بيمينها في جهلها، فإذا حلفت عزرت ولم تحد. ولو قالت له ابتداء: أنت أزنى مني فهو كهذه الصورة وإن ذكر
فيها في أصل الروضة وجهين بلا ترجيح. ولو قالت له: يا زاني فقال: زنيت بك، أو أنت أزنى مني فقاذفة له صريحا وهو
كان على وزان ما مر الخ. فلو قال في جوابها: زنيت وأنت أزنى فهو مقر بالزنا وقاذف لها على وزان ما مر أيضا.
وقوله لأجنبية: يا زانية فقالت: زنيت بك أو أنت أزنى مني فهو قاذف وهي في الجواب الأول قاذفة له مع إقرارها بالزنا.
وفي الجواب الثاني كانية لاحتمال أن تريد أنه أهدى إلى الزنا وأحرص عليه منها. ويقاس بما ذكر قولها لأجنبي: يا زاني
فيقول: زنيت بك، أو: أنت أزنى مني، ولو قالت له ابتداء: فلان زان وأنت أزنى منه، أو: في الناس زناة وأنت أزنى
منهم فصريح، لا إن قالت: الناس زناة، أو: أهل مصر مثلا زناة وأنت أزنى منهم فليس قذفا لتحقق كذبها إلا إن نوت
من زنى منهم فيكون قذفا. (وقوله) لغيره: (زنى فرجك أو ذكرك) أو قبلك أو دبرك بفتح الكاف أو كسرها فيما ذكر،
(قذف) لأنه آلة ذلك العمل أو محله.
تنبيه: قد مر أن ذلك لا يكون قذفا صريحا في الخنثى إلا إذا جمع بين الفرج والذكر، وقد نقله الرافعي في باب
القذف والمصنف هنا.
فرع: لو تقاذف شخصان فلا تقاص، لأنه إنما يكون إذا اتحد الجنس والقدر والصفة ومواقع السياط وألم
الضربات متفاوتة. (والمذهب أن قوله) زنت (يدك) ورجلك (وعينك، و) أن قوله (لولده) اللاحق به ظاهرا: (
لست مني أو لست ابني كناية) في قذف أمه، فإن قصد القذف كان قاذفا وإلا فلا. أما في الأولى فلان المفهوم
من زنا هذه الأعضاء اللمس والمشي والنظر كما في خبر الصحيحين: العينان تزنيان واليدان تزنيان فلا ينصرف إلى
الزنا الحقيقي إلا بالإرادة، ولهذا لو نسب ذلك إلى نفسه لم يكن إقرارا بالزنا قطعا. وقيل: إنه صريح قياسا على الفرج،
ولأنه أضاف الزنا إلى عضو من الجملة. وأما في الثانية فلان الأب يحتاج إلى تأديب ولده إلى مثل هذا الكلام زجرا له
فيحمل على التأديب. (و) أن قوله (لولد غيره: لست ابن فلان، صريح) في قذف أم المخاطب، لأنه لا يحتاج إلى
تأديب ولد غيره. وقيل: إنه كناية كولده. (إلا لمنفي بلعان) ولم يستلحقه الملاعن فلا يكون صريحا في قذف أمه
لجواز إرادة: لست ابنه شرعا، أو لست تشبهه خلقا أو خلقا. ولها تحليفه أنه لم يرد قذفها، فإن نكل وحلفت أنه أراد
370

قذفها حد، وإن حلف أنه لم يرده فلا حد ويعزر للايذاء، فإن قال: أردت القذف، رتب عليه موجبه من حد أو
تعزير.
أما إذا قال له ذلك بعد استلحاق النافي له فهو قذف صريح، اللهم إلا أن يدعي احتمالا ممكنا كقوله: لم يكن ابنه حين
نفاه، فإنه يصدق بيمينه كما في زيارة الروضة، ويعزر للايذاء ولا يحد لاحتمال ما أراده. وحاصله أنه قذف عند الاطلاق
فيحده من غير أن يسأله ما أراد، فإن ادعى محتملا صدق بيمينه ولا حد. والفرق بين هذا وبين ما قبل الاستلحاق أنا
لا نحده هناك حتى نسأله، لأن لفظه كناية فلا يتعلق به حق إلا بالبينة، وهنا ظاهر لفظه القذف فيحد بالظاهر إلا أن يذكر
محتملا. ثم شرع في موجب القذف وهو الحد، فقال: (ويحد قاذف محصن) ثمانين جلدة، لقوله تعالى: * (والذين يرمون
المحصنات) * الآية، وسيأتي بيان الحد وشرطه في بابه. (ويعزر غيره) وهو قاذف غير المحصن، كالعبد والذمي والصبي
والزاني للايذاء.
تنبيه: عبارته قد توهم تعزير من لم يقذف أحدا، فلو قال كالمحرر: ويعزر قاذف غيره كان أولى، وسيأتي بيان
التعزير آخر كتاب الأشربة. (والمحصن) الذي يحد قاذفه (مكلف) ومثله السكران المتعدي بسكره. وإنما لم يستثنه مع
أنه على رأيه غير مكلف اعتمادا على استثنائه له في باب حد القذف. (حر مسلم عفيف عن وطئ يحد به) فإن لم يطأ أصلا
أو وطئ وطئا لا يحد به كوطئ الشريك الأمة المشتركة، لأن أضداد ذلك نقص. وفي الخبر: من أشرك بالله فليس
بمحصن وإنما جعل الكافر محصنا في حد الزنا لأن حده إهانة له، والحد بقذفه إكرام له، واعتبرت العفة لأن
من زنى لا يتعير به.
تنبيه: يرد على ما ذكره وطئ زوجته في دبرها فإنه تبطل به حصانته على الأصح مع أنه لا يحد به. ويتصور الحد
بقذف الكافر بأن يقذف مرتدا بزنا يضيفه إلى حال إسلامه، وبقذف المجنون بأن يقذفه بزنا يضيفه إلى حال إفاقته،
وبقذف العبد بأن يقذفه بزنا يضيفه إلى حال حريته إذا طرأ عليه الرق، وصورته فيما إذا أسلم الأسير ثم اختار الإمام
فيه الرق. (وتبطل الصفة) المعتبرة في الاحصان (بوطئ) شخص وطئا حراما وإن لم يحد به، كوطئ (محرم) له برضاع، أو
نسب كأخت (مملوكة) له مع علمه بالتحريم (على المذهب) لدلالته على قلة مبالاته بالزنا بل غشيان المحارم أشد من غشيان
الأجنبيات. وقيل: لا تبطل العفة به على نفس الحد لعدم التحاقه بالزنا.
تنبيه: عبر المصنف في هذا الخلاف المرتب بالمذهب على خلاف اصطلاحه. (ولا) تبطل العفة بوطئ حرام في
نكاح صحيح، كوطئ (زوجته في عدة شبهة) لأن التحريم عارض يزول. (و) لا بوطئ (أمة ولده) لثبوت النسب حيث
حصل علوق من ذلك الوطئ مع انتفاء الحد، وقيده الأذرعي بما إذا لم تكن موطوءة الولد ولا مستولدته،
والظاهر
إطلاق كلام الأصحاب. (و) لا بوطئ في نكاح فاسد، كوطئ (منكوحته) بهاء الضمير، (بلا ولي) أو بلا شهود لقوة الشبهة.
وقوله: (في الأصح) راجع للجميع، ومقابله تبطل العفة بما ذكر لحرمة الوطئ فيه.
تنبيه: قضية إطلاقه أنه لا فرق بين جريان الخلاف في وطئ المنكوحة بلا ولي بين معتقد الحل وغيره، لكن قضية
نص الام والمختصر وكلام جماعة من الأصحاب اختصاصه بمعتقد التحريم، وهو ظاهر. ولا تبطل العفة بوطئ زوجته
أو أمته في حيض أو نفاس أو إحرام أو صوم أو اعتكاف، ولا بوطئ مملوكة له مرتدة أو مزوجة أو قبل
الاستبراء أو مكاتبة، ولا بوطئ زوجته الرجعية، ولا بزنا صبي ومجنون، ولا بوطئ جاهل تحريم الوطئ لقرب عهده
بالاسلام أو نشأته ببادية بعيدة عن العلماء، ولا بوطئ مكره، ولا بوطئ مجوسي محرما له كأمه بنكاح أو ملك، لأنه
لا يعتقد تحريمه، ولا بمقدمات الوطئ في الأجنبية. (ولو زنا مقذوف) قبل أن يحد قاذفه (سقط الحد) عن قاذفه، لأن
الاحصان لا يستيقن بل يظن وظهور الزنا يخلصه، كالشاهد ظاهره العدالة شهد بشئ ثم ظهر فسقه قبل الحكم.
371

تنبيه: الوطئ المسقط للاحصان كطرو الزنا. (أو ارتد، فلا) يسقط الحد عن قاذفه. والفرق بين الردة والزنا أنه يكتم ما
أمكن. فإذا ظهر أشعر بسبق مثله، لأن الله تعالى كريم لا يهتك الستر أول مرة كما قاله عمر رضي الله عنه، والردة عقيدة
والعقائد لا تخفى غالبا فإظهارها لا يدل على سبق الاخفاء. وكالردة السرقة والقتل، لأن ما صدر منه ليس من جنس ما قذف
به. (ومن زنى) حال تكليفه ولو (مرة ثم صلح) بأن تاب وصلح حاله، (لم يعد محصنا) أبدا، ولو لازم العدالة وصار من
أروع خلق الله وأزهدهم، فلا يحد قاذفه سواء أقذفه بذلك الزنا، أم بزنا بعده، أم أطلق، لأن العوض إذا انخزم بالزنا لم
يزل خلله بما يطرأ من العفة فإن قيل: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. أجيب بأن هذا بالنسبة إلى الآخرة.
تنبيه: دخل في قولنا حال تكليفه العبد والكافر، فإنهما إذا زنيا لم يحد قاذفهما بعد الكمال لما ذكر. وخرج به الصبي
والمجنون فإن حصانتهما لا تسقط به كما مرت الإشارة إليه، فيحد من قذف واحدا منهما بعد الكمال لأن فعلهما ليس بزنا
لعدم التكليف. (وحد القذف) وتعزيره كل منهما (يورث) كسائر حقوق الآدميين. ولو مات المقذوف مرتدا قبل
استيفاء الحد فالأوجه كما قال شيخنا أنه لا يسقط بل يستوفيه وارثه لولا الردة للتشفي كما في نظيره من قصاص الأطراف.
(ويسقط) إما (بعفو) عن جميعه كغيره أو بأن يرث القاذف الحد. فلو عفا عن بعضه لم يسقط منه شئ كما ذكره
الرافعي في الشفعة. وألحق في الروضة التعزير بالحد، فقال: إنه يسقط بعفو أيضا، ولم يتعرض له الرافعي هنا، فإن قيل:
قد صحح في باب التعزير جواز استيفاء الإمام له مع العفو فهو مخالف لما هنا. أجيب بأنه لا مخالفة، لأن المراد هنا بالسقوط
سقوط حق الآدمي وهذا متفق عليه في الحد والتعزير، وفائدته أنه لو عفا عن التعزير ثم عاد وطلبه لا يجاب، وأن للإمام
أن يقيمه للمصلحة لا لكونه حق آدمي، وهو المراد هناك.
فروع: لو عفا وارث المقذوف على مال سقط ولم يجب المال كما في فتاوي الحناطي، وفيها أيضا أنه لو اغتاب
شخصا لم يؤثر التحليل من ورثته. ولو قذف رجلا بزنا يعلمه المقذوف لم يجب الحد عند جميع العلماء إلا مالكا،
فإنه قال: له طلبه. ولو قذفه فعفا عنه ثم قذفه لم يحد كما بحثه الزركشي بل يعزر. (والأصح أنه) أي حد القذف إذا مات
المقذوف قبل استيفائه ومثله التعزير، (يرثه) أي جميعه (كل) فرد من (الورثة) الخاصين حتى الزوجين على سبيل
البدل، وليس المراد أن كل واحد له حد وإلا لتعدد الحد بتعدد الورثة، ثم من بعدهم للسلطان كالمال والقصاص
والثاني: يرثه جميعهم إلا الزوجين، لارتفاع النكاح بالموت. وعلى الأول لو كان المقذوف ميتا هل لأحدهما حق أو لا؟
وجهان، أوجههما كما قال شيخنا المنع لانقطاع الوصلة حالة القذف. ولو قذفه أو قذف مورثه شخص كان له تحليفه
في الأولى أنه لم يزن، وفي الثانية أنه لم يعلم زنا مورثه لأنه ربما يقر فيسقط الحد. قال الأكثرون: ولا تسمع الدعوى
بالزنا والتحليف إلا في هذه المسألة. (والأصح أنه لو عفا بعضهم) أي بعض الورثة عن حقه مما ورثه من الحد، (فللباقين)
منهم (كله) أي استيفاء جميعه، لما مر أنه لكل فرد منهم كولاية التزويج وحق للشفعة، ولأنه عار، والعار يلزم
الواحد كما يلزم الجميع.
تنبيه: قضية هذا استقلال كل بالاستيفاء وإن لم يعف غيره، وهو ما ذكره المحاملي وجعله كولاية النكاح، وفي الحاوي
ما يقتضيه. والثاني: يسقط جميعه كما في القود. وفرق الأول بأن القود له بدل يعدل إليه وهو الدية بخلافه. والثالث: يسقط
نصيب العافي ويستوفي الباقي، لأنه قابل للتقسيط بخلاف القود.
فائدة: هذه المسألة لا نظير لها. فإن أخواتها من المسائل إما أن يتوقف الحق فيها عند عدم العفو على بقية الشركاء
كالشفعة، أو يسقط كالقصاص. وهذا كله فيما إذا كان المقذوف حرا، فإن كان رقيقا واستحق التعزير على غير سيده ثم
مات فهل يستوفيه سيده أو عصبته الأحرار أو السلطان؟ وجوه أصحها أولها.
372

فصل: في قذف الزوج زوجته خاصة: والقذف فيها كهو في غيره، وإنما أفرده بالذكر لمخالفته غيره في ثلاثة أمور:
أحدها: أنه يباح له القذف أو يجب لضرورة نفي النسب. والثاني: أن له إسقاط
الحد عنه باللعان. والثالث: يجب على المرأة الحد بلعانه إلا أن تدفعه عن نفسها بلعانها. (له) أي الزوج (
قذف زوجة) له (علم) أي تحقيق (زناها) بأن رآها تزني،
(أو ظنه) أي زناها (ظنا مؤكدا) أورثه العلم (كشياع) بفتح الشين المعجمة بخطه: أي ظهور (زناها بزيد مع قرينة)
أي مصحوبا بها، (بأن رآهما) أي زوجته وزيدا ولو مرة واحدة (في خلوة) مثلا، أو رآه يخرج من عندها أو هي
تخرج من عنده، أو أخبره ثقة بزناها ويقع في قلبه صدقه أو يخبره عن عيان من يثق به وإن لم يكن
عدلا، أو يرى رجلا معها مرارا في محل ريبة أو مرة تحت شعار في هيئة منكرة.
تنبيه: قوله: مع قرينة يفهم أن مجرد الاستفاضة فقط أو القرينة فقط لا يجوز اعتماد واحد منهما، وهو كذلك.
أما الاستفاضة فقد يشيعها عدولها أو من طمع فيها فلم يظفر بشئ، وأما مجرد القرينة المذكورة فلانه ربما دخل
عليها لخوف أو سرقة أو طمع أو نحو ذلك، ويفهم إباحة القذف له بالشروط المذكورة وهو كذلك، لكن الأولى له
كما في زوائد الروضة أن يستر عليها ويطلقها إن كرهها لما فيه من ستر الفاحشة وإقالة العثرة هذا كله حيث لا ولد ينفيه،
فإن كان هناك ولد فقد ذكره بقوله: (ولو أتت بولد) يمكن كونه منه، (وعلم) أو ظن ظنا مؤكدا (أنه ليس منه، لزمه
نفيه) لأن ترك النفي يتضمن استلحاقه واستلحاق من ليس منه حرام كما يحرم نفي من هو منه.
تنبيه: سكت المصنف عن القذف، وقال البغوي: إن تيقن مع ذلك زناها قذفها ولاعن وإلا فلا يجوز لجواز
كون الولد من وطئ شبهة، وطريقه كما قال الزركشي أن يقول: هذا الولد ليس مني وإنما هو من غيري. وأطلق
وجوب نفي الولد، ومحله إذا كان يلحقه ظاهرا، ففي قواعد ابن عبد السلام أن زوجته لو أتت بولد يعلم أنه ليس منه،
فإن أتت به خفية بحيث لا يلحق به في الحكم لم يجب نفيه والأولى به الستر والكف عن القذف، والحمل المحقق كالولد،
فلو ذكره لعلم منه الولد بطريق الأولى. ولا يلزمه في جواز النفي والقذف تبين السبب المجوز للنفي والقذف من رؤية زنا
واستبراء ونحوهما السبب المجوز لهما. (وإنما يعلم) بفتح أوله، أن الولد ليس منه (إذا لم يطأ) زوجته أصلا، (أو) وطئها
ولكن (ولدته لدون ستة أشهر من الوطئ) التي هي أقل مدة الحمل، (أو لفوق أربع سنين) منه التي هي أكثر مدة
الحمل، وفي معنى الوطئ استدخال المني. (فلو ولدته لما بينهما) أي بين ستة أشهر من وطئه وأربع سنين (ولم
يستبرئ) بعده (بحيضه حرم النفي) للولد باللعان رعاية للفراش، ولا عبرة بريبة يجدها في نفسه، فعن أبي هريرة رضي
الله عنه أنه (ص) قال: أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على
رؤوس الخلائق رواه أبو داود والنسائي وغيرهما.
تنبيه: جعل البينة بين الستة والأربع كما فعلته تبعا للشارح أولى ممن جعلها تبعا لظاهر المتن بين الدون والفوق
لأن الدون يصدق بأربعة أشهر مثلا، وهو فاسد. وقد مر أنها لو ولدته لدون الستة يعلم أنه ليس منه فكيف يحرم نفيه
حينئذ؟ فتأمل. (وإن ولدته لفوق ستة أشهر من الاستبراء) بحيضه، ولستة أشهر فأكثر من الزنا، (حل
النفي) باللعان
(في الأصح) ولكن الأولى أن لا ينفيه لأن الحامل قد ترى الدم.
تنبيه: ما صححه المصنف من الحل تبع فيه المحرر والشرح الصغير، ومقابل الأصح وهو الراجح كما رجحه
في أصل الروضة ونقله عن قطع العراقيين أنه إن رأى بعد الاستبراء قرينة الزنا المبيحة للقذف جاز النفي، بل وجب
373

لحصول الظن حينئذ بأنه ليس منه، وإن لم ير شيئا لم يجز النفي. وما صححه من اعتبار المدة من الاستبراء تبع فيه المحرر،
وكذا في الشرح الكبير. قال المصنف في زيادة الروضة، وكذا فعل القاضي حسين والإمام والبغوي والمتولي: والصحيح
ما قاله المحاملي وصاحب المهذب والعدة وآخرون أن الاعتبار في الستة الأشهر من حين يزني الزاني بها، لأن الزنا
مستند اللعان، فإذا ولدته لدون ستة أشهر منه ولاكثر من دونها من الاستبراء تبينا أنه ليس من ذلك الزنا فيصير
وجوده كعدمه، فلا يجوز النفي جزما رعاية للفراش، فكان ينبغي للمصنف أن يزيد ذلك في الكتاب كما زدته في كلامه
ليسلم من التناقض. وهل يحسب ابتداء الأشهر من ابتداء الدم أو من انقطاعه؟ قال ابن النقيب: لم أر من ذكره، والذي
يظهر أنه من طروه لأنه الدال على البراءة اه‍. وما استظهره ظاهر وجرى عليه الزركشي والدميري. (ولو وطئ)
زوجته في قبلها (وعزل) عنها بأن نزع وقت الانزال ثم أتت بولد، (حرم) نفيه (على الصحيح) لأن الماء قد يسبق
من غير أن يحس به. وليس مقابل الصحيح وجها محققا بل احتمالا للغزالي رضي الله عنه أقامه المصنف وجها. أما
إذا وطئ في الدبر أو فيما دون الفرج فإن له النفي لأن أمر النسب يتعلق بالوطئ الشرعي فلا يثبت بغيره. وهذا ما رجحه
في الروضة وأصلها هنا، وهو المعتمد، وإن رجحها في باب ما يجوز من الاستمتاع أن الوطئ في الدبر كالقبل في لحوق النسب،
ورجحه بعض المتأخرين. (ولو علم) الزوج (زناها واحتمل) على السواء (كون الولد منه ومن الزنا) بأن لم يستبرئها بعد
وطئه، (حرم النفي) رعاية للفراش كا مر. وإنما ذكره توطئة لقوله: (وكذا) يحرم (القذف واللعان على الصحيح) لأن
اللعان حجة ضرورية إنما يصار إليها لدفع النسب أو قطع النكاح حيث لا ولد على الفراش الملطخ، وقد حصل الولد
هنا فلم يبق له فائدة والفراق ممكن بالطلاق. والثاني: يجوز انتقاما لها كما لو لم يكن ولد، وهذا ما ذكر الإمام أنه
القياس فأثبته الشيخان وجها. ورد القياس بأن الولد يتضرر بنسبة أمه إلى الزنا وإثباته عليها باللعان، إذ يعير بذلك
وتطلق فيه الألسنة فلا يحتمل هذا الضرر لغرض الانتقام.
تتمة: لو أتت امرأة بولد أبيض وأبواه أسودان أو عكسه لم يبح لأبيه بذلك نفيه ولو أشبهه من تتهم به أمه أو انضم إلى ذلك
قرينة الزنا، لخبر الصحيحين: أن رجلا قال للنبي (ص) إن امرأتي ولدت غلاما أسود، قال: هل لك من
إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق؟ قال: نعم، قال: فأنى أتاها ذلك؟ قال: عسى أن
تكون نزعة عرق، قال: فلعل هذا نزعة عرق والأورق جمل أبيض يخالط بياضه سواد.
فصل: في كيفية اللعان وشرطه وثمرته المذكورة في قوله: ويتعلق بلعانه وفرقة الخ. وبدأ بالأول، فقال: (اللعان
قوله) أي الزوج، (أربع مرات: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به هذه) أي زوجته من (الزنا) إذا كانت
حاضرة أما اعتبار العدد فللآيات السابقة أول الباب. وكررت الشهادة لتأكيد الامر لأنها أقيمت مقام أربع شهود
من غيره ليقام عليها الحد، ولذلك سميت شهادات، وهي في الحقيقة أيمان، وأما الكلمة الخامسة الآتية فمؤكدة لمفاد
الأربع، وأما اعتبار تسمية ما رماها به فلانه المحلوف عليه.
تنبيه: اقتصاره على قوله: هذه تبع فيه المحرر، وهو المذكور في المهذب، وظاهر عبارة الشرحين والروضة
اعتبار زوجتي هذه، قال الزركشي: وهو المنقول في التتمة وتعليق البندنيجي. وأفهم أنه لا يحتاج مع الإشارة إليها
إلى تسميتها، وهو الأصح عند الشيخين، لأن الكلام فيمن حضرت. وقيل: يجب الجمع بين الاسم والإشارة، قال
الزركشي: وهو ظاهر النص، وكلام الجمهور. (فإن غابت) عن البلد أو مجلس اللعان لمرض أو حيض أو نحو ذلك،
374

(سماها ورفع نسبها بما يميزها) عن غيرها دفعا للاشتباه. (والخامسة) من كلمات لعان الزوج هي (أن لعنة الله عليه
إن كان من الكاذبين فيما رماه به من الزنا) للآية، ويشير إليها في الحضور ويميزها في الغيبة كما في الكلمات الأربع.
تنبيه: إنما أتى المصنف رحمه الله تعالى بضمير الغيبة تأسيا بلفظ الآية، وإلا فالذي يقول الملاعن: علي لعنة الله،
كما عبر به في الروضة. (وإن كان) تم (ولد ينفيه) عنه، (ذكره في) كل من (الكلمات) الخمس لينتفي عنه،
(فقال) في كل منهما: (وإن الولد الذي ولدته) إن كان غائبا، (أو هذا الولد) إن كان حاضرا، (من زنا) و (ليس)
هو (مني) لأن كل مرة بمنزلة شاهد، فلو أغفل ذكر الولد في بعض الكلمات احتاج إلى إعادة اللعان لنفيه.
تنبيه: قضية كلامه أنه لو اقتصر على نفي الزنا ولم يقل: ليس مني أنه لا يكفي. قال في الشرح الكبير: وبه
أجاب كثيرون، لأنه قد يظن أن وطئ النكاح الفاسد والشبهة زنا. ولكن الراجح أنه يكفي كما صححه في أصل الروضة
والشرح الصغير، حملا للفظ الزنا على حقيقته. وقضيته أيضا أنه لو اقتصر على قوله: ليس مني لم يكف، وهو الصحيح،
لاحتمال أن يريد أنه لا يشبهه خلقا وخلقا، فلا بد أن يسنده مع ذلك إلى سبب معين، كقوله: من زنا أو وطئ شبهة.
(وتقول هي) أربع مرات بعد تمام لعان الزوج: (أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، و) الكلمة
(الخامسة) من لعانها هي (أن غضب الله عليها إن كان) الزوج (من الصادقين فيه) للآية السابقة. وتشير
إليه في الحضور، وتميزه في الغيبة كما في جانبها في الشهادات الخمس، وإنما قال المصنف عليها تأسيا بالآية، وإلا فلا بد أن
تأتي بضمير المتكلم، فتقول: غضب الله علي إن كان الخ. وكان ينبغي أن يقول: ثم تقول، لأن تأخير لعانها شرط كما
سيأتي، وأشرت إلى ذلك بقولي بعد: واقتصر تبعا للمحرر على قولها: فيه، وعبارة الشرحين والروضة فيما رماني به.
وظاهرها أنه لابد من التصريح بذلك، وعبارة غيرهما فيما رماني به من الزنا، وهو ظاهر لفظ النص، ويمكن حمل
كلام المصنف عليه بأن يقال: قوله فيه أي فيما تقدم، وهو قولها: من الكاذبين فيما رماني به من الزنا وحينئذ فكلامه
موافق لما نقل عن ظاهر النص.
تنبيه: أفهم سكوته في لعانها عن ذكر الولد أنها لا تحتاج إليه، وهو الصحيح لأنه لا يتعلق بذكره في لعانها حكم فلم
يحتج إليه، ولو تعرضت له لم يضر. وهذا كله إن كان قذف ولم تثبته عليه ببينة، وإلا بأن كان اللعان لنفي ولد كأن
احتمل كونه من وطئ شبهة أو أثبتت قذفه ببينة، قال في الأول: فيما رميتها به من إصابة غيري لها على فراشي وإن هذا
الولد من تلك الإصابة إلى آخر الكلمات، وفي الثانية: فيما أثبتت على من رمى إياها بالزنا الخ. ولا يلاعن المرأة في الأول،
إذ لا حد عليها بهذا اللعان حتى تسقطه بلعانها. وإنما خص اللعن بجانبه والغضب بجانبها، لأن جريمة الزنا أقبح من جريمة
القذف بدليل تفاوت الحدين، وغضب الله أغلظ من لعنته لأن غضبه إرادة الانتقام من العصاة وإنزال العقوبة بهم،
واللعن: الطرد والبعد، فخصت المرأة بالتزام أغلظ العقوبة. (ولو بدل) بالبناء للمفعول، (لفظ شهادة يحلف ونحوه)
كأقسم بالله أو أحلف بالله الخ، أو لفظ الله بالرحمن ونحوه، (أو) لفظ (غضب بلعن) أو غيره كالابعاد (وعكسه)
بأن ذكر الرجل الغضب والمرأة اللعن، (أو ذكرا) أي اللعن والغضب، (قبل تمام الشهادات، لم يصح) ذلك (في الأصح)
اتباعا للنص كما في الشهادة. والثاني: يصح ذلك نظرا للمعنى. والثالث: لا يصح أن يؤتى بدل لفظ الغضب بلفظ اللعن،
لأن الغضب أشد من اللعن كما مر بخلاف العكس.
375

تنبيه: قوله: ولو بدل لفظ شهادة بحلف قال ابن النقيب: عبارة مقلوبة، وصوابه: حلف بشهادة لأن الباء
تدخل على المتروك، وأما قوله: أو غضب بلعن وعكسه فقريب، فإنهما مسألتان في كل مأخوذ ومتروك اه‍. وقد مر
جواب ذلك في صفة الصلاة، وقوله: وعكسه مزيد على المحرر كما قاله في الدقائق. (ويشترط فيه) أي اللعان الموالاة بين
الكلمات الخمس في الجانبين فيضر الفصل الطويل، و (أمر القاضي) به أو نائبه كاليمين في سائر الخصومات
، لأن المغلب
على اللعان حكم اليمين كما مر، وإن غلب فيه معنى الشهادة فهي لا تؤدي إلا عنده. (ويلقن كلماته) في الجانبين، فيقول له:
قل كذا وكذا، ولها: قولي كذا وكذا، والمحكم حيث لا ولد كالحاكم، ويصح أن يقرأ أو يلقن، بالبناء للمفعول، فيشمل
المحكم، لكن يحتاج إلى زيادة حيث لا ولد. وأما إذا كان هناك ولد فلا يصح التحكيم إلا أن يكون مكلفا ويرضى بحكمه،
لأن له حقا في النسب، فلا يؤثر رضاهما في حقه. والسيد في اللعان بين أمته وعبده إذا زوجها منه كالحاكم لا المحكم كما قاله
العراقيون وغيرهم، لأن له أن يتولى لعان رقيقه.
تنبيه: عطفه التلقين على الامر يقتضي أنهما متغايران، وليس مرادا، بل الامر هو التلقين، ولهذا اقتصر في الروضة
على الامر. ويحتمل التغاير بأن يكون المراد بالامر قول القاضي: قل، وبالتلقين: أشهد الخ. (و) يشترط فيه أيضا تمام
الكلمات الخمس، (وأن يتأخر لعانها عن لعانه) لأن لعانها لاسقاط الحد. وإنما يجب عليها الحد بلعانه فلا حاجة إلى لعانها
قبله، فلو حكم حاكم بالفرقة قبل تمام الخمس أو بابتداء لعانها نقض.
تنبيه: أفهم كلامه أنه لا يشترط الموالاة بين لعانه ولعانها، وهو كذلك كما صرح به الدارمي، فقال: إنه يجوز أن
يلاعن في يوم وهو في يوم آخر. (و) يقذف و (يلاعن أخرس) خلقة (بإشارة مفهمة أو كتابة) بمثناة فوقية قبل الألف
بخطه، لأنهما في حقه كالنطق من الناطق، وليس كالشهادة منه لضرورته إليه دونها، لأن الناطقين يقومون بها ولان
المغلب في اللعان معنى اليمين كما مر. فإن لم يكن واحد منهما لم يصح قذفه ولا لعانه، ولا شئ من تصرفاته لبعد
الوقوف على ما يريده. أما إذا عرض له الخرس، فإن رجي نطقه في مدة ثلاثة أيام انتظر نطقه فيها، فإن لم يرج نطقه أو
رجي في أكثر من ثلاثة أيام فهو كالخرس الخلقي.
تنبيه: أفهم كلامه الاكتفاء بأحدهما، وهو ما نقلاه عن مفهوم كلام الأكثرين وتصريح الشامل، فإذا لاعن
بالإشارة أشار بكلمة الشهادة أربع مرات ثم بكلمة اللعن، وإن لاعن بالكتابة كتب كلمة الشهادة أربع مرات ثم كلمة
اللعن، ولكن لو كتب كلمة الشهادة مرة وأشار إليها أربعا جاز. قال الرافعي: وهذا جمع بين الإشارة والكتابة،
وهو جائز. وقضية إطلاق المصنف أنه لا فرق بين الرجل والمرأة، وهو كذلك كما صرح به في الشامل والتتمة وغيرهما
وإن كان النص على خلافه. ولو نطق لسان الأخرس من بعد قذفه ولعانه بالإشارة، ثم قال: لم أرد القذف بإشارتي لم يقبل
منه، لأن إشارته أثبتت حقا لغيره. أو قال: لم أرد اللعان بها قبل منه فيما عليه لا فيما له، فيلزمه الحد والنسب، ولا ترتفع
الفرقة والحرمة المؤبدة، ويلاعن إن شاء لاسقاط الحد ولنفي الولد إن لم يفت. (ويصح) اللعان مع معرفة
العربية
(بالعجمية) وهي ما عدا العربية، لأن اللعان يمين أو شهادة، وهما باللغات سواء. فيراعي الأعجمي الملاعن
ترجمة الشهادة واللعن والغضب، ثم إن أحسن القاضي العجمية استحب أن يحضر أربعة ممن يحسبها وإلا فلا بد من مترجم،
ويكفي اثنان، وقيل: يشترط من جانب الزوج أربعة. (وفيمن عرف العربية وجه) أنه لا يصح لعانه بغيرها، لأنها
التي ورد الشرع بها فليس له العدول عنها مع قدرته عليها. ثم شرع في تغليظ اللعان، وهو إما بزمان أو مكان، وقد
شرع في القسم الأول فقال: (ويغلظ) لعان مسلم (بزمان، وهو بعد) صلاة (عصر) كل يوم كان إن كان طلبه
حثيثا، لأن اليمين الفاجرة بعد العصر أغلظ عقوبة، لخبر الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ص)
قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، وعد منهم رجلا حلف يمينا كاذبة بعد العصر يقتطع بها
376

مال امرئ مسلم. فإن لم يكن طلب حثيث فبعد صلاة عصر يوم (جمعة) أولى، لأن ساعة الإجابة فيه كما رواه أبو داود
والنسائي وصححه الحاكم. وروى مسلم. أنها من مجلس الإمام على المنبر إلى أن تنقضي الصلاة، وصوبه في
الروضة في آخر باب صلاة الجمعة. وفيه مخالفة لما قاله هنا. وألحق بعضهم بعصر الجمعة الأوقات الشريفة كشهر رجب
ورمضان ويومي العيد وعرفة وعاشوراء. (ومكان، وهو أشرف) مواضع (بلده) أي اللعان، لأن في ذلك تأثيرا في الزجر
عن اليمين الفاجرة. وعبارة المحرر: أشرف مواضع البلد، وهي أحسن لتناسب ما بعده، ولهذا زدتها في كلام المصنف.
ثم فصل الأشرفية بقوله: (فبمكة) أي فاللعان بها يكون (بين الركن) الذي فيه الحجر الأسود، (و) بين (المقام)
لإبراهيم عليه السلام، ويسمى ما بينهما بالحطيم. فإن قيل: لا شئ في مكة أشرف من البيت، فكان القياس التحليف فيه ولكن
صين عنه، فالوجه أن يكون في الحجر. أجيب بأن عد ولهم عنه صيانة للبيت أيضا. (و) اللعان في (المدينة) يكون (عند
المنبر) مما يلي القبر الشريف كما صرح به الرافعي قبيل الباب الثالث من جوامع اللعان، لقوله (ص): لا يحلف عند هذا المنبر
عبد ولا أمة يمينا آثمة ولو على سواك رطب إلا وجبت له النار رواه ابن ماجة، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.
وهذا هو المنصوص في القديم والبويطي، وقال في الام والمختصر: يكون اللعان في المنبر لقوله (ص) من
حلف على منبري هذا يمينا آثما تبوأ مقعده من النار رواه النسائي، وصححه ابن حبان: (و) اللعان في (بيت المقدس)
يكون في المسجد (عند الصخرة) لأنها أشرف بقاعه، لأنها قبلة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وفي
ابن حبان: إنها من الجنة.
تنبيه: التغليظ بالمساجد الثلاثة لمن هو بها، فمن لم يكن بها لم يجز نقله إليها، أي بغير اختياره كما جزم به الماوردي.
(و) اللعان في (غيرها) أي المساجد الثلاثة يكون (عند منبر الجامع) لأنه المعظم منه، قالا: وأورد المتولي في صعود
المنبر الخلاف المتقدم في صعود منبر المدينة، وقضيته ترجيح صعوده، وصححه صاحب الكافي. (و) تلاعن امرأة
(حائض) أو نفساء أو متحيرة مسلمة (بباب المسجد) الجامع، ولو عبر به كان أولى لتحريم مكثها فيه، والباب
أقرب إلى المواضع الشريفة، فيلاعن الزوج في المسجد فإذا فرغ خرج الحاكم أو نائبه إليها، قال المتولي: وهذا إذا
رأى الإمام تعجيل اللعان، فلو رأى تأخيره إلى انقطاع الدم وغسلها جاز نقله في الكفاية، قال: وهو في الجنب أي
المسلم أولى. أما الكافر فيغلظ عليه بما يأتي، فإن أريد لعانه في مسجد غير المسجد الحرام مكن منه، وإن كان به حدث
أكبر، إذا أمن تلويث المسجد من نحو الحائض. (و) يلاعن (ذمي) ولو عبر بكتابي لكان أولى، ليشمل المستأمن والمعاهد
إذا ترافعوا إلينا، (في بيعة) بكسر الموحدة أوله: معبد النصارى. (و) في (كنيسة) وهي معبد اليهود، وهي - وتسمى
البيعة أيضا - كنيسة، بل هو العرف اليوم لأن ذلك عندهم كالمساجد عندنا.
تنبيه: محل جواز دخول الحاكم إلى ذلك إذا لم يكن فيه صور فإنه يحرم دخول بيت فيه صور كما نقله صاحب البيان
عن الأصحاب، وقد يعلم هذا مما سيأتي. ويقول اليهودي: أشهد بالله الذي أنزل التوراة على موسى، والنصراني:
أشهد بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى. قال الماوردي: ولا يحلف اليهودي بموسى، أي ولا النصراني بعيسى، كما
لا يحلف المسلم بمحمد (ص)، بل ذلك محظور اه‍. أي مكروه. ط (وكذا بيت نار مجوسي) يكون اللعان فيه
(في الأصح) لأنهم يعظمونه. والمقصود والزجر عن الكذب، فيحضره القاضي رعاية لاعتقادهم لشبهة الكتاب.
والثاني: لا، لأنه ليس له حرمة وشرف فيلاعن في المسجد أو مجلس الحكم.
تنبيه: ظاهر كلامه أن الذمية والمجوسية تفعل ذلك ولو كان زوجها مسلما، وهو ما في الروضة وأصلها،
فإن قالت: ألاعن في المسجد ورضي به الزوج جاز وإلا فلا. (لا بيت أصنام وثني) لأنه لا حرمة له، واعتقادهم فيه غير
377

شرعي، ولان دخوله في معصية كما حكاه الماوردي عن الأصحاب، بخلاف البيع والكنائس فيلاعن بينهم في مجلس
حكمه. وصورة المسألة أن يدخل دارنا بأمان أو هدنة ويترافعون إلينا، وإلا فأمكنة الأصنام مستحقة للهدم أما تغليظ
الكافر بالزمان فيعتبر بأشرف الأوقات عندهم كما ذكره الماوردي، وإن كان قضية كلام المصنف أنه كالمسلم،
ونقله ابن
الرفعة عن البندنيجي وغيره.
تنبيه: سكت المصنف عمن لا ينتحل ملة كالدهري - بفتح الدال كما ضبطه ابن شهبة وبضمها كما ضبطه ابن قاسم -
والزنديق الذي لا يتدين بدين، وعابد الوثن، والأصح أنه لا يشرع في حقه تغليظ يلاعن في مجلس الحكم لأنه لا يعظم
زمانا ولا مكانا فلا يزجر. قال الشيخان: ويحسن أن يحلف بالله الذي خلقه ورزقه، لأنه وإن علا في كفره وجد نفسه
مذعنة لخالق مدبر. ثم شرع في القسم الثاني من التغليظات، فقال: (و) يغلظ بحضور (جمع) من عدول أعيان
بلد اللعان وصلحائه، لقوله تعالى: * (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) * ولان فيه ردعا عن الكذب. و (أقله أربعة)
لثبوت الزنا بهم، فاستحب أن يحضر ذلك العدد إتيانه باللعان. ولا بد من حضور الحاكم، ويكفي السيد في رقيقه
ذكرا كان أو أنثى.
تنبيه: سكت المصنف عن التغليظ باللفظ، وسيأتي بيانه في فصل اليمين من كتاب الدعوى. (والتغليظات)
بما ذكر من زمان ومكان وجمع، (سنة) في مسلم أو كافر كما هو قضية كلام الجمهور، (لا فرض على المذهب) كتغليظ
اليمين بتعدد أسماء الله تعالى، وقيل: إنه فرض للاتباع، وهما قولان في المكان طردا في الزمان والجمع. ومنهم من قطع
بالاستحباب فيهما، والأصح القطع به في الجمع دون الزمان. (ويسن للقاضي) ونائبه ومحكم وسيد (وعظهما) أي
المتلاعنين بالتخويف من عذاب الله، وقد قال رسول الله (ص) لهلال: اتق الله، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب
الآخرة ويقرأ عليهما: * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) * الآية، ويقول لهما: قال رسول الله
(ص) للمتلاعنين: حسابكما على الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب. (و) بعد الفراغ من
الكلمات الأربع، (يبالغ) القاضي ومن في حكمه في وعظهما ندبا (عند الخامسة) من لعانهما قبل شروعهما فيها،
فيقول للزوج: اتق الله في قولك علي لعنة الله فإنها موجبة للعن إن كنت كاذبا، وللزوجة: اتقي في قولك غضب
الله علي فإنها موجبة للغضب إن كنت كاذبة لعلهما ينزجران ويتركان. ويأمر رجلا أن يضع يده على فيه وامرأة
أن تضع يدها على فيها للامر به في خبر أبي داود. ويأتي الذي يضع يده من ورائه كما صرح به الإمام والغزالي، فإن
أبيا إلا إتمام اللعان تركهما على حالهما ولقنهما الخامسة. (و) يسن لهما (أن يتلاعنا قائمين) ليراهما الناس ويشتهر
أمرهما، فيقوم الرجل عند لعانه والمرأة جالسة، ثم تقوم عند لعانها ويقعد الرجل، فقوله: قائمين حال من مجموعهما
لا من كل واحد منهما، ولو قال: عن قيام كان أوضح. وإذا كان أحدهما لا يقدر على القيام لاعن قاعدا أو مضطجعا
إن لم يقدر على الجلوس كما في الام. (و) التلاعن (شرطه زوج) فلا يصح لعان أجنبي ولا سيد أمة وأم ولد، لأن
الله تعالى لم يجعل لغير الزوج مخرجا من القذف إلا البينة، فقال تعالى: * (والذين يرمون المحصنات) * إلى قوله تعالى:
* (فاجلدوهم) * فأوجب سبحانه وتعالى الحد إن لم يأت بالبينة وذلك يشمل الزوج وغيره. ثم خص الزوج بدفع
الحد باللعان بقوله تعالى: * (والذين يرمون أزواجهم) * الآية، فبقي غيره على الأصل. والفرق بينهما احتياج الزوج
للقذف لافسادها فراشه بخلاف غيره. فإن قيل: يصح لعان غير الزوج في صورتين: البائن لنفي الولد، ولاسقاط الحد
بالقذف في النكاح كما سيأتي، والموطوءة بنكاح فاسد أو شبهة كأن ظنها زوجته أو أمته ثم قذفها ولاعن لنفي السبب.
أجيب بأن المراد بالزوج من له علقة النكاح كما قاله المصنف في التنقيح. وقوله: (يصح طلاقه) بأن يكون بالغا عاقلا
مختارا صادق بالحر والعبد والمسلم والذمي والرشيد والسفيه والسكران والمحدود والمطلق رجعيا وغيرهم، فلا يصح من صبي
378

ومجنون، ولا يقتضي قذفها لعانا بعد كمالها ويعزر المميز منهما على القذف تأديبا.
تنبيه: المراد يصح طلاقه في الجملة لئلا يرد ما لو قال لزوجته: إذا وقع عليك طلاق فأنت طالق قبله ثلاثا، وفرعنا
على انسداد باب الطلاق فإنه زوج لا يصح طلاقه، ومع ذلك يصح لعانه. (ولو ارتد) زوج (بعد وطئ) منه لزوجته
أو استدخالها منيه، (فقذف‍) - ها (وأسلم في العدة لا عن) لدوام النكاح. (ولو لاعن) حال الردة (ثم أسلم فيها) أي
العدة، (صح) لعانه لتبين وقوعه في صلب النكاح، وكفره لا يمنع صحته كالذمي. (أو أصر) على ردته إلى انقضاء العدة،
(صادف) لعانه (بينونة) لتبين انقطاع الزوجية بالردة، فإن كان هناك ولد ونفاه باللعان صح كما لو أبانها ثم قذفها بزنا
مضاف إلى حال النكاح وهناك ولد، وإلا تبينا فساده، ولا يندفع بذلك حد القذف في الأصح. هذا إن قذف في حال
الردة، فإن كان قذفها في حال الاسلام صح اللعان كما لو قذف في حال الزوجية ثم أبانها فإن له الملاعنة.
فروع: لو امتنع أحد الزوجين من اللعان ثم طلبه مكن منه. ولو قذف أربع نسوة بأربع كلمات لاعن لهن
أربع مرات لأنه يمين لجماعة لا يتداخل، ويكون اللعان على ترتيب قذفهن، فلو أتى بلعان واحد لم يعتد به إلا في
حق من سماها أولا، فإن لم يسم بل أشار إليهن لم يعتد به عن واحدة منهن وإن رضين بلعان واحد كما لو رضي
المدعون بيمين واحدة، وإن كان قذفهن بكلمة واحدة لاعن لهن أربع مرات أيضا لأنه يجب لكل واحدة حد على
الجديد. ثم إن رضين بتقديم واحدة فذاك ظاهر، وإن تشاحن في البداءة أقرع بينهن، إذ لا مزية لواحدة على
الأخرى. فإن بدأ الحاكم بلعان واحدة من غير قرعة جاز لأن الباقيات يصلن إلى حقهن من غير نقصان، وقال الشافعي
رضي الله تعالى عنه: رجوت أن لا يأثم. وحملوه على ما إذا لم يقصد تفضيل بعضهن. ولا يتكرر الحد بتكرر
القذف
ولو صرح فيه بزنا آخر لاتحاد المقذوف. والحد الواحد يظهر الكذب ويدفع العار فلا يقع في النفوس تصديقه، ويكفي
الزوج في ذلك لعان واحد يذكر فيه الزانيات كلها، وكذا الزناة إن سماهم في القذف بأن يقول: أشهد بالله إني لمن
الصادقين فيما رميت به هذه من الزنا بفلان وفلانة ويسقط الحد عنه بذلك. فإن لم يذكرهم في لعانه لم يسقط عنه حد
قذفهم، لكن له أن يعيد اللعان ويذكرهم، لا إسقاطه عنه. وإن لم يلاعن ولا بينة وحد لقذفها بطلبها فطالبه الرجل
المقذوف به بالحد وقلنا بالأصح أنه يجب عليه حدان، فله اللعان وتأبدت حرمة الزوجية باللعان لأجل الرجل فقط.
ولو ابتدأ الرجل فطالبه بحد قذفه كان له اللعان لاسقاط الحد في أحد وجهين يظهر ترجيحه، بناء على أن حقه يثبت أصلا
لا تبعا لها كما هو ظاهر كلامهم، وإن عفا أحدهما فللآخر المطالبة بحقه. ولو قذف امرأته أو أجنبية عند الحاكم بزيد،
فعلى الحاكم إعلام زيد بذلك ليطالب بحقه إن شاء، بخلاف ما إذا أقر له عنده بمال لا يلزمه إعلامه، لأن استيفاء الحد
يتعلق به فيعلمه ليستوفي إن شاء بخلاف المال. ومن قذف شخصا فحد ثم قذفه ثانيا عزر لظهور كذبه بالحد الأول.
ومن ذلك يؤخذ ما قاله الزركشي أنه لو قذفه فنفا عنه ثم قذفه ثانيا أنه يعزر كما مرت الإشارة إليه، لأن العفو بمثابة استيفاء
الحد، والزوجة كغيرها في ذلك إن وقع القذفان في حال الزوجية. فإن قذف أجنبية ثم تزوجها ثم قذفها بالزنا الأول حد
حدا واحدا ولا لعان لأنه قذفها بالأول وهي أجنبية، فإن قذفها بغيره تعدد الحد لاختلاف موجب القذفين لأن الثاني
يسقط باللعان بخلاف الأول. وإن أقام بأحد الزناءين بينة سقط الحدان لأنه ثبت أنها غير محصنة، فإن لم يقمها وبدأت بطلب
حد قذف الزنا الأول حد له ثم للثاني إن لم يلاعن وإلا سقط عنه حده. وإن بدأت بالثاني فلاعن لم يسقط الحد الأول
وسقط الثاني إن لم يلاعن حد للقذف الثاني ثم للأول بعد طلبها بحده، وإن طالبته بالحدين معا فكابتدائها بالأول. ولو
قذف زوجته ثم أبانها بلعان ثم قذفها بزنا آخر، فإن حد للأول قبل القذف عزر للثاني، كما لو قذف أجنبية فحد ثم قذفها
ثانية. هذا إذا لم يضف الزنا إلى حال البينونة لئلا يشكل بما مر فيما لو قذف أجنبية ثم تزوجها ثم قذفها بزنا آخر من أن
الحد يتعدد، فإن لم تطلب حد القذف الأول حتى قذفها. فإن لاعن للأول عزر للثاني للايذاء، وإن لم يلاعن حد حدين
379

لاختلاف القذفين في الحكم. ثم شرع في أمور من ثمرات اللعان، فقال: (ويتعلق بلعانه) أي الزوج وإن لم تلاعن الزوجة
أو كان كاذبا، (فرقة) وهي فرقة فسخ كالرضاع لحصولها بغير لفظ وتحصل ظاهرا وباطنا. (وحرمة مؤبدة
) فلا يحل
له نكاحها بعد اللعان ولا وطؤها بملك يمين لو كانت أمة واشتراها، لما في الصحيحين: أنه (ص) فرق بينهما
ثم قال: لا سبيل لك عليها وفي سنن أبي داود: المتلاعنان لا يجتمعان أبدا (وإن أكذب نفسه) فلا يفيده ذلك عود
النكاح ولا رفع تأبيد الحرمة، لأنهما حق له وقد بطلا فلا يتمكن من عودهما، بخلاف الحد ولحوق النسب فإنهما
يعودان لأنهما حق عليه. وأما حدها، أي الزوجة، فهل يسقط بإكذابه نفسه؟ قال في الكفاية: لم أره مصرحا به، لكن
في كلام الإمام ما يفهم سقوطه في ضمن تعليل، وجزم به في المطلب.
تنبيه: نفسه في المتن بفتح السين بخطه، ويجوز رفعها أيضا كما جوز في قوله (ص): إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت
به أنفسها. (وسقوط الحد عنه) أي حد قذف الملاعنة إن كانت محصنة، وسقوط التعزير عنه إن لم تكن محصنة، ولا يسقط
حد قذف الزاني عنه إلا إن ذكره في لعانه كما مر. وكان الأولى أن يعبر بالعقوبة بدل الحد ليشمل التعزير. (و) يتعلق
بلعانه أيضا (وجوب حد زناها) مسلمة كانت أو كافرة إن لم تلاعن، لقوله تعالى: * (ويدرأ عنها العذاب) * الآية، فدل على
وجوبه عليها بلعانه. ويتشطر به الصداق قبل الدخول، وحكمها حكم المطلقة طلاقا بائنا، فلا يلحقها طلاق ويستبيح
نكاح أربع سواها ومن يحرم جمعه معها كأختها وعمتها وغير ذلك من الأحكام المرتبة على البينونة وإن لم تنقض
عدتها. ولا يتوقف ذلك على قضاء القاضي ولا على لعانها بل يحصل بمجرد لعان الزوج.
فرع: لو قذف زوج زوجته وهي بكر ثم طلقها وتزوجت ثم قذفها الزوج الثاني وهي ثيب ثم لاعنا ولم تلاعن
هي جلدت ثم رجمت. (وانتفاء نسب نفاه بلعانه) أي فيه حيث كان ولد، لخبر الصحيحين: أنه (ص)
فرق بينها وألحق الولد بالمرأة. (وإنما يحتاج) الملاعن (إلى نفي) نسب ولد (ممكن) كونه (منه) وتقدم في كتاب
الرجعة بيان أقل مدة الامكان. (فإن تعذر) كون الولد منه (بأن ولدته) الملاعنة (لستة أشهر) فأقل (من العقد)
لانتفاء زمن الوطئ والوضع. (أو) أكثر منهما بقدرهما وأكثر، لكنه (طلق في مجلسه) أي العقد، (أو نكح وهو بالمشرق)
امرأة (وهي بالمغرب) ولم يمض زمن يمكن فيه اجتماعهما ووطئ وحمل أقل مدة الحمل، (لم يلحقه) الولد لاستحالة
كونه منه، فلا حاجة إلى انتفائه إلى لعان.
تنبيه: هذا إن كان الولد تاما، فإن لم تلده تاما اعتبر مضي المدة المذكورة في باب الرجعة. ومن صور التعذر
أيضا ما لو كان الزوج صغيرا أو ممسوحا على المذهب، فلو قال: كأن ولدته بالكاف كان أولى. ويمكن إحبال الصبي
لتسع سنين، ويشترط كمال التاسعة ثم يلاعن حتى يثبت بلوغه، فإن ادعى الاحتلام ولو عقب إنكاره له صدق. وخرج
بالممسوح مجبوب الذكر دون الأنثيين وعكسه فإنه يمكن إحبالهما. (وله نفيه) أي الولد (ميتا) لأن نسبه لا ينقطع
بالموت بل يقال مات ولد فلان وهذا قبر ولد فلان. فإن قيل: ما فائدة نفيه بعد موته؟ أجيب بأن فائدته إسقاط
مؤنة
تجهيزه ولو مات الولد بعد النفي جاز له استلحاقه كما في حال الحياة ويستحق إرثه، ولا نظر إلى تهمته بذلك، ولو استحلقه
ثم نفاه لم ينتف عنه جزما. (والنفي) لنسب ولد يكون (على الفور) في الأظهر (الجديد) لأنه شرع لدفع ضرر محقق، فكان
على الفور كالرد بالعيب وخيار الشفعة. وفي القديم قولان: أحدهما يجوز إلى ثلاثة أيام، والثاني: له النفي متى شاء ولا
يسقط إلا بإسقاطه.
تنبيه: المراد بالنفي هنا كما في المطلب أن يحضر عند الحاكم ويذكر أن هذا الولد أو الحمل الموجود ليس مني
380

مع الشرائط المعتبرة. وأما اللعان فله تأخيره. (ويعذر) الملاعن في تأخير النفي على قول الفور (لعذر) كأن بلغه الخبر
ليلا فأخر حتى يصبح، أو كان جائعا فأكل أو عاريا فلبس. فإن كان محبوسا أو مريضا أو خائفا ضياع مال أرسل
إلى القاضي ليبعث إليه نائبا يلاعن عنده أو ليعلمه أنه مقيم على النفي، فإن لم يفعل بطل حقه، فإن تعذر عليه الارسال
أشهد إن أمكنه، فإن لم يشهد مع تمكنه منه بطل حقه. وللغائب النفي عند القاضي إن وجده في موضعه وله مع وجوده
التأخير إلى الرجوع إن بادر إليه بحسب الامكان مع الاشهاد، وإلا فلا على الأصح في الشرح الصغير. أما إذا لم يكن
عذر فإن حقه يبطل من النفي في الأصح ويلحقه الولد. (وله نفي حمل) لما في الصحيحين: أن هلال بن أمية لاعن عن
الحمل (و) له أيضا (انتظار وضعه) ليلاعن على يقين، فإن المتوهم حملا قد يكون ريحا فينفش بخلاف انتظار
وضعه لرجاء موته، كأن قال: علمته ولدا وأخرت رجاء وضعه لينزل ميتا فأكفى اللعان، فإن حقه يبطل من المنفي
لتفريطه مع علمه. (ومن أخر) نفي نسب ولد، (وقال: جهلت الولادة، صدق بيمينه إن كان غائبا) ولم يستفض وينتشر،
لأن الظاهر يوافقه. فإن استفاض وانتشر لم يصدق كما حكياه عن الشاشي وأقراه. (وكذا الحاضر في مدة يمكن
جهله) بالولادة (فيها) كأن كانا في محلتين وأمكن الخفاء عليه، لاحتمال صدقه، بخلاف ما لا يمكن كأن كانا في دار
واحدة ومضت مدة يبعد الخفاء فيها فإنه لا يقبل كما جزم به الرافعي وغيره لأنه خلاف الظاهر. (ولو) قال: لم أصدق
من أخبرني بالولادة، وقد أخبره من لا تقبل روايته كصبي وفاسق، صدق بيمينه، أو مقبول الرواية ولو رقيقا،
أو امرأة لم يقبل منه. ولو (قيل له) تهنئة بولد: (متعت بولدك أو جعله الله لك ولدا صالحا، فقال) مجيبا للقائل:
(آمين أو نعم) أو نحو ذلك مما يتضمن إقرارا، كاستجاب الله دعاءك، (تعذر) عليه (نفيه) ولحقه الولد، لأن
ذلك يتضمن الرضا به نعم إن عرف له ولد آخر وادعى حمل التهنئة والتأمين أو نحوه عليه فله نفيه، إلا إن كان
أشار
إليه فقال: نفعك الله بهذا الولد فقال: آمين أو نحوه فليس له نفيه لما مر. (و) إن أجاب بما لا يتضمن الاقرار، كأن
(قال) للقائل: (جزاك الله خيرا، وبارك) الله (عليك، فلا) يتعذر نفيه. لأن الظاهر أنه قصد مكافأة الدعاء بالدعاء.
فإن قيل: قد مر أن وجوب النفي على الفور وقد زال بذلك. أجيب بأن ذلك وجد في توجهه للقاضي، أو قاله في
حالة يعذر فيها بالتأخير لنحو ليل.
تنبيه: سكت المصنف عن حالة ثالثة، وهي التصريح بما يشعر بإنكار الولد كأعوذ بالله ونحوه، لظهوره في نفي الولد.
تتمة: لو قال بعد علمه بالولد: لم أعلم جواز اللعان أو فوريته وهو عامي وإن لم يكن قريب العهد بالاسلام، أو نشأ
ببادية بعيدة عن العلماء، صدق كنظيره من خيار المتعة، بخلاف ما إذا كان فقيها. (وله) أي الزوج (اللعان مع إمكان
بينة بزناها) لأن كلا منهما حجة. فإن قيل: ظاهر القرآن يدل على أن تعذر البينة شرط، لقوله تعالى: * (ولم يكن لهم شهداء إلا
أنفسهم) * أجيب بأن الاجماع صد عنه، أو أن الآية مؤولة بأن لم يرغب في إقامة البينة فليأت باللعان، لقوله تعالى: * (فإن
لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) * (و) يجوز (لها) اللعان في مقابلة لعان زوجها، (لدفع حد الزنا) المتوجه عليها بلعانه،
لقوله تعالى: * (ويدرأ عنها العذاب) * الآية، ولا يتعلق بلعانها غير ذلك.
تنبيه: قضية قوله: لها أنه لا يلزمها ذلك، لكن صرح ابن عبد السلام في قواعده بوجوبه عليها إذا كانت
صادقة في نفس الامر، فقال: إذا لاعن الزوج امرأته كاذبا فلا يحل لها النكول على اللعان كي لا يكون عونا على جلدها
أو رجمها. وفضيحة أهلها. وصوبه الأذرعي والزركشي وغيرهما، وهو ظاهر. فإن أثبت الزوج زناها بالبينة امتنع لعانها،
381

لأن حجة البينة أقوى من حجة اللعان.
فصل: في المقصود الأصلي من اللعان وهو نفي النسب، كما قال: (له) أي الزوج (اللعان لنفي ولد) ولو من وطئ
شبهة أو نكاح فاسد، (وإن عفت) أي الزوجة (عن الحد) أو أقام بينة بزناها، (و) إن (زال النكاح) بطلاق أو غيره
للحاجة إليه، لأن نفي النسب آكد من درء الحد.
تنبيه: قضية قوله: له أن لا يجب وإن علم أنه ليس منه، وليس مرادا بل يجب في هذه الحالة كما علم مما مر. (و)
له اللعان أيضا (لدفع حد القذف) عنه، (وإن زال النكاح ولا ولد) هناك لحاجته إليه.
تنبيه: قضية أيضا أنه لا يجب في هذه الحالة، وبه صرح الماوردي، ولكن الذي صرح به ابن عبد السلام
في القواعد وهو أقعد الوجوب دفعا للحد والفسق عنه. وهل وجب الحد في هذه الحالة على الملاعن ثم سقط باللعان
أو لم يجب أصلا؟ احتمالان للإمام، والأول أوجه. (و) له اللعان أيضا (لتعزيره) أي دفع تعزير القذف
الواجب على
القاذف كقذف زوجته الأمة أو الذمية وصغيرة يمكن جماعها، لأنه غرض صحيح. ويسمى هذا تعزير تكذيب أيضا،
ولا يستوفي إلا بطلب المقذوف. (لا تعزير تأديب لكذب) معلوم، (كقذف طفلة لا توطأ) أي لا يمكن وطؤها، فإنه
لا يلاعن لاسقاطه، وإن بلغت وطالبته للعلم بكذبه فلم يلحق بها عارا، بل يعزر تأديبا على الكذب حتى لا يعود للايذاء.
ومثل ذلك ما لو قال: زنى بك ممسوح أو ابن شهر مثلا، أو قال لرتقاء أو قرناء: زنيت فإنه يعزر للايذاء ولا يلاعن. وهذا
ظاهر إذا صرح بالفرج، فإن أطلق فينبغي أن يسئل عند دعواها عن إرادته، فإن وطأها في الدبر ممكن فيلحق العار
بها، ويترتب على جوابه حكمه.
تنبيه: اقتصار المصنف على هذا الاستثناء يقتضي أنه لو قذفها بزنا ثبت بالبينة أو بإقرارها أنه يلاعن لاسقاط
تعزيره، والأظهر أنه لا يلاعن لأن اللعان لاظهار الصدق وهو ظاهر، فلا معنى له، ولان التعزير فيه للسبب والإيذاء
فأشبه التعزير بقذف صغيرة لا توطأ. (ولو) قذف زوجته و (عفت عن الحد) أو التعزير، (أو أقام بينة بزناها أو صدقته)
عليه (ولا ولد) ولا حمل في الصور الثلاث ينفيه، (أو سكتت عن طلب الحد) أو التعزير ولم تعف، (أو) قذفها
و (جنت بعد قذفه) أو قذفها مجنونة بزنا مضاف للإفاقة ولا ولد أيضا في مسألة السكوت وما بعدها، وإن أوهم توسط
قوله ولا ولد بين المعطوفات خلافه، (فلا لعان) في جميع ذلك (في الأصح) لعدم الحاجة إليه، لسقوط الحد في الصور
الثلاث الأول، ولانتفاء طلبه في الباقي. والثاني: له اللعان في ذلك لغرض الفرقة المؤبدة، والانتقام منها بإيجاب حد الزنا
عليها. ويستوفي من المجنونة بعد إفاقتها إن لم تلاعن، أما إذا كان هناك ولد فإن له اللعان لنفيه قطعا.
تنبيه: كلامهم يفهم تساوي الكل في عدم اللعان، وليس مرادا، بل هو في الثلاث الأول مطلق، وفيما عداها
مقيد بالنفي في الحال خاصة، فلو طالبت من سكتت أو المجنونة بعد كمالها لاعن. (ولو أبانها) بثلاث أو دونها. ولو عبر
ببانت لشمل ما لو انقضت عدة رجعية، أو حصل انفساخ، (أو ماتت ثم قذفها) فإن قذفها (بزنا مطلق أو مضاف إلى ما)
أي زمن (بعد النكاح، لاعن إن كان ولد يلحقه) بحكم النكاح يريد نفيه للحاجة إلى النفي كما في صلب النكاح وتسقط
عنه العقوبة بلعانه ويجب به على البائن عقوبة الزنا حيث كان مضافا لحالة النكاح بخلاف المطلق، ويسقط عنها بلعانها.
تنبيه: أفهم كلامه أنه إذا لم يكن ولد يلحقه لا لعان، وهو الصحيح، لأنه كالأجنبي، ولأنه لا ضرورة إلى
القذف حينئذ فيحد به. وأفهم أنه لا يلاعن للحمل قبل انفصاله، وهو الأظهر في الشرح الصغير، والذي نقله في
382

الكبير عن الأكثرين ترجيح الجواز. وتبعه في الروضة، وهو كما قال الزركشي المعتمد لئلا يموت الزوج
فيفوت
مقصوده بإلزامه التأخير. ولو كان الحمل في الميتة لم يلاعن قطعا، فإن شق جوفها وأخرج لاعن لنفيه، ولو دفنت به
فأولى بالمنع، قال الزركشي: ولم يذكروه. وأسقط من الروضة كأصلها مسألة الموت. (فإن أضاف) زناها (إلى ما) أي زمن
(قبل نكاحه) أو إلى ما بعد البينونة، (فلا لعان إن لم يكن ولد) إذ لا ضرورة إلى القذف فيحد به كقذف الأجنبية.
(وكذا إن كان) ولد فلا لعان (في الأصح) لتقصيره بذكر التاريخ، وهذا ما نقله في زيادة الروضة عن المحرر
وقال إنه أقوى. والثاني: له اللعان كما لو أطلق، وعزاه في الشرح الصغير للأكثرين، لأنه قد يظن الولد من ذلك الزنا
فينفيه باللعان. وسكت عليه المصنف في تصحيح التنبيه، وقال في المهمات: إن الفتوى عليه، ومع هذا فالمعتمد ما في
المتن، إذا كان حقه أن يطلق القذف أو يضيفه إلى النكاح. (لكن له إنشاء قذف) مطلق أو مضاف إلى حالة
النكاح. (ويلاعن) لنفي النسب للضرورة، بل يلزمه ذلك إن علم أنه ليس منه كما علم مما مر. ويسقط عنه بلعانه
حد القذف، فإن لم ينشئ قذفا حد، ولا حد عليها بلعانه إن لم يكن أضاف الزنا إلى نكاحه، وتتأبد الحرمة بعد
اللعان. (ولا يصح) جزما من الملاعن (نفي أحد توءمين) وهما اسم ولدين في بطن واحد ومجموعهما حمل واحد،
سواء ولدا معا أم متعاقبين وبينهما أقل من ستة أشهر، لأن الله تعالى لم يجر العادة بأن يجتمع في الرحم ولدان من
ماء رجلين، لأن الرحم إذا اشتمل على المني انسد فمه فلا يتأتى منه قبول مني آخر. ومجئ الولدين إنما هو من كثرة
مادة الزرع، فإن نفى أحدهما واستلحق الآخر أو سكت عن نفيه مع إمكانه لحقاه، ولو نفاهما باللعان ثم استلحق
أحدهما أو نفى أولهما باللعان ثم ولدت الثاني فسكت على نفيه أو مات قبل أن تلده لحقه الأول مع الثاني، ولم يعكس
لقوة اللحوق على النفي، لأنه معمول به بعد النفي، ولا كذلك النفي بعد الاستلحاق، ولان الولد يلحق بغير
استلحاق بعد إمكان كونه منه. ولا ينتفي عند إمكان كونه من غيره إلا بالنفي. أما إذا كان بين وضعي الولدين ستة
أشهر فأكثر فهما حملان فيصح نفي أحدهما، وما وقع في الوسيط من أنه إذا كان بينهما ستة أشهر فهما توءمان جرى
على الغالب من أن العلوق لا يقارن أول المدة كما يؤخذ مما مر في الوصية.
خاتمة: فيها مسائل منثورة تتعلق بالباب: لا ينتفي ولد الأمة باللعان، بل بدعوى الاستبراء، لأن اللعان من
خواص النكاح كالطلاق والظهار. ولو ملك زوجته ثم وطئها ولم يستبرئها ثم أتت بولد واحتمل كونه من النكاح فقط
فله نفيه باللعان كما له نفيه بعد البينونة بالطلاق، أو احتمل كونه من الملك فقط فلا ينفيه باللعان، لأنه ينفى عنه بغيره
كما مر. وكذا لو احتمل كونه منهما فلا ينفيه باللعان أيضا لامكان نفيه بدعوى الاستبراء وتصير أم ولد للحوق الولد به
بوطئه في الملك، لأنه أقرب مما قبله. ولو قال الزوج بعد قذفه لزوجته: قذفتك في النكاح فلي اللعان فقالت: بل قبله
فلا لعان وعليك الحد صدق بيمينه لأنه القاذف فهو أعلم بوقت القذف. ولو اختلفا بعد الفرقة وقال: قذفتك قبلها فقالت:
بل بعدها صدق بيمينه أيضا، إلا أن يكون أصل النكاح فتصدق بيمينها ولو قال: قذفتك وأنت صغيرة فقالت: بل وأنا بالغة
صدق بيمينه إن احتمل أنه قذفها وهي صغيرة، بخلاف ما إذا لم يحتمل كأن كان ابن عشرين سنة وهي بنت أربعين.
ولو قال: قذفتك وأنا نائم فأنكرت نومه لم يقبل منه لبعده، أو: وأنت مجنونة، أو رقيقة، أو كافرة وادعت خلاف ذلك
صدق بيمينه إن عهد لها ذلك كما مر وإلا فهي المصدقة، أو: وأنا صبي فقالت: بل وأنت بالغ صدق بيمينه إن احتمل ذلك
كما مر، أو: وأنا مجنون فقالت: بل وأنت عاقل صدق بيمينه إن عهد له جنون، لأن الأصل بقاؤه. وليس لاحد غير صاحب
الفراش استلحاق مولود على فراش صحيح، وإن نفي عنه باللعان، لأن حق الاستلحاق باق له، فإن لم يصح الفراش
كولد الموطوءة بشبهة كان لكل أحد أن يستلحقه، لأنه لو نازعه فيه قبل النفي سمعت دعواه. ولو نفى الذمي ولدا ثم
أسلم لم يتبعه في الاسلام، فلو مات الولد وقسم ميراثه بين ورثته الكفار ثم استلحقه لحقه في نسبه وإسلامه وورثه
383

وانتقضت القسمة. ولو قتل الملاعن من نفاه ثم استلحقه لحقه وسقط عنه القصاص، والاعتبار في الحد والتعزير بحالة
القذف فلا يتغيران بحدوث عتق أو رق أو إسلام في القاذف أو المقذوف.
كتاب العدد
جمع عدة مأخوذة من العدد لاشتمالها على العدد من الأقراء أو الأشهر غالبا. وهي في الشرع: اسم لمدة تتربص فيها
المرأة لمعرفة براءة رحمها أو للتعبد أو لتفجعها على زوجها كما سيأتي. والأصل فيها قبل الاجماع الآيات والأخبار الآتية
في الباب. وشرعت صيانة للأنساب وتحصينا لها من الاختلاط رعاية لحق الزوجين والولد والناكح الثاني، والمغلب فيها
التعبد بدليل أنها لا تنقضي بقرء واحد مع حصول البراءة به. (عدة النكاح ضربان: الأول) منهما (متعلق بفرقة
حي بطلاق أو فسخ) بعيب أو رضاع أو لعان، لقوله تعالى: * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * والفسخ
في معنى الطلاق. وخرج بعدة النكاح المزني بها فلا عدة عليها بالاتفاق، لكن يرد عليه وطئ الشبهة، وقد يقال إن المفهوم
إذا كان فيه تفصيل لا يرد. (وإنما تجب) العدة إذا حصلت الفرقة المذكورة (بعد وطئ) في نكاح صحيح أو فاسد
أو في شبهة، سواء أكان الوطئ حلالا أم حراما كوطئ حائض ومحرمة، وسواء أكان في قبل جزما أو دبر
على الأصح،
وسواء أكان عاقلا أم لا، مختارا أم لا، لف على ذكره خرقة أم لا، بالغا أم لا، بخلاف فرقة ما قبل ذلك، لقوله تعالى:
* (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة) *. وضبط المتولي الوطئ الموجب للعدة بكل وطئ لا يوجب
الحد على الواطئ وإن أوجبه على الموطوءة، كما لو زنى مراهق ببالغة أو مجنون بعاقلة أو مكره بطائعة.
تنبيه: قال الزركشي: يشترط في وجوب العدة من وطئ الصبي تهيؤه للوطئ كما أفتى به الغزالي، وكذا يشترط
في الصغيرة ذلك كما صرح به المتولي اه‍. وهو حسن. وتعتد بوطئ خصي لا المزوجة من مقطوع الذكر ولو دون
الأنثيين لعدم الدخول، لكن إن بانت حاملا لحقه الولد لامكانه إن لم يكن ممسوحا واعتدت بوضعه وإن نفاه، بخلاف
الممسوح لأن الولد لا يلحقه. قال البغوي: ولو استدخلت المرأة ذكرا زائدا وجبت العدة، أو أشل فلا كالمبان اه‍. وهو
ظاهر في الأولى إذا كان الزائد على سنن الأصلي وإلا فلا، وليس بظاهر في الثانية كما قاله شيخنا. (أو) الفرقة بعد
(استدخال منيه) أي الزوج، لأنه أقرب إلى العلوق من مجرد الايلاج، وقول الأطباء: المني إذا ضربه الهواء لا ينعقد منه
الولد غايته ظن وهو لا ينافي الامكان، فلا يلتفت إليه. ولا بد أن يكون المني محترما حال الانزال وحال الادخال،
حكى الماوردي عن الأصحاب أن شرط وجوب العدة بالاستدخال أن يوجد الانزال والاستدخال معا في الزوجية، فلو
أنزل ثم تزوجها فاستدخلته أو أنزل وهي زوجة ثم أبانها واستدخلته لم تجب العدة ولم يلحقه الولد اه‍. والظاهر أن هذا
غير معتبر بل الشرط أن لا يكون من زنا كما قالوا، أما ماؤه من الزنا فلا عبرة باستدخاله. (و) تجب العدة بما ذكر،
و (إن تيقن براءة الرحم) كما في الصغير، ولو كان التيقن بالتعليق، كقوله: متى تيقنت براءة رحمك من منيي فأنت
طالق ووجدت الصفة لعموم الأدلة مع مفهوم الآية السابقة، ولان الانزال الذي يحصل به العلوق لما كان خفيا يختلف
بالاشخاص والأحوال ولعسر تتبعه أعرض الشارع عنه، واكتفى بسببه وهو الوطئ أو استدخال المني كما اكتفى
في الترخيص بالسفر وأعرض عن المشقة. و (لا) تجب العدة (بخلوة) مجردة عن وطئ (في الجديد) لمفهوم الآية
السابقة، والقديم تقام مقام الوطئ. (وعدة حرة ذات أقراء) بأن كانت تحيض (ثلاثة) من أقراء، لقوله تعالى:
* (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) *. ولو ظنها الواطئ أمته أو زوجته الأمة فإنها تعتد بثلاثة أقراء، لأن الظن
384

إنما يؤثر في الاحتياط لا في التخفيف. ولو طرأ عليها الرق لالتحاقها بدار الحرب واسترقاقها فإنها تعتد بذلك في أحد
وجهين يظهر ترجيحه. والثاني: ترجع إلى عدة أمة.
تنبيه: شمل إطلاقه ما لو شربت دواء حتى حاضت، وهو كذلك، كما تسقط الصلاة عنها. (والقرء) ضبطه المصنف
بالفتح بخطه لكونه اللغة المشهورة، وهو لغة مشترك بين الطهر والحيض، ومن إطلاقه على الحيض ما في خبر النسائي
وغيره: تترك الصلاة أيام أقرائها، وقيل: حقيقة في الأول مجاز في الثاني، وقيل عكسه. وفي الاصطلاح: (الطهر) كما روي
عن عمر وعلي وعائشة وغيرهم من الصحابة، ولقوله تعالى: * (فطلقوهن) *، والطلاق في الحيض محرم كما مر في بابه
فيصرف الاذن إلى زمن الطهر، وقد قرئ: * (فطلقوهن لقبل عدتهن) * وقبل الشئ أوله. ولان القرء مشتق من الجمع،
يقال: قرأت كذا في كذا إذا جمعته منه، وإذا كان الامر كذلك كان بالطهر أحق من الحيض لأن الطهر اجتماع الدم في
الرحم والحيض خروجه منه، وما وافق الاشتقاق كان اعتباره أولى من مخالفته، ويجمع على أقراء وقروء وأقرؤ.
(فإن طلقت طاهرا) وبقي من زمن طهرها شئ، (انقضت) عدتها (بالطعن في حيضة ثالثة) لأن بعض الطهر وإن قل
يصدق عليه اسم قرء، قال تعالى: * (الحج أشهر معلومات) * وهو شهران وبعض الثالث. فإن لم يبق من زمن الطهر شئ
كأن قال: أنت طالق آخر طهرك فإنما تنقضي عدتها بالطعن في حيضة رابعة، كما في قوله: (أو) طلقت (حائضا ففي) أي
فتنقضي عدتها بالطعن في حيضه (رابعة) وما بقي من حيضها لا يحسب قرءا جزما، لأن الطهر إنما يتبين كماله بالشروع
في الحيضة التي بعده وهي الرابعة. (وفي قول: يشترط يوم وليلة بعد الطعن) في الحيضة الثالثة في الأولى وفي الرابعة وفي الثانية
ليعلم أنه حيض، وقضيته أن اليوم والليلة على هذا القول من نفس العدة وهو وجه، والأصح أنه يتبين بذلك الانقضاء.
وأجاب الأول بأن الظاهر أنه دم حيض لئلا تزيد العدة على ثلاثة أقراء، فإن انقطع دون يوم وليلة ولم يعد قبل مضي
خمسة عشر يوما تبين عدم انقضائها.
تنبيه: ذكر المصنف حكم الطلاق في الطهر والحيض وسكت عن حكم النفاس، وظاهر كلام الروضة في الحيض
أنه لا يحسب هو العدة، وهو قضية كلامه هنا أيضا في الحال الثاني في اجتماع عدتين. (وهل يحسب طهر من) طلقت و (لم
تحض) أصلا ثم حاضت في أثناء عدتها بالأشهر (قرءا) أولا؟ (قولان بناء على) ما قاله القاضي حسين وغيره من (أن القرء:
انتقال من طهر إلى حيض) أو نفاس. (أم) هو (طهر محتوش) بفتح الواو بخطه أي مكتنف، (بدمين) أي دمي حيض أو
حيض ونفاس، أو دمي نفاس كما صرح به المتولي، إن قلنا بالأول، فتحسب وتنقضي عدتها بالطعن في حيضة
رابعة. (والثاني)
من البناءين (أظهر) فكذا المبني عليه وهو عدم احتساب ما ذكر قرءا.
تنبيه: قال الرافعي: وليس مرادهم بقولهم القرء هو الطهر المحتوش، الطهر بتمامه، لأنه لا خلاف أن بقية الطهر
تحسب قرءا، وإنما مرادهم هل يعتبر من الطهر المحتوش شئ أم يكفي الانتقال. (وعدة مستحاضة) غير متحيرة (بأقرائها
المردودة) هي (إليها) من العادة والتمييز والأقل كما عرف ذلك في باب الحيض. (و) عدة (متحيرة) لم تحفظ قدر دورها
ولو متقطعة الدم مبتدأة كانت أو غيرها (بثلاثة أشهر في الحال) لاشتمال كل شهر على طهر وحيض غالبا، ولعظم مشقة
الانتظار إلى سن اليأس. ويخالف الاحتياط في العبادات، لأن المشقة فيها لا تعظم، ولأنها مريبة فدخلت في قوله تعالى:
* (إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر) * فإن بقي من الشهر الذي طلقت فيه أكثر من خمسة عشر يوما عد قرءا لاشتمالها على طهر
لا محالة، وتعتد بعده بهلالين، فإن بقي خمسة عشر يوما فأقل لم تحسب تلك البقية لاحتمال
385

أنها حيض، فتبتدئ العدة من الهلال، لأن الأشهر ليست متأصلة في حق المتحيرة، وإنما حسب كل شهر في حقها قرءا
لاشتماله على حيض وطهر غالبا كما مر بخلاف من لم تحض والآيسة حيث يكملان المنكسر كما سيأتي. أما إذا حفظت
الأدوار فإنها تعتد بثلاثة منها سواء أكانت أكثر من ثلاثة أشهر أم أقل لاشتمالها على ثلاثة أطهار، وكذا لو شكت
في قدر أدوارها ولكن قالت: أعلم أنها لا تجاوز سنة مثلا أخذت بالأكثر وتجعل السنة دورها، ذكره الدارمي ووافقه
المصنف في مجموعه في باب الحيض. (وقيل) تعتد المتحيرة مما ذكر (بعد اليأس) لأنها قبله متوقعة للحيض المستقيم،
وسيأتي وقت سنه.
تنبيه: محل الخلاف المذكور في المتحيرة بالنسبة لتحريم نكاحها، أما الرجعة وحق السكنى فإلى ثلاثة أشهر فقط
قطعا. (و) عدة غير حرة من (أم ولد ومكاتبة) ومدبرة (ومن فيها رق) وهي ذات أقراء، (بقرءين) بفتح القاف،
سواء أطلقت أم وطئت بشبهة لأنها على النصف من الحرة في كثير من الأحكام. وإنما كملت القرء الثاني لتعذر تبعيضه
كما في طلاق العبد، إذ لا يظهر نصفه إلا بظهور كله، فلا بد من الانتظار إلى أن يعود الدم. وقد علم من كلامه حكم
كاملة الرق أنها تعتد بقرءين من باب أولى، وسواء أطلقت أم وطئت في نكاح فاسد أم في شبهة. ولو وطئ أمة
لغيره ظنها أمته اعتدت بقرء واحد، لأنها في نفسها مملوكة، والشبهة شبهة ملك اليمين، وإن ظنها زوجته الأمة اعتدت
بقرءين اعتبارا باعتقاده، ولان أصل الظن يؤثر في أصل العدة فجاز أن يؤثر خصوصه في خصوصها، وإن ظنها زوجته
الحرة اعتدت بثلاثة أقراء اعتبارا باعتقاده.
تنبيه: سكت المصنف عن الأمة المستحاضة، وحكمها إن كانت غير متحيرة بقرءين من أقرائها المردودة إليها
كما مر في الحرة. وإن كانت متحيرة، فإن طلقت أول الشهر فبشهرين، أوقد وقد بقي أكثره فبباقيه والثاني، أو دون
أكثره فبشهرين بعد تلك البقية لما مر في الحرة من أن الأشهر ليست متأصلة في حق المتحيرة. (وإن عتقت) أمة (في
عدة رجعة) بفتح العين بلفظ المصدر، (كملت عدة حرة في الأظهر) الجديد، لأن الرجعية زوجة في أكثر الأحكام
فكأنها عتقت قبل الطلاق. والثاني: تتم عدة أمة، ونظرا لوقت الوجوب. (أو) عتقت في عدة (بينونة فأمة) أي تكمل
عدة أمة (في الأظهر) الجديد كما في الروضة، لأن البائن كالأجنبية، لقطع الميراث وسقوط النفقة فإنها عتقت بعد
انقضاء العدة والثاني: تتم عدة حرة اعتبارا بوجود العدة الكاملة قبل تمام الناقصة. واحترز بقوله: في عدة عما لو
عتقت مع الطلاق بأن علق طلاقها وحريتها على شئ واحد، فإنها تعتد عدة حرة قطعا كما قاله الماوردي. وبقوله: رجعة
عما لو عتقت في عدة وفاة فإنها تكمل عدة الإماء. (و) عدة (حرة لم تحض) أصلا لصغر أو غيره، وإن ولدت ورأت
نفاسا (أو يئست) من الحيض (بثلاثة أشهر) بالأهلة إن انطبق الطلاق على أول الشهر بتعليق أو غيره، لقوله تعالى: * (واللائي
يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) * أي فعدتهن كذلك، فحذف المبتدأ أو الخبر
من الثاني لدلالة الأول عليه. (فإن) لم ينطبق على أول شهر بأن (طلقت في أثناء شهر) ولو في أثناء أول يوم أو ليلة منه، (فبعده
هلالان وتكمل المنكسر ثلاثين) يوما من شهر رابع، ولو المنكسر عن ثلاثين، هذا هو المذهب، وعن ابن بنت
الشافعي أن جميع الأشهر تنكسر وتعتد بتسعين يوما كمذهب أبي حنيفة. (فإن حاضت فيها) أي أثناء الأشهر، (وجبت الأقراء)
بالاجماع لقدرتها على الأصل قبل الفراغ من البدل، كالمتيمم يجد الماء في أثناء تيممه. ولا يحسب ما مضى من الطهر قرءا كما هو
قضية البناء المار، وصرح بتصحيحه المصنف في تصحيح التنبيه. أما إذا حاضت بعد انقضائها لا يؤثر لأن حيضها حينئذ لا يمنع
صحة القول بأنها عند اعتدادها بالأشهر من اللائي لم يحضن. (و) عدة (أمة) ومن فيها رق ولو مكاتبة لم تحض أو يئست، (بشهر ونصف) لأن
386

الأصل فيما ينقص بالرق من الاعداد النصيف والشهر قابل له بخلاف الأقراء. (وفي قول) عدتها (شهران) لأنهما
بدل عن القرءين. وفي (قول) عدتها أشهر (ثلاثة) لعموم قوله تعالى: * (فعدتهن ثلاثة أشهر) * ولأن الماء
لا يظهر أثره في الرحم إلا بعد هذه المدة، إذ الولد يخلق في ثمانين يوما ثم يتبين الحمل بعد ذلك، وما يتعلق بالطبع
لا يختلف بالرق والحرية. ولو انتقلت الأمة للحيض فكانتقال الحرة فيما مر. (ومن انقطع دمها) أي دم
حيضها من
حرة أو غيرها (لعلة) تعرف (كرضاع ومرض، تصبر حتى تحيض) فتعتد بالأقراء (أو تيأس) أي تصل إلى سن
اليأس، وأقصاه اثنان وستون سنة (فتعتد) حينئذ (بالأشهر) ولا يبالي بطول مدة الانتظار لما روى البيهقي عن
عثمان أنه حكم بذلك في المرضع، قال الشيخ أبو محمد: وهو كالاجماع من الصحابة رضي الله عنهم. (أو لا) بأن انقطع
دمها لا (لعلة) تعرف، (فكذا) تصبر حتى تحيض فتعتد بالأقراء أو تيأس فتعتد بالأشهر، (في الجديد) كما لو انقطع
لعلة، لأن الله تعالى لم يجعل الاعتداد بالأشهر إلا للتي لم تحض والآيسة، وهذه ليست واحدة منهما لأنها ترجو عود
الدم فأشبهت من انقطع دمها لعارض معروف. (وفي القديم تتربص) غالب مدة الحمل (تسعة أشهر) لتعرف فراغ
الرحم، لأن الغالب أن الحمل لا يمكث في البطن أكثر من ذلك. قال البيهقي: وقد عاب الشافعي في القديم على من
خالفه، وقال: كان يقضي به أمير المؤمنين عمر بين المهاجرين والأنصار رضي الله تعالى عنهم ولم ينكر عليه، فكيف تجوز
مخالفته (وفي قول) من القديم: تتربص أكثر مدة الحمل (أربع سنين) لتعلم براءة الرحم بيقين، وفي قول
مخرج على القديم أنها تتربص ستة أشهر أقل مدة الحمل. وحاصل القديم أنها تتربص مدة الحمل، لكن غالبه أو أكثره
أو أقله. (ثم تعتد بالأشهر) على كل من أقوال القديم إذا لم يظهر حمل (فعلى الجديد) وهو التربص لسن اليأس،
(لو حاضت بعد اليأس في الأشهر وجبت الأقراء) للقدرة على الأصل قبل الفراغ من البدل، ويحسب ما مضى قرءا
قطعا، لأنه طهر محتوش بدمين. (أو بعدها) أي الأشهر، (فأقوال أظهرها إن نكحت) بضم أوله بخطه، أي من
زوج غير صاحب العدة، (فلا شئ) يجب عليها من الأقراء، وصح النكاح لتعلق حق الزوج بها وللشروع في المقصود
كالمتيمم يرى الماء بعد الشروع في صلاة يسقط قضاؤها بالتيمم. (وإلا) بأن لم تنكح من غيره، (فالأقراء) واجبة
في عدتها، لأنه بان أنها ليست آيسة ولم يتعلق بها حق زوج آخر. والثاني: تنتقل إلى الأقراء مطلقا لما ذكر. والثالث:
المنع مطلقا لانقضاء العدة ظاهرا، كما لو حاضت الصغيرة بعد الأشهر. وما ذكر على الجديد بعد اليأس يأتي مثله على
القديم بعد التربص، غير أن الخلاف فيه وجوه. ولو حاضت الآيسة المنتقلة إلى الحيض قرءا أو قرءين ثم انقطع حيضها
استأنفت ثلاثة أشهر، بخلاف ذات أقراء أيست قبل تمامها فإنها لا تستأنف كما هو المنقول كما سيأتي آخر فصل لزمها عدتا
شخص، خلافا لابن المقري في التسوية بينهما في الاستئناف، وعليه يطلب الفرق. وقد يفرق بأن الأولى لما كان
عدتها بالأشهر ثم انتقلت إلى الأقراء ولم تتم رجعت إلى ما كانت عليه وهو الأشهر فكانت عدتها بها فلا تكمل على
الأقراء، بخلاف الثانية المنتقلة من حيض إلى أشهر فإنها ليست كذلك. (والمعتبر) في اليأس على الجديد (يأس
عشيرتها) أي أقاربها من الأبوين كما نص عليه في الام لتقاربهن طبعا وخلقا، ويعتبر الأقرب فالأقرب إليها. فإن
قيل: إنما اعتبروا في مهر المثل نساء العصبات فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن زيادة المهر ونقصه لنفاسة النسب
وخساسته، وهي معتبرة بالآباء والنسب إليهم، فكذلك اعتبر بالعصبات، وهنا إنما يتعلق بالطبع والجبلة فاعتبر الجانبان
(وفي قول) يأس (كل النساء) للاحتياط وطلبا لليقين، وذلك بحسب ما بلغنا خبره، لا طوف نساء العالم لأنه غير
387

ممكن. (قلت: ذا القول أظهر، والله أعلم) وعليه هل المراد نساء زمانها أو النساء مطلقا؟ قال الأذرعي: إيراد
القاضي وجماعة يقتضي الأول، وكلام كثيرين أو الأكثرين يقتضي الثاني انتهى. وهذا الثاني هو الظاهر. واختلفوا
في سن اليأس على ستة أقوال، أشهرها ما تقدم وهو اثنان وستون سنة، وقيل: ستون، وقيل: خمسون، وقيل: سبعون،
وقيل: خمسة وثمانون، وقيل: تسعون وقيل: غير العربية لا تحيض بعد الخمسين، ولا تحيض بعد الستين إلا قرشية.
ولو رأت امرأة الدم بعد سن اليأس صار أعلى اليأس آخر ما رأته فيه، ويعتبر بعد ذلك بها غيرها. فإن قيل: هذا
مخالف لما قالوه في سن الحيض من أنه لا عبرة برؤية دم قبله مع أن كلا ثبت بالاستقراء أجيب بأن الاستقراء في السن
استقراء تام لتيسره، ولهذا لم يقع فيه خلاف فلم يعول على خلافه، بخلافه هنا، ولهذا كثر الخلاف فيه.
فصل: في العدة بوضع الحمل: (عدة الحامل) من حرة وأمة عن فراق حي أو ميت بطلاق رجعي أو بائن،
(بوضعه) أي الحمل لقوله تعالى: * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * فهو مخصص لقوله تعالى: * (والمطلقات
يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) *، ولان المعتبر من العدة براءة الرحم، وهي حاصلة بالوضع. (بشرط) إمكان (نسبته
إلى ذي) أي صاحب (العدة) زوجا كان أو غيره، (ولو احتمالا كمنفي بلعان) لأنه لا ينافي إمكان كونه منه، ولهذا
لو استلحقه لحقه. فإن لم يمكن نسبته إليه لم تنقض بوضعه، كما إذا مات صبي لا يتصور منه الانزال، أو ممسوح عن زوجة
حامل فلا تعتد بوضع الحمل، وكذا كل من أتت زوجته الحامل بولد لا يمكن كونه منه كأن وضعته لدون ستة أشهر من
النكاح أو لأكثر وكان بين الزوجين مسافة لا تقطع في تلك المدة، أو لفوق أربع سنين من الفرقة لم تنقض عدته
بوضعه، لكن لو ادعت في الأخيرة أنه راجعها، أو جدد نكاحها أو وطئها بشبهة وأمكن، فهو وإن انتفى عنه
تنقضي به عدته.
تنبيه: يجوز نكاح ووطئ الحامل من زنا. إذ لا حرمة له، والحمل المجهول قال الروياني: يحمل على أنه من
زنا
وقال الإمام على إنه من وطئ شبهة تحسينا للظن، وجمع بين كلاميهما بحمل الأول على أنه كالزنا في أنه لا تنقضي به العدة،
والثاني: على أنه من شبهة تجنبا عن تحمل الاثم، وهو جمع حسن. (و) بشرط (انفصال كله) أي الحمل، فلا أثر لخروج
بعضه متصلا أو منفصلا في انقضاء العدة ولا في غيرها من سائر أحكام الجنين لعدم تمام انفصاله والظاهر الآية. واستثنى
من ذلك وجوب الغرة بظهور شئ منه، لأن المقصود تحقق وجوده
ووجوب القود إذا حز جان رقبته وهو حي، ووجوب الدية بالجناية على أمه إذا مات بعد صياحه، وقد علم بذلك ضعف ما قاله الدارمي من أن أمية الولد تثبت وتعتق
بموت السيد بانفصال بعضه. فإن قيل: لا حاجة إلى هذا الشرط لأنه لا يقال وضعت إلا عند انفصال كله أجيب بأن
الوضع يصدق بالكل والبعض. ثم غيا المصنف انفصال كل الحمل بقوله: (حتى) انفصال (ثاني توءمين) تثنية توءم،
وهو كل واحد من ولدين مجتمعين في حمل واحد، فلا تنقضي بوضع الأول منهما، بل له الرجعة بعده قبل وضع الباقي
لبقاء العدة ثم بين المدة التي لا تقطع الولد الثاني عن كونه توءما بقوله: (ومتى تخلل) بين وضعهما (دون ستة أشهر
فتوءمان) أي يسميان بذلك، بخلاف ما إذا تخلل بينهما ستة أشهر فأكثر، فالثاني حمل آخر. فإن قيل: كونه حملا آخر
يتوقف على وطئ بعد وضع الأول، فإذا وضعت الثاني لستة أشهر من وضع الأول سقط منها ما يسع الوطئ فيكون الباقي
دون ستة أشهر أجيب بأنه يمكن تصوير ذلك باستدخال المني حال وضع الأول. وتقييدهم بالوطئ في قولهم: تعتبر
لحظة للوطئ جرى على الغالب، والمراد الوطئ أو استدخال المني الذي هو أولى بالحكم هنا، بل قد يقال يمكن الوطئ
حالة الوضع. (وتنقضي) العدة (بميت) أي بوضع ولد ميت كالحي لاطلاق الآية.
388

فائدة: وقع في الافتاء أن الولد لو مات في بطن المرأة وتعذر نزوله هل تنقضي عدتها بالأقراء إذا كانت من ذوات
الأقراء أو بالأشهر إن لم تكن، أو لا تنقضي عدتها ما دام في بطنها؟ اختلف العصريون في ذلك، والظاهر الثالث لعموم
قوله تعالى: * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) *. (لا) بوضع (علقة) وهي مني يستحيل في الرحم فيصير دما
غليظا، فلا تنقضي العدة بها لأنها لا تسمى حملا، وإنما هي دم. (و) تنقضي (بمضغة) وهي العلقة المستحيلة قطعة
لحم، قال الزمخشري: سميت بذلك لأنها صغيرة كقدر ما يمضغ. (فيها صورة آدمي خفية) على غير
القوابل (أخبر بها القوابل) لظهورها عندهن، كما لو كانت ظاهرة عند غيرهن أيضا بظهور يد أو أصبع أو ظفر أو غيرها بصب ماء حلو أو
غسله فظهرت الصورة.
تنبيه: قوله: وبمضغة معطوف على المثبت كما تقرر، لا على المنفي، ولهذا أعاد الباء. (فإن لم يكن) في المضغة (صورة)
لا ظاهرة ولا خفية أخبر بها القوابل، (و) لكن (قلن: هي أصل آدمي) ولو بقيت لتصورت، (انقضت) أي العدة بوضعها
(على المذهب) المنصوص لحصول براءة الرحم بذلك.
تنبيه: هذه المسألة تسمى مسألة النصوص، فإنه نص هنا على أن العدة تنقضي بها وعلى أنه لا تجب فيها الغرة ولا
يثبت بها الاستيلاد، فقيل قولان في الجميع، وقيل: بتقرر النصين، وهو المذهب. والفرق أن العدة تتعلق ببراءة الرحم
وقد حصلت، والأصل براءة الذمة في الغرة، وأمومية الولد إنما ثبتت تبعا للولد، وهذا لا يسمى ولدا، ولو شكت
القوابل في أنها أصل آدمي لم تنقض بوضعها قطعا، والقول قول المرأة بيمينها في أنها أسقطت ما تنقضي به العدة، سواء
أكذبها الزوج أم لا لأنها مؤتمنة فيها، ولأنها تصدق في أصل السقط فكذا في صفته. (ولو ظهر في) أثناء (عدة أقراء أو)
أثناء عدة (أشهر) أو بعدهما كما قاله الصيمري، وإن أفهم كلام المصنف خلافه، (حمل للزوج) متعلق بحمل لا يظهر:
(اعتدت بوضعه) ولغا ما مضى من أقراء أو أشهر، لأنه يدل على البراءة قطعا بخلافهما. (ولو ارتابت) أي شكت (فيها) أي
العدة بأن لم يظهر لها الحمل بأمارات، وإنما ارتابت منه بثقل وحركة تجدهما، (لم تنكح) آخر بعد تمامها (حتى تزول
الريبة) بمرور زمن مثلا تزعم النساء أنها لا تلد فيه، لأن العدة قد لزمتها بيقين فلا تخرج عنها إلا بيقين، كما لو شك هل
صلى ثلاثا أو أربعا، فإن نكحت فالنكاح باطل كما أفهمه كلامه وصرح به الرافعي للتردد في انقضائها. فإن قيل: المراد
بالبطلان البطلان ظاهرا، فإذا بان عدم الحمل فالقياس الصحة، كما لو باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا. أجيب بالاحتياط
في الابضاع، ولان الشك في المعقود عليه يبطل العقد، كما لو تزوج خنثى ثم اتضح بخلاف ما لو كان وليا أو شاهدا كما مر.
(أو) ارتابت (بعدها) أي العدة (وبعد نكاح) لآخر، (استمر) نكاحها لحكمها بانقضاء العدة ظاهرا أو تعليق حق الزوج الثاني.
(إلا أن تلد لدون ستة أشهر من) وقت (عقدة) فإنه يحكم ببطلانه لتحقق كونها حاملا يوم العقد والولد للأول إن أمكن
كونه منه، بخلاف ما لو ولدته لستة أشهر فأكثر فالولد للثاني وإن أمكن كونه من الأول، لأن الفراش للثاني ناجز فهو أقوى،
ولان النكاح الثاني قد صح ظاهرا، فلو ألحقنا الولد بالأول لبطل النكاح لوقوعه في العدة، ولا سبيل إلى إبطاله بالاحتمال.
تنبيه: وطئ الشبهة بعد انقضاء العدة كالنكاح الثاني، فلو أتت بولد لستة أشهر من الوطئ لحق بالواطئ لانقطاع
النكاح والعدة عنه ظاهرا، ذكره في الروضة وأصلها. (أو) ارتابت (بعدها) أي العدة (قبل نكاح) بآخر (
فلتصبر) عن
النكاح (لتزول الريبة) للاحتياط، وفي الخبر: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
389

تنبيه: ظاهر هذه العبارة أن الصبر واجب، وبه صرح الجويني في السلسلة، وعبارة المحرر والشرحين والروضة،
فالأولى وهي عبارة الجمهور، فكان الأولى للمصنف أن يعبر بها. وفي التنبيه في باب ما يحرم من النكاح: ويكره نكاح
المرتابة. (فإن نكحت) آخر قبل زوالها، (فالمذهب) المنصوص (عدم إبطاله) أي النكاح (في الحال) لأنا حكمنا
بانقضاء العدة ظاهرا فلا نبطله بالشك، بل يوقف. (فإن علم مقتضيه) أي البطلان بأن ولدت لدون ستة أشهر من
وقت النكاح، (أبطلناه) أي حكمنا ببطلانه لتبين فساده، وليس هذا كوقف العقد في القديم فإن ذاك وقف في نفس
العقد، وههنا العقد صحيح غير أنه يرتفع لمعنى يظهر في ثاني الحال. والطريق الثاني في إبطاله قولان للتردد في انتفاء المانع
في الحال، وإن علم انتفاؤه لم نبطله ولحق الولد بالثاني.
تنبيه: هذا لا يختص بالنكاح، بل لو راجعها الزوج قبل زوال الريبة وقفت الرجعة، فإن بان حمل بقيت
الرجعة وإلا بطلت، نص عليه. قال الشيخ أبو محمد: لا يختلف المذهب فيه، وإن جرى في النكاح قولان. (ولو
أبانها) بخلع أو غيره ولم ينف حملها ثم اعتدت، (فولدت لأربع سنين) فأقل من وقت إمكان العلوق قبيل الإبانة ولم
تتزوج بغيره، (لحقه) الولد وإن أقرت بانقضاء العدة بناء على أن أكثر مدة الحمل أربع سنين، دليله الاستقراء،
وحكي عن مالك أنه قال: جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن في اثنتي
عشرة سنة تحمل كل بطن أربع سنين. وقد روي هذا عن غير المرأة المذكورة. وقيل: إن أبا حنيفة حملت به أمه
ثلاث سنين، وفي صحته كما قال ابن شهبة نظر لأن مذهبه أكثر مدة الحمل سنتان فكيف يخالف ما وقع في نفسه
قال ابن عبد السلام: وهذا مشكل مع كثرة الفساد في هذا الزمان. أما لو تزوجت بغير صاحب العدة واحتمل كون
الولد منه فإنه لا يلحق الأول كما سيأتي. (أو) ولدت (لأكثر) من أربع سنين، (فلا) يلحقه الولد لعدم الامكان،
وهذه المسألة تقدمت في باب اللعان.
تنبيه: ما تقرر من اعتبار المدة في هذه من وقت إمكان العلوق قبيل الإبانة لا من الإبانة التي عبر بها أكثر
الأصحاب هو ما اعتمده الشيخان حيث قالا فيما أطلقوه تساهل، والقويم ما قاله أبو منصور التميمي معترضا عليهم بأنا لو
اعتبرنا المدة من وقت الطلاق لزم أن تكون مدة الحمل أكثر من أربع سنين لتقدم العلوق على الطلاق فينبغي أن يقال
من وقت إمكان العلوق قبيل الإبانة. قال ابن الرفعة: وما قاله أبو منصور فيه تساهل أيضا، فإن الطلاق قد يقع مع
الانزال بالتنجيز اتفاقا أو بالتعليق، وفي هذه الصورة يصح ما قالوه دون ما ذكروه، فظهر حينئذ أن لما قالوه
محملا
صحيحا وكذا لما قاله، وهو ما عدا ما فرضناه، فلينزل كل من العبارتين المطلقتين على ما يقتضي صحته. وأجاب بعضهم
بأن مرادهما بأنه قويم، أي أوضح مما قالوه، وإلا فما قالوه صحيح أيضا بأن يقال: ليس مرادهم بالأربع فيها الأربع
مع زمن وطئ الوضع التي هي مرادهم بأنها أكثر مدة الحمل، بل مرادهم الأربع بدون ذلك فلا يلزم الزيادة المذكورة،
وبهذا يجاب عما يورد من ذلك على نظيرها في الوصية والطلاق اه‍. وكل من الجوابين حسن. (ولو طلق) زوجته (رجعيا)
فولدت لأربع سنين أو أكثر فالحكم كما مر من أنها إن ولدت لأربع سنين فأقل لحقه، أو لأكثر فلا كالبائن. وإنما تخالف
البائن فيما ذكره بقوله: و (حسبت المدة) وهي السنين الأربع (من الطلاق) لأن الرجعية كالبائن في تحريم الوطئ، فكذا في أمر
الولد الذي هو نتيجته. (و) حسبت (في قول من انصرام) أي فراغ (العدة) لأن الرجعية كالمنكوحة في معظم الأحكام من
لحوق الطلاق والايلاء والظهار والإرث فكذا في لحوق الولد.
تنبيه: عبارة المصنف بدون ما تقرر بعيدة عن المراد، ومراده ما ذكرناه. وحيث حكم بلحوق الولد فالمرأة معتدة
إلى الوضع حتى يثبت للزوج رجعتها إن كانت رجعية، وعليه لها السكنى والنفقة. (ولو نكحت) زوجا آخر
390

(بعد) انقضاء (العدة) نكاحا صحيحا (فولدت لدون ستة أشهر) من النكاح الثاني، (فكأنها لم تنكح) أصلا، وحكم هذا الولد
كما تقدم إن وضعته لأربع سنين فأقل كما مر لحق الأول، أو لأكثر لم يلحقه، وحيث لحقه فنكاح الثاني باطل لجريانه
في العدة، وإذا لم يلحقه كأن كان منفيا عنهما وقد بان أن الثاني نكحها حاملا فهل يحكم بفساد نكاحه حملا على أنه من
وطئ شبهة من غيره، أو لا حملا على أنه من زنا أو أن الشبهة منه وقد جرى النكاح في الظاهر على الصحة؟ الأقرب
كما قال الأذرعي الثاني، وجزم به في المطلب، وهو مأخوذ من كلام الروياني كما ذكرناه في الحمل المجهول بل هو
حمل مجهول فيأتي فيه الجمع المتقدم فيه. (وإن كان) وضعه (لستة) من أشهر فأكثر منها، (فالولد) وإن أمكن كونه من
الأول منسوب (للثاني) فيلحقه لأن فراشه موجود، وهو أقوى لصحة نكاحه ظاهرا. ولو قلنا إنه للأول لأبطلنا
ما صح بالاحتمال. (ولو نكحت) أي الثاني (في العدة) التي للأول (فاسدا) بأن ظن انقضاء العدة، أو أن المعتدة لا يحرم
نكاحها بأن كان قريب العهد بالاسلام، أو نشأ بعيدا عن العلماء ووطئها (فولدت) بعد ذلك (للامكان من الأول) دون
الثاني، بأن ولدته لدون ستة أشهر من الوطئ الثاني ولأربع سنين فأقل مما مر، (لحقه) أي لحق الولد الزوج الأول،
(وانقضت) عدته (بوضعه، ثم تعتد) ثانيا (للثاني) لأن وطأه وطئ شبهة. أما إذا علم بفسادها ولم يكن
كذلك فهو زان.
تنبيه: لو قال كالمحرر: ولو نكحت فاسدا كأن نكحت في العدة لكان أولى لأن النكاح في العدة لا يكون إلا فاسدا،
وقد يحترز بذلك عن أنكحة الكفار فإنهم إذا اعتقدوا ذلك صحيحا كان محكوما بصحته كما مر في بابه. (أو) ولدت
المنكوحة في العدة (للامكان من) الزوج (الثاني) دون الأول، بأن ولدته لستة أشهر فأكثر من الوطئ الثاني ولاكثر من أربع
سنين من إمكان العلوق قبيل الفراق، (لحقه) أي الثاني لما مر.
تنبيه: هذا إذا كان طلاق الأول بائنا، فإن كان رجعيا فقولان في الشرحين والروضة بلا ترجيح، أحدهما، وهو
ظاهر كلام المصنف: كذلك، والثاني: يعرض على القائف لأن زمن فراش الأول باق، وهذا هو الظاهر كما قال البلقيني
أنه الذي ينبغي الفتوى به ونقله عن نص الام. (أو) ولدت للامكان (منهما) أي الزوج الأول والثاني، بأن ولدته
لستة أشهر من وطئ الثاني ولدون أربع سنين من طلاق الأول، (عرض) الولد حينئذ (على القائف) وهو كما سيأتي آخر
كتاب الدعوى: مسلم عدل مجرب، ويعمل بقوله في إلحاق الولد حينئذ. (فإن ألحقه بأحدهما) الأول أو الثاني
(فكالامكان) أي حكمه كالامكان (منه فقط) وقد مر حكمه. واحترز بقوله: ألحقه بأحدهما عما إذا ألحقه بهما أو نفاه
عنهما أو اشتبه الامر عليه أو لم يكن قائف فينظر بلوغه وانتسابه بنفسه.
تنبيه: بقي في الأقسام عدم إمكان الولد منهما بأن كان لدون ستة أشهر من وطئ الثاني ولاكثر من أربع سنين من
طلاق الأول، فإنه لا يلحق بواحد منهما.
تتمة: لو وطئ معتدة عن وفاة بشبهة فأتت بولد يمكن كونه لكل منهما ولا قائف أو هناك قائف وتعذر إلحاقه
انقضت بوضعه عدة أحدهما وبقي عليها الأكثر من ثلاثة أقراء ومن بقية عدة الوفاء بالأشهر، فإن مضت الأولى قبل
تمام الثانية فعليها تمامها لاحتمال كونه من الأول.
فصل: في تداخل عدتي المرأة: إذا (لزمها فعليها تمامها لاحتمال كونه من الأول عدتا شخص) ولم يختلفا لكونهما (من جنس) واحد، (بأن طلق)
مثلا (ثم وطئ) ولم تحبل (في عدة أقراء أو أشهر جاهلا) فيما إذا كان الطلاق بائنا، كأن نسي طلاقها أو ظنها
391

زوجته الأخرى، (أو) وطئ جاهلا أو (عالما) لكن (في رجعية تداخلتا) أي العدتان بخلاف البائن، فإن وطئ العالم بها
وطئ زنا لا حرمة له. ثم أشار لتفسير التداخل بقوله: (فتبتدئ عدة) بأقراء أو أشهر (من) فراغ (الوطئ ويدخل فيها
بقية عدة الطلاق) لأن مقصود عدة الطلاق والوطئ. واحد فلا معنى للتعدد، وتكون تلك البقية واقعة عن الجهتين فله
الرجعة فيها في الطلاق الرجعي دون ما بعدها. (فإن) لم تتفق العدتان بأن كانتا من جنسين، بأن (كانت إحداهما حملا) وجد
قبل الطلاق أو بعده بوطئ بعده، (و) كانت (الأخرى أقراء) بأن طلقها وهي حامل ثم وطئها قبل الوضع أو طلقها وهي
حائل ثم وطئها في الأقراء فأحبلها، (تداخلتا) أيضا (في الأصح) لأنهما لشخص واحد فكانتا كالمتجانستين، (فتنقضيان
بوضعه) وهو واقع عن الجهتين سواء أرأت الدم مع الحمل أم لا، وإن لم تتم الأقراء قبل الوضع، لأن الأقراء إنما تعتد
بها إذا كانت مظنة الدلالة على براءة الرحم، وقد انتفى هنا للعلم باشتغال الرحم. وما قيد به البارزي وغيره وتبعهم
الشارح على ذلك من أن ذلك محله إذا لم ترى الدم أو رأته وتمت الأقراء قبل الوضع وإلا فتنقضي عدة الطلاق بالأقراء منعه
النشائي وغيره، قالوا: وكأنهم اغتروا بظاهر كلام الروضة من أن ذلك مفرع على قولي التداخل وعدمه، والحق
أنه مفرع على الضعيف وهو عدم التداخل كما صرح به الماوردي والغزالي والمتولي وصاحبا المهذب والبيان وغيرهم.
وكلام الرافعي في الشرح الصغير وتعليله في الكبير انقضاء العدة بالأقراء مع الحمل بأن الحكم بعدم التداخل ليس إلا
لرعاية صورة العدتين تعبدا وقد حصلت، يدل على ذلك كما قاله النشائي وغيره. (ويراجع) الزوج في عدة طلاق رجعي
(قبله) أي الوضع ولو كان الحمل من الوطئ في العدة، لأنها في عدة الطلاق وإن لزمها عدة أخرى. والثاني: لا يتداخلان
لأنهما جنسان، كما لو زنى بكرا ثم ثيبا. (وقيل إن) كانت تعتد بالأقراء عن طلاق رجعي و (كان الحمل من الوطئ) في
أثناء الأقراء (فلا) يراجع قبل وضعه، بناء على أن عدة الطلاق قد سقطت بالوطئ. (أو) لزمها عدتان (لشخصين بأن كانت عدة زوج، أو)
في عدة وطئ (شبهة فوطئت بشبهة) والواطئ غير صاحب العدة، (أو) وطئت في (نكاح فاسد
أو كانت زوجة معتدة عن شبهة فطلقت) بعد وطئ الشبهة، (فلا تداخل) خلافا لأبي حنيفة، لاثر عن عمر وعلي رواه
الشافعي رضي الله تعالى عنهم، لتعدد المستحق كما في الديتين. (فإن كان حمل قدمت عدته) سواء أتقدم سببه أو تأخر
كما صرح به في المحرر، لأن عدة الحمل لا تقبل التأخير، فإن كان من المطلق ثم وطئت بشبهة انقضت عدة الحمل ثم تعتد
للشبهة بالأقراء بعد طهرها من النفاس، له الرجعة قبل الوضع إلا وقت وطئ الشبهة كما قاله الروياني وأقراه، فلا يراجعها
فيه لخروجها حينئذ من عدته بكونها فراشا للواطئ. وإن كان الحمل من وطئ الشبهة أتمت بقية عدة الطلاق أو
استأنفتها بعد الوضع، وله رجعتها في تلك البقية بعد الوضع ولو في مدة النفاس لأنها من جملة العدة كالحيض الذي
يقع فيه الطلاق، كذا علل به الرافعي، وفي كون مدة النفاس والحمل من جملة العدة تجوز. وهل له الرجعة
قبل الوضع إذا كان الطلاق رجعيا؟ وجهان أحدهما لا، لأنها في عدة غيره، وأصحهما كما صححه البلقيني وابن
المقري نعم، لأنها وإن لم تكن الآن في عدة الرجعية فهي رجعية حكما، ولهذا يثبت التوارث قطعا. وهل له تجديد
نكاحها إذا كان الطلاق بائنا؟ وجهان أيضا أصحهما كما جزم به الماوردي المنع. والفرق بينه وبين الرجعة أن
التجديد ابتداء نكاح والرجعة شبيهة باستدامة النكاح. وإذا راجع قبل الوضع فليس له التمتع بها حتى تضع كما في
الروضة كأصلها.
تنبيه: لو اشتبه الحمل فلم يدرأ من الزوج هو أم من الشبهة جدد النكاح قبل وضع الحمل وبعده، بأن يجدده
392

مرتين مرة قبل الوضع ومرة بعده ليصادف التجديد عدته يقينا، فلا يكفي تجديده مرة لاحتمال وقوعها في عدة
غيره. فإن بان بإلحاق القائف أنها وقعت في عدته اكتفى بذلك، وللحامل المشتبه حملها نفقة مدة الحمل على زوجها
إن ألحق القائف الولد به ما لم تصر فراشا لغيره بنكاح فاسد فتسقط نفقتها إلى التفريق بينهما لنشوزها، وليس لها
مطالبته قبل اللحوق، إذ النفقة لا تلزم بالشك، فإن لم يلحقه به القائف أو لم يكن قائف فلا نفقة عليه، ولا للرجعة مدة
كونها فراشا للواطئ. (وإلا) أي وإن لم يكن حمل، (فإن سبق الطلاق) وطأها بشبهة (أتمت عدته) لتقدمها
وفوتها لأنها تستند إلى عقد جائز وسبب مسوغ، (ثم استأنفت) عقب فراغها من عدة الطلاق العدة (الأخرى)
وهي عدة وطئ الشبهة، (وله) أي المطلق (الرجعة في عدته) إن كان الطلاق رجعيا وتجديد النكاح إن كان الطلاق
بائنا لأنها في عدة طلاقه. ويأتي في وقت الوطئ ما مر عن الروياني. (فإذا راجع) فيها أو جدد، (انقضت) عدته
(وشرعت) حينئذ (في عدة الشبهة، و) ما دامت في عدتها (لا يستمتع بها) الزوج بوطئ جزما، وبغيره على المذهب
لأنها معتدة من غيره، فإن وطئها لم تنقطع عدة الشبهة، إذ لا عبرة بوطئه كالزنا (حتى تقضيها، وإن سبقت الشبهة)
طلاقها بأن وطئت بشبهة ثم طلقت، (قدمت عدة الطلاق) في الأصح لقوتها كما مر، (وقيل) قدمت عدة (الشبهة)
لسبقها ثم تعتد عن الطلاق.
تتمة: لو كانت العدتان من شبهة ولا حمل قدمت الأولى لتقدمها. ولو نكح شخص امرأة نكاحا فاسدا ثم وطئها
شخص آخر بشبهة قبل وطئه أو بعده ثم فرق بينهما قدمت عدة الواطئ بالشبهة لتوقف عدة النكاح الفاسد على
التفريق بخلاف عدة الشبهة فإنها من وقت الوطئ وليس للفاسد قوة الصحيح حتى يرجح بها. ولو نكحت فاسدا بعد
مضي قرءين ولم يفرق بينهما إلى مضي سن اليأس أتمت العدة الأولى بشهر بدلا عن القرء الباقي، وهذا هو المنقول
الموعود به فيما مر، ثم اعتدت للفاسد بثلاثة أشهر، فإن كان ثم حمل فعدة صاحبه مقدمة مطلقا تقدم الحمل أو تأخر، لأن
عدته لا تقبل التأخير كما مر. وحيث كانت العدتان من وطئ الشبهة كان لكل من الواطئين تجديد النكاح في عدته
دون عدة الآخر. ولو تزوج حربي حربية معتدة من حربي آخر ووطئها أو وطئها بشبهة ثم أسلمت معه أو ترافعا إلينا
بعد دخولهما بأمان، كفاها عدة واحدة من وقت وطئه لضعف حقوقهم وعدم احترام مائهم، فيراعى أصل العدة ويجعل
جميعهم كشخص واحد كما نص عليه الشافعي رضي الله عنه في الام والمختصر وقطع به جمع ورجحه آخرون، ورجح
آخرون خلافه كما في المسلمين، وعلى الأول تسقط بقية العدة الأولى فلا رجعة للأول إن أسلم، وللثاني أن ينكحها فيها
لأنها في عدته دون الأول. فإن حملت من الأول لم تكفها عدة واحدة فتعتد للثاني بعد الوضع، وإن حملت من الثاني
كفاها وضع الحمل وتسقط بقية الأولى. وإن لم يسلم الثاني معها ولم يترافعا إلينا بعد دخولهما بأمان أتمت عدة الأول
واستأنفت عدة للثاني، لأن العدة الثانية ليست هنا أقوى حتى يسقط بقية الأولى أو تدخل فيها، بخلاف ما لو أسلم
معها أو دونها.
فصل: في معاشرة المطلق المعتدة: إذا (عاشرها كزوج) بخلوة ولو بدخول دار هي فيها ونوم ولو في الليل
فقط وأكل ونحو ذلك، (بلا وطئ) لها (في عدة أقراء أو أشهر فأوجه، أصحها: إن كانت بائنا انقضت) عدتها بما
ذكر، لأن مخالطتها محرمة بلا شبهة فأشبهت المزني بها فلا أثر للمخالطة. (وإلا) بأن كانت رجعية (فلا) تنقضي
393

عدتها وإن طالت المدة، لأن الشبهة قائمة وهو بالمخالطة مستفرش لها فلا يحسب زمن الافتراش من العدة، كما
لو نكحت غيره في العدة وهو جاهل بالحال لا يحسب زمن افتراشه من العدة، ولا يضر دخول دار هي فيها بلا خلوة.
والثاني: لا تنقضي مطلقا، لأنها بالمعاشرة كالزوجة. والثالث: عكسه، لأن هذه المخالطة لا توجب عدة.
تنبيه: أفهم تعبيره بنفي الوطئ أنه لا يضر مع ذلك الاستمتاع بها، وهو كذلك، وإن ألحقه الإمام بالوطئ.
(ولا رجعة بعد الأقراء والأشهر) وإن لم تنقض بها العدة احتياطا، وهذا ما نقله في المحرر عن المعتبرين، وفي الشرح
الصغير عن الأئمة والذي أفتى به البغوي تبعا لشيخه القاضي حسين أن له الرجعة، وقال في المهمات: إنه المعروف من
المذهب المفتي به، وقال الأذرعي: إنه لا شك فيه، قال: وقد صار فقهاء العصر وقضاته لا يعرفون غير ما ذكره المصنف
ولا يفتى ويحكم إلا به، فاعتمد ما حققته لك ترشد إن شاء الله اه‍. وبالجملة فالمعتمد ما ذكره المصنف. (قلت: ويلحقها)
حيث حكم بعدم انقضاء عدتها بما ذكر، (الطلاق) أي طلقة ثانية وثالثة إن كان طلقها طلقة فقط، (إلى انقضاء
العدة) كما قال الرافعي أنه مقتضى الاحتياط، أي فلا يشكل على ما صحح من منع الرجعة. وخرج بقول المصنف: بلا وطئ
ما إذا وطئ، فإنه إن كان الطلاق بائنا لم يمنع انقضاء العدة فإنه زنا لا حرمة له، وإن كان رجعيا امتنع المضي في العدة
ما دام يطؤها لأن العدة لبراءة الرحم وهي مشغولة، واحترز بقوله: في عدة أقراء وأشهر عن الحمل، فإن المعاشرة لا تمنع
انقضاء العدة به بحال. (ولو عاشرها أجنبي) بلا وطئ (انقضت) عدتها مع معاشرته لها (والله أعلم) فإن وطئها عالما بلا
شبهة فهو زان أو بها فهو موجب للعدة كما سبق، وإن عاشرها بشبهة ففي الروضة كأصلها يجوز أن يمنع الاحتساب كما
مر أنها في زمن الوطئ بالشبهة خارجة عن العدة.
تنبيه: يستثنى من إطلاقه ما لو طلق زوجته الأمة وعاشرها سيدها، فإن فيه الاختلاف السابق حتى لا تنقضي
في الرجعية.
فرع: لو طلق زوجته ثلاثا، ثم تزوجها ووطئها في العدة ظانا انقضاءها وتحللها بزوج آخر لم تنقض العدة كالرجعية
(ولو نكح معتدة بظن الصحة) لنكاحها (ووطئ انقطعت) عدتها بالوطئ لحصول الفراش به، وتنقطع العدة (من
حين وطئ) لأن العقد الفاسد لا حرمة له، فلا تصير المرأة فراشا إلا بالوطئ، بخلاف ما إذا لم يطأ فإن العدة لا تنقطع
وإن عاشرها لانتفاء الفراش. (وفي قول أو وجه من العقد) لاعراضها عن الأول بعقد النكاح
تنبيه: ترديده في الخلاف تبع فيه المحرر، ورجح في الشرحين كونها وجها، وجزم به في الروضة. فإن قيل: هذه
المسألة مكررة لذكرها في قول المتن سابقا: ولو نكحت في العدة فاسدا. أجيب بأنها ذكرت هنا لبيان وقت انقضاء
العدة الأولى وهناك لتصوير عدتين من شخصين. (ولو راجع) في العدة (حائلا) وطئها بعد رجعتها أم لا، (ثم طلق
استأنفت) عدة في الجديد لعودها بالرجعة إلى النكاح الذي وطئت فيه. (وفي القديم) لا تستأنف بل (تبني) على ما سبق
من عدتها قبل الرجعة، (إن لم يطأ) ها بعد الرجعة، كما لو أبانها ثم جدد نكاحها وطلقها قبل أن يمسها. واحترز براجع
عما لو طلقها رجعية قبل مراجعتها، فإنها تبني على المذهب، لأنهما طلاقان لم يتخللهما وطئ ولا رجعة فصار كما لو
طلقها طلقتين معا.
تنبيه: تبع في حكاية البناء قولا قديما للروضة تبعا لابن الصباغ، لكن الشافعي نص على القولين في الام.
(أو) راجع في العدة (حاملا) ثم طلقها، (فبالوضع) تنقضي عدتها وطئها بعد رجعتها أم لا، لأن البقية إلى الوضع
394

تصلح أن تكون عدة مستقلة. (فلو وضعت ثم طلق استأنفت، وقيل: إن لم يطأ) ها بعد الوضع أو قبله (فلا عدة) عليها
ويحكم بانقضاء عدتها بالوضع وإن كان في صلب النكاح.
تنبيه: التقييد ببعد الوضع لم يذكره في المحرر ولا في الروضة، فكان الأولى للمصنف حذفه كما يعلم مما قدرته. (ولو
خالع موطوءة) له (ثم نكحها) في أثناء عدته (ثم) مات أو (وطئ ثم طلق) أو خالع ثانيا، (استأنفت) عدة لأجل ما ذكر،
(ودخل فيها البقية) من عدتها السابقة وإن اختلف الجنس لأنهما لواحد.
تنبيه: اقتضى كلامه صحة نكاح المختلعة في عدته وهو المذهب، وأن النكاح بقطع العدة الأولى وهو الأصح.
واحترز بقوله: وطئ عما لو طلق قبل الوطئ فإنها تبني على العدة الأولى، ولا عدة لهذا الطلاق وعليه فيه نصف المهر
فقط لأنه في نكاح جديد طلقها فيه قبل الوطئ، فلا يتعلق به عدة بخلاف ما مر في الرجعية. واعترض قول المصنف:
ودخل فيها البقية بأنه لم يبق عدة بعد النكاح والوطئ حتى يدخل في غيرها، وقد اعترض الفارقي بهذا على عبارة
المهذب.
تتمة: لو أحبل امرأة بشبهة ثم نكحها ومات أو طلقها بعد الدخول بها هل تنقضي عدة الشبهة وعدة الوفاء
بالوضع لأنهما من شخص واحد، أو بالأكثر منه ومن عدة الوفاة في الأولى وعدة الطلاق في الثانية؟ وجهان،
أوجههما كما قال شيخنا الأول. ولو طلق زوجته الأمة ثم اشتراها انقطعت العدة في الحال على ظاهر المذهب وحلت له
وتبقى بقية العدة عليها حتى يزول ملكه، فحينئذ تقضيها، حتى ولو باعها أو عتقها لا يجوز تزويجها حتى تنقضي بقية
العدة، قاله المتولي وغيره. ثم ترجم المصنف للضرب الثاني من ضربي العدة وهو المتعلق بفرقة ميت ويذكر معه المفقود
والاحداد بفصل فقال:
فصل: عدة حرة حائل أو حامل بحمل لا يلحق صاحب العدة، (لوفاة وإن لم توطأ) أو كانت صغيرة أو زوجة
صبي أو ممسوح، (أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها) لقوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم) * إلى * (وعشرا) * وهو محمول على الغالب
من الحرائر لما سيأتي وعلى الحائلات بقرينة الآية الآتية، وكالحائلات الحاملة من غير الزوج كما مر. وهذه الآية
ناسخة لقوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول) *. فإن قيل: شرط الناسخ
أن يكون متأخرا عن المنسوخ مع أن الآية الأولى متقدمة وهذه متأخرة. أجيب بأنها متقدمة في التلاوة متأخرة في النزول.
وتعتبر الأشهر بالأهلة ما أمكن ويكمل المنكسر بالعدد كنظائره، فإن خفيت عليها الأهلة كالمحبوسة اعتدت بمائة وثلاثين
يوما. وإنما لم يعتبر هنا الوطئ كما في عدة الحياة، لأن فرقة الوفاة لا إساءة فيها من الزوج فأمرت بالتفجع عليه وإظهار
الحزن بفراقه، ولهذا وجب الاحداد كما سيأتي، ولأنها قد تنكر الدخول ولا منازع بخلاف المطلقة، ولان مقصودها
الأعظم حفظ حق الزوج دون معرفة البراءة، ولهذا اعتبرت بالأشهر.
تنبيه: إنما قال: بلياليها لأن الأوزاعي والأصم قالا: تعتد بأربعة أشهر وعشر ليال وتسعة أيام، قالا: لأن العشر
تستعمل في الليالي دون الأيام. ورد بأن العرب تغلب صيغة التأنيث في العدد خاصة، فيقولون سرنا عشرا، ويريدون به
الليالي والأيام. وهذا يقتضي أنه لو مات في أثناء الليل ليلة الحادي والعشرين من الشهر أو مع فجر ذلك اليوم أن هذه
العشرة التي هي آخر الشهور لا تكفي مع أربعة أشهر بالهلال بل لا بد من تمام تلك الليلة، والذي يظهر أن ذلك يكفي.
ويحمل العشر في الآية الكريمة على الأيام، لأن المعدود إذا حذف جاز إثبات التاء وحذفها. (و) عدة (أمة) أو حامل بمن
لا يلحق صاحب العدة (نصفها) أي المذكورة، وهو شهران وخمسة أيام بلياليها، لأنها على النصف من الحرة.
وهو ممكن القسمة كما مر في الاعتداد بالشهور. ويأتي في الانكسار والخفاء ما مر.
395

تنبيه: سكتوا عن المبعضة، والظاهر كما قال الأذرعي أنها كالقنة. ولو عتقت الأمة مع موته اعتدت كحرة كما
بحثه الأذرعي. (وإن مات عن) مطلقة (رجعية انتقلت إلى) عدة (وفاة) بالاجماع كما حكاه ابن المنذر، فتلغو أحكام الرجعة
وسقطت بقية عدة الطلاق فتسقط نفقتها وتثبت أحكام عدة الوفاة من إحداد وغيره. (أو) مات عن مطلقة (بائن فلا)
تنتقل لعدة وفاة، لأنها ليست زوجة فتكمل عدة الطلاق ولا تحد، ولها النفقة إن كانت حاملا كما في الروضة وأصلها هنا
لقوله تعالى: * (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) *. وذكر في النفقات أنه لا نفقة لها إذا مات عنها وهي
حامل، وفرق بينهما بأنها هنا وجبت قبل الموت فاعتبر بقاؤها في الدوام، لأنه أقوى من الابتداء وعدة الوفاة
والاحداد لا يلزمان أم الولد وفاسدة النكاح والموطوءة بشبهة، لأن ذلك من خصائص النكاح الصحيح. ولو علق
طلاقها البائن بموته فالظاهر كما قال الزركشي أنها تعتد عدة الوفاة وإن أوقعنا الطلاق قبيل الموت وقلنا لا ترث احتياطا
في الموضعين. (و) عدة وفاة (حامل بوضعه) أي الحمل، (بشرطه السابق) وهو انفصال كله حتى ثاني توأمين وإمكان
نسبته إلى الميت، لقوله تعالى: * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * فهو مقيد بالآية السابقة، ولقوله (ص)
لسبيعة الأسلمية وقد وضعت بعد موت زوجها بنصف شهر: قد حللت فانكحي من شئت متفق عليه.
تنبيه: لا يأتي هنا قول المصنف فيما سبق: ولو احتمالا كمنفي بلعان لما مر أن الملاعنة كالبائن فلا تنتقل إلى عند الوفاة.
(فلو مات صبي) لا يولد لمثله (عن حامل فبالأشهر) تعتد بالوضع، لأنه منفي عنه يقينا لعدم إنزاله (وكذا) لو مات
(ممسوح) - وهو المقطوع جميع ذكره وأنثييه - عن حامل، فتعتد بالأشهر لا بالوضع، وعلل ذلك بقوله: (إذ لا يلحقه) ولد
(على المذهب) لأنه لا ينزل، فإنه قيل: الأنثيين محل المني الذي يتدفق بعد انفصاله من الظهر ولم يعهد لمثله ولادة، وقيل:
يلحقه، وبه قال الإصطخري والقاضيان الحسين وأبو الطيب، لأن معدن الماء الصلب، وهو ينفذ من ثقبة إلى الظاهر
وهما باقيان. وحكي أن أبا عبيدة بن حربويه قلد قضاء مصر وقضى به، فحمله الممسوح على كتفه وطاف به الأسواق،
وقال: انظروا إلى هذا القاضي يلحق أولاد الزنا بالخدام (ويلحق) الولد (مجبوبا) قطع جميع ذكره (وبقي أنثياه،
فتعتد) لوفاته أو إطلاقه زوجته الحامل (به) أي الوضع كالفحل لبقاء أوعية المني وما فيها من القوة المحيلة للدم. والذكر
آلة توصل الماء إلى الرحم بالايلاج، وقد يصل بلا إيلاج، ولا يخالف هذا قول الروضة والشرح في أول الباب:
إن عدة الطلاق لا تجب على زوجة من جب ذكره وبقي أنثياه لأنها إنما تجب بعد الدخول، ولا يتصور منه دخول،
لأن ذاك فيما إذا لم يكن حمل. (وكذا مسلول) خصيتاه و (بقي ذكره به) يلحقه الولد فتنقضي بوضعه عدة
الوفاة والطلاق
(على المذهب) لأن آلة الجماع باقية. وقيل: لا يلحقه، لأنه لا ماء له. ودفع بأنه قد يبالغ في الايلاج فيلتذ وينزل ماء
رقيقا. وقيل: يراجع أهل الخبرة فإن قالوا يولد لمثله لحقه وإلا فلا. (ولو طلق إحدى امرأتيه) معينة أو مبهمة
كقوله: إحداكما طالق ونوى معينة أم لا، (ومات قبل بيان) للمعينة (أو تعيين) للمبهمة، (فإن كان) قبل
موته (لم يطأ) واحدة منهما، (اعتدتا لوفاة) بأربعة أشهر وعشرة أيام احتياطا، لأن كل واحدة منهما كما يحتمل
أن تكون مفارقة بالطلاق يحتمل أن تكون مفارقة بالموت. (وكذا إن وطئ) كلا منهما (وهما ذواتا أشهر) في
طلاق بائن أو رجعي، (أو) هما ذواتا (أقراء والطلاق رجعي) هو قيد في الأقراء، فتعتد كل منهما عدة وفاة وإن
احتمل أن لا يلزمها إلا عدة الطلاق التي هي أقل من عدة الوفاة في ذات الأشهر، وكذا ذات الأقراء،
396

بناء على الغالب من أن كل شهر لا يخلو عن حيض وطهر أخذا بالاحتياط أيضا، وقد مر أن الرجعية تنتقل إلى عدة
الوفاة أيضا. ولا يلتفت بيان الوارث هنا كما يؤخذ من إطلاقهم وإن بحث ابن الرفعة خلافه. (فإن كان) الطلاق (بائنا)
في ذوات الأقراء، (اعتدت كل واحدة) منهما (بالأكثر من عدة وفاة وثلاثة من أقرائها) لأن كل واحدة وجب عليها عدة
واشتبهت عليها بعدة أخرى، فوجب أن تأتي بذلك لتخرج عما عليها بيقين، كمن أشكلت عليه صلاة من صلاتين يلزمه أن
يأتي بهما. (وعدة الوفاة من الموت) تحسب جزما. (والأقراء) بالرفع بخطه، تحسب (من الطلاق) على الصحيح في الروضة،
لأن كلا منهما وقت الوجوب، ولو مضى
قرء أو قرءان من الطلاق ثم مات الزوج فعليها الأقصى ما عدة الوفاة ومن قرء أو قرءين من أقرائها لبينونة إحداهما بالطلاق. فإن قيل: إن هذا في الطلاق المبهم أنما يأتي على مرجوح، وهو أن
العدة من الطلاق، وقد مر في الطلاق أن الصحيح أنها إنما تحسب من التعيين. أجيب بأنه لما يئس من التعيين اعتبر السبب
وهو الطلاق، وتقتصر الحامل منهما على الوضع، لأن عدتها لا تختلف بالتقديرين، فإن وطئ إحداهما فقط فلكل
حكمه. ولو أسلم كافر وتحته أختان مثلا أو أكثر من أربع نسوة ومات قبل اختيار فعلى كل واحدة أن تعتد بأكثر
العدتين. ثم شرع في حكم المفقود فقال: (ومن غاب) عن زوجته أو لم يغب عنها، بل فقد في ليل أو نهار، أو انكسرت
به سفينة أو نحو ذلك (وانقطع خبره) بأن لم يعرف حاله، (ليس لزوجته نكاح) لغيره (حتى يتيقن موته) أو يثبت بما مر
في الفرائض. (أو) يتيقن (طلاقه) على الجديد، لما روي عن الشافعي رضي الله تعالى عنه عن علي رضي الله عنه أنه قال:
امرأة المفقود ابتليت فلتصبر ولا تنكح حتى يأتيها يعني موته، قال الشافعي: وبه نقول. ومثل ذلك لا يقال إلا عن
توقيف، ولان الأصل بقاء الحياة. والمراد باليقين الطرف الراجح حتى لو ثبت ما ذكر بعدلين كفى، وسيأتي إن
شاء
الله تعالى في الشهادات الاكتفاء في الموت بالاستفاضة مع عدم إفادتها اليقين. ولو أخبرها عدو ولو عبدا أو امرأة
بموت زوجها حل لها فيما بينها وبين الله تعالى أن تتزوج، لأن ذلك خبر لا شهادة.
تنبيه: أطلق في الروضة كأصلها الجديد هنا وقيداه في الفرائض بما إذا لم تمض مدة يغلب على الظن أنه لا يعيش
فوقها، قالا: فإن مضت فمفهوم كلام الأصحاب أن لها التزويج كما يقسم ماله قطعا، وهذا يعلم مما قدرته في كلامه.
(وفي القديم تربص) بحذف إحدى التاءين، أي تتربص زوجة الغائب المذكور (أربع سنين) من وقت انقطاع خبره،
(ثم تعتد لوفاة) بأربعة أشهر وعشرة أيام، (وتنكح) غيره، لقضاء عمر رضي الله عنه بذلك. قال البيهقي: ويروى
مثله عن عثمان وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، ولان للمرأة الخروج من النكاح بالجب والعنة لفوات الاستمتاع،
وهو هنا حاصل.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف الاكتفاء بالأربع من حين موته من غير ضرب قاض، وهو أحد وجهين، وأصحهما
أنه لا بد من ضرب القاضي، وإذا ضربها بعد ثبوت الحال ومضت المدة فلا بد من حكمه بوفاته وبحصول الفرقة. وهل
ينفذ حكمه بها ظاهرا وباطنا كفسخه بالعنة أو باطنا فقط؟ وجهان، قال المصنف في الروضة: أصحهما وترك بياضا
ولم يصحح شيئا. قال الأذرعي: والأشبه بالمذهب ترجيح نفوذه ظاهرا فقط. قال الزركشي: والمستولدة كالزوجة،
وأن الزوجة المنقطعة الخبر كالزوج حتى يجوز له نكاح أختها وأربع سواها. (فلو حكم بالقديم) أي بما تضمنه من وجوب
التربص أربع سنين ومن الحكم بوفاته وبحصول الفرقة بعد هذه المدة (قاض، نقض) حكمه (على الجديد في الأصح)
397

لمخالفته القياس الجلي، فإنه لا يحكم بوفاته في قسمة ميراثه وعتق أم ولده قطعا ولا فارق بينهما وبين فرقة النكاح. قال
القاضي والإمام: رجع الشافعي عن القديم، وقال في الجديد: إن حكم به قاض نقض قضاؤه إن بان له أن تقليد الصحابي
لا يجوز للمجتهد. والثاني: لا ينقض حكمه لشبهة الخلاف.
تنبيه: حيث قلنا بالجديد نفذ في الزوجة طلاق المفقود وظهاره وإيلاؤه وسائر تصرفات الزوج في زوجته للحكم
بحياته سواء أكان قبل الحكم بالفرقة أم بعدها. ويسقط بنكاحها غيره نفقتها عن المفقود لأنها ناشزة به وإن كان
فاسدا، ويستمر السقوط حتى يعلم المفقود عودها إلى طاعته وأنه فرق بينهما واعتدت وعادت إلى منزله، لأن النشوز
إنما يزول حينئذ، ولا نفقة لها على الزوج الثاني إذ لا زوجية بينهما، ولا رجوع له بما أنفقه عليها لأنه متبرع إلا
فيما أنفقه بحكم حاكم. (ولو نكحت) زوجة المفقود (بعد التربص و) بعد (العدة) وقبل ثبوت موته أو طلاقه،
(فبان) الزوج (ميتا) وقت الحكم بالفرقة، (صح) نكاحها (على الجديد) أيضا (في الأصح) اعتبارا بما في
نفس الامر، فأشبه ما لو باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا. والثاني: لا يصح، لفقد العلم بالصحة حال العقد. وقياس
الأول ممنوع بما تقدم من عدم صحة نكاح المرتابة إذا حصلت الريبة في العدة ثم نكحت بعد مضي الأقراء مع بقاء
الريبة وإن بان أن النكاح صادف البينونة، وأيضا فقد جعلوا الشك في حال المنكوحة من موانع النكاح. وقد يجاب
بأن هذا لما استند إلى حكم حاكم خف أمره. أما إذا بان حيا بعد أن نكحت فالزوج الأول باق على زوجتيه،
لكن لا يطؤها حتى تعتد من الثاني. ولو أتت بولد ولم يدعه المفقود لحق بالثاني عند الامكان لتحقق براءة الرحم من
المفقود بمضي المدة المذكورة. ولو لم تتزوج وأتت بولد بعد أربع سنين لم يلحق بالمفقود لذلك، فإن قدم المفقود وادعاه
لم يعرض على القائف حتى يدعي وطئا ممكنا في هذه المدة، فإن انتفى عنه ولو بعد الدعوى به والعرض على القائف كان
له منعها من ارضاعه غير اللبأ الذي لا يعيش إلا به إن وجد مرضعة غيرها وإلا فلا يمنعها منه. وإذا جاز له المنع ومنعها
فخالفت وأرضعته في منزل المفقود ولم تخرج منه ولا وقع خلل في التمكين لم تسقط نفقتها عنه وإلا سقط. ثم شرع في
حكم الاحداد فقال: (ويجب الاحداد) الآتي بيانه (على معتدة وفاة) لخبر الصحيحين: لا يحل لامرأة تؤمن بالله
واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا. قال الرافعي: قال الأئمة: قوله: إلا على
زوج مستثنى من قوله: لا يحل، وظاهره لا يقتضي الجواز، لكن أجمعوا على أنه أراد الوجوب، وأنه استثنى الواجب
من الحرام اه‍. ونقض دعوى الاجماع بأن في الشامل عن الحسن البصري أنه مستحب لا واجب.
تنبيه: التقييد بإيمان المرأة جرى على الغالب، لأن غيرها ممن لها أمان يلزمها الاحداد، وكذا الأربعة أشهر
وعشر فإن ذلك في الحائل. وأما الحامل فتحد مدة بقاء حملها كما قاله شيخنا في حاشيته على البخاري، وعلى ولي
الصغيرة والمجنونة منعهما مما يمنع منه غيرهما. وقول المصنف: على معتدة وفاة قال الزركشي: أحسن من قول غيره
المتوفى عنها لشموله فرعا حسنا، وهو ما لو مات عنها وهي حامل بشبهة وقلنا إنها تعتد عنه ثم تنتقل للوفاة لا يجب الاحداد
في مدة الحمل، وتعبير المصنف يومئ إليه. (لا) زوجة معتدة (رجعية) فلا يجب عليها الاحداد قطعا لبقاء أكثر
أحكام النكاح فيها، ويسن لها الاحداد كما جرى عليه ابن المقري، ونقله الرافعي عن أبي ثور عن الشافعي رضي الله
تعالى عنه، ثم نقل عن بعض الأصحاب رضي الله عنهم أجمعين أن الأولى لها أن تتزين بما يدعو الزوج إلى رجعتها،
وضعف هذا باحتمال أن يظن أنها فعلت ذلك إظهارا للفرح بفراقه، وعلى تقدير صحته فينبغي تخصيصه بمن ترجو عوده.
(ويستحب) الاحداد (لبائن) بخلع أو غيره لئلا تدعو الزينة إلى الفساد. (وفي قول) قديم وأشار إليه في الام أيضا:
(يجب) الاحداد كالمتوفى عنها زوجها بجامع الاعتداد عن نكاح. ودفع هذا بأنها إن فورقت بطلاق فهي مجفوة به،
أو بفسخ فالفسخ منها، أو لمعنى فيها فلا يليق بها فيهما إيجاب الاحداد، بخلاف المتوفى عنها زوجها. وخرج بالزوجة
398

الموطوءة بشبهة وبنكاح فاسد وأم الولد، والمفسوخ نكاحها بعيب ونحوه فلا يسن لهن الاحداد كما مر (وهو) أي
الاحداد بحاء مهملة من أحد، ويقال فيه: الحداد من حد، لغة المنع، لأن المحددة تمنع نفسها مما سيأتي. وقيل بالجيم
من جددت الشئ قطعته، فكأنها انقطعت عن الزينة. وشرعا: (ترك لبس مصبوغ لزينة) لحديث أبي داود بإسناد
حسن: المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل.
تنبيه: قوله: لزينة متعلق بمصبوغ، أي إن كان المصبوغ مما يقصد للزينة كالأحمر والأصفر، وكذا الأخضر
والأزرق الصافيين، وفي الحديث تنبيه عليه حيث ذكر المعصفر. والمشقة، وهي المصبوغة بالمشق، وهي بكسر الميم:
المغرة، بفتحها، ويقال: طين أحمر يشبهها. ولو أراد مطلق الصبغ لم يكن للتقييد بهذين النوعين فائدة، ونعته بقوله:
(وإن خشن) أي المصبوغ، على أن فيه خلافا، والمشهور عدم الجواز. (وقيل يحل ما صبغ غزله ثم نسج) كالبرود،
لخبر: لا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب وهو بفتح العين وإسكان الصاد المهملتين: ضرب من برود اليمن يعصب
غزله، أي يجمع ثم يشد، ثم يصبغ معصوبا، ثم ينسج. ورد هذا بأنه معارض برواية: ولا ثوب عصب وفي
رواية لأبي داود مكان إلا ثوب عصب، إلا مغسولا فتعارضت الروايات. أو يؤول بالصبغ الذي لا يحرم كالأسود،
لأن الذي يصبغ قبل النسج أحسن من الذي يصبغ بعده غالبا، لأن الغالب أنه لا يصبغ قبل النسج إلا الرفيع. (ويباح غير
مصبوغ من قطن وصوف وكتان) ولو اختلف لونه الخلقي وكان نفيسا، لأن تقييده (ص) الثوب بالمصبوغ
يفهم أن غير المصبوغ مباح، ولان نفاستها من أصل الخلقة لا من زينة دخلت عليها كالمرأة الحسناء لا يلزمها أن تغير
لونها بسواد ونحوه. (وكذا) يباح لها (إبريسم) أي حرير لم يصبغ (في الأصح) إذا لم يحدث فيه زينة كالكتان.
والثاني: يحرم. لأن لبسه تزيين، ولها لبس الخز قطعا لاستتار الإبريسم فيه بالصوف ونحوه. (و) يباح (مصبوغ
لا يقصد لزينة) كالأسود، وكذا الأزرق والأخضر المشبعان المكدران لأن ذلك لا يقصد للزينة، بل لنحو حمل
وسخ أو مصيبة.
تنبيه: حاصل ذلك أن ما صبغ لزينة يحرم، وما صبغ لا لزينة كالأسود لم يحرم لانتفاء الزينة عنه، فإن تردد
بين الزينة وغيرها كالأخضر والأزرق. فإن كان براقا صافي اللون حرم لأنه مستحسن يتزين به، أو كدرا أو مشبعا أو
أكهب بأن يضرب إلى الغبرة فلا لأن المشبع من الأخضر والأزرق يقارب الأسود، ومن الأزرق يقارب الكحلي،
ومن الأكهب يقاربهما. (ويحرم) عليها الطراز على الثوب إن كبر، وأما إن صغر فإن ركب على الثوب فكذلك، وإن نسج
مع الثوب فلا كما جزم به في الأنوار. ويحرم عليها (حلي ذهب وفضة) سواء أكان كبيرا كالخلخال والسوار أو صغيرا
كالخاتم والقرط، لما روى أبو داود والنسائي بإسناد حسن أن النبي (ص) قال: المتوفى عنها زوجها لا تلبس
الحلي ولا تكتحل ولا تختضب والحلي بفتح الحاء وإسكان اللام جمعه حلي بضم الحاء وكسر اللام، ومراد المصنف
المفرد، وإنما حرم ذلك لأنه يزيد في حسنها كما قيل:
وما الحلي إلا زينة لنقيصة * يتمم من حسن إذا الحسن قصرا
فأما إذا كان الجمال موفرا * كحسنك لم يحتج إلا أن يزورا
تنبيه: أطلق المصنف تحريم الحلي من غير فرق بين ليل ونهار، والذي في الشروح والروضة أنه يجوز لها
لبسه ليلا لحاجة كالاحراز له بلا كراهة وبكراهة من غير حاجة. فإن قيل: لبس المصبوغ يحرم ليلا، فهلا كان هناك
كذلك أجيب بأن ذلك يحرك الشهوة بخلاف الحلي. وأما لبسه نهارا فحرام إلا إن تعين طريقا لاحرازه فيجوز للضرورة
كما قاله الأذرعي. والتقييد بالذهب والفضة يفهم جواز التحلي بغيرهما كنحاس ورصاص، وهو كذلك إلا أن تعود
399

قومها التحلي بهما، أو أشبها الذهب والفضة بحيث لا يعرفان إلا بتأمل أوخموها بهما فإنهما يحرمان، قال الأذرعي:
والتمويه بغير الذهب والفضة، أي مما يحرم تزينها به، كالتمويه بهما، وإنما اقتصروا على ذكرهما اعتبارا بالغالب.
(وكذا لؤلؤ) يحرم عليها التزين به (في الأصح) لأن الزينة فيه ظاهرة، قال تعالى: * (يحلون فيها من أساور من
ذهب ولؤلؤا) * وتردد فيه الإمام لأنه يباح للرجل، فمقابل الأصح احتمال للإمام لا وجه للأصحاب. (و) يحرم عليها
(طيب في بدن وثوب) لخبر الصحيحين عن أم عطية: كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة
أشهر وعشرا، وأن نكتحل، وأن نتطيب، وأن نلبس ثوبا مصبوغا. (و) يحرم أيضا استعمالها الطيب (في طعام
وكحل) غير محرم قياسا على البدن. وضابط الطيب المحرم عليها كل ما حرم على المحرم، وتفصيل ذلك سبق في كتاب
الحج، لكن يلزمها إزالة الطيب الكائن معها حال الشروع في العدة، ولا فدية عليها في استعماله بخلاف المحرم
في ذلك. واستثني استعمالها عند الطهر من الحيض وكذا من النفاس كما قاله الأذرعي وغيره قليلا من قسط أو أظفار،
وهما نوعان من البخور كما ورد به به الخبر في مسلم. ولو احتاجت إلى تطيب جاز كما قاله الإمام قياسا على
الاكتحال
كما سيأتي. (و) يحرم عليها دهن شعور رأسها ولحيتها إن كان لها لحية لما فيه من الزينة بخلاف دهن سائر البدن،
و (اكتحال بإثمد) وإن لم يكن فيه طيب، وهو بكسر الهمزة والميم: حجر يتخذ منه الكحل الأسود، ويسمى
بالأصبهاني، وإنما حرم ذلك لحديث أم عطية المار، لأن فيه جمالا وزينة للعين، سواء في ذلك البيضاء والسوداء،
وقيل: يجوز للسوداء.
تنبيه: أفهم كلامه جواز الحكم الأبيض كالتوتيا، وهو كذلك، إذ لا زينة فيه لكنه يوهم جواز الأصفر وهو
الصبغ بفتح الصاد وكسرها مع إسكان الباء وبفتح الصاد وكسر الباء، وهو محرم على السوداء وكذا على البيضاء على
الأصح لأنه يحسن العين. (إلا) اكتحال بأثمد أو صبر (لحاجة كرمد) فيجوز لها للضرورة لحديث أم سلمة رضي الله تعالى
عنها: أن النبي (ص) دخل عليها وهي حادة على أبي سلمة وقد جعلت على عينها صبرا، فقال: ما هذا يا أم سلمة؟ فقالت:
هو صبر لا طيب فيه، فقال: إنه يشب الوجه أي يوقده ويحسنه فلا تجعليه إلا ليلا وامسحيه نهارا وحملوه على أنها
كانت محتاجة إليه ليلا فأذن لها فيه ليلا بيانا للجواز عند الحاجة مع أن الأولى تركه. وأما خبر مسلم. جاءت امرأة إلى
رسول الله (ص) فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ قال: لا، مرتين أو ثلاثة
كل ذلك يقول: لا فحمل على أنه نهي تنزيه أو أنه (ص) لم يتحقق الخوف على عينها، أو أنه يحصل لها البرة بدونه،
لكن في رواية زادها عبد الحق: إني أخشى أن تنفقئ عينها، قال: لا وإن انفقأت. وأجيب عنها بأن المراد: وإن انفقأت
عينها في زعمك لأني أعلم أنها لا تنفقئ. وإذا قد علمت ذلك فإطلاق المصنف الجواز عند الحاجة ليس بجيد، فإن القائل
به خصه بالليل دون النهار كما دل عليه الحديث، وصرح به الشافعي رضي الله تعالى عنه في الام كما نقله الأذرعي وغيره.
نعم إن احتاجت إليه نهارا أيضا جاز، ويمكن حمل إطلاق المصنف بالجواز على ذلك. (و) يحرم عليها (إسفيذاج)
لأنه يزين به الوجه، وهو بفاء وذال معجمة: ما يتخذ من رصاص يطلى به الوجه ليبيضه، قال بعضهم: وهو لفظ
مولد. (و) يحرم عليها (دمام) لأنه يزين به الوجه أيضا، وهو بضم الدال المهملة وكسرها كما في الرقائق، وضبطه
في الروضة بخطه بالضم فقط: المسمى بالحمرة التي يورد بها الخد. ويحرم أيضا طلي الوجه بالصبر لأنه يصفر الوجه
فهو كالخضاب. (و) يحرم (خضاب حناء) وهو مذكر ممدود مهموز، واحدة حناة، (ونحوه) أي الحناء كزعفران
وورس، أي الخضاب بذلك لما في ذلك من الزينة.
تنبيه: أشعر كلامه بحرمة ذلك في جميع البدن، وبه صرح ابن يونس، لكن الذي في الروضة كأصلها عن
الروياني وأقراه أن حرمته تكون فيما يظهر كالوجه واليدين والرجلين، لا فيما تحت الثياب، لأنه (ص) أذن لام سلمة
400

في الصبر ليلا لخفائه على الابصار فكذا ما أخفاه ثيابها. قال الرافعي: والغالية وإن ذهب ريحها كالخضاب. ويحرم تطريف
أصابعها وتصفيف شعر طرتها وتجعيد شعر صدغيها وحشو حاجبيها بالكحل وتدقيقه بالحف. (ويحل) لها (تجميل
فراش) وهو ما ترقد أو تقعد عليه من نطع مرتبة ووسادة ونحوها. (و) تجميل (أثاث) وهو بفتح الهمزة
وبمثلثتين: متاع البيت، لأن الاحداد في البدن لا في الفراش ونحوه. وأما الغطاء فالأشبه كما قال ابن الرفعة: أنه كالثياب
ليلا ونهارا، وإن خصه الزركشي بالنهار. (و) يحل لها (تنظيف بغسل نحو رأس وقلم) لأظفار واستحداد ونتف شعر إبط
(وإزالة وسخ) ولو طاهرا لأن جميع ذلك ليس من الزينة، أي الداعية إلى الوطئ، فلا ينافي اسمها على ذلك في صلاة
الجمعة ونحوها. وأما إزالة الشعر المتضمن زينة، كأخذ ما حول الحاجبين وأعلى الجبهة فتمنع منه كما بحثه بعض
المتأخرين، بل صرح الماوردي بامتناع ذلك في حق غير المعتدة. وأما
إزالة شعر لحية أو شارب ينبت لها فتسن إزالته كما قاله المصنف في شرح مسلم، ومر ذلك في شروط الصلاة، خلافا لابن جرير في قوله بالحرمة. (قلت: ويحل)
لها (امتشاط) بلا ترجل بدهن ونحوه، ويجوز بسدر ونحوه للنص فيه في سنن أبي داود، وحمل حديث ولا تمتشط
على تمشط بطيب ونحوه. (و) يحل لها (حمام) بناء على ما رجحه المصنف من جواز دخولها له بلا ضرورة،
وسيأتي الكلام على ذلك في باب النفقات إن شاء الله تعالى. ثم قيد الجواز بقيد حسن محذوف في الروضة وهو قوله:
(إن لم يكن) فيه (خروج محرم) فإن كان لم يحل. (ولو تركت) المحدة المكلفة (الاحداد) الواجب عليها كل المدة
أو بعضها، (عصت) إن علمت حرمة الترك كما قاله ابن المقري كتركها الواجب، وأما الصغيرة أو المجنونة فيعصي وليها
إن لم يمنعها. (وانقضت العدة) مع العصيان. وهذا (كما لو فارقت المعتدة) المحدة أو غيرها بلا عذر (المسكن) الذي
يجب عليها ملازمته بلا عذر كما سيأتي، فإنها تعصي وتنقضي عدتها بمضي المدة، إذ العبرة في انقضائها بانقضاء العدة. (ولو
بلغتها الوفاة) أي موت زوجها أو طلاقه، (بعد المدة) للعدة (كانت منقضية) ولم يكن عليها غيرها لما مر، (ولها) أي المرأة
(إحداد على غير زوج) من الموتى (ثلاثة أيام) فأقل، (وتحرم الزيادة) عليها بقصد الاحداد (والله أعلم) فلو تركت ذلك بلا
قصد لم تأثم، ذكره في أصل الروضة في الشقاق. وذلك مأخوذ من الخبرين السابقين، ولان في تعاطيه إظهار عدم الرضا
بالقضاء، والأليق بها التقنع بجلباب الصبر. وإنما رخص للمعتدة في عدتها لحبسها على المقصود من العدة ولغيرها من
الثلاث لأن النفوس قد لا تستطيع فيها الصبر، ولذلك تسن فيها التعزية وبعدها تنكسر أعلام الحزن. قال الأذرعي:
والأشبه أن المراد بغير الزوج القريب كما أشار إليه القاضي، فلا يجوز للأجنبية الاحداد على أجنبي أصلا ولو بعض يوم
ولم أر فيه نصا. قال الغزي: ويظهر أن الصديق كالقريب، وكذا العالم والصالح. وضابطه من يحصل بموته حزن،
فكل من حزنت بموته لها أن تحد عليه ثلاثة أيام، هذا هو الذي يظهر اه‍. ويمكن حمل إطلاق الحديث وحمل إطلاق
كلام الأصحاب على هذا، وهذا لا بأس به.
تنبيه: كلام المصنف يفهم أن الرجل ليس له الاحداد على قريبه ثلاثة أيام، وهو كذلك، وما قاله الإمام من
أن التحزن في المدة لا يختص بالنساء منعه ابن الرفعة فإنه شر للنساء لنقص عقلهن المقتضي عدم الصبر مع أن الشارع
أوجب على النساء الاحداد دون الرجال.
فصل: في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقها: (تجب سكنى لمعتدة طلاق) حائل أو حامل (ولو بائن) بالجر
عطفا على المجرور، والأولى نصبه: أي ولو كانت بائنا، ويجوز رفعه بتقدير مبتدأ محذوف: أي ولو وهي بائن. ويستمر
401

سكناها إلى انقضاء عدتها لقوله تعالى: * (أسكنوهن من حيث سكنتم) * وقوله تعالى: * (لا تخرجوهن من بيوتهن) * أي بيوت
أزواجهن، وأضافها إليهن للسكنى، إذ لو كانت إضافة ملك لم تختص بالمطلقات. ولو أسقطت مؤنة المسكن عن الزوج
لم تسقط كما في فتاوي المصنف لأنها تجب يوما بيوم، ولا يصح إسقاط ما لم يجب.
تنبيه: أفهم تقييده بالمعتدة عن طلاق أنه لا سكنى لمعتدة عن وطئ شبهة ولو في نكاح فاسد ولا لام ولد إن أعتقت،
وهو كذلك. ثم استثنى من المعتدة قوله: (إلا ناشزة) سواء كان ذلك قبل طلاقها كما صرح به القاضي وغيره، أم في أثناء
العدة كما صرح به المتولي: فإنها لا سكنى لها في العدة، فإن عادت إلى الطاعة عاد حق السكنى كما صرح به المتولي في مسألته،
وإلا صغيرة لا تحتمل الجماع فإنه لا سكنى لها بناء على الأصح أنها لا تستحق النفقة حالة النكاح. والأمة لا نفقة لها على
زوجها كالمسلمة ليلا فقط أو نهارا كما مر ذلك في فصل نكاح العبد، وإلا من وجبت العدة بقولها، بأن طلقت ثم أقرت
بالإصابة وأنكرها الزوج فلا نفقة لها ولا سكنى وعليها العدة. فإن قيل: لا وجه لاستثناء الصغيرة من ذلك، إذ الكلام
في سكنى المعتدة، والصغيرة لا عدة عليها. أجيب بأنه يتصور ذلك باستدخالها ماء الزوج وإن كان فيه بعد. (و) يجب
السكنى أيضا (لمعتدة وفاة في الأظهر)، لامره (ص) فريعة - بضم الفاء - بنت مالك أخت أبي سعيد
الخدري
لما قتل زوجها أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله، فاعتدت فيه أربعة أشهر وعشرا، صححه الترمذي وغيره،
والثاني: لا سكنى لها كما لا نفقة لها، وأجاب الأول بأن السكنى لصيانة مائة، وهي موجودة بعد الوفاة كالحياة والنفقة،
لسلطته عليها وقد انقطعت، وبأن النفقة حقها فسقطت إلى الميراث، والسكنى حق الله تعالى فلم تسقط.
تنبيه: محل الخلاف ما إذا لم يطلقها قبل الوفاة رجعيا، وإلا لم تسقط قطعا لأنها استحقتها بالطلاق فلم تسقط الموت
كما حكاه في المطلب عن الأصحاب، لكن حكى الجرجاني طرد القولين فيها، وعليه يأتي إطلاق المصنف. (و) يجب
أيضا لمعتدة (فسخ) بعيب أو ردة أو إسلام أو رضاع (على المذهب) لأنها معتدة عن نكاح صحيح بفرقة في الحياة
فأشبهت المطلقة تحصينا للماء. والطريق الثاني على قولين كالمعتدة عن وفاة.
تنبيه: سكت المصنف عن استثناء الناشزة في عدة الوفاة وعدة الفسخ مع أن حكمها كالناشزة في عدة الطلاق
كما صرح به القاضي والمتولي فيمت مات عنها ناشزا، فلو أخر قوله: إلا ناشزة إلى هنا لشمل ذلك، وشمل إطلاقه
الملاعنة. والذي في الروضة نقلا عن البغوي أنها تستحق قطعا، وحيث لا تجب السكنى لمعتدة فللزوج إسكانها حفظا
لمائه، ويقوم وارثه مقامه وعليها الإجابة، وحيث لا تركة للميت لم يجب إسكانها، فإن تبرع الوارث بالسكنى لزمتها
الإجابة لأن له غرضا في صون ماء مورثه، وغير الوارث كالوارث كما قاله الروياني تبعا للماوردي. فإن قيل: ينبغي عدم
اللزوم كما لو تبرع أجنبي بوفاء دين ميت أو مفلس لم يلزم الدائن قبوله بخلاف الوارث، وبأن اللزوم فيه تحمل منة مع
كون الأجنبي لا غرض له صحيح في صون ماء الميت. أجيب عن الأول بأن ملازمة المعتدة للمسكن حق الله تعالى لا بدل
له فيجب فيه القبول، وإلا فيلزم تعطيله، وبأن حفظ ماء الانسان من المهمات المطلوبة بخلاف أداء الدين. وعن الثاني
بأنه إنما يصح إذا كان التبرع عليها، وليس كذلك، وإنما هو على الميت، فإذا لم يوجد متبرع سن للإمام حيث لا تركة
إسكانها من بيت المال لا سيما إن كانت متهمة بريبة، وإن لم يسكنها أحد سكنت حيث شاءت. (و) إذا وجبت السكنى فإنما
(تسكن) بضم أوله بخطه: أي المعتدة حتما، (في مسكن) مستحق للزوج لائق بها (كانت فيه عند الفرقة) بموت أو غيره،
للآية وحديث فريعة السابقين. (وليس للزوج وغيره إخراجها، ولا لها خروج) منه وإن رضي به الزوج إلا لعذر كما
سيأتي، لأن في العدة حق الله تعالى، والحق الذي لله تعالى لا يسقط بالتراضي - بالضاد - وقد قال تعالى: * (لا تخرجوهن من
بيوتهن ولا يخرجن) *.
402

تنبيه: شمل كلامه كأصله الرجعية، وبه صرح في النهاية، وفي حاوي الماوردي والمهذب وغيرهما من العراقيين
أن للزوج أن يسكنها حيث شاء لأنها في حكم الزوجة، وبه جزم المصنف في نكته. والأول هو ما نص عليه في الام كما
قال ابن الرفعة وغيره، وهو كما قال السبكي أولى لاطلاق الآية، وقال الأذرعي: إنه المذهب المشهور، والزركشي: إنه
الصواب، ولأنه لا يجوز له الخلوة بها فضلا عن الاستمتاع فليست كالزوجات. (قلت: ولها الخروج في عدة وفاة) وعدة
وطئ شبهة ونكاح فاسد، (وكذا بائن) ومفسوخ نكاحها، وضابط ذلك كل معتدة لا تجب نفقتها ولم يكن لها من يقضيها
حاجتها لها الخروج (في النهار لشراء طعام) وقطن وكتان (و) بيع (غزل ونحوه) للحاجة إلى ذلك، ولقول جابر رضي
الله تعالى عنه: طلقت خالتي ثلاثا فخرجت تجد نخلا لها فنهاها رجل فأتت النبي (ص) فذكرت ذلك له،
فقال: أخرجي فجدي نخلك ولعلك أن تتصدقي منه أو تفعلي خيرا رواه مسلم وأبو داود واللفظ له. قال الإمام الشافعي
رضي الله تعالى عنه: وتخل الأنصار قريب من منازلهم، والجذاذ لا يكون إلا نهارا أي غالبا. أما من وجبت نفقتها
من رجعية أو مستبرأة أو بائن أو حامل فلا تخرج إلا بإذن أو ضرورة كالزوجة لأنهن مكفيات بنفقة أزواجهن (وكذا)
لها الخروج لذلك (ليلا) إن لم يمكنها نهارا، وكذا (إلى دار جارة) لها (لغزل وحديث ونحوهما) للتأنس، لكن (بشرط أن
ترجع وتبيت في بيتها) لما روى الشافعي والبيهقي رضي الله تعالى عنهما: أن رجالا استشهدوا بأحد، فقالت نساؤهم:
يا رسول الله إنا نستوحش في بيوتنا فنبيت عند إحدانا؟ فأذن لهن رسول الله (ص) أن يتحدثن عند إحداهن،
فإذا كان وقت النوم تأوي كل واحدة إلى بيتها.
تنبيه: محل ذلك كما قال الأذرعي وغيره إذا أمنت الخروج ولم يكن عندها من يؤنسها، وإلا فلا يجوز لها
الخروج، فقد قالت عائشة رضي الله عنها: لو يعلم النبي (ص) ما أحدث النساء بعده لمنعهن المساجد وهذا
في زمن السيدة عائشة. ولم يتعرضوا لضابط وقت الرجوع، وينبغي كما قال ابن شهبة الرجوع فيه للعادة. (وتنتقل)
المعتدة (من المسكن) الذي كانت فيه عند الفرقة لعذر، وذلك (لخوف من هدم أو غرق) على مالها أو ولدها،
(أو) الخوف (على نفسها) تلفا أو فاحشة للضرورة الداعية إلى ذلك، ولما روى أبو داود عن عائشة رضي الله تعالى
عنها أنها قالت: كانت فاطمة بنت قيس في مكان موحش مخيف فلذلك رخص لها النبي (ص) أي في
الخروج منه. (أو تأذت بالجيران) بكسر الجيم، (أو هم بها أذى شديدا، والله أعلم) للحاجة إلى ذلك. وفسر ابن
عباس وغيره قوله تعالى: * (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * بالبذاء على الأحماء أو غيرهم، وفي رواية لمسلم: أن فاطمة
بنت قيس كانت تبدو على أحمائها فنقلها النبي (ص) إلى بيت ابن أم مكتوم ووقع للرافعي أنها فاطمة بنت
أبي حبيش، وعد من سبق القلم.
تنبيه: أطلق المصنف الانتقال عند هذه الضرورات وهو يفهم أنها تسكن حيث شاءت وليس مرادا، بل قال
الرافعي: الذي أورده الجمهور انتقالها إلى أقرب المواضع إلى ذلك المسكن، وقال الزركشي: المنصوص في الام أن الزوج
يحصنها حيث رضي لا حيث شاءت. وتقييده الأذى بالشديد يفهم أنها لو تأذت بهم قليلا لا اعتبار به، وهو كذلك إذ لا يخلو
منه أحد، ومن بالجيران الأحماء وهم أقارب الزوج، نعم إن اشتد أذاها بهم أو عكسه وكانت الدار ضيقة نقلتهم الزوج
عنها، وكذا لو كان المسكن لها فإنها لا تنتقل منه لاستطالة ولا غيرها بل ينتقلون عنها، وكذا لو كانت ببيت أبويها وبذت
عليهم نقلوا دونها لأنها أحق بدار أبويها، كذا قالاه. قال الأذرعي: وكان المراد أن الأولى نقلهم دونها وهو حسن.
وخرج بالجيران ما لو طلقت ببيت أبويها وتأذت بهم أو هم بها فلا نقل لأن الوحشة لا تطول بينهم، ولا يختص الانتقال
بما ذكر بل لو لزمها حد أو يمين في دعوى وهي برزة خرجت له، وإن كانت مخدرة حدت وخلفت في مسكنها بأن
403

يحضر إليها الحاكم أو يبعث إليها نائبه. ولو لزمها العدة بدار الحرب هاجرت منها إلى دار الاسلام إلا إن أمنت على نفسها
أو غيرها مما مر فلا تهاجر حتى تعتد. أو زنت المعتدة وهي بكر غربت، ولا يؤخر تغريبها إلى انقضاء عدتها، ويخالف
هذا تأخير الحد لشدة الحر والبرد لأنهما يؤثران في الحد ويعينان على الهلاك، والعدة لا تؤثر في الحد ولا تعذر في
الخروج لتجارة وزيارة وتعجيل حجة إسلام ونحوها من الأغراض التي تعد من الزيادات دون (ولو انتقلت
إلى مسكن) في البلد (بإذن الزوج فوجبت العدة) في المهمات أثناء الطريق بطلاق أو فسخ أو موت (قبل وصولها إليه)
أي المسكن، (اعتدت فيه) لا في الأول (على النص) في الام لأنها مأمورة بالمقام فيه ممنوعة من الأول، وقيل: تعتد
في الأول لأنها لم تحصل وقت الفراق في الثاني، وقيل: تتخير لتعلقها بكل منهما، أما إذا وجبت العدة بعد وصولها فيه
فتعتد فيه جزما.
تنبيه: العبرة في النقلة ببدنها وإن لم تنقل الأمتعة والخدم وغيرهما من الأول، حتى لو عادت لنقل متاعها أو خدمها
فطلقها فيه اعتدت في الثاني. (أو) كان انتقالها من الأول (بغير إذن) من الزوج فوجبت العدة ولو بعد وصولها إلى الثاني
ولم يأذن لها في المقام فيه، (ففي الأول) تعتد لعصيانها بذلك، فإن أذن لها بعد الوصول إليه بالمقام فيه كان كالنقلة بإذنه.
(وكذا) تعتد أيضا في الأول، و (لو أذن) لها في الانتقال منه (ثم وجبت) عليها العدة (قبل الخروج) منه وإن بعثت
أمتعتها وخدمها إلى الثاني لأنه المنزل الذي وجبت فيه العدة. (ولو أذن) لها (في الانتقال إلى بلد فكمسكن)
فيما ذكر،
(أو) أذن لها (في سفر حج أو) عمرة و (تجارة) أو استحلال مظلمة أو نحو ذلك كرد آبق والسفر لحاجتها، (ثم وجبت)
عليها العدة (في) أثناء (الطريق فلها الرجوع) إلى الأول (والمضي) في السفر، لأن في قطعها عن السفر مشقة، لا سيما
إذا بعدت عن البلد وخافت الانقطاع عن الرفقة، ولكن الأفضل الرجوع والعود إلى المنزل كما نقلاه عن الشيخ
أبي حامد وأقراه ومر في سيرها معتدة. وخرج بالطريق ما لو وجبت قبل الخروج من المنزل فلا تخرج قطعا، وما لو
وجبت فيه ولم تفارق عمران البلد فإنه يجب العود في الأصح عند الجمهور كما في أصل الروضة لأنها لم تشرع في السفر.
(فإن) لم ترجع فيما إذا خيرت و (مضت) لمقصدها أو بلغته، (أقامت) فيه (لقضاء حاجتها) من غير زيادة عملا بحسب
الحاجة وإن زادت إقامتها على مدة المسافرين كما شمله كلامه، وأفهم أن الحاجة إذا انقضت قبل ثلاثة أيام لم يجز لها
استكمالها، وهو الأصح كما في زيادة الروضة وقطع به في المحرر، وإن كان مقتضى كلام الشيخين استكمالها. (ثم يجب)
عليها بعد قضاء حاجتها (الرجوع) في الحال (لتعتد البقية) من العدة (في المسكن) الذي فارقته لأنه الأصل في ذلك، فإن
لم تمض اعتدت البقية في مسكنها.
تنبيه: قوله: لتعتد البقية في المسكن، يفهم أنها لو لم تتوقع بلوغ المسكن قبل انقضاء عدتها بل تنقضي عدتها في الطريق
أنها لا يلزمها العود، وهو وجه، والأصح كما في الشرح والروضة كأصلها يلزمها العود، لأن إقامتها لم يؤذن فيها وعودها
مأذون فيه من جهته. أما إذا سافرت لنزهة أو زيارة أو سافر بها الزوج لحاجته فلا تزيد على مدة إقامة المسافرين ثم
تعود، فإن قدر لها مدة في نقله أو سفر حاجة أو في غيره كاعتكاف استوفتها وعادت لتمام العدة، ولو انقضت في الطريق
كما مر، وتعصي بالتأخير إلا لعذر كخوف في الطريق وعدم رفقة. ولو جهل أمر سفرها بأن أذن لها ولم يذكر حاجة
ولا نزهة ولا أقيمي ولا ارجعي حمل على سفر النقلة كما قاله الروياني وغيره.
فرع: لو أحرمت بحج أو قران بإذن زوجها أو بغير إذنه ثم طلقها أو مات، فإن خافت الفوات كضيق الوقت
404

وجب عليها الخروج معتدة لتقدم الاحرام، وإن لم تخف الفوات لسعة الوقت جاز لها الخروج إلى ذلك لما في تعيين
الصبر من مشقة مصابرة الاحرام. وإن أحرمت بعد أن طلقها أو مات بإذن منه قبل ذلك أو بغير إذن بحج أو عمرة
أو بهما امتنع عليها الخروج سواء أخافت الفوات أم لا، لبطلان الاذن قبل الاحرام بالطلاق أو الموت في الأولى ولعدمه
في الثانية، فإذا انقضت العدة أتمت عمرتها أو حجها إن بقي وقته وإلا تحللت بأفعال عمرة ولزمها القضاء ودم الفوات.
(ولو خرجت إلى غير الدار المألوفة) لها بالسكنى فيها (فطلق وقال ما أذنت) لك (في الخروج) وقالت: بل أذنت لي، (صدق
بيمينه) لأن الأصل عدم الإذن، فيجب عليها الرجوع حالا إلى المألوفة، فإن وافقها على الاذن في الخروج لم يجب الرجوع
حالا، واختلافها في إذنه في الخروج لغير البلدة المألوفة كالدار. (ولو قالت) له (نقلتني) أي أذنت لي في النقلة موضع
كذا فيجب علي العدة فيه، (فقال) لها (بل أذنت) لك في الخروج إليه (لحاجة) عينها فارجعي فاعتدي في الأول، (صدق)
بيمينه (على المذهب) لأنه أعلم بقصده وإرادته، لأن القول قوله في أصل الاذن فكذا في صفته.
تنبيه: لو وقع النزاع بينها وبين الوارث صدقت بيمينها، لأن كونها في المنزل الثاني يشهد بصدقها، ويرجح جانبها
على جانب الورثة ولا يرجح على جانب الزوج لتعلق الحق بهما والوارث أجنبي عنهما، ولأنها أعرف بما جرى من الوارث
بخلاف الزوج. (ومنزل بدوية) بفتح الدال نسبة لسكان البادية، وهو من شاذ النسب كما قاله سيبويه، (وبيتها من)
نحو (شعر) كصوف، (كمنزل حضرية) في لزوم ملازمته في العدة. ولو ارتحل في أثنائها كل الحي ارتحلت معهم للضرورة،
وإن ارتحل بعض الحي نظر إن كان أهلها ممن لم يرتحل وفي المقيمين قوة وعدد لم يكن لها الارتحال، وإن ارتحل أهلها
وفي الباقين قوة وعدد فالأصح أنها تتخير بين أن تقيم وبين أن ترحل، لأن مفارقة الأهل عسرة موحشة. وهذا مما
تخالف فيه البدوية الحضرية، فإن أهلها لو ارتحلوا لم ترتحل معهم مع أن التعليل يقتضي عدم الفرق. قال البلقيني:
ومحل التخيير في الوفاة والطلاق البائن، أما الرجعية إذا كان مطلقها في المقيمين واختار إقامتها فله ذلك، وهو ظاهر
نص الام، وفيه توقف لتقصيره بترك الرجعة اه‍. وهذا ينبني على ما مر من أن زوج الرجعية هل يسكنها
متى شاء أو لا؟ وتقدم أن المشهور أنها كغيرها، وعليه فليس له منعها ولها إذا ارتحلت معهم أن تقيم دونهم في قرية
أو نحوها في الطريق لتعتد فإنه أليق بحال المعتدة من السير، وإن هرب أهلها خوفا من عدو وأمنت لم يجز أن تهرب معهم
لأنهم يعودون إذا أمنوا.
تنبيه: مقتضى إلحاق البدوية بالحضرية أن يأتي فيها ما سبق من أنه لو أذن لها في الانتقال من بيت في الحلة إلى آخر
منها فخرجت منه ولم تصل إلى الآخر هل يجب عليها المضي أو الرجوع؟ أو أذن لها في الانتقال من تلك الحلة إلى حلة
أخرى فوجد سبب العدة من طلاق أو موت بين الحلتين أو بعد خروجها من منزل وقبل مفارقة حلتها. فهل تمضي
أو ترجع على التفصيل السابق في الحضرية؟ وسكت في الروضة كأصلها عن جميع ذلك. ولو طلقها ملاح سفينة أو
مات وكان مسكنها السفينة اعتدت فيها إن انفردت عن الزوج في الأولى بمسكن فيها بمرافقة لاتساعها مع اشتمالها على بيوت
متميزة المرافق، لأن ذلك كالبيت في الخان وإن لم تنفرد بذلك. فإن صحبها محرم لها يمكنه أن يقوم بتسيير السفينة خرج
الزوج معها واعتدت هي فيها، فإن لم تجد محرما موصوفا بذلك خرجت إلى أقرب القرى إلى الشط واعتدت فيه، فإن
تعذر الخروج منه تسترت وتنحت عنه بقدر الامكان. (وإذا كان المسكن) ملكا (له ويليق بها) بأن يسكن مثلها في مثله،
(تعين) استدامتها فيه، وليس لاحد إخراجها منه بغير عذر من الاعذار السابقة.
تنبيه: لو كان قد رهن المسكن بدين قبل ذلك ثم حل الدين بعد الطلاق ولم يمكنه وفاؤه من موضع آخر جاز
405

له بيعه وتنتقل منه إذا لم يرض المشتري بإقامتها فيه بأجرة المثل كما بحثه الأذرعي، وقول المصنف يليق بها، ظاهره
اعتبار المسكن بحالها لا بحال الزوج وهو كذلك كما في حال الزوجية، وقول الماوردي: يراعي حال الزوجية حال الزوج
يخالفه هنا، قال الأذرعي: لا أعرف التفرقة لغيره. (ولا يصح بيعه) أي مسكن المعتدة ما لم تنقض عدتها، (إلا في
عدة ذات أشهر فكمستأجر) بفتح الجيم أي كبيعه، ومر في الإجارة صحة بيعه في الأظهر فبيع مسكن المعتدة
كذلك. وزاد على المحرر قوله: (وقيل) بيع مسكنها (باطل) أي قطعا، وفرق بأن المستأجر يملك المنفعة والمعتدة
لا تملكها فيصير كأن المطلق باعه واستثنى منفعته لنفسه مدة معلومة وذلك باطل.
تنبيه: محل الخلاف كما قال ابن شهبة حيث لم تكن المعتدة هي المشترية، فإن كانت صح البيع لها جزما، أما
عدة الحمل والأقراء فلا يصح بيعه فيها للجهل بالمدة. (أو) كان (مستعارا لزمتها) العدة (فيه) لأن السكنى ثابتة
في المستعار ثبوتها في المملوك فشملتها الآية، وليس للزوج نقلها لتعلق حق الله تعالى بذلك (فإن رجع المعير) فيه
(ولم يرض بأجرة) لمثل مسكنها وطلب أكثر منها أو امتنع من الايجار، (نقلت) إلى أقرب ما يوجد.
تنبيه: أفهم كلامه أنه إذا رضي بأجرة المثل امتنع النقل ولزوم الزوج بذلها، وهو ما نقلاه عن المتولي وأقراه
وإن توقف فيه الأذرعي فيما إذا قدر على المسكن مجانا لعارية أو وصية أو نحو ذلك. ومثل رجوعه خروجه عن أهلية
التبرع بجنون أو سفه أو زوال استحقاق بانقضاء إجارة أو موت. قال في المطلب: ولم يفرقوا بين كون الإعارة قبل
وجوب العدة أو بعدها، فإن كان بعد وعلم بالحال فإنها تلزم لما في الرجوع من إبطال حق الله تعالى في ملازمة المسكن
كما يلزم العارية في دفن الميت اه‍. بل صرحوا بذلك في باب العارية. (وكذا مستأجر انقضت مدته) ولم يرض مالكه
بتجديد أجرة مثل تنقل منه، لقوله (ص): لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه رواه
ابن حبان في صحيحه، بخلاف ما إذا رضي بذلك فلا تنتقل. وفي معنى المستأجر الموصي بسكناها مدة وانقضت. ولو رضي
المعير أو المؤجر بأجرة مثل بعد أن نقلت نظرت، إن كان المنتقل إليه مستعارا ردت إلى الأول لجواز رجوع
المعين،
أو مستأجرا لم ترد في أحد وجهين يظهر ترجيحه، قال الأذرعي: أنه الأقرب، لأن في دعواها إلى الأول إضاعة مال.
أما إذا رضيا بعودها بعارية فلا ترد، لأنها لا تأمن من الرجوع لجواز رجوع المعير كما مر. (أو) ملكا (لها استمرت)
فيه جوازا (وطلبت الأجرة) من المطلق لأن السكنى عليه فيلزمه الأجرة: أي أجرة أقل ما يسعها من المسكن على
النص في الام.
تنبيه: ظاهر كلامه أنه يجب عليها أن تستمر فيه، وهو ما جزم به صاحب المهذب والتهذيب، والأصح كما في
الروضة أنها إن رضيت بالإقامة فيه بإجارة أو إعارة جاز وهو أولى، وإن طلبت الانتقال فلها ذلك، إذ لا يجب عليها بذل
مسكنها لا بالإجارة ولا بإعارة ولا تجب الأجرة إلا بطلبها، فإن لم تطلبها ومضت مدة فالأصح القطع بسقوطها بخلاف النفقة
لأنها في مقابلة التمكين وقد وجد فلا تسقط بترك الطلب، ولأنها عين تملك لو ثبتت في الذمة والمسكن لا تملكه المرأة،
وإنما تملك الانتفاع به في وقت وقد مضى. وكذا لا تستحق أجرة لو سكنت في منزلها مع الزوج في العصمة على النص
إن كانت أذنت له في ذلك، لأن الاذن المطلق العاري عن ذكر العوض منزل على الإعارة والإباحة كما في فتاوى ابن
الصلاح، أي إذا كانت مطلقة التصرف كما هو ظاهر. (فإن كان مسكن النكاح نفيسا فله) أي الزوج (النقل إلى)
أقرب موضع من مسكن النكاح بحسب الامكان، (لائق بها) لأن النفيس غير واجب عليه، وإنما كان سمح به لدوام
الصحبة وقد زالت. وهل مراعاة الأقرب واجبة أو مستحبة؟ فيه تردد، وظاهر كلام الأصحاب الوجوب وهو الظاهر، كنقل
الزكاة إذا عدم الأصناف في البلد وجوزنا النقل فإنه يتعين الأقرب، وإن رضي ببقائها فيه لزمها (أو) كان (خسيسا)
406

لا يليق بها (فلها الامتناع) من استمرارها فيه وطلب النقلة إلى لائق بها إذ ليس هو حقها، وإنما كانت سمحت به
لدوام الصحبة وقد زالت. (وليس له) أي يحرم عليه ولو أغمي (مساكنتها ولا مداخلتها) في الدار التي تعتد فيها، لأنه
يؤدي إلى الخلوة بها وهي محرمة عليه، ولان في ذلك اضرارا بها وقد قال تعالى: * (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) *
أي في المسكن، وسواء كان الطلاق بائنا أم رجعيا. (فإن كان في الدار) الواسعة التي زادت على سكنى مثلها (محرم
لها) ولو برضاع أو مصاهرة (مميز) يستحي منه، ولو بالغ أو مراهق كما صرح به المصنف في فتاويه حيث قال:
ويشترط أن يكون بالغا عاقلا، أو مراهقا، أو مميزا يستحي منه، وما نقل عن النص من اشتراط البلوغ وعن الشيخ
أبي حامد من المراهقة محمول على الأولى. وقوله: (ذكر) ليس بقيد، بل الأنثى كأختها أو خالتها أو عمتها كذلك إذا
كانت ثقة، فقد صحح في الروضة أنه يكفي حضور المرأة الأجنبية الثقة فالمحرم أولى. (أو) محرم (له) مميز (أنثى أو
زوجة أخرى، أو أمة، أو امرأة أجنبية جاز) ما ذكر لانتقاء المحذور، لكن مع الكراهة لاحتمال النظر، ولا عبرة
بالمجنون والصغير الذي لا يميز. ويعبر في الزوجة والأمة أن يكونا ثقتين، وقيل: لا يشترط ذلك في الزوجة لما عندها من
الغيرة. ويشترط في المحرم أن يكون بصيرا كما قاله الزركشي، فلا يكفي الأعمى، كما لا يكفي في السفر بالمرأة إذا كان
محرما لها.
تنبيه: يجوز للرجل أن يخلو بامرأتين أجنبيتين ثقتين فأكثر كما نقله الرافعي عن الأصحاب، وما في الروضة
كأصلها في صلاة الجماعة من أنه لا يخلو بالنساء إلا المحرم محمول على غير التفات ليوافق المذكور هنا فإنه المعتمد. ويحرم كما
في المجموع خلوة رجلين أو رجال بامرأة ولو بعدت مواطأتهم على الفاحشة، لأن استحياء المرأة من المرأة أكثر من
استحياء الرجل من الرجل. (ولو كان في الدار حجرة) وهي كل بناء محوط أو نحوها كطبقة (فسكنها أحدهما) أي
الزوجين، (و) سكن (الآخر) الحجرة (الأخرى) من الدار، (فإن اتحدت المرافق) للدار وهي ما يرتفق به فيها
(كمطبخ ومستراح) ومصب ماء ومرقي سطح ونحو ذلك، (اشترط محرم) حذرا من الخلوة فيما ذكر، (وإلا) بأن لم
تتحد المرافق، بل اختص كل من الحجرتين بمرافق، (فلا) يشترط محرم، ويجوز له مساكنتها بدونه، لأنها تصير
حينئذ كالدارين المتجاورتين. نعم لو كانت المرافق خارج الحجرة في الدار لم يجز، لأن الخلوة لا تمتنع مع ذلك، قاله
الزركشي. (وينبغي) أن يشترط كما عبر به في الشرح الصغير ونقله في الروضة وأصلها عن البغوي، (أن يغلق ما بينهما)
أي الزوجين (من باب) وسده أولى، (وأن لا يكون ممر إحداهما) أي الحجرتين بحيث يمر فيه (على) الحجرة (الأخرى)
من الدار كما اشترطه صاحب التهذيب والتتمة وغيرهما، حذرا من الوقوع في الخلوة. (وسفل) بضم أوله بخطه، ويجوز
كسره، (وعلو) بضم أوله بخطه، ويجوز فتحه وكسره، حكمهما (كدار وحجرة) فيما ذكر. قال في التجريد:
والأولى أن يسكنها العلو حتى لا يمكنه الاطلاع عليها.
خاتمة: يكتري الحاكم من مال مطلق لا مسكن له مسكنا لمعتدته لتعتد فيه إن فقد متطوع به، فإن لم يكن له
مال اقترض عليه الحاكم، فإن إذن لها الحاكم أن تقترض على زوجها أو تكتري المسكن من مالها جاز وترجع به.
فإن فعلته بقصد الرجوع بلا إذن الحاكم نظرت، فإن قدرت على استئذانه أو لم تقدر ولم تشهد لم ترجع، وإن
قدرت
وأشهدت رجعت. وإن مات زوج المعتدة فقالت: انقضت عدتي في حياته لم تسقط العدة عنها ولم ترث لاقرارها، قال
الأذرعي: وهذا قيده القفال بالرجعية، فلو كانت بائنا سقطت عدتها فيما يظهر أخذا من التقييد بذلك. قال: فإن لم
407

يعلم هل كان الطلاق رجعيا أو بائنا فادعت أنه كان رجعيا وأنها ترث فالأشبه نعم، لأن الأصل بقاء حكم الزوجية.
(باب الاستبراء)
بالمد، وجعله في المحرر فصلا لكونه تابعا لباب العدة وهو لغة طلب البراءة وشرعا تربص الأمة مدة بسبب اليمين
حدوثا أو زوالا لمعرفة براءة الرحم، أو للتعبد. واقتصروا على ذلك لأنه الأصل، وإلا فقد يجب الاستبراء بغير حدوث
ملك أو زواله كأن وطئ أمة غيره ظانا أنها أمته. على أن حدوث ملك اليمين ليس بشرط، بل الشرط كما سيأتي حدوث
حل التمتع به ليوافق ما يأتي في المكاتبة والمرتدة وتزويج موطوءته ونحوها. وخص هذا بهذا الاسم لأنه قدر بأقل ما يدل
عليه براءة الرحم من غير تكرر وتعدد، وخص التربص بسبب النكاح باسم العدة اشتقاقا من العدد كما مر أول بابها
لما يقع فيه من التعدد غالبا. والأصل في الباب ما سيأتي من الأدلة. (يجب) الاستبراء لحل تمتع أو تزويج (بسببين:
أحدهما) وهو مختص بالأول (ملك) حر جميع أمة لم تكن زوجة له كما سيأتي، (بشراء وإرث وهبة) وقوله:
(أو سبي) أو قسمة عنه، وكان الأولى أن يصرح به فإن الغنيمة لا تملك قبل القسمة وصوره بعضهم بمن أخذ
جارية من دار الحرب على وجه السرقة، وإنما يأتي على رأي الإمام والغزالي من أنه يملكها من غير تخميس،
والجمهور على خلافه، ولهذا قال الجويني والقفال وغيرهما: إنه يحرم وطئ السراري اللاتي يجلبن من الروم والهند
والترك إلا أن ينصب الإمام من يقسم الغنائم من غير ظلم. (أو رد بعيب، أو تحالف، أو إقالة) أو قبول وصية أو غيره
كفسخ بفلس، ورجوع في هبة.
تنبيه: قوله: بسببين يقتضي أنه لا يجب بغيرهما وليس مرادا، فإنه لو وطئ أمة غيره ظانا أنها أمته وجب
استبراؤها كما مر بقرء واحد، وليس هنا حدوث ملك ولا زواله، ومر الجواب عن ذلك. وقوله: ملك أمة يقتضي اعتبار
ملك جميعها كما قدرته في كلامه، فإنه لو ملك بعضها فإنها لا تباح له حتى يستبرئها، ويدخل في ذلك ما لو كان مالكا لبعض
أمة ثم اشترى باقيها فإنه يلزمه الاستبراء. وأشار بالأمثلة المذكورة إلى أنه لا فرق بين الملك القهري والاختياري. وخرج
المبعض والمكاتب فإنه لا يحل لهما وطئ الأمة بملك اليمين وإن أذن لهما السيد. (وسواء بكر ومن استبرأها البائع قبل البيع
ومنتقلة من صبي وامرأة وغيرها) برفع الراء بخطه: أي غير المذكورات من صغيرة وآيسة، لعموم قوله (
ص) في سبايا
أوطاس: ألا لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة رواه أبو داود وغيره وصححه
الحاكم على شرط مسلم وقاس الشافعي رضي الله تعالى عنه غير المسبية عليها بجامع حدوث الملك، وأخذ في الاطلاق
في المسبية أنه لا فرق بين البكر وغيرها، وألحق من لم تحض أو أيست بمن تحيض في اعتبار قدر الحيض والطهر غالبا،
وهو شهر كما سيأتي. (ويجب) الاستبراء أيضا (في مكاتبة) كتابة صحيحة فسختها بلا تعجيز، أو (عجزت) بضم أوله
وتشديد ثانيه المكسور بخطه: أي بتعجيز السيد لها عند عجزها عن النجوم لعود ملك التمتع بعد زواله، فأشبه ما لو
باعها ثم اشتراها. أما الفاسدة فلا يجب الاستبراء فيها كما قاله الرافعي في بابه.
تنبيه: أمة المكاتب والمكاتبة إذا عجزا أو فسخت كتابتهما كالمكاتبة كما قاله البلقيني. (وكذا) أمة
(مرتدة) عادت للاسلام يجب استبراؤها (في الأصح) لزوال ملك الاستمتاع ثم أعادته، فأشبه تعجيز المكاتبة.
والثاني: لا يجب، لأن الردة لا تنافي الملك بخلاف الكتابة. ولو ارتد السيد ثم أسلم لزمه الاستبراء أيضا. ولو عبر بزوال
408

ردة لعم المسألتين.
فرع: لو زوج السيد أمته ثم طلقها الزوج قبل الدخول وجب الاستبراء لما مر، وإن طلقها بعد الدخول فاعتدت
من الزوج لم يدخل الاستبراء في العدة، بل يلزمه أن يستبرئها بعد انقضاء عدتها منه.
تنبيه: وقع في الروضة أنه لو أسلم في جارية وقبضها فوجدها بغير الصفة المشروطة فردها لزم المسلم إليه الاستبراء،
وهو مبني على ضعيف، وهو أن الملك في هذه زال ثم عاد بالرد. والأصح أنه لم يزل، ولهذا حذفه ابن المقري. (لا
من) أي أمة (خلت من) ما لا يتوقف على أذنه كحيض ونفاس و (صوم واعتكاف) أو يتوقف وأذن فيه كرهن (وإحرام)
بعد حرمتها على سيدها بذلك، لا يجب استبراؤها بعد حلها مما ذكر، لأن حرمتها بذلك لا تحل بالملك بخلاف الكتابة والردة.
(وفي الاحرام وجه) أنه يجب الاستبراء بعد الحل منه كالردة، ورد هذا بما مر.
تنبيه: قد علم مما تقرر أنها فعلت ذلك في ملكه، أما لو اشتراها محرمة أو صائمة صوما واجبا أو معتكفة اعتكافا
منذورا بإذن سيدها، فلا بد من الاستبراء. وهل يكفي ما وقع في زمن العبادات الثلاث أم يجب استبراء جديد؟ قضية
كلام العراقيين الأول، وهو المعتمد. فإن قيل: كيف يتصور الاستبراء في الصوم والاعتكاف أجيب بتصوره في
ذات الأشهر والحامل. (ولو اشترى) حر (زوجته) الأمة (استحب) له الاستبراء ليتميز ولد الملك من ولد النكاح، لأنه
بالنكاح ينعقد الولد رقيقا ثم يعتق، فلا يكون كفؤا لحرة أصلية ولا تصير به أم ولد. وبملك اليمين ينعكس الحكم. (وقيل
يجب) الاستبراء لتجدد الملك. وأجاب الأول بأن الاستبراء لتجدد الحل ولم يتجدد، لكن يحرم عليه وطؤها في مدة
الخيار للتردد في أنه يطأ بالملك الضعيف الذي لا يبيح الوطئ أو بالزوجية، فإن أراد أن يزوجها لغيره وقد وطئها وهي
زوجة اعتدت منه بقرءين قبل أن يزوجها لأنه إذا انفسخ النكاح وجب أن تعتد منه فلا تنكح غيره حتى تنقضي عدتها
بذلك، ولو مات عقب الشراء لم يلزمها عدة الوفاة لأنه مات وهي مملوكته، وتعتد منه بقرءين. أما لو ملك المكاتب
أو المبعض زوجته فإن النكاح ينفسخ، ولا يحل لواحد منهما وطؤها ولو بإذن سيدها. (ولو ملك) أمة (مزوجة أو
معتدة) من زوج أو وطئ شبهة مع علمه بما ذكر أو جهله وأجاز البيع، (لم يجب) عليه استبراؤها حالا لأنها مشغولة بحق
غيره، (فإن زالا) أي الزوجية والعدة بأن طلقت الأمة المزوجة قبل الدخول أو بعده وانقضت عدة الزوج أو الشبهة،
(وجب) حينئذ الاستبراء (في الأظهر) لزوال المانع ووجود المقتضي. والثاني: لا يجب له وطؤها في الحال اكتفاء بالعدة،
وعليه العراقيون. وقال الماوردي: إن مذهب الشافعي لا يجب عليه الاستبراء ويطؤها في الحال.
تنبيه: محل الخلاف إذا كانت معتدة من غيره، أما لو اشترى أمة معتدة منه ولو من طلاق رجعي فإنه يجب
عليه الاستبراء قطعا لأنه ملكها وهي محرمة عليه بخلاف زوجته، وهذا مما استدل به على أن الطلاق الرجعي يزيل
الزوجية، وكأنهم ارتكبوه هنا للاحتياط.
فروع: يسن للمالك استبراء الأمة الموطوءة للبيع قبل بيعه ليكون على بصيرة منها. ولو وطئ أمة شريكان
في حيض أو طهر ثم باعها أو أراد تزويجها أو وطئ اثنان أمة رجل كل يظنها أمته وأراد الرجل تزويجها وجب استبراءان
كالعدتين من شخصين. ولو باع جارية لم يقر بوطئها فظهر بها حمل وادعاه فالقول قول المشتري بيمينه أنه لا يعلمه
منه، ويثبت نسب البائع على الأوجه من خلاف فيه، إذ لا ضرر على المشتري في المالية، والقائل بخلافه علله بأن ثبوته
يقطع إرث المشتري بالولاء. فإن أقر بوطئها وباعها نظرت، فإن كان ذلك بعد أن استبرأها فأتت بولد لدون ستة
أشهر من استبرائها منه لحقه وبطل البيع لثبوت أمية الولد، وإن ولدته لستة أشهر فأكثر فالولد مملوك للمشتري إن لم يكن
وطئها، وإلا فإن أمكن كونه منه بأن ولدته لستة أشهر فأكثر من وطئه لحقه وصارت الأمة مستولدة له. وإن لم يكن
409

استبرأها قبل البيع فالولد له إن أمكن كونه منه إلا إن وطئها المشتري وأمكن كونه منهما فيعرض على القائف. السبب
(الثاني: زوال فراش عن أمة موطوءة) بملك اليمين غير مستولدة (أو مستولدة بعتق) منجز (أو موت السيد) عنها فيجب
عليها الاستبراء لزوال فراشها كما تجب العدة على المفارقة عن نكاح، واستبراؤها بقرء، ثبت ذلك عن ابن عمر رضي
الله عنهما كما قاله ابن المنذر، ولا يعرف له مخالف. وخرج بموطوءة من لم تطأ فلا استبراء بعتقها جزما كما في
الروضة وأصلها، وما لو مات السيد عن أمة موطوءة لم يعتقها فإنها تنتقل للوارث وعليه استبراؤها لحدوث ملكه
فيكون من السبب الأول.
تنبيه: لو عتقت الأمة وهي مزوجة أو معتدة عن زوج لا استبراء عليها، لأنها ليست فراشا للسيد ولان الاستبراء لحل
التمتع وهي مشغولة بحق الزوج، بخلافها في عدة وطئ الشبهة لأنها تصير بذلك فراشا لغير السيد. (ولو مضت مدة استبراء
على مستولدة ثم أعتقها) سيدها (أو مات) عنها وهي غير مزوجة، (وجب) عليها الاستبراء (في الأصح) ولا تعتد بما
مضى كما لا تعتد بما تقدم من الأقراء على الطلاق. والثاني: لا يجب لحصول البراءة. (قلت) كما قال الرافعي في الشرح: (ولو
استبرأ) السيد (أمة موطوءة) غير مستولدة (فأعتقها لم يجب) عليها استبراء، (وتتزوج في الحال) عقب عتقها، (إذ لا تشبه
منكوحة، والله أعلم) لأن فراشها لا يزول بالاستبراء اتفاقا، بدليل أنها لو أتت بولد بعده بستة أشهر لم يلحقه، بخلاف
المستولدة فإن فيها قولين كما حكاه الرافعي عن الأئمة. (ويحرم تزويج أمة موطوءة) بغير استيلاد، سواء وطئها المالك أو
ملكها من جهته ولم يكن استبرأها، (ومستولدة قبل الاستبراء لئلا يختلط الماءان) فإن قيل: قد مر أنه يسن للمالك استبراء
الأمة الموطوءة للبيع فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن مقصود التزويج الوطئ فينبغي أن يستعقب الحال بخلاف البيع نعم
لو زوجها ممن وطئها لم يجب استبراء كما لا يجوز لواطئ امرأة أن يتزوجها في عدته. (ولو أعتق مستولدة فله نكاحها بلا
استبراء في الأصح) كما لا يجوز أن ينكح المعتدة منه لأن الماء الواحد. والثاني: لا، لأن الاعتاق يقتضي الاستبراء
فيتوقف نكاحه عليه كتزويجها لغيره. (ولو أعتقها) سيدها (أو مات) عنها (وهي) في الصورتين (مزوجة) أو معتدة، (فلا
استبراء) يجب عليها، لأنها ليست فراشا له بل للزوج فهي كغير الموطوءة، ولان الاستبراء لحل الاستمتاع وهما
مشغولتان بحق الزوج، بخلافهما في عدة وطئ شبهة لقصورها عن دفع الاستبراء الذي هو مقتضى العتق والموت ولأنهما
لم يصيرا بذلك فراشا لغير السيد.
فرع: لو مات سيد المستولدة المزوجة ثم مات زوجها أو ماتا معا اعتدت كالحرة لتأخر سبب العدة في الأولى
واحتياطا لها في الثانية، ولا استبراء عليها، لأنها لم تعد إلى فراش السيد. وإن تقدم موت الزوج موت سيدها اعتدت
عدة أمة، ولا استبراء عليها إن مات السيد وهي في العدة كما مر، فإن مات بعد فراغ العدة لزمها الاستبراء لعودها
فراشا له عقب العدة. وإن مات أحدهما قبل الآخر ولم يعلم السابق منهما أو لم يعلم هل ماتا معا أو مرتبا نظرت، فإن
كان بين موتهما شهران وخمسة أيام بلياليها فما دونها لم يلزمها استبراء لأنها تكون عند موت السيد الذي يجب الاستبراء
بسببه زوجة إن مات السيد أولا، أو معتدة إن مات الزوج أولا، ولا استبراء عليها في الحالين كما مر، ويلزمها أن
تعتد بأربعة أشهر وعشر من موت الثاني لاحتمال أن يكون موت السيد أولا فتكون حرة عند موت الزوج، وإن كان
أكثر من ذلك أو جهل قدره لزمها الأكثر من عدة الوفاة وهي أربعة أشهر وعشر، ومن حيضه، لاحتمال تقدم موت
410

الزوج فتكون عند موت السيد فراشا له فيلزمها الاستبراء، ويحتمل تقدم موت السيد فتكون عند موت الزوج حرة
فيلزمها العدة فوجب أكثرهما لتخرج عما عليها بيقين. (وهو) أي قدر الاستبراء يحصل لذات أقراء (بقرء، وهو حيضة
كاملة) بعد انتقال الملك إليه (في الجديد) للخبر السابق، فلا تكفي بقية الحيضة التي وجد السبب في أثنائها. وتنتظر
ذات الأقراء الكاملة إلى سن اليأس كالمعتدة، وفي القديم وحكي عن الاملاء أيضا وهو من الجديد: أنه الطهر كما في
العدة. وأجاب الأول بأن العدة تتكرر فيها الأقراء كما مر فتعرف براءة الرحم بالحيض المتخلل بينها، وهنا لا يتكرر
فيعتمد الحيض الدال على البراءة. وإنما لم يكتف ببقية الحيضة كما اكتفي ببقية الطهر في العدة، لأن بقية الطهر تستعقب
الحيضة الدالة على البراءة وهذا يستعقب الطهر، ولا دلالة على البراءة. (وذات أشهر) من صغير وغيرها يحصل استبراؤها
(بشهر) فقط فإنه كقرء في الحرة، فكذا في الأمة. (وفي قول) يحصل استبراؤها بثلاثة من أشهر، نظرا لأن الماء
لا يظهر أثره في الرحم في أقل من ثلاثة أشهر، وجرى على ذلك صاحب التنبيه. والمتحيرة تستبرأ بشهر أيضا على
الأول. (و) أمة (حامل مسبية) وهي التي ملكت بالسبي لا بالشراء، (أو) أمة حائل غير مسبية ولكن (زال عنها
فراش سيد) لها بعتقه لها أو موته، يحصل استبراؤها (بوضعه) أي الحمل في الصورتين للخبر السابق. (وإن ملكت)
حامل (بشراء) أو نحوه وهي في نكاح أو عدة، (فقد سبق) عند قوله: ولو ملك مزوجة أو معتدة (أن لا استبراء في الحال)
وأنه يجب بعد زوالها في الأظهر فلا يكون الاستبراء هنا بالوضع، لأنه إنما غير واجب أو مؤخر عن الوضع. (قلت:
يحصل) الاستبراء (بوضع حمل) أمة من (زنا في الأصح، والله أعلم) لعموم الحديث السابق، ولان المقصود معرفة
براءة الرحم وهي حاصلة به. والثاني: لا يحصل الاستبراء به كما لا تنقضي به العدة. وأجاب الأول بأن العدة مختصة
بالتأكيد بدليل اشتراط التكرار فيها دون الاستبراء، ولأن العدة حق الزوج وإن كان فيها حق لله تعالى، فلا يكتفي
بوضع حمل غيره، بخلاف الاستبراء الحق فيه لله تعالى.
تنبيه: يكتفي بحيضة في الحامل من زنا، لأن حمل الزنا لا حرمة له. قال الزركشي أخذا بكلام غيره:
والظاهر أن الحمل الحادث من الزنا كالمقارن لأنهم اكتفوا بالحيض الحادث لا بالمقارن، واكتفوا بالحمل المقارن فبالحادث
أولى. قال: وقد يفهم من كلامهم أنها لو كانت من ذوات أشهر وحملت من الزنا لم يحصل الاستبراء بمضي شهر، والمجزوم
به في العدة حصوله بمضي الأشهر، لأن حمل الزنا كالعدم اه‍. وهو كلام جيد، وإن قال بعضهم إنه إنما يكون كالعدم
في العدة. فإن قيل: كيف يصح كلامه بأن الحادث كالمقارن مع قوله إنه يحصل بشهر مع وجوده؟ أجيب بأن ذلك
يتصور باستمرار خيار المجلس حتى تضع فيه، فإن الاستبراء إنما يعتبر بعد انقضاء الخيار كما سيأتي على الأثر. (ولو مضى
زمن استبراء) على أمة (بعد الملك وقبل القبض حسب) زمنه (إن ملك‍) - ها (بإرث) لأن الملك به مقبوض حكما
وإن لم يحصل القبض حسا، بدليل صحة بيعه.
تنبيه: قول ابن الرفعة: محله أن تكون مقبوضة للموروث، أما لو ابتاعها ثم مات قبل قبضها لم يعتد باستبراء
إلا بعد أن يقبضها الوارث مبني على ضعيف كما يعلم من قول المصنف: (وكذا شراء) ملكت به الأمة ونحوه من
المعارضات بعد لزومها فإنه كملك الأمة بإرث (في الأصح) لأن الملك لازم فأشبه ما بعد القبض. والثاني: لا يحسب لعدم
استقرار الملك. أما إذا جرى الاستبراء في زمن الخيار فإنه لا يعتد به إن قلنا الملك للبائع أو موقوف، وكذا للمشتري على
الأصح لضعف الملك، فلو قيد المصنف الملك بالتام لخرجت هذه الصورة. فإن قيل: قد سبق في باب الخيار أن الخيار
411

إذا كان للمشتري فقط أنه يحل له وطؤها ويلزم من حله الاعتداد بالاستبراء في زمن الخيار. أجيب بأن المراد بالحل هناك
ارتفاع التحريم المستند لضعف الملك وانقطاع سلطنة البائع فيما يتعلق بحقه، وإن بقي التحريم المستند لضعف الملك وانقطاع
التحريم لمعنى آخر وهو الاستبراء، وقد مرت الإشارة إلى ذلك في باب الخيار. (لا هبة) جرى الاستبراء بعد عقدها
وقبل قبضها، فلا يعتد به لتوقف الملك فيها على القبض كما مر في بابها. فإن قيل: إن عبارة المصنف توهم أن هذه
الصورة من صور الاستبراء بعد الملك وقبل القبض وقد تقدم أنها لا تملك إلا بالقبض. أجيب بدفع ذلك، إذ شرط
العطف ب‍ لا أن يكون ما بعدها غير صادق على ما قبلها كما قاله السهيلي، وتقدمت الإشارة إلى ذلك في قول المتن في كتاب
الطهارة. وقيل طاهر لا طهور.
تنبيه: الأمة الموصى بها إذا مضى زمن الاستبراء بعد موت الموصي وبعد قبول الموصى له يحسب كما في الإرث،
وكذا بعد موت الموصي وقبل قبول الموصي له كما قاله الرافعي. فإن قيل: هلا كان ذلك كمغيبها في مدة خيار
المشتري
وهو لا يحصل كما مر أجيب بأن الملك في الموصى بها بعد الموت أقوى من ملك المشتري لها في زمن الخيار. ثم أشار
المصنف رحمه الله تعالى لقاعدة، وهي أن كل استبراء لا يتعلق به استباحة وطئ لا يعتد به بقوله: (ولو اشترى) أمة
(محبوسة) أو نحوها كمرتدة. (فحاضت) أو وجد منها ما يحصل به الاستبراء من وضع حمل أو مضي شهر لغير ذوات
الأقراء، (ثم أسلمت) بعد انقضاء ذلك أو في أثنائه، (لم يكف) هذا الاستبراء في الأصح، لأنه لا يستعقب حل الاستمتاع
الذي هو القصد في الاستبراء. والثاني: يكتفي بذلك لوقوعه في الملك المستقر.
تنبيه: يلتحق بشراء المجوسية ونحوها ما لو اشترى العبد المأذون جارية وكان عليه دين، فإنه لا يجوز للسيد
وطؤها ولو مضت مدة الاستبراء، فإذا زال الدين بقضاء أو إبراء لم يكف ما حصل من الاستبراء قبله في الأصح. وهل
يعتد باستبراء المرهونة فلا تجب إعادته بعد انفكاك الرهن أو لا؟ جرى ابن المقري على الأول تبعا للروياني، وجرى
الأذرعي وغيره على الثاني تبعا لابن الصباغ، وهو أوجه إذا تعلق الغرماء بما في يد العبد إن لم ينقص عن تعلق حق
المرتهن لا يزيد عليه. (ويحرم الاستمتاع بالمستبرأة) قبل انقضاء الاستبراء بوطئ لما مر وغيره كقبلة ونظر بشهوة
قياسا عليه لأنه يؤدي إلى الوطئ المحرم، وإذا طهرت من الحيض على ما عدا الوطئ على الصحيح، وبقي تحريم الوطئ
إلى الاغتسال. (إلا) مستبرأة (مسبية) وقعت في سهمه من الغنيمة، (فيخل) له منها (غير وطئ) من أنواع
الاستمتاعات لمفهوم الخبر السابق، ولما روى البيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: وقعت في سهمي
جارية من سبي جلولاء فنظرت إليها فإذا عتقها مثل إبريق الفضة فلم أتمالك أن قبلتها والناس ينظرون ولم ينكر علي
أحد من الصحابة وجلولاء بفتح الجيم والمد: قرية من نواحي فارس، والنسبة إليها جلولي على غير قياس، فتحت يوم
اليرموك سنة سبع عشرة من الهجرة فبلغت غنائمها ثمانية عشر ألف ألف. وفارقت المسبية غيرها بأن غايتها أن
تكون مستولدة حربي وذلك لا يمنع الملك، وإنما حرم وطؤها صيانة لمائه لئلا يختلط بماء حربي لا لحرمة ماء الحربي.
(وقيل: لا) يحل الاستمتاع بالمسبية أيضا كغيرها، وهو ما نص عليه في الام، كما حكاه في المهمات. والمشتراة من حربي
كالمسبية كما قاله صاحب الاستقصاء، إلا أن يعلم أنها انتقلت إليه من مسلم أو ذمي ونحوه والعهد قريب، وخرج بالاستمتاع
الاستخدام فلا يحرم، ولا يفهم من تحريم الاستمتاع تحريم الخلوة بها، ويدل له قولهم: ولا تزال يد السيد عن أمته
المستبرأة مدة الاستبراء وإن كانت حسناء بل هو مؤتمن فيه شرعا لأن سبايا أوطاس لم ينتزعن من أيدي
أصحابهن.
فإن وطئها السيد قبل الاستبراء أو في أثنائه لم ينقطع الاستبراء وإن أثم به، فإن حبلت منه قبل الحيض بقي التحريم حتى
تضع، أو في أثنائه حلت بانقطاعه لتمامه. قال الإمام: هذا إن مضى قبل وطئه أقل الحيض وإلا فلا تحل حتى يضع كما
لو أحبلها قبل الحيض اه‍. وهو حسن. (وإذا قالت) أمة في زمن استبرائها: (حضت، صدقت) بلا يمين، لأنه لا يعلم
412

إلا منها غالبا، وإنما لم تحلف لأنها لو نكلت لم يقدر السيد على الحلف لأنه لا يطلع عليه. (ولو منعت السيد) الوطئ (فقال)
لها: أنت (أخبرتني بتمام الاستبراء صدق) السيد في تمامه، لأن الاستبراء مفوض إلى أمانته فيحل له وطؤها قبل غسلها.
تنبيه: قضية كلامه تصديقه بلا يمين، والذي صححه في زيادة الروضة أن لها تحليفه، قال: وعليها الامتناع باطنا
من تمكينه إن تحققت بقاء شئ من زمن الاستبراء، وإن أبحناها له في الظاهر.
فرعان: لو ادعى السيد حيضها فأنكرت صدقت كما جزم به الإمام. ولو ورثت أمة فادعت أنها حرام عليه بوطئ
مورثه فأنكر صدق بيمينه. (ولا تصير أمة فراشا) لسيدها (إلا بوطئ) لا بمجرد الملك بالاجماع كما نقله الشيخ أبو حامد
وغيره ولا بالخلوة بها ولا بوطئها فيما دون الفرج فلا يلحقه ولدها، وإن أمكن كونه منه بخلاف الزوجة فإنها تكون
فراشا بمجرد الخلوة بها حتى إذا ولدت للامكان من الخلوة بها لحقه، وإن لم يعترف بالوطئ، لأن مقصود النكاح التمتع
والولد فاكتفي فيه بالامكان من الخلوة، وملك اليمين قد يقصد به التجارة والاستخدام، فلا يكتفي فيه بالامكان من الوطئ.
ويعلم الوطئ بإقراره به أو بالبينة على الوطئ أو على إقراره.
تنبيه: شمل إطلاقه الوطئ في الدبر، وقد اضطرب فيه كلامهما فصححا في آخر هذا الباب أنه لا يلحقه، وصححا
في الباب التاسع من كتاب النكاح اللحوق، وكذا في كتاب الطلاق واللعان، والأوجه عدم اللحوق فقد قال الإمام:
القول باللحوق ضعيف لا أصل له، وهو يرد على من جمع بينهما بحمل ما هنا على الأمة، وما في النكاح على الحرة. ثم
أشار لفائدة كون الأمة فراشا بقوله: (فإذا ولدت للامكان من وطئه) أي السيد، (لحقه) الولد وإن لم يعترف به لثبوت الفراش
بالوطئ، لأنه (ص) ألحق الولد بزمعة من غير إقرار منه ولا من وارثه بالاستيلاد، وقال: الولد للفراش
وللعاهر - أي الزاني - الحجر أي الرجم إذا كان محصنا كما مر. وفي معنى الوطئ ما إذا استدخلت ماءه المحترم. (ولو
أقر) السيد (بوطئ) لامته (ونفى الولد) منها (وادعى) بعد وطئها (استبراء) منها بحيضة كاملة وأتى الولد لستة أشهر
فأكثر منها إلى أربع سنين، (لم يلحقه) الولد (على المذهب) المنصوص، وفي قول: يلحقه، تخريجا من
نصه فيما إذا طلق
زوجته ومضت ثلاثة أقراء ثم أتت بولد يمكن أن يكون منه فإنه يلحقه. وأجاب الأول بأن
فراش النكاح أقوى من فراش التسري، إذ لا بد فيه من الاقرار بالوطئ أو بالبينة عليه وقد عارض الوطئ هنا الاستبراء فلا يترتب عليه للحوق،
ولا بد من حلفه مع دعوى الاستبراء لأجل حق الولد. أما إذا أتى الولد لأقل من ستة أشهر من الاستبراء فيلحقه للعلم
بأنها كانت حاملا حينئذ.
تنبيه: وقع في أصل الروضة هنا أن له نفيه حينئذ باللعان، قال: على الصحيح كما سبق في اللعان اه‍. ونسب في ذلك
للسهو، فإن السابق هناك تصحيح المنع وهو كذلك هنا في كلام الرافعي. (فإن أنكرت) الأمة (الاستبراء حلف)
بضم أوله بخطه: أي السيد على الصحيح، ويكفي فيه (أن الولد ليس منه) وإن لم يتعرض للاستبراء كما في نفي
ولد الحرة. وهل يقول في حلفه: استبرأتها قبل ستة أشهر من ولادتها هذا الولد، أو يقول ولدته بعد ستة أشهر
من استبرائي؟ فيه وجهان، ويظهر أنه يكفي كل منهما. (وقيل يجب) مع حلفه المذكور (تعرضه للاستبراء) أيضا
ليثبت بذلك دعواه.
فرع: لو وطئ أمته واستبرأها ثم أعتقها ثم أتت بولد لستة أشهر من العتق لم يلحقه. (ولو ادعت) الأمة
(استيلادا فأنكر) السيد (أصل الوطئ وهناك ولد، لم يحلف) سيدها (على الصحيح) لموافقته للأصل من عدم
413

الوطئ وكان الولد منفيا عنه، وإنما حلف في الصورة السابقة لأنه سبق منه الاقرار بما يقتضي ثبوت النسب فلا معنى
للتحليف. والثاني: يحلف أنه ما وطئها، لأنه لو اعترف ثبت النسب، فإذا أنكر حلف. وخرج بقوله: وهناك ولد ما إذا
لم يكن فإنه لا يحلف جزما كما قالاه تبعا للإمام.
تنبيه: أفهم كلامه صحة دعوى الأمة الاستيلاد، وهو كذلك في الأصح. (ولو قال) سيد الأمة: (وطئتها وعزلت)
وقت الانزال مائي عنها، (لحقه) الولد (في الأصح) لأن الماء سباق لا يدخل تحت. الاختيار فيسبقه إلى الرحم وهو
لا يحس به، ولان أحكام الوطئ لا يشترط فيها الانزال. والثاني: لا يلحقه كدعوى الاستبراء.
خاتمة: لو كان السيد مجبوب الذكر باقي الأنثيين وأتت بولد لم يلحقه لانتفاء فراش الأمة، لأنه إنما يثبت
بما مر وهو منتف هنا. وقول البلقيني: الأقرب عندي أنه يلحقه إلا أن ينفيه باليمين ممنوع، أو محمول على ما إذا
استدخلت ماءه. ولو اشترى زوجته وأتت بولد يمكن كونه من النكاح والملك بأن ولدته لستة أشهر فأكثر من الوطئ
بعد الشراء وأقل من أربع سنين من النكاح لم تصر أم ولد لانتفاء لحوقه بملك اليمين، إلا إن أقر بوطئ بعد الملك
بغير دعوى استبراء يمكن حدوث الولد بعده بأن لم يدعه، أو ادعاء وولدت لدون ستة أشهر من الاستبراء فتصير أم ولد
للحكم بلحوقه بملك اليمين، ولا يمنع من ذلك احتمال كونه من النكاح، إذ الظاهر في ذلك أنه من ملك اليمين. ولو
زوج أمته فطلقت قبل الدخول وأقر السيد بوطئها فولدت ولدا لزمن يحتمل كونه منهما لحق السيد عملا بالظاهر
وصارت أم ولد، للحكم بلحوق الولد بملك اليمين.
كتاب الرضاع
هو بفتح الراء، ويجوز كسرها، وإثبات التاء معهما لغة: اسم لمص الثدي وشرب لبنه، وشرعا: اسم لحصول لبن امرأة
أو ما حصل منه في معدة طفل أو دماغه. والأصل في تحريمه قبل الاجماع الآية والخبر الآتيان. وإنما جعل الرضاع سببا
للتحريم لأن جزء المرضعة وهو اللبن صار جزءا للرضيع باغتذائه به فأشبه منيها في النسب، وتقدمت الحرمة به في باب
ما يحرم من النكاح، والكلام الآن في بيان ما يحصل به وحكم عروضه بعد النكاح وغيرهما مما سيأتي. وأركانه ثلاثة:
مرضع، ولبن، ورضيع. وبدأ بالركن الأول فقال: (إنما يثبت) بالنسبة لأحكامه الآتية من تحريم النكاح وثبوت
المحرمية المفيدة جواز النظر، والخلوة، وعدم نقض الوضوء بالمس، لا بالنسبة لارث، ونفقة، وعتق بملك، وسقوط قود
ورد شهادة وغيرها من أحكام النسب المختصة به. (بلبن امرأة) آدمية خلية أو مزوجة (حية) حياة مستقرة حال
انفصاله منها، (بلغت تسع سنين) قمرية تقريبا وإن لم يحكم ببلوغها بذلك. فخرج باللبن غيره كأن امتص من الثدي
دما أو قيحا، وبامرأة ثلاثة أمور: أحدها الرجل فلا يثبت بلبنه على الصحيح، لأنه ليس معدا للتغذية فلم يتعلق به
التحريم كغيره من المائعات، لكن يكره له ولفرعه نكاح من ارتضعت منه كما نص عليه في الام والبويطي. ثانيها:
الخنثى المشكل، والمذهب توقفه إلى البيان، فإن بانت أنوثته حرم وإلا فلا، وإن مات قبله لم يثبت التحريم، فللرضيع
نكاح أم الخنثى ونحوها كما نقله الأذرعي عن المتولي وأقراه. ثالثها: البهيمة، فلو ارتضع صغيران من شاة مثلا لم يثبت
بينهما أخوة فتحل مناكحتهما، لأن الاخوة فرع الأمومة، فإذا لم يثبت الأصل لم يثبت الفرع. وبآدمية - ولو عبر بها
بدل المرأة كما عبر به الشافعي لكان أولى واستغنى عما قدرته في كلامه - الجنية إن تصور رضاعها بناء على عدم صحة
تناكحهم، وهو الراجح كما مر، لأن الرضاع تلو النسب بدليل: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب والله قطع
414

النسب بين الجن والإنس، قاله الزركشي. وب‍ الحية لبن الميتة فإنه لا يحرم، لأنه من لبن جثة منفكة عن الحل والحرمة
كالبهيمة. وقيل: يحرم، وبه قال الأئمة الثلاثة، لأن المعنى الذي يقع به التحريم هو اللبن، ولا يقال مات اللبن بموتها
لأن اللبن لا يموت، غير أنه في ظرف ميت، فهو كابن آدمية حية جعل في سقاء طاهر أو نجس على القول بنجاسته.
وبحياة مستقرة من انتهت إلى حركة مذبوح لأنها كالميتة. وببلغت إلى آخره ما إذا لم تبلغ ذلك، فإن لبنها لا يحرم
لأنه فرع الحمل، والحمل لا يتأتى فيما دون ذلك فكذا فرعه، بخلاف من بلغت ذلك وإن لم يحكم ببلوغها كما مر، فاحتمال
البلوغ قائم، والرضاع تلو النسب كما مر فاكتفي فيه بالاحتمال.
تنبيه: أفهم اقتصاره على ما ذكر أنه لا يشترط الثيوبة، وهو الأصح المنصوص، وقيل: يشترط، لأن لبن البكر
نادر فأشبه لبن الرجل. (ولو حلبت) لبنها قبل موتها وفيها حياة مستقرة، (فأوجر) بضم أوله طفل (بعد موتها حرم
في الأصح) لانفصاله منها وهو حلال محترم، كذا عللوا به، وهو يقتضي أنه بعد الموت ليس بحلال، لكن معناه
أنه لا حرمة له وإلا فهو حلال بعد موتها أيضا كما مر في باب النجاسة. وصورة المسألة أن ترضعه أربع رضعات في الحياة
ثم تحلب شيئا فيوجر بعد موتها، أو تحلب في خمس آنية ثم يوجر بعد موتها في خمس دفعات فإنه يحرم كما سيأتي. والثاني:
لا يحرم، لبعد إثبات الأمومة بعد الموت.
تنبيه: قوله: حرم بحاء وراء مشددة مفتوحتين هنا وفيما بعد. وقوله: في الأصح مخالف لتعبير الروضة بالصحيح
المنصوص. ثم شرع في الركن الثاني وهو اللبن، ولا يشترط بفاء اسمه لبنا، فقال: (ولو جبن) أو جعل منه أقط (أو نزع
منه زبد) أو عجن به دقيق وأطعم الطفل من ذلك، (حرم) لحصول التغذي به.
تنبيه: عبارته صادقة بإطعام الزبد نفسه وباللبن الذي نزع زبده، وكل منهما محرم. (ولو خلط) اللبن (بمائع)
طاهر كماء أو نجس كخمر، (حرم إن غلب) بفتح الغين المعجمة، على المائع بظهور أحد صفاته من طعم أو لون أو ريح،
إذ المغلوب كالمعدوم، وسواء أشرب الكل أم البعض. (فإن غلب) بضم أوله، بأن زالت أوصافه الثلاثة حسا وتقديرا،
(وشرب) الرضيع (الكل) حرم. (قيل: أو) شرب (البعض حرم) أيضا (في الأظهر) لوصول اللبن إلى
الجوف. وليس كالنجاسة المستهلكة في الماء الكثير حيث لا يؤثر، فإنها تجتنب للاستقذار وهو مندرج بالكثرة، ولا
كالخمر المستهلكة في غيرها حيث لا يتعلق بها حد، فإن الحد منوط بالشدة المزيلة للعقل. والثاني: لا يحرم، لأن المغلوب
المستهلك كالمعدوم. والأصح أن شرب البعض لا يحرم، لانتفاء تحقق وصول اللبن منه إلى الجوف، فإن تحقق كأن بقي
من المخلوط أقل من قدر اللبن حرم جزما.
تنبيه: يشترط كون اللبن قدرا يمكن أن يسقى منه خمس دفعات لو انفرد كما حكياه عن السرخسي وأقراه.
ومحل الخلاف ما إذا شرب من المختلط خمس دفعات، أو كان حلب في خمس آنية كما مر، أو شرب منه دفعة بعد أن سقي
اللبن الصرف أربعا، فإن زالت الأوصاف الثلاثة اعتبر قدر اللبن بماء له لون قوي يستولي على الخليط، فإن كان ذلك
القدر منه يظهر في الخليط ثبت التحريم وإلا فلا. وقد يفهم تقييده بالمائع أن خلطه بالجامد لا يحرم، وليس مرادا،
فقد مر أنه لو عجن به دقيق حرم. وسكت عن استواء الامرين، وحكمه يؤخذ من الثانية بطريق الأولى. ولبن
المرأتين المختلط يثبت أمومتهما. وفي المغلوب من اللبنين التفصيل المذكور فيثبت الأمومة الغالبة اللبن، وكذا لمغلوبته
بشرطه السابق. ولا يضر في التحريم غلبة الريق لقطرة اللبن الموضوعة في الفم إلحاقا بالرطوبات في المعدة. (ويحرم)
براء مشددة مكسورة، (إيجار) وهو صب اللبن في الحلق لحصول التغذية به كالارتضاع.
تنبيه: قضية إطلاقه التحريم بمجاوزة اللبن الحلق وإن لم يصل المعدة كما يفطر بمثله الصائم، وليس مرادا فقد
اعتبر في المحرر الوصول إلى المعدة، وجريا عليه في الشرح والروضة، فلو تقايأه قبل وصوله إليها لم يحرم. (وكذا إسعاط)
415

وهو صب اللبن في الانف ليصل الدماغ يحرم أيضا (على المذهب) لحصول التغذي بذلك، لأن الدماغ جوف له كالمعدة.
والطريق الثاني فيه قولان، كالحقنة المذكورة في قوله: (لا حقنة) وهي ما يدخل في الدبر أو القبل من دواء فلا يحرم (في
الأظهر) لانتفاء التغذي لأنها لاسهال ما انعقد في المعدة. والثاني: تحرم كما يحصل بها الفطر. ودفع بأن الفطر يتعلق
بالوصول إلى جوف وإن لم يكن معدة ولا دماغا بخلافه هنا، ولهذا لم يحرم التقطير في الاذن أو الجراحة إذا لم يصل
إلى المعدة، ولا بد أن يكون من منفذ مفتوح فلا يحرم وصوله إلى جوف أو معدة بصبه في العين بواسطة المسام. ثم
شرع في الركن الثالث، وهو الرضيع، فقال: (وشرطه) أي ركنه (رضيع) وله شروط شرع في ذكرها بقوله: (حي)
حياة مستقرة، فلا أثر لوصول اللبن إلى جوف الميت بالاتفاق لخروجه عن التغذية ونبات اللحم، وكذا إذا انتهى إلى
حركة مذبوح، فإن حكمه حكم الميت.
تنبيه: لو قال المصنف: وشرطه حياة رضيع لاستغنى عما قدرته. (لم يبلغ سنتين) بالأهلة، فإن انكسر
الشهر الأول ثم عدده ثلاثين من الشهر الخامس والعشرين، فإن بلغهما لم يحرم ارتضاعه لقوله تعالى: * (والوالدات
يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) *، جعل تمام الرضاعة في الحولين فأفهم بأن الحكم بعد
الحولين بخلافه، ولخبر: لا رضاع إلا ما كان في الحولين رواه الدارقطني وغيره، وما في مسلم: أن امرأة
أبي حذيفة قالت: يا رسول الله إن سالما يدخل علي وهو رجل وفي نفس أبي حذيفة منه شئ، فقال رسول الله (ص)
: أرضعيه - أي خمس رضعات - حتى يدخل عليك فهو رخصة خاصة بسالم كما قاله الشافعي رضي الله تعالى
عنه. وقال ابن المنذر: ليس يخلو أند يكون منسوخا أو خاصا بسالم كما قالت أم سلمة وسائر أزواج النبي (ص)
، وهن بالخاص والعام والناسخ والمنسوخ أعلم.
تنبيه: ابتداء الحولين من تمام انفصال الرضيع كما في نظائره، فإن ارتضع قبل تمامه لم يؤثر، وقول الزركشي:
والأشبه ترجيح التأثير لوجود الرضاع حقيقة، وهو قياس ما صححه فيمن انفصل بعضه فحز جان رقبته وهو حي من
أنه يضمن بالقود أو الدية، وعليه تحسب المدة من حين ارتضع، ممنوع لما فيه من ارتكاب إحداث قول ثالث، إذ المحكي
في ابتداء المدة وجهان: ابتداء الخروج وانتهاؤه، وبذلك فارق مسألة الحز مع أنها خارجة عن نظائرها على اضطراب
فيها استصحابا للضمان في الجملة، إذ الجنين يضمن بالغرة. وكلام المصنف يقتضي أنه لو تم الحولان في الرضعة
الأخيرة لا تحريم وهو ظاهر نص الام وغيره، ولكن المذهب كما في التهذيب وجرى عليه ابن المقري أنه لا يحرم لأن
ما يصل إلى الجوف في كل رضعة غير مقدر، كما لو قالوا لم يحصل في جوفه إلا خمس قطرات في كل رضعة قطرة حرم.
(وخمس رضعات) لما روى مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها: كان فيما أنزل الله في القرآن عشر رضعات معلومات
يحرمن فنسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله (ص) وهن فيما يقرأ من القرآن أي يتلى حكمهن أو يقرؤهن من لم
يبلغه النسخ لقربه. وقيل: يكفي رضعة واحدة، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، لعموم قوله تعالى: * (وأمهاتكم اللاتي
أرضعنكم) *. وأجاب الأول بأن السنة تثبت كآية السرقة. ولم يأخذ الشافعي رضي الله تعالى عنه في هذا بقاعدته
وهي الاخذ بأقل ما قيل: لأن شرط ذلك عنده أن لا يجد دليلا سواه، والسنة ناصة على الخمس لأن عائشة رضي
الله عنها لما أخبرت أن التحريم بالعشرة منسوخ بالخمس دل على ثبوت التحريم بالخمس لا بما دونها، ولو وقع التحريم
بأقل منها بطل أن يكون الخمس ناسخا وصار منسوخا كالعشر. فإن قيل: القرآن لا يثبت بخبر الواحد فلا يحتج به.
أجيب بأنه وإن لم يثبته قرآنا بخبر الواحد لكن ثبت حكمه والعمل به، فالقراءة الشاذة منزل منزلة الخبر. وقيل:
يكفي ثلاث رضعات لمفهوم خبر مسلم: لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان وإنما قدم مفهوم الخبر الأول على هذا لاعتضاده
بالأصل، وهو عدم التحريم. ولا يشترط اتفاق صفات الرضعات بل لو أوجر مرة وسعط مرة وارتضع مرة
وأكل مما صنع منه مرتين ثبت التحريم. قيل: الحكمة في كون التحريم بخمس أن الحواس التي هي سبب الادراك خمس.
416

تنبيه: ضاد رضعات مفتوحة لما تقرر في علم النحو أن فعلة علما كانت أو مصدرا تفتح عينها في الجمع، نحو
ظبيات وحسرات وإن كانت صفة سكنت عينها كعصبات. (و) الخمس رضعات (ضبطهن بالعرف) إذ لا
ضابط لها
في اللغة ولا في الشرع، فرجع فيه إلى العرف كالحرز في السرقة، فما قضي بكونه رضعة أو رضعات اعتبر وإلا فلا. (فلو
قطع) الرضيع الارتضاع بين كل من الخمس (إعراضا) عن الثدي، (تعدد) عملا بالعرف. قال الأذرعي: وفي الصدر
حكة من قولهم: لو طارت قطرة إلى فيه واختلطت بريقه وعبرته عد رضعة، ومثله إسعاط قطرة، وقد ضبطوا ذلك
بالعرف، والظاهر أن أهل العرف لا يعدون هذا رضعة، وكيف هذا مع ورود الخبر: إن الرضاع ما أنبت اللحم وأنشر
العظم اه‍. وهذا نظير قولهم في بدو الصلاح يكتفي فيه بثمرة واحدة، وفي اشتداد الحب بسنبلة واحدة، فحيث لم يكن
لها ضابط بقلة ولا بكثرة اعتبرنا أقل ما يقع عليه الاسم. وما أجاب به الغزي من أن أقل الرضعة لا حد له والضبط
إنما هو لكثرتها ممنوع.
تنبيه: كلام المصنف يقتضي أنها لو قطعت عليه المرضعة لشغل وأطالته ثم عاد لم يعتد بذلك رضعة، وهو
ما جرى عليه صاحب التنبيه. كما لو حلف لا يأكل إلا مرة فقطع عليه إنسان الاكل بغير اختياره ثم عاد وأكل بعد
تمكنه لم يحنث. والأصح كما في أصل الروضة أنه يعتد به، لأن الرضاع يعتبر فيه فعل المرضعة والرضيع على الانفراد،
بدليل ما لو ارتضع من امرأة نائمة أو أوجرته لبنا وهو نائم، وإذا ثبت ذلك وجب أن يعتد بقطعها كما يعتد
بقطعه. (أو) قطعه (للهو) أو نحوه كنومة خفيفة أو تنفس أو ازدراد ما جمعه من اللبن في فمه، (وعاد في الحال) فلا تعدد بل الكل رضعة
واحدة. فإن طال لهوه أو نومه، فإن كان الثدي في فمه فرضعة وإلا فرضعتان، فتقييد الروضة مسألة للهو ببقاء الثدي
في فمه محمول على ما إذا لم يطل، فلا يشترط أن يكون الثدي في فمه كما نص عليه في المختصر، ويفهمه إطلاق المتن. (أو
تحول) الرضيع بنفسه، أو بتحويل المرضعة في الحال (من ثدي إلى ثدي) آخر، أو قطعته المرضعة لشغل خفيف ثم عادت،
(فلا) تتعدد حينئذ، فإن لم تتحول في الحال تعدد الارضاع.
تنبيه: محل ما ذكر في المرضعة الواحدة، أما إذا تحول من ثدي امرأة إلى ثدي أخرى في الحال فإنه يتعدد في الأصح
لأن الرضعة أن يترك الثدي ولا يعود إليه إلا بعد مدة طويلة وقد وجد.
فائدة: الثدي بفتح الثاء يذكر ويؤنث، والتذكير أشهر، ويكون للرجل والمرأة، ولكن استعماله في المرأة
أكثر حتى أن بعضهم خصه بها. (ولو حلب منها) لبن (دفعة وأوجره) أي وصل إلى جوف الرضيع أو دماغه بإيجار أو
إسعاط أو غير ذلك، (خمسا) أي في خمس مرات (أو عكسه) بأن حلب منها خمسا وأوجر الرضيع دفعة، (فرضعة) واحدة
في الصورتين، اعتبارا في الأولى بحالة الانفصال من الثدي، وفي الثانية بحالة وصوله إلى جوفه دفعة واحدة، (وفي قول
خمس) فيهما تنزيلا في الأولى للاناء منزلة الثدي، ونظرا في الثانية إلى حالة الانفصال من الثدي. أما لو حلب منهما خمس
دفعات وأوجره في خمس دفعات من غير خلط فهو خمس قطعا، وإن خلط ثم فرق وأوجره خمس دفعات فخمس على
الأصح، وقيل واحدة لأنه بالخلط صار كالمحلوب دفعة.
تنبيه: قوله: منها فرض الخلاف في الواحدة، فلو حلب خمس نسوة في إناء وأوجره لطفل دفعة واحدة حسب
من كل واحدة رضعة، وإن أوجره في خمس دفعات فكذلك على الأصح، وقيل: خمس. (و) لا بد من تيقن الخمس
رضعات وتيقن كون الرضيع قبل الحولين، فعلى هذا (لو شك) في رضيع (هل) رضع (خمسا أم أقل، أو هل رضع
في حولين أم بعد) أي بعد الحولين، أو في دخول اللبن جوفه أو دماغه، أو في أنه لبن امرأة أو بهيمة، أو في أنه حلب
في حياتها، (فلا تحريم) لأن الأصل عدم ما ذكر، ولا يخفي الورع. (وفي) المسألة (الثانية) في كلام المصنف (قول
417

أو وجه) بالتحريم، لأن الأصل بقاء الحولين، ورجح الشرح الصغير أنه قول.
تنبيه: كلامه يشعر بأنه لا خلاف في الأولى وهو كذلك. (و) اعلم أن الحرمة تسري من المرضعة والفحل إلى
أصولهما وفروعهما وحواشيهما، ومن الرضيع إلى فروعه فقط. إذا علمت ذلك ووجدت الشروط المذكورة فنقول:
(تصير المرضعة) بذلك (أمه) بنص القرآن، (والذي منه اللبن) المحترم وهو الفحل (أباه، وتسري) أي تنتشر (الحرمة)
من الرضيع (إلى أولاده) فقط كما مر، سواء كانوا من النسب أم من الرضاع، ولذلك احترز المصنف بقوله: أولاده
عن آبائه وإخوته، فلا تسري الحرمة إليهم، فلأبيه وأخيه نكاح المرضعة وبناتها، ولزوج المرضعة أن يتزوج بأم الطفل
وأخته. قال الجرجاني في المعاياة: وإنما كانت الحرمة المنتشرة منها، أي المرضعة، إليه، أي الطفل أعم من الحرمة المنتشرة
منه إليها، لأن التحريم بفعلها، أي غالبا، فكان التأثير أكثر، ولا صنع للطفل فيه، أي غالبا، فكان تأثير التحريم
فيه أخص اه‍. ولما كان اللبن للفحل كان كالأم.
تنبيه: جعل الشارح ضمير أولاده للفحل والأولى عوده للرضيع كما تقرر، بل قال ابن قاسم: إن ما فعله الشارح
سهو. (و) اعلم أنه لا تلازم بين الأبوة والأمومة، فقد توجد الأمومة دون الأبوة كبكر در لها لبن أو ثيب لا زوج لها، وقد
توجد الأبوة دون الأمومة. إذ علمت ذلك فنقول: (لو كان لرجل خمس مستولدات أو) له (أربع نسوة) دخل
بهن (وأم ولد فرضع طفل من كل رضعة) ولو متواليا، (صار ابنه في الأصح) لأن لبن الجميع منه، (فيحرمن عليه)
أي على الطفل، (لأنهن موطوءات أبيه) لا لكونهن أمهات له. والثاني: لا يصير ابنه لأن الأبوة تابعة للأمومة ولم تحصل.
(ولو كان) للرجل (بدل المستولدات بنات أو أخوات) فرضع طفل من كل رضعة، (فلا حرمة) بين الرجل والطفل
(في الأصح) لأن الجدودة للام في الصورة الأولى والخؤولة في الصورة الثانية إنما يثبتان بتوسط الأمومة، ولا أمومة
هنا. والثاني: تثبت الحرمة تنزيلا للبنات أو الأخوات منزلة الواحدة، أي منزلة ما لو كان له بنت أو أخت أرضعت
الطفل خمس رضعات.
فرع: لو ارتضعت صغيرة تحت رجل من كل من موطوءاته الخمس رضعة واللبن لغيره حرمت عليه، قال
ابن المقري: لكونها ربيبته، وأقره شيخنا على ذلك في شرحه وقال: نقله الأصل عن ابن القاص اه‍. وفيه نظر واضح،
لأن الأمومة لم تثبت فلا تكون ربيبة، ولعل هذه مقالة لابن القاص. (وآباء المرضعة من نسب أو رضاع أجداد للرضيع)
كما مر من أن الحرمة تسري إلى أصولها، فلو كان الرضيع أنثى حرم عليهم نكاحها. (وأمهاتها) من نسب أو رضاع
(جداته) لما مر، فلو كان الرضيع ذكرا حرم عليه نكاحهن. (وأولادها من نسب أو رضاع إخوته وأخواته) لما
مر من أن الحرمة تسري إلى فروعها. (وإخوتها وأخواتها) من نسب أو رضاع (أخواله وخالاته) لما مر من
أن الحرمة تسري إلى حواشيها فيحرم التناكح بينه وبينهم، وكذا بينه وبين أولاد الأولاد، بخلاف أولاد
الإخوة والأخوات لأنهم أولاد أخواله وخالاته. (وأبو) ذي أي صاحب (اللبن جده، وأخوه عمه) أي الرضيع،
(وكذا الباقي) من أقارب صاحب اللبن على هذا القياس، فأمه جدته وأولاده إخوته وأخواته أعمامه وعماته،
لما مر من أن الحرمة تسري إلى أصول صاحب اللبن وفروعه وحواشيه. (واللبن لمن نسب إليه ولد) أو سقط (نزل) أي در
418

اللبن (به بنكاح أو وطئ شبهة) كما في الولد اتباعا للرضاع بالنسب، والنسب فيه ثابت، فقول ابن القاص: تشترط
في حرمة الرضاع في حق من ينسب إليه الولد إقراره بالوطئ، فإن لم يكن ولحقه الولد بمجرد الامكان لم تثبت الحرمة
مخالف لما ذكر ولظاهر كلام الجمهور، فالمعتمد خلافه.
تنبيه: قضية كلام المصنف أنه لو ثار للمرأة لبن قبل أن يصيبها الزوج أو بعد الإصابة ولم تحبل ثبوت حرمة
الرضاع في حقها دون الزوج، وبه جزم القاضي الحسين فيما قبل الإصابة، وقال فيها بعد الإصابة وقبل الحمل: المذهب
ثبوته في حقها دونه. وقال الشافعي في رواية حرملة: ثبت في حقه أيضا، لأنه ثور أعضاءها بالوطئ، والأصح هو الأول اه‍.
قال الزركشي: وعليه اقتصر في الكافي، ونقله الأذرعي عن فروع ابن القطان ولم يذكر كلام القاضي وصاحب
الكافي. فإن قيل: كان ينبغي للمصنف أن يقول: أو ملك يمين، فإن الولد منه كالولد بالنكاح. أجيب بأنه استغنى عنه
بما ذكره قبل أن المستولدة كالزوجة. (لا) بوطئ (زنا) فلا يحرم على الزاني نكاح صغيرة ارتضعت بلبنه،
لأنه
لا حرمة له، لكن يكره له نكاحها كنكاح بنته من الزنا. (ولو نفاه) أي نفى من نسب إليه الولد (بلعان انتفى
اللبن) النازل به كالنسب (عنه) فلو ارتضعت به صغيرة حلت للنافي، ولو عاد واستلحق الولد بعد اللعان لحقه الرضيع أيضا.
(ولو وطئت منكوحة) أي وطئها واحد (بشبهة أو وطئ اثنان) امرأة (بشبهة فولدت) ولدا، (فاللبن) النازل
به (لمن لحقه الولد) منهما: إما (بقائف) وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى آخر كتاب الدعوى والبينات، إن أمكن
كونه منهما. (أو) لمن لحقه الولد بسبب (غيره) بأن انحصر الامكان في واحد منهما، أو لم يكن قائف، أو ألحقه بهما
أو نفاه عنهما، أو أشكل عليه الامر وانتسب الولد لأحدهما بعد بلوغه أو بعد إفاقته من جنون ونحوه، فالرضيع من
ذلك اللبن ولد رضاع لمن لحقه ذلك الولد، لأن اللبن تابع للولد. فإن مات الولد قبل الانتساب وله ولد قام مقامه، أو
أولاد وانتسب بعضهم لهذا وبعضهم لذاك دام الاشكال، فإن ماتوا قبل الانتساب أو بعده فيما إذا انتسب بعضهم لهذا
وبعضهم لذاك، أو لم يكن له ولد ولا ولد أنتسب الرضيع حينئذ، أما قبل انقراض ولده وولد ولده فليس له الانتساب
بل هو تابع للولد أو ولده. ولا يجبر على الانتساب، بخلاف الولد وأولاده فإنهم يجبرون عليه لضرورة النسب. والفرق
أن النسب يتعلق به حقوق له وعليه كالميراث والنفقة والعتق بالملك وسقوط القود ورد الشهادة فلا بد من دفع الاشكال.
والمتعلق بالرضاع حرمة النكاح وجواز النظر، والخلوة، وعدم نقض الطهارة كما مر، والامساك عنه سهل فلم يجبر
عليه الرضيع ولا يعرض أيضا على القائف. ويفارق ولد النسب بأن معظم اعتماد القائف على الأشباه الظاهرة دون
الأخلاق. وإنما جاز انتسابه لأن الانسان يميل إلى من ارتضع. (ولا تنقطع نسبة اللبن عن) صاحبه من
(زوج) أو غيره (مات أو) زوج (طلق) وله اللبن (وإن طالت المدة) كعشر سنين وله لبن ارتضع منه جمع
بترتيب، (أو انقطع) اللبن (وعاد) إذ لم يحدث ما يحال اللبن عليه، إذ الكلام في الحلية فاستمرت نسبته إليه (فإن
نكحت) بعد موت أو طلاق من ذكر زوجا (آخر) أو وطئت بشبهة (وولدت منه فاللبن بعد الولادة له) أي للآخر
أو للواطئ بشبهة، لأن اللبن يتبع الولد والولد للثاني فكذلك اللبن. (وقبلها) أي الولادة يكون (للأول إن لم يدخل
وقت ظهور لبن حمل الثاني) لأن الأصل بقاء الأول ولم يحدث ما يغيره، وسواء أزاد على ما كان أم لا، انقطع ثم عاد
أم لا، ويرجع في أول مدة يحدث فيها لبن الحمل للقوابل على النص. وقيل: إن أول مدته أربعون يوما، وقيل: أربعة
أشهر. (وكذا إن دخل) وقت ظهور لبن حمل الثاني يكون اللبن أيضا للأول دون الثاني، لأن اللبن غذاء للولد
419

لا للجمل فيتبع المنفصل. (وفي قول: للثاني) لأن الحمل ناسخ فقطع حكم ما قبله كالولادة. (وفي قول لهما) معا، لأن احتمال
الامرين يوجب تساويهما.
تنبيه: أطلق القول الثاني، ومحله إذا انقطع اللبن مدة طويلة ثم عاد كما في الشرح والروضة، أما إذا لم ينقطع أو
انقطع مدة يسيرة فليس فيه قول أنه للثاني فقط بل للأول أو لهما، أو للأول إن لم يزد ولهما إن زاد.
تتمة: لو حملت مرضعة مزوجة من زنا فاللبن للزوج ما لم تضع، فإذا وضعت كان اللبن للزنا نظير ما لو حملت
بغير زنا. ولو نزل لبكر لبن وتزوجت وحبلت من الزوج فاللبن لها لا للزوج ما لم تلد ولا أب للرضيع، فإن ولدت
منه فاللبن بعد الولادة له.
فصل: في طريان الرضاع على النكاح مع الغرم بسبب قطعه النكاح: لو كان (تحته) زوجة (صغيرة
فأرضعتها) الارضاع المحرم (أمه) أي الزوج (أو أخته) من نسب أو رضاع (أو زوجة أخرى) له أو غيرهن ممن
يحرم عليه بنتها كزوجة أبيه أو ابنه أو أخيه بلبنهم، (انفسخ نكاحه) من الصغيرة وحرمت عليه أبدا، لأنها صارت
أخته أو بنت أخته أو بنت زوجته، أو أخته أيضا، أو بنت ابنه، أو بنت أخيه، لأن ما يوجب الحرمة المؤبدة كما
يمنع ابتداء النكاح يمنع استدامته بدليل أن الابن إذا وطئ زوجة أبيه بشبهة انفسخ النكاح وحرمت عليه، وليس ذلك
كطرو الردة والعدة لعدم إيجابهما التحريم المؤبد. أما إذا كان اللبن من غير الأب والابن والأخ فلا يؤثر، لأن غايته
أن تصير ربيبة أبيه أو ابنه أو أخيه وليست بحرام عليه، وانفسخ نكاح زوجته الأخرى أيضا إذا كانت هي المرضعة
لأنها صارت أم زوجته.
تنبيه: قد علم مما تقرر أنه لو عبر بمن يحرم عليه نكاح بنتها لكان أخصر وأشمل. (وللصغيرة) على الزوج (نصف
مهرها) المسمى إن كان صحيحا، وإلا فنصف مهر مثلها، لأنه فراق حصل قبل الدخول لا بسببها فشطر المهر
كالطلاق. (وله على المرضعة نصف مهر مثل) على النص. أما الغرم فلأنها فوتت عليه ملك النكاح سواء أقصدت
بإرضاعها فسخ النكاح أم لا، تعين عليها لخوف تلف الصغيرة أم لا، لأن غرامة المتلفات لا تختلف بهذه الأسباب. وأما
النصف فلانه الذي يغرمه فاعتبر ما يجب له بما يجب عليه. ولو أوجر الصغيرة أجنبي لبن أم الزوج كان الرجوع عليه.
ولو أكره أجنبي الام على إرضاعها فأرضعتها فالغرم عليها طريقا والقرار على المكره ليوافق قاعدة الاكراه على الاتلاف.
والفرق بأن الابضاع لا تدخل تحت اليد، وبأن الغرم هنا للحيلولة وهي منتفية في المكره مردود بأن الحر لا يدخل تحت
اليد مع دخول إتلافه في القاعدة، والقول بأن الغرم هنا للحيلولة يرده ما سيأتي عن قرب من الفرق بين ما هنا وشهود
الطلاق إذا رجعوا. (وفي قول) مخرج من رجوع شهود الطلاق قبل الدخول للزوج على المرضعة، المهر (كله) وفرق
الأول بأن فرقة الرضاع حقيقة فلا توجب إلا النصف كالمفارقة بالطلاق، وفي الشهادة النكاح باق بزعم الزوج والشهود،
ولكنهم بشهادتهم حالوا بينه وبين البضع فغرموا قيمته كالغاصب الحائل بين المالك والمغصوب.
تنبيه: ما أطلقه المصنف من تغريمه المرضعة محله كما قيده الماوردي بما إذا لم يأذن الزوج لها في الارضاع، فإن
أذن لها فلا غرم، وأكرهه لها على الرضاع إذن وزيادة. وما ذكر محله في الزوج الحر، فلو كان عبدا فأرضعت أمه
مثلا زوجته الصغيرة فإنه يؤخذ من كسبه للصغيرة نصف المسمى إن كان صحيحا وإلا فنصف مهر المثل والغرم على المرضعة
للسيد، وإن كان النكاح لم يفت إلا على العبد ولا حق للسيد فيه، لأن ذلك بدل البضع فكان للسيد كعوض الخلع.
ومحله أيضا إذا لم تكن المرضعة مملوكة للزوج، فإن كانت مملوكته ولو مدبرة ومستولدة فلا رجوع له عليها، وإن كانت
مكاتبة رجع عليها بالغرم ما لم تعجز. وسكت المصنف عن مهر الكبيرة، وحكمه إن كان مدخولا بها فلها المهر وإلا فلا.
420

فرع: لو نكح عبد أمة صغيرة مفوضة بتفويض سيدها فأرضعتها أمة مثلها فلها المتعة في كسبه ولا يطالب سيده
المرضعة إلا بنصف مهر المثل، وإنما صوروا ذلك بالأمة لأنه لا يتصور في الحرة لعدم المكافأة. (ولو) دبت صغيرة
و (رضعت) خمس رضعات (من) كبيرة (نائمة) أو مستيقظة ساكنة كما صرح به المصنف في زيادة الروضة، (فلا
غرم) على من رضعت منها، لأنها لم تصنع شيئا. (ولا مهر للمرتضعة) لأن الانفساخ حصل بفعلها، وذلك يسقط
المهر قبل الدخول. ويرجع الزوج في مالها بنسبة ما غرم للكبيرة لأنها أتلفت عليه بضع الكبيرة، ولا فرق في غرامة
المتلفات بين الكبيرة والصغيرة.
فرع: لو حملت الريح اللبن من الكبيرة إلى جوف الصغيرة لم يرجع على واحدة منهما إذ لا صنع منهما، ولو
دبت الصغيرة فارتضعت من أم الزوج أربعا ثم أرضعتها أم الزوج الخامسة أو عكسه اختص التغريم بالخامسة. (ولو كان
تحته) زوجتان (كبيرة وصغيرة فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة انفسخت الصغيرة) أي نكاحها، لأنها صارت أختا للكبيرة
ولا سبيل إلى الجمع بين الأختين. (وكذا الكبيرة) ينفسخ نكاحها أيضا (في الأظهر) لما مر. والثاني: يختص الانفساخ
بالصغيرة، لأن الجمع حصل بإرضاعها، ونسبه الماوردي للجديد، والأول للقديم. (و) على الأظهر (له نكاح من شاء
منهما) على الانفراد، لأنهما أختان والمحرم عليه جمعهما. (وحكم مهر الصغيرة) على الزوج (وتغريمه
المرضعة) على
(ما سبق) في إرضاع أم الزوج ونحوها الصغيرة، فعليه نصف المسمى الصحيح أو نصف مهر مثل، وله على أمها
المرضعة نصف مهر المثل، وقيل: كله (وكذا الكبيرة إن لم تكن موطوءة) حكمها في غرم الزوج مهرها وتغريمه المرضعة
ما سبق في الصغيرة لاشتراكهما في عدم الوطئ، فلها عليه نصف المسمى أو مهر المثل، وله على أمها المرضعة نصف
المهر، وفي قول: كله. (فإن كانت موطوءة فله على المرضعة مهر مثل في الأظهر) كما وجب عليه لبنتها المهر بكماله. والثاني:
لا شئ عليها، لأن البضع بعد الدخول لا يتقدر للزوج، فإنه قد استوفى بالمسيس ما يقابل المهر.
تنبيه: احترز بأم الكبيرة عما لو أرضعت الكبيرة نفسها الصغيرة والكبيرة موطوءة فلا يرجع الزوج عليها بمهر
مثلها كما في الروضة وأصلها عن الأئمة لئلا يخلو نكاحها عن مهر فتصير كالموهوبة، وذلك من خصائص النبوة. (ولو
أرضعت بنت) زوجته (الكبيرة) زوجته (الصغيرة حرمت الكبيرة أبدا) لأنها جدة امرأته، (وكذا الصغيرة) حرمت
أبدا (إن كانت الكبيرة موطوءة) لأنها ربيبة، فإن لم تكن موطوءة لم تحرم الصغيرة، لأن الربيبة لا تحرم إلا بالدخول،
وفي الغرم للصغيرة والكبيرة ما مر. (ولو كان تحته) زوجة (صغيرة فطلقها فأرضعتها امرأة صارت أم امرأته) فتحرم
عليه أبدا، ولو نظر إلى حصول الأمومة قبل النكاح أو بعده إلحاقا للطارئ بالمقارن كما هو شأن التحريم المؤبد. (ولو
نكحت مطلقته) الحرة (صغيرا وأرضعته بلبنه حرمت على المطلق والصغير أبدا) أما المطلق فلأنها صارت زوجة ابنه،
وأما الصغير فلأنها صارت أمه أو زوجة أبيه، فإن كانت المطلقة أمة لم تحرم على المطلق لبطلان النكاح، لأن الصغير
لا يصح نكاحه أمة فلم تصر حليلة ابنه.
421

فرع: لو فسخت كبيرة نكاح صغير بعيب فيه مثلا ثم تزوجت كبيرا فارتضع الصغير بلبنه منها أو من غيرها حرمت
عليهما أبدا، لأن الصغير صار ابنا للكبير، فهي زوجة ابن الكبير وزوجة أبي الصغير، بل أمه إن كان اللبن منها. (ولو
زوج) السيد (أم ولده عبده الصغير فأرضعته لبن السيد حرمت عليه) أي العبد أبدا، لأنها أمه وموطوءة أبيه، (وعلى السيد)
كذلك لأنها زوجة ابنه.
تنبيه: هذه المسألة مبنية على أن السيد يجبر عبده الصغير على النكاح، ومر في النكاح أن الأظهر أنه لا يجبر فهذا
مبني على مرجوح. واحترز بقوله: لبن السيد عما لو أرضعته بلبن غيره، فإن النكاح ينفسخ لكونها أما له، ولا تحرم
على السيد، لأن الصغير لم يصر ابنا له فلم تكن هي زوجة الابن. (ولو أرضعت موطوءته الأمة) زوجة (صغيرة تحته) أي
السيد (بلبنه أو لبن غيره) بأن تزوجت غيره أو وطئها بشبهة، (حرمتا) أي الموطوءة والصغيرة (عليه) أي السيد أبدا،
لصيرورة الأمة أم زوجته والصغيرة بنته إن رضعت لبنه، أو بنت موطوءته إن رضعت لبن غيره. (ولو كان تحته صغيرة
وكبيرة فأرضعتها) أي الكبيرة الصغيرة، (انفسختا) لصيرورة الصغيرة بنتا للكبيرة وامتنع الجمع بينهما.
تنبيه: هذه المسألة قد تقدمت أول الفصل وذكرت هناك لأجل الغرم وهنا لتأبيد التحريم وعدمه كما قال: (وحرمت
الكبيرة أبدا) لأنها أم زوجته، (وكذا الصغيرة) حرمت أبدا (إن كان الارضاع بلبنه) لأنها صارت بنته، (وإلا) بأن كان
الارضاع بلبن غيره (فربيبة) له تحرم عليه أبدا إن دخل بالكبيرة وإلا فلا، وفي الغرم للصغيرة والكبيرة ما مر، فلو
كانت الكبيرة أمه غيره تعلق الغرم برقبتها، أو أمته فلا شئ عليها إلا إن كانت مكاتبة فعليها الغرم، فإن عجزها سقطت
المطالبة بالغرم. (ولو كان تحته كبيرة وثلاث صغائر فأرضعتهن معا) أو مرتبا بلبنه أو لبن غيره، (حرمت) أي الكبيرة
(أبدا) لأنها صارت أم زوجاته، (وكذا الصغائر إن أرضعتهن بلبنه) لأنهن صرن بناته، (أو لبن غيره وهي) أي الكبيرة
(موطوءة) له لأنهن صرن بنات زوجته المدخول بها. (وإلا) بأن لم يكن اللبن له ولم تكن موطوءة له، (فإن أرضعتهن معا
بإيجارهن) الرضعة (الخامسة انفسخن) لصيرورتهن أخوات ولاجتماعهن مع الام في النكاح.
تنبيه: في معنى إيجارهن الخامسة أن تلقم اثنتين ثدييها وتوجر الثالثة لبنها المحلوب. (ولا يحرمن) أي الصغائر
(مؤبدا) لانتفاء الدخول بأمهن، فله تجديد نكاح من شاء منهن بلا جمع في نكاح. (أو) أرضعتهن (مرتبا لم يحرمن) مؤبدا
لما ذكر. (وتنفسخ الأولى) أي نكاحها بإرضاعها مع الكبيرة لاجتماع الام وبنتها في النكاح، ولا ينفسخ نكاح الثانية بمجرد
إرضاعها إذ لا موجب له. (والثالثة) أي وينفسخ نكاح الثالثة بإرضاعها لصيرورتها أختا للثانية الباقية في نكاحه. (وتنفسخ
الثانية بإرضاع الثالثة) لأنهما صارتا أختين معا فأشبه ما لو أرضعتهما معا. (وفي قول لا ينفسخ) نكاح الثانية بل يختص
الانفساخ بالثالثة، لأن الجمع إنما حصل بها كما لو نكح امرأة على أختها.
تنبيه: اقتصر المصنف في الترتيب على ما إذا أرضعتهن متعاقبا، وبقي في الترتيب حالان: أحدهما ترضع ثنتين
معا ثم الثالثة فينفسخ نكاح الأولتين مع الكبيرة لثبوت الاخوة بينهما ولاجتماعهما مع الام في النكاح، ولا ينفسخ
نكاح الثالثة لانفرادها ووقوع إرضاعها بعد اندفاع نكاح أمها وأختيها. ثانيهما: أن ترضع واحدة أولا ثم ثنتين معا
422

فينفسخ نكاح الأربع، أما الأولى والكبيرة فلاجتماع الام والبنت في النكاح، وأما الاخريان فلأنهما صارتا أختين
معا. (ويجري) هذان (القولان فيمن تحته) زوجتان (صغيرتان أرضعتهما أجنبية مرتبا أينفسخان أم الثانية) يختص
الانفساخ بها فقط؟ والأظهر منهما انفساخهما لما ذكر. وخرج بقوله: مرتبا ما إذا أرضعتهما معا فإنه ينفسخ
نكاحهما
قولا واحدا لأنهما صارتا أختين معا، ولا خلاف في تحريم المرضعة على التأبيد لأنها صارت أم زوجته.
فصل: في الاقرار بالرضاع والاختلاف فيه وما يذكر معهما: إذا (قال) رجل (هند) بالصرف وتركه،
(بنتي أو أختي برضاع، أو قالت) امرأة (هو) أي زيد مثلا (أخي) أو ابن برضاع وأمكن، (حرم تناكحهما)
مؤاخذة لكل منهما بإقراره، فإن لم يمكن بأن قال: فلانة بنتي وهي أكبر سنا منه فهو لغو. واستغنى المصنف عن
ذكر هذا الشرط لأنه قدمه في كتاب الاقرار. ثم إن صدقا حرم تناكحهما ظاهرا وباطنا، وإلا فظاهرا فقط. ولو رجع
المقر لم يقبل رجوعه، وكذا لو أنكرت المرأة رضاها بالنكاح حيث شرط ثم رجعت فيجدد النكاح. (ولو قال زوجان:
بيننا رضاع محرم) بشرطه السابق، (فرق بينهما) عملا بقولهما، (وسقط المسمى) إذا أضيف الرضاع إلى ما قبل الوطئ
لفساده لأنه لم يصادف محلا. (ووجب) لها (مهر مثل إن وطئ‍) - ها وهي معذورة بنوم أو إكراه ونحو ذلك، فإن
لم يطأ أو وطئ بلا عذر لها يجب شئ. أما إذا أضيف الارضاع إلى ما بعد الوطئ فالواجب المسمى. واحترز المصنف
بقوله عما لو قال بيننا رضاع واقتصر عليه فإنه يتوقف التحريم على بيان العدد. (وإن ادعى) الزوج (رضاعا) محرما
(فأنكرت) زوجته ذلك، (انفسخ) النكاح وفرق بينهما، وإن كذبته المرأة التي نسب الارضاع إليها مؤاخذة بقوله.
(ولها المسمى) إن كان صحيحا وإلا فمهر المثل (إن وطئ) لاستقراره بالدخول، (وإلا) أي وإن لم يطأ (فنصفه) لورود
الفرقة منه ولا يقبل قوله عليها، وله تحليفها قبل دخول، وكذا بعده إن كان المسمى أكثر من مهر المثل، وإن نكلت
حلف الزوج ولزمه مهر مثل فقط بعد الوطئ ولا شئ لها عليه قبله. هذا في غير المفوضة، أما فيها فلها المتعة ولا مهر
لها. (وإن ادعته) أي الزوجة الرضاع، (فأنكر) الزوج ذلك، (صدق بيمينه إن زوجت برضاها) ممن عرفته بعينه بأن عينته
في أذنها أو عين لها فسكتت حيث يكفي سكوتها، لتضمن رضاها به الاقرار بحلها له فلا يقبل منها نقيضه. وإذا حلف
الزوج على نفي الرضاع استمرت الزوجية ظاهرا وعليها منع نفسها منه ما أمكن إن كانت صادقة. وهل تستحق عليه
النفقة مع إقرارها بأن النكاح فاسد؟ قال ابن أبي الدم: لم أر فيه نقلا، والظاهر وجوبها لأنها محبوسة عنده وهو مستمتع
بها والنفقة تجب في مقابلة ذلك اه‍. وهذا هو الظاهر، ويؤخذ منه مسألة حسنة وقعت في إفتاء، وهي أن شخصا طلب
زوجته لمحل طاعته فامتنعت، ثم إنه استمر يستمتع بها في المحل الذي امتنعت فيه، هل تستحق عليه نفقة أو لا؟ أفتى بعضهم
بالاستحقاق وبعضهم بعدمه، والأول أظهر. (وإلا) بأن زوجت بغير رضاها، كأن زوجها المجبر لجنون أو بكارة أو أذنت
مطلقا ولم تعين الزوج، (فالأصح تصديقها) بيمينها كما في المحرر هنا والروضة في باب النكاح، لاحتمال ما تدعيه ولم يسبق
منها ما يناقضه، فأشبه ما لو ذكرته قبل النكاح. والثاني: يصدق الزوج بيمينه لاستدامة النكاح الجاري على الصحة ظاهرا.
تنبيه: محل الخلاف إذا لم تمكنه من وطئها مختارة، فإن مكنته لم يقبل قولها. (و) لها في المسألتين (مهر مثل
إن وطئ‍) - ها جاهلة بالرضاع ثم علمت وادعته، سواء أكان مثل المسمى أم دونه، وليس لها طلب المسمى لأنها
423

لا تستحقه بزعمها. فإن كان الزوج دفعه إليها لم يكن له طلب رده لزعمه أنه لها، فإن كان مهر المثل أكثر من المسمى لم
تطلب الزوجة الزيادة إن صدقنا الزوج كما قاله الأذرعي وغيره، والورع له أن يطلقها طلقة لتحل لغيره إن كانت كاذبة.
وقوله: (وإلا) بأن لم يكن وطئ (فلا شئ لها) وهذا غير محتاج إليه، ولهذا حذفه المحرر والروضة كأصلها.
تنبيه: دعوى الزوجة المصاهرة كقولها: كنت زوجة أبيه كدعوى الرضاع.
فرع: يحرم على السيد وطئ أمة أقرت بالمراضعة بينه وبينها قبل أن يشتريها أو بعده وقبل التمكن كما جزم به
صاحب الأنوار ورجحه ابن المقري، ويخالف ذلك كما قاله البغوي ما لو أقرت بأن بينهما أخوة نسب حيث لا يقبل،
لأن النسب أصل ينبني عليه أحكام كثيرة بخلاف التحريم بالرضاع. ثم شرع في كيفية يمين الرضاع نفيا وإثباتا فقال:
(ويحلف منكر رضاع) من رجل أو امرأة في يمين (على نفي علمه) لأنه ينفي فعل الغير، ولا نظر إلى فعلها في الارتضاع
لأنه كان صغيرا.
تنبيه: هذا في اليمين الأصلية، أما إذا نكل أحدهما وردت اليمين على الآخر فإنه يحلف على البت لأنها مثبتة، خلافا
للقفال في كونه يحلف على نفي العلم كما هو ظاهر المتن. (و) يحلف (مدعيه) أي الارضاع من رجل أو امرأة (على بت)
لأنه حلف على إثبات فعل الغير. وخالف في هذا القفال أيضا، وقال: يحلف على نفي العلم. (ويثبت) الرضاع (بشهادة
رجلين أو رجل وامرأتين) لأن كل ما يقبل فيه النساء الخلص يقبل فيه الرجال والنوعان، وهذا ما يثبت بالنساء الخلص كما
قال: (وبأربع نسوة) لاختصاص النساء بالاطلاع عليه غالبا كالولادة. ولا يثبت بدون أربع نسوة، إذ كل امرأتين
بمثابة رجل.
تنبيه: حمل شهادة الرجال ما لم يتعمدوا النظر إلى الثدي لغير الشهادة، فإن تعمدوا ذلك قال الرافعي: لم تقبل
شهادتهم لفسقهم، ورده في الروضة بأن مجرد النظر صغيرة لا ترد به الشهادة ما لم يصر فاعل ذلك. وقضيته أنه إذا أصر
لا تصح شهادته، ومحله ما لم تغلب طاعته معاصيه ومحل قبول شهادة النساء إذا كان النزاع في الارتضاع من الثدي، أما إذا
كان في الشرب أو الايجار من ظرف فلا تقبل فيه شهادة النساء المتمحضات لأنهن لا اختصاص لهن بالاطلاع عليه، ولكن
يقبلن في أن لبن الاناء لبن فلانة لأن الرجال لا يطلعون على الحلب غالبا. (والاقرار به) أي الرضاع (شرطه رجلان) ولا
يثبت بغيرهما لاطلاع الرجال عليه غالبا.
تنبيه: إنما ذكر المصنف هذه المسألة مع أنه ذكرها في الشهادات التي هي محلها تتميما لما يثبت به الرضاع.
(وتقبل) في الرضاع (شهادة المرضعة) مع غيرها (إن لم تطلب أجرة) عن رضاعها (ولا ذكر فعلها) بل شهدت
أن بينهما رضاعا محرما مع بقية الشروط الآتية، لأنها لا تجر بهذه الشهادة نفعا ولا تدفع ضررا. ولا نظر إلى
ما يتعلق به من ثبوت المحرمية وجواز الخلوة والمسافرة، فإن الشهادة لا ترد بمثل هذه الأغراض، ألا ترى لو شهد
أن فلانا طلق زوجته أو أعتق أمته تقبل وإن استفاد حل المناكحة (وكذا إن ذكرت‍) - ه أي فعلها (فقالت أرضعته)
مع بقية الشروط الآتية فإنها تقبل (في الأصح) لما مر، بخلاف ما إذا طلبت الأجرة فإنها لا تقبل لأنها متهمة. والثاني:
لا تقبل لذكرها فعل نفسها كما لو شهدت بولادتها. وأجاب الأول بأن الولادة يتعلق بها حتى النفقة والإرث وسقوط
القصاص وغيرها فلم تقبل للتهمة، بخلاف الرضاع. وتقبل في ذلك أيضا شهادة أم الزوجة وبنتها مع غيرهما حسبة بلا
تقدم دعوى، لأن الرضاع تقبل فيه شهادة الحسبة كما لو شهد أبوها وابنها أو ابناها بطلاقها من زوجها حسبة. أما
لو ادعى أحد الزوجين الرضاع وشهد بذلك أم الزوجة وبنتها أو ابناها، فإن كان الزوج صحت الشهادة لأنها شهادة
على الزوجة، أو هي لم تصح لأنها شهادة لها. فإن قيل: كيف يتصور شهادة بينهما بذلك مع أن المعتبر في الشهادة في ذلك
424

المشاهدة؟ أجيب بأنها شهدت بأن الزوج ارتضع من أمها أو نحوها. (والأصح أنه لا يكفي) في الشهادة بالارضاع أن
يقال (بينهما رضاع محرم) لاختلاف المذاهب في شروط التحريم، (بل يجب) مع ذلك (ذكر وقت) وقع فيه الارضاع
وهو قبل الحولين في الرضيع وبعد تسع سنين في المرضعة، (و) ذكر (عدد) وهو خمس رضعات، ولا بد أن يقول
متفرقات، لأن غالب الناس كما قال الأذرعي يجهل أن الانتقال من ثدي إلى ثدي أو قطع الرضيع للهو وتنفس
ونحوهما وعود مرضعة واحدة. (و) كذا يجب ذكر (وصول اللبن جوفه) في الأصح في كل رضعة كما يشترط ذكر
الايلاج في شهادة الزنا، وقيل: لا يجب لأنه لا يشاهد. وأجاب الأول بقوله: (ويعرف ذلك) أي وصول اللبن إلى جوفه،
(بمشاهدة) أي معاينة (حلب) بفتح اللام بخطه كما قاله الدميري ورأيته أيضا وهو اللبن المحلوب. وقال
الزركشي:
بسكون اللام، قال ابن شهبة: وهو المتجه. وقيد في الام المشاهدة بغير حائل، فإن رآه من تحت الثياب لم يكف.
(وإيجار) للبن في فم الرضيع (وازدراد) مع معاينة ذلك (أو قرائن) دالة على وصول اللبن جوفه، (كالتقام)
أي كمشاهدة التقام (ثدي) بلا حائل كما صرح به القاضي الحسين وغيره. (ومصه وحركة حلقه) أي الرضيع
(يتجرع وازدراد) للبن الذي مصه، (بعد علمه) أي الشاهد (بأنها) أي المرضعة (لبون) أي ذات لبن كما صرح
به في المحرر، لأن مشاهدة القرائن قد تفيد اليقين، وبتقدير أن لا تفيده فتفيد الظن القوي، وذلك تسلط على الشهادة.
وأفهم أنه إذا لم يعلم أنها ذات لبن فلا يحل له أن يشهد، وهو الأصح، لأن الأصل عدم اللبن. ولا يكفي في أداء الشهادة
ذكر القرائن بل يعتمدها ويجزم بالشهادة. والمراد أن يعلم أن في ثديها حالة الارضاع أو قبله لبنا وإلا فقد
يعلم أنها لبون ولا يكون في ثديها حينئذ لبن كأن حلبته أو أرضعت غيره، ومقابل الأصح أنه يكفي بينهما
رضاع محرم.
خاتمة: لو شهد الشاهد بالرضاع ومات قبل تفصيل شهادته توقف القاضي وجوبا في أحد وجهين هو المتجه،
وقال شيخنا: إنه الأقرب. والاقرار بالرضاع لا يشترط فيه التعرض للشروط من الفقيه الموثوق بمعرفته دون غيره كما
استحسنه الرافعي، وفرق بين الشهادة والاقرار بأن المقر يحتاط لنفسه فلا يقر إلا عن تحقيق. ولو شهدت امرأة واحدة
أو ثنتان بالرضاع استحب للزوج أن يطلقها ويكره له المقام معها. ويسن أن يعطي المرضعة شيئا عند الفصال والأولى
عند أوانه، فإن كانت مملوكة استحب للرضيع بعد كماله أن يعتقها لأنها صارت أما له، ولن يجزي ولد والده إلا بإعتاقه
كما ورد به الخبر.
كتاب النفقات
جمع نفقة من الانفاق، وهو الاخراج، ولا يستعمل إلا في الخير، ولهذا ترجم المصنف بالنفقات دون الغرامات،
وجمعها لاختلاف أنواعها. وهي قسمان: نفقة تجب للانسان على نفسه إذا قدر عليها وعليه أن يقدمها على نفقة غيره،
لقوله (ص): ابدأ بنفسك ثم بمن تعول، ونفقة تجب على الانسان لغيره. قالا: وأسباب وجوبها ثلاثة:
النكاح والقرابة والملك، فالأول والثالث يوجبانها للزوجة والرقيق على الزوج والسيد ولا عكس، والثاني يوجبها لكل
من القريبين على الآخر لشمول البعضية. وأورد الأسنوي على الحصر في هذه الثلاثة الهدى والأضحية المنذورين فإن
نفقتهما على الناذر والمهدي مع انتقال الملك فيهما للفقراء، وكذا لو أشهد صاحب حق جماعة على قاض بشئ وخرج
بهم للبادية ليؤديها عند قاضي بلد آخر فامتنعوا في أثناء الطريق حيث لا شهود ولا قاض هناك فليس لهم ذلك ولا
أجرة
425

لهم لأنهم ورطوه، لكن تجب نفقتهم وكراء دوابهم كما في أصل الروضة قبيل القسمة عن البغوي وأقره. ونصيب الفقراء
بعد الحول وقبل الامكان تجب نفقته على المالك. وأما خادم الزوجة فلا يرد لأن نفقته من علق النكاح. وبدأ المصنف
بنفقة الزوجة لأنها معاوضة في مقابلة التمكين من الاستمتاع، ولا تسقط بمضي الزمان فهي أقوى من غيرها. والأصل في
وجوبها مع ما يأتي قوله تعالى: * (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) *، وخبر: اتقوا الله في النساء فإنكم
أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف رواه مسلم وخبر: ما حق
زوجة الرجل عليه؟ قال: تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتست رواه أبو داود والحاكم وصحح إسناده. واستنبط
بعضهم نفقة الزوجة من قوله تعالى: * (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) * ولم يقل فتشقيان، فدل على أن آدم (ص)
يتعب لنفقته ونفقتها، وبنوهما على سنتهما. ولما أباح الله تعالى للزوج أن يضر المرأة بثلاث ضرائر ويطلقها
ثلاثا جعل لها عليه ثلاثة حقوق مؤكدات: النفقة والكسوة والاسكان، وهو يتكلفها غالبا، فكان له عليها ضعف ما لها
عليه من الحقوق لضعف عقلها. والحقوق الواجبة بالزوجية سبعة: الطعام والإدام والكسوة وآلة التنظيف ومتاع
البيت والسكنى وخادم إن كانت ممن تخدم. ورتبها المصنف على هذا الترتيب: الواجب الأول: الطعام، ولما كان يختلف
بحسب حال الزوج بين ذلك بقوله: يجب (على موسر) حر (لزوجته) ولو أمة وكتابية، (كل يوم) بليلته المتأخرة
عليه كما صرح به الرافعي في الفسخ بالاعسار، (مدا طعام، و) على (معسر مد، و) على (متوسط) حر (مد ونصف)
واحتجوا لأصل التفاوت بقوله تعالى: * (لينفق ذو سعة من سعته) *. واعتبر الأصحاب النفقة بالكفارة، بجامع أن كلا
منهما مال يجب بالشرع ويستقر في الذمة. وأكثر ما وجب في الكفارة لكل مسكين مدان وذلك كفارة الأذى
في الحج، وأقل ما وجب له مد في نحو كفارة الظهار، فأوجبوا على الموسر الأكثر وهو مدان لأنه قدر الموسع، على
المعسر الأقل وهو مد لأن المد الواحد يكتفي به الزهيد وينتفع به الرغيب، وعلى المتوسط ما بينهما لأنه ألزم المدين
لضره. ولو اكتفى منه بمد لضرها فلزمه مد ونصف، وقيل، ونسب للقديم: إنها منوطة بالكفاية كنفقة القريب، لظاهر
قوله (ص) لهند: خذي ما يكفيك ويكفي ولدك بالمعروف قال المصنف في شرح مسلم: وهذا الحديث يرد على
أصحابنا تقديرهم نفقة الزوجة بالامداد. قال الأذرعي: لا أعرف لإمامنا رضي الله تعالى عنه سلفا في التقدير
بالامداد، ولولا الأدب لقلت: الصواب أنها بالمعروف تأسيا واتباعا. وأجيب من جهة الأول بأنا لو اعتبرناها بالكفاية
كنفقة القريب لسقطت نفقة المريضة ومن هي مستغنية بالشبع في بعض الأيام، وليس كذلك، فإذا بطلت الكفاية
حسن تقريبها من الكفارة. (والمد) مختلف فيه، فقال الرافعي: (مائة وثلاثة وسبعون درهما وثلث درهم) بناء على
ما صححه في البيان من أن رطل بغداد مائة وثلاثون درهما. وخالفه المصنف، فقال: (قلت: الأصح مائة وأحد
وسبعون) درهما (وثلاثة أسباع درهم، والله أعلم) بناء على ما صححه في زكاة النبات من أن رطل بغداد مائة وثمانية
وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم. (ومسكين الزكاة) وقد مر في قسم الصدقات أنه من قدر على مال أو كسب
يقع موقعا من كفايته ولا يكفيه، (معسر) لكن قدرته على الكسب لا تخرجه عن الاعسار في النفقة وإن كانت
تخرجه عن استحقاق المساكين في الزكاة، وقضية ذلك أن القادر على نفقة الموسر بالكسب لا يلزمه كسبها،
وهو كذلك.
تنبيه: في كلامه قلب، وكان الأولى أن يقول: والمعسر هنا مسكين الزكاة، وعلم منه أن فقيرها كذلك بطريق
الأولى، وبه صرح في المحرر. (ومن فوقه) أي المسكين (إن كان لو كلف) إنفاق (مدين رجع مسكينا فمتوسط،
وإلا) بأن لم يرجع مسكينا (فموسر) ويختلف ذلك بالرخص والرخاء وقلة العيال وكثرتهم. ولو ادعت الزوجة يسار
426

الزوج وأنكر صدق بيمينه إذا لم يعهد له مال وإلا فلا يصدق، فإن ادعى تلفه ففيه التفصيل المذكور في الوديعة. أما
من فيه رق ولو مكاتبا ومبعضا وإن كثر ماله فمعسر لضعف ملك المكاتب ونقص حال المبعض وعدم ملك غيرهما. فإن
قيل: إلحاق المبعض بالمعشر مخالف لما ذكروه في الكفارة من أنه يكلف كفارة الموسر، وذكروا في نفقة الأقارب نحوه.
أجيب بأنهم لو ألحقوه ثم بالمعسر لما صرف شيئا للمساكين ولا أنفق شيئا للأقارب، بخلافه هنا فإنه ينفق نفقة المعسر.
(والواجب) في جنس الطعام المذكور (غالب قوت البلد) أي بلدهما من حنطة أو شعير أو تمر أو غيرها حتى يجب الاقط
واللحم في حق أهل البوادي الذين يعتادونه لأنه من المعاشرة بالمعروف المأمور بها، وقياسا على الفطرة والكفارة، فالتعبير
بالبلد جرى الغالب. ولو اختلف قوت بلد الزوج والزوجة قال الماوردي: إن نزلت عليه في بلده اعتبر غالب
قوت بلده، وإن نزل عليها في بلدها اعتبر غالب قوت بلدها، وإن نزل ببلدة ولم تألف خلاف قوت بلدها قيل لها:
هذا حقك فأبدليه قوت بلدك إن شئت، ولو انتقلا عن بلدهما لزمه من غالب قوت ما انتقلا إليه دون ما انتقلا عنه، سواء
كان أعلى أم أدنى، فإن كان كل واحد ببلد أو نحوها اعتبر محلها كما قال ذلك بعض المتأخرين. (قلت) كما قال الرافعي
في الشرح: (فإن اختلف) قوت البلد ولا غالب فيه أو اختلف الغالب، (وجب لائق به) أي الزوج لا بها، فلو كان يأكل
فوق اللائق تكلفا لم تكلفه ذلك أو دونه بخلا أو زهدا وجب اللائق به. (ويعتبر اليسار وغيره) من توسط
وإعسار
(طلوع الفجر) في كل يوم (والله أعلم) اعتبارا بوقت الوجوب، حتى لو أيسر بعده أو أعسر لم يتغير حكم نفقة ذلك اليوم،
وإنما وجب لها ذلك بفجر اليوم لأنها تحتاج إلى طحنه وعجنه وخبزه.
تنبيه: هذا إذا كانت تمكنه طلوع الفجر، أما الممكنة بعده فيعتبر الحال عقب تمكينها. (وعليه) أي الزوج لزوجته
(تمليكها) الطعام (حبا) سليما، لأنه أكمل في النفع من الخبز والدقيق، فتتصرف فيه كيف شاءت قياسا على الكفارة
وزكاة الفطر.
تنبيه: قضية تعبيره بالتمليك اعتبار الايجاب والقبول، وليس مرادا بل يكفي أن يسلمه بقصد أداء ما لزمه كسائر
الديون من غير افتقار إلى لفظ. ويكفي الوضع بين يديها، وهذا إن كانت حرة، أما الزوجة الأمة فالدفع لمالكها إلا أن
تكون مكاتبة. ولو قال: وعليه دفع الحب لسلم من الاعتراضين. (وكذا) على الزوج أيضا (طحنه) وعجنه (وخبزه
في الأصح) أي عليه مؤنة ذلك ببذل مال أو يتولاه بنفسه أو بغيره كما صرح به في المحرر، وإن باعته أو أكلته حبا كما
في الوسيط وغيره لأن الحب لا يتناول في العادة بدون ما ذكر، وتكليفها له ليس من المعاشرة بالمعروف.
(تنبيه) هذا إذا كان الحب غالب قوتهم، فإن غلب غير الحب كتمر ولحم وأقط فهو الواجب ليس غير، لكن
عليه مؤنة اللحم وما يطبخ به كما قاله الرافعي، ويقابل الأصح لا يلزمه ذلك كالكفارات. وفرق الأول بأنها في حبسه،
فعليه أن يكفيها مؤنة ذلك بخلاف الكفارة. ولو دفع إليها شيئا فقالت: قصدت التبرع، وقال: بل قصدت أن يكون عن
النفقة قال في الاستقصاء: صدق بلا يمين، كما لو دفع إليها شيئا وادعت أنه قصد به الهدية وقال بل قصدت المهر. (ولو
طلب أحدهما) أي طلبت الزوجة (بدل الحب) خبزا أو قيمة وامتنع الزوج أو طلب الزوج إعطاء ذلك وامتنعت، (لم
يجبر الممتنع) منهما لأنه غير الواجب، والاعتياض شرطه التراضي. (فإن اعتاضت) عما وجب لها نقدا أو غيره من
العروض، (جاز) اعتياضها (في الأصح) لأنه طعام مستقر في الذمة لمعين، فجاز أخذ العوض عنه بالتراضي كالقرض.
والثاني: المنع، كالمسلم فيه والكفارة فإنه لا يجوز الاعتياض عنهما قبل قبضهما. وأجاب الأول بأن المسلم فيه غير مستقر،
وطعام الكفارة لا يستقر لمعين.
تنبيه: قضية إطلاقه أن الأصح أنه يجوز الاعتياض عن النفقة ولو كانت مستقبلة، وبه صرح في الكفاية،
427

والأصح كما في الشرح والروضة منع الاعتياض عن النفقة المستقبلة لأنها معرضة للسقوط بالنشوز وغيره بخلاف الحالية
والماضية. ومحل الخلاف في الاعتياض من الزوج. أما من غيره فلا يجوز قطعا كما قاله في الروضة، أي في النفقة الحالية
فإنها معرضة للسقوط بنحو نشوز. أما الماضية فيصح فيها بناء على صحة بيع الدين لغير من هو عليه.
ويجري الخلاف
في الاعتياض عن الكسوة إن قلنا تمليك، وهو الأصح، وفي الاعتياض عن الصداق كما في الشرح والروضة في باب المبيع
قبل قبضه وفي باب الصداق. وحيث جوزنا الاعتياض يشترط أن لا يفترقا إلا عن قبض لئلا يصير دينا بدين، وأن
لا يكون فيه ربا كما ذكره بقوله: (إلا خبزا أو دقيقا) ونحوهما من الجنس، فلا يجوز (على المذهب) لما فيه من الربا. والثاني:
الجواز، وقطع به البغوي، لأنها تستحق الحب والاصلاح، فإذا أخذت ما ذكر فقد أخذت حقها لا عوضه، ورجحه
الأذرعي وقال: الأكثرون على خلاف الأول رفقا ومسامحة، ثم قال: ولا شك أنا متى جعلناه اعتياضا فالقياس
البطلان. والمختار جعله استيفاء، وعليه العمل قديما وحديثا. أما لو أخذت غير الجنس كخبز الشعير عن القمح فإنه
يجوز كما لو أخذت النقد.
تنبيه: يدخل في الطعام ماء الشرب، قال تعالى: * (ومن لم يطعمه فإنه مني) * فيجب لها. قال الزركشي: ولا شك
في وجوبه، وبه صرح الدارمي، وقد يؤخذ من قول المصنف فيما بعد: ويجب لها آلة أكل وشرب، فإذا وجب
الظرف وجب والمظروف. وأما تقديره فالظاهر فيه الكفاية ويكون إمتاعا لا تمليكا، حتى لو مضت عليه مدة سقط اه‍.
وفي قوله: إمتاعا نظر، والظاهر أنه تمليك، لأنهم قالوا: كل ما تستحقه الزوجة تمليك إلا المسكن والخادم. (ولو
أكلت معه) أي الزوج (على العادة) أي من غير تمليك ولا اعتياض، (سقطت نفقتها في الأصح) قال في زيادة الروضة:
لجريان العادة به في زمن النبي (ص) وبعده من غير نزاع ولا إنكار ولا خلاف، ولم ينقل ان امرأة طالبت
بنفقة بعده. ولو كان لا يسقط مع علم النبي (ص) بإطباقهم عليه لاعلمهم بذلك، ولقضاه من تركه من مات
ولم يوفه، وهذا لا شك فيه. والثاني: لا تسقط لأنه لم يؤد الواجب وتطوع بغيره.
تنبيه: التصوير بالاكل معه على العادة، قال الأسنوي: يشعر بأنها إذا أتلفت أو أعطته غيرها لم تسقط، وبأنها إذا
أكلت معه دون الكفاية لم تسقط، وبه صرح في النهاية، وعليه فهل لها المطالبة بالكل أو بالتفاوت فقط؟ فيه نظر.
قال الزركشي: والأقرب الثاني. وقال ابن العماد: ينبغي القطع به، فإن كان الذي أكلته غير معلوم وتنازعا في قدره
صدقت فيه بيمينها، لأن الأصل عدم قبضها الزائد. وقول المصنف: معه ليس بقيد، بل لو أرسل إليها الطعام أو
أحضره وأكلته كان الحكم كذلك. ولو أضافها رجل فأكلت عنده لم تسقط نفقتها، قال الدميري: إلا أن يكون
المقصود إكرام الزوج فتسقط. (قلت: إلا أن تكون) الزوجة (غير رشيدة) كصغيرة أو سفيهة بالغة (ولم يأذن) في أكلها
معه (وليها) فلا تسقط نفقتها جزما بأكلها معه كما قاله في الروضة، (والله أعلم) ويكون الزوج متطوعا. وأفتى البلقيني
بسقوطها بذلك، قال: وما قيده النووي غير معتمد، وقد ذكر الأئمة في الأمة ما يقتضي ذلك، وعلى ذلك جرى
الناس في
الأعصار والأمصار. وعلى الأول قال الأذرعي: والظاهر أن ما مر في الحرة، أما الأمة إذا أوجبنا نفقتها فيشبه أن
يكون المعتبر رضا السيد المطلق التصرف بذلك دون رضاها كالحرة المحجورة.
تنبيه: يرد على المصنف ما إذا طرأ سفه الزوجة بعد رشدها ولم يعد الحجر عليها، فإنه لا يفتقر السقوط بالاكل مع
الزوج إلى إذن الولي على المذهب لنفوذ تصرفها ما لم يتصل بها حجر الحاكم. فإن قيل: أكل الصغير قبض، وهو غير
معتد به وإن أذن الولي. أجيب بأن الزوج كالوكيل في شراء الطعام وإنفاقه عليها، ويشهد له ما لو خالعها على إرضاع
ولده منها وعلى طعام في ذمتها وأذن لها في إنفاقه على الصغيرة فإنها تبرأ على المذهب، هذا كما قال الأذرعي إذا كان
الحظ للغير فيه، أما لو كان الحظ في أخذ المقدر فلا، ويكون وجود إذنه كعدمه لبخس حقها إلا إن رأى الولي المصلحة
428

في ذلك فيجوز، فقد تؤدي المضايقة إلى المفارقة. ثم شرع في الواجب الثاني، وهو الادم، فقال: (ويجب) للزوجة
على زوجها الادم، وجنسه (أدم غالب البلد كزيت) وشيرج (وسمن وجبن وتمر) وخل، لقوله تعالى:
* (وعاشروهن بالمعروف) *، وليس من المعاشرة بالمعروف تكليفها الصبر على الخبز وحده، إذ الطعام غالبا لا يساغ إلا
بالادم. وقال ابن عباس في قوله تعالى: * (من أوسط ما تطعمون أهليكم) *: الخبز والزيت، وقال ابن عمر: الخبز والسمن.
(ويختلف) قدر الادم (بالفصول) الأربعة، فيجب لها في كل فصل ما يعتاده الناس من الادم، قالا: وقد تغلب
الفاكهة في أوقاتها فتجب، وقال القاضي حسين: يجب الرطب في وقته واليابس في وقته. قال الأذرعي: ويجب أيضا
أن يختلف الادم باختلاف القوت الواجب، فمن قوتها التمر لا يفرض لها التمر أدما، ولا ما لا يؤكل مع التمر عادة كالخل،
ومن قوتها الاقط لا يفرض لها الجبن ولا اللبن أدما، وقس على هذا. وقال أيضا: إنما يتضح وجوب الادم حيث يكون
القوت الواجب ما لا ينساغ عادة إلا بالادم كالخبز بأنواعه، أما لو كان لحما أو لبنا أو أقطا فيتجه الاكتفاء به إذا جرت
عادتهم بالاقتيات به وحده اه‍. وهذا لا ينافي ما مر عنه من قوله: فمن قوتها التمر الخ، لأن ذلك إذا لم تجر العادة بالاكتفاء
به وحده. (ويقدره) عند تنازع الزوجين فيه (قاض باجتهاده) إذ لا توقيف فيه من جهة الشرع، (ويفاوت) في
قدره (بين موسر وغيره) فينظر في جنس الادم وما يحتاج إليه المد فيفرضه على المعسر ويضاعفه للموسر ويوسطه
بينهما للمتوسط، وما ذكره الشافعي رضي الله عنه من مكيلة زيت أو سمن: أي أوقية، فتقريب كما قاله الأصحاب. ولو
سئمت من أدم لم يلزمه إبداله، وتبدله هي إن شاءت لأنه ملكها. قال الأذرعي: ولو كانت سفيهة أو مميزة وليس لها
من يقوم بذلك فاللائق بالمعاشرة بالمعروف أن يلزم الزوج إبداله عند إمكانه. (و) يجب لها عليه (لحم يليق بيساره)
وتوسطه (وإعساره كعادة البلد) فإن أكلوا اللحم في كل يوم مرة فلها كذلك. ولا يتقدر بوزن كرطل، بل يعتبر
فيه تقدير القاضي كما صرح به في البسيط. ولو أن المصنف أخر عن الادم واللحم قوله: ويقدره الخ لرجع التقدير
إليهما، وما ذكره الشافعي رضي الله عنه من رطل لحم في الأسبوع الذي حمل على المعسر، وجعل باعتبار ذلك على
الموسر رطلان، وعلى المتوسط رطل ونصف، وأن يكون ذلك يوم الجمعة لأنه أولى بالتوسيع فيه، محمول عند الأكثرين
على ما كان في أيامه بمصر من قلة اللحم فيها، ويزاد بعدها بحسب عادة البلد. قال الشيخان: ويشبه أن يقال لا يجب
الادم في يوم اللحم، ولم يتعرضوا له، ويحتمل، أي وهو الظاهر، أن يقال: إذا أوجبنا على الموسر اللحم كل يوم يلزمه
الادم أيضا ليكون أحدهما غذاء والآخر عشاء على العادة، وينبغي على هذا كما قال بعضهم أن يكون الادم يوم إعطاء اللحم
على النصف من عادته، وتجب مؤنة اللحم وما يطبخ به. (ولو كانت) عادتها (تأكل الخبز وحده وجب) لها (الادم) ولا نظر
لعادتها لأنه حقها كما لو كانت تأكل بعض الطعام فإنها تستحق جميعه. ثم شرع في الواجب الثالث، وهو الكسوة، فقال: (و)
يجب لها (كسوة) بكسر الكاف وضمها، لقوله تعالى: * (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) * ولما روى الترمذي أن
رسول الله (ص) قال في حديث: وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن قال: حديث حسن
صحيح. (ولا بد أن تكون الكسوة تكفيها) للاجماع على أنه لا يكفي ما ينطلق عليه الاسم. وتختلف كفايتها بطولها
وقصرها وسمنها وهزالها، وباختلاف البلاد في الحر والبرد، ولا يختلف عدد الكسوة باختلاف يسار الزوج وإعساره
ولكنهما يؤثران في الجودة والرداءة. ولا فرق بين البدوية والحضرية على المذهب، وفي الحاوي: لو نكح حضري
بدوية وأقاما في بادية أو حاضرة وجب عرفها، ويقاس عليه عكسه. فإن قيل: لم اعتبرتم الكفاية في الكسوة ولم
تعتبروها في الطعام؟ أجيب بأن الكفاية في الكسوة متحققة بالمشاهدة، وكفاية الطعام ليست كذلك فلم يعتبروها
للجهل بها. (فيجب) لها عليه في كل ستة أشهر (قميص) وهو ثوب مخيط يستر جميع البدن، وفي ذلك إشعار
429

بوجوب الخياطة على الزوج، وبه صرح في الروضة كأصلها. (وسراويل) وهو ثوب مخيط يستر أسفل البدن ويصون
العورة، وهو معرب مؤنث عند الجمهور، وقيل: مذكر، وهو مفرد على الصحيح. ويدل له تعبير المصنف بسراويل إذ
لا يجب الجمع، وقيل: هو جمع سروالة. ومحل وجوبه كما قال الماوردي إذا اعتادت لبسه، فإن اعتادت لبس
مئزر أو فوطة
وجب، ومحل وجوبه في الشتاء، أما في الصيف فلا كما قاله الجويني وإن أفهم كلام المصنف كغيره خلافه. (وخمار)
وهو ما يغطى به الرأس. (ومكعب) بضم ميمه في الأشهر، وقيل: بكسرها وإسكان الكاف وفتح العين كمقود، وهو
مداس الرجل - بكسر الراء - من نعل أو غيره، خلاف ما توهمه عبارة الروضة من جمعه بين المكعب والمداس والنعل. قال
ابن الرفعة: ويجب لها القبقاب إن اقتضاه العرف. قال الماوردي: ولو جرت عادة نساء أهل القرى أن لا يلبسن في
أرجلهن شيئا في البيوت لم يجب لأرجلهن شئ. (ويزيد) الزوج زوجته على ذلك (في الشتاء جبة) محشوة قطنا أو فروة
بحسب العادة لدفع البرد، فإن اشتد البرد فجبتان، أو فروتان فأكثر بقدر الحاجة. والتعبير بالشتاء جرى على
الغالب، وإلا فالعبرة بالبلاد الباردة. وإذا لم تستغن في البلاد الباردة بالثياب عن الوقود وجب لها من الحطب والفحم
بقدر العادة، قاله السرخسي وأقراه. قال الزركشي: وإذا كان المناط العادة فأكثر البوادي لا يوقدون إلا بالبعر
ونحوه فيكون هو الواجب اه‍. وفيه نظر. ويجب لها أيضا توابع ذلك من كوفية للرأس، وتكة للباس، وزر للقميص
والجبة ونحوها. (وجنسها) أي الكسوة (قطن) أي ثوب يتخذ منه، لأنه لباس أهل الدين، وما زاد عليه ترفه
ورعونة. ويختلف ذلك بحال الزوج من يسار وإعسار وتوسط فيجب لامرأة الأول من لينه، والثاني من غليظه،
والثالث مما بينهما. هذا إن اعتدنه، (فإن جرت عادة البلد لمثله) أي الزوج، وهذا يقتضي النظر إلى الزوج دونها، قال
الزركشي: وليس كذلك بل كلام الرافعي وغيره مصرح بأن اللزوم على عادة البلد المراد لمثلها من مثله، فقد نص
في البويطي على اعتبار كسوة مثلها. وعلق المصنف بجرت قوله: (بكتان) بفتح كافه أفصح من كسرها، (أو حرير وجب
في الأصح) مع وجوب التفاوت في مراتب ذلك الجنس بين الموسر وغيره عملا بالعادة. والثاني: لا يلزمه ذلك بل يقتصر
على القطن لما مر. وتعتبر العادة في الصفاقة ونحوها. نعم لو جرت العادة بلبس الثياب الرفيعة التي لا تستر ولا تصح
فيها الصلاة فإنه لا يعطيها منها، لكن من الصفيق الذي يقرب منه في الجودة. (ويجب) لها (ما) أي فراش (تقعد
عليه كزلية) وهو بكسر الزاي وتشديد اللام والياء: شئ مضرب صغير، وقيل: بساط صغير، هذا لزوجة المتوسط.
(أو لبد) بكسر اللام في الشتاء، (أو حصير) في الصيف، وهذا لزوجة المعسر. أما زوجة الموسر فيجب لها نطع - بفتح
النون وكسرها مع إسكان الطاء وفتحها - في الصيف، وطنفسة وهي بكسر الطاء والفاء وبفتحهما وبضمهما وبكسر الطاء
وفتح الفاء: بساط صغير ثخين له وبرة كبيرة، وقيل: كساء في الشتاء. قال في الروضة كأصلها ويشبه أنهما
بعد بسط زلية
أو حصير لأنهما لا يبسطان وحدهما. وأو في كلامه للتنويع لا للتخيير. (وكذا فراش للنوم) غير ما تفرشه نهارا يجب
لها عليه (في الأصح) للعادة الغالبة به، فيجب لها مضربة بقطن وثيرة بالمثلثة، أي لينة، أو قطيفة. (و) يجب لها عليه
(مخدة) بكسر الميم: الوسادة، للعرف. (ولحاف) بكسر اللام، أو كساء (في الشتاء) في بلد بارد. ويجب لها ملحفة بدل
اللحاف أو الكساء في الصيف. وكل ذلك بحسب العادة حتى قال الروياني وغيره: لو كانوا لا يعتادون في الصيف
لنومهم غطاء غير لباسهم لم يجب غيره.
تنبيه: المعتبر في الفراش وما بعده لامرأة الموسر من المرتفع، والمعسر من النازل، والمتوسط بما بينهما. ولا يجب
ذلك كل سنة، وإنما يجدد وقت تجديد عادة. ثم شرع في الواجب الرابع، وهو آلة التنظيف، فقال: (ويجب) لها
عليه (آلة تنظيف) من الأوساخ التي تؤذيها، وذلك (كمشط) وهو بضم الميم وكسرها مع إسكان الشين وضمها:
430

اسم للآلة المستعملة في ترجيل الشعر. (ودهن) يستعمل في ترجيل شعرها وكذا في بدنها كما قاله الماوردي. أما دهن الاكل
فتقدم في الادم. ويتبع فيه عرف بلدها حتى لو اعتدن المطيب بالورد أو البنفسج وجب قال الماوردي: ووقته
كل أسبوع مرة، والأولى الرجوع فيه إلى العرف كما قاله بعض المتأخرين.
تنبيه: سكت الشيخان عن وجوب الأشنان والصابون لغسل الثياب، وصرح القفال والبغوي بوجوبه قال
في الكافي: ويجب في كل أسبوع أو عشرة أيام، وفيه البحث المار. قال القفال: حتى لو كانت إذا أكلت احتاجت
إلى الخلال فعلى الزوج. وسكتوا عن دهن السراج، والظاهر كما قاله بعض المتأخرين وجوبه ويتبع فيه العرف حتى لا يجب
على أهل البوادي شئ. (و) يجب لها عليه (ما تغسل به الرأس) من سدر أو خطمي على حسب العادة لاحتياجها
إلى ذلك، والرجوع في قدره إلى العادة. (ومرتك) وهو بفتح الميم وكسرها معرب، وتشديد كافه خطأ، أصله من الرصاص،
يقطع رائحة الإبط لأنه يحبس العرق، وإن طرح في الخل أبدل حموضته حلاوة قاله الدميري. (ونحوه) أي المرتك،
(لدفع) أي لقطع رائحة (صنان) إذا لم يندفع بدونه وتراب لتأذيهما بالرائحة الكريهة. (ولا) يجب لها عليه (كحل،
و) لا يجب لها عليه (خضاب) ولا عطر، (و) لا (ما تزين به) بفتح أوله من آلات الحلي لزيادة التلذذ وكمال الاستعمال،
وذلك حق له فلا يجب عليه، فإن هيأه لها وجب عليها استعماله وعليه حمل ما قيل: أنه (ص) لعن
السلتاء والمرهاء والأولى هي التي لا تختضب، والثانية هي التي لا تكتحل. (و) لا (دواء) مرض، (و) لا (أجرة طبيب
وحاجم) ونحو ذلك كفاصد وخاتن، لأن ذلك لحفظ الأصل فلا يجب على مستحق المنفعة كعمارة الدار
المستأجرة،
وخالف مؤنة التنظيف لأنه في معنى كنس الدار وغسلها. (و) يجب (لها) عليه (طعام أيام المرض وأدمها) لأنها محبوسة
عليه، ولها صرفه في الدواء ونحوه.
تنبيه: ظاهر كلامه أن غير الطعام والادم لا تستحقه، وليس مرادا بل الكسوة وما يحتاج إليه كالدهن، والمرتك
ونحوهما كذلك كما قاله الأذرعي. (والأصح وجوب أجرة حمام بحسب العادة) إن كانت عادتها دخوله للحاجة إليه
عملا بالعرف، وذلك في كل شهر مرة كما قاله الماوردي وجرى عليه ابن المقري، لتخرج من دنس الحيض الذي يكون
في كل شهر مرة غالبا، وينبغي كما قاله الأذرعي أن ينظر في ذلك لعادة مثلها، ويختلف باختلاف البلاد حرا وبردا.
والثاني: لا تجب لها الأجرة إلا إذا اشتد البرد وعسر الغسل إلا في الحمام، أما لو كانت من قوم لا يعتادون دخوله فلا تجب
لها أجرته. (و) الأصح أيضا وجوب (ثمن ماء غسل جماع) من الزوج (ونفاس) منه ووضوء نقضه هو كأن لمسها
إن احتاجت لشرائه، (في الأصح) لأن ذلك بسببه والثاني لا، لأنه تولد من مستحق.
تنبيه: لو حصل النقض بفعلهما فقياس وجوب نفقتها عليه فيما لو سافرت بإذنه لحاجتهما وجوبه عليه، وكالنفاس
فيما ذكر الولادة بلا بلل. ولو عبر بالولادة بدل النفاس لشمل ذلك، ومحل ذلك ما إذا كان الاحبال بفعل الزوج،
فلو أدخلت ذكره وهو نائم فحبلت أو وطئت بشبهة، فلا يجب لها ذلك لعدم فعله في الأول، ولان عقد النكاح معتبر
وهو مفقود في الثاني، وبذلك علم أنه لا يجب على من زنى بامرأة أو أجنبي نقض وضوء أجنبية ذلك، ولا عليها إذا
نقضت وضوء زوجها، لأن ذلك إنما وجب على الرجل بفعله مع مراعاة عقد النكاح. و (لا) يجب ثمن ماء (حيض
واحتلام في الأصح) إذ لا صنع منه. والثاني: يجب لكثرة وقوع الحيض، وفي عدم إيجابه إجحاف بها.
تنبيه: الخلاف في الاحتلام تبع فيه المحرر ولم يحكياه في الشرحين والروضة، بل قطعا بعدم الوجوب. قال
ابن شهبة: والصواب ما في المنهاج، فقد جزم القفال في فتاويه بوجوبه على الزوج، وعلله بأنه لحاجتها، قال: بخلاف
ما لو زنت أو وطئت بشبهة اه‍. وقد مرت الإشارة إليه. قال الزركشي: والظاهر طرد الخلاف في ثمن الماء الذي تغسل
431

به ما تنجس من بدنها أو ثيابها. ثم شرع في الواجب الخامس، وهو متاع البيت، فقال: (و) يجب لها (آلات أكل وشرب)
بضم الشين، ويجوز فتحها كما قيل به في قوله عليه الصلاة والسلام: أيام منى أيام أكل وشرب. (و) آلات (طبخ
كقدر) هو بكسر القاف: مثال لآلة الطبخ. (وقصعة) وهي بفتحها: مثال لآلة الاكل. (وكوز وجرة) وهما مثالان
لآلة الشرب، (ونحوها) مما لا غنى لها عنه كمغرفة، وما تغسل فيه ثيابها، لأن المعيشة لا تتم بدون ذلك فكان من
المعاشرة بالمعروف.
تنبيه: سكتوا عن منارة السراج وإبريق الوضوء، والظاهر كما قال الأذرعي وجوبه لمن اعتاده حتى لا يجب
لأهل البادية. ويكفي كون الآلات من خشب أو حجر أو خزف لحصول المقصود، فلا تجب الآلة من النحاس وإن
كانت شريفة كما رجح ذلك ابن المقري، لأنه رعونة. قال الإمام: ويحتمل أن يجب للشريفة ظروف النحاس للعادة.
قال الأذرعي: وقياس الباب اتباع العرف في الماعون، وأن يفرق فيه بين موسر وغيره، وأن يفاوت بين مراتب الواجب
من كل نوع باختلاف مراتب الزوجات، حتى يجب لبدوية قدح وقصعة من خشب وقدر من نحاس، ولقروية حرة
ونحوها من خزف، ولنساء المدن والأمصار ما يعتدنه من خزف عال أو متوسط أو دني، أو من نحاس كطست
الثياب وطاسة الحمام. ثم شرع في الواجب السادس وهو السكنى فقال: (و) يجب لها عليه (مسكن) أي تهيئته
لأن المطلقة يجب لها ذلك، لقوله تعالى: * (أسكنوهن) * فالزوجة أولى. ولا بد أن يكون المسكن (يليق بها) عادة، لأنها
لا تملك الانتقال منه، فروعي فيه جانبها بخلاف النفقة والكسوة حيث روعي فيهما حال الزوج، لأنها تملك إبدالهما.
فإن لم تكن ممن يسكن الخان أسكنت دارا أو حجرة، وينظر إلى ما يليق بها من سعة أو ضيق، قال تعالى: * (ولا
تضاروهن لتضيقوا عليهن) *. (ولا يشترط) في المسكن (كونه ملكه) قطعا، بل يجوز إسكانها في موقوف ومستأجر
ومستعار، قال ابن الصلاح: ولو سكنت هي والزوج في منزلها مدة سقط فيها حق السكنى، ولا مطالبة لها بأجرة سكنه
معها إن كانت أذنت له في ذلك، لأن الاذن المطلق العري عن ذكر عوض ينزل على الإعارة والإباحة اه‍. ومرت الإشارة إلى
ذلك في آخر العدد. ثم شرع في الواجب السابع وهو الخادم فقال: (و) يجب (عليه لمن) أي لزوجة حرة (لا يليق بها
خدمة نفسها) بأن كانت ممن تخدم في بيت أبيها مثلا، لكونها لا يليق بها خدمة نفسها في عادة البلد كمن يخدمها أهلها،
أو تخدم بأمة أو بحرة، أو مستأجرة أو نحو ذلك، لا بارتفاعها بالانتقال إلى بيت زوجها، (إخدامها) لأنه من المعاشرة
بالمعروف، وذلك إما (بحرة أو أمة له) أو لها كما قاله ابن المقري. (أو مستأجرة، أو بالانفاق على من صحبتها من
حرة أو أمة لخدمة) لحصول المقصود بجميع ذلك.
تنبيه: كلامه يقتضي تعيين الإناث للاخدام، وليس مرادا، فيجوز كون الخادم صبيا مميزا مراهقا، أو محرما،
أو مملوكا لها، أو ممسوحا. ولا يجوز بكبير ولو شيخا هما لتحريم النظر. ولا بذمية لمسلمة، إذ لا تؤمن عداوتها الدينية،
ولتحريم النظر. والوجه كما قال الأذرعي عدم جواز عكسه أيضا لما فيه من المهنة. وهذا في الخدمة الباطنة، أما
الظاهرة كقضاء الحوائج من السوق فيتولاها الرجال وغيرهم.
تنبيه: قضية كلامهم أن المتبع تعيين الخادم الزوج لا الزوجة، وهو الأصح في الابتداء، بخلاف ما إذا
أخدمها خادم وألفته، أو كانت حملت معها خادما وأراد إبداله، فلا يجوز لتضررها بقطع المألوف إلا إن ظهرت ريبة
أو خيانة فله الابدال. ولا يلزمه أكثر من خادم، ولو أرادت زيادة خادم آخر من مالها كان له منعه من دخول داره
ومن استخدامها له، وله إخراج ما عدا خادمها من مال وولد لها من غيره. وله منع أبويها من الدخول عليها لكن
مع الكراهة. (وسواء في هذا) أي وجوب الاخدام، (موسر) ومتوسط (ومعسر) ومكاتب (وعبد) كسائر المؤن،
432

لأن ذلك من المعاشرة بالمعروف المأمور بها.
تنبيه: أفهم قوله: إخدامها أن الزوج لو قال: أنا أخدمها بنفسي ليسقط عني مؤنة الخادم لم يلزمها الرضا به ولو
فيما لا تستحيي منه كغسل ثوب واستقاء ماء وطبخ، لأنها تستحيي منه وتعير به. وأنها لو قالت: أخدم نفسي وآخذ
أجرة الخادم أو ما يأخذ من نفقة لم يلزمه الرضا بها لأنها أسقطت حقها، وله أن لا يرضى به لابتذالها بذلك، فإن اتفقا
عليه فكاعتياضها عن النفقة حيث لا ربا، وقضيته الجواز يوما بيوم. (فإن أخدمها) الزوج (بحرة أو أمة بأجرة فليس
عليه غيرها) أي الأجرة. ولو أخدمها أمة مستعارة أو حرة متبرعة بالخدمة قال الماوردي: سقط الوجوب عنه،
وحمله ابن الرفعة على ما إذا رضيت الزوجة به، فإن امتنعت فلها ذلك للمنة. (أو) أخدمها (بأمته) أي الزوج، (اتفق
عليها بالملك، أو) أخدمها (بمن صحبتها) حرة كانت أو أمة، (لزمه نفقتها) وفطرتها كما مر في بابها. فإن كانت
المصحوبة مملوكة للزوجة ملكت نفقتها كما تملك نفقة نفسها، وإن كانت حرة فيجوز كما في الروضة وأصلها أن تملك
نفقة نفسها كما تملك الزوجة نفقة نفسها، ويجوز أن يقال تملكها الزوجة لتدفعها إليها، ولها أن تتصرف فيها وتكفيها
من مالها.
فائدة: الخادم يطلق على الذكر والأنثى، ولذلك يذكر المصنف الضمائر تارة ويؤنثها أخرى كما يعلم من التقدير
في كلامه، ويقال في لغة قليلة للأنثى خادمة.
تنبيه: لزوم نفقة المصحوبة سبق في قوله: أو بالانفاق على من صحبتها، ولعل ذكره ثانيا لبيان جنس ما تعطاه
وقدره كما قال: (وجنس طعامها) أي خادم الزوجة (جنس طعام الزوجة) وقد مر، إذ من المعروف أن لا يتخصص
عن خادمها.
تنبيه: سكت عن النوع، والأصح أنه يجعل نوع المخدومة أجود للعادة. (وهو) أي مقدار طعام الخادم
(مد على معسر) جزما، إذ النفس لا تقوم بدونه غالبا فلذلك سارت المخدومة فيه. (وكذا متوسط) عليه مد (في
الصحيح) قياسا على المعسر. والثاني: مد وثلث كالموسر. والثالث: مد وسدس لتفاوت المراتب بين الخادم والمخدومة.
(وموسر مد وثلث) على النص، قال الأصحاب: ولا ندري من أين أخذ الشافعي رضي الله عنه هذا التقدير. وأقرب
ما قيل في توجيهه أن نفقة الخادمة على المتوسط مد وهو ثلثا نفقة المخدومة، والمد والثلث على الموسر وهو ثلثا نفقة
المخدومة. ووجهوا أيضا التقدير في الموسر بمد وثلث وفي المتوسط بمد بأن للخادمة والمخدومة في النفقة حالة كمال وحالة
نقص، وهما في الثانية يستويان، ففي الأولى يزاد في المفضولة ثلث ما يزاد للفاضلة كما أن للأبوين في الإرث حالة كمال
وحالة: نقص وهما في الثانية سواء، وهي أن يكون للميت ابن يستويان في أن لكل منهما السدس، وفي الأولى إذا
انفردا يكون المال بينهما أثلاثا، فيزاد للام ثلث ما يزاد للأب، ولهذا ألحقوا المتوسط هنا بالمعسر ولم يلحقوه في نفقة
الزوجة به. (ولها) أيضا (كسوة تليق بحالها) ولو على متوسط ومعسر من قميص ومقنعة وخف ورداء للخروج
صيفا وشتاء، حرا كان الخادم أو رقيقا، اعتاد كشف الرأس أم لا لاحتياجه إلى ذلك، بخلاف المخدومة في الخف والرداء
لأن له منعها من الخروج. هذا هو المنقول، ولكن الأوجه كما قال شيخنا وجوبهما للمخدومة أيضا، فإنها قد تحتاج إلى
الخروج إلى الحمام أو غيره من الضرورات وإن كان نادرا. ومحل وجوب الخف والرداء للخادم إن كان أنثى، أما الخادم
الذكر فلا لاستغنائه عنه. ولا يجب للخادم سراويل على أرجح الوجهين في الشرح الكبير، بخلاف المخدومة لأنه للزينة
وكمال الستر. ويجب للخادم ذكرا كان أو أنثى جبة للشتاء أو فروة بحسب العادة، فإن اشتد البرد زيد له على الجبة أو
الفروة بحسب العادة. ويجب له ما يفرشه وما يتغطى به كقطعة لبد وكساء في الشتاء وبارية في الصيف ومخدة ويكون
433

ذلك دون ما يجب للمخدومة جنسا ونوعا، ويفاوت فيه بين الموسر وغيره. (وكذا) للخادم (أدم على الصحيح) لأن
العيش لا يتم بدونه، وجنسه جنس أدم المخدومة، ولكن نوعه دون نوعه على الأصح، ويفاوت فيه بين الموسر وغيره.
والثاني: لا يجب، ويكتفي بما فضل عن المخدومة. ولا يجب اللحم في أحد وجهين يؤخذ ترجيحه من كلام الرافعي.
و (لا) يجب للخادم (آلة تنظيف) كمشط ودهن لأنها تراد للتزيين، والخادم لا يتزين، بل اللائق بحالها عكس ذلك لئلا
تمتد إليها العين. (فإن كثر وسخ) عليها (وتأذت بقمل وجب أن ترفه) أي تنعم بأن يعطيها ما يزيل ذلك.
فائدة: القمل مفردة قملة، قال الجوهري: ويتولد من العرق والوسخ، وقال الحافظ: ربما كان الانسان قمل
الطباع وإن تنظف وتعطر وبدل الثياب كما عرض لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما.
(ومن تخدم نفسها في العادة) ليس لها أن تتخذ خادما وتنفق عليه من مالها إلا بإذن زوجها كما في الروضة
وأصلها،
ونظر فيه بعضهم بأنه ليس من المعاشرة بالمعروف. ف‍ (إن احتاجت) حرة كانت أو أمة (إلى خدمة لمرض) بها
(أو زمانة وجب إخدامها) لأنها لا تستغني عنه، فأشبهت من لا تليق بها خدمة نفسها بل أولى، لأن الحاجة أقوى
مما نقص من المروءة وإن تعدد بقدر الحاجة. (ولا إخدام) حال الصحة (لرقيقة) أي زوجة كلا أو بعضها، لأن
العرف أن تخدم نفسها جميلة كانت أم لا. (وفي الجميلة وجه) يوجب إخدامها لجريان العادة به. (ويجب في المسكن)
والخادم (إمتاع) لا تمليك لما مر من أنه لا يشترط كونهما ملكه. (و) يجب في (ما يستهلك) لعدم بقاء عينه، (كطعام)
وأدم ودهن ولحم وزيت (تمليك) ولو بلا صيغة، فيكفي أن ينوي ذلك عما يستحقه عليه، سواء أعلمت نيته أم لا
كالكفارة كما مرت الإشارة إلى ذلك. (وتتصرف فيه) الحرة بما شاءت من بيع وغيره كسائر أموالها، أما الأمة فإنما
يتصرف في ذلك سيدها.
تنبيه: كان الأولى أن يأتي بالفاء بدل الواو فإنه مفرع على ما قبله. (فلو قترت) بعد قبض نفقتها (بما يضرها)
أي بأن ضيقت على نفسها. (منعها زوجها) من ذلك، وكذا لو لم يضرها ولكن ينفرد عنها لحق الاستمتاع. (وما
دام نفعه) مع بقاء عينه (ككسوة) وفرش (وظروف طعام) ولو اقتصر على قوله: وظروف كان أخصر وأشمل
ليتناول ظروف الماء وآلة التنظيف. (ومشط) بالجر، وخبر ما قوله: (تمليك) في الأصح، لأن الله تعالى جعل كسوة
الأهل أصلا للكسوة في الكفارة كالطعام، والطعام تمليك فيها بالاتفاق وكذا الكسوة فوجب هنا مثله. (وقيل) هو
(إمتاع) كالمسكن والخادم بجامع الانتفاع مع بقاء العين بخلاف الطعام. وأجاب الأول بأن هذه الأمور تدفع إليها
والمسكن لا يدفع إليها، وإنما يسكنها الزوج معه فلا تسقط بمستأجر ومستعار بخلاف المسكن، فلو لبست المستعار وتلف
بغير الاستعمال فضمانه يلزم الزوج لأنه المستعير وهي نائبة عنه في الاستعمال. قال شيخنا: والظاهر أن له عليها في
المستأجر أجرة المثل لأنه إنما أعطاها ذلك عن كسوتها اه‍. والظاهر خلافه. (وتعطى) الزوجة (الكسوة أول) فصل (شتاء
و) أول فصل (صيف) لقضاء العرف بذلك، هذا إن وافق النكاح أول الفصل وإلا وجب إعطاؤها في أول كل
ستة أشهر من حين الوجوب.
تنبيه: محل هذا فيما لا يبقى سنة غالبا، أما ما يبقى سنة فأكثر كالفرش وجبة الخز والابر يسم فيجدد في وقته
على ما جرت العادة بتحديده، وعليه تطريفها على العادة. (فإن) أعطى الكسوة أول فصل مثلا ثم (تلفت فيه) أي
434

في أثناء ذلك الفصل (بلا تقصير) منها، (لم تبدل إن قلنا) بالأصح أنها (تمليك) لأنه وفاها ما عليه كالنفقة إذا تلفت
في يدها، وإن قلنا بمقابل الأصح من أنها إمتاع أبدلت.
تنبيه: قوله: بلا تقصير ليس شرطا لعدم الابدال فإنه مع التقصير أولى، ولكن شرط المفهوم قوله إن قلنا تمليك
فإنه يفهم الابدال إن قلنا إمتاع كما تقدم بشرط عدم التقصير. ويمكن أن يقال المراد بلا تقصير من الزوج، فلو دفع
إليها كسوة سخيفة فبليت لسخافتها وجب عليه إبدالها كما في الكفاية لتقصيره. (فإن) مات أو أبانها بطلاق أو غيره،
أو (ماتت فيه) أي في أثناء فصل، (لم ترد) على التمليك لأنه دفعها وهي واجبة عليه كما في نفقة اليوم، فإن كسوة الفصل
كنفقة اليوم. وترد على الامتاع، وقيل ترد مطلقا، لأنها لمدة لم تأت كنفقة المستقبل. وعلى الأول لو أعطاها كسوة سنة
أو نفقة يومين مثلا فماتت في أثناء الفصل الأول منهما أو اليوم الأول من اليومين استرد كسوة الفصل الثاني ونفقة
اليوم الثاني كالزكاة المعجلة، ولو لم تقبض الكسوة حتى ماتت في أثناء فصل أو طلقت فيه استحقت كسوة كل الفصل
كنفقة اليوم كما أفتى به المصنف، لأن الكسوة تستحق بأول الفصل، وقال ابن الرفعة: لم أر فيه نقلا، والأقرب أنها تجب
بالقسط. والفرق أن الوجوب ثم اتصل به القبض وهو المقصود فلم يقطعه ما طرأ بعده، ولا كذلك إن لم يتصل به. (ولو
لم يكس) الزوج (مدة فدين) عليه إن قلنا تمليك، فإن قلنا إمتاع فلا.
تنبيه: الواجب في الكسوة الثياب لا قيمتها وعليه خياطتها ولها بيعها لأنها ملكها، ولو ليست دونها منعها لأن له
غرضا في تجملها.
فصل: في موجب النفقة وموانعها كنشوز أو صغر. وبدأ بالأول فقال: (الجديد أنها) أي النفقة وتوابعها،
(تجب بالتمكين) التام، لأنها سلمت ما ملك عليها فتستحق ما يقابله من الأجرة لها. والمراد بالوجوب استحقاقها يوما
بيوم كما صرحوا به. ولو حصل التمكين وقت الغروب، قال الأسنوي: فالقياس وجوبها بالغروب اه‍. والظاهر كما قال
شيخنا أن المراد وجوبها بالقسط، فلو حصل ذلك وقت الظهر فينبغي وجوبها لذلك من حينئذ. وهل التمكين سبب
أو شرط؟ فيه وجهان، أوجههما الثاني. واستثني من ذلك صورتان: إحداهما: ما لو منعت نفسها لتسليم المهر المعين
أو الحال فإن لها النفقة من حينئذ، أما المؤجل فليس لها حبس نفسها له وإن حل خلافا للأسنوي. الصورة الثانية:
ما لو أراد الزوج سفرا طويلا، قال البغوي في فتاويه: لامرأته المطالبة بنفقة مدة ذهابه ورجوعه كما لا يخرج للحج
حتى يترك لها هذا المقدار، أي إذا لم يستنب من يدفع لها ذلك يوما بيوم. فإن قيل: يجوز السفر لمن عليه دين مؤجل
يعلم أنه يحل قبل رجوعه وإن لم يستأذن غريمه ولم يترك وفاء، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن هذه محبوسة عنده
وتتضرر بذلك بخلاف من له الدين. وخرج بالتام المقدر في كلامه ما لو سلمت نفسها في زمن أو محل دون غيره فإنه
لا نفقة لها.
تنبيه: لو تقدم العقد موجب النفقة كالحامل البائن إذا عقد عليها مطلقا هل تحتاج للتمكين أو لا؟ الأقرب كما
قال الزركشي: أنه لا بد منه، لأن ذلك الموجب سقط بالعقد فصار كأن لم يكن. (لا العقد) فلا تجب به النفقة، لأنه
يوجب المهر، وهو لا يوجب عوضين مختلفين، ولأنها مجهولة والعقد لا يوجب مالا مجهولا، ولأنه (ص) تزوج عائشة
رضي الله عنها وهي بنت ست سنين، ودخل بها بعد سنتين، ولم ينقل أنه أنفق عليها قبل الدخول، ولو كان حقا لها
لساقه إليها، ولو وقع لنقل. والقديم وحكي جديدا: أنها تجب بالعقد وتستقر بالتمكين، فلو امتنعت منه سقطت. ثم فرع
المصنف على القولين قوله: (فإن اختلفا فيه) أي التمكين، فقالت: مكنت في وقت كذا وأنكر ولا بينة، (صدق)
بيمينه على الجديد لأن الأصل عدمه، وعلى القديم هي المصدقة لأن الأصل بقاء ما وجب بالعقد وهو يدعي سقوطه.
فإن توافقا على التمكين ثم ادعى نشوزها وأنكرت صدقت بيمينها على الصحيح لأن الأصل عدم النشوز، وقيل: هو
435

المصدق لأن الأصل براءة ذمته، ورجع الأول لأن الأصل بقاء ما وجب وهو يدعي سقوطه. وفرع على القولين أيضا
قوله: (فإن لم تعرض عليه) زوجته (مدة) مع سكوته عن طلبها ولم تمتنع، (فلا نفقة) لها (فيها) على الجديد لعدم
التمكين، وتجب على القديم. (و) على الجديد (إن عرضت عليه) وهي بالغة عاقلة مع حضوره في بلدها كأن بعثت
إليه تخبره أني مسلمة نفسي إليك فاختر أن آتيك حيث شئت أو تأتي إلي، (وجبت) نفقتها (من) حين (بلوغ الخبر)
له، لأنه حينئذ مقصر. (فإن غاب) عن بلدها قبل عرضها إليه ورفعت الامر إلى الحاكم مظهرة له التسليم، (كتب الحاكم)
المرفوع إليه الامر (لحاكم بلده) أي الزوج، (ليعلمه) الحال، (فيجئ) الزوج لها يتسلمها، (أو يوكل) من يجئ
يسلمها له أو يحملها إليه، وتجب النفقة في وقت التسليم.
تنبيه: مجيئه بنفسه أو وكيله حين علمه يكون على الفور. (فإن لم يفعل) شيئا من الامرين مع إمكان المجئ أو
التوكيل، (ومضى زمن) إمكان (وصوله) إليها، (فرضها القاضي) في ماله من حين إمكان وصوله وجعل كالمستلم لها
لأنه المانع منه. أما إذا لم يمكنه ذلك فلا يفرض عليه شيئا لأنه غير معرض، قاله العمراني والجرجاني وغيرهما كذا نقله
الأذرعي ومن تبعه، وقيدوا به كلام الكتاب.
تنبيه: هذا إن علم مكان الزوج، فإن جهل كتب الحاكم إلى الحكام الذين ترد عليهم القوافل من بلده عادة
لينادي باسمه، فإن لم يظهر أعطاها القاضي نفقتها من ماله الحاضر وأخذ منها كفيلا بما يصرف إليها لاحتمال موته أو
طلاقه. أما إذا غاب بعد عرضها عليه وامتناعه من تسلمها، فإن النفقة تقرر عليه ولا تسقط بغيبته. (والمعتبر في) زوجة
(مجنونة ومراهقة عرض ولي) لهما على أزواجهما لأنه المخاطب بذلك ولا اعتبار بعرضهما، لكن لو عرضت المراهقة
نفسها على زوجها فتسلمها ولو بغير إذن وليها وجبت نفقتها. وفي عبارة الشرحين: فتسلمها وصار بها إلى منزله،
وظاهرها أنه لو تسلمها ولم يصر بها لا تستحق. والظاهر كما قال الأذرعي أنه ليس بشرط، ولذلك أسقطه ابن المقري،
ونعم ما فعل. وتسلم الزوج والمراهق زوجته كاف وإن كره الوطئ. فإن قيل: لو تسلم المراهق المبيع لم يكف، فهلا كان
هنا كذلك أجيب بأن القصد ثم أن تصير اليد للمشتري، وهي للولي فيما اشتراه للمراهق، لا له.
تنبيه: كان الأحسن للمصنف أن يعبر بالمعصر بدل المراهقة لأنه يقال في اللغة: غلام مراهق وجارية معصر،
ولا يقال مراهقة لأنها من صفات الذكور. ثم شرع في موانع النفقة، فقال: (وتسقط) نفقة كل يوم (بنشوز) أي
خروج عن طاعة الزوج بعد التمكين والعرض على الجديد، وقبله على القديم، لأنها تجب بالتسليم فتسقط بالمنع. والمراد
بالسقوط عدم الوجوب وإلا فالسقوط حقيقة إنما يكون بعد الوجوب.
تنبيه: نشوز غير المكلفة كالمكلفة لاستواء الفعلين في التفويت على الزوج، وسواء أقدر الزوج على ردها إلى
الطاعة قهرا أم لا، لأن له عليها حق الحبس في مقابلة وجوب النفقة، فإذا نشزت عليه سقط وجوب النفقة. ولو نشزت
نهارا دون الليل أو عكسه أو بعض أحدهما سقطت نفقة جميع اليوم لأنها لا تتجزأ بدليل أنها تسلم دفعة واحدة، ولا
تفرق غدوة وعشية، وقيل: تستحق نفقة ما قبل النشوز من زمن الطاعة بالقسط، وقطع به السرخسي. (و) تسقط
و (لو) كان نشوزها (بمنع لمس) أو غيره من مقدمات الوطئ، (بلا عذر) بها، إلحاقا لمقدمات الوطئ بالوطئ، فإن كان
عذر كمنع لمس من بفرجها قروح وعلمت أنه متى لمسها واقعها لم يكن منعها نشوزا.
تنبيه: قضية كلامه أنها لو مكنت من الوطئ ومنعت بقية الاستمتاعات أنه نشوز، وهو الأصح في زوائد الروضة
في باب القسم والنشوز. ونبه باللمس على أن ما فوقه بطريق الأولى، لكن لا يفهم منه أنها لو منعته النظر بتغطية وجهها
أو توليته يكون نشوزا، والأصح في زيادة الروضة أنه نشوز. (وعبالة زوج) وهي بفتح العين: كبر آلته بحيث لا تحتملها
436

الزوجة (أو مرض) بها (يضر) ها (معه الوطئ، عذر) في منعها من وطئه، فتستحق النفقة مع منع الوطئ لعذرها
إذا كانت عنده لحصول التسليم الممكن ويمكن التمتع بها من بعض الوجوه. وتثبت عبالته بأربع نسوة لأنها شهادة
يسقط بها حق الزوج، ولهن نظر ذكره في حال الجماع للشهادة بذلك، وليس لها الامتناع من الزفاف لعبالته ولها ذلك
بالمرض لأنه متوقع الزوال.
فروع: لا يسقط النفقة عذر يمنع الجماع عادة كمرض ورتق وقرن وضنى - وهو بالفتح والقصر: مرض مدنف -
وحيض ونفاس وجنون، وإن قارنت تسليم الزوجة، لأنها أعذار بعضها يطرأ ويزول وبعضها دائم وهي معذورة فيها
وقد حصل التسليم الممكن. ويمكن التمتع بها من بعض الوجوه، وفارق ما لو غصبت بخروجها عن قبضة الزوج وفوات
التمتع بالكلية، وتسقط نفقتها بحبسها ولو ظلما كما لو وطئت بشبهة فاعتدت. ولو حبسها الزوج بدينه هل تسقط نفقتها أو لا
لأن المنع من قبله؟ الأقرب كما قال الأذرعي: أنها إن منعته منه عنادا سقطت، أو لاعسار فلا، ولا أثر لزناها، وإن حبلت
لأنه لا يمنع الاستمتاع بها. (والخروج) للزوجة (من بيته) أي الزوج حاضرا كان أو لا، (بلا إذن) منه، (نشوز)
منها سواء كان لعبادة كحج أم لا، يسقط نفقتها لمخالفتها الواجب عليها. (إلا أن يشرف) البيت (على انهدام)
فليس بنشوز لعذرها.
تنبيه: قد يفهم الاستثناء حصره في هذه الصورة، وليس مرادا فإنها تعذر في صور غير ذلك، منها ما إذا
أكرهت على الخروج من بيته ظلما. ومنها ما إذا خرجت المحلة وبقي البيت منفردا وخافت على نفسها. ومنها ما لو كان
المنزل لغير الزوج فأخرجها منه صاحبه. ومنها ما لو خرجت إلى القاضي لطلب حقها منه. ومنها ما إذا أعسر بالنفقة سواء
أرضيت بإعساره أم لا. ومنها ما لو خرجت إلى الحمام ونحوه من حوائجها التي يقتضي العرف خروج مثلها له لتعود عن
قرب للعرف في رضا مثله بذلك. ومنها ما لو خرجت لاستفتاء لم يغنها الزوج عن خروجها له. ومنها ما لو خرجت لبيت أبيها
لزيارة أو عيادة كما سيأتي. فلو قال إلا لعذر لشمل ذلك كله. (وسفرها بإذنه معه) ولو لحاجتها (أو) وحدها بإذنه
(لحاجته لا يسقط) نفقتها لأنها ممكنة في الأولى، وفي غرضه في الثانية فهو المسقط لحقه.
تنبيه: ظاهر كلامه أنها لو سافرت معه بغير إذنه السقوط وليس مرادا، فقد صرحا في قسم الصدقات بعدمه
لأنها تحت حكمه لكنها تعصي، وهذا ظاهر إذا لم يمنعها الزوج من الخروج، فإن منعها فخرجت ولم يقدر على ردها
سقطت نفقتها كما بحثه الأذرعي، وقال البلقيني إنه التحقيق. (و) سفرها وحدها بإذنه (لحاجتها يسقط) نفقتها (في
الأظهر) لانتفاء التمكين. والثاني: لا، لاذنه لها في السفر.
تنبيه: سكت المصنف عن مسألتين: الأولى: ما لو خرجت وحدها بإذنه لحاجتهما، فمقتضى المرجح في الايمان
فيما إذا قال لزوجته: إن خرجت لغير الحمام فأنت طالق فخرجت له ولغيره أنها لا تطلق عدم السقوط هنا. قال البلقيني:
وهو ما كتبته أولا، ثم ظهر لي من نص الام والمختصر ما يقتضي السقوط حيث قال: وإذا سافرت الحرة بإذنه أو بغير
إذنه فلا قسم لها ولا نفقة إلا أن يكون هو الذي أشخصها فلا تسقط عنه نفقتها ولا قسمها. قال الولي العراقي: وعندي
أن أخذ المسألة من نظيرها المشارك لها في المدرك أولى من التمسك بظاهر لفظ النص في قوله: هو الذي
أشخصها
لامكان تأويله. وقال ابن العماد: ينبغي سقوطها أخذا مما رجحوه من عدم وجوب المتعة فيما إذا ارتدا معا قبل الوطئ،
قال: وهو ظاهر لأنه قد اجتمع فيه المقتضى والمانع اه‍. وليس بظاهر كما قال بل الأول كما قال شيخنا أوجه،
لأن ما احتج به لا ينافي عدم سقوط نفقتها، لأن الأصل عدم وجوب المتعة حتى يوجد المقتضي لوجوبها خاليا من المانع
ولم يوجد، والأصل هنا بعد التمكين عدم سقوط النفقة حتى يوجد المقتضى لسقوطها خاليا من المانع ولم يوجد، إذ المقتضي
لسقوطها فيما نحن فيه خروجها لغرضها وحده. وإذا قلنا بعدم السقوط في هذه الصورة يستثنى منها ما نقلاه في الصداق
437

عن مجرد الحناطي من أنه لو تزوج ببغداد امرأة بالكوفة، وقلنا اعتبار التسليم بموضع العقد، فتسلم نفسها ببغداد ولا
نفقة لها قبل أن تصل بغداد مع أن السفر لبغداد لحاجتهما. الصورة الثانية: ما إذا سافرت وحدها بإذنه لحاجة ثالث،
قال الزركشي: ويظهر أنها كحاجة نفسها، وهو كما قال بعض المتأخرين ظاهر إذا لم يكن خروجها بسؤال الزوج لها
فيه، وإلا فينبغي أن يلحق بخروجها لحاجته بإذنه. (ولو نشزت) في حضور الزوج بأن خرجت من بيته كما قاله
الرافعي بغير إذنه، (فغاب) عنها (فأطاعت) بعد غيبته برجوعها إلى بيته، (لم تجب) نفقتها زمن الطاعة
(في الأصح) لانتفاء التسلم والتسليم إذ لا يحصلان مع الغيبة، والثاني: يجب لعودها إلى الطاعة. (و) على الأول (طريقها)
في عود استحقاق النفقة لها بعد طاعتها في غيبة زوجها (أن يكتب الحاكم) بعد رفعها الامر إليه (كما سبق)
في ابتداء التسليم، فيكتب لحاكم بلده ليعلمه بالحال، فإن عاد أو وكيله واستأنف تسلمها عادت النفقة، وإن مضى زمن
إمكان العود ولم يعد ولا بعث وكيله عادت النفقة أيضا على ما مر في المقيس عليه. أما إذا كان نشوزها بغير الخروج
من بيتها كأن ارتدت أو خالفته من غير خروج من المنزل عادت النفقة بعودها إلى الاسلام أو الطاعة في غيبته، وإن
أفهم كلام المتن خلافه. (ولو خرجت في غيبته) لا على وجه النشوز بل (لزيارة) لأقاربها أو جيرانها (ونحوها) كعيادتهم
وتعزيتهم، (لم تسقط) نفقتها إذ لا يعد ذلك نشوزا عرفا.
تنبيه: في بعض نسخ المحرر تقييد الزيارة ببيت أبيها، ونقلاه في الروضة كأصلها عن البغوي. قال ابن شهبة:
وحذف المصنف هذا القيد ليشمل غير الأب من المحارم. قال الزركشي: وهو ظاهر، إلا أن الاطلاق يشمل الأجانب
والمتجه خلافه اه‍. والأوجه ما قاله الدميري من أن المراد خروجها إلى بيت أبيها أو أقاربها أو جيرانها لزيارة أو عيادة
أو تعزية، ولهذا تبعته في حل المتن. ونقل الزركشي عن الحموي شارح التعجيز أنه ليس لها الخروج لموت أبيها ولا شهود
جنازته وأقره، والظاهر خلافه أخذا مما مر. (والأظهر أن لا نفقة) ولا توابعها (لصغيرة) لا تحتمل الوطئ
لتعذره
لمعنى فيها. والثاني: تجب كالرتقاء والقرناء والمريضة كما مر. وأجاب الأول بأن المرض يطرأ ويزول والرتق والقرن
مانع دائم قد رضي به ويشق معه ترك النفقة مع أن التمتع بغير الوطئ لا يفوت كما مر. (و) الأظهر (أنها تجب لكبيرة)
والمراد من يمكن وطؤها، لا البالغة كما قد يتوهم، (على) زوج (صغير) لا يمكن منه جماع إذا سلمت نفسها
أو عرضتها على وليه. إذ لا مانع من جهتها فأشبه ما لو سلمت نفسها إلى كبير فهرب. (وإحرامها بحج أو عمرة) أو
مطلقا (بلا إذن) من الزوج (نشوز) من وقت الاحرام (إن لم يملك تحليلها) مما أحرمت به وهو في إحرامها بفرض
على قول مرجوح مر في باب الحج لأنها منعته نفسها بذلك، فتكون ناشزة من وقت الاحرام وإن لم تخرج سواء
أكان الزوج محرما أم حلالا (فإن ملك) تخليلها بأن كان ما أحرمت به تطوعا أو فرضا على الأظهر كما مر في باب
الاحصار، (فلا) يكون إحرامها حينئذ نشوزا فتستحق النفقة لأنها في قبضته وهو قادر على التحليل والاستمتاع، فإذا
لم يفعل فهو المفوت نفسه.
تنبيه: لو أسقط قوله: بحج أو عمرة لكان أخصر وأعم ليشمل ما قدرته في كلامه. وقضية كلامه أنه يحرم
الاحرام بغير إذنه لأنه جعله نشوزا، والمذكور في بابه استحباب الاستئذان، فالمراد هنا بيان ما يسقط النفقة
وما لا يسقطها لا بيان الإباحة والتحريم. ويستثنى من كلامه ما لو أفسد حجها المأذون فيه بجماع فإنها تقتضيه على الفور ولها
الاحرام بغير إذن وعليه الخروج معها كما ذكره الأذرعي، وتجب نفقتها. وحيث قيل بوجوب نفقتها فتستمر (حتى
تخرج) من بيتها فإذا خرجت (فمسافرة لحاجتها) فإن سافرت وحدها بإذنه سقطت نفقتها في الأظهر، أو معه استحقت
438

أو بغير إذنه فناشزة كما مر. (أو) أحرمت بما ذكر (بإذن) من زوجها، (ففي الأصح لها نفقة ما لم تخرج) لأنها
في قبضته. والثاني: لا تجب لفوات الاستمتاع بها. ودفع بأن فواته تولد من إذنه.
تنبيه: قوله: ما لم تخرج أنها لو خرجت سقطت نفقتها وهو كذلك إن خرجت وحدها، فإن خرج معها
لم تسقط كما مر. (ويمنعها) أي يجوز لزوجها منعها من (صوم نفل) مطلق، سواء أمكنه جماعها أو امتنع عليه
لعذر حسي كجبة أو رتقها، أو شرعي كتلبسه بواجب كصوم وإحرام. وبحث الأذرعي أنه لا يمنع من لا يحل له وطؤها
كمتحيرة ومن لا تحتمل الوطئ مردود، لأن حقه واجب عليها، وله قطعه أيضا إذا شرعت فيه. (فإن أبت) أي امتنعت
من الفطر بعد أمره لها به، (فناشزة في الأظهر) وفي الروضة والشرحين: الأصح، لامتناعها من التمكين وإعراضها عنه
بما ليس بواجب، وصومها في هذه الحالة حرام كما في زوائد الروضة في صوم التطوع. وحكي في المجموع هناك وجهين:
أصحهما هذا، والثاني: أنه مكروه، قال: فلو صامت فمقتضى المذهب في نظائره الجزم بعدم الثواب وإن كان صحيحا كما
سبق في الصلاة في الدار المغصوبة فكذا هنا. والثاني: أنها لا تكون ناشزة لأنها في قبضته وله إخراجها منه متى شاء،
أما النفل الراتب كعرفة وعشوراء فليس له منعها منه على الصحيح، ولا تسقط نفقتها بالامتناع من فطره فهو
كرواتب الصلاة.
تنبيه: لو نكحها صائمة تطوعا لم يجبرها على الفطر كما في الروضة وأصلها عن المروزي. وفي سقوط نفقتها
وجهان: أوجههما السقوط كما قاله الأذرعي، لأن الفطر أفضل عند طلب التمتع. وحيث سقطت بالصوم هل يسقط
الكل أو النصف؟ وجهان: أصحهما الأول. (والأصح أن قضاءه) من صوم أو صلاة (لا يتضيق) بأن لم يجب فورا
كفطرها بعذر في رمضان والوقت متسع أو نامت عن الصلاة حتى خرج وقتها، حكمه (كنفل فيمنعها) أي فيجوز له
منعها منه ومن إتمامه لأنه على التراخي وحقه على الفور. والثاني: أنه ليس كالنفل فلا يمنعها منه. وبالأول قطع
الأكثرون كما في الروضة، فكان الأولى التعبير بالمذهب. أما ما يتضيق كالفطر تعديا أو بعذر ولم يبق من شعبان إلا
قدره أو أخرجت الصلاة عن وقتها بلا عذر فليس له المنع منه والنفقة فيه واجبة على الأصح في الروضة، وإن أشعر
كلام الرافعي بترجيح السقوط. وله منعها من منذور معين نذرته بعد النكاح بلا إذن ومن صوم كفارة إن لم تعص
بسببه لأنه على التراخي، ومن منذور صوم أو صلاة مطلق سواء أنذرته قبل النكاح أو بعده ولو بإذنه لأنه موسع. (و)
الأصح المنصوص (أنه لا منع) له (من تعجيل مكتوبة أول وقت) لحيازة فضيلته. وقضية هذا التعليل أن له المنع
من التعجيل إذا لم يندب كالابراد وهو ما بحثه الزركشي. والثاني: له المنع لاتساع الوقت كالحج والعمرة. وأجاب الأول
بقصر مدة الصلاة. ولو كانا مسافرين لم يمنعها من تعجيل صوم رمضان في السفر كما أفتى به الفزاري، وهو متجه كما قال
الأذرعي إن لم يكن الفطر أفضل. (و) لا منع من (سنن راتبة) لتأكدها. وظاهر كلامهم أنه يمنعها من تعجيلها
مع المكتوبة أول الوقت، وكذا من تطويلها كما صرح به الماوردي، قال الأذرعي: ومن التطويل الزائد في
الفرائض، بل تأتي بالأكمل من السنن والآداب.
تنبيه: تسقط نفقتها بالاعتكاف إلا بإذن من زوجها وهو معها، أو بغير إذن لكن اعتكفت بنذر معين
سابق للنكاح فلا تسقط نفقتها. وأورد على تخصيص المصنف السنن بالرواتب العيدين والكسوفين، فليس له منعها من
فعلها في المنزل ولكن يمنعها من الخروج لذلك. وأجيب بأن المراد بالراتبة ما لها وقت معين، سواء توابع الفرائض
وغيرها، وقد ذكر الرافعي أن هذا اصطلاح القدماء، وحينئذ فيدخل العيد والتراويح والضحى، وقد مرت الإشارة
إلى ذلك في باب صلاة النفل.
فرع: لو نكح مستأجرة العين لم تجب نفقتها، وقال الماوردي والروياني: له الخيار في فسخ النكاح إن جهل
439

الحال لفوات التمنع عليه نهارا مع عذره وإن رضي المستأجر بتمكينه منها فيه لأنه متبرع ووعد لا يلزم. وقضية كلام
الجمهور عدم ثبوت الخيار، وهو المعتمد كما مرت الإشارة إليه في خيار النكاح، وبه صرح صاحب الذخائر وغيره،
وقال الأذرعي: وإن ثبوته غريب ولم أره لغير الماوردي. واستشكل عدم وجوب نفقتها بنذرها الصوم أو الاعتكاف
المعين قبل النكاح. وأجيب بأن هنا يدا حائلة بخلاف مسألتي الصوم والاعتكاف. (وتجب لرجعية) حرة أو أمة حائل
أو حامل، (المؤن) من نفقة وكسوة وغيرهما لبقاء حبس الزوج لها وسلطنته عليها وقدرته على التمتع بها بالرجعة، ولا
يسقط ما وجب لها إلا بما يسقط به ما يجب للزوجة، ويستمر وجوبه لها حتى تقر هي بانقضاء عدتها بوضع الحمل أو بغيره
فهي المصدقة في استمرار النفقة كما تصدق في بقاء العدة وثبوت الرجعة. (إلا مؤنة تنظف) فلا تجب لها لامتناع الزوج
عنها، إلا إن تأذت بالهوام للوسخ فيجب كما قال الزركشي ما ترفه به كما مر في الخادم.
تنبيه: يستثنى من وجوب نفقة الرجعية ما لو قال الزوج: طلقت بعد الولادة فلي الرجعة، وقالت: بل قبلها وقد
انقضت عدتي، فالقول قوله في بقاء العدة وثبوت الرجعة ولا نفقة لها لزعمها كما جزم به الرافعي، ومقتضاه أنه لا نفقة لها وإن
راجعها لانكارها استحقاقها. ومثل هذا لو اختلفا في أصل الطلاق البائن وأنكره الزوج وحلف، قال في المطلب:
وهو ما أورده الرافعي في كتاب القسم وجعله أصلا مقيسا عليه، قال: لكن ظاهر نص الام الوجوب اه‍. وهذا أوجه
لأنها محبوسة لأجله كما يؤخذ مما مر فيما إذا ادعت الرضاع وأنكر. ولو قال الزوج: طلقتك قبل الوضع وانقضت عدتك
فلا نفقة لك الآن، فقالت: بل طلقتني بعده فلي النفقة وجبت العدة عليها في الوقت الذي تزعم أنه طلقها فيه، ووجبت لها
النفقة وسقطت الرجعة لأنها بائن بزعمه. (فلو ظنت) بضم أوله، مطلقته الرجعية (حاملا) بولد يلحقه (فأنفق) زوجها عليها
(فبانت) بعد اتفاقه (حائلا) أو أقرت بانقضاء العدة، (استرجع ما دفع) إليها من النفقة (بعد) انقضاء (عدتها) لأنه تبين أن
ذلك ليس عليه، والقول قولها في قدر مدتها بيمينها إن كذبها، وبدونه إن صدقها. فإن جهلت وقت انقضائها قدر
بعادتها حيضا وطهرا إن لم تختلف، فإن اختلفت اعتبر بأقلها فيرجع الزوج بما زاد، لأنه المتيقن هي لا تدعي زيادة
عليه. فإن نسيتها اعتبرت بثلاثة أشهر فيرجع بما زاد عليه أخذا بغالب العادات، وقيل: يرجع بما زاد على أقل ما يمكن
انقضاء العدة به.
تنبيه: لو انتفى عنه الولد الذي أتت به لعدم إمكان لحوقه استرد الزوج منها ما أنفقه عليها في مدة الحمل،
ولكنها
تسأل عن الولد، فقد تدعي وطئ شبهة في أثناء العدة والحمل يقطعها كالنفقة فتتم العدة بعد وضعه وينفق عليها تتميمها.
(و) المعتدة (الحائل البائن بخلع أو ثلاث) في الحر وثنتين في العبد، (لا نفقة لها ولا كسوة) قطعا لزوال الزوجية،
فأشبهت المتوفى عنها. (ويجبان) أي النفقة والكسوة (لحامل) لقوله تعالى: * (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن) *،
ولأنها مشغولة بمائه فهو مستمتع برحمها فصار كالاستمتاع بها في حال الزوجية، إذ النسل مقصود بالنكاح كما أن
الوطئ مقصود به.
تنبيه: اقتصاره على النفقة والكسوة قد يفهم أنه لا يجب غيرهما، وليس مرادا، بل يجب لها الادم كما في
زوائد الروضة والسكنى كما مر آخر العدد، وذكر البغوي في فتاويه أيضا وجوب الخادم للمخدومة. واحترز بالبينونة
بالخلع أو الثلاث عن البائن بالفسخ بالعيب وغيره، والأصح أنه إن كان بسبب مقارن للعقد كالعيب والغرور فلا نفقة
كما ذكره الرافعي في باب الخيار لأن الفسخ به يرفع العقد من أصله، ولذلك لا يجب المهر إن لم يكن دخول، وإن
كان بسبب عارض كالردة والرضاع واللعان إن لم ينف الولد فيجب لأنه قطع للنكاح كالطلاق وقضية كلام الدميري
والزركشي إن هذا التفصيل في الحائل، وليس مرادا، بل إنما هو في الحامل كما تقرر. والواجب فيما ذكر (لها)
بسبب الحمل على الصحيح أنها تجب مقدرة، ولا تسقط بمضي الزمان، ولو كانت للحمل لم يكن كذلك. (وفي قول)
440

قديم يجب ما ذكر (للحمل) فقط، لوجوب ما ذكر بوجود الحمل وعدمه بعدم الحمل، وإنما صرف لها لتغذيه بغذائها.
ثم فرع على الخلاف قوله: (فعلى الأول) الأصح (لا تجب) نفقة ولا غيرها (لحامل) عن وطئ (شبهة) وهي غير
مزوجة، (أو) لحامل عن (نكاح فاسد) لأنه لا نفقة لها في حال التمكين فبعده أولى، وعلى الثاني تجب كما يلزمه
نفقته بعد الانفصال ولو كان زوج الحامل البائن رقيقا، إن قلنا النفقة لها وجبت لأنها تجب على المعسر وإلا فلا. أما
المنكوحة إذا حبلت من الوطئ بالشبهة، فإن أوجبنا النفقة على الواطئ سقطت عن الزوج قطعا، وإلا فعلى الأصح
في أصل الروضة.
تنبيه: هذا كله ما دام الزوج حيا، فلو مات قبل الوضع فقضية كلام الروضة هنا السقوط، وفي الشرحين
والروضة في عدة الوفاة عدم السقوط، وهو المعتمد. فإن قيل: مقتضى قول المصنف (قلت: ولا نفقة لمعتدة وفاة وإن
كانت حاملا، والله أعلم) ترجيح الأول. أجيب بأنها ثم وجبت قبل الموت فاغتفر بقاؤها في الدوام فإنه أقوى من
الابتداء، ولما مر من أن البائن لا تنتقل إلى عدة الوفاة بخلاف الرجعية. وإنما سقطت هنا لقوله (ص):
ليس للحامل المتوفى عنها زوجها نفقة رواه الدارقطني بإسناد صحيح، قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: ولا أعلم
مخالفا في ذلك. ولأنها إن كانت حائلا فقد بانت بالموت، والحائل البائن لا نفقة لها. وإن كانت حاملا، فإن قلنا النفقة
للحمل سقطت، لأن نفقة القريب تسقط بالموت، وإن قلنا لها بسببه فكذلك لأنها كالحاضنة للولد، ولا تجب نفقة الحاضنة
بعد الموت.
تنبيه: تسقط النفقة لا السكنى بنفي الحمل، فإن استحلقه رجعت عليه بأجرة الرضاع ويبدل الانفاق عليها قبل
الوضع وعلى ولدها ولو كان الانفاق عليه بعد الرضاع. فإن قيل: رجوعها بما أنفقته على الولد ينافي إطلاقهم أن نفقة
القريب لا تصير دينا إلا بقرض. أجيب بأن الأب هنا تعدى بنفيه ولم يكن لها طلب في ظاهر الشرع، فلما أكذب
نفسه رجعت حينئذ. (ونفقة العدة مقدرة كزمن) أي كنفقة زمن (النكاح) من غير زيادة ونقص لأنها من
توابعه. (وقيل) لا تقدر بل (تجب الكفاية) فتزاد وتنقص بحسب الحاجة. ولعل هذا قول من يقول: النفقة للحمل
لأنها نفقة قريب، والراجح في الروضة وأصلها القطع بالأول. (ولا يجب) على الزوج (دفعها) للحامل (قبل ظهور
حمل) سواء أجعلناها لها أم للحمل، لأنا لم نتحقق سبب الوجوب. (فإذا ظهر) حملها ببينة أو اعتراف الزوج أو
تصديقه لها، (وجب) دفع النفقة لها (يوما بيوم) أي كل يوم، لقوله تعالى: * (فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) *،
ولأنها لو أخرت إلى الوضع لتضررت (وقيل) لا يجب دفعها كذلك، بل (حتى تضع) فتدفع لها جملة واحدة، لأن
الأصل البراءة حتى يتيقن السبب، والخلاف مبني على أن الحمل يعلم أم لا؟ والأظهر أنه يعلم، وعليه لو ادعت ظهوره
فأنكر فعليها البينة، وتكفي فيه شهادة النساء فيثبت بأربع نسوة عدول، ولهن أن يشهدن بالحمل وإن كان لدون
ستة أشهر إذا عرفن.
تنبيه: لو أنفق بظن الحمل فبان خلافه رجع عليها، ومر مثله في الرجعية. (ولا تسقط) نفقة العدة (بمضي
الزمان) من غير إنفاق (على المذهب) وإن قلنا إن النفقة للحمل، لأنها هي التي تنتفع بها فتصير دينا عليه.
والطريق الثاني: البناء على الخلاف في أن النفقة لها أو للحمل؟ فإن قلنا بالأول لم تسقط كنفقة الزوجة، وإن قلنا بالثاني
سقطت كنفقة القريب.
تنبيه: قال المتولي: لو أبرأت الزوج من النفقة، إن قلنا إنها لها سقطت، وإلا فلا.
تتمة: لا نفقة لحامل مملوكة له أعتقها بناء على أنها للحامل، ولا يلزم الجد نفقة زوجة ابنه الحامل منه بناء
441

على ما ذكر. ولو نشزت الحامل سقطت نفقتها ولو بائنا. ولو نكح فاسدا واستمتع بها ثم فرق بينهما فليس له الرجوع
بما أنفق عليها بل يجمع ذلك في مقابلة استمتاعه بها وإتلافه منافعها. قال الأذرعي: وهذا التوجيه يفهم أنه لو لم يستمتع
بها وكان قد تسلمها استرد، وليس مرادا.
فصل: في حكم الاعسار بمؤونة الزوجة المانع لها من وجوب تمكينها: إذا (أعسر) الزوج أو من يقوم مقامه
من
فرع أو غيره، (بها) أي نفقة زوجته المستقبلة كتلف ماله، (فإن صبرت) بها وأنفقت على نفسها من مالها أو مما افترضته
(صارت دينا عليه) وإن لم يقرضها القاضي كسائر الديون المستقرة.
تنبيه: هذا إذا لم تمنع نفسها منه، فإن منعت لم تصر دينا عليه، قاله الرافعي في الكلام على الامهال. (وإلا)
بأن لم تصبر (فلها الفسخ) بالطريق الآتي (على الأظهر) وقطع به الأكثرون، لقوله تعالى: * (فإمساك بمعروف أو
تسريح بإحسان) * فإذا عجز عن الأول تعين الثاني، ولخبر البيهقي بإسناد صحيح. أن سعيد بن المسيب سئل عن رجل
لا يجد ما ينفق على أهله، فقال: يفرق بينهما. فقيل له: سنة؟ فقال: نعم سنة قال الشافعي رحمه الله تعالى: ويشبه
أنه سنة النبي (ص). ولأنها إذا فسخت بالجب والعنة فبالعجز عن النفقة أولى، لأن البدن لا يقوم بدونها
بخلاف الوطئ. والثاني: المنع، وهو قول أبي حنيفة والمزني، لعموم قوله تعالى: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى
ميسرة) * ولأنه إذا لم يثبت له الخيار بنشوزها وعجزها عن التمكين فكذلك لا يثبت لعجزه عن مقابله. أما لو أعسر
بنفقة ما مضى فلا فسخ على الأصح، ولا فسخ لها أيضا بالاعسار بنفقة الخادم، سواء أخدمت نفسها أم استأجرت أم
أنفقت على خادمها. نعم تثبت في ذمته على المشهور، وينبغي كما قال الأذرعي أن يكون هذا في المخدومة لرتبتها،
أما من تخدم لمرضها ونحوه فالوجه عدم الثبوت كالقريب.
تنبيه: ليست هذه الفرقة فرقة طلاق بل فسخ كما فهم من المتن، والرجعية كالتي في العصمة، قاله إبراهيم
المروزي. (والأصح أن لا فسخ) للزوجة (بمنع) أي امتناع (موسر) من الانفاق بأن لم يوفها حقها منه، سواء
(أحضر) زوجها (أو غاب) عنها، لتمكنها من تحصيل حقها بالحاكم أو بيدها إن قدرت، وعند غيبته يبعث الحاكم
لحاكم بلده إن كان موضعه معلوما فيلزمه بدفع نفقتها، فإن لم يعرف موضعه بأن انقطع خبره، فهل لها الفسخ أو لا؟
نقل الزركشي عن صاحبي المهذب والكافي وغيرهما أن لها الفسخ، ونقل الروياني في التجربة عن نص الام أنه
لا فسخ ما دام الزوج موسرا، وإن غاب غيبة منقطعة وتعذر استيفاء النفقة من ماله اه‍. قال الأذرعي: وغالب ظني
الوقوف على هذا النص في الام، فإن ثبت له نص يخالفه فذاك وإلا فمذهبه المنع بالتعذر كما رجحه الشيخان اه‍. وهذا
أحوط، والأول أيسر.
تنبيه: قول المصنف: موسر ليس بقيد، فإنه لو غاب وجهل حاله في اليسار والاعسار فلا فسخ، لأن السبب
لم يتحقق. قال الرافعي: فلو شهدت البينة أنه غاب معسرا فلا فسخ كما أفتى به ابن الصلاح استصحابا لدوام النكاح.
قال: فلو شهدت بإعساره الآن بناء على الاستصحاب جاز لها ذلك إذا لم تعلم زواله وجاز الفسخ حينئذ، فإن عاد الزوج
وادعى أن له مالا بالبلد خفي على بينة الاعسار لم يؤثر إلا أن يثبت أنها تعلمه ويقدر عليه فيتبين بطلان الفسخ، قاله
الغزالي في فتاويه. (ولو حضر الزوج وغاب ماله، فإن كان) غائبا (بمسافة القصر) فأكثر، (فلها الفسخ) ولا يلزمها
الصبر للضرر كما في نظيره من فسخ البائع عند غيبة الثمن.
تنبيه: هذا إذا لم ينفق عليها بنحو استدانة، وإلا فلا فسخ لها ولو قال: أنا أحضره مدة الامهال فالظاهر كما قال
الأذرعي إجابته. (وإلا) بأن كان دون مسافة القصر (فلا) فسخ لها، (يؤمر بالاحضار) بسرعة، لأن
442

ما دون مسافة القصر كالحاضر في البلد. (ولو تبرع رجل) مثلا (بها) عن زوج معسر (لم يلزمها القبول) بل لها الفسخ،
كما لو كان لها دين على إنسان فتبرع غيره بقضائه لا يلزمه القبول لما فيه من المنة. وحكى ابن كج وجها أنه لا خيار لها،
وبه أفتى الغزالي، لأن المنة على الزوج لا عليها. ولو سلمها المتبرع للزوج ثم سلمه الزوج لها لم يفسخ كما صرح به
الخوارزمي. ولو كان المتبرع أبا أو جدا والزوج تحت حجره وجب عليها القبول كما قاله الأسنوي، وألحق الأذرعي
به ولد الزوج وسيده، قال: ولا شك فيه إذا أعسر الأب وتبرع ولده الذي يلزمه إعفافه.
تنبيه: يجوز لها إذا أعسر الزوج وله دين على غيره مؤجل بقدر مدة إحضار مال الغائب من مسافة القصر
الفسخ بخلاف تأجيله بدون ذلك، ولها الفسخ أيضا لكون ماله عروضا لا يرغب فيها ولكون دينه حالا على معسر،
ولو كان الدين عليها، لأنها في حال الاعسار لا تصل إلى حقها، والمعسر ينظر، بخلافها في حال اليسار وبخلاف ما إذا كان
دينه على موسر حاضر غير مماطل. ولو غاب المديون الموسر وكان ماله بدون مسافة القصر، فهل لها الفسخ أو لا؟
وجهان، أوجههما الثاني، وكلام الرافعي يميل إليه، فإن كان المديون حاضرا وماله بمسافة القصر كان لها الفسخ كما
لو كان مال الزوج غائبا. ولا يفسخ بكون الزوج مديونا وإن استغرقت الديون ماله حتى يصرفه إليها. ولا تفسخ بضمان
غيره له بإذنه نفقة يوم بيوم بأن تجدد ضمان كل يوم، وأما ضمانها جملة لا يصح فتنفسخ به. (وقدرته) أي الزوج
(على الكسب كالمال) أي كالقدرة عليه، فلو كان يكسب كل يوم قدر النفقة لم يفسخ لأنها هكذا تجب، وليس
عليه أن يدخر للمستقبل، فلو كان يكسب في يوم ما يكفي لثلاثة أيام متصلا ثم لا يكسب يومين أو ثلاثة ثم يكسب في يوم
ما يكفي للأيام الماضية فلا فسخ فإنه ليس بمعسر، ولا تشق الاستدانة لمثل هذا التأخير اليسير. وليس المراد أن يصبرها
هذه المدة بلا نفقة، بل المراد كما قاله الماوردي والروياني وغيرهما أن هذا في حكم الواجد لنفقتها وتنفق مما استدانه
لامكان القضاء، فلو كان يكسب في يوم كفاية أسبوع فتعذر العمل فيه لعارض فسخت لتضررها، ويكون قدرته
على الكسب بمنزلة دين مؤجل له على غيره بقدر ما مر فيه، ولو امتنع من الكسب مع قدرته عليه لم تفسخ،
كالموسر الممتنع.
تنبيه: أفهم كلامه أنه لا يلزمه الكسب للانفاق عليها، وهو كذلك كما يلزمه لنفقة نفسه، وأنه لو قدر على تكسب نفقة
الموسر لزمه تعاطيه، ولكن الذي في الروضة وأصلها أوائل هذا الباب أن القدرة على كسب واسع لا يخرجه عن حد الاعسار.
وأطلق الشيخان الكسب، ومحله إذا كان قادرا على كسب حلال، أما إذا كان الكسب بأعيان محرمة كبيع الخمر أو كان
الفعل الموصل الكسب محرما ككسب المنجم والكاهن فهو كالعدم وإن خالف الماوردي والروياني في القسم الثاني. (وإنما
يفسخ) للزوجة النكاح (بعجزه) أي الزوج (عن نفقة معسر) حاضرة، لأن الضرر يتحقق بذلك، فلو عجز عن نفقة موسر
أو متوسط لم ينفسخ لأن نفقته الآن نفقة معسر فلا يصير الزائد دينا عليه، بخلاف الموسر أو المتوسط إذا أنفق مدا فإنها
لا تفسخ ويصير الباقي دينا عليه.
فروع: لو وجد الزوج نصف المد بكرة غد وقته ونصفه عشاء كذلك لم تفسخ في الأصح، ولو وجد يوما مدا
ويوما نصف مد كان لها الفسخ، ولو وجد كل يوم أكثر من نصف مد كان لها الفسخ أيضا كما شملته عبارة المصنف
وإن زعم الزركشي خلافه. (والاعسار بالكسوة كهو) أي كالاعسار (بالنفقة) على الصحيح، إذ لا بد منها، ولا يبقى
البدن بدونها غالبا وقيل: لا، لأن الحياة تبقى بدونها.
تنبيه: سكت الشيخان عن الاعسار ببعض الكسوة، وأطلق الفارقي أن لها الفسخ. والتحرير فيها كما قال
الأذرعي ما أفتى به ابن الصلاح، وهو أن المعجوز عنه إن كان مما لا بد منه كالقميص والخمار وجبة الشتاء فلها الخيار،
وإن كان منه بد كالسراويل والنعل وبعض ما يفرش والمخدة فلا خيار ولا فسخ بالعجز عن الأواني ونحوها كما جزم به
443

المتولي، لأنه ليس ضروريا كالسكنى وإن كان يصير دينا في ذمته. (وكذا) الاعسار (بالادم والمسكن) كهو بالنفقة
(في الأصح) للحاجة إليهما، لأنه يعسر الصبر على الخبز البحت، أي الذي بلا أدم، ولا بد للانسان من مسكن يقيه من
الحر والبرد. والثاني: لا فسخ بذلك، أما المسكن فلان النفس يقوم بدونه، فإنه لا يعدم مسجدا أو موضعا مباحا، ورد بأن
الحوالة على المسجد ونحوه كالحوالة في النفقة على السؤال. وأما الادم فلان البدن يقوم بدونه، ولذا قال المصنف: (
قلت: الأصح المنع) أي منع فسخها (في) الاعسار بسبب (الادم، والله أعلم) بخلاف القوت، وهذا ما صححه
الرافعي في الشرح الصغير، واقتضى كلام الكبير أن الأكثرين عليه، وتوسط الماوردي فقال: إن كان القوت مما
ينساغ دائما للفقراء بلا أدم فلا فسخ وإلا فسخت، وتقدم الكلام على الاعسار بنفقة الخادم. (وفي إعساره بالمهر
أقوال، أظهرها) عند الأكثرين (تفسخ قبل وطئ) للعجز عن تسليم العوض مع بقاء المعوض، فأشبه ما إذا لم
يقبض
البائع الثمن حتى حجر على المشتري بالفلس والمبيع باق بعينه. وهذا الفسخ على الفور كما صرح به الرافعي، وكلام
التتمة يقتضي خلافه. (ولا) تفسخ (بعده) لتلف المعوض وصيرورة العوض دينا في الذمة. والثاني: لا يثبت الفسخ
مطلقا، لأن النفس تقوم بدون المهر. والثالث: تفسخ مطلقا، أما قبل الدخول فلما مر، وأما بعده فلان البضع
لا يتلف حقيقة بالوطئ.
تنبيه: محل ما ذكر من التفصيل ما إذا لم تقبض من المهر شيئا، فلو قبضت بعضه قبل الدخول كما هو معتاد وأعسر
بالباقي أفتى ابن الصلاح بأنه لا فسخ بعجزه عن بقيته، لأنه استقر له من البضع بقسطه، فلو فسخت لعاد لها البضع
بكماله لتعذر الشركة فيه فيؤدي إلى الفسخ فيما استقر للزوج، بخلاف نظيره من الفسخ بالفلس لامكان الشركة في البيع.
وأفتى البارزي بأن لها الفسخ، وهو مقتضى كلام المصنف، لصدق العجز عن المهر بالعجز عن بعضه، وبه صرح الماوردي،
وقال الأذرعي: هو الوجه نقلا ومعنى اه‍. وهذا هو المعتمد كما اعتمده السبكي وغيره، إذ يلزم على فتوى ابن الصلاح
كما قال ابن شهبة إجبار الزوجة على تسليم نفسها بتسليم بعض الصداق، إذ ليس لها منع الزوج مما استقر له من البضع،
وهو مستبعد. ولو أجبرت لاتخذ الأزواج ذلك ذريعة إلى إبطال حق المرأة من حبس نفسها بتسليم درهم واحد من
صداق هو ألف درهم وهو في غاية البعد. وقول ابن الصلاح: لو جوزنا للمرأة الفسخ لعاد إليها البضع بكماله معارض
بمثله، وهو أنه لو لم يجز لها الفسخ للزم إجبارها على تسليم البضع بكماله مع أنه لا محذور في رجوع البضع إليها بكماله،
لأن الصداق يرد على الزوج بكماله، إذ على تقدير الفسخ يجب عليها رد ما قبضه. (ولا فسخ) بإعسار زوج بشئ مما ذكر
(حتى يثبت عند قاض) بعد الرفع، أو عند محكم (إعساره) ببينة أو إقراره، فلا بد من الرفع إلى القاضي كما في العنة،
لأنه محل اجتهاد. ويكفي عن القاضي إذا قلنا يحكم بعلمه، وحينئذ (فيفسخه) بنفسه أو نائبه بعد الثبوت، (أو يأذن لها
فيه) وليس لها مع علمها بالعجز الفسخ قبل الرفع إلى القاضي، ولا بعده قبل الاذن فيه. ولا حاجة كما قال الإمام إلى
إيقاعه في مجلس الحكم، لأنه الذي يتعلق به إثبات حق الفسخ.
تنبيه: هذا إذا قدرت على الرفع إلى القاضي، فإن استقلت بالفسخ لعدم حاكم ومحكم أو عجزت عن الرفع
إلى القاضي نفذ ظاهرا وباطنا للضرورة. أما عند القدرة على ذلك فلا ينفذ ظاهرا، وكذا باطنا كما رجحه ابن المقري
وصرح به الأسنوي أخذا من نقل الإمام له عن مقتضى كلام الأئمة وقول المصنف: فيفسخه بالرفع بخطه، ويجوز فيه
وفي يأذن النصب عطفا على يثبت. (ثم) على ثبوت الفسخ بإعسار الزوج بالنفقة لا يمهل بها (في قول) ونسب للقديم،
بل (ينجز الفسخ) عند الاعسار وقت وجوب تسليمها لأن سببه الاعسار وقد حصل ولا تلزم الامهال بالفسخ،
(والأظهر إمهاله ثلاثة أيام) وإن لم يطلب الزوج الامهال لتحقق عجزه فإنه قد يعجز لعارض ثم يزول، وهي مدة قريبة
444

يتوقع فيها القدرة بقرض أو غيره. (ولها) بعد الامهال (الفسخ صبيحة الرابع) بعجزه عن نفقته بلا مهلة إلى بياض
النهار لتحقق الاعسار، (إلا أن يسلم نفقته) أي الرابع فقط، فلا تفسخ لما مضى حينئذ لتبين زوال العارض الذي كان
الفسخ لأجله، وإن عجز بعد أن سلم نفقة الرابع عن نفقة الخامس بنت على المدة ولم تستأنفها كما يعلم من قوله: (ولو
مضى) على زوجها (يومان بلا نفقة وأنفق الثالث) بأن سلم زوجته نفقته (وعجز الرابع) أي عجز فيه عن تسليم
نفقته، (بنت) على اليومين الأولين، ولها الفسخ صبيحة الخامس في الصورتين لتضررها بالاستئناف. (وقيل تستأنف)
مدة كاملة، لأن العجز الأول قد زال. وضعفه الإمام بأنه قد يتخذ ذلك عادة فيؤدي إلى ضرر عظيم.
تنبيه: ليس لها أن تأخذ نفقة يوم قدر فيه عن نفقة يوم قبله عجز فيه عن نفقته لتفسخ عند تمام المدة،
لأن العبرة في الأداء بقصد المؤدى. فإن تراضيا على ذلك ففيه احتمالان: أحدهما لها الفسخ عند تمام الثلاث بالتلفيق.
وثانيهما: لا، وتجعل القدرة عليها مبطلة للمهلة. قال الأذرعي: والمتبادر ترجيح الأول، ورجح ابن الرفعة الثاني بناء
على أنه لا فسخ بنفقة المدة الماضية. وأجيب عنه بأن عدم فسخها بنفقة المدة الماضية قبل أيام المهلة لا فيها. (ولها الخروج)
من بيتها (زمن المهلة) نهارا (لتحصيل النفقة) بكسب أو تجارة أو سؤال. وليس له منعها سواء كانت فقيرة أم غنية،
لأن التمكين والطاعة في مقابلة النفقة، فإذا لم يوفها ما عليه لم يستحق عليها حجرا.
تنبيه: قضية كلامه أنه لو أمكنها الانفاق من مالها أو كسب في بيته امتنع عليها الخروج وهو وجه، والصحيح
المنصوص الأول. (وعليها الرجوع) إلى بيتها (ليلا) لأنه وقت الايواء دون العمل والاكتساب، ولها منعه من
الاستمتاع بها نهارا، ولا تسقط نفقتها بذلك فكذا ليلا، لكن تسقط نفقتها عن ذمة الزوج مدة منعها. وظاهر عبارة
ابن المقري سقوطها حيث منعته، والمعتمد الأول، ففي الحاوي أنه يستحق التمتع بها ليلا لا نهارا من المهلة، فإن أبت
نهاره فليست بناشزة، أو ليلا فناشزة ولا نفقة لها، وتبعه في الكفاية. (ولو رضيت بإعساره) العارض، (أو نكحته
عالمة بإعساره فلها الفسخ بعده) أي الرضى في الصورتين، لأن الضرر يتجدد كل يوم، ولا أثر لقولها: رضيت بإعساره
أبدا فإنه وعد لا يلزم الوفاء به.
تنبيه: يستثنى من إطلاقه يوم الرضا فإنه لا خيار لها فيه كما قاله البندنيجي والبغوي. ويتجدد الامهال إذا
طلبت الفسخ بعد الرضى. (ولو رضيت بإعساره بالمهر فلا) فسخ لها بذلك بعد الرضى، لأن الضرر لا
يتجدد والحاصل
مرضى به.
تنبيه: سكت المصنف عما لو نكحته عالمة بإعساره بالمهر، بل قضيته ثبوت الفسخ، لكنهما رجحا عدمه،
كما لو رضيت به في النكاح ثم بدا لها أن تفسخ بخلاف النفقة. قال الأسنوي: وهذا ضعيف والمذهب خلافه، فقد
حكاه العمراني عن الجديد وذلك عن القديم، وقد اغتر في الروضة بما قاله الرافعي من عنده لما لم يقف على غيره
وزاد فعبر بالأصح. وقال الزركشي: قال ابن الرفعة: وعلى الفسخ اقتصر الماوردي والجمهور اه‍. وبالجملة فالمعتمد
عدم الفسخ لما مر. وسكت أيضا عما لو نكحت ثم علمت بإعساره فأمسكت عن المحاكمة، والذي نقلاه عن الروياني
وأقراه وهو في الحاوي: أنه إذا كان ذلك بعد طلبها المهر كأن رضي بالاعسار وسقط خيارها، وإن كان قبل المطالبة
لم يسقط، فقد تؤخر المطالبة لوقت اليسار، والخيار بعد الرفع إلى القاضي على الفور، فلو أخرت الفسخ سقط
لأن الضرر لا يتجدد وقد رضيت بإعساره وقبله على التراخي، لأنها قد تؤخر الطلب لتوقع اليسار. وعلم من كونه
على الفور بعد الطلب أنه لا يمهل ثلاثة أيام ولا دونها، وبه صرح الماوردي والروياني، قال الأذرعي:
وليس بواضح، بل قد يقال إن الامهال هنا أولى، لأنها تتضرر بتأخير النفقة بخلاف المهر انتهى وهو ظاهر،
445

لكن المنقول خلافه. (و) اعلم أن الفسخ حق الزوجة، وحينئذ (لا فسخ لولي صغيرة ومجنونة) وإن كان فيه مصلحة لهما
(بإعسار بمهر ونفقة) كما لا يطلق عليهما، وإن كان فيه مصلحتهما، لأن الخيار يتعلق بالطبع والشهوة فلا يفوض إلى
غير مستحقه. وينفق عليهما من مالهما، فإن لم يكن لهما مال أنفق عليهما من عليه نفقتهما كنفقة الخلية وتصير نفقتهما
ومهرهما دينا عليه يطالب به إذا أيسر.
تنبيه: أفهم كلامه أن عدم فسخ ولي البالغة من باب أولى، والسفيهة البالغة هنا كالرشيدة. (ولو أعسر زوج
أمة) أو من فيها رق كما فهم بالأولى بالنفقة (أو الكسوة فلها الفسخ) بذلك وليس للسيد منعها منه لأنه حقها،
فإن ضمن لها النفقة بعد طلوع فجر يومها صح كضمان الأجنبي. فإن قيل: كيف يضمن السيد وهو رب الدين دينه؟
أجيب بأن النفقة في الأصل لها ثم يتلقاها السيد، فصح ضمانه.
تنبيه: استثني من ثبوت الخيار لها ما لو أنفق السيد عليها من ماله فإنه لا خيار لها حينئذ، وما لو كانت زوجة
أحد أصول سيدها الموسر الذي يلزمه إعفافه لأن نفقتها على سيدها، وحينئذ فلا فسخ له ولا لها. وألحق بها نظائرها،
كما لو زوج أمته بعده واستخدمه، فإن لم يستخدمه وعجز عن الكسب فيظهر أن لها الفسخ إن لم ترض بذمته ولم
ينفق عليها السيد أخذا مما مر. (فإن رضيت) وهي مكلفة بإعساره، (فلا فسخ للسيد في الأصح) والثاني: له الفسخ، لأن
الملك في النفقة له وضرر فواتها يعود إليه. وأجاب الأول بما مر فيكون الفسخ لها.
تنبيه: احترز بالنفقة عن المهر فلا يثبت الفسخ لها بإعساره قبل الدخول، بل هو للسيد لأنه محض حقه ولا
ضرر
عليها في فواته. وعلى الأول لا يلزم السيد نفقتها إذا كانت بالغة عاقلة، ولكن (له أن يلجئها إليه) أي الفسخ (بأن
لا ينفق عليها ويقول) لها (افسخي أو جوعي) دفعا للضرر عنه، فإذا فسخت أنفق عليها واستمتع بها أو يزوجها من
غيره وكفى نفسه مؤنتها، أما الصغيرة والمجنونة فيمتنع عليه إلجاؤهما إذ لا يمكنهما الفسخ.
فروع: للأمة مطالبة زوجها بالنفقة كما كانت تطالب السيد، فإن أعطاها لها برئ منها وملكها السيد دونها
لأنها لا تملك، لكن لها قبضها وتناولها لأنها كالمأذونة في القبض بحكم النكاح وفي تناولها بحكم العرف، وتعلقت الأمة
بالنفقة المقبوضة فليس له بيعها قبل إبدالها بغيرها، لأن نفقتها وإن كانت له بحق الملك، لكن لها فيها حق التوثق،
فإن أبدلها جاز له التصرف فيها ببيع وغيره. ويجوز لها إبراء زوجها من نفقة اليوم لأنها للحاجة الناجزة
فكأن الملك للسيد، إلا بعد القبض، أما قبله فيتمحض الحق لها ولا يصح إبراؤها من نفقة أمس كما في المهر،
وأما السيد فيصح إبراؤه من نفقة الأمس. ولو ادعى الزوج تسليم النفقة الماضية أو الحاضرة أو المستقبلة
فأنكرت الأمة صدقت بيمينها لأن الأصل عدم التسليم، فإن صدقه السيد برئ من النفقة الماضية دون المستقبلة
والحاضرة لأن الخصومة للسيد في الماضية كالمهر دون الحاضرة. ومن طولب بنفقة ماضية وادعى الاعسار يوم
وجوبها حتى يلزمه نفقة المعسر وادعت هي اليسار فيه صدق بيمينه إن لم يعرف له مال وإلا فلا. ولو عجز العبد عن
الكسب الذي كان ينفق منه ولم ترض زوجته بذمته كان لها الفسخ، وإن رضيت صارت نفقتها دينا عليه. ولو عجز
السيد عن نفقة أم ولده أجبر على تخليتها لتكتسب وتنفق على نفسها أو على إيجارها ولا يجبر على عتقها أو تزويجها كما
لا يرفع ملك اليمين بالعجز عن الاستمتاع، فإن عجزت عن الكسب فنفقتها في بيت المال.
فصل: في نفقة القريب، والموجب لها قرابة البعضية فقط: (يلزمه) أي الشخص ذكرا كان أو غيره (نفقة
الوالد) الحر (وإن علا) من ذكر أو أنثى، (والولد) الحر (وإن سفل) من ذكر أو أنثى. والأصل في الأول
446

قوله تعالى: * (وصاحبهما في الدنيا معروفا) * ومن المعروف القيام بكفايتهما عند حاجتهما، وخبر: أطيب ما يأكل الرجل
من كسبه وولده من كسبه فكلوا من أموالهم رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه. قال ابن المنذر: وأجمعوا على
أن نفقة الوالدين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد، والأجداد والجدات ملحقون بهما إن لم يدخلوا في
عموم ذلك كما ألحقوا بهما في العتق والملك وعدم القود ورد الشهادة وغيرهما. وفي الثاني قوله تعالى: * (فإن أرضعن
لكم فآتوهن أجورهن) * إذ إيجاب الأجرة لارضاع الأولاد يقتضي إيجاب مؤنتهم، وقوله (ص) لهند:
خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف رواه الشيخان، والأحفاد ملحقون بالأولاد إن لم يتناولهم إطلاق ما تقدم.
تنبيه: استنبط من حديث هند غير وجوب نفقة الزوجة والولد ثلاثة عشر حكما، نبه على ذلك ابن النقيب
وذكرتها في شرح التنبيه. ولا يضر فيما ذكر اختلاف الدين كما قال: (وإن اختلف دينهما) فيجب على المسلم
منهما
نفقة الكافر المعصوم وعكسه لعموم الأدلة ولوجود الموجب وهو البعضية كالعتق ورد الشهادة. فإن قيل: هلا كان ذلك
كالميراث أجيب بأن الميراث مبني على المناصرة وهي مفقودة عند اختلاف الدين، وخرج بالأصول والفروع غيرهما
من سائر الأقارب كالأخ والأخت والعمة. وأوجب أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه نفقة كل ذي محرم بشرط اتفاق
الدين في غير الابعاض تمسكا بقوله تعالى: * (وعلى الوارث
مثل ذلك) *، وأجاب الشافعي رضي الله تعالى عنه بأن المراد مثل ذلك نفي المضارة كما قيده ابن عباس وهو أعلم بكتاب الله تعالى. والحر الرقيق،
فإن لم يكن مبعضا ولا مكاتبا، فأن كان منفقا عليه فهي على سيده، وإن كان منفقا فهو أسوأ حالا من المعسر والمعسر لا تجب عليه نفقة قريبه. فإن
قيل: العبد يلزمه نفقة زوجته فهلا كان كذلك هنا أجيب بأن نفقتها معاوضة وتلزم المعسر، والعبد من أهلها. ونفقة
القريب مواساة ولا تلزم المعسر فلم تلزمه لاعساره. وأما المبعض فإن كان منفقا فعليه نفقة تامة لتمام ملكه فهو كحر
الكل، وقيل: بحسب حريته. وإن كان منفقا عليه فتبعض نفقته على القريب والسيد بالنسبة إلى ما فيه من رق وحرية.
وأما المكاتب فإن كان متفقا عليه فلا يلزم قريبه نفقته على الأصح كما في زيادة الروضة هنا لبقاء أحكام عليه،
وإن وقع في الروضة وأصلها في قسم الصدقات أن عليه نفقته، بل نفقته من كسبه، فإن عجز نفسه فعلى سيده وإن
كان منفقا فلا تجب عليه لأنه ليس أهلا للمواساة، لأن ما معه إما غير مملوك له أو مملوك مستحق في كتابه، إلا أن
يكون له ولد من أمته فيجب عليه نفقته وإن لم يجز له وطؤها، لأنه إن عتق فقد أنفق ماله على ولده، وإن رق رق الولد أيضا
فيكون قد أنفق مال السيد على رقيقه، أو ولد من زوجته التي هي أمة سيده فيجب عليه نفقته لأنه ملك السيد، فإن
عتق أنفق ماله على ملك سيده، وإن رق فقد أنفق عليه مال سيده، بخلاف ولده من مكاتبة سيده لا ينفق عليه
لأنها قد تعتق فيتبعها الولد لكتابته عليها ويعجز المكاتب فيكون قد فوت مال سيده. وبالمعصوم غيره من مرتد
وحربي فلا تجب نفقته، إذ لا حرمة له لأنه مأمور بقتله. فإن قيل: تجب نفقة الرقيق وإن كان غير معصوم كما سيأتي.
أجيب بأن الرقيق لما كان السيد مالكا لرقبته وله التصرف فيه خير بين أن ينفق عليه أو يزيل ملكه عنه بخلاف
الأصل والفرع.
تنبيه: كما يلزم الولد نفقة الأب يلزمه نفقة رقيقه المحتاج لخدمته وكذا زوجته، وقد ذكرهما المصنف في باب
الاعفاف، بخلاف زوجة الابن علي الأصح. ثم شرع في شرط وجوب نفقة القريب، فقال: (بشرط يسار المنفق) من
والد أو ولد لأنها مواساة فاعتبر فيها اليسار، وقيل: لا يشترط يسار الوالد في نفقة ولده الصغير، فيستقرض عليه ويؤمر
بوفائه إذا أيسر (بفاضل عن قوته وقوت عياله في يومه) وليلته التي تليه، سواء أفضل ذلك بكسب أم بغيره،
فإن لم
يفضل شئ فلا شئ عليه، لقوله (ص): ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شئ فلأهلك، فإن
فضل عن أهلك فلذي قرابتك رواه مسلم.
تنبيه: في معنى القوت سائر الواجبات من مسكن وملبس، فلو عبر بدله بالحاجة كان أولى. وأطلق المصنف
447

العيال وخصه الرافعي وغيره بالزوجة، ولو عبر بها كان أولى، والظاهر كما قال الأذرعي أن خادمها وأم ولده في
حكمها ولا يشترط كونه فاضلا عن دينه كما صرح الأصحاب في باب الفلس، وإن أوهم كلام الرافعي أول قسم
الصدقات خلافه. (ويباع فيها) أي نفقة القريب (ما يباع في الدين) من عقار وغيره، لأن نفقة القريب مقدمة على وفاء
الدين، وإذا بيع ذلك في الدين ففي المقدم عليه أولى. ففي كيفية بيع العقار وجهان: أحدهما: يباع كل يوم جزء بقدر
الحاجة والثاني: يستقرض إلى أن يجتمع ما يسهل بيع العقار له. قال الأذرعي: والثاني هو الصحيح أو الصواب اه‍.
وقد رجح المصنف تصحيحه في نظيره من النفقة على العبد، قال البلقيني: فليرجح هنا. ولو لم يوجد من يشتري إلا
الكل وتعذر الاقراض، قال الزركشي: يبيع الكل كما أشار إليه الرافعي في الصداق في الكلام على التشطير. (ويلزم
كسوبا) إذا لم يكن له مال (كسبها في الأصح) إذا وجد مباحا يليق به، لخبر: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت،
ولان القدرة بالكسب كالقدرة بالمال، ولهذا يحرم عليه الزكاة، وكما يلزمه إحياء نفسه بالكسب فكذا بعضه. والثاني:
لا، كما لا يلزمه الكسب لقضاء دينه. وأجاب الأول بأن النفقة قدرها يسير، والدين لا ينضبط قدره وإلا يكلف القريب
أن يسأل الناس ولا أن يقبل الهبة والوصية، فإن فعل وصار بذلك غنيا لزمه مؤنة قريبه.
تنبيه: محل وجوب الاكتساب لزوجة الأب إنما هو في نفقة المعسرين، فلو قدر على اكتساب متوسط أو موسر
لم يجبر على الزيادة كما هو قضية كلام الإمام والغزالي، وإن اقتضى كلام الماوردي الاجبار. (ولا تجب) النفقة (لمالك
كفايته) ولو زمنا أو صغيرا أو مجنونا لاستغنائه عنها، (ولا لمكتسبها) بأن يقدر على كسب كفايته من كسب حلال يليق
به لانتفاء حاجته إلى غيره، وإن كان يكسب دون كفايته استحق القدر المعجوز عنه خاصة.
تنبيه: لو قدرت الام أو البنت على النكاح لا تسقط نفقتها كما جزم به ابن الرفعة، فإن قيل: هلا كان ذلك
كالقدرة على الكسب أجيب بأن حبس النكاح لا نهاية له بخلاف سائر أنواع الاكتساب، فلو تزوجت سقطت نفقتها
بالعقد ولو كان الزوج معسرا إلى أن يفسخ لئلا تجتمع بين نفقتين. (وتجب لفقير غير مكتسب إن كان زمنا) وألحق به
البغوي العاجز بمرض أو عمى، وجزم به الرافعي في الشرح الصغير (أو) كان (صغيرا أو مجنونا) لعجزه عن كفاية نفسه.
والولي حمل الصغير على الاكتساب إذا قدر عليه وينفق عليه من كسبه، فلو هرب أو ترك الاكتساب في بعض الأيام وجبت
نفقته على وليه، ولو كان قادرا على كسب حرام كالكسب بآلة الملاهي فهو كالعدم، وكذا الكسب الذي لا يليق
به.
(وإلا) بأن قدر على الكسب ولم يكتسب ولم يكن كما ذكره، (فأقوال، أحسنها تجب) مطلقا للأصل والفرع،
لأنه يقبح للانسان أن يكلف قريبه الكسب مع اتساع ماله. والثاني: المنع مطلقا، لاستغنائه بكسبه عن غيره، (والثالث):
تجب (لأصل لا فرع) ذكر أو أنثى لتأكيد حرمة الأصل. (قلت: الثالث أظهر) لما ذكر، (والله أعلم) وهذا هو الأصح
في أصل الروضة، واقتضاه إيراد الشرحين، وإن نازع في ذلك الأذرعي، لأن الفرع مأمور بمعاشرة أصله بالمعروف
وليس منها تكليفه الكسب مع كبر السن. وكما يجب الاعفاف، ويمتنع القصاص. (وهي) أي نفقة القريب، (الكفاية)
لقوله (ص): خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف، ولأنها تجب على سبيل المواساة لدفع الحاجة الناجزة.
ويعتبر حاله في سنه وزهادته ورغبته، ويجب اشباعه كما صرح به ابن يونس، وقول الغزالي لا يجب إشباعه محمول
على المبالغة في الشبع. ويجب له الادم كما يجب له القوت، ويجب له مؤنة خادم إن احتاجه مع كسوة وسكنى لائقين به
وأجرة طبيب وثمن أدوية.
تنبيه: لو سلمت النفقة إلى القريب فتلفت في يده وجب إبدالها، وكذا لو أتلفها بنفسه. فإن قيل: في إبدالها
448

إجحاف بالدافع خصوصا مع تكرار الاتلاف. أجيب بأن الدافع مقصر إذ يمكنه أن يطعمه من غير تسليم. لكن
ما أتلفه عليه فيه الضمان إذ أيسر كما قالاه، وينبغي كما قال الأذرعي أن محل الضمان في الرشيد دون غيره لتقصير الدافع،
بل سبيله أن يطعمه أو يوكل من يطعمه ولا يسلم إليه شيئا. والنفقة وما ذكر معها إمتاع، ولذلك قال المصنف: (وتسقط
بفواتها) بمضي الزمان، وإن تعدى المنفق بالمنع لأنها وجبت بدفع الحاجة الناجزة، وقد زالت، بخلاف نفقة الزوجة
فإنها معاوضة. (و) حينئذ (لا تصير دينا) في ذمته (إلا بفرض) بالفاء بخطه، (قاض، أو إذنه في اقتراض) بالقاف،
(لغيبة أو منع) فإنها تصير دينا في ذمته لتأكد ذلك بفرض القاضي أو إذنه فيه.
تنبيه: تبع المصنف في هذا الاستثناء كالمحرر والشرحين الغزالي في الوسيط والوجيز، ولا ذكر له في شئ من
كتب الطريقين. قال الأذرعي: وهذه المسألة مما تعم به البلوى، وحكام العصر يحكمون بذلك ظانين أنه المذهب
فيجب التنبه لها وتحريرها وبسط الكلام في ذلك، ثم قال: وألحق أن فرض القاضي بمجرده لا يؤثر عندنا بلا خلاف،
ومحاولة إثبات خلاف مذهبي فيه تكلف محض اه‍. فالمعتمد كما عليه الجمهور أنها لا تصير دينا إلا بافتراض قاض بنفسه
أو مأذونه ويمكن حمل كلام الغزالي والشيخين كما قاله بعض المتأخرين على ما إذا فرض القاضي النفقة، أي قدرها،
وأذن لانسان أن ينفق على الطفل مثلا ما قدره في غيبة القريب أو منعه ويرجع على قريبه، فإذا أنفق صار في ذمة
القريب، قال: وهي غير مسألة الاستقراض. وقول المصنف: أو إذنه في اقتراض يقتضي أنه بمجرد ذلك يصير دينا في الذمة،
قال السبكي: والظاهر أنه لو تأخر الاستقراض بعد إذن القاضي ومضي زمن لم يستقرض فيه، أي لم يفت، فيجب حمله
على أن المراد إذن في الاستقراض فاستقرض اه‍. وهذا الحمل هو المراد وإلا فيخالف ما عليه الجمهور، ويكون
الاستثناء حينئذ من اللفظ لا من المعنى، لأن الواجب على القريب إنما هو وفاء الدين، ولا يسمى هذا الوفاء نفقة.
وظاهر كلام المصنف الحصر فيما ذكره، وليس مرادا فإن الأب لو نفى الولد ثم استحلقه فإن الام ترجع عليه بالنفقة كما
مر، ولو لم يكن هناك حاكم واستقرضت الام عنه وأشهدت فعليه قضاء ما استقرضته، أما إذا لم تشهد فلا رجوع لها.
ونفقة الحامل لا تسقط بمضي الزمان وإن جعلنا النفقة له، لأن الزوجة لما كانت هي التي تنتفع بها التحقت بنفقتها.
وللقريب أخذ نفقته من مال قريبه عند امتناعه إن وجد جنسها، وكذا إن لم يجده في الأصح، وله الاستقراض إن
لم يجد له مالا وعجز القاضي، ويرجع إن أشهد كجد الطفل المحتاج وأبوه غائب مثلا. وللأب والجد أخذ النفقة من
مال فرعهما الصغير أو المجنون بحكم الولاية، ولهما إيجاره لها لما يطيقه من الأعمال، ولا تأخذها الام من ماله إذا
وجبت نفقتها عليه ولا الابن من مال أبيه المجنون إذا وجبت نفقته عليه إلا بالحاكم لعدم ولايتهما، فيؤدي القاضي الابن
الزمن إجارة أبيه المجنون إذا صلح لنفقته. (وعليها) أي الام، (إرضاع ولدها اللبأ) وهو بهمز وقصر: اللبن النازل
أول الولادة، لأن الولد لا يعيش بدونه غالبا، وغيرها لا يغني كما قاله في الكافي، والمراد كما قال الرافعي أنه لا يعيش
بدونه غالبا أو أنه لا يقوى وتشتد بنيته إلا به، قال: وإلا فنشاهد من يعيش بلا لبأ. ولها أن تأخذ الأجرة إن كان لمثله
أجرة، ولا يلزمها التبرع بإرضاعه كما لا يلزم بدل الطعام للمضطر إلا بالبدل.
تنبيه: لم يتعرضوا لمدة الرضاع به، وقال الرافعي: مدته يسيرة، وقال في البيان: وعليها أن تسقي اللبأ حتى يروى،
وظاهره الاكتفاء بمرة واحدة. وينبغي كما قال الأذرعي الرجوع إلى أهل الخبرة فإن قالوا تكفيه مرة بلا ضرر يلحقه
كفت وإلا عمل بقولهم. (ثم بعده) أي بعد إرضاع اللبأ، (إن لم يوجد إلا هي) أي الام (أو أجنبية وجب) على
الموجود منهما (إرضاعه) إبقاء للولد، ولهما طلب الأجرة من ماله إن كان، وإلا فممن تلزمه نفقته. (وإن وجدتا)
أي الام والأجنبية، (لم تجبر الام) وإن كانت في نكاح أبيه على إرضاعه، لقوله تعالى: * (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) *،
449

وإذا امتنعت حصل التعاسر. (فإن رغبت) في إرضاعه (وهي منكوحة أبيه) أي الرضيع، (فله منعها) مع
الكراهة من إرضاعه (في الأصح) لأنه يستحق الاستمتاع بها في الأوقات المصروفة إلى الرضاع، وهذا أقوى الوجهين
في الشرحين، (قلت: الأصح ليس له منعها) مع وجود غيرها، (وصححه الأكثرون، والله أعلم) لأن فيه إضرارا
بالولد لأنها عليه أشفق ولبنها له أصلح. ولا تزاد نفقتها للارضاع، وإن احتاجت فيه إلى زيادة الغذاء، لأن قدر
النفقة لا يختلف بحال المرأة وحاجتها.
تنبيه: أفهم قوله: منكوحة أنها لو كانت بائنا أن له المنع جزما، وليس مرادا، بل إن تبرعت لم ينزع الولد منها
وإن طلبت أجرة، فهي كالتي في نكاحه إذا توافقا وطلبت الأجرة، وقوله: أبيه أنها إذا كانت منكوحة غير أبيه أن له
منعها، وهو كذلك، إلا أن تكون مستأجرة للارضاع قبل نكاحه فليس له منعها كما قاله ابن الرفعة ولا نفقة لها. وهذا
كله كما قال الأذرعي في الزوجة والولد الحرين، أما لو كان رقيقا والام حرة فله منعها كما لو كان الولد من غيره. ولو كانت
رقيقة والولد حر أو رقيق قال: فقد يقال من وافقه السيد منهما فهو المجاب، ويحتمل غيره اه‍. والأول أوجه. (فإن
اتفقا) على أن الام ترضعه (وطلبت أجرة مثل) له، (أجيبت) لقوله تعالى: * (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) * وكانت
أحق به لما مر، فاستئجار الزوج لها لذلك جائز، وقال العراقيون: لا يجوز، لأنه يستحق الاستمتاع بها في تلك الحالة
فلا يجوز أن يعقد عليها عقد آخر يمنع استيفاء الحق. وأجاب الأول بأن الاستئجار منه رضى بترك الاستمتاع. وإذا
أرضعت بالأجرة، فإن كان الارضاع لا يمنع من الاستمتاع ولا ينقصه فلها مع الأجرة النفقة، وإلا فلا.
تنبيه: ذكر المصنف حكم المنكوحة وسكت عن المفارقة، وصرح في المحرر بالتسوية فقال: فإن وافقا عليه
أو لم تكن في نكاحه وطلبت الأجرة إلى آخره، فحذف المصنف له لا وجه له كما قاله ابن شهبة. (أو) طلبت الام (فوقها)
أي أجرة المثل، (فلا) تلزمه الإجابة لتضرره، وله استرضاع أجنبية. (وكذا إن تبرعت أجنبية) بإرضاعه (أو رضيت
بأقل) من أجرة المثل ولو بشئ يسير لا يلزمه إجابة الام إلى أجرة المثل (في الأظهر) لأن في تكليفه الأجرة مع المتبرعة
أو الزيادة على ما رضيت به إضرارا، وقد قال تعالى: * (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم) * والثاني:
تجاب الام لوفور شفقتها.
تنبيه: محل الخلاف إذا استمرأ الولد لبن الأجنبية، وإلا أجيبت الام إلى إرضاعه بأجرة المثل قطعا كما قال بعض
المتأخرين، لما في العدول عنها من الاضرار بالرضيع. وعلى الأظهر لو ادعى الأب وجود متبرعة أو راضية بأقل من أجرة
المثل وأنكرت الام صدق في ذلك بيمينه لأنها تدعي عليه أجرة والأصل عدمها، ولأنه يشق عليه إقامة البينة، وتجب
الأجرة في مال الطفل، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته. ثم شرع في اجتماع الأقارب من جانب المنفق ومن جانب
المحتاج، وقد بدأ بالقسم الأول فقال: (ومن استوى فرعاه) في قرب وارث أو عدمها، وإن اختلفا في الذكورة
وعدمها
كابنين أو بنتين أو ابن وبنت، (أنفقا عليه) وإن تفاوتا في قدر اليسار أو أيسر أحدهما بالمال والآخر بالكسب، لأن علة
إيجاب النفقة تشملهما، فإن غاب أحدهما أخذ قسطه من ماله، فإن لم يكن مال اقترض عليه الحاكم إن أمكن
وإلا أمر الحاكم الحاضر بالانفاق بقصد الرجوع على الغائب أو ماله إذا وجده. هذا إذا كان المأمور أهلا لذلك مؤتمنا
كما قاله الأذرعي، وإلا اقترض منه الحاكم وأمر عدلا بالصرف إلى المحتاج يوما فيوما. (وإلا) بأن اختلفا في القرب،
(فالأصح أقربهما) تجب النفقة عليه وارثا كان أو غيره ذكرا كان أو أنثى، لأن القرب أولى بالاعتبار. (فإن استوى)
قربهما (فبالإرث) تعتبر النفقة (في الأصح) لقوله: كابن وابن بنت فيجب على الأول دون الثاني لذلك. والثاني: لا أثر
450

للإرث لعدم توقف وجوب النفقة عليه. (والثاني) وهو مقابل قوله: فالأصح أقربهما أن تعتبر أولا، (بالإرث ثم القرب)
بعده فيقدم الوارث البعيد على غير القريب، فإن استويا في الإرث قدم أقربها.
تنبيه: الخلاف في أصل المسألة طريقان، والطريقة الأولى هي المشهورة، ولما كانت طرق الأصحاب قد تسمى
وجوها صح تعبير المصنف عنها بالأصح. (والوارثان) على كل من الطريقين كما في المحرر إذا استويا في أصل الإرث
دون غيره كابن وبنت، هل (يستويان) في قدر الانفاق (أم يوزع) الانفاق بينهما (بحسبه) أي الإرث؟ (وجهان) وجه
التوزيع إشعار زيادة الإرث بزيادة قوة القرب، ووجه الاستواء اشتراكهما في الإرث، ورجح هذا الزركشي وابن
المقري. والأول أوجه كما جزم به في الأنوار، وهو قياس ما رجحه المصنف فيمن له أبوان وقلنا نفقته عليهما كما
سيأتي قريبا. وهذا هو الموضع الثاني بلا ترجيح كما مر التنبيه عليه في صلاة الجماعة، ولا ثالث لهما إلا ما كان مفرعا
على ضعيف. (ومن له أبوان) هو من تثنية التغليب، أي أب وأم (فعلى الأب) نفقته صغيرا كان أو كبيرا، أما
الأولى، فلقوله تعالى: * (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) * وأما الثاني فاستصحابا لما كان في الصغر، ولعموم حديث
هند. (وقيل) النفقة (عليهما البالغ) لاستوائهما في القرب، وإنما قدم الأب في الصغر لولايته عليه وقد زالت. وهل يسوى
بينهما أو يجعل بينهما أثلاثا بحسب الإرث؟ وجهان، رجح المصنف منهما الثاني.
تنبيه: محل الخلاف فيما إذا كان الولد البالغ غير معتوه، وإلا فكالصغير وأبو الأب مع الام كالأب على الأصح.
(أو) كان للفرع (أجداد وجدات إن أدلى بعضهم ببعض فالأقرب) منهم، فالأقرب تلزمه النفقة لما مر من أن القرب
أولى بالاعتبار (وإلا) بأن لم يدل بعضهم ببعض (فبالقرب) يعتبر لزوم النفقة، (وقيل: الإرث) على
الخلاف المتقدم
في طرف الفروع، (وقيل: بولاية المال) لأنها تشعر بتفويض التربية.
تنبيه: المراد بولاية المال كما في الروضة وأصلها الجهة التي تفيدها، لا نفس الولاية التي قد يمنع منها مانع مع وجود
الجهة، وعلى هذا ففي كلام المصنف مضاف محذوف. (ومن له أصل وفروع ففي الأصح) تجب النفقة (على الفرع وإن
بعد) كأب وابن ابن لأن عصوبته أقوى، وهو أولى بالقيام بشأن أبيه لعظم حرمته. والثاني: أنها على الأصل استصحابا
لما كان في الصغر. والثالث: أنها عليهما لاشتراكهما في البعضية. ثم شرع في القسم الثاني من اجتماع الأقارب، فقال:
(أو) له (محتاجون) من النوعين أو أحدهما مع زوجة أو زوجات، فإن قدر على كفاية كلهم فواضح، أو
فإنه (يقدم) منهم (زوجته) بعد نفسه، لأن نفقتها آكد لأنها لا تسقط بمضي الزمان كما مر. (ثم) بعد نفقتها يقدم
(الأقرب) فالأقرب، فيقدم بعد زوجته ولده الصغير لشدة عجزه، ومثله البالغ المجنون، ثم الام لذلك، ولتأكد حقها بالحمل
والوضع والرضاع والتربية، ثم الأب ثم الولد الكبير ثم الجد وإن علا، ولو كان الولد صغيرا والأب مجنونا أو زمنا فهما
سواء كما بحثه البلقيني، وتقدم ماله تعلق بذلك في زكاة الفطر. (وقيل): يقدم (الوارث) على الخلاف المتقدم في الأصول
وعلى الأول لو كان الابعد زمنا قدم على الأقرب لشدة احتياجه. ولو استوى اثنان في درجة كابنين أو بنتين أو ابن
وبنت صرف إليهما بالسوية. وتقدم بنت ابن علي بنت لضعفها وعصوبة أبيها. وإن كان أحدهما في هذه الصور
الأربع رضيعا أو مريضا ونحوه قدم لشدة احتياجه. وإن كان أحد الجدين المجتمعين في درجة عصبة كأبي الأب مع
أبي الام قدم منهما العصبة منهما استويا لتعادل القرب والعصوبة، ولو اختلفت الدرجة واستويا في
العصوبة أو عدمها فالأقرب مقدم، (وقيل: الولي).
451

تنبيه: لو كثر أهل درجة بحيث لا يسد قسط كل منهم إن وزع الموجود عليهم مسدا أقرع بينهم.
فروع: لو اجتمع جدتان في درجة وزادت إحداهما على الأخرى بولادة أخرى قدمت، فإن قربت الأخرى
دونها قدمت لقربها. ولو عجز الأب عن نفقة أحد ولديه وله أب موسر لزمت أباه نفقته، فإن رضي كل منهما بأخذ ولد
لينفق عليه أو انفقا على الاتفاق بالشركة فذاك ظاهر، وإن تنازعا أجيب طالب الاشتراك، وقال البلقيني: يقرع بينهما.
ولو عجز الولد عن نفقة أحد والديه وله ابن موسر فعلى الابن نفقة أبي أبيه لاختصاص الام بالابن، لما مر من أن الأصح
تقديم الام على الأب. ولو أعسر الأقرب بالنفقة لزمت الابعد، ولا رجوع له عليه بما أنفق إذا أيسر به.
فصل: في حقيقة الحضانة وصفات الحاضن والمحضون: (الحضانة) بفتح الحاء لغة: مأخوذة من الحضن بكسرها،
وهو الجنب، فإن المحضنة ترد إليه المحضون وتنتهي في الصغير بالتمييز، وأما بعده إلى البلوغ فتسمى كفالة، قاله
الماوردي، وقال غيره: تسمى حضانة أيضا وشرعا. (حفظ من لا يستقل) بأمور نفسه عما يؤذيه لعدم تمييزه كطفل
وكبير مجنون، (وتربيته) أي تنمية المحضون بما يصلحه بتعهده بطعامه وشرابه ونحو ذلك، وقد مر في باب الإجارة
من الكتابة تفسير الحضانة بما هو أعم من ذلك. ومؤنة الحضانة في مال المحضون، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه
نفقته لأنها من أسباب الكفاية كالنفقة، ولهذا ذكرت عقب النفقات. (و) الحضانة نوع ولاية وسلطنة، لكن
(الإناث أليق بها) لأنهن أشفق وأهدى إلى التربية وأصبر على القيام بها وأشد ملازمة للأطفال. واعلم أن مستحق
الحضانة ثلاثة أقسام لأنهم إما إناث فقط، وإما ذكور فقط، وإما الفريقان، وقد بدأ بالقسم الأول، فقال: (وأولاهن)
أي الإناث عند اجتماعهن وتنازعهن في طلبها، (أم) لوفور شفقتها، وفي الخبر: أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني
هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وإن أباه طلقني وزعم أنه ينزعه مني فقال: أنت أحق
به ما لم تنكحي رواه البيهقي والحاكم وصحح إسناده.
تنبيه: محل تقديم الام ما لم يكن للمحضون زوج ذكرا كان أو أنثى، وإلا فيقدم إن كان له بها أو لها به
استمتاع. والمراد باستمتاعه بها جماعة، فلا بد أن تطيقه وإلا فلا تسلم إليه كما مر في الصداق، وصرح به ابن الصلاح
هنا في فتاويه، وحينئذ فتستثنى هذه الصورة أيضا، وله نزعه من أبيه وأمه الحرين بعد التمييز وتسليمه إلى غيرهما
بناء على جواز التفريق حينئذ، ومن بعضه حر يشترك سيده وقريبه المستحق لحضانته في حضانته بحسب ما فيه من
الرق والحرية، فإن اتفقا على المهايأة أو على استئجار حاضنة أو رضي أحدهما بالآخر فذاك، وإن تمانعا استأجر
الحاكم من تحضنه وألزمهما الأجرة. (ثم) بعد الام (أمهات) لها (يدلين بإناث) وارثات لمشاركتهن الام في الإرث
والولادة، (يقدم) منهن (أقربهن) فأقربهن لوفور الشفقة. (والجديد تقدم بعدهن) أي أمهات الام (أم أب)
لمشاركتها أم الام في المعنى السابق. وإنما قدمت أمهات الام وإن علون لأن الولادة فيهن محققة، وفي أمهات
الأب مظنونة، ولأنهن أقوى ميراثا من أمهاته فإنهن لا يسقطن بالأب بخلاف أمهاته، (ثم أمهاتها المدليات بإناث)
وارثات لما مر. (ثم أم أبي أب كذلك) ثم أمهاتها المدليات وارثات. (ثم أم أبي جد كذلك) ثم أمهاتها المدليات
بإناث وارثات وهكذا، لأن لهن ولادة ووراثة كالأم وأمهاتها. وتقدم في كل من الأمهات المذكورة القربى فالقربى.
(والقديم) يقدم (الأخوات والخالات عليهن) أي المذكورات من أمهات الأب والجد. أما الأخوات فلأنهن
اجتمعن معه في الصلب والبطن أوفي أحدهما وشاركته في النسب فهن عليه أشفق، وأما الخالات فلقوله (ص)
: الخالة بمنزلة الام رواه البخاري. وأجاب الأول بأن النظر هنا إلى الشفقة وهي في الجدات أغلب.
452

(وتقدم) قطعا (أخت) من أي جهة كانت (على خالة) لأنها أقرب منها. وتقدم (و) (خالة على بنت أخ
و) بنت (أخت) لأنها تدلي بالام بخلافهما. (و) تقدم (بنت أخ و) بنت (أخت على عمة) كما يقدم ابن الأخ
في الميراث على العم.
تنبيه: سكت المصنف عن الترتيب بين بنت الأخت وبنت الأخ، والمقدم منهما بنت الأخت. (و) تقدم
(أخت من أبوين على أخت من أحدهما) لأن شفقتها أتم، لاجتماعها مع المحضون في الصلب والرحم فهي أشفق.
(والأصح) وعبر في الروضة بالصحيح المنصوص في الجديد، والقديم لا، كما يوهمه كلام المتن من تفريع هذا وما قبله
على القديم، (تقديم أخت من أب على أخت من أم) لاشتراكها معه في النسب ولقوة إرثها فإنها قد تصير عصبة.
والثاني، عكسه، لأنها تدلي بالام فتقدم على من يدلي بالأب. (و) الأصح تقديم (خالة) لأب (وعمة لأب
عليهما لام) لقوة الجهة كالأخت. والثاني: عكسه، لأن تقديم الأخت للأب على الأخت للأم كان لقوتها في الإرث
ولا إرث هنا. (و) الأصح (سقوط كل جدة لا ترث) وهي من تدلي بذكر بين أنثيين كأم أبي الام لأنها أدلت
بمن لا حق له في الحضانة فأشبهت الأجانب. والثاني: لا تسقط لولادتها، لكن تتأخر عن جميع المذكورات لضعفها.
تنبيه: قال الشيخان: وفي معنى الجدة الساقطة كل محرم يدلي بذكر لا يرث، كبنت ابن البنت وبنت العم
للام اه‍. فإن قيل: كون بنت العم محرما ذهول. أجيب بأنها معطوفة على كل محرم لأنها معطوفة على بنت ابن البنت
كما توهمه من قال إنه ذهول، وقال إن هذه ليست بمحرم. (دون أنثى) هو في حيز الأصح أيضا، ومعناه النفي، أي
والأصح سقوط كل جدة لا ترث لا سقوط كل أنثى. (غير محرم كبنت خالة) وبنت عمة وبنتي الخال والعم، لشفقتهن
بالقرابة وهدايتهن إلى التربية بالأنوثة. والثاني: لا حق لهن كالجدات الساقطات. وأجاب الرافعي عن الأول بأن الجدة
الساقطة تدلي بغير وارث بخلاف هؤلاء. واعترض بأنه ليس في هؤلاء من يدلي بوارث غير بنت العم العصبة، ولذلك
قال الأسنوي: وترجيح استحقاق بنت الخال الحضانة لا يستقيم مع ما تقدم لادلائها بذكر غير وارث، وقد تقرر أن
من كان بهذه الصفة لا حضانة لها بخلاف بنت الخالة والعمة فإنها تدلي بأنثى، وبخلاف بنت العم أي العصبة فإنها تدلي
بذكر وارث اه‍. وقد يجاب بأن بنت الخال لما كان بينها وبين المحضون محرم قريب، وهو الخال، ثبت لها الحضانة
بخلاف الجدة الساقطة لبعدها، والتقرب له شفقة فثبتت لها الحضانة لذلك. ثم رأيت شيخي أجاب بأن في الجدة
الساقطة الحضانة ثابتة لا قربا في النسب فانتقلت الحضانة عنها، وفي بنت الخال تراخى النسب فلم يؤثر كونها لم تدل بوارث
بنسب، وتقدم بنت المحضون عند فقد أبويه على الجدات. ثم شرع في القسم الثاني، وهو محض الذكور، وهم
أربعة أصناف: محرم وارث، ووارث غير محرم، ومحرم غير وارث، وليس بمحرم ولا وارث، مبتدئا بأولها، فقال:
(وتثبت) الحضانة (لكل ذي محرم وارث) كالأب والجد وإن علا، والأخ لأبوين أو لأب، والعم كذلك، لقوة
قرابتهم بالمحرمية والإرث والولاية. (على ترتيب الإرث) عند الاجتماع، فيقدم أب ثم جد وإن علا، ثم أخ شقيق ثم
لأب وهكذا، فالجد هنا مقدم على الأخ، فلو قال المصنف ترتيب ولاية النكاح لكان أولى. (وكذا) ذكر وارث
(غير محرم كابن عم) فإن له الحضانة (على الصحيح) لوفور شفقته بالولاية. والثاني: لا، لفقد المحرمية، وهذا هو
الصنف الثاني. فإن قيل: كلامه يشمل المعتق فإنه وارث غير محرم مع أنه لا حضانة له. أجيب بأن تمثيله بابن العم فيه
إشارة إلى اعتبار القرابة في الحاضن. (ولا تسلم إليه مشتهاة) حذرا من الخلوة المحرمة، (بل) تسلم (إلى ثقة يعينها)
453

بضم المثناة التحتية الأولى وتشديد التحتية الثانية من التعيين، لا بتخفيفها من المعونة، ولو بأجرة من ماله لأن الحق له في ذلك.
وإنما كان التعيين إليه لأن الحضانة له. ويفارق ثبوت الحضانة له عليها عدم ثبوتها لبنت العم على الذكر بأن الرجل
لا يستغني عن الاستنابة بخلاف المرأة، ولاختصاص ابن العم بالعصوبة والولاية والإرث، فإن كان له بنت مثلا يستحي
منها على ما مر في العدد جعلت عنده مع بنته. نعم إن كان مسافرا وبنته معه لا في رحلة سلمت إليها لا له كما لو كان في
الحضر ولم تكن بنته في بيته، وبهذا يجمع بين كلامي الكتاب وأصله والروضة وأصلها حيث قالوا في موضع: تسلم إليه،
وفي آخر: تسلم إليها. قال الأسنوي: ويعتبر كونها ثقة، وتبعه الزركشي، قال: وما يتوهم من أن غيرتها على قرابتها
وأبيها تغني عن ذكر مردود، ولتفاوت الناس في ذلك، فاعتبرت الشفقة حسما للباب.
تنبيه: أفهم كلامه أنه يتسلم الذكر مطلقا المشتهى وغيره، وهو قضية كلام الروضة، وصرح به ابن الصباغ،
وصوب الزركشي عدم تسليم المشتهى إليه. (فإن فقد) في الذكر الحاضن (الإرث والمحرمية) معا كابن خال وابن عمة،
وهذا هو الصنف الثالث، (أو الإرث) فقط والمحرمية باقية كأبي أم وخال، وهو الصنف الرابع. (فلا) حضانة لهم
(في الأصح) لفقد الإرث والمحرمية في الأولى ولضعف قرابته في الثانية، لأنه لا يرث بها ولا يلي ولا يعقل. والثاني: له
الحضانة لشفقته بالقرابة.
تنبيه: لا حق للمحرم بالرضاع في الحضانة ولا في الكفالة ولا للمولى وعصبته على المذهب، لفقد الإرث في الأول
وفقد القرابة في الثاني وإن وجد فيه الإرث. ثم شرع في القسم الثالث، وهو اجتماع الفريقين، فقال: (وإن اجتمع
ذكور وإناث) وتنازعوا في الحضانة (فالأم) تقدم للحديث المتقدم، (ثم أمهاتها) المدليات بإناث كما مر، لأنهن في معنى
الام في الشفقة. (ثم) يقدم بعدهن (الأب) على أمهاته لأنه أصلهن. (وقيل: تقدم عليه الخالة والأخت من الام)
لادلائهما بالام فيسقط بهما، بخلاف الأخت للأب لادلائها به، وهو مقدم على أمهاته كما مر. (ويقدم الأصل) من
ذكر أو أنثى بالترتيب المار، (على الحاشية) من ذكر أو أنثى كالأخ والأخت لقوة الأصول.
تنبيه: في جزمه بتقديم الأصل مخالفة لقوله: قيل. وقيل: تقدم عليه الخالة والأخت من الام. (فإن فقد) الأصل
من الذكر والأنثى، وهناك حواش، (فالأصح) أنه يقدم منهم (الأقرب) فالأقرب كالإرث ذكرا كان أو أنثى، ولا
يرجح المعتق بالعتق على الأقرب منه، فلو كان له عم وعم أب معتق لم يرجح المعتق بل يقدم عليه الأقرب ويشاركه
المساوي. (وإلا) بأن لم يكن فيهم أقرب فإن استووا وفيهم أنثى وذكر، (فالأنثى) مقدمة على الذكر كأخت على أخ
وبنت أخ على ابن أخ لأنها أبصر وأصبر، فعلم أنه يقدم بنات كل صنف على ذكوره. والخنثى هنا كالذكر، فلا
يقدم الذكر في محل لو كان أنثى لقدم لعدم الحكم بالأنوثة، فلو ادعى الأنوثة صدق بيمينه لأنها لا تعلم إلا منه غالبا فتستحق
الحضانة، وإن أبهم تثبت ضمنا لا مقصودا، ولان الأحكام لا تتبعض. (وإلا) بأن لم يكن فيها أنثى وذكر بأن استوى
اثنان من كل وجه كأخوين وأختين وخالتين، (فيقرع) بينهما قطعا للنزاع، فيقدم من خرجت قرعته على غيره.
ومقابل الأصح أن نساء القرابة وإن بعدن أحق بالحضانة من الذكور وإن كانوا عصبات لأنهن أصلح للحضانة.
ثم اعلم أن للحاضن شروطا ذكر منها المصنف ستة، وأنا أذكر باقيها في الشرح: أحدها: الحرية، كما أشار لذلك بقوله:
(ولا حضانة لرقيق) ولو مبعضا وإن أذن له سيده، لأنها ولاية وليس من أهلها، ولأنه مشغول بخدمة سيده. وإنما
لم يؤثر إذنه لأنه قد يرجع فيشوش أمر الولد، ويستثنى ما لو أسلمت أم ولد الكافر فإن ولدها يتبعها وحضانته لها ما لم
تنكح كما حكاه في الروضة في أمهات الأولاد كما حكاه عن أبي إسحاق المروزي وأقره. قال في المهمات: والمعنى
فيه فراغها لمنع السيد من قربانها مع وفور شفقتها. وثانيها: العقل، كما أشار إلى ذلك بقوله: (و) لا (مجنون) فلا حضانة
454

له وإن كان جنونه منقطعا لأنها ولاية وليس هو من أهلها، ولأنه لا يتأتى منه الحفظ ولا التعهد بل هو في نفسه يحتاج
إلى من يحضنه. نعم إن كان يسيرا كيوم في سنة كما في الشرح الصغير، وهو أولى من قول الكبير والروضة كيوم
في سنين، لم تسقط الحضانة به كمرض يطرأ ويزول. وثالثها: الأمانة كما أشار إلى ذلك بقوله: (و) لا (فاسق) لأن الفاسق
لا يلي ولا يؤتمن، ولان المحضون لاحظ له في حضانته لأنه ينشأ على طريقته، وتكفي العدالة الظاهرة كشهود النكاح.
نعم إن وقع نزاع في الأهلية فلا بد من ثبوتها عند القاضي كما أفتى به المصنف، قال في الترشيح: وبه أفتيت فيما إذا
تنازعا قبل تسليم الولد، فإن تنازعا بعده فلا ينزع ممن تسلمه ويقبل قوله في الأهلية اه‍، وعلى هذا يحمل كما قال
شيخنا ما أفتى به المصنف. ورابعها: الاسلام فيما إذا كان المحضون مسلما، كما أشار إلى ذلك بقوله: (و) لا (كافر على
مسلم) إذ لا ولاية له عليه، ولأنه ربما فتنه في دينه. فإن قيل: إنه (ص) خير غلاما بين أبيه المسلم وأمه المشركة،
فمال إلى الام، فقال النبي (ص): اللهم اهده فعدل إلى أبيه، رواه أبو داود وغيره. أجيب بأنه منسوخ أو
محمول على أنه (ص) عرف أنه يستجاب دعاؤه، وأنه يختار الأب المسلم. وقصده بتخييره استمالة قلب أمه،
وبأنه لا دلالة فيه، إذ لو كان لامه حق لأقرها عليه ولما دعا. وحينئذ فيحضنه أقاربه المسلمون على الترتيب المار،
فإن لم يوجد أحد منهم حضنه المسلمون ومؤنته في ماله كما مر، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته، فإن لم يكن
فهو من محاويج المسلمين. وينزع ندبا من الأقارب الذميين ولد ذمي وصف الاسلام كما مر في باب اللقيط، وإن قال الأذرعي:
المختار، وظاهر النص الوجوب.
تنبيه: أفهم كلامه ثبوتها للكافر على الكافر، وهو كذلك، وللمسلم على الكافر بالأولى لأن فيه مصلحة له.
وخامسها: أن تخلو الحاضنة من زوج أجنبي، كما أشار إلى ذلك بقوله: (و) لا (ناكحة) زوج (غير أبي الطفل) وإن
لم يدخل بها ورضي أن يدخل الولد داره، للخبر المار: أنت أحق به ما لم تنكحي ولأنها مشغولة عنه بحق الزوج قال
الماوردي: ولان على الولد وعصبته عارا في مقامه مع زوج أمه. ولا أثر لرضي الزوج الأجنبي لأنه قد يرجع فيتضرر الولد،
وإنما تسقط حضانتها وتنتقل من بعدها إذا لم يرض الأب والزوج، فإن رضيا بذلك قال في أصل الروضة: سقط حق الجدة
على الصحيح، وظاهره بقاء حق الام، وصححه البغوي والخوارزمي، وجرى عليه في الكفاية، واستغربه في المطلب،
إذ كيف يسقط حق الجدة برضى الأب ولذا قال الأذرعي: الأقيس عدم السقوط. وقد يرد ذلك بأن الجدة لم ينتقل الحق
إليها حينئذ حتى يقال سقط كما يؤخذ مما مر. ويستثنى من سقوط الحضانة بالنكاح ما لو اختلعت بالحضانة وحدها أو
مع غيرها مدة معلومة فنكحت في أثنائها لأنها إجارة لازمة، ولكن ليس الاستحقاق هنا بالقرابة بل بالإجارة. (إلا)
من نكحت (عمه) أي الطفل، (وابن عمه وابن أخيه) فلا تسقط حضانتها حينئذ في الأصح، لأن من نكحته
له حق في الحضانة وشفقته تحمله على رعايته فيتعاونان على كفالته، كما لو كانت في نكاح الأب، ولقضائه (ص) بنت
حمزة لخالتها لما قال له جعفر إنها بنت عمي وخالتها تحتي، بخلاف الأجنبي والثاني: يبطل حقها، لاشتغالها بالزوج ولا
حق له في الحضانة الآن فأشبه الأجنبي.
تنبيه: محل الخلاف الذي رضي الزوج إذا نكحها بحضانتها وإلا فتسقط جزما، لأن له الامتناع منها. وإنما
يتصور نكاح ابن الأخ فيما إذا كان المستحق غير الام وأمهاتها كان تتزوج أخت الطفل لامه بابن أخيه لأبيه، فإنها
تقدم على ابن أخيه في الأصح. ولا يختص الاستثناء بما ذكر في المتن بل ضابط ذلك كل من له حق في الحضانة،
فلو قال المصنف: إلا لمن له حق في الحضانة ورضي العم ما ذكر، أما من لا حق له فيها كالجد أبي الام والخال فيسقط
حضانة المرأة بتزويجها به. قال ابن شهبة: وعد في الروضة وأصلها من مستحقي الحضانة الخال، والخال لا حضانة له على
الصحيح. قال الأذرعي: وأجوز أنه حرف سهوا من قول بعضهم، أو نكحت أخا له فأغفلت الألف أول الكلمة،
ويحتمل غيره. وسادسها: أن تكون الحاضنة مرضعا للطفل، كما أشار إلى ذلك بقوله: (وإن كان) المحضون (رضيعا
455

اشترط) في استحقاق الحاضنة (أن ترضعه على الصحيح) فإن لم يكن لها لبن أو امتنعت من الارضاع فلا حضانة لها.
والثاني: لا يشترط، وعلى الأب استئجار مرضعة ترضعه عند الحاضنة. وأجاب الأول بأن في تكليف استئجار
مرضعة تترك منزلها وتنتقل إلى مسكن الحاضنة عسرا عليه فلا يكلف ذلك.
تنبيه: هذا ظاهر كلام المصنف، وفيه فيما إذا لم يكن لها لبن نظر، لأن غايتها أن تكون كالأب ونحوه مما لا لبن
له، وذلك لا يمنع الحضانة. وكلام الأئمة كما قال الأذرعي وغيره يقتضي الجزم بأنه لا يشترط كونها ذات لبن، وقال
البلقيني: حاصله أنها إن لم يكن لها لبن فلا خلاف في استحقاقها، وإن كان لها لبن وامتنعت فالأصح لا حضانة لها اه‍.
وهذا هو الظاهر. وسابعها: أن لا يكون به مرض دائم كالسل والفالج إن عاق تألمه عن نظر المحضون بأن كان بحيث
يشغله ألمه عن كفالته وتدبر أمره أو عن حركة من يباشر الحضانة، فتسقط في حقه دون من يدبر الأمور بنظره ويباشرها
غيره. وثامنها: أن لا يكون أبرص ولا أجذم كما في قواعد العلائي. وتاسعها: أن لا يكون أعمى كما أفتى به عبد الملك
بن إبراهيم المقدسي من أئمتنا من أقران ابن الصباغ، واستنبطه ابن الرفعة من كلام الإمام، ثم قال: وقد يقال إن
باشر غيره وهو مدبر أموره فلا منع كما في الفالج اه‍. وهذا هو الظاهر. وعاشرها: أن يكون رشيدا فلا حضانة لسفيه، لأنه
ليس أهلا للحضانة كما قاله الماوردي والقاضي أبو الطيب. وحادي عاشرها: أن لا يكون مغفلا كما قاله الجرجاني في الشافي.
وثاني عشرها: أن لا يكون صغيرا، لأنها ولاية وليس هو من أهلها. (فإن) فقد مقتضى الحضانة ثم وجد كأن (كملت
ناقصة) بأن أسلمت كافرة، أو تابت فاسقة، أو أفاقت مجنونة، أو عتقت رقيقة، (أو طلقت منكوحة) بائنا أو رجعيا
على المذهب المنصوص، (حضنت) لزوال المانع، وتستحق المطلقة الحضانة في الحال قبل انقضاء العدة على المذهب.
ويشترط في استحقاق المطلقة الحضانة رضي الزوج بدخول المحضون بيته إن كان له، فإن لم يرض لم تستحق، وهذا
بخلاف الزوج الأجنبي إذا رضي بذلك في أصل النكاح فإنها لا تستحق. (وإن غابت الام أو امتنعت) من الحضانة
(فللجدة) مثلا أم الام (على الصحيح) كما لو ماتت أو جنت. وضابط ذلك أن القريب إذا امتنع كانت الحضانة لمن
يليه. والثاني: تكون الولاية للسلطان، كما لو غاب الولي في النكاح أو عضل. وأجاب الأول بأن القريب أشفق وأكثر
فراغا من السلطان.
تنبيه: قضية كلامه عدم إجبار الام عند الامتناع، وهو مقيد بما إذا لم تجب النفقة عليها للولد المحضون، فإن
وجبت كان لم يكن له أب ولا مال أجبرت كما قاله ابن الرفعة، لأنها من جملة النفقة، فهي حينئذ كالأب. (هذا)
المذكور من أول الفصل إلى هنا (كله في غير مميز) وهو كما مر من لا يستقل كطفل ومجنون بالغ. (والمميز) الصادق
بالذكر والأنثى (إن افترق أبواه) من النكاح وصلحا للحضانة، ولو فضل أحدهما الآخر دينا أو مالا أو محبة، (كان
عند من اختار منهما) لأنه (ص) خير غلاما بين أبيه وأمه رواه الترمذي وحسنه والغلامة كالغلام
في الانتساب، ولان القصد بالكفالة الحفظ للولد، والمميز أعرف بحظه فيرجع إليه. وسن التمييز غالبا سبع سنين
أو ثمان تقريبا، وقد يتقدم على السبع وقد يتأخر عن الثمان، والحكم مداره عليه لا على السن. قال ابن الرفعة: ويعتبر
في تمييزه أن يكون عارفا بأسباب الاختيار وإلا أخر إلى حصول ذلك، وهو موكول إلى اجتهاد القاضي.
تنبيه: ظاهر كلامه أن الولد يتخير ولو أسقط أحدهما حقه قبل التخيير، وهو كذلك وإن قال الماوردي
والروياني: إن الآخر كالعدم. ولو اختار أحدهما فامتنع من كفالته كفله الآخر، فإن رجع الممتنع أعيد التخيير، وإن
امتنعا وبعدهما مستحقا لها كجد وجدة خير بينهما وإلا أجبر عليهما من تلزمه نفقته. لأنها من جملة الكفاية. أما
إذا صلح أحدهما فقط كما نبه على ذلك بقوله: (فإن كان في أحدهما) أي الأبوين (جنون أو كفر أو رق أو فسق
456

أو نكحت) أي الأنثى أجنبيا، (فالحق للآخر) فقط ولا تخيير لوجود المانع به، فإن عاد صلاح الآخر أنشأ التخيير. (ويخير)
المميز أيضا عند فقد الأب أو عدم أهليته (بين أم وجد) أبي أب وإن علا، لأنه بمنزلة الأب لولادته وولايته. والجدة
أم الام عند فقد الام أو عدم أهليتها كالأم فيخير الولد بينها وبين الأب. (وكذا أخ أو عم) أو غيرهما من حاشية
النسب مع أم تخير بين كل وبين الام في الأصح، لأن العلة في ذلك العصوبة وهي موجودة في الحواشي كالأصول. (أو
أب مع أخت أو خالة في الأصح) لأن كلا منهما قائم مقام الام. والثاني: تقدم في الأوليين الام وفي الآخرين الأب.
تنبيه: سكت المصنف عن ابن العم مع الام، وعبارة الروضة: ومثل الأخ والعم وابن العم في حق الذكر، والام
أولى منه بالأنثى، ونقله الرافعي عن البغوي وأقره. وهو الذي في المهذب، وتعليق البندنيجي وجرى عليه ابن المقري
في روضه، وهو المعتمد وإن أطلق كثير في ذلك وجهين بلا تفصيل بين الذكر والأنثى. واقتضى كلامهم أنه لا فرق بينهما
في التخيير، وصرح به الروياني وغيره، وظاهر إطلاق الكتاب وأصله والروضة وأصلها جريان الخلاف بين الأخت
والأب من أي جهة كانت. قال الأذرعي ومن تبعه: وهو ظاهر في الشقيقة وفي الأخت من الام لادلائها بالام، أما
الأخت للأب فلا، وصرح به الماوردي. (فإن اختار) المميز (أحدهما) أي الأبوين أو من ألحق بهما كما ذكر، (ثم) اختار
(الآخر حول إليه) لأنه قد يظهر له الامر بخلاف ما ظنه، أو يتغير حال من اختاره أولا، ولان المتبع شهوته كما
قد يشتهي طعاما في وقت وغيره في آخر، لأنه قد يقصد مراعاة الجانبين.
تنبيه: ظاهر إطلاق المصنف أنه يحول وإن تكرر ذلك منه دائما، وهو ما قاله الإمام، لكن الذي في الروضة
كأصلها: إن كثر ذلك منه بحيث يظن أن سببه قلة تمييزه جعل عند الام كما قبل التمييز، وهذا ظاهر. وظاهر كلامهم
أن التخيير لا يجري بين ذكرين ولا أنثيين كأخوين وأختين، ونقله الأذرعي في الأنثيين عن فتاوى البغوي، ونقل
عن ابن القطان وعن مقتضى كلام غيره جريان ذلك بينهما. وهو كما قال شيخنا أوجه، لأنه إذا خير بين غير المتساويين
فبين المتساويين أولى. (فإن اختار الأب ذكر لم يمنعه زيارة أمه) ولا يكلفها الخروج لزيارته لئلا يكون ساعيا في العقوق
وقطع الرحم، وهو أولى منها بالخروج لأنه ليس بعورة.
تنبيه: هل هذا على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ قال في الكفاية: الذي صرح به البندنيجي ودل عليه كلام
الماوردي الأول. (ويمنع) الأب (أنثى) إذا اختارته من زيارة أمها لتألف الصيانة وعدم البروز، والام أولى منها
بالخروج لزيارتها لسنها وخبرتها.
تنبيه: سكت عن الخنثى، والظاهر أنه كالأنثى. وظاهر كلامه أنه لا فرق في الام بين المخدرة وغيرها، وهو
كذلك وإن بحث الأذرعي الفرق. وظاهر كلامه أنه لو مكنها من زيارتها لم يحرم عليه وخرج بزيارتها عيادتها،
فليس له المنع منه لشدة الحاجة إليها. (ولا يمنعها) أي الام (دخولا عليهما) أي ولديها الذكر والأنثى، أو الخنثى،
وفي بعض النسخ: عليها أي الأنثى (زائرة) لأن في ذلك قطعا للرحم، لكن لا تطيل المكث. وعبر الماوردي بأنه يلزم
الأب أن يمكنها من الدخول ولا يولها على ولدها. وفي كلام بعضهم ما يفهم عدم اللزوم. وبه أفتى ابن الصلاح،
فقال: فإن بخل الأب بدخولها إلى منزله أخرجه إليها اه‍. وهذا هو الظاهر لأن المقصود يحصل بذلك. (والزيارة) على
العادة (مرة في أيام) أي يومين فأكثر لا في كل يوم، نعم إن كان منزلها قريبا فلا بأس أن يدخل كل يوم كما
قاله
الماوردي.
تنبيه: نصب مرة على المصدر، وقال الفارسي: على الظرف. (فإن مرضا فالأم أولى بتمريضهما) لأنها
457

أهدى إليه وأصبر عليه من الأب ونحوه. (فإن رضي به في بيته) فذاك ظاهر، (وإلا ففي بيتها) يكون التمريض ويعودهما،
ويجب الاحتراز في الحالين من الخلوة بها، ولا تمنع الام من حضور تجهيزهما في بيته. أما إذا ماتا فله منعه من زيارة
قبرهما إذا دفنا في ملكه، والحكم في العكس كذلك. ولو تنازعا في دفن من مات منهما في تربة أحدهما أجيب الأب كما بحثه
بعض المتأخرين. وإن مرضت الام لزم الأب أن يمكن الأنثى من تمريضها إن أحسنت تمريضها، بخلاف الذكر
لا يلزمه أن يمكنه من ذلك وإن أحسن التمريض. (وإن اختارها) أي الام (ذكر فعندها ليلا، وعند الأب نهارا) يعلمه
الأمور الدينية والدنيوية على ما يليق به، (ويؤدبه) أي يعلمه أدب النفس والبراعة والظرف، فمن أدب ولده صغيرا
سر به كبيرا، يقال: الأدب على الآباء والصلاح على الله. (ويسلمه لمكتب) بفتح الميم والتاء، ويجوز كسر التاء،
حكاه النحاس: اسم للموضع الذي يتعلم فيه. وعبارة الشافعي رضي الله تعالى عنه: الكتاب وقال ابن داود:
الأفصح المكتب لأن الكتاب جمع كاتب. (و) ذي (حرفة) يتعلم من الأول الكتابة والثاني الحرفة على
ما يليق بحال الولد. وطاهر كلام الماوردي أنه ليس للأب الشريف أن يعلم ابنه الصنعة إذا كان ذلك يزري به، وهو
ظاهر. وكذا لا ينبغي لمن له صنعة شريفة أن يعلم ابنه صنعة رديئة لأن عليه رعاية المصلحة وما فيه الحظ له، ولا يكله
في ذلك إلى أمه لعجز النساء عن القيام بمثل ذلك.
تنبيه: ظاهر كلامه إيجاب ذلك عليه، وبه صرح في زوائد الروضة، فقال: يجب على الولي تأديب الولد
وتعليمه أبا كان أو جدا أو وصيا، وأجرة ذلك في مال الصبي، فإن لم يكن فعلي من تلزمه نفقته. وما قاله في الليل والنهار
قال الأذرعي: جرى على الغالب، فلو كانت حرفة الأب ليلا كالأتوني فالأقرب أن الليل في حقه كالنهار في حق غيره
حتى يكون عند الأب ليلا لأنه وقت التعلم والتعليم، وعند الام نهارا كما قالوا في القسم بين الزوجات. (أو) كان الذي
اختار الام (أنثى) أو خنثى كما بحثه شيخنا، (فعندها ليلا ونهارا) لاستواء الزمانين في حقها طلبا لسترها. (و) لا يطلب
الأب احضارها، بل (يزورها الأب) لتألف الستر والصيانة (على العادة) مرة في يومين فأكثر لا في كل يوم
كما مر.
تنبيه: قوله: على العادة يقتضي منعه من زيارتها ليلا، وبه صرح بعضهم لما فيه من التهمة والريبة. وظاهر أنها
لو كانت بمسكن زوج لها لم يجز له دخوله إلا بإذن منه، فإن لم يأذن أخرجتها إليها ليراها ويتفقد حالها ويلاحظها
بقيام تأديبها وتعليمها وتحمل مؤنتها، وكذا حكم الصغير غير المميز والمجنون الذي لا تستقل الام بضبطه فيكونان
عند
الام ليلا ونهارا ويزورهما الأب ويلاحظهما بما مر وعليه ضبط المجنون. (وإن اختارهما) أي اختار الولد المميز أبويه،
(أقرع) بينهما قطعا للنزاع، ويكون عند من خرجت قرعته منهما. (فإن لم يختر) واحدا منهما (فالأم أولى) لأن
الحضانة لها ولم يختر غيرها، (وقيل: يقرع) بينهما، وبه أجاب البغوي لأن الحضانة لكل منهما. ولو اختار غيرهما
فالأم أولى أيضا استصحابا لما كان. ثم ما تقدم في أبوين مقيمين في بلد واحدة، (و) حينئذ (لو أراد أحدهما سفر حاجة)
كتجارة وحج طويلا كان السفر أم لا، (كان الولد المميز وغيره مع المقيم) من الأبوين (حتى يعود) المسافر منهما، لما
في السفر من الخطر والضرر.
تنبيه: لو كان المقيم الام وكان في مقامه معها مفسدة أو ضياع مصلحة كما لو كان يعلمه القرآن أو الحرفة وهما ببلد
لا يقوم غيره مقامه في ذلك فالمتجه كما قاله الزركشي تمكين الأب من السفر به، لا سيما إن اختاره الولد، وسكت المصنف
458

عما لو أراد كل منهما السفر لحاجة واختلف طريقهما ومقصدهما، وللرافعي فيه احتمالان: أحدهما يدام حق الام،
والثاني: أن يكون مع الذي مقصده أقرب أو مدة سفره أقصر. قال المصنف: والمختار الأول، وهو مقتضى كلام الأصحاب
انتهى. وينبغي أن يأتي فيه البحث المتقدم. (أو) أراد أحدهما (سفر نقلة فالأب أولى) من الام بالحضانة، سواء انتقل
الأب أم الام أو كل واحد إلى بلد حفظا للنسب فإنه يحفظه الآباء، أو رعاية لمصلحة التأديب والتعليم وسهولة الانفاق.
تنبيه: لو رافقته الام في سفره دام حقها، ولو عاد من سفر النقلة إلى بلدها عاد حقها، وإنما ينقل الأب ولده
المميز إلى غير بلد الام (بشرط أمن طريقه، و) أمن (البلد المقصود) له وإلا فيقر عند أمه. وليس له أن يخرجه
إلى دار الحرب كما صرح به المروزي، وقال الأذرعي: أنه ظاهر، وإن كان وقت أمن، وألحق به ابن الرفعة بخوف الطريق
السفر في الحرب والبرد الشديدين قال الأذرعي: وهو ظاهر إذا كان يتضرر به الولد، ما إذا حمله فيما يقيه ذلك فلا.
وشرط المتولي في البلد المنتقل إليه أن يكون صالحا للإقامة وهل يجوز له أن يسافر به في البحر أو لا؟ تقدم الكلام
على ذلك في باب الحجر. (قيل: و) يشترط (مسافة قصر) بين البلد المنقول عنده وإليه، لأن الانتقال لما دونها كالإقامة
في محلة أخرى من البلد المتسع لامكان مراعاة الولد. والأصح لا فرق.
تنبيه: لو اختلفا فقال: أريد الانتقال وقالت: بل أردت التجارة صدق بيمينه، فإن نكل حلفت وأمسكت الولد.
(ومحارم العصبة) كجد وأخ وعم (في هذا) المذكور في سفر النقلة (كالأب) فيكون أولى من الام احتياطا للنسب
أما محرم لا عصوبة له كأبي الام والخال للام، فليس له النقل لأنه لا حق له في النسب.
تنبيه: للأب نقله عن الام كما مر، وإن أقام الجد ببلدها وللجد ذلك عند عدم الأب، وإن أقام الأخ ببلدها
لا الأخ مع إقامة العم أو ابن الأخ فليس له ذلك، بخلاف الأب والجد لأنهما أصل في النسب فلا يعتني به غيرهما
كاعتنائهما. والحواشي متقاربون، فالمقيم منهم يعتني بحفظه، هذا ما حكاه في الروضة وأصلها عن المتولي وأقراه. وعليه
فيستثنى ذلك من قول المصنف: ومحارم العصبة إلى آخره، ولكن البلقيني جرى على ظاهر المتن وقال: ما قاله المتولي
من مفرداته التي هي غير معمول بها. (وكذا ابن عم) كالأب في انتزاعه (لذكر) مميز من أمه عند انتقاله لما مر.
(ولا يعطى أنثى) تشتهى حذرا من الخلوة بها لانتفاء المحرمية بينهما. (فإن رافقته بنته) أو نحوهما كأخته الثقة، (سلم)
الولد الأنثى (إليها) لا له إن لم تكن في رحله كما لو كان في الحضر، أما لو كانت بنته أو نحوها في رحله فإنها تسلم
إليه وبذلك تؤمن الخلوة، وقد مر أن بهذا جمع بين كلامي الروضة والكتاب. وإن لم تبلغ حد الشهوة أعطيت له،
وإن نازع في ذلك الأذرعي.
تنبيه: لو قال: سلمت لاستغنى عما قدرته وكان أولى، فإن الضمير عائد على الأنثى، وإنما يثبت حق النقلة للأب
أو غيره إذا اجتمع فيه الشروط المعتبرة في الحضانة.
تتمة: ما مر إذا لم يبلغ المحضون، فإن بلغ فإن كان غلاما وبلغ رشيدا ولي أمر نفسه لاستغنائه عمن يكفله
فلا يجبر على الإقامة عند أحد أبويه، والأولى أن لا يفارقهما ليبرهما، قال الماوردي: وعند الأب أولى للمجانسة. نعم
إن كان أمرد أو خيف من انفراده ففي العدة عن الأصحاب أنه يمنع من مفارقة الأبوين. ولو بلغ عاقلا غير رشيد فأطلق
مطلقون أنه كالصبي، وقال ابن كج: إن كان لعدم إصلاح ما له فكذلك، وإن كان لدينه فقيل: تدام حضانته إلى
ارتفاع الحجر، والمذهب أنه يسكن حيث شاء. قال الرافعي: وهذا التفصيل حسن اه‍. وإن كان أنثى فإن بلغت رشيدة،
فالأولى أن تكون عند أحدهما حتى تتزوج إن كانا مفترقين، وبينهما إن كانا مجتمعين، لأنه أبعد عن التهمة، ولها أن
تسكن حيث شاءت ولو بأجرة هذا إذا لم تكن ريبة، فإن كانت فللام إسكانها معها، وكذا للولي من العصبة إسكانها
معه إذا كان محرما لها، وإلا ففي موضع لائق بها يسكنها ويلاحظها دفعا لعار النسب، كما يمنعها نكاح غير الكفء ويجبر
459

على ذلك. والأمرد مثلها فيما ذكر كما مرت الإشارة إليه. ويصدق الولي بيمينه في دعوى الربيبة ولا يكلف بينة، لأن
إسكانها في موضع البراءة أهون من الفضيحة لو أقام بينة، وإن بلغت غير رشيدة ففيها التفصيل المار. قال المصنف
في نواقض الوضوء: حضانة الخنثى المشكل وكفالته بعد البلوغ لم أر فيه نقلا، وينبغي أن يكون كالبنت البكر
حتى
يجئ في جواز استقلاله وانفراده عن الأبوين إذا شاء وجهان اه‍. ويعلم التفصيل مما مر.
فصل: في مؤنة المملوك وما معها: يجب (عليه) أي المالك (كفاية رقيقه نفقة) طعاما وأدما، وتعتبر كفايته
في نفسه زهادة ورغبة وإن زادت على كفاية مثله غالبا. (و) عليه كفاية رقيقه (كسوة) وكذا سائره مؤنه، لخبر: للمملوك
طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق وخبر: كفى بالمرء إثما أن يحبس عن مملوكه قوته رواهما مسلم،
وقيس بما فيهما ما في معناهما.
تنبيه: اقتصار المصنف على ما ذكر قد يفهم أنه لا يجب على السيد شراء ماء طهارته إذا احتاج إليه، ولكن
الأصح في زوائد الروضة وجوبه كفطرته، وكذا يجب شراء تراب تيممه إن احتاجه. وأفهم تعبيره بالكفاية أنها لا تتقدر
كنفقة الزوجة، وهو كذلك. ونص في المختصر على وجوب الاشباع. (وإن كان) رقيقه كسوبا أو مستحقا منافعه
بوصية أو غيرها، أو (أعمى زمنا ومدبرا ومستولدة) ومستأجرا ومعارا وآبقا لبقاء الملك في الجميع، ولعموم الخبرين
السابقين. نعم المكاتب ولو فاسد الكتابة لا يجب له شئ من ذلك على سيده لاستقلاله بالكسب، ولهذا يلزمه نفقة أرقائه.
نعم إن عجز نفسه ولم يفسخ السيد الكتابة فعليه نفقته، وهي مسألة عزيزة النقل فاستفدها، وكذا الأمة المزوجة حيث
أوجبنا نفقتها على الزوج. ولا يجب على المالك الكفاية المذكورة من جنس طعامه وكسوته، بل (من غالب قوت
رقيق البلد) من قمح وشعير ونحو ذلك (و) من غالب (أدمهم) من سمن وزيت وجبن ونحو ذلك، (و) من
غالب (كسوتهم) من قطن وصوف ونحو ذلك لخبر الشافعي: للمملوك نفقته وكسوته بالمعروف قال: والمعروف
عندنا المعروف لمثله ببلده، ويراعى حال السيد في يساره وإعساره. وينفق عليه الشريكان بقدر ملكيهما، ولو تقشف
السيد بأن كان يأكل ويشرب ويلبس دون المعتاد غالبا رياضة أو بخلا لزم السيد رعاية الغالب له. (ولا يكفي ستر
العورة) لرقيقه وإن لم يتأذ بحر ولا برد لما فيه من الاذلال والتحقير، وهذا ببلادنا كما قاله الغزالي وغيره، أما ببلاد
السودان ونحوها فله ذلك كما في المطلب، وهذا يفهمه قولهم: من الغالب فلو كانوا لا يستترون أصلا وجب ستر العورة
لحق الله تعالى. (و) لو تنعم السيد بما هو فوق اللائق به (سن له أن يناوله) أي رقيقه (مما يتنعم) هو (به، من طعام
وأدم وكسوة) لأنه من مكارم الأخلاق ولا يلزمه، بل له الاقتصار على الغالب. وأما قوله (ص): إنما
هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه وليلبسه من لباسه فقال الرافعي:
حمله الشافعي على الندب أو على الخطاب لقوم مطاعمهم وملابسهم متقاربة، أو على أنه جواب سائل علم حاله فأجاب بما
اقتضاه الحال. وكسبه ملك السيد إن شاء أنفق عليه منه وإن شاء أخذه وأنفق عليه من غيره. ولو فضل نفيس رقيقه
على خسيسه كره في العبيد وسن في الإماء، فتفضل أمة التسري مثلا على أمة الخدمة في الكسوة كما في التنبيه، وفي
الطعام أيضا كما قاله ابن النقيب للعرف في ذلك، وقيل: لا تفضل لتساويهما في الملك، وقيل: يسن تفضيل النفيس من
العبيد أيضا كما قال الأذرعي، وهو قضية العرف، فليس كسوة الراعي والسايس ككسوة من قام بالتجارة. ويسن
للسيد أن يجلس - بضم الياء - رقيقه معه للاكل، فإن لم يجلسه أو امتنع الرقيق من جلوسه معه توقيرا له روغ له من
الدسم لقمة كبيرة تسد مسدا، لا صغيرة تهيج الشهوة ولا تقضي النهمة، أو لقمتين أو أكثر، ثم يناوله ذلك، وإجلاسه
معه أولى ليتناول القدر الذي يشتهيه. وهو فيمن يعالج الطعام آكد، ولا سيما إن حضر المعالج، لخبر الصحيحين:
460

إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه فليناوله لقمة أو لقمتين فإنه ولي حره وعلاجه والمعنى تشوف النفس لما
تشاهده، وهذا يقطع شهوتها، والامر في الخبر محمول على الندب طلبا للتواضع ومكارم الأخلاق. ولو أعطى السيد
رقيقه طعاما لم يكن للسيد تبديله بما يقتضي تأخير الاكل بخلاف تبديله بما لا يقتضي ذلك. (وتسقط) كفاية الرقيق
(بمضي الزمان) فلا تصير دينا عليه إلا باقتراض القاضي أو إذنه فيه واقترض كنفقة القريب بجامع وجوبها بالكفاية،
(وببيع القاضي) أو يؤخر (فيها ماله) ان امتنع أو غاب، لأنه حق وجب عليه تأديته. وكيفية بيعه أو إيجاره أنه إن
تيسر بيع ماله أو إيجاره شيئا فشيئا بقدر الحاجة فذاك، وإن لم يتيسر كعقار استدان عليه إلى أن يجتمع ما يسهل البيع
أو الايجار ثم باع أو أجر ما يفي به لما في بيعه أو إيجاره شيئا فشيئا من المشقة، وعلى هذا يحمل كلام من أطلق أنه يباع بعد
الاستدانة، فإن لم يمكن بيع بعضه ولا إجارته وتعذرت الاستدانة باع جميعه أو أجره. (فإن فقد المال) الذي ينفقه على
رقيقه، (أمره) القاضي (ببيعه) أو إجارته (أو إعتاقه) دفعا للضرر، فإن لم يفعل أجره القاضي، فإن لم يتيسر
إجارته باعه، فإن لم يشتره أحد أنفق عليه من بيت المال، فإن لم يكن فيه مال فهو من محاويج المسلمين فعليهم القيام
به. والدفع هنا يكون للسيد كما قاله ابن الرفعة، لأن النفقة عليه، وهو المكني عنه بأنه من محاويج المسلمين لا العبد.
قال الأذرعي: وظاهر كلامهم أنه ينفق عليه من بيت المال أو المسلمين مجانا، وهو ظاهر إن كان السيد فقيرا ومحتاجا
إلى خدمته الضرورية، وإلا فينبغي أن يكون ذلك فرضا عليه اه‍.
تنبيه: قد علم مما تقرر أن القاضي إنما يبيعه إذا تعذرت إجارته كما ذكره الجرجاني وصاحب التنبيه، وإن كان
قضية كلام الروضة وأصلها أن الحاكم مخير بين بيعه وإجارته. وهذا في غير المستولدة، أما هي فيخليها للكسب،
أو يؤخرها، ولا يجبر على عتق بخلافه هنا، لأنه متمكن من إزالة ملكه فيؤمر بما يزيل الملك ولا ضرر عليه في ذلك
لأنه متمكن من البيع، ولا كذلك أم الولد. وأيضا هذه ثبت لها حق في العتق وفي غير المبعض، أما هو فإن كان
بينه وبين سيده مهايأة فالنفقة على صاحب النوبة وإلا فعليهما بحسب الرق والحرية. (ويجبر أمته) أي يجوز له إجبارها
(على إرضاع ولدها) منه أو من غيره، لأن لبنها ومنافعها له، بخلاف الزوجة فإن الزوج لا يملك ذلك منها.
تنبيه: لو أراد تسليم ولدها منه إلى غيرها وأرادت إرضاعه لم يجز له منعها لما فيه من التفريق بينهما، لكن
له ضمه في وقت الاستمتاع إلى غيرها إلى الفراغ. أما إذا كان الولد حرا من غيره أو مملوكا لغيره فله منعها من إرضاعه
ويسترضعها غيره، لأن إرضاعه على والده أو مالكه كما نقله ابن الرفعة وغيره من الماوردي وأقروه. (وكذا غيره)
أي غير ولدها يجبرها على إرضاعه أيضا، (إن فضل) لبنها (عنه) أي عن ري ولدها: إما لاجتزائه بغيره، وإما لقلة
شربه، وإما لغزارة لبنها لما مر، فإن لم يفضل فلا إجبار، لقوله تعالى: * (لا تضار والدة بولدها) *، ولان طعامه اللبن
فلا يجوز أن ينقص من كفايته كالقوت. (و) يجبرها أيضا على (فطمه قبل) مضي (حولين إن لم يضره) أي الولد
الفطم، بأن اكتفى بغير لبنها ولم يضرها أيضا (و) يجبرها على (إرضاعه بعدهما) أي الحولين (إن لم يضرها) ولم
يضره أيضا فليس لها استقلال برضاع ولا فطم، لأنه لا حق لها في التربية بخلاف الحرة كما قال: (وللحرة حق في التربية)
وحينئذ (فليس لأحدهما) أي الأبوين الحرين، (فطمه) أي الولد، (قبل) مضي (حولين) إلا برضى الآخر. لأن
مدة الرضاع لم تتم.
تنبيه: ظاهر كلامهم أنهما لو تنازعا في فطمه أن الداعي إلى تمام الحولين يجاب. قال الأذرعي: يشبه إجابة
من دعا للأصلح للولد، فقد يكون الفطم مصلحة له لمرض أمه أو حملها ولم يوجد غيرها فظهر تعين الفطام هنا، وليس
هذا مخالفا لقولهم، بل إطلاقهم محمول على الغالب. (ولهما) فطمه قبل حولين (إن لم يضره) الفطم لاتفاقهما وعدم
461

الضرر بالطفل، فإن ضره فلا. (ولأحدهما) فطمه إن اجتزأ بالطعام (بعد حولين) من غير رضى الآخر، لأنها مدة
الرضاع التام، فإن كان ضعيف الخلقة لا يجتزئ بغير الرضاع لم يجز فطامه، وعلى الأب بذل الأجرة حتى يبلغ حدا
يجتزي فيه بالطعام. وإذا امتنعت الام من إرضاعه أجبرها الحاكم عليه إن لم يجد غيرها كما قاله المتولي وغيره.
تنبيه: لو تم الحولان في حر أو برد شديد قال الفارقي: يجب على الأب إرضاعه في ذلك الفصل، فإن فطامه
فيه يفضي إلى الاضرار وذلك لا يجوز بخلاف تمامهما في فصل معتدل، (ولهما الزيادة) على حولين إن اتفقا عليها ولم
تضره الزيادة، وإلا فلا يجوز.
تنبيه: يسن قطع الرضاعة عند الحولين إلا لحاجة كما في فتاوى الحناطي. (ولا يكلف) المالك (رقيقه إلا
عملا يطيقه) أي المداومة عليه لخبر مسلم المار، فلا يجوز أن يكلفه عملا على الدوام يقدر عليه يوما أو يومين ثم يعجز
عنه. ويجوز له أن يكلفه الأعمال الشاقة: أي التي لا تضره في بعض الأوقات كما صرح به الرافعي، فإن كلفه ما لا يطيق
أفتى القاضي حسين بأنه يباع عليه. قال ابن الصباغ: وليس هو ببعيد عن قاعدة المذهب اه‍. وهو كما قال الأذرعي
ظاهر إذا تعين طريقا لخلاصه، فلو كان يمتنع إذا منع عنه لم يتعين بيعه. ويجب على السيد في تكليفه رقيقه ما يطيقه
اتباع العادة، فيريحه في وقت القيلولة وهي النوم في نصف النهار، وفي وقت الاستمتاع إن كان له امرأة، وفي العمل طرفي
النهار، ومن العمل آناء الليل إن استعمله نهارا، أو النهار إن استعمله ليلا، وإن سافر به أركبه وقتا فوقتا كالعادة دفعا
للضرر عنه، وإن اعتاد السادة الخدمة من الأرقاء نهارا مع طرفي الليل لطوله اتبعت عادتهم، وعلى الرقيق بذل المجهود
وترك الكسل في الخدمة. ويكره أن يقول المملوك لمالكه ربي، بل يقول سيدي ومولاي، ويكره أن يقول السيد
له: عبدي أو أمتي، بل يقول: غلامي أو جاريتي أو فتاي وفتاتي، ولا كراهة في إضافة رب إلى غير المكلف، كرب
الدار ورب الغنم، ويكره أن يقال للفاسق والمتهم في دينه يا سيدي. (ويجوز) للمالك (مخارجته) أي ضرب خراج
على رقيقه إذا كان مكلفا، (بشرط رضاهما) أي المالك ورقيقه، فليس لأحدهما إجبار الآخر عليها لأنه عقد معاوضة
فاعتبر فيه التراضي، والأصل فيها خبر الصحيحين: أنه (ص) أعطى أبا طيبة لما حجمه صاعين أو صاعا
من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه. ونقلت عن جمع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. روى
البيهقي أنه كان للزبير ألف مملوك تؤدي إليه الخراج، ولا يدخل بيته من خراجهم شيئا، بل يتصدق به.
تنبيه: يستفيد الرقيق بالمخارجة ما يستفيده الرقيق بالكتابة من بيع وشراء ونحو ذلك. (وهي خراج) معلوم
يضربه السيد على رفيقه (يؤديه) مما يكسبه (كل يوم أو أسبوع) أو شهر أو سنة أو نحو ذلك عل حسب اتفاقهما.
وتشترط قدرته على كسب مباح، وأن يكون ذلك فاضلا عن مؤنته إن جعلت في كسبه، فلو لم يف كسبه بخراجه لم
تصح مخارجته كما صرح به الماوردي وغيره. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه في الام والمختصر: ويمنعه الإمام من
أن يجعل على أمته خراجا إلا أن يكون لها عمل دائم أو غالب، وكذا العبد إذا لم يطق العمل، وروى بسنده إلى عثمان
في خطبته: لا تكلفوا الصغير الكسب فيسرق، ولا الجارية غير ذات الصنعة فتكسب بفرجها. قال الإمام: وهذا
مما تجب مراعاته، والأصل فيها الإباحة، فكأن السيد أباحه الزائد فيما إذا وفى وزاد كسبه توسعا عليه في النفقة، وقد
يعرض لها عوارض تخرجها عن ذلك، فهي جائزة من الجانبين، ومؤنته تجب حيث شرطت من كسبه أو من مال
سيده، ويجبر النقص في بعض الأيام بالزيادة في بعضها. (وعليه) أي صاحب دواب (علف دوابه) المحترمة (وسقيها)
أو تخليتها للرعي وورود الماء إن اكتفت به، فإن لم تكتف به كجدب الأرض ونحوه أضاف إليه ما يكفيها، وذلك
لحرمة الروح، ولخبر الصحيحين: دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من
خشاش الأرض بفتح الخاء وكسرها: أي هوامها، والمراد بكفاية الدابة وصولها لأول الشبع والري دون غايتهما،
462

وخرج بالمحترم غيرها كالفواسق الخمس.
تنبيه: العلف بفتح اللام: مطعوم الدواب، وبإسكانها المصدر، ويجوز هنا الأمران، وضبطه المصنف بخطه
هنا وفيما يأتي بالاسكان. (فإن امتنع) أي امتنع المالك من ذلك وله مال، (أجبر في) الحيوان (المأكول على) أحد ثلاثة
أمور: (بيع) له أو نحوه مما يزول ضرره به، (أو علف أو ذبح، و) أجبر (في غيره على) أحد أمرين (بيع أو علف) ويحرم
ذبحه للنهي عن ذبح الحيوان إلا لاكله. وإنما أجبر على ذلك صونا له عن الهلاك، فإن لم يفعل ناب الحاكم عنه في ذلك
على ما يراه ويقتضيه الحال، فإن لم يكن له مال باع الحاكم الدابة أو جزءا منها أو إكراها عليه. قال الأذرعي: ويشبه
أن لا يباع ما أمكن إجارته، وحكي عن مقتضى كلام الشافعي والجمهور، فإن تعذر ذلك فعلى بيت المال كفايتها،
فإن تعذر فعلى المسلمين كنظيره في الرقيق، ويأتي فيه ما مر ثم، ولو كانت دابته لا تملك، ككلب لزمه أن يكفيها
أو يدفعها لمن يحل له الانتفاع بها، قال الأذرعي: أو يرسلها. ولو كان عنده حيوان يؤكل وآخر لا يؤكل ولم
يجد إلا نفقة أحدهما وتعذر بيعهما فهل يقدم نفقة ما لا يؤكل ويذبح ما يؤكل أو يسوى بينهما؟ فيه احتمالان لابن
عبد السلام، قال: فإن كان المأكول يساوي ألفا وغيره يساوي درهما ففيه نظر واحتمال اه‍. وينبغي أن لا يتردد
في ذبح المأكول، فقد قالوا في التيمم إنه يذبح شاته لكلبه المحترم، فإذا كان يذبح لنفس الكلب، فبالأولى
أن يذبح ليأكل ويعطي النفقة لغيره. نعم إن اشتدت حاجته للمأكول لم يجز ذبحه، كأن كان جملا وهو في برية متى
ذبحه انقطع فيها.
تنبيه: يجوز غصب العلف للدابة وغصب الخيط لجراحتها ولكن بالبدل إن تعينا ولم يباعا كما يجب سقيها الماء
والعدول إلى التيمم، ويجوز تكليفها على الدوام ما لا تطيق الدوام عليه. (ولا يحلب) المالك من لبن دابته، أي يحرم
عليه أن يحلب (ما ضر ولدها) لأنه غذاؤه لأنه كولد الأمة، وللنهي عنه كما صححه ابن حبان، وإنما يحلب
ما فضل عن
ري ولدها. قال الروياني: ويعني بالري ما يقيمه حتى لا يموت. قال الرافعي: وقد يتوقف بالاكتفاء بهذا. قال
الأذرعي: وهذا التوقف هو الصواب الموافق لكلام الشافعي والأصحاب اه‍. وهذا ظاهر ينبغي الجزم به. وله أن
يعدل به إلى لبن غير أمه إن استمرأه، وإلا فهو أحق بلبن أمه. ولا يجوز الحلب إذا كان يضر بالبهيمة لقلة علفها كما
نقلاه عن التتمة وأقراه، ولا ترك الحلب أيضا إذا كان يضرها، وإن لم يضرها كره تركه للإضاعة.
فروع: يسن أن لا يستقصي الحالب في الحلب، بل يدع في الضرع شيئا، وأن يقص أظفاره لئلا يؤذيها.
قال الأذرعي: ويظهر أنه إذا تفاحش طول الأظفار وكان يؤذيها لا يجوز له حلبها ما لم يقص ما يؤذيها. ويحرم جز
الصوف من أصل الظهر ونحوه، وكذا حلقه لما فيهما من تعذيب الحيوان، قاله الجويني. ولا ينافيه نص الشافعي
في حرمته على الكراهة لجواز أن يراد بها كراهة التحريم كما قاله الزركشي. والظاهر كما قال الدميري أنه يجب أن
يلبس الخيل والبغال والحمير ما يقيها الحر والبرد الشديد إذا كان يضر بها. (وما لا روح له، كقناة ودار لا تجب)
على مالكها المطلق التصرف (عمارتها) أي ما ذكر من القناة والدار، فإن ذلك تنمية للمال، ولا يجب على الانسان
ذلك. ولا يكره تركها إلا إذا أدى إلى الخراب فيكره، هكذا علل الشيخان، قال الأسنوي: وقضيته عدم تحريم
إضاعة المال، لكنهما صرحا في مواضع بتحريمها كإلقاء المتاع في البحر بلا خوف. فالصواب أن يقال بتحريمها
إن كان سببها أعمالا كإلقاء المتاع في البحر، وبعدم تحريمها إن كان سببها ترك أعمال تشق عليه. ومنه ترك سقي الأشجار
المرهونة بتوافق المعاندين فلا جائز، خلافا للروياني. قال ابن العماد في مسألة ترك سقي الأشجار: وصورتها أن يكون
لها ثمرات تفي بمؤنة سقيها، وإلا فلا كراهة قطعا، قال: ولو أراد بترك السقي تجفيف الأشجار لأجل قطعها للبناء
463

أو الوقود فلا كراهة قطعا. أما المحجور عليه فعلى وليه إصلاح زرعه بسقي وغيره وعمارة داره، ويجب على ناظر الأوقاف
حفظ رقابها ومستغلاتها.
تنبيه: احترز المصنف بما لا روح فيه عن كل ذي روح محترمة فإنه يجب على مالكه القيام بمصلحته، فمن ذلك
النحل - بحاء مهملة - فيجب أن يبقى له شيئا من العسل في الكوارة بقدر حاجته إن لم يكفه غيره، وإلا فلا يجب عليه ذلك.
قال الرافعي: وقد قيل تشوى له دجاجة ويعلقها بباب الكوارة فيأكل منها. ومن ذلك دود القز يعيش بورق التوت،
فعلى مالكه علفه منه أو تخليته لاكله إن وجد لئلا يهلك بغير فائدة ويباع فيه ماله كالبهيمة، ويجوز تجفيفه بالشمس
عند حصول نوله وإن أهلكه لحصول فائدة كذبح الحيوان المأكول.
خاتمة: الزيادة في العمارة على قدر الحاجة خلاف الأولى. قال في أصل الروضة: وربما قيل بكراهتها، وصح:
أن الرجل ليؤجر في نفقته كلها إلا في هذا التراب قال ابن حبان: معناه لا يؤجر إذا أنفق فيها فصلا عما يحتاج إليه
من البناء. ويكره للانسان أن يدعو على نفسه وولده وخادمه وماله، لما روى مسلم في آخر كتابه وأبو داود عن
جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (ص): لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا
على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسئل فيه عطاء فيستجيب له. وقد ضعف الناس محمد
بن الحسن المفسر مع جلالته لروايته عن ابن عمر أن النبي (ص) قال: إن الله تعالى لا يقبل دعاء حبيب
على حبيبه وهو ضعيف عند الدارقطني وغيره. وروى أبو موسى عن ابن عباس: أن أوس بن ساعدة الأنصاري
دخل على النبي (ص) فقال: يا رسول الله إن لي بنات وأنا أدعو عليهن بالموت، فقال: يا ابن ساعدة
لا تدعو عليهن فإن البركة في البنات، هي المجملات عند النعمة، والمنعيات عند المصيبة، والممرضات عند الشدة:
ثقلهن على الأرض، ورزقهن على الله والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال مؤلفه رضي الله تعالى عنه ونفع ببركاته وبركات علومه: قد تم شرح الربع الثالث بحمد الله وعونه وحسن
توفيقه يوم الثلاثاء المبارك، تاسع عشر جمادي الآخرة، من شهور سنة اثنين وستين وتسعمائة، على يد مؤلفه
محمد الخطيب الشربيني الشافعي.
نفع الله تعالى به مؤلفه ومن قرأه أو نقله أو نقل منه أو طالع فيه، وغفر الله لمن كان سببا في تأليفه ولوالديه ولجميع
المسلمين والمسلمات آمين.
تم الجزء الثالث
من
مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج
للعلامة الخطيب الشربيني
ويليه الجزء الرابع وأوله: كتاب الجراح
464